Subul Al-salam 18 - Al-jami' (akhlaq)

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Subul Al-salam 18 - Al-jami' (akhlaq) as PDF for free.

More details

  • Words: 43,461
  • Pages: 55
‫سبل السلم‬ ‫شرح بلوغ المرام‬ ‫للصنعاني‬ ‫كتاب الجامع‬ ‫أي الجامع لبواب ستة‪" :‬الدب" "والبر والصلة" "والزهد والورع" "والترهيب من مساوىء الخلق" "والترغيب‬ ‫في مكارم الخلق" "والذكر والدعاء"‪ .‬الول‪:‬‬ ‫باب الدب‬ ‫عَنْ أَبي هُريرة[‪/‬س] رضي ال عنْهُ قالَ‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬حقّ المسلم على المُسلمِ سِتّ‪ :‬إذا‬ ‫ش ّمتْ هُ‪ ،‬وإذا مرض َف ُعدْه‪،‬‬ ‫جبْ هُ‪ ،‬وإذا ا سْتنصحك فان صحهُ‪ ،‬وإذا عطَس فح مد ال فَ َ‬ ‫ك فََأ ِ‬ ‫لَقي َت ُه ف سّلمْ عل يه‪ ،‬وإذا دعا َ‬ ‫وإذا ماتَ فاتّبعْهُ" رَواهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫ل قال‪ :‬فابتدرا ُه بسيف ْيهِما حتى َقتَلهُ ثمّ انصرفا‬ ‫جهْ ٍ‬ ‫عوْفٍ رضي ال عنهُ في قصة َقتْل أَبي َ‬ ‫وعن عبد الرحمن بن َ‬ ‫ظرَ فيهما‬ ‫سحْتما سَيف ْيكُما؟" قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فَ َن َ‬ ‫إلى رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم فأخبراهُ‪ ،‬فقال‪َ" :‬أ ّيكُما َقتَلَ هُ؟ هَلْ مَ َ‬ ‫ن عمرو بن الجموح متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫فقال‪" :‬كلكما َقتَلهُ" فقَضى صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بسََلبِه لمعاذ ب ِ‬ ‫(عن أبي هرير رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬حقّ المُسْلم على المُسْلم ستّ‪ :‬إذا لقيتهُ‬ ‫ش ّمتْهُ) بالسين المهملة والشين (وإذا‬ ‫عطَس فحمد ال فَ َ‬ ‫جبْ ُه وإذا استنصحك فانصحهُ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫فسلمْ عليه‪ ،‬وإذا دعاك فَأ ِ‬ ‫مرضَ َف ُعدْهُ‪ ،‬وإذا ماتَ فاتبعْهُ"‪ .‬رواه مسلم)‪.‬‬ ‫وفي رواية له‪" :‬خمس" أسقط مما عده هنا "وإذا استنصحك فانصحه"‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن هذه حقوق المسلم على المسلم‪ ،‬والمراد بالحق ما ل ينبغي تركه‪ ،‬ويكون فعله إما واجبا‬ ‫أو مندوبا ندبا مؤكدا شسبيها بالواجسب الذي ل ينبغسي تركسه‪ ،‬ويكون اسستعماله فسي المعنييسن مسن باب اسستعمال‬ ‫المشترك في معنييه‪ ،‬فإن الحق يستعمل في معنى الواجب‪ ،‬كذا ذكره ابن العرابي‪.‬‬ ‫فالولى من ال ست‪ :‬ال سلم عل يه ع ند ملقا ته لقوله‪" :‬إذا لقي ته ف سلم عل يه"‪ .‬وال مر دل يل على وجوب البتداء‬ ‫بال سلم‪ ،‬إل أ نه ن قل ا بن ع بد الب ّر وغيره أن البتداء بال سلم سنة وأن رده فرض و في صحيح م سلم مرفوعا‬ ‫المر بإفشاء السلم‪ .‬وأنه سبب للتحاب‪ ،‬وفي ال صحيحين‪" :‬إن أف ضل العمال إطعام الطعام وتقرأ ال سلم على‬ ‫ن فقد جمع اليمان‪ :‬إنصاف من نفسك‪ ،‬وبذل السلم‬ ‫من عرفت وعلى من لم تعرف" قال عمار‪ :‬ثلث من جمعه ّ‬ ‫للعالم‪ ،‬والنفاق من القتار‪ .‬ويا لها من كلمات ما أجمعها للخير‪.‬‬ ‫والسلم‪ :‬اسم من أسماء ال تعالى فقوله‪ :‬السلم عليكم أي أنتم في حفظ ال‪ .‬كما يقال‪ :‬ال معك‪ ،‬وال يصحبك‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬السلم بمعنى السلمة أي سلمة ال ملزمة لك‪.‬‬ ‫وأقل السلم أن يقول‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬وإن كان المسلم عليه واحدا يتناوله وملئكته‪ ،‬وأكمل منه أن يزيد‪ :‬ورحمة‬ ‫ال وبركاته‪ ،‬ويجزيه السلم عليك وسلم عليك بالفراد والتنكير‪ ،‬فإن كان المسلم عليه واحدا وجب الرد عليه‬ ‫عينا‪ ،‬وإن كان المسلم عليهم جماعة‪ ،‬فالرد فرض كفاية في حقهم‪ ،‬ويأتي قريبا حديث "يجزىء عن الجماعة إذا‬ ‫مروا أن يسسلم أحدهسم‪ ،‬ويجزىء عسن الجماعسة أن يردّ أحدهسم" وهذا هسو سسنة الكفايسة‪ ،‬ويشترط كون الرد على‬ ‫الفور‪ ،‬وعلى الغائب في ور قة أو ر سول‪ .‬ويأ تي حد يث "أ نه ي سلم الرا كب على الما شي والما شي على القا عد‬ ‫والقليل على الكثير"‪.‬‬ ‫ويؤخذ من مفهوم قوله‪" :‬حق المسلم على المسلم" أنه ليس للذمي حق في رد السلم وما ذكر معه‪ ،‬ويأتي حديث‬ ‫"ل تبدأوا اليهود والنصارى بالسلم" ويأتي فيه الكلم‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬إذا لقي ته" يدل أ نه ل ي سلم عل يه إذا فار قه‪ ،‬لك نه قد ث بت حد يث "إذا ق عد أحد كم فلي سلم وإذا قام فلي سلم‬ ‫وليست الولى بأحق من الخرة "فل يعتبر مفهوم "إذا لقيته"‪.‬‬

‫ثم المراد بلقيه وإن لم يطل بينهما الفتراق لحديث أبي داود؛ "إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه فإن حال بينهما‬ ‫شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه" وقال أنس‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يتماشون فإذا‬ ‫لقيتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يمينا وشمالً فإذا التقوا من ورائها يسلم بعضهم على بعض‪.‬‬ ‫والثان ية‪" :‬إذا دعاك فأج به" ظاهره‪ :‬عموم حق ية الجا بة في كل دعوة يدعوه ل ها‪ ،‬وخ صها العلماء بإجا بة دعوة‬ ‫الولي مة ونحو ها‪ ،‬والولى أن يقال إن ها في دعوة الولي مة واجبة وفي ما عداها مندو بة‪ ،‬لثبوت الوع يد على من لم‬ ‫يجب في الولى دون الثانية‪.‬‬ ‫والثالثة قوله‪" :‬إذا استنصحك" أي طلب منك النصيحة "فانصحه" دليل على وجوب نصيحة من يستنصح‪ ،‬وعدم‬ ‫الغش له‪ ،‬وظاهره‪ :‬أنه ل يجب نصحه إل عند طلبها‪ ،‬والنصح بغير طلب مندوب‪ ،‬لنه من الدللة على الخير‬ ‫والمعروف‪.‬‬ ‫الراب عة قوله‪" :‬وإذا ع طس فح مد ال فشم ته" بال سين المهملة والش ين المعج مة‪ .‬قال ثعلب‪ :‬يقال ش مت العا طس‬ ‫وسمته إذا دعوت له بالهدى‪ ،‬حسن السمت المستقيم قال‪ :‬والصل فيه السين المهملة فقلبت شيئا معجمة‪.‬‬ ‫ف يه دل يل على وجوب التشم يت للعا طس الحا مد‪ .‬وأ ما الح مد على العا طس ف ما في الحد يث دل يل على وجو به‪،‬‬ ‫وقال النووي‪ :‬إنه متفق على استحبابه‪.‬‬ ‫وقد جاء كيف ية الح مد وكيف ية التشم يت وك يف جواب العاطس في ما أخر جه البخاري من حد يث أبي هريرة ع نه‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬إذا عطس أحدكم فليقل‪ :‬الحمد ل وليقل له أخوه أو صاحبه‪ :‬يرحمك ال وليقل هو‪:‬‬ ‫يهدي كم ال وي صلح بال كم" وأخر جه أيضا أ بو داود وغيره بإ سناد صحيح وف يه زيادة من حد يث أبي هريرة عن‬ ‫ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم أ نه قال‪" :‬إذا ع طس أحد كم فلي قل‪ :‬الح مد ل على كل حال ولي قل له أخوه أو‬ ‫صاحبه‪ :‬يرحمك ال ويقول هو‪ :‬يهديكم ال ويصلح بالكم" أي شأنكم وإلى هذا الجواب ذهب الجمهور‪.‬‬ ‫وذهب الكوفيون إلى أنه يقول‪ :‬يغفر ال لنا ولكم‪( ،‬و) استدلوا بأنه أخرجه الطبراني عن ابن مسعود‪ ،‬وأخرجه‬ ‫البخاري في الدب المفرد‪ ،‬وقيل‪ :‬يتخير أيّ اللفظين‪ ،‬وقيل‪ :‬يجمع بينهما‪.‬‬ ‫وإلى وجوب التشميت لمن ذكر ذه بت الظاهر ية و ابن العر بي‪ ،‬وأنه يجب على كل سامع ويدل له ما أخر جه‬ ‫البخاري من حد يث أ بي هريرة‪" :‬إذا ع طس أحد كم وح مد ال كان حقا على كل م سلم ي سمعه أن يقول‪ :‬يرح مك‬ ‫ال"‪.‬‬ ‫وكأنه مذهب أبي داود صاحب السنن فإنه أخرج عنه ابن عبد البرّ بسند جيد أنه كان في سفينة فسمع عاطسا‬ ‫على ال شط فاكترى قاربا بدر هم ح تى جاء إلى العاطس فشم ته ثم ر جع‪ ،‬ف سئل عن ذلك فقال‪ :‬لعله يكون مجاب‬ ‫الدعوة‪ ،‬فلما رقدوا سمعوا قائلً يقول لهل السفينة‪ :‬إن أبا داود اشترى الجنة من ال بدرهم انتهى‪ .‬ويحتمل أنه‬ ‫إنما أراد طلب الدعوة كما قاله ولم يكن يراه واجبا‪.‬‬ ‫قال النووي‪ :‬وي ستحب ل من ح ضر من ع طس فلم يح مد أن يذكره الح مد فيشم ته و هو من باب الن صح وال مر‬ ‫بالمعروف‪.‬‬ ‫ومن آداب العاطس على ما أخر جه الحاكم والبيهقي من حد يث أبي هريرة مرفوعا‪" :‬إذا عطس أحد كم فليضع‬ ‫كف يه على وج هه وليخ فض ب ها صوته"‪ ،‬وأن يز يد ب عد الح مد ل كل مة رب العالم ين‪ ،‬فإ نه أخرج ال طبراني من‬ ‫حد يث[اث] ا بن عباس[‪/‬اث]‪" :‬إذا ع طس أحد كم فقال‪ :‬الح مد ال‪ ،‬قالت الملئ كة‪ :‬رب العالم ين فإذا قال أحد كم‪:‬‬ ‫رب العالمين قالت الملئكة‪ :‬رحمك ال" وفيه ضعف‪.‬‬ ‫ويشرع أن يشمتسه ثلثا إذا كرّر العطاس ول يزيسد عليهسا لمسا أخرجسه أبسو داود عسن أبسي هريرة مرفوعا‪" :‬إذا‬ ‫عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلث فهو مزكوم ول يشمت بعد ثلث"‪.‬‬ ‫قال ابن أبي جمرة‪ :‬في الحديث دليل على عظم نعمة ال على العاطس‪ ،‬يؤخذ ذلك مما رتب عليه من الخير‪،‬‬ ‫وفيه إشارة إلى عظمة فضل ال على عبده فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس‪ ،‬ثم شرع له الحمد الذي يثاب‬ ‫عل يه ثم الدعاء بالخ ير ل من شم ته ب عد الدعاء م نه له بالخ ير‪ ،‬ول ما كان العا طس قد ح صل له بالعطاس نع مة‬ ‫ومنف عة بخروج البخرة المحتق نة في دما غه ال تي لو بق يت ف يه أحد ثت أدواء ع سرة شرع له ح مد ال على هذه‬ ‫النعمة مع بقاء أعضائه على هيئتها والتئامها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الرض لها‪.‬‬ ‫ومفهوم الحديث أنه ل يشمت غير المسلم كما عرفت‪ ،‬وقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة‬ ‫من حديث أبي موسى قال‪ :‬كان اليهود يتعاطسون عند رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم يرجون‬ ‫أن يقول لهم يرحمكم ال‪ ،‬فيقول‪" :‬يهديكم ال ويصلح بالكم"‪ .‬ففيه دليل أنه يقال لهم ذلك‪ ،‬ولكن إذا حمدوا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الخام سة قوله‪" :‬وإذا مرض فعده" فف يه دل يل على وجوب عيادة الم سلم للم سلم‪ ،‬وجزم البخاري بوجوب ها‪ ،‬ق يل‪:‬‬ ‫يحتمسل أنهسا فرض كفايسة‪ ،‬وذهسب الجمهور إلى أنهسا مندوبسة‪ .‬ونقسل النووي الجماع على عدم الوجوب قال‬ ‫المصنف‪ :‬يعني على العيان‪ ،‬وإذا كان حقا للمسلم على المسلم فسواء فيه من يعرفه ومن ل يعرفه‪ .‬وسواء فيه‬ ‫القريب وغيره‪ ،‬وهو عام لكل مرض‪ .‬وقد استثني منه الرمد‪ ،‬ولكنه قد أخرج أبو داود من حديث زيد بن أرقم‬ ‫قال‪" :‬عاد ني ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم من و جع بعي ني" و صححه الحا كم وأخر جه البخاري في الدب‬ ‫المفرد‪ ،‬وظاهر العبارة ولو في أوّل المرض‪ ،‬إل أنه قد أخرج ابن ماجه من حديث أنس‪" :‬كان النبي صلى ال‬ ‫عليه وآله وسلم ل يعود إل بعد الثلث" وفيه را ٍو متروك‪.‬‬ ‫ومفهومه كما عرفت دال على أنه ل يعاد الذمي‪ ،‬إل أنه قد ثبت أنه صلى ال عليه وآله وسلم عاد خادمه الذمي‬ ‫وأسلم ببركة عيادته‪ ،‬وكذلك زار عمه أبا طالب في مرض موته وعرض عليه كلمة السلم‪.‬‬ ‫السادسة قوله‪" :‬وإذا مات فاتبعه" دليل على وجوب تشييع جنازة المسلم معروفا كان أو غير معروف‪.‬‬ ‫ل ِم ْنكُ مْ ول‬ ‫ظرُوا إلى َم نْ ُهوَ أَ سْف َ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ان ُ‬ ‫ع نْ أَبي هُريرة رضي اللّ هُ َ‬ ‫وَ‬ ‫ن ل تزدروا نعم َة ال عليكم" ُمتّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫تنظرُوا إلى َمنْ ُهوَ فَ ْو َقكُم فهُوَ َأجْدرُ أَ ْ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم‪" :‬انظُروا إلى من هو أَ سْفل منكم ول‬ ‫تنظروا إلى من هو فوْق كم) وقوله‪( :‬ف هو أجْدرُ) بالج يم والدال المهملة فراء أ حق (أَن ل تزدروا) تحتقروا (نعمةَ‬ ‫ال علي ُكمْ") علة للمر والنهي معا (متفق عليه)‪.‬‬ ‫الحد يث إرشاد للع بد إلى ما يش كر به النع مة‪ .‬والمراد ب من هو أ سفل من النا ظر في الدن يا فين ظر إلى المبتلى‬ ‫بالسقام وينتقل منه إلى ما فضل به عليه من العافية التي هي أصل كل إنعام‪ ،‬وينظر إلى من في خلقه نقص من‬ ‫عمى أو صمم أو بكم‪ ،‬وينتقل إلى ما هو فيه من السلمة عن تلك العاهات التي تجلب الهم والغم‪ .‬وينظر إلى‬ ‫من ابتلي بالدنيا وجمعها والمتناع عما يجب عليه فيها من الحقوق ويعلم أنه فضل بالقلل وأنعم عليه بقلة تبعة‬ ‫الموال في الحال والمآل‪ ،‬وينظر إلى من ابتلي بالفقر المدقع أو الدين المفظع ويعلم ما صار إليه من السلمة‬ ‫من المرين وتقرّ بما أعطاه ربه العين‪ ،‬وما من مبتلى في الدنيا بخير أو شر إل ويجد من هو أعظم منه بلية‬ ‫فيتسلى به ويشكر ما هو فيه مما يرى غيره ابتلي به‪.‬‬ ‫وين ظر من هو فو قه في الد ين‪ ،‬فيعلم أ نه من المفرّط ين‪ ،‬فبالن ظر الول يش كر ما ل عل يه من الن عم‪ ،‬وبالن ظر‬ ‫الثاني يستحي من موله ويقرع باب المتاب بأنامل الندم فهو بالول مسرور بنعمة ال‪ ،‬وفي الثاني منكسر النفس‬ ‫حياء من موله‪ .‬وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا‪" :‬إذا نظر أحدكم إلى ما فضل عليه في المال‬ ‫والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه"‪.‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬سأَلْتُ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم عن البرّ والثم فقال‪" :‬البرّ‬ ‫سمْعانَ رضي الّل هُ َ‬ ‫ع نْ النّواس بن َ‬ ‫وَ‬ ‫ن َيطّلِعَ عليهِ الناسُ" أخرجه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫ن الخُلُق‪ ،‬والثْمُ ما حاكَ في صَ ْدرِك‪ ،‬وكرِهْتَ أ ْ‬ ‫حسْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫(وعن النواس) بفتح النون وتشديد الواو وسين مهملة (ابن سمعان رضي ال عنه) بفتح السين المهملة وكسرها‬ ‫وبالعين المهملة‪ .‬ورد سمعان الكلبي على رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم وزوّجه ابنته وهي‬ ‫التي تعوّذت من النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم سسسس سكن النواس الشام‪ ،‬وهو معدود منهم وفي صحيح مسلم‬ ‫ن سبته إلى الن صار‪ .‬قال المازري والقا ضي عياض‪ :‬والمشهور أ نه كل بي ولعله حل يف الن صار (قال‪ :‬سألت‬ ‫صسدْرك‬ ‫والثمس مسا حاك فسي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُسسنُ الخلُق‪،‬‬ ‫رسسول ال صسلى ال عليسه وآله وسسلم عسن البر والثسم فقال‪" :‬الب ّر ح ْ‬ ‫ن يطّلع عليه النّاسُ"‪ .‬أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫وكرهتَ أَ ْ‬ ‫قال النووي‪ :‬قال العلماء‪ :‬البر يكون بمعنسى الصسلة وبمعنسى الصسدقة وبمعنسى اللطسف والمسبرة وحسسن الصسحبة‬ ‫والعشرة وبمعنى الطاعة‪ ،‬وهذه المور هي مجامع حسن الخلق‪.‬‬ ‫وقال القاضي عياض‪ :‬حسن الخلق مخالقة الناس بالجميل والبشر والتودد لهم والشفاق عليهم واحتمالهم والحمل‬ ‫عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر والستطالة عليهم ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة‪.‬‬ ‫وحكى فيه خلفا هل هو غريزة أو مكتسب؟ قال‪ :‬والصحيح أن منه ما هو غريزة ومنه ما هو مكتسب بالتخلق‬ ‫والقتداء بغيره‪.‬‬ ‫وقال الشر يف في التعريفات‪ :‬ق يل ح سن الخلق هيئة را سخة ت صدر عن ها الفعال المحمودة ب سهولة وتي سر من‬ ‫غير حاجة إلى إعمال فكر وروية‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬ويجمع حسن الخلق قوله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬طلقة الوجه وكف الذى وبَذلك المعروف حسن الخلق"‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وقوله‪" :‬وال ثم ما حاك في صدرك وكر هت أن يطلع عل يه الناس" أي تحرك الخا طر في صدرك وترددت هل‬ ‫تفعله لكو نه ل لوم ف يه أو تتر كه خش ية اللوم عل يه من ال سبحانه وتعالى و من الناس لو فعل ته فلم ينشرح به‬ ‫الصدر ول حصلت الطمأنينة بفعله خوف كونه ذنبا‪.‬‬ ‫ويف هم م نه أ نه ينب غي ترك ما تردد في إباح ته‪ .‬و في معناه حد يث "دع ما يري بك إلى ما ل يري بك"‪ :‬أخر جه‬ ‫البخاري من حديث الحسن بن علي وفيه دليل على أنه تعالى قد جعل للنفس إدراكا لما ل يحل فعله وزاجرا عن‬ ‫فعله‪.‬‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬إذا كُنتم ثلثةً فل يتناجى اثنانِ دونَ‬ ‫ع ْن ُه قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫ن مَسْعو ٍد رضي ال َ‬ ‫ن اب ِ‬ ‫وع ِ‬ ‫ن ذلك يحزنهُ" مُتفقٌ عليه واللفظ لمسلم‪.‬‬ ‫الخر حتى تختْلطوا بالناس‪ِ ،‬منْ َأجْل أَ ّ‬ ‫(و عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا كن تم ثل ثة فل يتنا جى اثنان)‬ ‫المناجاة المشاورة والم ساورة (دون الخسر ح تى تختلطوا بالناس) وعلله ( من َأجْلِ أَن ْس ذلك يحزنهسُ") من أحزن‬ ‫يحزن مثل أخرج يخرج أو من حزن يحزن بضم الزاي (متفق عليه واللفظ لمسلم)‪.‬‬ ‫فيه النهي عن تناجي الثنان إذا كان معهما ثالث‪ ،‬إل إذا كانوا أكثر من ثلثة لنتفاء العلة التي نص عليها‪ ،‬وهي‬ ‫أنه يحزنه انفراده وإيهام أنه ممن ل يؤهل للسر أو يوهمه أن الخوض من أجله‪.‬‬ ‫ودلت العلة على أنهم إذا كانوا أربعة فل نهي عن انفراد اثنين بالمناجاة لفقد العلة‪ .‬وظاهره عام لجميع الحوال‬ ‫في سفر أو ح ضر‪ ،‬وإل يه ذ هب[اث] ا بن ع مر[‪/‬اث] ومالك وجماه ير العلماء‪ ،‬واد عى بعض هم ن سخه ول دل يل‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫وأما اليات في سورة المجادلة فهي نهي اليهود عن التناجي كما أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد‬ ‫في قوله تعالى‪{ :‬ألم تر إلى الذ ين نهوا عن النجوى} قال‪ :‬اليهود‪ .‬وأخرج ا بن (أ بي) حا تم عن مقا تل بن حيان‬ ‫قال‪" :‬كان بين اليهود وبين النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم موادعة فكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله‪ ،‬أو بما يكره المؤمن فإذا‬ ‫رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم فنهاهم النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم عن النجوى فأنزل ال‪{ :‬ألم تر‬ ‫إلى الذين نهوا عن النجوى}‪.‬‬ ‫ن مجلس ِه ثمّ‬ ‫ع َمرَ رضي الّل ُه عنهما قالَ‪ :‬قالَ رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ل يُقيمُ الرّجلُ الرّجل م ْ‬ ‫وعَن ابن ُ‬ ‫سحُوا وتوسّعوا" ْمتّفقٌ عَليهِ‪.‬‬ ‫يجلس فيه ولكن تف ّ‬ ‫وفي لفظ لمسلم "ل يقيمن" بصيغة النهي مؤكدا لفظ الخبر في هذا الحديث الذي أتى به المصنف في معنى النهي‪.‬‬ ‫وظاهره التحريم‪ ،‬فمن سبق إلى موضع مباح من مسجد أو غيره لصلة أو غيرها من الطاعات فهو أحق به‪،‬‬ ‫ويحرم على غيره أن يقي مه م نه‪ ،‬إل أ نه قد أفاد حد يث " من قام من مجل سه ثم ر جع إل يه ف هو أ حق به" أخر جه‬ ‫مسلم أنه كان إذا كان قد سبق فيه حق لحد بقعوده فيه من مصل أو غيره ثم فارقه لي حاجة ثم عاد وقد قعد‬ ‫فيه أحد أن له أن يقيمه منه‪ .‬وإلى هذا ذهب الهادوية والشافعية وقالوا‪ :‬ل فرق في المسجد بين أن يقوم ويترك‬ ‫فيه سجادة أو نحوها أو ل‪ ،‬فإنه أحق به‪ ،‬قالوا‪ :‬وإنما يكون أحق به في تلك الصلة وحدها دون غيرها‪.‬‬ ‫والحديث يشمل من قعد في موضع مخصوص لتجارة أو حرفة أو غيرهما‪ ،‬قالوا‪ :‬وكذلك من اعتاد في المسجد‬ ‫محل يدرس فيه فهو أحق به‪ ،‬قال المهدي‪ :‬إلى العشي‪ .‬وقال الغزالي‪ :‬إلى البد ما لم يضرب (عنه)‪.‬‬ ‫وأما إذا قام القاعد من محله لغيره فظاهر الحديث جوازه‪ ،‬وروي عن [اث]ابن عمر[‪/‬اث] أنه إذا قام له الرجل‬ ‫من مجلسه ل يقعد فيه‪ ،‬وحمل على أنه تركه تورعا لجواز أنه قام له حياء من غير طيبة نفس‪.‬‬ ‫ن عبّاس رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬إذا أكل أحدكم طعاما فل يمسح َيدَهُ‬ ‫وعن اب ِ‬ ‫حتى يلع َقهَا َأوْ يُلعقها" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم‪" :‬إذا أ كل أحدكُ مْ‬ ‫طعاما فل يمسسح يده ح تى يلعقهسا) بنفسسه (أو يُلْعق ها") غيره‪ .‬الوّل بف تح حرف المضار عة من ل عق‪ ،‬والثانسي‬ ‫بضمه من ألعق (متفق عليه)‪.‬‬ ‫والحديث دليل على عدم تعيين غسل اليد من الطعام وأنه يجزىء مسحها‪ ،‬وفيه دليل على أنه يجب لعق اليد أو‬ ‫إلعاقها الغير وعلله في الحديث‪ :‬بأنه ل يدري في أي طعامه البركة‪ ،‬كما أخرجه مسلم أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫أمر بل عق ال صابع وال صحفة‪ ،‬وقال‪" :‬إن كم ل تدرون في أي طعام كم البر كة" وكذلك أمر صلى ال تعالى عل يه‬ ‫وآله وسلم بالتقاط اللقمة ومسحها وأكلها‪ ،‬كما في رواية لمسلم أيضا بلفظ "إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط ما كان‬ ‫بها من أذى وليأكلها ول يدعها للشيطان"‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وهذه المور من الل عق واللعاق ول عق ال صحفة وأ كل ما ي سقط‪ ،‬ظا هر الوا مر وجوب ها‪ .‬وإلى هذا ذ هب أ بو‬ ‫محمد ابن حزم وقال‪ :‬إنها فرض‪.‬‬ ‫والبر كة‪ :‬هي النماء والزيادة وثبوت الخ ير‪ ،‬والمراد ه نا‪ :‬ما يح صل به التغد ية وت سلم عاقب ته من أذى ويقوي‬ ‫على طاعة ال وغير ذلك‪ .‬وهذه البركة قد تكون في لعق يده أو لعق الصحفة أو أكل ما يسقط من لقمة‪ ،‬وإن‬ ‫كان علل أكل الساقط بأنه ل يدعها للشيطان‪.‬‬ ‫والمراد من قوله‪" :‬يده" هو أ صابع يده الثلث ك ما ورد أ نه صلى ال عل يه وآله و سلم كان يأ كل بثلث أ صابع‪،‬‬ ‫ول يزيد الرابعة والخامسة إل إذا احتاجهما بأن يكون الطعام غير مشتد ونحوه‪ .‬وقد أخرج سعيد بن منصور‪:‬‬ ‫أ نه صلى ال عل يه وآله و سلم كان إذا أ كل أ كل بخ مس‪ .‬و هو مر سل‪ ،‬وف يه دللة على أ نه ل بأس بإلعاق الغ ير‬ ‫أصابعه من زوجة أو خادم وولد وغيرهم‪ ،‬فإن تنجست اللقمة الساقطة فيزيل ما فيها من نجاسة إن أمكن وإل‬ ‫أطعم ها حيوانا ول يدع ها للشيطان‪ ،‬ك ما ذكره النووي بنا ًء على جواز إطعام المتن جس وعل يه إجماع ال مة فعلً‬ ‫خلفا عن سلف وتقدم الكلم في ذلك‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬لي سلّم ال صغير على ال كبير والمارّ‬ ‫ل ر سو ُ‬ ‫و عن أ بي هُريرة ر ضي ال عن هُ قال‪ :‬قا َ‬ ‫على القاعدِ والقلي ُل على الكثير" ُمتّفقٌ عليه‪ ،‬وفي رواية لمسلم‪" :‬والرّاكب على الماشي"‪.‬‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال صلى ال عل يه وعلى آله و سلم‪" :‬لي سلم ال صغير على ال كبير والمارّ‬ ‫على القاعسد والقليسل على الكثيسر"‪ .‬متفسق عليسه‪ ،‬وفسي روايسة لمسسلم) مسن روايسة أبسي هريرة ("والرّاكسب على‬ ‫الماشي")‪.‬‬ ‫بل هو في البخاري‪ ،‬وقال المصنف‪ :‬إنه لم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم فيشكل جعل الحديث‬ ‫من المتفق عليه‪.‬‬ ‫وظاهسر المسر الوجوب‪ ،‬وقال المازري‪ :‬إنسه للندب‪ ،‬قال‪ :‬فلو ترك المأمور بالبتداء فبدأ الخسر كان المأمور‬ ‫تاركا للمستحب والخر فاعلً للسنّة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬والصل في المر الوجوب وكأنه صرفه عنه التفاق على عدم وجوب البداءة بالسلم‪.‬‬ ‫والحديث فيه شرعية ابتداء السلم من الصغير على الكبير‪ .‬قال ابن بطال عن المهلب‪ :‬وإنما شرع للصغير أن‬ ‫يبتدىء ال كبير ل جل حق ال كبير‪ ،‬ول نه أ مر بتوقيره والتوا ضع له‪ ،‬ولو تعارض ال صغر المعنوي والح سي كأن‬ ‫ل قال المصنف‪ :‬لم أ َر فيه نقلً‪ ،‬والذي يظهر اعتبار السن لن الظاهر تقديم الحقيقة على‬ ‫يكون الصغر أعلم مث ً‬ ‫المجاز‪.‬‬ ‫وفيه شرعية ابتداء المارّ بالسلم للقاعد‪ ،‬قال المازري‪ :‬لنه قد يتوقع القاعد منه الشر ول سيما إذ كان راكبا فإذا‬ ‫ابتدأه بالسلم أمن منه وأنس إليه‪ ،‬أو لن في التصرف في الحاجات امتهانا فصار مزية فأمر المارّ بالبتداء‪ ،‬أو‬ ‫لن القاعد يشق عليه مراعاة المارّين من كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة عليه‪.‬‬ ‫وفيسه شرعيسة ابتداء القليسل بالسسلم على الكثيسر‪ .‬وذلك لفضيلة الجماعسة‪ ،‬لو ابتدأوا لخيسف على الواحسد الزهسو‬ ‫فاحتيط له‪ ،‬فلو مر جمع كثير أو مر الكبير على الصغير قال المصنف‪ :‬لم أرَ فيه نصا‪ ،‬واعتبر النووي المرور‬ ‫فقال‪ :‬الوارد يبدأ سواء كان صغيرا أو كبيرا‪.‬‬ ‫وذ كر الماوردي‪ :‬أن من م شى في الشوارع المطرو قة كال سوق أ نه ل ي سلم إل على الب عض‪ ،‬ل نه لو سلم على‬ ‫كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لجله وخرج به عن العرف‪.‬‬ ‫وفيه شرعية ابتداء الراكب على الماشي‪ ،‬وذلك لن للراكب مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأ الراكب‬ ‫بالسسلم احتياطا على الراكسب مسن الزهسو لو حاز الفضيلتيسن‪ ،‬وأمسا إذا تلقسى راكبان أو ماشيان فقسد تكلم فيهسا‬ ‫المازري فقال‪ :‬يبدأ الد نى منه ما على العلى قدرا في الد ين إجللً لفضله‪ ،‬لن فضيلة الد ين مر غب في ها في‬ ‫الشرع‪ ،‬وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الجنس من مركوب الخر كالجمل والفرس فيبدأ‬ ‫راكب الفرس‪ ،‬أو يكت في بالن ظر إلى أعله ما قدرا في الد ين فيبدأ الذي هو أد نى الذي هو فو قه‪ ،‬والثا ني أظ هر‬ ‫كما ل ينظر إلى من يكون أعلهما قدرا من جهة الدنيا إل أن يكون سلطانا يخشى منه‪.‬‬ ‫وإذا تساوى المتلقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالبتداء‪ ،‬وخيرهما الذي يبدأ بالسلم‪ ،‬كما ثبت في حديث‬ ‫المتهاجرين‪ ،‬وقد أخرج البخاري في الدب بسند صحيح من حديث جابر "الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلم‬ ‫ف هو أف ضل" وأخرج ال طبراني ب سند صحيح عن الغرّ المز ني قال‪ :‬قال لي أ بو ب كر‪ :‬ل ي سبقك أ حد بال سلم‪،‬‬ ‫وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة مرفوعا‪" :‬إن أولى الناس بال من بدأ السلم" وقال‪ :‬حسن‪ ،‬والطبراني في‬ ‫حديث "قلنا‪ :‬يا رسول ال إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلم؟ قال‪ :‬أطوعكم ل تعالى"‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬يجزى ُء عن الجما عة إذا َمرّوا أَن يُ سلمَ‬ ‫ع نْ عل يَ ر ضي ال عن ُه قالَ‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫وَ‬ ‫أَحدهمْ‪ ،‬ويجزىءُ عَن الجماعة أَن َي ُردّ أحدهم" روا ُه أَحم ُد والبيهقيّ‪.‬‬ ‫فيه يجزىء تسليم الواحد عن الجماعة ابتداء وردا‪ ،‬قال النووي‪ :‬يستثنى من عموم ابتداء السلم من كان يأكل أو‬ ‫يشرب أو يجامع أو كان في الخلء أو في الحمام أو نائما أو ناعسا أو مصليا أو مؤذنا ما دام متلبسا بشيء مما‬ ‫ذكر إل أن السلم على من كان في الحمام إنما كره إذا لم يكن عليه إزار وإل فل كراهة‪.‬‬ ‫وأما السلم حال الخطبة في الجمعة فيكره للمر بالنصات‪ ،‬فلو سلم لم يجب الرد عليه عند من قال النصات‬ ‫واجب‪ ،‬ويجب عند من قال إنه سنة‪ ،‬وعلى الوجهين ل ينبغي أن يرد أكثر من واحد‪.‬‬ ‫وأ ما المشت غل بقراءة القرآن فقال الواحدي‪ :‬الولى ترك ال سلم عل يه‪ ،‬فإن سلم كفاه الردّ بالشارة وإن ردّ لفظا‬ ‫استأنف الستعاذة وقرأ؛ قال النووي‪ :‬وفيه نظر‪ ،‬والظاهر أنه يشرع السلم عليه ويجب عليه الرد‪.‬‬ ‫ويندب السسلم على مسن دخسل بيتا ليسس فيسه أحسد لقوله تعالى‪{ :‬فإذا دخلتسم بيوتا فسسلموا على أنفسسكم}‪ .‬وأخرج‬ ‫البخاري في الدب المفرد وابن أبي شي بة بإسناد ح سن عن ا بن عمر ر ضي ال عنه‪" :‬يستحب إذا لم ي كن في‬ ‫البيت أحد أن يقول‪ :‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين" وأخرج الطبراني عن ابن عباس نحوه‪:‬‬ ‫فإن ظن المارّ أنه سلم على القا عد ل يرد عليه فإنه يترك ظ نه ويسلم فل عل ظنه يخطىء‪ ،‬فإ نه إن لم يرد عل يه‬ ‫سلمه ردت عليه الملئكة‪ ،‬كما ورد ذلك‪ ،‬وأما من قال‪:‬ل يسلم على من ظن أنه ل يرد عليه لنه يكون سببا‬ ‫لتأثيم الخر فهو كلم غير صحيح‪ ،‬لن المأمورات الشرعية ل تترك بمثل هذا‪ ،‬ذكر معناه النووي‪.‬‬ ‫وقال ا بن دق يق الع يد‪ :‬ل ينب غي أن ي سلم عل يه لن تور يط الم سلم في المع صية أش ّد من م صلحة ال سلم عل يه‪،‬‬ ‫وامتثال حديث المر بالفشاء يحصل مع غير هذا‪ ،‬فإن قيل‪ :‬هل يحسن أن يقول‪ :‬رُ ّد السلم فإنه واجب؟ قيل‪:‬‬ ‫نعم فإنه من المر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب‪ ،‬فإن لم يجب حسن أن يحلله من حق الرد‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ل تبدءُوا اليهودَ والنصارى بالسّلم‪،‬‬ ‫ع ْنهُ قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وعنْ أبي هُريرة رضي ال َ‬ ‫وإذا لقيتموه ْم في طريق فاضطروهمْ إلى أضيقه" أَخرجهُ مسلمٌ‪.‬‬ ‫ذهسب الكثسر إلى أنسه ل يجوز ابتداء اليهود والنصسارى بالسسلم‪ .‬وهسو الذي دل عليسه الحديسث إذ أصسل النهسي‬ ‫التحر يم‪ ،‬وح كي عن ب عض الشافع ية أ نه يجوز البتداء ل هم بال سلم‪ .‬ول كن يقت صر على قول‪ :‬ال سلم علي كم‪،‬‬ ‫وروي ذلك عسن [اث]ابسن عباس[‪/‬اث] وغيره‪ ،‬وحكسى القاضسي عياض عسن جماعسة جواز ذلك لكسن للضرورة‬ ‫والحاجة‪ .‬وبه قال علقمة والوزاعي‪.‬‬ ‫عليس‬ ‫ّ‬ ‫ومسن قال‪ :‬ل يجوز يقول‪ :‬إن سسلم على ذمسي ظنسه مسسلما ثسم بان له أنسه يهودي فينبغسي أن يقول له‪ :‬رد‬ ‫سلمي‪ .‬وروي عن ابن عمر أنه فعل ذلك‪ ،‬والغرض منه أن يوحشه ويظهر له أنه ليس بينهما ألفة‪ .‬وعن مالك‪:‬‬ ‫أنه ل يستحب أن يسترده‪ ،‬واختاره ابن العربي‪.‬‬ ‫فإن ابتدأ الذمي مسلما بالسلم ففي الصحيحين عن أنس مرفوعا "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا‪ :‬وعليكم" وفي‬ ‫ن ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم قال‪" :‬إذا سلم علي كم اليهود إن ما يقول‬ ‫صحيح البخاري عن ا بن ع مر أ ّ‬ ‫أحدهم‪ :‬السام عليكم فقل‪ :‬وعليك" وإلى هذه الرواية بإثبات الواو ذهب طائفة من العلماء‪ ،‬واختار بعضهم حذف‬ ‫الواو لئل يقتضي التشريك وقد قدمنا ذلك‪ ،‬وما ثبت به النص أولى بالتباع‪.‬‬ ‫وقال الخطابسي‪ :‬عامسة المحدثيسن يروون هذا الحرف وعليكسم بالواو‪ ،‬وكان ابسن عيينسة يرويسه بغيسر الواو‪ ،‬وقال‬ ‫الخطابي‪ :‬وهذا هو الصواب‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وحيث ثبتت الرواية بالواو وغيرها فالوجهان جائزان‪ .‬وفي قوله‪" :‬فقولوا‪ :‬وعليك‪ ،‬وقولوا‪ :‬وعليكم" ما يدل‬ ‫على إيجاب الجواب عليهم في السلم‪ ،‬وإليه ذهب عامة العلماء‪ ،‬ويروى عن آخرين أنه ل يرد عليهم‪ .‬والحديث‬ ‫يدفع ما قالوه‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬فاضطروهم إلى أضيقه" دليل على وجوب ردهم عن وسط الطرقات إلى أضيقها‪ ،‬وتقدم فيه الكلم‪.‬‬ ‫حدُكم فلي قل‪ :‬الحمد ل‪ ،‬وليْقلْ ل هُ َأخُو هُ‪:‬‬ ‫وعن ُه ر ضي ال عن ُه عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا عطس َأ َ‬ ‫يرحمك اللّهُ‪ ،‬فإذا قالَ ل ُه يرحمك الّلهُ فليقلُ‪ :‬يهديكم ال ويصلح باَلكُم" أَخرجه البُخاريّ‪.‬‬ ‫(وعنه) أي عن أبي هريرة رضي ال عنه (عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا عَطس أَحدكم فليقل‪ :‬الحمد‬ ‫ل‪ ،‬وليقل لهُ أَخوهُ‪ :‬يرحمك ال فإذا قال له يرحمك ال فليْقل‪ :‬يهديكم ال ويصلح بالكم" أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫تقدم فيه الكلم‪ ،‬ولو أتى به المصنف بعد أول حديث في الباب لكان الصواب‪.‬‬ ‫حدٌ ِمنْكمُ قائما" أَخرجَ ُه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬ل يشرَبنّ َأ َ‬ ‫عنْ ُه رضي الّلهُ عن ُه قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وَ َ‬ ‫‪6‬‬

‫(وعنه) أي عن أبي هريرة رضي ال عنه (قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬ل يشربَنّ أحدٌ منكم‬ ‫قائما"‪ .‬أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫وتمامه "فمن نسي فليستقيء" من القيء‪ ،‬وأخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة‪ :‬أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫ل يشرب قائما فقال‪ " :‬مه"‪ ،‬قال‪ :‬ل مه؟ "أي سرك أن يشرب م عك الهرّ"؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ " :‬قد شرب م عك ما‬ ‫رأى رج ً‬ ‫هو شر منه‪ :‬الشيطان" وفيه راوٍ ل يعرف ووثقه يحيسسسسى بن معين‪.‬‬ ‫والحديث دليل على تحريم الشرب قائما لنه الصل في النهي‪ ،‬وإليه ذهب ابن حزم‪.‬‬ ‫وذهب الجمهور إلى أنه خلف الولى‪ ،‬وآخرون إلى أنه مكروه‪ ،‬كأنهم صرفوه عن ذلك لما في صحيح مسلم‬ ‫من حديث ابن عباس "سقيت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم من زمزم فشرب وهو قائم" وفي صحيح البخاري‬ ‫"أن عليا عليه السلم شرب قائما‪ ،‬وقال‪ :‬رأيت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فعل كما رأيتموني فعلت" فيكون‬ ‫فعله صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم بيانا لكون النهي ليس للتحريم‪.‬‬ ‫وأما قوله‪" :‬فليستقيء" فإنه نقل العلماء على أنه ليس على من شرب قائما أن يستقيء‪ ،‬وكأنهم حملوا المر أيضا‬ ‫على الندب‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا انتعلَ أَحدُكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ‬ ‫عنْ ُه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وعنْ ُه رضي الّل هُ َ‬ ‫ق عليه‪.‬‬ ‫بالشّمال‪ ،‬وَلْتكن اليُمنى أوَّلهُما ُت ْنعَلُ وآخرهُما تنزع" مُتف ٌ‬ ‫(وع نه) أي عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا انت عل أَحدكُم فليبدأ‬ ‫باليم ين وإذا نزع) أي نعله (فليبدأ بالشمال ولت كن اليم نى أوّلهُ ما ُتنْ عل وآخره ما تنزع"‪ .‬أخر جه م سلم) إلى قوله‬ ‫بالشمال‪ ،‬وأخرج باقيه مالك والترمذي وأبو داود‪.‬‬ ‫ظاهسر المسر الوجوب‪ ،‬ولكنسه ادعسى القاضسي عياض الجماع على أنسه للسستحباب‪ .‬قال ابسن العربسي‪ :‬البداءة‬ ‫باليمين مشروعة في جميع العمال الصالحة‪ ،‬لفضل اليمين حسا في القوة‪ ،‬وشرعا في الندب إلى تقديمها‪ .‬قال‬ ‫الحليمي‪ :‬إنما يبدأ بالشمال عند الخلع لن اللبس كرامة‪ ،‬لنه وقاية للبدن‪ ،‬فلما كانت اليمين أكرم من اليسرى بدأ‬ ‫بها في اللبس وأخرت في النزع لتكون الكرام لها أدوم وحصتها منها أكثر‪.‬‬ ‫وقال ا بن ع بد البرّ‪ :‬من بدأ في النتعال بالي سرى أ ساء لمخال فة ال سنّة‪ .‬ول كن ل يحرم عل يه ل بس نعل يه‪ .‬وقال‬ ‫غيره‪ :‬ينب غي أن تنزع الن عل من الي سرى ويبدأ باليم ين‪ ،‬ول عل ا بن عبد البرّ ير يد أ نه ل يشرع له الخلع‪ .‬إذا بدأ‬ ‫باليسسرى ثسم يسستأنف لبسسهما على الترتيسب المشروع لنسه قسد فات محله‪ .‬وهذا الحديسث ل يدل على اسستحباب‬ ‫النتعال‪ .‬لنه قال‪" :‬إذا انتعل أحدكم" ولكنه يدل عليه ما أخرجه مسلم‪" .‬استكثروا من النعال فإن الرجل ل يزال‬ ‫راكبا ما انتعل" أي يشبه الراكب في خفة المشقة وقلة النصب وسلمة الرجل من أذى الطريق‪ ،‬فإن المر إذا لم‬ ‫يحمل على اليجاب فهو للستحباب‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل يمْش أحدكم في نعلٍ واحدةٍ وليُنعلهما جميعا‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫عنْ ُه رضي الّل هُ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫أو ليخلعهُما جميعا" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(وعنه) أي عن أبي هريرة رضي ال عنه (قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬ل يم شِ أحدكم في‬ ‫نعل واحدة ول ُينْعلهما) بضم حرف المضارعة من أنعل كما ضبطه النووي وضمير التثنية للرجلين وإن لم يجر‬ ‫لهما ذكر فإنه قد ذكر ما يدل عليهما من النعل (جميعا َأ ْو ِل َيخْلَعهما) أي النعلين‪ ،‬وفي رواية للبخاري "أو ليحفهما‬ ‫جميعا" وهو للقدمين (جميعا"‪ .‬متفق عليه)‪.‬‬ ‫ظا هر الن هي عن الم شي في ن عل واحدة التحر يم‪ ،‬وحمله الجمهور على الكرا هة‪ ،‬فإن هم جعلوا القري نة حد يث‬ ‫الترمذي عن عائشة قالت‪" :‬ربما انقطع شسع نعل رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فمشى في النعل الواحدة‬ ‫حتى يصلحها" إل أنه رجح البخاري وق فه‪ .‬وقد ذكر رز ين عنها قالت‪" :‬رأيت ر سول ال صلى ال عليه وآله‬ ‫وسلم ينتعل قائما ويمشي في نعل واحدة"‪.‬‬ ‫واختلفوا فسي علة النهسي‪ ،‬فقال قوم‪ :‬علتسه أن النعال شرعست لوقايسة الرجسل عمسا يكون فسي الرض مسن شوك‬ ‫ونحوه‪ ،‬فإذا انفردت إحدى الرجل ين احتاج الما شي أن يتو قى لحدى رجل يه ما ل يتو قى للخرى‪ ،‬فيخرج لذلك‬ ‫عن سجية مشيته‪ ،‬ول يؤمن مع ذلك العثار‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها مشية الشيطان‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬لما في ذلك من الشهر في‬ ‫الملبس‪ .‬وقد ورد في رواية لمسلم‪" :‬إذا انقطع شسع أحدكم فل يمشي في نعل واحدة حتى يصلحها" وتقدم ما‬ ‫يعارضه من حديث عائشة فيحمل على الندب‪.‬‬ ‫وقد ألحق بالنعلين كل لباس شفع كالخفين‪ .‬وقد أخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة‪" :‬ل يمشي أحدكم في نعل‬ ‫واحدة ول خف واحدة" وهو عند مسلم من حديث جابر‪ ،‬وعند أحمد من حديث أبي سعيد‪ ،‬وعند الطبراني من‬ ‫‪7‬‬

