حقائق عن التصوف-مختصر.doc

  • Uploaded by: Mehdi
  • 0
  • 0
  • April 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View حقائق عن التصوف-مختصر.doc as PDF for free.

More details

  • Words: 76,953
  • Pages: 247
‫كتاب حقائق عن التصوف – للشيخ عبد القادر عيسى‬ ‫هذا الكتاب يساهم فأي تصحيح الفأكار عن التصوف ‪ ,‬ورد الشبه عنه ‪ ,‬وبيان‬ ‫أهميته وقيمته وحاجة الناس إليه‪.‬‬ ‫فأهرس المحتويات مع المقدمة‬ ‫الباب الول ‪ :‬التعريف بالتصوف ـ تعريفه‪ .‬ـ اشتقاقه‪ .‬ـ نشأته‪ .‬ـ أهميته‬ ‫الباب الثاني ‪ :‬المنهج العملي فأي التصوف ـ مقدمة‪ .‬ـ الصحبة‪ .‬ـ الوارث‬ ‫المحمدي‪ .‬ـ أخذ العهد‪ .‬ـ العلم‪ .‬ـ مجاهدة النفس‪ .‬ـ الذكر‪ .‬ـ المذاكرة‪ .‬ـ الخلوة‬ ‫الباب الثالث ‪ :‬طريق الوصول إلى ا ـ التوبة‪ .‬ـ المحاسبة‪ .‬الخوف‪ .‬ـ الرجاء‪ .‬ـ‬ ‫الصدق‪ .‬الخلصا‪ .‬ـ الصبر‪ .‬ـ الورع‪ .‬ـ الزهد‪0 .‬ـ الرضا‪ .‬ـ التوكل‪ .‬ـ الشكر‬ ‫الباب الرابع‪ :‬من ثمررات التصوف ـ الحب الللهي‪ .‬ـ الكشف‪ .‬ـ الللهام‪ .‬ـ كرامات‬ ‫الولياء‪.‬‬ ‫الباب الخامس ‪ :‬رتصحيح الفأكار عن التصوف ـ بين الحقيقة والشريعة ـ الدس‬ ‫على العلوم اللسلمية أـ التفسير ‪ ,‬ب ـ الحديث ‪ ,‬جـ ـ التاريخ ‪ ,‬د ـ التـصوف ‪.‬ـ‬ ‫تأويل كلم السادة الصوفأية ـ وحدة الوجود والحلول والتحاد‪.‬ـ بين الصوفأية‬ ‫وأدعياء التصوف ‪.‬ـ أعداء التصوف ‪.‬‬ ‫الباب السادس ‪ :‬شهادات علماء المة اللسلمية من سلفها لإلى خلفها للتصوف‬ ‫ورجاله‪ .‬الباب السابع ‪ :‬شيخنا محمد الهاشمي ‪ ,‬الجازة ‪ ,‬سند الطريقة الشاذلية ‪.‬‬ ‫الختام‬

‫الباب الوأل‬ ‫التعريف بالتصوف‬ ‫‪1‬ـ تعريفه‪2 .‬ـ اشتقاقه‪3 .‬ـ نشأته‪4 .‬ـ أهميته‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫تعريف التصوف‬ ‫قال القاضي شيخ السلم زكريا النصاري رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫)التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس‪ ،‬وتصفية الخلق وتعمير الظاهر‬ ‫والباطن لنيل السعادة البدية(‬ ‫قال سيد الطائفتين المام الجنيد رحمه ا‪:‬‬ ‫)التصوف استعمال كل خلق سني‪ ،‬وترك كل خلق دنيوقال بعضهم‪:‬‬ ‫)التصوف كله أخلق‪ ،‬فأمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالتصوف‬ ‫اشتقاق التصوف‬ ‫كثرت القوال فأي اشتقاق التصوف‪ ،‬فأمنهم من قال‪) :‬من الصوفأة‪ ،‬لن الصوفأي‬ ‫مع ا تعالى كالصوفأة المطروحة‪ ،‬لستسلمه ل تعالى‬ ‫صرفة‪ ،‬إذ جملته اتصا ف‬ ‫ف بالمحاسن‪ ،‬وترك الوصاف‬ ‫ومنهم من قال‪) :‬إنه من ال ص‬ ‫المذمومة(‬ ‫ومنهم من قال‪) :‬من الصفاء(‪ ،‬حتى قال أبو الفتح البستي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وظنه البعض مشتقا ا من الصوف‬ ‫تنازع الناس فأي الصوفأي واختلفوا‬ ‫صفا فأصوفأي حتى سسمي الصوفأي‬ ‫ولست أمنح هذا السم غيرر فأتاى‬ ‫صففة‪ ،‬لن صاحبه تابفع لهلها فأيما أثبت ا لهم من‬ ‫ومنهم من قال‪) :‬من ال س‬ ‫الوصف( حيث قال تعالى‪} :‬واصبلرر نفرسك مع الذين يدعورن رفبهم‪] {...‬الكهف‪:‬‬ ‫‪.[28‬‬ ‫صففة هم الرعيل الول من رجال التصوف‪ ،‬فأقد كانت حياتهم التعبدية‬ ‫وأهسل ال س‬ ‫الخالصة المثل العلى الذي استهدفأه رجال التصوف فأي العصور السلمية‬ ‫المتتابعة‪.‬‬ ‫صفوة( كما قال المام القشيري‪.‬‬ ‫وقيل‪) :‬من ال ف‬ ‫صف( فأكأنهم فأي الصف الول بقلوبهم من حيث حضورهم مع ا‬ ‫وقيل‪) :‬من ال ف‬ ‫‪2‬‬

‫تعالى ؛ وتسابقهم فأي سائر الطاعات‪.‬‬ ‫ومنهم من قال‪) :‬إن التصوف نسبة إلى لبس الصوف الخشن‪ ،‬لن الصوفأية كانوا‬ ‫يؤثرون لبسه للتقشف والخشيشان(‪.‬‬ ‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فأإن التصوف أشهر من أن يحتاج فأي تعريفه إلى قياس لفظظ‪،‬‬ ‫واحتياج اشتقاق‪.‬‬ ‫وإنكار بعض الناس على هذا اللفظ بأنه لم سيسمع فأي عهد الصحابة والتابعين‬ ‫مردود‪ ،‬إذ كثيفر من الصطلحات أحدثت بعد زمان الصحابة‪ ،‬واسستعملت ولم‬ ‫ستنركر‪ ،‬كالنحو والفقه والمنطق‪.‬‬

‫نشأة علم التصوف‬ ‫يقول الدكتور أحمد رعرلرو ر‬ ‫ش‪) :‬قد يتساءل الكثيرون عن السبب فأي عدم انتشار‬ ‫الدعوة إلى التصوف فأي صدر السلم‪ ،‬وعدم ظهور هذه الدعوة إل بعد عهد‬ ‫الصحابة والتابعين ؛ والجواب عن هذا‪ :‬إنه لم تكن من حاجة إليها فأي العصر‬ ‫الول‪ ،‬لن أهل هذا العصر كانوا أهل تقوى وورع‪ ،‬وأرباب مجاهدة وإقبال على‬ ‫العبادة بطبيعتهم‪ ،‬وبحكم قرب اتصالهم برسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأكانوا‬ ‫يتسابقون ويتبارون فأي القتداء به فأي ذلك كله‪ ،‬فألم يكن ثفمة ما يدعو إلى تلقينهم‬ ‫علما ا يرشدهم إلى أمظر سهم قائمون به فأع ا‬ ‫ل‪ ،‬وإنما مثلهم فأي ذلك كله كمثل العربي‬ ‫القسصح‪ ،‬يعرف اللغة العربية بالتوارث كابراا عن كابر؛ حتى إنه ليقرض الشعر البليغ‬ ‫بالسليقة والفطرة‪ ،‬دون أن يعرف شيئار من قواعد اللغة والعراب والنظم‬ ‫والقريض‪ ،‬فأمثل هذا ل يلزمه أن يتعلم النحو ودروس البلغة‪ ،‬ولكن علم النحو‬ ‫وقواعد اللغة والشعر تصبح لزمة وضرورية عند تفشي اللحن‪ ،‬وضعف التعبير‪،‬‬ ‫أو لمن يريد من الجانب أن يتفهمها ويتعرف عليها‪ ،‬أو عندما يصبح هذا العلم‬ ‫ضرورة من ضرورات الجتماع كبقية العلوم التي نشأت وتألفت على توالي‬ ‫العصور فأي أوقاتها المناسبة‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫فأالصحابة والتابعون ـ وإن لم يتسموا باسم المتصوفأين ـ كانوا صوفأيين فأعلا وإن لم‬ ‫يكونوا كذلك اسماا‪ ،‬وماذا يراد بالتصوف أكثر من أن يعيش المرء لربه ل لنفسه‪،‬‬ ‫ويتحلى بالزهد وملزمة العبودية‪ ،‬والقبال على ا بالروح والقلب فأي جميع‬ ‫الوقات‪ ،‬وسائر الكمالت التي وصل بها الصحابة والتابعون من حيث الرقي‬ ‫الروحي إلى أسمى الدرجات فأهم لم يكتفوا بالقرار فأي عقائد اليمان‪ ،‬والقيام‬ ‫بفروض السلم‪ ،‬بل قرنوا القرار بالتذوق والوجدان‪ ،‬وزادوا على الفروض‬ ‫التيان بكل ما استحبه الرسول صلى ا عليه وسلم من نوافأل العبادات‪ ،‬وابتعدوا‬ ‫عن المكروهات فأضلا عن المحرمات‪ ،‬حتى استنارت بصائرهم‪ ،‬وتفجرت ينابيع‬ ‫الحكمة من قلوبهم‪ ،‬وفأاضت السرار الربانية على جوانحهم‪ .‬وكذلك كان شأن‬ ‫التابعين وتابعي التابعين‪ ،‬وهذه العصور الثلثة كانت أزهى عصور السلم‬ ‫وخيرها على الطلق‪ ،‬وقد جاء عن رسول ا صلى ا عليه وسلم قوله‪" :‬خير‬ ‫القرون قرني هذا فأالذي يليه والذي يليه" ]"خير الناس قرني هذا ثم الذين يلونهم‪.‬‬ ‫فألما تقادم العهد‪ ،‬ودخل فأي حظيرة السلم سأمم شتى‪ ،‬وأجناس عديدة‪ ،‬واتسعت‬ ‫دائرة العلوم‪ ،‬وتقسمت وتوزعت بين أرباب الختصاصا؛ قام كل فأريق بتدوين‬ ‫الفن والعلم الذي سيجيده أكثر من غيره‪ ،‬فأنشأ ـ بعد تدوين النحو فأي الصدر الول ـ‬ ‫علم الفقه‪ ،‬وعلم التوحيد‪ ،‬وعلوم الحديث‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والمنطق‪،‬‬ ‫ومصطلح الحديث‪ ،‬وعلم الصول‪ ،‬والفرائض "الميراث" وغيرها‪..‬‬ ‫وحدث بعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئا ا فأشيئاا‪ ،‬وأخذ الناس‬ ‫يتناسون ضرورة القبال على ا بالعبودية‪ ،‬وبالقلب والهمة‪ ،‬مما دعا أرباب‬ ‫الرياضة والزهد إلى أن يعملوا سهم من ناحيتهم أيضا ا على تدوين علم التصوف‪،‬‬ ‫وإثبات شرفأه وجلله وفأضله على سائر العلوم‪ ،‬ولم يكن ذلك منهم احتجاجا ا على‬ ‫انصراف الطوائف الخرى إلى تدوين علومهم ـ كما يظن ذلك خطأ ا بعض‬ ‫المستشرقين ـ بل كان يجب أن يكون سداا للنقص‪ ،‬واستكمالا لحاجات الدين فأي‬ ‫جميع نواحي النشاط‪ ،‬مما ل بد منه لحصول التعاون على تمهيد أسباب البر‬ ‫والتقوى"‬

‫أما تاريخ التصوف فأيظهر فأي فأتوى للمام الحافأظ السيد محمد صديق الغماري‬ ‫رحمه ا‪ ،‬فأقد سئل عن أول من أسس التصوف ؟ وهل هو بوحي سماوي ؟‬

‫‪4‬‬

‫فأأجاب‪) :‬أما أول من أسس الطريقة‪ ،‬فألتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي فأي‬ ‫جملة ما أسس من الدين المحمدي‪ ،‬إذ هي بل شك مقام الحسان الذي هو أحد‬ ‫أركان الدين الثلثة التي جعلها النبي صلى ا عليه وسلم بعد ما بفينها واحداا واحداا‬ ‫ديناا بقوله‪" :‬هذا جبريل عليه السلم أتاكم يعلمكم دينكم" وهو السلم واليمان‬ ‫والحسان‪.‬‬ ‫فأالسلم طاعة وعبادة‪ ،‬واليمان نور وعقيدة‪ ،‬والحسان مقام مراقبة ومشاهدة‪:‬‬ ‫"أن تعبد ا كأنك تراه‪ ،‬فأإن لم تكن تراه فأإنه يراك"‪...‬‬ ‫ثم قال السيد محمد صديق الغماري فأي رسالته تلك‪) :‬فأإنه كما فأي الحديث عبارة‬ ‫عن الركان الثلثة‪ ،‬فأمن أخل بهذا المقام)الحسان( الذي هو الطريقة‪ ،‬فأدينه‬ ‫ناقص بل شك لتركه ركناا من أركانه‪ .‬فأغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو‬ ‫مقام الحسان؛ بعد تصحيح السلم واليمان(‬ ‫قال ابن خلدون فأي مقدمته‪:‬‬ ‫ويعنينا من عبارة ابن خلدون الفقرة الخيرة‪ ،‬التي يقرر فأيها أن ظهور التصوف‬ ‫والصوفأية كان نتيجة جنوح الناس إلى مخالطة الدنيا وأهلها فأي القرن الثاني‬ ‫للهجرة‪ ،‬فأإن ذلك من شأنه أن يتخذ المقبلون على العبادة اسما ا يميزهم عن عامة‬ ‫الناس الذين ألهتهم الحياة الدنيا الفانية‪.‬‬

‫وأورد صاحب "كشف الظنون" فأي حديثه عن علم التصوف كلما ا للمام‬ ‫القشيري قال فأيه‪) :‬اعلموا أن المسلمين بعد رسول ا صلى ا عليه وسلم لم يررتسفم‬ ‫أفأاضلهم فأي عصرهم بتسمية لعرلظم سوى صحبة الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬إذ‬ ‫ل أفأضلية فأوقها‪ ،‬فأقيل لهم الصحابة‪ ،‬ثم اختلف الناس وتباينت المراتب‪ ،‬فأقيل‬ ‫لخواصا الناس ـ ممن لهم شدة عناية بأمر الدين ـ الزهاد والسعفباد‪ ،‬ثم ظهرت‬ ‫البدعة‪ ،‬وحصل التداعي بين الفرق‪ ،‬فأكل فأريق ادعوا أن فأيهم زهاداا‪ ،‬فأانفرد‬ ‫خواصا أهل السنة المراعون أنفسهم مع ا سبحانه وتعالى‪ ،‬الحافأظون قلوبهم عن‬ ‫طوارق الغفلة باسم التصوف‪ ،‬واشتهر هذا السم لهؤلء الكابر قبل المائتين من‬ ‫الهجرة(‬ ‫من هذه النصوصا السابقة‪ ،‬يتبين لنا أن التصوف ليس أمراا مستحدثا ا جديداا؛ ولكنه‬ ‫‪5‬‬

‫مأخوذ من سيرة الرسول صلى ا عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام‪ ،‬كما أنه ليس‬ ‫مستقى من سأصول ل تمت إلى السلم بصلة‪ ، ،‬فأأطلقوا اسم التصوف على‬ ‫الرهبنة البوذية‪ ،‬والكهانة النصرانية‪ ،‬والشعوذة الهندية فأقالوا‪ :‬هناك تصوف بوذي‬ ‫وهندي ونصراني وفأارسي‪.‬‬ ‫أهمية التصوف‬ ‫إن التكاليف الشرعية التي سأمر بها النسان فأي خاصة نفسه ترجع إلى قسمين‪:‬‬ ‫أحكام تتعلق بالعمال الظاهرة‪ ،‬وأحكام تتعلق بالعمال الباطنة‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪:‬‬ ‫أحكام تتعلق ببدن النسان وجسمه‪ ،‬وأعمال تتعلق بقلبه‪.‬‬ ‫فأالعمال الجسمية نوعان‪ :‬أوامر ونواظه ؛ فأالوامر اللهية هي‪ :‬كالصلة والزكاة‬ ‫والحج‪ ...‬وأما النواهي فأهي‪ :‬كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر‪...‬‬ ‫وأما العمال القلبية فأهي أيضاا‪ :‬أوامر ونواظه ؛ أما الوامر‪ :‬فأكاليمان بال‬ ‫وملئكته وكتبه ورسله‪ ...‬وكالخلصا والرضا والصدق والخشوع والتوكل‪...‬‬ ‫وأما النواهي‪ :‬فأكالكفر والنفاق والكبر والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد‪.‬‬ ‫وهذا القسم الثاني المتعلق بالقلب أهم من القسم الول عند الشارع ـ وإن كان الكل‬ ‫سمهفماا ـ لن الباطن أساس الظاهر ومصدره‪ ،‬وأعماله مبدأ أعمال الظاهر‪ ،‬فأفي‬ ‫فأساده إخلل بقيمة العمال الظاهرة‪ ،‬وفأي ذلك قال تعالى‪:‬‬ ‫}فأرمرن كان يرجو لقارء رصبه فأرليعمرل عملا صالحا ا ول سيشلررك بعبادة رصبه أحداا{‬ ‫]الكهف‪.[110 :‬‬ ‫ولهذا كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يوجه اهتمام الصحابة لصلح قلوبهم‪،‬‬ ‫ويبين لهم أن صلح النسان متوقف على إصلح قلبه وشفائه من المراض‬ ‫الخفية والعلل الكامنة‪ ،‬وهو الذي يقول‪" :‬أل وإن فأي الجسد سمضغة إذا صلح ر‬ ‫ت‬ ‫صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا فأسدت فأسد الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب"‬ ‫كما كان عليه الصلة والسلم يعلسمهم أن محل نظر ا إلى عباده إنما هو القلب‪:‬‬ ‫"إن ا ل ينظسر إلى أجسادكم ول إلى صوركم‪ ،‬ولكن ينظسر إلى قلوبكم فأما دام‬ ‫صلح النسان مربوطاا بصلح قلبه الذي هو مصدر أعماله الظاهرة‪ ،‬تعفين عليه‬ ‫العمل على إصلحه بتخليته من الصفات المذمومة التي نهانا ا عنها‪ ،‬وتحليته‬ ‫بالصفات الحسنة التي أمرنا ا بها‪ ،‬وعندئظذ يكون القلب سليما ا صحيحاا‪ ،‬ويكون‬ ‫‪6‬‬

‫ب سليظم{‬ ‫صاحبه من الفائزين الناجين }يوم ل ينفسع مافل ول بنورن إل رمن أتى ار بقل ظ‬ ‫]الشعراء‪88 :‬ـ ‪.[89‬‬ ‫قال المام جلل الدين السيوطي رحمه ا‪) :‬وأما علم القلب ومعرفأة أمراضه من‬ ‫الحسد والعجب والرياء ونحوها‪ ،‬فأقال الغزالي‪ :‬إنها فأرض عين(‬ ‫فأتنقية القلب‪ ،‬وتهذيب النفس‪ ،‬من أهم الفرائض العينية وأوجب الوامر اللهية‪،‬‬ ‫بدليل ما ورد فأي الكتاب والسنة وأقوال العلماء‪.‬‬ ‫آ ـ فمن الكتاب‪:‬‬ ‫ش ما ظهر منها وما ربطرن{]العراف‪:‬‬ ‫‪1‬ـ قوله تعالى‪} :‬قسرل إفنما حفررم ربصري الفواح ر‬ ‫‪.[33‬‬ ‫ش ما ظهرر منها وما بطرن{]النعام‪.[151 :‬‬ ‫‪2‬ـ وقوله تعالى‪} :‬ول تقربوا الفواح ر‬ ‫والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي‪ :‬الحقد والرياء والحسد والنفاق‪...‬‬ ‫ب ـ وأمن السنة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ كل الحاديث التي وردت فأي النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد‪ ...‬وأيضا ا‬ ‫الحاديث المرة بالتحلي بالخلق الحسنة والمعاملة الطيبة فألتراجع فأي‬ ‫مواضعها‪.‬‬ ‫ج ـ وأأما أقوال العلماء‪:‬‬

‫يقول الفقيه الكبير العلمة ابن عابدين فأي حاشيته الشهيرة‪) :‬إن علرم الخلصا‬ ‫ض عين‪ ،‬ومثلها غيرها من آفأات النفوس‪ ،‬كالكبر‬ ‫والعجب والحسد والرياء فأر س‬ ‫والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر‬ ‫والخيلء والخيانة والمداهنة‪ ،‬والستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة‬ ‫وطول المل‪ ،‬ونحوها مما هو مبين فأي ربع المهلكات من "الحياء"‪ .‬قال فأيه‪ :‬ول‬ ‫ينفك عنها بشر‪ ،‬فأيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا ا إليه‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫وإزالتها فأرض عين‪ ،‬ول يمكن إل بمعرفأة حدودها وأسبابها وعلماتها وعلجها‪،‬‬ ‫فأإن من ل يعرف الشر يقع فأيه(‬

‫المنهج العملي في التصوف‬ ‫‪1‬ـ الصحبة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الوارث المحمدي‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أخذ العهد‪.‬‬ ‫‪4‬ـ العلم‪.‬‬ ‫‪5‬ـ مجاهدة النفس‪.‬‬ ‫‪6‬ـ الذكر‪.‬‬ ‫‪7‬ـ المذاكرة‪.‬‬ ‫‪8‬ـ الخلوة‪.‬‬

‫الصحبة‬ ‫أهميتها وفأائدتها وآثارها ـ الدليل عليها من الكتاب ـ الدليل عليها من السنة ـ‬ ‫أقوال العلماء والمحدثين فأي أهمية الصحبة ـ أقوال العارفأين بال‬ ‫‪1‬ـ أهميتها وأفائدتها وأآثارها‪:‬‬ ‫إن للصحبة أثراا عميقاا فأي شخصية المرء وأخلقه وسلوكه‪ ،‬والصاحب يكتسب‬ ‫صفات صاحبه بالتأثر الروحي والقتداء العملي‪ ،‬والنسان اجتماعي بالطبع ل بد‬ ‫أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلء وأصدقاء ؛ فأإن اختارهم من أهل الفساد‬ ‫‪8‬‬

‫والشر والفسوق والمجون انحدرت أخلقه‪ ،‬وانحطت صفاته تدريجيا ا دون أن‬ ‫يشعر‪ ،‬حتى يصل إلى حضيضهم ويهوي إلى دركهم‪.‬‬ ‫أما إذا اختار صحبة أهل اليمان والتقوى والستقامة والمعرفأة بال تعالى فأل يلبث‬ ‫أن يرتفع إلى أوج علهم‪ ،‬ويكتسب منهم السخلق القويم‪ ،‬واليمان الراسخ‪،‬‬ ‫والصفات العالية‪ ،‬والمعارف اللهية‪ ،‬ويتحرر من عيوب نفسه‪ ،‬ورعونات سخلسقلله‪.‬‬ ‫ولهذا ستعرف أخلق الرجل بمعرفأة أصحابه وجلسائه‪.‬‬ ‫وما نال الصحابة رضوان ا عليهم هذا المقام السامي والدرجة الرفأيعة بعد أن‬ ‫كانوا فأي ظلمات الجاهلية إل بمصاحبتهم لرسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫ومجالستهم له‪ .‬وما أحرز التابعون هذا الشرف العظيم إل باجتماعهم بأصحاب‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪.‬‬ ‫وبما أن رسالة سيدنا محمد عليه السلم عامة خالدة إلى قيام الساعة‪ ،‬فأإن لرسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم سورراثاا من العلماء العارفأين بال تعالى‪ ،‬ورثوا عن نبيهم‬ ‫العلم والسخلق واليمان والتقوى‪ ،‬فأكانوا خلفاء عنه فأي الهداية والرشاد والدعوة‬ ‫إلى ا‪ ،‬يقتبسون من نوره ليضيؤوا للنسانية طريق الحق والرشاد‪ ،‬فأرمرن جالسهم‬ ‫سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ورمرن‬ ‫نصرهم فأقد نصر الدين‪ ،‬ومن ربط حبله بحبالهم فأقد اتصل برسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫ومن استقى من هدايتهم وإرشادهم فأقد استقى من نبع رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫هؤلء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين‪ ،‬سمرمثفلا فأي سلوكهم‪ ،‬حيفا ا فأي أحوالهم‪،‬‬ ‫واضحاا فأي حركاتهم وسكناتهم‪ ،‬هم من الذين عناهم رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم بقوله‪:‬‬ ‫"ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر‬ ‫ا وهم كذلك‬ ‫ل ينقطع أثرهم على مر الزمان‪ ،‬ول يخلو منهم قطر‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فأكل إنسان ل يخلو من أمراض قلبية‪ ،‬وعلل خفية ل يدركها‬ ‫بنفسه‪ ،‬كالرياء والنفاق والغرور والحسد‪ ،‬والنانية وحب الشهرة والظهور‪،‬‬ ‫والعجب والكبر والبخل‪ ...‬بل قد يعتقد أنه أكمل الناس سخلقاا‪ ،‬وأقومهم ديناا‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الجهل المركب‪ ،‬والضلل المبين‪.‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬قسرل هل نسنربصسئكم بالخسرين أعمالا الذين ضفل سعيهم فأي الحياة الدنيا‬ ‫وهم يحسبون أفنهم سيحسنون صنعاا{ ]الكهف‪103 :‬ـ ‪.[104‬‬ ‫فأكما أن المرء ل يرى عيوب وجهه إل بمرآة صافأية مستوية‪ ،‬تكشف له عن حقيقة‬ ‫حاله‪ ،‬فأكذلك ل بد للمؤمن من أخ مؤمن مخلص ناصح صادق‪ ،‬أحسن منه حا ا‬ ‫ل‪،‬‬ ‫وأقوم سخلقاا‪ ،‬وأقوى إيماناا‪ ،‬يصاحبه ويلزمه‪ ،‬فأيريه عيوبه النفسية‪ ،‬ويكشف له عن‬ ‫خفايا أمراضه القلبية إما بقاله أو بحاله‪.‬‬ ‫ولهذا قال عليه الصلة والسلم‪" :‬المؤمسن لمرآةس المؤمن‬ ‫وعلينا أن نلحظ أن المرايا أنواع وأشكال ؛ فأمنها الصافأية المستوية‪ ،‬ومنها‬ ‫الجرباء التي ستشصوهس جمال الوجه‪ ،‬ومنها التي ستكصبر أو ستصصغر‪.‬‬ ‫وهكذا الصحاب ؛ فأمنهم الذي ل يريك نفسك على حقيقتها‪ ،‬فأيمدحك حتى تظن فأي‬ ‫نفسك الكمال‪ ،‬وسيدخل عليك الغرور والعجب‪ ،‬أو يذمك حتى تيأس وتقنط من‬ ‫إصلح نفسك‪ .‬أما المؤمن الكامل فأهو المرشد الصادق الذي صقلت مرآته بصحبة‬ ‫مرشد كامل‪ ،‬ورث عن مرشد قبله وهكذا حتى يتصل برسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وهو المرآة التي جعلها ا تعالى المثل العلى للنسانية الفاضلة ؛ قال‬ ‫تعالى‪} :‬لقد كان لكم فأي رسول ا سأسوةف حسنةف للرمرن كان يرجو ا واليورم الخرر‬ ‫وذكرر ار كثيراا{ ]الحزاب‪.[21 :‬‬ ‫فأالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالت الخلقية هو صحبة‬ ‫ى وأخلقاا‪،‬‬ ‫الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيمانا ا وتقو ا‬ ‫وتشفى بملزمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية‪ ،‬وتتأثر‬ ‫شخصيتك بشخصيته التي هي صورة عن الشخصية المثالية‪ ،‬شخصية رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية‪ ،‬وأن‬ ‫يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم‪ ،‬والطلع على أحاديث‬ ‫الرسول صلى ا عليه وسلم‪ .‬وذلك لن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الدوية‬ ‫لمختلف العلل النفسية والقلبية‪ ،‬فأل بد معهما من طبيب يصف لكل داء دواؤه ولكل‬ ‫علة علجها‬ ‫}هو الذي بع ر‬ ‫ب‬ ‫ث فأي الرمريين رسولا منهم يتلو عليهم آياته وسيزركيهم وسيعرلمهم الكتا ر‬ ‫واللحكمرة{ ]الجمعة‪.[2 :‬‬ ‫فأالتزكية شيء‪ ،‬وتعليم القرآن شيء آخر‪ ،‬إذ المراد من قوله تعالى‪} :‬يزكيهم{‬ ‫يعطيهم حالة التزكية‪ ،‬فأفر ف‬ ‫ق كبير بين علم التزكية وحالة التزكية كما هو الفرق‬ ‫بين علم الصحة وحالة الصحة‪ ،‬والجمع بينهما هو الكمال‪.‬‬ ‫وكم نسمع عن أناس متحيرين يقرؤون القرآن الكريم‪ ،‬ويطلعون على العلوم‬ ‫السلمية الكثيرة‪ ،‬ويتحدثون عن الوساوس الشيطانية‪ ،‬وهم مع ذلك ل يستطيعون‬ ‫أن يتخلصوا منها فأي صلتهم!‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الدليل على أهمية الصحبة من كتاب ا تعالى‪:‬‬ ‫‪1‬ـ قال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ار وسكونوا مرع الصادقين{ ]التوبة‪.[119 :‬‬ ‫والصادقون‪ :‬هم الصفوة من المؤمنين الذين عناهم ا بقوله‪} :‬لمرن المؤمنين لرجال‬ ‫صردقوا ما عاهدوا ار عيله{ ]الحزاب‪.[23 :‬‬ ‫ر‬ ‫‪2‬ـ قال تعالى‪} :‬واصبر نفسك مع الذيرن يدعون رفبهم بالغدالة والعشصي سيريدورن‬ ‫وجهرهس ول تررعسد عيناك عنسهم ستريد زينةر الحيالة الدنيا ول تسلطرع رمرن أغفلنا قلربه عن‬ ‫ذكرنا واتفبررع هواهس وكان أمسره فأسسرطاا{ ]الكهف‪.[28 :‬‬ ‫الخطاب هنا لرسول ا صلى ا عليه وسلم من قبيل تعليم سأمته ولإرشادها‪.‬‬

‫‪3‬ـ الدليل على أهمية الصحبة من الحاديث الشريفة‪:‬‬ ‫س السولء‬ ‫س الصالح وجلي ل‬ ‫‪1‬ـ قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬إنما رمثرسل الجلي ل‬ ‫‪11‬‬

‫ك )يعطيك( وإما أن تبتاع‬ ‫ك إما أن يسرحلذير ر‬ ‫كحاملل المسلك‪ ،‬ونافأخ الكير‪ ،‬فأحامسل المس ل‬ ‫منه‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا ا طيبة‪ ،‬ونافأسخ الكيلر إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد فأيه‬ ‫ريحاا منتنة( ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الذبائح ومسلم فأي كتاب البر‬ ‫والصلة عن أبي موسى الشعري رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫ي جلسائنا خير ؟ قال‪:‬‬ ‫‪2‬ـ عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول ا أ ي‬ ‫"رمرن ذفكرسكم ا رؤيتسسه‪ ،‬وزاد فأي علمكم رمرنطسقه‪ ،‬وذفكركم فأي الخرة عمسله" ]رواه‬ ‫أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما فأي "مجمع الزوائد" ج ‪/10‬صا ‪[226‬‬ ‫‪4‬ـ أقوال الفقهاء وأالمحدثين في أهمية الصحبة وأآدابها‪:‬‬ ‫ب الدين بن حجر الهيثمي‬ ‫ابن حجر الهيثمي‪ :‬يقول الشيخ الفقيه المحدث أحمد شها س‬ ‫المكي فأي كتابه "الفتاوى الحديثية"‪) :‬والحاصل أن الرولى بالسالك قبل الوصول‬ ‫إلى هذه المعارف أن يكون مديماا لما يأمره به أستاذه الجامع لطرفأي الشريعة‬ ‫والحقيقة‪ ،‬فأإنه هو الطبيب العظم‪ ،‬فأبمقتضى معارفأه الذوقية وحكمه الربانية‪،‬‬ ‫س ما يراه هو اللئق بشفائها والمصلح لغذائها(‬ ‫سيعطي كل بدن ونررف ظ‬ ‫البحث عن الوارث المحمدي‬ ‫مما سبق يتبين أهمية صحبة الوارث المحمدي للترقي فأي مدارج الكمال‪ ،‬وتلقي‬ ‫دروس الداب والفضائل‪ ،‬واكتشاف العيوب الخفية والمراض القلبية‪.‬‬ ‫ولكن قد يسأل سائل‪ :‬كيف الهتداء إليه ؟ والوصول إلى معرفأته ؟ وما هي‬ ‫شروطه وأوصافأه ؟ فأنقول‪:‬‬ ‫‪1‬ـ حين يشعر الطالب بحاجته إليه كشعور المريض بحاجته إلى الطبيب‪ ،‬عليه أن‬ ‫يصدق العزم‪ ،‬ويصحح النية‪ ،‬ويتجه إلى ا تعالى بقلب ضارع منكسر‪ ،‬يناديه فأي‬ ‫جوف الليل‪ ،‬ويدعوه فأي سجوده وأعقاب صلته‪) :‬اللهم دفلني على من يدلني‬ ‫عليك‪ ،‬وأوصلني إلى من يوصلني إليك(‪.‬‬ ‫‪2‬ـ عليه أن يبحث فأي بلده‪ ،‬ويفتش ويسأل عن المرشد بدقة وانتباه غير ملتفت لما‬ ‫يشيعه بعضهم من فأقد المرشد المربي فأي هذا الزمن‬ ‫‪12‬‬

‫وللمرشد شروط ل بد منها حتى يتأهل لرشاد الناس وهي أربعة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يكون عالما ا بالفرائض العينية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون عارفأا ا بال تعالى‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يكون خبيراا بطرائق تزكية النفوس ووسائل تربيتها‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يكون مأذونا ا بالرشاد من شيخه‪.‬‬ ‫‪1‬ـ أما الشرط الول‪ :‬فأينبغي أن يكون المرشد عالما ا بالفرائض العينية‪ :‬كأحكام‬ ‫الصلة والصوم والزكاة إن كان مالكا ا للنصاب‪ ،‬وأحكام المعاملت والبيوع إن‬ ‫كان ممن يتعاطى التجارة‪ ...‬الخ‪ .‬وأن يكون عالما ا بعقيدة أهل السنة والجماعة فأي‬ ‫التوحيد‪ ،‬فأيعرف ما يجب ل تعالى‪ ،‬وما يجوز وما يستحيل إجمالا وتفصي ا‬ ‫ل‪،‬‬ ‫وكذلك فأي حق الرسل عليهم الصلة والسلم‪ ،‬وهكذا سائر أركان اليمان‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وأما الشرط الثاني‪ :‬فأينبغي أن يتحقق المرشد بعقيدة أهل السنة عملا وذوقا ا بعد‬ ‫أن عرفأها علماا ودراية‪ ،‬فأيشهد فأي قلبه وروحه صحتها‪ ،‬ويشهد أن ا تعالى واحد‬ ‫فأي ذاته‪ ،‬واحد فأي صفاته‪ ،‬واحد فأي أفأعاله‪ ،‬ويتعرف على حضرات أسماء ا‬ ‫تعالى ذوقا ا وشهوداا‪ ،‬ويرجعها إلى الحضرة الجامعة‪ ،‬ول يشتبه عليه تعدد‬ ‫الحضرات‪ ،‬إذ تعدد الحضرات ل يدل على تعدد الذات‪.‬‬ ‫ب ومرشد‪ ،‬فأخبررر‬ ‫‪3‬ـ وأما الشرط الثالث‪ :‬فأل بد أن يكون قد رزفكى نفسه على يد مر ظ‬ ‫مراتب النفس وأمراضها ووساوسها‪ ،‬وعرف أساليب الشيطان ومداخله‪ .‬وآفأات‬ ‫كل مرحلة من مراحل السير‪ ،‬وطرائق معالجة كل ذلك بما يلئم حالة كل شخص‬ ‫وأوضاعه‪.‬‬ ‫‪4‬ـ وأما الشرط الرابع‪ :‬فأل بد للمرشد من أن يكون قد سأجيز من شيخه بهذه التربية‬ ‫وهذا السير‪ ،‬فأمن لم يشهد له الختصاصيون بعلم يرفدعيه ل يحق له أن يتصدر فأيه‪،‬‬ ‫فأالجازة‪ :‬هي شهادة أهلية الرشاد وحيازة صفاته وعليها أسصسرس ر‬ ‫ت الن فأكرة‬ ‫المدارس والجامعات‪ ،‬فأكما ل يجوز لمن ل يحمل شهادة الطب أن يفتح عيادة‬ ‫لمداواة المرضى‪ ،‬ول يصح لغير المجاز فأي الهندسة أن يرسم مخططا ا للبناء‪،‬‬ ‫وكما ل يجوز للذي ل يحمل شهادة أهلية التعليم أن يسردصرس فأي المدارس‬ ‫‪13‬‬

‫والجامعات‪ ،‬فأكذلك ل يجوز أن يفدعي الرشاد غير مأذون له به من قلبرلل مرشدين‬ ‫مأذونين مؤفهلين‪ ،‬يتصل سندهم بالتسلسل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫]على غرار علماء الحديث الذين تناقلوا أحاديث رسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫ل عن رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬واعتبروا السند أساسا ا‬ ‫بالسند رج ا‬ ‫لحفظ السنة النبوية من الضياع والتحريف ولهذا قال ابن المبارك‪) :‬السناد من‬ ‫الدين‪ ،‬ولول السناد لقال من شاء ما شاء([‪.‬‬ ‫وكما أنه ل يصح من العاقل أن يتداوى عند جاهل بالطب‪ ،‬كذلك ل يجوز للمرء‬ ‫أن يركن إلى غير المرشد المأذون المختص بالتوجيه والرشاد‪ ،‬وكل من درس‬ ‫الوضع العلمي فأي الماضي يعرف قيمة الجازة من الشياخ وأهمية التلقي عندهم‪،‬‬ ‫حتى إنهم أطلقوا على من لم يأخذ علمه من العلماء اسم )الصحفي(‪ ،‬لنه أخذ علمه‬ ‫من الصحف والمطالعة الخاصة‪ ،‬قال ابن سيرين رحمه ا‪:‬‬ ‫)إن هذا العلم دين فأانظروا عمن تأخذون دينكم( وقد أوصى رسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم ابن عمر رضي ا عنهما بذلك فأقال‪:‬‬ ‫)يا ابن عمر ديرنك ديرنك إنما هو لحمك ودمك فأانظرر عمن تأخذ‪ ،‬خذ الدين عن‬ ‫الذين استقاموا‪ ،‬ول تأخذ عن الذين مالوا(‬ ‫وقال بعض العارفأين‪:‬‬ ‫ثم اعلم أن من علمات المرشد أموراا يمكن ملحظتها‪:‬‬ ‫ـ منها‪ :‬أنك إذا جالسته تشعر بنفحة إيمانية‪ ،‬ونشوة روحية‪ ،‬ل يتكلم إل ل‪ ،‬ول‬ ‫ينطق إل بخير‪ ،‬ول يتحدث إل بموعظة أو نصيحة‪ ،‬تستفيد من صحبته كما تستفيد‬ ‫من كلمه‪ ،‬تنتفع من قربه كما تنتفع من بعده‪ ،‬تستفيد من لحظه كما تستفيد من‬ ‫لفظه‪.‬‬ ‫ـ ومنها‪ :‬أن تلحظ فأي إخوانه ومريديه صور اليمان والخلصا والتقوى‬ ‫والتواضع‪ ،‬وتتذكر وأنت تخالطهم السمثسرل العليا من الحب‪ ،‬والصدق واليثار‬ ‫والخوة الخالصة‪ ،‬وهكذا سيعرف الطبيب الماهر بآثاره ونتائج جهوده‪ ،‬حيث ترى‬ ‫المرضى الذي سشفوا على يديه‪ ،‬وتخرجوا من مصحه بأوفأر قوة‪ ،‬وأتم عافأية‪.‬‬ ‫علماا أن كثرة المريدين والتلميذ وقلتهم ليست مقياسا ا وحيداا‪ ،‬وإنما العبرة بصلح‬ ‫هؤلء المريدين وتقواهم‪ ،‬وتخلصهم من العيوب والمراض واستقامتهم على شرع‬ ‫‪14‬‬

‫ا تعالى‪.‬‬ ‫ـ ومنها‪ :‬أنك ترى تلمذته يمثلون مختلف طبقات المة‪ ،‬وهكذا كان أصحاب‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪.‬‬ ‫أخذ العهد‬ ‫مما سبق ثبت أنه ينبغي لمريد الكمال أن يلتحق بمرشد يتعهده بالتوجيه ويرشده‬ ‫إلى الطريق الحق‪ ،‬ويضيء له ما أظلم من جوانب نفسه‪ ،‬حتى يعبد ا تعالى على‬ ‫بصيرة وهدى ويقين‪.‬‬ ‫يبايع المرشد‪ ،‬ويعاهده على السير معه فأي طريق التخلي عن العيوب والتحلي‬ ‫بالصفات الحسنة‪ ،‬والتحقق بركن الحسان‪ ،‬والترقي فأي مقاماته‪.‬‬ ‫وأأخذذ العهد ثابت في القرآن‪ ،‬وأالسنة‪ ،‬وأسيرة الصحابة‪:‬‬ ‫فمن القرآن‪:‬‬ ‫قول ا تعالى‪} :‬إفن الذيرن سيبايعورنك إفنما يبايعورن ار يسد ال فأوق أيديهم فأرمرن نكث‬ ‫فأإفنما ينكث على نفسه ورمرن أوفأى بما عاهررد عليهس ار فأسيؤتيله أجراا عظيماا{ ]الفتح‪:‬‬ ‫‪.[10‬‬ ‫وأمن السنة‪:‬‬ ‫فأإن أخذ العهد والبيعة فأي السنة المطهرة ما كان يتخذ صورة واحدة من التلقين أو‬ ‫يختص بجماعة من المسلمين‪ ،‬وإنما كان أخذ العهد فأي السنة جامعا ا بين بيعة‬ ‫الرجال‪ ،‬وتلقين الجماعات والفأراد‪ ،‬ومبايعة النساء‪ ،‬بل وحتى من لم يحتلم‪.‬‬ ‫فأأما بيعة الرجال‪ :‬فأقد أخرج البخاري فأي صحيحه عن عبادة بن الصامت أن‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬بايعوني على أن ل تشركوا بال شيئاا‪ ،‬ول‬ ‫تسرقوا‪ ،‬ول تزنوا‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم‪ ،‬ول تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم‬ ‫وأرجلكم‪ ،‬ول تعصوا فأي معروف‪ ،‬فأمن وففأى منكم فأأجره على ا‪ ،‬ومن أصاب‬ ‫من ذلك شيئاا فأعوقب فأي الدنيا فأهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا ا ثم ستره ا‬ ‫فأهو إلى ا‪ ،‬إن شاء عفا عنه ؛ وإن شاء عاقبه‪ .‬فأبايعناه على ذلك‬

‫‪15‬‬

‫وأأما التلقين جماعة‪:‬‬ ‫فأعن يعلى بن شداد قال‪ :‬حدثني أبي شداد بن أوس رضي ا عنه ؛ وعبادة بن‬ ‫الصامت حاضر يصدقه قال‪ :‬كنا عند رسول ا صلى ا عليه وسلم فأقال‪" :‬هل‬ ‫فأيكم غريب ؟" ـ يعني من أهل الكتاب ـ فأقلنا‪ :‬ل يا رسول ا‪ ،‬فأأمر بغلق الباب‬ ‫فأقال‪" :‬ارفأعوا أيديكم وقولوا‪ :‬ل إله إل ا"‪ ،‬فأرفأعنا أيدينا وقلنا‪ :‬ل إله إل ا‪ ،‬ثم‬ ‫قال صلى ا عليه وسلم‪" :‬الحمد ل ؛ اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة‪ ،‬وأمرتني بها‪،‬‬ ‫ووعدتني عليها الجنة‪ ،‬وإنك ل تخلف الميعاد"‪ ،‬ثم قال صلى ا عليه وسلم‪" :‬أل‬ ‫أبشروا فأإفن ا قد غفر لكم"‬ ‫وأأما التلقين الفرادي‪:‬‬ ‫فأإن علياا كفرم ا وجهه سأل النبي صلى ا عليه وسلم بقوله‪) :‬يا رسول ا دلني‬ ‫على أقرب الطرق إلى ا‪ ،‬وأسهلها على عباده‪ ،‬وأفأضلها عنده تعالى(‪ ،‬فأقال النبي‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬عليك بمداومة ذكر ا سراا وجهراا"‪ ،‬فأقال علي‪) :‬كيل الناس‬ ‫صني بشيء( ؛ قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬أفأضل ما قلته أنا‬ ‫ذاكرون فأخ ف‬ ‫والنبيون من قبلي‪ :‬ل إله إل ا‪ ،‬ولو أن السموات والرضين فأي كفة ول إله إل‬ ‫ا فأي كفة لرجحت بهم‪ ،‬ول تقوم القيامة وعلى وجه الرض من يقول‪ :‬ل إله إل‬ ‫ا"‪ ،‬ثم قال علي‪) :‬فأكيف أذكر ؟ قال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬رغصم ر‬ ‫ك‬ ‫ض عيني ر‬ ‫واسمع مني ل إله إل ا ثلث مرات‪ ،‬ثم قلها ثلثا ا وأنا أسمع‪ ،‬ثم فأعل ذلك برفأع‬ ‫الصوت" ]رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن[‪.‬‬ ‫وأما بيعة النساء‪:‬‬ ‫فأعن سأميمة بنت سرقرريلقة قالت‪) :‬أتي س‬ ‫ت رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي نسوة يبايعنه‬ ‫ك بال شيئاا‪ ،‬ول نسرق‪ ،‬ول نزني‪ ،‬ول‬ ‫فأقلن‪ :‬نبايعك يا رسورل ا على أن ل نشر ر‬ ‫نقتل أولدنا‪ ،‬ول نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ول نعصيك فأي معروف‪.‬‬ ‫فأقال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬فأيما استطعتن وأطقتن"‪ ،‬فأقلن‪ :‬ا ورسوله‬ ‫أرحم بنا من أنفسنا‪ ،‬هرلسفم نبايعك يا رسول ا‪ ،‬فأقال‪" :‬إني ل سأصافأح النساء‪ ،‬إنما‬ ‫قولي لمئة امرأة كقولي لمرأة واحدة‬ ‫وأما بيعة من لم يحتلم‪ :‬فأقد أخرج الطبراني عن محمد بن علي بن الحسين رضي‬ ‫‪16‬‬

‫ا عنهم‪ ،‬أن النبي صلى ا عليه وسلم بايع الحسن والحسين وعبد ا بن عباس‬ ‫وعبد ا بن جعفر رضي ا عنهم وهم صغار ولم يسربلقلوا ]يقال‪ :‬أبقل وجهه‪ ،‬إذا‬ ‫نبتت لحيته[ ولم يبلغوا‪ ،‬ولم يبايع صغيراا إل مفنا ‪.‬‬

‫ثم نهج الوفراث من مرشدي الصوفأية منهج الرسول صلى ا عليه وسلم فأي أخذ‬ ‫البيعة فأي كل عصر‪ ،‬فأقد ذكر الستاذ الندوي فأي كتابه "رجال الفكر والدعوة فأي‬ ‫السلم"‪) :‬أن الشيخ عبد القادر الجيلني فأتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه‪،‬‬ ‫يدخل فأيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم السلمي‪ ،‬يجددون العهد‬ ‫والميثاق مع ا‪ ،‬ويعاهدون على ألف يشركوا ول يكفروا‪ ،‬ول يفسقوا‪ ،‬ول يبتدعوا‪،‬‬ ‫ول يظلموا‪ ،‬ول يستحلوا ما حفرم ا‪ ،‬ول يتركوا ما فأرض ا‪ ،‬ول يتفانوا فأي‬ ‫الدنيا‪ ،‬ول يتناسوا الخرة‪ .‬وقد دخل فأي هذا الباب ـ وقد فأتحه ا على يد الشيخ‬ ‫عبد القادر الجيلني ـ خلق ل يحصيهم إل ا‪ ،‬وصلحت أحوالهم‪ ،‬وحسن‬ ‫إسلمهم‪ ،‬وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم‪ ،‬ويشرف عليهم‪ ،‬وعلى تقدمهم‪ ،‬فأأصبح‬ ‫هؤلء التلميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد اليمان(‬ ‫تناقل الذإن‬ ‫منذ عهد الرسول صلى ا عليه وسلم إلى يومنا هذا تناقل هذا الذرن والتلقيرن‬ ‫والعهرد رجافل عن رجال‪ ،‬فأوصل إلينا محققا ا مسلسلا مسج ا‬ ‫ل‪ ،‬والصوفأية سيسيمون‬ ‫البيعة والذن والتلقين باسم "القبضة"‪ ،‬يتلقاها واحد عن واحد‪ ،‬يقبض كل منهما يد‬ ‫الخر‪ ،‬فأكأنما ارلتقى السالب بالموجب فأارتبط التيار واتصل السند‪ ،‬ونفذ التأثير‬ ‫الروحي المحسوس المجرب‪.‬‬ ‫وما هؤلء المرشدون المجددون على توالي العصور والزمان الذين يربطون‬ ‫قلوب الناس بهم حتى يوصلوها بنور سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم إل‬ ‫كالمراكز الكهربائية التي توضع فأي الماكن البعيدة عن الموصلد الكهربائي فأتأخذ‬ ‫النور من مركز التوليد لتعطيه لمن حولها قويا ا وفهاجا ا ؛ فأهذه المراكز ليست‬ ‫مصدر النور ولكنها موزعة له وناقلة‪ ،‬ولكن لبعد المسافأة يضعف نور الشريط‬ ‫المتصل بالموصلد‪ ،‬فأاحتاج المر إلى هذه المراكز التي تعيد لهذا النور قوته‬ ‫وحيويته‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫وهكذا فأإن المرشدين يجددون النشاط اليماني فأي عصرهم‪ ،‬ويعيدون النور‬ ‫المحمدي إلى ضيائه وبريقه بعد تطاول الزمن وتعاقب القرون‪ ،‬وهذا معنى قوله‬ ‫عليه الصلة والسلم‪" :‬العلماء ورثة النبياء"‬

‫أدب المريد‬ ‫مع شيخه وأإخوانه‬ ‫‪1‬ـ آداب المريد مع شيخه‪:‬‬ ‫وهي نوعان‪ :‬آداب باطنة‪ ،‬وآداب ظاهرة‪.‬‬ ‫فأما الداب الباطنة فهي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الستسلم لشيخه وطاعته فأي جميع أوامره ونصائحه‪ ،‬وليس هذا من باب‬ ‫النقياد العمى الذي يهمل فأيه المرء عقله ويتخلى عن شخصيته‪ ،‬ولكنه من باب‬ ‫التسليم للذي الختصاصا والخبرة ؛ بعد اليمان الجازم بمقدمات فأكرية أساسية‪،‬‬ ‫منها التصديق الراسخ بإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته ورحمته‪ ،‬وأنه جمع بين‬ ‫الشريعة والحقيقة‪ ..‬الخ‪ .‬وهذا يشبه تماماا استسلم المريض لطبيبه استسلما ا كليا ا‬ ‫فأي جميع معالجاته وتوصياته‪ ،‬ول يسرعيد المريض فأي هذا الحال مهملا لعقله متخليا ا‬ ‫عن كيانه وشخصيته‪ ،‬بل يسرعتربرسر منصفا ا عاقلا لنه سفلم لذي الختصاصا‪ ،‬وكان‬ ‫صادقا ا فأي طلب الشفاء‪.‬‬ ‫‪2‬ـ عدم العتراض على شيخه فأي طريقة تربية مريديه‪ ،‬لنه مجتهد فأي هذا الباب‬ ‫عن علم واختصاصا وخبرة‪ ،‬كما ل ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل‬ ‫ب عنه خيراا‬ ‫تصرف من تصرفأات شيخه ؛ فأهذا من شأنه أن يس ر‬ ‫ضلع ر‬ ‫ف ثقته به وريحسج ر‬ ‫كثيراا‪ ،‬وريقطرع الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫قال العلمة ابن حجر الهيثمي‪) :‬ورمرن فأتح باب العتراض على المشايخ والنظر‬ ‫فأي أحوالهم وأفأعالهم والبحث عنها فأإن ذلك علمة حرمانه وسوء عاقبته‪ ،‬وأنه ل‬ ‫يررنستج قط‪ ،‬ومن ثرفم قالوا‪ ] :‬من قال لشيخه للم ؟ لررم يفلح أبداا [‬ ‫ف من تصرفأات‬ ‫وإذا أورد الشيطان على قلب المريد إشكالا شرعيا ا حول تصر ظ‬ ‫شيخه بغية قطع الصلة ونزع الثقة فأما على المريد إل أن سيحلسرن الظن بشيخه‬ ‫س له تأويلا شرعيا ا ومخرجا ا فأقهياا‪ ،‬فأإن لم يستطع ذلك فأعليه أن يسأل شيخه‬ ‫ويلتم ر‬ ‫مستفسراا بأدب واحترام‪ ،‬كما سيأتي فأي بحث مذاكرة المريد لمرشده‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن ل يعتقد فأي شيخه العصمة‪ ،‬فأإن الشيخ وإن كان على أكمل الحالت فأليس‬ ‫بمعصوم‪ ،‬إذ قد تصدر منه الهفوات والزلت‪ ،‬ولكنه ل يصر عليها ول تتعلق‬ ‫همته أبداا بغير ا تعالى‪.‬‬ ‫ولكن ل ينبغي للمريد حين يعتقد فأي شيخه عدم العصمة أن يضع بين عينيه دائما ا‬ ‫احتمال خطأ شيخه فأي كل أمر من أوامره أو توجيه من توجيهاته‪ ،‬لنه بذلك يمنع‬ ‫عن نفسه الستفادة‪ ،‬كمثل المريض الذي يدخل إلى طبيبه وليس فأي قلبه إل فأكرة‬ ‫احتمال خطأ الطبيب فأي معالجته فأهذا من شأنه أن سيضعف الثقة وسيحد ر‬ ‫ث الش ف‬ ‫ك‬ ‫والضطراب فأي نفسه‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يعتقد كمال شيخه وتمام أهليته للتربية والرشاد‪ ،‬وإنما ركفون هذا العتقاد بعد‬ ‫ق بادىء أمره ؛ فأوجد شروط الوارث المحمدي التي سبق ذكرها قد‬ ‫أن فأتش ودقف ر‬ ‫تحققت فأي شيخه‪ ،‬ووجد أن الذين يصحبونه يتقدمون فأي إيمانهم وعباداتهم‬ ‫وعلمهم وأخلقهم ومعارفأهم اللهية ‪5‬ـ اتصافأه بالصدق والخلصا فأي صحبته‬ ‫لشيخه‪ ،‬فأيكون جاداا فأي طلبه‪ ،‬منزها ا عن الغراض والمصالح‪.‬‬ ‫‪6‬ـ تعظيمه وحفظ حرمته حاضراا وغائباا‪ .‬قال إبراهيم بن شيبان القرميسيني‪) :‬من‬ ‫ترك حرمة المشايخ ابتلي بالدعاوي الكاذبة وافأتضح بها(‬ ‫وقال الشيخ عبد القادر الجيلني‪:‬‬ ‫)من وقع فأي لعرض وليي ابتله ا بموت القلب( ‪7‬ـ أن يحب شيخه محبة فأائقة‬ ‫شريطة أن ل ينقص من قدر بقية الشيوخ‪ ،‬وأن ل يصل غلوه فأي المحبة إلى حيد‬ ‫‪19‬‬

