9
ومضات عن التراث الشعبي املقدسي الفلسطيني بقلم :جميل السلحوت م��ن الصعب احل��دي��ث ع��ن ال��ت��راث الشعبي املقدسي دون احل���دي���ث ع���ن ال���ت���راث ال��ف��ل��س��ط��ي��ن��ي ب��ش��ك��ل ع���ام، وحتى ال��ت��راث العربي ،فالقدس ليست ع��روس للمدن الفلسطينية فحسب ،ب��ل ه��ي ع��روس م��دن ب�لاد الشام قاطبة .فهي مركز استقطاب حضاري تعددي ،تعاقبت عليها حضارات عدة ،وإن طغى عليها التراث العربي منذ أن بناها اليبوسيون العرب قبل امليالد بثالثة آالف عام. وترسخت احل��ض��ارة العربية ف��ي املدينة املقدسة منذ الفتح االسالمي وحتى أيامنا هذه ،ومع كثرة االحتالالت وال���غ���زوات ال��ت��ي تعرضت لها امل��دي��ن��ة ،إالّ أن التواجد الفلسطيني ال��ع��رب��ي ل��م ينقطع عنها ي��وم��ا ً واح����دا ً مع كثرة املذابح التي تعرض لها املقدسيون الفلسطينيون، وأشهرها املذبحة التي ارتكبها الفرجنة عند احتاللهم للمدينة في العام 1099م. وأب���رز امل��ع��ال��م ال��ت��راث��ي��ة ف��ي ال��ق��دس ه��ي دور العبادة فيها ،التي متثل روائع هندسية جمالية اضافة الى مكانتها الروحية .وأبرز دور العبادة هذه هو املسجد األقصى وقبة الصخرة املشرفة ومسجد عمر ،وعشرات املساجد والزوايا والتكايا التاريخية األخرى ،وكذلك كنيسة القيامة وكنيسة العذراء وكنيسة اجلثمانية وعشرات الكنائس واألدي��رة األخرى. وي��ج��ب أن ال ي��غ��ي��ب ع���ن ال���ب���ال أن امل��دي��ن��ة ال��ق��دمي��ة ال��راب��ض��ة داخ����ل س���ور امل��دي��ن��ة ال��ت��اري��خ��ي ت��ش��ك��ل إرث���ا ً حضاريا ً لالنسانية جمعاء ،فهذه املدينة بشكلها احلالي بناها املماليك في القرن الثالث عشر امليالدي ،وسورها التاريخي بناه اخلليفة العثماني سليمان القانوني في بدايات القرن السادس عشر امليالدي ،وطبيعة "احلوش" املقدسي وما يحويه من غرف ومساطب وباحات وساحات بح ّد ذات��ه حتفة معمارية ن���ادرة ،كما أن أس��واق القدس وأزقتها وأقواسها وقبابها ومآذنها تأسر القلوب وعقول السائحني .ومع أن القدس القدمية من امل��دن احملمية من منظمة األمم املتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) إالّ أن ذلك لم يحمها من احملتلني االسرائيليني الذين هدموا حارة املغاربة احملاذية للحائط الغربي للمسجد األقصى وح��ارة الشرف وح��ارة النمامرة ،فور احتاللهم للمدينة ف��ي ح���رب ح��زي��ران 1967وش����ردوا م��واط��ن��ي��ه��ا ،وب��ن��وا مكانها أبنية حديثة للمستوطنني اليهود ،شوهت املنظر التاريخي واحل��ض��اري للمدينة ،ع��دا ع��ن جرفها ملئات األبنية واملساجد واملدارس التاريخية ،ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بحفريات أثرية حتت املدينة مزقت أحشاءها في محاوالت بائسة للبحث عن آثار يهودية وعن بقايا للهيكل املزعوم. والقدس التي اشتهرت في صناعة الصدف واألخشاب والبالط واملزايكو ،اندثرت فيها هذه الصناعات ،وما الذي نراه في محالت التحف والهدايا واملعروض للسائحني إالّ من صناعات بيت حلم وبيت ساحور.
