أيسر التفاسير 003

  • Uploaded by: Mrw
  • 0
  • 0
  • November 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View أيسر التفاسير 003 as PDF for free.

More details

  • Words: 141,635
  • Pages: 412
‫الكتاب ‪ :‬أيسر التفاسير لكلم العلي الكبير‬ ‫نسخة موافقة للمطبوع‬ ‫المؤلف ‪ :‬جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري‬ ‫الناشر ‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬ ‫الطبعة ‪ :‬الخامسة‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‬ ‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬ ‫‪http://www.raqamiya.org‬‬ ‫[ الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬ومعه حاشيته المسماة نهر الخير على أيسر‬ ‫التفاسير ]‬ ‫تعالى وهو أن كل حادث يحدث في هذا العالم قد سبق به علم ال وتقديره له فحدد ذاته وصفاته‬ ‫وأعماله ومآله إلى جنة أو إلى نار‪ ،‬إن كان إنسانا أو جانا وليس هناك شيء يحدث بدون تقرير‬ ‫سابق له وعلم تام به قبل حدوثه‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َأمْرُنَا إِلّا وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ}‪ 1‬يخبر تعالى‬ ‫عن قدرته كما أخبر عن علمه بأنه تعالى إذا أراد إيجاد شيء في الوجود لم يزد على أمرٍ واحد‬ ‫وهو كن فإذا بالمطلوب يكون كما أراد تعال أزلً أن يكون‪ ،‬وبسرعة كسرعة لمح البصر الذي‬ ‫عكُمْ} أي أمثالكم في‬ ‫هو نظرة سريعة‪ .‬وقوله تعالى وهو يخاطب مشركي قريش {وََلقَدْ َأهَْلكْنَا أَشْيَا َ‬ ‫الكفر والعصيان أي من المم السابقة { َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ} أي متذكر متعظ معتبر قبل فوات الوقت‬ ‫شيْءٍ َفعَلُوهُ} أي أولئك‬ ‫وحصول المكروه من العذاب في الدنيا وفي الخرة‪ .‬وقوله تعالى { َو ُكلّ َ‬ ‫المشركون { فِي الزّبُرِ} أي في كتب الحفظة من الملئكة الكرام الكاتبين‪ ،‬وكل صغير وكبير من‬ ‫أعمالهم وأعمال غيرهم بل كل حادث ٍة في الكوان هي مسطرة في اللوح المحفوظ كتاب المقادير‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ‪ 2‬وَ َنهَر} هذا الخبار يقابل الخبار الول أن المجرمين في‬ ‫ضلل وسعر فالول إعلم وتحذير وترهيب وهذا إخبار وبشرا وترغيب حيث أخبر أن المتقين‬ ‫الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يفسقوا عن أمره إنهم في جنات بساتين ذات قصور وحور‪،‬‬ ‫وأنهار وأشجار هم جالسون في مقعد صدق ‪ 3‬في مجلس حق ل لغو يسمع فيه ول تأثيم يلحق‬ ‫جالسه عند ‪ 4‬مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على ما فعل كل ما يريده سبحانه ل إله إل هو ول‬ ‫رب سواه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬إل واحدة) أي‪ :‬مرة واحدة (كلمح البصر) أي‪ :‬قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر‪،‬‬ ‫واللمح‪ ،‬النظر بعجلة‪ ،‬يقال لمحه وألمحه‪ :‬إذا أبصره بنظر خفيف‪.‬‬

‫‪ 2‬قرأ في غير السبع ونهر بضم النون والهاء جمع نهار أي ل ليل لهم كسحاب وسحب قال‬ ‫الفراء‪ :‬أنشدني بعض العرب‪:‬‬ ‫إن تلك ليلً فإني نهر‬ ‫متى أرى الصبح فل أنتظر‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫لول الثريدان هلكنا بالضحى‬ ‫ثريد ليل وثريد بالنهر‬ ‫‪( 3‬مقعد صدق) قال القرطبي‪ :‬أي‪ :‬مجلس حق ل لغو فيه ول تأثيم وهو الجنة‪ ،‬والعندية هنا‬ ‫عندية القربى والزلفى والمكانة والرتبة العالية والمنزلة الشريفة في جوار أرحم الراحمين ورب‬ ‫العالمين‪.‬‬ ‫‪( 4‬مليك) أبلغ من ملك وهو بمعنى‪ :‬مالك‪ ،‬و(مقتدر) أبلغ من قادر‪ ،‬والتنكير في مليك‪ ،‬ومقتدر‪:‬‬ ‫للتعظيم‪.‬‬ ‫م ‪ 8‬أيسر التفاسير (المجلد الخامس‬

‫( ‪)5/221‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مصير المجرمين وضمنه تخويف وتحذير من الجرام الموبق للنسان‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن أعمال العباد مدونة في كتب الكرام الكاتبين ل يترك منها شيء‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن كل صغيرة وكبيرة من أحداث الكون هي في كتاب المقادير اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان مصير المتقين مع الترغيب في التقوى إذ هي ملك المر وجماع الخير‪.‬‬ ‫‪ -6‬ذكر الجوار الكريم وهو مجاورة ال رب العالمين في الملكوت العلى في دار السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/222‬‬ ‫سورة الرحمن‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الرحمن ‪1‬‬ ‫مكية‬

‫وآياتها ثمان وسبعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حسْبَانٍ( ‪)5‬‬ ‫س وَا ْل َقمَرُ بِ ُ‬ ‫شمْ ُ‬ ‫حمَنُ (‪ )1‬عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ (‪ )2‬خَلَقَ الْإنْسَانَ (‪ )3‬عَّلمَهُ الْبَيَانَ (‪ )4‬ال ّ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫ط َغوْا فِي ا ْلمِيزَانِ (‪)8‬‬ ‫سمَاءَ َر َف َعهَا وَ َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ (‪ )7‬أَلّا َت ْ‬ ‫جدَان (‪ )6‬وَال ّ‬ ‫وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ َيسْ ُ‬ ‫خلُ‬ ‫ض َعهَا لِلْأَنَامِ (‪ )10‬فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وَالنّ ْ‬ ‫ط وَل ُتخْسِرُوا ا ْلمِيزَانَ (‪ )9‬وَالْأَ ْرضَ وَ َ‬ ‫سِ‬ ‫وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِ ْ‬ ‫صفِ وَالرّ ْيحَانُ (‪ )12‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)13‬‬ ‫حبّ ذُو ا ْل َع ْ‬ ‫ذَاتُ الَْأ ْكمَامِ (‪ )11‬وَا ْل َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى البيهقي في شعب اليمان عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم قال‪ ":‬لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن" وذكره صاحب التقان كذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/222‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الرحمن ‪:‬اسم من أسماء ال تعالى‪.‬‬ ‫علم القرآن ‪:‬أي علم من شاء من عباده القرآن‪.‬‬ ‫خلق النسان ‪:‬آدم كما خلق ذريته أيضا‪.‬‬ ‫علمه البيان ‪:‬أي علم آدم البيان الذي هو النطق والعراب عما في النفس بلغة من اللغات كل هذا‬ ‫تعليم ال عز وجل ولو ل ال ما نطق إنسان‪.‬‬ ‫الشمس والقمر بحسبان ‪:‬أي يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما‪.‬‬ ‫والنجم والشجر يسجدان ‪:‬النجم مال ساق له من النبات‪ ،‬والشجر ماله ساق يسجدان يخضعان ل‬ ‫تعالى بما يريد منهما في طواعية كالسجود من المكلفين‪.‬‬ ‫والسماء رفعها ‪:‬أي فوق الرض وأعلها‪.‬‬ ‫ووضع الميزان ‪:‬أي أثبت العدل بين العباد أمر به وألهم صنع آلته‪.‬‬ ‫أل تطغوا في الميزان ‪:‬أي لجل أن ل تجوروا في الميزان وهو ما يوزن به من آلت‪.‬‬ ‫وأقيموا الوزن بالقسط ‪:‬أي بالعدل‪.‬‬ ‫ول تخسروا الميزان ‪:‬أي ل تنقصوا الموزون الذي تزنونه بل وفوه‪.‬‬ ‫والرض وضعها للنام ‪:‬أي أثبتها وخفضها كما رفع السماء وأعلها للنام لحياة النام عليها وهم‬ ‫النس والجن والحيوان وكل ذي روح‪.‬‬ ‫فيها فاكهة والنخل ذات الكمام ‪:‬أي في الرض فاكهة وهي كل ما يتفكه به النسان من أنواع‬ ‫الفواكه الكثيرة‪ ،‬والنخل ذات الكمام وهي أوعية طلعها‪.‬‬ ‫والحب ذو العصف ‪:‬أي وفي الرض الحب من ب ٍر وشعير وعصفه تبنه‪.‬‬

‫والريحان ‪ :‬نبت معروف‪ ،‬والمراد به أنواع الرياحين المشمومة ذات الريح الطيب‪.‬‬ ‫فبأي آلء ربكما تكذبان ‪:‬أي فبأي نعم ربكما يا معشر الجن والنس تكذبان وهي كثيرة ل تعد ول‬ ‫تحصى‪ .‬والجواب ل بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد‪.‬‬

‫( ‪)5/223‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حمَنُ‪ 1‬عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ‪ }2‬يخبر تعالى أنه هو الرحمن الذي علم نبي محمد صلى ال‬ ‫قوله تعالى {الرّ ْ‬ ‫عليه وسلم القرآن ل كما يقول المبطلون إنما يعلمه بشر‪ .‬الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء‬ ‫وهي متجلية ظاهرة فيما يعدد من آلء ونعم‪ .‬منها خلقه النسان آدم وذريته‪ ،‬وتعليمهم البيان وهو‬ ‫حسْبَانٍ}‪ 3‬يجريان لفادة الناس في معرفة أوقات‬ ‫س وَا ْل َقمَرُ بِ ُ‬ ‫شمْ ُ‬ ‫النطق والبانة عما في نفوسهم‪{ .‬ال ّ‬ ‫سجُدَانِ} والنجم غذاء بهائمكم‬ ‫عباداتهم‪ ،‬وآجال ديونهم وهي مظاهر الرحمة‪{ ،‬وَالنّجْ ُم وَالشّجَرُ يَ ْ‬ ‫سجُدَانِ} خضوعا ل بما أراد منهما ل يعصيان كما يعصي‬ ‫والشجر فيه فاكهتكم وبعض غذائكم {يَ ْ‬ ‫الثقلن‪ .‬والسماء رفعها عن الرض ولم يلصقها بالرض إنعاما منه على الثقلين في رفعها‬ ‫وتزينها بكواكبها وشمسها وقمرها‪َ { ،‬و َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ‪ }4‬أي العدل حيث أمر به وآلهم وضع آلته‬ ‫وغرز في النفوس حبه والرغبة فيه‪ ،‬من أجل أل تجوروا في الميزان‪{ ،‬وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِسْطِ}‬ ‫بالعدل‪{ ،‬وَل تُخْسِرُوا ا ْلمِيزَانَ} أي ل تنقصوه إذا وزنتم بل وفوه كل هذا إنعام وألوان من رحمات‬ ‫الرحمن‪ .‬والرض وضعها للنام أي أثبتها وخفضها ودحاها لحياة النام‪ .‬وهم النس والجان‬ ‫خلُ ذَاتُ الَْأ ْكمَامِ} أي أوعية الطلع‪ ،‬والحب البر والشعير ذو العصف ‪5‬‬ ‫والحيوان‪{ ،‬فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وَالنّ ْ‬ ‫أي التبن والريحان هذه أنواع الطعام للنسان والحيوان طعام وفاكهة وريحان كل هذه مظاهر‬ ‫الرحمة التي أفاضها الرحمن‪.‬‬ ‫{فَبَِأيّ آلءِ ‪6‬رَ ّب ُكمَا} يا معشر الجن والنس { ُتكَذّبَانِ}‪ .‬ل بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الرحمن مثل اسم ال ل يصح أن يطلق على غير الرب تبارك وتعالى‪ ،‬فيقال فلن عزيز أو‬ ‫رحيم أو عليم أو حكيم‪ ،‬ولكن ل يقال رحمان‪ ،‬كما ل يقال إله أو الله أو ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختير اسم الرحمن دون سائر السماء اللهية لمور منها‪ :‬أنه السم الذي كان المشركون‬ ‫ينكرونه‪ ،‬ومنها الرد على الزاعمين أن الرسول صلى ال عليه وسلم يعلمه بشر فأخبر تعالى أن‬ ‫الرحمن هو الذي علم القرآن‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يكون في هذا الخبر براعة استهلل إذ السورة تعدد‬ ‫عشرات النعم‪ ،‬ومصدره الرحمن عز وجل‪.‬‬

‫‪( 2‬علم القرآن) هذا الخبر عن الرحمن‪ ،‬و (خلق النسان) خبر ثان و (علمه البيان) خبر ثالث‪ ،‬و‬ ‫(الشمس والقمر بحسبان ) خبر رابع‪ ،‬والرابط تقديره بحسبانه‪ ،‬فالضمير عائد على الرحمن‬ ‫سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحسبان‪ :‬مصدر حسب بمعنى‪ :‬عد كالغفران‪ :‬مصدر غفر والباء للملبسة‪.‬‬ ‫‪ 4‬أصل الميزان‪ :‬اسم آلة الوزن‪ ،‬والوزن‪ :‬تقدير تعادل الشياء‪ ،‬وضبط مقادير ثقلها‪ ،‬و(وضع)‬ ‫بمعنى‪ :‬جعل ومنه الحديث‪ " :‬فضعها حيث أراك ال" أي‪ :‬اجعلها‪.‬‬ ‫‪ 5‬سمي التبن عصفا‪ :‬لن الريح تعصف به لخفته‪.‬‬ ‫‪ 6‬الفاء للتفريع على ما تقدم من ضروب النعم العظيمة‪.‬‬

‫( ‪)5/224‬‬ ‫‪ -2‬ورد في الصحيح في فضل تعلم القرآن وقوله صلى ال عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن‬ ‫وعلمه‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب إقامة العدل والتواصي به‪ ،‬ومراقبة الموازين لدى التجار وإصلح فاسدها‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب شكر ال على آلئه‪.‬‬ ‫‪ -5‬استحباب قول ل بشيء من آلئك ربنا نكذب فلك الحمد عند سماع قراءة فبأي آلء ربكما‬ ‫تكذبان‪.‬‬ ‫‪ -6‬مشروعية تعلم علم الفلك لمعرفة القبلة ومواقيت الصلة والصيام والحج‪.‬‬ ‫خلَقَ ا ْلجَانّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (‪ )15‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬ ‫خََلقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَ ْلصَالٍ كَا ْلفَخّارِ (‪ )14‬وَ َ‬ ‫ُتكَذّبَانِ (‪َ )16‬ربّ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ وَرَبّ ا ْل َمغْرِبَيْنِ (‪ )17‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )18‬مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ‬ ‫يَلْ َتقِيَانِ (‪ )19‬بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخٌ ل يَ ْبغِيَانِ (‪ )20‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )21‬يخْرُجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْلؤُ‬ ‫جوَارِ ا ْلمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلم (‪)24‬‬ ‫وَا ْلمَرْجَانُ‪ )22( 1‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )23‬وَلَهُ ا ْل َ‬ ‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)25‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫خلق النسان من صلصال ‪:‬أي خلق آدم من طين يابس يسمع له صلصلة كالفخار وهو ما طبخ‬ ‫من الطين‪.‬‬ ‫كالفخار‬ ‫وخلق الجان من مارج من نار ‪:‬أي أبا الجن من لهب النار الخالص من الدخان وهو مختلط أحمر‬ ‫وأزرق وأصفر‪.‬‬ ‫رب المشرقين ورب المغربين ‪:‬أي مشرق الشتاء‪ ,‬مشرق الصيف أي مطلع طلوع الشمس فيهما‪.‬‬ ‫وكذا المغربين في الصيف والشتاء‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في تحديد كل من اللؤلؤ والمرجان‪ ،‬فمن قائل‪ :‬اللؤلؤ كباره والمرجان صغاره‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫المرجان‪ :‬الخرز الحمر‪ ،‬وقيل‪ :‬المرجان‪ :‬عظام اللؤلؤ وكباره‪.‬‬

‫( ‪)5/225‬‬ ‫مرج البحرين يلتقيان ‪:‬أي أرسل البحرين العذب والملح يلتقيان في رأي العين‪.‬‬ ‫بينهما برزخ ل يبغيان ‪:‬أي بينهما حاجز ل يبغى أحدهما على الخر فيختلط به‪.‬‬ ‫يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ‪:‬أي يخرج من مجموعها الصادق بأحدهما وهو الملح اللؤلؤ‬ ‫والمرجان وهو خرز أحمر‪ ,‬وهو صغار اللؤلؤ‪.‬‬ ‫وله الجوار المنشئات في البحر ‪:‬أي السفن المحدثات في البحر كالعلم أي كالجبال عظما‬ ‫وارتفاعا‪.‬‬ ‫كالعلم‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر ما أفاض الرحمن جل جلله من رحمته التي وسعت كل شيء من‬ ‫آلء ونعم ل تحصى ول تعد ول تحصر فقال تعالى {خَلَقَ الْإ ْنسَانَ} أي الرحمن الذي تجاهله‬ ‫المبطلون وقالوا‪ :‬وما الرحمن؟ الرحمن الذي خلق النسان آدم أول إنسان خلقه ومن أي شيء‬ ‫خلقه {في صَ ْلصَالٍ} أي من طين ذي ‪ 1‬صلصلة وصوت {كَا ْلفَخّارِ} خلق النسان‪ ،‬وخلق الجان‬ ‫وهو عالم كعالم النسان خلق أصله من مارج وهو ما مرج واختلط من لهب النار‪ .‬فبأي يا معشر‬ ‫الجن والنس {آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ} إن نعم تفوق عد النسان من رب المشرقين ورب المغربين من‬ ‫خلقهما من ملكهما من سخرهما لفائدة النسان؟ إنه الرحمن فبأي آلء ربكما تكذبان ‪2‬؟ ل بشيء‬ ‫من آلئك ربنا نكذب فلك الحمد‪ .‬الرحمن مرج البحرين ‪ 3‬الملح والعذب أرسلهما على بعضهما‬ ‫فمرجا‪ .‬كأنهما اختلطا إذ جعل بينهما برزخا حاجزا فهما ل يبغيان فل يختلط أحدهما بالثاني‪،‬‬ ‫فبأي آلء ربكما تكذبان؟ يخرج منهما ‪ 4‬اللؤلؤ والمرجان من خلق في مجموع البحرين اللؤلؤ‬ ‫والمرجان وهما خرز أبيض وأحمر وأخضر ولفائدة من خلقهما الرحمن؟ إنها لفائدة النسان إذا‬ ‫جوَارِ} أي ‪ 5‬للرحمن‬ ‫هما نعمة ورحمة من رحمات الرحمن { فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ} {وََلهُ الْ َ‬ ‫الجوار المنشآت المصنوعات في البحر في أحواض السفن كالعلم علوا وارتفاعا تظهر في‬ ‫البحر كما تظهر الجبال في البر لمصلحة من خلقها الرحمن لمصلحة النسان فهي إذا رحمة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الصلصال‪ :‬الطين اليابس‪ ،‬والفخار‪ :‬الطين المطبوخ‪ ،‬ويسمى الخزف وجائز أن يكون كالفخار‬ ‫في محل نصب حال من النسان أي‪ :‬خلقه من صلصال فصار النسان كالفخار في لونه‬

‫وصلبته‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام هنا‪ :‬للتوبيخ على ترك الشكر‪.‬‬ ‫‪ 3‬المرج‪ :‬الرسال كقولهم‪ :‬مرج الدابة‪ :‬أرسلها ترعى في المرج‪ .‬والمعنى‪ :‬أرسل البحرين بحيث‬ ‫ل يحبس ماؤهما عن الجري ول عن اللتقاء ببعضهما البعض‪ ،‬ومع هذا فقد جعل بينهما برزخا‪،‬‬ ‫وهو الفاصل الذي يفصل الماء الملح الجاج عن العذب الفرات‪ .‬هذه مظاهر القدرة والعلم‬ ‫الموجبة للتوحيد والشكر بالطاعة‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن تكون من في منهما‪ :‬للسببية نحو‪( :‬وما أصابك من سيئة فمن نفسك) وجائز أن تكون‬ ‫للبتداء وهو الظهر‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجوار‪ :‬صفة لموصوف محذوف وهو السفن أي‪ :‬وله السفن الجوار في البحر‪ ،‬وجمع الجوار‬ ‫جارية‪.‬‬

‫( ‪)5/226‬‬ ‫الرحمن ونعمته على النسان فبأي آلء ربكما يا معشر النس والجن تكذبان؟ أقروا واعترفوا‬ ‫واشكروا الرحمن‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أصل خلق النسان والجان فالول من طين لزب ذي صلصال كالفخار والثاني من‬ ‫مارج من نار وأخبر الرسول صلى ال عليه وسلم أن خلق الملئكة كان من نور‪1.‬‬ ‫‪ -2‬معرفة مطالع الشمس ومغاربها في الشتاء والصيف وهما مطلعان ومغربان‪.‬‬ ‫‪ -3‬معرفة صناعة اللؤلؤ والمرجان‪ ,‬والسفن التي هي في البحر كالجبال علوا وظهورا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب شكر الرحمن على إنعامه على النس والجان‪.‬‬ ‫جهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَللِ وَالِْأكْرَامِ (‪ )27‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)28‬‬ ‫ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ (‪ )26‬وَيَ ْبقَى وَ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُكلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ (‪ )29‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )30‬سَ َنفْ ُرغُ‬ ‫يَسْأَلُهُ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫طعْتُمْ أَنْ تَ ْنفُذُوا‬ ‫ن وَالْأِنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬ ‫َلكُمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ (‪ )31‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )32‬يَا َمعْشَرَ الْجِ ّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ فَا ْنفُذُوا ل تَ ْنفُذُونَ إِلّا بِسُ ْلطَانٍ (‪ )33‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)34‬‬ ‫مِنْ َأقْطَارِ ال ّ‬ ‫شوَاظٌ مِنْ نَا ٍر وَنُحَاسٌ فَل تَنْ َتصِرَانِ (‪ )35‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)36‬‬ ‫سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ‬ ‫يُرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كل من عليها فان ‪:‬أي كل من على الرض من إنسان وحيوان وجان فانٍ أي هالك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الحديث في صحيح مسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/227‬‬ ‫ويبقى وجه ربك ‪:‬أي ذاته ووجه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ذو الجلل والكرام ‪:‬أي العظمة والنعام على عباده عامة والمؤمنين بخاصة‪.‬‬ ‫يسأله من في السموات والرض ‪:‬أي يسألونه حاجاتهم التي تتوقف عليها حياتهم من الرزق والقوة‬ ‫على العبادة‪ .‬والمغفرة للذنب‪ ،‬والعزة من الرب‪.‬‬ ‫كل يوم هو في شأن ‪:‬أي كل وقت هو في شأن‪ :‬شؤون يبديها وفق تقديره لها يرفع أقواما ويضع‬ ‫آخرين‪.‬‬ ‫سنفرغ لكم أيها الثقلن ‪: 1‬أي لحسابكم ومجازاتكم بعد انتهاء هذه الحياة الدنيا ونجزي كلً بما‬ ‫عمل‪.‬‬ ‫إن استطعتم أن تنفذوا ‪:‬أي إن قدرتم على أن تخرجوا‪.‬‬ ‫من أقطار السموات والرض ‪:‬أي من نواحي السموات والرض‪.‬‬ ‫فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان ‪:‬أي فاخرجوا‪ .‬ل تنفذون إل بقوة ول قوة لكم وهذا تعجيز لهم‪.‬‬ ‫يرسل عليكما شواظ من نار ‪:‬أي من لهب النار الخالص الذي ل دخان فيه‪.‬‬ ‫ونحاس ‪:‬أي دخان ل لهب فيه‪ ،‬ول يبعد أن يكون نحاسا مذابا‪.‬‬ ‫فل تنتصران ‪:‬أي ل تمتنعان من السوق إلى المحشر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر أيادى الرحمن الرحيم قال عز من قائل { ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا ‪ 2‬فَانٍ} كل‬ ‫ن وذوي روح وحيوان فانٍ‪ :‬هالك‪ ،‬ل تبقى له روح ول ذات‪،‬‬ ‫من على الرض من إنسان وجا ٍ‬ ‫ل وَالْإكْرَامِ} حي ل يموت والنس والجن يموتون فبأي ألء ربكما ‪4‬‬ ‫{وَيَ ْبقَى ‪َ 3‬وجْهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَل ِ‬ ‫تكذبان أبنعمة إيجادكما وإمدادكما بالرزاق والخيرات طوال الحياة أم بنعمة إنهاء أتعابكما‬ ‫وتكاليفكما أم بإهلك أعدائكما‪ ،‬وإدنائكما من النعيم المقيم في جنات النعيم‪ ،‬قولوا خيرا لكم ل‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ}‪5‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫بشيء من آلئك ربنا نكذب فلك الحمد‪ .‬وقوله {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل في النس والجن‪ :‬الثقلن لنهما أثقل وأتعبا بالتكاليف‪.‬‬ ‫‪ 2‬الضمير عائد إلى الرض وإن لم يجر لها ذكر نحو (توارت بالحجاب)‪ .‬لن المقام دال عليها‪.‬‬ ‫‪ 3‬أطلق لفظ الوجه وأريد به ذات الرب تعالى جريا على عرف العرب في كلمهم إذ يطلقون‬ ‫الوجه على الذات والوجه معا‪ ،‬وعنى (فان) أي‪ :‬صائر إلى الفناء‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يكون الفناء نعمة ل تدرك فلذا صح إيراد جملة‪( :‬فبأي آلء ربكما تكذبان) وأي نعمة‬ ‫أعظم من انتهاء هذه الحياة بكل ما فيها للنتقال إلى الحياة الدائمة حيث الخلد والبقاء فهي لهل‬

‫السعادة نعمة توجب أعظم الشكر‪.‬‬ ‫حمِلُونَ ا ْلعَرْشَ‬ ‫‪ 5‬السؤال‪ :‬الدعاء فالملئكة يسألونه تعالى أن يغفر للذين آمنوا وهو قولهم {الّذِينَ َي ْ‬ ‫حمَةً‬ ‫شيْءٍ رَ ْ‬ ‫س ْعتَ ُكلّ َ‬ ‫ح ْمدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْ َتغْفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا وَ ِ‬ ‫حوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِ َ‬ ‫َومَنْ َ‬ ‫عدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُمْ‬ ‫خ ْلهُمْ جَنّاتِ َ‬ ‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَلكَ َو ِقهِمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ‪ ،‬رَبّنَا وَأَدْ ِ‬ ‫وَعِلْما فَا ْ‬ ‫جهِمْ وَذُرّيّا ِتهِمْ}‪.‬‬ ‫َومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَا ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ‬

‫( ‪)5/228‬‬ ‫أي يطلبونه بلسان القال أو الحال ما هم في حاجة إليه مما يحفظ وجودهم ويغفر ذنوبهم وقوله‬ ‫تعالى { ُكلّ َي ْومٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ} أي ل يفرغ الدهر كله يدبر أمر السماء والرض يرفع أقواما ويضع‬ ‫آخرين‪ .‬وقول الرحمن {‪1‬سَ َنفْرُغُ َلكُمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ} من النس والجن فنحاسبكما ونجزيكما‬ ‫محسنكما بالحسان وسيئكما بالسوء والخسران‪ ،‬وهذا يوم تقومان للرحمن‪ ،‬حفاة عراة وتقفان بين‬ ‫يديه للحكم فيكما والقضاء بينكما فبأي آلء ربكما تكذبان أبالعدل في الحكم بينكما أم بإسعاد‬ ‫صالحيكما واشقاء مجرميكما‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫طعْتُمْ أَنْ تَ ْنفُذُوا} أي تخرجوا {مِنْ َأ ْقطَارِ ال ّ‬ ‫ن وَالْأِنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬ ‫وقول الرحمن {يَا ‪َ 2‬معْشَرَ الْجِ ّ‬ ‫وَالْأَ ْرضِ } أي من جوانبهما وأطرافهما {فَا ْنفُذُوا} أي اخرجوا هاربين من قضائي وحكمي لكما‬ ‫وعليكما ل تنفذون إل بقوة قاهرة غالبة ول قوة لكم ول سلطان هكذا يتحداهما الرحمن وهم‬ ‫يساقون إلى ساحة فصل القضاء فبأي آلء ربكما تكذبان؟ أبنعمة إحيائكما بعد موتكما أم بنعمة‬ ‫إكرام صلحائكما و إهانة فاسديكما وهي العدالة التي ل رحمة ول نعمة في الحياة الدنيا تساويهما‪.‬‬ ‫شوَاظٌ} أي لهب النار الخالص من الدخان‪ ،‬ونحاس وهو دخان خالص‬ ‫سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ‬ ‫وقوله تعالى {يُرْ َ‬ ‫فل تنتصران هذا إن أردتما الفرار من عدالتي وعدم الذعان لقضائي وحكمي فيكما‪ .‬فبأي آلء‬ ‫ربكما تكذبان؟ أبعظمة ربكم وقوة سلطانه أم برحمة مولكم ولطفه بكم اللهم ل شيء من آلئك‬ ‫نكذب ربنا و لك الحمد‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جلل ال وعظمته وقوة سلطانه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان عجز الخلئق أمام خالقها عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب حمد ال تعالى وشكره على السراء والضراء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬التفرغ للمر‪ :‬كناية عن الشتغال به والعناية به دون غيره و (الثقلن) تثنية ثقل‪ ،‬وهل سمي‬

‫النسان ثقل لنه محمول على الرض الصحيح أن النسان والجن سميا بالثقلين لثقالهما‬ ‫بالتكاليف من باب تسمية الشيء بعمله كتسمية العصفور طائر لنه يطير‪.‬‬ ‫‪ 2‬المعشر‪ :‬اسم للجمع الكثير الذي يعد عشرة دون آحاد‪.‬‬

‫( ‪)5/229‬‬ ‫سمَاءُ َفكَا َنتْ وَ ْر َدةً كَالدّهَانِ (‪ )37‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )38‬فَ َي ْومَئِذٍ ل يُسَْألُ عَنْ‬ ‫شقّتِ ال ّ‬ ‫فَإِذَا ا ْن َ‬ ‫س وَل جَانّ (‪ )39‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ُ )40‬يعْ َرفُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَ ُيؤْخَذُ‬ ‫ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬ ‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪)43‬‬ ‫بِال ّنوَاصِي وَالَْأقْدَامِ (‪ )41‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )42‬هَ ِذهِ َ‬ ‫حمِيمٍ آنٍ (‪ )44‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)45‬‬ ‫يَطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإذا انشقت السماء ‪ :‬أي انفتحت أبوابا لنزول الملئكة إلى الرض لتسوق الخلئق إلى المحشر‪.‬‬ ‫فكانت وردة كالدهان ‪:‬أي السماء محمرة احمرار الديم أو الفرس الحمر وذابت فكانت كالدهان‬ ‫في صفائها وذوبانها‪.‬‬ ‫فيومئذ ل يسأل عن ذنبه إنس ول جان ‪:‬أي يوم يخرجون من قبورهم ل يسألون عن ذنوبهم لما‬ ‫لهم من علمات كاسوداد الوجوه وبياضها‪ ،‬ويسألون عند الحساب‪.‬‬ ‫يعرف المجرمون بسيماهم ‪:‬أي سواد الوجوه وزرقة العيون‪.‬‬ ‫فيؤخذ بالنواصي والقدام ‪:‬أي تضم ناصية المجرم إلى قدميه ويؤخذ فيلقى في جهنم‪.‬‬ ‫هذه جهنم التي يكذب بها ‪:‬أي يقال لهم توبيخا وتبكيتا هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون في‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫المجرمون ‪:‬أي الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫يطوفون بينها وبين حميم آن ‪:‬أي يسعون مترددين بينها وبين ماء حار قد انتهت حرارته إلى حد‬ ‫ل مزيد عليه وهو الحميم الن يسقونه إذا عطشوا واستغاثوا يطلبون الماء لرواء غلتهم العطشة‪.‬‬

‫( ‪)5/230‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرض أحوال القيامة وأهوال الموقف فقال جل جلله وعظم سلطانه‪:‬‬ ‫سمَاءُ} أي تفتحت لنزول الملئكة فكانت أبوابا بعد أن احمرت وتغيرت زرقتها‬ ‫ش ّقتِ ال ّ‬ ‫{فَإِذَا انْ َ‬ ‫لحمرة كحمرة الديم الحمر أو الفرس الحمر أو الوردة الحمراء كل ذلك صالح لتشبيه لونها به‬ ‫وذابت فكانت كالدهان كما جاء وصفها في سورة المعارج يوم تكون السماء كالمهل‪ .‬وهو درديٌ‬

‫الزيت وعكره‪ .‬فيومئذ أي ‪ 1‬يوم إذ يقع هذا يعظم الكرب ويشتد البلء ويخرج الناس من قبورهم‬ ‫ل يسأل عن ذنبه إنس ول جان أي أنسيً ول جني فبأي آلء ربكما تكذبان؟ وقوله تعالى { ُيعْ َرفُ‪2‬‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمُونَ بِسِيمَا ُهمْ} أي باسوداد وجوههم وزرقة أعينهم فيؤخذ بالنواصي والقدام أي فيجمع‬ ‫الملك المكلف النس أو الجن المجرم بين ناصيته وقدميه ويأخذه فيرمي به في نار جهنم فبأي‬ ‫آلء ربكما تكذبان أبنعمة العدالة أم بنعمة إكرام المتقين الصالحين‪ .‬قولوا ل بشيء من آلئك ربنا‬ ‫نكذب فلك الحمد‪.‬‬ ‫جهَنّمُ} أي يقال لهم توبيخا وتبكيتا هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون على‬ ‫وقوله تعالى {هَ ِذهِ َ‬ ‫أنفسهم بالشرك والمعاصي في الحياة الدنيا قال تعالى { َيطُوفُونَ} أي ‪ 3‬يسعون مترددين {بَيْ َنهَا‬ ‫حمِيمٍ‪ 4‬آنٍ} أي ماء حار اشتدت حرارته فبلغت حدا ل مزيد عليه يسقونه إذا استغاثوا من‬ ‫وَبَيْنَ َ‬ ‫العطش‪ .‬فبأي آلء ربكما تكذبان؟ إن خزي المجرمين وتعذيبهم نعمة تقربها الفطرة البشرية ول‬ ‫يقدرها إل من ذاق طعم الخوف والعذاب الذي ينزله المجرمون بالمتقين فلذا كان تعذيبهم يوم‬ ‫القيامة نعمة‪ ،‬كما أن هذا العرض لحوال يوم القيامة وأهوالها نعمة إذ عليه آمن المؤمنون واتقى‬ ‫المتقون‪ ،‬فلذا قال تعالى بعد وصف حال أهل النار فبأي آلء ربكم تكذبان؟‪5‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان النقلب الكوني وخراب العالم للقيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬يبعث الناس من قبورهم ولهم علمات تميزهم فيعرف السعيد والشقي‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالجرام وهو الشرك والظلم والمعاصي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫سمَاء‪ }...‬الخ‬ ‫ش ّقتِ ال ّ‬ ‫س وَل جَانّ} جواب الشرط {فَِإذَا انْ َ‬ ‫‪ 1‬جملة‪{ :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬ ‫وجملة‪{ :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ} معترضة بين الشرط والجواب‪.‬‬ ‫س وَل جَانّ}‬ ‫‪ 2‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله‪ { :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬ ‫والسيما‪ :‬العلمة‪.‬‬ ‫‪ 3‬المعنى‪ :‬أنهم يتنقلون بين مكان النار وبين الماء الحار فإذا أصابهم حر النار طلبوا البرد فلح‬ ‫لهم الماء فأتوه فأصابهم حره فانصرفوا إلى النار وهكذا حالهم تطواف بين النار والحميم‪.‬‬ ‫‪( 4‬آن) اسم فاعل من أنى يأني فهو آنٍ‪ :‬إذا اشتدت حرارته وبلغت منتهاها في الحر‪.‬‬ ‫‪ 5‬وجائز أ‪ ،‬يكون تكريرا للتقرير والتوبيخ كنظائره‪.‬‬

‫( ‪)5/231‬‬

‫وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ (‪ )46‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )47‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ (‪ )48‬فَبَِأيّ آلءِ‬ ‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)49‬‬ ‫فِي ِهمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (‪ )50‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )51‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ َزوْجَانِ (‪ )52‬فَبَِأيّ‬ ‫ق وَجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ (‪ )54‬فَبَِأيّ‬ ‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )53‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ َبطَائِ ُنهَا مِنْ إِسْتَبْ َر ٍ‬ ‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ (‪ )56‬فبَِأيّ آلءِ‬ ‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )55‬فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ َلمْ يَ ْ‬ ‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )57‬كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُوتُ وَا ْلمَرْجَانُ (‪ )58‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )59‬هلْ جَزَاءُ‬ ‫حسَانِ إِلّا الِْأحْسَانُ (‪ )60‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)61‬‬ ‫الْأِ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولمن خاف مقام ربه جنتان ‪:‬أي ولمن خاف الوقوف بين يدي ال في عرصات القيامة فآمن واتقى‬ ‫جنتان‪.‬‬ ‫ذواتا أفنان ‪:‬أي أغصان من شأنها أن تورق وتثمر وتمد الظل‪.‬‬ ‫فيهما من كل فاكهة زوجان ‪:‬أي من كل ما يتفكه به من أنواع الفواكه صنفان‪.‬‬ ‫بطائنها من استبرق ‪:‬أي بطائن الفرش من استبرق وهو ما غلظ من الديباج والظهائر من السندس‬ ‫وهو مارق من الديباج الذي هو الحرير‪.‬‬ ‫وجنى الجنتين دان ‪:‬أي وما يجنى من ثمار الجنة دان قريب التناول يناله القائم والقاعد‪.‬‬ ‫فيهن قاصرات الطرف ‪:‬أي قاصرات النظر بأعينهن على أزواجهن فقط‪.‬‬ ‫لم يطمثهن إنس قبلهم ول جان ‪:‬أي لم يفتضهن قبل أزواجهن إنس ول جان‪.‬‬

‫( ‪)5/232‬‬ ‫كأنهن الياقوت والمرجان ‪:‬أي كأنهن في جمالهن الياقوت في صفائه والمرجان اللؤلؤ البيض‪.‬‬ ‫هل جزاء الحسان إل الحسان ‪:‬أي ما جزاء الحسان بالطاعة إل الحسان بالنعيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تعداد النعم وذكر أنواعها فقال تعالى { َوِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّه ِ‪ }1‬أي‬ ‫الوقوف بين يديه في ساحة فصل القضاء يوم القيامة فأطاعه بأداء الفرائض واجتناب المحرمات‬ ‫{جَنّتَانِ‪ }2‬أي بستانان فبأي آلء ربكما تكذبان أبإثابة أحدكم الذي إذا هم بالمعصية ذكر قيامه بين‬ ‫يدي ربه فتركها فأثابه ال بجنتين‪ .‬وقوله ذواتا أفنان هذا وصف للجنتين وصفهما بأنهما ذواتا‬ ‫أفنان جمع فنن لون أفنان ألوان ‪ 3‬ولشجارها أغصان من شأنها تورق وتثمر وتمد الظلل فبأي‬ ‫آلء ربكما تكذبان أبهذا النعيم والثابة للمتقين تكذبان‪.‬‬ ‫وقوله {فِي ِهمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} أي في الجنتين ذواتي الفنان عينان تجريان بالماء العذب الزلل‬ ‫الصافي خلل تلك القصور والشجار فبأي آلء ربكما ‪ 4‬تكذبان يا معشر الجن والنس أبمثل هذا‬

‫العطاء والفضال تكذبان؟ وقول الرحمن فيهما من كل فاكهة زوجان أي في تينك الجنتين من كل‬ ‫فاكهة من الفواكه صنفان فل يكتفى بصنف واحد إتماما للنعيم والتنعم فبأي آلء ربكما تكذبان‬ ‫أبمثل هذا النعام والكرام لهل التقوى تكذبان؟ وقوله ما أوسع رحمته وهو الرحمن {مُ ّتكِئِينَ‪}5‬‬ ‫أي حال تنعمهم على فرش على الرائك بطائن ‪ 6‬تلك الفرش من استبرق وهو الغليظ من الديباج‬ ‫أما الظواهر فهي السندس وهو مارق من الديباج‪ .‬وقوله { َوجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ} أي وثمارها التي‬ ‫تجنى من أشجارها دانية أي قريبة التناول يتناولها المتقي وهو مضطجع أو قاعد أو قائم‪ ،‬ل شوك‬ ‫فيها ول بعد لها فبأي آلء ربكما تكذبان أبمثل هذا النعام والكرام‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬من) من ألفاظ العموم كالجنس‪.‬‬ ‫‪ 2‬جنتان تحفان بقصره أو واحدة عن يمين القصر وأخرى عن شماله ول يعرف مدى سعتهما إل‬ ‫ال تعالى‪ ،‬وذلك لما ثبت أن أحدهم يعطى مثل الدنيا عشر مرات واللم في (لمن خاف) لم‬ ‫الملك‪.‬‬ ‫‪ 3‬يطلق الفنن على اللون وعلى الغصن فأفنان الفاكهة‪ :‬ألوانها المختلفة‪ ،‬وأفنان الشجر أغصانه‪،‬‬ ‫قال النابغة‪:‬‬ ‫بكاء حمامة تدعو هديل‬ ‫مفجعة على فنن تغني‬ ‫‪ 4‬الستفهام في قوله‪( :‬فبأي آلء ربكما تكذبان) تكرر بتكرار النعم‪ ،‬وهو للتقرير والتوبيخ والحث‬ ‫على الشكر بالعبادة والتوحيد فيها‪.‬‬ ‫‪( 5‬متكئين) حال من (ولمن خاف مقام ربه)‪.‬‬ ‫‪ 6‬البطائن‪ :‬جمع بطانة بكسر الباء مشتقة من البطن خلف الظهر وضد البطانة الظهارة‪،‬‬ ‫فالبطانة‪ :‬أسفل الثوب والظهارة‪ :‬ظهره‪.‬‬

‫( ‪)5/233‬‬ ‫تكذبان‪ .‬قول الرحمن‪{ :‬فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ‪ }1‬أي وفي تينك الجنتين نساء من الحور العين‬ ‫{قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ} أي العين على أزواجهن فل ترى إل زوجها أي فل تنظر إل إلى زوجها‬ ‫وتقول له وعزة ربي وجلله وجماله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك فالحمد ل الذي جعلك‬ ‫زوجي وجعلني زوجك‪.‬‬ ‫س وَل جَانّ} أي لم يجامع النسية‬ ‫طمِ ْثهُنّ} أي لم يجامعهن فيفتضهن قبل أزواجهن {إِنْ ٌ‬ ‫وقوله {لَمْ يَ ْ‬ ‫قبل زوجها النسي إنسي ولم يجامع الجنية قبل زوجها الجني جان فبأي آلء ربكم تكذبان أبمثل‬ ‫هذا النعام تكذبان؟‬

‫وقوله {كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُوتُ} أي في صفائهن {وَا ْلمَرْجَانُ} في بياضهن إذ الحوراء منهن يرى مخ ساقا‬ ‫تحت ثيابها كما يرى الخيط أو السلك في داخل الياقوتة لصفائها فبأي آلء ربكما تكذبان أبمثل هذا‬ ‫العطاء والنعام تكذبان‪.‬‬ ‫وقوله عظم فضله وجل عطاؤه وهو الرحمن { َهلْ جَزَاءُ الِْأحْسَانِ} أي في اليمان والطاعات من‬ ‫حسَانُ} ‪ 2‬إليه بمثل هذا النعيم العظيم الذي ذكر في هذه اليات‪ .‬فبأي آلء ربكما‬ ‫العبادات {إِلّا الْإِ ْ‬ ‫تكذبان يا معشر النس والجان فقول‪ :‬ل بشيء من آلء ربنا نكذب فلك الحمد‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل الخوف من ال تعالى وذلك كأن تعرض للعبد المعصية فيتركها خوفا من ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل نساء أهل الجنة في حبهن لزواجهن بحيث ل ينظرن إل إليهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن أفضل النساء في الدنيا تلك التي تقصر نظرها على زوجها فتحبه ول تحب غيره من‬ ‫الرجال‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الجن المتقين يدخلون الجنة ولهم أزواج كما للنس سواء بسواء‪.‬‬ ‫‪ -5‬الشادة بالحسان وبيان جزائه والحسان هو إخلص العبادة ل والتيان بها على الوجه الذي‬ ‫شرع أداؤها عليه‪ ،‬مع الحسان إلى الخلق بكف الذى عنهم وبذل الفضل لمن احتاجه منهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هؤلء نسوة الجنة ل أزواج المؤمنين اللئي كن لهم في الدنيا إذ مسهن أزواجهن والزوجة‬ ‫المؤمنة تكون لخر من تزوجها في الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬جملة‪( :‬هل جزاء الحسان إل الحسان) تذييل لما قبلها من الجمل المتضمنة إيمان المؤمنين‬ ‫وعملهم الصالح وإحسانهم فيه‪ ,‬والستفهام للنفي‪.‬‬

‫( ‪)5/234‬‬ ‫َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ (‪ )62‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ُ )63‬مدْهَامّتَانِ (‪ )64‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‬ ‫خلٌ وَ ُرمّانٌ (‪)68‬‬ ‫‪ )65‬فِي ِهمَا عَيْنَانِ َنضّاخَتَانِ (‪ )66‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )67‬فِي ِهمَا فَا ِكهَةٌ وَنَ ْ‬ ‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )69‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (‪ )70‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )71‬حُورٌ‬ ‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُمْ وَل جَانّ (‪)74‬‬ ‫َمقْصُورَاتٌ فِي ا ْلخِيَامِ (‪ )72‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )73‬لَمْ َي ْ‬ ‫خضْ ٍر وَعَ ْبقَ ِريّ حِسَانٍ (‪ )76‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬ ‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )75‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬ ‫ل وَالِْأكْرَامِ (‪)78‬‬ ‫ُتكَذّبَانِ (‪ )77‬تَبَا َركَ اسْمُ رَ ّبكَ ذِي الْجَل ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن دونهما جنتان ‪:‬أي ومن دون تينيك الجنتين جنتان أخريان لمن خاف مقام ربه‪.‬‬

‫مدهامتان ‪:‬أي مسودتان من شدة خضرتهما‪.‬‬ ‫فيهما عينان نضاختان ‪:‬أي فوارتان دائما وأبدا تفوران بالماء العذب الزلل‪.‬‬ ‫فيهن خيرات حسان ‪:‬أي في الجنات الربع نساء خيرات الخلق حسان الوجوه‪.‬‬ ‫حور ‪:‬أي أولئك الخيرات حور أي بيض والواحدة حوراء أي بيضاء‪.‬‬ ‫مقصورات في الخيام ‪:‬أي مستورات محبوسات على أزواجهن في الخيام والخيمة من در مجوف‬ ‫مضافة إلى‬ ‫القصور‪ ,‬وطول الخيمة الواحدة ستون ميل‪.‬‬ ‫لم يطمثهن إنس قبلهم ول جان ‪:‬أي لم يجامعهن فيفتض بكارتهن قبل أزواجهن في الجنة أحد‪.‬‬

‫( ‪)5/235‬‬ ‫على رفرف خضر ‪ :‬أي على وسائد أو بسط الواحدة رفرفة خضر جمع أخضر‪.‬‬ ‫وعبقري حسان ‪:‬أي طنافس جمع طنفسة بساط له خمل رقيق أي بسط حسان‪.‬‬ ‫تبارك اسم ربك ‪:‬أي تقدس وكثرت بركة اسم ربك الرحمن‪.‬‬ ‫ذي الجلل والكرام أي ذي العظمة والكرام لوليائه والحسان إلى عباده‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام ال تعالى وإفضاله على عباده فقال { َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ} أي‬ ‫ومن دون تينيك الجنتين جنتان أخريان لمن خاف مقام ربه من السابقين وهاتان لمن خاف مقام‬ ‫ربه من أصحاب اليمين وقد يكون العكس كذلك وال أعلم بأي الجنتين أفضل‪ ,‬ال ارزقنا ما شئت‬ ‫منهما فإنا بعطائك رضوان ولك حامدون شاكرون فبأي آلء ربكما تكذبان أي بأي إفضال وإنعام‬ ‫تكذبان؟ وقوله تعالى {مُدْهَامّتَانِ} ‪ 1‬مخضرتان إلى حد السوداد فإن الخضر من الشياء إذا‬ ‫اشتدت خضرته ضرب إلى السواد ويقال فيها مدهامة ‪ 2‬فبأي آلء ربكما تكذبان أي بأي إنعام‬ ‫تكذبان يا معشر الجن والنس {فِي ِهمَا} في الجنتين {عَيْنَانِ َنضّاخَتَانِ} أي فوارتان بالماء دائما‬ ‫وأبدا‪ ،‬فبأي آلء ربكما تكذبان بأي إفضال وإحسان تكذبان وقول الرحمن {فِي ِهمَا} أي في الجنتين‬ ‫فاكهة ونخل ‪ 3‬ورمان لفظ الفاكهة قد يعم النخل والرمان ويصبح ذكر النخل والرمان لمزيد‬ ‫فضيلة كذكر الصلة الوسطى بعد ذكر الصلوات الخمس في قوله {حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ‬ ‫سطَى} {فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ} ل بشيء من آلء ربنا نكذب ربنا فلك الحمد‪ .‬وقوله‬ ‫وَالصّلةِ ا ْلوُ ْ‬ ‫تعالى‪{ :‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ‪ 4‬حِسَانٌ} أي في الجنتين نساءهن خيرات جمع خيرة خيرات الخلق حسان‬ ‫الوجوه‪ .‬فبأي آلء ربكما تكذبان؟ أبمثل هذا النعام والكرام على أولياء الرحمن تكذبان؟ {حُورٌ‬ ‫َمقْصُورَاتٌ فِي ‪ 5‬الْخِيَامِ} إن أولئك الخيرات حور جمع حوراء وهي البيضاء‪ ,‬والحوراء كذلك من‬ ‫يغلب بياض عينيها سوادهما وهو من جمال النساء محبوسات في الخيام ل ينظرن إلى غير‬

‫أزواجهن‪ ,‬والخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميل مضافة إلى قصورهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬مدهامتان) وصف مشتق من الدهمة‪ ,‬بضم الدال وهو لون السواد الناتج عن شدة الخضرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام كسابقه للتقرير والتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬عطف النخل والرمان على (فاكهة) من باب عطف الجزء على الكل أو الخاص على العام‬ ‫ل َومِيكَالَ} ‪.‬‬ ‫كقوله تعالى ‪َ {:‬ومَل ِئكَتِ ِه وَرُسُِل ِه وَجِبْرِي َ‬ ‫‪( 4‬خيرات) بسكون الياء جمع خيرة وهو وصف لموصوف محذوف أي‪ :‬نساء خيرات‪ ,‬والصل‪:‬‬ ‫خيرات بتشديد الياء المكسورة جمع خيرة مؤنث خير وهو المختص بوصف الخير ضد الشر‬ ‫وخفف في الية طلبا للخفة مع السلمة من اللبس‪.‬‬ ‫‪ 5‬المقصورات‪ :‬صفة لموصوف أي‪ :‬نساء مقصورات والقصور على الخيمة بعد الخروج منها‪:‬‬ ‫وصف للترف والنعيم ل تخرج من الخيمة والقصر لغناها بخلف من تخرج للعمل لحاجتها إلى‬ ‫العمل في البستان أو غيره‪.‬‬

‫( ‪)5/236‬‬ ‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ} أي لم يجامعهن فيفتض بكارتهن إنس ول جان من‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لَمْ َي ْ‬ ‫قبل أزواجهن في الجنة فبأي آلء ربكما تكذبان؟ والجواب‪ :‬ل بشيء من آلء ربنا نكذب ربنا فلك‬ ‫الحمد‪.‬‬ ‫حسَانٍ} أي متكئين على رفرف خضر‬ ‫خضْ ٍر وَعَبْقَ ِريّ ِ‬ ‫وقوله تعالى ‪{:‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ‪ُ 1‬‬ ‫والرفرف جمع رفرفة أي على وسائد أو بسط خضر‪ 2,‬وعبقري حسان أي على طنافس ‪ 3‬ذات‬ ‫خمل دقيق‪ .‬فبأي آلء ربكما تكذبان بنعم الدنيا أي بنعم البرزخ أم بنعم الخرة ل بشيء من آلء‬ ‫ربنا نكذب‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬تَبَا َركَ اسْمُ رَ ّبكَ ذِي ا ْلجَللِ وَالْإكْرَامِ} أي تبارك اسم ربك أي تقدس وكثرة بركات‬ ‫اسم ربك الرحمن ذي الجلل أي العظمة والكرام لوليائه وصالحي عباده‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن نعيم الخرة أعظم وأجل من نعم الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة التمر والرمان فلنبحث منافعهما فإن الحقيقة بنت البحث‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل المرأة المقصورة في بيتها وذم الولجة الخارجة كما قال ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الجن يدخلون الجنة ويسعدون فيها‪.‬‬ ‫‪ -5‬البركة تنال ببسم ال الرحمن الرحيم‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬الرفرف‪ :‬اسم جمع رفرفة‪ ,‬وهي ما يبسط على الفراش للنوم عليه‪ ,‬ويغلب عليها اللون الخضر‬ ‫ولذلك شبه ذو الرمة الرياض بالبسط العبقرية في قوله‪:‬‬ ‫حتى كأن رياض القف ألبسها‬ ‫من وشي عبقر تجليل وتنجيد‬ ‫وكانت الثياب الخضر‪ .‬عزيزة إذ هي لباس الملوك والكبراء‪ .‬قال النابغة‪:‬‬ ‫يصون أجسادا قديما نعيمها‬ ‫بخالصة الردان خضر المناكب‬ ‫‪ 2‬العبقري‪ :‬وصف لكل ما كان فائقا في صفته عزيز الوجود وهو نسبة إلى عبقر اسم بلد الجن‬ ‫في معتقد العرب فنسبوا إليه كل ما تجاوز العادة في التقان والحسن‪ ,‬ومنه قول الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم في رؤياه لعمر ‪ ":‬فلم أر عبقريا يفري فريه"‪.‬‬ ‫‪ 3‬جمع طنفسة وهي البساط ذو الخمل‪ ,‬و(حسان) جمع حسناء‪ ,‬وهو وصف لعبقري لنه اسم‬ ‫جامع‪.‬‬

‫( ‪)5/237‬‬ ‫سورة الواقعة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الواقعة‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ست وتسعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫إِذَا َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )1‬لَ ْيسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِ َبةٌ (‪ )2‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ‬

‫( ‪)5/237‬‬ ‫ستِ الْجِبَالُ بَسّا (‪َ )5‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا (‪َ )6‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجا ثَلثَةً‬ ‫جتِ الْأَ ْرضُ َرجّا (‪ )4‬وَبُ ّ‬ ‫(‪ِ )3‬إذَا ُر ّ‬ ‫صحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ (‪)9‬‬ ‫(‪ )7‬فََأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَا َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ (‪ )8‬وََأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ مَا َأ ْ‬ ‫وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ (‪ )10‬أُولَ ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪ )11‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪)12‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا وقعت الواقعة ‪:‬أي قامت القيامة وقال فيها لنها واقعة ل محالة‪.‬‬

‫ليس لوقعتها كاذبة ‪:‬أي نفس تكذب بها بأن تنفيها كما نفتها في الدنيا‪.‬‬ ‫خافضة رافعة ‪:‬أي مظهرة لخفض أقوام بدخولهم النار‪ ,‬ولرفع آخرين بدخولهم الجنة‪.‬‬ ‫إذا رجت الرض رجا ‪:‬أي حركت حركة شديدة‪.‬‬ ‫وبست الجبال بسا ‪:‬أي فتتت تفتيتا‪.‬‬ ‫فكانت هباء منبثا ‪:‬أي غبارا منتشرا‪.‬‬ ‫وكنتم أزواجا ثلثة‪ :‬أي في القيامة أصنافا ثلثة‪.‬‬ ‫فأصحاب الميمنة ‪:‬أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم‪.‬‬ ‫ما أصحاب الميمنة ‪:‬أي تعظيم لشأنهم بدخولهم الجنة‪.‬‬ ‫وأصحاب المشأمة ‪ :‬أي الشمال الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم‪.‬‬ ‫ما أصحاب المشأمة ‪:‬أي تحقير لشأنهم بدخولهم النار‪.‬‬ ‫والسابقون ‪:‬أي إلى الخير وهم الذين سبقوا إلى اليمان والطاعة في أول الدعوة‪.‬‬ ‫السابقون ‪:‬تعظيم لشأنهم‪.‬‬ ‫أولئك المقربون ‪:‬أي هم المقربون الذين يقربهم ال منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة‪.‬‬ ‫في جنات النعيم ‪:‬في بساتين النعيم الدائم‪.‬‬

‫( ‪)5/238‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى في تقرير البعث والجزاء الذي كذب به المشركون وأنكروه في إصرار وعناد {إِذَا‬ ‫‪َ 1‬و َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ} أي إذا قامت القيامة {لَيْسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِبَةٌ} أي نفس تكذب بها إذ يؤمن بها الجميع‪،‬‬ ‫خافضة لقوام أي مظهرة لحالهم بأنهم أهل النار‪ ،‬رافعة لخرين مظهرة لحالهم لنهم من أهل‬ ‫ستِ ا ْلجِبَالُ‪ 3‬بَسّا} أي إذا‬ ‫جتِ‪ 2‬الْأَ ْرضُ َرجّا} أي حركت حركة شديدة‪{ ،‬وَبُ ّ‬ ‫الجنة‪ .‬وقوله‪{ :‬إِذَا رُ ّ‬ ‫بست الجبال أي فتتت تفتيتا { َفكَا َنتْ‪ 4‬هَبَاءً مُنْبَثّا} أي غبارا منتشرا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َوكُنْ ُتمْ} أي أيها الناس {أَ ْزوَاجا} أي أنواعا ثلثة‪ :‬أصحاب اليمين وأصحاب الشمال‬ ‫والمقربون فأصحاب الميمنة أو الذين يؤتون كتبهم بإيمانهم ما أصحاب ‪ 5‬الميمنة أي أ‪ ،‬شأنهم‬ ‫عظيم وذلك بدخولهم الجنة دار النعيم‪ .‬وأصحاب المشأمة وهم أصحاب الشمال أي اليساريون‬ ‫الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم أي بمياسرهم ما أصحاب المشأمة أي شأنهم حقير وذلك بدخولهم‬ ‫النار‪ .‬والسابقون إلى اليمان والطاعة في أول ظهور الدعوة ‪6‬السابقون هذا تعظيم لشأنهم وإعلن‬ ‫عن فوزهم وكرامتهم في جنات النعيم وهي بساتين ذات نعيم دائم جعلنا ال منهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء في الخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليمان والتقوى يرفعان والشرك والمعاصي يضعان ويخفضان‪.‬‬ ‫‪ -3‬السابقون إلى الطاعات لهم فضل السبقية في كل زمان زمكان‪.‬‬ ‫‪ -4‬اليساريون هم أشقياء الدنيا والخرة‪ .‬لنهم عندما أخذ غيرهم ذات اليمين طالبين اليمان‬ ‫والستقامة أخذوا هم ذات الشمال طالبين الكفر والفسوق‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬الواقعة) علم بالغلبة على القيامة‪ ،‬وأصل الواقعة‪ :‬الحادثة‪ ،‬ومن ذلك قولهم واقعة أحد أو بدر‬ ‫مثلً‪ ،‬وإذا ظرف ضمن معنى الشرط متعلق بالكون المقدر في قوله‪{ :‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ} و {لَيْسَ‬ ‫ِل َو ْقعَ ِتهَا} مستأنفة بيانية‪.‬‬ ‫‪( 2‬إذا رجت الرض) بدل من (إذا) الولى‪ ،‬وجواب الشرط (إذا) الولى والمبدلة منها هو قوله‪:‬‬ ‫(فأصحاب الميمنة)‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬البث‪ :‬بمعنى التفتت للجزاء المجموعة‪ ،‬ومنه‪ :‬البسيسة‪ :‬للسويق ويطلق البث على السوق‬ ‫للماشية‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬فيأتي قوم فيبسون بأموالهم وأهليهم‪ -‬أي‪ :‬يسوقونهم – والمدينة خير لهم‬ ‫لو كانوا يعلمون"‪.‬‬ ‫‪ 4‬الهباء‪ :‬ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار‪.‬‬ ‫‪( 5‬أصحاب الميمنة)‪( :‬ما) مبتدأ والخبر‪ :‬أصحاب الميمنة‪ ،‬والجملة خبر فأصحاب الميمنة وكذا‬ ‫(ما أصحاب المشأمة)‪.‬‬ ‫‪ 6‬يجوز أن يكون (السابقون)‪ :‬خبر عن الول‪ ،‬وجملة‪( :‬أولئك المقربون) مستأنفة‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يكون (السابقون) الثاني‪ :‬ويجوز أن تكون تأكيدا للول‪ ،‬والخبر‪ :‬جملة (أولئك)‪ً.‬‬

‫( ‪)5/239‬‬ ‫ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ (‪َ )13‬وقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (‪ )14‬عَلَى سُرُرٍ َم ْوضُونَةٍ (‪ )15‬مُ ّتكِئِينَ عَلَ ْيهَا مُ َتقَابِلِينَ (‬ ‫ق َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ (‪ )18‬ل ُيصَدّعُونَ‬ ‫ب وَأَبَارِي َ‬ ‫‪ )16‬يَطُوفُ عَلَ ْيهِ ْم وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ (‪ )17‬بَِأ ْكوَا ٍ‬ ‫عَ ْنهَا وَل يُنْ ِزفُونَ (‪َ )19‬وفَا ِكهَةٍ ِممّا يَ َتخَيّرُونَ (‪ )20‬وَلَحْمِ طَيْرٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ (‪ )21‬وَحُورٌ عِينٌ (‬ ‫س َمعُونَ فِيهَا َلغْوا وَل تَأْثِيما (‪ )25‬إِلّا قِيلً سَلما سَلما (‬ ‫‪ )22‬جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )24‬ل يَ ْ‬ ‫‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ثلة من الولين ‪:‬أي جماعة من المم الماضية‪.‬‬ ‫وقليل من الخرين ‪:‬أي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬هؤلء هم السابقون‪.‬‬ ‫على سرر موضونة ‪:‬أي منسوجة مشبكة بالذهب والجواهر‪.‬‬

‫ولدان مخلدون ‪:‬أي على شكل الولد ل يهرمون فيخدمونهم أبدا‪.‬‬ ‫بأكواب وأباريق ‪:‬يطوف عليهم الولدان الخدم بأكواب وهي أقداح ل عرا لها‪ ,‬وأباريق لها عرا‬ ‫وخراطيم‪.‬‬ ‫وكأس من معين ‪:‬أي وإناء لشرب الحمر ومعين بمعنى جارية من نهر ل ينقطع أبدا‪.‬‬ ‫ل يصدعون ‪:‬أي ل يحصل لهم من شربها صداع‪.‬‬ ‫ول ينزفون ‪:‬أي ول تذهب عقولهم يقال نزف الشارب وأنزف إذا ذهب عقله بالسكر‪.‬‬ ‫وفاكهه مما يتخيرون ‪:‬أي يختارون منها ما يروق لهم ويعجبهم وإن كانت كلها معجبة‪.‬‬ ‫وحور عين ‪:‬أي ولهم نساء بيض عين أي واسعة العين وشديدات سواد العيون وبياضها‪.‬‬ ‫كأمثال اللؤلؤ المكنون ‪:‬أي أولئك الحور العين هن في جمالهن وصفائهن كأمثال اللؤلؤ المصون‪.‬‬

‫( ‪)5/240‬‬ ‫لغوا ول تأثيما ‪:‬أي ل يسمعون في الجنة لغوا أي فاحش الكلم وما ل خير فيه ول ما يوقع في‬ ‫الثم‪.‬‬ ‫إل قيل سلما سلما ‪:‬إل قول سلما سلما أي ل يسمعون إل السلم من الملئكة ومن بعضهم‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في بيان أحوال الناس إذا قامت القيامة فذكر أنهم يصيرون أصنافا ثلثة أصحاب‬ ‫يمين وأصحاب شمال وسابقين‪ .‬وهنا يقول في السابقين إنهم ثلة أي جماعة من الولين أي ‪ 1‬من‬ ‫المم الماضية الذين أسلموا وسبقوا إلى السلم مع أنبيائهم‪ ,‬وقيل من الخرين ‪ 2‬أي من هذه‬ ‫المة أمة محم صلى ال عليه وسلم وهم الذين سبقوا إلى اليمان والمجرة والجهاد يذكر نعيمهم‬ ‫فيقول وقوله الحق ‪{:‬عَلَى سُرُرٍ َم ْوضُونَةٍ} أي إنهم على سرر موضونة أي منسوجة ومشبكة‬ ‫بالذهب والجواهر‪ ,‬حال كونهم متكئين عليها متقابلين ل ينظر أحدهم إلى قفا الخر بل إلى وجهه‪,‬‬ ‫{ َيطُوفُ عَلَ ْيهِمْ} أي لللخدمة {وِلْدَانٌ } غلمان { ُمخَلّدُونَ‪ }3‬ل يكبرون فيهرمون ول يتغيرون بل‬ ‫يبقون كذلك أبدا يطوفون عليهم بأكواب جمع كوب وهو قدح ل عروة له‪ ,‬وأباريق جمع إبريق‬ ‫وهو إناء له عروة وخرطوم‪َ { ,‬وكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ} والكأس هنا إناء شرب الجمر والمعين ما كان‬ ‫جاريا ل ينضب والمراد بكأس من نهر الخمر‪.‬‬ ‫صدّعُونَ‪ 4‬عَ ْنهَا} أي ل يصيبهم صداع من شربها‪ ,‬ول ينزفون ‪ 5‬أي ل تذهب‬ ‫وقوله تعالى {ل ُي َ‬ ‫عقولهم بشربها بخلف خمر الدنيا فإنها تصيب شاربها بالصداع وذهاب العقل غالبا وقوله تعالى‬ ‫{ َوفَا ِكهَةٍ} ويطوف عليهم الغلمان بفاكهة وهو ما يتفكه به وليس بغذاء رئيسي وهو من سائر‬ ‫الفواكه‪ ,‬مما يتخيرون أي يختارون‪ .‬ولحم طير مما يشتهون أي مما تشتهيه أنفسهم‪.‬‬

‫وقوله {وَحُورٌ عِينٌ} أي ولهم في الجنة حور عين يستمتعون بهن‪ ,‬واحدة الحور حوراء‪ .‬وهي‬ ‫البيضاء وواحدة العين العيناء وهو واسعة العينين والحور في العين أن يكون بياضها أكثر من‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله‪( :‬ثلة من الولين وقليل من الخرين) اعتراض بين جملة (في جنات النعيم) وجملة‪( :‬على‬ ‫سرر موضونة) وثلة‪ :‬خبر لمبتدأ محذوف أي هم‪ :‬ثلة الخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬من الولى والثانية تبعيضية‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل‪ :‬إنهم على سن واحدة‪ ,‬وروي عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬الولدان هم أولد المسلمين‬ ‫الذين يموتون صغارا‪ .‬وقال سلمان‪ :‬هم أولد المشركين الذين يموتون صغارا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬التصديع‪ :‬الصابة بالصداع‪ ,‬وهو وجع الرأس من الخمار الناشيء عن السكر أي ل تصيبهم‬ ‫الخمر بصداع‪ ,‬وعنها بمعنى‪ :‬ل يصيبهم صداع ناشيء عنها‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ نافع (ينزفون) بفتح الزاي من‪ :‬أنزفه وقرأها حفص (ينزفون) بكسر الزاي من أنزف‬ ‫القاصر‪ ,‬إذا سكر وذهب عقله‪.‬‬

‫( ‪)5/241‬‬ ‫سوادها وهو ضرب من الجمال‪ ,‬وقوله {كََأمْثَالِ ا ْلُلؤْلُؤِ ا ْل َمكْنُونِ} أي المصون في كنه أو صدفه‪.‬‬ ‫يريد أنهن جميلت مصونات غير مبتذلت وقد تقدم في الرحمن أنهن مقصورات في الخيام‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} أي جزاهم ربهم جزاهم بما كانوا يعملونه من الصالحات‬ ‫بعد اليمان والتوحيد وترك المعاصي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى وهو من إتمام النعيم أنهم ل يسمعون في جنات النعيم ما يكدر صفو نعيمهم أو‬ ‫ينغص لذة حياتهم من قول بذيء سيء فل يسمعون فيها أي في الجنة لغوا أي ‪ 1‬كلما فاحشا ول‬ ‫تأثيما وهو ما يؤثم قائله وسامعه‪ .‬إل قيل أي قول سلما سلماُ أي إل ما كان من سلم الرب‬ ‫تعالى عليهم وهو أكبر نعيمهم وسلم الملئكة عليهم وسلم بعضهم على بعض اللهم اجعلنا منهم‬ ‫قل آمين أيها القاريء واطمع فإن ربنا غفور رحيم سميع الدعاء قريب مجيب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء بذكر أحوال الدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان شيء من نعيم أهل الجنة وخاصة السابقين منهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن السابقين يكونون من سائر المم المسلمة‪.‬‬ ‫‪-4‬بيان فضل خمر الجنة على خمر الدنيا المحرمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير قاعدة أن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬

‫ظلّ‬ ‫خضُودٍ (‪ )28‬وَطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ (‪ )29‬وَ ِ‬ ‫وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ مَا َأصْحَابُ الْ َيمِينِ (‪ )27‬فِي سِدْرٍ َم ْ‬ ‫سكُوبٍ (‪َ )31‬وفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ (‪ )32‬ل مَقْطُوعَةٍ وَل َممْنُوعَةٍ (‪َ )33‬وفُرُشٍ‬ ‫َممْدُودٍ (‪َ )30‬ومَاءٍ مَ ْ‬ ‫صحَابِ الْ َيمِينِ‬ ‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارا (‪ )36‬عُرُبا أَتْرَابا (‪ )37‬لَِأ ْ‬ ‫مَ ْرفُوعَةٍ (‪ )34‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً (‪ )35‬فَ َ‬ ‫(‪ )38‬ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ (‪ )39‬وَثُلّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (‪)40‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اللغو ن الكلم في الدنيا هو‪ :‬ما ل يحصل حسنة للمعاد ول درهما للمعاش وفي الخرة هو ما‬ ‫ل يسر من كل قول إذ الحياة‪ :‬حياة سعادة وسور وحبور‪.‬‬

‫( ‪)5/242‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ‪:‬هذا شروع في ذكر الزوج الثاني من الزواج الثلثة فذكر‬ ‫السابقين وما أعد لهم وهذا ذكرٌ لصحاب اليمين وما أعد لهم من نعيم مقيم‪.‬‬ ‫في سدر مخضود ‪:‬في شجر السدر وثمره النبق ومخضود ل شوك فيه‪.‬‬ ‫وطلح منضود ‪:‬أي شجر موز منضود الحمل من أعله إلى أسفله فليس له ساق بارزة‪.‬‬ ‫وظل ممدود ‪:‬أي دائم إذ ل شمس تنسخه وإن ظل شجرة في الجنة يسير الراكب فيه مائة سنة ل‬ ‫يقطعه‪.‬‬ ‫وماء مسكوب ‪:‬أي مصبوب ل يحتاج المتنعم بأن يصبه بيده بل هو سائل في غير أخدود أو‬ ‫أنبوب‪.‬‬ ‫ل مقطوعة ول ممنوعة ‪:‬أي غير مقطوعة في زمن‪ ،‬ول ممنوعة بثمن‪.‬‬ ‫وفرش مرفوعة ‪:‬أي على السرر العالية الرفيعة‪.‬‬ ‫إنا أنشأناهن إنشاء ‪:‬أي الحور العين اللئي تقدم ذكرهن في قوله وحور عين‪ .‬إذ كانت الواحدة‬ ‫منهن في الدنيا عجوزا شمطاء عمشاء رمصاء فأنشأها ربها إنشاء جديدا بكرا تتغنج وتتعشق‬ ‫عرباء تتودد لزوجها وتتحبب‪.‬‬ ‫فجعلناهن أبكارا ‪:‬الواحدة بكر وهي التي لم تفتض بكارتها بعد وتسمى العذراء‪.‬‬ ‫عربا ‪:‬الواحدة عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل‪.‬‬ ‫ب والجمع أتراب‪.‬‬ ‫أترابا ‪:‬أي مستويات في السن الواحدة يقال لها تر ٌ‬ ‫لصحاب اليمين ‪:‬وهم الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين وهم أهل اليمان في الدنيا‬ ‫والعمل الصالح فيها‪.‬‬ ‫ثلة من الولين ‪:‬أي من المم السابقة‪.‬‬ ‫وثلة من الخرين ‪:‬أي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/243‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرض أحوال الخرة وذكر ما لكل صنف من أصناف الناس الثلثة من‬ ‫صحَابُ الْ َيمِينِ‪ }1‬وهم الذين إذا وقفوا في‬ ‫سابقين وأصحاب يمين وأصحاب شمال فقال تعالى {وََأ ْ‬ ‫عرصات القيامة أخذ بهم ذات اليمين وهم أهل اليمان والتقوى في الدنيا وقوله تعالى‪{ :‬مَا‬ ‫خضُودٍ‬ ‫َأصْحَابُ الْ َيمِينِ‪ }2‬تفخيم لشأنهم وإعلن عن كرامتهم ثم بين ذلك بقوله‪{ :‬فِي سِدْرٍ‪ 3‬مَ ْ‬ ‫ب َوفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ ل َمقْطُوعَةٍ‪ 4‬وَل َممْنُوعَةٍ ‪َ ،‬وفُرُشٍ‬ ‫سكُو ٍ‬ ‫ظلّ َممْدُو ٍد َومَاءٍ مَ ْ‬ ‫وَطَلْحٍ مَ ْنضُو ٍد وَ ِ‬ ‫مَ ْرفُوعَةٍ } إنهم في هذا النعيم الدائم المقيم إنهم يتفكهون بالنبق الذي هو أحلى من العسل وأنعم من‬ ‫الزبد شجره مخضود الشوك ل شوك به‪ ،‬ويتفكهون بالطلح أي ثمره وهو الموز‪ ،‬والماء‬ ‫المصبوب الجاري‪ ،‬والفاكهة الكثيرة التي ل تقطع بالفصول الزمانية كما هي الحال في فاكهة‬ ‫الدنيا يوجد منها في الصيف ما ل يوجد في الشتاء مثل ول ممنوعة بثمن غال ول رخيص وفي‬ ‫فرش مرفوعة عالية علو الدرجات التي هي فيها وقوله‪{ :‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِ ْنشَاءً} ‪ 5‬يعني الحور العين‬ ‫اللئي سبق في اليات ذكرهن منهن من أنشأهن ال إنشاء لم يسبق لهن خلق ووجود‪ ،‬ومنهن‬ ‫نساء الدنيا فقد كانت فيهن السوداء والعمشاء والرمصاء والعجوز فيعيد تعالى إنشاءهن فيجعلهن‬ ‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارا} عذارى لم يمسهن قبل‬ ‫من بين الحور العين كأنهن اللؤلؤ المكنون‪ ،‬وقوله {فَ َ‬ ‫أزواجهن إنس ول جان عربا أترابا العروب ‪ 6‬هي المتحببة إلى زوجها العاشقة له المتغنجة‬ ‫والتراب المتساويات في السن‪ ،‬وترب ‪ 7‬النسان من ولد معه في وقت واحد فمس جلده التراب‬ ‫مع مس التراب جلدك وقوله لصحاب اليمين أي أنشأ هؤلء الحور العين لجل أصحاب اليمين‬ ‫ليستمتعوا بهن‪ .‬وقوله {ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ} أي من المم الماضية {وَُثلّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي من هذه‬ ‫المة المسلمة اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وأدخلنا الجنة معهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا شروع في تفصيل ما أجمل عند التقسيم من شؤونهم الفاضلة على إثر تفصيل شؤون‬ ‫السابقين‪.‬‬ ‫‪ 2‬الخبار ب (ما أصحاب اليمين)‪ :‬فيه من التفخيم ما فيه!!‬ ‫‪ 3‬خبر محذوف المبتدأ تقديره‪ :‬هم في سدر‪.‬‬ ‫‪ 4‬ل مقطوعة ول ممنوعة‪ :‬هذا وصف للفاكهة‪ ،‬والنفي هنا أثبت من الثبات لنه بمنزلة وصف‬ ‫وتوكيد‪.‬‬ ‫‪ 5‬لما ذكر الفرش قد يخطر بالبال هل هناك نساء يكن بصحبة أهلها؟ فأجيب بقولي‪{ :‬إِنّا‬ ‫أَنْشَأْنَاهُنّ} أي‪ :‬الحور العين {إِنْشَاءً} فكانت الجملة مستأنفة استأنفا بيانيا‪ ،‬وضمير المؤنث‬

‫(أنشأناهن) عائد إلى غير مذكور في الكلم لكنه ملحوظ في الفهام‪.‬‬ ‫‪ 6‬العرب‪ :‬جمع عروب‪ ،‬ويقال‪ :‬عربة ويجمع على عربات‪ ،‬وهذا اسم خاص بالمرأة المتحببة إلى‬ ‫زوجها كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 7‬التراب‪ :‬جمع ترب وهي المرأة التي تساوى سنها سن من تضاف إليه من النساء‪ ،‬وقيل‪ :‬إن‬ ‫الترب خاص بالمرأة‪ ،‬وأما المساواة في السن من الرجال فيقال له قرن‪ ،‬ولدة‪.‬‬

‫( ‪)5/244‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ال وإنعامه على المؤمنين المتقين‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن العجوز في الدنيا إذا دخلت الجنة تصير شابة حسناء حوراء عروبا‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن ثمن الجنة اليمان والتقوى فل دخل للحسب ول للنسب والول كالخر على حد‬ ‫سواء فيها‪.‬‬ ‫حمُومٍ (‪ )43‬ل بَارِدٍ‬ ‫ظلّ مِنْ َي ْ‬ ‫حمِيمٍ (‪ )42‬وَ ِ‬ ‫سمُو ٍم وَ َ‬ ‫شمَالِ (‪ )41‬فِي َ‬ ‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬ ‫وََأصْحَابُ ال ّ‬ ‫وَل كَرِيمٍ (‪ )44‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ (‪َ )45‬وكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ (‪َ )46‬وكَانُوا‬ ‫َيقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا وَعِظَاما أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )47‬أوَآبَاؤُنَا الَْأوّلُونَ (‪ُ )48‬قلْ إِنّ الَْأوّلِينَ‬ ‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪ُ )50‬ثمّ إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ ا ْل ُم َكذّبُونَ (‪)51‬‬ ‫وَالْآخِرِينَ (‪َ )49‬ل َم ْ‬ ‫حمِيمِ (‪)54‬‬ ‫لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ َزقّومٍ (‪َ )52‬فمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ (‪ )53‬فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْ َ‬ ‫فَشَارِبُونَ شُ ْربَ ا ْلهِيمِ (‪ )55‬هَذَا نُزُُل ُهمْ َيوْمَ الدّينِ (‪)56‬‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫وأصحاب الشمال ‪:‬أي هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال في الموقف يوم القيامة وهم أهل الشرك‬ ‫والمعاصي في الدنيا‪.‬‬ ‫في سموم ‪:‬أي ريح حارة تنفذ في مسام الجسد‪.‬‬ ‫وحميم ‪:‬أي ماء حار شديد الحرارة‪.‬‬ ‫وظل من يحموم ‪:‬أي دخان شديد السواد‪.‬‬

‫( ‪)5/245‬‬ ‫ل بارد ول كريم ‪:‬أي ل بارد كغيره من الظلل ول كريم حسن المنظر‪.‬‬ ‫كانوا قبل ذلك ‪:‬أي في الدنيا‪.‬‬

‫مترفين ‪:‬أي منعمين ل ينهضون بالتكاليف الشرعية ول يتعبون في طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫يصرون على الحنث العظيم ‪:‬أي الذنب العظيم وهو الشرك‪.‬‬ ‫وكانوا يقولون أئذا متنا الن ‪:‬أي وكانوا ينكرون البعث الخر‪.‬‬ ‫لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ‪:‬أي لوقت يوم معلوم وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫أيها الضالون المكذبون ‪:‬أي الضالون عن طريق الهدى المكذبون بالبعث والجزاء‪.‬‬ ‫من شجر من زقوم ‪:‬أي من أخبث الشجر المر في غاية الكراهة والبشاعة طعما ولونا‪.‬‬ ‫فشاربون شرب الهيم ‪:‬أي شاربون شرب البل العطاش‪ ،‬إذ الهيمان العطشان والهيمى العطشى‪.‬‬ ‫هذا نزلهم يوم الدين ‪:‬أي هذا ما أعد لهم من قرىً يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في بيان أحوال الصناف الثلثة التي انقسمت البشرية إليها عند خروجها‬ ‫من قبورها فذكر حال السابقين وحال أصحاب اليمين وذكر هنا حال أصحاب المشأمة وهم‬ ‫شمَالِ} تنديد بحالهم وإعلن عن‬ ‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬ ‫أصحاب الشمال فقال تعالى‪{ :‬وََأصْحَابُ‪ 1‬ال ّ‬ ‫حمِيمٍ}‬ ‫سمُومٍ‪ }2‬أي ريح حارة تنفذ في مسام الجسم {وَ َ‬ ‫سوء عاقبتهم وما هم فيه من عذاب إنهم {فِي َ‬ ‫حمُومٍ‪ 3‬ل بَارِ ٍد وَل كَرِيمٍ} إنه دخان أسود‬ ‫ظلّ مِنْ يَ ْ‬ ‫وهو ماء حار شديد الحرارة هذا شرابهم‪َ { ،‬و ِ‬ ‫شديد السواد {ل بَارِدٍ} كغيره من الظلل {وَل كَرِيمٍ} أي وليس بذي حسن في منظره‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{إِ ّنهُمْ‪ 4‬كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ} ‪ 5‬هذه علة جزائهم بالعذاب الليم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا شروع في تفصيل أحوالهم التي أشير عند التوزيع إلى هولها وفظاعتها بعد تفصيل حسن‬ ‫حال أصحاب اليمين‪.‬‬ ‫‪( 2‬السموم)‪ :‬الريح الشديدة الحرارة التي ل بلل معها كأنها مأخوذة من السم‪.‬‬ ‫‪ 3‬اليحموم‪ :‬الدخان السود مشتق من الحمم على وزن صرد اسم للفحم والحممة‪ :‬الفحمة‪ .‬وفي‬ ‫حمُومٍ} تهكم ظاهر‪.‬‬ ‫ظلّ مِنْ يَ ْ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَ ِ‬ ‫‪ 4‬الجملة تعليلية إذ هي علة لما أصاب أصحاب الشمال من الهون والدون والعذاب الليم‪.‬‬ ‫‪ 5‬ظاهر اللفظ أن الترف هو سبب كفرهم وإصرارهم على ذلك وجائز أن يكون الترف بعض‬ ‫السبب ل كله‪ ،‬والعبرة بالواقع والشارة في قوله‪( :‬قبل ذلك) عائدة إلى السموم واليحموم والظل‬ ‫من اليحموم‪.‬‬

‫( ‪)5/246‬‬ ‫إنهم كانوا في الدنيا منعمين ل يصلون ول يصومون ول يجاهدون ول يرابطون‪َ { ،‬وكَانُوا‬ ‫ُيصِرّونَ‪ 1‬عَلَى الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ} أي على الثم العظيم أي الشرك وكبائر الثم والفواحش‪.‬‬

‫{ َوكَانُوا َيقُولُونَ} منكرين للبعث والجزاء جاحدين باليوم الخر‪{ -‬أَِإذَا مِتْنَا ‪َ 2‬وكُنّا تُرَابا وَعِظَاما‬ ‫أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ} أي أحياء كما كنا في الدنيا {َأوَآبَاؤُنَا} أيضا مبعوثون كذلك والستفهام في‬ ‫الموضعين للستبعاد والنكار‪ .‬وهنا أمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم أن يرد عليهم‬ ‫ن وَالْآخِرِينَ} أي أنتم وآباؤكم من عهد آدم والخرين منكم ومن‬ ‫بقوله { ُقلْ} أي قل لهم‪{ :‬إِنّ الَْأوّلِي َ‬ ‫جمُوعُونَ‪ِ 3‬إلَى مِيقَاتِ َي ْومٍ َمعْلُومٍ} أي لوقت يوم معلوم عند ال‬ ‫ذريتكم إلى نهاية حياة النسان { َل َم ْ‬ ‫محدد باليوم والساعة والدقيقة {ثُمّ‪ 4‬إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ} عن سبيل الهدى المعرضون عن الحق‬ ‫شجَرٍ مِنْ َزقّومٍ} وهو شر ثمر‬ ‫المكذبون بالبعث لداخلون جهنم ماكثون فيها أبدا وإنكم {لَآكِلُونَ مِنْ َ‬ ‫وأخبث ما يؤكل مرارة { َفمَالِئُونَ مِ ْنهَا} بطونكم لما يصيبكم من الجوع الشديد‪{ ،‬فَشَارِبُونَ عَلَ ْيهِ مِنَ‬ ‫حمِيمِ ‪،‬فَشَارِبُونَ شُ ْربَ‪ 5‬ا ْلهِيمِ} أي الماء الحار الشديد الحرارة مكثرين منه كما تكثر البل الهيم‬ ‫الْ َ‬ ‫‪ 6‬التي أصابها العطش واشتد بها داء الهيام الذي أصابها‪ .‬قوله تعالى {هَذَا نُزُُلهُمْ‪َ 7‬يوْمَ الدّينِ} أي‬ ‫هذا الذي ذكرنا من طعام الضالين المكذبين وشرابهم هو نزلهم الذي ننزلهم يوم الدين وأصل‬ ‫النزل ما يعد للضيف النازل من قرى‪ :‬طعام وشراب وفراش‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬أصحاب الشمال يدخل فيهم كل كافر وجد على وجه الرض فإنهم في التقسيم ثلث الناس وفي‬ ‫الواقع هم أضعاف أضعاف السابقين وأصحاب اليمين لن أكثر الناس ل يؤمنون‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالترف والتنعم في هذه الحياة الدنيا فإنه يقود إلى ترك التكاليف الشرعية فيهلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬صيغة المضارع (يصرون) دالة على تجدد الصرار منهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ الجمهور ومنهم حفص بإثبات الستفهام الول والثاني‪ ،‬وقرأ نافع بالستفهام في (أإذا متنا)‬ ‫والخبار في (إنا لمبعوثون)‪.‬‬ ‫‪( 3‬مجموعون)‪ :‬أي‪ :‬مبعوثون دفعة واحدة جميعا دفعا لما قد يتوهم أنهم يبعثون على فترات كما‬ ‫كان وجودهم وموتهم في الدنيا على فترات مختلفة‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا من جملة أمر الرسول صلى ال عليه وسلم أن يقوله لهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الهيم‪ :‬جمع أهيم وهو البعير الذي أصابه الهيام بضم الهاء وهو داء يصيب البل يورثها حمى‬ ‫في المعاء فل تزال تشرب ول تروى والمؤنث هيمى إذ المذكر أهيم‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع وحفص‪( :‬شرب) بضم الشين‪ ،‬وقرأ بعض شرب بفتح الشين مصدر شرب يشرب‬ ‫شربا‪.‬‬ ‫‪ 7‬النزل‪ :‬بضم النون والزاي‪ :‬ما يعد للضيف ويقدم له من طعام وشراب وهو هنا تشبيه تهكمي‬ ‫كالستعارة كما في قول الشاعر‪:‬‬ ‫وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا‬

‫جعلنا القنا والمرهفات له نزل‬

‫( ‪)5/247‬‬ ‫صاحبه لذلك ل لكون طعامه وافرا وشرابه لذيذا‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بما ل مزيد عليه من العرض والوصف لحال الناس‪.‬‬ ‫نَحْنُ خََلقْنَاكُمْ فََلوْل ُتصَ ّدقُونَ (‪َ )57‬أفَرَأَيْ ُتمْ مَا ُتمْنُونَ (‪ )58‬أَأَنْتُمْ تَخُْلقُونَهُ أَمْ َنحْنُ ا ْلخَاِلقُونَ (‪)59‬‬ ‫ت َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )60‬عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ َأمْثَاَلكُمْ وَنُنْشِ َئكُمْ فِي مَا ل َتعَْلمُونَ‬ ‫نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َم ْو َ‬ ‫(‪ )61‬وََلقَدْ عَِلمْتُمُ النّشَْأةَ الْأُولَى فََلوْل تَ َذكّرُونَ (‪َ )62‬أفَرَأَيْتُمْ مَا َتحْرُثُونَ (‪ )63‬أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ‬ ‫حطَاما فَظَلْ ُتمْ َت َفكّهُونَ (‪ )65‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ (‪َ )66‬بلْ َنحْنُ‬ ‫جعَلْنَاهُ ُ‬ ‫نَحْنُ الزّارِعُونَ (‪َ )64‬لوْ َنشَاءُ َل َ‬ ‫مَحْرُومُونَ (‪َ )67‬أفَرَأَيْ ُتمُ ا ْلمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ (‪ )68‬أَأَنْ ُتمْ أَنْزَلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ا ْلمُنْزِلُونَ (‬ ‫شكُرُونَ (‪َ )70‬أفَرَأَيْتُمُ النّارَ الّتِي تُورُونَ (‪ )71‬أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ‬ ‫جعَلْنَاهُ ُأجَاجا فََلوْل تَ ْ‬ ‫‪َ )69‬لوْ نَشَاءُ َ‬ ‫جعَلْنَاهَا َت ْذكِ َرةً َومَتَاعا لِ ْل ُم ْقوِينَ (‪ )73‬فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْل َعظِيمِ‬ ‫شجَرَ َتهَا أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْشِئُونَ (‪ )72‬نَحْنُ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)74‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫نحن خلقناكم ‪:‬أي أوجدناكم من العدم‪.‬‬ ‫فلول تصدقون ‪:‬أي فهل تصدقون بالبعث إذ القادر على النشاء قادر على العادة بعد الفناء‬ ‫والبلى‪.‬‬ ‫أفرأيتم ما تمنون ‪:‬أي الذي تصبونه من المني بالجماع في أرحام نسائكم‪.‬‬

‫( ‪)5/248‬‬ ‫أأنتم تخلقونه ‪:‬أي بشرا أم نحن الخالقون له بشرا‪.‬‬ ‫نحن قدرنا بينكم الموت ‪:‬أي قضينا به عليكم وكتبناه عليكم وعجلنا لكل واحد أجلً معينا ل يتعداه‬ ‫ول يتأخر منه بحال من الحوال‪.‬‬ ‫وما نحن بمسبوقين ‪:‬أي بعاجزين‪.‬‬ ‫على أن نبدل أمثالكم ‪:‬أي ما أنتم عليه من الخلق والصور‪.‬‬ ‫وننشئكم فيما ل تعلمون ‪:‬أي ونوجدكم في صور ل تعلمونها وهذا تهديد لهم بمسخهم وتحويلهم‬ ‫إلى أبشع حيوان وأقبحه‪.‬‬ ‫ولقد علمتم النشأة الولى ‪:‬أي ولقد علمتم خلقنا لكم كيف تم وكيف كان‪.‬‬ ‫أفل تذكرون ‪ :‬فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على إعادة خلقكم مرة أخرى بعد موتكم‬

‫وفنائكم‪.‬‬ ‫أفرأيتم ما تحرثون ‪:‬أي من إثارة الرض بالمحراث وإلقاء البذر فيها‪.‬‬ ‫أأنتم تزرعونه ‪:‬أي تنبتونه‪.‬‬ ‫أم نحن الزارعون ‪:‬أي نحن المنبتون له يقال زرعه ال أي أنبته‪.‬‬ ‫لو نشاء لجعلناه حطاما ‪:‬أي لو نشاء لجعلنا الزرع حطاما يابسا بعد أن أصبح سنبلً وقارب أن‬ ‫يفرك فتحرمون منه‪.‬‬ ‫فظلتم تفكهون ‪:‬أي تتعجبون في مجالسكم من الجائحة التي أصابت زرعكم‪.‬‬ ‫إنا لمغرمون ‪:‬أي قائلين إنا لمغرمون أي ما أنفقناه على حرثه ورعايته معذبون به‪.‬‬ ‫بل نحن محرومون ‪:‬أي لسنا بمعذبين به وإنما نحن محرومون من زرعنا وما بذلناه فيه ليس لنا‬ ‫من حظ ول جد أي غير محظوظين ول مجدودين‪.‬‬ ‫أفرأيتم الماء الذي تشربون ‪:‬أي أخبرونا عن الماء الذي تشربونه وحياتكم متوقفة عليه‪.‬‬ ‫أأنتم أنزلتموه من المزن ‪:‬أي من السحاب في السماء إلى الرض‪.‬‬ ‫أم نحن المنزلون ‪:‬أي له إلى الرض‪.‬‬ ‫لو نشاء لجعلناه أجاجا ‪:‬أي ملحا مرا ل يمكن شربه‪.‬‬

‫( ‪)5/249‬‬ ‫فلول تشكرون ‪:‬أي فهل تشكرون أي ال باليمان والطاعة‪.‬‬ ‫أفرأيتم النار التي تورون ‪:‬أي أخبرونا عن النار التي تخرجون من الشجر‪.‬‬ ‫أأنتم أنشأتم شجرتها ‪:‬أي خلقتم شجرتها كالمرخ والعفار والكلخ‪.‬‬ ‫أم نحن المنشئون ‪:‬أي نحن المنشئون لتلك الشجار‪.‬‬ ‫نحن جعلناها تذكرة ‪:‬أي جعلنا تلك النار تذكرة أي تذكر بنار جهنم‪.‬‬ ‫ومتاعا للمقوين ‪: 1‬أي بلغةً للمسافرين يتبلغون بها في سفرهم‪.‬‬ ‫فسبح باسم ربك العظيم ‪:‬أي نزه اسم ربك عما ل يليق به كذكره بغير احترام ول تعظيم أو السم‬ ‫صلة والتقدير نزه ربك عن الشريك ومن ذلك قولك سبحان ربي العظيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫السياق هنا في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها المشركون وذلك بذكر الدلة العقلية‬ ‫الموجبة للعلم واليقين في المعلوم المطلوب تحصيله قال تعالى { َنحْنُ‪ 2‬خََلقْنَاكُمْ} وأنتم معترفون‬ ‫بذلك إذ لما نسألكم من خلقكم تقولون ال‪ .‬إذا { َفَلوْل ‪ُ 3‬تصَ ّدقُونَ} أي فهل تصدقون بالبعث والحياة‬ ‫الثانية إذ القادر على الخلق الول قادر على العادة‪ .‬وهذه أدلة قدرتنا تأملوها أولً {َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا‬ ‫ُتمْنُونَ} أي أخبرونا عما تمنون أي تصبونه في أرحام نسائكم بالجماع {أَأَنْ ُتمْ‪َ 4‬تخُْلقُونَهُ} ولدا {أَمْ‬

‫نَحْنُ الْخَاِلقُونَ} والجواب نحن الخالقون إذا القادر على خلقكم بواسطة هذا المناء والتكوين في‬ ‫الرحام قادر على خلقكم بطريق آخر وثانيا {نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َموْتَ} وقضينا به عليكم فل‬ ‫يستطيع أحد منكم أن يمنعنا من إماتته وفي الوقت المحدد له‪ .‬بحيث لو طلب التقديم أو التأخير لما‬ ‫قدر على ذلك أليس القادر على خلقكم وإماتتكم قادر على بعثكم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المقوى‪ :‬من نزل القوى والقواء والقي أيضا‪ :‬أي الرض القفر التي ل شيء فيها ول أنيس بها‬ ‫يقال‪ :‬أقوت الدار وقويت أيضا أي‪ :‬خلت من سكانها‪ ،‬قال النابغة‪:‬‬ ‫يا دار مية بالعلياء فالسند‬ ‫أقوت وطال عليها سالف المد‬ ‫وقال عنترة‪:‬‬ ‫حييت من طلل تقادم عهده‬ ‫أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ‪2‬‬ ‫جمُوعُونَ إِلَى‬ ‫موقع هذه الجملة‪ :‬الستدلل والتعليل لما تضمنه جملة { ُقلْ إِنّ الَْأوّلِينَ وَالْآخِرِينَ َلمَ ْ‬ ‫مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ} من عقيدة البعث والجزاء وتقريرها‪.‬‬ ‫‪ 3‬الفاء للتفريع فالجملة متفرعة عن قوله تعالى {نَحْنُ خََلقْنَاكُمْ} وهي متضمنة للتحضيض على‬ ‫التصديق بالبعث الخر إذ لول هنا للتحضيض على ذلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام للتقرير بتعيين خالق الجنين من النطفة إذ ل يسعهم إل القرار بأن خالق الجنين من‬ ‫نطفة هو ال‪.‬‬

‫( ‪)5/250‬‬ ‫بلى وثالثا { َومَا نَحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُ َب ّدلَ َأمْثَاَلكُ ْم وَنُنْشِ َئكُمْ‪ 1‬فِي مَا ل َتعَْلمُونَ} بحيث نخلقكم في‬ ‫صور وأشكال غير ما أنتم عليه فنخلقكم خلقا ذميما وقبيحا كالقردة والخنازير‪ ،‬وما نحن بعاجزين‬ ‫عن ذلك فهل نعجز إذا عن بعثكم بعد موتكم أحياء لنحاسبكم ونجزيكم {وََلقَدْ عَِلمْ ُتمُ النّشَْأةَ الْأُولَى}‬ ‫كيف تمت لكم بما ل تنكرونه‪.‬‬ ‫إذا {َأفَل تَ َذكّرُونَ} فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على خلقكم ثانية مع العلم أن العادة‬ ‫ليست بأصعب من النشاء من عدم ل من وجود‪ .‬ورابعا {َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا تَحْرُثُونَ}‪ 2‬من إثارة الرض‬ ‫وإلقاء البذر فيها أخبرونا أأنتم تنبتون الزرع {أَمْ َنحْنُ الزّارِعُونَ} له أي المنبتون والجواب‬ ‫معروف وهو أننا نحن الزارعون ل أنتم‪ .‬إذا فالقادر على إنبات الزرع قادر على إنباتكم في‬ ‫قبوركم على نحو إنبات الزرع وعجب الذنب هو النواة التي تنبتون منها وخامسا هو أن ذلك‬ ‫الزرع الذي أنبتناه لو نشاء لجعلناه بعد نضرته وقرب حصاده حطاما يابسا ل تنتفعون منه بشيء‬

‫‪ 3‬فظلتم تفكهون متعجبين من حرمانكم من زرعكم تقولون {إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ} أي ما أنفقناه على‬ ‫حرثه ورعايته معذبون به ‪ 4‬ثم تضربون عن قولكم ذلك إلى قول آخر وهو قولكم { َبلْ َنحْنُ‬ ‫مَحْرُومُونَ} ما لنا من حظ ول جد فيه أي لسنا محظوظين ول مجدودين‪ .‬إن أنبات الزرع ثم‬ ‫حرمانكم منه بعد طمعكم في النتفاع به مظهر من مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته وتدبيره وكلها‬ ‫دالة على قدرته على بعثكم لمحاسبتكم ومجازاتكم على عملكم في هذه الحياة الدنيا‪ .‬وسادسا الماء‬ ‫الذي تشربون وحياتكم متوقفة عليه أخبروني {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْ ُتمُوهُ} من السحاب {أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْزِلُونَ}‬ ‫والجواب نحن المنزلون ل أنتم هذا أولً وثانيا لو نشأ لجعلنا الماء ملحا مرا ل تنتفعون منه بشيء‬ ‫وإنا لقادرون فهل تشكرون هذا الحسان منا إليكم باليمان بنا والطاعة لنا‪ .‬وسابعا النار التي‬ ‫شجَرَ َتهَا أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْشِئُونَ} والجواب نحن ل أنتم فالذي‬ ‫تورون وتشعلونها أخبروني {أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ َ‬ ‫يوجد النار في الشجر قادر على أن يبعثكم أحياء من قبوركم ليحاسبكم على‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬السبق‪ :‬كناية عن الغلبة والتعجيز‪ ،‬لن السبق يستلزم أن السابق غالب للمسبوق فمعنى‪ :‬وما‬ ‫نحن (بمسبوقين) أي‪ :‬غير مغلوبين‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫كأنك لم تسبق من الدهر مرة‬ ‫إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب‬ ‫‪ 2‬الشبه قوي بين تحويل النطفة إلى جنين‪ ،‬والحبة إلى نبات فهي مناسبة عجيبة بين الدليلين‪.‬‬ ‫‪ 3‬أصل (فظلمتم) فظللتم فحذت إحدى اللمين تخفيفا كما حذفت إحدى التاءين من (تفكهون) إذ‬ ‫الصل (تتفكهون)‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا بناء على ا‪ ،‬الغرام‪ :‬هو العذاب كقوله تعالى‪{ :‬إِنّ عَذَا َبهَا كَانَ غَرَاما} أو هو من الغرامة‬ ‫التي هي ذهاب مال المرء وأخذه منه بغير عوض‪.‬‬

‫( ‪)5/251‬‬ ‫جعَلْنَاهَا} أي النار {تَ ْذكِ َرةً} لكم تذكركم بنار الخرة فالذي‬ ‫سلوككم ويجزيكم به‪ .‬وقوله تعالى {نَحْنُ َ‬ ‫أوجد هذه النار قادر على إيجاد نار أخرى لو كنتم تذكرون وجعلناها أيضا متاعا أي بلغة للمقوين‬ ‫‪ 1‬المسافرين يتبلغون بها في سفرهم حتى يعودوا إلى ديارهم‪ .‬فالقادر على الخلق واليجاد‬ ‫والتدبير لمصالح عباده قادر على إيجاد حياة أخرى يجزي فيها المحسنين اليوم والمسيئين إذ‬ ‫الحكمة تقتضي هذا وتأمر به‪.‬‬ ‫سمِ رَ ّبكَ‪ 2‬ا ْلعَظِيمِ} بعد إقامة الحجة على منكري البعث بالدلة العقلية أمر‬ ‫وقوله تعالى {فَسَبّحْ بِا ْ‬ ‫تعالى رسوله أن يسبح ربه أي ينزهه عن اللعب عن اللعب والعبث اللزم لخلق الحياة الدنيا على‬ ‫هذا النظام الدقيق ثم إفنائها ول شيء وراء ذلك‪ .‬إذ البعث والحياة الخرة هي الغاية من هذه‬

‫الحياة الدنيا فالناس يعملون ليحاسبوا ويجزوا فلبد من حياة أكمل وأتم من هذه الحياة يتم فيها‬ ‫الجزاء وقد بينها تعالى وفصلها في كتبه وعلى ألسنة رسله‪ ،‬وضرب لها المثال فل ينكرها إل‬ ‫سفيه هالك‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬إقامة الدلة والبراهين العديدة على صحة البعث وإمكانه عقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان منن ال تعالى على عباده في طعامهم وشرابهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب شكر ال تعالى على إفضاله وإنعامه‪.‬‬ ‫‪ -5‬في النار التي توقدها عبرة‪ ،‬وعظة للمتقين‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب تسبيح ‪ 3‬ال وتنزيهه عما ل يليق بجلله وكماله من العبث والشريك‪.‬‬ ‫فَل ُأقْسِمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ (‪ )75‬وَإِنّهُ َلقَسَمٌ َلوْ َتعَْلمُونَ عَظِيمٌ (‪)76‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المقوى‪ :‬الداخل في القواء وهو القفر‪ ،‬فالمقوون‪ ،‬الداخلون في القواء الذي هو القفر والقفار‬ ‫وهذه حال المسافر‪ ،‬والمقوى أيضا‪ :‬الجائع القفر البطن الخاوي من الطعام‪ ،‬فالنار يتمتع بها‬ ‫المسافرون للستضاءة والستدفاء وطبخ الطعام‪.‬‬ ‫‪ 2‬الباء في باسم‪ :‬زائدة لتوكيد اللصوق أي‪ :‬اتصال الفعل بمفعوله وذلك لوقوع المر بالتسبيح‬ ‫عقب ذكر عدة أمور تقتضيه حسبما دلت عليه فاء الترتيب والتعقيب‪ ،‬واسم الرب هو ال الدال‬ ‫على ذاته سبحانه وتعالى‪ ،‬والتسبيح‪ .‬التنزيه عما ل يليق ولفظه سبحان ال أي‪ :‬ننزه ال عما‬ ‫أضافه إليه المشركون من النداد والعجز عن البعث‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الصحيح‪" :‬لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم" قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬اجعلوها‬ ‫في ركوعكم" فكان المصلي إذا ركع قال‪ :‬سبحان ربي العظيم ثلثا أو أكثر امتثال لمر ال‬ ‫ورسوله"‪.‬‬

‫( ‪)5/252‬‬ ‫طهّرُونَ (‪ )79‬تَنْزِيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬ ‫إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ (‪ )77‬فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ (‪ )78‬ل َيمَسّهُ إِلّا ا ْلمُ َ‬ ‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ ُتكَذّبُونَ (‪)82‬‬ ‫(‪َ )80‬أفَ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ أَنْ ُتمْ مُدْهِنُونَ (‪ )81‬وَتَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فل أقسم ‪:‬أي فأقسم ول صلة لتقوية الكلم وتأكيد القسم‪.‬‬ ‫بمواقع النجوم ‪:‬أي بمساقطها لغروبها وبمنازلها أيضا ومطالعها كذلك‪.‬‬

‫وإنه ‪:‬أي القسم بها‪.‬‬ ‫لو تعلمون عظيم ‪:‬أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم عظم هذا القسم‪.‬‬ ‫إنه ‪:‬أي المتلو عليكم لقرآن كريم وهو الذي كذب به المشركون‪.‬‬ ‫في كتاب مكنون ‪:‬أي مصون وهو المصحف‪.‬‬ ‫ل يمسه إل المطهرون ‪:‬أي من الملئكة والنبياء وكل طاهر غير محدث حدثا أكبر وأصغر‪.‬‬ ‫تنزيل من رب العالمين ‪:‬أي منزل من رب العالمين وهو ال جل جلله‪.‬‬ ‫أفبهذا الحديث ‪:‬أي القرآن‪.‬‬ ‫أنتم مدهنون ‪:‬أي تلينون القول للمكذبين به ممالة منكم لهم على التكذيب به والكفر‪.‬‬ ‫وتجعلون رزقكم ‪:‬أي شكر ال على رزقكم‪.‬‬ ‫أنكم تكذبون ‪:‬أي تكذيبكم بسقيا ال وتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ} ‪ 1‬أقسم بمواقع النجوم وهي مطالعها ومغاربها وإنه أي‬ ‫قوله تعالى {فَل ُأقْ ِ‬ ‫قسمي هذا لقسم لو تعلمون أي لو كنتم من أهل العلم عظيم‪ .‬لن النجوم ومنازلها ومطالعها‬ ‫ومساقطها ومغاربها التي تغرب فيها أمور عظيمة في خلقها وتدبير ال فيها إنه لقسم بشيء‬ ‫عظيم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬ل) صلة في قول أكثر المفسرين أي‪ :‬فأقسم بمواقع النجوم وقيل‪ :‬هي نفي أي ليس المر كما‬ ‫تقولون ثم استأنف فقال‪ :‬فأقسم كقول الرجل‪ :‬ل وال ما كان كذا وكذا‪ ،‬ول يريد به نفي اليمين بل‬ ‫يريد به نفي كلم سابق وقيل‪ :‬ل بمعنى أل أداة تنبيه وشاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫أل عم صباحا أيها الطلل البالي‬ ‫وهل ينعمن من كان في العصر الخالي‬

‫( ‪)5/253‬‬ ‫والمقسم عليه هو قوله إنه أي المكذب به لقرآن كريم ‪ ،1‬ل كما قال المبطلون شعر وسحر وكذب‬ ‫طهّرُونَ} سواء ما كان في اللوح المحفوظ‬ ‫واختلق {فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ} أي مصون {ل َيمَسّهُ إِلّا ا ْلمُ َ‬ ‫أو في مصاحفنا فل ينبغي أن يمسه إل المطهرون من الحداث الصغرى ‪ 2‬والكبرى {تَنْزِيلٌ مِنْ‪3‬‬ ‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} أي منزل منه سبحانه وتعالى ولذا وجب تقديسه وتعظيمه فل يمسه إل طاهر من‬ ‫حدِيثِ} أي القرآن أنتم مدهنون تلينون القول‬ ‫الشرك والكفر وسائر الحداث‪ .‬وقوله تعالى {َأفَ ِبهَذَا الْ َ‬ ‫للمكذبين به ممالة منكم لهم على التكذيب به والكفر وتجعلون رزقكم ‪ 4‬أي وتجعلون شكر ال‬ ‫تعالى على رزقه لكم أنكم تكذبون أي تكذيبكم بسقيا ال لكم بالمطار وتقولون مطرنا ينوء كذا‬

‫ونوء كذا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن ال تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته‪ ،‬وإن العبد ل يقسم إل بربه تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير الوحي اللهي وإثبات النبوة المحمدية‪ ،‬وأن القرآن الكريم منزل من عند ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب صيانة القرآن الكريم‪ ،‬وحرمة مسه على غير طهارة‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة المداهنة في دين ال تعالى وهي أن يتنازل عن شيء من الدين ليحفظ شيئا من دنياه‬ ‫والمداراة جائزة وهي أن يتنازل عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من ديته‪.‬‬ ‫فََلوْل ِإذَا بََل َغتِ الْحُ ْلقُومَ (‪ )83‬وَأَنْتُمْ حِينَ ِئذٍ تَنْظُرُونَ (‪ )84‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِ ْنكُ ْم وََلكِنْ ل تُ ْبصِرُونَ‬ ‫جعُو َنهَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )87‬فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلمُقَرّبِينَ‬ ‫(‪ )85‬فََلوْل إِنْ كُنْ ُتمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (‪ )86‬تَ ْر ِ‬ ‫صحَابِ‬ ‫ن وَجَ ّنتُ َنعِيمٍ (‪ )89‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنْ َأ ْ‬ ‫(‪ )88‬فَ َروْحٌ وَرَيْحَا ٌ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬كريم) لما فيه من كريم الخلق‪ ،‬ومعالي المور ولنه يكرم حافظه ويعظم قارئه ويسعد‬ ‫وينجو العامل به‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬اختلف في مس المصحف على غير وضوء‪ ،‬فالجمهور على المنع لحديث عمرو‬ ‫بن حزم‪ ،‬وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء وزهري‬ ‫والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي وأحمد‪.‬‬ ‫‪( 3‬تنزيل) بمعنى‪ :‬منزل من إطلق المصدر وإرادة المفعول كالرد بمعنى المردود‪.‬‬ ‫‪ 4‬صلح وضع لفظ الرزق موضع الشكر لن شكر الرزق يسبب الزيادة في الرزق فأطلق السبب‬ ‫وأريد المسبب‪.‬‬

‫( ‪)5/254‬‬ ‫الْ َيمِينِ (‪ )90‬فَسَلمٌ َلكَ مِنْ َأصْحَابِ الْ َيمِينِ (‪ )91‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمكَذّبِينَ الضّالّينَ (‪ )92‬فَنُ ُزلٌ‬ ‫جحِيمٍ (‪ )94‬إِنّ هَذَا َل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )95‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪)96‬‬ ‫حمِيمٍ (‪ )93‬وَ َتصْلِيَةُ َ‬ ‫مِنْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فلول ‪:‬أي فهل وهي للحض على العمل والحث عليه‪.‬‬ ‫إذا بلغت الحلقوم ‪:‬أي مجرى الطعام وذلك وقت النزع‪.‬‬ ‫وأنتم تنظرون ‪:‬أي وأنتم أيها الممرضون والعواد تنظرون إليه‪.‬‬ ‫ونحن أقرب إليه منكم ‪ :‬أي ورسلنا ملك الموت وأعوانه أقرب إلى المحتضر منكم‪.‬‬ ‫ولكن ل تبصرون ‪:‬أي الملئكة‪.‬‬

‫فلول إن كنتم غبر مدينين ‪:‬أي فهل إن كنتم غير مدينين أي محاسبين بعد الموت‪.‬‬ ‫ترجعونها إن كنتم صادقين ‪:‬أي ترجعون الروح إلى الجسم بعد وشوك مفارقتها له إن كنتم‬ ‫صادقين في أنكم ل تبعثون ول تحاسبون‪.‬‬ ‫فأما إن كان ‪:‬أي الميت‪.‬‬ ‫من المقربين ‪:‬أي من السابقين وهو الصنف الول من الصناف الثلثة التي تقدمت في أول‬ ‫السورة‪.‬‬ ‫فروح وريحان ‪ :‬أي استراحة وريحان أي رزق حسن وجنة نعيم‪.‬‬ ‫وأما إن كان من أصحاب اليمين ‪:‬أي من الصنف الثاني فسلم لك يا صاحب اليمين من أصحاب‬ ‫اليمين‪ .‬أي من إخوانك يسلمون عليك فإنهم في جنات النعيم‪.‬‬ ‫فنزل من حميم ‪:‬أي فله نزل من ماء حار شديد الحرارة‪.‬‬ ‫وتصلية جحيم ‪:‬أي احتراق بها‪.‬‬ ‫إن هذا لهو حق اليقين ‪:‬أي إن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة لهو حق اليقين‪.‬‬

‫( ‪)5/255‬‬ ‫فسبح باسم ربك العظيم ‪:‬أي نزه وقدس اسم ربك العظيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن كلم ال وتنزيله عاد السياق الكريم إلى تقرير البعث‬ ‫والجزاء فقال تعالى ‪{ 1‬فََلوْل ِإذَا بََل َغتِ} أي الروح ‪{ 2‬ا ْلحُ ْلقُومَ} وهو مجرى الطعام { َوأَنْتُمْ} في ‪3‬‬ ‫ذلك الوقت {تَ ْنظُرُونَ} مريضكم وهو يعاني من سكرات الموت‪ ،‬ونحن أقرب إليه منكم أي رسلنا‬ ‫أقرب إليه منكم ولكن ل تبصرون إذ ل قدرة لكم على رؤية الملئكة ما لم يتشكلوا في صورة‬ ‫إنسان‪ .‬وقوله {فََلوْل إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي محاسبين بعد الموت ومجزيين بأعمالكم ترجعونها‬ ‫الروح بعد ما بلغت الحلقوم إن كنتم صادقين في أنكم غير مدينين ل بأعمالكم‪ ،‬أي فل يحاسبكم‬ ‫عليها ول يجزيكم بها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فََأمّا إِنْ‪ 4‬كَانَ} أي المحتضر من المقربين وهم السابقون {فَ َروْحٌ وَرَ ْيحَانٌ}‪ 5‬أي فإن‬ ‫له الستراحة التامة من عناء تعب الدنيا وتكاليفها وريحان وهو الرزق الحسن وجنة نعيم‪ .‬وأما‬ ‫إن كان من أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين فسلم لك يا صاحب‬ ‫اليمين من إخوانك أصحاب اليمين الذين سبقوك إلى دار السلم‪.‬‬ ‫وأما إن كان المحتضر من المكذبين ل ورسوله المنكرين للبعث الخر الضالين عن الهدى ودين‬ ‫حمِيمٍ} أي ضيافة على الماء الحار هذه ضيافته وتصلية ‪ 6‬جحيم أي واحتراق‬ ‫الحق { فَنُ ُزلٌ مِنْ َ‬ ‫بالجحيم‪.‬‬

‫وقوله تعالى {إِنّ َهذَا ‪َ 7‬ل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ}‪ 8‬أي هذا الذي حدثناك به عن المحتضرين الثلثة وما لهم‬ ‫وما نالهم لحق اليقين‪ .‬وقوله {فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ} يأمر تعالى رسوله بالتسبيح باسم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لم يجر للروح ذكر إل أن المقام دال عليها كما قال حاتم‪.‬‬ ‫أما وي ما يغني الثراء عن الفتى‬ ‫إذا حشرت يوما وضاق بها الصدر ‪2‬‬ ‫(لول) حرف تحضيض مستعمل هنا في التعجيز‪ ،‬لن المحضوض إذا لم يفعل ما حض عليه كان‬ ‫عاجزا (وإذا بلغت) ظرف متعلق ب(ترجعونها) مقدم عليه لتهويله والتشويق إلى الفعل‬ ‫المحضوض عليه‪.‬‬ ‫‪( 3‬وأنتم) الجملة الحالية وكذا جملة (ونحن أقرب إليه منكم) حالية أيضا‪.‬‬ ‫‪ 4‬الفاء للتفريع إذ ما بعدها من بيان حال من مات من سعادة أو شقاء متفرع عن الموت وانتهاء‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫‪ 5‬الروح‪ :‬الراحة أي‪ :‬هو في راحة ونعيم‪ ،‬وعلى قراءة روح بضم الراء فالمعنى‪ :‬أن روح‬ ‫المؤمن معها الريحان وهو الطيب والريحان شجر لورقه وقضبانه رائحة ذكية طيبة‪.‬‬ ‫‪ 6‬التصلية‪ :‬مصدر صله المشدد‪ :‬إذا أحرقه وشواه يقال‪ :‬صلى اللحم تصلية‪ :‬إذا شواه والجحيم‪:‬‬ ‫النار المؤججة‪ ،‬وهو علم على جهنم دار العذاب‪.‬‬ ‫‪ 7‬هذه الجملة تذييل لجميع ما تقدم في هذه السورة من وعد ووعيد واستدلل على تقرير النبوة‬ ‫والبعث والتوحيد ويدخل فيه دخول أوليا القرب ذكرا وهو ما ذكر في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 8‬اشتملت جملة‪( :‬إن هذا لهو حق اليقين) على أربع مؤكدات وهي‪ :‬إن‪ ،‬ولم البتداء‪ ،‬وضمير‬ ‫الفصل‪ ،‬وإضافة شبه المترادفين وهما‪ :‬الحق واليقين‪ ،‬وخامس وهو الجملة السمية لفادتها الدوام‬ ‫والثبوت‪.‬‬

‫( ‪)5/256‬‬ ‫ربه العظيم صح أنه لما نزلت هذه الية قال صلى ال علي وسلم لصحابه "اجعلوها في ركوعكم"‬ ‫‪ ،‬والتسبيح التقديس والنزيه ل تعالى عما ل يليق بجلله وكماله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عجز كل الناس أمام قدرة ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن في عجز النسان على رد روح المحتضر ليعيش بعد ذلك ولو ساعة دليل على أنه ل إله‬

‫إل ال‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان فضل السابقين عن أصحاب اليمين‪.‬‬ ‫‪ -5‬القرآن الكريم أحكامه كلها عدل وأخباره كلها صدق‪.‬‬ ‫‪ -6‬مشروعية قول العبد سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم وهما من الكلم الطيب وكذا سبحان‬ ‫ربي العظيم حال الركوع‪.‬‬

‫( ‪)5/257‬‬ ‫سورة الحديد‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الحديد‬ ‫مدنية‬ ‫وآياتها تسع وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ يُحْيِي‬ ‫حكِيمُ (‪ )1‬لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)3‬‬ ‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )2‬هوَ الَْأ ّولُ وَالْآخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬ ‫ت وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫وَ ُيمِي ُ‬ ‫ض َومَا‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ َيعَْلمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫ُهوَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬ ‫سمَاءِ َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬ ‫يَخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنْ ِزلُ مِنَ ال ّ‬

‫( ‪)5/257‬‬ ‫جعُ الُْأمُورُ (‪ )5‬يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫َبصِيرٌ (‪َ )4‬لهُ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَ ُهوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)6‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سبح ل ما في السموات ‪ 1‬والرض ‪:‬أي نزه ال تعالى جميع ما في السموات والرض بلسان‬ ‫الحال والقال‪2.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي في ملكه‪ ،‬الحكيم في صنعه وتدبيره‪.‬‬ ‫له ملك السموات والرض ‪:‬أي يملك جميع ما في السموات والرض يتصرف كيف يشاء‪.‬‬ ‫يحيى ويميت ‪:‬يحييى بعد العدم ويميت بعد اليجاد والحياء‪.‬‬ ‫وهو على كل شيء قدير ‪:‬وهو على فعل كل ما يشاء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫هو الول والخر ‪:‬أي ليس قبله شيء وهو الخر الذي ليس بعده شيء‪3.‬‬

‫والظاهر والباطن ‪:‬أي الظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء‪.‬‬ ‫وهو بكل شيء عليم ‪:‬أي ل يغيب عن علمه شيء ولو كان مثقال ذرة في السموات والرض‪.‬‬ ‫في ستة أيام ‪:‬أي من أيام الدنيا مقدرة بها أولها الحد وآخرها الجمعة‪.‬‬ ‫ثم استوى على العرش ‪: 4‬أي ارتفع عليه وعل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬ال) الله المنفرد باللية ومعنى‪ :‬سبح نزه وورد لفظ التسبيح بالمصدر في (سبحان الذي‬ ‫أسرى بعبده) وبالماضي في الحشر والحديد والصف‪ ،‬والمضارع في الجمعة والتغابن‪ ،‬والمر في‬ ‫العلى فسبح تعالى بكل ألفاظ التسبيح‪.‬‬ ‫‪ 2‬رد أهل العلم القول بأن تسبيح غير العالمين هو تسبيح دللة ل تسبيح قالة‪ ،‬إذ لو كان تسبيح‬ ‫دللة وظهور لما قال‪( :‬ولكن ل تفقهون تسبيحهم) إذ تسبيح الدللة مفهوم معلوم‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬اللهم أنت‬ ‫الول فليس قبلك شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت‬ ‫الباطن فليس دونك شيء أقض عنا الدين وأغننا من الفقر"‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال القرطبي‪ :‬قد جمع تعالى بين الستواء على العرش وبين (وهو معكم) والخذ بالظاهر‬ ‫تناقض فدل على أنه لبد من التأويل والعراض عن التأويل اعتراف بالتناقص‪ .‬وأقول‪ :‬إن كان‬ ‫يعني بالتأويل قول السلف‪ :‬معنا بعلمه وقدرته فهذا صحيح ومع هذا فإنه ل تناقض أبدا إذ هو‬ ‫تعالى على عرشه بائن من خلقه‪ ،‬والخلق كله بين يديه كحبة خردل يتصرف فيه كما يشاء ل‬ ‫يغيب عن علمه ذرة في الرض ول في السماء‪ ،‬ول يعجزه شيء فيهما ولذا قال بعضهم‪ :‬إن‬ ‫محمدا صلى ال عليه وسلم ليلة السراء لم يكن بأقرب إلى ال عز وجل من يونس بن متى حين‬ ‫كان في بطن الحوت‪.‬‬

‫( ‪)5/258‬‬ ‫يعلم ما يلج في الرض ‪:‬أي ما يدخل في الرض من كل ما يدخل فيها من مطر وأموات‪.‬‬ ‫وما يخرج منها ‪:‬أي من نبات ومعادن‪.‬‬ ‫وما ينزل من السماء ‪:‬أي من رحمة وعذاب‪.‬‬ ‫وما يعرج فيها ‪:‬أي يصعد فيها من العمال الصالحة والسيئة‪.‬‬ ‫وهو معكم أينما كنتم ‪:‬أي بعلمه بكم وقدرته عليكم أينما كنتم‪.‬‬ ‫وال بما تعملون بصير ‪:‬أي ل يخفي عليه من أعمال عباده الظاهرة والباطنة شيء‪.‬‬ ‫وإلى ال ترجع المور ‪: 1‬أي مرد كل شيء إلى ال خالقه ومدبره يحكم فيه بما يشاء‪.‬‬ ‫يولج الليل في النهار ‪:‬أي يدخل جزءا من الليل في النهار وذلك في الصيف‪.‬‬

‫ويولج النهار في الليل ‪:‬ويدخل جزءا من النهار في الليل وذلك في الشتاء كما يدخل كامل أحدهما‬ ‫في الخر فل يبقى إل ليل أو نهار إذ أحدهما دخل في ثانيهما‪.‬‬ ‫وهو عليم بذات الصدور ‪:‬أي ما في الصدور من المعتقدات والسرار والنيات‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى في هذه اليات الخمس عن وجوده وعظمته من قدرة وعلم وحكمة ورحمة وتدبيره‬ ‫وملكه ومرد المور إليه وكلها مظاهر الربوبية الموجبة لللوهية فأول تسبيح كل شيء في‬ ‫السموات والرض أي تنزيهه عن كل نقص كالزوجة والولد والشريك والوزير المعين والعجز‬ ‫والجهل‪ ,‬ثانيا إنه تعالى العزيز ذو العزة التي ل ترام العظيم النتقام الحكيم في تدبير ملكه فل‬ ‫شيء في خلقه هو عبث أو لهو أو باطل‪ .‬ثالثا له ملك السموات والرض ملكا حقيقيا يتصرف‬ ‫كيف يشاء يهب من شاء ويمنع من شاء‪ .‬رابعا يحيى من العدم ويميت الحي الموجود‪ ,‬خامسا هو‬ ‫على كل شيء قدير ل يعجزه شيء ول يعجز عن شيء متى أراد الشيء وقال له كن فيكون ول‬ ‫يتخلف‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور ونافع وحفص وغيرهما (نُرجع) بالبناء للمفعول وقرأ بعض (ترجع) بالبناء‬ ‫للفاعل‪ ،‬رجوع المر معناه‪ :‬مرد كل شيء إلى ال تعالى إذ هو خالقه ومدبره والحاكم فيه إذ هو‬ ‫رب العالمين وإله الولين والخرين‪.‬‬

‫( ‪)5/259‬‬ ‫سادسا‪ :‬هو الول الذي ليس قبله شيء والخر الذي ليس بعده شيء إذ له ميراث السموات‬ ‫والرض ‪ .‬سابعا‪ :‬علمه محيط بكل شيء‪ .‬ثامنا‪ :‬خلقه السموات والرض في ستة أيام الدنيا ابتداء‬ ‫من الحد وانتهاء بالجمعة وما مسه من لغوب ول تعب ول نصب ثم استوى على العرش يدبر‬ ‫ملكوت خلقه بالحكمة ومظاهر العدل والرحمة‪ .‬تاسعا‪ :‬مع علوه وبعده من خلقه فالخلق كله بين‬ ‫يديه يعلم ما يلج في الرض أي يدخل فيها من أمطار وأموات وما ينزل من السماء من مطر‬ ‫ورحمة وعذاب وملك وغيره‪ ,‬وما يعرج أي يصعد فيها من ملك ومن عمل صالح ودعاء وخاصة‬ ‫دعوة المظلوم فإنها ل تحجب عن ال أبدا‪ .‬وعاشرا‪ :‬معية ال تعالى الخاصة والعامة فالخاصة‬ ‫معيته بنصره لوليائه‪ ,‬والعامة علمه بكل عباده وسائر خلقه‪ ,‬وقدرته عليهم وعلمه بهم‪ .‬الحادي‬ ‫عشر‪ :‬بصره تعالى بكل أعمال عباده فل يخفى عليه شيء منها ليحاسبهم بها ويجزيهم عليها‪.‬‬ ‫الثاني عشر‪ :‬له ملك السموات والرض أي كل ما في السموات وما في الرض من سائر الخلق‬ ‫هو ملك ل تعالى وحده ل شريك له فيه ول في غيره‪ .‬الثالث عشر‪ :‬رد كل المور إليه فل‬ ‫يقضي فيها غيره ول يحكم فيها سواه والظاهر منها كالباطن‪ .‬الرابع عشر‪ :‬إيلجه الليل في النهار‬

‫والنهار في الليل لمصلحة عباده وفائدتهم إذ لول هذا التدبير الحكيم لما صلح أمر الحياة ول‬ ‫استقام هذا الوجود‪.‬‬ ‫وأخيرا علمه ‪ 1‬الذي أحاط بكل شيء وتغلغل في كل خفي حتى ذات الصدور من خاطر ووسواس‬ ‫وهم وعزم ونية وإرادة فسبحانه من إله ل إله غيره ول رب سواه‪ ,‬بهذه المظاهر من الكمالت‬ ‫استحق العبادات فل تصح العبادة لغيره‪ ,‬ول تنبغي الطاعة لسواه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل التسبيح وأفضله سبحان ال وبحمده ‪ 2‬سبحان ال العظيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مظاهر القدرة والعلم والحكمة في هذه اليات الخمس هي موجبات ربوبية ال تعالى وألوهيته‬ ‫وهي مقتضية للبعث الخر والجزاء فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬في خلقه تعالى السموات والرض في ستة أيام وهو القادر على خلقهما بكلمة التكوين تعليم‬ ‫لعباده التأني في المور وعدم العجلة فيها لتخرج متقنة صالحة نافعة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬إن اسم ال العظم هو في ست آيات‪ :‬من أول‬ ‫سورة الحديد كأنه يعني مجموع هذه السماء والصفات الخمسة عشر‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الصحيح‪ " :‬كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان‪ :‬سبحان ال‬ ‫وبحمده سبحان ال العظيم"‪.‬‬

‫( ‪)5/260‬‬ ‫‪ -4‬بطلن دعاء غير ال تعالى ورجاء غيره إذ له ملك السموات والرض وليس لغيره شيء من‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب مراقبة ال تعالى والحياء منه وتقواه وذلك لعلمه بظواهرنا وبواطننا وقدرته على‬ ‫مجازاتنا عاجلً وآجلً‪.‬‬ ‫جعََلكُمْ مُسْ َتخَْلفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَأَ ْنفَقُوا َلهُمْ َأجْرٌ كَبِيرٌ (‪)7‬‬ ‫آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه وَأَ ْنفِقُوا ِممّا َ‬ ‫خذَ مِيثَا َقكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ُ )8‬هوَ‬ ‫َومَا َل ُكمْ ل ُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالرّسُولُ َيدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّب ُك ْم َوقَدْ أَ َ‬ ‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ وَإِنّ اللّهَ ِبكُمْ لَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ (‬ ‫الّذِي يُنَ ّزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لِيُخْ ِر َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ل يَسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ‬ ‫‪َ )9‬ومَا َلكُمْ أَلّا تُ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلِلّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬ ‫حسْنَى وَاللّهُ ِبمَا‬ ‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْنفَقُوا مِنْ َبعْ ُد َوقَاتَلُوا َوكُلّا وَعَدَ اللّهُ الْ ُ‬ ‫قَ ْبلِ ا ْلفَتْحِ َوقَا َتلَ أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬ ‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫آمنوا بال ورسوله ‪ :‬أي صدقوا بال ورسوله يا من لم تؤمنوا بعد واثبتوا على إيمانكم يا من آمنتم‬ ‫قبل‪.‬‬ ‫وأنفقوا ‪:‬أي وتصدقوا في سبيل ال‪.‬‬ ‫مما جعلكم مستخلفين فيه ‪:‬أي من المال الذي استخلفكم ال فيه إذ هو مال من قبلكم وسيكون لمن‬ ‫بعدكم‪.‬‬

‫( ‪)5/261‬‬ ‫فالذين آمنوا منكم وأنفقوا ‪:‬أي صدقوا بال ورسوله وتصدقوا بأموالهم المستخلفين فيها‪.‬‬ ‫لهم أجر كبير ‪:‬أي ثواب عظيم عند ال وهو الجنة‪.‬‬ ‫وما لكم ل تؤمنون بال؟ ‪:‬أي أي شيء يمنعكم من اليمان‪.‬‬ ‫والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ‪:‬أي والحال أن الرسول بنفسه يدعوكم لتؤمنوا بربكم‪.‬‬ ‫وقد أخذ ميثاقكم ‪:‬أي على اليمان به وأنتم في عالم الذر حيث أشهدكم فشهدتم‪.‬‬ ‫إن كنتم مؤمنين ‪:‬أي مريدين اليمان فل تترددوا وأمنوا وأسلموا تنجوا وتسعدوا‪.‬‬ ‫هو الذي ينزل على عبده ‪:‬أي هو ال ربكم الذي يدعوكم رسوله لتؤمنوا به ينزل على عبده محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫آيات بينات ‪:‬هي آيات القرآن الكريم الواضحات المعاني البينات الدللة‪.‬‬ ‫ليخرجكم من الظلمات إلى النور ‪:‬أي ليخرجكم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور اليمان والعلم‪.‬‬ ‫وإن ال بكم لرءوف رحيم ‪:‬ويدلكم على ذلك إرسال رسوله إليكم وإنزال كتابه ليخرجكم من‬ ‫الظلمات إلى النور‪.‬‬ ‫وما لكم أل تنفقوا في سبيل ال ‪:‬أي أي شيء لكم في عدم النفاق في سبيل ال‪.‬‬ ‫ول ميراث السموات والرض ‪:‬أي ومن ذلك المال الذي أيديكم فهو عائد إلى ال فأنفقوه في سبيله‬ ‫يؤجركم عليه‪ .‬وإل فسيعود إليه بدون أجر لكم‪.‬‬ ‫من قبل الفتح وقاتل ‪:‬أي ل يستوي مع من أنفق وقاتل بعد صلح الحديبية حيث عز السلم وكثر‬ ‫مال المسلمين‪.‬‬ ‫وكلً وعد ال الحسنى ‪:‬أي الجنة‪ ,‬والجنة درجات‪.‬‬ ‫من ذا الذي يقرض ال ‪:‬أي بإنفاقه ماله في سبيل ال الذي هو الجهاد‪.‬‬ ‫قرضا حسنا ‪:‬أ يقرضا ل يريد به غير وجه ال تعالى‪.‬‬ ‫فيضاعفه له ‪:‬أي الدرهم بسبعمائة درهم‪.‬‬ ‫وله أجر كريم ‪:‬أي يوم القيامة وهو الجنة دار النعيم المقيم‪.‬‬

‫( ‪)5/262‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذكر الدلة والبراهين على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده فيها‬ ‫وتقرير البعث والجزاء يوم لقائه رحمة منه ورأفة بعباده أمرهم جميعا مؤمنيهم وكافريهم باليمان‬ ‫به وبرسوله محمد صلى ال عليه وسلم فالمؤمنون مأمورون بزيادة اليمان والثبات عليه‬ ‫والكافرون مأمورون باليمان والمبادرة إليه‪ .‬وبما أن اليات نزلت بالمدينة بعد الهجرة وبعد‬ ‫صلح الحديبية فإن هذه الوامر والتوجيهات اللهية تشمل المؤمنين الصادقين والمنافقين الكاذبين‬ ‫في إيمانهم تشمل الراغبين في اليمان في مكة وغيرها وهم يترددون في ذلك فوجه الخطاب إلى‬ ‫الجميع لهدايتهم ودخولهم في رحمة ال السلم بسرعة ودون تباطئ فقال تعالى {آمِنُوا بِاللّهِ‬ ‫وَرَسُولِهِ} أي صدقوا بوحدانية ال ورسالة رسول ال وأنفقوا مما جعلكم ‪ 1‬مستخلفين فيه من‬ ‫الموال‪ ,‬ووجه الستخلف أن العبد يرث المال عمن سبقه ويموت ويتركه لمن بعده فل يدفن معه‬ ‫في قبره‪ .‬وقوله تعالى {فَالّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَأَ ْنفَقُوا َلهُمْ َأجْرٌ كَبِيرٌ} أي ثواب عظيم عند ال وهو‬ ‫الجنة والرضوان فيها‪ .‬وهذا الخبار يفيد تنشيط الهمم الفاترة والعزائم المترددة‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومَا َل ُكمْ‬ ‫ل ‪ُ 2‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالرّسُولُ‪ 3‬يَدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّبكُ ْم َوقَدْ أَخَذَ مِيثَا َقكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ‪ }4‬أي أي‬ ‫شيء يجعلكم ل تؤمنون وفرص اليمان كلها متاحة لكم فإيمانكم الفطرى صارخ في نفوسكم إذ‬ ‫كل من سألكم‪ :‬من خلقكم؟ من خلق العالم حولكم؟ سماء وأرضا تقولون ال‪ .‬وأنتم في حرمه‬ ‫وحمى بيته والرسول الكريم بين أيديكم يدعوكم صباح مساء إلى اليمان بربكم وقد أخذ ال‬ ‫ميثاقكم عليكم بأن تؤمنوا به وذلك يوم أخرجكم في صورة الذر من صلب آدم أبيكم وأشهدكم على‬ ‫أنفسكم فشهدتم‪ .‬إذا ما هذا التردد إن كنتم تريدون اليمان فآمنوا قبل فوات الوان‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُنَ ّزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ} أي إنكم تدعون إلى اليمان بال الذي ينزل‬ ‫على عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم آيات واضحات المعاني بينات الدلئل كل ذلك‬ ‫ليخرجكم من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والجهل إلى نور اليمان والعلم‪ ,‬فما لكم ل‬ ‫تؤمنون إذا ما هذا التردد والتلكؤ يا عباد ال في اليمان بال وبرسول ال‪ ,‬وإن ال بكم لرءوف‬ ‫رحيم فاعرفوا هذا وآمنوا به ويدلكم على ذلك إنزاله الكتاب وإرساله الرسول وتوضيح الدلة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله‪( :‬مستخلفين) دال على أن أصل الملك ل تعالى وما العبد إل مستخلف فيه فتعين أن‬ ‫يتصرف فيه بإذن المالك الحق فال ينفق إل حيث يأذن ويرضى سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ ( 2‬وما لكم ل تؤمنون) الستفهام للتوبيخ أي‪ :‬أي عذر لكم في أل تؤمنوا وكل دواعي اليمان‬ ‫وأسبابه متوفرة لديكم‪.‬‬

‫‪ 3‬جملة‪( :‬والرسول)‪ :‬حالية‪.‬‬ ‫‪( 4‬إن كنتم مؤمنين) أي‪ :‬إن كنتم مريدي اليمان فهذه دواعيه قد كملت وأسبابه قد حضرت أخذ‬ ‫عليكم الميثاق فيه والرسول يدعوكم إليه‪ .‬فبادروا ول تباطأوا‪.‬‬

‫( ‪)5/263‬‬ ‫وإقامة الحجج والبراهين‪.‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬ومَا َلكُمْ أَلّا تُ ْن ِفقُوا ‪ 1‬فِي سَبِيلِ اللّهِ} التي هي سبيل إسعادكم وإكمالكم بعد نجاتكم من‬ ‫العذاب في الحياتين مع العلم أن ل ميراث السموات والرض إذ ما بأيديكم هو ل هو واهبه لكم‬ ‫ومسترده منكم فلم ل تنفقون منه‪.‬‬ ‫ح َوقَا َتلَ} ‪ 3‬أي صلح الحديبية لقول ال تعالى‬ ‫وقوله تعالى {ل َيسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ‪2‬ا ْلفَتْ ِ‬ ‫{إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَتْحا مُبِينا} والمراد به صلح الحديبية‪ .‬أي ل يستوون في ‪ 4‬الجر والمثوبة مع من‬ ‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْن َفقُوا مِنْ َبعْدُ َوقَاتَلُوا َوكُلّا} من الفريقين {وَعَدَ‬ ‫قاتل وأنفق بعد الفتح {أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬ ‫اللّهُ الْحُسْنَى} أي الجنة {وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} ل يخفى عليه إنفاقكم وقتالكم وعدمهما كما ل‬ ‫يخفى عليه نياتكم وما تخفون في نفوسكم فاحذروه وراقبوه خيرا لكم‪.‬‬ ‫عفَهُ لَهُ}‬ ‫حسَنا} أي مخلصا فيه ل طيبة به نفسه {فَ ُيضَا ِ‬ ‫وقوله تعالى {مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا َ‬ ‫ربه في الدرهم سبعمائة درهم‪{ ,‬وََلهُ َأجْرٌ كَرِيمٌ} أل وه الجنة دار السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب اليمان بال ورسوله وتقويته‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب النفاق في سبيل ال من زكاة ونفقة جهاد وصدقة على الفقراء والمساكين‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان لطف ال ورأفته ورحمته بعباده مما يستلزم محبته وطاعته وشكره‪.‬‬ ‫‪ -4‬النفاق في المجاعات والشدائد والحروب أفضل منه في اليسر والعافية‪.‬‬ ‫‪ -5‬الترغيب في النفاق في سبيل ال بمضاعفة الجر حتى يكون الدينار بألف دينار عند ال‬ ‫تعالى وما عند ال خير وأبقى‪ ،‬وللخرة خير من الولى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتوبيخ واللوم والعتاب وهذا مخاطب به المؤمنون‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون المراد بالفتح‪ :‬فتح مكة‪ ،‬وكونه صلح الحديبية أولى وأرجح‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الكلم حذف دل عليه المذكور وهو‪( :‬من أنفق بعد الفتح وقاتل) وقد ذكرته في التفسير‬ ‫بدون الشارة إلى الحذف‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى أشهب عن مالك أنه قال‪ :‬ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم وقد قال تعالى‪{ :‬ل يَسْ َتوِي‬

‫ح َوقَا َتلَ}‪ .‬ولهذا قدم أبو بكر على سائر الصحابة لنه أول من آمن‬ ‫مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ‪4‬ا ْلفَتْ ِ‬ ‫وأول من أنفق وأول من قاتل قدمه رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصلة‪ ،‬وقدمه المؤمنون‬ ‫بالخلفة‪ ،‬وقال فيه علي رضي ال عنه‪ :‬سبق النبي صلى ال عليه وسلم وثنى أبو بكر وثلث عمر‬ ‫فل أوتى برجل فضلني على أبي بكر إل جلدته حد المفتري ثمانين جلدة وطرح الشهادة) ومما‬ ‫يشهد لقول مالك قوله صلى ال عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" وفي‬ ‫بعض الروايات‪" :‬ويعرف لعالمنا حقه"‪.‬‬

‫( ‪)5/264‬‬ ‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ بُشْرَا ُكمُ الْ َيوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ‬ ‫َيوْمَ تَرَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ يَ ْ‬ ‫تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪َ )12‬يوْمَ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا‬ ‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا نُورا َفضُرِبَ بَيْ َنهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ‬ ‫انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ قِيلَ ارْ ِ‬ ‫سكُمْ‬ ‫حمَ ُة وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْل َعذَابُ (‪ )13‬يُنَادُو َنهُمْ أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ قَالُوا بَلَى وََلكِ ّنكُمْ فَتَنْ ُتمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫فِيهِ الرّ ْ‬ ‫خذُ‬ ‫وَتَرَ ّبصْتُ ْم وَارْتَبْتُ ْم وَغَرّ ْتكُمُ الَْأمَا ِنيّ حَتّى جَاءَ َأمْرُ اللّ ِه وَغَ ّركُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ (‪ )14‬فَالْ َيوْمَ ل ُيؤْ َ‬ ‫مِ ْنكُمْ فِدْ َي ٌة وَل مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا مَ ْأوَاكُمُ النّارُ ِهيَ َموْلكُ ْم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)15‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يسعى نورهم بين أيديهم ‪ 1‬وبأيمانهم ‪:‬أي يتقدمهم نورهم الذي اكتسبوه باليمان والعمل الصالح‬ ‫بمسافات بعيدة يضيء لهم الصراط الذي يجتازونه إلى الجنة‪.‬‬ ‫بشراكم اليوم جنات تجري ‪:‬أي تقول لهم الملئكة الذين أعدوا لستقبالهم بشراكم‪...‬‬ ‫من تحتها النهار‬ ‫ذلك هو الفوز العظيم ‪:‬أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم الذي ى أعظم منه‪.‬‬ ‫المنافقون والمنافقات ‪:‬أي الذين كانوا يخفون الكفر في نفوسهم ويظهرون‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬يسعى نورهم) عندما يسعون هم إذ هو منهم يتقدمهم فل ينفصل عنهم بحيث إذا وقفوا وقف‬ ‫وإذا مشوا تقدمهم بين أيديهم‪.‬‬

‫( ‪)5/265‬‬ ‫اليمان والسلم بألسنتهم‪.‬‬ ‫نقتبس من نوركم ‪:‬أي أنظروا إلينا بوجوهكم نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق‪.‬‬ ‫قيل ارجعوا رواءكم فالتمسوا نورا ‪:‬أي يقال لهم استهزاءً بهم ارجعوا رواءكم إلى الدنيا حيث‬

‫يطلب النور هناك باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي فيرجعون وراءهم‬ ‫فلم يجدوا شيئا‪.‬‬ ‫فضرب بينهم بسور له باب ‪:‬أي فضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال له باب باطنه الذي هو‬ ‫من جهة المؤمنين الرحمة‪.‬‬ ‫وظاهره من قبله العذاب ‪:‬أي الذي من جهة المنافقين في عرصات القيامة العذاب‪.‬‬ ‫ينادونهم ألم نكن معكم ‪:‬أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين ألم نكن معكم في الدنيا على الطاعات‬ ‫أي فنصلي كما تصلون ونجاهد كما تجاهدون وننفق كما تنفقون‪.‬‬ ‫قالوا بلى ‪:‬أي كنتم معنا على الطاعات‪.‬‬ ‫ولكنكم فتنتم أنفسكم ‪ :‬أي بالنفاق وهو كفر الباطن وبغض السلم والمسلمين‪.‬‬ ‫وتربصتم ‪:‬أي الدوائر بالمسلمين أي كنتم تنتظرون متى يهزم المؤمنون فتعلنون عن كفركم‬ ‫وتعودون إلى شرككم‪.‬‬ ‫وغركم بال الغرور ‪:‬أي وغركم باليمان بال ورسوله حيث زين لكم الكفر وكره إليكم اليمان‬ ‫الشيطان‪.‬‬ ‫فاليوم ل يؤخذ منكم فدية ‪:‬أي مال تفدون به أنفسكم إذ ل مال يومئذ ينفع ول ولد‪.‬‬ ‫ول من الذين كفروا ‪:‬أي ول فدية تقبل من الذين كفروا‪.‬‬ ‫مأواكم النار هي مولكم ‪:‬أي مستقركم ومكان إيوائكم النار وهي أولى بكم لخبث نفوسكم‪.‬‬ ‫و بئس المصير ‪ :‬أي مصيركم الذي صرتم إليه وهو النار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َيوْمَ تَرَى ‪ 1‬ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ} هذا الظرف متعلق بقوله {وََلهُمْ َأجْرٌ كَرِيمٌ} في آخر‬ ‫الية السابقة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الخطاب في قوله‪ :‬؛ (ترى) لغير معين إذ هو صالح لكل ذي أهلية للخطاب والرؤية‪.‬‬

‫( ‪)5/266‬‬ ‫أي لهم أجر كريم يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ‪ 1‬في عرصات القيامة نورهم الذي اكتسبوه‬ ‫بإيمانهم وصالح أعمالهم في دار الدنيا ذلك النور يمشي أمامهم يهديهم إلى طريق الجنة‪ ،‬وقد‬ ‫أعطوا كتبهم بأيمانهم‪ .‬وتقول لهم الملئكة الذين أعدوا لتلقيهم واستقبالهم بشراكم ‪ 2‬اليوم جنات‬ ‫تجري من تحتها النهار أي تجري النهار أنهار الماء واللبن والخمر والعسل من خلل الشجار‬ ‫والقصور خالدين ‪ 3‬فيها ماكثين أبدا ل يموتون ول يخرجون‪ .‬قال تعالى {ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْل َعظِيمُ}‬ ‫إذ هو نجاة من النار ودخول الجنان في جوار الرحمن‪ .‬وقوله تعالى { َيوْمَ‪َ 4‬يقُولُ ا ْلمُنَافِقُونَ‬

‫وَا ْلمُنَافِقَاتُ} بدل من قوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والمنافقون والمنافقات وهم الذين كانوا‬ ‫في الحياة الدنيا يخفون الكفر في أنفسهم ويظهرون اليمان بألسنتهم والسلم بجوارحهم يقولون‬ ‫للذين آمنوا انظرونا أي اقبلوا علينا بوجوهكم ذات النوار نقتبس ‪ 5‬من نوركم أي نأخذ من نوركم‬ ‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا نُورا} إشارة‬ ‫ما يضيء لنا الطريق مثلكم قيل فيقال لهم استهزاء بهم {قِيلَ ا ْر ِ‬ ‫إلى أن هذا النور يطلب في الدنيا باليمان وصالح العمال فيرجعون إلى الوراء وفورا يضرب‬ ‫بينهم وبين المؤمنين بسور عال {لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ} وهو يلي المؤمنين فيه الرحمة {وَظَاهِ ُرهُ} وهو‬ ‫يلي المنافقين {مِنْ قِبَلِهِ ا ْلعَذَابُ} فيأخذون في ندائهم ألم نكن معكم على الطاعات أيها المؤمنون فقد‬ ‫كنا نصلي معكم ونجاهد معكم وننفق كما تنفقون فيقول لهم المؤمنون بلى أي كنتم معنا في الدنيا‬ ‫على الطاعات في الظاهر ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بنا الدوائر لتعلنوا عن كفركم‬ ‫وتعودوا إلى شرككم‪ ،‬وارتبتم أي شككتم في صحة السلم وفي عقائده ومن ذلك البعث الخر‬ ‫وغرتكم الماني الكاذبة والطماع في أن محمدا لن ينتصر وأن دينه لن يظهر‪ ،‬حتى جاء أمر ال‬ ‫بنصر رسوله وإظهار دينه وغركم بال الغرور أي باليمان بال أي بعد معاجلته لكم بالعذاب‬ ‫والستر عليكم وعدم كشف الستار عنكم وإظهاركم على ما أنتم عليه من الكفر الغرور أي‬ ‫الشيطان إذ هو الذي زين لكم الكفر وذكركم بعفو ال وعدم مؤاخذته لكم‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فَالْ َي ْو َم ل ُي ْؤخَذُ مِ ْنكُمْ ِفدْيَةٌ} أي فداء مهما كان ول من الذين كفروا كذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجه عطف المؤمنات على المؤمنين هنا وفي نظائره من القرآن إشارة بل التنبيه إلى أن‬ ‫حظوظ النساء في السلم مساوية لحظوظ الرجال إل فيما خصصن فيه من أحكام مبينة في‬ ‫الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬التقدير‪ :‬فقال لهم بشراكم‪.‬‬ ‫‪( 3‬خالدين) حال مقدرة أي‪ :‬حالة كونهم مقدرين الخلود إذ لم يدخلوها بعد‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا بدل من اليوم الول‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال الكلبي‪ :‬يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ول يعطون نورا خاصا بهم فبينما هم يمشون إذ‬ ‫بعث ال فيهم ريحا وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين فذلك قوله تعالى‪{ :‬رَبّنَا أَ ْتمِمْ لَنَا نُورَنَا} يقوله‬ ‫المؤمنون خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون‪ ،‬فإذا بقي المنافقون في الظلمة ل يبصرون مواضع‬ ‫أقدامهم قالوا للمؤمنين‪{ :‬ا ْنظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ} هذا أحسن توجيه للية الكريمة‪.‬‬

‫( ‪)5/267‬‬ ‫مأواكم النار أي محل إيوائكم وإقامتكم الدائمة النار هي مولكم ‪ 1‬أي من يتولكم ويضمكم في‬ ‫أحضانه وهي أولى بكم لخبث نفوسكم وعفن أرواحكم من جراء النفاق والكفر‪ ،‬و بئس المصير‬

‫الذي صرتم إليه إنه النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث بذكر أحداثه وما يجري فيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن الفوز ليس ربح الشاة والبعير ول الدار ول البستان في الدنيا وإنما هو الزحزحة‬ ‫عن النار ودخول الجنان يوم القيامة هذا هو الفوز العظيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬من بشائر السعادة لهل اليمان قبل دخولهم الجنة تلقي الملئكة لهم وإعطاؤهم كتبهم بإيمانهم‬ ‫ووجود نور عال يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يتقدمهم على الصراط إلى الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬نور يوم القيامة في وجوه المؤمنين أخذوه من الدنيا وفي الحديث‪" :‬بشر المشائين في الظلم‬ ‫إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"‪.2‬‬ ‫‪ -5‬بيان صفات المنافقين في الدنيا وهي إبطان الكفر في نفوسهم والتربص بالمؤمنين للنقضاض‬ ‫عليهم متى ضعفوا أو هزموا وأمانيهم في عدم نصرة السلم‪ .‬وشكهم الملزم لهم حتى أنهم لم‬ ‫يخرجوا منه إلى أن ماتوا شاكين في صحة السلم وما جاء به وأخبر عنه من وعد ووعيد‪.‬‬ ‫ق وَل َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‬ ‫خشَعَ قُلُو ُبهُمْ ِل ِذكْرِ اللّ ِه َومَا نَ َزلَ مِنَ ا ْلحَ ّ‬ ‫أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَ ْ‬ ‫سقُونَ (‪ )16‬اعَْلمُوا أَنّ اللّهَ يُحْيِي الْأَ ْرضَ‬ ‫ستْ قُلُو ُبهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬ ‫مِنْ قَ ْبلُ َفطَالَ عَلَ ْيهِمُ الَْأ َمدُ َفقَ َ‬ ‫ن وَا ْل ُمصّ ّدقَاتِ وََأقْ َرضُوا‬ ‫َبعْدَ َموْ ِتهَا قَدْ بَيّنّا َل ُكمُ الْآياتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪ )17‬إِنّ ا ْل ُمصّ ّدقِي َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المولى‪ :‬من يتولى غيره‪ ،‬وما دامت النار هي التي تولتهم لتذيقهم ألوان عذابها صح إطلق‬ ‫المولى عليها مع أن النار تتكلم وتتغيظ فلذا كانت تتولى أهلها فتسقيهم مر العذاب‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحديث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما والظلم‪ :‬جمع ظلمة‪.‬‬

‫( ‪)5/268‬‬ ‫عفُ َلهُ ْم وََلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (‪ )18‬وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّدّيقُونَ‬ ‫اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُيضَا َ‬ ‫جحِيمِ (‪)19‬‬ ‫صحَابُ الْ َ‬ ‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ َلهُمْ َأجْرُهُمْ وَنُورُ ُه ْم وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآياتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ‬ ‫وَال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم يأن للذين آمنوا ‪:‬أي ألم يحن الوقت للذين أكثروا من المزاح‪.‬‬ ‫أن تخشع قلوبهم لذكر ال ‪:‬أي تلين وتسكن وتخضع وتطمئن لذكر ال ووعده ووعيده‪.‬‬ ‫وما نزل من الحق ‪:‬أي القرآن وما يحويه من وعد ووعيد‪.‬‬ ‫ول يكونوا كالذين أوتوا الكتاب ‪:‬أي ول يكونوا كاليهود والنصارى في العراض والغفلة‪.‬‬ ‫من قبل‬

‫فطال عليهم المد ‪:‬أي الزمن بينهم وبين أنبيائهم‪.‬‬ ‫فقست قلوبهم ‪:‬أي لعدم وجود من يذكرهم ويرشدهم فقست لذلك قلوبهم فلم تلن لذكر ال‪.‬‬ ‫وكثير منهم فاسقون ‪:‬أي نتيجة لقساوة القلوب المترتبة على ترك التذكير والرشاد ففسق أكثرهم‬ ‫فخرج عن دين ال ورفض تعاليمه‪.‬‬ ‫اعلموا أن ال يحيي الرض بعد موتها ‪:‬أي بالغيث ينزل بها وكذلك يحيي القلوب بالذكر والتذكير‬ ‫فتلين وتخشع لذكر ال ووعده ووعيده‪.‬‬ ‫قد بينا لكم اليات لعلكم ‪:‬أي بينا لكم اليات الدالة على قدرتنا وعلمنا ولطفنا ورحمتنا رجاء أن‬ ‫تعقلوا‬ ‫تعقلون فتحفظوا أنفسكم مما يرديها ويوبقها‪.‬‬ ‫إن المصدقين والمصدقات ‪:‬أي المتصدقين بفضول أموالهم والمتصدقات كذلك‪.‬‬ ‫واقرضوا ال قرضا حسنا ‪:‬أي وكانت صدقاتهم كالقرض الحسن الذي ل منة معه والنفس طيبة به‬ ‫وراجية من ربها جزاءه‪.‬‬ ‫يضاعف لهم ‪:‬أي القرض الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى ألف ألف‪.‬‬ ‫والذين آمنوا بال ورسوله ‪:‬أي صدقوا بال ربا وإلها وبرسله هداة ودعاة صادقين‪.‬‬

‫( ‪)5/269‬‬ ‫أولئك هم الصديقون ‪:‬أي الذين كتبوا عند ال صديقين وهي مرتبة شرف عالية‪.‬‬ ‫والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ‪:‬أي وشهداء المعارك في سبيل ال عند ربهم أي في الجنة‬ ‫لهم أجرهم العظيم ونورهم التام يوم القيامة‪.‬‬ ‫والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ‪:‬أي كفروا بال وتوحيده وكذبوا بالقرآن وبما حواه من الشرائع‬ ‫والحكام‪.‬‬ ‫أولئك أصحاب الجحيم ‪:‬أي أولئك البعداء هم أهل النار الذين ل يفارقونها أبدا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {أََلمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا}‪ 1‬أي بال ربا وإلها وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيا ورسولً‬ ‫وبوعد ال ووعيده صدقا وحقا ألم يحن ‪ 2‬الوقت لهم أن تخشع قلوبهم فتلين وتطمئن إلى ذكر ال‬ ‫وتخشع كذلك { َومَا نَ َزلَ مِنَ ا ْلحَقّ} في الكتاب الكريم فيعرفون المعروف ويأمرون به ويعرفون‬ ‫المنكر وينهون عته إنها لموعظة إلهية عظيمة وزادها عظمة أن تنزل في أصحاب رسول ال‬ ‫تستبطئ قلوبهم‪ .‬فكيف بمن بعدهم‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وَل َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَ ْبلُ} أي من قبل البعثة المحمدية وهم اليهود‬ ‫والنصارى فطال عليهم المد وهو الزمان الطويل بينهم وبين أنبيائهم فلم يذكروا ولم يرشدوا‬

‫فقست قلوبهم من أجل ذلك وأصبح أكثرهم فاسقين ‪ 3‬عن دين ال خارجين عن شرائعه ل يعرفون‬ ‫معروفا ول ينكرون منكرا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {اعَْلمُوا} أي أيها المؤمنون المصابون ببعض الغفلة فكثر مزاجهم وضحكهم {أَنّ اللّهَ‬ ‫يُحْيِي الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا} يحييها بالغيث فتنبت وتزدهر فكذلك القلوب ‪ 4‬تموت بترك التذكير‬ ‫والتوجيه والرشاد وتحيا على التذكير والرشاد‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬قدْ بَيّنّا َل ُكمُ الْآياتِ} أي وضحناها لكم في هذا الكتاب الكريم لعلكم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى مسلم عن ابن مسعود قال‪ :‬ما كان بين إسلمنا وبين أن عاتبنا ال تعالى بهذه الية‪ { :‬أَلَمْ‬ ‫يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ َتخْشَعَ قُلُو ُبهُمْ ِل ِذكْرِ اللّهِ‪ }...‬إل أربع سنين قال الخليل‪ :‬العتاب خطاب مخاطبة‬ ‫الدلل ومذاكرة الموجدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬هنا فعلن‪ :‬أنى يأني مشتق من النى وهو اسم جامد بمعنى الوقت وآن يئين مشتق من الين‬ ‫الذي هو الحين قال الشاعر‪:‬‬ ‫ألما يئن لي أن تحلى عمايتي‬ ‫وأقصر عن ليلي بلى قد أنى ليا‬ ‫فجمع بين لغتين أي‪ :‬بين أنى يأني وبين آن يئين‪.‬‬ ‫‪ 3‬عن مالك قال‪ :‬بلغني آن عيسى عليه السلم قال لقومه‪ :‬ل تكثروا الكلم بغير ذكر ال تعالى‬ ‫فتقسوا قلوبكم‪ ،‬فإن القلب القاسي يبعد من ال ولكنكم ل تعلمون‪ ،‬ول تنظروا في ذنوب الناس أنكم‬ ‫ى ومبتلىً‪ ،‬فارحموا أهل البلء واحمدوا‬ ‫أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما الناس رجلن‪ :‬معاف ً‬ ‫ال على العافية‪.‬‬ ‫‪ 4‬وكذلك القلوب تقسوا فتليينها بعد قساوتها يكون بذكر ال والدار الخرة والتذكير بهما‪.‬‬

‫( ‪)5/270‬‬ ‫تعقلون أي لنعدكم بذلك لتعقلوا عنا ما نخاطبكم به وننصح لكم فيه فاذكروا هذا ول تنسوه‪.‬‬ ‫وراجعوا قلوبكم وتعهدوها بذكر ال والدار الخرة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ ا ْل ُمصّ ّدقِينَ} أي المتصدقين‬ ‫بفضول أموالهم في سبيل ال والمصدقات أي والمتصدقات كذلك وأقرضوا ال قرضا حسنا بما‬ ‫أنفقوه في الجهاد طيبة به نفوسهم ل منة فيه ول رياء ول سمعة هؤلء يضاعف لهم أي ثواب‬ ‫صدقاتهم وإقراضهم ربهم إلى عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف ولهم أجر كريم‬ ‫وهو الجنة والذين آمنوا بال ورسله فصدقوا بال ربا وإلها وبرسل ال المصطفين هداة إلى ال‬ ‫ودعاة إليه هؤلء هم الصديقون ‪ 1‬ففازوا بمرتبة الصديقية والشهداء الذين ‪ 2‬استشهدوا في معارك‬ ‫الجهاد هم الن عند ربهم لهم أجرهم ونورهم أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة‪.‬‬

‫هؤلء الصناف الثلثة مثلهم مثل السابقين وأصحاب اليمين‪ .‬والذين كفروا أي بال ورسله وكذبوا‬ ‫بآياتنا أي بآيات ربهم الحاوية لشرائعه وعبادته فلم يعبدوه بها هؤلء الدنون هم أصحاب الجحيم‬ ‫الذين يلزمونها وتلزمهم أبدا نعوذ بال من حالهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من الغفلة ونسيان ذكر ال وما عنده من نعيم وما لديه من نكال وعذاب‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب التذكير للمؤمنين والوعظ والرشاد والتعليم خشية أن تقسوا قلوبهم فيفسقوا كما فسق‬ ‫أهل الكتاب ويكفروا كما كفروا‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير حقيقة وهي أن الرض تحيا بالغيث والقلوب تحيا بالعلم والمواعظ والتذكير بال‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أصناف المؤمنين ورتبهم وهم المتصدقون والمقرضون في سبيل ال أموالهم والمؤمنون‬ ‫بال ورسله حق اليمان والصديقون وشهداء الجهاد في سبيل ال جعلنا ال منهم‪.‬‬ ‫ب وََل ْهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْ َن ُك ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي الَْأ ْموَالِ‬ ‫اعَْلمُوا أَ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الصديق‪ :‬هو من آمن بال ورسله ولم يكذب طرفة عين‪ ،‬وممن ذكروا بالفوز بها‪ ،‬أبو بكر‬ ‫الصديق ومؤمن آل فرعون وصاحب يس‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬ول يزال المرء يصدق ويتحرى‬ ‫الصدق حتى يكتب عند ال صديقا" فهذا مطلب سهل اللهم حققه لنا‪.‬‬ ‫ل فالصديقون والشهداء‪:‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في هل (الشهداء) موصول بما قبله أو مقطوع فإن كان موصو ً‬ ‫هم المؤمنون بال ورسله‪ ،‬وللجميع أجرهم ونورهم ويكون المدح والثناء وعظم الجزاء للجميع‬ ‫وهي بشرى لمة محمد صلى ال عليه وسلم وإن كان مقطوعا فقد فاز الشهداء بمزية لم تكن‬ ‫لغيرهم‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه قي التفسير‪ ،‬وهو ما اختاره ابن جرير‪.‬‬

‫( ‪)5/271‬‬ ‫حطَاما َوفِي الْآخِ َرةِ عَذَابٌ‬ ‫صفَرّا ُثمّ َيكُونُ ُ‬ ‫جبَ ا ْل ُكفّارَ نَبَاتُهُ ُثمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ ُم ْ‬ ‫وَالَْأوْلدِ َكمَ َثلِ غَ ْيثٍ أَعْ َ‬ ‫ن َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ (‪ )20‬سَا ِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ‬ ‫شَدِي ٌد َو َمغْفِ َرةٌ مِنَ اللّ ِه وَ ِرضْوَا ٌ‬ ‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ أُعِ ّدتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ ذَِلكَ َف ْ‬ ‫ضهَا َكعَرْضِ ال ّ‬ ‫رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬ ‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ (‪)21‬‬ ‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ‪:‬أي أن الحياة الدنيا أشبه بالمور الخيالية قليلة النفع سريعة الزوال‪.‬‬ ‫وزينة ‪:‬أي ما يتزين به المرء من أنواع الزينة والزينة سريعة التغير والزوال‪.‬‬ ‫وتفاخر بينكم وتكاثر في ‪:‬أي أنها ل تخرج عن كونها لهوا ولعبا وزينة وتفاخرا وتكاثرا في‬

‫الموال والولد‪.‬‬ ‫الموال والولد‬ ‫كمثل غيث أعجب الكفار نباته ‪:‬أي مثلها في سرعة زوالها وحرمان صاحبها من الدار الخرة‬ ‫ونعيمها كمثل مطر‬ ‫أعجب الكفار ‪ :‬أي الزراع أعجبهم نباته أي ما نبت به من الزرع‪.‬‬ ‫ثم يهيج فتراه مصفرا ‪:‬أي يبس فتراه مصفرا آن أوان حصاده‪.‬‬ ‫ثم يكون حطاما ‪:‬ثم يتحول بسرعة إلى حطام يابس يتفتت‪.‬‬ ‫إل متاع الغرور ‪:‬أي وما الحياة الدنيا في التمتع بها إذ الحياة نفسها غرور ل حقيقة لها‪.‬‬ ‫سابقوا إلى مغفرة من ربكم ‪:‬أي سارعوا بالتوبة مسابقين غيركم لتغفر لكم ذنوبكم وتدخلوا جنة‬ ‫ربكم‪.‬‬ ‫ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء ‪:‬أي الموعود به من المغفرة والجنة‪.‬‬

‫( ‪)5/272‬‬ ‫وال ذو الفضل العظيم ‪:‬أي فل يبعد تفضله بذلك الموعود به وإن كان عظيما‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يزيد في كمالهم وسعادتهم في الحياتين‬ ‫فخاطبهم قائل‪ :‬اعلموا أيها ‪ 1‬المؤمنون الذين استبطانا قلوبهم أي خشوعها إذ القبال على الدنيا‬ ‫هو سبب الغفلة عن الخرة ومتطلباتها من الذكر والعمل الصالح {أَ ّنمَا ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِعبٌ‪ 2‬وََل ْهوٌ‬ ‫ل وَالَْأوْلدِ} هذه حقيقتها وهي أمور خيالية قليلة النفع سريعة‬ ‫وَزِينَ ٌة وَ َتفَاخُرٌ بَيْ َنكُ ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي الَْأ ْموَا ِ‬ ‫الزوال‪ .‬فل تغتروا بها ول تقبلوا بكلكم عليها أنصح لكم بذلك‪ .‬فاللهو كاللعب ل يخلفان منفعة‬ ‫تعود على اللهي اللعب‪ ،‬والزينة سرعان ما تتحول وتتغير وتزول والتفاخر بين المتفاخرين‬ ‫مجرد كلم ما وراءه طائل أبدا والتكاثر ل ينتهي إلى حد ول يجمع إل بالشقاء والنصب والتعب‬ ‫ثم يذهب أو يذهب عنه فل بقاء له ول دوام وله تبعات ل ينجو منها صاحبها إل برحمة من ال‬ ‫جبَ ا ْلكُفّارَ} أي الفلحين الذين كفروا‬ ‫عَ‬ ‫وإليكم مثل الحياة الدنيا إنها { َكمَ َثلِ ‪3‬غَ ْيثٍ} أي مطر {أَ ْ‬ ‫بذرة بالتربة {نَبَاُتهُ} الذي نبت به أي المطر { ُثمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ} بعد أيام { ُمصْفَرّا} ‪ 4‬ثم يهيج أي ييبس‬ ‫{ ُثمّ َيكُونُ حُطَاما} يتفتت هذه هي الدنيا من بدايتها إلى نهايتها المؤلمة أما الخرة ففيها عذاب شديد‬ ‫لهل الشرك والمعاصي لبد لهم منه يفارقونه‪ ،‬ومغفرة من ال ورضوان لهل التوحيد وصالح‬ ‫العمال وما الحياة الدنيا وقد عرضنا عليكم مثالها فما هي إل متاع الغرور أي إنها ل حقيقة لها‬ ‫وكل ما فيها من المتع التي يتمتع بها إل غرور باطل‪ .‬وعليه فأنصح لكم ‪ 5‬سابقوا إلى مغفرة من‬ ‫ربكم أي سارعوا بالتوبة مسابقين بعضكم بعضا لتغفر ذنوبكم وتدخلوا جنة ربكم التي عرضها‬

