العلماء والسياسة

  • Uploaded by: Mazin S. Motabagani
  • 0
  • 0
  • October 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View العلماء والسياسة as PDF for free.

More details

  • Words: 7,297
  • Pages: 21
‫أثر العلماء المسلمين الجزائريين‬ ‫في الجهاد‬ ‫ضد الحتلل الفرنسي‬ ‫دكتور مازن مطبقاني‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫تقديم ‪:‬‬ ‫يهدف هذا البحث ( )إلى عرض صور من كفاح العلماء المسلمين‬ ‫الجزائريين ضد الحتلل الفرنسي‪ .‬ومن خلل هذا العرض يحاول الباحث‬ ‫الجابة عن بعض التساؤلت حول موقف العلماء من العمل السياسي ‪،‬‬ ‫وتوضيح مكانة العلماء في قيادة المة التي أشار إليها الستاذ محمد قطب في‬ ‫مقولته التي جاء فيها‪ ":‬لقد كان علماء الدين في تاريخ هذه المة هم قادتها‬ ‫وموجهيها ‪ ،‬وهم ملجأها كذلك إذا حزبهم أمر وملذها عند الفزع‪)2(".‬‬ ‫وكما كان العلماء هم قادة المة ومرشديها في أمورها السياسية‬ ‫والجتماعية والقتصادية والفكرية والروحية ‪،‬كذلك كانوا دعاتها إلى الجهاد‬ ‫كلما حدث على المة عدوان يذكرونها بال وباليوم الخر‪ ،‬وبالجنة وبالنار ‪،‬‬ ‫وكانوا يشاركون في الجهاد بأنفسهم أحياناً بل يقودون الجيوش بأنفسهم أحياناً‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ولما ابتعد العلماء عن الساحة أصبحت القيادة في يد مجموعة من‬ ‫الزعماء العلمانيين الذين صاغهم الستعمار والغزو الفكري الذين أخذوا‬ ‫يطالبون بحقوق الجماهير‪ ،‬ويطالبون أن تكون المة مصدر السلطات‪ ،‬وأن‬ ‫يكون للحاكم حدود يلتزم بها ول يتجاوزها‪)4(.‬‬ ‫وحين أصبحت القيادة في يد هؤلء فإن من حقنا أن ندعو العلماء‬ ‫للعودة إلى القيادة بعد أن يستعدوا لها و يبغونها لوجه ال ل لمطمع دنيوي أو‬ ‫مصلحة شخصية‪ .‬وسيكون الحديث في هذا البحث عن ثلثة علماء هم ‪:‬‬ ‫الشيخ عبد الحميد بن باديس (‪ ،)5‬والشيخ البشير البراهيمي (‪ )6‬والشيخ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -1‬قدم هذا الموضوع في الندوة الدولية التي دعا إليها المجلس الشعبي البلدي بمدينة قسنطينة في الجزائر‬ ‫بعنوان( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها في الحياة السياسية والثقافية في الجزائر) في الفترة من‬ ‫‪10‬إلى ‪ 12‬رمضان ‪ 1409‬الموافق ‪ 18-16‬أبريل ‪1989‬م‪.‬‬ ‫) ص ‪27-326‬‬ ‫‪ - 2‬محمد قطب ‪،‬واقعنا المعاصر ( جدة‪:‬‬ ‫‪ - 3‬المرجع نفسه ‪.‬‬ ‫‪- 4‬قطب ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪329‬‬ ‫‪ - 5‬عبد الحميد بن باديس هو عبد الحميد بن محمد بن المصطفى بن مكي بن باديس ‪،‬ولد بقسنطينة في ‪ 11‬ربيع‬ ‫الثاني ‪ 1307‬الموافق ‪ 4‬ديسمبر ‪ ،1889‬من عائلة عريقة في الحسب والنسب ‪،‬تلقى تعليمه الولي في قسنطينة‬ ‫على أيدي الشيخ محمد الماداسي حيث حفظ القرآن الكريم ‪.‬وتلقى اللغة العربية والفقه على الشيخ حمدان الونيس‬ ‫‪.‬ثم توجه إلى الزيتونة وهو في الثالثة عشرة من عمره حتى نال شهادة التطويع ‪.‬عاد إلى الجزائر وبدأ التدريس‬ ‫في الجامع الكبير ثم الجامع الخضر ومسجد سيدي قموش ‪.‬شارك في الكتابة بجريدة النجاح ثم لمّا وجدها ل‬ ‫تتحمل نشر فكره أنشأ جريدة المنتقد عام ‪. 1925‬انتخب رئيساً لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عند تأسيسها‬ ‫سنة ‪1349‬هـ(‪1931‬م) وظل رئيساً لها حتى وفته في ‪ 9‬ربيع الول ‪1359‬هـ الموافق ‪ 16‬أبريل ‪1940‬‬ ‫‪ - 6‬الشيخ البشير البراهيمي ولد في أولد سيدي إبراهيم شرق الجزائر عام ‪1889‬م (‪ )1307‬تلقى تعليمه في بلده‬ ‫على يد والده وعمه ‪،‬ثم هاجر مع والديه إلى المدينة المنورة عام ‪1329‬هـ(‪1911‬م) وفي المدينة المنورة أكمل‬ ‫تعليمه ‪ .‬غادر المدينة المنورة إلى سوريا عام ‪ )1916(1334‬حيث ازداد علما ‪،‬كما بدأ في إلقاء الدروس العلمية‬ ‫في الجامع الموي ‪.‬عاد إلى الجزائر عام ‪1920‬م‪،‬وبدأ حركته العلمية ‪.‬عندما تأسست جمعية العلماء كان نائبها‬ ‫في الغرب الجزائري ومقره تلمسان ‪.‬تولى رئاسة الجمعية بعد وفاة ابن باديس وظل رئيساً لها حتى انضمت إلى‬ ‫‪2‬‬

‫الطيب العقبي‪ )7( .‬نذكر بعضاً من مواقفهم العلمية والقولية مما يساعدنا على‬ ‫فهم موقف العلماء في الكفاح ضد الحتلل الفرنسي ومن العمل السياسي‬ ‫بعامة‪.‬‬ ‫لئن ابتعد العلماء المسلمين من ذوي الختصاص في العلوم الشرعية‬ ‫عن السياسة في القرن الخير ‪ ،‬فإن لنا في ماضي هذه المة ما يؤكد لنا‬ ‫ممارستهم للسياسة بكل ما تعنيه هذه الكلمة‪ .‬ألم يكن المام السنوسي رحمه ال‬ ‫يعمل مع تلميذه ‪ -‬ول أبالغ إن قلت النخبة من شعبه ‪ -‬يوماً في مزارع‬ ‫الزاوية وفي يوم ثان يتعلمون صناعة من الصناعات ‪ ،‬وفي يوم ثالث يتدربون‬ ‫على الفروسية والقتال (‪ .)8‬ألَم يؤسس الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه ال‬ ‫جمعية التربية والتعليم بقسنطينة ويلحق بها مصنعاً للنسيج ‪ ،‬ويثبت في نظامها‬ ‫الساسي تعليم الصنائع وإرسال بعض أبنائها إلى المعامل الكبرى للتعلم‬ ‫والتدريب ‪)9(.‬‬ ‫وقد يبدو للبعض أن العلماء قد ابتعدوا عن السياسة والعمل فيها لن‬ ‫السياسة قد أضحى لها مفهوم عجيب‪ ،‬لننا أخذنا هذا المفهوم من اللغات‬ ‫الوروبية التي تربط السياسة بالخداع والغش والكذب والمناورة‪ .‬وننقل هنا ما‬ ‫استشهد به أحمد لطفي من كلم أحد المفكرين الغربيين‪ ":‬إن أدب السياسة‬ ‫الدولية هو أدب القرصان‪ ،‬أدب الخداع‪...‬فأين أدب السياسة والسياسيين ‪،‬وإلى‬ ‫أي شيء مرده ‪ ،‬إلى محكمة الضمير وقد جرى العرف على أن السياسة ل‬ ‫ضمير لها‪ )10(.‬ولنلتفت الن إلى تعريف لفظ السياسة في اللغة العربية فهي‬ ‫تدل على الرعاية والهتمام والمداراة ‪.‬وقد جاء في لسان العرب أن كلمة‬ ‫سياسة معناها القيام على الشيء بما يصلحه(‪ .)11‬وقد عرفها المقريزي في‬ ‫خططه أنها " القانون الموضوع لرعاية الداب والمصالح وانتظام الحوال‪".‬‬ ‫(‪)12‬وقال أبو البقاء ‪ ":‬السياسة استصلح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي‬ ‫جبهة التحرير الوطني ‪ ،‬وكان ممثل الجبهة في المشرق ‪ ،‬وعاد إلى الجزائر بعد استعادة الستقلل ‪،‬توفي عام‬ ‫‪1386‬هـ( ‪1966‬م)‬ ‫‪ - 7‬الطيب العقبي ‪:‬هو الطيب بن محمد بن إبراهيم العقبي ولد في بلدة سيدي عقبة في شوال ‪)1890 (1307‬‬ ‫هاجر مع أسرته إلى المدينة المنورة وهو ابن خمس أو ست سنوات ‪،‬تلقى تعليمه في الحرم النبوي الشريف‬ ‫حتى أصبح معلّما فيه ‪.‬نفاه التراك لتهامه بتأييد القومية العربية ‪،‬عينه الشريف حسين بعد عودته من المنفى‬ ‫محررًا في جريدة القبلة ‪.‬عاد إلى الجزائر عام ‪1327‬هـ(‪ )1920‬ليعمل في مجال الصلح سواءً بالخطابة أو‬ ‫الكتابة ‪.‬أسس جريدة صدى الصحراء وجريدة الصلح ‪ ،‬وكان من العضاء المؤسسين لجمعية العلماء‬ ‫المسلمين واختير ليكون ممثلها في العاصمة‪.‬‬ ‫‪- 8‬لوثروب ستودارد‪ .‬حاضر العالم السلمي ‪.‬ترجمة عجاج نويهض ‪.‬م ‪، 2‬ص ‪.164-163‬‬ ‫‪- 9‬عمار الطالبي ‪ ،‬ابن باديس حياته وآثاره ‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.114‬‬ ‫‪- 10‬أحمد لطفي السيد ‪.‬قصة حياتي ‪،‬ص ‪ 200‬نقلً عن ألدوس هسكلي ‪ ،‬وللتوسع في هذه النقطة انظر ميكيافيللي‬ ‫‪.‬المير والمطارحات السياسية وغيرها‪.‬‬ ‫‪- 11‬ابن منظور الفريقي ‪.‬لسان العرب ‪.‬م ‪ 6‬ص ‪ 108‬مادة سوس‪.‬‬ ‫‪- 12‬المقريزي ‪.‬الخطط‪ .‬ج ‪ 2‬ص ‪221-220‬‬ ‫‪3‬‬