‫فأاسد ؛ بأن سيخرج شيخه عن طور البشرية‪ ،‬وإنما تقوى محبة المريد لشيخه‬ ‫بموافأقته له أمراا ونهياا‪.،‬‬ ‫‪8‬ـ عدم تطلعه إلى غير شيخه لئل يتشتت قلبه بين شيخين‪ ،‬ومثال المريد فأي ذلك‬ ‫كمثل المريض الذي يطبب جسمه عند طبيبين فأي وقت واحد فأيقع فأي الحيرة‬ ‫والتردد ]ينبغي الملحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية ل شيخ التعليم ؛‬ ‫إذ يمكن لطالب العلم أن يكون له عدة أساتذة‪ ،‬ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة فأي‬ ‫العلم لن ارتباطه بهم ارتباط علمي‪ ،‬بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية‬ ‫وتربوية[‪.‬‬ ‫وأأما الداب الظاهرة فهي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يوافأق شيخه أمراا ونهياا‪ ،‬كموافأقة المريض لطبيبه‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يلتزم السكينة والوقار فأي مجلسه‪ ،‬فأل يتكىء على شيء يعتمده‪ ،‬ول يتثاءب‬ ‫ول ينام‪ ،‬ول يضحك بل سبب‪ ،‬ول يرفأع صوته عليه‪ ،‬ول يتكلم حتى يستأذنه لن‬ ‫ذلك من عدم المبالة بالشيخ وعدم الحترام له‪ .‬ومن صحب المشايخ بغير أدب‬ ‫واحترام حرم مددهم وثمرات ألحاظهم وبركاتهم‪.‬‬ ‫‪3‬ـ المبادرة إلى خدمته بقدر المكان‪ ،‬فأمن رخردم سخلدم‪.‬‬ ‫‪4‬ـ دوام حضور مجالسه‪ ،‬فأإن كان فأي بلد بعيد فأعليه أن يكرر زيارته بقدر‬ ‫المستطاع‪ ،‬ولذلك قيل‪) :‬زيارة المربي ترقي وتربي(‪.‬‬ ‫وإن السادة الصوفأية بنوا سيرهم على ثلثة أصول "الجتماع والستماع والتباع"‬ ‫وبذلك يحصل النتفاع‪.‬‬ ‫‪5‬ـ الصبر على مواقفه التربوية كجفوته وإعراضه‪ ...‬الخ‪ ،‬التي يقصد بها تخليص‬ ‫المريد من رعوناته النفسية وأمراضه القلبية‪.‬‬ ‫‪6‬ـ أن ل ينقل من كلم الشيخ إلى الناس إل بقدر أفأهامهم وعقولهم لئل يسيء إلى‬ ‫نفسه وشيخه‪ ،‬وقد قال سيدنا علي رضي ا عنه‪) :‬حدثوا الناس بما يعرفأون‪،‬‬ ‫ب ا ورسولسهس ؟(‬ ‫أتحبون أن سيكفذ ر‬ ‫‪2‬ـ آداب المريد مع إخوانه‪:‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪1‬ـ حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين‪ ،‬فأل يغتاب أحداا منهم‪ ،‬ول ينقص أحداا‪ ،‬لن‬ ‫لحومهم مسمومة كلحوم العلماء والصالحين‪.‬‬ ‫‪2‬ـ نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم‪ ،‬وتقوية ضعيفهم‪.‬‬ ‫وللنصيحة شروط ينبغي التزامها‪ ،‬وهي ثلثة للناصح‪ ،‬وثلثة للمنصوح‪.‬‬ ‫فأشروط الناصح‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن تكون النصيحة سراا‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن تكون بلطف‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن تكون بل استعلء‪.‬‬ ‫وشروط المنصوح‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يقبل النصيحة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يشكر الناصح‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يطبق النصيحة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ التواضع لهم والنصاف معهم وخدمتهم بقدر المكان إذ "سيد القوم خادمهم"‬ ‫‪4‬ـ حسن الظن بهم وعدم النشغال بعيوبهم وتوركيسل أمورهم إلى ا تعالى‪.‬‬ ‫‪5‬ـ قبول عذرهم إذا اعتذروا‪.‬‬ ‫‪6‬ـ إصلح ذات بينهم إذا اختلفوا واختصموا‪.‬‬ ‫‪7‬ـ الدفأاع عنهم إذا سأوذوا أو انستهلك ر‬ ‫ت حرماتهم‪.‬‬ ‫‪8‬ـ أن ل يطلب الرئاسة والتقدم عليهم لن طالب الولية ل يسروفلى‪.‬‬ ‫العلم‬ ‫ان المسلم حين يعمل على تزكية نفسه وتطهير قلبه وتصحيح ظاهره وباطنه ل بد‬ ‫قبل ذلك أن يكون قد صحح إيمانه‪ ،‬وقام بجميع عباداته المفروضة واستقام فأي‬ ‫معاملته‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل بالعلم الصحيح‪ .‬وهذا أمر بدهي واضح لن فأضل‬ ‫العلم أمر ظاهر‪ ،‬واشتراطه فأي تصحيح العمال أمر متفق عليه‪ .‬وإننا نثبت بحث‬ ‫العلم فأي هذه الطبعة تأكيداا لبيان منزلته وشرفأه ورداا على كثير من المتسرعين‬ ‫الذين يتوهمون أن رجال التصوف يقللون من شأن العلم ول يعطونه ما يستحق من‬ ‫الهتمام والعناية[أساس العمال وإمامها ومصححها‪ ،‬فأكما أنه ل فأائدة للعلم بل‬ ‫عمل‪ ،‬كذلك ل ينفع عمل بل علم‪...‬‬ ‫فأالعلم والعمل توأمان ل ينفكان عن بعضهما‪ ،‬والسالك فأي طريق اليمان والتعرف‬ ‫على ا تعالى والوصول إلى رضاه ل يستغني عن العلم فأي أية مرحلة من‬ ‫مراحل سلوكه‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫ولهذا اعتسبلرر اكتساب العلم الضروري من أهم النقاط الساسية فأي المنهج العملي‬ ‫للتصوف‪ ،‬إذ ليس التصوف إل التطبيق العملي للسلم كاملا غير منقوصا فأي‬ ‫جميع جوانبه الظاهرة والباطنة‪.‬‬ ‫فضل العلم في القرآن الكريم‪:‬‬ ‫قال ا تعالى‪} :‬إفنما يخشى اللـهر لمرن لعبالدله العلماسء{ ]فأاطر‪.[28 :‬‬ ‫و قال أيضاا‪} :‬هل يستوي الذين يعلمورن والذين ل يعلمورن{ ]الزمر‪.[9 :‬‬ ‫فضل العلم في السنة الشريفة‪:‬‬ ‫عن أبي الدرداء رضي ا تعالى عنه قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫يقول‪" :‬رمرن سلك طريقا ا يلتمس فأيه علما ا سهل ا له طريقا ا إلى الجنة‪ ،‬وإن الملئكة‬ ‫ضسع أجنحتها لطالب العلم رضا ا بما يصنع‪ ،‬وإن العالم ليستغفر لرهس رمرن فأي‬ ‫لرتر ر‬ ‫السموات ومن فأي الرض حتى الحيتان فأي الماء‪ ،‬وفأضل العالم على العابد كفضل‬ ‫القمر على سائر الكواكب‪ ،‬وإن العلمارء ورثةس النبياء‪ ،‬وإن النبياء لم يسروصرسثوا‬ ‫ديناراا ول درهماا‪ ،‬وإنما روفرسثوا العلم فأمن أخذه أخذ بحظ وافأر‬ ‫وعن أبي ذر رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬يا أبا ذر‬ ‫لررن تغدو فأتررعلفرم آية من كتاب ا خير لك من أن تصلي مائة ركعة‪ ،‬ولن تغدو‬ ‫فأتررعلفرم بابا من العلم سعلمرل به أو لم يسرعرمرل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة"‬ ‫وعن عثمان رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬يشفع يوم القيامة‬ ‫ثلثة‪ :‬النبياء ثم العلماء ثم الشهداء" ]رواه ابن ماجه فأي كتاب الزهد[‪.‬‬ ‫حكم تعلم العلم‪:‬‬ ‫ينقسم العلم من حيث حكمه الشرعي إلى ثلثة أقسام‪:‬‬ ‫‪1‬ـ مأمور به‪2 .‬ـ منهي عنه‪3 .‬ـ مندوب إليه‪.‬‬ ‫أـ العلوم المأمور بها‪:‬‬ ‫وهي صنفان‪:‬‬ ‫الصنف الوأل‪ :‬فرض عين‪ ،‬وهو ما ل يسقط عن المكلف إل بقيامه به بنفسه‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫‪1‬ـ تعلم عقيدة أهل السنة والجماعة مع الستدلل الجمالي على كل مسألة من‬ ‫مسائل اليمانيات‪2 ،‬ـ تعلم ما يستطيع به المكلف أداء المفروض عليه من العبادات‬ ‫كالصلة والزكاة والحج والصوم‪...‬‬ ‫‪3‬ـ رمرن تعاطى شيئاا من المعاملت كالبيوع والجارة والنكاح والطلق‪ ...‬يفترض‬ ‫عليه تعلم ما يتمكن معه من تجنب الحرام والتزام حدود الشرع‪.‬‬ ‫‪4‬ـ تعلم أحوال القلب من التوكل والخشية والرضا لن المسلم واقع طيلة عمره فأي‬ ‫جميع الحوال القلبية‪.‬‬ ‫‪5‬ـ تعلم جميع الخلق الحسنة والسيئة كي يطبق الحسنة كالتوكل على ا والرضا‬ ‫عنه والتسليم له والتواضع والحلم‪ ...‬إلخ‪ ،‬ويجتنب السيئة كالكبر والغرور والبخل‬ ‫والحسد والحقد والرياء‪ ...‬إلخ ]انظر بحث أهمية التصوف صا ‪ [28‬ومن ثرفم يجاهد‬ ‫نفسه على تركها‪ ،‬إذ إن المجاهدة فأرض على كل مكلف ول يمكن حصولها إل‬ ‫بمعرفأة الخلق المذمومة والممدوحة‪ ،‬ومعرفأة طرق المجاهدات التي اشتغل بها‬ ‫السادة الصوفأية‪ ،‬ولهذا قال أبو الحسن الشاذلي‪) :‬من مات ولم يتغلغل فأي علمنا هذا‬ ‫مات مصراا على الكبائر وهو ل يشعر‬ ‫الصنف الثاني‪ :‬فرض كفاية‪ ،‬وهو ما إذا قام به البعض سقط التكليف عن الباقين‪،‬‬ ‫وإذا لم يقم به أحد فأالكل آثمون‪.‬‬ ‫والعلوم المفروضة كفائياا هي ما يتوقف عليها صلح المة‪ ،‬كالتعمق فأي علم الفقه‬ ‫ت يكون مرجعا ا للناس فأي‬ ‫زيادة على مقدار الحاجة ]ولذلك ل بد فأي كل بلد من سمرف ظ‬ ‫أمور دينهم يقوم بهذا الفرض الكفائي ويسقط الثم عن الناس[‪ ،‬وكذلك علم التفسير‬ ‫والحديث‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬وأصول العتقاد‪ .‬وكذلك علم الحساب ب ـ العلوم‬ ‫المنهي عنها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ فأمنها الخوض فأي دراسة المذاهب الضالة والفأكار المشككة والعقائد الزائغة ل‬ ‫بنية الرد عليها ودفأع خطرها‪ .‬أما تعلمها لبيان زيغها ورد شبهاتها تصحيحا ا للعقائد‬ ‫وذوداا عن الدين فأهو فأرض كفاية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ علم التنجيم لمعرفأة مكان المسروق ومواضع الكنوز ومكان الضالة ونحو ذلك‬ ‫مما يزعمونه‪ ،‬وهو من الكهانة‪ ،‬وقد كذبهم الشرع وحرم تصديقهم‪ .‬أما تعلم علم‬ ‫النجوم للدراسات العلمية ولمعرفأة مواقيت الصلة واللقبلة فأل بأس به‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪3‬ـ علم السحر‪ ،‬إذا تعلمه للحتراز عنه فأيجوز ذلك كما قيل‪:‬‬ ‫عرفأت الشر ل للشر لكن لتوقيه‬ ‫ومن لم يعرف الشر فأإنه يقع فأيه‬ ‫جـ ـ العلوم المندوأب إليها‪:‬‬ ‫ومنها معرفأة فأضائل العمال البدنية والقلبية‪ ،‬ومعرفأة النوافأل والسنن‬ ‫والمكروهات‪ ،‬ومعرفأة فأروض الكفاية‪ ،‬والتعمق فأي علوم الفقه وفأروعها والعقائد‬ ‫وأدلتها التفصيلية‪...‬‬ ‫مجاهدة النفس وأتزكيتها‬ ‫تمهيد‪:‬‬ ‫سبق أن بينا فأي بحث أهمية التصوف أن للنفس صفات خبيثة وأخلقا ا مذمومة‪،‬‬ ‫وأن إزالتها فأرض عين ـ كما نص على ذلك عامة الفقهاء ـ ولكن صفات النفس‬ ‫الناقصة ل تزول بالماني ول بمجرد الطلع على حكم تزكيتها أو قراءة كتب‬ ‫الخلق والتصوف‪ ،‬بل ل بد لها بالضافأة إلى ذلك من مجاهدة وتزكية عملية‪،‬‬ ‫وفأطم لنزواتها الجامحة وشهواتها العارمة‬ ‫تعريف المجاهدة‪ . :‬فأمجاهدة النفس فأطمها وحملها على خلف هواها المذموم‪،‬‬ ‫وإلزامها تطبيق شرع ا تعالى أمراا ونهياا‪.‬‬ ‫دليلها من الكتاب وأالسنة‪:‬‬ ‫قال ا تعالى‪} :‬والذيرن جارهدوا فأينا لرنهديرفنهم سسبسرلنا{ وقال العلمة المفسر ابن‬ ‫جزي فأي تفسير هذه الية‪) :‬يعني جهاد النفس(‪.‬‬ ‫وعن فأضالة بن عبيد رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"المجاهسد رمرن جاهد نفرسهس فأي ا" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب فأضائل الجهاد وقال‪:‬‬ ‫حديث حسن صحيح‪ ،‬وزاد البيهقي فأي "شعب اليمان" برواية فأضالة‪" :‬والمجاهد‬ ‫من جاهد نفسه فأي طاعة ا‪ ،‬والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"‪" .‬مشكاة‬ ‫المصابيح للتبريزي" كتاب اليمان رقم ‪ .[34‬وفأي رواية‪ :‬ل‪.‬‬ ‫حكمها‪:‬‬ ‫تزكية النفس فأرض عين كما سبق أن بينا ذلك ول تتم إل بالمجاهدة ومن هنا‬ ‫كانت المجاهدة فأرض عين من باب‪) :‬ما ل يتم الواجب إل به فأهو واجب(‪.‬‬ ‫قابلية صفات النفس للتغيير‪:‬‬

‫‪24‬‬

‫ل شك أن النفس النسانية قابلة لتغيير صفاتها الناقصة وتبديل عاداتها المذمومة‪،‬‬ ‫وإل لم يكن هناك فأائدة من بعثة الرسول الكريم عليه الصلة والسلم ؛ ول‬ ‫ضرورة لمن بعده من ورثته العلماء العاملين والمرشدين المصلحين‪.‬‬ ‫وإذا كان كثير من سباع الطيور والبهائم قد أمكن ترويضها وتبديل كثير من‬ ‫صفاتها‪ ،‬فأالنسان الذي كرمه ا تعالى وخلقه فأي أحسن تقويم‪ ،‬من باب أولى‪.‬‬ ‫وليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها بل تسييرها على مراد ا تعالى‬ ‫وابتغاء مرضاته‪.‬‬ ‫فأصفة الغضب مذمومة حين يغضب المرء لنفسه‪ ،‬أما إذا غضب ل تعالى فأعندها‬ ‫يصبح الغضب ممدوحاا كما كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يغضب إذا‬ ‫انستهكت حرمات ا أو سع ص‬ ‫ضرب‬ ‫طل حد من حدوده‪ ،‬ولكنه حين سأوذي فأي ا و س‬ ‫وسأدمي عقبه يوم الطائف لم يغضب لنفسه ؛ بل دعا لمن آرذروه بالهداية والتمس لهم‬ ‫العذر فأقال‪" :‬اللهم اهد قومي فأإنهم ل يعلمون"‬ ‫طريقة المجاهدة‪:‬‬ ‫وأول مرحلة فأي المجاهدة ‪-1‬عدم رضى المرء عن نفسه‪ ،‬وإيماسنه بوصفها الذي‬ ‫أخبر عنه خالقها ومبدعها‪} :‬إفن النفس لفمارةف بالسوء{]يوسف‪.[53 :‬‬ ‫‪-2‬علمه أن النفس أكبر قاطع عن ا تعالى ]والقواطع عن ا تعالى أربعة‪:‬‬ ‫النفس‪ ،‬والدنيا‪ ،‬والشيطان‪ ،‬والخلق‪ .‬أما عداوة النفس والشيطان فأظاهرة‪ ،‬وأما‬ ‫الخلق فأملحظة مدحهم وذمهم تعرقل سير السالك إلى ربه‪ ،‬وأما الدنيا فأالهتمام‬ ‫بها وانشغال القلب بتقلباتها قاطع كبير عن ا تعالى‪ ،‬فأفي حالة الفقر تكثر هموم‬ ‫المرء فأتشغله عن ا‪ ،‬وفأي حال الغنى ينشغل بزينتها وزخرفأها عن ا تعالى‪:‬‬ ‫}إفن النسارن ليطرغى ‪ .‬أرن رآهس استغرنى{ ]العلق‪6 :‬ـ ‪ .[7‬أما إذا أخرج حبها من قلبه‬ ‫فأإنها ل تضره‪ ،‬كما قال شيخ الصوفأية سيدي عبد القادر الجيلني رحمه ا‪:‬‬ ‫)أخرج الدنيا من قلبك‪ ،‬وضعها فأي جيبك أو فأي يدك فأإنها ل تضرك( كما أنها‬ ‫أعظم موصل إليه وذلك أن النفس حينما تكون أفمارة بالسوء ل تتلذذ إل بالمعاصي‬ ‫والمخالفات‪ ،‬ولكنها بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية ل تسرسير إل‬ ‫بالطاعات والموافأقات والستئناس بال تعالى‪.‬‬ ‫‪-3‬يتدرج فأي المجاهدة على حسب سيره‪ ،‬فأهو فأي بادىء المر يتخلى عن‬ ‫‪25‬‬

‫المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫اللسان والذنان والعينان واليدان والرجلن والبطن والفرج ]لكل جارحة من‬ ‫صا تتعلق بها‪ ،‬فأمن معاصي اللسان*‪ :‬الغيبةس والنميمة والكذب‬ ‫الجوارح السبعة معا ظ‬ ‫والفحش‪ .‬ومن معاصي الذنين*‪ :‬سماسع الغيبة والنميمة والغاني الفاحشة وآلت‬ ‫اللهو‪ .‬ومن معاصي العينين *‪ :.‬النظسر للنساء الجنبيات وعورات الرجال‪ .‬ومن‬ ‫معاصي اليدين*‪ :‬إيذاسء المسلمين وقتلهم‪ ،‬وأخذ أموالهم بالباطل‪ .‬ومن معاصي‬ ‫الرجلين*‪ :‬المشسي إلى محلت المنكرات والفجور‪ .‬ومن معاصي البطن*‪ :‬أكل‬ ‫المال الحرام‪ ،‬وأكل لحم الخنزير‪ ،‬وشرب الخمور‪ .‬ومن معاصي الفرج*‪ :‬الزنا‬ ‫واللواطة‪ ،[...‬ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها ]فأمن‬ ‫طاعات اللسان‪ :‬قراءة القرآن الكريم‪ ،‬وذكر ا تعالى‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي‬ ‫عن المنكر‪:‬ومن طا عات العينين‪ :‬النظر إلى وجوه العلماء والصالحين‪ ،‬والنظر‬ ‫إلى الكعبة المشرفأة‪ ،‬والنظر التأملي ليات ا فأي الكون‪ .‬ومن طاعات اليدين‪:‬‬ ‫مصافأحة المؤمنين‪ ،‬وإعطاء الصدقات‪ .‬ومن طاعات الرجلين‪ :‬المشي إلى المساجد‬ ‫وإلى مجالس العلم‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬والصلح بين الناس‪ .‬ومن طاعات البطن‪:‬‬ ‫تناول الطعام الحلل بنية التقصوي على طاعة ا تعالى‪ .‬ومن طاعات الفرج‪ :‬النكاح‬ ‫المشروع بغية الحصان وتكثير النسل‪ [..‬فأهذه الجوارح السبعة منافأذ على القلب‬ ‫إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فأتكدره وتمرضه‪ ،‬وإما أن ستدخل عليه أنوار‬ ‫الطاعات فأتشفيه وتنوره‪.‬‬ ‫‪-3‬ثم ينتقل فأي المجاهدة إلى الصفات الباطنة فأيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء‬ ‫والغضب‪ ...‬بصفات كاملة كالتواضع والخلصا واللحلم‪.‬‬ ‫قال أبو عثمان المغربي رحمه ا‪) :‬من ظن أنه سيفتح له بهده الطريقة أو يكشف له‬ ‫عن شيء منها ل بلزوم المجاهدة فأهو فأي غلط(‬ ‫رد الشبهات حول المجاهدة‪:‬‬ ‫إن قال قائل‪ :‬إن رجال التصوف يسرحصرمون ما أحل ا من أنواع اللذائذ والمتع‪ ،‬وقد‬ ‫قال ا تعالى‪} :‬قفرل رمرن حفررم زينة ا التي أخررج لعبالدله والطيبات من الرزق‪{...‬‬ ‫]العراف‪.[32 :‬‬ ‫فأنقول‪ :‬إن رجال التصوف لم يجعلوا الحلرل حراماا‪ ،‬إرذ أسمى مقاصدهم هو التقيد‬ ‫ض عين‪ ،‬وأن للنفس أخلقا ا‬ ‫بشرع ا‪ ،‬ولكنهم حين عرفأوا أن تزكية النفس فأر س‬ ‫صل صاحبها إلى الردى‪ ،‬وتعيقه عن الترقي فأي مدراج‬ ‫سيئة وتعلقات شهوانية‪ ،‬تو ل‬ ‫الكمال‪ ،‬وجدوا لزاماا عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫‪.‬‬ ‫فأفر ف‬ ‫ق كبير إذاا بين المجاهدة المشروعة المقيدة بدين ا تعالى‪ ،‬وبين المغالة‬ ‫والنحراف وتحريم الحلل وتعذيب الجسد كما عليه البوذيون الكافأرون‬ ‫وأالخلصة ‪ :‬رمرن لم تكن له بداية محرقة "بالمجاهدات" لم تكن له نهاية مشرقة‪.‬‬ ‫والبدايات تدل على النهايات‪.‬‬ ‫الذكر‬ ‫"أهل ذكري أهل مجالستي‪ ...‬الحديث" ]من حديث قدسي أخرجه المام أحمد فأي‬ ‫مسنده[‪.‬‬ ‫معاني كلمة الذكر‬ ‫أطلقت اليات القرآنية الكريمة والحاديث النبوية الشريفة كلمة "الذكر" على عدة‬ ‫صرد بها القرآن الكريم كما فأي قوله تعالى‪} :‬إفنا نحن نرزلنا الصذكرر‬ ‫معان‪ *:‬فأتارة قس ل‬ ‫صرد بها *صلة الجمعة‪} :‬يا أييها الذين‬ ‫وإرنا لهس رلحافأظورن{ ]الحجر‪ .[9 :‬وتارة قس ل‬ ‫ا{ ]الجمعة‪ .[9 :‬وفأي‬ ‫آمنوا إذا سنولد ر‬ ‫ي للصلة من يوم الجمعة فأاسرعوا إلى ذكلر ل‬ ‫موطن آخر *سعنلري بها العلم‪} :‬فأاسألوا أهل الذكر إرن كنتم ل تعلمورن{ ]النبياء‪:‬‬ ‫‪ .[7‬وفأي معظم النصوصا* سأريرد بكلمة "الذكر" التسبيسح والتهليل والتكبير‬ ‫والصلة على النبي صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وما إلى هنالك من الصريغ‪ ،‬كما فأي قوله‬ ‫تعالى‪} :‬فأإذا رقضيتسسم الصلةر فأاذكروا ار قياما ا وقعوداا وعلى جنوبلسكم{‬ ‫عن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إن ا عز‬ ‫وجل يقول‪ :‬أنا مع عبدي إذا هو رذكرني وتحركت بي شفتاه"‬ ‫وعن عبد ا بن لبسر أن رجلا قال‪) :‬يا رسول ا إن شرائع السلم قد ركثسرر ر‬ ‫ت‬ ‫علفي‪ ،‬فأأخبرني بشيء أتشبث به(‪ .‬قال‪" :‬ل يزال لساسنك رر ر‬ ‫طبا ا من ذكر ا أما ما‬ ‫يقوله بعضهم*‪) :‬إن المراد بالذكر هو العلم بالحلل والحرام(‪ ،‬فأجوابه‪) :‬أن لفظ‬ ‫الذكر مشترك بين العلم والصلة والقرآن وذكر ا تعالى‪ ،‬لكن المعتبر فأي اللفظ‬ ‫المشترك ما غلب استعماله فأيه عرفأاا‪ ،‬وغيره إنما يصرف إليه بقرينة حالية أو‬ ‫لفظية‪ ،‬ولفظ الذكر قد غلب استعماله فأي ذكر ا حقيقة‪ ،‬ومن غير الغالب أن يطلق‬ ‫ويراد به العلم‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬فأاسألوا أهل الذكر{ فأالمراد به العلم بقرينة‬ ‫السؤال‪.‬‬ ‫دليله من الكتاب وأالسنة‬ ‫‪1‬ـ أما من الكتاب‪:‬‬ ‫‪1‬ـ فأقد قال تعالى‪} :‬فأاذسكسروني أذسكررسكم{ ]البقرة‪.[152 :‬‬ ‫‪2‬ـ وقال تعالى‪} :‬الذين يذكرون ا قياما ا وقعوداا وعلى سجنوبهم{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫‪.[191‬‬ ‫‪27‬‬

‫وجميع العبادات يشترط لصحتها شروط إل ذكر ا تعالى‪ ،‬فأإنه يصح بطهارة‬ ‫وغيرها وفأي جميع الحالت‪ :‬فأي القيام والقعود‪ ...‬وغيرها‪.‬‬ ‫ولهذا قال النووي‪) :‬أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للسمرحلدث‬ ‫والجنب والحائض والنفساء‪ ،‬وذلك فأي التسبيح والتحميد والتكبير والصلة على‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم والدعاء ‪2‬ـ وأأما من السنة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عن أبي موسى الشعري رضي ا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"مثل الذي يذكر ربه والذي ل يذكر ربفهس مثل الحي والميت"‬ ‫‪2‬ـ وعن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"إن ل ملئكةا يطوفأون فأي الطرق يلتمسون أهل الذكر‪ ،‬فأإذا وجدوا قوما ا يذكرون‬ ‫ا تنادوا‪ :‬هلموا إلى حاجتكم‪ .‬قال‪ :‬فأيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فأيسألهم ربهم عز وجل ـ وهو أعلم بهم ـ‪ :‬ما يقول عبادي ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬يسبحونك‬ ‫ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك‪ .‬قال‪ :‬فأيقول‪ :‬هل رأوني ؟ قال‪ :‬فأيقولون‪ :‬ل وا‬ ‫ما رأروك ؛ قال‪ :‬فأيقول‪ :‬وكيف لو رأروني ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأروك كانوا أشد لك‬ ‫عبادةا وأشد لك تمجيداا‪ ،‬وأكثر لك تسبيحاا‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فأما يسألونني ؟ قال‪ :‬يقولون‪:‬‬ ‫يسألونك الجنة‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬هل رأروها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ل وا يا رب ما رأروها‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فأيقول‪ :‬فأكيف لو أنهم رأروها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو أنهم رأروها كانوا أشد عليها‬ ‫حرصاا‪ ،‬وأشد لها طلباا‪ ،‬وأعظم فأيها رغبة‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فألمفم يتعوذون ؟ قال‪:‬‬ ‫يقولون‪ :‬من النار‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬وهل رأروها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ل وا ما رأوها‪ .‬قال‪:‬‬ ‫يقول‪ :‬فأكيف لو رأوها ؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأروها كانوا أشد منها فأراراا وأشد لها‬ ‫مخافأة‪ .‬قال‪ :‬فأيقول‪ :‬أسرشلهسدكم أني قد غفرت لهم‪ .‬قال‪ :‬يقول ملك من الملئكة‪ :‬فأيهم‬ ‫فألن ليس منهم إنما جاء لحاجة‪ .‬قال‪ :‬يقول‪ :‬هم الجلساء ل يشقى بهم جليسهم"‬ ‫]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الدعوات[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وعن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ض الجنة ؟ قال‪:‬‬ ‫"إذا مررتم برياض الجنة فأارتعوا‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ا وما ريا س‬ ‫لحرلق‬ ‫أقوال العلماء بال في فضل الذكر‬ ‫عبد ا بن عباس )رضي ا عنهما(‪:‬‬ ‫قال عبد ا بن عباس رضي ا عنهما‪) :‬لم يفرض ا تعالى على عباده فأريضة‬ ‫إل جعل لها حداا معلوماا‪ ،‬ثم عذر أهلها فأي حال العذر‪ ،‬غير الذكر ؛ فأإنه لم يجعل‬ ‫له حداا ينتهي إليه‪ ،‬ولم يعذر أحداا فأي تركه إل مغلوباا على عقله‪ ،‬وأمرهم بذكره‬ ‫فأي الحوال كلها‪ ،‬فأقال عز من قائل‪} :‬فأاذسكروا ار قياما ا وقعوداا وعلى سجسنوبلسكم{‬ ‫‪28‬‬

‫]النساء‪ .[103 :‬وقال تعالى‪} :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا ا ذكراا كثيراا{‬ ‫]الحزاب‪ [41 :‬أي بالليل والنهار‪ ،‬وفأي البر والبحر‪ ،‬والسفر والحضر‪ ،‬والغنى‬ ‫والفقر‪ ،‬وفأي الصحة والسقم‪ ،‬والسر والعلنية‪ ،‬وعلى كل حال(‬ ‫أقسام الذكر‬ ‫أ ـ ذإكر السر وأالجهر‪:‬‬ ‫إن ذكر ا تعالى مشروع سراا وجهراا‪ ،‬وقد رفغب رسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫فأي الذكر بنوعيه‪ :‬السري والجهري‪ ،‬إلف أن علماء الشريعة السلمية قرروا‬ ‫صيل أو قارىء أو نائم‪،‬‬ ‫أفأضلية الجهر بالذكر إذا خل من الرياء‪ ،‬أو إيذاء سم ر‬ ‫مستدلين ببعض الحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"يقول ا‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني‪ ،‬فأإن ذكرني فأي نفسه ذكرسته‬ ‫فأي نفسي‪ ،‬وإن ذكرني فأي مل ذكرسته فأي مل خير منهم" ]أخرجه البخاري فأي‬ ‫صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجه[‪ .‬والذكر فأي المل ل يكون إل عن جهر‬ ‫‪2‬ـ عن زيد بن أسلم رضي ا عنه قال‪ :‬قال ابن الدرع رضي ا عنه‪) :‬انطلقت‬ ‫مع النبي صلى ا عليه وسلم ليلة ؛ فأمر برجل فأي المسجد يرفأع صوته‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬ ‫رسول ا عسى أن يكون هذا مرائيا ا ؟ قال‪" :‬ل‪ ،‬ولكنه أفواه"( ]رواه البيهقي‪ .‬كما‬ ‫فأي "الحاوي للفتاوي" للسيوطي ج ‪/1‬صا ‪.[391‬‬ ‫‪3‬ـ عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪) :‬إن رفأع الصوت بالذكر حين ينصرف‬ ‫الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى ا عليه وسلم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كنت‬ ‫أعلم إذا انصرفأوا بذلك إذا سمعته( ]أخرجه البخاري فأي صحيحه‪ ،‬والمعنى كنت‬ ‫أعلم انصرافأهم بسماع الذكر‪ ،‬كما قال صاحب "الفتح" الحافأظ ابن حجر‬ ‫العسقلني فأي ج ‪/2‬صا ‪ ..[259‬فأإرن قل ر‬ ‫ك فأي نفسك‬ ‫ت‪ :‬قال ا تعالى‪} :‬واذسكرر ربف ر‬ ‫تضيرعا ا وخيفةا ودون الجهلر من القولل{ ]العراف‪ .[205 :‬قلت‪ :‬الجواب على‬ ‫هذه الية من ثلثة أوجه‪:‬‬ ‫ك ول تخافأل ر‬ ‫ت بها{ ]السراء‪:‬‬ ‫الول‪ :‬إنها مكية كآية السراء‪} :‬ول تجهر بصلتل ر‬ ‫‪ .[110‬وقد نزلت حين كان النبي صلى ا عليه وسلم يجهر بالقرآن‪ ،‬فأيسمعه‬ ‫المشركون فأيسبون القرآن ورمرن أنزله‪ ،‬فأأ سلمر بترك الجهر سداا للذريعة‪ ،‬كما سنهي‬ ‫عن سب الصنام لذلك فأي قوله تعالى ‪} :‬ول تسسيبوا الذين يدعورن لمرن دون ا‬ ‫فأيسسيبوا ار رعردواا بغيلر علظم{ ]النعام‪ .[108 :‬وقد زال هذا المعنى‪ ،‬وأشار إلى ذلك‬ ‫‪29‬‬

‫ابن كثير فأي تفسيره‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬إن جماعة من المفسرين ـ منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شيخ مالك‪،‬‬ ‫وابن جرير ـ حملوا الية على الذاكر حال قراءة القرآن‪ ،‬وأنه أمفر له بالذكر على‬ ‫هذه الصفة تعظيماا للقرآن أن ترفأع عنه الصوات‪ ،‬ويقويه اتصالها بقوله تعالى‪:‬‬ ‫}وإذا قسلرئِ القرآسن فأاستمعوا له وأنصستوا{ ]العراف‪ .[204 :‬قلت وكأنه لما أمر‬ ‫بالنصات خشي من ذلك الخلد إلى البطالة‪ ،‬فأنبه على أنه وإن كان مأموراا‬ ‫ق حتى ل يغفل عن ذكر ا‪ ،‬ولذا‬ ‫بالسكوت باللسان إل أن تكليف الذكر بالقلب با ظ‬ ‫ختم الية بقوله‪} :‬ول ترسكرن لمرن الغافألين{ ]العراف‪.[205 :‬‬ ‫الثالث‪ :‬ما ذكره الصوفأية أن المر فأي الية خاصا بالنبي صلى ا عليه وسلم‬ ‫الكامل المكمل‪ ،‬وأما غيره ـ ممن هو محل الوساوس والخواطر الرديئة ـ فأمأمور‬ ‫بالجهر‪ ،‬لنه أشد تأثيراا فأي دفأعها‪.‬‬ ‫قل س‬ ‫ت‪ :‬ويؤيده من الحديث ما أخرجه البزار عن معاذ بن جبل رضي ا عنه قال‪:‬‬ ‫قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من صفلى منكم بالليل فأليجهر بقراءته فأإن‬ ‫الملئكة تصلي بصلته‪ ،‬وتسمع لقراءته‪ ،‬وإفن مؤمني الجن الذين يكونون فأي‬ ‫الهواء‪ ،‬وجيرانه معه فأي مسكنه يصلون بصلته‪ ،‬ويستمعون قراءته‪ ،‬وإنه ينطرد‬ ‫بجهره بقراءته عن داره وعن الدور التي حوله فأسفساق الجن ومردة الشياطين"‪.‬‬ ‫فأإن قل ر‬ ‫ت‪ :‬فأقد سنقل عن ابن مسعود رضي ا عنه أنه رأى قوما ا يهللون برفأع‬ ‫الصوت فأي المسجد فأقال‪ :‬ما أراكم إل مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫هذا الثر عن ابن مسعودليس ثابتا كماانه معار ض بالحاديث الكثيرة الثابتة‬ ‫المتقدمة‪ ،‬وهي مقدمة عليه عند التعارض‪ ،‬ثم رأيت ما يقتضي إنكار ذلك عن ابن‬ ‫مسعود‪ ،‬قال المام أحمد بن حنبل فأي كتاب الزهد‪ :‬حدثنا حسين بن محمد حدثنا‬ ‫المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال‪ :‬هؤلء الذين يزعمون أن عبد‬ ‫ا كان يررنهى عن الذكر‪ ،‬ما جالس س‬ ‫ت عبرد ا مجلسا ا إل رذركرر ا فأيه‪ .‬وأخرج أحمد‬ ‫فأي الزهد عن ثابت البناني قال‪ :‬إن أهرل ذكر ا ليجلسون إلى ذكر ا وإن عليهم‬ ‫من الثام أمثال الجبال‪ ،‬وإنهم ليقومون من ذكر ا تعالى ما عليهم منها شيء(‬ ‫]"الحاوي للفتاوي" فأي الفقه وعلوم التفسير والحديث والصول والنحو والعراب‬ ‫وسائر الفنون للعلمة الكبير جلل الدين السيوطي المتوفأى سنة ‪911‬هـ‪ .‬ج ‪/1‬صا‬ ‫‪.[394‬‬ ‫ب ـ ذإكر اللسان وأذإكر القلب‪:‬‬ ‫وقال المام النووي رحمه ا‪) :‬أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان‬ ‫للمرحلدث والجنب والحائض والنفساء وذلك فأي التسبيح والتحميد والتكبير والصلة‬ ‫‪30‬‬

‫على رسول ا صلى ا عليه وسلم والدعاء ونحو ذلك(‬ ‫وقال المام النووي رحمه ا‪) :‬الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان‪ ،‬والفأضل منه‬ ‫ما كان بالقلب واللسان جميعاا‪ ،‬فأإن اقتصر على أحدهما فأالقلب أفأضل‪ .‬ثم ل ينبغي‬ ‫أن سيترك الذكر باللسان مع القلب خوفأا ا من أن سيظن به الرياء‪ ،‬بل يذكر بهما‬ ‫جميعاا‪ ،‬ويقصد به وجه ا تعالى(‪.‬‬ ‫ج ـ الذكر المنفرد وأالذكر مع الجماعة‪:‬‬ ‫العبادات مع الجماعة ـ وفأيها ذكر ا تعالى ـ تزيد فأي الفضل على العبادة فأي حالة‬ ‫النفراد ؛ فأفي الجماعة تلتقي القلوب‪ ،‬ويكون التعاون والتجاوب‪ ،‬ويستقي‬ ‫الضعيف من القوي‪ ،‬والسم ر‬ ‫ظللم من السمنرفور‬ ‫*عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي ا عنهما قال‪ :‬قال رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪" :‬ما من قوم يذكرون ا إل حففتهم الملئكة‪ ،‬وغشيتهم الرحمة‪،‬‬ ‫ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم ا فأيمن عنده" ]أخرجه مسلم فأي كتاب الذكر‪،‬‬ ‫والترمذي فأي كتاب الدعوات[‪.‬‬ ‫*عن معاوية رضي ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم خرج على رحرلقظة من‬ ‫أصحابه فأقال‪" :‬ما يسرجللسسسكرم ؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر ا ونحمده فأقال‪ :‬إنه أتاني جبريل‬ ‫فأأخبرني أن ا سيباهي بكم الملئكة"‬ ‫قال العلمة ابن علن شارح الذكار فأي معنى هذا الحديث‪) :‬والمعنى‪ :‬إذا مررتم‬ ‫بجماعة يذكرون ا فأاذكروا موافأقة لهم‪ ،‬أو اسمعوا أذكارهم‪ ،‬فأإنهم فأي رياض من‬ ‫الجنة حالا أو مآلا‬ ‫آداب الذكر المنفرد‪:‬‬ ‫*وينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات‪ ،‬فأإن كان جالسا ا فأي موضع استقبل‬ ‫اللقبلة متذللا متخشعا ا بسكينة ووقار‪ ،‬مطرقاا برأسه‪ ،‬ولو ذكر على غير هذه‬ ‫الحوال جاز ول كراهة فأي حقه‪ ،‬ولكن إن كان بغير عذر كان تاركا ا للفأضل‪.‬‬ ‫*وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فأيه خاليا ا نظيفاا‪ ،‬فأإنه أعظم فأي احترام‬ ‫الذكر والمذكور‪ ،‬ولهذا سمدح الذكر فأي المساجد والمواضع الشريفة‪ .‬وينبغي أن‬ ‫*يكون فأسمه نظيفاا‪ ،‬وإن كان به تغييفر أزاله بالسواك‪.‬‬ ‫إذا كانت هذه النظافأة الحسية قد سندبنا إليها* فأإن نظافأة القلب الذي هو محل نظر‬ ‫الرب تبارك وتعالى أولى بالعتبار‬ ‫والذكر محبوب فأي جميع الحوال‪ ،‬والمراد من الذكر حضور القلب‪ ،‬فأينبغي أن‬ ‫يلحظ الذاكر ذلك ويتدبر معاني ما يذكر‪.‬‬ ‫آداب الذكر الجهري مع الجماعة‪:‬‬ ‫الذكر الجهري له آداب ثلثة‪ :‬آداب سابقة‪ ،‬وآداب مقارنة‪ ،‬وآداب لحقة‪ ،‬وكل قسم‬ ‫‪31‬‬

‫من هذه الثلثة له ظاهر وباطن‪.‬‬ ‫‪1‬ـ فظاهر الداب السابقة‪:‬‬ ‫أن يكون الذاكر طاهر الثوب‪ ،‬طيب الرائحة متوضئاا‪ ،‬نقيا ا من الحرام كسبا ا وغذاء‪.‬‬ ‫وباطنها‪ :‬أن يطصهر قلبه بالتوبة الصادقة‪ ،‬ويتخلى عن جميع المراض القلبية‪،‬‬ ‫ويتبرأ من حوله وقوته‪ ،‬ويدخل الحضرة متحققا ا بذله وفأقره واحتياجه إلى نفحات‬ ‫ا وفأضله‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وأظاهر الداب المقارنة‪:‬‬ ‫*أن يجلس حيث انتهى به المجلس إذا كان الخوان جلوساا‪ *،‬وإذا كانوا وقوفأا ا ذكر‬ ‫خلفهم بذكرهم حتى ينتبه له أقربهم ويفسح له ليدخل بينهم‪ ،‬وينتظم فأي حلقتهم‪*،‬‬ ‫فأإذا أراد أن يخرج لعذر طارىء وصل بين رمرن على جانبيه بلطف‪ ،‬وخرج حتى‬ ‫ل يقطع عليهما اشتغالهما بالذكر‪* ،‬وأن يكون موافأقا ا لهم فأي وضعهم ؛ فأل يشذ‬ ‫عنهم بمخالفة* وأن يغمض عينيه حتى ل يشغله أحد عن حضور قلبه مع ا‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫وباطنها*‪ :‬أن يجاهد فأي طرد وساوس الشيطان وهواجس النفس‪ ،‬وأن ل يشغل‬ ‫قلربه سأموسر الدنيا‪ ،‬وأن يجتهد فأي الحضور بقلبه وهمته فأيما هو فأيه من الذكر وما‬ ‫يرلرسد عليه من واردات وأحوال‪ ،‬متهيئا ا لما ريمين ا به عليه من تجليات إفأضاله‪.‬‬ ‫تقبيل اليد‪:‬‬ ‫الذي يمحص الحقائق‪ ،‬ويرجع إلى الحاديث الصحيحة‪ ،‬وآثار الصحابة الكرام‪،‬‬ ‫وأقوال الئمة المحققين‪ ،‬يجد أن تقبيل يد العلماء والصالحين والبوين جائز‬ ‫شرعاا‪ ،‬بل هو مظهر من مظاهر الداب السلمية فأي احترام أهل الفضل والتقى‪،‬‬ ‫وإليك بعض النصوصا الصريحة فأي ذلك‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أما ما ورد من الحاديث‪ :‬فأعن صفوان بن عسال‪ ،‬قال‪) :‬قال يهودي لصاحبه‪:‬‬ ‫قم بنا إلى هذا النبي‪ ،‬فأأتيا رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأسأل عن تسع آيات‬ ‫بينات‪ ،‬فأذكر الحديث‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فأقبل يده ورجله‪ ،‬وقال‪ :‬نشهد أنك نبي ا(‪ .‬رواه‬ ‫المام أحمد والترمذي وصححه‪ ،‬والنسائي وغيرهم‪.‬‬ ‫*وروى أبو داود عن أم أبان بنت الوازع بن زارع‪ ،‬عن جدها زارع وكان فأي‬ ‫وفأد عبد القيس‪ ،‬قال‪) :‬فأجعلنا نتبادر من رواحلنا فأنقبل يد رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم ورجله(‪.‬‬ ‫*وفأي "شرح البخاري" للحافأظ ابن حجر العسقلني‪) :‬أن أبا لبابة‪ ،‬وكعب بن‬ ‫‪32‬‬

‫مالك‪ ،‬وصاحبيه‪ ،‬قبلوا يد النبي صلى ا عليه وسلم حين تاب ا عليهم( ج‬ ‫‪/11‬صا ‪.48‬‬ ‫‪2‬ـ وأما ما ورد من الثار ‪ :‬فأقد أخرج الطبراني والبيهقي والحاكم عن الشعبي‪:‬‬ ‫)أن زيد بن ثابت صلى على جنازة فأرقسصرب ر‬ ‫ت إليه بغلتهس ليركبها فأجاء عبد ا بن‬ ‫عباس رضي ا عنهما‪ ،‬فأأخذ بركابه‪ ،‬فأقال زيد بن ثابت‪ :‬خصل عنها يا ابن عم‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأقال ابن عباس‪ :‬هكذا أسلمررنا أن نفعرل بالعلماء‬ ‫والكبراء‪ ،‬فأقفبل زيد بن ثابت يد عبد ا وقال‪ :‬هكذا ألمرنا أن نفعل بأهل بيت‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم(‪.‬‬ ‫*وأخرج البخاري فأي "الدب المفرد" من رواية عبد الرحمن بن رزين قال‪:‬‬ ‫)أخرج لنا سلمة بن الكوع كفا ا له ضخمة كأنها كف بعير فأقمنا إليها فأقبلناها(‪ .‬كذا‬ ‫فأي شرح البخاري لبن حجر العسقلني ج ‪/11‬صا ‪.48‬‬ ‫*وعن ثابت‪) :‬أنه قبل يد أنس( وأخرج أيضاا‪) :‬أن عليا ا قبل يد العباس ورجله(‪.‬‬ ‫وفأي "غذاء اللباب شرح منظومة الداب" للعلمة محمد السفاريني الحنبلي قال‪:‬‬ ‫*)وفأي الداب الكبرى‪ :‬وتباح المعانقة وتقبيل اليد والرأس تدرينا ا وتكررما ا واحتراما ا‬ ‫مع أمن الشهوة( ج ‪/1‬صا ‪.287‬‬ ‫*وقال الحافأظ ابن الجوزي فأي "مناقب أصحاب الحديث"‪) :‬ينبغي للطالب أن يبالغ‬ ‫فأي التواضع للعالم ‪ ،‬قال‪ :‬ومن التواضع تقبيل يده‪ .‬روقفبل سفياسن بن عيينة والفضيسل‬ ‫بن عياض أحدهما يد الحسين بن علي الجعفي‪ ،‬والخر لررجرله(‪ .‬كذا فأي "شرح‬ ‫منظومة الداب" للسفاريني ج ‪/1‬صا ‪.287‬‬ ‫حكم القيام للعلماء وأالصالحين وأالوالدين‪:‬‬ ‫أما حكم القيام لذوي الفضل فأجائز‪ ،‬وهو من الداب السلمية المطلوبة وقد نصت‬ ‫كتب الفقه فأي مختلف المذاهب على جوازه‪.‬‬ ‫أـ نصوص السادة الشافعية‪:‬‬ ‫نقل العلمة الفقيه محمد الشربيني فأي كتابه "المغني المحتاج" ج ‪/3‬صا ‪:135‬‬ ‫)ويسرسين القياسم لهل الفضل من علم وصلح أو شرف أو نحو ذلك ل ريااء وتفخيماا‪.‬‬ ‫قال فأي الروضة‪ :‬وقد ثبت فأيه أحاديث صحيحة( ا هـ‪.‬‬ ‫وللمام النووي رسالة خاصة سماها "رسالة الترخيص بالقيام لذوي الفضل" فأي‬ ‫جواز القيام للقادم‪ ،‬واستدل على ذلك بأحاديث كثيرة منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أخرج المام مالك فأي قصة عكرمة بن أبي جهل رضي ا عنه‪ ،‬لفما فأفر إلى‬ ‫اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلماا‪) :‬فألما رآه النبي‬ ‫‪33‬‬

‫صلى ا عليه وسلم وثب إليه فأرحا ا ورمى عليه رداءه(‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وجاء بحديث عائشة رضي ا عنها‪) :‬قدم زيد بن حارثة المدينة والنبي صلى‬ ‫ا عليه وسلم فأي بيتي‪ ،‬فأقرع الباب فأقام إليه فأاعتنقه وقبله(‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪) :‬كان النبي صلى ا عليه‬ ‫وسلم يحدثنا فأإذا قام قمنا إليه حتى نراه قد دخل(‪.‬‬ ‫د ـ الذكر المقيد وأالذكر المطلق‪:‬‬ ‫أما الذكر المقيد‪ :‬فأهو الذي ندربنا إليه رسول ا صلى ا عليه وسلم مقفيداا بزمان‬ ‫خاصا أو مكان خاصا ؛ كالذكر بعد أداء كل صلة‪ ،‬من تسبيح وتحميد وتكبير‪،‬‬ ‫وأذكار المسافأر والكل والشارب‪ ،‬وأذكار النكاح‬ ‫وأأما الذكر المطلق‪ :‬فأهو ما لم يقيد بزمان ول مكان‪ ،‬ول وقت ول حال‪ ،‬ول قيام‬ ‫ول قعود‪ ،‬فأالمطلوب من المؤمن أن يذكر ربه فأي كل حال حتى ل يزال لسانه‬ ‫رطباا بذكر ا‪ ،‬واليات فأي ذلك كثيرة منها قوله تعالى‪} :‬فأاذسكسروني أذسكررسكم{‬ ‫]البقرة‪..[152 :‬‬ ‫وقد وصفت السيدة عائشة رضي ا عنها رسول ا صلى ا عليه وسلم بقولها‪:‬‬ ‫)كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يذكر ا فأي كل أحيانه(‬ ‫حكم الذكر بالسم المفرد ]ا[هلل‪:‬‬ ‫أما الذكر بالسم المفرد ]ا[ فأجائز بدليل قول ا تعالى‪:‬‬ ‫ك وتبتفرل إليه تبتي ا‬ ‫ل{ ]المزمل‪ .[8 :‬وقوله تعالى‪} :‬وارذسكلر اسرم‬ ‫*}وارذسكلر اسرم ربص ر‬ ‫ك بكرةا وأصي ا‬ ‫ل{ ]الدهر‪.[25 :‬‬ ‫رب ص ر‬ ‫*وقد ورد فأي الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك عن النبي صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى ل يقال فأي الرض‪ :‬ا‪ ،‬ا" ]أخرجه مسلم في‬ ‫صحيحه فأهذا اسم مفرد ورد ذكره مكرراا فأي هذا الحديث‪.‬‬ ‫ثم إن اليات الكريمة والحاديث الشريفة التي ررفغبر ر‬ ‫ت فأي الذكر جاءت عامة‬ ‫ومطلقة لم تخصص ذكراا معيناا‪ ،‬ولم يرد نص شرعي يسرحصرسم الذكرر بالسم المفرد‬ ‫]ا[‪.‬‬ ‫واعترض بعضهم أيضاا على الذكر بالسم المفرد بحجة أنه ل يؤلف جملة تامة‬ ‫مفيدة كما فأي قولنا‪ :‬ا جليل‬ ‫والجواب على ذلك‪ :‬أن الذاكر بهذا السم المفرد ل يكلم مخلوقا ا فأل سيشترط أن‬ ‫يكون كلمه تاما ا مفيداا ؛ لنه يذكر ا سبحانه الذي هو عالم بنفسه مطلع على قلبه‬ ‫التحذير من ترك الذكر‬ ‫‪34‬‬

‫لقد حذر ا تعالى عباده من ترك ذكره فأي كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪ ،‬كما حذر العارفأون بال من المربين المرشدين مريديهم من ترك‬ ‫الذكر كذلك‪.‬‬ ‫أما في كتاب ا الكريم‪:‬‬ ‫ش عن ذكر الرحمن نسقرير ر‬ ‫ض له شيطانا ا فأهو له قرين ‪ .‬وإفنهم‬ ‫فأقد قال تعالى‪} :‬ورمرن يررع س‬ ‫صيدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون{ ]الزخرف‪36 :‬ـ ‪.[37‬‬ ‫لرير س‬ ‫وأأما في سنة رسول ا صلى ا عليه وأسلم‪:‬‬ ‫فأقد روي عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"ما مرن قوم يقومون من مجلس ل يذكرون فأيه ا إل قاموا عن مثلل جيفة حمار‪،‬‬ ‫وكان عليهم حسرةا يوم القيامة"‬ ‫وعن معاذ بن جبل رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬ليس‬ ‫يتحسر أهل الجنة إل على ساعة مرت بهم لم يذكروا ا فأيها" ]أخرجه الطبراني‬ ‫ورواه البيهقي بأسانيد أحدها جيد[‪.‬‬ ‫الحركة في الذكر‬ ‫الحركة فأي الذكر أمر مستحسن‪ ،‬لنها تنشط الجسم لعبادة الذكر وهي جائزة شرعا ا‬ ‫بدليل ما أخرجه المام أحمد فأي مسنده والحافأظ المقدسي برجال الصحيح من‬ ‫حديث أنس رضي ا عنه قال‪) :‬كانت الحبشة يرقصون بين يدي رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪ ،‬ويقولون بكلم لهم‪ :‬محمد عبد صالح‪ ،‬فأقال صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"ماذا يقولون ؟" فأقيل‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬محمد عبد صالح‪ ،‬فألما رآهم فأي تلك الحالة لم‬ ‫ينكر عليهم‪ ،‬وأقرهم على ذلك‪* ،‬والمعلوم أن الحكام الشرعية تؤخذ من قوله‬ ‫صلى ا عليه وسلم وفأعله وتقريره‪ ،‬فألما أقرهم على فأعلهم ولم ينكر عليهم تبين أن‬ ‫هذا جائز‪.‬‬ ‫ح رسول ا صلى‬ ‫وفأي الحديث دليل على صحة الجمع بين الهتزاز المباح ومد ل‬ ‫ا عليه وسلم‪ ،‬وأن الهتزاز بالذكر ل سيسمى رقصا ا محرماا‪ ،‬بل هو جائز لنه‬ ‫ينشط الجسم للذكر‪ ،‬ويساعد على حضور القلب مع ا تعالى ؛ إذا صحت النية‪.‬‬ ‫فأالمور بمقاصدها‪ ،‬وإنما العمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى‪.‬‬ ‫ولنستمع إلى المام علي رضي ا عنه كيف يصف أصحاب النبي صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬قال أبو أراكة‪) :‬صرلي س‬ ‫ت مع علي صلة الفجر‪ ،‬فألما انفتل عن يمينه مكث‬ ‫كأفن عليه كآبة‪ ،‬حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين‪،‬‬ ‫ثم قلب يده فأقال‪ :‬وا لقد رأيت أصحاب محمد صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأما أرى اليوم‬ ‫‪35‬‬

‫شيئاا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون صفراا شعثا ا غبراا‪ ،‬بين أيديهم كأمثال سرركب‬ ‫الرمرعزى‪ ،‬قد باتوا ل سجداا وقياماا‪ ،‬يتلون كتاب ا يتراوحون بين جباههم‬ ‫وأقدامهم‪ ،‬فأإذا أصبحوا فأذكروا ا مادوا ]أي تحركوا[ كما يميد الشجر فأي يوم‬ ‫الريح‪ ،‬وهملت أعينهم حتى تررنبرفل ـ وا ـ ثياسبهم( ]"البداية والنهاية فأي التاريخ"‬ ‫للمام الحافأظ المفسر المؤرخ إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفأى ‪774‬هـ‪.‬‬ ‫ج ‪/8‬صا ‪6‬‬ ‫ويهمنا من عبارة المام علي رضي ا عنه قوله‪) :‬مادوا كما يميد الشجر فأي يوم‬ ‫الريح(‪ ،‬فأإنك تجده صريحا ا فأي الهتزاز‪ ،‬وسيبطل قورل من يفدعي أنه بدعة محرمة‪،‬‬ ‫ويثبت إباحة الحركة فأي الذكر مطلقا ا‬ ‫وقد استدل الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه ا بهذا الحديث فأي إحدى رسائله على‬ ‫ندب الهتزاز بالذكر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا صريح بأن الصحابة رضي ا عنهم كانوا‬ ‫يتحركون حركة شديدة فأي الذكر‪ .‬على أن الرجل غير مؤاخذ حين يتحرك ويقوم‬ ‫ويقعد على أي نوع كان حيث إنه لم يأت بمعصية ولم يقصدها كما ذكرنا‪.‬‬

‫وأالخلصة‪:‬‬ ‫سيفهم مما سبق أن الحركة فأي الذكر مباحة شرعاا‪ ،‬هذا بالضافأة إلى أن المر‬ ‫بالذكر مطلق يشمل جميع الحوال ؛ فأمن ذكر ا تعالى قاعداا أو قائماا‪ ،‬جالسا ا أو‬ ‫ماشياا‪ ،‬متحركا ا أو ساكناا‪ ...‬فأقد قام بالمطلوب ونففرذ المر اللهي‪.‬‬ ‫فأالذي يفدعي تحريم الحركة فأي الذكر أو كراهتها هو المطارلب بالدليل‪ ،‬لنه‬ ‫يخصص بعض الحالت المطلقة دون بعض بحكم خاصا‪.‬‬ ‫النشاد وأالسماع في المسجد‬ ‫عن سأبري بن كعب رضي ا عنه أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إن من‬ ‫الشعر حكمة"‬ ‫وعن أنس رضي ا عنه أن رسول ا صلى ا عليه وسلم كان ينقل الفلبن مع‬ ‫القوم فأي بناء المسجد وهم يرتجزون ويقولون‪:‬‬ ‫ش الخرة فأانصر النصار والمهاجرة‬ ‫ش إل عي س‬ ‫اللهم ل عي ر‬ ‫وعن سعيد بن المسيب قال‪) :‬مفر عمسر فأي المسجد وحسان سينشد‪ ،‬فأللح ر‬ ‫ظه عمر ]أي‬ ‫نظر إليه نظرة إنكار[‪ ،‬فأقال‪ :‬كنت سأنشد وفأيه من هو خير منك ]يريد رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم[‪ ،‬ثم التفت إلى أبي هريرة فأقال‪:‬‬ ‫‪36‬‬

‫)سأنلشسدك بال أسمع ر‬ ‫ت رسورل ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬أجب عني‪ ،‬اللهم أيده‬ ‫بروح القسدس ؟" قال‪ :‬نعم(‬ ‫عن عائشة رضي ا عنها‪ :‬كان النبي صلى ا عليه وسلم يضع لحسان منبراا فأي‬ ‫المسجد يقوم عليه قائماا يفاخر عن رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ويقول الرسول‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"إن ا يؤيد حسارن بسروح القسدس ما نافأح أو فأاخر عن رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم"‬ ‫ذكر المام الشاطبي فأي كتابه "العتصام"‪) :‬أن أبا الحسن القرافأي الصوفأي يروي‬ ‫عن الحسن البصري رحمه ا‪ :‬أن قوماا أتوا عمر بن الخطاب رضي ا عنه‬ ‫فأقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين إن لنا إماما ا إذا فأرغ من صلته تغفنى‪ ،‬فأقال عمر رضي‬ ‫ا عنه‪ :‬رمرن هو ؟ فأسذكر الرجل‪ ،‬فأقال‪ :‬قوموا بنا إليه‪ ،‬فأإنا إن وجهنا إليه يظن أنا‬ ‫تجسسنا عليه أمره‪ ،‬قال‪ :‬فأقام عمر رضي ا عنه مع جماعة من أصحاب النبي‬ ‫صلى ا عليه وسلم حتى أتوا الرجل وهو فأي المسجد‪ ،‬فألما أن نظر إلى عمر قام‬ ‫فأاستقبله فأقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ما حاجتك ؟ وما جاء بك ؟ إن كانت الحاجة لنا كنا‬ ‫أحق بذلك منك أن نرأتيك‪ ،‬وإن كانت الحاجة ل فأأحق رمرن عظمناه خليفة رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأقال له عمر‪ :‬ويحك بلغني عنك أمر ساءني‪ .‬قال‪ :‬وما هو يا‬ ‫أمير المؤمنين ؟ قال‪ :‬أرتررتمفجن فأي عبادتك ؟! قال‪ :‬ل يا أمير المؤمنين‪ ،‬لكنها عظة‬ ‫أعظ بها نفسي‪ .‬قال عمر‪ :‬قرلها فأإن كان كلما ا حسنا ا قلسته معك‪ ،‬وإن كان قبيحا ا‬ ‫نهيستك عنه فأقال‪:‬‬ ‫وفأؤادي كلما عاتربسته فأي مدى الهجران يبغي تعبي‬ ‫ل سأراه الدهرر إل لهيا ا فأي تماديه فأقد بفررح بي‬ ‫صربا فأرنلري العمسر كذا فأي اللعب‬ ‫يا قريرن السوء ما هذا ال ص‬ ‫وشباب ربارن عني فأمضى قبل أن أقضي منه أربي‬ ‫ي مطلبي‬ ‫ق الشي س‬ ‫ما أسررصجي بعده إل الرفنا ضيف ر‬ ‫ب عل ف‬ ‫وريرح نفسي ل أراها أبداا فأي جميظل ل ول فأي أدب‬ ‫ت ول كان الهوى راقبي المولى وخافأي وارهبي‬ ‫نف س‬ ‫س ل كن ل‬ ‫فأقال عمر رضي ا عنه‪:‬‬ ‫ت ول كان الهوى راقبي المولى وخافأي وارهبي‬ ‫نف س‬ ‫س ل كن ل‬ ‫ثم قال عمر رضي ا عنه‪ :‬على هذا فأليغصن رمرن غفنى( ]"العتصام" للمام‬ ‫‪37‬‬