‫كعرض السماء والرض أعدت للذين آمنوا بال ورسله أي هيئت وأحضرت فهي معدة مهيأة‪.‬‬ ‫ذلك فضل ال أي المغفرة ودخول الجنة يؤتيه من يشاء ومن سارع إلى التوبة فآمن وعمل صالحا‬ ‫وتخلى عن الشرك والثام فهو ممن شاء له فضله ولذلك وفقه لليمان وصالح العمال‪ .‬وال ذو‬ ‫الفضل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في هذه الية الكريمة تنبيه عظيم إلى علة كل معوق عن الكمال والسعاد من أمراض الشح‬ ‫والحرص والغفلة وإيثار الملذ والجري وراءها أل وإنها حب الدنيا العاجلة‪ ،‬وفي الثر‪ :‬حب‬ ‫العاجلة رأس كل خطيئة‪.‬‬ ‫‪ 2‬اللهو واللعب‪ :‬كل ما شغل عن ذكر ال تعالى‪ ،‬والكثار منهما دليل على خسة العقل وضعفه‪،‬‬ ‫وصورتهما ترى من لعب الطفال وتلهيهم بما يلعبون به من أنواع اللعب‪ ،‬والزينة‪ :‬ما يتزين به‬ ‫من لباس وأثاث ونحوهما والتفاخر والتكاثر تحمل عليهما النفس الضعيفة ويولدهما الغرور وهما‬ ‫من صفات المفتونين بحب الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون (كمثل) في موضع خبر‪ ،‬والمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هي أي الحياة الدنيا (كمثل‬ ‫غيث)‪.‬‬ ‫‪ 4‬الصفرار بعد الهيجان واليبوسة بعد الصفرار أما الهيجان فهو عبارة عن سرعة بلوغ النبات‬ ‫مستواه كبلوغ النسان أشده ثم يأخذ في الصفرار فيصفر فلذا عبر بـ ثم الدالة على التراخي‪،‬‬ ‫وبعد الصفرار اليبوسة وهي الفناء والتلشي‪.‬‬ ‫‪ 5‬بعد أن كشف لهم عن حال الدنيا وأنها سريعة الزوال حثهم على المسابقة بتصحيح اليمان‬ ‫وتقويته بالعمل الصالح للفوز بالجنة فال الحمد وله المنة‪.‬‬

‫( ‪)5/273‬‬ ‫العظيم فل يستبعد منه ذلك المطلوب المرغوب من النجاة من النار ودخول الجنة دار البرار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من الغترار بالحياة الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -2‬الدعوة إلى المسابقة في طلب مغفرة الذنب ودخول الجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان الجنة وبيان ما يكسبها وهو اليمان بال ورسله ومستلزماته من التوحيد والعمل الصالح‪.‬‬ ‫سكُمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرََأهَا إِنّ َذِلكَ عَلَى اللّهِ‬ ‫ض وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫حبّ ُكلّ مُخْتَالٍ َفخُورٍ (‪)23‬‬ ‫سوْا عَلَى مَا فَا َت ُك ْم وَل َتفْرَحُوا ِبمَا آتَا ُك ْم وَاللّهُ ل ُي ِ‬ ‫يَسِيرٌ (‪ِ )22‬لكَيْل تَ ْأ َ‬ ‫سلَنَا‬ ‫حمِيدُ (‪َ )24‬لقَدْ أَرْسَلْنَا رُ ُ‬ ‫ل َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬ ‫خِ‬ ‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ ِالْبُ ْ‬ ‫الّذِينَ يَ ْبخَلُو َ‬

‫شدِي ٌد َومَنَافِعُ‬ ‫ط وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَ ْأسٌ َ‬ ‫بِالْبَيّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِسْ ِ‬ ‫س وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُر ُه وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ (‪)25‬‬ ‫لِلنّا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما أصاب من مصيبة في الرض ‪:‬أي بالجدب وذهاب المال‪.‬‬ ‫ول في أنفسكم ‪:‬أي بالمرض وفقد الولد‪.‬‬ ‫إل في كتاب من قبل أن نبرأها ‪:‬أي في اللوح المحفوظ قبل أن نخلقها‪.‬‬

‫( ‪)5/274‬‬ ‫إن ذلك على ال يسير ‪ :‬أي سهل ليس بالصعب‪.‬‬ ‫لكيل تأسوا على ما فاتكم ‪:‬أي لكيل تحزنوا على ما فاتكم أي مما تحبون من الخير‪.‬‬ ‫ول تفرحوا بما آتاكم ‪:‬أي بما أعطاكم فرح البطر أما فرح الشكر فهو مشروع‪.‬‬ ‫وال ل يحب كل مختال فخور ‪:‬أي مختال بتكبره بما أعطى‪ ،‬فخور أي به على الناس‪.‬‬ ‫الذين يبخلون ‪:‬أي بما وجب عليهم أن يبذلوه‪.‬‬ ‫ويأمرون الناس بالبخل ‪:‬أي بمنع ما وجب عليهم عطاؤه‪.‬‬ ‫ومن يتول ‪:‬أي عن اليمان والطاعة وقبول مواعظ ربهم‪.‬‬ ‫فإن ال غني ‪:‬أي غني عن سائر حلقه لن غناه ذاتي له ل يستمده من غيره‪.‬‬ ‫حميد ‪:‬أي محمود بجلله وجماله وآلئه ونعمه على عباده‪.‬‬ ‫بالبينات ‪:‬أي بالحجج والبراهين القاطعة على صدق دعوتهم‪.‬‬ ‫وأنزلنا معهم الكتاب ‪:‬أي وأنزل عليهم الكتب الحاوية للشرائع والحكام‪.‬‬ ‫والميزان ‪ :‬أي العدل الذي نزلت الكتب بالمر به وتقريره‪.‬‬ ‫ليقوم الناس بالقسط ‪:‬أي لتقوم حياتهم فيما بينهم على أساس العدل‪.‬‬ ‫فيه بأس شديد ‪:‬أي في الحديد بأس شديد والمراد آلت القتال من سيف وغيره‪.‬‬ ‫ومنافع للناس ‪:‬أي ينتفع به الناس إذ ما من صنعة إل والحديد آلتها‪.‬‬ ‫وليعلم ال من يصره ورسله ‪:‬أي وأنزلنا الحديد وجعلنا فيه بأسا شديدا ليعلم ال من ينصره في‬ ‫دينه وأوليائه وينصر رسله المبلغين عنه‪.‬‬ ‫بالغيب ‪:‬أي وهم ل يشاهدونه بأبصارهم في الدنيا‪.‬‬ ‫إن ال قوي عزيز ‪:‬أي ل حاجة إلى نصرة أحد وإنما طلبها يتعبد بها عبادة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في إرشاد المؤمنين وتوجيههم إلى ما يكملهم ويسعدهم فقال تعالى‪{ :‬مَا‬ ‫َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ} أي ما أصابكم أيها المؤمنون من مصيبة في الرض بالجدب والقحط أو‬

‫سكُمْ} بالمرض وفقد الولد إل وهي في كتاب أي في‬ ‫الطوفان أو الجوائح تصيب الزرع {وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫كتاب المقادير‪ ،‬اللوح المحفوظ مكتوبة بكميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها {مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} أي‬ ‫وذلك قبل خلق ال تعالى لها‬

‫( ‪)5/275‬‬ ‫وإيجادها‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ} أي علمه بها وكتابته لها قبل خلقها وإيجادها في وقتها‬ ‫سوْا} أي أعلمناكم بذلك بعد قضائنا وحكمنا به أزلً من أجل‬ ‫سهل على ال يسير‪ .‬وقوله {ِلكَيْل تَ ْأ َ‬ ‫أل تحزنوا على ما فاتكم مما تحبون في دنياكم من الخير‪ ،‬ول تفرحوا بما آتاكم ‪ 1‬فرح الشر‬ ‫والبطر فإنه مضر أما فرح الشكر فل بأس به فقد ينعم ال على العبد ليشكره‪ .‬وقوله‪{ :‬وَاللّهُ ل‬ ‫حبّ ُكلّ ‪ُ 2‬مخْتَالٍ َفخُورٍ} يحذر أولياءه من خصلتين ذميمتين ل تنبغيان للمؤمن وهما الختيال أي‬ ‫يُ ِ‬ ‫خلِ}‬ ‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبُ ْ‬ ‫التكبر والفخر على الناس بما أعطاه ال وحرمهم‪ .‬وقوله {الّذِينَ يَ ْبخَلُو َ‬ ‫هذا بيان لمن ل يحبهم ال وهم أهل الكبر والفخر بذكر صفتين قبيحتين لهم وهما البخل الذي هو‬ ‫منع الواجب والمر بالبخل والدعوة إليه فهم لم يكتفوا ببخلهم فأمروا غيرهم بالبخل الذي هو منع‬ ‫الواجب وعدم بذله والعياذ بال من هذه القبائح الربع‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومَنْ يَ َت َولّ} أي ‪ 3‬عن اليمان‬ ‫والطاعة وعدم قبول وعظ ال وإرشاده {فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ} عن سائر خلقه لن غناه ذاتي له ل‬ ‫حمِيدُ} أي محمود بجلله وجماله وإنعامه على سائر عباده‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬لقَدْ‬ ‫يستمده من غيره {ا ْل َ‬ ‫أَرْسَلْنَا ُرسُلَنَا ‪ 4‬بِالْبَيّنَاتِ} أي بالحجج القواطع وأنزلنا معهم الكتاب الحاوي للشرائع والحكام التي‬ ‫يكمل عليها الناس ويسعدون وأنزلنا الميزان وذلك ليقوم الناس بالعدل أي لتقوم حياتهم على أساس‬ ‫العدالة والحق‪.‬‬ ‫شدِيدٌ} أي وكما أنزلنا الكتاب للدين والعدل للدنيا أنزلنا الحديد‬ ‫حدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ َ‬ ‫وقوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا الْ َ‬ ‫لهما معا للدين والدنيا فيما فيه من البأس الشديد في الحروب فهو لقامة الدين بالجهاد { َومَنَافِعُ‬ ‫لِلنّاسِ} إذ سائر الصناعات متوقفة عليه فهو للدنيا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إنه لما يبين تعالى لوليائه المؤمنين علة الفساد والشر وهي حب العاجلة أعلمهم تشجيعا لهم‬ ‫على الزهد فيها والعراض عنها أن ما يصيب أحدهم من فقر‪ ،‬أو مرض أو خوف قد يفضي إلى‬ ‫الموت هو مما كتبه ال تعالى عليهم أزل وأنه واقع بينهم ل محالة فلذا ل داعي إلى الحزن كما‬ ‫أن ما يحصل للعبد مما هو خلف ذلك من المال والولد ل ينبغي أن يفرح به وبذلك يتغلب على‬ ‫الدنيا ويفوز بالخرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬وفي إعلم ال تعالى أولياءه بعدم حب المختال الفخور دفع لهم إلى المام حيث التنزه عن حب‬ ‫العاجلة التي المعوق لهم عن الكمال والسعاد الخروي‪.‬‬

‫‪ 3‬في الية تحذير من الجزع وقلة الصبر في السير إلى ال تعالى بالتخلي عن حب العاجلة‪ .‬فقد‬ ‫ذكرهم بأن التولي أي الرجوع بعد الضرب في طريق الخرة حيث الجوار الكريم مما يسبب‬ ‫تخلي الرب عن العبد‪ ،‬فإنه تعالى غني حميد ل حاجة به إلى طاعة العباد ول إلى حمدهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬كلم مستأنف المراد به أن ما كلف به عباده من طاعته بذكره وشكره إنما هو لمجرد البتلء‬ ‫وليس لحاجة إليه لنه الغني الحميد فإنه أرسل الرسل وأنزل الكتب وأوجد أسباب القوة المادية‬ ‫لمجرد البتلء ‪,‬ذلك البتلء المترتب عليه السعاد والشقاء فإنه تعالى يسعد بظاعته ويشقى‬ ‫بمعصيته وهذا هو العدل الكريم البر بعباده المؤمنين الرحيم‪.‬‬

‫( ‪)5/276‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَلِ َيعَْلمَ‪ 1‬اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُر ُه وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ} أي من الحكمة في إنزال الحديد أن يعلم‬ ‫ال من ينصره أي ينصر دينه ورسله بالجهاد معهم والوقوف إلى جانبهم وهم يبلغون دعوة ربهم‬ ‫بالغيب أي وهم ل يشاهدون ال تعالى بأعينهم وإن عرفوه بقلوبهم‪ .‬قوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ َق ِويّ‬ ‫عَزِيزٌ} إعلم بأنه ل حاجة به إلى نصرة أحد من خلقه وذلك لقوته الذاتية وعزته التي ل ترام‪،‬‬ ‫وإنما كلف عباده بنصرة دينه ورسله وأوليائه تشريفا لهم وتكريما وليرفعهم بذلك إلى مقام‬ ‫الشهداء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان الحكمة في معرفة القضاء والقدر واليمان بهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الختيال والفخر والبخل والمر بالبخل ‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان إفضال ال وإنعامه على الناس بإرسال الرسل وإنزال الكتب والميزان وإنزال الحديد بما‬ ‫فيه منافع للناس وبأس شديد‪.‬‬ ‫سقُونَ (‬ ‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَابَ َفمِ ْنهُمْ ُمهْتَ ٍد َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬ ‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا وَإِبْرَاهِي َم وَ َ‬ ‫جعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذِينَ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫‪ )26‬ثُمّ َقفّيْنَا عَلَى آثَارِ ِهمْ بِرُسُلِنَا َوقَفّيْنَا ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَآتَيْنَاهُ الْإنجِي َ‬ ‫عوْهَا حَقّ‬ ‫ضوَانِ اللّهِ َفمَا رَ َ‬ ‫حمَ ًة وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ إِلّا ابْ ِتغَاءَ ِر ْ‬ ‫اتّ َبعُوهُ رَ ْأ َف ًة وَرَ ْ‬ ‫سقُونَ (‪)27‬‬ ‫رِعَايَ ِتهَا فَآتَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنهُمْ َأجْرَهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا العلم‪ :‬علم ظهور وكشف عما هو معلوم ل تعالى مستور عن عباده ل أنه علم يستجد ل‬ ‫تعالى فإنه قد كتب ذلك في كتاب المقادير وعلمه قبل وجوده‪ ،‬وإنما يظهره في وقته كما كتبه‬ ‫فيعلمه بعد كشفه وإظهاره لتقوم الحجة به على عباده‪.‬‬

‫( ‪)5/277‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم ‪:‬أي وتال لقد أرسلنا نوحا هو الب الثاني للبشر وإبراهيم هو أبو‬ ‫النبياء‪.‬‬ ‫والكتاب ‪:‬أي التوراة والزبور والنجيل والفرقان‪.‬‬ ‫فمنهم مهتد ‪:‬أي من أولئك الذرية أي سالك سبيل الحق والرشاد‪.‬‬ ‫وكثير منهم فاسقون ‪:‬أي عن طاعة ال ورسله ضال في طريقه‪.‬‬ ‫ثم قفينا على آثارهم برسلنا ‪ :‬أي أرسلنا رسولً بعد رسول حتى انتهينا إلى عيسى‪.‬‬ ‫وقفينا بعيسى بن مريم ‪:‬أي أتبعناهم بعيسى بن مريم لتأخره عنهم في الزمان‪.‬‬ ‫وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ‪:‬أي على دينه وهم الحواريون وأتباعهم‪.‬‬ ‫رأفة ورحمة ‪:‬أي لينا وشفقة‪.‬‬ ‫ورهبانية ابتدعوها ‪:‬أي وابتدعوا رهبانية لم يكتبها ال عليهم‪ .‬وهي اعتزال النساء والنقطاع في‬ ‫الديرة والصوامع للتعبد‪.‬‬ ‫إل ابتغاء رضوان ال ‪:‬أي إل طلبا لرضوان ال عز وجل‪.‬‬ ‫فما رعوها حق رعايتها ‪:‬أي لم يلتزموا بما نذروه على أنفسهم من الطاعات‪.‬‬ ‫فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ‪:‬أي فأعطينا الذين ثبتوا على إيمانهم وتقواهم أجرهم‪.‬‬ ‫وكثير منهم فاسقون ‪:‬ل أجر لهم ول ثواب إل العقاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أنه كما أرسل رسله وأنزل معهم الكتاب والميزان أرسل كذلك نوحا وإبراهيم فنوح‬ ‫هو أبو البشر الثاني ‪ 1‬وإبراهيم هو أبو النبياء من بعده ذكرهما لمزيد شرفهما‪ ،‬ولما لهما من‬ ‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا النّ ُب ّوةَ} أي في أولدهما النبوة‬ ‫آثار طيبة فقال {وََلقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا وَإِبْرَاهِي َم َو َ‬ ‫والكتاب فهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط من ذرية نوح وإسماعيل وإسحاق وباقي أنبياء من‬ ‫سقُونَ‪ }2‬أي فمن أولئك الذرية المهدى وأكثرهم‬ ‫ذرية إبراهيم وقوله { َفمِ ْنهُمْ ُمهْتَ ٍد َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬ ‫فاسقون وقوله {ثُمّ َقفّيْنَا عَلَى آثَارِ ِهمْ‪ 3‬بِ ُرسُلِنَا} أي رسول بعد رسول عيسى بن مريم‪ ،‬وقفينا‬ ‫بعيسى بن مريم أي أتبعاتهم بعيسى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا كلم معطوف على سابقه المراد منه تفصيل ما أجمل في قوله تعالى‪َ{ :‬لقَدْ أَرْسَلْنَا ُرسُلَنَا‬ ‫بِالْبَيّنَاتِ‪ }..‬الخ وهم من باب عطف الخاص على العام‪.‬‬ ‫‪ 2‬كأكثر قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب‪ ،‬وقوم تبع وغيرهم والمراد بالفسق هنا‪ :‬الخروج عن‬

‫جادة اليمان والتوحيد‪ ،‬والوقوع في مضلت الشرك والكفر‪.‬‬ ‫‪ 3‬التقفية‪ :‬إتباع الرسول على أثر الخر مشتق لفظها من القفا‪.‬‬

‫( ‪)5/278‬‬ ‫بن مريم كل ذلك لهداية العباد إلى ما يكملهم ويسعدهم وقوله {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ} أي آتينا عيسى بن‬ ‫مريم النجيل وجعلنا في ‪1‬قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة والرأفة أشد الرحمة‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{وَرَهْبَانِيّةً‪ 2‬ابْتَدَعُوهَا} أي ابتدعها الذين اتبعوا عيسى {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ‪ }3‬أي لم يكتبها ال عليهم‬ ‫لما فيها من التشديد ولكن ما ابتدعوها إل طلبا ًلرضوان ال ومرضاته فما رعوها حق رعايتها‬ ‫حيث لم يوفوا بما التزموا به من ترك الدنيا والقبال على الخرة حيث تركوا النساء ولبسوا‬ ‫الخشن من الثياب وأكلوا الخشن من الطعام ونزلوا الصوامع والديرة‪.‬‬ ‫ولهذه الرهبانية سبب مروى عن ابن عباس رضي ال عنهما نذكره باختصار للفظه ومعناه قال‬ ‫كان بعد عيسى ملوك بدلوا التوراة وحرفوا النجيل وألزموا العامة بذلك‪ ،‬وكان بينهم جماعة‬ ‫رفضوا ذلك التحريف للدين ولم يقبلوه ففروا بدينهم‪ ،‬والتحقوا بالجبال وانقطعوا عن الناس مخافة‬ ‫قتلهم أو تعذيبهم لمخالفتهم دين ملوكهم المحدث الجديد فهذا النقطاع بداية الرهبانية ‪ ،‬وهاش‬ ‫أولئك المؤمنون وماتوا وجاء جيل من أبناء الدين المحرف فذكروا سيرة الصالحين الولين‬ ‫فأرادوا أن يفعلوا فعلهم فانقطعوا إلى الصوامع والديرة‪ ،‬ولكنهم جهال وعلى دين محرف مبدل‬ ‫فاسد فما انتفعوا بالرهبانية المبتدعة وفسق أكثرهم عن طاعة ال ورسوله‪ .‬وهو ما دل عليه قوا‬ ‫ال تعالى‪ { :‬فَآتَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنهُمْ َأجْرَهُمْ} وهم الولون المؤمنون الذين فروا من الكفر والتعذيب‬ ‫سقُونَ} وهم الذين أتوا من بعدهم إلى يومنا هذا‬ ‫وعبدوا ال تعالى بما شرع‪ ،‬وقوله { َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬ ‫إذ هم يعبدون ال بدين محرف باطل ولم يلتزموا بالرهبنة الصادقة بالزهد في الدنيا والقبال على‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان منة ال على عباده بإرسال الرسل‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان سنة ال في الناس وهي أنه إذا أرسل الرسل لهداية الناس يهتدي بعض ويضل بعض‬ ‫فيفسق‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وذلك لن عيسى عليه السلم بعث لتهذيب نفوس بني إسرائيل واقتلع جذور القسوة من قلوبهم‬ ‫تلك القسوة التي أثمرها حب الدنيا والقبال على الشهوات والملذ الفانية‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرهبانية‪ :‬نسبة إلى الرهبنة والراهب هو الخائف من ال تعالى‪ ،‬والصل أن يقال الراهبية‪،‬‬

‫فزيدت فيها النون كما زيدت في شعراني ولحياني ورباني وكذا نصراني على غير قياس‪.‬‬ ‫‪ 3‬جملة‪(:‬ما كتبناها عليهم) مبنية لجملة (ابتدعوها)‪.‬‬

‫( ‪)5/279‬‬ ‫‪ -3‬ثناء ال على عيسى بن مريم وأتباعه بحق الحواريين وغيرهم إلى أن غيرت الملوك دين‬ ‫المسيح وضل الناس وأصبحوا فاسقين عن دين ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحريم البدع والبتداع ول رهبانية في السلم ولكن يعبد ال بما شرع‪.‬‬ ‫ج َعلْ َلكُمْ نُورا َتمْشُونَ ِبهِ‬ ‫حمَتِ ِه وَيَ ْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ُيؤْ ِتكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ َر ْ‬ ‫ضلِ اللّ ِه وَأَنّ‬ ‫شيْءٍ مِنْ َف ْ‬ ‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )28‬لِئَلّا َيعْلَمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَلّا َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬ ‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬ ‫ضلِ ا ْل َعظِيمِ (‪)29‬‬ ‫ا ْل َفضْلَ بِيَدِ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ‪:‬أي بعيسى بن مريم وموسى‪.‬‬ ‫اتقوا ال وآمنوا برسوله ‪:‬أي خافوا عقاب ال وآمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم واتبعوه‪.‬‬ ‫يؤتكم كفلين ‪:‬يعطكم ال نصيبين من الجر مقابل إيمانكم بنبيكم وبمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ويجعل لكم نورا تمشون به ‪:‬أي في الدنيا إذ تعيشون على هداية ال وفي الخرة تمشون به على‬ ‫الصراط‪.‬‬ ‫لئل يعلم أهل الكتاب ‪:‬أي لكي يعلم أهل الكتاب أنهم ل يقدرون على شيء من فضل ال‪ .‬واللم في‬ ‫لئل مزيدة لتقوية الكلم‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫هذا نداء ال لهل الكتاب بعد أن ذكر نبذة عن رسلهم وأتباعهم نادى الموجودين منهم بعنوان‬ ‫اليمان ‪ 1‬أي يا من آمنتم بالرسل السابقين حسب إدعائكم اتقوا ال فل تفرقوا بين رسل ال وآمنوا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬استعمل اليمان هنا استعمالً لقبيا إذ المراد بالذين آمنوا‪ :‬اليهود والنصارى إذ هم يؤمنون بال‬ ‫ولقائه وكتبه ورسله في الجملة‪.‬‬

‫( ‪)5/280‬‬ ‫برسوله محمد صلى ال عليه وسلم يؤتكم أي يعطكم كفلين أي حظين ونصيبين من رحمته‬ ‫ومثوبته ويجعل لكم نورا تمشون به في الدنيا وهو الهداية السلمية إذ السلم صراط مستقيم‬ ‫صاحبه ل يضل ول يشقى وتمشون به في الخرة على الصراط إلى دار السلم الجنة‪,‬ويغفر لكم‬

‫ذنوبكم الماضية والحاضرة وال غفور رحيم ‪ .1‬وذلك ليعلم أهل الكتاب من اليهود والنصارى‬ ‫الذين رفضوا اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والدخول في السلم أنهم ل يقدرون على شيء‬ ‫من فضل ال أي ل يقدرون على الحصول على شيء ‪ 2‬من فضل ال‪ ،‬وأن الفضل بيد ال يؤتيه‬ ‫من يشاء وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬أعظم نصيحة تقدم لهل الكتاب لو أخذوا بها تضمنها نداء ال لهم وما وعدهم به في هذه‬ ‫الية الكريمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل اليمان والتقوى إذ هما سبيل الولية والكرامة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬إبطال مزاعم أهل الكتاب في احتكار الجنة لهم‪ ،‬وإعلمهم بأنهم محرومون منها ما لم يؤمنوا‬ ‫برسول ال ويتقوا ال بفعل أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا بناء على أن (ل) زائدة في قوله‪{ :‬لِئَلّا َيعْلَمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ } إذ الصل لن يعلم فزيدت اللم‬ ‫لتوكيد الكلم فصارت {لِئَلّا َيعْلَمَ} أي‪ :‬لن يعلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬إل بأذن ال إذ الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء‪ .‬والظاهر أن المراد من الفضل هنا خصوص‬ ‫النبوة والرسالة وأن أهل الكتاب من اليهود يريدون حصر النبوة والرسالة في شعب إسرائيل فلذا‬ ‫جحدوا نبوة ورسالة محمد صلى ال عليه وسلم وكفروا بهما فناداهم تعالى بعنوان اليمان الذي‬ ‫يدعونه وأمرهم بتقواه بترك الكذب والحتيال وأمرهم باليمان برسوله وواعدهم مضاعفة الجر‬ ‫إن هم آمنوا‪ ،‬وكان هذا إعلما منه تعالى أن أهل الكتاب ل يقدرون على حصر الفضل فيهم‬ ‫ومنعه عن غيرهم فقد نبأ وأرسل من بني عمهم محمدا صلى ال عليه وسلم وهم كارهون‬ ‫منكرون مكذبون‪ ،‬وهم بين خيار بين إما اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والفوز بالجنة‬ ‫والنجاة من النار وإما الصرار على إنكار رسالته والكفر به مع الخسران في الحياتين ول يهلك‬ ‫على ال إل هالك‪.‬‬

‫( ‪)5/281‬‬ ‫سورة المجادلة‬ ‫‪...‬‬ ‫الجزء الثامن والعشرون‬ ‫سورة المجادلة‬ ‫مدنية وآياتها اثنتان وعشرون آية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمِيعٌ‬ ‫سمَعُ تَحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬ ‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ َي ْ‬ ‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬ ‫قَدْ َ‬ ‫َبصِيرٌ (‪ )1‬الّذِينَ ُيظَاهِرُونَ مِ ْنكُمْ مِنْ نِسَا ِئهِمْ مَا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِلّا اللّائِي وَلَدْ َنهُمْ وَإِ ّنهُمْ‬ ‫غفُورٌ (‪ )2‬وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ ثُمّ َيعُودُونَ‬ ‫ل وَزُورا وَإِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬ ‫لَ َيقُولُونَ مُ ْنكَرا مِنَ ا ْل َقوْ ِ‬ ‫ِلمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِ ِه وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )3‬فمَنْ لَمْ َيجِدْ‬ ‫سكِينا ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ‬ ‫طعَامُ سِتّينَ مِ ْ‬ ‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َفمَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ فَِإ ْ‬ ‫َفصِيَامُ َ‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪)4‬‬ ‫حدُودُ اللّهِ وَلِ ْلكَافِرِينَ َ‬ ‫وَرَسُولِ ِه وَتِ ْلكَ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قد سمع ال قول التي تجادلك في زوجها ‪:‬أي تراجعك أيها النبي في شأن زوجها أوس بن‬ ‫الصامت‪.‬‬ ‫وتشتكي إلى ال ‪:‬أي وحدتها وفاقتها وصبية صغارا إن ضمتهم إليه ضاعوا وإن ضمهم إليها‬ ‫جاعوا‪.‬‬ ‫وال يسمع تحاوركما ‪:‬أي تراجعكما أنت أيها الرسول والمحاورة لك وهي خولة بنت ثعلبة‪.‬‬ ‫إن ال سميع بصير ‪:‬أي لقوالكما بصير بأحوالكما‪.‬‬

‫( ‪)5/282‬‬ ‫الذين يظاهرون منكم من ‪:‬أي يحرمون نساءهم يقول أنت علي كظهر أمي‪.‬‬ ‫نسائهم‬ ‫ما هن أمهاتهم ‪:‬أي ليس هن بأمهاتهم‪.‬‬ ‫إن أمهاتهم إل اللئي ولدنهم ‪:‬ما أماتهم إل اللئي ولدنهم‪ ،‬أو أرضعنهم‪.‬‬ ‫وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ‪:‬أي وإنهم بالظهار ليقولون منكرا من القول وزورا أي‬ ‫كذبا‪.‬‬ ‫وإن ال لعفو غفور ‪:‬أي على عباده أي ذو صفح عليهم غفورٌ لذنوبهم إن تابوا منها‪.‬‬ ‫والذين يظاهرون من نسائهم ‪: 1‬أي بأن يقول لها أنت علي كظهر أمي أو أختي ونحوها من‬ ‫المحارم‪.‬‬ ‫ثم يعودون لما قالوا ‪:‬أي يعزمون على العودة للتي ظاهروا منها‪ ،‬إذ كان الظهار في الجاهلية‬ ‫طلقا‪.‬‬ ‫فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ‪:‬أي فالواجب عليه تحرير رقبة مؤمنة قبل أن يجامعها‪.‬‬ ‫ذلكم توعظون به ‪:‬أي تأمرون به فافعلوه على سبيل الوجوب‪.‬‬ ‫فمن لم يجد فصيام شهرين ‪:‬أي فمن لم يجد الرقبة لنعدامها أو غلء ثمنها فالواجب صيام شهرين‬

‫متتابعين‪.‬‬ ‫متتابعين‬ ‫من قبل أن يتماسا ‪:‬أي من قبل الوطء لها‪.‬‬ ‫فمن لم يستطع‪ :‬أي الصيام لمرض أو كبر سن‪.‬‬ ‫فإطعام ستين مسكينا ‪:‬أي فعليه قبل الوطء‪ ،‬أن يطعم ستين مسكينا يعطي لكل مسكين مدا من ‪ 2‬بر‬ ‫أو مدين من غير البر كالتمر والشعير ونحوهما من غالب قوت أهل البلد‪.‬‬ ‫ذلك‪ :‬أي ما تقدم من بيان حكم الظهار الذي شرع لكم‪.‬‬ ‫لتؤمنوا بال ورسوله ‪:‬أي لن الطاعة إيمان والمعصية من الكفران‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع (يظهرون) فأدغمت التاء في الظاء فصارت يظهرون بتشديد الظاء والهاء وقرأ حفص‬ ‫(يظاهرون)‪.‬‬ ‫‪ 2‬وردت روايات متعددة في كمية الطعام الجماع على أنها إطعام ستين مسكينا‪ ،‬وإنما الخلف‬ ‫في المقدار‪ ،‬فأظهرها وأصحها حديث البخاري وفيه‪" :‬فأعانه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫بخمسة عشر صاعا‪ .‬فتصدق بها على ستين مسكينا فهذا ظاهر في أنها ستون مدا لكل مسكين مد‬ ‫لن الخمسة عشر صاعا بستين مدا إذ الصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/283‬‬ ‫وتلك حدود ال ‪:‬أي أحكام شرعه‪.‬‬ ‫وللكافرين عذاب أليم ‪:‬أي وللكافرين بها الجاحدين لها عذاب أليم أي ذو ألمٍ‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمِعَ اللّهُ} هذه الية الكريمة نزلت في خولة بنت ثعلبة النصارية وفي زوجها‬ ‫قوله تعالى {قَدْ َ‬ ‫أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رضي ال عنهم أجمعين كان قد ظاهر منها زوجها‬ ‫أوس‪ ،‬فقال لها في غضب غير مغلق أنت علي كظهر أمي‪ ،‬وكان الظهار يومئذٍ طلقا‪ ،‬وكانت‬ ‫المرأة ذات أطفال صغار وتقدم بها وبزوجها السن فجاءت لرسول ال صلى ال عليه وسلم تشكوا‬ ‫إليه ما قال زوجها فذكرت للرسول صلى ال عليه وسلم ضعفها ‪ 1‬وضعف زوجها وضعف‬ ‫أطفالها الصغار‪ ،‬وما زالت تراجع الرسول صلى ال عليه وسلم وتحاوره في شأنها وشأن زوجها‬ ‫حتى نزلت هذه اليات الربع من فاتحة سورة المجادلة التي سميت بها السورة فقيل سورة‬ ‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي‬ ‫المجادلة بكسر الدال‪ ،‬ويصح فتحها فقال تعالى مخاطبا رسوله {قَدْ َ‬ ‫جهَا} أي قد سمع ال قول المرأة التي تجادلك أي تراجعك في شأن زوجها الذي ظاهر منها‪،‬‬ ‫َزوْ ِ‬ ‫وتشتكي إلى ال بعد أن قلت لها‪ :‬وال ما أمرت في شأنك بشيء‪ ،‬تشكو إلى ال ضعف حالها‪.‬‬

‫سمِيعٌ َبصِيرٌ}‬ ‫سمَعُ‪َ 2‬تحَاوُ َر ُكمَا} أي مراجعتكما لبعضكما بعضا الحديث وأجابكما {إِنّ اللّهَ َ‬ ‫{وَاللّهُ يَ ْ‬ ‫أي سميع لقوال عباده عليم بأحوالهم وهذا حكم الظهار فافهموه واعملوا به‪.‬‬ ‫أولً‪ :‬أن الظهار الذي هو قول الرجل لمرأته أنت علي كظهر أمي ل يجعل المظاهر منها أما له‬ ‫إذ أمه هي التي ولدته وخرج من بطنها‪ ،‬والزوجة ل تكون أما بحال من الحوال‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬هذا القول كذب وزور ومنكر من القول وقائله آثم فليتب إلى ال ويستغفره‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬لول عفو ال وصفحه على عباده المؤمنين ومغفرته للتائبين لعاقبهم على هذا القول الكذب‬ ‫الباطل‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬على الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا أي يعزمون على وطئها بعد الظهار‬ ‫منها فالواجب عليهم قبل الوطء لها تحرير رقبة ذكرا كانت أو أنثى صغيرة أو كبيرة لكن مؤمنة‬ ‫ل كافرة‪ ،‬فمن لم يجد الرقبة لنعدامها‪ ،‬أو غلء ثمنها فيجزئه صيام شهرين متتابعين فإن لم‬ ‫يستطع لعلة قامت به فالواجب إطعام ستين مسكينا يعطى كل مسكين مدا من بر أو نصف صاع‬ ‫من‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من جملة ما روي أنها قالت‪ :‬يا رسول ال أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني‬ ‫وانقطع ولدي ظاهر مني‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما أوحي إلي في هذا شيء‬ ‫فقالت‪ :‬يا رسول ال أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا؟ فقال‪ :‬هو ما قلت لك فقالت‪ :‬إلى‬ ‫سمِعَ اللّهُ‪ }...‬الخ‪.‬‬ ‫ال أشكوا ل إلى رسوله فأنزل ال { َقدْ َ‬ ‫‪ 2‬روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬الحمد ل الذي وسع سمعه الصوات لقد‬ ‫جاءت المجادلة تشكو إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول‬ ‫جهَا}‬ ‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬ ‫فأنزل ال عز وجل‪{ :‬قَدْ َ‬

‫( ‪)5/284‬‬ ‫غير البر كالشعير والتمر ونحوهما كل ذلك من قبل أن يتماسا من باب حمل المطلق على المقيد‬ ‫إذ قيد الول بقبل المسيس ‪ 1‬فيحمل هذا الخير عليه‪.‬‬ ‫وقوله {ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ} أي ذلك الذي تقدم من بيان حكم الظهار ‪ 2‬شرعه لكم لتؤمنوا‬ ‫بال ورسوله إذ اليمان اعتقاد وقول وعمل‪ ،‬فطاعة ال ورسوله إيمان ومعصيتهما من الكفران‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ} أي ل تعتدوها بل قفوا عندها وللكافرين بها المتعدين لها عذاب أليم‬ ‫أي ذو ألم موجع جزاء تعديهم حدود ال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬إجابة ال لوليائه بتفريج كروبهم وقضاء حوائجهم فله الحمد وله الشكر‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الظهار باعتباره منكرا وكذبا وزورا فيجب التوبة منه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حكم المظاهر وهو أن عليه عتق رقبة قبل أن يجامع امرأته المظاهر منها‪ .‬فإن لم يجد‬ ‫الرقبة المؤمنة صام شهرين متتابعين من الهلل إلى الهلل وإذا انقطع التتابع لمرض بنى على ما‬ ‫صامه‪ .‬فإن لم يستطع لمرض ونحوه أطعم ستين مسكينا فأعطى لكل مسكين على حدة مدا من بر‬ ‫أو مدين من غير البر كالشعير والتمر‪.‬‬ ‫‪ -4‬لو جامع المظاهر قبل إخراج الكفارة أثم فليستغفر ربه وليخرج كفارته‪ .‬ول شيء عليه‬ ‫لحديث الترمذي الصحيح‪.‬‬ ‫‪ -5‬طاعة ال ورسوله إيمان‪ ،‬ومعصية ال ورسوله من الكفران‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ كُبِتُوا َكمَا كُ ِبتَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِه ْم َوقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَلِ ْلكَافِرِينَ‬ ‫عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪)5‬‬ ‫شهِيدٌ (‪ )6‬أَلَمْ تَرَ‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫حصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫عمِلُوا أَ ْ‬ ‫جمِيعا فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬ ‫َيوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬ ‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ مَا َيكُونُ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من مس امرأته قبل الكفارة فليكف عنها مرة أخرى حتى يكفر لحديث النسائي‪" :‬أن رجل ظاهر‬ ‫من امرأته ولم يكفر حتى وطئها فذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأمره أل يقربها حتى‬ ‫يكفر"‪.‬‬ ‫‪ 2‬هل على المرأة إذا ظاهرت من زوجها شيء؟ الجمهور‪ :‬أنه لشيء عليها وإن كفرت كفارة‬ ‫يمين فذلك اللئق بها‪.‬‬

‫( ‪)5/285‬‬ ‫ك وَل َأكْثَرَ إِلّا ُهوَ َم َعهُمْ‬ ‫سهُمْ وَل أَدْنَى مِنْ ذَِل َ‬ ‫خمْسَةٍ إِلّا ُهوَ سَادِ ُ‬ ‫جوَى ثَلثَةٍ إِلّا ُهوَ رَا ِب ُعهُ ْم وَل َ‬ ‫مِنْ نَ ْ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)7‬‬ ‫عمِلُوا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬ ‫أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمّ يُنَبّ ُئ ُهمْ ِبمَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذين يحادون ال ورسوله ‪:‬أي يخالفون ال ورسوله ويعادونهما‪.‬‬ ‫كبتوا كما كبت الذين من قبلهم‪ :‬أي ذلوا وأهينوا كما ذل وأهين من قبلهم لمخالفتهم رسولهم‪.‬‬ ‫وقد أنزلنا آيات بينات ‪:‬أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات دالة على صدق الرسول‪.‬‬ ‫عذاب مهين ‪:‬أي يوقعهم في الذل والهوان‪.‬‬ ‫يوم يبعثهم ال جميعا‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫أحصاه ال ونسوه ‪:‬أي جمعه وعده ونسوه هم‪.‬‬

‫وال على كل شيء شهيد ‪:‬أي ل يغيب عنه شيء من الشياء‪.‬‬ ‫ما يكون من نجوى ‪:‬أي من متناجين‪.‬‬ ‫ثلثة إل هو رابعهم ‪:‬إل هو تعالى رابعهم بعلمه بهم‪ ،‬وقدرته عليهم‪.‬‬ ‫ول أدنى من ذلك ‪:‬أي أقل من الثلثة وهما الثنان‪.‬‬ ‫إل هو معهم أينما كانوا ‪:‬أي في أي مكان من الرض أو السماء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ} هذه الية تحمل بشرى لرسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم بإعلمه بهزيمة قريش وهي تحزب الحزاب لحربه في غزوة الخندق فقال تعالى {إِنّ الّذِينَ‬ ‫يُحَادّونَ اللّهَ‪ 1‬وَرَسُولَهُ} أي يخالفون ال ورسوله ويعادونهما ‪ 2‬كبتوا أي ذلوا وأهينوا كما كبت‬ ‫الذين من قبلهم الذين كذبوا رسلهم فأكبتهم ال أي أذلهم وأهانهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬و َقدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ} كلها دالة على صدق رسولنا فيما جاءهم به ودعاهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المحادة والمشاقة والمعاداة متقاربة المعنى فالمحاد الواقف في حد وخصمه في آخر‪ ،‬وكذلك‬ ‫المشاق‪ :‬هو في شق والخر في شق مقابل‪ ،‬وكذا المعادي هو في عدوة والخر في أخرى مقابلة‬ ‫له‪ ،‬والعدوة‪ :‬هي عدوة الوادي أحد جانبيه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الكبت‪ :‬الخزي والذلل‪ ،‬وعبر في الية بالماضي (كبتوا) لتحقق وقوعه كقوله تعالى‪{ :‬أَتَى َأمْرُ‬ ‫اللّهِ}‪.‬‬

‫( ‪)5/286‬‬ ‫إليه‪ ،‬ومع هذا عادوه وحاربوه فلهذا يكبتهم ال ويذلهم في الدنيا وللكافرين ‪ 1‬أمثالهم عذاب مهين‬ ‫يوم القيامة يوم ‪ 2‬يبعثهم ال جميعا ل يتخلف منهم أحد فينبئهم بما عملوا من الشر والفساد‪.‬‬ ‫أحصاه ال إذ كتبته ملئكته وكتب قبل فعلهم له في كتاب المقادير اللوح المحفوظ ونسوه لعمى‬ ‫قلوبهم وكفرهم بربهم ولقائه فل يذكرون لهم ذنبا حتى يتوبوا منه ويستغفروا‪ .‬وقوله تعالى {وَاللّهُ‬ ‫شهِيدٌ} أي زيادة على أن أعمالهم كتبها في اللوح المحفوظ وأن الملئكة من الكرام‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫عَلَى ُكلّ َ‬ ‫الكاتبين قد كتبوها فإن ال تعالى شهيد على كل شيء فل يقع شيء إل تحت بصره وعلمه‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ} تقرير لما سبق من إحاطة علم ال بكل شيء‬ ‫وقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬ ‫وأن أعمال أولئك المخالفين المحادين محصية معلومة وسيجزيهم بها أي ألم تعلم يا رسولنا أن ال‬ ‫تعالى يعلم ما في السموات وما في الرض من دقيق الشياء وجليلها ورد أن جماعة من المنافقين‬ ‫تخلفوا يتناجون بينهم إغاظة للمؤمنين فنزلت هذه الية تعرض بهم وتكشف الستار عن نياتهم‪{ .‬مَا‬ ‫جوَى ‪ }3‬أي من ذوي نجوى أو من متناجين ثلثة إل وهو رابعهم‪ ،‬أي إل وال تعالى‬ ‫َيكُونُ مِنْ َن ْ‬

‫رابعهم بعلمه بهم وقدرته عليهم وهذه فائدة المعية العلم والقدرة على الخذ والعطاء‪ ،‬ول خمسة‬ ‫إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك كالثنين‪ ،‬ول أكثر إل هو معهم بعلمه وقدرته وإحاطته أينما‬ ‫كانوا تحت الرض أو فوقها في السماء أو دونها‪ ،‬ثم ينبئهم أي يخبرهم ويعلمهم بما عملوا يوم‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ} تقرير لما سبق من علمه بالمحادين له وبالمنافقين‬ ‫القيامة ليجزيهم به {إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬ ‫المناوئين للمؤمنين وسيجزى الكل بعدله وهو العزيز الحكيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وعيد ال الشديد بالكبات والذل والهوان لكل من يحاد ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬أحاطة علم ال بكل شيء وشهوده لكل شيء وإحصاه لكل أعمال العباد حال توجب مراقبة ال‬ ‫تعالى والخشية منه والحياء منه أشد الحياء‪.‬‬ ‫‪ -3‬الرشاد إلى أن التناجي للمشاورة في الخير ينبغي أن يكون عدد المتناجين ثلثة أو خمسة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة معطوفة على جملة (كبتوا) و (ال) في الكافرين‪ :‬للجنس ليعم الوعيد كل كافر‪.‬‬ ‫‪ 2‬يجوز أن يكون (يوم) متعلقا بالكون المقدر الذي تعلق به (للكافرين عذاب مهين) أي للكافرين‬ ‫عذاب مهين (يوم يبعثهم ال} وجائز أن يكون منصوبا على تقدير فعل اذكر كما هو شائع في‬ ‫أمثاله‪.‬‬ ‫‪ 3‬النجوى اسم مصدر فعله‪ :‬ناجاه يناجيه مناجاة واسم المصدر نجوى فهو بمعنى التناجي أي‪ :‬ما‬ ‫يكون تناجي ثلثة من الناس إل ال مطلع عليهم كرابع لهم وكل سرار نجوى‪.‬‬

‫( ‪)5/287‬‬ ‫أو سبعة ليكون الواحد عدل مرجحا للخلف قاضيا فيه إذ اختلف اثنان لبد من واحد يرجح جانب‬ ‫الخلف وإذا اختلف أربعة لبد من خامس يرجح جانب الخلف‪.‬‬ ‫ن َو َمعْصِ َيتِ‬ ‫جوْنَ بِالْأِ ْث ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬ ‫جوَى ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَيَتَنَا َ‬ ‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُوا عَنِ النّ ْ‬ ‫سهِمْ َلوْل ُي َعذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ‬ ‫ل وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا لَمْ ُيحَ ّيكَ بِهِ اللّ ُه وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫الرّسُو ِ‬ ‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)8‬‬ ‫حسْ ُبهُمْ َ‬ ‫َ‬ ‫جوْا بِالْبِ ّر وَال ّت ْقوَى‬ ‫ل وَتَنَا َ‬ ‫ن َو َمعْصِ َيتِ الرّسُو ِ‬ ‫جوْا بِالْأِ ْث ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْ ُتمْ فَل تَتَنَا َ‬ ‫جوَى مِنَ الشّيْطَانِ لِ َيحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ ِبضَارّ ِهمْ‬ ‫حشَرُونَ (‪ )9‬إِ ّنمَا النّ ْ‬ ‫وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إِلَ ْيهِ تُ ْ‬ ‫شَيْئا إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ‪:‬أي المسارة الكلمية والمنهيون هم اليهود والمنافقون‪.‬‬

‫ثم يعودون لما نهوا ‪:‬أي من التناجي تعمدا لذية المؤمنين بالمدينة‪.‬‬ ‫ويتناجون بالثم والعدوان ‪:‬أي بما هو إثم في نفسه‪ ,‬وعداوة الرسول والمؤمنين‪.‬‬ ‫ومعصية الرسول ‪:‬أي يتناجون فيوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول وعدم طاعته‪.‬‬ ‫وإذا جاءوك حيوك ‪:‬أي جاءوك أيها النبي حيوك بقولهم السام عليك‪.‬‬ ‫بما لم يحبك به ال ‪:‬أي حيوك بلفظ السام عليك‪ ,‬وهذا لم يحيي ال به رسوله بل حياه بلفظ السلم‬ ‫عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته‪.‬‬

‫( ‪)5/288‬‬ ‫ويقولون في أنفسهم ‪:‬أي سرا فيما بينهم‪.‬‬ ‫لول يعذبنا ال بما نقول ‪:‬أي هل يعذبنا ال بما نقول له‪ ,‬فلو كان نبيا لعاجلنا ال بالعقوبة‪.‬‬ ‫حسبهم جهنم يصلونها‪:‬أي يكفيهم عذاب جهنم يصلونها فبئس المصير لهم‪.‬‬ ‫فل تتناجوا بالثم والعدوان‪:‬أي فل يناج بعضكم بما هو إثم ول بما هو عدوان وظلم ول بما هو‬ ‫معصية للرسول‪.‬‬ ‫وتناجوا بالبر والتقوى ‪:‬أي وتناجوا إن أردتم ذلك بالبر أي الخير والتقوى وهي طاعة ال‬ ‫والرسول‪.‬‬ ‫إنما النجوى من الشيطان ‪:‬أي إنما النجوى بالثم والعدوان من الشيطان أي بتغريره‪.‬‬ ‫ليحزن الذين آمنوا ‪:‬أي ليوهمهم إنها بسبب شيء وقع مما يؤذيهم‪.‬‬ ‫وليس بضارهم شيئا إل بإذن ال ‪:‬أي وليس التناجي بضار المؤمنين شيئا إل بإرادة ال تعالى‪.‬‬ ‫وعلى ال فليتوكل المؤمنون ‪:‬أي وعلى ال ل على غيره يجب أن يتوكل المؤمنون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى ألم تر الية‪ ..‬هذه نزلت في يهود المدينة والمنافقين فيها‪.‬إذ كانوا يتناجون أي يتحدثون‬ ‫ى من المؤمنين‪ ,‬والوقت وقت حرب فيوهمون المؤمنين إن عدوا قد عزم على‬ ‫سرا على مرأ ً‬ ‫غزوهم‪ ,‬أو أن سرية هزمت أو أن مؤامرة تحاك ضدهم فنهاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫عن التناجي‪ ,‬وقال ل يتناج اثنان ‪ 1‬دون ثالث وأبوا أن يتناجوا فأنزل ال تعالى هذه الية يعجب‬ ‫رسوله منهم ويوعدهم بعد فضحهم وكشف الستار عن كيدهم للمؤمنين ومكرهم بهم فقال تعالى‬ ‫لرسوله ألم تر الذين ‪ 2‬نهوا عن النجوى وهي التناجي المحادثة السرية أمام الناس‪ ,‬ثم يعودون لما‬ ‫نهوا عنه عصيانا وتمردا عن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويتناجون ل بالبر والتقوى‪ ,‬ولكن‬ ‫بالثم والعدوان ومعصيت ‪ 3‬الرسول أي بما هو إثم في نفسه كالغيبة والبذاء في القول‪ ,‬وبالعدوان‬ ‫وهو العتداء على المؤمنين وظلمهم‪ ,‬وبمعصية الرسول فيوصي بعضهم بعضا بعصيان الرسول‬ ‫وعدم طاعته في أمره ونهيه‪ .‬هذا وشر منهم أنهم إذا جاءوا رسول ال صلى ال عليه وسلم حيوه‬

‫بما لم يحيه به ال فلم يقولوا السلم عليكم ولكن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الحديث ثابت في الصحيح وفي الموطأ قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا كان ثلثة فل يتناجى‬ ‫اثنان دون واحد" وفي الحديث دليل على التحريم ونظيره‪ :‬أن يتكلم اثنان بلغة غير لغة الثالث فإنه‬ ‫كنجوى اثنين دون ثالث‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتعجب والمراد به توبيخ اليهود الذين نزلت الية فيهم مع إخوانهم المنافقين‪.‬‬ ‫‪ 3‬كتبت (معصيت) بالتاء المفتوحة دون المربوطة التي يوقف عليها بالهاء في موضعين من هذه‬ ‫السورة‪ ,‬ويوقف عليها بالهاء ويجوز بالتاء أمل في الوصل فل بد من التاء‪.‬‬

‫( ‪)5/289‬‬ ‫يقولون السام عليكم والسام الموت يلوون بها ألسنتهم‪ ,‬ويأتونا الرسول واحدا واحدا ليحيوه بهذه‬ ‫التحية الخبيثة ليدعوا عليهم بالموت لعنة ال عليه مما أكثر أذاهم وما أشد مكرهم وما أنتن خبثهم‬ ‫ويقولون في أنفسهم أي فيما بينهم لو كان محمد صلى ال عليه وسلم نبيا لخذنا ال بما نقول له‬ ‫سهِمْ َلوْل ُيعَذّبُنَا اللّهُ ِبمَا‬ ‫من الدعاء عليه بالموت وهذا معنى قوله تعالى عنهم‪{ :‬وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫َنقُولُ} أي هل عذبنا ال بما نقول لمحمد صلى ال عليه وسلم لو كان نبيا‪ 1.‬قال تعالى حسبهم ‪2‬‬ ‫عذابا جهنم يصلونها يحترقون بحرها ولظاها يوم القيامة فبئس المصير الذي يصيرون إليه في‬ ‫الدار الخرة جهنم وزقومها وحميمها وضريعها وغسلينها ويحمومها وفوق ذلك غضب ال ولعنته‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} هذه الية والتي بعدها نزلت في تربية المؤمنين‬ ‫روحيا وتهذيبهم أخلقيا فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أي صدقوا ال ورسوله إذا تناجيتم لمر‬ ‫استدعى ذلك منكم فل ‪ 3‬تتناجوا بالثم والعدوان ومعصية الرسول فتكون حالكم كحال اليهود‬ ‫جوْا بِالْبِ ّر وَال ّتقْوَى} أي بما هو خير في نفسه ل إثم في هو بطاعة ال ورسوله‬ ‫والمنافقين ولكن {تَنَا َ‬ ‫إذ هما التقوى‪ ,‬واتقوا ال الذي إليه تحشرون يوم القيامة لمحاسبتكم ومجازاتكم فاتقوه بطاعته‬ ‫وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫جوَى مِنَ الشّيْطَانِ} أي هو الدافع إليها والحامل عليها وذلك لعلة وهي أن‬ ‫وقوله تعالى {إِ ّنمَا النّ ْ‬ ‫يوقع المؤمنين في غم وحزن‪ ,‬وليس التناجي ول الشيطان بضار المؤمنين شيئا إل بإرادة ال‬ ‫تعالى لحكم عالية يعلمها ال‪ ,‬ولذا فل تحزنوا ول تغتموا لما ترون من تناجي أعدائكم من اليهود‬ ‫والمنافقين‪ ,‬وتوكلوا على ال في أموركم كلها‪ .‬وعلى ال تعالى ل على غيره فليتوكل المؤمنون‬ ‫في كل زمان ومكان‪ .‬فإن ال تعالى كاف من يتوكل عليه كافيه كل ما يهمه وال على ذلك قدير‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬قال ابن العربي‪ :‬جهل هؤلء اليهود أن ال تعالى حليم ل يعاجل بالعقوبة من سبه فقد قال صلى‬ ‫ال عليه وسلم "ل أحد أصبر على الذى من ال يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم‬ ‫ويرزقهم"‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى الترمذي وصححه عن أنس "أن يهوديا أتى على رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى‬ ‫أصحابه فقال‪ :‬السام عليكم‪ .‬فرد عليه النبي صلى ال عليه وسلم وقال أتدرون ما قال هذا؟ قالوا‪:‬‬ ‫ال ورسوله أعلم قال كذا ردوه علي فردوه فقال‪ :‬قلت السام عليكم؟ قال‪ :‬نعم فقال النبي عند ذلك‬ ‫إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا‪ :‬عليك ما قلت‪ ,‬فأنزل ال تعالى (وإذا جاؤوك) الية‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجمهور أن حرمة تناجي الثنين دون الثالث والثلثة دون الرابع وهكذا هو باق على تحريمه‬ ‫وليس مخصوصا بحالة الحرب كما في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم لن ألفاظ الحديث‬ ‫عامة‪ .‬منها حديث الصحيح عن ابن عمر‪" :‬إذا كان ثلثة فل ينتاجى اثنان دون الواحد"‪ .‬وقوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم "إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون الخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن‬ ‫يحزنه"‪.‬‬

‫( ‪)5/290‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مكر اليهود والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫‪ -2‬إذا حيا الكافر المؤمن ورد عليه المؤمن رد عليه بقوله وعليكم لما صح أن النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم دخل عليه ناس من اليهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقال صلى ال عليه وسلم‬ ‫وعليكم‪ .‬فقالت عائشة رضي ال عنها عليكم السام ولعنكم ‪ 1‬ال وغضب عليكم‪ .‬فقال لها عليه‬ ‫الصلة والسلم يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش فقالت أل تسمعهم يقولون السام؟‬ ‫فقال لها أو ما سمعت ما أقول‪ :‬وعليكم‪ .‬فأنزل ال هذه الية رواه الشيخان‪.‬‬ ‫‪ -3‬إذا سلم الذمي وكان سلمه بلفظ السلم عليكم ل بأس أن يرد عليه بلفظه‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة التناجي بغير البر والتقوى وقوله تعالى إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين‬ ‫الناس الية من سورة النساء‪2.‬‬ ‫‪ -5‬ل يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث لما يوقع ذلك في نفس الثالث من حزن ل سيما إن كان‬ ‫ذلك في سفر أو في حرب وما إلى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب التوكل على ال وترك الوهام والوساوس فإنها من الشيطان‪.‬‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ َل ُكمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْلمَجَاِلسِ فَافْسَحُوا َيفْسَحِ اللّهُ َلكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا‬ ‫فَانْشُزُوا يَ ْرفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ دَ َرجَاتٍ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪ )11‬يَا أَ ّيهَا‬

‫طهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا‬ ‫جوَاكُ ْم صَ َد َقةً ذَِلكَ خَيْرٌ َلكُمْ وَأَ ْ‬ ‫الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬ ‫غفُورٌ رَحِيمٌ‬ ‫فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في جواز ومنع السلم على أهل الكتاب والذي عليه الجمهور جوازه للسنة الصحيحة في‬ ‫ذلك ويرى بعضهم وجوب الرد لعموم الية‪ { :‬فَحَيّوا بَِأحْسَنَ مِ ْنهَا َأوْ رُدّوهَا}‪.‬‬ ‫جوَا ُهمْ إِلّا مَنْ َأمَرَ ِبصَ َد َقةٍ َأوْ َمعْرُوفٍ َأوْ ِإصْلحٍ بَيْنَ‬ ‫‪ 2‬هي قوله تعالى‪{ :‬ل خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَ ْ‬ ‫س ْوفَ ُنؤْتِيهِ َأجْرا عَظِيما}‬ ‫س َومَنْ َي ْفعَلْ َذِلكَ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ فَ َ‬ ‫النّا ِ‬

‫( ‪)5/291‬‬ ‫جوَاكُ ْم صَ َدقَاتٍ فَإِذْ لَمْ َت ْفعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ فََأقِيمُوا الصّلةَ‬ ‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬ ‫(‪ )12‬أَأَ ْ‬ ‫وَآتُوا ال ّزكَا َة وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تفسحوا في المجالس‪ :‬أي توسعوا في المجالس التي هي مجالس علم وذكر‪.‬‬ ‫فافسحوا يفسح ال لكم ‪:‬أي في الجنة وفي الرزق والقبر‪.‬‬ ‫انشزوا فانشزوا ‪:‬أي قوموا للصلة أو لغيرها من أعمال البر‪.‬‬ ‫يرفع ال الذين آمنوا منكم ‪:‬أي بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وفي غرفات الجنان في الخرة‪.‬‬ ‫والذين أوتوا العلم درجات ‪:‬أي ويرفع الذين أوتوا العلم درجات عالية لجمعهم بين العلم والعمل‪.‬‬ ‫إذا ناجيتم الرسول ‪:‬أي أردتم مناجاته‪.‬‬ ‫فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ‪:‬أي قبل المناجاة تصدقوا بصدقة ثم ناجوه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ذلك خير لكم وأطهر‪ :‬أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لما فيه من نفع الفقراء وأطهر‬ ‫لذنوبكم‪.‬‬ ‫فإن لم تجدوا ‪:‬أي فإن لم تجدوا ما تتصدقون به‪.‬‬ ‫فإن ال غفور رحيم‪ :‬أي غفور لمناجاتكم رحيم بكم فليس عليكم في المناجاة بدون صدقة إثم‪.‬‬ ‫أأشفقتم أن تقدموا بين يدي ‪:‬أي أخفتم الفقر إن قدمتم بين يدي نجواكم صدقات‪.‬‬ ‫نجواكم صدقات؟‬ ‫فإذ لم تفعلوا وتاب ال عليكم ‪:‬أي تقديم الصدقات‪ ،‬وتاب ال عليكم بأن رخص لكم في تركها‪.‬‬ ‫فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ‪:‬أي على الوجه المطلوب من إقامتها وأخرجوا الزكاة‪.‬‬ ‫وأطيعوا ال ورسوله ‪:‬أي وداوموا على إقام الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫وال خبير بما تعملون ‪:‬أي من أعمال البر والحسان وسيثيبكم على ذلك بالجنة‪.‬‬

‫( ‪)5/292‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تربية المؤمنين وتهذيبهم ليكملوا ويسعدوا فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬ ‫آمَنُوا} أي صدقوا ال ورسوله {ِإذَا قِيلَ َلكُمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْل َمجَالِسِ} أي إذا قال لكم الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم أو غيره توسعوا ‪ 1‬في المجلس ليجد غيركم مكانا بينكم فتوسعوا ول تضنوا بالقرب‬ ‫من الرسول أو من العالم الذي يعلمكم أو المذكر الذي يذكركم وإن أنتم تفسحتم أي فإن ال تعالى‬ ‫يكافئكم فيوسع عليكم في الدنيا بسعة الرزق وفي البرزخ في القبر وفي الخرة في غرفات‬ ‫الجنان‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا قِيلَ انْشُزُوا}‪ 2‬أي قوموا من المجلس لعلة أو للصلة أو للقتال أو لفعل بر‬ ‫وخير فانشزوا أي خفوا وقوموا يئبكم ال فيرفع ال الذين آمنوا منكم درجات ‪ 3‬بالنصر والذكر‬ ‫الحسن في الدنيا وفي غرف الجنة في الخرة والذين أوتوا العلم درجات أي ويرفع الذين أوتوا‬ ‫العلم منكم أيها المؤمنون درجاتٍ عالية لجمعهم بين اليمان والعلم والعمل‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} يذكرهم تعالى بعلمه بهم في جميع أحوالهم ليراقبوه ويكثروا من‬ ‫طاعته ويحافظوا على تقواه‪.‬‬ ‫ص َدقَةً} أمرهم تعالى‬ ‫جوَاكُ ْم َ‬ ‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬ ‫إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول ال صلى ال عليه وسلم و يكلمه وحده أن يقدم صدقة أولً ثم‬ ‫يطلب المناجاة وكان هذا لمصلحة الفقراء أول ثم للتخفيف ‪ 4‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫إذ كل مؤمن يود أن يخلو برسول ال صلى ال عليه وسلم ويقرب منه ويكلمه والرسول بش ٌر ل‬ ‫يتسع لكل أحد فشرع ال هذه الصدقة فأعلمهم أنه يريد التخفيف عن رسوله‪ .‬فلما علموا بذلك‬ ‫وتحرجوا من بذل صدقة وأكثرهم فقراء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال قتادة‪ :‬كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى ال عليه وسلم فأمروا أن يفسح بعضهم‬ ‫لبعض‪ ،‬وروي عن ابن عباس أن هذا في صفوف القتال إذ كانوا يتشاحون على الصف الول‬ ‫فأمروا بالفسح لبعضهم حتى يتمكنوا من الوقوف في الصف الول مع رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم واللفظ عام يشمل هذا وذاك‪ .‬قال القرطبي‪ :‬والصحيح في الية أنها عامة في كل مجلس‬ ‫اجتمع فيه المسلمون للخير والجر سواء كان مجلس حرب أو علم أو ذكر أو مجلس صلة كيوم‬ ‫الجمعة وفي الحديث الصحيح‪" :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه‬ ‫ويجلس فيه آخر ولكن تفسحوا وتوسعوا"‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال قتادة‪ :‬المعنى‪ :‬أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف‪ ،‬والنشر‪ :‬الرتفاع مأخوذ من نشز‬

‫الرض وهو ارتفاعها‪ ،‬ومنه قيل للمرأة التي تترفع على زوجها ناشز‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية مدح لهل العلم‪ :‬قاله ابن مسعود وفي الحديث‪" :‬فضل العالم على العابد كفضل القمر‬ ‫ليلة البدر على سائر الكواكب"‪ .‬وقيل لعمر رضي ال عنه في مولى استخلفه فقال‪ :‬إنه قارئ‬ ‫لكتاب ال وإنه عالم بالفرائض أما إن نبيكم صلى ال عليه وسلم قد قال‪" :‬إن ال يرفع بهذا الكتاب‬ ‫أقواما ويضع آخرين" وعن ابن عباس‪ :‬خير سليمان بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي‬ ‫المال والملك معه‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم حتى شقوا عليه فأراد ال أن يخفف عن رسوله فأنزل هذه الية فلما نزلت كف الناس‪.‬‬

‫( ‪)5/293‬‬ ‫ل يجدها نسخ تعالى ذلك ولم تدم مدة الوجوب أكثر من ليالي ونسخها ال تعالى بقوله التي‬ ‫أأشفقتم‪ .‬الية‪.‬‬ ‫طهَرُ}‪ 1‬أي تقديم الصدقة بين يدي المناجاة خير لكم حيث تعود‬ ‫وقوله تعالى {ذَِلكَ خَيْرٌ َلكُ ْم وََأ ْ‬ ‫الصدقة على الفقراء إخوانكم وأطهر أي لنفوسكم لن النفس تطهر بالعمل الصالح وقوله تعالى‬ ‫جدُوا} أي ما تقدمونه صدقة قبل المناجاة فناجوه صلى ال عليه وسلم ول حرج عليكم‬ ‫{فَإِنْ َلمْ تَ ِ‬ ‫ش َفقْتُمْ‪ }2‬أي أخفتم الفاقة والفقر إن أنتم‬ ‫لعدم وجدكم فإن ال غفور لكم رحيم بكم‪ .‬وقوله تعالى {أَأَ ْ‬ ‫ألزمتم بالصدقة بين يدي كل مناجاة وعليه فإن لم تفعلوا وتاب ال عليكم برفع هذا الواجب ونسخه‬ ‫فرجع بكم إلى عهد ما قبل وجوب الصدقة فأقيموا الصلة بأدائها في أوقاتها في جماعة المؤمنين‬ ‫مراعين شرائطها وأركانها وسننها وآدابها وآتوا الزكاة الواجبة في أموالكم‪ .‬وأطيعوا ال ورسوله‬ ‫في أمرها ونهيهما يكفكم ذلك عوضا عن الصدقة التي نسخت تخفيا عليكم ورحمة بكم‪.‬‬ ‫وقوله {وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ‪ }3‬أي فراقبوه في طاعته وطاعة رسوله تفلحوا فتنجوا من النار‬ ‫وتدخلوا الجنة دار البرار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الندب إلى فضيلة التوسع في مجالس العلم والتذكير‪.‬‬ ‫‪ -2‬الندب والترغيب في القيام بالمعروف وأداء الواجبات إذا دعى المؤمن إلى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة اليمان وفضل العلم والعمل به‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية النسخ في الشريعة قبل العمل بالمنسوخ وبعده إذ هذه الصدقة نسخت قبل أن يعمل‬ ‫بها اللهم إل ما كان من علي ‪ 4‬رضي ال عنه فإنه أخبر أنه تصدق بدينار وناجى رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ثم نسخت هذه الصدقة فكان يقول في القرآن آية لم يعمل بها أحد غيري‬

‫وهي فضيلة له رضي ال عنه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن العربي‪ :‬في الية دليل على أن الحكام ل تترب بحسب المصالح فإن ال تعالى قال‬ ‫طهَرُ} ثم نسخ ذلك مع كونه خيرا وأطهر‪ .‬ولكن قد يقال إن ما قد نسخ من أجله‬ ‫{ذَِلكَ خَيْرٌ َل ُك ْم وَأَ ْ‬ ‫قد يكون أكثر منفعة للمسلمين في دينهم ودنياهم‪ .‬وإن كان خافيا عن المسلمين ل يعلمونه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام المراد به لوم الصحاب على تأخرهم عن المناجاة لما فرضت عليها الصدقة‪ .‬قيل‬ ‫كان ما بين اليتين الناسخة والمنسوخة عشرة أيام‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجملة تذييل لجملة‪( :‬فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة) وهي كناية عن التحذير من التفريط في‬ ‫طاعة ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي عن ابن عمر رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬لقد كانت لعلي رضي ال عنه ثلث لو كانت لي‬ ‫واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم‪ :‬تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية‬ ‫النجوى‪.‬‬

‫( ‪)5/294‬‬ ‫‪ -5‬في إقامة الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة ال ورسوله في الواجبات والمحرمات عوض عما‬ ‫يفوت المؤمن من النوافل‪.‬‬ ‫ب وَهُمْ‬ ‫غضِبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مَا هُمْ مِ ْنكُ ْم وَل مِ ْنهُ ْم وَيَحِْلفُونَ عَلَى ا ْلكَ ِذ ِ‬ ‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َتوَّلوْا َقوْما َ‬ ‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا‬ ‫شدِيدا إِ ّن ُهمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )15‬اتّ َ‬ ‫عذَابا َ‬ ‫عدّ اللّهُ َلهُمْ َ‬ ‫َيعَْلمُونَ (‪ )14‬أَ َ‬ ‫عذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )16‬لَنْ ُتغْنِيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْلدُ ُهمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا أُولَ ِئكَ‬ ‫عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََلهُمْ َ‬ ‫حسَبُونَ‬ ‫جمِيعا فَ َيحِْلفُونَ َلهُ َكمَا يَحِْلفُونَ َلكُ ْم وَيَ ْ‬ ‫َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )17‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬ ‫حوَذَ عَلَ ْيهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنْسَا ُهمْ ِذكْرَ اللّهِ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ‬ ‫شيْءٍ أَل إِ ّن ُهمْ هُمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪ )18‬اسْ َت ْ‬ ‫أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬ ‫الشّ ْيطَانِ أَل إِنّ حِ ْزبَ الشّيْطَانِ هُمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪)19‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر إلى الذين تولوا‪ :‬أي ألم تنظر إلى المنافقين الذين تولوا‪.‬‬ ‫قوما غضب ال عليهم ‪:‬أي اليهود‪.‬‬ ‫ما هم منكم ول منهم‪ :‬أي ما هم منكم أيها المؤمنون ول منهم أي من اليهود بل هم مذبذبون‪.‬‬ ‫ويحلفون على الكذب وهم ‪:‬أي يحلفون لكم أنهم مؤمنون وهم يعلمون أنهم غير مؤمنين‪.‬‬ ‫يعلمون‬ ‫إنهم ساء ما كانوا يعملون‪ :‬أي قبح أشد القبح عملهم وهو النفاق والمعاصي‪.‬‬

‫اتخذوا أيمانهم جنة ‪:‬أي سترا على أنفسهم وأموالهم فادعوا اليمان كذبا وحلفوا أنهم مؤمنون وما‬ ‫هم بمؤمنين‪.‬‬

‫( ‪)5/295‬‬ ‫فصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي فصدوا بتلك اليمان المؤمنين عن سبيل ال التي هي جهادهم وقتالهم‪.‬‬ ‫فيحلفون له كما يحلفون لكم ‪:‬أي يوم يبعثهم من قبورهم يوم القيامة يحلفون ل أنهم كانوا مؤمنين‬ ‫كما يحلفون اليوم لكم أنهم مؤمنون‪.‬‬ ‫ويحسبون أنهم على شيء ‪:‬أي يظنون في أيمانهم الكاذبة أنهم على شيء من الحق‪.‬‬ ‫استحوذ عليهم الشيطان ‪:‬أي غلب عليهم الشيطان‪.‬‬ ‫فأنساهم ذكر ال ‪:‬فلم يذكروه بألسنتهم إل تقية ول يذكرون وعده ول وعيده‪.‬‬ ‫أولئك حزب الشيطان ‪:‬أي أولئك البعداء أتباع الشيطان وجنده‪.‬‬ ‫أل إن حزب الشيطان هم‪ :‬أي إن أتباع الشيطان وجنده هم المغبونون الخاسرون في صفقة‬ ‫حياتهم‪.‬‬ ‫الخاسرون‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫في هذه اليام التي نزلت فيها هذه السورة كان النفاق بالمدينة بالغا أشده‪ ،‬وكان اليهود كذلك‬ ‫كثيرين ومتحزبين ضد السلم والمسامين وذلك قبل إجلئهم من المدينة ففي هذه الية يحذر ال‬ ‫تعالى رسوله والمؤمنين من العدوين معا ويكشف الستار عنهم ليظهرهم على حقيقتهم ليحذرهم‬ ‫المؤمنون فيقول تعالى {أََلمْ تَرَ‪ }1‬أي تنظر يا رسولنا إلى الذين تولوا قوما غضب ‪ 2‬ال عليهم‬ ‫وهم اليهود تولهم المنافقون ولية نصرة وتحزب ضد الرسول والمؤمنين‪ .‬يقول تعالى هؤلء‬ ‫المنافقون ما هم منكم أيها المؤمنون ول منهم من اليهود بل هم مذبذبون حيارى يترددون بينكم‬ ‫وبين اليهود معكم في الظاهر ومع اليهود في الباطن‪.‬‬ ‫ب وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ‪ }3‬أي أنهم كاذبون إذ كانوا يأتون رسول ال‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيحِْلفُونَ عَلَى ا ْلكَ ِذ ِ‬ ‫ويحلفون له أنهم مؤمنون به وبما جاء به وهم يعلمون أنهم كاذبون إذ هم غير مؤمنين به ول‬ ‫مصدقين‪ .‬فتوعدهم ال عز وجل بقوله‪{ :‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ عَذَابا شَدِيدا} أي هيأ لهم وأحضره وذلك يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬وندد بصنيعهم وقبح سلوكهم بقوله إنهم ساء ما كانوا يعملون ولذا أعد لهم العذاب‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تعجبي ووجه التعجب من حالهم أنهم تولوا قوما من غير جنسهم وليسوا على دينهم‬ ‫وإنما حملهم الشتراك في عداوة النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ 2‬عرف اليهود بالقرآن بأنهم المغضوب عليهم وتكرر ذلك في القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ 3‬روي عن عكرمة وابن عباس في سبب نزول هذه الية‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان‬ ‫جالسا في ظل شجرة قد كان الظل يتقلص عنه إذ قال يجيئكم الساعة رجل أزرق ينظر إليكم نظر‬ ‫شيطان فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق قد عاينه النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ .‬علم‬ ‫تشتمني أنت وأصحابك؟ قال دعني أجيئك بهم فمر فجاء بهم فحلفوا جميعا أنه ما كان من ذلك‬ ‫شيء فأنزل ال تعالى‪( :‬يوم يبعثهم ال جميعا)‪.‬‬

‫( ‪)5/296‬‬ ‫الشديد لسوء سلوكهم وقبح أعمالهم‪.‬‬ ‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ‪ 1‬جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ} أي اتخذ هؤلء‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬اتّ َ‬ ‫المنافقون أيمانهم التي يحلفونها لكم بأنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين اتخذوها ستارة ووقاية يقون بها‬ ‫أنفسهم من القتل وأموالهم من الخذ فصدوا بتلك اليمان الكاذبة المؤمنين عن سبيل ال التي هي‬ ‫قتالهم لنهم كفار مشركون يجب قتالهم حتى يدخلوا في دين ال أو يهلكوا لنهم ليسوا أهل كتاب‬ ‫فتقبل منهم الجزية‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فََلهُمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ} أي يوم القيامة يهانون ويذلون به‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {لَنْ ُتغْ ِنيَ ‪2‬عَ ْنهُمْ} أي يوم القيامة أموالهم التي يجمعونها ويتمتعون بها اليوم كما ل‬ ‫تغني عنهم أولدهم الذين يعتزون بهم من ال شيئا من الغناء فل تقبل منهم فدية فيفتدون بأموالهم‬ ‫ول يطلبون من أولدهم نصرة فينصرونهم‪ .‬أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ل يخرجون‬ ‫منها ول يموتون فيها ول يحيون‪.‬‬ ‫جمِيعا} أي اذكر يا رسولنا يوم يبعثهم ال جميعا في عرصات القيامة‬ ‫وقوله تعالى { َيوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬ ‫فيحلفون ‪ 3‬له أنهم كانوا مؤمنين كما يحلفون لكم اليوم أنهم مؤمنون‪ .‬ويحسبون اليوم أي يظنون‬ ‫أنهم على كل شيء من الصواب والحق أل إنهم هم الكاذبون استحوذ ‪ 4‬عليهم الشيطان أي غلب‬ ‫عليهم فأنساهم ذكر ال فل يذكرونه إل قليلً كما أنساهم ذكر وعده ووعيده فلذا هم ل يرغبون في‬ ‫ما عنده ول يرهبون مما لديه‪ .‬أولئك حزب الشيطان أي أتباعه وجنده‪ .‬أل إن حزب ‪ 5‬الشيطان‬ ‫أي أتباعه وجنده هم الخاسرون أي المغبونون في صفقتهم في هذه الحياة الدنيا وفي الخرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬اتخذوا أيمانهم جنة) الجملة مستأنفة استأنافا بيانيا لن سائل قد يسأل‪ :‬ما الذي حملهم على‬ ‫الحلف الكاذب؟ فالجواب اتخاذهم أيمانهم جنة والجنة الوقاية من جن إذا استتر أي‪ :‬وقاية من‬ ‫شعور المسلمين ليتمكنوا من الصد عن السلم تحت شعاره‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية إشارة إلى أن كبار المنافقين كانوا ذوي ثروة ومال وهذا من السباب الحاملة لهم على‬ ‫البقاء على الكفر حفاظا على أموالهم ومراكزهم في المجتمع في نظرهم‪ ،‬فأخبر تعالى أن مالهم‬

‫الذي يحافظون عليه أولدهم الذين يعتزون بهم إذا نزل بهم عذاب ال لن يغني ذلك عنهم من ال‬ ‫شيئا‪.‬‬ ‫‪ 3‬صح الحديث بأن من مات على شيء يبعث عليه‪ ،‬ولما مات المنافقون على النفاق بعثوا عليه‪،‬‬ ‫فلذا يحلفون ل تعالى أنهم كانوا مؤمنين كما هم يحلفون في الدنيا بأنهم مؤمنون وهم كاذبون‪،‬‬ ‫وهذا كقوله تعالى‪{ :‬وما كان فتنتهم إل أن قالوا وال ما كنا مشركين} ‪ .‬وهذا في عرصات‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫‪ 4‬مجرد استحوذ‪ :‬حاذ الشيء‪ :‬إذا أحاطه وصرفه كيف يريد‪ ،‬يقال‪ :‬حاذ العير‪ :‬إذا جمعها وساقها‬ ‫غالبا لها فاشتقوا منه استفعل‪ :‬للستيلء‪ ،‬والتدبير والمعالجة ول يقال استحوذ إل لمن كان عاقل‬ ‫يحسن التدبير والتصريف‪.‬‬ ‫‪ 5‬جيء بحرف التنبيه والستفتاح (أل) تنبيها على أهمية ما دخلت عليه وأنه مما يحق أن ينتبه‬ ‫له‪ .‬وضمير الفصل (هو) لفادة القصر‪ ،‬وهو قصر إدعائي للمبالغة في مقدار خسرانهم‪.‬‬

‫( ‪)5/297‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة موالة اليهود‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الحلف على الكذب وهي اليمين الغموس‪.‬‬ ‫‪ -3‬من علمات استحواذ الشيطان على النسان تركه لذكر ال بقلبه ولسانه ولوعده ووعيده‬ ‫بأعماله وأقواله‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ فِي الَْأذَلّينَ (‪ )20‬كَ َتبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ‬ ‫عَزِيزٌ (‪ )21‬ل تَجِدُ َقوْما ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وََلوْ كَانُوا آبَا َءهُمْ‬ ‫عشِيرَ َتهُمْ أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِ ْن ُه وَيُدْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ‬ ‫خوَا َنهُمْ َأوْ َ‬ ‫َأوْ أَبْنَاءَ ُهمْ َأوْ إِ ْ‬ ‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُمْ وَ َرضُوا عَنْهُ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَل إِنّ حِ ْزبَ‬ ‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َر ِ‬ ‫اللّهِ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)22‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذين يحادون ال ورسوله‪ :‬أي يخالفون ال ورسوله فيما يأمران به وينهيان عنه‪.‬‬ ‫أولئك في الذلين ‪:‬أي المغلوبين المقهورين‪.‬‬ ‫كتب ال لغلبن أنا ورسلي ‪:‬أي كتب في اللوح المحفوظ أو قضى وحكم بأن يغلب بالحجة أو‬ ‫السيف‪.‬‬ ‫يوادون من حاد ال ورسوله ‪:‬أي يصادقون من يخالف ال ورسوله بمحبتهم ونصرهم ‪.‬‬

‫ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو ‪:‬أي يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على اليمان كما وقع للصحابة‪.‬‬ ‫إخوانهم أو عشيرتهم‬

‫( ‪)5/298‬‬ ‫أولئك كتب في قلوبهم اليمان ‪:‬أي أثبت اليمان في قلوبهم‪.‬‬ ‫وأيدهم بروح منه ‪:‬أي برهان ونور وهدىً‪.‬‬ ‫رضي ال عنهم ورضوا عنه ‪:‬أي رضي ال عنهم بطاعتهم إياه في الدنيا ورضوا عنه في الخرة‬ ‫بإدخاله إياهم في الجنة‪.‬‬ ‫أل أن حزب ال هم المفلحون ‪:‬أي أل إن جند ال وأولياءه هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول‬ ‫الجنة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى موجها المؤمنين مرشدا لهم إلى أقوم طريق وأكمل الحوال فيقول‪{ :‬إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ‬ ‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ} أي يخالفونهما في أمرهما ونهيهما وما يدعوان إليه من الدين الحق {أُولَ ِئكَ} أي‬ ‫المخالفون في زمرة الذلين ‪ 1‬في الدنيا والخرة‪ .‬وقوله تعالى {كَ َتبَ‪ 2‬اللّهُ لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي} أي‬ ‫كتب في اللوح المحفوظ وقضى بأن يغلب رسوله أعداءه بالحجة والسيف ‪{ .3‬إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ}‬ ‫أي ذو قوة ل تقهر وعزة ل ترام فلذا قضى بنصرة رسوله على أعدائه مهما كانت قوتهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ل َتجِدُ َقوْما ُي ْؤمِنُونَ‪ 4‬بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ} يقول تعالى لرسوله ل تجد أناسا يؤمنون‬ ‫بال إيمانا صادقا بال ربا وإلها وباليوم الخر يوادون بالمحبة والنصرة من حاد ال ورسوله‬ ‫بمخالفتهما في أمرهما ونهيهما وما يدعوان إليه من توحيد ال وطاعته وطاعة رسوله ولو كانوا‬ ‫أقرب قريب إليهم من أب أو أبن أو أخ أو عشيرة‪ .‬وقوله تعالى {أُولَ ِئكَ كَ َتبَ} أي ال تعالى في‬ ‫قلوبهم اليمان أي أثبته وقرره فيها فهو ل يبرح ينير لهم طريق الهدى حتى ينتهوا إلى جوار‬ ‫ربهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬الذلين) جمع الذل وهو‪ :‬الكثر ذلً من كل ذليل والذل المهانة والصغار والحتقار‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي أن مقاتل قال‪ :‬قال المؤمنون لئن فتح ال لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن‬ ‫يظهرنا ال على فارس والروم فقال عبد ال بن أبي بن سلول أتظنون أن الروم وفارس مثل‬ ‫القرى التي غلبتم عليها‪ ،‬وال لنهم أكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فأنزل ال‬ ‫تعالى‪{ :‬كَ َتبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنّ} أي‪ :‬قضى ال ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬من بعث منهم بالحجة فإنه غالب بالحجة ومن بعثه بالسيف فهو غالب بالسيف بإذنه تعالى‪.‬‬ ‫‪ 4‬ذكر لنزول هذه الية عدة أسباب وهي وإن لم تنزل في كلها فإنها منطبقة عليها فقيل‪ :‬إنها‬

‫نزلت في عبد ال بن عبد ال بن أبي بن سلول فقد جاء لوالده بفضلة ماء من شراب رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم لعل ال يطهر قلبه من النفاق فسأله ما هذا فأخبره فقال عليه لعائن ال‪ :‬فهل‬ ‫جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها فغضب وجاء يستأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم في قتله فلم‬ ‫يأذن له‪ ،‬وقيل نزلت في أبي بكر الصديق لما ضرب والده بشدة لما سب له رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم وقيل‪ :‬نزلت في الذين بارزوا أقربائهم يوم بدر‪.‬‬

‫( ‪)5/299‬‬ ‫{وَأَيّ َدهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ‪ }1‬أي ببرهان ونور منه سبحانه وتعالى هذا في الدنيا وأما في الخرة فيدخلهم‬ ‫جنات تجري من تحتها النهار أي بساتين غناء تجري النهار المختلفة من خلل الشجار‬ ‫والقصور خالدين فيها ل يخرجون منها أبدا‪ ،‬وفوق ذلك رضي ال عنهم بطاعتهم إياه ورضوا‬ ‫عنه في الخرة بإدخاله إياهم الجنة دار المتقين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ} أي أولئك العالون في كمالتهم الروحية حزب ال أي جنده‬ ‫وأولياؤه‪ ،‬ثم أعلن تعالى عن فوزهم ونجاحهم فقال‪{ :‬أَل إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ}‪ 2‬أي‬ ‫الفائزون يوم القيامة بالنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬كتب ال الذل والصغار على من حاده وحاد رسوله بمخالفتهما فيما يحبان ويكرهان‪.‬‬ ‫‪ -2‬قضى ال تعالى بنصرة رسوله فنصره إنه قوي عزيز‪.‬‬ ‫‪3 -3‬حرمة موالة الكافر بالنصرة والمحبة ولو كان أقرب قريب‪ ،‬وقد قاتل أصحاب رسول ال‬ ‫آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشيرتهم في بدر‪ .‬وفيهم نزلت هذه الية تبشرهم برضوان ال تعالى‬ ‫لهم‪ ،‬وإنعامه عليهم اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل هو جبريل‪ ،‬وقيل‪ :‬بنصر منه‪ ،‬وقال الربيع بن أنس‪ :‬بالقرآن وحججه‪.‬‬ ‫‪ 2‬استدل مالك بهذه الية (ل تجد قوما ‪ )..‬الخ على معاداة القدرية وترك مجالستهم‪ .‬إذا كان هذا‬ ‫في القدرية فكيف بالرافضة؟!‬ ‫‪ 3‬روي أن داود عليه السلم قال‪ :‬إلهي‪ :‬أمن حزبك وحول عرشك؟ فأوحى ال إليه‪ :‬يا داود‪:‬‬ ‫الغاضة أبصارهم النقية قلوبهم السليمة أكفهم‪ .‬أولئك حزبي وحول عرشي‪.‬‬

‫( ‪)5/300‬‬

‫سورة الحشر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الحشر ‪1‬‬ ‫مدنية وآياتها أربع وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حكِيمُ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَارِ ِهمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وسماها ابن عباس سورة بني النضير لذكر قصة بني النضير فيها وسماها الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم (سورة الحشر) في حديث الترمذي عن معقل بن يسار أن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫قال‪" :‬من قال حين يصبح ثلث مرات أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلث‬ ‫آيات من آخر سورة الحشر (هو ال) الخ وكل ال به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي‬ ‫وإن مات في يومه مات شهيدا‪ ،‬ومن قرأها حين يمسي كذلك"‪ .‬وقال فيه‪ :‬حسن غريب‪.‬‬

‫( ‪)5/300‬‬ ‫حصُو ُنهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَ ْيثُ َلمْ‬ ‫لَِأ ّولِ ا ْلحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْ ُرجُوا وَظَنّوا أَ ّنهُمْ مَا ِنعَ ُتهُمْ ُ‬ ‫عبَ يُخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ بِأَ ْيدِيهِ ْم وَأَيْدِي ا ْل ُمؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي‬ ‫يَحْ َتسِبُوا َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬ ‫عذَابُ النّارِ (‪)3‬‬ ‫الْأَ ْبصَارِ (‪ )2‬وََلوْل أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمُ الْجَلءَ َلعَذّ َبهُمْ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الْآخِ َرةِ َ‬ ‫طعْتُمْ مِنْ لِي َنةٍ َأوْ‬ ‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ (‪ )4‬مَا َق َ‬ ‫ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَ ُه َومَنْ ُيشَاقّ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫سقِينَ (‪)5‬‬ ‫تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئ َمةً عَلَى ُأصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ ُيخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سبح ‪ 1‬ل ما في السموات وما في الرض ‪:‬أي نزه ال تعالى وقدسه بلسان الحال والقال ما في‬ ‫السموات وما في الرض من سائر الكائنات‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لوليائه‪.‬‬ ‫هو الذي أخرج الذين كفروا من ‪:‬أي أخرج يهود بني النضير من ديارهم بالمدينة‪.‬‬ ‫أهل الكتاب من ديارهم‬ ‫لول الحشر‪ :‬أي لول حشر كان وثاني حشر كان من خيبر إلى الشام‪.‬‬ ‫ما ظننتم أن يخرجوا ‪:‬أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن بني النضير يخرجون من ديارهم‪.‬‬ ‫وطنوا أنهم مانعتهم حصونهم من ال ‪:‬أي وظن يهود بني النضير أن حصونهم تمنعهم مما قضى‬ ‫ال به عليهم من إجلئهم من المدينة‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬في قوله تعالى‪( :‬سبح ل) الخ تذكير للمؤمنين بتسبيح ال تعالى وأنه من الذكر الذي هو علة‬ ‫الوجود‪ ،‬وتركه مهلكة كالتي حلت ببني النضير لتركهم ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/301‬‬ ‫فأتاهم ال من حيث لم يحتسبوا‪ :‬أي فجاءهم ال من حيث لم يظنوا أنهم يؤتون منه‪.‬‬ ‫وقذف في قلوبهم الرعب ‪:‬أي وقذف ال تعالى الخوف الشديد من محمد وأصحابه‪.‬‬ ‫يخربون بيوتهم بأيديهم ‪:‬أي يخربون بيوتهم حتى ل ينتفع بها المؤمنون وليأخذوا بعض أبوابها‬ ‫وأخشابها المستحسنة معهم‪.‬‬ ‫وأيدي المؤمنين ‪:‬إذ كانوا يهدمون عليهم الحصون ليتمكنوا من قتالهم‪.‬‬ ‫فاعتبروا يا أولي البصار ‪:‬أي فاتعظوا بحالهم يا أصحاب العقول ول تغتروا ول تعتمدوا إل على‬ ‫ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ولول أن كتب ال عليهم الجلء ‪:‬أي ولول أن كتب ال عليهم الخروج من المدينة‪.‬‬ ‫لعذبهم في الدنيا ‪:‬أي بالقتل والسبي كما عذب بني قريظة إخوانهم بذلك‪.‬‬ ‫ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله‪ :‬جزاهم بما جزاهم به من عذاب الدنيا والخرة بسبب مخالفتهم ل‬ ‫ورسوله ومعاداتهم لهما‪.‬‬ ‫ما قطعتم من لينة أو تركتموها ‪:‬أي ما قطعتم أيها المؤمنون من نخلة لينة أو تركتموها بل قطع‪.‬‬ ‫فبإذن ال وليخزي الفاسقين ‪:‬أي فاقطع ما قطعتم وترك ما تركتم كان بإرادة ال وكان ليجزي ال‬ ‫الفاسقين يهود بني النضير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى عن جلله وعظمته بأنه سبحه أي نزهه عن كل النقائص من الشريك والمصاحبة‬ ‫والولد والعجز والنقص مطلقا بلسان القال ولسان الحال جميع ما في السموات وما في الرض من‬ ‫الملئكة والنس والجن والحيوان والشجر والحجر والمدر‪ ،‬وأنه هو العزيز النتقام الحكيم في‬ ‫تدبير حياة النام‪ .‬هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم يهود بني النضير ‪ 1‬أجلهم من ديارهم‬ ‫بالمدينة لول الحشر ‪ 2‬إلى أذرعات بالشام ومنهم من نزل بخيبر وسيكون لهم حشر آخر حيث‬ ‫حشرهم عمر وأجلهم من خيبر إلى الشام‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في خطاب المؤمنين‪{ :‬مَا ظَنَنْ ُتمْ أَنْ َيخْرُجُوا} أي من ديارهم وظنوا هم أنهم مانعتهم‬ ‫حصونهم من ال‪ .‬فخاب ظنهم إذ أتاهم أمر ال من حيث لم يظنوا وذلك بأن قذف في‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بنو النضير‪ :‬رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلم نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل‬

‫انتظارا لمحمد صلى ال عليه وسلم وكان من أمرهم ما قص تعالى في هذه السورة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحشر‪ :‬الجمع أي‪ :‬جمع الناس في مكان واحد‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬حشر يهود جزيرة العرب إلى‬ ‫أرض غيرها أي‪ :‬جمعهم للخروج‪ ،‬ولذا هو يرادف الجلء إذ كان الجلء لجماعة عظيمة تجمع‬ ‫من الديار المتفرقة‪ ،‬واللم في قوله‪( :‬لول الحشر) هي لم التوقيت التي تدخل على أول الوقت‬ ‫نحو (فطلقوهن لعدتهن) أي‪ :‬لول عدتهن وهو الطهر الذي لم تمس فيه‪.‬‬

‫( ‪)5/302‬‬ ‫قلوبهم الرعب والخوف الشديد من الرسول وأصحابه حتى أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي‬ ‫المؤمنين‪ .‬المؤمنون يخربونها من الظاهر لفتح البلد وهم يخربونها من الباطن وذلك أن الصلح‬ ‫الذي تم بينهم وبين الرسول والمؤمنين أنهم يحملون أموالهم إل الحلقة أي السلح ويجلون عن‬ ‫البلد إلى الشام وهو أول حشر لهم فكانوا إذا أعجبهم الباب أو الخشبة نزعوها من محلها فيخرب‬ ‫البيت لذلك‪ .‬وقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَ ْبصَارِ} أي البصائر والنهي أي اتعظوا بحال بني‬ ‫النضير القوياء كيف قذف ال الرعب في قلوبهم وأجلوا عن ديارهم فاعتبروا يا أولي البصائر‬ ‫فل تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على ال وتوكلوا عليه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْل أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْي ِهمُ‪ 1‬الْجَلءَ} أزل في اللوح المحفوظ لعذبهم في الدنيا بالسبي‬ ‫والقتل كما عذب بني قريظة بعدهم‪ .‬ولهم في الخرة عذاب النار‪ ،‬ثم علل تعالى لهذا العذاب الذي‬ ‫أنزله وينزله بهم بقوله‪{ :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّ َه وَرَسُولَهُ} أي خالفوهما وعادوهما‪ ،‬ومن يشاق ال‬ ‫يعاقبه بأشد العقوبات فإن ال شديد العقاب‪.‬‬ ‫طعْتُمْ مِنْ‪ 2‬لِينَةٍ} أي من نخلة لينة أو تركتموها بل قطع قائمة على أصولها فقد‬ ‫وقوله تعالى {مَا قَ َ‬ ‫كان ذلك بإذن ال فل إثم عليكم فيه فقد أسر به المؤمنون وأخزى به الفاسقين اليهود‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان جلل ال وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية وفي‬ ‫ن وثالثٌ‪3.‬‬ ‫إجلء بني النضير من ديارهم وهو أول حشر وإجلء تم لهم وسيعقبه حشر ثا ٍ‬ ‫‪ -2‬بيان أكبر عبرة في خروج بني النضير‪ ،‬وذلك لما كان لهم من قوة ولما عليه المؤمنون من‬ ‫ضعف ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة وتركوا البلد والموال ورحلوا إلى غير رجعة‪ .‬فعلى‬ ‫مثل هذا يتعظ المتعظون فإنه ل قوة تنفع مع قوة ال‪ ،‬فل يغتر العقلء بقواهم المادية بل عليهم أن‬ ‫ل وآخرا‪.‬‬ ‫يعتمدوا على ال أو ً‬ ‫‪ -3‬علة هزيمة بني النضير ليست إل محادتهم ل والرسول ومخالفتهم لهما وهذه سنته تعالى في‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الفرق بين الجلء والخراج أن الجلء يكون بالهل والولد وأما الخراج قد يكون بدون ذلك‬ ‫وكلهما مفارقة المرء وطنه ويقال‪ :‬جل المرء بنفسه وأجله غيره‪.‬‬ ‫‪ 2‬كان هذا من باب إلجاء العدو إلى ترك المقاومة والستسلم واللينة‪ :‬بمعنى‪ :‬النخلة‪ ،‬واختير لفظ‬ ‫اللينة دون النخلة‪ :‬لخفته وهو اللون دون العجوة والبرني‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحشر‪ :‬أي الجمع الول هو إجلؤهم من المدينة‪ ،‬والثاني‪ :‬هو إجلؤهم عن الديار الحجازية‬ ‫على يد عمر رضي ال عنه لوصية الرسول صلى ال عليه وسلم بذلك في قوله " ل يجتمع دينان‬ ‫في الجزيرة" والثالث‪ :‬هو إجلؤهم من فلسطين بعد تجمعهم فيها وإقام دولتهم‪ .‬جاء بهذا حديث‬ ‫مسلم "لتقاتلن اليهود‪ "...‬الحديث فسوف يتم إجلؤهم حتى ل يجتمعوا مرة أخرى إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫( ‪)5/303‬‬ ‫كل من يحاده ويحاد رسوله فإنه ينزل به أشد أنواع العقوبات‪.‬‬ ‫‪ -4‬عفو ال تعالى على المجتهد إذا أخطأ وعدم مؤاخذته‪ ،‬فقد اجتهد المؤمنون في قطع نخل بني‬ ‫النضير من أجل إغاظتهم حتى ينزلوا من حصونهم‪ .‬و أخطأوا في ذلك إذ قطع النخل المثمر‬ ‫فساد‪ ،‬ولكن ال تعالى لم يؤاخذهم لنهم مجتهدون‪.‬‬ ‫سلَهُ عَلَى‬ ‫جفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَ ْيلٍ وَل ِركَابٍ وََلكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُ ُ‬ ‫َومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى َرسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )6‬مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى فَلِلّ ِه وَلِلرّسُولِ‬ ‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ن وَابْنِ السّبِيلِ َكيْ ل َيكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِ ْن ُك ْم َومَا آتَاكُمُ‬ ‫وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬ ‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪)7‬‬ ‫الرّسُولُ فَ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما أفاء ال على رسوله منهم ‪:‬أي وما رد ال ليد رسول ال صلى ال عليه وسلم من مال بني‬ ‫النضير‪.‬‬ ‫ل ول إبلً أي لم تعانوا‬ ‫‪ 1‬فما أوجفتم عليه من خيل ول ‪:‬أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خي ً‬ ‫فيه مشقة‪.‬‬ ‫ركاب‬ ‫ولكن ال يسلط رسله على من يشاء ‪:‬أي وقد سلط رسول ال محمدا صلى ال عليه وسلم على‬ ‫بني النضير ففتح بلدهم صلحا‪.‬‬ ‫وما أفاء ال على رسوله من أهل القرى ‪:‬أي وما رد ال على رسوله من أموال أهل القرى التي‬ ‫لم يوجف عليها بخيل ركابٍ‪.‬‬ ‫فلله وللرسول ولذي القربى ‪:‬أي ل جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتامى جزء‬ ‫وللمساكين‬

‫واليتامى والمساكين وابن جزء ولبن السبيل جزء تقسم على المذكورين‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬فما أوجفتم) هذه الفاء واقعة في جواب الذي‪ ،‬إذ الموصول فيه معنى الشرط فقوله‪( :‬وما أفاء)‬ ‫أي‪ :‬والذي أفاءه ال على رسوله منهم فما أوجفتم‪ )...‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)5/304‬‬ ‫السبيل بالسوية‪.‬‬ ‫كي ل يكون دولة بين الغنياء ‪:‬أي كيل يكون المال متداولً بين الغنياء القوياء ول يناله‬ ‫الضعفاء والفقراء‪.‬‬ ‫منكم‬ ‫وما آتاكم الرسول فخذوه وما ‪:‬أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما‬ ‫نهاكم عنه‬ ‫نهاكم عنه فانتهوا وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه‪.‬‬ ‫واتقوا ال إن ال شديد العقاب ‪:‬أي واتقوا ال فل تعصوه ول تعصوا رسوله واحذروا عقوبة ال‬ ‫على معصيته ومعصية رسوله فإن ال شديد العقاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في غزوة بني النضير إنه بعد الصلح الذي تم بينهم وبين رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم وقد تركوا حوائطهم أي بساتينهم فيئا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ورغب‬ ‫المسلمون في تلك البساتين ورأى بعضهم أنها ستقسم عليهم كما تقسم الغنائم فأبى ال تعالى ذلك‬ ‫عليهم وقال‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ} أي وما رد ال تعالى على رسوله من مال بني النضير‪.‬‬ ‫وكلمة رد تفسير لكلمة أفاء لن الفيء الظل يتقلص ثم يرجع أي يرد وأموال بني النضير الصل‬ ‫فيها لرسول ال صلى ال عليه وسلم لن بني النضير عاهدوا رسول ال وبمقتضى المعاهدة أبقى‬ ‫عليهم أموالهم فإذا تقضوا العهد وخانوا لم يستحقوا من المال شيئا ل سيما وأنهم تآمروا على قتله‬ ‫وكادوا ينفذون جريمتهم التي تحملوا تبعتها ولو لم ينفذوها‪ .‬وبداية القضية كالتالي‪:‬‬ ‫أن المعاهدة التي تمت بين الرسول صلى ال عليه وسلم وبين بني النضير من جملة بنودها أن‬ ‫يؤدوا مع الرسول ما يتحمل من ديات‪ .‬وبعد وقعة أحد بنصف سنة حدث أن عمرو بن أمية‬ ‫الضمري قتل خطأ رجلين من بني كلب أو بني كلب فجاء ذووهم يطالبون بديتهم من رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم إذ هو المسئول عن المسلمين فخرج صلى ال عليه وسلم إلى بني النضير‬ ‫في قريتهم ‪ 1‬التي تبعد عن المدينة بميلين يطالب بالسهام في دية الرجلين الكلبيين بحكم المعاهدة‬ ‫فلما انتهى إليهم أنزلوه هو وأصحابه بأحسن مجلس وقالوا ما تطلبه هو لك يا أبا القاسم ثم خلوا‬

‫بأنفسهم وقالوا أن الفرصة سانحة للتخلص من الرجل فجاءوا برحىً (مطحنة) من صخرة وطلعوا‬ ‫بها إلى سطح المنزل وهموا أن يسقطوها على رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو جالس‬ ‫في ظل الجدار مع أصحابه‪ ،‬وقبل أن يسقطوا الرحى أوحى ال إلى رسوله أن قم من مكانك فإن‬ ‫اليهود أرادوا إسقاط حجر عليك ليقتلوك فقام صلى ال عليه وسلم على الفور‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وكانت تسمى الزهرة وكان لها خمسة حصون‪.‬‬

‫( ‪)5/305‬‬ ‫وتبعه أصحابه وسقط في أيدي اليهود‪ .‬وما إن رجع الرسول صلى ال عليه وسلم حتى أعلن‬ ‫الخروج إلى بني النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت‬ ‫سفارة وانتهت بصلح يقضى بأن يجلوا بني النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون‬ ‫السلح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إل أسرتين‬ ‫نزلتا بخيبر أسرة بني الحقيق الذين منهم حيي بن أخطب والد صفية زوج الرسول صلى ال عليه‬ ‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ‬ ‫وسلم‪ .‬ولهذه الغزوة بقيت ستأتي عند قوله تعالى {َألَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِِإ ْ‬ ‫َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} اليات‪.‬‬ ‫من هنا علمنا أن مال بني النضير هو لرسول ال صلى ال عليه وسلم أفاءه ال عليه فقال وما‬ ‫أفاء ال على رسوله منهم أي من بني النضير‪ .‬ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى ردا عليهم فما‬ ‫ل ول إبلً ول أسرعتم عدوا إليهم‬ ‫أوجفتم ‪ 1‬عليه أي على أموال بني النضير أي ما ركبتم إليه خي ً‬ ‫لنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفرا ول تعبا ول قتالً موتا وجراحات فلذا ل حق لكم فيها‬ ‫فإنها فيء وليست بغنائم‪ .‬ولكن ال ‪ 2‬يسلط رسله على من يشاء بدون حرب ول قتال فيفيء عليهم‬ ‫بمال الكفرة الذي هو مال ال فيرده على رسله‪,‬وقد سلط ال حسب سنته في رسله محمدا صلى ال‬ ‫عليه وسلم على أعدائه بني النضير فحاز المال بدون قتال ول سفر فهو له دون غيره ينفقه كما‬ ‫يشاء ومع هذا فقد أنفقه صلى ال عليه وسلم ولم يبق منه إل قوت سنة لزواجه رضي ال عنهن‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ} ل يمتنع منه قوى‪ ,‬ول يتعزز عليه شريف‬ ‫وأرضاهن‪ .‬وقوله تعالى {وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫سرى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {مَا َأفَاءَ اللّهُ‪ 3‬عَلَى َرسُولِهِ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى} أي من أموال أهل القرى التي ما فتحت‬ ‫عنوة ولكن صلحا فتلك الموال تقسم فيئا على مل بين تعالى فلله وللرسول ولذي القربى أي قرابة‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم بنو هاشم وبنو المطلب‪ .‬واليتامى الذين ل عائل لهم‪,‬‬ ‫والمساكين الذين مسكنتهم الحاجة وابن السبيل وهو المسافر المنقطع عن بلده وداره وماله؟ وعلة‬ ‫ذلك بينها تعالى بقوله { َكيْ ل َيكُونَ } أي المال {دُولَةً‪ }4‬أي متداولً بين الغنياء منكم‪ ,‬ول يناله‬

‫الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء لعى هؤلء الصناف المذكورين وما ل فهو‬ ‫ينفق في المصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته صلى ال عليه وسلم والباقي للمذكورين‪,‬‬ ‫وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكورين في هذه الية أما الربعة أخماس فعلى المجاهدين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اليجاف‪ :‬ضرب من سير الخيل وهو سير سريع والمراد‪ :‬الركض للغارة و(الركاب) اسم‬ ‫جمع للبل التي تركب‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الكلم حذف اقتضاه اليجاز إذ التقدير‪ :‬ولكن ال سلط عليهم رسوله‪ ,‬وال يسلط رسله على‬ ‫من يشاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه الية بداية كلم مستأنف ابتدائيا فالولى كانت بخاصة قسمة أموال بني النضير‪ ,‬وأما هذه‬ ‫فهي في بيان حكم الفيء في السلم‪.‬‬ ‫‪( 4‬دولة)‪ :‬ما يتداوله المتداولون‪ ,‬والتداول‪ :‬التعاقب في التصرف في شيء وأصبحت خاصة‬ ‫بتداول الموال‪.‬‬

‫( ‪)5/306‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا آتَاكُمُ الرّسُولُ} من مال وغيره { َفخُذُو ُه َومَا َنهَاكُمْ عَنْهُ} أي من مال وغيره‬ ‫فانتهوا عنه واتقوا ال فل تعصوه ول تعصوا رسوله و أحذروا عقابه فإن ال شديد العقاب أي‬ ‫معاقبته قاسية شديدة ل تطاق فيا ويل من تعرض لها بالكفر والفجور والظلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن مال بني النضير كان فيئا خاصا برسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن الفيء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال ‪ 1‬وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم‬ ‫بينه وبين المسلمين هذا الفيء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الية إذ قال وما أفاء ال على‬ ‫رسوله من أهل القرى فلله‪ ،‬وللرسول‪ ،‬ولذي القربى‪ ،‬واليتامى‪ ،‬والمساكين‪ ،‬وابن السبيل‪ .‬وأما‬ ‫الغنائم وهي ما أخذت عنوة بالقوة وسافر إليها المسلمون فإنها تخمس خمس ل وللرسول ولذي‬ ‫القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يوزع بينهم بالسوية‪ ،‬والربعة الخماس الباقية تقسم على‬ ‫المجاهدين الذين شاركوا بالمعارك وخاضوها للراجل قسم وللفارس قسمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب طاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم وتطبيق أحكامه والستنان بسنته المؤكدة‬ ‫وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان أن ابن مسعود رضي ال عنه قال لعن ال‬ ‫الواشمات ‪ 2‬والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق ال فبلغ ذلك امرأة من أسد يقال لها‬ ‫أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت‪ .‬فقال‪ :‬مالي ل ألعن من لعن‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في كتاب ال عز وجل؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي‬ ‫المصحف فما وجدته‪ ،‬قال إن كنت قرأته فقد وجدته‪ .‬أما قرأت قوله تعالى { َومَا آتَاكُمُ‪ 3‬الرّسُولُ‬ ‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا} قالت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فإنه صلى ال عليه وسلم قد نهى عنه‪ .‬أي الوشم‬ ‫فَ ُ‬ ‫الخ‪..‬‬ ‫ضوَانا وَيَ ْنصُرُونَ‬ ‫لِ ْلفُقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْ ِرجُوا مِنْ دِيَارِ ِه ْم وََأ ْموَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬ ‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ تَ َبوّأُوا الدّا َر وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه المسألة خلفية بين الفقهاء وما في التفسير هو الذي عليه الكثرون منهم وهو الراجح وال‬ ‫أعلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الوشم معروف‪ ،‬ملعونة فاعلته والمفعول لها‪ ،‬والتنمص نتف الشعر من الوجه والتفلج توسعة ما‬ ‫بين السنان بمنشار وغيره للتجمل بذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬اليتاء‪ :‬مستعار لتبليغ المر إليهم إذ جعل تشريعه وتبليغه كإيتاء شيء بأيديهم كقوله تعالى‪:‬‬ ‫{خُذُوا مَا آتَيْنَا ُكمْ ِبقُ ّوةٍ} إذ يريد التشريع الذي شرعه لهم في التوراة‪.‬‬

‫( ‪)5/307‬‬ ‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ‬ ‫صدُورِهِمْ حَاجَةً ِممّا أُوتُوا وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬ ‫جدُونَ فِي ُ‬ ‫يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَ ْيهِمْ وَل يَ ِ‬ ‫خصَاصَةٌ َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪ )9‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َب ْعدِهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا‬ ‫ِبهِمْ َ‬ ‫غلّا لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ َرؤُوفٌ‬ ‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا ِ‬ ‫ن وَل تَ ْ‬ ‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِالْأِيمَا ِ‬ ‫غفِرْ لَنَا وَلِإِ ْ‬ ‫اْ‬ ‫رَحِيمٌ (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يبتغون فضل من ال ورضوانا ‪:‬أي هاجروا حال كونهم طالبين من ال رزقا يكفيهم ورضا منه‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫أولئك هم الصادقون ‪:‬أي في إيمانهم حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا ينصرون ال‬ ‫ورسوله‪.‬‬ ‫والذين تبوءوا الدار واليمان ‪:‬أي والنصار الذين نزلوا المدينة وألفوا اليمان بعدما اختاروه على‬ ‫الكفر‪.‬‬ ‫من قبلهم ‪:‬أي من قبل المهاجرين‪.‬‬ ‫ول يجدون في صدورهم حاجة ‪:‬أي حسدا ول غيظا‪.‬‬ ‫مما أوتوا ‪ :‬أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون من فيء بني النضير‪.‬‬ ‫ويؤثرون على أنفسهم‪ :‬أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيطلق أحداهما‬

‫ليزوجها مهاجرا‪.‬‬ ‫ولو كان بهم خصاصة ‪:‬أي حاجة شديدة وخلة كبيرة ل يجدون ما يسدونها به‪.‬‬ ‫ومن يوق شح نفسه ‪:‬أي ومن يقه ال تعالى حرص نفسه على المال والبخل به‪.‬‬ ‫والذين جاءوا من بعدهم ‪:‬أي من بعد المهاجرين والنصار من التابعين إلى يومنا هذا فما بعد‪.‬‬ ‫ول تجعل في قلوبنا غل للذين ‪:‬أي حقدا أي انطواء على العداوة والبغضاء‪.‬‬ ‫آمنوا‬

‫( ‪)5/308‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن فيء بني النضير وتوزيع الرسول صلى ال عليه وسلم له‬ ‫فقال تعالى {لِ ْل ُفقَرَاءِ} أي أعجبوا ‪ 1‬أن يعطى فيء بني النضير للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا‬ ‫من ديارهم وأموالهم يبتغون أي حال كونهم في خروجهم يطلبون فضل من ال أي رزقا يكف‬ ‫وجوههم عن المسألة ورضوانا من ربهم أي رضا عنهم ل يعقبه سخط‪ .‬إذ كان الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم أعطى فيء بني النضير للمهاجرين ولم يعط للنصار إل ما كان من أبي دجانة وسهل‬ ‫بن حنيف فقد ذكروا لرسوله ال صلى ال عليه وسلم حاجة فأعطاهما‪ .‬فتكلم المنافقون للفتنة‬ ‫وعابوا صنيع رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى هذه الية يعجب منهم الرسول‬ ‫والمؤمنون في إنكارهم على عطاء رسول ال صلى ال عليه وسلم المهاجرين دون النصار‪،‬‬ ‫وهو قوله تعالى {لِ ْلفُقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْ ِرجُوا ‪ 2‬مِنْ دِيَارِهِمْ وََأمْوَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنَ اللّهِ‬ ‫وَ ِرضْوَانا وَيَ ْنصُرُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّا ِدقُونَ} أي في إيمانهم إذ صدقوا القول بالعمل‪،‬‬ ‫وما كان معتقدا باطنا أصبح عملً ظاهرا بهذه الوصاف التي ذكر تعالى للمهاجرين أعطاهم‬ ‫الرسول من فيء بني النضير‪ .‬وأما النصار الذين لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه‬ ‫فقد أعطاهم ما هو خير من المال‪ .‬واسمع ثناؤه تعالى عليهم‪{ :‬وَالّذِينَ تَ َبوّأُوا الدّارَ} ‪ 3‬أي المدينة‬ ‫النبوية واليمان أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه‪ .‬من قبلهم أي من قبل نزول المهاجرين ‪ 4‬إلى‬ ‫المدينة يحبون من هاجر إليهم من سائر المؤمنين الذين يأتون فرارا بدينهم‪ ،‬ول يجدون في‬ ‫صدورهم حاجة أي حسدا ول غيظا مما أوتوا أي مما أعطوا الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫المهاجرين‪ .‬ويؤثرون على أنفسهم ‪ 5‬غيرهم من المهاجرين ولو كان بهم خصاصة أي حاجة‬ ‫شديدة وخلة كبيرة ل يجدون ما يسدونها به‪ ،‬وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في‬ ‫أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجر فهل بعد هذا‬ ‫اليثار من إيثار؟‪.‬‬ ‫__________‬

‫ن وَابْنِ السّبِيلِ} ويكون‪:‬‬ ‫‪ 1‬وقيل‪ :‬إن (للفقراء) بيان لقوله‪{ :‬وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬ ‫(للفقراء)‪ :‬قيدا لذي القربى بحيث ل يعطى منهم إل الفقراء‪ ،‬وهذا مردود رده الشافعي على أبي‬ ‫حنيفة ردا عنيفا‪.‬‬ ‫‪( 2‬أخرجوا)‪ :‬أي‪ :‬أحوجهم المشركون إلى الخروج وكانوا مائة رجل كذا قال القرطبي‪.‬‬ ‫‪( 3‬تبوءوا الدار واليمان) لما كان التبوء يكون في الماكن كان لبد من تقدير لكلمة اليمان نحو‪:‬‬ ‫تبوءوا الدار والتزموا اليمان أو ألفوا اليمان على حد قولهم‪ :‬علفتها تبنا وماءً باردا‪ .‬أي‪:‬‬ ‫وسقيتها ماءً‪.‬‬ ‫‪ 4‬في العبارة تجوز أي‪ :‬من قبل نزول أكثر المهاجرين أو من قبل نزول الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم بالمدينة وهو سيد المهاجرين وسيد جميع العالمين‪.‬‬ ‫‪ 5‬أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة "أن رجل بات به ضيف فلم يكن عنده إل قوته وقوت‬ ‫صبيانه فقال لمرأته‪ :‬نومي الصبيان وأطفئي السراج وقربي للضيف ما عندك" فنزلت هذه الية‪:‬‬ ‫خصَاصَةٌ}‪.‬‬ ‫سهِمْ وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َ‬ ‫علَى أَ ْنفُ ِ‬ ‫{ وَ ُيؤْثِرُونَ َ‬

‫( ‪)5/309‬‬ ‫وقوله تعالى { َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ} ‪1‬أي من يقيه ال تعالى مرض الشح وهو البخل بالمال‬ ‫والحرص على جمعه ومنعه فهو في عداد المفلحين وقد وقى النصار من هذا الخطر فهم مفلحون‬ ‫فهذا أيضا ثناءٌ عليهم وبشرى لهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْدِ ِهمْ} أي من بعد المهاجرين الولين والنصار الذين تبوءوا‬ ‫غفِرْ لَنَا} أي ذنوبنا واغفر‬ ‫الدار واليمان يقولون في دعائهم الدائم لهم {رَبّنَا} أي يا ربنا {ا ْ‬ ‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّا لِلّذِينَ‬ ‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِالْأِيمَانِ} وهم المهاجرون والنصار‪{ ،‬وَل تَ ْ‬ ‫{وَلِإِ ْ‬ ‫آمَنُوا} بك وبرسولك {رَبّنَا إِ ّنكَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ} أي ذو رأفة بعبادك ورحمة بالمؤمنين بك فاستجب‬ ‫دعاءنا فاغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا في اليمان ول تجعل في قلوبنا غلً لهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل المهاجرين والنصار‪ ,‬وأن حبهم إيمان وبغضهم كفران‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة اليثار على النفس‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة إيواء المهاجرين ومساعدتهم على العيش في دار الهجرة المهاجرين الذين هاجروا في‬ ‫سبيل ال تعالى فرارا بدينهم ونصرة لخوانهم المجاهدين والمرابطين‪.‬‬ ‫‪ -4‬خطر الشح وهو البخل بما وجب إخراجه من المال والحرص على جمعه من الحلل‬ ‫والحرام‪.‬‬

‫‪ -5‬بيان طبقات المسلمين ودرجاتهم وهي ثلثة بالجمال‪:‬‬ ‫‪ -1‬المهاجرون الولون‪.‬‬ ‫‪ -2‬النصار الذين تبوءوا الدار "المدينة" وألفوا اليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬من جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة من أهل اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ لَئِنْ أُخْ ِرجْتُمْ لَ َنخْرُجَنّ َم َعكُمْ‬ ‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِإِ ْ‬ ‫وَل ُنطِيعُ فِيكُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ومما ورد في ذم الشح قوله صلى ال عليه وسلم "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة‪،‬‬ ‫واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم"‪.‬‬

‫( ‪)5/310‬‬ ‫شهَدُ إِ ّن ُهمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )11‬لَئِنْ ُأخْرِجُوا ل يَخْ ُرجُونَ َم َعهُ ْم وَلَئِنْ‬ ‫أَحَدا أَبَدا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَ ْنصُرَ ّنكُ ْم وَاللّهُ يَ ْ‬ ‫قُوتِلُوا ل يَ ْنصُرُو َنهُ ْم وَلَئِنْ َنصَرُوهُمْ لَ ُيوَلّنّ الَْأدْبَارَ ثُمّ ل يُ ْنصَرُونَ (‪ )12‬لَأَنْتُمْ أَشَدّ َرهْبَةً فِي‬ ‫حصّنَةٍ َأوْ مِنْ‬ ‫جمِيعا إِلّا فِي قُرىً ُم َ‬ ‫صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َيفْ َقهُونَ (‪ )13‬ل ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬ ‫جمِيعا َوقُلُو ُبهُمْ شَتّى ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ َقوْمٌ ل َي ْعقِلُونَ (‪)14‬‬ ‫س ُهمْ بَيْ َنهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَ ُب ُهمْ َ‬ ‫جدُرٍ بَأْ ُ‬ ‫وَرَاءِ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر‪ :‬أي ألم تنظر‪.‬‬ ‫نافقوا ‪ :‬أي أظهروا اليمان وأخفوا في نفوسهم الكفر‪.‬‬ ‫لخوانهم الذين كفروا من أهل ‪ :‬أي يهود بني النضير‪.‬‬ ‫الكتاب‬ ‫لئن أخرجتم ‪:‬أي من دياركم بالمدينة‪.‬‬ ‫لنخرجن معكم ‪:‬أي نخرج معكم ول نبقى بعدكم في المدينة‪.‬‬ ‫وإن قوتلتم ‪:‬أي قاتلكم محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬ ‫لننصرنكم ‪:‬أي بالرجال والسلح‪.‬‬ ‫وال يشهد إنهم لكاذبون ‪:‬أي فيما وعدوا به إخوانهم بني النضير‪.‬‬ ‫ولئن نصروهم ‪:‬أي وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون المنافقون كاليهود‬ ‫سواء‪.‬‬ ‫لنتم أشد رهبة في صدورهم‪:‬أي تال لنتم أشد خوفا في صدورهم‪.‬‬ ‫من ال ‪:‬لن ال تعالى يؤخر عذابهم وأنتم تعجلونه لهم‪.‬‬

‫ذلك بأنهم ‪:‬أي المنافقين‪.‬‬ ‫قوم ل يفقهون ‪:‬لظلمة كفرهم وعدم استعدادهم للفهم عن ال ورسوله‪.‬‬

‫( ‪)5/311‬‬ ‫ل يقاتلونكم جميعا ‪:‬أي ل يقاتلكم يهود بني النضير مجتمعين‪.‬‬ ‫إل في قرى محصنة ‪:‬أي بالسوار العالية‪.‬‬ ‫أو من وراء جدر ‪:‬أي من رواء المباني والجدران أما المواجهة فل يقدرون عليها‪.‬‬ ‫بأسهم بينهم شديد ‪:‬أي العداوة بينهم شديدة والبغضاء أشد‪.‬‬ ‫تحسبهم جميعا ‪:‬أي مجتمعين‪.‬‬ ‫وقلوبهم شتى ‪:‬أي متفرقة خلف ما تحسبهم عليه‪.‬‬ ‫بأنهم قوم ل يعقلون ‪:‬إذ لو كانوا يعقلون لجتمعوا على الحق ول ما كفروا به وتفرقوا فيه فهذا‬ ‫دليل عدم عقلهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في الحديث عن غزوة بني النضير فيقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫{أََلمْ تَرَ} أي تنظر ‪ 1‬يا رسولنا إلى الذين نافقوا وهم عبد ال بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابنا‬ ‫نوفل وسويد وداعس إذ بعثوا إلى بني النضير حين نزل بساحتهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫لحربهم بعثوا إليه أن اثبتوا وتمنعوا وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم غير أنهم لم‬ ‫يفوا لهم ولم يأتهم منهم أحد وقذف ال الرعب في قلوبهم فسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت البل من أموالهم إل الحلقة "السلح" هذا معنى‬ ‫خوَا ِنهِمُ في الكفر} من أهل الكتاب "يهود بني‬ ‫قوله تعالى {أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ‪ 2‬نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِِإ ْ‬ ‫النضير" لئن أخرجتم من المدينة لنخرجن معكم‪ ,‬ول نطيع فيكم أي في نصرتكم والوقوف إلى‬ ‫جنبكم أحدا كائنا من كان وأن قوتلتم أي قاتلكم محمد صلى ال عليه وسلم ورجاله لننصرنكم‪.‬‬ ‫وال يشهد إنهم لكاذبون فيما قالوا لهم وفعل لم يقاتلوا معهم ولم يخرجوا معهم كما خرجوا من‬ ‫ديارهم‪ .‬وهو قوله تعالى {لَئِنْ ُأخْرِجُوا ل ‪َ 3‬يخْرُجُونَ َم َعهُ ْم وَلَئِنْ قُوتِلُوا ل يَ ْنصُرُو َنهُمْ} وعلى‬ ‫فرض أنهم نصروهم ليولن الدبار هاربين من المعركة‪ ,‬ثم ل ينصرون اليهود كالمنافقين سواء‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {لَأَنْتُمْ َأشَدّ َرهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم أشد رهبة‬ ‫أي خوفا في صدور المنافقين من ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بعد ذكر ما حل ببني النضير من خزي وعذاب حيث أجلوا عن ديارهم تاركينها وراءهم وذكر‬ ‫ما أفاء ال على رسوله من أموالهم شرع تعالى في تعجيب رسوله والمؤمنين من حال المنافقين‬

‫وما لحقهم من عار وشنار فقال لرسوله صلى ال عليه وسلم {ألم تر إلى الذين‪ }...‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتعجب والخوة هنا هي أخوة التلقي في الكفر وفي بغض السلم ورسوله وأهله‪.‬‬ ‫فما هي بأخوة نسب ول دين‪.‬‬ ‫‪ 3‬جملة (لئن أخرجوا‪ )..‬الخ بيان لجملة‪( :‬وال يشهد إنهم لكاذبون)‪.‬‬

‫( ‪)5/312‬‬ ‫تعالى لنهم يرون أن ال تعالى يؤجل عذابهم‪ ،‬وأما المؤمنون فإنهم يأخذون بسرعة للقاعدة " من‬ ‫بدل دينه فاقتلوه" فإذا أعلنوا عن كفرهم وجب قتلهم وقتالهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْف َقهُونَ} ‪1‬هذا بيان لجبنهم وخوفهم الشديد من الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم والمؤمنين‪ .‬إذ لو كانوا يفقهون لما خافوا العبد ولم يخافوا المعبود‪.‬‬ ‫حصّنَةٍ} بأسوار وحصون‬ ‫جمِيعا‪ }2‬أي اليهود والمنافقين {إِلّا فِي قُرىً ُم َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ل ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬ ‫أو من وراء جدر أي في المباني ووراء الجدران‪ .‬وقوله تعالى بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا‬ ‫في الظاهر وأنهم مجتمعون ولكن {قُلُو ُبهُمْ شَتّى} أي ‪ 3‬متفرقة ل تجتمع على غير عداوة السلم‬ ‫وأهله‪ ،‬وذلك لكثرة أطماعهم وأغراضهم وأنانيتهم وأمراضهم النفسية والقلبية‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم ل َي ْعقِلُونَ‪ }4‬إذ لو كانوا يعقلون لما الحق وكفروا به وهم يعلمون‬ ‫فعرضوا أنفسهم لغضب ال ولعنته وعذابه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير حقيقة وهي أن الكفر ملة واحدة وأن الكافرين إخوان‪.‬‬ ‫‪ -2‬خلف الوعد آية النفاق وعلماته البارزة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللزمة لهم ول تنفك عنهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬عامة الكفار يبدون متحدين ضد السلم وهم كذلك ولكنهم يما بينهم تمزقهم العداوات‬ ‫وتقطعهم الطماع وسوء الغراض والنيات‪.‬‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪َ )15‬كمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ ِللْإِنْسَانِ‬ ‫َكمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ قَرِيبا ذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِ ِه ْم وََلهُمْ َ‬ ‫ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)16‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفقه‪ :‬إدراك المعاني الدقيقة والسرار الخفية في كلم أهل الحكمة وذوي البصيرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الملة بدل اشتمال من جملة (لنتم أشد رهبة في صدورهم من ال) أي‪ :‬ل يقاتلكم اليهود مع‬ ‫المنافقين مجتمعين في جيش واحد وفي الية تهديد ليهود بني قريظة أما بنو النضير فقد انتهى‬ ‫أمرهم‪.‬‬

‫‪( 3‬شتى) جمع تشتيت‪ :‬بمعنى مفارق كقتيل وقتلى‪.‬‬ ‫‪( 4‬ذلك) الشارة إلى ما ذكر من عدم اتفاقهم وتفرق قلوبهم‪ ،‬والباء سببية ونفي العقل عنهم‬ ‫للزمه وهو ما يقود إليه من النجاة والسعادة‪.‬‬

‫( ‪)5/313‬‬ ‫َفكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا أَ ّن ُهمَا فِي النّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَ َذِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ (‪ )17‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ‬ ‫وَلْتَنْظُرْ َنفْسٌ مَا قَ ّد َمتْ ِلغَ ٍد وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪ )18‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ‬ ‫سقُونَ) (‪ )19‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ‬ ‫سهُمْ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬ ‫فَأَنْسَا ُهمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫هُمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪)20‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كمثل الذين من قبلهم قريبا ‪:‬أي مثل يهود بني النضير في ترك اليمان ومحاربة الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم كمثل إخوانهم بني قينقاع والمشركين في بدر‪.‬‬ ‫ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب ‪:‬أي ذاقوا عاقبة كفرهم وحربهم لرسول ال ولهم عذاب أليم في‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫أليم‬ ‫كمثل الشيطان إذ قال للنسان ‪:‬أي ومثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وخذلنهم لهم كمثل‬ ‫الشيطان إذ قال للنسان‪.‬‬ ‫اكفر فلما كفر قال إني بريء منك ‪ :‬أي قال له الشيطان بعد أن كفره أنا بريء‬ ‫وذلك جزاء الظالمين‪ :‬أي خلودهما في النار أي الغاوي والمغوى ذلك جزاءهما وجزاء الظالمين‪.‬‬ ‫ولتنظر نفس ما قدمت لغد‪ :‬أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر‪.‬‬ ‫ول تكونوا كالذين نسوا ال‪ :‬أي ول تكونوا أيها المؤمنون كالذين نسوا ال فتركوا طاعته‪.‬‬ ‫فأنساهم أنفسهم‪ :‬أي فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا خيرا قط‪.‬‬ ‫ل يستوي أصحاب النار ‪:‬أي لن أصحاب الجنة فائزون بالسلمة من المرهوب والظفر‬ ‫بالمرغوب‬ ‫وأصحاب الجنة المحبوب‪ .‬وأصحاب النار خاسرون في جهنم خالدون‪ ،‬فكيف يستويان؟‪.‬‬ ‫أصحاب الجنة هم الفائزون‬

‫( ‪)5/314‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َكمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ}‪ 1‬هذه الية (‪ )15‬واللتان بعدها (‪)16‬و (‪ )17‬في بقية الحديث‬ ‫عن بني النضير إذ قال تعالى مثل بنو النضير في هزيمتهم بعد نقضهم العهد كمثل الذين من قبلهم‬ ‫في الزمان والمكان وهم بنو قينقاع إذ نقضوا عهدهم فأخرجهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫وذاقوا وبال أمرهم أي عاقبة نقضهم وكفرهم في الدنيا ولهم في الخرة عذاب أليم أي موجع شديد‬ ‫وقوله تعالى { َكمَ َثلِ الشّيْطَانِ ِإذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ ا ْكفُرْ‪ }2‬بوسائله الخاصة فلما كفر النسان تبرأ منه‬ ‫الشيطان وقال إني بريء منك إني أخاف ال رب العالمين كذلك حال بني النضير مع المنافقين‬ ‫حيث حرضوهم على الحرب والقتال وواعدوهم أن يكونوا معهم ثم خذلوهم وتركوهم حدهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬فكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا} أي عاقبة أمرهما أنهما أي النسان والشيطان أنهما في النار خالدين‬ ‫فيها‪ ،‬وذلك أي خلودهما في النار جزاء الظالمين أي المشركين والفاسقين عن طاعة ال عز‬ ‫وجل‪.‬‬ ‫وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‬ ‫أي صدقوا بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيا ورسول اتقوا ال بفعل‬ ‫أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬ولتنظر نفس ما قدمت ‪ 3‬لغد أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم‬ ‫لغدٍ أي يوم القيامة‪ .‬واتقوا ال‪ ،‬أعاد المر بالتقوى لن التقوى هي ملك المر ومفتاح دار السلم‬ ‫والسعادة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ} يشجعهم على مراقبة ال تعالى والصبر عليها‪.‬‬ ‫س تركوا العمل‬ ‫سهُمْ} أي ل تكونوا كأنا ٍ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَا ُهمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫بطاعة ال وطاعة رسوله فعاقبهم ربهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيرا وأصبحوا بذلك‬ ‫صحَابُ النّارِ‬ ‫فاسقين عن أمر ال تعالى خارجين عن طاعته‪ .‬وقوله تعالى {ل ‪َ 4‬يسْ َتوِي َأ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا ضرب مثل للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الوفاء في نصرتهم‪ ،‬وحذف العطف لن‬ ‫الكلم معطوف على سابقه وهو (كمثل الذين من قبلهم) الخ‬ ‫لن حذف حرف العطف شائع تقول‪ :‬أنت عاقل أنت كريم أنت كذا بل حرف عطف‪.‬‬ ‫‪ 2‬هنا روى غير واحد من السلف حديثا يتضمن قصة تشرح هذه الية الكريمة كمثل الشيطان إذ‬ ‫قال للنسان ‪..‬الخ وهي أن راهبا تركت عنده امرأة أصابها لمم ليدعوا لها فزين له الشيطان‬ ‫فوطئها فحملت ثم قتلها خوفا أن يفتضح فدل الشيطان قومها على موضعها فجاءوا فاستنزلوا‬ ‫الراهب ليقتلوه فجاءه الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم فسجد له فتبرأ منه فأسلمه لقاتله‬ ‫وتركه‪ ،‬واسم هذا الراهب‪ ،‬برصيصا‪.‬‬ ‫‪ 3‬أطلق لفظ الغد وأريد به يوم القيامة جريا على عادة العرب فإنهم يطلقون لفظ الغد كناية عن‬ ‫المستقبل‪ ،‬وقيل إطلق لفظ الغد هنا إشارة إلى قرب الساعة كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫فإن يك صدر هذا اليوم ولى‬

‫فإن غدا لناظره قريب‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة‪( :‬ل يستوي‪)...‬الخ تذييل لما سبقها وهي كالفذلكة لما تقدم من المر بتقوى ال عز‬ ‫وجل وبيان حال المتقين الذاكرين والناسين الفاسقين‪.‬‬

‫( ‪)5/315‬‬ ‫وََأصْحَابُ الْجَنّةِ}‪ ،‬أصحاب النار في الدركات السفلى‪ ،‬وأصحاب الجنة في الفراديس العل فكيف‬ ‫يستويان‪ ،‬إذ أصحاب الجنة فائزون‪ ،‬وأصحاب النار خاسرون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ضرب مثل لحال الكافرين في عدم التعاظ بحال غيرهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من سبل الشيطان وهي الغراء بالمعاصي وتزيينها فإذا وقع العبد في الهلكة تبرأ‬ ‫الشيطان منه وتركه في محنته وعذابه‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب التقوى بفعل الوامر وترك النواهي‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب مراقبة ال تعالى والنظر يوميا فيما قدم النسان للخرة وما أخر‪.‬‬ ‫‪ -5‬التحذير من نسيان ال تعالى المقتضى لعصيانه فإن عقوبته خطيرة وهي أن ينسي ال العبد‬ ‫نفسه فل يقدم لها خيرا قط فيهلك ويخسر خسرانا مبينا‪.‬‬ ‫‪ -6‬عدم التساوي بين أهل النار وأهل الجنة‪ ،‬إذ أصحاب النار لم ينجوا من المرهوب وهو النار‪،‬‬ ‫ولم يظفروا بمرغوب وهو الجنة‪ ،‬وأصحاب الجنة على العكس سلموا من المرهوب‪ ،‬وظفروا‬ ‫بالمرغوب نجوا من النار ودخلوا الجنان‪.‬‬ ‫خشْيَةِ اللّ ِه وَتِ ْلكَ الَْأمْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ‬ ‫َلوْ أَنْزَلْنَا َهذَا ا ْلقُرْآنَ عَلَى جَ َبلٍ لَرَأَيْ َتهُ خَاشِعا مُ َتصَدّعا مِنْ َ‬ ‫حمَنُ الرّحِيمُ (‪ُ )22‬هوَ‬ ‫شهَا َدةِ ُهوَ الرّ ْ‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫َلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ (‪ُ )21‬هوَ اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ عَالِمُ ا ْلغَ ْي ِ‬ ‫اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ ا ْلمَِلكُ ا ْلقُدّوسُ السّلمُ ا ْل ُم ْؤمِنُ ا ْل ُمهَ ْيمِنُ ا ْلعَزِيزُ الْجَبّارُ ا ْلمُ َتكَبّرُ سُبْحَانَ اللّهِ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫سمَاءُ ا ْلحُسْنَى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي ال ّ‬ ‫صوّرُ لَهُ الْأَ ْ‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪ُ )23‬هوَ اللّهُ الْخَاِلقُ الْبَا ِرئُ ا ْل ُم َ‬ ‫َ‬ ‫حكِيمُ (‪)24‬‬ ‫وَالْأَ ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬

‫( ‪)5/316‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ‪:‬أي وجعلنا فيه تميزا وعقلً وإدراكا‪.‬‬ ‫لرأيته خاشعا متصدعا ‪:‬أي لرأيت ذلك الجبل متشققا متطامنا ذليلً‪.‬‬

‫من خشية ال‪ :‬أي من خوف ال خشية أن يكون ما أدى حقه من التعظيم‪.‬‬ ‫وتلك المثال نضربها للناس ‪ : 1‬أي مثل هذا المثل نضرب المثال للناس‪.‬‬ ‫لعلهم يتفكرون ‪:‬أي يتذكرون فيؤمنون ويوحدون ويطيعون‪.‬‬ ‫هو ال الذي ل إله إل هو ‪:‬أي ال المعبود بحق الذي ل معبود بحق إل هو عز وجل‪.‬‬ ‫عالم الغيب والشهادة ‪:‬أي عالم السر والعلنية‪.‬‬ ‫هو الرحمن الرحيم ‪:‬أي رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما‪.‬‬ ‫هو ال الذي ل إله إل هو ‪:‬أي ل معبود بحق إل هو لنه الخالق الرازق المدبر وليس لغيره ذلك‪.‬‬ ‫ا لملك القدوس ‪:‬أي الذي يملك كل شيء ويحكم كل شيء القدوس الطاهر المنزه عما ل يليق به‪.‬‬ ‫السلم المؤمن المهيمن ‪:‬أي ذو السلمة من كل نقص الذي ل يطرأ عليه النقص المصدق رسله‬ ‫بالمعجزات‪ .‬المهيمن ‪ :‬الرقيب الشهيد على عباده بأعمالهم‪.‬‬ ‫العزيز الجبار المتكبر ‪:‬العزيز في انتقامه الجبار لغيره على مراده‪ ،‬المتكبر على خلقه‪.‬‬ ‫سبحان ال عما يشركون ‪:‬أي تنزيها ل تعالى عما يشركون من اللهة الباطلة‪.‬‬ ‫هو ال الخالق البارئ ‪:‬أي هو الله الحق ل غيره الخالق لكل المخلوقات المنشئ لها من العدم‪.‬‬ ‫المصور ‪ :‬أي مصور المخلوقات ومركبها على هيئات مختلفة‪.‬‬ ‫له السماء الحسنى ‪:‬أي تسعة وتسعون اسما كلها حسنى في غاية الحسن‪.‬‬ ‫يسبح له ما في السموات والرض ‪:‬أي ينزهه ويسبحه بلسان القال والحال جميع ما في السموات‬ ‫والرض‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في جميع تدبيره‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة في اليات تذييل لن ما قبلها سيق مساق المثل فذيل بأن المثال التي يضربها ال‬ ‫تعالى في كلمه المراد منها أن يتفكر فيها الناس ليهتدوا إلى ما ينجيهم ويسعدهم‪.‬‬

‫( ‪)5/317‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {َلوْ أَنْزَلْنَا َهذَا ا ْلقُرْآنَ‪ }1..‬لما أمر تعالى في اليات السابقة ونهى ووعظ وذكر بما ل‬ ‫مزيد عليه أخبر أنه لو أنزل هذا القرآن العظيم على جبل بعد أن خلق فيه إدراكا وتمييزا كما‬ ‫خلق ذلك في النسان لرؤى ذلك الجبل خاشعا ذليلً متصدعا متشققا من خشية ال أي من الخوف‬ ‫من ال لعله قصر في حق ال وحق كتابه ما أداهما على الوجه المطلوب‪ ,‬وفي هذا موعظة‬ ‫للمؤمنين ليتدبروا القرآن ويخشعوا عند تلوته وسماعه‪ .‬ثم أخبر تعالى أن ما ضرب من أمثال‬ ‫في القرآن ومنها هذا المثل المضروب بالجبل‪ .‬يقول نجعلها للناس رجاء أن يتفكروا فيؤمنوا‬

‫ويهتدوا إلى طريق كمالهم وسعادتهم ثم أخبر تعالى عن جلله وكماله بذكر أسمائه وصفاته فقال‬ ‫{ ُهوَ اللّهُ الّذِي ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي ل معبود بحق إل هو‪ ,‬عالم الغيب والشهادة أي السر والعلن‬ ‫والموجود والمعدوم والظاهر والباطن‪ .‬هو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء الرحيم بعباده‬ ‫المؤمنين‪,‬الملك الذي له ملك السموات والرض والمدبر للمر في الرض والسماء‪ ,‬القدوس ‪2‬‬ ‫الطاهر المنزه عن كل نقص وعيب عن الشريك والصاحبة والولد‪ .‬السلم ذو السلمة ‪ 3‬من كل‬ ‫نقص مفيض السلم على من شاء من عباده‪ .‬المؤمن المصدق رسله بما آتاهم من المعجزات‬ ‫المصدق عباده المؤمنين فيما يشكون إليه مما أصابهم‪ ,‬ويطلبونه ما هم في حاجة إليه من رغائبهم‬ ‫وحاجاتهم‪ ,‬المهيمن على خلقه الرقيب عليهم المتحكم فيهم ل يخرج شيء من أعمالهم وتصرفاتهم‬ ‫عن إرادته وإذنه‪ ,‬العزيز الغالب على أمره الذي ل يمانع فيما يريده‪ .‬الجبار للكل ‪4‬‬ ‫على مراده وما يريده‪ ,‬المتكبر على كل خلقه وله الكبرياء في السموات والرض والجلل والكمال‬ ‫والعظمة‪.‬‬ ‫عمّا ُيشْ ِركُونَ} نزه تعالى نفسه عما يشرك به المشركون من عبدة‬ ‫وقوله تعالى {سُبْحَانَ اللّهِ َ‬ ‫الصنام والوثان وغيرها‬ ‫من كل ما عبد من دونه سبحانه وتعالى هو ال الخالق البارئ المصور‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬لو) هذه حرف امتناع لمتناع أي‪ :‬امتنع إنزال القرآن على جبل فامتنعت رؤيته خاشعا‬ ‫متصدعا من خشية ال‪ ,‬ولو حصل الول لحصل الثاني‪.‬‬ ‫‪ 2‬لفظ القدوس‪ :‬مشتق من القدس بلغة الحجاز وهو‪ :‬السطل لنه يتطهر به‪ ,‬ومنه القادوس لواحد‬ ‫الواني التي يستخرج بها الماء للتطهر وغيره قال ثعلب اللغوي‪ :‬كل اسم على وزن فعول هو‬ ‫مفتوح الول نحو سعود‪ ,‬وكلوب‪ ,‬وتنور إل السبوح والقدوس فإن الضم فيها أكثر من الفتح‪.‬‬ ‫‪ 3‬لسم السلم ثلث معاني صادقة‪ :‬منها ذو السلمة كما في التفسير ومنها ذو السلم‪ :‬أي المسلم‬ ‫على عباده في الجنة‪ :‬ومنها الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجبار‪ :‬قال ابن العباس‪ :‬هو العظيم وجبروت ال‪ :‬عظمته وه على هذا القول صفة ذات من‬ ‫قولهم‪ :‬نخلة جبارة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫سوامق جبار أثيث فروعه‬ ‫وعالين قنوانا من البسر أحمرا‬ ‫السوامق‪ :‬مرتفعات‪ ,‬وأثيث‪ :‬الملتف‪ :‬والقنوان‪ :‬العذق‪.‬‬

‫( ‪)5/318‬‬

‫المقدر للخلق الباريء له المصور له في الصورة التي أراد أن يوجده عليها‪ .‬له السماء الحسنى‬ ‫وهي مائة اسم إل اسما واحدا كما أخبر بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في صحيح البخاري‬ ‫وأسماؤه متضمنة صفاته وكل أسمائه حسنى وكل صفاته عليا منزه عن صفات المحدثين يسبح له‬ ‫ما في السموات والرض من مخلوقات وكائنات أي ينزهه ويقدسه عما ل يليق به ويدعوه‬ ‫ويرغب إليه في بقائه وكمال حياته‪ .‬وهو العزيز الحكيم الغالب على أمره الحكيم في تدبير ملكه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما حواه القرآن من العظات والعبر‪ ,‬والمر والنهي والوعد والوعيد المر الذي لو أن‬ ‫جبلً ركب فيه الدراك والتمييز كالنسان ونزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية ال‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحسان ضرب المثال للتنبيه والتعليم والرشاد‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد‪ ,‬وأنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‪.‬‬ ‫‪ -4‬إثبات أسماء ال تعالى‪ ,‬وأنها كلها حسنى‪ ,‬وأنها متضمنة صفات عليا‪.‬‬ ‫‪ -5‬ذكر أسمائه تعالى تعليم لعباده بها ليدعوه بها ويتوسلوا بها إليه‪.‬‬

‫( ‪)5/319‬‬ ‫سورة الممتحنة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الممتحنة ‪1‬‬ ‫مدنية وآياتها ثلث عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ع ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ تُ ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّد ِة َوقَدْ َكفَرُوا ِبمَا جَا َء ُكمْ مِنَ‬ ‫خذُوا َ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬ ‫جهَادا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ‬ ‫ل وَإِيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّب ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْ ُتمْ ِ‬ ‫حقّ ُيخْرِجُونَ الرّسُو َ‬ ‫الْ َ‬ ‫سوَاءَ‬ ‫ضلّ َ‬ ‫خفَيْتُ ْم َومَا أَعْلَنْتُمْ َومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ‬ ‫مَ ْرضَاتِي تُسِرّونَ إِلَ ْي ِهمْ بِا ْل َموَ ّد ِة وَأَنَا أَعْلَمُ ِبمَا أَ ْ‬ ‫السّبِيلِ (‪ )1‬إِنْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬المشهور في اسم هذه السورة أنه الممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل‪ ,‬وه الذي جزم‬ ‫به السهلي‪ ,‬والمراد من الممتحنة الية التي في هذه السورة إذ بها تمتحن المرأة التي تجيء‬ ‫مهاجرة من بلدها وتترك زوجها‪ .‬والية هي قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َء ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ‬ ‫ُمهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ} الخ ورجح الحافظ ابن حجر فتح الحاء باسم المفعول أي‪ :‬المرأة الممتحنة‪.‬‬

‫( ‪)5/319‬‬ ‫يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َل ُكمْ أَعْدَا ًء وَيَبْسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُه ْم وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّو ِء َووَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ (‪ )2‬لَنْ تَ ْنفَ َعكُمْ‬ ‫صلُ بَيْ َن ُك ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪)3‬‬ ‫أَرْحَا ُمكُمْ وَل َأوْل ُدكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْف ِ‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫ل تتخذوا عدوي وعدوكم ‪:‬أي الكفار والمشركين‪.‬‬ ‫أولياء تلقون إليهم بالمودة ‪:‬أي ل تتخذوهم أنصارا توادونهم‪.‬‬ ‫وقد كفروا بما جاءكم من الحق ‪:‬أي السلم عقيدة وشريعة‪.‬‬ ‫يخرجون الرسول وإياكم ‪:‬أي بالتضييق عليكم حتى خرجتم فارين بدينكم‪.‬‬ ‫أن تؤمنوا بربكم ‪:‬أي لجل أن آمنتم بربكم‪.‬‬ ‫إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي ‪:‬فل تتخذوهم أولياء ول تبادلوهم المودة‪.‬‬ ‫وابتغاء مرضاتي‬ ‫تسرون إليهم بالمودة ‪:‬أي توصلون إليهم خبر خروج الرسول لغزوهم بطريقة سرية‪.‬‬ ‫ومن يفعله منكم ‪:‬أي ومن يوادهم فينقل إليهم أسرار النبي في حروبه وغيرها‪.‬‬ ‫فقد ضل سواء السبيل ‪:‬أي أخطأ طريق الحق الجادة الموصلة إلى السعاد‪.‬‬ ‫إن يثقفوكم ‪:‬أي أن يظفروا بكم متمكنين منكم في مكان ما‪.‬‬ ‫يكونوا لكم أعداء ‪:‬أي ل يعترفون لكم بمودة‪.‬‬ ‫ويبسطوا إليكم أيديهم ‪:‬أي بالضرب والقتل‪.‬‬ ‫وألسنتهم بالسوء ‪:‬أي بالسب والشتم‪.‬‬ ‫وودوا لو تكفرون ‪:‬أي وأحبوا لو تكفرون بدينكم ونبيكم وتعودون إلى الشرك معهم‪.‬‬ ‫لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم ‪ :‬أي إن توادوهم وتسروا إليهم بالخبار الحربية تقربا إليهم من‬ ‫أجل أن يراعوا لكم أقرباءكم وأولدكم المشركين بينهم فاعلموا أنكم لن تنفعكم أرحامكم ول‬ ‫أولدكم يوم القيامة‪.‬‬ ‫يوم القيامة يفصل بينكم ‪:‬أي فتكونون في الجنة ويكون المشركون من أولد وأقرباء وغيرهم في‬ ‫النار‪.‬‬

‫( ‪)5/320‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫خذُوا عَ ُدوّي ‪ 1‬وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ‪ }...‬اليات‪ .‬نزلت في‬ ‫فاتحة هذه السورة {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬

‫شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدرا روى مسلم في صحيحه عن‬ ‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أنا والزبير والمقداد‬ ‫فقال ائتوا روضة خاخ (موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميل) فإن بها ظعينة (امرأة مسافرة)‪2‬‬ ‫معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة فقلنا أخرجي الكتاب‪،‬‬ ‫فقالت ما معي كتاب‪ .‬فقلنا لتخرجن الكتاب‪ ،‬أو لتلقن الثياب ‪( 3‬أي من عليك) فأخرجته من‬ ‫عقاصها أي من ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا به من حاطب بن‬ ‫أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا حاطب ما هذا؟ فقال ل تعجل علي يا رسول ال‬ ‫إني كنت امرءا ملصقا في قريش (أي كان حليفا لقريش ولم يكن قرشيا) وكان من معك من‬ ‫المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا‬ ‫يحمون بها قرابتي‪ ،‬ولم أفعله كفرا ول ارتدادا عن ديني ول رضا بالكفر بعد السلم وقد علمت‬ ‫أن ال ينزل بهم بأسه وأن كتابي ل يغني عنهم من ال شيئا‪ ،‬وأن ال ناصرك عليهم‪ .‬فقال النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم صدق‪ .‬فقال عمر رضي ال عنه دعني يا رسول ال أضرب عنق هذا‬ ‫المنافق فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه شهد بدرا‪ ،‬وما يدريك لعل ال أطلع على أهل‬ ‫بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل ال عز وجل {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من صدقتم‬ ‫ع ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ} من الكفار و المشركين {َأوْلِيَاءَ} أي أنصارا {ُت ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ‬ ‫ال ورسوله { ل تَتّخِذُوا َ‬ ‫‪ 4‬بِا ْل َموَ ّدةِ} أي أسرار النبي صلى ال عليه وسلم الحربية ذات الخطر والشأن‪ .‬والحال أنهم قد‬ ‫كفروا بما جاءكم من الحق الذي هو دين السلم بعقائده وشرائعه وكتابه ورسوله‪ .‬يخرجون‬ ‫الرسول وإياكم من ‪ 5‬دياركم بالمضايقة لكم حتى هاجرتم فارين بدينكم‪ ،‬أن تؤمنوا ‪ 6‬بربكم أي من‬ ‫أجل أن آمنتم بربكم‪ ،.‬أمثل هؤلء الكفرة الظلمة تتخذونهم أولياء تدلون إليهم بالمودة‪ ...‬إنه لخطأ‬ ‫جسيم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬العدو‪ :‬ذو العداوة وهو فعول بمعنى فاعل من عدا يعدو وأصله مصدر على وزن فعول مثل‬ ‫قبول‪ ،‬ولما كان على وزن المصادر عومل معاملة المصدر فاستوى في الوصف به المفرد‬ ‫والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث‪.‬‬ ‫‪ 2‬تسمى سارة مولة لبي عمرو بن صغير بن هاشم بن عبد مناف وهي يومئذ مشركة‪.‬‬ ‫‪ 3‬في رواية‪ ،‬أو لتلقين الثياب أي‪ :‬لنجردك من ثيابك‪..‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن تكون جملة‪( :‬تلقون) في محل نصب على الحال من ضمير (ل تتخذوا) واللقاء‬ ‫حقيقته‪ :‬رمي ما في اليد على الرض‪ ،‬واستعير للقاء الشيء بدون تدبر في موقعه أي‪ :‬تصرفون‬ ‫إليهم مودتكم بدون تأمل في آثارها الضارة‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجملة‪ :‬حال من الضمير في كفروا وحكيت بالمضارع لستحضار الصورة البشعة في الذهن‪.‬‬

‫‪ 6‬أي‪ :‬لن تؤمنوا بال ربكم علة وسبب إخراجهم إياكم من دياركم أي‪ :‬هو اعتداء حملهم عليه‬ ‫أنكم آمنتم بال ربكم‪.‬‬

‫( ‪)5/321‬‬ ‫ممن فعل هذا‪.‬‬ ‫جهَادا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِي} أي إن كنتم خرجتم من‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ‪ 1‬كُنْ ُتمْ خَ َرجْتُمْ ِ‬ ‫دياركم مجاهدين في سبيلي أي لنصرة ديني ورسولي وأوليائي المؤمنين وطلبا لرضاي فل تتخذوا‬ ‫الكافرين أولياء من دوني تلقون إليهم بالمودة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى تسرون ‪ 2‬إليهم بالمودة أي تخفون المودة إليهم بنقل أخبار الرسول السرية والحال‬ ‫خفَيْتُمْ َومَا أَعْلَنْ ُتمْ}‪ .‬وها قد أطلعت رسولي على رسالتكم‬ ‫أني {أَعَْلمُ} منكم ومن غيركم { ِبمَا أَ ْ‬ ‫المرفوعة إلى مشركي مكة والتي تتضمن فضح سر رسولي في عزمه على غزوهم مفاجأة لهم‬ ‫حتى يتمكن من فتح مكة بدون كثير إراقة دم وإزهاق أنفس‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ} أي الولء والمودة للمشركين فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ‬ ‫وسط الطريق المأمون من النحراف يريد جانب السلم الصحيح‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َل ُكمْ أَعْدَا ًء وَيَبْسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُه ْم وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّو ِء َووَدّوا َلوْ‬ ‫َت ْكفُرُونَ} أي أنهم أعداؤكم حقا إن يثقفوكم أي يظفروا بكم متمكنين منكم يكونوا لكم أعداء ول‬ ‫يبالون بمودتكم إياهم‪ ،‬ويبسطوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالسب والشتم وتمنوا كفركم‬ ‫لتعودوا إلى الشرك مثلهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لَنْ تَ ْن َفعَكُمْ أَرْحَا ُمكُ ْم وَل َأوْل ُدكُمْ‪ }3‬الذين واددتم الكفار من أجلهم من عذاب ال في‬ ‫الخرة إذ حاطب كتب الكتاب من أجل قرابته وأولده فبين تعالى خطأ حاطب في ذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬يوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْفصِلُ بَيْ َنكُمْ} بأن تكونوا في الجنة أيها المؤمنون ويكون أقرباؤكم‬ ‫وأولدكم المشركون في النار‪ .‬فما الفائدة إذا من المعصية من أجلهم؟! وال بما تعملون بصير‬ ‫فراقبوه واحذروه فل تخرجوا عن طاعته وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة موالة الكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة شرطية ذيل بها النهي‪( :‬ل تتخذوا عدوي) والغرض هو تأكيد الكلم السابق‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة بيانية لسابقتها‪ ،‬والجملة‪( :‬وأنا أعلم) حالية فيها معنى التعجب بضميمة التي قبلها‪.‬‬ ‫‪( 3‬لن تنفعكم ‪ )..‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ الذي يسمع جملة‪( :‬ودوا لو تكفرون) بتطلع إلى‬

‫ما يترتب على الكفر فيجاب بجملة‪ :‬لن تنفعهم أرحامهم ول أولدهم ولو في قوله‪( :‬ودوا لو‬ ‫تكفرون) مصدرية أي‪ :‬ودوا كفركم‪.‬‬

‫( ‪)5/322‬‬ ‫‪ -2‬الذي ينقل أسرار المسلمين الحربية إلى الكافرين على خطر عظيم وإن صام وصلى‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الكافرين ل يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم لن قلوبهم عمياء ل يعرفون معروفا‬ ‫ول منكرا بظلمة الكفر في نفوسهم وعدم مراقبة ال عز وجل لنهم ل يعرفونه ول يؤمنون بما‬ ‫عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل أهل بدر وكرامتهم على ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -5‬قبول عذر الصادقين الصالحين ذوي السبق في السلم إذا عثر أحدهم اجتهادا منه‪.‬‬ ‫‪ -6‬عدم انتفاع المرء بقرابته يوم القيامة إذا كان مسلما وهم كافرون‪.‬‬ ‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالّذِينَ َمعَهُ ِإذْ قَالُوا ِلقَ ْو ِمهِمْ إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُمْ َومِمّا َتعْبُدُونَ مِنْ‬ ‫قَدْ كَا َنتْ َلكُمْ ُأ ْ‬ ‫دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَبَدا حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ إِلّا َق ْولَ إِبْرَاهِيمَ‬ ‫شيْءٍ رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ (‪)4‬‬ ‫ك َومَا َأمِْلكُ َلكَ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬ ‫لِأَبِيهِ لََأسْ َت ْغفِرَنّ َل َ‬ ‫س َوةٌ‬ ‫حكِيمُ (‪َ )5‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ ُأ ْ‬ ‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبّنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫رَبّنَا ل تَ ْ‬ ‫حمِيدُ (‪)6‬‬ ‫حسَنَةٌ ِلمَنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الْآخِ َر َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قد كان لكم ‪ :‬أي أيها المؤمنون‪.‬‬ ‫أسوة حسنة ‪:‬أي قدوة صالحة‪.‬‬ ‫في إبراهيم والذين معه ‪:‬من المؤمنين فأتسوا بهم‪.‬‬ ‫إذ قالوا لقومهم ‪:‬أي المشركين‪.‬‬ ‫إنا براء منكم ومما تعبدون من ‪:‬أي نحن متبرئون منكم‪ ،‬ومن أوثانكم التي تعبدونها‪.‬‬ ‫دون ال‬

‫( ‪)5/323‬‬ ‫كفرنا بكم ‪:‬أي جحدنا بكم فلم نعترف لكم بقرابة ول ولء‪.‬‬ ‫وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ‪:‬أي ظهر ذلك واضحا جليا ل لبس فيه ول خفاء‪.‬‬ ‫حتى تؤمنوا بال وحده ‪:‬أي ستستمر عداوتنا لكم وبغضنا إلى غاية إيمانكم بال وحده‪.‬‬ ‫وإليك أنبنا ‪:‬أي رجعنا في أمورنا كلها‪.‬‬

‫ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا ‪:‬أي بأن تظهرهم علينا فيفتنوننا في ديننا ويفتتنون بنا يرون أنهم‬ ‫على حق لما يغلبوننا‪.‬‬ ‫لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ‪:‬أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في إبراهيم والذين معه أسوة حسنة‪.‬‬ ‫لمن كان يرجو ال واليوم الخر ‪:‬أي هي أسوة حسنة لمن كان يؤمن بال ويرجو ما عنده يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫ومن يتول ‪:‬أي لم يقبل ما أرشدناه إليه من اليمان والصبر فيعود إلى الكفر‪.‬‬ ‫فإن ال غني حميد ‪ :‬أي فإن ال ليس في حاجة إلى إيمانه وصبره فإنه غنيٌ بذاته ل يفتقر إلى‬ ‫غيره‪ ،‬حميد أي محمود بآلئه وإنعامه على عباده‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما حرم تعالى على المؤمنين موالة الكافرين مع وجود حاجة قد تدعو إلى موالتهم كما جاء ذلك‬ ‫في اعتذار حاطب بن أبي بلتعة أراد تعالى أن يشجعهم على معاداة الكافرين وعدم موالتهم بحال‬ ‫من الحوال لما في ذلك من الضرر والخطر على العقيدة والصلة بال وهي أعز ما يملك‬ ‫المؤمنون أعلمهم بأنه يوجد لهم ‪ 1‬أسوة أي قدوة حسنة في إبرايم خليله والمؤمنين معه ‪ 2‬فإنهم‬ ‫على قلتهم وكثرة عدوهم وعلى ضعفهم وقوة خصومهم تبرأوا من أعداء ال وتنكروا لية صلة‬ ‫تربطهم بهم فقالوا ما قص ال تعالى عنهم في قوله {إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ}‬ ‫(من أصنام وأوثان) كفرنا بكم فلم نعترف لكم بوجود يقتضي مودتنا ونصرتنا لكم‪ ،‬وبدا أي ظهر‬ ‫بيننا وبينكم العداوة ‪ 3‬والبغضاء بصورة مكشوفة ل ستار عليها لننا موحدون وأنتم مشركون‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع (إسوة) بكسر الهمزة‪ ،‬وقرأها حفص بالرفع وهي القدوة الصالحة‪.‬‬ ‫‪ 2‬هم‪ :‬سارة زوجه ولوط ابن أخيه فهم المعنيون بقوله تعالى‪( :‬والذين معه)‪.‬‬ ‫‪ 3‬العداوة‪ :‬هي المعاملة بالسوء والعتداء والبغضاء نفرة النفس والكراهية للمبغض‪.‬‬

‫( ‪)5/324‬‬ ‫لننا مؤمنون وأنتم كافرون‪ ،‬وسوف تستمر هذه المعاداة وهذه البغضاء بيننا وبينكم حتى تؤمنوا‬ ‫بال وحده ربا وإلها ل رب غيره و إله سواه إذا فأتسوا أيها المسلمون بإمام الموحدين إبراهيم‬ ‫اللهم إل ما كان من استغفار إبراهيم لبيه فل تأتسوا به ول تستغفروا لموتاكم المشركين فإن‬ ‫إبراهيم قد ترك ذلك لما علم أن أباه ل يؤمن وأنه يموت كافرا وأنه في النار فقال تعالى إل قول‬ ‫إبراهيم ‪ 1‬لبيه (آزر) لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء أي غير الستغفار‪ .‬وكان هذا‬ ‫عن وعد قطعه له ساعة المفارقة له إذ قال في سورة مريم‪{ :‬قَالَ سَلمٌ عَلَ ْيكَ سَأَسْ َت ْغفِرُ َلكَ رَبّي‬ ‫حفِيّا} وجاء في سورة التوبة قوله تعالى { َومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلّا عَنْ َموْعِ َدةٍ‬ ‫إِنّهُ كَانَ بِي َ‬

‫وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا} أي رجعنا من الكفر إلى اليمان بك وتوحيدك في‬ ‫عبادتك‪ ،‬وإليك المصير‪ .‬أي مصير كل شيء يعود إليك وينتهي عندك فتقضي وتحكم بما‬ ‫تشاء‪.‬ربنا ل تجعلنا فتنة ‪ 2‬للذين كفروا أي ل تظهرهم علينا فيفتنونا في ديننا ويردونا إلى الكفر‪,‬‬ ‫ويفتنون بنا فيرون أنهم لما غلبونا أنهم على حق ونحن على باطل فيزدادون كفرا ول يؤمنون‪.‬‬ ‫واغفر لنا ربنا أي ذنوبنا السالفة واللحقة فل تؤاخذنا بها إنك أنت العزيز الغالب المنتقم ممن‬ ‫عصاك الحكيم في تدبيرك لوليائك فدبر لنا ما ينفعنا ويرضيك عنا‪ .‬هذا البتهال والضراعة من‬ ‫قوله تعالى ربنا عليك توكلنا إلى الحكيم من الجائز أن يكون هذا مما قاله إبراهيم والمؤمنون معه‬ ‫وأن يكون إرشادا من ال للمؤمنين أن يقولوه تقوية ليمانهم وتثبيتا لهم عليه كما فعل ذلك إبراهيم‬ ‫ومن معه‪ .‬وقوله تعالى لقد كان لكم فيهم ‪ 3‬أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر تأكيد لما‬ ‫سبق وتقرير له وتحريك للهمم لتأخذ به‪ .‬وقوله لمن ‪ 4‬كان يرجو بال واليوم الخر إذ هم الذين‬ ‫ينتفعون بالعبر ويأخذون بالنصائح لحياة قلوبهم باليمان‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬ومن يتول أي عن الخذ بهذه السوة فيوالي الكافرين فإن ال غني عن إيمانه‬ ‫ووليته له التي استبدلها بولية أعدائه حميد أي محمود بآلئه وإنعامه على خلقه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستثناء منقطع إذ هذا القول ليس من جنس قولهم‪( :‬إنا براء منكم) إذ قول إبراهيم لبيه‬ ‫لستغفرن لك هو رفق بأبيه وهو مغاير للتبرؤ‪.‬‬ ‫‪ 2‬هم‪ :‬سارة زوجة ولوط ابن أخيه فهم المعنيون بقوله تعالى‪( :‬والذين معه)‪.‬‬ ‫‪( 3‬فيهم)‪ :‬أي في إبراهيم والمؤمنين معه‪ ،‬والسوة لحسنة‪ :‬القدوة الصالحة أي‪ :‬اقتدوا بهم في‬ ‫البراءة من الشرك والمشركيهن‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة بدل من جملة‪( :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ‪.)...‬‬

‫( ‪)5/325‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب القتداء بالصالحين في اليتساء بهم في الصالحات‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة موالة الكافرين ووجوب معاداتهم ولو كانوا أقرب قريب‪.‬‬ ‫‪ -3‬كل عداوة وبغضاء تنتهي برجوع العبد إلى اليمان والتوحيد بعد الكفر والشرك‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل يجوز القتداء في غير الحق والمعروف فإذا أخطأ العبد الصالح فل يتابع على الخطأ‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب تقوية المؤمنين بكل أسباب القوة لمرين الول خشية أ‪ ،‬يغلبهم الكافرون فيفتنوهم في‬

‫دينهم ويردوهم إلى الكفر والثاني حتى ل يظن الكافرون الغالبون أنهم على حق بسبب ظهورهم‬ ‫على المسلمين فيزدادوا كفرا فيكون المسلمون سببا في ذلك فيأثمون للسببية في ذلك‪.‬‬ ‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )7‬ل يَ ْنهَاكُمُ‬ ‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْ ُتمْ مِ ْنهُمْ َموَ ّد ًة وَاللّهُ قَدِي ٌر وَاللّهُ َ‬ ‫عَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْ‬ ‫ن وَلَمْ ُيخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ أَنْ تَبَرّوهُ ْم وَ ُتقْسِطُوا إِلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ‬ ‫اللّهُ عَنِ الّذِينَ َلمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬ ‫ن وََأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُ ْم وَظَاهَرُوا‬ ‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ (‪ )8‬إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬ ‫يُ ِ‬ ‫جكُمْ أَنْ َتوَّلوْهُمْ َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ (‪)9‬‬ ‫عَلَى إِخْرَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عاديتم منهم ‪ :‬أي من كفار قريش بمكة طاعة ل واستجابة لمره‪.‬‬ ‫مودة ‪:‬أي محبة وولء وذلك بأن يوفقهم لليمان والسلم فيؤمنوا ويسلموا ويصبحوا أولياءكم‪.‬‬ ‫وال قدير ‪ :‬أي على ذلك وقد فعل فأسلم بعد الفتح أهل مكة إل قليلً منهم‪.‬‬ ‫لم يقاتلوكم في الدين ‪:‬أي من أجل الدين‪.‬‬ ‫أن تبروهم ‪:‬أي تحسنوا إليهم‪.‬‬

‫( ‪)5/326‬‬ ‫وتقسطوا إليهم ‪ :‬أي تعدلوا فيهم فتنصفوهم‪.‬‬ ‫إن ال يحب المقسطين ‪:‬أي المنصفين العادلين في أحكامهم ومن ولوا‪.‬‬ ‫وظاهروا على إخراجكم ‪:‬أي عاونوا وناصروا العدو على إخراجكم من دياركم‪.‬‬ ‫أن تولوهم ‪:‬أي تتولوهم بالنصرة والمحبة‪.‬‬ ‫فأولئك هم الظالمون ‪ :‬لنهم وضعوا الولية في غير موضعها‪ ،‬والظلم هو وضع الشيء في غير‬ ‫موضعه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في بيان حكم الموالة للكافرين فإنه لما حرم تعالى ذلك‪ ،‬وكان للمؤمنين‬ ‫قرابات كافرة وبحكم إيمانهم واستجابتهم لنداء ربهم قطعوهم فبشرهم تعالى في هذه الية الكريمة‬ ‫عسَى اللّهُ أَنْ‬ ‫بأنه عز وجل قادر على أن يجعل بينهم وبين أقربائهم مودة فقال عز من قائل { َ‬ ‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْ ُتمْ مِ ْنهُمْ} أي من المشركين { َموَ ّدةً}‪ . 1‬وذلك بأن يوفقهم للسلم‪ ،‬وهو‬ ‫يَ ْ‬ ‫على ذلك قدير وقد فعل وله الحمد والمنة فقد فتح على رسوله مكة وبذلك آمن أهلها إل قليلً‬ ‫فكانت المودة وكان الولء واليخاء مصداقا لقوله عز وجل عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين‬ ‫عاديتم منهم مودة وال قدير وال غفور رحيم فقد تاب عليهم بعد أن هداهم وغفر لهم ما كان منهم‬ ‫من ذنوب ورحمهم‪.‬‬ ‫ن وََلمْ يُخْ ِرجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ}‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ل يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ‪ 2‬الّذِينَ لَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬

‫بمضايقتكم أن تبروهم أي بالحسان إليهم بطعام ‪ 3‬كسوة أو ركاب وتقسطوا أي تعدلوا فيهم بأن‬ ‫تنصفوهم وهذا عام في كل الظروف الزمانية والمكانية وفي كل الكفار‪ .‬ولكن بالشروط التي ذكر‬ ‫تعالى‪ .‬وهي‪:‬‬ ‫أول‪ :‬أنهم لم يقاتلونا من أجل ديننا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا بعد أن يسلم الكافرون ويوحد المشركون وفعلً فقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة ووالهم‬ ‫المسلمون كأبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام ومن‬ ‫مظاهر هذه المودة تزوج النبي صلى ال عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان وبذلك لنت عريكة‬ ‫أبي سفيان واسترخت شكيمته في العداوة حتى إنه لما بلغه تزوج النبي صلى ال عليه وسلم بها‬ ‫قال‪ :‬ذلك الفحل ل يقدح أنفه أي‪ :‬ل يضرب أنفه‪ ،‬وهي كلمة مدح‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في هل هذه الية محكمة أو منسوخة بقتال المشركين؟ والذي عليه أكثر أهل العلم سلفا‬ ‫وخلفا أنها محكمة بما ذكر فيها من شروط وأن العمل بها باق ببقاء السلم كما هو في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى البخاري ومسلم وأبو داود أن قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر الصديق قدمت عليها أمها في‬ ‫فترة الهدنة بين الرسول صلى ال عليه وسلم والمشركين وأهدتها قرطا وأشياء فكرهت أن تقبل‬ ‫ذلك فأتت النبي صلى ال عليه وسلم فذكرت له ذلك فأذن لها في قبول هدية أمها واستأذنته في‬ ‫صلتها؟ فقال لها صلي أمك‪.‬‬

‫( ‪)5/327‬‬ ‫وثانيا‪ :‬لم يخرجونا من ديارنا بمضايقتنا وإلجائنا إلى الهجرة‪.‬‬ ‫وثالثا ‪ :‬أن ل يعاونوا عدوا بأي معونة ولو بالمشورة والرأي فضلً عن الكراع والسلح‪.‬‬ ‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ} ترغيب لهم في العدل والنصاف حتى مع الكفار وقوله‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬ ‫تعالى {إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ} عن موالة الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا أي‬ ‫جكُمْ أَنْ َتوَّلوْهُمْ} أي ينهاكم عن موالتهم‪َ { .‬ومَنْ يَ َتوَّلهُمْ منكم} معرضا عن هذا‬ ‫أعانوا {عَلَى ِإخْرَا ِ‬ ‫الرشاد اللهي والمر الرباني {فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ} أي لنفسهم المعترضون لعذاب ال ونقمته‬ ‫لوضعهم الموالة في غير موضعها بعدما عرفوا ذلك وفهموه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حكم الموالة الممنوعة والمباحة في السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬الترغيب في العدل والنصاف بعد وجوبهما للمساعدة على القيام بهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير ما قال أهل العلم‪ :‬أن عسى من ال تفيد وقوع ما يرجى بها ووجوده ل محالة‪ .‬بخلفها‬

‫من غير ال فهي للترجي والتوقع وقد يقع ما يترجى بها وقد ل يقع‪.‬‬ ‫علَمُ بِإِيمَا ِنهِنّ فَإِنْ عَِلمْ ُتمُوهُنّ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َء ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ فَامْ َتحِنُوهُنّ اللّهُ أَ ْ‬ ‫ن وَآتُوهُمْ مَا أَ ْن َفقُوا وَل جُنَاحَ‬ ‫حلّ َل ُه ْم وَل هُمْ َيحِلّونَ َلهُ ّ‬ ‫جعُوهُنّ إِلَى ا ْل ُكفّارِ ل هُنّ ِ‬ ‫ُم ْؤمِنَاتٍ فَل تَرْ ِ‬ ‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِ ِر وَاسْأَلُوا مَا أَ ْن َفقْتُ ْم وَلْيَسْأَلوا مَا‬ ‫ن وَل ُتمْ ِ‬ ‫عَلَ ْيكُمْ أَنْ تَ ْن ِكحُوهُنّ إِذَا آتَيْ ُتمُوهُنّ ُأجُورَهُ ّ‬ ‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ‬ ‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬ ‫حكِيمٌ (‪ )10‬وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬ ‫حكُمُ بَيْ َنكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬ ‫حكْمُ اللّهِ َي ْ‬ ‫أَ ْنفَقُوا ذَِلكُمْ ُ‬ ‫ج ُهمْ مِ ْثلَ مَا أَ ْنفَقُوا وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ بِهِ ُم ْؤمِنُونَ (‪)11‬‬ ‫َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬

‫( ‪)5/328‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ‪:‬أي المؤمنات بألسنتهم مهاجرات من الكفار‪.‬‬ ‫فامتحنوهن ‪:‬أي اختبروهن بالحلف أنهن ما خرجن إل رغبة في السلم ل بغضا لزواجهن‪ ،‬ول‬ ‫عشقا لرجال من المسلمين‪.‬‬ ‫فإن علمتموهن مؤمنات ‪:‬أي صادقات في إيمانهن بحسب حلفهن‪.‬‬ ‫فل ترجعوهن إلى الكفار ‪:‬أي ل تردوهن إلى الكفار بمكة‪.‬‬ ‫ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن ‪:‬ل المؤمنات يحللن لزواجهن الكافرين‪ ،‬ول الكافرون يحلون‬ ‫لزوجهم المؤمنات‪.‬‬ ‫وآتوهم ما أنفقوا ‪:‬أي وأعطوا الكفار أزواج المؤمنات المهاجرات المهور التي أعطوها لزواجهم‪.‬‬ ‫ول جناح عليكم أن تنكحوهن ‪:‬أي مهورهن‪ ،‬وإن لم يتم طلق من أزواجهن لنفساخ العقد‬ ‫بالسلم‪ .‬وبعد‬ ‫إذا آتيتموهن أجورهن انقضاء العدة في المدخول بها وباقي شروط النكاح‪.‬‬ ‫ول تمسكوا بعصم الكوافر ‪:‬أي زوجاتكم‪ ،‬لقطع إسلمكم للعصمة الزوجية‪ .‬وكذا من ارتدت‬ ‫ولحقت بدار الكفر‪ .‬إل أن ترجع إلى السلم قبل انقضاء عدتها فل يفسخ نكاحها وتبقى العصمة‬ ‫إن كان مدخول بها‪.‬‬ ‫واسألوا ما أنفقتم ‪:‬أي اطلبوا ما أنفقتم عليهن من مهور في حال الرتداد‪.‬‬ ‫وليسألوا ما أنفقوا ‪:‬أي على المهاجرات من مهور في حال إسلمهن‪.‬‬ ‫وإن فاتكم شيء من أزواجكم ‪:‬أي بأن فرت امرأة أحدكم إلى الكفار ولحقت بهم ولم يعطوكم‬ ‫مهرها فعاقبتم أي إلى الكفار الكفار فغنمتم منهم غنائم‪.‬‬ ‫فآتوا الذين ذهبت أزواجهن مثل ‪:‬أي فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهن‬ ‫من مهور‪.‬‬ ‫ما أنفقوا‬

‫واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون ‪:‬أي وخافوا ال الذي أنتم به مؤمنون فأدوا فرائضه واجتنبوا‬ ‫نواهيه‪.‬‬

‫( ‪)5/329‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا جَا َءكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ} اليتين (‪ )10‬و (‪ )11‬نزلتا بعد‬ ‫صلح الحديبية إذ تضمنت وثيقة الصلح أن من جاء الرسول صلى ال عليه وسلم من مكة من‬ ‫الرجال رده إلى مكة ولو كان مسلما‪ ،‬ومن جاء المشركين من المدينة لم يردوه إليه ولم ينص عن‬ ‫النساء‪ ،‬وأثناء ذلك جاء أم كلثوم بنت عقبة ‪ 1‬بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة فلحق بها‬ ‫أخواها عمار ‪ 2‬والوليد ليرداهما إلى قريش فنزلت هذه الية الكريمة فلم يردها عليهما صلى ال‬ ‫عليه وسلم قال تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ‪ }3‬أي يا من آمنتم بال ربا وإلها وبمحمد نبينا ورسولً‬ ‫والسلم دينا إذ جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار السلم فامتحنوهن ‪ -4‬ال‬ ‫أعلم بإيمانهن‪ -‬فإن علمتموهن أي غلبة على ظنكم أنهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار‬ ‫وصورة المتحان أن يقال لها احلفي بال أي قولي بال الذي ل إله إل هو ما خرجت إل رغبة‬ ‫في السلم ل بغضا لزوجي‪ ،‬ول عشقا لرجل مسلم‪.‬‬ ‫حلّ َلهُمْ وَل ُهمْ يَحِلّونَ َلهُنّ} لن السلم فصم تلك العصمة التي كانت بين‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ل هُنّ ِ‬ ‫الزوج وزوجته‪ ،‬إذ حرم ال نكاح المشركات‪ ،‬وإنكاح المشركين‪ ،‬ولذا لم يأذن ال تعالى في ردهن‬ ‫إلى أزواجهن الكافرين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مَا أَ ْن َفقُوا} إذا جاء زوجها المشرك يطالب بها أعطوه ما أنفق عليها من مهر‬ ‫والذي يعطيه هو جماعة المسلمين وإمامهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ أَنْ تَ ْن ِكحُوهُنّ} أي تتزوجهن إذا آتيتموهن أجورهن أي مهورهن‬ ‫مع باقي شروط النكاح من ولي وشاهدين وانقضاء العدة في المدخول بها‪.‬‬ ‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ} أي إذا أسلم الرجل وبقيت امرأته مشركة انقطعت‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل ُتمْ ِ‬ ‫عصمة الزوجية وأصبحت ل تحل لزوجها الذي أسلم‪ ،‬وكذا إذا ارتدت امرأة مسلمة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وكذلك جاءت سبيعة السلمية مهاجرة هاربة من زوجها صيفي‪ ،‬وجاءت أميمة بنت بشر هاربة‬ ‫من زوجها ثابت بن الشمراخ‪ ،‬فجاء أزواجهن مطالبين بهن فقال زوج سبيعة للنبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم إن طينة الكتاب الذي بيننا وبينك لم تجف بعد فنزلت هذه الية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ذكر القرطبي أن أخوي أم كلثوم أتيا النبي صلى ال عليه وسلم مع أختهما مهاجرين وأن النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم ردهما على المشركين ولم يرد أختهما أم كلثوم وكانت تحت عمرو بن‬

‫العاص وهو مشرك يومئذ‪ ،‬وذكر ابن كثير‪ :‬أن أخوي أم كلثوم وفدا يطالبان بأختهما ل مهاجرين‬ ‫وهذا الظاهر‪.‬‬ ‫‪ 3‬لما كانت المعاهدة لم تنص على النساء بلفظ صريح وهو لفظ أحد وهو صالح للرجال والنساء‬ ‫نزلت هذه الية مخرجة لنساء من عموم لفظ (أحد) فالية مبينة أو ناسخة والكل صالح‪.‬‬ ‫‪ 4‬اختلف في صيغة المتحان فقال ابن عباس‪ :‬كانت المحنة أن تستحلف بال أنها ما خرجت من‬ ‫بغض زوجها ول رغبة عن أرض إلى أرض ول التماس دنيا ول عشقا لرجل منا بل حبا بال‬ ‫ورسوله فإن حلفت على ذلك‪ ،‬أعطي النبي صلى ال عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم‬ ‫يردها‪.‬‬

‫( ‪)5/330‬‬ ‫ولحقت بدار الكفر فإن العصمة قد انقطعت‪ ,‬ول يحل المساك بها وفائدة ذلك لو كان تحت الرجل‬ ‫نسوة له أن يزيد رابعة لن التي ارتدت أو التي كانت مشركة وأسلم وهي في عصمته ل تمنعه‬ ‫من أن يتزوج رابعة لن السلم قطع العصمة لقوله تعالى ول تمسكوا بعصم الكوافر والعصم‬ ‫جمع عصمة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَاسْأَلُوا مَا أَ ْنفَقْتُمْ} اطلبوا من المرتدة ما أنفقتم عليها من مهر يؤدى لكم وليسألوا هم‬ ‫حكْمُ اللّهِ‬ ‫ما أنفقوا وأعطوهم أيضا مهور نسائهن اللئي أسلمن وهاجرن إليكم وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكُمْ ُ‬ ‫حكِيمٌ} في قضائه وتدبيره فليسلم له الحكم وليرض به‬ ‫علِيمٌ} بخلقه وحاجاتهم { َ‬ ‫حكُمُ بَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫فإنه قائم على أساس المصلحة للجميع‪.‬‬ ‫جهُمْ مِ ْثلَ مَا‬ ‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا ‪ 1‬الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬ ‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬ ‫وقوله تعالى {وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬ ‫أَ ْنفَقُوا} أي وإن ذهب بعض نسائكم إلى الكفار مرتدات‪ ,‬وطالبتم بالمهور فلم يعطوكم‪ ,‬ثم غزوتم‬ ‫وغنمتم فأعطوا من الغنيمة قبل قسمتها الذي ذهبت زوجته إلى دار الكفر ولم يحصل على‬ ‫تعويض أعطوه مثل ما أنفق‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وَا ّتقُوا ‪ 2‬اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ ِبهِ ُم ْؤمِنُونَ} أي خافوا عقابه فأطيعوه في أمره ونهيه ول تعصوه‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب امتحان المهاجرة فإن علم إسلمها ل يحل إرجاعها إلى زوجها الكافر لنها ل تحل‬ ‫له‪ ,‬وإعطاؤه ما أنفق عليها من مهر‪ .‬ويجوز بعد ذلك نكاحها بمهر وولي وشاهدين إن كانت‬ ‫مدخول بها فبعد انقضاء عدتها وإل فل حرج في الزواج بها فورا‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة نكاح المشركة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل يجوز البقاء على عصمة الزوجة ‪ 3‬المشركة‪ ,‬وللزوج المسلم الذي بقيت زوجته على‬

‫الكفر‪ ,‬أو ارتدت بعد إسلمها أن يطالب بما أنفق عليها من مهر وللزوج الكافر الذي أسلمت‬ ‫زوجته وهاجرت أن يسأل كذلك ما أنفق عليها‪.‬‬ ‫‪ -4‬ومن ذهبت زوجته ولم يرد عليه شيء مما أنفق عليها‪ ,‬ثم غزا المسلمون تلك البلد وغنموا‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬عاقبتم) أي‪ :‬غزوتم فغنمتم فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين‪ .‬حكى الثعلبي‪ :‬عن ابن‬ ‫عباس أن ستا من النسوة رجعن عن السلم ولحقن بالمشركين وسماهن واحدة واحدة وأكرمهن‪:‬‬ ‫أم الحكم بنت أبي سفيان وفي هذه نزلت الية‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة تذييلية المراد منها تحريض المؤمنين على الوفاء بما أمروا به ونهوا عنه واتبع اسم‬ ‫الجللة بجملة (الذي أنتم به مؤمنون) إشارة إلى أن اليمان يبعث على التقوى التي هي‪ :‬امتثال‬ ‫واجتناب‪.‬‬ ‫‪ 3‬اختلف في الرجل يسلم وتحته كافرة أو كافرة تسلم وهي تحت زوج كافر‪ .‬والذي عليه الشافعي‬ ‫وأحمد أن العصمة تبقى مدة العدة فإذا انقضت العدة ولم يسلم الكافر منهما يفرق بينهما ول يحلن‬ ‫لبعضهما‪ ,‬وقال مالك‪ :‬يفرق بينهما من يوم إسلم أحدهما‪.‬‬

‫( ‪)5/331‬‬ ‫فإن ذهبت زوجته ولم يعوض عنا يعطى ما أنفقه من الغنيمة قبل قسمتها‪ .‬وإن لم تكن غنيمة‬ ‫فجماعة المسلمين وإمامهم يساعدونه ببعض ما أنفق من باب التكافل والتعاون‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب تقوى ال تعالى بتطبيق شرعه وإنفاذ أحكامه والرضا بها‪.‬‬ ‫ن وَل‬ ‫ن وَل يَزْنِي َ‬ ‫ن ل ُيشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئا وَل َيسْ ِرقْ َ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا جَا َءكَ ا ْل ُمؤْمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ عَلَى أَ ْ‬ ‫ن وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ فَبَا ِي ْعهُنّ‬ ‫ن وَأَرُجُِلهِ ّ‬ ‫َيقْتُلْنَ َأوْلدَهُنّ وَل يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ّ‬ ‫غفُورٌرَحِيمٌ(‪)12‬‬ ‫وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُنّ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْي ِهمْ قَدْ يَ ِئسُوا مِنَ الْآخِ َرةِ َكمَا يَئِسَ ا ْلكُفّارُ مِنْ‬ ‫غ ِ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َقوْما َ‬ ‫َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ‪:‬أي يوم الفتح والرسول صلى ال عليه وسلم على الصفا وعمر أسفل‬ ‫منه‪.‬‬ ‫فبايعهن ‪:‬أي على أن ل يشركن بال شيئا إلى ول يعصينك في معروف‪.‬‬ ‫أن ل يشركن بال ‪:‬أي أي شيء من الشرك أو الشركاء‪.‬‬ ‫ول يقتلن أولدهن ‪:‬أي كما كان أهل الجاهلية يقتلون البنات وأدا لهن‪.‬‬ ‫ول يأتين ببهتان يفترينه ‪:‬أي بكذب يكذبنه فيأتين بولد ملقوط وينسبنه إلى الزوج وهو ليس بولده‪.‬‬

‫ول يعصينك في معروف ‪:‬أي ما عرفه الشرع صالحا حسنا فأمر به وانتدب إليه‪ .‬أو ما عرفه‬ ‫الشرع منكرا محرما‪.‬‬ ‫فبايعهن ‪:‬أي اقبل بيعتهن‪.‬‬ ‫واستغفر لهن ال ‪:‬أي أطلب ال تعالى لهن المغفرة لما سلف من ذنوبهن وما قد يأتي‪.‬‬ ‫قوما غضب ال عليهم ‪:‬أي اليهود‪.‬‬

‫( ‪)5/332‬‬ ‫قد يئسوا من الخرة ‪:‬أي من ثوابها مع إيقانهم بها‪ ,‬وذلك لعنادهم النبي مع علمهم بصدقه‪.‬‬ ‫كما يئس الكفار من أصحاب ‪:‬أي كيأس من سبقهم من اليهود الذين كفروا بعيسى وماتوا على ذلك‬ ‫فهم أيضا‬ ‫القبور قد يئسوا من ثواب الخرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫غفُورٌ َرحِيمٌ} هذه آية بيعة النساء‪ ،‬فقد بايع عليها‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ} إلى قوله {إِنّ اللّهَ َ‬ ‫رسول ‪1‬ال صلى ال عليه وسلم نساء قريش يوم الفتح وهو جالس على الصفاء وعمر دونه أسفل‬ ‫منه‪ ،‬وهو يبايع‪ ،‬وطلب إليه أن يمد يده فقال إني ل أصافح النساء فبايعهن على أن ل يشركن ‪2‬‬ ‫بال شيئا أي من الشرك أو الشركاء ول يسرقن‪ ،‬ول يزنين‪ ،‬ول يقتلن أولدهن كما كان نساء‬ ‫الجاهلية يئدن بناتهن ول يأتين ببهتان أي كذب يفترينه أي يكذبنه بين أيديهن وأرجلهن أي ل‬ ‫يلحقن بأزواجهن غير أولدهن‪ ،‬ول يعصينك في ‪3‬معروف بصورة عامة وفي النياحة بصورة‬ ‫خاصة إذ كان النساء في الجاهلية ينحن على الموات ويشققن الثياب ويخدشن الوجوه قال تعالى‬ ‫يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك فبايعهن على أل يشركن بال شيئا ول يسرقن‪ ،‬ول يزنين‬ ‫ول يقتلن أولدهن‪ ،‬ول يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ول يعصينك في معروف‪،‬‬ ‫فبايعهن واستغفر لهن ال فيما مضى من ذنوبهن وما قد يأتي إن ال غفور رحيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من صدقتم ال ورسوله ل تتولوا قوما غضب ال عليهم‬ ‫وهم اليهود ل تتولوهم بالنصرة والمحبة وقد يئسوا من الخرة أي من ثواب ال فيها بدخول الجنة‬ ‫وذلك لعنادهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكفرهم به مع علمهم أنه رسول ال ومن كفر به‬ ‫وكذبه أو عانده وحاربه ل يدخل الجنة فلذا هم آيسون من دخول الجنة‪ .‬وقوله تعالى { َكمَا يَئِسَ‬ ‫ا ْل ُكفّارُ مِنْ‪4‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت‪( :‬كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم يمتحن بقول ال تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك‪}..‬الخ الية وكان صلى ال‬

‫عليه وسلم إذا أقررن بذلك بقولهن قال لهن صلى ال عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن ول وال ما‬ ‫مست يد رسول ال صلى ال عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلم)‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قال‪( :‬على أن ل يشركن بال شيئا قالت هند بنت عتبة‬ ‫وهي متنقبة وال إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على‬ ‫السلم والجهاد فقط ولما قال‪ :‬ول يسرقن قالت هند‪ :‬إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من‬ ‫ماله قوتا فقال أبو سفيان هو لك حلل فضحك النبي صلى ال عليه وسلم وعرفها لنها كانت‬ ‫متنكرة لما نالت من حمزة رضي ال عنه وقال‪ :‬أنت هند؟ فقالت‪ :‬عفا ال عما سلف‪ .‬ثم قال‪ :‬ول‬ ‫يزنين فقالت هند‪ :‬أو تزني الحرة؟‬ ‫‪ 3‬قال قتادة‪ :‬ل ينحن ول تخلوا امرأة منهن إل بذي محرم وفي صحيح مسلم عن أم عطية‪:‬لما‬ ‫نزلت هذه الية قالت يا رسول ال إل آل فلن فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلبد أن أسعدهم‬ ‫فقال صلى ال عليه وسلم إل آل فلن فأذن لها أ‪ ،‬تفي بوعدها‪.‬‬ ‫‪( 4‬كما يئس الكفار) صالح لن يكون معنى الكلم كما يئس الكفار من عودة أصحاب القبور‬ ‫إليهم‪ .‬وكما يئس أصحاب القبور من العودة إلى الحياة الولى‪ ،‬وما في التفسير اختيار ابن جرير‬ ‫رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/333‬‬ ‫َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ} أي كما يئس إخوانهم الذين ماتوا قبلهم من دخول الجنة إذ كفروا بعيسى عليه‬ ‫السلم وحاربوه ووالدته واتهموا عيسى بالسحر ووالدته بالعهر‪ ،‬والعياذ بال فيئس هؤلء من‬ ‫دخول الجنة كما يئس من مات منهم ممن هم أصحاب قبور‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية أخذ البيعة لمام المسلمين ووجوب الوفاء بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الشرك وما ذكر معه من السرقة والزنا وقتل الولد والكذب والبهتان وإلحاق الولد‬ ‫بغير أبيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة النياحة وما ذكر معها من شق الثياب وخمش الوجوه والتحدث مع الرجال الجانب‪.‬‬ ‫‪ -4‬بعد الحرة كل البعد من الزنا إذ قالت هند وهي تبايع أو تزني الحرة؟ قال ل تزني الحرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة مصافحة النساء لقوله صلى ال عليه وسلم في البيعة "إني ل أصافح النساء"‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة موالة اليهود بالنصرة والمحبة‪.‬‬

‫( ‪)5/334‬‬

‫سورة الصف‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الصف‬ ‫مدنية وآياتها أربع عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حكِيمُ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ مَا‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيِلهِ‬ ‫ل َت ْفعَلُونَ (‪ )2‬كَبُرَ َمقْتا عِنْدَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا ل َت ْفعَلُونَ (‪ )3‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬ ‫صَفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ (‪ )4‬وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ لِمَ ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعَْلمُونَ أَنّي رَسُولُ‬ ‫اللّهِ إِلَ ْيكُمْ فََلمّا‬

‫( ‪)5/334‬‬ ‫سقِينَ (‪ )5‬وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ‬ ‫زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُو َبهُ ْم وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬ ‫حمَدُ‬ ‫سمُهُ َأ ْ‬ ‫إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَاةِ َومُبَشّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ َبعْدِي ا ْ‬ ‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪)6‬‬ ‫فََلمّا جَاءَهُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا َهذَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سبح ل ما في السموات وما ‪:‬أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السموات وما في‬ ‫الرض من‬ ‫في الرض كائنات‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه‪.‬‬ ‫لم تقولون ما ل تفعلون ‪:‬أي لي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والستفهام هنا‬ ‫لتوبيخ والتأنيب‪.‬‬ ‫كبر مقتا عند ال ‪:‬أي عظم مقتا والمقت‪ :‬أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض‪.‬‬ ‫أن تقولوا مال تفعلون ‪:‬أي قولكم ما ل تفعلون يبغضه ال أشد البغض‪.‬‬ ‫صفا كأنهم بنيان مرصوص ‪:‬أي صافين‪ :‬ومرصوص ملزق بعضه ببعض ل فرجة فيه‪.‬‬ ‫لم تؤذونني ‪:‬أي إذ قالوا أنه آدر كذبا فوبخهم على كذبهم وأذيتهم له‪.‬‬ ‫وقد تعلمون أني رسول ال إليكم ‪:‬أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول ال إليكم‪.‬‬ ‫فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم ‪ :‬أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ ال قلوبهم أي أمالها‬ ‫عن الهدى‪.‬‬ ‫وال ل يهدي القوم الفاسقين ‪:‬أي الذين فسقوا وتوغلوا في الفسق فما أصبحوا أهلً للهداية‪.‬‬

‫يا بني إسرائيل ‪:‬أي أولد يعقوب الملقب بإسرائيل‪ ،‬ولم يقل يا قوم كما قال موسى لنه لم يكن‬ ‫منهم لنه ولد بل أب‪ ،‬وأمه صديقة‪.‬‬ ‫مصدقا لما بين يدي ‪:‬أي قبلي من التوراة‪.‬‬

‫( ‪)5/335‬‬ ‫يأتي من بعده اسمه أحمد ‪:‬هو محمد صلى ال عليه وسلم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأحمد‬ ‫أحد أسمائه الخمسة المذكوران والماحي‪ ،‬والعاقب والحاشر‪.‬‬ ‫فلما جاءهم بالبينات ‪:‬أي على صدق رسالته بالمعجزات الباهرات‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬هذا سحر مبين ‪:‬أي قالوا في المعجزات إنها سحر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} يخبر تعالى أنه قد سبحه جميع ما في‬ ‫قوله تعالى {سَبّحَ لِلّهِ ‪1‬مَا فِي ال ّ‬ ‫السموات وما في الرض بلسان القال والحال‪ ،‬وأنه العزيز لحكيم العزيز الغالب على أمره ل‬ ‫يمانع في مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لملكه‪ .‬بعدما أثنى تعالى على نفسه بهذا الخطب‬ ‫المؤمنين بقوله‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ ‪َ 2‬تقُولُونَ مَا ل َتفْعَلُونَ‪ }3‬لفظ النداء عام والمراد به جماعة‬ ‫من المؤمنين قالوا لو نعلم أحب العمال إلى ال تعالى لفعلناه فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا‬ ‫فعاتبهم ال تعالى في هذه الية ولتبقى تشريعا عاما إلى يوم القيامة فكل من يقول فعلت ولم يفعل‬ ‫فقد كذب وبئس الوصف الكذب ومن قال سأفعل ولم يفعل فهو مخلف للوعد وبئس الوصف خلف‬ ‫الوعد وهكذا يربي ال عباده على الصدق والوفاء‪ .‬وقوله تعالى {كَبُرَ‪َ 4‬مقْتا عِ ْندَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا‬ ‫ل َت ْفعَلُونَْ} أي قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض‪.‬‬ ‫صفّا} أي صافين متلصقين ل فرجة بينهم‬ ‫حبّ‪ 5‬الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ِه َ‬ ‫وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ يُ ِ‬ ‫كأنهم بنيان مرصوص بعضه فوق بعض ل خلل فيه ول فرجة كأنه ملحم بالرصاص‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ‪ }6‬أي اذكر إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل يا قوم لم‬ ‫تؤذوني وقد تعلمون أني رسول ال إليكم والحال أنكم تعلمون أني رسول ال إليكم حقا وصدقا‪،‬‬ ‫وقد آذوه بشتى أنواع الذى بألستهم السليطة وآرائهم الشاذة من ذلك قولهم إن موسى آدر ولذا هو‬ ‫ل يغتسل معنا‪ ،‬ومعنى آدر به أدرة وهي انتفاخ الخصية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في جامع الترمذي عن عبد ال بن سلم قال‪ :‬قعدنا نفرا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم فتذاكرنا فقلنا‪ :‬لو نعلم أي العمال أحب إلى ال لعملناه فأنزل ال تعالى‪ { :‬سَبّحَ لِلّهِ ‪1‬مَا فِي‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ‪ }...‬الخ السورة‪ .‬ورواه الحاكم وأحمد وغيره‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫‪ 2‬اللم حرف جر والميم حرف استفهام وهو هنا إنكاري نوبيخي‪.‬‬

‫‪ 3‬النداء بوصف اليمان فيه التعريض بأن اليمان من شأن صاحبه أن ل يخلف إذا وعد وأن يفي‬ ‫إذا نذر لنه روح وصاحبه حي قادر على الفعل والترك بخلف الكفر وأهله‪.‬‬ ‫‪( 4‬مقتا)‪ :‬منصوب على التمييز وهو تمييز نسبة والتقدير‪ :‬كبر ممقوتا قولكم ما ل تفعلون‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذا جواب لقولهم‪ :‬لو نعلم أحب العمال إلى ال تعالى لعملناه فبين لهم أحب العمال إليه وهو‬ ‫أحب العاملين عنده فله الحمد وله المنة‪.‬‬ ‫‪ 6‬لعل وجه المناسبة بين قصة موسى هنا وعتاب المؤمنين على فرار من فر يوم أحد هو‪ :‬أن‬ ‫قوم موسى أيضا جبنوا عن قتال عدوهم وقالوا لموسى‪ :‬اذهب أنت وربك فقاتل إنا ها هنا‬ ‫قاعدون‪.‬‬

‫( ‪)5/336‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬فَلمّا زَاغُوا} أي مالوا عن الحق بعد علمه غاية العلم فآثروهم الباطل على الحق‬ ‫والشر على الخير والكفر على اليمان عاقبهم ال فصرف قلوبهم عن الهدى نقمة منه تعالى‬ ‫عليهم‪ ،‬وذلك لنه سنته تعالى فيمن عرض عليه الخبر فأباه بعد علمه به‪ ،‬ثم دعى إليه فلم يستجب‬ ‫ثم رغب فيه فلم يرغب وواصل الشر مختارا له عندئذ يصبح ما اختار من الفسق أو الكفر أو‬ ‫الظلم أو الجرام طبعا له وخلقا ثابتا ل يتبدل ول يتغير‪ .‬وعلى هذا يؤول مثل قوله تعالى وال ل‬ ‫يهدي القوم الفاسقين‪ ،‬وال ل يهدي القوم الظالمين‪ ،‬وال ل يهدي القوم المجرمين‪ ,‬وال ل يهدي‬ ‫القوم الكافرين لنه تعالى أضلهم حسب سنته في الضلل فل يستطيع أحد غيره تعالى أن يهدي‬ ‫عبدا أضله ال على علم وهذا معنى قوله تعالى من سورة النحل {إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ يضل}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‪ 1‬يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ} أي اذكر يا رسولنا‬ ‫للتعاظ والعبرة قول عيسى بن مريم لليهود‪ :‬يا بني إسرائيل نسبهم إلى جدهم يعقوب الملقب‬ ‫بإسرائيل بن اسحق بن إبراهيم الخليل عليهم السلم‪ .‬إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من‬ ‫التوراة وهذا برهان على صدقي في دعوتي إذ لم أخالف فيما أدعو إليه من عبادة ال وحده ما في‬ ‫التوراة كتاب ال عز وجل وهو بين أيديكم فوفاقنا دال على أن مصدر تشريعنا واحد هو ال عز‬ ‫وجل فكما آمنتم بموسى وهرون وداود وسليمان آمنوا بي فإني رسول ال إليكم مصدقا لما بين‬ ‫يدي من التوراة‪ ,‬ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه ‪ 2‬احمد‪ ,‬فلهذا قال رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم "أنا دعوة ‪ 3‬أبي إبراهيم وبشارة عيسى"‪ ,‬إذ إبراهيم لما كان يبني البيت مع إسماعيل‬ ‫كانا يتقاولن ما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬رَبّنَا وَا ْب َعثْ فِيهِمْ رَسُولً مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَا ِتكَ‪ }..‬الية‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فََلمّا جَا َءهُمْ} أي محمد ‪ 4‬صلى ال عليه وسلم بالبينات أي بالحجج الدالة على صدق‬ ‫رسالته ووجوب إتباعه في العقيدة والشريعة كفروا به وقالوا في القرآن هذا سحر مبين كما قالها‬ ‫فرعون مع موسى‪ .‬وكما قالتها اليهود مع عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬وجه مناسبة قصة عيسى لما قبلها أن بني إسرائيل كما فسقوا عن أمر ال وعصوا رسوله‬ ‫موسى فسقوا كذلك عن أمر ال وعصوا عيسى وكفروا فكان هذا تعزية لرسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم لما لقيه ويلقاه من اليهود‪.‬‬ ‫‪ 2‬هل السم هو عين المسمى؟ خلف كبير والصحيح‪ :‬أن السم هو اللفظ الدال على ذات به‬ ‫تتميز عن سائر الذوات‪.‬‬ ‫‪ 3‬رواه ابن اسحق بسند جيد ورواه أحمد بألفاظ مختلفة‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يكون الضمير في جاءهم عائد إلى عيسى عليه السلم وعلى محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم إذ كلهما قيل فيه سحر أو ساحر قرأ الجمهور (سحرا) في اليات وقرأ بعضهم‪ :‬ساحر أي‪:‬‬ ‫محمد أو عيسى عليهما السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/337‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان غنى ال تعالى عن خلقه وأنه سبح ل ما في السموات وما في الرض وأن ما شرعه‬ ‫لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكملوا عليه أرواحا وأخلقا ويسعدوا‬ ‫به في الحياتين‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذب وخلف وعدٍ‪ .‬ولذا كان قوله‬ ‫من المقت الذي هو أشد البغض‪ ،‬ومن مقته ال فقد أبغضه أشد البغض وكيف يفلح من مقته ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة الجهاد والوحدة والتفاق وحرمة الخلف والقتال والصفوف ممزقة حسيا أو معنويا‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب فإنه يؤدي إلى الطبع وحرمان الهداية‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان كفر اليهود بعيسى عليه السلم وازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان كفر النصارى إذ رفضوا بشارة عيسى وردوها عليه ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ب وَ ُهوَ يُدْعَى إِلَى الِْأسْل ِم وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ (‪)7‬‬ ‫علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬ ‫َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ‬ ‫سلَ َرسُولَهُ‬ ‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّهُ مُ ِتمّ نُو ِرهِ وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )8‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬ ‫يُرِيدُونَ لِ ُي ْ‬ ‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪)9‬‬ ‫بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب ‪:‬أي ل أحد أعظم ظلما ممن يكذب على ال فينسب إليه‬ ‫الولد والشريك‪،‬والقول والحكم وهو تعالى بريء من ذلك‪.‬‬

‫وهو يدعى إلى السلم ‪:‬أي والحال أن هذا الذي يفتري الكذب على ال يدعى إلى السلم الذي‬ ‫هو الستسلم والنقياد لحكم ال وشرعه‪.‬‬ ‫وال ل يهدي القوم الظالمين ‪:‬أي من ظلم ثم ظلم وواصل الظلم يصبح الظلم طبعا له فل يصبح‬ ‫قابلً للهداية فيحرمها حسب سنة ال تعالى في ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/338‬‬ ‫ليطفئوا نور ال بأفواههم ‪:‬أي يريد المشركون بكذبهم على ال وتشويه الدعوة السلمية‪،‬‬ ‫ومحاربتهم لهلها يريدون إطفاء نور ال القرآن وما يحويه من نور وهداية بأفواههم وهذا محال‬ ‫فإن إطفاء نور الشمس أو القمر أيسر من إطفاء نور ل يريد ال إطفاءه‪.‬‬ ‫هو الذي أرسل رسوله بالهدى ‪:‬أي أرسل رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بالهدى أي بالهداية‬ ‫البشرية‪.‬‬ ‫ودين الحق ‪:‬أي السلم إذ هو الدين الحق الثابت بالوحي الصادق‪.‬‬ ‫ليظهره على الدين كله ‪:‬أي لينصره على سائر الديان حتى ل يبقى إل السلم دينا‪.‬‬ ‫ولو كره المشركون ‪:‬أي ولو كره نصره وظهوره على الديان المشركون الكافرون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى { َومَنْ أَظَْلمُ‪ِ 1‬ممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ} والحال أنه يدعى للسلم الدين لحق إنه ل‬ ‫أظلم من هذا النسان أبدا‪ ،‬إن ظلمه ل يقارن بظلم هذا معنى قوله تعالى في الية الولى (‪)7‬‬ ‫{ َومَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ}‪ .‬أي اختلق الكذب على ال عز وجل وقال له كذا وكذا أو‬ ‫قال أو شرع كذا وهو لم يقل ولم يشرع‪ .‬كما هي حال مشركي قريش نسبوا إليه الولد والشريك‬ ‫وحرموا السوائب والبحائر والحامات وقالوا في عبادة أصنامهم لو شاء ال ما عبدناهم إلى غير‬ ‫ذلك من الكذب والختلق على ال عز وجل‪ .‬وقوله وهو يدعى إلى السلم إذ لو كان أيام‬ ‫الجاهلية حيث ل رسول ول قرآن لهان المر أما أن يكذب على ال والنور غامر والوحي ينزل‬ ‫والرسول يدعو ويبين فالمر أعظم والظلم أظلم‪.‬‬ ‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِمْ‪ }3‬أي يريد أولئك الكاذبون‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )8‬يُرِيدُونَ‪ 2‬لِ ُي ْ‬ ‫على ال القائلون في الرسول‪ :‬ساحر وفي القرآن إنه سحر مبين إطفاء نور ال الذي هو القرآن‬ ‫وما حواه من عقائد الحق وشرائع الهدى وبأي شيء يريدون إطفاءه إنه بأفواههم وهل نور ال‬ ‫يطفأ بالفواه كنور شمعة أو مصباح‪ .‬إن نور ال متى أراد ال إتمامه إطفاء نور القمر أو الشمس‬ ‫أيسر من إطفائه فليعرفوا هذا وليكفوا عن محاولتهم الفاشلة فإن ال يريد أن يتم ‪ 4‬نوره ولو كره‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام وإن كان للنفي فهو متضمن النكار الشديد على كل من المشركين وأهل الكتابين إذ‬

‫الجميع افتروا على ال الكذب‪ ،‬فالمشركون قالوا‪ :‬الملئكة بنات ال‪ ،‬واليهود قالوا‪ :‬عزير ابن ال‪،‬‬ ‫والنصارى قالوا‪ :‬عيسى ابن ال‪.‬‬ ‫‪ 2‬استئناف بياني ناشيء عن الخبار عنهم بأنهم افتروا على ال الكذب في الوقت الذي هم يدعون‬ ‫إلى السلم فلما فضحهم القرآن راموا اطفاء نور ال الذي هو كتابه ورسوله ودينه بأفواههم‬ ‫بالكذب والدعاوى الباطلة بل والحروب الشرسة القاسية‪.‬‬ ‫‪ 3‬اللم في (ليطفئوا) زائدة لتأكيد الكلم وتقويته إذ الصل يريدون إطفاء نور ال‪.‬‬ ‫‪( 4‬وال متم نوره) قرأ نافع بتنوين الميم من متمم ونصب نوره على المفعولية‪ ،‬وقرأ حفص بدون‬ ‫تنوين على أن متم مضاف إلى نور ونور مضاف إلى الضمير‪.‬‬

‫( ‪)5/339‬‬ ‫المشركون إنه تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق دين ال الحق الذي هو السلم‬ ‫ليظهره على الدين كله وذلك حين نزول عيسى إذ يبطل يومها كل دين ولم يبق إل السلم ولو‬ ‫كره ذلك المشركون فإن ال مظهره ل محالة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬عظم جرم الكذب على ال وأنه من أفظع أنواع الظلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمان الظلمة المتوغلين في الظلم من الهداية‪.‬‬ ‫‪ -3‬إيئاس المحاولين إبطال السلم وإنهاء وجوده بأنهم ل يقدرون إذ ال تعالى أراد إظهاره فهو‬ ‫ظاهر منصور ل محالة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )10‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َهلْ أَ ُدّلكُمْ عَلَى تِجَا َرةٍ تُ ْنجِيكُمْ مِنْ َ‬ ‫سكُمْ َذِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )11‬ي ْغفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ‬ ‫وَتُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬ ‫عدْنٍ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)12‬‬ ‫وَيُدْخِ ْل ُكمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ َ‬ ‫وَأُخْرَى تُحِبّو َنهَا َنصْرٌ مِنَ اللّ ِه َوفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪ )13‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَ ْنصَارَ‬ ‫حوَارِيّونَ نَحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ‬ ‫حوَارِيّينَ مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْ َ‬ ‫اللّهِ َكمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ َيمَ لِلْ َ‬ ‫ع ُدوّهِمْ فََأصْ َبحُوا ظَاهِرِينَ (‬ ‫ل َوكَفَ َرتْ طَا ِئفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى َ‬ ‫فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائي َ‬ ‫‪)14‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل أدلكم على تجارة ‪:‬أي أرشدكم إلى تجارة رابحة‪.‬‬

‫تنجيكم من عذاب أليم ‪:‬أي الربح فيها هو نجاتكم من عذاب مؤلم يتوقع لكم‪.‬‬ ‫تؤمنون بال ورسوله ‪:‬أي تصدقون بال ربا وإلها وبمحمد نبينا ورسولً ل تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/340‬‬ ‫وتجاهدون في سبيل ال ‪:‬أي وتبذلون أموالكم وأرواحكم جهادا في سبيل ال تعالى‪.‬‬ ‫ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون ‪:‬أي الدخول في هذه الصفقة التجارية الرابحة خير لكم من تركها‬ ‫حرصا على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه ل بقاء لشيء في هذه الدار‪.‬‬ ‫يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم ‪ :‬أي هذا هو الربح الصافي مقابل ذلك الثمن الذاهب الزائل الذي هو‬ ‫المال‬ ‫جنات تجري من تحتها النهار والنفس مع أن الكل ل تعالى واهبكم أنفسكم وأموالكم‪.‬‬ ‫ومساكن طيبة في جنات عدن‬ ‫ذلك الفوز العظيم ‪ :‬أي لنجاة من عذاب النار الليم ثم دخول الجنة والظفر بما فيها من النعيم‬ ‫المقيم هو حقا الفوز العظيم‪.‬‬ ‫وأخرى تحبونها نصر من ال ‪:‬أي وعلوة أخرى تحبونها قطعا إنها نصر من ال لكم ولدينكم‬ ‫وفتح قريب‬ ‫وفتح قريب للمصار والمدن‪ ،‬وما يتبع ذلك من رفعة وسعادة وهناء‪.‬‬ ‫وبشر المؤمنين ‪:‬أي وبشر يا رسولنا المؤمنين الصادقين بذاك الفوز وهذه العلوة‪.‬‬ ‫كونوا أنصار ال ‪:‬أي لتنصروا دينه ونبيه وأولياءه‪.‬‬ ‫كما قال عيسى بن مريم ‪ :‬أي فكونوا أنتم أيها المؤمنون مثل الحواريين‪ ،‬والحواريون أصحاب‬ ‫عيسى وهم‬ ‫للحواريين من أنصاري إلى ال أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلً‪.‬‬ ‫قال الحواريون نحن أنصار ال‬ ‫فآمنت طائفة من بني إسرائيل ‪:‬أي بعيسى عليه السلم‪ ،‬وقالوا إنه عبد ال رفع إلى السماء‪.‬‬ ‫وكفرت طائفة ‪:‬أي من بني إسرائيل فقالوا إنه ابن ال رفعه إليه‪.‬‬ ‫فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ‪:‬فاقتتلت الطائفتان‪ :‬فنصرنا وقوينا الذين آمنوا‪.‬‬ ‫فأصبحوا ظاهرين ‪:‬أي غالبين عالين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‪ 1‬آمَنُوا َهلْ أَدُّلكُمْ عَلَى ِتجَا َرةٍ تُ ْنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي يا من صدقتم ال‬ ‫ورسوله هل لنا أن ندلكم على تجارة عظيمة الربح ثمرتها النجاة من عذاب أليم في‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هذا جواب ما سألوه عنه وطلبوا معرفته وهو‪ :‬أحب العمال إلى ال تعالى‪ ،‬والستفهام‬ ‫مستعمل في العرض كما يقال‪ :‬هل لك في كذا؟ أو هل لك إلى كذا؟ على سبيل العرض والترغيب‬ ‫والتشويق إلى ما يذكر به‪.‬‬

‫( ‪)5/341‬‬ ‫سكُمْ} هذا هو‬ ‫الدنيا والخرة‪ .‬وقوله { ُت ْؤمِنُونَ‪ 1‬بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُمْ وَأَنْفُ ِ‬ ‫رأس المال الذي تقدمونه‪ .‬إيمان بال ورسوله حق اليمان‪ ،‬جهاد في سبيل ال بالنفس والمال وأنبه‬ ‫إلى أن هذه الصفقة التجارية خير لكم من عدمها إن كنتم تعلمون ربحها وفائدتها‪َ { 2 .‬ي ْغفِرْ َلكُمْ‬ ‫ذُنُو َبكُ ْم وَيُ ْدخِ ْلكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ} إنها النجاة من العذاب الدنيوي والخروي أولً‪،‬‬ ‫ثم مغفرة ذنوبكم وإدخالكم جنات تجري من تحتها النهار‪ ،‬أي من تحت قصورها وأشجارها‪،‬‬ ‫ومساكن طيبة في جنات عدن أي إقامة دائمة‪ .‬ثانيا ثم زاد الحق في ترغيبهم فقال {ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ‬ ‫ا ْلعَظِيمُ} إنه النجاة من النار‪ ،‬ودخول الجنة‪ ،‬فل فوز أعظم منه قط هذا ولكم علوة على ذلك‬ ‫الربح العظيم وهي ما أخبر تعالى عنها بقوله‪َ { 3 :‬وأُخْرَى ُتحِبّو َنهَا } أي وفائدة أخرى تحبونها‪:‬‬ ‫نصر من ال أي لكم على أعدائكم ولدينكم على سائر الديان وفتح قريب لمكة ولباقي المدن‬ ‫والقرى في الجزيرة وما وراءها‪ .‬وقوله تعالى {وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} أي وبشر ‪ 4‬يا رسولنا الذين‬ ‫آمنوا بنا وبرسولنا وبوعدنا ووعيدنا بحصول ما ذكرناه كامل‪ ،‬وقد تم لهم كاملً ول الحمد‬ ‫ن في هذا السياق الكريم ناداهم بعنوان اليمان‬ ‫والمنة‪ .‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} هذا نداء ثا ٍ‬ ‫أيضا إذ اليمان هو الطاقة المحركة الدافعة فقال {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَ ْنصَارَ‪ 5‬اللّهِ} أي‬ ‫التزموا بنصرة ربكم وإلهكم الحق في دينه ونبيه وأوليائه المؤمنين‪ .‬قولوا كما قال الحواريون ‪6‬‬ ‫لما دعاهم عيسى نبيهم لنصرته قائلً من أنصاري إلى ال أي من ينصرني في حال كوني متوجها‬ ‫إلى ال انصر دينه وأولياءه‪ ،‬فأجابوه قائلين نحن أنصار ال‪ .‬فكونوا أنتم أيها المسلمون مثلهم‪ ،‬وقد‬ ‫كانوا رضي ال عنهم كما طلب منهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫ل وهو‪ :‬ما الذي ريد أن يدلنا عليه؟‬ ‫‪ 1‬جملة‪( :‬تؤمنون) بيانية لهل العرض السابق يثير سا ً‬ ‫فالجواب‪ :‬اليمان والجهاد‪( .‬تؤمنون بال ورسوله وتجاهدون في سبيل ال‪}...‬الخ‪.‬‬ ‫‪( 2‬يغفر لكم بالجزم لن الفعل واقع موقع جواب الطلب إذ‪ :‬تؤمنون وتجاهدون لفظهما لفظ الخبر‬ ‫وعناهما النشاء أي‪ :‬آمنوا وجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم‪ ،‬وجزم (ويدخلكم) أيضا على‬ ‫العطف على يغفر‪.‬‬ ‫‪( 3‬وأخرى) الجملة معطوفة على (يغفر لكم) وما بعدها وجيء بالجملة اسمية للدللة على الثبوت‬ ‫والتحقق‪ ،‬فأخرى‪ :‬مبتدأ خبره محذوف أي‪ :‬وأخرى لكم أي ثابتة لكم وتحبون‪ :‬صفة لخرى‪.‬‬

‫‪ 4‬لقد شوق ال أصحاب رسوله إلى تحقيق اليمان بالجهاد فأيقنوا وعزموا على الجهاد فأصبح‬ ‫أسمى أمانيهم فأنجز ال لهم ما وعدهم فأمر رسوله أن يبشرهم بما وعدهم تعجيلً للمسرة‪.‬‬ ‫‪ 5‬النصار‪ :‬جمع نصير وهو الناصر‪ :‬القوي النصرة‪ ،‬وقرأ نافع (كونوا أنصارا ل) بتنوين‬ ‫(أنصارا) وقرأ حفص بدون تنوين مضاف إلى اسم الجللة‪.‬‬ ‫‪ 6‬الحواريون‪ :‬جمع حواري بفتح الحاء وتخفيف الواو وهي معربة عن الحبشية (حواريا) وهو‬ ‫الصاحب الصفي وأطلق هذا السم على أصحاب عيسى الثني عشر رجل‪ ،‬وقد سمى النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم الزبير بن العوام حواريه على التشبيه بأحد الحواريين فقال‪" :‬لكل نبي حواري‬ ‫وحواري الزبير)‪.‬‬

‫( ‪)5/342‬‬ ‫ل َوكَفَ َرتْ طَا ِئفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا} أي فاقتتلوا فأيدنا أي‬ ‫وقوله تعالى {فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائي َ‬ ‫قوينا ونصرنا الذين آمنوا وهم الذين قالوا عيسى عبد ال ورسوله رفعه ربه تعالى إلى السماء‪،‬‬ ‫على عدوهم وهم الطائفة الكافرة التي قالت عيسى ابن ال رفعه إليه تعالى ال أن يكون له ولد‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} أي غالبين عالين إلى أن احتال اليهود على إفساد الدين الذي‬ ‫جاء به عيسى وهو السلم أي عبادة ال وحده بما شرع أن يعبد به فحينئذ لم يبق من المؤيدين‬ ‫إل أنصار قليلون هنا وهناك وعل الكفر والتثليث واستمر الوضع كذلك إلى أن بعث ال رسوله‬ ‫محمدا صلى ال عليه وسلم فانضم إلى السلم من انضم من النصارى فأصبحوا بالسلم‬ ‫ظاهرين على عدوهم من المشركين المؤلهين لعيسى والحيارى في تقويمه مرة يقولون هو ال‪،‬‬ ‫ومرة يقولون‪ :‬هو ابن ال‪ ،‬ومرة يقولون‪ :‬ثالث ثلثة هو ال‪ .‬وضللهم وتركهم في هذه المتاهات‬ ‫النتفاعيون من الرؤساء والجاهلون المقلدون من المرءوسين كما فعل نظراؤهم في السلم‬ ‫فحولوه إلى طوائف وشيع إل أن السلم تعهد ال بحفظه إلى يوم القيامة فمن أراده وجده صافيا‬ ‫كما نزل في كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ومن لم يرده وأراد الضللة وجدها في‬ ‫كل عصر ومصر‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل الجهاد بالمال والنفس وأنه أعظم تجارة رابحة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحقيق بشرى المؤمنين التي أمر ال رسوله أن يبشرهم بها فكان هذا برهانا على صحة‬ ‫السلم وسلمة دعوته‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان استجابة المؤمنين من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم لما طلب منهم نصرة‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ودينه والمؤمنين معه‪ .‬وهي نصرة ال تعالى المطلوبة‪.‬‬

‫( ‪)5/343‬‬ ‫سورة الجمعة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الجمعة ‪1‬‬ ‫مدنية وآياتها إحدى عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حكِيمِ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َب َعثَ فِي‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬ ‫يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫ح ْكمَ َة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي‬ ‫ب وَالْ ِ‬ ‫الُْأمّيّينَ رَسُولً مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِ ِه وَيُ َزكّيهِ ْم وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَا َ‬ ‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ‬ ‫حكِيمُ (‪ )3‬ذَِلكَ َف ْ‬ ‫حقُوا ِبهِ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫ضَللٍ مُبِينٍ (‪ )2‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَلْ َ‬ ‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ (‪)4‬‬ ‫يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يسبح ل ما في السموات ‪:‬أي ينزه ال تعالى عما ل يليق به ما في السموات وما في الرض من‬ ‫سائر‬ ‫وما في الرض الكائنات بلسان القال والحال‪ ،‬ولم يقل (من) بدل (ما) تغليبا لغير العاقل لكثرته‬ ‫على العاقل‪.‬‬ ‫في الميين ‪:‬أي العرب لندرة من كان يقرأ منهم ويكتب‪.‬‬ ‫رسولً منهم ‪:‬أي محمدا صلى ال عليه وسلم إذ هو عربي قرشي هاشمي‪.‬‬ ‫ويزكيهم ‪:‬أي يطهرهم أرواحا وأخلقا‪.‬‬ ‫ويعلمهم الكتاب والحكمة ‪:‬أي هدى الكتاب وأسرار هدايته‪.‬‬ ‫وإن كانوا من قبل لفي ضلل ‪:‬أي وإن كانوا من قبل بعثة الرسول في ضلل الشرك والجاهلية‪.‬‬ ‫مبين‬ ‫وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ‪:‬أي وآخرين مؤمنين صالحين لما يلحقوا أي لم يحضروا حياة‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يعلم الكتاب والحكمة‪ ,‬وسيلحقون بهم وهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬سورة الجمعة أي‪ :‬السورة التي يذكر فيها لفظ الجمعة وهل المراد بالجمعة يوم الجمعة أو‬ ‫صلة الجمعة الظاهر أن المراد بلفظ الجمعة‪ :‬صلة الجمعة‪ ،‬وجائز أن يكون المراد يوم الجمعة‬ ‫وقد نزلت الجمعة جملة واحدة سنة ست من الهجرة‪.‬‬

‫( ‪)5/344‬‬

‫كل من لم يحضر حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم من العرب والعجم‪.‬‬ ‫ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء ‪ :‬أي كون الصحابة حازوا فضل السبق هذا فضل يؤتيه من يشاء‬ ‫فل اعتراض ولكن الرضا وسؤال ال من فضله فإنه ذو فضل عظيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} يخبر تعالى عن نفسه أنه يسبحه بمعنى‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬يُسَبّحُ ِللّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫ينزهه عن كل ما ل يليق بجلله وكماله من سائر مظاهر العجز والنقص ويقدسه كذلك وذلك‬ ‫بلسان القال والحال وهذا كقوله من سورة السراء وإن من شيء إل يسبح بحمده‪ ,‬ولكن ل تفقهون‬ ‫تسبيحهم‪ .‬ومع هذا شرع لنا ذكره وتسبيحه وتعبدنا به‪ ,‬وجعله عونا لنا على تحمل المشاق‬ ‫واجتياز الصعاب فكم أرشد رسوله له في مثل قوله‪ :‬سبح اسم ربك‪ ,‬وسبحه بكرة وأصيل‪ ,‬وسبح‬ ‫بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‪ ,‬ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلً طويلً‪ .‬وواعد على‬ ‫لسانه رسوله بالجزاء العظيم على التسبيح في مثل قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قال سبحان ال‬ ‫وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" ورغب فيه مثل قوله‪" :‬كلمتان ثقيلتان‬ ‫في الميزان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم"‪.‬‬ ‫وقوله {ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ} أي المالك الحاكم المتصرف في سائر خلقه ل حكم إل له‪ .‬ومرد المور‬ ‫كلها إليه المنزه عن كل ما ل يليق بجماله وكماله من سائر النقائص والحوادث‪.‬‬ ‫حكِيمُ} أي كل خلقه ينزهه ويقدسه وهو العزيز الغالب على أمره الذي‬ ‫وقوله تعالى {و ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫ل يحال بينه وبين مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لوليائه وفي ملكه وملكوته‪ .‬وقوله تعالى { ُهوَ‬ ‫الّذِي ‪َ 1‬ب َعثَ فِي الُْأمّيّينَ َرسُولً مِ ْنهُمْ‪ }2‬أي بعث في المة العربية المية رسول منهم وهو محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم إذ هو عربي قرشي هاشمي معروف النسب الي جده العلى عدنان من ولد‬ ‫إسماعيل بن إبراهيم الخليل‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِهِ} أي آيات ال التي تضمنها كتابه القرآن الكريم وذلك لهدايتهم‬ ‫وإصلحهم‪ ,‬وقوله ويزكيهم أي ويطهرهم أرواحا وأخلقا وأجساما من كل ما يدنس الجسم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬الميون العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب لنهم لم‬ ‫يكونوا أهل كتاب وكونه صلى ال عليه وسلم أميا ومن أمة أمية هو دليل معجزته وصدق نبوته‪.‬‬ ‫‪( 2‬رسولً منهم) قال ابن اسحق‪ :‬ما من حي من أحياء العرب إل ولرسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه إل حي تغلب فإن ال تعالى طهر نبيه صلى ال عليه وسلم منهم‬ ‫لنصرانيتهم‪ ،‬فلم يجعل لهم عليه ولدة‪.‬‬

‫( ‪)5/345‬‬

‫ويدنس النفس ويفسد الخلق‪ .‬وقوله ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ .‬أي يعلمهم الكتاب الكريم يعلمهم‬ ‫معانيه وما حواه من شرائع وأحكام‪ ،‬ويعلمهم ‪ 1‬الحكمة في كل أمورهم والصابة والسداد في كل‬ ‫شؤونهم‪ ،‬يفقههم في أسرار الشرع وحكمه في أحكامه‪ .‬وقوله {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَللٍ‬ ‫مُبِينٍ} أي والحال والشأن أنهم كانوا من قبل بعثته فيهم لفي ضلل مبين ضلل في العقائد ضلل‬ ‫في الداب والخلق ضلل في الحكم والقضاء في السياسة‪ ،‬وإدارة المور العامة والخاصة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬وآخرين ‪2‬منهم لما يلحقوا بهم أي وآخرين من العرب والعجم جاءوا من بعدهم وهم‬ ‫التابعون وتابعوا التابعين ‪ 3‬إلى يوم القيامة آمنوا وتعلموا الكتاب والحكمة التي ورثها رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم فيهم لما يلحقوا بهم في الفضل لنهم فازوا بالسبق إلى اليمان وبصحبة‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان فضل الصحابة على غيرهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬شرف اليمان والمتابعة للرسول وأصحابه رضي ال عنهم‪.‬‬ ‫سفَارا بِئْسَ مَ َثلُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ َكذّبُوا‬ ‫ح ِملُ أَ ْ‬ ‫حمَارِ َي ْ‬ ‫حمِلُوهَا َكمَ َثلِ الْ ِ‬ ‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ ُثمّ َلمْ يَ ْ‬ ‫مَ َثلُ الّذِينَ ُ‬ ‫عمْ ُتمْ أَ ّنكُمْ َأوْلِيَاءُ لِلّهِ مِنْ‬ ‫بِآياتِ اللّ ِه وَاللّ ُه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ُ )5‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا إِنْ زَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال مالك بن أنس‪ :‬الحكمة الفقه في الدين‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم فأنزلت عليه سورة‬ ‫الجمعة فلما قرأ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل‪ :‬من هؤلء يا رسول ال؟ فلم يراجعه‬ ‫حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلثا قال‪ :‬وفينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫يده على سلمان ثم قال‪" :‬لو كان اليمان عند الثريا لناله رجال من هؤلء" نعم فقد دخلت فارس‬ ‫في السلم بعد الفتح العمري وآمن رجال فوفوا وكانوا من أفاضل الرجال وصدق رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم إل أن الحزب الوطني الذي تكون في الظلم للنتقام من السلم فعل العجب‬ ‫في إفساد أمة السلم ومن ذلك ضرب المة بالمذهب الرافضي الذي فرق المسلمين ودمرهم أيما‬ ‫تدمير‪.‬‬ ‫‪ 3‬من العرب وغيرهم من سائر العجم كبعض الفرس والروم والبربر والسودان والترك والمغول‬ ‫والكراد والصين والهنود وغيرهم وفي هذا معجزة قرآنية إذ صدق قوله {وآخرين منهم لما‬ ‫يلحقوا بهم) وقد لحقوا فآمنوا وتعلموا وزكوا‪.‬‬

‫( ‪)5/346‬‬ ‫دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )6‬وَل يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَبَدا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬ ‫شهَا َدةِ‬ ‫بِالظّاِلمِينَ (‪ُ )7‬قلْ إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬ ‫فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)8‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حملوا التوراة ‪ :‬أي كلفوا بالعمل بها عقائد وعبادات وقضاء وآدابا وأخلقا‪.‬‬ ‫ثم لم يحملوها ‪ :‬أي لم يعملوا بما فيها‪ ،‬ومن ذلك نعته صلى ال عليه وسلم والمر باليمان‬ ‫فجحدوا نعته وحرفوه ولم يؤمنوا به وحاربوه‪.‬‬ ‫بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات ال ‪ :‬أي المصدقة للنبي محمد صلى ال عليه وسلم هذا المثل‬ ‫الذي ضربه ال لليهود هو كمثل الحمار يحمل أسفارا أي كتبا من العلم وهو ل يدري ما فيها‪.‬‬ ‫قل يا أيها الذين هادوا ‪:‬أي اليهود المتدينون باليهودية‪.‬‬ ‫إن زعمتم أنكم أولياء ل من ‪:‬أي وأنكم أبناء ال وأحباؤه وأن الجنة خاصة بكم‪.‬‬ ‫دون الناس‬ ‫فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ‪:‬أي إن كنتم صادقين في أنكم أولياء ال فتمنوا الموت مؤثرين‬ ‫الخرة على الدنيا ومبدأ الخرة الموت فتمنوه إذا‪.‬‬ ‫بما قدمت أيديهم ‪:‬أي بسبب ما قدموه من الكفر والتكذيب بالنبي صلى ال عليه وسلم ل يتمنون‪.‬‬ ‫وال عليم بالظالمين ‪:‬أي المشركين ولزم علمه بهم أنه يجزيهم بظلمهم العذاب الليم‪.‬‬ ‫تفرون منه ‪:‬أي لنكم ل تتمنونه أبدا وذلك عين الفرار منه‪.‬‬ ‫فإنه ملقيكم ‪:‬أي حيثما اتجهتم فإنه ملقيكم وجها لوجه‪.‬‬ ‫ثم تردون إلى عالم الغيب ‪:‬أي إلى ال تعالى يوم القيامة‪.‬‬ ‫والشهادة‬

‫( ‪)5/347‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ} أي كلفوا بالعمل بها من اليهود والنصارى ثم لم يحملوها‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬مَ َثلُ الّذِينَ ُ‬ ‫أي ثم لم يعملوا بما فيها من أحكام وشرائع ومن ذلك جحدهم لنعوت النبي محمد صلى ال عليه‬ ‫سفَارا‪ }1‬أي‬ ‫ح ِملُ أَ ْ‬ ‫حمَارِ يَ ْ‬ ‫وسلم والمر باليمان به واتباعه عند ظهوره‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬كمَ َثلِ ا ْل ِ‬ ‫كمثل حمار يحمل على ظهره أسفارا من كتب العلم النافع وهو ل يعقل ما يحمل ول يدري ماذا‬

‫على ظهره من الخير‪ ،‬وذلك لنه ل يقرأ ول يفهم ‪ .2‬وقوله تعالى {بِئْسَ مَ َثلُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا‬ ‫بِآياتِ اللّهِ} أي المصدقة للنبي محمد صلى ال عليه وسلم هذا المثل الذي ضربه تعالى لهل‬ ‫الكتاب من يهود ونصارى‪ .‬وقوله وال ل يهدي القوم الظالمين‪ ،‬ولهذا ما هداهم إلى السلم‪.‬‬ ‫لتوغلهم في الظلم والكفر والشر والفساد لم يكونوا أهلً لهداية ال تعالى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا} أي قل يا رسولنا يا أيها الذين هادوا أي يا من هم يدعون‬ ‫أنهم على الملة اليهودية‪ ،‬إن زعمتم أنكم أولياء ال من دون الناس حيث ادعيتم أنكم أبناء ال‬ ‫وأحباؤه‪ ،‬وأن الجنة لكم دون غيركم إلى غير ذلك من دعاويكم فتمنوا الموت إن ‪ 3‬كنتم صادقين‬ ‫في دعاويكم إذ الموت طريق الدار الخرة فتمنوه لتموتوا فتستريحوا من كروب الدنيا وأتعابها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَبَدا} أخبر تعالى وهو العليم أنهم ل يتمنونه في يوم من اليام أبدا‪،‬‬ ‫وبين تعالى علة ذلك بقوله‪ :‬بما قدمت أيديهم من الذنوب والثام الموجبة للعذاب‪ .‬وقوله {وَاللّهُ‬ ‫عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ} أي من أمثال هؤلء اليهود وسيجزيهم بظلمهم عذاب الجحيم‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ إِنّ‬ ‫ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ‪ }4‬أي قل لهم يا رسولنا إن الموت الذي تفرون منه ول تتمنونه فرارا‬ ‫وخوفا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال بعض أهل العلم‪ :‬أبطل ال ادعاء اليهود في ثلث آيات من هذه السورة افتخروا بأنهم‬ ‫أولياء ال وأحباؤه فكذبهم بقوله‪( :‬فتمنوا الموت) وبأنهم أهل كتاب فشبههم بالحمار يحمل أسفارا‪،‬‬ ‫وبالسبت فشرع ال للمسلمين الجمعة فلم يبق لهم ما يفتخرون به على المسلمين‪.‬‬ ‫‪ 2‬أنشد بعضهم عائبا بعض من يحمل رواية الحديث وهو ل يفهم المراد منها‪:‬‬ ‫إن الرواة على جهل بما حملوا‬ ‫مثل الجمال عليها يحمل الودع‬ ‫ل الودع ينفعه حمل الجمال له‬ ‫ول الجمال بحمل الودع تنتفع‬ ‫الودع والواحدة ودعة مناقيف صغار تخرج من قاع البحر‪.‬‬ ‫‪ 3‬المر في قوله تعالى‪( :‬فتمنوا الموت) للتعجيز فلذا لم يفعلوا ولو فعلوا لما بقيت فيهم عين‬ ‫تطرف؛ لنهم كاذبون‪.‬‬ ‫‪ 4‬جملة (الذي تفرون منه) صفة للموت‪ ،‬وفيه إشارة إلى خطإهم في الهلع والخوف من الموت‬ ‫ول تعارض بين هذه الية وهي تدعو إلى تمني الموت‪ ،‬وبين النهي عنه في الحديث الصحيح‪" :‬ل‬ ‫يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به" لن طلب التمني من اليهود كان لتحديهم‪ ،‬والنهي عن تمني‬ ‫الموت كان بسبب الجزع من الضر حيث يجب الصبر لما في المرض من تكفير الذنوب‪ ،‬وفي‬ ‫الحديث‪" :‬من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه‪ ،‬ومن كره لقاء ال كره ال لقاءه" وهذا الحديث يفسر ما‬ ‫تقدم فإن العبد الصالح إذا كان في سياقات الموت يحب الموت للقاء ال تعالى‪ ،‬والعبد غير الصالح‬

‫يكره لقاء ال كراهية اليهود لما يعلم من ذنوبه وعظيم آثامه فهو يخاف الموت لذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/348‬‬ ‫منه فإنه ‪ 1‬ملقيكم ل محالة حيثما كنتم سوف يواجهكم وجها لوجه ثم تردون إلى عالم الغيب‬ ‫والشهادة وهو ال تعالى الذي يعلم ما غاب في السماء والرض‪ ،‬ويعلم ما يسر عباده‪ ،‬وما يعلنون‬ ‫وما يظهرون وما يخفون فينبئكم بما كنتم تعملون ويجزيكم الجزاء العادل إنه عليم حكيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذم من يحفظ كتاب ال ولم يعمل بما فيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالظلم والظالمين‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان كذب اليهود وتدجيلهم في أنهم أولياء ال وأن الجنة خالصة لهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن ذوي الجرائم أكثر الناس خوفا من الموت وفرارا منه‪.‬‬ ‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ‬ ‫ج ُمعَةِ فَا َ‬ ‫يَا َ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ الْ ُ‬ ‫ضلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُوا اللّهَ‬ ‫ض وَابْ َتغُوا مِنْ َف ْ‬ ‫إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )9‬فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ فَانْ َتشِرُوا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫كَثِيرا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )10‬وَإِذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَائِما ُقلْ مَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ‬ ‫مِنَ الّل ْهوِ َومِنَ التّجَا َر ِة وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا نودي للصلة ‪ :‬أي إذا أذن المؤذن لها عند جلوس المام على المنبر‪.‬‬ ‫من يوم الجمعة ‪ :‬أي في يوم الجمعة وذلك بعد الزوال‪.‬‬ ‫فاسعوا إلى ذكر ال ‪:‬أي امضوا إلى الصلة‪.‬‬ ‫وذروا البيع ‪:‬أي اتركوه‪ ،‬وإذا لم يكن بيع لم يكن شراء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من أحسن ما قيل في الوعظ بالموت قول طرفة‪:‬‬ ‫وكفى بالموت فاعلم واعظا‬ ‫لمن الموت عليه قد قدر‬ ‫فذكر الموت وحاذر تركه‬ ‫إن في الموت لذي اللب عبر‬ ‫كل شيء سوف يلقى حتفه‬ ‫في مقام أو على ظهر سفر‬ ‫والمنايا حوله ترصده‬

‫ليس ينجيه من الموت حذر‬ ‫وقال زهير‪:‬‬ ‫ومن هاب أسباب المنايا ينلنه‬ ‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬

‫( ‪)5/349‬‬ ‫وابتغوا من فضل ال ‪:‬أي اطلبوا الرزق من ال تعالى بالسعي والعمل‪.‬‬ ‫تفلحون ‪:‬أي تنجون من النار وتدخلون الجنة‪.‬‬ ‫انفضوا إليها ‪:‬أي إلى التجارة‪.‬‬ ‫وتركوك قائما ‪:‬أي على المنبر تخطب يوم الجمعة‪.‬‬ ‫ما عند ال خير من اللهو ومن ‪:‬أي ما عند ال من الثواب في الدار الخرة خير من اللهو ومن‬ ‫التجارة‪.‬‬ ‫التجارة‬ ‫وال خير الرازقين ‪:‬أي فاطلبوا الرزق منه بطاعة وإتباع هداه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ج ُمعَةِ‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من صدقتم ال ورسوله {ِإذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ ‪1‬الْ ُ‬ ‫س َعوْا ‪ِ 3‬إلَى ِذكْرِ‪ 4‬اللّهِ}‬ ‫‪ }2‬أي إذا أذن المؤذن بعد زوال يوم الجمعة وجلس المام على المنبر {فَا َ‬ ‫أي امضوا إلى ذكر ال الذي هو الصلة والخطبة إذ بهما يذكر ال تعالى‪ .‬وقوله { َوذَرُوا الْبَيْعَ‪}5‬‬ ‫إذ هو الغالب من أعمال الناس‪ ،‬وإل فسائر العمال يجب إيقافها والمضي إلى الصلة‪.‬‬ ‫وقوله {ذَِل ُكمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ} أي ترك العمال من بيع وشراء وغيرها والمضي إلى أداء‬ ‫صلة الجمعة وسماع الخطبة خير ثوابا وعاقبة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فَإِذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ} أي أديت وفرغ منها فانتشروا في الرض أي لكم بعد انقضاء‬ ‫الصلة أن تتفرقوا حيث شئتم في أعمال الدين والدنيا‪ .‬تبتغون فضل ال‪{ ،‬وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرا} أي‬ ‫أثناء تفرقكم وانتشاركم في أعمالكم اذكروا ال ول تنسوه واذكروه ذكرا كثيرا لعلكم تفلحون أي‬ ‫رجاء فلحكم وفوزكم في دنياكم وآخرتكم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المراد من النداء‪ :‬الذان الذي يكون المام على المنبر إذ كان الذان واحدا حتى زاد عثمان‬ ‫رضي ال عنه ثانيا حين كثر الناس بالمدينة‪.‬‬ ‫‪ 2‬لفظ الجمعة‪ :‬بضم كل من الجيم والميم‪ ،‬وبتسكين الميم‪ ،‬والجمع‪ :‬جمع كغرفة وغرف وجمعات‬ ‫كغرفات وكان يومها يسمى العروبة بفتح العين وقيل أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي وقيل‪:‬‬

‫النصار‪ ،‬وأول جمعة صليت في السلم هي الجمعة التي جمع فيها أسعد بن زرارة ومصعب بن‬ ‫عمير أهل المدينة وصلوها زكانوا اثني عشر رجل‪ :‬وأول جمعة صلها رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم بالمدينة هي جمعته في بني سالم بن عوف وهو في طريقه من قباء إلى المدينة‪ ،‬وأول‬ ‫جمعة بعدها كانت بجواثي‪ :‬قرية من قرى البحرين‪.‬‬ ‫‪ 3‬ليس المراد بالسعي الجري واشتداد العدو وإنما هو المشي والمضي لحديث صحيح‪" :‬إذا أقيمت‬ ‫الصلة فل تأتوها تسعون ولكن أئتوها وعليكم السكينة" ومن إطلق السعي والمراد المضي‬ ‫والعمل ل غير قول الشاعر‪:‬‬ ‫أسعي على جل بني مالك‬ ‫كل امرئ في شأنه ساعي‬ ‫وفي القرآن‪ { :‬ومن أراد الخرة وسعى لها سعيها}‪.‬‬ ‫‪ 4‬ذكر ال‪ :‬الصلة والخطبة قبلها‪.‬‬ ‫‪ 5‬ل خلف في حرمة البيع والشراء عند الذان الثاني‪.‬‬

‫( ‪)5/350‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَائِما} هذه الية نزلت في شأن قافلة‬ ‫زيت كان صاحبها دحية بن خليفة الكلبي النصاري رضي ال عنه قدمت من الشام‪ ،‬وكان عادة‬ ‫أهل المدينة إذا جاءت قافلة تجارية تحمل الميرة يستقبلونها بشيء من اللهو كضرب الطبول‬ ‫والمزامير‪ .‬وصادف قدوم القافلة يوم الجمعة والناس في المسجد‪ ،‬فلما انقضت الصلة وطلع‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على المنبر يخطب‪ ،‬وكانت الخطبة بعد الصلة ل قبلها كما هي‬ ‫بعد ذلك فخرج الناس يتسللون حتى لم يبق مع الرسول صلى ال عليه وسلم إل اثنا عشر رجلً‬ ‫وامرأة فنزلت هذه الية تعيب عليهم خروجهم وتركهم نبيهم يخطب‪ .‬فقال تعالى في صورة عتاب‬ ‫شديد {وَِإذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا} أي خرجوا إليها {وَتَ َركُوكَ} يا رسولنا قائما على‬ ‫المنبر تخطب‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ مَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ الّل ْه ِو َومِنَ التّجَا َرةِ} أي أعلمهم يا نبينا أن‬ ‫ما عند ال من ثواب الخرة خير من اللهو والتجارة التي خرجتم إليها‪{ ،‬وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ}‬ ‫فاطلبوا الرزق منه بطاعته وطاعة رسوله ول يتكرر منكم مثل هذا الصنيع الشين‪ .‬وإل فقد‬ ‫تتعرضون لعذاب عاجل غير آجل‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب صلة الجمعة ووجوب ‪ 1‬المضي إليها عند النداء الثاني الذي يكون والمام على‬ ‫المنبر‪.‬‬

‫‪ -2‬حرمة البيع والشراء وسائر العقود إذا شرع المؤذن يؤذن الذان الثاني‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترغيب في ذكر ال تعالى والكثار منه والمرء يبيع ويشتري ويعمل ويصنع ولسانه ذاكر‪.‬‬ ‫‪ -4‬ينبغي أن ل يقل المصلون الذين تصح صلة الجمعة بهم عن اثني عشر رجلً أخذا من حادثة‬ ‫انفضاض الناس عن الرسول صلى ال عليه وسلم وهو يخطب إلى القافلة حتى لم يبق إل اثنا‬ ‫عشر رجلً‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في فضل الجمعة والغسل لها قوله صلى ال عليه وسلم "فيه ساعة ل يوافقها عبد مسلم‬ ‫وهو يصلي يسأل ال شيئا إل أعطاه إياه" وقوله‪" :‬الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما لم تغش‬ ‫الكبائر" (مسلم) وقوله‪" :‬غسل الجمعة واجب على كل محتلم" (في الصحيح)‪.‬‬

‫( ‪)5/351‬‬ ‫سورة المنافقون‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المنافقون‬ ‫مدنية وآياتها إحدى عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ش َهدُ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ‬ ‫شهَدُ إِ ّنكَ لَ َرسُولُ اللّ ِه وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَ ْ‬ ‫إِذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُوا َن ْ‬ ‫َلكَاذِبُونَ (‪)1‬‬ ‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا‬ ‫اتّ َ‬ ‫سمَعْ ِل َقوِْلهِمْ كَأَ ّنهُمْ‬ ‫فَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َف ُهمْ ل َيفْ َقهُونَ (‪ )3‬وَإِذَا رَأَيْ َت ُهمْ ُتعْجِ ُبكَ َأجْسَا ُمهُ ْم وَإِنْ َيقُولُوا َت ْ‬ ‫حذَرْهُمْ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪)4‬‬ ‫شبٌ ُمسَنّ َدةٌ َيحْسَبُونَ ُكلّ صَ ْيحَةٍ عَلَ ْيهِمْ هُمُ ا ْلعَ ُدوّ فَا ْ‬ ‫خُ‬ ‫ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا جاءك المنافقون ‪:‬أي حضر مجلسك المنافقون كعبد ال بن أبي وأصحابه‪.‬‬ ‫قالوا نشهد إنك لرسول ال ‪:‬أي قالوا بألسنتهم ذلك وقلوبهم على خلفه‪.‬‬ ‫وال يشهد إن المنافقين لكاذبون ‪:‬أي وال يعلم أن المنافقين لكاذبون أي بما أضمروه من أنك غير‬ ‫رسول ال‪.‬‬ ‫اتخذوا أيمانهم جنة ‪:‬أي سترة ستروا بها أموالهم وحقنوا بها دماءهم‪.‬‬ ‫فصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي فصدوا بها عن سبيل ال أي الجهاد فيهم‪.‬‬ ‫إنهم ساء ما كانوا يعملون ‪:‬أي قبح ما كانوا يعملونه من النفاق‪.‬‬ ‫ذلك ‪:‬أي سوء عملهم‪.‬‬

‫بأنهم آمنوا ثم كفروا ‪:‬أي آمنوا بألسنتهم‪ ،‬ثم كفروا بقلوبهم أي استمروا على ذلك‪.‬‬ ‫فطبع على قلوبهم ‪:‬أي ختم عليها بالكفر‪.‬‬

‫( ‪)5/352‬‬ ‫فهم ل يفقهون ‪:‬أي اليمان أي ل يعرفون معناه ول صحته‪.‬‬ ‫تعجبك أجسامهم ‪:‬أي لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صحيحا وصبيحا ذلق اللسان‪.‬‬ ‫وإن يقولوا تسمع لقولهم ‪:‬أي لفصاحتهم وذلقة ألسنتهم‪.‬‬ ‫كأنهم خشب مسندة ‪:‬أي كأنهم من عظم أجسامهم وترك التفهم وعدم الفهم خشب مسندة أي أشباح‬ ‫بل أرواح‪ ،‬وأجسام بل أحلم‪.‬‬ ‫يحسبون كل صيحة عليهم ‪:‬أي يظنون كل صوت عال يسمعونه كنداء في عسكر أو إنشاد ضالة‬ ‫عليهم وذلك لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم‪.‬‬ ‫هم العدو فاحذرهم ‪:‬أي العدو التام العداوة فاحذرهم أن يفشوا سرك أو يريدوك بسوء‪.‬‬ ‫قاتلهم ال أنى يؤفكون ‪:‬أي لعنهم ال كيف يصرفون عن اليمان وهم يشاهدون أنواره وبراهينه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَافِقُونَ} لنزول هذه السورة سبب هو أن زيد ‪ 1‬بن أرقم رضي ال عنه‬ ‫قال كنت مع عمي فسمعت عبد ال بن أبي سلول يقول ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى‬ ‫ينفضوا وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ ,‬فذكرت ذلك لعمى فذكر ذلك‬ ‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأرسل رسولً إلى ابن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله فجلت في بيتي فأنزل ال عز‬ ‫وجل إذا جاءك المنافقون إلى قوله العز منها الذل فأرسل إلى لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫ثم قال إن ال قد صدقك‪.‬‬ ‫قوله إذا جاءك المنافقون أي إذا حضر مجلسك المنافقون عبد ال بن أبي ورفاقه قالوا نشهد إنك‬ ‫لرسول ال وذلك بألسنتهم دون قلوبهم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَاللّهُ َيعْلَمُ‪ 2‬إِ ّنكَ لَرَسُولُهُ} سواء شهد بذلك‬ ‫المنافقون أو لم يشهدوا‪ .‬وال يشهد إن المنافقين لكاذبون في شهادتهم لعدم مطابقة قولهم‬ ‫لعتقادهم‪ .‬اتخذوا أيمانهم جنة أي جعلوا من أيمانهم الكاذبة جنة كجنة المقاتل يسترون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬رواه البخاري في صحيحه والترمذي وغيرهما كانت هذه الحادثة في غزوة بني المصطلق سنة‬ ‫خمس من الهجرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬جملة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين وفائدة هذا العتراض دفع ما قد يتوهمه من يسمع‬ ‫جملة‪( :‬وال يشهد إن المنافقين لكاذبون) أنه تكذيب لجملة (إنك لرسول ال)‪.‬‬

‫( ‪)5/353‬‬ ‫بها كما يستتر المحارب بجنته فوق رأسه‪ ،‬فهم بأيمانهم الكاذبة أنهم مؤمنون وقوا بها أنفسهم‬ ‫وأزواجهم وذرياتهم من القتل والسبي‪ ،‬وبذلك صدوا عن ‪ 1‬سبيل ال أنفسهم وصدوا غيرهم ممن‬ ‫يقتدون بهم وصدوا المؤمنين عن جهادهم بما أظهروه من إيمان صورى كاذب‪ .‬قال تعالى‪{ :‬إِ ّنهُمْ‬ ‫‪ 2‬سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} يذم تعالى حالهم ويقبح سلوكهم ذلك وهو اتخاذ أيمانهم جنة وصدهم عن‬ ‫سبيل ال وقوله تعالى الية رقم ‪{ 3‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا َفطُبِعَ‪ 3‬عَلَى قُلُو ِبهِمْ} أي سوء عملهم‬ ‫وقبح سلوكهم ناتج عن كونهم أمنوا ثم شكوا أو ارتابوا فنافقوا وترتب على ذلك أيضا الطبع على‬ ‫قلوبهم فهم لذلك ل يفقهون معنى اليمان ول صحته من بطلنه وهذا شأن من توغل في الكفر أن‬ ‫يختم على قلبه فل يجد اليمان طريقا إلى قلب قد أقفل عليه بطابع الكفر وخاتم النفاق والشك‬ ‫والشرك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )4‬وَِإذَا رَأَيْ َتهُمْ‪ُ 4‬تعْجِ ُبكَ َأجْسَا ُمهُمْ} أي وإذا رأيت يا رسولنا هؤلء‬ ‫المنافقين ونظرت إليهم تعجبك أجسامهم لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صبيحا وإن يقولوا تسمع‬ ‫شبٌ مُسَنّ َدةٌ} وهو تشبيه رائع‪ :‬إنهم‬ ‫خُ‬ ‫لقولهم وذلك لفصاحتهم وذلقة ألسنتهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬كَأَ ّن ُهمْ ُ‬ ‫لطول أجسامهم وجمالها وعدم فهمهم وقلة الخير فيهم كأنهم خشب مسندة على جدار ل تشفع ول‬ ‫تنفع كما يقال‪.‬‬ ‫ل صَيْحَةٍ عَلَ ْيهِمْ} وذلك لخوفهم والرعب المتمكن من نفوسهم نتيجة ما‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يَحْسَبُونَ ُك ّ‬ ‫يضمرون من كفر وعداء وبغض للسلم وأهله فهم إذا سمعوا صيحة في معسكر أو صوت منشد‬ ‫ضاله يتوقعون أنهم معنيون بذلك شأن الخائن وأكثر ما يخافون أن ينزل القرآن بفضيحتهم وهتك‬ ‫أستارهم‪ .‬قال تعالى هم ‪ 5‬العدو فاحذرهم يا رسولنا إن قلوبهم مع أعدائك فهم يتربصون بك‬ ‫الدوائر‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ} فسجل عليهم لعنة ل تفارقهم إلى يوم القيامة كيف يصرفون‬ ‫عن الحق وأنواره تغمرهم القرآن ينزل والرسول يعلم ويزكى وآثار ذلك في المؤمنين‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع فجملة (فصدوا عن سبيل ال) متفرعة عن جملة (اتخذوا أيمانهم جنة)‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة تذييلية من أجل تفظيع حالهم‪ ،‬والتنديد بسوء سلوكهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الشارة إلى قوله‪( :‬إنهم ساء ما كانوا يعملون)‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة معطوفة على سابقتها وهي (فهم ل يفقهون) وهي واقعة موقع الحتراس والتتميم‬ ‫لدفع إيهام من يغره ظاهر صورهم وأشكالهم كما في قول حسان رضي ال عنه‪:.‬‬ ‫ل بأس بالقوم من طول ومن غلظ‬

‫جسم البغال وأحلم العصافير‬ ‫‪ 5‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ قوله تعالى‪( :‬يحسبون كل صيحة عليهم) يثير تساؤلت فأجيب‬ ‫السائل المتطلع بقوله تعالى‪( :‬هم العدو فاحذروهم) ونفسيتهم المريضة هي التي جعلتهم يحسبون‬ ‫كل صيحة عليهم كما قال المتنبي‪:‬‬ ‫إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه‬ ‫وصدق ما يعتاده من توهم‬

‫( ‪)5/354‬‬ ‫ظاهرة في لرائهم وأخلقهم‪ .‬ولم يشاهدوا شيئا من ذلك والعياذ بال من عمى القلوب وانطماس‬ ‫البصائر‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان أن الكذب ما خالف العتقاد وإن طابق الواقع‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من الستمرار على المعصية فإنه يوجب الطبع على القلب ويحرم صاحبه الهداية‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الغترار بالمظاهر كحسن الهندام وفصاحة اللسان‪.‬‬ ‫‪ -4‬الكشف عن نفسية الخائن والظالم والمجرم وهو الخوف والتخوف من كل صوت أو كلمة‬ ‫خشية أن يكون ذلك بيانا لحالهم وكشفا لجرائمهم‪.‬‬ ‫ن وَهُمْ مُسْ َتكْبِرُونَ (‪)5‬‬ ‫سهُ ْم وَرَأَيْ َتهُمْ َيصُدّو َ‬ ‫وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا َيسْ َتغْفِرْ َلكُمْ رَسُولُ اللّهِ َل ّووْا ُرؤُو َ‬ ‫سوَاءٌ عَلَ ْي ِهمْ أَسْ َت ْغفَ ْرتَ َل ُهمْ أَمْ لَمْ َتسْ َتغْفِرْ َلهُمْ لَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلفَاسِقِينَ (‪)6‬‬ ‫َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ‬ ‫هُمُ الّذِينَ َيقُولُونَ ل تُ ْن ِفقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ َرسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْن َفضّوا وَلِلّهِ خَزَائِنُ ال ّ‬ ‫ل وَلِلّهِ ا ْلعِ ّزةُ‬ ‫جعْنَا إِلَى ا ْلمَدِينَةِ لَيُخْ ِرجَنّ الْأَعَزّ مِ ْنهَا الْأَ َذ ّ‬ ‫وََلكِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ ل َيفْ َقهُونَ (‪َ )7‬يقُولُونَ لَئِنْ َر َ‬ ‫ن ل َيعَْلمُونَ (‪)8‬‬ ‫وَلِرَسُولِ ِه وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وََلكِنّ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذا قيل لهم تعالوا ‪:‬أي معتذرين‪.‬‬ ‫لووا رؤوسهم ‪:‬أي رفضوا العتذار إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ورأيتهم يصدون ‪:‬أي يعرضون عما دعوا إليه وهم مستكبرون‪.‬‬

‫( ‪)5/355‬‬

‫سواء عليهم استغفرت لهم ‪:‬أي يا رسولنا‪.‬‬ ‫أم لم تستغفر لهم ‪:‬‬ ‫لن يغفر ال لهم ‪:‬أي إيأس من مغفرة ال لهم‪.‬‬ ‫إن ال ل يهدي القوم الفاسقين ‪:‬أي لن من سنة ال أنه ل يهدي القوم الفاسقين المتوغلين في‬ ‫الفسق عن طاعة الرب تعالى وهم كذلك‪.‬‬ ‫يقولون ‪:‬أي لهل المدينة‪.‬‬ ‫ل تنفقوا على من عند رسول ال ‪:‬أي من المهاجرين‪.‬‬ ‫حتى ينفضوا ‪ :‬أي يتفرقوا عنه‪.‬‬ ‫لئن رجعنا إلى المدينة ‪:‬أي من غزوة كانوا فيها هي غزوة بني المصطلق‪.‬‬ ‫ليخرجن العز منها الذل ‪:‬يعنون بالعز أنفسهم‪ ،‬وبالذل المؤمنين‪.‬‬ ‫ول العزة ولرسوله وللمؤمنين ‪:‬أي الغلبة والعلو والظهور‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن المنافقين فقوله تعالى في الية (‪ { )5‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا‬ ‫يَسْ َت ْغفِرْ َلكُمْ رَسُولُ اللّهِ} وذلك عندما قال ابن أبي ما قال من كلمات خبيثة منها قوله في‬ ‫المهاجرين‪ :‬سمن كلبك يأكلك‪ .‬وقوله لصاحبه‪ :‬ل تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقوله مهددا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز يعني نفسه ورفاقه‬ ‫المنافقين الذل يعني النصار والمهاجرين‪ .‬فلما قال هذا كله وأكثره في غزوة بني ‪ 1‬المصطلق‬ ‫وأخبر به رسول ال صلى ال عليه وسلم فجاء فحلف بال ما قال شيئا من ذلك أبدا وذهب فنزلت‬ ‫هذه السورة الكريمة تكذبه‪ .‬ولما نزلت هذه السورة بفضيحته جاءه من قال له‪ :‬يا أبا الحباب (كنية‬ ‫ابن أبي) إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يستغفر لك فلوى‬ ‫رأسه أي عطفه إلى جهة غير جهة من يخاطبه وقال‪ :‬أمرتموني أن أؤمن فآمنت وأمرتموني أن‬ ‫أعطي زكاة مالي فأعطيت فما بقي إل أن أسجد لمحمد صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه اليات‬ ‫الثلث وإذا قيل لهم تعالوا أي معتذرين يستغفر لكم رسول ال‪ .‬لووا رؤوسهم أي رفضوا العرض‬ ‫ورأيتهم يصدون عنك وهم مستكبرون والمراد بهم ابن أبي عليه لعائن ال قال تعالى لرسوله‪:‬‬ ‫سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر ال لهم فأيأس رسوله من المغفرة لهم‪ ،‬وعلل‬ ‫تعالى ذلك بقوله‪ :‬إن ال ل يهدي القوم الفاسقين ‪2‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬سبب نزول هذه السورة واليات منها أن النبي صلى ال عليه وسلم (غزا بني المصطلق على‬ ‫ماء يقال له (المريسيع) من ناحية قديد إلى الساحل فازدحم أجير لعمر يقال له‪ :‬جهجاه مع حليف‬ ‫لبن أبي يقال له‪ :‬سنان على ماء بالمشلل فصرخ جهجاه بالمهاجرين وصرخ سنان بالنصار‬

‫فجاء ابن أبي وقال كلماته الخبيثة التي هي في التفسير‪ .‬ونزلت السورة‪.‬‬ ‫‪ 2‬وهم كل من يسبق في علم ال أنه ل يتوب لما أحاط به من الذنوب‪.‬‬

‫( ‪)5/356‬‬ ‫وابن أبي من أكثر الفاسقين فسقا! إذ جمع بين الكذب والحلف الكاذب والنفاق والشقاق والعداء‬ ‫والكبر والكفر الباطني وذكر تعالى قولت هذا المنافق واحدة بعد واحدة فقال هم الذين يقولون‪ :‬ل‬ ‫تنفقوا على من عند رسول ال أي قال لخوانه ل تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم فقرعه رب العزة وأدبه ببيان فساد ذوقه ورأيه فقال تعالى‪{ :‬وَلِلّهِ خَزَائِنُ‬ ‫سمَاوَاتِ‪ 1‬وَالْأَ ْرضِ} فجميع الرزاق بيده وهو الذي يرزق من يشاء والمنافق نفسه رزقه على‬ ‫ال ّ‬ ‫ال فكيف يدعي أنه إذا لم ينفق على من عند رسول ال يجوعون فيتفرقون يطلبون الرزق بعيدا‬ ‫عن محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ولكن المنافقين لعماهم وظلمة نفوسهم ومرض قلوبهم ل يفقهون‬ ‫هذا ول يفهمونه‪ ،‬ولذا قال رئيسهم كلمته الخبيثة‪ .‬تلك كانت القولة الولى‪ .‬والثانية هي قوله لئن‬ ‫رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬قالها في غزوة بني المصطلق وهي غزوة سببها أن‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أعلم أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي‬ ‫ضرار وهو أبو جويريه زوج رسول ال صلى ال عليه وسلم إحدى أمهات المؤمنين‪ .‬فلما سمع‬ ‫بذلك خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل‬ ‫فوقع القتال فهزم ال بني المصطلق وأمكن رسوله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم وأفاءها على‬ ‫المؤمنين‪ ،‬واصطفى رسول ال صلى ال عليه وسلم لنفسه جويرية بوصفها بنت سيد القوم إكراما‬ ‫لها ثم عتقها وتزوجها فرأى المؤمنون أن ما بأيديهم من السبي ل ينبغي لهم وقد أصبحوا أصهار‬ ‫نبيهم فعتقوا كل ما بأيديهم فقالت عائشة رضي ال عنها ما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على‬ ‫قومها من جويرية بنت الحارث فقد أعتق بتزويج رسول ال لها مائة أهل بيت من بني‬ ‫المصطلق‪.‬‬ ‫في هذه الغزاة قال ابن أبي قولته الخبيثة وذلك أن رجلين ‪ 2‬أنصاريا ومهاجرا تلحيا على الماء ‪3‬‬ ‫‪4‬فكسع المهاجر النصاري برجله فصاح ابن أبي قائل عليكم صاحبكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال ما مثلنا‬ ‫ومحمد إل كما قال القائل‪ :‬سمن كلبك يأكلك‪ ،‬وال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها‬ ‫الذل وغاب عن ذهن هذا المنافق أن العزة ل ولرسوله وللمؤمنين أي الغلبة والظهور والعلو ل‬ ‫للمنافقين والمشركين الكافرين ولكن المنافقين ل يعلمون ذلك ول غيره لعمى بصائرهم ولما‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬الخزائن) جمع خزانة وهي البيت الذي يخزن فيه الطعام‪ .‬وروى الترمذي أن عمر رضي ال‬ ‫عنه قال للرسول صلى ال عليه وسلم إشفاقا عليه ورحمة به‪ :‬ما كلفك ال يا رسول ال مال تقدر‬

‫عليه‪ ،‬عندما قال لرجل سأله عطاء ابتع علي فإذا جاء شيء قضيته فقال رجل من النصار يا‬ ‫رسول ال أنفق ول تخش من ذي العرش إقلل فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم وعرف في‬ ‫وجهه البشر وقال‪ :‬بهذا أمرت)‪.‬‬ ‫‪ 2‬تقدم ذكر اسميهما وهما‪ :‬جهجاه‪ ،‬وسنان‪.‬‬ ‫‪ 3‬تقدم أن هذا الماء كان بالمشلل‪.‬‬ ‫‪ 4‬كسعه‪ :‬ضربه في دبره‪.‬‬

‫( ‪)5/357‬‬ ‫بلغ الغزاة المدينة وقف عبد ال بن عبد ال بن أبي في عرض الطريق واستل سيفه فلما جاء أبوه‬ ‫يمر قال له وال ل تمر حتى تقول‪ :‬محمد العز وأنا الذل‪ ،‬فلم يبرح حتى قالها‪ :‬وكان ولد مؤمنا‬ ‫صادقا من خيرة النصار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل ينفع الستغفار للكافر ول الصلة عليه بحال‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم العراض والستكبار عن التوبة والستغفار‪ .‬فمن قيل له استغفر ال فليستغفر ول يتكبر‬ ‫بل عليه أن يقول‪ :‬استغفر ال أو اللهم اغفر لي‪.‬‬ ‫‪ -3‬مصادر الرزق كلها بيد ال تعالى فليطلب الرزق بطاعة ال ورسوله ل بمعصيتهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬العزة الحقة ل ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬فلذا يجب على المؤمن أن ل يذل ول يهون لكافر‪.‬‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُ ْم وَل َأوْل ُد ُكمْ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ‬ ‫جلٍ قَرِيبٍ‬ ‫(‪ )9‬وَأَ ْن ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل َأخّرْتَنِي إِلَى أَ َ‬ ‫ق وََأكُنْ مِنَ الصّاِلحِينَ (‪ )10‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسا إِذَا جَاءَ أَجَُلهَا وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)11‬‬ ‫فََأصّدّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل تلهكم أموالكم ول أولدكم ‪:‬أي ل تشغلكم‪.‬‬ ‫عن ذكر ال ‪:‬كالصلة والحج وقراءة القرآن وذكر ال بالقلب واللسان‪.‬‬ ‫ومن يفعل ذلك فأولئك هم ‪:‬أي ومن ألهته أمواله وأولده عن أداء الفرائض فترك الصلة أو الحج‬ ‫وغيرهما‬ ‫الخاسرون من الفرائض فقد خسر ثواب الخرة‪.‬‬ ‫وأنفقوا مما رزقناكم ‪:‬أي النفقة الواجبة كالزكاة وفي الجهاد والمستحبة‪.‬‬

‫( ‪)5/358‬‬

‫لول أخرتني ‪:‬أي هل أخرتني يطلب التأخير ول يقبل منه‪.‬‬ ‫فأصدق وأكن من الصالحين ‪:‬أي حتى أزكي وأحج وأكثر من النوافل والعمال الصالحة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‪ 1‬نادى تعالى المؤمنين لينصح لهم أن ل تكون حالهم كحال‬ ‫المنافقين الذين تقدم في السياق تأديبهم فقال لهم يا من آمنتم بال ورسوله‪ :‬ل تلهكم أموالكم ‪ 2‬ول‬ ‫أولدكم أي ل تشغلكم عن ‪ 3‬ذكر ال بأداء فرائضه واجتناب نواهيه والكثار من طاعته والتقرب‬ ‫إليه بأنواع القرب‪ .‬ثم خوفهم نصحا لهم بقوله‪َ { :‬ومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ} أي بأن ألهته أمواله وأولده عن‬ ‫عبادة ال فأولئك البعداء هم الخاسرون يوم القيامة بحرمانهم من الجنة ونعيمها ووجودهم في دار‬ ‫العذاب ل أهل لهم فيها ول ولد‪ .‬وبالغ عز وجل في إرشادهم فقال‪{ :‬وَأَ ْن ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ}‬ ‫مبادرين الجل فإنكم ل تدرون متى تموتون‪ .‬من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ‪ 4‬متمنيا طالبا‬ ‫حاثا في طلبه‪ :‬رب أي يا رب لول أخرتني إلى أجل قريب أي إلى وقت قريب من هذا فأصدق ‪5‬‬ ‫بمالي‪ ،‬وأكن من الصالحين فأحج وأتقرب إليك يا رب بما تحب من أنواع القربات والطاعات‬ ‫ولكن ل ينفعه التمني ول الطلب والدعاء‪ ،‬لن حكم ال الزلي أنه تعالى لن يؤخر ‪6‬نفسا أي نفس‬ ‫إذا جاء أجلها أي إذا حضر وقت وفاتها وقوله تعالى‪{ :‬وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ} يحض المؤمنين‬ ‫على إصلح أعمالهم والتزود لخرتهم بإعلمهم بأنه مطلع على أعمالهم خبير بها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قد تكون المناسبة بين هذه الية وما سبقها هي قول المنافقين‪( :‬ل تنفقوا على من عند رسول‬ ‫ال) فحذر تعالى المؤمنين من التأثر بالنظرية المادية التي يحملها ابن أبي وصرخ بها‪ ،‬ودعاهم‬ ‫إلى النفاق في سبيل ال قبل فوات الوان بالموت أو الفقر وقلة ما ينفقون‪.‬‬ ‫‪( 2‬ل) هي النافية اشربت معنى النهي فجزمت المضارع وفي الية دليل على أن ما ل يشغل عن‬ ‫ذكر ال من مال وولد ل إثم فيه‪.‬‬ ‫‪ 3‬ذكر ال هنا مستعمل في الحقيقة والكناية فيشمل الذكر باللسان وهو فعل سائر الطاعات‪،‬‬ ‫والذكر بالقلب‪ :‬وهو التذكر الموجب للطاعة‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال القرطبي‪ :‬في الية دليل على وجوب تعجيل أداء الزكاة ول يجوز تأخيرها أصل وكذلك‬ ‫سائر العبادات إذا تعين وقتها‪ .‬وهو كما قال رحمه ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 5‬المضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب‪ ،‬وجزم (أكن) لنه‬ ‫في جواب الطلب مباشرة فلم تسبقه الفاء حتى يتعين نصبه بأن المضمرة‪.‬‬ ‫‪( 6‬نفسا) نكرة في سياق النفي وهو (ولن يؤخر) تعم كل نفس‪ ،‬والمراد من النفس الروح وقيل‬ ‫فيها‪ :‬نفس أخذا من النفس وهو الهواء الذي يخرج من النف والفم من كل حيوان ذي رئة‬ ‫وسميت روحا أخذا من الروح بفتح الراء لن الروح به‪ ،‬والروح‪ :‬الراحة‪.‬‬

‫( ‪)5/359‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة التشاغل بالمال والولد مع تضييع بعض الفرائض والواجبات‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة تأخير الحج مع القدرة على أدائه تسويفا وتماطلً مع اليمان بفرضيته‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الزكاة والترغيب في الصدقات الخاصة كصدقة الجهاد والعامة على الفقراء‬ ‫والمساكين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/360‬‬ ‫سورة التغابن‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة التغابن‬ ‫مكية إل آخرها فمدني وآياتها ثماني عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )1‬هوَ‬ ‫ح ْم ُد وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَلَهُ الْ َ‬ ‫يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫حقّ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫الّذِي خََل َقكُمْ َفمِ ْنكُمْ كَافِ ٌر َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )2‬خََلقَ ال ّ‬ ‫ن َومَا‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ وَ َيعْلَمُ مَا تُسِرّو َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫صوَ َركُ ْم وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ (‪َ )3‬يعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫َوصَوّ َركُمْ فََأحْسَ َ‬ ‫ُتعْلِنُونَ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)4‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يسبح ل ‪:‬أي ينزه ال ويقدسه عن كل ما ل يليق بجلله وكماله‪.‬‬ ‫ما في السموات وما في الرض ‪:‬أي من سائر المخلوقات بلسان الحال والقال‪.‬‬ ‫له الملك وله الحمد ‪:‬أي له دون غيره الملك الدائم الحق وله الحمد العام‪.‬‬ ‫وهو على كل شيء قدير ‪:‬أي هو ذو قدرة كاملة على فعل ما أراد ويريد‪.‬‬

‫( ‪)5/360‬‬

‫فمنكم كافر ومنكم مؤمن ‪:‬أي فبعضكم مؤمن موقن بربه ولقائه وبعضكم كافر جاحد دهري‪،‬‬ ‫والواقع‬ ‫شاهد‪.‬‬ ‫وصوركم فأحسن صوركم ‪:‬أي صوركم في الرحام فأحسن صوركم‪.‬‬ ‫وإليه المصير ‪:‬أي المرجع يوم القيامة‪.‬‬ ‫وال عليم بذات الصدور ‪:‬أي بما في الصدور من الضمائر والسرائر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} يخبر تعالى معلما عباده بربوبيته‬ ‫قوله تعالى {يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ‪ 1‬ال ّ‬ ‫الموجبة لعبادته وطاعته وطاعة رسوله بأنه يسبحه جميع خلئقه في الملكوت العلى والسفل‬ ‫حمْدُ} أي أنه له الملك وهو الملك الحق وأنه له الحمد وهو الثناء الجميل‬ ‫ك وَلَهُ ا ْل َ‬ ‫وقوله {لَهُ‪ 2‬ا ْلمُ ْل ُ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ} أي وأنه على فعل كل شيء قدير ل يعجزه شيء { ُهوَ الّذِي خََل َقكُمْ‬ ‫{وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫َفمِ ْنكُمْ كَافِ ٌر َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ} أي وأنه خالق الكل فمن عباده المؤمن به ومنهم لكافر كما هو الواقع‪.‬‬ ‫وأنه بما يعمل عباده من خير أو شر من حسنات أو سيئات خبير أي مطلع وسيجزى الكل‬ ‫بأعمالهم حسنها وسيئها‪ ،‬وأنه خلق السموات والرض ‪ 3‬بالحق ل للهو ول اللعب وللعبث بل‬ ‫بالحق وهو أن يذكر ويشكر من عباده وأنه صور العباد في الرحام فأحسن صورهم وجملها‪،‬‬ ‫فهي أجمل المخلوقات الرضية على الطلق‪ ،‬وأنه إليه ل إلى غيره المرجع يوم القيامة فيحاسب‬ ‫ويجزي وهو الحكم العدل العزيز الحكيم‪ .‬وأنه تعالى يعلم ما في السموات والرض من سائر‬ ‫المخلوقات والحوادث والحداث‪ ،‬وأنه يعلم ما يسر عباده من أعمال وأقوال ونيات‪ ،‬وما يعلنون‬ ‫من ذلك‪ .‬وأنه عليم بذات الصدور أي ما فيها من أسرار وخواطر ونيات وإرادات‪.‬‬ ‫أخبر عباده بهذا ‪ 4‬ليؤمنوا به ويعبدوه دون غيره فيكملون ويسعدون بعبادته فله الحمد وله المنة‬ ‫وهو الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعليم ال تعالى عباده وتعريفهم بجلله وكماله ليؤمنوا به ويعبدوه ليكملوا ويسعدوا في‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اللم في قوله‪( :‬له) مزيدة لتقوية الكلم إذ فعل سبح يتعدى بنفسه يقال‪ :‬سبحه‪ :‬إذا نزهه وقال‪:‬‬ ‫(ما في السموات) ولم يقل‪ :‬من تغليبا لغير العاقل لكثرته‪.‬‬ ‫‪( 2‬له الملك)‪ :‬تقديم الخبر على المبتدأ هنا للدللة على الختصاص فهو تعالى مختص بكل من‬ ‫الملك والحمد‪.‬‬ ‫‪ 3‬الباء في (بالحق) للملبسة أي خلقا ملتبسا بالحق بعيدا عن اللهو‪ ،‬واللعب الباطل‪.‬‬ ‫‪ 4‬في اليات تقرير البعث وإمكانه بحجج عقلية ل ترها العقول الراجحة والفطر السليمة‪.‬‬

‫( ‪)5/361‬‬ ‫الحياتين باليمان به وبطاعته وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ المؤمن مؤمن‪ ،‬والكافر كافر مكتوب ذلك في كتاب المقادير‪ ،‬ثم‬ ‫يظهره تعالى في عالم الشهادة قائما على سننه في خلقه‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب مراقبة ال تعالى والحياء منه لنه عليم بذات الصدور‪.‬‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )5‬ذَِلكَ بِأَنّهُ كَا َنتْ تَأْتِي ِهمْ‬ ‫أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَبَأُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ فَذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِهِ ْم وََلهُمْ َ‬ ‫حمِيدٌ (‪)6‬‬ ‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفقَالُوا أَبَشَرٌ َي ْهدُونَنَا َفكَفَرُوا وَ َتوَلّوْا وَاسْ َتغْنَى اللّ ُه وَاللّهُ غَ ِنيّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل ‪:‬أي ألم يأتكم يا كفار قريش خبر الذين كفروا من قبلكم‪.‬‬ ‫فذاقوا وبال أمرهم ‪:‬أي عقوبة كفرهم في الدنيا‪.‬‬ ‫ولهم عذاب أليم ‪:‬أي في الخرة‪.‬‬ ‫ذلك‪ :‬أي العذاب في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫بأنه كانت تأتيهم رسلهم ‪ :‬أي بسبب أنها كانت تأتيهم رسلهم‪.‬‬ ‫بالبينات‪ :‬أي بالحجج القواطع الدالة على صحة رسالتهم‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬أبشر يهدوننا‪:‬أي ردوا عليهم ساخرين مكذبين‪ :‬أبشر يهدوننا؟‬ ‫فكفروا وتولوا‪:‬أي فكفروا برسلهم وتولوا عنهم أي أعرضوا‪.‬‬ ‫واستغنى ال ‪ :‬أي عن إيمانهم‪.‬‬ ‫وال غني حميد ‪ :‬أي غني عن خلقه محمود بأفعاله وآلئه على خلقه‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫بعد أن بين تعالى للناس مظاهر ربوبيته المقتضية لعلمه وقدرته وحكمته وعدله ورحمته في‬ ‫اليات السابقة والموجبة للوهيته قرر في هاتين اليتين نبوة ورسالة نبيه محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم فقال لكفار‬

‫( ‪)5/362‬‬ ‫مكة {أََلمْ يَأْ ِتكُمْ‪ 1‬نَبَأُ} أي خبر {الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ} ‪2‬كقوم عادٍ وثمود وأصحاب مدين‪{ ،‬فَذَاقُوا‬ ‫وَبَالَ َأمْرِ ِهمْ‪ }3‬أي عقوبة كفرهم التي كانت عقوبة ثقيلة شديدة فأهلكوا في الدنيا بعذاب إبادي‬ ‫استئصالي‪ ،‬وفي الخرة لهم عذاب أليم ‪ 4‬وبين لهم سبب ذلك الهلك والعذاب فقال‪{ :‬ذَِلكَ بِأَنّهُ‬ ‫كَا َنتْ‪ 5‬تَأْتِيهِمْ ُرسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ} أي بالحجج والبراهين على أنهم رسل إليهم‪ ،‬وأنه ل إله إل ال فل‬

‫تصح العبادة لغير ال‪ ،‬فيقابلونها بالسخرية والعراض والستنكار وهو ما أخبر تعالى به عنهم‬ ‫في قوله‪َ { :‬فقَالُوا أَ َبشَرٌ‪َ 6‬ي ْهدُونَنَا} أي كيف يكون بشر مثلكم يهدوننا‪ ،‬وبذلك كفروا وتولوا عن‬ ‫اليمان والسلم‪ .‬واستغنى ال عن إيمانهم فأهلكهم لما كفروا به وبرسله‪ .‬ولم يأسف أو يأس‬ ‫عليهم لعدم حاجته إليهم وال غني عنهم وعن سائر خلقه حميد أي محمود بأفعاله الشاهدة بكماله‬ ‫وجلله وجماله‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬توبيخ من يستحق التوبيخ وتأنيب من يستحق التأنيب‪.‬‬ ‫‪ -2‬التكذيب للرسل والكفر بتوحيد ال موجب للعقوبة في الدنيا والعذاب في الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم وإثباتها لن شأنه شأن الرسل من قبله‪.‬‬ ‫عمِلْتُمْ وَذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ (‪)7‬‬ ‫زَعَمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ثُمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬ ‫جمْعِ ذَِلكَ‬ ‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ ا ْل َ‬ ‫فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَالنّورِ الّذِي أَنْزَلْنَا وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )8‬يوْمَ َي ْ‬ ‫ن َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْع َملْ صَالِحا ُي َكفّرْ عَ ْنهُ سَيّئَاتِهِ وَيُدْخِ ْلهُ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا‬ ‫َيوْمُ ال ّتغَابُ ِ‬ ‫الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)9‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تقريري‪.‬‬ ‫‪ 2‬حذف المضاف إليه مع (قبل) ونوي معناه دون لفظه فلذا بنيت قيل على الضم والتقدير‪ :‬نبأ‬ ‫الذين كفروا من قبلكم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الوبال‪ :‬السوء‪ ،‬وما يكره‪ ،‬والمر‪ :‬الشأن والحال‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬في الخرة لن العطف يقتضي المغايرة‪.‬‬ ‫‪ 5‬الشارة عائد إلى المذكور قبلها وهو الوبال والعذاب الليم‪.‬‬ ‫‪ 6‬الستفهام في (أبشر) استفهام إنكاري إبطالي‪.‬‬

‫( ‪)5/363‬‬ ‫صحَابُ النّارِ خَاِلدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)10‬‬ ‫وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآياتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ‪:‬أي قالوا كاذبين إنهم لن يبعثوا أحياء من قبورهم‪.‬‬ ‫قل بلى وربي لتبعثن‪ :‬قل لهم يا رسولنا بلى لتبعثن ثم تنبئون بما عملتم‪.‬‬ ‫وذلك على ال يسير ‪:‬وبعثكم وحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم شيء يسير على ال‪.‬‬ ‫والنور الذي أنزلنا ‪:‬أي وآمنوا بالقرآن الذي أنزلناه‪.‬‬

‫ليوم الجمع ‪:‬أي يوم القيامة إذ هو يوم الجمع‪.‬‬ ‫ذلك يوم التغابن ‪:‬أي يغبن المؤمنين الكافرين يأخذ منازل الكفار في الجنة وأخذ الكفار منازل‬ ‫المؤمنين في النار‪.‬‬ ‫ذلك الفوز العظيم ‪:‬أي تكفيره تعالى عنهم سيئاتهم وإدخالهم جنات تجري من تحتها النهار هو‬ ‫الفوز العظيم‪.‬‬ ‫بئس المصير‪ :‬أي قبح المصير الذي صاروا إليه وهو كونهم أهلً للجحيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش إنه بعد أن ذكرهم بمصير الكافرين من قبلهم وفي‬ ‫ذلك دعوة واضحة لهم إلى اليمان بتوحيد ال وتصديق رسوله‪ .‬دعاهم هنا إلى اليمان بأعظم‬ ‫أصل من أصول الهداية البشرية وهو اليمان بالبعث والجزاء وهم ينكرون ويجاحدون ويعاندون‬ ‫قيه فقال في أسلوب غير المواجهة بالخطاب زعم ‪ 1‬الذين كفروا والزعم ادعاء باطل وقول إلى‬ ‫الكذب أقرب منه إلى الصدق‪ .‬أن لن يبعثوا أي أنهم إذا ماتوا لن يبعثوا أحياء يوم القيامة‪.‬‬ ‫عمِلْتُمْ } ولزم ذلك الجزاء العادل على كل‬ ‫قل لهم يا رسولنا‪{ :‬بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ثُمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬ ‫أعمالكم وهي أعمال فاسدة غير صالحة مقتضية للعذاب والخزي في جهنم { َوذَِلكَ عَلَى ‪ 2‬اللّهِ‬ ‫يَسِيرٌ} أي وأعلمهم أن بعثهم وتنبئنهم بأعمالهم وإثابتهم عليها أمر سهل هين ل صعوبة فيه وبعد‬ ‫هذه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هنا كلم مستأنف استئنافا ابتدائيا المخاطب فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكر فيه كفر‬ ‫المشركين بالبعث ويرد عليهم بتقرير ما نفوه وزعموا أنه غير واقع‪ ,‬والزعم‪ :‬القول الموسوم‬ ‫بمخالفة الواقع‪ ,‬ويطلق على الخبر المشكوك في وقوعه‪.‬‬ ‫‪( 2‬وذلك على ال يسير)‪ :‬تذييل‪ ,‬واسم الشارة عائد إلى البعث المفهوم من قوله‪( :‬لتبعثن)‪.‬‬

‫( ‪)5/364‬‬ ‫اللفتة اللطيفة دعاهم دعوة كريمة إلى طريق سعادتهم ونجاتهم فقال عز وجل‪{ :‬فَآمِنُوا بِاللّهِ‪1‬‬ ‫وَرَسُولِهِ} أي صدقوا بتوحيد ال وبنبوة رسوله وبالنور الذي أنزلنا وهو القرآن الكريم‪ ،‬واعملوا‬ ‫الصالحات وتباعدوا عن السيئات {وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} أي وسيجزيكم بأعمالكم‪ .‬وذلك { َيوْمَ‬ ‫جمْعِ} وهو يوم القيامة ويجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها ذلك يوم التغابن ‪ 2‬الحقيقي‬ ‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ الْ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫حيث يرث أهل الجنة منازل أهل النار في الجنة ويرث أهل النار منازل أهل الجنة في النار‪،‬‬ ‫وهذا قائم على أساس أن ال تعالى أوجد لكل إنسان منزلً في الجنة وآخر في النار‪ ،‬فمن آمن‬ ‫وعمل صالحا دخل الجنة وحاز منزله ومنزل إنسان آخر هو في النار فحصل بذلك الغبن بينه‬

‫وبين من هو في النار قد ورث منزله فيها وبعد هذا الدعاء الخاص الموجه إلى كفار قريش قال‬ ‫تعالى واعدا عامة الناس عربهم وعجمهم من وجد منهم ومن لم يوجد بعد‪ :‬ومن يؤمن بال ‪3‬‬ ‫ويعمل صالحا يكفر ‪ 4‬عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك‬ ‫الفوز العظيم لنه نجاة من النار ودخول الجنة هذا وعده الصادق لمن آمن وعمل صالحا‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫{وَالّذِينَ ‪َ 5‬كفَرُوا} أي بال ورسوله ولقائه وكذبوا بآيتنا أي القرآن وما فيه من شرائع وأحكام‬ ‫والتكذيب مانع من العمل الصالح قطعا إذا {أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ خَاِلدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ} النار‬ ‫والخلود فيها هذا وعيده تعالى المقابل لوعده السابق اللهم اجعلنا من أهل وعدك ول تجعلنا من‬ ‫أهل وعيدك يا واسع الفضل يا رحمن‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد والنبوة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان كون القرآن نورا فل هداية في هذه الحياة إل به فمن طلبها في غيره ما اهتدى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬فآمنوا)‪ :‬الفاء هي الفصيحة إذ أفصحت عن شرط مقدر‪ ،‬والتقدير‪ :‬فإذا علمتم هذه الحجج‬ ‫وتذكرتم ما حل بأسلفكم من العقاب فآمنوا بال ورسوله لتنجوا مما حل بالكافرين من أمثالكم‪.‬‬ ‫‪ 2‬التيان باسم الشارة بدل الضمير كان لقصد الهتمام بهذا اليوم بتمييزه مع ما يفيده اسم‬ ‫الشارة من البعد والعلو نحو‪( :‬ذلك الكتاب) والتغابن‪ :‬تفاعل صادر بين اثنين هذا مغبون وذاك‬ ‫غابن‪ ،‬والغبن‪ :‬أن يعطى البائع ثمنا دون ثمن بضاعته‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه الية متضمنة تفصيلً لما أجمل في الجمل قبلها وتحمل عفوا عاما لمن آمن من الكافرين‬ ‫ووحد من المشركين بأن ال تعالى سيعفو عنهم ويغفر لهم ويدخلهم الجنة‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع‪ ( :‬نكفر) و(ندخل) بنون العظمة على اللتفات من الغيبة إلى المتكلم‪ .‬وقرأ حفص‬ ‫(يكفر) و(يدخل) بياء الغيبة على مقتضى الظاهر‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬والذين استمروا على الكفر والتكذيب ولم يتوبوا باليمان وترك الشرك والمعاصي‬ ‫فجزاؤهم الملئم لخبث نفوسهم من جراء الشرك والمعاصي هو ما ذكر تعالى من الخلود في‬ ‫النار‪.‬‬

‫( ‪)5/365‬‬ ‫‪ -4‬الترغيب في اليمان والعمل الصالح وبيان أنهما مفتاح دار السلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬التحذير من الكفر والتكذيب بالقرآن وشرائعه وأحكامه فإن ذلك يقود إلى النار‪.‬‬

‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )11‬وََأطِيعُوا‬ ‫مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َيهْدِ قَلْبَ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ فَإِ ّنمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )12‬اللّهُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ وَعَلَى اللّهِ‬ ‫فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما أصاب من مصيبة إل بإذن ال‪:‬أي ما أصابت أحدا من الناس مصيبةٌ إل بقضاء ال تعالى‬ ‫وتقديره ذلك عليه‪.‬‬ ‫ومن يؤمن بال يهد قلبه‪:‬أي ومن يصدق بال فيعلم أنه ل أحد تصيبه مصيبة إل بإذنه تعالى يهد‬ ‫قلبه للتسليم والرضاء بقضائه فيسترجع ويبصر‪.‬‬ ‫فإن توليتم‪:‬أي عن طاعة ال ورسوله فل ضرر ول بأس على رسولنا في توليكم إذ عليه إبلغكم‬ ‫ل هدايتكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {مَا َأصَابَ‪ 1‬مِنْ ُمصِيبَةٍ إِلّا بِِإذْنِ اللّهِ} ‪ 2‬في هذه الية رد على الكافرين الذين يقولون‬ ‫لو كان المسلمون على حق‪ ،‬وما هم عليه حقا لصانهم ال من المصائب في الدنيا‪ ،‬ولما سلط‬ ‫عليهم كذا وكذا‪ ...‬فأخبر تعالى أنه ما من أحد من الناس تصيبه مصيبة في نفس أو ول ٍد أو مالٍ‬ ‫إل وهي بقضاء ال وتقديره ذلك عليه‪ ،‬ومن يؤمن بال ربا وإلها عليما حكيما وأن ما أصابه لم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬قيل سبب نزول هذه الية أن الكفار قالوا‪ :‬لو كان ما عليه المسلمون حق لصانهم‬ ‫ال من المصائب في الدنيا ورد تعالى عليهم بأن المصائب التي تصيب العبد هي بإذن ال ولها‬ ‫أسبابها مرتبطة معها وهي سنن ل تعالى ل تتخلف‪.‬‬ ‫‪ 2‬أنثت المصيبة لنها بمعنى الحادثة والذن‪ :‬أصله إجازة الفعل لمن يفعله والمراد هنا أن ما‬ ‫يصيب العبد من خير وشر هو بتدبير ال تعالى في ربطه السباب بالمسببات فعاد المر إلى أذنه‬ ‫تعالى بوقوع ما أراده من خير أو غيره‪.‬‬

‫( ‪)5/366‬‬ ‫يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه ‪ 1‬يهد قلبه فيصبر ويسترجع فيؤجر وتخف عنده المصيبة‬ ‫بخلف الكافر بال وقضائه وقدره‪.‬‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ} فل يخفى عليه شيء فل يحدث حدث في الكون إل بعلمه‬ ‫وقوله تعالى {وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫وإذنه وهذه حال تقتضي الرضا بالقضاء والقدر والتسليم ل تعالى فيما يقضي به على عبده وفي‬ ‫ذلك خير كثير ل يعرفه إل أصحاب الرضا بالقضاء والتسليم للعليم الحكيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ} يأمر تعالى عباده عامة بطاعة ال وطاعة رسوله‬

‫لن كمال النسان وسعادته مرتبطة بهذه الطاعة التي هي عبارة عن تطبيق نظام دقيق ينتج صفاء‬ ‫روح وزكاة نفس يتأهل بها العبد إلى النزول بالملكوت العلى (الجنة دار البرار)‪.‬‬ ‫وقوله {فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ} أي أعرضتم عن هذه الدعوة فرفضتم طاعة ال ورسوله فل ضرر على‬ ‫رسولنا ول ضير إذ عليه البلغ المبين وقد بلغ مبينا غاية التبيين‪ ،‬وأما هدايتكم فلم يكلف بها إذ ل‬ ‫يقدر عليها ول يكلف ال نفسا إل طاقتها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬اللّهُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي أن الذي أمركم بطاعته وطاعة رسوله هو ال الذي ل إله إل‬ ‫هو أي المعبود الذي ل تنبغي العبادة ول تصلح إل له لنه الخالق لكم الرازق المدبر لحياتكم‪،‬‬ ‫{وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ‪ 2‬ا ْل ُمؤْمِنُونَ} فإنه يكفي المؤمن الذي يتوكل عليه يكفيه كلما يهمه من أمر دنياه‬ ‫وآخرته‪ .‬ول كافي إل هو سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الصبر عند نزول المصيبة والرضا والتسليم ل تعالى في قضائه وحكمه‪ ،‬ومن تكن‬ ‫هذه حاله يهد ال قلبه ‪ 3‬ويرزقه الصبر وعظيم الجر ويلطف به في مصيبته وإن هو استرجع‬ ‫قائلً إنا ل وإنا إليه راجعون أخلفه ال عما فقده وآجره‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب طاعة ال وطاعة رسوله في المر والنهي‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التوحيد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬يهد قلبه) عندما تصيبه المصيبة فيسترجع أي‪ :‬يقول إنا ل وإنا إليه راجعون ويصبر‪ ،‬فاليمان‬ ‫هو السبب في حصول هداية القلب فإذا هدى القلب حصل السترجاع وحصل الصبر وخف وقع‬ ‫المصيبة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة معطوفة على قوله‪{ :‬وأطيعوا ال} فهي في معنى‪ :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪ ،‬وتوكلوا‬ ‫على ال وحده لن الطاعة تتطلب عمل وجهدا وهما يتطلبان اعتمادا على ال إذ هو المعين للعبد‬ ‫على الطاعة دون غيره فليكن التوكل عليه وحده‪ً.‬‬ ‫‪( 3‬يهد قلبه) فيسترجع ويبصر‪ ،‬واليمان الصحيح هو الذي ينتج هداية القلب فإذا اهتدى القلب إلى‬ ‫معرفة حكم ال وقضائه صبر وظفر‪.‬‬

‫( ‪)5/367‬‬ ‫‪ -5‬وجوب التوكل على ال تعالى وهو فعل المأمور وترك المنهي وتفويض المر ل بعد ذلك‪.‬‬ ‫ولن يكون إل خيرا بإذن ال تعالى‪.‬‬

‫ج ُك ْم وََأوْل ِد ُكمْ عَ ُدوّا َلكُمْ فَاحْذَرُو ُه ْم وَإِنْ َت ْعفُوا وَ َتصْفَحُوا وَ َت ْغفِرُوا‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬ ‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْل ُدكُمْ فِتْنَ ٌة وَاللّهُ عِنْ َدهُ َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪ )15‬فَا ّتقُوا اللّهَ مَا‬ ‫فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫سكُ ْم َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)16‬‬ ‫س َمعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْ ِفقُوا خَيْرا لِأَ ْنفُ ِ‬ ‫طعْتُ ْم وَا ْ‬ ‫اسْ َت َ‬ ‫شهَا َدةِ‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫شكُورٌ حَلِيمٌ (‪ )17‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬ ‫حسَنا ُيضَاعِفْهُ َلكُ ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّهُ َ‬ ‫إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا َ‬ ‫حكِيمُ (‪)18‬‬ ‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن من أزواجكم وأولدكم عدوا‪ :‬أي من بعض أزواجكم وبعض أولدكم عدوا أي يشغلونكم عن‬ ‫طاعة ال أو‬ ‫لكم ينازعونكم في أمر الدين أو الدنيا‪.‬‬ ‫فاحذروهم ‪:‬أي أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير كترك الهجرة أو الجهاد أو صلة الجماعة‬ ‫أو التصدق على ذوي الحاجة‪.‬‬ ‫وإن تعفوا‪ :‬أي عمن ثبطكم عن الخير من زوجة وولد‪.‬‬ ‫وتصفحوا وتغفروا‪ :‬أي وتعرضوا عنهم وتغفروا لهم ما عملوه معكم من تأخيركم عن الهجرة أو‬ ‫الجهاد أو النفاق في سبيل ال‪.‬‬ ‫فإن ال غفور رحيم‪ :‬أي يغفر لمن يغفر ويرحم من يرحم‪.‬‬

‫( ‪)5/368‬‬ ‫إنما أموالكم وأولدكم فتنة‪ :‬أي بلء واختبار لكم فاحذروا أن يصرفوكم عن طاعة ال أو يوقعوكم‬ ‫في معصيته‪.‬‬ ‫وال عنده أجر عظيم‪ :‬أي فآثروا ما عنده تعالى على ما عندكم من مال وولد‪.‬‬ ‫فاتقوا ال ما استطعتم‪ :‬أي افعلوا ما تقدرون عليه من أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه كلها‪.‬‬ ‫ومن يوق شح نفسه‪ :‬أي ومن يقه ال شح نفسه فيعافيه من البخل والحرص على المال‪.‬‬ ‫يضاعفه لكم‪ :‬أي الدرهم بسبعمائة‪.‬‬ ‫وال شكور حليم‪ :‬أي يجازي على الطاعة ول يعاجل بالعقوبة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حكِيمُ} نزلت في ‪ 1‬أناس كان لهم‬ ‫هذه اليات الكريمة {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله {ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫أزواج وأولد عاقوهم عن الهجرة والجهاد فترة من الوقت فلما تغلبوا عليهم وهاجروا ووجدوا‬ ‫الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تعلموا وتفقهوا في الدين فتأسفوا عن تخلفهم فهموا بأزواجهم‬ ‫وأولدهم الذين عاقوهم عن الهجرة فترة طويلة أن يعاقبوهم بنوع من العقاب من تجويع أو‬ ‫ضرب أو تثريب وعتاب فأنزل ال تعالى هذه اليات يا أيها الذين آمنوا أي يا أيها المؤمنون إن‬

‫من ‪ 2‬أزواجكم ‪ 3‬وأولدكم أي من بعضهم ل كلهم إذ منهم من يساعد على طاعة ال ويكون عونا‬ ‫عليها عدوا لكم يصرفكم عن طاعة ال والتزود للدار الخرة‪ ,‬وقد ينازعونكم في دينكم ودنياكم إذا‬ ‫فاحذروهم أي كونوا منهم على حذر أن تطيعوهم في التخلف عن فعل الخير من هجرة وجهاد‬ ‫وغيرهما وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا أي عمن شغلوكم عن طاعة ال فعاقوكم عن الهجرة‬ ‫والجهاد فلم تضربوهم ولم تجوعوهم ولم تثربوا عليهم ولم تعاتبوهم بل تطلبون العذر لما قاموا به‬ ‫نحوكم يكافئكم ال تعالى بمثله فيعفو عنكم ويصفح ويغفر لكم كما عفوتم وصفحتم وغفرتم‬ ‫لزواجكم وأولدكم الذين أخروا هجرتكم وعطلوكم عن الجهاد في سبيل ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت في عوف بن مالك الشجعي بالمدينة النبوية شكا إلى النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم جفاء أهله وولده‪ ,‬وعن عطاء بن يسار قال‪ :‬نزلت سورة التغابن كلها جملة‬ ‫إل هؤلء اليات (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم‪ )..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬الية عامة في الرجال والنساء فكما يكون للرجل من امرأته وولده عدو يكون كذلك للمرأة من‬ ‫زوجها وولدها عدو‪ ,‬ووجب الحذر على المؤمنين‪ ,‬ويكون الحذر بوجهين‪ :‬إما لضرر في البدن‬ ‫وإما لضرر في الدين‪ ,‬وضرر البدن يتعلق بالدنيا وضرر الدين يتعلق بالخرة فحذر ال تعالى‬ ‫العبد من ذلك وأنذره به‪.‬‬ ‫‪( 3‬من) للتبعيض إذ ما كل من له زوجة وولد كانوا له عدوا‪.‬‬

‫( ‪)5/369‬‬ ‫عظِيمٌ} أي إنما أموالكم وأولدكم أي كل‬ ‫وقوله تعالى {إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْل ُد ُكمْ فِتْنَةٌ‪ 1‬وَاللّهُ عِنْ َدهُ َأجْرٌ َ‬ ‫أموالكم وأولدكم فتنة واختبار من ال لكم هل تحسنون التصرف فيهم فل تعصوا ال لجلهم ل‬ ‫بترك واجب ول بفعل ممنوع‪ ,‬أو تسيئون التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة ال أو‬ ‫التقصير في بعضها بترك واجب أو فعل حرام وال عنده أجر عظيم فآثروا ما عند ال على ما‬ ‫عندكم من مال وولد‪ ,‬إن ما عند ال باق‪ ,‬وما عندكم فانٍ‪ ,‬فآثروا الباقي على الفاني‪.‬‬ ‫طعْتُمْ‪ }2‬هذا من إحسان ال تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما علمهم‬ ‫وقوله تعالى {فَا ّتقُوا اللّهَ مَا اسْ َت َ‬ ‫أن أموالهم وأولدهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة ال ورسوله علم أن بعض المؤمنين‬ ‫سوف يزهدون في المال والولد‪ ,‬وأن بعضا سوف يعانون أتعابا ومشقة شديدة في التوفيق بين‬ ‫خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط وخير المور الوسط فل يفرط في‬ ‫ولده وماله‪ ,‬ول يفرط في علة وجوده وسبب نجاته وسعادته وهي عبادة ال تعالى التي خلق‬ ‫لجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى واسمعوا ‪ 3‬ما يدعوكم ال ورسوله إليه {وََأطِيعُوا وَأَ ْن ِفقُوا} في طاعة ال من أموالكم ‪4‬‬

‫خيرا لنفسكم من عدم النفاق فإنه شر لكم وليس بخير‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ} أعلمهم أن عدم النفاق ناتج عن شح‬ ‫النفس‪ ,‬وشح النفس ل يقي منه إل ال‪ ,‬فعليكم باللجوء إلى ال تعالى ليحفظكم من شح نفوسكم‬ ‫فادعوه وتوسلوا إليه بالنفاق قليلً قليلً حتى يحصل الشفاء من مرض الشح الذي هو البخل مع‬ ‫الحرص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومن شفي من مرض الشح أفلح وأصبح في عداد‬ ‫المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة من النار وقوله {إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُيضَاعِفْهُ َل ُكمْ‪5‬‬ ‫وَ َيغْفِرْ َلكُمْ} هذا الترغيب عظيم من ال تعالى للمؤمنين للنفقة في سبيله‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬فتنة) أي‪ :‬بلء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق ال تعالى فل تطيعوهم في‬ ‫معصية ال تعالى‪ ,‬روي عن ابن مسعود أنه كان يقول‪ :‬ل تقولوا‪ :‬اللهم اعصمني من الفتنة فإنه‬ ‫ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إل وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني أعوذ بك‬ ‫من مضلت الفتن‪.‬‬ ‫‪ 2‬هل هذه الية مخصصة لية آل عمران‪( :‬فاتقوا ال حق تقاته) هذا هو الطاهر إذ من غير‬ ‫الممكن أن يتقى ال حق تقاته أي‪ :‬تقواه الحقة فلو أن العبد ذاب ذوبانا من خشية ال تعالى ما اتقى‬ ‫ال حق تقاته‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال القرطبي‪ :‬اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه‪ ,‬والية أصل في‬ ‫السمع والطاعة في بيعة الرسول صلى ال عليه وسلم على السمع والطاعة ولولى المر‪.‬‬ ‫‪ 4‬يصح في نصبه ثلثة أوجه الول أن يكون الخير بمعنى المال ويكون خيرا مفعولً به‪ ,‬والثاني‪:‬‬ ‫أن يكون (خيرا) نعتا لمصدر محذوف أي أنفقوا إنفاقا خيرا‪ ,‬والثالث أن يكون منصوبا بفعل‬ ‫مضمر دل عليه أنفقوا أي ايتوا في النفاق خيرا لنفسكم‪.‬‬ ‫‪ 5‬المضاعفة‪ :‬هي إعطاء الضعف‪ ,‬والشكور‪ :‬فعول بمعنى فاعل أي‪ :‬مبالغة في الشكر‪.‬‬

‫( ‪)5/370‬‬ ‫إذ سماها قرضا والقرض مردود وواعد بمضاعفتها وزيادة أخرى أن يغفر لهم بذلك ذنوبهم‪,‬‬ ‫واشتراط الحسن للقرض اشتراط معقول وهو أن يكون المال الذي أقرض ال حللً ل حراما‪,‬‬ ‫وأن تكون النفس طيبة به ل كارهة له‪ ,‬وهذا من باب النصح للمؤمنين ليحصلوا على الجر‬ ‫شكُورٌ حَلِيمٌ} ترغيب أيضا لهم في النفاق لن الشكور معناه يعطي‬ ‫مضاعفا‪ .‬وقوله تعالى {وَاللّهُ َ‬ ‫القليل فيكافيء بالكثير‪,‬والحليم الذي ل يعاجل بالعقوبة‪ .‬ومثله يقرض القرض الحسن‪.‬‬ ‫شهَا َدةِ} ترغيب أيضا في النفاق إذا أعلمهم أنه ل يغيب عنه من أمورهم‬ ‫وقوله {عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬ ‫شيء يعلم الخفي منها والعلنى‪ ،‬وما غاب عنهم فلم يروه وما ظهر لهم فشهدوه فذو العلم بهذه‬

‫حكِيمُ} أي العزيز النتقام‬ ‫المثابة معاملته مضمونة ل يخاف ضياعها ول نسيانها‪ .‬وقوله {ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫من أعدائه الحكيم في إجراء أحكامه وتدبير شؤون عباده‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن من بعض الزوجات والولد عدوا فعلى المؤمن أن يحذر ذلك ليسلم من شرهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬الترغيب في العفو والصفح والمغفرة على من أساء أو ظلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من فتنة المال والولد ووجوب التيقظ حتى ل يهلك المرء بولده وماله‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تقوى ال بفعل الواجبات وترك المنهيات في حدود الطاقة البشرية‪.‬‬ ‫‪ -5‬الترغيب في النفاق في سبيل ال تعالى والتحذير من الشح فإنه داء خطير‪.‬‬

‫( ‪)5/371‬‬ ‫سورة الطلق‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الطلق‬ ‫مدنية وآياتها ثلث عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حصُوا ا ْلعِ ّد َة وَا ّتقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ ل ُتخْرِجُوهُنّ مِنْ‬ ‫ن وَأَ ْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ َفطَّلقُوهُنّ ِل ِعدّ ِتهِ ّ‬ ‫حدُودُ‬ ‫بُيُو ِتهِنّ وَل يَخْ ُرجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ ِبفَاحِشَةٍ مُبَيّنَ ٍة وَتِ ْلكَ ُ‬

‫( ‪)5/371‬‬ ‫ح ِدثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرا (‪)1‬‬ ‫اللّ ِه َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ َفقَدْ ظَلَمَ َنفْسَهُ ل تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ يُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها النبي ‪:‬أراد ال بالنداء النبي صلى ال عليه وسلم وأمته بدليل ما بعده‪.‬‬ ‫إذا طلقتم النساء ‪ :‬أي إذا أردتم طلقهن‪.‬‬ ‫فطلقوهن لعدتهن ‪:‬أي لقبل عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه‪.‬‬ ‫وأحصوا العدة ‪:‬أي احفظوا مدتها حتى يمكنكم المراجعة فيها‪.‬‬ ‫واتقوا ال ربكم ‪:‬أي أطيعوه في أمره ونهيه‪.‬‬ ‫ل تخرجوهن من بيوتهن ‪:‬أي ل تخرجوا المطلقة من بيت زوجها الذي طلقها حتى تنقضي عدتها‪.‬‬ ‫إل أن يأتين بفاحشة مبينة ‪:‬أي إل أن يؤذين بالبذاء في القول وسوء الخلق‪ ,‬أو يرتكبن فاحشة من‬

‫زنا بينة ظاهرة ل شك فيها‪.‬‬ ‫وتلك حدود ال ‪:‬أي المذكورات من الطلق في أول الطهر وإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة‬ ‫من بيتها حتى تنقضي عدتها‪.‬‬ ‫ل تدري لعل ال يحدث بعد ‪:‬أي يجعل في قلب الزوج الرغبة في مراجعتها فيراجعها إذا لم تكن‬ ‫الثالثة من‬ ‫ذلك أمرا الطلقات‪.‬‬ ‫معنى الية‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِإذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ}‪ 1‬يخاطب ال تبارك وتعالى رجال أمة السلم في‬ ‫شخصية نبيها محمد صلى ال عليه وسلم فيقول‪ :‬إذا طلقتم ‪ 2‬أي إذا أردتم طلقهن لمر اقتضى‬ ‫ذلك فطلقوهن لعدتهن أي لول عدتهن وذلك في طهر لم تجامع فيه لتعد ذلك الطهر أول عدتها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في سنن ابن ماجة عن ابن عباس رضي ال عنهما عن عمر رضي ال عنه أن رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم طلق حفصة رضي ال عنها ثم راجعها بأمر ال تعالى وقيل له‪ :‬راجعها‬ ‫فإنها قوامة صوامة رضي ال عنها وأرضاها‪ ،‬وضعف الحديث‪ ،‬وعلى كل حال فالية تشريع عام‬ ‫لمة السلم بغض الطرف عن سبب النزول‪.‬‬ ‫‪ 2‬وردت أحاديث كثيرة ضعيفة السند ومجموعها يدل على كراهية الطلق وأنه عمل غير صالح‬ ‫إن كان بدون ضرورة وهي رفع الضرر عن أحد الكتزوجين‪ .‬الجمهور أن من طلق واستثنى فله‬ ‫ما استثناه فلو قال‪ :‬أنت طالق إن شاء ال فله استثناؤه ول طلق عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/372‬‬ ‫حصُوا ا ْلعِ ّدةَ} أي احفظوها فاعرفوا بدايتها ونهايتها لما يترتب على ذلك من أحكام من صحة‬ ‫{وَأَ ْ‬ ‫المراجعة وعدمها‪ ،‬ومن النفقة‪ ،‬والسكان وعدمهما‪ .‬وقوله‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ} فامتثلوا أوامره‬ ‫وقفوا عند حدوده فل تتعدوها‪ ،‬ل تخرجوهن أي المطلقات من بيوتهن اللتي طلقن فيهن‪ ،‬ول‬ ‫يخرجن أي ويجب أن ل يخرجن من بيوتهن إل أن يأتين بفاحشة مبينة كزنا ظاهرٍ أو تكون سيئة‬ ‫بذيئة اللسان فتؤذي أهل البيت أذىً ل يتحملونه فعندئذ يباح إخراجها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ} أي المذكورات من الطلق لول الطهر‪ ،‬وإحصاء العدة‪ ،‬وعدم‬ ‫حدُودَ اللّهِ} فيتجاوزها ولم يقف عندها فقد ظلم نفسه‬ ‫إخراجهن من بيوتهن‪ ،‬وقوله { َومَنْ يَ َت َعدّ ُ‬ ‫وتعرض لعقوبة ال تعالى عاجلً أو آجلً‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ل َتدْرِي َل َعلّ اللّهَ ُيحْ ِدثُ َبعْدَ ذَِلكَ َأمْرا} أي بأن يجعل ال تعالى في قلب الرجل‬

‫رغبة في مراجعة مطلقته فيراجعها‪ ،‬وفي ذلك خير كثير‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان السنة في الطلق وهي أن يطلقها في طهرٍ لم يمسها ‪1‬في بجماع‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يكون الطلق واحدة ل اثنتين ول ثلثا‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب إحصاء العدة ليعرف الزوج متى تنقضي عدة مطلقته لما يترتب على ذلك من أحكام‬ ‫الرجعة والنفقة والسكان‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة إخراج المطلقة من بيتها الذي طلقت فيه إلى أن تنقضي عدتها إل أن ترتكب فاحشة‬ ‫ظاهرة كزنا أو بذاءة أو سوء خلق وقبيح معاملة فعندئذ يجوز إخراجها‪.‬‬ ‫ع ْدلٍ مِ ْنكُمْ‬ ‫شهِدُوا َذ َويْ َ‬ ‫ف وَأَ ْ‬ ‫سكُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ فَا ِرقُوهُنّ ِب َمعْرُو ٍ‬ ‫فَإِذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فََأمْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وأن يكون ل اثنتين ول ثلثا‪ ،‬وطلق البدعة خلفه وهو‪ :‬أن يطلقها وهي حائض أو في طهر‬ ‫جامعها فيه أو بلفظ اثنين أو ثلث ومن أهل العلم من ل يعد الطلق البدعي طلقا‪ ،‬ومنهم من‬ ‫يمضيه واحتج المانعون والمجيزون بحديث ابن عمر في الصحيح‪( :‬إذ طلق ابن عمر زوجته‬ ‫وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له‪ :‬ليراجعها ثم ليمسكها حتى‬ ‫تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر‬ ‫بها ال عز وجل) فمن قال‪ :‬إن الرسول صلى ال عليه وسلم قد حسبها له طلقة قال الطلق في‬ ‫الحيض يمضي وهو بدعة‪ ،‬ومن قال‪ :‬إن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يعدها بل قال له‪" :‬إذا‬ ‫طهرت ليطلق أو ليمسك" قال‪ :‬الطلق في الحيض بدعة ول يمضي‪.‬‬

‫( ‪)5/373‬‬ ‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجا‬ ‫شهَا َدةَ لِلّهِ ذَِلكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ َومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬ ‫وََأقِيمُوا ال ّ‬ ‫ج َعلَ اللّهُ‬ ‫ب َومَنْ يَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ حَسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ قَدْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ث ل َيحْتَ ِ‬ ‫(‪ )2‬وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْي ُ‬ ‫شيْءٍ قَدْرا (‪)3‬‬ ‫ِل ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإذا بلغن أجلهن ‪:‬أي قاربن انقضاء عدتهن‪.‬‬ ‫فأمسكوهن بمعروف ‪:‬أي بأن تراجعوهن بمعروف من غير ضرر‪.‬‬ ‫أو فارقوهن بمعروف ‪:‬أي أتركوهن حتى تنقضي عدتهن ول تضاروهن بالمراجعة‪.‬‬ ‫وأشهدوا ذوي عدل منكم ‪:‬أي اشهدوا على الطلق وعلى المراجعة رجلين عدلين منكم أي من‬ ‫المسلمين فل يشهد كافر‪.‬‬

‫وأقيموا الشهادة ل ‪:‬أي ل للمشهود عليه أوله بل ل تعالى وحده‪.‬‬ ‫ذلكم يوعظ به من كان يؤمن ‪:‬أي ذلكم المذكور من أول السورة من أحكام يؤمر به وينفذه من‬ ‫كان يؤمن بال‬ ‫بال واليوم الخر واليوم الخر‪.‬‬ ‫ومن يتق ال ‪:‬أي في أمره ونهيه فل يعصه فيهما‪.‬‬ ‫يجعل له مخرجا ‪:‬أي من كرب الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ويرزقه من حيث ل يحتسب ‪ :‬أي من حيث ل يرجوا ول يؤمل‪.‬‬ ‫فهو حسبه ‪ :‬أي كافيه ما يهمه من أمر دينه ودنياه‪.‬‬ ‫قد جعل ال لكل شيء قدرا ‪:‬أي من الطلق والعدة وغير ذلك حدا وأجلً وقدرا ينتهي إليه‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في بيان العدد وأحكام الطلق والرجعة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَِإذَا بََلغْنَ} ‪ 1‬أي‬ ‫المطلقات أجلهن أي قاربن انقضاء العدة فأمسكوهن بمعروف أي راجعوهن على أساس حسن‬ ‫العشرة والمصاحبة الكريمة ل للضرار بهن كأن يراجعها ثم يطلقها يطول عليها العدة فهذا ل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا لقوله تعالى‪( :‬وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) أي‪ :‬قاربن من انقضاء الجل‪.‬‬

‫( ‪)5/374‬‬ ‫يجوز لحرمة الضرار بالناس وفي الحديث‪ :‬ل ضرر ‪ 1‬ول ضرار‪ .‬وقوله {َأوْ فَا ِرقُوهُنّ‬ ‫ِب َمعْرُوفٍ} وذلك بأن يعطيها ما بقي لها من مهرها ويمتعها ‪ 2‬بحسب حاله غنىً وفقرا‪ .‬وقوله‬ ‫ع ْدلٍ مِ ْنكُمْ} أي أشهدوا على النكاح والطلق والرجعة أما الشهاد على‬ ‫شهِدُوا َذ َويْ َ‬ ‫تعالى { َوأَ ْ‬ ‫النكاح فركن ول يصح النكاح بدونه‪ ،‬وأما في الطلق والرجعة فهو مندوب‪ ،‬وقد يصح الطلق‬ ‫والرجعة بدونه‪ ،‬ويشترط في الشهود أن يكونوا عدولً‪ ،‬وأن يكونوا مسلمين ل كافرين‪ 3.‬وقوله‬ ‫شهَا َدةَ ِللّهِ} أي أدوها على وجهها ول تراعوا فيها إل وجه ال عز وجل‪ .‬وقوله‪{ :‬ذَِلكُمْ‬ ‫{وََأقِيمُوا ال ّ‬ ‫يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآخِرِ} أي ذلكم المأمور به من أول السورة كالطلق في‬ ‫طهر لم يجامعها فيه وكإحصاء العدة وعدم إخراج المطلقة من بيتها والمساك بالمعروف والفراق‬ ‫بالمعروف والشهاد في النكاح والطلق والرجعة والقساط في الشهادة كل ذلك يوعظ به أي‬ ‫يؤمر به وينفذه المؤمن بال واليوم الخر إذ هو الذي يخاف عقوبة ال وعذابه فل يقدم على‬ ‫معصيته‪.‬‬ ‫سبُ} هذه الية نزلت في‬ ‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجا وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْتَ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬ ‫عوف بن مالك الشجعي أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال يا رسول ال إن ابني أسره‬

‫العدو وجزعت أمه فبم تأمرني؟ قال آمرك وإياها أن تكثروا من قول‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪.‬‬ ‫فقالت المرأة نعم ما أمرك به فجعل يكثران منها فغفل العدو عن ابنهما فاستاق غنمهم وجاء بها‬ ‫إلى أبويه فنزلت هذه الية‪ ،‬وهي عامة في كل من يتق ال تعالى فإنه يجعل له من كل ضيق‬ ‫مخرجا ومن كل كرب فرجا‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يرجو ول يؤمل‪ ،‬ول يخطر له على بال‪ ،‬ومن‬ ‫يتوكل على ال تعالى في أمره فل يفرط في أمر ال‪ ،‬ول يضيع حقوقه فإن ال تعالى يكفيه ما‬ ‫يهمه من أمر دينه ودنياه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ}‪ 4‬أي منفذ أمره في عباده ل يعجزونه‬ ‫أبدا‪ ،‬وقد ‪ 5‬جعل لكل شيء قدرا أي مقدارا وزمانا ومكانا فل يتقدم ول يتأخر‪ ،‬ول يزيد ول‬ ‫ينقص فمن رضي فله الرضا‪ ،‬ومن سخط فله السخط‪ ،‬ول يقع في ملك ال إل ما يريد ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬رواه مسلم في صحيحه‪.‬‬ ‫‪ 2‬المتعة واجبة للمطلقة التي لم يفرض لها صداق ولغيرها من المطلقات سنة مستحبة‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع (إن ال بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لسم الفاعل المنون‪،‬‬ ‫وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمر‪ :‬مجرور بالضافة إليه‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع (إن ال بالغ أمره) بتنوين بالغ ونصب أمره على أنه معمول لسم الفاعل المنون‪،‬‬ ‫وقرأ حفص بإضافة بالغ إلى أمره فبالغ مرفوع بدون تنوين وأمره‪ :‬مجرور بالضافة إليه‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬لكل شيء من الشدة والرخاء أجل ينتهي إليه‪ .‬قال القرطبي‪ :‬وما في التفسير أوضح‬ ‫وأشمل‪.‬‬

‫( ‪)5/375‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل تصح الرجعة إل في العدة فإن انقضت العدة فل رجعة وللمطلقة أن تتزوج من شاءت هو‬ ‫أو غيره من ساعة انقضاء عدتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل تحل المراجعة للضرار‪ ،‬ولكن للفضل والحسان وطيب العشرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الشهاد على الطلق والرجعة معا‪.‬‬ ‫‪ -4‬يشترط في الشهود العدالة‪ ،‬فإذا خفت العدالة في الناس استكثر من الشهود‪.‬‬ ‫‪ -5‬وعد ال الصادق بالفرج القريب لكل من يتقه سبحانه وتعالى‪ ،‬والرزق من حيث ل يرجو‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪ -7‬كفاية ال لمن توكل عليه‪1.‬‬ ‫ن وَأُولتُ‬ ‫حضْ َ‬ ‫شهُ ٍر وَاللّائِي لَمْ َي ِ‬ ‫وَاللّائِي يَ ِئسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ مِنْ ِنسَا ِئكُمْ إِنِ ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ثَلثَةُ أَ ْ‬

‫ج َعلْ َلهُ مِنْ َأمْ ِرهِ يُسْرا (‪ )4‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنْزََلهُ‬ ‫ن َومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬ ‫حمَْلهُ ّ‬ ‫ضعْنَ َ‬ ‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬ ‫الْأَ ْ‬ ‫ظمْ لَهُ َأجْرا (‪)5‬‬ ‫إِلَ ْيكُ ْم َومَنْ يَتّقِ اللّهَ ُي َكفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَ ُيعْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واللئي يئسن من المحيض ‪:‬والنسوة اللئي يئسن من المحيض‪.‬‬ ‫إن ارتبتم ‪:‬أي شككتم في عدتهن‪.‬‬ ‫واللئي لم يحضن ‪:‬أي لكبر سن أو صغر سن‪.‬‬ ‫وأولت الحمال ‪:‬أي ذوات الحمال‪ :‬النساء الحوامل‪.‬‬ ‫أجلهن ‪:‬أي في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى القرطبي عن الربيع بن خيثم قوله‪ :‬إن ال تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه‬ ‫ومن آمن به هداه‪ ،‬ومن أقرضه جازاه ومن وثق به نجاه ومن دعاه أجاب له وتصديق ذلك في‬ ‫كتاب ال (ومن يؤمن بال يهد قلبه) (ومن يتوكل على ال فهو حسبه)‪( .‬إن تقرضوا ال قرضا‬ ‫حسنا يضاعفه لكم) (ومن يعتصم بال فقد هدي إلى صراط مستقيم) (وإذا سألك عبادي عني فإني‬ ‫قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)‪.‬‬

‫( ‪)5/376‬‬ ‫ذلك أمر ال ‪:‬أي ذلك المذكور في العدة وتفاصيلها‪.‬‬ ‫أنزله إليكم ‪:‬أي لتأتمروا به وتعملوا بمقتضاه‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلق والرجعة والعدة فقال تعالى‪1{ :‬وَاللّائِي يَئِسْنَ‪ 2‬مِنَ‬ ‫ا ْلمَحِيضِ} أي لكبر سنهن كمن تجاوزت الخمسين من عمرها إذا طلقت بعد الدخول بها‪ .‬إن ارتبتم‬ ‫‪ 3‬أيها المؤمنون في مدة عدتهن‪ ،‬فعدتهن ثلثة أشهر‪ .‬واللئي لم يحضن أي لصغرهن كذلك‪،‬‬ ‫حمَالِ} أي الحوامل إن طلقن أو مات عنهن أزواجهن أجلهن‬ ‫عدتهن ثلثة أشهر وقوله {وَأُولتُ الَْأ ْ‬ ‫في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن أي وضع حملهن فمتى ولدت ما في بطنها من جنين فقد‬ ‫انقضت عدتها ولو وضعته قبل استكمال التسعة أشهر‪ ،‬إن لم تتعمد إسقاطه بالجهاض المعروف‬ ‫اليوم عند الكوافر والكافرين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ} أي منكم أيها المؤمنون في هذه الحكام المتعلقة بالطلق والرجعة‬ ‫والعدة فل يخالف أمره في ذلك يكافئه ال تعالى من فضله فيجعل له من أمره يسرا فيسهل عليه‬ ‫أمره ويرزقه ما تقر به عينه ويصلح به شأنه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنْزَلَهُ إِلَ ْيكُمْ} أي ذلك المذكور من الحكام في هذه السورة من الطلق‬

‫والرجعة والعدة وتفاصيلها حكم ال أنزله إليكم لتأمروا وتعملوا به فاعملوا به ول تهملوه طاعة ل‬ ‫وخوفا من عذابه ومن يتق ال في أوامره ونواهيه فيؤدى الواجبات ويتجنب المحرمات يكفر عنه‬ ‫سيئاته ويعظم له أجرا أي يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان العدة وهي كالتالي‪:‬‬ ‫‪ -1‬متوفى عنها زوجها وهي غير حامل عدتها‪ :‬أربعة أشهر وعشر ليال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أن عددا من الصحابة وهم‪ :‬أبي بن كعب وخلد بن النعمان ومعاذ بن جبل كل واحد سأل‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن عدة الصغيرة والكبيرة ممن ل يحضن وعدة الحامل كذلك‬ ‫فأنزل ال تعالى هذه الية‪( :‬واللئي يئسن)‪ .‬والية مخصصة لعموم آية البقرة (والمطلقات‬ ‫يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) فقد نزلت سورة الطلق بعد سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬اليأس‪ :‬عدم المل والميؤوس منه في الية هو‪ :‬الحيض وسواء كان قد وجد وانعدم أم لم يوجد‬ ‫بعد‪.‬‬ ‫‪ 3‬أطلق الفقهاء على التي تحيض وانقطع حيضها وهي لم تبلغ سن اليأس أطلقوا عليها‪( :‬المرتابة)‬ ‫وألزموها بأن تتربص تسعة أشهر وهي مدة الحمل فإن لم تحض ولم يظهر لها حمل اعتدت‬ ‫بثلثة أشهر فتتم لها سنة ثم لها أن تتزوج لنقضاء عدتها‪.‬‬

‫( ‪)5/377‬‬ ‫‪ -2‬متوفى عنها زوجها وهي حامل‪ :‬عدتها وضع حملها‪1.‬‬ ‫‪ -3‬مطلقة ل تحيض لكبر سنها أو لصغر سنها وقد دخل بها‪ :‬عدتها ثلثة أشهر‪.‬‬ ‫‪ -4‬مطلقة تحيض عدتها ثلثة قروء أي حيض تبتدئ بالحيضة التي بعد الطهر الذي طلقت فيه‪.‬‬ ‫أو ثلثة أطهار ‪ 2‬كذلك الكل واسع ولفظ القرء مشترك دال على الحيض وعلى الطهر‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن أحكام الطلق والرجعة والعدد مما أوحى ال به وأنزله في كتابه فوجب العمل به ول‬ ‫يحل تبديله أو تغييره باجتهاد أبدا‪.‬‬ ‫‪ -6‬فضل التقوى وأنها باب كل يسر وخير في الحياة الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ح ْملٍ فَأَ ْنفِقُوا‬ ‫ن وَإِنْ كُنّ أُولتِ َ‬ ‫ج ِدكُ ْم وَل ُتضَارّوهُنّ لِ ُتضَ ّيقُوا عَلَ ْيهِ ّ‬ ‫ن وُ ْ‬ ‫سكَنْتُمْ مِ ْ‬ ‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫ن وَأْ َتمِرُوا بَيْ َنكُمْ ِب َمعْرُوفٍ وَإِنْ‬ ‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُ ّ‬ ‫حمَْلهُنّ فَإِنْ أَ ْر َ‬ ‫ضعْنَ َ‬ ‫عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬ ‫سعَتِ ِه َومَنْ قُدِرَ عَلَ ْيهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ‬ ‫سعَةٍ مِنْ َ‬ ‫َتعَاسَرْتُمْ َفسَتُ ْرضِعُ لَهُ أُخْرَى (‪ )6‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬ ‫ج َعلُ اللّهُ َب ْعدَ عُسْرٍ ُيسْرا (‪)7‬‬ ‫ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا إِلّا مَا آتَاهَا سَ َي ْ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫من وجدكم ‪:‬أي من وسعكم بحيث يسكن الرجل مطلقته في بعض سكنه‪.‬‬ ‫ول تضاروهن ‪:‬أي ل تطلبوا ضررهن بأي حال من الحوال سواء في السكن أو النفقة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في الحامل تسقط هل تنقضي عدتها بالسقاط أو ل فالجماع إن كان ما سقط منها ولد‬ ‫تام الخلقة فإن عدتها انتهت بذلك‪ ،‬واختلف فيما إذا كان السقط مجرد علقة أو مضغة والراجع أنها‬ ‫تحل لن العبرة بخلو الرحم يقينا وقد خل بالسقاط‪.‬‬ ‫‪ 2‬العتداد بالطهار أولى لما فيه من التخفيف على المعتدة ولظاهر الية (فطلقوهن لعدتهن) أي‪:‬‬ ‫لول عدتهن وهو الطهر الذي طلقها فيه ولم يمسها‪.‬‬

‫( ‪)5/378‬‬ ‫لتضيقوا عليهن ‪:‬أي لجل أن تضيقوا عليهن السكن فيتركنه لكم ويخرجن منه‪.‬‬ ‫وإن كن أولت أحمال ‪:‬أي حوامل يحملن الجنة في بطونهن‪.‬‬ ‫فإن أرضعن لكم ‪:‬أي أولدكم‪.‬‬ ‫فآتوهن أجورهن ‪:‬فأعطوهن أجورهن على الرضاع هذا في المطلقات‪.‬‬ ‫وأتمروا بينكم بمعروف ‪:‬وتشاورا أو ليأمر كل منكم صاحبه بأمر ينتهى باتفاق على أجرة معقولة‬ ‫ل إفراط فيها ول تفريط‪.‬‬ ‫وإن تعاسرتم ‪:‬فإن امتنعت الم من الرضاع أو امتنع الب من الجرة‪.‬‬ ‫لينفق ذو سعة من سعته ‪:‬أي لينفق على المطلقات المرضعات ذو الغنى من غناه‪.‬‬ ‫ومن قدر عليه رزقه ‪:‬ومن ضيق عليه عيشه فلينفق بحسب حاله‪.‬‬ ‫معنى اليتين ‪:‬‬ ‫بعد بيان الطلق بقسميه الرجعى والبائن وبيان العدد على اختلفها بين تعالى في هاتين اليتين‬ ‫ن وُجْ ِد ُكمْ} أي من وسعكم ول‬ ‫سكَنْتُمْ‪ 1‬مِ ْ‬ ‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬ ‫أحكام النفقات والرضاع فقال تعالى‪{ :‬أَ ْ‬ ‫تضاروهن ‪ 2‬بأي مضارة ل في السكن ول في النفاق ول في غيره من أجل أن تضيقوا عليهن‬ ‫فيتركن لكم السكن ويخرجن‪ .‬وهؤلء المطلقات طلقا رجعيا وهن حوامل أو غير حوامل‪ .‬وقوله‬ ‫حمَْلهُنّ} أي وإن كانت المطلقة طلق البتة‬ ‫ضعْنَ َ‬ ‫ح ْملٍ فَأَ ْنفِقُوا عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬ ‫تعالى { َوإِنْ كُنّ أُولتِ َ‬ ‫أي طلقها ثلث مرات فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن أي أسكنوهن وأنفقوا عليهن إلى أن يلدن‬ ‫فإن وضعت حملها فهما بالخيار إن شاءت أرضعت له ولده بأجرة يتفقان عليها وإن شاء هو‬ ‫أرضع ولده مرضعا غير أمه وهو معنى قوله تعالى فإن أرضعن ‪ 3‬لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا‬ ‫بينكم بمعروف وذلك يتم بتبادل الرأي إلى التفاق على أجرة معينة‪ ,‬وإن تعاسرا بأن طلب كل‬

‫واحد عسر الثاني أي تشاحا في الجرة فلم يتفقا فلترضع له أي للزوج امرأة أخرى من نساء‬ ‫القرية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال أشهب عن مالك‪ :‬يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل للية (أسكنوهن) والصحيح أن‬ ‫المنزل إذا كان يتسع لهما معا هي في حجرة وهي في أخرى فل داعي لخلئه لها وإن كان ل‬ ‫يتسع إل لواحد فنعم يجب أن يتركه لها‪ ,‬وقوله تعالى‪( :‬من حيث سكنتم) يقرر أن السكنى تكون‬ ‫في بيت الزوج المطلق‪.‬‬ ‫‪ 2‬المضارة‪ :‬الضرار‪ ,‬والمراد بالتضييق المحرم‪ :‬إحراجهن أو أذاهن بأي أذىً‪ .‬فقوله تعالى (ول‬ ‫تضاروهن لتضيقوا عليهن) شامل للمضايقة في السكنى والنفقة وفي العدة بأن يطلقها حتى إذا‬ ‫كادت تنقضي عدتها راجعها ثم يطلقها‪.‬‬ ‫‪ 3‬هل على المرأة أن ترضع ولدها؟ إن كانت عصمة الزوجية قائمة فالصحيح أنها ترضع ولدها‬ ‫وجوبا وإن انفصلت عروة الزوجية قل يجب على الوالدة إرضاع إل إذا لم يقبل غيرها وخيف‬ ‫عليه الموت فيتعين عليها إرضاعه بأجرة إن شاءت‪ .‬وأبو حنيفة ل يرى وجوب الرضاع على‬ ‫الم مطلقا ويرى بعض العكس‪ .‬والوسط ما قدمناه وهو الحق‪.‬‬

‫( ‪)5/379‬‬ ‫سعَ ِت ِه َومَنْ ُقدِرَ عَلَيْهِ رِ ْز ُقهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ} أمر تعالى‬ ‫سعَةٍ مِنْ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لِيُ ْنفِقْ ذُو ‪َ 1‬‬ ‫المؤمن إذا طلق أن ينفق على مطلقته التي ترضع له ولده أو التي هي في عدتها في بيته بحسب‬ ‫ى وطول‬ ‫يساره أو إعساره أو غناه وافتقاره‪ ،‬إذ ى يكلف ال نفسا إل ما أعطاها من قدرة أو غن ً‬ ‫والقاضي هو الذي يقدر النفقة عند المشاحنة وتكون بحسب دخل الرجل وما يملك من مال‪.‬‬ ‫عسْرٍ يُسْرا} هذا وعد صدق أتمه لصحاب رسوله حيث كانوا في‬ ‫ج َعلُ اللّهُ َبعْدَ ُ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬سَيَ ْ‬ ‫عسر ففتح عليهم ملك كسرى والروم فأبدل عسرهم يسرا‪ .‬وأما غيرهم فمشروط بالتقوى كما تقدم‬ ‫ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرا‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب السكن والنفقة للمطلقة طلقا رجعيا‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب السكنى والنفقة للمطلقة الحامل حتى تضع حملها‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب السكنى والنفقة للمتوفى عنها زوجها وهي حامل‪.‬‬ ‫‪ -4‬المطلقة البائن والمبتوتة لم يقض لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم بنفقة ول سكنى لحديث‬ ‫فاطمة ‪ 2‬بنت قيس أخت الضحاك‪ ،‬ومن الفضل الذي ينبغي أن ل ينسى إن كانت محتاجة إلى‬

‫سكن أو نفقة أن يسكنها مطلقها وينفق عليها مدة عدتها‪ .‬وأجره عظيم لنه أحسن وال يحب‬ ‫المحسنين‪.‬‬ ‫‪ -5‬النفقة الواجبة تكون بحسب حال المطلق غنىً وفقرا والقاضي يقدرها أن تشاحا‪.‬‬ ‫‪ -6‬المطلقة طلقا بائنا إن أرضعت ولدها لها أجرة إرضاعها حسب اتفاق الطرفين الم والب‪.‬‬ ‫‪ -7‬بيان القاعدة العامة وهي أن ل تكلف نفس إل وسعها‪.‬‬ ‫َوكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ عَ َتتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَرُسُلِهِ َفحَاسَبْنَاهَا حِسَابا شَدِيدا وَعَذّبْنَاهَا عَذَابا ُنكْرا (‪)8‬‬ ‫ت وَبَالَ َأمْ ِرهَا َوكَانَ عَاقِ َبةُ َأمْرِهَا خُسْرا (‪)9‬‬ ‫فَذَا َق ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية دليل على وجوب نفقة الولد على والده وأما الم فل إل لضرورة كأن يموت الوالد أو‬ ‫يعجز‪ ،‬وكانت الم قادرة فلتنفق وجوبا على طفلها‪.‬‬ ‫‪ 2‬وصف المالكية حديث فاطمة بالغرابة‪ ،‬وأن عمر رضي ال عنه لم يقل به‪ ،‬وقال‪ :‬ل نترك‬ ‫كتاب ال لقول امرأة يعني أن الية عامة في كل مطلقة ل فرق بين البائن وغيرها‪ ،‬فالسكنى‬ ‫والنفقة للجميع وهو أرحم وأعظم أجرا وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)5/380‬‬ ‫أَعَدّ اللّهُ َلهُمْ عَذَابا شَدِيدا فَا ّتقُوا اللّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكُمْ ِذكْرا (‪)10‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ‬ ‫رَسُولً يَ ْتلُو عَلَ ْي ُكمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫حسَنَ‬ ‫ل صَالِحا ُيدْخِ ْلهُ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا َقدْ أَ ْ‬ ‫َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْعمَ ْ‬ ‫اللّهُ لَهُ رِزْقا (‪)11‬‬ ‫شيْءٍ‬ ‫ت َومِنَ الْأَ ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنَ ّزلُ الَْأمْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫سمَاوَا ٍ‬ ‫اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬ ‫شيْءٍ عِلْما (‪)12‬‬ ‫قَدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ قَدْ َأحَاَطَ ِب ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وكأين من قرية ‪:‬أي وكثير من قرية أي مدينة‪.‬‬ ‫عتت عن أمر ربها ‪:‬أي عصت يعني أهلها عصوا ربهم ورسله‪.‬‬ ‫عذابا نكرا ‪:‬أي فظيعا‪.‬‬ ‫ذكرا رسولً ‪ :‬أي القرآن وأرسل إليكم رسولً هو محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫من الظلمات إلى النور ‪:‬أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور اليمان والتوحيد‪.‬‬ ‫قد أحسن ال له رزقا ‪:‬أي رزق الجنة التي ل ينقطع نعيمها أبدا‪.‬‬ ‫ومن الرض مثلهن ‪ :‬أي سبع أرضين أرضا فوق أرض كالسموات سماء فوق سماء‪.‬‬ ‫يتنزل المر بينهن ‪:‬أي الوحي بين السموات والرض‪.‬‬