‫في العاجل والجل‪ .)13(".‬وأما زعمهم أن السياسة هي فن الغش والكذب فليس‬ ‫في حياة المسلم أي مكان لذلك حتى إن الرسول صلى ال عليه وسلم أمر‬ ‫بالصدق وحث عليه و حذّر من الكذب في أحاديث كثيرة منها قوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم ( وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى‬ ‫الجنة وما زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صدّيقا‪،‬‬ ‫وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما‬ ‫زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذّابا)(‪.)14‬‬ ‫وقد أصبحت السياسة في عصرنا علماً مستقلً له مناهجه وبحوثها‬ ‫المختلفة ‪ ،‬وتطورت المفاهيم وتعقدت حتى إن تعرف السياسة أصبح هو‬ ‫الخر يعكس هذا التطور والتعقيد ‪،‬وفي ذلك يقول أحد الباحثين إنّ السياسة أو‬ ‫مفهوم السياسي بأنه ‪ ":‬مجموعة العلقات التي تتناول الحكم والسلطة‪)15(".‬‬ ‫ويعرض هذا الباحث لقوال العلماء الغربيين من أرسطو وماكس فيبر‬ ‫وغيرهما ويضيف قائلً‪ ":‬إن السياسة إنما تتعلق أساساً بالفكار و المبادئ‬ ‫اللتين تكونان الجسم ( العقدي) الذي يصنع القرارات في داخل الجماعة ‪ ،‬وبما‬ ‫يتضمنه من مؤسسات سياسية رسمية وغير رسمية والتي يناط بها ممارسة‬ ‫المسؤوليات العامة‪)16(".‬‬ ‫ولئن لم يتطور لدى المسلمين علم بالمعنى المفهوم لدى الغرب اسمه "‬ ‫علم السياسة" فإن الفقه السلمي وهو العلم الذي يشمل السياسة وغيرها يضم‬ ‫في فروعه ما يسمى ( السياسة الشرعية) أو ما يطلق عليه" الحكام‬ ‫السلطانية" وهذه تتعلق بالدولة وأجهزتها ومؤسساتها ‪ ،‬ومسؤولية كل جهز‬ ‫وكل مؤسسة ‪،‬ول نود أن نطيل في هذه القضية ‪ ،‬فنقول إن من التعاريف‬ ‫الدقيقة لما هو سياسي أو سياسة ما كتبه أحد الباحثين المسلمين‪ ":‬إنما السياسة‬ ‫هي الدارة العامة لشؤون الناس ‪ ،‬إما تفضي إلى عدل أو إلى ظلم ‪ ،‬والقرار‬ ‫السياسي ‪ -‬في محصلته النهائية ‪-‬هو الذي يحدد طبيعة السكن الذي نسكنه‪،‬‬ ‫وطبيعة الطريق الذي نعبره‪ ،‬وطبيعة الجريدة التي نقرؤها ‪ ،‬وطبيعة المذياع‬ ‫الذي نسمعه‪ ،‬وطبيعة التلفاز الذي نشاهده‪ ،‬وكمية الدراهم التي نحملها في‬ ‫المحفظة‪)17(".‬‬ ‫فإذا كان هذا هو تعريف السياسة في اللغة وفي الصطلح وكيف أن‬ ‫السلم دين يدعو إلى الصدق والمانة والتقوى فما موقف العلماء من العمل‬ ‫في السياسة ؟ هل كانوا يفهمون السياسة وهل عملوا في الميدان السياسي‪.‬وهل‬ ‫‪ - 13‬أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوى ‪.‬الكليات ‪:‬معجم في المصطلحات والفروق اللغوية‪ .‬نقلً عن‬ ‫سعدي أبو حبيب ‪.‬دراسة في منهاج السلم السياسي ‪(.‬بيروت‪)1985-1406:‬ص ‪.440‬‬ ‫‪- 14‬البخاري كتاب الدب‪.‬‬ ‫‪- 15‬إبراهيم درويش‪.‬علم السياسة ‪.‬ص ‪.23‬‬ ‫‪ - 16‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪- 17‬عبد ال فهد النفيسي‪.‬عندما يحكم السلم‪.‬ص‪.4،‬‬ ‫‪4‬‬

‫كان يحق لهم أن يعملوا في السياسة؟ هذه أسئلة كبيرة وخطيرة و ل أزعم أنني‬ ‫وجدت الجابة عنها جميعاً ولكني سأقف عند بعض المواقف والقوال في حياة‬ ‫العلماء لعلنا نجد شيئاً من الجابة عنها أو بعضها‪.‬وفيما يأتي نبذة من مواقف‬ ‫وأقوال بعض علماء الجزائر لتوضيح مواقفهم من الحتلل الفرنسي ومن‬ ‫العلم السياسي‪.‬‬ ‫أول ً ‪ :‬عبد الحميد بن باديس ‪.‬‬ ‫كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس في السياسة كثيراً ‪،‬وقد عدّها جزءاً مهما‬ ‫من نشاطه السلمي ‪ ،‬وفيما يأتي بعض هذه القوال‪:‬‬ ‫مشاركة العلماء في السياسة عند ابن باديس‪:‬‬ ‫ل شك أن نشاط ابن باديس السياسي أثار استنكار الحكومة الفرنسية‬ ‫وإدارتها الستعمارية في الجزائر‪ ،‬بالضافة إلى بعض الجزائريين الذين‬ ‫تأثروا بالفكر الفرنسي ‪،‬فكتب ابن باديس يرد على هذا العتراض قائلً‪ " :‬ثم‬ ‫ما هذا العيب الذي يعاب به العلماء المسلمون إذا شاركوا في السياسة‪ ،‬فهل‬ ‫خلت المجالس النيابية الكبرى والصغرى من رجال الديانات الخرى؟ وهل‬ ‫كانت الكاديمية الفرنسية خالية من آثار الوزير القسيس رشليو؟ أيجوز الشيء‬ ‫ويحسن إذا كان هناك ويحرم ويقبح إذا كان من هنا؟ كل ل عيب ول ملمة ‪،‬‬ ‫وإنما لكل امرئ ما اختار ويمدح ويذم على حسب سلوكه في اختياره‪)18(".‬‬ ‫ويقول ابن باديس حول واجب العلماء في المجتمع‪ ":‬وهكذا فالسلم ل‬ ‫يحجر على العلماء التدخل في أي شأن من شؤون العامة ‪-‬كما يزعم البعض‬ ‫في هذه البلد‪ -‬بل هم أولى من غيرهم بذلك ‪،‬وهم رعاة المة المسؤولون ‪،‬‬ ‫وليس لغيرهم أن يستهجن فعلهم أو يلومهم إذا هم قاموا بما يجب عليهم نحو‬ ‫أمتهم ‪ ،‬وليست مهمة العالِم في السلم قاصرة على التدريس والرشاد فقط‪-‬‬ ‫وبعد فهل كان العلماء في كل أمة وفي كل عصر إل قادة الفكر والسياسة‬ ‫والدين؟"(‪)19‬‬ ‫وهنا نود أن نشير إلى التشابه الكبير بين ما قاله ابن باديس وما كتبه‬ ‫الستاذ محمد قطب ‪ ،‬وإن كان هناك اختلف فهو أن الستاذ محمد قطب‬ ‫يحاول أن يبحث عن جذور المشكلة التي أدت إلى إقصاء العلماء عن ميدان‬ ‫القيادة الفكرية والسياسية‪ ،‬وابن باديس يحارب من أجل أن يؤكد هذه المكانة‪،‬‬ ‫وقد تسنمها رحمه ال بكل جدارة‪ ،‬فكان زعيماً وقائداً وعالِماً‪.‬‬ ‫ويواصل ابن باديس تأكيد مكانة العلماء السياسية ‪ ،‬فلم تكن السياسة في‬ ‫نظره حراماً على العلماء وحقاً واجباً على غيرهم‪ .‬فحين دعي للمشاركة في‬ ‫حفل علمي في تونس سنة خمس وخمسين وثلثمئة وألف للهجرة (سنة سبع‬ ‫‪ - 18‬عبد الحميد بن باديس ‪.‬الصراط السوي‪.‬عدد ‪ 15‬في ‪18‬رمضان ‪1352‬هـ (‪ 25‬دبسمبر ‪1933‬م‪.‬‬ ‫‪- 19‬ابن باديس ‪.‬البصائر ‪،‬العدد ‪43‬في ‪ 28‬شعبان ‪1355‬هـ (‪ 13‬نوفمبر ‪1936‬م‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وثلثين وتسعمئة وألف للميلد) وطُلب إليه أن يتحدث عن أحوال الجزائر‬ ‫العلمية والثقافية‪ ،‬أبى أن يتحدث عن العلم والثقافة وحدهما ‪ ،‬وتحدث في‬ ‫السياسة ليترك لنا الدرس الذي لم يتعلم في حينه‪ .‬ولكن المة تتعلمه تدريجياً ‪.‬‬ ‫فما ذا قال ابن باديس؟ " كلمنا اليوم عن العلم والسياسة معاً‪ ،‬وقد يرى‬ ‫بعضهم أن هذا الباب صعب الدخول لنهم تعودوا من العلماء القتصار على‬ ‫العلم والبتعاد عن مسالك السياسة مع أنه لبد لنا من الجمع بين السياسة‬ ‫والعلم ‪ ،‬ول ينهض العلم إلّ إذا نهضت السياسة بجد‪)20(".‬‬ ‫ولعلنا ندرك العلقة بين العلم والسياسة لو عدنا إلى التاريخ السلمي‬ ‫المجيد يوم جعل الرسول صلى ال عليه وسلم فدية أسرى بدر تعلمي أطفال‬ ‫المسلمين القراءة والكتابة‪ )21(.‬ويوم قال النبي صلى ال عليه وسلم (طلب‬ ‫العلم فريضة على كل مسلم)(‪ .)22‬ويزدهر العلم في ظل الدولة السلمية‬ ‫حينما كان الخلفاء يشجعون العلم ‪ ،‬ويمكننا أن ندرك ذلك بطلب هارون الرشيد‬ ‫رحمه ال من أبي يوسف أن يكتب له كتاباً في الخراج‪ )23(.‬أما في عصرنا‬ ‫الحاضر فإن الدول المتقدمة تهتم بالعلم والعلماء حتى رأينا كيف تقدم‬ ‫الجامعات الوروبية والمريكية الدراسات والبحوث لرؤساء تلك الدول لتكون‬ ‫مرشداً لهم في سياستهم‪ ،‬وكم عالم سياسي‪،‬وكم سياسي عالم‪)24(.‬‬ ‫أليس حديث ابن باديس هذا سبق عصره ‪ ،‬وإن لم يكن سبقاً بالمعنى‬ ‫السلمي ‪ ،‬فقد عرف تاريخنا قادة علماء ‪ .‬ولو تركنا عهد الراشدين رضوان‬ ‫ال تعالى عليهم واتجهنا إلى الدولة الموية لوجدنا عبد الملك بن مروان الذي‬ ‫يعد من الفقهاء‪ ،‬وكذلك كان عمر بن عبد العزيز‪،‬وحتى في أواخر عهد الدولة‬ ‫العثمانية فخليفتها العظيم السلطان عبد الحميد الثاني وقبله محمد الفاتح ما كانا‬ ‫إلّ عالمين قائدين‪ .‬ولكن لمّا أصبح العلم مطية للسياسة فقد العلم هيبته‬ ‫وسطوته‪.‬‬ ‫ابن باديس واستقلل الجزائر‪:‬‬ ‫عندما ظهرت الحركة السلمية بقيادة عبد الحميد بن باديس في‬ ‫الجزائر ‪ ،‬كان قد مضى على الحتلل حوالي قرن من الزمان ‪ ،‬وكانت فرنسا‬ ‫قد ظنت أن الجزائر أصبحت فرنسية إلى البد‪ ،‬فما كان لحد أن يجرؤ على‬ ‫الحديث عن الستقلل في الجزائر ‪،‬وقد زعم بعض زعماء الحزاب السياسية‬ ‫‪21‬و ‪22‬‬