‫الشاطبي ج ‪/1‬صا ‪.[220‬‬ ‫وقال المام الشافأعي رضي ا عنه‪) :‬الشعر كلم ؛ فأرحرسسنه رحرسفن‪ ،‬وقبيحه قبيح(‬ ‫وأما الحداء فأقد قال حجة السلم الغزالي فأي "الحياء"‪) :‬لم يزل الحداء وراء‬ ‫الجمال من عادة العرب فأي زمان رسول ا صلى ا عليه وسلم وزمان الصحابة‬ ‫رضي ا عنهم‪ ،‬وما هو إل أشعار تسرؤردى بأصوات طيبة وألحان موزونة‪ ،‬ولم‬ ‫يسرنرقل عن أحد من الصحابة إنكاره( وعن أنس رضي ا عنه‪) :‬أن النبي صلى ا‬ ‫عليه وسلم كان فأي سفر‪ ،‬وكان غلم يحدو بهن يقال له أنجشة‪ ،‬فأقال النبي صلى‬ ‫ضرعرفة‬ ‫ا عليه وسلم‪" :‬رويردك يا أنجشة رسروقك بالقوارير" قال أبو قلبة‪ :‬يعني ر‬ ‫النساء(‬ ‫فوائد الذكر إجمالا‬ ‫‪1‬ـ عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي ا عنهما قال‪ :‬قال رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪" :‬ما من قوم يذكرون ا‪ ،‬إل حفتهم الملئكة‪ ،‬وغشيتهم الرحمة‪،‬‬ ‫ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم ا فأيمن عنده" ‪2‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي‬ ‫ا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم ‪" :‬يقول الرب تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفأضل ما أعطي السائلين"‬ ‫‪3‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي ا عنه‪ ،‬عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫"يقول الرب يوم القيامة سريعرلم أهسل الجمع اليوم رمرن أهل الكرم‪ .‬فأقيل‪ :‬ومن أهل‬ ‫الكرم يا رسول ا ؟ قال‪ :‬أهل مجالس الذكر فأي المساجد" ‪4‬ـ وعن معاوية رضي‬ ‫ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم خرج على رحرلقظة من أصحابه فأقال‪" :‬ما‬ ‫أجلسكم ؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر ا ونحمده‪ ،‬فأقال‪ :‬أتاني جبريل فأأخبرني أن ا يباهي‬ ‫بكم الملئكة"‬ ‫‪5‬ـ وعن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬ما من قوم‬ ‫اجتمعوا يذكرون ا إل ناداهم مناظد من السماء‪ :‬قوموا مغفوراا لكم قد سبدلت سيئاتكم‬ ‫حسنات" ‪6‬ـ وعن ثابت قال‪ :‬كان سلمان فأي عصابة يذكرون ا‪ ،‬فأمفر النبي صلى‬ ‫ا عليه وسلم فأكفوا‪ ،‬فأقال‪" :‬ما كنتم تقولون ؟ قلنا‪ :‬نذكر ا‪ .‬قال‪ :‬إني رأيت‬ ‫الرحمة تنزل‪ ،‬فأأحببت أن أشارككم فأيها‪ ،‬ثم قال‪ :‬الحمد ل الذي جعل فأي سأمتي من‬ ‫سأمرت أن أصبر نفسي معهم" وأرد الصوفية وأدليله من الكتاب وأالسنة‪:‬‬ ‫الورد بالكسر‪ ،‬كما فأي المصباح‪ :‬الوظيفة من قراءة ونحو ذلك‪ ،‬والجمع‪ :‬أوراد‪.‬‬ ‫ويطلقه الصوفأية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها صباحا ا بعد صلة الصبح‬ ‫]حكم ذكر ا بعد صلة الصبح‪:‬‬ ‫‪38‬‬

‫إن من أفأضل العمال بعد صلة الفجر‪ ،‬الشتغال بذكر ا تعالى‪ ،‬خلفأا ا لما يظن‬ ‫بعض الناس بأن الشتغال بقراءة القرآن بعد صلة الصبح أولى وأفأضل‪ ،‬وقد‬ ‫وردت فأي ذلك أحاديث كثيرة منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عن أبي أمامة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من‬ ‫صلى صلة الغداة ]الصبح[ فأي جماعة ثم جلس يذكر ا حتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم‬ ‫قام فأصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة‬ ‫‪2‬ـ وعن معاذ بن أنس قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من صلى صلة‬ ‫الفجر ثم قعد يذكر ا تعالى حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة"‪ .‬رواه أبو يعلى‬ ‫كذا فأي المصدر السابق ج ‪/10‬صا ‪.105‬‬ ‫وأالوارد في اللغة‪ :‬هو الطارق والقادم‪ ،‬يقال ورد علينا فألن أي قدم‪ .‬وفأي‬ ‫ب أوليائه من النفحات اللهية‪ ،‬فأيكسبه قوة‬ ‫الصطلح‪ :‬ما يسرتحفه الحق تعالى قلو ر‬ ‫محركة‪ ،‬وربما يدهشه‪ ،‬أو سيغصيبه عن حسه‪ ،‬ول يكون إل بغتة‪ ،‬ول يدوم على‬ ‫صاحبه ]"شرح الحكم" لبن عجيبة ج ‪/1‬صا ‪.[160‬‬ ‫والورد يضم ثلث صيغ من صيغ الذكر المطلوبة شرعاا‪ ،‬والتي دعا إليها كتاب‬ ‫ا تعالى‪ ،‬وبينت السنة الشريفة فأضلها ومثوبتها‪.‬‬ ‫‪1‬ـ الستغفار‪ :‬بصيغة ]أستغفر ا[ مائة مرة‪ ،‬بعد محاسبة النفس على الزلت‬ ‫لتعود صفحة العمال نقية بيضاء‪ .‬وقد أمرنا ا تعالى بذلك بقوله‪} :‬وما تسقرصدسموا‬ ‫لرنفسلسسكم لمرن خير تلجسدوه عند ال هرو خيراا وأعظررم أجراا واستغفروا ار إفن ار غفوفر‬ ‫رحيم{ ]المزمل‪.[20 :‬‬ ‫وقد كان رسول ا صلى ا عليه وسلم يكثر من الستغفار تعليما ا لمته وتوجيهاا‪،‬‬ ‫كما روى أبو هريرة رضي ا عنه قوله‪" :‬وا إني لستغفر ا وأتوب إليه فأي‬ ‫اليوم أكثر من سبعين مرة" وعن عبد ا بن لبسر رضي ا عنه قال‪ :‬سمعت‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬طوبى لمن روجد فأي صحيفته استغفاراا‬ ‫كثيراا"‬ ‫‪2‬ـ الصلة على النبي صلى ا عليه وسلم‪ :‬بصيغة ]اللهم صصل على سيدنا محمد‬ ‫عبدك ورسولك النبي المي وعلى آله وصحبه وسصلم[ مائة مرة مع استحضار‬ ‫عظمته صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وتذيكلر صفاته وشمائله‪ ،‬والتعلق بجنابه الرفأيع‪ ،‬محبة‬ ‫وتشوقا ا‬ ‫وقد أمرنا ا تعالى بذلك بقوله‪} :‬إفن ار وملئركترهس سيصيلورن على النبصي يا أييها الذين‬ ‫صيلوا عليله وسلصسموا تسليماا{ ]الحزاب‪.[56 :‬‬ ‫آمنوا ر‬ ‫وكذلك رفغب رسول ا صلى ا عليه وسلم بكثرة الصلة والسلم عليه فأقال‪:‬‬ ‫ي واحدةا صفلى ا عليه بها عشراا" وروي عن أنس بن مالك رضي‬ ‫"من صفلى عل ف‬ ‫‪39‬‬

‫ي واحدة صلى‬ ‫ا عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬من صلى عل ف‬ ‫ت عنه عشسر سيئات وسرفأع ر‬ ‫ا عليه عشر صلوات وسحطف ر‬ ‫ت له عشر درجات"‬ ‫ي صلة"‬ ‫وقال صلى ا عليه وسلم أيضاا‪" :‬أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عل ف‬ ‫‪3‬ـ كلمة التوحيد‪ :‬بصيغة‪] :‬ل إله إل ا وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪،‬‬ ‫وهو على كل شيء قدير[ مئة مرة‪ ،‬أو ]ل إله إل ا[ فأقط مائة مرة‪ .‬مع التفكير‬ ‫بأنه ل خالق ول رازق ول نافأع ول ضار ول قابض ول باسط‪ ..‬إل ا وحده‬ ‫ا{‬ ‫ولهذا دعانا ا تعالى إلى هذا التوحيد الخالص فأقال‪} :‬فأاعلررم أنفهس ل إله إل س‬ ‫]محمد‪.[19 :‬‬ ‫وكذلك رغبنا رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي الكثار من ترداد كلمة التوحيد‪،‬‬ ‫وبين أفأضليتها ومثوبتها ؛ فأقال‪" :‬أفأضل الذكر ل إله إل ا"‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬جددوا‬ ‫إيمانكم‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ا وكيف نجدد إيماننا ؟ قال‪ :‬أكثروا من قول ل إله إل ا"‬ ‫المذاكرة‬ ‫المذاكرة‪ :‬هي استفادة المريد من خبرة مرشده بسؤاله عن أحكام شرعية تتعلق‬ ‫بتصحيح العقائد أو العبادات أو المعاملت‪ ،‬أو بأن يعرض له ما يحدث معه من‬ ‫أحوال قلبية وخواطر نفسية وشيطانية قد تلتبس عليه فأتوقعه فأي شكوك وأوهام‪،‬‬ ‫كالشكوك فأي العقائد اليمانية‪ ،‬وكالتعلقات الدنيوية‪ ،‬التي يقف حيالها حائراا‬ ‫مضطرباا‪.‬‬ ‫أو بأن يكشف له عن أمراضه القلبية كالكبر والحسد والنفاق وحب الرئاسة‪ ،‬وعن‬ ‫رعوناته النفسية كالتحدث عن كراماته ومرائيه بغية الثناء والشهرة‪ ...‬وغير ذلك‬ ‫من الصفات الناقصة بغية معرفأة طريق الخلصا منها‪.‬‬ ‫وهكذا يرجع المريد لمرشده فأي جميع أحوال سيره لجتياز العقبات التي تعترض‬ ‫طريقه‪.‬‬ ‫وقد يذاكر المريد شيخه فأي أحواله الطيبة ومقامات سيره‪ ،‬واستشراف روحه‬ ‫للحضرة اللهية‪ ،‬وما يرد على قلبه من واردات رحمانية أو ملكية ومفاهيم قرآنية‬ ‫وعلوم وهبية ‪ ...‬والقصد من ذلك الستيثاق من صحتها حتى يكون المريد على‬ ‫بصيرة من مراحل سيره‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫*ومثل المريد مع مرشده كمثل المريض الذي يكشف لطبيبه كل ما يلقاه من‬ ‫أعراض مرضية‪ ،‬كما يخبره عن جميع مراحل تحسن جسمه وصحته‪.‬‬ ‫*ومن جهة أخرى فأإن المذاكرة ستقصوي الصلة بين المريد والمرشد‪ ،‬فأتزداد المحبة‬ ‫ويقوى التجاوب‪ ،‬كما أن المريد يستفيد بالمذاكرة من شيخه علما ا وحالا ومعرفأة‪،‬‬ ‫لن العلم روح تنفخ ل مسائل تنسخ‪.‬‬ ‫فأالمذاكرة إذن تطبيق عملي لدب من آداب الشرع‪ ،‬وخلق أساسي من أخلق‬ ‫السلم‪ ،‬وهو الشورى التي مدح ا بها المؤمنين بقوله‪} :‬وأمسرهسرم سشورى بينرسهم{‬ ‫]الشورى‪ .[38 :‬والتي دعا إليها الرسول الكريم عليه الصلة والسلم بقوله‪:‬‬ ‫"المستشار مؤتمن" ]رواه الترمذي عن أبي هريرة فأي كتاب الدب وقال‪ :‬حديث‬ ‫حسن‪ .‬والبخاري فأي "الدب المفرد" فأي باب المستشار مؤتمن[‪.‬‬ ‫وإذا كانت الشورى هي للستفادة من خبرة أهل الختصاصا فأي أي جانب من‬ ‫جوانب الحياة‪ ،‬كالمريض الذي يستفيد من خبرة الطبيب‪ ،‬والبرفنالء الذي يستفيد من‬ ‫خبرة المهندس‪ ،‬والمظلوم الذي يستفيد من خبرة المحامي‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫فأإن المذاكرة هي للستفادة من خبرة المرشد فأي ميدان التطبيق العملي لدين ا‬ ‫تعالى‪ ،‬وقد نفوه ا تعالى لهذه الستفادة بقوله‪} :‬فأاسأسلوا أررهرل الصذكلر إرن سكنستم ل‬ ‫تعلمورن{ ]النحل‪ .[43 :‬وبقوله تعالى‪} :‬الرحمسن فأاسأرل بلله خبيراا{ ]الفرقان‪.[59 :‬‬ ‫الفرق بين المذاكرة وأبين العتراف عند النصارى‪:‬‬ ‫يفرق بين من يأتي لنسان مثله فأيكشف له عن آثامه وجرائمه بغية أن يغفر له‪،‬‬ ‫كما هو المر عند النصارى‪ ،‬وبين من يأتي لخبير عالم فأيكشف له عن أمراضه‬ ‫وأحواله بغية أن يدله على الطريق العملي للتخلص منها‪ ،‬كما يكشف المريض عن‬ ‫أمراضه ولو كانت مما سيستحى منها من أجل تشخيص الداء ووصف الدواء‬ ‫الناجع‪.‬‬ ‫الفرق بين المذاكرة وأبين المجاهرة بالمعصية‪:‬‬ ‫*‬ ‫هناك فأرق كبير بين من يرتكب الثم‪ ،‬ثم يأتي للناس يحردث عنه من باب المباهاة‬ ‫والتلذذ بذكره والدعوة إليه‪ ،‬وبين من يندم على ذنبه ويتحير فأي معرفأة العلج‬ ‫الجذري الذي ينقذه من وضعه المذموم‪ ،‬فأيأتي ليستفيد من خبرة مرشده‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫قال المام النووي معلقا ا على حديث‪" :‬كل أمتي معافأاةف إل المجاهرين‪ ،‬وإن من‬ ‫الجهار أن يعمل الرجل بالليل عم ا‬ ‫ل‪ ،‬ثم يصبح وقد ستره ا تعالى عليه‪ ،‬فأيقول‪:‬‬ ‫يا فألن عمل س‬ ‫ت البارحة كذا وكذا‪،‬‬ ‫وقد بات يستره ربه‪ ،‬ويصبح يكشف ستر ا عنه" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬ ‫فأي كتاب الدب‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الزهد والرقائق[‪) :‬يكره للنسان إذا ابتسللري‬ ‫بمعصية أو نحوها أن يخبر غيره بذلك‪ ،‬بل ينبغي أن يتوب إلى ا تعالى ؛ فأيقلع‬ ‫عنها فأي الحال‪ ،‬ويندم على ما فأعل‪ ،‬ويعزم أل يعود إلى مثلها أبداا‪ ،‬فأهذه الثلثة هي‬ ‫أركان التوبة‪ ،‬ل تصح إل باجتماعها‪ ،‬فأإن أخبر بمعصيته شيخه أو شبهه ممن‬ ‫يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاا من معصيته‪ ،‬أو يعلمه ما يسلم به من الوقوع فأي‬ ‫مثلها‪ ،‬أو يعرفأه السبب الذي أوقعه فأيها‪ ،‬أو يدعو له‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فأل بأس به‪ ،‬بل‬ ‫هو حسن‪ ،‬وإنما سيكره إذا انتفت هذه المصلحة( ]"الذكار" للنووي صا ‪.[327‬‬ ‫ونقل المام المناوي فأي معرض شرحه لحديث المجاهرة قول المام الغزالي‪:‬‬ ‫)الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والستهزاء ؛ ل على وجه السؤال‬ ‫والستفتاء‪ ،‬بدليل خبر من واقع امرأته فأي رمضان ]روى هذا الخبر البخاري فأي‬ ‫صحيحه[‪ ،‬فأجاء فأأخبر المصطفى عليه الصلة والسلم‪ ،‬فألم ينكر عليه( ]"فأيض‬ ‫القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/5‬صا ‪.[12‬‬

‫الخلوة‬ ‫‪1‬ـ تعريفها‪:‬‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق فأي قواعده‪) :‬الخلوة أخص من العزلة‪ ،‬وهي بوجهها‬ ‫وصورتها نوع من العتكاف‪ ،‬ولكن ل فأي المسجد‪ ،‬وربما كانت فأيه‪ ،‬وأكثرها عند‬ ‫القوم ل حفد له‪ ،‬لكن السنة تشير للربعين بمواعدة موسى عليه السلم‪ ،‬والقصد فأي‬ ‫الحقيقة ثلثون‪ ،‬إذ هي أصل المواعدة‪ ،‬وجاور عليه الصلة والسلم بحراء شهراا‬ ‫‪42‬‬

‫كما فأي مسلم ]أخرج مسلم فأي صحيحه فأي كتاب اليمان عن جابر بن عبد ا‬ ‫رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬جاورت بحراء شهراا‪.،‬‬ ‫وأقلها عشرة لعتكافأه عليه الصلة والسلم للعشر‪ ،‬وهي للكامل زيادة فأي حاله‪،‬‬ ‫ولغيره ترقية‪ ،‬ول بد من أصل سيرجع إليه‪ .‬والقصد بها تطهير القلب من أدناس‬ ‫الملبسة‪ ،‬وإفأراد القلب لذكر واحد‪ ،‬وحقيقة واحدة‪ ،‬ولكنها بل شيخ مخطرة‪ ،‬ولها‬ ‫فأتوح عظيم‪ ،‬وقد ل تصح بأقوام‪ ،‬فأليعتبر كل أحد بها حارله( ]"قواعد التصوف"‬ ‫صا ‪ 39‬لبي العباس الشيخ أحمد الفاسي المشهور بزروق توفأي سنة ‪899‬هـ فأي‬ ‫طرابلس الغرب[‪.‬‬ ‫فأالخلوة إذن‪ :‬انقطاع عن البشر لفترة محدودة‪ ،‬وترك للعمال الدنيوية لمدة يسيرة‪،‬‬ ‫كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي ل تنتهي‪ ،‬ويستريح الفكر من المشاغل‬ ‫اليومية التي ل تنقطع‪ ،‬ثم ذكفر ل تعالى بقلب حاضر خاشع‪ ،‬وتفكفر فأي آلئه تعالى‬ ‫آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وذلك بإرشاد شيخ عارف بال‪ ،‬سيعصلمه إذا جهل‪ ،‬ويذصكره‬ ‫إذا غفل‪ ،‬وينشطه إذا فأتر‪ ،‬ويساعده على دفأع الوساوس وهواجس النفس‪.‬‬ ‫‪2‬ـ طريقتها‪:‬‬ ‫يذكر الغزالي رحمه ا طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها‪ ،‬فأيبين‪) :‬أن الشيخ*‬ ‫سيللزم المريد زاوية ينفرد بها‪ ،‬ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلل ـ‬ ‫فأإفن أصل الدين القوت الحلل ـ* وعند ذلك يلقنه ذكراا من الذكار‪ ،‬حتى يشغل به‬ ‫لسانه وقلبه‪ ،‬فأيجلس ويقول مث ا‬ ‫ل‪ :‬ا‪ ،‬ا‪ ،‬أو سبحان ا‪ ،‬سبحان ا‪ ،‬أو ما يراه‬ ‫الشيخ من الكلمات‪ ،‬فأل يزال يواظب عليه‪ ،‬حتى يسقط الثر عن اللسان‪ ،‬وتبقى‬ ‫صورة اللفظ فأي القلب‪ ،‬ثم ل يزال كذلك حتى ستمحى من القلب حروف اللفظ‬ ‫وصورته‪ ،‬وتبقى حقيقة معناه لزمة للقلب‪ ،‬حاضرة معه‪ ،‬غالبة عليه‪ ،‬قد فأرغ عن‬ ‫ي شيء كان ـ فأإذا‬ ‫كل ما سواه‪ ،‬لن القلب إذا اشتغل بشيء خل عن غيره ـ أ ف‬ ‫اشتغل بذكر ا تعالى وهو المقصود‪ ،‬خل ل محالة من غيره‪ *.‬وعند ذلك يلزمه‬ ‫أن يراقب وساوس القلب‪ ،‬والخواطر التي تتعلق بالدنيا‪ ،‬وما يتذكر فأيه مما قد‬ ‫مضى من أحواله وأحوال غيره‪ ،‬فأإنه مهما اشتغل بشيء منه ـ ولو فأي لحظة ـ خل‬ ‫قلبه عن الذكر فأي تلك اللحظة‪ ،‬وكان أيضا ا نقصاناا‪ .‬فأليجتهد فأي دفأع ذلك‪ ،‬ومهما‬ ‫دفأع الوساوس كلها‪ ،‬ورفد النفس إلى هذه الكلمة‪ ،‬جاءته الوساوس من هذه الكلمة‪،‬‬ ‫وإنها ما هي ؟ وما معنى قولنا‪ :‬ا ؟ ولي معنى كان إلهاا‪ ،‬وكان معبوداا ؟‬ ‫ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر‪ ،‬وربما يرلرسد عليه من وساوس‬ ‫الشيطان ما هو كفر وبدعة‪ ،‬ومهما كان كارها ا لذلك‪ ،‬وسمرتشصمراا لماطته عن القلب‬ ‫لم يضره ذلك‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫وأهذه الوساوأس منقسمة إلى قسمين‪:‬‬ ‫أ ـ ما يعلم قطعاا أن ا تعالى منزه عنه‪ ،‬ولكن الشيطان يسرلقي ذلك فأي قلبه‪ ،‬وسيجريه‬ ‫على خاطره‪ ،‬فأررشررطسهس أن ل يبالي به‪ ،‬ويفزع إلى ذكر ا تعالى‪ ،‬ويبتهل إليه‬ ‫ك لمرن الشيطالن نررز ف‬ ‫غ فأاستعذ بالل إنفهس سميفع‬ ‫ليدفأعه عنه‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬وإفما يررنرزرغنف ر‬ ‫عليفم{ ]العراف‪ .[200 :‬و قال تعالى‪} :‬إفن الذيرن اتفرقوا إذا مفسسهم طائ ف‬ ‫ف لمرن‬ ‫الشيطان ترذفكروا فأإذا هم مبصرورن{ ]العراف‪.[201 :‬‬ ‫ب ـ ما يشك فأيه‪ ،‬فأينبغي أن ريعرض ذلك على شيخه‪ ،‬بل كيل ما يجد فأي قلبه من‬ ‫الحوال‪ ،‬من فأترة أو نشاط‪ ،‬أو التفات إلى عرلقة‪ ،‬أو صدق فأي إرادة‪ ،‬فأينبغي أن‬ ‫سيظهر ذلك لشيخه‪ ،‬وأن يستره عن غيره‪ ،‬فأل يطلع عليه أحداا( ]"الحياء" للغزالي‬ ‫ج ‪/3‬صا ‪.[66‬‬ ‫‪3‬ـ مشروأعيتها‪:‬‬ ‫ليست الخلوة ابتداعاا من الصوفأية‪ ،‬وإنما هي امتثال لمر ا تعالى فأي كتابه‬ ‫س واقتداء برسول ا صلى ا عليه وسلم ؛ فأقد كان يخلو بغار حراء‬ ‫العزيز‪ ،‬وتأ ي‬ ‫يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله‪ ،‬حتى جاءه الحق‪ ،‬وهو فأي غار‬ ‫حراء‪ .‬وبهذا تكون قد ثبتت مشروعيتها‪.‬‬ ‫الدليل عليها من القرآن الكريم‪:‬‬ ‫ك وتربرتفرل إليه تبتي ا‬ ‫ل{ ]المزمل‪.[8 :‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬واذكلر اسم ربص ر‬ ‫قال العلمة أبو السعود مفسراا قوله تعالى‪} :‬واذسكلر اسرم رصبك‪] {...‬المزمل‪:[8 :‬‬ ‫)وسدم على ذكره تعالى ليلا ونهاراا على أي وجه كان ؛ من التسبيح والتهليل‬ ‫والتحميد‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬وانقطرع إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة فأي مراقبته‪،‬‬ ‫وحيث لم يكن ذلك إل بتجريد نفسه عليه الصلة والسلم عن العوائق الصادرة‬ ‫المانعة عن مراقبة ا تعالى‪ ،‬وقطع العلئق عما سواه( ]تفسير العلمة أبي‬ ‫السعود على هامش تفسير فأخر الدين الرازي ج ‪/8‬صا ‪.[338‬‬ ‫ص به‪،‬‬ ‫وكل أمظر أسلمر به صلى ا عليه وسلم تشريع له ولمته إل فأيما سخ ف‬ ‫وخصوصياته معروفأة‪ ،‬وهذا المر فأي هذه الية المذكورة عام له ولمته‪.‬‬ ‫الدليل عليها من السنة‪:‬‬ ‫‪44‬‬

‫عن عائشة رضي ا عنها أنها قالت‪) :‬أوسل ما بسلدىرء به رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة فأي النوم‪ ،‬فأكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فألق‬ ‫ب إليه الخلسء‪ ،‬وكان يخلو بغار لحرارء ؛ فأيتررحنف س‬ ‫ث فأيه ـ وهو التعبد ـ‬ ‫الصبح‪ ،‬ثم سحبص ر‬ ‫الليالي ذوات العدد‪ ،‬قبل أن ينزع إلى أهله‪ ،‬ويتزود لذلك‪ ،‬ثم يرجع إلى خديجة‪،‬‬ ‫ويتزود لمثلها‪ ،‬حتى جاءه الحق‪ ،‬وهو فأي غار حراء( ]رواه البخاري فأي صحيحه‬ ‫باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم[‪.‬‬ ‫*قال ابن أبي جمرة فأي شرحه لهذا الحديث‪) :‬فأي الحديث دليل على أن الخلوة‬ ‫عون للنسان على تعبده وصلح دينه‪ ،‬لن النبي صلى ا عليه وسلم لما اعتزل‬ ‫عن الناس وخل بنفسه‪ ،‬أتاه هذا الخير العظيم‪ ،‬وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير‬ ‫بحسب ما قسم له من مقامات الولية ‪.‬‬ ‫*وفأيه دليل على أن الرولى بأهل البداية الخلوة والعتزال‪ ،‬لن النبي صلى ا‬ ‫عليه وسلم كان فأي أول أمره يخلو بنفسه‪.‬‬ ‫*وفأيه دليل على أن البداية ليست كالنهاية‪ ،‬لن النبي صلى ا عليه وسلم أول ما‬ ‫بسلدىرء فأي نبوته بالمرائي‪ ،‬فأما زال عليه الصلة والسلم يرتقي فأي الدرجات‬ ‫والفضل‪ ،‬حتى جاءه الرمل س‬ ‫ك فأي اليقظة بالوحي‪ ،‬ثم ما زال يرتقي‪ ،‬حتى كان كقاب‬ ‫قوسين أو أدنى‪ ،‬وهي النهاية‪ .‬فأإذا كان هذا فأي الرسل فأكيف به فأي التباع ؟! لكن‬ ‫بين الرسل والتباع فأرق‪ ،‬وهو أن التباع يترقون فأي مقامات الولية ـ ما عدا مقام‬ ‫النبوة ‪ ،‬فأإنه ل سبيل لهم إليها‪ ،‬لن ذلك قد س‬ ‫ي بساطه ـ حتى ينتهوا إلى مقام‬ ‫طو ر‬ ‫المعرفأة والرضا‪ ،‬وهو أعلى مقامات الولية‪.‬‬ ‫]"بهجة النفوس" شرح مختصر البخاري للمام الحافأظ أبي محمد عبد ا بن أبي‬ ‫جمرة الزدي الندلسي المتوفأى ‪699‬هـ‪ .‬ج ‪/1‬صا ‪ 10‬ـ ‪.[11‬‬ ‫إشكال‪:‬‬ ‫فأإن قل ر‬ ‫ت‪ :‬أمر الغار قبل الرسالة‪ ،‬ول حكم إل بعد الرسالة ؟ قال المحدث‬ ‫القسطلني مجيباا‪) :‬إنه أول ما بدىء به عليه الصلة والسلم من الوحي الرؤيا‬ ‫ب إليه الخلء‪ ،‬فأكان يخلو بغار حراء كما مر‪ ،‬فأدل على أن الخلوة‬ ‫الصالحة‪ ،‬ثم سحبص ر‬ ‫حكم مرتب على الوحي‪ ،‬لن كلمة ]ثم[ للترتيب‪ .‬وأيضا ا لو لم تكن من الدين لنهى‬ ‫عنها‪ ،‬بل هي ذريعة لمجيء الحق‪ ،‬وظهوسره مبارك عليه وعلى أمته تأصسيرا ا وسلمة‬ ‫من المناكير وضررها‪ ،‬ولها شروط مذكورة فأي محلها من كتب القوم( ]"إرشاد‬ ‫‪45‬‬

‫الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلني ج ‪/1‬صا ‪.[62‬‬ ‫وقال المحدث الكشميري رحمه ا تعالى معلقاا على هذه الفقرة من الحديث‪) :‬ثم‬ ‫ب إليه الخلء(‪) :‬وهذا على نحو مجاهدات الصوفأية وخلواتهم‪ ،‬ثم إن اعتكاف‬ ‫سحبص ر‬ ‫الفقهاء وخلوات الصوفأية عندي قريب من السواء( ]"فأيض الباري على صحيح‬ ‫البخاري" ج ‪/1‬صا ‪.[23‬‬ ‫وقال الزهري رحمه ا تعالى‪) :‬عجباا من الناس‪ ،‬كيف تركوا العتكاف‪ ،‬ورسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه‪ ،‬وما ترك العتكاف حتى قسلبض(‬ ‫]"حاشية الطحطاوي على مراقي الفلح" صا ‪.[463‬‬

‫هذه أقوال علماء الحديث وشراحه فأي الخلوة من حيث تسميتها‪ ،‬ومن حيث‬ ‫مشروعيتها‪ ،‬ومن حيث فأوائدها‪ ،‬ومن حيث اعتناء السلف الصالح بها‬ ‫‪.‬اضافأات‬ ‫‪.‬‬ ‫وللعلماء فأي عبادته فأي خلوته قولن‪ :‬قال بعضهم‪ :‬كانت عبادته بالفكر‪ .‬وقال‬ ‫بعضهم‪ :‬بالذكر‪ .‬وهذا القول هو الصحيح‪ ،‬ول تعريج على الول ول التفات إليه ؛‬ ‫لن خلوة طلب طريق الحق على أنواع‪:‬‬ ‫الوأل‪ :‬أن تكون خلوتهم لطلب مزيد علم الحق من الحق ل بطريق النظر والفكر‪،‬‬ ‫وهذا غاية مقاصد أهل الحق‬ ‫الثاني‪ :‬أن تكون خلوتهم لصفاء الفكر لكي يصح نظرهم فأي طلب المعلومات‪،‬‬ ‫وهذه الخلوة لقوم يطلبون العلم من ميزان العقل‬ ‫الثالث‪ :‬خلوة يفعلها جماعة لدفأع الوحشة من مخالطة غير الجنس‪ ،‬والشتغال بما‬ ‫ل يعني‪ ،‬فأإنهم إذا رأوا الخلق انقبضوا‪ ،‬فألذلك اختاروا الخلوة‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬خلوة لطلب زيادة لذة توجد فأي الخلوة‪.‬‬ ‫وخلوة حضرة صاحب الرسالة من القسم الول‪ ،‬المام الشافأعي‪:‬‬ ‫وقال المام الشافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬ومن أحب أن يفتح ا قلبه‪ ،‬ويرزقه العلم‪،‬‬ ‫‪46‬‬

‫فأعليه بالخلوة وقلة الكل‪ ،‬وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذي ليس معهم‬ ‫إنصاف ول أدب( ]"بستان العارفأين" للمام الفقيه الحافأظ أبي زكريا محي الدين‬ ‫النووي المتوفأى ‪676‬هـ صا ‪.[47‬‬ ‫المام الغزالي‪:‬‬ ‫وقال المام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬وأما الخلوة فأفائدتها دفأع الشواغل‪ ،‬وضبط‬ ‫السمع والبصر‪ ،‬فأإنهما دهليز القلب‪ ،‬والقلب فأي حكم حوض تنصب إليه مياه‬ ‫كريهة كدرة قذرة من أنهار الحواس‪ .‬ومقصود الرياضة تفريغ الحوض من تلك‬ ‫المياه ومن الطين الحاصل منها ؛ ليتفجر أصل الحوض‪ ،‬فأيخرج منه الماء النظيف‬ ‫الطاهر‪ .‬وكيف يصح له أن ينزح الماء من الحوض‪ ،‬والنهار مفتوحة إليه ؟‬ ‫فأيتجدد فأي كل حال أكثر مما ينقص‪ .‬فأل بد من ضبط الحواس إل عن قدر‬ ‫الضرورة‪ ،‬وليس يتم ذلك إل بالخلوة( ]"الحياء" للغزالي ج ‪/3‬صا ‪.[66‬‬ ‫الشيخ الكبر‪:‬‬ ‫وقال الشيخ الكبر محيي الدين بن عربي )رحمه ا تعالى(‪) :‬فأإن المتأهب الطالب‬ ‫للمزيد‪ ،‬المتعرض لنفحات الجود بأسرار الوجود إذا لزم الخلوة والذكر‪ ،‬وفأفرغ‬ ‫المحل من الفكر‪ ،‬وقعد فأقيراا ل شيء له عند باب ربه‪ ،‬حينئذ يمنحه ا تعالى‪،‬‬ ‫ويعطيه من العلم به والسرار اللهية والمعارف الربانية التي أثنى ا سبحانه بها‬ ‫على عبده خضر فأقال‪} :‬عربداا لمرن لعبالدنا آتيناهس رحرمةا لمرن عنلدنا ورعلفرمناهس لمرن لرسدرنا‬ ‫ا{ ]البقرة‪ .[282 :‬قال‬ ‫علماا{ ]الكهف‪ .[65 :‬وقال تعالى‪} :‬وافتقوا ار ويسرعلصسمسكسم س‬ ‫تعالى‪} :‬إرن تفتقوا ار ريجرعرل لسكرم سفأرقاناا{ ]النفال‪ .[29 :‬وقال‪} :‬ويجعرل لرسكرم سنوراا‬ ‫تمشورن به{ ]الحديد‪.[28 :‬‬ ‫وقيل للجنيد‪ :‬بم نلت ما نلت ؟ فأقال‪ :‬بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلثين سنة‪.‬‬

‫الدكتور مصطفي السباعي‪:‬‬ ‫وقال الدكتور مصطفى السباعي رحمه ا تعالى فأي كتابه "مذكرات فأي فأقه‬ ‫السيرة"‪) :‬يجب على الداعية إلى ا أن تكون له بين الفررينة والفررينة أوقات يخلو فأيها‬ ‫بنفسه‪ ،‬تتصل فأيها روحه بال جل شأنه‪ ،‬وتصفو فأيها نفسه من كدورات الخلق‬ ‫الذميمة والحياة المضطربة من حوله‪ .‬ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه‬ ‫إن قصرت فأي خير‪ ،‬أو زلت فأي اتجاه‪ ،‬أو جانبت سبيل الحكمة‪ ،‬أو أخطأت فأي‬ ‫‪47‬‬

‫منهج أو طريق‪ ،‬أو انغمست مع الناس فأي الجدال والنقاش‪ ،‬حتى أرنرسرتهس تذيكرر ا‬ ‫ت وغصصه وآلمه‪ .‬ولذلك كان‬ ‫والنس به‪ ،‬وتذكر الخرة وجنتها ونارها والمو ل‬ ‫التهجد وقيام الليل فأرضاا فأي حق النبي صلى ا عليه وسلم‪ ،‬مستحبا ا فأي حق‬ ‫غيره‪ .‬وأحق الناس بالحرصا على هذه النافألة هم الدعاة إلى ا وشريعته وجنته‪.‬‬ ‫وللخلوة والقيام ل بالعبودية فأي أعقاب الليل لذة ل يدركها إل من أكرمه ا بها‪.‬‬ ‫وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه ا تعالى يقول فأي أعقاب تهجده وعبادته‪ :‬نحن فأي‬ ‫لذة لو عرفأها الملوك لقاتلونا عليها( ]"مذكرات فأي فأقه السيرة" للدكتور مصطفى‬ ‫السباعي صا ‪.[18‬‬ ‫[‪.‬‬ ‫وقد قالوا‪ :‬إن القلب كالمعدة إذا قويت عليها الخلط مرضت‪ ،‬ول ينفعها إل‬ ‫الحمية‪ ،‬وهو قلة موادها‪ ،‬ومنعها من كثرة الخلط )المعدة بيت الداء‪ ،‬والحمية‬ ‫رأس الدواء(‪ .‬وكذلك القلب إذا قويت عليه الخواطر واستحوذ عليه الحس مرض‪،‬‬ ‫وربما مات‪ ،‬ول ينفعه إل الحمية منها‪ ،‬والفرار من مواطنها‪ ،‬وهي الخلطة‪ ،‬فأإذا‬ ‫اعتزل الناس واستعمل الفكرة نجح دواؤه‪ ،‬واستقام قلبه‪ ،‬وإل بقي سقيما ا حتى يلقى‬ ‫ا بقلب سقيم بالشك والخواطر الرديئة‪ ،‬نسأل ا العافأية‪.‬‬ ‫قال الجنيد رحمه ا تعالى‪ :‬أشرف المجالس الجلوس مع الفكر فأي ميدان التوحيد‪.‬‬ ‫وقال أبو الحسن الشاذلي رضي ا عنه‪ :‬ثمار العزلة الظفر بمواهب المنة‪ ،‬وهي‬ ‫أربعة‪:‬‬ ‫كشف الغطاء‪ ،‬وتنزل الرحمة‪ ،‬وتحقيق المحبة‪ ،‬ولسان الصدق فأي الكلمة‪.‬‬ ‫ثم ذإكر للخلوة عشر فوائد‪:‬‬ ‫‪1‬ـ السلمة من آفأات اللسان‪ ،‬فأإفن رمرن كان وحده ل يجد معه من يتكلم‪ ،‬ول يسلم فأي‬ ‫الغالب من آفأاته إل من آثرر الخلوة على الجتماع‪.‬‬ ‫‪2‬ـ السلمة من آفأات النظر‪،‬فأإفن من كان معتزلا عن الناس سلم من النظر إلى ما‬ ‫هم سمرنركيبون عليه من زهرة الدنيا وزخرفأها‪ ،‬قال بعضهم‪) :‬من كثرت لحظاته دامت‬ ‫حسراته(‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫‪3‬ـ حفظ القلب وصونه عن الرياء والمداهنة وغيرهما من المراض‪.‬‬ ‫‪4‬ـ حصول الزهد فأي الدنيا والقناعة منها‪ ،‬وفأي ذلك شرف العبد وكماله‪.‬‬ ‫‪5‬ـ السلمة من صحبة الشرار ومخالطة الرذال‪ ،‬وفأي مخالطتهم فأساد عظيم‪.‬‬ ‫‪6‬ـ التفرغ للعبادة والذكر‪ ،‬والعزم على التقوى والبر‪.‬‬ ‫‪7‬ـ سورجداسن حلوة الطاعات‪ ،‬وتمكن لذيذ المناجاة بفراغ سره‪ ،‬قال أبو طالب المكي‬ ‫فأي "القوت"‪) :‬ول يكون المريد صادقاا حتى يجد فأي الخلوة من الحلوة والنشاط‬ ‫والقوة ما ل يجده فأي العلنية(‪.‬‬ ‫‪8‬ـ راحة القلب والبدن‪ ،‬فأإن فأي مخالطة الناس ما يوجب تعب القلب‪.‬‬ ‫‪9‬ـ صيانة نفسه ودينه من التعرض للشرور والخصومات التي توجبها الخلطة‪.‬‬ ‫‪10‬ـ التمكن من عبادة التفكر والعتبار‪ ،‬وهو المقصود العظم من الخلوة(‬ ‫]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم" لحمد بن عجيبة ج ‪/1‬صا ‪.[30‬‬ ‫وأالخلصة‪ :‬إن الخلوة نوعان‪ :‬خلوة عامة‪ ،‬ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر ا‬ ‫تعالى بأية صيغة كانت‪ ،‬أو لتلوة القرآن الكريم‪ ،‬أو محاسبة نفسه‪ ،‬أو ليتفكر فأي‬ ‫خلق السموت والرض‪.‬‬ ‫وخلوة خاصة‪ :‬يقصد منها الوصول إلى مراتب الحسان والتحقق بمدارج‬ ‫المعرفأة‪ ،‬وهذه ل تكون إل بإشراف مرشظد مأذون‪ ،‬يسلرقصسن المريرد ذكراا معيناا‪ ،‬ويكون‬ ‫على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفأعه إلى آفأاق المعرفأة‪ ،‬ويرفأع عنه‬ ‫الحجب والوهام والوساوس‬ ‫"‪.‬‬ ‫الباب الثالث‬ ‫طريق الوصول إلى ا‬

‫‪49‬‬

‫‪1‬ـ التوبة‪2 .‬ـ المحاسبة‪ 3 .‬الخوف‪4 .‬ـ الرجاء‪5 .‬ـ الصدق‪6 .‬ـ الخلصا‪7 .‬ـ‬ ‫الصبر‪8 .‬ـ الورع‪9 .‬ـ الزهد‪10 .‬ـ الرضا‪11 .‬ـ التوكل‪12 .‬ـ الشكر‪.‬‬

‫طريق الوصول إلى ا‬ ‫بعد أن بينا نبذة عن المنهج العملي الذي اقتبسه أئمة الصوفأية من كتاب ا تعالى‬ ‫وسنة نبيه صلى ا عليه وسلم ؛ كالصحبة والعلم والذكر والخلوة‪ ..‬وغيرها‪ ،‬وهي‬ ‫أعمال بدنية فأي شكلها ومحلها‪ ،‬قلبية فأي روحها وجوهرها ل بد من بيان الطريق‬ ‫الذي يختص بأحوال القلب‪ ،‬وصفات النفس‪ ،‬ويعنى بالجانب الروحي‪ ،‬لن الصل‬ ‫صلح القلب وشفاؤه من أمراضه‪ ،‬وتحليته بصفات الكمال‪.‬‬ ‫فأطريق الوصول إلى ا تعالى هو تلك المقامات القلبية‪ :‬كالتوبة والمحاسبة‬ ‫والخوف والرجاء والمراقبة‪ ...‬والصفات السخسلقية‪ :‬كالصدق والخلصا والصبر‪...‬‬ ‫التي يتحلى بها السالك فأي طريقه إلى معرفأة ا تعالى معرفأة ذوقية‪ ،‬والوصول‬ ‫إلى مقام الحسان الذي ل حفد لمراتبه‪.‬‬ ‫وليس المراد بالوصول المعنى المفهوم بين ذوات الشياء‪ ،‬فأإن ا تعالى جفل أن‬ ‫يحده مكافن أو زمافن‪ ،‬ولذا قال ابن عطاء ا السكندري‪) :‬وصولك إلى ا وصولك‬ ‫إلى العلم به‪ ،‬وإل فأرجفل ريبنا أن يتصل به شيء‪ ،‬أو يتصل هو بشيء( ]"إيقاظ‬ ‫الهمم" ج ‪/2‬صا ‪.[295‬‬ ‫وقال المام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬معنى الوصول هو الرؤية والمشاهدة بسر‬ ‫القلب فأي الدنيا‪ ،‬وبعين الرأس فأي الخرة‪ ،‬فأليس معنى الوصول اتصال الذات‬ ‫بالذات‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا( ]"روض الطالبين" للغزالي صا ‪.[150‬‬ ‫وإن السير فأي طريق الوصول إلى ا تعالى صفة المؤمنين الصالحين‪ ،‬ومن أجله‬ ‫جاء النبياء والمرسلون‪ ،‬وإليه يدعو العلماء والمرشدون‪ ،‬كي يرتقي المرء من‬ ‫حضيض المادية والحيوانية إلى مستوى النسانية والملكية‪ ،‬ويذوق نعيم القرب‬ ‫ولذة النس بال تعالى‪.‬‬ ‫وإن الطريق واحدة فأي حقيقتها‪ ،‬وإن تعددت المناهج العملية‪ ،‬وتنوعت أساليب‬ ‫السير والسلوك تبعاا للجتهاد وتبدل المكان والزمان‪ ،‬ولهذا تعددت الطرق‬ ‫‪50‬‬

‫الصوفأية وهي فأي ذاتها وحقيقتها وجوهرها طريق واحدة‪.‬‬ ‫وفأي هذا المعنى قال ابن القصيم‪) :‬الناس قسمان‪ :‬لعرليةف ]علية‪ :‬فألن من علية الناس‪،‬‬ ‫وهو جمع رجل علي‪ ،‬أي شريف رفأيع مثل صبي وصبية[ ولسرفلة‪ ،‬فأالعلية‪ :‬من‬ ‫عرف الطريق إلى ربه‪ ،‬وسلكها قاصداا للوصول إليه‪ ،‬وهذا هو الكريم على ربه‪،‬‬ ‫والصسرفلة‪ :‬من لم يعرف الطريق إلى ربه‪ ،‬ولم يتعرفأها‪ ،‬فأهذا هو اللئيم الذي قال ا‬ ‫تعالى فأيه‪} :‬ورمرن يسلهلن اللـهس فأما له لمرن سمركصرم{ ]الحج‪ .[18 :‬والطريق إلى ا فأي‬ ‫الحقيقة واحدة ل تعدد فأيها‪ ...‬وأما ما يقع فأي كلم بعض العلماء أن الطريق إلى ا‬ ‫متعددة متنوعة‪ ،‬جعلها ا كذلك لتنوع الستعدادات واختلفأها‪ ،‬رحمة منه وفأض ا‬ ‫ل‪،‬‬ ‫فأهو صحيح ل ينافأي ما ذكرناه من وحدة الطريق‪.‬‬ ‫وكشف ذلك وإيضاحه أن الطريق واحدة جامعة لكل ما يرضي ا‪ ،‬وما يرضيه‬ ‫متعدد متنوع‪ ،‬فأجميع ما يرضيه طريق واحدة‪ ،‬ومراضيه متعددة متنوعة بحسب‬ ‫الزمان والماكن والشخاصا والحوال‪ ،‬وكلها طرق مرضاته‪ .‬فأهذه الطرق‬ ‫جعلها ا لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جداا لختلف استعدادات العباد وقوابلهم‪،‬‬ ‫ولو جعلها نوعا ا واحداا مع اختلف الذهان والعقول وقوة الستعدادات لم يسلكها‬ ‫إل واحد بعد واحد‪ .‬ولكن لما اختلفت الستعدادات تنوعت الطرق ليسلك كل‬ ‫امرىء إلى ربه طريقاا يقتضيها استعداده وقوته وقبوله‪ ،‬ومن هنا سيعلم تنوع‬ ‫الشرائع واختلفأها‪ ،‬مع رجوعها كلها إلى دين واحد‪ ،‬مع وحدة المعبود ودينه(‬ ‫]"طريق الهجرتين" لبن قيم الجوزية صا ‪ 223‬ـ ‪.[225‬‬ ‫ولقد عني رجال التصوف برسم معالم هذا الطريق‪ ،‬وتوضيح منازله ومقاماته‪،‬‬ ‫ووسائل السير فأيه‪.‬‬ ‫قال أبو بكر الكتاني وأبو الحسن الرملي رحمهما ا تعالى‪ :‬سأرلنا أبا سعيد الخراز‪،‬‬ ‫فأقلنا‪ :‬أخبرنا عن أوائل الطريق إلى ا تعالى ؟ فأقال‪) :‬التوبة‪ ،‬وذكر شرائطها‪ ،‬ثم‬ ‫سينقل من مقام التوبة إلى مقام الخوف‪ ،‬ومن مقام الخوف إلى مقام الرجاء‪ ،‬ومن‬ ‫مقام الرجاء إلى مقام الصالحين‪ ،‬ومن مقام الصالحين إلى مقام المريدين‪ ،‬ومن‬ ‫مقام المريدين إلى مقام المطيعين‪ ،‬ومن مقام المطيعين إلى مقام المحبين‪ ،‬ومن مقام‬ ‫المحبين إلى مقام المشتاقين‪ ،‬ومن مقام المشتاقين إلى مقام الولياء‪ ،‬ومن مقام‬ ‫الولياء إلى مقام المقريبن‪ .‬وذكروا لكل مقام عشر شرائط‪ ،‬إذا عاناها وأحكمها‬ ‫وحفلت القلوب هذه المحلة أدمنت النظرة فأي النعمة‪ ،‬وفأكرت فأي اليادي‬ ‫والحسان‪ ،‬فأانفردت النفوس بالذكر‪ ،‬وجالت الرواح فأي ملكوت عزه بخالص‬ ‫‪51‬‬

‫العلم به‪ ،‬واردةا على حياض المعرفأة‪ ،‬إليه صادرة‪ ،‬وللبابله قارعة‪ ،‬وإليه فأي محبته‬ ‫ناظرة‪ ،‬أما سمعت قول الحكيم وهو يقول‪:‬‬ ‫سأراعي سواد الليل أنسا ا بذكر هو شوقاا إليه غير مستكره الصبر ولكن سروراا دائما ا‬ ‫وتعرضا ا وقرعا ا لباب الرب ذي العز والفخر فأحالهم أنهم قرسرسبوا فألم يتباعدوا‪،‬‬ ‫وسرفأعت لهم منازل فألم سيخرفضوا‪ ،‬ونسصور ر‬ ‫ت قلوبهم لكي ينظروا إلى سمرلك عدن بها‬ ‫ينزلون‪ ،‬فأتاهوا بمن يعبدون‪ ،‬وتعززوا برمرن به يكتفون‪ ،‬حفلوا فألم يظعنوا‪،‬‬ ‫واستوطنوا محلته فألم يرحلوا‪ ،‬فأهم الولياء وهم العاملون‪ ،‬وهم الصفياء وهم‬ ‫ب هم به آمنون‪ ،‬وعزوا فأي غرف هم بها‬ ‫المقربون‪ ،‬أين يذهبون عن مقام قر ظ‬ ‫ساكنون‪ ،‬جزااء بما كانوا يعملون‪ ،‬فألمثل هذا فأليعمل العاملون( ]"حلية الولياء"‬ ‫لبي نعيم ج ‪/10‬صا ‪ 248‬ـ ‪.[249‬‬ ‫ولكي يقطع المرء عقبات الطريق‪ ،‬ويجتاز مقاماته ل بد له من مجاهدات نفسية‬ ‫ومواصلة للذكر والمراقبة والمحاسبة والخلوات‪ ،‬فأالوصول إلى ا تعالى ل سينال‬ ‫بالتشهي والتمني بل ل بد من إيمان وتقوى‪ ،‬وصدق فأي القصد‪ ،‬وإخلصا فأي‬ ‫الغاية‪ ،‬وعند ذلك يكرم ا السالكين إليه بالمعرفأة الكاملة‪ ،‬والسعادة القلبية الحقة‪.‬‬ ‫قال الشيخ الكبر محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪) :‬إن طريق الوصول إلى‬ ‫ق ار يجعرل لرهس رمرخررجا ا ويرررسزرقهس لمرن حيث ل‬ ‫علم القوم اليمان والتقوى }ورمرن يتف ل‬ ‫ب{ ]الطلق‪ .[3 :‬والرزق نوعان‪ :‬روحاني وجسماني‪ ،‬قال ا تعالى‪:‬‬ ‫يحتلس س‬ ‫ا{]البقرة‪ .[282 :‬أي يعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه بالوسائط‬ ‫}وافتقوا ار ويسرعلصسمسكسم س‬ ‫من العلوم اللهية( ]"النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني صا ‪ 84‬بتصرف[‪.‬‬ ‫ومن كلم الشيخ محي الدين يتبين أن النسان ل يمكن له أن يسير إلى ا تعالى‬ ‫إل بإيمان صحيح وعقيدة ثابتة‪ ،‬وقلب يرعى حدود ا‪ ،‬وأعمال مقيدة بشريعة ا‪،‬‬ ‫ق عالية مقتبسة من رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأمن لم يترففأع عن‬ ‫وأخل ظ‬ ‫الشهوات الدنيئة والرعونات النفسية ل بد إل أن ينحرف فأي سيره‪ ،‬أو ينقطع فأي‬ ‫منتصف الطريق‪ ،‬فأيضل ويشقى‪.‬‬ ‫قال ابن القيم رحمه ا‪) :‬لو كشف للعبد الغطاء عن ألطافأه تعالى وبره وصنعه له‬ ‫من حيث يعلم ومن حيث ل يعلم لذاب قلبه محبة له وشوقا ا إليه‪ ،‬ولكن حجب‬ ‫القلوب عن مشاهدة ذلك إخلدها إلى عالم الشهوات والتعلق بالسباب‪ ،‬فأصدت‬ ‫عن كمال نعيمها‪ ،‬وذلك تقدير العزيز العليم‪ ،‬وإل فأأي قلب يذوق حلوة معرفأة ا‬ ‫‪52‬‬

‫ومحبته ثم يركن إلى غيره‪ ،‬ويسكن إلى ما سواه ؟! هذا ما ل يكون أبداا‪ ،‬ومن ذاق‬ ‫شيئا ا من ذلك‪ ،‬وعرف طريقاا موصلة إلى ا ثم تركها‪ ،‬وأقبل على إرادته وراحته‬ ‫وشهواته ولذاته وقع فأي آثار المعاطب‪ ،‬وأودع قلبه سجون المضايق‪ ،‬وسعصذب فأي‬ ‫حياته عذابا ا لم يعفذب به أحد من العالمين‪ ،‬فأحياته عجز وغم وحزن‪ ،‬وموته كدر‬ ‫وحسرة‪ ،‬ومعاده أسف وندامة‪ ...‬فأناسر الحجاب تطلع كل وقت على فأؤاده‪،‬‬ ‫وإعراض الكون عنه ـ إذا أعرض عن ربه ـ حائل بينه وبين مراده‪ ،‬فأهو قبر‬ ‫يمشي على وجه الرض‪ ،‬وروحه فأي وحشة من جسمه‪ ،‬وقلبه فأي ملل من‬ ‫حياته‪...‬‬ ‫ت كلما طار طائسر‬ ‫ف ريسشه ريرى حسرا ظ‬ ‫فأأصبح كالبازي المنتف ل‬ ‫وقد كان دهراا فأي الرياض منعما ا على كل ما يهوى من الصيد قادر‬ ‫صا الجناحين حاسر(‬ ‫إلى أن أصابته من الدهر نكبة إذا هو مقصو س‬ ‫]"طريق الهجرتين" ابن القيم ص ‪ 227‬ـ ‪[230‬هلل‪.‬‬ ‫فأالنقطاع عن الطريق مصيبة كبرى‪ ،‬وخسران مبين‪ ،‬وسببه موافأقة السالك‬ ‫لشهوات نفسه وتطلعه للمقامات والكشوفأات وانحرافأه عن مقصده السمى‪.‬‬ ‫فأالسالك الصادق المخلص ل يطلب المقامات ول يقصد المراتب والكرامات‪ ،‬وإنما‬ ‫هي منازل يقطعها فأي طريقه إلى الغاية الكبرى دون انحراف أو التفات‪:‬‬ ‫ت فأي السير غيراا وكيل ما سوى ا غيفر فأاتخرذ ذكره حصنا ا‬ ‫فأل تلتف ر‬ ‫وكل مقام ل تقم فأيه‪ ،‬إنه حجاب فأجفد السيرر واستنجد العونا‬ ‫ومهما ترى كفل المراتب ستجرتلى عليك فأسحرل عنها‪ ،‬فأعن مثلها سحلنا‬ ‫وقل ليس لي فأي غير ذاتك مطلب فأل صورة تسرجلى‪ ،‬ول طرفأة ستجنى‬ ‫قال ابن عطاء ا السكندري رحمه ا تعالى‪) :‬ما أرادت همة سالك أن تقف عند‬ ‫ما سكشف لها إل ونادته هواتف الحقيقة‪ :‬الذي تطلب أمامك( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح‬ ‫الحكم" ج ‪/1‬صا ‪.[51‬‬ ‫وكما أن لكل طريق حسي مخاطر وعوائق وقطاعاا‪ ،‬فأإن للطريق الروحي القلبي‬ ‫ت ل بد من النتباه إليها‪ ،‬ومن هنا يظهر فأضل الدليل‪،‬‬ ‫مزالق ووهاداا وعقبا ظ‬ ‫وضرورة المرشد الذي يمسك بيد السالك فأيجنبه المخاطر‪ ،‬ويقيه شر المهالك‪.‬‬ ‫ولطالما كثر تحذيسر العلماء المرشدين للسائرين إلى ا تعالى من الوقوف‬ ‫‪53‬‬

‫والنقطاع‪ ،‬وشحسذ هممهم لمواصلة السير ومتابعة الجد‪ ،‬وترغيسبهم بنعيم الوصول‬ ‫وسعادة القرب‪.‬‬ ‫قال ابن القيم رحمه ا‪) :‬السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلمها‪ ،‬وأبصر‬ ‫المغاير والوهاد والطرق الناكبة عنها ؛ فأقد حصل له شطر السعادة والفلح‪ ،‬وبقي‬ ‫عليه الشطر الخر ؛ وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافأراا فأي الطريق‪،‬‬ ‫قاطعاا منازلها منزلة بعد منزلة‪ ،‬فأكلما قطع مرحلة استعد لقطع الخرى‪ ،‬واستشعر‬ ‫القرب من المنزل‪ ،‬فأهانت عليه مشقة السفر‪ ،‬وكلما سكنت نفسه من كلل السير‬ ‫ومواصلة الشصد والرحيل ؛ ورعردها قرب التلقي وبرد العيش عند الوصول‪ ،‬فأسيحدث‬ ‫لها ذلك نشاطا ا وفأرحاا وهمة فأهو يقول‪ :‬يا نفس أبشري فأقد قرب المنزل‪ ،‬ودنا‬ ‫التلقي فأل تنقطعي فأي الطريق دون الوصول فأيحال بينك وبين منازل الحبة‪ ،‬فأإن‬ ‫ت حميدة مسرورة جذلة وتلقتك الحبةس بأنواع‬ ‫ت المسرى وصل ل‬ ‫ت وواصل ل‬ ‫صبر ل‬ ‫التحف والكرامات‪ ،‬وليس بينك وبين ذلك إل صبر ساعة‪ ،‬فأإن الدنيا كلها كساعة‬ ‫من ساعات الخرة‪ ،‬وعمرك درجة من درج تلك الساعة‪ ،‬ا ا ل تنقطعي فأي‬ ‫ت تعلمين‪.‬‬ ‫المفازة‪ ،‬فأهو وا الهلك والعطب لو كن ل‬ ‫فأإن استصعب ر‬ ‫ت عليه فأليذصكرها ما أمامها من أحبابها‪ ،‬وما لديهم من الكرام‬ ‫والنعام‪ ،‬وما خلفها من أعدائها‪ ،‬وما لديهم من الهانة والعذاب وأنواع البلء‪ .‬فأإن‬ ‫رجعت فأإلى أعدائها رجوسعها‪ ،‬وإن تقدمت فأإلى أحبابها مصيرها‪ ،‬وإن وقفت فأي‬ ‫طريقها أدركها أعداؤها فأإنهم وراءها فأي الطلب‪ .‬ول بد لها من قسم من هذه‬ ‫القسام الثلثة فألتختر أيها شاءت‪ .‬وليجعرل حديث الحبة حاديها وسائقها‪ ،‬ونور‬ ‫ق لودادهم وحبهم غذاءها وشرابها‬ ‫صد ر‬ ‫معرفأتهم وإرشادهم هاديها ودليلها‪ ،‬و ل‬ ‫ودواءها‪ ،‬ول يوحرشه انفراسده فأي طريق سفره‪ ،‬ول يغتفر بكثرة المنقطعين‪ ،‬فأألم‬ ‫انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم‪ ،‬وحظه من القرب والكرامة مختص به دونهم‬ ‫فأما معنى الشتغال بهم والنقطاع معهم ؟!‪.‬‬ ‫وليعلم أن هذه الوحشة ل تدوم‪ ،‬بل هي من عوارض الطريق‪ ،‬فأسوف تبدو له‬ ‫الخيام‪ ،‬وسوف يخرج عليه المتلقون يهنئونه بالسلمة والوصول إليهم‪ ،‬فأيا قرة‬ ‫عينه إذ ذاك‪ ،‬ويا فأرحته إذ يقول‪} :‬يا لي ر‬ ‫ت قومي يعلمورن بما رغفررر لي رربي وجعلني‬ ‫لمرن السمكررميرن{ ]يس‪26 :‬ـ ‪"] ([27‬طريق الهجرتين" لبن القيم صا ‪ 232‬ـ ‪.[233‬‬ ‫ويختلف الواصلون فأي وصولهم إلى ا تعالى كل على حسب مقامه وهمته‪:‬‬