‫لتعلموا أن ال على كل شيء ‪:‬أي أعلمكم بذلك الخلق العظيم والتنزيل العجيب لتعلموا‪..‬‬ ‫قدير‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما قرر تعالى أحكام الطلق والرجعة والعدة والنفقات وقال ذلك أمر ال أنزله إليكم‪ ،‬وأوجب‬

‫( ‪)5/381‬‬ ‫العمل به حذر في هذه الية من إهمال تلك الحكام وتجاهلها وعدم القيام بها فقال‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ‪1‬‬ ‫قَرْيَةٍ} أي كثير من المدن عتا أهلها أي ترفعوا متكبرين عن أوامر ال ورسله فلم يمتثلوها وعن‬ ‫الحقوق فلم يؤدوها حاسبها ‪ 2‬ال تعالى في الدنيا حسابا شديدا وعذبها عذابا نكرا أي ‪ 3‬فظيعا‪.‬‬ ‫فذاقت بذلك وبال أمرها أي عقوبته وكان عاقبة أمرها خسرا أي خسارا وهلكا وأعد ال لهم‬ ‫عذابا شديدا هو عذاب يوم القيامة وفي تكرار الوعيد تحذير من الوقوع فيه بالشرك والظلم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى {فَا ّتقُوا اللّهَ} أي خافوا عقابه فل تهملوا أحكامه ول تعطلوها فيحل بكم ما حل بغيركم ممن‬ ‫عتوا عن أمر ربهم ورسله يا أولي اللباب أي العقول الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكرا هو القرآن‬ ‫{رَسُولً} ‪ 4‬هو محمد صلى ال عليه وسلم {يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ‪ }5‬واضحات في نفسها ل‬ ‫خفاء فيها ول غموض‪ ،‬ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات أي ظلمات الكفر‬ ‫والشرك إلى النور نور اليمان والتوحيد والعمل الصالح‪.‬‬ ‫ل صَالِحا ُيدْخِ ْلهُ‪ 6‬جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا‬ ‫وقوله تعالى { َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ وَ َيعْ َم ْ‬ ‫أَبَدا َقدْ َأحْسَنَ‪ 7‬اللّهُ َلهُ رِزْقا} هذا وعد كريم من رب رحيم يعد كل من آمن به وعمل صالحاُ أن‬ ‫يدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا قد أحسن له فيها رزقا وهو نعيم الجنة الذي‬ ‫ل ينفد ول ينقطع أبدا‪.‬‬ ‫ت َومِنَ الْأَ ْرضِ مِثَْلهُنّ‪ }8‬أي سبع أرضين واحدة فوق الخرى‬ ‫سمَاوَا ٍ‬ ‫وقوله {اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬ ‫كالسموات سماء فوق سماء هذا هو ال المعبود بحق الذي ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬ ‫شيْءٍ عِلْما} أي ‪9‬‬ ‫شيْءٍ َقدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ َقدْ أَحََاطَ ِب ُكلّ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬وكأين)‪ :‬اسم لعدد كثير مبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن وهو بمعنى‪ :‬كم‬ ‫الخبرية‪ ،‬والمراد بالقرية‪ :‬أهلها والقرية‪ :‬المدينة الكبيرة‪.‬‬ ‫‪( 2‬حاسبناها) بمعنى‪ :‬جازينها مجازاة دقيقة دقة الحساب‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع (نكرا) بضم النون والكاف‪ ،‬وقرأ حفص (نكرا) بضم النون وإسكان الكاف‪ .‬والعذاب‬ ‫النكر‪ :‬ما ينكره المرء من فظاعة كيفيته إنكارا شديدا‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يكون (رسولً) بدل اشتمال من (ذكر) لتوقف الذكر على الرسول‪ ،‬وجائز أن يكون‬

‫(رسولً) معمول لفعل محذوف تقديره وأرسل إليكم رسولً‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ نافع (مبينات) بفتح الياء‪ ،‬وقرأ حفص (مبينات) بكسرها والمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع ندخله بالنون وقرأ حفص يدخله بالياء‪.‬‬ ‫‪ 7‬أحسن ال له رزقا قوله أحسن أبلغ من أعد لن الحسان ل يكون إل بعد العداد‪.‬‬ ‫‪ 8‬كون الرضين سبعا يشهد له قوله تعالى ومن الرض مثلهن أي مثل السموات السبع ويشهد له‬ ‫السنة الصحيحة فقد روى عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬‬ ‫من أخذ شبرا من الرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أراضين"‪ .‬ومثله أبي هريرة وفيه‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يأخذ أحد شبرا من الرض بغير حق إل طوقه ال إلى‬ ‫سبع أرضين يوم القيامة"‪.‬‬ ‫‪ 9‬المراد بالمر هنا أمر ال تعالى وهو ما يدبر به شؤون مخلوقاته في الرض والسماء‪ .‬من‬ ‫موت وحياة وغيرهما وأمر ونهي وعطاء ومنع وغيرهما‪ ،‬وال أعلم بمراده من كلمه وهو العليم‬ ‫الحكيم‪.‬‬

‫( ‪)5/382‬‬ ‫أعلمكم بخلقه العظيم من السموات والرضين وبتنزل المر بينهن في كل وقت وحين لتعلموا أنه‬ ‫تعالى على كل شيء قدير لترغبوا فيما عنده وأنه أحاط بكل علما لترهبوه وتراقبوه‪ ،‬وبذلك‬ ‫تتهيؤن لنعامه ورضاه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من ترك الحكام الشرعية وإهمالها والعبث بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان منة ال على هذه المة بإنزال القرآن عليها وإرسال الرسول إليها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الكفر ظلمة وأن اليمان نور‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان عظمة ال تعالى وسعة علمه‪.‬‬

‫( ‪)5/383‬‬ ‫سورة التحريم‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة التحريم ‪1‬‬ ‫مدنية وآياتها اثنتا عشر آية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪َ )1‬قدْ فَ َرضَ اللّهُ‬ ‫ك وَاللّهُ َ‬ ‫جَ‬ ‫حلّ اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬ ‫حدِيثا فََلمّا‬ ‫حكِيمُ (‪ )2‬وَإِذْ أَسَرّ النّ ِبيّ إِلَى َب ْعضِ أَ ْزوَاجِهِ َ‬ ‫َلكُمْ َتحِلّةَ أَ ْيمَا ِنكُمْ وَاللّهُ َموْلكُمْ وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْل َ‬ ‫ظهَ َرهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَ ّرفَ َب ْعضَ ُه وَأَعْ َرضَ عَنْ َب ْعضٍ فََلمّا نَبّأَهَا ِبهِ قَاَلتْ مَنْ أَنْبََأكَ هَذَا قَالَ‬ ‫نَبَّأتْ بِ ِه وَأَ ْ‬ ‫ص َغتْ قُلُو ُب ُكمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ َموْلهُ‬ ‫نَبّأَ ِنيَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلخَبِيرُ (‪ )3‬إِنْ تَتُوبَا ِإلَى اللّهِ َفقَ ْد َ‬ ‫ظهِيرٌ (‪ )4‬عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدَِلهُ أَ ْزوَاجا‬ ‫ن وَا ْلمَل ِئكَةُ َبعْدَ ذَِلكَ َ‬ ‫ل َوصَالِحُ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬ ‫وَجِبْرِي ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وتسمى سورة النبي أيضا‪.‬‬

‫( ‪)5/383‬‬ ‫ت وَأَ ْبكَارا (‪)5‬‬ ‫سِلمَاتٍ ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيّبَا ٍ‬ ‫خَيْرا مِ ْنكُنّ مُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لم تحرم ما أحل ال لك ‪:‬أي لم تحرم جاريتك مارية التي أحلها لك‪.‬‬ ‫تبتغي مرضات أزواجك ‪:‬أي بتحريمها‪.‬‬ ‫قد فرض لكم تحلة أيمانكم ‪:‬أي شرع لكم تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة المائدة‪.‬‬ ‫وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه ‪:‬هي حفصة بنت عمر رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫حديثا ‪:‬هو تحريم مارية وقوله لها ل تفشيه‪.‬‬ ‫فلما نبأت به ‪:‬أي نبأت حفصة عائشة أي أختبرها به ظنا منها أنه ل حرج في ذلك باجتهادٍ‪.‬‬ ‫وأظهره ال عليه ‪:‬أي اطلعه عليه أي على المنبأ به‪.‬‬ ‫عرف بعضه ‪:‬أي لحفصة‪.‬‬ ‫وأعرض عن بعض ‪:‬أي تكرما منه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إن تتوبا إلى ال ‪:‬أي حفصة وعائشة رضي ال عنهما تقبل توبتكما‪.‬‬ ‫فقد صغت قلوبكما ‪:‬أي مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك‪.‬‬ ‫وإن تظاهرا عليه ‪:‬أي تتعاونا أي على النبي صلى ال عليه وسلم فيما يكرهه‪.‬‬ ‫فإن ال هو موله ‪:‬أي ناصره‪.‬‬ ‫وصالح المؤمنين ‪:‬أي أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫والملئكة بعد ذلك ظهير ‪:‬أي ظهراء وأعوان له‪.‬‬ ‫قانتات ‪:‬أي عابدات‪.‬‬ ‫سائحات ‪:‬أي صائمات أو مهاجرات‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬

‫غفُورٌ‬ ‫ك وَاللّهُ َ‬ ‫جَ‬ ‫حلّ‪ 1‬اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يمكث عند زينب‬ ‫بنت جحش فيشرب عندها عسل‪ ،‬قالت فتواطأت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير‪ :‬أكلت مغافير‪ :‬فدخل على إحداهما فقالت له ذلك‬ ‫فقال بل شربت عسل عند زينب بنت جحش ولن أعود له‪ .‬فنزل {لم تحرم ما أحل ال لك} إلى‬ ‫{ إن تتوبا} ‪ ،‬المغافير جمع مغفور بقلة من البقول‪.‬‬

‫( ‪)5/384‬‬ ‫رَحِيمٌ} في هذا عتاب من ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم إذ حرم جاريته مارية ترضية ‪1‬‬ ‫وذلك أنه صلى ال عليه وسلم خل بها في بيت إحدى نسائه فاطلعت عليه فقالت يا رسول ال في‬ ‫بيتي وعلى فراشي فجعلها أي مارية عليه حراما ترضية لصاحبة الحجرة والفراش‪ .‬فأنزل ال‬ ‫حلّ اللّهُ َلكَ}‬ ‫تعالى هذه اليات مشتملة على هذه القصة فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬ ‫غفُورٌ‬ ‫جكَ} أي تطلب رضاهن {وَاللّهُ َ‬ ‫يعني جاريته مارية القبطية أم إبراهيم‪{ .‬تَبْ َتغِي مَ ْرضَاتَ أَ ْزوَا ِ‬ ‫رَحِيمٌ} بك فل لوم عليك بعد هذا ول عتاب فجاريتك ل تحرم عليك وكفر عن يمينك‪ .‬إذ قال لها‬ ‫هي علي ‪2‬حرام و وال ل أطؤها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {قَدْ فَ َرضَ اللّهُ َلكُمْ‪ 3‬تَحِلّةَ أَ ْيمَا ِنكُمْ} أي ما تحللون به من أيمانكم إذا حلفتم وهي ما‬ ‫ط ِعمُونَ َأهْلِيكُمْ‬ ‫طعَامُ عَشَ َرةِ َمسَاكِينَ مِنْ َأوْسَطِ مَا ُت ْ‬ ‫جاء في سورة المائدة من قوله تعالى { َف َكفّارَتُهُ ِإ ْ‬ ‫سوَ ُتهُمْ َأوْ تَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ َفمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ ثَلثَةِ أَيّامٍ ذَِلكَ َكفّا َرةُ أَ ْيمَا ِنكُمْ ِإذَا حََلفْتُمْ} وقوله تعالى‬ ‫َأوْ كِ ْ‬ ‫وال مولكم أي متولي أمركم وناصركم‪ .‬وهو العليم بأحوال عباده الحكيم في قضائه وتدبيره‬ ‫لخلقه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَِإذْ أَسَرّ النّ ِبيّ} أي أذكر إذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا وهي حفصة بنت عمر‬ ‫رضي ال عنها إذ قال لها لقد حرمت فلنة و وال ل أطأها وطلب منها أن ل تفشي هذا السر‪.‬‬ ‫فحدثت به عائشة وكانت متصافية معها توادها‪.‬‬ ‫فأطلع ال رسوله على ذلك‪ .‬فلما نبأت به وأظهره ال عليه عرف بعضه لحفصة وأعرض عن‬ ‫بعض تكرما منه صلى ال عليه وسلم‪ .‬قالت أي حفصة من أنبأك هذا؟ قال نبأني العليم الخبير‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬إن تتوبا إلى ال أي حفصة وعائشة فقد صغت قلوبكما أي مالت إلى تحريم مارية أي‬ ‫سركما كذلك‪ .‬وجواب الشرط تقديره تقبل توبتكما‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي تتعاونا‬ ‫عليه صلى ال عليه وسلم فيما يكرهه‪ ،‬فإن تعاونكما يا حفصة وعائشة رضي ال عنكما لن يضره‬ ‫شيئا فإن ال هو موله وجبريل وصالح المؤمنين أبو بكر وعمر‪ ،‬والملئكة بعد ذلك ظهير له أي‬

‫ظهراء وأعوان له عن كل من يؤذيه أو يريده بسوء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ترضية لبعض أزواجه أي طلبا لرضاها وهي حفصة بنت عمر رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف أهل العلم فيمن حرم شيئا فإن كان غير الزوجة فالجمهور على أنه ل يحرم ول كفارة‬ ‫عليه‪ ،‬وبعض يقول عليه كفارة يمين‪ :‬أما الزوجة فقد بلغت القوال فيها ثمانية عشر قولً أعدلها‬ ‫أن من حرم زوجته بلفظ أنت حرام أو بالحرام إن نوى طلقها فعليه طلقة‪ ،‬وإن لم ينو طلقها‬ ‫فإن عليه كفارة يمين كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي‬ ‫يمين يكفرها‪ ،‬وقال‪ :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة‪.‬‬ ‫‪ 3‬تحلة اليمين كفارتها أي من حلف على شيء وأراد أن يعود إليه فليكفر عن يمينه وليأت ما‬ ‫حلف عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/385‬‬ ‫وقوله تعالى {عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدَِلهُ أَ ْزوَاجا خَيْرا مِ ْنكُنّ} ‪ ،‬وفي هذا تخويف شديد لمهات‬ ‫المؤمنين وتأديب رباني كبير لهن إذ وعد رسوله أنه لو طلقهن لبدله خيرا منهن {مُسِْلمَاتٍ‬ ‫ت وَأَ ْبكَارا} أي‬ ‫ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَا ِبدَاتٍ سَا ِئحَاتٍ} أي ‪ 1‬صائمات أو مهاجرات‪{ ،‬ثَيّبَا ٍ‬ ‫بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارا إل أن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يطلقهن وال تعالى لم يبدله‬ ‫فهن زوجاته في الدنيا زوجاته في الخرة هذا وأنبه إلى أن خلفا كبيرا بين أهل التفسير في الذي‬ ‫حرمه رسول ال صلى ال عليه وسلم على نفسه وعاتبه ربه عليه‪ .‬وأحله ال له هل هو شراب‬ ‫كان يحبه‪ ،‬أو هو جاريته مارية ومن ‪ 2‬الجائز أن يكون غير ما ذكر؛ لن ال تعالى لم يذكر نوع‬ ‫ما حرم رسوله على نفسه‪ ،‬وإنما قال لم تحرم ما أحل ال لك‪ .‬والجمهور على أن المحرم مارية‪،‬‬ ‫وفي البخاري أنه العسل وال أعلم فلذا استغفر ال تعالى أن أكون قد قلت عليه أو على رسوله ما‬ ‫ل يرضيهما أستغفر ال‪ ،‬أستغفر ال‪ ،‬أستغفر ال إن ربي غفور رحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوته صلى ال عليه وسلم وبشريته الكاملة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أخذ الشافعي وأحمد رحمهما ال تعالى من هذه الية أن من قال لزوجته أنت حرام أو حرمتك‬ ‫وهو لم ينو طلقها أن عليه كفارة يمين ل غير‪ ،‬وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولً‬ ‫للفقهاء أشدها البتة وأرفقها أن فيها كفارة يمين كما هو مذهب المامين الشافعي وأحمد رحمهما‬ ‫ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬كرامة الرسول صلى ال عليه وسلم على ربه‪.‬‬

‫‪ -4‬فضل أبي بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫شدَا ٌد ل‬ ‫س وَا ْلحِجَا َرةُ عَلَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ ِ‬ ‫سكُ ْم وَأَهْلِيكُمْ نَارا َوقُودُهَا النّا ُ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَهُمْ وَيَ ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪ )6‬يَا أَ ّيهَا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل سمي الصائم سائحا لن السائح ل زاد معه فكذلك الصائم ل زاد معه‪.‬‬ ‫‪ 2‬نعم من الجائز أن يكون غير ما ذكر ولكن بتتبع لروايات وأقوال العلماء سلفا وخلفا ثبت أن‬ ‫المر يدور بين أن ما حرمه صلى ال عليه وسلم على نفسه ترضية هو جاريته مارية‪ ،‬أو العسل‬ ‫ل غيرهما‪.‬‬

‫( ‪)5/386‬‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا ل َتعْ َتذِرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )7‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ‬ ‫َتوْبَةً َنصُوحا عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ ُي َكفّرَ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَيُ ْدخَِلكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ َيوْ َم ل‬ ‫سعَى بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا أَ ْت ِممْ لَنَا نُورَنَا‬ ‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ نُورُهُمْ يَ ْ‬ ‫يُخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪)8‬‬ ‫علَى ُكلّ َ‬ ‫وَاغْفِرْ لَنَا إِ ّنكَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قوا أنفسكم وأهليكم ‪:‬أي اجعلوا لها وقاية بطاعة ال والرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫نارا وقودها الناس والحجارة ‪ :‬أي توقد بالكفار والصنام التي تعبد من دون ال‪ ،‬ل بالحطب‬ ‫ونحوه‪.‬‬ ‫ل تعتذروا اليوم ‪:‬أي لنه ل ينفعكم اعتذار‪ ،‬يقال لهم هذا عند دخولهم النار‪.‬‬ ‫توبة نصوحا ‪:‬أي توبة صادقة بأن ل يعاد إلى الذنب ول يراد العود إليه‪.‬‬ ‫يوم ل يخزي ال النبي والذين آمنوا ‪:‬أي بإدخالهم النار‪.‬‬ ‫يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ‪:‬أي أمامهم ومن كل جهاتهم على قدر أعمالهم‪.‬‬ ‫ربنا أتمم لنا نورنا ‪:‬أي إلى الجنة‪ ،‬لن المنافقين ينطفيء نورهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫س وَا ْلحِجَا َرةُ} هذا نداء ال‬ ‫سكُمْ‪ 1‬وَأَهْلِيكُمْ نَارا َوقُو ُدهَا النّا ُ‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫إلى عباده المؤمنين يعظهم وينصح لهم فيه أن يقوا أنفسهم وأهليهم ‪ 2‬من زوجة وولد‪ ،‬نارا‬ ‫عظيمة‪ ،‬وقودها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال علي رضي ال عنه ومجاهد وقتادة‪ :‬قوا أنفسكم بأفعالكم‪ ،‬وقوا أهليكم بوصيتكم‪ .‬قال ابن‬ ‫العربي هذا هو الصحيح لما يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه‬

‫في معنى الفعل كقول الشاعر‪:‬‬ ‫علفتها تبنا وماء باردا‬ ‫أي وسقيتها ماءً باردا‬ ‫‪2‬إن الوقاية ل تتم إل باليمان وصالح العمال بعد اجتناب الشرك والمعاصي‪ ،‬وهذا يتطلب العلم‬ ‫بذلك وتوطين النفس على العمل بما يعلم من ذلك فعل لما يفعل وتركا لما يترك فليأخذ العبد نفسه‬ ‫وأهله بهذا نصحا له ولهم حتى يقي نفسه ويقي أهله‪.‬‬

‫( ‪)5/387‬‬ ‫أي ما توقد به الناس من المشركين والحجارة التي هي أصنامهم التي كانوا يعبدونها يقون أنفسهم‬ ‫بطاعة ال ورسوله تلك الطاعة التي تزكي أنفسهم وتؤهلهم لدخول الجنة بعد النجاة من النار‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {عَلَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ شِدَادٌ ل َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَهُ ْم وَ َي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ} أي على‬ ‫النار قائمون عليها وهم الخزنة التسعة عشرة غلظ القلوب ‪ 1‬والطباع شداد البطش إذا بطشوا ول‬ ‫يعصون ال أي ل يخالفون أمره‪ ،‬وينتهون إلى ما يأمرهم به وهو معنى ويفعلون ما يأمرون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ كَفَرُوا ل َتعْتَذِرُوا الْ َيوْمَ‪ }2‬هذا يقال لهل النار ينادون ليقال لهم‪ :‬ل‬ ‫تعتذروا اليوم حيث ل ينفع العتذار‪ .‬وإنما تجزون ما كنتم تعملون الحسنة بالحسنة والسيئة‬ ‫بالسيئة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا ِإلَى اللّهِ َتوْبَةً َنصُوحا} هذا هو النداء الثاني الذي ينادي فيه‬ ‫ال تعالى عباده المؤمنين يأمرهم فيه بالتوبة العاجلة النصوح التي ل يعود صاحبها إلى الذنب كما‬ ‫ل يعود البن إلى ‪ 3‬الضرع‪ ،‬ويعدهم ويبشرهم يعدهم بتكفير سيئاتهم‪ ،‬ويبشرهم بالجنة دار النعيم‬ ‫المقيم فيقول {عَسَى ‪ 4‬رَ ّبكُمْ أَنْ ُيكَفّرَ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَيُ ْدخَِلكُمْ} أي بعد ذلك {جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا‬ ‫سعَى‬ ‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ} أي بإدخالهم الجنة‪ .‬وقوله تعالى {نُورُهُمْ َي ْ‬ ‫الْأَ ْنهَارُ َيوْمَ ل يُخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬ ‫بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ} أي وهم مجتازون الصراط يسألون ربهم أن يبقي ‪ 5‬لهم نورهم ل يقطعه‬ ‫عنهم حتى يجتازوا الصراط وينجوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنم كما يسألونه أن يغفر‬ ‫لهم ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط‪.‬‬ ‫وقولهم‪ :‬إنك على كل شيء قدير هذا توسل منهم لقبول دعائهم حيث توسلوا بصفة القوة والقدرة‬ ‫ل تعالى فقالوا إنك على كل شيء قدير فأتمم لنا نورنا واغفر لنا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب العناية بالزوجة والولد وتربيتهم وأمرهم بطاعة ال ورسوله ونهيهم عن ترك ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب التوبة الفورية على كل من أذنب من المؤمنين والمؤمنات وهي القلع من الذنب‬

‫فورا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة‪ ،‬وروى مرفوعا ما بين‬ ‫منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب‪.‬‬ ‫‪ 2‬لن عذرهم ل ينفعهم‪ .‬والقصد من هذا النهي هو تحقيق اليأس منهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال القرطبي اختلف في تحديد التوبة النصوح على ثلث وعشرين قولُ وقدم ما في التفسير‬ ‫على تلك القوال‪.‬‬ ‫‪ 4‬عسى من ال تعالى واجبة‪ ،‬ويشهد لهذا قوله صلى ال عليه التائب من الذنب كمن ل ذنب له‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال ابن عباس ومجاهد‪ :‬هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ ال نور المنافقين‪.‬‬

‫( ‪)5/388‬‬ ‫أي تركه والتخلي عنه‪ ،‬ثم العزم على أن ل يعود إليه في صدق‪ ،‬ثم ملزمة الندم والستغفار كلما‬ ‫ذكر ذنبه استغفر ربه وندم على فعله وإن كان الذنب متعلقا بحق آدمي كأخذ ماله أو ضرب‬ ‫جسمه أو انتهاك عرضه وجب التحلل منه حتى يعفو ويسامح‪.‬‬ ‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )9‬ضَ َربَ اللّهُ‬ ‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِي َ‬ ‫حتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ َفخَانَتَا ُهمَا فَلَمْ‬ ‫ح وَامْرََأتَ لُوطٍ كَانَتَا َت ْ‬ ‫مَثَلً لِلّذِينَ َكفَرُوا امْرََأتَ نُو ٍ‬ ‫ُيغْنِيَا عَ ْن ُهمَا مِنَ اللّهِ شَيْئا َوقِيلَ ادْخُل النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (‪َ )10‬وضَ َربَ اللّهُ مَثَلً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرََأتَ‬ ‫عمَلِ ِه وَنَجّنِي مِنَ ا ْل َقوْمِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عوْ َ‬ ‫عوْنَ إِذْ قَاَلتْ َربّ ابْنِ لِي عِنْ َدكَ بَيْتا فِي ا ْلجَنّ ِة وَنَجّنِي مِنْ فِرْ َ‬ ‫فِرْ َ‬ ‫جهَا فَ َنفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا َوصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ‬ ‫حصَ َنتْ فَ ْر َ‬ ‫عمْرَانَ الّتِي َأ ْ‬ ‫الظّاِلمِينَ (‪َ )11‬ومَرْيَمَ ابْ َنتَ ِ‬ ‫رَ ّبهَا َوكُتُبِ ِه َوكَانَتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ (‪)12‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫جاهد الكفار ‪:‬أي بالسيف‪.‬‬ ‫والمنافقين ‪:‬أي باللسان‪.‬‬ ‫واغلظ عليهم ‪ :‬أي أشدد عليهم في الخطاب ول تعاملهم باللين‪.‬‬ ‫فخانتاهما ‪:‬أي في الدين إذ كانتا كافرتين‪.‬‬ ‫فلم يغنيا عنهما ‪:‬أي نوح ولوط عن امرأتيهما‪.‬‬ ‫من ال شيئا ‪:‬أي من عذاب ال شيئا وإن قل‪.‬‬ ‫امرأة فرعون ‪:‬أي آسيا بنت مزاحم آمنت بموسى‪.‬‬

‫( ‪)5/389‬‬

‫أحصنت فرجها ‪:‬أي حفظته فلم يصل إليه الرجال ل بنكاح ول زنا‪.‬‬ ‫فنفخنا فيه من روحنا ‪:‬أي نفخنا في كم درعها بواسطة جبريل الملقب بروح القدس‪.‬‬ ‫وصدقت بكلمات ربها ‪:‬أي بولدها عيسى أنه كلمة ال وعبده ورسوله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫في الية الولى (‪ )9‬يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بعدما ناداه بعنوان النبوة‬ ‫تشريفا وتكريما يأمره بجهاد الكفار والمنافقين فالكفار بالسيف‪ ،‬وشن الغارات ‪ 1‬عليهم حتى‬ ‫يسلموا‪ ،‬والمنافقون بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِمْ} أي أشدد وطأتك على الفريقين على المنافقين باللسان‪ ،‬وعلى الكافرين بالسنان‪.‬‬ ‫ومأواهم ‪ 2‬جهنم وبئس المصير إذا ماتوا على نفاقهم وكفرهم‪ ،‬أو من علم ال موتهم على ذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪ )10‬ضرب ال مثلً في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت‬ ‫درجة القرابة عنده‪ .‬وهو امرأة نوح ‪ 3‬وامرأة لوط إذ كانت كل واحدة منهما تحت نبي رسول‬ ‫فخانتاهما في ‪ 4‬دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشي سر من يؤمن بزوجها وتخبر به الجبابرة‬ ‫من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون‪ ،‬وامرأة لوط كانت كافرة وتدل‬ ‫المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار‪ ،‬وفي النهار‬ ‫بواسطة الدخان‪ .‬فلما كانتا كافرتين لم تغن عنهما قرابتهما بالزوجية شيئا‪ .‬ويوم القيامة يقال لهما‪:‬‬ ‫ادخل النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط‪ .‬هذا مثل آخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة‬ ‫الكافر ولو كانت القرابة الزوجية وما أقواها‪ ،‬وهو –المثل‪ -‬امرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت‬ ‫مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم‬ ‫الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها‪ :‬رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون‬ ‫وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى ل أكون كافرة بك ول ظالمة لحد من خلقك‪ ،‬ونجني من القوم‬ ‫الظالمين أي من عذابهم فشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على‬ ‫اليمان فرفعت بصرها إلى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقا إلى ال وإلى بيتها‬ ‫في الجنة وقد‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من المعلوم أن الكفار يدعون إلى السلم أولً مبينا لهم ما فيه من الهدي والخير وما يجلبه‬ ‫لهله من الكمال والسعاد‪ ،‬فإن أبوا فليقاتلوا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ومأواهم جهنم هذا عائد على الفريقين الكافرين والمنافقين معا‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال مقاتل اسم امرأة نوح والهة واسم امرأة لوط والعة وروي مرفوعا بضعف أن اسم امرأة‬ ‫نوح واغلة وامرأة لوط والهة وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجماع أن خيانة المرأتين كانت في الدين ولم تكن في العرض وإنما هي في الكفر والنفاق‪.‬‬

‫( ‪)5/390‬‬ ‫رأته فوصلت الصخرة إليها بعد أن فاضت روحها فنجاها ال من عذاب القتل الذي أراده لها ‪1‬‬ ‫فرعون وعصابته الظلمة الكافرون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها‪ .‬عطف تعالى مريم على آسيا ليكون المثل‬ ‫مكونا من امرأتين مؤمنتين‪ ،‬كالمثل الول كان مكونا من امرأتين كافرتين فقال عز وجل ومريم‬ ‫بنت عمران التي أحصنت فرجها عن الرجال في الوقت الذي عم البغاء والزنا ديار بني إسرائيل‬ ‫كما هي الحال اليوم في ديار اليهود وأمثالهم قد ل تسلم امرأة من الزنا بها فلم يضر بذلك مريم‬ ‫لما كانت عفيفة طاهرة بل أكرمها ال لما أحصنت فرجها بأن أرسل إليها روحه جبريل عليه‬ ‫السلم وأمره أن ينفخ في كم درعها فسرت النفخة بقدرة ال تعالى في جسمها فحملت بعيسى الذي‬ ‫كان بكلمة ال كن فكان في ساعة وصول هواء النفخة وولدته للفور كرامة ال للتي أحصنت‬ ‫فرجها خوفا من ال وتقربا إليه‪ ،‬وما ضرها أن العهر والزنا قد انتشر حولها ما دامت هي طاهرة‬ ‫كما لم يضر كفر فرعون آسيا الطاهرة‪ .‬وكما لم ينفع إيمان وصلح نوح ولوط امرأتيهما‬ ‫الكافرتين الخائنتين‪.‬‬ ‫قال ابن عباس رضي ال عنهما ما بغت امرأة نبي قط‪ ،‬وهو كما قال فوال ما زنت امرأة نبي قط‬ ‫لولية ال تعالى لنبيائه فكيف يخزيهم ويذلهم حاشاه تعالى أن يخزي أولياءه أو يذلهم فالمراد من‬ ‫الخيانة المذكورة في قوله تعالى فخانتاهما الخيانة في الدين وإفشاء السرار‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬وصدقت بكلمات ربها أي بشرائعه وبكتبه ‪ 2‬التي أنزلها على رسله‪ ،‬وكانت من‬ ‫القانتين ‪ 3‬أي المطيعين ل تعالى الضارعين له المخبتين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال يحيى بن سلم‪ :‬ما ضربه ال مثل للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة رضي ال عنهما‬ ‫من مخالفتهما حين تظاهرتها على رسول ال صلى ال عليه وسلم وما ضرب به تعالى مثل‬ ‫لمرأة فرعون ومريم بنت عمران ضربه ترغيبا لعائشة وحفصة في التمسك بالطاعة والثبات‬ ‫عليها والصحيح أنه حث لكل المؤمنين على الصبر في الشدة مهما كانت‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع وكتابه وجائز أن يكون النجيل وهو كتاب ابنها عيسى عليه السلم وجائز أن يكون‬ ‫المراد به ما كتبه ال وقدره وقرأ حفص وكتبه بالجمع أي آمنت بسائر كتب ال تعالى المنزلة‬ ‫وعليه فالكتاب في قراءة نافع اسم جنس صادق على جميع كتب ال تعالى المنزلة‪.‬‬ ‫‪ 3‬لم قال من القانتات؟ لنه أراد من القوم القانتين وهم المكثرون من العبادة وفي هذا ثناء عليها‬ ‫وعلى قومها الصالحين وأنها نبتت طيبة في نبات طيب كقول القائل‪ :‬وهل ينبت الخطي إل‬ ‫وشيجه‪.‬‬

‫( ‪)5/391‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الجهاد في الكفار بالسيف وفي المنافقين باللسان‪ ،‬وعلى حكام المسلمين القيام بذلك‬ ‫لنهم خلفاء النبي صلى ال عليه وسلم في أمته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مبدأ‪ :‬ل تزر وازرة وزر أخرى‪ .‬فالكافر ل ينتفع بالمؤمن يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬والمؤمن ل يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو إنسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم‬ ‫لم يضره كفر آزر‪ ،‬ونوح لم يضره كفر طنعان ابنه‪ ،‬كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان‬ ‫وصلح الب والبن‪.‬‬ ‫هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم‬ ‫بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم‪.‬‬

‫( ‪)5/392‬‬ ‫سورة الملك‬ ‫‪...‬‬ ‫الجزء التاسع والعشرون‬ ‫سورة الملك ‪1‬‬ ‫مكية وآياتها ثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حسَنُ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )1‬الّذِي خََلقَ ا ْل َم ْوتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّي ُكمْ أَ ْ‬ ‫ك وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫تَبَا َركَ الّذِي بِ َي ِدهِ ا ْلمُ ْل ُ‬ ‫حمَنِ مِنْ َتفَا ُوتٍ‬ ‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬ ‫عمَلً وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ (‪ )2‬الّذِي خََلقَ سَ ْبعَ َ‬ ‫َ‬ ‫جعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ يَ ْنقَِلبْ ِإلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئا وَ ُهوَ‬ ‫فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (‪ُ )3‬ثمّ ارْ ِ‬ ‫سعِيرِ‬ ‫عذَابَ ال ّ‬ ‫ن وَأَعْ َتدْنَا َلهُمْ َ‬ ‫جعَلْنَاهَا ُرجُوما لِلشّيَاطِي ِ‬ ‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ وَ َ‬ ‫حسِيرٌ (‪ )4‬وََلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تبارك الذي بيده الملك ‪:‬أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك أجمع ملكا وتصرفا وتدبيرا‪.‬‬ ‫وهو على كل شيء قدير ‪ :‬أي وهو على إيجاد كل ممكن وإعدامه قدير‪.‬‬ ‫الذي خلق الموت والحياة ‪:‬أي أوجد الموت والحياة فكل حي هو بالحياة التي خلق ال وكل ميت‬

‫هو بالموت الذي خلق ال‪.‬‬ ‫ليبلوكم أيكم أحسن عمل ‪:‬أي أحياكم ليختبركم أيكم يكون أحسن عمل ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم‪.‬‬ ‫وهو العزيز الغفور ‪:‬أي وهو العزيز الغالب على ما يريده الغفور العظيم المغفرة للتائبين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وتسمى الواقية والمنجية وورد في فضلها أحاديث أصحها حديث السنن وهو قوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم أن سورة في القرآن ثلثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له‪ :‬تبارك الذي بيده الملك‪.‬‬

‫( ‪)5/393‬‬ ‫طباقا ‪:‬أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ول تماس بينها‪.‬‬ ‫ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ‪:‬أي من تباين وعدم تناسب‪.‬‬ ‫هل ترى من فطور ‪:‬أي من شقوق أو تصدع‪.‬‬ ‫كرتين ‪:‬أي مرتين مرة بعد مرة‪.‬‬ ‫خاسئا وهو حسير ‪:‬أي ذليل مبعدا كالً تعبا منقطعا عن الرؤية إذ ل يرى خلل‪.‬‬ ‫بمصابيح ‪:‬أي بنجوم مضيئة كالمصابيح‪.‬‬ ‫رجوما للشياطين ‪:‬أي مراجم جمع مرجم وهو ما يرجم به أي يرمى‪.‬‬ ‫وأعتدنا لهم عذاب السعير ‪:‬أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة التقاد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ} مجد الرب تعالى نفسه وعظمها وأثنى‬ ‫قوله {تَبَا َركَ الّذِي بِيَ ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫عليها بما هو أهله من الملك والسلطان والقدرة والعلم والحكمة فقال عز وجل ‪ 1‬تبارك أي تعاظم‬ ‫وكثر خير الذي بيده الملك الحقيقي يحكم ويتصرف ويدبر بعلمه وحكمته ل شريك له في هذا‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ} فما أراد ‪ 2‬ممكنا إل كان‪ ,‬ول أراد انعدام‬ ‫الملك والتدبير والسلطان‪{ .‬وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ممكن إل انعدم‪ .‬الذي خلق الموت ‪ 3‬والحياة لحكمة عالية ل بطل ول عبثا كما يتصور الكافرون‬ ‫عمَلً} أي خلق الحياة بكل ما فيها‪ ،‬ليذكر ويشكر‬ ‫والملحدة الدهريون بل {لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّيكُمْ‪َ 4‬أحْسَنُ َ‬ ‫من عبادة فمن ذكر وشكر وأحسن ذلك‪ ،‬أعد له جناتٍ ينقله إليها بعد نهاية الحياة والعمل فيها‪،‬‬ ‫ومن لم يذكر ولم يشكر أو ذكر وشكر ولم يحسن ذلك بأن لم يخلص فيه ل‪ ،‬ولم يؤده كما شرع‬ ‫ال أعد له نارا ينقله إليها بعد نهاية الحياة الدنيا حياة العمل‪ ،‬إذ هذه الحياة للعمل‪ ,‬وحياة الخرة‬ ‫للجزاء على العمل‪ .‬وقوله تعالى {وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ} ثناء آخر أثنى به تعالى على نفسه فأعلم‬ ‫أنه العزيز الغالب الذي ل يحال بينه وبين ما يريد الغفور العظيم المغفرة إذ يغفر الذنوب للتائب‬ ‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا} هذا ثناء آخر بعظيم‬ ‫خلَقَ سَبْعَ َ‬ ‫ولو كانت مثل الجبال وزبد البحر‪ .‬وقوله {الّذِي َ‬ ‫القدرة وسعة‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬القرطبي‪ :‬تبارك قال الحسن تقدس‪ ,‬وقيل دام فهو الدائم الذي ل أول لوجوده ول آخر لدوامه‪.‬‬ ‫‪ 2‬التعبير بالممكن وغير الممكن فيه جواب لمن قال من المبطلين إن كان ال على كل شيء قديرا‬ ‫فهل يقدر أن يخلق إلها مثله‪ :‬والجواب أن خلق إله مثل ال غير ممكن فلذا ل يخلقه سبحانه‬ ‫وتعالى‪.‬‬ ‫‪ 3‬قدم ذكر الموت على الحياة لن الموت أكبر واعظ للنسان‪ .‬قال العلماء الموت ليس عدما‬ ‫محضا ول فناءً صرفا‪ ،‬وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته‪ ،‬وحيلولة بينهما وتبديل‬ ‫حال وانتقال من دار إلى دار‪ .‬والحياة عكس ذلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬ليبلوكم أي ليعاملكم معاملة المختبر لكم فيرى أحسنكم عملً من أسوأه وقد رتب الجزاء على‬ ‫ذلك‪ ،‬وأحسن العمل أخلصه وأصوبه أي أخلصه ل تعالى وأصوبه أي أداؤه كما شرعه بل زيادة‬ ‫ول نقصان‪.‬‬

‫( ‪)5/394‬‬ ‫العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقا سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما‬ ‫بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم ل‬ ‫حمَنِ مِنْ َتفَا ُوتٍ} أي‬ ‫بوضع سماء على الخرى كغطاء القدر مثل‪ .‬وقوله {مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬ ‫من اختلف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك ل تجد إل التساق والنتظام ل تصدع ول‬ ‫انفطار وإن شئت فارجع البصر وانظر هل ترى من فطور أي إنك ل ترى ذلك ثم ارجع البصر‬ ‫كرتين ‪ 1‬فإنك ل تجد تفاوتا ول تباينا أبدا ولو نظرت الدهر كله كل ما في المر أن بصرك أيها‬ ‫الناظر إلى السماء يرجع إليك خاسئا أي ذليل مبعدا‪ 2‬مما أراد‪ ،‬وهو حسير أي كليل تعب وقوله‬ ‫سمَاءَ الدّنْيَا } أي هذه الدانية من الرض القريبة منها بمصابيح ‪ 3‬هي النجوم‬ ‫تعالى { َوَلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬ ‫والكواكب‪ .‬وجعلناها أي النجوم رجوما‪ 4‬للشياطين ترجم بها الملئكة شياطين الجن الذين يريدون‬ ‫استراق السمع من كلم الملئكة حتى ل يفتنوا الناس في الرض عن دين ال عز وجل‪ .‬وقوله‬ ‫سعِير ِ‪ }5‬أي وهيأنا للشياطين عذاب السعير يعذبون به يوم القيامة‬ ‫تعالى { َوأَعْتَدْنَا َلهُمْ عَذَابَ ال ّ‬ ‫كسائر الكافرين من النس والجن‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال تعالى بعرض دلئل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة‬ ‫للوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان الحكمة من خلق الموت والحياة‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمه ال ‪ :‬أن ال جل ثناؤه إنما خلق هذه‬ ‫النجوم لثلث خصال‪ :‬زينة لسماء الدنيا‪ ،‬ورجوما للشياطين‪ ،‬وعلمات يهتدى بها‪6.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كرتين منصوب على المصدر لن الكرة الرجعة فكرتين بمعنى رجعتين أي مرة بعد أخرى‬ ‫والعامل فارجع‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال خسئت الكلب أي أبعدته وطردته‪.‬‬ ‫‪ 3‬سميت الكواكب مصابيح لضائتها‪.‬‬ ‫‪ 4‬الرجوم جمع رجم وهو اسم لما يرجم به أي ما يرمى به الرامي من حجر وغيره من باب‬ ‫تسمية المفعول بالمصدر مثل الخلق للمخلوق والرد للمردود‪ ،‬والمراد من النجوم التي يرمى بها‬ ‫هي الشهب التي تنفصل عن النجوم والكواكب‪ ،‬وجائز أن تكون كواكب صغيرة ترمى بها‬ ‫الشياطين شأنها شأن الشهب لحديث‪ :‬الكوكب الذي انقض البارحة‪.‬‬ ‫‪ 5‬ل يقولن قائل‪ :‬الشياطين خلقوا من نار فكيف يعذبون بها؟ والجواب‪ :‬السعير أقوى من مادة‬ ‫النار التي خلقوا منها كما أن الشياطين تحولوا عن أصل المادة التي خلقوا منها‪ .‬تحول النسان‬ ‫من طين إلى لحم وعظم وعصب ودم‪.‬‬ ‫‪ 6‬تمام قوله‪ :‬فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما ل علم له به‪ ،‬وتعدى وظلم‪.‬‬

‫( ‪)5/395‬‬ ‫شهِيقا وَ ِهيَ َتفُورُ (‬ ‫س ِمعُوا َلهَا َ‬ ‫جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ِ )6‬إذَا أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬ ‫وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّب ِهمْ عَذَابُ َ‬ ‫‪َ )7‬تكَادُ َتمَيّزُ مِنَ ا ْلغَيْظِ كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَذِيرٌ (‪ )8‬قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا‬ ‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ‬ ‫شيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ ِإلّا فِي ضَللٍ كَبِيرٍ (‪َ )9‬وقَالُوا َلوْ كُنّا نَ ْ‬ ‫نَذِيرٌ َفكَذّبْنَا َوقُلْنَا مَا نَ ّزلَ اللّهُ مِنْ َ‬ ‫سعِيرِ (‪)11‬‬ ‫سعِيرِ (‪ )10‬فَاعْتَ َرفُوا بِذَنْ ِبهِمْ َفسُحْقا لَِأصْحَابِ ال ّ‬ ‫صحَابِ ال ّ‬ ‫مَا كُنّا فِي َأ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كفروا بربهم ‪:‬أي لم يؤمنوا به فلم يعبدوه‪.‬‬ ‫إذا ألقوا فيها ‪:‬أي في جهنم ألقتهم الملئكة فيها وذلك يوم القيامة‪.‬‬ ‫سمعوا لها شهيقا ‪:‬أي سمعوا لجهنم صوتا منكرا مزعجا كصوت الحمار‪.‬‬ ‫وهي تفور تكاد تميز من الغيظ ‪:‬أي تغلي تكاد تتقطع من الغيظ غضبا على الكفار‪.‬‬ ‫سألهم خزنتها ‪:‬سؤال توبيخ وتقريع وتأنيب‪.‬‬ ‫ألم يأتكم نذير ‪:‬أي رسول ينذركم عذاب ال يوم القيامة؟‪.‬‬ ‫وقلنا ما نزل ال من شيء ‪:‬أي كذبنا الرسل وقلنا لهم ما نزل ال مما تقول لنا من شيء‪.‬‬ ‫إن أنتم إل في ضلل كبير ‪:‬أي ما أنتم أيها الرسل إل في ضلل كبير أي خطأ عقلي وتصور‬

‫نفسي باطل‪.‬‬ ‫لو كنا نسمع أو نعقل ‪ :‬أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لمنا‬ ‫وعبدنا ال وما كنا اليوم في أصحاب السعير‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى في اليات السابقة أنه أعد للشياطين مسترقي السمع من الملئكة في السماء عذاب‬ ‫السعير عطف عليه قوله {وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّب ِهمْ‪ }1‬أي جحدوا ألوهيته ولقاءه فما عبدوه ول‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا تتميم للكلم السابق أي كما كان للشياطين عذاب السعير فللذين كفروا عذاب جهنم وبئس‬ ‫المصير‪.‬‬

‫( ‪)5/396‬‬ ‫آمنوا به من النس والجن عذاب جهنم وبئس المصير هي أي جهنم يصيرون إليها وينتهون إلى‬ ‫عذابها شرابها الحميم وطعامها الضريع والزقوم‪ ,‬وقوله تعالى في وصف ما يجري في النار {ِإذَا‬ ‫شهِيقا ‪ } 1‬إذا ألقي الكافرون في النار سمعوا لها شهيقا أي صوتا منكرا‬ ‫س ِمعُوا َلهَا َ‬ ‫أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬ ‫مزعجا كصوت الحمار إذا شهق أو نهق‪{ .‬وَ ِهيَ َتفُورُ} تغلي ‪َ { 2‬تكَادُ َتمَيّزُ} ‪ 3‬أي تقرب أن تتقطع‬ ‫من الغيظ الذي هو شدة الغضب وغضبها من غضب الرب مالكها لما غضب الجبار غضبت‬ ‫لغضبه‪ ,‬وكل مؤمن بال عارف به يغضب لما يغضب له ربه ويرضى لما يرضى به ربه‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‬ ‫{كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ } أي جماعة {سَأََل ُهمْ خَزَنَ ُتهَا} أي الملئكة الموكلون بالنار وعذابها وهم‬ ‫الزبانية وعددهم تسعة عشر ملكا سألوهم سؤال توبيخ وتقريع لنهم يعلمون ما يسألونهم عنه {أََلمْ‬ ‫يَأْ ِتكُمْ‪َ 4‬نذِيرٌ} أي رسول في الدنيا يدعوكم إلى اليمان والطاعة؟ فيجيبون قائلين {بَلَى} قد جاءنا‬ ‫شيْءٍ} أي مما تقولون‬ ‫نذير ولكن كذبنا الرسل وقلنا لهم ردا على دعوتهم {مَا نَ ّزلَ اللّهُ مِنْ َ‬ ‫وتدعوننا إليه {إِنْ أَنْتُمْ إِلّا فِي ضَللٍ كَبِيرٍ‪ } 5‬أي وقلنا لهم ما أنتم أيها الرسل إل في ضلل عقلي‬ ‫وخطأ تصوري كبير‪ .‬ثم رجعوا إلى أنفسهم يوبخونها بما أخبر تعالى به عنهم في قوله { َوقَالُوا َلوْ‬ ‫سعِيرِ} قال تعالى { فَاعْتَ َرفُوا بِذَنْ ِب ِهمْ فَسُحْقا} أي بعدا بعدا‬ ‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬ ‫كُنّا نَ ْ‬ ‫سعِيرِ} أي سعير جهنم‪.‬‬ ‫من رحمة ال {لَِأصْحَابِ ال ّ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب‪ ,‬وتكذب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في‬

‫وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن ما يقوله أهل النار في اعترافهم هو ما يقوله الملحدة اليوم في ردهم على العلماء‬ ‫بأن التدين تأخر عقلي ونظر رجعي‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن الكافر ل يسمع ول يعقل أي سماعا ينفعه وعقلً يحجزه عن المهالك باعتراف أهل‬ ‫سعِيرِ}‪.‬‬ ‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬ ‫النار إذ قالوا { َوقَالُوا َلوْ كُنّا نَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال عطاء الشهيق في الصدور والزفير في الحلق‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال حسان‪:‬‬ ‫تركتم قدركم ل شيء فيها‬ ‫وقدر القوم حامية تفور‬ ‫أي تغلي‪.‬‬ ‫‪ 3‬أصل تميز أي تتميز أي تنقطع وينفصل بعضها عن بعض قيل هذا التغيظ هو من شدة الغيظ‬ ‫على أعداء ال‪ ,‬وقيل هو من الغليان‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام للتوبيخ والتقريع‪.‬‬ ‫‪ 5‬إن أنتم إن نافية بدليل الستثناء بعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/397‬‬ ‫جهَرُوا بِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ‬ ‫شوْنَ رَ ّب ُهمْ بِا ْلغَ ْيبِ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ كَبِيرٌ (‪ )12‬وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬ ‫خَ‬ ‫إِنّ الّذِينَ يَ ْ‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ ذَلُولً‬ ‫ق وَ ُهوَ اللّطِيفُ ا ْلخَبِيرُ (‪ُ )14‬هوَ الّذِي َ‬ ‫بِذَاتِ الصّدُورِ (‪ )13‬أل َيعْلَمُ مَنْ خََل َ‬ ‫فَامْشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا َوكُلُوا مِنْ رِ ْزقِ ِه وَإِلَيْهِ النّشُورُ (‪)15‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يخشون ربهم بالغيب ‪:‬أي يخافونه وهم غائبون عن أعين الناس فل يعصونه‪.‬‬ ‫لهم مغفرة وأجر كبير ‪:‬أي لذنوبهم وأجر كبير وهو الجنة‪.‬‬ ‫أل يعلم من خلق ‪:‬أي كيف ل يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف‬ ‫مخلوقه‪.‬‬ ‫وهو اللطيف الخبير ‪:‬أي بعباده الخبير بهم وبأعمالهم‪.‬‬ ‫ذلول ‪:‬أي سهلة للمشي والسير عليها‪.‬‬ ‫فامشوا في مناكبها ‪:‬أي في جوانبها ونواحيها‪.‬‬ ‫وإليه النشور ‪:‬أي إليه وحده مهمة نشركم أي إحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫لما ذكر تعالى جزاء الكافرين وأنه عذاب السعير رغب في اليمان والطاعة للنجاة من السعير‬ ‫شوْنَ رَ ّبهُمْ‪ 1‬بِا ْلغَ ْيبِ} أي يخافونه وهم ل يرونه‪ ,‬وكذا وهم في غيبة عن الناس‬ ‫فقال {إِنّ الّذِينَ َيخْ َ‬ ‫فيطيعونه ول يعصونه هؤلء لهم مغفرة لما فرط من ذنوبهم وأجر كبير عند ربهم أي الجنة‪ .‬ولما‬ ‫قال بعض المشركين في مكة ل تجهروا بالقول فيسمعكم إله محمد فيطلعه على قولكم قال تعالى‬ ‫جهَرُوا ِبهِ} فإنه يعلم السر وما هو أخفى منه كحديث‬ ‫ردا عليهم وتعليما {وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بعد ذكر جزاء أهل الكفر والشرك الشر والفساد ذكر تعالى جزاء أهل اليمان والتوحيد والخير‬ ‫والصلح فكان السلوب أسلوب الترهيب والترغيب الذي عرف به القرآن الكريم كتاب الهداية‬ ‫اللهية‪.‬‬

‫( ‪)5/398‬‬ ‫النفس وخواطرها {إِنّهُ‪ 1‬عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} أي بما هو مكنون مستور في صدور الناس {أَل َيعْلَمُ‬ ‫مَنْ‪ 2‬خَلَقَ} أي كيف ل يعلم من خلقهم وهو اللطيف بهم الخبير بأحوالهم وأعمالهم‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ ذَلُولً} أي ‪ 3‬سهلة فامشوا في مناكبها جوانبها ونواحيها شرقا وغربا‬ ‫{ ُهوَ الّذِي َ‬ ‫وكلوا من رزقه الذي خلق لكم‪ ،‬وإليه وحده نشوركم أي إحيائكم وإخراجكم من قبوركم ليحاسبكم‬ ‫ويجزيكم على إيمانكم وطاعتكم بخير الجزاء وهو الجنة ونعيمها‪ ،‬وعلى كفر من كفر منكم‬ ‫وعصى بشر الجزاء وهو النار وعذابها‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة اليمان بالغيب ومراقبة ال تعالى في السر والعلن‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية السير في الرض لطلب الرزق من التجارة والفلحة وغيرهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫سلَ‬ ‫سمَاءِ أَنْ يُ ْر ِ‬ ‫سفَ ِبكُمُ الْأَ ْرضَ فَإِذَا ِهيَ َتمُورُ (‪َ )16‬أمْ َأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫سمَاءِ أَنْ َيخْ ِ‬ ‫أََأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫عَلَ ْيكُمْ حَاصِبا فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ (‪ )17‬وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪َ )18‬أوََلمْ‬ ‫شيْءٍ َبصِيرٌ (‪)19‬‬ ‫حمَنُ إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫س ُكهُنّ إِلّا الرّ ْ‬ ‫ت وَيَقْ ِبضْنَ مَا ُيمْ ِ‬ ‫يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّا ٍ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أن يخسف بكم الرض ‪:‬أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها‪.‬‬ ‫فإذا هي تمور ‪:‬أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم‪.‬‬ ‫أن يرسل عليكم حاصبا ‪:‬أي ريحا عاصفا نرميكم بالحصباء فتهلكون‪.‬‬ ‫كيف نذير ‪:‬أي كان عاقبة إنذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬إنه عليم بذات الصدور الجملة تعليل للتسوية بين السر والجهر من أقوال المشركين نحو قوله‬ ‫أصبروا أو ل تصبروا أي استوى عنده السر والجهر كما استوى عند أهل النار الصبر والجزع‪.‬‬ ‫‪ 2‬أل يعلم السر من خلق السر أي أنا خلقت السر في القلب أفل أكون عالما بما في قلوب العباد‪.‬‬ ‫إذ لبد وأن يكون الخالق عالما بما خلق والستفهام إنكاري وجملة وهو اللطيف الخبير في محل‬ ‫نصب حال‪.‬‬ ‫‪ 3‬ذلولً فعول بمعنى مفعول أي مذللة مسخرة منقادة لما تريدون منها من مشي عليها وزرع‬ ‫وغرس وبناء وإنشاء وتعمير‪.‬‬

‫( ‪)5/399‬‬ ‫فكيف كان نكير ‪:‬أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكارا حقا واقعا موقعه‪.‬‬ ‫صآفات ‪:‬أي باسطات أجنحتها‪.‬‬ ‫ويقبضن ‪:‬أي ويمسكن أجنحتهن‪.‬‬ ‫ما يمسكهن إل الرحمن ‪:‬أي حتى ل يسقطن على الرض حال البسط للجنحة والقبض لها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى واعظا عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أأمنتم ‪ 1‬من في السماء الذي‬ ‫هو العلو المطلق وهو ال عز وجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الرض‬ ‫لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغوروا في بطنها‬ ‫والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول وقوله {أَمْ َأمِنْتُمْ مَنْ‪ 2‬فِي‬ ‫سمَاءِ} وهو ال عز وجل أن يرسل عليكم حاصبا أي ريحا تحمل الحصباء والحجارة فتهلكهم‬ ‫ال ّ‬ ‫{فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ} أي إنذاري لكم الكفر والتكذيب أي أنه حق وواقع مقتضاه وقوله تعالى‬ ‫{وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ} كعاد وثمود وغيرهما أي كذبوا رسلي بعدما أنكروا عليهم الشرك‬ ‫والكفر فأهلكناهم { َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ} أي إنكاري لهم كان حقا وواقع المقتضى وقوله تعالى {َأوَلَمْ‬ ‫‪3‬يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّاتٍ} أي باسطات أجنحتهن ويقبضنا ما يمسكهن في حالة البسط أو‬ ‫القبض إل الرحمن الذي أنكره المشركون وقالوا وما الرحمن وهم يعيشون في رحمته التي وسعت‬ ‫كل شيء وهي متجلية حتى في الطير تحفظه من السقوط والتحطيم أي أينكرون ألوهية ال‬ ‫ورحمته ولم يروا إلى الطير وهي صافات وقابضات أجنحتها ول يمسكها أحد من الناس فمن‬ ‫يمسكها إذا؟ إنه الرحمن جل جلله وعظم سلطانه بما شاء من السنن والنواميس التي يحكم بها‬ ‫شيْءٍ‬ ‫خلقه ويدبر بها ملكوته إن أمر المشركين في كفرهم بال لعجب وقوله {إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه يريد أن يصيبكم به‬ ‫إن أصررتم على تكذيبه وتكذيب رسوله‪ .‬هكذا عقيدة السلف في إثبات صفة العلو ل تعالى‪ ،‬وأما‬ ‫الخلف فيقولون‪ :‬أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه وملئكة هروبا إلى التأويل حتى ل‬ ‫يصفوا ال تعالى بما وصف به نفسه من العلو الذاتي فما أضل القوم والستفهام إنكاري أي ينكر‬ ‫عليهم أمنهم من الخسوف بهم وهم قائمون على معاصي توجب لهم ذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬أم‪ :‬هي المنقطعة التي تؤول ببل والستفهام وهو إنكاري تعجبي ينكر عليهم أمنهم من عذاب‬ ‫ال بإرسال حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط فتهلكهم كما أهلكتهم إذ هم متعرضون‬ ‫لذلك بتكذيبهم وشركهم وكفرهم وحذفت الياء من نذيري ونكيري وهي ضمير المتكلم حذفت‬ ‫تخفيفا‪.‬‬ ‫‪ 3‬الهمزة داخلة على محذوف أي أغفلوا ولم يروا إلى الطير فوقهم حال كونها صافات أجنحتها‬ ‫وتقبضها أحيانا ولم تسقط فتتجلى لهم قدرة ال ورحمته ليؤمنوا ويطيعوا فينجوا ويسعدوا‪.‬‬

‫( ‪)5/400‬‬ ‫َبصِيرٌ} سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في‬ ‫الحشاء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تحذير المعرضين عن ال وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن ال قادر‬ ‫على أن يخسف بهم الرض أو يرسل عليهم حاصبا من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم‬ ‫بحال من الحوال‪ .‬إل إيمانهم وإسلمهم ل عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الهالكين الولين عبر وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به‪.‬‬ ‫‪ -3‬من آيات ال في الفاق الدالة على قدرة ال وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحده طيران‬ ‫الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضها ول يسقط إذ المفروض أن يبقى دائما يخفق‬ ‫بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إذا قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن‬ ‫عز وجل يمسكه فل يسقط‪.‬‬ ‫حمَنِ إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ (‪َ )20‬أمّنْ َهذَا‬ ‫َأمّنْ هَذَا الّذِي ُهوَ جُنْدٌ َلكُمْ يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ دُونِ الرّ ْ‬ ‫جهِهِ َأهْدَى‬ ‫سكَ رِ ْزقَهُ َبلْ َلجّوا فِي عُ ُتوّ وَ ُنفُورٍ (‪َ )21‬أ َفمَنْ َيمْشِي ُمكِبّا عَلَى وَ ْ‬ ‫الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأمْ َ‬ ‫سمْعَ وَالْأَ ْبصَارَ‬ ‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ‬ ‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ُ )22‬قلْ ُهوَ الّذِي أَنْشََأكُمْ وَ َ‬ ‫َأمّنْ َيمْشِي َ‬ ‫ض وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ (‪ )24‬وَيَقُولُونَ مَتَى‬ ‫شكُرُونَ (‪ُ )23‬قلْ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫وَالَْأفْئِ َدةَ قَلِيلً مَا تَ ْ‬

‫هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )25‬قلْ إِ ّنمَا ا ْلعِلْمُ عِ ْندَ اللّهِ وَإِ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )26‬فََلمّا رََأ ْوهُ زُ ْلفَةً‬ ‫ت وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُوا َوقِيلَ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ (‪)27‬‬ ‫سِي َئ ْ‬

‫( ‪)5/401‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫جند لكم ‪:‬أي أعوان لكم‪.‬‬ ‫من دون الرحمن ‪:‬أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه‪.‬‬ ‫إن الكافرون ‪:‬أي ما الكافرون‪.‬‬ ‫إل في غرور ‪:‬غرهم الشيطان بأن ل عذاب ينزل بهم‪.‬‬ ‫إن أمسك رزقه ‪:‬أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ ل أحد غير ال يرسله‪.‬‬ ‫بل لجوا في عتو ونفور ‪:‬أي إنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق‪.‬‬ ‫أفمن يمشي مكبا على وجهه ‪:‬أي واقعا على وجهه‪.‬‬ ‫أمن يمشي سويا ‪ :‬أي مستقيما‪.‬‬ ‫والفئدة ‪:‬أي القلوب‪.‬‬ ‫قليل ما تشركون ‪:‬أي شكركم قليل‪.‬‬ ‫ذرأكم في الرض ‪:‬أي خلقكم في الرض وإليه تحشرون ل إلى سواه‪.‬‬ ‫متى هذا الوعد ‪:‬أي الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫قل إنما العلم عند ال ‪:‬أي علم مجيئه عند ال ل غير‪.‬‬ ‫فلما رأوه زلفة ‪:‬أي لما رأوا العذاب قريبا منهم في عرصات القيامة‪.‬‬ ‫سيئت وجوه الذين كفروا ‪:‬أي تغيرت مسودة‪.‬‬ ‫هذا الذي كنتم به توعدون ‪:‬أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون به تحديا منكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قريش فقال تعالى مخاطبا لهم {َأمّنْ هَذَا الّذِي ‪ُ 1‬هوَ جُ ْندٌ‬ ‫حمَنِ؟} أي من هذا الذي هو جند لكم أيها المشركون بال تعالى ينصركم‬ ‫َلكُمْ يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ دُونِ الرّ ْ‬ ‫من دون الرحمن إن أراد الرحمن بكم سوءا فيدفعه عنكم‪ .‬وقوله تعالى {إِنِ ا ْلكَافِرُونَ‪ِ 2‬إلّا فِي‬ ‫غُرُورٍ} أي ما الكافرون إل في غرور أوقعهم الشيطان فيه زين لهم الشرك ووعدهم ومناهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أمن هي (أم) المنقطعة المقدرة ببل ومن الستفهامية أدغمت في ميم أم فصارت أمن والستفهام‬ ‫للتبكيت والتأنيب والضراب النتقالي إذ تنقل من توبيخهم على عدم التأمل فيما يشاهدونه من‬ ‫أحوال الطير المنبئة عن آثار قدرة ال ورحمته إلى التبكيت بضعفهم وقلة الناصر لهم سوى‬

‫الرحمن الذي يكفرون به‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة معترضة مقررة لما قبلها واللتفات فيها من الخطاب إلى الغيبة لقتضاء حالهم‬ ‫العراض عنهم والظهار في موضع الضمار إذ قال إن الكافرون‪ ,‬ولم يقل إن هم إل في غرور‬ ‫لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به‪.‬‬

‫( ‪)5/402‬‬ ‫سكَ‬ ‫أنه ل حساب ول عقاب‪ ،‬وأن آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى {َأمّنْ‪ 1‬هَذَا الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأمْ َ‬ ‫رِ ْزقَهُ َبلْ َلجّوا فِي عُ ُت ّو وَ ُنفُورٍ} أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم إن أمسك ال‬ ‫ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير ال‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ لَجّوا فِي عُ ُتوّ‬ ‫وَنُفُورٍ} أي أنهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والتباعد عن الحق‪ .‬وقوله‬ ‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ؟} هذا مثل‬ ‫جهِهِ َأهْدَى َأمّنْ‪َ 3‬يمْشِي َ‬ ‫تعالى {َأ َفمَنْ َيمْشِي ‪ُ 2‬مكِبّا عَلَى وَ ْ‬ ‫ضربه ال تعالى للمشرك والموحد تبيانا لحالهما وتحقيقا لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكبا أي‬ ‫واقعا على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سويا أي‬ ‫مستقيما على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعا الذي‬ ‫يمشي سويا على صراط مستقيم إذا النتيجة أن الموحد ‪ 4‬مهتد والمشرك ضال‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ‬ ‫س ْم َع وَالْأَ ْبصَارَ وَالَْأفْ ِئ َدةَ} أي القلوب أي وأنتم ل تكرون‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬ ‫ُهوَ الّذِي أَ ْنشََأكُمْ} أي خلقكم { َو َ‬ ‫ذلك فمالكم إذا ل تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك باليمان به وبرسوله وطاعته وطاعة‬ ‫رسوله إنكم ما تشكرون إل قليل وهو اعترافكم بأن ال هو المنعم ل غير‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ ُهوَ‬ ‫ض وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ} أي قل لهم يا رسولنا ال هو الذي ذرأكم في الرض أي‬ ‫الّذِي ذَرََأكُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫خلقكم ل أصنامكم التي ل تخلق ذبابا وإليه تعالى وحده تحشرون يوم القيامة إذا فكيف ل تؤمنون‬ ‫به وبرسوله ول تشكرونه ول تخافونه وإليه تحشرون فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَ َيقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ} أي ويقول الكافرون لرسول ال‬ ‫والمؤمنين‪ :‬متى هذا الوعد الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة أي متى يجيء؟ وهنا قال تعالى‬ ‫لرسوله إجابة لهم على سؤالهم‪ :‬قل {إِ ّنمَا ا ْلعِلْمُ ‪5‬عِنْدَ اللّهِ} أي علم مجيء يوم القيامة عند ال‪،‬‬ ‫وليس هو من شأني وإنما أنا نذير منه مبين ل غير‪ .‬وقوله تعالى { فََلمّا رََأ ْوهُ} أي عذاب يوم‬ ‫ت وُجُوهُ الّذِينَ َكفَرُوا} أي أساءها ال فتغيرت بالسوداد‬ ‫القيامة {زُ ْلفَةً} أي ‪ 6‬قريبا منهم {سِي َئ ْ‬ ‫والكآبة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أمن هذا الذي‪ :‬القول فيها كالقول في سابقها سواء‪.‬‬ ‫‪ 2‬مكبا اسم فاعل من اكب اللزم أما المعتدي فهو كبه يكبه وجواب الستفهام الول هو جملة‬

‫أهدى وحذف جواب الستفهام الثاني لدللة الول عليه‪.‬‬ ‫‪ 3‬أهدى أي أكثر هداية واستقامة والسوي هو الشديد الستواء وهو العتدال ولستقامة‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يراد بالمكب على وجهه أبو جهل‪ ،‬والسوي على صراط مستقيم أبو بكر رضي ال‬ ‫عنه والمثل عام في كل مشرك وموحد أو كافر ومؤمن‪.‬‬ ‫‪ 5‬كقوله تعالى‪ :‬قل إنما علمها عند ربي الية من سورة العراف‪.‬‬ ‫‪ 6‬زلفة‪ :‬اسم مصدر من أزلف إزلفا إذا أقرب‪ ،‬والزلفى القربة والمنزلة‪ .‬والفاء في فلما رأوه‬ ‫زلفة هي الفصيحة إذ أعربت من جملتين وترتيب الشرطية عليها كأنه قيل وقد أتاهم الموعود به‬ ‫فرأوه‪ ،‬فلما رأوه زلفة سيئت أي اسودت وجوه الذين كفروا لما فيها من الخوف والحزن‪.‬‬

‫( ‪)5/403‬‬ ‫والحزن‪ .‬وقيل لهم أو قالت لهم الملئكة هذا العذاب الذي كنتم به تطالبون متحدين رسولنا‬ ‫والمؤمنين وتقولون‪{ :‬مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ}‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير حقيقة ثابتة وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل ولذا يرفض دعوة الحق‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير حقيقة ثابتة وهي انحراف الكافر وضلله واستقامة المؤمن وهدايته‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الشكر ل تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب وذلك باليمان والطاعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )28‬قلْ ُهوَ‬ ‫حمَنَا َفمَنْ يُجِيرُ ا ْلكَافِرِينَ مِنْ َ‬ ‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّ ُه َومَنْ َم ِعيَ َأوْ َر ِ‬ ‫حمَنُ آمَنّا بِ ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا َفسَ َتعَْلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪ُ )29‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َأصْبَحَ مَا ُؤكُمْ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫غوْرا َفمَنْ يَأْتِيكُمْ ِبمَاءٍ َمعِينٍ (‪)30‬‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل أرأيتم ‪:‬أي أخبروني‪.‬‬ ‫ومن معي ‪:‬أي من المؤمنين‪.‬‬ ‫أو رحمنا ‪:‬أي لم يهلكنا‪.‬‬ ‫فمن يجير الكافرين ‪:‬أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب‪.‬‬ ‫قل هو الرحمن ‪:‬أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته‪.‬‬ ‫إن أصبح ماؤكم غورا ‪ :‬أي غائرا ل تناله الدلء ول تراه العيون‪.‬‬ ‫بماء معين ‪:‬أي تراه العيون لجريانه على الرض‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلء المشركين الذين‬

‫( ‪)5/404‬‬ ‫تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب ‪ 1‬المنون قل لهم {أَرَأَيْتُمْ} أي أخبروني {إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّهُ َومَنْ‬ ‫حمَنَا} فلم يهلكنا بعذاب { َفمَنْ يُجِيرُ‪ 3‬ا ْلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟}‬ ‫َمعِيَ‪ }2‬من المؤمنين‪َ{ ،‬أوْ رَ ِ‬ ‫حمَنُ آمَنّا ِب ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا}‬ ‫والجواب‪ :‬ل أحد إذا فماذا تنتفعون بهلكنا‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ ُهوَ الرّ ْ‬ ‫أي قل يا رسولنا لهؤلء المشركين قل هو الرحمن الذي يدعوكم إلى عبادته وحده وترك عبادة‬ ‫غيرة آمنا به وعليه توكلنا أي اعتمدنا عليه وفوضنا أمرنا إليه فستعلمون في يوم ما من هو في‬ ‫غوْرا} أي غائرا { َفمَنْ‬ ‫ضلل ممن هو على صراط مستقيم‪ .‬وقوله { ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َأصْبَحَ مَاؤُكُمْ َ‬ ‫يَأْتِيكُمْ ِبمَاءٍ َمعِينٍ} أي قل لهؤلء المشركين يا رسولنا تذكيرا لهم أخبروني إن أصبح ماؤكم الذي‬ ‫تشربون منه "بئر زمزم" وغيرها ‪ 4‬غائرا ل تناله الدلء ول تراه العيون‪ .‬فمن يأتيكم بماء معين‬ ‫غير ال تعالى؟ والجواب ل أحد ‪ 5‬إذا فلم ل تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه‬ ‫بالعبادات التي شرع لعباده أن يعبدوه بها؟‪6.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم حتى تمنوا موته‪.‬‬ ‫‪-2‬وجوب التوكل على ال عز وجل بعد اليمان‪.‬‬ ‫‪-3‬مشروعية الحجاج لحقاق الحق وإبطال الباطل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جاء هذا في سورة الطور‪ .‬إذ قال تعالى عنهم أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون‪.‬‬ ‫‪2‬فتح كل من ياءي أهلكني ومن معي‪ .‬نافع وحفص سواء‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للنفي‪.‬‬ ‫‪ 4‬وهي بئر ميمون كانوا يشربون منها كبئر زمزم‪.‬‬ ‫‪ 5‬معين أصلها معيون كمبيع أصلها مبيوع فنقلت ضمة الياء إلى العين قبلها فالتقى ساكنان الياء‬ ‫والواو فحذفت الواو‪ .‬ثم كسرت العين لتصبح الياء‬ ‫‪ 6‬روى استحباب قول القارئ‪ :‬ال رب العالمين إذا قرأ فمن يأتيكم بماء معين وروي أن جاهلً‬ ‫ملحدا لما سمعها قال‪ :‬تأتي بها الفؤوس والمعاول فذهب ماء عينيه وعمي‪ .‬والعياذ بال تعالى من‬ ‫الجهل والكفر والجرأة على ال‪.‬‬

‫( ‪)5/405‬‬ ‫سورة القلم‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة القلم‬ ‫مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ن وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَسْطُرُونَ (‪ )1‬مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِبمَجْنُونٍ (‪ )2‬وَإِنّ َلكَ لََأجْرا غَيْرَ َممْنُونٍ (‪ )3‬وَإِ ّنكَ‬ ‫ْ‬ ‫َلعَلَى خُُلقٍ عَظِيمٍ (‪)4‬‬

‫( ‪)5/405‬‬ ‫ضلّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ ُهوَ أَعَْلمُ‬ ‫ن َ‬ ‫فَسَتُ ْبصِ ُر وَيُ ْبصِرُونَ (‪ )5‬بِأَ ّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ (‪ )6‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬ ‫بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪)7‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ن ‪:‬هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن ويقرأ هكذا نون‪.‬‬ ‫والقلم وما يسطرون ‪:‬أي والقلم الذي كتب به الذكر "القدر" والذي يخطون ويكتبون‪.‬‬ ‫ما أنت بنعمة ربك ‪:‬أي لست بما أنعم ال عليك من النبوة وما وهبك من الكمال‪.‬‬ ‫بمجنون ‪:‬أي بذي جنون كما يزعم المشركون‪.‬‬ ‫غير ممنون ‪ :‬أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا‪.‬‬ ‫بأيكم المفتون ‪:‬أي بأيكم الجنون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى (ن) هذا أحد الحروف ‪1‬المقطعة نحو ق‪ ،‬ص‪ ،‬وحم ال أعلم بمراده به وقوله تعالى‬ ‫سطُرُونَ} أي ‪ 2‬والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب‬ ‫{وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَ ْ‬ ‫ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملئكة نقل من‬ ‫اللوح المحفوظ‪ ،‬وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الول‬ ‫القلم‪ ،‬والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء‪ .‬والمقسم ‪ 3‬عليه قوله {مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ‪4‬‬ ‫رَ ّبكَ ِبمَجْنُونٍ} تكذيب للمشركين الذين قالوا إن محمدا مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير‬ ‫به على من هداه ال لليمان‪ ،‬وقوله تعالى { َوإِنّ َلكَ لَأَجْرا غَيْرَ َممْنُونٍ} هذا داخل تحت القسم أي‬ ‫مقسم عليه وهو أن للنبي صلى ال عليه وسلم أجرا غير مقطوع أبدا بسبب ما قدمه من أعمال‬

‫صالحة أعظمها ما بينه من الهدى سنه من طرق الخير إذ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من‬ ‫عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له‬ ‫أعلها وأفضلها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى عن بعض السلف أن‪ :‬نون هي الدواة‪ ،‬وكونه أحد الحروف المقطعة أولى لنظائره من‬ ‫ص‪ ،‬وق ويس‪ ،‬وطس‪ .‬وفي إدغام النون في واو القلم قراءتان سبعيتان الفك والدغام‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون ما موصولة‪ .‬أي والذي يسطرونه وجائز أن تكون مصدريه أي ومسطورهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬جواب القسم وهو ثلثة أشياء الول نفي الجنون عنه صلى ال عليه وسلم و الثاني ثبوت الجر‬ ‫له صلى ال عليه وسلم والثالث كونه على أعظم خلق حيث تحلى بكل أدب في القرآن حتى قالت‬ ‫عائشة رضي ال عنها كان خلقه القرآن‪.‬‬ ‫‪ 4‬الباء بنعمة ربك سببية أي ما أنت بسبب ما أنعم ال عليك من الوحي مجنونا والباء في مجنون‬ ‫زائدة لتقوية النفي وتأكيده‪.‬‬

‫( ‪)5/406‬‬ ‫وقوله {وَإِ ّنكَ َلعَلَى خُُلقٍ عَظِيمٍ} ‪ 1‬هذا أيضا داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمدا صلى‬ ‫ال عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف ل يكون أكمل الخلق أدبا وسيرته‬ ‫وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين‪ .‬ومثل‬ ‫وشاورهم في المر ومثل ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك إلى غير ذلك من الداب‬ ‫الرفيعة التي أدب ال بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدبا وخلقا وقد سئلت عائشة عن خلق النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال‬ ‫إنما بعثت لتمم مكارم الخلق‪ .‬وقوله تعالى { َفسَتُ ْبصِرُ‪ 2‬وَيُ ْبصِرُونَ بِأَ ّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ} أي دم على‬ ‫ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك‬ ‫المتهمون لك بالجنون بأيكم ‪ 3‬المفتون أي المجنون أنت –وحاشاك‪ -‬أو هم‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ‪4‬‬ ‫رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنْ ضَلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ} في هذا الخبر تعزية لرسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم وتسلية له ليصبر على دعوة ال وفيه تهديد ووعيد للمشركين المكذبين فكون ال أعلم‬ ‫من كل أحد بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين معناه أنه سيعذب حسب سنته الضال‬ ‫وسيرحم المهتدي‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬تقرير مسألة أن ل تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه‪.‬‬

‫‪-2‬بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى و الخير‪.‬‬ ‫‪-3‬تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق ال‪.‬‬ ‫‪-4‬بيان كمال الرسول صلى ال عليه وسلم في أدبه و أخلقه وجعله قدوة في ذلك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في فضل الخلق أحاديث ‪ ".‬اتق ال حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس‬ ‫بخلق حسن"‪ ،‬وحديث "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن‪ ،‬وإن ال‬ ‫تعالى ليبغض الفاحش البذيء"‪( .‬صحيح)‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل وما في التفسير وارد‬ ‫وحق ولعله المراد وما قاله ابن عباس حق ووارد‪.‬‬ ‫‪ 3‬بأيكم المفتون‪ ،‬أي اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه‪ ،‬وله مواقع كثيرة في الكلم فقد يشرب‬ ‫معنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الستفهام‪ ،‬ومعنى التنويه بكامل‪ .‬فقوله بأيكم المفتون معناه‬ ‫أي رجل أو أي فريق منكم المفتون فأي هنا في محل نصب معمول فسينتصر وينتصرون أيكم‬ ‫المفتون إذ الياء زائدة كالباء في وامسحوا برؤوسكم‪.‬‬ ‫‪4‬الجملة تعليلية لما ينبيء عنه ما قبله من اهتدائه صلى ال عليه وسلم وضللهم أو على جميع ما‬ ‫فصل من أول السورة ومع أنها تعليلية فإنها متضمنة التسلية للرسول صلى ال عليه وسلم كما في‬ ‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)5/407‬‬ ‫فَل تُطِعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )8‬وَدّوا َلوْ ُتدْهِنُ فَيُ ْدهِنُونَ (‪ )9‬وَل ُتطِعْ ُكلّ حَلّافٍ َمهِينٍ (‪َ )10‬همّازٍ مَشّاءٍ‬ ‫ل وَبَنِينَ (‪ )14‬إِذَا‬ ‫بِ َنمِيمٍ (‪ )11‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ (‪ )12‬عُ ُتلّ َبعْدَ َذِلكَ زَنِيمٍ (‪ )13‬أَنْ كَانَ ذَا مَا ٍ‬ ‫س ُمهُ عَلَى الْخُ ْرطُومِ (‪)16‬‬ ‫تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪ )15‬سَنَ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ودوا لو تدهن ‪:‬أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن ل تذكر آلهتهم بسوء‪.‬‬ ‫فيدهنون ‪ :‬فيلينون لك ول يغلظون لك في القول‪.‬‬ ‫كل حلف مهين ‪:‬أي كثير الحلف بالباطل حقير‪.‬‬ ‫هماز مشاء بنميم ‪ :‬أي عياب مغتاب‪.‬‬ ‫معتد أثيم ‪:‬أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والثام‪.‬‬ ‫عتل بعد ذلك زنيم ‪ :‬أي غليظ جاف‪ .‬زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة‪.‬‬ ‫قال أساطير الولين ‪ :‬أي ما روته الولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني‪.‬‬ ‫سنسمه على الخرطوم ‪ :‬أي سنجعل على أنفه علمة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم‬

‫بدر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫طعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ}‪ 1‬أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فل تطع‬ ‫قوله تعالى {فَل تُ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬التاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله‪.‬‬ ‫وعليه فل تطع المكذبين الخ نهى صلى ال عليه و سلم عن طاعة المشركين في أي شيء يريدونه‬ ‫منه مما هو رضاء بالشرك وسكوت عنه ممالة لهم وسكوتا عن باطلهم مقابل ترك أذاهم له‪.‬‬

‫( ‪)5/408‬‬ ‫هؤلء الضالين المكذبين بال ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله { َودّوا َلوْ ُتدْهِنُ‪1‬‬ ‫فَيُدْهِنُونَ} أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي‬ ‫تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السب و‬ ‫الشتم‪ .‬وقوله تعالى {وَل ُتطِعْ ُكلّ حَلّافٍ َمهِينٍ} بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن‬ ‫طاعة أفراد شريرين ل خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال‪{ :‬وَل تُطِعْ ُكلّ حَلّافٍ} كثير الحلف‬ ‫بالباطل { َمهِين ٍ‪ }2‬أي حقير‪َ { .‬همّازٍ} عياب {مَشّاءٍ بِ َنمِيمٍ} أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه‬ ‫الفساد {مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ} أي يبخل بالمال أشد البخل { ُمعْ َتدٍ أَثِيمٍ} أي ظالم للناس معتد على أموالهم‬ ‫وأنفسهم {أَثِيمٍ} كثير الثم لغشيانه المحرمات وقوله {عُ ُتلّ َب ْعدَ ذَِلكَ‪ 3‬زَنِيمٍ} أي غليظ الطبع جاف ل‬ ‫أدب معه‪{ .‬زَنِيمٍ} أي دعي في قريش وليس منهم‪ .‬وقوله تعالى {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ِإذَا تُتْلَى‬ ‫عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ} أي لجل أن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب‬ ‫بآيات ال فإذا تليت عليه وسمعها قال أساطير الولين ردا لها ووصفوها بأنها أسطورة أي أكذوبة‬ ‫س ُمهُ عَلَى الْخُ ْرطُومِ} أي‬ ‫مسطرة ومكتوبة من أساطير الولين من المم الماضية‪ .‬قال تعالى {سَنَ ِ‬ ‫نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو وسم على أنفه فكل‬ ‫من رآه استقبح منظره‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب‪ ،‬المهانة‪ ،‬الهمزة النميمة‪ ،‬الغيبة‪ ،‬البخل‪،‬‬ ‫العتداء‪ ،‬غشيان الذنوب‪ ،‬الغلظة والجفاء‪ ،‬الشهرة بالشر‪.‬‬ ‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى}‪.‬‬ ‫‪-2‬التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان {إِنّ الْإِنْسَانَ لَيَ ْ‬ ‫‪ -3‬التنديد بالمكذبين بآيات ال تعالى أو تفصيل‪ .‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬ودوا لو تدهن هذا بيان لما نهى عنه من طاعتهم‪ ،‬وفعل تدهن مشتق من الدهان وهو الملينة‬ ‫والمصانعة وهو مأخوذ من دهن الشيء بالدهان ليلينه ويرق‪ ،‬والمداهنة محرمة و المداراة جائزة‬ ‫والفرق بينهما أن المداهن يتنازل من شيء من دينه ليحفظ شيئا من دنياه‪ ،‬والمداري عكسه يتنازل‬ ‫عن شيء من دنياه ليحفظ شيئا من دينه‪.‬‬ ‫‪ 2‬المهين‪ :‬الوضيع لكثاره من القبيح‪ ،‬وتفسيره بالحقير صالح وكذا الفاجر العاجز‪.‬‬ ‫‪ 3‬العتل‪ :‬الجافي الشديد‪ ،‬ومنه أخذ العتال الذي يجر الناس ويدفعهم بعنف ليدخلهم في السجن‬ ‫ونحوه‪ .‬ومنه قوله تعالى {خذوه فاعتلوه‪}.‬‬

‫( ‪)5/409‬‬ ‫سمُوا لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ (‪ )17‬وَل يَسْتَثْنُونَ (‪ )18‬فَطَافَ‬ ‫صحَابَ الْجَنّةِ إِذْ َأ ْق َ‬ ‫إِنّا بََلوْنَاهُمْ َكمَا بََلوْنَا َأ ْ‬ ‫حتْ كَالصّرِيمِ (‪ )20‬فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ (‪ )21‬أَنِ‬ ‫ك وَهُمْ نَا ِئمُونَ (‪ )19‬فََأصْبَ َ‬ ‫عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّب َ‬ ‫اغْدُوا عَلَى حَرْ ِث ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِرمِينَ (‪ )22‬فَا ْنطََلقُوا وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ (‪ )23‬أَنْ ل يَ ْدخُلَ ّنهَا الْ َيوْمَ عَلَ ْي ُكمْ‬ ‫سكِينٌ (‪ )24‬وَغَ َدوْا عَلَى حَ ْردٍ قَادِرِينَ (‪ )25‬فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا إِنّا َلضَالّونَ (‪َ )26‬بلْ َنحْنُ‬ ‫مِ ْ‬ ‫طهُمْ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ َلوْل تُسَبّحُونَ (‪ )28‬قَالُوا سُبْحَانَ رَبّنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‬ ‫سُ‬ ‫مَحْرُومُونَ (‪ )27‬قَالَ َأوْ َ‬ ‫عسَى رَبّنَا أَنْ‬ ‫علَى َب ْعضٍ يَتَل َومُونَ (‪ )30‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ (‪َ )31‬‬ ‫ضهُمْ َ‬ ‫‪ )29‬فََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬ ‫ب وََلعَذَابُ الْآخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‬ ‫يُبْدِلَنَا خَيْرا مِ ْنهَا إِنّا إِلَى رَبّنَا رَاغِبُونَ (‪َ )32‬كذَِلكَ ا ْلعَذَا ُ‬ ‫‪)33‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا بلوناهم ‪ :‬أي امتحنا كفار مكة بالمال والولد والجاه والسيادة فلم يشكروا نعم ال عليهم بل‬ ‫كفروا بها بتكذيبهم رسولنا وإنكارهم توحيدنا فأصبناهم بالقحط والقتل لعلهم يتوبون كما امتحنا‬ ‫أصحاب الجنة المذكورين في هذا السياق‪.‬‬ ‫ليصرمنها ‪ : 1‬أي ليجدنها أي يقطعون ثمارها صباحا‪.‬‬ ‫فطاف عليهم طائف من ‪ :‬أي نار فأحرقتها‪.‬‬ ‫ربك وهم نائمون‬ ‫فأصبحت كالصريم ‪:‬أي كالليل السود الشديد الظلمة والسواد‪.‬‬ ‫على حرثكم ‪:‬أي غلة جنتكم وقيل فيها حرث لنهم عملوا فيها‪.‬‬ ‫وهم يتخافتون ‪:‬أي يتشاورون بأصوات مخفوضة غير رفيعة حتى ل يسمع بهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الصرم‪ :‬الجد والقطع‪ ،‬والجز أيضا بالزاي كلها بمعنى القطع والكسر‪.‬‬

‫( ‪)5/410‬‬ ‫وغدوا على حرد قادرين ‪:‬أي وغدوا صباحا على قصد قادرين على صرمها قبل أن يطلع عليهم‬ ‫المساكين‪.‬‬ ‫إنا لضالون ‪:‬أي مخطئوا الطريق أي ما هذا طريق جنتنا ول هي هذه‪.‬‬ ‫بل نحن محرومون ‪:‬أي لما علموا أنها هي وقد احترقت قالوا بل نحن محرومون منها لعزمنا‬ ‫على حرمان المساكين منها‪.‬‬ ‫قال أوسطهم ‪ :‬خيرهم تقوى وأرجحهم عقل‪.‬‬ ‫لول تسبحون ‪ :‬أي تسبحون ال وتستثنون عندما قلتم لنصرمنها مصبحين‪.‬‬ ‫يتلومون ‪ :‬أي يلوم بعضهم بعضا تندما وتحسرا‪.‬‬ ‫إنا إلى ربنا راغبون ‪ :‬أي طامعون‪.‬‬ ‫كذلك العذاب ‪:‬أي مثل هذا العذاب بالحرمان العذاب لمن خالف أمرنا وعصانا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في مطلب هداية قريش قوم محمد صلى ال عليه وسلم فقال تعالى {إِنّا‬ ‫بََلوْنَاهُمْ} يعني كفار قريش أي امتحناهم واختبرناهم باللء والنعم لعلهم يشكرون فلم يشكروا ثم‬ ‫بالبلء والنقم أي بالقحط والجدب والقتل لعلهم يتوبون كما بلونا أصحاب الجنة فتابوا ثم ذكر‬ ‫تعالى قصة أصحاب الجنة الذين ابتلهم فتابوا إليه ورجعوا إلى طاعته فقال {إِنّا بََلوْنَاهُمْ َكمَا بََلوْنَا‬ ‫سمُوا} –حلفوا‪{ -‬لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ‪ }2‬أي ليقطعن ثمارها ويجدونه في‬ ‫َأصْحَابَ ا ْلجَنّةِ‪ِ 1‬إذْ َأقْ َ‬ ‫الصباح الباكر قبل أن يعلم المساكين حتى ل يعطوهم شيئا‪ .‬ول يستثنون أي لم يستثنوا في حلفهم‬ ‫حتْ‬ ‫لم يقولوا إل أن يشاء ال‪{ .‬فَطَافَ عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّبكَ} يا رسولنا وهو نار أحرقتها {فََأصْبَ َ‬ ‫كَالصّرِيمِ} أي الليل المظلم السود الشديد السواد‪{ .‬فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ} أي نادى بعضهم بعضا وهم‬ ‫إخوة كثير في أول الصباح قائلين {اغْدُوا عَلَى حَرْ ِثكُمْ} إن كنتم فعل جادين في الصرام هذا‬ ‫الصباح‪{ .‬فَا ْنطََلقُوا } مسرعين {وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ} يتشاورون في صوت خافت حتى ل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل أن هذه الجنة "البستان" كانت على فراسخ من صنعاء اليمن وكانت بعد رفع عيسى عليه‬ ‫السلم‪ ،‬كانت لرجل مؤمن يؤدي حق ال تعالى فلما مات صارت لولده فعزموا على منع الناس‬ ‫ما كان والدهم يعطيه لمن يحضر الجداد من فقراء ومسامين فعاقبهم ال فاحترقت وفي اليات‬ ‫بيان بذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية أدب سام وهو أن من كان له من الزرع أو التمر ما يجد‪ ،‬ينبغي أن ل يجده ليل حتى‬ ‫ل يحرم الفقراء من الكل منه وأن عليه أن بمنح من يحضر الجداد والقطع شيئا يسيرا من زرعه‬

‫أو ثمره‪ ،‬وآية سورة النساء ظاهرة في هذا وهي قوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) إلى‬ ‫قوله (فارزقوهم منه) الية‪.‬‬

‫( ‪)5/411‬‬ ‫سكِينٌ} كما كانوا‬ ‫يفطن لهم فقراء البلد ومساكينها وأجمعوا ‪ 1‬على {أَنْ ل يَ ْدخُلَ ّنهَا الْ َيوْمَ عَلَ ْيكُمْ مِ ْ‬ ‫يدخلونها ويأخذون منها أيام حياة والدهم رحمه ال عليه قال تعالى {وَغَ َدوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي‬ ‫وانطلقوا صباحا على حرد أي ‪ 2‬قصد تام قادرين على أن ل يدخلنها اليوم عليهم مسكين بل‬ ‫يجدونها ويحملونها إلى مخازنهم ول يشعر بهم أحد من الفقراء والمساكين‪ .‬قال تعالى { َفَلمّا‬ ‫رََأوْهَا} محترقة سوداء مظلمة {قَالُوا} ما هذه جنتنا {إِنّا َلضَالّونَ‪ }3‬عنها بأن أخطئنا الطريق إليها‪،‬‬ ‫ولما علموا أنها هي ولكن احترقت ليل اضربوا عن قولهم الول وقالوا { َبلْ نَحْنُ َمحْرُومُونَ} أي‬ ‫منها لعزمنا على منع المساكين منها وقد كان والدنا يمنحهم منها ويعطيهم شكرا ل وأداء لحقه‪.‬‬ ‫طهُمْ أَلَمْ‬ ‫وهنا تكلم أوسطهم أي خيرهم تقوى وأرجحهم عقل بما أخبر تعالى عنه في قوله {قَالَ َأوْسَ ُ‬ ‫‪َ 4‬أ ُقلْ َل ُكمْ َلوْل ُتسَبّحُونَ} أي ألم يسبق لي أن قلت لكم لما قلتم لنصرمنها مصبحين ولم يستثنوا‬ ‫فقلت لكم هل يستثنون وأطلق لفظ التسبيح على الستثناء لن التسبيح تنزيه ل عن الشرك وسائر‬ ‫النقائص ومنها العجز و الستثناء تنزيه ل عن ذلك لن الذي يقول أفعل ولم يستثن أعطى لنفسه‬ ‫قدرة كقدرة ال الذي إذا قال أفعل فعل ول يعجز فهو هنا أشرك نفسه في صفة من صفات ال‬ ‫تعالى فلذا كان الستثناء تسبيحا ل وتنزيها له عن المشارك في صفاته وأفعاله‪ .‬فلما ذكرهم‬ ‫أخوهم العاقل الرشيد قالوا {سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ} فنابوا بهذا العتراف قال تعالى {فََأقْ َبلَ‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَتَل َومُونَ} أي يلوم بعضهم بعضا على خطأهم في عزمهم على حرمان‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫المساكين وعلى عدم الستثناء في اليمين قالوا من جملة ما قالوا {قَالُوا يَا وَيْلَنَا} أي يا هلكنا‬ ‫احضر {إِنّا كُنّا طَاغِينَ} أي متجاوزين حدود ال التي حد لنا غفلة منا وجهل بأنفسنا وبما يعاقب‬ ‫به أمثالنا‪ .‬وهنا بعد أن رجعوا على أنفسهم باللوم وإلى ال بالتوبة رجوا ربهم ولم ييأسوا من‬ ‫عسَى ‪ 5‬رَبّنَا أَنْ يُ ْبدِلَنَا خَيْرا مِ ْنهَا إِنّا إِلَى رَبّنَا ‪ 6‬رَاغِبُونَ} هكذا ابتلوا بالنعمة ثم‬ ‫رحمته فقالوا { َ‬ ‫بسلبها فتابوا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية دليل على أن العزم الكيد يؤاخذ عليه العبد لن أصحاب الجنة عزموا على أن‬ ‫يحرموا الفقراء فعاقبهم ال على عزمهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحرد‪ :‬يطلق على المنع وعلى القصد القوي وعلى السرعة والغضب أيضا وجملة وغدوا إلخ‬ ‫حالية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ل داعي إلى تفسير لضالون بالضلل الذي هو خروج عن طاعة ال تعالى بل المراد من‬

‫الضلل هو عدم اهتدائهم إلى جنتهم بأن ضلوا طريقها‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام تقريري‪ ،‬ولول للتحضيض‪.‬‬ ‫‪ 5‬قيل أنهم تعاقدوا وقالوا إن بدلنا ال خيرا منها لنصنعن كما يصنع أبونا فدعوا ال وتضرعوا‬ ‫فأبدلهم ال ما هو خير منها‪ ،‬سئل قتادة عن أصحاب الجنة‪ :‬أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟‬ ‫فقال للسائل لقد كلفتني تعبا‍ً‍!‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع أن يبدلنا بتشديد الدال‪ ،‬وقرأ حفص بالتخفيف من أبدل يبدل الرباعي‪.‬‬

‫( ‪)5/412‬‬ ‫مهل كفار قريش وقد ابتلوا بالنعمة ثم سلبوها فهل يتوبون كما تاب أصحاب الجنة؟ إنما سيقت هذه‬ ‫القصة تذكيرا وتعليما فهل يتذكرون فيتوبوا؟ قال تعالى {كَذَِلكَ‪ 1‬ا ْلعَذَابُ} أي مثل هذا العذاب‬ ‫بالحرمان العذاب لمن خالف أمر ال وعصاه {وََلعَذَابُ الْآخِ َرةِ َأكْبَرُ} من عذاب الدنيا {َلوْ كَانُوا‬ ‫َيعَْلمُونَ} فإن عذاب الدنيا وقته محدود وأجله معدود أما عذاب الخرة فإنه أبدي ل يحول ول‬ ‫يزول‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬البتلء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس الشاكرون عند السراء‬ ‫الصابرون على طاعة ال ورسوله عند الضراء‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية التذكير بأحوال المبتلين والمعافين ليتخذ من ذلك طريق إلى الشكر والصبر‪.‬‬ ‫‪ -3‬صلح الباء ينفع أبناء المؤمنين فقد انتفع أصحاب الجنة بصلح أبيهم الذي كان يتصدق‬ ‫على المساكين من غلة بستانه وعلمة انتفاعهم توبتهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الستثناء في اليمين وأنه تسبيح ل تعالى‪ ,‬وأن تركه يوقع في الثم ولذا إذا حنث‬ ‫الحالف لم يستثن تلوثت نفسه بآثم كبير ل يمحى إل بالكفارة الشرعية التي حددها الشارع وهي‬ ‫إطعام أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة فإن لم يقدر على واحدة من هذه النواع صام ثلثة‬ ‫أيام ليمحي ذلك الذنب من نفسه‪.‬‬ ‫ح ُكمُونَ‬ ‫ج َعلُ ا ْلمُسِْلمِينَ كَا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )35‬مَا َل ُكمْ كَ ْيفَ َت ْ‬ ‫إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪َ )34‬أفَ َن ْ‬ ‫(‪ )36‬أَمْ َلكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْ ُرسُونَ (‪ )37‬إِنّ َلكُمْ فِيهِ َلمَا َتخَيّرُونَ (‪َ )38‬أمْ َلكُمْ أَ ْيمَانٌ عَلَيْنَا بَاِلغَةٌ إِلَى‬ ‫ح ُكمُونَ (‪ )39‬سَ ْلهُمْ أَ ّيهُمْ ِبذَِلكَ زَعِيمٌ (‪َ )40‬أمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُ َركَا ِئهِمْ‬ ‫َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ َل ُكمْ َلمَا تَ ْ‬ ‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ فَل َيسْتَطِيعُونَ (‪)42‬‬ ‫ق وَيُدْ َ‬ ‫شفُ عَنْ سَا ٍ‬ ‫إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪َ )41‬يوْمَ ُيكْ َ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬قيل إن هذا وعظ لهل مكة بالرجوع إلى ال تعالى لما ابتلهم بالجدب لدعاء النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم عليهم أي كفعلنا نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)5/413‬‬ ‫عوْنَ إِلَى السّجُو ِد وَهُمْ سَاِلمُونَ (‪)43‬‬ ‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّ ٌة َوقَدْ كَانُوا يُدْ َ‬ ‫خَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن للمتقين ‪ : 1‬أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به ووحدوه فاتقوا بذلك الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫عند ربهم جنات النعيم ‪:‬أي لهم جنات النعيم يوم القيامة عند ربهم عز وجل‪.‬‬ ‫أفنجعل المسلمين كالمجرمين ‪:‬أي أنحيف في الحكم ونجور فنجعل المسلمين والمجرمين متساوين‬ ‫في العطاء والفضل والجواب ل‪ ،‬ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة‪.‬‬ ‫أم لكم كتاب فيه تدرسون ‪:‬أي تقرأون فعلمتم بواسطته ما تدعون‪.‬‬ ‫إن لكم فيه لما تخيرون ‪:‬أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه‪.‬‬ ‫أم لكم أيمان علينا بالغة ‪:‬أي ألكم عهود منا موثقة باليمان ل نخرج منها ول نتحلل إلى يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫إن لكم لما تحكمون ‪ :‬أي أعطيناكم عهودنا الواثقة أن لكم ما تحكمون به لنفسكم كما تشاءون‪.‬‬ ‫سلهم بذلك أيهم زعيم ‪:‬أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي‬ ‫يحكمون به لنفسهم من أنهم يعطون في الخرة أفضل مما يعطى المؤمنون‪.‬‬ ‫أم لهم شركاء ‪ :‬أي أعندهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوا يكفلون لهم به ما ادعوه‬ ‫وحكموا به لنفسهم وهو أنهم يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون يوم القيامة‪.‬‬ ‫يوم يكشف عن ساق ‪ :‬أي يوم يعظم الهول ويشتد الكرب ويكشف الرب عن ساقه الكريم التي ل‬ ‫يشبهها شيء عندما يأتي لفصل القضاء‪.‬‬ ‫ترهقهم ذلة ‪:‬أي تغشاهم ذلة يالها من ذلة‪.‬‬ ‫وقد كانوا يدعون إلى السجود ‪:‬أي وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى الصلة وهم سالمون من أية‬ ‫علة ول يصلون‬ ‫وهم سالمون حتى ل يسجدوا تكبرا وتعظيما‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المتقون هم الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وعبدوه وحده فأطاعوه وأطاعوا رسوله فلم يشركوا ولم‬ ‫يفسقوا‪.‬‬

‫( ‪)5/414‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّ ‪1‬لِ ْلمُ ّتقِينَ‪ }2‬اليات نزلت ردا على المشركين الذين ادعوا متبجحين أنهم إذا بعثوا‬ ‫يوم القيامة يعطون أفضل مما يعطى المؤمنون قياسا منهم على حالهم في الدنيا حيث كانوا أغنياء‬ ‫والمؤمنون فقراء فقال تعالى {إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ} أي جنات كلها نعيم لشيء فيها‬ ‫غيره‪ .‬ثم قال في الرد منكرا على المشركين دعواهم مقرعا مؤنبا إياهم في سبعة استفهامات‬ ‫ج َعلُ‪ 3‬ا ْلمُسِْلمِينَ} الذين أسلموا ل وجوههم وأطاعوه بكل‬ ‫إنكارية تقريعية أولها قوله تعالى {َأفَ َن ْ‬ ‫جوارحهم {كَا ْل ُمجْ ِرمِينَ} الذين أجرموا على أنفسهم بارتكاب أكبر الكبائر كالشرك وسائر الموبقات‬ ‫أي نحيف ونجور في حكمنا فنجعل المسلمين كالمجرمين في الفضل والعطاء يوم القيامة‪ ،‬فنسوي‬ ‫بينهما وثانيها قوله‪ :‬ما لكم؟ أي أي شيء حصل لكم حتى ادعيتم هذه الدعوى وثالثها كيف‬ ‫تحكمون أي كيف أصدرتم هذا الحكم ما حجتكم فيه ودليلكم عليه؟ ورابعها قوله {َأمْ َلكُمْ كِتَابٌ فِيهِ‬ ‫تَدْرُسُونَ} أي أعندكم كتاب جاءكم به رسول من عند ال تقرأون فيه هذا الحكم الذي حكمتم به‬ ‫لنفسكم بأنكم تعطون يوم القيامة أفضل مما يعطى المؤمنون إن لكم فيه لما تخيرون أي ألكم في‬ ‫علَيْنَا بَاِلغَةٌ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ‬ ‫هذا الكتاب ما تختارون والجواب‪ .‬ل‪ .‬ل وخامسها قوله {أَمْ َلكُمْ‪ 4‬أَ ْيمَانٌ َ‬ ‫ح ُكمُونَ} أي أي الكم عهودنا موثقة بأيمان ل نتحلل منها إلى يوم القيامة بأن لكم ما‬ ‫إِنّ َلكُمْ َلمَا تَ ْ‬ ‫حكمتم به لنفسكم من أنكم تعطون أفضل مما يعطى المؤمنون وسادسها {سَ ْلهُمْ أَ ّي ُهمْ‪ِ 5‬بذَِلكَ زَعِيمٌ}‬ ‫أي سلهم يا رسولنا عن زعيمهم الذي يكفل لهم مضمون الحكم الذي يحكمون به لنفسهم من أنهم‬ ‫يعطون في الخرة أفضل مما يعطى المؤمنون سابعها قوله {َأمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُ َركَا ِئ ِهمْ إِنْ‬ ‫كَانُوا صَا ِدقِينَ} أي ألهم شركاء موافقون لهم في هذا الذي قالوه يكفلونه لهم فليأتوا بهم إن كانوا‬ ‫صادقين في ذلك‪ .‬بهذه الستفهامات النكارية التقريعية السبعة نفى تعالى عنهم كل ما يمكنهم أن‬ ‫يتشبثوا به في‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إن للمتقين استئناف بياني ناشيء عن سؤال إذا كان جزاء المجرمين ما ذكر فما جزاء المتقين؟‬ ‫فأجيب ‪ :‬إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم‪ :‬واللم لم الستحقاق‪ ،‬وإضافة الجنات إلى النعيم‬ ‫إشارة إلى أنها خالصة النعيم ما فيها ليس في جنات الدنيا من البعوض والحشرات أو ما يؤذي من‬ ‫شوك ونحوه‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬قالت كفار مكة إنا نعطى في الخرة خيرا مما تعطون‬ ‫فنزلت‪ :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟‬ ‫‪ 3‬الهمزة للستفهام النكاري أي إنكار التسوية بين المسلمين والمجرمين في الجزاء مع التقريع‬ ‫والتوبيخ ‪ 00‬وكذا سائر الستفهامات في هذه اليات‪.‬‬ ‫‪ 4‬أم لكم للضراب النتقالي من دليل إلى آخر والستفهام إنكاري كغيره مع ما يفيد من التأنيب‬

‫والتقريع‪.‬‬ ‫‪ 5‬الستفهام هنا مستعمل للتهكم‪.‬‬

‫( ‪)5/415‬‬ ‫شفُ عَنْ سَاقٍ} ‪ 2‬أي اذكر لهم يا‬ ‫في تصحيح دعواهم الباطلة عقل وشرعا‪ .‬وقوله تعالى {‪َ 1‬يوْمَ ُي ْك َ‬ ‫رسولنا مبينا واقع المر يوم القيامة‪ ،‬ليخجلوا من تشدقهم بدعواهم الساقطة الباردة اذكر لهم يوم‬ ‫يعظهم الهول ويشتد الكرب‪ ،‬ويأتي الرب لفصل القضاء ويكشف عن ساق فيخر كل مؤمن‬ ‫ومؤمنة ساجدا ويحاول المنافقون والمنافقات السجود فل يستطيعون إذ يكون ظهر أحدهم طبقا‬ ‫واحدا أي عظما واحدا فل يقدر على السجود وذلك علمة شقائه المترتب على نفاقه في الدنيا‪.‬‬ ‫ويدعون إلى السجود أي امتحانا لهم ليعرف من كان يسجد إيمانا واحتسابا ممن كان يسجد نفاقا‬ ‫ورياء فل يستطيعون لن ظهر أحدهم يصبح عظما واحدا خاشعة أبصارهم ل تطرف من شدة‬ ‫الخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عظيمة وقوله وقد كانوا يدعون إلى السجود أي في الدنيا وهم‬ ‫سالمون معافون في أبدانهم ول يسجدون تكبرا وكفرا بال ربهم و بشرعه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن المجرمين ل يساوون المؤمنين يوم القيامة إذ ل يستوي أصحاب النار وأصحاب‬ ‫الجنة فمن زعم أنه يعطى ما يعطاه المؤمنون من جنات النعيم فهو مخطئ في تصوره كاذب في‬ ‫قوله‪.‬‬ ‫‪-2‬بيان عظم هول يوم القيامة وأن الرب تبارك وتعالى يأتي لفصل القضاء ويكشف عن ساق فل‬ ‫يبقى أحد إل سجد وأن الكافر والمنافق ل يستطيع السجود عقوبة له وفضيحة إذ كان في الدنيا‬ ‫يدعى إلى السجود ل فل يسجد أي إلى الصلة فل يصلي تكبرا وكفرا‪.‬‬ ‫جهُمْ مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ (‪ )44‬وَُأمْلِي َل ُهمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ (‬ ‫فَذَرْنِي َومَنْ ُي َك ّذبُ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ سَ َنسْتَدْ ِر ُ‬ ‫حكْمِ‬ ‫‪ )45‬أَمْ َتسْأَُلهُمْ َأجْرا َفهُمْ مِنْ َمغْ َرمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪ )46‬أَمْ عِ ْندَ ُهمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪ )47‬فَاصْبِرْ ِل ُ‬ ‫حبِ ا ْلحُوتِ ِإذْ نَادَى وَ ُهوَ َمكْظُومٌ (‪َ )48‬لوْل‬ ‫ك وَل َتكُنْ َكصَا ِ‬ ‫رَ ّب َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون يوم يكشف متعلق بقوله فليأتوا بشركائهم ويكون من باب حسن التخلص من‬ ‫الرد على المشركين إلى ذكر أهوال بوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ 2‬لول ما صح عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪ :‬إذ يقول أبو سعيد الخدري رضي ال‬ ‫عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "يكشف ربنا عن ساقه فبسجد له كل مؤمن‬ ‫ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا"‪ .‬لقلنا‬

‫في الية أنها كناية عن أهوال يوم القيامة ولكن مع صحة الحديث فالية دالة على أهوال يوم‬ ‫القيامة ومثبتة صفة ذات الرب تبارك وتعالى عن صفات المحدثين‪.‬‬

‫( ‪)5/416‬‬ ‫جعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ (‪)50‬‬ ‫أَنْ تَدَا َر َكهُ ِن ْعمَةٌ مِنْ رَبّهِ لَنُبِذَ بِا ْلعَرَاءِ وَ ُهوَ َم ْذمُومٌ (‪ )49‬فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ فَ َ‬ ‫س ِمعُوا ال ّذكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ َلمَجْنُونٌ (‪َ )51‬ومَا ُهوَ إِلّا‬ ‫وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ َكفَرُوا لَيُزِْلقُو َنكَ بِأَ ْبصَارِ ِهمْ َلمّا َ‬ ‫ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪)52‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ذرني ومن يكذب ‪:‬أي دعني ومن يكذب أي ل يصدق‪.‬‬ ‫بهذا الحديث ‪:‬أي بالقرآن الكريم‪.‬‬ ‫سنستدرجهم ‪:‬أي نستنزلهم درجة درجة حتى نصل بهم إلى العذاب‪.‬‬ ‫وأملي لهم ‪:‬أي وأمهلهم‪.‬‬ ‫إن كيدي متين ‪:‬أي شديد قوي ل يطاق‪.‬‬ ‫فهم من مغرم مثقلون ‪ :‬أي فهم مما يعطونكه مكلفون حمل ثقيل‪.‬‬ ‫أم عندهم الغيب ‪:‬أي اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫فهم يكتبون ‪:‬أي ينقلون منه ما يدعونه ويقولونه‪.‬‬ ‫ولتكن كصاحب الحوت ‪:‬أي يونس في الضجر والعجلة‪.‬‬ ‫وهو مكظوم ‪:‬أي مملوء غما‪.‬‬ ‫بالعراء ‪:‬أي الرض الفضاء‪.‬‬ ‫وهو مذموم ‪:‬لكن لما تاب نبذ وهو غير مذموم‪.‬‬ ‫فاجتباه ربه ‪:‬أي اصطفاه‪.‬‬ ‫ليزلقونك بأبصارهم ‪:‬أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك‪.‬‬ ‫وما هو إل ذكر ‪:‬أي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫للعالمين ‪:‬أي النس والجن فليس بمجنون كما يقول المبطلون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك التقريع الشديد للمشركين المكذبين الذي لم يؤثر في نفوسهم أدنى تأثير قال تعالى لرسوله‬ ‫{فَذَرْنِي ‪ }1‬أي بناء على ذلك فذرني ومن يكذب بهذا الحديث أي دعني وإياهم‪ ،‬والمراد من‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع والترتيب فما بعدها متفرع عما قبلها مترتب عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/417‬‬ ‫جهُمْ} أي نستنزلهم درجة درجة {مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ} حتى‬ ‫الحديث القرآن الكريم ‪{ 1‬سَنَسْتَدْ ِر ُ‬ ‫ننتهي بهم إلى عذابهم المترتب على تكذيبهم وشركهم‪ .‬وقوله تعالى {وَُأمْلِي َل ُهمْ إِنّ كَيْدِي ‪ 2‬مَتِينٌ}‬ ‫أي وأمهلهم فل أعاجلهم بالعذاب فأوسع لهم في الرزق وأصحح لهم الجسم حتى يروا أن هذا‬ ‫لكرامتهم عندنا وأنهم خير من المؤمنين ثم نأخذهم‪ .‬وهذا من كيدي الشديد الذي ل يطاق‪ ،‬وقوله‬ ‫تعالى {أَمْ‪ 3‬تَسْأَُل ُهمْ أَجْرا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ} أي بل أتسألهم على تبليغ الدعوة أجرا مقابل التبليغ‬ ‫فهم من مغرم مثقلون أي فهم يشعرون بحمل ثقيل من أجل ما يعطونك من الجر فلذا هم ل‬ ‫يؤمنون بك ول يتابعونك على دعوتك‪ .‬أم عندهم ‪ 4‬الغيب أي اللوح المحفوظ فهم يكتبون ‪ 5‬منه ما‬ ‫هم يقولون به ويقرونه والجواب ل إذا فأصبر يا رسولنا لحكم ‪ 6‬ربك فيك وفيهم وامض في‬ ‫دعوتك ول يثني عزمك تكذيبهم ول عنادهم ول تكن كصاحب الحوت يونس بن متّى أي في‬ ‫الضجر وعدم الصبر‪ .‬إذ نادى وهو ‪ 7‬مكظوم أي مملوء غما فقال ل إله إل أنت سبحانك إني‬ ‫كنت من الظالمين وقوله لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم أي لول أن أدركته‬ ‫رحمة ال تعالى حيث ألهمه ال التوبة ووفقه لها لنبذ أي لطرح بالفضاء وهو مذموم لكن لما تاب‬ ‫ال عليه طرح على ساحل البحر وهو غير مذموم بل محمود فاجتباه ربه أي اصطفاه مرة ثانية‬ ‫بعد الولى فجعله من الصالحين أي الكاملي الصلح من النبياء والمرسلين‪ ،‬ومعنى اجتباه مرة‬ ‫ثانية لن الجتباء الول إذ كان رسول في أهل نينوي وغاضبوه فتركهم ضجرا منهم فعوقب‬ ‫وبعد العقاب والعتاب اجتباه مرة أخرى وأرسله إلى أهل بلده بعد ذلك النقطاع قال تعالى من‬ ‫سورة اليقطين فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو‬ ‫يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين‪ .‬وقوله تعالى {وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزِْلقُونَكَ بِأَ ْبصَارِ ِهمْ َلمّا‬ ‫س ِمعُوا ال ّذكْرَ} أي وإن يكاد الذين كفروا ليصرعونك من شدة النظر إليك وكلهم غيظ وحنق عليك‬ ‫َ‬ ‫بأبصارهم {َلمّا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجائز أن يكون المراد من الحديث الخبار عن البعث والجزاء مما تضمنه قوله يوم يكشف‬ ‫عن ساق الخ وجائز أن يكون القرآن كما في التفسير وقيل فيه حديث لما فيه من الخبار عن ال‬ ‫وعن المم والجنة والنار‪.‬‬ ‫‪ 2‬وأملي مضارع أملى إذا أمهل وأنظر وأخر مشتق من المل مقصورا وهو الحين والوقت ومنه‬ ‫الملوان الليل والنهار فأملى بمعنى طول في الزمن‪.‬‬ ‫‪ 3‬أم بمعنى بل للضراب النتقالي من حجة إلى أخرى ومن دليل إلى آخر‪.‬‬ ‫‪ 4‬إضراب آخر كالول وفي الكلم حذف تقديره أم عندهم علم الغيب كقوله تعالى {أَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ‬

‫ا ْلغَ ْيبِ َفهُوَ يَرَى} من سورة النجم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الفاء للتفريع‪.‬‬ ‫‪ 6‬المراد بحكم الرب تعالى عنا أمره وهو ما حمله رسوله من حمل الرسالة وتبليغها والضطلع‬ ‫بأعباء الرسالة‪.‬‬ ‫‪ 7‬المكظوم المحبوس المسدود عليه يقال كظم الباب إذا أغلقه وكظم النهر إذا سده ومنه كظم‬ ‫الغيظ وهو حبسه في النفس وعدم إظهاره بقول أو فعل‪.‬‬

‫( ‪)5/418‬‬ ‫س ِمعُوا ال ّذكْرَ} أي القرآن نقرأه عليهم‪ .‬ويقولون إنه لمجنون حسدا لك‪ ،‬وصرفا للناس عنك‪ ،‬وما‬ ‫َ‬ ‫هو ‪ 1‬أي محمد صلى ال عليه وسلم إل ذكر للعالمين أي يذكر به ال تعالى النس والجن فليس‬ ‫هو بمجنون كما يقول المكذبون المفتونون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬رد المور إلى ال إّذا استعصى حلها فال كفيل بذلك‪.‬‬ ‫‪-2‬ل يصح أخذ أجرة على تبليغ الدعوة‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الصبر على الدعوة مهما كانت الصعاب فل تترك لذىً يصيب الداعي‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان حال المشركين مع الرسول صلى ال عليه وسلم وما كانوا يضمرونه له من البغض‬ ‫والحسد وما يرمونه به من التهامات الباطلة كالمجنون والسحر والكذب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون الضمير وما هو عائد إلى القرآن وما القرآن إل ذكر للعالمين النس والجن أي‬ ‫ليس هو بكلم مجنون‪ ،‬وجائز أن يكون الضمير عائد إلى الرسول صلى ال عليه وسلم الذي قالوا‬ ‫فيه إنه مجنون ويكون الذكر بمعنى التذكير بال والجزاء إذ هذا من فعله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/419‬‬ ‫سورة الحاقة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الحاقة‬ ‫مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الْحَاقّةُ (‪ )1‬مَا ا ْلحَاقّةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحَاقّةُ (‪ )3‬كَذّ َبتْ َثمُو ُد وَعَادٌ بِا ْلقَارِعَةِ (‪ )4‬فََأمّا َثمُودُ‬ ‫ل وَ َثمَانِيَةَ‬ ‫ح صَ ْرصَرٍ عَاتِ َيةٍ (‪ )6‬سَخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْبعَ لَيَا ٍ‬ ‫فَأُهِْلكُوا بِالطّاغِ َيةِ (‪ )5‬وََأمّا عَادٌ فَأُهِْلكُوا بِرِي ٍ‬ ‫خلٍ خَاوِيَةٍ (‪َ )7‬ف َهلْ تَرَى َل ُهمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (‪)8‬‬ ‫عجَازُ َن ْ‬ ‫أَيّامٍ حُسُوما فَتَرَى ا ْل َقوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬ ‫ن َومَنْ قَبْلَ ُه وَا ْل ُمؤْ َتفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (‪َ )9‬ف َعصَوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فََأخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً (‪)10‬‬ ‫عوْ ُ‬ ‫وَجَاءَ فِرْ َ‬ ‫ن وَاعِيَةٌ (‪)12‬‬ ‫جعََلهَا َل ُكمْ تَ ْذكِ َر ًة وَ َتعِ َيهَا أُذُ ٌ‬ ‫حمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِ َيةِ (‪ )11‬لِنَ ْ‬ ‫طغَا ا ْلمَاءُ َ‬ ‫إِنّا َلمّا َ‬

‫( ‪)5/419‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الحاقة ‪ : 1‬أي الساعة الواجبة الوقوع وهي القيامة‪.‬‬ ‫بالقارعة ‪:‬أم بالقيامة لنها تقرع القلوب بالخوف والهول‪.‬‬ ‫فأهلكوا بالطاغية ‪ :‬أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم فأخذتهم صيحة طاغية أيضا‪.‬‬ ‫بريح صرصر عاتية ‪ :‬أي ذات صوت لشدة عصوفها عاتية على خزانها في الهبوب‪.‬‬ ‫حسوما ‪:‬أي متتابعات الهبوب فل فاصل كتتابع الكي القاطع للداء‪.‬‬ ‫كأنهم أعجاز نخل خاوية ‪ :‬أي أصول نخل ساقطة فارغة ليس في جوفها شيء‪.‬‬ ‫والمؤتفكات بالخاطئة ‪:‬أي أهلها وهي قرى لوط بالفعلت ذات الخطأ‪.‬‬ ‫أخذة رابية ‪:‬أي زائدة في الشدة على غيرها‪.‬‬ ‫لما طغا الماء ‪ :‬أي عل فوق كل شيء من الجبال وغيرها‪.‬‬ ‫حملناكم في الجارية ‪:‬أي السفينة التي صنعها نوح ونجا بها هو ومن معه من المؤمنين‪.‬‬ ‫وتعيها أذن واعية ‪:‬أي وتحفظها أذن واعية أي حافظة لما تسمع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ا ْلحَاقّةُ مَا ا ْلحَاقّةُ} ‪ 2‬أي أي شيء هي ‪3‬؟ وما أدراك ‪ 4‬ما الحاقة أي أي شيء أعلمك‬ ‫بها‪ ،‬والمراد بها القيامة لنها حاقة المجيء ل محالة‪ .‬وقوله تعالى { َكذّ َبتْ َثمُو ُد وَعَادٌ‪ 5‬بِا ْلقَارِعَةِ }‬ ‫أي كذبت ثمود قوم صالح وعاد قوم هود بالقارعة أي بالقيامة‪ .‬فهم ككفار قريش مكذبون بالبعث‬ ‫والجزاء‪ .‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بطغيانهم وعتوهم عن أمر ربهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هي أسم للسورة روى أحمد أن عمر رضي ال عنه قال خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة‬ ‫الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت هذا وال شاعر (أي في خاطري) فقرأ { وما هو‬ ‫بقول شاعر قليل ما تؤمنون} قلت‪ :‬في خاطري كاهن‪ ,‬فقرأ {ول بقول كاهن قليل ما تذكرون‬ ‫تنزيل من رب العالمين} إلى آخر السورة فوقع في قلبي كل موقع‪ .‬وسماها بعضهم (السلسلة)‬

‫وبعضهم ( الداعية)‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحاقة أسم فاعل من حق الشيء فهو حاق إذا ثبت وقوعه‪ ،‬والظاهر أنها لموصوف محذوف‬ ‫أي الساعة الحاقة أو الواقعة الحاقة‪ ،‬وما في التفسير واضح وأولى‪.‬‬ ‫‪ 3‬ما اسم استفهام مستعمل في التهويل والتعظيم والمعنى الحاقة أمر عظيم ل يدرك كنهه والحاقة‬ ‫مبتدأ وما مبتدأ ثان والحاقة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الول‬ ‫وجملة وما أدراك ما الحاقة معترضة بين جملة الحاقة وكذبت ثمود‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي عن ابن عباس وسفيان بن عيينة‪ .‬كل ما ورد في القرآن بلفظ وما أدراك بصيغة الماضي‬ ‫فقد أدراه أي أعلمه به‪ ،‬وكل ما ورد بصيغة المضارع وما يدريك فقد طوي عنه ولم يعلمه به‬ ‫فالول (وما أدراك ماهية نار حامية) (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر )‬ ‫والثاني (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا)‪....‬‬ ‫‪ 5‬كذبت ثمود كلم مستأنف بين فيه من كذبوا بالحاقة وهي الفارقة وسميت بالقارعة من قولهم‬ ‫(قوارع الدهر) أي أهواله وشدائده فهي تقرع القلوب‪.‬‬

‫( ‪)5/420‬‬ ‫فأخذتهم صيحة طاغية ‪ ،1‬وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر أي ذات صوت شديد عاتية أي عتت‬ ‫على خزانها في الهبوب‪ .‬سخرها ال عليهم سبع ليال وثمانية أيام ‪2‬حسوما أي متتابعات بل‬ ‫انقطاع حسما لوجودهم كما يحسم الدواء بالكي الحاسم للداء المتتابع‪ .‬وقوله تعالى فترى أيها‬ ‫الرسول القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أي فترى القوم في تلك الليالي واليام‬ ‫صرعى ساقطين على الرض كأنهم أصول نخل ساقطة فارغة ليس في أجوافها شيء فهل ترى‬ ‫ن َومَنْ‬ ‫عوْ ُ‬ ‫لهم من باقية أي من نسلهم ل شيء إذ هلكوا كلهم أجمعون‪ ،‬وقوله تعالى { َوجَاءَ فِرْ َ‬ ‫قَبْلَهُ} كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات ‪ 3‬بالخاطئة أي بالفعال الخاطئة وهي الشرك والمعاصي‬ ‫صوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فَأَخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً} أي زائدة في الشدة على غيرها‬ ‫وبينها بقوله تعالى بقوله { َف َع َ‬ ‫طغَا ا ْلمَاءُ} أي ماء الطوفان الذي أهلك ال به قوم نوح حملناكم في الجارية‬ ‫وقوله تعالى {إِنّا َلمّا َ‬ ‫أي حملنا آباءكم في الجارية التي هي سفينة نوح عليه السلم وقوله لنجعلها لكم ‪ 4‬تذكرة أي‬ ‫لنجعل السفينة تذكرة لكم عظة وعبرة وتعيها أي وتحفظ هذه العظة أذن حافظة ل تنسى ما هو‬ ‫حق وخير من المعاني‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن كل من عاد وثمود كانوا يكذبون بالبعث وبيان ما أهلكهم ال به‪.‬‬

‫‪-3‬بيان أن معصية الرسول موجبة للعذاب الدنيوي و الخروي‪.‬‬ ‫‪-4‬التذكير بحادثة الطوفان وما فيها من عظة وعبرة‪.‬‬ ‫ح َدةً (‪ )14‬فَ َي ْومَئِذٍ‬ ‫ض وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬ ‫حمَِلتِ الْأَ ْر ُ‬ ‫ح َدةٌ (‪ )13‬وَ ُ‬ ‫خ ٌة وَا ِ‬ ‫فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ َنفْ َ‬ ‫سمَاءُ َفهِيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِيَةٌ‬ ‫ش ّقتِ ال ّ‬ ‫َو َقعَتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )15‬وَانْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هي أشبه بصيحة النفخ في الصور وثمود هم قوم صالح ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز‬ ‫وتعرف اليوم بمدائن صالح على أميال من مدينة العل اليوم‪ .‬وأما عاد فمنازلهم كانت بالحقاف‬ ‫وهي رمال بين عمان وحضرموت باليمن وأهلكوا بريح صرصر‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل بدأ من صباح يوم الربعاء لثمان بقين من شوال وكانت في آخر الشتاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي المتقلبات من ائتفك الشيء إّذ قلب قراهم الخمسة منع وصعر وعمر ودوما وسدوم وهي‬ ‫القرية العظمى قلبها الملك فجعل عاليها سافلها‪.‬‬ ‫‪ 4‬وجائز أن يكون الضمير في ليجعلها عائد إلى العملية عملية إنجاء المؤمنين وإهلك الكافرين‬ ‫تذكرة و موعظة‪.‬‬

‫( ‪)5/421‬‬ ‫خفَى‬ ‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِيَةٌ (‪َ )17‬ي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ ل تَ ْ‬ ‫(‪ )16‬وَا ْلمََلكُ عَلَى أَ ْرجَا ِئهَا وَيَ ْ‬ ‫مِ ْنكُمْ خَافِ َيةٌ (‪)18‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫نفخة واحدة ‪ :‬أي النفخة الولى‪.‬‬ ‫حملت الرض والجبال ‪:‬أي رفعت من أماكنها‪.‬‬ ‫فدكتا دكة واحدة ‪:‬أي ضرب بعضها ببعض فاندكت وصارت كثيبا مهيل‪.‬‬ ‫وقعت الواقعة ‪ :‬أي قامت القيامة‪.‬‬ ‫فهي يومئذ واهية ‪ :‬أي مسترخية ضعيفة القوة‪.‬‬ ‫على أرجائها ‪ :‬أي على أطرافها وحافاتها‪.‬‬ ‫ثمانية ‪ :‬أي من الملئكة وهم حملة العرش الربعة وزيد عليهم أربعة‪.‬‬ ‫ل تخفى منكم خافية ‪ :‬أي ل تخفى منكم سريرة من السرائر التي تخفونها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في الحديث عن القيامة تقريرا لعقيدة البعث و الجزاء التي هي الدافع إلى فعل‬ ‫الخير وترك الشر في الدنيا فقال تعالى {فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ‪ }1‬أي نفخ اسرافيل في الصور الذي‬ ‫حمَِلتِ الْأَ ْرضُ‬ ‫ح َدةٌ}‪ ،‬وقوله تعالى {وَ ُ‬ ‫خ ٌة وَا ِ‬ ‫هو البوق أو القرن النفخة الولى وهو المراد بقوله { َنفْ َ‬

‫ح َدةً} أي ضرب بعضها ببعض فاندكت فصارت هباء منبثا‪{ ،‬فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َقعَتِ‬ ‫وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬ ‫سمَاءُ} أي انفطرت وتمزقت {ف ِهيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِيَة} ضعيفة‬ ‫ش ّقتِ ال ّ‬ ‫ا ْلوَا ِقعَةُ} أي قامت القيامة {وَانْ َ‬ ‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ‬ ‫مسترخية ‪{.‬وَا ْلمََلكُ‪2‬عَلَى أَ ْرجَا ِئهَا} أي على أطرافها وحافاتها‪{ ،‬وَيَ ْ‬ ‫َثمَانِيَةٌ} أي ثمانية ‪ 3‬من الملئكة أربعة هم حملة العرش دائما وزيد عليهم أربعة فصاروا ثمانية‬ ‫خفَى مِ ْنكُمْ خَافِيَةٌ} أي سريرة مما كنتم تسرون‪.‬‬ ‫قال تعالى { َي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ‪ 4‬ل َت ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء تفريعية لتفريع ما بعدها من تفصيل أحوال الدار الخرة على ما تقدم من ذكر الحاقة أي‬ ‫القيامة والمكذبين بها وما نالهم من عذاب في الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الملك اسم جنس المراد به أعداد هائلة من الملئكة‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل هم ثمانية صفوف‪ ،‬وقيل ثمانية أعشار أي نحو ثمانين من عدد الملئكة‪ .‬وما في التفسير‬ ‫هو الراجح الصحيح ‪.‬‬ ‫‪ 4‬أصل العرض إمرار الشيء على من يريد التأمل فيه كعرض السلعة على المشتري‬ ‫وكاستعراض الجيوش اليوم والمراد بالعرض الحساب والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/422‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪-2‬بيان كيفية النقلب الكوني لنهاية الحياة الولى وبداية الحياة الثانية‪.‬‬ ‫‪-3‬تقرير العرض على ال عز وجل للحساب ثم الجزاء‪.‬‬ ‫حسَابِيَهْ (‪َ )20‬ف ُهوَ‬ ‫فََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِ َيمِي ِنهِ فَ َيقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ (‪ )19‬إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي مُلقٍ ِ‬ ‫فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (‪ )21‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ (‪ُ )22‬قطُو ُفهَا دَانِيَةٌ (‪ )23‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا ِبمَا أَسَْلفْتُمْ فِي‬ ‫الْأَيّامِ الْخَالِ َيةِ (‪)24‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هاؤم ‪:‬أي خذوا‬ ‫إني ظننت ‪:‬أي علمت‪.‬‬ ‫راضية ‪:‬أي يرضى بها صاحبها‪.‬‬ ‫قطوفها دانية ‪:‬أي ما يقتطف ويجنى من الثمار‪.‬‬ ‫بما أسلفتم ‪:‬أي بما قدمتم ‪.‬‬ ‫في اليام الخالية ‪ :‬أي الماضية‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري في يوم القيامة فقال تعالى‬ ‫‪{1‬فََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِ َيمِي ِنهِ فَ َيقُولُ ‪2‬هَا ُؤمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ‪ }3‬أي إنه بعد مجيء الرب تبارك وتعالى‬ ‫لفصل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء لتفصيل ما أجمل فيما تقدمها من الكلم‪ ،‬وفي الكلم إيجاز بالحذف تقديره فيؤتى كل آخذ‬ ‫كتاب أعماله فأما من أوتي كتابه ‪ ....‬الخ والباء للمصاحبة في يمينه وفي إعطاء الكتاب باليمين‬ ‫كرامة وتبشير لصاحبه كقول الشاعر‪:‬‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬ ‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫‪ 2‬هاؤم هذا اللفظ وركب من ها ممدود أو مقصور مبني على الفتح ومعناه تعالوا أو خذوا كما في‬ ‫الرباء ها وهاء أي خذ‪ .‬يقال ها يا رجل اقرأ وللثنين هاؤما يا رجلن وهاؤم يا رجال‪ .‬وللمرأة‬ ‫هاء بكسر الهمزة وهاؤما للثنتين وهاؤمن لجمع الناث والصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل نزلت هذه الية فأما من أوتي كتابه بيمينه الخ‪ ....‬في أبي سلمة بن عبد السد المخزومي‬ ‫والية التالية لها وأما من أوتي كتابه بشماله نزلت في أخيه السود بن عبد السد المخزومي‪،‬‬ ‫والمعنى عام في كل سعيد وشقي‪.‬‬

‫( ‪)5/423‬‬ ‫القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه‪ ،‬ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم‬ ‫حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم هاؤم أي خذوا كتابي فاقرأوه إنه مشرق كله ما فيه سواد‬ ‫السيئات‪ ،‬ويعلل لسلمة كتابه ‪ 1‬من السيئات فيقول إني ظننت أي علمت أني ملقٍ حسابيه ل‬ ‫محالة فلذا لم أقارف السيئات وإن قدر على شيء فقارفته جهل فأني تبت منه فورا فانمحى أثره‬ ‫من نفسي فلم يكتب علي قال تعالى مخبرا عن آثار نجاحه في سلمة كتابه من السيئات فهو في‬ ‫عيشة راضية‪ .‬أي يرضاها لهناءتها وسعة خيراتها في جنة عالية قطوفها ‪ 2‬أي جناحها وما‬ ‫يقتطف منها دانية أي قريبة التناول ينالها بيده وهو متكئ على أريكته ويقال لهم كلوا واشربوا من‬ ‫طعام الجنة وشرابها هنيئا ويذكر لهم سبب فوزهم فيقول { ِبمَا أَسَْلفْتُمْ} أي قدمتم لنفسكم {فِي الْأَيّامِ‬ ‫الْخَالِ َيةِ} أي أيام الدنيا الماضية إذ كانوا مؤمنين صوامين قوامين بالمعروف آمرن وعن المنكر‬ ‫ناهين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء أي اليمان باليوم الخر‪.‬‬ ‫‪ -2‬آثار اليمان بالبعث والجزاء ظاهرة في سلمة كتاب المؤمن من السيئات‪ .‬وقد علل لذلك‬ ‫بقوله إني ظننت أني ملق حسابي فلذا لم أعص ربي‪.‬‬ ‫‪-3‬إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في‬ ‫الخرة خيرا أو شرا‪.‬‬ ‫شمَالِهِ فَ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (‪ )25‬وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (‪ )26‬يَا لَيْ َتهَا‬ ‫وََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ِب ِ‬ ‫خذُوهُ َفغُلّوهُ (‪ )30‬ثُمّ‬ ‫كَا َنتِ ا ْلقَاضِيَةَ (‪ )27‬مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ (‪ )28‬هََلكَ عَنّي سُلْطَانِ َيهْ (‪ُ )29‬‬ ‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعا فَاسُْلكُوهُ (‪ )32‬إِنّهُ كَانَ ل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ‬ ‫جحِي َم صَلّوهُ (‪ )31‬ثُمّ فِي سِ ْلسِلَةٍ ذَرْ ُ‬ ‫الْ َ‬ ‫سكِينِ (‪)34‬‬ ‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬ ‫حضّ عَلَى َ‬ ‫ا ْلعَظِيمِ (‪ )33‬وَل َي ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كتابيه الهاء فيه وفي التي بعده هي هاء السكت عند الوقف إل أنها أبقيت في الوصل والوقف‬ ‫مراعاة للسجع ولعلها تحكي صوت صاحبها يوم القيامة زيادة في التقرير والتوكيد حتى لهجة‬ ‫أحدهم محفوظة لم تتغير‪.‬‬ ‫‪ 2‬القطوف جمع قطف بكسر القاف وسكون الكاف‪.‬‬

‫( ‪)5/424‬‬ ‫غسْلِينٍ (‪ )36‬ل يَ ْأكُلُهُ إِلّا ا ْلخَاطِئُونَ (‪)37‬‬ ‫طعَامٌ إِلّا مِنْ ِ‬ ‫حمِيمٌ (‪ )35‬وَل َ‬ ‫فَلَيْسَ لَهُ الْ َيوْمَ هَاهُنَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا ليتني لم أوت كتابية ‪ :‬أي يتمنى أنه لم يعط كتابه لما رأى فيه من السيئات‪.‬‬ ‫كانت القاضية ‪ :‬أي الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي حتى ل أبعث‪.‬‬ ‫هلك عني سلطانية ‪ :‬أي قوتي وحجتي‪.‬‬ ‫خذوه ‪ :‬أي أيها الزبانية خذوا هذا الكافر‪.‬‬ ‫فغلوه ‪:‬أي اجعلوا يديه إلى عنقه في الغل‪.‬‬ ‫ثم الجحيم صلوه ‪:‬أي ثم في النار المحرقة أدخلوه وبالغوا في تصليته كالشاة المصلية‪.‬‬ ‫حميم ‪:‬أي من قريب ينفعه أو صديق‪.‬‬ ‫إل من غسلين ‪:‬أي صديد أهل النار الخارج من بطونهم لكلهم شجر الغسلين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري من أحداث وقد تقدم ذكر‬ ‫الذي أوتي كتابه ‪1‬بيمينه وما له من كرامة عند ربه وفي هذه اليات ذكر الذي أوتي كتابه بشماله‬ ‫وما له من مهانة وعذاب جزاء كفره فقال تعالى {وََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ}‪ 2‬أي في عرصات القيامة‬

‫فيقول بعد النظر فيه وما يلوح له فيه من السيئات { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} يتمنى لو أنه لم يعط‬ ‫كتابه ولم يدر ‪ 3‬ما حسابه وأن الموتة التي ماتها في الدنيا يتمنى لو كانت القاطعة لحياته حتى ل‬ ‫يبعث‪ ،‬ثم يواصل تحسره وتحزنه قائل {مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ} أي مالي والهاء في ماليه وفي كتابيه‬ ‫وحسابيه وفي ماليه وسلطانيه يقال لها هاء السكت يوقف عليها بالسكون قراءة كافة القراء وقوله‬ ‫{هََلكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ} أي ذهبت عني حججي ‪ 4‬فلم أجد ما أحتج به لنفسي قال تعالى للزبانية‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تقدم أنه أبو سلمة بن عبد السد المخزومي وزوجته هي أم المؤمنين تزوجها رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة وإن الشقي هو السود بن عبد السد أخو أبي سلمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي بشماله ووراء ظهره وهو كتاب سيئاته من الشرك والمعاصي كبيرها وصغيرها‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا من عظم ما يشاهد من شدة الحساب وشناعته هذا داخل في حيز متمناتيه‪ ،‬كما هو إشارة‬ ‫إلى أنه كان في الدنيا ل يؤمن بالحساب ولم يدر ما يجري فيه ولذا اصابته الحيرة هنا وألم به‬ ‫الكرب‪.‬‬ ‫‪ 4‬عن أبن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)5/425‬‬ ‫جحِي َم صَلّوهُ‪ }2‬أي أدخلوه فيها وصلوه بحرها‬ ‫{خُذُوهُ‪َ 1‬فغُلّوهُ} أي شدوا يديه في عنقه بالغل {ثُمّ الْ َ‬ ‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعا‬ ‫المرة بعد المرة كما يصلى الكبش المشوى المصلي‪{ ،‬ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ} طويلة {ذَرْ ُ‬ ‫فَاسُْلكُوهُ} ولم يعرف مدى طول هذه الذراع إل انه إذا كان الكافر ما بين كتفيه كما بين مكة وقديد‬ ‫قرابة مائة وخمسين ميل فإن السلسلة في ذرعها السبعين ذراعا لبد وأن تكون مناسبة لهذا الجسم‬ ‫{فَاسُْلكُوهُ} أي ادخلوه فيهل فتدخل من فمه وتخرج من دبره كسلك الخرزة في الخيط وذكر تعالى‬ ‫طعَامِ‬ ‫علَى َ‬ ‫حضّ َ‬ ‫علة هذا الحكم عليه فقال {إِنّهُ كَانَ} أي في الدنيا {ل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ ا ْلعَظِيمِ وَل َي ُ‬ ‫سكِينِ‪ }3‬فانحصرت جريمته في شيئين الكفر بال ومنع الحقوق الواجب في المال ثم أخبر‬ ‫ا ْلمِ ْ‬ ‫حمِيمٌ‪ }4‬أي‬ ‫تعالى عن حال هذا الكافر الشقي في جهنم فقال {فَلَيْسَ َلهُ الْ َيوْمَ هَاهُنَا} أي في جهنم { َ‬ ‫طعَامٌ إِل مِنْ غِسْلِينٍ‪ }5‬أي وليس له‬ ‫صديق أو قريب ينتفع به فيدفع عنه العذاب أو يخففه {وَل َ‬ ‫طعام يأكله إل من طعام الغسلين الذي هو صديد أهل النار فإنهم عندما يأكلون شجر الغسلين‬ ‫يكون كالمسهل في بطونهم فيخرج كل ما في بطونهم وذلك هو الغسلين الذي يأكلونه ذلك الغسلين‬ ‫الذي ل يأكله إل الخاطئون أي الذين ارتكبوا خطيئة الكفر والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها‪.‬‬

‫‪-2‬المال الذي باع المفلسون فيه المة والملة ل يغني يوم القيامة عن صاحبه شيئا‪.‬‬ ‫‪-3‬التنديد بالكفر بال وأهله‪.‬‬ ‫‪-4‬عظم جريمة منع الحقوق المالية من الزكاة وغيرها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬خذوه مقول قول ذكر في التفسير وغلوه أمر من غله يغله إذا وضع الغل وهو القيد الذي يجعل‬ ‫في عنق الجاني‪.‬‬ ‫‪ 2‬صلى النار يصلها إذا أصابه حرها أو استدفأ بها‪ ،‬ويعدى بالتضعييف فيقال صله النار‬ ‫وبالهمز أيضا أصله يصليه نارا‪.‬‬ ‫‪ 3‬الطعام بمعنى الطعام وضع موضعه كوضع العطاء موضع العطاء كما في قول الشاعر‪:‬‬ ‫أكفرا بعد رد الموت عنى‬ ‫وبعد عطائك المائه الرتاعا‬ ‫الرتاع البل ترتع‬ ‫‪4‬الحميم هنا الغريب الذي يرق له ويدفع عنه المكروه ‪،‬وهو مأخوذ من الماء الجار كأنه الصديق‬ ‫الذي يرق ويحترق قلبه له‪.‬‬ ‫‪ 5‬الغسلين فعلين مأخوذ من الغسل كأنه ينغسل في أبدانهم وهو صديد أهل النار السائل من‬ ‫جروحهم وخروجهم قال الضحاك ‪:‬الغسلين شجر وهو شر الطعام وأبشعه وهو من أطعمة أهل‬ ‫النار مثل الضريع والزقوم وبناء على ما ذكر أن الغسلين مجموع شجر اسمه الغسلين وما تجمع‬ ‫من صديد أهل النار من دم وعرق ونحوه فصدق عليه لفظ الغسلين وهذا من إعجاز القرآن‬ ‫البلغي‪.‬‬

‫( ‪)5/426‬‬ ‫فَل ُأقْسِمُ ِبمَا تُ ْبصِرُونَ (‪َ )38‬ومَا ل تُ ْبصِرُونَ (‪ )39‬إِنّهُ َل َقوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (‪َ )40‬ومَا ُهوَ ِب َقوْلِ‬ ‫شَاعِرٍ قَلِيلً مَا ُت ْؤمِنُونَ (‪ )41‬وَل ِب َق ْولِ كَاهِنٍ قَلِيلً مَا تَ َذكّرُونَ (‪ )42‬تَنْزِيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)43‬‬ ‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ (‪َ )46‬فمَا مِ ْنكُمْ‬ ‫خذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ (‪ُ )45‬ثمّ َلقَ َ‬ ‫وََلوْ َت َق ّولَ عَلَيْنَا َب ْعضَ الَْأقَاوِيلِ (‪ )44‬لَأَ َ‬ ‫حدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (‪ )47‬وَإِنّهُ لَتَ ْذكِ َرةٌ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )48‬وَإِنّا لَ َنعْلَمُ أَنّ مِ ْنكُمْ ُمكَذّبِينَ (‪ )49‬وَإِنّهُ‬ ‫مِنْ أَ َ‬ ‫حسْ َرةٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ (‪ )50‬وَإِنّهُ َلحَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )51‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪)52‬‬ ‫لَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بما تبصرون وما ل تبصرون ‪:‬أي بكل مخلوق في الرض وفي السماء‪.‬‬ ‫انه لقول رسول كريم ‪:‬أي القرآن قاله تبليغا رسول كريم هو محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وما هو بقول كاهن ‪:‬أي ليس القرآن بقول كاهن إذ ليس فيه من سجع الكهان شيء‪.‬‬

‫لخذنا منه باليمين ‪:‬أي بالقوة أو لخذنا بيمينه لنقتله‪.‬‬ ‫ثم لقطعنا منه الوتين ‪:‬أي نياط القلب الذي إذا انقطع مات النسان‪.‬‬ ‫حاجزين ‪:‬أي مانعين وهو خبر ما النافية العاملة عمل ليس وجمع لن احد يدل على الجمع نحو ل‬ ‫نفرق بين أحد من رسله وبين ل تقع إل بين اثنين فأكثر‪.‬‬ ‫وإنه لحسرة على الكافرين ‪:‬أي التكذيب بالقرآن حسرة يوم القيامة على المكذبين به‪.‬‬ ‫وإنه لحق اليقين ‪:‬أي الثابت يقينا أو اليقين الحق‪.‬‬ ‫فسبح باسم ربك العظيم ‪: 1‬أي نزه ربك العظيم الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير أي قل‬ ‫سبحان ربي العظيم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الباء للمصاحبة والزيادة لتقوية الكلم والتقدير سبح اسم ربك والتقدير نزه اسم ربك في أن‬ ‫يسمى به غيره إذ سمى المشركون العزى بدل العزيز واللت بدل ال وجائز أن يكون اسم مقحما‬ ‫والتقدير فسبح ربك أي نزهه عن الشريك والشبيه وعن كل نقص وهو العظيم الذي ليس شيء‬ ‫أعظم منه ‪.‬‬

‫( ‪)5/427‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى فل أقسم ‪ 1‬بما تبصرون وما ل تبصرون أي فل ‪ 2‬المر كما ترون وتقولون أيها‬ ‫المكذبون أقسم بما تبصرون وما ل تبصرون من المخلوقات في الرض وفي السماوات إنه أي‬ ‫القرآن لقول رسول كريم على ربه تعالى وهو محمد صلى ال عليه وسلم أي إنه تبليغه وقوله‬ ‫إليكم وما هو بقول شاعر‪ .‬كما تقولون كذبا قليل ما تؤمنون ‪ 3‬أي أن إيمانكم قليل ضيق الدائرة‬ ‫فلو كان واسعا لتسع لليمان بالقرآن إنه كلم ال ووحيه وليس هو من جنس الشعر لمخالفته له‬ ‫نظما ومعنىً‪ .‬وما هو بقول كاهن قليل ما تذكرون أي وليس القرآن بقول كاهن قليل ما تذكرون‬ ‫أي تذكركم قليل جدا فلو تذكرتم كثيرا لعلمتم أن القرآن ليس بكلم الكهان لملزمته للصدق والحق‬ ‫والهدى ولبعد قائله عن الثم و الكذب بخلف قول الكهان فإن سداه ولحمته الكذب وقائله هو الثم‬ ‫كله فأين القرآن من قول الكهان؟ وأين محمد الرسول من الكهان إخوان الشيطان إنه تنزيل من‬ ‫رب العالمين أيها المكذبون الضالون‪ .‬وأمر آخر وهو أن الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ولو‬ ‫تقول ‪ 4‬علينا بعض القاويل ونسبها إلينا لخذنا منه باليمين أي لبطشنا به وأخذنا بيمينه ثم لقطعتا‬ ‫منه الوتين فيهلك إذ الوتين هو عرق القلب إذا قطع مات النسان وإذا فعلنا به هذا فمن منكم‬ ‫يحجزنا عنه؟ وهو معنى قوله تعالى { َفمَا مِ ْنكُمْ‪ 5‬مِنْ َأحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وقوله تعالى {وَإِنّهُ} أي‬ ‫القرآن {لَ َت ْذكِ َرةٌ‪ }6‬أي موعظة عظيمة للمتقين ‪ 7‬الذين يخافون عقاب ال ويخشون نقمه وعذابه وإنا‬

‫لنعلم أن ‪8‬منكم أيها الناس مكذبين ليس بخاف عنا أمرهم وسنجزيهم وصفهم وإنه لحسرة ‪ 9‬على‬ ‫الكافرين أي يوم القيامة عندما يرون المؤمنين به يؤخذ بهم ذات اليمين إلى دار السلم والمكذبين‬ ‫به يؤخذ بهم ذات الشمال إلى دار‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع لثبات أن القرآن منزل من عند ال تعالى ونفي ما ادعاه المشركون‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا بناء على أن ل رد لكلم سابق وليست زائدة وكونها زائدة لتأكيد الكلم أولى من كونها‬ ‫نافية‪ ،‬إذ وجدت في فاتحة سورتي القيامة والبلد وليس قبلهما ما ينفي كأنه يقول ل أقسم لن المر‬ ‫ل يحتاج إلى قسم كالمتحرج من القسام‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون لفظ قليل في الموضعين مرادا به انتفاء ذلك كلية لنه وقع بقلة‪ ،‬وقليلً صفة‬ ‫لموصوف محذوف أي إيمانا قليلً‪ ،‬وتذكرا قليلً‪ ،‬وما مزيدة لتوكيد الكلم كما في قول الشاعر‪:‬‬ ‫قليلً به ما يحمدنك وارث‬ ‫إذا نال مما كنت تجمع مغنما‬ ‫‪ 4‬التقول نسبة قول إلى من لم يقله‪ ،‬والقاويل جمع أقوال الذي هو جمع قول‪.‬‬ ‫‪ 5‬من مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم وفي الية دليل أن من يدعي أنه يوحى إليه ل‬ ‫يلبث طويلً حتى يأخذه ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 6‬التذكرة اسم مصدر بمعنى التذكير وهو التنبيه إلى مغفول عنه‪.‬‬ ‫‪ 7‬خص المتقون لنهم هم المنتفعون به لستعدادهم بقوة إيمانهم وصحة علمهم وكمال رغبتهم في‬ ‫الطاعة‪.‬‬ ‫‪ 8‬في الكلم إيجاز والتقدير إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم‬ ‫مكذبون‪.‬‬ ‫‪ 9‬جائز أن يكون الضمير عائدا على التكذيب إذ به كانت حسرة الكافرين يوم القيامة وجائز أن‬ ‫يكون عائدا على القرآن لنهم لم يؤمنوا به ويعملوا بما دعا إليه من اليمان وصالح العمال‪.‬‬

‫( ‪)5/428‬‬ ‫البوار‪ .‬وإنه لحق اليقين ‪ 1‬أي اليقين الحق‪ .‬بعد هذا التقرير في إثبات الوحي والنبوة أمر تعالى‬ ‫رسوله الذي كذب برسالته المكذبون أمره أن يستعين على الصبر بذكر ال تعالى فقال له {فَسَبّحْ‬ ‫بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ} أي قل سبحان ربي العظيم منزها اسمه عن تحريفه وتسمية المحدثات به‬ ‫معظما ربك غاية التعظيم إذ هو العلي العظيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪-1‬ل تعالى أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته لحكم عالية وليس للعبد أن يحلف بغير الرب تعالى‪.‬‬ ‫‪-2‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪-3‬وصف الرسول بالكرم وبكرامته على الرب تعالى‪.‬‬ ‫‪-4‬عجز الرسول صلى ال عليه وسلم عن الكذب على ال تعالى وعدم قدرته على ذلك لو أراده‬ ‫ولكن الذي ل يكذب على الناس ل يكذب على ال كما قال هرقل ما كان ليدع الكذب على الناس‬ ‫ويكذب على ال ردا على أبي سفيان لما قال له لم نجرب عليه كذبا قط‪..‬‬ ‫‪-5‬مشروعية التسبيح بقول سبحان ربي العظيم إن صح أنه لما نزلت قال النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم لصحابه اجعلوها في ركوعكم فكانت سنة مؤكدة سبحان ربي العظيم ثلثا في الركوع أو‬ ‫أكثر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي القرآن الكريم بل خلف‪.‬‬

‫( ‪)5/429‬‬ ‫سورة المعارج‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المعارج‬ ‫مكية وآياتها أربع و أربعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ب وَاقِعٍ (‪ )1‬لِ ْلكَافِرِينَ لَيْسَ َلهُ دَا ِفعٌ (‪ )2‬مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ (‪َ )3‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَةُ‬ ‫سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬ ‫جمِيلً (‪ )5‬إِ ّن ُهمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدا‬ ‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ (‪ )4‬فَاصْبِرْ صَبْرا َ‬ ‫وَالرّوحُ ِإلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬ ‫سمَاءُ كَا ْل ُمهْلِ‬ ‫(‪ )6‬وَنَرَاهُ قَرِيبا (‪َ )7‬يوْمَ َتكُونُ ال ّ‬

‫( ‪)5/429‬‬ ‫حمِيما (‪ )10‬يُ َبصّرُو َنهُمْ َيوَدّ ا ْلمُجْرِمُ َلوْ َيفْتَدِي مِنْ‬ ‫حمِيمٌ َ‬ ‫(‪ )8‬وَ َتكُونُ الْجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ (‪ )9‬وَل يَسَْألُ َ‬ ‫جمِيعا‬ ‫عَذَابِ َي ْومِئِذٍ بِبَنِيهِ (‪َ )11‬وصَاحِبَتِ ِه وَأَخِيهِ (‪َ )12‬و َفصِيلَتِهِ الّتِي ُتؤْوِيهِ (‪َ )13‬ومَنْ فِي الْأَ ْرضِ َ‬ ‫ج َمعَ فََأوْعَى‬ ‫شوَى (‪َ )16‬تدْعُو مَنْ أَدْبَ َر وَ َتوَلّى (‪ )17‬وَ َ‬ ‫ثُمّ يُ ْنجِيهِ (‪ )14‬كَلّا إِ ّنهَا لَظَى (‪ )15‬نَزّاعَةً لِل ّ‬ ‫(‪)18‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سأل سائل ‪ :‬أي دعا داع بعذاب واقع‪.‬‬

‫ليس له دافع من ال ‪:‬أي فهو واقع ل محالة‪.‬‬ ‫ذي المعارج ‪ :‬أي ذي العلو والدرجات ومصاعد الملئكة وهي السموات‪.‬‬ ‫تعرج الملئكة والروح إليه ‪:‬أي تصعد الملئكة وجبريل إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫في يوم كان مقداره خمسين ‪:‬أي تصعد الملئكة وجبريل من منتهى أمره من أسفل الرض‬ ‫ألف سنة السابعة إلى منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف‬ ‫سنة بالنسبة لصعود غير الملئكة من الخلق‪.‬‬ ‫إنهم يرونه بعيدا‪ :‬أي العذاب الذي يطالبون به لتكذيبهم وكفرهم بالبعث‪.‬‬ ‫يوم تكون السماء كالمهل ‪:‬أي كذائب النحاس‪.‬‬ ‫وتكون الجبال كالعهن‪ :‬أي كالصوف المصبوغ ألوانا في الخفة والطيران بالريح‪.‬‬ ‫ول يسأل حميم حميما ‪:‬أي قريب قريبه لنشغال كل بحاله‪.‬‬ ‫يبصرونهم ‪:‬أي يبصر الحماء بعضهم بعضا ويتعافون ول يتكلمون‪.‬‬ ‫وصاحبته ‪:‬أي زوجته‪.‬‬ ‫وفصيلته التي تؤويه ‪:‬أي عشيرته التي تضمه إليها نسبا وتحميه من الذى عند الشدة‪.‬‬ ‫إنها لظى نزاعة للشوى ‪: 1‬أي إن جهنم هي لظى نزاعة للشوى جمع شواة جلدة الرأس‪.‬‬ ‫أدبر وتولى ‪:‬أي عن طاعة ال ورسوله وتولى عن اليمان فأنكره وتجاهله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع والجمهور برفع نزاعة وقرأ حفص بنصها‪.‬‬

‫( ‪)5/430‬‬ ‫وجمع فأوعى‪:‬أي جمع المال وجعله في وعاء ومنع حق ال تعالى فيه فلم ينفق منه في سبيل ال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ب وَاقِعٍ} هذه اليات نزلت ردا على دعاء النضر بن الحارث ومن‬ ‫قوله تعالى {سََألَ‪ 1‬سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬ ‫وافقه اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم‬ ‫فأخبر تعالى عنه بقوله {سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَابٍ‪ 2‬وَاقِعٍ لِ ْلكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللّهِ} أي إنه واقع ل‬ ‫محالة إذ ليس له دافع من ال {ذِي ا ْل َمعَارِجِ} أي صاحب العلو والدرجات ومصاعد الملئكة وهي‬ ‫السموات وقوله تعالى { َتعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ إِلَيْهِ} أي ‪3‬تصعد الملئكة وجبريا إليه تعالى {فِي‬ ‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ} أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل الرض السابعة إلى‬ ‫َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬ ‫منتهى أمره من فوق السموات السبع في يوم مقداره خمسون ألف سنة بالنسبة لصعود غير‬ ‫جمِيلً‪ }5‬وقوله تعالى {إِ ّن ُهمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدا وَنَرَاهُ قَرِيبا} يعني أن‬ ‫الملئكة من الخلق {فَاصْبِرْ‪ 4‬صَبْرا َ‬ ‫المشركين المكذبين يرون العذاب بعيدا لتكذيبهم بالبعث الخر‪ .‬ونحن نراه قريبا ويبين تعالى وقت‬

‫سمَاءُ كَا ْل ُم ْهلِ} أي تذوب فتصير كذائب النحاس {وَ َتكُونُ الْجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ}‬ ‫مجيئه فقال { َيوْمَ َتكُونُ ال ّ‬ ‫أي الصوف المصبوغ خفة وطيرانا بالريح وهذا هو النقلب الكوني حيث فني كل شيء ثم يعيد‬ ‫حمِيما} لنشغال كل‬ ‫حمِيمٌ َ‬ ‫ال الخلق فإذا الناس في عرصات القيامة واقفون حفاة عراة {ل يَسَْألُ َ‬ ‫بنفسه كما قال تعالى {ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ} عن السؤال عن غيره أو عن سؤال غيره‬ ‫وقوله تعالى {يُ َبصّرُونَهُمْ} أي عدم سؤال بعضهم بعضا ليس ناتجا عن عدم معرفتهم لبعضهم‬ ‫بعضا ‪ 6‬ل بل يبصرهم ربهم بهم فيعرف كل قريب قريبه ولكن اشتغاله بنفسه يحول دون سؤال‬ ‫غيره‪ ،‬ويشرح هذا المعنى قوله تعالى يود المجرم أي ذو الجرام على نفسه بالشرك والمعاصي‬ ‫لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أي أولده الذكور ففضل عن الناث وصاحبته أي زوجته وأخيه‬ ‫وفصيلته التي تؤويه بأن تضمه إلى نسبها والفصيلة العشيرة انفصلت‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع سال بدون همزة تخفيفا وقرأ حفص سأل بالهمزة على الصل‪.‬‬ ‫‪ 2‬وإن كانت الباء في بعذاب بمعنى عم فيكون السائل سأل عن العذاب لمن يقع أو متى يقع كقوله‬ ‫تعالى { فاسأل به خبيرا} أي عنه خبيرا وكقول الشاعر‪:‬‬ ‫فإن تسألوني بالنساء فإنني‬ ‫بصير بأدواء النساء طبيب‬ ‫ومن بلغة القرآن تعدية سأل بالباء ليكون صالحا للستفهام والدعاء والستعجال‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة‪.‬‬ ‫‪ 4‬الفاء للتفريع إذ سبق أن السائل بالعذاب كان مستهزئا مستخفا فلذا أمر ال رسوله بالصبر‬ ‫الجميل على ما يقوله المشركون‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجملة تعليلية لكل من جملة سأل سائل بعذاب وللمر بالصبر‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع يومئذ بفتح يومئذ وقرأ الجمهور بكسرها بإضافة عذاب إليها‪.‬‬

‫( ‪)5/431‬‬ ‫من القبيلة ومن في الرض جميعا ثم ينجيه لنتصور عذابا يود المجرم من خوفه منه أن يفتدي‬ ‫بكل شيء في الرض كيف يكون؟ ومن هنا يرى القريب قريبه ول يسأله عن حاله لنشغال نفسه‬ ‫عن نفس غيره‪ .‬وقوله تعالى { َكلّا ‪ }1‬أي ل قرابة يومئذ تنفع ول فداء يقبل {إِ ّنهَا} أي جهنم {َلظَى‬ ‫شوَى} أي لجلدة الرأس ولكل عضو غير قاتل للنسان إذا نزع منه‪ .‬تدعو أي جهنم‬ ‫نَزّاعَةً لِل ّ‬ ‫المسماة لظى تدعو تنادي إلي إلي يا من أدبر عن طاعة ال ورسوله وتركها ظهره فلم يلتفت إليها‬ ‫وتولى عن اليمان فلم يطلبه تكميل له ليصبح إيمانا يحمله على الطاعات وجمع الموال فأوعاها‬ ‫في أوعية ‪ 2‬ولم يؤد منها الحقوق الواجبة فيها من زكاة وغيرها إذ في المال حق غير الزكاة‪.‬‬

‫جهَنّمَ دَعّا} نعوذ بال من جهنم‬ ‫ومن دعته جهنم دفع إليها دفعا كما قال تعالى { َيوْمَ ُيدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬ ‫وموجباتها من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة سؤال العذاب فإن عذاب ال ل يطاق ولكن تسأل الرحمة والعافية‪.‬‬ ‫‪-2‬وجوب الصبر على الطاعة وعلى البلء فل تسخط ول تجزع‪.‬‬ ‫‪-3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪-4‬عظم هول الموقف يوم القيامة وصعوبة الحال‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنديد بالمعرضين عن طاعة ال ورسوله الجامعين للموال المشتغلين بها حتى سلبتهم‬ ‫اليمان والعياذ بال فأصبحوا يشكون في ال وآياته ولقائه‪.‬‬ ‫إِنّ الْإِنْسَانَ خُِلقَ هَلُوعا (‪ )19‬إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعا (‪ )20‬وَإِذَا مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعا (‪ )21‬إِلّا‬ ‫حقّ َمعْلُومٌ (‪ )24‬لِلسّا ِئلِ‬ ‫ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )22‬الّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ دَا ِئمُونَ (‪ )23‬وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ َ‬ ‫شفِقُونَ (‪ )27‬إِنّ‬ ‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪ )25‬وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )26‬وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬ ‫عَذَابَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كل حرف ردع وإبطال لكلم سابق‪.‬‬ ‫‪ 2‬ومنه الحديث "ل توعى فيوعى عليك" أي ل تمسكي عن النفاق فيمسك عليك‪.‬‬

‫( ‪)5/432‬‬ ‫ج ِهمْ َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُمْ‬ ‫جهِمْ حَافِظُونَ (‪ )29‬إِلّا عَلَى أَ ْزوَا ِ‬ ‫رَ ّبهِمْ غَيْرُ مَ ْأمُونٍ (‪ )28‬وَالّذِينَ ُهمْ ِلفُرُو ِ‬ ‫فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )30‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )31‬وَالّذِينَ ُهمْ لَِأمَانَا ِتهِمْ‬ ‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ (‪ )33‬وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ (‪)34‬‬ ‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪ )32‬وَالّذِينَ هُمْ بِ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫أُولَ ِئكَ فِي جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ (‪)35‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن النسان خلق هلوعا ‪:‬أي إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا أي كثير الجزع سريعه‬ ‫وكثير المنع حريصا عليه‪.‬‬ ‫على صلتهم دائمون ‪:‬أي ل يقطعونها أبدا ما داموا أحياء يعقلون‪.‬‬ ‫حق معلوم ‪:‬أي نصيب معين عينه الشارع وهو الزكاة‪.‬‬ ‫للسائل والمحروم‪ :‬أي الطالب الصدقة والذي ل يطلبها حياء وتعففا‪.‬‬ ‫يصدقون بيوم الدين‪ :‬أي يؤمنون بيوم القيامة للبعث والجزاء‪.‬‬

‫مشفقون‪ :‬أي خائفون متوقعون العذاب عند المعصية‪.‬‬ ‫لفروجهم حافظون‪ :‬أي صائنون لها عن النظر إليها وعن الفاحشة‪.‬‬ ‫أو ما ملكت أيمانهم‪ :‬أي من السريات من الجواري التي يملكونها‪.‬‬ ‫فأولئك هم العادون‪ :‬أي المعتدون الظالمون المتجاوزون الحلل إلى الحرام‪.‬‬ ‫لماناتهم‪ :‬أي ما ائتمنوا عليه من أمور الدين والدنيا‪.‬‬ ‫راعون ‪ :‬أي حافظون غير مفرطين‪.‬‬ ‫قائمون‪ :‬أي يقيمون شهاداتهم ل يكتمونها ول يحرفونها‪.‬‬ ‫يحافظون‪ :‬أي يؤدونها في أوقاتها في جماعات مع كامل الشروط والركان والواجبات والسنن‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى إن النسان أي هذا الدمي المنتصب القامة الضاحك الذي سمي بالنسان لنسه‬

‫( ‪)5/433‬‬ ‫بنفسه ورؤية محاسنها ولنسيانه واجب شكر ربه هذا النسان خلق هلوعا قابل لوصف الهلع فيه‬ ‫عند بلوغه سن التمييز والهلع مرض نفسي عرضه الذي يعرف به جزعه الشديد متى مسه الشر‪،‬‬ ‫ومنعه القوي للخير متى مسه وظفر به‪ .‬فقد فسر تعالى الهلع بقوله‪{ ،‬إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعا وَإِذَا‬ ‫مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعا}‪ .‬ثم ذكر تعالى ما يعالج به هذا المرض باستثنائه من جنس النسان من‬ ‫يتصفون بالصفات التية وهي عبارة عن عبادات شرعية بعضها فعل وبعضها ترك من شأنها‬ ‫القضاء على هذا المرض الخطير المسمى بالهلع والذي ل يعالج إل بما وصف تعالى في قوله‪:‬‬ ‫علَى صَل ِتهِمْ‬ ‫‪ )1‬إدامة الصلة بالمواظبة عليها ليل نهار إذ قال تعالى {إِلّا ا ْل ُمصَلّينَ‪ 1‬الّذِينَ هُمْ َ‬ ‫دَا ِئمُونَ‪ }2‬وبشرط أن تؤدى إيمانا واحتسابا وأداءً صحيحا بمراعاة شروطها وأركانها وسننها‪.‬‬ ‫‪ )2‬العتراف بما أوجب ال في المال من حق وإعطاء ذلك الحق بطيب نفس لمن سأل ولمن لم‬ ‫يسأل ممن هم أهل الزكاة والصدقات لقوله {وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ َمعْلُومٌ لِلسّا ِئلِ وَا ْلمَحْرُومِ}‪.‬‬ ‫‪ )3‬التصديق الكامل بيوم القيامة وهو البعث والجزاء لقوله تعالى {وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ}‪.‬‬ ‫‪ )4‬الشفاق والخوف من عذاب ال عند عروض خاطر المعصية بترك واجب أو فعل محرم لقوله‬ ‫شفِقُونَ} أي دائما وأبدا لن عذاب ربهم غير مأمون الوقوع‪.‬‬ ‫تعالى {وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬ ‫‪ )5‬حفظ الفرج بستره عن أعين الناس ما عدا الزوج وصيانته من فاحشة الزنا واللواط وجلد‬ ‫ج ِهمْ‬ ‫عميرة أي الستمناء باليد والمعروف اليوم بالعادة السرية لقوله تعالى {وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬ ‫حَا ِفظُونَ} من السراري {فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} في إتيانهم أزواجهم وجواريهم اللئي ملكوهن بالجهاد‬ ‫أو الشراء الشرعي وقوله تعالى { َفمَنِ ابْ َتغَى} أي طلب ما وراء الزوجة والسرية {فَأُولَ ِئكَ ُهمُ‬ ‫ا ْلعَادُونَ} أي الظالمون الذين تجاوزا الحلل إلى الحرام فكانوا بذلك معتدين ظالمين‪.‬‬