‫‪- 20‬ابن باديس ‪.‬البصائر‪ .‬العدد ‪ 71‬في ‪ 9‬ربيع الخر ‪1356‬هـ (‪18‬يونيه ‪1937‬م) نقلً عن الزهرة في‬ ‫ربيع الول ‪1356‬هـ‬ ‫‪- 21‬ابن قيم الجوزية ‪.‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪.‬ج ‪ 3‬ص ‪.112‬‬ ‫‪- 22‬صحيح البخاري‬ ‫‪- 23‬أبو يوسف ‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم ‪.‬الخراج‪.‬ص ‪، 3‬وفيه يقول أبو يوسف‪ ":‬إن أمير المؤمنين أيده ال سألني أن‬ ‫أضع له كتاباً جامعاً يعمل به في جباية الخراج‪..‬وإنما أراد بذلك رفع الظلم عن رعيته والصلح لمرهم‪".‬‬ ‫‪- 24‬انظر بحثا للباحث بعنوان ‪:‬الغرب في مواجهة السلم‪ :‬معالم ووثائق جديدة‪(،‬المدينة المنورة ‪)1410‬وكتابه‬ ‫الستشراق والتجاهات الفكرية في التاريخ السلمي ‪:‬دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس‪ (.‬الرياض‬ ‫‪)1416‬‬ ‫‪6‬‬

‫أنهم أول من تناول هذه القضية ‪ ،‬ولكن لن التاريخ أحياناً ل يسمع أو ل يسجل‬ ‫إلّ الصوات العالية‪ ،‬فإننا إذا أعدنا المور إلى نصابها لوجدنا أن ابن باديس‬ ‫أقدم في الحديث عن الستقلل ‪،‬وأكثر أصالة ففي حديث له عن بريطانيا‬ ‫ومستعمراتها يقول‪ " :‬قلّب صفحات التاريخ العالمي وانظر في ذلك السجل‬ ‫المين هل تجد أمة غُلبت على أمرها ‪ ،‬ونكبت بالحتلل ورزئت في‬ ‫الستقلل ثم نالت حريتها على منحة من الغاصب وتنازلً من المستبد ومنّة‬ ‫من المستعبد ‪.‬‬ ‫" كلّ ‪،‬فما عهدنا الحرية تعطى ‪ ،‬إننا عهدنا الحرية تؤخذ ‪،‬وما عهدنا‬ ‫الستقلل يوهب ويمنح ‪ ،‬إننا علمنا الستقلل ينال بالجهاد والستماتة‬ ‫والتضحية ‪ ،‬وما رأينا التاريخ يسجل بين دفتي حوادثه خيبة للمجاهد ‪ ،‬وإنما‬ ‫رأيناه يسجل خيبة للمستجدي‪)25(".‬‬ ‫ففي هذه الكلمات القليلة يعلنها ابن باديس بصراحة ووضوح إلى أن‬ ‫على الشعب الجزائري أن يعلم للستقلل ليناله بقوة واقتدار ‪ ،‬وليس‬ ‫بالشعارات والهتاف والمطالبات التي ل تجدي نفعاً ول تحرر ضعفاً‪.‬‬ ‫هذه بعض أقوال ابن باديس في مجال السياسة ‪ ،‬أما أعماله فكثيرة ‪،‬‬ ‫ولكننا نختار جملة من مواقفه ما يؤيد قولنا بان العلماء عرفوا السياسة وعملوا‬ ‫بها وهم أبطالها ‪ ،‬وأبناء بجدتها ‪،‬فإليك بعض مواقف ابن باديس في ذلك‪.‬‬ ‫العودة إلى الجزائر ورفض الهجرة‪:‬‬ ‫توجه ابن باديس إلى الحج سنة ثلث عشرة وتسعمئة وألف ‪ ،‬وفي‬ ‫المدينة المنورة زار العالم الجليل الشيخ حمدان الونيسي فنصحه شيخه أن‬ ‫يترك الجزائر ويهاجر إلى طيبة الطيبة‪ .‬ووقعت النصيحة من نفس ابن باديس‬ ‫موقعاً حسناً ‪ ،‬ولكنه لم يبت في المر ‪ ،‬وفي لقاء له مع الشيخ حسن الهندي‬ ‫وفيما هما يتحدثان في هذا المر قال الشيخ حسين الهندي ‪ ":‬فلتعد إلى بلدك ‪،‬‬ ‫فهي ساحة جهادك وجهاد شعبك‪)26(.‬والشيخ الهندي يقصد أن فرنسا جهّلت‬ ‫الشعب الجزائري وقيّدته وجوّعته وفرقته‪ ،‬وقد رأى في ابن باديس ملمح‬ ‫النجابة والخلص والصدق‪.‬‬ ‫اللقاء بين ابن باديس والبراهيمي‬ ‫قرر ابن باديس العودة إلى الجزائر للكفاح ‪ ،‬ولكن بأي منهج وعلى أي‬ ‫خطة؟ هذا ما كان قد دار الحديث حوله بين ابن باديس والبشير البراهيمي‪،‬‬ ‫فقد التقيا في المدينة المنورة ‪،‬وكانا تربين فانعقدت بينهما الصداقة ‪ ،‬ومكثا‬ ‫ثلثة أشهر يلتقيان كل ليلة يدرسان أوضاع الجزائر ويفكران فيما يمكن عمله‬ ‫إذا عادا إليها‪ .‬لقد قررا أن يحاربا الجهل بالعلم ‪ ،‬والجوع بالدعوة إلى العمل ‪،‬‬ ‫‪- 25‬ابن باديس ‪.‬الشهاب ‪ ،‬ج ‪،5‬م ‪ .6‬غرة محرم ‪ ،1349‬يونيه ‪.1930‬‬ ‫‪- 26‬ابن باديس ‪،‬الشهاب‪.‬ج ‪8‬م ‪، 13‬شعبان ‪،1356‬أكتوبر ‪،1937‬ص ‪.354‬‬ ‫‪7‬‬

‫والقيود بتحرير النفوس أولً من الخرافات والشعوذة ‪ ،‬مناديان بالعبودية ل‬ ‫الواحد القهار فل يبقى عبودية لحد سواء لفرنسا أو لغيرها‪ ،‬ويوحدا الشعب‬ ‫الجزائري تحت راية السلم ‪ ،‬فيبطل مخططات فرنسا في تفريق المة إلى‬ ‫أشلء ممزقة‪)27(.‬‬ ‫ألم يكن هذا قراراً سياسيا؟ فمثل هذه القرارات تستحق التحية والجلل‬ ‫والكبار‪.‬‬ ‫ابن باديس بعد العودة إلى الجزائر‪:‬‬ ‫عاد ابن باديس إلى أرض الجزائر بعد جولة قصيرة في البلد العربية‬ ‫ومنها مصر ن فكان لقاء بالشيخ بخيت المطيعي ‪ ،‬فكانت هذه الزيارة إسهاماً‬ ‫في توسيع مداركه وزيادة معارفه حول المة السلمية‪ .‬عاد ليبدً الجهاد‬ ‫فاختار كتاب (الشفاء ) للقاضي عياض ()‪28‬وما أروع هذا الختيار ‪،‬لقد علم‬ ‫ابن باديس أن بالجزائر أمراضاً ول شفاء لها إلّ في سيرة المصطفى صلى‬ ‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وقضى زمناً يدرّس حتى لحت له الفرصة لتخاذ قرار‬ ‫سياسي آخر إذ حين صدرت جريدة ( النجاح) شارك فيها بالكتابة حول‬ ‫الجزائر وما تعانيه من الحتلل فيطالب ويطالب‪ )29(،‬ولكنه بعد فترة ‪ ،‬رأى‬ ‫أن يستقل بصحافة أكثر قوة وشجاعة وإخلص فأسس هو ونخبة من‬ ‫المصلحين جريدة ( المنتقد)‪.‬‬ ‫أسس ابن باديس ( المنتقد) ليخالف أصحاب الطرق الصوفية الذين‬ ‫يقولون ( اعتقد ول تنتقد)‪ ،‬ولكن هذا ليس كل ما في المر أنه يريد أن يوجه‬ ‫نقده بصراحة وبدون مداورة ‪ ،‬ول مجاملة لينتقد كما قال‪ ":‬فينتقد الحكام‬ ‫والمديرين والنواب والقضاة والعلماء والمقاديم ‪ ،‬وكل من يتولى شأناً عاماً من‬ ‫اكبر كبير إلى أصغر صغير ‪ ،‬من الفرنسويين والوطنيين ‪،‬ويناهض المفسدين‬ ‫والمستبدين من الناس أجمعين ‪ ،‬فينصر الضعيف والمظلوم بنشر شكواه‬ ‫والتنديد بظالمه كائناً من كان ‪ )30(".....‬وكانت " المنتقد " كما قال ابن‬ ‫باديس ‪،‬فلم يصدر منها سوى ثمانية عشر عدداً حتى أصدرت الحكومة‬ ‫الفرنسية قراراً بإغلقها‪.‬‬ ‫أما النشاط السياسي الكبر الذي قام به ابن باديس منذ بدأ دعوته إلى ال‬ ‫فهو الدعوة إلى العودة إلى السلم الصحيح خال من الشوائب والخرافات في‬ ‫العتقاد والتشريع وكذلك الدعوة إلى الهتمام باللغة العربية‪ .‬جاءت فرنسا إلى‬ ‫‪- 27‬البشير البراهيمي‪" .‬أنا" في مجلة مجمع اللغة العربية ‪،‬القاهرة العدد ‪ 21‬سنة ‪،1966‬ص ‪ ،1350154‬عندما‬ ‫ألقي هذا الموضوع في ندوة في الجزائر تعجب أحد الحضور وهو زهير بن السعيد الزاهري كيف أنسب‬ ‫التخطيط لمن كان في سن البراهيمي وابن باديس وكانا في الثالثة والعشرين ‪ ،‬والحقيقة أنه ل عجب في ذلك‬ ‫فالتاريخ السلمي عرف قادة وزعماء في هذه السن منهم أسامة بن زيد‪ ،‬ومحمد بن القاسم ‪ ،‬ومحمد الفاتح‬ ‫وغيرهم كثير‪.‬‬ ‫‪ - 28‬عمار الطالبي ‪ ،‬مرجع سابق ‪.1/80 ،‬‬ ‫‪- 29‬محمد ناصر ‪،‬الصحف العربية في الجزائر من ‪،1939-1847‬ص ‪.43‬‬ ‫‪- 30‬ابن باديس ‪،‬المنتقد ‪،‬العدد الول في ‪11‬ذي الحجة ‪ 2 ،1343‬يوليه ‪.1925‬‬ ‫‪8‬‬