‫‪54‬‬

‫فأمنهم من وصل فأي سيره إلى وحدة الفأعال ذوقا ا وشهوداا‪ ،‬ويفنى فأعله وفأعل‬ ‫ت إذ رمي ر‬ ‫غيره‪ ،‬ويتذوق معنى قوله تعالى‪} :‬وما رمي ر‬ ‫ت وللكفن ار رمى{ ]النفال‪:‬‬ ‫‪ .[17‬وهذه رتبة فأي الوصول‪.‬‬ ‫ومنهم من يصل فأي سيره إلى وحدة الصفات ذوقا ا وشهوداا‪ ،‬فأيتذوق معنى قوله‬ ‫ا{ ]الدهر‪ .[30 :‬ويتذوق معنى الحديث‬ ‫تعالى‪} :‬وما تشاؤون إل أن يشاء س‬ ‫القدسي‪" :‬فأإذا أحبربسته كن س‬ ‫ت سمرعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به" ]أخرجه‬ ‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ .‬وهذه رتبة‬ ‫فأي الوصول‪.‬‬ ‫ومنهم من يترقى إلى مقام الفناء فأي الذات‪ ،‬فأيشهد رعررضية كل شيء مقابل وجود‬ ‫الحق عز وجل‪ ،‬وتفيض عليه أنوار اليقين‪ ،‬ولسان حاله يقول‪:‬‬ ‫ب عن الوجود لبما يبدو علفي من الشهود ويتذوق قول رسول ا‬ ‫وجودي أن أغي ر‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة رلبيد‪ :‬أل كيل شيء ما خل ا‬ ‫باطسل‪] "...‬أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب المناقب عن أبي هريرة رضي‬ ‫ك ذو‬ ‫ا عنه والمراد بالبطلن‪ :‬الفناسء أي‪} :‬سكيل رمرن عليها فأاظن ‪ .‬روريبقى روجهس ربص ر‬ ‫الجلل والكرام{ ]الرحمن‪26 :‬ـ ‪ [27‬كما فأي "هداية الباري لترتيب أحاديث‬ ‫البخاري" ج ‪/1‬صا ‪.[92‬‬ ‫والصوفأية فأي طريقهم للوصول إلى ا تعالى قد جعلوا قدوتهم ورائدهم سيد‬ ‫الوجود وإمام المتقين محمداا رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأنهجوا نهجه حين فأفر‬ ‫عليه الصلة والسلم إلى ربه‪ ،‬ولجأ إليه بعيداا عن الجو الوثني وعبادة الصنام‬ ‫والحجار وعن صخب الحياة وأوضارها‪.‬‬ ‫قال ا تعالى‪} :‬يا أييها النبيي إفنا أرسرلنا ر‬ ‫ك شاهداا وسمبرصشرار ونذيراا ‪ .‬وداعيا ا إلى ال‬ ‫بإذنلله ولسراجا ا منيراا{ ]الحزاب‪45 :‬ـ ‪ .[46‬فأساروا وراءه متبعين له فأي جميع‬ ‫حالته وأخلقه وأفأعاله‪.‬‬ ‫وقال ا تعالى‪} :‬قل إرن كرنستم تحيبون ار فأافتبعوني سيحبلربسكسم اس ويغفرر لسكرم ذنوبرسكم{‬ ‫]آل عمران‪ .[31 :‬فأساروا فأي طريقه الحنيف الذي سنه لهم غير منحرفأين ول‬ ‫ملتفتين‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫ق بكم‬ ‫وسمعوا نداء ا ‪} :‬وأفن هذا صراطي سمستقيما ا فأاتفلبعوه ول تتفلبعوا السسبسرل فأتففر ر‬ ‫عن سبيله{ ]النعام‪ .[153 :‬وقوله تعالى‪} :‬وما خلق س‬ ‫ت الجفن والنس إل للريعسبدولن{‬ ‫]الذاريات‪ .[56 :‬فألم تغفرهم الدنيا بزخارفأها ولم توقفهم بعلئقها‪.‬‬ ‫وسمعوا هواتف الحقيقة تهتف من وراء حجب الغيب‪} :‬أفأررحلسربستم أفنما خلرقناسكم عربثا ا‬ ‫وأنفسكم إلينا ل ترجعون{ ]المؤمنون‪ .[115 :‬فأأحبوا لقاء رمرن سيرجعون إليه‪ ،‬وجيدوا‬ ‫واجتهدوا فأي سيرهم الحثيث حتى وصلوا إلى ربهم سالمين غانمين‪.‬‬ ‫وها نحن نوضح بعض المقامات التي يمر بها السالك فأي سيره إلى ا تعالى‪،‬‬ ‫وأولها التوبة ؛ فأمن ل توبة له ل سير له‪ ،‬وهي منطلق السالك فأي سيره إلى ربه‪.‬‬ ‫التوبة‬ ‫التوبة‪ :‬رجوع عما كان مذموماا فأي الشرع إلى ما هو محمود فأيه‪ ،‬وهي مبدأ‬ ‫طريق السالكين‪ ،‬ومفتاح سعادة المريدين‪ ،‬وشرط فأي صحة السير إلى ا تعالى‪.‬‬ ‫وقد أمر ا تعالى المؤمنين بها فأي آيات كثيرة‪ ،‬وجعلها سببا ا للفلح فأي الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬وتوبوا إلى ال جميعا ا أييها المؤمنورن لعلفسكم ستفللسحورن{]النور‪.[31 :‬‬ ‫وقال تعالى‪} :‬استغفروا ربفسكرم ثم توبوا إليله{ ]هود‪.[52 :‬‬ ‫وقال تعالى‪} :‬يا أييها الذين آمنوا ستوبوا إلى ال توبرةا نصوحاا{ ]التحريم‪.[8 :‬‬ ‫وكان الرسول المعصوم عليه الصلة والسلم كثيراا ما يجدد التوبة ويكرر‬ ‫الستغفار تعليما ا ل س‬ ‫لمة وتشريعاا‪ :‬عن الغر بن يسار السمزني رضي ا عنه قال‪:‬‬ ‫قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬يا أيها الناس توبوا إلى ا واستغفروه‪ ،‬فأإني‬ ‫ب فأي اليوم مائة مرة" ]رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الذكر[‪.‬‬ ‫أتو س‬ ‫قال المام النووي رحمه ا تعالى‪) :‬التوبة واجبة من كل ذنب‪ ،‬فأإن كانت‬ ‫المعصية بين العبد وبين ا تعالى ل تتعلق بحق آدمي‪ ،‬فألها ثلثة شروط‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬أن يقلع عن المعصية‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أن يندم على فأعلها‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬أن يعزم أن ل يعود إليها أبداا‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫فأإن فأقد أحد الثلثة لم تصح توبته‪ .‬وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فأشروطها‬ ‫أربعة‪ :‬هذه الثلثة‪ ،‬وأن يبرأ من حق صاحبها‪ .‬فأإن كانت مالا أو نحوه رده إليه‪،‬‬ ‫ف ونحوه مفكنه منه أو طلب عفوه‪ ،‬وإن كانت‬ ‫وإن كان ]أي حق الدمي[ حفد قذ ظ‬ ‫لغيبة استحفله منها‪ .‬ويجب أن يتوب من جميع الذنوب( ]"رياض الصالحين" صا‬ ‫‪.[10‬‬ ‫ومن شروط التوبة ترك قرناء السوء‪ ،‬وهجر الصحاب الفسقة الذين يحببون‬ ‫للمرء المعصية‪ ،‬وينفرونه من الطاعة‪ ،‬ثم اللتحاق بصحبة الصادقين الخيار‪ ،‬كي‬ ‫تكون صحبتهم سياجاا يردعه عن العودة إلى حياة المعاصي والمخالفات‪.‬‬ ‫ولنا عبرة بالغة فأي الحديث الصحيح المشهور الذي روى لنا فأيه رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم قصة قاتل المائة ]رواه مسلم فأي صحيحه كتاب التوبة وعن أبي‬ ‫سعيد الخدري رضي ا عنه[ الذي أرشده أررعلسم أهل زمانه إلى أن ا يقبل توبته‪،‬‬ ‫واشترط عليه أن يترك البيئة الفاسدة التي كان لها الثر الكبير فأي انحرافأه‬ ‫وإجرامه‪ ،‬ثم أشار عليه أن يذهب إلى بيئة صالحة فأيها سأناس مؤمنون صالحون‬ ‫ليحبهم ويهتدي بهداهم‪.‬‬ ‫والصوفأي ل ينظر إلى صغر الذنب‪ ،‬بل ينظر إلى عظمة الرب‪ ،‬اقتدااء بأصحاب‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأقد كان أنس بن مالك رضي ا عنه يقول‪) :‬إنكم‬ ‫لتعملون أعمالا هي أدق فأي أعينكم من الشعر إرن كنا نعيدها على عهد رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم من الموبقات‪ .‬قال أبو عبد ا‪ :‬يعني بذلك المهلكات( ]رواه‬ ‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق عن أنس رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫ول يقف الصوفأي عند التوبة من المعصية‪ ،‬لنها فأي رأيه توبة العوام‪ ،‬بل يتوب‬ ‫من كل شيء يشغل قلبه عن ا تعالى‪ ،‬وإلى هذا أشار الصوفأي الكبير ذو النون‬ ‫المصري رضي ا عنه لما سئل عن التوبة فأقال‪:‬‬ ‫)توبة العوام من الذنوب‪ ،‬وتوبة الخواصا من الغفلة( ]"الرسالة القشيرية" باب‬ ‫التوبة صا ‪.[47‬‬ ‫ويقول عبد ا التميمي رضي ا عنه‪) :‬شتان بين تائب وتائب‪ ...‬فأتائب يتوب من‬ ‫الذنوب والسيئات‪ ،‬وتائب يتوب من الزلل والغفلت‪ ،‬وتائب يتوب من رؤية‬ ‫الحسنات والطاعات(]"الرسالة القشيرية" باب التوبة صا ‪.[47‬‬ ‫‪57‬‬

‫واعلم أن الصوفأي كلما صحح علمه بال تعالى‪ ،‬وكثر عمله دقت توبته ؛ فأمن‬ ‫ف عليه ما يدخل‬ ‫طهر قلبه من الثام والدناس وأشرقت عليه أنوار اليناس لم يرخ ر‬ ‫قلبه من خفي الفأات‪ ،‬وما يعكر صفوه حين يهم بالزلت‪ ،‬فأيتوب عند ذلك حياء‬ ‫من ا الذي يراه‪.‬‬ ‫ويستتبع التوبة الكثار من الستغفار آناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وهذا سيشعر‬ ‫الصوفأي بالعبودية الحقة والتقصير فأي حق موله‪ .‬فأهو اعتراف منه بالعبودية‬ ‫وإقرار بالربوبية‪.‬‬ ‫يقرأ الصوفأي فأي كتاب ا قوله تعالى‪} :‬فأسقل س‬ ‫ت استغفروا ربفسكم إنفهس كارن غففاراا ‪.‬‬ ‫ت ويجعرل‬ ‫يرسلل السمارء عليكم مدراراا ‪ .‬وسيملدردسكم بأمواظل وبنيرن ‪ .‬ويجعرل لكرم جنا ظ‬ ‫لكرم أنهاراا{ ]نوح‪10 :‬ـ ‪.[12‬‬ ‫ت وعيوظن ‪ .‬آخذيرن ما آتاهم ريبهم إفنهم كانوا قبرل‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬إفن المفتقيرن فأي جفنا ظ‬ ‫ذلك محسنيرن ‪ .‬كانوا قليلا لمرن الليل ما يهجعورن ‪ .‬وبالسحالر هسرم يستغفرورن{‬ ‫]الذاريات‪15 :‬ـ ‪.[18‬‬ ‫يقرأ الصوفأي هذه اليات وغيرها‪ ،‬فأيذرف الدمع أسفا ا على ما قصر فأي حياته‪،‬‬ ‫وحسرة على ما فأرط فأي جنب ا‪ .‬ثم يلتفت إلى عيوبه فأيصلحها وإلى تقصيراته‬ ‫فأيتداركها وإلى نفسه فأيزكيها‪ ،‬ثم يكثر من فأعل الطاعات والحسنات عملا بقوله‬ ‫عليه الصلة والسلم‪" :‬وأررتبللع السيئة الحسنةر تمحها" ]هذه فأقرة من حديث عن أبي‬ ‫ذر ومعاذ بن جبل رضي ا عنهما عن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬اتق‬ ‫ق حسظن" رواه‬ ‫ق الناس بخل ظ‬ ‫ا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخال ل‬ ‫الترمذي فأي كتاب البر وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬تعتبر دعوى المدعي نتيجة‬ ‫ت صفح ر‬ ‫دعواه‪ ،‬فأإن ظهر ر‬ ‫ت‪ ،‬وإل فأهو كذاب‪ ،‬فأتوبة ل تتبعها تقوى باطلة‪ ،‬وتقوى‬ ‫ل تظهر بها استقامة مدخولة‪ ،‬واستقامة ل ورع فأيها غير تامة‪ ،‬وورع ل ينتج‬ ‫زهداا قاصر‪ ،‬وزهد ل يشيد توك ا‬ ‫ل يابس‪ ،‬وتوكل ل تظهر ثمرته بالنقطاع إلى ا‬ ‫عن الكل واللفرجأل إليه صورة ل حقيقة لها‪ ،‬فأتظهر صحة التوبة عند اعتراض‬ ‫السمرحفرم‪ ،‬وكماسل التقوى حيث ل سمطفللع إل ا‪ ،‬ووجوسد الستقامة بالتحفظ على إقامة‬ ‫الورد فأي غير ابتداع‪ ،‬ووجوسد الورع فأي مواطن الشهوة عند الشتباه فأإن ترررك‬ ‫فأكذلك‪ ،‬وإل فأليس هنالك( ]"قواعد التصوف" للشيخ أحمد زروق صا ‪.[74‬‬ ‫‪58‬‬

‫المحاسبة‬ ‫وهي تهيئة الوازع الديني فأي النفس‪ ،‬وتربيتها على تنمية اللوم الباطني الذي‬ ‫يجردها من كل ما يقف أمامها عقبة فأي طريق الصفاء والمحبة واليثار‬ ‫والخلصا‪ .‬وللصوفأية فأي هذا المقام قدم راسخة وجهاد مشكور‪ ،‬وهم على أثر‬ ‫الرسول صلى ا عليه وسلم ينهجون منهجه‪ ،‬ويهتدون بهديه‪ .‬قال صلى ا عليه‬ ‫س من دان نفرسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز رمرن أرتبع نفسه هواها‪،‬‬ ‫وسلم‪" :‬الكيص س‬ ‫وتمنى على ا الماني" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة عن شداد بن أوس‬ ‫رضي ا عنه وقال‪ :‬حديث حسن‪ .‬الكيس‪ :‬العاقل‪ .‬دان نفسه‪ :‬حاسبها[‪.‬‬ ‫ومن حاسب نفسه ل يترك لها سبيلا إلى الشتغال بالباطل‪ ،‬إذ هو يشغلها‬ ‫بالطاعات‪ ،‬ويلومها على التقصير مع ا تعالى خشية منه‪ ،‬فأكيف تجد سبيلا إلى‬ ‫اللهو والبطالة ؟!‬ ‫قال السيد أحمد الرفأاعي رحمه ا تعالى‪) :‬من الخشية تكون المحاسبة‪ ،‬ومن‬ ‫المحاسبة تكون المراقبة‪ ،‬ومن المراقبة يكون دوام الشغل بال تعالى( ]"البرهان‬ ‫المؤيد" للسيد أحمد الرفأاعي صا ‪.[56‬‬ ‫وما أشبه حال الصوفأية فأي هذا بما كان يأخذ به النبي صلى ا عليه وسلم أصحابه‬ ‫من تربية روحية خالصة تغرس فأي نفوسهم اللوم الباطني ؛ فأقد روي أن رسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم خرج يوماا من بيته‪ ،‬يطوي بطنه على الجوع‪ ،‬فأالتقى‬ ‫بصاحبيه أبي بكر وعمر رضي ا عنهما‪ ،‬فأعلم منهما أن أمرهما كأمره‪ ،‬وأنهما‬ ‫ل يجدان قوت يومهما‪ ،‬والتقى بهم رجل من النصار‪ ،‬لم تخدعه بشاشستهم‪ ،‬فأعلم‬ ‫أمرهم فأاستضافأهم‪ ،‬فألما وصلوا إلى منزله وجدوا تمراا ومااء بارداا وظلا وارفأاا‪،‬‬ ‫فألفما تبفلغوا بتمرات‪ ،‬وشربوا من الماء‪ ،‬قال صلوات ا وسلمه عليه‪" :‬هذا من‬ ‫النعيم الذي ستسألون عنه" ]"تفسير ابن كثير" ج ‪/4‬صا ‪ 545‬موجزاا[‪.‬‬ ‫ي نعيم هذا حتى سيسألوا عنه‪ ،‬وسيحارسبوا عليه ؟! بضع تمرات‪ ،‬وجرعة ماء تنقع‬ ‫أ ي‬ ‫الغليل‪ ،‬يعتبرها الرسول صلى ا عليه وسلم من النعيم الذي يسألهم ربهم عنه يوم‬ ‫القيامة‪ .‬أليس فأي هذه اللفتة الكريمة من الرسول صلى ا عليه وسلم نفحة ترمي‬ ‫إلى طبع النفس بطابع الوازع القوي والحساس المرهف والشعور الدقيق والتبعة‬ ‫الكبرى والمسؤولية الضخمة فأي كل تصرف تهدف إليه النفس بين حين وآخر ؟‬ ‫وإن المحاسبة لتثمر الشعور بالمسؤولية تجاه ا تعالى وتجاه خلقه‪ ،‬وتجاه النفس‬ ‫‪59‬‬

‫المكلفة بالتكاليف الشرعية من أوامر ونواظه‪ .‬فأبالمحاسبة يفهم النسان أنه ما سوجد‬ ‫عبثاا‪ ،‬وأنه ل بفد راجع إلى ا تعالى‪ ،‬كما أخبر رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"ما منكم من أحد إل سيكلمه ا‪ ،‬ليس بينه وبينه ترجمان‪ ،‬فأينظر أيمن منه فأل‬ ‫يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر أشأم منه فأل يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر بين يديه فأل يرى إل‬ ‫النار تلقاء وجهه‪ ،‬فأاتقوا النار ولو بشق تمرة‪ ،‬فأمن لم يجد فأبكلمة طيبة" ]رواه‬ ‫مسلم فأي كتاب الزكاة عن عدي بن حاتم رضي ا عنه‪ ،‬والترمذي فأي كتاب صفة‬ ‫القيامة[‪.‬‬ ‫فأينبثق من قلبه الرجوع الختياري بالتوبة النصوح‪ ،‬ويترك الشواغل الفانية التي‬ ‫تشغله عن خالقه تعالى‪ ،‬ويفر إلى ا من كل شيء‪} :‬فأرفليروا إلى ال إصني لكم لمرنهس‬ ‫نذير مبيفن{ ]الذاريات‪.[50 :‬‬ ‫فأففر مع تلك الفئة المؤمنة الصوفأية فأي سفرهم إلى ا تعالى‪ ،‬مجيبا ا هواتف الغيب‪:‬‬ ‫}يا أييها الذيرن آمنوا افتقوا ار وكونوا مرع الصادقيرن{]التوبة‪.[119 :‬‬ ‫وإنما القوم مسافأرونا‬

‫لحضرة الحق وظاعنونا‬

‫فأآواهم المبيت فأي حضرته الكبرى‪ ،‬وأكرمهم الجناب القدس بتلك العندية التي‬ ‫ق عنرد مليظك مقتدظر{ ]القمر‪.[55 :‬‬ ‫ينشدها كيل محب ل تعالى‪} :‬فأي مقرعلد صد ظ‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬الغفلة عن محاسبة النفس‬ ‫توجب غلظها فأيما هي به‪ ،‬والتقصير فأي مناقشتها يدعو لوجود الرضا عنها‪،‬‬ ‫والتضييق عليها يوجب نفرتها‪ ،‬والرفأق بها معين على بطالتها‪ .‬فألزم دوام‬ ‫المحاسبة مع المناقشة‪ ،‬والخذ فأي العمل بما قارب وصح‪ ،‬دون مسامحة فأي‬ ‫واضح‪ ،‬ول مطالبة بخفي من حيث العمل‪ ،‬واعتبر فأي النظر تركا ا وفأعلا واعتبر‬ ‫فأي قولهم‪ :‬من لم يكن يومه خيراا من أمسه فأهو مغبون‪ ،‬ومن لم يكن فأي زيادة فأهو‬ ‫فأي نقصان‪ ،‬وإن الثبات فأي العمل زيادة فأيه‪ ،‬ولمرن ثرفم قال الجنيد رحمه ا‪ :‬لو أقبل‬ ‫مقبل على ا رسنة ثم أعرض عنه لكان ما فأاته منه أكثر مما ناله( ]"قواعد‬ ‫التصوف" للشيخ أحمد زروق صا ‪.[75‬‬

‫‪60‬‬

‫الخوف‬ ‫قال حجة السلم المام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬اعلم أن حقيقة الخوف هو تألم‬ ‫القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه فأي المستقبل‪ ،‬وقد يكون ذلك من جريان ذنوب‪،‬‬ ‫وقد يكون الخوف من ا تعالى بمعرفأة صفاته التي توجب الخوف ل محالة‪ ،‬وهذا‬ ‫أكمل وأتم‪ ،‬لن من عرف ا خافأه بالضرورة‪ ،‬ولهذا قال ا تعالى‪} :‬إفنما يخشى‬ ‫اللـهر من عبالدله العلماسء{ ]فأاطر‪"] ([28:‬الربعين فأي أصول الدين" صا ‪.[196‬‬ ‫ي فأارهبولن{ ]البقرة‪:‬‬ ‫وقد دعا ا تعالى عباده إلى الخوف منه وحده فأقال‪}:‬وإفيا ر‬ ‫‪[40‬هلل‪.‬‬ ‫صرفهم بالخوف فأقال‪} :‬يخافأورن رربفسهم لمرن فأولقهم{]النحل‪.[50 :‬‬ ‫ومدح المؤمنين وو ر‬ ‫وجعل ا الخوف من شروط كمال اليمان فأقال‪} :‬وخافأولن إرن كنستم مؤمنيرن{ ]آل‬ ‫عمران‪.[175 :‬‬ ‫ووعد ا من خاف مقامه جنتين‪ :‬جنةر المعارف فأي الدنيا‪ ،‬وجنةر الزخارف فأي‬ ‫الخرة فأقال‪} :‬وللرمرن خاف مقارم رصبه جفنتالن{ ]الرحمن‪.[46 :‬‬ ‫وجعل ا الجنة مأوى من خاف مقام ربه فأقال‪} :‬وأفما رمرن خاف مقارم ربصله ونهى‬ ‫النفس علن الهوى فأإفن الرجفنة هي المأوى{ ]النازعات‪40 :‬ـ ‪.[41‬‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬من بواعث العمل وجود‬ ‫الخشية وهي تعظيم يصحبه مهابة‪ .‬والخوف هو انزعاج القلب من انتقام الرب(‬ ‫]"قواعد التصوف" صا ‪.[74‬‬ ‫والخوف يتمثل فأي نشيج من سيقصدر خطورة العواقب فأيقف عند الواجب‪ ،‬ول‬ ‫يعرض نفسه لزيغ ول إثم ؛ بل ول يقف فأي مواطن توشك أن توقعه فأي الشر‬ ‫والفساد‪ ،‬ثم يترقى الصوفأي فأي الخوف فأيتحلى بأشرف ما يتحلى به المقربون‪،‬‬ ‫وعندئذ تنتقل مظاهر الخوف من عالم الجسم إلى عالم الروح ؛ فأتكون للعارف‬ ‫أشجان ل يدركها إل أهل الصفاء‪.‬‬ ‫وفأي هذا المقام يصف سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي ا عنه السيدة رابعة‬ ‫‪61‬‬

‫العدوية بأنها كانت كثيرة البكا والحزن‪ ،‬وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها‬ ‫زماناا‪ ،‬وكان موضع سجودها كهيئة الحوض الصغير من دموعها‪ ،‬وكأن النار ما‬ ‫خلقت إل لجلها‪ ،‬وسر ذلك الخوف إنما هو العتقاد بأن كل بلء دون النار يسير‪،‬‬ ‫وأن كل رخ ر‬ ‫ب دون البعد عن ا تعالى هين‪.‬‬ ‫ط ظ‬ ‫ويرى الصوفأية أن المحب ل سيسقى كأس المحبة إل بعد أن ينضح الخو س‬ ‫ف قلربه‪.‬‬ ‫ومن لم يكن له مثل تقواه لم يدلر ما الذي أبكاه‪ ،‬ومن لم يشاهد جمال يوسف لم يدلر‬ ‫ما الذي آلم يعقوب‪.‬‬ ‫وليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه‪ ،‬إنما الخائف من يترك ما يخاف أن يعفذب‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫قال أبو سليمان الداراني رحمه ا تعالى‪) :‬ما فأارق الخوف قلبا ا إل خرب(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[60‬‬ ‫وليس الخائفون بمرتبة واحدة ؛ بل هم على مراتب مختلفة‪ ،‬وقد صنف ابن عجيبة‬ ‫رحمه ا تعالى مراتبهم إلى ثلث مراتب فأقال‪) :‬خوف العامة من العقاب وفأوات‬ ‫الثواب‪ ،‬وخوف الخاصة من العتاب وفأوات القتراب‪ ،‬وخوف خاصة الخاصة من‬ ‫الحتجاب بعروض سوء الدب( ]"معراج التشوف إلى حقائق التصوف" صا ‪.[6‬‬

‫‪62‬‬

‫الرجاء‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي تعريف الرجاء‪) :‬الرجاء‪ :‬السكون‬ ‫لفضله تعالى بشواهد العمل فأي الجميع‪ ،‬وإل كان اغتراراا( ]"قواعد التصوف"‬ ‫صا ‪.[74‬‬ ‫ي‬ ‫وقد حثنا ا تعالى على الرجاء ونهانا عن القنوط من رحمته فأقال‪} :‬قسرل يا عباد ر‬ ‫ب جميعا ا إفنه‬ ‫الذيرن أسررفأوا على أرنفسلسهم ل تقرنطوا لمرن رحملة ال إفن ا يغفر الذنو ر‬ ‫هو الغفوسر الرحيسم{ ]الزمر‪.[53 :‬‬ ‫وقال تعالى مبشراا بسعة رحمته‪} :‬ورحرمتي رولسرع ر‬ ‫ت سكفل شيظء{ ]العراف‪.[155 :‬‬ ‫وقال تعالى فأي وصف الذين يرجون رحمته‪} :‬إفن الذيرن آمنوا والذين هاجروا‬ ‫ا{ ]البقرة‪.[218 :‬‬ ‫وجاهدوا فأي سبيل ال أولئ ر‬ ‫ك ريرسجورن رحمة ل‬ ‫وجاء الحث على رجاء رحمة ا فأي كثير من الحاديث الشريفة منها‪:‬‬ ‫ما روي عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"والذي نفسي بيده لو لم تسرذنبوا لذهب ا بكم وجاء بقوم يذنبون فأيستغفرون ا‬ ‫تعالى فأيغفر لهم" ]أخرجه مسلم فأي كتاب التوبة[‪.‬‬ ‫وعن أبي موسى الشعري رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫"يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها ا لهم‪،‬‬ ‫ويضعها على اليهود والنصارى" ]أخرجه مسلم فأي كتاب التوبة[‪.‬‬ ‫وعن ابن عمر رضي ا عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫"سيدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنرفه فأيقرره بذنوبه فأيقول‪:‬‬ ‫ب أعلر س‬ ‫ف‪ .‬قال‪ :‬فأإني قد سترتها‬ ‫ب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فأيقول‪ :‬رر ص‬ ‫أتعرف ذرن ر‬ ‫عليك فأي الدنيا‪ ،‬وأنا أغفرها لك اليوم‪ .‬فأيعطى صحيفة حسناته" ]أخرجه مسلم فأي‬ ‫كتاب التوبة‪ ،‬والبخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق‪ .‬كنفه‪ :‬ستره ورحمته[‪.‬‬ ‫والرجاء يختلف عن التمني‪ ،‬إذ الراجي هو الذي يأخذ بأسباب الطاعة طالبا ا من ا‬ ‫الرضى والقبول‪ ،‬بينما يترك المتمني السباب والمجاهدات‪ ،‬ثم ينتظر من ا‬ ‫‪63‬‬

‫الجر والمثوبة‪ ،‬فأهو الذي قال فأي حقه عليه الصلة والسلم‪" :‬والعاجز من أتبع‬ ‫نفسه هواها وتمنى على ا الماني" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪:‬‬ ‫حديث حسن‪ ،‬وابن ماجه فأي كتاب الزهد‪ .‬كلهما عن شداد بن أوس رضي ا‬ ‫عنه[‪.‬‬ ‫إذ كل رمرن رجا ا تعالى وطلبه‪ ،‬عليه أن يشمر عن ساعد الجد والجتهاد بصدق‬ ‫وإخلصا حتى ينال مطلوبه‪ ،‬ولهذا قال تعالى معلما ا طريق طلبه‪} :‬فأرمرن كارن يرجو‬ ‫لقارء رصبه فأليرعرمرل عملا صالحا ا ول سيشلررك بعبادة رصبه أحداا{ ]الكهف‪.[110 :‬‬ ‫فأعلى العبد إن كان فأي ريعان شبابه مقارفأا ا للذنوب مطيعا ا لنفسه الشهوانية أن يسرغصلب‬ ‫جانب الخوف على الرجاء‪ .‬أما إذا كان فأي نهاية عمره فأعليه أن يسرغصلب الرجاء كما‬ ‫قال تعالى فأي الحديث القدسي‪" :‬أنا عند ظن عبدي بي" ]خرجه البخاري فأي‬ ‫صحيحه فأي كتاب التوحيد عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫وكما قال عليه الصلة والسلم فأي الحديث الذي يرويه جابر بن عبد ا رضي ا‬ ‫عنه‪" :‬ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بال عز وجل" ]رواه مسلم فأي كتاب‬ ‫الجنة باب المر بحسن الظن بال تعالى[‪.‬‬ ‫وإن كان العبد مقبلا على ربه سالكاا طريق قربه فأعليه أن يجمع بين مقامي الخوف‬ ‫ف على الرجاء حتى يقنط من رحمة ا تعالى وعفوه‪ ،‬ول‬ ‫والرجاء‪ ،‬ل يسرغلص س‬ ‫ب الخو ر‬ ‫ب الرجارء على الخوف حتى يسترسل فأي مهاوي المعاصي والسيئات‪ ،‬بل يطير‬ ‫يسرغلص س‬ ‫بهما محلقاا فأي أجواء صافأية ؛ فأل يزال فأي قرب ودنو من الحضرة اللهية‪ ،‬قد‬ ‫حقق صفة هؤلء الذين وصفهم ربهم بقوله‪} :‬تتجافأى سجسنوسبهم علن المضالجلع‬ ‫يدعورن ربفرهم خوفأا ا وطررمعاا{ ]السجدة‪ [16 :‬خوفأا ا من ناره‪ ،‬وطمعا ا فأي جنته‪ ..‬خوفأا ا‬ ‫من بعده‪ ،‬وطمعا ا فأي قربه‪ ..‬خوفأا ا من هجره وطمعا ا فأي رضاه‪ ..‬خوفأا ا من قطيعته‬ ‫وطمعا ا فأي وصاله‪..‬‬ ‫وليس الراجون بمرتبة واحدة‪ ،‬بل هم على مراتب ذكرها ابن عجيبة رحمه ا‬ ‫صة حصول‬ ‫تعالى إذ قال‪) :‬رجاء العامة حسن المآب بحصول الثواب‪ ،‬ورجاء الخا ف‬ ‫صة التمكين من الشهود وزيادة الترقي‬ ‫الرضوان والقتراب‪ ،‬ورجاء خاصة الخا ف‬ ‫فأي أسرار الملك المعبود( ]"معراج التشوف" صا ‪.[6‬‬

‫‪64‬‬

‫الصدق‬ ‫ل بد للمريد الطالب سلورك سبيل النجاة والوصول إلى ا تعالى من أن يتحقق‬ ‫بصفات ثلث‪ :‬الصدق والخلصا والصبر‪ ،‬لن جميع صفات الكمال ل يتحلى‬ ‫بها النسان إل إذا كان متصفاا بهذه الصفات الثلث‪ ،‬وكذلك ل تتم العمال إل بها‪،‬‬ ‫ت العمارل فأسدت ولم تنل القبول‪.‬‬ ‫فأإذا فأارقر ل‬ ‫ولما كان الباعث على العمل الصالح والترقي فأي مدارج الكمال هو الصدق ؛‬ ‫نبتدىء بالكلم عليه أو ا‬ ‫ل‪ ،‬ثم بالخلصا ثانياا‪ ،‬ثم بالصبر ثالثاا‪.‬‬ ‫لقد ذهب العلماء فأي تقسيم الصدق مذاهب شتى‪ ،‬فأمنهم من أسهب فأي التفصيل‬ ‫والتفريع‪ ،‬ومنهم من سلك مسلك القتضاب واليجاز‪.‬‬ ‫فأقد ذكر حجة السلم المام الغزالي رحمه ا تعالى للصدق معان ستة فأقال‪:‬‬ ‫)اعلم أن لفظ الصدق يستعمل فأي ستة معان‪ :‬صدق فأي القول‪ ،‬وصدق فأي النية‬ ‫والرادة‪ ،‬وصدق فأي العزم‪ ،‬وصدق فأي الوفأاء بالعزم‪ ،‬وصدق فأي العمل‪ ،‬وصدق‬ ‫فأي تحقيق مقامات الدين كلها‪ ،‬فأمن اتصف بالصدق فأي جميع ذلك فأهو صصديق‪:‬‬ ‫‪1‬ـ صدق اللسان يكون فأي الخبار‪ ،‬وفأيه يدخل الوفأاء بالوعد والخلف فأيه‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫فأي المعاريض مندوحة عن الكذب‪.‬‬ ‫‪2‬ـ صدق فأي النية والرادة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى الخلصا ؛ وهو أن ل يكون له‬ ‫باعث فأي الحركات والسكنات إل ا تعالى‪.‬‬ ‫‪3‬ـ صدق فأي العزم على العمل ل تعالى‪.‬‬ ‫‪4‬ـ صدق فأي الوفأاء بالعزم بتذليل العقبات‪.‬‬ ‫‪5‬ـ صدق فأي العمال حتى ل تدل أعماله الظاهرة على أمر فأي باطنه ل يتصف‬ ‫به‪.‬‬ ‫‪6‬ـ الصدق فأي مقامات الدين كالخوف والرجاء والتعظيم والزهد‪ ،‬والرضا والتوكل‬ ‫والحب( ]"إحياء علوم الدين" ج ‪/4‬صا ‪.[334‬‬ ‫‪65‬‬

‫وأما القاضي زكريا النصاري رحمه ا تعالى فأقد ذكر للصدق محلت ثلثة‬ ‫فأقال‪) :‬الصدق هو الحكم المطابق للواقع‪ ،‬ومحله اللسان والقلب والفأعال‪ ،‬وكل‬ ‫منها يحتاج إلى وصف يخصه‪ ،‬فأهو فأي اللسان‪ :‬الخبار عن الشيء على ما هو‬ ‫عليه‪ .‬وفأي القلب‪ :‬العزم الكيد‪ .‬وفأي الفأعال‪ :‬إيقاعها على وجه النشاط والحب‪.‬‬ ‫ق للمتصف به( ]"الرسالة‬ ‫وسببه‪ :‬الوثوق بخبر المتصف‪ ،‬وثمرته‪ :‬مدسح ا والخل ل‬ ‫القشيرية" صا ‪.[97‬‬ ‫ومفهوم الصدق عند عوام المسلمين قاصر على صدق اللسان‪ ،‬ولكن السادة‬ ‫الصوفأية قصدوا بالصدق مفهومه العام الذي يشمل بالضافأة إلى صدق اللسان‬ ‫صدق القلب وصدق الفأعال والحوال‬ ‫قال العلمة ابن أبي شريف رحمه ا تعالى فأي حواشي العقائد‪) :‬الصدق استعمله‬ ‫الصوفأية بمعنى استواء السر والعلنية والظاهر والباطن بألف تكذب أحواسل العبد‬ ‫أعمارله‪ ،‬ول أعماسله أحوارله ]"شرح رياض الصالحين" لبن علن الصديقي‪ .‬ج ‪1‬‬ ‫صا ‪ [282‬فأالصدق بمفهومهم هذا‪ ،‬صفة ينبعث منها العزم والتصميم والهمة على‬ ‫الترقي فأي مدارج الكمالت‪ ،‬والتخلي عن الصفات الناقصة المذمومة‪.‬‬ ‫والصدق بهذا العتبار سيف ا تعالى فأي يد السالك يقطع به حبال العلئق‬ ‫والعوائق التي تعترض طريقه فأي سيره إلى ا تعالى‪ ،‬ولوله لما استطاع أن‬ ‫ينطلق فأي مدارج الترقي ولكان معفرضا ا للوقوف والنقطاع‪.‬‬ ‫قال العلمة ابن قيم الجوزية رحمه ا تعالى‪) :‬إفن صدق التأهب للقاء ا هو‬ ‫مفتاح جميع العمال الصالحة والحوال اليمانية‪ ،‬ومقامات السالكين إلى ا‪،‬‬ ‫ومنازل السائرين إليه من اليقظة والتوبة والنابة والمحبة والرجاء والخشية‬ ‫والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح‪ ،‬فأمفتاح ذلك كله صدق‬ ‫ب سواه(‬ ‫التأهب والستعداد للقاء ا‪ ،‬والمفتاح بيد الفتاح العليم‪ ،‬ل إله غيره ول ر ف‬ ‫]"طريق الهجرتين" لبن قيم الجوزية المتوفأى سنة ‪751‬هـ صا ‪.[223‬‬ ‫فأإذا تحلى السالك بالصدق استطاع أن يسير بخطى سريعة نحو مراتب اليمان‬ ‫العالية‪ ،‬إذ هو القوة الدافأعة والمحركة‪ ،‬وهو الصفة اللزمة لكل مقام من مقامات‬ ‫السلوك إلى ا تعالى‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫فأأول مراحل السير هو صدق العبد فأي إنابته إلى ربه بالتوبة النصوح التي هي‬ ‫أساس العمال الصالحة‪ ،‬وأول درجات الكمال‪.‬‬ ‫والصدق فأي تهذيب النفس المارة‪ ،‬يحقق النجاح الكبير فأي التخلص من أمراضها‬ ‫وشهواتها‪ ،‬ويطهر القلب من الخبائث حتى ينتهي إلى اليمان الذوقي الذي وصفه‬ ‫ق ر‬ ‫طعرم اليمالن‪"] "...‬ذاق طعم اليمان‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬رذا ر‬ ‫من رضي بال تعالى ربا ا وبالسلم دينا ا وبمحمد نبياا"‪ .‬أخرجه مسلم فأي كتاب‬ ‫اليمان عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬والمام أحمد والترمذي عن العباس بن‬ ‫عبد المطلب رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫والصدق فأي محاربة الشيطان والتخلص من وساوسه يجعل المؤمن فأي نجاة من‬ ‫كيده وأمان من شره‪ ،‬كما يجعل الشيطارن فأي يأس وقنوط من إضلله وغوايته‪.‬‬ ‫والصدق فأي إخراج حب الدنيا من القلب يرحمسل النسان على المجاهدة المستمرة‬ ‫بالصدقة واليثار والتعاون الخيري‪ ،‬حتى يتخلص من حبها وينجو من سيطرتها‬ ‫على قلبه‪.‬‬ ‫والصدق فأي طلب العلم تخلصا ا من الجهل وتصحيحا ا للعمل‪ ،‬يحمل النسان على‬ ‫الستقامة والمثابرة‪ ،‬وتحمل المشاق وسهر الليالي كي ينال منه أوفأر نصيب وأكبر‬ ‫قسط‪ ،‬وما نبغ العلماء إل بصدقهم وإخلصهم وصبرهم‪.‬‬ ‫والصدق فأي العمل هو ثمرة العلم وغايته‪ ،‬إذ يجعل العبد فأي ارتقاء دائم‪ ،‬ويجعل‬ ‫ض‬ ‫علمه سبباا فأي كماله‪ ،‬ول بد من إخلصا فأي ذلك‪ ،‬وإل قد يدخل على السائر بع س‬ ‫العلل الموقفة له عن مطلوبه من حب الشهرة والسمعة واللتفات إليها‪...‬‬ ‫فأالخلصا فأي الصدق يزيل هذه الشوائب من طريق الغاية المنشودة وهي رضاء‬ ‫ا تعالى ومعرفأته ومحبته‪.‬‬ ‫ومن هنا تظهر أهمية الصدق وعظيم آثاره‪ ،‬ولذلك اعتبره الحق سبحانه أرفأع‬ ‫الدرجات بعد النبوة والرسالة‪ ،‬قال أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى‪) :‬الصدق‬ ‫عماد المر وبه تمامه‪ ،‬وفأيه نظامه‪ ،‬وهو تالي درجة النبوة‪ .‬قال ا تعالى ‪} :‬ورمرن‬ ‫صلديقيرن والشهدالء‬ ‫ك مرع الذيرن أرنرعرم اس عليهم من الفنبصييرن وال ص‬ ‫يسلطلع ار ورسولرهس فأسأولئ ر‬ ‫ك رفأيقاا{ ]النساء‪"] ([69 :‬الرسالة القشيرية" صا ‪.[97‬‬ ‫والصالحيرن وحسسرن أولئ ر‬ ‫ولهذا أمر ا تعالى المؤمنين أن يلزموا أهل الصدق ليستفيدوا من حالهم وينتفعوا‬ ‫من صدقهم فأقال‪} :‬يا أيها الذين آمنوا افتقوا ار وكونوا مع الصادقيرن{ ]التوبة‪:‬‬ ‫‪.[119‬‬ ‫‪67‬‬

‫ووصف ا تعالى الصادقين بالقلة‪ ،‬وأنهم الفئة المختارة من المؤمنين فأقال‪} :‬لمرن‬ ‫المؤمنيرن لرجافل صدقوا ما عاهدوا ار عليه{ ]الحزاب‪.[23 :‬‬ ‫وقال معروف الكرخي رحمه ا تعالى مشيراا إلى قلة الصادقين‪) :‬ما أكثر‬ ‫الصالحين وأقل الصادقين فأي الصالحين!( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[87‬‬ ‫كما نفدرد ا تعالى بالمنافأقين الذين لم ير ر‬ ‫صسدقوا فأي إيمانهم وعهدهم مع رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم فأقال‪} :‬فألو صردسقوا ار لكارن خيراا لسهم{ ]محمد‪.[21 :‬‬ ‫وقد أخبر ا تعالى أن العبد يوم القيامة يجني ثمار صدقه‪ ،‬ويكون صدقه سبب‬ ‫صردقسسهم{]المائدة‪.[119 :‬‬ ‫نفعه ونجاته فأقال‪} :‬هذا يوسم يررنفرسع الصادقيرن ل‬ ‫وقد اعتبر الرسول صلى ا عليه وسلم الصدق سبيلا موصلا إلى البر الذي يشمل‬ ‫كل الفضائل والكمالت التي تؤهل العبد لدخول الجنة‪ ،‬كما جعل دوام التصاف‬ ‫بالصدق مفتاحا ا لنيل مرتبة الصصديقية فأقال‪" :‬إن الصدق يهدي إلى اللبر‪ ،‬وإن اللبر‬ ‫صسد س‬ ‫يهدي إلى الجنة‪ ،‬وإن الرجل لي ر‬ ‫ب عند ا صصديقاا‪ ،‬وإن الكذب يهدي‬ ‫ق حتى سيكتر ر‬ ‫ب عند ا‬ ‫إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى النار‪ ،‬وإن الرجل لرريكلذ س‬ ‫ب حتى سيكت ر‬ ‫كذاباا" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الدب‪ ،‬ومسلم فأي كتاب البر عن‬ ‫ابن مسعود رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫وقد أوضح الرسول عليه الصلة والسلم أن الصدق يثمر طمأنينة القلب وراحة‬ ‫الفكر‪ ،‬بينما يسبب الكذب حالت من القلق والضطراب والشك وعدم الستقرار‪،‬‬ ‫فأقد روي عن الحسن بن علي رضي ا عنهما أنه قال‪ :‬حفظت من رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك فأإن الصدق طمأنينة والكذب‬ ‫ريبة" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬ ‫صديق‪ .‬قال أبو‬ ‫وليس الصادقون بمرتبة واحدة‪ ،‬بل هناك الصادق‪ ،‬وأعلى منه ال ص‬ ‫القاسم القشيري رحمه ا تعالى‪) :‬أقل الصدق استواء السر والعلنية‪ ،‬والصادق‬ ‫صصديق من صدق فأي جميع أقواله وأفأعاله وأحواله(‬ ‫من صدق فأي أقواله‪ ،‬وال ص‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪ .[97‬ورتبة الصصديقية فأي نفسها مراتب متفاوتة‪ ،‬بعضها‬ ‫أعلى من بعض‪ ،‬وقد نال أبو بكر الصديق رضي ا عنه ذروة سنام الصديقية‪،‬‬ ‫ق به{ ]الزمر‪.[32 :‬‬ ‫وشهد ا تعالى بذلك فأقال‪} :‬والذي جارء بال ص‬ ‫ق وصفد ر‬ ‫صد ل‬ ‫‪68‬‬

‫ول يعلو مقارم الصديقية إل مقاسم النبوة‪ ،‬فأمقام الصديقية مقام الولية الكبرى‬ ‫والخلفأة العظمى‪ ،‬وهذا المقام تترارد س‬ ‫ف فأيه الفتوحات وتعظم التجليات وتتم‬ ‫المشاهدات والكشوفأات لكمال النفس وحسن صفائها‪.‬‬ ‫الخلصة‪:‬‬ ‫إن من يعمر باطنه بالصدق والخلصا‪ ،‬تجري حركاته وسكناته على حسب ما‬ ‫فأي قلبه ؛ فأيظهر الصدق فأي أحواله وأقواله وأعماله‪ ،‬لن من أررسفر سريرة ألبسه‬ ‫ا رداءها‪.‬‬ ‫قال العلمة القرطبي رحمه ا تعالى‪) :‬ح ي‬ ‫ق على كل من فأهم عن ا تعالى أن‬ ‫يلزم الصدق فأي القوال‪ ،‬والخلصا فأي العمال‪ ،‬والصفاء فأي الحوال‪ ،‬فأرمرن‬ ‫كان كذلك لحق بالبرار‪ ،‬ووصل إلى رضاء الغفار( ]"شرح رياض الصالحين"‬ ‫لبن علن ج ‪/1‬صا ‪.[284‬‬ ‫فأعليك أيها المريد أن تكون صادقا ا فأي أقوالك لن الكذب من صفات المنافأقين‪ .‬قال‬ ‫عليه الصلة والسلم‪" :‬آية المنافأق ثلث‪ :‬إذا حفدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا‬ ‫ائتمن خان" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب اليمان‪ ،‬ومسلم فأي كتاب‬ ‫اليمان عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ .‬قال المناوي فأي شرح هذا الحديث‪) :‬النفا س‬ ‫ق‬ ‫ضربان‪ :‬شرعي‪ :‬وهو إبطان الكفر وإظهار اليمان‪ ،‬وعرفأي‪ :‬وهو أن يكون سره‬ ‫خلف علنيته‪ ،‬وهو المراد هنا(‪" .‬فأيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/1‬صا‬ ‫‪.[63‬‬ ‫وكن صادقاا فأي طلب الوصول إلى ا تعالى‪ ،‬فأالمقاصد العالية ل ستنال بالتشهي‪،‬‬ ‫لذلك قيل‪) :‬ل ينال الوصول من كان فأي قلبه شهوة الوصول( بل يناله بالجد‬ ‫والجتهاد‪.‬‬ ‫وعرمر قلبك بالصدق لتنبعث منه الهمة والنشاط فأي سيرك إلى ا تعالى‪.‬‬ ‫وتحقق بالصدق إن قلت ياا فأالصدق وجهه مقبول وعليك بالصدق فأي عهدك مع‬ ‫مرشدك ودليلك إلى ا تعالى حتى يكون ذلك عونا ا لك على ترقيك وسرعة‬ ‫وصولك‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫وكن صادقا ا فأي موافأقتك لربك أمراا ونهياا وفأي اتباعك لرسوله صلى ا عليه وسلم‬ ‫حتى تتحقق بالعبدية ل تعالى‪ ،‬فأهي سأمنية السالكين لربهم فأي جميع مراتبهم‬ ‫ومقاماتهم‪.‬‬

‫الخلص‬ ‫تعريفه‪ :‬قال أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى معرفأا ا الخلصا‪) :‬الخلصا‬ ‫إفأراد الحق سبحانه فأي الطاعة بالقصد‪ ،‬وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى ا تعالى‬ ‫ح‬ ‫دون شيء آخر من تصنظع لمخلوق أو اكتسا ل‬ ‫ب رمرحرمردظة عند الناس أو محبة مد ظ‬ ‫لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى ا تعالى‪ .‬وقال‪ :‬ويصح أن يقال‪:‬‬ ‫الخلصا تصفية الفعل عن ملحظة المخلوقين( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ 95‬ـ‬ ‫‪.[96‬‬ ‫وقال أبو علي الدقاق رحمه ا تعالى‪) :‬الخلصا‪ :‬التوقي عن ملحظة الخلق‪،‬‬ ‫فأالمخلص ل رياء له( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ 95‬ـ ‪.[96‬‬ ‫وقال الفضيل بن عياض رحمه ا تعالى‪) :‬ترك العمل من أجل الناس رياء‪،‬‬ ‫والعمل من أجل الناس شرك‪ ،‬والخلصا أن يعافأيك ا منهما( ]"الرسالة‬ ‫القشيرية" صا ‪ 95‬ـ ‪.[96‬‬ ‫وقال المام الجنيد رحمه ا تعالى‪) :‬الخلصا لسير بين ا وبين العبد‪ ،‬ل يعلمه‬ ‫ى فأيميله( ]"الرسالة القشيرية" ص ‪ 95‬ـ‬ ‫ملك فأيكتبه ول شيطان فأيفسده ول هو ا‬ ‫‪[96‬هلل‪.‬‬ ‫وقال شيخ السلم زكريا النصاري رحمه ا تعالى‪) :‬حق المخلص أن ل يرى‬ ‫إخلصه ول يسكن إليه‪ ،‬فأمتى خالف ذلك لم يكمل إخلصه‪ ،‬بل سماه بعضهم‬ ‫رياء( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ 95‬ـ ‪.[96‬‬ ‫هذه القوال والعبارات المتنوعة فأي الخلصا ترجع إلى مقصد واحد وهو أن ل‬ ‫يكون للنفس حظ فأي عمل من العمال التعبدية‪ ،‬الجسمية منها والقلبية والمالية‪،‬‬ ‫وأن ل يرى إخلصه‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫أهميته في الكتاب وأالسنة‪:‬‬ ‫لما كان قبول العمال موقوفأاا على وجود الخلصا فأيها‪ ،‬أمر ا تعالى نبيه عليه‬ ‫الصلة والسلم بالخلصا فأي عبادته تعليما ا لهذه المة فأقال‪} :‬قرل إصني سأمر س‬ ‫ت أرن‬ ‫أعبسرد ار سمخللصا ا لهس الديرن{ ]الزمر‪ [11 :‬وقال‪} :‬قل ار أعبسسد مخللصا ا لهس ديني{‬ ‫ص{‬ ‫]الزمر‪ .[14 :‬وقال عز وجل‪} :‬فأاعبسلد ار مرخللصا ا له الديرن أل ل الديسن الخال س‬ ‫]الزمر‪.[2 :‬‬ ‫كما أمر ا تعالى خلقه أن تكون جميع عباداتهم القولية والفعلية والمالية خالصة له‬ ‫تعالى‪ ،‬بعيدة عن الرياء فأقال‪} :‬وما أسلمروا إل للريعسبدوا ار سمخللصيرن له الديرن{‬ ‫]البينة‪.[5 :‬‬ ‫وأوضح الحق سبحانه أن السبيل إلى لقاء ا تعالى يوم القيامة لقاء رضى وإنعام‬ ‫هو العمل الصالح الخالص لوجه ا‪ ،‬السليسم من ملحظة الخلق فأقال‪} :‬فأرمرن كان‬ ‫يرجو للقارء رربصله فأررليررعرمرل عملا صالحا ا ول يسرشلررك بلعباردلة رربصله أحداا{ ]الكهف‪.[110 :‬‬ ‫وجاءت الحاديث الشريفة توصجه العبد إلى الخلصا فأي جميع أعماله وتحصذره أن‬ ‫يقصد بعبادته ثناء الناس ومدرحهم وتبين أن كل عمل لم يتصف بالخلصا ل‬ ‫تعالى فأهو مردود على صاحبه‪ ،‬وتوضح أن ا تعالى ل ينظر إلى ظاهر أعمال‬ ‫العبد‪ ،‬بل ينظر إلى ما فأي قلبه من النوايا والمقاصد‪ ،‬لن العمال بالنيات‪،‬‬ ‫والمور بمقاصدها‪.‬‬ ‫ك‬ ‫وقد سمى الرسول صلى ا عليه وسلم الرياء شركا ا أصغرر تارة‪ ،‬وسماه شر ر‬ ‫السرائر تارة أخرى‪ .‬وأخبر أن ا تعالى سوف يتبرأ من المرائي يوم القيامة‪،‬‬ ‫ويحيله إلى الناس الذين أشركهم فأي عبادته‪.‬‬ ‫وهذه بعض الحاديث الشريفة التي تبين أهمية الخلص وتوضح هذه المعاني‬ ‫المذكورة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عن أبي أمامة قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم فأقال‪" :‬أرأي ر‬ ‫ت‬ ‫رج ا‬ ‫ل غزا يلتمس الجر والذكر‪ ،‬ما له ؟ فأقال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ :‬ل‬ ‫شيء له‪ ،‬فأأعادها ثلث مرات‪ ،‬ويقول رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ :‬ل شيء له‪،‬‬ ‫ثم قال‪ :‬إن ا عز وجل ل يقبل من العمل إل ما كان له خالصاا‪ ،‬وابتسلغري به وجهه"‬ ‫]رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد[‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪2‬ـ عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬إن‬ ‫ا ل ينظر إلى أجسامكم ول إلى صرولركم‪ ،‬ولكن ينظسر إلى قلوبكم" ]رواه مسلم‬ ‫فأي كتاب البر والصلة[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ عن شداد بن أوس رضي ا عنه أنه سمع النبي صلى ا عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫"رمرن صام يرائي فأقد أشرك‪ ،‬ومن صلى يرائي فأقد أشرك‪ ،‬ومن تصدق يرائي فأقد‬ ‫أشرك" ]رواه البيهقي كما فأي "الترغيب والترهيب" ج ‪/2‬صا ‪.[31‬‬ ‫‪4‬ـ وعن محمود بن لبيد قال‪ :‬خرج النبي صلى ا عليه وسلم فأقال‪" :‬يا أيها الناس‬ ‫إياكم وشرك السرائر‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ا وما شر س‬ ‫ك السرائر ؟ قال‪ :‬يقوم الرجل‬ ‫فأيصلي‪ ،‬فأيزين صلته جاهداا لما يرى من نظر الناس إليه‪ ،‬فأذلك شرك السرائر"‬ ‫]رواه ابن خزيمة فأي صحيحه[‪.‬‬ ‫‪5‬ـ وعن محمود بن لبيد أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إن أخروف ما‬ ‫أخاف عليكم الشرك الصغر‪ ،‬قالوا وما الشرك الصغر يا رسول ا ؟ قال‪:‬‬ ‫ي الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون‬ ‫الرياء‪ .‬يقول ا عز وجل إذا سجلز ر‬ ‫فأي الدنيا‪ ،‬فأانظروا هل تجدون عندهم جزااء" ]رواه المام أحمد بإسناد جيد[‪.‬‬ ‫‪6‬ـ وعن أبي سعيد بن أبي فأضالة رضي ا عنه‪ ،‬وكان من الصحابة قال‪ :‬سمعت‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬إذا جمع ا الولين والخرين يوم القيامة‬ ‫ليوظم ل ريب فأيه‪ ،‬نادى مناظد‪ :‬رمرن أشرك فأي عمله ل أحداا فأليطلب ثوابه من عنده‪،‬‬ ‫فأإن ا أغنى الشركاء عن الشرك" ]رواه الترمذي فأي كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة‬ ‫الكهف[‪.‬‬ ‫أقوال العلماء في أهمية الخلص‪:‬‬ ‫قال مكحول رحمه ا تعالى‪" :‬ما أخلص عبد أربعين يوما ا إل ظهرت ينابيع‬ ‫الحكمة من قلبه على لسانه" ]"الرسالة القشيرية" صا ‪95‬ـ ‪.[96‬‬ ‫وقيل لسهل بن عبد ا التستري رحمه ا تعالى‪ :‬أي شيء أشد على النفس ؟ قال‪:‬‬ ‫)الخلصا‪ ،‬لنه ليس لها فأيه نصيب( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪95‬ـ ‪.[96‬‬ ‫وقال أبو سليمان الداراني رحمه ا تعالى‪) :‬إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة‬ ‫‪72‬‬

‫الوساوس والرياء( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪95‬ـ ‪.[96‬‬ ‫وقال ابن عجيبة فأي شرح حكمة ابن عطاء ا السكندري رحمهما ا تعالى‪:‬‬ ‫]العمال صور قائمة‪ ،‬وأرواحها وجود سر الخلصا فأيها[‪) :‬العمال كلها أشباح‬ ‫وأجساد‪ ،‬وأرواحها وجود الخلصا فأيها‪ ،‬فأكما ل قيام للشباح إل بالرواح وإل‬ ‫كانت ميتة ساقطة ؛ كذلك ل قيام للعمال البدنية والقلبية إل بوجود الخلصا‬ ‫فأيها‪ ،‬وإل كانت صوراا قائمة وأشباحا ا خاوية ل عبرة بها( ]"إيقاظ الهمم في‬ ‫شرح الحكم" لبن عجيبة ج ‪/1‬ص ‪[25‬هلل‪.‬‬ ‫وكلم العلماء والعارفأين فأي الخلصا أكثر من أن يحصى‪ ،‬وكلهم يؤكدون عظيم‬ ‫أهميته وكبير أثره‪.‬‬ ‫مراتب الخلص‪:‬‬ ‫قال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الخلصا على ثلث درجات‪ :‬إخلصا العوام‬ ‫والخواصا وخواصا الخواصا‪.‬‬ ‫فأإخلصا العوام‪ :‬هو إخراج الخلق من معاملة الحق مع طلب الحظوظ الدنيوية‬ ‫والخروية كحفظ البدن والمال وسعة الرزق والقصور والحور‪.‬‬ ‫وإخلصا الخواصا‪ :‬طلب الحظوظ الخروية دون الدنيوية‪.‬‬ ‫وإخلصا خواصا الخواصا‪ :‬إخراج الحظوظ بالكلية‪ ،‬فأعبادتهم تحقيق العبودية‬ ‫والقياسم بوظائف الربوبية محبة وشوقا ا إلى رؤيته‪ ،‬كما قال ابن الفارض‪:‬‬ ‫ليس سرؤلي من الجنان نعيما ا‬