‫حد يث ابن عباس‪ .‬وقال الخطابي‪ :‬وكذا إخراج اليد الواحدة من الكم دون الخرى والرتداء على أحد المن كبين‬ ‫دون الخر‪ .‬قلت‪ :‬ول يخفى أن هذا من باب القياس ولم تعلم العلة حتى يلحق بالصل‪ ،‬فالولى القتصار على‬ ‫محل النص‪.‬‬ ‫ظرُ اللّ ُه إلى مَنْ جرّ ثوْب ُه خيلَ"‬ ‫وعن ابن عُمر رضي اللّهُ عنهما قالَ‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ل ين ُ‬ ‫ُمتّفقٌ عَليْهِ‪.‬‬ ‫بضم الخاء المعجمة والمد‪ :‬البطر والكبر‪.‬‬ ‫فسر نفي نظر ال بنظر رحمته إليه أي ل يرحم ال من جرّ ثوبه خيلء سواء كان من النساء أو الرجال‪ .‬وقد‬ ‫فهمت ذلك أم سلمة فقالت عند سماعها الحديث منه صلى ال عليه وآله وسلم‪ :‬فكيف تصنع النساء بذيولهنّ؟ فقال‬ ‫صسلى ال عليسه وآله وسسلم‪" :‬يزدن فيسه شسبرا" قالت‪ :‬إذا تنكشسف أقدامهنّس قال‪" :‬فيرخينسه ذراعا ل يزدن عليسه"‬ ‫أخرجسه النسسائي والترمذي‪ ،‬والمراد بالذراع ذراع اليسد وهسو شسبران باليسد المعتدلة‪ ،‬والمراد جرّ الثوب على‬ ‫الرض وهو الذي يدل له حديث البخاري "ما أسفل من الكعبين من الزار في النار" وتقييد الحديث بالخيلء دال‬ ‫بمفهومه أنه ل يكون من جره غير خيلء داخلً في الوعيد وقد صرح به ما أخرج البخاري وأبو داود والنسائي‬ ‫أنه قال أبو بكر رضي ال عنه لما سمع هذا الحديث‪ :‬إن إزاري يسترخي إل أن أتعاهده‪ ،‬فقال له صلى ال عليه‬ ‫وآله وسلم‪" :‬إنك لست ممن يفعله خيلء" وهو دليل على اعتبار المفاهيم من هذا النوع‪.‬‬ ‫وقال ا بن ع بد البرّ‪ :‬إن جره لغ ير الخيلء مذموم وقال النووي‪ :‬إ نه مكروه وهذا نص الشاف عي‪ .‬و قد صرحت‬ ‫السنة أن أحسن الحالت أن يكون إلى نصف الساق كما أخرجه الترمذي والنسائي عن عبيد بن خالد قال‪" :‬كنت‬ ‫أم شي وعل يّ برد أجرّه فقال لي ر جل‪ :‬ار فع ثو بك فإ نه أب قى وأن قى فنظرت فإذا هو ال نبي صلى ال عل يه وآله‬ ‫و سلم فقلت‪ :‬إن ما هي بردة ملحاء فقال‪ :‬مالك ف يّ أ سوة؟ قال‪ :‬فنظرت فإذا إزاره إلى ن صف ساقيه" وأ ما ما هو‬ ‫دون ذلك فإ نه ل حرج على فاعله إلى الك عبين‪ ،‬و ما دون الك عبين ف هو حرام إن كان للخيلء‪ ،‬وإن كان لغير ها‬ ‫فقال النووي وغيره‪ :‬إ نه مكروه و قد يت جه أن يقال‪ :‬إن كان الثوب على قدر لب سه لك نه ي سدله فإن كان ل عن‬ ‫ق صد كالذي و قع ل بي ب كر ف هو غ ير دا خل في الوع يد‪ ،‬وإن كان الثوب زائدا على قدر لب سه ف هو ممنوع من‬ ‫جهة السراف‪ ،‬محرم لجله ولجل التشبه بالنساء‪ ،‬ولجل أنه ل يأمن أن تتعلق به النجاسة‪.‬‬ ‫وقال ا بن العر بي‪ :‬ل يجوز للر جل أن يجاوز بثو به كع به فيقول‪ :‬ل أجره خيلء لن الن هي قد تناوله لفظا‪ ،‬ول‬ ‫يجوز ل من يتناوله الل فظ أن يخال فه إذ صار حكمه أن يقول ل أمتثله لن تلك العلة ليست ف يّ‪ ،‬فإنها دعوى غير‬ ‫مسلمة بل إطالة ذيله دالة على تكبره ا هسسسس‪.‬‬ ‫وحاصله‪ :‬أن السبال يستلزم جر الثوب‪ ،‬وجر الثوب يستلزم الخيلء ولو لم يقصده اللبس‪ ،‬وقد أخرج ابن منيع‬ ‫عن ا بن ع مر في أثناء حد يث رف عه "إياك وجرّ الزار فإن جر الزار من المخيلة" و قد أخرج ال طبراني من‬ ‫حد يث أ بي أما مة وف يه ق صة لعمرو بن زرارة الن صاري "إن ال ل ي حب الم سبل" والق صة أن أ با أما مة قال‪:‬‬ ‫"بينما نحن مع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذ لحقنا عمرو بن زرارة النصاري في حلة‪ :‬إزار ورداء‪ ،‬وقد‬ ‫أ سبل فجعسل رسسول ال صلى ال عل يه وآله وسسلم يأ خذ بناح ية ثو به ويتواضسع ل ويقول‪ :‬عبدك وا بن عبدك‬ ‫وأمتك‪ ،‬حتى سمعها عمرو فقال‪ :‬يا رسول ال إني حمش الساقين فقال‪ :‬يا عمرو إن ال قد أحسن كل شيء خلقه‬ ‫إن ال ل يحب المسبل"‪.‬‬ ‫وأخرجه الطبري عن عمرو بن زرارة وفيه‪ :‬وضرب رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم أربع أصابع تحت ركبة‬ ‫عمرو وقال‪" :‬يا عمرو هذا موضع الزار" ثم ضرب بأربع أصابع تحت الربع ثم قال‪" :‬يا عمرو وهذا موضع‬ ‫الزار" الحديث ورجاله ثقات‪.‬‬ ‫وح كم غ ير الثوب والزار حكمه ما‪ ،‬وكذلك ل ما سأل شع بة محارب بن دثار قال شع بة‪ :‬أذ كر الزار؟ قال‪ :‬ما‬ ‫خص إزارا ول قميصا‪ .‬ومقصوده أن التعبير بالثوب يشمل الزار وغيره‪ ،‬وأخرج أهل السنن إل الترمذي عن‬ ‫ابن عمر عن أبيه عن النبي صلى ال عليه وآله وسلم قال‪" :‬السبال في الزار والقميص والعمامة‪ .‬من جر منها‬ ‫شيئا خيلء لم ينظر ال إليه يوم القيامة" وإن كان في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وفيه مقال‪.‬‬ ‫قال ابن بطال‪ :‬وإسبال العمامة المراد به إرسال العذبة زائدا على ما جرت به العادة‪ .‬وأخرج النسائي من حديث‬ ‫عمرو بن أمية أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم أرخى طرف عمامته بين كتفيه‪ .‬وكذا تطويل أكمام القميص‬ ‫زيادة على المعتاد كما يفعله بعض أهل الحجاز إسبال محرم‪ .‬وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما‬ ‫‪8‬‬

‫زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة‪ .‬قلت‪ :‬وينبغي أن يراد في المعتاد ما كان في عصر‬ ‫النبوة‪.‬‬ ‫ع ْنهُ أنّ رسُولَ الّل ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال‪" :‬إذا أكَل أحدُكم فَ ْليَأكُلْ بيمينهِ وإذا شرب فليشرَبْ‬ ‫عنْ ُه رضي الّلهُ َ‬ ‫وَ‬ ‫بيمينهِ؛ فإنّ الشيطان يأكلُ بشمالِهِ ويشربُ بشمالِهِ" أَخرجَهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫(وعنه) أي عن ابن عمر رضي ال عنه (أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إذا أَكل أحدكُ مْ فليأكُلْ بيمينه‬ ‫ب بشماله" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫ن يأكُلُ بشماله ويشر ُ‬ ‫ن الشيطا َ‬ ‫وإذا شرب فليشربْ بيمينه فإ ّ‬ ‫الحد يث دل يل على تحر يم ال كل والشرب بالشمال‪ ،‬فإ نه علله بأ نه ف عل الشيطان وخل قه‪ ،‬والم سلم مأمور بتج نب‬ ‫طريسق أهسل الفسسق فضلً عسن الشيطان‪ .‬وذهسب الجمهور إلى أنسه يسستحب الكسل باليميسن والشرب بهسا ل أنسه‬ ‫بالشمال محرم وقد زاد نافع‪ :‬الخذ والعطاء‪.‬‬ ‫ل ر سول اللّ ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬كُلْ‬ ‫جدّه ر ضي ال عن هم قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ع نْ أَبي هِ عَ ْ‬ ‫ع نْ عمرو بن شُعي بٍ َ‬ ‫وَ‬ ‫واشرب وا ْلبَس وتَصدّقْ في غير سَ َرفٍ ول َمخِيلةٍ" أَخرج ُه أَبو داود وأَحمد وعلّق ُه البُخاريّ‪.‬‬ ‫(وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي ال عنهم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬كلْ‬ ‫غيْر سرَف ول مخيلة") بالخاء المعجمة ومثناة تحتية وزن عظيمة‪ :‬التكبر (أخرجه‬ ‫واشر بْ والْبس وتص ّدقْ في َ‬ ‫أبو داود وأحمد وعلقه البخاري)‪.‬‬ ‫دل على تحريم السراف في المأكل والمشرب والملبس والتصدق‪ .‬وحقيقة السراف مجاوزة الحد في كل فعل‬ ‫أو قول وهو في النفاق أشهر‪ ،‬والحديث مأخوذ من قوله تعالى‪{ :‬كلوا واشربوا ول تسرفوا} وفيه تحريم الخيلء‬ ‫والكبر‪.‬‬ ‫قال عبد اللطيف البغدادي‪ :‬هذا الحديث جامع لفضائل تدبير النسان نفسه‪ .‬وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬فإن السرف في كل شيء مضر بالجسد ومضر بالمعيشة‪ ،‬ويؤدي إلى التلف‪ ،‬فيضر بالنفس إذ‬ ‫كانت تابع ًة للجسد في أكثر الحوال‪ ،‬والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب‪ ،‬وتضر بالخرة حيث تكسب‬ ‫الثم‪ ،‬وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس‪ .‬وقد علق البخاري عن[اث] ابن عباس[‪/‬اث]‪" :‬كل ما شئت واشرب‬ ‫ما شئت ما أخطأتك اثنتان‪ :‬سرف ومخيلة"‪.‬‬ ‫باب البــر والصلــة‬ ‫البِر‪ :‬بكسر الموحدة هو التوسع في فعل الخير‪ .‬والبر بفتحها التوسع في الخيرات وهو من صفات ال تعالى‪.‬‬ ‫وال صِلة‪ :‬بك سر ال صاد المهملة م صدر و صله كوعده‪ ،‬في النها ية‪ :‬تكرر في الحد يث ذ كر صلة الرحام و هي‬ ‫كنا ية عن الح سان إلى القربين من ذوي الن سب وال صهار والتع طف علي هم والر فق بهم والرعا ية لحوال هم‪،‬‬ ‫وكذلك إن تعدّوا وأساءوا‪ ،‬وضد ذلك قطيعة الرحم‪ .‬ا هسسسس‪.‬‬ ‫ن أبي هُريرة رضي الّلهُ عن ُه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم‪" :‬مَنْ َأحَبّ أَن ُيبْسَطَ ل ُه في رزقهِ‪ ،‬وأَنْ‬ ‫عْ‬ ‫ُي ْنسَأ في أَثره فَلْيصلْ َرحِمَهُ" أَخرجه البُخاري‪.‬‬ ‫(عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬من أحبّ أن يبسط) مغير صيغته‪:‬‬ ‫ن يُنسأَ ل هُ) مثله في ضبطه‪ .‬بالسين المهملة مخففة أي يؤخر له‬ ‫أي يبسط ال (ل ُه في رزْق هِ) أي يوسع له فيه (وأَ ْ‬ ‫(في أَثرهِ) بفتح الهمزة والمثلثة فراء أي أجله (فليصل رحمهُ" أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫وأخرج الترمذي عن[اث] أبي هريرة[‪/‬اث]‪" :‬أن صلة الرحم محبة في الهل مثراة في المال منسأة في الجل"‬ ‫وأخرج أحمسد عسن عائشسة رضسي ال عنهسا مرفوعا "صسلة الرحسم وحسسن الجوار يعمران الديار ويزيدان فسي‬ ‫العمار" وأخرج أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا "إن الصدقة وصلة الرحم يزيد ال بهما في العمر ويدفع بهما‬ ‫ميتة السوء" وفي سنده ضعف‪.‬‬ ‫قال ابن التين‪ :‬ظاهر الحديث أي حديث البخاري معارض لقوله تعالى‪{ :‬فأذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول‬ ‫يستقدمون} قال‪ :‬والجمع بينهما من وجهين‪.‬‬ ‫أحدهما‪ :‬أن الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة‪ ،‬وعمارة وقته بما ينفعه في الخرة‪،‬‬ ‫وصيانته عن تضييعه في غير ذلك‪ ،‬ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى ال عل يه وآله وسلم تقا صر أعمار أم ته‬ ‫بالنسبة إلى أعمار من مضى من المم فأعطاه ال ليلة القدر‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطا عة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم‬ ‫يمت‪ .‬ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده بتأليف ونحوه‪ ،‬والصدقة الجارية عليه‪،‬‬ ‫والخلف الصالح‪.‬‬ ‫وثانيه ما‪ :‬أن الزيادة على حقيقت ها وذلك بالن سبة إلى علم الملك المو كل بالع مر‪ ،‬والذي في ال ية بالن سبة إلى علم‬ ‫ال كأن يقال للملك مثلً‪ :‬إن عمر فلن مائة إن وصل رحمه وإن قطعها فستون وقود سبق في علمه أنه يصل‬ ‫أو يق طع‪ ،‬فالذي في علم ال ل يتقدم ول يتأ خر والذي في علم الملك هو الذي يم كن ف يه الزيادة والن قص‪ ،‬وإل يه‬ ‫الشارة بقوله تعالى‪{ :‬يمحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} ولكن الرجل تكون له الذرّية الصالحة يدعون‬ ‫له من بعده" وأخرجه في الكبير مرفوعا من طريق أخرى‪.‬‬ ‫وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الفات عن صاحب البر في فهمه وعقله‪ ،‬قال غيره‪ :‬في أعم من‬ ‫ذلك وفي علمه ورزقه‪.‬‬ ‫ل على ال‬ ‫ولبسن القيسم فسي كتاب الداء والدواء كلم يقضسي بأن مدة حياة العبسد وعمره هسي مهمسا كان قلبسه مقب ً‬ ‫ذاكرا له مطيعا غير عاص فهذه هي عمره‪.‬‬ ‫ومتى أعرض القلب عن ال تعالى واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياة عمره‪ ،‬فعلى هذا معنى أنه ينسأ له‬ ‫في أجله أي يعمر ال قلبه بذكره وأوقاته بطاعته‪ ،‬ويأتي تحقيق صلة الرحم في شرح قوله‪:‬‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل يدخلُ الجنّ َة قاط عٌ" يعْ ني‬ ‫وَعَن جُبير بن مط عم ر ضي اللّ ُه عن هُ قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫قاطع رحم‪ .‬مُتفقٌ عََل ْيهِ‪.‬‬ ‫وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة يرفعه "ما من ذنب أجدر أن يعجل ال لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما‬ ‫ادّخر له في الخرة من قطيعة الرحم" وأخرج البخاري في الدب المفرد من حديث أبي هريرة يرفعه "إن أعمال‬ ‫أم تي تعرض عش ية الخم يس ليلة الجم عة فل يق بل ع مل قا طع ر حم" وأخرج ف يه من حد يث ا بن أ بي أو فى "إن‬ ‫الرحمة ل تنزل على قوم فيهم قاطع رحم" وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود "إن أبواب السماء مغلقة دون‬ ‫قاطع الرحم"‪.‬‬ ‫واعلم أ نه اختلف العلماء في حدّ الر حم ال تي ت جب صلتها‪ ،‬فق يل‪ :‬هي ال تي يحرم النكاح بينه ما بح يث لو كان‬ ‫أحدهمسا ذكرا حرم على الخسر‪ .‬فعلى هذا ل يدخسل أولد العمام ول أولد الخوال‪ .‬واحتسج هذا القائل بتحريسم‬ ‫الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬هو من كان متصلً بميراث‪ .‬ويدل عليه قوله صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬ثم أدناك"‪ ،‬وقيل‪ :‬من‬ ‫كان بينه وبين الخر قرابة سواء كان يرثه أولً‪.‬‬ ‫ثم صلة الر حم ك ما قال القا ضي عياض‪ :‬درجات بعض ها أف ضل من ب عض‪ ،‬وأدنا ها ترك المهاجرة و صلتها‬ ‫بالكلم ولو بالسسلم‪ ،‬ويختلف ذلك باختلف القدرة والحاجسة‪ ،‬فمنهسا واجسب‪ ،‬ومنهسا مسستحب‪ ،‬فلو وصسل بعسض‬ ‫الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا‪ ،‬ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لم يسم واصلً‪.‬‬ ‫وقال القرطبي‪ :‬الرحم التي توصل عامة وخاصة؛ فالعامة رحم الدين‪ ،‬وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل‬ ‫والنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة‪ .‬والرحم الخاصة‪ :‬تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل‬ ‫عن زلته‪.‬‬ ‫وقال ابن أبي جمرة‪ :‬المعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة‪ ،‬وهذا في‬ ‫حق المؤمنين‪ .‬وأما الكفار والفساق فتجب المقاطعة لهم إذا لم تنفع الموعظة‪.‬‬ ‫واختلف العلماء أيضا بأي ش يء تح صل القطي عة للر حم‪ ،‬فقال الز ين العرا قي‪ :‬تكون بال ساءة إلى الر حم؛ وقال‬ ‫غيره‪ :‬تكون بترك الحسان‪ ،‬لن الحاديث آمرة بالصلة ناهية عن القطيعة فل واسطة بينهما‪ ،‬والصلة نوع من‬ ‫الحسان كما فسرها بذلك غير واحد‪ ،‬والقطيعة ضدها وهي ترك الحسان‪.‬‬ ‫وأما ما أخرجه الترمذي من قوله صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل‬ ‫الذي إذا قطعت رحمه وصلها" فإنه ظاهر في أن الصلة إنما هي ما كان للقاطع صلة رحمه‪ .‬وهذا على رواية‬ ‫قُطع تْ بالبناء للفا عل و هي روا ية‪ ،‬فقال ا بن العر بي في شر حه‪ :‬المراد الكاملة في ال صلة‪ .‬وقال الط يبي‪ :‬معناه‬ ‫ليس حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافىء صاحبه بمثل فعله ولكنه من يتفضل على صاحبه‪.‬‬ ‫وقال المصنف‪ :‬ل يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع فهم ثلث درجات واصل ومكافىء وقاطع‪ ،‬فالواصل‪ :‬هو‬ ‫الذي يتفضسل ول يتفضسل عليسه‪ ،‬والمكافىء‪ :‬هسو الذي ل يزيسد فسي العطاء على مسا يأخذه‪ ،‬والقاطسع‪ :‬الذي ل‬ ‫يتفضل عليه ول يتفضل‪ .‬قال الشارح‪ :‬وبالولى من يتفضل عليه ول يتفضل أنه قاطع‪ ،‬قال المصنف‪ :‬وكما تقع‬ ‫‪10‬‬

‫المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ فهو القاطع فإن جوزي سمي من جازاه‬ ‫مكافئا‪.‬‬ ‫حرّ مَ عََليْ كم عُقُوق‬ ‫شعْب َة ر ضي اللّ هُ عن هُ أنّ ر سول اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬إنّ اللّ َه َ‬ ‫و عن المُغيرة ب نِ ُ‬ ‫المهات‪ ،‬ووَأدَ البنات‪َ ،‬و َمنْعا وَهَات‪ ،‬وكرهَ ل ُكمْ قيلَ وقالَ‪ ،‬وكثرةَ السّؤال‪ ،‬وإضاع َة المالِ" ُمتّفقٌ عَليه‪.‬‬ ‫المهات‪ :‬جمع أمهة لغة في الم‪ ،‬ول تطلق إل على من يعقل بخلف أم فإنها نعم‪ ،‬وإنما خصت الم هنا إظهارا‬ ‫لعظم حقها وإل فالب محرم عقوقه‪.‬‬ ‫وضابط العقوق المحرّم كما نقل خلصته عن البلقيني وهو‪ :‬أن يحصل من الولد للبوين أو أحدهما إيذاء ليس‬ ‫باله ين عرفا‪ ،‬فيخرج من هذا ما إذا ح صل من البو ين أ مر أو ن هي فخالفه ما ب ما ل يعدّ في العرف مخالف ته‬ ‫عقوقا‪ ،‬فل يكون ذلك عقوقا‪ ،‬وكذلك لو كان مثلً على أبويسن ديسن للولد أو حسق شرعسي فرافعسه إلى الحاكسم فل‬ ‫يكون ذلك عقوقا‪ ،‬كما وقع من بعض أولد الصحابة شكاية الب إلى النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‬ ‫في احتياجه لماله‪ ،‬فلم يعدّ النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم شكايته عقوقا‪ :‬قلت‪ :‬في هذا تأمل فإن قوله‬ ‫صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬أنت ومالك لبيك" دليل على نهيه عن منع أبيه عن ماله وعن شكايته‪.‬‬ ‫ثم قال صاحب الضابط‪ :‬فعلى هذا العقوق أن يؤذي الولد أحد أبويه بما لو فعله مع غير أبويه كان محرما من‬ ‫جملة الصغائر‪ ،‬فيكون في حق البوين كبيرة‪ ،‬أو مخالفة المر أو النهي فيما يدخل فيه الخوف على الولد من‬ ‫فوات نف سه أو ع ضو من أعضائه في غ ير الجهاد الوا جب عل يه‪ ،‬أو مخالفته ما في سفر ي شق عليه ما‪ ،‬ول يس‬ ‫بفرض على الولد أو في غي بة طويلة في ما ل يس لطلب علم نا فع أو ك سب‪ ،‬أو ترك تعظ يم الوالد ين فإ نه لو قدم‬ ‫عل يه أحده ما ولم ي قم إل يه‪ ،‬أو قطب في وج هه فإن هذا وإن لم ي كن في حق الغير معصية ف هو عقوق في حق‬ ‫البوين‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬ووأد البنات" بسكون الهمزة وهو دفن البنات حية وهو محرم‪ ،‬وخص البنات لنه الواقع من العرب فإنهم‬ ‫كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية كراهة لهن‪ .‬يقال‪ :‬أوّل من فعله قيس بن عاصم التيمي‪ ،‬وكان من العرب من يقتل‬ ‫أولده مطلقا خشية الفاقة والنفقة‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬منعا وهات" الم نع م صدر من م نع يم نع والمراد م نع ما أ مر ال أن ل يم نع‪ ،‬وهات ف عل أ مر مجزوم‬ ‫والمراد النهي عن طلب ما ل يستحق طلبه‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬وكره ل كم ق يل وقال" يروى بغ ير تنو ين حكا ية لل فظ الف عل‪ .‬وروي منونا و هي روا ية في البخاري "قيلً‬ ‫وقالً"‪ ،‬على الن قل من الفعل ية إلى ال سمية‪ ،‬والول أك ثر‪ ،‬والمراد به ن قل الكلم الذي ي سمعه إلى غيره‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ق يل كذا وكذا بغ ير تعي ين القائل‪ ،‬وقال فلن كذا وكذا‪ .‬وإن ما ن هي ع نه ل نه من الشتغال ب ما ل يع ني المتكلم‬ ‫لكونه قد يتضمن الغيبة والنميمة والكذب ول سيما مع الكثار من ذلك قلما يخلو عنه‪.‬‬ ‫وقال المحسب الطسبري‪ :‬فيسه ثلثسة أوجسه؛ أحدهسا‪ :‬أنهمسا مصسدران للقول تقول‪ :‬قلت قولً وقيلً‪ .‬وفسي الحديسث‬ ‫الشارة إلى كرا هة كثرة الكلم‪ ،‬ثاني ها‪ :‬إرادة حكا ية أقاو يل الناس والب حث عن ها لت خبر عن ها‪ ،‬فتقول‪ :‬قال فلن‬ ‫كذا وق يل له كذا‪ .‬والن هي ع نه إ ما للز جر عن ال ستكثار م نه وإ ما ل ما يكر هه المح كي ع نه‪ .‬ثالث ها‪ :‬أن ذلك في‬ ‫حكاية الختلف في أمور الدين كقوله‪ :‬قال فلن كذا وقال فلن كذا ومحل كراهة ذلك في أن يكثر منه بحيث ل‬ ‫يأمن من الزلل‪ ،‬وهو في حق من ينقل بغير تثبت في نقله لما يسمعه ول يحتاط له‪ ،‬ويؤيد هذا الحديث الصحيح‬ ‫"كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع" أخرجه مسلم‪ .‬قلت‪ :‬ويحتمل إرادة كل من الثلثة‪.‬‬ ‫وقوله "وكثرة ال سؤال" هو ال سؤال للمال‪ ،‬أو عن المشكلت من الم سائل‪ ،‬أو مجموع المر ين و هو أولى؛ وتقدّم‬ ‫في الزكاة تحريم مسألة المال وقد نهى عن الغلوطات‪ .‬أخرجه أبو داود وهي‪ :‬المسائل التي يغلط بها العلماء‬ ‫ليزلوا فينتج بذلك شر وفتنة‪ .‬وإنما نهي عنها لكونها غير نافعة في الدين ول يكاد أن يكون إل فيما ل ينفع‪.‬‬ ‫وقد ثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر وقوعها جدا‪ ،‬لما في ذلك‬ ‫من التنطع والقول بالظن الذي ل يخلو صاحبه عن الخطأ‪ .‬وقيل‪ :‬كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان‬ ‫وكثرة سؤال إنسان معين عن تفاصيل حاله وكان مما يكرهه المسؤول‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬وإضا عة المال" المتبادر من الضا عة‪ :‬ما لم ي كن لغرض دي ني ول دنيوي‪ .‬وق يل‪ :‬هو ال سراف في‬ ‫النفاق‪ .‬وقيده بعض هم بالنفاق في الحرام‪ ،‬ور جح الم صنف أ نه ما أن فق في غ ير وجو هه المأذون في ها شرعا‬ ‫سواء كانت دينية أو دنيوية لن ال تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد وفي التبذير تفويت تلك المصالح إما‬ ‫في حق صاحب المال أو في حق غيره‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫قال‪ :‬والحاصسل أن فسي كثرة النفاق ثلثسة وجوه؛ الول‪ :‬النفاق فسي الوجوه المذمومسة شرعا ول شسك فسي‬ ‫تحريمه‪.‬‬ ‫الثا ني‪ :‬النفاق في الوجوه المحمودة شرعا ول شك في كو نه مطلوبا ما لم يفوت حقا آخر أ هم من ذلك المن فق‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬النفاق في المباحات وهو منقسم إلى قسمين؛ أحدهما‪ :‬أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله‬ ‫فهذا ليس بإضاعة ول إسراف‪ .‬والثاني‪ :‬فيما ل يليق به عرفا فإن كان لدفع مفسدة إما حاضرة أو متوقعة فذلك‬ ‫ليس بإسراف‪ ،‬وإن لم يكن كذلك فالجمهور على أنه إسراف‪.‬‬ ‫قال ابن دقيق العيد‪ :‬ظاهر القرآن أنه إسراف وصرح بذلك القاضي ح سين فقال في قسم الصدقات‪ :‬هو حرام‬ ‫وتب عه الغزالي وجزم به الراف عي في الكلم على الغارم‪ ،‬وقال البا جي من المالك ية‪ :‬إ نه يحرم ا ستيعاب جم يع‬ ‫المال بال صدقة‪ ،‬قال‪ :‬ويكره كثرة إنفا قه في م صالح الدن يا ول بأس به إذا و قع نادرا لحادث كض يف أو ع يد أو‬ ‫وليمة‪.‬‬ ‫والتفاق على كراهسة النفاق فسي البناء الزائد على قدر الحاجسة ول سسيما إن انضاف إلى ذلك المبالغسة فسي‬ ‫الزخرف‪ ،‬وكذلك احتمال الغبن الفاحش في المبايعات بل سبب‪ .‬وقال السبكي في الحلبيات‪ :‬وأما إنفاق المال في‬ ‫الملذّ المباح ف هو موضسع اختلف وظا هر قوله تعالى‪{ :‬والذ ين إذا أنفقوا لم يسسرفوا ولم يقتروا وكان ب ين ذلك‬ ‫قواما} ‪،‬أن الزائد الذي ل يليسق بحال المنفسق إسسراف‪ .‬ومسن بذل مالً كثيرا فسي عرض يسسير فإنسه يعده العقلء‬ ‫مضيعا انتهى‪ .‬وقد تقدم الكلم في الزكاة على التصديق بجميع المال بما فيه كفاية‪.‬‬ ‫[رح] سسسس وعن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهُما عن النّبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قال‪" :‬رِضى‬ ‫خطِ الوالدين"‪ .‬أخرجه الترمذي‪ ،‬وصحّحه ابنُ حبان‪ ،‬والحاكم‪.‬‬ ‫سْ‬ ‫خطُ ال في َ‬ ‫سْ‬ ‫ال في رِضى الوالِدين‪ ،‬و َ‬ ‫ن العاص ر ضي ال عنه ما عن ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪ :‬رِ ضا ال في رِ ضا‬ ‫عمْرو ب ِ‬ ‫و عن عب ُد ال بن َ‬ ‫الوالدين وسخط ال في سخط الوالدين‪ .‬أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم‪.‬‬ ‫الحديسث دليسل على وجوب إرضاء الوالد لوالديسه وتحريسم إسسخاطهما فإن الول فيسه مرضاة ال‪ ،‬والثانسي فيسه‬ ‫سخطه فيقدم رضاه ما على ف عل ما ي جب عل يه من فروض الكاف ية ك ما في حد يث ا بن ع مر "أ نه جاء ر جل‬ ‫يستأذنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في الجهاد فقال‪ :‬أحي والداك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال ففيهما فجاهد"‪ ،‬وأخرج أبو داود من‬ ‫حد يث أ بي سعيد "أن رجلً ها جر إلى ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم من الي من فقال‪ :‬يا ر سول ال إ ني قد‬ ‫هاجرتقال‪ :‬هل لك أ هل بالي من؟ فقال‪ :‬أبواي‪ ،‬قال‪ :‬أذ نا لك؟ قال‪ :‬ل قال‪ :‬فار جع فا ستأذنهما فإن أذ نا لك فجا هد‬ ‫وإل فبرهما" وفي إسناده مختلف فيه وكذلك غير الجهاد من الواجبات‪.‬‬ ‫وإليه ذهب جماعة من العلماء كالمير حسين ذكره في الشفاء والشافعي فقالوا‪ :‬يتعين ترك الجهاد إذا لم يرض‬ ‫البوان إل فرض الع ين كال صلة فإن ها تقدم وإن ل من يرض ب ها البوان بالجماع‪ .‬وذ هب الك ثر لى أ نه يجوز‬ ‫فعسل فرض الكفايسة والمندوب وإن لم يرض البوان مسا لم يتضرر بسسبب فقسد الولد‪ ،‬وحملوا الحاديسث على‬ ‫المبالغة في حق الوالدين وأنه يتبع رضاهما ما لم يكن في ذلك سخط ال كما قال تعالى {وإن جاهداك على أن‬ ‫تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}‬ ‫قلت‪ :‬الية إنما هي فيما إذا حمله على الشرك ومثله غيره من الكبائر‪ ،‬وفيه دللة على أنه ل يطيعهما في ترك‬ ‫فرض الكفاية والعين‪ ،‬لكن الجماع خصص فرض العين‪.‬‬ ‫وأما إذا تعارض حق الب وحق الم فحق الم مقدم لحديث البخاري "قال رجل‪ :‬يا رسول ال من أحق بحسن‬ ‫صحبتي؟ قال‪ :‬أمك سسسس ثلث مرات سسسس ثم قال‪ :‬أبوك" فإنه دل على تقديم رضا الم على رضا الب‪.‬‬ ‫قال ابسن بطال‪ :‬مقتضاه أن يكون للم ثلث أمثال مسا للب قال‪ :‬وكأن ذلك لصسعوبة الحمسل ثسم الوضسع ثسم‬ ‫الرضاع‪ .‬قلت‪ :‬وإل يه الشارة بقوله تعالى‪{ :‬وو صينا الن سان بوالد يه إح سانا حمل ته أ مه كرها ووضع ته كرها}‬ ‫ومثلها‪{ :‬حملته أمه وهنا على وهن}‪.‬‬ ‫قال القا ضي عياض‪ :‬ذ هب الجمهور إلى أن الم تف ضل على الب فسي البر‪ ،‬ون قل الحارث المحا سبي الجماع‬ ‫على هذا‪ ،‬واختلفوا في الخ والجد من أحق ببره منهما؟ فقال القاضي‪ :‬الكثر الجد وجزم به الشافعية‪ .‬ويقدم من‬ ‫أدلى ب سببين على من أدلى ب سبب‪ ،‬ثم القرا بة من ذوي الر حم‪ ،‬ويقدم من هم المحارم على من ل يس بمحرم‪ ،‬ثم‬ ‫العصبات‪ ،‬ثم المصاهرة‪ ،‬ثم الولء‪ ،‬ثم الجار‪ ،‬وأشار ابن بطال إلى أن الترتيب حيث ل يمكن البر دفعة واحدة‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫وورد في تقديم الزوج ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة "سألت النبي صلى ال عليه‬ ‫وآله وسسلم أي الناس أعظسم حقا على المرأة قال‪ :‬زوجهسا‪ ،‬قلت‪ :‬فعلى الرجسل؟ قال‪ :‬أمسه" ولعسل مثسل هذا‬ ‫مخصوص بما إذا حصل التضرر للوالدين فإنه يقدم حقهما على حق الزوج جميعا بين الحاديث‪.‬‬ ‫ع ْبدٌ حتى يحبّ لجارهِ‬ ‫ن النّبي صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم قال‪" :‬والذي نفسي بيد ِه ل يؤمنُ َ‬ ‫س رضي اللّهُ عنهُ ع ِ‬ ‫عنْ أَن ٍ‬ ‫وَ‬ ‫ب لِنفسِهِ" ُمتّفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬ ‫أَو لخيه ما يح ّ‬ ‫الحديث وقع في لفظ مسلم بالشك في قوله لخيه أو لجاره‪ .‬ووقع في البخاري لخيه بغير شك‪.‬‬ ‫الحديث دليل على عظم حق الجار والخ‪ ،‬وفيه نفي اليمان عمن ل يحب لهما ما يحب لنفسه‪ ،‬وتأوله العلماء‬ ‫بأن المراد منه نفي كمال اليمان؛ إذ قد علم من قواعد الشريعة أن من لم يتصف بذلك ل يخرج عن اليمان‪.‬‬ ‫وأطلق المحبوب ولم يعين‪ .‬وقد عينه ما في رواية النسائي في هذا الحديث لفظ "حتى يحب لخيه من الخير ما‬ ‫يحب لنفسه" قال العلماء‪ :‬والمراد من الطاعات والمور المباحة‪.‬‬ ‫قال ابن الصلح‪ :‬وهذا قد يعد من الصعب الممتنع‪ ،‬وليس كذلك إذ معناه ل يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لخيه‬ ‫في السلم ما يحب لنفسه من الخير‪ .‬والقيام بذلك يحصل بأن يحب له مثل حصوله ذلك من جهة ل يزاحمه‬ ‫فيها بحيث ل تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه‪ ،‬وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب‬ ‫الدغل‪ .‬عافانا ال وإخواننا أجمعين ا هسسسس‪.‬‬ ‫هذا على رواية الخ‪ .‬ورواية الجار عامة للمسلم والكافر والفاسق والصديق والعدو والقريب والجنبي والقرب‬ ‫جوارا والبعد‪ ،‬فمن اجتمعت فيه الصفات الموجبة لمحبة الخير له فهو في أعلى المراتب‪ ،‬ومن كان فيه أكثرها‬ ‫فهو لحق به وهلم جرا إلى الخصلة الواحدة فيعطي كل ذي حق حقه بحسب حاله‪.‬‬ ‫وقد أخرج الطبراني من حديث جابر "الجيران ثلثة‪ :‬جار له حق وهو المشرك له حق الجوار‪ ،‬وجار له حقان‬ ‫وهسو المسسلم له حسق الجوار وحسق السسلم وجار له ثلثسة حقوق جار مسسلم له رحسم له حسق السسلم والرحسم‬ ‫والجوار" وأخرج البخاري في الدب المفرد أن عبد ال بن عمر ذ بح شاة فأهدى منها لجاره اليهودي‪ .‬فإن كان‬ ‫الجار أخا أ حب له ما ي حب لنف سه‪ ،‬وإن كان كافرا أ حب له الدخول في اليمان مع ما ي حب لنف سه من المنا فع‬ ‫بشرط اليمان‪.‬‬ ‫قال الشيخ محمد بن أبي جمرة‪ :‬حفظ حق الجار من كمال اليمان والضرار به من الكبائر لقوله صلى ال عليه‬ ‫وآله وسسلم‪" :‬مسن كان يؤمسن بال واليوم الخسر فل يؤ ِذ جاره" قال‪ :‬ويفترق الحال فسي ذلك بالنسسبة إلى الجار‬ ‫الصالح وغيره‪ .‬والذي يشمل الجميع إرادة الخير وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الضرار له إل‬ ‫في الموضع الذي يحل له الضرار بالقول والفعل‪ .‬والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم‪ ،‬وغير الصالح كفه‬ ‫عن الذى وأمره بالح سنى على ح سب مرا تب ال مر بالمعروف والن هي عن المن كر‪ ،‬والكا فر يعرض ال سلم‬ ‫عليه والترغيب فيه برفق‪ .‬والفاسق يعظه بما يناسبه بالرفق ويستر عليه زلته وينهاه بالرفق فإن نفع وإل هجره‬ ‫قاصدا تأديبه بذلك مع إعلمه بالسبب ليكف‪.‬‬ ‫ويقدّم ع ند التعارض من كان أقرب إل يه بابا ك ما في حد يث عائ شة‪ " :‬يا ر سول ال إن لي جار ين فإلى أيه ما‬ ‫أهدي؟ قال‪ :‬إلى أقربهما بابا" أخرجه البخاري‪ ،‬والحكمة فيه أن القرب بابا يرى ما يدخل بيت جاره من هدية‬ ‫وغيرهسا فيتشوف له بخلف البعسد‪ .‬وتقدم أن حسد الجار أربعون دارا مسن كسل جهسة‪ ،‬وجاء عن[اث] علي[‪/‬اث]‬ ‫عليه السلم‪" :‬من سمع النداء فهو جار" وقيل‪ :‬من صلى معك صلة الصبح في المسجد فهو جار‪.‬‬ ‫ن تجعَل‬ ‫ت رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬أَي الذّن بِ َأعْظ مُ؟ قالَ‪" :‬أَ ْ‬ ‫ن مَ سْعودٍ رضي ال عن هُ قال‪ :‬سأل ُ‬ ‫ع نْ اب ِ‬ ‫وَ‬ ‫ل ندا وهوَ خَلَقَك" قُلْ تُ‪ :‬ثمّ َأيّ؟ قال‪" :‬أَن تقتل ولدك خشية أن يأكُلَ َمعَك" قُلْ تُ‪ :‬ثمّ َأيّ؟ قالَ‪" :‬أَن تُزاني بحليلة‬ ‫جارك" مُتفق عليه‪.‬‬ ‫(وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬سألت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم أي الذنب أعظم؟ قال‪" :‬أَن تجعل‬ ‫ن يأكُل َمعَك" قلت‪:‬‬ ‫شيَة أَ ْ‬ ‫ن تقتل ولدك خ ْ‬ ‫ل ندا) هو الشبه ويقال له‪ :‬ند ونديد (وهو خَلَقَك" قلت‪ :‬ثم أي؟ قال‪" :‬أَ ْ‬ ‫ن ُتزَاني بحَليلةِ) بفتح الحاء المهملة الزوجة (جارك" متفق عليه)‪.‬‬ ‫ثم أي؟ قال‪" :‬أَ ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فل تجعلوا ل أندادا} وقال تعالى‪{ :‬ول تقتلوا أولدكسم مسن إملق} واليسة الخرى‪{ :‬خشيسة إملق}‬ ‫وقوله‪" :‬أن تزا ني بحليلة جارك" أي بزوج ته ال تي ت حل له و عبر بتزا ني لن معناه تز ني ب ها برضا ها‪ .‬وف يه‬ ‫فاحشة الزنا وإفساد المرأة على زوجها واستمالة قلبها إلى غيره‪ ،‬وكل ذلك فاحشة عظيمة‪ .‬وكونها حليلة الجار‬ ‫أعظم‪ ،‬لن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويركن إليه‪ ،‬وقد أمر ال تعالى برعاية‬ ‫‪13‬‬