‫‪ )6‬حفظ المانات و العهود ومن أبرز المانات وأقوى العهود ما التزم به العبد من عبادة ال‬ ‫تعالى بطاعته وطاعة رسوله والوفاء بذلك حتى الموت زيادة على أمانات الناس والعهود لهم الكل‬ ‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ} أي حافظون‪.‬‬ ‫واجب الحفظ والرعاية لقوله {وَالّذِينَ هُمْ لَِأمَانَا ِتهِ ْم وَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستثناء منقطع أي لكن المصلين الذين وصفهم كيت وكيت وهي ثمان صفات وهي صفات‬ ‫المؤمنين الصادقين‪.‬‬ ‫‪ 2‬الدوام على الشيء عدم تركه وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواما فيه‪.‬‬

‫( ‪)5/434‬‬ ‫‪ )7‬إقامة الشهادة بالعتدال فيها بحيث يؤديها ول يكتمها ويؤديها قائمة ل اعوجاج فيها لقوله‬ ‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ}‪2.‬‬ ‫تعالى {وَالّذِينَ ُهمْ‪ِ 1‬ب َ‬ ‫‪ )8‬المحافظة على الصلوات الخمس مستوفاة الشروط والركان من الخشوع إلى الطمأنينة في‬ ‫الركوع و السجود و العتدال في القيام لقوله تعالى {وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ} بعد أدائها‬ ‫وعدم قطعها بحال من الحوال‪.‬‬ ‫فهذه الوصفة الربانية متى استعملها النسان المؤمن تحت إشراف عالم رباني إن وجده وإل‬ ‫فتطبيقها بدون إشراف ينفع بأذن ال متى اجتهد المؤمن في حسن تطبيقها برىء من ذلك المرض‬ ‫الخطير وأصبح أهل إكرام ال تعالى في الدار الخرة قال تعالى في ختام هذه الوصفة {أُولَ ِئكَ فِي‬ ‫جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ‪ }3‬أي أولئك المطبقون لهذه الوصفة الناجحون فيها {فِي جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ} في جوار‬ ‫ربهم اللهم اجعلنا منهم يا غفور يا رحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بين شر صفات النسان وأنها الهلع‪.‬‬ ‫‪-2‬بيان الدواء لهذا الداء داء الهلع الذي ل فلح معه ول نجاح‪.‬‬ ‫‪-3‬انحصار العلج في ثماني صفات أو ثماني مركبات دوائية‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب العمل بما اشتملت عليه الوصفة من واجبات‪.‬‬ ‫‪-5‬حرمة ما اشتملت عليه الوصفة من محرمات‪.‬‬ ‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ‬ ‫شمَالِ عِزِينَ (‪ )37‬أَيَ ْ‬ ‫طعِينَ (‪ )36‬عَنِ الْ َيمِينِ وَعَنِ ال ّ‬ ‫َفمَالِ الّذِينَ َكفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬ ‫سمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِقِ وَا ْل َمغَارِبِ إِنّا‬ ‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ (‪ )38‬كَلّا إِنّا خََلقْنَاهُمْ ِممّا َيعَْلمُونَ (‪ )39‬فَل ُأقْ ِ‬ ‫أَنْ يُ ْد َ‬ ‫َلقَادِرُونَ (‪ )40‬عَلَى أَنْ نُ َب ّدلَ خَيْرا مِ ْنهُمْ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬قرأ نافع شهادتهم بالفراد وقرأ حفص شهاداتهم بالجمع وقراءة الفراد بمعنى الجمع لن شهادة‬ ‫اسم جنس تدل على متعدد‪.‬‬ ‫‪ 2‬القيام بالشهادة‪ :‬الهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى‪.‬‬ ‫‪ 3‬والكرام‪ :‬التعظيم وحسن اللقاء أي هم مع جزائهم بالجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء‪ .‬في‬ ‫جنات خبر أولئك ومكرمون خبر ثان‪.‬‬

‫( ‪)5/435‬‬ ‫َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )41‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪َ )42‬يوْمَ‬ ‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ ذَِلكَ‬ ‫صبٍ يُو ِفضُونَ (‪ )43‬خَا ِ‬ ‫جدَاثِ سِرَاعا كَأَ ّنهُمْ ِإلَى ُن ُ‬ ‫يَخْ ُرجُونَ مِنَ الْأَ ْ‬ ‫عدُونَ (‪)44‬‬ ‫الْ َيوْمُ الّذِي كَانُوا يُو َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قبلك مهطعين؟ ‪:‬أي نحوك مديمي النظر إليك‪.‬‬ ‫عزين ‪:‬أي جماعات حلقا حلقا يقولون في استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلء الجنة لندخلها قبلهم‪.‬‬ ‫إنا خلقناهم مما يعلمون ‪ :‬أي من مني قذر وإنما يستوجب دخول الجنة بالطاعات المزكية للنفوس‪.‬‬ ‫على أن نبدلهم خيرا منهم ‪ :‬أي إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بأناسٍ خير منهم‪.‬‬ ‫وما نحن بمسبوقين ‪ :‬أي بعاجزين عن إيجاد ما ذكرنا من إهلك القوم والتيان بخير منهم‪.‬‬ ‫يوم يخرجون من الجداث ‪:‬أي من القبور مسرعين إلى المحشر‪.‬‬ ‫سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ‪ :‬أي كأنهم في إسراعهم إلى المحشر إلى نصب أي شيء‬ ‫منصوب كراية أو علم يسرعون‪.‬‬ ‫ترهقهم ذلة ‪ :‬أي تغشاهم ذلة‪.‬‬ ‫ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ‪:‬أي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى فما للذين ‪ 1‬كفروا قبلك مهطعين يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صلى‬ ‫ال عليه وسلم فيقول ما للذين كفروا من كفار مكة قبلك أي جهتك حيث كنت في المسجد الحرام‬ ‫مهطعين أو مسرعين مديمي النظر إليك عن اليمين وعن الشمال عزين أي عن يمينك وعن‬ ‫شمالك عزين جمع عزة أي جماعة فهم حلق حلق يستمعون إلى قراءتك بحثا عن كلمة يمكنهم أن‬ ‫يشنعوا بها عليك ويجعلونها مطعنا في دعوتك أي سخرية يسخرون بها وبك ويقولون استهزاء‬ ‫بالمؤمنين لئن دخل هؤلء الجنة لندخلنها قبلهم فرد تعالى عليهم منكرا طمعهم الفارغ بقوله‬ ‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ‪2‬‬ ‫{أَ َي ْ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الستفهام إنكاري تعجبي من تجمع المشركين إلى النبي صلى ال عليه وسلم مستهزئين بما‬ ‫يسمعون من وعد المؤمنين بالجنة ووعيد المشركين بالنار‪ ،‬ومعنى الية أي شيء ثبت للذين‬ ‫كفروا في حال إهطاعهم إليك‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة بدل اشتمال من جملة فما للذين كفروا‪.‬‬

‫( ‪)5/436‬‬ ‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ} أي بستان إكرام وتنعم كل لن يتم هذا لهم ولن يكون وهم أنجاس‬ ‫مِ ْنهُمْ أَنْ ُيدْ َ‬ ‫الرواح بالشرك والمعاصي‪ ،‬ولفت النظر إلى أصل الخلقة وهي المني القذر والقذر ل يدخل دار‬ ‫السلم فمن أراد الجنة فليزك نفسه وليطهرها باليمان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدسيها من‬ ‫الشرك والمعاصي وهو ما تضمنه قوله تعالى {إِنّا خََلقْنَاهُمْ‪ِ 1‬ممّا َيعَْلمُونَ} وقوله عز وجل {فَل‬ ‫ق وَا ْل َمغَا ِربِ} أي فل المر كما يتصورون من أنهم ل يبعثون بعد موتهم أقسم‬ ‫ُأقْسِمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِ ِ‬ ‫برب المشارق الثلثمائة والستين مشرقا ومغربا حيث الشمس تطلع كل يوم في مطلع وتغرب في‬ ‫آخر ل تعود إليه إل بعد سنة في مثل ذلك اليوم فأقسم تعالى بنفسه‪ ،‬والمقسم عليه قوله {إِنّا‬ ‫َلقَادِرُونَ} أي على أن نهلكهم ونأتي بخير منهم { َومَا نَحْنُ ِب َمسْبُوقِينَ} أي عاجزين عن ذلك فكيف‬ ‫إذا ل نعيدهم أحياء بعد موتهم يوم القيامة { َفذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي‬ ‫يُوعَدُونَ} أي أمر تعالى رسوله أن يتركهم وما يخوضون فيه من اللهو واللعب والباطل في القول‬ ‫والعمل‪ ،‬وهو تهديد خفي لهم {حَتّى يُلقُوا} على ما هم عليه من أدران الشرك وأوضار المعاصي‬ ‫يوهم الذي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة وشرح حال اليوم فقال يوم يخرجون من‬ ‫الجداث أي القبور جمع جدث سراعا أي مسرعين كأنهم إلى نصب ‪ 2‬أي شيء منصوب من‬ ‫راية أو علم أو تذكار يوفضون أي يحشرون مسرعين حال كون أبصارهم خاشعة أي ذليلة من‬ ‫الفزع والخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عجيبة عظيمة‪ .‬وقوله تعالى {ذَِلكَ الْ َي ْومُ الّذِي كَانُوا‬ ‫يُوعَدُونَ} أي هذا هو اليوم الذي كانوا يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة الذي أنكروه وكذبوا‬ ‫به هاهو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم وألوان العذاب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الحال التي كان عليها الرسول صلى ال عليه وسلم في مكة بين ظهراني قريش وما كان‬ ‫يلقي من أذاهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الجنة تدخل بالطهارة الروحية من قذر الشرك والمعاصي وإل فأصل الناس واحد‬ ‫المني القذر باستثناء آدم وحواء وعيسى فآدم أصله الطين وحواء خلقت من ضلع آدم‪ ،‬وعيسى‬ ‫كان بنفخ روح القدس في كم درع مريم فكان بكلمة ال تعالى ومن عدا الثلثة فمن ماء مهين‬

‫ونطفة قذرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في قوله تعالى {إنا خلقناهم مما يعلمون} ازدراء بهم وتهكم من حالهم إذ يجادلون ويعاندون‬ ‫وهم مخلوقون من نطفة مذرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬النصب بفتح النون وسكون الصاد‪ :‬الصنم قرأ نافع نصب بفتح وسكون وقرأ حفص نصب بضم‬ ‫كل من النون والصاد والمعنى واحد وهو الصنم قال الشاعر‪:‬‬ ‫وذا النصب المنصوب ل تنسكنه‬ ‫لعافية وال ربك فاعبدا‬

‫( ‪)5/437‬‬ ‫‪ -3‬الستدلل بالنشأة الولى على إمكان الثانية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن حياة أهل الكفر مهما تراءى لهم ولغيرهم أنها حياة مدنية سعيدة لم تعد كونها باطل‬ ‫ولهوا ولعبا‪.‬‬

‫( ‪)5/438‬‬ ‫سورة نوح‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة نوح‬ ‫مكية وآياتها ثمان وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫إِنّا أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ أَنْ أَ ْنذِرْ َق ْومَكَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )1‬قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ‬ ‫مُبِينٌ (‪)2‬‬ ‫جلَ اللّهِ‬ ‫سمّىً إِنّ َأ َ‬ ‫جلٍ ُم َ‬ ‫أَنِ اعْبُدُوا اللّ َه وَا ّتقُو ُه وَأَطِيعُونِ (‪َ )3‬ي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَ ُيؤَخّ ْركُمْ إِلَى َأ َ‬ ‫إِذَا جَاءَ ل ُيؤَخّرُ َلوْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪)4‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ‪:‬أي أهل الرض كافة والدليل إغراقهم أجمعين‪.‬‬ ‫أن أنذر قومك ‪ :‬أي بإنذار قومك‪.‬‬ ‫إني لكم نذير مبين ‪ :‬أي بين النذارة ظاهرها‪.‬‬

‫أن اعبدوا ال ‪:‬أي وحده بفعل محابه وترك مكارهه ول تشركوا به شيئا‪.‬‬ ‫واتقوه ‪:‬فل تعصوه بترك عبادته ول بالشرك به‪.‬‬ ‫وأطيعون ‪ :‬فيما آمركم به وأنهاكم عنه لني مبلغ عن ال ربي وربكم‪.‬‬ ‫يغفر لكم من ذنوبكم ‪:‬أي ذنوبكم التي هي الشرك والمعاصي فمن زائدة لتقوية الكلم أو هي‬ ‫تبعيضية لن ما كان حقا لدمي كمال وعرض ل يغفر إل بالتوبة‪.‬‬ ‫ويؤخركم إلى أجل مسمى ‪:‬أي إلى نهاية آجالكم المسماة لكم في كتاب المقادير فل يعجل لكم‬ ‫بالعذاب‪.‬‬ ‫إن أجل ال ‪:‬أي بعذابكم‪.‬‬ ‫ليؤخر ‪:‬إن لم تؤمنوا‪.‬‬

‫( ‪)5/438‬‬ ‫لو كنتم تعلمون ‪:‬أي لمنتم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّا أَ ْرسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ} ‪ 1‬يخبر تعالى لفتا نظر منكري رسالة نبيه محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم من مشركي قريش وكفار مكة أن محمدا رسول ال ليس بأول رسول حتى تنكر‬ ‫رسالته‪ ،‬كما أن السورة بجملتها فيها تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم مما يلقي من مشركي‬ ‫قومه إذ نوح عليه السلم قد لقى ما هو أشد وأطول مدة واليات ناطقة بذلك وقوله تعالى {أَنْ‬ ‫أَنْذِرْ َق ْو َمكَ} أي أرسلناه بإنذار قومه من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ‪ 2‬هو عذاب الدنيا بالستئصال‬ ‫وعذاب الخرة بالستمرار والدوام‪ .‬وقوله تعالى {قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي امتثل نوح‬ ‫أمر ربه وقال لقومه يا قوم إني لكم نذير مبين أي مخوف من عواقب كفركم بال وشرككم به‪.‬‬ ‫{أَنِ اعْ ُبدُوا ‪ 3‬اللّ َه وَا ّتقُو ُه وَأَطِيعُونِ} اعبدوه وحده ول تشركوا به شيئا واتقوه فل تعصوه بترك‬ ‫عبادته ول بالشرك به‪ ،‬وأطيعون فيما آمركم به وأنهاكم عنه لني مبلغ عن ال ربي وربكم ول‬ ‫آمركم إل بما يكملكم ويسعدكم ول أنهاكم إل عما يضركم ول يسركم فإن تجيبوا لما دعوتكم إليه‬ ‫يغفر لكم ‪ 4‬من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى نهاية آجالكم فل يعاجلكم بالعقوبة {إِنّ‬ ‫جلَ اللّهِ} أي بعذابكم إذا جاء ل يؤخر {َلوْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ‪ }5‬أي لو علمتم ذلك لنبتم إلى ربكم فتبتم‬ ‫أَ َ‬ ‫إليه واستغفرتموه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية إذ الذي أرسل نوحا يرسل محمدا صلى ال عليه وسلم ومن شاء إلى‬ ‫من شاء‪.‬‬

‫‪ -2‬تقرير التوحيد إذ نوح أرسل إلى قوم مشركين لبطال الشرك وتحقيق التوحيد‪.‬‬ ‫س ّمىً} أي في كتاب المقادير‪.‬‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫‪-3‬تقرير معتقد القضاء والقدر لقوله {وَ ُي َؤخّ ْركُمْ إِلَى أَ َ‬ ‫عوْ ُتهُمْ‬ ‫ل وَ َنهَارا (‪ )5‬فَلَمْ يَ ِزدْهُمْ دُعَائي إِلّا فِرَارا (‪ )6‬وَإِنّي كُّلمَا دَ َ‬ ‫عوْتُ َق ْومِي لَيْ ً‬ ‫قَالَ َربّ إِنّي دَ َ‬ ‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ‬ ‫لِ َت ْغفِرَ َل ُهمْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نوح هو ابن لمك بن متوشلخ بن أختون وهو إدريس بن برد بن مهليل بن أنوش ابن قينان‬ ‫بن شيت بن آدم عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون العذاب في الدنيا وان يكون عذاب النار يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ 3‬أن مفسرة كالتي في قوله أن أنذر قومك‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يكون من زائدة لتقوية الكلم وأن تكون تبعيضية إذ بعض الذنوب ل تغفر إل بالتحلل‬ ‫من أصحابها وهي حقوق الدميين‪.‬‬ ‫‪ 5‬روى أنهم كانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول‪ :‬رب أغفر لقومي فأنهم ل يعلمون‪.‬‬

‫( ‪)5/439‬‬ ‫جهَارا (‪ُ )8‬ثمّ إِنّي‬ ‫عوْ ُتهُمْ ِ‬ ‫شوْا ثِيَا َبهُ ْم وََأصَرّوا وَاسْ َتكْبَرُوا اسْ ِتكْبَارا (‪ُ )7‬ثمّ إِنّي دَ َ‬ ‫فِي آذَا ِن ِه ْم وَاسْ َتغْ َ‬ ‫سمَاءَ‬ ‫سلِ ال ّ‬ ‫غفّارا (‪ )10‬يُ ْر ِ‬ ‫أَعْلَ ْنتُ َلهُ ْم وَأَسْرَ ْرتُ َلهُمْ إِسْرَارا (‪َ )9‬فقُلْتُ اسْ َتغْفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ َ‬ ‫ج َعلْ َل ُكمْ أَ ْنهَارا (‪ )12‬مَا َلكُ ْم ل‬ ‫ج َعلْ َلكُمْ جَنّاتٍ وَ َي ْ‬ ‫ن وَيَ ْ‬ ‫ل وَبَنِي َ‬ ‫عَلَ ْيكُمْ مِدْرَارا (‪ )11‬وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬ ‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا (‪)15‬‬ ‫طوَارا (‪ )14‬أََلمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خََلقَ اللّهُ سَبْعَ َ‬ ‫تَرْجُونَ لِلّ ِه َوقَارا (‪َ )13‬وقَدْ خََل َقكُمْ َأ ْ‬ ‫شمْسَ سِرَاجا (‪ )16‬وَاللّهُ أَنْبَ َت ُكمْ مِنَ الْأَ ْرضِ نَبَاتا (‪ )17‬ثُمّ ُيعِي ُدكُمْ‬ ‫ج َعلَ ال ّ‬ ‫ج َعلَ ا ْل َقمَرَ فِيهِنّ نُورا وَ َ‬ ‫وَ َ‬ ‫ج َعلَ َل ُكمُ الْأَ ْرضَ بِسَاطا (‪ )19‬لِتَسُْلكُوا مِ ْنهَا سُبُلً ِفجَاجا (‪)20‬‬ ‫ج ُكمْ إِخْرَاجا (‪ )18‬وَاللّهُ َ‬ ‫فِيهَا وَيُخْرِ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ليل ونهارا ‪:‬أي دائما باستمرار‪.‬‬ ‫إل فرارا ‪ :‬أي مني ومن الحق الذي ادعوهم إليه وهو عبادة ال وحده‪.‬‬ ‫جعلوا أصابعهم في آذانهم ‪:‬أي حتى ل يسمعوا ما أقول لهم‪.‬‬ ‫واستغشوا ثيابهم ‪:‬أي تغطوا بها حتى ل ينظروا إلى ول يروني‪.‬‬ ‫وأصروا ‪:‬على باطلهم وما هم عليه من الشرك‪.‬‬ ‫يرسل السماء عليكم مدرارا ‪ :‬أي ينزل عليكم المطر متتابعا كلما دعت الحاجة إليه‪.‬‬ ‫ويجعل لكم جنات ‪:‬أي بساتين‪.‬‬ ‫مالكم ل ترجون ل وقارا ‪:‬أي ل تخافون ل عظمته وكبرياءه وهو القاهر فوق عباده‪.‬‬

‫وقد خلقكم أطوارا ‪ :‬أي حال بعد حال فطورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة‪.‬‬ ‫وجعل الشمس سراجا ‪:‬أي مضيئة‪.‬‬

‫( ‪)5/440‬‬ ‫أنبتكم من الرض نباتا ‪:‬أي أنشأكم من تراب الرض‪.‬‬ ‫ثم يعيدكم فيها ‪:‬أي تقبرون فيها‪.‬‬ ‫ويخرجكم إخراجا ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫سبل فجاجا ‪ :‬أي طرقا واسعة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه اليات تضمنت لوحة مشرقة يهتدي بضوئها الهداة الدعاة إلى ال عز وجل إذ هي تمثل‬ ‫عرض حال قدمه نوح لربه عز وجل هو خلصة دعوة دامت قرابة تسعمائة وخمسين سنة‬ ‫ولنصغ إلى نوح عليه السلم وهو يشكوا إلى ربه ويعرض عليه ما قام به من دعوة إليه فقال‬ ‫ع ْوتُ َق ْومِي} وهم أهل الرض كلهم يومئذ {لَيْلً وَ َنهَارا} أي بالليل وبالنهار إذ بعض‬ ‫{ َربّ إِنّي دَ َ‬ ‫الناس ل يمكنه التصال بهم إل ليل {فََلمْ يَزِدْ ُهمْ دُعَائي}‪ 1‬إياهم إلى اليمان بك وعبادتك وحدك‬ ‫{إِلّا فِرَارا} مني ‪ 2‬ومما أدعوهم إليه وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم بأن يستغفروك ويتوبوا إليك‬ ‫شوْا ثِيَا َب ُهمْ} أي تطغوا‬ ‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِمْ} حتى ل يسمعوا ما أقول لهم‪{ ،‬وَاسْ َت ْغ َ‬ ‫لتغفر لهم { َ‬ ‫بها حتى ليروني ول ينظروا إلى وجهي كراهة لي وبغضا في {وََأصَرّوا} على الشرك والكفر‬ ‫إصرارا متزايدا عنادا {وَاسْ َتكْبَرُوا اسْ ِتكْبَارا} عجيبا ‪.3‬‬ ‫جهَارا} أي مجاهرا بذلك { ُثمّ‬ ‫عوْ ُتهُمْ} إلى توحيدك في عبادتك وإلى ترك الشرك فيها { ِ‬ ‫{ ُثمّ إِنّي دَ َ‬ ‫إِنّي أَعْلَ ْنتُ َلهُ ْم وَأَسْرَ ْرتُ َلهُمْ إِسْرَارا} بحسب الجماعات والظروف أطرق كل باب بحثا عن‬ ‫سمَاءَ‪5‬‬ ‫سلِ ال ّ‬ ‫غفّارا يُرْ ِ‬ ‫استجابتهم للدعوة وقبولهم للهدى فقلت { َفقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّب ُكمْ إِنّهُ‪ 4‬كَانَ َ‬ ‫ل وَبَنِينَ}‬ ‫عَلَ ْيكُمْ مِدْرَارا} أي ينزل عليكم المطر متتابعا فل يكون قحط ول محل {وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬ ‫ج َعلْ َلكُمْ أَ ْنهَارا‪ }6‬تجري في‬ ‫ج َعلْ َل ُكمْ جَنّاتٍ} بساتين ذات نخيل وأعناب {وَ َي ْ‬ ‫كما هي رغبتكم {وَ َي ْ‬ ‫تلك البساتين تسقيها‪ .‬ثم التفت إليهم وقال لهم منكرا عليهم استهتارهم وعدم خوفهم {مَا َلكُ ْم ل‬ ‫تَرْجُونَ لِلّ ِه َوقَارا} أي ما دهاكم أي شيء جعلكم ل ترجون ل وقارا ل تخافون عظمته وقدرته‬ ‫طوَارا} ولفت نظرهم إلى مظاهر قدرة ال تعالى فقال لهم {أََلمْ تَ َروْا كَ ْيفَ‬ ‫وكبرياءه { َوقَدْ خََل َقكُمْ أَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع دعائي بفتح العين واسكنها حفص‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي إل تباعدا عن اليمان وإعراضا عنه‪.‬‬ ‫‪ 3‬إذ قالوا له‪ :‬أنؤمن لك واتبعك الرذلون والحامل لهم على هذا القول الكبر الذي تجاوزوا الحد‬

‫فيه‪.‬‬ ‫‪ 4‬إنه كان غفارا هذا منه عليه السلم ترغيب لهم في التوبة قال الفضيل بن عياض قول العبد‬ ‫أستغفر ال معناه أقلني‪.‬‬ ‫‪ 5‬يرسل السماء المراد المطر ل السماء هذا كقول الشاعر‪:‬‬ ‫إذا نزل السماء بأرض قوم‬ ‫رعيناه وإن كانوا غضابا‬ ‫‪6‬يروى عن الحسن البصري أن رجلً شكا إليه الجدوبة فقال له استغفر ال‪ ،‬وشكا آخر إليه الفقر‬ ‫فقال له استغفر ال‪ ،‬وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له استغفر ال وقال له آخر ادع ال أن‬ ‫يرزقني ولدا فقال له استغفر ال‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ما قلت من عندي شيئا إن ال يقول في‬ ‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ ِمدْرَارا وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَالٍ‬ ‫سلِ ال ّ‬ ‫غفّارا يُرْ ِ‬ ‫سورة نوح { َفقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ َ‬ ‫ج َعلْ َلكُمْ أَ ْنهَارا}‪.‬‬ ‫ت وَيَ ْ‬ ‫ج َعلْ َل ُكمْ جَنّا ٍ‬ ‫وَبَنِينَ وَيَ ْ‬

‫( ‪)5/441‬‬ ‫ج َعلَ ا ْلقَمَرَ فِيهِنّ‪ 1‬نُورا} ينير ما‬ ‫سمَاوَاتٍ طِبَاقا} سماء فوق سماء مطابقة لها { َو َ‬ ‫خََلقَ اللّهُ سَبْعَ َ‬ ‫شمْسَ سِرَاجا} وهاجا مضيئا يضيء بوجهه‬ ‫ج َعلَ ال ّ‬ ‫فوقه من السموات وما تحته من الرض {وَ َ‬ ‫السموات وبقفاه الرض كالقمر {وَاللّهُ أَنْبَ َت ُكمْ مِنَ الْأَ ْرضِ نَبَاتا} إذ أصلكم من تراب والنطف أيضا‬ ‫من الغذاء المكون من التراب ثم خلقتكم تشبه النبات وهي على نظامه في الحياة والنماء‪{ .‬ثُمّ‬ ‫ج ُكمْ منها} أيضا {إِخْرَاجا} يوم القيامة‬ ‫ُيعِي ُدكُمْ فِيهَا} أي الرض بعد الموت فتدفنون فيها {وَ ُيخْرِ ُ‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ بِسَاطا} أي مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها والحياة‬ ‫للحساب والجزاء {وَاللّهُ َ‬ ‫عليها‪{ ،‬لِ َتسُْلكُوا مِ ْنهَا سُبُلً فِجَاجا} أي طرقا واسعة وهكذا تجول بهم نوح عليه السلم في معارض‬ ‫آيات ال الكونية وكلها داله على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبة‬ ‫للعبادة له عقل ونفيها عما سواه كانت هذه مشكلة نوح وعرض حاله على ربه وهو أعلم به وفي‬ ‫هذا درس عظيم للدعاة الهداة المهديين جعلنا ال منهم آمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬رسم الطريق الصحيح للدعوة القائم على الصبر وتلوين السلوب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كره المشركين للتوحيد والموحدين أنهم لبغضهم لنوح ودعوة التوحيد سدوا آذانهم حتى‬ ‫ل يسمعوا وغطوا وجوههم حتى ل يروه واستكبروا حتى ل يروا له فضل‪.‬‬ ‫‪ -3‬استعمال الحكمة في الدعوة فإن نوحا لما رأى أن قومه يحبون الدنيا أرشدهم إلى الستغفار‬ ‫ليحصل لهم المال والولد‪.‬‬

‫‪-4‬استنبط بعض الصالحين ‪ 2‬من هذه الية أن من كانت له رغبة في المال أو ولد فليكثر من‬ ‫الستغفار الليل والنهار ول يمل يعطه ال تعالى مراده من المال والولد‪.‬‬ ‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ َلمْ يَزِ ْدهُ مَاُل ُه َووَلَ ُدهُ إِلّا خَسَارا (‪َ )21‬و َمكَرُوا َمكْرا كُبّارا (‬ ‫ع َ‬ ‫قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ َ‬ ‫ق وَنَسْرا (‪َ )23‬وقَدْ َأضَلّوا‬ ‫سوَاعا وَل َيغُوثَ وَ َيعُو َ‬ ‫ن َودّا وَل ُ‬ ‫‪َ )22‬وقَالُوا ل َتذَرُنّ آِلهَ َتكُ ْم وَل تَذَرُ ّ‬ ‫كَثِيرا وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا ضَللً (‪)24‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي في السماء الدنيا‪ ،‬إذ يقال أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬تقدم انه الحسن البصري رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/442‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عصوني ‪:‬أي لم يطيعوني فيما دعوتهم إليه وأمرتهم به من عبادتك وحدك وترك الشرك‬ ‫بك‪.‬‬ ‫واتبعوا ‪:‬أي السفلة منهم والفقراء‪.‬‬ ‫من لم يزد ماله وولده ‪:‬أي الرؤساء المنعم عليهم‪.‬‬ ‫إل خسارا ‪:‬أي طغيانا وكفرا‪.‬‬ ‫مكرا كبارا ‪:‬أي عظيما جدا بأن كذبوا نوحا وآذوه أذى شديدا‪.‬‬ ‫وقالوا ‪:‬أي الرؤساء قالوا للسفلة منهم‪.‬‬ ‫ل تذرن آلهتكم ‪:‬أي ل تتركن آلهتكم‪.‬‬ ‫ول تذرن ‪:‬أي ول تتركن كذلك ودا ول سواعا ول يغوث ول يعوق ونسرا‪.‬‬ ‫وقد اضلوا ‪:‬أي بالصنام كثيرا من الناس أمروا بعبادتها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك العرض الكريم الذي تقدم به رسول ال نوح عليه السلم إلى ربه ليعذره ويكرمه تقدم‬ ‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ‪َ 1‬لمْ يَزِ ْدهُ‬ ‫ع َ‬ ‫بشكوى مشفوعة بالدعاء بالهلك على الظالمين {قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ َ‬ ‫مَالُ ُه َووَلَ ُدهُ إِلّا خَسَارا} أي طغيانا وكفرا‪َ { .‬و َمكَرُوا َمكْرا كُبّارا‪ }2‬أي عظيما جدا حيث كانوا‬ ‫يعرضون بنوح وقد يضربونه وهو صابر محتسب وقالوا لبعضهم البعض متواصين بالباطل {ل‬ ‫تَذَرُنّ آِلهَ َتكُمْ} وسموا منها رؤساءها وهم خمسة ود ‪3‬وسواع ويغوث ويعوق ونسر وقد أضلوا‬ ‫كثيرا أي من عباد ال حيث ورثوا هذه الصنام فيهم فتبعهم الناس على ذلك فضلوا ثم دعا عليهم‬ ‫قائل {وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِلّا ضَللً} قال هذا بعد أن أيس من إيمانهم وعدم هدايتهم لطول ما مكث‬ ‫‪ 4‬بينهم يدعوهم وهم ل يزدادون إل كفرا وضلل‪5.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬يعني كبراءهم وأغنياءهم وأهل الترف فيهم اللذين لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولدهم إل‬ ‫ضلل‪.‬‬ ‫‪ 2‬كبارا‪ :‬نحو قراء وعجاب وطوال وعمال‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى البخاري عن ابن عباس‪ :‬ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر أسماء رجال صالحين من‬ ‫قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباَ‬ ‫وسموها بأسمائهم فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن عباس‪ :‬رجا نوح البناء بعد الباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم‬ ‫دعا عليهم بعد الياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاما حتى كثر الناس وفشوا‪.‬‬ ‫‪ 5‬من عجيب ما يدعوا إليه الشيطان أن يعوق ونسرا عبدا في القرن الرابع عشر في قرية ليوه‬ ‫حيث كانوا يستسقون بهما‪ ،‬وأن يغوث ويعوق وود وسواع ونسر كانت موزعة بين القبائل العربية‬ ‫وفي يعوق يقول الشاعر‪:‬‬ ‫يريش ال في الدنيا ويبري‬ ‫ول يبري يعوق ول يريش‬

‫( ‪)5/443‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الشكوى إلى ال تعالى ولكن بدون صخب ول نصب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن السفلة والفقراء يتبعون الرؤساء والغنياء وأصحاب الحظ‪.‬‬ ‫‪-3‬بيان أن المكر من شأن الكافرين والظالمين‪.‬‬ ‫‪-4‬بيان أن المشركين لضللهم يطلقون لفظ اللهة على من يعبدونهم من الصنام والوثان‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية الدعاء على الظالمين عند اليأس من هدايتهم‪.‬‬ ‫بل‬ ‫خطِيئَا ِتهِمْ أُغْ ِرقُوا فَأُ ْدخِلُوا نَارا فَلَمْ يَجِدُوا َل ُهمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارا (‪َ )25‬وقَالَ نُوحٌ َر ّ‬ ‫ِممّا َ‬ ‫تَذَرْ عَلَى الْأَ ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارا (‪ )26‬إِ ّنكَ إِنْ َتذَرْهُمْ ُيضِلّوا عِبَا َدكَ وَل يَلِدُوا ِإلّا فَاجِرا َكفّارا‬ ‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنا وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِلّا‬ ‫ي وَِلمَنْ َد َ‬ ‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬ ‫(‪َ )27‬ربّ ا ْ‬ ‫تَبَارا (‪)28‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫مما خطيئاتهم أغرقوا ‪:‬أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا بالطوفان‪.‬‬ ‫فأدخلوا نارا ‪:‬أي بعد موتهم أدخلت أرواحهم النار‪.‬‬

‫ديارا ‪:‬أي من يدور يذهب ويجيء أي لم يبق أحد‪.‬‬ ‫إن تذرهم ‪:‬أي أحياء لم تهلكهم‪.‬‬ ‫إل تبارا ‪:‬أي هلكا و خسارا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫خطِيئَا ِتهِمْ أُغْ ِرقُوا}‪ 1‬يخبر تعالى عن نهاية قوم نوح بعد أن دعا عليهم نوح لما‬ ‫قوله تعالى { ِممّا َ‬ ‫علم بالوحي اللهي أنهم ل يؤمنون فقال تعالى مما خطيئاتهم أي ومن خطيئاتهم أي بسبب‬ ‫خطيئاتهم التي هي الشرك والظلم والتكذيب والذى لنوح عليه السلم أغرقوا بالطوفان فلم يبق‬ ‫منهم أحد {فَُأدْخِلُوا نَارا} أي بمجرد ما يغرق الشخص وتخرج روحه يدخل النار في البرزخ‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فَلَمْ‪2‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬مما خطيئتهم (ما) زائدة والصل من خطيئتهم ومن تعليلية وما الزائدة لتوكيد معنى التعليل‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفاء تفريعية‪.‬‬

‫( ‪)5/444‬‬ ‫جدُوا َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارا} وهو كذلك فمن ينصر من يريد هلكه وخزيه وعذابه‪ .‬ثم ذكر‬ ‫يَ ِ‬ ‫ب ل َتذَرْ عَلَى الْأَ ْرضِ‬ ‫تعالى دعوة نوح التي كان الطوفان بها والهلك وهي قوله { َوقَالَ نُوحٌ َر ّ‬ ‫مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارا} أي ل تترك ول تبق على الرض اليابسة كلها يومئذ من الكافرين بخلف‬ ‫المؤمنين {دَيّارا} ‪ 1‬أي إنسانا يدور أي يذهب ويجيء أي ل تبق من الكافرين أحدا ثم علل لطلبه‬ ‫الهلك للكافرين فقال {إِ ّنكَ إِنْ تَذَرْ ُهمْ‪ُ 2‬يضِلّوا عِبَا َدكَ} عن صراطك الموصل إلى رضاك وذلك‬ ‫هو عبادتك وحدك وطاعتك وطاعة رسولك {وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا ‪ }3‬أي إل من يفجر عن‬ ‫دينك ويكفر بك وبرسولك قال نوح هذا لطول التجارب التي عاشها مع قومه إذ عاشرهم قرابة‬ ‫عشرة قرون ثم دعا ال تعالى له ولوالديه ولمن دخل مسجده ومصله من المؤمنين والمؤمنات‪،‬‬ ‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنا‬ ‫غفِرْ لِي وَلِوَاِل َديّ‪ 4‬وَِلمَنْ َد َ‬ ‫وأن ل يزيد الظالمين إل خسارا وهلكا فقال { َربّ ا ْ‬ ‫ت وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا تَبَارا} ‪.5‬‬ ‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَا ِ‬ ‫وَلِ ْل ُمؤْمِنِي َ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬هلك قوم نوح كان بخطاياهم فالخطايا إذا موجبة للهلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عذاب القبر فقوم نوح ما إن اغرقوا حتى ادخلوا نارا‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الدعاء على الظلمة الكافرين والمجرمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬

‫‪ -5‬يستحب البدء غي الدعاء بنفس الداعي ثم يعطف من يدعوا لهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ديار‪ :‬اسم مخصوص بالوقوع في النفي يعم كل إنسان وهو مشتق من اسم الدار‪.‬‬ ‫‪ 2‬إنك أن تذرهم‪ :‬الجملة تعليلية‪.‬‬ ‫‪ 3‬يريد عند بلوغ الولد سن التكليف ل أنه يفجر ويكفر بمجرد ما يولد وصيغة فعال للمبالغة في‬ ‫الموصوف بالكفر‪.‬‬ ‫‪ 4‬اسم أبيه لمك واسم أمه شمخى بنت آنوس‪.‬‬ ‫‪ 5‬التبار‪ :‬الهلك والخسران‪.‬‬

‫( ‪)5/445‬‬ ‫سورة الجن‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الجن‬ ‫مكية وآياتها ثمان وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫س ِمعْنَا قُرْآنا‬ ‫حيَ‪ 1‬إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ الْجِنّ فَقَالُوا إِنّا َ‬ ‫ُقلْ أُو ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع بكسر إن في كل ما ورد في سورة الجن ما عدا أنه استمع نفر من الجن وأن المساجد‬ ‫ل ففتح أن وفتحها حفص إل بعد القول وفإن له نار جهنم‪.‬‬

‫( ‪)5/445‬‬ ‫جدّ رَبّنَا مَا اتّخَذَ‬ ‫شدِ فَآمَنّا بِ ِه وَلَنْ ُنشْ ِركَ بِرَبّنَا أَحَدا (‪ )2‬وَأَنّهُ َتعَالَى َ‬ ‫عَجَبا (‪َ )1‬يهْدِي إِلَى الرّ ْ‬ ‫سفِيهُنَا عَلَى اللّهِ شَطَطا (‪ )4‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ الْأِنْسُ‬ ‫صَاحِبَ ًة وَل وَلَدا (‪ )3‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬ ‫وَالْجِنّ عَلَى اللّهِ كَذِبا (‪ )5‬وَأَنّهُ كَانَ ِرجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ َيعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُو ُهمْ رَهَقا (‪)6‬‬ ‫وَأَ ّنهُمْ ظَنّوا َكمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ َأحَدا (‪)7‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أنه استمع ‪:‬أي إلى قراءتي‪.‬‬ ‫نفر من الجن ‪:‬أي عدد من الجن ما بين الثلثة والعشرة‪.‬‬ ‫قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ‪:‬أي لبعضهم بعضا قرآنا عجبا أي يتعجب منه لفصاحته وغزارة‬

‫معانيه‪.‬‬ ‫يهدي إلى الرشد ‪:‬أي الصواب في المعتقد والقول والعمل‪.‬‬ ‫وأنه تعالى جد ربنا ‪:‬أي تنزه جلل ربنا وعظمته عما نسب إليه‪.‬‬ ‫ما اتخذ صاحبة ول ولدا ‪:‬أي لم صاحبة ولم يكن له ولد‪.‬‬ ‫سفيهنا ‪:‬أي جاهلنا‪.‬‬ ‫شططا ‪:‬أي غلوا في الكذب بوصفه ال تعالى بالصاحبة والولد‪.‬‬ ‫على ال كذبا ‪:‬حتى تبين لنا أنهم يكذبون على ال بنسبة الزوجة والولد إليه‪.‬‬ ‫يعوذون ‪:‬أي يستعيذون‪.‬‬ ‫فزادوهم رهقا ‪:‬أي إثما وطغيانا‪.‬‬ ‫أن لن يبعث ال أحدا ‪:‬أي لن يبعث رسول إلى خلقه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حيَ‪ِ 1‬إَليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ ‪2‬مِنَ الْجِنّ} يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه‬ ‫قوله تعالى { ُقلْ أُو ِ‬ ‫وسلم أن يقول معلنا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أصل أوحي ووحي فقلبت الواو همزة كما قلبت في وإذا الرسل أقتت والصل وقتت‪ ،‬وهو‬ ‫جائز في كل واو مضمومة نحو ورخ وأرخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬يرى ابن إسحق أن هذا اللقاء بالجن كان عند عودة النبي صلى ال عليه وسلم من الطائف‪ ،‬ول‬ ‫مانع من حصول الخبرين مرة عند عودته من الطائف وتكون هذه الولى‪ ،‬والثانية هي المذكورة‬ ‫في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)5/446‬‬ ‫للناس مؤمنهم وكافرهم أنه قد أوحى ال تعالى إليه نبأ مفاده أن نفرا من الجن ما بين الثلثة إلى‬ ‫العشرة قد استمعوا إلى قراءته القرآن وذلك ببطن نخلة والرسول يصلي بأصحابه صلة الفجر‬ ‫وكان الرسول صلى ال عليه وسلم عامدا مع أصحابه إلى سوق عكاظ‪ .‬وكان يومئذ قد حيل بين‬ ‫الشياطين وخبر السماء حيث أرسلت عليهم الشهب فراجع الشياطين بعضهم بعضا فانتهوا إلى أن‬ ‫شيئا حدث ل محالة فانطلقوا يضربون في مشارق الرض ومغاربها يتعرفون إلى هذا الحدث‬ ‫الجلل الذي منعت الشياطين بسببه من السماء فتوجه نفر منهم إلى تهامة فوجدوا الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم يصلي الصبح بأصحابه فاستمعوا إلى قراءته في ‪1‬صلته فرجعوا إلى قومهم من الجن‬ ‫عجَبا َيهْدِي ِإلَى الرّشْدِ فَآمَنّا ِب ِه وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا َأحَدا} فأنزل ال تعالى هذه‬ ‫س ِمعْنَا قُرْآنا َ‬ ‫فقالوا {إِنّا َ‬ ‫حيَ إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ‪َ 2‬نفَرٌ مِنَ ا ْلجِنّ} أي أعلن للناس يا‬ ‫السورة "سورة الجن" مفتتحة بقوله { ُقلْ أُو ِ‬

‫رسولنا أن ال قد أوحى إليك خبرا مفاده أن نفرا من الجن قد استمعوا إلى قراءتك فرجعوا إلى‬ ‫س ِمعْنَا قُرْآنا عَجَبا} أي يتعجب من فصاحته وغزارة معانيه‪ .‬يهدي إلى‬ ‫قومهم وقالوا لهم {إِنّا َ‬ ‫الرشد ‪ 3‬والصواب في العقيدة والقول والعمل {فَآمَنّا بِ ِه وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا أَحَدا} وفي هذا تعريض‬ ‫بسخف البشر الذين عاش الرسول بينهم احدى عشرة سنة يقرأ عليهم القرآن بمكة وهو مكذبون به‬ ‫كارهون له مصرون على الشرك والجن بمجرد أن سمعوه آمنوا به وحملوا رسالته إلى قومهم‬ ‫وهاهم يدعون بدعاية السلم ويقولون {فَآمَنّا ِب ِه وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا َأحَدا وَأَنّهُ َتعَالَى جَدّ‪ 4‬رَبّنَا} أي‬ ‫وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه ما اتخذ صاحبة ول ولدا وحاشاه وإنما نسب إليه ذلك‬ ‫شطَطا} هذا من قول الجن واصلوا حديثهم قائلين وأنه‬ ‫علَى اللّهِ َ‬ ‫سفِيهُنَا َ‬ ‫المفترون‪{ .‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬ ‫كان يقول جاهلونا على ال شططا أي غلوا في الكذب بوصفهم ال تعالى بالصاحبة والولد تقليدا‬ ‫للمشركين واليهود والنصارى {وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ الْأِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى اللّهِ كَذِبا} أي وقالوا‬ ‫لقومهم وإنا كنا نظن أن النس والجن ل يكذبون على ال ول يقولون عليه إل الصدق وقد علمنا‬ ‫الن أنهم يكذبون على ال ويقولون عليه ما لم يقله وينسبون إليه ما هو منه براء‪ .‬وقالوا {وَأَنّهُ‬ ‫كَانَ ‪ِ 5‬رجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ما ذكر في التفسير من شأن استماع الجن قراءة الرسول وما أوحى ال تعالى به إلى رسوله في‬ ‫شأن هذه الحادثة هو في مسلم والترمذي‪.‬‬ ‫‪ 2‬جملة استمع خبر إن والسم هو الضمير الشأن والجملة في محل نائب فاعل لوحي‪.‬‬ ‫‪ 3‬الرشد بضم الراء وإسكان الشين والرشد بفتح الراء والشين معا هما الخير والصواب والهدى‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجد بفتح الجيم‪ :‬العظمة والجلل ومنه قول أنس كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد‬ ‫في عيوننا‪ :‬أي عظم وجل وأنه تعالى‪ :‬قرأ نافع بكسر الهمزة عطفا على قولهم إنا سمعنا قرآنا‬ ‫وقرأ حفص بفتح الهمزة على تقدير آمنا بأنه تعالى جد ربنا‪.‬‬ ‫‪ 5‬يجوز فتح أنه وكسرها فمن فتحها جعلها من كلم الجن رادا لها إلى قوله أنه استمع ومن‬ ‫كسرها جعلها مبتدأ في قول ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/447‬‬ ‫َيعُوذُونَ ‪1‬بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُو ُهمْ رَهَقا} يخبرون بخبر عجيب وهو أنه كان رجال من الناس‬ ‫من العرب وغيرهم إذا نزلوا منزل مخوفا في واد أو شعب يستعيذون برجال من الجن كأن يقول‬ ‫الرجل أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فزاد النس الجن بهذا اللجأ إليهم والحتماء بهم‬ ‫رهقا ‪ 2‬أي إثما وطغيانا‪ .‬إذ ما كانوا يطمعون أن النس تعظمهم هذا التعظيم حتى تستجير بهم‪.‬‬ ‫وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث ال أحدا أي وقالوا مخبرين قومهم وأنهم أي النس ظنوا كما‬

‫ظننتم أنتم أيها الجن أن لن يبعث ال أحدا رسول ينذر الناس عذاب ال ويعلمهم ما يكملهم‬ ‫ويسعدهم في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية وأن محمدا رسول للثقلين النس والجن معا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان علو شأن القرآن وكماله حيث شهدت الجن له بأنه عجب فوق مستوى كلم الخلق‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد والتنديد بالشرك‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن النس كالجن قد يكذبون على ال وما كان لهم ذلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة الستعانة بالجن والستعاذة بهم لن ذلك كالعبادة لهم‪.‬‬ ‫سمْعِ َفمَنْ‬ ‫شهُبا (‪ )8‬وَأَنّا كُنّا َن ْقعُدُ مِ ْنهَا َمقَاعِدَ لِل ّ‬ ‫سمَاءَ َفوَجَدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسا شَدِيدا وَ ُ‬ ‫وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬ ‫شهَابا َرصَدا (‪ )9‬وَأَنّا ل نَدْرِي َأشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ َأمْ أَرَادَ ِبهِمْ رَ ّبهُمْ‬ ‫جدْ لَهُ ِ‬ ‫يَسْ َتمِعِ الْآنَ يَ ِ‬ ‫ن َومِنّا دُونَ ذَِلكَ كُنّا طَرَا ِئقَ قِدَدا (‪ )11‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ ُنعْجِزَ اللّهَ‬ ‫رَشَدا (‪ )10‬وَأَنّا مِنّا الصّالِحُو َ‬ ‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى آمَنّا ِبهِ َفمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَل يَخَافُ َبخْسا‬ ‫فِي الْأَ ْرضِ وَلَنْ ُن ْعجِ َزهُ هَرَبا (‪ )12‬وَأَنّا َلمّا َ‬ ‫وَل رَهَقا (‪)13‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال مقاتل أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن من بني حنيفة ثم فشا في العرب فلما جاء السلم‬ ‫عاذوا بال وتركوهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرهق الخطيئة والثم وغشيان المحارم‪ ،‬و باستعاذة النس بالجن يحصل الثم والخطيئة‪.‬‬

‫( ‪)5/448‬‬ ‫ن َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ َفمَنْ أَسَْلمَ فَأُولَ ِئكَ َتحَ ّروْا رَشَدا (‪ )14‬وََأمّا ا ْلقَاسِطُونَ َفكَانُوا‬ ‫وَأَنّا مِنّا ا ْلمُسِْلمُو َ‬ ‫حطَبا (‪)15‬‬ ‫جهَنّمَ َ‬ ‫لِ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأنا لمسنا السماء ‪:‬أي طلبنا خبرها كما جرت بذلك عادتنا‪.‬‬ ‫حرسا شديدا ‪ :‬أي حراسا وحفظة من الملئكة يحفظونها بشدة وقوة‪.‬‬ ‫وشهبا ‪:‬أي نجوما يرمى بها الشياطين أو يؤخذ منها شهاب فيرمى به‪.‬‬ ‫مقاعد للسمع ‪:‬أي من أجل أن نسمع ما يحدث وما يكون في الكون‪.‬‬ ‫شهابا رصدا ‪:‬أي أرصد وأعد لرمي الشياطين وإبعادهم عن السمع‪.‬‬ ‫رشدا ‪:‬أي خيرا وصلحا‪.‬‬ ‫كنا طرائق قددا ‪:‬أي مذاهب مختلفة إذا الطرائق جمع طريقة‪ ،‬والقدر جمع قدة وهي الضروب‬

‫والجناس المختلفة‪.‬‬ ‫ولن نعجزه هربا ‪:‬أي ل نفوته هاربين في الرض أو في السماء‪.‬‬ ‫لما سمعنا الهدى ‪:‬أي القرآن الداعي إلى الهدى المخالف للضلل‪.‬‬ ‫بخسا ول رهقا ‪:‬أي نقصا من حسناته ول إثما يحال عليه ويحاسب به‪.‬‬ ‫ومنا القاسطون ‪:‬أي الجائرون عن قصد السبيل وهو السلم‪.‬‬ ‫تحروا رشدا ‪:‬أي تعمدوا الرشد فطلبوه بعناية فحصلوا عليه‪.‬‬ ‫فكانوا لجهنم حطبا ‪:‬أي وقودا تتقد بهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ما قالته الجن بعد سماعها القرآن الكريم‪ .‬وهو ما أخبر تعالى به عنهم‬ ‫شهُبا} أي ‪ 1‬ملئكة‬ ‫شدِيدا وَ ُ‬ ‫جدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسا َ‬ ‫سمَاءَ} أي طلبناها كعادتنا { َفوَ َ‬ ‫في قوله {وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬ ‫أقوياء يحرسونها وشهبا نارية يرمى بها كل مسترق للسمع منا‪ .‬وقالوا ‪{ :‬وَأَنّا كُنّا َنقْعُدُ مِ ْنهَا} أي‬ ‫سمْعِ‪ }2‬أي لجل الستماع من ملئكة‬ ‫من السماء { َمقَاعِدَ} أي أماكن معينة لهم {لِل ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الشهب جمع شهاب ككتاب وكتب وهو ما يؤخذ من الكواكب النارية فيرمى به الجن‪ .‬والحرس‬ ‫جمع حارس ولم يقل شديدين نحو قولنا السلف الصالح بدل الصالحين‪ .‬وجمع الحرس أحراس‬ ‫كسلف وأسلف‪.‬‬ ‫‪ 2‬الذين كانوا يسترقون السمع هم مردة الجن وشياطينهم‪ .‬ومما ينبغي أن يعلم هنا أن الجن هم‬ ‫أولد الجان المخلوق من مارج من نار وأن الشياطين هم أولد إبليس وأن من فسق عن أمر ال‬ ‫تعالى وتمرد على شرعه فخبث واشتد خبثه يصبح شيطانا ويلحق بالشياطين الذين ل خير فيهم‬ ‫البتة‪.‬‬

‫( ‪)5/449‬‬ ‫شهَابا َرصَدا} أي أرصد له خاصة فيرمى به فيحرقه أو يخبله‪،‬‬ ‫جدْ لَهُ ِ‬ ‫السماء‪َ { .‬فمَنْ يَسْ َتمِعِ الْآنَ يَ ِ‬ ‫وقالوا { وَأَنّا ل نَدْرِي أَشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِب ِهمْ رَ ّبهُمْ َرشَدا} أقول عجبا لهؤلء‬ ‫المؤمنين من الجن كيف تأدبوا معه ال فلم ينسبوا إليه الشر ونسبوا إليه الخير فقالوا {أَشَرّ أُرِيدَ‬ ‫ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ} ولو أساءوا الدب مثلنا لقالوا أشر أراده ال بمن في الرض أم أراد بهم ربهم‬ ‫رشدا أي خيرا وصلحا قالوا هذا لما وجدوا السماء قد ملئت حرسا شديدا وشهبا وهو تفكير سديد‬ ‫ناتج عن وعي وإدراك سليم‪ .‬وهذا التغير في السماء الذي وجدوه سببه أن ال تعالى لما نبأ‬ ‫رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم وأخذ يوحي إليه حمى السماء حتى ل يسترق الشياطين السمع‬ ‫ويشوشوا على الناس فيصرفوهم عن اليمان والدخول في السلم وهو الرشد الذي أراد ال‬

‫لعباده وقالوا {وَإِنّا مِنّا الصّاِلحُونَ} أي المؤمنون المستقيمون على اليمان والطاعة { َومِنّا دُونَ‬ ‫ذَِلكَ} ضعف إيمان وقلة طاعة‪{ ،‬كُنّا طَرَا ِئقَ قِدَدا} أي مذاهب ‪ 1‬وأهواء مختلفة‪{ .‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ‬ ‫ُنعْجِزَ اللّهَ فِي الْأَ ْرضِ} أي إن أراد بنا سوءا ومكروها ولن نعجزه هربا إن طلبنا ما في الرض‬ ‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى آمَنّا ِبهِ} أي بالقرآن الذي هو هدى ال يهدي به من يشاء من‬ ‫أو في السماء‪{ .‬وَأَنّا َلمّا َ‬ ‫عباده { َفمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَل يَخَافُ بَخْسا} أي نقصا من حسناته يوم القيامة {وَل َرهَقا} أي إثما‬ ‫ن َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ}‬ ‫يضاف إلى سيئآته ويعاقب به وهو لم يرتكبه في الدنيا‪ .‬وقالوا { َوأَنّا مِنّا ا ْلمُسِْلمُو َ‬ ‫أي الجائرون عن قصد السبيل وهو السلم‪ .‬فمن أسلم أي انقاد ل تعالى بطاعته وخلص من‬ ‫جهَنّمَ حَطَبا} توقد بهم‬ ‫الشرك به فهؤلء تحروا الرشد ‪ 2‬وفازوا به‪{ ،‬وََأمّا ا ْلقَاسِطُونَ َفكَانُوا لِ َ‬ ‫وتستعر عليهم وعلى الكافرين الجائرين أمثالهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجود تجانس بين الجن والملئكة لقرب مادتي الخلق من بعضها إذ الملئكة خلقوا من مادة‬ ‫النور‪ ،‬والجن من مادة النار‪ ،‬ولذا يرونهم ويسمعون كلمهم ويفهمونه‪.‬‬ ‫‪ -2‬من الجن أدباء صالحون مؤمنون مسلمون أصحاب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم الطرق والهواء والختلفات‪.‬‬ ‫‪ -4‬الشادة بالعدل وتحري الحق والخير‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كان منهم اليهودي والنصراني والمجوسي‪ ،‬ولما جاء السلم أصبح منهم المسلم وأصبح من‬ ‫المسلمين قدرية ومرجئة وخوارج ورافضة وشيعة لنهم تابعون للناس في معتقداتهم وأقوالهم‬ ‫وأعمالهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬تحروا رشدا أي قصدوا طريق الحق وتوخوه‪ ،‬ومنه تحرى القبلة للصلة‪ .‬أي طلبها بعناية‬ ‫وقصد للحصول عليها‪.‬‬

‫( ‪)5/450‬‬ ‫سقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا (‪ )16‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه َومَنْ ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ رَبّهِ َيسُْلكْهُ‬ ‫وَأَّلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ لَأَ ْ‬ ‫صعَدا (‪ )17‬وَأَنّ ا ْلمَسَاجِدَ لِلّهِ فَل تَدْعُو مَعَ اللّهِ َأحَدا (‪ )18‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَ ْبدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا‬ ‫عَذَابا َ‬ ‫َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا (‪ُ )19‬قلْ إِ ّنمَا َأدْعُو رَبّي وَل أُشْ ِركُ بِهِ أَحَدا (‪ُ )20‬قلْ إِنّي ل َأمِْلكُ َلكُمْ ضَرّا وَل‬ ‫جدَ مِنْ دُونِهِ مُلْ َتحَدا (‪ )22‬إِلّا بَلغا مِنَ اللّهِ‬ ‫ح ٌد وَلَنْ أَ ِ‬ ‫رَشَدا (‪ُ )21‬قلْ إِنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَ َ‬ ‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا ‪ )23‬حَتّى ِإذَا رََأوْا مَا‬ ‫وَرِسَالتِ ِه َومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ َلهُ نَارَ َ‬ ‫عدَدا (‪)24‬‬ ‫ضعَفُ نَاصِرا وََأ َقلّ َ‬ ‫يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ مَنْ َأ ْ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫على الطريقة ‪:‬أي السلم‪.‬‬ ‫ماء غدقا ‪ :‬أي مال كثيرا وخيرات كبيرة‪.‬‬ ‫لنفتنهم فيه ‪ :‬أي نختبرهم أيشكرون أم يكفرون‪.‬‬ ‫عن ذكر ربه ‪:‬أي القرآن وشرائعه وأحكامه‪.‬‬ ‫عذابا صعدا ‪:‬أي شاقا‪.‬‬ ‫فل تدعوا ‪:‬أي فيها مع ال أحدا‪.‬‬ ‫عبد ل يدعوه ‪:‬أي محمد صلى ال عليه وسلم يدعوا ال ببطن نخلة‪.‬‬ ‫عليه لبدا ‪:‬أي في ركوب بعضهم بعضا تزاحما لجل أن يسمعوا قراءته‪.‬‬ ‫ضرا ول رشدا ‪:‬أي غيا ول خيرا‪.‬‬ ‫ملتحدا ‪:‬أي ملتجأ ألجأ إليه فأحفظ نفسي‪.‬‬ ‫إل بلغا ‪:‬أي ل أملك إل البلغ إليكم‪.‬‬ ‫وأقل عددا ‪:‬أي أعوانا المسلمون أم الكافرون‪.‬‬

‫( ‪)5/451‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَأَّلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ} أي وأوحى إلي أن لو استقام هؤلء المشركون من كفار‬ ‫سقَيْنَا ُهمْ مَاءً‬ ‫قريش استقاموا على اليمان والتوحيد والطاعة ل ولرسوله –وهم يشكون القحط‪{ -‬لَأَ ْ‬ ‫غَدَقا‪ }1‬فتكثر أموالهم وتتسع أرزاقهم‪{ ،‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِيهِ} أي لنخبرهم في ذلك الخير الكثير أيشكرون أم‬ ‫يكفرون؟ ثم إن شكروا زادهم‪ ،‬وإن كفروا سلبهم وعذبهم‪ .‬وقوله تعالى { َومَنْ ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ‬ ‫رَبّهِ} أي القرآن وما يدعوا إليه من اليمان وصالح العمال ولم يتخل عن الشرك وسوء الفعال‬ ‫صعَدا‪ }2‬أي ندخله في عذاب شاق في الدنيا بالذل والمهانة والفقر والرذيلة والنذالة‪.‬‬ ‫سُلكْهُ عَذَابا َ‬ ‫{يَ ْ‬ ‫جدَ‪ِ 3‬للّهِ فَل‬ ‫وفي الخرة في جهنم حيث السموم والحميم‪ ،‬والضريع والزقوم‪ .‬وقوله {وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬ ‫تَدْعُو مَعَ اللّهِ َأحَدا} أي ومما أوحي إلي أن المساجد ل فإذا دخلتموها للعبادة فل تدعوا فيها مع ال‬ ‫أحدا إذ كيف البيت له وأنت فيه وتدعوا معه غيره زيادة على أن الشرك محرم وصاحبه في النار‬ ‫فإنه من غير الدب أن يكون المرء في بيت كريم ويدعو معه غيره من فقراء الخلق أو أغنيائهم‬ ‫وقوله {وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا} أي وأوحي إلي أنه لما قام عبد ال‬ ‫ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم يدعوا ربه في الصلة ببطن نخلة كاد الجن أن يكونوا عليه‬ ‫لبدا أي ‪ 4‬كالشيء المتلبد بعضه فوق بعض‪ .‬وقوله { ُقلْ إِ ّنمَا أَدْعُو رَبّي وَل أُشْ ِركُ بِهِ َأحَدا} هذا‬ ‫إجابة لقريش عندما قالوا له صلى ال عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم‬

‫فارجع عن هذا فنحن نجيرك أي نحفظك فأمر أن يقول لهم إنما أدعوا ربي أي أعبده إلهَا واحدا‬ ‫ول أشرك به أحدا‪ .‬وأن يقول أيضا إني ل أملك لكم يا معشر قريش الكافرين ضرا ول رشدا أي‬ ‫ضلل ول هداية إنما ذلك ل وحده يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأمر أن يقول لهم أيضا إني‬ ‫لن يجيرني من ال أحد أن أنا عصيته وأطعتكم‪ ،‬ولن أجد من دونه أي من غيره ملتحدا ‪ 5‬أي‬ ‫ملتجأ التجأ إليه‪ .‬وقوله إل بلغا من ال ورسالته أي ل أملك لكم ضرا ول رشدا إل بلغا من‬ ‫ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬غدقا أي واسعا كبيرا‪ ،‬يقال غدقت العين تغدق فهي غدقة إذا كثر ماؤها‪ .‬وهذا الوعد اللهي‬ ‫المشروط هو عام في الناس أجمعين وفي كل زمان ومكان وهو كقوله‪ .‬ولو أن أهل القرى آمنوا‬ ‫واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والرض ولما استقام السلف الصالح حصل لهم هذا‬ ‫الموعود كامل‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى عن ابن عباس أن العذاب الصعد جبل في جهنم يكلفون صعوده وكلما وضعوا أيديهم‬ ‫عليه ذابت‪ .‬وهو ضرب من أنواع العذاب في دار الشقاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون المراد بالمساجد أعضاء السجود السبعة لحديث إذا سجد العبد سجد معه سبعة‬ ‫آراب أي أعضاء ويقوى هذا الجواز قول عطاء‪ :‬مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها‬ ‫فل تذللها لغير خالقها‪ .‬وما في التفسير أولى بالية‪.‬‬ ‫‪ 4‬اللبد جمع لبدة بكسر اللم وسكون الباء كقربة وقرب وهي ما تلبد بعضه على بعض ومنه لبدة‬ ‫السد وهي الشعر المتراكم في رقبته‪.‬‬ ‫‪ 5‬شاهده قول الشاعر ‪:‬‬ ‫يالهف نفسي ولهفي غير مجدية‬ ‫عني وما من قضاء ال ملتحد‬

‫( ‪)5/452‬‬ ‫ورسالته فإني أبلغكم عنه ما أمرني به وأرشدكم إلى ما أرسلني به من الهدى والخير والفوز‬ ‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا} أي يخبر تعالى موعدا أن من‬ ‫وقوله { َومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ َ‬ ‫يعصي ال بالشرك به وبرسوله بتكذيبه وعدم اتباعه فيما جاء به فإن له جزاء شركه وعصيانه‬ ‫ضعَفُ نَاصِرا وََأ َقلّ‬ ‫نار جهنم خالدين فيها أبدا‪ .‬وقوله {حَتّى ِإذَا رََأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ مَنْ َأ ْ‬ ‫عَدَدا} أي فإن استمروا على شركهم وتكذيبهم حتى إذا رأوا ما يوعدون من عذاب يوم القيامة‬ ‫فسيعلمون عندئذ من أضعف ناصرا أي من ناصره ضعيف أو قوي‪ ،‬ومن أقل عددا من أعوانه‬ ‫المؤمنون محمد وأصحابه أم هم المشركون المكذبون‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الستقامة على منهج ال تعالى القائم على اليمان والطاعة ل ورسوله يفضي بسالكه إلى‬ ‫الخير الكثير والسعادة الكاملة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬المال فتنة وقل من ينجح فيها قال عمر رضي ال عنه أينما يكون الماء يكون المال وأينما‬ ‫يكون المال تكون الفتنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة دعاء غير ال في المساجد وفي غيرها إل أنها في المساجد أشد قبحا‪.‬‬ ‫‪ -4‬الخير والغير والهدى والضلل ل يملكها إل ال فليطلب ذلك منه ل من غيره‪.‬‬ ‫‪ -5‬معصية ال والرسول موجبة لعذاب الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ َأحَدا‬ ‫ج َعلُ لَهُ رَبّي َأمَدا (‪ )25‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ فَل ُي ْ‬ ‫ُقلْ إِنْ أَدْرِي َأقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَ ْ‬ ‫(‪ )26‬إِلّا مَنِ ارْ َتضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنّهُ يَسُْلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدا (‪ )27‬لِ َيعَْلمَ أَنْ قَدْ أَبَْلغُوا‬ ‫شيْءٍ عَدَدا (‪)28‬‬ ‫حصَى ُكلّ َ‬ ‫رِسَالتِ رَ ّب ِه ْم وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْي ِه ْم وَأَ ْ‬

‫( ‪)5/453‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل إن أدري ‪:‬أي قل ما أدري‪.‬‬ ‫ما توعدون ‪:‬أي من العذاب‪.‬‬ ‫أمدا ‪ :‬أي غاية وأجل ل يعلمه إل هو‪.‬‬ ‫فل يظهر ‪:‬أي ل يطلع‪.‬‬ ‫من ارتضى من رسول ‪:‬أي فإنه يطلعه‪.‬‬ ‫رصدا ‪:‬أي ملئكة يحفظونه حتى يبلغه مع الوحي الذي يبلغه لكافة الناس‪.‬‬ ‫ليعلم ‪:‬أي ال علم ظهور أن الرسل قد بلغوا رسالت ربهم‪.‬‬ ‫أحصى كل شيء عددا ‪:‬أي أحصى عدد كل شيء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { ُقلْ إِنْ أَدْرِي} أمر تعالى رسوله أن يقول للمشركين المطالبين بالعذاب استخفافا‬ ‫وعنادا أو تكذيبا أمره أن يقول لهم ما أدري أقريب ما وعدكم ربكم به من العذاب بحيث يحل بكم‬ ‫عاجل أم يجعل له ربي ‪ 1‬أمدا أي غاية وأجل بعيدا يعلمه هو ول يعلمه غيره‪ .‬عالم الغيب ‪ 2‬إذ‬ ‫هو عالم الغيب ‪ 3‬وحده فل يظهر على غيبه أي ل يطلع على غيبه أحدا من عباده إل من ارتضى‬ ‫من رسول أي رضيه أن يبلغ عنه فإنه يطلعه مع الحتياط الكافي حتى ل يتسرب الخبر الغيب‬ ‫إلى الناس {فَإِنّهُ يَسُْلكُ‪ 4‬مِنْ بَيْنِ يَدَ ْيهِ} الرسول المرتضى ومن خلفه رصدا من الملئكة ثم يطلعه‬

‫ضمن الوحي الذي يوحي إليه‪ .‬وذلك ليعلم الرسول ‪ 5‬صلى ال عليه وسلم أن الرسل قبله قد بلغت‬ ‫رسالت ربها لما أحاطها تعالى به من العناية حتى انه إذا جاءه الوحي كان معه أربعة ملئكة‬ ‫يحمونه من الشياطين حتى ل يسمعوا خبر السماء فيبلغوه أولياءهم من النس‪ ،‬فتكون فتنة في‬ ‫الناس وقوله {وََأحَاطَ}‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع ربي بفتح الياء‪ ،‬وقرأ حفص ربي بإسكان الباء ممدودة‪.‬‬ ‫‪ 2‬عالم نعت لربي‪ .‬والغيب‪ :‬ما غاب عن العبادة‪ ،‬ومعنى عالم الغيب أي العليم بكل ما هو غائب‬ ‫عن أعين الناس كالملئكة والجن وما سيحدث من أحداث في الكون‪.‬‬ ‫‪ 3‬قالت العلماء لما تمدح ال تعالى بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه ل يعلم‬ ‫الغيب أحد سواه‪ ،‬ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي‬ ‫إليهم‪ ،‬وجعله معجزة لهم ودللة صادقة على نبوئتهم وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب‬ ‫بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول يطلعه على ما يشاء من غيبه‬ ‫بل هو كافر بال مفتر عليه لحدسه وتخمينه وكذبه‪.‬‬ ‫‪ 4‬فإنه يسلك الخ يعني ملئكة يحفظونه من أن يقرب منه شيطان في صورة الملك فيحفظ الوحي‬ ‫من استراق الشيطان واللقاء إلى الكهنة‪.‬‬ ‫‪ 5‬معنى الية‪ :‬ليعلم أي محمد صلى ال عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما أبلغ هو‬ ‫الرسالة‪ .‬وفي الكلم حذف تقديره أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل‬ ‫حالته من التبليغ‪.‬‬

‫( ‪)5/454‬‬ ‫عدَدا} ‪ 1‬أي‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫حصَى ُكلّ َ‬ ‫أي ال جل جلله { ِبمَا لَدَ ْيهِمْ} أي بما لدى الملئكة والرسل علما {وََأ ْ‬ ‫وأحصى عدد كل شيء فل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء وهو السميع العليم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬استئثار ال تعالى بعلم الغيب فل يعلم الغيب إل ال‪.‬‬ ‫‪-2‬قد يطلع ال تعالى من ارتضى أن يطلعه من الرسل على غيب خاص ويتم ذلك بعد حماية‬ ‫كاملة من الشياطين كيل ينقلوه إلى أوليائهم فيفتنوا به الناس‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إحاطة علم ال بكل شيء و احصائه تعالى لكل شيء عدّا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عددا منصوب على الحال أو على المصدر أي أحصى وعد كل شيء عددا‪.‬‬

‫( ‪)5/455‬‬ ‫سورة المزمل‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المزمل‬ ‫أولها مكي وآخرها مدني ‪1‬وآياتها عشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫صفَهُ َأوِ ا ْنقُصْ مِنْهُ قَلِيلً (‪َ )3‬أوْ زِدْ عَلَ ْي ِه وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ‬ ‫يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ (‪ُ )1‬قمِ اللّ ْيلَ إِلّا قَلِيلً (‪ِ )2‬ن ْ‬ ‫ش ّد وَطْئا وََأ ْقوَمُ قِيلً (‪ )6‬إِنّ َلكَ فِي‬ ‫تَرْتِيلً (‪ )4‬إِنّا سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َق ْولً َثقِيلً (‪ )5‬إِنّ نَاشِ َئةَ اللّ ْيلِ ِهيَ أَ َ‬ ‫ك وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً (‪َ )8‬ربّ ا ْلمَشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ ل إِلَهَ ِإلّا ُهوَ‬ ‫سمَ رَ ّب َ‬ ‫طوِيلً (‪ )7‬وَا ْذكُرِ ا ْ‬ ‫ال ّنهَارِ سَبْحا َ‬ ‫خ ْذهُ َوكِيلً (‪)9‬‬ ‫فَاتّ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها المزمل ‪:‬أي المتلفف بثيابه أي النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫قم الليل ‪:‬أي صل‪.‬‬ ‫إل قليل ‪:‬أي نصف الليل‪.‬‬ ‫نصفه أو انقص منه قليل ‪ :‬أي انقص من النصف إلى الثلث‪.‬‬ ‫أو زد عليه ‪:‬أي إلى الثلثين فأنت مخير في أيها تفعل تقبل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬آخرها هو قوله {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر آية منه‪.‬‬

‫( ‪)5/455‬‬ ‫ورتل القرآن ترتيل ‪ :‬أي ترسل في قراءته وبينه تبيينا‪.‬‬ ‫إنا سنلقي عليك قول ‪:‬أي قرآنا‪.‬‬ ‫ثقيل ‪:‬أي محمله ثقيل العمل به لما يحوي من التكاليف‪.‬‬ ‫إن ناشئة الليل ‪:‬أي ساعة الليل من صلة العشاء فما فوق كل ساعة تسمى ناشئة‪.‬‬ ‫هي أشد وطئا ‪:‬أي هي أقوى موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن فيها‪.‬‬ ‫وأقوم قيل ‪:‬أي أبين قول وأصوب قراءة من قراءة النهار لسكون الصوات‪.‬‬ ‫واذكر اسم ربك ‪:‬أي دم على ذكره ليل ونهارا على أي وجه من تسبيح وتهليل وتحميد‪.‬‬ ‫وتبتل إليه تبتيل ‪:‬أي انقطع إليه في العبادة وفي طلب الحاجة وفي كل ما يهمك‪.‬‬

‫ل إله إل هو ‪:‬أي ل معبود بحق سواه ول تنبغي العبادة لغيره‪.‬‬ ‫فاتخذه وكيل ‪:‬أي فوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ}‪ 1‬نادى الرب تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم مذكرا‬ ‫إياه بتلك الساعة السعيدة التي فاجأه فيها الوحي لول مرة فرجع بها ترجف بوادره فانتهى إلى‬ ‫خديجة وهو يقول زملوني دثروني فالمزمل ‪ 2‬هو المتزمل أي المتلفف في ثيابه ليقول له قم الليل‬ ‫علَيْهِ} أي على‬ ‫صفَهُ َأوِ ‪4‬ا ْن ُقصْ مِنْهُ قَلِيلً} إلى الثلث {َأوْ زِدْ َ‬ ‫‪ 3‬إل قليل أي صل في الليل { ِن ْ‬ ‫النصف إلى الثلثين وامتثل الرسول أمر ربه فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم‪ .‬ثم خفف ال‬ ‫تعالى عنهم ونزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب وبقى الندب والستحباب‬ ‫وقوله تعالى {وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ تَرْتِيلً}‪ 5‬يرشده ربه إلى أحسن التلوة وهي الترسل وعدم السرعة‬ ‫حتى يبين الكلمات تبيينا ويترقى القلب في معانيها‪ .‬وقوله {إِنّا ‪6‬سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َق ْولً َثقِيلً} يخبره ربه‬ ‫تعالى بأنه سيلقي عليه قوى ثقيل هو‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في هذا النداء بهذه الصفة معنى التلطف والتحبب كقوله صلى ال عليه وسلم لعلي قم أبا تراب‬ ‫ولعبد الرحمن بن صخر أبا هريرة‪ ،‬ولحذيفة بن اليمان يوم الخندق قم يا نومان‪.‬‬ ‫‪ 2‬المزمل اسم فاعل والمدثر كذلك من تزمل وتدثر والصل المتزمل والمتدثر‪.‬‬ ‫‪ 3‬كان هذا القيام قبل فرض الصلوات الخمس واستمر بعد فرضها واجبا على النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم دون أمته‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجمهور يقرأ أو انقص بضم الواو للتخلص من التقاء الساكنين‪ ،‬وبعضهم بكسرها أو انقص‪.‬‬ ‫‪ 5‬جائز أن يكون الترتيل المأمور به في الصلة وقيام الليل وفي غيره ذلك من تلوة القرآن‬ ‫الكريم والترتيل مأخوذ من قولهم ثغر مرتل وهو المفلج السنان أي المفرق بينهما فالترتيل هو‬ ‫تفرقة الحروف وعدم جمعها بحيث يخرج كل حرف من مخرجه يفسره قول عائشة رضي ال‬ ‫عنها‪ .‬في وصف الترتيل لو أراد السامع أن يعد الحروف لعدها ل كسردكم هذا‪.‬‬ ‫‪ 6‬هذه الجملة مستأنفة معترضة بين قوله قم الليل وبين قوله إن ناشئة الليل لما كلفه بقيام الليل‬ ‫وكان شاقا أعلمه بأنه هيأه لما هو أشق من قيام الليل وهو حمل الرسالة وإبلغها‪.‬‬

‫( ‪)5/456‬‬ ‫القرآن فإنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل إنها فرائض وواجبات أعلمه ليوطن نفسه على‬ ‫العمل ويهيئها لحمل الشريعة علما وعمل ودعوة‪ .‬وقوله {إِنّ نَاشِ َئةَ ‪1‬اللّ ْيلِ ِهيَ َأشَ ّد وَطْئا وََأقْوَمُ‬ ‫قِيلً} يخبر تعالى معلما أن ساعات الليل من بعد صلة العشاء إلى آخر الليل القيام فيها يجعل‬

‫السمع يواطيء القلب على فهم معاني القرآن الذي يقرأه المصلي‪ ،‬وقوله وأقوم قيل أي أبين قول‬ ‫طوِيلً} يخبر‬ ‫ولصوب قراءة من قراءة الصلة في النهار‪ .‬وقوله {إِنّ َلكَ فِي ‪ 2‬ال ّنهَارِ سَبْحا َ‬ ‫تعالى رسوله بأن له في النهار أعمالً تشغله عن قراءة القرآن فلذا أرشده إلى قيام الليل وترتيل‬ ‫القرآن لتفرغه من عمل النهار وقوله {وَا ْذكُرِ اسْمَ رَ ّبكَ} أي داوم على ذكره ليل ونهارا على أي‬ ‫وجه كان الذكر من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل‪ .‬وقوله {وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ} أي إلى ال {تَبْتِيلً} أي‬ ‫انقطع إليه في العبادة إخلصا له وفي طلب حوائجك‪ ،‬وفي كل ما يهمك من أمر دينك ودنياك‬ ‫ق وَا ْل َمغْرِبِ} أي هو تعالى رب المشرق والمغرب أي مالك المشرقين‬ ‫وقوله { َربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬ ‫خ ْذهُ‬ ‫والمغربين {ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ} فل تنبغي العبادة إل له ول تصح اللوهية إل له أيضا وقوله {فَاتّ ِ‬ ‫َوكِيلً} أي من كل ما يهمك فإنه يكفيك وهو على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬الندب إلى قيام الليل وأنه دأب الصالحين وطريق المتقربين‪.‬‬ ‫‪-2‬الندب إلى ترتيل القرآن وترك العجلة في تلوته‪.‬‬ ‫‪-3‬صلة الليل أفضل من صلة النهار لتواطىء السمع والقلب فيها على فهم القرآن‪.‬‬ ‫‪-4‬الندب إلى ذكر ال تعالى بأي وجه من صلة وتسبيح وطلب علم ودعاء وغير ذلك‪.‬‬ ‫جمِيلً (‪ )10‬وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَةِ َومَهّ ْلهُمْ قَلِيلً‬ ‫وَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ وَا ْهجُرْهُمْ هَجْرا َ‬ ‫جفُ الْأَ ْرضُ‬ ‫غصّ ٍة وَعَذَابا أَلِيما (‪َ )13‬يوْمَ تَرْ ُ‬ ‫طعَاما ذَا ُ‬ ‫(‪ )11‬إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَالً َوجَحِيما (‪ )12‬وَ َ‬ ‫وَالْجِبَالُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة تعليلية للمر بقيام الليل وترتيل القرآن كأنه قال له قم الليل لن ناشئته التي تنشئها بعد‬ ‫النوم هي أشد مواطأة أي موافقة بين السمع والقلب لتفهم القرآن وأبين للقرآن عند النطق به‪.‬‬ ‫‪ 2‬إن لك في النهار الجملة التعليلية لختيار الليل للقيام دون النهار لن في النهار أعمالً أخرى‬ ‫يقوم بها المرء وجائز أن يراد أن في النهار متسع للصلة وتلوة القرآن‪.‬‬

‫( ‪)5/457‬‬ ‫عوْنَ‬ ‫َوكَانَتِ ا ْلجِبَالُ كَثِيبا َمهِيلً (‪ )14‬إِنّا أَرْسَلْنَا إِلَ ْي ُكمْ رَسُولً شَاهِدا عَلَ ْيكُمْ َكمَا أَ ْرسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬ ‫ج َعلُ‬ ‫عوْنُ الرّسُولَ فََأخَذْنَاهُ َأخْذا وَبِيلً (‪َ )16‬فكَ ْيفَ تَ ّتقُونَ إِنْ َكفَرْتُمْ َيوْما يَ ْ‬ ‫رَسُولً (‪َ )15‬ف َعصَى فِرْ َ‬ ‫خذَ إِلَى رَبّهِ‬ ‫ن وَعْ ُدهُ َم ْفعُولً (‪ )18‬إِنّ َه ِذهِ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬ ‫سمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَا َ‬ ‫ا ْلوِلْدَانَ شِيبا (‪ )17‬ال ّ‬ ‫سَبِيلً (‪)19‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫واصبر على ما يقولون ‪:‬أي على ما يقوله لك كفار مكة من أذى كقولهم شاعر وساحر وكاذب‪.‬‬ ‫واهجرهم هجرا جميل ‪ :‬أي اتركهم تركا جميل أي ل عتاب معه‪.‬‬ ‫وذرني ‪:‬أي اتركني‪.‬‬ ‫والمكذبين ‪:‬أي صناديد قريش فإني أكفكهم‪.‬‬ ‫أولي النعمة ‪:‬أي أهل التنعم والترف‪.‬‬ ‫ومهلهم قليل ‪:‬أي انتظرهم قليل من الزمن حتى يهلكوا ببدر‪.‬‬ ‫إن لدينا انكال ‪:‬أي قيودا وهي جمع نكل وهو القيد من الحديد‪.‬‬ ‫وطعاما ذا غصة ‪:‬أي يغص في الحلق هو الزقزم و الضريع‪.‬‬ ‫يوم ترجف الرض ‪:‬أي تتزلزل‪.‬‬ ‫كثيبا مهيل ‪:‬أي رمل مجتمعا مهيل أي سائل بعد اجتماعه‪.‬‬ ‫فأخذناه أخذا وبيل ‪:‬أي ثقيل شديدا غليظا‪.‬‬ ‫فكيف تتقون يوما ‪:‬أي عذاب يوم يجعل الولدان لشدة هوله شيبا‪.‬‬ ‫السماء منفطر به ‪:‬أي ذات انفطار وانشقاق أي بسبب هول ذلك اليوم‪.‬‬ ‫كان وعده مفعول ‪:‬أي وعده تعالى بمجيء ذلك اليوم كان مفعول أي كائنا ل محالة‪.‬‬ ‫إن هذه تذكرة ‪:‬أي إن هذه اليات المخوفة تذكرة أي عظة للناس‪.‬‬ ‫اتخذ إلى ربه سبيل ‪:‬أي طريقا باليمان والطاعة إلى النجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬

‫( ‪)5/458‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تربية الرسول صلى ال عليه وسلم وأمته بأنواع التربية الربانية‬ ‫الخاصة فقال تعالى لرسوله {وَاصْبِرْ‪ 1‬عَلَى مَا َيقُولُونَ} أي كفار قريش من كلم يؤذونك به‬ ‫جمِيلً} يرشد‬ ‫كقولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وما إلى ذلك‪ ،‬وقوله {وَا ْهجُرْ ُهمْ َهجْرا َ‬ ‫تعالى رسوله إلى هجران كفار قريش وعدم التعرض لهم والهجر الجميل ‪ 2‬هو الذي ل عتاب‬ ‫معه وقوله {وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَةِ} أي اتركني والمكذبين من صناديد ‪ 3‬قريش أولي‬ ‫النعمة أي النعم والترف { َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيلً} أي أنظرهم ول تستعجل فإني كافيكهم‪ ،‬ولم يمض إل يسير‬ ‫طعَاما} أي عندنا‬ ‫ل وَجَحِيما َو َ‬ ‫حتى هلكوا في بدر على أيدي المؤمنين‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَا ً‬ ‫للمكذبين بك في الخرة أنكال قيودا من حديد وجحيما أي نارا مستعرة محرقة وعذابا أليما أي‬ ‫موجعا وطعاما هو الزقوم و الضريع ذا غصة أي يغص في حلق آكله‪ ،‬وعذابا أليما أي موجعا‬ ‫وذلك يحصل لهله وينالهم يوم ترجف الرض والجبال‪ ،‬أي تتحرك وتضرب وكانت الجبال كثيبا‬ ‫أي من الرمل مهيل سائل بعد اجتماعه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيكُمْ} أي يا أهل مكة وكل من‬

‫ورائها من سائر الناس والجن { َرسُولً شَاهِدا عَلَ ْي ُكمْ} بما تعملون في الدنيا لتجزوا بها في الخرة‬ ‫عوْنُ‬ ‫عوْنَ رَسُولً } أي موسى بن عمران عليه السلم { َف َعصَى فِرْ َ‬ ‫وقوله ‪َ {4‬كمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬ ‫خذْنَاهُ أَخْذا وَبِيلً} أي غليظا شديدا‪ .‬وقوله تعالى مخاطبا الكافرين المكذبين { َفكَ ْيفَ‬ ‫الرّسُولَ فَأَ َ‬ ‫ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ شِيبا} وذلك لهوله وللكرب الذي يقع وحسبه أن السماء‬ ‫تَ ّتقُونَ َيوْما} أي عذاب يوم {ي ْ‬ ‫منفطر ‪ 5‬به أي منشقة بسبب أهواله‪ .‬وذلك يوم يقول الرب تعالى لدم يا آدم ابعث بعث النار أي‬ ‫خذ من كل ألف من أهل الموقف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ولم ينج من كل ألف إل واحد‬ ‫ن وَعْ ُدهُ َم ْفعُولً} أي وعده تعالى بمجيء هذا اليوم كان‬ ‫هنا يشتد البلء ويعظم الكرب‪.‬وقوله {كَا َ‬ ‫مفعول أي كائنا ل محالة وقوله {إِنّ هَ ِذهِ َت ْذكِ َرةٌ} أي إن هذه اليات المشتملة على ذكر القيامة‬ ‫وأهوالها تذكرة وعظة وعبرة { َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلً} فليتخذ وهي اليمان والعمل الصالح‬ ‫بعد التخلي عن الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لما أمره بالنقطاع إليه بالعبادة أمره بالصبر على ما يقوله خصومه من كفار قريش من طعن‬ ‫فيه وفي أتباعه وفيما جاء به أيضا من الهدى والنور‪.‬‬ ‫‪ 2‬الهجر الجميل هو الذي يكتفى فيه بحقيقة الهجران وهي المقاطعة ل غير فليس هناك أذى معها‬ ‫والصبر الجميل هو الذي ل جزع فيه والجهر الجميل الذي ل عتاب معه والصفح الجميل هو‬ ‫الذي ل مؤاخذة معه‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال مقاتل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة‪ .‬قالت عائشة رضي ال عنها لما نزلت هذه‬ ‫الية لم يكن (يسير) حتى وقعت وقعة بدر‪.‬‬ ‫‪ 4‬الكلم مستأنف ابتدائي والمناسبة هي التخلص من المر بالصبر إلى ذكر وعيد القوم وذكر‬ ‫فرعون بالذات لنه أهلكه غروره وتكبره كما هي حالة أكابر مجرمي مكة‪ ،‬فسوف يحل بهم ما‬ ‫حل بفرعون من الهلك‪.‬‬ ‫‪ 5‬لم يقل منفطرة بالهاء لن السماء يذكر ويؤنث أو هو كقولهم امرأة مرضع أي ذات إرضاع‪،‬‬ ‫والسماء ذات انفطار‪.‬‬

‫( ‪)5/459‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الصبر على الطاعة وعن المعصية‪.‬‬ ‫‪ -2‬الهجر الجميل هو الذي ل عتاب فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬

‫‪ -4‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫ك وَاللّهُ ُيقَدّرُ اللّ ْيلَ‬ ‫صفَ ُه وَثُلُثَ ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َع َ‬ ‫إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ اللّ ْيلِ وَ ِن ْ‬ ‫علَ ْيكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ ا ْلقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْن ُكمْ مَ ْرضَى‬ ‫حصُوهُ فَتَابَ َ‬ ‫وَال ّنهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُ ْ‬ ‫ضلِ اللّ ِه وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَاقْرَأُوا مَا‬ ‫وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي الْأَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ َف ْ‬ ‫سكُمْ مِنْ خَيْرٍ‬ ‫حسَنا َومَا ُتقَ ّدمُوا لِأَ ْنفُ ِ‬ ‫تَيَسّرَ مِنْهُ وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَا َة وََأقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا َ‬ ‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪)20‬‬ ‫جدُوهُ عِ ْندَ اللّهِ ُهوَ خَيْرا وَأَعْظَمَ َأجْرا وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫تَ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أنك تقوم ‪:‬أي للتهجد‪.‬‬ ‫أدنى ‪:‬أي أقل ‪.‬‬ ‫وطائفة ‪ :‬أي وطائفة معك من أصحابك تقوم كذلك‪.‬‬ ‫وال يقدر الليل والنهار ‪:‬أي يحصيها ويعلم ما يمضي من ساعات كل منهما وما يبقى‪.‬‬ ‫علم أن لن تحصوه ‪ :‬أي الليل فل تطيقون قيامه كله لنه يشق عليكم‪.‬‬ ‫فتاب عليكم ‪:‬أي رجع بكم إلى التخفيف في قيام الليل إذ هو الصل‪.‬‬ ‫فا قرأوا ما تيسر ‪:‬أي صلوا من الليل ما سهل عليكم ولو ركعتين‪.‬‬ ‫وأقيموا الصلة ‪:‬أي المفروضة‪.‬‬ ‫وآتوا الزكاة ‪:‬أي المفروضة‪.‬‬

‫( ‪)5/460‬‬ ‫وأقرضوا ال قرضا حسنا ‪:‬أي تصدقوا بفضول أموالكم طيبة بها نفوسكم فذلك القرض الحسن‪.‬‬ ‫وما تقدموا لنفسكم من خير ‪:‬أي من نوافل العبادة من الصلة وصدقة وصيام وحج وغيرها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى رسوله بأنه يعلم ما يقومه من الليل هو وطائفة من أصحابه وأنهم يقومون أحيانا أدنى‬ ‫من ثلثي الليل أي أقل ويقومون أحيانا النصف والثلث‪ ،‬كما في أول السورة هذا معنى قوله تعالى‬ ‫صفَ ُه وَثُلُثَ ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َعكَ} وقوله {وَاللّهُ‬ ‫{إِنّ‪ 1‬رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِنْ ُثلُ َثيِ اللّ ْيلِ وَ ِن ْ‬ ‫ل وَال ّنهَارَ} أي يحصي ساعاتهما فيعلم ما مضى من الليل وما بقي من ساعاته‪ ،‬وقوله‬ ‫ُيقَدّرُ اللّ ْي َ‬ ‫حصُوهُ} أي لن تطيقوا ضبط ساعاته فيشق عليكم قيام أكثره تحريا منكم لما هو‬ ‫{عَِلمَ أَنْ لَنْ‪ 2‬تُ ْ‬ ‫المطلوب‪{ .‬فَتَابَ عَلَ ْيكُمْ} لذلك وبهذا نسخ قيام الليل الواجب وبقى المستحب يؤدى ولو بركعتين في‬ ‫أي جزء من الليل وكونهما بعد صلة العشاء أفضل وقوله تعالى {فاقرأوا ‪ 3‬ما تيسر من القرآن}‬ ‫أي صلوا من الليل ما تيسر أطلق لفظ القرآن وهو يريد الصلة لن القرآن هو الجزء المقصود‬ ‫من صلة الليل‪ ،،‬وقوله {عَلِمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْنكُمْ مَ ْرضَى وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي الْأَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ‬

‫ضلِ اللّ ِه وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} فذكر فيه تعالى ثلثة أعذار لهم وهي المرض‪،‬‬ ‫َف ْ‬ ‫والضرب في الرض ‪ 4‬للتجارة والجهاد في سبيل ال وكلها يشق معها قيام الليل فرحمة‬ ‫بالمؤمنين نسخ ال تعالى هذا الحكم الشاق بقوله {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنَه ‪ ،}5‬كرره تأكيدا لنسخ قيام‬ ‫الليل الذي كان واجبا وأصبح بهذه الية مندوبا‪ .‬وقوله وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة أي‬ ‫المفروضتين‪ .‬وقوله وأقرضوا ال قرضا حسنا أي أنفقوا في سبيل ال الذي هو الجهاد فإن الحسنة‬ ‫فيه بسبعمائة وما تقدموا لنفسكم من نوافل الصلة والصدقات والحج وسائر العبادات تجدوه عند‬ ‫ال يوم القيامة هو خيرا وأعظم أجرا‪ .‬وقوله واستغفروا ال من كل ما يفرط منكم من تقصير في‬ ‫جنب ال تعالى إن ال غفور رحيم يغفر لمن تاب ويرحمه فل يؤاخذه بذنب قد تاب منه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا هو النصف الخير من سورة المزمل الذي نزل بالمدينة أما النصف الول فقد نزل بمكة‬ ‫افتتاح الكلم بهذه الجملة إن ربك يعلم ‪ ....‬الخ مشعر بالثناء عليه لوفائه بحق القيام الذي أمر به‬ ‫في أول السورة‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة هي المقصودة من الكلم السابق لها إذ كان تمهيدا لها‪.‬‬ ‫‪ 3‬أطلق القرآن وأراد الصلة كقوله قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين فأطلق الصلة وأراد‬ ‫القراءة وهنا أطلق القراءة وأراد الصلة تجوزا‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال طاووس‪ :‬الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل ال‪.‬‬ ‫‪ 5‬من هذه الية أخذ مالك وأحمد والشافعي أن أقل ما يجزء في الصلة قراءة الفاتحة كاملة‪ ،‬ول‬ ‫تصح صلة بدونها للحاديث الواردة في ذلك وهذا بالنسبة المام والمنفرد‪ .‬وهذا عند القدرة على‬ ‫قراءته وحفظها فإن عجز سبح وركع أي قال سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر‪.‬‬

‫( ‪)5/461‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما كان الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه يقومونه من الليل تهجدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬نسخ واجب قيام الليل وبقاء استحبابه وندبه ‪.1‬‬ ‫‪ -3‬وجوب إقام الصلة وإيتاء الزكاة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترغيب في التطوع من سائر العبادات‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب الستغفار عند الذنب وندبه واستحبابه في سائر الوقات لما يحصل من التقصير‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في فضل قيام الليل أحاديث صحاح كثيرة منها قول عبد ال بن عمرو قال لي رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم "يا عبد ال ل تكن كفلن كان يقوم الليل فترك قيام الليل" وحديث عبد ال بن‬ ‫عمر وفيه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "نعم الرجل عبد ال لو كان يصلي من الليل"‪.‬‬

‫( ‪)5/462‬‬ ‫سورة المدثر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المدثر‬ ‫مكية وآياتها ست وخمسون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫طهّرْ (‪ )4‬وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ (‪ )5‬وَل‬ ‫يَا أَ ّيهَا ‪ 1‬ا ْلمُدّثّرُ (‪ُ )1‬قمْ فَأَنْذِرْ (‪ )2‬وَرَ ّبكَ َفكَبّرْ (‪ )3‬وَثِيَا َبكَ َف َ‬ ‫َتمْنُنْ تَسْ َتكْثِرُ (‪ )6‬وَلِرَ ّبكَ فَاصْبِرْ (‪ )7‬فَِإذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ (‪ )8‬فَذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ (‪ )9‬عَلَى‬ ‫ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها المدثر ‪ :‬أي يا أيها المدثر أي المتلفف في ثيابه وهو النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫قم فأنذر ‪ :‬أي خوف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫وربك فكبر‪ :‬أي عظم ربك من إشراك المشركين‪.‬‬ ‫وثيابك فطهر ‪ :‬أي طهر ثيابك من النجاسات‪.‬‬ ‫والرجز فاهجر‪ :‬أي أدم هجرانك للوثان‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في هذا النداء ملطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله‪ ،‬وعبر عنه بصفته‪ ،‬ولم‬ ‫يقل يا محمد أو يا فلن ليستشعر اللين والعطف من ربه‪.‬‬

‫( ‪)5/462‬‬ ‫ول تمنن تستكثر ‪ :‬أي ل تمنن على ربك ما تقوم به من أعمال لجله طاعة له‪.‬‬ ‫فإذا نقر في الناقور ‪ :‬أي نفخ في الصور النفخة الثانية‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا ا ْل ُمدّثّرُ‪ }1‬أي المتلفف في ثيابه والمراد به النبي صلى ال عليه وسلم روى‬ ‫الزهري ‪ 2‬قال فتر الوحي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فترة فحزن حزنا فجعل يعدو‬ ‫شواهق رؤوس الجبال ليتردى منها فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلم فيقول إنك‬

‫نبي ال فيسكن جأشه وتسكن نفسه‪ ،‬فكان النبي صلى ال عليه وسلم يحدث عن ذلك فقال بينما أنا‬ ‫أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والرض فجثثت منه‬ ‫رعبا فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني فزملناه أي فدثرناه فأنزل ال يا أيها المدثر قم فأنذر‬ ‫وربك فكبر وثيابك فطهر قال الزهري فأول شيء أنزل عليه أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق‬ ‫النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم‪ .‬وعليه فهذا النداء‬ ‫اللهي كان بعد فترة الوحي الولى ناداه ملقبا له بهذا اللقب الجميل تكريما وتلطفا معه ليقوم‬ ‫بأعباء الدعوة وما أشد ثقلها‪ ،‬ومن يقدر عليها إنها أعباء ثقيلة اللهم لقد أعنت عليها رسولك فأعني‬ ‫على قدر ما أقوم به منها‪ ،‬وإن كان ما أقوم به منها ل يساوي جمرة من لظى ول قطرة من ماء‬ ‫السماء‪ .‬يا أيها المدثر في ثيابه يا محمد رسولنا قم فأنذر لم يبق لك مجال للنوم والراحة فأنذر‬ ‫قومك في مكة وكل الثقلين من وراء مكة أنذرهم عذاب النار المترتب على الكفر والشرك بالواحد‬ ‫القهار وربك فكبر أي وربك فعظمه تعظيما يليق بجلله وكماله فإنه الكبر الذي ل أكبر منه‬ ‫والعظيم الذي ل أعظم منه فأعلن عن ذلك بلسانك قائل ال أكبر وبحالك فل تذل إل له ول ترغب‬ ‫طهّرْ} أي طهر ثيابك‬ ‫إل فيه وكبره بأعمالك فل تأت منها إل ما أذن لك فيه أو أمرك به {وَثِيَا َبكَ فَ َ‬ ‫من النجاسات مخالفا بذلك ما عليه قومك؛ إذ يجرون ثيابهم ول يتنزهون من أبوالهم {وَالرّجْزَ‬ ‫فَاهْجُرْ} أي والصنام التي يعبدها قومك فاهجرها فل تقربها ودم على هجرانها على دعوتك‬ ‫أجرا‪ ،‬ول تمنن عطاء أعطيته لغيرك تستكثر به ما عندك إن ذاك مناف لجمل الخلق وكريم‬ ‫السجايا وسامي الداب‪ .‬واربك وحده سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل إبلغ رسالتك ونشر‬ ‫دعوتك دعوة الخير والكمال هذا الذي أدب به ال رسول ال في فاتحة دعوته‪ .‬ثم نزل بعد فإذا‬ ‫نقر في الناقور والناقور البوق الذي ينفخ فيه اسرافيل والنقر يحدث صوتا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا يسمى بهدية الثواب وهي جائزة للئمة محرمة عليه صلى ال عليه وسلم بهذه الية‪ .‬ول‬ ‫تمنن تستكثر‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى {فَإِذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ} قال قال رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فما تأمرنا يا رسول ال؟ قال قولوا حسبنا ال ونعم‬ ‫الوكيل على ال توكلنا‪.‬‬

‫( ‪)5/463‬‬ ‫والصوت هو صوت البوق والمراد به النفخة الثانية نفخة البعث والجزاء فإذا نقر في الناقور فذلك‬ ‫يومئذ يوم عسير صعب شديد ل يحتمل ول يطاق على الكافرين غير يسير ‪ 1‬فذكر به من تدعوهم‬

‫فإن التذكير به نافع إن شاء ال‪ ،‬ولذا كان من أعظم أركان العقيدة التي إن تمكنت من النفس تهيأ‬ ‫صاحبها لحمل كل ثقيل ولنفاق كل غال ورخيص ولفراق الهل والدار اليمان بال واليوم الخر‬ ‫إذ هما محور العقيدة وعليهما مدار الصلح و الهداية‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الجد طابع المسلم‪ ،‬فل كسل ول خمول ول لهو ول لعب ومن فارق هذه فليتهم نفسه في‬ ‫إسلمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب تعظيم أسمائه وصفاته وتعظيم كلمه وكتابه‪ ,‬وتعظيم شعائره تعظيم ما عظم‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الطهارة للمؤمن بدنا وثوبا ومسجدا‪ .‬أكلً وشربا وفراشا ونفسا وروحا‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة العجب فل يعجب المؤمن بعمله ول يزكي به نفسه ولو صام الدهر‪ ,‬وأنفق الصخرة‬ ‫وجاهد الدهر‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجب الصبر على الطاعات فعل وعلى المعاصي تركا وعلى البلء تسليما ورضا‪.‬‬ ‫شهُودا (‪َ )13‬و َمهّ ْدتُ لَهُ َت ْمهِيدا‬ ‫جعَ ْلتُ َلهُ مَالً َممْدُودا (‪ )12‬وَبَنِينَ ُ‬ ‫ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ َوحِيدا (‪ )11‬وَ َ‬ ‫صعُودا (‪ )17‬إِنّهُ َفكّ َر َوقَدّرَ‬ ‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ (‪ )15‬كَلّا إِنّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيدا (‪ )16‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬ ‫(‪ )14‬ثُمّ َي ْ‬ ‫س وَبَسَرَ (‪ )22‬ثُمّ َأدْبَرَ‬ ‫(‪َ )18‬فقُتِلَ كَ ْيفَ قَدّرَ (‪ُ )19‬ثمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ َقدّرَ (‪ )20‬ثُمّ َنظَرَ (‪ )21‬ثُمّ عَ َب َ‬ ‫سقَرَ (‪)26‬‬ ‫وَاسْ َتكْبَرَ (‪َ )23‬فقَالَ إِنْ هَذَا إِلّا سِحْرٌ ُيؤْثَرُ (‪ )24‬إِنْ هَذَا إِلّا َق ْولُ الْ َبشَرِ (‪ )25‬سَُأصْلِيهِ َ‬ ‫سعَةَ عَشَرَ (‪)30‬‬ ‫سقَرُ (‪ )27‬ل تُ ْبقِي وَل َتذَرُ (‪َ )28‬لوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (‪ )29‬عَلَ ْيهَا ِت ْ‬ ‫َومَا َأدْرَاكَ مَا َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية دليل على أن حال المؤمنين في عرصات يوم القيامة غير حال الكافرين في الشدة‬ ‫والبلء‪.‬‬

‫( ‪)5/464‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ذرني ومن خلقت وحيدا ‪:‬أي اتركني ومن خلقته وحيدا منفردا بل مال ول ولد فأنا أكفيكه‪.‬‬ ‫وبنين شهودا ‪ :‬أي يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم وأغلب الوقت حاضرون ول يغيبون‪.‬‬ ‫ومهدت له تمهيدا ‪ :‬أي بسطت له في العيش والعمر والولد والجاه حتى كان يلقب بريحانة قريش‪.‬‬ ‫عنيدا ‪:‬أي معاندا وهو الوليد بن المغيرة المخزومي‪.‬‬ ‫سأرهقه صعودا ‪ :‬أي سأكلفه يوم القيامة صعود جبل من نار كلما صعد فيه هوى في النار أبدا‪.‬‬ ‫إنه فكر وقدر ‪ :‬أي فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صلى ال عليه وسلم وقدر في نفسه‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫ثم نظر ثم عبس وبسر‪ :‬أي تروًى في ذلك ثم عبس أي قبض ما بين عينيه ثم بسر أي كلح‬ ‫وجهه‪.‬‬ ‫ثم أدبر واستكبر‪ :‬أي عن اليمان واستكبر عن اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫سحر يؤثر ‪ :‬أي ينقل من السحرة كمسيلمة وغيره‪.‬‬ ‫سأصليه سقر ‪ :‬سأدخله جهنم وسقر اسم لها يدخله فيها لحراقه بنارها‪.‬‬ ‫ل تبقي ول تذر ‪ :‬أي ل تترك شيئا من اللحم ول العصب إل أهلكته ثم يعود كما كان لدامة‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫لواحة للبشر ‪ :‬أي محرقة مسودة لظاهر جلد النسان وهو بشرته والجمع بشر‪.‬‬ ‫عليها تسعة عشر ‪ :‬أي ملكا وهم خزنتها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تحمل رسول ال صلى ال عليه وسلم عبء الدعوة وأمر بالصبر وشرع صلى ال عليه وسلم‬ ‫في إنذار قومه المعركة كأحر وأشد ما تكون إذ أعلم قومه وهم من هم أنه ل إله إل ال وأنه هو‬ ‫رسول ال فتصدى له طاغية من أعظم الطغاة ساد الوادي مالً وولدا وجاها عريضا حتى لقب‬ ‫بريحانة قريش هذا هو الوليد بن المغيرة صاحب عشرة رجال من صلبه وآلف الدنانير من‬ ‫الذهب فلما أرهب رسول ال وأخافه قال له ربه تبارك وتعالى {ذَرْنِي} أي دعني والذي خلقته‬ ‫{وَحِيدا‪ }1‬فريدا بل مال ول ولد‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عن ابن عباس‪ :‬كان الوليد يقول أنا الوحيد بن الوحيد ليس لي في العرب نظير ول لبي‬ ‫المغيرة نظير‪.‬‬

‫( ‪)5/465‬‬ ‫جعَ ْلتُ لَهُ مَالً َممْدُودا} واسعا تمده به الزراعة والتجارة فصل بعد فصل ويوما بعد يوم‪{ ،‬وَبَنِينَ‬ ‫{وَ َ‬ ‫شهُودا} ل يغيبون كما يغيب الذين يطلبون العيش كما أنهم لمكانتهم يستشهدون فيشهدون فهم‬ ‫ُ‬ ‫شهود على غيرهم‪ .‬ويشهدون المحافل وغيرها ‪َ { .‬و َمهّ ْدتُ َلهُ َت ْمهِيدا‪ }1‬أي بسطت له في العيش‬ ‫ط َمعُ أَنْ أَزِيدَ} أي أن أزيده من المذكور في‬ ‫والعمر والولد والجاه العريض في ديار قومه‪ُ { ،‬ثمّ يَ ْ‬ ‫اليات { ُكلّا} أي لن أزيده بعد اليوم‪ ،‬وعلل تعالى لمنعه الزيادة بقوله‪{ :‬إِنّهُ كَانَ لِآياتنَا} "القرآنيه"‬ ‫صعُودا} أي سأكلفه عذابا شاقا ل‬ ‫{عَنِيدا} أي ‪ 2‬معاندا يحاول إبطالها بعد رفضه لها‪{ .‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬ ‫قبل له به وذلك جبل ‪ 3‬من نار في جهنم يكلف صعوده كلما صعد سقط وذلك أبدا‪ .‬وعلل أيضا‬ ‫لهذا العذاب الذي أعده له وأوعده به فقال تعالى {إِنّهُ َفكّرَ} أي فيما يقول في القرآن لما طلبت منه‬ ‫قريش أن يقول فيه ما يراه من صلح أو فساد‪َ { .‬و َقدّرَ} في نفسه { َفقُتِلَ كَ ْيفَ قَدّرَ} أي لعن كيف‬

‫سحْرٌ ُيؤْثَرُ إِنْ َهذَا إِلّا َق ْولُ الْبَشَرِ}‪ُ { .‬ثمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ‬ ‫قدر ذلك التقدير الذي هو قوله { َفقَالَ إِنْ هَذَا إِلّا ِ‬ ‫قَدّرَ} فلعنه ال لعنتين تلزمانه واحدة في الدنيا والخرى في الخرة وقوله تعالى عنه {ثُمّ َنظَرَ}‬ ‫أي تروى {ثُمّ عَ َبسَ} أي قطب فقبض مابين عينيه {وَ َبسَرَ} أي كلح وجهه فاسود‪ .‬فقال اللعين‬ ‫نتيجة تفكير وتقدير ونظر {إِنْ َهذَا إِلّا سِحْرٌ ُيؤْثَرُ} أي ما هذا القرآن إل سحر ينقل عن السحرة‬ ‫في اليمن ونجد والحجاز {إِنْ َهذَا إِلّا َق ْولُ الْبَشَرِ} أي ما هذا الذي يتلوه محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫سقَرَ} أي سأدخله نار‬ ‫إل قول البشر قال ‪ 4‬تعالى موعدا إياه على قولته الكافرة الفاجرة {سَُأصْلِيهِ َ‬ ‫سقَرُ} أي أي شيء‬ ‫سقر يصطلي بنارها‪ ،‬ثم عظم تعالى من شأن سقر فقال ‪َ {5‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َ‬ ‫يدريك ما هي وما شأنها فإنها عظيمة {ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ} أي ل تبقي لحما ول تذر عصبا بل تأتي‬ ‫على الكل لواحة ‪ 6‬للبشر أي تحرق الجلود وتسودها‪ .‬والبشر جمع بشرة الجلدة ومن ذلك سمي‬ ‫الدميون بشرا لن بشرتهم مكشوفة ليست مستورة بوبر ول صوف ول سعر ول ريش‪ .‬وقوله‬ ‫سعَةَ عَشَرَ} أي على سقر ملئكة يقال لهم الخزنة عدتهم تسعة عشر ملكا لقد كان‬ ‫تعالى {عَلَ ْيهَا تِ ْ‬ ‫لنزول هذه الية سبب معروف وهو أن قريش اتهمت الوليد بأنه صبا مال إلى دين محمد فسمع‬ ‫ذلك منهم فأنكر وحلف لهم فطلبوا إليه إن كان صادقا أن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬التمهيد عند العرب التوطئة والتهيئة‪ :‬ومنه مهد الصبي‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال عند يعند كضرب يضرب أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند‪.‬‬ ‫‪ 3‬رواه الترمذي‪ .‬وقال فيه غريب‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال السدي يعنون أنه من قول سيار عبد لبني الحضرمي كان يجالس النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك‪.‬‬ ‫‪ 5‬ما استفهامية أي أي شيء يدريك وما سقر ما استفهامية مبتدأ وسقر خبره‪.‬‬ ‫‪ 6‬البشر جمع بشرة ومعنى لواحة مغيرة للون البشر بالسواد يقال لحه الحر أو البرد أو المرض‬ ‫إذا غيره قال الشاعر‪:‬‬ ‫تقول ما لحك يا مسافر‬ ‫يابنة عمي ل حنى الهواجر‬

‫( ‪)5/466‬‬ ‫يقول في القرآن كلمة يصرف بها العرب عن محمد وما يقوله ويدعو إليه فذهب رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم وهو يصلي ويقرأ في صلته فاستمع إليه ففكر وقدر كما أخبر تعالى عنه في هذه‬ ‫اليات وقال قولته الفاجرة الكافرة‪ .‬إن هذا إل سحر يؤثر إن هذا إل قول البشر بعد أن وصف‬ ‫القرآن وصفا دقيقا بقوله و وال إن لقوله لحلوة وإنه ليحطم ما تحته‪ ،‬وإنه ليعلو ول يعلى عليه‬

‫أي عليه فقالوا وال ل يرضى عنك قومك حتى تقول فيه فقال دعوني حتى أفكر ففكر وقال ما‬ ‫سعَةَ عَشَرَ}‪.‬‬ ‫تقدم فنزلت هذه اليات { ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ وَحِيدا} إلى قوله { ِت ْ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬المال والبنون والجاه من عوامل الطغيان إل أن يسلم ال عبده من فتنتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬من أكفر الناس من يعاند في آيات ال يريد صرف الناس عنها وإبطال هدايتها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان ما ظفر به طاغية قريش الوليد بن المغيرة من لعنة وعذاب شديد‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫عدّ َتهُمْ إِلّا فِتْ َنةً لِلّذِينَ َكفَرُوا لِيَسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا‬ ‫جعَلْنَا ِ‬ ‫جعَلْنَا َأصْحَابَ النّارِ إِلّا مَل ِئكَ ًة َومَا َ‬ ‫َومَا َ‬ ‫ن وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬ ‫ب وَا ْل ُمؤْمِنُو َ‬ ‫ا ْلكِتَابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا وَل يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَا َ‬ ‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ َومَا َيعَْلمُ‬ ‫مَ َرضٌ وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلً َكذَِلكَ ُي ِ‬ ‫جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُه َو َومَا ِهيَ إِلّا ِذكْرَى لِلْ َبشَرِ (‪ )31‬كَلّا وَا ْل َقمَرِ (‪ )32‬وَاللّ ْيلِ ِإذْ أَدْبَرَ (‪ )33‬وَالصّبْحِ‬ ‫سفَرَ (‪ )34‬إِ ّنهَا لَِإحْدَى ا ْلكُبَرِ (‪َ )35‬نذِيرا لِلْبَشَرِ (‪ِ )36‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ َأوْ يَتَأَخّرَ (‪)37‬‬ ‫إِذَا أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أصحاب النار ‪ :‬أي خزنتها مالك وثمانية عشر معه‪.‬‬ ‫إل ملئكة ‪ :‬أي لم نجعلهم بشرا ول جنا حتى ل يرحموهم بحكم‬

‫( ‪)5/467‬‬ ‫الجنس‪.‬‬ ‫وما جعلنا عدتهم ‪:‬أي كونهم تسعة عشر‪.‬‬ ‫إل فتنة للذين كفروا ‪ :‬أي ليستخفوا بهم كما قال أبو الشدين الجمحي فيزدادوا ضلل‪.‬‬ ‫ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ‪ :‬أي ليحصل اليقين لهل التوراة والنجيل بموافقة القرآن لكتابيهما‬ ‫التوراة والنجيل‪.‬‬ ‫ول يرتاب ‪:‬أي ول يشك أهل الكتاب والمؤمنون في حقيقة ذلك‪.‬‬ ‫وليقول الذين في قلوبهم مرض ‪ :‬أي مرض النفاق‪.‬‬ ‫ماذا أراد ال بهذا مثل ‪ :‬أي أي شيء أراد ال بهذا العدد الغريب استنكارا منهم‪.‬‬ ‫كذلك ‪ :‬أي مثل إضلل منكر هذا العدد وهدى مصدقه يضل ال من يشاء ويهدي من يشاء‪.‬‬ ‫وما هي إل ذكرى للبشر ‪ :‬أي وما النار إل ذكرى للبشر يتذكرون بها‪.‬‬ ‫إذ أدبر ‪ :‬أي ولى ومضى‪.‬‬

‫إذا اسفر ‪ :‬أي أضاء وظهر‪.‬‬ ‫إنها لحدى الكبر‪ :‬أي جهنم لحدى البليا العظام‪.‬‬ ‫نذيرا للبشر‪ :‬أي عذاب جهنم نذير لبني آدم‪.‬‬ ‫لمن شاء منكم ‪ :‬أي أيها الناس‪.‬‬ ‫أن يتقدم ‪ :‬أي بالطاعة‪.‬‬ ‫أو يتاخر‪ :‬أي بالمعصية‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عدّ َتهُمْ إِلّا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا} هذه الية‬ ‫جعَلْنَا ِ‬ ‫صحَابَ النّارِ إِلّا مَل ِئكَ ًة َومَا َ‬ ‫جعَلْنَا َأ ْ‬ ‫قوله تعالى { َومَا َ‬ ‫سقَرُ‬ ‫نزلت ردا على أبي الشدين كلدة الجمحي الذي قال لما سمع قول ال تعالى { َومَا أَدْرَاكَ مَا َ‬ ‫سعَةَ عَشَرَ} قال لقريش ساخرا مستهزئا أنا أكفيكم سبعة عشر‬ ‫ل تُ ْبقِي وَل َتذَرُ َلوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَ ْيهَا ِت ْ‬ ‫واكفوني انتم اثنين‪ ،‬ومرة قال أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي اليمن‬ ‫جعَلْنَا َأصْحَابَ‬ ‫وتسعه بمنكبي اليسر في النار ونمضي فندخل الجنة‪ .‬فأنزل ال تعالى قوله { َومَا َ‬ ‫النّارِ إِلّا مَل ِئكَةً} أي لم نجعلهم بشرا ول جنا حتى ل يرحموا أهل النار بخلف لو‬

‫( ‪)5/468‬‬ ‫كانوا بشرا قد يرحمون بني جنسهم ولو كانوا جنا فكذلك‪ ،‬ولذا جعلهم من الملئكة فل تتناسب‬ ‫بينهم وبين النس والجن والمراد بأصحاب النار خزنتها وهم مالك وثمانية عشر هؤلء رؤساء‬ ‫في جهنم أما من عداهم فل تتسع لهم العبارة ول حتى الرقم الحسابي وكيف وقد قال تعالى { َومَا‬ ‫عدّ َتهُمْ‪ }1‬أي كونهم تسعة عشر {ِإلّا فِتْنَةً لِلّذِينَ‪َ 2‬كفَرُوا}‬ ‫جعَلْنَا ِ‬ ‫َيعْلَمُ جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُهوَ}‪ ،‬وقوله { َومَا َ‬ ‫ليزدادوا ضلل وكفرا وقد تم هذا فإن أبا جهل كأبي الشدين قد فتنا بهذا العدد وازدادا ضلل‬ ‫وكفرا بما قال‪ ،‬وقوله تعالى {لِيَسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} أي أخبرنا عن عددهم وأنه تسعة عشر‬ ‫ليستيقن ‪ 3‬الذين أوتوا الكتاب ‪ 4‬لموافقة القرآن لما عندهم في كتابهم‪ .‬ويزداد الذين أمنوا إيمانا‬ ‫فوق إيمانهم عندما يرون أن التوراة موافقة للقرآن الكريم كشاهد له‪ ،‬وقوله {وَل يَرْتَابَ الّذِينَ‬ ‫أُوتُوا ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ} أي حتى ل يقعوا في ريب وشك في يوم من اليام لما اكتسبوا من‬ ‫ض وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا‬ ‫المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة‪ .‬وقوله {وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َر ٌ‬ ‫أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلً} أي وما جعلنا عدتهم تسعة عشر إل ليقول الذين في قلوبهم مرض وهو النفاق‬ ‫والشك والكافرون الكفر الظاهر من قريش وغيرهم ماذا أراد ال بهذا مثل أي أي شيء أراده ال‬ ‫بهذا الخبر الغريب غرابة المثال قالوا هذا استنكارا وتكذيبا‪ .‬فهذه جملة علل ذكرها تعالى لخباره‬ ‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أي مثل إضلل‬ ‫عن زبانية جهنم ثم قال وقوله الحق { َكذَِلكَ ُي ِ‬ ‫منكر هدا العدد وهدى مصدقه يضل ال من يشاء إضلله ويهدي من يشاء هدايته‪ .‬وقوله تعالى‬

‫{ َومَا َيعْلَمُ ‪5‬جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُهوَ} هذا جواب أبي جهل القائل أما لمحمد أعوان إل تسعة عشر‬ ‫استخفافا وتكذيبا فأخبر تعالى أن له جنودا ل يعلم عددها ول قوتها إل هو وقد ورد أن لحدهم‬ ‫مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم المة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم‪،‬‬ ‫ول عجب وأربعة ملئكة يحملون العرش الذي هو أكبر ممن السموات والرضين فسبحان‬ ‫الخلق العليم سبحان ال العزيز الرحيم سبحان ال ذي الجبروت والملكوت‪ .‬وقوله تعالى وما هي‬ ‫‪ 6‬أي جهنم إل ذكرى للبشر أي تذكرة يذكرون بها عظمة ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تقدير الكلم‪ :‬ما جعلنا ذكر عدتهم لعلةٍ وغرض إل لغرض فتنة الذين كفروا‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن فتنة بمعنى ضللة للذين كفروا يريد أبا جهل وذويه‪،‬‬ ‫وقيل إل عذابا كقوله تعالى { َي ْومَ هُمْ عَلَى النّارِ ُيفْتَنُونَ ُوقُوا فِتْنَ َتكُمْ}‪.‬‬ ‫‪ 3‬قوله ليستيقن الذين أوتوا الكتاب‪ .‬علة ثانية لفعل وما جعلنا والستيقان قوة اليقين والمراد من‬ ‫الستيقان قوة اليقين‪.‬‬ ‫‪ 4‬أوتوا الكتاب هم اليهود‪ .‬فقد روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد ال قال قال ناس من اليهود‬ ‫لناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قالوا ل ندري‬ ‫حتى نسأل‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه الجملة كلمة جامعة لبطال التخرصات التي يتخرصها المبطلون الضالون وإضافة الرب‬ ‫إلى ضمير النبي صلى ال عليه وسلم إضافة تشريف وفيها اليماء بنصره صلى ال عليه وسلم‬ ‫بتلك الجنود التي هم جنود ربه عز وجل‪.‬‬ ‫‪ 6‬جائز أن يكون الضمير (وما هي) عائد إلى عدة الملئكة التسعة عشر وجائز أن يكون عائدا‬ ‫إلى اليات القرآنية أو إلى سقر أو إلى جنود ربك وهذا من العجاز القرآني وأن الكلمة الواحدة‬ ‫تدل على ما ل يدل عليه عشرات الكلمات‪.‬‬

‫( ‪)5/469‬‬ ‫سفَرَ} أي كل أي ليس القول‬ ‫ويخافون بها عقابه‪ .‬وقوله {كَلّا ‪ 1‬وَا ْل َقمَ ِر وَاللّ ْيلِ إِذْ َأدْبَ َر وَالصّبْحِ إِذَا َأ ْ‬ ‫كما يقول من زعم من المشركين أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها‪.‬‬ ‫حدَى ا ْلكُبَرِ} أي أقسم‬ ‫والقمر والليل إذا أدبر ولى ذاهبا والصبح إذا أسفر أي أضاء وأقبل {إِ ّنهَا لَإِ ْ‬ ‫تعالى بالقمر والليل إذا أدبر والصبح إذا أسفر على أن جهنم ‪ 2‬لحدى الكبر أي البليا العظام‬ ‫{ َنذِيرا لِلْبَشَرِ} أي بني آدم‪ ،‬وقال نذيرا ولم يقل نذيرة وهي جهنم لنها بمعنى العذاب أي عذابها‬ ‫نذير للبشر‪ .‬وقوله {ِلمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ} في طاعة ال ورسوله حتى يبلغ الدرجات العل‪ ،‬ومن‬ ‫شاء {أَو يَتَأَخّرَ} في معصية ال ورسوله حتى ينزل الدركات السفلى‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الحكمة من جعل عدد الزبانية تسعة عشر والخبار عنهم بذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬موافقة التوراة والنجيل للقرآن من شأنها أن تزيد إيمان المؤمنين من الفريقين‪.‬‬ ‫‪ -3‬في النار من الزبانية ما ل يعلم عددهم إل ال تعالى خالقهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬جهنم نذير للبشر أي عذابها نذير للبشر لمن شاء أن يتقدم بالطاعة أو يتأخر بالمعصية‪.‬‬ ‫ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ رَهِي َنةٌ (‪ )38‬إِلّا َأصْحَابَ الْ َيمِينِ (‪ )39‬فِي جَنّاتٍ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )40‬عَنِ‬ ‫سكِينَ (‬ ‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬ ‫سقَرَ (‪ )42‬قَالُوا لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )43‬وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )41‬مَا سََل َككُمْ فِي َ‬ ‫‪َ )44‬وكُنّا َنخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِينَ (‪َ )45‬وكُنّا ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )46‬حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ (‪َ )47‬فمَا‬ ‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ (‪ )50‬فَ ّرتْ‬ ‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ (‪َ )48‬فمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ (‪ )49‬كَأَ ّنهُمْ ُ‬ ‫تَ ْن َفعُهُمْ َ‬ ‫سوَ َرةٍ (‪َ )51‬بلْ يُرِيدُ‬ ‫مِنْ قَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حرف ردع وإبطال والغالب أنها تقع بعد كلم من متكلم واحد ومتكلم وسامع فتفيد الردع عما‬ ‫تضمنه الكلم السابق ذهب ابن جرير إلى أنها هنا للردع وإبطال ما زعمه المشركون من القدرة‬ ‫على الزبانية كما في التفسير‪ .‬وعليه فالوقف عليه مستحسن ومنهم من جعلها افتتاح كلم نحو أل‬ ‫وعليه فالوقف ل يحسن عليها بل على القمر‪.‬‬ ‫‪ 2‬القول بأنها سقر أقرب من جهنم لتقدم ذكر سقر بلفظها والمر واسع‪.‬‬

‫( ‪)5/470‬‬ ‫ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى صُحُفا مُنَشّ َرةً (‪ )52‬كَلّا َبلْ ل يَخَافُونَ الْآخِ َرةَ (‪ )53‬كَلّا إِنّهُ َت ْذكِ َرةٌ (‪)54‬‬ ‫َفمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ (‪َ )55‬ومَا َي ْذكُرُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ ُهوَ أَ ْهلُ ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ (‪)56‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كل نفس ‪ :‬أي مأمورة منهية‪.‬‬ ‫رهينة ‪ :‬أي مرهونة مأخوذة بعملها في جهنم‪.‬‬ ‫إل أصحاب اليمين‪ :‬أي المؤمنين فهم ناجون من النار وهم في جنات النعيم يتساءلون عن‬ ‫المجرمين‪.‬‬ ‫ولم نك نطعم المسكين‪ :‬أي بخل بما أتاهم ال‪.‬‬ ‫وكنا نخوض ‪ :‬أي في الباطل وفيما يكره ال تعالى مع الخائضين‪.‬‬ ‫نكذب بيوم الدين ‪:‬بيوم المجازاة والثواب ول نصدق بثواب ول عقاب‪.‬‬ ‫حتى أتانا اليقين ‪ :‬أي الموت‪.‬‬

‫عن التذكرة معرضين ‪ :‬أي الموعظة منصرفين ل يسمعونها ول يقبلون عليها‪.‬‬ ‫حمر مستنفرة ‪ :‬أي كأنهم حمر وحشية مستنفرة‪.‬‬ ‫فرت من قسورة‪ :‬أي هربت من أسد أشد الهرب‪.‬‬ ‫بل يريد كل أمرىء منهم ‪ :‬أي ليس هناك قصور في الدلة والحجج التي قدمت لهم بل يريد كل‬ ‫واحد منهم‪.‬‬ ‫أن يؤتى صحفا منشرة ‪ :‬أي يصبح وعند رأسه كتاب من ال رب العالمين إلى فلن آمن بنبينا‬ ‫محمد واتبعه‪.‬‬ ‫إنه تذكرة ‪ :‬أي عظة وعبرة‪.‬‬ ‫فمن شاء ذكره ‪ :‬أي قرأه واتعظ به‪.‬‬ ‫هو أهل التقوى ‪ :‬أي هو أهل لن يتقي لعظمة سلطانه وأليم عقابه‪.‬‬ ‫وأهل المغفرة‪ :‬أي وأهل لن يغفر للتائبين من عباده والموحدين‪.‬‬

‫( ‪)5/471‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى { ُكلّ َنفْسٍ} أي يوم القيامة‬ ‫{رَهِي َنةٌ} بمعنى مرهونة محبوسة أي كل نفس مأمورة منهية بمعنى مكلفة بخلف نفوس غير‬ ‫المكلفين من أطفال ومجانين وقوله {إِلّا َأصْحَابَ الْ َيمِينِ} فإنهم قد فك رهنهم وهم في جنات النعيم‬ ‫يتساءلون فيما بينهم عن أصحاب الجحيم وكيف حالهم ثم يتصلون بهم وهم في جنات النعيم‬ ‫والمجرمون في سواء الجحيم‪ ،‬ويتم التصال برؤية الشخص وسماع كلمه وفي الصناعات‬ ‫سقَرَ} أي أدخلكم في سقر‬ ‫الحديثة اليوم ما جعل هذا أمرا معقول فيقولون لهم { مَا سََل َككُمْ فِي َ‬ ‫ن َوكُنّا‬ ‫ن َوكُنّا َنخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِي َ‬ ‫سكِي َ‬ ‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬ ‫ن وَلَمْ َنكُ ُن ْ‬ ‫فأجابوهم قائلين {قَالُوا َلمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّي َ‬ ‫ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ} فذكروا لهم أعظم الجرائم وهي ترك الصلة ومنع الزكاة‬ ‫والتخوض مع أهل الباطل في كل شر وفساد والتكذيب بيوم القيامة وأنه ل حساب ول جزاء أي‬ ‫ل ثواب ول عقاب وأنهم مع هذه الجرائم الموجبة للسلوك في سقر لم يتوبوا منها حتى أتاهم‬ ‫اليقين الذي هو الموت فإن من مات دخل الدار الخرة من عتبتها وهي القبر فلذا قالوا حتى أتانا‬ ‫اليقين أي الموت‪ .‬وقد يقال ألم يكن هناك شفعاء من الملئكة و النبياء والعلماء والشهداء‬ ‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ} أي لم تكن لهم شفاعة لنهم‬ ‫يشفعون؟ والجواب هو في قوله تعالى { َفمَا تَ ْن َف ُعهُمْ َ‬ ‫ملحدة مجرمون‪ .‬وقوله تعالى { َفمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ} أي فما لهؤلء المشركين المكذبين‬ ‫بالبعث والجزاء عن التذكرة التي يذكرون بها في آيات هذه السورة وغيرها معرضين إنه أمر‬ ‫حمُرٌ} وحشية {مُسْتَ ْنفِ َرةٌ فَ ّرتْ‬ ‫عجيب أي شيء يجعلهم يعرضون عنها هاربين منها فارين {كَأَ ّن ُهمْ ُ‬

‫سوَ َرةٍ} أي فرت هاربة أشد الهرب من أسد من أسود الصحراء الطاغية إن فرارهم من هذه‬ ‫مِنْ قَ ْ‬ ‫الدعوة وإعراضهم عنها ليس عن قصور في أدلتها وضعف في حجتها بل يريد كل واحد منهم أن‬ ‫يؤتى كتابا من ال يأمره فيه باليمان و اتباع محمد صلى ال عليه وسلم وهذا هو العناد والمكابرة‬ ‫وصاحبهما غير مستعد لليمان بحال من الحوال‪ .‬وهذه الية كقوله تعالى‪{ :‬حَتّى ‪ 1‬تُنَ ّزلَ عَلَيْنَا‬ ‫صحُفا مُنَشّ َرةً}‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫كِتَابا َنقْرَُأهُ} هذا معنى قوله تعالى { َبلْ يُرِيدُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى ُ‬ ‫{كَلّا َبلْ ل يَخَافُونَ الْآخِ َرةَ} أي ليس المر كما يقولون ويدعون بل إن علة إعراضهم الحقيقية هي‬ ‫عدم خوفهم من عذاب ال يوم القيامة‪ .‬وقوله تعالى {كَلّا إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ} أي أل إن هذا القرآن تذكرة‬ ‫فمن شاء ذكره أي قرأه فاتعظ به فآمن بال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الية من سورة السراء وهي (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا‬ ‫نقرأه) إذ روي أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا‬ ‫بكتاب من السماء عنوانه من رب العالمين إلى فلن بن فلن ونؤمر فيه بأتباعك‪.‬‬

‫( ‪)5/472‬‬ ‫واتقاه فإنه ينجو ويسعد في جوار موله ومن لم يشأ ذلك فحسبه سقر وما أدراك ما سقر‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى { َومَا َي ْذكُرُونَ‪ 1‬إِلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ} أي ما يذكر من يذكر إل بمشيئة ال فل بد من الفتقار إلى‬ ‫ال وطلب توفيقه في ذلك إذ ل استقلل لحد عن ال ول غنى بأحد عن ال بل الكل مفتقر إليه‬ ‫ومشيئته تابعة لمشيئته وقوله { ُهوَ‪ 2‬أَ ْهلُ ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ} لقد ‪ 3‬صح أن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم فسر هذه الية فقال قال ربكم أنا أهل أن أتقى فل يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي‬ ‫إلها فأنا أهل أن أغفر له‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فكاك كل نفس مرهونة بكسبها هو اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أكبر الجرائم وهي ترك الصلة ومنع الزكاة والخوض في الباطل وعدم التصديق‬ ‫بالحساب والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل شفاعة يوم القيامة لمن مات وهو يشرك بال شيئا‪.‬‬ ‫‪ -4‬مرد النحراف في النسان إلى ضعف إيمانه بالبعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬ال جل جلله هو ذو الهلية الحقة لمرين عظيمين التقوى فل يتقى على الحقيقة إل هو‬ ‫والمغفرة فل يغفر الذنوب إل هو اللهم اغفر ذنوبنا فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬قرأ نافع وما تذكرون بالتاء على اللتفاف‪ ,‬وقرأ حفص وما يذكرون بالياء على الغيبة‪.‬‬ ‫‪ 2‬تعريف جزيء الجملة مفيد للقصر أي ال وحده المتأهل للتقوى والمغفرة ل سواه‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحديث رواه الترمذي وقال فيه حسن غريب ونصه‪ :‬قال ال تعالى "أنا أهل أن أتقى فمن اتقاني‬ ‫فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له"‪.‬‬

‫( ‪)5/473‬‬ ‫سورة القيامة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة القيامة‬ ‫مكية وآياتها أربعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫جمَعَ عِظَامَهُ (‪ )3‬بَلَى‬ ‫سبُ الْأِ ْنسَانُ أَلّنْ َن ْ‬ ‫ل ُأقْسِمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )1‬وَل ُأقْسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ (‪ )2‬أَ َيحْ َ‬ ‫س ّويَ بَنَا َنهُ (‪َ )4‬بلْ‬ ‫قَادِرِينَ عَلَى أَنْ ُن َ‬

‫( ‪)5/473‬‬ ‫سفَ ا ْل َقمَرُ (‪)8‬‬ ‫يُرِيدُ الْأِ ْنسَانُ لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ (‪ )5‬يَسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )6‬فَإِذَا بَ ِرقَ الْ َبصَرُ (‪ )7‬وَخَ َ‬ ‫س وَا ْلقَمَرُ (‪َ )9‬يقُولُ الْأِنْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ (‪ )10‬كَلّا ل وَزَرَ (‪ )11‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ‬ ‫شمْ ُ‬ ‫جمِعَ ال ّ‬ ‫وَ ُ‬ ‫ا ْلمُسْ َتقَرّ (‪ )12‬يُنَبّأُ الْأِنْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّمَ وَأَخّرَ (‪َ )13‬بلِ الْأِنْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َرةٌ (‪ )14‬وََلوْ أَ ْلقَى‬ ‫َمعَاذِي َرهُ (‪)15‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل ‪:‬أي ليس المر كما يدعي المشركون من أنه ل بعث ول جزاء‪.‬‬ ‫أقسم بيوم القيامة ‪:‬أي الذي كذب به المكذبون‪.‬‬ ‫ول أقسم بالنفس اللوامة ‪:‬أي لتبعثن ولتحاسبن ولتعاقبن أيها المكذبون الضالون‪.‬‬ ‫اللوامة ‪:‬أي التي إن أحسنت لمت عن عدم الزيادة وإن أساءت لمت عن عدم التقصير‪.‬‬ ‫أيحسب النسان ‪:‬أي الكافر الملحد‪.‬‬ ‫أن لن نجمع عظامه ‪:‬أي أل نجمع عظامه لنحييه للبعث والجزاء‪.‬‬ ‫بلى قادرين ‪ :‬أي بلى نجمعهما حال كوننا قادرين مع جمعها على تسوية بنانه‪.‬‬ ‫على أن نسوي بنانه ‪:‬أي نجعل أصابعه كخف البعير أو حافر الفرس فل يقدر على العمل الذي‬ ‫يقدر عليه الن مع تفرقة أصابعه‪ .‬كما نحن قادرون على جمع تلك العظام الدقيقة عظام البنان‬

‫وردها كما كانت كما نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الصابع والتي تختلف بين‬ ‫إنسان وإنسان اختلف الوجوه والصوات واللهجات‪.‬‬ ‫بل يريد النسان ‪:‬أي بإنكاره البعث والجزاء‪.‬‬ ‫ليفجر أمامه ‪:‬أي ليواصل فجوره زمانه كله ولذلك أنكر البعث‪.‬‬ ‫يسأل أيان يوم القيامة ‪:‬أي يسأل سؤال استنكار واستهزاء واستخفاف‪.‬‬ ‫فإذا برق البصر ‪:‬أي دهش وتحير لما رأى ما كان به يكذب‪.‬‬ ‫وخسف القمر ‪:‬أي أظلم بذهاب ضوئه‪.‬‬

‫( ‪)5/474‬‬ ‫وجمع الشمس والقمر ‪:‬أي ذهب ضوءهما وذلك في بداية النقلب الكوني الذي تنتهي فيه هذه‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫أين المفر ‪:‬أي إلى أين الفرار‪.‬‬ ‫كل ‪ :‬ردع له عن طلب الفرار‪.‬‬ ‫ل وزر ‪:‬أي ل ملجأ يتحصن به‪.‬‬ ‫بل النسان على نفسه بصيرة ‪:‬أي هو شاهد على نفسه حيث تنطق جوارحه بعمله‪.‬‬ ‫ولو ألقى معاذيره ‪:‬أي فلبد من جزائه ولو ألقى معاذيره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ل ُأقْسِمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ}‪ 1‬أي ما المر كما تقولون أيها المنكرون للبعث والجزاء أقسم‬ ‫بيوم القيامة الذي تنكرون وبالنفس اللوامة التي ستحاسب وتجزي ل محالة لتبعثن ‪ 2‬ثم لتنبؤن بما‬ ‫عظَامَهُ} أي بعد موته وفنائه‬ ‫جمَعَ ِ‬ ‫سبُ الْإنْسَانُ أَلّنْ َن ْ‬ ‫حَ‬ ‫عملتم وذلك على ال يسير‪ .‬وقوله تعالى {أَيَ ْ‬ ‫وتفرق أجزائه في الرض‪ ،‬والمراد من النسان هنا الكافر الملحد قطعا {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى ‪ 3‬أَنْ‬ ‫س ّويَ بَنَانَهُ} أي بلى نجمعها حال كوننا قادرين على ذلك وعلى ما هو أعظم وهو تسوية بنانه أي‬ ‫نُ َ‬ ‫أصابعه بأن نجعلها كخف البعير أو حوافر الحمير‪ ،‬فيصبح يتناول الطعام بفمه كالكلب والبغل‬ ‫والحمار‪ .‬وقوله { َبلْ‪ 4‬يُرِيدُ الْأِنْسَانُ لِ َيفْجُرَ‪َ 5‬أمَامَهُ} أي ما يجهل النسان قدرة خالقه على إعادة‬ ‫خلقه ولكنه يريد أن يواصل فجوره مستقبله كله فل يتوب من ذنوبه ول يؤوب من معاصيه لن‬ ‫شهواته مستحكمة فيه‪ ،‬وقوله تعالى { َيسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ؟} يخبر تعالى عن المنكر للبعث من‬ ‫أحل مواصلة الفجور من زنا وشرب خمور بأنه يقول أيان يوم القيامة استبعادا واستنكارا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في (ل) هنا توجيهان الول ما آثره ابن جرير وهو ما اخترناه في التفسير‪ ,‬وأنها نافية لدعوى‬ ‫سابقة إبطال لها والكلم بعدها مستأنف‪ .‬والثاني أنها أي (ل) حرف نفي أدخل على (أقسم) لقصد‬

‫المبالغة في تحقيق حرمة المقسم به بحيث يوهم السامع أن المتكلم يهم أن يقسم ثم يترك القسم‬ ‫مخافة الحنث بالمقسم به فيقول ل أقسم به ول أقسم بأعز منه عندي‪ ،‬والمراد تأكيد القسم ووجه‬ ‫ثالث وهي أنها مزيدة لتقوية الكلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬لتبعثن هو جواب القسم‪.‬‬ ‫‪ 3‬بلى حرف إبطال للنفي أي بل نجمعها أي العظام المتفرقة حال كوننا قادرين على ذلك وعلى‬ ‫ما هو أعظم وهو تسوية بنانه‪.‬‬ ‫‪ 4‬بل هنا للضراب النتقالي من تقريره حقيقة إلى أخرى أعجب وأغرب وهي الكشف عن سر‬ ‫إنكار الملحدة للبعث وهو مواصلتهم الفجور عن كل خلق ودين ومروءة وأدب لنهزامهم‬ ‫لشهواتهم البهيمية‪.‬‬ ‫‪ 5‬اللم في ليفجر هي اللم التي يكثر وقوعها بعد مادتي المر والرادة نحو وأمرت لعدل بينكم‬ ‫ويريد ال ليبين لكم‪ ،‬وقول كثير‪:‬‬ ‫أريد لنسى حبها فكأنهما‬ ‫تمثل لي ليلي بكل مكان‬ ‫وينصب الفعل بعدها بأن مضمرة وهل للتعليل أو زائدة خلف‪.‬‬

‫( ‪)5/475‬‬ ‫وتسويفا للتوبة فبين تعالى له وقت مجيئه بقوله {فَإِذَا بَرِقَ الْ َبصَرُ‪ }1‬أي عند الموت بأن تحير‬ ‫س وَا ْل َقمَرُ} أي ذهب ضوءهما وذلك‬ ‫شمْ ُ‬ ‫جمِعَ ال ّ‬ ‫سفَ ا ْل َقمَرُ} أي أظلم وذهب ضوءه‪{ ،‬وَ ُ‬ ‫واندهش {وَخَ َ‬ ‫في بداية النقلب الكوني الذي تنتهي فيه هذه الحياة { َيقُولُ الْأِ ْنسَانُ} الكافر { َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ؟} أي‬ ‫إلى أين الفرار يا ترى؟ قال تعالى {كَلّا} أي ل فرار اليوم من قبضة الجبار أيها النسان الكافر {ل‬ ‫وَزَرَ} أي ل حصن ول ملتجأ وإنما {ِإلَى رَ ّبكَ} اليوم {ا ْلمُسْ َتقَرّ} أي النتهاء والستقرار إما إلى‬ ‫جنة وإما للى نار وقوله تعالى {يُنَبّأُ الْأِ ْنسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّ َم وَأَخّرَ} أي يوم تقوم الساعة يخبر‬ ‫النسان من قبل ربه تعالى بما قدم من أعماله في حياته الخير والشر سواء وبما أخر بعد موته‬ ‫من سنة حسنة سنها أو سيئة كذلك وقوله تعالى { َبلِ الْأِ ْنسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َر ٌة وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ}‬ ‫أي عندما يتقدم النسان للستنطاق فيخبر بما قدم وأخر هناك يحاول أن يتنصل من بعض ذنوبه‬ ‫فتنطق جوارحه ويختم على لسانه فيتخذ من جوارحه شهود عليه فتلك البصيرة ‪2‬ولو ألقى معاذيره‬ ‫‪ 3‬واعتذر ول يقبل منه ذلك لكونه شاهدا على نفسه بجوارحه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان إفضال ال على العبد في خلقه وتركيب أعضائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬معجزة قرآنية أثبتها العلم الصناعي الحديث وهي عدم تسوية خطوط الصابع‪.‬‬ ‫‪ -4‬فكما خالف تعالى بين النسان والنسان وبين صوت وصوت فرق بين خطوط الصابع فلذا‬ ‫استعملت في المضاءات وقبلت في الشهادات‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير مبدأ أن المؤمن يثاب على ما أخر من سنة حسنة يعمل بها بعده كما يأثم بترك السنة‬ ‫السيئة يعمل بها كذلك بعده‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع برق البصر بفتح الراء ومعناه لمع من شدة شخوصه فهو ل يطرف وقرأ برق بكسر‬ ‫الراء ومعناه دهش وتحير‪ .‬وهذا عند موت النسان‪.‬‬ ‫‪ 2‬البصيرة جائز أن يراد بها الملكان بقرينة‪ .‬ولو ألقى معاذيره أي لو أرخى ستوره إذ الستر بلغة‬ ‫اليمن المعذار وجائز أن يكون المراد بها النسان نفسه أي حجة على نفسه وما في التفسير أولى‬ ‫بمعناها‪.‬‬ ‫‪ 3‬المعاذير أسم جمع معذرة وليس جمعا‪ ،‬لن معذرة حقه أن يجمع على معاذر كمقبرة ومقابر‪،‬‬ ‫والمراد من معاذر النسان‪ :‬ما يعتذر به كقولهم ‪:‬ما جاءنا بشير ول نذير وقولهم { رب ارجعون‬ ‫لعلي أعمل صالحا } وقولهم {هؤلء أضلونا } وقولهم { وال ربنا ما كنا مشركين}‪.‬‬

‫( ‪)5/476‬‬ ‫ج ْمعَ ُه َوقُرْآنَهُ (‪ )17‬فَِإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآنَهُ (‪ُ )18‬ثمّ‬ ‫جلَ بِهِ (‪ )16‬إِنّ عَلَيْنَا َ‬ ‫ل ُتحَ ّركْ بِهِ لِسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬ ‫إِنّ عَلَيْنَا بَيَا َنهُ (‪ )19‬كَلّا َبلْ تُحِبّونَ ا ْلعَاجِلَةَ (‪ )20‬وَتَذَرُونَ الْآخِ َرةَ (‪ )21‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نَاضِ َرةٌ (‪)22‬‬ ‫إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ (‪َ )23‬ووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ (‪َ )24‬تظُنّ أَنْ ُي ْف َعلَ ِبهَا فَاقِ َرةٌ (‪)25‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل تحرك به لسانك ‪:‬أي ل تحرك بالقرآن لسانك قبل فراغ جبريل منه‪.‬‬ ‫لتعجل به ‪:‬أي مخافة أن يتفلت منك‪.‬‬ ‫إن علينا جمعه ‪:‬أي في صدرك‪.‬‬ ‫وقرآنه ‪:‬أي قراءتك له بحيث نجريه على لسانك‪.‬‬ ‫فإذا قرأناه ‪:‬أي قرأه جبريل عليك‪.‬‬ ‫فاتبع قرآنه ‪:‬أي استمع قراءته‪.‬‬ ‫ثم إن علينا بيانه ‪:‬أي لك بتفهيمك ما يشكل عليك من معانيه‪.‬‬ ‫كل ‪:‬أي ليس المر كما تزعمون أنه ل بعث ول جزاء‪.‬‬ ‫تحبون العاجلة ‪:‬أي الدنيا فيعملون لها‪.‬‬

‫وتذرون الخرة ‪:‬أم ويتركون الخرة فل يعملون لها‪.‬‬ ‫ناضرة ‪:‬أي حسنة مضيئة‪.‬‬ ‫إلى ربها ناظرة ‪:‬أي إلى ال تعالى ربها ناظرة بحيث ل تحجب عنه تعالى‪.‬‬ ‫باسرة ‪:‬أي كالحة مسودة عابسة‪.‬‬ ‫تظن ‪ :‬أي توقن‪.‬‬ ‫أن يفعل بها فاقرة ‪:‬أي داهية عظيمة تكسر فقار الظهر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ندد تعالى بالمعرضين عن القرآن المكذبين به وبالبعث والجزاء ذكر في هذه اليات المقبلين‬ ‫على القرآن المسارعين إلى تلقيه فكانت المناسبة بين هذه اليات وسابقتها المقابلة بالتضاد‪.‬‬

‫( ‪)5/477‬‬ ‫فقال تعالى مؤدبا رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم {ل ُتحَ ّركْ بِهِ‪ }1‬أي بالقرآن {لِسَا َنكَ} قبل‬ ‫فراغ جبريل من قراءته عليك‪ .‬إذ كان صلى ال عليه وسلم حريصا على القرآن يخاف أن يتفلت‬ ‫منه شيء فأكرمه ربه بالتخفيف عليه وطمأنه أن ل يفقد منه شيئا فقال له {ل ُتحَ ّركْ بِهِ ِلسَا َنكَ‬ ‫ج ْمعَهُ} أي في صدرك { َوقُرْآ َنهُ} على لسانك حيث نسهل‬ ‫جلَ بِهِ} مخافة أن يتفلت منك {إِنّ عَلَيْنَا َ‬ ‫لِ َتعْ َ‬ ‫ذلك ونجريه على لسانك‪{ ،‬فَِإذَا قَرَأْنَاهُ} أي قرأه جبريل عليك {فَاسْ َتمِعْ} له ثم اقرأه كما قرأه واعمل‬ ‫بشرائعه وأحكامه‪ .‬وقوله تعالى {ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ‪ }2‬أي إنا نبين لك ما يشكل عليك من معانيه‬ ‫حتى تعمل بكل ما طلب منك أن تعمل به‪ .‬وقوله تعالى {كَلّا َبلْ ُتحِبّونَ ا ْلعَاجَِل َة وَتَذَرُونَ الْآخِ َرةَ}‬ ‫عاد السياق الكريم إلى تقرير عقيدة البعث والجزاء والتي عليها وعلى اليمان بال مدار الصلح‬ ‫والتهذيب فقال {كَلّا ‪ }3‬أي ليس كما تدعون من عدم إمكان البعث والجزاء لنكم تعلمون أن القادر‬ ‫على إيجادكم اليوم وإعدامكم غدا قادر على إيجادكم مرة أخرى‪ ،‬ولكن الذي جعلكم تكذبون بالبعث‬ ‫والجزاء هو حبكم للحياة العاجلة أي الدنيا وما فيها من لذات وشهوات‪ ،‬وترككم للخرة أي للحياة‬ ‫الخرة لنها تكلفكم الصلة والصيام والجهاد‪ ،‬والتخلي عن كثير من اللذات والشهوات‪ .‬بعد أن‬ ‫كشف عن نفسيات المكذبين توبيخا لهم وتقريعا عرض على أنظارهم منظرا حيا وصورة ناطقة‬ ‫لما يتجاهلونه من شأن الخرة فقال {وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ} أي يوم إذ تقوم القيامة {نَاضِ َرةٌ} أي حسنة‬ ‫‪4‬مضيئة مشرقة لن أرواح أصحابها كانت في الدنيا مشرقة بنور اليمان وصالح العمال {إِلَى‬ ‫رَ ّبهَا ‪ 5‬نَاظِ َرةٌ} سعيدة بلقاء ربها مكرمة بالنظر إليه وهي في جواره { َووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ} أي‬ ‫كالحة مسودة عابسة وذلك لن أرواح أصحابها كانت في الدنيا تعيش على ظلمة الكفر وعفن‬ ‫الذنوب ودخان المعاصي فانطبعت النفس على الوجه فهي باسرة حالكة عابسة {تَظُنّ} أي توقن‬ ‫أي الوجوه والمراد أصحابها {أَنْ ُي ْف َعلَ‪ِ 6‬بهَا فَاقِ َرةٌ} أي داهية عظيمة تكسر فقار‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا‬ ‫نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد أن يحفظه فأنزل ال تعالى {ول تحرك به لسانك لتعجل به}‬ ‫فكان يحرك شفتيه‪ ،‬وحرك سفيان شفتيه‪ .‬قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي تفسير ما فيه من الحدود والحلل والحرام وكيفيات العبادات وجائز أن يبين له الوعد‬ ‫والوعيد بتحقيقهما‪.‬‬ ‫‪ 3‬كل حرف ردع إبطال وفي التفسير بيان ما أبطل بها‪.‬‬ ‫‪ 4‬وشاهد هذا الحديث‪" :‬نضر ال امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها" ‪.‬‬ ‫‪ 5‬نفى المعتزلة والخوارج وعامة الفرق الضالة نفوا رؤية ال تعالى في الدار الخرة وردوا بذلك‬ ‫الكتاب والسنة فهذه الية صريحة في جواز النظر إلى وجه ال تعالى وآية المطففين‪{ .‬إنهم عن‬ ‫ربهم يومئذ لمحجوبون} فغيرهم من أهل اليمان وصالح العمال غير محجوبين‪ ,‬ومن السنة‬ ‫حديث البخاري وغيره " إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته فإن‬ ‫استطعتم أل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" (متفق عليه) وأحاديث‬ ‫أخرى ويكفي إجماع أهل السنة والجماعة‪.‬‬ ‫‪ 6‬الفقرة بكسر الفاء وتفتح والجمع فقر وفقار وفقر وفقرات وفقرات خرزات الظهر‪.‬‬

‫( ‪)5/478‬‬ ‫سعَةَ‬ ‫سقَرُ ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ َلوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَ ْيهَا ِت ْ‬ ‫سقَرَ َومَا َأدْرَاكَ مَا َ‬ ‫الظهر منها وهي القاؤه {فِي َ‬ ‫عَشَرَ} فاذكروا هذا يابشر!!‬ ‫كَلّا إِذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ (‪َ )26‬وقِيلَ مَنْ رَاقٍ (‪ )27‬وَظَنّ أَنّهُ ا ْلفِرَاقُ (‪ )28‬وَالْ َتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ (‬ ‫‪ )29‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمَسَاقُ (‪ )30‬فَل صَدّقَ وَل صَلّى (‪ )31‬وََلكِنْ كَ ّذبَ وَتَوَلّى (‪ )32‬ثُمّ ذَ َهبَ‬ ‫سبُ الْأِ ْنسَانُ أَنْ يُتْ َركَ‬ ‫إِلَى أَهْلِهِ يَ َتمَطّى (‪َ )33‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )34‬ثُمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )35‬أَ َيحْ َ‬ ‫ج َعلَ مِ ْنهُ ال ّزوْجَيْنِ‬ ‫سوّى (‪َ )38‬ف َ‬ ‫طفَةً مِنْ مَنِيّ ُيمْنَى (‪ )37‬ثُمّ كَانَ عََلقَةً َفخَلَقَ فَ َ‬ ‫سُدىً (‪ )36‬أََلمْ َيكُ ُن ْ‬ ‫ال ّذكَ َر وَالْأُنْثَى (‪ )39‬أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى (‪)40‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا بلغت ‪:‬أي النفس‪.‬‬ ‫التراقي ‪:‬جمع ترقوة أي عظام الحلق‪.‬‬ ‫وقيل من راق ‪:‬أي وقال من حوله من عواده أو ممرضيه هل هناك من يرقيه ليشفى؟ ‪.‬‬ ‫وظن أنه الفراق ‪ :‬أي أيقن أنه للدنيا لبلوغ الروح الحلقوم‪.‬‬ ‫والتفت الساق بالساق ‪:‬أي التقت إحدى ساقيه بالخرى أو التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال‬

‫الخرة وما فيها من أهوال‪.‬‬ ‫إلى ربك يومئذ المساق ‪:‬أي إذا بلغت الروح الحلقوم تساق إلى ربها وخالقها لتلقى جزاءها‪.‬‬ ‫فل صدق ول صلى ‪:‬أي النسان الذي يحسب أن لن يجمع ال عظامه ما صدق ول صلى‪.‬‬ ‫ولكن كذب ‪:‬أي بالقرآن‪.‬‬ ‫وتولى ‪:‬أي عن اليمان‪.‬‬ ‫يتمطى ‪:‬أي يتبختر في مشيته إعجابا بنفسه‪.‬‬ ‫أولى لك ‪:‬أي وليك المكروه أيها المعجب بنفسه المكذب بلقاء ربه‪.‬‬ ‫فأولى ‪:‬أي فهو أولى بك‪.‬‬ ‫ثم أولى لك فأولى ‪:‬أي وليك المكروه مرة ثانية فأولى فهو أولى بك أيضا‪.‬‬ ‫أن يترك سدى ‪:‬أي مهمل ل يكلف في الدنيا ول يحاسب ويجزى في الخرة‪.‬‬

‫( ‪)5/479‬‬ ‫تمنى ‪:‬أي تصب في الرحم‪.‬‬ ‫فخلق فسوى ‪:‬أي خلق ال منها النسان فسواه بتعديل أعضائه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقوله تعالى {كَلّا} أي ليس المر كما تحسب‬ ‫أيها النسان أن ال ل يجمع عظامك ول يحييك ول يجزيك انظر إليك وأنت على فراش الموت‬ ‫إلى أين يكون مساقك إذا بلغت روحك التراقي ‪ 1‬من عظام حلقك وقال عوادك وممرضوك هل‬ ‫من راق يريقك أو طبيب يداويك وأيقنت أنه الفراق لدنياك وأهلك وذويك‪ ،‬والتفت ساقك اليمنى‬ ‫باليسرى ‪ 2‬وشدة فراقك الدنيا بشدة إقبالك على الخرة هنا انظر إلى أين يذهب بك أما جسمك‬ ‫فإلى مقره في الرض تواريك‪ ،‬وأما روحك فإلى ربك ليحكم فيك‪ .‬وقد كذبت بآياته وكفرت‬ ‫بآلئه‪ .‬فل صدقت ول صليت‪ ،‬ولكن كذبت وتوليت كان هذا نصيبك من دينك‪ ،‬وأما دنياك‪ ،‬فقد‬ ‫كنت تتمطى استكبارا وتتبختر إعجابا‪ .‬إذا {َأوْلَى ‪َ 3‬لكَ فََأوْلَى} أي وليك الهلك في الدنيا {ثُمّ َأوْلَى‬ ‫َلكَ فََأوْلَى} أي وليك العذاب في الخرة وعودة إلى تقريعك وتوبيخك يا من كفرت ربك وتنكرت‬ ‫لصلك اسمع ما يقال لك أحسبت أنك تترك سدى‪ ،‬تعيش سبهلل‪ ،‬ل تؤمر ول تنهى‪ ،‬ل يؤخذ منك‬ ‫ول تعطي كل ألم تك قبل كفرك وجحودك نطفة قطرة ماء من منيّ تمنى قل بلى أو أولى لك‬ ‫فأولى‪ ،‬ثم كنت علقة فخلقك ال جل جلله منها فسوىّ خلقك بتعديل أعضائك فجعل من نوعك‬ ‫الذكر والنثى‪ .‬قل لي بربك هل تنكر ذلك فإن قلت ل‪ .‬قلنا أليس ال بقادر على أن يحي الموتى؟‬ ‫سبحانك اللهم بلى‪4.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الرقية إذا كانت بالقرآن أو الكلم الطيب‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنويه بشأن الزكاة والصلة فرائض ونوافل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬التراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتفة لنقرة النحر موضع الحشرجة قال دريد بن الصمة‬ ‫ورب عظيمة دافعت عنهم‬ ‫وقد بلغت نفوسهم التراقي‬ ‫‪ 2‬أي التفت شدة فراقك الدنيا بشدة إقبالك على الخرة هذا أحد وجهين في تفسير الية وفي‬ ‫التفسير كل الوجهين إل أن في هذا خفاء فأوضحته هنا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ما هناك حاجة إلى أن يقال هذا في أبي جهل إذ هو خطاب لكل إنسان كافر مشرك ضال‬ ‫وسواء كان قد مضى أهو حاضر اليوم أو يأتي غدا إذ لفظ النسان في قوله تعالى أيحسب‬ ‫النسان لفظ عام)‪.‬‬ ‫‪ 4‬لقد أستمالني السلوب الدبي فأخذت أخاطب النسان الهالك مقرعا موبخا بما تضمنته اليات‬ ‫فهم مدلولها للتعاظ والهتداء بهديها‪ ،‬فإن لم يك هذا مرضيا فاعف عني واغفر لي‪ .‬آمين‪.‬‬

‫( ‪)5/480‬‬ ‫‪ -3‬تحريم العجب والكبرياء والتبختر في المشي‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬النسان لم يخلق عبثا والكون كله كذلك‪.‬‬ ‫‪ -6‬مشروعية قول سبحانك اللهم بلى لمن قرأ هذه الية أو سمعها إماما كان أو مأموما وهي‬ ‫{أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى}‬

‫( ‪)5/481‬‬ ‫سورة النسان‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النسان‬ ‫مدنية وآياتها إحدى وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ‬ ‫َهلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئا مَ ْذكُورا (‪ )1‬إِنّا خََلقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ ُن ْ‬

‫سمِيعا َبصِيرا (‪ )2‬إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرا وَِإمّا َكفُورا (‪ )3‬إِنّا أَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ‬ ‫جعَلْنَاهُ َ‬ ‫نَبْتَلِيهِ َف َ‬ ‫جهَا كَافُورا (‪ )5‬عَيْنا يَشْ َربُ‬ ‫سعِيرا (‪ )4‬إِنّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَا ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سَلسِل وَأَغْل ً‬ ‫ط ِعمُونَ‬ ‫ِبهَا عِبَادُ اللّهِ ُيفَجّرُو َنهَا َتفْجِيرا (‪ )6‬يُوفُونَ بِالنّذْ ِر وَ َيخَافُونَ َيوْما كَانَ شَ ّرهُ ُمسْتَطِيرا (‪ )7‬وَيُ ْ‬ ‫شكُورا‬ ‫جهِ اللّهِ ل نُرِيدُ مِ ْنكُمْ جَزَا ًء وَل ُ‬ ‫ط ِع ُمكُمْ ِلوَ ْ‬ ‫سكِينا وَيَتِيما وََأسِيرا (‪ )8‬إِ ّنمَا ُن ْ‬ ‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ مِ ْ‬ ‫ال ّ‬ ‫(‪ )9‬إِنّا نَخَافُ مِنْ رَبّنَا َيوْما عَبُوسا َقمْطَرِيرا (‪َ )10‬ف َوقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْ ِم وََلقّاهُمْ َنضْ َرةً‬ ‫وَسُرُورا (‪ )11‬وَجَزَا ُهمْ ِبمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرا (‪)12‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل أتى ‪:‬أي قد أتى‪.‬‬

‫( ‪)5/481‬‬ ‫على النسان ‪:‬أي آدم عليه السلم‪.‬‬ ‫حين من الدهر ‪:‬أي أربعون سنة‪.‬‬ ‫لم يكن شيئا مذكورا ‪:‬أي ل نباهة ول رفعة له لنه طين لزب وحمأ مسنون وذلك قبل أن ينفخ‬ ‫ال تعالى فيه الروح‪.‬‬ ‫أمشاج ‪ :‬أي أخلط من ماء المرأة وماء الرجل‪.‬‬ ‫نبتليه ‪ :‬أي نختبر بالتكاليف بالمر والنهي عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل‪.‬‬ ‫إنا هديناه السبيل ‪:‬أي بينا له طريق الهدى ببعثة الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬ ‫إنا أعتدنا ‪:‬أي هيأنا‪.‬‬ ‫سلسل ‪:‬أي يسحبون بها في نار جهنم‪.‬‬ ‫وأغلل ‪:‬أي في أعناقهم‪.‬‬ ‫وسعيرا ‪:‬أي نارا مسعرة مهيجة‪.‬‬ ‫إن البرار ‪:‬أي المطيعين ل ورسوله الصادقين في إيمانهم وأقوالهم وأحوالهم‪.‬‬ ‫مزاجها ‪:‬أي ما تمزج به وتخلط‪.‬‬ ‫يفجرونها ‪ :‬أي يجرونها ويسيلونها حيث شاءوا‪.‬‬ ‫شره مستطيرا ‪:‬أي ممتدا طويل فاشيا منتشرا‪.‬‬ ‫عبوسا ‪:‬أي تكلح الوجوه من طوله وشدته‪.‬‬ ‫نضرة وسرورا ‪:‬أي حسنا ووضاءة في وجوههم وفرحا في قلوبهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َهلْ أَتَى ‪ 1‬عَلَى الْأِ ْنسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئا مَ ْذكُورا} يخبر تعالى عن آدم أبي‬ ‫البشر عليه السلم أنه أتى عليه حين من الدهر قد يكون أربعين سنة وهو صورة من طين ل‬

‫روح فيها‪ ،‬فلم يكن في ذلك الوقت له نباهة أو رفعة فيذكر‪ .‬هذا النسان الول آدم أخبر تعالى‬ ‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ} يخبر تعالى عن النسان الذي هو ابن آدم‬ ‫عن بدء أمره‪ .‬وقوله {إِنّا خََلقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ ُن ْ‬ ‫أنه خلقه من نطفة وهي ‪2‬ما ينطف ويقطر من ماء الرجل وماء المرأة‪ ،‬ومعنى أمشاج ‪3‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تقريري بمعنى أتى على النسان كذا‪ .‬وجائز أن يكون المراد من النسان غير آدم‬ ‫وكونه آدم هو المراد من الية أولى‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال مشج الشيء يمشجه أي خلطه فهو ممشوج و مشيج مثل مخلوط وخليط وهل أمشاج جمع‬ ‫مشج على وزن سبب وأسباب أو هو مفرد خلف‪.‬‬ ‫‪ 3‬من نطفة أي من ماء يقطر وهو المني وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة كقول عبد ال بن‬ ‫رواحة‪:‬‬ ‫مالي أراك تكرهين الجنة‬ ‫هل أنت إل نطفة في شنة‬

‫( ‪)5/482‬‬ ‫أخلط من ماء الرجل وماء المرأة فهذا مبدأ خلق النسان ابن آدم‪ .‬وقوله {نَبْتَلِيهِ‪ }1‬أي نختبره‬ ‫بالتكاليف بالمر والنهي وذلك عند تأهله لذلك بالبلوغ والعقل ولذلك جعله سميعا بصيرا إذ بوجود‬ ‫السمع والبصر معا أو بأحدهما يتم التكليف فإن انعدما فل تكليف لعدم القدرة عليه‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ} أي بينا له طريق الهدى ببعثة الرسل وإنزال الكتب واستبان له بذلك أيضا‬ ‫طريق الغي والردى إذ هما النجدان إن عرف أحدهما عرف الثاني وهو في ذلك إما ‪ 2‬أن يسلك‬ ‫سبيل الهدى فيكون شكورا‪ ،‬وإما أن يسلك سبيل الغي والردى فيكون كفورا‪ ،‬والشكور المؤمن‬ ‫الصادق في إيمانه المطيع لربه‪ ،‬والكفور المكذب بآيات ال ولقائه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا ‪ 3‬أَعْ َتدْنَا‬ ‫لِ ْلكَافِرِينَ} اليات شروع في بيان ما أعد لكل من سالكي سبيل الرشد وسالكي سبيل الغي فقال‬ ‫بادئا بما أعد لسالكي سبيل الغي موجزا في بيان ما أعد لهم من عذاب بخلف ما أعد لسالكي‬ ‫سبيل الرشد فإنه نعيم تفصيله محبوب والطناب في بيانه مرغوب فقال {إِنّا أَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ‬ ‫سَلسِل وَأَغْللً} يسحبون بها في النار‪ ،‬وأغلل تغل بها أيديهم في أعناقهم وسعيرا متأججا‬ ‫وجحيما مستعرا‪ .‬هذا موجز ما أعد لسالكي سبيل الغي أما سالكي سبيل الرشد فقد بينه بقوله {إِنّ‬ ‫الْأَبْرَارَ‪ }4‬أي المؤمنين المطيعين في صدق ل والرسول {يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} ملى شرابا مزاجها‬ ‫كافورا ومزجت بالكافور لبرودته وبياض لونه وطيب رائحته عينا يشرب بها ‪ 5‬عباد ال لعذوبة‬ ‫مائها وصفائه أصبحت كأنها أداة يشرب بها ولذا قال يشرب بها ولم يقل يشرب منها وقوله‬ ‫يفجرونها تفجيرا أي يجرونها ويسيلونها حيث شاءوا من غرفهم وقصورهم ومجالس سعادتهم‪.‬‬

‫وقوله {يُوفُونَ بِالنّذْرِ} قطع الحديث عن نعيمهم ليذكر بعض فضائلهم ترغيبا في فعلهم ونعيمهم‪ ،‬ثم‬ ‫يعود إلى عرض النعيم فقال {يُوفُونَ بِالنّذْرِ}‪ 6‬أي كانوا في دار الدنيا يوفون بالنذر وهو ما‬ ‫يلتزمونه من طاعات لربهم كالصلة والصيام والحج والصدقات تقربا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة حالية من النسان‪.‬‬ ‫‪ 2‬إما حرف تفصيل وهو بسيط عند الجمهور وقال سيبويه هو مركب حرف إن الشرطية وما‬ ‫النافية‪ ،‬ولما تجردت إن من الشرطية وما من النفي أصبحت إما حرف تفصيل بسيط في الواقع‬ ‫وليس مركبا‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لنها واقعة موقع جواب للسؤال عن حال كل من الشاكر والكفور‬ ‫فكان الكلم بيانا لحال كل منهما‪.‬‬ ‫‪ 4‬البرار جمع بر وبار‪ ،‬وهو المكثر من فعل البر الذي هو الخير ولذا كان البر من أسماء ال‬ ‫تعالى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬إنا كنا ندعوه من قبل إنه هو البر الرحيم ويجمع البر على بررة‪.‬‬ ‫‪ 5‬جائز أن تكون الباء في بها بمعنى من التبعيضية وجائز أن يكون يشرب مضمنا معنى يروى‬ ‫أي يروى بها عباد ال ومن شواهد هذه الباء قول الشاعر‪:‬‬ ‫شربت بماء البحر ثم تدفقت‬ ‫متى لجج خضر لهن نئيح‬ ‫متى بمعنى في والنئيح مر سريع مع صوت والشاهد قي بماء البحر‪.‬‬ ‫‪ 6‬النذر هو ما يوجبه المكلف على نفسه في الطاعة بحيث لو لم يوجبه لم يلزمه‪.‬‬