‫غيرر أني أحبها لراكا‬

‫وقال آخر‪:‬‬ ‫ويررون النجاة حظا ا جزيلا‬ ‫ف ناظر‬ ‫كلهم يعبدون من خو ل‬ ‫ض ويشربوا السلسبيل‬ ‫أو بأرن يسكنوا الجنان فأيضحوا فأي ريا ظ‬ ‫ي أنا ل أبتغي بللحصبي بديل‬ ‫ليس لي فأي الجنان والنالر رأ ف‬ ‫ص من دقائق الرياء من غير‬ ‫وقال‪ :‬والحاصل ل يمكن الخروج من النفس والتخل س‬ ‫شيخ أبداا‪ .‬وا تعالى أعلم( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم" ج ‪/1‬صا ‪ 25‬ـ ‪.[26‬‬ ‫‪73‬‬

‫وأسمى مقاصد الصوفأية أن يرتقوا بإخلصهم إلى أرفأع الدرجات ويعبدوا ا‬ ‫مبتغين وجهه دون أن يقصدوا ثواباا‪:‬‬ ‫ول الحوسر الحساسن ول الخياسم‬ ‫فأما مقصودهم جنات رعردظن‬ ‫وهذا مقصد القوم الكراسم‬ ‫سوى نظلر الجليل وذا سمناهم‬ ‫كما قالت رابعة‪ :‬ما عبدتك خوفأا ا من نارك ول طمعا ا فأي جنتك‪ ،‬وإنما عبدتك‬ ‫لذاتك‪ .‬فألو لم يكن ثرفمة ثواب ول عقاب‪ ،‬ول جنة ول نار‪ ،‬لررما تأخروا عن عبادتهم‬ ‫ولما انثنوا عن طاعاتهم لنهم يعبدون ا ل‪ ،‬ولن أعمالهم تصدر عن قلب رعفمرره‬ ‫ب قربه ورضوانه‪ ،‬بعد أن أدركوا نعمه وآلءه‪ ،‬وذاقوا بلفره‬ ‫ح ي‬ ‫ب ا وحده‪ ،‬وطل س‬ ‫وإحسانه‪.‬‬ ‫وليس معنى هذا أنهم ل يحبون دخول الجنة‪ ،‬ول يرغبون فأي البعد عن النار ـ كما‬ ‫فأهم بعض الحمقى من أعداء التصوف ـ ]فأإن بعضهم أخذ يندد بكلم رابعة‬ ‫العدوية‪ ،‬واتهمها بأنها فأقدت الرغبة والرهبة‪ .‬وهذا جهل ومغالطة فأإنها لم تخرج‬ ‫عن حدود الرغبة والرهبة‪ ،‬ولكنها رسرم ر‬ ‫ت بهما وارتفعت‪ ،‬فأكانت رغبتها فأي رضاء‬ ‫ا وقربه وحبه‪ ،‬ورهبتها من غضبه وبعده‪ ،‬فأكلما عظم إيمان المرء ازدادت‬ ‫رهبته وسرمت رغبته‪ ،‬وكم كانت رابعة كثيرة البكاء والخوف والنحيب ؟![ فأهم‬ ‫يكرهون النار ويخافأونها لنها مظهر سخط ا وغضبه ونقمته‪ ،‬ويحبون الجنة‬ ‫ويطلبونها لنها مظهر حب ا ورضاه وقربه‪ ،‬كما قالت آسية زوجة فأرعون‪:‬‬ ‫ك بيتا ا فأي الرجنفلة{ ]التحريم‪ .[11 :‬فأهي قد طلبت اللعرندية والسقرب‬ ‫}ر ص‬ ‫ب ابلن لي عند ر‬ ‫قبل أن تطلب الجنة‪ ،‬طلبت الجوار قبل الدار‪.‬‬ ‫ب الديالر رشرغرفرن رقلبي‬ ‫وما سح ي‬

‫ولكن حب من سكن الديارا‬

‫ولم تكن رغبتها فأي الجنة إل لنوال الحب والقرب والرضا منه تعالى‪.‬‬ ‫وهكذا عندما ترتفع همة العبد وتسمو غاياته يرترررففأع عن ملحظة لذائذه البدنية‬ ‫ومنافأعه الشخصية‪ ،‬سواء كانت دنيوية أم أخروية‪ ،‬ويبغي فأي جميع عباداته الحب‬ ‫والقرب‪ ،‬والتحقق بالعبودية الخالصة‪ ،‬فأعلى قدر همة العبد يكون مطلبه‪.‬‬ ‫ول نقصد من هذا أن الذي يبغي من طاعاته وعباداته النعيم الخروي والتمتع‬ ‫صا من عذاب النار‪ ،‬أنه منحرف ضال‪ ،‬ول نفدعي أنه‬ ‫بلذائذ الجنة‪ ،‬أو الخل ر‬ ‫‪74‬‬

‫محروم من وعد ا ؛ بل هو مؤمن طائع صالح‪ ،‬إل أن مرتبته أدنى من مرتبة‬ ‫أولئك الذين سمت نياتهم‪ ،‬وارتفعت هممهم فأي إخلصهم لربهم‪.‬‬ ‫قال المام السيوطي رحمه ا تعالى‪) :‬القياسم بالوامر والنواهي ل وحده‪ ،‬ل لجلب‬ ‫ثواب ول لدفأع عقاب‪ ،‬وهذا حال من عبرد ا ل‪ ،‬خل س‬ ‫ف من عبرد ا للثواب وخوف‬ ‫العقاب‪ ،‬فأإنما رعبررد للرح ص‬ ‫ظ نفسه‪ ،‬وإن كان هو محبا ا أيضاا‪ ،‬لكنه فأي درجة البرار‪،‬‬ ‫وذاك فأي درجة المقربين( ]"تأييد الحقيقة العلية" للمام السيوطي صا ‪.[61‬‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي "قواعد التصوف"‪) :‬تعظيم ما ع ف‬ ‫ظم‬ ‫ا متعصين‪ ،‬واحتقار ذلك ربما كان كفراا‪ ،‬فأل يصح فأررهسم قولهم‪] :‬ما عبدناه خوفأا ا من‬ ‫ناره ول طمعا ا فأي جنته[‪ .‬على الطلق إما احتقاراا لهما ـ وقد عظمهما ا تعالى ـ‬ ‫فأل يصح احتقارهما من مسلم‪ ،‬وإما استغناء عنهما ول غنى للمؤمن عن بركة‬ ‫موله‪ .‬نعم لم يقصدوهما بالعبادة بل عملوا ل تعالى ل لشيء‪ ،‬وطلبوا منه الجنة‬ ‫ا{‬ ‫والنجاة من النار ل لشيء‪ .‬وشاهد ذلك فأي قوله تعالى‪} :‬إفنما سنطلعسمكم لوجله ل‬ ‫]النسان‪ [9 :‬إذ جعل لعفلة العمل إرادة وجهه تعالى( ]"قواعد التصوف" للشيخ‬ ‫أحمد زروق صا ‪.[76‬‬ ‫شوائب الخلص في أعمال السالك‪:‬‬ ‫قد تدخل على السالك آفأا ف‬ ‫ب إخلصه‪ ،‬وما هذه الفأات إل حجب‬ ‫ت كثيرة ترسشو س‬ ‫تعرقل سيره إلى ا تعالى‪ ،‬لذا كان من الضروري الشارة إليها‪ ،‬وتحذير السالكين‬ ‫من مخاطرها‪ ،‬ثم بيان طريق الخلصا منها حتى تكون جميع أعمال السالك‬ ‫خالصة لوجهه تعالى‪.‬‬ ‫الحجاب الوأل‪ :‬رؤيته لعمله وأإعجابه به وحجابه به عن المعمول له وبالعبادة عن‬ ‫المعبود‪.‬‬ ‫فأالذي يخلصه من رؤية عمله علسمهس بفضل ا تعالى عليه وتوفأيقه له‪ ،‬وأنه مخلوق‬ ‫هو وعمله ل تعالى‪} :‬واس خلرقرسكم وما تعرملورن{ ]الصافأات‪ .[96 :‬إل أن له نسبةر‬ ‫الكسب فأقط‪.‬‬ ‫س لفمارةف‬ ‫وإذا دقق فأي صفات النفس‪ ،‬وعلم أنها كما وصفها ا تعالى‪} :‬إفن النف ر‬ ‫بالسولء{ ]يوسف‪ .[53 :‬أدرك أن كل خير يصدر منه هو محض فأضل من ا‬ ‫تعالى ومفنة‪ ،‬وعندئظذ يتذوق معنى قوله تعالى‪} :‬ولول فأضسل ال عليكم ورحمتسهس ما‬ ‫‪75‬‬

‫زكى منسكرم من أحظد{ ]النور‪.[21 :‬‬ ‫ص العبد من رؤية أعماله وإعجابه بها يكون بمعرفأة نفسه ومعرفأة دخائلها‪،‬‬ ‫فأتخل س‬ ‫فأليجتهد النسان فأي تحصيل هذه المعرفأة‪.‬‬ ‫الحجاب الثاني‪ :‬طلبه العوض لعمله‪ ،‬والعوض إما أن يكون فأي الدنيا أو فأي‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫أما الذي يكون فأي الدنيا‪ ،‬فأطلبه الشهوات المنفوعة‪ ،‬ومنها شهوة السمعة والشهرة‪،‬‬ ‫وحب الظهور وغير ذلك‪ ،‬وكذلك طلبه للحوال والمقامات والمكاشفات‬ ‫والمعارف‪.‬‬ ‫ولهذا يقول العارف الكبير الشيخ أرسلن رحمه ا تعالى ناصحا ا كل ملتفت إلى‬ ‫غير مطلوبه ومحبوبه ومقصوده‪) :‬يا أسير الشهوات والعبادات‪ ،‬يا أسير المقامات‬ ‫والمكاشفات‪ ،‬أنت مغرور( ]"خمرة الحان ورنة اللحان" صا ‪ .[177‬وإنما كان‬ ‫أسيرها لنها من جملة الغيار ومن عالم الخلق‪ ،‬فأالوقوف عندها قاطع عن‬ ‫ك المنتهى{ ]النجم‪:‬‬ ‫الوصول إلى معرفأة خالقها تعالى‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وأفن إلى ربص ر‬ ‫‪.[42‬‬ ‫ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه ا تعالى معلقا ا على كلمه‪) :‬إذ لو كنت‬ ‫صادقا ا ما التف ف‬ ‫ت إلى شهوة أو عبادة‪ ،‬ول مقام ول مكاشفة‪ ،‬ولفأررد ر‬ ‫ت القصد إليه‬ ‫تعالى وحده دون جميع ما عداه‪ ،‬ولرجرررد ر‬ ‫ت العزم والهمة فأيه تعالى‪ ،‬وتركت ما‬ ‫سواه‪ .‬ثم قال‪ :‬ونقل ابن عطاء ا السكندري فأي "التنوير فأي إسقاط التدبير" عن‬ ‫شيخه أبي العباس المرسي رضي ا عنه‪ ،‬أنه يقول‪) :‬لن يصل الولي إلى ا حتى‬ ‫تنقطع عنه شهوة الوصول إلى ا تعالى(‪ .‬ومن كلم بعضهم‪) :‬لو سرفأع ر‬ ‫ت إلى ذروة‬ ‫ت إلى حيث ل مكان‪ ،‬ثم اغتررر ر‬ ‫الكوان وترقي ر‬ ‫ت بشيء طرفأة عين فألست من سأولي‬ ‫اللباب( ويقول ابن الفارض رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال لي سحرسن كل شيء تجفلى بي تررمفل فأقلت قصدي وراك‬ ‫فأاللتفات إلى حسن المكفونات والمخلوقات‪ ،‬والوقوف عندها اغترار وانقطاع(‬ ‫]"خمرة الحان ورنة اللحان" شرح رسالة الشيخ أرسلن الدمشقي لعبد الغني‬ ‫النابلسي رحمه ا تعالى صا ‪.[29‬‬

‫‪76‬‬

‫ويقول بعضهم ناصحا ا لمن هذا حاله‪:‬‬ ‫ومهما ترى كفل المراتب ستجترلى عليك فأسحرل عنها فأرعرن مثللها سحرلنا ويقول ابن عطاء‬ ‫ا رحمه ا تعالى‪) :‬ما أراد ر‬ ‫ت همةس سالك أن تقف عند ما كشف لها‪ ،‬إل نادته‬ ‫هواتف الحقيقة‪ :‬الذي تطلب أمامك( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم" ج ‪/1‬صا ‪.[51‬‬ ‫ب العبلد لهذه المقامات وغيرها شهوة خفية‪ ،‬وذلك إما أن ينالها فأيطمئن إليها‪،‬‬ ‫وطل س‬ ‫وسيحجب بها عن المقصود ؛ وإما أن ل ينالها عندما سار إليها‪ ،‬إل أنه جعلها غاية‪،‬‬ ‫وا تعالى وسيلة‪ ،‬فأيجتهد لتحصيلها فأل يصل‪ ،‬فأيفتر عزمه‪ ،‬ويقنط وييأس‪،‬‬ ‫وعندئظذ يرجع القهقرى‪ ،‬إل إذا لحظرته العنايةس بإرشاد المرشدين‪ ،‬فأيمكنه التخلص‬ ‫من هذه الورطة‪ ،‬وإل دام منقطعاا‪ ،‬وانقلب على وجهه خاسراا‪.‬‬ ‫وأما طلب العوض فأي الخرة‪ :‬فأدخول الجنة والنجاة من النار‪.‬‬ ‫وتصحيح سيره بأن يعتقد أن دخول الجنة برحمة ا تعالى ل بعمله ؛ فأقد روي‬ ‫عنه عليه الصلة والسلم‪" :‬لن يدخل أحدكم الجنة بعمله‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول‬ ‫ا ؟ قال‪ :‬ول أنا‪ ،‬إل أن يتغمدني ا برحمته" ]رواه البخاري فأي كتاب المرضى‬ ‫ومسلم فأي كتاب صفات المنافأقين[‪.‬‬ ‫فأالذي يسرخصلص العبد من طلب العوض على عمله لعرلسمهس بأنه عبد محض‪ ،‬وأنه ل‬ ‫ينال دخول الجنة والنجاة من النار إل بفضل ا تعالى‪ ،‬والعبد ل يملك مع سيده‬ ‫شيئاا‪ ،‬إذ عبادته ل تعالى لمحض العبودية‪ ،‬فأما يناله من الجر والثواب تفضفل‬ ‫وإحسان من ا تعالى فأي الدنيا والخرة ؛ وكذلك توفأيقه للعبادة‪ ،‬فأإذا ما شهد هذا‬ ‫التوفأيق من جملة نعم ا عليه‪ ،‬يسارع فأي شكر ا على هذه النعم‪ ،‬عندئظذ يخلص‬ ‫من طلب العوض لعمله‪.‬‬ ‫وأالحجاب الثالث‪ :‬رضاه عن أعماله وأاغتراره بها‪ ،‬وتخليصه وإنقاذه من رضاه‬ ‫بعمله يكون بشيئين‪:‬‬ ‫‪1‬ـ إطلعه على عيوبه فأي أعماله‪ ،‬فأقفل عمل من العمال إل وللشيطان فأيه‬ ‫نصيب‪ ،‬وللنفس فأيه حظ‪.‬‬ ‫أما نصيب الشيطان‪ ،‬فأقد أرشدنا إليه رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬عندما سئل‬ ‫عن التفات الرجل فأي صلته‪ ،‬فأقال‪" :‬هو اختلس يختلسه الشيطان من صلة‬ ‫العبد" ]رواه البخاري فأي كتاب أبواب صفة الصلة عن عائشة رضي ا عنها‪.‬‬ ‫والترمذي فأي كتاب أبواب الصلة وقال‪ :‬حسن صحيح[‪.‬‬ ‫‪77‬‬

‫يقول ابن قيم الجوزية رحمه ا تعالى‪) :‬فأإذا كان هذا اللتفات طرفأة أو لحظة‪،‬‬ ‫فأكيف التفات قلبه إلى ما سوى ا تعالى! هذا أعظم نصيب للشيطان من العبودية(‬ ‫]"مدارج السالكين" ج ‪/2‬صا ‪.[51‬‬ ‫وأما حظ النفس من العمل‪ ،‬فأل يعرفأه إل أهل البصائر من العارفأين‪.‬‬ ‫‪2‬ـ علم العبد بما يستحقه الرب جل جلله من حقوق العبودبة وآدابها الظاهرة‬ ‫والباطنة وشروطها‪ .‬فألو اجتهد العبد بالليل والنهار لرأى نفسه مقصراا تجاه ا‬ ‫تعالى‪ ،‬وأين العبد العاجز الضعيف من خالق الكوان ؟ لهذا بيفرن لنا حضرة ا أن‬ ‫موقف خلقه منه التقصير فأقال‪} :‬وما قردسروا ار ح ف‬ ‫ق قدلرله{]الزمر‪.[67 :‬‬ ‫الخلصة‪:‬‬ ‫إن الخلصا تصفية العمل من العلل والشوائب‪ ،‬سواء أكان مصدرها التعلق‬ ‫بالخلق‪ ،‬كطلب مدحهم وتعظيمهم والهرب من ذمهم‪ ،‬أو كان مصدرها التعلق‬ ‫بالعمل‪ ،‬كالغترار به‪ ،‬وطلب العوض عنه‪...‬‬ ‫لذا فأإن أهل الهمم العالية أخلصوا دينهم ل‪ ،‬وسمعوا نداء ا فأي قلوبهم }فأرفليروا إلى‬ ‫ا{ ]الذرايات‪ [50 :‬فأاستجابوا لهاتف الحق‪ ،‬وقال قائلهم ملبيا ا له‪ :‬تركت الناس‬ ‫ل‬ ‫كلهسم ورائي وجئت إليك‪.‬‬ ‫الصبر‬ ‫تعريفه‪ :‬عرف العلماء الصبر بتعاريف كثيرة‪ ،‬وأهمها ما قاله ذو النون المصري‬ ‫رحمه ا تعالى‪) :‬الصبر‪ :‬هو التباعد عن المخالفات‪ ،‬والسكون عند تجرع‬ ‫غصص البلية‪ ،‬وإظهار الغنى عند حلول الفقر بساحة المعيشة( ]"شرح رياض‬ ‫الصالحين" لبن علن ج ‪/1‬صا ‪.[194‬‬ ‫وما ذكره الراغب الصفهاني رحمه ا تعالى فأي مفرداته‪) :‬الصبر‪ :‬حبس النفس‬ ‫على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه( ]"شرح رياض‬ ‫الصالحين" لبن علن ج ‪/1‬صا ‪.[194‬‬

‫‪78‬‬

‫وما ذكره السيد الجرجاني رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬الصبر‪ :‬هو ترك‬ ‫الشكوى من ألم البلوى لغير ا( ]"شرح رياض الصالحين" لبن علن ج ‪/1‬صا‬ ‫‪.[194‬‬ ‫ويفهم من تعريف السيد أن الشكوى ل تعالى ل ستنافأي الصبر‪ ،‬إنما ينافأيه شكوى‬ ‫ا إلى غيره ؛ كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فأاقة وضرورة فأقال‪ :‬يا هذا‬ ‫أتشكو من يرحمك إلى من ل يرحمك‪ ،‬ثم أنشد‪:‬‬ ‫صربرر الكريم فأإنه بك أعلم‬ ‫وإذا عرررتك بلية فأاصبر لها ر‬ ‫وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي ل يرحم‬ ‫أقسامه‪:‬‬ ‫ذكر العلماء للصبر تقسيمات منوعة ]انظر كتاب "الحياء" للغزالي‪ ،‬و"قوت‬ ‫القلوب" لبي طالب المكي‪ ،‬و"مدارج السالكين" لبن القيم‪ ،‬وغير ذلك من الكتب‬ ‫الموسعة[‪ ،‬وكلها ترجع إلى هذه النواع الثلثة‪ :‬صبر على الطاعات‪ ،‬وصبر عن‬ ‫المعاصي‪ ،‬وصبر على المصائب‪.‬‬ ‫فالصبر على الطاعات‪ :‬هو الستقامة على شرع ا‪ ،‬والمثابرة الدائمة على‬ ‫العبادات المالية والبدنية والقلبية‪ ،‬ومواصلة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬ ‫والصبر على ما يعترض ذلك من أنواع البتلء وصنوف المحن ؛ لن من ورث‬ ‫عن رسول ا صلى ا عليه وسلم دعوته وجهاده ل بد أن يصيبه ما أصاب‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم من تكذيب ومحاربة وأذى‪ ،‬قال تعالى حكاية عن‬ ‫ف وارنهر علن المنركلر واصبلرر‬ ‫لقمان يوصي ابنه‪} :‬يا بسنر ف‬ ‫ي أقللم الصلةر وأسمرر بالمعرو ل‬ ‫ك{ ]لقمان‪.[17 :‬‬ ‫على ما أصابر ر‬ ‫وقد أقسم ا تعالى أن الناجين هم رمرن تحفققوا بصفات أربع‪ :‬اليمان‪ ،‬والعمل‬ ‫الصالح‪ ،‬والنصح للمة‪ ،‬ثم الصبر على ذلك‪ .‬فأقال تعالى‪} :‬والعصلر ‪ .‬إفن النسارن‬ ‫صوا بالح ص‬ ‫صوا بالصبلر{‬ ‫ق وتوا ر‬ ‫ت وتوا ر‬ ‫لفي خرسظر ‪ .‬إل الذيرن آمنوا وعلملوا الصاللحا ل‬ ‫]العصر[‪.‬‬ ‫وأالصبر عن المعاصي‪ :‬هو مجاهدة النفس فأي نزواتها‪ ،‬ومحاربة انحرافأها‪ ،‬وتقويم‬ ‫اعوجاجها‪ ،‬وقمع دوافأع الشر والفساد التي يثيرها الشيطان فأيها ؛ فأإذا ما جاهدها‬ ‫وزكاها ورفدها عن غصيها وصل إلى الهداية التامة‪ ،‬قال ا تعالى‪} :‬والذيرن جاهدوا‬ ‫‪79‬‬

‫فأينا لررنهلديرنفسهم سسبسرلنا{ ]العنكبوت‪ .[69 :‬وكان من المفلحين ببشارة ا تعالى بقوله‪:‬‬ ‫}قد أفألررح رمرن ترزفكى وذكر اسم ربصله فأصفلى{ ]العلى‪14 :‬ـ ‪ ،[15‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫س عن الهوى ‪ .‬فأإفن الرجنفةر هي المأوى{‬ ‫}وأما رمرن خاف مقارم ربصله ونهى الفنف ر‬ ‫]النازعات‪40 :‬ـ ‪.[41‬‬ ‫وأما الصبر على المصائب‪ :‬بما أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلء‪ ،‬فأإن ا تعالى‬ ‫يختبر إيمان عباده ـ وهو أعلم بهم ـ بأنواع المصائب‪ ،‬وسيمحص المؤمنين بصنوف‬ ‫المحن كي يميز الخبيث من الطيب‪ ،‬والمؤمن من المنافأق‪.‬‬ ‫س أن يتسررسكوا أرن يقولوا آرمفنا وهسرم ل سيفرتنورن{‬ ‫ب النا س‬ ‫قال تعالى‪} :‬الم ‪ .‬أحلس ر‬ ‫]العنكبوت‪1 :‬ـ ‪ .[2‬سواء أكانت هذه المصائب فأي المال أو فأي البدن أو فأي الهل‪،‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬لرتسربلرسوفن فأي أمواللسكم وأرنفسلسسكم{ ]آل عمران‪ .[186 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ت‬ ‫س والفثمرا ل‬ ‫}ولرنرربلسرونفركم بشيظء لمرن الخو ل‬ ‫ص من الموالل والرنفس ل‬ ‫ع ونررق ظ‬ ‫ف والجو ل‬ ‫ك‬ ‫وبرصشلر الصابريرن ‪ .‬الذين إذا أصابررتسهم مصيبة قالوا إفنا ل وإفنا إليله راجعورن ‪ .‬أولئ ر‬ ‫عليهم صلوا ف‬ ‫ت لمرن ربصلهم ورحمفة{‬ ‫]البقرة‪156 :‬ـ ‪.[157‬‬ ‫ول شك أن المؤمن الصادق يتلقى هذه المصائب بالصبر والتسليم ؛ بل بالرضا‬ ‫والسرور‪ ،‬لنه يعلم أن هذه النكبات ما نزلت عليه من خالقه إل لتكفير ذنوبه‬ ‫ب ول‬ ‫ومحو سيئاته‪ ،‬كما قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ما يصي س‬ ‫ب المسلرم من رنص ظ‬ ‫ب‪ ،‬ول هيم ول حرزظن‪ ،‬ول أذى ول غيم‪ ،‬حتى الشوكة يشاكها إل كففر ا بها‬ ‫روص ظ‬ ‫من خطاياه" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب المرض‪ ،‬ومسلم فأي كتاب البر‬ ‫عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي ا عنهما‪ .‬والوصب‪ :‬المرض[‪ .‬كما أنه يعلم أن‬ ‫هذه النوازل إنما ترفأع المؤمنين الصابرين درجات عالية ومنازرل رفأيعة عند ا‬ ‫تعالى ؛ إذا هو تلقاها بالرضا والتسليم‪ ،‬كما قال عليه السلم‪" :‬إذا سبقت للعبد من‬ ‫ا تعالى منزلة لم ينلها بعمله ابتله ا فأي جسده وفأي أهله وماله‪ ،‬ثم صفبره على‬ ‫ذلك حتى ينال المنزلة التي سبقت له من ا عز وجل" ]رواه أبو داود فأي سننه‬ ‫فأي كتاب الجنائز باب المراض المكفرة للذنوب رقم )‪ (3074‬عن محمد بن خالد‬ ‫السلمي رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫أهميته وأبعض ما وأرد في فضله‪:‬‬ ‫الصبسر نصف اليمان‪ ،‬وسر سعادة النسان‪ ،‬ومصدر العافأية عند البلء‪ ،‬وعدة‬ ‫‪80‬‬

‫المؤمن حين تدلهيم الخطوب وتحدق الفتن وتتوالى المحن‪ ،‬وهو سلح السالك فأي‬ ‫مجاهداته لنفسه‪ ،‬وحملها على الستقامة على شرع ا تعالى وتحصنها من‬ ‫النزلق فأي مهاوي الفساد والضلل‪ .‬ولعظيم أهميته ورفأيع مقامه ذكره ا تعالى‬ ‫فأي القرآن الكريم فأي نحو تسعين موضعاا‪ .‬فأتارة يأمر ا تعالى به فأيقول‪:‬‬ ‫}استعينوا بال واصبروا{ ]العراف‪ .[128 :‬وفأي موطن آخر يثني على أهله‬ ‫ك‬ ‫ك الذين صدقوا وأولئ ر‬ ‫فأيقول‪} :‬والصابريرن فأي البأساء والضراء وحيرن البأس أولئ ر‬ ‫هسم السمفتقورن{ ]البقرة‪ .[177 :‬وفأي بعض اليات يخبر عن محبته للصابرين فأيقول‪:‬‬ ‫ب الصابريرن{ ]آل عمران‪ [146 :‬وطوراا يبين ا تعالى معيته‬ ‫}واس يسلح ي‬ ‫للصابرين معية حفظ وتأييد وسنصرة فأيقول‪} :‬إفن ار مرع الصابريرن{ ]البقرة‪:‬‬ ‫‪ .[153‬وفأي موضع آخر يخبر عن إيجاب الجزاء لهم بغير حساب فأيقول‪} :‬إفنما‬ ‫ب{ ]الزمر‪ .[10 :‬وفأي موطن آخر يبين أن‬ ‫يسروففأى الصابرون أجررسهم بغير حسا ظ‬ ‫الهداة المرشدين قد نالوا هذا المقام الرفأيع بالصبر فأيقول‪} :‬وجعرلنا منهسرم أئلفمةا‬ ‫يهدورن بأملرنا لفما صبروا{ ]السجدة‪[24 :‬‬ ‫ولقد جاءت الحاديث النبوية الكثيرة مؤكدةا فأضل الصبر‪ ،‬وما له من أثر عميق فأي‬ ‫سعادة المؤمن وتلقيه صدمات الحياة ونوائب الدهر‪.‬‬ ‫كما تواردت الخبار المستفيضة عن صبر رسول ا عليه الصلة والسلم‪،‬‬ ‫وتحمله صنوف الذى وأنواع الشدائد‪ ،‬وحياة الرسول صلى ا عليه وسلم كلها‬ ‫صبر وجهاد وتضحية‪.‬‬ ‫وأهذه نبذة يسيرة من الحاديث الشريفة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬ما‬ ‫سأعطري أحد من عطاء خيراا وأوسع من الصبر" ]رواه البخاري فأي صحيحه ومسلم‬ ‫والنسائي وأبو داود فأي كتاب الزكاة‪ ،‬والترمذي فأي كتاب البر والصلة[‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وعن صهيب بن سنان رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"عجباا لمر المؤمن ؛ إن أمره كله له خير‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن‪ :‬إن‬ ‫أصابته سراء شكر فأكان خيراا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فأكان خيراا له" ]رواه‬ ‫مسلم فأي كتاب الزهد والرقائق[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وعن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى ا عليه وسلم قال‪ :‬قال‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم‬ ‫‪81‬‬

‫خير من الذي ل يخالطهم ول يصبر على أذاهم" ]أخرجه الترمذي في كتاب صفة‬ ‫القيامة[هلل‪.‬‬ ‫‪4‬ـ وعن ابن مسعود رضي ا عنه قال‪ :‬كأني أنظر إلى رسول ا عليه الصلة‬ ‫والسلم‪ ،‬يحكي نبياا من أنبياء ا‪ ،‬ضربه قومه‪ ،‬فأأدموه‪ ،‬وهو يمسح الدم عن‬ ‫وجهه وهو يقول‪" :‬اللهم اغفر لقومي فأإنهم ل يعلمون" ]أخرجه البخاري في‬ ‫صحيحه في كتاب أحاديث النبياء‪ ،‬وأمسلم في كتاب الجهاد وأالسيرة[هلل‪.‬‬ ‫‪5‬ـ وعن أبي موسى الشعري رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪" :‬ل أحرد أصبرسر على أذى سمعه ؛ من ا عز وجل ؛ إنه ليسرشرر س‬ ‫ك به‪ ،‬وسيجعسل‬ ‫له الولد‪ ،‬ويعافأيهم ويرزقهم" ]أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد‪،‬‬ ‫وأمسلم في كتاب صفات المنافقين وأأحكامهم[هلل‪.‬‬ ‫تحقق الصالحين بالصبر وأدعوتهم إليه‪:‬‬ ‫تتبع الصحابة رضوان ا عليهم أثر رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وورثوا عنه‬ ‫الصبر جاصدين فأي نشر السلم‪ ،‬بإيمان ل يعرف اليأس‪ ،‬وعزيمة ل تعرف الرخرورر‪،‬‬ ‫وثبات ل يتطرق إليه الوهن‪.‬‬ ‫ثم أخذ التابعون عنهم هذه الروح اليمانية الصابرة‪ ،‬وهكذا انتقلت هذه الروح فأي‬ ‫كل عصر وزمان إلى يومنا هذا‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬ل تزال طائفة من‬ ‫أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر ا وهم ظاهرون" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي‬ ‫كتاب العتصام عن المغيرة بن شعبة رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه لما مات ولده الصالح‪) :‬إن ا أحب‬ ‫قبضه‪ ،‬وإني أعوذ بال أن تكون لي محبة فأي شيء من المور يخالف محبة ا(‪.‬‬ ‫ومن أروع الصبر ما وقع للمام مالك رضي ا عنه حين لدغته عقرب ـ وهو‬ ‫يحصدث ـ س ف‬ ‫ت عرشرة مرة‪ ،‬فأصار ريصفير ويتلفوى حتى تم المجلس‪ ،‬ولم يقطع كلمه‬ ‫تعظيماا لحديث رسول ا صلى ا عليه وسلم ]"شرح الزرقاني على موطأ مالك"‬ ‫ج ‪/1‬صا ‪.[3‬‬ ‫ودخل ذو النون المصري على مريض يعوده‪ ،‬فأبينما كان يكلمه أفن أرنفاة‪ ،‬فأقال له ذو‬ ‫النون‪) :‬ليس بصادق فأي حبه من لم يصبر على ضربه‪ ،‬فأقال المريض‪ :‬بل ليس‬ ‫‪82‬‬

‫بصادق فأي حبه من لم يتلذذ بضربه( ]"اللمع" للطوسي صا ‪.[77‬‬ ‫وكان ابن شبرمة إذا نزل به بلء قال‪) :‬سحابة ثم تنقشع(‪.‬‬ ‫وللصوفأية فأي الصبر كلم عجيب‪ ،‬ومنطق طريف‪ ،‬فأقد سئل الشبلي عن الصبر‬ ‫فأتمثل بقوله‪:‬‬ ‫صابرر الصبرر فأاستغاث به الصــبسر فأصاح المحب بالصبر صبراا فألله دير الصوفأية‪،‬‬ ‫لقد تعفرضوا لرضوان ا الكبر فأي ظلل الصبر‪ ،‬وانطبق عليهم وصف ا‬ ‫تعالى فأي قوله‪} :‬الذيرن إذا أصابررتسهم مضيبةف قالوا إفنا لل وإفنا إليله رالجعورن{ ]البقرة‪:‬‬ ‫‪.[156‬‬ ‫فأهم ل وإلى ا‪ ،‬ولذا كانوا جديرين بأن يوفأيهم ربهم أجرهم بغير حساب‪ ،‬ولنعم‬ ‫ك عليهم صلوا ف‬ ‫ت لمرن رربصلهم ورحرمفة{ ]البقرة‪.[157 :‬‬ ‫أجر الصابرين‪} :‬أولئ ر‬ ‫إن مثلهم العلى‪ ،‬وقدوتهم فأي الصبر هو رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬الذي‬ ‫تعرض لصنوف البتلء وشتى المحن ؛ فألم يزدد إل صبراا وثباتاا‪ ،‬وهذه سنة‬ ‫النبياء والرسل الكرام عليهم الصلة والسلم‪.‬‬ ‫صبررر أوسلو الرعرزلم لمرن السرسسلل{ ]الحقاف‪.[35 :‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬فأاصبلرر كما ر‬ ‫ولقد أوصاه ا تعالى بتحمل مشاق الدعوة وأعباء الرسالة‪ ،‬والصبر على أذى‬ ‫ك إل بالل ول تحرزرن عليهم ول تر س‬ ‫المشركين بقوله‪} :‬وا ر‬ ‫ق‬ ‫صبلرر وما صربسر ر‬ ‫ك فأي ر‬ ‫ضي ظ‬ ‫مما يمسكسرورن{ ]النحل‪.[127 :‬‬ ‫الخلصة‪:‬‬ ‫إن الصبر صفة النبياء‪ ،‬وحلية الصفياء‪ ،‬ومفتاح الخيرات‪ ،‬وسبيل السالكين إلى‬ ‫ا تعالى ؛ ل يستغني السالك عنه فأي أية مرحلة من مراحل سيره‪ ،‬إذ لكل مقام‬ ‫صبر يناسبه‪.‬‬ ‫قال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الصبر حبس القلب على حكم الرب‪.‬‬ ‫فأصبر العامة‪ :‬حبس القلب على مشاق الطاعات ورفأض المخالفات‪.‬‬ ‫‪83‬‬

‫وصبر الخاصة‪ :‬حبس النفس على الرياضات والمجاهدات‪ ،‬وارتكاب الهوال فأي‬ ‫سلوك طريق الحوال مع مراقبة القلب فأي دوام الحضور‪ ،‬وطلب رفأع الستور‪.‬‬ ‫وصبر خاصة الخاصة‪ :‬حبس الروح والسر فأي حضرة المشاهدات والمعاينات‪ ،‬أو‬ ‫دوام النظرة والعكوف فأي الحضرة( ]"معراج التشوف إلى حقائق التصوف" صا‬ ‫‪.[6‬‬ ‫وأخيراا فأهذه الصفات الثلث‪ :‬الصدق والخلصا والصبر‪ ،‬هي أركان السير إلى‬ ‫ا تعالى ؛ من لم يرربلن عليها سيره وسلوكه فأهو مقطوع ولو زعم أنه موصول‪،‬‬ ‫وواقف ولو زعم أنه سائر‪.‬‬ ‫وحقيقة الخلصا توحيد المطلوب‪ ،‬كما أن حقيقة الصدق توحيد الطلب‪ ،‬والصبر‬ ‫على ذلك هو عين الكمال‪.‬‬ ‫الورع‬ ‫تعريفه وأمراتبه‪ :‬قال السيد الجرجاني رحمه ا تعالى‪) :‬هو اجتناب الشبهات خوفأا ا‬ ‫من الوقوع فأي المحرمات( ]تعريفات السيد صا ‪.[170‬‬ ‫وقال العلمة محمد بن علن الصصديقي رحمه ا تعالى‪) :‬هو عند العلماء ترك ما‬ ‫ل بأس به حذراا مما به بأس( ]"دليل الفالحين شرح رياض الصالحين" ج ‪/5‬صا‬ ‫‪.[26‬‬ ‫وقال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الورع كف النفس عن ارتكاب ما تكره عاقبته(‬ ‫]"معراج التشوف" صا ‪.[7‬‬ ‫ولتوضيح معنى الورع نبين مراتبه التي يسعى طالب الكمال أن يتحقق بها‪.‬‬ ‫فورع العوام‪ :‬هو ترك الشبهات حتى ل يتردى فأي حمأة المخالفات‪ ،‬اتباعا ا لرشاد‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي قوله‪" :‬إن الحلل بصين‪ ،‬وإن الحرام بصين‪،‬‬ ‫ت فأقد استبرأ‬ ‫وبينهما أمور مشتبهات‪ ،‬ل يعلمهن كثير من الناس‪ ،‬فأمن اتقى الشبها ل‬ ‫لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع فأي الشبهات وقع فأي الحرام‪ ،‬كالراعي يرعى حول‬ ‫الحمى يوشك أن يرتع فأيه‪ ،‬أل وإن لكل ملك حمى‪ ،‬أل وإن حمى ا محارمه‪"...‬‬ ‫‪84‬‬

‫]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب اليمان‪ ،‬ومسلم فأي كتاب المساقاة عن‬ ‫النعمان بن بشير رضي ا عنهما[‪.‬‬ ‫وأوأرع الخواص‪ :‬ترك ما يكدر القلب ويجعله فأي قلق وظلمة‪ .‬فأأهل القلوب‬ ‫يتورعون عما يهجس فأي قلوبهم من الخواطر‪ ،‬وما ريحيك فأي صدورهم من‬ ‫الوساوس ؛ وقلوبهم الصافأية أعظم منبه لهم حين يترددون فأي أمر أو يشيكون فأي‬ ‫حكم ؛ كما أشار إلى ذلك رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬دع ما يريبك إلى‬ ‫ما ل يريبك" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪،‬‬ ‫وبقوله‪" :‬البر حسن الخلق‪ ،‬والثم ما حاك فأي نفسك وكرهت أن ي ف‬ ‫طلع عليه‬ ‫الناس" ]رواه مسلم فأي كتاب البر والصلة عن النواس بن سمعان رضي ا عنه‪.‬‬ ‫حاك‪ :‬أي جال وتردد[‪.‬‬ ‫وفأي هذا يقول سفيان الثوري رحمه ا تعالى‪) :‬ما رأيت أسهل من الورع‪ ،‬ما‬ ‫حاك فأي نفسك فأاتركه( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[54‬‬ ‫وأوأرع خاصة الخاصة‪ :‬رفأض التعلق بغير ا تعالى‪ ،‬وسيد باب الطمع فأي غير ا‬ ‫تعالى‪ ،‬وعكوف الهمم على ا تعالى‪ ،‬وعدسم الركون إلى شيء سواه‪ ،‬وهذا هو‬ ‫ورع العارفأين الذين يرون أن كل ما يشغلك عن ا تعالى هو شؤم عليك‪.‬‬ ‫قال الشبلي رحمه ا تعالى‪) :‬الورع أن تتورع عن كل ما سوى ا( ]"الرسالة‬ ‫القشيرية" صا ‪.[54‬‬ ‫فضله‪:‬‬ ‫مما سبق يتضح أن الورع صفة جامعة لكل خصال الكمال‪ ،‬فألقد دخل الحسن‬ ‫البصري رحمه ا مكة فأرأى غلماا من أولد علي بن أبي طالب رضي ا عنه‬ ‫قد أسند ظهره إلى الكعبة يعظ الناس‪ ،‬فأوقف عليه الحسن وقال‪) :‬ما ملك الدين ؟‬ ‫فأقال‪ :‬الورع‪ ،‬قال‪ :‬فأما آفأة الدين ؟ قال‪ :‬الطمع‪ .‬فأتعجب الحسن منه‪ ،‬وقال‪ :‬مثقال‬ ‫ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلة( ]"الرسالة القشيرية" صا‬ ‫‪.[54‬‬ ‫قال ابن عطاء ا السكندري رحمه ا تعالى‪) :‬ليس يدل على فأهم العبد كثرةس‬ ‫علمه‪ ،‬ول مداومسته على ورده‪ ،‬وإنما يدل على نوره وفأهمه غناه بربه وانحياشه‬ ‫إليه بقلبه‪ ،‬والتحرر من رق الطمع‪ ،‬والتحلي بحلية الورع( ]"معراج التشوف"‬ ‫‪85‬‬

‫صا ‪.[7‬‬ ‫وليس أدفل على منزلة الورع‪ ،‬وأنه أرقى أنواع العبادة من وصية رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم لبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬حيث قال‪" :‬يا أبا هريرة كن ورعا ا تكن‬ ‫أعبرد الناس" ]رواه ابن ماجة عن أبي هريرة فأي كتاب الزهد ـ باب الورع والتقوى‬ ‫ـ بإسناد حسن[‪.‬‬ ‫ولهذا كان الورع سبيلا لنيل المنح اللهية الكبرى‪ ،‬كما قال يحيى بن معاذ رضي‬ ‫ا عنه‪) :‬من لم ينظر فأي الدقيق من الورع‪ ،‬لم يصل إلى الجليل من العطاء(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[54‬‬ ‫ولهمية الورع‪ ،‬ورفأعة منزلته‪ ،‬وعلو شأنه‪ ،‬وعظيم أثره‪ ،‬أشار إليه الرسول‬ ‫صلى ا عليه وسلم فأي أحاديث كثيرة‪ ،‬نورد هنا بعضها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ عن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬ل يبلغ العبد أن يكون من المتقين‪ ،‬حتى يدع ما ل بأس به‬ ‫حذراا مما به بأس" ]رواه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن‬ ‫غريب[‪.‬‬ ‫‪2‬ـ عن حذيفة بن اليمان رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"فأضل العلم خير من فأضل العبادة‪ ،‬وخير دينكم الورع" ]رواه الطبراني فأي‬ ‫"الوسط"‪ ،‬والبزار بإسناد حسن[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وروي عن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"ثلث رمرن كفن فأيه استوجب الثواب واستكمل اليمان‪ :‬سخلس ف‬ ‫ق يعيش به فأي الناس‪،‬‬ ‫وورع يحجزه عن محارم ا‪ ،‬ولحلم يريد به جهل الجاهل" ]رواه البزار كما فأي‬ ‫"الترغيب والترهيب"[‪.‬‬ ‫‪4‬ـ عن أنس رضي ا عنه أن النبي صلى ا عليه وسلم وجد تمرة فأي الطريق‬ ‫فأقال‪" :‬لول أني أخاف أن تكون من الصدقة لكلتها" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬ ‫فأي كتاب الزكاة‪ ،‬ورواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الزكاة[‪.‬‬ ‫‪5‬ـ عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬أخذ الحسن بن علي رضي ا عنهما تمرة‬ ‫‪86‬‬

‫من تمر الصدقة‪ ،‬فأجعلها فأي فأيه‪.‬فأقال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬كرخ كرخ‪ ،‬ارلم‬ ‫بها‪ ،‬أما علمت أفنا ل نأكل الصدقة‪ ،‬أو أفنا ل تحل لنا الصدقة" ]رواه البخاري فأي‬ ‫صحيحه فأي كتاب الزكاة‪ ،‬ورواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الزكاة[‪.‬‬ ‫وإن السادة الصوفأية إذ يتحققون بمراتب الورع المتسامية‪ ،‬إنما يحيون لنا ذكر‬ ‫الصحابة والتابعين رضوان ا عليهم‪.‬‬ ‫فأقد روي أن الصصديق رضي ا عنه أكل طعاما ا أتاه به غلمه‪ ،‬ثم أخبره الغلم أن‬ ‫فأيه شبهة‪ ،‬فأما وسع الصصديق رضي ا عنه إل أن أدخل يده فأي فأمه‪ ،‬فأقاء كل‬ ‫شيء فأي بطنه ]أخرجه البخاري فأي صحيحه باب أيام الجاهلية[‪.‬‬ ‫وكان يقول‪) :‬كنا ندع سبعين بابا ا من الحلل مخافأة أن نقع فأي باب من الحرام(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[53‬‬ ‫وسحمرل إلى عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه مسك من الغنائم‪ ،‬فأقبض على‬ ‫مشاصمه وقال‪) :‬إنما سينتفسع من هذا بريحه‪ ،‬وأنا أكره أن أجد ريحه دون المسلمين(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[55‬‬ ‫وعن عبد ا بن عمر رضي ا عنهما قال‪) :‬اشتريت إب ا‬ ‫ل‪ ،‬وسقتها إلى الحمى‪،‬‬ ‫فألما سمنت ؛ قدمت بها‪ ،‬فأدخل عمر رضي ا عنه السوق فأرأى إبلا لسماناا‪.‬‬ ‫فأقال‪ :‬لمن هذه ؟‬ ‫فأقيل‪ :‬لعبد ا بن عمر‪.‬‬ ‫فأجعل يقول‪ :‬يا عبد ا! بخ بخ‪ ...‬ابرن أمير المؤمنين وقال‪ :‬ما هذه البل ؟!‬ ‫قلت‪ :‬إبل أنضاء "هزيلة" اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي‬ ‫المسلمون‪.‬‬ ‫فأقال‪ :‬ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين‪ ،‬اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبد ا بن‬ ‫عمر خذ رأس مالك‪ ،‬واجعل الربح فأي بيت مال المسلمين( ]"الرياض النضرة" ج‬ ‫‪/2‬صا ‪.[47‬‬ ‫‪87‬‬

‫قال خزيمة بن ثابت‪) :‬كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له عهداا وأشهد عليه‬ ‫رهطاا‪ ،‬واشترط أن ل يركب برذونا ا ول يأكل نقياا‪ ،‬ول يلبس رقيقاا‪ ،‬ول يغلق بابه‬ ‫دون ذوي الحاجات‪ ،‬فأإن فأعل شيئا ا من ذلك حلت عليه العقوبة( ]"البداية والنهاية"‬ ‫لبن كثير ج ‪/7‬صا ‪.[34‬‬ ‫وقصته مع زوجته معروفأة‪ ،‬يوم اقتصدت لتشتري الحلوى‪ ،‬وطالبته بالشراء فأقال‪:‬‬ ‫من أين لك ثمن الحلوى ؟ قالت‪ :‬اقتصدت قال‪ :‬رديه لبيت المال فألو احتجت إليه ما‬ ‫اقتصدت‪ .‬وهو الذي كان يجوع لتشبع رعيته‪.‬‬ ‫وكان لعمر بن عبد العزيز رضي ا عنه غلم يأتيه بقمقم من ماء مسفخن يتوضأ‬ ‫منه‪ ،‬فأقال للغلم يوماا‪) :‬أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين فأتجعله عنده حتى‬ ‫يسخن‪ ،‬ثم تأتي به ؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أصلحك ا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أفأسدته علينا‪ .‬قال‪ :‬فأأمر مزاحماا أن يغلي ذلك القمقم‪ ،‬ثم ينظر ما يدخل فأيه‬ ‫من الحطب‪ ،‬ثم يحسب تلك اليام التي كان يغليه فأيها‪ ،‬فأيجعله حطبا ا فأي المطبخ(‬ ‫]"سيرة عمر بن عبد العزيز" لبن عبد الحكم صا ‪.[37‬‬ ‫وقال العلمة المناوي رحمه ا تعالى‪) :‬وقد رجع ابن المبارك رحمه ا من‬ ‫خراسان إلى الشام فأي رد قلم استعاره منها‪ ...‬وبعد أن أورد المناوي عدة قصص‬ ‫فأي ورع الصوفأية قال‪ :‬فأانظر إلى ورع هؤلء‪ ،‬وتشبفره بهم إن أردت السعادة(‬ ‫]"فأيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/5‬صا ‪.[52‬‬ ‫وسحكي عن بشر الحافأي رحمه ا تعالى أنه سحمل إلى دعوة‪ ،‬فأسوضع بين يديه‬ ‫طعام‪ ،‬فأجهد أن يمد يده إليه‪ ،‬فألم تمتد‪ ،‬ثم جهد فألم تمتد ثلث مرات‪ ،‬فأقال رجل‬ ‫ممن كان يعرفأه‪) :‬إن يده ل تمتد إلى طعام حرام‪ ،‬أو فأيه شبهة‪ ،‬ما كان أغنى‬ ‫صاحب هذه الدعوة أن يدعو هذا الرجل إلى بيته( ]"اللمع" للطوسي صا ‪.[71‬‬ ‫فأما نهج الصوفأية فأي ورعهم إل اقتداء برسول ا صلى ا عليه وسلم وأصحابه‬ ‫الكرام‪ ،‬وأثر من آثار حبهم ل تعالى وتمسكهم بهديه‪ ،‬ونتيجة لخوفأهم الشديد من أن‬ ‫يقعوا فأي مخالفة ل تعالى‪ .‬لن من ذاق طعم اليمان أكرمه ا بالتقوى‪ ،‬ومن‬ ‫‪88‬‬

‫تحقق بالتقوى كان عن الشبهات متورعاا‪ ،‬ومن ا تعالى خائفا ا ولفضله راجيا ا كما‬ ‫قال شاه الكرماني‪) :‬علمة التقوى الورع‪ ،‬وعلمة الورع الوقوف عند الشبهات‪،‬‬ ‫وعلمة الخوف الحزن‪ ،‬وعلمة الرجاء حسن الطاعة( ]"طبقات الصوفأية"‬ ‫للسلمي صا ‪.[193‬‬ ‫فأاجتهد أيها القارىء أن تلحق بأهل الهمم العالية‪ ،‬وجالسهم لتجانسهم ومن جالس‬ ‫جانس‪.‬‬

‫الزهد‬ ‫تعريف الزهد‪ :‬قال ابن الج ر‬ ‫لء‪) :‬الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر‬ ‫فأي عينك فأيسهل عليك العراض عنها( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[56‬‬ ‫وقيل‪) :‬الزهد عزوف النفس عن الدنيا بل تكلف( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[56‬‬ ‫وقال المام الجنيد رحمه ا تعالى‪) :‬الزهد استصغار الدنيا ومحو آثارها من‬ ‫القلب( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[56‬‬ ‫وقال إبراهيم بن أدهم رحمه ا تعالى‪) :‬الزهد فأراغ القلب من الدنيا ل فأراغ اليد‪،‬‬ ‫وهذا زهد العارفأين‪ ،‬وأعلى منه زهد المقربين فأيما سوى ا تعالى من دنيا وجنة‬ ‫وغيرهما‪ ،‬إذ ليس لصاحب هذا الزهد إل الوصول إلى ا تعالى والقرب منه(‬ ‫]"الفتوحات الوهبية بشرح الربعين حديث النووية" للشيخ إبراهيم الشبرخيتي[‪.‬‬ ‫فأالزهد تفريغ القلب من حب الدنيا وشهواتها‪ ،‬وامتلؤه بحب ا ومعرفأته‪ .‬وعلى‬ ‫قدر تخلص القلب من تعلقاته بزخارف الدنيا ومشاغلها يزداد ل تعالى حبا ا وله‬ ‫توجهاا ومراقبة ومعرفأة‪ ،‬ولهذا اعتبر العارفأون الزهد وسيلة للوصول إلى ا‬ ‫تعالى‪ ،‬وشرطاا لنيل حبه ورضاه‪ ،‬وليس غاية مقصودة لذاتها‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫مشروأعية الزهد‪:‬‬ ‫نفى بعضهم وجود الزهد فأي السلم نفيا ا قاطعاا‪ ،‬واعتبر الزهد بدعة دخيلة على‬ ‫الدين‪ ،‬تسربت إليه عن طريق الرهبنة النصرانية أو النسك العجمي‪ ،‬ول شك أن‬ ‫موقفهم هذا تسيرفع فأي الحكم مع جهل بحقيقة السلم‪ .‬فألو رجع هؤلء المنكرون‬ ‫إلى أحاديث رسول ا صلى ا عليه وسلم لوجدوا أنه عليه الصلة والسلم يدعو‬ ‫إلى الزهد صراحة‪ ،‬ويعتبر الزهد وسيلة لنيل محبة ا تعالى‪ .‬فأقد روى سهل بن‬ ‫سعد الساعدي رضي ا عنه قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫فأقال‪ :‬يا رسول ا سدفلني على عمل إذا عملته أحبني ا وأحبني الناس قال له‪:‬‬ ‫"ازهد فأي الدنيا يحبك ا‪ ،‬وازهد فأيما فأي أيدي الناس يحبوك" ]رواه ابن ماجه فأي‬ ‫كتاب الزهد[‪.‬‬ ‫ثم إن كل مسلم حين يتصفح كتاب ا تعالى‪ ،‬يجد كثيراا من اليات الكريمة تصصغر‬ ‫من شأن الدنيا وتبين حقارتها وسرعة زوالها‪ ،‬وانقضاء نعيمها‪ ،‬وأنها دار الغرور‪،‬‬ ‫وفأتنة الغافألين ؛ ومقصود الحق من ذلك أن يسرزرهد الناس فأيها بإخراج حبها من‬ ‫قلوبهم حتى ل تشغلهم عما خلقوا له من معرفأة ا تعالى وإقامة دينه‪ .‬قال ا‬ ‫س إفن رورعرد ال ح ي‬ ‫ق فأل تسغفرنفسكم الحياةس الدنيا ول يرسغفرنفسكم بال‬ ‫تعالى‪} :‬يا أييها النا س‬ ‫الرغروسر{ ]الروم‪.[60 :‬‬ ‫ب وإفن الدارر اللخررةر لرلهري الحيواسن لو‬ ‫وقال أيضاا‪} :‬وما هذه الحياة الدنيا إل لهفو ولرلع ف‬ ‫كانوا يعلمورن{ ]العنكبوت‪.[64 :‬‬ ‫ت الصالحا س‬ ‫وقال تعالى‪} :‬الماسل والبنورن زينرةس الحياة الدنيا والباقيا س‬ ‫ك‬ ‫ت خيفر عنرد ربص ر‬ ‫ثوابا ا وخيفر أم ا‬ ‫ل{ ]الكهف‪.[46 :‬‬ ‫وهكذا سائر اليات الكريمة التي تضرب على هذا الرورتر وترمي إلى هذا الهدف‬ ‫العظيم‪.‬‬ ‫وإذا استعرضنا سيرة رسول ا صلى ا عليه وسلم نجده كثيراا ما يوجه أصحابه‬ ‫إلى العزوف عن الدنيا والزهد فأي زخارفأها‪ ،‬وذلك بتصغير شأنها وتحقير مفاتنها‪.‬‬ ‫كل ذلك كي ل تشغلهم عن المهمة العظمى التي سخلقوا من أجلها‪ ،‬ول تقطعهم عن‬ ‫الرسالة المقدسة التي يحملونها‪.‬‬ ‫فأتارة يبين أن ا تعالى جعل الدنيا زينة لنا ابتلاء واختباراا لينظر هل نتصرف‬ ‫‪90‬‬