‫حقه والحسان إليه‪ ،‬فإذا قابل هذا بالزنا بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه ل يتمكن منه غيره كان‬ ‫غاية في القبح‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل أن أع ظم المعا صي الشرك ثم الق تل بغ ير حق وعل يه نص الشاف عي‪ ،‬ثم تختلف الكبائر باختلف‬ ‫مفاسدها الناشئة عنها‪.‬‬ ‫ع نْ عبد ال بن عمرو بن العاص رضي الّل ُه عنهما أنّ رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم قال‪" :‬مِ نَ الكبائر شَت مُ‬ ‫وَ‬ ‫ب أَباهُ‪ ،‬وَيسبّ ُأ ّمهُ فيسبّ ُأمّهُ" ُمتّفقٌ‬ ‫ب أَبا ال ّرجُلِ َفيَسُ ّ‬ ‫ل يسُبّ الرجل والديهِ؟ قال‪" :‬نعمْ يُس ّ‬ ‫الرّجل والديهِ" قيل‪ :‬وَهَ ْ‬ ‫عَلَيهِ‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬شتم الرجل والديه" أي يتسبب إلى شتمهما فهو من المجاز المرسل من استعماله المسبب في السبب‪ ،‬وقد‬ ‫بينه صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم بجوابه عمن سأله‪" :‬نعم"‪.‬‬ ‫وفيه تحريم التسبب إلى أذية الوالدين وشتمهما‪ ،‬ويأثم الغير بسبّه لهما‪ ،‬قال ابن بطال‪ :‬هذا الحديث أصل في سدّ‬ ‫الذرائع ويؤ خذ م نه أ نه إن أمره إلى محرّم حرم عل يه الف عل وإن لم يق صد المحرم‪ ،‬وعل يه دل قوله تعالى‪{ :‬ول‬ ‫تسبوا الذين يدعون من دون ال فيسبوا ال عدوا بغير علم}‪.‬‬ ‫وا ستنبط م نه الماوردي تحر يم ب يع الثوب الحر ير إلى من يتح قق م نه لب سه‪ ،‬والغلم المرد إلى من يح قق م نه‬ ‫فعل الفاحشة‪ ،‬والعصير لمن يتخذه خمرا‪.‬‬ ‫و في الحد يث دل يل على أ نه يع مل بالغالب‪ ،‬لن الذي ي سب أ با الر جل قد ل يجاز يه بال سب‪ ،‬ل كن الغالب هو‬ ‫المجازاة‪.‬‬ ‫ن َرسُولَ ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم قال‪" :‬ل يحل لمسلم َأنْ ي ْهجُر أَخا ُه فوقَ ثلث‬ ‫عنْ أَبي َأيّوبَ رضي اللّهُ عنه أَ ّ‬ ‫وَ َ‬ ‫ليالٍ‪ ،‬يلتقيان فيُعرضُ هذا ويعرضُ هذا‪ ،‬وخيرهُما الذي يبدأُ بالسّلم" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫نفي الحل دال على التحريم‪ ،‬فيحرم هجران المسلم فوق ثلثة أيام‪ .‬ودل مفهومه على جوازه ثلثة أيام‪.‬‬ ‫وحكمه جواز ذلك هذه المدة‪ ،‬أن النسان مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفي له هجر أخيه ثلثة‬ ‫أيام ليذهب العارض تخفيفا على النسان ودفعا للضرار به‪ ،‬ففي اليوم الول يسكن غضبه‪ ،‬وفي الثاني يراجع‬ ‫نف سه‪ ،‬وفي الثالث يعتذر‪ ،‬وما زاد على ذلك كان قطعا لحقوق الخوّة‪ ،‬وقد ف سر مع نى اله جر بقوله‪" :‬يلتقيان‪...‬‬ ‫إلى آخره" وهو الغالب من حال المتهاجرين عند اللقاء‪.‬‬ ‫وفيسه دللة على زوال الهجسر له بردّ السسلم‪ ،‬وإليسه ذهسب الجمهور و مالك والشافعسي‪ ،‬واسستدل له بمسا رواه‬ ‫الطبراني من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود في أثناء حديث موقوف‪ ،‬وفيه "ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه"‬ ‫قالح مد وا بن القا سم‪ :‬إن كان يؤذ يه ترك الكلم فل يكف يه رد ال سلم بل ل بدّ من الرجوع إلى الحال الذي كان‬ ‫بينهما؛ وقيل‪ :‬ينظر إلى حال المهجور فإن كان خطابه بما زاد على السلم عند اللقاء مما تطيب به نفسه ويزيل‬ ‫علة الهجر كان من تمام الوصل وترك الهجر‪ ،‬وإن كان ل يحتاج إلى ذلك كفي السلم‪.‬‬ ‫وأ ما فوق اليوم الثالث‪ ،‬فقال ا بن ع بد البرّ‪ :‬أجمعوا على أ نه يجوز اله جر فوق ثلث ل من كا نت مكالم ته تجلب‬ ‫نق صا على المخالف له في دي نه أو مضرة تح صل عل يه في نف سه أو دنياه‪ ،‬فرب ه جر جم يل خ ير من مخال طة‬ ‫مؤذية‪.‬‬ ‫وتقدم الكلم في هجر من يأتي ما يلم عليه شرعا‪ ،‬وقد وقع من السلف التهاجر بين جماعة من أعيان الصحابة‬ ‫والتابع ين وتابعي هم و قد ع ّد الشارح جما عة من أولئك ي ستنكر صدوره من أمثال هم أقاموا عل يه‪ ،‬ول هم أعذار إن‬ ‫شاء ال‪ ،‬والحمل على السلمة متعين والعباد مظنة المخالفة‪.‬‬ ‫وأ ما قول الذ هبي‪ :‬إ نه ل يق بل جرح القران بعض هم على بعض هم سيما ال سلف قال‪ :‬وحد هم رأس ثلثمائة من‬ ‫الهجرة؛ ف قد بي نا اختلل ما قال في ثمرات الن ظر في علم ال ثر‪ ،‬و قد ن قل في الشرح قضا يا كثيرة ل يح سن‬ ‫ذكرها إذ طيّ ما ل يحسن ذكره ل يحسن نشره‪.‬‬ ‫عنْ ُه قال‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم‪" :‬كلّ معروف صدقةٌ" أَخرجه البُخاري‪.‬‬ ‫عنْ جابر رضي الّلهُ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫المعروف‪ :‬ضد المنكر‪ .‬قال ابن أبي جمرة‪ :‬يطلق اسم المعروف على ما عرف من أدلة الشرع أنه من أعمال‬ ‫البر سواء جرت به العادة أم ل‪ ،‬فإن قارنته النية أجر صاحبه جزما‪ ،‬وإل ففيه احتمال‪.‬‬ ‫والصدقة‪ :‬هي ما يعطيه المتصدّق ل تعالى‪ ،‬فيشمل الواجبة والمندوبة‪ ،‬والخبار عنه بأنه صدقة من باب التشبيه‬ ‫البليغ‪ ،‬وهو إخبار بأن له حكم الصدقة في الثواب‪ ،‬وأنه ل يحتقر الفاعل شيئا من المعروف ول يبخل به‪ ،‬وفي‬ ‫الحديث "إن كل ت سبيحة صدقة و كل تكبيرة صدقة والمر بالمعروف صدقة والن هي عن المنكر صدقة" وقال‪:‬‬ ‫"في بضع أحدكم صدقة‪ ،‬والمساك عن الشر صدقة" وغير ذلك من العمال الصالحة‪ ،‬ولفظ "كل معروف" عام‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫و قد أخرج الترمذي وح سنه مرفوعا من حد يث أ بي ذرّ "تب سمك في و جه أخ يك صدقة لك‪ ،‬وأمرك بالمعروف‬ ‫ونهيك عن المنكر صدقة لك‪ ،‬وإرشادك الرجل في أرض الضللة صدقة لك‪ ،‬وإماطتك الحجر والشوك والعظم‬ ‫عن الطريق صدقة لك‪ ،‬وإفراغك من دلوك إلى دلو أخيك صدقة" وأخرجه ابن حبان في صحيحه‪.‬‬ ‫وفي الحاديث إشارة إلى أن الصدقة ل تنحصر فيما هو أصلها‪ ،‬وهو ما أخرجه النسان من ماله متطوعا‪ ،‬فل‬ ‫تخ تص بأ هل الي سار‪ ،‬بل كل وا حد قادر على أن يفعل ها في أك ثر الحوال من غ ير مش قة‪ ،‬فإن كل ش يء يفعله‬ ‫النسان أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة‪.‬‬ ‫ن تَلْقى‬ ‫ل اللّ هُ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل تحقرن من المعروف ولو أ ْ‬ ‫وعن أَبي ذرّ رضي اللّ ُه عن هُ قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫أَخاك بوجْ ٍه طلْقٍ"‪.‬‬ ‫بإسكان اللم ويقال‪ :‬طليق‪ .‬والمراد‪ :‬سهل منبسط‪.‬‬ ‫عنْ ُه رضي الّل هُ عن ُه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا طبخت مرق ًة فأَك ِثرْ ماءَها وتعاهد جيرانك"‬ ‫وَ َ‬ ‫أَخرجهُما ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫فيه ما ال حث على ف عل المعروف ولو بطل قة الو جه والب شر والبت سام في و جه من يلق يه من إخوا نه‪ ،‬وف يه‬ ‫الوصية بحق الجار وتعاهده ولو بمرقة تهديها إليه‪.‬‬ ‫ع نْ مُ سْلم كُربةً من كرب‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ نْ نَفّس َ‬ ‫ع نْ أَبي هُريرة رضي ال عن هُ قال‪ :‬قا َ‬ ‫وَ‬ ‫ن ي سّر على ُمعْسر يَ سْر الّل هُ عليه في الدنيا والخرة‪َ ،‬ومَ نْ‬ ‫ع ْن هُ ُكرْبةً م نْ كرب يو مِ القيامة‪ ،‬ومَ ْ‬ ‫الدنيا نفّس اللّ هُ َ‬ ‫ستر ُمسْلما ستره اللّ ُه في الدنيا والخرة‪ ،‬وال في عَوْن الع ْبدِ ما كان العبدُ في عون أَخيه" أَخرجْ ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫عنْ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬منْ َنفّس) لفظ مسلم‪ :‬من فرّج ( َ‬ ‫ن يَ سّر على ُمعْسر يَ سّر ال عليْ ِه في‬ ‫ع ْن هُ ُكرْب ًة من ُكرَب يوم القيامةِ‪ ،‬ومَ ْ‬ ‫مُ سْلمٍ ُكرْبةً من كُرب الدنْيا نفّس اللّ هُ َ‬ ‫الدن يا والخرة) هذا ل يس في م سلم ك ما قال الشارح‪ ،‬و قد أخر جه غيره (و من سَتر مُ سلما ستر ُه اللّ ُه في الدن يا‬ ‫ن العبْ ُد في عَ ْونِ أَخيه" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫ن الْع ْبدِ ما كا َ‬ ‫عوْ ِ‬ ‫والخرة‪ ،‬واللّ ُه في َ‬ ‫الحديث فيه مسائل‪:‬‬ ‫الولى‪ :‬فضيلة من فرّج عن المسلم كربة من كرب الدنيا‪ ،‬وتفريجها إما بإعطائه من ماله إن كانت كربته من‬ ‫حا جة‪ ،‬أو بذل جا هه في طل به له من غيره أو قر ضه‪ ،‬وإن كا نت كرب ته من ظلم ظالم له فرج ها بال سعي في‬ ‫رفع ها ع نه أو تخفيف ها‪ ،‬وإن كا نت كر بة مرض أ صابه أعا نه على الدواء إن كان لد يه أو على طبيب ينف عه‪،‬‬ ‫وبالجملة تفريج الكرب باب واسع فإنه يشمل إزالة كل ما ينزل بالعبد أو تخفيفه‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬التيسير على المعسر هو أيضا من تفريج الكرب‪ ،‬وإنما خصه لنه أبلغ‪ ،‬وهو إنظاره لغريمه في الدين‬ ‫أو إبراؤه له م نه أو غ ير ذلك‪ ،‬فإن ال يي سر له عل يه أموره وي سهلها له لت سهيله لخ يه في ما عنده له‪ .‬والتي سير‬ ‫لمور الخرة بأن يهون عليسه المشاق فيهسا ويرجسح وزن الحسسنات ويلقسي فسي قلوب مسن لهسم عنده حسق يجسب‬ ‫استيفاؤه منه في الخرة المسامحة وغير ذلك‪.‬‬ ‫ويؤخذ منه أن من عسر على معسر عسر عليه‪ ،‬ويؤخذ منه أنه ل بأس على من عسر على موسر لن مطله‬ ‫ظلم يحل عرضه وعقوبته‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬من ستر مسلما اطلع منه على ما ل ينبغي إظهاره من الزلت والعثرات فإنه مأجور بما ذكره من ستره‬ ‫في الدنيا والخرة‪ ،‬فيستره في الدنيا بأن ل يأتي زلة يكره اطلع غيره عليها‪ ،‬وإن أتاها لم يطلع ال عليها أحدا‪،‬‬ ‫و ستره في الخرة بالمغفرة لذنو به وعدم إظهار قبائ حه وغ ير ذلك‪ ،‬و قد حث صلى ال تعالى عل يه وعلى آله‬ ‫وسلم على الستر فقال في حق ماعز‪" :‬هل سترت عليه بردائك يا هزّال"‪.‬‬ ‫وقال العلماء‪ :‬وهذا ال ستر مندوب ل وا جب فلو رف عه إلى ال سلطان كان جائزا له ول يأ ثم به‪ .‬قلت‪ :‬ودليله أ نه‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم لم يلم هزالً ول أبان له أنه آثم‪ ،‬بل حرضه على أنه كان ينبغي له ستره‪ ،‬فإن علم أنه تاب‬ ‫وأقلع حرم عليه ذكر ما وقع منه ووجب عليه ستره‪ ،‬وهو في حق من ل يعرف بالفساد والتمادي في الطغيان؛‬ ‫وأما من عرف بذلك فإنه ل يستحب الستر عليه بل يرفع أمره إلى من له الولية إذا لم يخف من ذلك مفسدة‪،‬‬ ‫وذلك لن الستر عليه يغريه على الفساد ويجرّئه على أذيّة العباد ويجرىء غيره من أهل الشر والعناد؛ وهذا يعد‬ ‫انقضاء فعل المعصية‪.‬‬ ‫فأ ما إذا رآه و هو في ها فالوا جب المبادرة لنكار ها والم نع من ها مع القدرة على ذلك‪ ،‬ول ي حل تأخيره‪ ،‬ل نه من‬ ‫باب إنكار المنكر‪ ،‬ل يحل تركه مع المكان‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫وأما إذا رآه يسرق مال زيد فهل يجب عليه أخبار زيد بذلك أو ستر السارق؟ الظاهر أنه يجب عليه إخبار زيد‪،‬‬ ‫وإل كان معينا للسارق بالكتم منه على الثم وال تعالى يقول‪{ :‬ول تعاونوا على الثم والعدوان}‪.‬‬ ‫وأما جرح الشهود والرواة والمناء على الوقاف والصدقات وغير ذلك فإنه من باب نصيحة المسلمين الواجبة‬ ‫على كل من اطلع عليها‪ ،‬وليس من الغيبة المحرم بل من النصيحة الواجبة وهو مجمع عليه‪.‬‬ ‫الراب عة‪ :‬الخبار بأن ال في عون الع بد ما كان الع بد في عون أخ يه‪ ،‬فإ نه دال على أ نه تعالى يتولى إعا نة من‬ ‫أعان أخاه‪ ،‬وهو يدل على أنه يتولى عونه في حاجة العبد التي يسعى فيها‪ ،‬وفي حوائج نفسه فينال من عون ال‬ ‫ما لم يكن يناله بغير إعانته‪ ،‬وإن كان تعالى هو المعين لعبده في كل أموره‪ ،‬لكن إذا كان في عون أخيه زادت‬ ‫إعانة ال‪ ،‬فيؤخذ منه أنه ينبغي للعبد أن يشتغل بقضاء حوائج أخيه فيقدمها على حاجة نفسه لينال من ال كمال‬ ‫العانة في حاجاته‪.‬‬ ‫وهذه الجمل المذكورة في الحديث دلت على أنه تعالى يجازي العبد من جنس فعله‪ ،‬فمن ستر ستر عليه‪ ،‬ومن‬ ‫ي سر ي سر عل يه‪ ،‬و من أعان أع ين‪ .‬ثم إ نه تعالى بفضله وكر مه ج عل الجزاء في الدار ين في حق المي سر على‬ ‫المعسر والساتر للمسلم‪ ،‬وجعل تفريج الكربة يجازي به في يوم القيامة؛ كأنه لعظائم يوم القيامة أخر عزّ وجلّ‬ ‫جزاء تفريج الكربة‪ ،‬ويحتمل أن يفرج عنه في الدنيا أيضا لكنه طوي في الحديث وذكر ما هو أهم‪.‬‬ ‫ل على خ ير فلَ ُه ِمثْلُ َأجْر‬ ‫سعُود ر ضي الّل ُه ع ْن ُه قال‪ :‬قال ر سولُ الّل ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ نْ دَ ّ‬ ‫ن ا بن مَ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫فاعله" أَخ َرجَهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫دل الحديث على أن الدللة على الخير يؤجر بها الدال عليه كأجر فاعل الخير‪ ،‬وهو مثل حديث "من سن سنّة‬ ‫ح سنة في ال سلم كان له أجر ها وأ جر من ع مل ب ها" والدللة تكون بالشارة على الغ ير بف عل الخ ير‪ ،‬وعلى‬ ‫إرشاد ملتمس الخير على أنه يطلبه من فلن‪ ،‬والوعظ والتذكير وتأليف العلوم النافعة‪ .‬ولفظ خير يشمل الدللة‬ ‫على خير الدنيا والخرة فلله درّ الكلم النبوي ما أشمل معانيه وأوضح مبانيه ودللته على خير الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ن سألكمْ‬ ‫ع ْنهُما عن النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬مَن ا سْتعاذكمْ بال فأَعيذوه‪ ،‬ومَ ْ‬ ‫ع نْ ا بن عُمرَ رضي ال َ‬ ‫وَ َ‬ ‫ن لم تجدوا فادعوا له" َأخْرج ُه الب ْيهَ ِقيّ‪.‬‬ ‫بال فأَعطوهُ و َمنْ أَتى إليكم معْروفا فكافئُوهُ فإ ْ‬ ‫وقد أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وفيه زيادة‪" :‬ومن استجار بال فأجيروه‪ ،‬ومن أتى إليكم‬ ‫معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتسى تعلموا أنكسم قسد كافأتموه" وفسي روايسة "فإن عجزتسم عسن مكافأتسه‬ ‫فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم‪ .‬فإن ال يحب الشاكرين" وأخرج الترمذي وقال‪ :‬حسن غريب "ومن أعطي‬ ‫عطية فوجد فليجز بها فإن لم يجد فليْثن‪ ،‬فإن من أثنى فقد شكر‪ ،‬ومن كتم فقد كفر ومن تحلى بباطل فهو كلبس‬ ‫ثوبي زور"‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن من استعاذ بال من أي أمر طلب منه غير واجب عليه فإنه يعاذ ويترك ما طلب منه أن‬ ‫يفعل‪ ،‬وأنه يجب إعطاء من سأله بال وإن كان قد ورد أنه ل يسأل بال إل الجنة‪ .‬فمن سأل من المخلوقين بال‬ ‫شيئا و جب إعطاؤه إل أن يكون منهيا عن إعطائه‪ ،‬و قد أخرج ال طبراني ب سند رجاله رجال ال صحيح إل شي خه‬ ‫سسسس وهو ثقة على كلم فيه سسسس من حديث أبي موسى الشعري أنه سمع رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وآله وسلم يقول‪" :‬ملعون من سأل بوجه ال؛ وملعون من سئل بوجه ال ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا" بضم‬ ‫الهاء وسكون الجيم أي أمرا قبيحا ل يليق‪ ،‬ويحتمل ما لم يسأل سؤالً قبيحا أي بكلم يقبح‪ ،‬ولكن العلماء حملوا‬ ‫هذا الحديث على الكراهة‪ ،‬ويحتمل أنه يراد به المضطر‪ ،‬ويكون ذكره هنا أن منعه مع سؤاله بال أقبح وأفظع‪،‬‬ ‫ويحمل لعن السائل على ما إذا ألح في المسألة حتى أضجر المسؤول‪.‬‬ ‫ودل الحديث على وجوب المكافأة للمحسن‪ ،‬إل إذا لم يجد فإنه يكافئه بالدعاء‪ ،‬وأجزأه إن علم أنه قد طابت نفسه‬ ‫أو لم تطب به‪ ،‬وهو ظاهر الحديث‪.‬‬ ‫باب الزهــد والــورع‬ ‫الز هد‪ :‬هو قلة الرغ بة في الش يء‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬قلة الرغ بة ع نه‪ .‬و في ا صطلح أ هل الحقي قة‪ :‬ب غض الدن يا‬ ‫والعراض عنها‪ ،‬وقيل‪ :‬ترك راحة الدنيا لراحة الخرة‪ ،‬وقيل‪ :‬أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك‪ .‬وقيل‪ :‬بذل ما‬ ‫تملك ول تؤثر ما تدرك‪ .‬وقيل‪ :‬ترك السف على معدوم‪ ،‬ونفي الفرح بمعلوم‪ .‬قاله المناوي في تعريفاته‪.‬‬ ‫وأخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ذ ّر مرفوعا "الزهادة في الدنيا ليست بتحر الحلل ول إضاعة المال‪،‬‬ ‫ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد ال أوثق منك بما في يديك‪ ،‬وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت‬ ‫أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك" انتهى فهذا التفسير النبوي يقدّم على كل تفسير‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫والورع‪ :‬تج نب الشبهات خوف الوقوع في محرّم‪ ،‬وقيل‪ :‬ترك ما يريبك ونفي ما يعي بك؛ وقيل‪ :‬الخذ بالوثق‬ ‫وحمل النفس على الشق؛ وقيل‪ :‬النظر في المطعم واللباس‪ ،‬وترك ما به بأس‪ .‬وقيل‪ :‬تجنب الشبهات‪ ،‬ومراقبة‬ ‫الخطرات‪.‬‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يقولُ‪ :‬سس وأَهْوى النّعمان‬ ‫عنْهما قال‪ :‬سمعتُ رسُو َ‬ ‫عن الّنعْمان بن بشير رضي اللّهُ َ‬ ‫ش َتبِها تٌ ل يعلمهُنّ كثيرٌ من النّاس‪ ،‬فَمن اتّقى‬ ‫بإصبعيه إلى أُذنيه سس "إنّ الحلل بيّ نٌ وإنّ الحرَا مَ بيّ نٌ وبي َنهُما ُم ْ‬ ‫ل الحمى يوشِ كُ‬ ‫شبُهات فقد استبرأَ لدين هِ وع ْرضِ هِ‪ ،‬وم نْ وق َع في الشّبها تِ وق عَ في الحرَام؛ كالرّاعي يرْعَى حوْ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ضغَةٌ إذا صَلَحتْ صلحَ‬ ‫أ نْ يق َع ف يه‪ ،‬أل وإنّ لكلّ مل كٍ ح مى إل وإنّ ح مى ال محارم هُ‪ ،‬أل وإنّ في الج سدِ ُم ْ‬ ‫سدَ الجسدُ كلّهُ‪ ،‬أل وهي القلبُ" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫الجسدُ كُلّ ُه وإذا فسدتْ َف َ‬ ‫( عن النعمان بن بش ير ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم يقول‪:‬‬ ‫سسسسس وأهوى النعمان بأصسبعيه إلى أذنيسه سسسسس "إن الحلل بيّنس (وإنسّ) الحرامَس بيّنس وبينهمسا مشتبهاتسٌ)‬ ‫ويروى "مشبّهات" ب ضم الم يم وتشد يد الموحدة‪ ،‬ومشبهات بضم ها أيضا وتخف يف الموحدة (ل يعْلمهُنّ كثيرٌ من‬ ‫شبُهات فقدِ استبرأَ) بالهمزة من البراءة أي حصل له البراءة من الذم الشرعي وصان عرضه‬ ‫النّاس َفمِن اتّقى ال ّ‬ ‫من ذم الناس (لدينه وعرضه ومنْ وقع في الشبهات وقع في الحرام) أي يوشك أن يقع فيه‪ ،‬وإنما حذفه لدللة ما‬ ‫بعده عليسه‪ ،‬إذ لو كان الوقوع فسي الشبهات وقوعا فسي الحرام لكانست مسن قسسم الحرام البيّنس‪ ،‬وقسد جعلهسا قسسما‬ ‫ك حمى‪ ،‬أَل‬ ‫ن يقعَ فيه‪ ،‬أَل وإنّ لكُلّ مل ٍ‬ ‫برأسه‪ ،‬وكما يدل له التشبيه بقوله‪( :‬كالرّاعي يرْعى حول الحمى يوشك أَ ْ‬ ‫سدَ الج سَ ُد كُلّ هُ؛ أل‬ ‫حمَى ال محارمُ هُ‪ ،‬أَل وإنّ في الجسدِ مُضغ ًة إذا صلحتْ صلح الجسدُ كُلّ ُه وإذا فسدت ف َ‬ ‫وإن ِ‬ ‫وهي القلبُ" متفق عليه)‪.‬‬ ‫أجمع الئ مة على عظم شأن هذا الحديث وأنه من الحاديث التي تدور عليها قواعد السلم‪ ،‬قال جما عة‪ :‬هو‬ ‫ثلث السلم‪ ،‬فإن دورانه عليه وعلى حديث "العمال بالنيات" وعلى حديث "من حسن إسلم المرء تركه ما ل‬ ‫يعن يه" وقال أ بو داود‪ :‬إ نه يدور على أرب عة‪ .‬هذه ورابع ها حد يث "ل يؤ من أحد كم ح تى ي حب لخ يه ما ي حب‬ ‫لنفسه" وقيل‪ :‬حديث "ازهد في الدنيا يحبك ال‪ ،‬وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬الحلل بيّن" أي قد بينه ال ورسوله إما بالعلم بأنه حلل نحو {أحل لكم صيد البحر} الية وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ل طيبا} أو سكت عنه تعالى ولم يحرمه فالصل حله‪ ،‬أو بما أخبر عنه رسوله صلى ال‬ ‫{فكلوا مما غنمتم حل ً‬ ‫عليه وآله وسلم بأنه حلل امتن ال ور سوله به‪ ،‬فإنه لزم حله وقوله‪" :‬والحرام بيّن" أي بينه ال لنا في كتا به‬ ‫على ل سان ر سوله صلى ال عل يه وآله و سلم ن حو {حر مت علي كم المي تة} أو بالن هي ع نه ن حو {لتأكلوا أموال كم‬ ‫بينكم بالباطل}‪.‬‬ ‫والخبار عن الحلل بأنسه بيسن إعلم ب حل النتفاع به فسي وجوه النفسع‪ ،‬ك ما أن الخبار بأن الحرام بيسن إعلم‬ ‫باجتنابه‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬وبينهما مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس" المراد بها التي لم يعرف حلها ول حرمتها فصارت مترددة‬ ‫بين الحل والحرمة عند الكثير من الناس‪ ،‬وهم الجهال‪ ،‬فل يعرفها إل العلماء بنص‪ ،‬فما لم يوجد فيه شيء من‬ ‫ذلك اجت هد ف يه العلماء وألحقوه بأيه ما بقياس أو ا ستصحاب أو ن حو ذلك‪ ،‬فإن خ في دليله فالورع تر كه ويد خل‬ ‫تحت "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ سسسس أي أخذ بالبراءة سسسس لدينه وعرضه"‪ ،‬فإذا لم يظهر فيه للعالم‬ ‫دل يل تحري مه ول حله فإ نه يد خل في ح كم الشياء ق بل ورود الشرع‪ ،‬ف من ل يث بت للع قل حكما‪ ،‬يقول‪ :‬ل ح كم‬ ‫في ها بش يء لن الحكام شرع ية‪ ،‬والفرض أ نه ل يعرف في ها ح كم شر عي ول ح كم للع قل؛ والقائلون بأن الع قل‬ ‫حاكم؛ لهم في ذلك ثلثة أقوال التحريم والباحة والوقف‪.‬‬ ‫وإنمسا اختلف فسي المشتبهات هسل هسي ممسا اشتبسه تحريمسه أو مسا اشتبسه بالحرام الذي قسد صسح تحريمسه؟ رجسح‬ ‫المحققون الخ ير‪ ،‬ومثلوا ذلك ب ما ورد في حد يث عق بة بن الحارث ال صحابي الذي أ خبرته َأمَةٌ سوداء بأن ها‬ ‫أرضعته وأرضعت زوجته فسأل النبي صلى ال عليه وآله وسلم عن ذلك فقال صلى ال تعالى عليه وعلى آله‬ ‫وسلم‪" :‬كيف وقد قيل؟" فقد صح تحريم الخت من الرضاعة شرعا قطعا وقد التبست عليه زوجته بهذا الحرام‬ ‫المعلوم‪ ،‬ومثله التمرة التي وجدها صلى ال عليه وآله وسلم في الطريق فقال‪" :‬لول أني أخاف أنها من الزكاة أو‬ ‫من الصدقة لكلتها" فقد صح تحريم الصدقة عليه ثم التبست هذه التمرة بالحرام المعلوم‪.‬‬ ‫وأما ما التبس هل حرمه ال علينا أم ل؟ فقد وردت أحاديث دالة على أنه حلل؛ منها حديث[اث] سعد بن أبي‬ ‫وقاص[‪/‬اث]‪" :‬إن من أعظم الناس إثما في المسلمين من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته" فإنه يفيد‬ ‫أنه كان قبل سؤاله حللً‪ ،‬ولما اشتبه عليه سأل عنه فحرم من أجل مسألته‪ ،‬ومنها حديث "ما سكت ال عنه فهو‬ ‫‪17‬‬

‫مما عفى عنه" له طرق كثيرة ويدل له قوله تعالى‪{ :‬ويحل لهم الطيبات} فكل ما كان طيبا ول يثبت تحريمه فهو‬ ‫حلل‪ ،‬وإن اشت به علي نا تحري مه‪ ،‬والمراد بالط يب هو ما أحله ال على ل سان ر سول ال صلى ال تعالى عل يه‬ ‫وعلى آله وسلم أو سكت عنه‪ ،‬والخبيث ما حرمه وإن عدته النفوس طيبا‪ ،‬كالخمر‪ ،‬فإنه أحد الطيبين في لسان‬ ‫العرب في الجاهلية‪ .‬وقال ابن عبد البرّ‪ :‬إن الحلل الكسب الطيب وهو الحلل المحض‪ ،‬وإن المتشابه عندنا في‬ ‫حيز الحلل بدلئل ذكرناها في غير هذا الموضع‪ ،‬ذكره صاحب تنضيد التمهيد في الترغيب في الصدقة نقله‬ ‫عن السيد محمد بن إبراهيم وقد حققنا أنه من قسم الحلل البين في رسالتنا المسماة القول المبين‪.‬‬ ‫وقال الخطا بي‪ :‬ما شك كت ف يه فالولى اجتنا به‪ ،‬و هو على ثل ثة أحوال‪ :‬وا جب‪ ،‬وم ستحب‪ ،‬ومكروه‪ ،‬فالوا جب‬ ‫اجتناب مسا يسستلزم المحرم‪ ،‬والمندوب اجتناب معاملة مسن غلب على ماله الحرام‪ ،‬والمكروه اجتناب الرخصسة‬ ‫المشروعة ا هسسسس‪.‬‬ ‫قال في الشرح‪ :‬و قد ينازع في المندوب فإ نه إذا كان في الغلب الحرام فأولى أن يكون وا جب الجتناب و هو‬ ‫ن فيه التحريم ا‬ ‫الذي بني عليه الهادوية في معاملة الظالم فيما لم يظ نّ تحريمه‪ ،‬لن الذي غلب عليه الحرام يظ ّ‬ ‫هسسسس وقد أوضحنا هذا في حواشي ضوء النهار‪.‬‬ ‫وق سم الغزالي الورع أق ساما‪ :‬ورع ال صديقين و هو ترك ما لم ت كن ف يه بي نة واض حة على حله‪ ،‬وورع المتق ين‬ ‫وهو ما ل شبهة فيه ولكن يخاف أن يجر إلى الحرام‪ ،‬وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال بشرط‬ ‫أن يكون لذلك الحتمال موقع وإل فهو ورع الموسوسين قلت‪ :‬ورع الموسوسين قد بوّب له البخاري فقال‪" :‬باب‬ ‫من لم يرَ الوسواس في الشبهات" كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون انفلت من إنسان‪ ،‬وكمن ترك شراء‬ ‫مسا يحتاج إليسه مسن مجهول ل يدري أماله حرام أم حلل ول علمسة تدل على ذلك التحريسم‪ ،‬وكمسن ترك تناول‬ ‫ش يء ل خبر ورد ف يه مت فق على ضع فه ويكون دل يل إباح ته قويا وتأويله ممت نع أو م ستبعد‪ ،‬والكلم في الحد يث‬ ‫متسع وفي هذا كفاية‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬إن لكل ملك حمى" إخبار عما كانت عليه ملوك العرب وغيرهم‪ ،‬فإ نه كان لكل واحد حمى يحميه من‬ ‫الناس ويمنعهم عن دخوله‪ ،‬فمن دخله أوقع به العقوبة ومن أراد نجاة نفسه من العقوبة لم يقربه خوفا من الوقوع‬ ‫فيه‪ ،‬وذكر هذا كضرب المثل للمخاطبين‪ ،‬ثم أعلمهم أن حماه تعالى‪ :‬الذي حرّمه على العباد‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬ومن وقع في الشبهات إلخ" أي من وقع فيها فقد حام حول حمى الحرام فيقرب ويسرع أن يقع فيه‪ .‬وفيه‬ ‫إرشاد إلى البعد عن ذرائع الحرام وإن كانت محرّمة‪ ،‬فإنه يخاف من الوقوع فيها الوقوع فيه‪ ،‬فمن احتاط لنفسه‬ ‫ل يقرب الشبهات لئل يدخل في المعاصي‪.‬‬ ‫ثم أخبر صلى ال عليه وآله وسلم منبها مؤكدا بأن في الجسد مضغة وهي القطعة من اللحم‪ ،‬سميت بذلك لنها‬ ‫تمضغ في الفم لصغرها وأنها مع صغرها عليها مدار صلح الجسد وفساده‪ ،‬فإن صلحت صلح وإن فسدت فسد‪.‬‬ ‫وفسي كلم الغزالي أنسه ل يراد بالقلب المضغسة إذ هسي موجودة للبهائم مدركسة بحاسسة البصسر بسل المراد بالقلب‬ ‫لطيفة ربانية روحان ية لها بهذا القلب الجسماني تعلق‪ .‬وتلك اللطي فة هي حقيقة الن سان‪ .‬وهي المدر كة العار فة‬ ‫من الن سان‪ ،‬و هو المخا طب والمعا قب والمطالب‪ ،‬ولهذه اللطي فة عل قة مع القلب الج سماني‪ .‬وذ كر أن جم يع‬ ‫الحواس والعضاء أجناد م سخرة للقلب‪ ،‬وكذلك الحواس الباط نة في ح كم الخدم والعوان و هو المت صرف في ها‬ ‫والمردّد لها‪ ،‬وقد خلقت مجبولة على طاعة القلب ل تستطيع له خلفا ول عليه تمردا‪ ،‬فإذا أمر العين بالنفتاح‬ ‫انفتحست‪ ،‬وإذا أمسر الرجسل بالحركسة تحرّكست‪ ،‬وإذا أمسر اللسسان بالكلم وجزم بسه تكلم‪ ،‬وكذا سسائر العضاء‪،‬‬ ‫وتسخير العضاء والحواس للقلب يشبه سسسس من وجه سسسس تسخير الملئكة ل تعالى‪ ،‬فإنهم جبلوا على‬ ‫طاع ته ل ي ستطيعون له خلفا‪ ،‬وإن ما يفترقان في ش يء و هو أن الملئ كة عال مة بطاعت ها للرب والجفان تط يع‬ ‫القلب بالنفتاح والنطباق على سبيل التسخير‪ ،‬وإنما افتقر القلب إلى الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد‬ ‫ل سفره إلى ال تعالى وق طع المنازل إلى لقائه فلجله خل قت القلوب قال ال تعالى‪{ :‬و ما خل قت ال جن وال نس إل‬ ‫ليعبدون} وإنما مركبه البدن وزادهالعلم وإنما السباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من التزود منه هو العمل‬ ‫الصالح‪ ،‬ثم أطال في هذا المعنى بما يحتمل مجلدة لطيفة‪ ،‬وإنما أشرنا إلى كلمه ليعلم مقدار الكلم النبوي وأنه‬ ‫بحر قطارته ل تنزف‪ ،‬وأما كونه محل العقل أو محله الدماغ فليست من مسائل علم الثار حتى يشتغل بذكرها‬ ‫وذكر الخلف فيها‪.‬‬ ‫ع ْبدُ الدّينارِ‬ ‫عنْ ُه قال‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪َ " :‬تعِ سَ َ‬ ‫[رح] سسسسس وعن أبي ُه َريْرَة َرضِ يَ ال َ‬ ‫ن َلمْ ُي ْعطَ َلمْ َيرْضَ"‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ضيَ‪ ،‬وإِ ْ‬ ‫عطِي َر ِ‬ ‫والدّرهَمِ وال َقطِيفَة‪ِ ،‬إنْ ُأ ْ‬ ‫‪18‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬تعس في القاموس كسمع ومنع‪ ،‬وإذا‬ ‫خاطبت قلت‪ :‬تعس كمنع‪ ،‬وإذا حكيت قلت‪ :‬تعس كفرح وهو الهلك والعثار والسقوط والشر والبعد والنحطاط‬ ‫ع بد الدينار والدر هم والقطي فة الثوب الذي له خ مل إن أع طي ر ضي وإن لم ي عط لم يرض"‪ .‬أخر جه البخاري‬ ‫أراد بع بد الدينار والدر هم من ا ستعبدته الدن يا بطلب ها و صار كالع بد ل ها تت صرف ف يه ت صرف المالك لينال ها‬ ‫وينغمس في شهواتها ومطالبها‬ ‫وذكر الدينار والقطيفة مجرد مثال؛ وإل فكل من استعبدته الدنيا في أي أمر وشغلته عما أمر ال تعالى‪ ،‬وجعل‬ ‫رضاه و سخطه متعلقا بن يل ما ير يد أو عدم نيله ف هو عبده‪ ،‬ف من الناس من ي ستعبده حب المارات‪ ،‬ومن هم من‬ ‫يستعبده حب ال صور‪ ،‬ومن هم من ي ستعبده حب الطيان‪ .‬واعلم أن المذموم من الدن يا كل ما يبعد الع بد عن ال‬ ‫تعالى ويشغله عن واجب طاعته وعبادته‪ ،‬ل ما يعينه على العمال الصالحة فإنه غير مذموم وقد يتعين طلبه‬ ‫ويجب عليه تحصيله‪.‬‬ ‫وقوله "رضسي" أي عسن ال بمسا ناله مسن حطامهسا "وإن لم يعسط لم يرض" أي عنسه تعالى ول عسن نفسسه فصسار‬ ‫ساخطا‪ ،‬فهذا الذي تعس لنه أدار رضاه على موله وسخطه على نيل الدنيا وعدمه‪ .‬والحديث نظير قوله تعالى‪:‬‬ ‫{ومن الناس من يعبد ال على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه}‪.‬‬ ‫ن في الدن يا كأَنّك‬ ‫ع ْنهُ ما قال‪ :‬أَخذَ ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم بمنْ كبيّ فقال‪" :‬كُ ْ‬ ‫و عن ا بن عُمَر ر ضي ال َ‬ ‫ت فل تنت ظر الم ساءَ‪،‬‬ ‫ب أَ ْو عابر سبيل" وكان ا بن عمرَ يقولُ‪ :‬إذا أمْ سيتَ فل تنت ظر ال صّباح‪ ،‬وإذا أ صْبح َ‬ ‫غري ٌ‬ ‫ن حيَاتك لموتِك‪ .‬أخْرجه البُخاريّ‪.‬‬ ‫ن صحتك لسَقمك ومِ ْ‬ ‫خذْ م ْ‬ ‫وُ‬ ‫(و عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬أ خذ ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بمن كبيّ) يروى بالفراد والتثن ية‪،‬‬ ‫ن في ال ّدنْ يا كأَنّك غري بٌ َأوْ عابرُ سبيل" وكان ا بن ع مر‬ ‫و هو بك سر الكاف‪ ،‬مج مع الك تف والع ضد (فقال‪" :‬كُ ْ‬ ‫رضي ال عنهما يقول‪ :‬إذا أمسيت فل تنتظر الصباح وإذا أصبحت فل تنتظر المساء وخذ من صحتك لسقمك‬ ‫ومن حياتك لموتك‪ .‬أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫الغريب‪ :‬من ل مسكن له يأويه‪ ،‬ول سكن يأنس به‪ ،‬ول بلد يستوطن فيه‪ ،‬قيل في المسيح‪ :‬سعد المسيح يسيح ل‬ ‫ولد يموت ول بناء يخرب‪ .‬وعطسف "عابر سسبيل" مسن باب عطسف الترقسي و "أو" ليسست للشسك بسل للتخييسر أو‬ ‫الباحة‪ ،‬والمر للرشاد‪.‬‬ ‫والمع نى‪ :‬قدر نف سك ونزل ها منزلة من هو غر يب أو عابر سبيل‪ ،‬لن الغر يب قد ي ستوطن؛ ويحت مل أن "أو"‬ ‫للضراب والمعنى؛ بل كن في الدنيا كأنك عابر سبيل لن الغريب قد يستوطن بلدا بخلف عابر السبيل‪ ،‬فهمه‬ ‫قطع المسافة إلى مقصده‪ ،‬والمقصد هنا إلى ال {وأن إلى ربك المنتهى}‪.‬‬ ‫قال ابن بطال لما كان الغريب قليل النبساط إلى الناس بل هو مستوحش منهم ل يكاد يمر بمن يعرفه فيأنس به‬ ‫ف هو ذليل في نف سه خائف وكذلك عابر ال سبيل ل ين فذ في سفره إل بقو ته وتخفي فه من الثقال غير متش بث بما‬ ‫يمنعه عن قطع سفره‪ ،‬معه زاده وراحلته يبلغانه إلى ما يعنيه من مقصده‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى إيثار الزهد في‬ ‫الدن يا وأ خذ البل غة مه نا والكفاف‪ ،‬فك ما ل يحتاج الم سافر إلى أك ثر م ما يبل غه إلى غا ية سفره فكذلك المؤ من ل‬ ‫يحتاج في الدن يا إلى أك ثر م ما يبل غه الم حل‪ ،‬وقوله‪" :‬وكان ا بن ع مر إلخ" قال ب عض العلماء‪ :‬كلم ا بن ع مر‬ ‫متفرع من الحد يث المرفوع و هو متض من لنها ية تق صير ال جل من العا قل إذا أم سى ينب غي له أن ل ينت ظر‬ ‫الصباح إذا أصبح ينبغي له أن ل ينتظرالمساء بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك‪ .‬وفي كلمه الخبار بأنه ل بد‬ ‫للنسان من الصحة والمرض فيغتنم أيام صحته وينفق ساعاته فيما يعود عليه نفعه فإنه ل يدري متى ينزل به‬ ‫مرض يحول بينه وبين فعل الطاعة ولنه إذا مرض كتب له ما كان يعمل صحيحا فقد أخذ من صحته لمرضه‬ ‫حظه من الطاعات‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬من حياتك لموتك" أي خذ من أيام الحياة والصحة والنشاط لموتك يتقديم ما ينفعك بعد الموت وهو نظير‬ ‫حد يث‪":‬بادروا بالعمال سبعا ما تنتظروا إل فقرا من سيا أو غ نى مطغيا أو مرضا مف سدا أو هرما مفندا أو موتا‬ ‫مجهزا أو الدجال فإ نه شر منت ظر أو ال ساعة وال ساعة أد هى وأ مر" أخر جه الترمذي والحا كم من حد يث أ بي‬ ‫هريرة‪.‬‬ ‫شبّ هَ بِ َقوْ مٍ َفهُوَ‬ ‫ن َت َ‬ ‫[رح] سسسس وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ":‬مَ ْ‬ ‫خرَجَ ُه أبو داود‪ ،‬وصحّحه ابنُ حبّان‪.‬‬ ‫ِم ْن ُهمْ" َأ ْ‬ ‫وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪ ":‬من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه أبو‬ ‫داود وصححه ابن حبان الحديث فيه ضعيف وله شواهد عند جماعة من أئمة الحديث عن جماعة من الصحابة‬ ‫‪19‬‬

‫تخرجه عن الضعف‪ ،‬ومن شواهده ما أخرجه أبو يعلي مرفوعا من حديث ابن مسعود "من رضي عمل قوم كان‬ ‫منهم" والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به‬ ‫من ملبوس أو مركوب أو هيئة‪ ،‬قالوا‪ :‬فإذا تش به بالكفار في زي واعت قد أن يكون بذلك مثله ك فر فإن لم يعت قد‬ ‫ففيه خلف بين الفقهاء منهم من قال‪ :‬يكفر وهو ظاهر الحديث ومنهم من قال‪ :‬ل يكفر ولكن يؤدب‪.‬‬ ‫حفَظ ِس ال‬ ‫[رح] سسسس وعسن ابسن عباس قال‪ُ :‬كنْتُس خَلُف َس النّبِي ص َسلّى ال عََليْه ِس وَس َسلّم يوما‪ ،‬فقال‪" :‬يسا غُلم‪ ،‬ا ْ‬ ‫س َتعِنْ باللّه"‪ .‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن‬ ‫ت فا ْ‬ ‫ستَ َعنْ َ‬ ‫جدْ ُه ُتجَاهَك‪ ،‬وإذا سألت فاسألِ اللّه‪ ،‬وإذا ا ْ‬ ‫حفَ ظِ ال َت ِ‬ ‫َيحْ َفظْ كَ‪ ،‬ا ْ‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬ك نت خلف ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يوما فقال‪ " :‬يا غلم اح فظ ال‬ ‫جواب المر (اح فظ ال تجده) مثله (تجا هك) في القاموس وتجاهك مثل ين تلقاء وج هك‪( ،‬وإذا سألت) حا جة من‬ ‫حوائج الدار ين‪( ،‬فاسأل ال) فإن بيده أموره ما‪" ،‬وإذا ا ستعنت فا ستعن بال" رواه الترمذي وقال‪ :‬ح سن صحيح‪،‬‬ ‫وتما مه‪" :‬واعلم أن ال مة لو اجتم عت على أن ينفعوك بش يء لم ينفعوك إل بش يء قد كت به ال لك‪ ،‬وإن اجتمعوا‬ ‫على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء قد كتبه ال عليك جفت القلم وطويت الصحف"‪ ،‬وأخرجه أحمد‬ ‫عن ابن عباس بإسناد حسن بلفظ‪":‬كنت رديف النبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فقال‪ :‬يا غلم أو يا غليم إل أعلمك‬ ‫كلمات ينفعسك ال بهسن؟ فقلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬احفسظ ال يحفظسك‪ ،‬احفسظ ال تجده أمامسك تعرف إلى ال فسي الرخاء‬ ‫يعر فك في الشدة‪ ،‬وإذا سألت فا سأل ال‪ ،‬وإذا ا ستعنت فا ستعن بال‪ ،‬قد جف القلم ب ما هو كائن‪ ،‬فلو أن الخلق‬ ‫جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيسء لم يقضسه ال تعالى لم يقدوا عليسه‪ ،‬وإن أرادوا أن يضروك بشيسء لم يكتبسه ال‬ ‫عل يك لم يقدروا عل يه‪ ،‬واعلم أن في ال صبر على ما تكره خيرا كثيرا‪ ،‬وأن الن صر مع ال صبر وأن الفرح مع‬ ‫الكرة وأن مع الع سر ي سرا" وله ألفاظ أ خر و هو حد يث جل يل أفرده ب عض علماء الحنابلة بت صنيف مفرد فإ نه‬ ‫اشتمل على وصايا جليلة‪.‬‬ ‫والمراد من قوله‪":‬احفظ ال" أي حدوده وعهوده وأوامره ونواهيه‪ .‬وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالمتثال‪،‬‬ ‫وع ند نواه يه بالجتناب‪ ،‬وع ند حدوده أن ل يتجاوز ها ول يتعدى ما أ مر به إلى ما ن هى ع نه‪ ،‬فيد خل في ذلك‬ ‫فعل الواجبات كلها وترك المنهيات كلها‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬والحافظون لحدود ال} [التوبة‪ ]112:‬وقال‪{ :‬هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ} [سورة ق‪ ]32:‬فسر‬ ‫العلماء الحفيظ بالحافظ لوامر ال‪ ،‬وفسر بالحفظ لذنوبه حتى يرجع منها فأمره صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم بحفظ ال‬ ‫يدخل فيه كل ما ذكر وتفاصيلها واسعة‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬تجده أمامك" وفي اللفظ الخر "يحفظك"‪ ،‬والمعنى متقارب أي تجده أمامك بالحفظ لك من شرور الدارين‬ ‫جزاء وفاقا من باب "وأوفوا بعهدي أوف بعهد كم" يحف ظه في دنياه عن غشيان الذنوب و عن كل أ مر مرهوب‬ ‫ويحفظ ذريتهمن بعده كما قال تعالى‪{ :‬وكان أبوهما صالحا}‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فا سأل ال" أ مر بإفراد ال عزّ وجلّ بال سؤال وإنزال الحاجات به وحده‪ ،‬وأخرج الترمذي مرفوعا " سلوا‬ ‫ال من فضله فإن ال يحب أن يسأل" وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعا "من ل يسأل ال يغضب عليه" وفيه‬ ‫"إن ال ي حب الملح ين في الدعاء" و في حد يث آ خر‪" :‬ي سأل أحد كم ر به حاج ته كل ها ح تى ي سأله ش سع نعله إذا‬ ‫انقطع"‪.‬‬ ‫و قد با يع ال نبي صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم جما عة من ال صحابة على أن ل ي سألوا الناس شيئا من هم‪:‬‬ ‫ال صدّيق وأ بو ذرّ وثوبان‪ ،‬وكان أحد هم ي سقط سوطه أو ي سقط خطام ناق ته فل ي سأل أحدا أن يناوله‪ ،‬وإفراد ال‬ ‫بطلب الحاجات دون خل قه يدل له الع قل وال سمع‪ ،‬فإن ال سؤال بذل لماء الو جه وذل ل ي صلح إل ل تعالى‪ ،‬ل نه‬ ‫القادر على كل شيء‪ ،‬الغني مطلقا والعباد بخلف هذا‪.‬‬ ‫وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي ال عنه‪ ،‬عنه صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث قدسي فيه‪" :‬يا‬ ‫عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص‬ ‫ذلك م ما عندي إل ك ما ين قص المخ يط إذا غ مس في الب حر" وزاد في الترمذي وغيره "وذلك بأ ني جواد وا جد‬ ‫ماجد أفعل ما أريد عطائي كلم وعذابي كلم إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون"‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬إذا ا ستعنت فا ستعن بال" مأخوذ من قوله‪{ :‬وإيّاك ن ستعين} أي نفردك بال ستعانة‪ .‬أمره صلى ال تعالى‬ ‫عليه وعلى آله وسلم أن يستعين بال وحده في كل أموره‪ ،‬أي إفراده بالستعانة على ما يريده وفي إفراده تعالى‬ ‫بالستعانة فائدتان‪:‬‬ ‫فالولى‪ :‬أن العبد عاجز عن الستقلل بنفسه في الطاعات‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫ل ف من أعا نه ال ف هو المعان‪ ،‬و من خذله ف هو‬ ‫والثان ية‪ :‬أ نه ل مع ين له على م صالح دي نه ودنياه إل ال عزّ وج ّ‬ ‫المخذول‪.‬‬ ‫وفي الحديث الصحيح "احرص على ما ينفعك واستعن بال ول تعجز" وعلم صلى ال عليه وآله وسلم العباد أن‬ ‫يقولوا في خطبة الحاجة‪" :‬الحمد ل نستعينه" وعلم معاذا أن يقول دبر الصلة‪" :‬اللهم أعني على ذكرك وشكرك‬ ‫وحسن عبادتك" فالعبد أحوج شيء إلى موله في طلب إعانته على فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر‬ ‫على المقدورات‪ .‬قال يعقوب صسلى ال تعالى عليسه وعلى آله وسسلم فسي الصسبر على المقدور‪{ :‬وال المسستعان‬ ‫على ما تصفون}‪.‬‬ ‫وما ذكر من هذه الوصايا النبوية ل ينافي القيام بالسباب‪ ،‬فإنها من جملة سؤال ال والستعانة به‪ ،‬فإن من طلب‬ ‫رزقه بسبب من أسباب المعاش المأذون فيها رُزق من جهته فهو منه تعالى‪ ،‬وإن حرم فهو لمصلحة ل يعلمها‬ ‫ولو ك شف الغطاء لعلم أن الحرمان خ ير من العطاء‪ ،‬والك سب الممدوح المأجور فاعله عل يه هو ما كان لطلب‬ ‫الكفايسة له ولمسن يعوله‪ ،‬أو الزائد على ذلك إذا كان يعدّه لقرض محتاج أو صسلة رحسم أو إعانسة طالب علم أو‬ ‫نحوه من وجوه الخير ل لغير ذلك‪ ،‬فإنه يكون من الشتغال بالدنيا وفتح باب محبتها الذي هو رأس كل خطيئة‪.‬‬ ‫و قد ورد في الحد يث "ك سب الحلل فري ضة" أخر جه ال طبراني والبيه قي والقضا عي عن ا بن م سعود مرفوعا‬ ‫وف يه[ تض] عباد بن كث ير[‪ /‬تض] ضع يف‪ .‬وله شا هد من حد يث أ نس ع ند الديل مي "طلب الحلل وا جب" و من‬ ‫حديث ابن عباس مرفوعا "طلب الحلل جهاد" رواه القضاعي ومثله في الحلية عن ابن عمر‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬الك سب الحلل مندوب أو وا جب إل للعالم المشت غل بالتدر يس والحا كم الم ستغرقة أوقا ته في إقا مة‬ ‫الشريعة‪ ،‬ومن كان من أهل الوليات العامة كالمام فترك الكسب بهم أولى لما فيه من الشتغال عن القيام بما‬ ‫هم فيه‪ .‬ويرزقون من الموال المعدّة للمصالح‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه دلّني على‬ ‫ل إلى النّبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم فقال‪ :‬يا رسو َ‬ ‫س ْعدٍ رضي الّلهَ عن ُه قالَ‪ :‬جا َء رجُ ٌ‬ ‫وعنْ سهْل بن َ‬ ‫عملٍ إذا عم ْلتُ هُ أحبّني الّل هُ وأَحبّني النّاس؟ فقال‪" :‬ازهد في الدنيا يحبّ كَ ال‪ ،‬وازهدْ فيما عنْد النّاس يحبّ كَ النّا سُ"‬ ‫رواهُ ابنُ ماجهُ وغيرُهُ وس َندُ ُه حسنٌ‪.‬‬ ‫فيه خالد بن عمرو القرشي مجمع على تركه‪ ،‬ونسب إلى الوضع‪ ،‬فل يصح قول الحاكم إنه صحيح‪ .‬وقد أخرجه‬ ‫أبو نع يم في الحل ية من حد يث مجاهد عن أ نس برجال ثقات إل أنه لم يثبت سماع مجا هد من أ نس و قد روي‬ ‫مرسلً‪ ،‬وقد حسن النووي الحديث كأنه لشواهده‪.‬‬ ‫والحديث دليل على شرف الزهد وفضله وأنه يكون سببا لمحبة ال لعبده ولمحبة الناس له‪ ،‬لن من زهد فيما هو‬ ‫عند العباد أحبوه‪ ،‬لنه جبلت الطبائع استثقال من أنزل بالمخلوقين حاجاته وطمع فيما في أيديهم‪.‬‬ ‫وفيه ل بأس بطلب محبة العباد‪ ،‬والسعي فيما يكسب ذلك‪ ،‬بل هو مندوب إليه أو واجب كما قال صلى ال عليه‬ ‫وآله وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده ل تؤمنوا حتى تحابوا" وأرشد صلى ال عليه وآله وسلم إلى إفشاء السلم فإنه من‬ ‫جوالب المحبة وإلى التهادي ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ل اللّهِ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم يقولُ‪" :‬إن ال يحبّ العبدَ‬ ‫ت رسو َ‬ ‫ن سعْد بن أَبي وقّاص رضي الّلهُ عن ُه قال‪ :‬سمع ُ‬ ‫وع ْ‬ ‫ي الغنيّ الخفيّ" أَخرج ُه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫التّق ّ‬ ‫فسر العلماء محبة ال لعبده بأنها إرادته الخير له وهدايته ورحمته‪ ،‬ونقيض ذلك بغض ال له‪ .‬والتقي‪ :‬هو التي‬ ‫بما يجب عليه المجتنب لما يحرم عليه‪ .‬والغني‪ :‬هو غني النفس‪ ،‬فإنه الغني المحبوب قال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪:‬‬ ‫"ليس الغني بكثرة العرض ولكن الغني غني النفس" وأشار عياض إلى أن المراد به غني المال وهو محتمل‪.‬‬ ‫والخفسي‪ :‬سسسسس بالخاء المعجمسة والفاء سسسسس أي الخامسل المنقطسع إلى عبادة ال والشتغال بأمور نفسسه‪،‬‬ ‫وضبطسه بعسض رواة مسسلم بالحاء المهملة‪ ،‬ذكره القاضسي عياض‪ ،‬والمراد بسه الوصسول للرحسم اللطيسف بهسم‬ ‫وبغيرهم من الضعفاء‪ .‬وفيه دليل على تفضيل العتزال وترك الختلط بالناس‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬من حُ سْن إسلم المرْءِ ت ْركُ ُه ما ل‬ ‫وع نْ أَبي هُريرة رضي اللّ ُه عن ُه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫َيعْنيه" روا ُه الترمذيّ وقال‪ :‬حسنٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬من حُ سْن إسلم المرْءِ ترْكه ما ل‬ ‫يعنيه") أي يهمه من عناه يعنوه ويعنيه أهمه (رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسن)‪.‬‬ ‫هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية‪ ،‬يعم القوال‪ ،‬كما روي أن في صحف إبراهيم عليه السلم من عدّ كلمه‬ ‫ل كلمه إل فيما يعنيه‪ .‬ويعم الفعال‪ ،‬فيندرج فيه ترك التوسع في الدنيا وطلب المناصب والرياسة‬ ‫من عمله ق ّ‬ ‫وحب المحمدة والثناء وغير ذلك ما ل يحتاج إليه المرء في إصلح دينه وكفايته من دنياه‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫وأما اشتغال العلماء بالمسائل الفرضية فقيل‪ :‬إنه ليس من الشتغال بما ل يعني‪ ،‬بل هو مما يؤجرون فيه‪ ،‬لنهم‬ ‫لما عرفوا من الحاديث النبوية أنه في آخر الزمان يقل العلم ويفشو الجهل اجتهدوا في ذلك لما يأتي من الزمان‬ ‫ومسن يأتسي مسن العباد المحتاجيسن إلى معرفسة الحكام مسع عجزهسم عسن البحسث فإنهسم أتعبوا القرائح وخرّجوا‬ ‫التخاريج وقّدروا التقادير‪ .‬والعمال بالنيات‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ل يخفى أن تخريج التخاريج وتقدير التقادير ليس من العلم المحمود‪ ،‬لن غايتها أقوال خرجت من أقوال‬ ‫ل ل من يخرّج ها ول احتياج إلي ها‪ ،‬والع مل ب ها مش كل إذ لي ست لقائل‪ ،‬إذ‬ ‫المجتهد ين ولي ست أقوالً ل هم ول أقوا ً‬ ‫القائل بها ليس بمجتهد ضرورة فل يقلد لنه إنما يقلد مجتهد عدل‪ ،‬والفرض أن المخرجين ليسوا مجتهدين‪ ،‬وأما‬ ‫تقد ير التقاد ير فإ نه ق سم من التخار يج إذ غالب ما يقدر أنه يجاب عنه بأقوال المخرج ين‪ ،‬وفي كلم عل يّ عل يه‬ ‫السلم العلم نقطة كثرها الجهال‪ ،‬بل هذه الموضوعات في التخاريج كانت مضرة للناظر في الكتاب والسنّة‪ ،‬إذ‬ ‫شغلت الناظرين عن النظر فيهما ونيل بركتهما فقطعوا العمار في تقرير تلك التخاريج‪ .‬وقد أشبع الكلم على‬ ‫ذلك وعلى ذم الشتغال به طوائف من علماء التحقيق‪ ،‬وإن كان الشتغال بها قد عم كل فريق‪.‬‬ ‫ب رضي الّل ُه ع ْن ُه قالَ‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم‪" :‬ما مل ابن آدمَ وعاءً شرا‬ ‫وعن المقدام بن َم ْع ِد يكر َ‬ ‫ن َبطْنٍ" أَخرجَ ُه الترمذيّ وحسّنهُ‪.‬‬ ‫مْ‬ ‫وأخر جه ا بن حبان في صحيحه وتما مه "بح سب ا بن آدم أكلت يق من صلبه فإن كان فاعلً ل محالة" و في ل فظ‬ ‫ابن ماجه "فإن غلبت ابن آدم نفسه فثلثا لطعامه‪ .‬وثلثا لشرابه‪ .‬وثلثا لنفسه"‪.‬‬ ‫والحديث دليل على ذم التوسع في المأكول والشبع والمتلء‪ ،‬والخبار عنه بأنه شر لما فيه من المفاسد الدينية‬ ‫والبدنية‪ ،‬فإن فضل الطعام مجلبة للسقام ومثبطة عن القيام بالحكام‪ .‬وهذا الرشاد إلى جعل الكل ثلث ما يدخل‬ ‫المعدة من أف ضل ما أر شد إل يه سيد النام صلى ال عل يه وآله و سلم‪ ،‬فإ نه ي خف على المعدة وي ستمد من البدن‬ ‫الغذاء وتنتفع به القوى ول يتولد عنه شيء من الدواء‪.‬‬ ‫وقد ورد من الكلم النبوي شيء كثير في ذم الشبع‪ ،‬فقد أخرج البزار بإسنادين أحدهما رجاله ثقات مرفوعا بلفظ‬ ‫"أكثرهم شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة" قاله صلى ال عليه وآله وسلم لبي جحيفة لمّا تجشأ فقال‪" :‬ما‬ ‫ملت بطني منذ ثلثين سنة" وأخرج الطبراني بإسناد حسن "أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الخرة"‬ ‫زاد البيهقي‪" :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" وأخرج الطبراني بسند جيد أنه صلى ال عليه وآله وسلم رأى‬ ‫رجلً عظيسم البطسن فقال بأصسبعه‪" :‬لو كان فسي غيسر هذا لكان خيرا لك" وأخرج البيهقسي واللفسظ له وأخرجسه‬ ‫الشيخان مختصرا "ليؤتين يوم القيامة بالعظيم الطويل الكول الشروب فل يزن عند ال جناح بعوضة اقرأوا إن‬ ‫شئتم {فل نقيم لهم يوم القيامة وزنا}‪.‬‬ ‫وأخرج بن أبي الدنيا "أنه صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم أصابه جوع يوما فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه ثم قال‪" :‬أل‬ ‫ربّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة أل ربّ مكرم لنفسه وهو لها مهين‪ ،‬أل ربّ مهين‬ ‫لنفسه وهو لها مكرم" وصح حديث "من السراف أن تأكل كل ما اشتهيت" وأخرج البيهقي بإسناد فيه ابن لهيعة‬ ‫عن عائشة قالت‪ :‬رآني النبي صلى ال عليه وآله وسلم وقد أكلت في اليوم مرتين فقال‪" :‬يا عائشة أما تحبين أن‬ ‫ل يكون لك شغل إل جوفك؟ الكل في اليوم مرتين من السراف وال ل يحب المسرفين" وصح "كلوا واشربوا‬ ‫والب سوا في غ ير إ سراف ول مخيلة" وأخرج ا بن أ بي الدن يا وال طبراني في الو سط " سيكون رجال من أم تي‬ ‫يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلم فأولئك شرار أُمتي"‪.‬‬ ‫وقال لقمان لب نه‪ :‬يا ب ني إذا امتلت المعدة نا مت الفكرة وخر ست الحك مة وقعدت العضاء عن العبادة‪ ،‬و في‬ ‫الخلو عن الطعام فوائد‪ ،‬وفي المتلء مفاسد‪ ،‬ففي الجوع صفاء القلب وإيقاد القريحة ونفاذ البصيرة‪ ،‬فإ نّ الشبع‬ ‫يورث البلدة ويع مي القلب ويك ثر البخار في المعدة والدماغ كش به ال سكر ح تى يحتوي على معادن الف كر فيث قل‬ ‫القلب بسببه عن الجريان في الفكار‪.‬‬ ‫ومسن فوائده كسسر شهوة المعاصسي كلهسا‪ ،‬والسستيلء على النفسس المارة بالسسوء‪ ،‬فإن منشسأ المعاصسي كلهسا‬ ‫الشهوات والقوى ومادة القوى الشهوات‪ ،‬والشهوات ل محالة الطعمسة‪ ،‬فتقليلهسا يضعسف كسل شهوة وقوة‪ ،‬وإنمسا‬ ‫ال سعادة كل ها في أن يملك الر جل نف سه‪ ،‬والشقاوة كل ها في أن تمل كه نف سه‪ .‬قال ذو النون‪ :‬ما شب عت قسط إل‬ ‫عصيت أو هممت بمعصية‪.‬‬ ‫وقالت[اث] عائ شة[‪/‬اث] ر ضي ال عن ها‪ :‬أول بد عة حد ثت ب عد ر سول ال صلى ال عل يه وآله و سلم الش بع إن‬ ‫القوم ل ما شب عت بطون هم جم حت ب هم نفو سهم إلى الدن يا‪ .‬ويقال‪ :‬الجوع خزا نة من خزائن ال‪ ،‬وأول ما يند فع‬ ‫‪22‬‬