‫( ‪)5/483‬‬ ‫إلى ربهم وتزلفا إليه ليحرزوا رضاه عنهم وتلك غاية مناهم‪ .‬وقوله يخافون يوما كان شره‬ ‫مستطيرا ‪ 1‬أي وكانوا في حياتهم يخافون يوم الحساب يوم العقاب يوما كان شره منتشرا ومع ذلك‬ ‫يطعمون الطعام على حبه أي مع حبهم وشهوتهم له ورغبتهم فيه‪ ،‬يطعمونه مسكينا فقيرا مسكنه‬ ‫الفقر وأذلته الحاجة‪ ،‬ويتيما ل عائل له ول مال عنده‪ ،‬وأسيرا سجينا بعيد الدار نائي المزار ل‬ ‫يعرف له أصل ول فصل يطعمونهم ولسان حالهم أو قالهم يقول إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد‬ ‫منكم جزاء تجازوننا به في يوم ما من اليام ول شكورا ينالنا منكم‪ .‬إنا نخاف من ربنا يوما‬ ‫عبوسا أي كالح الوجه مسودا ثقيل طويل ل يطاق‪ .‬واستجاب ال لهم وحقق بفضله مناهم فوقاهم‬ ‫ال شر ذلك اليوم العبوس القمطرير‪ ،‬ولقاهم نضرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم و جزاهم بما‬ ‫صبروا على فعل الصالحات وعن ترك المحرمات جنًة وحريرا‪ ،‬وما سيذكر بعد في اليات‬ ‫التاليات‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان نشأة النسان الب والنسان البن وما تدل عليه من إفضال ال وإكرامه لعباده‪.‬‬ ‫‪ -2‬حاستا السمع والبصر وجودهما معا أو وجود إحداهما ضروري للتكليف مع ضميمة العقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن النسان أمامه طريقان فيسلك أيهما شاء وكل طريق ينتهي به إلى غاية فطريق الرشد‬ ‫يوصل إلى الجنة دار النعيم‪ ،‬وطريق الغي يوصل إلى دار الشقاء الجحيم‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب الوفاء بالنذر فمن نذر شيئا ل وجب أن يفي بنذره إل أن ينذر معصية فل يجوز له‬ ‫الوفاء ‪ 2‬بنذره فيها فمن قال ل على أن أصوم يوم أو شهر كذا وجب عليه أن يصوم ومن قال ل‬ ‫علي أن ل أصل رحمي‪ ،‬أو أن ل أصلي ركعة مثل فل يجوز له الوفاء بنذره وليصل رحمه‬ ‫وليصل صلته ول كفارة عليه‪.‬‬ ‫‪ -5‬الترغيب في إطعام الطعام للمحتاجين إليه من فقير ويتيم وأسير‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال استطار الحريق إذا انتشر قال حسان‬ ‫وهان على سراة بني لؤي‬ ‫حريق بالبويرة مستطير‬ ‫قال قتادة استطار وال شر ذلك اليوم حتى مل السموات والرض‪.‬‬ ‫‪ 2‬ما يروى عن فاطمة وعلي رضي ال عنهما في مرض الحسنين وما نذرا ل في شأنهما حديث‬ ‫موضوع باطل رده أهل العلم جملة وتفصيل‪.‬‬

‫( ‪)5/484‬‬ ‫علَ ْيهِمْ ظِلُلهَا َوذُلَّلتْ‬ ‫شمْسا وَل َز ْمهَرِيرا (‪ )13‬وَدَانِيَةً َ‬ ‫علَى الْأَرَا ِئكِ ل يَ َروْنَ فِيهَا َ‬ ‫مُ ّتكِئِينَ فِيهَا َ‬ ‫قُطُو ُفهَا تَذْلِيلً (‪ )14‬وَيُطَافُ عَلَ ْي ِهمْ بِآنِيَةٍ مِنْ ِفضّ ٍة وََأ ْكوَابٍ كَا َنتْ َقوَارِيرَا (‪َ )15‬قوَارِيرَ مِنْ ِفضّةٍ‬ ‫سمّى سَ ْلسَبِيلً (‪)18‬‬ ‫جهَا زَ ْنجَبِيلً (‪ )17‬عَيْنا فِيهَا تُ َ‬ ‫س َقوْنَ فِيهَا كَأْسا كَانَ مِزَا ُ‬ ‫قَدّرُوهَا َتقْدِيرا (‪ )16‬وَيُ ْ‬ ‫وَيَطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْ َتهُمْ حَسِبْ َتهُمْ ُلؤْلُؤا مَنْثُورا (‪ )19‬وَإِذَا رَأَ ْيتَ َثمّ رَأَ ْيتَ َنعِيما‬ ‫سقَا ُهمْ رَ ّبهُمْ شَرَابا‬ ‫ق وَحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّ ٍة وَ َ‬ ‫خضْ ٌر وَإِسْتَبْ َر ٌ‬ ‫َومُلْكا كَبِيرا (‪ )20‬عَالِ َي ُهمْ ثِيَابُ سُنْ ُدسٍ ُ‬ ‫شكُورا (‪)22‬‬ ‫سعْ ُيكُمْ مَ ْ‬ ‫طهُورا (‪ )21‬إِنّ َهذَا كَانَ َلكُمْ جَزَاءً َوكَانَ َ‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫على الرائك ‪:‬أي على السرة بالحجلة واحد الرائك أريكة‪.‬‬ ‫ول زمهريرا ‪ :‬أي ول برد شديدا ول قمرا إذ هي تضاء من نفسها‪.‬‬ ‫ودانية ‪ :‬أي قريبة منهم ظلل أشجار الجنة‪.‬‬

‫وذللت قطوفها تذليل ‪:‬أي بحيث ينالها المؤمن قائما وقاعدا ومضطجعا‪.‬‬ ‫وأكواب ‪:‬أي أقداح بل عرا‪.‬‬ ‫من فضة ‪:‬أي يرى باطنها من ظاهرها‪.‬‬ ‫قدروها تقديرا ‪:‬أي على قدر الشاربين بل زيادة ول نقص‪.‬‬ ‫ويسقون فيها كأسا ‪: 1‬أي خمرا‪.‬‬ ‫كان مزاجها زنجبيل ‪:‬أي ما تمزج وتخلط به زنجبيل ‪.‬‬ ‫مخلدون ‪:‬أي بصفة الولدان ل يشيبون‪.‬‬ ‫لؤلؤا منثورا ‪:‬أي من سلكه أو من صدفه لحسنهم وجمالهم وانتشارهم في الخدمة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في عرف الولين إطلق الكأس على الخمر فل يقال كأس ما لم يكن بها خمر فلذا يطلقون لفظ‬ ‫الكأس على الخمر والية شاهد ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/485‬‬ ‫وإذا رأيت ثم ‪:‬أي في الجنة رأيت نعيما ل يوصف وملكا واسعا ل يقدر‪.‬‬ ‫ثياب سندس ‪:‬أي حرير‪.‬‬ ‫وإستبرق ‪:‬أي ما غلظ من الديباج‪.‬‬ ‫وحلوا ‪ :‬أي تحليهم الملئكة بها‪.‬‬ ‫شرابا طهورا ‪:‬أي فائقا على النوعين السابقين ولذا أسند سقيه إلى ال عز وجل‪.‬‬ ‫إن هذا ‪:‬أي النعيم‪.‬‬ ‫مشكورا ‪:‬أي مرضيا مقبول‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر ما أعد ال تعالى للبرار من عباده المؤمنين المتقين فقال تعالى ‪1‬‬ ‫شمْسا‬ ‫{مُ ّتكِئِينَ} في الجنة {عَلَى الْأَرَا ِئكِ‪ }2‬التي هي السرة بالحجال {ل يَ َروْنَ فِيهَا} أي في الجنة { َ‬ ‫وَل َز ْمهَرِيرا} إن كان المراد بالشمس الكوكب المعروف فالزمهرير القمر‪ ،‬فل الشمس في الجنة‬ ‫ول قمر وإن كان المراد بالشمس الحر فالزمهرير البرد وليس في الجنة حر ول برد وكل‬ ‫المعنيين مراد وواقع فل شمس في الجنة ول قمر لعدم الحاجة إليهما ول حر ول برد كذلك‪.‬‬ ‫{وَدَانِ َيةً عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا} أي قريبة منهم أشجارها فهي تظللهم ويجدون فيها لذة التظليل وراحته‬ ‫ومتعته وإن لم يكن هناك شمس تستلزم الظل ‪{.‬وَذُلَّلتْ قُطُو ُفهَا تَذْلِيلً} أي ما يقطف من ثمار‬ ‫أشجارها مذلل لهم بحيث يناله القائم والقاعد والمضطجع فل شوك ول بعد فيه سهل التناول لن‬ ‫الدار دار نعيم و سعادة وراحة وروح وريحان {وَيُطَافُ عَلَ ْيهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ ِفضّةٍ} أي يطوف عليهم‬

‫الخدم الوصفاء بآنية من فضة ومن ذهب {وََأ ْكوَابٍ} أي أقداح ل عرى لها كانت بفضل ال‬ ‫وإكرامه { َقوَارِيرَا َقوَارِيرَا مِنْ ِفضّةٍ} يرى باطنها من ظاهرها لصفائها مادتها فضة وصفاؤها‬ ‫صفاء الزجاج ولذا سميت قارورة وجمعت على قوارير‪{ .‬قَدّرُوهَا َتقْدِيرا} أي قدرها الخدم‬ ‫سقَوْنَ فِيهَا كَأْسا}‬ ‫الطائفون عليهم بحيث ل تزيد فتفيض ‪ 3‬ول تنقص فل يجمل منظرها‪ .‬وقوله {وَ ُي ْ‬ ‫جهَا} أي ما تمزج به {زَنْجَبِيلً}‬ ‫أي خمرا {كَانَ مِزَا ُ‬ ‫سمّى سَ ْلسَبِيلً‪ .}4‬وقوله‬ ‫من عين في الجنة {تُ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬متكئين منصوب على الحال وصاحب الحال الضمير في و جزاهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الريكة السرير بالحجلة والحجلة كله تنصب على السرير لتقي الحر والشمس ول يقال في‬ ‫السرير أريكة ما لم يكن بالحجال كما ل يقال للسجل سجلً ما لم تكن الدلو ملى ول الذنوب‬ ‫ذنوبا ما لم يكن ملى‪ ،‬ول يقال للكأس كأس ما لم تكن ملى بالخمر ول يقال مهدي للطبق ما لم‬ ‫تكن عليه الهدية‪.‬‬ ‫‪ 3‬التقدير لكل من أحجامها والمشروب الذي بها‪.‬‬ ‫‪ 4‬يقال شراب سلس وسلسال وسلسل وسلسبيل ما كان في غاية السلسة‪.‬‬

‫( ‪)5/486‬‬ ‫تعالى {وَ َيطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ} أي ويطوف على أولئك البرار في الجنة ولدان غلمان‬ ‫مخلدون ل يهرمون ول يموتون حالهم دائما حال الغلمان ل تتغير {إِذَا رَأَيْ َت ُهمْ} ونظرت إليهم‬ ‫{حَسِبْ َتهُمْ} في جمالهم وانتشارهم في الخدمة هنا وهناك {ُلؤْلُؤا مَنْثُورا}‪ .‬ويقول تعالى لرسوله محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم {وَإِذَا َرأَ ْيتَ َثمّ} أي هناك في الجنة {رَأَ ْيتَ َنعِيما} ل يوصف { َومُلْكا كَبِيرا} ل‬ ‫خضْرٌ وَِإسْتَبْرَقٌ} يخبر تعالى أن عاليهم أي فوقهم ثياب سندس‬ ‫يقادر قدره {عَالِ َيهُمْ ثِيَابُ سُ ْندُسٍ ُ‬ ‫أي حرير خضر واستبرق وهو ما غلظ من الديباج‪ .‬وثياب من استبرق بعضها بطائن وبعضها‬ ‫ظهائر البطائن ما يكون تحت الظهائر وقوله تعالى { َوحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّةٍ} أي وحلهم ربهم‬ ‫وهم في دار كرامته أساور من فضة ومن ذهب أيضا إذ يحذف ‪ 1‬المقابل لدللة المذكور عليه‬ ‫طهُورا}‪ 2‬هذا غير ما‬ ‫سقَاهُمْ رَ ّبهُمْ شَرَابا َ‬ ‫نحو سرابيل تقيكم الحر أي وأخرى تقيكم البرد وقوله {وَ َ‬ ‫ذكر فيما تقدم هذا إكرام خاص وهو أن ال تعالى هو الذي يسقيهم وأن هذا الشراب بالغ مبلغا‬ ‫عظيما في الطهارة لوصفه بالطهور‪ .‬ويقال لهم تكريما لهم وتشويقا لغيرهم من أهل الدنيا الذين‬ ‫يسمعون هذا الخطاب التكريمي إن هذا النعيم من جنات وعيون وأرائك وغلمان وطعام وشراب‬ ‫سعْ ُيكُمْ} أي عملكم في الدنيا‬ ‫ولباس وما إلى ذلك {كَانَ َل ُكمْ جَزَاءً} على إيمانكم وتقواكم { َوكَانَ َ‬ ‫شكُورا} أي مرضيا مقبول‪.‬‬ ‫{مَ ْ‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر صور الجزاء الخروي‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة استعمال أواني الذهب والفضة لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم "هي لهم في الدنيا‬ ‫ولنا في الخرة"‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الخمر لحديث "من شرب الخمر في الدنيا ل يشربها في الخرة إن مات مستحل لها"‬ ‫‪ -4‬مشروعية اتخاذ خدم صالحين يخدمون المرء ويحسن إليهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة لبس الحرير على الرجال وإباحته للنساء‪ ،‬وكالحرير الذهب أيضا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ومن سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب‪ ،‬وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من‬ ‫ذهب ولؤلؤا‪ .‬قيل حلي الرجل الفضة وحلي النساء الذهب‪ ،‬وقيل تارة يلبسون الفضة وتارة‬ ‫يلبسون الذهب ومن الجائز أن يجمع لهم بين الفضة والذهب ليكون لحدهم سواران من فضة‬ ‫وسواران من ذهب‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال علي رضي ال عنه في قوله تعالى {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} قال‪ :‬إذا توجه أهل الجنة‬ ‫إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إحداهما لتجري عليهم بنضرة‬ ‫النعيم فل تتغير أبشارهم ول تشعث أشعارهم أبدا ثم يشربون من الخرى فيخرج ما في بطونهم‬ ‫من الذى ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون سلم عليكم طبتم فادخلوها خالدين‪.‬‬

‫( ‪)5/487‬‬ ‫ك وَل تُطِعْ مِ ْن ُهمْ آثِما َأوْ َكفُورا (‪)24‬‬ ‫حكْمِ رَ ّب َ‬ ‫إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ تَنْزِيلً (‪ )23‬فَاصْبِرْ ِل ُ‬ ‫طوِيلً (‪ )26‬إِنّ َهؤُلءِ‬ ‫حهُ لَيْلً َ‬ ‫سجُدْ َل ُه وَسَبّ ْ‬ ‫سمَ رَ ّبكَ ُبكْ َر ًة وََأصِيلً (‪َ )25‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَا ْ‬ ‫وَا ْذكُرِ ا ْ‬ ‫خَلقْنَاهُ ْم وَشَ َددْنَا أَسْ َرهُ ْم وَإِذَا شِئْنَا بَدّلْنَا‬ ‫ن وَرَاءَ ُهمْ َيوْما َثقِيلً (‪َ )27‬نحْنُ َ‬ ‫يُحِبّونَ ا ْلعَاجِلَ َة وَيَذَرُو َ‬ ‫خذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلً (‪َ )29‬ومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ‬ ‫َأمْثَاَلهُمْ تَ ْبدِيلً (‪ )28‬إِنّ َه ِذهِ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬ ‫عذَابا أَلِيما (‪)31‬‬ ‫عدّ َلهُمْ َ‬ ‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمِينَ أَ َ‬ ‫خلُ مَنْ يَشَاءُ فِي َر ْ‬ ‫حكِيما (‪ )30‬يُ ْد ِ‬ ‫علِيما َ‬ ‫اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫نزلنا عليك القرآن تنزيل ‪:‬أي شيئا فشيئا ولم ننزله جملة واحدة لحكمة بالغة‪.‬‬ ‫فاصبر لحكم ربك ‪:‬أي عليك بحمل رسالتك وإبلغها إلى الناس‪.‬‬ ‫ول تطع منهم آثما أو كفورا ‪:‬الثم هنا عتبة بن ربيعة والكفور الوليد بن المغيرة‪.‬‬ ‫واذكر اسم ربك بكرة وأصيل ‪:‬أي صل الصبح والظهر والعصر‪.‬‬ ‫ومن الليل فاسجد له ‪:‬أي صل صلة المغرب والعشاء ‪.‬‬

‫وسبحه ليل طويل ‪ :‬أي تهجد بالليل نافلة لك‪.‬‬ ‫يحبون العاجلة ‪:‬أي الدنيا‪.‬‬ ‫ويذرون وراءهم يوما ثقيل ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫وشددنا أسرهم ‪:‬أي قوينا أعضاءهم ومفاصلهم‪.‬‬ ‫وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديل ‪:‬أي جعلنا أمثالهم في الخلقة بدل منهم بعد أن نهلكهم‪.‬‬ ‫إن هذه تذكرة ‪ :‬أي عظة للناس‪.‬‬ ‫اتخذ إلى ربه سبيل ‪:‬أي طريقا إلى مرضاته وجواره باليمان والعمل الصالح وترك‬

‫( ‪)5/488‬‬ ‫الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫في رحمته ‪:‬أي الجنة‪.‬‬ ‫أعد لهم عذابا أليما ‪ :‬أي في النار والليم ذو اللم الموجع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد عرض المشركون على رسول ال صلى ال عليه وسلم عرضا مفاده أن يترك دعوة ال تعالى‬ ‫إلى عبادته وتوحيده و يعبد ربه وحده ويترك المشركين فيما هم فيه وله مقابل ذلك مال أو أزواج‬ ‫أو رئاسة وما إلى ذلك فأبى ال تعالى له ذلك وأنزل قوله {إِنّا َنحْنُ‪ 1‬نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ تَنْزِيلً‬ ‫ح ْكمِ رَ ّبكَ} على تحمل رسالتك وتبليغها إلى الناس {وَل تُطِعْ مِ ْن ُهمْ} أي من مشركي‬ ‫فَاصْبِرْ‪ 2‬لِ ُ‬ ‫قريش {آثِما} كأبي جهل وعتبة بن ربيعة {ول َكفُورا} كالوليد بن المغيرة أي ل تطعهما فيما طلبا‬ ‫إليك وعرضا عليك‪ ،‬وواصل دعوتك واستعن بالصلة والتسبيح والذكر والدعاء‪ ،‬وفي قوله تعالى‬ ‫جدْ لَهُ}‬ ‫{ ُبكْ َر ًة وََأصِيلً}‪ 3‬إشارة إلى صلة الصبح والظهر والعصر‪ ،‬وفي قوله { َومِنَ‪ 4‬اللّ ْيلِ فَاسْ ُ‬ ‫طوِيلً} صريح في انه التهجد إذ الصلة‬ ‫إشارة إلى صلة المغرب والعشاء‪ ،‬وقوله {وَسَبّحْهُ لَيْلً َ‬ ‫نعم العون للعبد ولذا كان صلى ال عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلة وقوله تعالى {إِنّ‬ ‫َهؤُلءِ يُحِبّونَ‪ 5‬ا ْلعَاجِلَةَ} أي الدنيا يعني بهم كفار قريش يحبون الدنيا وسميت بالعاجلة لنها ذاهبة‬ ‫مسرعة‪{ ،‬وَ َيذَرُونَ ‪6‬وَرَا َءهُمْ َيوْما َثقِيلً} هو يوم القيامة قلم يؤمنوا ولم يعملوا بما يسعدهم فيه‬ ‫ويذكرهم تعالى بأنه خالقهم وقادر على تبديلهم بغيرهم فيقول { َنحْنُ خََلقْنَاهُمْ} أي أوجدناهم من‬ ‫شدَدْنَا َأسْرَهُمْ‪ }7‬أي قوينا ظهورهم وأعضاءهم ومفاصلهم {وَإِذَا شِئْنَا َبدّلْنَا َأمْثَاَلهُمْ تَ ْبدِيلً}‬ ‫العدم {وَ َ‬ ‫أي جعلنا أمثالهم في‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إنا نحن نزلنا‪ :‬أي ما افتريته ول جئت به من عندك ول من تلقاء نفسك كما يقول المشركون‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفاء هي الفصيحة إذ هي واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا كان المر ما علمت وهي ردهم‬

‫دعوتك ومطالبتهم بتركها والتخلي عنها مقابل عارض من الدنيا فاصبر لحكم ربك فيهم ول تطع‬ ‫منهم آثما أو كفورا واستعن بالصبر والصلة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الصيل جمعه الصائل والصل كقولك سفائن وسفن قال الشاعر‪:‬‬ ‫ول بأس منها إذا دنا الصل‬ ‫وقال آخر ‪:‬‬ ‫لعمري لنت البيت أكرم أهله‬ ‫وأقعد في أفيائه بالصائل‬ ‫‪ 4‬من الليل‪ :‬من للتبعيض أي من بعض الليل ل كله‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجملة تحمل التوبيخ والتقريع لهل مكة لحنهم العاجلة وتركهم الخرة‪.‬‬ ‫‪ 6‬جائز أن يكون وراءهم بمعنى بين أيديهم ولما لم يعملوا له كانوا كالتاركين له وراءهم غير‬ ‫ملتفتين إليه‪.‬‬ ‫‪ 7‬السر‪ :‬الخلق يقال شديد السر أي الخلق والمراد بالخلق الوصال والمفاصل وفقار الظهر‬ ‫ومن ذلك الشرج فإنه إذا خرج البول أو الغائط تقبض الموضع ولول هذا التماسك لبقي البول‬ ‫سائل والعذرة متناثرة‪.‬‬

‫( ‪)5/489‬‬ ‫الخلقة بدل عنهم وأهلكناهم ولو شاء تعالى ذلك لكان ولكنه لم يشأ مع أنه في كل قرن يبدل جيل‬ ‫بجيل هذا يميته وهذا يحييه وهو على كل شيء قدير‪ .‬وفي خاتمة هذه السورة المشتملة على أنواع‬ ‫خذَ إِلَى رَبّهِ‬ ‫من الهدايات الكثيرة يقول تعالى {إِنّ هَ ِذهِ َت ْذكِ َرةٌ} أي هذه السورة موعظة { َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬ ‫سَبِيلً} طريقا إلى رضاه أول ثم مجاورته في الملكوت العلى ثانيا‪ ،‬ولما أعطى تعالى المشيئة‬ ‫قيدها بأن يشاء ال ذلك المطلوب أول‪ ،‬ومن هنا وجب الفتقار إلى ال تعالى بدعائه والضراعة‬ ‫إليه وهو قوله { َومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ} إن ال كان عليما بخلقه وبما يصلحهم أو يفسدهم‬ ‫خلُ مَنْ يَشَاءُ‬ ‫حكيما في تدبيره لوليائه خاصة ولباقي البشرية عامة فله الحمد وله المنة‪ .‬وقوله {يُ ْد ِ‬ ‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمِين َ‪ 1‬أَعَدّ َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} إنه بهذا يدعوا كافة البشرية إلى الفتقار إليه ليغنيهم‬ ‫فِي َر ْ‬ ‫وإلى عبادته ليزكيهم وإلى جواره فيطهرهم ويرفعهم هؤلء هم أولياؤه من أهل اليمان والتقوى‬ ‫{وَالظّاِلمِينَ} أي المشركين {أَعَدّ َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} أي أهانهم لكفرهم به وشركهم في عبادته فأعد‬ ‫لهم عذابا مؤلما موجعا نعوذ بال من عذابه وشديد عقابه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة طاعة ذوي الثم وأهل الكفر في حال الختيار‪.‬‬

‫‪ -2‬على المؤمن أن يستعين بالصلة والذكر والدعاء فإنها نعم العون‪.‬‬ ‫‪ -3‬استحباب نافلة الليل‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشيئة ال عز وجل قبل فوق كل مشيئة‪.‬‬ ‫‪ -5‬القرآن تذكرة للمؤمنين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬والظالمين مفعول لفعل محذوف تقديره ويعذب الظالمين وجملة أعد لهم عذابا أليما تفسير للفعل‬ ‫المحذوف‪.‬‬

‫( ‪)5/490‬‬ ‫سورة المرسلت‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المرسلت‬ ‫مكية وآياتها خمسون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫عصْفا (‪ )2‬وَالنّاشِرَاتِ نَشْرا (‪ )3‬فَا ْلفَا ِرقَاتِ فَرْقا (‪ )4‬فَا ْلمُ ْلقِيَاتِ‬ ‫وَا ْلمُرْسَلتِ عُرْفا (‪ )1‬فَا ْلعَاصِفَاتِ َ‬ ‫جتْ‬ ‫سمَاءُ فُرِ َ‬ ‫ستْ (‪ )8‬وَإِذَا ال ّ‬ ‫طمِ َ‬ ‫ِذكْرا (‪ )5‬عُذْرا َأوْ ُنذْرا (‪ )6‬إِ ّنمَا تُوعَدُونَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬فَإِذَا النّجُومُ ُ‬

‫( ‪)5/490‬‬ ‫سلُ ُأقّ َتتْ (‪ )11‬لَِأيّ َيوْمٍ أُجَّلتْ (‪ )12‬لِ َيوْمِ ا ْل َفصْلِ (‪َ )13‬ومَا‬ ‫سفَتْ (‪ )10‬وَإِذَا الرّ ُ‬ ‫( ‪ )9‬وَإِذَا الْجِبَالُ ُن ِ‬ ‫صلِ (‪ )14‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)15‬‬ ‫أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ ا ْلفَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والمرسلت عرفا ‪:‬المرسلت الرياح الطيبة والعرف المتتابعة‪.‬‬ ‫فالعاصفات عصفا ‪:‬فالرياح الشديدة الهبوب المضرة لشدتها‪.‬‬ ‫والناشرات نشرا ‪:‬الرياح تنشر المطر وتفرقه في السماء نشرا‪.‬‬ ‫فالملقيات ذكرا ‪:‬أي فالملئكة تلقى بالوحي على النبياء للتذكير به‪.‬‬ ‫عذرا أو نذرا ‪:‬أي للعذار بالنسبة إلى أقوام أو إنذار بالنسبة إلى آخرين ‪.‬‬ ‫إنما توعدون لواقع ‪:‬أي إنما توعدون أيها الناس لكائن ل محالة‪.‬‬ ‫فإذا النجوم طمست ‪:‬أي محي نورها وذهبت‪.‬‬ ‫وإذا السماء فرجت ‪:‬أي انشقت وتصدعت‪.‬‬

‫وإذا الجبال سيرت ‪:‬أي نسفت فإذا هي هباء منبث مفرق هنا وهناك‪.‬‬ ‫وإذا الرسل أقتت ‪:‬أي جمعت لوقت حدد لها لتحضر فيه‪.‬‬ ‫ليوم الفصل ‪:‬أي اليوم الذي يفصل ال تعالى فيه بين الخلئق‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { وَا ْلمُرْسَلتِ عُرْفا}‪ 1‬هذا بداية قسم ل تعالى أقسم فيه بعدة أشياء من مخلوقاته ول‬ ‫أن يقسم بما شاء‪ ،‬والحكمة من القسام أن تسكن النفوس للخبر وتطمئن إلى صدق المخبر فيه‬ ‫وبذلك يحصل الغرض من إلقاء الخبر على السامعين والمقسم به هنا المرسلت وهي الرياح‬ ‫المتتابعة الطيبة العذبة والعاصفات ‪ 2‬منها وهي الشديدة الهبوب التي قد تعصف بالشجار وتقتلعها‬ ‫وبالمباني وتهدمها والناشرات نشرا وهي الرياح المعتدلة التي تنشر السحاب وتفرقة أو تسوقه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى البخاري عن ابن عباس قال قرأت سورة والمرسلت عرفا فسمعتني أم الفضل (امرأة‬ ‫العباس) فبكت وقالت‪ :‬بني أذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لخر ما سمعت رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم يقرأ بها في صلة المغرب‪.‬‬ ‫‪ 2‬العصف‪ :‬قوة هبوب الريح‪ ،‬والنشر‪ :‬ضد الطي واستعمل في الظهار واليضاح‪ .‬والعصف‬ ‫حالة المضرة والنشر حالة النفع جائز أن يراد بالمرسلت والعاصفات والناشرات الملئكة وكونها‬ ‫الرياح أظهر في التفسير وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬

‫( ‪)5/491‬‬ ‫للمطار وإنزال المطر و الفارقات فرقا وهي آيات القرآن الكريم تفرق بين الحق والباطل‬ ‫والملقيات ذكرا عذرا ‪ 1‬أونذرا وهي الملئكة تلقى بالوحي على من اصطفى ال تعالى من عباده‬ ‫للعذار و النذار أي تعذر أناسا وتنذر آخرين هذا هو القسم والمقسم هو ال والمقسم عليه هو‬ ‫قوله جل ذكره إن ما توعدون أيها الناس من خير أو شر لواقع أي كائن ل محالة وعليه فأصلحوا‬ ‫أعمالكم بعد تصحيح نياتكم فإن الجزاء واقع ل يتخلف أبدا ول يتغير ول يتبدل ومتى يقع هذا‬ ‫الموعود الكائن ل محالة والجواب يقع في يوم الفصل إذا فما هو يوم الفصل والجواب يوم يحضر‬ ‫ال الشهود من الملئكة والرسل ويفصل بين الناس ومتى يكون يوم الفصل والجواب إذا النجوم‬ ‫طمست أي ذهب نورها ومحي وإذا السماء فرجت أي انشقت وتصدعت وإذا الجبال نسفت ‪ 2‬أي‬ ‫فتت وإذا الرسل اقتت أي حدد لها وقت معين تحضر فيه وهو يوم الفصل وما أدراك ‪ 3‬ما يوم‬ ‫الفصل تفخيم لشانه وإعلم بهوله وقوله تعالى {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ} أي يوم يقع الفصل العذاب الهائل‬ ‫الكبير {ل ْل ُم َكذّبِينَ} بال وبآيته ولقائه ورسوله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وليس للعبد أن يقسم بغير خالقه عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -3‬علمات القيامة وظاهرة النقلب الكوني العام وهي انطماس ضوء النجوم وانفراج السماء‬ ‫ونسف الجبال‪.‬‬ ‫‪ -4‬الوعيد الشديد بالويل الذي هو واد في ‪4‬جهنم تستغيث جهنم من حره للمكذبين بما يجب‬ ‫التصديق به من أركان اليمان الستة‪ ،‬والوعد والوعيد اللهيين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع عذرا بإسكان الذال وبضمها في نذرا وسكن الذال فيهما معا حفص والنذر اسم مصدر‬ ‫بمعنى النذار وكذا عذرا وهما مفعولن لجله أي لجل العذار والنذار أي العذار للمحقين‬ ‫والنذار للمبطلين أو البشرى للمؤمنين والنذارة للكافرين‪.‬‬ ‫‪ 2‬نسف الجبال دكها وتصييرها ترابا مفرقا وتسييرها كالهباء في الهواء‪.‬‬ ‫‪ 3‬ما أدراك‪ :‬استفهام‪ ،‬وكذا ما يوم الفصل والمراد من الستفهام الول الستبعاد والنكار ومن‬ ‫الثاني التهويل من شأن يوم الفصل الذي هو يوم القيامة حيث تم الفصل فيه بين الخلئق ويتم بأن‬ ‫يكون فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬ ‫‪ 4‬قيل أن هذا الوادي هو مستنقع صديد أهل الشرك والكفر ليعلم أهل العقول أنه ل شيء أقذر منه‬ ‫قذارة ول أنتن منه نتنا ول أشد مرارة ول أشد سوادا منه وصفه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫بأنه أعظم وادٍ في جهنم‪.‬‬

‫( ‪)5/492‬‬ ‫أَلَمْ ُنهِْلكِ الَْأوّلِينَ (‪ُ )16‬ثمّ نُتْ ِب ُعهُمُ الْآخِرِينَ (‪ )17‬كَذَِلكَ َن ْف َعلُ بِا ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪ )18‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‬ ‫جعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ َمكِينٍ (‪ )21‬إِلَى َقدَرٍ َمعْلُومٍ (‪َ )22‬فقَدَرْنَا‬ ‫‪ )19‬أَلَمْ نَخُْل ْقكُمْ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ (‪َ )20‬ف َ‬ ‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِكفَاتا (‪َ )25‬أحْيَا ًء وََأ ْموَاتا (‪)26‬‬ ‫فَ ِنعْمَ ا ْلقَادِرُونَ (‪ )23‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )24‬أَلَمْ نَ ْ‬ ‫سقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتا (‪ )27‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)28‬‬ ‫ت وَأَ ْ‬ ‫سيَ شَامِخَا ٍ‬ ‫جعَلْنَا فِيهَا َروَا ِ‬ ‫وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم نهلك الولين ‪:‬أي كقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى البعثة النبوية وذلك بتكذيبهم‪.‬‬ ‫ثم نتبعهم الخرين ‪:‬أي إن أصروا على التكذيب ككفار مكة‪.‬‬ ‫كذلك نفعل بالمجرمين ‪:‬أي مثل ذلك الهلك نهلك المجرمين‪.‬‬ ‫ويل يومئذ للمكذبين ‪:‬أي إذا جاء وقت الهلك ويل فيه للمكذبين‪.‬‬ ‫من ماء مهين ‪:‬أي المني والمهين الضعيف‪.‬‬

‫في قرار مكين ‪:‬أي حريز وهو الرحم‪.‬‬ ‫إلى قدر معلوم ‪:‬أي إلى وقت الولدة‪.‬‬ ‫فقدرنا ‪:‬أي خلقه‪.‬‬ ‫فنعم القادرون ‪:‬أي نحن على الخلق والتقدير‪.‬‬ ‫كفاتا ‪:‬أي تكفت الناس أي تضمهم أحياء فوق ظهرها وأمواتا في بطنها‪.‬‬ ‫رواسي شامخات ‪:‬أي جبال عاليات‪.‬‬ ‫فراتا ‪:‬أي عذبا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {أََلمْ ُنهِْلكِ الَْأوّلِينَ ثُمّ نُتْ ِب ُعهُمُ الْآخِرِينَ َكذَِلكَ َن ْفعَلُ بِا ْلمُجْ ِرمِينَ} إنه لما أقسم تعالى على‬ ‫وقوع ما أوعد به المكذبين من عذاب يوم القيامة وذكر وقت مجيئه وعلمات ذلك وذكر أن‬

‫( ‪)5/493‬‬ ‫الرسل أقتت ليوم الفصل وهو اليوم الذي يفصل فيه تعالى بين الخلئق فيقتص من الظالم‬ ‫للمظلوم‪ ،‬ويجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وتوعد المكذبين بذلك فقال ويل يومئذ‬ ‫للمكذبين دلل هنا على قدرته على إهلك المكذبين بما سبق له أن فعله بالمكذبين فقال في استفهام‬ ‫تقريري ل ينكر {َألَمْ ُنهِْلكِ الَْأوّلِينَ} من المم السابقة كعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط إلى زمن‬ ‫البعثة النبوية {ثُمّ نُتْ ِب ُعهُمُ الْآخِرِينَ} فقد أهلك أكابر مجرمي قريش في بدر وقوله {كَ َذِلكَ َنفْ َعلُ‬ ‫بِا ْلمُجْ ِرمِينَ‪ }1‬وهو وعيد صريح وحقا وال لقد أهلك المجرمين ولم ينج من الهلك مجرم وويل ‪2‬‬ ‫جعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ َمكِينٍ إِلَى قَدَرٍ َمعْلُومٍ‬ ‫يومئذ للمكذبين وقوله تعالى {أََلمْ نَخُْل ْقكُمْ‪ 3‬مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ فَ َ‬ ‫َفقَدَرْنَا فَ ِنعْمَ ا ْلقَادِرُونَ}‪ .‬هذا استدلل آخر على قدرة ال وعلمه اللذين ل يتم البعث والجزاء إل‬ ‫عليهما قدرة ل يعجزها شيء وعلم ل يخفى معه شيء فقال مستفهما استفهاما تقريريا { أََلمْ نَخُْل ْقكُمْ‬ ‫جعَلْنَاهُ‪ }4‬أي الماء {فِي قَرَارٍ َمكِينٍ} أي حريز حصين وهو‬ ‫مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ} أي ضعيف هو المني {فَ َ‬ ‫الرحم {ِإلَى َقدَرٍ َمعْلُومٍ} وهو زمن الولدة { َفقَدَرْنَا ‪ }5‬أي خلق الجنين على أحسن صورة أدق‬ ‫تركيب المسافات بين العضاء كما بين العينين كما بين اليدين والرجلين كما بين الذنين كلها‬ ‫مقدرة تقديرا عجيبا ل تزيد ول تنقص {فَ ِنعْمَ ا ْلقَادِرُونَ} على الخلق والتقدير معا والجواب بلى ولم‬ ‫جعَلْنَا‬ ‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِكفَاتا أَحْيَا ًء وََأ ْموَاتا َو َ‬ ‫إذا تكفرون وتكذبون؟ {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُم َكذّبِينَ} وقوله {َألَمْ َن ْ‬ ‫سقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتا؟} هذا استدلل آخر على قدرة ال على البعث والجزاء‬ ‫ت وَأَ ْ‬ ‫سيَ شَامِخَا ٍ‬ ‫فِيهَا َروَا ِ‬ ‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِكفَاتا‪ } 6‬أي مكان كفاية مأخوذ من كفت الشيء إذا‬ ‫والستفهام فيه للتقرير أيضا {أََلمْ نَ ْ‬ ‫ضمه إلى بعضه بعضا والرض ضامة للناس كافية لهم كافتة الحياء ‪ 7‬على ظهرها يسكنون‬ ‫جعَلْنَا فِيهَا} أي‬ ‫ويأكلون ويشربون والموات في بطنه ل تضيق بهم أبدا كما لم تضق بالحياء { َو َ‬

‫سيَ شَامِخَاتٍ} أي جبال عاليات‬ ‫في الرض { َروَا ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لفظ الجرام أصبح كالعلم على أهل الشرك والكفر إذ هم الذين أجرموا على أنفسهم بأعظم‬ ‫الذنوب وأشدها إفسادا للروح وهو الشرك والكفر وما بعد الكفر ذنب كما يقال‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا التكرار والتقرير والتأكيد وسيتكرر في عدة آيات في هذه السورة ومعناه قد سبق مع أول‬ ‫ذكره‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للتقرير وهو ل يخلو من معنى التوبيخ والتقريع للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ 4‬فجعلنا‪ :‬الفاء للتفريع والتفصيل لكيفية الخلق‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ نافع فقدرنا بتشديد الدال وقرأها حفص بالتخفيف فالتخفيف بمعنى قدرنا تقديرا أي فعلناه‬ ‫على تقدير معين‪ ،‬وقدرنا بالتخفيف أي جعلنا على مقدار مناسب ولذا معنى القراءتين واحد‬ ‫وشاهده من الحديث قوله صلى ال عليه وسلم في الهلل إذا غم عليكم فاقدروا له أي قدًروا له‬ ‫المسير والمنازل ومن الشائع قولهم قدر على فلن الموت وقدًر عليه الموت بالتشديد والتخفيف‪.‬‬ ‫‪ 6‬قال القرطبي كفاتا أي ضامة تضم الحياء على ظهرها والموات في بطنها وهذا يدل على‬ ‫وجوب مواراة الميت ودفنه‪ ،‬ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه‪ .‬وهو قوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫قصوا أظافركم وادفنوا قلماتكم‪.‬‬ ‫‪ 7‬الكفات اسم للشيء الذي يكفت فيه أي يجمع ويضم فيه فهو اسم من كفت إذا جمع فالكفات اسم‬ ‫لما يكفت الوعاء اسم لما يعي والضمام اسم لما يضم‪.‬‬

‫( ‪)5/494‬‬ ‫سقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتا} أي عذبا وهو ماء السماء ناقعا في الرض وجاريا في الودية والنهار‬ ‫{وَأَ ْ‬ ‫والجواب بلى‪ ،‬بلى إذا مالكم أيها المشركون كيف تكذبون؟ {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} أي ويل لهم إذ‬ ‫صلِ َومَا أَدْرَاكَ مَا َي ْومُ ا ْل َفصْلِ؟}‬ ‫حان وقت هلكهم أي { َيوْمُ ا ْل َف ْ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستدلل على البعث والجزاء بالقدرة والعلم إذ هما أساس البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إنعام ال تعالى على عباده في خلقهم ورزقهم وتدبير حياتهم أحياء وأمواتا‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الناس أكثرهم ل يشكرون‪.‬‬ ‫‪ -5‬الوعيد الشديد للمكذبين الكافرين‪.‬‬ ‫ش َعبٍ (‪ )30‬ل ظَلِيلٍ وَل ُيغْنِي مِنَ‬ ‫ظلّ ذِي ثَلثِ ُ‬ ‫انْطَِلقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‪ )29‬انْطَِلقُوا إِلَى ِ‬

‫صفْرٌ (‪ )33‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪)34‬‬ ‫ت ُ‬ ‫جمَاَل ٌ‬ ‫الّل َهبِ (‪ )31‬إِ ّنهَا تَ ْرمِي ِبشَرَرٍ كَا ْل َقصْرِ (‪ )32‬كَأَنّهُ ِ‬ ‫صلِ‬ ‫طقُونَ (‪ )35‬وَل ُيؤْذَنُ َلهُمْ فَ َيعْ َتذِرُونَ (‪ )36‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )37‬هَذَا َيوْمُ ا ْلفَ ْ‬ ‫هَذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬ ‫ج َمعْنَاكُ ْم وَالَْأوّلِينَ (‪ )38‬فَإِنْ كَانَ َلكُمْ كَ ْيدٌ َفكِيدُونِ (‪ )39‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)40‬‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ‪:‬أي من العذاب‪.‬‬ ‫ظل ذي ثلث شعب ‪:‬أي دخان جهنم إذا ارتفع انقسم إلى ثلث شعب لعظمته‪.‬‬ ‫ل ظليل ‪:‬أي كنين ساتر يكن ويستر‪.‬‬ ‫ول يغني من اللهب ‪:‬أي ول يرد شيئا من الحر‪.‬‬ ‫إنها ‪:‬أي النار‪.‬‬ ‫بشرر كالقصر ‪:‬أي الشررة الواحدة كالقصر في عظمته وارتفاعه‪.‬‬ ‫كأنه جمالة صفر ‪:‬أي الشرر المتطاير من النار الشررة كالقصر في عظمها وارتفاعها‬

‫( ‪)5/495‬‬ ‫وكالجمل في هيئتها ولونها والجمل الصفر السود الذي يميل إلى صفرة‪.‬‬ ‫هذا يوم ل ينطقون ‪:‬أي فيه بشيء‪.‬‬ ‫ول يؤذن لهم ‪:‬أي في العذر‪.‬‬ ‫جمعناكم والولين ‪:‬أي من المكذبين قبلكم‪.‬‬ ‫فإن كان لكم كيد فكيدون ‪ :‬أي حيلة في دفع العذاب فاحتالوا لدفع العذاب عنكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي كان عليها مدار الحياة كلها قوله تعالى‬ ‫{ا ْنطَِلقُوا ‪ }1‬هذا يقال للمكذبين يوم القيامة وهم في عرصاتها يقال لهم تقريعا وتبكيتا انطلقوا إلى ‪2‬‬ ‫ما كنتم به تكذبون وهو عذاب الخرة ويتهكم بهم ويسخرون منهم فيقولون انطلقوا إلى ظل ذي‬ ‫ثلث شعب وهو دخان النار إذا ارتفع يتشعب إلى ثلث شعب وذلك لعظمته ل ظليل أي ليس هو‬ ‫ظل حقيقيا كظل لشجرة والجدار فيكن ويستر ول يغني ‪ 3‬من اللهب فيدفع الحر وقال تعالى في‬ ‫وصفها {إِ ّنهَا} أي النار {تَ ْرمِي بِشَرَرٍ كَا ْل َقصْرِ} الشررة الواحدة كالقصر في كبره وارتفاعه كأنه‬ ‫أي الشرر جمالة صفراء ‪ 4‬أي الشرر كالجمل الصفر وهو السود المائل إلى الصفرة‪ .‬ثم قال‬ ‫تعالى {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ} يتوعد المكذبين به وبآياته ولقائه ورسوله صلى ال عليه وسلم وقوله‬ ‫طقُونَ} أي هذا يوم القامة يوم ل ينطقون أي فيه بشيء {وَل ُيؤْذَنُ َلهُمْ} أي‬ ‫تعالى {هَذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬ ‫في العتذار فهم يعتذرون ل اعتذار ول إذن به‪ .‬ولطول يوم القيامة وتجدد الحداث فيه يخبر‬ ‫القرآن مرة باعتذارهم وكلمهم في موطن‪ ،‬وينفيه في آخر‪ ،‬إذ هو ذاك الواقع في مواطن يتكلمون‬

‫بل ويحلفون كاذبين وفي مواطن يغلب عليهم الخوف والحزن فل يتكلمون بشيء وفي مواطن‬ ‫يطلب منهم أن يتكلموا فيتكلموا وفي أخرى ل‪{ ،‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} وعيد لكل المكذبين بهذا‬ ‫ج َمعْنَاكُمْ‪ 6‬وَالَْأوّلِينَ} أي يقال لهم يوم القيامة وهم‬ ‫وبغيره وقوله تعالى { َهذَا َيوْمُ‪ 5‬ا ْل َفصْلِ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الخطاب للمكذبين في يوم الفصل وهو مقول قول محذوف دل عليه صيغة الخطاب ولذا‬ ‫قلت في التفسير هذا يقال للمكذبين‪.‬‬ ‫‪ 2‬وأعيد لفظ انطلقوا على طريقة التكرير قصد التوبيخ والهانة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الغناء جعل الغير غنيا أي غير محتاج في ذلك الغرض وعدي الفعل بمن هنا على معنى‬ ‫البدلية أو لتضمينه معنى يبعد‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع جمالت جمع جمالة بكسر الجيم وقرأ حفص جمالة بالفراد والجملة اسم جمع لطائفة‬ ‫من الجمال أي الشررة الواحدة في عظمها كأنها جمالة صفر‪ ،‬والصفرة لون الشرر والصفر جمع‬ ‫أصفر كحمر جمع أحمر‪.‬‬ ‫‪ 5‬تكرير لتوبيخهم‪ ،‬والشارة في هذا إلى المشهد الذي يشاهدونه في يوم فصل القضاء الذي كانوا‬ ‫ينكرونه ويكذبون به‪.‬‬ ‫‪ 6‬هذا كقوله تعالى (قل إن الولين والخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) والمخاطبون في‬ ‫قوله جمعناكم المشركون المكذبون بيوم الفصل‪.‬‬

‫( ‪)5/496‬‬ ‫في عرصاتها هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون جمعناكم فيه أيها المكذبون من هذه المة‬ ‫والمكذبين الولين من قبلها‪ ،‬فإن كان لكم كيد أي حيلة على خلصكم مما أنتم فيه فكيدون أي‬ ‫احتالوا عليً وخلصوا أنفسكم يقال لهم تبكيتا لهم وخزيا وهو عذاب روحي أشد ألما من العذاب‬ ‫الجسماني {وَ ْيلٌ ‪َ 1‬ي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} أي ويل يوم إذ يجيء يوم الفصل للمكذبين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التهكم والسخرية والتبكيت من ألم أنواع العذاب الروحي يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬عرصات القيامة واسعة والمقام فيها طويل والبلء فيها شديد‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يتم فيه‪.‬‬ ‫‪ -4‬التكذيب هو رأس الكفر‪ ،‬وبموجبه يكون العذاب‪.‬‬ ‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي ظِللٍ وَعُيُونٍ (‪َ )41‬و َفوَاكِهَ ِممّا َيشْ َتهُونَ (‪ )42‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ‬ ‫حسِنِينَ (‪ )44‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )45‬كُلُوا وَ َتمَتّعُوا قَلِيلً إِ ّنكُمْ ُمجْ ِرمُونَ‬ ‫(‪ )43‬إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬

‫(‪ )46‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )47‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ْر َكعُوا ل يَ ْر َكعُونَ (‪ )48‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪)49‬‬ ‫حدِيثٍ َب ْع َدهُ ُي ْؤمِنُونَ (‪)50‬‬ ‫فَبَِأيّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المتقين ‪:‬أي الذين اتقوا ربهم فآمنوا به وأطاعوه بفعل ما يحب وترك ما يكره‪.‬‬ ‫في ظلل ‪:‬أي في ظلل الشجار الوارفة‪.‬‬ ‫وعيون ‪:‬أي من ماء ولبن وخمر وعسل‪.‬‬ ‫مما يشتهون ‪:‬ل مما يجدون كما هي الحال في الدنيا‪.‬‬ ‫إنا كذلك نجزي المحسنين ‪:‬أي كما جزينا المتقين نجزي المحسنين‪.‬‬ ‫كلوا وتمتعوا ‪:‬أي في هذه الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تكرير للوعيد والتهديد وهو متصل بما قبله اتصال نظائره فيما سبق وفيما يلحق‪.‬‬

‫( ‪)5/497‬‬ ‫وإذا قيل لهم اركعوا ‪:‬أي صلوا ل يصلون‪.‬‬ ‫بعده يؤمنون ‪:‬أي بعد القرآن إذ الكتب غيره ليست معجزة والقرآن هو المعجز بألفاظه ومعانيه‬ ‫فمن لم يؤمن بالقرآن ما آمن بغيره بحال من الحوال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫من باب الترغيب والترهيب وهو أسلوب أمتاز به القرآن الكريم ذكر تعالى ما للمتقين من نعيم‬ ‫مقيم بعد ذكر ما للمكذبين الضالين من عذاب الجحيم فقال تعالى {إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ} وهم الذين اجتنبوا‬ ‫الشرك والمعاصي {فِي ظِللٍ وَعُيُونٍ} في ظلل أشجار الجنة وعيونها من ماء ولبن وخمر‬ ‫وعسل وفواكه كثيرة منوعة مما يشتهون ‪ 1‬على خلف الدنيا إذ الناس يأكلون مما يجدون فلوا‬ ‫اشتهوا شيئا ولم يجدوه ما أكلوه وأما دار النعيم فإن المرء ما اشتهى شيئا إل وجده وأكله وهذا هو‬ ‫السر في التعبير في غير موضع بكلمة مما يشتهون‪ .‬ومن إتمام النعيم أن يقال لهم تطييبا‬ ‫لخواطرهم كلوا واشربوا ‪ 2‬هنيئا أي متهنئين بما كنتم تعملون من الصالحات وتتركون من‬ ‫السيئات‪ .‬وقوله تعالى إنا كذلك ‪ 3‬نجزي المحسنين أي كهذا الجزاء الذي جزينا به المتقين نجزي‬ ‫به المحسنين‪ .‬ويل يومئذ للمكذبين أي بهذا الوعد الكريم‪ .‬قوله تعالى {كُلُوا وَ َتمَ ّتعُوا قَلِيلً إِ ّنكُمْ‬ ‫مُجْ ِرمُونَ}‪ .‬هذا قول ال تعالى لمشركي قريش وكفارها يهددهم الرب تبارك وتعالى ناعيا عليهم‬ ‫إجرامهم حتى يحين وقتهم وقد حان حيث أعلمهم أنهم ل يتمتعون إل قليل وقد أهلكوا في بدر‪.‬‬ ‫وقوله {وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} هو توعد بالعذاب الليم لمن يكذب بوعيد ال هذا ووعده ذاك‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى { َوإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ْر َكعُوا ‪ }4‬أي صلوا {ل يَ ْر َكعُونَ} أي ل يصلون ول يخشعون ول يتواضعون‬

‫فيقبلون الحق ويؤمنون به‪ ،‬ويل يومئذ للمكذبين بشرائع ال وهداه التاركين للصلة وقوله تعالى‬ ‫حدِيثٍ َب ْع َدهُ ُي ْؤمِنُونَ} أي فبأي كتاب يؤمن هؤلء المكذبون إذا لم يؤمنوا بالقرآن وذلك لما‬ ‫{فَبَِأيّ ‪َ 5‬‬ ‫فيه من الخير والهدى ولما يدعوا إليه من السعادة والكمال كما أنه معجز بألفاظه ومعانيه بخلف‬ ‫الكتب غيره فمن لم يؤمن به ل يرجى له أن يؤمن بغيره بحال من الحوال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي يتمنون إذ أكلهم للذة الكل ل للحفاظ على الجسم كما هي الحال في الدنيا يأكل الدمي للبقاء‬ ‫على حياته إذ لو ترك الغذاء هلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا مقول قول محذوف أي يقال لهم كلوا واشربوا‪.‬‬ ‫‪ 3‬إن المحسنين هم المتقون‪ ،‬وإنما ذكر صفة الحسان لن التقوى التي هي فعل وترك متوقفة‬ ‫على الحسان الذي هو مراقبة ال تعالى المنتجة إحسان النيات والعمال الصالحات‪.‬‬ ‫‪ 4‬يذكر أن مالكا رحمه ال تعالى‪ :‬دخل المسجد بعد صلة العصر وهو ممن ل يرى الركوع بعد‬ ‫العصر فجلس ولم يركع‪ ،‬فقال له صبي يا شيخ قم فاركع فقام فركع فقيل له في ذلك قال خشيت‬ ‫أن أكون من الذين (إذا قيل لهم اركعوا ل يركعون)‪.‬‬ ‫‪ 5‬الفاء هي الفصيحة أي إن لم تؤمنوا بهذا القرآن فبأي حديث بعده تؤمنون والستفهام إنكاري‬ ‫تعجبي‪.‬‬

‫( ‪)5/498‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما أعد ال تعالى لوليائه المؤمنين المتقين المحسنين‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان نعيم أهل التقوى والحسان وفضلهما أي فضل التقوى والحسان‪.‬‬ ‫‪ -3‬صدق القرآن في أخباره إذ وعيد ال لكابر مجرمي مكة نفذ بعد أقل من خمس سنوات‪.‬‬ ‫‪ -4‬من دخل مسجدا وأهله يصلون فليدخل معهم في صلتهم وإن كان قد صلى حتى ل يكون‬ ‫غيره راكعا ل وهو غير راكع وقد جاء في الصحيح هذا المعنى‪.‬‬

‫( ‪)5/499‬‬ ‫سورة النبأ‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النبأ‬

‫مكية وآياتها أربعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫عَمّ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )1‬عَنِ النّبَأِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )2‬الّذِي ُهمْ فِيهِ مُخْ َتِلفُونَ (‪ )3‬كَلّا سَ َيعَْلمُونَ (‪ )4‬ثُمّ كَلّا‬ ‫جعَلْنَا َن ْومَكُمْ‬ ‫خَلقْنَاكُمْ أَ ْزوَاجا (‪ )8‬وَ َ‬ ‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ ِمهَادا (‪ )6‬وَا ْلجِبَالَ َأوْتَادا (‪ )7‬وَ َ‬ ‫سَ َيعَْلمُونَ (‪ )5‬أََلمْ َن ْ‬ ‫جعَلْنَا ال ّنهَارَ َمعَاشا (‪ )11‬وَبَنَيْنَا َف ْو َقكُمْ سَبْعا شِدَادا (‪)12‬‬ ‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ لِبَاسا (‪ )10‬وَ َ‬ ‫سُبَاتا (‪ )9‬وَ َ‬ ‫جعَلْنَا سِرَاجا وَهّاجا (‪ )13‬وَأَنْزَلْنَا مِنَ ا ْل ُم ْعصِرَاتِ مَاءً ثَجّاجا (‪ )14‬لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّا وَنَبَاتا (‪)15‬‬ ‫وَ َ‬ ‫وَجَنّاتٍ أَ ْلفَافا (‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عم ‪: 1‬أي عن أي شيء؟‬ ‫يتساءلون ‪:‬أي يسأل بعض قريش بعضا‪.‬‬ ‫عن النبأ العظيم ‪:‬أي ما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم من التوحيد والنبوة والبعث الخر‪.‬‬ ‫الذي هم فيه مختلفون ‪:‬أي ما بين مصدق ومكذب‪.‬‬ ‫سيعلمون ‪:‬عاقبة تكذيبهم عند نزع أرواحهم وعند خروجهم من قبورهم‪.‬‬ ‫أوتادا ‪:‬أي تثبت بها الرض كما تثبت الخيمة بالوتاد‪.‬‬ ‫سباتا ‪:‬أي راحة لبدانكم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عم أصلها عن ما فأدغمت النون في الميم فصارت عما وحذفت اللف تخفيفا فصارت عم فعن‬ ‫حرف جر وما حرف استفهام‪ ،‬وقدم الستفهام لما له من حق الصدارة وأصل التركيب يتساءلون‬ ‫عن أي شيء؟‬

‫( ‪)5/500‬‬ ‫لباسا ‪:‬أي ساترا بظلمه وسواده‪.‬‬ ‫وجعلنا النهار معاشا ‪:‬أي وقتا للمعاش كسبا وأكل‪.‬‬ ‫شدادا ‪:‬أي قوية محكمة الواحدة شديدة والجمع شداد‪.‬‬ ‫سراجا وهاجا ‪:‬أي ضوء الشمس وهاجا وقادا‪.‬‬ ‫المعصرات ‪:‬أي السحابات التي حان لها أن تمطر كالجارية المعصر التي دنا وقت حيضها‪.‬‬ ‫ثجاجا ‪:‬أي صبابا‪.‬‬ ‫وجنات ألفافا ‪:‬أي بساتين ملتفة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {عَمّ يَتَسَاءَلُونَ} أي عن أي شيء يتساءل رجال قريش فيسأل بعضهم بعضا إنهم‬

‫يتساءلون عن ‪ 1‬النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون إنه ما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم من‬ ‫التوحيد والنبوة والبعث الخر‪ .‬قال تعالى ردعا لهم وتخويفا كل سيعلمون ‪ 2‬عند نزع أرواحهم‬ ‫عاقبة تكذيبهم لرسولنا وإنكارهم لتوحيدنا ولقائنا‪ ،‬ثم كل سيعلمون ‪ 3‬يوم يبعثون من قبورهم‬ ‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ‬ ‫ويحشرون إلى نار جهنم حين ل ينفعهم علم ول يجديهم إيمان‪ .‬وقوله تعالى {أَلَمْ َن ْ‬ ‫ِمهَادا} اليات فذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة ما يوجب اليمان به‬ ‫ج َعلِ الْأَ ْرضَ‪ِ 4‬مهَادا} أي فراشا و وطاء‬ ‫وبتوحيده ورسوله ولقائه لو كان القوم يعقلون فقال {أَلَمْ نَ ْ‬ ‫للحياة عليها؟ وهل يتم هذا بدون علم وقدرة والجبال أوتادا تثبت الرض بها فيأمنون على حياتهم‬ ‫من الميدان وسقوط كل بناء وخلقناكم أزواجا الخلق مظهر من مظاهر القدرة والعلم وكونهم‬ ‫أزواجا مظهر ‪ 5‬من مظاهر الحكمة والرحمة وجعلنا نومكم سباتا أي راحة لبدانكم‪ .‬وجعلنا الليل‬ ‫لباسا ساترا بظلمه‪ .‬وجعلنا النهار معاشا للعيش كسبا وتمتعا به ‪ .‬وبنينا فوقكم سبعا شدادا وهي‬ ‫السموات‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عن النبأ العظيم متعلق بمحذوف تقديره يتساءلون عن النبأ العظيم وهو الخبر الكبير وهو البعث‬ ‫بعد الموت إذ العرب فيه ما بين مصدق ومكذب‪ ،‬ويدل عليه السياق‪.‬‬ ‫‪ 2‬كل حرف ردع ومعمول سيعلمون محذوف تقديره"سيعلمون" بما فيه تكذيبهم بالبعث والنبوة‬ ‫والتوحيد‪.‬‬ ‫‪ 3‬كل هنا بمعنى حقا سيعلمون صحة ما هم به مكذبوه وله منكرون‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا الستئناف المبدوء باستفهام تقريري جاء لعرض مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته‬ ‫وهي موجبات إيمان به وبلقائه ونبوة رسوله وعبادته وحده دون سواه‪.‬‬ ‫‪ 5‬الزوج‪ :‬هو مكرر الواحد وشاع إطلق الزوج على كل من الذكر والنثى فالرجل زوج لنثاه‬ ‫والمرأة زوج لزوجها‪.‬‬

‫( ‪)5/501‬‬ ‫السبع الشديدة القوية البناء ل تفنى ول تزول إلى أن يأذن هو سبحانه وتعالى بزوالها‪ ،‬وجعلنا‬ ‫سراجا وهاجا هو الشمس المشرقة المضيئة‪ .‬وأنزلنا من المعصرات أي السحابات التي حان لها‬ ‫أن تمطر تشبيها لها بالجارية المعصر التي قاربت الحيض ماء ثجاجا صبابا وابل‪ ،‬وذلك لنخرج‬ ‫به حبا ونباتا وجنات ألفافا الحب كالبر والذرة لطعامكم‪ ،‬والنبات كالكل والعشب لحيواناتكم‪،‬‬ ‫وجنات أي بساتين ملتفة الشجار غنًاء بالثمار المختلف اللوان‪ ،‬والطعوم كل هذه المذكورات‬ ‫مفتقرة إلى قدرة ل يعجزها شيء وعلم أحاط بكل شيء وحكمة ل يخلو منها شيء ورحمة تعم‬ ‫كل شيء وال وحده ذو القدرة والعلم والحكمة والرحمة فكيف ينكر توحيده ويكذب رسوله‪،‬‬

‫ويستبعد بعثه للناس يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم على أعمالهم في هذه الدار وهي مختلفة منها‬ ‫الصالح ومنها الفاسد هل من الحكمة في شيء أن يظلم الظالمون ويفسد المفسدون‪ ،‬ويعدل‬ ‫العادلون ويصلح المصلحون ويموتون سواء ول يكون هناك حياة أخرى يجزي فيها المسيء‬ ‫بإساءته والمحسن بإحسانه اللهم ل ل إنه لبد من حياة أخرى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة اللهية في كل اليات من قوله ألم نجعل الرض‬ ‫مهادا إلى قوله وجنات ألفافا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء والنبوة والتوحيد وهي التي اختلف الناس فيها ما بين مثبت‬ ‫وناف‪ ،‬ومصدق ومكذب‪.‬‬ ‫‪ -3‬سيحصل العلم الكامل بهذه المختلف فيها بين التاس عند نزع الروح ساعة الموت‪ ،‬ولكن ل‬ ‫فائدة من العلم ساعتها إذ قضي المر وانتهى الخلف‪.‬‬ ‫سمَاءُ َفكَا َنتْ‬ ‫حتِ ال ّ‬ ‫صلِ كَانَ مِيقَاتا (‪َ )17‬يوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ فَتَأْتُونَ َأ ْفوَاجا (‪َ )18‬وفُتِ َ‬ ‫إِنّ َيوْمَ ا ْل َف ْ‬ ‫جهَنّمَ كَا َنتْ مِ ْرصَادا (‪ )21‬لِلطّاغِينَ مَآبا (‪)22‬‬ ‫أَ ْبوَابا (‪)19‬وَسُيّ َرتِ الْجِبَالُ َفكَا َنتْ سَرَابا (‪ )20‬إِنّ َ‬ ‫حمِيما وَغَسّاقا (‪ )25‬جَزَا ًء ِوفَاقا‬ ‫حقَابا (‪ )23‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدا وَل شَرَابا (‪ )24‬إِلّا َ‬ ‫لبِثِينَ فِيهَا َأ ْ‬ ‫(‪ )26‬إِ ّنهُمْ كَانُوا‬

‫( ‪)5/502‬‬ ‫حصَيْنَاهُ كِتَابا (‪َ )29‬فذُوقُوا فَلَنْ‬ ‫شيْءٍ َأ ْ‬ ‫حسَابا (‪َ )27‬وكَذّبُوا بِآياتِنَا كِذّابا (‪َ )28‬و ُكلّ َ‬ ‫ل يَ ْرجُونَ ِ‬ ‫نَزِي َدكُمْ إِلّا عَذَابا (‪)30‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن يوم الفصل ‪:‬أي الفصل بين الخلئق ليجزي كل امرىء بما كسب‪.‬‬ ‫كان ميقاتا ‪:‬أي ذا وقت محدد معين لدى ال عز وجل فل يتقدم ول يتأخر‪.‬‬ ‫يوم ينفخ في الصور ‪ :‬أي يوم ينفخ اسرافيل في الصور‪.‬‬ ‫فتأتون أفواجا ‪:‬أي تأتون أيها الناس جماعات جماعات إلى ساحة فصل القضاء‪.‬‬ ‫وفتحت السماء ‪:‬أي لنزول الملئكة‪.‬‬ ‫وسيرت الجبال ‪:‬أي ذهب بها من أماكنها‪.‬‬ ‫فكانت سرابا ‪:‬أي مثل السراب فيتراءى ماء وهو ليس بماء فكذلك الجبال‪.‬‬ ‫إن جهنم كانت مرصادا ‪:‬أي راصدة لهم مرصدة للظالمين مرجعا يرجعون إليها‪.‬‬ ‫لبثين فيها أحقابا ‪:‬أي دهورا ل نهاية لها‪.‬‬

‫ل يذوقون فيها بردا ‪:‬أي نوما ول شرابا مما يشرب تلذذا به إذ شرابهم الحميم‪.‬‬ ‫وغساقا ‪:‬أي ما يسيل من صديد أهل النار‪ ،‬جوزوا به عقوبة لهم‪.‬‬ ‫جزاء وفاقا ‪:‬إذ ل ذنب أعظم من الكفر‪ ،‬ول عذاب أعظم من النار‪.‬‬ ‫كذابا ‪:‬أي تكذيبا‪.‬‬ ‫فلن نزيدكم إل عذابا ‪:‬أي فوق عذابكم الذي أنتم فيه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن ذكر تعالى آيات قدرته على البعث والجزاء الذي أنكره المشركون واختلفوا فيه ذكر في‬ ‫هذه اليات عرضا وافيا للبعث الخر وما يجري فيه‪ ،‬وبدا بذكر الحداث للنقلب الكوني‪ ،‬ثم‬ ‫ذكر جزاء الطاغين تفصيل فقال عز وجل {إِنّ َي ْومَ ا ْل َفصْلِ} أي بين الخلئق كان ميقاتا ‪ 1‬لما أعد‬ ‫ال للمكذبين بلقائه الكافرين بتوحيده المنكرين لرسالة نبيه فيه‪ ،‬يجزيهم الجزاء الوفى‪ ،‬ثم ذكر‬ ‫تعالى أحداثا تسبقه فقال { َيوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ} أي يوم ينفخ إسرافيل نفخة البعث وهي الثانية‬ ‫سمَاءُ} أي انشقت { َفكَا َنتْ أَ ْبوَابا} لنزول الملئكة‬ ‫حتِ ال ّ‬ ‫فتأتون أيها الناس أفواجا أي جماعات ‪َ { .‬وفُتِ َ‬ ‫منها {وَسُيّ َرتِ الْجِبَالُ َفكَا َنتْ سَرَابا} هباء منبثا كالسراب في نظر الرائي‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬أي وقتا مجمعا للولين والخرين لما وعد ال من الجزاء وسمي بيوم الفصل‬ ‫لن ال تعالى يفصل فيه بين الخلئق‪.‬‬

‫( ‪)5/503‬‬ ‫جهَنّمَ كَا َنتْ مِ ْرصَادا‪ }1‬أي إنه بعد الحساب يأتي الجزاء وهاهي ذي قد أرصدت واعدت فهي‬ ‫{إِنّ َ‬ ‫مرصاد‪ ،‬مرصاد لمن؟ للطاغين المتجاوزين الحد الذي حدد لهم وهو أن يؤمنوا بربهم ويعبدوه‬ ‫وحده ويتقربوا إليه بفعل محابه وترك مكارهه فتجاوزوا ذلك إلى الكفر بربهم والشراك به‬ ‫وتكذيب رسوله وفعل مكارهه وترك محابه هؤلء هم الطاغون الذي أرصدت لهم جهنم فكانت‬ ‫حقَابا‪ }2‬أي دهورا‪{ ،‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدا‪ }3‬أي نوما لن‬ ‫لهم مرصادا ومرجعا ومآبا {لبِثِينَ فِيهَا َأ ْ‬ ‫حمِيما} وهو الماء الحار‬ ‫النوم يسمى البرد في لغة بعض العرب‪{ ،‬وَل شَرَابا} ذا لذة { إِلّا َ‬ ‫{وَغَسّاقا} وهو ما يسيل من صديد أهل النار {جَزَا ًء ِوفَاقا} أي موافقا لذنوبهم لنه ل أعظم من‬ ‫الكفر ذنبا ول من النار عذابا ثم ذكر تعالى مقتضى هذا العذاب فقال {إِ ّنهُمْ كَانُوا ل يَرْجُونَ‬ ‫حسَابا} أي ما كانوا يؤمنون بالحساب ول بالجزاء ول يخافون من ذلك { َوكَذّبُوا بِآياتِنَا كِذّابا} أي‬ ‫ِ‬ ‫حصَيْنَاهُ كِتَابا} إذ كانت الملئكة تكتب‬ ‫شيْءٍ أَ ْ‬ ‫بآياته وحججه تكذيبا زائدا‪ .‬وقوله تعالى { َو ُكلّ َ‬ ‫أعمالهم وتحصيها عليهم فهم يتلقون جزاءهم العادل ويقال لهم توبيخا وتبكيتا وهم في أشد العذاب‬ ‫وأمرّه {فَذُوقُوا ‪4‬فَلَنْ نَزِي َدكُمْ إِلّا عَذَابا} فيعظم عندهم الكرب ويستحكم من نفوسهم اليأس‪ .‬وهذا‬

‫جزاء من تنكر لعقله فكفر بربه وآمن بالشيطان وعبد الهوى‪ .‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالطغيان وبيان جزاء الظالمين‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالتكذيب بالبعث والمكذبين به‪.‬‬ ‫‪ -3‬أعمال العباد مؤمنهم وكافرهم كلها محصاة عليها ويجزون بها‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر آثارها‪.‬‬ ‫‪ -5‬أبدية العذاب في الدار الخرة وعدم إمكان نهايته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال الحسن‪ :‬إن على النار رصدا ل يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه فمن جاء بجواز جاز‬ ‫ومن لم يجيء بجواز حبس والمرصاد‪ :‬المكان للرصد أي الرقابة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬أي ماكثين في النار ما دامت الحقاب وهي ل تنقطع كلما مضى حقب جاء حقب‬ ‫والحقب بضمتين والحقاب الدهور والحقبة بالكسرة السنة والجمع حقب قال الشاعر‪:‬‬ ‫كنا كندماني جذيمة حقبا‬ ‫من الدهر حتى قيل لنا يتصدعا‬ ‫فلما تفرقنا كأني ومالك‬ ‫لطول اجتماع لم نبت ليلة معا‬ ‫والحقب بالضم والسكون ثمانون سنة‪.‬‬ ‫‪ 3‬من شواهد البرد بمعنى النوم قول العرب منع البرد البرد‪ .‬أي منع البرد النوم ومنه قول‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫ولو شئت حرمت النساء سواكم‬ ‫وإن شئت لم أطعم نقاخا ول بردا‬ ‫‪ 4‬قال أبو برزة سألت النبي صلى ال عليه وسلم عن أشد آية في القرآن؟ فقال‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬ ‫{فذوقوا فلن نزيدكم إل عذابا}‪.‬‬

‫( ‪)5/504‬‬ ‫س َمعُونَ‬ ‫عبَ أَتْرَابا (‪َ )33‬وكَأْسا دِهَاقا (‪ )34‬ل يَ ْ‬ ‫ق وَأَعْنَابا (‪َ )32‬وكَوَا ِ‬ ‫إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ مَفَازا (‪ )31‬حَدَا ِئ َ‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا‬ ‫ت وَالْأَ ْر ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫عطَاءً حِسَابا (‪َ )36‬ربّ ال ّ‬ ‫فِيهَا َلغْوا وَل كِذّابا (‪ )35‬جَزَاءً مِنْ رَ ّبكَ َ‬ ‫صفّا ل يَ َتكَّلمُونَ إِلّا مَنْ َأذِنَ لَهُ‬ ‫ح وَا ْلمَل ِئكَ ُة َ‬ ‫حمَنِ ل َيمِْلكُونَ مِنْهُ خِطَابا (‪َ )37‬يوْمَ َيقُومُ الرّو ُ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫صوَابا (‪ )38‬ذَِلكَ الْ َيوْمُ ا ْلحَقّ َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ مَآبا (‪ )39‬إِنّا أَ ْنذَرْنَاكُمْ عَذَابا‬ ‫ل َ‬ ‫ن َوقَا َ‬ ‫حمَ ُ‬ ‫الرّ ْ‬

‫قَرِيبا َيوْمَ يَ ْنظُرُ ا ْلمَرْءُ مَا َق ّد َمتْ َيدَا ُه وَيَقُولُ ا ْلكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُ ْنتُ تُرَابا (‪)40‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن للمتقين ‪:‬أي الذين اتقوا الشرك والمعاصي خوفا من ربهم وعذابه‪.‬‬ ‫مفازا ‪:‬أي مكان فوز ونجاة وهو الجنة‪.‬‬ ‫حدائق وأعنابا ‪:‬أي بساتين وأعنابا‪.‬‬ ‫وكواعب ‪:‬أي شابات تكعبت ثديهن الواحدة كاعب والجمع كواعب‪.‬‬ ‫أترابا ‪:‬أي في سن واحدة وأتراب جمع واحدة ترب‪.‬‬ ‫وكأسا دهاقا ‪:‬أي خمرا كأسها ملى بها‪.‬‬ ‫ل يسمعون فيها ‪:‬أي في الجنة لغوا أي باطل ول كذبا من القول‪.‬‬ ‫عطاء حسابا ‪:‬أي عطاء كثيرا كافيا يقال أعطاني فأحسبني‪.‬‬ ‫يوم يقوم الروح ‪:‬ملك عظيم يقوم وحده صفا والملئكة صفا وحدهم‪.‬‬ ‫مآبا ‪:‬أي مرجعا سليما وذلك باليمان والتقوى إذ بهما تكون النجاة‪.‬‬ ‫ما قدمت يداه ‪:‬أي ما أسلفه في الدنيا من خير وشر‪.‬‬ ‫يا ليتني كنت ترابا ‪:‬أي حتى ل أعذب وذلك يوم يقول ال تعالى للبهائم كوني ترابا وذلك بعد‬ ‫القتصاص لها من بعضها بعضا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء المستلزمة لعقيدة التوحيد والنبوة بعد أن‬

‫( ‪)5/505‬‬ ‫ذكر تعالى حال الطغاة الفجار وبين مصيرهم غاية البيان ثًنى بذكر المتقين البرار وبين مصيرهم‬ ‫وأنه جنات تجري من تحتها النهار فقال وقوله الحق وخبره الصدق {إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ‪َ 1‬مفَازا} أي‬ ‫مكان فوز ونجاح وبيًنه بقوله حدائق ‪ 2‬أي بساتين وأعنابا وكواعب جمع كاعب الفتاة ينكعب ثديها‬ ‫أي يستدير ويرتفع كالكعب وذلك عند بلوغها وقوله في وصفهن {أَتْرَابا} جمع ترب أي في سن‬ ‫س َمعُونَ} أي في الجنة {َلغْوا‬ ‫واحدة دون الثلثين سنة { َوكَأْسا ‪ِ 3‬دهَاقا} أي كأس خمر ملى {ل يَ ْ‬ ‫عطَاءً حِسَابا} أي جزاهم ربهم‬ ‫وَل كِذّابا} ل قول باطل ول كذبا‪ .‬وقوله تعالى {جَزَاءً مِنْ رَ ّبكَ َ‬ ‫بذلك فجعله عطاء كافيا ‪ 4‬ووصف الجبار نفسه تعليما وتذكيرا فأبدل من قوله من ربك‪ :‬قوله‬ ‫حمَنِ} رحمان الدنيا‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا} أي مالكها والمتصرف فيهما {الرّ ْ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫{ َربّ ال ّ‬ ‫خطَابا َيوْمَ َيقُومُ الرّوحُ} ملك عظيم ل يقادر قدره وحده صفا‬ ‫والخرة ورحيمها {ل َيمِْلكُونَ مِ ْنهُ ِ‬ ‫خطَابا} وقوله {ل يَ َتكَّلمُونَ} بين يديه {إِلّا‬ ‫حمَنِ ِ‬ ‫صفّا} هنا ل يملك أحد من الخلق {مِنَ الرّ ْ‬ ‫{وَا ْلمَل ِئكَ ُة َ‬ ‫صوَابا} وفي الصحيح أن النبي محمدا صلى ال عليه وسلم هو‬ ‫ن َوقَالَ} قول { َ‬ ‫حمَ ُ‬ ‫مَنْ أَذِنَ َلهُ‪ 5‬الرّ ْ‬

‫أول من يكلم ال عز وجل في الموقف حيث يأتي تحت العرش فيخر ساجدا فل يزال ساجدا يحمد‬ ‫ال تعالى بمحامد يلهمها ساعتئذ فيقول له الرب تعالى ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقوله‬ ‫تعالى {ذَِلكَ‪ 6‬الْ َيوْمُ ا ْلحَقّ} الذي ل مرية فيه ول شك وهو يوم الفصل وبناء عليه فمن شاء اتخذ‬ ‫إلى ربه مآبا أي مرجعا إليه باليمان والطاعة‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابا قَرِيبا} أي خوفناكم‬ ‫عذابا قريبا جدا يبتدىء بالموت ول ينتهي أبدا‪ ،‬وذلك { َيوْمَ يَ ْنظُرُ ا ْلمَرْءُ مَا َق ّد َمتْ َيدَاهُ} من خير أو‬ ‫شر أي يرى جزاء عمله عيانا إن كان عمله خيرا جزي بمثله وإن كان شرا جزي بمثله‪{ .‬وَ َيقُولُ‬ ‫ا ْلكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُ ْنتُ تُرَابا} إنه لما يرى البهائم بعد القصاص لها صارت ترابا يتمنى الكافر وهو‬ ‫في عذابه أن لو كان ترابا مثل البهائم ولول العذاب وشدته ودوامه لما تمنى أن يكون ترابا أبدا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المتقون هم الذين اتقوا ال فلم يشركوا به ولم يعصوه فحافظوا بذلك على زكاة نفوسهم‬ ‫فاستوجبوا لذلك الجنات واستحقوها فللم للمتقين هي لم الستحقاق‪.‬‬ ‫‪ 2‬حدائق بدل بعض من كل والحدائق جمع حديقة‪ ،‬البستان‪ :‬المحاط بجدار‪.‬‬ ‫‪ 3‬دهاقا بمعنى ملى وهذا من باب إطلق المصدر وإرادة اسم المفعول فالدهاق كالدهق مصدر‬ ‫وأريد به المدهوق أي المملوء‪.‬‬ ‫‪ 4‬كافيا‪ :‬تفسير كلمة حسابا إذ من أعطي ما يكفيه يقول حسبي‪.‬‬ ‫‪ 5‬الذن اسم للكلم الذي يفيد إباحة فعل أو قول للمأذون‪ ،‬وهو مشتق من أذن له إذا استمع إليه‪.‬‬ ‫نحو‪( :‬وأذنت لربها وحقت)‬ ‫‪ 6‬هذه الجملة كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووعيد وإنذار وتبشير سيق مساق التنويه بيوم الفصل‬ ‫الذي هو اليوم الحق الثابت قطعا‪.‬‬

‫( ‪)5/506‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان كرامة المتقين وفضل التقوى‪.‬‬ ‫‪ -2‬وصف جميل لنعيم الجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم الكذب واللغو وأهلهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان شدة الموقف وصعوبة المقام فيه‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -6‬الترغيب في العمل الصالح واجتناب العمل السيء الفاسد‪.‬‬

‫( ‪)5/507‬‬ ‫سورة النازعات‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النازعات‬ ‫مكية وآياتها ست وأربعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫وَالنّازِعَاتِ غَرْقا (‪ )1‬وَالنّاشِطَات َنشْطا (‪ )2‬وَالسّابِحَاتِ سَبْحا (‪ )3‬فَالسّا ِبقَاتِ سَبْقا (‪ )4‬فَا ْلمُدَبّرَاتِ‬ ‫شعَةٌ (‬ ‫جفَةٌ (‪ )8‬أَ ْبصَارُهَا خَا ِ‬ ‫جفَةُ (‪ ) 6‬تَتْ َب ُعهَا الرّا ِد َفةُ (‪ )7‬قُلُوبٌ َي ْومَئِ ٍذ وَا ِ‬ ‫جفُ الرّا ِ‬ ‫َأمْرا (‪ )5‬يوْمَ تَرْ ُ‬ ‫عظَاما نَخِ َرةً (‪ )11‬قَالُوا تِ ْلكَ إِذا كَ ّرةٌ خَاسِ َرةٌ (‬ ‫‪َ )9‬يقُولُونَ َأإِنّا َلمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِ َرةِ (‪ )10‬أَِإذَا كُنّا ِ‬ ‫‪ )12‬فَإِ ّنمَا ِهيَ زَجْ َر ٌة وَاحِ َدةٌ (‪ )13‬فَإِذَا هُمْ بِالسّاهِ َرةِ (‪)14‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والنازعات غرقا ‪ :‬أي الملئكة تنزع أرواح الفجار والكفار عند الموت بشدة‪.‬‬ ‫والناشطات نشطا ‪ :‬أي الملئكة تنشط أرواح المؤمنين الصالحين نشطا أي تسلها برفق‪.‬‬ ‫والسابحات سبحا‪ :‬أي الملئكة تسبح من السماء بأمر ال أي تنزل به إلى الرض‪.‬‬ ‫فالسابقات سبقا ‪ :‬أي الملئكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة‪.‬‬ ‫فالمدبرات أمرا ‪ :‬أي الملئكة تدبر أمر الدنيا أي تنزل بتدبيره من لدن ال المدبر الحكيم‪.‬‬

‫( ‪)5/507‬‬ ‫يوم ترجف الراجفة ‪ :‬أي النفخة الولى نفخة الفناء التي يتزلزل كل شيء معها‪.‬‬ ‫تتبعها الرادفة ‪ :‬أي النفخة الثانية‪.‬‬ ‫واجفة ‪ :‬أي خائفة قلقة‪.‬‬ ‫أئنا لمردودون في الحافرة ‪ :‬أي أنرد بعد الموت إلى الحياة إذ ‪ 1‬الحافرة اسم لول المر‬ ‫تلك إذا كرة خاسرة‪ :‬أي رجعة إلى الحياة خاسرة‪.‬‬ ‫فإنما هي زجرة واحدة‪ :‬أي نفخة واحدة‪.‬‬ ‫فإذا هم بالساهرة ‪ :‬أي بوجه الرض أحياء سميت ساهرة لن من عليها بها يسهر ول ينام‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {والنازعات ‪ 2‬غرقا } اليات هذا قسم عظيم أقسم تعالى به على أنه لبد من البعث‬ ‫والجزاء حيث كان المشركون ينكرون ذلك حتى ل يقفوا عند حد في سلوكهم فيواصلوا كفرهم‬

‫وفسادهم جريا وراء شهواتهم كل أيامهم وطيلة حياتهم كما قال تعالى بل يريد النسان ليفجر‬ ‫أمامه فأقسم تعالى بخمسة أشياء وهي النازعات والناشطات والسابحات والسابقات والمدبرات‪،‬‬ ‫ورجح أنهم أصناف من الملئكة وجائز أن يكون غير ‪ 3‬ذلك ول حرج إذ العبرة بكونه تعالى قد‬ ‫أقسم ببعض مخلوقاته على أن البعث حق ثابت وواقع ل محالة‪ ،‬وتقدير جواب القسم بلتبعثن ثم‬ ‫لتنبؤن بما عملتم إذ هو معهود في كثير من القسام في القرآن كقوله تعالى من سورة التغابن‬ ‫{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على ال يسير}‬ ‫وسيتم ذلك البعث والجزاء يوم ترجف الراجفة ‪ 4‬التي هي النفخة الولى التي ترجف فيها العوالم‬ ‫كلها ويفنى فيها كل شيء‪ ،‬ثم تتبعها الرادفة وهي النفخة الثانية وهي نفخة البعث من القبور أحياء‬ ‫وأن بين النفختين‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال‪ :‬رجع فلن أي حفرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها برجليه وهو يمشي قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫أحافرة على صلع وشيب‬ ‫معاذ ال من سفه وعار‬ ‫أي أرجع إلى حالة الشباب بعد الصلع والشيب‪ ،‬والشاهد في إنكاره الرجوع إلى حياته الولى‪.‬‬ ‫‪ 2‬النازعات جمع نازعة وهي الجماعة من الملئكة والنزع هو إخراج الروح من الجسد مشبه‬ ‫بنزع الدلو من البئر‪ .‬ولذا يقول فلن في حالة النزع للمحتضر وغرقا اسم مصدر عدل عن‬ ‫المصدر الذي هو إغراقا لمناسبة سبحا ونشطا وسبقا في اليات ومعناه الغراق في نزع الروح‬ ‫من أقصى الجسد‪.‬‬ ‫‪ 3‬إذ يرى بعضهم أنها النجوم ويرى بعضهم أنها جماعات الخيل الغازية‪ ,‬والرماة أو الفرسان إل‬ ‫أن الراجح أنها الملئكة‪ ,‬فالنازعات الملئكة تنزع أرواح الكافرين و النشاطات تنشط أرواح‬ ‫المؤمنين نشطا ًتأخذها بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير والسابحات تسبح بأرواح المؤمنين‬ ‫ترفعها إلى الملكوت العلى‪ ,‬فالسابقات الملئكة تسبق الشياطين بالوحي إلى النبياء‪ ,‬فالمدبرات‪,‬‬ ‫الملئكة تقوم بتدبير ما أسند ال إليها كقبض الرواح‪ ,‬وإنزال المطار وإرسال الرياح‪ ,‬ونفخ‬ ‫الرواح إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬إطلق الراجفة والرادفة على الصيحة إطلق سائغ وهو إطلق على مسببة الراجفة وهي‬ ‫الصيحة و الرادفة التي جاءت بعدها وهي الصيحة الثانية‪.‬‬

‫( ‪)5/508‬‬

‫أربعين سنة كما ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح وقوله تعالى {قلوب‬ ‫يومئذ واجفة} أي خائفة قلقة {أبصارها خاشعة} أي أبصار أصحاب تلك القلوب خاشعة أي ذليلة‬ ‫خائفة‪ .‬وقوله تعالى {يقولون} أي منكر والبعث { أئنا لمردودون في الحافرة } أي أنرد بعد الموت‬ ‫إلى الحياة من جديد كما كنا أول مرة‪ { ،‬أإذا كنا عظاما نخرة} أي بالية مفتتة وقولهم هذا إستبعاد‬ ‫منهم للبعث وإنكار له‪ ،‬و {قالوا تلك إذا كرة خاسرة} يعنون أنهم إذا عادوا إلى الحياة مرة أخرى‬ ‫فإن هذه العودة تكون خاسرة وهي بالنسبة إليهم كذلك إذ سيخسرون فيها كل شيء حتى أنفسهم‬ ‫كما قال تعالى { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران‬ ‫المبين‪ }.‬وقوله تعالى {فإنما هي زجرة واحدة } أي صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة‬ ‫البعث { فَإِذَا هُمْ} أولئك المكذبون وغيرهم من سائر الخلق {بالساهرة } أي وجه الرض وقيل فيها‬ ‫الساهرة لن من عليها يومئذ ل ينامون بل يسهرون أبدا فرد تعالى بهذا على منكري البعث الخر‬ ‫وقرره عزوجل بما ل مزيد عليه إعذارا وإنذارا ول يهلك على ال إل هالك‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان أن ال تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته بخلف العبد ل يجوز له أن يقسم بغير ربه‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫‪-2‬بيان أنروح المؤمن تنزع عند الموت نزعًا سريعا ل يجد من اللم ما يجده الكافر‪.‬‬ ‫‪-3‬تقرير عقيدة البعث و الجزاء بالقسام عليها وذكر كيفية وقوعها‪.‬‬ ‫طغَى‬ ‫عوْنَ إِنّهُ َ‬ ‫حدِيثُ مُوسَى (‪ِ )15‬إذْ نَادَاهُ رَبّهُ بِا ْلوَادِ ا ْلمُقَدّسِ طُوىً (‪ )16‬ا ْذ َهبْ ِإلَى فِرْ َ‬ ‫هلْ أَتَاكَ َ‬ ‫عصَى (‪َ )21‬فحَشَرَ فَنَادَى‬ ‫ب وَ َ‬ ‫(‪ )17‬وَأَهْدِ َيكَ إِلَى رَ ّبكَ فَ َتخْشَى (‪ )19‬فَأَرَاهُ الْآيَةَ ا ْلكُبْرَى (‪َ )20‬فكَ ّذ َ‬ ‫خ َذهُ اللّهُ َنكَالَ الْآخِ َر ِة وَالْأُولَى (‪ )25‬إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َرةً ِلمَنْ‬ ‫(‪َ )23‬فقَالَ أَنَا رَ ّب ُكمُ الْأَعْلَى (‪ )24‬فَأَ َ‬ ‫خشَى (‪)26‬‬ ‫يَ ْ‬

‫( ‪)5/509‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫موسى ‪:‬أي موسى بن عمران عليه السلم ‪.‬‬ ‫بالواد المقدس طوى ‪:‬أي بالواد الطاهر المبارك المسمى بطوى‪.‬‬ ‫اذهب إلى فرعون ‪:‬أي بأن أذهب إلى فرعون‪.‬‬ ‫إنه طغى ‪:‬أي تجاوز حده كعبد إلى ادعاء الربوبية و اللوهية‪.‬‬ ‫إلى أن تزكى ‪:‬أي تسلم فتطهر من رجس الشرك و الكفر بالسلم ل تعالى‪.‬‬ ‫و أهديك إلى ربك ‪:‬أي أرشدك إلى معرفة ربك الحق فتخشاه وتطيعه فتنجو من عذابه‪.‬‬

‫فأراه الية الكبرى ‪:‬أي العصا و اليد إذ هي من أكبر اليات الدالة على صدق موسى‪.‬‬ ‫ثم أدبر يسعى ‪:‬أي بعد ما كذب وعصى رجع يجمع جموعه ويحشر جنوده لحرب موسى وقال‬ ‫كلمة الكفر أنا ربكم فل طاعة إل لي‪.‬‬ ‫فأخذه ال نكال الخرة والولى ‪:‬أي عذبه تعالى عذاب الخرة وهو قوله أنا ربكم العلى وعذاب‬ ‫الولى وهي قوله ما علمت لكم من إله غيري‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {هل أتاك حديث موسى} اليات‪ ..‬المقصود من هذه اليات تسلية الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم وهو يعاني من تكذيب قومه له ولما جاء به من التوحيد والشرع فقص تعالى عليه‬ ‫طرفا من قصة موسى مع فرعون تخفيفا عليه‪ ،‬وتهديدا لقومه بعقوبة تنزل بهم كعقوبة فرعون‬ ‫الذي كان أشد منهم بطشا وقد أهلكه ال فأغرقه وجنده‪ ..‬فقال تعالى { َهلْ أَتَاك } ‪ 1‬يا رسولنا‬ ‫{حَدِيثُ مُوسَى} بن عمران‪{ ،‬إِذْ‪ 2‬نَادَاهُ رَبّهُ بِا ْلوَادِ ا ْل ُمقَدّسِ طُوىً} أي بالواد المطهر المبارك‬ ‫المسمى طوى ناداه فأعلمه أولً أنه ل إله إل هو وأمره بعبادته‪ ،‬ثم أمره بأن يذهب إلى فرعون‬ ‫الوليد بن الريان ملك القبط بمصر فقال له اذهب إلى فرعون إنه طغى أي عتا وتكبر وظلم‬ ‫فأفحش في الظلم والفساد‪ .‬وعلمه ما يقول له إذا انتهى إليه فقل { َف ُقلْ َهلْ َلكَ ِإلَى أَنْ تَ َزكّى}‪ 3‬أي‬ ‫إلى أن تسلم فتزكو روحك وتطهر بالسلم وأهديك ‪ 4‬إلى ربك فتخشى أي وأرشدك إلى ربك‬ ‫وأعرفك به فتخشى أي عقابه فتترك الظلم والطغيان قال تعالى فأراه الية الكبرى والتي هي اليد‬ ‫والعصا‪ ،‬فكذب فرعون موسى في دعوته وعصى ربه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هل الستفهام هنا صوري المراد به تشويق السامع إلى الخبر ولذا استعمل فيه هل التي هي‬ ‫بمعنى قد للتحقيق أي قد أتاك حديث موسى العجيب فاستمع‪.‬‬ ‫‪ 2‬إذ اسم زمان بدل اشتمال من حديث موسى‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع تزكى بتشديد الزاي وقرأ حفص بتخفيفها فمن شددها أدغم فيها إحدى تائي تتزكى‬ ‫ومن خفف حذف إحدى التائين لن أصل الفعل تتزكى بتائين‪.‬‬ ‫‪ 4‬الهداية‪ :‬الدللة على الطريق الموصل إلى المطلوب إذا سلكه المرء وصل إلى مرغوبه‪.‬‬

‫( ‪)5/510‬‬ ‫فلم يستجب له ولم يطعه فيما أمره به ودعاه إليه من اليمان برسالة موسى وإرسال بني إسرائيل‬ ‫معه بعد السلم ل ظاهرا وباطنا‪ .‬ثم أدبر فرعون أي عن دعوة الحق رافضا لها يسعى في‬ ‫حشَرَ} رجاله وجنده { فَنَادَى} أي ناداهم ليعدهم إلى حرب موسى { َفقَالَ‪ :‬أَنَا رَ ّبكُمُ‬ ‫الباطل والشر {فَ َ‬ ‫الْأَعْلَى} يعني أنه ل رب فوقه‪{ ،‬فََأخَ َذهُ اللّه} أي عذبه { َنكَالَ} أي ‪ 1‬عذاب {الْآخِرَة} أي الكلمة وهي‬

‫قوله‪" :‬أنا ربكم العلى" ونكال الولى وهي قوله ( ما علمت لكم من إله غيري) وبين الكلمتين‬ ‫الخبيثتين أربعون سنة فالولى قالها في بداية الدعوة حيث ادعى أنه بحث واستقصى في البحث‬ ‫واجتهد وأنه بعد كل ذلك الجتهاد لم يعلم أن للناس من قومه من إله سواه‪ .‬وقوله تعالى إن في‬ ‫ذلك {َلعِبْ َرةً ِلمَنْ‪َ 2‬يخْشَى} أي فيما قص تعالى من خبر موسى وفرعون { َلعِبْ َرةً } أي عظة لمن‬ ‫يخشى ال وعذاب الدار الخرة فيؤمن ويتقي أي فيزداد إيمانا وتقوى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الداعي إلى ال تعالى وحمله على الصبر في دعوته حتى ينتهي بها على غايتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات مناجاة موسى لربه تعالى وأنه كلمه ربه كفاحا بل واسطة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن ل تزكية للنفس البشرية إل بالسلم أي بالعمل بشرائعه‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل تحصل الخشية من ال للعبد إل بعد معرفة ال تعالى إنما يخشى ال من عباده العلماء‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجود المعجزات ل يستلزم اليمان فقد رأى فرعون أعظم اليات كالعصا واليد وما آمن‪.‬‬ ‫‪ -6‬التنديد والوعيد الشديد لمن يدعي الربوبية واللوهية فيأمر الناس بعبادته‪.‬‬ ‫ضحَاهَا (‬ ‫ج ُ‬ ‫غطَشَ لَيَْلهَا وَأَخْرَ َ‬ ‫سوّاهَا (‪ )28‬وَأَ ْ‬ ‫س ْم َكهَا فَ َ‬ ‫سمَاءُ بَنَاهَا (‪َ )27‬رفَعَ َ‬ ‫أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقا أَمِ ال ّ‬ ‫‪ )29‬وَالْأَ ْرضَ َبعْدَ ذَِلكَ دَحَاهَا (‪ )30‬أَخْرَجَ مِ ْنهَا مَاءَهَا َومَرْعَاهَا (‪ )31‬وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (‪)32‬‬ ‫مَتَاعا َلكُ ْم وَلِأَ ْنعَا ِمكُمْ (‪)33‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬النكل القيد قال تعالى (إن لدينا أنكال) جمع نكل ويطلق النكال على العذاب والهروب منه وأخذ‬ ‫منه فعل نكل تنكيل أي عذبه تعذيبا فنكال الولى أي عذاب الولى ونكال الخرة عذاب الخرة‬ ‫كما هو مبين في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 2‬لمن يخشى‪ :‬أي يخشى ال تعالى وهو المؤمن التقي إذ مثله النفسي هو الذي يجد العظة والعبرة‬ ‫فيما يعرض عليه من أحداث فاصلة أما الكافر فأنى له أن يسمع حتى يبصر؟‬

‫( ‪)5/511‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها؟ ‪:‬أي أشد خلقا‪.‬‬ ‫رفع سمكها ‪:‬أي غلظها وارتفاعها‪.‬‬ ‫فسواها ‪:‬أي جعلها مستوية سطحا واحدا ما فيها نتوء ول انخفاض‪.‬‬ ‫وأغطش ليلها ‪:‬أي أظلمه جعله مظلما‪.‬‬ ‫وأخرج ضحاها ‪:‬أي ضوءها ونهارها‪.‬‬

‫والرض بعد ذلك دحاها ‪:‬أي بعد أن خلق الرض خلق السماء ثم دحا الرض أي بسطها وأخرج‬ ‫منها ماءها ومرعاها‪.‬‬ ‫والجبال أرساها ‪:‬أي أثبتها على سطح الرض لتثبت ول تميد‪.‬‬ ‫متاعا لكم ولنعامكم ‪ :‬أي أخرج من الرض ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولنعامكم‬ ‫وهي المواشي من الحيوان‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شدّ‪ 1‬خَلْقا} اليات‪ ..‬سيقت هذه اليات الكريمة لتقرير عقيدة البعث والجزاء‬ ‫قوله تعالى {أَأَنْ ُتمْ أَ َ‬ ‫بإيراد أكبر دليل عقلي ل يرده العاقل أبدا وهو أن السماء في خلقها وما خلق ال فيها‪ ،‬أشد خلقا‬ ‫وأقوى وأعظم من خلق النسان بعد موته فالبشرية كلها ل ساوي حجمها حجم كوكب واحد من‬ ‫كواكب السماء ول سلسلة واحدة من سلسل الجبال في الرض فضل عن السماء والرض‪ .‬إذا‬ ‫فالذي قدر على خلق السماء وما فيها والرض وما فيها قادر قطعا من باب أولى قادر على خلق‬ ‫النسان مرة أخرى وقد خلقه أول فإعادة خلقه بإحيائه بعد موته أيسر وأسهل وأمكن من خلقه أول‬ ‫على غير مثال سبق‪ ،‬ول صورة تقدمت‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون لنهم ل يفكرون وهذا‬ ‫سمَاءُ }‪2‬‬ ‫عرض اليات قوله تعالى { أَأَنْتُمْ َأشَدّ خَلْقا ً} أيها المنكرون للبعث المكذبون به { أَمِ ال ّ‬ ‫والجواب الذي لشك فيه هو أن السماء أشد خلقا من منهم وبيان ذلك فيما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬بناها فهي سقف للرض مرفوعة فوقها مسوّاة فل انفطار فيها ول ارتفاع لبعض وانخفاضا‬ ‫لبعض آخر بل هي كالزجاجة في سمتها واعتدالها في خلقها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تقريري أي إلجاؤهم إلى القرار والعتراف بأن خلق السماء أعظم من خلقهم إذا‬ ‫كيف ينكرون البعث والحياة الثانية‪.‬‬ ‫‪ 2‬المراد بالسماء السماء الدنيا المشاهدة للناس‪ ،‬وإن كان لفظ السماء يطلق إطلق أسماء الجناس‬ ‫الدالة على أكثر من واحد والبناء للسماء وهو خلقها في صورة بناء رفيع‪.‬‬

‫( ‪)5/512‬‬ ‫‪ -2‬رفع سمكها ‪ 1‬فإن غلظها مقدر بمسيرة خمسمائة عام‪.‬‬ ‫‪ -3‬أغطش ليلها فجعله مظلما‪.‬‬ ‫‪ -4‬وأخرج ضحاها فجعل نهارها مضيئا‪ .‬هذه هي السماء‪ .‬والرض بعد ذلك أي بعد ‪ 2‬أن خلقها‬ ‫أول وقبل السماء عاد إليها فدحاها بأن بسطها للنام وأخرج منها ماءها ففجر فيها عيونها وأخرج‬ ‫منها مرعى وهو ما يرعى من سائر الحبوب والثمار والنبات والشجار منفعة للنسان ولحيوانه‬ ‫المفتقر إليه في ركوبه ‪ 3‬وطعامه وشرابه وما ذكر تعالى من مظاهر القدرة والعلم والحكمة‬

‫والرحمة في الرض ل يقل عما ذكر في السماء إن لم يكن أعظم فكيف إذا ينكر النسان على‬ ‫ربه أن يعيده حيا بعد إماتته له ليحاسبه وليجزيه إنه بدل أن ينكر يجب عليه أن يشكر‪ ،‬ولكن‬ ‫النسان ظلوم كفار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على النسان وإنعامه عليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الستدلل بالكبير على الصغير وبالكثير على القليل وهو مما يعلم بداهة‬ ‫وبالضرورة إل أن الغفلة أكبر صارف وأقوى حايل فل بد من إزالتها أول‪.‬‬ ‫جحِيمُ ِلمَنْ يَرَى (‬ ‫سعَى (‪ )35‬وَبُرّ َزتِ الْ َ‬ ‫فَإِذَا جَا َءتِ الطّامّةُ ا ْلكُبْرَى (‪َ )34‬يوْمَ يَتَ َذكّرُ النسان مَا َ‬ ‫‪)36‬‬ ‫جحِيمَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى (‪ )39‬وََأمّا مَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ‬ ‫طغَى (‪ )37‬وَآثَرَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا (‪ )38‬فَإِنّ الْ َ‬ ‫ََأمّا مَنْ َ‬ ‫وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَنِ ا ْل َهوَى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬السمك بفتح السين وتسكين الميم الرفع في الفضاء ‪,‬وهو مصدر سمك إذا رفع السمك محرك‬ ‫السين والميم الحوت المعروف واحده سمكة كبقرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في أيها خلق ال تعالى أول الرض أم السماء وراجح أنها الرض أول لقوله (أإنكم‬ ‫لتكفرون بالذي خلق الرض ‪ ...‬إلى قوله ثم استوى إلى السماء) الية من سورة فصلت‪ .‬وطريق‬ ‫الجمع كما في التفسير خلق الرض أول ثم السماوات ثم عاد إلى الرض فدحاها بمعنى أخرج‬ ‫منها ماءها ومرعاها أي أعدها إعدادا خاصا لحياة النسان والحيوان المراد من قوله دحاها إذ‬ ‫الدحو البسط والتسوية والترتيب‪.‬‬ ‫‪ 3‬إذ هو المراد من قوله تعالى في الية (ولنعامكم ) التي هي البل البقر والغنم فالبل يركب‬ ‫ظهرها ويشرب لبنها ويؤكل لحمها‪.‬‬

‫( ‪)5/513‬‬ ‫(‪ )40‬فَإِنّ ا ْلجَنّةَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى (‪ )41‬يَسْأَلو َنكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا (‪ )42‬فِيمَ أَ ْنتَ مِنْ ِذكْرَاهَا (‬ ‫عشِيّةً‬ ‫‪ )43‬إِلَى رَ ّبكَ مُنْ َتهَاهَا (‪ )44‬إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُنْذِرُ مَنْ َيخْشَاهَا (‪ )45‬كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْ َنهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا َ‬ ‫َأوْ ضُحَاهَا(‪)46‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الطامة الكبرى ‪:‬أي النفخة الثانية وأصل الطامة الداهية التي تعلو على كل داهية‪.‬‬

‫ما سعى ‪:‬أي ما عمل في الدنيا من خير وشر ‪.‬‬ ‫فأما من طغى ‪:‬أي كفر وظلم‪.‬‬ ‫وآثر الحياة الدنيا ‪:‬أي باتباع الشهوات‪.‬‬ ‫فإن الجحيم هي المأوى ‪:‬أي النار مأواه‪.‬‬ ‫مقام ربه ‪:‬أي قيامه بين يديه ليسأله عما قدم وأخر‪.‬‬ ‫ونهى النفس عن الهوى ‪:‬أي المردى المهلك باتباع الشهوات‪.‬‬ ‫فإن الجنة هي المأوى ‪:‬أي مأواه الذي يأوي إليه بعد الحساب‪.‬‬ ‫عن الساعة ‪:‬أي القيامة للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫أيان مرساها ‪:‬أي متى وقوعها وقيامها‪.‬‬ ‫فيم أنت من ذكراها ‪:‬أي في أي شيء من ذكراها أي ليس عندك علمها حتى تذكرها‪.‬‬ ‫إلى ربك منتهاها ‪:‬أي منتهى علمها إلى ال وحده فل يعلمها سواه‪.‬‬ ‫لم يلبثوا ‪:‬أي في قبورهم‪.‬‬ ‫إل عشية أو ضحاها ‪:‬أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن بين تعالى مظاهر قدرته في حياة الناس وما خلق لهم فيها تدليل على البعث والجزاء‬ ‫وذكر في هذه اليات مظاهر قدرته في معادهم تدليل على قدرته على بعثهم بعد موتهم‬ ‫ومحاسبتهم ومجازاتهم فقال عز من قائل {فَِإذَا جَا َءتِ‪ 1‬الطّامّةُ ا ْلكُبْرَى} أي القيامة وسميت بالطامة‬ ‫الكبرى لنها تطم على ‪ 2‬كل شيء ول يعظمها سيء ول ريح عاد ول صيحة ثمود ول رجفة يوم‬ ‫الظلة‪َ { .‬يوْمَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فالفاء للتفريع عما تقدم إن تقدم مظاهر قدرته في الكون والحياة تدليلً على قدرته على البعث‬ ‫والجزاء ففرع عنه بيان أحوال البعث وما يجري فيه تقريرا له ووقوفا بالمنكرين له على‬ ‫مصيرهم فيه مبالغة في طلب هدايتهم وإقامة الحجة عليهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬أصل الطامة الحادثة التي تطم أي تلو وتغلب أمثالها من الحداث الجسام والمراد بها هنا‬ ‫القيامة‪ ،‬قال سفيان الطامة هي الساعة التي يسلم فيها أهل النار للزبانية قال الشاعر‪:‬‬ ‫إن بعض الحب يعمي ويصم‬ ‫وكذاك البعض أدهى وأطم‬

‫( ‪)5/514‬‬

‫سعَى} من خير أو شر لنه أيقن أنه محاسب ومجزي بعمله‪ { .‬وَبُرّ َزتِ ا ْلجَحِيمُ}‬ ‫يَتَ َذكّ ُر الِنْسَانُ مَا َ‬ ‫أي أبرزها فظهرت لمن يراها ل يخفيها شيء‪ .‬والناس بعد ذلك مؤمن وكافر والطريقان طريق‬ ‫طغَى} أي عتا عن أمر ربه فعصاه ولم يطعه بأداء فرائضه واجتناب‬ ‫جنة وطريق نار‪{ .‬فََأمّا مَنْ َ‬ ‫نواهيه‪{ .‬وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا} على الخرة فعمل للدنيا وصرف كل جهده وطاقته لها‪ ،‬ولم يعمل‬ ‫جحِيمَ ِهيَ ا ْلمَ ْأوَى} أي مأواه ومستقره‬ ‫للخرة فما صام ول صلى ول تصدق ول زكى { فَإِنّ الْ َ‬ ‫ومثواه شرابه الحميم وطعامه الزقوم {وََأمّا مَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ} وهو الوقوف بين يديه لمساءلته‬ ‫ومجازاته فأدى الفرائض واجتنب النواهي‪{ ،‬وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَنِ ا ْل َهوَى} أي نفسه عن هواها فلم‬ ‫يجبها في هوى يبغضه ال ولم يطعها في شيء حرمه ال فإن الجنة دار السلم والبرار والمتقين‬ ‫الخيار هي مأواه ولنعم المأوى هي حيث العيون الجارية والسرر المرفوعة والكواب‬ ‫الموضوعة والنمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة والكواعب العرب التراب ولقاء الحباب ‪.1‬‬ ‫عةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا} أي يسألك يا رسولنا المنكرون للبعث عن الساعة‬ ‫وقوله تعالى {يَسْأَلو َنكَ عَنِ السّا َ‬ ‫أي قيامها ومتى رسوها وثبوتها وهي كالسفينة سائرة ليل نهار متى ترسو؟ { فِيمَ }‪ 2‬أي في أي‬ ‫شيء أنت من ذكراها أي ليس عندك علمها فتذكرها لهم إلى ربك وحده علم وقت مجيئها وساعة‬ ‫رسوها لتنقل الناس من دنياهم إلى آخرتهم‪ ،‬وبذلك تنتهي رحلتهم ويستقر قرارهم‪ .‬وينتهي ليلهم‬ ‫ونهارهم‪ .‬وقوله تعالى {إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُنْذِرُ مَنْ َيخْشَاهَا} أي ليس إليك يا رسولنا علمها ول منتهى‬ ‫أمرها إنما أنت مهمتك غير ما يطلب إنها إنذار من يخشى الساعة ويخاف حلولها ليمانه بها وبما‬ ‫يكون فيها من نعيم وجحيم أما من ل يؤمن بها فهو ل يخافها وسؤاله عنها سؤال استهزاء‪ ،‬فل‬ ‫تحفل بهم ول تهتم لهم فإنهم يوم يرونها كأن لم يلبثوا في دنياهم هذه وقبورهم { إِلّا عَشِيّةً َأوْ‬ ‫ضُحَاهَا} أي عشية يوم أو ضحى تلك العشية لما يستقبلون من أهوال الموقف وفظائع العذاب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ب ‪1‬كر أحوالها وصفاتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الناس يوم القيامة مؤمن تقي في الجنة‪ ،‬وكافر وفاجر في النار‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان استئثار ال تعالى بعلم الغيب والساعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أي الشدائد ينسى بعضها بعضا فإن عذاب القبر يهون أمام عذاب النار‪.‬‬ ‫__________‬ ‫ل وهو في سياقة‬ ‫‪ 1‬كل ما ذكر من قولنا العيون إلى لقاء الحباب هو من القرآن‪ .‬يروى أن بل ً‬ ‫الموت يغمى عليه فإذا أفاق ووجد امرأته تبكي‪ :‬يقول لها ل تبكي‪ :‬غدا ألقى الحبة محمدا‬ ‫وصحبه‪.‬‬ ‫‪ 2‬اسم استفهام أريد به النكار مشوبا بالتعجب من إلحاح المشركين على الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم أن يعين لهم وقتها‪.‬‬

‫( ‪)5/515‬‬ ‫سورة عبس‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة عبس‬ ‫مكية وآياتها اثنتان وأربعون آية‬ ‫يسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫عمَى (‪َ )2‬ومَا يُدْرِيكَ َلعَلّهُ يَ ّزكّى (‪َ )3‬أوْ يَ ّذكّرُ فَتَ ْن َفعَهُ ال ّذكْرَى (‪َ )4‬أمّا‬ ‫س وَ َتوَلّى (‪ )1‬أَنْ جَا َءهُ الْأَ ْ‬ ‫عَبَ َ‬ ‫سعَى(‪ )8‬وَ ُهوَ‬ ‫مَنِ اسْ َتغْنَى (‪ )5‬فَأَ ْنتَ لَهُ َتصَدّى (‪َ )6‬ومَا عَلَ ْيكَ َألّ يَ ّزكّى (‪ )7‬وََأمّا مَنْ جَا َءكَ َي ْ‬ ‫حفٍ ُمكَ ّرمَةٍ (‬ ‫صُ‬ ‫خشَى (‪ )9‬فَأَ ْنتَ عَنْهُ تََلهّى (‪)10‬كَلّ إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ (‪َ )11‬فمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ (‪ )12‬فِي ُ‬ ‫يَ ْ‬ ‫سفَرَةٍ (‪ )15‬كِرَامٍ بَرَ َرةٍ (‪)16‬‬ ‫طهّ َرةٍ (‪ )14‬بِأَيْدِي َ‬ ‫‪ )13‬مَ ْرفُوعَةٍ مُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عبس ‪:‬أي أن النبي صلى ال عليه وسلم بمعنى كلح وجهه وتغير‪.‬‬ ‫وتولى ‪:‬أي أعرض‪.‬‬ ‫أن جاءه العمى ‪:‬أي لجل أن جاء عبد ال بن أم مكتوم فقطعه عما هو مشغول به من دعوة‬ ‫بعض أشراف قريش للسلم‪.‬‬ ‫لعله يزكى ‪:‬أم يتطهر من الذنوب‪.‬‬ ‫أو يذكر ‪:‬أي يتعظ‪.‬‬ ‫فتنفعه الذكرى ‪:‬أي الموعظة‪.‬‬ ‫أما من استغنى ‪:‬عن اليمان والعلم والدين بالمال والجاه‪.‬‬ ‫فأنت له تصدى ‪:‬أي يتقبل عليه وتتصدى له‪.‬‬ ‫وما عليك أل يزكى ‪:‬أي ليس عليك بأس في عدم تزكيته نفسه بالسلم‪.‬‬ ‫يسعى ‪:‬أي في طلب الخير من العلم والهدى‪.‬‬ ‫فأنت عنه تلهى ‪:‬أي تشاغل‪.‬‬ ‫كل ‪:‬أي ل تعد لمثل ذلك‪.‬‬ ‫إنها تذكرة ‪:‬أي اليات عظة للخلق‪.‬‬

‫( ‪)5/516‬‬

‫مكرمة ‪:‬أي عند ال‪.‬‬ ‫مرفوعة ‪:‬أي في السماء‪.‬‬ ‫مطهرة ‪:‬أي منزهة عن مس الشياطين‪.‬‬ ‫بأيد سفرة ‪:‬كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫كرام بررة ‪:‬مطيعين ل وهم الملئكة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عمَى} هذا عتاب لطيف يعاتب به ال سبحانه وتعالى‬ ‫س وَ َتوَلّى ‪ 1‬أَنْ جَا َءهُ الْأَ ْ‬ ‫قوله تعالى {عَبَ َ‬ ‫رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم فالذي عبث بمعنى قطب وجهه وأعرض هو رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم والعمى الذي لجله عبس رسول ال وأعرض عنه هو عبد ال بن أم مكتوم‬ ‫العمى أحد المهاجرين ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين‪ .‬وسبب هذا العتاب الكريم أن‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم كان في مكة يوما ومعه صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو‬ ‫جهل والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف يدعوهم إلى السلم مجتهدا معهم يرغبهم ويرهبهم‬ ‫طمعا في إسلمهم فجاء عبد ال بن أم مكتوم ينادي يا رسول ال أقرئني وعلمني مما علمك ال‬ ‫وكرر ذلك مرارا فانزعج لذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فكره رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم قطعه لحديثه مع القوم فعبس وتولى عنه ل يجيبه‪ ،‬وما إن عاد النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫عمَى َومَا‬ ‫س وَ َتوَلّى}‪ 2‬أي قطب وأعرض { أَنْ جَا َءهُ‪ 3‬الْأَ ْ‬ ‫إلى منزله حتى نزلت هذه اليات { عَبَ َ‬ ‫يُدْرِيكَ } أي وما يعلمك أنه { يَ ّزكّى ‪ } 4‬بما يطلب من القرآن والسنة أي يريد زكاة نفسه وتطهير‬ ‫روحه بما يتعلمه منك‪ ،‬أو يذكر فتنفعه الذكرى‪ .‬أي وما يعلمك لعله بندائه لك وطلبه منك أن‬ ‫يتذكر بما يسمع منك فيتعظ به وتنفعه الذكرى منك‪ .‬وقوله تعالى { َأمّا مَنِ اسْ َتغْنَى} أي عن‬ ‫اليمان و السلم وما عندك من العلم بال والمعرفة استغنى بماله وشرفه في قومه { فَأَ ْنتَ َلهُ‬ ‫علَ ْيكَ َألّ يَ ّزكّى} أي وأي شيء يلحقك من الذى إن لم‬ ‫َتصَدّى ‪ }5‬أي تتعرض له مقبل عليه { َومَا َ‬ ‫يتزك ذاك المستغنى عنك بشرفه و ماله‪.‬وكرر تعالى العتاب بالكلمات العذاب ‪ { 6‬وََأمّا مَنْ جَا َءكَ‬ ‫سعَى وَ ُهوَ‬ ‫يَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عبس‪:‬أي النبي صلى ال عليه وسلم ومعنى عبس قطب مابين عينيه كراهية لما نابه وحصل له‬ ‫مما أزعجه‪.‬‬ ‫‪ 2‬انظر مضمون هذه الية في قوله تعال ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‪ ..‬الية‬ ‫وأخرى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) الية‪ .‬الولى من سورة النعام‬ ‫والثانية من الكهف‪.‬‬ ‫‪ 3‬أن جاءه العمى‪ :‬مجرور بحرف جر محذوف وهو اللم أي لن جاءه وهذا الحذف مطرد‬ ‫وأصل التركيب لجل مجيء العمى له‪.‬‬

‫‪ 4‬يزكى أصلها يتزكى أي يطلب التزكية لنفسه فأدغمت التاء في الزاي فصارت يزكى‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ نافع تصدى بتشديد الصاد والدال معا‪ ،‬وقرأ حفص بتخفيف الصاد‪ ،‬فمن شدد أدغم إحدى‬ ‫التائين في الصاد ومن خفف حذف‪.‬‬ ‫‪ 6‬العذاب‪ :‬جمع عذبه بمعنى الحلوة الطيبة إذ كل حلو طيب هو عذب ‪.‬‬

‫( ‪)5/517‬‬ ‫خشَى} جاءك مسرعا يجري وراءك يناديك بأحب السماء إليك يا رسول ال والحال انه يخشى‬ ‫يَ ْ‬ ‫ال تعالى ويخاف عقابه فلذا هو يطلب ما يزكي به نفسه ليقيها العقاب والعذاب { فَأَ ْنتَ عَ ْنهُ تََلهّى‬ ‫‪ }1‬أي تتشاغل بغيره {كَلّ} أي ل تفعل مثل هذا مرة أخرى‪ .‬وقوله تعالى { إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ} أي هذه‬ ‫اليات وما تحمل من عتاب حبيب إلى حبيب موعظة { َفمَنْ شَاءَ} من عباد ال { َذكَ َرهُ} أي ذكر‬ ‫طهّ َرةٍ} مكرمة عند ال تعالى مرفوعة في السماء‬ ‫حفٍ ُمكَ ّرمَةٍ مَ ْرفُوعَةٍ ُم َ‬ ‫الوحي والتنزيل {فِي صُ ُ‬ ‫سفَ َرةٍ كِرَامٍ بَرَ َرةٍ} أي مطيعين ل صادقين هم‬ ‫مطهرة منزهة عن مس الشياطين لها { بِأَيْدِي َ‬ ‫الملئكة كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ وما أقرب هذا الوصف من مؤمن كريم النفس طاهر‬ ‫الروح يحفظ كتاب ال ويعمل به بيده مصحف يقرأه ويرتل كلم ال فيه وقد جاء في الصحيح ‪2‬‬ ‫أن هذا العبد الذي وصفت مع السفرة الكرام البررة‪ .‬اللهم اجعلني منهم برحمتك يا أرحم‬ ‫الراحمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مقام النبي صلى ال عليه وسلم وأنه أشرف مقام وأسماه دل على ذلك أسلوب عتاب ال‬ ‫تعالى له حيث خاطبه في أسلوب شخص غائب حتى ل يواجهه بالخطاب فيؤلمه فتلطف معه‪ ،‬ثم‬ ‫أقبل عليه بعد أن أزال الوحشة يخاطبه وما يدريك‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات ما جاء في الخبر أدبني ربي فأحسن تأديبي فقد دلت اليات عليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم بتأديب ربه له مستوى لم يبلغه سواه‪ ،‬فقد كان إذا جاءه‬ ‫ابن أم مكتوم يوسع له في المجلس ويجلسه إلى جنبه ويقول له مرحبا بالذي عاتبني ربي ‪ 3‬من‬ ‫اجله ووله على المدينة مرات‪ ،‬وكان مؤذنا له في رمضان‪.‬‬ ‫‪-4‬استحالة كتمان الرسول صلى ال عليه وسلم لشيء من الوحي فقد قالت أم المؤمنين عائشة‬ ‫رضي ال عنها لو كان للرسول أن يكتم شيئا من وحي ال لكتم عتاب ال تعالى له في عبس‬ ‫وتولى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تلهى‪ :‬أصلها تتلهى حذفت إحدى التائين تخفيفا‪ ,‬وتلهى تطلب التلهي أو حصل له وهو النشغال‬

‫بشيء وترك الخر‪.‬‬ ‫‪ 2‬في صحيح البخاري عن عائشة رضي ال عنها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ ":‬مثل‬ ‫الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة‪ ،‬ومثل الذي يقرأه وهو يتعاهده وهو عليه‬ ‫شاق شديد فله أجران"‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال الثوري فكان النبي صلى ال عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه‬ ‫ويقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول‪ :‬هل من حاجة؟ واستخلفه بالمدينة مرتين في غزوتين‬ ‫غزاهما قال أنس فرأيته يوم القادسية راكبا وعليه درع وراية سوداء‪.‬‬

‫( ‪)5/518‬‬ ‫طفَةٍ خََلقَهُ َفقَدّ َرهُ (‪ )19‬ثُمّ السّبِيلَ يَسّ َرهُ (‬ ‫شيْءٍ خََلقَهُ (‪ )18‬مِنْ نُ ْ‬ ‫قُ ِتلَ الْإنْسَانُ مَا َأ ْكفَ َرهُ (‪ )17‬مِنْ َأيّ َ‬ ‫‪ )20‬ثُمّ َأمَا َتهُ فََأقْبَ َرهُ (‪ )21‬ثُمّ ِإذَا شَاءَ أَنْشَ َرهُ (‪ )22‬كَلّ َلمّا َي ْقضِ مَا َأمَ َرهُ (‪ )23‬فَلْيَنْظُرِ الْإنْسَانُ إِلَى‬ ‫شقّا (‪ )26‬فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا (‪ )27‬وَعِنَبا‬ ‫شقَقْنَا الْأَ ْرضَ َ‬ ‫طعَامِهِ (‪ )24‬أَنّا صَبَبْنَا ا ْلمَا َء صَبّا (‪ )25‬ثُمّ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َقضْبا (‪ )28‬وَزَيْتُونا وَنَخْلً (‪ )29‬وَحَدَا ِئقَ غُلْبا (‪َ )30‬وفَا ِكهَ ًة وَأَبّا (‪ )31‬مَتَاعا َلكُ ْم وَلِأَ ْنعَا ِمكُمْ (‬ ‫‪)32‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قتل النسان ‪ :‬لعن النسان الكافر‪.‬‬ ‫ما ‪1‬أكفره ‪ :‬أي ما حمله على الكفر؟‪.‬‬ ‫من أي شيء خلقه ‪ :‬من نطفة خلقه‪.‬‬ ‫فقدره‪ :‬أي من نطفة إلى علقة إلى مضغة فبشر سوي‪.‬‬ ‫ثم السبيل يسره ‪ :‬أي سبيل الخروج من بطن أمه‪.‬‬ ‫إذا شاء أنشره ‪ :‬أي إذا شاء إحياءه أحياه‪.‬‬ ‫كل‪ :‬حقا أو ليس المر كما يدعي النسان أدى ما عليه من الحقوق‪.‬‬ ‫لما يقضي ما أمره ‪ :‬أي ما كلفه به من الطاعات و الواجبات في نفسه وماله‪.‬‬ ‫إلى طعامه ‪ :‬أي كيف قدر ودبر له‪.‬‬ ‫حبا وعنبا ‪ :‬أي الحب الحنطة والشعير والعنب هو المعروف‪.‬‬ ‫وقضبا ‪ :‬أي القت والرطب وسمي قضبا لنه يقضب أي يقطع مرة بعد مرة‪.‬‬ ‫و حدائق غلبا ‪ :‬أي كثيرة الشجار والواحدة غلباء كحمراء كثيفة الشجر‪.‬‬ ‫و فاكهة وأبا ‪ :‬أي ما يتفكه به من سائر الفواكه والب التبن وما ترعاه البهائم‪.‬‬ ‫متاعا لكم ولنعامكم ‪ :‬أي ما تقدم ذكره منفعة لكم ولنعامكم التي هي البل والبقر والغنم‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬جائز أن تكون ما تعجبية إذ من عادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا فيه قاتله ال ما أحسنه‬ ‫أو ما أقبحه أو ما أجرأه مثل‪.‬أي أعجبوا لخلقه من نطفة مع كفره بربه‪.‬‬

‫( ‪)5/519‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعدما عاتب الرب سبحانه وتعالى رسوله على انشغاله بأولئك الكفرة المشركين وأعراضه عن ابن‬ ‫أم مكتوم العمى فكان أولئك المشركون هم السبب في إعراض الرسول صلى ال عليه وسلم عن‬ ‫ابن أم مكتوم وفي عتاب ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم فاستجوبوا لذلك لعنة ال تعالى‬ ‫عليهم لكفرهم وكبريائهم جرد ال تعالى شخصا منهم غير معلوم والمراد كل كافر متكبر مثلهم‬ ‫شيْءٍ‬ ‫فقال {قُ ِتلَ الْإِ ْنسَانُ} أي الكافر {مَا َأ ْكفَ َرهُ} أي ما حمله على الكفر والكبر‪ .‬فلينظر {مِنْ َأيّ َ‬ ‫خََلقَهُ} ربه الذي يكفر به؟ إنه خلقه من نطفة قذرة {خََلقَهُ َفقَدّ َرهُ} أي أطوارا نطفة فعلقة فمضغة‪.‬‬ ‫أمن كان هذا حاله يليق به أن يكفر ويتكبر ويستغني عن ال؟ فلينظر إلى مبدئه ومنتهاه وما بينهما‬ ‫مبدأه نطفة مذرة وأخره جيفة قذرة‪ .‬وهو بينهما حامل عذرة‪ .‬كيف يكفر وكيف يتكبر؟ وقوله‬ ‫تعالى {ثُمّ السّبِيلَ يَسّ َرهُ} فلول أن ال تعالى يسر له الخروج من بطن أمه وال ما خرج‪ُ { .‬ثمّ َأمَاتَهُ}‬ ‫بدون استشارته ول أخذ رأيه { فََأقْبَ َرهُ‪ }1‬هيأ له من يقبره وإل لنتن وتعفن وأكلته الكلب‪{ ،‬ثُمّ إِذَا‬ ‫شَاءَ أَنْشَ َرهُ‪{ }2‬كَلّ‪ .}3‬أما يصحو هذا المغرور أما يفيق هذا المخدوع‪َ{ .‬لمّا َي ْقضِ مَا َأمَ َرهُ} فما له‬ ‫طعَامِهِ‪ }4‬الذي حياته متوقفة‬ ‫ل يقضي ما أمره ربه من اليمان به وطاعته {َلْيَ ْنظُرِ الْإنْسَانُ إِلَى َ‬ ‫عليه كيف يتم له بتقدير ال تعالى وتدبيره لعله يذكر فيشكر {أَنّا صَبَبْنَا ا ْلمَا َء صَبّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا‬ ‫شقّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا} كالبر والشعير والذرة وسائر الحبوب المقتاتة وعنبا يأكله‬ ‫شقَقْنَا الْأَ ْرضَ َ‬ ‫ثُمّ َ‬ ‫رطبا ويابسا { َو َقضْبا} وهو القت الرطب يقضب أي يقطع مرة بعد مرة وهو علف البهائم‪،‬‬ ‫حدَائِقَ غُلْبا} أي‬ ‫{وَزَيْتُونا} يأكله حبا ويدهن به زيتا { وَنَخْلً} يأكله ثمرة بسرا ورطبا وتمرا {وَ َ‬ ‫بساتين ملتفة الشجار كثيرتها الواحدة غلباء ‪َ { 5‬وفَا ِكهَةً وَأَبّا} الفاكهة لكم والب علف لدوابكم‬ ‫{مَتَاعا َلكُمْ وَلِأَ ْنعَامِكُمْ} أي هذه المذكورات بعضها متاعا لكم أي منافع تتمتعون بها وبعضها‬ ‫لنعامكم وهو القضب والب منفعة لها تعيش عليها فبأي وجه تكفر ربك يا أيها النسان الكافر؟‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته وهي مقتضية لليمان به وبآياته ورسوله ولقائه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال قبره إذا دفنه وأقبره إذا هيأ له من يقبره‪.‬‬ ‫‪ 2‬أنشره ونشره بمعنى واحد أي أحياه بعد موته وسيشاء ذلك فينشره يوم القيامة للحساب‬

‫والجزاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬لهل العلم في حقيقة (كل) هذا كلم طويل واختلف كبير والراجح أنها كما هي الغالب فيها‬ ‫أنها للردع أي ردع له على كفره واستمرار غفلته وإعراضه وجهله وعدم علمه‪ ,‬وجملة لم يقض‬ ‫بيانية أي بيات علة كفره وعناده وهي أنه لم يقض ما أمر به من النظر والتأمل ولو فعل ذلك‬ ‫لعرف واهتدى ‪ ,‬ومن هنا أمره أن ينظر إلى طعامه ‪.‬‬ ‫‪ 4‬هناك لطيفة تستشف من هذه الية وهي أن طعام النسان كالمثل للدنيا في مبدئها ومنتهاها فإن‬ ‫طعامه وإن ملحه وفلفله فإنه يصير إلى عذرة منتنة‪.‬‬ ‫‪ 5‬يقال للسد الغلب لنه مصمت العنق ل يلتفت إل جمعا‪.‬‬

‫( ‪)5/520‬‬ ‫‪ -2‬الستدلل بالصنعة على الصانع‪ .‬وأن أثر الشيء يدل عليه‪ ،‬ولذا يتعجب من كفر الكافر بربه‬ ‫وهو خلقه ورزقه وكل حياته وحفظ وجوده إلى أجله‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن النسان ل يزال مقصرا في شكر ربه ولو صام الدهر كله وصلى في كل لحظة من‬ ‫لحظاته ‪.‬‬ ‫فَإِذَا جَا َءتِ الصّاخّةُ (‪َ )33‬يوْمَ َيفِرّ ا ْلمَرْءُ مِنْ َأخِيهِ (‪ )34‬وَُأمّ ِه وَأَبِيهِ (‪َ )35‬وصَاحِبَتِ ِه وَبَنِيهِ (‪)36‬‬ ‫حكَةٌ ُمسْتَبْشِ َرةٌ (‪َ )39‬ووُجُوهٌ‬ ‫سفِ َرةٌ (‪ )38‬ضَا ِ‬ ‫ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ (‪ )37‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬ ‫َي ْومَئِذٍ عَلَ ْيهَا غَبَ َرةٌ (‪ )40‬تَرْ َه ُقهَا قَتَ َرةٌ (‪ )41‬أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل َكفَ َرةُ ا ْلفَجَ َرةُ (‪)42‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإذا جاءت الصاخة ‪ :‬أي النفخة الثانية‪.‬‬ ‫وصاحبته ‪ :‬أي زوجته‪.‬‬ ‫شأن يغنيه ‪ :‬أي حال تشغله عن شأن غيره‪.‬‬ ‫مسفرة‪ :‬أي مضيئة‪.‬‬ ‫عليها غبرة ‪ :‬أي غبار‪.‬‬ ‫ترهقها قترة ‪ :‬أي ظلمة من سواد ومعنى ترهقها تغشاها‬ ‫الكفرة الفجرة ‪ :‬أي الجامعون بين الكفر والفجور‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعدما يبين تعالى بداية أمر النسان في حياته ومعاشه فيها ذكر تعالى معاده ومآله فيها فقال عز‬ ‫من قائل {فَإِذَا جَا َءتِ‪ 1‬الصّاخّةُ} وهي القيامة ولعل تسميتها بهذا السم الصاخة نظرا إلى نفخة‬ ‫الصور التي تصخ الذن أي تصمها بمعنى تصيبها بالصمم لشدتها‪ .‬وهي النفخة الثانية وقوله‬ ‫تعالى { َيوْمَ َيفِرّ ا ْلمَرْءُ مِنْ َأخِيهِ‪ 2‬وَُأمّ ِه وَأَبِي ِه َوصَاحِبَتِهِ} أي زوجته {وَبَنِيهِ} وهؤلء أقرب الناس‬

‫إليه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع هذا الكلم متفرع على ما قبله كما في التفسير أنه بعد أن ذكر النسان بمبدأ خلقه‬ ‫ومنتهى حياته في الدنيا فرع على ذلك بيان حياته الخرة ومصيره فيها‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال بعضهم أول من يفر يفر قابيل من أخيه هابيل‪ ،‬وقال الحسن أول من يفر يوم القيامة‬ ‫إبراهيم يفر من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته‪.‬‬

‫( ‪)5/521‬‬ ‫ومع هذا يفر عنهم أي يهرب خشية أن يطالبوه بحق لهم عليه فيؤخذ به‪.‬وقوله تعالى {ِل ُكلّ امْ ِرئٍ‬ ‫مِنْ‪ُ 1‬همْ َي ْومَئِذٍ شَأْن} أي حال وأمر {ٌ ُيغْنِيهِ} عن السؤال عن غيره ولو كان أقرب قريب إليه‪.‬هنا‬ ‫ورد أن أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلة يا نبي ال‬ ‫كيف يحشر الرجال؟ قال حفاة عراة‪,‬ثم انتظرت ساعة فقالت يانبي ال كيف يحشر النساء؟ قال‬ ‫كذلك حفاة عراة قالت واسوأتاه من يوم القيامة‪:‬قال وعن ذلك تسألين إنه قد نزلت علي آية ل‬ ‫يضرك كان عليك ثياب أم ل قالت أي آية هي يانبي ال قال {ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ}‪.‬‬ ‫حكَةٌ مُسْتَبْشِ َرةٌ} وهي وجوه المؤمنين‬ ‫سفِرَ‪2‬ةٌ} أي مضيئة مشرقة {ضَا ِ‬ ‫وقوله تعالى { ُوجُوهٌ َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬ ‫والمؤمنات أهل التقوى وجوههم حسنة مشرقة بالنوار مستبشرون بالقدوم على ربهم والنزول‬ ‫بجواره الكريم ‪َ {.‬ووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ} أي تقوم القيامة ويحشر الناس لفصل القضاء {عَلَ ْيهَا غَبَ َرةٌ} أي‬ ‫غبار {تَ ْر َهقُهَا} أي تغشاها {قَتَ َرةٌ}‪ .‬أي ظلمة وسواد {أولئك } أي الذين عليهم الغبرة وتغشاهم‬ ‫القترة { هم ا ْل َكفَ َرةُ} في الدنيا { ا ْلفَجَ َرةُ} فيها الذين عاشوا على الكفر والفجور وماتوا على ذلك‬ ‫والفجور هو الخروج عن طاعة ال تعالى بترك الواجبات وغشيان المحرمات كالربا والزنا وسفك‬ ‫الدماء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان شدة الهول يوم القيامة يدل على فرار المرء من أقربائه‪.‬‬ ‫‪-2‬خطر التبعات على العبد يوم القيامة وهي الحقوق التي يطالب بها العبد يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪-3‬شدة الهول والفزع تنسي المرء يوم القيامة أن ينظر إلى عورة أحد من أهل الموقف‪.‬‬ ‫‪-4‬ثمرة اليمان والتقوى تظهر في الموقف نورا على الوجه وإشراقا له وإضاءة وثمرة الكفر‬ ‫والفجور تظهر ظلمة وسوادا على الوجه وغبارا‪.‬‬ ‫‪-5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض صورة من صورها‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬روى الترمذي وصححه عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪:‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬ ‫يحشرون حفاة عراة غرل فقالت امرأة أينظر بعضنا بعضا؟ قال يافلنة لكل امرء منهم يومئذ‬ ‫شأن يغنيه‪ .‬غرلً‪ :‬جمع أغرل وهو من لم تؤخذ غلفة ذكره بالختان‪.‬‬ ‫‪ 2‬مسفرة من طول قيام الليل والضرب في سبيل ال يقال أسفر الصبح إذا أضاء وأسفرت المرآة‬ ‫إذا كشفت عن وجهها‪.‬‬

‫( ‪)5/522‬‬ ‫سورة التكوير‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة التكوير‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫مكية وآياتها تسع وعشرون آية‬ ‫عطَّلتْ (‪)4‬‬ ‫شمْسُ ُكوّ َرتْ (‪ )1‬وَإِذَا النّجُومُ ا ْنكَدَ َرتْ (‪ )2‬وَإِذَا ا ْلجِبَالُ سُيّ َرتْ (‪ )3‬وَإِذَا ا ْلعِشَارُ ُ‬ ‫إِذَا ال ّ‬ ‫جتْ (‪ )7‬وَإِذَا ا ْل َموْءُو َدةُ‬ ‫سجّ َرتْ (‪) 6‬وَإِذَا الّنفُوسُ ُزوّ َ‬ ‫وَإِذَا ا ْلوُحُوشُ حُشِ َرتْ (ا ‪ )5‬وَإِذَا الْ ِبحَارُ ُ‬ ‫طتْ (‪ )11‬وَإِذَا ا ْلجَحِيمُ‬ ‫سمَاءُ كُشِ َ‬ ‫حفُ ُنشِ َرتْ (‪ )10‬وَإِذَا ال ّ‬ ‫سُئَِلتْ (‪ )8‬بَِأيّ ذَ ْنبٍ قُتَِلتْ (‪ )9‬وَإِذَا الصّ ُ‬ ‫حضَ َرتْ (‪)14‬‬ ‫سعّ َرتْ (‪ )12‬وَإِذَا ا ْلجَنّةُ أُ ْزِلفَتْ (‪ )13‬عَِل َمتْ َنفْسٌ مَا َأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا ‪:‬أي ظرف لما ذكر بعد من المواضع الثنى عشر‪,‬وجوابها علمت نفس‬ ‫ما أحضرت‪.‬‬ ‫كورت ‪:‬أي لفت وذهب بنورها‪.‬‬ ‫انكدرت ‪:‬أي انقضت وتساقطت على الرض‪.‬‬ ‫سيرت ‪:‬ذهب بها على وجه الرض فصارت هباء منبثا‪.‬‬ ‫وإذا العشار ‪:‬أي النوق الحوامل‪.‬‬ ‫عطلت ‪:‬أي تركت بل راع أو بل حلب لما دهاهم من المر‪.‬‬ ‫الوحوش حشرت ‪:‬أي جمعت وماتت‪.‬‬ ‫وإذا البحار سجرت ‪:‬أي أوقدت فصارت نارا‪.‬‬ ‫وإذا النفوس زوجت ‪ :‬أي قرنت بأجسادها ثم بقرنائها وأمثالها في الخير والشر‪.‬‬ ‫وإذا الموءودة ‪:‬أي البنت تدفن حية خوف العار أو الحاجة‪.‬‬ ‫سئلت ‪:‬أي تبكيتا لقاتلها‪.‬‬

‫بأي ذنب قتلت ‪:‬أي بأي ذنب‪.‬‬ ‫وإذا الصحف نشرت ‪:‬أي صحف العمال فتحت وبسطت‪.‬‬

‫( ‪)5/523‬‬ ‫وإذا السماء كشطت ‪:‬أي نزعت من أماكنها كما ينزع الجلد عن الشاة‪.‬‬ ‫وإذا الجحيم سعرت ‪:‬أي نار أججت‪.‬‬ ‫وإذا الجنة أزلفت ‪:‬أي قربت لهلها ليدخلوها‪.‬‬ ‫علمت نفس ما أحضرت ‪:‬أي كل نفس وقت هذه المذكورات ما أحضرت من خير وشر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إذا الشمس كورت} إلى قوله {علمت نفس ما أحضرت} إشتمل على إثنى عشر حدثا‬ ‫جلل‪ ,‬ستة أحداث منها في الدنيا وستة في الخرة وكلها معتبرة شرطا لجواب واحد وهو قوله‬ ‫تعالى علمت نفس ما أحضرت أي من خير وشر لتجزى به والسياق كله في تقرير عقيدة البعث‬ ‫والجزاء التي انكرها العرب المشركون وبالغوا في إنكارها مبالغة شديدة وكونها عليها مدار‬ ‫إصلح الفرد والجماعة وأنه بدونها ل يتم إصلح ول تهذيب ول تطهير عني القرآن بها عناية‬ ‫فائقة ويدل لذلك أن فواتح السور والصافات والذاريات والطور والمرسلت والنازعات والتكوير‬ ‫والنفطار والنشقاق والبروج والفجر كل هذه بما فيها من إقسامات عظيمة هي لتقرير عقيدة‬ ‫البعث والجزاء‪ .‬وهذه الحداث الستة التي تقع في الدنيا وهي مباديء الخرة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تكوير ‪ 1‬الشمس بلفها وذهاب ضوئها‪.‬‬ ‫‪ -2‬إنكدار ‪ 2‬النجوم بانقضائها وسقوطها على الرض‪.‬‬ ‫‪ -3‬تسيير الجبال بذهابها عن وجه الرض واستحالتها إلى هباء يتطاير‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعطيل العشار‬ ‫‪ 3‬وهي النوق الحوامل فل تحلب ول تركب ول ترعى لما أصاب أهلها من الهول والفزع وكانت‬ ‫أفضل أموالهم وأحبها إلى نفوسهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬حشر الوحوش وموتها وهي دواب البر قاطبة‪.‬‬ ‫‪ -6‬تسجير ‪ 4‬البحار باشتعالها نارا‪.‬‬ ‫وهذه الحداث الستة التي تقع في الخرة‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال أبو عبيدة‪ :‬كورت مثل تكوير العمامة فتلف وقال الربيع كورت ورمي بها‪.‬‬ ‫‪ 2‬انكدرت تهافتت وتناثرت‪ ،‬وقال أبو عبيدة انصبت كما ينصب العقاب إذا انكسر قال العجاج‬ ‫يصف صقرا‪:‬‬

‫أبصر خربان فضاء فانكدر‬ ‫تقضي الباز إذا البازي كسر‬ ‫‪3‬العشار واحدها عشراء وهي التي مضى على حملها عشرة أشهر ثم ل يزال اسمها كذلك حتى‬ ‫تضع‪.‬‬ ‫‪4‬أو جائز أن يكون تسجير البحار فيضانها بتجاوز مياها معدل سطوحها‪,‬وجائز أن تشتعل فيها‬ ‫النار فتحترق‪,‬وظاهرة وجود البترول تحت سطحها تدل على أنها تحترق وتسجر كما يسجر‬ ‫التنور‪.‬‬

‫( ‪)5/524‬‬ ‫‪ -1‬تزويج النفوس وهو قرنها بأجسادها بعد خلق الجساد لها‪,‬وبعد ذلك بأمثالها في الخير والشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬سؤال الموءودة عن ‪1‬ذنبها التي قتلت به‪.‬‬ ‫‪ -3‬نشر صحف العمال وفتحها وبسطها‪.‬‬ ‫‪ -4‬كشط السماء ‪ 2‬أي نزعها من أماكنها نزع الجلد عن الشاة عند سلخها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تسعير النار أي تأجيجها وتقويتها‪.‬‬ ‫‪ -6‬إزلف الجنة وتقريبها لهلها أهل اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫وجوب هذه الحداث التي وقعت شرطا لحرف(إذا)هو قوله تعالى علمت نفس ‪ 3‬ما أحضرت من‬ ‫حسنات فتصير بها إلى الجنة‪ ,‬أو سيئات فتصير بها إلى النار‪.‬الهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها‬ ‫من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل‪.‬‬ ‫هداية اليات ‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مفصل عن مبادىء القيامة‪ ,‬وخواتيمها وفي حديث الترمذي الحسن الذي قال فيه رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم من سره أن ينظر إلي يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء‬ ‫انشقت‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترغيب في اليمان والعمل الصالح إذ بهما المصير إلى الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترهيب من الشرك والمعاصي إذ بهما المصير إلى النار‪.‬‬ ‫سعَسَ (‪ )17‬وَالصّبْحِ ِإذَا تَ َنفّسَ (‪ )18‬إِنّهُ‬ ‫جوَارِ ا ْلكُنّسِ (‪ )16‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا عَ ْ‬ ‫فَل ُأقْسِمُ بِالْخُنّسِ (‪ )15‬ا ْل َ‬ ‫َلقَ ْولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (‪ )19‬ذِي ُق ّوةٍ عِنْدَ ذِي ا ْلعَرْشِ َمكِينٍ (‪ )20‬مُطَاعٍ ثَمّ َأمِينٍ (‪َ ) )21‬ومَا صَاحِ ُبكُمْ‬ ‫ِبمَجْنُونٍ (‪ )22‬وََلقَدْ رَآهُ بِالُْأ ُفقِ ا ْلمُبِينِ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الوأد‪ :‬دفن الطفلة وهي حية‪ ،‬وكان العرب في الجاهلية يئدون البنات خشية العار‪ ،‬ويقتلون‬ ‫أولدهم خشية الفقر أو لنذرهم إياهم لللهة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الكشط إزالة الهاب "الجلد" عن الحيوان الميت‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي أن عمر رضي ال عنه قرأ هذه السورة فلما بلغ قوله تعالى (علمت نفس ما أحضرت)‬ ‫قال لهذا أجريت القصة‪.‬‬

‫( ‪)5/525‬‬ ‫(‪َ )23‬ومَا ُهوَ عَلَى ا ْلغَ ْيبِ ِبضَنِينٍ (‪َ )24‬ومَا ُهوَ ِب َقوْلِ شَ ْيطَانٍ َرجِيمٍ (‪ )25‬فَأَيْنَ َتذْهَبُونَ (‪ )26‬إِنْ‬ ‫ُهوَ إِلّا ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪ِ )27‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ َيسْ َتقِيمَ (‪َ )28‬ومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ َربّ‬ ‫ا ْلعَاَلمِينَ (‪)29‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الخنس ‪:‬أي التي تخنس بالنهار أي تختفي وتظهر بالليل‪.‬‬ ‫الجوار الكنس ‪:‬أي التي تجري أحيانا وتكنس في مكانسها أحيانا أخرى والمكانس محل إيوائها‬ ‫كمكانس بقر الوحش وهي الدرارى الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل ‪.‬‬ ‫إذا عسعس ‪:‬أي أقبل وأدبر لن عسعس من أسماء الضداد‪.‬‬ ‫تنفس ‪:‬أي امتد حتى يصير نهارا بينا‪.‬‬ ‫إنه ‪:‬أي القرآن‪.‬‬ ‫لقول رسول كريم ‪:‬أي جبريل كريم على ال تعالى وأضيف إليه القرآن لنزوله به‪.‬‬ ‫ذي قوة ‪:‬أي شديد القوى‪.‬‬ ‫عند ذي العرش مكين ‪:‬أي عند ال تعالى ذّي مكانة‪.‬‬ ‫مطاع ثم أمين ‪:‬أي مطاع في السماء تطيعه الملئكة أمين على الوحي‪.‬‬ ‫وما صاحبكم بمجنون ‪:‬أي محمد صلى ال عليه وسلم أي ليس به جنون‪.‬‬ ‫ولقد رآه بالفق المبين ‪:‬أي ولقد رأى النبي صلى ال عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق‬ ‫عليها بالفق العلى البين من ناحية المشرق‪.‬‬ ‫وما هو على الغيب ‪:‬أي وما محمد صلى ال عليه وسلم على الغيب وهو ما غاب من الوحي‬ ‫وخبر السماء‪.‬‬ ‫بضنين ‪:‬أي ببخيل وفي قراءة بالظاء أي بمتهم فينقص منه ول يعطيه كله‪.‬‬ ‫وما هو بقول شيطان رجيم ‪:‬أي وليس القرآن بقول شيطان مسترق للسمع‪.‬‬ ‫فأين تذهبون ‪:‬أي فأي طريق تسلكون في إنكاركم القرآن وإعراضكم عنه‪.‬‬ ‫ما هو إل ذكر للعالمين ‪:‬أي ما القرآن إل موعظة للجن والنس‪.‬‬

‫أن يستقيم ‪:‬أي يتحرى الحق ويعتقده ويعمل بمقتضاه‪.‬‬ ‫وما تشاءون إل أن يشاء ال ‪:‬أي ومن شاء الستقامة منكم فإنه لم يشأها إل بعد أن شاءها ال قبله‬ ‫إذ لو لم‬ ‫يشأها ال ما أشاءها عبده‬

‫( ‪)5/526‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء بوصف كامل لحداثها وكان الوصف من طريق الوحي‬ ‫فافتقر الموضوع إلى صحة الوحي واليمان به فإذا صح الوحي وآمن به العبد آمن بصحة البعث‬ ‫والجزاء‪ .‬ومن هنا أقسم تعالى بأعظم قسم على أن القرآن نزل به جبريل على محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم وما يقوله محمد صلى ال عليه وسلم هو كلم ال ووحيه وليس هو بمجنون يقول ما ل‬ ‫يدري و يهذر بما ل يعني ول هو بقول شيطان رجيم ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى إخوانهم‬ ‫من الكهان بل هو كلم ال صدقا وحقا وما يخبر به كما يخبر صدق وحق فقال تعالى {فَل} أي‬ ‫ليس ‪ 1‬المر كما تدعون بأن ما يقوله رسولنا هو من جنس ما تقوله الكهنة‪ .‬ول مما يقوله‬ ‫الشعراء‪ ،‬ول هو بكلم مجانين‪ .‬ول هو سحر الساحرين أقسم بالخنس الجوار الكنس أي بكل ما‬ ‫يكنس ويجري ويكنس من الظباء وبقر الوحش والكواكب والدراري الخمسة عطارد والزهرة‬ ‫والمريخ والمشتري وزحل‪ .‬والمراد من الخنوس الختفاء والكنوس إيواءها إلى مكانسها مواضع‬ ‫سعَسَْ} أي أقسم بالليل إذا أقبل أو أدبر إذ لفظ عسعس بمعنى أقبل‬ ‫‪ 2‬إيوائها ‪ .‬وقوله {وَاللّ ْيلِ ِإذَا عَ ْ‬ ‫وأدبر فهو لفظ مشترك بين القبال والدبار {وَالصّبْحِ إِذَا تَ َنفّسَ} أي امتد ضوءه فصار نهارا بينا‬ ‫أقسم بكل هذه المذكورات على أن القرآن الذي يصف لكم البعث والجزاء حق الوصف هو قول‬ ‫رسول كريم أي جبريل الكريم على ربه ذي قوة ل يقادر قدرها فل يقدر إنس ول جن على‬ ‫انتزاع ما عنده من الوحي ول على زيادة فيه أو نقص منه‪ .‬عند ذي العرش سبحانه وتعالى مكين‬ ‫ل وثانيا وال وما صاحبكم‬ ‫أي ذي مكانة محترمة مطاع في السماوات أمين على الوحي هذا أو ً‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم { ِبمَجْنُونٍ} كما تقولون {وََلقَدْ رَآه} أي رأى محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫جبريل بالفق المبين رآه على صورته التي خلقه ال عليها وله ستمائة جناح رآه بالفق ناحية‬ ‫الشرق وقد سد الفق كله‪ ،‬والفق بين والنهار طالع‪َ { .‬ومَا ُهوَ} أي محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫{عَلَى ا ْلغَ ْيبِ ِبضَنِينٍ}‪ 3‬أي بمظنون فيه التهمة بأن يزيد فيه أو ينقص منه أو يبدل فيه أو يغير كما‬ ‫هو ليس ببخيل فيظن فيه أنه يكتم منه شيئا أو يخفيه بخلً به أو ينقص منه شحا به وبخلً‪َ { .‬ومَا‬ ‫ُهوَ ِبقَ ْولِ شَ ْيطَانٍ رَجِيمٍ }ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى أوليائهم من النس فيخلطون فيه‬ ‫ويكذبون‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬فل أقسم الفاء للتفريع أي لتفريع الكلم اللحق على السابق وجائز أن تكون ل مزيدة لتقوية‬ ‫القسم‪ ،‬وكونها نافية ردا على باطل المشركين أول كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 2‬الخنس جمع خانسة وهي التي تخنس‪ .‬أي تختفي‪ ،‬والكنس جمع كانسة‪ :‬كنس الظبي إذا دخل‬ ‫كناسه بكسر الكاف وهو البيت الذي يتخذه للمبيت‪ ،‬وقيل الكنوس أن تأوي إلى مكانسها وهي‬ ‫المواضع التي تأوي إليها الوحوش والظباء‪ .‬قال العشى‪:‬‬ ‫فلما أتينا الحي أتلع أنسٌ‬ ‫كما أتلعت تحت المكانس ربرب‬ ‫‪ 3‬قريء في السبع بظنين ومعناه بمتهم من ظننت كذا وقريء بضنين بالضاد بمعنى بخيل ولذا‬ ‫شرحت الية مراعيا فيها القراءتين وكل المعنيين صحيح فل هو صلى ال عليه وسلم بمتهم على‬ ‫الوحي ول ببخيل به ول بغيره‪.‬‬

‫( ‪)5/527‬‬ ‫{فَأَيْنَ َتذْهَبُونَ} ينكر عليهم مسلكهم الشائن في تكذيب رسوله محمد صلى ال عليه وسلم واتهامه‬ ‫بالسحر‪ ،‬والقرآن بالشعر والكهانة والساطير‪ .‬وقوله إن هو إل ذكر للعالمين أي ما القرآن إل‬ ‫ذكر للعالمين من النس والجن يذكرون به خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وماله عليهم من حق‬ ‫العبادة وواجب الشكر ويتعظون به فيخافون ربهم فل يعصونه بترك فرائضه عليهم ول بارتكاب‬ ‫ما حرمه عليهم وقوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقين على منهاج الحق فيتحرى الحق أول‬ ‫ويؤمن به ويعمل بمقتضاه ثانيا‪ .‬ولما سمع أبو جهل هذه الية {ِلمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَسْ َتقِيمَ} قال‬ ‫المر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم‪ .‬أنزل تعالى قوله { َومَا تَشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ‬ ‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} فاكبت اللعين فاعلم أن من شاء الستقامة من العالمين لم يشأها إل بعد أن شاءها‬ ‫ال تعالى ولو لم يشأها ال تعالى وال ما شاءها العبد أبدا إذ مشيئة ال سابقة لمشيئة العبد‪ .‬وفي‬ ‫كل ما يشاؤه النسان فإن مشيئة ال سابقة لمشيئته لن النسان عبد وال رب والرب ل مشيئة‬ ‫تسبق مشيئته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية القسام بال تعالى وأسمائه وصفاته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان صفات جبريل الكمالية المانة‪ ،‬القوة‪ ،‬علو المكانة‪ ،‬الطاعة‪ ،‬الكرم‪.‬‬

‫‪ -4‬براءة الرسول مما اتهمه به المشركون‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن مشيئة ال سابقة لمشيئة العبد‪ .‬فل يقع في ملك ال تعالى إل ما يريد‪.‬‬

‫( ‪)5/528‬‬ ‫سورة النفطار‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النفطار‬ ‫مكية وآياتها تسع عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمَاءُ ا ْنفَطَ َرتْ (‪ )1‬وَإِذَا ا ْل َكوَا ِكبُ انْتَثَ َرتْ (‪ )2‬وَإِذَا الْ ِبحَارُ فُجّ َرتْ (‪ )3‬وَإِذَا ا ْلقُبُورُ ُبعْثِ َرتْ (‪)4‬‬ ‫إِذَا ال ّ‬ ‫عَِل َمتْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ‬

‫( ‪)5/528‬‬ ‫سوّاكَ َفعَدََلكَ (‪ )7‬فِي َأيّ‬ ‫وَأَخّ َرتْ (‪ )5‬يَا أَ ّيهَا الْإِنْسَانُ مَا غَ ّركَ بِرَ ّبكَ ا ْلكَرِيمِ (‪ )6‬الّذِي خََل َقكَ فَ َ‬ ‫صُو َرةٍ مَا شَاءَ َركّ َبكَ (‪ )8‬كَلّا َبلْ ُتكَذّبُونَ بِالدّينِ (‪ )9‬وَإِنّ عَلَ ْي ُكمْ لَحَا ِفظِينَ (‪ )10‬وَإِنّ عَلَ ْيكُمْ‬ ‫لَحَا ِفظِينَ (‪ )10‬كِرَاما كَاتِبِينَ (‪َ )11‬يعَْلمُونَ مَا َت ْفعَلُونَ (‪)12‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا السماء انفطرت ‪:‬أي انشقت‪.‬‬ ‫وإذا الكواكب انتثرت ‪:‬أي تساقطت‪.‬‬ ‫وإذا البحار فجرت ‪:‬أي اختلطت ببعضها وأصبحت بحرا واحدا الملح والعذب سواء‪.‬‬ ‫وإذا القبور بعثرت ‪:‬قلب ترابها وبعث موتاها‪.‬‬ ‫علمت نفس ما قدمت ‪:‬أي من العمال وما لخرت منها فلم تعمله وذلك عند قراءتها كتاب‬ ‫أعمالها‪.‬‬ ‫ما غرك بربك ‪:‬أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه‪.‬‬ ‫الذي خلقك ‪:‬أي بعد أن لم تكن‪.‬‬ ‫فسواك ‪:‬أي جعلك مستوى الخلقة سالم العضاء‪.‬‬ ‫فعدلك ‪:‬أي جعلك معتدل الخلق متناسب العضاء ليست يد أطول أو رجل أطول من الخرى‪.‬‬ ‫كل بل تكذبون بالدين ‪:‬ليس الكرم هو الذي غره وإنما جرأه على المعاصي تكذيبه بالدين الذي هو‬ ‫الجزاء بعد البعث حيا من قبره‪.‬‬

‫وإن عليكم لحافظين كراما ‪:‬أي وإن عليكم لملئكة كراما على ال تعالى حافظين لعمالكم‪.‬‬ ‫كاتبين ‪:‬أي لها أي لعمالكم خيرها وشرها حسنها وقبيحها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاءُ ا ْنفَطَ َرتْ}‪ 2‬أي انشقت {وَإِذَا ا ْل َكوَاكِبُ انْتَثَ َرتْ} أي انفضت وتساقطت‬ ‫قوله تعالى {إِذَا ‪ 1‬ال ّ‬ ‫{وَإِذَا‬ ‫__________‬ ‫‪1‬إذا ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط‪.‬وجوابه علمت نفس ما قدمت وأخرت‪.‬‬ ‫‪ 2‬صيغة الماضي في انفطرت وانتثرت‪,‬وفجرت وبعثرت للدللة على تحقق الوقع نحو {أَتَى َأمْرُ‬ ‫اللّهِ }‬

‫( ‪)5/529‬‬ ‫الْبِحَارُ فُجّ َرتْ} أي أختلط ماؤها بعضه ببعض ملحها بعذبها لنكسار ذلك الحاجز الذي كان‬ ‫يفصلهما عن بعضهما لزلزلة الرض إيذانا بخراب العالم‪{ ،‬وَإِذَا ا ْلقُبُورُ ُبعْثِ َرتْ} ‪ 1‬قلبت وأخرج‬ ‫ما فيها من الموات‪ ،‬إذا حصلت هذه الحداث الربعة ثلثة منها في الدنيا وهي انفطار السماء‬ ‫وانتثار الكواكب وتفجر البحار وهذه تتم بالنفخة الولى والرابع هو بعثرة القبور يتم في الخرة‬ ‫بعد النفخة الثانية‪ ،‬وعندها تعلم نفس ما قدمت وما أخرت وهذا جواب إذا في أول اليات‪ .‬ومعنى‬ ‫{عَِل َمتْ‪َ 2‬نفْسٌ} أي كل نفس مكلفة ما قدمت من أعمال حسنة وسيئة‪ ،‬وما أخرت من أعمال لحقتها‬ ‫بعدها وذلك ما سنته سنن الهدى أو سنن الضلل‪ ،‬لحديث من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن‬ ‫عمل بها ول من أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عملها ل ينقص من‬ ‫أوزارهم شيء‪ ،‬وهذا العلم يحصل للنفس أولً مجمل وذلك عند ابيضاض الوجوه واسودادها‪،‬‬ ‫ويحصل لها مفصل عندما تقرأ كتاب أعمالها‪ .‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الْإِنْسَانُ مَا غَ ّركَ‪ 3‬بِرَ ّبكَ‬ ‫ا ْلكَرِيمِ} يخاطب تعالى النسان الكافر والفاجر ليسأله موبخا إياه مقرعا مؤنبا‬ ‫بقوله ما غرك أي أي شيء خدعك وجرأك على الكفر بربك الكريم وعصيانه بالفسق عن أمره‬ ‫والخروج عن طاعته‪ .‬وهو القادر على مؤاخذتك والضرب على يديك ساعة ما كفرت به أو‬ ‫عصيته أليس هو الذي خلقك فسوى خلقك وعدل ‪ 4‬أعضاءك وناسب بين أجزائك في أي صورة‬ ‫ما شاء ركبك إن شاء بيضك أو سودك طولك أو قصرك جعلك ذكرا أو أنثى إنسانا أو حيوانا‬ ‫قردا أو خنزيرا هل هناك من يصرفه عما أراد لك والجواب ل أحد إذا كيف يسوغ لك الكفر به‬ ‫وعصيانه والخروج عن طاعته وبعد هذا التوبيخ والتأنيب قال تعالى {كَلّا} أي ما غرك كرم ‪ 5‬ال‬ ‫ول حلمه { َبلْ ُت َكذّبُونَ بِالدّينِ} أي بالبعث والجزاء في الدار الخرة هو الذي جرأكم على الكفر‬ ‫والظلم والجرام وما علمتم وال إن عليكم لحافظين يحفظون عليكم أعمالكم ويحصونها لكم‬

‫ويكتبونها في صحائفكم‪ .‬يعلمون ما‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بعثرت‪ :‬انقلب باطنها ظاهرها إذ البعثرة النقلب يقال بثر المتاع إذا قلب بعضه على بعض‪.‬‬ ‫‪ 2‬ليس بلزم أنها بمجرد ما يحصل الذي جعلت إذا شرطا له يتم العلم للنفس‪ ،‬وإنما إذا قامت‬ ‫القيامة بحصول النقلب الكوني وحشر الناس لفصل القضاء ثم يحصل للنفس‪ .‬فتعلم ما قدمت‬ ‫وما أخرت‪.‬‬ ‫‪ 3‬النسان هنا للجنس وقيل المراد به أبو السد بن كلدة الجمحي والستفهام للنكار عليه كفره‬ ‫والتعجب من حاله ونداؤه (يا أيها النسان) مشعر بالهتمام‪.‬‬ ‫‪( 4‬فعدلك) قرأ نافع فعدلك بتشديد الدال‪ .‬وقرأ حفص بتخفيفها‪.‬‬ ‫‪ 5‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ (إذا السماء انفطرت) قال غره جهله قيل للفضيل بن‬ ‫عياض لو أقامك ال يوم القيامة بين يديه فقال (ما غرك بربك الكريم) ماذا كنت تقول؟ قال‪ :‬كنت‬ ‫أقول غرني ستورك المرخاة لن الكريم هو الستار نظمه ابن السماك فقال‪:‬‬ ‫ياكاتم الذنب أما تستحي‬ ‫وال في الخلوة ثانيكما‬ ‫غرك من ربك امهاله‬ ‫وستره طول مساويكا‬

‫( ‪)5/530‬‬ ‫تفعلون في السر والعلن وسوف تفاجأون يوم تعلم نفس ما قدمت وأخرت بصحائف أعمالكم وقد‬ ‫حوت كل أعمالكم لم تغادر صغيرة ول كبيرة ويتم الجزاء بموجبها‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان أحداث تسبق يوم البعث وذلك في نفخة الفناء وأما النفخة الثانية وهي نفخة البعث حيث‬ ‫تجمع الخلئق ويجري الحساب فتعطى الصحف وتوزن العمال وينصب الصراط‪ ،‬ثم إلى جنة أو‬ ‫إلى نار‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من السنة السيئة يتركها المرء بعده فإن أوزارها تكتب عليه وهو في قبره‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الغرور والنخداع بعامل الشيطان من النس والجن‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من التكذيب بالبعث والجزاء فإنه أكبر عامل من عوامل الشر والفساد في الدنيا وأكبر‬ ‫موجب للعذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪-5‬تقرير عقيدة كتابة العمال حسنها وسيئها والحساب بمقتضاها يوم القيامة بواسطة ملكين‬

‫كريمين على كل إنسان مكلف لحديث الصحيح يتعاقبون فيكم الملئكة بالليل وملئكة بالنهار‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫جحِيمٍ (‪َ )14‬يصَْلوْ َنهَا َيوْمَ الدّينِ (‪َ )15‬ومَا هُمْ عَ ْنهَا‬ ‫إِنّ الْأَبْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ (‪ )13‬وَإِنّ ا ْلفُجّارَ َلفِي َ‬ ‫ِبغَائِبِينَ (‪َ )16‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ (‪ )17‬ثُمّ مَا َأدْرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ (‪َ )18‬يوْمَ ل َتمِْلكُ َنفْسٌ‬ ‫لِ َنفْسٍ شَيْئا وَالَْأمْرُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ (‪)19‬‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫إن البرار ‪:‬أي المؤمنين المتقين الصادقين‪.‬‬ ‫وإن الفجار ‪:‬أي الكافرين والخارجين عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫يصلونها يوم الدين ‪:‬أي يدخلونها ويقاسون حرها يوم الجزاء وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫وما هم عنها بغائبين ‪:‬أي بمخرجين‪.‬‬ ‫ل تملك نفس لنفس شيئا ‪:‬أي من المنفعة وإن قلت‪.‬‬

‫( ‪)5/531‬‬ ‫والمر يومئذ ل ‪:‬أي ل لغيره‪ ،‬ول تنفع الشفاعة عنده إل بإذنه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫تقدم أن العرض على ال حق وأن المجازاة تكون بحسب العمال التي عملها المرء‪ ،‬وأنها‬ ‫محفوظة محصاة عليه بواسطة ملئكة كرام‪ .‬وأن الناس يومئذ كما هم اليوم مؤمن بار وكافر‬ ‫فاجر‪ .‬بين تعالى جزاء الكل مقرونا بعلة الحكم فقال عز و جل {إِنّ الْأَبْرَارَ َلفِي ‪َ 1‬نعِيمٍ} أي في‬ ‫الجنة دار السلم وذلك لبرورهم وهو طاعتهم ل في صدق كامل {إِنّ ا ْلفُجّارَ َلفِي جَحِيمٍ} أي نار‬ ‫ذات جحيم وذلك لفجورهم وهو كفرهم وخروجهم عن طاعة ربهم‪ .‬وقوله { َيصَْلوْ َنهَا}‪ 2‬أي‬ ‫يدخلونها ويقاسون حرها { َيوْمَ الدّينِ} أي يوم الجزاء الذي كفروا به فأدى بهم إلى الفجور‬ ‫وارتكاب عظائم الذنوب‪ .‬وقوله { َومَا ُهمْ عَ ْنهَا ِبغَائِبِينَ}‪ 3‬أي إذا دخلوها ل يخرجون منها‪ .‬وقوله‬ ‫{ َومَا أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ} أي وما يعلمك يا رسولنا ما يوم الدين إنه يوم عظيم يوم يقوم الناس‬ ‫لرب العالمين هكذا يخبر تعالى عن عظم شأن هذا اليوم‪ .‬ويؤكد ذلك فيقول { ُثمّ مَا أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ‬ ‫الدّينِ} ويكشف عن بعض جوانب الخطورة بقوله { َيوْمَ ل َتمِْلكُ َنفْسٌ لِ َنفْسٍ شَيْئا وَالَْأمْرُ َي ْومَئِذٍ لِلّهِ}‬ ‫من المنفعة حيث يكون المر كله فيه ل وحده ول تنفع فيه الشفاعة إل بإذنه وما للظالمين فيه من‬ ‫شفيع ول حميم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حكم ال في أهل الموقف إذ هم ما بين بار صادق فهو في نعيم وفاجر كافر فهو في‬

‫جحيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عظم شأن يوم الدين وأنه يوم عظيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الناس في يوم الدين ل تنفعهم شفاعة ول خلة إذ ل يشفع أحد إل بإذن ال والكافرون‬ ‫هم الظالمون‪ ،‬وما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا‪ ،‬إذ تقدم من الكلم ما يجعل المرء يتشوق إلى معرفة مصير‬ ‫الناس يوم القيامة والبرار جمع بر وهو التقي المطيع الصادق والنعيم اسم لما ينعم به‪.‬‬ ‫‪ 2‬يصلونها قال القرطبي يصيبهم حرها ولهيبها وهذا قطعا بعد دخولها‪.‬‬ ‫‪ 3‬كونهم ل يغيبون عنها دال على أن الفجار هم المشركون والكافرون إذ المؤمنون ل يخلدون في‬ ‫النار‪.‬‬