‫فأيها على نحو ما يرضيه أم ل ؟ فأيقول عليه الصلة والسلم‪" :‬إن الدنيا حلوة‬ ‫خضرة‪ ،‬وإن ا تعالى مستخلفكم فأيها‪ ،‬فأينظر كيف تعملون‪ ،‬فأاتقوا الدنيا‪ ،‬واتقوا‬ ‫النساء" ]أخرجه مسلم فأي كتاب الذكر والدعاء عن أبي سعيد الخدري رضي ا‬ ‫عنه وتمام الحديث "فأإن أول فأتنة بني إسرائيل كانت فأي النساء"[‪ .‬وتارة ينبه‬ ‫الرسول عليه الصلة والسلم أصحابه إلى أن الدنيا ظل زائل ومتعة عابرة‪ ،‬حتى‬ ‫ل يركنوا إليها فأتقطعهم عن ا تعالى‪ .‬عن ابن عمر رضي ا عنهما قال‪ :‬أخذ‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم بمنكبي فأقال‪" :‬كن فأي الدنيا كأنك غريب أو عابر‬ ‫سبيل"‪ ،‬وكان ابن عمر رضي ا عنهما يقول‪ :‬إذا أمسي ر‬ ‫ت فأل تنتظر الصباح‪ ،‬وإذا‬ ‫أصبح ر‬ ‫ت فأل تنتظر المساء‪ ،‬وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ]أخرجه‬ ‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق[‪.‬‬ ‫وعن ابن مسعود رضي ا عنه قال‪ :‬نام رسول ا صلى ا عليه وسلم على‬ ‫حصير فأقام وقد أرثر فأي جنبه‪ ،‬فأقلنا يا رسول ا لو اتخذنا لك وطاء‪ .‬فأقال‪" :‬ما لي‬ ‫وللدنيا‪ ،‬ما أنا فأي الدنيا إل كراكب‪ ،‬استظل تحت شجرة‪ ،‬ثم راح وتركها" ]أخرجه‬ ‫الترمذي فأي كتاب الزهد‪ ،‬وقال‪ :‬حديث صحيح[‪ .‬وتارة يشير الرسول صلى ا‬ ‫عليه وسلم إلى حقارة شأنها فأي نظر الحق سبحانه فأيقول‪" :‬لو كانت الدنيا تعدل‬ ‫عند ا جناح بعوضة‪ ،‬ما سقى كافأراا منها شربة ماء" ]رواه الترمذي فأي كتاب‬ ‫الزهد عن سهل بن سعد الساعدي‪ .‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬ ‫وهكذا سار الرسول عليه الصلة والسلم هو وخلفاؤه وأصحابه الكرام على هذا‬ ‫المنهج الكريم‪ ،‬فأعزفأ ر‬ ‫ت نفوسهم عن الدنيا‪ ،‬وزهدت قلوبهم فأيها‪.‬‬ ‫مرت بهم فأترات من الفقر والشدائد والمحن فأما ازدادوا إل صبراا وتسليما ا ورضاء‬ ‫بحكم ا تعالى‪ ،‬ثم جاءتهم الدنيا صاغرة‪ ،‬وألقت بين أيديهم خزائنها ومقاليدها‬ ‫فأاتخذوها سسفلماا للخرة ووسيلة إلى رضوان ا تعالى‪ ،‬دون أن تشغل قلوبهم عن‬ ‫ا تعالى وطاعته‪ ،‬أو توقعهم فأي الترف والبطر‪ ،‬أو الكبر والغرور‪ ،‬أو الشح‬ ‫والبخل‪ .‬فأقد خرج أبو بكر رضي ا عنه عن ماله كله فأي سبيل ا‪ ،‬فأقال له‬ ‫ت لهلك ؟ قال‪ :‬ترك س‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬ما ترك ر‬ ‫ت ا ورسوله"‬ ‫]رواه أبو داود فأي كتاب الزكاة والترمذي فأي كتاب المناقب عن عمر بن الخطاب‬ ‫رضي ا عنه‪ .‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪.‬‬ ‫وأما عمر بن الخطاب رضي ا عنه فأهو صاحب اليد الطولى فأي هذا المضمار‪،‬‬ ‫وببذله وزهده ستضرب المثال‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫وأما عثمان رضي ا عنه فأهو الذي جهز جيش العسرة‪ ،‬وأنفق عليه من ماله‪،‬‬ ‫غير مكترث بعظم هذه النفقات بجانب رضاء ا‪ ،‬ولبالغ تضحيته وإيثاره وعزوفأه‬ ‫عن الدنيا قال رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي حقه‪" :‬ما ضفر عثمان ما عمل‬ ‫بعد اليوم" ]رواه الترمذي فأي كتاب المناقب عن كثير مولى عبد الرحمن بن‬ ‫سمرة[‪.‬‬ ‫ب السيرة طافأحة بأخبار زهد الرسول صلى ا عليه وسلم وزهد أصحابه‬ ‫وكت س‬ ‫الكرام رضوان ا عليهم‪ .‬ويضيق المجال عن التفصيل‪ ،‬ونكتفي بذكر النبذ‬ ‫اليسيرة التالية‪:‬‬ ‫عن نافأع قال‪ :‬سمعت ابن عمر رضي ا عنهما يقول‪) :‬وا ما شمل النبي صلى‬ ‫ا عليه وسلم فأي بيته ول خارج بيته ثلثة أثواب‪ ،‬ول شمل أبا بكر فأي بيته ثلثة‬ ‫أثواب‪ ،‬غير أني كنت أرى كساهم إذا أحرموا‪ ،‬كان لكل واحد منهم مئزر ومشمل‬ ‫لعلها كلها بثمن درع أحدكم‪ ،‬وا لقد رأيت النبي صلى ا عليه وسلم يرقع ثوبه‪،‬‬ ‫ورأيت أبا بكر تخلل بالعباءة‪ ،‬ورأيت عمر يرقع جبته برقاع من أدم وهو أمير‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وإني لعرف فأي وقتي هذا من يجيز المائة‪ ،‬ولو شئت لقلت ألفا ا‬ ‫]"تاريخ عمر بن الخطاب" لبن الجوزي صا ‪.[102‬‬ ‫وقالت حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي ا عنهما لعمر‪) :‬يا أمير المؤمنين لو‬ ‫لبرس ر‬ ‫ت ثوبا ا هو ألين من ثوبك‪ ،‬وأكلت طعاماا هو ألين من طعامك‪ ،‬وقد وفسع ا من‬ ‫الرزق وأكثر من الخير‪ ،‬فأقال‪ :‬إني سأخصمك إلى نفسك‪ ،‬أل تذكرين ما كان‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يلقى من شدة العيش ؟ فأما زال سيذصكرها حتى أبكاها‪،‬‬ ‫فأقال لها‪ :‬أما وا لئن استطع س‬ ‫ت لشاركهما فأي مثل عيشهما الشديد لعصلي أدرك‬ ‫معهما عيشهما الرخي( ]"تاريخ عمر بن الخطاب" لبن الجوزي صا ‪.[104‬‬ ‫وعن قتادة رضي ا عنه أن عمر بن الخطاب رضي ا عنه أبطأ عن الناس يوم‬ ‫الجمعة‪ ،‬قال‪ :‬ثم خرج فأاعتذر إليهم فأي احتباسه وقال‪) :‬إنما حبسني غسل ثوبي‬ ‫هذا‪ ،‬كان سيغسل ولم يكن لي ثوب غيره( ]"تاريخ عمر بن الخطاب" صا ‪.[102‬‬ ‫وما حياة الرسول صلى ا عليه وسلم وأصحابه الكرام إل القدوة العملية الكاملة‬ ‫التي سار المؤمنون الصادقون على نهجها فأكانوا مثالا للزهد والعفة والطهر‬ ‫والستقامة‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫تصحيح مفهوم الزهد‪:‬‬ ‫من تعريفات الزهد السالفة الذكر وبيان مشروعيته يتضح أن الزهد مرتبة قلبية ؛‬ ‫إذ هو إخراج حب الدنيا من القلب‪ ،‬بحيث ل يلتفت الزاهد إليها بقلبه‪ ،‬ول ينشغل‬ ‫بها عن الغاية التي خلقه ا من أجلها‪.‬‬ ‫وليس معنى الزهد أن يتخلى المؤمن عن الدنيا فأيفرغ يده من المال‪ ،‬ويترك الكسب‬ ‫الحلل ويكون عالة على غيره‪.‬‬ ‫وقد أوضح رسول ا صلى ا عليه وسلم المقصود الحقيقي من الزهد حين قال‪:‬‬ ‫"الزهادة فأي الدنيا ليست بتحريم الحلل ول إضاعة المال‪ ،‬ولكن الزهادة أن تكون‬ ‫بما فأي يد ا تعالى أوثق منك بما فأي يدك‪ ،‬وأن تكون فأي ثواب المصيبة إذا‬ ‫ب منك فأيها لو أنها سأبقي ر‬ ‫ت لك" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب الزهد‬ ‫سأصبت بها أرغ ر‬ ‫عن أبي ذر رضي ا عنه‪ ،‬وقال‪ :‬حديث غريب[‪.‬‬ ‫قال العلمة المناوي رحمه ا تعالى معلقا ا على هذا الحديث‪) :‬فأليس الزهد تجنب‬ ‫المال بالكلية بل تساوي وجوده وعدمه‪ ،‬وعدسم تعلقه بالقلب إليه‪ ،‬فأقد كان رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم قدوة الزاهدين‪ ،‬يأكل اللحم والحلوى والعسل‪ ،‬ويحب النساء‬ ‫والطيب والثياب الحسنة‪ ،‬فأخذ من الطيبات بل سرف ول مخيلة‪ ،‬وإياك وزهد‬ ‫الرهبان( ]"فأيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناوي ج ‪/4‬صا ‪.[72‬‬ ‫وهكذا فأهم السادة الصوفأية أن الزهد مرتبة قلبية‪ .‬قال عمرو بن عثمان المكي‪:‬‬ ‫)اعلم أن رأس الزهد وأصله فأي القلوب هو احتقار الدنيا واستصغارها‪ ،‬والنظر‬ ‫إليها بعين القلة‪ ،‬وهذا هو الصل الذي يكون منه حقيقة الزهد(] "طبقات‬ ‫الصوفأية" للسلمي صا ‪.[203‬‬ ‫وقد عبر سيدي عبد القادر الجيلني قدس ا سره عن مفهوم الزهد الحقيقي تعبيراا‬ ‫واضحا ا جامعاا حين قال‪) :‬أخرج الدنيا من قلبك وضعها فأي يدك أو فأي جيبك‪ ،‬فأإنها‬ ‫ل تضرك( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد القادر الجيلني[‪.‬‬ ‫وفأي هذا المعنى قال بعض العارفأين‪) :‬ليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي فأي‬ ‫قلبك‪ ،‬وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي فأي يدك(‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫ولهذا عفرف ابن عجيبة الزهد بقوله‪) :‬هو خلو القلب من التعلق بغير الرب(‬ ‫]"معراج التشوف" لبن عجيبة ص ‪[7‬هلل‪.‬‬ ‫وقد بين المام الزهري رحمه ا تعالى أن من معاني الزهد الحقيقي أن تشكر ا‬ ‫تعالى على ما رزقك من الحلل‪ ،‬وأن تحبس نفسك عن طلب الحرام قانعا ا بما قسم‬ ‫لك من الرزق‪ ،‬فأقال حين سئل عن زهد المسلم‪) :‬هو أن ل يغلب الحلل شكره‪،‬‬ ‫ول الحرام صبره( ]"النهاية فأي غريب الحديث" لبن الثير مادة )زهد([‪.‬‬ ‫وقد أوضح العلماء أن المقصود من ذم الدنيا الوارد فأي اليات الكريمة والحاديث‬ ‫الشريفة ليس ذماا لذاتها‪ ،‬وإنما هو تحذير من النشغال القلبي بها ؛ بأن يجعلها‬ ‫المؤمن غاية يسعى إليها بكل إمكانياته‪ ،‬ناسياا غايته الساسية‪ ،‬وهي الفوز برضاء‬ ‫ا تعالى‪ .‬فأنعمت الدنيا مطية المؤمن ووسيلة إلى التقرب إلى ا تعالى‪ ،‬وبئست‬ ‫الدنيا إذا كانت معبوده‪ .‬وفأي هذا المعنى قال العلمة المناوي رحمه ا‪) :‬فأالدنيا ل‬ ‫تسرذرم لذاتها فأإنها مزرعة الخرة‪ ،‬فأمن أخذ منها مراعيا ا للقوانين الشرعية أعانته‬ ‫على آخرته‪ ،‬ومن ثرفمرة قيل‪ :‬ل تركن إلى الدنيا‪ ،‬فأإنها ل تبقى على أحد‪ ،‬ول تتركها‬ ‫فأإن الخرة ل تنال إل بها( ]"فيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/3‬ص‬ ‫‪[545‬هلل‪.‬‬ ‫طريق الوصول للزهد‪:‬‬ ‫بما أن الزهد مقام قلبي رفأيع المنزلة لنه تفريغ القلب من التعلق بسوى ا تعالى‪،‬‬ ‫كان الوصول إليه أمراا هاماا يحتاج إلى جهود كبيرة ووسائل ناجعة‪ ،‬وأهمها‬ ‫صحبة المرشد الذي يأخذ بيد المريد‪ ،‬ويرسم له الطريق الصحيح‪ ،‬وينقله من‬ ‫مرحلة إلى مرحلة بحكمة ودراية‪ ،‬ويجنبه مزالق القدام‪.‬‬ ‫فأكم من أناس أخطؤوا الطريق فأجعلوا الزهد غاية‪ ،‬ولبسوا السمررفقع من الثياب‪،‬‬ ‫وأكلوا الرديء من الطعام‪ ،‬وتركوا الكسب الحلل‪ ،‬وحسدوا أهل المال‪ ،‬وقلوبهم‬ ‫مفعمة بحب الدنيا‪ ،‬وهم يحسبون أنهم زاهدون‪ .‬وما وقعوا فأي ذلك إل لنهم ساروا‬ ‫بأنفسهم بعيدين عن صحبة الدليل الخبير‪ ،‬وفأي هؤلء يقول المناوي رحمه ا‬ ‫تعالى‪) :‬فأالزهد فأراغ القلب من الدنيا ل فأراغ اليد منها‪ ،‬وقد جهل قوم فأظنوا أن‬ ‫الزهد تجنب الحلل‪ ،‬فأاعتزلوا الناس‪ ،‬فأضيعوا الحقوق‪ ،‬وقطعوا الرحام‪ ،‬وجفوا‬ ‫النام‪ ،‬واكفهيروا فأي وجوه الغنياء‪ ،‬وفأي قلوبهم شهوة الغنى أمثال الجبال‪ ،‬ولم‬ ‫يعلموا أن الزهد إنما هو بالقلب‪ ،‬وأن أصله موت الشهوة القلبية‪ ،‬فألما اعتزلوها‬ ‫بالجوارح ظنوا أنهم استكملوا الزهد‪ ،‬فأأداهم ذلك إلى الطعن فأي كثير من الئمة(‬ ‫‪94‬‬

‫]"فأيض القدير شرح الجامع الصغير" ج ‪/3‬صا ‪.[73‬‬ ‫وكم من أناس أقبلوا على الدنيا وملذاتها فأشغلت قلوبهم بحبها‪ ،‬وعمرت أوقاتهم‬ ‫بجمع حطامها وهم يزعمون أنهم تحققوا بالزهد القلبي‪ ،‬وأنهم فأهموا الزهد على‬ ‫ف لهم‬ ‫حقيقته‪ ،‬ولو كان لهؤلء طبيب قلبي ناصح‪ ،‬يكون لهم مرآة صادقة‪ ،‬لرركرش ر‬ ‫حقيقة وصفهم‪ ،‬ولرشدهم إلى سبيل الوصول إلى حقيقة الزهد‪.‬‬ ‫وينبغي الشارة إلى أن المرشدين قد يصفون لبعض تلمذتهم نوعا ا من المجاهدات‬ ‫بغية تفريغ قلوبهم من التعلقات الدنيوية‪ ،‬من باب العلج الضروري الموقت‪،‬‬ ‫فأيطلبون منهم أكل اليسير من الطعام‪ ،‬أو لبس البسيط من الثياب لخراج حبها من‬ ‫قلوبهم‪ ،‬أو يردعونهم للبذل السخي والعطاء الكثير بغية اقتلع صفة الشح والتعلق‬ ‫بالمال من قلوبهم‪ ،‬وهذه النواع من المعالجات ضرورية ونافأعة ما دامت برأي‬ ‫المرشد وإشرافأه‪ ،‬فأهي ليست غايةا لذاتها ؛ بل هي وسيلة مشروعة للوصول إلى‬ ‫الزهد القلبي الحقيقي‪.‬‬ ‫وما أكسل الرسول صلى ا عليه وسلم للطعمة البسيطة‪ ،‬وربطس الحجر على بطنه‬ ‫الشريف من الجوع ـ رغم أن الجبال عرضت له أن تكون ذهبا ا ـ إل لبيان‬ ‫مشروعية هذه العمال‪.‬‬ ‫وفأي هذا قال المام الجنيد رحمه ا تعالى‪ ،‬وهو ترربى على يد أشياخه من‬ ‫العارفأين‪) :‬ما أخذنا التصوف عن القيل والقال‪ ،‬لكن عن الجوع وترك الدنيا‪،‬‬ ‫وقطع المألوفأات والمستحرسنات‪ ،‬لن التصوف هو صفة المعاملة مع ا تعالى‪،‬‬ ‫وأصله التعيزف عن الدنيا كما قال حارثة‪ :‬عزفأت نفسي عن الدنيا فأأسهر س‬ ‫ت ليلي‬ ‫وأظمأ س‬ ‫ت نهاري( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[158‬‬ ‫وقد كان المرشد الكبير سيدي عبد القادر الجيلني رحمه ا تعالى يوجه تلمذته‬ ‫فأي بادىء سيرهم أن يجاهدوا أنفسهم ويروضوها على الخشيشان والصبر‬ ‫والتقشف‪ ،‬ثم بعدها ينقلهم إلى مراتب الزهد القلبي حين يستوي عندهم الخذ‬ ‫والعطاء والفقر والغنى‪ ،‬وتفرغ قلوبهم من سوى ا تعالى‪.‬‬ ‫وقد لرفر ر‬ ‫ت السادة الصوفأية الذهارن إلى أمور تساعد على التحقق بمقام الزهد منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ العلم بأن الدنيا ظل زائل وخيال زائر‪ ،‬والرحيل منها إلى دار البقاء‪ ،‬إما إلى‬ ‫‪95‬‬

‫نعيم وإما إلى عذاب‪ ،‬فأيرى النسان نتيجة أعماله‪ ،‬إرن خيراا فأخير‪ ،‬وإرن شراا فأشر‪.‬‬ ‫عن عبد ا بن الشخير رضي ا عنه قال‪ :‬أتيت النبي صلى ا عليه وسلم وهو‬ ‫يقرأ‪} :‬ألهاسكسم التكاثسسر{ ]التكاثر‪ [1:‬قال‪" :‬يقول ابن آدم‪ :‬مالي مالي‪ ،‬وهل لك يا ابن‬ ‫ت فأأبليت‪ ،‬أو تصدرق ر‬ ‫ت فأأفأنيت‪ ،‬أو لبس ر‬ ‫آدم من مالك إل ما أكل ر‬ ‫ت فأأمضيت" ]رواه‬ ‫مسلم فأي كتاب الزهد[‪.‬‬ ‫وقال أبو المواهب الشاذلي رحمه ا تعالى‪) :‬عبادة المريد مع محبته للدنيا شغل‬ ‫قلب وتعب جوارح‪ ،‬فأهي وإن كثر ر‬ ‫ت قليلة عند ا تعالى(‪.‬‬ ‫‪2‬ـ العلم بأن وراءها داراا أعظم منها قدراا‪ ،‬وأجل خطراا‪ ،‬وهي دار البقاء‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪} :‬قرل متاسع الدنيا قليفل والخرةس خيفر للرمرن اتقى{ ]النساء‪ .[77 :‬ولذا وجهوا‬ ‫أتباعهم للعراض عن الدنيا‪ ،‬والتطلع إلى الحياة الخرة‪ ،‬إلى الجنة ونعيمها‬ ‫والرغبة فأي ا تعالى‪ ،‬فأساروا سيرة الصحابة والسلف الصالح رضي ا عنهم‬ ‫فأي التضحية واليثار ومجاهدة النفس ومغالبة الهوى دون أن تستهويهم زخارف‬ ‫الحياة الزائلة‪.‬‬ ‫وكان شعارهم قول بعضهم‪:‬‬ ‫ل تنظرفن إلى القصور العامرة‬ ‫وإذا ذكر ر‬ ‫ت زخارف الدنيا فأقل‬

‫واذكر عظامك حين تمسي ناخرة‬ ‫ك إفن العيش عيش الخرة‬ ‫لبي ر‬

‫‪3‬ـ العلم بأن زهد المؤمنين فأي الدنيا ل يمنعهم شيئا ا سكتب لهم‪ ،‬وأن حرصهم عليها‬ ‫ض لهم منها‪ ،‬فأما أصابهم لم يكن ليخطئهم‪ ،‬وما أخطأهم لم‬ ‫ل يجلب لهم ما لم سيق ر‬ ‫يكن ليصيبهم‪.‬‬

‫الخلصة‪:‬‬ ‫وصفوة القول‪ :‬الزهد مقام رفأيع لنه سبب لمحبة ا تعالى‪ ،‬ولذا دعا إليه الكتاب‬ ‫والسنة‪ ،‬وأشاد بفضله أئمة الدين‪ ،‬قال المام الشافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬عليك‬ ‫بالزهد‪ ،‬فأإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد( ]"فأيض القدير شرح‬ ‫الجامع الصغير" ج ‪/4‬صا ‪.[73‬‬ ‫‪96‬‬

‫ولذلك فأإن السادة الصوفأية قد تحققوا بالزهد وتدرجوا فأي مراتبه التي أشار إليها‬ ‫ابن عجيبة بقوله‪) :‬فأزهد العامة‪ :‬ترك ما فأضل عن الحاجة فأي كل شيء‪ ،‬وزهد‬ ‫الخاصة‪ :‬ترك ما يشغل عن التقرب إلى ا فأي كل حال‪ ،‬وزهد خاصة الخاصة‬ ‫ترك النظر إلى ما سوى ا فأي جميع الوقات إلى أن قال‪ :‬والزهد سبب السير‬ ‫والوصول ؛ إذ ل سير للقلب إذا تعلق بشيء سوى المحبوب( ]"معراج التشوف"‬ ‫لبن عجيبة صا ‪ 7‬ـ ‪.[8‬‬ ‫وقد وصف المام النووي رحمه ا تعالى هذه الفئة الصالحة من المة فأقال‪:‬‬ ‫إفن ل عباداا فأس ر‬ ‫طنا طفلقوا الدنيا وخافأوا الفتنا‬ ‫نظروا فأيها فألما علموا أنها ليس لحيي رسكنا‬ ‫جعلوها لسفجةا واتخذوا صالح العمال فأيها سسفنا‬ ‫]"رياض الصالحين" للمام النووأي ص ‪[3‬هلل‪.‬‬

‫الـــررضــــا‬ ‫تعريفه‪ :‬عرف العلماء الرضا تعريفات متعددة‪ ،‬وكل واحد تكلم على حسب مشربه‬ ‫ومقامه‪،‬وأهمها ما قاله السيد فأي تعريفاته‪" :‬الرضاء‪ :‬سرور القلب بسمصر القضاء"‬ ‫]"تعريفات السيد" صا ‪.[57‬‬ ‫وقال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬تلقي المهالك بوجه ضاحك‪ ،‬أو سرور‬ ‫يجده القلب عند حلول القضاء‪ ،‬أو ترك الختيار على ا فأيما دبر وأمضى‪ ،‬أو‬ ‫شرح الصدر ورفأع اللنكار لما يرد من الواحد القهار" ]"معراج التشوف" صا‬ ‫‪.[8‬‬ ‫وقال العلمة البركوي رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬طيب النفس بما يصيبه ويفوته‬ ‫مع عدم التغير" ]"شرح الطريقة المحمدية" للنابلسي ج ‪ .2‬صا ‪.[105‬‬ ‫‪97‬‬

‫وقال ابن عطاء ا السكندري رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬نظر القلب إلى قديم‬ ‫اختيار ا تعالى للعبد‪ ،‬وهو ترك التسخط" ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[89‬‬ ‫وقال المحاسبي رحمه ا تعالى‪" :‬الرضا‪ :‬سكون القلب تحت مجاري الحكام"‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[89‬‬ ‫فأالرضا مقام قلبي‪ ،‬إذا تحقق به المؤمن استطاع أن ريتلفقى نوائب الدهر وأنواع‬ ‫الكوارث بإيمان راسخ‪ ،‬ونفس مطمئنة‪ ،‬وقلب ساكن‪ ،‬بل قد يترقى إلى أرفأع من‬ ‫ذلك فأيشعر بالسرور والفرحة بمر القضاء‪ ،‬وذلك نتيجة ما تحقق به من المعرفأة‬ ‫ب الصادق له سبحانه‪.‬‬ ‫بال تعالى‪ ،‬والح ص‬ ‫فضله‪:‬‬ ‫هو أسمى مقاماا وأرفأع رتبة من الصبر‪ ،‬إذ هو السلم الروحي الذي يصل‬ ‫بالعارف إلى حب كل شيء فأي الوجود يرضي ا تعالى‪ ،‬حتى أقدار الحياة‬ ‫ومصائبها‪ ،‬يراها خيراا ورحمة‪ ،‬ويتأملها بعين الرضا فأضلا وبركة‪.‬‬ ‫كان بلل رضي ا عنه يعاني سكرات الموت وهو يقول‪" :‬وافأرحتاه! غداا ألقى‬ ‫الحبة‪ ،‬محمداا وصحبه" ]"السيرة النبوية" لحمد زيني دحلن‪ .‬صا ‪.[242‬‬ ‫وقد بين الرسول صلى ا عليه وسلم أن الراضي بقضاء ا هو أغنى الناس لنه‬ ‫أعظمهم سروراا واطمئناناا‪ ،‬وأبعدهم عن الهم والحزن والسخط والضجر‪ ،‬إذ ليس‬ ‫الغنى بكثرة المال إنما هو بغنى القلب باليمان والرضا‪ ،‬قال عليه الصلة‬ ‫والسلم‪) :‬اتق المحارم تكن أعبد الناس‪ ،‬وارض بما قسم ا لك تكن أغنى الناس‪،‬‬ ‫وأحسن إلى جارك تكن مؤمناا‪ ،‬وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماا‪ ،‬ول تكثر‬ ‫الضحك فأإن كثرة الضحك تميت القلب( ]أخرجه الترمذي فأي كتاب الزهد عن أبي‬ ‫هريرة رضي ا عنه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث غريب[‪.‬‬ ‫وأوضح الرسول صلى ا عليه وسلم أن الرضا سبب عظيم من أسباب سعادة‬ ‫المؤمن الدنيوية والخروية‪ ،‬كما أن السخط سبب الشقاء فأي الدنيا والخرة فأقال‪:‬‬ ‫)من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى ا له‪ ،‬ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة ا‬ ‫تعالى‪ ،‬ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى ا تعالى له( ]أخرجه الترمذي فأي‬ ‫كتاب القدر عن سعد بن أبي وقاصا رضي ا عنه وقال‪ :‬حديث غريب[‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫ولقد كانت نعمة الرضا من العوامل فأي تلك السكينة التي شملت قلوب العارفأين‪،‬‬ ‫ومن أقوى السباب فأي محق نوازع اليأس التي يوجدها التفكير فأي عدم الحصول‬ ‫على حظوظ الحياة وملذاتها ؛ مما يجلب لصاحبه القلق والحيرة والضطراب‪.‬‬ ‫ولقد كان من هديه صلى ا عليه وسلم أن سيعرلم أصحابه ويغرس فأي قلوبهم الرضا‬ ‫بال تعالى رباا‪ ،‬وبالسلم ديناا‪ ،‬وبمحمد صلى ا عليه وسلم نبيا ا ورسو ا‬ ‫ل‪ ،‬وكان‬ ‫يندبهم لتكرارها فأيقول‪) :‬من قال إذا أصبح وأمسى‪ :‬رضينا بال ربا ا وبالسلم‬ ‫ديناا‪ ،‬وبمحمد رسو ا‬ ‫ل‪ ،‬كان حقاا على ا أن يرضيه(]رواه أبو داود فأي باب ما‬ ‫يقول إذا أصبح عن أنس بن مالك رضي ا عنه ورواه الترمذي فأي كتاب‬ ‫الدعوات[‪ ،‬فأكانوا يحرصون على تكرارها صباحا ا ومسااء‪ ،‬سيعلربون بذلك عما ستكينه‬ ‫قلوبهم من نعيم الرضا بال والتسليم له‪.‬‬ ‫وما أكثر من يكرر هذا القول بلسانه‪ ،‬وهو غير مطمئن القلب به‪ ،‬ول متذوق‬ ‫لمعانيه السامية‪ ،‬ول متحقق بمقاصده العالية‪ ،‬خصوصا ا حين تزدحم عليه‬ ‫المصائب‪ ،‬وتداهمه الخطوب‪ ،‬وتتكاثف على قلبه ظلمات الهموم والكدار‪ ،‬أو‬ ‫عندما يدعى إلى حكم من أحكام الشرع يخالف هواه ويعارض مصالحه الخاصة‪.‬‬ ‫لهذا نرى أن ترردارده باللسان فأحسب ل يفيد صاحبه إذا لم ينبع من قلبه‪ .‬حيث إن‬ ‫من لوازم الرضا بال تعالى ربا ا ؛ الرضا بكل أفأعاله فأي شؤون خلقه ؛ من إعطاظء‬ ‫ومنع وخفض ورفأع‪ ،‬وضر ونفع‪ ،‬ووصل وقطع‪.‬‬ ‫ومن لوازم الرضا باللسلم ديناا أن يتمسك بأوامره ويبتعد عن نواهيه‪ ،‬ويستسلم‬ ‫لحكامه ولو كان فأي ذلك مخالفة لهوى نفسه‪ ،‬ومعارضة لمصالحه الخاصة‪.‬‬ ‫ومن لوازم الرضا بسيدنا محمد صلى ا عليه وسلم نبيا ا ورسولا أن يتخذ‬ ‫شخصيته مث ا‬ ‫ل أعلى وأسوة حسنة‪ ،‬فأيتبع هديه‪ ،‬ويقتفي أثره‪ ،‬ويتحلى بسنته‪،‬‬ ‫ويجاهد هواه حتى يكون تبعاا لما جاء به‪ ،‬وحتى يكون أحب إليه من والده وولده‬ ‫ونفسه والناس أجمعين‪ ،‬كما دعا إلى ذلك عليه الصلة والسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬ ‫حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬ ‫فأي كتاب اليمان باب حب الرسول من اليمان عن أبي هريرة وأنس رضي ا‬ ‫عنهما[‪.‬‬

‫‪99‬‬

‫وإن عمر بن الخطاب رضي ا عنه قال للنبي صلى ا عليه وسلم‪ :‬لن ر‬ ‫ت يا‬ ‫ي من كل شيظء إل من نفسي فأقال‪" :‬ل والذي نفسي بيده حتى‬ ‫رسول ا أح ي‬ ‫ب إل ف‬ ‫ي من‬ ‫ب إليك من نفسك"‪ .‬فأقال له عمر‪ :‬فأإنه الن وا لنت أح ي‬ ‫أكون أح ف‬ ‫ب إل ف‬ ‫نفسي‪ ،‬فأقال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬الن ياعمر" ]رواه البخاري فأي صحيحه‬ ‫فأي كتاب اليمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي صلى ا عليه وسلم ج ‪.8‬‬ ‫صا ‪ ،160‬ورواه أحمد فأي المسند ج ‪.[4/233‬‬ ‫فأمن تحلى بالرضا بال تعالى رباا‪ ،‬وبالسلم ديناا‪ ،‬وبسيدنا محمد نبيا ا ورسو ا‬ ‫ل‪،‬‬ ‫ذاق طعم اليمان‪ ،‬ووجد حلوة اليقين‪ ،‬ونال السعادة البدية‪ ،‬قال عليه الصلة‬ ‫والسلم‪" :‬ذاق طعم اليمان من رضي بال تعالى رباا‪ ،‬وبالسلم ديناا‪ ،‬وبمحمد‬ ‫نبياا" ]رواه مسلم والترمذي فأي كتاب اليمان عن العباس بن عبد المطلب رضي‬ ‫ا عنه[‪.‬‬ ‫أما من سحرم لذة اليمان ونعيم الرضا‪ ،‬فأهو فأي قلق واضطراب‪ ،‬وتضجر وعذاب‪،‬‬ ‫وخصوصاا حين يحل به بلء‪ ،‬أو تنزل به مصيبة‪ ،‬فأتسويد الحياة فأي عينيه‪ ،‬وتظلم‬ ‫الدنيا فأي وجهه‪ ،‬وتضيق به الرض على رحبها‪ ،‬ويأتيه الشيطان ليوسوس له‪ ،‬أن‬ ‫ل خلصا من همومه وأحزانه إل بالنتحار‪ .‬وكم نسمع عن حوادث النتحار‪،‬‬ ‫تزداد نسبتها‪ ،‬ويتفاقم خطرها وخصوصا ا فأي البلد الكافأرة الملحدة‪ ،‬وفأي‬ ‫المجتمعات المارقة التي انحسر عنها ظل اللسلم‪ ،‬وخبا فأيها نور الليمان‪ ،‬وهم‬ ‫ضرنكا ا ‪.‬‬ ‫ض عن لذكري فأإفن لهس معيشةا ر‬ ‫الذين عناهم ا تعالى بقوله‪} :‬ورمرن أعر ر‬ ‫ونحسشسرهس يورم القياملة أعمى{ ]طه‪.[124 :‬‬ ‫تصحيح الفكار في موضوع الرضا‪:‬‬ ‫هناك شبهات‪ ،‬أثارها بعض الجهلة حول موضوع الرضا‪ ،‬وما سببها إل جهلهم‬ ‫وعدم تذوقهم لهذا المقام الرفأيع‪ ،‬والنسان عدو ما يجهل‪ .‬أو يكون رمريدها أنهم رأوا‬ ‫سأناساا من أدعياء التصوف‪ ،‬فأاعتبروا أحوالهم الفاسدة ومفاهيمهم المنحرفأة حجة‬ ‫على التصوف‪ ،‬دون أن يفرقوا بين السادة الصوفأية الذين تحققوا باليمان والسلم‬ ‫واللحسان‪ ،‬وبين الدخلء من أدعياء التصوف وإليك بعض هذه الشبهات مع الرد‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫أو ا‬ ‫ل‪ :‬أنكر جماعة الرضا من أصله فأقالوا‪ :‬ل سيتصور الرضا بما يخالف الهوى‪،‬‬ ‫وإنما سيتصور الصبر فأقط‪ ،‬فأهل يعقل أن ل يحس اللنسان بألم المصائب‪ ،‬ول يشعر‬ ‫بوقع الخطوب ؟!‬

‫‪100‬‬

‫والجواب‪ :‬إن الراضي قد يحس بالبلء‪ ،‬ويتألم للمصيبة بحكم الطبع‪ ،‬ولكنه يرضى‬ ‫بها بعقله وإيمانه‪ ،‬لما يعتقد من عظم الجر وجزالة الثواب على البلء‪ ،‬فأل‬ ‫يعترض‪ ،‬ول يتضجر‪ ،‬قال أبو علي الدقاق‪) :‬ليس الرضا أن ل تحس بالبلء‪ ،‬إنما‬ ‫الرضا أن ل تعترض على الحكم والقضاء( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[89‬‬ ‫ومثله فأي ذلك مثل المريض الذي يحس بألم حقنة الدواء‪ ،‬ويشعر بمرارة العلج‪،‬‬ ‫ولكنه يرضى بذلك لعلمه أنه سبب الشفاء‪ ،‬حتى إنه ليفرح بمن يقدم له الدواء ولو‬ ‫كان مفر المذاق كريه الرائحة‪.‬‬ ‫قال عمر رضي ا عنه‪) :‬ما ابستلي س‬ ‫ي فأيها أربع لنعم‪ :‬إرذ لم تكن‬ ‫ت ببلية إل كان ل عل ف‬ ‫فأي ديني‪ ،‬وإذ لم أحرم الرضا‪ ،‬وإذ لم تكن أعظم‪ ،‬وإذ رجوت الثواب عليها(‬ ‫]"شرح الطريقة المحمدية" ج ‪ 2‬صا ‪.[105‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ :‬إن الراضي قد يحس بألم المصيبة بحكم الطبع‪ ،‬ولكنه يرضى‬ ‫بها حين يرجع إلى إيمانه بلطف ا تعالى وحكمته‪ ،‬وأن وراء كل فأعل من أفأعاله‬ ‫تعالى لحكماا خفية‪ .‬ولطائف دقيقة‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬فأعسى أرن تكررهوا شيئا ا ويجرعرل‬ ‫اس فأيه خيراا كثيراا{]النساء‪.[19 :‬‬ ‫وبذلك يضمحل حزنه‪ ،‬ويزول تعجبه‪ ،‬ويعلم أن تعجبه كتعجب موسى عليه السلم‬ ‫من الخضر عليه السلم‪ ،‬لما خرق سفينة اليتام‪ ،‬وقتل الغلم‪ ،‬وأعاد بناء الجدار‪،‬‬ ‫فألما كشف الخضر عن الحكمة التي اطلع عليها‪ ،‬زال تعجب موسى عليه السلم‪،‬‬ ‫وكان تعجبه بناء على ما سأخفي عنه من تلك الحكم ؛ وكذلك أفأعال ا تعالى‪.‬‬ ‫ومن جهة ثالثة‪ :‬إن المؤمن الذي عمرت محبة ا تعالى قلبه‪ ،‬وأخذت عليه مجامع‬ ‫لبه ل يحس بوقع المصيبة‪ ،‬ول يشعر بألمها‪ ،‬كما قيل‪:‬‬ ‫ح إذا رأرضاكم ألم ول شك أن المحبة ل يحس بها إل من ذاقها‪:‬‬ ‫‪ . . . . .‬فأما لسجر ظ‬ ‫ل يعرف الوجد إل من يكابدهول الصبابة إل من يعانيها ولذلك ينكرها من لم‬ ‫يصل إليها‪.‬‬ ‫قال عامر بن قيس‪) :‬أحبب س‬ ‫ضاني بكل بلفية‪ ،‬فأل‬ ‫ت ا حبا ا هفون علفي كفل مصيبة‪ ،‬ور ف‬ ‫سأبالي مع حبي إياه علم أصبحت وعلم أمسيت(‪.‬‬ ‫‪101‬‬

‫ثانياا‪ :‬تسفررع قوم فأقالوا‪ :‬إن الرضا يورث فأي المؤمن قبولا لعمال الفاسقين‪،‬‬ ‫واستحساناا لوضاع العاصين‪ ،‬وهذا يؤدي إلى ترك المر بالمعروف والنهي عن‬ ‫المنكر‪.‬‬ ‫والجواب‪ :‬أن هذا الفهم خطأ ظاهر‪ ،‬وجهل برين‪ ،‬فأهل يعقل أن يهدم المؤمن حكما ا‬ ‫من أحكام ربه‪ ،‬وركناا من دعائم دينه‪ ،‬وهو المر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟!‬ ‫مع العلم أن ا تعالى ل يرضى عن المؤمن إل إذا أقام دينه‪ ،‬واتبع شريعته‪.‬‬ ‫وهل سيتصور أن يرضى المؤمن بأفأعال الكافأر مع أن ا تعالى ل يرضى بها كما‬ ‫قال تعالى‪} :‬ول يرضى لعبالدله الكفرر{ ]الزمر‪.[7 :‬‬ ‫والحقيقة أنه ل تعارض بين الرضا بال تعالى وبين إنكار المنركر‪ ،‬لن المؤمن‬ ‫يرضى بأفأعال ا تعالى من حيث إنها صدرت من حكيم عليم‪ ،‬وأنها بقضائه‬ ‫ومشيئته‪ ،‬ول يرضى بأفأعال العصاة من حيث إنها صفتهم وكسبهم‪ ،‬ولنها دللة‬ ‫على أنهم ممقوتون من ا تعالى‪.‬‬ ‫ثالثاا‪ :‬ظن قوم خطأ أن من آثار الرضا بال تعالى أن يترك النسان التضرع‬ ‫والدعاء‪ ،‬ويهمل اتخاذ السباب لجلب الخير ودفأع البلء‪ ،‬ويبتعد عن استعمال‬ ‫الدواء عند حصول الداء‪.‬‬ ‫والجواب‪ :‬أن هذا فأهم غير صحيح‪ ،‬إذ فأي الحقيقة أن من جملة الرضا بال تعالى؛‬ ‫أن يعمل المؤمن أعمالا يتوصل بها إلى رضاء محبوبه سبحانه‪ ،‬وأن يترك كل ما‬ ‫يخالف أمره ويناقض رضاه‪.‬‬ ‫ومما يوصل إلى رضاء ا تعالى استجابة أمره فأي قوله‪} :‬ادعوني أسترلج ر‬ ‫ب لسكم{‬ ‫]غافأر‪ .[60 :‬فأالدعاء مخ العبادة‪ ،‬وهو يورث فأي القلب صفااء وخشوعا ا ورقةا‬ ‫تجعله مستعداا لقبول اللطاف والنوار‪.‬‬ ‫ثم إن ترك السباب مخالف لمر ا تعالى ومناقض لرضاه‪ ،‬فأال تعالى أمر‬ ‫بالعمل فأقال‪} :‬وقسلل اعمسلوا فأررسريرى اس عرملرسكم ورسوسله والمؤمنون{ ]التوبة‪:‬‬ ‫‪ .[105‬ودعا إلى السعي فأي طلب الرزق فأقال‪} :‬هرو الذي رجرعرل لكم الرض ذلولا‬ ‫فأامشوا فأي منالكلبها وسكسلوا لمرن لررزقلله{ ]الملك‪.[15 :‬‬ ‫‪102‬‬

‫فأليس من الرضا للعطشان أن ل يمد يده للماء؛ زاعما ا أنه رضي بالعطش الذي هو‬ ‫من قضاء ا ؛ بل قضاء ا وحكمه وإرادته أن سيزال العطش بالماء‬ ‫وحين أراد سيدنا عمر بن الخطاب رضي ا عنه‪ ،‬أن يمنع جيش المسلمين من‬ ‫دخول الشام حذراا من الطاعون‪ ،‬قال له سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي ا‬ ‫عنه‪) :‬أفأراراا من قدر ا ؟! فأأجابه سيدنا عمر‪ :‬لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نحن‬ ‫نلفير من قدر ا إلى قدره( ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الطب باب ما‬ ‫يذكر فأي الطاعون عن ابن عباس رضي ا عنهما‪ .‬ورواه مسلم فأي صحيحه فأي‬ ‫كتاب السلم باب الطاعون[‪.‬‬ ‫فأليس فأي الرضا بالقضاء ما يستلزم الخروج عن حدود الشرع‪ ،‬ولكن الرضا‬ ‫بقضاء ا تعالى معناه ترك العتراض عليه تعالى ظاهراا وباطناا‪ ،‬مع بذل الوسع‬ ‫للتوصل إلى ما يحبه ا تعالى ويرضاه‪ ،‬وذلك بفعل أوامره وترك نواهيه‪.‬‬ ‫وختاماا‪ :‬فأإن فأي سيرة الرسول العظم صلى ا عليه وسلم وخلفائه وصحابته‬ ‫الكرام رضوان ا عليهم والتابعين والصالحين فأيض من الحوادث التي تدل على‬ ‫ضرب‬ ‫تحققهم بأعلى درجات الرضا‪ ،‬مما يضيق المجال عن سرد الكثير منها‪ ،‬س‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم يوم الطائف بالحجارة حتى سأدمي عقبه فأتوجه إلى‬ ‫ي فأل سأبالي"‪.‬‬ ‫ا تعالى مخاطباا‪ :‬ومما قال‪" :‬إن لم تكن ساخطا ا عل ف‬ ‫وكان الصحابة الكرام يسرعفذسبون فأي مكة ويقلب عليهم ألوان التنكيل واليذاء وهم‬ ‫يتلقون ذلك كله بقلوب راضية‪ ،‬ووجوه مبتسمة‪ ،‬وألسنة ذاكرة‪.‬‬ ‫وروي أن عروة بن الزبير رضي ا عنهما قطعت رجله ومات أعز أولده فأي‬ ‫ليلة واحدة‪ ،‬فأدخل عليه أصحابه وعزوه فأقال‪) :‬اللهم لك الحمد‪ ،‬كان أولدي سبعة‬ ‫فأأخذت واحداا وأبقيت ستة‪ ،‬وكان لي أطراف أربعة فأأخذت واحداا وأبقيت ثلثة‪،‬‬ ‫ت قد ابتلي ر‬ ‫ت قد أخذت فألقد أعطيت‪ ،‬ولئن كن ر‬ ‫فألئن كن ر‬ ‫ت فأقد عافأيت(‪.‬‬ ‫وقال عمر بن عبد العزيز رضي ا عنه‪) :‬ما بقي لي سرور إل مواقع القدر‪ ،‬قيل‬ ‫له‪ :‬ما تشتهي ؟ قال‪ :‬ما يقضي ا تعالى(‪.‬‬ ‫واعلم أن ا تعالى ل يرضى عن عبده إل إذا رضي العبد عن ربه فأي جميع‬ ‫‪103‬‬

‫أحكامه وأفأعاله‪ ،‬وعندها يكون الرضا متبادلا كما أشار إلى ذلك الحق تعالى بقوله‪:‬‬ ‫ضوا عنسه{ ]البينة‪.[8 :‬‬ ‫}رضري اس عنسهم ورر س‬ ‫ولقد أدرك السادة الصوفأية سر هذا التلزم والترابط بين الرضاءين‪ ،‬فأقد كان‬ ‫سفيان الثوري يوماا عند رابعة العدوية فأقال‪) :‬اللهم ارض عني‪ ،‬فأقالت‪ :‬أما تستحي‬ ‫من ا أن تسأله الرضا‪ ،‬وأنت عنه غير راض ؟! فأقال‪ :‬استغفر ا( ]إحياء علوم‬ ‫الدين للغزالي ج ‪ .4‬صا ‪.[336‬‬ ‫ورضاء ا تعالى عن العبد هو أسمى منزلة وأرفأع رتبة وأعظم منحة قال تعالى‪:‬‬ ‫ت عردظن ورضوافن لمرن ال أكبرسر{ ]التوبة‪ .[72 :‬فأرضوان‬ ‫}ومسالكرن طيصبرةا فأي جفنا ظ‬ ‫رب الجنة أعلى من الجنة‪ ،‬بل هو غاية مطلب سكان الجنة‪ ،‬كما أخبر رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬إن ا يقول لهل الجنة‪ :‬يا أهل الجنة! يقولون‪ :‬لبيك‬ ‫ربنا وسعديك‪ ،‬فأيقول‪ :‬هل رضيتم‪ ،‬فأيقولون‪ :‬وما لنا ل نرضى وقد أعطيتنا ما لم‬ ‫تعلط أحداا من خلقك فأيقول‪ :‬أنا أعطيكم أفأضل من ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬يا رب وأي شيظء‬ ‫أفأضل من ذلك ؟ فأيقول‪ :‬أسلحفل عليكم رضواني فأل أسخط عليكم بعده أبداا" ]رواه‬ ‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق باب صفة الجنة عن أبي سعيد الخدري‬ ‫رضي ا عنه[‪.‬‬

‫التوكل‬ ‫تعريفه‪ :‬قال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬التوكل‪ :‬هو الثقة بما عند ا‪،‬‬ ‫واليأس عما فأي أيدي الناس( ]"تعريفات السيد" صا ‪.[48‬‬ ‫وقال العارف بال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬التوكل‪ :‬ثقة القلب بال حتى ل‬ ‫يعتمد على شيء سواه‪ ،‬أو التعلق بال والتعويل عليه فأي كل شيء‪ ،‬علما ا بأنه عالم‬ ‫بكل شيء‪ ،‬وأن تكون فأي يد ا أوثق منك بما فأي يدك( ]"معراج التشوف" صا‬ ‫‪.[8‬‬ ‫‪104‬‬

‫وقال بعضهم‪) :‬هو اكتفاؤك بعلم ا فأيك عن تعلق القلب بسواه ورجوعك فأي كل‬ ‫المور إلى ا( ]"دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" للعلمة محمد بن علن‬ ‫الصديقي‪ .‬ج ‪ .2‬صا ‪.[2‬‬ ‫وقال أبو سعيد الخراز رحمه ا تعالى‪):‬التوكل‪ :‬هو التصديق ل عز وجل‪،‬‬ ‫والعتماد عليه‪ ،‬والسكون إليه‪ ،‬والطمأنينة إليه فأي كل ماضمن‪ ،‬وإخراج الهم من‬ ‫القلب بأمور الدنيا والرزق وكل أمر تكفل ا به( ]"الطريق إلى ا" لبي سعيد‬ ‫الخراز صا ‪.[56‬‬ ‫فأالتوكل على ا تعالى تفويض المر إليه‪ ،‬والعتماد فأي جميع الحوال عليه‪،‬‬ ‫والتبرؤ من الحول والقوة له‪ ،‬وهو مرتبة قلبية‪ ،‬كما يلحظ من التعاريف السابقة‬ ‫وغيرها‪ ،‬ولهذا ل تعارض بين التوكل على ا تعالى وبين العمل واتخاذ السباب‪،‬‬ ‫إذ التوكل محله القلب‪ ،‬والسباب محلها البدن‪ .‬وكيف يترك المؤمن العمل بعد أن‬ ‫أمر ا تعالى به فأي كثير من اليات الكريمة‪ ،‬ودعا إليه الرسول صلى ا عليه‬ ‫وسلم فأي أحاديث جمة‪.‬‬ ‫فأقد جاء رجل إلى رسول ا صلى ا عليه وسلم على ناقة له فأقال‪ :‬يا رسول ا‬ ‫أأرسل ناقتي وأتوكل ؟ فأقال صلى ا عليه وسلم‪" :‬اعقلها وتوكل" ]رواه الترمذي‬ ‫فأي كتاب صفة القيامة‪ .‬وقال‪ :‬غريب[‪.‬‬ ‫ولهذا اعتبر العلماء ترك السباب والتقاعس عن السعي تواكلا وتكاسلا ل يتفق‬ ‫مع روح اللسلم‪ ،‬كما أكد الصوفأية هذه الناحية تصحيحا ا للفأكار‪ ،‬ورداا للشبهات‪،‬‬ ‫وبيانا ا للناس أن التصوف هو الفهم الحقيقي للسلم‪.‬‬ ‫قال القشيري رحمه ا تعالى‪) :‬التوكل محله القلب‪ ،‬والحركة بالظاهر لتنافأي‬ ‫التوكل بالقلب‪ ،‬بعد ما تحقق العبد أن التقدير من قبل ا تعالى‪ ،‬وإن تعسر شيء‬ ‫فأبتقديره‪ ،‬وإن اتفق شيء فأبتيسيره( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[76‬‬ ‫وقال اللمام الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬قد يظن الجهال أن شرط التوكل ترك‬ ‫الكسب وتر س‬ ‫ك التداوي والستسلسم للمهلكات‪ .‬وذلك خطأ لن ذلك حرام فأي‬ ‫الشرع‪ ،‬والشرع قد أثنى على التوكل‪ ،‬وندب لإليه فأكيف سينال ذلك بمحظوره(‬ ‫]"الربعين فأي أصول الدين" للغزالي صا ‪.[246‬‬

‫‪105‬‬

‫وقد نفبه السادة الصوفأية السالكين إلى ناحية قلبية دقيقة‪ ،‬وهي أنه يجب فأي كل عمل‬ ‫من العمال أن يتخذوا أسبابه‪ ،‬مع عدم العتماد على تلك السباب أو اللتفات‬ ‫إليها بقلوبهم‪.‬‬ ‫قال القاضي عياض رحمه ا تعالى‪) :‬ذهب المحققون من الصوفأية إلى ضرورة‬ ‫السعي فأيما ل بد منه‪ ،‬ولكن ل يصح عندهم التوكل مع اللتفات والطمأنينة إلى‬ ‫السباب‪ ،‬بل فأعل السباب سنة ا وحكمته‪ ،‬والثقة بأنها ل تجلب نفعاا‪ ،‬ول تدفأع‬ ‫ضراا‪ ،‬والكل من ا( ]"دليل الفالحين" ج ‪ 2‬صا ‪.[3‬‬ ‫فضله وأآثاره‪:‬‬ ‫التوكل نتيجة من نتائج الليمان‪ ،‬وثمرة من ثمار المعرفأة‪ ،‬فأعلى قدر معرفأة العبد‬ ‫بال وصفاته يكون توكله‪ ،‬وإنما يتوكل على ا من ل يرى فأاعلا سواه‪.‬‬ ‫والمتوكل على ا تعالى معتز به ل يذل إل له‪ ،‬واثق به ل يطلب إل منه‪ ،‬وقد‬ ‫قالوا‪ :‬قبيح بالمريد أن يتعرض لسؤال العبيد‪ ،‬وهو يجد عند موله ما يريد‪.‬‬ ‫ولهذا ربط ا تعالى التوكل باليمان فأقال‪} :‬وعلى ال فأليرترروفكلل المتوصكلورن{‬ ‫]المائدة‪.[23 :‬‬ ‫وقال‪} :‬وعلى ال فأليرترروفكلل المؤمنورن{ ]إبراهيم‪.[11 :‬‬ ‫ومن يتوكل على ا تعالى حق التوكل ملتجئا ا إليه بصدق الحال يكررمه بالمحبة‪،‬‬ ‫ويكلفه ما يهمه من محن وفأتن‪ ،‬ويمل قلبه غنى ويقيناا‪ ،‬ويزرين ظاهره بالعفة‬ ‫ب المتوكليرن{ ]آل عمران‪ .[159 :‬وقال‪} :‬ورمرن‬ ‫والكرم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬واس يسلح ي‬ ‫يتوفكرل على ال فأهسرو رحرسبسسه{ ]الطلق‪.[23 :‬‬ ‫والتوكل على ا تعالى يبعث فأي القلوب السكينة والطمأنينة‪ ،‬وخصوصا ا عند‬ ‫الشدائد والمحن‪ .‬عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪) :‬حسبنا ا ونعم الوكيل‪،‬‬ ‫قالها إبراهيم عليه السلم‪ ،‬حين سألقي فأي النار‪ ،‬وقالها محمد صلى ا عليه وسلم‬ ‫حين قالوا‪ :‬إن الناس قد جمعوا لكم فأاخشوهم فأزادهم إيماناا‪ ،‬وقالوا‪ :‬حسبنا ا ونعم‬ ‫الوكيل( ]أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة آل‬ ‫عمران[هلل‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫ض بقضائه‪ ،‬مستسلم لفعله‪ ،‬مطمئن لحكمه‪ ،‬قال‬ ‫فأالمتوكل على ا تعالى حقيقةا را ظ‬ ‫بشر الحافأي رحمه ا تعالى‪) :‬يقول أحدكم‪ :‬توكلت على ا‪ ،‬وهو يكذب على ا‬ ‫تعالى‪ ،‬ولو توكل على ا تعالى لرضي بما يفعله ا تعالى به( ]الرسالة القشيرية‬ ‫صا ‪.[76‬‬ ‫وقد مدح رسول ا صلى ا عليه وسلم التوكل‪ ،‬وبرين أهميته فأي الحياة وقيمته فأي‬ ‫إحلل الطمأنينة فأي النفوس فأقال‪" :‬لو توكلتم على ا حق توكله لرزقكم كما‬ ‫يرزق الطير‪ ،‬تغدو خماصا ا وتروح لبطاناا" ]رواه الترمذي فأي كتاب الزهد وقال‪:‬‬ ‫حديث حسن صحيح‪ .‬وأخرجه الحاكم فأي المستدرك )ج ‪/4‬صا ‪ (318‬عن عمر بن‬ ‫الخطاب رضي ا عنه وقال‪ :‬الحديث صحيح السناد على شرط الشيخين[‪ .‬أي‬ ‫تذهب صباحاا وهي جائعة‪ ،‬وتعود مسااء شباعاا‪ .‬وفأي هذا الحديث إشارة إلى أن‬ ‫التوكل ل يتعارض مع السباب‪ ،‬بدليل أن الطير غادرت عشها صباحا ا باحثة عن‬ ‫رزقها معتمدة على ربها‪ ،‬واثقة به‪ ،‬ولذلك فأهي ل تعرف الهم ول الحزان‪.‬‬ ‫وقد ندب الرسول صلى ا عليه وسلم المة اللسلمية لإلى التوكل على ا تعالى‬ ‫فأي كل حال‪ ،‬لسيما عندما يخرج المرء من بيته فأقال‪" :‬من قال حين يخرج من‬ ‫بيته‪ :‬بسم ا توكلت على ا ول حول ول قوة إل بال‪ ،‬يقال له‪ :‬سهديت وسكفيت‬ ‫وسوقيت‪ ،‬وتنحى عنه الشيطان‪ ،‬فأيقول الشيطان لشيطان آخر‪ :‬كيف لك برجل قد‬ ‫سهدي وسكفي وسوقي" ]رواه أبو داود والنسائي والترمذي فأي كتاب الدعوات عن‬ ‫أنس بن مالك وقال‪ :‬حديث صحيح غريب[‪.‬‬

‫مراتبه‪:‬‬ ‫الناس فأي التوكل على مراتب‪ ،‬لن التوكل كغيره من مقامات السير إلى ا تعالى‬ ‫تتدرج مراتبه‪ ،‬ويسمو المؤمن فأي معارجه على حسب معرفأته‪.‬‬ ‫ولهذا عد بعض العارفأين ـ كالغزالي وابن عجيبة رحمهما ا تعالى ـ للتوكل ثلث‬ ‫مراتب‪:‬‬ ‫فأالولى‪ :‬وهي أدناها‪ ،‬أن تكون مع ا تعالى‪ ،‬كالموصكل مع الوكيل الشفيق‬ ‫الملطف‪.‬‬ ‫‪107‬‬

‫والثانية‪ :‬وهي أوسطها‪ ،‬أن تكون مع ا تعالى كالطفل مع سأمه ل يرجع فأي جميع‬ ‫سأموره لإل لإليها‪.‬‬ ‫والثالثة‪ :‬وهي أعلها‪ ،‬أن تكون مع ا تعالى كالمريض بين يدي الطبيب‪.‬‬ ‫والفرق بين هذه المقامات‪ ،‬أن الول قد يخطر بباله تهمة‪ .‬أما الثاني فأل اتهام‪،‬‬ ‫ولكن يتعلق بأمه عند الحاجة‪ .‬أما الثالث فأل اتهام ول تعلق‪ ،‬لنه فأاظن عن نفسه‪،‬‬ ‫ينظر كل ساعة ما يفعل ا به ]انظر "معراج التشوف" صا ‪.[8‬‬ ‫الخلصة‪:‬‬ ‫إن التوكل من أعظم ثمار الليمان والمعرفأة‪ ،‬وأهم أسباب السعادة والطمأنينة‪ ،‬وقد‬ ‫فأهمه السادة الصوفأية على حقيقته‪ ،‬ونبهوا إلى أنه ليس بترك السباب والتخلي‬ ‫عنها‪ ،‬بل هو انحصار المل فأي ا‪ ،‬واللتجاء إلى تدبيره وحكمته‪ ،‬وعدسم تعلق‬ ‫القلب بالسباب‪ ،‬لنها وحدها ل تغني من ا شيئاا‪.‬‬ ‫وهكذا تحقق السادة الصوفأية بأعلى مراتب التوكل‪ ،‬فأقلوبهم مطمئنة بال تعالى‪،‬‬ ‫معتمدة عليه‪ ،‬واثقة به‪ ،‬متوجهة إليه‪ ،‬مستعينة به لنه ل فأاعل فأي الوجود سواه‪.‬‬ ‫وأبدانهم تأخذ بالسباب امتثالا لمره‪ ،‬وتمسكاا بشرعه‪ ،‬واقتداء بهدي نبيه صلى‬ ‫ا عليه وسلم وأصحابه الكرام‪.‬‬ ‫الشكر‬ ‫تعريفه‪ :‬أورد العلماء للشكر تعاريف كثيرة‪ ،‬وأهمها ما ورد عن بعضهم قوله‪:‬‬ ‫)الشكر‪ :‬هو عكوف القلب على محبة المنلعم‪ ،‬والجوارح على طاعته وجرياسن‬ ‫اللسان بذكره والثناء عليه( ]"مدارج السالكين" لبن القيم ج ‪ .2‬صا ‪.[136‬‬ ‫وقال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬هو فأرح القلب بحصول النعمة‪ ،‬مع صرف‬ ‫الجوارح فأي طاعة المنعم‪ ،‬والعترا س‬ ‫ف بنعمة المنعم على وجه الخضوع(‬ ‫]"معراج التشوف" لبن عجيبة ص ‪[7‬هلل‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫وقال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬الشكر‪ :‬هو صرف العبد جميع ما أنعم‬ ‫ا عليه من السمع والبصر وغيرهما إلى ما سخلق لجله( ]"تعريفات السيد" ص‬ ‫‪[76‬هلل‪.‬‬ ‫وقال العلمة ابن علن الصديقي رحمه ا تعالى‪) :‬الشكر‪ :‬العتراف بالنعمة‪،‬‬ ‫والقيام بالخدمة‪ ،‬فأمن كثر ذلك منه سمي شكوراا‪ ،‬ومن ثرفم قال سبحانه‪} :‬وقليفل لمرن‬ ‫ي الفشسكوسر{ ]سبأ‪"] [13 :‬دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" ج ‪ ،2‬ص‬ ‫لعبالد ر‬ ‫‪[57‬هلل‪.‬‬ ‫ول يخفى أن نعم ا تعالى على عباده أعظم من أن ستحصى‪ ،‬وأكثر من أن تعد‪،‬‬ ‫قال ا تعالى‪} :‬وإرن ترسعيدوا لنعرمةر ال ل ستحصوها{]إبراهيم‪[34 :‬هلل‪.‬‬ ‫وأيمكن تقسيم النعم إلى ثلثة أقسام رئيسية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ دنيوية‪ :‬كالصحة والعافأية والمال الحلل‪..‬‬ ‫‪2‬ـ ودينية‪ :‬كالعمل والعلم والتقوى والمعرفأة بال تعالى‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وسأخروية‪ :‬كالثواب على العمل الصالح القليل بالعطاء الجزيل‪.‬‬ ‫وأجيل النعم الدينية التي يتأكد الشكر عليها نعم اللسلم والليمان والمعرفأة بال‬ ‫تعالى‪ ،‬ولمرن سشكرها اعتقاسد أنها منة من ا تعالى بل واسطة ول حول ول قوة‪،‬‬ ‫ب إليسكسم اليمارن ورزيفنرهس فأي قلوبلسكم{ ]الحجرات‪.[7 :‬‬ ‫قال ا تعالى‪} :‬ولكفن ار حبف ر‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ولول فأ ر‬ ‫ضسل ال عليكم ورحرمتسهس ما زكا لمرنسكم لمرن أرحظد{ ]النور‪.[21 :‬‬ ‫وإن العبد المؤمن الذي يفكر فأي هذا الكون العظيم وما فأيه من آيات ا الكبرى‪،‬‬ ‫يزداد اطلعه على نعم ا تعالى عليه‪ ،‬مما يجعله أكثر شكراا ل‪ ،‬وأعظم له حباا‪.‬‬ ‫ومن نعم ا تعالى على العبد لنعفم يسوقها له بواسطة عباد ا تعالى‪ ،‬كما أجرى‬ ‫لإحسان ا إلينا على يد رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وكما ساق خيره لنا بواسطة‬ ‫والردريرنا ومرصبينا من المرشدين العارفأين بال تعالى‪ .‬فأعلى المؤمن أن يشكر ا تعالى‬ ‫لنه المنعم الحقيقي الذي سخر الناس لجلب الخير إليه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وما بلسكرم لمرن‬ ‫ا{]النحل‪.[53 :‬‬ ‫نعرمظة فأرلمرن ل‬ ‫وعلى المؤمن أن يشكر أيضا ا من جعله ا تعالى سببا ا لنعمه‪ ،‬لذا قال رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬ل يشكر ا من ل يشكر الناس" ]أخرجه أبو داود فأي سننه‬ ‫‪109‬‬

