متى البنادق كانت تسكن الكتبا هذا ما قاله نزار قباني في عجز البيت ،وأما صدره فقد قال فيه :وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا ،قرأت مقاطعًا من القصيدة عديد المرات ،ولول مرة شاءت الظروف أن تضعها كاملة بين يدي لقرأها مترحمًا على نزار ثلثاً ،وعدت بذاكرتي إلى تلك الحقبة الممتدة ما بين عامي 1965و ،1982من تاريخ ثورتنا الفلسطينية، حيث كنا أسياد العالم فخرًا بصمودنا ومقارعتنا للعدو على كل الجبهات ،وكيف كان أحدنا حين يلج بلد المغرب العربي ،أوروبا الشرقية ،وأمريكا الجنوبية أيضاً ،يجد الناس من حوله يتباركون برائحة عرقه ،بل ربما بملبسه ،حتى وإن كان يرتدي ل كتب عليه بأنه صناعة أمريكية ،وتراهم يرقبونه سائراً على الثرى قميصًا أو بنطا ً إلى أن يختفي ،وكأن هالة كبيرة قد أحاطت بالمكان الذي م ّر به ذاك المدافع عن ل غربةً إلى حين، أرضه ،الرافض للتنازل عنها ،المعتبر مروره بأولئك الناس ليس إ ّ هنا ،وجدتني أترحم على ثورتنا الفلسطينية كما نزار ،ولكن هذه المرة أربعاً بدلً من ثلث ،وأخذتني الذاكرة القريبة لحمام الشط في تونس ،حيث طلبت من صديق أحوازي أن يأخذني لزيارة المكان الذي تعرض للغارة السرائيلية ،وبل أي تردد وجدته يفعل ،ليمرّ بي في طريقنا على المقبرة التي ووري فيها جثامين أبناء الشعبين التونسي والفلسطيني ،ممن استشهدوا في تلك الغارة ،وقال لي هنا دفن أيضاً القائد صلح خلف ،وتونس الجميلة هذه ـ التي احتضنت أبناء شعبنا الفلسطيني ـ لها منا كل الحترام والتقدير ،لم تفاجأني كلمة أبناء شعبنا الفلسطيني منه ،فهذا الحوازي ،قال أبو عمار فيه وبرفاقه يومًا " :لهم ما لنا وعليهم ما علينا" ومثلهم الكثير من أبناء ثورات التحرر حول العالم ،فمنظمة التحرير كانت بيتًا يتسع لكل من رفع راية الحرية والنضال ،ضد الستبداد والظلم في كل المصار ،وكانت تقدم لهم كافة أشكال الدعم والمساندة ،وليس بالمد البعيد ،الثورة اليرانية التي ساندتها منظمة التحرير ووقفت معها ،ومن ثم تنكرت هي بدورها للجميل.
ولكن ذات المنظمة لم تصلح لن تكون بيتًا لكافة الفصائل التي وجدت لتحرر فلسطين ل أن تتنازع على سلطة منقوصة. وبين سوء الفهم للديمقراطية داخل الوطن ،والتلعب به في أروقة الحوار الفلسطيني ،تجد القادة الفلسطينيين قد اتفقوا على أن هذا الجرح لن يجد مسعفًا له بينهم ،والشعب الفلسطيني غدى مبحراً في ظلمة الفرقة بل زادٍ ول متاع ،ليجد نفسه ضحيةً تبيت ليلها على أمل أن يشرق فجر جديد يحمل بين طياته رحم ًة من عند الرب ،فالرض أتخمت بالل مباليين بآلم وعذابات شعبنا ،ولم يعد للبهجة مكاناً تأتي منه سوى السماء؛ عذرًا نزار فقد رفضت بدورك البنادق التي سكنت الكتب ،لمسي في زمنٍ أراها تسمو بكثير على بنادقٍ باتت حبيسة ورهينة المصالح الشخصية بين من يدعون بأنهم رموز الشعب الفلسطيني. أختمها بالترحم خمساً على قيادةٍ نامت ليلها راعياً لشعبها ،فاستيقظت ذئباً يفترسه، ولست أدري إن كانت تجوز هذه الخمسة عليهم أم ل.