‫بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلم فإن الجائع ل تتحرّك عليسه شهوة فضول الكلم فيتخلص مسن آفات اللسسان‪،‬‬ ‫ول تتحرّك عليه شهوة الفرج فيتخلص من الوقوع في الحرام‪.‬‬ ‫و من فوائده قلة النوم فإن أ كل كثيرا شرب كثيرا فنام طويلً و في كثرة النوم خ سران الدار ين وفوات كل منف عة‬ ‫دينية ودنيوية‪.‬‬ ‫وعدّ الغزالي في الحياء عشر فوائد لتقليل الطعام وعدّ عشر مفاسد للتوسيع منه‪ ،‬فل ينبغي للعبد أن يعوّد نفسه‬ ‫ذلك فإنها تميل به إلى الشره ويصعب تداركها‪ ،‬وليرضها من أول المر على السداد‪ ،‬فإن ذلك أهون له من أن‬ ‫يجرئها على الفساد‪ ،‬وهذا أمر ل يحتمل الطالة إذ هو من المور التجريبية التي قد جربها كل إنسان‪ .‬والتجربة‬ ‫من أقسام البرهان‪.‬‬ ‫خ ْيرُ الخطائيسن‬ ‫َسسلّم "كلّ بنسي آدم خطّاءٌ و َ‬ ‫ْهس و َ‬ ‫صسلّى ال عََلي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫عنهس قالَ‪ :‬قالَ رسسو ُ‬ ‫ّهس ُ‬ ‫وعنس أَنسس رضسي الل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن ماجهْ وسندُ ُه قويٌ‪.‬‬ ‫التّوابُون" َأخْرجَ ُه الترّمذيّ واب ُ‬ ‫(وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬كلّ بني آدمَ خطّاءُ) أي كثيرو الخطأ‬ ‫إذ هو صيغة مبالغة (وخير الخطّائين التّوّابُون" أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قوي)‪.‬‬ ‫والحديث دال على أنه ل يخلو من الخطيئة إنسان لما جبل عليه هذا النوع من الضعف وعدم النقياد لموله في‬ ‫فعسل مسا إليسه دعاه وترك مسا عنسه نهاه؛ ولكنسه تعالى بلطفسه فتسح باب التوبسة لعباده‪ ،‬وأخسبر أن خيسر الخطائيسن‬ ‫التوابون المكثرون للتو بة على قدر كثرة الخ طأ‪ ،‬و في الحاد يث أدلة على أن الع بد إذا ع صى ال وتاب تاب ال‬ ‫عليه ول يزال كذلك ولن يهلك على ال إل هالك‪.‬‬ ‫وقد خص من هذا العموم يحيسسسسى بن زكريا عليه السلم فإنه قد ورد أنه ما ه مّ بخطيئة‪ .‬وروي أنه لقيه‬ ‫إبليس ومعه معال يق من كل ش يء ف سأله عن ها فقال‪ :‬هي الشهوات التي أ صيب ب ها ب ني آدم فقال‪ :‬هل لي فيها‬ ‫شيء؟ قال‪ :‬ربما شبعت فشغلناك عن الصلة والذكر قال‪ :‬هل غير ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ل قال‪ :‬ل عل يّ أن ل أمل بطني‬ ‫ي أن ل أنصح مسلما أبدا‪.‬‬ ‫من طعام أبدا فقال إبليس‪ :‬ل عل ّ‬ ‫صمْتُ حكم ٌة وقليلٌ فاعُل هُ" أَخرج هُ‬ ‫ن أَ نس ر ضي الّل هُ عن ُه قال‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ال ّ‬ ‫وع ْ‬ ‫البيهقيّ في الشعبِ بسندٍ ضعيفٍ وصحح َأنّ ُه موقوفٌ من قوْل لُقْمانَ عليه السّلمُ‪.‬‬ ‫و سببه أن لقمان د خل على داود عل يه ال سلم فرآه ي سرد درعا لم ي كن رآ ها ق بل ذلك‪ ،‬فج عل يتع جب م ما رأى‬ ‫فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته حكمته عن ذلك‪ ،‬فترك ولم يسأله‪ ،‬فلما فرغ قام داود ولبسها ثم قال‪ :‬نعم الدرع‬ ‫للحرب فقال لقمان‪ :‬الصمت حكمة سسسس الحديث‪ .‬وقيل‪ :‬تردد إليه سنة وهو يريد أن يعلم ذلك ولم يسأله‪.‬‬ ‫وف يه دل يل على ح سن ال صمت ومد حه‪ ،‬والمراد به عن فضول الكلم‪ .‬و قد وردت عدة أحاد يث دالة على مدح‬ ‫الصمت‪ ،‬ومدحه العقلء والشعراء وفي الحديث "من صمت نجا" وقال عقبة بن عامر‪ :‬قلت لرسول ال صلى ال‬ ‫تعالى عليه وآله وسلم‪ :‬ما النجاة؟ قال‪" :‬أمسك عليك لسانك" الحديث‪ ،‬وقال صلى ال تعالى عليه وآله وسلم‪" :‬من‬ ‫تكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة" وقال معاذ رضي ال عنه له صلى ال تعالى عليه وآله وسلم‪:‬‬ ‫أنؤا خذ ب ما نقول؟ قال‪" :‬ثكل تك أ مك و هل ي كب الناس على مناخر هم إل ح صائد أل سنتهم؟" وقال صلى ال عل يه‬ ‫وآله و سلم‪ " :‬من كان يؤ من بال واليوم ال خر فلي قل خيرا أو لي صمت" والحاد يث ف يه وا سعة جدا والثار عن‬ ‫السلف كذلك‪.‬‬ ‫واعلم أن فضول الكلم ل تنح صر‪ ،‬بل الم هم مح صور في كتاب ال تعالى ح يث قال‪{ :‬ل خ ير في كث ير من‬ ‫نجواهم إل من أ مر ب صدقة أو معروف أو إ صلح ب ين الناس} وآفا ته ل تنح صر ف عد من ها الخوض في البا طل‬ ‫وهسو الحكايسة للمعاصسي مسن مخالطسة النسساء ومجالس الخمسر ومواقسف الفسساق وتنعسم الغنياء وتجسبر الملوك‬ ‫ومراسسمهم المذمومسة وأحوالهسم المكروهسة‪ ،‬فإن كسل ذلك ممسا ل يحسل الخوض فيسه فهذا حرام‪ ،‬ومنهسا الغيبسة‬ ‫والنميمة وكفى بهما هلكا في الدين‪ .‬ومنها المراء والمجادلة والمزاح‪ ،‬ومنها الخصومة والسب والفحش وبذاءة‬ ‫اللسان والستهزاء بالناس والسخرية والكذب‪ .‬وقد عد الغزالي في الحياء عشرين آفة‪ ،‬وذكر في كل آفة كلما‬ ‫بسيطا حسنا وذكر علج هذه الفات‪.‬‬ ‫باب الترهيب من مساوىء الخلق‬ ‫سّم‪" :‬إيّاكُم والحسسد فإن الح سَد يأكُلُ‬ ‫سّى ال عََليْهِس وَسَل‬ ‫عَ نْ أَ بي هُريرة ر ضي اللّ هُ عنهُس قال‪ :‬قال ر سول ال صَل‬ ‫الحسَنات كما تأكُلُ النارُ الحطبَ" أَخرجهُ أَبو داود‪ ،‬ولبن ماجَ ْه من حديث َأنَس نحوُهُ‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫إياكم ضمير منصوب على التحذير والمحذر منه الحسد‪ .‬وفي الحسد أحاديث وآثار كثيرة‪ ،‬ويقال‪ :‬كان أول ذنب‬ ‫عصي ال به الحسد‪ ،‬فإنه أمر إبليس بالسجود لدم فحسده فامتنع عنه فعصى ال فطرده‪ ،‬وتولد من طرده كل‬ ‫بلء وفت نة عل يه وعلى العباد‪ ،‬والح سد ل يكون إل على نع مة‪ ،‬فإذا أن عم ال على أخ يك نع مة فلك في ها حالتان‪،‬‬ ‫إحداهمسا‪ :‬أن تكره تلك النعمسة وتحسب زوالهسا وهذه الحالة تسسمى حسسدا‪ .‬الثانيسة‪ :‬أن ل تحسب زوالهسا ول تكره‬ ‫وجودها ودوامها له ولكن تريد لنفسك مثلها فهذا يسمى غبطة‪ ،‬فالول حرام على كل حال إل نعمة على فاجر‬ ‫أو كا فر و هو ي ستعين ب ها على تهي يج الفت نة وإف ساد ذات الب ين وإيذاء العباد‪ ،‬فهذه ل يضرك كراه تك ل ها ول‬ ‫محبتك زوالها فإنك لم تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة للفساد‪.‬‬ ‫ووجه تحر يم الحسد مع ما علم من الحاد يث أنه تسخط لقدر ال تعالى وحكمته في تفضيل ب عض عباده على‬ ‫بعض‪ .‬ولذا قيل‪:‬‬ ‫[شع] أل قل لمن كان لي حاسدا‬ ‫أتدري على َمنْ أَسأت الدب[‪/‬شع]‬ ‫[شع] أَسأت على ال في فعله‬ ‫لنك لم ترض لي ما وهب[‪/‬شع]‬ ‫ثم الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه وجاهد نفسه في دفعه فل إثم عليه‪ ،‬بل لعله مأجور في مدافعة نفسه‪،‬‬ ‫فإن سعى في زوال نع مة المح سود ف هو با غٍ‪ ،‬وإن لم ي سمع ولم يظهره لما نع الع جز‪ ،‬فإن كان بح يث لو أمك نه‬ ‫لف عل ف هو مأزور وإل فل؛ أي ل وزر عل يه ل نه ل ي ستطيع د فع الخوا طر النف سانية فيكف يه في مجاهدت ها أن ل‬ ‫يعمل بها ول يعزم على العمل بها‪.‬‬ ‫وفسي الحياء‪ :‬فإن كان بحيسث لو ألقسي المسر إليسه ورد إلى اختياره لسسعى فسي إزالة النعمسة فهسو حسسود حسسدا‬ ‫مذموما‪ ،‬وإن كان نز عه التقوى عن إزالة ذلك فيع فى ع نه ما يجده في نف سه من ارتيا حه إلى زوال النع مة من‬ ‫محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه‪.‬‬ ‫وهذا التف صيل يش ير إل يه ما أخر جه ع بد الرزاق مرفوعا‪" :‬ثلث ل ي سلم من هن أ حد‪ :‬الطيرة والظ نّ والح سد"‪.‬‬ ‫ق يل‪ :‬ف ما المخرج من ها يا ر سول ال؟ قال‪" :‬إذا تطيرت فل تر جع وإذا ظن نت فل تح قق وإذا ح سدت فل ت بغ"‬ ‫وأخرج أبو نعيم "كل ابن آدم حسود ول يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد" وفي معناه أحاديث‬ ‫ل تخلو عن مقال‪.‬‬ ‫وفي الزواجر لبن حجر الهيثمي‪ :‬إن الحسد مراتب‪ :‬وهي إما محبة زوال نعمة الغير وإن لم تنتقل إلى الحاسد‬ ‫وهذا غا ية الح سد‪ ،‬أو مع انتقال ها إل يه أو انتقال مثل ها إل يه‪ ،‬وإل أ حب زوال ها لئل يتم يز عل يه أو ل مع مح بة‬ ‫زوالها‪ ،‬وهذا الخير هو المعفوّ عنه من الحسد إن كان في الدنيا والمطلوب إن كان في الدين انتهى‪ ،‬وهذا القسم‬ ‫الخير يسمى غيرة‪ ،‬فإن كان في الدين فهو المطلوب وعليه حمل ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر أنه قال‪:‬‬ ‫قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل حسد إل في اثنت ين‪ :‬رجل آتاه ال القرآن ف هو يقوم به آناء الل يل وآناء‬ ‫النهار‪ ،‬ورجل آتاه ال مالً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار"‪ ،‬والمراد أنه يغار ممن اتصف بهاتين الصفتين‬ ‫فيقتدي به محبة للسرور في هذا المسلك ولعل تسميته حسدا مجازا‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على تحر يم الح سد‪ ،‬وأ نه من الكبائر‪ .‬ون سبة ال كل إل يه مجاز من باب ال ستعارة‪ .‬وقوله‪" :‬ك ما‬ ‫تأكل النار الحطب" تحقيق لذهاب الحسنات بالحسد كما يذهب الحطب بالنار ويتلشى جرمه‪.‬‬ ‫واعلم أن دواء الحسد الذي يزيله عن القلب معرفة الحاسد أنه ل يضر بحسده المحسود في الدين ول في الدنيا‬ ‫وأ نه يعود وبال ح سده عل يه في الدار ين إذ ل تزول نع مة بح سد قط‪ ،‬وإل لم ت بق ل نع مة على أ حد ح تى نع مة‬ ‫اليمان لن الكفار يحبون زواله عن المؤمنين؛ بل المحسود يتمتع بحسنات الحاسد لنه مظلوم من جهة‪ ،‬سيما‬ ‫إذا أطلق لسانه بالنتقاص والغيبة وهتك الستر وغيرها من أنواع اليذاء‪ ،‬فيلقى ال مفلسا من الحسنات محروما‬ ‫من نع مة الخرة‪ ،‬كما حرم من نع مة سلمة ال صدر و سكون القلب والطمئنان في الدنيا‪ ،‬فإذا تأ مل العاقل هذا‬ ‫عرف أنه جرّ لنفسه بالحسد كل غم ونكد في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم‪" :‬ليس الشّديد بالصّرعةِ‪ ،‬وإنما الشّديد الذي يملكُ‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رَسُو ُ‬ ‫عنْ ُه رَضيَ الّلهُ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫ق عليه‪.‬‬ ‫نَفْس ُه عند الْغضَبِ" متف ٌ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ليْس الشديد بالصّرعةِ) بضم الصاد‬ ‫المهملة وفتح الراء وبالعين المهملة على زنة همزة صيغة مبالغة أي كثير الصرع (إنّما الشّديدُ الذي يملك نفسه‬ ‫عنْد ال َغضَبِ" متفق عليه)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪24‬‬

‫المراد بالشديد هنا‪ :‬شدّ القوّة المعنوية وهي مجاهدة النفس وإمساكها عند الشر ومنازعتها للجوارح للنتقام ممن‬ ‫أغضب ها‪ ،‬فإن الن فس في ح كم العداء الكثير ين‪ ،‬وغلبت ها ع ما تشته يه في ح كم من هو شد يد القوّة في غل بة‬ ‫الجماعة الكثيرين فيما يريدونه منه‪.‬‬ ‫وف يه إشارة إلى أن مجاهدة الن فس أش ّد من مجاهدة العد ّو ل نه صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم ج عل الذي‬ ‫يملك نفسسه عنسد الغضسب أعظسم الناس قوّة‪ .‬وحقيقسة الغضسب حركسة النفسس إلى خارج الجسسد لرادة النتقام‪.‬‬ ‫والحديسث فيسه إرشاد إلى أن مسن أغضبسه أمسر وأرادت النفسس المبادرة إلى النتقام ممسن أغضبسه أن يجاهدهسا‬ ‫ويمنعها عما طلبت‪.‬‬ ‫والغضب غريزة في النسان فمهما قصد أو نوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمّر الوجه‬ ‫والعينان من الدم‪ ،‬لن البشرة تحكي لون ما وراءها‪ ،‬وهذا إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه‪ ،‬وإن‬ ‫كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفّر اللون‪ ،‬وإن كان على النظير تردّد‬ ‫الدم بين انقباض وانبساط فيحمرّ ويصفرّ‪ ،‬والغضب يترتب عليه تغير الباطن والظاهر كتغير اللون والرعدة في‬ ‫الطراف وخروج الفعال على غير ترتيب‪ ،‬واستحالة الخلقة حتى لو رأى الغضبان نفسه في حالة غضبه لسكن‬ ‫غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته‪ ،‬هذا في الظاهر‪ ،‬وأما في الباطن فقبحه أشدّ من الظاهر‪ ،‬لنه يولد‬ ‫حقدا في القلب وإضمار ال سوء على اختلف أنوا عه‪ ،‬بل ق بح باط نه متقدم على تغ ير ظاهره‪ ،‬فإن تغ ير الظا هر‬ ‫ثمرة تغيسر الباطسن‪ ،‬فيظهسر على اللسسان الفحسش والشتسم‪ ،‬ويظهسر فسي الفعال بالضرب والقتسل وغيسر ذلك من‬ ‫المفاسد‪.‬‬ ‫و قد ورد في الحاد يث دواء هذا الداء‪ .‬فأخرج ا بن ع ساكر موقوفا "الغ ضب من الشيطان والشيطان خلق من‬ ‫النار‪ ،‬والماء يطفيء النار فإذا غضب أحدكم فليغتسل" وفي رواية "فليتوضأ" وأخرج ابن أبي الدنيا "إذا غضب‬ ‫أحد كم فقال‪ :‬أعوذ بال سكن غض به" وأخرج أح مد "إذا غ ضب أحد كم فلي سكت" وأخرج أح مد وأ بو داود وا بن‬ ‫حبان‪" :‬إذا غضسب أحدكسم فليجلس فإذا ذهسب عنسه الغضسب وإل فليضطجسع" وأخرج أبسو الشيسخ "الغضسب مسن‬ ‫الشيطان فإذا وجده أحدكم قائما فليجلس وإن وجده جالسا فليضطجع"‪.‬‬ ‫والنهي متوجه إلى الغضب على غير الحق؛ وقد بوب البخاري "باب ما يجوز من الغضب والشدّة لمر ال" وقد‬ ‫قال تعالى‪{ :‬جا هد الكفار والمشرك ين واغلظ علي هم} وذ كر خم سة أحاد يث في كل من ها غض به صلى ال تعالى‬ ‫عل يه وآله و سلم في أ سباب مختل فة راج عة إلى أن كل ذلك كان ل مر ال‪ ،‬وإظهار الغ ضب ف يه م نه صلى ال‬ ‫تعالى عليه وآله وسلم ليكون أوكد وقد ذكر تعالى في موسى وغضبه لما عبد قومه العجل وقال‪{ :‬ولما سكت‬ ‫عن موسى الغضب}‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬الظّلْ مُ ظُلُما تٌ يوْ مَ القيا مة" مت فق‬ ‫ع َمرَ ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫و عن ا بن ُ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫الحديث من أدلة تحريم الظلم وهو يشمل جميع أنواعه‪ ،‬سواء كان في نفس أو مال أو عرض‪ ،‬في حق مؤمن أو‬ ‫كافر أو فاسق‪ .‬والخبار عنه بأنه ظلمات يوم القيامة فيه ثلثة أقوال‪ :‬قيل‪ :‬هو على ظاهره فيكون ظلمات على‬ ‫صاحبه ل يهتدي يوم القيامة سبيلً حيث يسعى نور المؤمنين يوم القيامة بين أيديهم وبأيمانهم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه أريد‬ ‫بالظلمات الشدائد و به ف سر قوله تعالى‪ { :‬قل من ينجي كم من ظلمات البر والب حر} أي من شدائد ها‪ ،‬وق يل‪ :‬إ نه‬ ‫كناية عن النكال والعقوبات‪.‬‬ ‫وع نْ جابر رضي الّل هُ عن ُه قالَ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬اتّقُوا الظّلم فإن الظلم ظُلُمات يوم القيامة‬ ‫ن قبلَكم" أَخرجهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫ن كا َ‬ ‫ح فإنه أَهلكَ مَ ْ‬ ‫واتّقُوا الشّ ّ‬ ‫في ال شح و في التفر قة بي نه وب ين الب خل أقوال‪ ،‬فق يل في تف سير ال شح‪ :‬إ نه أشدّ من الب خل وأبلغ في الم نع من‬ ‫الب خل‪ ،‬وق يل‪ :‬هو الب خل مع الحرص‪ ،‬وق يل‪ :‬الب خل في ب عض المور وال شح عام‪ ،‬وق يل‪ :‬الب خل بالمال خا صة‬ ‫والشح بالمال والمعروف وقيل‪ :‬الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فإ نه أهلك من كان قبل كم" يحت مل أن ير يد الهلك الدنيوي المف سر ب ما بعده في تمام الحد يث و هو قوله‪:‬‬ ‫"حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" وهذا هلك دنيوي‪ ،‬والحامل لهم هو شحهم على حفظ المال‬ ‫وجم عه وازدياده و صيانته عن ذها به في النفقات‪ ،‬فضموا إل يه مال الغ ير صيانة له‪ ،‬ول يدرك مال الغ ير إل‬ ‫بالحرب والغصيبة المفضية إلى القتل واستحلل المحارم‪ ،‬ويحتمل أن يراد به الهلك الخروي‪ ،‬فإنه يتفرع عما‬ ‫اقترفوه من ارتكاب هذه المظالم‪ ،‬والظاهر حمله على المرين‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫واعلم أن الحاد يث في ذ مّ ال شح والب خل كثيرة‪ ،‬واليات القرآن ية كقوله تعالى‪{ :‬والذ ين يبخلون ويأمرون الناس‬ ‫بالبخل ‪ ،‬ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه} {ول تحسبن الذين يبخلون بما اتاهم ال من فضله هو خيرا لهم بل‬ ‫هو شر ل هم} {و من يوق شح نف سه فأولئك هم المفلحون} في الحد يث "ثلث مهلكات‪ :‬شح مطاع‪ ،‬وهوى مت بع‪،‬‬ ‫وإعجاب كل ذي رأي برأيه" أخرجه الطبراني في الوسط وفيه زيادة‪ ،‬وفي الدعاء النبوي‪" :‬اللهم إني أعوذ بك‬ ‫من ال هم والحزن سسسس إلى قوله سسسس والب خل" أخر جه الشيخان‪ ،‬وقال صلى ال تعالى عل يه وعلى آله‬ ‫وسسلم‪" :‬شسر مسا فسي الرجسل شسح هالع‪ ،‬وجبسن خالع" أخرجسه البخاري فسي التاريسخ وأبسو داود عسن أبسي هريرة‬ ‫مرفوعا‪ ،‬والثار فيه كثيرة‪.‬‬ ‫فإن قلت‪ :‬وما حقيقة البخل المذموم؟ وما من أحد إل وهو يرى نفسه أنه غير بخيل ويرى غيره بخيلً‪ ،‬وربما‬ ‫صدر فعل من إنسان فاختلف فيه الناس فيقول جماعة‪ :‬إنه بخيل ويقول آخرون‪ :‬ليس بخيلً فماذا حدّ البخل الذي‬ ‫يوجب الهلك وما حدّ البذل يستحق العبد به صفة السخاوة وثوابها؟‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال سخاء‪ :‬هو أن يؤدي ما أو جب عل يه‪ ،‬والوا جب واجبان‪ :‬وا جب الشرع‪ :‬و هو ما فر ضه ال تعالى من‬ ‫الزكاة والنفقات ل من ي جب عل يه إنفا قه وغ ير ذلك‪ ،‬ووا جب المروءة والعادة‪ .‬وال سخي هو الذي ل يم نع وا جب‬ ‫الشرع ول وا جب المروءة‪ ،‬فإن م نع واحدا منه ما ف هو يخ يل‪ ،‬ل كن الذي يم نع وا جب الشرع أب خل‪ ،‬ف من أع طى‬ ‫زكاة ماله مثلً ونفقة عياله بطيبة نفسه ول يتيمم الخبيث من ماله في حق ال فهو سخيّ‪ .‬والسخاء في المروءة‬ ‫أن يترك المضايقسسة والسسستقصاء فسسي المحقرات فإن ذلك مسسستقبح‪ ،‬ويختلف اسسستقباحه باختلف الحوال‬ ‫والشخاص‪ ،‬وتفصيله يطول فمن أراد استيفاء ذلك راجع الحياء للغزالي رحمه ال‪.‬‬ ‫واعلم أن الب خل داء له دواء و ما أنزل ال من داء إل وله دواء‪ ،‬وداء الب خل أمران‪ :‬الول‪ :‬حب الشهوات ال تي‬ ‫ل يتو صل إلي ها إل بالمال وطول ال مل؛ والثا ني‪ :‬حب ذات المال والش غف به وببقائه لد يه‪ ،‬فإن الدنان ير مثلً‬ ‫رسول تنال به الحاجات والشهوات فهو محبوب لذلك ثم صار محبوبا لنفسه‪ ،‬لن الموصل إلى اللذات لذيذ‪ ،‬فقد‬ ‫ينسى الحاجات والشهوات وتصير الدنانير عنده هي المحبوبة‪ ،‬وهذا غاية الضلل؛ فإنه ل فرق بين الحجر وبين‬ ‫الذهب إل من حيث إنه تقضى به الحاجات‪ ،‬فهذا سبب حب المال‪ ،‬ويتفرع منه الشح‪.‬‬ ‫وعل جه بضده‪ ،‬فعلج الشهوات القنا عة بالي سير وبال صبر‪ ،‬وعلج طول ال مل الكثار من ذ كر الموت وذ كر‬ ‫موت القران والنظر في ذكر طول تعيهم في جمع المال ثم ضياعه بعدهم وعدم نفعه لهم‪.‬‬ ‫وقد يشح بالمال شفقة على من بعده من الولد‪ ،‬وعلجه أن يعلم أن ال هو الذي خلقهم فهو يرزقهم وينظر في‬ ‫ح وبذل من ماله في مرضاة‬ ‫نفسه فإنه ربما لم يخلف أبوه له فلسا‪ ،‬ثم ينظر ما أعدّ ال عزّ وجلّ لمن ترك الش ّ‬ ‫ال‪ ،‬وينظر في اليات القرآنية الحاثة على الجود المانعة عن البخل‪ ،‬ثم ينظر في عواقب البخل في الدنيا‪ ،‬فإنه‬ ‫ل بدّ لجامع المال من آفات تخرجه على رغم أنفه‪ ،‬فالسخاء خير كله ما لم يخرج إلى حدّ السراف المنهي عنه‪.‬‬ ‫وقسد أدّب ال عباده أحسسن الداب فقال‪{ :‬والذيسن إذا أنفقوا لم يسسرفوا ولم يقتروا وكان بيسن ذلك قواما} فخيار‬ ‫المرو أوسطها وخلصته أنه إذا وجد العبد المال أنفقه في وجوه المعروف بالتي هي أحسن ويكون بما عند ال‬ ‫أوثق منه بما هو لديه‪ ،‬وإن لم يكن لديه مال لزم القناعة والتكفف وعدم الطمع‪.‬‬ ‫عنْ هُ قال‪ :‬قال رَ سُولُ اللّه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ":‬إنّ أخوَ فَ ما‬ ‫ن َلبِ يد َرضِ يَ ال َ‬ ‫[رح] سسس و عن محمود ب ِ‬ ‫صغِرُ‪ :‬ال ّريَاءُ"‪ .‬أخرجه أحمد بإسناد حسن‪.‬‬ ‫أخَافُ عََل ْي ُكمْ الشّركَ ال ْ‬ ‫وعن محمود بن لبيد رضي ال عنه هو محمود بن لبيد النصاري الشهلي ولد على عهد رسول ال صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم وحدث عنه أحاديث‪ ،‬قال البخاري‪ :‬له صحبة‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬ل تعرف له صحبة‪ ،‬وذكره مسلم في‬ ‫التابعين‪ ،‬قال ابن عبد البر‪ :‬الصواب قول البخاري وهو أحد العلماء مات سنة ست وتسعين‪ ،‬قال‪ ,‬قال رسول ال‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر كأنه قيل‪ :‬ما هو؟ فقال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪:‬‬ ‫الرياء‪ .‬أخرجه أحمد بإسناد حسن الرياء مصدر راءي فاعل ومصدره يأتي على بناء مفاعلة وفعال وهو مهموز‬ ‫العين لنه من الرؤية ويجوز تخفيفها بقلبها ياء وحقيقته لغة أن يرى غيره خلف ما هو عليه وشرهعا أن يفعل‬ ‫الطا عة ويترك المع صية مع ملح ظة غ ير ال أو ي خبر ب ها أو ي جب أن يطلع علي ها لمق صد دنيوي من مال أو‬ ‫نحوه‪.‬‬ ‫وقد ذ مه ال في كتا به وجعله من صفات المنافق ين في قوله‪{ :‬يراءون الناس ول يذكرون ال إل قليلً} [الن ساء‪:‬‬ ‫‪ ،]142‬وقال‪{ :‬فمسن كان يرجسو لقاء ربسه فليعمسل عملً صسالحا ول يشرك بعبادة ربسه أحدا} ‪ ،‬وقال‪{ :‬فويسل‬ ‫للمصلين} س إلى قوله س [اي[ {الذين هم يراءون} [الماعون‪ ،]5 :‬وورد فيه من الحاديث الكثيرة الطيبة الدالة‬ ‫‪26‬‬

‫على عظمة عقاب المرائي فإنه في الحقيقة عابد لغير ال‪ ،‬وفي الحديث القدسي‪":‬يقول ال تعالى‪ :‬من عمل عملً‬ ‫أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا عنه بريء وأنا أغنى الغنياء عن الشرك"‪.‬‬ ‫واعلم أن الرياء يكون بالبدن وذلك بإظهار النحول والصفرار ليوهم بذلك شدة الجتهاد والحزن على أمر الدين‬ ‫وخوف الخرة‪ ،‬وليدل بالنحول على قلة الكل وبتشعث الشعر ودرن الثوب يوهم أن همه بالدين ألهاه عن ذلك‬ ‫وأنواع هذا واسعة وهو معنى أنه من أهل الدين ويكون في القول بالوعظ في المواقف ويذكر كحايات الصالحين‬ ‫ليدل على عنايته بأخبار السلف وتبحره في العلم ويتأسف على مقارفة الناس للمعاصي والتأوه من ذلك والمر‬ ‫بالمعروف والن هي عن المن كر بحضرة الناس والرياء بالقول ل تنح صر أبوا به‪ ،‬و قد تكون المراءاة بال صحاب‬ ‫والتباع والتلميذ فيقال‪ :‬فلن متبوع قدوة والرياء باب واسع إذا عرفت ذلك فبعض أبواب الرياء أعظم م بعض‬ ‫لختلفه باختلف أركانه‪ ،‬وهي ثلثة المراءى به والمراءى لجله ونفس قصد الرياء فقصد الرياء ل يخلو من‬ ‫أن يكون مجردا عن ق صد الثواب أو م صحوبا بإراد ته‪ ،‬والم صحوب بإرادة الثواب ل يخلو عن أن تكون إرادة‬ ‫الثواب أر جح أو أض عف أو م ساوية فكا نت أر بع صور‪ ،‬الولى أن ل يكون ق صد الثواب بل ف عل ال صلة مثلً‬ ‫ليراه غيره‪ ،‬وإذا انفرد ل يفعلهسا وأخرج الصسدقة لئل يقال‪ :‬إنسه بخيسل‪ ،‬وهذا أغلظ أنواع الرياء وأخبثهسا وهسو‬ ‫عبادة للعباد‪ ،‬الثانية قصد الثواب لكن قصدا ضعيفا بحيث إنه ل يحمله على الفعل إل مراءاة العباد ولكنه قصد‬ ‫الثواب فهذا كالذي قبله‪ ،‬الثالثة تساوي القصدان بحيث لم يبعثه على الفعل إل مجموعهما ولو خلى عن كل واحد‬ ‫منهمسا لم يفعله فهذا تسساوي صسلح قصسده وفسساده فلعله يخرج رأسسا برأس ل له ول عليسه‪ ،‬الرابعسة أن يكون‬ ‫إطلع الناس مرجحا أو مقويا لنشاطه ولو لم يكن لما ترك العبادة‪ .‬قال الغزالي‪ :‬والذي نظنه والعلم عند ال أنه‬ ‫ل يحبط أصل الثواب ولكنه ينقص ويعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب‪ ،‬وحديث "أنا‬ ‫أغنى الغنياء عن الشرك" محمول على ما إذا تساوى القصدان أو أن قصد الرياء أرجح‪ ،‬وأما المراءى به وهو‬ ‫الطاعات فيقسسم إلى الرياء بأصسول العبادات وإلى الرياء بأوصسافها وهسو ثلث درجات‪ :‬الرياء باليمان وهسو‬ ‫إظهار كل مة الشهادة وباط نه مكذب ف هو مخلد في النار في الدرك ال سفل من ها و في هؤلء أنزل ال تعالى‪{ :‬إذا‬ ‫جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله} وقريب منهم الباطنية الذين يظهرون الموافقة‬ ‫في العتقاد ويبطنون خل فه‪ ،‬ومن هم الراف ضة أ هل التق ية الذ ين يظهرون ل كل فر يق أن هم من هم تق ية‪ .‬والرياء‬ ‫بالعبادات كما قدّمناه‪ ،‬وهذا إذا كان الرياء في أصل المقصد وأما إذا عرض الرياء بعد الفراغ من فعل العبادة لم‬ ‫ل سرا فيكتبه ال‬ ‫يؤثر فيه إل إذا ظهر العمل للغير وتحدث به‪ .‬وقد أخرج الديلمي مرفوعا "إن الرجل ليعمل عم ً‬ ‫عنده سرا فل يزال به الشيطان حتى يتكلم به فيمحى من السر ويكتب علنية فإن عاد تكلم الثانية محى من السر‬ ‫والعلنية وكتب رياء"‪.‬‬ ‫وأمسا إذا قارن باعسث الرياء باعسث العبادة ثسم ندم فسي أثناء العبادة فأوجسب البعسض مسن العلماء السستئناف لعدم‬ ‫انعقادها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬يلغو جميع ما فعله إل التحريم‪ ،‬وقال بعض‪ :‬يصح لن النظر إلى الخواتم كما لو ابتدأ‬ ‫بالخلص وصحبه الرياء من بعده‪ ،‬قال الغزالي‪ :‬والقولن الخران خارجان عن قياس الفقه‪.‬‬ ‫و قد أخرج الواحدي في أ سباب النزول جواب جندب بن زه ير ل ما قال لل نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إ ني أع مل‬ ‫العمل ل وإذا اطلع عليه سرني فقال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل شريك ل في عبادته" وفي رواية "إن ال ل يقبل‬ ‫ما شورك ف يه" رواه ا بن عباس‪ ،‬وروي عن مجا هد أ نه جاء ر جل إلى ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فقال‪ :‬إ ني‬ ‫أتصدق وأصل الرحم ول أصنع ذلك إل ل فيذكر ذلك مني فيسرني وأعجب به‪ .‬فلم يقل النبي صلى ال عليه‬ ‫ل صالحا ول يشرك‬ ‫وآله وسلم له شيئا حتى نزلت الية يعني قوله تعالى‪{ :‬فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عم ً‬ ‫بعبادة ربه أحدا}‪.‬‬ ‫ف في الحد يث دللة على أن ال سرور بالطلع على الع مل رياء‪ ،‬ولك نه يعار ضه ما أخر جه الترمذي من حد يث‬ ‫ي ر جل‬ ‫أ بي هريرة وقال‪ :‬حد يث غر يب قال‪ :‬قلت‪ :‬يا ر سول ال بي نا أ نا في بي تي في صلتي إذ د خل عل ّ‬ ‫فأعجبنسي الحال التسي رآنسي عليهسا فقال ر سول ال صسلى ال عل يه وآله وسسلم‪" :‬لك أجران"؛ وفسي الكشاف من‬ ‫حديث جندب أنه صلى ال تعالى عليه وآله وسلم قال له‪" :‬لك أجران أجر السر وأجر العلنية" وقد يرجح هذا‬ ‫الظاهسر قوله تعالى‪{ :‬ومسن العراب مسن يؤمسن بال واليوم الخسر ويتخسذ مسا ينفسق قربات عنسد ال وصسلوات‬ ‫الر سول} فدل على أن مح بة الثناء من ر سول ال صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم ل تنا في الخلص ول‬ ‫تعدّ من الرياء‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫ويتأول الحديث الول بأن المراد بقوله‪" :‬إذا اطلع عليه سرني" لمحبته للثناء عليه‪ ،‬فيكون الرياء في محبته للثناء‬ ‫على العمل وإن لم يخرج العمل عن كونه خالصا‪ ،‬وحديث أبي هريرة ليس فيه تعرّض لمحبة الثناء من المطلع‬ ‫عليه‪ .‬وإنما هو مجرد محبة لما يصدر عنه وعلم به غيره‪.‬‬ ‫ويحت مل أن يراد بقوله فيعج به أي يعج به شهادة الناس له بالع مل ال صالح لقوله صلى ال عل يه وآله و سلم‪" :‬أن تم‬ ‫شهداء ال في الرض" وقال الغزالي‪ :‬أ ما مجرّد ال سرور باطلع الناس إذا لم يبلغ أمره بح يث يؤ ثر في الع مل‬ ‫فبعيد أن يفسد العبادة‪.‬‬ ‫ث َكذَ بَ‪،‬‬ ‫حدّ َ‬ ‫ل الّل هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬آي ُة المناف قِ ثل ثٌ؛ إذا َ‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫وع نْ أَبي هُريرة رضي ال ع ْن هُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫عمْرو "وإذا خاصمَ َفجَرَ"‪.‬‬ ‫ن خانَ" ُمتّفقٌ عَليه‪ ،‬ولهما منْ حديث عبد ال بن َ‬ ‫وإذا وَعدَ أَخلفَ‪ ،‬وإذا اؤ ُتمِ َ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬آية المُنافق) أي علمة نفاقه‬ ‫حدّثَ كذب‪ ،‬وإذا وع ّد أَخلفَ‪ ،‬وإذا ائتمنَ خان" متفق عليه)‪.‬‬ ‫(ثلثٌ‪ :‬إذ َ‬ ‫جرَ" والمنافق من يظهر اليمان‬ ‫وقد ثبت عند الشيخين من حديث عبد ال بن عمر رابعة وهي‪" :‬وإذا خا صَمَ َف َ‬ ‫ويبطن الكفر‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل على أن من كانت فيه خصلة من هذه كانت فيه خصلة من النفاق‪ ،‬فإن كانت في هذه كلها فهو‬ ‫منافق وإن كان موقنا مصدّقا بشرائع السلم‪.‬‬ ‫وقد استشكل الحديث بأن هذه الخصال قد توجد في المؤمن المصدّق القائم بشرائع الدين‪ ،‬ولما كان كذلك اختلف‬ ‫العلماء فسي معناه‪ ،‬قال النووي‪ :‬قال المحققون والكثرون سسسسس وهسو الصسحيح المختار سسسسس‪ :‬أن هذه‬ ‫الخصال هي خصال المنافقين‪ ،‬فإذا اتصف بها أحد من المصدّقين أشبه المنافق فيطلق عليه اسم النفاق مجازا‪،‬‬ ‫فإن النفاق هو إظهار ما يب طن خل فه‪ ،‬و هو موجود في صاحب هذه الخ صال‪ ،‬ويكون نفا قه في حق من حد ثه‬ ‫ووعده وأتمنه وخاصمه وعاهده من الناس‪ ،‬ل أنه منافق في السلم وهو يبطن الكفر‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هذا كان في‬ ‫حق المنافق ين الذ ين كانوا في أيا مه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم تحدّثوا بإيمان هم فكذبوا‪ ،‬وأتمنوا على ر سلهم فخانوا‪،‬‬ ‫ووعدوا في الد ين بالن صر فغدروا وأخلفوا‪ ،‬وفجروا في خ صوماتهم‪ ،‬وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أ بي‬ ‫رباح ورجع إليه الحسن بعد أن كان على خلفه‪ ،‬وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وروياه عن النبي صَلّى‬ ‫ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬وإليه مال كثير من الفقهاء‪.‬‬ ‫وقال الخطابي عن بعضهم‪ :‬إنه ورد الحديث في رجل معين‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وآله وسلم ل يواجههم‬ ‫بصسريح القول فيقول فلن منافسق وإنمسا يشيسر إشارة‪ .‬وحكسى الخطابسي أن معناه التحذيسر للمسسلم أن يعتاد هذه‬ ‫الخصال التي يخاف عليه منها أن تفضي به إلى حقيقة النفاق‪ ،‬وأيد هذا القول بقصة ثعلبة الذي قال فيه تعالى‪:‬‬ ‫{فاعقب هم نفاقا في قلوب هم إلى يوم يلقو نه ب ما أخلفوا ال و ما وعدوه وب ما كانوا يكذبون} فإ نه آل به خلف الو عد‬ ‫والكذب إلى الكفسر فيكون الحديسث للتحذيسر مسن التخلق بهذه الخلق التسي تؤول بصساحبها إلى النفاق الحقيقسي‬ ‫الكامل‪.‬‬ ‫ل اللّه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ":‬سِبابُ المُ سْلِمِ فُسوقٌ‪،‬‬ ‫ع ْن ُه قال‪ :‬قال رَ سُو ُ‬ ‫[رح] سسس وعن ابن مسعود رض يَ اللّه َ‬ ‫وقِتالُ ُه كُفرٌ"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول الله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬سباب بكسر السين المهملة مصدر‬ ‫سبه الم سلم ف سوق وقتاله ك فر"‪ .‬مت فق عل يه ال سب ل غة الش تم والتكلم في أعراض الناس ب ما ل يع ني كال سباب‬ ‫والفسوق مصدر فسق وهو لغة الخروج وشرعا الخروج من طاعة ال‪ ،‬وفي مفهوم قوله المسلم دليل على جواز‬ ‫سب الكا فر‪ ،‬فإن كان معاهدا ف هو أذ ية له و قد ن هى عن أذي ته فل يع مل بالمفهوم في ح قه‪ ،‬وإن كان حربيا جاز‬ ‫سبه‪ ،‬إذ ل حر مة له‪ ،‬وأ ما الفا سق ف قد اختلف العلماء في جواز سبه ب ما هو مرت كب له من المعا صي‪ ،‬فذ هب‬ ‫الكثر إلى جوازه لن المراد بالمسلم في الحديث الكالم السلم والفاسق ليس كذلك وبحديث‪":‬اذكروا الفاسق بما‬ ‫فيه كي يحذره الناس"‪ ،‬وهو حديث ضعيف وأنكره أحمد‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬ليس بشيء فإن صح حمل على فاجر‬ ‫معلن فجوره أو يأ تي بشهادة أو يعت مد عل يه‪ ،‬فيحتاج إلى بيان حالة لئل ي قع العتماد عل يه انت هى كلم البيه قي‪،‬‬ ‫ولكنه أخرج الطبراني في الوسط الصغير بإسناد حسن رجاله موثوقون‪ ،‬وأخرجه في الكبير أيضا من حديث‬ ‫معاوية بن حيدة قال‪ :‬خطبهم رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم فقال‪ ":‬حتى متى ترعوون عن ذكر الفاجر اهتكوه‬ ‫ح تى يحذره الناس"‪ ،‬وأخر جه البيه قي من حد يث أ نس بإ سناد ضع يف‪ " :‬من أل قى جلباب الحياء فل غي بة له"‪،‬‬ ‫وأخرج مسسلم‪" :‬كسل أمتسي معافسى إل المجاهرون"‪ ،‬وهسم الذيسن جاهروا بمعاصسيهم فهتكوا مسا سستر ال عليهسم‬ ‫فيبيحون بها بل ضرورة ول حاجة‪ ،‬والكثر يقولون بأنه يجوز أن يقال للفاسق‪ :‬يا فاسق‪ ،‬ويا مفسد‪ ،‬وكذا في‬ ‫‪28‬‬