‫فأي باب شكر المعروف عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬وقال العلمة الخطابي‬ ‫رحمه ا تعالى فأي معالم السنن ج ‪ 4‬صا ‪ ،113‬شارحا ا لهذا الحديث‪) :‬هذا الكلم‬ ‫يتأول على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن رمرن كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس‪،‬‬ ‫ك الشكر لمعروفأهم كان من عادته كفران نعمة ا وتر س‬ ‫وتر س‬ ‫ك الشكر له سبحانه‪.‬‬ ‫الوجه الخر‪ :‬أن ا سبحانه ل يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد ل‬ ‫يشكر إحسان الناس‪ ،‬ويكفر معروفأهم‪ ،‬لتصال أحد المرين بالخر([‪.‬‬ ‫ولقد دعانا ا تعالى إلى شكره وشكر والردريرنا اللفرذرين جعلهما سببا ا فأي لإيجادنا ورسوق‬ ‫ي المصيسر{ ]لقمان‪:‬‬ ‫كثير من النعم لإلينا بواسطتهما فأقال‪} :‬ألن اشكرر لي ولوالدي ر‬ ‫ك إل ف‬ ‫‪.[14‬‬ ‫وأيسر الشكرين شكر العباد‪ ،‬فأرمرن ضفيع شكر العباد كان لشكر ا عز وجل أضيع‪.‬‬ ‫أقسامه‪:‬‬ ‫من تعاريف الشكر السابقة وغيرها يمكن القول بأن للشكر أقساما ا ثلثة‪ :‬شكر‬ ‫اللسان‪ ،‬وشكر الركان‪ ،‬وشكر الرجنان‪.‬‬ ‫‪1‬ـ أما شكر اللسان‪ :‬فأهو التحدث بنعم ا تعالى‪ ،‬امتثالا لقوله تعالى‪} :‬وأفما بنعرملة‬ ‫ك فأرحصد ر‬ ‫ث{ ]الضحى‪.[11 :‬‬ ‫رب ص ر‬ ‫وتطبيقاا لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬التحدث بنعمة ا شكر" ]رواه المام أحمد‬ ‫فأي مسنده عن النعمان بن بشير رضي ا عنهما ج ‪ 4‬صا ‪.[375‬‬ ‫وقيل‪ :‬رمرن كتم النعمة فأقد كفرها‪ ،‬ورمرن أظهرها ونشرها فأقد شكرها‪.‬‬ ‫ولذلك كانت شخصية رسول ا صلى ا عليه وسلم الشخصية المثالية فأي الشكر‬ ‫ي ربي‪ ،‬ليجعل لي بطحاء‬ ‫والحمد‪ ،‬ولهذا قال صلى ا عليه وسلم‪" :‬رعرض عل ف‬ ‫مكة ذهبا ا قلت‪ :‬ل يا رب‪ ،‬ولكن أشبع يوماا‪ ،‬وأجوع يوماا‪ ،‬وقال‪ :‬ثلثا ا أو نحو هذا‪،‬‬ ‫ت إليك‪ ،‬وذكرتك‪ ،‬وإذا شبع س‬ ‫ت تضرع س‬ ‫فأإذا جع س‬ ‫ت شكرستك وحمردستك" ]رواه الترمذي‬ ‫فأي كتاب الزهد عن أبي أمامة رضي ا عنه وقال‪ :‬حديث حسن[‪.‬‬ ‫وكذلك رفغب رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي الحمد‪ .‬كما روى ابن عمر رضي‬ ‫ا عنهما أن رسول ا صلى ا عليه وسلم حدثهم‪" :‬أن عبداا من عباد ا قال‪ :‬يا‬ ‫‪110‬‬

‫ضلت بالملكين فألم‬ ‫رب لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك ولعظيم سلطانك‪ ،‬فأع ف‬ ‫يدريا كيف يكتبانها‪ ،‬فأصعدا إلى السماء فأقال‪ :‬يا ربنا! إن عبدك قد قال مقالة ل‬ ‫ندري كيف نكتبها ؟ قال ا ـ وهو أعلم بما قال عبده ـ‪ :‬ماذا قال عبدي ؟ قال‪ :‬إنه‬ ‫قد قال‪ :‬يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك‪ ،‬ولعظيم سلطانك‪ .‬فأقال ا عز‬ ‫وجل لهما‪ :‬اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأأجزيه بها" ]رواه ابن ماجه فأي‬ ‫كتاب الدب[‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وأما شكر الركان‪ :‬فأهو العمل ل تعالى‪ ،‬قال تعالى مشيراا إلى أن الشكر هو‬ ‫العمل‪} :‬اعملوا آرل داورد سشركراا{ ]سبأ‪ .[13 :‬وقد أوضح ذلك رسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم عملياا‪ ،‬حين كان يقوم الليل‪ ،‬كما روت السيدة عائشة رضي ا عنها‬ ‫قالت‪ :‬كان النبي صلى ا عليه وسلم يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه‪ ،‬فأقلت له‪ :‬للرم‬ ‫تصنع هذا يا رسول ا وقد سغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال‪" :‬أفأل أكون‬ ‫عبداا شكوراا" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق ومسلم فأي صحيحه‬ ‫فأي كتاب صفات المنافأقين والترمذي فأي أبواب الصلة[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وأما شكر الرجنان‪ :‬فأهو أن تشهد أن كل نعمة بك أو بأحد من العباد هي من ا‬ ‫ا{ ]النحل‪ .[53 :‬فأل تحجبك رؤية‬ ‫تعالى‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وما بلسكرم لمرن نلرعرمظة فأرلمرن ل‬ ‫النعم عن رؤية المنعم‪ ،‬وقد نبه الرسول صلى ا عليه وسلم إلى هذه الحقيقة حيث‬ ‫قال‪" :‬من قال حين يصبح‪ :‬اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحظد من خلقك فأمنك‬ ‫وحدك ل شريك لك‪ ،‬فألك الحمد ولك الشكر‪ ،‬فأقد أدى شكر يومه‪ ،‬ومن قال مثل‬ ‫ذلك حين يمسي فأقد أدى شكر ليلته" ]رواه أبو داود فأي سننه فأي باب ما يقول إذا‬ ‫أصبح‪ ،‬والنسائي واللفظ له[‪.‬‬ ‫وفأي الثار أن موسى عليه السلم قال‪) :‬يا رب خلق ر‬ ‫ت آدم بيدك‪ ،‬ونفخت فأيه من‬ ‫روحك‪ ،‬وأسجدت له ملئكتك‪ ،‬وعلمته أسماء كل شيء‪ ،‬وفأعلت‪ ،‬وفأعلت‪ ،‬فأكيف‬ ‫ق شكرك ؟ قال ا عز وجل‪ :‬علم أن ذلك مني‪ ،‬فأكانت معرفأته بذلك شكراا(‬ ‫أطا ر‬ ‫]"مدارج السالكين" لبن القيم ج ‪ .2‬صا ‪.[137‬‬ ‫وعلى هذا فأإن المؤمن يرى أن من نعم ا عليه أررن وفأفرقه لشكره والثناء عليه‪،‬‬ ‫كماقال داود عليه السلم‪) :‬يا رب كيف أشكرك وشكري نعمة علري من عندك‬ ‫تستوجب بها شكراا ؟ قال‪ :‬الن شكرتني يا داود( ]"مدارج السالكين" لبن القيم ج‬ ‫‪ .2‬صا ‪.[137‬‬

‫‪111‬‬

‫مراتب الشاكرين‪:‬‬ ‫الناس فأي تحققهم بالشكر على مراتب متفاوتة‪:‬‬ ‫ـ فأالعوام يشكرون ا على النعم فأقط‪.‬‬ ‫ـ والخواصا يشكرون ا على النعم والنقم‪ ،‬ويشهدون فأضله ولإنعامه عليهم فأي‬ ‫جميع أحوالهم‪ ،‬وقد أثنى رسول ا صلى ا عليه وسلم على رمرن تصيبه نقمة‬ ‫فأيقابلها بالحمد باللسان‪ ،‬والرضا بالجنان دون أن يسمح للشيطان أن يقذف فأي قلبه‬ ‫اليأس والقنوط من رحمة ا تعالى‪ .‬فأفي الحديث عن أبي موسى الشعري رضي‬ ‫ا عنه أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬إذا مات ولد العبد‪ ،‬قال ا تعالى‬ ‫لملئكته‪ :‬قبضتم ولد عبدي ؟ فأيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فأيقول‪ :‬فأماذا قال عبدي ؟ فأيقولون‪:‬‬ ‫حمدك واسترجع ]حمدك‪ :‬قال الحمد ل‪ .‬استرجع‪ :‬قال إنا ل وإنا إليه راجعون[‪،‬‬ ‫فأيقول ا تعالى‪ :‬ابنوا لعبدي بيتاا فأي الجنة وسموه بيت الحمد" ]رواه الترمذي فأي‬ ‫كتاب الجنائز وقال‪ :‬حديث حسن[‪ .‬وقال صلى ا عليه وسلم‪" :‬أول ما سيدعى إلى‬ ‫الجنة الذين يحمدون ا عز وجل فأي السراء والضراء" ]رواه الحاكم فأي‬ ‫"المستدرك" ج ‪ .1‬صا ‪ .502‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ووافأقه‬ ‫الذهبي[‪.‬‬ ‫ـ وشكر خواصا الخواصا‪ :‬غيبتهم فأي المنعم عن رؤية النعم والنقم وفأي هذا‬ ‫المعنى قال الشبلي رحمه ا تعالى‪) :‬الشكر رؤية المنعم ل رؤية النعمة(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[81‬‬

‫فضله‪:‬‬ ‫الشكر من أعلى المقامات‪ ،‬لنه يشمل القلب واللسان والجوارح‪ ،‬ولنه يتضمن‬ ‫الصبر والرضا والحمد وكثيراا من العبادات البدنية والقلبية‪ ،‬ولهذا أمر ا تعالى‬ ‫به‪ ،‬ونهى عن ضده‪ ،‬وهو الكفر والجحود‪ ،‬فأقال‪} :‬واشكروا لي ول تكفرورن{‬ ‫]البقرة‪.[152 :‬‬ ‫والشكر من أعظم صفات الرسل الكرام عليهم الصلة والسلم‪ .‬قال ا تعالى فأي‬ ‫‪112‬‬

‫وصف خليله سيدنا إبراهيم عليه السلم‪} :‬إفن إبراهيرم كارن أفمةا قانتا ا لل حنيفا ا ولررم‬ ‫ير س‬ ‫ك لمرن المشركيرن ‪ .‬شاكراا لرنسعلمله{ ]النحل‪120 :‬ـ ‪ .[121‬وقال تعالى عن سيدنا‬ ‫نوح عليه السلم‪} :‬إنفهس كارن عربداا شكوراا{ ]السراء‪ .[3 :‬أما حبيب ا ورسوله‬ ‫سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم فأقد كان يجهد نفسه فأي العبادة وإحياء الليالي‪،‬‬ ‫والقيام بين يدي ربه خاشعا ا متبتلا متحققاا بمقام الشكر‪ ،‬ولهذا لما سئل عن سبب‬ ‫قيامه وإجهاد نفسه‪ ،‬حتى تورمت قدماه قال‪" :‬أفأل أكون عبداا شكوراا" ]أخرجه‬ ‫البخاري فأي صحيحه وقد مر صا ‪.[312‬‬ ‫وقد ظن السائل أن سبب العبادة هو طلب المغفرة وقد غفر ا تعالى له صلى ا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬ولكن جواب الرسول صلى ا عليه وسلم رفأع همة السائل إلى مقام‬ ‫الشكر الذي هو أعلى مقامات العبدية‪.‬‬ ‫وكما أن رسول ا صلى ا عليه وسلم كان خيرر رمرن تحقق بالشكر ؛ كذلك كان‬ ‫يدعو أصحابه رضي ا عنهم وسائر المؤمنين إلى التحقق بهذا المقام العظيم‬ ‫والتوجه إلى ا تعالى بالدعاء عقب كل صلة‪ ،‬أن يمن ا عليهم بالعانة على‬ ‫الذكر والشكر‪ ،‬فأقال صلى ا عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي ا عنه‪" :‬أوصيك‬ ‫يا معاذ ل تدعن فأي دبر كل صلة تقول‪ :‬اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن‬ ‫عبادتك" ]رواه أبو داود فأي سننه فأي باب الستغفار‪ ،‬ورواه النسائي فأي كتاب‬ ‫الفأتتاح ورواه الحاكم فأي "المستدرك" ج ‪ .1‬صا ‪ .499‬وقال‪ :‬صحيح السناد‪،‬‬ ‫ووافأقه الذهبي[‪.‬‬ ‫وللسعلصو مقام الشكر ورفأعة منزلته كان مرتقاه صعباا‪ ،‬والتحقق به يحتاج إلى‬ ‫مجاهدات وسلوك‪ ،‬مع الصدق والصبر والستقامة‪ ،‬ولهذا كان الشاكرون نادرين‪،‬‬ ‫ي الشكوسر{‬ ‫لن الكرام قليل‪ ،‬وقد وصفهم ا بالقلة حين قال‪} :‬وقليفل لمرن عربالد ر‬ ‫]سبأ‪.[13 :‬‬ ‫ف سمعظرم الناس بعدم الشكر‪ ،‬بالرغم من نعم ا عليهم وسعة فأضله‬ ‫ص ر‬ ‫كما و ر‬ ‫س ولكفن أكثرررسهم ل يشسكسرورن{‬ ‫وجوده‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وإفن ربف ر‬ ‫ك لذو فأضظل على النا ل‬ ‫]النمل‪.[73 :‬‬ ‫ولهذا فأإن ا تعالى كثيراا ما يذصكر الناس فأي القرآن الكريم بنعمه الكبرى ومننه‬ ‫العظمى‪ ،‬وكثيراا ما يدعو إلى التفكر فأي الكون‪ ،‬كي ندرك ما أحاطنا به من جلئل‬ ‫النعم وبدائع اللحسان‪ ،‬مما يعجز اللنسان عن تعداده والحاطة به‪ .‬كل ذلك كي‬ ‫‪113‬‬

‫نشكره تعالى حق الشكر‪ ،‬قال تعالى‪} :‬واس أخرررجسكم لمرن سبطولن أسفمهاتلسكم ل تعلرسمورن‬ ‫شيئا ا رورجرعرل لسكسم السمرع والبصارر والفأئردةر لررعلفسكم تشكرورن{ ]النحل‪.[77 :‬‬ ‫وقد وصف ا تعالى اللنسان العاقل الذي يتمتع بالنضوج الفكري والكمال‬ ‫اللنساني‪ ،‬ويبلغ سن الربعين‪ ،‬بأنه يرى نعم ا المحيطة به‪ ،‬ويشهد فأضل ا‬ ‫عليه‪ ،‬فأيلجأ إلى ا تعالى ضارعا ا أن يوفأقه للشكر‪ .‬قال تعالى‪} :‬حتى إذا برلررغ أسشفدهس‬ ‫ك التي أرنرعرم ر‬ ‫ي‬ ‫ي وعلى واللرد ف‬ ‫وبرلررغ أربعيرن سنةا قال ر ص‬ ‫ب أوزعني أرن أشسكرر لنعرمتر ر‬ ‫ت عل ف‬ ‫وأرن أرعرمرل صالحا ا رترضاسه{ ]الحقاف‪[15 :‬‬ ‫وقد جعل رسول ا صلى ا عليه وسلم منزلة الذي يتنعم برزق ا ويشكره‬ ‫بمنزلة الذي يعاني العبادات ويصبر على مشقتها‪ ،‬فأقال‪" :‬الطاعم الشاكر بمنزلة‬ ‫الصائم الصابر" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب صفة القيامة عن أبي هريرة رضي‬ ‫ا عنه[‪.‬‬ ‫ثم إن الشكر هو خير وسيلة لبقاء النعمة واستمرارها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬عقال النعمة‬ ‫الشكر‪ .‬وقال ابن عطاء ا رحمه ا تعالى فأي حكمه‪) :‬رمرن لم يشكر النعم فأقد‬ ‫تعرض لزوالها‪ ،‬ورمرن شكرها فأقد قيفردها بعقالها( ]"إيقاظ الهمم فأي شرح الحكم"‬ ‫لبن عجيبة ج ‪ .1‬صا ‪.[100‬‬ ‫كما أن عدم الشكر ومقابلة النعم بالكفر والجحود يورث غضب ا تعالى وعقابه‬ ‫ب اس مثلا قريةا كانر ر‬ ‫ت آلمنرةا مطرمئلنفةا يأتيها‬ ‫ضرر ر‬ ‫وسلب نعمته‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬و ر‬ ‫رزسقها رررغداا لمرن سكصل مكاظن فأرركفررر ر‬ ‫ف بما‬ ‫ع والخو ل‬ ‫ت بأرنسعلم ال فأأذارقها اس للباس السجو ل‬ ‫كانوا يصنعورن{ ]النحل‪.[112 :‬‬ ‫وقد وعد ا تعالى المؤمنين أن يزيد نعمه عليهم لإذا هم قابلوها بالشكر فأقال‪} :‬لئلرن‬ ‫شكرتسرم لزيردنفسكرم{ ]إبراهيم‪.[7 :‬‬ ‫والحقيقة أن الشاكر يجلب الخير لنفسه‪ ،‬حين يشكر ا تعالى ؛ لإذ يغنم بشكره مزيد‬ ‫نعم ا تعالى عليه‪ ،‬واستمرار فأضله‪ ،‬وعظيم حبه وجميل ثنائه قال تعالى‪} :‬ورمرن‬ ‫رشركرر فأإفنما يشسكسر للرنفلسله ورمرن ركفررر فأإفن رصبي غنليي كريفم{ ]النمل‪.[40 :‬‬ ‫وبعد أن تحقق السادة الصوفأية بالشكر‪ ،‬وعرفأوا جليل مقامه وكبير فأضله‪ ،‬دعوا‬ ‫الناس لإليه‪ ،‬ورفغبوا كل من يكرمه ا تعالى بنعمظة دنيوية أو سأخروية أن ل ينشغل‬ ‫‪114‬‬

‫بها‪ ،‬بل أن يسلك طريق الشكر كي يفوز بمزيد النعم ودوام التوفأيق‪ .‬قال أبو حمزة‬ ‫البغدادي رحمه ا تعالى‪) :‬إذا فأتح ا عليك طريقا ا من طرق الخير فأالزمه‪ ،‬ولإياك‬ ‫أن تنظر لإليه وتفتخر به‪ ،‬ولكن اشتغل بشكر من وفأقك لذلك‪ ،‬فأإفن نظرك إليه‬ ‫يسقطك عن مقامك‪ ،‬واشتغالك بالشكر يوجب لك منه المزيد لن ا تعالى يقول‪:‬‬ ‫}لئلرن شكرستم لزيردنفسكم{ ]إبراهيم‪"] [7 :‬طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[298‬‬ ‫ولذا طرق السادة الصوفأية باب شكر ا تعالى على جميع أحوالهم وحمدوا ا‬ ‫تعالى فأي سائر شؤونهم‪ ،‬وشهدوه الفاعل المطلق والمنعم المتفضل والبر الرحيم‪،‬‬ ‫والشكور الكريم‪ ،‬فأوقعوا على أعتابه متذللين‪ ،‬ولجنابه طالبين‪ ،‬فأي قلوبهم نور‬ ‫المعرفأة‪ ،‬وفأي ألسنتهم آيات الحمد والثناء‪ ،‬وفأي أعمالهم أحكام الشريعة الغراء‪،‬‬ ‫مقتفين بذلك أثر رسول ا صلى ا عليه وسلم وصحابته الغر الميامين‪ ،‬ومن‬ ‫تبعهم فأي نهجهم القويم وطريقهم المستقيم‪.‬‬

‫تنبيه‪:‬‬ ‫بنهاية بحث الشكر نكون قد أتممنا الباب الثالث المتعلق بطريق الوصول إلى ا‬ ‫تعالى‪ .‬ولكن ينبغي اللشارة إلى أن هذه المقامات التي أوردناها فأي كتابنا هذا‬ ‫ت كثيراة‪ ،‬فأقد ذكر شيخنا محمد‬ ‫ليست كل مقامات السير‪ ،‬لإذ الحقيقة أن هناك مقاما ظ‬ ‫الهاشمي رحمه ا تعالى تفاصيلها‪ ،‬فأقال‪) :‬ومنهم من جعلها مائة وسماها منازل‬ ‫السائرين إلى ا تعالى‪ .‬وقد ألف شيخ اللسلم أبو لإسماعيل عبد ا بن محمد‬ ‫النصاري الهروي الفقيه الحنبلي المفسر الصوفأي المتوفأى سنة ‪481‬هـ فأي ذلك‬ ‫رسالاة‪ ،‬ذكرر فأيها مائة منزلة‪ ،‬وأجاد فأي تقسيمها وإيضاحها‪ ،‬وأفأاد الراغبين فأي‬ ‫الوقوف عليها‪ ،‬وسماها‪ :‬منازل السائرين إلى الحق عز شأنه( ]"شرح شطرنج‬ ‫العارفأين" لسيدي الشيخ محمد الهاشمي رحمه ا صا ‪.[12‬‬ ‫الباب الرابع‬ ‫من ثمررات التصوف‬ ‫‪1‬ـ الحب الللهي‪2 .‬ـ الكشف‪3 .‬ـ الللهام‪4 .‬ـ كرامات الولياء‪.‬‬ ‫الحب اللهي‬ ‫‪115‬‬

‫المحبة ل هي الغاية القصوى من المقامات‪ ،‬والذروة العليا من الدرجات‪ ،‬فأما بعد‬ ‫لإدراك المحبة مقام إل وهو ثمرة من ثمارها‪ ،‬وتابع من توابعها‪ ،‬كالشوق والنس‬ ‫والرضا‪ ..‬ول قبل المحبة مقام لإل وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر‬ ‫والزهد‪"] ..‬الحياء" للمام الغزالي كتاب المحبة والشوق ج ‪ .13‬صا ‪.[2570‬‬ ‫والمحبة ل ستحيد بحد أوضح منها‪ ،‬والتعاريف والحدود ل تزيدها لإل خفااء‪ ،‬فأتعريفها‬ ‫سوجودها ؛ لإذ التعاريف للعلوم‪ .‬أما المحبة فأهي حالة ذوقية تفيض على قلوب‬ ‫المحبين‪ ،‬ما لها سوى الذوق لإفأشاء‪ .‬وكل ما قيل فأي المحبة ما هو لإل بيان لثارها‪،‬‬ ‫وتعبير عن ثمارها‪ ،‬وتوضيح لسبابها‪.‬‬ ‫قال الشيخ الكبر ابن عربي الحاتمي رحمه ا تعالى‪) :‬واختلف الناس فأي حردها‪،‬‬ ‫فأما رأيت أحداا حفدها بالحد الذاتي‪ ،‬بل ل يتصور ذلك‪ ،‬فأما حفدها رمرن حردها لإل‬ ‫بنتائجها وآثارها ولوازمها‪ ،‬ولسيما وقد اتصف بها الجناب الللهي العزيز وهو‬ ‫ا‪ .‬وأحسن ما سمعت فأيها ما حدثنا به غير واحد عن أبي العباس الصنهاجي‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬سمعناه وقد سئل عن المحبة‪ ،‬فأقال‪ :‬الغيرة من صفات المحبة‪ ،‬والغيرة تأبى‬ ‫لإل الستر‪ ،‬فأل ستحد( ]"الفتوحات المكية" لبن عربي الحاتمي الطائي‪ .‬الباب الثامن‬ ‫والسبعون بعد المئة فأي معرفأة مقام المحبة[‪.‬‬ ‫وقال ابن الدباغ رحمه ا تعالى‪) :‬فأإن المحبة ل يعصبر عنها حقيقة إل رمرن ذاقها‪،‬‬ ‫ومن ذاقها استولى عليه من الذهول على ما هو فأيه أمر ل يمكنه معه العبارة‪،‬‬ ‫كمثل من هو طافأح سكراا‪ ،‬لإذا سئل عن حقيقة السكر الذي هو فأيه‪ ،‬لم يمكنه العبارة‬ ‫فأي تلك الحال؛ لستيلئه على عقله‪ .‬والفرق بين السكرين‪ :‬أن سكر الخمر‬ ‫عرضي‪ ،‬يمكن زواله‪ ،‬ويعبر عنه فأي حين الصحو‪ ،‬وسكر المحبة ذاتي ملزم‪ ،‬ل‬ ‫يمكن من وصل لإليه أن يصحو عنه‪ ،‬حتى يخبر فأيه عن حقيقته‪ ،‬كما قيل‪:‬‬ ‫يصحو من الخمر شاربوها والعشق سكر على الدوام ]"مشارق أنوار القلوب‬ ‫ومفاتح أسرار الغيوب" لعبد الرحمن بن محمد النصاري المعروف بابن الدباغ‬ ‫صا ‪ .[21‬لذلك لما سئل اللمام الجنيد رحمه ا تعالى عن المحبة‪ ،‬كان جواربه‬ ‫فأيضاسن الدموع من عينيه‪ ،‬وخفقان القلب بالهيام والشوق‪ ،‬ثم عبر عما يجده من‬ ‫آثار المحبة‪.‬‬ ‫قال أبو بكر الكتاني رحمه ا تعالى‪) :‬جر ر‬ ‫ت مسألةف فأي المحبة بمكة أعزها ا‬ ‫تعالى أيام الموسم‪ ،‬فأتكلم الشيوخ فأيها‪ ،‬وكان الجنيد أصغرهم سناا‪ ،‬فأقالوا‪ :‬هات ما‬ ‫‪116‬‬

‫عندك يا عراقي! فأأطرق رأسه‪ ،‬ودمعت عيناه ثم قال‪ :‬عبفد ذاهب عن نفسه‪،‬‬ ‫متصل بذكر ربه‪ ،‬قائم بأداء حقوقه‪ ،‬ناظر لإليه بقلبه‪ ،‬أحرق قلبه أنواسر هيبته‪،‬‬ ‫وصفاء شربه من كأس سوصده‪ ،‬وانكشف له الجبار من أستار غيبه‪ ،‬فألإن تكلم فأبال‪،‬‬ ‫ولإن نطق فأعن ا‪ ،‬ولإن تحرك فأبأمر ا‪ ،‬ولإن سكن فأمع ا‪ ،‬فأهو بال ول ومع‬ ‫ا‪ ،‬فأبكى الشيوخ وقالوا‪ :‬ما على هذا مزيد‪ ،‬جزاك ا يا تاج العارفأين( ]"مدارج‬ ‫السالكين" ج ‪ .3‬صا ‪.[11‬‬ ‫دليلها وأفضلها‪:‬‬ ‫الدلة على محبة ا لعبده‪ ،‬ومحبة العبد لربه كثيرة‪ .‬قال ا تعالى‪} :‬يسلحيبسهم‬ ‫ل{ ]البقرة‪.[165 :‬‬ ‫ويسلحيبونرسه{ ]المائدة‪ .[54 :‬وقال تعالى‪} :‬والذين آمنوا أرشيد سحبرا ا ل‬ ‫وقال تعالى‪} :‬قل إرن سكرنستم تسلحيبورن ار فأاتفلبعوني يسرحبلربسكسم اس ويغفلرر لسكرم ذنوبرسكم{ ]آل‬ ‫عمران‪ .[31 :‬ويحببكم ا‪ :‬دليل على المحبة وفأائدتها وفأضلها‪.‬‬ ‫وفأي السنة عن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ب لإليه مما‬ ‫"ثلث رمرن كفن فأيه وجد حلوة الليمان‪ :‬أن يكون ا ورسوله أح ف‬ ‫سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه لإل ل‪ ،‬وأن يكره أن يعود فأي الكفر كما يكره أن‬ ‫يقذف فأي النار" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب اليمان[‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬يقول‬ ‫ب‬ ‫ا تعالى‪ :‬رمرن عادى لي وليا ا فأقد آذنته بالحرب‪ ،‬وما تقرب لإلفي عبدي بشيء أح ف‬ ‫ي بالنوافأل حتى أحبه‪،‬‬ ‫لإلفي من أداء ما افأترضته عليه‪ ،‬ول يزال عبدي يتقرب لإل ف‬ ‫فألإذا أحببسته كن س‬ ‫ت سمسعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش‬ ‫بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولإن سألني لعطيفنه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذنه"‬ ‫]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق باب التواضع[‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬لإذا أحب ا‬ ‫العبد دعا جبريرل فأقال‪ :‬لإني أحب فألنا ا فأأحفبه‪ ،‬فأيحبه جبريل‪ ،‬ثم ينادي فأي السماء‬ ‫فأيقول‪ :‬لإن ا يحب فألنا ا فأألحيبوه‪ ،‬فأيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يوضع له القبول فأي‬ ‫الرض" ]أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب ذإكر الملئكة[هلل‪.‬‬ ‫وعن أبي الدرداء رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم أنه قال‪" :‬كان من‬ ‫دعاء داود عليه السلم‪ :‬اللهم لإني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني‬ ‫حبك‪ ،‬اللهم اجعل حبك أحب لإلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد"]أخرجه‬ ‫‪117‬‬

‫الترمذي فأي كتاب الدعوات وقال‪ :‬حسن غريب[‪:‬‬ ‫والقرآن والسنة مملوءان بذكر رمرن يحبه ا من عباده‪ ،‬وذكر ما يحبه من أعمالهم‬ ‫ب الصابريرن{ ]آل عمران‪.[146 :‬‬ ‫وأقوالهم وأخلقهم كقوله تعالى‪} :‬واس يسلح ي‬ ‫ب السمتر ر‬ ‫طصهريرن{‬ ‫ب التوابيرن ويسلح ي‬ ‫ب المحسنيرن{ ]المائدة‪} .[93 :‬إفن ار يسلح ي‬ ‫}واس يسلح ي‬ ‫]البقرة‪ .[222 :‬وقوله فأي ضد ذلك‪} :‬واس ل يسلح ي‬ ‫ب الفسارد{ ]البقرة‪ } .[205 :‬واس‬ ‫ب الظالميرن{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫ب سكفل مختاظل فأخوظر { ]الحديد‪} .[23 :‬واس ل يسلح ي‬ ‫ل يسلح ي‬ ‫‪.[57‬‬ ‫وقد جعل رسول ا صلى ا عليه وسلم حب ا ورسوله من شرائط الليمان فأي‬ ‫أحاديث كثيرة فأقال‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب لإليه من أهله وماله والناس‬ ‫أجمعين" ]روأاه البخاري وأمسلم في صحيحهما في كتاب اليمان عن أنس رضي‬ ‫ا عنه[هلل‪.‬‬ ‫وقد وجه الرسول العظم صلى ا عليه وسلم أصحابه للمحبة‪ ،‬لما لها من الثر‬ ‫العظيم والمقام الرفأيع‪ ،‬ولرفر ر‬ ‫ت أنظارهم لإلى نعمه تعالى وبالغ لإفأضاله‪ ،‬ثم بفين لهم أفن‬ ‫حبهم ل يقتضي حبهم لحبيبه العظم عليه الصلة والسلم‪ ،‬كما أفن حبهم لرسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم يوصلهم لإلى حب ا تعالى‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬ ‫"أرلحيبوا ا لما يغذوكم من نعمه‪ ،‬وأرلحربوني بحب ا" ]رواه الترمذي فأي كتاب‬ ‫المناقب وقال‪ :‬حسن غريب رواه الترمذي فأي كتاب المناقب وقال‪ :‬حسن غريب[‪.‬‬ ‫وقد بشر الرسول صلى ا عليه وسلم المحبين بالمعية مع محبوبهم‪ ،‬فأقد روى‬ ‫أنس رضي ا عنه أن رجلا سأل النبي صلى ا عليه وسلم متى الساعة يا رسول‬ ‫ت لها ؟" قال‪ :‬ما أعدد س‬ ‫ا ؟ قال‪" :‬ما أعدد ر‬ ‫ت لها من كثير صلة ول صوم ول‬ ‫صدقة ولكني أحب ا ورسوله‪ .‬قال‪" :‬أنت مع رمرن أحبب ر‬ ‫ت"‪ .‬قال أنس‪ :‬فأقلنا ونحن‬ ‫كذلك ؟ قال‪" :‬نعم"‪ .‬فأفرحنا بها فأرحا ا شديداا ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫المناقب‪ ،‬ومسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر عن أنس رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫والحاديث فأي المحبة كثيرة‪ ،‬وكلها تشير لإلى عظيم فأضلها‪ ،‬وبالغ أثرها‪ ،‬وحين‬ ‫تحقق الصحابة الكرام رضوان ا تعالى عليهم بمحبة ا ورسوله بلغوا أوج‬ ‫الكمال فأي اليمان والخلق والتضحية‪ ،‬وأنستهم حلوة المحبة مرارة البتلء‬ ‫وقساوة المحن‪ ،‬وحملهم دافأع المحبة على بذل الروح والمال والوقت‪ ،‬وكصل غاظل‬ ‫س فأي سبيل محبوبهم لعلهم يحوزون رضوانه وحبه‪.‬‬ ‫ونفي ظ‬ ‫‪118‬‬

‫والحقيقة أن اللسلم أعمال وتكاليف وأحكام‪ ،‬وروحه المحبة‪ ،‬والعمال بل محبة‬ ‫أشباح ل حياة فأيها‪.‬‬ ‫السباب المورثة للمحبة‪:‬‬ ‫ذكر العلماء من السباب المورثة للمحبة أموراا كثيرة‪ ،‬وأهمها عشرة‪:‬‬ ‫أحدها‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬التقرب لإلى ا بالنوافأل بعد الفرائض‪ ،‬فألإنها توصل لإلى درجة المحبوبية‬ ‫بعد المحبة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال‪ ،‬فأنصيبه من‬ ‫المحبة على قدر نصيبه من هذا التذكر‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬لإيثار محاصبه على محاصبك عند غلبة الهوى‪ ،‬والتسينسم لإلى محاصبه وإلرن صعب‬ ‫المرتقى‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬مطالعة القلب لسمائه وصفاته ومشاهدستها ومعرفأتها‪ ،‬وتقلسبه فأي رياض‬ ‫هذه المعرفأة ومباديها‪ ،‬فأمن عرف ا بأسمائه وصفاته وأفأعاله أحفبه ل محالة‪.‬‬ ‫السادس‪ :‬مشاهدة بره ولإحسانه وآلئه ونعمه الباطنة والظاهرة‪ ،‬فألإنها داعية لإلى‬ ‫محبته‪.‬‬ ‫السابع‪ :‬انكسار القلب بكليته بين يديه تعالى تذللا وتواضعاا‪.‬‬ ‫الثامن‪ :‬الخلوة به وقت التجلي الللهي لمناجاته لسيما فأي السحار‪ ،‬وتلوةس كلمه‪،‬‬ ‫والوقو س‬ ‫ب بين يديه‪ ،‬ثم خرتسم ذلك بالستغفار والتوبة‪.‬‬ ‫ف بالقلب والتأد س‬

‫التاسع‪ :‬مجالسة المحبين الصادقين‪ ،‬والتقاط أطايب ثمرات كلمهم‪ ،‬كما ينتقي‬ ‫أطايب الثمر‪ .‬ومن الدب فأي مجالستهم ألف تتكلم فأي حضرتهم لإل لإذا ترجحت‬ ‫‪119‬‬

‫مصلحة الكلم‪ ،‬وعلم ر‬ ‫ت أن فأيه مزيداا لحالك ومنفعة لغيرك‪.‬‬ ‫العاشر‪ :‬مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين ا عز وجل ]انظر كتاب "مدارج‬ ‫السالكين" صا ‪11‬ـ ‪.[12‬‬ ‫فأمن هذه السباب وغيرها وصل المحبون لإلى منازل المحبة‪.‬‬ ‫علمات المحبة‪:‬‬ ‫كثير من الناس من يفدعي محبة ا ورسوله‪ ،‬وما أسهل دعوى اللسان‪ .‬فأل ينبغي‬ ‫لنسان أن يغترفر بخداع النفس‪ ،‬بل عليه أن يعلم أن للحب علمات تدل عليه‪،‬‬ ‫ل ل‬ ‫وثماراا تظهر فأي القلب واللسان والجوارح‪ ،‬فألإذا أراد ألف يغش نفسه فأرليضرعها فأي‬ ‫موازين الحب‪ ،‬ورليمترحنها بعلماته‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ حب لقاء الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة فأي دار السلم‪ ،‬فأل سيتصور أن‬ ‫يحب القلب محبوبا ا لإل ويحب مشاهدته ولقاءه‪ ،‬ولإذا علم أنه ل وصول لإل‬ ‫بالرتحال من الدنيا ومفارقتها بالموت‪ ،‬فأعليه أن يكون محبا ا للموت غير فأاير منه‪،‬‬ ‫لن الموت مفتاح اللقاء‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪" :‬رمرن أحب لقاء ا أحب ا‬ ‫لقاءه" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الرقاق‪ ،‬ومسلم فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫الذكر‪ ،‬باب من أحب لقاء ا[‪ .‬ولهذا كان الصحابة الكرام رضوان ا عليهم‪،‬‬ ‫يحبون الشهادة فأي سبيل ا‪ ،‬ويقولون حين يسردرعون للمعركة‪ :‬مرحبا ا بلقاء ا‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون مؤلثراا ما أحبه ا تعالى على ما يحبه فأي ظاهره وباطنه‪ ،‬فأيلزم‬ ‫ب ا ل يعصيه‪ ،‬ولذلك قال ابن‬ ‫الطاعة‪ ،‬ويجتنب الكسل واتباع الهوى‪ ،‬ورمرن أح ف‬ ‫المبارك رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫تعصي الللهر وأن ر‬ ‫ت ستظهر حفبه‬ ‫لو كان حيبك صادقا ا لطعرته‬

‫هذا رلعمري فأي القياس بديسع‬ ‫ب مطيسع‬ ‫ب لمن يح ي‬ ‫إلفن المح ف‬

‫وفأي هذا المعنى قيل أيضاا‪:‬‬ ‫ورأتر س‬ ‫ك ما أهوى لما قد هويرته‬

‫فأأرضى بما ترضى ولإن سخط ر‬ ‫ت نفسي‬

‫فأطاعة ا تعالى ومحبته تستلزم اتباع رسوله صلى ا عليه وسلم فأي القوال‬ ‫والفأعال والخلق‪ ،‬قال تعالى‪} :‬قل إرن سكرنتسرم تسلحيبون ا فأاتفلبعوني سيحبلربسكم اس ويرغفلرر‬ ‫‪120‬‬

‫لكم ذنوبرسكرم{ ]آل عمران‪.[31 :‬‬ ‫‪3‬ـ أن يكون مكثراا لذكر ا تعالى‪ ،‬ل يفتسسر عنه لسانه‪ ،‬ول يخلو عنه جنانه‪ ،‬فأرمرن‬ ‫ب شيئا ا أكثر من ذكره‪.‬‬ ‫أح ف‬ ‫ب‬ ‫ك فأي قلبي فأأين ستغيف س‬ ‫ك فأي فأمي ومثوا ر‬ ‫ك فأي قلبي ولذكسر ر‬ ‫خيالس ر‬ ‫‪4‬ـ أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاتله ل تعالى وتلولة كتابه‪ ،‬فأيواظب على التهجد‬ ‫ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت‪ ،‬فأأقل درجات المحبة التلذسذ بالخلوة بالحبيب‪،‬‬ ‫والتنعسم بمناجاته‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن ل يتأسف على ما يفوته مما سوى ا عز وجل‪ ،‬وسيعظرم رتأسرفه على فأوت كل‬ ‫ساعة خل ر‬ ‫ت عن ذكر ا وطاعته‪ ،‬فأيكثر رجوعه عند الغفلت‪ ،‬بالستعطاف‬ ‫والتوبة‪.‬‬ ‫‪6‬ـ أن يتنعم‪ ،‬ويتلذذ بالطاعة‪ ،‬ول يستثقلها‪ ،‬ويسق ر‬ ‫ط عنه تعبها‪.‬‬ ‫‪7‬ـ أن يكون مشفقا ا على جميع عباد ا رحيما ا بهم‪ ،‬شديداا على جميع أعداء ا‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪} :‬أشفداسء على السكففالر سررحماسء بينرسهم{]الفتح‪.[29 :‬‬ ‫‪8‬ـ أن يكون فأي حبه خائفا ا متفائلا تحت الهيبة والتعظيم‪ ،‬وقد سيظن أن الخوف ينافأي‬ ‫الحب‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل لإدراك العظمة يوجب الهيبة كما أن لإدراك الجمال يوجب‬ ‫الحب‪ ،‬وللمحبين مخاوف على حسب مراتبهم‪ ،‬كخوف اللعراض وخوف الحجاب‬ ‫وخوف اللبعاد‪ .‬ولذا قال بعض المحبين‪:‬‬ ‫الحبيب عرفأته وأنا منه خائف‬

‫ل يحبك لإل من هو بك عارف‬

‫‪9‬ـ كتمان الحب‪ ،‬واجتناب الدعوى‪ ،‬والتوقي من لإظهار الوجد والمحبة تعظيما ا‬ ‫للمحبوب ولإجللا له‪ ،‬وهيبة منه‪ ،‬ورغريرة على سره‪ ،‬وبعض المحبين عجز عن‬ ‫الكتمان فأقال‪:‬‬ ‫يخفي فأيبدي الدمسع أسرارره‬

‫س‬ ‫وسيظهر الوجد عليه النففر س‬

‫‪121‬‬

‫وبعضهم قال‪:‬‬ ‫ورمرن قلبه مع غيره كيف حاله ؟ ورمرن سره فأي جفنه كيف يكتم ؟‬ ‫‪10‬ـ النس بال والرضا به‪ .‬وعلمة النس بال عدسم الستئناس بالخلق والتلذسذ‬ ‫بذكر ا‪ ،‬فألإن خالطهم فأهو كمنفرد فأي جماعة ومجتمع فأي خلوة‪ .‬قال علي كرم ا‬ ‫وجهه فأي وصف المحبين المستأنسين بال‪ :‬هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة‬ ‫المر‪ ،‬فأباشروا روح اليقين‪ ،‬واستلنوا بما استوعر السمرترفأون‪ ،‬وأنسوا بما‬ ‫استوحش منه الجاهلون‪ ،‬صحبوا الدنيا بأبداظن أرواسحها معلقة بالمحل العلى‪،‬‬ ‫أولئك خلفاء ا فأي أرضه والدعاة لإلى دينه ]نظر كتاب المحبة والشوق من‬ ‫"لإحياء علوم الدين" للغزالي‪ ،‬و"الفتوحات المكية" لبن عربي[‪.‬‬ ‫مراتب المحبة‪:‬‬ ‫ذكر العلماء للمحبة مراتب عشراا‪:‬‬ ‫أوألها العلقة‪ :‬وسميت بذلك لتعلق القلب بالمحبوب‪.‬‬ ‫الثانية اللرادة‪ :‬وهي ميل القلب لإلى محبوبه وطلبهس له‪.‬‬ ‫الثالثة الصبابة‪ :‬وهي انصباب القلب لإلى المحبوب بحيث ل يملكه صاحبه‪،‬‬ ‫كانصباب المالء فأي المنحدر‪.‬‬ ‫الرابعة الغرام‪ :‬وهو الحب اللزم للقلب ل يفارقه‪ ،‬بل يلزمه كملزمة الغريم‬ ‫لغريمه‪.‬‬ ‫صفسو المحبة‪ ،‬وخالصها‪ ،‬ولبها‪.‬‬ ‫الخامسة الوداد‪ :‬وهو ر‬ ‫السادسة الشغف‪ :‬وهو وصول الحب لإلى شغاف القلب‪ .‬قال اللمام الجنيد رحمه‬ ‫ا تعالى‪ :‬الشغف أن ل يرى المحب جفااء‪ ،‬بل يراه عدلا منه ووفأااء‪.‬‬ ‫ي بما يقضي الهوى لكسم عدسل‬ ‫ب لد ف‬ ‫وتعذيسبكم عذ ف‬ ‫ي ورجروسركم عل ف‬ ‫السابعة العشق‪ :‬وهو الحب المفرط الذي سيخاف على صاحبه منه‪.‬‬ ‫الثامنة التتييم‪ :‬وهو التعبد والتذلل‪ ،‬يقال‪ :‬تفيمه الحب أي رذفرلس وعفبده‪.‬‬ ‫التاسعة التعبد‪ :‬وهو فأرق التتيم‪ ،‬فألإن العبد لم يبق له شيء من نفسه‪.‬‬ ‫العاشرة الخلة‪ :‬انفرد بها الخليلن لإبراهيم ومحمد عليهما الصلة والسلم‪ ،‬وهي‬ ‫ق موضع لغير المحبوب ]انظر‬ ‫المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه‪ ،‬حتى لم يب ر‬ ‫كتاب "مدارج السالكين" صا ‪.[18‬‬ ‫وقد رأى الصوفأية أن سر هذه الحياة يقوم على حرفأين اثنين‪ :‬الحاء والباء‪:‬‬ ‫وأحسسن حالة اللنسان صد ف‬ ‫ق‬

‫وأكمسل وصلفه حافء وباسء‬ ‫‪122‬‬

‫فأالتكاليف تررسهسل وترلريذ لإذا ما سولجرد الحب‪:‬‬ ‫لولك يا لسفر الوجود‬ ‫ول تررنفرم س‬ ‫ت فأي صلتي‬

‫ما طاب عيشي ول وجودي‬ ‫ول ركوعي ول سجودي‬

‫ولإذا تمكن الحب من القلب أخرج هذه الدنيا الفانية من سويدائه‪ ،‬وعاش صاحبه‬ ‫حياة طيبة منعمة‪ ،‬ل يعرف الهيم سبيرله لإليه‪.‬‬ ‫مر بعض الصوفأية على رجل يبكي على قبر‪ ،‬فأسأله عن سبب بكائه فأقال‪ :‬إلرن لي‬ ‫ت نفسك بحبك لحبيب يموت‪ ،‬فألو أحبب ر‬ ‫حبيبا ا قد مات‪ .‬فأقال‪ :‬لقد ظلم ر‬ ‫ت حبيبا ا ل‬ ‫يموت لما تعذبت بفراقه‪.‬‬ ‫وفأي واقعنا أمثلة كثيرة عمن يسترخص موته عند يأسه من لقاء من يحبه‪ ،‬أو‬ ‫انقطاع أمله مما تعلق قلبه به من متاع زائل‪ .‬فأالنتحار‪ ،‬وحرق النفس والترامي‬ ‫على صخرة الموت‪ ..‬أمور كلنا نسمعها عن محبين بائسين خاسرين‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬ ‫ت أن تحيا حياةا هنيئةا‬ ‫فألإن شئ ر‬

‫فأل تتخرذ شيئا ا تخا س‬ ‫ف له فأررقدا‬

‫فأأين هؤلء من أحباب ا ورسوله صلى ا عليه وسلم الذين أحبوا ا‪ ،‬ورضوا‬ ‫به رباا‪ ،‬وبرسوله محمد صلى ا عليه وسلم رسو ا‬ ‫ل‪ ،‬وباللسلم ديناا!‬ ‫فأمنهم رمرن أحب الموت‪ ،‬ورحب به ليلقى لمن ورائه أحباربه‪) ..‬غداا ألقى الحبة‪،‬‬ ‫محمداا وصحبه( ]قال ذلك بلل رضي ا عنه عند احتضاره‪ .‬ومفر عزوه فأي‬ ‫صفحة ‪.[293‬‬ ‫ومنهم رمرن ضحى بنفسه ودمه فأي ساحات الجهاد‪ ،‬لينال رضوان ا ويحظى‬ ‫بلقائه‪ ،‬ومنهم ومنهم‪ ..‬وفأرق كبير بين من يضحي بنفسه فأي سبيل ا تعالى‪ ،‬وبين‬ ‫من يضحي بنفسه لفقد شيء خسيس تافأه‪:‬‬ ‫ي رمرن أحببرته فأاخترر‬ ‫أنت القتيسل بأ ص‬

‫لنفسك فأي الهوى رمرن تصطفي‬

‫‪123‬‬

‫وأعلى وأغلى الثمرات التي يقطفها المحب‪ ،‬هو الحب المتبادل‪} :‬يسلحيبسهم ويسلحيبونرسه{‬ ‫ضوا عرنسه{ ]البينة‪.[8 :‬‬ ‫ضري اس رعرنسهم ورر س‬ ‫]المائدة‪ .[54 :‬والرضى المتبادل‪} :‬رر ل‬ ‫والذكر المتبادل‪} :‬فأاذكروني أذسكررسكم{ ]البقرة‪.[152 :‬‬ ‫مر عيسى عليه السلم على طائفة من العفباد‪ ،‬قد وهنت أبدانهم‪ ،‬وتغيرت ألوانهم‬ ‫من العبادة ؛ فأقال لهم‪ :‬من أنتم ؟ فأقالوا‪ :‬نحن عباد ا تعالى‪ .‬فأقال‪ :‬ولي شيء‬ ‫تعبدتم ؟ قالوا‪ :‬رخفورفأنا ا من ناره‪ ،‬فأخفنا منها‪ .‬فأقال‪ :‬لإن ا تعالى قد أرفمنكم مما‬ ‫خفتم منه‪ .‬ثم جاوزهم لخرين أشد منهم عبادة‪ ،‬فأقال‪ :‬لي شيء تعبدتم ؟ قالوا‪:‬‬ ‫رشفوقنا ا جنرته وما أعد فأيها لوليائه‪ ،‬فأنحن نرجوها بعبادتنا‪ .‬فأقال‪ :‬لإن ا أعطاكم‬ ‫ما رجوتم‪ .‬ثم جاوزهم ومر بآخرين يتعبدون فأقال‪ :‬من أنتم ؟ قالوا‪ :‬نحن الملحبون‬ ‫ل عز وجل‪ ،‬لم نعبده خوفأا ا من ناره‪ ،‬ول شوقا ا لإلى جنته‪ ،‬ولكن حبا ا له وتعظيما ا‬ ‫لجلله ؛ فأقال أنتم أولياء ا حقاا‪ ،‬وقد أسلمرر س‬ ‫ت أن سأقيم معكم‪ ،‬وأقام بين أظهرهم‬ ‫]"نور التحقيق" صا ‪.[84‬‬ ‫يشير هذا الشاهد لإلى أن الناس يتفاوتون باختلف هممهم ؛ فأمنهم من يريد الدنيا ؛‬ ‫ومنهم من يريد الخرة‪ ،‬ومنهم من يريد ا تعالى‪.‬‬ ‫سمع بعض الصوفأية قارئا ا يقرأ‪} :‬لمرنسكم رمرن يريسد اليدنيا ولمرنسكم رمرن يريسد الخرة{ ]آل‬ ‫عمران‪ .[152 :‬فأقال‪ :‬وأين من يريد ا ؟!‪..‬‬ ‫ولهذا قال اللمام علي رضي ا عنه‪) :‬لإن قوماا عبدوا ا رغبة فأتلك عبادة التجار‪،‬‬ ‫ولإن قوماا عبدوا ا رهبة فأتلك عبادة العبيد‪ ،‬ولإن قوما ا عبدوا ا شكراا فأتلك عبادة‬ ‫الحرار(‪.‬‬ ‫وقيل فأي وصف الذين أرادوا ا‪ ،‬وأحبوه دون غيره‪:‬‬ ‫فأما مقصوسدهم جنا س‬ ‫ت عدظن‬ ‫سوى نظلر الجليلل وذا مناهم‬

‫ول الحور الحساسن ول الخياسم‬ ‫وهذا مقصسد القولم الكراسم‬

‫)ل در أقوام لإذا جن عليهم الليل سمعت لهم أنين الخائف‪ ..‬ولإذا أصبحوا رأيت‬ ‫عليهم تغير ألوان‪..‬‬ ‫ويسفر عنهسم وهسم ركو س‬ ‫ع‬ ‫لإذا ما الليل أقبل كابدوهس‬ ‫وأهسل الملن فأي الدنيا خشو س‬ ‫أطارر الشو س‬ ‫ع‬ ‫ق نورمهسم فأقاموا‬ ‫‪124‬‬

‫أجسادهم تصبر على التعبد‪ ،‬وأقدامهم ليرلها مقيمة على التهجد‪ ،‬ل يسرريد لهم صوت‬ ‫ول دعاء‪ ،‬تراهم فأي ليلهم سجداا ركعاا‪ ،‬وقد ناداهم المنادي‪ ،‬وأطربهم الشادي‪:‬‬ ‫يا رجارل الليل لجردوا‬ ‫ل يقوم الليرل لإل‬

‫ت ل يسرريد‬ ‫سر ف‬ ‫ب صو ظ‬ ‫رمرن له رحزم ولجيد‬

‫لو أرادوا فأي ليلتهم ساعة أن يناموا أقلقهم الشوق لإليه فأقاموا‪ ،‬وجذبهم الوجد‬ ‫والغرام فأهاموا‪ ،‬وأنشدهم مريسد الحضرة عن لسان الحضرة وبفثهم‪ ،‬وحملهم على‬ ‫المناجاة وحفثهم‪:‬‬ ‫سحيثوا مطاياكم ولجيدوا لإن‬ ‫قد آن أن تظهرر الخبايا‬

‫كان لي فأي القلوب رورجسد‬ ‫وستنرشر الصحف فأاستعيدوا‬

‫الفرش مشتاقة لإليهم‪ ،‬والوسائد متأسفة عليهم‪ ،‬النوم قفرم لإلى عيونهم ]قال فأي‬ ‫"القاموس"‪ .‬القررم محركة‪ :‬شدة شهوة اللحم‪ ،‬وكثر حتى قيل فأي الشوق لإلى‬ ‫الحبيب‪ .‬ج ‪ .4‬صا ‪ .163‬وكأنه يقول‪ :‬النوم مشتهى لإلى عيونهم‪ ،‬لإل أن الشوق لإلى‬ ‫ا تعالى أبعد النوم عن عيونهم[‪ ،‬والراحة مرتاحة لإلى جنوبهم‪ .‬الليل عندهم أجيل‬ ‫الوقات فأي المراتب‪ ،‬وسمسامرهم عند تهجدهم يرعى الكواكب‪ .‬هجروا المنام فأي‬ ‫الظلم‪ ،‬وقلدوا بطول المقام‪ ،‬ونارجروا ربهم بأطيب كلم‪ ،‬وألنسوا بقرب الملك‬ ‫الع ف‬ ‫لم‪ ،‬لو احتجب عنهم فأي ليلهم لذابوا‪ ،‬ولو تغفيب عنهم لحظة لما طابوا‪ ..‬يديمون‬ ‫التهجد لإلى السحر ويتوقعون ثمر اليقظة والسهر‪..‬‬ ‫بلغنا أن ا تبارك وتعالى يتجلى للمحبين‪ ،‬فأيقول لهم‪ :‬رمرن أنا ؟ فأيقولون‪ :‬أنت مالك‬ ‫رقابنا‪ ،‬فأيقول‪ :‬أنتم أحبتي‪ ،‬أنتم أهل وليتي وعنايتي هاوجهي فأشاهدوه‪ ،‬ها كلمي‬ ‫فأاسمعوه‪ ،‬ها كأسي فأاشربوه‪} :‬ورسقاهسرم ريبهم شرابا ا ر‬ ‫طهوراا{ ]الدهر‪ ..[21 :‬لإذا‬ ‫شربوا طابوا‪ ،‬ولإذا طابوا طربوا‪ ،‬ولإذا طربوا قاموا‪ ،‬ولإذا قاموا هاموا‪.‬‬ ‫لرما حمل ر‬ ‫ب‪ ..‬ما عرفأه أهل‬ ‫ص يوسف‪ ،‬لم يفضض ختارمه لإل يعقو س‬ ‫ت ريح الصبا قمي ر‬ ‫كنعان ولمرن عندهم خررج‪ ،‬ول يهوذا وهو الحامل ]كتاب "نهر الذهب فأي أخبار من‬ ‫ذهب" للشيخ كامل بن حسين الحلبي الشهير بالغزي ج ‪ .2‬صا ‪ 191‬و ‪.[192‬‬ ‫والحب فأطرة فأي النفس الزكية‪ ،‬تنزع بها لإلى تفهم حقيقتها والشوق لإلى التعرف‬ ‫‪125‬‬

‫على خالقها‪ .‬ويزداد الحب كلما ازداد الليمان‪ ،‬وبمقدار كمال النفس يكون الحب‪،‬‬ ‫وعلى قدر الحب تكون السعادة ويكون النعيم‪ .‬وحب ا تعالى يسمو بالذوق‬ ‫اللنساني ؛ لإذ يحرول صاحبه لإلى لطيفة راضية مطمئنة‪.‬‬ ‫ولقد جررد الصوفأية الحب عن المطامع والشهوات‪ ،‬وأخلصوا الحب ل تعالى‪،‬‬ ‫فأليس فأي حبهم علة‪ ،‬ول لعشقهم دواء لإل رضى مولهم‪ ،‬تقول رابعة العدوية‬ ‫رحمها ا تعالى‪:‬‬ ‫ويرون النجاةر حظا ا جزيل‬ ‫ف ناظر‬ ‫كيلهم يعبدون من خو ل‬ ‫أرو لكي يسكنوا اللجنارن فأيح ر‬ ‫س ويشربوا السلبيل‬ ‫ظوا بكؤو ظ‬ ‫أو يقيموا بين القصولر جميعا ا‬ ‫أنا ل أبتغي بلحصبي بديل‬ ‫ومعنى ذلك أنها ل ترى الحياة لإل حبا ا فأي ا‪ ،‬ووقوفأاا عند أوامره ونواهيه‪ ،‬لن‬ ‫المحب لمن يحب مطيع‪ .‬ولبعض المحبين‪:‬‬ ‫فأليرتك تحلو والحياةس مريرةف‬ ‫ولي ر‬ ‫ت الذي بيني وبينك عامفر‬ ‫لإذا صفح منك الويد فأالكيل هيفن‬

‫ب‬ ‫وليتك ترضى والناسم غضا س‬ ‫ب‬ ‫وبيني وبين العالمين خرا س‬ ‫ب‬ ‫ب ترا س‬ ‫وكيل الذي فأو ر‬ ‫ق الترا ل‬