‫الجزائر لتحارب السلم والعربية ‪ ،‬وتحارب الجزائريين الذين يعتزون‬ ‫بانتمائهم للسلم واللسان العربي‪ ،‬فنجح ابن باديس أيما نجاح في بث الشعور‬ ‫بالنتماء للسلم ولغته ‪ ،‬ولو ذهبنا نحصي أعماله ومشروعاته لما وسعنا‬ ‫المقام ولكننا نذكر طرفاً من ذلك‪.‬‬ ‫ففي مجال إعادة الشعب الجزائري إلى اليمان الصحيح كانت دروس‬ ‫ابن باديس ومحاضراته وخطبه من أهم وسائله في ذلك ‪،‬ولم يقتصر على بلد‬ ‫واحد ‪ ،‬بل انتقل ابن باديس بدعوته إلى جميع أنحاء الجزائر ‪ ،‬وتعدى ذلك‬ ‫ليبعث الدعاة إلى فرنسا ليقوموا بالدعوة بين أبناء الجزائر الذين هاجروا إلى‬ ‫فرنسا طلباً للرزق أو العلم أو هرباً من القوانين الصارمة التي كانت تطبقها‬ ‫فرنسا في الجزائر‪.‬‬ ‫ومن العمال الخرى إنشاء الجمعيات المختلفة ومنها " جمعية تجار‬ ‫قسنطينة"‪ ،‬و" جمعيات الكشاّفة" ‪ ،‬و "الجمعيات الرياضية " ‪ ،‬و " جمعية‬ ‫رعاية اليتام " ‪،‬و " الجمعيات الخيرية "‪ ،‬و " جمعية التربية والتعليم‪".‬‬ ‫و لبد لنا أن نذكر دعوة ابن باديس إلى المؤتمر السلمي الجزائري‬ ‫العام سنة ‪1355‬هـ(‪1935‬م)‪ ،‬وإن كانت رئاسة المؤتمر لم تعقد لبن باديس‬ ‫فإنه كان الرئيس الفعلي لهذا المؤتمر ‪ ،‬وكان أحد أعضاء اللجنة التي أوفدها‬ ‫المؤتمر لعرض مطالب الشعب الجزائري على الحكومة الفرنسية‪.‬‬ ‫ومما تجدر الشارة إليه أن رئاسة اللجنة التنفيذية قد عرضت على ابن‬ ‫باديس في الدورة الثانية للمؤتمر بعد سنة من انعقاده أول مرة فرأى أن‬ ‫يستشير في ذلك جمعية العلماء ‪ ،‬وتلميذ الجامع الخضر فرأى هؤلء أن‬ ‫العمل السياسي سوف يعطل أعماله التعليمية وبخاصة أنه كان يلقي حوالي‬ ‫خمسة عشر درساً يوميا‪)31(.‬‬ ‫سياسة فرنسا تدفع إلى المغامرة والتضحية‪:‬‬ ‫كثرت وعود الحكومات الفرنسية للجزائريين بالنظر في إصلح‬ ‫أحوالهم وإعطائهم الحقوق التي حرموا منها طويلً ‪ ،‬ولكنها وعود كبرق‬ ‫خلب‪ .‬وقد أدرك ابن باديس رحمه ال تعالى هذا المر وهدد فرنسا بأن‬ ‫الجزائريين لن يقبلوا هذه المماطلة طويلً ‪ ،‬بل إن المماطلة ستقود إلى‬ ‫المغامرة والتضحية ‪ ،‬والمغامرة عند ابن باديس هي طلب الحرية ‪ ،‬وأن يعود‬ ‫المسلمون إلى العزة والكرامة التي يحفل بهما تاريخ هذه المة المجيد‪.‬‬ ‫أما عن المماطلة وخلف الوعود فإن ابن باديس يورد بعض البيات‬ ‫التي تصور سياسة فرنسا أدق تصوير وهي ‪:‬‬ ‫ــــة أن نغش وأن نغــر‬ ‫ولعل من نظم السياســ‬ ‫لنا وأن يجذب للحفــر‬ ‫ولعل منها أن يـــــــدس‬ ‫‪ - 31‬انظر كتاب الباحث بعنوان ‪ :‬عبد الحميد بن باديس العالم الرباني والزعيم السياسي‪ (.‬دمشق‪:‬‬ ‫‪)1410‬الفصل الخامس ابن باديس والعمل السياسي‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــس لنا لنحلب كالبقر‬ ‫ولعل منها أن يبـــــــ‬ ‫طل كي يساورنا الضجر‪.‬‬ ‫ولعل منها أن نمـــــــــــــا‬ ‫ويرد ابن باديس قائلً ‪ " :‬كذب رأي السياسة وساء فألها ‪ ،‬كل وال ل تسلمنا‬ ‫المماطلة إلى الضجر الذي يقعدنا عن العمل ‪ ،‬وإنما تدفعنا إلى المغامرة‬ ‫والتضحية ‪...‬وفي آخر المقال يدعو ابن باديس قومه إلى العزة والكرامة قائلً‪:‬‬ ‫" استوح السلم ثم استوح تاريخك ثم استوح قلبك ‪ ،‬اعتمد على ال ثم على‬ ‫نفسك وسلم ال عليك‪)32(".‬‬ ‫ثانياً‪ :‬البشير البراهيمي‬ ‫بعد أن تحدثنا عن ابن باديس وأوضحنا صوراً من نشاطاته ونخباً من‬ ‫أقواله في السياسة ومواقفه فيها نلتفت الن للحديث عن البشير البراهيمي‬ ‫ونعرض أولً لقواله في السياسة ثم بعضاً من نشاطاته السياسية‪ .‬فماذا يقول‬ ‫البراهيمي في السياسة؟ " نحن سياسيون منذ خلقنا ‪،‬لننا مسلمون منذ نشأنا ‪،‬‬ ‫وما السلم الصحيح بجميع مظاهره إلّ السياسة في أشرف مظاهرها ‪ ،‬وما‬ ‫المسلم الصحيح إلّ المرشح اللهي لتسيير دفتها أو لترجيح كفتها ‪".‬‬ ‫جبِلّه ‪ ،‬ونحن الذين أيقظنا الشعور بهذا الحق اللهي‬ ‫" نحن سياسيون طبعاّ و ِ‬ ‫المسلوب ‪ ،‬فما سار سائر في السياسة إلّ على هدانا‪ ...‬نحن سياسيون لن ديننا‬ ‫يعد السياسة جزءاً من العقيدة ‪ ،‬ولن زماننا يعتبر السياسة هي الحياة لنها آية‬ ‫البطولة‪ ،‬ولن السياسة نوع من الجهاد ونحن مجاهدون بالطبيعة‪)33(".‬‬ ‫ولكن البراهيمي يعرف بالنور الرباني وبالحس السلمي أن‬ ‫السياسة ليست تمزيق المة إلى أحزاب والتصارع على الصوات والمقاعد‬ ‫البرلمانية أو الحقائب الوزارية ‪ ،‬فيقول في ذلك وحق له أن يقول فقد عاش‬ ‫التجربة وأدرك عيوبها وسلبياتها ‪ ":‬إذا كان من خصائص الستعمار أن‬ ‫يمحق المقومات ويميتها ثم يكون من خصائص أغلب الحزاب أنها تهملها ول‬ ‫تلتفت إليها ‪ ،‬فهل يلم العقلء إذا حكموا بأن هذه الحزاب شر على الشرق‬ ‫من الستعمار ‪ ،‬لن الستعمار يأتيه من حيث يحذر ‪ ،‬والحذر ‪-‬دائماً‪ -‬يقظ‪ ،‬أما‬ ‫هذه الحزاب فهي تأتيه من حيث يأمن ‪ ،‬والمن أبداً نائم ‪ ،‬فإذا انضم إلى هذا‬ ‫الداء المستشري خلف الحزاب ومنازعاتها كانت النتيجة ما نرى وما‬ ‫نسمع‪)34(..‬‬ ‫ويواصل البراهيمي حديثه عن الحزاب السياسية وأفعالها ونتائج‬ ‫هذه الفعال‪ ،‬فهو يشخص الداء ويحدد مواطن المرض بدقة وفي هذا يقول‪":‬‬ ‫إننا ل نتصور كيف يخدم السياسي أمته بتقطيع أوصالها ‪ ،‬وشتم رجالها‬ ‫‪- 32‬الطالبي‪ ،‬آثار ابن باديس ‪ /3،‬ص ‪ 365-364‬عن الشهاب ج ‪ 6‬م ‪ 13‬ص ‪ 273-272‬غرة جمادى الخرة‬ ‫‪1356‬هـ أوت ‪1937‬م‪.‬‬ ‫‪- 33‬البشير البراهيمي‪.‬آثار البشير البراهيمي ‪،‬ج ‪ 4‬ص ‪.278-227‬‬ ‫‪- 34‬البراهيمي‪ .‬عيون البصائر ‪،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪10‬‬