‫غيبته بشرط قصد النصيحة له أو لغيره بيان حاله أو للزجر عن صنيعه ل لقصد الوقيعة فيه‪ ،‬فل بد من قصد‬ ‫صحيح إل أن يكون جوابا لمن يبدأه بالسب فإنه يجوز له النتصار لنفسه لقوله تعالى‪{ :‬ولمن انتصر بعد ظلمه‬ ‫فأولئك ما علي هم من سبيل} ولقوله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬المتا سبان ما قال فعلى البادي ما لم يع تد المظلوم"‬ ‫أخرجه مسلم ولكنه ل يجوز أن يعتدي ول سيبه بأمر كذب‪ .‬قال العلماء‪ :‬وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلمته‬ ‫وبر يء الول من ح قه وب قي عل يه إ ثم البتداء وال ثم الم ستحق ل تعالى‪ ،‬وق يل‪ :‬بر يء من ال ثم ويكون على‬ ‫البادي اللوم والذم ل الثم‪ .‬ويجوز في حال الغضب ل تعالى لقوله صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم لبي ذر‪":‬إنك امرؤ فيك‬ ‫جاهلية" وقول عمر في قصة حاطب دعني أضرب عنق هذا المنافق وقول أسيد لسعد‪ :‬إنما أنت منافق تجادل‬ ‫عن المنافقين ولم ينكر صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم هذه القوال وهي بمحضرة‪.‬‬ ‫وقوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪":‬وقتاله كفر" دال على أنه يكفر من يقاتل المسلم بغير حق وهو ظاهر فيمن استحل‬ ‫قتل المسلم أو قاتله حال إسلمه‪ ،‬وأما إذا كانت المقاتلة لغير ذلك فإطلق الكفر عليه مجازا ويراد به كفر النعمة‬ ‫والحسان وأخوة السلم ل كفر الجحود وسماه كفرا لنه قد يؤول به ما يحصل من المعاصي من الرين على‬ ‫القلب حتى يعمى عن الحق فقد يصير كفرا أو إنه كفعل الكافر الذي يقاتل المسلم‪.‬‬ ‫[رح] سسسس و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إيّاكُ مْ والظّنّ‪ ،‬فإنّ‬ ‫حدِيثِ"‪ْ .‬متّ َفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ن أ ْكذَبُ ال َ‬ ‫الظّ ّ‬ ‫وعن أبي هرية رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪ ":‬إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"‬ ‫مت فق عل يه المراد بالتحذ ير من ال ظن بالم سلم شرا ن حو قوله‪{ :‬اجتنبوا كثيرا من ال ظن} وال ظن هو‪ :‬ما يخ طر‬ ‫بالنفس من التجويز المحتمل للصحة والبطن فيحكم به ويعتمد عليه‪ ،‬كذا فسر الحديث في مختصر النهاية‪ .‬وقال‬ ‫الخطابي‪ :‬المراد التهمة ومحل التحذير‪ ،‬والنهي إنما هو عن التهمة التي ل سبب لها يوجبها‪ ،‬كمن اتهم بالفاحشة‬ ‫ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك‪.‬‬ ‫وقال النووي‪ :‬والمراد التحذير من تحقيق التهمة والصرار عليها وتقرّرها في النفس دون ما يعرض ول يستقر‬ ‫فإن هذا ل يكلف به‪ ،‬كما في الحديث "تجاوز ال عما تحدثت به المة أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل" ونقله عياض‬ ‫عن سفيان‪ .‬والحديث وارد في حق من لم يظهر منه شتم ول فحش ول فجور‪ ،‬ويقيد إطلقه حديث "احترسوا‬ ‫من الناس بسوء الظ نّ" أخرجه الطبراني في الوسط والبيهقي والعسكري من حديث أنس مرفوعا‪ ،‬قال البيهقي‪:‬‬ ‫تفرد به بقية‪ ،‬وأخرج الديلمي عن عل يّ رضي ال عنه موقوفا‪" :‬يحرم سوء الظن" وأخرجه القضاعي مرفوعا‬ ‫من حديث عبد الرحمن بن عائذ مرسلً‪ ،‬وكل طرقه ضعيفة‪ ،‬وبعضها يقوي بعضا ويدل على أن لها أصلً‪ ،‬وقد‬ ‫قال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬أخوك البكري ول تأمنه" أخرجه الطبراني في الوسط عن عمر وأبو داود عن‬ ‫عمرو بن القفواء‪.‬‬ ‫وقد قسم الزمخشري الظن إلى واجب ومندوب وحرام ومباح‪ ،‬فالواجب‪ :‬حسن الظن بال‪ ،‬والحرام‪ :‬سوء الظن‬ ‫به تعالى وب كل من ظاهره العدالة من الم سلمين‪ ،‬و هو المراد بقوله صلى ال عل يه وآله و سلم‪" :‬إيا كم وال ظن"‬ ‫الحديث‪ ،‬والمندوب‪ :‬حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين‪ ،‬والجائز‪ :‬مثل قول أبي بكر لعائشة‪ :‬إنما هو‬ ‫أخواك أو أختاك‪ ،‬لما وقع في قلبه أن الذي في بطن امرأته اثنان‪ .‬ومن ذلك سوء الظن بمن اشتهر بين الناس‬ ‫بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث‪ ،‬فل يحرم سوء الظن به‪ ،‬لنه قد دل على نفسه‪ ،‬ومن ستر على نفسه لم‬ ‫يظن به إل خير‪ ،‬ومن دخل في مداخل السوء اتهم‪ ،‬ومن هتك نفسه ظننا به السوء‪.‬‬ ‫والذي يم يز الظنون ال تي ي جب اجتناب ها ع ما سواها أن كل ما ل تعرف له أمارة صحيحة و سبب ظا هر كان‬ ‫حراما واجب الجتناب‪ ،‬وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلح‪ ،‬ومن عرفت منه المانة في‬ ‫الظاهر‪ ،‬فظن الفساد والخيانة به محرم‪ ،‬بخلف من اشتهر بين الناس بتعاطي الر يب فنقابله بعكس ذلك‪ .‬ذكر‬ ‫معناه في الكشاف‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فإن الظن أكذب الحديث" سماه حديثا لنه حديث نفس‪ ،‬وإنما كان الظن أكذب الحديث لن الكذب مخالفة‬ ‫الواقع من غير استناد إلى أمارة‪ ،‬وقبحه ظاهر ل يحتاج إلى إظهاره‪ ،‬وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى‬ ‫شيء‪ ،‬فيخفى على السامع كونه كاذبا بحسن الغالب فكان أكذب الحديث‪.‬‬ ‫ع ْبدٍ يسترعيه‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬ما ِم نْ َ‬ ‫ع نْ َمعْقل بن يسار رضي الّل هُ عن ُه قالَ‪ :‬سمعتُ رسو َ‬ ‫وَ‬ ‫ال رعيّةً يموتُ يومَ يمُوتُ و ُهوَ غاشّ ِلرَعيّت ِه إل ح ّرمَ ال عليه الجنّةَ" ُمتّفقٌ عليهِ‪.‬‬ ‫أخرجه البخاري من رواية الحسن وفيه قصة‪ :‬وهي أن عبيد ال بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي‬ ‫ل على البصرة في إمارة معاوية وولده يزيد" أخرجه الطبراني في الكبير من وجه‬ ‫مات فيه‪" ،‬وكان عبيد ال عام ً‬ ‫‪29‬‬

‫آخر عن الحسن قال‪ :‬قدم إلينا عبيد ال بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا‬ ‫وفي ها مع قل المز ني فد خل عل يه ذات يوم فقال له‪ :‬ان ته ع ما أراك ت صنع‪ ،‬فقال له‪ :‬و ما أ نت وذاك ثم خرج إلى‬ ‫المسسجد فقال له‪ :‬مسا كنست تصسنع بكلم هذا السسفيه على رءوس الناس فقال‪ :‬إنسه كان عندي علم فأحببست أن ل‬ ‫أموت ح تى أقول به على رؤوس الناس‪ ،‬ثم مرض فد خل عل يه عب يد ال يعوده فقال له مع قل بن ي سار‪ :‬إ ني‬ ‫أحدثك حديثا سمعته من رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم؛ قال‪" :‬ما من عبد يسترعيه ال رعية‬ ‫فلم يحظها بنصيحة لم يرح رائحة الجنة" ولفظ رواية المصنف أحد روايتي مسلم‪.‬‬ ‫وسبب الخلف معارضة الصول في هذا الباب بعضها لبعض‪ ،‬ومعارضة الثر لها‪ ،‬وذلك أن من الصول في‬ ‫هذا الباب أن الوق يذ محرّم بالكتاب والجماع و من أ صوله أن الع قر ذكاة ال صيد ف من رأى أن ما قتله المعراض‬ ‫وقيذ منعه على الطلق ومن رآه عقرا مختصا بالصيد‪ ،‬وأن الوقذ غير معتبر فيه لم يمنعه على الطلق‪ ،‬ومن‬ ‫فرق بينما خزق من ذلك وما لم يخزق نظر إلى حديث عدي هذا وهو الصواب‪.‬‬ ‫وأخرج م سلم " ما من أم ير يلي أ مر الم سلمين ل يجت هد مع هم ول ين صح ل هم إل لم يد خل مع هم الج نة" ورواه‬ ‫ال طبراني وزاد‪" :‬كن صحه لنف سه"‪ ،‬وأخرج ال طبراني بإ سناد ح سن " ما من إمام ول والٍ بات ل يل سوداء غاشا‬ ‫لرعيته إل حرّم ال عليه الجنة‪ ،‬وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما" وأخرج الحاكم وصححه من‬ ‫ي من أمر المسلمين‬ ‫حديث أبي بكر رضي ال عنه أن النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم قال‪" :‬من ول َ‬ ‫شيئا فأ مر علي هم أحدا محاباة فعل يه لع نة ال ل يق بل ال م نه صرفا ول عدلً ح تى يدخله جه نم" وأخرج أح مد‬ ‫والحاكم أيضا وصححه من حديث ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬من استعمل رجلً‬ ‫على ع صابة وفي هم من هو أر ضى ل م نه ف قد خان ال ور سوله والمؤمن ين" وفي إ سناده وا هٍ‪ ،‬إل أن ا بن نم ير‬ ‫وثقه وحسن له الترمذي أحاديث‪ ،‬والراعي‪ :‬هو القائم بمصالح من يرعاه‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬يوم يموت" مراده أن يدركه الموت وهو غاشٍ لرعيته غير تائب من ذلك‪ .‬والغش‪ :‬بالكسر ضد النصح‪،‬‬ ‫ويتحقق غشه بظلمه لهم وأخذ أموالهم وسفك دمائهم وانتهاك أعراضهم واحتجابه عن خلتهم وحاجتهم وحبسه‬ ‫عن هم ما جعله ال ل هم من مال ال سبحانه‪ ،‬المع ين للم صارف‪ ،‬وترك تعريف هم ب ما ي جب علي هم من أ مر دين هم‬ ‫ودنياهم‪ ،‬وإهمال الحدود‪ ،‬وردع أهل الفساد وإضاعة الجهاد وغير ذلك مما فيه مصالح العباد‪ ،‬ومن ذلك توليته‬ ‫لمن ل يحوطهم‪ ،‬ول يراقب أمر ال فيهم‪ ،‬وتوليته من غيره أرضى ل منه مع وجوده‪.‬‬ ‫والحاديسث دالة على تحريسم الغسش‪ ،‬وأنسه مسن الكبائر‪ ،‬لورود الوعيسد عليسه بعينسه فإن تحريسم الجنسة هو وعيسد‬ ‫الكافر ين في القرآن ك ما قال تعالى‪{ :‬ف قد حرّم ال عل يه الج نة} و هو على رأي من يقول بخلود أ هل الكبائر في‬ ‫النار واضح‪ ،‬وقد حمله من ل يرى خلود أهل الكبائر في النار على الزجر والتغليظ‪ ،‬قال ابن بطال‪ :‬هذا وعيد‬ ‫شديد على أئمة الجور‪ ،‬فمن ضيع من استرعاه ال عليهم أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ ومعنى "حرم ال عليه الجنة" أي أنفذ عليه الوعيد ولم‬ ‫يرض عنه المظلومين‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬الّل ُهمّ َمنْ وليَ مِنْ َأمْر ُأمّتي شيئا َفشَقّ‬ ‫عنْ عائشةَ رضي ال عنْها قالت‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وَ‬ ‫عليه ْم فاشْققْ عل ْيهِ" أَخرجهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫شق علي هم‪ :‬أد خل علي هم المش قة أي المضرة‪ .‬والدعاء عل يه م نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم بالمش قة جزاء من ج نس‬ ‫الف عل‪ ،‬و هو عام لمش قة الدن يا والخرة وتما مه "و من ولي من أ مر أم تي شيئا فر فق ب هم فار فق به" ورواه أ بو‬ ‫عوانة في صحيحه بلفظ "ومن ولي منهم شيئا فشق عليهم فعليه بهلة ال" فقالوا‪ :‬يا رسول ال وما بهلة ال؟ قال‪:‬‬ ‫"لعنة ال"‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أنه يجب على الوالي تيسير المور على من وليهم والرفق بهم‪ ،‬ومعاملتهم بالعفو والصفح‪،‬‬ ‫وإيثار الرخصة على العزيمة في حقهم لئل يدخل عليهم المشقة‪ ،‬ويفعل بهم ما يحب أن يفعل به ال‪.‬‬ ‫ج هَ"‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا قاتلَ أَحدكُ مْ فَ ْل َيجْتَ نب الو ْ‬ ‫ن أَ بي هُريرةَ ر ضي الّل هُ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫متّفقٌ عََليْهِ‪.‬‬ ‫حدُكم) أي غيره كما يدل‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ :‬إذا قاتلَ َأ َ‬ ‫له فاعل (فلْيجتنب الوجْه" متفق عليه)‪.‬‬ ‫وفي رواية "إذا ضرب أحدكم" وفي رواية "فل يلطمن الوجه"‪.‬‬ ‫وهو دليل على تحريم ضرب الوجه‪ ،‬وأنه يتقى فل يضرب ول يلطم ولو في حدّ من الحدود الشرعية‪ ،‬ولو في‬ ‫الجهاد‪ ،‬وذلك لن الوجه لطيف يجمع المحاسن‪ ،‬وأعضاؤه لطيفة‪ ،‬وأكثر الدراك بها‪ ،‬فقد يبطلها ضرب الوجه‬ ‫‪30‬‬

‫وقد ينقصها‪ ،‬وقد يشين الوجه والشين فيه فاحش‪ ،‬لنه بارز ظاهر ل يمكن ستره‪ ،‬ومتى أصابه ضرب ل يسلم‬ ‫غالبا من شين‪ ،‬وهذا النهي عام لكل ضرب ولطم من تأديب أو غيره‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه أَوْ صِيني‪ ،‬قال‪" :‬ل تغ ضب" فردّدَ مرارا قالَ‪" :‬ل َتغْض بْ"‬ ‫عنْ ُه ر ضي الّل هُ عن ُه أَنّ رجلً قالَ‪ :‬يا ر سو َ‬ ‫وَ‬ ‫أَخرجه ا ْل ُبخَاريّ‪.‬‬ ‫(وعنه رضي ال عنه) أي أبي هريرة (أن رجلً قال‪ :‬يا رسول ال أوصني‪ .‬قال‪" :‬ل تغضب" فردّد مرارا قال‪:‬‬ ‫"ل تغضب" أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫جاء في رواية أحمد تفسيره بأنه جارية سسسس بالجيم سسسس ابن قدامة‪ ،‬وجاء في حديث أنه سفيان بن عبد‬ ‫ل أنتفع به وأقلل‪ .‬قال‪" :‬ل تغضب ولك الجنة" وورد عن آخرين من‬ ‫ال الثقفي قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال قل لي قو ً‬ ‫الصحابة مثل ذلك‪.‬‬ ‫والحديث نهى عن الغضب وهو كما قال الخطابي‪ :‬نهى عن اجتناب أسباب الغضب وعدم التعرض لما يجلبه‪،‬‬ ‫وأ ما ن فس الغضب فل يتأ تى النهي عنه ل نه أ مر جبلي‪ .‬وقال غيره‪ :‬وقع النهي عما كان من قب يل ما يكت سب‬ ‫فيدفعه بالرياضة‪ ،‬وقيل‪ :‬هو نهي عما ينشأ عنه الغضب وهو الكبر‪ ،‬لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله‬ ‫الكبر على الغضب‪ ،‬والذي يتواضع حتى تذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب‪ .‬وقيل‪ :‬معناه ل تفعل ما‬ ‫يأمرك به الغضب‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬إنما اقتصر صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم على هذه اللفظة لن السائل كان غضوبا‪ .‬وكان صلى ال‬ ‫تعالى عليه وآله وسلم يفتي كل أحد بما هو أولى به‪ ،‬قال ابن التين‪ :‬جمع النبي صلى ال عليه وآله وسلم في‬ ‫قوله‪" :‬ل تغضسب" خيري الدنيسا والخرة‪ ،‬لن الغضسب يؤول إلى التقاطسع‪ ،‬ومنسع الرفسق‪ ،‬ويؤول إلى أن يؤذي‬ ‫الذي غ ضب عل يه ب ما ل يجوز‪ ،‬فيكون نق صا في دي نه انت هى‪ .‬ويحت مل أن يكون من باب الت نبيه بالعلى على‬ ‫الدنى لن الغضب ينشأ عن النفس والشيطان فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدّة المعالجة كان‬ ‫أملك لقهر نفسه عن غير ذلك بالولى‪ .‬وتقدّم كلم يتعلق بالغضب وعلجه‪.‬‬ ‫ن في مال‬ ‫ل رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬إنّ رجالً يتخوّضو َ‬ ‫عنْها قالتْ‪ :‬قا َ‬ ‫وعنْ خَوَْل َة النصارية رضي ال َ‬ ‫ال بغير حقَ فَلَهم النارُ يومَ القيامة" أَخرجه البُخاريّ‪.‬‬ ‫الحديث دليل على أنه يحرم على من لم يستحق شيئا من مال ال‪ ،‬بأل يكون من المصارف التي عينها ال تعالى‬ ‫أن يأخذه ويتملكه‪ ،‬وأن ذلك من المعاصي الموجبة للنار‪.‬‬ ‫و في قوله‪" :‬يتخوّضون" دللة على أ نه يق بح تو سعهم م نه زيادة على ما يحتاجون‪ ،‬فإن كانوا من ولة الموال‬ ‫أبيح لهم قدر ما يحتاجونه لنفسهم من غير زيادة؛ وقد تقدم الكلم في ذلك‪.‬‬ ‫ن َربّه قال‪" :‬يا عبادي إني حرّم تُ‬ ‫وع نْ أَبي ذرَ رضي الّل ُه عنْ ُه عن النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم فيما يرويه ع ْ‬ ‫الظ ْلمَ على نفسي وجعلتُ ُه بينكمْ محرّما فل تظالموا" أَخرجهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن أبي ذرّ رضي ال عنه عن النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما يرويه عن ربه) من الحاديث‬ ‫القد سية (قال‪ ):‬الرب تبارك وتعالى‪ ( :‬يا عبادي إ ني حر مت الظلم على نف سي) وأخبر نا بأ نه ل يفعله في كتا به‬ ‫جعَلْته بينكم محرّما فل تظالموا" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫بقوله‪{ :‬وما ربك بظلّم للعبيد} (و َ‬ ‫التحريم لغة‪ :‬المنع عن الشيء‪ ،‬وشرعا‪ :‬ما يستحق فاعله العقاب‪ ،‬وهذا غير صحيح إرادته في حقه تعالى بل‬ ‫المراد به أ نه تعالى منزه متقدّس عن الظلم‪ .‬وأطلق عل يه ل فظ التحر يم لمشابه ته الممنوع بجا مع عدم الش يء‪،‬‬ ‫والظلم م ستحيل في ح قه تعالى لن الظلم في عرف الل غة الت صرف في غ ير الملك أو مجاوزة الحدّ وكله ما‬ ‫محال في حقه تعالى‪ ،‬لنه المالك للعالم كله المتصرف بسلطانه في دقه وجله‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬فل تظالموا" تأكيد لقوله‪" :‬وجعلته بينكم محرّما"‪ .‬والظلم قبيح عقلً أقرّه الشارع وزاده قبحا وتوعد عليه‬ ‫بالعذاب {وقد خاب من حمل ظلما} وغيرها‪.‬‬ ‫وعن أَبي هريرة رضي ال عنهُ أنّ رسول اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪َ" :‬أ َتدْرونَ ما الغِيبَةُ؟" قالوا‪ :‬ال ورسولهُ‬ ‫ن كانَ فيه ما تقولُ فقد اغْتبتهُ‪،‬‬ ‫َأعْلمُ‪ ،‬قال‪" :‬ذكرُك أخاك بما يكْرهُ" قيلَ‪ :‬أَفرَأيْت إنْ كان في أَخي ما أقولُ؟ قال‪" :‬إ ْ‬ ‫ن لم يكن فيه فقد بهتّهُ" أَخرجَ ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫وإ ْ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم قال‪" :‬أتدرون ما الغيبةُ؟")‬ ‫بك سر الغ ين المعج مة (قالوا‪ :‬ال ور سوله أعلم قال‪" :‬ذكرُك أَخا كَ ب ما يكر هُ" ق يل‪ :‬أفرأ يت إن كان في أ خي ما‬ ‫أقول؟ قال‪" :‬إن كان ف يه ما تقول ف قد اغتب ته‪ ،‬وإن ل مْ يكُ نْ ف يه فقدْ بهتّ هُ") بف تح الموحدة وف تح الهاء من البهتان‬ ‫(أخرجه مسْلمٌ)‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫الحد يث كأ نه سيق لتف سير الغي بة المذكورة في قوله تعالى‪{ :‬ول يغ تب بعض كم بعضا} ودل الحد يث على حقي قة‬ ‫الغيبة‪ ،‬قال في النهاية‪ :‬هي أن تذكر النسان في غيبته بسوء وإن كان فيه‪.‬‬ ‫قال النووي في الذكار تبعا للغزالي‪ :‬ذكر المرء بما يكره سواء كان في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه‬ ‫أو خلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو حركته أو طلقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به‬ ‫ذكر سوء سواء ذكر باللفظ أو بالرمز أو بالشارة‪ ،‬قال النووي‪ :‬ومن ذلك التعريض في كلم المصنفين كقولهم‬ ‫قال من يدّعي العلم أو بعض من ينسب إلى الصلح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به‪ ،‬ومنه قولهم عند‬ ‫ذكره‪ :‬ال يعافينا؛ ال يتوب علينا؛ نسأل ال السلمة‪ ،‬ونحو ذلك؛ فكل ذلك من الغيبة‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬ذكرك أخاك بمسا يكره" شامسل لذكره فسي غيبتسه وحضرتسه وإلى هذا ذهسب طائفسة‪ ،‬ويكون الحديسث بيانا‬ ‫لمعناها الشرعي‪ .‬وأما معناها لغة فاشتقاقها من الغيب يدل على أنها ل تكون إل في الغيبة‪ .‬ورجح جماعة أن‬ ‫معناها الشرعي موافق لمعناها اللغوي‪ ،‬ورووا في ذلك حديثا مسندا إلى النبي صلى ال عليه وآله وسلم أنه قال‪:‬‬ ‫"ما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة" فيكون هذا إن ثبت مخصصا لحديث أبي هريرة‪ ،‬وتفاسير العلماء دالة‬ ‫على هذا‪ ،‬ففسرها بعضهم بقوله‪ :‬ذكر العيب بظهر الغيب‪ ،‬وآخر بقوله‪ :‬هي أن تذكر النسان من خلفه بسوء‬ ‫وإن كان فيه‪ .‬نعم ذكر العيب في الوجه حرام لما فيه من الذى وإن لم يكن غيبة‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬أخاك" أي أخ الدين دليل على أن غير المؤمن تجوز غيبته وتقدّم الكلم في ذلك‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬في‬ ‫الحديث دليل على أن من ليس بأخ كاليهودي والنصراني وسائر أهل الملل ومن قد أخرجته بدعته عن السلم‬ ‫ل غيبة له‪ ،‬وفي التعبير عنه بالخ جذب للمغتاب عن غيبته لمن يغتاب لنه إذا كان أخاه فالولى الحنوّ عليه‪،‬‬ ‫وطي مساويه‪ ،‬والتأويل لمعايبه ل نشرها بذكرها‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬بما يكره" ما يشعر بأنه إذا كان ل يكره ما يعاب به كأهل الخلعة والمجون فإنه ل يكون غيبة‪.‬‬ ‫وتحريسم الغيبسة معلوم مسن الشرع ومتفسق عليسه‪ .‬وإنمسا اختلف العلماء هسل هسو مسن الصسغائر أو الكبائر؟ فنقسل‬ ‫القرطبي الجماع على أنها من الكبائر‪ .‬واستدل لكبرها بالحديث الثابت "إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم‬ ‫حرام" وذهب الغزالي وصاحب العمدة من الشافعية إلى أنها من الصغائر‪ ،‬قال الوزاعي لم أرَ من صرح أنها‬ ‫مسن الصسغائر غيرهمسا‪ .‬وذهسب المهدي إلى أنهسا محتملة بناءً على مسا لم يقطسع بكسبره فهسو محتمسل كمسا تقوله‬ ‫المعتزلة‪ .‬قال الزرك شي‪ :‬والع جب م من ي عد أ كل المي تة كبيرة ول ي عد الغي بة كذلك وال أنزل ها منزلة أ كل ل حم‬ ‫الدمي أي ميتا‪ .‬والحاديث في التحذير من الغيبة واسعة جدا دالة على شدّة تحريمها‪.‬‬ ‫واعلم أنه قد استثنى العلماء من الغيبة أمورا ستة‪:‬‬ ‫الولى‪ :‬التظلم فيجوز أن يقول المظلوم فلن ظلمنسي وأخسذ مالي أو أنسه ظالم‪ ،‬ولكسن إذا كان ذكره لذلك شكايسة‬ ‫على من له قدرة على إزالت ها أو تخفيف ها ودليله قول ه ند ع ند شكايت ها له صلى ال عل يه وآله و سلم من أ بي‬ ‫سفيان إنه رجل شحيح‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬الستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته فيقول‪ :‬فلن فعل كذا‪ ،‬في حق من لم يكن‬ ‫مجاهرا بالمعصية‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬السستفتاء بأن يقول للمفتسي‪ :‬فلن ظلمنسي بكذا فمسا طريقسي إلى الخلص عنسه‪ ،‬ودليله أنسه ل يعرف‬ ‫الخلص عما يحرم عليه إل بذكر ما وقع منه‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬التحذير للمسلمين من الغترار‪ ،‬كجرح الرواة والشهود ومن يتصدّر للتدريس والفتاء مع عدم الهلية‪،‬‬ ‫ودليله قوله صسلى ال عليسه وآله وسسلم‪" :‬بئس أخسو العشيرة" وقوله صسلى ال عليسه وآله وسسلم "أمسا معاويسة‬ ‫فصعلوك" وذلك أنها جاءت فاطمة بنت قيس تستأذنه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وتستشيره وتذكر أنه خطبها معاوية‬ ‫بن أبي سفيان وخطبها أبو جهم فقال‪" :‬معاوية فصعلوك ل مال له‪ ،‬وأما أبو جهم فل يضع عصاه عن عاتقه‪ ،‬ثم‬ ‫قال‪ :‬انكحي أسامة" الحديث‪.‬‬ ‫الخا مس‪ :‬ذ كر من جا هر بالف سق أو البد عة كالمكا سين وذوي الوليات الباطلة‪ ،‬فيجوز ذكر هم بما يجاهرون به‬ ‫دون غيره‪ ،‬وتقدّم دليله في حديث "اذكروا الفاجر"‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬التعريف بالشخص بما فيه من العيب كالعور والعرج والعمش ول يرد به نقصه وغيبته‪ ،‬وجمعها‬ ‫ابن أبي شريف في قوله‪:‬‬ ‫[شع] الذم ليس بغيبة في ستة‬ ‫متظلم ومعرّف ومحذّر[‪/‬شع]‬ ‫[شع] ولمظهر فسقا ومستفت ومن‬ ‫‪32‬‬

‫طلب العانة في إزلة منكر[‪/‬شع]‪.‬‬ ‫غضُوا ول‬ ‫وعنْ ُه ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل تحَا سَدوا‪ ،‬ول تناجَشُوا‪ ،‬ول تبا َ‬ ‫ضكُم على بيْع بعض‪ ،‬وكونوا عباد ال إخوانا‪ ،‬الم سْلمُ َأخُو المسلم ل يظْلمُ هُ ول يخذُلُ هُ‪ ،‬ول‬ ‫تدا َبرُوا‪ ،‬ول يَب عُ َب ْع ُ‬ ‫ن يحقِر أَخاه الم سلمَ‪ .‬كُلّ‬ ‫ث مرّات‪" :‬بح سْب امرىءٍ من الشرّ َأ ْ‬ ‫يحقرُ هُ‪ ،‬التّقوى ها ه نا" ويشيرُ إلى صَدْر ِه ثل َ‬ ‫المسلم على المسلم حرامٌ‪ :‬دمُ ُه ومالهُ وعرضُهُ" َأخُرجَهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫(وع نه ر ضي ال ع نه) أي أ بي هريرة (قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ل تحا سدوا ول تناجشوا)‬ ‫بالجيسم والشيسن المعجمسة (ول تباغضوا ول تدابروا ول يبْغ) بالغيسن المعجمسة مسن البغسي‪ .‬وبالمهملة مسن البيسع‬ ‫خذُلُ هُ ول‬ ‫( َب ْعضُك مْ على بعض‪ ،‬وكونوا عباد ال) منصوب على النداء (إخوانا‪ ،‬المُ سْلمُ َأخُو المُسلم ل يظْلم هُ ول ي ْ‬ ‫يح ِقرُ هُ) بف تح حرف المضار عة و سكون الحاء المهملة وبالقاف فراء‪ .‬قال القا ضي عياض‪ :‬ورواه بعض هم‪" :‬ل‬ ‫يخفره" بضم الياء وبالخاء المعجمة وبالفاء‪ ،‬أي ل يغدر بعهده ول ينقض أمانه قال‪ :‬والصواب الول (التّقوى هَا‬ ‫ل المسلم‬ ‫ن يحْقِر أَخا ُه المُ سْلم‪ ،‬كُ ّ‬ ‫هُنا سسسس ويشيرُ إلى صدره ثلث مرّات سسسس بحسب امرىءٍ من الشّرّ َأ ْ‬ ‫حرَامٌ‪َ ،‬دمُهُ‪ ،‬ومالُهُ‪ ،‬وع ْرضُهُ" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫على ال ُمسْلم َ‬ ‫الحديث اشتمل على أمور نهى عنها الشارع‪.‬‬ ‫الول‪ :‬التحا سد و هو تفا عل يكون ب ين اثن ين‪ .‬ن هى عن ح سد كل وا حد منه ما صاحبه من الجا نبين‪ ،‬ويعلم م نه‬ ‫النهي عن الحسد من جانب واحد بطريق الولى لنه إذا نهى عنه مع من يكافئه ويجازيه بحسده مع أنه من باب‬ ‫{وجزاء سيئة سيئة مثلها} فهو مع عدم ذلك أولى بالنهي‪ ،‬وتقدّم تحقيق الحسد‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬النهي عن المناجشة وتقدّم تحقيقها في البيع‪ ،‬ووجه النهي عنها أنها من أسباب العداوة والبغضاء‪ .‬وقد‬ ‫روي بغ ير هذا الل فظ في المو طأ بل فظ "ول تناف سوا" من المناف سة و هي الرغ بة في الش يء ومح بة النفراد به‪،‬‬ ‫ويقال‪ :‬ناف ست في الش يء مناف سة ونفا سا إذا رغ بت ف يه‪ ،‬والن هي عن ها ن هي عن الرغ بة في الدن يا وأ سبابها‬ ‫وحظوظها‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬النهي عن التباغض وهو تفاعل وفيه ما في "تحاسدوا" من النهي عن التقابل في المباغضة‪ ،‬والنفراد‬ ‫بها بالولى‪ ،‬وهو نهي عن تعاطي أسبابه لن البغض ل يكون إل عن سبب‪ .‬والذم متوجه إلى المباغضة لغير‬ ‫ال فأ ما ما كا نت ل ف هي واج بة فإن الب غض في ال وال حب في ال من اليمان‪ ،‬بل ورد في الحد يث ح صر‬ ‫اليمان عليهما‪.‬‬ ‫الرا بع‪ :‬الن هي عن التدابر‪ ،‬قال الخطا بي‪ :‬أي ل تهاجروا فيه جر أحد كم أخاه‪ ،‬مأخوذ من تول ية الر جل لل خر‬ ‫دبره‪ ،‬إذا أعرض عنه حين يراه‪ ،‬وقال ابن عبد البرّ‪ :‬قيل للعراض تدابر لن من أبغض أعرض ومن أعرض‬ ‫ولى دبره والمحب بالعكس‪ .‬وقيل‪ :‬معناه ل يستأثر أحدكم على الخر‪ ،‬وسمي المستأثر مستدبرا لنه يولي دبره‬ ‫ح ين ي ستأثر بش يء دون ال خر؟ وقال المازري‪ :‬مع نى التدابر المعاداة‪ ،‬تقول‪ :‬دابر ته أي عادي ته‪ ،‬و في المو طأ‬ ‫عن الزهري‪ :‬التدابر العراض عن السلم يدبر عنه بوجهه‪ ،‬وكأنه أخذه من بقية الحديث وهي "يلتقيان فيعرض‬ ‫هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلم" فإنه يفهم أن صدور السلم منهما أو من أحدهما يرفع العراض‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬النهي عن البغي؛ إن كان بالغين المعجمة‪ ،‬وإن كان بالمهملة فعن بيع بعض على بيع بعض‪ ،‬وقد تقدم‬ ‫في كتاب الب يع‪ ،‬قال ا بن عبد البرّ‪ :‬تض من الحديث تحريم ب غض الم سلم والعراض عنه وقطيع ته ب عد صحبته‬ ‫بغ ير ذ نب شر عي‪ ،‬والح سد له على ما أن عم ال تعالى عل يه‪ ،‬ثم أ مر أن يعامله معاملة الخ الن سيب‪ ،‬ول يب حث‬ ‫عن معايبه‪ ،‬ول فرق في ذلك بين الحاضر والغائب والحي والميت‪.‬‬ ‫وبعد هذه المناهي الخمسة حثهم بقوله‪" :‬وكونوا عباد ال إخوانا" فأشار بقوله‪" :‬عباد" إلى أن من حق العبودية ل‬ ‫المتثال لما أمر‪ ،‬قال القرطبي‪ :‬المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة‬ ‫والنصيحة‪ ،‬وفي رواية لمسلم زيادة "كما أمر ال" أي بهذه المور فإن أمر رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‬ ‫أ مر م نه تعالى وزاد "الم سلم" ح ثا على أخوه الم سلم بقوله‪" :‬الم سلم أ خو الم سلم" وذ كر من حقوق الخوة أ نه ل‬ ‫يظلمه‪ ،‬وتقدم تحقيق الظلم وتحريمه‪ ،‬والظلم محرم في حق الكافر‪ ،‬أيضا وإنما خص المسلم لشرفه‪.‬‬ ‫"ول يخذله" والخذلن ترك العانة والنصر‪ ،‬ومعناه إذا استعان به في دفع أي ضر أو جلب أي نفع أعانه "ول‬ ‫يحقره" ول يحتقره ول يتكبر عليه ويستخف به ويروى "ل يحتقره" وهو بمعناه‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬التقوى ها هنا" إخبار بأن عمدة التقوى ما يحل في القلب من خشية ال ومراقبته وإخلص العمال له‪.‬‬ ‫وعليه دل حديث م سْلم‪" :‬إن ال ل ينظر إلى أجسامكم ول إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم" أي أن المجازاة‬ ‫‪33‬‬

‫والمحاسسبة إنمسا تكون على مسا فسي القلب دون الصسورة الظاهرة والعمال البارزة‪ ،‬فإن عمدتهسا النيات ومحلهسا‬ ‫القلب‪ .‬وتقدم "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد"‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬بح سب امرىء من ال شر أن يح قر أخاه" أي يكف يه أن يكون من أ هل ال شر بهذه الخ صلة وحد ها‪ ،‬و في‬ ‫قوله‪" :‬كسل المسسلم على المسسلم حرام" إخبار بتحريسم الدماء والموال والعراض‪ ،‬وهسو معلوم مسن الشرع علما‬ ‫قطعيا‪.‬‬ ‫جنّب ني ُمنْكرا تِ‬ ‫ع نْ قُط بة بن مالك ر ضي ال عنْ ُه قال‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬اللهُمّ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫الخلق والعمال والهواءِ والدواءِ" أَخرجهُ الترمذيّ وصحَحهُ الحاكم واللفظ لهُ‪..‬‬ ‫(وعن قطبة) بضم القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الموحدة (ابن مالك رضي ال عنه) يقال له التغلبي بالمثناة‬ ‫الفوقية والغين المعجمة ويقال الثعلبي بالمثلثة والعين المهملة (قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى‬ ‫ج ّنبْني ُمنْكرات الخْلق والهواءِ والدواءِ" أخرجه الترمذي وصحّحه الحاكم واللفظ له)‪.‬‬ ‫آله وسلم يقول‪" :‬الّل ُهمّ َ‬ ‫التجن يب‪ :‬المباعدة أي باعد ني‪ ،‬والخلق‪ :‬ج مع خلق‪ ،‬قال القر طبي‪ :‬الخلق أو صاف الن سان ال تي يعا مل ب ها‬ ‫غيره‪ ،‬وهي محمودة ومذمومة‪.‬‬ ‫فالمحمودة على الجمال‪ :‬أن تكون مع غيرك على نفسك فتنتصف منها ول تنتصف لها‪ ،‬وعلى التفصيل‪ :‬العفو‬ ‫والحلم والجود والصبر وتحمل الذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتودّد ولين الجانب ونحو ذلك‪.‬‬ ‫والمذمو مة‪ :‬ضد ذلك و هي منكرات الخلق ال تي سأل صلى ال عل يه وآله و سلم ر به أن يجن به إيا ها في هذا‬ ‫الحديث‪ .‬وفي قوله‪" :‬اللهم كما حسنت خَلْقي فح سّن خُلُقِي" أخرجه أحمد وصححه ابن حبان‪ ،‬وفي دعائه صلى‬ ‫ال عل يه وآله و سلم في الفتتاح "واهد ني لح سن الخلق ل يهدي لح سنها سواك‪ ،‬وا صرف ع ني سيئها ل‬ ‫يصرف عني سيئها غيرك"‪.‬‬ ‫ومنكرات العمال‪ :‬ما ينكر شرعا أو عادة‪ ،‬ومنكرات الهواء جمع هوى‪ ،‬والهوى هو ما تشتيه النفس من غير‬ ‫ن ظر إلى مق صد يح مد عل يه شرعا‪ ،‬ومنكرات الدواء ج مع داء و هي ال سقام المنفرة ال تي كان ال نبي صلى ال‬ ‫عليه وآله وسلم يتعوّذ منها كالجذام والبرص‪ ،‬والمهلكة‪ :‬كذات الجنب وكان صلى ال عليه وآله وسلم يستعيذ من‬ ‫سيء السقام‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ل تمار أَخاكَ ول تمازح ُه ول َت ِعدْهُ‬ ‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫موعدا َف ُتخْلفهُ" أَخرج ُه الترمذي بسندٍ ضعيفٍ‪.‬‬ ‫(و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم‪" :‬ل تمار) من‬ ‫المماراة‪ ،‬وهي المجادلة (أَخاك ول تمازحْهُ) من المزح (ول َت ِعدْهُ موعدا فَتخْلِفَهُ" أخرجه الترمذي بسند ضعيف)‪.‬‬ ‫لكن في معناه أحاديث سيما في المراء‪ ،‬فإنه روى الطبراني أن جماعة من الصحابة قالوا‪ :‬خرج علينا رسول‬ ‫ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهرنا‬ ‫وقال‪" :‬أبهذا يا أ مة مح مد أمر تم؟ إن ما أهلك من كان قبل كم بم ثل هذا‪ ،‬ذروا المراء لقلة خيره‪ ،‬ذروا المراء فإن‬ ‫المؤمن ل يماري‪ ،‬ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته‪ ،‬ذروا المراء‪ ،‬كفى إثما أن ل تزال مماريا‪ ،‬ذروا‬ ‫المراء فإن المماري ل أش فع له يوم القيا مة‪ ،‬ذروا المراء فأ نا زع يم بثل ثة أبيات في الج نة في رياض ها أ سفلها‬ ‫وأو سطها وأعلها ل من ترك المراء و هو صادق‪ ،‬ذروا المراء فإ نه أوّل ما نها ني عنه ر بي ب عد عبادة الوثان"‬ ‫وأخرج الشيخان مرفوعا "إن أبغض الرجال إلى ال اللد الخصم" أي الشديد المراء أي الذي يحج صاحبه‪.‬‬ ‫وحقي قة المراء طع نك في كلم غيرك لظهار خلل ف يه لغ ير غرض سوى تحق ير قائله‪ ،‬وإظهار مزي تك عل يه‪،‬‬ ‫والجدال هو ما يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها‪ .‬والخصومة لجاج في الكلم ليستوفى به أو غيره‪ ،‬ويكون تارة‬ ‫ابتداء وتارة اعتراضا‪ ،‬والمراء ل يكون إل اعتراضا‪ ،‬والكسل قبيسح إذا لم يكسن لظهار الحسق وبيانسه وإدحاض‬ ‫الباطل وهدم أركانه‪.‬‬ ‫وأما مناظرة أهل العلم للفائدة وإن لم تخل عن الجدال فليست داخلة في النهي‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬ول تجادلوا أهل‬ ‫الكتاب إل بال تي هي أح سن} و قد أج مع عل يه الم سلمون سلفا وخلفا‪ ،‬وأفاد الحد يث الن هي عن مماز حة الخ‪،‬‬ ‫والمزاح‪ :‬الدعابة‪ ،‬والمنهي عنه ما يجلب الوحشة أو كان بباطل‪ ،‬وأما ما فيه بسط الخلق وحسن التخاطب وجبر‬ ‫الخاطر فهو جائز‪ .‬فقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أنهم قالوا‪ :‬يا رسول ال إنك لتداعبنا؛ قال‪" :‬إني ل‬ ‫أقول إل حقا"‪.‬‬ ‫وأفاد الحديث النهي عن إخلف الوعد‪ ،‬وتقدم أنه من صفات المنافقين‪ ،‬وظاهره التحريم‪ ،‬وقد قيده حديث‪" :‬أن‬ ‫تعده وأنت مضمر لخلفه" وأما إذا وعدته وأنت عازم على الوفاء فعرض مانع فل يدخل تحت النهي‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫خدْريّ ر ضي ال عن هُ قال‪ :‬قالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬خ صْلتان ل‬ ‫[رح ‪ ]19‬س و عن أَ بي سعيد ال ُ‬ ‫ل وسُوءُ الخُلُق" أَخرجهُ الترمذي وفي سنده ض ْعفٌ‪.‬‬ ‫يجتمعان في مُؤمنٍ‪ :‬ال ُبخْ ُ‬ ‫قد علم قبح البخل عرفا وشرعا‪ ،‬وقد ذمّه ال في كتابه بقوله {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} وبقوله في‬ ‫الكانزين {فبشرهم بعذاب أليم} بل ذم من لم يأمر الناس ويحثهم على خلفه فقال تعالى‪{ :‬ول يحض على طعام‬ ‫الم سكين}‪ .‬جعله من صفات الذ ين يكذبون بيوم الد ين وقال في الحكا ية عن الكفار‪ :‬إن هم قالوا و هم في طبقات‬ ‫النار‪{ :‬ولم نك نطعم المسكين} [المدثر‪ ]44 :‬الية‪.‬‬ ‫وإنما اختلف العلماء في المذموم منه وقدمنا كلمهم في ذلك‪ .‬وحده بعضهم بأنه في الشرع منع ذلك كان بخيلً‬ ‫ينله العقاب‪.‬‬ ‫قال الغزالي‪ :‬وهذا ال حد غ ير كاف فإن من يرد الل حم والخ بز إلى الق صاب والخباز لن قص وزن ح بة ي عد بخيلً‬ ‫اتفاقا وكذا مضايق عياله في لقمة أو تمرة أكلوها من ماله بعد ما سلم لهم ما فرض القاضي لهم‪ ،‬وكذا من بين‬ ‫يديه رغيف فحضر من يظن أن يشاركه فأخفاه يعد بخيلً قلت‪ :‬هذا في البخيل عرفا ل من يستحق العقاب فل‬ ‫يرد نقضا‪.‬‬ ‫وأ ما ح سن الخلق ف قد تقدم القول ف يه‪ ،‬و سوء الخلق ضده‪ ،‬و قد وردت ف يه أحاد يث دالة على أ نه ينا في اليمان‬ ‫فأخرج الحا كم " سوء الخلق يف سد الع مل ك ما يف سد ال خل الع سل"‪ ،‬وأخرج ا بن منده " سوء الخلق شؤم‪ ،‬وطا عة‬ ‫النساء ندامة‪ ،‬وحسن الملكة نماء"‪ ،‬وأخرج الخطيب "إن لكل شيء توبة إل صاحب سوء الخلق فإنه ل يتوب من‬ ‫ذنب إل وقع فيما هو شر منه"‪ ،‬وأخرج الصابوني "ما من ذنب إل وله عند ال توبة إل سوء الخلق فإنه ل يتوب‬ ‫صساحبه مسن ذنسب إل وقسع فيمسا هسو شسر منسه"‪ ،‬وأخرج الترمذي وابسن ماجسه "ل يدخسل الجنسة سسيء الخلق"‪،‬‬ ‫والحاد يث في الباب وا سعة ولعله يح مل المؤ من في الحد يث على كا مل اليمان أو أ نه خرج مخرج التحذ ير‬ ‫والتنفير أو أراد إذا ترك إخراج الزكاة مستحلً لترك واجب قطعي‪.‬‬ ‫ن مَا قَال‪،‬‬ ‫س َتبّا ِ‬ ‫[رح] سسسس و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬المُ ْ‬ ‫فعَلَى البَادِيءِ‪ ،‬مَا َل ْم َي ْعتَدِ ال َمظْلُومُ"‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫وعن أبي هرية رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ":‬المستبان ما قال فعلى الباديء ما لم‬ ‫يع تد المظلوم" أخر جه م سلم دل الحد يث على جواز مجازاة من نابتدأ الن سان بالذ ية بمثل ها وأن إ ثم ذلك عائد‬ ‫على الباديء لنه المتسبب لكل ما قاله المجيب إل أن يعتدي المجيب في أذيته بالكلم فيختص به إثم عدوانه‬ ‫لنه إنما أذن له في مثل ما عوقب به‪{ :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها‪ .‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى‬ ‫علي كم} ‪ ،‬وعدم المكافأة وال صبر والحتمال أف ضل ف قد ث بت‪ ":‬أن رجلً سب أ با ب كر ر ضي ال ع نه بحضر ته‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم فسكت أبو بكر والنبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم قاعد ثم أجابه أبو بكر فقام النبي صَلّى ال‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم فقيل له في ذلك فقال‪ :‬إنه لما سكت أبو بكر كان ملك يجيب عنه فلما انتصف لنفسه حضر الشيطان‬ ‫أو نحو هذا اللفظ" قال تعالى‪{ :‬ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور}‪.‬‬ ‫[رح] سسس وعن أبي صرمة رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪":‬من ضارّ مسلما ضارّهُ‬ ‫اللّه‪ ،‬ومن شاقّ مسلما شقّ اللّه علَيه"‪ .‬أخرجه أبو داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وحسنه‪.‬‬ ‫وعن أبي صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء اشتهر بكنيته واختلف في اسمه اختلفا كثيرا وهو من بني‬ ‫مازن بن النجار شهد بدرا وما بعدها من المشاهد قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ":‬من ضار مسلما‬ ‫ضاره ال ومن شاق مسلما شق ال عليه" أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه أي من أدخل على مسلم مضرة في‬ ‫ماله أو نفسه أو عرضه بغير حق ضاره ال أي جازاه من جنس فعله وأدخل عليه المضرة‪ .‬والمشاقة المنازعة‬ ‫أي من نازع مسلما ظلما وتعديا أنزل ال عليه المشقة جزاء وفاقا‪ .‬والحديث تحذير من أذى المسلم بأي شيء‪.‬‬ ‫[رح] سسس وعن أبي الدرداء رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪":‬إنّ اللّه ُي ْبغِ ضُ الفاحِ شَ‬ ‫ال َبذِيءَ"‪ .‬أخرجه الترمذي‪ ،‬وصححه‪.‬‬ ‫و عن أ بي الدرداء ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إن ال يب غض الفا حش البذ يء"‬ ‫أخرجه الترمذي وصحح ُه البغض ضد المحبة وبغض ال عبده إنزال العقوبة بهوعدم إكرامه إياه والبذيء فعيل‬ ‫من البذاء وهو الكلم القبيح الذي ليس من صفات المؤمن كما دل له الحديث التي‪:‬‬ ‫وقد استدل به على وجوب التضحية على من كان له سعة‪ ،‬لنه لما نهى عن قربان المصلى دل على أنه ترك‬ ‫واجبا‪ ،‬كأنه يقول ل فائدة في الصلة مع ترك هذا الواجب‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬فصل لربك وانحر} فقيل يوم النحر‬ ‫ويومان بعده وهو المشهور‪ ،‬وقيل‪ :‬العشر الول من ذي الحجة‪ ،‬والسبب الثاني‪ :‬معارضة دليل الخطاب في هذه‬ ‫‪35‬‬