التراث القولي – األدب الشعبي
يجدر هنا التذكير بأن تراث املدينة الفلسطينية بشكل ع��ام وت��راث القدس املديني بشكل خ��اص لم َ يلق االهتمام ال�لازم ،فلم يتم جمعه كما لم يتم تدوينه ألسباب كثيرة لسنا في مجال طرحها في هذه العجالة ،وإن كان التذكير مبثابة دعوة الى املؤسسات املقدسية الى ضرورة التعجيل في القيام بهذه املهمة ،ألن هذا التراث مهدد باالندثار نتيجة تطور احلياة وألسباب أخرى. في حني أن هذا التراث لقي بعض االهتمام في بعض ق��رى ال��ق��دس ،فعلى سبيل امل��ث��ال ق��ام جميل السلحوت – كاتب ه��ذه السطور – م��ع الدكتور محمد ش��ح��ادة بجمع األغنية الشعبية في السواحرة – جبل املكبر – ونشراها ع��ام 1982ف��ي كتاب بعنوان (ص��ور م��ن األدب الشعبي الفلسطيني) ،كما صدر كتاب جلميل السلحوت عن القضاء ال��ع��ش��ائ��ري ،وك��ت��اب ع��ن ال���ص���راع ال��ط��ب��ق��ي ف��ي احل��ك��اي��ة الفلسطينية ،وكتاب عن (بعض القضايا االجتماعية في احلكاية الفلسطينية) .وص��در كتاب حملمد فهد األع��رج عن القضاء العشائري أيضا ً كما ص��درت كتب عن قرى: أبو ديس ،بيت حنينا ،قطنة ،وبيت صفافا .وهذه اجلهود الفردية غير كافية أيضاً ،وهي بحاجة الى تطوير والى مؤسسات تدعمها.
األعراس
ي�لاح��ظ طغيان اق��ام��ة األف����راح وح��ف�لات األع����راس في القاعات العامة ،وقاعات الفنادق ،واستعمال أغاني الراديو وبعض األغاني األجنبية للرقص على أنغامها بدل األغاني والدبكات الشعبية ،وه��ذه القضية ليست مقتصرة على القدس فقط بل تتعداها الى كافة املدن والقرى واملخيمات الفلسطينية.
الفرق الشعبية
ت��ل��ج��أ ب��ع��ض األن���دي���ة واجل��م��ع��ي��ات ال���ى تشكيل ف��رق للغناء والدبكة وال��رق��ص الشعبية للمشاركة في بعض املناسبات واالح��ت��ف��االت اجلماهيرية .وم��ن ه��ذه األن��دي��ة: نادي جبل الزيتون ،نادي سلوان ،نادي جبل املكبر ،نادي شعفاط ..الخ .وتشكيل الفرق الشعبية أيضا ً ليس حكرا ً على م��ؤس��س��ات ال��ق��دس ب��ل ه��و م��وج��ود ف��ي بقية املناطق الفلسطينية .ول��ع��ل ج��ه��ود جمعية ان��ع��اش األس����رة في البيرة متعددة اجلوانب تتقدم على كافة املؤسسات بشكل واضح.
اللغة العربية
نظرا ً لعزل القدس عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي ،وسياسة التهويد املسعورة التي تستهدفها ،فقد انعكس ذلك ثقافيا ً ولغويا ً على مواطنيها ،خصوصا ً جيل الشباب منهم .فقد أصبح شائعا ً أن تسمع في السيارات التي يقودها الشباب أغاني عبرية صاخبة ،كما أن استبدال بعض الكلمات العربية بعبرية شائع أي��ض��ا ً مثل كلمة:
محسوم ب��دل ح��اج��ز ،ومثل ك��وب��ات حوليم ب��دل صندوق املرضى ..الخ.
متحف دار الطفل العربي
وف��ي م��ح��اول��ة م��ن دار الطفل ال��ع��رب��ي الن��ق��اذ م��ا ميكن انقاذه من تراث القدس ،جلأت املؤسسة الى تأسيس متحف متواضع يحوي بعض امل��وج��ودات التراثية من صناعات وأدوات صناعية وزراعية ،وأثواب مطرزة.
مركز التراث
وهذا املركز يتبع جامعة القدس ،وهو موجود في منطقة ال��واد في القدس القدمية ،ويعنى ببعض الدراسات حول القدس ،كما أن فيه فرعا للدفاع عن احلقوق املقدسية.
املتحف االسالمي
وه��و متحف ف��ي رواق املسجد األق��ص��ى ،وف��ي��ه بعض املوجودات القدمية جدا ً ،كما أنه يحوي قسما ً لترميم اآلثار القدمية.
مكتبة األقصى
وهي مكتبة موجودة في مقرين أحدهما حتت املسجد األقصى والثانية في رواق��ه وحت��وي��ان مئات آالف الكتب القدمية واحلديثة.
مركز التراث والبحوث االسالمية
وه��و موجود في أب��و دي��س ،وق��د ص��درت عنه عشرات الدراسات القيمة حول املدينة املقدسة.
محملة بالعلم الفلسطيني في سماء القدس. ألف بالون ّ
الزي الشعبي ّ
يالحظ في ش��وارع القدس ،وحتى في جامعة القدس ��زي الشعبي الفلسطيني املطرز بعض الشابات يرتدين ال ّ ويغطني رؤوس��ه��ن بالكوفية الفلسطينية .كما أن بعض الشباب أي��ض��ا ً يضعون الكوفية على رق��اب��ه��م ،وه���ذا أمر طبيعي ك��رد فعل إلثبات الهوية الفلسطينية امل��ه��ددة في القدس.