‫وتسفيه كل رأي إل رأيه ‪ ،‬ول نتصور أن مما تخدم به المة هذه الدروس‬ ‫( العالية) في أساليب السب التي يلقنها بعض الحزاب لطائفة من شباب المة‬ ‫في ( معاهد) المقاهي والزقة ـ إن تضرية الشبان على الشتم والسباب جريمة‬ ‫ل تغتفر‪)35(".‬‬ ‫وتحدث البراهيمي عن العلماء وأعمالهم في محاولة العلج وذكر‬ ‫بعض المواقف التي سعى فيها العلماء إلى التقريب بين الحزاب ‪ ،‬ومن هذه‬ ‫المواقف دعوة الحزاب إلى ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬تجريد دعايتها من السب والقدح وجرح العواطف وإثارة الحقاد‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن تبني دعايتها على أشرف ما تبنى عليه الدعايات في المم الحية ‪ ،‬وهو‬ ‫المبادئ والبرامج ووسائل تحقيقها‪.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪ -3‬يجب على الحزاب أن تجعل رائدها مصلحة الوطن العليا ‪) (.‬‬ ‫وفي مجال التقريب بين الحزاب دعا ابن باديس إلى المؤتمر الجزائري‬ ‫السلمي العام وحضرته جميع الحزاب والهيئات والفئات الجزائرية للنظر‬ ‫في المشروعات الفرنسية الساعية إلى تجنيس فئة من أبناء الشعب الجزائري‬ ‫ودمجها ‪ ،‬وكان المؤتمر دعوة إلى تبني موقف موحد للمحافظة على‬ ‫الشخصية السلمية العربية للشعب الجزائري‪)37(.‬‬ ‫ومن هذه المواقف دعوة جمعية العلماء الحزاب إلى" التحاد في‬ ‫الشؤون الداخلية ومنها النتخابات ليتخذوا منها ذريعة إلى القيام بعمل جليل‬ ‫مشترك في إعانة فلسطين يشرف الجزائر ويرفع رأسها ولكن خابت‬ ‫الدعوة‪ )38(".‬وقد برر البراهيمي ذلك بحرص الحزاب السياسية على‬ ‫الرئاسة والزعامة واختلفهم على الشكليات وترك الجوهر‪)39(.‬‬ ‫وقبل أن نمضي مع مواقف البراهيمي السياسية نود أن نذكر كلمة عن‬ ‫مسألة الحزاب والنيابات والديموقراطية ‪،‬فإن انبهار بعض أبناء المسلمين‬ ‫بالغرب وولعهم به ولع الغالب بتقليد المغلوب كما ذكر ابن خلدون ‪ ،‬أو هو من‬ ‫باب قوله صلى ال عليه وسلم (لتتبعن سَ َننَ من كان قبلكم شبراً بشبر ‪ ،‬وذراعاً‬ ‫بذراع ‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر ضبّ ل تبعتموهم) قلنا يا رسول ال ‪ ":‬آليهود‬ ‫والنصارى ؟ قال ‪ (:‬فمن ؟)(‪)40‬هذا النبهار أدى إلى حرص بعض أبناء‬ ‫المسلمين على تقليد الغرب في إنشاء الحزاب السياسية والتقاتل على المقاعد‬ ‫البرلمانية والتي تكون في أحيان كثيرة مجرد برلمانات شكلية ل تغير من واقع‬ ‫المة ل قليل ول كثير‪.‬‬ ‫‪- 35‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.48‬‬ ‫‪- 36‬البراهيمي ‪.‬آثار البشير البراهيمي‪.‬الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪- 37‬انظر للباحث كتاب ‪:‬جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ‪ ،‬ص ‪ 168‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪- 38‬البراهيمي‪.‬آثار البراهيمي‪،‬ج ‪ 3‬مرجع سابق ص ‪.76‬‬ ‫‪ - 39‬المرجع نفسه ص ‪ 76‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪- 40‬صحيح مسلم ‪ ( 8/57.‬المختصر للمنذري حديث ‪،2002‬ص ‪.531‬‬ ‫‪11‬‬

‫لقد أدّى إلى هذا كلّه الجهل بعيوب هذه النظمة ‪-‬وليتنا ندرسهم كما‬ ‫يدرسوننا‪ -‬ومع ذلك فإن من مميزات الغرب في العصر الحاضر أنه يدرس‬ ‫أنظمته وتطبيقاتها ويكشف عيوبها وزيفها أملً في تحسينها ‪ ،‬ولكن بعض أبناء‬ ‫المسلمين المغرمين بالغرب ينادون بالخذ من الغرب حتى في الخطاء ‪ ،‬أما‬ ‫يقولون هم عن النظام الديمقراطي والحزبية فإليك نماذج منه‪:‬‬ ‫‪ " -1‬إن النزعة المعادية للديمقراطية نجدها ل تبدو سافرة وإنما تخفيها عن‬ ‫الظهور نزعة الحرص على الفوز في النتخابات ‪ ،‬إذ أصبح من الضروري‬ ‫للمرشحين ‪-‬من أجل ضمان انتخابهم‪ -‬أن يظهروا أمام جمهرة الناخبين في‬ ‫مظهر الولء للنظام الديمقراطي الجمهوري ‪ ،‬ولكننا إذا ألقينا نظرة على‬ ‫الصحافة والمطبوعات والمحادثة الخاصة لتبين لنا أن شعور العداء نحو‬ ‫الديموقراطية يبلغ في النفوس مبلغاً كبيرا‪)41(".‬‬ ‫‪" -2‬إن عدم الستقرار هو الداء المميت للنظام البرلماني لسيما في أوقات‬ ‫الزمات‪)42(".‬‬ ‫من مواقف البراهيمي السياسية‪:‬‬ ‫لعل أول موقف اتخذه البراهيمي هو حين لقائه بابن باديس في المدينة‬ ‫المنورة أن اتفقا على العودة إلى الجزائر والعمل فيها‪ .‬لقد كان لقاؤهما نقطة‬ ‫النطلق للعمل السلمي الجليل‪ ،‬ول بد أن نشير هنا إلى أن الرتباط بينهما‬ ‫لم يكن صداقة ومودة فحسب بل فوق ذلك تحالفا إسلمياً ‪.‬إنها أخوة اليمان‬ ‫والجهاد ‪.‬والسلم في تربيته ل يعرف أن تذوب شخصية المسلم في شخصية‬ ‫قائده ‪ ،‬فل زعامة كهذه في السلم وإن هذا ما نعاه ال عز وجل على فرعون‬ ‫حين قال لقومه {ما علمت لكم من إله غيري}(‪)43‬وقول فرعون كما حكاه‬ ‫القرآن الكريم كذلك { أنا ربكم العلى}(‪.)44‬فالبراهيمي رغم شخصية ابن‬ ‫باديس العظيمة إلّ أنه كانت له الفرصة للعمل والظهور ول درهما من‬ ‫زعيمين عظيمين‪.‬‬ ‫تأسيس دار الحديث ب تلمسان‬ ‫عندما أسست جمعية العلماء مدرسة دار الحديث بمدينة تلمسان وفكر‬ ‫البراهيمي في إقامة احتفال كبير بهذه المناسبة ‪،‬وكان له هذا الموقف‪ :‬دعا‬ ‫البراهيمي علماء الجزائر من جميع أنحائها لحضور هذا الحتفال وجعله‬ ‫‪ - 41‬يحي إسماعيل ‪،‬منهج السنّة بين الحاكم والمحكوم‪.‬ص ‪ 8‬نقلً عن عبد الحميد متولي ‪.‬أزمة النظمة‬ ‫الديموقراطية ‪،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪- 42‬المرجع نفسه ‪ ،‬وأود أن أشير هنا إلى حديث دار بيني وبين أحد المسلمين المقيمين في بريطانيا عن‬ ‫الممارسات التي يقوم بها البريطانيون لخداع حكومتهم والتهرب من النظمة والقوانين فعجبت كيف أنهم‬ ‫يزعمون شرعة السلطة والقوانين ويقومون بكل هذا الخداع نوهنا تأكدت أن التشريع الرباني هو التشريع الذي‬ ‫تكون أول ضمانات تطبيقه الخوف من ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ - 43‬سورة القصص آية ‪.38‬‬ ‫‪- 44‬سورة النازعات آية ‪.24‬‬ ‫‪12‬‬