‫الية بحديث جبير بن مطعم مرفوعا أنه قال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق‬ ‫ذ بح" ف من قال في اليام المعلومات إن ها يوم الن حر ويومان بعده في هذه ال ية ر جح دل يل الخطاب في ها على‬ ‫الحديث المذكور‪ ،‬وقال‪ :‬ل نحر إل في هذه اليام‪ .‬ومن رأى الجمع بين الحديث والية قال‪ :‬ل معارضة بينهما‪،‬‬ ‫إذ الحد يث اقت ضى حكما زائدا على ما في ال ية‪ ،‬مع أن ال ية ل يس المق صود في ها تحد يد أيام الن حر والحد يث‬ ‫المقصود منه ذلك‪ ،‬قال‪ :‬يجوز الذبح في اليوم الرابع إذا كان من أيام التشريق باتفاق‪.‬‬ ‫[رح] سسس وله من حديث ابن مسعود رضي ال عنه رفعه‪" :‬لي سَ المُؤمِ نُ بالطّعا نِ‪ ،‬ول اللّعا نِ ول الفاحِ شِ‪،‬‬ ‫ول ال َبذِيءِ"‪ .‬وحسنه‪ ،‬وصححه الحاكم‪ ،‬ورجح الدارقطني وقفه‪.‬‬ ‫وله أي للترمذي (من حديث ابن مسعود رفعه "ليس المؤمن بالطعان ول اللعان ول الفاحش ول البذيء" وحسنه‬ ‫وصححه الحاكم ورجح الدارقطني وقفهُ الطعن السب يقال‪ :‬طعن في عرضه أي سبه واللعان اسم فاعل للمبالغة‬ ‫بزنة فعال أي كثير اللعن ومفهوم الزيادة غير مراد فإن اللعن محرم قليلة وكثيرة‪ .‬والحديث إخبار بأنه ليس من‬ ‫صفات المؤ من الكا مل اليمان ال سب والل عن إل أ نه ي ستثني من ذلك ل عن الكا فر وشارب الخ مر و من لع نه ال‬ ‫ورسوله‪.‬‬ ‫ت فإنّهم‬ ‫سبّوا المْوَا َ‬ ‫ل الِ صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ل ت ُ‬ ‫[رح] سسسس وعن عائش َة رضيَ الُ عنها قالتْ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫قد أ ْفضَوا إلى ما ق ّدمُوا"‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬قال‪ :‬رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪":‬ل ستبوا الموات فإنهم قد أفضوا إلى‬ ‫ما قدموا" أخرجه البخاري سب الموات عام للكافر وغيره وقد تقدم وعلله صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم بإفضائهم إلى ما‬ ‫قدموا" من أعمالهم وصار أمرهم إلى مولهم‪ .‬وقد مر الحديث بلفظة في آخر الجنائز والكلم عليه‪.‬‬ ‫[رح] سسس وعن حذيفة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ":‬ل يدخُلُ الجنّة قتّات"‪ .‬متفق‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫و عن حذي فة رضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول الل صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ :‬ل يدخل الجنة قتات بقاف ومثناة فوق ية‬ ‫وبعد اللف مثناة أيضا وهو النمام‪ ،‬وقد روي بلفظه‪ :‬متفق عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬إن بين القتات والنمام فرقا فالنمام الذي‬ ‫يحضر القصة ليبلغها والقتات الذي يتسمع من حيث ل يعلم به ثم ينقل ما سمعه وحقيقة النميمة نقل كلم الناس‬ ‫بعضهم إلى بعض للفساد بينهم‪.‬‬ ‫وقال الغزالي‪ :‬إن حدهسا كشسف مسا يكره كشفسه سسواء كرهسه المنقول إليسه أو المنقول عنسه أو ثالث وسسواء كان‬ ‫الكشف بالرمز أو بالكتابة أو باليماء‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فحقي قة النمي مة إفشاء ال سر وه تك ال ستر ع ما يكره كش فه فلو رآه يخ في ما ل لنف سه فذكره ف هو نمي مة كذا‬ ‫قاله‪.‬‬ ‫قلت ويحتمل أن مثل هذا ل يدخل في النميمة بل يكون من إفشاء السر وهو محرم أيضا وورد في النميمة عدة‬ ‫أحاديسث أخرج الطسبراني مرفوعا‪ ":‬ليسس منسا ذو حسسد ول نميمسة ول كهانسة ول أنسا منسه"‪ ،‬ثسم تل قوله تعالى‪:‬‬ ‫{والذيسن يؤذون المؤمنيسن والمؤمنات بغيسر مسا اكتسسبوا فقسد احتملوا بهتانا وإثما مسبينا} [الحزاب‪ ]58 :‬وأخرج‬ ‫أحمد‪ ":‬خيار عباد ال الذين إذا رؤوا ذكر ال‪ ،‬وشر عباد ال المشاؤون بالنميمة الباغون للبراء العيب يحشرهم‬ ‫ال مع الكلب" وغير هذا من الحاديث‪ .‬وقد تجب النميمة كما إذا سمع شخصا يتحدث بإرادة إيذاء إنسان ظلما‬ ‫وعدوانا يحذره منه‪ ،‬فإن أمكن تحذيره بغير ذكر من سمعه منه وإل ذكر له ذلك‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على ع ظم ذ نب النمام‪ .‬قال الحا فظ المنذري‪ :‬أجم عت ال مة على أن النمي مة محر مة وأن ها من‬ ‫أعظم الذنوب عند ال وفي كلم للغزالي ما يدل على أنها ل تكون كبيرة إل مع قصد الفساد‪.‬‬ ‫ضبَ ُه كَفّ اللّه عنْهُ‬ ‫غ َ‬ ‫[رح] سسس وعن أنس رضي ال عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪":‬مَنْ كفّ َ‬ ‫عذَابَهُ"‪ .‬أخرجه الطبراني في الوسط‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن أبي الدنيا‪.‬‬ ‫وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪":‬من كف غضبه كف ال عنه عذابه" أخرجه‬ ‫الطبراني في الوسط وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن أبي الدنيا تقدم الكلم في الغضب مرارا‪.‬‬ ‫وهذا الحد يث في ف ضل من كف غض به وم نع نف سه من إ صدار ما يقتض يه الغ ضب ول يكون ذلك إل بالحلم‬ ‫والصبر وجهاد النفس وهو أمر شاق‪ ،‬ولذا جعل ال جزاءه كف عذابه عنه‪ ،‬وقد قال تعالى في صفات المؤمنين‪:‬‬ ‫{وإذا ما غضبوا هم يغفرون} (الشورى‪.)37 :‬‬ ‫‪36‬‬

‫ل الجنّة خَبّ ول بخيلٌ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ل يدخ ُ‬ ‫عنْ ُه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫عنْ أبي بكر الصّديق رضي اللّهُ َ‬ ‫وَ‬ ‫ضعْفٌ‪.‬‬ ‫سيّءُ الملكَة" أَخرجَهُ الترمذيّ وف ّرقَ ُه حديثين وفي إسناده َ‬ ‫ول َ‬ ‫(وعن أبي بكر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَسَلّم‪" :‬ل يدخُلُ الجنّة) من أول المر (خَبّ)‬ ‫ن يترك‬ ‫بالخاء المعجمة مفتوحة وبالموحدة الخداع (ول بخيلٌ) تقدّم الكلم على البخيل (ول سيءُ الملكة) وهو مَ ْ‬ ‫ما يجب عليه من حق المماليك‪ ،‬أو يتجاوز الحد في عقوبتهم‪ ،‬ومثله تركه لتأديبهم بالداب الشرعية من تعليم‬ ‫فرائض ال وغير ها‪ ،‬وكذلك البهائم سوء المل كة يكون بإهمال ها عن الطعام وتحميل ها ما ل تطي قه من الحمال‬ ‫والمشقة عليها بالسير والضرب العنيف وغير ذلك (أخرجه الترمذي وفرقه حديثين وفي إسناده ضعف) ولكن له‬ ‫شواهد كثيرة وقد مضى كثير منها‪.‬‬ ‫سمّع حد يث قو مٍ و هم ل هُ‬ ‫عبّاس ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قالَ ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ نْ تَ َ‬ ‫وع نْ ا بن َ‬ ‫ك يَومَ القيامة" يعني الرّصاص‪ .‬أخرجه البخاريّ‪.‬‬ ‫كارهون صُبّ في أُذنيْهِ ال ُن ُ‬ ‫ن تسمّعَ‬ ‫(وعن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬م ْ‬ ‫حديث قوْم وهُ مْ ل هُ كارهون صُبّ في أُذنيه النك) بفتح الهمزة والمد وضم النون (يَوْم القيامة" يعني الرصاص)‬ ‫هو مدرج في الحديث تفسيرا لما قبله (أخرجه البخاري)‪.‬‬ ‫هكذا في نسخ بلوغ المرام "تسمع" بالمثناة الفوقية وتشديد الميم‪ ،‬ولفظ البخاري من استمع‪ ،‬والحديث دليل على‬ ‫تحريم استماع حديث من يكره سماع حديثه ويعرف بالقرائن وبالتصريح‪ .‬وروى البخاري في الدب المفرد من‬ ‫رواية سعيد المقبري قال‪ :‬مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدّث فقمت إليهما فلطم صدري وقال‪ :‬إذا وجدت‬ ‫اثنين يتحدّثان فل تقم معهما حتى تستأذنهما‪ .‬قال ابن عبد البرّ‪ :‬ل يجوز لحد أن يدخل على المتناجين في حال‬ ‫تناجيهما‪.‬‬ ‫قال الم صنف‪ :‬ول ينب غي للدا خل عليه ما القعود عنده ما ولو تبا عد عنه ما إل بإذنه ما‪ ،‬لن افتتاحه ما الكلم سرا‬ ‫ول يس عنده ما أ حد دل على أنه ما ل يريدان الطلع عل يه‪ .‬و قد يكون لب عض الناس قوّة ف هم إذا سمع ب عض‬ ‫الكلم استدل به على باقيه‪ ،‬فل بدّ منه له من معرفة الرضا فإنه قد يكون في الذن حياء وفي الباطن الكراهة‪.‬‬ ‫ويلحق باستماع الحديث استنشاق الرائحة ومس الثوب واستخبار صغار أهل الدار ما يقول الهل والجيران من‬ ‫كلم أو ما يعملون من العمال‪ .‬وأما لو أخبره عدل عن منكر جاز له أن يهجم ويستمع الحديث لزالة المنكر‪.‬‬ ‫ع ْيبُ هُ ع نْ عيوب النّاس"‬ ‫شغَلَ هُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬طوبى ِلمَ ْ‬ ‫وعن أنَس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫أَخرج ُه البزّارُ بإسنادٍ حسنٍ‪.‬‬ ‫طوبى‪ :‬مصدر من الطيب‪ ،‬أو اسم شجرة في الجنّة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها‪ .‬والمراد أنها لمن‬ ‫شغله النظر في عيوبه‪ ،‬وطلب إزالتها أو الستر عليها عن الشتغال بذكر عيوب غيره والتعرف لما يصدر منهم‬ ‫من العيوب‪ ،‬وذلك بأن يقدم النظر في عيب نفسه إذا أراد أن يعيب غيره فإنه يجد من نفسه ما يردعه عن ذكر‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫و عن ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال‪ :‬قال ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ نْ تعا ظم في نف سهِ واخْتال في‬ ‫غضْبان" أَخرج ُه الحاكمُ ورجالهُ ثقاتٌ‪.‬‬ ‫مشْيتهِ لقي ال وهُوَ عليه َ‬ ‫تفاعل يأتي بمعنى فعل مثل توانيت بمعنى ونيت فيه مبالغة‪ ،‬وهو المراد هنا‪ :‬أي من عظم نفسه إما باعتقاد أنه‬ ‫يستحق التعظيم فوق ما يستحقه غيره ممن ل يعلم استحقاقه الهانة‪ .‬ويحتمل هنا أن تعاظم بمعنى تعظم مشددة‬ ‫أي اعت قد في نف سه أ نه عظ يم كت كبر اعت قد أ نه كبير‪ ،‬أو يكون تفا عل بمع نى ا ستفعل أي طلب أن يكون عظيما‬ ‫وهذا يلقي معنى تكبر‪ ،‬والكبر كما قال المهدي في كتاب تكملة الحكام‪ :‬هو اعتقاد أنه يستحق من التعظيم فوق‬ ‫ما يستحقه غيره ممن ل يعلم استحقاقه الهانة‪.‬‬ ‫وقد أخرج مسلم والحاكم والترمذي من حديث ابن مسعود أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى‬ ‫آله و سلم‪" :‬ل يد خل الج نة من في قل به مثقال ذرة من كبر" قال ر جل‪ :‬يا ر سول ال إن الر جل ي حب أن يكون‬ ‫ثوبه حسنا ونعله حسنا؛ قال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬إن ال جميل يحب الجمال‪ .‬الكبر بطر الحق‬ ‫وغمط الناس"‪ .‬قيل‪ :‬هو أن يتكبر عن الحق فل يراه حقا‪ .‬وقيل‪ :‬هو أن يتكبر عن الحق فل يقبله‪ .‬وقال النووي‪:‬‬ ‫معناه الرتفاع عن الناس واحتقارهم ودفع الحق وإنكاره ترفعا وتجبرا‪ .‬وجاء في رواية الحاكم "ولكن الكبر من‬ ‫بطر الحق وازدرى الناس" فبطر الحق دفعه وردهّ‪.‬‬ ‫وغمط الناس سسسس بفتح المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة سسسس هو احتقارهم وازدراؤهم‪ ،‬هكذا جاء‬ ‫مف سرا ع ند الحا كم‪ ،‬قاله المنذري‪ ،‬ولف ظة " من" رو يت بالك سر لميم ها على أن ها حرف جرّ وبفتح ها على أن ها‬ ‫‪37‬‬

‫مو صولة‪ ،‬والتف سير النبوي دلّ على أ نه ل يس من قب يل العتقاد‪ ،‬وإن ما هو بمع نى عدم المتثال تعززا وترفعا‬ ‫واحتقارا للناس‪.‬‬ ‫وقال ابن حجر في الزواجر‪ :‬الكبر إما باطن وهو خلق في النفس واسم الكبر بهذا أحق‪ ،‬وإما ظاهر وهو أعمال‬ ‫ت صدر من الجوارح و هي ثمرات ذلك الخلق‪ ،‬وع ند ظهور ها يقال‪ :‬ت كبر وع ند عدم ها يقال‪ :‬كبر‪ ،‬فال صل هو‬ ‫خلق النفس الذي هو السترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فهو يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا‬ ‫به‪ ،‬وبه فارق العجب‪ ،‬فإنه ل يستدعي غير المعجب به حتى لو فرض انفراده دائما لما أمكن أن يقع منه العجب‬ ‫دون الكبر‪ ،‬فالعجب مجرد استعظام الشيء‪ ،‬فإن صحبه من يرى أنه فوقه كان تكبرا ا هسسسس‪.‬‬ ‫والختيال في المشية هو من التكبر‪ ،‬وعطفه عليه من عطف أحد نوعي الكبر على الخر‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬من جمع‬ ‫ب ين نوع ين من أنواع هذا ال كبر ي ستحق الوع يد‪ ،‬ول يلزم م نه أن أحده ما ل يكون بهذه المثا بة ل نه قد ثب تت‬ ‫أحاديث في ذم الكبر مطلقا‪ .‬والحديث وغيره دال على تحريم الكبر وإيجابه لغضب ال تعالى‪.‬‬ ‫ن الشّيطان" أَخرجَ هُ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ا ْل َعجَلَ ُة م َ‬ ‫وع نْ سهل بن سعد ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫حسَنٌ‪.‬‬ ‫التّرمذي وقالَ‪َ :‬‬ ‫العجلة‪ :‬هي ال سرعة في الش يء‪ ،‬و هي مذمو مة في ما كان المطلوب ف يه الناة‪ ،‬محمودة ف يم يطلب تعجيله من‬ ‫المسسارعة إلى الخيرات ونحوهسا‪ ،‬وقسد يقال‪ :‬ل منافاة بيسن الناة والمسسارعة‪ ،‬فإن سسارع بتؤده وتأنّ فيتسم له‬ ‫المران والضابط أن خيار المور أوسطها‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬الشؤْ ُم سو ُء الخُلُق" أَخرجَ ُه أَحمدُ وفي‬ ‫ع نْ عائشة رضي ال عنها قال تْ‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وَ َ‬ ‫سند ِه ضَ ْعفٌ‪.‬‬ ‫الشؤم ضد الي من‪ ،‬وتقدم الكلم على حقي قة سوء الخلق وأ نه الشؤم‪ ،‬وأن كل ما يل حق من الشرور ف سببه سوء‬ ‫الخلق‪ ،‬وفيه إشعار بأن سوء الخلق وحسنه اختيار مكتسب للعبد‪ ،‬وتقدم تحقيقه‪.‬‬ ‫ن شُ َفعَاءَ ول‬ ‫ن أَبي الدرداءِ رضي ال عن هُ قالَ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ الّلعَانين ل يكونو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬ ‫خ َرجَ ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫شهداءَ َي ْومَ القيامةِ" َأ ْ‬ ‫تقدم الكلم في الل عن قريبا‪ ،‬والحد يث إخبار بأن كثيري الل عن ل يس ل هم ع ند ال قبول شفا عة يوم القيا مة أي ل‬ ‫يشفعون ح ين يش فع المؤمنون في إخوان هم‪ .‬ومع نى "ول شهداء" ق يل‪ :‬ل يكونون يوم القيا مة شهداء على تبل يغ‬ ‫المم رسلهم إليهم الرسالت‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يكونون شهداء في الدنيا ول تقبل شهادتهم لفسقهم‪ ،‬لن إكثار اللعن من‬ ‫حدَه‬ ‫أدلة الت ساهل في الد ين‪ ،‬وق يل‪ :‬ل يرزقون الشهادة و هي الق تل في سبيل ال‪ .‬فيوم القيا مة متعلق بشفعاء َو ْ‬ ‫على هذين الخيرين‪ ،‬ويحتمل عليهما أن يتعلق بهما‪ ،‬ويراد أن شهادته لما تقبل في الدنيا لم يكتب له في الخرة‬ ‫ثواب من شهد بالحق‪ ،‬وكذلك ل يكون له في الخرة ثواب الشهداء‪.‬‬ ‫ت حتى‬ ‫ن عيّر أَخاه بذنب لم يم ْ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫جبَلٍ رضي الّل ُه عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وعنْ مُعاذ بن َ‬ ‫سنَهُ وسند ُه مُنقطعٌ‪.‬‬ ‫َي ْعمَلَهُ" َأخْرجَ ُه التّرمذيّ وح ّ‬ ‫عيّر َأخَاهُ بذنبٍ) من عابه به‬ ‫(وعن معاذ بن جبل رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬من َ‬ ‫(لم يمُتْ حتى يعْملَهُ" أخرجه الترمذي وحسّنه وسنده منقطع)‪.‬‬ ‫كأ نه ح سنه الترمذي لشواهده فل يضره انقطا عه‪ ،‬وكأن من ع ير أخاه سسسس أي عا به‪ ،‬من العار و هو كل‬ ‫ش يء لزم به ع يب ك ما في القاموس سسسس يجازى ب سلب التوف يق ح تى يرت كب ما ع ير أخاه به‪ ،‬وذاك إذا‬ ‫صحبه إعجابه بنفسه بسلمته مما عير به أخاه‪ ،‬وفيه أن ذكر الذنب لمجرد التعيير قبيح يوجب العقوبة‪ ،‬وأنه ل‬ ‫يذكر عيب الغير إل للمور الستة التي سلفت مع حسن القصد فيها‪.‬‬ ‫ل للذي‬ ‫ع نْ جدّه ر ضي الّل هُ عنه ْم قالَ‪ :‬قالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪َ " :‬ويْ ٌ‬ ‫ن أبي هِ َ‬ ‫ع نْ بهزْ بن حك يم ع ْ‬ ‫وَ َ‬ ‫يحدث فيكْذبُ ِل ُيضْحك به القومَ ويلٌ ل ُه ثمّ ويْلٌ لهُ" أَخرج ُه الثلث ُة وإسْنادُهُ قَويّ‪.‬‬ ‫(وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي ال عنهم) معاوية بن حيدة رضي ال عنهما (قال‪ :‬قال رسول ال‬ ‫ل لَ هُ" أخر جه الثل ثة وإ سناده‬ ‫ل لَ هُ ثمّ وي ٌ‬ ‫ل للذي يُحدّث فيكذب ل ُيضْ حك به ال َقوْ مَ‪ ،‬ويْ ٌ‬ ‫صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ويْ ٌ‬ ‫قوي)‪.‬‬ ‫وحسنه الترمذي وأخرجه البيهقي‪ .‬والويل الهلك‪ ،‬ورفعه على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور‪ ،‬وجاز البتداء‬ ‫بالنكرة ل نه من باب‪ :‬سلم علي كم‪ .‬و في معناه الحاد يث الواردة في تحر يم الكذب على الطلق‪ ،‬م ثل حد يث‬ ‫"إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور (وإن) الفجور يهدي إلى النار" سيأتي وأخرج ابن حبان في صحيحه‬ ‫"إياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار" ومثله عند الطبراني‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫وأخرج أحمد من حديث ابن لهيعة "ما عمل أهل النار؟ قال‪ :‬الكذب‪ .‬فإن العبد إذا كذب فجر وإذا فجر كفر وإذا‬ ‫كفر دخل النار" وأخرج البخاري أنه قال صلى ال عليه وآله وسلم في الحديث الطويل‪ ،‬ومن جملته قوله "رأيت‬ ‫الليلة رجلين أتياني قال لي‪ :‬الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الفاق" في حديث‬ ‫رؤياه صلى ال عليه وآله وسلم والحاديث في الباب كثيرة‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على تحر يم الكذب لضحاك القوم‪ ،‬وهذا تحر يم خاص‪ .‬ويحرم على ال سامعين سماعه إذا علموه‬ ‫كذبا‪ ،‬لنسه إقرار على المنكسر بسل يجسب عليهسم النكيسر أو القيام مسن الموقسف‪ .‬وقسد عدّ الكذب مسن الكبائر‪ ،‬قال‬ ‫الرويا ني من الشافع ية‪ :‬إ نه كبيرة و من كذب ق صدا ردت شهاد ته‪ ،‬وإن لم ي ضر بالغ ير‪ ،‬لن الكذب حرام ب كل‬ ‫حال‪ ،‬وقال المهدي‪ :‬إ نه ل يس ب كبيرة‪ ،‬ول ي تم له ن في كبره على العموم‪ ،‬فإن الكذب على ال نبي صلى ال تعالى‬ ‫عليه وعلى آله وسلم أو الضرار بمسلم أو معاهد كبيرة‪.‬‬ ‫وقسسم الغزالي الكذب فسي الحياء إلى واجسب ومباح ومحرم وقال‪ :‬إن كسل مقصسد محمود يمكسن التوصسل إليسه‬ ‫بالصسدق والكذب جميعا فالكذب فيسه حرام‪ ،‬وإن أمكسن التوصسل إليسه بالكذب وحده فمباح إن أنتسج تحصسيل ذلك‬ ‫المقصود‪ ،‬وواجب إن وجب تحصيل ذلك وهو إذا كان فيه عصمة من يجب إنقاذه‪ ،‬وكذا إذا خشي على الوديعة‬ ‫من ظالم وجب النكار والحلف‪ ،‬وكذا إذا كان ل يتم مقصود حرب أو إصلح ذات البين أو استمالة قلب المجنى‬ ‫عليسه إل بالكذب فهسو مباح‪ ،‬وكذا إذا وقعست منسه فاحشسة كالزنسا وشرب الخمسر وسسأله السسلطان فله أن يكذب‪،‬‬ ‫ويقول‪ :‬ما فعلت‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬وينبغي أن تقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق‪ ،‬فإن كانت مفسدة الصدق أشدّ فله الكذب‪،‬‬ ‫وإن كا نت بالع كس أو شك في ها حرم الكذب‪ ،‬وإن تعلق بنف سه ا ستحب أن ل يكذب‪ ،‬وإن تعلق بغيره لم تح سن‬ ‫المسامحة بحق الغير‪ .‬والحزم تركه حيث أبيح‪.‬‬ ‫واعلم أنه يجوز الكذب اتفاقا في ثلث صور كما أخرجه مسلم في الصحيح قال ابن شهاب‪ :‬لم أسمع يرخص‬ ‫في ش يء م ما يقول الناس كذب إل في ثلث‪ :‬الحرب‪ ،‬وال صلح ب ين الناس‪ ،‬وحد يث الر جل امرأ ته‪ ،‬وحد يث‬ ‫المرأة زوجها‪ .‬قال القاضي عياض‪ :‬ل خلف في جواز الكذب في هذه الثلث الصور‪ .‬وأخرج ابن النجار عن‬ ‫النواس بن سمعان مرفوعا "الكذب يك تب على ا بن آدم إل في ثلث‪ :‬الر جل يكون ب ين الرجل ين لي صلح بينه ما‪،‬‬ ‫والرجل يحدث امرأته ليرضيها بذلك‪ ،‬والكذب في الحرب"‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬نظر في حكمة ال ومحبته لجتماع القلوب كيف حرّم النميمة وهي صدق لما فيها من إفساد القلوب وتوليد‬ ‫العداوة والوحشسة‪ ،‬وأباح الكذب سسسسس وإن كان حراما سسسسس إذا كان لجمسع القلوب وجلب المودّة وإذهاب‬ ‫العداوة‪.‬‬ ‫ن َأنَس رضي الّل هُ عن ُه عن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬كفارةُ من اغتبت ُه أَ نْ تستغْف َر ل هُ" روا ُه الحار ثُ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬ ‫ن أَبي أُسامة بإسْناد ضعيفٍ‪.‬‬ ‫بُ‬ ‫وأخر جه ا بن أ بي شي بة في م سنده والبيه قي في ش عب اليمان وغيره ما بألفاظ مختل فة من حد يث أ نس‪ ،‬و في‬ ‫أسانيدهما ضعف‪ .‬وروي من طريق أخرى بمعناه‪ ،‬والحاكم من حديث حذيفة‪ ،‬والبيهقي قال‪ :‬وهو أصح‪ ،‬ولفظه‬ ‫قال‪" :‬كان في لساني ذرب على أهلي فسألت رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال‪" :‬أين أنت من‬ ‫الستغفار يا حذيفة؟ إني لستغفر ال في كل يوم مائة مرة" وهذا الحديث ل دليل فيه نصا أنه لجل الغتياب بل‬ ‫لعله لدفع ذرب اللسان‪.‬‬ ‫وفسي الحديسث دليسل على أن السستغفار مسن المغتاب لمسن اغتابسه يكفسي ول يحتاج إلى العتذار منسه‪ .‬وفصسلت‬ ‫الهادو ية والشافع ية فقالوا‪ :‬إذا علم المغتاب و جب ال ستحلل م نه‪ ،‬وأ ما إذا لم يعلم فل‪ ،‬ول ي ستحب أيضا‪ ،‬ل نه‬ ‫يجلب الوحشة وإيغار الصدر‪ ،‬إل أنه أخرج البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا "من كان عنده مظلمة لخيه‬ ‫في عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن ل يكون له دينار ول درهم‪ ،‬إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر‬ ‫مظلم ته‪ ،‬وإن لم ي كن له ح سنات أ خذ من سيئات صاحبه فح مل عل يه" وأخرج نحوه البيه قي من حد يث أ بي‬ ‫موسى‪ ،‬وهو دال على أنه يجب الستحلل وإن لم يكن قد علم‪ ،‬إل أنه يحمل على من قد بلغه‪ ،‬ويكون حديث‬ ‫أنس فيمن لم يعلم ويقيد به إطلق حديث البخاري‪.‬‬ ‫ع ْنهَا قال تْ‪ :‬قالَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪َ" :‬أ ْبغَ ضُ الرّجال إلى ال الل ُد الخصمُ"‬ ‫ن عائشة رضي اللّ هُ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫خ َرجَ ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫َأ ْ‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬أَبغض الرّجال إلى ال اللدّ الْخصمُ")‬ ‫بفتح الخاء وكسر الصاد المهملة (أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫اللد مأخوذ من لديدي الوادي وه ما جانباه‪ ،‬والخ صم شد يد الخ صومة الذي ي حج مخا صمه‪ ،‬وو جه الشتقاق أ نه‬ ‫كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر‪ .‬وقد وردت أحاديث في ذم الخصومة كحديث‪" :‬من جادل في خصومة‬ ‫بغ ير علم لم يزل في سخط ال حتى ينزع" تقدّم تخري جه‪ .‬وأخرج الترمذي وقال‪ :‬غر يب من حد يث ا بن عباس‬ ‫مرفوعا "كفى بك إثما أن ل تزال مخاصما" وظاهر إطلق الحاديث أن الخصومة مذمومة ولو كانت في حق‪.‬‬ ‫وقال النووي في الذكار‪ :‬فإن قلت‪ :‬ل بدّ للنسان من الخصومة لستيفاء حقه‪ ،‬فالجواب ما أجاب به الغزالي أن‬ ‫الذ مّ إن ما هو ل من خا صم ببا طل وبغ ير علم‪ ،‬كوك يل القا ضي‪ ،‬فإ نه يتو كل ق بل أن يعرف ال حق في أي جا نب‪،‬‬ ‫ويدخل في الذم من يطلب حقا لكن ل يقتصر على قدر الحاجة بل يظهر اللدد والكذب ليذاء خصمه‪ ،‬وكذلك من‬ ‫يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه وكسره؛ ومثله من يخلط الخ صومة بكلمات تؤذي وليس إليها‬ ‫ضرورة في التوصل إلى غرضه فهذا هو المذموم‪ ،‬بخلف المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير‬ ‫لدد وإسراف وزيادة الحجاج على الحا جة من غير قصد عناد ول إيذاء‪ ،‬ففعله هذا ليس مذموما ول حراما ل كن‬ ‫الولى تر كه ما و جد إل يه سبيلً‪ .‬و في ب عض ك تب الشافع ية أن ها تردّ شهادة من يك ثر الخ صومة لن ها تن قص‬ ‫المروءة ل لكونها معصية‪.‬‬ ‫باب الترغيب في مكارم الخلق‬ ‫سعُودٍ رضي ال عنهُ قال‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬عليكمْ بالصّدق فإنّ الصّدقَ يهدي إلى‬ ‫عن ابنِ م ْ‬ ‫ص ُدقُ ويتحرّى ال صّدقَ ح تى يك تب عنْد ال صدّيقا‪ ،‬وإياكُ مْ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل الرّج ُ‬ ‫البرّ وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّةِ‪ ،‬وَمَا يزَا ُ‬ ‫ب فإن الكذب يهدي إلى الفجُور وإنّ الفُجو َر يهدي إلى النار‪ ،‬وما يزال الرّجلُ يكْذ بُ ويتحرّى الكذب حتى‬ ‫والكذ َ‬ ‫يكتبَ عنْد ال كذابا" ُمتّفقٌ عَلَيهِ‪.‬‬ ‫( عن ابن م سعود ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عل يه وآله و سلم‪" :‬عََل ْيكُ مْ بال صّدْق‪ ،‬فإنّ ال صّ ْدقَ‬ ‫ق ويتَحرّى ال صّدق‬ ‫صدِ ُ‬ ‫َيهْدي) بف تح حرف المضار عة (إلى البّر‪ ،‬وإنّ البّر َيهْدي إلى الجَنّة‪ ،‬و ما يزالُ ال ّرجُلُ ي ْ‬ ‫ح تى ُيكْ تب عِنْد ال صديقا‪ :‬وإيّاكُم والكذ بَ‪ ،‬فإنّ الكذ بَ َيهْدي إلى الفجور‪ ،‬وإنّ ال ُفجُور َيهْدي إلى النّار‪ ،‬و ما‬ ‫ع ْندَ ال كذابا" متفقٌ عليه)‪.‬‬ ‫ب حتى ُيكْتبَ ِ‬ ‫ب ويتحرّى الكذ َ‬ ‫يزال ال ّرجُل يكذ ُ‬ ‫الصدق ما طا بق الوا قع‪ ،‬والكذب ما خالف الواقع‪ ،‬هذه حقيقتهما عند الجمهور من الهادوية وغير هم‪ ،‬والهدا ية‬ ‫الدللة الموصلة إلى المطلوب‪.‬والبر سسسس بكسر الموحدة سسسس أصله التوسع في فعل الخيرات‪ ،‬وهو اسم‬ ‫جامسع للخيرات كلهسا ويطلق على العمسل الصسالح الخالص‪ .‬وقال ابسن بطال على قوله‪" :‬وإن البر" إلى آخره‪:‬‬ ‫م صداقه قوله تعالى‪{ :‬إن البرار ل في نع يم} وقال علي‪ :‬قوله‪":‬و ما يزال الر جل ي صدق" إلى آ خر المراد يتكرر‬ ‫منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة وهو الصديق‪ .‬وأصل الفجور الشق فهو شق الديانة‪ ،‬ويطلق على الميل‬ ‫إلى الفساد وعلى النبعاث في المعاصي وهو اسم جامع للشر‪.‬‬ ‫وقوله‪ ":‬و ما يزال الر جل يكذب" هو ك ما مر في قوله‪ :‬و ما يزال الر جل ي صدق في أ نه إذا تكرر م نه الكذب‬ ‫استحق اسم المبالغة وهو الكذاب‪ .‬وفي الحديث إشارة إلى أن من تحرى الصدق في أقواله صار له سجية‪ ،‬ومن‬ ‫تع مد الكذب وتحراه صار له سجية‪ ،‬وأ نه بالتدرب والكت ساب ت ستمر صفات الخ ير وال شر‪ .‬الحد يث دل يل على‬ ‫عظمة شأن الصدق وأنه ينتهي بصاحبه إلى النار‪ ،‬وذلك من غير ما لصاحبهما في الدنيا فإن الصدوق مقبول‬ ‫الحديث عند الناس مقبول الشهادة عند الحكام محبوب مرغوب في أحاديثه والكذوب بخلف هذا كله‪.‬‬ ‫[رح] سسس وعن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬أن رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪":‬إيّاكُ مْ والظّن‪ ،‬فإن الظّن‬ ‫أ ْكذَب‪ ،‬الحديث" متفق عليه‪.‬‬ ‫وعن أبي هرية رضي ال عنه أن رسول الله صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ :‬إياكم والظن بالنصب محذر منه‪ ،‬فإن‬ ‫الظن أكذب الحديث" متفق عليه تقدم بيان معناه وأنه تحذير من أن يحقق ما ظنه‪ ،‬وأما نفس الظن فقد يهجم على‬ ‫القلب فيجب دفعه والعراض عن العمل عليه‬ ‫طرُقات"‬ ‫س بال ّ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إيّاكُ مْ والجلو َ‬ ‫ن أَبي سعيد الخدريّ رضي الّل ُه عنْ ُه قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وع ْ‬ ‫ن مجالسِنا نتحدثُ فيها‪ ،‬قال‪" :‬فَأمّا إذا أَبيتُ ْم فأَعطوا الطريق حقّهُ" قالوا‪ :‬وما حقّهُ؟‬ ‫ل ال مَا لَنا ُب ّد مِ ْ‬ ‫قالوا‪ :‬يا رسو َ‬ ‫ف الذى ورد السلم وال ْمرُ بالمعروف والنّهيُ عن المنكر" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ض البصر وك ّ‬ ‫قال‪" :‬غ ّ‬ ‫(و عن أ بي سعيد ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إيّاكُ مْ والجلُوس في الطّرقات")‬ ‫بضمتين جمع طريق (قالوا‪ :‬يا رسول ال ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال‪َ" :‬أمّا إذا أَبيْت مْ) أي امتنعتم عن‬ ‫عطُوا الطّريق حَقّ هُ" قالوا‪ :‬وما حقه؟ قال‪" :‬غضّ الب صَر) عن المحرمات (وكفّ‬ ‫ترك الجلوس على الطرقات (فأَ ْ‬ ‫‪40‬‬

‫الذى) عن المار ين بقول أو ف عل (و َردّ ال سّلم) إجاب ته على من أَلقاه علي كم من المار ين‪ ،‬إذ ال سلم ي سنّ ابتداء‬ ‫للمار ل للقاعد (والمْر بالمعْرُوف وال ّنهْي عن المنكر" متفق عليه)‪.‬‬ ‫قال القا ضي عياض‪ :‬ف يه دل يل على أن هم فهموا أن ال مر ل يس للوجوب وأ نه للترغ يب في ما هو الولى‪ ،‬إذ لو‬ ‫فهموا الوجوب لم يرجعوه‪ .‬قال الم صنف‪ :‬ويحت مل أن هم راجعوا وقوع الن سخ تخفيفا ل ما شكوا من الحا جة إلى‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وقسد زيسد فسي أحاديسث حسق الطريسق على هذه الخمسسة المذكورة‪ ،‬زاد أبسو داود "وإرشاد ابسن السسبيل وتشميست‬ ‫العاطس إذا حمد ال" وزاد سعيد بن منصور "وإغاثة الملهوف" وزاد البزار "العانة على الحمل" وزاد الطبراني‬ ‫"وأعينوا المظلوم واذكروا ال كثيرا" قال ال سيوطي في التوش يح‪ :‬فاجت مع من ذلك ثل ثة ع شر أدبا‪ ،‬و قد نظم ها‬ ‫شيخ السلم ابن حجر فقال في أربعة أبيات‪:‬‬ ‫[شع] جمعت آداب من رام الجلوس على السسسس‬ ‫سسسسطريق من قول خير الخلق إنسانا[‪/‬شع]‬ ‫[شع] أفش السلم وأحسن في الكلم وشمسسسس‬ ‫سسسست عاطسا وسلما‪ ،‬ردّ إحسانا[‪/‬شع]‬ ‫[شع] في الحلم عاون ومظلوما أعن وأغث‬ ‫لهفان واهد سبيل واهد حيرانا[‪/‬شع] [شع] بالعرف مرّ وأنه عن نكر وكف أذى‬ ‫وغض طرفا وأكثر ذكر مولنا[‪/‬شع]‬ ‫إل أن الحاديث التي قدمناها وذكرها السيوطي في التوشيح فيها أحد عشر أدبا وفي البيات ثلثة عشر‪ ،‬لنه‬ ‫زاد‪ :‬حسن الكلم وهو ثابت في حديث لبي هريرة‪ ،‬وزاد فيها‪ :‬وإفشاء السلم‪ ،‬ولم أجده في حديث إنما فيها ردّ‬ ‫السلم‪ ،‬وقد ذكره فيها‪ ،‬والحكمة في النهي عن الجلوس في الطرقات أنه لجلوسه يتعرض للفتنة‪ ،‬فإنه قد ينظر‬ ‫إليهنس مسع مرورهنسّ‪ .‬وفيسه التعرض للزوم حقوق ال‬ ‫ّ‬ ‫إلى الشهوات ممسن يخاف الفتنسة على نفسسه مسن النظسر‬ ‫والمسلمين‪ ،‬ولو كان قاعدا في منزله لما عرف ذلك ول لزمته الحقوق التي قد ل يقوم بها‪ ،‬ولما طلبوا الذن في‬ ‫البقاء في مجالسهم وأنه ل بدّ لهم منها عرفهم بما يلزمهم من الحقوق‪ .‬وكل ما ذكر من الحقوق قد وردت به‬ ‫الحاديث مفرقة تقدّم بعضها ويأتي بعضها‪.‬‬ ‫ن يُرد ال ب ِه خيرا يُفَ ّقهْ ُه في الدّ ين"‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫ع نْ مُعاو ية ر ضي ال عن ُه قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫وَ‬ ‫متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫والحديث دليل على عظمة شأن التفقه في الدين‪ ،‬وأنه ل يعطاه إل من أراد ال به خيرا عظيما‪ ،‬كما يرشد إليه‬ ‫التنكير ويدل له المقام‪ .‬والفقه في الدين‪ :‬تعلم قواعد السلم ومعرفة الحلل والحرام‪ ،‬ومفهوم الشرط أن من لم‬ ‫يتفقه في الدين لم يرد ال به خيرا‪ .‬وقد ورد هذا المفهوم منطوقا في رواية أبي يعلى "و من لم يفقه لم يبال ال‬ ‫به" وفي الحديث دليل ظاهر على شرف الفقه في الدين‪ ،‬والمتفقهين فيه على سائر العلوم والعلماء‪ .‬والمراد به‬ ‫سنّة‪.‬‬ ‫معرفة الكتاب وال ّ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ما م نْ شيءٍ في الميزان أَثقل من‬ ‫ع نْ أَبي الدرداءِ رضي ال عن هُ قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وَ‬ ‫ن الخلق" أَخرجَ ُه أَبو داودَ والتّرمذي وصحّحهُ‪.‬‬ ‫حُس ِ‬ ‫وتقدم الكلم في حقيقته بما ل يحتاج فيه إلى العادة لقرب عهده‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬الحياءُ من اليمان" مُتفقٌ عليه‪.‬‬ ‫عمَر رضي اللّ ُه عنهُما قالَ‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫عنْ ابن ُ‬ ‫وَ‬ ‫الحياء في اللغة‪ :‬تغير وانكسار يلحق النسان من خوف ما يعاب به وفي الشرع‪ :‬خلق يبعث على اجتناب القبيح‬ ‫ويمنع من التقصير في حق ذي الحق‪..‬‬ ‫والحياء وإن كان قد يكون غريزة ف هو في ا ستعماله على و فق الشرع يحتاج إلى اكت ساب وعلم ون ية فلذلك كان‬ ‫مسن اليمان‪ .‬وقسد يكون كسسبيا‪ ،‬ومعنسى كونسه مسن اليمان أن المسستحي ينقطسع بحيائه عسن المعاصسي‪ ،‬فيصسير‬ ‫كاليمان القاطع بي نه وبين المعاصي‪ .‬وقال ابن قتيبة‪ :‬معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما‬ ‫يمنع اليمان‪ ،‬فسمي إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه‪ ،‬والحياء مركب من جبن وعفة‪ .‬وفي الحديث‬ ‫"الحياء خير كله ول يأتي إل بخير"‪.‬‬ ‫فإن قلت‪ :‬قد يم نع الحياء صاحبه عن إنكار المن كر و هو إخلل بب عض ما ي جب فل ي تم عموم "أ نه ل يأ تي إل‬ ‫بخير"‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫قلت‪ :‬قد أجيب عنه بأن المراد من الحياء في الحاديث الحياء الشرعي‪ .‬والحياء الذي ينشأ عنه ترك بعض ما‬ ‫يجب ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه الحياء لمشابهته الحياء الشرعي‪ ،‬وبجواب آخر‪:‬‬ ‫وهو أن من كان الحياء من خلقه فالخير عليه أغلب‪ ،‬أو أنه إذا كان الحياء من خلقه كان الخير فيه بالذات‪ ،‬فل‬ ‫ينافيه حصول التقصير في بعض الحوال‪.‬‬ ‫قال القرطبي في المفهم شرح مسلم‪ :‬وكان النبي صلى ال تعالى عليه وآله وسلم قد جمع له النوعان من الحياء‬ ‫المكتسب والغريزي‪ ،‬وكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها‪ ،‬وكان في المكتسب في الذروة العليا‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫ن كلم الّنبُوّةِ‬ ‫عنْ ابن مَسْعودٍ رضي الّل ُه عن ُه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬إنّ ممّا أَدركَ النّاسُ م ْ‬ ‫وَ‬ ‫الولى‪ :‬إذا ل ْم َتسْتح فاصنع ما شئتَ" أَخرج ُه البخاري‪.‬‬ ‫ل فظ "الولى" ل يس في البخاري بل في سنن أ بي داود‪ ،‬وو قع في حد يث أ بي حذي فة "إن آ خر ما تعلق به أ هل‬ ‫الجاهل ية من كلم النبوّة الولى إلى آخره" أخر جه أح مد والبزار‪ ،‬والمراد من كلم النبوّة الولى ما ات فق عل يه‬ ‫النبياء ولم ينسخ كما نسخت شرائعهم‪ ،‬لنه أمر أطبقت عليه العقول‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬فاصنع ما شئت" قولن‪ :‬الول أنه بمعنى الخبر أي صنعت ما شئت‪ ،‬وعبر عنه بلفظ المر للشارة‬ ‫إلى أن الذي يكف النسان عن مدافعة الشر هو الحياء‪ ،‬فإذا تركه توفرت دواعيه على مواقعة الشر حتى كأنه‬ ‫مأمور به‪ ،‬أو ال مر ف يه للتهد يد أي ا صنع ما شئت فإن ال مجاز يك على ذلك‪ .‬الثا ني‪ ،‬أن المراد ان ظر إلى ما‬ ‫تريد فعله فإن كان مما ل يستحى منه فافعله وإن كان مما يستحى منه فدعه ول تبالي بالخلق‪.‬‬ ‫ن أَبي هُريرة رضي الّل ُه عن ُه قال‪ :‬قال رسول اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬المؤم نُ القويّ خيرٌ وأَحبّ إلى ال‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫ن أَصابكَ شيءٌ فل تقُلْ‬ ‫من المؤم نِ الضّعيف وفي كُلَ خيرٌ‪ ،‬احْرص على ما ينفعك‪ ،‬واستعنّ بالّل ِه ول َتعْجزْ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ل الشّيطان" أَخرجَ ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫عمَ َ‬ ‫ل ق ّدرَ ال وما شاءَ َفعَلَ فإنّ ل ْو ت ْفتَحُ َ‬ ‫َلوْ أَني فعلتُ (كذا) كان كذا وكذا‪ ،‬ولكنْ قُ ْ‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬المُؤمنُ القويّ خيرٌ وأَحبّ إلى‬ ‫ال مسن المؤمسن الضعيسف وفسي كُل) مسن القوي والضعيسف (خيرٌ) لوجود اليمان فيهمسا (احرص) مسن حرص‬ ‫يحرص كضرب يضرب ويقال‪ :‬حرص كسسمع (على مسا ينفعسك) فسي دنياك ودينسك (واسستعن بال) عليسه (ول‬ ‫ن أَصابك شي ٌء فل تقُلْ لو أَني فعلْتُ) كذا (كان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قُلْ‪َ :‬قدّ َر ال وما‬ ‫تعجز) بفتح الجيم وكسرها (وإ ْ‬ ‫ل الشيْطان" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫شاءَ) اللّ ُه (فعلَ فإنّ ل ْو تفتْحُ عم َ‬ ‫المراد من القوي قوي عزيمة النفس في العمال الخروية‪ ،‬فإن صاحبها أكثر إقداما في الجهاد وإنكار المنكر‪،‬‬ ‫والصسبر على الذى فسي ذلك‪ ،‬واحتمال المشاق فسي ذات ال والقيام بحقوقسه‪ ،‬مسن الصسلة والصسوم وغيرهمسا‪.‬‬ ‫َسسلّم‬ ‫ْهس و َ‬ ‫صسلّى ال عََلي ِ‬ ‫والضعيسف بالعكسس مسن هذا‪ ،‬إل أنسه ل يخلو عسن الخيسر لوجود اليمان فيسه‪ ،‬ثسم أمره َ‬ ‫بالحرص على طا عة ال وطلب ما عنده‪ ،‬وعلى طلب ال ستعانة به في كل أموره‪ ،‬إذ حرص الع بد بغ ير إعا نة‬ ‫ال ل ينفعه‪.‬‬ ‫[شع] إذا لم يكن عون من ال للفتى‬ ‫فأكثر ما يجني عليه اجتهاده[‪/‬شع]‬ ‫ونهاه عن العجز‪ ،‬وهو التساهل في الطاعات‪ ،‬وقد استعاذ منه صلى ال تعالى عليه وآله وسلم بقوله‪" :‬اللهم إني‬ ‫أعوذ بك من الهم والحزن؛ ومن العجز والكسل" وسيأتي‪ .‬ونهاه بقوله‪" :‬إذا أصابه شيء"‪ ،‬من حصول ضرر أو‬ ‫فوات ن فع عن أن يقول‪" :‬لو" قال ب عض العلماء‪ :‬هذا إن ما هو ل من قال معتقدا ذلك حتما‪ ،‬وأ نه لو ف عل ذلك لم‬ ‫يصبه قطعا‪ ،‬فأما من رد ذلك إلى مشيئة ال وأنه ل يصيبه إل ما شاء ال فليس من هذا‪ .‬واستدل له بقول أبي‬ ‫بكر في الغار "ولو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا" وسكوته صلى ال تعالى عليه وآله وسلم‪.‬‬ ‫قال القاضي عياض‪ :‬وهذا ل حجة فيه لنه إنما أخبر عن أمر مستقبل وليس فيه دعوى لرد قدره بعد وقوعه‪،‬‬ ‫قال‪ :‬وكذا جم يع ما ذكره البخاري في باب ما يجوز من الل ّو كحد يث "لول حدثان قو مك بالك فر" الحد يث و "لو‬ ‫كنست راجما بغيسر بينسة" و "لول أن أشسق على أمتسي" وشسبيه ذلك فكله مسستقبل ول اعتراض فيسه على قدر‪ ،‬فل‬ ‫كراهية فيه‪ ،‬لنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لول المانع وعما هو في قدرته فأما ما ذهب فليس في‬ ‫قدرته‪.‬‬ ‫قال القاضي‪ :‬فالذي عندي في مع نى الحد يث‪ :‬أن النهي على ظاهره وعمومه لكن نهي تنز يه‪ .‬ويدل عليه قوله‬ ‫صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬فإن لو تفتح عمل الشيطان" قال النووي‪ :‬وقد جاء من استعمال لو في الماضي قوله‬ ‫صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى" وغير ذلك فالظاهر‬ ‫‪42‬‬