‫( ‪)5/532‬‬ ‫سورة المطففين‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المطففين‬ ‫مدنية الوائل مكية الواخر وآياتها ست وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫طفّفِينَ (‪ )1‬الّذِينَ ِإذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ يَسْ َت ْوفُونَ (‪ )2‬وَإِذَا كَالُوهُمْ َأ ْو وَزَنُوهُمْ ُيخْسِرُونَ (‬ ‫وَ ْيلٌ لِ ْل ُم َ‬ ‫عظِيمٍ (‪َ )5‬يوْمَ َيقُومُ النّاسُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)6‬‬ ‫‪ )3‬أل َيظُنّ أُولَ ِئكَ أَ ّنهُمْ مَ ْبعُوثُونَ (‪ )4‬لِ َيوْمٍ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويل ‪ :‬كلمة عذاب‪ ،‬وواد في جهنم‪.‬‬ ‫للمطففين ‪ :‬المنقصين في كيل أو وزن الباخسين فيهما‪.‬‬ ‫إذا اكتالوا على الناس ‪ :‬أي من الناس‪.‬‬ ‫يستوفون ‪ :‬الكيل‪.‬‬ ‫وإذا كالوهم ‪ :‬أي كالوا لهم‪.‬‬ ‫أو وزنوهم ‪ :‬أوزنوا لهم‪.‬‬ ‫يخسرون ‪ :‬أي ينقصون الكيل أو الوزن‪.‬‬ ‫أل ‪ :‬استفهام توبيخي انكاري‪.‬‬ ‫يظن ‪ :‬أي يتيقن‪.‬‬ ‫ليوم عظيم ‪ :‬أي يوم القيامة لما فيه من أهوال وعظائم المور‪.‬‬

‫يوم يقوم الناس ‪ :‬أي من قبورهم‪.‬‬ ‫لرب العالمين ‪ :‬أي يقومون خاشعين ذليلين ينظرون حكم ال فيهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ويل للمطففين ‪ } 1‬هذه اليات الولى من سورة المطففين قال أحد النصار رضي ال‬ ‫عنه كنا أسوأ الناس كيل ‪ ،2‬حتى إنه ليكون لحدنا مكيالن مكيال يشتري به وآخر يبيع به‪ ،‬وما‬ ‫إن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى النسائي عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث‬ ‫الناس كيل فأنزل ال تعالى‪( :‬ويل للمطففين) فأحسنوا الكيل بعد ذلك‪ ،‬قال الفراء‪ :‬فهم من أوفى‬ ‫الناس كيل إلى يومهم هذا‪.‬‬ ‫‪ 2‬أيام نزول هذه السورة كان أهل المدينة يكيلون وأهل مكة يزنون ثم شاع الكيل والوزن في كل‬ ‫البلدين معا‪.‬‬

‫( ‪)5/533‬‬ ‫نزلت فينا ويل للمطففين حتى أصبحنا أحسن كيل ووزنا‪ .‬وصدق هذا الصاحب الجليل فوال لقد‬ ‫نزلت المدينة مهاجرا عام ثلثة وسبعين وثلثمائة وألف فوجدتهم على ما كانوا عليه ولقد كنت‬ ‫ط ّففِينَ}‪ 1‬يتوعد سبحانه وتعالى بواد‬ ‫أشفق عليهم إذا كالوا لي أو وزنوا لي‪ .‬فقوله تعالى {وَ ْيلٌ لِ ْلمُ َ‬ ‫في جهنم بسيل صديد أهل النار الذين يبخسون الناس الكيل والميزان أي ينقصوهم ويبينهم تعالى‬ ‫بقوله {الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ يَسْ َت ْوفُونَ} أي اشتروا منهم يأخذون كيلهم وافيا وكذا إذا وزنوا‬ ‫وإذا وزنوا وإذا كالوهم أي كالوا لهم ‪ 2‬أو وزنوا لهم يخسرون أي ينقصون‪ .‬قال تعالى وبخا لهم‬ ‫عظِيمٍ} هو يوم الدين‬ ‫منكرا {أل يَظُنّ أُولَ ِئكَ} المطففون ‪{ 3‬أَ ّنهُمْ مَ ْبعُوثُونَ} من قبورهم { لِ َيوْمٍ َ‬ ‫والجزاء والحساب { َيوْمَ َيقُومُ النّاسُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} خاشعين ذليلين ينتظرون حكمه فيهم‪ ،‬ويطول‬ ‫بهم الموقف المائة سنة وأكثر وإن أحدهم ليلجمه العرق إلجاما ومنهم من يصل العرق إلى نصف‬ ‫أذنيه والروايات في هذا كثيرة وصحيحة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة ‪ 4‬التطفيف في الكيل والوزن وهو أن يأخذ زائدا ولو قل أو ينقص عامدا شيئا ولو قل‪.‬‬ ‫‪ -2‬التذكير بالبعث والجزاء وتقريرهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬عظم يوم القامة يوم يقوم الناس لرب العالمين ليحكم بينهم ويجزي كل بعمله خيرا أو شرا‪.‬‬ ‫سجّينٌ (‪ )8‬كِتَابٌ مَ ْرقُومٌ (‪ )9‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ‬ ‫كَلّا إِنّ كِتَابَ ا ْلفُجّارِ َلفِي سِجّينٍ (‪َ )7‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ِ‬

‫لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )10‬الّذِينَ ُيكَذّبُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪)11‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يروي بعضهم أن التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلة وأسوأ الناس سرقة من يسرق‬ ‫في صلته وروي عن سالم بن أبي الجعد‪ :‬قال الصلة بمكيال فمن أوفى أُوفي له‪ ،‬ومن طفف فقد‬ ‫علمتم ما قال ال عز و جل‪.‬‬ ‫‪ 2‬شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫ولقد جنيتك اكمؤا وعساقل‬ ‫ونهيتك عن بنات الوبر‬ ‫والشاهد في قوله جنيتك أي جنيت لك‪.‬‬ ‫‪ 3‬المطفف مأخوذ من الطفيف وهو القليل‪ ،‬والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصان عن الحق في‬ ‫كيل أو وزن والتطفيف هو النقص من حق المقدار في الموزون والمكيال‪ ،‬وهو مصدر طفف إذا‬ ‫بلغ الطفاف‪ ،‬والطفاف ما قصر عن ملء الناء من شراب أو طعام‪ ،‬ويطلق الطف على ما تجاوز‬ ‫عرض المكيال فهي زيادة طفيفة أو نقصان طفيف وهما محل النهي وفاء أو نقصان‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى مالك والباز عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "خمس بخمس‪:‬ما نقض قوم‬ ‫العهد إل سلط ال عليهم عدوهم‪ ،‬ول حكموا بغير ما أنزل ال إل فشى فيهم الفقر‪ ،‬وما ظهرت‬ ‫الفاحشة فيهم إل ظهر فيهم الطاعون‪ ،‬وما طففوا الكيل إل منعوا النبات وأخذوا بالسنين ول منعوا‬ ‫الزكاة إل حبس ال عنهم المطر"‪.‬‬

‫( ‪)5/534‬‬ ‫َومَا ُي َك ّذبُ ِبهِ إِلّا ُكلّ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ (‪ )12‬إِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ آيَاتُنَا قَالَ َأسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كل ‪:‬أي حقا وأن المر ليس كما يظن المطففون‪.‬‬ ‫لفي سجين ‪:‬سجين علم على كتاب ديوان الشر دون فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة وهو أيضا‬ ‫موضع في أسفل الرض السابعة فيه سجين الذي هو ديوان الكتب و به أرواح الشقياء عامة‪.‬‬ ‫كتاب مرقوم ‪:‬أي مسطور بين الكتابة فيه أعمالهم‪.‬‬ ‫يوم الدين ‪:‬أي يوم القيامة الذي هو يوم الحساب والجزاء‪.‬‬ ‫كل معتد ‪:‬أي ظالم مضيع حقوق ربه تعالى وحقوق غيره‪.‬‬ ‫أثيم ‪:‬منغمس في الثام مكثر منها‪.‬‬ ‫أساطير الولين ‪:‬أي ما سطره الولون من القصص والخبار التي ل تصح‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫ما زال السياق في التحذير من الظلم والفسق عن أوامر الرب تبارك وتعالى وقوله تعالى { َكلّا ‪}1‬‬ ‫أي ليس المر كما يظن المطففون والباخسون للحقوق أنه ل دقة في الحساب والجزاء أو أن مثل‬ ‫هذا ل يكتب ول يحاسب عليه ول يجزى به حقا {إِنّ كِتَابَ ا ْلفُجّارِ} أي الظلمة الفاجرين عن‬ ‫الشرع وحدوده {َلفِي سِجّينٍ} موضع في أسفل الخلق به أرواح الكافرين والظالمين وكتب أعمالهم‪،‬‬ ‫وقوله { َومَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ‪ }2‬أي وما أعلمك يا رسولنا ما سجين تفخيم لشأنه‪ .‬وقوله {كِتَابٌ‪3‬‬ ‫مَ ْرقُومٌ} بيان لكتاب الفجار أي أنه مكتوب مسطور أي بين الكتابة‪{ ,‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ} أي‬ ‫العذاب الليم بوادي الويل يوم القيامة للمكذبين بال وآياته ولقائه المكذبين بيوم الجزاء والحساب‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا ُيكَ ّذبُ ِبهِ إِلّا ُكلّ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ‪ }4‬يريد ومل يكذب بقيوم الجزاء والحساب إل كل‬ ‫معتد ظالم متجاوز للحد أثيم مرتكب للذنوب والثام بفسقه عن أوامر ربه وخروجه عن طاعة ال‬ ‫بغشيانه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كل كلمة ردع وزجر لولئك الذين يطففون أل فالينزجوا ويتركوا التطفيف والبخس في الكيل‬ ‫والوزن‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتهويل من شأن سجين‪.‬‬ ‫‪ 3‬كتاب خبر محذوف المبتدأ والتقدير هو أي كتاب الفجار كتاب مرقوم‪.‬‬ ‫‪ 4‬الثيم مبالغة في الثم أي كثير الثم والثم كل اعتقاد أو قول أو عمل ضار قبيح أو فاسد‪.‬‬

‫( ‪)5/535‬‬ ‫المحارم وقوله {ِإذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَْْ} هذا بيان لذلك المعتدي الثيم وهو أنه إذا‬ ‫قرئت عليه آيات ال تذكيرا له وتعليما ردها بقوله أساطير الوليين أي هذه حكايات وأخبار‬ ‫الولين مسطرة مكتوبة وأنكر كتاب ال وكذب به‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان كتاب الفجار وأنه في سجين وسجين ديوان تدون فيه سائر كتب الفجار من أهل النار‬ ‫وموضع أسفل الرض السابعة مستودع لكتب أعمال الفجار من كفار وفساق ولرواحهم إلى يوم‬ ‫القيامة ولفظ سجين مشتق من السجن الذي هو الحبس‪.‬‬ ‫‪ -2‬الوعيد الشديد للمكذبين بال وبآياته ولقائه‪.‬‬ ‫كَلّا َبلْ رَانَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)14‬كَلّا إِ ّن ُهمْ عَنْ رَ ّبهِمْ َي ْومَئِذٍ َل َمحْجُوبُونَ (‪ )15‬ثُمّ إِ ّن ُهمْ‬ ‫جحِيمِ (‪ُ )16‬ثمّ ُيقَالُ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‪ )17‬ثُمّ ُيقَالُ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ (‬ ‫َلصَالُوا الْ َ‬ ‫‪)17‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ران على قلوبهم ‪:‬أي غطى قلوبهم وحجبها عن قبول الحق‪.‬‬ ‫ما كانوا يكسبون ‪:‬أي من الذنوب والثام‪.‬‬ ‫لمحجوبون ‪:‬أي يحال بينهم وبين رؤية الرب إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫لصالوا الجحيم ‪:‬أي لداخلوها ومحرقون معذبون بها‪.‬‬ ‫هذا الذي كنتم به تكذبون ‪:‬أي يقال لهم توبيخا وخزيا لهم وهم في العذاب هذا الذي كنتم به‬ ‫تكذبون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في التنديد بالعتداء والمعتدين والثم والثمين فقال تعالى {كَلّا َبلْ رَانَ‪1‬‬ ‫عَلَى قُلُو ِبهِمْ مَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ} أي ما المر كما يدعون من أن القرآن أساطير الولين وإنما ران‬ ‫على قلوبهم أي غشاها وغطاها أثر الذنوب والجرائم فحجبها عن معرفة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الران والرين مصدران لران يرين رينا ورانا كالعيب والعاب والذيم والذام‪.‬‬

‫( ‪)5/536‬‬ ‫حجُوبُونَ} أي ردعا لهم وزجرا عن أقوالهم‬ ‫الحق ‪ 1‬وقبوله‪ ,‬وقوله {كَلّا إِ ّنهُمْ عَنْ رَ ّب ِهمْ َي ْومَئِذٍ َلمَ ْ‬ ‫الباطلة وأعمالهم الفاسدة إنهم عن ربهم لمحجوبون فل يرونه ول يرون كرامته { ُثمّ إِ ّنهُمْ َلصَالُوا‬ ‫جحِيمِ} أي لداخلوها ومصطلون بحرها معذبون بأنواع العذاب فيها ثم يقال لهم توبيخا وخزيا‬ ‫الْ َ‬ ‫وتأنيبا { َهذَا} أي العذاب الذي كنتم به في الدنيا تكذبون حتى واصلتم كفركم وإجرامكم فحل بكم‬ ‫هذا الذي أنتم فيه الن فذوقوا فلن تزدادوا إل عذابا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من مواصلة الذنوب وعدم التوبة منها حيث يؤدي ذلك بالعبد إلى أن يحرم التوبة ففي‬ ‫حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أذنب العبد نكت في‬ ‫قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقل منها فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه فذلك الران الذي قال ال‬ ‫كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون‬ ‫‪ -2‬تقرير رؤية ال تعالى في الخرة بدليل قوله إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أي الشقياء إذا‬ ‫فالسعداء غير محجوبون فهم يرون ربهم ويشهد له قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬ ‫ناظرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬

‫شهَ ُدهُ‬ ‫علّيّينَ (‪َ )18‬ومَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيّونَ (‪ )19‬كِتَابٌ مَ ْرقُومٌ (‪َ )20‬ي ْ‬ ‫كَلّا إِنّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ َلفِي ِ‬ ‫ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪ )21‬إِنّ الْأَبْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ (‪ )22‬عَلَى الْأَرَا ِئكِ يَ ْنظُرُونَ (‪َ )23‬تعْ ِرفُ فِي وُجُو ِههِمْ َنضْ َرةَ‬ ‫ك َوفِي ذَِلكَ فَلْيَتَنَافَسِ ا ْلمُتَنَافِسُونَ (‪)26‬‬ ‫سٌ‬ ‫سقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (‪ )25‬خِتَامُهُ مِ ْ‬ ‫ال ّنعِيمِ (‪ُ )24‬ي ْ‬ ‫َومِزَاجُهُ مِنْ َتسْنِيم (‪ )27‬عَيْنا َيشْ َربُ ِبهَا ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪)28‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "إن‬ ‫العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء‪ ،‬فإن هو نزعها واستغفر ال وتاب صقل قلبه‪،‬‬ ‫فإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه‪ .‬وهو الران الذي ذكر ال تعالى في كتابه (كل بل ران على‬ ‫قلوبهم ما كانوا يكسبون)‪.‬‬

‫( ‪)5/537‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كتاب البرار ‪ :‬أي كتاب أعمالهم والبرار هم المطيعون ل ولرسوله الصادقون‪.‬‬ ‫لفي عليين ‪:‬أي في موضع يسمى عليين في أعلى الجنة‪.‬‬ ‫كتاب مرقوم ‪ :‬أي كتاب مرقوم بأمان من ال إياه من النار يوم القيامة والفوز بالجنة‪.‬‬ ‫يشهده المقربون ‪:‬أي يحضره المقربون من أهل كل سماء ويحفظونه لنه يحمل أمانا لصاحبه من‬ ‫النار وفوزه بالجنة‪.‬‬ ‫إن البرار لفي نعيم ‪:‬أي إن الذين بروا ربهم بطاعته بأداء الفرائض واجتناب النواهي لفي نعيم‬ ‫الجنة‪.‬‬ ‫على الرائك ‪:‬أي على السرة ذات الحجال‪.‬‬ ‫ينظرون ‪:‬أي ما آتاهم ربهم من صنوف النعيم‪.‬‬ ‫تعرف في وجوههم نضرة النعيم ‪:‬أي حسنه وبريقه وتللؤه‪.‬‬ ‫من رحيق ‪ :‬أي من خمر صرف خالصة ل غش فيها ول دنس‪.‬‬ ‫مختوم ‪:‬أي مختوم على إنهائها ل يفك ختمه إل هم‪.‬‬ ‫ختامه مسك ‪:‬أي آخر شربها يفوح برائحة المسك‪.‬‬ ‫وفي ذلك ‪:‬أي ل في غيره‪.‬‬ ‫فليتنافس المتنافسون ‪:‬أي فليطلب بالطاعة والستقامة الطالبون للنعيم المقيم‪.‬‬ ‫ومزاجه من تسنيم ‪:‬أي ومزاج شرابهم من عين تجري من عال تسمى التسنيم‪.‬‬ ‫عينا يشرب بها المقربون ‪:‬عينا هي التسنيم يشرب منها المقربون صرفا وتمزج لصحاب اليمين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫بعد أن ذكر تعالى كتاب الفجار وما ختم له به ذكر كتاب البرار وما ختم له به فقال {كَلّا} أي حقا‬ ‫{إِنّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} وهو جمع برأ أو بار وهو المؤمن الذي بر ربه بطاعته في أداء فرائضه‬ ‫واجتناب نواهيه وكان صادقا في ذلك كتاب أعمال هؤلء البرار في عليين { َومَا أَدْرَاكَ} يا‬ ‫رسولنا ‪{ 1‬مَا عِلّيّونَ} أنه موضع في أعلى ‪ 2‬الجنان‪ .‬وقوله {كِتَابٌ مَ ْرقُومٌ} يريد كتاب البرار‬ ‫ش َه ُدهُ ا ْل ُمقَرّبُون}‬ ‫الموضوع في عليين كتاب مرقوم بأمان من ال لصاحبه من النار والفوز بالجنة {يَ ْ‬ ‫أي مقربو كل سماء يحضرونه ويحفظون له ويشهدون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتفخيم والتعظيم بشأن عليين إذ هو في أعلى مرتبة وأسمى منزلة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال البراء بن عازب رضي ال عنه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم عليون في السماء‬ ‫السابعة تحت العرش‪.‬‬

‫( ‪)5/538‬‬ ‫بما فيه من المان لصاحبه من النار والفوز بالجنة‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ الْأَبْرَارَ} ‪ 1‬وأصحاب الكتب‬ ‫المودعة في عليين لفي نعيم يريد يوم القيامة والنعيم هو نعيم الجنة وهذا لون منه على الرائك‬ ‫أي السرة ذات الحجال {يَنْظُرُونَ} إنهم جالسون على الرائك ينظرون ‪ 2‬باستحسان وإعجاب‬ ‫ملكهم الكبير الذي ملكهم ال تعالى وقد يمتد مسافة ألفي سنة وينتهي إليه بصرهم { َتعْ ِرفُ فِي‬ ‫س َقوْنَ مِنْ َرحِيقٍ مَخْتُومٍ} أي من خمر‬ ‫وُجُو ِههِمْ َنضْ َرةَ ال ّنعِيمِ} أي حسنه وبريقه وتللؤه وقوله {يُ ْ‬ ‫هي الرحيق صافية ل دنس فيها ول غش مختوم على أوانيها ل يفكها إل هم‪ .‬ختامه مسك آخر‬ ‫هذا الشراب ‪ 3‬يفوح برائحة المسك الذفر فهي طيبة الرائحة للغاية‪ .‬وقوله تعالى { َوفِي ذَِلكَ‬ ‫فَلْيَتَنَافَسِ‪ 4‬ا ْلمُتَنَافِسُونَ} أي وفي مثل هذا النعيم ل في غيره من حطام الدنيا وشرابها وملكها الزائل‬ ‫يجب أن يتنافس المتنافسون أي في طلبه باليمان وصالح العمال بعد البعد كل البعد عن الشرك‬ ‫وسيئي القوال وقبيح الفعال‪ .‬وقوله تعالى { َومِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‪ ,‬عَيْنا َيشْ َربُ ِبهَا ا ْل ُمقَرّبُونَ} أي إن‬ ‫ذلك الرحيق يمزج لصحاب اليمين بماء عين تسمى التسنيم ويشربه المقربون صرفا أي خالصا‬ ‫بدون مزج من عين التسنيم وقوله { َيشْ َربُ ِبهَا} الباء بمعنى من أو ضمن يشرب معنى يتلذذ أي‬ ‫يلتذ بها وقد سبق في سورة النسان وقلت إنها لطيب شرابها تكاد تكون آلة للشرب فتكون الباء‬ ‫لللة على بابها نحو شربت بالكأس‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الثناء على البرار وبيان ما أعد ال تعالى لهم وهم المؤمنون المتقون الصادقون في ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر ما يجري فيها‪.‬‬

‫‪ -3‬الترغيب في العمل الصالح للحصول على نعيم الجنة لقوله تعالى { َوفِي ذَِلكَ فَلْيَتَنَافَسِ‬ ‫ا ْلمُتَنَافِسُونَ}‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البرار جمع بر هم أهل الطاعة والصدق فيها‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقيل ينظرون إلى أعدائهم في النار وهم على أرائكهم ول عجب لما ظهر اليوم من آلة التلفاز‪.‬‬ ‫‪ 3‬الرحيق هي الخمر العتيقة البيضاء الصافية من الغش‪ ,‬النيرة قال حسان‪:‬‬ ‫يسقون من ورد البريص عليهم‬ ‫بردى يصفق بالرحيق السلسل‬ ‫والبريص نهر بدمشق وبردى نهر آخر بها ويصفه يخرج والرحيق الخمر البيضاء‪.‬‬ ‫‪ 4‬يقال نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة أي ضننت به ولم يحب أن يصير إليه وذلك لحسن وجودته‬ ‫وتعلق النفس به‪.‬‬

‫( ‪)5/539‬‬ ‫حكُونَ (‪ )29‬وَإِذَا مَرّوا ِبهِمْ يَ َتغَامَزُونَ (‪ )30‬وَإِذَا ا ْنقَلَبُوا‬ ‫إِنّ الّذِينَ أَجْ َرمُوا كَانُوا مِنَ الّذِينَ آمَنُوا َيضْ َ‬ ‫إِلَى أَهِْلهِمُ ا ْنقَلَبُوا َف ِكهِينَ (‪ )31‬وَإِذَا رََأوْ ُهمْ قَالُوا إِنّ َهؤُلءِ َلضَالّونَ (‪َ )32‬ومَا أُرْسِلُوا عَلَ ْيهِمْ‬ ‫حكُونَ (‪ )34‬عَلَى الْأَرَا ِئكِ يَ ْنظُرُونَ (‪َ )35‬هلْ ُث ّوبَ‬ ‫حَا ِفظِينَ (‪ )33‬فَالْ َيوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ ا ْل ُكفّارِ َيضْ َ‬ ‫ا ْل ُكفّارُ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ (‪)36‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذين أجرموا ‪:‬أي على أنفسهم بالشرك والمعاصي كأبي جهل وأمية بن خلف وعتبة بن أبي‬ ‫معيط‪.‬‬ ‫من الذين آمنوا ‪ :‬أي كبلل وياسر وعمار وصهيب وخبيب‪.‬‬ ‫يتغامزون ‪:‬أي يشيرون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء بهم‪.‬‬ ‫فكهين ‪:‬أي إذا رجعوا إلى ديارهم وأهليهم يرجعون نشاوى فرحين معجبين بحالهم‪.‬‬ ‫وإذا رأوهم ‪:‬أي وإذا رأى أولئك الفكهون رأوا المؤمنين‪.‬‬ ‫قالوا إن هؤلء لضالون ‪:‬إن هؤلء يعنون المؤمنين من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫لضالون بترك دينهم واتخاذهم لدين محمد صلى ال عليه وسلم الجديد‪.‬‬ ‫وما أرسلوا عليهم حافظين ‪:‬أي ولم يكلفهم ال تعالى بحفظ أعمالهم ورعاية أحوالهم‪ .‬وإنما هم‬ ‫متطفلون‪.‬‬ ‫فاليوم ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫من الكفار يضحكون ‪:‬أي من أجل ما هم فيه من العذاب حيث يرونهم وهم على أرائكهم‪.‬‬

‫هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ‪:‬أي هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون من الكفر والشر والفساد؟‬ ‫والجواب نعم نعم نعم‪.‬‬

‫( ‪)5/540‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعدما بين تعالى حال البرار في دار البرار وذكر ما شاء ال أن يذكر من نعيمهم ترغيبا وتعليما‬ ‫بعد أن ذكر في اليات قبلها حال المجرمين وما أعد لهم من عذاب في دار العذاب‪ .‬ذكر تعالى‬ ‫هنا في خاتمة السورة ما أوجب للمجرمين وهو النار‪ ,‬وما أوجب للمؤمنين وهو الجنة فذكر طرفا‬ ‫من سلوك المجرمين وآخر من سلوك المؤمنين فقال عز من قائل {إِنّ الّذِينَ َأجْ َرمُوا ‪ }1‬أي على‬ ‫أنفسهم أي أفسدوها بالشرك والشر والفساد كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاصي وغيرهم كانوا‬ ‫حكُونَ} ‪2‬‬ ‫من الذين آمنوا كبلل وعمار وصهيب وخبيب وأضرابهم من فقراء المؤمنين { َيضْ َ‬ ‫استهزاء بهم وسخرية‪{ .‬وَإِذَا مَرّوا ِب ِهمْ} في شوارع مكة وحول المسجد الحرام {يَ َتغَامَزُونَ}‬ ‫يشيرون إليهم بالجفن والحاجب على عادة المتكبرين {وَإِذَا ا ْنقَلَبُوا} أي رجعوا {إِلَى َأهِْلهِمُ} في‬ ‫ديارهم {ا ْنقَلَبُوا َف ِكهِينَ} ‪ 3‬ناعمين معجبين بحالهم فرحين بما عندهم {وَِإذَا رََأوْهُمْ} أي وإذا رأى‬ ‫أولئك المجرمون المؤمنين أشاروا إليهم وقالوا {إِنّ َهؤُلءِ َلضَالّونَ} بتركهم دينهم واعتناق دين‬ ‫محمد الجديد في نظرهم‪ .‬قال تعالى { َومَا أُرْسِلُوا عَلَ ْيهِمْ‪ 4‬حَا ِفظِينَ} أي على أعمالهم وأحوالهم‬ ‫حتى يقولوا ما قالوا وإنما هم متطفلون يدعون ما ليس لهم كقبح سلوكهم وسوء فهومهم‪ ,‬قال تعالى‬ ‫حكُونَ} أي من الكفار {عَلَى الْأَرَا ِئكِ} أي السرة‬ ‫{فَالْ َيوْمَ} ‪ 5‬يوم القيامة {الّذِينَ آمَنُوا مِنَ ا ْل ُكفّارِ َيضْ َ‬ ‫ذات الحجال {يَ ْنظُرُونَ} إلى الكفار وهم في النار ويضحكون منهم وهم يعذبون ول عجب في‬ ‫كيفية رؤيتهم لهم وهم في النار أسفل سافلين والمؤمنون في أعلى عليين إذ البث التلفزيوني اليوم‬ ‫قطع العجب وأبطله وقوله تعالى { َهلْ ُث ّوبَ‪ 6‬ا ْل ُكفّارُ} أي هل جوزي الكفار على أفعالهم‬ ‫الجرامية؟ والجواب معلوم مما تقدم إذ وصفت حالهم وبين عذابهم والعياذ بال من عذابه وأليم‬ ‫عقابه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجرام مصدر أجرم إذا ارتكب الجرم وهو الثم العظيم وأعظمه الشرك والكفر‪.‬‬ ‫‪ 2‬معنى يضحكون منهم أنهم يضحكون من حالهم وهي حال خاصة كالفقر والضعف أو ترك‬ ‫دينهم إلى دين آخر قال الحارث بن عبد يغوث‪:‬‬ ‫وتضحك مني شيخة عبشمية‬ ‫كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع والجمهور فاكهين بصيغة اسم الفاعل‪ ,‬وقرأ حفص بدون ألف على أنه جمع فكه صفة‬

‫مشبهة‪ ,‬والمعنى واحد كفارح وفرح‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجملة متضمنة معنى التهكم بأولئك الضاحكين الساخرين من فقراء المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ 5‬تقديم الظرف اليوم للهتمام به لنه يوم الجزاء وفيه تشفى صدور المؤمنين من العداء‪.‬‬ ‫‪ 6‬الجملة فذلكة ما تقدم من اعتداء المشركين على المؤمنين وما ترتب عليه من الجزاء يوم القيامة‬ ‫والستفهام بهل تقريري وتعجب من عدم إفلتهم منه بعد دهور‪ ,‬وثوب بمعنى أعطى الثواب يقال‬ ‫أثابه وثوبه إذا أعطاه ثوابه وهو جزاء عمله وفي التفسير الثواب تهكم واضح بالمشركين نحو‬ ‫بشرهم بعذاب أليم‪.‬‬

‫( ‪)5/541‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالجرام والمجرمين‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان عليه المشركون في مكة إبان الدعوة وما لقيه المؤمنون منهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن المؤمنين سيرون المشركين في الجحيم ويضحكون منهم وهم في نعيمهم والمشركون‬ ‫في جحيمهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان إكرام ال لوليائه‪ ,‬وإهانته تعالى لعدائه‪.‬‬

‫( ‪)5/542‬‬ ‫سورة النشقاق‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النشقاق‬ ‫مكية وآياتها خمس وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حقّتْ (‪ )2‬وَإِذَا الْأَ ْرضُ مُ ّدتْ (‪ )3‬وَأَ ْل َقتْ مَا فِيهَا وَ َتخَّلتْ (‪)4‬‬ ‫شقّتْ (‪ )1‬وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا َو ُ‬ ‫سمَاءُ ا ْن َ‬ ‫إِذَا ال ّ‬ ‫ح ّقتْ (‪ )5‬يَا أَ ّيهَا الْإ ْنسَانُ إِ ّنكَ كَادِحٌ إِلَى رَ ّبكَ كَدْحا َفمُلقِيهِ (‪ )6‬فََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ‬ ‫وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا وَ ُ‬ ‫سبُ حِسَابا يَسِيرا (‪ )8‬وَيَنْقَِلبُ إِلَى أَهِْلهِ مَسْرُورا (‪ )9‬وََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ‬ ‫سوْفَ يُحَا َ‬ ‫بِ َيمِينِهِ (‪َ )7‬ف َ‬ ‫سعِيرا (‪ )12‬إِنّهُ كَانَ فِي أَهِْلهِ مَسْرُورا (‪)13‬‬ ‫سوْفَ يَدْعُو ثُبُورا (‪ )11‬وَ َيصْلَى َ‬ ‫ظهْ ِرهِ (‪َ )10‬ف َ‬ ‫وَرَاءَ َ‬ ‫إِنّهُ ظَنّ أَنْ لَنْ َيحُور (‪ )14‬بَلَى إِنّ رَبّهُ كَانَ ِبهِ َبصِيرا (‪)15‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫إذا السماء انشقت ‪:‬أي بالغمام وهو سحاب أبيض رقيق وذلك لنزول الملئكة‪.‬‬ ‫وأذنت لربها ‪:‬أي سمعت وأطاعت‪.‬‬ ‫وحقت ‪ :‬أي وحق لها أن تسمع أمر ربها وتطيعه‪.‬‬ ‫وإذا الرض مدت ‪:‬أي زيد في سعتها كما يمد الديم أي الجلد إذ لم يبق عليها بناء ول جبل‪.‬‬

‫( ‪)5/542‬‬ ‫وألقت ما فيها وتخلت ‪ :‬أي ألقت ما فيها من الموتى ألقتهم أحياء إلى ظهرها وتخلت عنه أي عما‬ ‫كان في‬ ‫بطنها‪.‬‬ ‫إنك كادح ‪ :‬أي عامل كاسب للخير أو الشر‪.‬‬ ‫إلى ريك كدحا ‪ :‬أي إلى أن تلقى ربك وأنت تعمل وتكسب فليكن عملك مما يرضي عنك ربك‪.‬‬ ‫فملقيه ‪ :‬أي ملق ربك بعد موتك وبعملك خيره وشره‪.‬‬ ‫كتابه ‪ :‬أي كتاب عمله وذلك بعد البعث‪.‬‬ ‫وينقلب إلى أهله مسرورا ‪ :‬أي بعد الحساب اليسير يرجع إلى أهله في الجنة من الحور العين‬ ‫فرحا‪.‬‬ ‫وراء ظهره ‪ :‬أي يأخذ بشماله من وراء ظهره إهانة له‪.‬‬ ‫يدعو ثبورا ‪ :‬أي ينادي هلكه قائل واثبوراه واثبوراه أي هلكه‪.‬‬ ‫ويصلى سعيرا ‪ :‬أي ويحرق بالنار حريقا وينضج انضاجة بعد أخرى على قراءة يصلى‬ ‫بالتضعيف‪ .‬إنه ظن أن لن يحور ‪ :‬أي إنه كان في الدنيا يظن أنه ل يرجع إلى الحياة بعد الموت‬ ‫فلذا لم يعمل خيرا قط‬ ‫ولم يتورع عن ترك الشر قط لعدم إيمانه بالبعث‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ش ّقتْ} يخبر تعالى أنه إذا انشقت السماء أي تصدعت وتفطرت وذابت‬ ‫سمَاءُ انْ َ‬ ‫قوله تعالى {إِذَا ال ّ‬ ‫حقّتْ} أي وسمعت ‪ 1‬لمر ربها واستجابت فكانت كما أمرها ال‬ ‫فصارت كالدهان {وََأذِ َنتْ لِرَ ّبهَا َو ُ‬ ‫أن تكون منشقة منفطرة حتى تكون كالمهل‪{ ,‬وَِإذَا الْأَ ْرضُ‪ 2‬مُ ّدتْ} من الديم واتسعت رقعتها حيث‬ ‫زال منها الجبال والكام والمباني والعمارات وأصبحت قاعا صفصفا {وَأَ ْل َقتْ مَا فِيهَا} أي ما في‬ ‫بطنها من الموات {وَ َتخَّلتْ} عنه أي عما كان في بطنها‬ ‫حقّتْ} أي وحق لها أن تسمع وتجيب وتطيع‬ ‫{وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا} في ذلك كله أي سمعت وأجابت { َو ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬شاهد قوله صلى ال عليه وسلم "ما أذن ال لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن" أي ما استمع‬

‫لشيء الخ‪ ..‬وقال الشاعر‪:‬‬ ‫صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به‬ ‫وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا‬ ‫أذنوا بمعنى سمعوا‪.‬‬ ‫‪ 2‬إذا ظرف خافض لشرطه منوصب بجوابه‪.‬‬

‫( ‪)5/543‬‬ ‫وجواب إذا الولى والثانية واحد وهو {عَِل َمتْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ وََأخّ َرتْ‪ }1‬أو ما أحضرت كما تقدم‬ ‫نظيره في التكوير والنفطار‪.‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الْإ ْنسَانُ} أي يا ابن آدم {إِ ّنكَ كَادِحٌ إِلَى رَ ّبكَ‪2‬‬ ‫كَدْحا} أي أنك عامل تعمل يوميا ليل ونهار إلى أن تموت وتلقى ربك إنك ل تبرح تعمل ل محالة‬ ‫وتكسب بجوارحك الخير والشر إلى الموت حيث تنتقل إلى الدار الخرة وتلقى ربك وتلقيه هذا‬ ‫يشهد له قول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح ‪ " 3‬كلكم يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو‬ ‫موبقها" إذا فمن الخير لك أيها النسان المكلف أن تعمل خيرا تلقي به ربك فيرضى عنك به‬ ‫ويكرمك إنك حقا ملق ربك بعملك فأنصح لك أن يكون عملك صالحا وانظر إلى الصورة التالية‬ ‫سبُ حِسَابا يَسِيرا‪ }4‬ينظر‬ ‫س ْوفَ ُيحَا َ‬ ‫{ فََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ} لنه حوى الخير و ل شر فيه {فَ َ‬ ‫في كتابه ويقرر هل فعلت كذا فيعترف ويتجاوز عنه وينقلب إلى أهله في الجنة وهم الحور العين‬ ‫والنساء المؤمنات والذرية الصالحة يجمعهم ال ببعضهم كرامة لهم وهو قوله تعالى {وَالّذِينَ‪5‬‬ ‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُمْ} {وَأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَا َبهُ} أي كتاب أعماله {وَرَاءَ‬ ‫آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬ ‫س ْوفَ‬ ‫ظهْ ِرهِ} حيث تغل اليمنى مع عنقه وتخرج الشمال وراء ظهره ويعطى كتابه وراء ظهره {فَ َ‬ ‫َ‬ ‫يَدْعُو ثُبُورا} أي ينادي هلكه قائل واثبوراه واثبوراه أي يا هلكه احضر فهذا أوان حضورك‬ ‫سعِيرا} أي ويدخل نار مستعرة شديدة اللتهاب ويصلى أيضا فيها تصلية أي ينضج‬ ‫{ وَ َيصْلَى ‪َ 6‬‬ ‫فيها لحمه المرة بعد المرة وأبدا‪ .‬والعياذ بال وعلة ذلك وسببه هو { إِنّهُ كَانَ فِي أَهِْلهِ} في الدنيا‬ ‫{مَسْرُورا} ل يخاف ال ول يرجوا الدار الخرة يعمل ما يشاء ويترك ما يشاء {إنه ظن أن لن ‪7‬‬ ‫يحور } أي أنه ل يرجع حيا بعد موته ول يحاسب ول يجزى هذه علة هلكه وشقائه فاحذروها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اضطرب المفسرون والنحاة في جواب إذا فمنهم من قال إنه يا أيها النسان‪ ،‬ومنهم من قال‬ ‫أذنت لربها‪ .‬على أن الواو زائدة‪ ،‬ومنهم من قال إنه فأما من أوتي كتابه‪ ،‬وغاب عنهم أن جواز‬ ‫حذف الشرط كجواز حذف القسم‪ .‬ل سيما وقد تقدم جواب الشرط كهذا في التكوير والنفطار إذا‬ ‫فما كان هناك جوابا يكون هنا جوابا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الكدح الكسب والعمل قال ابن المقل‪:‬‬

‫وما الدهر إل تارتان فمنهما‬ ‫أموت وأخرى أبتغي العيش اكدح‬ ‫والنسان هنا الجنس فهو عام في كل إنسان من بني آدم‪.‬‬ ‫‪ 3‬في صحيح مسلم حديث طويل أوله‪ :‬ما اجتمع قوم في بيت من بيوت ال يتلون كتاب ال‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 4‬حسابا يسيرا أي مناقشة فيه كما في حديث عائشة إذ قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫"من حوسب يوم القيامة عذب قالت يا رسول ال أليس قد قال ال فأما من أوتي كتابه بيمينه‬ ‫فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ فقال ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض‪ .‬من نوقش الحساب يوم‬ ‫القيامة عذب رواه البخاري وغيره‪.‬‬ ‫‪ 5‬الية من سورة الطور‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع ويصلى بتشديد اللم وسعيرا منصوب على نزع الخافض أي بسعير‪ ،‬وقرأ حفص‬ ‫بتخفيف اللم والبناء للفاعل مضارع صلى كرضى يصلى كيرضى إذا مسته النار‪.‬‬ ‫‪ 7‬يحور بمعنى يرجع شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫وما المرء إل كالشهاب وضوئه‬ ‫يحور رمادا بعد إذ هو ساطع‬

‫( ‪)5/544‬‬ ‫أيها الناس اليوم فآمنوا بربكم ولقائه واعملوا عمل ينجيكم من عذابه‪ .‬وقوله تعالى {بَلَى إِنّ رَبّهُ‬ ‫كَانَ بِهِ َبصِيرا} أي ليحورن وليبعثن وليحاسبن وليس كما يظن انه ل يبعث ول يحاسب ول‬ ‫يجزى بل ل بد من ذلك كله إن ربه تعالى كان به وبعمله بصيرا ل يخفى عليه من أمره شيء‬ ‫شدّه دخول النار وتصلية جحيم‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك تم له هذا الحساب والعقاب بَِأمَرّ العذاب وأَ َ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان مقدماته في انقلب الكون‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حتمية لقاء النسان ربه‪.‬‬ ‫‪ -3‬كل إنسان مكلف بالعقل والبلوغ فهو عامل وكاسب ل محالة إلى أن يموت ويلقى ربه‪.‬‬ ‫‪ -4‬أهل اليمان والتقوى يحاسبون حسابا يسيرا وهو مجرد عرض ل غير ويفوزون أما من‬ ‫نوقش الحساب فقد هلك وعذب لنه ل يملك حجة ول عذرا‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنعم في الدنيا والنكباب على شهواتها وملذها مع ترك الطاعات والصالحات ثمرة عدم‬ ‫اليمان أو اليقين بالبعث والجزاء‬ ‫سقَ (‪ )18‬لَتَ ْركَبُنّ طَبَقا عَنْ طَبَقٍ (‬ ‫سقَ (‪ )17‬وَا ْلقَمَرِ ِإذَا اتّ َ‬ ‫شفَقِ (‪ )16‬وَاللّ ْيلِ َومَا وَ َ‬ ‫فَل ‪ُ 1‬أ ْقسِمُ بِال ّ‬

‫سجُدُونَ (‪َ )21‬بلِ الّذِينَ َكفَرُوا ُيكَذّبُونَ (‬ ‫‪َ )19‬فمَا َلهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )20‬وَإِذَا قُ ِرئَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقُرْآنُ ل يَ ْ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َل ُهمْ‬ ‫‪ )22‬وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا يُوعُونَ (‪ )23‬فَ َبشّرْهُمْ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ (‪ )24‬إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ (‪)25‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بالشفق‪:‬أي بالحمرة في الفق يعد غروب الشمس‪.‬‬ ‫وما وسق ‪:‬أي دخل عليه من الدواب وغيرها‪.‬‬ ‫إذا اتسق ‪:‬اجتمع وتم نوره وذلك في الليالي البيض‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون (ل) صلة فأقسم بالشفق وكونها نافية لكلم سابق كما في التفسير هو اختيار ن‬ ‫جرير‪.‬‬

‫( ‪)5/545‬‬ ‫طبقا عن طبق‪ :‬أي حال بعد حال الموت‪ ،‬ثم الحياة‪ ،‬ثم ما بعدها من أحوال القيامة‪.‬‬ ‫فما لهم ل يؤمنون ‪ :‬أي أي مانع لهم من اليمان بال ورسوله ولقاء ربهم والحجج كثيرة تتلى‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫وإذ قرئ عليهم القرآن ‪ :‬أي تلي عليهم وسمعوه‪.‬‬ ‫ل يسجدون ‪ :‬أي ل يخضعون فيؤمنوا ويسلموا‪.‬‬ ‫بما يوعون ‪ :‬أي يجمعون في صحفهم من الكفر والتكذيب‪.‬‬ ‫لهم أجر غير ممنون ‪ :‬أي غير مقطوع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمُ} أي فليس المر كما تدعون من أنه ل بعث ول جزاء أقسم بالشفق وهي‬ ‫قوله تعالى {فَل ُأقْ ِ‬ ‫حمرة ‪ 1‬الفق بعد غروب الشمس والليل وما وسق أي وما جمع من كل ذي روح من سابح في‬ ‫الماء وطائر في السماء وسارح في الغبراء والقمر إذا اتسق أي اجتمع وتم نوره وذلك في الليالي‬ ‫البيض‪ .‬وجواب القسم قوله تعالى {لَتَ ْركَبُنّ طَبَقا عَنْ طَ َبقٍ} أي حالً بعد ‪ 2‬حال الموت ثم الحياة‪،‬‬ ‫ثم العرض‪ ،‬ثم الحساب‪ ،‬ثم الجزاء فهي أحوال وأحوال فليس المر كما تتصورون من أنه موت‬ ‫سجُدُونَ} أي ما للناس‬ ‫ول غير‪ .‬وقوله تعالى ‪َ { 3‬فمَا َلهُمْ ل ُي ْؤمِنُون وَإِذَا قُ ِرئَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقُرْآنُ ل يَ ْ‬ ‫يؤمنون أي شيء منعهم من اليمان بال ورسوله والدار الخرة مع كثرة اليات وقوة الحجج‬ ‫وسطوع البراهين‪ .‬وما لهم أيضا إذا تلي عليهم القرآن وسمعوه ل يخضعون ول يخشعون ول‬ ‫يخرون ساجدين مع ما يحمل من أنواع الحجج والبراهين وقوله تعالى ل الذين كفروا أي بدل أن‬ ‫يؤمنوا ويسلموا يكذبون ‪{ 4‬وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا يُوعُونَ} في قلوبهم من الكفر والتكذيب وفي نفوسهم من‬

‫الحسد والكبر والغل والبغض وبناء على ذلك فبشرهم ‪ 5‬يا رسولنا أي أخبرهم بما يسوءهم بعذاب‬ ‫ل وآجلً {إِلّا الّذِينَ آمَنُوا ‪ }6‬أي منهم آمنوا بال ورسوله وآيات ال ولقائه وعملوا‬ ‫أليم عاج ً‬ ‫الصالحات فأدوا الفرائض واجتنبوا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أكثر أهل العلم على أن الشفق الحمرة بعد غروب الشمس قال الفراء سمعت بعض العرب يقول‬ ‫لثوب عليه مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر‪ .‬وقال الشاعر‪:‬وأحمر اللون كمحمر الشفق‪.‬‬ ‫‪ 2‬من شواهد هذه الحقيقة قول الشاعر‪:‬‬ ‫كذلك المرء إن ينسأ له أجل‬ ‫يركب على طبق من بعده طبق‬ ‫‪ 3‬الستفهام للنكار عليهم والتعجب من حالهم في ترك اليمان‪.‬‬ ‫‪ 4‬يكذبون صيغة المضارع تدل على استمرار تكذيبهم والصلة هي الكفر‪ .‬فلو آمنوا ما كذبوا‬ ‫ولكفرهم يكذبون رسول ال صلى ال عليه وسلم قيما جاء به وأخبر عنه‪.‬‬ ‫‪ 5‬فبشرهم الفاء للتفريع والترتيب والبشارة هنا للتهكم بهم‪.‬‬ ‫‪ 6‬الستثناء منقطع بمعنى لكن الذين آمنوا‪ ,‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)5/546‬‬ ‫المحارم {َل ُهمْ أَجْرٌ} أي ثواب عند ال إلى يوم يلقونه {غَيْرُ َممْنُونٍ} أي غير منقوص ول مقطوع‬ ‫في الجنة دار السلم‪ .‬اللهم اجعلنا من أهلها برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن النسان مقبل على أحوال وأهوال حال بعد حال وهول بعد هول إلى أن ينتهي إلى‬ ‫جنة أو نار‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن عدم إيمان النسان بربه يستدعي العجب إذ ل مانع للعبد من اليمان بخالقه وهو يعلم‬ ‫انه مخلوق وقد تعرف إليه فأنول كتبه وبعث رسله وأقام الدلة على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية السجود عند تلوة هذه الية وهي وإذا قرئ عليهم القرآن ل يسجدون‪.‬‬ ‫‪ -4‬علم ال تعالى بما يعي النسان في قلبه وما يحمل في نفسه فذكره للعبد بأن يراقب ربه فل‬ ‫يعي في قلبه إل اليمان ول يحمل في نفسه إل الخير فل غل ول حسد ول شك ول عداء ول‬ ‫بغضاء‪.‬‬

‫( ‪)5/547‬‬

‫سورة البروج‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة البروج‬ ‫مكية وآياتها اثنتان وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شهُودٍ (‪ )3‬قُ ِتلَ َأصْحَابُ الُْأخْدُودِ (‪)4‬‬ ‫سمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (‪ )1‬وَالْ َيوْمِ ا ْل َموْعُودِ (‪ )2‬وَشَاهِ ٍد َومَ ْ‬ ‫وَال ّ‬ ‫شهُودٌ (‪َ )7‬ومَا َن َقمُوا‬ ‫النّارِ ذَاتِ ا ْل َوقُودِ (‪ )5‬إِذْ هُمْ عَلَ ْيهَا ُقعُودٌ (‪ )6‬وَهُمْ عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُ‬ ‫شيْءٍ‬ ‫علَى ُكلّ َ‬ ‫ض وَاللّهُ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫حمِيدِ (‪ )8‬الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫مِ ْنهُمْ إِلّا أَنْ ُي ْؤمِنُوا بِاللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬ ‫جهَنّ َم وََلهُمْ عَذَابُ ا ْلحَرِيقِ (‬ ‫شهِيدٌ (‪ )9‬إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُثمّ لَمْ يَتُوبُوا فََلهُمْ عَذَابُ َ‬ ‫َ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلكَبِيرُ (‪)11‬‬ ‫‪ )10‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬

‫( ‪)5/547‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ذات البروج ‪ :‬أي منازل الشمس والقمر الثني عشر برجا‪.‬‬ ‫واليوم الموعود ‪ :‬أي يوم القيامة إذ وعد ال تعالى عباده أن يجمعهم فيه لفصل القضاء‪.‬‬ ‫وشاهد ‪ :‬أي يوم الجمعة‪.‬‬ ‫ومشهود ‪ :‬أي يوم عرفة‪.‬‬ ‫قتل أصحاب الخدود ‪ :‬أي لعن أصحاب الخدود‪.‬‬ ‫الخدود ‪ :‬أي الحفر تحفر في الرض وهو مفرد وجمعه أخاديد‪.‬‬ ‫إذ هم عليها قعود‪ :‬أي على حافتها وشفيرها‪.‬‬ ‫وما نقموا منهم ‪ :‬أي ما عابوا أي شيء سوى إيمانهم بال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ‪ }1‬هذا قسم من أعظم القسام إذ أقسم تعالى فيه بالسماء ذات‬ ‫قوله تعالى {وَال ّ‬ ‫البروج وهي منازل الشمس والقمر الثنا عشر برجا‪ 2،‬وباليوم الموعود هو يوم القيامة إذ وعد‬ ‫الرب تعالى عباده أن يجمعهم فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وبالشاهد ‪ 3‬وهو يوم الجمعة‬ ‫وبالمشهود وهو يوم عرفة وجواب القسم أو المقسم عليه محذوف قد يكون تقديره لتبعثن ثم لتنبؤن‬ ‫لن السورة مكة والسور المكية تعالج العقيدة بأنواعها الثلثة والتوحيد والنبوة والبعث والجزاء‪,‬‬ ‫وجائز أن يكون الجواب قتل بتقدير اللم وقد نحو لقد قتل أي لعن أصحاب الخدود وهي حفر‬ ‫حفرها الكفار وأججوا فيها نارا وأتوا بالمؤمنين المخالفين لدينهم وعرضوا عليهم الكفر أو اللقاء‬

‫في النار فاختاروا اللقاء في النار مع بقاء إيمانهم حتى إن امرأة كانت ترضع صبيا فأحجمت عن‬ ‫إلقاء نفسها مع طفلها في النار فأنطق ال الصبي فقال لها‪ :‬أماه امضي فإنك على الحق فاقتحمت‬ ‫النار‪ .‬وقوله {ِإذْ ُهمْ عَلَ ْيهَا ُقعُودٌ} بيان للحال التي كانوا يفتنون فيها المؤمنين والمؤمنات إذ كانوا‬ ‫على شفير النار وحافتها قاعدين‪ ,‬وقوله تعالى { َوهُمْ عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى أحمد عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقرأ قي‬ ‫العشاء الخرة بالسماء ذات البروج وروي أيضا عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر أن يقرأ‬ ‫في العشاء بالسموات أي السماء ذات البروج والسماء والطارق‪.‬‬ ‫‪ 2‬البروج هي منازل الكواكب والشمس والقمر يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم‬ ‫فذلك ثمانية وعشرون يوما ثم يستتر ليلتين‪ .‬وتسير الشمس في كل برج منها شهرا وهي الحمل‪،‬‬ ‫والثور‪ ،‬والجوزاء‪ ،‬والسرطان‪ ،‬والسد‪ ،‬والسنبلة‪ ،‬والميزان‪ ،‬والعقرب‪ ،‬والقوس‪ ،‬والجدي‪ ،‬والدلو‪،‬‬ ‫والحوت‪ ،‬والبروج في لغة العرب القصور‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى الترمذي عن أبي هريرة قال رسول ال صلى ال عليه وسلم اليوم الموعود يوم القيامة‬ ‫واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة وقال فيه حديث حسن غريب‪ ،‬وجائز أن يكون‬ ‫الشهود الكرام الكاتبين والمشهود عليهم بنو آدم‪ ،‬وجائز أن يكون الشاهد هذه المة والشهود عليهم‬ ‫سائر المم وجائز غير ما ذكر‪.‬‬

‫( ‪)5/548‬‬ ‫شهُودٌ} أي حضور‪ ,‬ولم يغيروا منكرا ولم‬ ‫بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ} من اللقاء في النار والرتداد عن السلم { ُ‬ ‫يأمروا بمعروف‪ .‬وقوله تعالى { َومَا َن َقمُوا مِ ْنهُمْ} أي وما عابوا عنهم شيئا سوى إيمانهم بال‬ ‫العزيز الحميد الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬فحسب العبد من ال هذه الصفات فأنها توجب‬ ‫اليمان بال وطاعته ومحبته وخشيته وهي كونه سبحانه وتعالى عزيزا في انتقامه لوليائه حميدا‬ ‫يحمده للئه ونعمه سائر خلقه مالكا لكل ما في السموات والرض ليس لغيره ملك في شيء معه‬ ‫وعلمه الذي أحاط بكل شيء دل عليه قوله وهو على كل شيء شهيد‪ .‬فكيف ينكر على المؤمن‬ ‫إيمانه بربه ذي الصفات العل‪ .‬والجلل والجمال والكمال‪ .‬سبحانك اللهم وبحمدك ل إله إل أنت‬ ‫وحدك ل شريك لك‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪ 1‬وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ} أي فتنوهم عن دينهم‬ ‫جهَنّمَْ} جزاء لهم‪.‬‬ ‫فأحرقوهم بالنار { ُثمّ لَمْ يَتُوبُوا} بعد فتنتهم للمؤمنين والمؤمنات {فََل ُهمْ عَذَابُ َ‬ ‫عذَابُ الْحَرِيقِ} عذاب جهنم في الدار الخرة وعذاب الحريق في الدنيا‪ .‬فقد روي أنهم لما‬ ‫{وََلهُمْ َ‬ ‫فرغوا من إلقاء المؤمنين في النار والمؤمنون كانت تفيض أرواحهم قبل وصولهم إلى النار فلم‬ ‫يحسوا بعذاب النار والكافرون خرجت لهم النار من الخاديد وأحرقتهم فذاقوا عذاب الحريق في‬

‫الدنيا‪ ,‬وسيذوقون عذاب جهنم في الخرة هذا بالنسبة إلى أبدانهم أما أرواحهم فإنها بمجرد مفارقة‬ ‫الجسد تلقى في سجين مع أرواح الشياطين والكافرين وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ‪ }2‬بال وعملوا‬ ‫الصالحات أي آمنوا بال ربا وإلها وعبدوه بأداء فرائضه وترك محارمه {َلهُمْ جَنّاتٌ} أي بساتين‬ ‫{ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ} أي من تحت أشجارها وقصورها‪ .‬وقوله تعالى {ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلكَبِيرُ} ‪3‬‬ ‫ل ودخول الجنة ثانيا‪ .‬كما قال تعالى { َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ‬ ‫حقا هو فوز كبير‪ ،‬لنه نجاة من النار أو ً‬ ‫خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ فَا َز َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ}‪.‬‬ ‫النّا ِر وَأُ ْد ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إن الذين فتنوا الخ‪ ..‬الية عامة ليست خاصة بأصحاب الخدود ول بكفار قريش‪ ,‬وإنما هي‬ ‫عامة في كل من يفتن المؤمنين والمؤمنات في دينهم‬ ‫فيصرفهم عنه بأنواع من التعذيب وجزاؤهم ما ذكر في الية وهو عذاب جهنم وعذاب الحريق إل‬ ‫من تاب قبل موته وقد عد ممن فتنوا المؤمنين والمؤمنات في مكة أو جهل رأس الفتنة وأمية بن‬ ‫خلف والسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة وعد من المعذبين المفتونين بلل بن رباح‪ ,‬وأبو‬ ‫فكيهة وخباب بن الرت وياسر والد عمار وعامر بن فهيرة وعدد من النساء المعذبات حمامة أم‬ ‫بلل‪ ,‬وزنيرة‪ ,‬وسمية والدة عمار‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا الكلم مستأنف يبين فيه تعالى جزاء من آمن وعمل صالحا وهو دعوة إلى اليمان والعمل‬ ‫الصالح والتخلي عن الشرك والشر والفساد‪ .‬إنه لما ذكر جزاء الكفر وهو عذاب جهنم وعذاب‬ ‫الحريق ناسب ذكر جزاء أهل اليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫‪ 3‬اسم الشارة (ذلك) عائد إلى ما اختصهم ال تعالى به من الجنات التي تجري من تحتها النهار‬ ‫أنها الماء واللبن والخمر والعسل في دار السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/549‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل يومي الجمعة وعرفة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان ما يبتلى به المؤمنون في هذه الحياة ويصبرون فيكون جزاؤهم الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترهيب والترغيب في ذكر جزاء الكافرين والمؤمنين الصالحين‪.‬‬ ‫ئ وَ ُيعِيدُ (‪ )13‬وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ ا ْلوَدُودُ (‪ )14‬ذُو ا ْلعَرْشِ ا ْلمَجِيدُ‬ ‫شدِيدٌ (‪ )12‬إِنّهُ ُهوَ يُبْ ِد ُ‬ ‫طشَ رَ ّبكَ لَ َ‬ ‫إِنّ بَ ْ‬ ‫عوْنَ وَ َثمُودَ (‪َ )18‬بلِ الّذِينَ َكفَرُوا فِي‬ ‫حدِيثُ الْجُنُودِ (‪ )17‬فِرْ َ‬ ‫(‪َ )15‬فعّالٌ ِلمَا يُرِيدُ (‪َ )16‬هلْ أَتَاكَ َ‬ ‫حفُوظ (‪)22‬‬ ‫ن وَرَا ِئهِمْ ُمحِيطٌ (‪َ )20‬بلْ ُهوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (‪ )21‬فِي َلوْحٍ َم ْ‬ ‫َتكْذِيبٍ (‪ )19‬وَاللّهُ مِ ْ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن بطش ربك ‪ :‬أي أذا أخذ الكافر الشديد‪.‬‬ ‫يبدئ ويعيد ‪ :‬أي يبدئ الخلق ويعيده بعد فنائه و يبدئ العذاب ويعيده‪.‬‬ ‫الغفور الودود‪ :‬أي لذنوب عباده المؤمنين المتودد لوليائه‪.‬‬ ‫ذو العرش المجيد ‪ :‬أي صاحب العرش إذ هو خالقه ومالكه والمجيد المستحق لكمال صفات‬ ‫العلو‪.‬‬ ‫في تكذيب‪ :‬أي بما ذكر في سياق اليات السابقة‪.‬‬ ‫من ورائهم محيط ‪ :‬أي هم في قبضته وتحت سلطانه وقهره‪.‬‬ ‫قرآن مجيد ‪ :‬أي كريم عظيم‪.‬‬ ‫في لوح محفوظ ‪ :‬أي من الشياطين والمراد به اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫( ‪)5/550‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى ما توعد به الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم أخبر رسوله معرضا‬ ‫بمشركي قومه وطغاتهم اللذين آذوا المؤمنين في مكة من أجل إيمانهم أخبره بقوله {إِنّ بَطْشَ رَ ّبكَ‬ ‫ئ وَ ُيعِيدُ} فالقادر على البدء‬ ‫‪َ 1‬لشَدِيدٌ} أي إن أخذه أليم شديد ودلل على ذلك بقوله {إِنّهُ ُهوَ يُبْ ِد ُ‬ ‫والعادة بطشه شديد‪ .‬وقوله {يُ ْب ِدئُ} أي الخلق ثم يعيده‪ .‬و يبدئ العذاب ‪ 2‬أيضا ثم يعيده { َو ُهوَ‬ ‫ا ْل َغفُورُ ا ْلوَدُودُ} فهو قادر على البطش بأعدائه‪ ,‬وهو الغفور لذنوب أوليائه {ذُو ا ْلعَرْشِ ا ْلمَجِيدُ} أي‬ ‫صاحب العرش خلقا وملكا المجيد العظيم الكريم ‪َ { ,‬فعّالٌ ِلمَا ‪ 3‬يُرِيدُ} إذ ل يكره تعالى على شيء‬ ‫ول يقدر أحد على إكراهه‪.‬‬ ‫ن وَ َثمُود} كيف أهلكهم ال لما طغوا وبغوا وكفروا‬ ‫عوْ َ‬ ‫حدِيثُ الْجُنُودِ فِرْ َ‬ ‫وقوله تعالى { َهلْ أَتَاكَ َ‬ ‫وعصوا نعم قد أتاك وقرأته على قومك الكافرين ولم ينتفعوا به لنهم يعيشون في تكذيب لك يحيط‬ ‫بهم ل يخرجون لنه تكذيب ناشئ من الكبر والحسد والجهل فلذا هم لم يؤمنوا بعد‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{وَاللّهُ مِنْ وَرَا ِئهِمْ مُحِيطٌ‪ }4‬أي هم في قبضته وتحت قهره وسلطانه ل يخفى عليه منهم شيء ول‬ ‫حفُوظٍ}‬ ‫يحول بينه وبينهم متى أراد أخذهم شيء‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ ُهوَ‪ 5‬قُرْآنٌ َمجِيدٌ فِي َلوْحٍ ‪َ 6‬م ْ‬ ‫يرد بهذا على المشركين الذين قالوا في القرآن إنه سحر وشعر وأساطير الولين فقال ليس هو‬ ‫كما قالوا وادعوا وإنما هو قرآن مجيد في لوح محفوظ من الشياطين فل تمسه ول تقربه ول من‬ ‫غير الشياطين من سائر الخلق أجمعين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تهديد الظلمة بالعذاب عقوبة في الدنيا وفي الخرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يرى بعضهم أن قوله إن بطش ربك هو جواب القسم والسماء ذات البروج‪ .‬وأنه وإن كان‬ ‫جائزا فإن تقديره في أول الكلم أولى من تأخيره‪ .‬وهذه الية مستأنفة تحمل الوعيد والتعريض‬ ‫بمجرمي قريش كأبي جهل وأضرابه‪.‬‬ ‫‪ 2‬إنه هو يبدئ ويعيد الجملة تعليلية إذ الذي يبدي ويعيد ل يكون بطشه إل قويا شديدا ومن‬ ‫مظاهر الكمال اللهي جمعه بين صفتي البطش‪ ,‬والمغفرة والود‪ ,‬فهنيئا لوليائه‪ ,‬ويا ويل من‬ ‫أعدائه‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي أن أناسا دخلوا على أبي بكر في مرضه الذي مات فيه يعودونه فقالوا له أل نأتيك‬ ‫بطبيب؟ قال قد رآني قالوا فما قال لك؟ قال قال لي‪ :‬إني فعال لما أريد وفي بعض الروايات قال‬ ‫الطبيب أمرضني‪.‬‬ ‫‪ 4‬فهو قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون‪ ،‬وعاد وثمود قبله‪.‬‬ ‫‪ 5‬بل للضراب البطالي أي ليس القرآن كما يصفونه بأنه أساطير الولين‪ ،‬وإفك مفترى وما إلى‬ ‫ذلك مما قالوه في القرآن من رده وعدم اليمان به بل هو قرآن مجيد بالغ الغاية في المجد‬ ‫والشرف والسمو والعلو في ألفاظه ومعانيه‪ ،‬وما يخمل من هدى وتشريع وأنه في مناعته ل تصل‬ ‫إليه أيدي الخلق بالتحريف والتبديل إذ هو في لوح محفوظ‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع وحده يرفع محفوظ صفة القرآن وجوه الباقون حفص وغيره على أنه نعت للفظ لوح‬ ‫وحفظ اللوح حفظ القرآن المكتوب عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/551‬‬ ‫‪ -2‬إن ال تعالى لكرمه يتودد لوليائه من عباده‪.‬‬ ‫‪ -3‬فائدة القصص هي الموعظة تحصل للعبد فل يترك واجبا ول يغشى محرما‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان إحاطة ال تعالى بعباده وأنهم في قبضته وتحت سلطانه‪.‬‬ ‫‪ -5‬شرف القرآن الكريم‪ ،‬وإثبات اللوح المحفوظ وتقريره‪.‬‬

‫( ‪)5/552‬‬ ‫سورة الطارق‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الطارق‬

‫مكية وآياتها سبع عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫جمُ الثّا ِقبُ (‪ )3‬إِنْ ُكلّ َنفْسٍ َلمّا عَلَ ْيهَا حَافِظٌ (‬ ‫سمَا ِء وَالطّارِقِ (‪َ )1‬ومَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ (‪ )2‬النّ ْ‬ ‫وَال ّ‬ ‫ب وَالتّرَا ِئبِ (‪ )7‬إِنّهُ‬ ‫‪ )4‬فَلْيَ ْنظُ ِر الِنْسَانُ مِمّ خُِلقَ (‪ )5‬خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَا ِفقٍ (‪َ )6‬يخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصّ ْل ِ‬ ‫جعِ‬ ‫سمَاءِ ذَاتِ الرّ ْ‬ ‫جعِهِ َلقَادِرٌ (‪َ )8‬يوْمَ تُبْلَى السّرَائِرُ (‪َ )9‬فمَا َلهُ مِنْ ُق ّوةٍ وَل نَاصِرٍ (‪ )10‬وَال ّ‬ ‫عَلَى رَ ْ‬ ‫صلٌ (‪َ )13‬ومَا ُهوَ بِا ْلهَ ْزلِ (‪ )14‬إِ ّنهُمْ َيكِيدُونَ كَيْدا (‬ ‫(‪ )11‬وَالَرْضِ ذَاتِ الصّ ْدعِ (‪ )12‬إِنّهُ َل َقوْلٌ َف ْ‬ ‫‪ )15‬وََأكِيدُ كَيْدا (‪َ )16‬ف َم ّهلِ ا ْلكَافِرِينَ َأ ْمهِ ْلهُمْ ُروَيْدا (‪)17‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والطارق‪ :‬أي كل ما يطرق ويأتي ليل وسمي النجم طارقا لطلوعه ليل‪.‬‬ ‫النجم الثاقب ‪ :‬أي الثريا والثاقب المضيء الذي يثقب الظلم بنوره‪.‬‬ ‫لما عليها حافظ ‪ :‬أي إل عليها حافظ من الملئكة يحفظ عملها‪.‬‬ ‫خلق من ماء دافق ‪ :‬أي ماء ذي اندفاق وهو بمعنى مدفوق أي مصبوب في الرحم‪.‬‬ ‫من بين الصلب والترائب ‪:‬الصلب‪ :‬عظم الظهر من الرجل‪ ،‬والترائب عظام الصدر والواحدة‬ ‫تربية‪.‬‬ ‫يوم تبلى السرائر ‪ :‬أي تختبر ضمائر القلوب في العقائد والنيات‪ .‬والسرائر جمع سريرة كالسر‪.‬‬

‫( ‪)5/552‬‬ ‫ذات الرجع ‪ :‬أي ذات المطر لرجوعه كل حين والرجع من أسماء المطر‪.‬‬ ‫ذات الصدع ‪ :‬أي التصدع والتشقق بالنبات‪.‬‬ ‫لقول فصل ‪ :‬أي يفصل بين الباطل وفي الخصومات يقطعها بالحكم الجازم‪.‬‬ ‫وما هو بالهزل ‪ :‬أي باللعب والباطل بل هو الجد كل الجد‪.‬‬ ‫يكيدون كيدا ‪ :‬أي يعملون المكائد للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وأكيد كيدا ‪ :‬أي أستدرجهم من حيث ل يعلمون لوقعهم في المكروه‪.‬‬ ‫أمهلهم رويدا ‪ :‬أي زمنا قليل وقد أخذهم في بدر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَا ِء وَالطّارِقِ}‪ 1‬هذا قسم إلهي حيث أقسم تعالى بالسماء والطارق ولما كان لفظ‬ ‫قوله تعالى {وَال ّ‬ ‫الطارق يشمل كل طارق آت بليل‪ .‬وأراد طارقا معيينا فخم من شأنه بالستفهام عنه الدال على‬ ‫تهويله فقال {‪َ 2‬ومَا َأدْرَاكَ مَا الطّارِقُ} ثم بينه بقوله {النّجْمُ الثّا ِقبُ} وكل نجم هو ثاقب للظلم‬ ‫بضوئه‪ .‬والمراد به هنا الثريا لتعارف العرب على إطلق النجم على الثريا‪ .‬هذا هو القسم‬ ‫والمقسم عليه هو قوله تعالى {إِنْ ُكلّ َنفْسٍ‪َ 3‬لمّا عَلَ ْيهَا حَافِظٌ}‪ .4‬وهنا قراءتان سبعيتان الولى‬

‫بتخفيف ميم لما وحينئذ تصبح زائدة لتقوية الكلم ل غير واللم للفرق بين أن النافية والمؤكدة‬ ‫الداخلة على السم وهو هنا ضمير شأن محذوف والتقدير أنه على أي الحال والشأن كل نفس‬ ‫عليها حافظ‪ .‬والثانية بتشديد لما وحينئذ تكون إن نافية بمعنى ما ولما بمعنى إل ويصير الكلم‬ ‫هكذا‪ .‬ما كل نفس إل عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإ ْنسَانُ‪ }5‬أي الكافر المكذب بالبعث والجزاء {مّم خُِلقَ} أي من أي شيء‬ ‫خلِقَ مِنْ‪ 6‬مَاءٍ دَافِقٍ} أي ذي اندفاق وهو المني يصب في‬ ‫خلق‪ .‬وبين تعالى مما خلقه بقوله { ُ‬ ‫الرحم يخرج من بين الصلب والترائب أي يخرج الماء من صلب الرجل وهو عظام ظهره‬ ‫وترائب المرأة وهي محل القلدة من صدرها‪ ,‬وقد اختلف في تقدير فهم هذا الخبر عن ال تعالى‬ ‫وجاء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال العلماء افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه‪.‬‬ ‫‪ 2‬وما أدراك استفهام المراد منه تهويل المر وتعظيمه‪.‬‬ ‫‪ 3‬الخبار بأن كل نفس عليها حافظ يحفظ أعمالها لتحاسب عليه وتجزى بها إثبات للبعث الخر‬ ‫بطريق الكناية‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع بتخفيف الميم من لما وشددها حفص‪.‬‬ ‫‪ 5‬الفاء للتفريع إذ الجملة متفرعة عن قوله إن كل نفس لما عليها حافظ إن شك النسان في حقيقة‬ ‫البعث فلينظر في أصل نشأته وجائز أن تكون الفاء الفصيحة‪.‬‬ ‫‪ 6‬هذا جواب الستفهام (مم خلق) إذ من ابتدائية وما استفهامية وحذف ألفها تخفيفا لتقدم حرف‬ ‫الجر عليها نحو عم؟ ولم؟ والجار والمجرور متعلق بخلق بعده والنسان منكر البعث‪.‬‬

‫( ‪)5/553‬‬ ‫العلم الحديث فشرح الموضوع وأثبت أن ماء الرجل يخرج حقا مما ذكر ال تعالى في هذه الية‬ ‫وأن ماء المرأة كذلك يخرج مما وصف عز وجل وصدق ال العظيم‪ .‬وقوله تعالى {إِنّهُ عَلَى‬ ‫جعِهِ‪َ 1‬لقَادِرٌ} أي الذي خلقه مما ذكر من ماء دافق فجعله بشرا سويا ثم أماته بعد أن كان حيا‬ ‫رَ ْ‬ ‫قادر على إرجاعه حيا كما كان وأعظم مما كان‪ .‬وذلك يوم ‪ 2‬تبلى السرائر أي تختبر ‪ 3‬الضمائر‬ ‫وتكشف السرار وتعرف العقائد والنيات الصالحة من الفاسدة والسليمة من المعيبة ويومها { َفمَا لَهُ‬ ‫مِنْ ُق ّوةٍ وَل نَاصِرٍ} ليس لهذا الكافر والمكذب بالبعث والحياة الثانية ماله قوة يدفع بها عن نفسه‬ ‫سمَاءِ ذَاتِ الرّجْعِ وَالَ ْرضِ‬ ‫عذاب ربه ول ناصر ينصره فيخلصه من العذاب‪ .‬وقوله تعالى {وَال ّ‬ ‫ذَاتِ الصّ ْدعِ} أقسم تعالى بالسماء ذات السحب والغيوم والمطار‪,‬والرض ذات التشقق عن‬ ‫النباتات والزروع المختلفة على أن القرآن الكريم قول فصل وحكم عدل في كل مختلف فيهمن‬

‫الحق والباطل فما أخبر به وحكم فيه من أنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‪ ,‬وأن الساعة آتية‬ ‫ل ريب فيها هو الحق الذي ل مرية فيه والصدق الذي ل كذب معه وقوله تعالى وما هو بالهزل‬ ‫أي وليس القرآن باللعب الباطل بل هو الحق من ال الذي ل باطل معه‪ .‬وقوله تعالى {إِ ّنهُمْ‬ ‫َيكِيدُونَ كَيْدا} أي إن كفار قريش يمكرون بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم وبدعوته مكرا‬ ‫ويكدون لهم كيدا‪ .‬وقوله {وََأكِيدُ كَيْدا} أي وأنا أمكر بهم أكيد لهم كيدا فمن يغلب مكره وكيده‬ ‫الخالق المالك أم المخلوق المملوك؟ فمهل الكافرين يا رسولنا أمهلهم قليل‪ ,‬فقد كتبنا في كتاب‬ ‫عندنا {لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ} وقد أنجز ال وعده لرسوله والمؤمنين فلم يمض إل‬ ‫سنيات قلئل‪ ,‬ولم يبق في مكة من سلطان إل ال‪ ,‬ول من معبود يعبد إل ال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير المعاد والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن أعما العباد محصية محفوظة وأن الحساب يجري بحسبها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مادة تكوين النسان ومصدر تكوين تلك المادة‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من إسرار الشر وإخفاء الباطل‪ ,‬وإظهار خلف ما في الضمائر‪ ,‬فإن ال تعالى عليم‬ ‫بذلك‪ ,‬وسيختبر عباده في كل ما يسرون ويخفون‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون على رجعه ماءً في الصلب كما كان قادرا إل أن ما في التفسير أولى بقرينة يوم‬ ‫تبلى السرائر وذلك يوم القيامة الذي هو يوم البعث‪.‬‬ ‫‪ 2‬تبلى نختبر وتمتحن لظهار ما كان مستورا مخبوءا فيها من كفر وإيمان وخير وشر‪ .‬ورد عن‬ ‫السلف أن الوضوء والغسل والصلة والصيام والزكاة من السرائر‪ ,‬وأن حيض المرأة وحملها من‬ ‫السرائر إذ في إمكانها إخفاءه وإظهاره‪.‬‬ ‫‪ 3‬السرائر جمع سريرة وهي ما يسر العبد ويخفيه في نفسه‪ .‬وما يستره من أعماله‪ .‬قال‬ ‫الحوص‪:‬‬ ‫سيبقى لها في مضمر اقلب والحشاء‬ ‫سريرة ودٍ يوم تبلى السرائر‬

‫( ‪)5/554‬‬ ‫‪ -5‬إثبات أن القرآن قول فصل ليس فيه من الباطل شيء وقد تأكد هذا بمرور الزمان فقد صدقت‬ ‫أنباؤه ونجحت في تحقيق المن والستقرار أحكامه‪.‬‬

‫( ‪)5/555‬‬ ‫سورة العلى‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة العلى‬ ‫مكية وآياتها تسع عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سوّى (‪ )2‬وَالّذِي قَدّرَ َفهَدَى (‪ )3‬وَالّذِي َأخْرَجَ ا ْلمَرْعَى (‪)4‬‬ ‫ك الَعْلَى (‪ )1‬الّذِي خََلقَ فَ َ‬ ‫سَبّحِ اسْمَ رَ ّب َ‬ ‫خفَى (‪)7‬‬ ‫جهْ َر َومَا َي ْ‬ ‫حوَى (‪ )5‬سَ ُنقْرِ ُئكَ فَل تَنْسَى (‪ِ )6‬إلّ مَا شَاءَ اللّهُ إِنّهُ َيعَْلمُ الْ َ‬ ‫جعَلَهُ غُثَاءً َأ ْ‬ ‫فَ َ‬ ‫شقَى (‪)11‬‬ ‫وَنُيَسّ ُركَ لِلْيُسْرَى (‪ )8‬فَ َذكّرْ إِنْ َن َف َعتِ ال ّذكْرَى (‪ )9‬سَيَ ّذكّرُ مَنْ َيخْشَى (‪ )10‬وَيَتَجَنّ ُبهَا الَ ْ‬ ‫الّذِي َيصْلَى النّارَ ا ْلكُبْرَى (‪ُ )12‬ثمّ ل َيمُوتُ فِيهَا وَل َيحْيَى (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سبح اسم ربك ‪:‬أي نزه اسم ربك أن يسمى به غيره وأن يذكر بسخرية أو لعب أي ل يذكر إل‬ ‫بإجلل وإكبار ونزه ربك عما ل يليق به من الشرك والصاحبة والولد والشبيه والنظير‪.‬‬ ‫العلى ‪:‬أي فوق كل شيء والقاهر لكل شيء‪.‬‬ ‫الذي خلق فسوى ‪:‬أي النسان فسوى أعضاءه بأن جعلها متناسبة غير متفاوتة‪.‬‬ ‫والذي قدر فهدى‪ :‬أي قدر ما شاء لمن شاء وهداه إلى إتيان ما قدر له وعليه‪.‬‬ ‫والذي أخرج المرعى ‪:‬أي أنبت العشب والكل‪.‬‬ ‫فجعله غثاء أحوى ‪:‬أي بعد الخضرة والنضرة هشيما يابسا أسود‪.‬‬ ‫سنقرئك فل تنسى ‪:‬أي القرآن فل تنساه بإذننا‪.‬‬ ‫إل ما شاء ال ‪:‬أي إل ما شئنا أن ننسيكه فإنك تنساه وذلك إذا أراد ال تعالى نسخ شيء من‬ ‫القرآن بلفظه فإنه ينسي فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/555‬‬ ‫ونيسرك لليسرى ‪ :‬أي للشريعة السهلة وهي السلم‪.‬‬ ‫فذكر إن نفعت الذكرى ‪ :‬أي من تذكر أو لم تنفع ومعنى ذكر أي عظ بالقرآن‪.‬‬ ‫ويتجنبها ‪ :‬أي الذكرى أي يتركها جانبا فل يلتفت إليها‪.‬‬ ‫الشقى ‪ :‬أي الكافر الذي كتبت شقاوته أزل‪.‬‬ ‫يصلى النار الكبرى ‪ :‬أي نار الدار الخرة‪.‬‬

‫ل يموت فيها ول يحيى ‪ :‬أي ل يموت فيستريح‪ ,‬ول يحيا فيهنأ‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ك الَعْلَى}‪ 1‬هذا أمر من ال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫قوله تعالى {سَبّحِ اسْمَ رَ ّب َ‬ ‫وأمته تابعة له بأن ينزه اسم ‪ 2‬ربه عن أن يسمى به غيره‪,‬أو أن يذكر في مكان قذر‪,‬أو أن يذكر‬ ‫بعدم إجلل وإحترام‪ ,‬والعلى صفة للرب تبارك وتعالى دالة على علوه على خلقه فالخلق كله‬ ‫تحته وهو قاهر له وحاكم فيه‪ .‬الذي خلق فسوى أي أوجد من العدم المخلوقات وسوى خلقها كل‬ ‫مخلوق بحسب ذاته فعدل أجزاءه وسوى بينها وفل تفاوت فيها {وَالّذِي قَدّرَ َفهَدَى} أ ي قدر‬ ‫الشياء في كتاب المقادير من خير غيره وهدى كل مخلوق إلى ما قدره له أو عليه فهو طالب له‬ ‫حتى يدركه في زمانه ومكانه وعلى الصورة التي قدر عليها {وَالّذِي أَخْرَجَ ا ْلمَرْعَى} أي ما ترعاه‬ ‫حوَى ‪ }3‬أي فجعله بعد الخضرة والنضرة‬ ‫جعَلَهُ غُثَاءً أَ ْ‬ ‫البهائم من الحشيش والعشب والكل‪َ { .‬ف َ‬ ‫هشيما متفرقا يابسا بين سواد وبياض وهي الحوة هذه خمس آيات الية الولى تضمنت المر‬ ‫بتنزيه اسم ال والربع بعدها في التعريف به سبحانه وتعالى حتى يعظم اسمه وتعظم ذاته وتنزه‬ ‫عن الشريك والصاحبة والولد وقوله تعالى {سَ ُنقْرِ ُئكَ فَل تَنْسَى} هذه عدة من ال تعالى لرسوله‪.‬‬ ‫لعل سببها أنه كان صلى ال عليه وسلم إذا جاءه جبريل باليات يخاف نسيانها فيستعجل قراءتها‬ ‫قبل فراغ جبريل عليه السلم من إملئها عليه فيحصل له بذلك شدة فطمأنه ربه أنه ل ينسى ما‬ ‫يقرئه جبريل {ِإلّ مَا شَاءَ‪ 4‬اللّهُ} أن ينسيه إياه لحكمة اقتضت ذلك فأنه ينساه فقد كان صلى ال‬ ‫عليه وسلم ينسى وذلك لما أراد ال أن ينسخه من كلمه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي في السنن لما نزلت (سبح اسم ربك العلى) قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "اجعلوها‬ ‫في سجودكم"‪ .‬فكانوا يقولون في سجودهم سبحان ربي العلى ثلثا فأكثر‪.‬‬ ‫‪ 2‬إن تنزيه السم مستلزم لتنزيه المسمى‪ ,‬فلذا ل حاجة إلى القول بأن اسم صلة قصد بها تعظيم‬ ‫المسمى‪ .‬استشهادا بقول لبيد‪:‬‬ ‫إلى الحول تم اسم السلم عليكما‬ ‫فتنويه اسم ال وتقديسه مطلوب‬ ‫بل من أسمى المطالب‪ ,‬وتنزيه ال تعالى يكون بنفي الشريك عنه والولد ونفي كل نقص عنه قول‬ ‫واعتقادا وما يقرر أن تنزيه السم مستلزم لتنزيه المسمى قول الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫اجعلوها في سجودكم‪ .‬لنها دالة على تعظيم الرب تعالى وتعظيمه‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحوى‪ :‬الموصوف بالحوة وهي لون من اللوان سمرة تقرب من السواد‪ ,‬وأحوى صفة لغثاء‬ ‫الذي هو اليابس من النبات‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستثناء مفرغ أي إل الذي شاء ال أن تنساه فإنك تنساه؟‪.‬‬

‫( ‪)5/556‬‬ ‫خفَى} هذه الجملة تعليلية لقدرة ال تعالى على أن يحفظ على‬ ‫جهْ َر َومَا َي ْ‬ ‫وقوله تعالى {إِنّهُ َيعَْلمُ الْ َ‬ ‫رسوله القرآن فل ينساه ومعنى يعلم الجهر وما يخفى أي أن ال تعالى يعلم ما يجهر به المرء من‬ ‫قراءة أو حديث وما يخفيه الكل يعلمه ال بخلف عباده فإنهم ل يعلمون ما يخفى عليهم ويسر به‬ ‫وقوله تعالى {وَنُ َيسّ ُركَ لِلْيُسْرَى} أي للطريقة السهلة الخالية من الحرج وهي الشريعة السلمية‬ ‫التي بنيت على أساس أن ل حرج في الدين (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى‬ ‫{فَ َذكّرْ إِنْ َن َفعَتِ‪ 1‬ال ّذكْرَى} من آيسناك من إيمانهم أو لم تنفع‪ .‬لنه صلى ال عليه وسلم مأمور‬ ‫بالبلغ فيبلغ الكافر والمؤمن ويذكر الكافر والمؤمن‪ .‬والمر بعد ل‪ .‬وقوله تعالى {سَيَ ّذكّرُ مَنْ‬ ‫خشَى} أي سيذكر ويتعظ من يخشي عقاب ال ليمانه به ومعرفته له {وَيَتَجَنّ ُبهَا} أي الذكرى‬ ‫يَ ْ‬ ‫شقَى} أي أشقى الفريقين فريق من يتذكر وفريق من ل يتذكر {الّذِي َيصْلَى النّارَ ا ْلكُبْرَى} أي‬ ‫{الَ ْ‬ ‫يدخل النار الكبرى نار يوم القيامة {ثُمّ ل َيمُوتُ فِيهَا} من جراء عذابها فيستريح {وَل َيحْيَى}‪2‬‬ ‫فيهنأ ويسعد إذ الشقاء لزمه‪ .‬وهذه حال أهل النار ونعوذ بال من حال أهل النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تسبيح اسم ال وتنزيهه عما ل يليق به كوجوب تنزيه ذات ال تعالى عن كل ما ل‬ ‫يليق بجلله وكماله‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية قول سبحان ربي العلى عند قراءة هذه الية سبح اسم ربك العلى‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب التسبيح بها في السجود في كل سجدة من الصلة سبحان ربي العلى ثلثا فأكثر‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية قراءة هذه السورة في الوتر فيقرأ في الركعة الولى بالفاتحة والعلى وفي الثانية‬ ‫بالفاتحة والكافرون‪ ،‬وفي ركعة الوتر بالفاتحة والصمد أو الصمد والمعوذتين‪.‬‬ ‫‪ -5‬أحب الرسول صلى ال عليه وسلم سورة العلى لنها سورة ربه وأن ربه بشره فيها‬ ‫بشارتين عظيمتين الولى أنه ييسره لليسرى‪ ،‬ومن ثم ما خير رسول ال صلى ال عليه وسلم بين‬ ‫شيئين إل اختار أيسرهما والثانية أنه حفظه من النسيان بأن جعله ل ينسى‪ .‬ولذا كان يصلي بهذه‬ ‫السورة الجمع والعياد والوتر في كل ليلة فصلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الجملة تعريض بأن بين كفار قريش من لم تنفعهم الذكرى‪ ،‬ومع هذا فالتذكير متعين للجميع‬ ‫إقامة للحجة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قوله ول يحيا في الجملة احتراس مما قد يظن أنه ما دام الجهنمي أنه ل يموت فسوف يحيى‬ ‫حياة عادية ل عذاب فيها فرفع هذا التوهم بهذه الجملة (ول يحيى) أي حياة راحة من العذاب كما‬

‫قال القائل‪:‬‬ ‫أل ما لنفس ل تموت فينقضي‬ ‫عناها ول تحيا حياة لها طعم‬

‫( ‪)5/557‬‬ ‫سمَ رَبّهِ َفصَلّى (‪َ )15‬بلْ ُتؤْثِرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا (‪ )16‬وَالْآخِ َرةُ خَيْرٌ‬ ‫قَدْ َأفْلَحَ مَنْ تَ َزكّى (‪ )14‬وَ َذكَرَ ا ْ‬ ‫حفِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى (‪)19‬‬ ‫صُ‬ ‫حفِ الْأُولَى (‪ُ )18‬‬ ‫وَأَبْقَى (‪ )17‬إِنّ َهذَا َلفِي الصّ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفلح‪ :‬أي فاز بأن نجا من النار‪ ،‬ودخل الجنة‪.‬‬ ‫من تزكى‪ :‬أي تطهر باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وذكر اسم ربه أي في كل أحايينه عند الكل وعند الشرب وعند النوم وعند الهبوب منه وفي‬ ‫الصلة وخارج الصلة من تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير‪.‬‬ ‫فصلى ‪ :‬أي الصلوات الخمس والنوافل من رواتب وغيرها‪.‬‬ ‫تؤثرون ‪ :‬أي تقدمون وتفضلون الدنيا على الخرة‪.‬‬ ‫إن هذا لفي الصحف الولى ‪ :‬أي إن هذا وهو قوله قد أفلح إلى قوله وأبقى‪.‬‬ ‫صحف إبراهيم ‪ :‬إذ كانت عشر صحف‪.‬‬ ‫وموسى ‪ :‬أي توراته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} يخبر تعالى بفلح عبد مؤمن زكى ‪1‬نفسه‬ ‫أي طهرها باليمان وصالح العمال‪ ،‬وذكر اسم ربه على كل أحايينه عند القيام من النوم عند‬ ‫الوضوء بعد الوضوء في الصلة وبعد الصلة وعند الكل والشرب وعند اللباس فل يخلو من‬ ‫ذكر ال ساعة فصلى الصلوات الخمس وصلى النوافل‪ .‬ومعنى الفلح الفوز والفوز هو النجاة من‬ ‫المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب‪ .‬والمراد منه في الية النجاة من النار ودخول الجنة لية‬ ‫خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ فَازَ}‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ ُتؤْثِرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا}‬ ‫آل عمران { َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْ ِ‬ ‫أيها الناس أي تفضلونها على الخرة فتعلمون لها وتنسون الخرة فل تقدمون لها شيئا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله تزكى فيه معنى المعالجة وهي أنه عمل على تزكية نفسه بإبعادها عما يخبثها من الشرك‬ ‫والثام‪ ،‬ثم بتحليتها بالعبادات المزكية لها وهي اليمان وصالح العمال‪.‬‬

‫( ‪)5/558‬‬

‫هذا هو طبعكم أيها الناس إل من ذكر ال فصلى بعد أن آمن واهتدى في حين أن الخرة خير من‬ ‫الدنيا وأبقى خير نوعا وأبقى مدة حتى قال الحكماء ‪ 1‬لو كانت الدنيا من ذهب والخرة من‬ ‫خزف‪ ..‬طين لختار العاقل ما يبقى على ما يفنى‪ ،‬لن الدنيا فانية والخرة باقية وقوله تعالى {إِنّ‬ ‫حفِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى} أي إن قوله تعالى قد أفلح من تزكى إلى قوله‬ ‫حفِ الْأُولَى صُ ُ‬ ‫هَذَا َلفِي الصّ ُ‬ ‫خير وأبقى مذكور في كل من صحف إبراهيم وكانت له عشر صحف ولموسى ‪ ،2‬التوراة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الترغيب في الزكاة والذكر والصلة‪ ،‬ويحصل هذا للمسلم كل عيد فطر إذ يخرج زكاة الفطر‬ ‫أول ثم يأتي المسجد يكبر‪ ،‬ثم يصلي حتى أن بعضهم يرى أن هذه الية نزلت في ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬التزهيد في الدنيا والترغيب في الخرة لفناء الدنيا وبقاء الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬توافق الكتب السماوية دليل أنها وحي ال وكتبه أنزلها على رسله عليهم السلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال مالك بن دينار ونص كلمته كالتالي‪ :‬لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والخرة من خزف يبقى‬ ‫لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى‪ .‬قال فكيف والخرة من ذهب يبقى والدنيا من‬ ‫خزف يفنى؟‬ ‫‪ 2‬لقد كان لموسى صحف كثيرة إذ هي مجموع صحف أسفار التوراة والصحف جمع صحيفة‬ ‫على غير قياس إذ القياس صحائف وصار صحف أشهر وأفصح من صحائف كما قالوا في جمع‬ ‫سفينة سفن فكان أفصح من سفائن‪.‬‬

‫( ‪)5/559‬‬ ‫سورة الغاشية‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الغاشية‬ ‫مكية وآياتها ست وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شعَةٌ (‪ )2‬عَامَِلةٌ نَاصِبَةٌ (‪َ )3‬تصْلَى نَارا حَامِيَةً (‪)4‬‬ ‫حدِيثُ ا ْلغَاشِيَةِ (‪ )1‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ خَا ِ‬ ‫َهلْ أَتَاكَ َ‬ ‫ن وَل ُيغْنِي مِنْ جُوعٍ (‪ )7‬وُجُوهٌ‬ ‫سمِ ُ‬ ‫ن ضَرِيعٍ (‪ )6‬ل يُ ْ‬ ‫طعَامٌ ِإلّ مِ ْ‬ ‫سقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (‪ )5‬لَيْسَ َل ُهمْ َ‬ ‫تُ ْ‬ ‫سمَعُ فِيهَا لغِيَةً (‪ )11‬فِيهَا عَيْنٌ‬ ‫سعْ ِيهَا رَاضِيَةٌ (‪ )9‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ (‪ )10‬ل تَ ْ‬ ‫عمَةٌ (‪ )8‬لِ َ‬ ‫َي ْومَئِذٍ نَا ِ‬

‫صفُوفَةٌ (‪ )15‬وَزَرَا ِبيّ‬ ‫جَارِ َيةٌ (‪ )12‬فِيهَا سُرُرٌ مَ ْرفُوعَةٌ (‪ )13‬وََأ ْكوَابٌ َم ْوضُوعَةٌ (‪ )14‬وَ َنمَارِقُ َم ْ‬ ‫مَبْثُوثَةٌ (‪)16‬‬

‫( ‪)5/559‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل أتاك ‪ :‬أي قد جاءك‪.‬‬ ‫الغاشية ‪ :‬أي القيامة وسميت الغاشية لنها تغشى الناس بأهوالها‪.‬‬ ‫وجوه يومئذ‪ :‬أي يوم إذ تقوم الساعة‪.‬‬ ‫خاشعة‪ :‬أي ذليلة أطلق الوجوه وأراد أصحابها‪.‬‬ ‫عاملة ناصبة ‪:‬أي ذات نصب وتعب بالسلسل والغلل وتكليف شاق العمال‪.‬‬ ‫تصلى نارا حامية ‪ :‬ترد هذه الوجوه نارا حامية قد اشتدت حرارتها‪.‬‬ ‫تسقى من عين آنية ‪ :‬أي بلغت أناها من الحرارة يقال أني الحميم إذا بلغ منتهاه‪.‬‬ ‫إل من ضريع‪ :‬أي أخبث طعام وأنتنه‪ ،‬وضريع الدنيا نبت يقال له الشبرق ل ترعاه الدواب‬ ‫لخبثه‪.‬‬ ‫وجوه يومئذ ناعمة ‪ :‬أي حسنة نضرة‪.‬‬ ‫لسعيها راضية‪ :‬أي لعملها الصالحات في الدنيا راضية في الخرة لما رأت من ثوابها‪.‬‬ ‫لغية‪ :‬أي كلمة لغية من اللغو والباطل‪.‬‬ ‫وأكواب‪ :‬أقداح ل عرا لها موضوعة على حافة العين للشرب‪.‬‬ ‫ونمارق مصفوفة ‪ :‬أي ومساند جمع نمرقة مصفوفة الواحدة إلى جنب الخرى للستناد إليها‪.‬‬ ‫وزرابي مبثوثة ‪ :‬أي بسط وطنافس لها خمل وما ل خمل لها يسمى سجادة ومعنى مبثوثة‬ ‫مفروشة هنا وهناك مبسوطة‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َهلْ أَتَاكَ‪ 1‬حَدِيثُ ا ْلغَاشِ َيةِ‪ }2‬هذا خطاب من ال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم يقول له فيه هل أتاك نبأ الغاشية وخبرها العظيم وحديثها المهيل المخيف إن لم يكن أتاك فقد‬ ‫أتاك الن إنه حديث القيامة التي تغشي الناس بأهوالها وصعوبة مواقفها واشتداد أحوالها وإليك‬ ‫شعَةٌ} ذليلة {نَاصِبَةٌ}‬ ‫عرضا سريعا لبعض ما يجري فيها‪ُ { :‬وجُوهٌ ي َ‪ْ 3‬ومَئِذٍ} تغشاهم الغاشية {خَا ِ‬ ‫أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬افتتح تعالى هذه السورة بالستفهام بهل المفيد لمعنى قد التي هي للتحقيق من أجل التشويق إلى‬ ‫ما يخبر به لما فيه من العلم والمعرفة وما يحوي من موعظة كبرى‪.‬‬

‫‪ 2‬الغاشية‪ :‬القيامة علم لها بالغلبة واشتق لها هذا السم من الغشيان الذي هو التغطية إذ هي تغطي‬ ‫الناس بأهوالها وتذهل عقولهم وتغطيها‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه الجملة بيان لجملة حديث الغاشية بينها بذكر أحوالها وأهوالها إذ المقصود العبرة وتقرير‬ ‫البعث الذي أنكرره المشركون وذكر الوجوه كناية عن أصحابها إذ يطلق الوجه ويراد به الذات‪.‬‬

‫( ‪)5/560‬‬ ‫ذات نصب وتعب من جر السلسل والغلل‪ ،‬وتكليف أشق العمال { َتصْلَى نَارا حَامِيَةً} أي ترد‬ ‫سقَى} أي فيها {مِنْ عَيْنٍ آنِ َيةٍ} قد بلغت أناها وانتهت إلى غايتها في حرارتها هذا هو‬ ‫نارا {ُت ْ‬ ‫الشراب أما الطعام فإنه ليس لهم طعام إل من ضريع ‪ 1‬قبيح اللون خبيث الطعم منتن الريح‪{ ،‬ل‬ ‫سمِنُ} آكله ول يغنيه من جوع‪ .‬هذه حال من كفر وفجر كفر بال وبآياتها ولقائه ورسوله‪ ،‬أو‬ ‫يُ ْ‬ ‫فجر عن طاعة ال ورسوله فترك الفرائض وغشي المحارم هذه وجوه ووجوه ‪ 2‬يومئذ ناعمة أي‬ ‫نضرة حسنة فإنها لسعيها راضية أي لسعيها في الدنيا وهو إيمانها وصبرها إيمانها وجهادها‬ ‫إيمانها وتقواها إيمانها وعملها الصالح أصحاب هذه الوجوه راضون بأعمالهم لما رأوا من ثوابها‬ ‫والجزاء عليها‪.‬‬ ‫إنهم أدخلوا في جنة عالية ل يقادر علها‪ ،‬ل تسمع ‪ 3‬فيها لغية أي كلمة باطلة تنغص سعادتهم‬ ‫ول كلمة نابية تقلق راحتهم‪ .‬فيها عين جارية من غير أخدود حفر لها‪ ،‬فيها سرر مرفوعة قدرا‬ ‫وحالً ومكانا‪ ،‬وأكواب أقداح ل عرا لها من ذهب وفضة موضوعة لشربهم إن شاءوا وشربوا‬ ‫بأيديهم أو ناولتهم غلمانهم‪ ،‬ذاك لون من الشراب أما الفراش فإنها سرر مرفوعة‪ ،‬ونمارق‬ ‫مصفوفة وزرابي مبثوثة‪ ،‬وسائد قد صفت للراحة والتكاء الواحدة إلى جنب الخرى طنافس ذات‬ ‫خمائل مبثوثة مفروشة هنا وهناك مبسوطة‪ .‬هذه لمحة خاطفة عن الدار الخرة تعتبر ذكرى‬ ‫للذاكرين وعظة للمتقين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر عرض سريع لها‪.‬‬ ‫‪ -2‬من أسماء القيامة الغاشية لنها تغشى الناس بأهوالها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن في النار نصبا وتعبا‪ .‬على عكس الجنة فإنها ل نصب فيها ول تعب‪.‬‬ ‫‪ -4‬من مؤلمات النفس البشرية لغو الكلم وكذبه باطله وهو ما ينزه عنه المؤمنون أنفسهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الضريع هو يابس ثمر الشبرق بكسر الشين وإسكان الباء وكسر الراء وهو نبت ذو شوك فإذا‬ ‫يبس يقال له ضريع ويصير مسموما أي فيه مادة السم القاتلة هذا طعام أهل النار وجائز أن يكون‬

‫الضريع شجر في النار ينتج عنه عصير الغسلين‪.‬‬ ‫‪ 2‬وجوه يومئذ ناعمة‪ .‬هذه الجملة غير معطوفة على الوجوه الولى‪ ،‬لن المقصود من الكلم هو‬ ‫بيان القيامة وما يكون فيها من عذاب وشقاء للمكذبين بها‪ .‬فلما تم الحديث عنها قد يتشوق السامع‬ ‫إلى معرفة حال المؤمنين بها فأجيب بقوله وجوه يومئذ ناعمة الخ‪ ...‬فهو استئناف بياني‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع ل تسمع بالبناء للمجهول و لغية نائب فاعل وقرأ حفص ل تسمع بالبناء للفاعل‬ ‫ولغية مفعول به‪.‬‬

‫( ‪)5/561‬‬ ‫سمَاءِ كَ ْيفَ ُر ِف َعتْ (‪ )18‬وَإِلَى ا ْلجِبَالِ كَ ْيفَ‬ ‫َأفَل يَنْظُرُونَ إِلَى الِ ِبلِ كَيْفَ خُِلقَتْ (‪ )17‬وَإِلَى ال ّ‬ ‫ستَ عَلَ ْيهِمْ ِب ُمصَيْطِرٍ‬ ‫حتْ (‪ )20‬فَ َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ (‪َ )21‬ل ْ‬ ‫طَ‬ ‫ُنصِ َبتْ (‪ )19‬وَإِلَى الْأَ ْرضِ كَ ْيفَ سُ ِ‬ ‫لكْبَرَ (‪ )24‬إِنّ إِلَيْنَا إِيَا َب ُهمْ (‪ )25‬ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا‬ ‫باَ‬ ‫(‪ِ )22‬إلّ مَنْ َتوَلّى َو َكفَرَ (‪ )23‬فَ ُيعَذّ ُبهُ اللّهُ ا ْلعَذَا َ‬ ‫حسَا َبهُمْ (‪)26‬‬ ‫ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفل ينظرون ‪ :‬أي أينكرون البعث فل ينظرون نظر اعتبار‪.‬‬ ‫إلى البل كيف خلقت ‪ :‬أي خلقا بديعا معدول به عن سنن سائر المخلوقات‪.‬‬ ‫وإلى السماء كيف رفعت ‪ :‬أي فوق الرض بل عمد ول مستند‪.‬‬ ‫وإلى الجبال كيف نصبت ‪ :‬أي على وجه الرض نصبا ثابتا ل يتزلزل‪.‬‬ ‫وإلى الرض كيف سطحت ‪ :‬أي بسطت‪.‬‬ ‫فذكر‪ :‬أي ذكرهم بنعم ال ودلئل توحيده‪.‬‬ ‫بمسيطر ‪ :‬أي بمسلط‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {َأفَل يَ ْنظُرُونَ} ‪ 1‬أي أينكرون البعث والجزاء وما أعد ال لوليائه من النعيم المقيم‬ ‫وما أعد لعدائه من عذاب الجحيم‪ .‬أفل ينظرون نظرة اعتبار إلى البل كيف خلقت ‪ ،2‬وإلى‬ ‫السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الرض كيف سطحت فهل خلق البل على‬ ‫تلك الصورة العجيبة وذاك التسخير لها وما فيها من منافع إذ يشرب لبنها ويركب ظهرها ويؤكل‬ ‫لحمها ل يدل على قدرة الخالق على إحياء الموتى وهل خلق السماء بكواكبها وشمسها وقمرها ثم‬ ‫رفعها بغير عمد يدعمها ول سند يسندها ل يدل على قدرة ال على بعث الموتى أحياء ليحاسبهم‬ ‫ويجزيهم‪ ،‬وهل نصب الجبال بعد خلق ترابها وإيجاد صخورها ل يدل على قدرة ال خالقها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الكلم متفرع عما سبق إذ إنكار المشركين للبعث والجزاء وللتوحيد الناتج عن جهلهم‬

‫وغفلتهم وعدم تفكرهم فلذا استحثهم على النظر والتفكر موبخا لهم على ترك ذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬كيف خلقت بدل اشتمال من البل‪ ،‬وكيف في محل نصب على الحال والعامل فيه ما ذكر بعدها‬ ‫وأما وإلى السماء وما بعدها فإنها معطوفات على جملة إلى البل وإعراب كيف واحد والبل اسم‬ ‫جمع للبعران ل مفرد لها من لفظه‪.‬‬

‫( ‪)5/562‬‬ ‫على بعث الرمم وإحياء الجساد البالية كيف شاء ومتى شاء وهل خلق الرض بكل ما فيها ثم‬ ‫بسطها وتسطيحها للحياة عليها والسير فوقها وتعميرها بأنواع العمران ل يدل على قدرة ال على‬ ‫ستَ‬ ‫البعث والجزاء‪ .‬فما للقوم ل ينظرون ‪ 1‬ول يفكرون وقوله تعالى { َف َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ لَ ْ‬ ‫عَلَ ْيهِمْ ِب ُمصَيْطِر } بعد لفت أنظار المشركين إلى ما لو نظروا إليه وتفكروا فيه لهتدوا إلى الحق‬ ‫وعرفوا أن الخالق لكل شيء ل يعجزه بعث عباده ول جزاؤهم‪ .‬أمر رسوله أن يقوم بالمهمة التي‬ ‫أنيطت به وهي التذكير دون الهداية التي هي ل وحده دون سواه فقال له { َف َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ}‬ ‫أي ذكر بمظاهر قدرتنا وآياتنا في الفاق وآلئنا على العباد إنما أنت مذكر ليس غير‪ .‬وقوله‬ ‫ستَ عَلَ ْي ِهمْ ِب ُمصَيْطِر} أي بمتسلط تجبرهم على اليمان والستقامة وقوله {ِإلّ مَنْ ‪َ 2‬توَلّى َوكَفَرَ‬ ‫{َل ْ‬ ‫فَ ُيعَذّبُهُ اللّهُ ا ْل َعذَابَ الَْأكْبَرَ} أي لكن من تولى عن اليمان فكفر بآياتنا ورسولنا ولقائنا فيعذبه ال‬ ‫العذاب الكبر وهو عذاب الخرة‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ إِلَيْنَا إِيَا َبهُمْ} أي رجوعهم إلينا ل إلى غيرنا‪.‬‬ ‫حسَا َبهُمْ} ومن ثم سوف نجزيهم الجزاء اللئق بهم‪ ،‬ولذا فل يضرك‬ ‫{ ُثمّ إِنّ عَلَيْنَا} ل على غيرنا { ِ‬ ‫يا رسولنا إعراضهم ول توليهم‪ .‬وحسبك تذكيرهم فمن اهتدى نجا ونجاته لنفسه‪ ،‬ومن ضل فإنما‬ ‫يضل عليها إذ عاقبة ضلله وهي الخسران التام عائدة عليه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء بالدعوة إلى النظر إلى الدلة الموجبة لليمان به‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الداعي إلى ال تعالى مهمته الدعوة دون هداية القلوب فإنها إلى ال تعالى وحده‪.‬‬ ‫بيان أن مصير البشرية إلى ال تعالى وهي حال تقتضي اليمان به تعالى وطاعته طلبا للنجاة من‬ ‫عذابه والفوز برحمته‪ .‬وهو مطلب كل عاقل لو أن الناس يفكرون‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من مظاهر رحمة ال ولطفه بعباده أن يوجه عباده إلى سبيل هدايتهم توجيها خاليا من العناء‬ ‫والمشقة فالعربي يركب بعيره في طريقه إلى حاجته فينظر إليه وهو راكبه وينظر إلى السماء‬ ‫فوقه وإلى الجبال حواليه وإلى الرض تحت قدميه فيسأل أليس القادر على خلق هذا قادرا على‬ ‫البعث؟ فيجيب نفسه بلى إنه قادر‪.‬‬

‫‪ 2‬روي أن عليا أتى بمرتد عن السلم فاستتابه ثلثة أيام فلم يتب وأصر على الردة فضرب‬ ‫عنقه وقرأ {إِلّا مَنْ َتوَلّى َوكَفَرَ}‪.‬‬

‫( ‪)5/563‬‬ ‫سورة الفجر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الفجر‬ ‫مكية وآياتها ثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حجْرٍ (‬ ‫شفْ ِع وَا ْلوَتْرِ (‪ )3‬وَاللّ ْيلِ إِذَا َيسْرِ (‪َ )4‬هلْ فِي َذِلكَ قَسَمٌ ِلذِي ِ‬ ‫وَا ْلفَجْرِ (‪ )1‬وَلَيَالٍ عَشْرٍ (‪ )2‬وَال ّ‬ ‫‪ )5‬أََلمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ ِبعَادٍ (‪ )6‬إِ َرمَ ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ (‪ )7‬الّتِي َلمْ يُخَْلقْ مِثُْلهَا فِي الْبِلدِ (‪ )8‬وَ َثمُودَ‬ ‫ط َغوْا فِي الْبِلدِ (‪ )11‬فََأكْثَرُوا‬ ‫لوْتَادِ (‪ )10‬الّذِينَ َ‬ ‫عوْنَ ذِي ا َ‬ ‫الّذِينَ جَابُوا الصّخْرَ بِا ْلوَادِ (‪َ )9‬وفِرْ َ‬ ‫سوْطَ عَذَابٍ (‪ )13‬إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ (‪)14‬‬ ‫صبّ عَلَ ْيهِمْ رَ ّبكَ َ‬ ‫فِيهَا ا ْلفَسَادَ (‪َ )12‬ف َ‬ ‫شرح لكلمات‪:‬‬ ‫والفجر ‪ :‬أي فجر كل يوم‪.‬‬ ‫وليال عشر ‪ :‬أي عشر ذي الحجة‪.‬‬ ‫والشفع والوتر ‪ :‬أي الزوج والفرد‪.‬‬ ‫والليل إذا يسر ‪ :‬أي مقبل أو مدبرا‪.‬‬ ‫لذي حجر ‪ :‬أي حجى وعقل‪.‬‬ ‫بعاد إرم ‪ :‬هي عاد الولى‪.‬‬ ‫ذات العماد ‪ :‬إذ كان طول الرجل منهم اثنى عشر ذراعا‪.‬‬ ‫جابوا الصخر بالواد ‪ :‬أي قطعوا الصخر جعلوا من الصخور بيوتا بوادي القرى‪.‬‬ ‫ذي الوتاد ‪ :‬أي صاحب الوتاد وهي أربعة أوتاد يشد إليها يدي رجلي من يعذبه‪.‬‬ ‫طغوا في البلد ‪ :‬أي تجبروا فيها وظلموا العباد وأكثروا فيها الفساد‪.‬‬ ‫فأكثروا فيها الفساد ‪ :‬أي الشرك والقتل‪.‬‬ ‫سوط عذاب ‪ :‬أي نوع عذاب‪.‬‬ ‫لبالمرصاد ‪ :‬أي يرصد أعمال العباد ليجزيهم عليها‪.‬‬

‫( ‪)5/564‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شفْ ِع وَا ْلوَتْرِ‪ 1‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا يَسْرِ} هذه أربعة أشياء قد أقسم ال‬ ‫قوله تعالى {وَا ْلفَجْ ِر وَلَيَالٍ عَشْ ٍر وَال ّ‬ ‫تعالى بها وهي الفجر وفي كل يوم فجر وجائز أن يكون قد أراد تعالى فجر يوم معين وجائز أن‬ ‫يريد فجر كل يوم {وَلَيَالٍ عَشْر} وهي العشر الول من ذي شهر الحجة وفيها عرفة والضحى‬ ‫وقد أشاد بها رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال "ما من ‪ 2‬أيام العمل الصالح فيها أحب إلى ال‬ ‫تعالى من عشر ذي الحجة " والشفع وهو كل زوج والوتر ‪ 3‬وهو كل فرد فهو إقسام بالخلق كله‬ ‫{وَاللّ ْيلِ إِذَا يَسْرِ} مقبلً أو مدبرا فهو بمعنى والليل إذا سار والسير يكون صاحبه ذاهبا أو آيبا‬ ‫سمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي لذي حجر ولب وعقل أي نعم فيه قسم عظيم‬ ‫وقوله تعالى { َهلْ فِي ذَِلكَ قَ َ‬ ‫وجواب القسم أو المقسم عليه جائز أن يكون قوله تعالى {إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ} التي‪ ,‬وجائز أن‬ ‫يكون مقدرا مثل لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على ال يسير‪ ,‬وهذا لن السورة مكية وهي‬ ‫تعالج العقيدة ومن أكبر ما أنكره المشركون البعث والجزاء فلذا هذا الجواب مراد ومقصود‪ .‬ويدل‬ ‫عليه ما ذكر تعالى من مظاهر قدرته في اليات بعد والقدرة هي التي يتأتى بها البعث والجزاء‬ ‫فقال عز وجل {أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ‪َ 4‬ف َعلَ رَ ّبكَ} أي ألم تنظر بعيني قلبك كيف فعل ربك ‪ 5‬بعاد إرم ذات‬ ‫العماد التي لم يخلق مثلها في البلد وهي عاد الولى قوم هود الذين قالوا من أشد منا قوة‪ ,‬وقال‬ ‫لهم نبيهم هود وزادكم في الخلق بسطة فقد كان طول الرجل منهم اثنى عشر ذراعا‪ ,‬ولفظ إرم‬ ‫عطف بيان لعاد فإرم هي عاد قوم هود ووصفها بأنها ذات عماد وأنها لم يخلق مثلها في البلد‬ ‫هو وصف لها بالقوة والشدة وفعل كانوا أقوى المم وأشدها ولزم طول الجسام أن تكون أعمدة‬ ‫المنازل كأعمدة الخيام من الطول ما يناسب سكانها في طولهم‪ .‬ومع هذه القوة والشدة فقد أهلكهم‬ ‫ال الذي هو أشد منهم قوة وقوله تعالى {وَ َثمُودَ الّذِينَ‪ 6‬جَابُوا الصّخْرَ بِا ْلوَادِ}‪ .‬أي وانظر كيف فعل‬ ‫ربك بثمود وهم أصحاب الحجر (مدائن صالح) شمال المدينة النبوية قوم صالح الذين كانوا أقوياء‬ ‫أشداء حتى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لصلوحية الشفع والوتر لشياء كثيرة ذكر القرطبي منها عددا كثيرا فروى عن عمران بن‬ ‫حصين أن النبي صلى ال عليه وسلم قال الشفع والوتر الصلة منها شفع ومنها وتر‪ ,‬وعن ابن‬ ‫عباس رضي ال عنهما قال الشفع صلة الصبح والوتر صلة المغرب أولى ما يقال أن ال تعالى‬ ‫أقسم بكافة خلقه إذ كل ما عداه تعالى ما بين شفع ووتر‪ ,‬إذ الشفع ما يكون ثانيا لغيره‪ ,‬والوتر‬ ‫الشيء المفرد‪.‬‬ ‫‪ 2‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع والجمهور والوتر بفتح الواو وكسرها حفص‪.‬‬ ‫‪ 4‬أفلم تر إستفهام تقريري والمخاطب به النبي صلى ال عليه وسلم وهو متضمن التعريض‬ ‫بالمشركين المعاندين‪ ,‬كما هو متضمن الوعد بنصر رسوله صلى ال عليه وسلم والرؤية قلبية أو‬

‫هي بمعنى ألم ينتهي إلى علمك فعل ربك بعاد الخ‪..‬‬ ‫‪ 5‬عاد اسم أبي قبيلة وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 6‬وكون عاد إرم هم قوم هود عليه السلم يرجحه ذكر ثمود بعدهم في السياق كما هو في سائر‬ ‫قصص القرآن‪.‬‬

‫( ‪)5/565‬‬ ‫إنهم قطعوا الصخور نحتا لها فجعلوا منها البيوت والمنازل كما قال تعالى عنهم {وَتَ ْنحِتُونَ مِنَ‬ ‫الْجِبَالِ بُيُوتا} والمراد بالواد واديهم الذي كان بين جبلين من جبالهم التي ينحتون منها البيوت‪.‬‬ ‫فمعنى جابوا الصخر بالواد أي قطعوا الصخور بواديهم وجعلوا منها مساكن لهم تقيهم برد الشتاء‬ ‫عوْنَ ذِي الَْأوْتَاد‬ ‫القارص وحر الصيف اللفح‪ ,‬ومع هذا فقد أهلكهم ال ذو القوة المتين وقوله { َوفِرْ َ‬ ‫ط َغوْا فِي ‪ 1‬الْبِلدِ فََأكْثَرُوا فِيهَا ا ْلفَسَادَ} وانظر يا رسولنا كيف فعل ربك بفرعون صاحب‬ ‫الّذِينَ َ‬ ‫المشانق والقتل والتعذيب إذ كان له أربعة أوتاد إذا أراد قتل من كفر به وخرج عن طاعته قيد كل‬ ‫ط َغوْا فِي‬ ‫يد بوتد ويقتله كما هي المشانق التي وضعها الطغاة الظلمة فيما بعد‪ .‬وقوله تعالى {الّذِينَ َ‬ ‫الْبِلدِ فََأكْثَرُوا فِيهَا ا ْلفَسَادَ} وهو الشرك والمعاصي فأهلكهم ال أجمعين عاد إرم وثمود وفرعون‬ ‫ومله إذ صب عليهم ربك سوط عذاب ‪ 2‬أي نوع عذاب من أنواع عذابه فأهلك عاد إرم بالريح‬ ‫الصرصر‪ ،‬وثمود بالصيحة العاتية‪ ،‬وفرعون بالغرق في البحر‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ رَ ّبكَ‬ ‫لَبِا ْلمِ ْرصَادِ} أي لكل جبار عات وطاغية ظالم أي هو تعالى يرصد أعمال العباد ليجزيهم بها في‬ ‫الدنيا وفي الخرة‪ .‬ولفظ المرصاد يطلق على مكان يرصد فيه تحركات الصيد الذي يصاد‪ ،‬أو‬ ‫تحركات العدو وهو كبرج المراقبة‪ .‬والرب تبارك وتعالى فوق عرشه والخليقة كلها تحته يعلم‬ ‫ت َوفِي‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ظواهرها وبواطنها ويراقب أعمالها ويجزيها بحسبها قال تعالى {وَ ُهوَ اللّهُ فِي ال ّ‬ ‫جهْ َركُ ْم وَ َيعْلَمُ مَا َتكْسِبُونَ}‪.‬‬ ‫الْأَ ْرضِ َيعْلَمُ سِ ّركُ ْم وَ َ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى العاشر منه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مظاهر قدرة ال في إهلك المم العاتية والشعوب الظالمة مستلزم لقدرته تعالى على‬ ‫البعث والجزاء والتوحيد والنبوة وهو ما أنكره أهل مكة‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من عذاب ال ونقمه فإنه تعالى بالمرصاد فليحذر المنحرفون عن سبيل ال‬ ‫والحاكمون بغير شرعه والعاملون بغير هداه أن يصب عليهم سوط عذاب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون الموصول مراد به عاد إرم وثمود وفرعون‪ ,‬وكونه عائدا إلى فرعون أولى وإن‬

‫كان الجميع طغوا في البلد وأكثروا فيها الفساد بالشرك والظلم والفساد‪.‬‬ ‫‪ 2‬السوط آلة ضرب يتخذ من جلد يضفر ظفرا فيصبح كالعصا فتضرب به الخيل لتسرع في‬ ‫جريها‪ ،‬ويطلق العرب لفظ سوط على كل عذاب يكون فيه السوط‪ ،‬وسوط عذاب هو من إضافة‬ ‫الصفة إلى الموصوف إذ كلمة سوط صفة للعذاب والعرب يطلقون لفظ سوط العذاب على كل‬ ‫نهاية العذاب حتى قال الشاعر‪:‬‬ ‫ألم تر أن ال أظهر دينه‬ ‫وصب على الكفار سوط عذاب‬

‫( ‪)5/566‬‬ ‫فََأمّا الِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلهُ رَبّهُ فََأكْ َرمَ ُه وَ َن ّعمَهُ فَ َيقُولُ رَبّي َأكْ َرمَنِ (‪ )15‬وََأمّا إِذَا مَا ابْتَلهُ َفقَدَرَ عَلَ ْيهِ‬ ‫سكِينِ (‬ ‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬ ‫رِ ْزقَهُ فَ َيقُولُ رَبّي أَهَانَنِ ‪ )16‬كَلّا َبلْ ل ُتكْ ِرمُونَ الْيَتِيمَ (‪ )17‬وَل تَحَاضّونَ عَلَى َ‬ ‫‪ )18‬وَتَ ْأكُلُونَ التّرَاثَ َأكْلً َلمّا (‪)19‬‬ ‫جمّا (‪)20‬‬ ‫وَتُحِبّونَ ا ْلمَالَ حُبّا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فأما النسان ‪:‬أي الكافر المشرك‪.‬‬ ‫ابتله ‪:‬أي اختبره‪.‬‬ ‫وأكرمه ونعمه ‪:‬أي بالمال والجاه ونعمه بالخيرات‪.‬‬ ‫أكرمن ‪:‬أي فضلني لمالي من مزايا على غيري‪.‬‬ ‫فقدر عليه رزقه ‪:‬أي ضيقه ولم يوسعه عليه‪.‬‬ ‫أهانن ‪:‬أي أذلني بالفقر ولم يشكر ال على ما وهبه من سلمة جوارحه والعافية في جسمه‪.‬‬ ‫كل ‪:‬أي ليس المر كما يرى هذا الكافر ويعتقد ويقول‪.‬‬ ‫التراث ‪:‬أي الميراث‪.‬‬ ‫أكل لما ‪:‬أي أكلً كثيرا ولما شديدا إذ يلمون نصيب النساء والطفال لما لهم فل يورثونهم من‬ ‫التركة‪.‬‬ ‫حبا جما ‪:‬أي حبا شديدا كثيرا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {فََأمّا الْأِنْسَانُ‪ 1‬إِذَا مَا ابْتَلهُ رَبّهُ فََأكْ َرمَ ُه وَ َن ّعمَهُ فَ َيقُولُ رَبّي ‪َ 2‬أكْ َرمَنِ} لقد تقدم قول ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع وما بعدها متفرع عما قبلها‪ ،‬وفي التفسير بيان ذلك وتوضيحه فليتأمل‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع ربي في الموضعين بفتح الياء وقرأ حفص بسكون الياء ممدودة‪.‬‬

‫( ‪)5/567‬‬ ‫تعالى {إِنّ رَ ّبكَ لَبِا ْلمِ ْرصَادِ} وهو دال على أن ال تعالى يحب من عبده أن يعبده ويشكره ليكرمه‬ ‫في دار كرامته يوم لقائه‪ ،‬وإعلم ال تعالى عباده بأنه بالمرصاد يراقب أعمالهم دللته على أنه‬ ‫يخوفهم من معاصيه ويرغبهم في طاعته واضحة فتلخص من ذلك أن ال تعالى ل يرضى لعباده‬ ‫الكفر وأنه يحب لهم الشكر فأما النسان فماذا يحب وماذا يكره قال تعالى عنه فأما النسان وهو‬ ‫المشرك وأكثر الناس مشركون إذا ما ابتله ربه أي اختبره فأكرمه بالمال والولد والجاه ونعمه‬ ‫بالرزاق والخيرات لينظر ال هل يشكر أو يكفر فيقول مفاخرا ربي أكرمن أي فضلني على‬ ‫غيري لما لي من فضائل ومزايا لم تكن لهؤلء الفقراء وأما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول‬ ‫ربي أهانن ‪ 1‬أي وأما إذا ما اختبره وضيق عليه رزقه لينظر تعالى عل يصبر العبد المختبر أو‬ ‫يجزع فيقول ربي أهانن أي أذلني فأفقرني‪.‬‬ ‫ن وَتَ ْأكُلُونَ التّرَاثَ َأكْلً‬ ‫سكِي ِ‬ ‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬ ‫وقوله تعالى { َكلّا ‪َ 2‬بلْ ل ُتكْ ِرمُونَ الْيَتِي َم وَل تَحَاضّونَ عَلَى َ‬ ‫جمّا‪ }4‬أي أل فارتدعوا أيها الماديون الذين تقيسون المور كلها بالمقاييس‬ ‫‪َ3‬لمّا وَتُحِبّونَ ا ْلمَالَ حُبّا َ‬ ‫المادة فال جل جلله يوسع الرزق اختبارا للعبد هل يشكر نعم ال عليه فيذكرها ويشكرها‬ ‫باليمان والطاعة ويضيق الرزق امتحانا هل يصبر العبد لقضاء ربه أو يجزع‪ .‬وإنما أنتم أيها‬ ‫الماديون ترون أن في التوسعة إكراما وفي التضييق إهانة كل ليس المر كذلك‪ ،‬ونظريتكم المادية‬ ‫هذه أتتكم من حبكم الدنيا واغتراركم بها ويشهد بذلك إهانتكم لليتامى وعدم إكرامكم لهم لضعفهم‬ ‫وعجزهم أمامكم‪ ،‬وعدم الستفادة المادية منهم‪ .‬وشاهد آخر أنكم ل تحضرن أنفسكم ول غيركم‬ ‫على إطعام المساكين وهم جياع أمامكم‪ ،‬وآخر أنكم تأكلون التراث أي الميراث أكل لما شديدا‬ ‫تجمعون مال الورثة من الطفال والنساء إلى أموالكم‪ .‬وتحرمون الضعيفين الطفال والنساء‪.‬وآخر‬ ‫{ وتحبون المال حبا جما } أي قويا شديدا‪ .‬كل أل ارتدعوا وأخرجوا من دائرة هذه النظرية‬ ‫المادية قبل حلول العذاب‪ ،‬ونزول ما تكرهون‪ .‬فآمنوا بال ورسوله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع أكرمني وأهانني بياء ساكنة في الوصل وبحذفها في الوقف وقرأ حفص بدون ياء في‬ ‫الوصل والوقف معا‪ .‬وكتابة الياء مفصولة عن النون إشارة إلى أنها تحذف في الوقف‪.‬‬ ‫‪ 2‬كل حرف زجر وردع للنسان القائل أكرمن وأهانن إذ قوله باطل ولم يقم على علم بالكرام‬ ‫ول بالهانة فالكرام علته الختبار هل يشكر العبد أو يكفر‪ ،‬وتقدير الرزق تضييقه علته المتحان‬ ‫هل يصبر العبد أو يسخط هذه هي الحقيقة والعبد الكافر الجاهل يري أن الكرام لشخص المكرم‬ ‫والهانة كذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬لما أي جمعا شديدا يقال لممت الطعام ألمه إذا جمعته وأكلته ومنه قول بعضهم لم ال شملك أو‬

‫شعثك أي جمع ما تفرق من أمرك‪.‬‬ ‫‪ 4‬جما أي كثيرا حلله وحرامه إذ الجم الكثير يقال جم الشيء يجم جموما فهو جم وجام‪ .‬ومنه‬ ‫جم الماء في الحوض أو البئر إذا اجتمع والجموم البئر الكثيرة الماء‪.‬‬

‫( ‪)5/568‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬النظرية المادية لم تكن حديثة عهد إذ عرفها الماديون في مكة من مشركي قريش قبل أربعة‬ ‫عشر قرنا‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب إكرام اليتامى والحض على إطعام الجياع من فقراء ومساكين‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب اعطاء المواريث لمستحقيها ذكورا أو إناثا صغارا أو كبارا‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بحب المال الذي يحمل على منع الحقوق‪ ،‬ويزن المور بميزانه قوة وضعفا‪.‬‬ ‫جهَنّمَ َي ْومَئِذٍ‬ ‫صفّا (‪ )22‬وَجِيءَ َي ْومَئِذٍ بِ َ‬ ‫ك صَفّا َ‬ ‫ك وَا ْلمََل ُ‬ ‫كَلّا إِذَا ُد ّكتِ الْأَ ْرضُ َدكّا َدكّا (‪ )21‬وَجَاءَ رَ ّب َ‬ ‫حدٌ‬ ‫ن وَأَنّى َلهُ ال ّذكْرَى (‪َ )23‬يقُولُ يَا لَيْتَنِي َق ّد ْمتُ ِلحَيَاتِي (‪ )24‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيعَ ّذبُ عَذَابَهُ أَ َ‬ ‫يَتَ َذكّرُ الْأِ ْنسَا ُ‬ ‫جعِي إِلَى رَ ّبكِ رَاضِيَةً مَ ْرضِيّةً (‬ ‫طمَئِنّةُ (‪ )27‬ارْ ِ‬ ‫حدٌ (‪ )26‬يَا أَيّ ُتهَا ال ّنفْسُ ا ْل ُم ْ‬ ‫(‪ )25‬وَل يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَ َ‬ ‫‪ )28‬فَا ْدخُلِي فِي عِبَادِي (‪ )29‬وَا ْدخُلِي جَنّتِي (‪)30‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا دكت الرض دكا ‪:‬أي حركت حركة شديدة وزلزلت زلزال قويا فلم يبق عليها شاخص البتة‪.‬‬ ‫والملك صفا صفا ‪:‬أي والملئكة أي صفا بعد صف‪.‬‬ ‫وجيء يومئذ بجهنم ‪:‬أي تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك‪.‬‬ ‫يتذكر النسان ‪:‬أي الكافر ما قالت له الرسل من وعد ال ووعيده‪ ،‬يوم لقائه‪.‬‬ ‫وأنى له الذكرى ‪:‬أي ل تنفعه في هذا اليوم الذكرى‪.‬‬ ‫قدمت لحياتي ‪:‬أي هذه اليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫ل يعذب عذابه أحد ‪:‬أي ل يعذب مثل عذاب ال أحد أي في قوته وشدته‪.‬‬ ‫ول يوثق وثاقه أحد ‪:‬أي ول يوثق أحد مثل وثاق ال عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)5/569‬‬ ‫يا أيتها النفس المطمئنة ‪:‬أي المؤمنة المنة اليوم من العذاب لما لح لها من بشائر النجاة‪.‬‬ ‫ارجعي إلى ربك ‪:‬أي إلى جواره في دار كرامته أي الجنة‪.‬‬

‫فادخلي في عبادي ‪:‬أي في جملة عبادي المؤمنين المتقين‪.‬‬ ‫وادخلي جنتي ‪:‬أي دار كرامتي لوليائي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { كَلّا ِإذَا ُد ّكتِ الْأَ ْرضُ َدكّا َدكّا}‪ 1‬هو كقوله {وَإِذَا الْأَ ْرضُ ُم ّدتْ وَأَلْ َقتْ مَا فِيهَا‬ ‫جهَنّمَ}‬ ‫صفّا صَفّا} بعد صف‪{ ,‬وَجِيءَ َي ْومَئِذٍ ِب َ‬ ‫وَتَخَّلتْ}{ َوجَاءَ رَ ّبكَْ} أي لفصل القضاء {وَا ْلمََلكُ ‪َ 2‬‬ ‫تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك‪ .‬هنا وفي هذا اليوم وفي هذه الساعة‬ ‫{يَ َت َذكّرُ الْأِنْسَانُ} ‪ 3‬المهمل المفرط المعرض عن دعوة الرسل‪ ،‬الكافر بلقاء ال والجزاء على‬ ‫العمال {وَأَنّى لَهُ ال ّذكْرَى} هنا يتذكر وماذا يتذكر؟‪ ،‬وكفره كان عريضا وشره كان مستطيرا‪،‬‬ ‫ماذا يتذكر وهل تنفعه الذكرى‪،‬اللهم ل‪ ,‬ل وماذا عساه أن يقول في هذا الموقف الرهيب يقول‬ ‫نادما متحسرا {يَا لَيْتَنِي َق ّد ْمتُ لِحَيَاتِي} أي هذه الحياة المماثلة بين يديه‪ ,‬وهل ينفعه التمني اللهم ل‪,‬‬ ‫ل‪.‬‬ ‫قال تعالى مخبرا عن شدة العذاب وقوة الوثاق {ف َي ْومَئِذٍْ} إذ تقوم القيامة ويجيء الرب لفصل‬ ‫القضاء ويجاء بجهنم ويتذكر النسان ويأسف ويتحسر في هذا اليوم يقضي ال تعالى بعذاب أهل‬ ‫الكفر والشرك والفجور والفسوق فيعذبون ويوثقون بأمر ال وقضائه في السلسل ويغلون في‬ ‫الغلل ويذوقون العذاب والنكال المر الذي ما عرفه الناس في الدنيا أيام كانوا يعذبون المؤمنين‬ ‫عذَابَهُ َأحَدٌ} أي ل يعذب عذاب‬ ‫ويوثقونهم في الحبال وهو ما أشار إليه بقوله‪{ :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل ُيعَ ّذبُ‪َ 4‬‬ ‫ق وَثَاقَهُ َأحَدٌ} أي ‪ 5‬ل يوثق أحد‬ ‫أحد في الدنيا مهما بالغ في التعذيب عذاب ال في الخرة {وَل يُوثِ ُ‬ ‫في الدنيا وثاق ال في الخرة هذه صورة من عذاب ال لعدائه من أهل الشرك به والكفر بآياته‬ ‫ورسوله ولقائه وأما أهل اليمان به وطاعته وهم أولياؤه الذين آمنوا في الدنيا وكانوا يتقون فهاهم‬ ‫طمَئِنّةُ} إلى صادق وعد ال ووعيده في كتابه وعلى لسان رسوله‬ ‫ينادون فاستمع {يَا أَيّ ُتهَا ال ّنفْسُ ا ْل ُم ْ‬ ‫فآمنت واتقت وتخلت عن الشرك والشر فكانت مطمئنة باليمان وذكر ال قريرة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الدلك الحطم والكسر‪,‬ودك الرض تحطيمها وتفريق أجزائها‪.‬‬ ‫‪ 2‬الملك اسم جنس المراد به الملئكة وصفا صفا أي صفا بعد صف أي خلفه ووراءه‪.‬‬ ‫‪ 3‬أنى اسم استفهام بمعنى أين له الذكرى والستفهام مستعمل في النكار والنفي معا والتقدير وأين‬ ‫له نفع الذكرى‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يعود الكلم على النسان الكافر ويكون معناه أنه يعذب عذابا ل يعذبه أحد غيره‬ ‫ويوثق وثاقا ل يوثقه غيره من الموثقين‪ ،‬وما في التفسير أولى‪.‬‬ ‫‪ 5‬الوثاق بمعنى اليثاق يقال أوثقته إيثاقا‪.‬‬

‫( ‪)5/570‬‬

‫جعِي إِلَى رَ ّبكِ} أي إلى جواره في دار كرامته‬ ‫العين بحب ال ورسوله‪ ,‬وما وعدها الرحمن {ا ْر ِ‬ ‫حال كونك {رَاضِيَةً} ثواب ال لك مرضيا عنك من قبل مولك {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} أي في جملة‬ ‫عبادي الصالحين {وَا ْدخُلِي جَنّتِي} فيقال لها هذا عندما يرسل ال الرواح إلى الجساد يوم المعاد‪,‬‬ ‫فإذا دخلت تلقتها الملئكة بالسلم وتساق إلى ساحة العرض وتعطى كتابها بيمينها وثم يقال لها‬ ‫ادخلي في عبادي أي في جملتهم وادخلي جنتي بعد مرورها على الصراط اللهم اجعل نفسي مثل‬ ‫تلك النفس المطمئنة باليمان وذكر ال ووعد الرحمن وعد الصدق الذي كانوا يوعدون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير المعاد بعرض شبه تفصيلي ليوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان اشتداد حسرة المفرطين اليوم في طاعة ال تعالى وطاعة رسوله يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بشرى النفس المطمئنة باليمان وذكر ال ووعده ووعيده‪ ,‬عند الموت وعند القيام من القبر‬ ‫وعند تطاير الصحف‪.‬‬

‫( ‪)5/571‬‬ ‫سورة البلد‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة البلد‬ ‫مكية وآياتها عشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حلّ ِبهَذَا الْبَلَدِ (‪َ )2‬ووَالِ ٍد َومَا وَلَدَ (‪َ )3‬لقَدْ خََلقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (‪)4‬‬ ‫ل ُأقْسِمُ ِب َهذَا الْبََلدِ (‪ )1‬وَأَ ْنتَ ِ‬ ‫سبُ أَنْ َلمْ يَ َرهُ َأحَدٌ‬ ‫حدٌ (‪َ )5‬يقُولُ َأهَْل ْكتُ مَالً لُبَدا (‪ )6‬أَ َيحْ َ‬ ‫سبُ أَنْ لَنْ َيقْدِرَ عَلَيْهِ أَ َ‬ ‫حَ‬ ‫أَيَ ْ‬

‫( ‪)5/571‬‬ ‫جدَيْنِ (‪)10‬‬ ‫شفَتَيْنِ (‪ )9‬وَ َهدَيْنَاهُ النّ ْ‬ ‫ج َعلْ َلهُ عَيْنَيْنِ (‪ )8‬وَلِسَانا وَ َ‬ ‫(‪ ) 7‬أَلَمْ َن ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل أقسم بهذا البلد ‪ :‬أي مكة‪.‬‬ ‫وأنت حل بهذا البلد ‪ :‬أي وأنت يا نبي ال محمد حلل بمكة‪.‬‬ ‫ووالد وما ولد ‪ :‬أي وآدم وذريته‪.‬‬

‫في كبد ‪ :‬أي في نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الخرة‪.‬‬ ‫أيحسب أن لن يقدر ‪ :‬أي أيظن وهو أبو الشدين بن كلدة وكان قويا شديدا‪.‬‬ ‫أهلكت مال لبدا‪ :‬يقول هذا مفاخرا بعداوة الرسول وأنه أنفق فيها مال كثيرا‪.‬‬ ‫أيحسب أن لم يره أحد ‪ :‬أي أيظن أنه لم يره أحد؟ بل ال رآه وعلم ما أنفقه‪.‬‬ ‫وهديناه النجدين ‪ :‬أي بينا له طريق الخير وطريق الشر بما فطرناه عليه من ذلك وبما أرسلنا به‬ ‫رسلنا‬ ‫وأنزلنا به كتابنا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حلّ‪ِ 2‬ب َهذَا الْبََل ِد َووَالِ ٍد َومَا وََلدَ} هذا قسم ل تعالى أقسم فيه‬ ‫قوله تعالى {ل ُأقْسِمُ‪ِ 1‬بهَذَا الْبَلَ ِد وَأَ ْنتَ ِ‬ ‫بمكة بلده المين والرسول بها وهو حل يقاتل ويقتل فيها وذلك يوم الفتح الموعود‪ .‬وقد قتل صلى‬ ‫ال عليه وسلم يومها ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وأقسم بوالد وما ولد فالوالد آدم وما ولد‬ ‫ذريته منهم النبياء والولياء وجواب القسم أو المقسم عليه قوله {َلقَدْ‪ 3‬خََلقْنَا الْأِ ْنسَانَ فِي كَ َبدٍ‪ }4‬أي‬ ‫في نصب وتعب ل يفارقانه منذ تخلقه في بطن أمه إلى وفاته بانقضاء عمره ثم يكابد شدائد‬ ‫الخرة ثم إما إلى نعيم ل نصب معه ول تعب‪ ,‬وإما إلى جحيم ل يفارقه ما هو أشد من النصب‬ ‫والتعب عذاب الجحيم هكذا شاء ال وهو العليم الحكيم‪ .‬وفي هذا الخبر اللهي المؤكد بأجل قسم‬ ‫على أن النسان محاط منذ نشأته إلى نهاية أمره بالنصب والتعب ترويح على نفوس المؤمنين‬ ‫بمكة وهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البتداء بالقسم للتشويق إلى ما يذكر بعد القسم‪ ,‬ول مزيدة لتقوية الكلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬جملة وأنت حل بهذا البلد معترضة بين المتعاطفين وفائدتها تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫ووعده بنصره على أعدائه‪.‬‬ ‫‪ 3‬لقد خلقنا‪ :‬هذا جواب القسم والنسان للجنس ول يراد به واحد بعينه وبعضهم يرى أن المراد به‬ ‫أبو الشدين أسيد بن كلدة الجمحي‪.‬‬ ‫‪ 4‬من مظاهر أن النسان مربوب وأن له ربا يسيره ويدبر حياته كونه ل يفارق النصب والتعب‬ ‫مدة حياته وهو ل يريد ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/572‬‬ ‫يعانون من الحاجة والضطهاد والتعذيب أحيانا من طغاة قريش ل سيما المستضعفين كياسر‬ ‫وولده عمار وبلل وصهيب وخبيب‪ ،‬وحتى الرسول الكريم صلى ال عليه وسلم فهو لم يسلم من‬ ‫أذى المشركين فإذا عرفوا طبيعة الحياة وأن السعادة فيها أن يعلم المرء أن ل سعادة بها هان‬

‫عليهم المر وقل قلقهم وخفت آلمهم‪ .‬كما هو تنبيه للطغاة وإعلم لهم بما هم عنه غافلون لعلهم‬ ‫حدٌ}‬ ‫سبُ‪ }1‬النسان {أَنْ َلمْ يَ َرهُ أَ َ‬ ‫يصحون من سكرتهم بحب الدنيا وما فيها وقوله عز وجل {أَيَحْ َ‬ ‫هذا النسان الذي قيل أنه أبو الشدين الذي أنفق ماله في عداوة الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫والسلم ويتبجح بذلك ويقول {أَهَْل ْكتُ مَالً لُبَدا} كثيرا بعضه فوق بعض بلى إن ال تعالى قد رآه‬ ‫وعلم به وعلم القدر الذي أنفقه وسوف يحاسب عليه ويجزيه به‪ ،‬ولن ينجيه اعتقاده الفاسد أنه ل‬ ‫شفَتَيْنِ‪3‬‬ ‫ج َعلْ‪ 2‬لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانا وَ َ‬ ‫بعث ول جزاء قال تعالى مقررا له بقدرته ونعيمه عليه {أَلَمْ َن ْ‬ ‫وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَيْنِ‪ }4‬أي أعطيناه عينين يبصر بهما ولسانا ينطق به ويفصح عن مراده وزيناه‬ ‫بشفتين يستر بهما فمه وأسنانه ثم هديناه النجدين أي بينا له طريق الخير والشر والسعادة والشقاء‬ ‫بما أودعنا في فطرته وبما أرسلنا به رسلنا وأنزلنا به كتبنا أنسي هذا كله وتعامى عنه ثم هو ينفق‬ ‫ما اعطيناه في حرب رسولنا وديننا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬شرف مكة وحرمتها وعلو شأن الرسول صلى ال عليه وسلم وسمو مقامه وهو فيها وقد‬ ‫أحلها ال تعالى له ولم يحلها لحد سواه‪.‬‬ ‫‪ -2‬شرف آدم وذريته الصالحين منهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬إعلن حقيقة وهي أن النسان ل يبرح يعاني من أتعاب الحياة حتى الممات ثم يستقبل شدائد‬ ‫الخرة إلى أن يقرر قراره وينتهي تطوافه باستقراره في الجنة حيث يستريح نهائيا‪ ،‬أو في النار‬ ‫فيعذب ويتعب أبدا‪.‬‬ ‫سغَبَةٍ (‬ ‫طعَامٌ فِي َيوْمٍ ذِي مَ ْ‬ ‫حمَ ا ْل َعقَبَةَ (‪َ )11‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْل َعقَبَةُ (‪َ )12‬فكّ َرقَبَةٍ (‪َ )13‬أوْ ِإ ْ‬ ‫فَل اقْتَ َ‬ ‫‪ )14‬يَتِيما ذَا َمقْرَبَةٍ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام إنكاري مشبع بالتوبيخ والتقريع‪.‬‬ ‫‪ 2‬ألم نجعل الستفهام تقريري وفيه معنى التوبيخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬الشفتين واحدتها شفة وأصلها شفو فقلبت الواو هاء فصارت شفة وتجمع على شفاة‪.‬‬ ‫‪ 4‬النجد الرض المرتفعة ارتفاعا دون الجبل‪ ،‬والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر كما في‬ ‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)5/573‬‬ ‫حمَةِ (‬ ‫صوْا بِا ْلمَرْ َ‬ ‫صوْا بِالصّبْ ِر وَ َتوَا َ‬ ‫سكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ (‪ )16‬ثُمّ كَانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َتوَا َ‬ ‫(‪َ )15‬أوْ مِ ْ‬ ‫‪ )17‬أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ (‪ )18‬وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِنَا ُهمْ َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأ َمةِ (‪ )19‬عَلَ ْيهِمْ نَارٌ‬

‫ُمؤْصَ َدةٌ (‪)20‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فل اقتحم ‪ :‬أي فهل تجاوز‪.‬‬ ‫العقبة ‪ :‬أي الطريق الصعب في الجبل‪ ،‬والمراد به النجاة من النار‪.‬‬ ‫فك رقبة ‪ :‬أي أعتق رقبة في سبيل ال تعالى‪.‬‬ ‫في يوم ذي مسغبة أي في يوم ذي مجاعة وشدة مؤونة‪.‬‬ ‫يتيما ذا مقربة ‪ :‬أي أطعم يتيما من ذوي قرابته‪.‬‬ ‫مسكينا ذا متربة ‪ :‬أي أطعم فقيرا لصقا بالتراب ليس له شيء‪.‬‬ ‫وتواصوا بالصبر‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة ال‪.‬‬ ‫وتواصوا بالمرحمة‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الفقراء والمساكين‪.‬‬ ‫أصحاب الميمنة ‪ :‬أي أصحاب اليمين وهم المؤمنون المتقون‪.‬‬ ‫أصحاب المشأمة‪ :‬أي أصحاب الشمال وهم الكفار الفجار‪.‬‬ ‫مؤصدة‪ :‬أي مطبقة ل نافذة لها ول كوة فل يدخلها هواء‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫حمَ ا ْل َعقَبَةَ}‪ 1‬فهل أنفق أبو الشدين ما أنفقه في عداوة محمد صلى ال عليه‬ ‫قوله تعالى {فَل اقْتَ َ‬ ‫وسلم هل أنفقه في سبيل ال فاقتحم بها العقبة فتجاوزها‪ ،‬وقوله تعالى { َومَا َأدْرَاكَ مَا ا ْل َعقَبَةُ}‪ 2‬هذا‬ ‫سكِينا‬ ‫سغَبَةٍ يَتِيما ذَا َمقْرَبَةٍ َأوْ مِ ْ‬ ‫طعَامٌ فِي َي ْومٍ ذِي مَ ْ‬ ‫تفخيم لشأنها وتعظيم له وقوله { َفكّ َرقَبَةٍ‪َ 3‬أوْ إِ ْ‬ ‫ح َمةِ} بهذه المور الربعة‬ ‫صوْا بِالصّبْ ِر وَ َتوَاصَوْا بِا ْلمَرْ َ‬ ‫ذَا مَتْرَ َبةٍ ثُمّ كَانَ‪ 4‬مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َتوَا َ‬ ‫تقتحم العقبة وتجتاز فينجو صاحبها من النار والمور الربعة هي‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذهب القرطبي إلى أن فل هي بمعنى هل التي هي للتحضيض‪ ،‬وهو ما قررناه في التفسير‬ ‫وجائز أن يكون استفهاما إنكاريا ينكر عليه إنفاق أمواله فيما يضره وعدم إنفاقها فيما ينفعه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتشويق إلى معرفة حقيقة العقبة‪.‬‬ ‫‪ 3‬فك رقبة وما بعدها بيان للعقبة‪ ،‬إذ التقدير هي فك رقبة‪ .‬والمراد من فك الرقبة عتقها‪ .‬وفي‬ ‫الحديث "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار"‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة عطف على الجمل المسوقة للذم والتوبيخ‪.‬‬

‫( ‪)5/574‬‬ ‫* فك رقبة وقد ورد من اعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار‪.‬‬ ‫* إطعام في يوم ذي مسغبة أي مجاعة ‪ 1‬يتيما ذا مقربة أي قرابة أو مسكينا ذا متربة أي ذا‬

‫لصوق بالرض لحاجته وشدة فقره‪.‬‬ ‫* إيمان صادق بال ورسوله وآيات ال ولقائه يحيا به قلبه‪.‬‬ ‫* تواصى بالصبر أي مع المؤمنين المستضعفين بالثبات على الحق ولزوم طريقه وتواصي‬ ‫بالمرحمة مع أهل المال أن يرحموا الفقراء والمساكين فيسدوا خلتهم ويقضوا حاجتهم‪.‬‬ ‫بهذه الربعة تجتاز العقبة وينجو المرء من عذاب ال‪ ،‬وفي مثل هذا تنفق الموال ل أن تنفق في‬ ‫الدسائس والمكر بالصالحين وخداع المؤمنين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِنَا} لما ذكر اليمان والعمل الصالح وهما المنجيان من عذاب ال‬ ‫تعالى ذكر ضدهما وهما الكفر والمعاصي وهما المهلكان الشرك والمعاصي لن الكفر بآيات ال‬ ‫لزمه البقاء على الشرك المنافي للتوحيد‪ ،‬والعصيان المنافي للطاعة وقوله تعالى {أُولَ ِئكَ ا‬ ‫َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ} أي الشمال {عَلَ ْيهِمْ نَارٌ ُم ْؤصَ َدةٌ} مغلقة البواب مطبقة هي جزاؤهم لنهم كفروا‬ ‫بآيات ال وعصوا رسوله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بمن ينفق ماله في معصية ال ورسوله‪ ،‬والنصح له بالتفاق في الخير فإنه أجدى له‪،‬‬ ‫وأنجى من عذاب ال‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن عقبة عذاب ال يوم القيامة تقتحم وتجتاز بالتفاق في سبيل ال وباليمان والعمل‬ ‫الصالح والتواصي به‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالكفر والوعيد الشديد لهله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اليتيم‪ :‬الولد الذي ليس له أب لموته وهو دون البلوغ‪.‬‬

‫( ‪)5/575‬‬ ‫سورة الشمس‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الشمس‬ ‫مكية وآياتها خمس عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمَاءِ‬ ‫س َوضُحَاهَا (‪ )1‬وَا ْلقَمَرِ ِإذَا تَلهَا (‪ )2‬وَال ّنهَارِ إِذَا جَلّاهَا (‪ )3‬وَاللّ ْيلِ إِذَا َيغْشَاهَا (‪ )4‬وَال ّ‬ ‫شمْ ِ‬ ‫وَال ّ‬ ‫طحَاهَا‬ ‫ض َومَا َ‬ ‫َومَا بَنَاهَا (‪ )5‬وَالْأَ ْر ِ‬

‫( ‪)5/575‬‬ ‫سوّاهَا (‪ )7‬فَأَ ْل َه َمهَا فُجُورَهَا وَ َت ْقوَاهَا (‪َ )8‬قدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا (‪َ )9‬وقَدْ خَابَ مَنْ‬ ‫س َومَا َ‬ ‫(‪ )6‬وَ َنفْ ٍ‬ ‫دَسّاهَا (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وضحاها ‪ :‬أي ونهارها‪.‬‬ ‫إذا تلها ‪ :‬أي تل الشمس فطلع بعد غروبها مباشرة وذلك ليلة النصف من الشهر‪.‬‬ ‫إذا جلها ‪ :‬أي إذا أضاءها‪.‬‬ ‫إذا يغشاها‪ :‬أي غشى الشمس حتى تظلم الفاق‪.‬‬ ‫وما بناها ‪ :‬أي ومن بناها وهو ال عز وجل حيث جعل السماء كالسقف للرض‪.‬‬ ‫وما طحاها ‪ :‬أي ومن بسطها وهو ال عز وجل‪.‬‬ ‫وما سواها ‪ :‬أي ومن سوى خلقها وعدله وهو ال عز وجل‪.‬‬ ‫فألهمها فجورها‪ :‬أي فبين لها ما ينبغي لها أن تأتيه أو تتركه من الخير والشر‪.‬‬ ‫أفلح من زكاها ‪ :‬أي فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من طهر نفسه من الذنوب والثام‪.‬‬ ‫وقد خاب ‪ :‬أي خسر في الخرة نفسه وأهله يوم القيامة‪.‬‬ ‫من دساها ‪ :‬أي دسى نفسه إذا أخفاها وأخملها بالكفر والمعاصي واصل دسها دسسها فأبدلت‬ ‫إحدى السينين ياءً‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شمْسِ‪َ 1‬وضُحَاهَا ‪ }2‬إلى قوله { َو َقدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا} تضمنت هذه اليات العشر‬ ‫قوله تعالى {وَال ّ‬ ‫قسما إلهيا من أعظم القسام ومقسما عليه وهو جواب القسم ومقسما لهم وهم سائر الناس فالقسم‬ ‫كان بما يلي بالشمس وضحاها وبالقمر إذا تلها أي تل الشمس إذا طلع بعد غروبها وذلك ليلة‬ ‫النصف من الشهر وبالنهار إذا جلها إذا أضاء فكشف الظلمة أو الدنيا‪ ،‬وبالليل إذا يغشاها أي‬ ‫يغشى الشمس حتى تظلم الفاق وبالسماء وما بناها ‪ 3‬على أن ما تكون غالبا لغير العالم وقد تكون‬ ‫للعالم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬افتتحت بالقسم للتشويق إلى أخبارها ولم يقسم ال تعالى على شيء كما أقسم على جواب هذا‬ ‫القسم وهو حكم تقرير مصير النسان في الحياة الخيرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الضحى هو وقت ارتفاع الشمس مقدار رمح عن سطح الرض فيما يرى الرائي إلى قبيل‬ ‫الزوال بربع ساعة تقريبا‪ .‬وفيه تقع صلة الضحى‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن تكون (ما) في الجمل الثلثة (وما بناها) (وما طحاها) (وما سواها) مصدرية فيكون‬

‫القسام بالسماء وبنائها والرض وطحوها‪ ،‬والنفس وتسويتها إل أن ما في التفسير وهو اختيار‬ ‫ابن جرير أولى إذ هو إقسام بالرب تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/576‬‬ ‫كما هي هنا فالذي بناها هو ال سبحانه وتعالى بالرض وما طحاها أي بسطها وهو ال تعالى‬ ‫وبالنفس وما سواها أي خلقها وعدل خلقها وهو ال تعالى وقوله فألهمها فجورها وتقواها أي خلقها‬ ‫وسوى خلقها وألهمها أي بين لها الخير والشر أي ما تعمله من الصالحات وما تتجنبه من‬ ‫المفسدات فأقسم تعالى بأربع من مخلوقاته العظام وبنفسه وهو العلي العظيم على ما دل عليه قوله‬ ‫{قَدْ َأفْلَحَ‪ 1‬مَنْ َزكّاهَا َوقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا} وهو المقسم عليه وهو أن من وفقه ال وأعانه فزكى‬ ‫نفسه أي طهرها باليمان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدنسها من الشرك والمعاصي فقد أفلح‬ ‫بمعنى فاز يوم القامة وذلك بالنجاة من النار ودخول الجنة لن معنى الفوز لغة هو السلمة من‬ ‫المرهوب والظفر بالمرغوب وأن من خذله ال تعالى لما له من سوابق في الشر والفساد فلم يزك‬ ‫نفسه باليمان والعمل الصالح ودساها أي دسسها ‪ 2‬أخفاها وأخملها بما أفرغ عليها من الذنوب‬ ‫وما غطاها من آثار الخطايا والثام فقد خاب بمعنى خسر في آخرته فلم يفلح فخسر نفسه وأهله‬ ‫وهو الخسران المبين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر القدرة اللهية في اليات التي أقسم بها ارب تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما يكون به الفلح‪ ,‬وما يكون به الخسران‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترغيب في اليمان والعمل الصالح والترهيب من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫سقْيَاهَا (‪)13‬‬ ‫شقَاهَا (‪َ )12‬فقَالَ َلهُمْ رَسُولُ اللّهِ نَاقَةَ اللّ ِه وَ ُ‬ ‫ط ْغوَاهَا (‪ِ )11‬إذِ انْ َب َعثَ أَ ْ‬ ‫كَذّ َبتْ َثمُودُ بِ َ‬ ‫عقْبَاهَا (‪)15‬‬ ‫سوّاهَا (‪ )14‬وَل يَخَافُ ُ‬ ‫َفكَذّبُوهُ َفعَقَرُوهَا فَ َد ْمدَمَ عَلَ ْيهِمْ رَ ّبهُمْ بِذَنْ ِب ِهمْ فَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قد أصلها لقد أفلح لنها جواب القسم وحذفت اللم لطول جمل القسم إذ بلغت ثمان جمل‪.‬‬ ‫‪ 2‬فعل دس كان دسس فأبدلوا السين الخرة ياء لوجود ثلثة أحرف من نوع واحد طلبا للتخفيف‪,‬‬ ‫وأصل دسى دس من دس الشيء إذا أخفاه بين شيئين حتى ل يظهر ومعنى دساها هو كما في‬ ‫التفسير أخفاها بما صب عيها من أوضار الذنوب فتدست وتدنست‪.‬‬

‫( ‪)5/577‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ثمود‪ :‬أي أصحاب الحجر كذبوا رسولهم صالحا عليه السلم‪.‬‬ ‫بطغواها ‪ :‬أي بسبب طغيانها في الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫إذ انبعث ‪ :‬أي انطلق مسرعا‪.‬‬ ‫أشقاها‪ :‬أي أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف الذي يضرب به المثل فيقال أشأم بن قدار‪.‬‬ ‫رسول ال ‪ :‬أي صالح عليه السلم‪.‬‬ ‫ناقة ال وسقياها ‪ :‬أي ذروها وشربها في يومها‪.‬‬ ‫فكذبوه‪ :‬أي فيما اخبرهم به من شأن الناقة‪.‬‬ ‫فعقروها ‪ :‬أي قتلوها ليخلص لهم ماء شربها في يومها‪.‬‬ ‫فدمدم ‪ :‬أي اطبق عليهم العذاب فأهلكهم‪.‬‬ ‫بذنبهم‪ :‬أي بسبب ذنوبهم التي هي الشرك والتكذيب وقتل الناقة‪.‬‬ ‫فسواها ‪ :‬أي سوى الدمدم عليهم فلم يفلت منهم أحد‪.‬‬ ‫ول يخاف عقباها ‪ :‬أي ول يخاف الرب تعالى تبعة إهلكهم كما يخاف النسان عاقبة فعله إذا هو‬ ‫قتل‬ ‫أحد أو عذبه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عقْبَاهَا} هذه اليات سيقت للتدليل على أمور هي‬ ‫قوله تعالى {كَذّ َبتْ َثمُودُ‪ }1‬إلى قوله {وَل يَخَافُ ُ‬ ‫أن الذنوب موجبة لعذاب ال في الدنيا والخرة‪ ,‬وأن تكذيب الرسول الذي عليه كفار مكة منذر‬ ‫بخطر عظيم إذا استمروا عليه فقد يهلكهم ال به كما أهلك أصحاب الحجر قوم صالح‪ ,‬وأن محمدا‬ ‫رسول ال حقا وصدقا وأن إنكار قريش له ل قيمة له‪ ,‬وأنه ل إله إل ال‪ .‬وأن البعث والجزاء‬ ‫ثابتان بأدلة قدرة ال وعلمه فقوله تعالى {كَذّ َبتْ َثمُودُ} إخبار منه تعالى المراد به إنذار قريش من‬ ‫ط ْغوَاهَا ‪ }2‬أي بسبب ذنوبها‬ ‫خطر استمرارها على التكذيب وتسلية الرسول والمؤمنين وقوله {بِ َ‬ ‫التي بلغت فيها حد الطغيان الذي هو السراف ومجاوزة الحد في المر‪ .‬وبين تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ثمود هي القبيلة المعروفة قوم صالح عليه السلم ومنازلهم بالحجر وهم أصحاب الحجر‬ ‫والجملة بيانية‪ ,‬لن من سمع جواب اقسم وهو فلح من زكى نفسه وخيبة من دساها وخسرانه‬ ‫تشوق إلى مثال لذلك فكان تكذيب ثمود وهلكها‪.‬‬ ‫‪ 2‬الطغو اسم مصدر وهي كالطغيان الذي هو فرط الكبر والباء سببية أي كذبت ثمود رسولها‬ ‫صالحا عليه السلم بسبب طغواها‪ ,‬لن الكبر إذا عظم في النسان يحمله على الجحود والمعاندة‬ ‫والتكذيب‪.‬‬

‫( ‪)5/578‬‬ ‫ظرف ذلك بقوله {إِذِ انْ َب َعثَ‪ }1‬أشقى تلك القبيلة الذي هو قدار بن سالف الذي يضرب به المثل في‬ ‫الشقاوة فيقال أشأم من قدار وقال فيه رسول ال أشقى الوليين والخرين قدار بن سالف وقوله‬ ‫فقال لهم رسول ال أي صالح {نَاقَةَ اللّهِ} ‪ 2‬أي احذروها فذورها تأكل في أرض ال ول تمسوها‬ ‫بسوء فيأخذكم عذاب أليم ذروها وسقياها أي وماء شربها إذ كان الماء قسمة بينهم لها يوم ولهم‬ ‫يوم‪َ { .‬فكَذّبُوهُ} في ذلك وفي غيره من رسالته ودعوته إلى عبادة ال وحده { َف َعقَرُوها ‪ }3‬أي‬ ‫فذبحوها {فَ َد ْمدَمَ عَلَ ْي ِهمْ رَ ّبهُمْ} أي أطبق عليهم العذاب وعمهم به فلم ينج منهم أحد وذلك بذنبهم ل‬ ‫عقْبَاهَا} أي تبعة تلحقه من هلكها إذ‬ ‫سوّاهَا} في النقمة والعذاب {وَل يَخَافُ‪ُ 4‬‬ ‫بظلم منه تعالى‪َ { ,‬ف َ‬ ‫هو رب الكل ومالك الكل وهو القاهر فوق عباده وهو العزيز الحكيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن نجاة العبد من النار ودخوله الجنة متوقف على زكاة نفسه وتطهيرها من أوضار‬ ‫الذنوب والمعاصي‪ ,‬وأن شقاء العبد وخسرانه سببه تدنيسه نفسه بالشرك والمعاصي وكل هذا من‬ ‫سنن ال تعالى في السباب والمسببات‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من الطغيان وهو السراف في الشر والفساد فإنه مهلك ومدمر وموجب للهلك‬ ‫والدمار في الدنيا والعذاب في الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم والتخفيف عنه إذ كذبت قبل قريش ثمود وغيرها من المم‬ ‫كأصحاب مدين وقم لوط وفرعون‪.‬‬ ‫‪ -4‬إنذار كفار قريش عاقبة الشرك والتكذيب والمعاصي من الظلم والعتداء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬انبعث مضارع بعث أي بعثته فانبعث‪ ,‬إذا القوم بعثوا قدارا أي أرسلوه فالبعث إجابة لهم إذ كان‬ ‫عقره الناقة بموافقتهم ورضاهم‪ .‬بل بتحريضهم له ودفعهم إليها‪.‬‬ ‫‪ 2‬ناقة ال منصوب على التحذير كما في التفسير والضافة إلى التشريف والسقيا اسم مصدر من‬ ‫سقى يسقي سقيا‪.‬‬ ‫‪ 3‬فعقروها‪ :‬العقر هو جرح البعير في يديه ليبرك على الرض من اللم فإذا برك ذبح هذا‬ ‫الصل ثم أصبح يطلق عقر البعير على ذبحه‪ .‬والفاء في عقروها للترتيب‪.‬‬ ‫‪ 4‬العقبى اسم لما يحصل عقب فعل من الفعال من تبعة لصاحبه أو مثوبة فهي كالعاقية وهي‬ ‫الحال التي تعقب من خير وشر‪.‬‬

‫( ‪)5/579‬‬

‫سورة الليل‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الليل ‪1‬‬ ‫مكية وآياتها احدى وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سعْ َيكُمْ لَشَتّى (‪ )4‬فََأمّا‬ ‫خلَقَ ال ّذكَ َر وَالْأُنْثَى (‪ )3‬إِنّ َ‬ ‫وَاللّ ْيلِ إِذَا َيغْشَى (‪ )1‬وَال ّنهَارِ إِذَا َتجَلّى (‪َ )2‬ومَا َ‬ ‫خلَ وَاسْ َتغْنَى (‪)8‬‬ ‫حسْنَى (‪ )6‬فَسَنُيَسّ ُرهُ لِلْيُسْرَى (‪ )7‬وََأمّا مَنْ َب ِ‬ ‫مَنْ أَعْطَى وَا ّتقَى (‪َ )5‬وصَدّقَ بِالْ ُ‬ ‫َوكَ ّذبَ بِالْحُسْنَى (‪ )9‬فَسَنُيَسّ ُرهُ لِ ْلعُسْرَى (‪َ )10‬ومَا ُيغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدّى (‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا يغشى ‪:‬أي بظلمته كل ما بين السماء والرض في القليم الذي يكون به‪.‬‬ ‫إذا تجلى ‪:‬أي تكشف وظهر في القليم الذي هو به وإذا هنا وفي التي قبلها ظرفية وليست‬ ‫شرطية‪.‬‬ ‫وما خلق الذكر والنثى ‪:‬أي ومن خلق الذكر والنثى آدم وحواء وكل ذريتهما وهو ال تعالى‪.‬‬ ‫إن سعيكم لشتى ‪:‬أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنة المورثة للجنة ومنه السيئة الموجبة‬ ‫للنار‪.‬‬ ‫من أعطى واتقى ‪:‬أي حق ال وأنفق في سبيل ال واتقى ما يسخط ال تعالى من الشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫وصدق بالحسنى ‪:‬أي بالخلف لحديث اللهم أعط منفقا خلفا‪.‬‬ ‫فسنيسره لليسرى ‪:‬أي فسنيسره للخلة أي الخصلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ال منه في‬ ‫الدنيا ليوجب له به الجنة في الخرة‪.‬‬ ‫وأما من بخل واستغنى ‪:‬أي منع حق ال والنفاق في سبيل ال واستغنى بماله عن ال فلم يسأله‬ ‫من فضله ولم يعمل عمل صالحا يتقرب به إليه‪.‬‬ ‫وكذب بالحسنى ‪:‬أي بالخلف وما تثمره الصدقة واليمان وهو الجنة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ (والليل إذا يغشى) فلما بلغ (فأنذرتكم نارا‬ ‫تلظى) وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعداها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى‪.‬‬

‫( ‪)5/580‬‬

‫فسنيسره لليسرى ‪ :‬فسنهيئه للخلة العسرى وهي العمل بما يكرهه ال ول يرضاه ليكون قائده إلى‬ ‫النار‪.‬‬ ‫إذا تردى ‪ :‬أي في جهنم فسقط فيها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَاللّ ْيلِ} أقسم تعالى بالليل ‪{ 1‬إِذَا َيغْشَى} بظلمه الكون‪ ،‬وبالنهار {إِذَا َتجَلّى}‪ 2‬أي‬ ‫تكشف وظهر وهما آيتان من آيات ال الدالتان على ربوبيته تعالى الموجبة للوهيته‪ ،‬وأقسم بنفسه‬ ‫جل وعز فقال { َومَا ‪3‬خََلقَ ال ّذكَرَ وَالْأُنْثَى} أي والذي خلق الذكر والنثى آدم وحواء ثم سائر‬ ‫الذكور وعامة الناث من كل الحيوانات وهو مظهر ل يقل عظمة على آيتي الليل والنهار والمقسم‬ ‫سعْ َيكُمْ َلشَتّى} أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنات‬ ‫عليه أو جواب القسم هو قوله {إِنّ َ‬ ‫الموجبة للسعادة والكمال في الدارين ومنه السيئات الموجبة للشقاء في الدارين أي دار الدنيا‬ ‫والخرة‪ .‬وبناءً على هذا {فََأمّا مَنْ أَعْطَى} حق ال في المال فأنفق وتصدق في سبيل ال {وَا ّتقَى}‬ ‫ال تعالى فآمن به وعبده ولم يشرك به { َوصَدّقَ بِا ْلحُسْنَى ‪ }4‬التي هي الخلف أي العوض‬ ‫شيْءٍ َف ُهوَ يُخِْلفُهُ} وفي‬ ‫المضاعف الذي واعد به تعالى من ينفق في سبيله في قوله { َومَا أَ ْن َفقْتُمْ مِنْ َ‬ ‫قول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح ‪" 5‬ما من يوم تطلع فيه الشمس إل ملكان ينزلن‬ ‫فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الخر اللهم أعط ممسكا تلفا" ‪ ،‬فسيهيئه للخلة اليسرى‬ ‫خلَ} بالمال فلم‬ ‫وهي العمل بما يرضاه ال منه في الدنيا ويثيبه عليه في الخرة بالجنة {وََأمّا مَنْ بَ ِ‬ ‫يعط حق ال فيه ولم يتصدق متطوعا ‪{ 6‬وَاسْ َتغْنَى} بماله وولده وجاهه فلم يتقرب إلى ال تعالى‬ ‫بطاعته في ترك معاصيه ول في أداء فرائضه وكذب بالخلف من ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من لطائف هذا القسام بالليل والنهار وهما ضدان الشارة إلى تضاد الذكر والنثى والحسن‬ ‫والسوء والعسر واليسر والتصديق والتكذيب وهذا محتوى هذه السورة‪.‬‬ ‫‪ 2‬تجلى النهار وضوح ضوئه أقسم ال تعالى بكل من الليل وظلمته والنهار وضوءه لما في ذلك‬ ‫من مظاهر قدرة ال وعظمته على خلق الظلمات والنور‪.‬‬ ‫‪ 3‬يرى بعضهم أن المقسم به المصدر بناء على أن (ما) مصدرية والصحيح أنها موصولة وأن‬ ‫القسام كان بالرب تبارك وتعالى فإنه أعظم إقسام‪.‬‬ ‫‪ 4‬كلمة الحسنى صالحة لعدة معان وهي مؤنث الحسن ولذا هي صفة لموصوف محذوف‬ ‫وتنوسي فيها ذلك فصارت اسما لما هو أحسن كالجنة والمثوبة الحسنة والنصر والعاقبة والخلف‬ ‫على المنفق في سبيل ال وهو الراجح هنا لختيار ابن جرير له‪.‬‬ ‫‪ 5‬رواه البخاري وغيره‪.‬‬ ‫‪ 6‬في الية دليل على أن الجود من مكارم الخلق والبخل من أرذلها‪ ،‬وليس الجواد الذي يعطى‬