‫على شرف ابن باديس ‪ ،‬كأنما ليؤكد اختيار المة ابن باديس لزعامتها‪ ،‬كان‬ ‫احتفالً ضخماً شهده اللوف من أبناء الجزائر حتى بدت " جمعية العلماء‬ ‫المسلمين الجزائريين" كأنها دولة داخل دولة‪ ،‬وجرّت فرنسا في هذه المناسبة‬ ‫كما في سابقاتها أذيال الخيبة والفشل‪ .‬فقادت البراهيمي وغيره إلى ساحة‬ ‫القضاء متهمة إياه "بالقيام بمسيرة غير مرخص بها ‪ ،‬ومهاجمة السياسة‬ ‫الفرنسية في خطبة الورتلني (‪ .)45‬أما المسيرة المذكورة فهي أن أهالي‬ ‫تلمسان خرجوا إلى محطة القطار لستقبال ابن باديس وغيره من العلماء‬ ‫القادمين من شرق البلد وكانوا بين ستمئة إلى سبعمئة شخص ‪ ،‬وكانت‬ ‫المسيرة تضم حوالي ثلثة آلف شخص ‪ ،‬وفي أثناء الطريق بين المحطة‬ ‫والمدرسة أنشد ابن باديس والبراهيمي والورتلني أناشيد دينية‪)46(.‬‬ ‫وأقيمت المحاكمة وأدلى الشهود بشهاداتهم نافين عن البراهيمي أي‬ ‫دعاية لتلك المظاهرة‪..‬ولكن أهالي تلمسان محبة للعلماء وتشوقاً لهم نزلوا كلهم‬ ‫لملقاة الضيوف وزاد الشيخ عليهم تأكيداً أن يتفرقوا وأبى الناس إلّ مرافقة‬ ‫العلماء بالتسبيح والتكبير‪)47(.‬‬ ‫البراهيمي ومؤتمر طلبة شمال أفريقيا عام ‪.1935‬‬ ‫كانت جامعة الجزائر بمنزلة الجامعة الم للكليات التي أسستها فرنسا‬ ‫في شمال أفريقيا‪ ،‬وكان يدرس فيها مجموعة من أبناء الشمال الفريقي‪ .‬ولما‬ ‫رأى هؤلء أن الطلب الفرنسيين قد أقاموا جمعيات ونواد للقيام بنشاطات‬ ‫مختلفة شعروا بضرورة أن يكون لهم جمعية خاصة بهم فتأسست هذه الجمعية‬ ‫عام ‪1347‬هـ(‪1928‬م)‪ .‬وكانت هذه الجمعية لطلب شمال أفريقيا في فرنسا ‪،‬‬ ‫ولعلها جعلت جمعية طلبة شمال أفريقيا في الجزائر فرعاً لها‪ .‬وكانت الجمعية‬ ‫تعقد مؤتمراً سنويا‪ ،‬ويهمنا هنا المؤتمر الخامس الذي عقد في تلمسان في‬ ‫الفترة من الثامن إلى السابع عشر من شهر جمادى الخرة عام ‪1354‬هـ( ‪-6‬‬ ‫‪ 15‬سبتمبر ‪)1935‬‬ ‫وكان من بين الحضور الشيخ البشير البراهيمي‪ ،‬وقد ألقى كلمة في‬ ‫جلسة الفتتاح ‪ .‬وجاءت توصيات المؤتمر بشأن التعليم في الجزائر متوافقة‬ ‫مع ما كانت تدعو إليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن هذه‬ ‫التوصيات‪:‬‬ ‫‪ - 45‬أبو القاسم سعد ال ‪ ".‬الشيخ البشير البراهيمي في تلمسان من خلل الوثائق الدارية (‪ )1940-1933‬في‬ ‫مجلة الثقافة (الجزائر)‪،‬عدد ‪،101‬م ‪، 1988، 18‬ص ‪.107-73‬‬ ‫‪ - 46‬المرجع نفسه ‪.‬‬ ‫‪- 47‬البصائر‪ .‬العدد ‪، 121‬في ‪ 10‬جمادى الولى ‪1357‬هـ الموافق ‪ 8‬يوليه ‪.1938‬ص ‪.5‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ -1‬جعل تعليم اللغة العربية إجبارياً في جميع المدارس البتدائية وإعطاؤها‬ ‫من وقت التعليم حظاً يساوي حظ اللغة الفرنسية‪ ،‬وجعل اللغة العربية إجبارية‬ ‫في امتحان الشهادة البتدائية‪.‬‬ ‫‪ -2‬الترخيص بفتح مدارس حرة لتعليم اللغة العربية لمن أراد و إعانتها مادياً‪.‬‬ ‫‪ -3‬يطلب المؤتمر من الشعب الجزائري الستمرار في إنشاء مدارس حرة‬ ‫لتعليم العربية واختيار مدرسين أكفاء لذلك‪.‬‬ ‫كما تقدم المؤتمر إلى الحكومة الفرنسية طالباً جعل اللغة العربية لغة‬ ‫رسمية في القطر الجزائري كاللغة الفرنسية وعدم عدها لغة أجنبية‪ )48(.‬ولقد‬ ‫نجح هذا المؤتمر في إثارة الصحف الفرنسية في الجزائر فكتبت تنتقده بشدة ‪،‬‬ ‫وكان من ذلك ما نشرته مجلة أفريقيا الفرنسية ‪L’Afrique Francaise‬‬ ‫تصف المؤتمر بأنه "لم يكن مؤتمر طلب ولكن مؤتمر سياسيين وطنيين‬ ‫إسلميين ‪ ،‬فقد كانوا يخطبون ويتحدثون باللغة العربية ‪ ،‬رغم حضور شيخ‬ ‫مدينة تلمسان الفرنسي الذي احتج بشدة على ذلك ‪ ،‬واتهم المؤتمر بأنه كان‬ ‫ينشر "الحقد العمى" ضد فرنسا"(‪)49‬‬ ‫ونظراً للثر الكبير الذي كان للشيخ البراهيمي في هذا المؤتمر فإن‬ ‫الضالعين في السير في ركاب المستعمر من أبناء الجزائر من طرقيين‬ ‫( متصوفة) وعلماء الدين الموظفين لدى الحكومة الفرنسية وجدوا في هذا‬ ‫المؤتمر ما يثير حفيظتهم ضد البراهيمي فتقدموا بعريضة إلى الوالي بمدينة‬ ‫تلمسان يشيرون فيها إلى أن نشاط العلماء نشاط سياسي وليس ديني كما يقال ‪،‬‬ ‫وان الجمعية( جمعية العلماء) تهدف إلى تخريب الوجود الفرنسي في شمال‬ ‫أفريقيا ‪ ،‬وأن الطرق الصوفية كانت دائماً صديقة لفرنسا‪...‬و استدلت العريضة‬ ‫بزعامة البراهيمي لمؤتمر طلبة شمال أفريقيا الذي انعقد بتلمسان وأشارت‬ ‫إلى أن الخطب التي ألقيت كانت كلها باللغة العربية وكانت هجوما ضد الدارة‬ ‫الفرنسية كما أن المؤتمرين نادوا بالوطنية السلمية‪)50(.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الطيب العقبي‬ ‫كان العقبي طرازاً فريداً من العلماء ‪ ،‬كان قوياً في الحق تصل إلى‬ ‫درجة العنف والثورية‪-‬إذا جاز التعبير ‪.‬و لو أخذنا بمصطلحات القوم لقلنا إنه‬ ‫كان يمثل الجناح المتطرف في جمعية العلماء ‪.‬ومع ذلك فليس في العقبي‬ ‫تطرفاً ول عنفاً‪ .‬ولكن صلبة في الحق وإخلصاً لرسالته ‪.‬وكأني به ذلك‬ ‫‪- 48‬النجاح ‪،‬العدد ‪ 1755‬في ‪ 17‬جمادى الخرة ‪1354‬هـ الموافق ‪ 18‬سبتمبر ‪.1935‬‬ ‫‪- 49‬أبو القاسم سعد ال ‪.‬الحركة الوطنية الجزائرية‪.‬ج ‪ 3‬ص ‪ 120‬نقلً عن مهندس في أفريقيا الفرنسية ديسمبر‬ ‫‪ 1935‬ص ‪. 719-716‬‬ ‫‪- 50‬سعد ال ‪ " ،‬البراهيمي في تلمسان"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫الفتى المخزومي عبد ال بن مسعود رضي ال عنه حين وقف في جوف‬ ‫الكعبة يقرأ القرآن الكريم ليسمع قريشاً ما يكرهون ‪،‬فانهال عليه الكفار ضرباً‬ ‫وإيذاءً ‪ ،‬ولم يمنعه ذلك أن يقسم على العودة إلى ذلك المر ‪.‬‬ ‫كان العقبي شديد الوطأة على الستعمار الفرنسي وأعوانه من أصحاب‬ ‫الطرق الصوفية‪ .‬ولعل هذا هو السر في ملحقة السلطات الفرنسية له طوال‬ ‫حياته الدعوية حتى ترك جمعية العلماء ‪ .‬ففي ‪ 16‬فبراير ‪ 1933‬أصدر‬ ‫السكرتير الداري لحاكم عام الجزائر المدعو " ميشال" قراراً يمنع بمقتضاه‬ ‫علماء الصلح من التدريس والوعظ في المساجد الرسمية‪ )51(.‬والمساجد‬ ‫الرسمية بدعة ابتدعتها فرنسا في الجزائر فبعد أن استولت على الوقاف‬ ‫السلمية أقامت الجمعية السلمية وعينت مسلماً رئيساً لها ‪ ،‬ولكنها من‬ ‫خلل هذا الرئيس كانت تسيطر على جميع شؤونها وتشرف على ماليتها ‪،‬‬ ‫ولذلك فالمساجد التي كانت تديرها الجمعية كانت هي كل مساجد البلد تقريباً‪.‬‬ ‫وهنا هبّ الشعب الجزائري يطالب بعودة العلماء المصلحين إلى‬ ‫المساجد وبخاصة الشيخ العقبي ‪-‬لنه كان المقصود بالقرار ‪ ،‬ولكن فرنسا ل‬ ‫تتراجع عن مثل هذه القرارات ‪.‬فما كان من العلماء ومن خلفهم الشعب‬ ‫الجزائري إلّ أن قاموا بسلسلة من المظاهرات والحتجاجات‪ .‬ولم يقف رد‬ ‫فعلهم عند هذا الحد بل أخذوا ينشئون المساجد الحرة ليستمر العلماء في أداء‬ ‫رسالتهم‪ ،‬ولم يقتصر عمل العلماء على المساجد بل كانوا يتحدثون ويخطبون‬ ‫في النوادي الجتماعية وفي الجمعيات الخيرية وفي المناسبات الجتماعية؛‬ ‫مثل الزواج والختان والعقيقة وغيرها‪)52(.‬‬ ‫العقبي والمؤتمر السلمي الجزائري العام ‪.‬‬ ‫كانت فرنسا تعد العدة لدماج مجموعة أكبر من أبناء الشعب الجزائري‬ ‫بمنحهم الجنسية الفرنسية التي تضطرهم إلى ترك التحاكم إلى الشريعة‬ ‫السلمية حتى في الحوال الشخصية‪ .‬وكاد هذا المر يتم عن طريق تقديم‬ ‫مشروعات إلى البرلمان الفرنسي‪ .‬وحرصاً من العلماء على إحباط هذه‬ ‫المشروعات وإفشالها دعا ابن باديس ‪-‬كما أشرنا سالفا‪ -‬إلى المؤتمر السلمي‬ ‫الجزائري العام ‪ ،‬وكان من بين المشاركين في هذا المؤتمر الشيخ الطيب‬ ‫العقبي‪.‬فقد تحدث في جلسات المؤتمر داعياً إلى التمسك بالشخصية العربية‬ ‫السلمية ‪.‬ولكن فرنسا عملت على إفشال هذا المؤتمر ووجدت بغيتها في‬ ‫تلفيق تهمة للشيخ الطيب العقبي بقتل مفتي الجزائر ‪ ،‬فاعتقل الشيخ العقبي‬ ‫‪ - 51‬مجلة أفريقيا الفرنسية ‪ L’Afrique Francaise‬أبريل ‪ ،1933‬ص ‪.239‬‬ ‫‪- 52‬انظر للباحث كتاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ ،193‬وحبذا لو قم بعض‬ ‫الباحثين بدراسة مسألة المساجد الحرة في الجزائر كيف نشأت فكرتها وتطور هذه الفكرة‪ ،‬وعدد المساجد الحرة‬ ‫مقارنة بالمساجد التي كانت تحت سيطرة الجمعية السلمية التي يسيطر عليها الستعمار‪.‬وكذلك ظاهرة إسهام‬ ‫الشعب الجزائري في بناء هذه المساجد وتمويلها برغم فقره وحاجته ‪.‬ويبدو أن ظاهرة المساجد الحرة ما تزال‬ ‫موجودة حتى بعد عودة الستقلل‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫وأغلق نادي الترقي الذي كان المنبر الذي يخاطب العقبي الجمهور من خلله‬ ‫‪.‬وظل الشيخ العقبي يعيش في جو من الرعب والرهاب حتى عام ‪1358‬هـ(‬ ‫‪1939‬م) من جراء الملحقات القضائية حتى أعلنت براءته ‪،‬ولكن العقبي‬ ‫رغم هذا الجو المشحون وقف وقفة البطل الذي ل تلين قناته ول يتوقف عن‬ ‫الجهاد (‪ .)53‬وقد يكون الثمن لبراءته خروجه من جمعية العلماء وتوتر علقته‬ ‫بغيره من العلماء حتى أصبح العقبي في نظر من ل يعرفه خائناً للجمعية ولكن‬ ‫هؤلء لم يدركوا حجم الضغوط والرهاب الذي تعرض له العقبي‪.‬‬ ‫العقبي يدعو للقيام ضد فرنسا‪:‬‬ ‫فبعد أشهر من هذا التهام كان العقبي في صحبة ابن باديس في زيارة‬ ‫لمدينة ميلة في الشرق الجزائري في الول من ذي القعدة عام ‪(،1355‬‬ ‫‪12‬يناير ‪ )1937‬فاجتمع سكان المدينة في ساحة كبيرة خارج المدينة ‪-‬لتسهل‬ ‫مراقبتهم حيث منعوا من الجتماع في أحد المساجد‪ -‬ووقفت فرقة من الجنود‬ ‫السنغاليين تراقب الحشد‪ .‬وتحدث رجال الجمعية ‪ ،‬وكانت آخر كلمة هي كلمة‬ ‫الشيخ العقبي فتكلم مستخدماً العربية الفصحى‪ -‬كما ذكرت الوثيقة‪ ،‬وكما هي‬ ‫عادة العلماء‪ -‬وعندما تأكد من إنصات الجمهور له قال لهم‪ ":‬لو طلبت إليكم‬ ‫النهوض والقيام ضد الحكم الفرنسي فهل كنت تفعلون‪ ".‬فأجاب الحاضرون‬ ‫الذين كانوا يستمعون بإنصات وخشوع ‪:‬نعم‪.‬فأسرع العقبي مستدركاً ‪ ":‬ولكني‬ ‫لن أطلب إليكم ذلك"‪)54(.‬‬ ‫أما صحيفة العلماء " البصائر " فذكرت أن خلفاً كان بين العلماء وبين‬ ‫شيخ المدينة وهو فرنسي‪ ،‬فأراد العقبي أن يوقفه عند حدّه وأن يعلمه أن المة‬ ‫تتبع العلماء ‪ ،‬فكانت عبارة العقبي كما روتها البصائر‪ ":‬صوت من تتبعون إذا‬ ‫اختلفت الصوات وتنوع الدعاة؟" فكان رد الجمهور وبصوت واحد " نتبع‬ ‫العلماء ول نبغي بهم بديلً‪)55(".‬‬ ‫هل الختلف في هاتين الروايتين ناتج عن تحدث العقبي باللغة‬ ‫الفصحى وعجز المخبرين عن فهمها وإدراكها ؟ أو إن المخبر فهم المر على‬ ‫حقيقته وصاغه كما فهمه ل كما سمعه؟ وسوء الترجمة ليس بالمر الغريب‬ ‫في الجزائر في عهد الحتلل فقد كتب ابن باديس يشير إلى أن سوء الترجمة‬ ‫يجر أحياناً البلء ‪ ،‬ولمّا كان حديث العلماء مما تهتم به فرنسا اهتماماً كبيراً‬ ‫فقد كانت توكل أمر الطلع على صحف الصلح وترجمتها إلى كبار‬ ‫مستشرقيها من أمثال أغسطين بيرك ولوي ماسنيون‪)56(.‬‬ ‫العقبي ورئاسة تحرير صحف الجمعية‪:‬‬ ‫‪- 53‬مطبقاني ‪،‬جمعية العلماء ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 229‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪- 54‬المرجع نفسه ص ‪ 230‬عن وثيقة فرنسية صادرة عن ولية قسنطينة رقم ‪ ، 508‬المراقبة السياسية للهالي‬ ‫اجتماع العلماء في ‪ 12‬يناير ‪ 1937‬بمدينة ميلة‪.‬‬ ‫‪- 55‬البصائر‪.‬العدد ‪ 53‬في ‪ 17‬ذي القعدة ‪1355‬هـ( ‪ 29‬يناير ‪)1937‬‬ ‫‪- 56‬الشهاب ‪،‬ج ‪3‬م ‪، 4‬غرة محرم ‪1357‬هـ ‪( .‬مارس ‪1938‬م)‬ ‫‪16‬‬