‫أن النهي إنما هو إطلق ذلك فيما ل فائدة فيه‪ ،‬فيكون نهي تنزيه ل تحريم‪ .‬وأما من قاله تأسفا على ما فاته من‬ ‫طاعسة ال ومسا هسو متعذر عليسه مسن ذلك ونحسو هذا فل بأس بسه وعليسه يحمسل أكثسر السستعمال الموجود فسي‬ ‫الحاديث‪.‬‬ ‫ل ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّ الّل هَ أَو حى إليّ َأ نْ‬ ‫حمَار ر ضي اللّ هُ عن هُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫وع نْ عِياض بن ِ‬ ‫تواضَعُوا حتى ل َيبْغي أَحدٌ على أحدٍ ول يَفْخر أَحدٌ على أَحدً" أَخرجَهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫التواضع عدم الكبر وتقدّم تفسير الكبر‪ .‬وعدم التواضع يؤدي إلى البغي‪ ،‬لنه يرى لنفسه مزية على الغير فيبغي‬ ‫عليه بقوله أو فعله‪ ،‬ويفخر عليه ويزدريه‪ ،‬والبغي والفخر مذمومان‪.‬‬ ‫ووردت أحاديث في سرعة عقوبة البغي منها‪ :‬عن أبي بكرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله‬ ‫وسلم‪" :‬ما من ذنب أجدر سسسس أو أحق سسسس من أن يعجل ال لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له‬ ‫في الخرة من البغي وقطيعة الرحم" أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه وأخرجه ابن ما جه‪ ،‬وأخرج البيهقي‪:‬‬ ‫"ليس شيء مما عصي ال به هو أسرع عقوبة من البغي"‪.‬‬ ‫عرْض أَخيه بالغيْ بِ ردّ اللّ هُ‬ ‫ن َردّ ع نْ ِ‬ ‫ع نْ أَبي ال ّدرْداءِ رضي الّل ُه عن ُه عن النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬مَ ْ‬ ‫وَ‬ ‫عَنْ وجه ِه النّار يوْم القيامة" َأخْرجهُ الترمذيّ وحسّنهُ‪.‬‬ ‫ولحمد منْ حديث أَسما َء بنت يزيد نحوُهُ‪.‬‬ ‫في الحديثين دليل على فضيلة الرد على من اغتاب أخاه عنده‪ ،‬وهو واجب‪ ،‬لنه من باب النكار للمن كر‪ ،‬ولذا‬ ‫ورد الوعيد على تركه كما أخرجه أبو داود وابن أبي الدنيا "ما من مسلم يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك‬ ‫ف يه حرم ته وينت قص من عر ضه إل خذله ال في مو طن ي حب ف يه ن صرته"‪ .‬وأخرج أ بو الش يخ " من رد عن‬ ‫عرض أخيسه رد ال عنسه النار يوم القيامسة" وتل رسسول ال صسلى ال تعالى عليسه وعلى آله وسسلم‪{ :‬وكان حقا‬ ‫علينا نصر المؤمنين} وأخرج أبو داود وأبو الشيخ أيضا "من حمى عرض أخيه في الدنيا بعث ال له ملكا يوم‬ ‫القيامة يحميه من النار" وأخرج الصبهاني "من اغتيب عنده أخوه فاستطاع نصرته فنصره‪ ،‬نصره ال في الدنيا‬ ‫والخرة وإن لم ينصره أذله ال في الدنيا والخرة"‪.‬‬ ‫بل ورد في الحديث أن المستمع للغيبة أحد المغتابين‪ ،‬فمن حضر الغيبة وجب عليه أحد أمور‪ :‬الردّ عن عرض‬ ‫أخ يه ولو بإخراج من اغتاب إلى حد يث آ خر‪ ،‬أو القيام عن مو قف الغي بة‪ ،‬أو النكار بالقلب‪ ،‬أو الكرا هة للقول‬ ‫و قد ع ّد ب عض العلماء ال سكوت كبيرة‪ ،‬لورود هذا الوع يد‪ ،‬ولدخوله في وع يد من لم يغ ير المن كر‪ ،‬ول نه أ حد‬ ‫المغتابين حكما‪ ،‬وإن لم يكن مغتابا لغة وشرعا‪.‬‬ ‫ن مالٍ‪ ،‬ومَا زاد‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ما نقصَتْ صَ َدقَةٌ م ْ‬ ‫وعن أَبي هُريرة رضي الّل ُه عن ُه قالَ‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫عزّا‪ ،‬وما تواضع أَح ٌد ل إل َرفَعهُ" أَخرجَهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫عبْدا ِبعَفْ ٍو إل ِ‬ ‫الّلهُ َ‬ ‫فسر العلماء عدم النقص بمعنيين‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أنه يبارك له فيه ويدفع عنه الفات فيجبر نقص الصورة بالبركة الخفية‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أنه يحصل بالثواب الحاصل عن الصدقة جبران نقص عينها فكأن الصدقة لم تنقص المال لما يكتب ال‬ ‫من مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬والمعنى الثالث أنه تعالى يخلفها بعوض يظهر به عدم نقص المال بل ربما زادته‪ ،‬ودليله قوله تعالى‪{ :‬وما‬ ‫أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وهو مجرّب محسوس وفي قوله‪" :‬ما زاد ال عبدا بعفو إل عزا" حث على العفو عن‬ ‫المسيء وعدم مجازاته على إساءته وإن كانت جائزة قال تعالى‪{ :‬فمن عفا وأصفح فأجره على ال}‪.‬‬ ‫ن أنه يعظم ويصان جانبه ويهاب‬ ‫وفيه أنه يجعل ال تعالى للعافي عزا وعظمة في القلوب‪ ،‬لنه بالنتصاف يظ ّ‬ ‫ن أن الغضاء والعفو ل يحصل به ذلك فأخبر رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه يزداد‬ ‫ويظ ّ‬ ‫بالع فو عزا؛ و في قوله‪" :‬و ما توا ضع أ حد ل" أي ل جل ما أعده ال للمتواضع ين "إل رف عه ال" دل يل على أن‬ ‫التواضع سبب للرفعة في الدارين لطلقه‪ .‬وفي الحديث حث على الصدقة وعلى العفو وعلى التواضع‪ ،‬وهذه‬ ‫من أمهات مكارم الخلق‪.‬‬ ‫ع نْ عبد ال بن سَلم رضي اللّ هُ عن ُه قالَ‪ :‬قالَ رسولُ الّل ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬يا أَيها النّا سُ َأ ْفشُو ال سّلم‬ ‫وَ‬ ‫وصِلُوا الرحامَ وأَطعموا الطّعامَ وصَلّوا بالليلِ والنّاسُ نيامٌ‪ ،‬تَدخُلُوا الجنة بسلمٍ" أَخرجَ ُه الترمذي وصحّحهُ‪.‬‬ ‫الفشاء لغة‪ :‬الظهار‪ ،‬والمراد نشر السلم على من يعرفه وعلى من ل يعرفه‪ ،‬وأخرج الشيخان من حديث عبد‬ ‫ال بن ع مر أن رجلً سأل ال نبي صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم‪ :‬أي ال سلم خ ير؟ قال‪" :‬تط عم الطعام‪،‬‬ ‫وتقرأ السلم على من عرفت ومن لم تعرف"‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫ول بدّ في ال سلم أن يكون بل فظ م سمع لمن يرد عل يه‪ .‬وقد أخرج البخاري في الدب المفرد بسند صحيح عن‬ ‫ابن عمر‪" :‬إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند ال"‪ ،‬قال النووي‪ :‬أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه‬ ‫فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة فإن شك استظهر‪.‬‬ ‫وإن دخل مكانا فيه أيقاظ ونيام فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال‪" :‬كان النبي صلى ال تعالى عليه‬ ‫وعلى آله وسلم يجيء من الليل فيسلم تسليما ل يوقظ نائما ويسمع اليقظان"‪ ،‬فإن لقي جماعة يسلم عليهم جميعا‪،‬‬ ‫ويكره أن يخص أحدهم بالسلم لنه يولد الوحشة‪ ،‬ومشروعية السلم لجلب التحاب واللفة؛ فقد أخرج مسلم من‬ ‫حديث أبي هريرة مرفوعا "أل أدلكم على ما تحابون به؟ أفشوا السلم بينكم"‪.‬‬ ‫ويشرع السلم عند القيام من الموقف كما يشرع عند الدخول لما أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا‬ ‫"إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليست الولى أحق من الخرة" وتكره أو تحرم الشارة باليد أو الرأس لما‬ ‫أخر جه الن سائي ب سند ج يد عن جابر مرفوعا "ل ت سلموا ت سليم اليهود فإن ت سليمهم بالرؤوس وال كف" إل أ نه‬ ‫ي ستثنى من ذلك حال ال صلة ف قد وردت أحاد يث بأ نه صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم كان يردّ على من‬ ‫يسلم عليه وهو يصلي بالشارة‪ ،‬وقد قدمنا تحقيق ذلك في الحديث العشرين من باب شروط الصلة في الجزء‬ ‫الول‪ .‬وجوزت الشارة بالسلم على من بعد عن سماع لفظ السلم‪.‬‬ ‫قال ا بن دق يق الع يد‪ :‬و قد ي ستدل بال مر بإفشاء ال سلم من قال بوجوب البتداء بال سلم‪ ،‬ويرد عل يه أ نه لو كان‬ ‫البتداء فرض عيسن على كسل أحسد كان فيسه حرج ومشقسة‪ ،‬والشريعسة على التخفيسف والتيسسير‪ ،‬فيحمسل على‬ ‫الستحباب ا هسسسس‪ .‬قال النووي‪ :‬في التسليم على من لم يعرف إخلص العمل ل تعالى واستعمال التواضع‬ ‫وإفشاء السسلم الذي هسو شعار هذه المسة‪ ،‬وقال ابسن بطال فسي مشروعيسة السسلم على غيسر معروف‪ :‬اسستفتاح‬ ‫المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فل يستوحش أحد من أحد‪.‬‬ ‫وتقدم الكلم على صلة الرحام م ستوفى‪ ،‬وعلى إطعام الطعام‪ ،‬فيش مل من ي جب عل يه إنفا قه ويلزم إطعا مه ولو‬ ‫عرفا أو عادة‪ ،‬وكال صدقة على ال سائل للطعام وغيره‪ ،‬فال مر محمول على ف عل ما هو أولى من تر كه ليش مل‬ ‫الواجب والمندوب‪ .‬والمر بصلة الليل في قوله‪" :‬صلوا بالليل" فقد ورد تفسيره بصلة العشاء‪ ،‬والمراد بالناس‪:‬‬ ‫اليهود والنصسارى‪ ،‬ويحتمسل أنسه أريسد ذلك ومسا يشمسل نافلة الليسل‪ .‬وقوله "تدخلوا الجنسة بسسلم" إخبار بأن هذه‬ ‫الفعال من أسباب دخول الجنة‪ ،‬وكأنه بسببها يحصل لفاعلها التوفيق وتجنب ما يوبقها من العمال وحصول‬ ‫الخاتمة الصالحة‪.‬‬ ‫وذهب أحمد إلى أنه ل يدخل العتق لما أخرجه البيهقي من حديث معاذ مرفوعا "إذا قال لمرأته أنت طالق إن‬ ‫شاء ال لم تطلق‪ ،‬وإذا قال لعبده أنت حرّ إن شاء ال فإنه حر" إل أنه قال البيهقي‪ :‬تفرّد به حميد بن مالك وهو‬ ‫مجهول‪ ،‬واختلف عليه في إسناده‪.‬‬ ‫ن النّصيحةُ" ثلثا‪ ،‬قُلْنا‪ :‬لمنْ يا‬ ‫ل رسولُ الّل ِه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬الدّي ُ‬ ‫ن تميم الداريّ رضيَ اللّهُ عنْه قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ‬ ‫ل اللّهِ؟ قال‪" :‬ل ولكتابه ولرسوله ول ِئمّ ِة ال ُمسْلمين وعامّت ِهمْ" َأخْرجَهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫رسو َ‬ ‫(و عن تم يم الداري ر ضي ال ع نه) هو أ بو رق ية تم يم بن أوس بن خار جة ن سب إلى جده "دار" ويقال الديري‬ ‫نسبة إلى دير كان فيه قبل السلم وكان نصرانيا وليس في الصحيحين والموطأ داري ول ديري إل تميم‪ ،‬أسلم‬ ‫سنة تسع كان يختم القرآن في ركعة وكان ربما ردّد الية الواحدة الليل كله إلى الصباح‪ ،‬سكن المدينة ثم انتقل‬ ‫من ها إلى الشام‪ ،‬وروى ال نبي صلى ال تعالى عل يه وعلى آله و سلم في خطب ته ق صة الج ساسة والدجال‪ ،‬و هي‬ ‫من قب له و هي داخلة في روا ية الكابر عن ال صاغر وليس له في صحيح مسلم إل هذا الحديث وليس له في‬ ‫البخاري ش يء (قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله و سلم‪" :‬الد ين النصيحةُ" ثلثا سسسس) أي‬ ‫قال ها ثلثا (قل نا‪ :‬ل من يا ر سول ال؟) أي من ي ستحقها (قال‪" :‬ل ولكتا به ولر سُوِلهِ ولئمّةِ الم سلمين وعا ّم ِتهِ مْ"‬ ‫أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫هذا الحديث جليل‪ .‬قال العلماء‪ :‬إنه أحد الحاد يث الربعة التي يدور عليها ال سلم‪ ،‬وقال النووي‪ :‬ليس المر‬ ‫كما قالوه بل عليه مدار السلم قال الخطابي‪ :‬النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له‪ .‬ومعنى‬ ‫الخبار عن الدين بها أن عماد الدين وقوامه النصيحة‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬والنصح ل‪ :‬اليمان به ونفي الشرك عنه وترك اللحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلل كلها‬ ‫وتنزيهه تعالى عن جميع أنواع النقائص والقيام بطاعته واجتناب معاصيه والحب فيه والبغض فيه وموالة من‬ ‫أطاعه ومعاداة من عصاه وغير ذلك مما يجب له تعالى‪ .‬قال الخطابي‪ :‬وجميع هذه الشياء راجعة إلى العبد من‬ ‫نصيحة نفسه‪ ،‬وال تعالى غني عن نصح الناصح‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫والنصيحة لكتابة‪ :‬اليمان بأنه كلمه تعالى وتحليل ما حلله وتحريم ما حرّمه والهتداء بما فيه والتدبر لمعانيه‬ ‫والقيام بحقوق تلوته والتعاظ بمواعظه والعتبار بزواجره والمعرفة له‪.‬‬ ‫والنصيحة لرسول ال صلى ال عل يه وآله وسلم‪ :‬تصديقه بما جاء به واتبا عه فيما أمر به ونهى عنه وتعظيم‬ ‫حقه وتوقيره حيا وميتا‪ ،‬ومحبة من أمر بمحبته من آله وصحبه ومعرفة سنته والعمل بها ونشرها والدعاء إليها‬ ‫والذب عنها‪.‬‬ ‫والنصيحة لئمة المسلمين‪ :‬إعانتهم على الحق وطاعتهم ف يه وأمرهم به وتذكيرهم لحوائج العباد ونصحهم في‬ ‫الرفق والعدل‪ .‬قال الخطابي‪ :‬ومن النصيحة لهم الصلة خلفهم والجهاد معهم‪ .‬وتعدّد أسباب الخير في كل من‬ ‫هذه القسام ل تنحصر‪ .‬قيل‪ :‬وإذا أريد بأئمة المسلمين‪ :‬العلماء؛ فنصحهم بقبول أقوالهم وتعظيم حقهم والقتداء‬ ‫بهم‪ ،‬ويحتمل أنه يحمل الحديث عليهما فهو حقيقة فيهما‪.‬‬ ‫والنصيحة لعامة المسلمين‪ :‬بإرشادهم إلى مصالحهم في دنياهم وأخراهم وكف الذى عنهم وتعليمهم ما جهلوه‬ ‫وأمر هم بالمعروف ونهي هم عن المن كر ون حو ذلك‪ .‬والكلم على كل ق سم يحت مل الطالة و في هذا كفا ية‪ .‬و قد‬ ‫بسطنا الكلم عليه في شرح الجامع الصغير‪.‬‬ ‫قال ابن بطال‪ :‬في الحديث دليل على أن النصيحة تسمى دينا وإسلما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على‬ ‫القول‪ ،‬قال‪ :‬والن صيحة فرض كفا ية يجزىء في ها من قام ب ها وت سقط عن الباق ين‪ ،‬والن صيحة لز مة على قدر‬ ‫الطاقة البشرية إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه‪ ،‬فإن خشي أذى فهو في‬ ‫سعة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أك ثر ما يُدخِلُ الجنّ َة تقوى ال‬ ‫ع نْ أَ بي هريرة ر ضي اللّ ُه عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سو ُ‬ ‫وَ‬ ‫ي وصحّحهُ الحاكمُ‪.‬‬ ‫حسْنُ الخلق" أَخرجَهُ الترمذ ّ‬ ‫وُ‬ ‫الحديسث دليسل على عظ مة تقوى ال وحسسن الخلق‪ ،‬وتقوى ال تعالى هسي التيان بالطاعات واجتناب المقبحات‪،‬‬ ‫فمن أتى بها وانتهى عن المنهيات فهي من أعظم أسباب دخول الجنة‪ .‬وأما حسن الخلق فتقدّم الكلم فيه‪.‬‬ ‫ن النّاس بأَموالكُم ولكن ليس ْعهُم‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إنك مْ ل تَ سَعو َ‬ ‫عنْ ُه رضي الّل هُ عنْ ُه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وَ‬ ‫ن الخلُق" أَخرجَهُ أَبو َيعْلى وصحّح ُه الحاكمُ‪.‬‬ ‫حسْ ُ‬ ‫سطُ الْ َوجْهِ و ُ‬ ‫من ُكمْ َب ْ‬ ‫أي ل يتم لكم شمول الناس بإعطاء لمال لكثرة الناس وقلة المال فهو غير داخل في مقدور البشر‪ ،‬ولكن عليكم‬ ‫أن ت سعوهم بب سط الو جه والطل قة ول ين الجا نب وخ فض الجناح ون حو ذلك م ما يو جب التحاب بين كم فإ نه مراد‬ ‫ال‪ ،‬وذلك فيما عدا الكافر ومن أمر بالغلظ عليه‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬المؤم نُ ِمرْآةُ المؤْمن" أَخرج ُه أَبو داودَ بإ سْنادٍ‬ ‫وعنه رضي ال عن ُه قالَ‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫حسن‪.‬‬ ‫أي المؤمن لخيه المؤمن كالمرآة التي ينظر فيها وجهه‪ ،‬فالمؤمن يطلع أخاه على ما فيه من عيب وينبهه على‬ ‫إصلحه ويرشده إلى ما يزينه عند موله تعالى وإلى ما يزينه عند عباده‪ ،‬وهذا داخل في النصيحة‪.‬‬ ‫ن الذي يخال طُ النّاس وي صْبرُ‬ ‫ع ْنهُما قال‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬المؤم ُ‬ ‫ن ابن عُمر رضي ال َ‬ ‫وع ِ‬ ‫على أَذاهُم خيرٌ من المؤمن الذي ل يخالطُ النّاس ول يصْبرُ على أَذاهُمْ" أَخرجَ ُه ابن ماجَهْ بإسناد حسن وهو عند‬ ‫الترمذي إل أنه لمْ يُسمّ الصّحابيّ‪.‬‬ ‫فيه أفضلية من يخالط الناس مخالطة يأمرهم فيها بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحسن معاملتهم فإنه أفضل‬ ‫من الذي يعتزل هم ول ي صبر على المخال طة‪ ،‬والحوال تختلف باختلف الشخاص والزمان‪ ،‬ول كل حال مقال‬ ‫ومن رجح العزلة فله على فضلها أدلة‪ .‬وقد استوفاها الغزالي في الحياء وغيرها‪.‬‬ ‫ن خُلُقي"‬ ‫سنْتَ خَلْقي َفحَسّ ْ‬ ‫وعن ابن مَسْعودٍ رضي ال ع ْنهُ قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬اللهمّ كما حَ ّ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫رواهُ أحمدُ وصحّحهُ اب ُ‬ ‫(وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬اللهمّ كما حَ سّنت خَلْقِي) بفتح‬ ‫حسّنْ خُلُقِي") بضمها وضم اللم (رواه أحمد وصححه ابن حبان)‪.‬‬ ‫الخاء المعجمة وسكون اللم ( َف َ‬ ‫قسد كان صسلى ال تعالى عليسه وسسلم مسن أشرف العباد خلقا وخلقا وسسؤاله ذلك اعترافا بالمسن وطلبا لسستمرار‬ ‫النعمة وتعليما للمة‪.‬‬ ‫باب الذكر والدعاء‬ ‫‪45‬‬

‫الذكر‪ :‬مصدر ذكر وهو ما يجري على اللسان والقلب‪ ،‬والمراد به ذكر ال "والدعاء"‪ :‬مصدر دعا وهو الطلب‪،‬‬ ‫ويطلق على ال حث على ف عل الش يء‪ ،‬ن حو دعوت فلنا ا ستعنته‪ .‬ويقال‪ :‬دعوت فلنا سألته‪ .‬ويطلق على العبادة‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫واعلم أن الدعاء ذ كر ال وزيادة؛ ف كل حد يث في ف ضل الذ كر ي صدق عل يه‪ ،‬و قد أ مر ال تعالى عباده بدعائه‬ ‫فقال‪{ :‬ادعوني استجب لكم} أخبرهم بأنه قريب يجيب دعاءهم فقال‪{ :‬وإذ سألك عبادي عني فإني قريب أجيب‬ ‫دعوة الداع إذا دعان}‪.‬‬ ‫وسماه مخ العبادة ففي الحديث عند الترمذي من حديث أنس مرفوعا "الدعاء مخ العبادة" وأخبر صلى ال تعالى‬ ‫عل يه وعلى آله و سلم أن ال تعالى يغ ضب على من لم يد عه‪ ،‬فإ نه أخرج البخاري في الدب المفرد من حد يث‬ ‫أبي هريرة مرفوعا "من لم يسأل ال يغضب عليه"‪ ،‬وأخبر صلى ال عليه وآله وسلم أنه تعالى يحب أن يسأل‪،‬‬ ‫فأخرج الترمذي من حديث ابن م سعود مرفوعا "سلوا ال من فضله فإ نه يحب أن ي سأل" والحاديث في ال حث‬ ‫عل يه كثيرة‪ ،‬و هو يتض من حقي قة العبود ية والعتراف بغ نى الرب وافتقار الع بد‪ ،‬وقدر ته تعالى وع جز الع بد‪،‬‬ ‫وإحاطته تعالى بكل شيء علما‪ .‬فالدعاء يزيد العبد قربا من ربه‪ ،‬واعترافا بحقه‪ ،‬ولذا حث صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‬ ‫على الدعاء وعلم ال عباده دعاءه بقوله‪{ :‬رب نا لتؤاخذ نا إن ن سينا أو أخطأ نا} ال ية ونحو ها‪ ،‬وأخبر نا بدعوات‬ ‫ر سله وتضرع هم ح يث قال أيوب‪{ :‬ر بي إ ني م سني ال ضر وأ نت أر حم الراحم ين} وقال زكر يا عل يه ال سلم‪:‬‬ ‫{ربي ل تذرني فردا} {فهب لي من لدنك وليا} وقال أبو البشر‪{ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا} وقال يوسف‪{ :‬ربي قد اتيتني‬ ‫من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث} إلى قوله {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}‪ .‬وقال يونس‪{ ::‬ل إله إل‬ ‫أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [النبياء‪ ،]87:‬ودعا نبينا صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم في مواقف ل تنحصر عند‬ ‫لقاء العداء وغير ها‪ ،‬ودعوا ته في ال صباح والم ساء وال صلوات وغير ها معرو فة‪ .‬فالع جب من الشتغال بذ كر‬ ‫الخلف ب ين من قال التفو يض والت سليم أف ضل من الدعاء فإن قائل هذا ما ذاق حلوة الما جة لر به ول تضرع‬ ‫واعترافه بحاجته وذنبه‪.‬‬ ‫واعلم أنه قد ورد من حديث أبي سعيد عند أحمد‪":‬أنه ل يضيع الدعاء بل ل بد للداعي من إحدى ثلث إما أن‬ ‫يع جل له دعو ته‪ ،،‬وإ ما أن يدخر ها له في الخرة‪ ،‬وإ ما أن ي صرف ع نه من ال سوء مثل ها" و صححه الحا كم‬ ‫وللدعاء شرائط ولقبوله موا نع قد أودعنا ها أوائل الجزء الثا ني من التنو ير شرح الجا مع ال صغير وذكر نا فائدة‬ ‫الدعاء مع سبق القضاء‪.‬‬ ‫ل اللّه تعالى‪ :‬أنا مَ عَ‬ ‫[رح] سسس عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ":‬يقو ُ‬ ‫ح ّركْتْ بي شَ َفتَاهُ"‪ .‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬وصححه ابن حبان وذكره البخاري تعيقا‪.‬‬ ‫ع ْبدِيَ ما َذكَ َرنِي و َت َ‬ ‫َ‬ ‫عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪ ":‬يقول ال تعالى أ نا مع عبدي ما‬ ‫ذكرني وتحركت بي شفتاه" أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبان وذكره البخاري تعليقا‪ ،‬وهو في البخاري بلفظ‬ ‫قال النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ ":‬يقول ال عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في‬ ‫نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا وإن‬ ‫تقرب إلي ذراعا تقر بت إل يه باعا‪ ،‬وإن أتا ني يم شي أتي ته هرولة"‪ ،‬وهذه مع ية خا صة تف يد عظ مة ذكره تعالى‪،‬‬ ‫وأنه مع ذاكره برحمته ولطفه وإعانته والرضا بحاله‪ .‬وقال ابن أبي جمرة‪ :‬معناه أنا معه بحسب ما قصده من‬ ‫ذكره لي ثسم قال‪ :‬يحتمسل أن يراد الذكسر بالقلب أو باللسسان أو بهمسا معا أو بامتثال المسر واجتناب النهسي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫والذي تدل عل يه الخبار أن الذ كر على نوع ين‪ ،‬أحده ما مقطوع ل صاحبه ب ما تضم نه هذا ال خبر‪ ،‬والثا ني على‬ ‫خطر قال‪ :‬والول مستفاد من قوله تعالى‪{ :‬فمن يعلم مثقال ذرة خيرا يره} ‪ ،‬والثاني من الحديث الذي فيه "من‬ ‫لم تن هه صلته عن الفحشاء والمن كر لم يزدد من ال إل بعدا" ل كن إن كان في حال المع صية يذ كر ال لخوف‬ ‫ووجل فإنه يرجى له‪.‬‬ ‫ن آدَ مَ‬ ‫ل اب ُ‬ ‫عمِ ِ‬ ‫[رح] سسس و عن معاذ بن ج بل ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪ ":‬ما َ‬ ‫ن ذِكرِ ال"‪ .‬أخرجه ابن أبي شيبة‪ ،‬والطبراني بإسناد حسن‪.‬‬ ‫ب ال مِ ْ‬ ‫عمَلً أ ْنجَى لَهُ من عذا ِ‬ ‫َ‬ ‫وعن معاذ بن جبل قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪":‬ما عمل ابن آدم عملً أنجى له من عذاب ال من‬ ‫ذكر ال" أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن الحديث منأدلة فضل الذكر وأنه من أعظم أسباب النجاة‬ ‫من مخاوف عذاب الخرة وهو أيضا من المنجيات من عذاب الدنيا ومخاوفها‪ ،‬ولذا قرن ال المر بالثبات لقتال‬ ‫أعدائه وجهادهسم بالمسر بذكره كمسا قال‪{ :‬إذا لقيتسم فئة فأثبتوا واذكروا ال كثيرا} (النفال‪ )45 :‬وغيرهسا مسن‬ ‫اليات والحاديث الواردة في مواقف الجهاد‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم‪" :‬ما جلس قوْمٌ َمجْلسا يذكرون ال فيه‬ ‫عنْ أَبي هُريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسو ُ‬ ‫وَ‬ ‫إل حَ ْف ْت ُهمُ الملئكةُ وغشيتهُمُ ال ّرحْم ُة وذكرهم اللّ ُه فيمَنْ عندهُ" َأخْرجَهُ ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫دل الحديث على فضيلة مجالس الذكر والذاكرين وفضيلة الجتماع على الذكر‪ .‬وأخرج البخاري‪" :‬إن ل ملئكة‬ ‫يطوفون فسي الطرق يلتمسسون أهسل الذكسر فإذا وجدوا قوما يذكرون ال تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكسم قال‪:‬‬ ‫فيحفون هم بأجنحت هم إلى ال سماء الدن يا سسسس الحد يث" وهذا من فضائل مجالس الذ كر تحضر ها الملئ كة ب عد‬ ‫التماسهم لها‪.‬‬ ‫والمراد بالذكر‪ :‬هو التسبيح والتحميد وتلوة القرآن ونحو ذلك‪ ،‬وفي حديث البزار‪" :‬أنه تعالى يسأل ملئكته ما‬ ‫يصسنع العباد سسسسس وهسو أعلم بهسم سسسسس فيقولون‪ :‬يعظمون آلءك ويتلون كتابسك ويصسلون على نبيسك‬ ‫ويسألونك لخرتهم ودنياهم‪.‬‬ ‫والذكر حقيقة في ذكر اللسان ويؤجر عليه الناطق‪ ،‬ول يشترط استحضار معناه وإنما يشترط أن ل يقصد غيره‪،‬‬ ‫فإن انضاف إلى الذ كر باللسان الذ كر بالقلب ف هو أك مل‪ ،‬وإن انضاف إليه ما استحضار مع نى الذ كر وما اشتمل‬ ‫عليه من تعظيم ال تعالى ونفي النقائص عنه إزداد كمالً‪ ،‬فإن وقع ذلك في عمل صالح مما فرض من صلة أو‬ ‫جهاد أو غيره ما فكذلك‪ ،‬فإن صح التو جه وأخلص ل ف هو أبلغ في الكمال‪ .‬وقال الف خر الرازي‪ :‬المراد بذكسر‬ ‫الل سان اللفاظ الدالة على الت سبيح والتحم يد والتمج يد‪ ،‬والذ كر بالقلب التف كر في أدلة الذات وال صفات و في أدلة‬ ‫التكل يف من ال مر والن هي ح تى يطلع على أحكا مه و في أ سرار مخلوقات ال‪ .‬والذ كر بالجوارح هو أن ت صير‬ ‫مستغرقة بالطاعات ومن ثمة سمي ال الصلة ذكرا في قوله‪{ :‬فاسعوا إلى ذكر ال}‪.‬‬ ‫وذ كر ب عض العارف ين أن الذ كر على سبعة أنحاء‪ :‬فذ كر العين ين بالبكاء وذ كر الذن ين بال صغاء وذ كر الل سان‬ ‫بالثناء وذكر اليدين بالعطاء وذكر البدن بالوفاء وذكر القلب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضاء‪.‬‬ ‫وورد في الحديث ما يدل على أن الذكر أفضل العمال جميعها وهو ما أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه‬ ‫الحا كم من حد يث أ بي الدرداء مرفوعا "أل أ خبركم بخ ير أعمال كم وأزكا ها ع ند مليك كم وأرفع ها في درجات كم‬ ‫وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا‪:‬‬ ‫بلى قال‪" :‬ذكر ال"‪.‬‬ ‫ول تعار ضه أحاد يث ف ضل الجهاد وأ نه أف ضل من الذ كر‪ ،‬لن المراد بالذ كر الف ضل من الجهاد ذ كر الل سان‬ ‫والقلب والتف كر في المع نى وا ستحضار عظ مة ال‪ ،‬فهذا أف ضل من الجهاد‪ ،‬والجهاد أف ضل من الذ كر بالل سان‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫وقال ا بن العر بي‪ :‬إ نه ما من ع مل صالح إل والذ كر مشترط في ت صحيحه ف من لم يذ كر ال ع ند صدقته أو‬ ‫صيامه فليس عمله كاملً‪ ،‬فصار الذكر أفضل العمال من هذه الحيثية‪ ،‬ويشير إليه حديث "نية المؤمن خير من‬ ‫عمله"‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬ما قعدَ قَوْمٌ مقعدا لمْ يذكروا ال فيه ولمْ يُصلّوا‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ رسُو ُ‬ ‫عنْ ُه رضي الّلهُ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫حسَنٌ‪.‬‬ ‫على النبي صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم إل كان عليهمْ حسرةً ي ْومَ القيامة" أَخرج ُه الترمذي وقال‪َ :‬‬ ‫زاد "فإن شاء عذب هم وإن شاء غ فر ل هم" وأخر جه أح مد بل فظ " ما جلس قوم مجل سا لم يذكروا ال تعالى ف يه إل‬ ‫كان عليهم ترة‪ ،‬وما من رجل يمشي طريقا فلم يذكر ال تعالى إل كان عليه ترة‪ ،‬وما من رجل أوى إلى فراشه‬ ‫فلم يذكر ال عزّ وجلّ إل كان عليه ترة" وفي رواية "إل كان عليه حسرة يوم القيامة‪ .‬وإن دخل الجنة" والترة‪:‬‬ ‫بمثناة فوقية مكسورة فراء بمعنى الحسرة وقال ابن الثير‪ :‬هي النقص‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على وجوب الذ كر وال صلة على ال نبي صلى ال تعالى عل يه وآله و سلم في المجلس سيما مع‬ ‫تفسير الترة بالنار أو العذاب‪ ،‬فقد فسرت بهما‪ ،‬فإن التعذيب ل يكون إل لترك واجب أو فعل محظور‪ ،‬وظاهره‬ ‫أن الواجب هو الذكر والصلة عليه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم معا‪ .‬وقد عدّت مواضع الصلة عليه صلى ال عليه‬ ‫وآله وسلم فبلغت ستة وأربعين موضعا‪.‬‬ ‫قال أبسو العاليسة‪ :‬معنسى صسلة ال على نسبيه ثناؤه عليسه عنسد ملئكتسه‪ ،‬ومعنسى صسلة الملئكسة عليسه الدعاء له‬ ‫بح صول الثناء والتعظ يم‪ .‬وفي ها أقوال أ خر هذا أجود ها‪ .‬وقال غيره‪ :‬ال صلة م نه تعالى على ر سوله تشر يف‬ ‫ل على محمد‪ :‬عظم محمدا أو المراد بالتعظيم‪:‬‬ ‫وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة فمعنى قولنا‪ :‬اللهم ص ِ‬ ‫إعلء ذكره‪ ،‬وإظهار دي نه وإبقاء شريع ته في الدن يا‪ ،‬و في الخرة بإحراز مثوب ته وتشفي عه في أم ته‪ .‬والشفا عة‬ ‫العظمى للخلئق أجمعين في المقام المحمود‪ ،‬ومشاركة الل والزواج بالعطف يراد به في حقهم التعظيم اللئق‬ ‫بهم‪ .‬وبهذا يظ هر و جه اخت صاص ال صلة بال نبياء ا ستقللً دون غير هم‪ .‬ويتأ يد هذا ب ما أخر جه ال طبراني من‬ ‫‪47‬‬

‫حديث ابن عباس يرفعه "إذا صليتم عليّ فصلوا على أنبياء ال فإن ال تعالى بعثهم كما بعثني" فجعل العلة البعثة‬ ‫فتكون مختصة بمن بعث‪ .‬وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عباس "ما أعلم الصلة تنبغي لحد على‬ ‫أحد إل على النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم" وحكى القول به عن مالك وقال‪ :‬ما تعبدنا به‪.‬‬ ‫وقال القاضسي عياض‪ :‬عامسة أهسل العلم على الجواز قال‪ :‬وأنسا أميسل إلى قول مالك‪ ،‬وهسو قول المحققيسن مسن‬ ‫المتكلمين والفقهاء‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬يذكسر غيسر النسبياء بالترضسي والغفران‪ ،‬والصسلة على غيسر النسبياء يعنسي اسستقللً لم تكسن مسن المسر‬ ‫بالمعروف‪ ،‬وإنما حدثت في دولة بني هاشم يع ني ال عبيديين‪ .‬وأما الملئكة فل أعلم فيه حديثا وإنما يؤخذ ذلك‬ ‫من حديث ابن عباس لن ال سماهم رسلً‪ .‬وأما المؤمنون فقالت طائفة‪ :‬ل تجوز استقللً وتجوز تبعا فيما ورد‬ ‫به النص كالل والزواج والذرّية‪ ،‬ولم يذكر في النص غيرهم فيكون ذلك خاصا ول يقاس عليهم الصحابة ول‬ ‫غيرهم‪ ،‬وقد بينا أنه يدعى للصحابة ونحوهم بما ذكره ال من أنه رضي عنهم وبالمغفرة كما أمر بها رسوله‪:‬‬ ‫{واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وأمّا الصلة عليهم فلم ترد‪.‬‬ ‫والمسسألة فيهسا خلف معروف‪ ،‬فقال بجوازه البخاري‪ ،‬ووردت أحاديسث بأنسه صسلى ال تعالى عليسه وآله وسسلم‬ ‫صلى على آل سعد بن عبادة‪ .‬أخرجه أبو داود والنسائي بسند جيد‪ ،‬وورد بأنه صلى ال تعالى عليه وآله وسلم‬ ‫صلى على آل أبي أوفى‪ ،‬فمن قال بجوازه استقللً على سائر المؤمنين فهذا دليله‪ .‬ومن أدلته أن ال تعالى قال‪:‬‬ ‫{هو الذي يصلي عليكم وملئكته} ومن منع قال‪ :‬هذا ورد من ال ومن رسوله صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم لم يرد الذن‬ ‫لنا‪.‬‬ ‫وقال ابن القيم‪ :‬يصلى على غير النبياء والملئكة وأزواج النبي صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم وذرّيته وأهل طاعته على‬ ‫سبيل الجمال‪ .‬ويكره في غير النبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا ل سيما إذا ترك في حق مثله وأفضل‬ ‫منه سسسس كما تفعل الرافضة سسسس فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض الحايين من غير أن يتخذ شعارا‬ ‫لم يكن فيه بأس‪.‬‬ ‫واختلفوا أيضا في ال سلم على غ ير ال نبياء ب عد التفاق على مشروعي ته في تح ية ال حي‪ ،‬فق يل‪ :‬يشرع مطلقا‪،‬‬ ‫وق يل‪ :‬تبعا ول يفرد بوا حد لكو نه صار شعارا للراف ضة‪ ،‬ونقله النووي عن الش يخ مح مد الجوي ني‪ .‬قلت‪ :‬هذا‬ ‫التعليل بكونه صار شعارا ل ينهض على المنع والسلم على الموتى قد شرعه ال على لسان رسول ال صلى‬ ‫ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين" وكان ثابتا في الجاهلية كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫[شع] عليك سلم ال قيس بن عاصم‬ ‫ورحمته ما شاء أن يترحما[‪/‬شع]‬ ‫[شع] وما كان قيس موته موت واحد‬ ‫ولكنه بنيان قوم تهدما[‪/‬شع]‪.‬‬ ‫ب الن صاري ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ نْ قالَ‪ :‬ل إله إل ال‬ ‫ن أَ بي أيو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫وحده ل شريك لهُ عشر مرات كان كمنْ َأعْتق أَربعة أَنفس من ولد إسماعيل" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫زاد مسلم‪" :‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" وفي لفظ "من قال ذلك في يوم مائة مرة كانت له عدل‬ ‫عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة‪ ،‬ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي‬ ‫ت أحد بأفضل مما جاء به إل أحد عمل أكثر من ذلك" وأخرج أحمد من طريق عبد ال بن يعيش عن أبي‬ ‫ولم يأ ِ‬ ‫ن كعدل أر بع رقاب وك تب له‬ ‫أيوب وف يه " من قال إذا صلى ال صبح‪ :‬ل إله إل ال" فذكره بل فظ "ع شر مرات ك ّ‬ ‫ن له حرزا من الشيطان حتى‬ ‫بهن عشر حسنات ومحي عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وك ّ‬ ‫يمسي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك" وسنده حسن‪ ،‬وأخرجه جعفر في الذكر عن أبي أيوب رفعه قال‪" :‬من‬ ‫قال حين يصبح سسسس فذكر مثله" لكن زاد‪" :‬يحي ويميت"‪ .‬وقال‪" :‬تعدل عشر رقب وكان له مسلحة من أوّل‬ ‫نهاره إلى آخره ولم يعمل يومئذٍ عملً يقهرهن‪ ،‬وإن قال مثل ذلك حين يمسي فمثل ذلك"‪.‬‬ ‫وذ كر الع شر الرقاب في بعض ها والر بع في بعض ها كأ نه باعتبار الذاكر ين في ا ستحضارهم معا ني اللفاظ‬ ‫بالقلوب‪ ،‬وإمحاض التوجسه والخلص لعلم الغيوب‪ .‬فيكون اختلف مراتبهسم باعتبار ذلك وبحسسبه كمسا قال‬ ‫القرطبي‪.‬‬ ‫ن قال‪ :‬سُبحان ال وبحمده مائةَ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬مَ ْ‬ ‫ن أَ بي هريرة ر ضي ال عنْ هُ قالَ‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫ع ْنهُ خطاياهُ وإن كانت مثل زبد البحْر" متّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫حطّت َ‬ ‫مرّة ُ‬ ‫‪48‬‬