‫في غير موضع العطاء كما ليس البخيل الذي يمنع في موضع المنع لكن الجواد الذي يعطي في‬ ‫موضع العطاء والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء‪.‬‬

‫( ‪)5/581‬‬ ‫تعالى على من ينفق في سبيله { َفسَنُيَسّ ُرهُ‪ِ 1‬ل ْلعُسْرَى} أي فسنهيئه للخلة العسرى ‪ 2‬وهي العمل بما‬ ‫يكره ال تعالى ول يرضاه من الذنوب والثام ليكون ذلك قائده إلى النار‪ .‬وقوله تعالى { َومَا ُيغْنِي‬ ‫عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَ َردّى ‪ }3‬يخبر تعالى بأن من بخل واستغنى وكذب بالحسنى حفاظا على ماله وشحا‬ ‫به وبخل أن ينفقه في سبيل ربه هذا المال ل يغني عنه شيئا يوم القيامة إذا ألقي به في نار جهنم‬ ‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ} أي لعدم الحسنات الكافية‬ ‫فتردى ساقطا فيها على أم رأسه كما قال تعالى {وََأمّا مَنْ َ‬ ‫فيها {فَُأمّهُ هَاوِيَ ٌة َومَا َأدْرَاكَ مَا هِ َيهْ نَارٌ حَامِ َيةٌ}‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عظمة ال وقدرته وعلمه الموجبة لربوبيته المقتضية لعبادته وحده دون سواه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير القضاء والقدر وهو أن كل إنسان ميسر لما خلق له من سعادة أو شقاء لحديث اعملوا‬ ‫فكل ميسر لما خلق له‪ ،‬مع تقرير أن ممن وفق للعمل بما يرضى ال تعالى كان ذلك دليل على‬ ‫أنه مكتوب سعيدا إذا مات على ما وفق له من العمل الصالح‪ .‬وأن من وفق للعمل المسخط ل‬ ‫تعالى كان دليل على أنه مكتوب شقاوته إن هو مات على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن التوفيق للعمل بالطاعة يتوقف حسب سنة ال تعالى على رغبة العبد وطلبه ذلك‬ ‫والحرص عليه واختياره على غيره وتسخير النفس والجوارح له‪ .‬كما أن التوفيق للعمل الفاسد‬ ‫قائم على ما ذكرنا في العمل الصالح وهو اختيار العبد وطلبه وحرصه وتسخير نفسه وجوارحه‬ ‫لذلك هذه سنة من سنن ال تعالى في خلقه‪.‬‬ ‫إِنّ عَلَيْنَا لَ ْل ُهدَى (‪ )12‬وَإِنّ لَنَا لَلْآخِ َر َة وَالْأُولَى (‪ )13‬فَأَنْذَرْ ُتكُمْ نَارا تَلَظّى (‪ )14‬ل َيصْلهَا إِلّا‬ ‫ب وَ َتوَلّى (‪ )16‬وَسَ ُيجَنّ ُبهَا الْأَ ْتقَى (‪ )17‬الّذِي ُيؤْتِي مَاَلهُ يَتَ َزكّى (‪َ )18‬ومَا‬ ‫شقَى (‪ )15‬الّذِي كَ ّذ َ‬ ‫الْأَ ْ‬ ‫س ْوفَ يَ ْرضَى (‪)21‬‬ ‫حدٍ عِنْ َدهُ مِنْ ِن ْعمَةٍ تُجْزَى (‪ )19‬إِلّا ابْ ِتغَاءَ وَجْهِ رَبّهِ الْأَعْلَى (‪ )20‬وَلَ َ‬ ‫لِأَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في قوله فسنيسره للعسرى تهكم به نحو فبشره بعذاب أليم‪.‬‬ ‫‪ 2‬حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪ 3‬التردي السقوط من أعلى إلى أسفل المفضي بصاحبه إلى الهلك‪.‬‬

‫( ‪)5/582‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن علينا للهدى ‪ :‬أي إن علينا لبيان الحق من الباطل والطاعة من المعصية‪.‬‬ ‫وإن لنا للخرة والولى ‪ :‬أي ملك ما في الدنيا والخرة نعطي ونحرم من نشاء ل مالك غيرنا‪.‬‬ ‫فأنذرتكم ‪ :‬أي خوفتكم‪.‬‬ ‫نارا تلظى ‪ :‬أي تتوقد‪.‬‬ ‫ل يصلها‪ :‬أي ل يدخلها ويحترق بلهبها‪.‬‬ ‫إل الشقى ‪ :‬أي إل الشقى‪.‬‬ ‫الذي كذب وتولى ‪ :‬كذب النبي صلى ال عليه وسلم فيما جاء به وتولى وأعرض عن اليمان به‬ ‫وبما جاء به من التوحيد والطاعة ل ورسوله‪.‬‬ ‫وسيجنبها التقى ‪ :‬أي يبعد عنها التقي‪.‬‬ ‫يتزكى ‪ :‬أي يتطهر به فلذا يخليه من النظر إلى غير ال فهو لذلك خال من الرياء والسمعة‪.‬‬ ‫وما لحد عنده من نعمة تجزى ‪ :‬أي ليس لحد من الناس عليه منة فهو يكافئه بذلك‪.‬‬ ‫إل ابتغاء وجه ربه العلى ‪ :‬لكن يؤتي ماله في سبيل ال ابتغاء مرضاة ال عز وجل‪.‬‬ ‫ولسوف يرضى ‪ :‬أي يعطيه ال تعالى من الكرامة ما يرضي به في دار السلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّ عَلَيْنَا لَ ْلهُدَى} اليات‪ ...‬بعد أن أعلم تعالى عباده أنه ييسر لليسرى من أعطى‬ ‫واتقى وصدق بالحسنى‪ ،‬وأنه ييسر للعسرى من بخل واستغنى وكذب بالحسنى أعلم بحقيقة أخرى‬ ‫وهي أن بيان الطريق الموصل بالعبد لليسرى هو على ال تعالى متكفل به وقد بينه بكتابه‬ ‫ورسوله فمن طلب اليسرى فأول يؤمن بال ورسوله ويوطن نفسه على طاعتهما ويأخذ في تلك‬ ‫الطاعة العمل بها وثانيا ينفق في سبيل ال ما يطهر به نفسه من البخل وشح النفس ويظهر فقره‬ ‫وحاجته إلى ال تعالى بالتقرب إليه بالنوافل وصالح العمال وبذلك يكون قد يسر فعل لليسرى‬ ‫وقوله تعالى {وَإِنّ لَنَا لَلْآخِ َرةَ وَالْأُولَى}‪ 1‬أي الدنيا وعليه فمن طلبها من غيرنا فقد أخطأ ول‬ ‫يحصل عليها بحال فطلب الخرة يكون باليمان والتقوى‪ ،‬وطلب الدنيا يكون بالعمل حسب سنتنا‬ ‫شقَى ‪ 3‬الّذِي َك ّذبَ‬ ‫في الكسب وحصول المال وقوله تعالى {فَأَنْذَرْ ُتكُمْ نَارا‪ 2‬تََلظّى ل َيصْلهَا إِلّا الْأَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المراد بالخرة الجنة‪ ،‬وإن كان اللفظ يشمل الخرة بكل ما فيها من نعيم وجحيم وسعادة وشقاء‬ ‫وفوز وخسران‪.‬‬ ‫‪ 2‬تنكير (نارا) للتهويل‪ ،‬وجملة تلظى نعت ومعنى تلظى‪ :‬تتلهب من شدة الشتعال‪.‬‬ ‫‪ 3‬يذكر بعض المفسرين أن المراد بالشقى أمية بن خلف ونظراؤه من أكابر مجرمي قريش‪،‬‬ ‫واللفظ عام يشمل كل من ينطبق عليه الوصف المذكور‪.‬‬

‫( ‪)5/583‬‬ ‫وَ َتوَلّى} أي فبناء على ما بينا لكم فقد أنذرتكم أي خوفتكم نارا تلظى أي تتوقد التهابا ل يصلها ل‬ ‫يدخلها ويصطلي بحرها خالدا فيها أبدا إل الشقى أي الكثر شقاوة وهو المشرك وقد يدخلها‬ ‫الشقي من أهل التوحيد ويخرج منها بتوحيده‪ ،‬حيث لم يكذب ولم يتول‪ ،‬ولكن فجر وعصى‪ ،‬وما‬ ‫أشرك وما تولى‪ ،‬وقوله تعالى {وَسَ ُيجَنّ ُبهَا الْأَ ْتقَى الّذِي ُيؤْتِي مَالَهُ يَتَ َزكّى} أي يعطي ماله في سبيل‬ ‫حدٍ عِنْ َدهُ مِنْ ِن ْعمَةٍ‬ ‫ال يتزكى به من مرض الشح والبخل وآثار الذنوب والثم‪ ،‬وقوله { َومَا لِأَ َ‬ ‫جهِ رَبّهِ الْأَعْلَى } أي فهو ينفق ما ينفقه في سبيل ال خاصة وليس ما ينفقه من‬ ‫تُجْزَى إِلّا ابْ ِتغَاءَ ‪1‬وَ ْ‬ ‫أجل أن عليه لحد من الناس فضل أو يدا فهو يكافئه بها لل‪ ،‬وإنما هو ينفق ابتغاء وجه ربه‬ ‫سوْفَ ‪2‬يَ ْرضَى} أي ما دام ينفق ابتغاء‬ ‫العلى أي يريد رضا ربه تعالى ل غير‪ .‬قال تعالى {وََل َ‬ ‫وجهنا فقط فسوف نكافئه ونعطيه عطاء يرضى به وذلك في الجنة دار السلم‪ .‬هذه الية الكريمة‬ ‫نزلت في أبي بكر الصديق رضي ال عنه فقد كان في مكة يشتري العبيد من مواليهم الذين‬ ‫يعذبونهم من أجل إسلمهم فكان يشتريهم ويعتقهم لوجه ال تعالى ومنهم بلل رضي ال عنه فقال‬ ‫المشركون إنما فعل ذلك ليد عنده أي نعمه فهو يكافيه بها فأكذبهم ال في ذلك وأنزل قوله‬ ‫وسيجنبها التقى اليات‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن ال تعالى متكفل بطريق الهدى فأرسل الرسل وأنزل الكتاب فأبان الطريق وأوضح‬ ‫السبيل‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن ل تعالى وحده الدنيا والخرة فمن أرادهما أو إحداهما فليطلب ذلك من ال تعالى‬ ‫فالخرة تطلب باليمان والتقوى والدنيا تطلب باتباع سنن ال تعالى في الحصول عليها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان فضل أبي بكر الصديق وأنه مبشر بالجنة في هذه الية الكريمة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البتغاء الطلب بجد فهو أبلغ من البغي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ولسوف يرضى لتحقيق الوعد في المستقبل‪ ،‬إذ اللم لم البتداء لتأكيد الخبر هذه السورة تحمل‬ ‫معنى جوامع الكلم إذ تضمنت كل ما يرغب فيه الراغبون من الكمال والفوز والفلح وهي آخر‬ ‫متوسط المفصل‪.‬‬

‫( ‪)5/584‬‬

‫سورة الضحى‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الضحى‬ ‫مكية وآياتها إحدى عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ك َومَا قَلَى (‪ )3‬وَلَلْآخِ َرةُ خَيْرٌ َلكَ مِنَ الْأُولَى (‪)4‬‬ ‫عكَ رَ ّب َ‬ ‫وَالضّحَى (‪ )1‬وَاللّ ْيلِ إِذَا سَجَى (‪ )2‬مَا وَدّ َ‬ ‫ج َدكَ‬ ‫ك ضَالً َفهَدَى (‪َ )7‬ووَ َ‬ ‫س ْوفَ ُي ْعطِيكَ رَ ّبكَ فَتَ ْرضَى (‪ )5‬أََلمْ َيجِ ْدكَ يَتِيما فَآوَى (‪َ )6‬ووَجَ َد َ‬ ‫وَلَ َ‬ ‫عَائِلً فَأَغْنَى (‪ )8‬فََأمّا الْيَتِيمَ فَل َت ْقهَرْ (‪ )9‬وََأمّا السّا ِئلَ فَل تَ ْنهَرْ (‪ )10‬وََأمّا بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ َفحَ ّدثْ (‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والضحى ‪ :‬أي أول النهار ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال‪.‬‬ ‫والليل إذا سجى ‪ :‬غطى بظلمه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة‪.‬‬ ‫ما ودعك ‪ :‬أي ما تركك ول تخلى عنك‪.‬‬ ‫وما قلى ‪ :‬أي ما أبغضك‪.‬‬ ‫ألم يجدك يتيما‪ :‬أي فاقد الب إذ مات والده قبل ولدته‪.‬‬ ‫فآوى‪ :‬أي فآواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب‪.‬‬ ‫ووجدك ضال ‪ :‬أي ل تعرف دينا ول هدى‪.‬‬ ‫ووجدك عائل ‪ :‬أي فقيرا‪.‬‬ ‫فأغنى‪ :‬أي بالقناعة‪ ،‬وبما يسر لك من مال خديجة وأبي بكر الصديق‪.‬‬ ‫فل تقهر ‪ :‬أي ل تذله ول تأخذ ماله‪.‬‬ ‫فل تنهر ‪ :‬أي ل تنهره بزجر ونحوه‪.‬‬ ‫وأما بنعمة ربك فحدث ‪ :‬أي اذكر ما أنعم ال تعالى به عليك شكرا له على ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/585‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ك َومَا قَلَى} هذا قسم من ال تعالى لرسوله‬ ‫عكَ‪ 2‬رَ ّب َ‬ ‫سجَى مَا َودّ َ‬ ‫قوله تعالى {وَالضّحَى ‪ 1‬وَاللّ ْيلِ ِإذَا َ‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم أقسم له به على أنه ما تركه ول أبغضه‪ .‬وذلك أنه أبطأ عنه الوحي‬ ‫أياما فلما رأى ذلك المشركون فرحوا به وعيروه فجاءت امرأة وقالت ‪ 3‬له ما أرى شيطانك إل قد‬ ‫تركك‪ .‬فحزن لذلك النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال سورة الضحى يقسم له فيها بالضحى‬ ‫وهو أول النهار من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل‪ ،‬وبالليل إذا سجى‬ ‫عكَ رَ ّبكَ} يا محمد‬ ‫أي غطى بظلمه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا على الراحة فيه {مَا َودّ َ‬

‫أي تركك { َومَا قَلَى} أي ما أبغضك {وَلَلْآخِ َرةُ خَيْرٌ َلكَ مِنَ الْأُولَى} أي الدنيا وذلك لما أعد ال لك‬ ‫فيها من الملك الكبير والنعيم العظيم المقيم‪ .‬وسوف يعطيك ربك من فواضل نعمه حتى ترضى‬ ‫في الدنيا من كمال الدين وظهور المر في الخرة الشفاعة وأن ل يبقى أحد من أمته أهل التوحيد‬ ‫في النار والوسيلة والدرجة الرفيعة التي ل تكون لحد سواه‪.‬‬ ‫ج َدكَ عَائِلً فَأَغْنَى} هذه ثلث منن ل‬ ‫ك ضَالً َفهَدَى َووَ َ‬ ‫ج َد َ‬ ‫وقوله تعالى {أَلَمْ َيجِ ْدكَ‪ 4‬يَتِيما فَآوَى َووَ َ‬ ‫تعالى على رسوله منها عليه وذكره بها ليوقن أن ال معه وله وأنه ما تركه ولن يتركه وحتى‬ ‫تنتهي فرحة المشركين ببطء الوحي وتأخره بضعة أيام‪ .‬فالمنة الولى أن والد النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم قد مات عقب ولدته وأمه ماتت بعيد فطامه فآواه ربه بأن ضمه إلى عمه أبي طالب‬ ‫فكان أبا رحيما وعما كريما له وحصنا منيعا له‪ ،‬ولم يتخل عن نصرته والدفاع عنه حتى وفاته‬ ‫والثانية منة العلم والهداية فقد كان صلى ال عليه وسلم يعيش في مكة كأحد رجالتها ل يعرف‬ ‫علما ول شرعا وإن كان معصوما من مقارفه أي ذنب أو ارتكاب أية خطيئة إل أنه ما كان‬ ‫يعرف إيمانا ول إسلما ول شرعا كما قال تعالى‪{ :‬مَا كُ ْنتَ َتدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ وَل الْأِيمَانُ} والثالثة‬ ‫منته عليه بالغنى بعد الحاجة فقد مات والده ولم يخلف أكثر من جارية هي بركة أم أيمن وبضعة‬ ‫جمال‪ ،‬فأغناه ال بغنى القناعة فلم يمد يده لحد قط وكان يقول‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا القسم لتأكيد الخبر الذي حملته اليات بعده‪ ،‬وكتبت (الضحى) باللف المقصورة وأصلها‬ ‫الواو فكان المفروض أن تكتب باللف الثابتة ولم تكتب بها مراعاة للمناسبة مع أكثر الكلمات‪:‬‬ ‫سجى وقلى والولى‪.‬‬ ‫‪ 2‬ما ودعك جواب القسم ولم يقرن باللم‪ ،‬لن الجملة المنفية ل تتطلب اللم‪ .‬وما قلى معطوفة‬ ‫على ما ودعك ومعنى ما ودعك ما تركك ومعنى وما قلك ما أبغضك شديد البغض ول ضعيفه‪.‬‬ ‫‪ 3‬في البخاري عن جندب بن سفيان قال اشتكى رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو‬ ‫ثلثا فجاءت امرأة هي أم جميل العوراء امرأة أبي لهب‪ :‬فقالت يا محمد إني لرجوا أن يكون‬ ‫شيطانك قد تركك ولم أره قربك منذ ليلتين أو ثلثة فأنزل ال والضحى‪ .‬وقيل لما سئل عن الروح‬ ‫وأصحاب الكهف وذي القرنين‪ ،‬فقال سأخبركم غدا ولم يستثن فعوتب بانتظار الوحي خمسة عشر‬ ‫يوما وقال المشركون قله‪ .‬فأنزل ال سورة الضحى ‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام للتقرير وكذا الستفهامات بعده‪.‬‬

‫( ‪)5/586‬‬ ‫"ليس الغني عن كثرة العرض ولكن ‪1‬الغني غني النفس" هذه ثلث منن إلهية وما أعظمها والمنة‬ ‫تتطلب شكرا ول يزيد على الشكر ومن هنا أرشد ال تعالى رسوله إلى شكر تلك النعم ليزيده‬

‫عليها فقال فأما {فََأمّا الْيَتِيمَ‪ 2‬فَل َت ْقهَرْ} ل تقهره بأخذ ماله أو إذلله أو أذاه ذاكرا رعاية ال تعالى‬ ‫لك أيام يتمك‪{ .‬وََأمّا السّا ِئلَ} وهو الفقير المسكين وذو الحاجة يسألك ما يسد خلته فأعطه ما‬ ‫وجدت عطاءً أو رده بكلمة طيبة تشرح صدره وتخفف ألم نفسه ول تنهره بزجر عنيف ول بقول‬ ‫غير لطيف ذاكرا ما كنت عليه من حاجة وما كنت تشعر به من احتياج {وََأمّا بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ‪3‬‬ ‫ح ّدثْ} أي أشكر نعمة اليمان والحسان والوحي والعلم والفرقان وذلك بالتحدث بها إبلغا‬ ‫فَ َ‬ ‫وتعليما وتربية وهداية فذاك شكرها وال يحب الشاكرين هكذا أدب ال جل جلله رسوله وخليله‬ ‫فأكمل تأديبه وأحسه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫خَلقْنَا الْأِ ْنسَانَ فِي كَبَدٍ}‪.‬‬ ‫‪ -1‬الدنيا ل تخلو من كدر وصدق ال العظيم {َلقَدْ َ‬ ‫‪ -2‬بيان علو المقام المحمدي وشرف مكانته‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التذكير بالنعم والنقم حمل للعبد على الصبر والشكر‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب شكر النعم بصرفها في مرضاة المنعم عز وجل‪4.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير معنى الحديث "إذا أنعم ال تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه"‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬مخرج في الصحيحين‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الصحيح‪ ":‬أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين"‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى أو داود والترمذي وصححه قوله صلى ال عليه وسلم ل يشكر ال من ل يشكر الناس‪.‬‬ ‫‪ 4‬في الصحيحين‪ :‬عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول ال ذهب النصار بالجر كله قال‪ :‬ل‬ ‫ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم‪ ،‬هذه الحاديث دالة على وجوب شكر المنعم عز وجل بحمده والثناء‬ ‫عليه‪ ،‬وأن شكر ذي النعمة من الناس كذلك ولو بالدعاء له والثناء عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/587‬‬ ‫سورة الشرح‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الشرح‬ ‫مكية وآياتها ثماني آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ظهْ َركَ (‪ )3‬وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ (‬ ‫ك وِزْ َركَ (‪ )2‬الّذِي أَ ْن َقضَ َ‬ ‫ضعْنَا عَ ْن َ‬ ‫ك صَدْ َركَ (‪َ )1‬ووَ َ‬ ‫أَلَمْ َنشْرَحْ َل َ‬

‫غبْ (‬ ‫غتَ فَا ْنصَبْ (‪ )7‬وَإِلَى رَ ّبكَ فَارْ َ‬ ‫‪ )4‬فَإِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ يُسْرا (‪ )5‬إِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ ُيسْرا (‪ )6‬فَِإذَا فَرَ ْ‬ ‫‪)8‬‬

‫( ‪)5/587‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم‪ :‬الستفهام للتقرير أي إن ال تعالى يقرر رسوله بنعمه عليه‪.‬‬ ‫نشرح لك صدرك ‪ :‬أي بالنبوة‪ ،‬وبشقه وتطهيره وملئه إيمانا وحكمة‪.‬‬ ‫ووضعنا عنك وزرك‪ :‬أي حططنا عنك ما سلف من تبعات أيام الجاهلية قبل نبوتك‪.‬‬ ‫الذي أنقض ظهرك ‪ :‬أي الذي أثقل ظهرك حيث كان يشعر صلى ال عليه وسلم بثقل السنين التي‬ ‫عاشها قبل النبوة لم يعبد فيها ال تعالى بفعل محابه وترك مكارهه لعدم علمه بذلك‪.‬‬ ‫ورفعنا لك ذكرك ‪ :‬أي أعليناه فأصبحت تذكر معي في الذان والقامة والتشهد‪.‬‬ ‫فإن مع العسر يسرا ‪ :‬أي مع الشدة سهولة‪.‬‬ ‫فإذا فرغت ‪ :‬أي من الصلة‪.‬‬ ‫فانصب ‪ :‬أي اتعب في الدعاء‪.‬‬ ‫وإلى ربك فارغب ‪ :‬أي فاضرع إليه راغبا فيما عنده من الخيرات والبركات‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ظهْ َركَ وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ}‪1‬‬ ‫ضعْنَا عَ ْنكَ وِزْ َركَ الّذِي أَ ْن َقضَ َ‬ ‫ك َو َو َ‬ ‫ك صَدْ َر َ‬ ‫قوله تعالى {أََلمْ نَشْرَحْ َل َ‬ ‫هذه ثلث منن أخرى بعد المنن الثلث التي جاءت في السورة قبلها منها ال تعالى على رسوله‬ ‫بتقريره بها فالولى بشرح صدره ليتسع ‪ 2‬للوحي ولما سيلقاه من قومه من سيء القول وباطل‬ ‫الكلم الذي يضيق به النسان والثانية وضع الوزر عنه فإنه صلى ال عليه وسلم وإن لم يكن له‬ ‫وزر حقيقة فإنه كان يشعر بحمل ثقيل من جراء ترك العبادة والتقرب إلى ال تعالى في وقت ما‬ ‫قبل النبوة ونزول الوحي عليه إذ عاش عمرا أربعين سنة لم يعرف فيها عبادة ول طاعة ل‪ ،‬أما‬ ‫مقارفة الخطايا فقد كان محفوظا بحفظ ال تعالى له فلم يسجد لصنم ولم يشرب خمرا ولم يقل أو‬ ‫يفعل إثما قط‪ .‬فقد شق صدره وهو طفل في الرابعة من عمره وأخرجت منه العلقة التي هي‬ ‫محطة الشيطان التي ينزل بها من صدر النسان ويوسوس بالشر للنسان والثالثة رفع الذكر أي‬ ‫ذكره صلى ال عليه وسلم إذ قرن اسمه باسمه تعالى في التشهد وفي الذان والقامة وذلك الدهر‬ ‫كله وما بقيت الحياة‪ .‬وقوله تعالى {فَإِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورفعنا لك ذكرك قال مجاهد يعني التأذين‪ ،‬وفيه يقول حسان بن ثابت‪:‬‬ ‫أغر عليه للنبوة خاتم‬

‫من ال مشهود يلوح ويشهد‬ ‫وضع الله اسم النبي إلى اسمه‬ ‫إذ قال المؤذن في الخمس أشهد‬ ‫وشق له من اسمه ليجله‬ ‫فذو العرش محمود وهذا محمد‬ ‫‪ 2‬في الصحيح عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن رجل من قومه أن النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم قال" فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائل يقول أحد الثلثة إذ كان‬ ‫معه حمزة وابن عمه جعفر فأتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا‪.‬‬ ‫قال فاستخرج قلبي فغسل قلبي بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة‪".‬‬

‫( ‪)5/588‬‬ ‫يُسْرا إِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ ُيسْرا} فهذه بشرى بقرب الفرج له ولصحابه بعد ذلك العناء الذي يعانون‬ ‫والشدة التي يقاسون ومن ثم بشر ‪ 1‬صلى ال عليه وسلم أصحابه وهو يقول "لن يغلب عسر‬ ‫غبْ} هذه خطة لحياة‬ ‫ب وَإِلَى رَ ّبكَ فَارْ َ‬ ‫غتَ فَا ْنصَ ْ‬ ‫يسرين لن يغلب عسر يسرين" وقوله {فَِإذَا فَرَ ْ‬ ‫المسلم وضعت لنبي السلم محمد صلى ال عليه وسلم ليطبقها أمام المسلمين ويطبقونها معهم‬ ‫حتى الفوز بالجنة والنجاة من النار وهي فإذا فرغت من عمل ديني فانصب لعمل دنيوي وإذا‬ ‫فرغت من عمل دنيوي فانصب لعمل ديني أخروي فمثل فرغت من الصلة فانصب نفسك للذكر‬ ‫والدعاء بعدها‪ ،‬فرغت من الصلة والدعاء فانصب نفسك لدنياك‪ ،‬فرغت من الجهاد فانصب نفسك‬ ‫للحج‪ .‬ومعنى هذا أن المسلم يحيا حياة الجد والتعب فل يعرف وقتا للهو واللعب أو للكسل‬ ‫والبطالة قط وقوله إلى ربك فارغب ارغب بعد كل عمل تقوم به في مثوبة ربك وعطائه وما‬ ‫عنده من الفضل والخير إذ هو الذي تعمل له وتنصب من أجله فل ترغب في غيره ول تطلب‬ ‫سواه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما أكرم ال تعالى به رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم من شرح صدره ومغفرة ذنوبه‬ ‫ورفع ذكره‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن انشراح صدر ‪ 2‬المؤمن للدين واتساعه لتحمل الذى في سبيل ال نعمة عظيمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن مع العسر يسرا دائما وأبدا‪ ،‬ولن يغلب عسر يسرين فرجاء المؤمن في الفرح دائم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن حياة المؤمن ليس فيها لهو ول باطل ول فراغ ل عمل فيه أبدا ول ساعة من الدهر‬ ‫قط وبرهان هذه الحقيقة أن المسلمين من يوم تركوا الجهاد والفتح وهم يتراجعون إلى الوراء في‬

‫حياتهم حتى حكمهم الغرب وسامهم العذاب والخسف حتى المسخ والنسخ وقد نسخ إقليم الندلس‬ ‫ومسخت أقاليم في بلد الروس والصين حتى السماء غيرت‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬رواه ابن جرير والحديث مرسل وقال ابن مسعود‪ .‬والذي نفسي بيده لو كان العسر في حجر‬ ‫لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ولن يغلب عسر يسرين‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى الضحاك عن ابن عباس قال قالوا يا رسول ال أيشرح الصدر؟ قال نعم وينفسح قالوا يا‬ ‫رسول ال وهل لذلك علمة؟ قال نعم التجافي عن دار الغرور والنابة إلى دار الخلود والستعداد‬ ‫للموت قبل نزول الموت‪.‬‬

‫( ‪)5/589‬‬ ‫سورة التين‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة التين‬ ‫مكية وآياتها ثمان‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫خَلقْنَا الْأِ ْنسَانَ فِي أَحْسَنِ َتقْوِيمٍ (‬ ‫ن وَالزّيْتُونِ (‪ )1‬وَطُورِ سِينِينَ (‪ )2‬وَهَذَا الْبَلَدِ الَْأمِينِ (‪َ )3‬لقَدْ َ‬ ‫وَالتّي ِ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فََل ُهمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ (‪َ )6‬فمَا‬ ‫س َفلَ سَافِلِينَ (‪ )5‬إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫‪ُ )4‬ثمّ رَ َددْنَاهُ أَ ْ‬ ‫حكَمِ الْحَا ِكمِينَ (‪)8‬‬ ‫ُيكَذّ ُبكَ َبعْدُ بِالدّينِ (‪ )7‬أَلَ ْيسَ اللّهُ بِأَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والتين والزيتون ‪:‬هما المعروفان التين فاكهة والزيتون ما يستخرج منه الزيت‪.‬‬ ‫وطور سينين ‪:‬جبل الطور الذي ناجى الرب تعالى فيه موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫وهذا البلد المين ‪ :‬مكة المكرمة لنها بلد حرام ل يقاتل فيها فمن دخلها أمن‪.‬‬ ‫لقد خلقنا النسان ‪ :‬جنس النسان آدم عليه السلم وذريته‪.‬‬ ‫في أحسن تقويم ‪:‬أي في أجمل صورة في اعتدال الخلق وحسن التركيب‪.‬‬ ‫أسفل سافلين ‪:‬أي إلى أرذل العمر حتى يخرف ويصبح ل يعلم بعد أن كان يعلم‪.‬‬ ‫أجر غير ممنون ‪:‬أي غير منقطع فالشيخ الهرم الخرف المسلم يكتب له ما كان يفعله أيام قدرته‬ ‫على العمل فأجره ل ينقطع إل بموته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ن وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبََلدِ الَْأمِينِ} هذا قسم جليل من أقسام الرب‬ ‫قوله تعالى {وَالتّينِ‪ 1‬وَالزّيْتُو ِ‬ ‫تعالى حيث أقسم فيه بأربعة أشياء وهي التين وهو التين المعروف وهو أشبه شيء بفاكهة الجنة‬

‫لخلوه من العجم‪ 2.‬وما يوجد بداخل الفاكهة كالنواة ونحوها‪ ،‬والزيتون وهو ذو منافع يؤكل ويدهن‬ ‫به ويستصبح به ويداوى به كذلك‪ ،‬وبطور سينين وهو جبل سينا في فلسطين إذ تم عليه أكبر‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عامة أهل السلف ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن المراد من التين والزيتون هما‬ ‫المعروفان قال غير واحد هو نبتكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت‪.‬‬ ‫‪ 2‬العجم – النوى‪.‬‬

‫( ‪)5/590‬‬ ‫حدث في تاريخ الحياة وهو أن ال تعالى كلم موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه عدة مرات‬ ‫وأسمعه كلمه وتجلى للجبل فصار دكا‪ .‬وبمكة أم القرى التي دحيت الرض من تحتها وفيها بيت‬ ‫حسَنِ َت ْقوِيمٍ ثُمّ َردَدْنَاهُ‬ ‫ال وحولها حرمه هذا قسم عظيم وجوابه قوله تعالى {َلقَدْ خََلقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَ ْ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ} ولقد تضمن هذا الجواب‬ ‫س َفلَ سَافِلِينَ إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫لذلك القسم أكبر مظاهر القدرة والعلم والرحمة وهي موجبة لليمان بال وتوحيده ولقائه وهو ما‬ ‫كذب به أهل مكة وأنكروه وبيان ذلك أن النسان كائن حي مخلوق فخالقه ذو قدرة قطعا وتعديل‬ ‫خلقه بنصب قامته وتسوية أعضائه وحسن سمته وجمال منظره دال على علم وقدرة وهي موجبة‬ ‫لليمان بال ولقائه إذ القادر على خلق النسان اليوم وقبل اليوم قادر على خلقه غدا كما شاء متى‬ ‫شاء ول يرد هذا إل أحمق جاهل‪ ،‬وقوله ثم رددناه أسفل سافلين وذلك بهرم بعض أفراده والنزول‬ ‫بهم إلى ما أسفل من سن الطفولة حيث يصبح الرجل فاقدا لعقله وقواه فيفقد قواه العقلية والبدنية‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ} وهو أن ما كانوا يقومون به من‬ ‫وقوله {إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫الفرائض والنوافل وسائر الطاعات والقربات ل ينقطع أجرهم ‪ 1‬منها بكبرهم وعدم قيامهم بها في‬ ‫سن الشيخوخة والهرم والخرف بخلف الكافر والفاجر والفاسق فليس لهم أعمال ل تنقطع إل من‬ ‫سن منهم سنة سيئة فإن ذنبه ل ينقطع ما بقى من يعمل بتلك السنة السيئة‪ .‬وقوله تعالى { َفمَا‬ ‫ُيكَذّ ُبكَ َبعْدُ بِالدّينِ‪ }2‬أي فمن يقدر على تكذيبك يا رسولنا بعد هذه اليات والحجج والبراهين الدالة‬ ‫على قدرة ال وعلمه ورحمته وحكمته فمن يكذب بالبعث والجزاء على الكسب الرادي الختياري‬ ‫في هذه الحياة من خير وشر فإنه وإن كذب بالدين وهو الجزاء الخروي على عمل المكلفين في‬ ‫هذه الحياة الدنيا فإن هذا التكذيب قائم على أساس العناد والمكابرة إذ الحجج الدالة على يوم الدين‬ ‫حكَمِ ا ْلحَا ِكمِينَ‬ ‫والجزاء فيه تجعل المكذب به مكابرا أو جاحدا ل غير‪ .‬وقوله تعالى {أَلَيْسَ اللّهُ بَِأ ْ‬ ‫‪}3‬؟ بلى فليس هناك أعدل من ال وأحسن حكما فكيف يظن إذا أن الناس يعملون متفاوتين في‬ ‫أعمالهم في هذه الدنيا ثم يموتون سواء ول جزاء بعد بالثواب ول بالعقاب هذا ظلم وباطل ومنكر‬ ‫ينزه الرب عنه سبحانه وتعالى فقضية البعث الخر ل تقبل الجدل والمماحكة بحال من الحوال‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬صح الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم قال إذا سافر العبد أو مرض كتب ال له مثل ما‬ ‫كان يعمل مقيما صحيحا‪ .‬وعن ابن عمر‪ :‬طوبى لمن طال عمره وحسن عمله‪.‬‬ ‫‪ 2‬وجائز أن يكون الخطاب للنسان الكافر توبيخا له وإلزاما للحجة أي إذا عرفت أيها النسان أن‬ ‫ال خلقك في أحسن تقويم وأنه يردك إلى أرذل العمر فما يحملك على أن تكذب وعليه فالستفهام‬ ‫توبيخي‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي أن ابن عباس وعليا رضي ال عنهما كانا إذا قرءا أليس ال بأحكم الحاكمين قال بلى وأنا‬ ‫على ذلك من الشاهدين وروى الترمذي عن أبي هريرة من قرأ سورة والتين والزيتون فقرأ أليس‬ ‫ال بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين‪.‬‬

‫( ‪)5/591‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان منافع التين والزيتون واستحباب غرس هاتين الشجرتين والعناية بهما‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان شرف مكة‪ .‬وحرمها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان فضل ال على النسان في خلقه في أحسن صورة وأقوم تعديل‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير فضل ال على النسان المسلم وهو أنه يطيل عمره فإذا هرم وخرف كتب له كل ما‬ ‫كان يعمله من الخير ويجانبه من الشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية قول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين بعد قراءة والتين إذ كان النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم يقول ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/592‬‬ ‫سورة العلق‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة العلق‬ ‫مكية وآياتها تسع عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ (‪ )1‬خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عََلقٍ (‪ )2‬اقْرَأْ وَرَ ّبكَ الَْأكْ َرمُ (‪ )3‬الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ (‬ ‫اقْرَأْ بِا ْ‬ ‫‪ )4‬عَلّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ َيعَْلمْ (‪)5‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اقرأ ‪ :‬أي أوجد القراءة وهي جمع الكلمات ذات الحروف باللسان‪.‬‬ ‫باسم ربك ‪ :‬أي بذكر اسم ربك‪.‬‬ ‫الذي خلق ‪ :‬أي خلق آدم من سللة من طين‪.‬‬ ‫خلق النسان ‪ :‬أي النسان الذي هو ذرية آدم‪.‬‬ ‫من علق ‪ :‬أي جمع علقة وهي النطفة في الطور الثاني حيث تصير علقة أي قطعة من الدم‬ ‫الغليظ‪.‬‬ ‫وربك الكرم ‪ :‬أي الذي ل يوازيه كريم ول يعادله ول يساويه‪.‬‬ ‫الذي علم بالقلم ‪ :‬أي علم العباد الكتابة والخط بالقلم‪.‬‬ ‫علم النسان ‪ :‬أي جنس النسان‪.‬‬ ‫ما لم يعلم ‪ :‬أي ما لم يكن يعلمه من سائر العلوم والمعارف‪.‬‬

‫( ‪)5/592‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫خلَقَ الْإِ ْنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَ ْأ وَرَ ّبكَ الَْأكْرَمُ الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ عَلّمَ‬ ‫قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ َ‬ ‫الْإِنْسَانَ مَا َلمْ َيعْلَمْ} هذه اليات الخمس من أول ما نزل من القرآن الكريم لحاديث الصحاح ‪ 1‬فيها‬ ‫فإن مما اشتهر في ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يأتي حراء يتحنث فيه أي يزيل الحنث‬ ‫فرارا مما عليه قومه من الشرك والباطل حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فقال يا محمد أنا‬ ‫جبريل وأنت رسول ال ثم قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني ثلث مرات حتى بلغ‬ ‫مني الجهد ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت الحديث‪.‬‬ ‫سمِ رَ ّبكَ} يأمر ال تعالى رسوله أن يقرأ بادئا قراءته بذكر اسم ربه أي باسم‬ ‫وقوله تعالى {اقْرَأْ بِا ْ‬ ‫ال الرحمن الرحيم وقوله {الّذِي خََلقَ} أي خلق الخلق كله وخلق آدم من طين وخلق النسان من‬ ‫أولد آدم من علق والعلق اسم جمع واحده علقة وهي ‪ 2‬قطعة من الدم غليظة كانت في الربعين‬ ‫يوما الولى في الرحم نطفة ثم تطورت إلى علقة تعلق بجدار الرحم ثم تتطور في أربعين يوما‬ ‫إلى مضغة لحم‪ ،‬ثم إما أن يؤذن بتخلقها فتخلق وإما ل فيطرحها الرحم قطعة لحم وقوله { اقْرَأْ‬ ‫وَرَ ّبكَ} تأكيد للمر الول لصعوبة المر واندهاش الرسول صلى ال عليه وسلم للمفاجأة {اقْرَأْ‬ ‫وَرَ ّبكَ الَْأكْرَمُ الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ} ‪ 3‬أي وربك الكرم هو الذي علم بالقلم عباده الكتابة والخط‪ .‬وقوله‬ ‫{عَلّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ َيعْلَمْ} أي من كرمه الذي أفاض منه على عباده نعمه التي ل تحصى إنه علم‬ ‫النسان بواسطة القلم ما لم يكن يعلم من العلوم والمعارف وهذه إشادة بالقلم وأنه واسطة العلوم‬ ‫والمعارف والواسطة تشرف بشرف الغاية المتوسط لها فلذا كان ل أشرف في الدنيا من عباد ال‬

‫الصالحين والعلوم اللهية في الكتاب والسنة وما دعوا إليه وحضا عليه من العلوم النافعة للنسان‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير الوحي اللهي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية ابتداء القراءة بذكر اسم ال ولذا افتتحت سور القرآن ما عدا التوبة ببسم ال‬ ‫الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬منها حديث عائشة‪ :‬أول ما بدئ به رسول ال صلى ال عليه وسلم الرؤيا الصادقة فجاءه الملك‬ ‫فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪ 2‬العلقة الدم الجامد والجمع علق‪ ،‬والعلقة قطعة من دم رطب سميت بذلك لنها تعلق لرطوبتها‬ ‫بما تمر عليه‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل سمي القلم قلما لنه يقلم أي يقطع‪ ،‬ومنه تقليم الظفر صح أن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫قال‪ ":‬أول ما خلق ال القلم فقال له اكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة فهو عنده في الذكر فوق‬ ‫عرشه"‪.‬‬

‫( ‪)5/593‬‬ ‫‪ -3‬بيان تطور النطفة في الرحم إلى علقة ومنها يتخلق النسان‪.‬‬ ‫‪ -4‬اعظام شأن ال تعالى وعظم كرمه فل أحد يعادله في الكرم‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنويه بشأن الكتابة والخط بالقلم إذ المعارف والعلوم لم تدون إل بالكتابة والقلم‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان فضل ال تعالى على النسان في تعليمه ما لم يكن يعلم بواسطة الكتابة والخط‪.‬‬ ‫جعَى (‪ )8‬أَرَأَ ْيتَ الّذِي يَ ْنهَى (‪)9‬‬ ‫طغَى (‪ )6‬أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى (‪ )7‬إِنّ إِلَى رَ ّبكَ الرّ ْ‬ ‫كَلّا إِنّ الْأِ ْنسَانَ لَيَ ْ‬ ‫عَبْدا ِإذَا صَلّى (‪)10‬‬ ‫أَرَأَ ْيتَ إِنْ كَانَ عَلَى ا ْلهُدَى (‪َ )11‬أوْ َأمَرَ بِال ّت ْقوَى (‪ )12‬أَرَأَ ْيتَ إِنْ كَ ّذبَ وَتَوَلّى (‪ )13‬أَلَمْ َيعْلَمْ بِأَنّ‬ ‫سفَعا بِالنّاصِيَةِ (‪ )15‬نَاصِيَةٍ كَاذِ َبةٍ خَاطِئَةٍ (‪ )16‬فَلْ َي ْدعُ نَادِيَهُ (‪)17‬‬ ‫اللّهَ يَرَى (‪ )14‬كَلّا لَئِنْ لَمْ يَنْ َتهِ لَنَ ْ‬ ‫طعْ ُه وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (‪)19‬‬ ‫سَنَ ْدعُ الزّبَانِ َيةَ (‪ )18‬كَلّا ل تُ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كل ‪ : 1‬أي ل أداة استفتاح وتنبيه لكسر إن بعدها‪.‬‬ ‫إن النسان ‪:‬أي ابن آدم قبل أن تتهذب مشاعره وأخلقه باليمان والداب الشرعية‪.‬‬ ‫ليطغى ‪:‬أي يتجاوز الحد المفروض له في سلوكه ومعاملته‪.‬‬ ‫أن رآه استغنى ‪:‬أي عندما يرى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه‪.‬‬

‫إن إلى ربك الرجعى ‪:‬أي إن إلى ربك أيها الرسول الرجعى أي الرجوع والمصير‪.‬‬ ‫الذي ينهى عبدا إذا صلى ‪:‬أي أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي لعنه ال‪.‬‬ ‫إن كان على الهدى أو أمر ‪:‬أي هو رسول ال محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم القرشي‬ ‫العدناني‪.‬‬ ‫بالتقوى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كل الصل فيها أنها أداة ردع وزجر وذلك إذا تقدمها ما يقتضي ذلك وتكون بمعنى حقا‪،‬‬ ‫وتكون بمعنى أل التي هي أداة استفتاح وتنبيه‪ .‬وهي هنا تردد من أمرين بين أن تكون بمعنى حقا‬ ‫أو بمعنى أل‪ ،‬وذلك لعدم تقدم كلم يقتضي الردع والزجر‪ ،‬لن اليات الخمس الولى نزلت في‬ ‫أول ما نزل وما بعد كل نزل بعد ذلك بفترة طويلة وجائز أن تكون ردعا لمن قال قولً أو عمل‬ ‫عملً استحق به ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/594‬‬ ‫إن كذب وتولى ‪:‬أي هو أبو جهل‪.‬‬ ‫لئن لم ينته ‪:‬أي من أذية رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم ومنعه من الصلة خلف المقام‪.‬‬ ‫لنسفعا بالناصية ‪:‬أي لنأخذن بناصيته ونسحبه إلى نار جهنم‪.‬‬ ‫فليدع نادية ‪:‬أي رجال مجلسه ومنتداه‪.‬‬ ‫سندع الزبانية ‪:‬أي خزان جهنم‪.‬‬ ‫كل ‪ :‬أي ارتدع أيها الكاذب الكافر‪.‬‬ ‫واقترب ‪:‬أي منه تعالى وذلك بطاعته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫جعَى} يخبر تعالى عن طبيعة‬ ‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى إِنّ إِلَى رَ ّبكَ الرّ ْ‬ ‫قوله تعالى {كَلّا إِنّ الْأِ ْنسَانَ لَ َي ْ‬ ‫النسان قبل أن يهذبه اليمان والمعارف اللهية المشتملة على معرفة محاب ال تعالى‪ ,‬ومساخطه‬ ‫أنه إذا رأى نفسه قدر استغنى بماله أو ولده أو سلطانه أو بالكل وما أصبح في حاجة إلى غيره‬ ‫يطغى فيتجاوز حد الداب والعدل والحق والعرف فيتكبر ويظلم ويمنع الحقوق ويحتقر الضعفاء‬ ‫ويسخر بغيره‪ .‬وأبو جهل كان مضرب المثل في هذا الوصف وصف الطغيان حتى قيل أنه‬ ‫فرعون هذه المة‪ ,‬وها هو ذا رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام خلف‬ ‫المقام فيأتيه هذا الطاغية ويهدده ويقول له لقد نهيتك عن الصلة هنا فل تعد‪ ,‬ويقول له إن وجدتك‬ ‫مرة أخرى آخذ بناصيتك وأسحبك على الرض فينزل ال تعالى هذه اليات { َكلّا إِنّ الْأِنْسَانَ‬ ‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى} فيقف برسوله على حقيقة ما كان يعلمها وهي أن ما يجده من أبي جهل‬ ‫لَيَ ْ‬

‫وأضرابه من طغاة قريش علته كذا وكذا ويسليه فيقول له وإن طغوا وتجبروا إن مرجعهم إلينا‬ ‫جعَى} إذا فاصبر على أذاهم وانتظر ما سيحل‬ ‫وسوف ننتقم لك منهم {إِنّ إِلَى رَ ّبكَ} يا رسولنا {الرّ ْ‬ ‫بهم إن مصيرهم إلينا ل إلى غيرنا وسوف ننتقم منهم ثم يقول له قول يحمل العقلء على التعجب‬ ‫من سلوك أبي جهل الشائن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم {أَرَأَ ْيتَ الّذِي يَ ْنهَى عَبْدا إِذَا‬ ‫صَلّى}؟ وهل الذي يصلي ينهى عن الصلة وهل الصلة جريمة وهل في الصلة ضرر على‬ ‫أحد؟ فكيف ينهى عنها؟ ويقول له {أَرَأَ ْيتَ إِنْ كَانَ} أ ي المصلي الذي نهي عن الصلة وهو‬ ‫الرسول نفسه صلى ال عليه وسلم‬

‫( ‪)5/595‬‬ ‫{عَلَى ا ْلهُدَى} الموصل إلى سعادة الدنيا والخرة وكرامتهما؟ {َأوْ َأمَرَ بِال ّت ْقوَى} أي أمر غيره بما‬ ‫يتقي به عذاب الدنيا والخرة‪ ,‬هل المر بالهدى والتقوى أي بأسباب النجاة السعادة يعادي‬ ‫ويحارب؟ ويضرب ويهدد؟ إن هذا العجب العجاب‪ .‬ويقول أرأيت يا رسولنا إن كذب هذا الذي‬ ‫ينهى عبدا إذا صلى أي كذب بالحق والدين وتولى عن اليمان والشرع‪ ,‬كيف يكون حاله يوم يلقى‬ ‫ربه؟ {أَلَمْ َيعَْلمْ بِأَنّ اللّهَ يَرَى}أن يرى أفعاله الستفزازية المقيتة وتطاوله على رسول ال وتهديده‬ ‫له بالضرب إن وجده يصلي خلف المقام‪ .‬بعد هذه الدعوة للطاغية لعله يرجع للحق إذا سمعه‪,‬‬ ‫وإذا به يزدادا طغيانا ويقول في مجلس قريش يقول واللت والعزى لئن رأيت محمدا صلى ال‬ ‫عليه وسلم يصلي لطأن على رقبته ولعفرن وجهه على التراب‪ ,‬وفعل أتى إلى النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على ركبته فإذا به ينكص على عقبيه‪ ,‬ويتقي بيديه‪ ,‬فقيل له مالك فقال‬ ‫إن بيني وبينه خندقا من نار وهول وأجنحة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لو دنا مني‬ ‫سفَعا بِالنّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ‬ ‫لختطفته الملئكة عضوا عضوا وأنزل ال تعالى { َكلّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَ َن ْ‬ ‫خَاطِئَةٍ} أي صاحبها وهو أبو جهل أي لئن لم ينته عن أذية رسولنا وتعرضه له في صلته ليمنعه‬ ‫منها لنأخذن بناصيته ونجره إلى جهنم عيانا‪َ { .‬فلْيَ ْدعُ} حينئذ رجال ناديه ومجلس قومه فإنا ندعو‬ ‫الزبانية أي خزنة النار من الملئكة كل فليرتدع هذا الطاغية وليعلم أنه لن يقدر على أن يصل‬ ‫إلى رسولنا بعد اليوم بأذى‪.‬‬ ‫وقال تعالى لرسوله بعد تهديده للطاغية‪ ,‬وردعه له‪ ,‬وارتدع فعل ولم يجرؤ بعد ذلك اليوم أن يمد‬ ‫طعْهُ}‬ ‫لسانه‪ ,‬ول يده بسوء لرسول ال صلى ال عليه وسلم قال لرسوله صلى ال عليه وسلم {ل تُ ِ‬ ‫فيما يطلب منك من ترك الصلة في المسجد الحرام فقد كفيناك شره {وَاقْتَ ِربْ‪ }1‬إلينا بالطاعات‬ ‫ومن أهمها الصلة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬بيان سبب نزول اليات كل إن النسان ليطغى إلى آخر السورة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان طبع النسان إذا لم يهذب باليمان والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -3‬نصرة ال لرسوله صلى ال عليه وسلم بالملئكة عيانا في المسجد الحرام‪.‬‬ ‫‪ -4‬تسجيل لعنة ال على فرعون المة أبي جهل وأنه كان أظلم قريش لرسول ال وأصحابه‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية السجود عند تلوة هذه السورة إذا قرأ فاسجد واقترب شرع له السجود ‪ 2‬إل أن‬ ‫يكون يصلي بجماعة في الصلة السرية فل يسجد لئل يفتنهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى أصحاب الصحيح قوله صلى ال عليه وسلم "اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"‪.‬‬ ‫‪ 2‬ورد في الذكر حال السجود أن الساجد يقول (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق بحوله‬ ‫وقوته سمعه وبصره فتبارك ال أحسن الخالقين‪ .‬اللهم اكتب لي بها أجرا وامح عني بها وزرا‬ ‫وارفع لي بها ذكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود)‪.‬‬

‫( ‪)5/596‬‬ ‫سورة القدر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة القدر‬ ‫مكية وآياتها خمس آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شهْرٍ (‪ )3‬تَنَ ّزلُ‬ ‫إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ا ْلقَدْرِ (‪َ )1‬ومَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ا ْلقَدْرِ (‪ )2‬لَيْلَةُ ا ْلقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ َأ ْلفِ َ‬ ‫ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ مِنْ ُكلّ َأمْرٍ (‪ )4‬سَلمٌ ِهيَ حَتّى مَطَْلعِ ا ْلفَجْرِ (‪)5‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا أنزلناه ‪:‬أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا‪.‬‬ ‫في ليلة القدر ‪:‬أي ليلة الحكم التقدير التي يقضي فيها قضاء السنة كلها‪.‬‬ ‫وما أدراك ما ليلة القدر ‪:‬أي إن شأنها العظيم‪.‬‬ ‫ليلة القدر خير من ألف شهر ‪:‬أي العمل الصالح فيها من صلة وتلوة قرآن ودعاء خير من‬ ‫عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي ثلث وثمانون سنة وأربعة أشهر‪.‬‬ ‫والروح فيها ‪:‬أي جبريل في ليلة القدر‪.‬‬ ‫بإذن ربهم ‪:‬أي ينزلون بأمره تعالى لهم بالتنزل فيها‪.‬‬ ‫من كل أمر ‪:‬أي من كل أمر قضاه ال تعالى في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك‪.‬‬ ‫سل هي حتى مطلع الفجر ‪:‬أي هي سلم من الشر كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّا أَنْزَلْنَاهُ‪ }1‬أي القرآن الكريم الذي كذب به المكذبون وأنكره الكافرون يخبر تعالى‬ ‫أن ما يتلوه عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم هو حق وحي ال وكتابه أنزله جملة واحدة‬ ‫من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وذلك في ليلة الحكم والقضاء التي يقضي ال فيها ما يشاء‬ ‫من أحداث العالم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجائز أن يطلق لفظ أنزلناه في ليلة القدر على الخمس التي أنزلت بغار حراء في رمضان‬ ‫وهي اقرأ باسم ربك‪ ..‬إلى ما ل يعلم أي باعتبار بداية نزوله‪ ,‬وما في التفسير عليه أئمته‪.‬‬

‫( ‪)5/597‬‬ ‫من رزق وأجل وغيرهما إلى بداية السنة التية وذلك كل سنة وهذا كقوله {إِنّا أَنْزَلْنَاهُ‪ 1‬فِي لَيْلَةٍ‬ ‫حكِيمٍ} إذ ما قضاه ال تعالى وحكم بوجوده قد كتب في‬ ‫مُبَا َركَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ َ‬ ‫اللوح المحفوظ ومنه القرآن الكريم ثم في ليلة القدر تؤخذ نسخة من أحداث السنة فتعطى الملئكة‬ ‫وتنفذ حرفيا في تلك السنة‪ ،‬ولذلك كان لليلة القدر بمعنى التقدير شأن عظيم ففضلها ال على ألف‬ ‫شهر وأخبر عن سبب فضلها أن الملئكة تتنزل فيها وجبريل معهم بإذن ربهم أي ينزلون بإذن‬ ‫ال تعالى لهم وأمره إياهم بالنزول ينزلون مصحوبين بكل أمر قضاه ال وحكم به في تلك السنة‬ ‫من خير وشر من رزق وأجل ولفضل هذه الليلة كانت العبادة فيها تفضل غيرها من نوعها‬ ‫بأضعاف مضاعفة إذ العمل تلك الليلة يحسب لصاحبه عمل ألف ليلة أي ثلث وثمانين سنة‬ ‫وأربعة أشهر‪ .‬هذا ما دل عليه قوله تعالى {إِنّا أَنْ َزلْنَاهُ فِي لَيَْلةِ ا ْلقَدْ ِر َومَا أَدْرَاكَ‪ 2‬مَا لَيْلَةُ ا ْلقَدْرِ لَيْلَةُ‬ ‫شهْرٍ‪ 3‬تَنَ ّزلُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ ّبهِمْ مِنْ ُكلّ َأمْرٍ} وقوله {سَلمٌ ِهيَ‬ ‫ا ْلقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَ ْلفِ َ‬ ‫حَتّى مَطَْلعِ ا ْلفَجْرِ} أي هي سلم من كل شر إذ هي كلها خير من غروب الشمس إلى طلوع‬ ‫فجرها إنها كلها سلم سلم الملئكة على العابدين من المؤمنين والمؤمنات وسلمة من كل شر‪.‬‬ ‫والحمد ل الذي جعلنا من أهلها‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل ليلة القدر وفضل العبادة فيها ‪.4‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن القرآن نزل في رمضان جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وأنه ابتدئ‬ ‫نزوله على رسول ال صلى ال عليه وسلم في رمضان أيضا‪.‬‬

‫‪ -5‬الندب ‪ 5‬إلى طلب ليلة القدر للفوز بفضلها وذلك في العشر الواخر من شهر رمضان وأرجى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فاتحة سورة الدخان‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتفخيم من شأن ليلة القدر أي أي شيء يعرفك ما هي ليلة القدر ذات الشأن العظيم‬ ‫وإظهار لفظ ليلة القدر بعد وما أدراك ما ليلة القدر دال على الهتمام بها كقول عدي‪:‬‬ ‫ل أرى الموت يسبق الموت شيء‬ ‫نغص الموت ذا الغني والفقير‬ ‫‪ 3‬لحديث مالك في الموطأ سمعن من أثق فيه يقول‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم أرى‬ ‫أعمار المم قبله فكأنه تقاصر أعمار أمته أل يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر‬ ‫فأعطاه ال ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر‪.‬‬ ‫‪ 4‬حديث الصحيحين‪ " :‬من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"‪.‬‬ ‫‪ 5‬أرجح القوال في ليلة القدر أنها في الوتر من العشر الواخر من كل عام لحديث الصحيح‬ ‫التمسوها في الوتر من العشر الواخر وأن من صلى العشاء ليلتها في الجماعة ينال فضلها لما‬ ‫قاله مالك في الموطأ وهو قول سعيد بن المسيب (من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه‬ ‫منها ومثله ل يدرك بالرأي)‪.‬‬

‫( ‪)5/598‬‬ ‫ليلة في العشر الواخر هي الوتر كالواحدة والعشرين إلى التاسعة والعشرين لحديث الصحيح‬ ‫التمسوها في العشر الواخر‪.‬‬ ‫‪ -6‬استحباب الكثار من قراءة القرآن وسماعه فيها لمعارضة جبريل الرسول ‪ 1‬صلى ال عليه‬ ‫وسلم القرآن في رمضان مرتين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬معارضة القرآن ثابتة في الصحيح وفضل الدعاء فيها ثابت في الصحيح‪ .‬قالت عائشة يا رسول‬ ‫ال إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني‪.‬‬

‫( ‪)5/599‬‬ ‫سورة البينة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة البينة ‪1‬‬

‫مدنية وآياتها ثمان آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫لَمْ َيكُنِ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ مُ ْن َفكّينَ حَتّى تَأْتِ َيهُمُ الْبَيّنَةُ (‪َ )1‬رسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُو‬ ‫طهّ َرةً (‪ )2‬فِيهَا كُ ُتبٌ قَ ّيمَةٌ (‪َ )3‬ومَا َتفَرّقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ إِلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُهمُ الْبَيّنَةُ (‬ ‫صُحُفا مُ َ‬ ‫خِلصِينَ لَهُ الدّينَ حُ َنفَا َء وَ ُيقِيمُوا الصّل َة وَ ُيؤْتُوا ال ّزكَاةَ َوذَِلكَ دِينُ‬ ‫‪َ )4‬ومَا ُأمِرُوا إِلّا لِ َيعْبُدُوا اللّهَ مُ ْ‬ ‫ا ْلقَ ّيمَةِ (‪)5‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫من أهل الكتاب‪ :‬أي اليهود والنصارى‪.‬‬ ‫والمشركين ‪:‬أي عبدة الصنام‪.‬‬ ‫منفكين ‪:‬أي زائلين عما هم عليه منتهين عنه‪.‬‬ ‫حتى تأتيهم البينة‪ :‬أي الحجة الواضحة وهي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم‪.‬‬ ‫رسول من ال ‪:‬أي محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫صحفا مطهرة ‪:‬أي من الباطل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وتسمى سورة القيمة ولم يكن‪ ،‬وورد في فضلها حديث الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫قال لبي بن كعب إن ال أمرني أن اقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال وسماني لك؟ قال‪ .‬نعم‪.‬‬ ‫فبكى‪ .‬وفي هذا الحديث أنه ل يأنف الفاضل أن يقرأ القرآن أو يتعلم العلم عن المفضول‪.‬‬

‫( ‪)5/599‬‬ ‫فيها كتب قيمة ‪ :‬أي في تلك الصحف المطهرة كتب من ال مستقيمة‪.‬‬ ‫إل من بعد ما جاءتهم البينة ‪ :‬أي الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم‪.‬‬ ‫وما أمروا ‪ :‬أي في كتبهم التوراة والنجيل‪.‬‬ ‫حنفاء ‪ :‬أي مائلين عن الديان كلها إلى دين السلم‪.‬‬ ‫دين القيمة ‪ :‬أي دين الملة القيمة أي المستقيمة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {لَمْ َيكُنِ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ} وهم اليهود والنصارى ‪1‬‬ ‫والمشركون هم عباد الصنام لم يكونوا منفصلين عما هم عليه من الديانة تاركين لها إلى غاية‬ ‫مجيء البينة لهم فلما جاءتهم البينة‪ .‬وهي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه انفكوا أي ‪2‬انقسموا‬ ‫فمنهم من آمن بمحمد صلى ال عليه وسلم وكتابه والدين السلمي ومنهم من كفر فلم يؤمن‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {رَسُولٌ مِنَ اللّهِ} هو محمد صلى ال عليه وسلم وقوله {يَتْلُو صُحُفا} أي يقرأ على‬

‫ظهر قلب ما تضمنته تلك الصحف المطهرة من الباطل والمشتملة على كتب ‪ 3‬من عند ال قيمة‬ ‫أي مستقيمة ل انحراف فيها عن الحق ول بعد عن الهدى والمراد من الصحف المطهرة القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬وقوله تعالى { َومَا َتفَرّقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} أي اليهود والنصارى {إِلّا مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ‬ ‫الْبَيّنَةُ} وهي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه إذ كانوا قبل البعثة المحمدية متفقين على انتظار‬ ‫نبي آخر الزمان وأنه النبي الخاتم للنبوات فلما جاءهم تفرقوا فآمن بعض وكفر بعض‪ .‬في حين‬ ‫أنهم ما أمروا في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم‪ .‬وكذا في القرآن وعلى لسان نبيه محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء أي مائلين عن الديان كلها إلى دين السلم‬ ‫ويقيموا الصلة بأن يؤدوها في أوقاتها بشروطها وأركانها وآدابها ويؤتوا الزكاة التي أوجب ال‬ ‫في الموال لصالح الفقراء والمساكين‪ .‬وذلك دين القيمة أي وهذا هو دين الملة القيمة المستقيمة‬ ‫الموصلة للعبد إلى رضا الرب وجنات الخلد بعد انجائه من العذاب والغضب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن الديانات السابقة للسلم والتي عاصرته كانت منحرفة اختلط فيها الحق بالباطل ولم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس أهل الكتاب اليهود الذين كانوا بالمدينة وهم قريظة والنظير وبنو قينقاع ولفظ‬ ‫الية أعم وأشمل إذ تناول اليهود مطلقا والنصارى كذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬انفك ينفك انفكاكا مضارع فكه فانفك ومعناه الزالة والقلع أي لم يكونوا مقلعين عما هم عليه‬ ‫أو زائلين عنه تاركين له منتهين عنه‪.‬‬ ‫‪ 3‬إن قيل الكتب هي التي تشتمل على صحف فكيف يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة؟ والجواب‬ ‫نعم الصحف تكون كتابا وإذا كثرت كونت كتبا باعتبار ما حواه من الشرائع والحكام والقصص‬ ‫والخبار‪.‬‬

‫( ‪)5/600‬‬ ‫تصبح صالحة للسلم والهداية البشرية ول فرق بين اليهودية والنصرانية والمجوسية‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن أهل الكتاب بصورة خاصة كانوا منتظرين البعثة المحمدية بفارغ الصبر لعلمهم بما‬ ‫أصاب دينهم من فساد‪ ،‬ولما بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم وجاءتهم البينة على صدقة‬ ‫وصحة ما جاء به تفرقوا فآمن البعض ‪ 1‬وكفر البعض‪.‬‬ ‫‪ -3‬مما يؤخذ على اليهود والنصارى أنهم في كتبهم مأمورون بعبادة ال تعالى وحده والكفر‬ ‫بالشرك مائلين عن كل دين إلى دين السلم ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة فما بالهم لما جاءهم‬ ‫السلم بمثل ما أمروا به كفروا به وعادوه‪ .‬والجواب أنهم لما انحرفوا عز عليهم أن يستقيموا لما‬

‫ألفوا من الشرك والضللة والباطل‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الملة القيمة والدين المنجي من العذاب المحقق للسعاد والكمال ما قام على أساس‬ ‫عبادة ال وحده وإقام الصلة وإيتاء الزكاة والميل عن كل دين إلى هذا الدين السلمي‪.‬‬ ‫جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا أُولَ ِئكَ هُمْ شَرّ الْبَرِيّةِ (‪ )6‬إِنّ‬ ‫ب وَا ْلمُشْ ِركِينَ فِي نَارِ َ‬ ‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬ ‫عدْنٍ تَجْرِي‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أُولَ ِئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ (‪ )7‬جَزَاؤُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ جَنّاتُ َ‬ ‫الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫شيَ رَبّهُ (‪)8‬‬ ‫ضيَ اللّهُ عَ ْن ُه ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ ذَِلكَ ِلمَنْ خَ ِ‬ ‫مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا َر ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذين كفروا من أهل الكتاب ‪ :‬أي بالسلم ونبيه وكتابه هم اليهود والنصارى‪.‬‬ ‫أولئك هم شر البرية ‪ :‬أي شر الخليقة‪.‬‬ ‫إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ :‬أي آمنوا بالسلم ونبيه وكتابه وعملوا الصالحات‪.‬‬ ‫أولئك هم خير البرية ‪ :‬أي هم خير الخليقة‪.‬‬ ‫جنات عدن ‪ :‬أي بساتين إقامة دائمة‪.‬‬ ‫رضي ال عنهم ‪:‬أي بطاعته‪.‬‬ ‫ورضوا عنه ‪:‬أي بثوابه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى ‪ {:‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} أي كفر من كفر منهم الية من سورة‬ ‫البقرة‪.‬‬

‫( ‪)5/601‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ب وَا ْلمُشْ ِركِينَ } إنه بعد أن بين الدين الحق المنجي من‬ ‫قوله تعالى {إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‪ 1‬أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬ ‫العذاب والموجب للنعيم وهو الدين السلمي أخبر تعالى أن من كفر به من أهل الكتاب ومن‬ ‫المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم ال فيهم لكفرهم بالحق وإعراضهم عنه بعدما‬ ‫جاءتهم البينة وعرفوا الطريق وتنكبوه رضا بالباطل واقتناعا بالكفر والشرك بدل اليمان‬ ‫والتوحيد هؤلء الكفرة الفجرة هم شر الخليفة كلها‪ .‬وهو معنى قوله {إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ‬ ‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَ ِئكَ ُهمْ‪ 2‬شَرّ الْبَرِيّةِ} كما أخبر تعالى بأن جزاء‬ ‫ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ فِي نَارِ َ‬ ‫من آمن بال ورسوله وعمل بالدين السلمي فأدى الفرائض واجتنب النواهي وسابق في الخيرات‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ هُمْ‬ ‫والصالحات هؤلء هم ‪ 3‬خير البرية إذ قال تعالى {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫خَيْرُ الْبَرِيّةِ} وقوله {جَزَاؤُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ} أي جزاء أولئك الذين آمنوا بال ورسوله محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم وما جاء به من الهدى والدين الحق أولئك هم خير الخليفة وقوله {جَزَاؤُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ}‬

‫أي يوم يلقونه وذلك بعد الموت {جَنّاتُ عَدْنٍ} أي بساتين إقامة دائمة خالدين فيها أبدا أي ل‬ ‫ضيَ‪ 4‬اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ} أي رضي ال عنهم بسبب‬ ‫يخرجون منها ول يموتون أبدا وقوله { َر ِ‬ ‫إيمانهم وطاعتهم ورضوا عنهم بسبب ما وهبهم وأعطاهم من النعيم المقيم في دار السلم وقوله‬ ‫شيَ‪ 5‬رَبّهُ} أي ذلك الجزاء المذكور وهو جزاء عظيم إذ جمع لهله فيه بين‬ ‫تعالى {ذَِلكَ ِلمَنْ خَ ِ‬ ‫سعادة الروح وسعادة البدن معا هو جزاء عبد خاف ربه فلم يعصه حتى لقيه بعد موته وإن عصاه‬ ‫يوما تاب وإن أخطأ رجع حتى مات وهو على الطاعة ل على المعصية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كفروا أي من بعد ما جاءتهم البينة من الطوائف الثلثة حكم اله تعالى فيهم بأنهم شر الخليفة‬ ‫فهم شر من القردة والخنازير وأخبث أنواع الحيوان كالحيات والثعابين لنهم كفروا بربهم وفسقوا‬ ‫من أمره واستوجبوا لعنته وعذابه فكانوا بذلك شر البرية‪.‬‬ ‫‪ 2‬البرية الخليفة إذ هي من برأ إذا خلق والباري الخالق وأصل البرية‪ :‬البريئة قلبت الهمزة ياء‬ ‫وأدغمت في الياء فصارت البرية بياء مشددة وقرأ نافع البرئة مهموزا على الصل وخففها حفص‬ ‫فقرأ البرية كالخلية وزنا‪.‬ا‬ ‫‪ 3‬أي في حكم ال وقضائه وحصلت لهم الخيرية بإيمانهم بربهم واستقامتهم على منهج شرعه‬ ‫فكملوا في أرواحهم وأخلقهم وتهيئوا للملكوت العلى فكانوا بذلك خير البرية اللهم اجعلنا منهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬قول البعض رضي أعمالهم هروبا من عقيدة السلف وإل فالية نص في رضاه تعالى عنهم وإن‬ ‫كانت العمال سببا في رضاه إذ العمال طهرت نفوسهم وزكت أرواحهم فاستحقوا رضى ال‬ ‫فرضي عنهم ورضى ال أكبر من نعيم الجنة كقوله تعالى ورضوان من ال أكبر‪.‬‬ ‫‪ 5‬الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ ل خشية بل علم قال تعالى إنما يخشى ال‬ ‫من عباده العلماء فلذا وجب طلب العلم وهو العلم بال ومحابه ومكارهه ووعده ووعيده إذ هذا هو‬ ‫العلم الذي يثمر الخشية‪.‬‬

‫( ‪)5/602‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان جزاء من كفر بالسلم من سائر الناس وأنه بئس الجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جزاء من آمن بالسلم ودخل فيه وطبق قواعده واستقام على المر والنهي فيه وهو نعم‬ ‫الجزاء رضى ال والخلود في دار السلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الخشية إن حملت صاحبها على طاعة ال ورسوله فأطاعهما بأداء الفرائض وترك‬ ‫المحرمات في العتقاد والقول والعمل‪.‬‬

‫( ‪)5/603‬‬ ‫سورة الزلزلة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الزلزلة ‪1‬‬ ‫مدنية وآياتها ثماني آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫جتِ الْأَ ْرضُ أَ ْثقَاَلهَا (‪َ )2‬وقَالَ الْأِنْسَانُ مَا َلهَا (‪َ )3‬ي ْومَئِذٍ‬ ‫إِذَا ُزلْزَِلتِ الْأَ ْرضُ زِلْزَاَلهَا (‪ )1‬وََأخْرَ َ‬ ‫عمَاَلهُمْ (‪َ )6‬فمَنْ‬ ‫صدُرُ النّاسُ َأشْتَاتا لِيُ َروْا أَ ْ‬ ‫ح ّدثُ أَخْبَارَهَا (‪)4‬بِأَنّ رَ ّبكَ َأوْحَى َلهَا (‪َ )5‬ي ْومَئِذٍ َي ْ‬ ‫تُ َ‬ ‫َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرا يَ َرهُ (‪َ )7‬ومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ (‪)8‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا زلزلت الرض ‪:‬أي حركت لقيام الساعة‪.‬‬ ‫وأخرجت الرض أثقالها ‪:‬أي كنوزها وموتاها فألقتها وتخلت‪.‬‬ ‫مالها ‪:‬أي وقال الكافر مالها أي أي شيء جعلها تتحرك هذه الحركة‪.‬‬ ‫تحدث أخبارها ‪:‬أي تخبر بما وقع عليها من خير وشر وتشهد به لهله‪.‬‬ ‫أوحى لها ‪:‬أي بأن تحدث أخبارها فحدثت‪.‬‬ ‫يصدر الناس أشتاتا ‪:‬أي من موقف الحساب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وتسمى سورة الزلزال لوجود لفظ الزلزال فيها وهو قوله إذا زلزلت الرض زلزالها‪,‬‬ ‫واشتهرت بسورة الزلزلة وهي تسمية بالمعنى إذ ليس فيها لفظ الزلزلة‪ .‬ورد أنها تعدل ربع‬ ‫القرآن أو نصفه والحديث ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)5/603‬‬ ‫ليروا أعمالهم ‪:‬أي جزاء أعمالهم إما إلى الجنة وإما إلى النار‪.‬‬ ‫مثقال ذرة ‪:‬زنة نملة صغيرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِذَا زُلْزَِلتِ الْأَ ْرضُ زِلْزَاَلهَا ‪ }1‬أي تحركت حركتها الشديدة لقيام الساعة وأخرجت‬ ‫الرض أثقالها من كنوز وذلك في النفخة الولى‪ ,‬وأموات وذلك في النفخة الثانية ففي الخبار‬ ‫إجمال إذ المقصود تقرير البعث والجزاء ليعمل الناس بما ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة‪ .‬وقوله‬

‫{ َوقَالَ الْأِنْسَانُ مَا َلهَا؟}‪ 2‬ل شك أن هذا النسان السائل كان كافرا بالساعة ولذا تساءل أما المؤمن‬ ‫ح ّدثُ أَخْبَارَهَا ‪ }3‬أي تخبر بما جرى‬ ‫فهو يعلم ذلك لنه جزء من عقيدته‪ .‬وقوله تعالى { َي ْومَئِذٍ تُ َ‬ ‫عليها من خير وشر بلسان القال أو الحال‪ .‬وهي في هذا الخبار مأمورة لقوله تعالى {بِأَنّ رَ ّبكَ‬ ‫َأوْحَى َلهَا} أي بذلك وقوله { َي ْومَئِذٍ َيصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتا‪ }4‬أي يوم تزلزل الرض وتهتز للنفخة‬ ‫الثانية نفخة يصدر الناس فيها أشتاتا أي يصدرون من ساحة فصل القضاء فمن آخذ ذات اليمين‬ ‫ومن آخذ ذات الشمال ليروا أعمالهم أي جزاء أعمالهم في الدنيا من حسنة وسيئة فالحسنة تورث‬ ‫الجنة والسيئة تورث النار‪ .‬وقوله تعالى { َفمَنْ َي ْع َملْ مِثْقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرا‪ }5‬أي وزن ذرة من خير في‬ ‫الدنيا يثب عليه في الخرة ومن يعمل مثقال ذرة أي وزن ذرة من شر في الدنيا يجز به في‬ ‫الخرة إل أن يعفو الجبار عز وجل وبما أن الكفر مانع من دخول الجنة فإن الكافر إذا عمل‬ ‫حسنة في الدنيا‪ ,‬وليس له في الخرة شيء منها وذلك لحديث عائشة رضي ال عنها إذ سألت‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم عن عبد ال بن جدعان هل ينفعه في الخرة ما كان يفعله في الدنيا‬ ‫من إطعام الحجيج وكسوتهم فقال لها‪ .‬ل إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم‬ ‫الدين‪ .‬كما أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه كان يأكل مع الرسول صلى ال عليه وسلم ونزلت‬ ‫هذه الية {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} الية فرفع أبو بكر يده من الطعام وقال إني لراء ما‬ ‫عملت من خير وشر؟ فقال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إضافة الزلزال إلى ضمير الرض لفادة تمكنه منها وللشارة إلى هوله وفظاعته لما عرف‬ ‫الناس من أهوال الزلزال إذا وقع والزلزال بكسر الزاء مصدر وبفتحها اسم مصدر‪ .‬وهو مأخوذ‬ ‫من الزلل وهو زلق الرجلين‪ .‬فلما قصدوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل فقالوا في زل زلزل كما قالوا‬ ‫في كبه كبكبه‪.‬‬ ‫‪ 2‬مالها استفهام ناشئ عن دهشة وحيرة للمفاجأة‪ .‬أي ما للرض زلزلت هذا الزلزال‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ هذه الية (يومئذ تحدث‬ ‫أخبارها) فقال أتدرون ما أخبارها؟ قالوا ال ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد‬ ‫أو أمة بما عمل على ظهرها‪ ,‬وتقول عمل يوم كذا وكذا فهذه أخبارها وجملة (يومئذ تحدث)‬ ‫جواب الشرط (إذا زلزلت)‪.‬‬ ‫‪ 4‬الشتات جمع شت بمعنى متفرقين جماعات جماعات أصحاب يمين وأصحاب شمال‪.‬‬ ‫‪ 5‬يحكى أن أعرابيا أخر (خيرا يره) فقيل له قدمت وأخرت فقال‪:‬‬ ‫خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه‬ ‫كل جانبي هرشى لهن طريق‬ ‫وفات العرابي أن تقديم لفظ الخير تنويه به وبأهله ولذا قدم في الية‪.‬‬

‫( ‪)5/604‬‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم أن ما ترى مما تكره فهو من مثاقيل ذر شر كثير‪ ,‬ويدخر ال لك‬ ‫مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة وتصديق ذلط في كتاب ال { َومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا‬ ‫كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬العلم بالنقلب الكوني الذي تتبدل فيه الرض غير الرض والسموات غير السموات‪.‬‬ ‫‪ -3‬تكلم الجمادات من آيات ال تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات ألوهيته‬ ‫بعبادته وحده دون سواه‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حديث الصالح اتقوا النار ولو بشق تمرة‪1.‬‬ ‫‪ -5‬الكافر عمله الخيري ينفعه في الدنيا دون الخرة‪.‬‬ ‫‪ -6‬المؤمن يجزي ‪ 2‬بالسيئة في الدنيا ويدخر له صالح عمله للخرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حديث "اتقوا النار ول بشق تمرة"‪ .‬رواه البخاري وفي الموطأ أن مسكينا استطعم عائشة أم‬ ‫المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لنسان خذ حبة فأعطه إياها‪ ,‬فجعل ينظر إليها ويعجب‪ ,‬فقالت‬ ‫أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟‬ ‫‪ 2‬شاهده حديث أبي بكر السالف الذكر‪.‬‬

‫( ‪)5/605‬‬ ‫سورة العاديات‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة العاديات‬ ‫مكية وآياتها إحدى عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سطْنَ بِهِ‬ ‫ت صُبْحا (‪ )3‬فَأَثَرْنَ بِهِ َنقْعا (‪َ )4‬فوَ َ‬ ‫وَا ْلعَادِيَاتِ ضَبْحا (‪ )1‬فَا ْلمُورِيَاتِ قَدْحا (‪ )2‬فَا ْل ُمغِيرَا ِ‬ ‫شدِيدٌ (‪َ )8‬أفَل‬ ‫حبّ ا ْلخَيْرِ لَ َ‬ ‫شهِيدٌ (‪ )7‬وَإِنّهُ لِ ُ‬ ‫جمْعا (‪ )5‬إِنّ الْأِنْسَانَ لِرَبّهِ َلكَنُودٌ (‪ )6‬وَإِنّهُ عَلَى ذَِلكَ لَ َ‬ ‫َ‬ ‫َيعْلَمُ ِإذَا ُبعْثِرَ مَا فِي ا ْلقُبُورِ (‪)9‬‬

‫صلَ مَا فِي الصّدُورِ (‪ )10‬إِنّ رَ ّبهُمْ ِبهِمْ َي ْومَئِذٍ لَخَبِيرٌ (‪)11‬‬ ‫ح ّ‬ ‫وَ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والعاديات ‪ :‬أي والخيل تعدو في الغزو‪.‬‬

‫( ‪)5/605‬‬ ‫ضبحا‪ :‬أي تضبح ضبحا والضبح صوت الخيل إذا عدت أي جرت‪.‬‬ ‫فالموريات قدحا‪ :‬أي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت بالليل‪.‬‬ ‫فالمغيرات صبحا‪ :‬أي الخيل تغير على العدو صباحا‪.‬‬ ‫فأثرن به نقعا‪ :‬هيجن به أي بمكان عدوها نقعا أي غبارا‪.‬‬ ‫فوسطن به جمعا‪ :‬أي بالنقع جمع العدو أي حيث تجمعاته‪.‬‬ ‫لكنود‪ :‬لكفور بجحد نعمه تعالى عليه‪.‬‬ ‫لشهيد‪ :‬أي يشهد على نفسه بعمله‪.‬‬ ‫وإنه لحب الخير‪ :‬أي المال‪.‬‬ ‫إذا بعثر‪ :‬أي أثير وأخرج ما في القبور‪.‬‬ ‫وحصل ما في الصدور‪ :‬بين وأفرز ما في الصدور من اليمان والكفر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ت ضَبْحا}‪ 1‬اليات إلى قوله {َأفَل َيعَْلمُ} تضمنت قسما إلهيا عظيما على حقيقة‬ ‫قوله تعالى {وَا ْلعَادِيَا ِ‬ ‫كبرى يجهلها كثير من الناس وهي كفر النسان لربه ولنعمه عليه يعد المصائب وينسى النعم‬ ‫والفواصل وهذا بيان ما أقسم تعالى به وهو العاديات ضبحا وهي الخيل ‪ 2‬تضبح أي تخرج صوتا‬ ‫خاصا غير الصهيل المعروف فالموريات قدحا أي الخيل توري النار بحوافرها إذا مشت فوق‬ ‫الحجارة ليل ويدخل ضمن هذا كل قادحة للنار فالمغيرات صبحا أي جماعات الخيل يركبها‬ ‫فرسانها للغارة على العدو بها صباحا‪ .‬وقوله فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا أي فأثارت الخيل‬ ‫النقع وهو الغبار والتراب عند سيرها بفرسانها فتوسطت جمع العدو وكتائبه لقتال أعداء ال‬ ‫الكافرين بال وآياته ولقائه المفسدين في الرض بالشرك والمعاصي هذا ما أقسم ال تعالى به‬ ‫وهو الخيل ذات الصفات الثلث‪ :‬العدو والوراء والغارة والمقسم عليه قوله {إِنّ الْإِ ْنسَانَ لِرَبّهِ‬ ‫َلكَنُودٌ} المراد من النسان الكافر والجاهل بربه تعالى الذي لم تتهذب روحه بمعرفة ال ومحابه‬ ‫ومكارهه ولم يزك نفسه بفعل المحاب وترك المكاره هذا النسان أقسم تعالى على أنه كفور لربه‬ ‫تعالى ولنعمه عليه أي شديد الكفر كثير بذكر المصائب ويشعر بها ويصرخ لها ويصر عليها‬ ‫وينسى النعم والفواضل عليه فل يذكرها ول يشكر ال تعالى عليها‪ .‬فالكنود الكفور‪ 3.‬وقوله تعالى‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الفراس تعدو (القرطبي) تضبح أي تحمحم إذا عدت وأصل الضبح والضباح للثعالب كالنبح‬ ‫والنباح للكلب‪.‬‬ ‫‪ 2‬يروى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في العاديات أنها البل تعدو في الحج من عرفة‬ ‫إلى مزدلفة وإلى منى إل أن الخيل أولى بهذه الصفات‪.‬‬ ‫‪ 3‬فسر السلف الكنود بالهلوع والجحود والجهول والحقود والمنوع‪ ،‬وفعله كند يكند كنودا من باب‬ ‫دخل يدخل دخل أي كفر النعمة وجحدها‪.‬‬

‫( ‪)5/606‬‬ ‫وإنه على ذلك لشهيد أي وإن ال تعالى على هذا الوصف في النسان لشهيد فأخبر تعالى بما‬ ‫علمه من النسان وشهد به عليه كما أن النسان شهيد بأعماله وصنائع أقواله وأفعاله شهيد على‬ ‫نفسه بالكفر والجحود‪ .‬وقوله وإنه لحب الخير لشديد هذا مما أقسم تعالى عليه أيضا وهو وصف‬ ‫للنسان الكنود وهو أنه شديد حب المال وسمي المال خيرا تسمية ‪ 1‬عرفية إذ تعارف الناس على‬ ‫ذلك كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة ال تعالى‪.‬‬ ‫صلَ‪ 3‬مَا فِي الصّدُورِ إِنّ رَ ّبهُمْ ِب ِهمْ َي ْومَئِذٍ‬ ‫ح ّ‬ ‫وقوله تعالى {َأفَل ‪َ 2‬يعَْلمُ إِذَا ُبعْثِرَ مَا فِي ا ْلقُبُورِ وَ ُ‬ ‫لَخَبِيرٌ} أي أيكفر النسان بربه ويجحد نعمه عليه وإحسانه إليه ويحب المال أشد الحب فيمنع‬ ‫حقوق ال فيه ويكتسب مما حرم ال عليه وقوله تعالى {َأفَل َيعْلَمُ ِإذَا ‪ُ 4‬بعْثِرَ مَا فِي ا ْلقُبُورِ} أي‬ ‫بعثرت القبور وأخرج ما فيها من البشر للحساب والجزاء ووقفوا بين يدي ال تعالى وأفرز وبين‬ ‫ما كان خفيا في الصدور من العتقادات والنيات الصالحة والفاسدة ول يخفى على ال تعالى منهم‬ ‫شيء حيث {إِنّ رَ ّبهُمْ‪ِ 5‬بهِمْ َي ْومَئِذٍ َلخَبِيرٌ} كما هو اليوم خبير إل أنها ساعة الحساب والمجازاة‬ ‫فذكر فيها علم ال تعالى وخبرته بالظواهر والبواطن والضمائر والسرائر فل يخفى على ال من‬ ‫ذلك شيء وسيتم الجزاء العادل بحسب هذا العلم وتلك الخبرة اللهية‪ .‬فلو علم الكفور من الناس‬ ‫المحب للمال هذا وأيقنه لعدل من سلوكه وأصلح من اعتقاده ومن أقواله وأعماله فاليات دعوة‬ ‫إلى مراقبة ال تعالى بعد اليمان والستقامة على طاعته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الترغيب في الجهاد والعداد له كالخيل أمس‪ ،‬ونفاث الطائرات اليوم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حقيقة وهي أن النسان كفور لربه ونعمه عليه يذكر المصيبة إذا أصابته وينسى النعم‬ ‫التي غطته إل إذا آمن وعمل صالحا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى‪ :‬إن ترك خيرا فللوالدين الية‪ .‬وقال عدي‪:‬‬

‫ماذا ترجي النفوس من طلب الخير وحب الحياة كا ربها‬ ‫كا ربها غامها من الكرب الذي هو الغم‬ ‫‪ 2‬الهمزة للستفهام النكاري والفاء للتفريع‪ ،‬والمفعول محذوف لتذهب النفس في طلبه مذاهب‬ ‫تقديره أفل يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور العذاب الذي هو جزاء الكفر‬ ‫والجحود والبخل‪.‬‬ ‫‪ 3‬حصل معناه جمع وأحصى أو جمع وعد ليحاسب العبد عليه‪.‬‬ ‫‪ 4‬بعثر أي قلب من أسفل إلى علو‪ ،‬والمراد إحياء ما في القبور من الموات‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه الجملة مستأنفة علة لتحقيق الجزاء وإثباته ذلك الجزاء الذي يحصل يوم خروج الناس من‬ ‫قبورهم وحسابهم على أعمالهم‪.‬‬

‫( ‪)5/607‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن النسان يحب المال حبا شديدا إل إذا هذب باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/608‬‬ ‫سورة القارعة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة القارعة‬ ‫مكية وآياتها إحدى عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ا ْلقَارِعَةُ (‪ )1‬مَا ا ْلقَارِعَةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلقَارِعَةُ (‪َ )3‬يوْمَ َيكُونُ النّاسُ كَا ْلفَرَاشِ ا ْلمَبْثُوثِ (‪)4‬‬ ‫وَ َتكُونُ ا ْلجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ ا ْلمَ ْنفُوشِ (‪ )5‬فََأمّا مَنْ َثقَُلتْ َموَازِينُهُ (‪َ )6‬ف ُهوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِ َيةٍ (‪ )7‬وََأمّا‬ ‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ (‪ )8‬فَُأمّهُ هَاوِيَةٌ (‪َ )9‬ومَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (‪ )10‬نَارٌ حَامِيَةٌ (‪)11‬‬ ‫مَنْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫القارعة‪ :‬القيامة وسميت القارعة لنها تقرع القلوب بأهوالها‪.‬‬ ‫ما القارعة ‪ :‬أي أي شيء هي؟ فالستفهام للتهويل من شأنها‪.‬‬ ‫وما أدراك ما القارعة ‪ :‬زيادة في التهويل أمرها وتعظيمه‪.‬‬ ‫كالفراش المبثوث‪ :‬أي كغوغاء الجراد المنتشر يموج بعضهم في بعض‪.‬‬ ‫كالعهن المنفوش‪ :‬أي كالصوف المندوف هذه حالها أول ثم تكون كثيبا مهيل ثم تكون هباء منبثا‪.‬‬

‫في عيشة راضية‪ :‬أي يرضاها صاحبها في الجنة فهي مرضية له‪.‬‬ ‫فأمه هاوية‪ :‬أي مأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه وهي النار‪.‬‬ ‫نار حامية ‪ :‬أي هي نار حامية‪.‬‬

‫( ‪)5/608‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ا ْلقَارِعَةُ} إلى آخر السورة الكريمة تضمنت آياتها الحدى عشرة آية وصفا لعقيدة‬ ‫البعث والجزاء التي كذب بها المشركون وأنكروها وبالغوا في إنكارها فأخبر تعالى أن القيامة‬ ‫التي تقرع الناس بأهوالها وعظائم ما يجري فيها بحيث يكون الناس وهم اشرف الكائنات‬ ‫الرضية يكونون في خفة أحلمهم وحيرة عقولهم كالفراش المبثوث وهو غوغاء الجراد وتجمعه‬ ‫وتراكمه وانتشاره وهو يموج بعضه فوق بعض‪ .‬وتكون الجبال على رسوها وعلوها وضخامة‬ ‫ذواتها كالعهن المنفوش أي كالصوف المندوف بالمنداف وهو يتطاير هنا وهناك‪ .‬هذا في أول‬ ‫المر وقد تكون كالرمل المتهيل‪ .‬ثم كالهباء المنبث فإذا بعثوا ووقفوا بين يدي ربهم لحسابهم‬ ‫ومجازاتهم {فمَنْ َثقُلَتْ َموَازِينُهُ} أي موازين حسناته فقد نجا من النار وهو {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي‬ ‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ} أي‬ ‫مرضية له وهو بها راض وكيف ل وهي الجنة دار النعيم المقيم‪{ .‬وأمّا مَنْ َ‬ ‫قلت حسناته وكثرت سيئاته أو لم يكن له حسنة بالمرة كأهل الكفر والشرك { فَُأمّهُ هَاوِيَةٌ} أي فأمه‬ ‫التي تضمه إليها وتؤيه عندها هاوية بحيث يهوى فيها على أم رأسه وقوله تعالى { َومَا أَدْرَاكَ مَا‬ ‫هِيَهْ؟} أي هي {نَارٌ حَامِيَةٌ} هذا الستفهام للتهويل من شأنها وهي كذلك ل أشد هول منها إنها النار‬ ‫دار البوار والخسران أعاذنا ال تعالى منها وعتق رقابنا منها اللهم آمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر صورة صادقة لها‪.‬‬ ‫‪-2‬التحذير من أهوال يوم القيامة وعذاب ال تعالى فيها‪.‬‬ ‫‪-3‬تقرير عقيدة وزن العمال صالحها وفاسدها وترتيب الجزاء عليها‪.‬‬ ‫تقرير أن الناس يوم القيامة فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬

‫( ‪)5/609‬‬ ‫سورة التكاثر‬ ‫‪...‬‬

‫سورة التكاثر‬ ‫مكية وآياتها ثماني آيات ‪1‬‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪ )4‬كَلّا َلوْ‬ ‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ (‪ )3‬ثُمّ كَلّا َ‬ ‫أَ ْلهَاكُمُ ال ّتكَاثُرُ (‪ )1‬حَتّى زُرْتُمُ ا ْل َمقَابِرَ (‪ )2‬كَلّا َ‬ ‫َتعَْلمُونَ عِ ْلمَ الْ َيقِينِ (‪ )5‬لَتَ َروُنّ ا ْلجَحِيمَ (‪ُ )6‬ثمّ لَتَ َروُ ّنهَا عَيْنَ الْ َيقِينِ (‪ُ )7‬ثمّ لَتُسْأَلُنّ َي ْومَئِذٍ عَنِ ال ّنعِيمِ (‬ ‫‪)8‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألهاكم‪ :‬أي شغلكم عن طاعة ال تعالى‪.‬‬ ‫التكاثر‪ :‬أي التباهي بكثرة المال‪.‬‬ ‫حتى زرتم المقابر‪ :‬أي تشاغلتم بجمع المال والتباهي بكثرته حتى متم ونقلتم إلى المقابر‪.‬‬ ‫كل‪ :‬أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فارتدعوا عن هذا التكاثر‪.‬‬ ‫سوف تعلمون‪ :‬أي إذا دخلتم قبوركم علمتم خطأكم في التكاثر في الموال والولد‪.‬‬ ‫كل‪ :‬أي حقا‪.‬‬ ‫لو تعلمون علم اليقين‪ :‬أي علما يقينيا عاقبة التكاثر لما تفاخرتم بكثرة أموالكم‪.‬‬ ‫لترون الجحيم‪ :‬أي النار‪.‬‬ ‫يومئذ‪ :‬أي يوم ترون الجحيم عين اليقين‪.‬‬ ‫عن النعيم‪ :‬أي تنعمتم به وتلذذتم من الصحة والفراغ والمن والمطاعم والمشارب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {أَ ْلهَاكُمُ ال ّتكَاثُرُ‪ }2‬هذا خطاب ال تعالى للمشتغلين بجمع المال وتكثيره للمباهاة به‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إل البخاري فإنه يرى أنها مدنية والصحيح أنها مكية ولعل البخاري تأثر بما رواه من أن النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال لبي بكر في بستان ابن تيهان إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه‪.‬‬ ‫‪ 2‬ألهاكم شغلكم قال امرؤ القيس‪:‬‬ ‫فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع‬ ‫فألهيتها عن ذي تمائم محول‬ ‫أي شغلتها‪.‬‬

‫( ‪)5/610‬‬ ‫والتفاخر المر الذي ألهاهم عن طاعة ال ورسوله فماتوا ولم يقدموا لنفسهم خيرا فقال تعالى لهم‬ ‫ألهاكم أي شغلكم التكاثر أي في الموال للتفاخر بها والمباهاة بكثرتها {حَتّى زُرْتُمُ ا ْل َمقَابِرَ}‪ 1‬أي‬

‫بعد موتكم نقلتم إليها لتبقوا فيها إلى أن تخرجوا منها للحساب والجزاء أي يوم القيامة‪ .‬وقوله لهم‬ ‫{كُلّا} أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فاتدعوا عن هذا السلوك المفضي بكم إلى الهلك والخسران‪.‬‬ ‫س ْوفَ‬ ‫سوف تعلمون عاقبة تشاغلكم عن طاعة ال وطاعة رسوله والتزود للدار الخرة { ُثمّ كَلّا َ‬ ‫‪َ 2‬تعَْلمُونَ} كرر الوعيد والتهديد‪ .‬وقوله {كَلّا َلوْ َتعَْلمُونَ عِ ْلمَ الْ َيقِينِ‪ }3‬أي ‪ 4‬حقا لو تعلمون ما‬ ‫تجدونه في قبوركم ويوم بعثكم ونشوركم لما تشاغلتم بالموال وتكاثرتم فيها‪ .‬وقوله {لَتَ َروُنّ‬ ‫جحِيمَ ُثمّ لَتَ َروُ ّنهَا عَيْنَ الْ َيقِينِ} هذا جواب قسم نحو وعزتنا لترون الجحيم أي النار وذلك يوم‬ ‫الْ َ‬ ‫القيامة المشرك يراها ويصلها والمؤمن يراها وينجيه ال تعالى منها‪ .‬ثم لترونها عين اليقين أي‬ ‫المر الذي ل شك فيه إذ يؤتى بجهنم فيراها أهل الموقف أجمعون وقوله {ثُمّ لَُتسْأَلُنّ َي ْومَئِذٍ} أي‬ ‫يوم ترون الجحيم عين اليقين {عَنِ ال ّنعِيمِ‪ }5‬الذي كان لكم في الدنيا من صحة وفراغ وأمن وطعام‬ ‫وشراب‪ .‬فمن أدى شكره نجا‪ ،‬ومن لم يؤد شكره أخذ به ول يعفى إل عن ثوب يستر العورة‬ ‫وكسرة خبز تسد الجوعة وجحر يكن من الحر والبرد وقد صح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬ ‫لبي بكر وعمروا ابن التيهان "هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة يشير إلى بسر ورطب‬ ‫وماء بارد" وصح أيضا "أنه ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن‬ ‫شبابه فيما أبله وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ "‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من جمع المال وتكثيره مع عدم شكره وترك طاعة ال ورسوله من أجله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم‬ ‫التكاثر‪ ،‬قال‪ :‬يقول ابن آدم‪ :‬مالي مالي وهل لك يا بن آدم من مالك إل ما أكلت فأفنيت‪ ،‬أو لبست‬ ‫فأبليت‪ ،‬أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس‪ .‬وروى البخاري قوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم لو أن لبن آدم واديا من ذهب لحب أن يكون له واديان ولن يمل فاه إل التراب‪،‬‬ ‫ويتوب ال على من تاب‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة توكيد للولى وهي سوف تعلمون‪ ،‬ومفعول تعلمون محذوف تقديره تعلمون سوء‬ ‫مغبة لهوكم بالتكاثر مشغولين عن طاعة ال ورسوله مشغولين بجمع الموال والتكاثر بها‪.‬‬ ‫‪ 3‬جواب لو تعلمون علم اليقين محذوف كما حذفت الول تقديره لتبين لكم حال مفظع عظيم‬ ‫والضافة في علم اليقين إضافة بيانية لن اليقين علم‪.‬‬ ‫‪ 4‬وجائز أن تكون كلهما كالولى للردع والزجر وكونها بمعنى حقا أولى‪.‬‬ ‫‪ 5‬اختلف في تحديد النعيم المذكور الذي نسأل عنه يوم القيامة فقيل له المن والصحة وقيل‬ ‫الصحة والفراغ‪ ،‬وقيل شبع البطون وبارد الشراب وظلل المساكن‪ .‬وفي البخاري عن النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"‪.‬‬

‫( ‪)5/611‬‬ ‫‪ -2‬إثبات عذاب القبر وتأكيده بقوله حتى زرتم المقابر كل سوف تعلمون أي في القبر‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث وحتمية الجزاء بعد الحساب والستنطاق والستجواب‪.‬‬ ‫‪ -4‬حتمية سؤال العبد عن النعم التي أنعم ال تعالى عليه بها في الدنيا فإن كان شاكرا لها فاز‬ ‫وإن كان كافرا لها أخذ والعياذ بال‪.‬‬

‫( ‪)5/612‬‬ ‫سورة العصر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة العصر‬ ‫مكية وآياتها ثلث آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حقّ‬ ‫صوْا بِالْ َ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ وَ َتوَا َ‬ ‫وَا ْل َعصْرِ (‪ )1‬إِنّ الْأِ ْنسَانَ َلفِي خُسْرٍ (‪ )2‬إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫صوْا بِالصّبْرِ (‪)3‬‬ ‫وَ َتوَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والعصر‪ :‬أي الدهر كله‪.‬‬ ‫إن النسان‪ :‬أي جنس النسان كله‪.‬‬ ‫لفي خسر‪ :‬أي في نقصان وخسران إذ حياته هي رأس ماله فإذا مات ولم يؤمن ولم يعمل صالحا‬ ‫خسر كل الخسران‪.‬‬ ‫وتواصوا بالحق‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا باعتقاد الحق وقوله والعمل به‪.‬‬ ‫وتواصوا بالصبر‪ :‬أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على اعتقاد الحق وقوله والعمل به‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَا ْل َعصْرِ‪ }1‬اليات الثلث تضمنت هذه اليات حكما ومحكوما عليه ومحكوما به‬ ‫فالحكم هو ما حكم به تعالى على النسان ‪ 2‬كل النسان من النقصان والخسران والمحكوم عليه‬ ‫هو النسان ابن آدم والمحكوم به هو الخسران لمن لم يؤمن ويعمل صالحا والربح والنجاة من‬ ‫الخسران لمن آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فقوله تعالى {وَا ْل َعصْرِ}‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر أهل التفسير في تحديد كلمة العصر أقوالً منها أنها صلة العصر لنها الصلة الوسطى‪،‬‬

‫ومنها عصر النبي صلى ال عليه وما في التفسير أعم وأولى‪.‬‬ ‫‪ 2‬النسان (أل) فيه لستغراق الجنس إل أنه خاص بالموجودين في زمن النزول للية ومن بلغته‬ ‫الدعوة السلمية‪ ،‬أما من كانوا قبل نزول الية وظهور السلم فل يدخلون في عموم لفظ‬ ‫النسان ولو قيل بالعموم لكان حقا أيضا‪.‬‬

‫( ‪)5/612‬‬ ‫هو قسم أقسم ال به والعصر هو الدهر كله ليله ونهاره وصبحه ومساؤه وجواب القسم قوله تعالى‬ ‫{إِنّ الْأِنْسَانَ َلفِي خُسْرٍ} أي نقصان وهلكة وخسران إذ يعيش في كبد ويموت على جهنم فيخسر‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} فهؤلء استثناهم ال‬ ‫كل شيء حتى نفسه التي بين جنبيه وقوله {إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫تعالى من الخسر فهم رابحون غير خاسرين وذلك بدخولهم الجنة دار السعادة والمراد من اليمان‬ ‫اليمان بال ورسوله وما جاء به رسوله من الهدى ودين الحق والمراد من العمل الصالح‬ ‫صوْا بِا ْلحَقّ} أي باعتقاده وقوله والعمل به وذلك باتباع‬ ‫الفرائض والسنن والنوافل‪ ،‬وقوله {وَ َتوَا َ‬ ‫صوْا بِالصّبْرِ‪ }1‬أي أوصى بعضهم بعضا بالحق اعتقادا وقول وعمل‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬وقوله {وَ َتوَا َ‬ ‫وبالصبر على ذلك حتى يموت أحدهم وهو يعتقد الحق ويقول به ويعمل بما جاء فيه فالسلم حق‬ ‫والكتاب حق والرسول حق فهم بذلك يؤمنون ويعملون ويتواصون بالثبات على ذلك حتى الموت‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة سورة العصر لشتمالها على طريق النجاة في ثلث آيات حتى قال المام الشافعي لو‬ ‫ما أنزل ال تعالى على خلقه حجة إل هذه السورة لكفتهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مصير النسان الكافر وأنه الخسران التام‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان فوز أهل اليمان والعمل الصالح المجتنبين للشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب التواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المسلمين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حقيقة الصبر منع المرء نفسه مما هو مناف لطاعة ال ورسوله فعل أو تركا‪.‬‬

‫( ‪)5/613‬‬ ‫سورة الهمزة‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الهمزة‬

‫مكية وآياتها تسع آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سبُ أَنّ مَالَهُ َأخْلَ َدهُ (‪ )3‬كَلّا لَيُنْبَذَنّ فِي‬ ‫حَ‬ ‫ل وَعَدّ َدهُ (‪ )2‬يَ ْ‬ ‫جمَعَ مَا ً‬ ‫وَ ْيلٌ ِل ُكلّ ُهمَ َزةٍ ُلمَ َزةٍ (‪ )1‬الّذِي َ‬ ‫طمَةُ (‪ )5‬نَارُ اللّهِ ا ْلمُوقَ َدةُ (‪ )6‬الّتِي َتطّلِعُ عَلَى الَْأفْ ِئ َدةِ (‪ )7‬إِ ّنهَا عَلَ ْي ِهمْ‬ ‫طمَةِ (‪َ )4‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحُ َ‬ ‫حَ‬ ‫الْ ُ‬ ‫ع َمدٍ ُممَدّ َدةٍ (‪)9‬‬ ‫ُمؤْصَ َدةٌ (‪ )8‬فِي َ‬

‫( ‪)5/613‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويل لكل همزة لمزة‪ :‬كلمة يطلب بها العذاب وواد في جهنم الهمزة كثير الهمز واللمز كذلك وهم‬ ‫الطعانون المظهرون العيوب للفساد‪.‬‬ ‫جمع مال وعدده‪ :‬أي أحصاه وأعده لحوادث الدهر‪.‬‬ ‫يحسب أن ماله أخلده‪ :‬أي يجعله خالدا في الحياة ل يموت‪.‬‬ ‫كل‪ :‬أي ليس المر كما يزعم ويظن‪.‬‬ ‫لينبذن‪ :‬أي ليطرحن في الحطمة‪.‬‬ ‫في الحطمة‪ :‬أي النار التي تحطم كل ما يلقى فيها‪.‬‬ ‫تطلع على الفئدة‪ :‬أي تشرف على القلوب فتحرقها‪.‬‬ ‫مؤصدة‪ :‬أي مغلقة مطبقة‪.‬‬ ‫في عمد ممددة‪ :‬أي يعذبون في النار بأعمدة ممدة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَ ْيلٌ ِل ُكلّ ُهمَ َزةٍ ُلمَ َزةٍ}‪ 1‬يتوعد الرب تبارك وتعالى بواد في جهنم يسيل بصديد أهل‬ ‫النار وقيوحهم كل همزة لمزة ‪ 2‬أي كل مغتاب عياب ممن يمشون بالنميمة ويبغون للبراء العيب‬ ‫سبُ أَنّ مَاَلهُ أَخَْل َدهُ} هذا وصف آخر لتلك الهمزة اللمزة وهو أنه‬ ‫ل وَعَدّ َدهُ َيحْ َ‬ ‫جمَعَ مَا ً‬ ‫وقوله {الّذِي َ‬ ‫عدّ َدهُ} أي أحصاه وعرف مقداره وأعده لحوادث الدهر كما‬ ‫جمَعَ مَالً} كثيرا من حرام وحلل {وَ َ‬ ‫{َ‬ ‫سبُ أَنّ مَالَهُ َأخْلَ َدهُ} أي يظن أنه ل يموت لكثرة أمواله ومتى كان المال ينجي من‬ ‫يزعم‪{ .‬يَحْ َ‬ ‫الموت؟ إنه الغرور في الحياة‪ ،‬لو كان المال يخلد أحدا لخلد قارون‪ ،‬وقوله تعالى {كَلّا}‪ 3‬ل يخلده‬ ‫طمَةِ} النار المستعرة التي تحطم كل ما‬ ‫حَ‬ ‫ماله بل وعزتنا وجللنا {لَيُنْبَذَنّ} ‪ 4‬أي يطرحن {فِي الْ ُ‬ ‫طمَةُ}‪ 5‬هذا الستفهام لتعظيم أمرها وتهويل شأنها‪ ،‬وبينها‬ ‫يلقى فيها وقوله تعالى { َومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحُ َ‬ ‫تعالى بقوله {نَارُ اللّهِ ا ْلمُوقَ َدةُ} أي المستعرة المتأججة‪{ ،‬الّتِي َتطّلِعُ عَلَى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الحبة الباغون للبرآء العيب‪.‬‬

‫‪ 2‬قال عطاء بن أبي رياح‪ :‬الهمزة الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل‪ ،‬واللمزة الذي يغتابه من‬ ‫خلقه إذا غاب قال حسان‪:‬‬ ‫همزتك فاختضعت بذل نفس‬ ‫بقافية تأجج كالشواظ‬ ‫‪ 3‬كل رد لما توهمه الكافر وردع له وزجر على اعتقاده وقوله إذ كلهما فاسد باطل‪.‬‬ ‫‪ 4‬اللم موطئة للقسم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الحطمة دركة من درك النار قيل أنها الثانية وقيل الرابعة أو هي اسم من أسماء جهنم‪.‬‬

‫( ‪)5/614‬‬ ‫الَْأفْئِ َدةِ} أي تشرف على القلوب فتحرقها‪ ،‬وقوله تعالى {إِ ّنهَا عَلَ ْي ِهمْ ُمؤْصَ َدةٌ} ‪ 1‬أي إن النار على‬ ‫عمَدٍ ُممَدّ َدةٍ} أي يعذبون في النار‬ ‫أولئك الهمازين اللمازين مطبقة مغلقة البواب وقوله تعالى {فِي َ‬ ‫بعمد ممددة‪ ،‬وال أعلم كيف يكون تعذيبهم ‪ 2‬بها إذ لم يطلعنا ال تعالى على كيفيته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من الغيبة والنميمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالمغترين بالموال المعجبين بها‪.‬‬ ‫بيان شدة عذاب النار وفظاعته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال آصدت الباب إذا أغلقته قاله مجاهد ومنه قول الشاعر (الرقيات)‬ ‫إن ي القصر لو دخلنا غزال‬ ‫مصفقا موصدا عليه الحجاب‬ ‫فمصفقا وموصدا بمعنى واحد وهو مغلق‪.‬‬ ‫‪ 2‬في عمد أي موثقين في عمد كما يوثق المسجون المغلظ عليه من رجليه في فلقة ذات ثقب‬ ‫يدخل في رجليه والعمد اسم جمع عمود‪ ،‬والعمود خشبة والممددة المجعولة طويلة جدا‪.‬‬

‫( ‪)5/615‬‬ ‫سورة الفيل‬ ‫‪...‬‬

‫سورة الفيل‬ ‫مكية وآياتها خمس آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سلَ عَلَ ْيهِمْ طَيْرا‬ ‫ج َعلْ كَيْدَ ُهمْ فِي َتضْلِيلٍ (‪ )2‬وَأَرْ َ‬ ‫أَلَمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ (‪ )1‬أَلَمْ يَ ْ‬ ‫صفٍ مَ ْأكُولٍ (‪)5‬‬ ‫جعََلهُمْ َكعَ ْ‬ ‫حجَا َرةٍ مِنْ سِجّيلٍ (‪ )4‬فَ َ‬ ‫أَبَابِيلَ (‪ )3‬تَ ْرمِيهِمْ بِ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر كيف فعل ربك ‪ :‬أي ألم ينته إلى علمك فعل ربك بأصحاب الفيل‪.‬‬ ‫بأصحاب الفيل ‪ :‬أي محمود وهي أكبرها ومعه اثنا عشر فيل وصاحبها أبرهة‪.‬‬ ‫ألم يجعل كيدهم ‪:‬أ ي في هدم الكعبة‪.‬‬ ‫في تضليل ‪:‬أي في خسار وهلك‪.‬‬ ‫أبابيل ‪:‬أي جماعات جماعات‪.‬‬ ‫من سجيل ‪:‬أي طين مطبوخ‪.‬‬

‫( ‪)5/615‬‬ ‫كعصف مأكول ‪:‬أي كورق زرع أكلته الدواب وداسته بأرجلها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {أََلمْ ‪1‬تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ‪ }2‬إلى قوله {مَ ْأكُولٍ} هي خمس آيات تضمنت‬ ‫الحديث عن حادث جلل وقع أمام ‪ 3‬ولدة النبي صلى ال عليه وسلم وخلصته أن أبرهة الشرم‬ ‫والي اليمن من قبل ملك الحبشة قد رأى أن يبني بيتا في صنعاء اليمن يدعو العرب إلى حجه بدل‬ ‫حجهم البيت الحرام والقصد من ذاك تحويل التجارة والمكاسب من مكة إلى اليمن وعرض هذا‬ ‫على الملك الحبشي فوافق وسره ذلك ولما بني البيت (الكنيسة) وسماها القليس لم يبن مثلها في‬ ‫تاريخها جاء رجل قرشي فتغوط فيها ولطخ جدرانها بالعذرة غضبا منه‪ ،‬وذهب فلما رآها أبرهة‬ ‫الشرم بتلك الحال استشاط غيظا وجهز جيشا لغزو مكة وهدم الكعبة وكان معه ثلثة عشر فيل‬ ‫ومن بينها فيل يدعى محمود وهو أكبرها وساروا ما وقف في وجههم حي من أحياء العرب إل‬ ‫قاتلوه وهزموه حتى انتهوا إلى قرب مكة وجرت سفارة بينهم وبين شيخ مكة عبد المطلب بن‬ ‫هاشم جد النبي صلى ال عليه وسلم وانتهت المفاوضات بأن يرد أبرهة إبل عبد المطلب ثم هو‬ ‫وشأنه بالكعبة وأمر رجال مكة أن يخلوا البلد ويلتحقوا برؤوس الجبال بنسائهم وأطفالهم خشية‬ ‫المعرة تلحقهم من الجيش الغازي والظالم‪ ،‬وما هي إل أن تحرك جيش أبرهة ووصل إلى وادي‬ ‫محسر وهو في وسط الوادي سائر وغذا بفرق من الطير فرقة بعد أخرى ترسل على ذلك الجيش‬ ‫حجارة الواحدة ما بين الحمصة والعدسة في الحجم وما تسقط الحجرة على رجل إل ذاب وتناثر‬

‫لحمه فهلكوا وفر أبرهة ولحمه يتناثر فهلك في الطريق وكانت هذه نصرة من ال لسكان حرمه‬ ‫وحماة بيته ومن ثم ما زالت العرب تحترم الكعبة والحرم وسكانه إلى اليوم‪ .‬وقوله تعالى {أََلمْ تَرَ‬ ‫كَ ْيفَ} يخاطب تعالى رسوله مذكراَ إياه بفعله الجبار في إهلك الجبابرة فأين قوة ظلمة قريش‬ ‫كالعاص بن وائل وعمرو بن هشام والوليد وعقبة من قوة أبرهة وأبادها ال تعالى في ساعة‬ ‫فاصبر يا محمد ول تحمل لهؤلء العداء هما فإنما لهم ساعة فكانت السورة عبارة عن ذكرى‬ ‫للعظة والعتبار‪ .‬وهذا شرح اليات {أََلمْ تَرَ كَ ْيفَ َف َعلَ رَ ّبكَ بَِأصْحَابِ ا ْلفِيلِ} أي ألم ينته إلى علمك‬ ‫ج َعلْ كَيْ َدهُمْ فِي َتضْلِيلٍ} أي ألم يجعل ما كادوه لبيتنا وحرمنا في‬ ‫فعل ربك بأصحاب الفيل‪{ .‬أََلمْ يَ ْ‬ ‫سلَ عَلَ ْيهِمْ طَيْرا أَبَابِيلَ} أي جماعات جماعات‬ ‫خسارة وضلل فلم يجنوا إل الخزي والدمار {وَأَرْ َ‬ ‫كانت تشاهد وهي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تقريري والمخاطب هنا رسول ال صلى ال عليه وسلم بل خلف (وكيف) جائز أن‬ ‫تكون مجردة عن الستفهام وهي في محل نصب على المفعول به لتر‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفيل أنثاه فيلة ويجمع على أفيال وفيول وفيلة‪ ،‬وصاحبه فيال‪.‬‬ ‫‪ 3‬إذ ولد صلى ال عليه وسلم عام الفيل أي بعد حادثة الفيل بخمسين يوما‪.‬‬

‫( ‪)5/616‬‬ ‫تخرج من البحر يشاهدها رجال مكة المعتصمون بقمم الجبال إذ تمر فوقهم وهي تحمل حجارة‬ ‫من سجيل ‪ 1‬كل طائر يحمل ثلثة أحجار كالحمصة والعدسة واحدة بمنقاره واثنتين بمخلبيه كل‬ ‫واحدة في مخلب ترميهم بها فتتفتت لحومهم وتتناثر فجعلهم كعصف مأكول أي كزرع دخلته‬ ‫ماشية فأكلت عصفه أي ورقه وكسرت قائمه وهشمته فكانت آية من آيات ال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية رسول ال صلى ال عليه وسلم عما يلقيه من ظلم كفار قريش‪.‬‬ ‫‪ -2‬تذكير قريش بفعل ال عز وجل تخويفا لهم وترهيبا‪.‬‬ ‫‪ -3‬مظاهر قدرة ال تعالى في تدبيره لخلقه وبطشه بأعدائه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حجارة من طين طبخت من نار جهنم وسجيل أصلها سجين بالنون فأبدلت لما كما أبدلت في‬ ‫أصيلن بأصيلل قال الشاعر‪:‬‬ ‫ورجلة يضربون البيض عن عرض‬ ‫ضربا تواصت به البطال سجينا‬

‫( ‪)5/617‬‬ ‫سورة قريش‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة قريش‬ ‫مكية وآياتها أربع آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ط َع َمهُمْ‬ ‫لِإِيلفِ قُرَ ْيشٍ (‪ )1‬إِيل ِفهِمْ رِحَْلةَ الشّتَا ِء وَالصّيْفِ (‪ )2‬فَلْ َيعْ ُبدُوا َربّ هَذَا الْبَ ْيتِ (‪ )3‬الّذِي َأ ْ‬ ‫خ ْوفٍ (‪)4‬‬ ‫مِنْ جُوعٍ وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ليلف ‪:‬اليلف مصدر آلفه الشيء يؤالفه إيلفا إذا اعتادوه وزالت الكلفة عنه والنفرة منه‪.‬‬ ‫قريش ‪: 1‬هم ولد النضر بن كنانة وهم قبائل شتى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قريش لقب الجد الذي يجمع بطون قريش كافة وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة‪ .‬وأما ما‬ ‫فوق فهر فهم من كنانة ولقب بقريش تصغير قرش بفتح القاف وسكون الراء والنسبة إليه قرشي‬ ‫وهل اشتقاق قرش من التقريش الذي هو الكتساب أو التجمع أو نسبة إلى القرش وهو سمكة‬ ‫بحرية قوية والنسبة إلى قرش قرشي وقريش تصرف إن أريد الحي وتمنع إن أريد القبيلة ورجح‬ ‫القرطبي أن يكون قريش بن النضر بن كنانة‪ .‬فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ورجحه‬ ‫للحديث‪( :‬إنا ولد النضر بن كنانة ل نقفو أمنا ول ننتفي من أبينا) وبالتأمل ل توجد منافاة إذ قبائل‬ ‫قريش تعود إلى النضر بن كنانة‪.‬‬

‫( ‪)5/617‬‬ ‫رحلة الشتاء ‪:‬أي إلى اليمن‪.‬‬ ‫والصيف ‪:‬أي إلى الشام‪.‬‬ ‫فليعبدوا ‪:‬أي إن لم يعبدوا ال لسائر نعمه فليعبدوه لتحبيب هاتين الرحلتين إليهم‪.‬‬ ‫رب هذا البيت ‪:‬أي مالك البيت الحرام ورب كل شيء‪.‬‬ ‫الذي أطعمهم من جوع ‪:‬أي من أجل البيت الحرام‪.‬‬ ‫وآمنهم من خوف ‪:‬أي من أجل البيت الحرام‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫قوله تعالى {لِإِيلفِ قُرَيْشٍ}‪ 1‬هذا الجار والمجرور متعلق بكلم قبله وهو فعلت ما فعلت بأصحاب‬ ‫الفيل ليلف قريش رحلتيهم‪ ،‬أو أعجبوا ليلف قريش رحلتهم والرحلتان هما رحلة في الشتاء‬ ‫إلى اليمن‪ ،‬ورحلة في الصيف إلى الشام وذلك للتجار وجلب الرزاق إلى بلدهم التي ليست هي‬ ‫بذات زرع ول صناعة فإيلفهم هاتين الرحلتين كان بتدبير ال تعالى ليعيش سكان حرمه وبلده‬ ‫ط َع َمهُمْ مِنْ‬ ‫في رغد من العيش فهي نعمة من نعم ال تعالى وعليه {فَلْ َيعْبُدُوا َربّ هَذَا الْبَ ْيتِ الّذِي َأ ْ‬ ‫خوْفٍ} كذلك ولم يعدلون عن عبادته إلى عبادة‬ ‫جُوعٍ‪ }2‬بما هيأ لهم من أسباب {وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬ ‫الصنام والوثان فال أحق أن يعبدوه إذ هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف بما ألقى‬ ‫في قلوب العرب من احترام الحرم وسكانه وتعظيمه وتعظيمهم فتمكنوا من السفر إلى خارج‬ ‫بلدهم والعودة إليها في أمن وطمأنينة قال تعالى جعل ال الكعبة البيت الحرام قياما للناس أي‬ ‫لقريش تقوم مصالحهم عليها لما ألقى في قلوب العرب ‪ 3‬من تعظيم واحترام أهله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر تدبير ال تعالى وحكمته ورحمته فسبحانه من إله حكيم رحيم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اليلف مصدر آلف يؤلف إيلفا قال الشاعر‪:‬‬ ‫المنعمين إذ النجوم تغيرت‬ ‫والظاعنين لرحلة اليلف‬ ‫وأما ألفه يألفه إلفا والفا‪ ،‬فقد فرأ به أبو جعفر للف قريش‪ ،‬وقد جمع بين المصدرين الشاعر في‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫أزعمتم أن إخوتكم قريش‬ ‫لهم إلف وليس لكم إلف‬ ‫ولم الجر في متعلقها ثلث احتمالت ذكر في التفسير منها اثنان‪ ،‬والثالث أنها متعلقة بـ‬ ‫فليعبدوا‪ :‬كأنه قال آلف ال قريشا إيلفا فليعبدوا رب هذا البيت‪ ،‬ويقدر شرط محذوف أي إذا كان‬ ‫المر كذلك فليعبدوا‪ ،‬ويرجح الول لمصحف أبي بن كعب‪ ،‬إذ لم يفصل فيه بين السورتين‪ .‬وكذا‬ ‫قراءة عمر إذ صلى المغرب يوما فقرأ في الولى بالتين وفي الثانية بالفيل وقريش ولم يفصل‬ ‫بينهما بالبسملة‪ ،‬ول مانع منه وهو أوضح‪.‬‬ ‫‪ 2‬إنما هي استجابة ال دعوة إبراهيم‪ :‬رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات‪.‬‬ ‫شيْءٍ رِزْقا مِنْ لَدُنّا}‪.‬‬ ‫‪ 3‬مصداق قوله تعالى‪َ{ :‬أوََلمْ ُن َمكّنْ َلهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إِلَ ْيهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬

‫( ‪)5/618‬‬

‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على قريش وإنعامه عليها المر الذي تطلب شكرها ولم تشكر فأذاقها‬ ‫ال لباس الجوع والخوف بتركها للشكر‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب عبادة ال تعالى وترك عبادة من سواه‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب الشكر على النعم وشكرها حمدا ل تعالى عليها والثناء عليه بها وصرفها في‬ ‫مرضاته‪.‬‬ ‫‪ -5‬الطعام من الجوع والتأمين من الخوف عليهما مدار كامل أجهزة الدولة فأرقى الدول اليوم‬ ‫وقبل اليوم لم تستطع أن تحقق لشعوبها هاتين النعمتين نعمة العيش الرغد والمن التام‪.‬‬

‫( ‪)5/619‬‬ ‫سورة الماعون‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الماعون‬ ‫مكية الوائل مدنية الواخر‬ ‫وآياتها تسع آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سكِينِ (‪َ )3‬فوَ ْيلٌ‬ ‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬ ‫حضّ عَلَى َ‬ ‫أَرَأَ ْيتَ الّذِي ُي َك ّذبُ بِالدّينِ (‪َ )1‬فذَِلكَ الّذِي َي ُدعّ الْيَتِيمَ (‪ )2‬وَل َي ُ‬ ‫لِ ْل ُمصَلّينَ (‪)4‬‬ ‫ن صَل ِتهِمْ سَاهُونَ (‪ )5‬الّذِينَ ُهمْ يُرَاؤُونَ (‪ )6‬وَ َيمْ َنعُونَ ا ْلمَاعُونَ (‪)7‬‬ ‫الّذِينَ هُمْ عَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أرأيت الذي يكذب بالدين ‪:‬أي هل عرفته والدين ثواب ال وعقابه يوم القيامة‪.‬‬ ‫فذلك الذي يدع اليتيم ‪:‬أي فهو ذلك الذي يدفع اليتيم عن حقه بعنف‪.‬‬ ‫ول يحض على طعام المسكين ‪:‬أي ل يحض نفسه ول غيره على إطعام المساكين‪.‬‬ ‫فويل للمصلين ‪:‬أي العذاب الشديد للمصلين الساهين عن صلتهم‪.‬‬ ‫عن صلتهم ساهون ‪:‬أي يؤخرونها عن أوقاتها‪.‬‬ ‫يراءون ‪:‬أي يراءون بصلتهم وأعمالهم الناس فلم يخلصوا ل تعالى في ذلك‪.‬‬ ‫ويمنعون الماعون ‪:‬أي ل يعطون من سألهم ماعونا كالبرة والقدر والمنجل ونحوه مما ينتفع به‬ ‫ويرد بعينه كسائر الدوات المنزلية‪.‬‬

‫( ‪)5/619‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سكِينِ} هذه‬ ‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬ ‫حضّ عَلَى َ‬ ‫قوله تعالى {أَرَأَ ْيتَ‪ 1‬الّذِي ُيكَ ّذبُ بِالدّينِ‪َ 2‬فذَِلكَ الّذِي َي ُدعّ الْيَتِي َم وَل يَ ُ‬ ‫اليات الثلث نزلت بمكة في العاص بن وائل والوليد بن المغيرة وأضرابهم من عتاة قريش‬ ‫وكفارها فهذه اليات تعرض بهم وتندد بسلوكهم وتوعدهم فقوله تعالى {أَ َرأَ ْيتَ} يا رسولنا الذي‬ ‫يكذب بالدين وهو الجزاء في الخرة على الحسنات والسيئات فهو ذاك الذي يدع اليتيم أي يدفعه‬ ‫بعنف عن حقه ول يعطيه إياه احتقارا له وتكبرا عليه ول يحض على طعام المسكين أي ول يحث‬ ‫ول يحض نفسه ول غيره على إطعام الفقراء والمساكين وذلك ناتج عن عدم إيمانه بالدين أي‬ ‫بالحساب والجزاء في الدار الخرة وهذه صفة كل ظالم مانع للحق ل يرحم ول يشفق إذ لو آمن‬ ‫بالجزاء في الدار الخرة لعمل لها بترك الشر وفعل الخير فمن أراد أن يرى مكذبا بالدين فإنه‬ ‫يراه في الظلمة المعتدين القساة القلوب الذين ل يرحمون ول يعطون ول يحسنون وقوله تعالى‬ ‫ن وَ َيمْ َنعُونَ ا ْلمَاعُونَ} هذه اليات‬ ‫ن صَل ِتهِمْ سَاهُونَ الّذِينَ هُمْ يُرَاؤُو َ‬ ‫{ َفوَ ْيلٌ لِ ْل ُمصَلّينَ الّذِينَ هُمْ عَ ْ‬ ‫الربع نزلت في بعض منافقي المدينة النبوية فلذا نصف السورة مكي ونصفها مدني وقوله تعالى‬ ‫{ َفوَ ْيلٌ لِ ْل ُمصَلّينَ‪ 3‬الّذِينَ هُمْ عَنْ صَل ِتهِمْ سَاهُونَ} هذا وعيد شديد لهم إذ الويل واد في جهنم يسيل‬ ‫من صديد أهل النار وقيوحهم وهو أشد العذاب إذ كانوا يغمسون فيه أو يطعمون ويشربون منه‪.‬‬ ‫ومعنى عن صلتهم ساهون أنهم غافلون عنها ل يذكرونها فكثيرا ما تفوتهم ويخرج وقتها وأغلب‬ ‫حالهم أنهم ل يصلونها إل عند قرب خروج وقتها هذا وصف آخر أنهم {يُرَاؤُونَ} بصلتهم وبكل‬ ‫أعمالهم أي يصلون وينفقون ليراهم المؤمنون فيقولوا أنهم مؤمنون وبالمراءاة يدرءون عن أنفسهم‬ ‫القتل والسبي وثالث أنهم {وَ َيمْ َنعُونَ ا ْلمَاعُونَ} فإذا استعارهم مؤمن ماعونا للحاجة به ل يعيرون‬ ‫ويعتذرون بمعاذير باطلة فل يعيرون فأسا ول منجل ول قدرا ول أية آنية أو ماعون لنهم‬ ‫يبغضون المؤمنين ول يريدون أن ينفعوهم بشيء فيحرمونهم من إعارة شيء ينتفعون به ويردونه‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتعجب هنا من حال المكذبين بالجزاء وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع قرأ نافع‬ ‫أرأيت بتسهيل الهمزة بعد الراء ألفا وحققها حفص والجمهور‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الكلم حذف تقديره أرأيت الذي يكذب بالدين‪ .‬أمصيب هو أم مخطئ والجواب قطعا‬ ‫مخطيء وخطأه كفره وشركه وعداوته للسلم ونبيه وأهله وجزاؤه سيكون جحيما وعذابا أليما‬ ‫وإذا كان هذا العذاب بسبب كفره وأذاه للمؤمنين إذا فويل للمنافقين المصلين الذين هم عن صلتهم‬ ‫ساهون الذين يراءون ويمنعون الماعون لظلمة قلوبهم بالكفر والشرك الذي يخفونه‪.‬‬ ‫‪ 3‬الفاء للتفريع والترتيب والتسبب‪ .‬والسؤال‪ :‬على أي شيء تفرع ما بعدها على ما قبلها‪ .‬واليات‬ ‫نزلت بالمدينة في المنافقين وما قبلها نزل في المشركين في مكة؟ والجواب تقدم في رقم (‪ )2‬قبل‬ ‫هذا الرقم‪.‬‬

‫( ‪)5/620‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬أيما قلب خل من عقيدة البعث والجزاء إل وصاحبه شر الخلق ل خير فيه البتة‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالذين يأكلون أموال اليتامى ويدفعونهم عن حقوقهم استصغارا لهم واحتقارا‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد والوعيد للذين يتهاونون بالصلة ول يبالون في أي وقت صلوها وهو من علمات‬ ‫النفاق والعياذ بال‪.‬‬ ‫‪ -5‬منع الماعون من صفات المنافقين والمانع لما المسلمون في حاجة إليه ليس منهم لحديث من‬ ‫لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم فكيف بالذي يمنعهم ما هو فضل عنده وهم في حاجة إليه؟‪.‬‬

‫( ‪)5/621‬‬ ‫سورة الكوثر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الكوثر ‪1‬‬ ‫مكية وآياتها ثلث آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ك وَا ْنحَرْ (‪ )2‬إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ (‪)3‬‬ ‫صلّ لِرَ ّب َ‬ ‫عطَيْنَاكَ ا ْل َكوْثَرَ (‪َ )1‬ف َ‬ ‫إِنّا أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا أعطيناك الكوثر‪ :‬أي إنا رب العزة والجلل وهبناك يا نبينا الكوثر أي نهرا في الجنة‪.‬‬ ‫فصل لربك وانحر ‪ :‬أي فاشكر ذلك بصلتك لربك المنعم عليك وحده وانحر له وحده‪.‬‬ ‫إن شانئك‪ :‬أي مبغضك‪.‬‬ ‫هو البتر‪ :‬أي القل الذل المنقطع عقبه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ك وَا ْنحَرْ إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ} هذه اليات الثلث‬ ‫صلّ لِرَ ّب َ‬ ‫عطَيْنَاكَ ا ْل َكوْثَرَ‪َ 2‬ف َ‬ ‫قوله تعالى {إِنّا أَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وتسمى سورة النحر‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم عن أنس بن مالك قال بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يومٍ بين أظهرنا إذا‬

‫أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه وقال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم ال الرحمن الرحيم {إِنّا أَعْطَيْنَاكَ‬ ‫ك وَا ْنحَرْ إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ}‪ ،‬ثم قال أتدرون من الكوثر؟ قلنا ال ورسوله‬ ‫صلّ لِرَ ّب َ‬ ‫ا ْل َكوْثَرَ‪َ 2‬ف َ‬ ‫أعلم فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة"‬ ‫وظاهر هذه الرواية أن سورة الكوثر مدنية ول مانع من نزولها مرتين مرة بمكة وأخرى‬ ‫بالمدينة‪.‬‬

‫( ‪)5/621‬‬ ‫مختصة برسول ال صلى ال عليه وسلم إذ هو المخاطب بها وأنها تحمل طابع التعزية لرسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم فقد روي أنه لما مات ابن النبي صلى ال عليه وسلم القاسم قال العاص‬ ‫بن وائل السهمي بتر محمد أو هو أبتر أي ل عقب له بعده فأنزل ال تعالى هذه السورة تحمل‬ ‫الرد على العاص والتعزية للرسول صلى ال عليه وسلم والبشرى له ولمته بالكوثر الذي هو نهر‬ ‫في الجنة حافتاه من الذهب ومجراه على الدر والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من‬ ‫العسل وأبيض من الثلج‪ ،‬ومن الكوثر يمل الحوض الذي في عرصات القيامة ول يرده إل‬ ‫عطَيْنَاكَ} أي خصصناك بالكوثر ‪1‬‬ ‫الصالحون من أمته صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقوله تعالى {إِنّا أَ ْ‬ ‫الذي هو نهر في ‪ 2‬الجنة من أعظم أنهارها مع الخير الكثير الذي وهبه ال تعالى لك من النبوة‬ ‫ك وَانْحَرْ}‪ 3‬أي فاشكر هذا النعام بأن‬ ‫والدين الحق ورفع الذكر والمقام المحمود وقوله { َفصَلّ لِرَ ّب َ‬ ‫تصلي لربك وحده ول تشرك به غيره وكذا النحر فل تذبح لغيره تعالى وفي هذا تعليم لمته وهل‬ ‫المراد من الصلة صلة العيد والنحر الضحية ل مانع من دخول هذا في سائر الصلوات والنسك‬ ‫وقوله تعالى إن شانئك هو البتر ‪ 4‬أي إن مبغضك في كل زمان ومكان هو القل الذل المنقطع‬ ‫النسل والعقب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ل تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تأكيد أحاديث الكوثر وأنه نهر في الجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الخلص في العبادات كلها لسيما الصلة والنحر‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الدعاء على الظالم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لفظ الكوثر يطلق عربية على الخير الكثير كما هي صيغة فوعل نحو النوفل من النفل والجوهر‬ ‫من الجهر والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر كوثرا والكوثر الذي أعطيه النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم نهر في الجنة كما في البخاري والنبوة والكتاب والعلم والحكمة‪.‬‬

‫‪ 2‬في الحديث البخاري دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري‬ ‫فيه الماء فإذا مسك أظفر قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية دليل على وجوب تقديم صلة العيد على النحر وهو ما عليه جمهور الفقهاء وجائز أن‬ ‫يكون المراد من صل لربك وانحر أي صل صلة الصبح بمزدلفة وانحر هديك بمنى‪.‬‬ ‫‪ 4‬البتر حقيقته‪ :‬المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما‬ ‫هو من الخير في نظر الناس تشبيه بالدواب المقطوع أذنابها ومنه الخبطة البتراء التي لم يحمد‬ ‫فيها ال ولم يصل فيها على نبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/622‬‬ ‫سورة الكافرون‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الكافرون‬ ‫مكية وآياتها ست آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ (‪ )1‬ل أَعْبُدُ مَا َتعْبُدُونَ (‪ )2‬وَل أَنْ ُتمْ عَابِدُونَ مَا أَعْ ُبدُ (‪ )3‬وَل أَنَا عَابِدٌ مَا‬ ‫عَبَدْ ُتمْ) (‪ )4‬وَل أَنْتُمْ عَا ِبدُونَ مَا أَعْبُدُ (‪َ )5‬لكُمْ دِي ُنكُ ْم وَِليَ دِينِ (‪)6‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل ‪:‬أي يا رسول ال‪.‬‬ ‫يا أيها الكافرون ‪:‬أي المشركون وهم الوليد والعاص وابن خلف والسود بن المطلب‪.‬‬ ‫ل أعبد ما تعبدون ‪ :‬أي من اللهة الباطلة الن‪.‬‬ ‫ول أنتم عابدون ما أعبد‪ :‬أي الن‪.‬‬ ‫ول أنا عابد ما عبدتم‪ :‬أي في المستقبل أبدا‪.‬‬ ‫ول أنتم عابدون ما أعبد ‪ :‬أي في المستقبل أبدا لعلم ال تعالى بذلك‪.‬‬ ‫لكم دينكم‪ :‬أي ما أنتم عليه من الوثنية سوف ل تتركونها أبدا حتى تهلكوا‪.‬‬ ‫ولي دين ‪ :‬أي السلم فل أتركه أبدا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ}‪ 1‬اليات الست الكريمات نزلت ردا على اقتراح تقدم به بعض‬ ‫المشركين وهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي‪,‬والسود بن المطلب وأمية بن خلف‬ ‫مفاده أن يعبد النبي صلى ال عليه وسلم معهم آلهتهم سنة ويعبدون معه إلهه سنة مصالحة بينهم‬ ‫وبينه وإنهاء للخصومات في نظرهم‪ ,‬ولم يجبهم الرسول صلى ال عليه وسلم بشيء حتى نزلت‬

‫هذه السورة { ُقلْ يَا أَ ّيهَا ا ْلكَافِرُونَ} أي قل يا رسولنا لهؤلء المقترحين الباطل يا أيها الكافرون‬ ‫بالوحي اللهي والتوحيد‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في فضل هذه السورة أنها تعدل ربع القرآن كسورة الزلزلة وصح عن النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم أنه كان يقرؤها في الشفع في الركعة الثانية ويقرأ في الولى بالعلى‪ ,‬وصح أنه كان‬ ‫يقرأ بها وبالصمد في ركعتي الطواف‪.‬‬

‫( ‪)5/623‬‬ ‫المشركون في عبادة اله تعالى أصناما وأوثانا {ل أَعْبُدُ مَا َتعْ ُبدُونَ } الن كما اقترحتم {وَل أَنْتُمْ‬ ‫عَابِدُونَ} الن {مَا أَعْبُدُ} لما قضاه ال لكم بذلك‪{ ,‬وَل أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} في المستقبل أبدا {وَل أَنْتُمْ‬ ‫عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} في المستقبل أبدا لن ربي حكم فيكم بالموت على الكفر والشرك حتى تدخلوا‬ ‫النار لما علمه من قلوبكم وأحوالكم وقبح سلوككم وفساد أعمالكم {َلكُمْ دِي ُن ُكمْ} ل أتابعكم عليه {وَِليَ‬ ‫دِينِ } ل تتابعونني عليه‪ .‬بهذا أيأس ال رسوله من إيمان هذه الجماعة التي كان النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم بطمع في إيمانهم وأيأس المشركين من الطمع في موافقة الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫على مقترحهم الفاسد‪ ,‬وقد هلك هؤلء المشركون على الكفر فلم يؤمن منهم أحد فمنهم من هلك‬ ‫في بدر ومنهم من هلك في مكة على الكفر والشرك وصدق ال العظيم فيما أخبر به عنهم أنهم ل‬ ‫يعبدون ال عبادة نجيهم من عذابه وتدخلهم رحمته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن الكافر من كفر أزل والمؤمن من آمن أزل‪.‬‬ ‫‪ -2‬ولية ال تعالى لرسوله عصمته من قبول اقتراح المشركين الباطل‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير وجود المفاصلة بين أهل اليمان وأهل الكفر والشرك‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫( ‪)5/624‬‬ ‫سورة النصر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النصر‬ ‫مدنية وآياتها ثلث آيات‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ‬ ‫إِذَا جَاءَ َنصْرُ اللّ ِه وَا ْلفَتْحُ (‪ )1‬وَرَأَ ْيتَ النّاسَ َيدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ َأ ْفوَاجا (‪َ )2‬فسَبّحْ بِ َ‬ ‫وَاسْ َت ْغفِ ْرهُ إِنّهُ كَانَ َتوّابا (‪)3‬‬

‫( ‪)5/624‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذا جاء نصر ال ‪:‬أي نصر ال نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم على أعدائه المشركين‪.‬‬ ‫والفتح ‪:‬أي فتح مكة‪.‬‬ ‫في دين ال أفواجا‪ :‬أي في السلم جماعات جماعات‪.‬‬ ‫فسبح بحمد ربك‪ :‬أي نزهه عن الشريك ملتبسا بحمده‪.‬‬ ‫واستغفره‪ :‬أي اطلب منه المغفرة توبة منك إليه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِذَا جَاءَ‪َ 1‬نصْرُ اللّهِ} ‪ 2‬اليات الثلث المباركات نزلت في أخريات أيام الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم وهي تحمل علمة للنبي صلى ال عليه وسلم على قرب أجله فقوله تعالى‬ ‫{ِإذَا جَاءَ َنصْرُ اللّهِ} أي لك يا رسولنا فأصبحت تنتصر على أعدائك في كل معركة تخوضها‬ ‫معهم وجاءك الفتح فتح مكة ففتحها ال عليك وأصبحت دار إسلم بعد أن كانت دار كفر ‪,3‬‬ ‫{وَرَأَ ْيتَ النّاسَ} من سكان اليمن وغيرهم {يَ ْدخُلُونَ فِي} دينك الدين السلمي {َأ ْفوَاجاْ} وجماعات‬ ‫جماعة بعد أخرى بعد أن كانوا يدخلون فرادى واحدا واحدا وهم خائفون إذا تم هذا ورأيته { َفسَبّحْ‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ} شكرا له على نعمة النصر والفتح ودخول الناس في دينك وانتهاء دين المشركين‬ ‫‪ِ 4‬ب َ‬ ‫الباطل‪{ .‬وَاسْ َتغْفِ ْرهُ} أي اطلب منه المغفرة لما فرط منك مما هو ذنب في حقك لقربك وكمال‬ ‫علمك وأما غيرك فليس هو بالذنب الذي يستغفر منه ويناب إلى ال تعالى منه وقوله تعالى {إِنّهُ‬ ‫كَانَ َتوّابا} أي إن ال تعالى الذي أمرك بالستغفار توبة إليه كان توابا على عباده يقبل توبتهم‬ ‫ويغفر ذنوبهم ويرحمهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية نعي الميت إلى أهله ولكن بدون إعلن وصوت عال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجماع على أن آخر سورة نزلت جميعا هي سورة النصر هذه قاله بن عباس كما في صحيح‬ ‫المسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬النصر‪ :‬العون مأخوذ من قولهم نصر الغيث الرض إذا أعان نباتها ومنع من قحطها قال‬

‫الشاعر‪:‬‬ ‫إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي‬ ‫بلد تميم وانصري أرض عامر‬ ‫‪ 3‬روي أن العرب قالت‪ :‬أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان ال أجارهم من أصحاب الفيل‬ ‫فليس لكم به يدان‪ ,‬فكانوا يسلمون أفواجا أمة أمة‪ ,‬والمة أربعون رجل‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت كان النبي صلى ال عليه وسلم يكثر من قول‬ ‫سبحان ال وبحمده استغفر ال وأتوب إليه‪ :‬قالت فقلت يا رسول ال أراك تكثر من قول سبحان‬ ‫ال وبحمده‪ ,‬استغفر ال وأتوب إليه‪ :‬قال خبرني ربي بأني سأرى علمة في أمتي فإذا رأيتها‬ ‫أكثرت من قول سبحان ال وبحمده أستغفر ال وأتوب إليه فقد رأيتها‪ :‬إذا جاء نصر ال والفتح‪..‬‬ ‫الخ‪.‬‬ ‫وصح أنه كان صلى ال عليه وسلم يقول في ركوعه ‪ ",‬سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي"‪.‬‬

‫( ‪)5/625‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الشكر عند تحقق النعمة ومن ذلك سجدة الشكر‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية قول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع‪.‬‬

‫( ‪)5/626‬‬ ‫سورة المسد‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة المسد‬ ‫مكية وآياتها خمس آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سبَ (‪ )2‬سَ َيصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ (‪ )3‬وَامْرَأَتُهُ‬ ‫ب وَ َتبّ (‪ )1‬مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ َومَا كَ َ‬ ‫تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َه ٍ‬ ‫طبِ (‪ )4‬فِي جِيدِهَا حَ ْبلٌ مِنْ مَسَدٍ (‪)5‬‬ ‫حَ‬ ‫حمّالَةَ الْ َ‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تبت يدا أبي لهب ‪:‬أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله‪.‬‬ ‫وتب ‪:‬أيخسر هو بذاته إذ هو من أهل النار‪.‬‬ ‫ما أغنى عنه ماله ‪:‬أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط ال تعالى عليه وعذبه في الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬

‫وما كسب ‪:‬أي من المال والولد وغيرهما‪.‬‬ ‫سيصلى نارا ‪:‬أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها‪.‬‬ ‫ذات لهب ‪:‬أي توقد واشتعال‪.‬‬ ‫وامرأته ‪:‬أي أم جميل العوراء‪.‬‬ ‫حمالة الحطب ‪:‬أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صلى ال عليه وسلم أذية له‬ ‫وكرها‪.‬‬ ‫في جيدها ‪:‬أي في عنقها‪.‬‬ ‫حبل من مسد ‪:‬أي من ليف‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َهبٍ} اليات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم إذ صح أنه لما نزلت آية {وَأَ ْنذِرْ عَشِيرَ َتكَ الَْأقْرَبِينَ} من سورة الشعراء طلع صلى‬ ‫ال عليه وسلم إلى جبل الصفا ونادى‪ :‬واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم‬ ‫نذير مبين بين يدي عذاب شديد‪ :‬قولوا ل إله إل ال كلمة تملكون بها العرب وتدين بها العجم‪.‬‬ ‫فنطق أبو هب فقال‪:‬‬

‫( ‪)5/626‬‬ ‫ألهذا جمعتنا تبا لك طول اليوم فأنزل ال ‪ 1‬تعالى ردا عليه {تَ ّبتْ يَدَا أَبِي َل َهبٍ‪ }2‬أي خسر أو لهب‬ ‫وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض ‪ 3‬خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا‬ ‫عليه الماء‪ ,‬فقط وقوله {وَ َتبّ} إخبار من ال تعالى بهلك عبد العزى أبي لهب وقوله {مَا أَغْنَى‬ ‫سبَ‪ }4‬أي لما سخط ال عليه وأدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله‬ ‫عَنْهُ مَالُهُ َومَا كَ َ‬ ‫ول ولده‪ .‬وقوله تعالى {سَ َيصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ} أي توقد وتأجج‪{ .‬وَامْرَأَتُهُ} أم جميل العوراء‬ ‫طبِ‪ }5‬حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫حمّالَةَ ا ْلحَ َ‬ ‫{َ‬ ‫سدٍ} أي في ‪6‬‬ ‫عند ذهابه إلى صلة الصبح بالمسجد الحرام‪ .‬وقوله تعالى {فِي جِي ِدهَا حَ ْبلٌ مِنْ مَ َ‬ ‫عنقها حبل من ليف النخل أو مسد الشجر الدوم بهذا حكم ال تعالى على أعدائه وأعداء رسوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حكم ال بأبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل يغني المال ول الولد عن العبد شيئا من عذاب ال إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة أذية المؤمنين مطلقا‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم إغناء القرابة شيئا مع الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صلى ال عليه وسلم وهو في‬ ‫النار ذات اللهب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬صح أنه لما سمعت امرأة أبي لهب ما نزل فيها وزوجها من القرآن أتت رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي ال عنه وفي يدها فهر من‬ ‫حجارة فلما وقفت عليه أخذ ال بصرها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فل ترى إل أبا بكر‪,‬‬ ‫فقالت يا أبا بكر أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني‪ .‬وال لو جدته لضربته بهذا الفهر‪ ،‬وال إني‬ ‫لشاعرة‪ :‬مذمما عصينا وأمره أبينا‪ ،‬ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول ال أما تراها رأتك ؟ قال‪:‬‬ ‫ما رأتني لقد أخذ ال بصرها عني‪.‬‬ ‫‪ 2‬سمي أبو لهب بأبي لهب وكان اسمه عبد العزى فسمي باللهب لحسنه وإشراق وجهه‪ :‬وقال‬ ‫العلماء سمي بابي لهب لمعانٍ أربع والذي أراه أنه سمي بقضاء وقدر أبا لهب ليكون من أهل‬ ‫النار نظيره اختيار الشيوعيين اليوم شعار الحمرة‪ ،‬وكلمة اليسار‪ ،‬لما سبق أنهم أهل النار‬ ‫وأصحاب الشمال وهم أهل النار‪.‬‬ ‫‪ 3‬يسمى المرض الذي أصابه ال به مرض العدسة فمات وأقام ثلثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن‬ ‫ولده غسلوه بالماء من بعيد مخافة عدوى العدسة؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى‬ ‫الطاعون‪.‬‬ ‫‪ 4‬الكسب يكون حلل ويكون حراما وخيره ما كان حلل؟ وفي الصحيح حديث عائشة رضي ال‬ ‫عنها إذ قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من‬ ‫كسبه رواه أبو داود‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال ابن عباس وجاهد وقتادة والسدي كانت تمشي بالنميمة بين الناس‪ ،‬تقول العرب فلن‬ ‫يحطب على فلن إذا ورش عليه أي حرش‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫إن بني الدرم حمالوا الحطب‬ ‫هم الوشاة في الرضا وفي الغضب‬ ‫ول منافاة مع ما روي أنها كانت تحمل حزمة الشوك إذ هي تفعل هذا أو ذاك‪.‬‬ ‫‪ 6‬الجيد العنق شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫وجيد كجيد الريم ليس بفاحش‬ ‫إذا هي نصته ول بمعطل‬ ‫الريم‪ :‬الظبي البيض الخالص البياض‪ .‬ونصته‪ :‬رفعته‪ .،‬والمعطل الذي ل حلي له‪.‬‬

‫( ‪)5/627‬‬

‫سورة الخلص‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الخلص‬ ‫مكية وآياتها أربع آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫صمَدُ (‪َ )2‬لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (‪ )3‬وَلَمْ َيكُنْ َلهُ ُكفُوا َأحَدٌ (‪) 4‬‬ ‫ُقلْ ُهوَ اللّهُ َأحَدٌ (‪ )1‬اللّهُ ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل هو ال أحد ‪:‬أي قل لمن سألك يا نبينا عن ربك هو ال أحد‪.‬‬ ‫ال الصمد ‪:‬أي ال الذي ل تنبغي إل له‪ ,‬الصمد‪ :‬السيد الذي يصمد إليه في الحوائج‪ .‬فهم المقصود‬ ‫في قضاء الحوائج على الدوام‪.‬‬ ‫لم يلد ‪:‬أي ل يفنى إذ ل شيء يلد إل وهو فان بائد ل محالة‪.‬‬ ‫ولم يولد ‪:‬أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان هو كائن أول وأبدا‪.‬‬ ‫ولم يكن له كفوا أحد ‪:‬أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫حدٌ‪ } 1‬اليات الربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى ال‬ ‫قوله تعالى { ُقلْ ُهوَ اللّهُ أَ َ‬ ‫عليه وسلم من المشركين انسب ‪ 2‬لنا ربك أو صفة لنا فقال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم قل أي لمن سألوك ذلك هو ال أحد ‪ 3‬ال الصمد لم يلد ولم يولد‪ ,‬ولم يكن له كفوا أحد أي‬ ‫ربي هو ال أي الله الذي ل تنبغي اللوهية إل له‪ ,‬ول تصلح العبادة إل له أحد في ذاته وصفاته‬ ‫وأفعاله فليس له نظير ول مثيل في ذلك إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات‬ ‫المخلوقات كخالقها ومحدثها ال إي المعبود الذي ل معبود بحق إل هو‪ ,‬الصمد أي السيد المقصود‬ ‫في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه لم يلد أي لم يكن له ولد لنتفاء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في فضل السورة أنها تعدل ثلث القرآن رواه البخاري وروى مسلم عن عائشة أن رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم بعث رجل على سرية وكان يقرأ لصحابه في صلتهم فيختم ب (قل هو‬ ‫ال أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فقال سلوه لي شيء يصنع ذلك؟‬ ‫فسألوه فقال لنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم"‬ ‫أخبروه أن ال عز وجل يحبه"‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى الترمذي عن أبي كعب أن المشركين قالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم أنسب لنا ربك‬ ‫فأنزل ال عز وجل قل هو ال أحد ال الصمد‪.‬‬ ‫‪ 3‬أحد أصلها وحد قلبت الواو فيها همزة قال النابغة‪:‬‬ ‫كان رحلي وقد زال النهار بنا‬

‫بذي الجليل على مستأنس وحد‬ ‫وأحد مرفوع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو أحد (وهو) ضمير شأن أي المسؤول عنه هو ال‬ ‫أحد‪.‬‬

‫( ‪)5/628‬‬ ‫من يجانسه إذ الولد يجانس والده‪ ,‬والمجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء ولم يولد لنتفاء‬ ‫الحدوث عنه تعالى‪.‬‬ ‫ل ول نظيرا ول شبيها إذ ليس كمثله‬ ‫{وَلَمْ َيكُنْ لَهُ ُكفُوا َأحَدٌ } أي ولم يكن أحد كفوا له ول مثي ً‬ ‫شيء وهو السميع البصير‪ .‬فلذا هو يعرف بالحدية والصمدية فالحدية هو أنه واحد في ذاته‬ ‫وصفاته وأفعاله لم يكن له كفو ول شبيه ول نظير والصمدية هي أنه المستغني عن كل ما سواه‬ ‫والمفتقر إليه في وجوده وبقائه كل ما عداه كما يعرف بأسمائه وصفاته وأياته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد والنبوة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن نسبة الولد إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب عبادته تعالى وحده ل شريك له فيها‪ ,‬إذ هو ال ذو اللوهية على خلقه دون سواه‪.‬‬

‫( ‪)5/629‬‬ ‫سورة الفلق‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الفلق‬ ‫مكية وآياتها أربع آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ ا ْلفَلَقِ (‪ )1‬مِنْ شَرّ مَا خََلقَ (‪َ )2‬ومِنْ شَرّ غَاسِقٍ إِذَا َو َقبَ (‪َ )3‬ومِنْ شَرّ ال ّنفّاثَاتِ فِي‬ ‫سدَ (‪)5‬‬ ‫سدٍ إِذَا حَ َ‬ ‫ا ْل ُعقَدِ (‪َ )4‬ومِنْ شَرّ حَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أعوذ ‪:‬أي أستجير واتحصن‪.‬‬ ‫الفلق ‪:‬أي الصبح‪.‬‬

‫( ‪)5/629‬‬ ‫من شر ما خلق ‪:‬من حيوان وجماد‪.‬‬ ‫غاسق إذا وقب ‪:‬أي الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب‪.‬‬ ‫النفاثات ‪:‬أي السواحر اللتي ينفثن‪.‬‬ ‫في العقد ‪:‬أي في العقد التي يعقدنها‪.‬‬ ‫حاسد إذا حسد‪ :‬أي إذا أظهر حسده وأعمله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ ا ْلفَلَقِ}‪ 1‬أنه لما سحر لبيد بن معصم ‪ 2‬اليهودي بالمدينة النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم أنزل تعالى المعوذتين فرقاه بهما جبريل فشفاه ال تعالى ولذا فالسورتان مدنيتان وقوله‬ ‫تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ ا ْلفَلَقِ} أي قل يا رسولنا أعوذ أي أستجير وأتحصن برب افلق وهو ال عز‬ ‫وجل إذ هو فالق الصباح وفالق الحب والنوى ول يقدر على ذلك إل هو لعظيم قدرته وسعة‬ ‫خلَقَ} أي من شر ما خلق تعالى من الكائنات من حيوان مكلف كالنسان وغير‬ ‫علمه‪{ .‬مِنْ شَرّ مَا َ‬ ‫مكلف كسائر الحيوانات ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها ومن سائر المخلوقات‪ .‬وقوله‬ ‫{ َومِنْ شَرّ غَاسِقٍ ِإذَا َو َقبَ} أي الليل إذا أظلم والقمر ‪ 3‬إذا غاب إذ الظلم بدخول الليل أو بغياب‬ ‫القمر يكون مظنة خروج الحيات السامة والحيوانات المفترسة والجماعات المتلصصة للسطو‬ ‫والسرقة وابتغاء الشر والفساد‪ .‬وقوله تعالى { َومِنْ شَرّ ال ّنفّاثَاتِ فِي ا ْلعُقَدِ} أي وتعوذ بال برب‬ ‫الفلق من شر الساحر وهن النساء اللتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدنها والنفث هي‬ ‫إخراج هواء من الفم بدون ريق ولذا ورد من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر‪ .‬وقوله تعالى { َومِنْ‬ ‫سدَ‪ }5‬أي وتعوذ برب الفلق من شر حاسد أي من الناس إذا حسد أي أظهره‬ ‫شَرّ حَاسِدٍ‪ 4‬إِذَا حَ َ‬ ‫حسده فابتغاك بضر أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لن الحسد طلب زوال النعمة هن‬ ‫المحسود وسواء أرادها له أو لم يردها وهو شر الحسد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه أولى المعوذتين والثانية الناس وقبلهما الصمد قال فيهن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم‬ ‫يتعوذ الناس بمثلهن وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا‬ ‫اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء‬ ‫بركتها‪.‬‬ ‫‪ 2‬حديث سحر لبيد بن العصم اليهودي للنبي صلى ال عليه وسلم ثابت في الصحيح وغيرهما‪.‬‬ ‫ومما رقى به جبريل النبي صلى ال عليه وسلم قوله "بسم ال أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر‬ ‫حاسد وعين وال يشفيك‪.‬‬

‫‪ 3‬روى الترمذي وصححه عن عائشة رضي ال عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم نظر إلى‬ ‫القمر فقال يا عائشة استعيذي بال من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد‬ ‫سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه‪ .‬لهذا كره بعض السلف النفث في الرقية‬ ‫وقالوا يرقى ول ينفث‪ ,‬والجمهور على الجواز‪.‬‬ ‫‪ 5‬الحسد حرام وهو أول ذنب عصى به ال تعالى إذ حسد إبليس آدم وحسد قابيل هابيل وحقيقته‬ ‫تمني زوال النعمة على الغير لتحصل له‪ ,‬أو ل تحصل وهو شر الحسد‪.‬‬

‫( ‪)5/630‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب التعوذ بال والستعاذة بجنابه تعالى من ك مخوف ل يقدر المرء على دفعه لخفائه أو‬ ‫عدم القدرة عليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحريم النفث في العقد إذ هو من السحر‪ .‬والسحر كفر وحد الساحر ضربة بالسيف‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحريم الحسد قطعيا وهو داء خطير حمل ابن آدم على قتل أخيه وحمل إخوة يوسف على‬ ‫الكيد له‪.‬‬ ‫‪ -4‬الغبطة ليست من الحسد للحديث الصحيح‪" :‬ل حسد إل في اثنتين" إذ المراد به الغبطة‪.‬‬

‫( ‪)5/631‬‬ ‫سورة الناس‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الناس‬ ‫مدنية وآياتها ست آيات‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سوَاسِ ا ْلخَنّاسِ (‪ )4‬الّذِي‬ ‫ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ (‪ )1‬مَِلكِ النّاسِ (‪ )2‬إِلَهِ النّاسِ (‪ )3‬مِنْ شَرّ ا ْلوَ ْ‬ ‫صدُورِ النّاسِ (‪ )5‬مِنَ ا ْلجِنّ ِة وَالنّاسِ (‪)6‬‬ ‫سوِسُ فِي ُ‬ ‫ُيوَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أعوذ‪ :‬أي أتحصن وأستجير‪.‬‬ ‫برب الناس‪ :‬أي خالقهم ومالكهم‪.‬‬

‫ملك الناس‪ :‬أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم‪.‬‬ ‫إله الناس‪ :‬أي معبود الناس بحق إذ ل معبود سواه‪.‬‬ ‫من شر الوسواس ‪ :‬أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملبسته له‪.‬‬ ‫الخناس ‪ :‬أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫في صدور الناس ‪ :‬أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫من الجنة والناس ‪ :‬أي من شيطان الجن ومن شيطان النس‪.‬‬

‫( ‪)5/631‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ} هذه السورة هي إحدى المعوذتين الولى الفلق وهذه الناس‬ ‫والولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق‬ ‫والثانية من شر ما يحدث في الظلم ظلم الليل أو ظلم القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر‬ ‫النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الربعة على كل ما يخاف‬ ‫لذاه وضرره أما سورة الناس فإنها قد اشتملت على شر واحد إل أنه أخطر من تلك الربع وذلك‬ ‫لتعلقه بالقلب‪ ،‬والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس‬ ‫خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس‪ .‬فقوله‬ ‫تعالى { ُقلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ‪ 1‬مَِلكِ النّاسِ} أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن‬ ‫برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي ل إله لهم سواه من شر الوسواس ‪ 2‬الذي هو‬ ‫الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي ل يسمع فيلقى الشبه في القلب‪،‬‬ ‫والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر ال تعالى‪،‬‬ ‫وقوله تعالى {الْخَنّاسِ} هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكأنه‬ ‫غاب ولم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر ال عاد للوسوسة ‪.3‬‬ ‫وقوله تعالى {مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ} يعني الموسوس للنسان كما يكون من الجن يكون من الناس‬ ‫والنسان يوسوس ‪ 4‬بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح‪ .‬والقاء الشبه في‬ ‫النفس‪ ،‬وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر النسان‬ ‫على النسان أكبر من ضرر الشيطان على النسان‪ ،‬إذ الشيطان من الجن يطرد بالستعاذة‬ ‫وشيطان النس ل يطرد بها وإنما يصانع ويدارى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي‬ ‫شر ومن شر النس والجن‪ ،‬فأعذنا ربنا فإنه ل يعيذنا إل أنت ربنا و لك الحمد والشكر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لما كان في الناس ملوك‪ ،‬وفيهم من يعبد ال تعالى ذكر تعالى أنه ملك الناس وإلههم ومعبودهم‬

‫الحق الذي ل يستحق العبادة سواه فبه يستعاذ وبجنابه يلذ‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون المستعاذ منه ل الوسواس وإنما صاحب الوسواس وهو الشيطان أي من شر ذي‬ ‫الوسواس والوسوسة حديث النفس‪.‬‬ ‫‪ 3‬صح عن النبي صلى ال عليه وسلم أن الوسوسة التي هي حديث النفس الخالية من القول‬ ‫والعمل معفو عنها ول يؤاخذ به العبد لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال عز وجل تجاوز لمتي‬ ‫عما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به"‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال مقاتل عن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق سلطه ال‬ ‫على ذلك وفي الصحيح "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"‪.‬‬

‫( ‪)5/632‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الستعاذة بال تعالى من شياطين النس والجن‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير ربوبية ال تعالى وألوهيته عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان لفظ الستعاذة وهو أعوذ بال من الشيطان الرجيم كما بينته السنة الصحيحة إذ تلحى‬ ‫رجلن في الروضة النبوية فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب‬ ‫عنه ‪-‬أي الغضب‪ :-‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم"‪.‬‬

‫( ‪)5/633‬‬ ‫" خاتمة الطبعة الولى والثانية"‬ ‫الحمد ل ملء السموات وملء الرض‪ ،‬والشكر ل ملهما وملء ما بينهما والصلة والسلم‬ ‫التامان الكملن على نبي الرحمة وقائد المة وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫وبعد ففي ليلة السبت الثالث والعشرين من محرم الحرام لعام ‪ 1407‬بالروضة الشريفة من‬ ‫المسجد النبوي الشريف قد تم ختم هذا التفسير المبارك المسمى بأيسر التفاسير لكلم العلي الكبير‬ ‫ل وآخرا‪.‬‬ ‫والحمد ل أو ً‬ ‫هذا وأقدم اعتذاري لخي القارئ وهو أني لم أستطع اللتزام بما نوهت عليه في مقدمة الكتاب‬ ‫وهو أني ل أزيد على الخمس أو الست آيات في الدرس الواحد‪ ،‬حيث واجهتني في المفصل‬ ‫جمِ إِذَا َهوَى} فلذا كنت أنظر إلى عدد‬ ‫بالذات آيات كثيرة ل تزيد على جملة قصيرة نحو {وَالنّ ْ‬

‫السطر ل إلى عدد اليات‪ .‬وال المستعان‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬ ‫هذا اعتذار‪ ،‬وآخر هو أني كتبت هذا التفسير في ظروف مختلفة مرة في الطائرة‪ ،‬ومرة في‬ ‫الحضر‪ ،‬وأخرى في السفر‪ ،‬ومرة والبال مشغول وثانية والجسم معلول‪ ،‬فلذا قد يجد القارئ أحيانا‬ ‫جفافا في الشرح أو قلقا في العبارة‪ ،‬يضاف إلى ذلك الخطأ المطبعي الذي أصبح ل ينجو منه‬ ‫كتاب‪ ،‬ول يسلم منه خطاب‪.‬‬ ‫وكلمة أخيرة وهي أني ما آلوت جهدا في تحري الحق والصواب وفي التيسير والتسهيل في هذا‬ ‫الكتاب‪ ،‬وما توفيقي إل بال‪ .‬وعليه فإنه ما كان من كمال فهو من ال‪ ،‬وما كان من نقصان فإنه‬ ‫مني‪ ،‬واعتذر مستغفرا ال تعالى لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والمسلمين والمسلمات‪،‬‬ ‫الحياء منهم والموات‪ ،‬ومصليا ومسلما على أشرف المخلوقات وصاحب المعجزات نبينا محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وآله الطاهرين‪ ،‬وصحابته أجمعين‪.‬‬ ‫أبو بكر جابر الجزائري‬

‫( ‪)5/634‬‬ ‫"خاتمة الطبعة الثالثة"‬ ‫الحمد ل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف المخلوقات محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم ذي الكمالت‪ ،‬وآله وصحبه ما أشرقت بنور ربها قلوب المؤمنين والمؤمنات‪.‬‬ ‫وبعد‪ :‬ففي الروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف‪ ،‬وبين العشائين من ليلة السبت الموافق‬ ‫لعيد الفطر المبارك من عام ‪ 1409‬من الهجرة النبوية كتبت هذه الكلمة "الخاتمة" (لنهر الخير)‬ ‫على أيسر التفاسير‪ ،‬فكانت إحدى النعم التي واله ال ذو الفضل والنعام على أضعف عباده‬ ‫وأقلهم شأنا‪ ،‬وأدناهم فضلً‪ ،‬ولكن ال يمن على من يشاء من عباده وهو ذو الفضل العظيم‪.‬‬ ‫لقد ابتدأت كتابة هذه الحاشية المباركة إن شاء ال تعالى في أواخر محرم الحرام وأنا بين خوف‬ ‫ورجاء‪ :‬خوف من موافاة الجل قبل إتمام العمل‪ ،‬إذ كثيرون ما أتموا ما بدأوا ول أدركوا ما أملوا‬ ‫أذكر منهم الشيخين الجليلين‪ :‬محمد عبده‪ ،‬وتلميذه محمد رشيد رضا‪ ،‬فقد بدءا تفسيرهما فتركه‬ ‫الول في سورة النساء وتركه الثاني في سورة يوسف عليه السلم وأجابا نداء ربهما وتركا‬ ‫تفسيرهما لم يتماه ولم يكمله لمر أراده ال‪ ،‬فأعظم ال أجرهما وأحسن عزاءنا فيهما ونفعنا‬ ‫بتفسيرهما وقد فعل فله الحمد وله المنة فقد قرأت وطالعت (المنار) أكثر من أربع مرات‪ ،‬وكنت‬ ‫إذا وصلت إلى موضع انتهاء ما كان الشيخ رشيد يتلقاه عن شيخه ويقول إلى هنا انتهى ما كنت‬ ‫أتلقاه من الشيخ‪ ،‬يغلبني البكاء فأبكي ورأى أن رزية ما فوقها رزية في موت الشيخين قبل إتمام‬ ‫تفسيرهما‪.‬‬ ‫واستجاب ال لي ووقاني كل ما يعوقني أو يعوقني عن إتمام هذه الحاشية التي أراها ضرورية‬

‫ليسر التفاسير الذي ما كتبته وجمعته إل لعلمي بحاجة المسلمين اليوم إلى مثله فأتم ال علي نعمة‬ ‫من أجل النعم ومنةً من أعظم المنن فاللهم لك الحمد ولك الشكر حمدا ل ينتهي وشكرا ل ينقضي‪،‬‬ ‫وكما أنعمت وأفضلت فاغفر وارحم وأنت خير الراحمين واعف وتجاوز وأنت العفو الكريم‪،‬‬ ‫وصل وسلم وبارك على خاتم أنبيائك‪ ،‬محمد عبدك ورسولك وآله الطاهرين وصحابته أجمعين‬ ‫وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين‪.‬‬ ‫أبو بكر جابر الجزائري‬

‫( ‪)5/635‬‬

Related Documents

003
June 2020 20
003
October 2019 53
003
November 2019 42
003
November 2019 43
003
November 2019 29
003
May 2020 12

More Documents from ""

November 2019 5
November 2019 3
November 2019 4
November 2019 4
Uk Islamic Credit Card
November 2019 10
Happy
May 2020 25