‫ترأس العقبي صحف الجمعية بالشتراك مع محمد السعيد الزاهري(‪)57‬‬ ‫وانفرد برئاسة تحرير صحيفة (البصائر)‪.‬وكان يكتب افتتاحياتها (* )التي كان‬ ‫العقبي يعبر فيها عن المواجهة المستمرة بين الشعب الجزائري وفرنسا ‪.‬ومن‬ ‫هذه الفتتاحيات أنه حينما أصدر رئيس الوزراء الفرنسي شوطان عام‬ ‫‪1938‬م قراره الذي قصد فيه إلى تضييق الخناق على مدارس العلماء وعلى‬ ‫اللغة العربية بعدّها لغة أجنبية في بلدها ‪،‬احتج الشعب الجزائري حتى ظنت‬ ‫فرنسا أن في الجزائر ثورة فأرسلت وزير داخليتها المسيو أوبو ‪ Aubud‬كما‬ ‫فعلت من قبل حين أرسلت وزير داخليتها رينيه قبل ثلث سنوات ‪.‬فهل كان‬ ‫العقبي ليسكت على هذا الستفزاز ويصمت أمام هذا التحدي ؟ لم يسكت‬ ‫العقبي بل كتب قائلً‪ ":‬إن الجزائر لو كانت بصدد ثورة أو كان لبنائها‬ ‫القائمين على رأس حركتها من وسائل الثورة ما يقتضي قيامها لما بالت بتهديد‬ ‫ول وعيد ولما صدّها عن خطتها سلطة تعزز ول نفوذ يقوّى ويُوَسّع‪ ،‬وما دام‬ ‫أبناء الجزائر لم يجبنوا أمام قوة ألمانيا وحلفائها فهم لن يجبنوا أمام‬ ‫فرنسا‪)58(".‬‬ ‫ما أقوى هذه العبارات وما أصلب هذا الموقف ؛ إنه تهديد صريح فقد‬ ‫أظهر أبناء الجزائر من القوة والشجاعة ما ل يمكن إنكاره حينما اشتركوا في‬ ‫مواجهة ألمانيا ‪ ،‬فهم لن يجبنوا أمام فرنسا لو كان لديهم من القوة والمكانات‬ ‫ما يساعدهم على ذلك‪ .‬فهكذا هم العلماء في العلم والسياسة هم أبطالها وأبناء‬ ‫بجدتها رغم أنف الذين يريدون لهم أن ل يغادروا محراب المسجد ومنبره‪.‬‬ ‫ورغم هذه المواقف الصريحة التي يقدم لنا فيها العقبي فهماً رائعاً‬ ‫للسلم وأنه ل فصل فيه بين السياسة والعبادة وأن الكل ل ‪ ،‬أقول رغم هذا‬ ‫يزعم أقوام ممن نذر نفسه للتأريخ للحركة السلمية في الجزائر أن العقبي "‬ ‫لم يلتحق بجماعة ابن باديس إل بعد أن تلقى تأكيدات أو ضمانات أن هذه‬ ‫الحركة لن تكون حزباً سوى حزب إصلحي وليس سياسي ‪ ،‬وبقي العقبي‬ ‫متمسكاً بموقفه ضد تحويل الجمعية إلى حزب سياسي‪ )59(.‬لم يفدنا الكاتب من‬ ‫أي مصدر استقى هذه المعلومات الخطيرة‪ ،‬وكيف غاب عنه أن السلم هو‬ ‫السياسة ؛أليس ربعي بن عامر هو الذي خاطب رستم قائد الفرس قائلً‪ ":‬ال‬ ‫‪- 57‬صحف الجمعية هي ‪:‬السنّة النبوية ‪ ،‬و الصراط السوي ‪ ،‬والشريعة ثم البصائر ‪.‬أما الشيخ محمد السعيد‬ ‫الزاهري فهو من علماء الجزائر وأدبائها ‪،‬ولد في ليّانة بالقرب من بسكرة عام ‪1317‬هـ(‪ )1899‬كان له إسهاما‬ ‫كبيراً في الحركة الصلحية ‪،‬ولكنه انحاز في آخر حياته إلى الطرقية (الطرق الصوفية)والشيوعية ‪،‬قتل عام‬ ‫‪1376‬هـ(‪1956‬م)‬ ‫* ‪ -‬صحف المس كانت صحف رأي وعلم ومبدأ أكثر منها صحف خبرية ولذلك فإن هذه الصحف تستحق‬ ‫القراءة كلمة كلمة كأن كل مقال يأخذ بعجز المقال الذي سبقه فيكونون منظومة جميلة‪.‬‬ ‫‪- 58‬الطيب العقبي‪.‬البصائر ‪،‬العدد ‪ 64‬في ‪11‬صفر ‪1356‬هـ(‪23‬أبريل ‪1937‬م)‬ ‫‪Ali Merad. Le Reformisme Musulman en Algerie du 1925 a 1940 )Paris: Mouton, 1967( p- 59‬‬ ‫‪.389‬‬ ‫‪17‬‬