‫معنى سبحان ال تنزيهه عما ل يليق به من نقص‪ ،‬فيلزم منه نفي الشريك والصاحب والولد وجميع ما ل يليق‪،‬‬ ‫والتسبيح يطلق على جميع ألفاظ الذكر ويطلق على صلة النافلة‪ ،‬ومنه صلة التسبيح خصت بذلك لكثرة التسبيح‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫وفيسه‪ :‬أنسه تكفسر بهذا الذكسر الخطايسا‪ ،‬وظاهره ولو كبائر‪ ،‬والعلماء يقيدون ذلك بالصسغائر ويقولون‪ :‬ل تمحسى‬ ‫الكبائر إل بالتو بة‪ ،‬و قد أورد على هذا سؤال‪ :‬و هو أ نه يدل على أن الت سبيح أف ضل من التهل يل‪ ،‬فإ نه قال في‬ ‫التهليل‪" :‬إن من قال مائة مرة في يوم محيت عنه مائة سيئة" كما قدمناه وهنا قال‪" :‬حطت عنه خطاياه ولو كانت‬ ‫مثل زبد البحر" والحاديث دالة على أن التهليل أفضل‪ ،‬فقد أخرج الترمذيّ والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم‬ ‫من حديث جابر مرفوعا "أفضل الذكر ل إله إل ال‪ ،‬وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي ل إله إل ال‪ ،‬وهي‬ ‫كل مة التوح يد والخلص و هي ا سم ال الع ظم" ومع نى الت سبيح دا خل في ها فإ نه التنز يه ع ما ل يل يق بال و هو‬ ‫داخل في ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك‪ ...‬إلخ؛ وفضائلها عديدة وأجيب عنه بأنه انضاف إلى ثواب‬ ‫التهليل مع التفكير ثلثة أمور رفع الدرجات وكتب الحسنات وعتق الرقاب‪ ،‬والعتق يتضمن تكفير جميع السيئات‬ ‫فإن من أعتق رقبة أعتق ال بكل عضو منها عضوا منه من النار كما سلف‪.‬‬ ‫وظا هر الحاد يث أن هذه الفضائل لكل ذا كر‪ .‬وذ كر القاضي عن ب عض العلماء أن الفضل الوارد في م ثل هذه‬ ‫العمال الصالحة‪ ،‬والذكار إنما هو لهل الفضل في الدين‪ ،‬والطهارة من الجرائم العظام وليس من أصر على‬ ‫شهواته وانتهك دين ال وحرماته بل حق‪ ،‬من الفاضل المطهرين في ذلك وشهد له قوله تعالى‪{ :‬أم حسب الذين‬ ‫اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين امنوا وعملوا الصالحات}‪.‬‬ ‫ت بعْد كِ َأرْبع‬ ‫ع نْ جُويْريَ َة بنْت الحارث رضي ال عنها قالَ تْ‪ :‬قال لي رسولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬ل َقدْ قُلْ ُ‬ ‫وَ‬ ‫ت ُمنْذُ اليوْم لوزنَ ْتهُنّ‪ :‬سبحان ال وبحمده عدد خَلْقِ ِه ورضاءَ نَفْ سه وزنةَ عرْ شه ومداد‬ ‫كلمات َل ْو وزنَ تْ بمَا قُل ِ‬ ‫كلماته" أخرجَ ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫(وعن جويرية بنت الحارث رضي ال عنها قالت‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬ل َق ْد قُلْ تُ بعْدكِ‬ ‫َأرْبسع كلمات َل ْو وزنَت ْس بمَا قُلتسِ) بكسسر التاء خطاب لهسا ( ُم ْنذُ اليوْم َس لَوزَ َن ْتهُنّ‪ :‬سسُبحان ال وبحمْدهِس عَددَ خَلْقِهِس‬ ‫ورضاءَ ن ْفسِهِ وز َنةَ ع ْرشِ ِه ومِدادَ كلماتِهِ" أخرجه مسلم)‪.‬‬ ‫عدد خل قه من صوب صفة م صدر محذوف تقديره أ سبحه ت سبيحا ومثله أخوا ته‪ .‬وخل قه شا مل ل ما في ال سموات‬ ‫والرض وفسي الدنيسا والخرة‪ ،‬ورضاء نفسسه أي عدد مسن رضسي ال عنهسم مسن النسبيين والصسديقين والشهداء‬ ‫والصالحين‪ ،‬ورضاه عنهم ل ينقضي ول ينقطع‪ .‬وزنة عرشه أي زنة ما ل يعلم قدر وزنه إل ال‪ .‬ومداد كلماته‬ ‫بك سر الم يم و هو ما ت مد به الدواة كال حبر‪ ،‬والكلمات هي معلومات ال ومقدورا ته و هي ل تنح صر و هي ل‬ ‫تتناهى‪ ،‬ومدادها هو كل مدة يكتب بها معلوم أو مقدور‪ ،‬وذلك ل ينحصر فمتعلقه غير منحصر كما قال تعالى‪:‬‬ ‫{قسل لو كان البحسر مدادا لكلمات ربسي}‪ :‬الحديسث دليسل على فضسل هذه الكلمات وأن قائلهسا يدرك فضيلة تكرار‬ ‫القبول بالعدد المذكور‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬الباقيات ال صّالحات‪ :‬ل إله‬ ‫ع نْ أَبي سعيد الخُدريّ رضي اللّ ُه عن ُه قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وَ‬ ‫ن حبّان والحاكمُ‪.‬‬ ‫إل اللّ ُه وسُبحانَ ال وال َأكْبرُ والحمدُ ل ول حَ ْولَ ول قوةَ إل بال" أخْرجَه النسائي وصحّحه اب ُ‬ ‫الباقيات ال صالحات‪ :‬يراد ب ها العمال ال صالحة ال تي يب قى ل صاحبها أجر ها أ بد الباد‪ ،‬وف سرها صلى ال تعالى‬ ‫عليه وآله وسلم بهذه الكلمات‪ ،‬ويحتمل أنه تفسير لقوله تعالى‪{ :‬والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير‬ ‫أملً}‪.‬‬ ‫وقد جاء في الحاد يث تف سيرها بأفعال الخ ير‪ .‬فأخرج ا بن المنذر وا بن أ بي حا تم وا بن مردو يه من حد يث ا بن‬ ‫ن ذ كر ل إله إل ال وال أ كبر و سبحان ال والح مد ل وتبارك ال ول حول ول‬ ‫عباس‪" :‬الباقيات ال صالحات‪ :‬ه ّ‬ ‫قوة إل بال وأ ستغفر ال و صلى ال على ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم وال صيام وال صلة وال حج وال صدقة‬ ‫ن الباقيات ال صالحات ال تي تب قى لهل ها في الج نة" وأخرج‬ ‫والع تق والجهاد وال صلة؛ وجم يع أنواع الح سنات وه ّ‬ ‫ا بن أ بي شي بة وا بن المنذر عن[اث] قتادة[‪/‬اث]‪" :‬الباقيات ال صالحات كل ش يء من طا عة ال ف هو من الباقيات‬ ‫الصالحات" ول ينافي تفسيرها في الحديث بما ذكر فإنه ل حصر فيه عليها‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬أَحبّ الكلم إلى ال أَرب عٌ ل‬ ‫سمُرة بن جُندب ر ضي ال عن هُ قال‪ :‬قال ر سو ُ‬ ‫ع نْ َ‬ ‫وَ‬ ‫ن بدأت سُبحانَ ال والحمد ل ول إله إل ال وال أَكبرُ" أَخرج ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫ك بأيه ّ‬ ‫يضر َ‬ ‫يعني إنما كانت أحبه إليه تعالى لشتمالها على تنزيهه وإثبات الحمد له والوحدانية والكبرية‪ .‬وقوله‪" :‬ل يضرك‬ ‫بأيه نّ بدأت" دل على أ نه ل ترت يب بين ها ول كن تقد يم التنز يه أولى ل نه تقدّم التخل ية سسسس بالخاء المعج مة‬ ‫‪49‬‬

‫سسسس على التحل ية سسسس بالحاء المهملة سسسس والتنز يه تخل ية عن كل قب يح‪ ،‬وإثبات الح مد والوحدان ية‬ ‫والكبر ية تحل ية ب كل صفات الكمال‪ ،‬لك نه ل ما كان تعالى منز هة ذا ته عن كل قب يح لم ت ضر البداءة بالتحل ية‬ ‫وتقديمها على التخلية‪.‬‬ ‫والحاد يث في ف ضل هذه الكلمات مجمو عة ومتفر قة ب حر ل تنز فه الدلء ول ينق صه الملء وك فى ب ما في‬ ‫الحديث من أنها الباقيات الصالحات وأنها أحب الكلم إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫عنْ أَبي موسى الشْعري رضي اللّهُ عنهُ قالَ‪ :‬قالَ لي رسولُ ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬يا عبْد ال بن قَيْس أل‬ ‫وَ‬ ‫َأدُّلكَ على كنْز من كنوز الجنة؟ ل حول ول قوّةَ إل بال" ُمتّفقٌ عَليه‪ ،‬زاد النسائي "ول ملْجأ من ال إل إليْه"‪.‬‬ ‫أي أن ثوابها مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموال العباد‪ ،‬فالمراد مكنون ثوابها عند ال‬ ‫ل كم‪ ،‬وذلك لن ها كل مة استسلم وتفويض إلى ال واعتراف الذعان له وأ نه ل صانع غيره ول رادّ لمره‪ ،‬وأن‬ ‫العبد ل يملك شيئا من المر‪.‬‬ ‫والحول‪ :‬الحركسة والحيلة أي ل حركسة ول اسستطاعة ول حيلة إل بمشيئة ال‪ ،‬وروي تفسسيرها مرفوعا "أي ل‬ ‫حول عسن المعاصسي إل بعصسمة ال‪ ،‬ول قوة على طاعسة ال إل بال‪ ،‬ثسم قال صسلى ال تعالى عليسه وعلى آله‬ ‫وسلم‪ :‬كذلك أخبرني جبريل عن ال تبارك وتعالى"‪.‬‬ ‫وقوله‪( :‬ول ملجأ) مأخوذ من لجأ إليه وهو سسسس بفتح الهمزة سسسس يقال لجأت إليه والتجأت إذا استندت‬ ‫إليه واعتضدت به أي ل مستند من ال ول مهرب عن قضائه إل إليه‪.‬‬ ‫ع ْنهُ ما عن النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬إن الدعاءَ ُهوَ العبادةُ" روا هُ‬ ‫و عن النّعمان بن بش ير ر ضي الّل هُ َ‬ ‫الربعةُ وصحّحهُ التّرمذيّ‪.‬‬ ‫ويدل له قوله تعالى‪{ :‬ادعوني استجب لكم} ثم قال‪{ :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}‬ ‫وتقدّم الكلم عليه‪.‬‬ ‫ول ُه من حديث أَنس مرفوعا بلفظ "الدعاءُ ُمخّ العبادة"‪.‬‬ ‫خ العبادة)‪.‬‬ ‫(وله) أي الترمذي (من حديث أنس مرفوعا بلفظ "الدعا ُء مُ ّ‬ ‫أي خالصها لن مخ الشيء خالصه‪ ،‬وإنما كان مخها لمرين‪ :‬الول‪ :‬أنه امتثال لمر ال حيث قال‪( :‬ا ْدعُونِي)‬ ‫الثاني‪ :‬أن الداعي إذا علم أن نجاح المور من ال انقطع عما سواه وأفرده بطلب الحاجات وإنزال الفاقات‪ ،‬وهذا‬ ‫هو مراد ال من العبادة‪.‬‬ ‫ن حبّا نَ‬ ‫ن حد يث أ بي هُريرة ر ضي ال ع نه رفع هُ "لَ يس شيءٌ َأكْر مَ على ال من الدعاء" و صحّح ُه اب ُ‬ ‫ول هُ م ْ‬ ‫والحاكمُ‪.‬‬ ‫(وله) أي الترمذي ( عن أبي هريرة رضي ال عنه رف عه "ليس شيءٌ أكر مَ على ال م نَ الدعاء") و صححه ا بن‬ ‫حبان والحاكم‪.‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سُولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬الدّعَاءُ َبيْن الذان والقامة ل ُيرَدّ" َأخْرج هُ‬ ‫ع نْ َأنَس رضي ال َ‬ ‫وَ‬ ‫ن حبان وغيرهُ‪.‬‬ ‫النسائي وغير ُه وصحّح ُه اب ُ‬ ‫تقدم الحد يث بل فظ آخر في باب الذان‪ ،‬وتقدم الكلم عل يه‪ ،‬ويتأكد الدعاء بعد الصلة المكتو بة لحديث الترمذي‬ ‫عن أبي أمامة قلت‪ :‬يا رسول ال أي الدعاء أسمع؟ قال‪" :‬جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبة"‪.‬‬ ‫وأ ما هذه الهيئة ال تي يفعل ها الناس في الدعاء ب عد ال سلم من ال صلة بأن يب قى المام م ستقبل القبلة والمؤتمون‬ ‫خل فه يد عو ويدعون‪ ،‬فقال ا بن الق يم‪ :‬لم ي كن من ذلك هدي ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم ول روي ع نه في‬ ‫حديث صحيح ول حسن‪ .‬وقد وردت أحاديث في الدعاء بعد الصلة معروفة وورد التسبيح والتحميد والتكبير‬ ‫كما سلف في الذكار‪.‬‬ ‫ستَحي من عبده‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬إنّ َر ّب ُكمْ حَيسسيّ كريمٌ َي ْ‬ ‫ل رسو ُ‬ ‫عنْ سَلْمان رضي اللّ ُه ع ْنهُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫وَ‬ ‫ن يرُدّهُما صفْرا" أَخرجَ ُه الربعةُ إل النسائي وصحّح ُه الحاكمُ‪.‬‬ ‫إذا رفعَ إَليْه يَديْه أَ ْ‬ ‫(وعن سلمان رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪ :‬إنّ ربّك ْم حَيسسيّ) بزنة‬ ‫ن َيرُدّهُما صِفْرا" أخرجه الربعة إل النسائي وصححه‬ ‫عبْد هِ إذا رفَ عَ يَديْ ِه إلي ِه أَ ْ‬ ‫ستَحي ِم نْ َ‬ ‫نسي وحشي (كريم يَ ْ‬ ‫الحاكم)‪.‬‬ ‫و صفه تعالى بالحياء يح مل على ما يل يق به ك سائر صفاته نؤ من ب ها ول نكيف ها ول يقال‪ :‬إ نه مجاز وتطلب له‬ ‫العلقات‪ ،‬هذا مذهب أئمة الحديث والصحابة وغيرهم "وصفرا" بكسر الصاد وسكون الفاء أي خالية‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫وفي الحديث دللة على استحباب رفع اليدين في الدعاء‪ ،‬والحاديث فيه كثيرة‪ .‬وأما حديث أنس "لم يكن النبي‬ ‫صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم يرفع يديه في شيء من الدعاء إل في الستسقاء" فالمراد به المبالغة في‬ ‫الر فع وأ نه لم ي قع إل في ال ستسقاء‪ .‬وأحاد يث رف عه صلى ال عل يه وآله و سلم يد يه في الدعاء أفرد ها الحا فظ‬ ‫المنذري فسي جزء‪ .‬وأخرج أبسو داود وغيره مسن حديسث ابسن عباس "المسسألة أن ترفسع يديسك حذو منكبيسك‪،‬‬ ‫وال ستسقاء أن تش ير بأ صبع واحدة والبتهال أن ت مد يد يك جميعا" و هو موقوف‪ ،‬وأ ما م سح اليد ين ب عد الدعاء‬ ‫فورد في الحديث التي‪:‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا مدّ يد يه في الدّعا ِء ل ْم يردّهُ ما ح تى‬ ‫عنْ ُه قالَ‪" :‬كان ر سو ُ‬ ‫ع َمرَ ر ضي ال َ‬ ‫ع نْ ُ‬ ‫وَ‬ ‫ث ابن عباس عنْد أَبي داود وغيره ومجموعُها يقضي‬ ‫جهَ هُ" َأخْرجَ ُه الترمذيّ‪ ،‬وَل ُه شواهدُ منْها حدي ُ‬ ‫يم سَحَ بهما َو ْ‬ ‫بأن ُه حديثٌ حسنٌ‪.‬‬ ‫وفيه دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء‪ .‬قيل‪ :‬وكأن المناسبة أنه تعالى لما كان ل‬ ‫يردهمسا صسفرا فكأن الرحمسة أصسابتهما فتناسسب إفاضسة ذلك على الوجسه الذي هسو أشرف العضاء وأحقهسا‬ ‫بالتكريم‪.‬‬ ‫ع ْن ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إن أَوْلَى النّاس بي يوْم القيا مة‬ ‫و عن ا بن مَ سْعود ر ضي الّل هُ َ‬ ‫ن حبّان‪.‬‬ ‫أكثرهم عليّ صلةً" أَخرج ُه الترمذيّ وصحّح ُه اب ُ‬ ‫المراد أحق هم بالشفا عة أو القرب من منزل ته في الج نة‪ .‬وف يه فضيلة ال صلة عل يه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ .‬و قد‬ ‫تقدمت قريبا‪ ،‬ولو أضاف هذا الحديث إلى ما سلف لكان أوفق‪.‬‬ ‫سيّد الستغفار أَن يقول الع ْبدُ‪:‬‬ ‫و عن شدّاد بن أَوس رضي الّل هُ ع ْن ُه قالَ‪ :‬قالَ ر سولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪َ " :‬‬ ‫ن شرّ ما‬ ‫كم ْ‬ ‫عدِك ما استطعت‪ ،‬أَعوذُ ب َ‬ ‫ع ْهدِ كَ وَ َو ْ‬ ‫ت ربي ل إل َه إل أن تَ‪ ،‬خَلَقْتني وأَنا عبدُ كَ وأَنا على َ‬ ‫اللهمّ َأنْ َ‬ ‫ص َنعْتُ‪ ،‬أَبو ُء لك بنعمتك عليّ وأَبو ُء بذنبي فاغف ْر لي فإنّهُ ل يغفرُ الذنوبَ إل أنت" أَخرج ُه البخاري‪.‬‬ ‫وتمام الحديث "من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة‪ ،‬ومن قالها من‬ ‫الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة"‪.‬‬ ‫قال الطيبي‪ :‬لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة استعير له اسم "السيد" وهو في الصل الرئيس الذي يقصد‬ ‫إليه في الحوائج‪ .‬ويرجع إليه في المور‪ ،‬وجاء في رواية الترمذي "أل أدلك على سيد الستغفار"‪ .‬وفي حديث‬ ‫جابر عند النسائي "تعلموا سيد الستغفار" وقوله‪" :‬ل إله إل أنت خلقتني" ووقع في رواية‪" :‬اللهم لك الحمد ل إله‬ ‫إل أنت خلقتني" وزاد فيه "آمنت لك مخلصا لك ديني"‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬وأ نا عبدك" جملة مؤكدة لقوله‪" :‬أ نت ر بي"‪ ،‬ويحت مل‪" :‬أ نا عبدك" بمع نى عابدك فل يكون تأكيدا ويؤيده‬ ‫ع طف قوله‪" :‬وأ نا على عهدك" ومعناه ك ما قال الخطا بي‪ :‬أ نا على ما عاهد تك عل يه وواعد تك من اليمان بك‬ ‫وإخلص الطاعة لك ما استطعت ومتمسك به ومستنجز وعدك في المعونة والجر‪.‬‬ ‫وفي قوله‪" :‬ما استطعت" اعتراف بالعجز والقصور عن القيام بالواجب من حقه تعالى‪.‬‬ ‫قال ا بن بطال‪ :‬ير يد بالع هد الذي أخذه ال على عباده ح يث أخرج هم أمثال الذرّ وأشهد هم على أنف سهم‪{ .‬أل ست‬ ‫بربكم} فأقرّوا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية‪ ،‬وبالوعد ما قال على لسان نبيه أن من مات ل يشرك بي شيئا‬ ‫أن يدخل الجنة‪.‬‬ ‫ومعنسى "أبوء" أقرّ وأعترف وهسو مهموز وأصسله البواء ومعناه اللزوم‪ .‬ومنسه‪ :‬بوّأه ال منزلً أي أسسكنه‪ ،‬فكأنسه‬ ‫ألزمه به "وأبوء بذنبي" أعترف به وأقرّ‪.‬‬ ‫ل ثسم طلب غفرانسه ثانيا‪ .‬وهذا مسن أحسسن‬ ‫وقوله‪" :‬فاغفسر لي فإنسه ل يغفسر الذنوب إل أنست" اعترف بذنبسه أو ً‬ ‫الخطاب وألطسف السستعطاف كقول أبسي البشسر‪{ :‬ربنسا ظلمنسا أنفسسنا وإن لم تغفسر لنسا وترحمنسا لنكونسن مسن‬ ‫الخاسرين}‪.‬‬ ‫وقسد اشتمسل الحديسث على القرار بالربوبيسة ل تعالى‪ .‬وبالعبوديسة للعبسد فسي التوحيسد له وبالقرار بأنسه الخالق‪،‬‬ ‫والقرار بالعهسد الذي أخذه على المسم‪ .‬والقرار بالعجسز عسن الوفاء مسن العبسد‪ ،‬والسستعاذة بسه تعالى مسن شسر‬ ‫ال سيئات ن حو "نعوذ بال من شرور أنف سنا و من سيئات أعمال نا" والقرار بنعم ته على عباده‪ ،‬وأفرد ها للج نس‪،‬‬ ‫والقرار بالذنب‪ ،‬وطلب المغفرة وحصر الغفران فيه تعالى‪ .‬وفيه أنه ل ينبغي طلب الحجات إل بعد الوسائل‪.‬‬ ‫وأما ما استشكل به من أنه كيف يستغفر وقد غفر له صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم ما تقدم من ذنبه وما‬ ‫تأخر وهو أيضا معصوم‪ ،‬فإنه من الفضول لنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم أخبر بأنه يستغفر ال ويتوب إليه في اليوم‬ ‫سبعين مرّة‪ .‬وعلمنا الستغفار فعلينا التأسي والمتثال ل إيراد السؤال والشكال‪ ،‬وقد علم هذا من خاطبهم بذلك‬ ‫‪51‬‬

‫فلم يوردوا إشكالً ول سؤالً ويكفينا كونه ذكر ال على كل حال‪ ،‬وهو مثل طلبنا للرزق‪ .‬وقد تكفل به وتعليمه‬ ‫لنا على ذلك {ارزقنا وأنت خير الرازقين} وكله تعبد وذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َيدَ عُ هؤلءِ‬ ‫ن ر سو ُ‬ ‫ع ْنهُ ما قال‪" :‬لم يكُ ْ‬ ‫[رح ‪ ]19‬سسسس و عن ا بن عُمرَ ر ضي ال َ‬ ‫ن يُ صْبحُ‪ :‬الل ُهمّ إني أَسأَلكَ العَافي َة في ديني ودنياي وأَهْلي ومالي‪ ،‬اللهمّ ا سْترْ عوْراتي‬ ‫الكلمات حين يمسي وحي َ‬ ‫ن ب ين يديّ و من خَلْ في‪ ،‬و عن يمي ني و عن شمالي‪ ،‬وم نْ فوْ قي‪ ،‬وَأَعو ُذ بعظم تك أن‬ ‫ن رَوْعا تي واحْفظ ني م ْ‬ ‫وآمِ ْ‬ ‫ن َتحْتي" أَخرج ُه النسائيّ وابنُ مَاجَ ْه وصحّح ُه الحاكمُ‪.‬‬ ‫أُغتالَ م ْ‬ ‫العافية في الدين‪ :‬السلمة من المعاصي والبتداع‪ ،‬وترك ما يجب‪ ،‬والتساهل في الطاعات‪ ،‬وفي الدنيا‪ :‬السلمة‬ ‫من شرورها ومصائبها‪ ،‬وفي الهل‪ :‬السلمة من سوء العشرة والمراض والسقام وشغلهم بطلب التوسع في‬ ‫الحطام‪ ،‬وفي المال‪ :‬السلمة من الفات التي تحدث فيه‪ ،‬وستر العورات‪ :‬عام لعورة البدن والدين والهل والدنيا‬ ‫والخرة‪ ،‬وتأمين الروعات كذلك‪ ،‬والروعات‪ :‬جمع روعة وهي الفزع‪.‬‬ ‫وسأل ال الحفظ له من جميع الجهات‪ ،‬لن العبد بين أعدائه من شياطين النس والجن‪ ،‬كالشاة بين الذئاب إذا لم‬ ‫يكن له حافظ من ال فما له من قوّة‪ ،‬وخص الستعاذة بالعظمة عن الغتيال من تحته لن اغتيال الشيء أخذه‬ ‫خف ية هو أن يخ سف به الرض‪ ،‬ك ما صنع تعالى بقارون‪ ،‬أو بالغرق ك ما صنع بفرعون‪ ،‬فال كل اغتيال من‬ ‫التحت‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬اللهُمّ إني أَعو ُذ ب كَ م نْ زوال‬ ‫ع ْنهُما قالَ‪ :‬كا نَ رسو ُ‬ ‫عمَر رضي ال َ‬ ‫وع نْ ابن ُ‬ ‫نعمتك وتحوّل عافيتك وفجأة نقمتكَ وجميع سخطك" أَخرجهُ مُسلمٌ‪.‬‬ ‫الفجأة‪ :‬بفتح الفاء وسكون الجيم مقصور وبضم الفاء وفتح الجيم والمد وهي‪ :‬البغتة‪ ،‬وزوال النعمة ل يكون منه‬ ‫تعالى إل بذنب يصيبه العبد فالستعاذة من الذنب في الحقيقة‪ ،‬كأنه قال‪ :‬نعوذ بك من سيئات أعمالنا وهو تعليم‬ ‫للعباد‪ ،‬وتحول العافية‪ :‬انتقالها‪ ،‬ول يكون إل بحصول ضدها وهو المرض‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬اللهمّ إنّي أَعوذُ بك‬ ‫ن رسو ُ‬ ‫عمْرو رضي ال عنهما قالَ‪ :‬كا َ‬ ‫ع نْ عبد ال بن َ‬ ‫وَ‬ ‫منْ غَلَبة الدين وغَلَبة العَدوّ وشماتة العداءِ" روا ُه النسائي وصحّحهُ الحاكم‪.‬‬ ‫غل بة الدَ ين‪ :‬ما يغلب المد ين قضاؤه‪ ،‬ول ينا في ال ستعاذة كو نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ا ستدان ومات ودر عه‬ ‫مرهونة في شيء من شعير‪ ،‬فإن الستعاذة من الغلبة بحيث ل يقدر على قضائه‪ ،‬ول ينافيه أن ال مع المدين‬ ‫حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره ال‪ ،‬وروي هذا عن عبد ال بن جعفر مرفوعا لنه يحمل على ما ل غلبة‬ ‫فيه‪ .‬فمن استدان دينا يعلم أنه ل يقدر على قضائه فقد فعل محرما‪ ،‬وفيه ورد حديث "من أخذ أموال الناس يريد‬ ‫أداءها أداها ال عنه ومن أخذها يريد إتلفها أتلفه ال" أخرجه البخاري‪ ،‬وقد تقدم‪ ،‬ولذا استعاذ صَلّى ال عََليْ هِ‬ ‫وَ سَلّم من المغرم و هو الد ين؛ ول ما سألته عائ شة عن و جه إكثاره من ال ستعاذة م نه قال‪" :‬إن الر جل إذا غرم‬ ‫حدّث فكذب ووعد فأخلف" فالمستدين يتعرض لهذا المر العظيم‪.‬‬ ‫وأ ما غل بة العدو أي بالبا طل لن العدو في الحقي قة إن ما يعادي في أ مر با طل إ ما ل مر دي ني أو ل مر دنيوي‬ ‫كغصب الظالم لحق غيره مع عدم القدرة على النتصاف منه‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫وأ ما شما ته العداء ف هي فرح العدو ب ضر نزل بعدوه‪ .‬قال ا بن بطال‪ :‬شما تة العداء ما ين كأ القلب وتبلغ به‬ ‫النفس أشد مبلغ‪ .‬وقد قال هرون لخيه عليهما السلم‪{ :‬ول تشمت بي العداء} ل تفرحهم بما تصيبني به‪.‬‬ ‫وعن بريد َة رضي ال ع ْن ُه قالَ‪ :‬سمع رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم رجلً يقولُ‪ :‬اللهمّ إني أَسأَلك بأَني أَشهدُ‬ ‫حدٌ فقال (ر سول ال صَلّى ال‬ ‫ن ل ُه كُفُوا َأ َ‬ ‫ت الحدُ ال صّم ُد الذي ل مْ يلد ول ْم يولد ول مْ يكُ ْ‬ ‫أَن كَ أَ نت ال ل إله إل أَن َ‬ ‫خرَج ُه الربعةُ و صحّحه اب نُ‬ ‫ل ال با سمه الذي إذا سئل به أع طى وإذا دُ عي به أَجاب" َأ ْ‬ ‫عََليْ ِه وَ سَلّم)‪" :‬لَ َقدْ سأَ َ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫الحسد‪ :‬صسفة كمال لن الحسد الحقيقسي مسا يكون منزه الذات عسن أنحاء التركيسب والتعدد ومسا يسستلزم أحدهمسا‬ ‫كالج سمية والتح يز والمشار كة في الحقي قة‪ ،‬ومت صفا بخوا صها كوجوب الوجود والقدرة الذات ية والحك مة الناشئة‬ ‫عن اللوهية‪.‬‬ ‫وال صمد‪ :‬ال سيد الذي ي صمد إل يه في الحوائج ويق صد‪ ،‬والمت صف به على الطلق هو الذي ي ستغني عن غيره‬ ‫مطلقا و كل ما عداه محتاج إل يه‪ ،‬ول يس ذلك ع نه إل ال تعالى‪ .‬وو صفه بأ نه لم يلد لم يجا نس ولم يفت قر إلى ما‬ ‫يعينه أو يخلف عنه لمتناع الحاجة والفناء عليه‪ ،‬وهو رد على من قال‪ :‬الملئكة بنات ال‪ ،‬ومن قال‪ :‬عزير ابن‬ ‫ال والمسيح ابن ال‪ ،‬وقوله‪" :‬لم يولد" أي لم يسبقه عدم‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫فإن قلت‪ :‬المعروف تقدّم كون المولود مولودا على كو نه والدا؛ فكان هذا يقت ضي أن يقال‪ :‬الذي لم يولد ولم يلد‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬القصد الصلي هنا نفي كونه تعالى ليس له ولد كما ادّعاه أهل الباطل ولم يدع أحد أنه تعالى مولود فالمقام‬ ‫مقام تقديم نفي ذلك‪ .‬فإن قلت‪ :‬فلم ذكر ولم يولد مع عدم من يدعيه؟ قلت‪ :‬تعميما لتفرد ال تعالى عن مشابهات‬ ‫المخلوقين وتحقيقا لكونه ليس كمثله شيء‪.‬‬ ‫والكفؤ‪ :‬المماثل أي لم يكن أحد يمثاله في شيء من صفات كماله وعلو ذاته‪ .‬وفي الحديث دليل على أنه ينبغي‬ ‫تحري هذه الكلمات ع ند الدعاء لخباره صلى ال تعالى عل يه وآله و سلم أ نه إذا سئل ب ها أع طى وإذا د عي ب ها‬ ‫أجاب‪ .‬والسؤال‪ :‬الطلب للحاجات‪ ،‬والدعاء أعم منه‪ ،‬فهو من عطف العام على الخاص‪.‬‬ ‫ن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم إذا أَصبحَ يقولُ‪" :‬اللهمّ بك أَصبحْنا‬ ‫ن أَبي هُريرة رضي ال عن هُ قال‪ :‬كا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫وبك أَمسينا وبك نحيا وبك نمو تُ وإليك النشورُ" وإذا أَمسى قالَ مثْلَ ذلك إل أنّ هُ قال‪" :‬وإليك المصيرُ" أَخرجه‬ ‫الربعةُ‪.‬‬ ‫الظرف متعلق بمقدّر أي بقوّتسك وقدرتسك وإيجادك أصسبحنا أي دخلنسا فسي الصسباح إذا أنست أوجدتنسا وأوجدت‬ ‫الصسباح‪ .‬ومثله أمسسينا‪ .‬والنشور مسن نشسر الميست إذا أحياه‪ ،‬وفيسه مناسسبة‪ :‬لن النوم أخسو الموت فاليقاظ منسه‬ ‫كالحياء ب عد الما تة‪ ،‬ك ما نا سب في الم ساء ذ كر الم صير ل نه ينام ف يه والنوم كالموت‪ .‬وف يه القرار بأن كل‬ ‫إنعام من ال تعالى‪.‬‬ ‫ن أَكثرُ دعا ِء رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ربّنا آتنا في الدنيا حَ سَنةً وفي‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬كا َ‬ ‫ن أَنس رضي ال َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫الخرة حسَنَ ًة وقنا عذاب النّار" ُمتّفقٌ عَلَيه‪.‬‬ ‫قال القاضي عياض‪ :‬إنما كان يدعو بهذه الية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والخرة‪ ،‬قال‪ :‬والحسنة‬ ‫عندهم ههنا النعمة‪ ،‬فسأل نعيم الدنيا والخرة‪ ،‬والوقاية من العذاب‪ ،‬نسأل ال أن يمن علينا بذلك‪ .‬وقد كثر كلم‬ ‫السلف في تفسير الحسنة‪.‬‬ ‫فقال ا بن كث ير‪ :‬الح سنة في الدن يا تش مل كل مطلوب دنيوي من عاف ية ودار رح بة‪ ،‬وزو جة ح سناء وولد بارّ‪،‬‬ ‫ورزق واسع‪ ،‬وعلم نافع‪ ،‬وعمل صالح‪ ،‬ومركب هني‪ ،‬وثياب جميلة‪ ،‬إلى غير ذلك مما شملته عبارتهم‪ ،‬فإنها‬ ‫مندرجة في حسنات الدنيا؛ فأما الحسنة في الخرة‪ :‬فأعلها دخول الجنة وتوابعه من المن‪ ،‬وأما الوقاية من‬ ‫النار‪ :‬ف هي تقت ضي تي سير أ سبابه في الدن يا من اجتناب المحارم وترك الشبهات أو الع فو محضا‪ .‬ومراده بقوله‬ ‫وتوابعه‪ :‬ما يلحق به في الذكر ل ما يتعقبه حقيقة‪.‬‬ ‫عنْ ُه قالَ‪ :‬كان ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم َيدْعُو‪" :‬اللهمّ اغ فر لي‬ ‫ع نْ أ بي مو سى الشعري ر ضي ال َ‬ ‫وَ‬ ‫عمْدي‪ ،‬وكلّ‬ ‫جدّي وهزْلي وخطئي َو َ‬ ‫جهْلي وإسرافي في أمري ومَا أَنت أَعْل ُم به مني‪ ،‬الّل ُهمّ اغْفرْ لي ِ‬ ‫خطيئتي و َ‬ ‫ت المُقدّمُ وأَنت‬ ‫خرْتُ وما أسرَرْتُ وما أعلنتُ وما أنت أَعْل ُم به مني‪َ ،‬أنْ َ‬ ‫ذلك عندي‪ ،‬الّل ُهمّ اغفر لي ما قدّمْتُ ومَا َأ ّ‬ ‫الم َؤخّرُ وأَنت على كل شيءٍ قديرٌ" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫الخطيئة الذنب‪ ،‬والجهل ضد العلم‪ .‬والسراف مجاوزة الحدّ في كل شيء‪ .‬وقوله‪" :‬في أمري" يحتمل تعلقه بكل‬ ‫ما تقدّم أو بقوله إسرافي فقط‪ .‬والجد بكسر الجيم ضدّ الهزل وقوله‪" :‬وخطئي وعمدي" من عطف الخاص على‬ ‫العام إذ الخطيئة تكون عسن هزل وعسن جدّ‪ ،‬وتكريسر ذلك لتعدّد النواع التسي تقسع مسن النسسان مسن المخالفات‬ ‫والعتراف ب ها وإظهار أن الن فس غ ير مبرأة من العيوب إل ما ر حم علم الغيوب‪ .‬وقوله‪" :‬و كل ذلك عندي"‬ ‫خبره محذوف أي موجود ومع نى "أ نت المقدم" أي تقدّم من تشاء من خل قك فيت صف ب صفات الكمالت ويتح قق‬ ‫بحقائق العبودية بتوفيقك‪" ،‬وأنت المؤخر" لمن تشاء من عبادك بخذلنك وتبعيدك له عن درجات الخير‪.‬‬ ‫قال المصنف‪ :‬وقع في حديث ابن عباس أنه صلى ال عليه وآله وسلم كان يقوله في صلة الليل‪ ،‬وتقدم بيانه‪،‬‬ ‫وو قع في حد يث علي عل يه ال سلم أ نه كان يقوله ب عد ال صلة‪ .‬واختل فت الروايات هل كان يقوله ب عد ال سلم أو‬ ‫قبله؟ ففي مسلم من حديث ابن عمر رضي ال عنه‪" :‬أنه كان يقول بين التشهد والسلم" وأورده ابن حبان في‬ ‫صحيحه بلفظ‪" :‬إذا فرغ من الصلة" وهو ظاهر في أنه بعد السلم ويحتمل أنه كان يقوله قبله وبعده‪.‬‬ ‫ح لي ديني الذي هو‬ ‫ن أَبي هُريرة رضي ال عنْهُ قالَ‪ :‬كان رسُولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم يَقُولُ‪" :‬الل ُهمّ أَصْل ْ‬ ‫وع ْ‬ ‫صمَ ُة َأمْري‪ ،‬وأصلح لي دُنياي التي فيها معاشي‪ ،‬وأصلح لي آخرتي التي إليْها َمعَادي‪ ،‬واجْعل الحياةَ زيادةً لي‬ ‫ع ْ‬ ‫ل شرَ" أَخرج ُه ُمسْلمٌ‪.‬‬ ‫ت راح ًة لي منْ ك ّ‬ ‫خيْر‪ ،‬واجْعل المو َ‬ ‫في كلّ َ‬ ‫تضمن الدعاء بخير الدارين‪ ،‬وليس فيه دللة على جواز الدعاء بالموت‪ ،‬بل إنما دل على سؤال أن يجعل الموت‬ ‫في قضائه عليه ونزوله به راحة من شرور الدنيا ومن شرور القبر لعموم كل شر‪ ،‬أي من كل شر قبله وبعده‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫ن أَنس رضي الّلهُ عن ُه قالَ‪ :‬كانَ رسولُ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَسَلّم يقولُ‪" :‬الل ُهمّ انفعني بما عَّلمْتني وعلمْني ما‬ ‫عْ‬ ‫وَ‬ ‫ينْفعني وارزقني علْما َينْ َفعُني" روا ُه النسائيّ والحاكمُ‪.‬‬ ‫ل في آخره‪" :‬وزدني علما‪ ،‬الحمد ل على كُلّ حال‪ ،‬وأَعوذُ بال م نْ‬ ‫ن حد يث أَبي هريرة نح ُو هُ‪ ،‬وقا َ‬ ‫وللترمذيّ م ْ‬ ‫حسَنٌ‪.‬‬ ‫حال أهْل النّار" وإسنادهُ َ‬ ‫فيه أنه ل يطلب من العلم إل النافع‪ ،‬والنافع‪ :‬ما يتعلق بأمر الدين والدنيا في ما يعود فيها على نفع الدين وإل‬ ‫فما عدا هذا العلم فإنه ممن قال ال فيه‪{ :‬ويتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم} أي في أمر الدين فإنه نفي النفع عن‬ ‫علم السحر لعدم نفعه في الخرة بل لنه ضارّ فيها‪ ،‬وقد ينفعهم في الدنيا لكنه لم يعده نفعا‪.‬‬ ‫ع نْ عائش َة رضي الّل هُ عنها أَنّ النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم عَلّمها هذا الدعاءَ‪" :‬اللهمّ إني أَسأَلكَ من الخير كلّه‬ ‫وَ‬ ‫ت من هُ وما لم أَعل مْ‪ ،‬اللهمّ‬ ‫ت من هُ وما لم أَعل مْ‪ ،‬وأعوذُ ب كَ من الشرّ كُلّه عاجله وآجله ما عَلمْ ُ‬ ‫عاجله وآجله ما علم ُ‬ ‫ع ْبدُ كَ ونب ّيكَ‪ ،‬الل ُهمّ إني أَسأَلكَ الجّنةَ‬ ‫ن شرّ ما عاذَ به َ‬ ‫كم ْ‬ ‫عبْد كَ ونب ّيكَ‪ ،‬وأَعوذُ ب َ‬ ‫ن خير ما سأَلكَ َ‬ ‫سأَلكَ م ْ‬ ‫إني أَ ْ‬ ‫سأَلكَ َأ نْ تجْعلَ كُلّ‬ ‫ن قول أَو عمل‪ ،‬وأَ ْ‬ ‫ن قَوْل أَو عمل‪ ،‬وأَعوذُ بك من النّار وما قرّ بَ إليها م ْ‬ ‫وما قرّ بَ إليها م ْ‬ ‫ن حبّان والحاكمُ‪.‬‬ ‫ن ماجَهْ وصّحح ُه اب ُ‬ ‫قضاءٍ قضيتَ ُه لي خيْرا" أَخ َرجَ ُه اب ُ‬ ‫الحديث تضمن الدعاء بخيري الدنيا والخرة‪ ،‬والستعاذة من شرهما وسؤال الجنة وأعمالها‪ ،‬وسؤال أن يجعل‬ ‫ال كل قضاء خيرا‪ ،‬وكأن المراد سؤال اعتقاد العبد أن كل ما أصابه خ ير‪ ،‬وإل فإن كل قضاء قضى به خير‬ ‫وإن رآه العبد شرا في الصورة‪ .‬وفيه أنه ينبغي للعبد تعليم أهله أحسن الدعية لن كل خير ينالونه فهو له‪ ،‬وكل‬ ‫شر يصيبهم فهو مضرة عليه‪.‬‬ ‫شيْخان عن أَبي هُريرة رضي ال عنْ ُه قالَ‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬كلمتان حبيبتان إلى‬ ‫وأَخر جَ ال ّ‬ ‫سبْحان ال العظيم"‪.‬‬ ‫الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان‪ :‬سُبحان ال وبحمده ُ‬ ‫هذا آخر حديث ختم به البخاري صحيحه‪ ،‬وتبعه جماعة من الئمة في ختم تصانيفهم في الحديث‪ ،‬والمراد من‬ ‫الكلمت ين‪ :‬الكلم ن حو كل مة الشهادة‪ ،‬و هو خبر مقدّم‪ ،‬وقوله‪ " :‬سبحان ال‪ ...‬إلخ" مبتدأ مؤ خر و صح البتداء به‬ ‫وإن كان جملة لنسه فسي معنسى هذا اللفسظ‪ ،‬وإنمسا قدم الخسبر تشويقا للسسامع إلى مبتدأ سسيما بعسد مسا ذكسر مسن‬ ‫الو صاف‪ ،‬والحبي بة بمع نى المحبو بة أي محبوبتان له تعالى‪ ،‬والخفي فة فعيلة بمع نى فاعلة‪ ،‬والثقيلة فعيلة بمع نى‬ ‫فاعلة أيضا‪.‬‬ ‫قال الطيبي‪ :‬الخفة مستعارة للسهولة‪ ،‬شبه سهولة جريانها على اللسان بما خف على الحامل من بعض المتعة‬ ‫فل يتعبه كالشيء الثقيل‪ ،‬وفيه إشارة إلى أن سائر التكاليف شاقة على النفس وهذه سهلة عليها مع أنها تثقل في‬ ‫الميزان كثقل الشاق من العمال‪ ،‬وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال‪ :‬لن الحسنة‬ ‫حضرت مرارتها وغابت حلوتها فثقلت فل يحملك ثقلها على تركها‪ ،‬والسيئة حضرت حلوتها وغابت مرارتها‬ ‫فلذلك خفت‪ ،‬فل تحملنك خفتها على ارتكابها‪.‬‬ ‫والحد يث من الدلة على ثبوت الميزان ك ما دل عل يه القرآن‪ .‬واختلف العلماء في الموزون فق يل‪ :‬ال صحف لن‬ ‫العمال أعراض فل توصف بثقل ول خفة‪ ،‬ولحديث السجلت والبطاقة‪.‬‬ ‫وذ هب أ هل الحد يث والمحققون إلى أن الموزون ن فس العمال‪ ،‬وأن ها تج سد في الخرة‪ ،‬ويدل له حد يث جابر‬ ‫مرفوعا "توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن ثقلت حسناته على سيئاته مثقال حبة دخل‬ ‫الج نة‪ ،‬و من ثقلت سيئاته على ح سناته مثقال ح بة د خل النار ق يل له‪ :‬ف من ا ستوت ح سناته و سيئاته؟ قال‪ :‬أولئك‬ ‫أصحاب العراف" أخرجه خيثمة في فوائده‪ ،‬وعند ابن المبارك في الزهد عن ابن مسعود نحوه مرفوعا‪.‬‬ ‫والحاديث ظاهرة في أن أعمال بني آدم توزن أنه عام لجميعهم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنه يخص المؤمن الذي ل سيئة‬ ‫له وله ح سنات كثيرة زائدة على م حض اليمان فيد خل الج نة بغ ير ح ساب ك ما جاء في حد يث ال سبعين ألفا‪.‬‬ ‫وي خص م نه الكا فر الذي ل ح سنة له ول ذ نب له غ ير الك فر فإ نه ي قع في النار بغ ير ح ساب ول ميزان‪ .‬ن قل‬ ‫القر طبي عن ب عض العلماء أ نه قال‪ :‬الكا فر مطلقا ل ثواب له ول تو ضع ح سنته في الميزان لقوله تعالى‪{ :‬فل‬ ‫نقيم لهم يوم القيامة وزنا} ولحديث أبي هريرة في الصحيح "الكافر ل يزن عند ال جناح بعوضة" وأجيب بأن‬ ‫هذا مجاز عن حقارة قدره ويلزم منه عدم الوزن‪.‬‬ ‫والصحيح أن الكافر توزن أعماله إل أنه على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن كفره يوضع في كفة ول يجد حسنة يضعها‬ ‫في الخرى لبطلن الحسنات مع الكفر فتطيش التي ل شيء فيها‪ .‬قال القرطبي‪ :‬وهذا ظاهر قوله تعالى‪{ :‬ومن‬ ‫خفّت موازي نه فأولئك الذ ين خ سروا أنف سهم} فإ نه و صف الميزان بالخ فة‪ ،‬والثا ني‪ :‬أ نه قد ي قع م نه الع تق والبر‬ ‫والصلة وسائر أنواع الخير المالية لو فعلها المسلم لكانت له حسنات فمن كانت له جمعت ووضعت في الميزان‬ ‫‪54‬‬

‫غ ير أن الك فر إذا قابل ها ر جح ب ها‪ .‬ويحت مل أن هذه العمال تزن ما ي قع م نه من العمال ال سيئة‪ ،‬كظلم غيره‬ ‫وأخذ ماله وقطع الطريق‪ ،‬فإن ساوتها عذب بالكفر‪ ،‬وإن زادت عذب بما كان زائدا على الكفر منه‪ ،‬وإن زادت‬ ‫أعمال الخيسر معسه طاح عقاب سسائر المعاصسي وبقسي عقاب الكفسر‪ ،‬كمسا جاء فسي حديسث أبسي طالب أنسه فسي‬ ‫ضحضاح من نار‪.‬‬ ‫اللهم ثقل موازين حسناتنا إذا وزنت‪ .‬وخفف موازين سيئاتنا إذا في كفة الميزان وضعت‪ .‬واجعل سجلت ذنوبنا‬ ‫عند بطاقة توحيدنا طائشة من كفة الميزان‪ .‬ووفقنا بجعل كلمة التوحيد عند الممات آخر ما ينطق به اللسان‪.‬‬ ‫خاتمة المؤلف‬ ‫قد انت هى بح مد ولي النعام‪ ،‬ما ق صدناه من شرح بلوغ المرام ( سبل ال سلم) ن سأل ال أن يجعله من موجبات‬ ‫دخول دار السلم‪ ،‬وأن يتجاوز عما ارتكبناه من الخطايا والثام‪ ،‬وأن يجعل في كفات الحسنات ما جرت به فيه‬ ‫وفي غيره القلم‪ ،‬وأن ينفع به النام‪ ،‬إنه ذو الجلل والكرام‪ .‬والمولي لعباده من إفضاله كل مرام‪.‬‬ ‫والح مد ل حمدا ل يف نى ما بق يت الليالي واليام‪ .‬ول يزول إن زال دوران الشهور والعوام‪ .‬وال صلة وال سلم‬ ‫على رسوله الكاشف بأنوار الوحي كل ظلم‪ ،‬وعلى آله العلماء العلم‪ ،‬وأصحابه الكرام‪.‬‬ ‫وحسبنا ال ونعم الوكيل‪ ،‬ول حول ول قوّة إل بال العلي العظيم‪.‬‬ ‫و قد وا فق الفراغ م نه صباح الربعاء ليلة ال سابع والعشر ين من ش هر رب يع ال خر سنة ‪ 1164‬من هجرة سيد‬ ‫النام‪ ،‬عليه أفضل الصلة وأتم السلم‪.‬‬ ‫ختمها ال تعالى بخير وما بعدها من العوام‬ ‫نهاية الكتاب‬

‫‪55‬‬

Related Documents

Akhlaq
November 2019 48
Akhlaq Project1
April 2020 30
Akhlaq Rasulullah
May 2020 29
Husne Akhlaq
December 2019 39
Akhlaq Tasawuf.docx
November 2019 16