‫جاء بنا وابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة ال ‪ ،‬ومن جور‬ ‫الديان إلى سعة السلم‪)60(".‬‬ ‫أليست هذه مواقف سياسية دونها كل تلك الجعجعة وحمل الزعيم على‬ ‫الكتاف والصراخ بالشعارات ‪،‬والهتافات وإقامة الحفلت ‪ ،‬فما كان السلم‬ ‫إلّ عملً دؤوباً ‪.‬وليتنا نتذكر مظاهرة المسلمين حين أسلم عمر بن الخطاب‬ ‫رضي ال عنه حين خرجوا من دار الرقم بن أبي الرقم رضي ال عنه في‬ ‫صفين يعلنون إسلمهم ‪ ،‬إنهم قاموا بمظاهرة لم يكن فيها صراخ ول عويل‬ ‫ول ضوضاء ‪،‬لم يخرجوا يخربون أو ينهبون ‪،‬ولكن انظروا إلى الصورة التي‬ ‫تحاول الصحافة الغربية وعلى رأسها وكالت النباء المحتكرة للخبار في‬ ‫العالم إلصاقها بالحركة السلمية ‪ ،‬فما تقع فتنة في بلد إسلمي حتى يرمون‬ ‫السلم والمتدينين بشتى أنواع التهم ‪)61(.‬‬ ‫إن المواقف كثيرة وكذلك القوال ‪ ،‬ويبدو أن اضطهاد فرنسا لرجال‬ ‫الجمعية الذين ذكرنا والذين لم نذكر لدليل على أنهم كانوا خطراً عليها وفي‬ ‫التقرير الذي أعدته ولية الجزائر بعنوان (الجزائر في نصف قرن) نقرأ هذه‬ ‫السطور‪:‬‬ ‫" إن نفوذهم الذي يتوسع باستمرار هو الخطر الحقيقي على السيادة‬ ‫الفرنسية في الجزائر‪ ،‬ذلك أن هدفهم هو تكوين النسان المسلم الحقيقي الذي‬ ‫عليه أن يبغض كل ما هو غير إسلمي‪ .‬إن عملهم صارم‪ ،‬وهم بالتأكيد أعداؤنا‬ ‫الكثر خطورة‪ ،)62(".‬ويقول التقرير في موضع آخر " الصلح كما حددته‬ ‫جمعية العلماء يعد مدرسة حقيقية للوطنية‪ ،‬إن الذين ل يستطيعون مهاجمة‬ ‫السلطة الفرنسية فإنهم يستطيعون ذلك عبر المواجهة الدينية والتربوية للعلماء‬ ‫الذين يمثلون معارضة حقيقية‪)63(".‬‬ ‫ومن خلل استقراء بعض الوثائق الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية‬ ‫وجدنا أنها كانت تضع العلماء في مقدمة تقاريرها السياسية‪ ،‬فتبرز أعمالهم‬ ‫وخطورتهم‪ .‬وقد فهم هذا بعض الباحثين الغربيين‪ .‬ونكتفي هنا بذكر باحث‬ ‫أمريكي كتب مقالً في المجلة التنصيرية المشهورة "العالم السلمي"‬ ‫‪Muslim World‬حول حقيقة العلماء وخطورتهم فكان مما قاله‪ ":‬الذين قادوا‬ ‫الثورة حقاً ضد فرنسا على المستوى الثقافي هم أعضاء جمعية العلماء‬ ‫المسلمين الجزائريين ‪ ،‬هذه الجمعية التي تأثرت بالفغاني وعبده ورضا‬ ‫أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة ‪ ،1931‬وكان هدفها رفض الندماج‬ ‫‪- 60‬الطبري‪.‬تاريخ الرسل والملوك‪.‬م ‪ 6‬ص ‪.105‬‬ ‫‪- 61‬أحداث الجزائر في شهر أكتوبر ‪ 1988‬وكان الباحث حينها في الوليات المتحدة المريكية فكانت نشرات‬ ‫الخبار التلفازية وفي الصحف تشير إلى ذلك بصراحة ‪.‬‬ ‫‪L’Algerie Du Demi -Siecle)Vue par les Authorities Locale( Janvier 1954,Archives de Wilaya- 62‬‬ ‫‪.de Constantine‬‬ ‫‪- 63‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫الكلي بفرنسا‪ ،‬وإصلح ما فسد من الممارسات السلمية لدى عامة الشعب‬ ‫الجزائري التي جعلت لديهم قابلية للستعمار‪ ،‬ووسعوا التعليم العربي والديني‪.‬‬ ‫لم يبدأ العلماء الثورة ولكن سرعان ما أيدوها‪)64("..‬‬ ‫ونختم هذا البحث بالنتيجة التي توصل إليها المؤرخ الجزائري أبو‬ ‫القاسم سعد ال حيث كتب يقول‪ ":‬فإن الوثائق كشفت عن نظرة السلطات‬ ‫الفرنسية لدعوة جمعية العلماء على أنها دعوة سياسية متخذة من اللغة والدين‬ ‫وسيلة للهداف الوطنية البعيدة‪ ،‬والذين ما يزالون يشكون في دور العلماء‬ ‫"السياسي " عليهم أن يقرأوا المراسلت التي ذكرناها والتي هي في الواقع‬ ‫قطرة من بحر في جملة المراسلت والتقارير الفرنسية السرية والعلنية عن‬ ‫نشاط جمعية العلماء ودعوتها وتخوفات الدارة منها وتربصها بها‪)65(".‬‬ ‫وتلخيصاً لما سبق نقول بأن العلماء فهموا السياسة ‪ ،‬وعملوا فيها‬ ‫وكانت لهم مواقف وأقوال أوردنا نماذج منها ‪.‬ويبدو لنا أن العلماء ل بد أن‬ ‫يعودوا إلى هذا الميدان بقوة وجرأة فهم أهله ‪ ،‬وما هذا النفصام الذي حدث‬ ‫بين العلم والسياسة إلّ أحد السباب التي جرت على هذه المة ألواناً من‬ ‫التخلف والظلم والتبعية الفكرية والسياسية والقتصادية ‪.‬وأخيراً ندعو ال أن‬ ‫يلهم العلماء صوابهم ويتحملوا مسؤولياتهم التي ل يمكن أن يقوم بها غيرهم ‪،‬‬ ‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫‪David Gordon.” Politics in Islam: Algeria” in Muslim World.Vol. 56 ,1966 p 280-‬‬

‫‪- 65‬سعد ال ‪ ،‬البراهيمي ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫المراجع‬ ‫ ابن باديس‪ ،‬عبد الحميد ‪،‬مقالت في الصحف الجزائرية التية‪:‬‬‫‪ -1‬الصراط السوي ‪ ،‬عدد ‪ 15‬في ‪ 8‬رمضان ‪25(،1352‬ديسمبر ‪1933‬م)‬ ‫‪ -2‬البصائر ‪،‬العدد ‪ 43‬في ‪28‬شعبان ‪1355‬هـ ‪ 13 -‬نوفمبر ‪1936‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬البصائر ‪،‬العدد ‪ 71‬في ‪ 9‬ربيع الثاني ‪1356‬هـ ‪ 18 -‬يونيه ‪1937‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬المنتقد ‪،‬العدد الول في ‪ 11‬ذي الحجة ‪1343‬هـ ‪2 -‬يوليه ‪1925‬م‪.‬‬ ‫ البراهيمي‪ ،‬محمد البشير ‪ ،‬عيون البصائر‪،‬ط ‪ ،2‬الجزائر‪ :‬الشركة الوطنية‬‫للنشر والتوزيع‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬ ‫ ‪ ،---‬آثار محمد البشير البراهيمي ‪ .‬ج ‪ ،3‬الجزائر‪:‬الشركة الوطنية للنشر‬‫والتوزيع‪.1981،‬‬ ‫ ‪ ،---‬آثار محمد البشير البراهيمي‪.‬ج ‪ ،4‬الجزائر‪ :‬الشركة الوطنية للنشر‬‫والتوزيع‪.1985 ،‬‬ ‫ ‪ " ،---‬أنا" في مجلة مجمع اللغة العربية ( القاهرة) العدد ‪ ،21‬سنة‬‫‪1966‬م‪ ،‬ص ‪.154-135‬‬ ‫ ابن منظور ‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين‪.‬لسان العرب‪ .‬بيروت‪ :‬دار صادر‬‫(بدون تاريخ)‬ ‫ أبو يوسف‪،‬يعقوب بن إبراهيم‪ .‬كتاب الخراج‪.‬بيروت ‪ :‬دار المعرفة‬‫‪1399‬هـ‪1979 -‬م‪.‬‬ ‫ إسماعيل‪ ،‬يحي‪ .‬منهج السنة في العلقة بين الحاكم والمحكوم‪.‬المنصورة‪:‬‬‫دار الوفاء ‪1406،‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬ ‫ درويش ‪ ،‬إبراهيم ‪ .‬علم السياسة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪1975 ،‬م‪.‬‬‫ ستودارد ‪ ،‬لوثروب‪ .‬حاضر العالم السلمي‪ .‬ترجمة عجاج نويهض‬‫وتعليقات شكيب أرسلن ‪،‬ط ‪،4‬بيروت ‪ :‬دار الفكر ‪1394،‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬ ‫ سعد ال ‪،‬أبو القاسم ‪.‬الحركة الوطنية الجزائرية‪.‬ج ‪ ،1930-2،1900‬ط ‪، 3‬‬‫الجزائر‪ :‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.1983،‬‬ ‫ ‪ " --‬الشيخ البشير البراهيمي في تلمسان من خلل الوثائق الدارية(‬‫‪ )1940-1933‬في مجلة الثقافة‪ ،‬العدد ‪1988 ،101‬م‪ .‬ص ‪.107-73‬‬ ‫ السيد‪ ،‬أحمد لطفي‪.‬قصة حياتي ‪ .‬كتاب الهلل‪،‬القاهرة‪:‬دار الهلل ‪،‬ع ‪3777‬‬‫رجب ‪.1982-1402‬‬ ‫ الطالبي‪ ،‬عمّار‪ .‬ابن باديس حياته وآثاره‪،‬ط ‪،1‬الجزائر‪ :‬دار ومكتبة الشركة‬‫الجزائرية ‪1388‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬ ‫ العقبي ‪ ،‬الطيب‪ .‬مقالت في الصحف الجزائرية التية ‪:‬‬‫‪ -1‬البصائر‪ ،‬العدد ‪ 17 ،53‬ذو القعدة ‪1355‬هـ ‪ 29-‬يناير ‪1937‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬البصائر‪ ،‬العدد ‪11 ،64‬صفر ‪1356‬هـ‪ 23 -‬أبريل ‪1937‬م‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫ قطب ‪ ،‬محمد‪ .‬واقعنا المعاصر‪ .‬جدة‪ :‬مؤسسة المدينة للصحافة والنشر ‪،‬‬‫‪1407‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬ ‫ مطبقاني ‪ ،‬مازن ‪.‬جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة‬‫الوطنية الجزائرية( ‪1358-1349‬هـ‪1939-1931-‬م) دمشق‪ :‬دار القلم ‪،‬‬ ‫‪1408‬هـ‪1988 -‬م‪.‬‬ ‫ ‪ ، --‬عبد الحميد بن باديس ‪ -‬العالم الربّاني والزعيم السياسي‪ .‬سلسلة أعلم‬‫المسلمين رقم ‪ ،28‬دمشق‪ :‬دار القلم ‪1410‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬ ‫ ناصر ‪ ،‬محمد‪.‬الصحف العربية من ‪1847‬إلى ‪1939‬م‪.‬الجزائر‪ :‬الشركة‬‫الوطنية للنشر والتوزيع‪1980،‬م‪.‬‬ ‫ النفيسي‪ ،‬عبد ال فهد‪ .‬عندما يحكم السلم‪.‬لندن‪ :‬دار طه للنشر‪ ،‬بدون‬‫تاريخ‪.‬‬ ‫الم‬ ‫راجع الجنبية‬ ‫‪- Gordon, David. “ Islam in Politics: Algeria.” in Muslim‬‬ ‫‪World. Vol.65, 1966.‬‬ ‫‪- Merad, Ali. Le Reformisme Musulman en Algerie du‬‬ ‫‪1924 a 1940.Paris: Mouton, 1967‬‬ ‫(‪- Algerie du Demi-siecle )Vue par les Authorities locale‬‬ ‫‪Janvier 1954.Archives de Wilaya de Constantaine.‬‬

‫‪21‬‬

More Documents from "Mazin S. Motabagani"

October 2019 14
October 2019 8
October 2019 15
October 2019 34
October 2019 35
October 2019 31