‫ولقد عرف الصوفأية طريق الحب فأساروا فأيه‪..‬‬ ‫ي مما افأترضته‬ ‫ب عبدي بشيء أح ف‬ ‫قال ا تعالى فأي الحديث القدسي‪" :‬وما تقر ر‬ ‫ب لإل ف‬ ‫ي بالنوافأل حتى سأحفبه‪ ،‬فألإذا أحبربسته كنت سمرعهس الذي‬ ‫عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب لإل ف‬ ‫ش بها‪ ،‬ورجلرهس التي يمشي بها‪،‬‬ ‫يسمع به‪ ،‬وبصررهس الذي يبصر به‪ ،‬ويردهس التي يبط س‬ ‫وإلرن سألني لعطيفنه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذفنه" ]رواه البخاري فأي صحيحه فأي‬ ‫كتاب الرقاق باب التواضع عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫وهو أصل السلوك لإلى ا تعالى‪ ،‬والوصول لإلى معرفأته‪.‬‬ ‫سئل ذو النون المصري رحمه ا تعالى عن المحبة فأقال‪) :‬أن تحب ما أحب ا‪،‬‬ ‫وتبغض ما أبغض ا‪ ،‬وتفعل الخير كله‪ ،‬وترفأض كل ما يشغل عن ا‪ ،‬وأن ل‬ ‫تخاف فأي ا لومرة لئم‪ ،‬مع العطف على المؤمنين‪ ،‬والغلظة على الكافأرين‪،‬‬ ‫ع رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي الدين( ]"طبقات الصوفية" للسلمي‬ ‫واصتبا ل‬ ‫‪126‬‬

‫ص ‪[18‬هلل‪.‬‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬من علمات المحب ل‪ ،‬متابعةس حبيب ا فأي أخلقه وأفأعاله وأمره‬ ‫وسنته( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[18‬‬ ‫وقال السيد أحمد الرفأاعي رحمه ا تعالى‪) :‬من أحب ا عفلم نفسه التواضع‪،‬‬ ‫وقطع عنها علئق الدنيا‪ ،‬وآثر ا تعالى على جميع أحواله‪ ،‬واشتغل بذكره‪ ،‬ولم‬ ‫يترك لنفسه رغبة فأيما سوى ا تعالى‪ ،‬وقام بعبادته‪"] (..‬البرهان الؤيد" للسيد‬ ‫أحمج الرفأاعي صا ‪.[59‬‬ ‫وقال محمد بن علي الترمذي الحكيم رحمه ا تعالى‪) :‬حقيقة محبته دوام النس‬ ‫بذكره(]"طبقات الصوفأية" صا ‪.[219‬‬ ‫ب ذوي العقول الكاملة والنفوس‬ ‫وقال ابن الدباغ رحمه ا تعالى‪) :‬ولما كان مطل ر‬ ‫الفاضلة نرريسل السعادة القصوى التي معناها الحياة الدائمة فأي المل العلى‪ ،‬ومشاهدةس‬ ‫أنوار حضرة قدس المولى‪ ،‬والتلذسذ بمطالعة الجمال الللهي السنى‪ ،‬ومعاينة مطالع‬ ‫النور القدس البهى‪ .‬وهذه السعادة ل تحصل لإل لنفس زكية‪ ،‬قد سبق ر‬ ‫ت لها فأي‬ ‫الزل العنايةس الربانية‪ ،‬بتيسيرها لسلوك الطرق العلمية والعملية المفضيات بها لإلى‬ ‫المحبة الحقيقية‪ ،‬والشوق لإلى النوار الللهية ؛ وبحصول هذه السعادة يحصل‬ ‫للنفوس العارفأة من اللذة والبتهاج ما ل عين رأت‪ ،‬ول أذن سمعت‪ ،‬ول خطر‬ ‫على قلب بشر‪ .‬فأيجب على كل ذي لب المبادرةس لإلى تحصيل هذا المر الجليل‪،‬‬ ‫وورود هذا المورد السلسبيل الذي لم يصل لإليه من الناس لإل القليسل‪ .‬فأالعاشق يحين‬ ‫لإلى هذا الموطن الجليل‪ ،‬وينجذب جملة لإلى ظله الظليل ونسيمه العليل‪ ،‬وورولد‬ ‫ق لإل لنه يأتي من ذلك الجناب الرفأيع‪ ،‬ويخبر عن سر‬ ‫منهله العذب‪ ،‬فأل يشيم البر ر‬ ‫جماله البديع ؛ فألهذا كان رلمعاسن السبروق يقطع بالشوق أفألذ كبد المشوق( ]"مشارق‬ ‫أنوار القلوب" لبن الدباغ المتوفأى سنة ‪696‬هـ‪ .‬صا ‪.[36‬‬ ‫بمثل هذا الذوق وصل الصوفأية لإلى الطمئنان والرضا فأي ظلل الحب الللهي‪،‬‬ ‫ورأوا متعاا روحية دونها متع الحياة وشهواتها‪ .‬وحسبهم أنهم يسرسررون مع ا‪،‬‬ ‫ضوا عرنسه{ ]البينة‪:‬‬ ‫ضري اس عرنسهم ورر س‬ ‫وينعمون بقربه‪ ،‬ويشعرون بفضله وجوده }رر ل‬ ‫‪} .[8‬يسسلحيبهم ويسلحيبونرسه{ ]المائدة‪ .[54 :‬فأاختارهم بعد ما أحربهم ورضي عنهم‪،‬‬ ‫أولئك خلصة خلقه‪ ،‬وخواصا أحبابه‪ ،‬فأقيل فأيهم‪:‬‬

‫‪127‬‬

‫قوفم رأخلصوا فأي سحصبه فأاختارهم ورضي بهم سخفداما‬ ‫قوفم لإذا رجفن الظلسم عليهسم أبصرر ر‬ ‫ت قوما ا سجداا وقياما‬ ‫يتلذذون بذكره فأي ليلهم ويكابدون به النهارر صياما‬ ‫س ويسبرفوؤن من اللجنان خياما‬ ‫فأسيغنمون عرائسا ا بعرائ ظ‬ ‫وترقرير أعيسنهم بما سأخلفي لهم وسيسمعون من الجليل سلما‬

‫الكشف‬ ‫تعريفه‪ :‬قال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬اللفراسة فأي اللغة‪ :‬التثبت‬ ‫والنظر‪ ،‬وفأي اصطلح أهل الحقيقة‪ :‬هي مكاشفة اليقين‪ ،‬ومعاينة الغيب(‬ ‫]تعريفات السيد صا ‪.[110‬‬ ‫وقال العارف بال ابن عجيبة رحمه ا تعالى‪) :‬الفراسة هي خاطر يهجم على‬ ‫القلب‪ ،‬أو وارد يتجلى فأيه‪ ،‬ل يخطىء غالبا ا لإذا صفا القلب‪ ،‬وفأي الحديث‪" :‬اتقوا‬ ‫فأراسة المؤمن‪ ،‬فألإنه ينظر بنور ا" ]رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي‬ ‫ا عنه فأي كتاب التفسير[‪ .‬وهي على حسب قوة القرب والمعرفأة‪ ،‬فأكلما قوي‬ ‫القرب‪ ،‬وتمكنت المعرفأة صدقت الفراسة‪ ،‬لن الروح لإذا قربت من حضرة الحق‬ ‫ل يتجلى فأيها غالبا ا لإل الحق ]"معراج التشوف" صا ‪.[18‬‬ ‫والكشف نور يحصل للسالكين فأي سيرهم لإلى ا تعالى ؛ يكشف لهم حجاب‬ ‫الحس‪ ،‬ويزيل دونهم أسباب المادة نتيجة لما يأخذون به أنفسهم من مجاهدة وخلوة‬ ‫وذكر ]قال حجة اللسلم الغزالي رحمه ا تعالى‪) :‬لإن جلء القلب ولإبصاره‬ ‫يحصل بالذكر‪ ،‬ولإنه ل يتمكن منه لإل الذين اتقوا‪ ،‬فأالتقوى باب الذكر‪ ،‬والذكر باب‬ ‫الكشف‪ ،‬والكشف باب الفوز الكبر‪ ،‬وهو الفوز بلقاء ا تعالى(‪" .‬لإحياء علوم‬ ‫الدين" للغزالي ج ‪ .3‬صا ‪ .[11‬فأتنعكس أبصارهم فأي بصائرهم‪ ،‬فأينظرون بنور‬ ‫‪128‬‬

‫ا وتنمحي أمامهم مقاييس الزمان والمكان‪ ،‬فأي ف‬ ‫طلعون على عوالرم من أمر ا‬ ‫اطلعا ا ل يستطيعه رمرن ل يزال فأي قيد الشهوات والشكوك والبدع العقائدية‬ ‫والوساوس الشيطانية‪ ،‬ول تتسع له لإل تلك القلوب النريرة السليمة التي زالت عنها‬ ‫ظلمات الدنيا وغواشيها‪ ،‬وانقشعت عنها غيوم الشكوك ووساوسها‪ ،‬وكثافأةس‬ ‫الماديات وأوضارها‪.‬‬ ‫نعم إلفن من غض بصره عن المحارم‪ ،‬وك ف‬ ‫ف نفسه عن الشهوات‪ ،‬وعفمر باطنه‬ ‫بمراقبة ا تعالى‪ ،‬وتعفود أكل الحلل لم يخطىء كشفه وفأراسته‪ ،‬ومن أطلق نظره‬ ‫لإلى المحرمات تنفست نفسه الظلمانية فأي مرآة قلبه فأطمست نورها‪.‬‬ ‫ويرجع هذا الكشف لإلى أن العبد لإذا انصرف عن الحس الظاهر لإلى الحس الباطن‬ ‫تغلبت روحه على نفسه الحيوانية المتلبسة ببدنه ـ والروح لطيفة كفشافأة ـ فأيحصل‬ ‫له حينئذ الكشف‪ ،‬ويتلقى واردات الللهام‪.‬‬ ‫يقول المؤرخ ابن خلدون رحمه ا تعالى فأيما نحن بصدده‪) :‬ثم لإن هذه المجاهدة‬ ‫والخلوة والذكر يتبعها غالباا كشف حجاب الحس‪ ،‬والطلع على عوالم من أمر‬ ‫ا ليس لصاحب الحس لإدرا س‬ ‫ك شيء منها ؛ والروح من تلك العوالم‪ .‬وسبب هذا‬ ‫الكشف أن الروح لإذا رجع عن الحس الظاهر لإلى الباطن‪ ،‬ضعفت أحوال الحس‪،‬‬ ‫وقويت أحوال الروح‪ ،‬ورغرلب سلطانه‪ ،‬وتجدد نسسشوؤسه‪ .‬وأعان مع ذلك الذكر ؛ فألإنه‬ ‫كالغذاء لتنمية الروح‪ ،‬ول يزال فأي نمو وتزايد لإلى أن يصير شهوداا‪ ،‬بعد أن كان‬ ‫لعلماا‪ ،‬ويكشف حجاب الحس‪ ،‬ويتم صفاء النفس الذي لها من ذاتها‪ ،‬وهو عين‬ ‫اللدراك‪ ،‬فأيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم اللدنية والفتح الللهي‪ ..‬لإلى أن‬ ‫قال‪ :‬وهذا الكشف كثيراا ما ريعلرض لهل المجاهدة ؛ فأيدركون من حقائق الوجود‬ ‫ما ل يدرك سواهم‪ ..‬وقد كان الصحابة رضوان ا عليهم على مثل هذه المجاهدة‪،‬‬ ‫وكان حظهم من هذه الكرامات أوفأر الحظوظ‪ ،‬لكنهم لم يقع لهم بها عناية‪ .‬وفأي‬ ‫فأضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي ا عنهم كثير منها‪ ،‬وتبعهم فأي ذلك‬ ‫أهل الطريقة ممن اشتملت الرسالة القشيرية على ذكرهم ومن تبع طريقتهم من‬ ‫بعدهم( ]"مقدمة ابن خلدون" صا ‪.[329‬‬ ‫وهذا الكشف وراثة محمدية صادقة‪ ،‬رولررثها أصحابه رضي ا عنهم‪ ،‬بسبب‬ ‫صدقهم وتصديقهم وصفاء سريرتهم‪.‬‬ ‫الكشف عند رسول ا صلى ا عليه وأسلم‪:‬‬ ‫‪129‬‬

‫وقبل أن نذكر شيئاا عن هؤلء المورثين من الصحابة ورمرن بعدهم‪ ،‬نذكر نوعا ا من‬ ‫كشف رسول ا صلى ا عليه وسلم الذي منحه ا لإياه‪ ،‬على أن الكشف له عليه‬ ‫الصلة والسلم معجزة‪ ،‬وللصحابة والولياء من بعده كرامة‪ ،‬وكيل كرامة لولي‬ ‫معجزةف لنبيه صلى ا عليه وسلم‪.‬‬ ‫عن أنس رضي ا عنه قال‪ :‬سأقيمت الصلة‪ ،‬فأأقبل علينا رسول ا صلى ا عليه‬ ‫صوا‪ ،‬فألإني أراكم من وراء ظهري"‬ ‫وسلم بوجهه فأقال‪" :‬أقيموا صفوفأكم وترا ي‬ ‫]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب أبواب الجماعة‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الصلة[‪.‬‬ ‫ولما كان الكشف بعيداا عن عالم الحس‪ ،‬وينمحي أمامه المقياس الزماني والمكاني‪،‬‬ ‫لذلك كان صلى ا عليه وسلم يستوي عنده فأي الرؤية القرب والبعد‪:‬‬ ‫يقول أنس رضي ا عنه‪ :‬بعث رسول ا صلى ا عليه وسلم زيداا‪ ،‬وجعفراا وابن‬ ‫رواحة‪ ،‬ورفأع الراية لإلى زيد‪ ،‬فأسأصيبوا جميعاا‪ ،‬فأنرعاهم رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم لإلى الناس قبل أن يجيرء الخبر‪ ،‬فأقال‪" :‬أخذ الراية زيد فأسأصيب‪ ،‬ثم أخذها‬ ‫جعفر فأسأصيب‪ ،‬ثم أخذها عبد ا بن رواحة فأسأصيب‪ ،‬ولإن عيني رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم تذرفأان‪ ،‬ثم أخذها خالد بن الوليد من غير لإمرة‪ ،‬فأرفسلتح له" ]رواه‬ ‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الجنائز وكتاب المناقب[‪ .‬قاله صلى ا عليه وسلم‬ ‫يوم غزوة مؤتة‪.‬‬ ‫الكشف في القرآن الكريم‪:‬‬ ‫ك سنري إبراهيرم رملسكو ر‬ ‫ت‬ ‫قال ا تعالى فأي حق لإبراهيم خليل ا عليه السلم‪} :‬وكذلل ر‬ ‫ض ولليرسكورن لمرن الموقنيرن{ ]النعام‪.[75 :‬‬ ‫السموا ل‬ ‫ت والر ل‬ ‫وكذلك ما أخبر ا عز وجل عن الخضر عليه السلم‪ ،‬حين صحب موسى عليه‬ ‫السلم فأي المسائل الثلثة‪:‬‬ ‫الولى‪ :‬انكشف للخضر أن السفينة التي ركبها مجانا ا فأي طريقهم عبر البحر‪،‬‬ ‫سيأخذها ملك غاشم ظلماا‪ ،‬فأخرقها ليعيبها ولينقذها من شر ذلك الغاصب مكافأأة‬ ‫للمعروف بالمعروف‪} :‬أفما السفينرةس فأكان ر‬ ‫ت لمساكيرن يعرمسلورن فأي البحر فأأررد س‬ ‫ت أرن‬ ‫أعيربها وكارن وراءهم رملل ف‬ ‫ك يأسخذ كفل سفينرظة رغ ر‬ ‫صباا{ ]الكهف‪.[79 :‬‬ ‫الثانية‪ :‬سكشف له عن الغلم ؛ لإن بقي حيا ا فأسيقتل أبويه فأي كبره‪ ،‬ويوقعهما فأي‬ ‫‪130‬‬

‫الكفر‪ ،‬فأقتله رحمة بأبويه المؤمنرين‪ ،‬واستجابة للرادة ا تعالى بلإبداله بخير منه‬ ‫زكاةا ورحمة‪} :‬وأرما الغلسم فأكارن أبواهس مؤمنيلن فأخشينا أرن سيرلهرقهما س‬ ‫طغيانا ا وسكفراا ‪.‬‬ ‫فأأردنا أن سيبلدلرسهما رريبهما خيراا منه زكاةا وأقرب سررحماا{ ]الكهف‪80 :‬ـ ‪.[81‬‬ ‫الثالثة‪ :‬كشف له الكنز الذي تحت الجدار‪ ،‬وكان لغلمين يتيمن من أب صالح‪،‬‬ ‫فأأقام الجدار حفظا ا للكنز‪ ،‬ورحمةا للغلمين‪ ،‬ومحبةا لبيهما الصالح‪ ،‬بل أجر وبل‬ ‫مقابل‪ ،‬مروءةا ولإخلصاا‪} :‬وأرما الجداسر فأكارن لسغلميلن يتيميلن فأي المدينة وكان‬ ‫ك أرن يربسلغا أسشفدهما ويررسرتخلرجا كرنرزسهما‬ ‫تحتهس كنفز لهما وكارن أبوهما صالحا ا فأأرارد ريب ر‬ ‫ك{ ]الكهف‪.[82 :‬‬ ‫رررحرمةا لمرن رربص ر‬ ‫الكشف عند الصحابة رضوان ا عليهم أجميعن‪:‬‬ ‫الكشف عند أبي بكر الصديق رضي ا عنه‪:‬‬ ‫ق ]رسول ا صلى ا‬ ‫وهو الذي شهد ا له بالصصديقية بقوله‪ } :‬والذي جاء بال ص‬ ‫صرد ل‬ ‫ق بلله ]أبو بكر رضي ا عنه[{‪ .‬ولإني أذكر واقعة واحدة من‬ ‫صفد ر‬ ‫عليه وسلم[ و ر‬ ‫كثير‪ ،‬تكشف لنا الغطاء عن ذلك‪ ،‬ومن أين للنساظن أن يحصري مآثلرر أبي بكر‬ ‫رضي ا عنه‪.‬‬ ‫عن عروة عن أبيه رضي ا عنهما‪ ،‬عن عائشة رضي ا عنها‪ :‬أن أبا بكر لما‬ ‫حضرته الوفأاة‪ ،‬دعاها فأقال‪ :‬لإنه ليس فأي أهلي بعدي أحد أحب لإلفي غنى منك‪ ،‬ول‬ ‫أعز علي فأقراا منك ولإني كنت نحلتك ]الفنحلة‪ :‬العطية والهبة ابتداء من غير عوض‬ ‫ول استحقاق كذا فأي غريب الحديث لبن الثير ج ‪ 4‬صا ‪ [139‬من أرض بالعالية‬ ‫رجدارد ]الجداد‪ :‬قال ابن الثير‪ :‬الجداد بالفتح والكسر‪ :‬صرام النخل وهو قطع‬ ‫ثمرتها يقال جد الثمرة يجدها جداا ج ‪ .1‬صا ‪ [173‬ـ يعني‪ :‬صرام ـ عشرين وسقا ا‬ ‫]الوسق‪ :‬قال فأي القاموس‪ :‬ستون صاعا ا أو حمل بعير‪ ،‬وأوسق البعير حمله‬ ‫حم ا‬ ‫ت جدردتلله تمراا عاما ا واحداا انحارز لك‪ ،‬ولإنما هو مال الوارث‪ ،‬ولإنما‬ ‫ل[‪ ،‬فألو كن ل‬ ‫ت‪ :‬لإنما هي أسماء‪ ،‬فأقال‪ :‬وذا س‬ ‫هما أخواك وأختاك‪ .‬فأقل س‬ ‫ت بطلن ابنلة خارجة‪ ،‬قد سألقي‬ ‫فأي رسوعي أنها جاريةف فأاستوصي بها خيراا‪ ،‬فأولدت أسفم كلثوم ]أخرجه ابن سعد فأي‬ ‫الطبقات‪ ،‬ذكر وصية أبي بكر‪ .‬ج ‪ .3‬صا ‪.[195‬‬ ‫قال التاج السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬وفأيه كرامتان لبي بكر رضي ا عنه‪:‬‬ ‫لإحداهما‪ :‬لإخباسره أنه يموت فأي ذلك المرض‪ ،‬حيث قال‪ :‬ولإنما هو اليوم ماسل وارث‪.‬‬

‫‪131‬‬

‫والثانية‪ :‬لإخباسره بمولود يولد له‪ ،‬وهو جارية‪ .‬والسر فأي لإظهار ذلك استطابة قلب‬ ‫عائشة رضي ا عنها فأي استرجاع ما وهبه لها ولم تقب ر‬ ‫ضه‪ ،‬ولإعلمها بمقدار ما‬ ‫يخصها‪ ،‬لتكون على ثقة‪ ،‬فأأخبرها بأنه مال وارث‪ ،‬وأفن معها أخوين وأختين‬ ‫]"حجة ا على العالمين" للشيخ يوسف النبهاني البيروتي صا ‪.[860‬‬ ‫الكشف عند عمر بن الخطاب الخليفة الثاني رضي ا عنه‪:‬‬ ‫وقد شهد له رسول ا صلى ا عليه وسلم أنه من الملرهمين‪:‬‬ ‫عن أبي هريرة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬لقد كان‬ ‫فأيرمرن قبلكم من المم ناس سمحفدثون‪ ،‬فألإن ي س‬ ‫ك فأي أمتي أحفد فألإنه عمر" ]رواه‬ ‫البخاري فأي صحيحه فأي كتاب المناقب‪ ،‬ومسلم فأي كتاب فأضائل الصحابة[‪.‬‬ ‫فألإن أمته عليه الصلة والسلم أفأضسل المم‪ ،‬ولإذا ثبت أنهم سوجدوا فأي غيرها‬ ‫فأوجودهم فأيها أولى‪ ،‬ولإنما أورده مورد التأكيد‪ ،‬كقول القائل‪ :‬لإن كان لي صديق‬ ‫فأفلن‪ .‬يريد اختصاصا كمال الصداقة ل نفيها عن غيره‪ .‬والمحفدث‪ :‬هو الملهرسم‬ ‫الصادق الظن‪ ،‬وهو رمرن سأوقلرع فأي قلبه شيفء من لقبل المل العلى‪ ،‬فأيكون كالذي‬ ‫حدثه غيسره‪.‬‬ ‫قال التاج السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬كان عمر رضي ا عنه قد أفمرر سارية بن‬ ‫زنيم الخلجي على جيش من جيوش المسلمين‪ ،‬وجهزه على بلد فأارس‪ ،‬فأاشتد‬ ‫على عسكره الحال على باب نهوند وهو يحاصرها‪ ،‬وكثرت جموع العداء‪ ،‬وكاد‬ ‫المسلمون ينهزمون‪ ،‬وعمر رضي ا عنه بالمدينة‪ ،‬فأصعد المنبر وخطب‪ ،‬ثم‬ ‫استغاث فأي أثناء خطبته بأعلى صوته‪] :‬يا سارية! الجبل‪ .‬من استرعى الذئب الغنم‬ ‫فأقد ظلم[ ]قال العجلوني‪ :‬ولإسناده كما قال الحافأظ ابن حجر حديث حسن ج ‪ .2‬صا‬ ‫‪ .[380‬فأأسمع ا تعالى سارية وجيشه أجمعين‪ ،‬وهم على باب نهاوند صو ر‬ ‫ت‬ ‫عمر‪ ،‬فألجؤوا لإلى الجبل‪ ،‬وقالوا هذا صوت أمير المؤمنين‪ ،‬فأنجوا وانتصروا(‪.‬‬ ‫وقال التاج السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬لم يقصد لإظهار الكرامة‪ ،‬ولإنما سكلشف له‪،‬‬ ‫ورأى القوم عياناا‪ ،‬وكان كمن هو بين أظهرهم حقيقة‪ ،‬وغاب عن مجلسه بالمدينة‬ ‫واشتغلت حواسه بما دهم المسلمين‪ ،‬فأخاطب أميرهم خطاب رمرن هو معه( ]"حجة‬ ‫ا على العالمين" للشيخ يوسف النبهاني البيروتي صا ‪ .[860‬فأفي هذه القصة‬ ‫شيئان‪:‬‬ ‫الوأل‪ :‬الكشف الصحيح والرؤية العيانية على بعد آلف الميال‪ ،‬وأين )التلفزيون(‬ ‫‪132‬‬

‫فأي مثل هذه القصة الواقعة قبل أربعة عشر قرنا ا ؟‬ ‫الثاني‪ :‬لإبلغ صوته ساريةر على هذا البعد الشاسع‪.‬‬ ‫ورأى عمر رضي ا عنه قوماا من مذحج فأيهم الشتر فأصفعد النظر فأيه وصفوب‬ ‫ثم قال‪) :‬قاتله ا لإني لرى للمسلمين منه يوما ا عصيبا ا فأكان منه ما كان( ]"فأيض‬ ‫القدير شرح الجامع الصغير" للعلمة المناوي ج ‪ .1‬صا ‪.[143‬‬ ‫وأخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال‪) :‬إلرن كان الرجل ليحدث عمر‬ ‫بالحديث فأيركلذسبه اللكذبة فأيقول‪ :‬احبس هذه‪ ،‬ثم يحدثه بالحديث فأيقول‪ :‬احبس هذه‪،‬‬ ‫فأيقول له‪ :‬كل ما حدثستك حق لإل ما أمرتني أن أحبسه( ]"تاريخ الخلفاء" للعلمة‬ ‫جلل الدين السيوطي صا ‪127‬ـ ‪.[128‬‬ ‫وأخرج عن الحسن قال‪) :‬لإن كان أحد يعرف الكذب لإذا سحردث فأهو عمر بن‬ ‫الخطاب( ]"تاريخ الخلفاء" للعلمة جلل الدين السيوطي صا ‪127‬ـ ‪.[128‬‬ ‫وأخرج البيهقي فأي الدلئل عن أبي هدية الحمصي قال‪) :‬سأخلبر عمر بأن أهل‬ ‫العراق رحصربوا أميرهم‪ ،‬فأخرج غضبان‪ ،‬فأصلى فأسها فأي صلته‪ ،‬فألما سلم قال‪:‬‬ ‫اللهم لإنهم قد لفبسوا علري فأالبس عليهم‪ ،‬وعصجرل عليهم بالغلم الثقفي يحكم فأيهم بحكم‬ ‫الجاهلية ؛ ل يقبل من محسنهم‪ ،‬ول يتجاوز عن مسيئهم(‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أشار به لإلى الحجاج‪ .‬قال ابن لهيعة‪ :‬وما سوللرد الحجاج يومئذ ]"تاريخ الخلفاء"‬ ‫للعلمة جلل الدين السيوطي صا ‪127‬ـ ‪.[128‬‬ ‫الكشف عند عثمان بن عفان رضي ا تعالى عنه‪:‬‬ ‫ذكر التاج السبكي رحمه ا تعالى فأي الطبقات وغيره‪) :‬أنه دخل على عثمان‬ ‫رضي ا عنه رجل‪ ،‬كان قد لقي امرأة فأي الطريق‪ ،‬فأتأملها‪ ،‬فأقال له عثمان رضي‬ ‫ا عنه‪ :‬يدخل أحدكم‪ ،‬وفأي عينيه أثر الزنا ؟ فأقال الرجل‪ :‬أورحفي بعد رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكنها فأراسة المؤمن(‪ .‬ولإنما أظهر عثمان هذا‬ ‫تأديبا ا للرجل‪ ،‬وزجراا له عن شيظء فأعله ]"حجة ا على العالمين" للنبهاني صا‬ ‫‪.[862‬‬ ‫الكشف عند علي بن أبي طالب رضي ا عنه‪:‬‬ ‫‪133‬‬

‫الذي رباه رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي حجره‪ ،‬ولما آخى النبي صلى ا‬ ‫عليه وسلم بين أصحابه قال له‪" :‬أنت أخي" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب المناقب‬ ‫عن ابن عمر‪ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب[‪ .‬وقال له أيضاا‪" :‬أل ترضى أن تكون مني‬ ‫بمنزلة هارون من موسى ؟" ]رواه البخاري فأي المغازي عن سعد بن أبي وقاصا‬ ‫رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫عن الصبغ رحمه ا تعالى قال‪ :‬أتينا مع علري فأمرررنا بموضع قبر الحسين‪ ،‬فأقال‬ ‫علي‪) :‬ههنا مناخ ركابهم‪ ،‬وههنا موضع رحالهم‪ ،‬وههنا مهراق دمائهم‪ .‬فأتية من‬ ‫آل محمد صلى ا عليه وسلم يقتلون بهذه الرعررصة‪ ،‬تبكي عليهم السماء والرض(‬ ‫]"الرياض النضرة فأي مناقب العشرة" للمحب الطبري ج ‪ .2‬صا ‪.[295‬‬ ‫وقال علي رضي ا عنه لهل الكوفأة‪) :‬سينزل بكم أهسل بيت رسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فأيستغيثون بكم فألم يغاثوا( فأكان منهم فأي شأن الحسين ما كان ]"فأيض‬ ‫القدير شرح الجامع الصغير" للعلمة المناوي ج ‪ .1‬صا ‪.[143‬‬ ‫ولو أردنا أن نستقصي تراجم الصحابة الكرام رضي ا عنهم فأي كشفهم‬ ‫وفأراستهم‪ ،‬لخرجنا عن موضوعنا فأي رسالتنا هذه‪.‬‬

‫كشف العارفين‪:‬‬ ‫روي عن اللمام الشافأعي ومحمد بن الحسن رحمهما ا تعالى‪) :‬أنهما كانا بللفناء‬ ‫الكعبة‪ ،‬ورجل على باب المسجد فأقال أحدهما‪ :‬أراه نجاراا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬بل حداداا‪،‬‬ ‫فأتبادر من حضر لإلى الرجل فأسأله فأقال‪ :‬كنت نجاراا وأنا اليوم حداد( ]"تفسير‬ ‫القرطبي" ج ‪ .10‬صا ‪.[44‬‬ ‫وعن أبي سعيد الخراز رحمه ا تعالى قال‪) :‬دخلت المسجد الحرام‪ ،‬فأرأيت فأقيراا‬ ‫عليه خرقتان‪ ،‬فأقلت فأي نفسي‪ :‬هذا وأشباهه ركيل على الناس ؛ فأناداني وقال‪:‬‬ ‫}واعلموا أفن ار يعلرسم ما فأي أرنفسلسسكم فأاحرذروسه{ ]البقرة‪ .[235 :‬فأاستغفرر س‬ ‫ت ا فأي‬ ‫سصري‪ ،‬فأناداني وقال‪} :‬وهرو الذي يررقبرسل التوبرةر عن عبالدله{ ]الشورى‪ .[25 :‬ثم غاب‬ ‫عني‪ ،‬ولم أره( ]"اللحياء" للغزالي ج ‪ 3‬صا ‪.[21‬‬ ‫ومثل هذا وقع لغيره‪ .‬يقول خير النفساج رحمه ا تعالى‪) :‬كنت جالسا ا فأي بيتي‪،‬‬ ‫‪134‬‬

‫فأوقع لي أن الجنيد بالباب‪ ،‬فأنفيت عن قلبي ذلك‪ ،‬فأوقع ثانيا ا وثالثاا‪ ،‬فأخرجت‪ ،‬فألإذا‬ ‫الجنيد‪ ،‬فأقال‪ :‬للرم لم تخرج مع الخاطر الول ؟( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[110‬‬ ‫وسحكي عن لإبراهيم الخرواصا رحمه ا تعالى قال‪) :‬كنت فأي بغداد فأي جامع‬ ‫المدينة‪ ،‬وهناك جماعة من الفقراء‪ ،‬فأأقبل شاب ظريف طيب الرائحة‪ ،‬حسن‬ ‫الحرمة حسن الوجه‪ ،‬فأقلت لصحابنا‪ :‬يقع لي أنه يهودي‪ ،‬فأكلهم كرهوا ذلك‪،‬‬ ‫فأخرجت وخرج الشاب‪ ،‬ثم رجع لإليهم وقال‪ :‬لإيش قال الشيخ ؟ فأاحتشموه‪ ،‬فأألح‬ ‫ب على يدي وأسلم‪ ،‬فأقيل‪ :‬ما‬ ‫عليهم فأقالوا‪ :‬قال‪ :‬لإنك يهودي‪ .‬قال‪ :‬فأجاءني‪ ،‬وأك ف‬ ‫السبب ؟ قال نجد فأي كتبنا أن الصرديق ل تخطىء فأراسته فأقل س‬ ‫ت‪ :‬أمتحسن المسلمين‪،‬‬ ‫فأتأملتهم فأقلت‪ :‬لإن كان فأيهم صرديق‪ ،‬فأفي هذه الطائفة لنهم يقولون حديثه سبحانه‪،‬‬ ‫ت عليهم‪ ،‬فألما ا ر‬ ‫ي علم س‬ ‫فألفبس س‬ ‫ت أنه صرديق‪ ،‬وصار الشاب من‬ ‫ي وتففرس فأ ف‬ ‫طلع عل ف‬ ‫كبار الصوفأية( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[110‬‬ ‫ول عجب فأي ذلك فأقد أخبر عن هذا رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬لإن ل‬ ‫عباداا يعرفأون الناس بالتوسم" ]رواه البزار والطبراني فأي الوسط عن أنس بن‬ ‫مالك‪ .‬ولإسناده حسن‪ ،‬كما فأي مجمع الزوائد ج ‪ 10‬صا ‪.[268‬‬ ‫ووقف نصراني على الجنيد رحمه ا تعالى‪ ،‬وهو يتكلم فأي الجامع على الناس‪،‬‬ ‫فأقال‪ :‬أيها الشيخ! ما معنى حديث‪" :‬اتقوا فأراسة المؤمن فألإنه ينظر بنور ا"‬ ‫]روأاه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري‪ .‬في كتاب التفسير[هلل‪ .‬فأطرق الجنيد‬ ‫ثم رفع رأسه وأقال‪ :‬أسلمم فقد جاء وأقت لإسلمك‪ ،‬فأسلم الغلم ]"الفتاوأى‬ ‫الحديثية" لبن حجر الهيثمي ص ‪[229‬هلل‪.‬‬ ‫وحديث الفراسة أصل فأي الكشف الذي يقع لكثير من الولياء‪ ،‬تجد الواحد منهم‬ ‫يكاشف الشخص بما حصل له فأي غيبته‪ ،‬كأنه حاضر معه‪ .‬وهي فأتنة فأي حق رمرن‬ ‫لم يتخلق بأخلق الرحمن‪.‬‬ ‫وأقد يكون الكشف عن أصحاب القبور منذعمين أوأ معذذبين‪:‬‬ ‫قال العلمة عبد الرؤوف المناوي رحمه ا تعالى عند شرحه حديث رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬لول أن ل رتدارفأنوا لدعو س‬ ‫ت ا أن سيسمعكم من عذاب القبر"‬ ‫]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الجنة ومتعة نعيمها‪ ،‬والنسائي عن أنس ابن‬ ‫ب لإسماعهم عذاب القبر دون غيره من الهوال‬ ‫مالك رضي ا عنه[‪ .‬ولإنما رأح ف‬ ‫لنه أول المنازل‪ .‬وفأيه أن الكشف بحسب الطاقة‪ ،‬ورمرن سكوشف بما ل يطيقه هلك‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫تنبيه‪ :‬قال بعض الصوفأية‪) :‬والطلع على المعفذبين والمنفعمين فأي قبورهم واقع‬ ‫لكثير من الرجال‪ ،‬وهو هول عظيم‪ ،‬يموت صاحبه فأي اليوم والليلة موتات‪،‬‬ ‫ويستغيث ويسأل ا أن يحجبه عنه‪ ،‬وهذا المقام ل يحصل للعبد لإل بعد غلبة‬ ‫روحانيته على جسمانيته‪ ،‬حتى يكون كالروحانيين‪ .‬فأالذين خاطبهم الشارع هنا هم‬ ‫الذين غلبت جسمانيتهم ل من غلبت روحانيتهم‪ ،‬والمصطفى صلى ا عليه وسلم‬ ‫كان يخاطب كل قوم بما يليق بهم( ]"فأيض القدير‪ ،‬شرح الجامع الصغير" للعلمة‬ ‫المناوي ج ‪ .5‬صا ‪.[342‬‬ ‫وما حكي من فأراسة المشايخ ولإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج‬ ‫عن الحصر‪ ،‬لإل أن الجاحد ل تفيده هذه الشواهد والخبار مما ذكرناه من النقول‬ ‫الصحيحة عن الصحابة والتابعين ورمرن بعدهم ؛ مادام ل يؤمن لإل بالمادة ول‬ ‫يصصدق ما وراءها‪.‬‬ ‫قال تاج الدين السبكي رحمه ا تعالى‪) :‬اعلم أن المرء لإذا صفا قلبه صار ينظر‬ ‫ف لإل عرفأه‪ .‬ثم تختلف المقامات‪ ،‬فأمنهم‬ ‫بنور ا‪ ،‬فأل يقع بصره على كدظر أو صا ظ‬ ‫من يعرف أن هناك كدراا ول يدري ما أصله‪ ،‬ومنهم من يكون أعلى من هذا المقام‬ ‫فأيدري أصله‪ ،‬كما اتفق لعثمان رضي ا عنه‪ ،‬فأإ لفن تأيمل الرجل للمرأة أورثه كدراا‬ ‫فأأبصره عثمان‪ ،‬وفأهم سببه‪.‬‬ ‫وهنا دقيقة‪ :‬وهي أن كل معصية لها كدر‪ ،‬وستولرث نكتة سوداء فأي القلب فأيكون‬ ‫ررريناا‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬كل برل رارن على قسسلوبللهرم ما كانوا ياركلسسبورن{ ]المطففين‪:‬‬ ‫‪ .[14‬لإلى أن يستحكم والعياذ بال‪ ،‬فأيظلم القلب وتغلق أبواب النور فأيس ر‬ ‫طربع عليه‪،‬‬ ‫فأل يبقى سبيل لإلى التوبة‪ .‬كما قال تعالى‪} :‬روطسبلرع على قلوبللهرم فأرهسرم ل يفقرسهورن{‬ ‫]التوبة‪[87 :‬هلل‪.‬‬ ‫لإذا عرفأ ر‬ ‫ت هذا ؛ فأالصغيرة من المعاصي تورث كدراا صغيراا بقدرها قريب المحو‬ ‫بالستغفالر وغيره من المكفرات‪ .‬ول يدركه لإل ذو بصر حايد كعثمان رضي ا‬ ‫عنه‪ ،‬حيث أدرك هذا الكدر اليسير‪ ،‬فأإ لفن تأيمل المرأة والنظر لإليها أدركه عثمان‬ ‫وعرف أصله ]قال العلمة اللوسي فأي كتابه "روح المعاني" عند قوله تعالى‪:‬‬ ‫ضوا لمرن أبضالرلهم{ ]النور‪) :[30 :‬ثم لإن غض البصر عما يحرم‬ ‫}قل للسمؤلمنيرن يسغ ي‬ ‫النظر لإليه واجب‪ ،‬ونظرة الفجأة ـ لتررعفمد فأيها ـ معفو عنها‪ .‬فأقد أخرج أبو داود‪،‬‬ ‫والترمذي وغيرهما عن بريدة رضي ا عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬ ‫‪136‬‬

‫وسلم‪" :‬ل تسرتلبع النظرة النظرة‪ ،‬فألإن لك الولى وليست لك الخرة" تفسير روح‬ ‫المعاني للعلمة اللوسي ج ‪ .18‬صا ‪ .125‬وعن أبي موسى عن النبي صلى ا‬ ‫عليه وسلم قال‪" :‬كل عين زانية"‪ .‬رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات‪ .‬وعن‬ ‫علقمة عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬زنا العينين النظر"‪ .‬رواه الطبراني‪.‬‬ ‫الحديثان فأي مجمع الزوائد‪ .‬ج ‪ .6‬صا ‪ .256‬وعن عبد ا بن مسعود رضي ا‬ ‫عنه قال‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬يعني عن ربه عز وجل‪" :‬النظرة‬ ‫سهم مسموم من سهام لإبليس‪ ،‬رمرن تركها لمرن مخافأتي أبدلته لإيمانا ا يجد حلوته فأي‬ ‫قلبه"‪ .‬رواه الطبراني والحاكم من حديث حذيفة وقال‪ :‬صحيح اللسناد‪ .‬وعن أبي‬ ‫ضن أبصاركم‬ ‫أمامة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬رلتغ ي‬ ‫ورلتحف س‬ ‫ظن فأروجكم‪ ،‬أو ليكسرفن ا وجوهكم"‪ .‬رواه الطبراني‪ .‬وعنه أيضا ا عن‬ ‫النبي صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬ما من مسلم ينظر لإلى محاسن امرأة ثم يغض‬ ‫بصره لإل أحدث له ا عبادة يجد حلوتها فأي قلبه"‪ .‬رواه اللمام أحمد‪ .‬فأي‬ ‫الترغيب والترهيب ج ‪ .3‬صا ‪34‬ـ ‪ .[36‬وهذا مقام عاظل يخضع له كثير من‬ ‫المقامات‪.‬‬ ‫ولإذا انضم لإلى الصغيرة صغيرة أخرى ازداد الكدر‪ ،‬ولإذا تكاثرت الذنوب حتى‬ ‫وصلت ـ والعياذ بال ـ لإلى ما وصفناه من ظلم القلوب صار بحيث يشاهده كل‬ ‫ذي بصر‪ ،‬فأمن رأى متضمخاا بالمعاصي قد أظلم قلبه ؛ ولم يتفرس فأيه ذلك فأليعلم‬ ‫أنه لإنما لم يبصره لما عنده من العمى المانع للبصار‪ ،‬وإل فألو كان بصيراا لبصر‬ ‫هذا الظلم الداجي‪ ،‬فأبقدر بصره يبصر‪ ،‬فأافأهم ما نتحفك به( ]"حجة ا على‬ ‫العالمين" للنبهاني البيروتي صا ‪.[862‬‬ ‫فأالفراسة أمر جائز الوقوع‪ ،‬وهي منحة لإلهية يكرم ا بها عباده الصالحين الذين‬ ‫تمسكوا بدينهم‪ ،‬وحفظوا جوارحهم‪ ،‬وصقلوا قلوبهم‪ ،‬وهذبوا نفوسهم‪.‬‬ ‫قال المناوي فأي شرح الجامع الصغير عند قوله عليه الصلة والسلم‪" :‬إلفن لكل‬ ‫قوم فأراسة‪ ،‬ولإنما يعرفأها الشراف"‪) :‬قاعدة الفراسة وأيسها‪ :‬الغض عن المحارم‪،‬‬ ‫قال الكرماني‪ :‬من عرمر ظاهره باتباع السنة‪ ،‬وباطنه بدوم المراقبة‪ ،‬وك ف‬ ‫ف نفسه‬ ‫عن الشهوات‪ ،‬وغض بصره عن المخالفات‪ ،‬واعتاد أكل الحلل لم تخطىء‬ ‫فأراسته ابداا‪ .‬اهـ فأمن سوصفأق لذلك أبصر الحقائق عيانا ا بقلبه( ]"فأيض القدير شرح‬ ‫الجامع الصغير" للمناوي ج ‪ .2‬صا ‪.[515‬‬ ‫وعلى كظل فأالقلوب تختلف باختلف صقلها وتنظيفها من أدران الذنوب المظلمة‪،‬‬ ‫‪137‬‬

‫فأهي كالزجاج كلما صقل ازداد ثمنه‪ ،‬وكشف الجراثيم التي ل ترى‪ .‬فأأين زجاج‬ ‫النافأذة من زجاج المجهر الذي يكشف الجراثيم الدقيقة ؟ وكما ل يقاس زجاج‬ ‫النافأذة بزجاج المجهر‪ ،‬كذلك ل تقاس القلوب الصافأية المصقولة بالقلوب المكدرة‬ ‫المظلمة‪ ،‬ول تقاس الملئكة بالشياطين‪.‬‬ ‫فأمن جفد وجد‪ ،‬ومن سار على الطريق وصل‪ ،‬ومن أتقن المقدمة وصل لإلى‬ ‫النتيجة‪ ،‬والبدايات تدل على النهايات‪.‬‬ ‫الللهام‬ ‫قال الشريف الجرجاني رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬اللهام‪ :‬ما سيلرقى فأي اليروع‬ ‫بطريق الفيض‪ .‬وقيل‪ :‬اللهام ما وقع فأي القلب من علم‪ .‬وهو يدعو إلى العمل من‬ ‫غير استدلل بآية‪ ،‬ول نظر فأي حجة( ]"تعريفات الشريف" الجرجاني صا ‪.[23‬‬ ‫والللهام لإما أن يكون من قلبرلل ا تعالى‪ ،‬أو من قبل ملئكته‪ ،‬يسرفرهم منه أمر أو نهي‬ ‫أو ترغيب أو ترهيب‪..‬‬ ‫أما الذي من لقبل ا تعالى‪:‬‬ ‫فأحكى لنا حضرةس ا تعالى فأي كتابه عن مريم رضي ا عنها حينما أو ر‬ ‫ت لإلى‬ ‫شجرة النخل فأي أيام الشتاء‪ ،‬فأخاطبها بلإلهام ووحي من دون واسطة وقال لها‪:‬‬ ‫ك بجرذع الفنخلة ستساقل ر‬ ‫ك سر ر‬ ‫طبا ا رجنيا ا ‪ .‬فأسكللي واشرربي وقصري عيناا{‬ ‫ط علي ل‬ ‫}وهسصزي إلي ل‬ ‫ل‬ ‫]مريم‪[25 :‬هلل‪.‬‬ ‫قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى عند تفسير هذه الية‪) :‬إلفن ذلك كان‬ ‫على سبيل النفث فأي الروع والللهام والللقاء فأي القلب‪ ،‬كما كان فأي حق سأم موسى‬ ‫عليه السلم فأي قوله‪} :‬وأوحيرنا إلى أسصم موسى{ ]القصص‪[7 :‬هلل ]"التفسير الكبير"‬ ‫لللمام فخر الدين الرازي ج ‪ .2‬ص ‪[669‬هلل‪.‬‬ ‫وكذلك أخبرنا عن سأم موسى عليه السلم‪ ،‬حينما ضاق بها الحال من أمر ابنها عليه‬ ‫السلم‪ ،‬وداهمها جنود فأرعون لقتله‪ ،‬فأألهمها‪ ،‬وأوحى لإليها بل واسطة‪ ،‬فأقال‬ ‫ت عليه فأأرللقيله فأي اليفلم ول‬ ‫ضعيله فأإذا لخف ل‬ ‫تعالى‪} :‬وأوحيرنا إلى أسصم موسى أرن أر ل‬ ‫تخافأي ول تحرزني إفنا رايدوه إليلك وجالعسلوه لمرن المرسليرن{ ]القصص‪] [7 :‬قال‬ ‫العلمة اللوسي فأي تفسيره عند هذه الية ج ‪ .16‬صا ‪) :170‬والمراد بالليحاء‬ ‫ك إلى النفرحلل{‬ ‫عند الجمهور ما كان بلإلهام‪ ،‬كما فأي قوله تعالى‪} :‬وأورحى ريب ر‬ ‫‪138‬‬

‫]النحل‪ ..[68 :‬لإلى أن قال‪ :‬ولإلهام النفس القدسية مثل ذلك ل سبعد فأيه‪ ،‬فألإنه نوع‬ ‫من الكشف([‪.‬‬ ‫ألق ر‬ ‫ت ابنها وفألذة كبدها بين أمواج البحر الخضم‪ .‬لإلى أين يذهب هذا الولد الكريم‬ ‫بين هياج موج البحر يا ترى ؟! لإنه الهلك بعينه‪ ،‬لكنها كانت على يقين من‬ ‫أمرها‪ ،‬للرما اعتادت من سماع الوحي الذي يأتيها من ربها بل واسطة‪ ،‬فأي خلوتها‬ ‫وجلوتها‪.‬‬ ‫هذه امرأة مؤمنة‪ ،‬وولية وليست نبية ]اتفق الكثرون على أن أم موسى لم تكن نبية‬ ‫ك إل رجالا نوحي إليلهم{‬ ‫لن النبوة منحصرة فأي الرجال‪} .‬وما أررسرلنا قبلر ر‬ ‫]يوسف‪ .[109 :‬والوحي جاء فأي القرآن ل بمعنى النبوة‪ ،‬بل بالللهام كما قال‬ ‫تعالى‪} :‬وإذ أوحي س‬ ‫ك ما‬ ‫ت إلى الحوارييرن{ ]المائدة‪ } .[111 :‬وإذ أوحينا إلى أصم ر‬ ‫سيورحى { ]طه‪ ،[[38 :‬وتلك مريم رضي ا عنها فأي سأمة لإسرائيلية‪ ،‬فأما بالك‬ ‫بالمة المحمدية التي شهد ا لها بالخيرية على سائر المم ؟! قال تعالى‪} :‬سكرنستم‬ ‫رخيرر أسفمظة سأخلررج ر‬ ‫ف وترنرهورن عن السمرنركلر{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫س تأسمرورن بالمعرو ل‬ ‫ت للنا ل‬ ‫‪.[110‬‬ ‫وأأما الللهام من قبل الملئكة‪:‬‬ ‫فأالرمرلك يحصدث اللنسارن‪ ،‬كما قال صلى ا عليه وسلم‪.." :‬وأما لرفمةس الملك فألإيعافد‬ ‫بالخير وتصدي ف‬ ‫ق بالحق‪ ،‬فأمن وجد ذلك فأليعلم أنه من ا فأليحمد ا" ]رواه‬ ‫الترمذي فأي كتاب التفسير‪ ،‬تفسير سورة البقرة عن ابن مسعود رضي ا عنه‬ ‫وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬واللمة‪ :‬الهمة والخطرة تقع فأي القلب‪ .‬كما فأي غريب‬ ‫الحديث[‪.‬‬ ‫ت الملئلركةس‬ ‫قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى عند قوله تعالى‪} :‬وإرذ قال ر‬ ‫طهفررلك واص ر‬ ‫يا مريرسم إفن ار اصطفالك و ر‬ ‫طفالك على نسالء العارلميرن{ ]آل عمران‪:‬‬ ‫‪) :[42‬اعلم أن مريم عليها السلم ما كانت من النبياء لقوله تعالى‪} :‬وما أررسرلنا‬ ‫ك إل لرجالا نولحي إليلهم لمرن أرهلل القرى{ ]يوسف‪ .[109 :‬ولإذا كان كذلك ؛‬ ‫لمرن قرربلل ر‬ ‫كان لإرسال جبريل عليه السلم كرامة لها‪ ،‬وكلمها شفاهاا‪ ،‬وليس هذا خاصا ا بها‪،‬‬ ‫بل هناك كثير من الصالحين كلمتهم الملئكة عليهم السلم( ]"التفسير الكبير"‬ ‫لمام فأخر الدين الرازي ج ‪ .2‬صا ‪ .[669‬فأقد روي أن رسول ا صلى ا عليه‬ ‫ل ل‬ ‫وسلم قال‪" :‬لإن رجلا زار أخاا له فأي قرية أخرى‪ ،‬فأأرصد ا على رمردرجلته رمرلكاا‪،‬‬ ‫فألما أتى عليه قال‪ :‬أين تريد ؟ قال‪ :‬سأريد أخا ا لي فأي هذه القرية‪ .‬قال‪ :‬هل لك عليه‬ ‫‪139‬‬

‫من نعمة تسريبها ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬غير أني أحببته فأي ا عز وجل‪ ،‬قال‪ :‬فألإني رسول ا‬ ‫لإليك بأن ا قد أحبك كما أحببته فأيه" ]رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر‬ ‫والصلة باب فأضل الحب فأي ا عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫أرصد ا على مدرجته ملكاا‪ :‬أي وفكله بحفظ المردررجة‪ ،‬وهي الطريق وجعله‬ ‫صداا‪ :‬أي حافأظا ا سمرعداا‪ .‬ترسريبها‪ :‬أي تحفظها وتربيها كما يربي الرجسل ولرده‪.‬‬ ‫ر ر‬ ‫قال العلمة محمد بن ع ر‬ ‫لن الصديقي الشافأعي رحمه ا تعالى شارح رياض‬ ‫الصالحين عند قوله‪" :‬فأأرصد ا تعالى على مدرجته رمرلكاا‪ ،‬فألما أتى عليه قال‪ :‬أين‬ ‫ك خاطبه وشافأهه( ]دليل الفالحين لطرق رياض‬ ‫تريد ؟"‪) :‬ظاهره أن الرمل ر‬ ‫الصالحين ج ‪ .3‬ص ‪[232‬هلل‪.‬‬ ‫وقال ا تعالى‪} :‬إفن الذين قالوا ريبنا اس ثسفم استقاموا ترترنرفزسل عليلهرم الملئلركةس أرن ل‬ ‫تخافأوا ول تحرزسنوا وأربلشروا بالرجنفلة التي كنتم تورعسدورن ‪ .‬نحسن أولياؤسكم فأي الحياة‬ ‫الدنيا وفأي اللخرة{ ]فأصلت‪30 :‬ـ ‪.[31‬‬ ‫قال العلمة اللوسي رحمه ا تعالى مفسراا تنزل الملئكة فأي هذه الية‪) :‬تتنزل‬ ‫عند الموت والقبر والبعث‪ .‬وقيل‪ :‬تتنزل عليهم‪ :‬يمدونهم فأيما يرلعين ويطرأ لهم من‬ ‫المور الدينية والدنيوية‪ ،‬بما يشرح صدورهم‪ ،‬ويدفأع عنهم الخوف والحزن‪،‬‬ ‫بطريق الللهام‪.‬‬ ‫وهذا هو الظهر ؛ لما فأيه من اللطلق والعموم الشاملل لتنزلهم فأي المواطن‬ ‫الثلثة وغيرها‪ ،‬وأن جمعاا من الناس يقولون بتنزل الملئكة على المتقين فأي كثير‬ ‫من الحايين‪ ،‬ولإنهم يأخذون منهم ما يأخذون‪ ،‬فأتذكر‪.‬‬ ‫ثم قال فأي قوله تعالى‪} :‬وأبلشروا بالرجفنة التي كرنستم تورعدورن{ ]فأصلت‪ .[31 :‬أي‬ ‫التي كنتم توعدونها فأي الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلم‪ ،‬هذا من بشاراتهم فأي‬ ‫أحد المواطن الثلثة‪.‬‬ ‫وقال فأي قوله تعالى‪} :‬نحسن أولياؤسكرم فأي الحياة الدنيا{ ]فأصلت‪ :[31 :‬من‬ ‫بشاراتهم فأي الدنيا‪ ،‬أي أعوانكم فأي أموركم‪ ،‬نلهمكم الحق ونرشدكم لإلى ما فأيه‬ ‫خيركم وصلحكم‪ .‬لإلى أن قال‪ :‬لإن الملئكة تقول لبعض المتقين شفاها ا فأي غير‬ ‫تلك المواطن‪ :‬نحن أولياؤكم فأي الحياة الدنيا( ]روح المعاني فأي تفسير القرآن‬ ‫‪140‬‬

‫العظيم والسبع المثاني للعلمة محمود اللوسي البغدادي رحمه ا تعالى المتوفأى‬ ‫سنة ‪1270‬هـ‪ .‬ج ‪ 24‬صا ‪.[107‬‬ ‫وقال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى فأي تفسير هذه اليات‪) :‬ثم لإنه‬ ‫تعالى أخبر عن الملئكة أنهم قالوا للمؤمنين }نحسن أولياؤسكرم فأي الحياة الدنيا وفأي‬ ‫اللخررلة{]فأصلت‪ : [31 :‬ومعنى كونهم أولياء للمؤمنين أن للملئكة تأثيرات فأي‬ ‫الرواح البشرية بالللهامات والمكاشفات اليقينية والمقامات الحقيقية‪ ،‬كما أن‬ ‫للشياطين تأثيرات فأي الرواح بلإلقاء الوساوس فأيها وتخييل الباطيل لإليها‪.‬‬ ‫وبالجملة فأكون الملئكة أولياء للرواح الطيبة الطاهرة حاصل من جهات كثيرة‬ ‫معلومة لرباب المكاشفات والمشاهدات‪ ،‬فأهم يقولون‪ :‬كما أن تلك الولية كانت‬ ‫حاصلة فأي الدنيا‪ ،‬فأهي تكون باقية فأي الخرة‪ ،‬فألإن تلك العلئق ذاتية لزمة غير‬ ‫قابلة للزوال‪ ،‬بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى‪ ،‬وذلك لن جوهر النفس من‬ ‫جنس الملئكة‪ ،‬وهي كالشعلة بالنسبة لإلى الشمس‪ ،‬والقطرة بالنسبة لإلى البحر‪.‬‬ ‫والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملئكة‪ ،‬كما قال صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪" :‬لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا لإلى ملكوت‬ ‫السماوات"‪ .‬فألإذا زالت العلئق الجسمانية والتدبيرات البدنية‪ ،‬فأقد زال الغطاء‬ ‫والوطاء‪ ،‬فأيتصل الثر بالمؤثر‪ ،‬والقطرة بالبحر والشعلة بالشمس‪ ،‬فأهذا هو المراد‬ ‫من قوله‪} :‬نحن أولياؤكم فأي الحياة الدنيا وفأي الخرة{ ]فأصلت‪] [31 :‬تفسير‬ ‫اللمام الرازي ج ‪ .7‬صا ‪.[371‬‬ ‫وقد كان عمران بن الحصين رضي ا عنه يسمع تسبيح الملئكة حتى اكتوى‪،‬‬ ‫فأانحبس ذلك عنه‪ ،‬ثم أعاده ا لإليه‪ .‬وروى ابن الثير رحمه ا تعالى فأي أسد‬ ‫الغابة بسنده لإليه‪ ،‬أن رسول ا صلى ا عليه وسلم نهى عن الركري‪ ،‬قال عمران‪:‬‬ ‫فأاكتوينا‪ ،‬فأما أفألحنا ول نجحنا‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وكانت الملئكة فأي مرضه تسلم عليه‪ ،‬فأاكتوى فأفقد التسليم ثم عادت لإليه ]وقد‬ ‫ألف العلمة الكبير جلل الدين السيوطي رسالة سماها "تنوير الحلك فأي لإمكان‬ ‫رؤية النبي والملك" ننقل منها ما يهمنا فأي موضوعنا الذي نتكلم فأيه‪.‬‬ ‫قال جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى‪) :‬أخرج مسلم فأي صحيحه عن مطرف‬ ‫قال‪ :‬قال لي عمران بن حصين رضي ا عنه‪ :‬قد كان يسلم علي حتى اكتويت‬ ‫فأترك ثم تركت الكي فأعاد‪ .‬وأخرج مسلم من وجه آخر عن مطرف قال‪ :‬بعث لإلي‬ ‫‪141‬‬

‫عمران بن حصين فأي مرضه الذي توفأي فأيه فأقال‪ :‬لإني محدثك فألإن عش س‬ ‫ت فأاكترم‬ ‫ت فأحصد ر‬ ‫عني‪ ،‬ولإن م ي‬ ‫ث بها لإن شئ ر‬ ‫ت‪ :‬لإنه قد سسصلم علري‪.‬‬ ‫قال النووي فأي شرح مسلم‪ :‬معنى الحديث الول أن عمران بن حصين كانت به‬ ‫بواسير‪ ،‬فأكان يصبر على ألمها‪ ،‬وكانت الملئكة تسلم عليه‪ ،‬واكتوى‪ ،‬وانقطع‬ ‫سلمهم عليه‪ ،‬ثم ترك الكي فأعاد سلمهم عليه‪ .‬قال‪ :‬وقوله فأي الحديث الثاني‪ :‬فألإن‬ ‫عش س‬ ‫ت فأاكترم عني‪ ،‬أراد به اللخبار بالسلم عليه‪ ،‬لنه كره أن سيشاع عنه ذلك فأي‬ ‫حياته لما فأيه من التعرض للفتنة بخلف ما بعد الموت‪.‬‬ ‫وقال القرطبي فأي شرح مسلم‪ :‬يعني أن الملئكة كانت تسلم عليه لإكراما ا له‬ ‫واحتراماا‪ ،‬لإلى أن اكتوى فأتركت السلم عليه‪ ،‬فأفيه لإثبات كرامات الولياء‪..‬‬ ‫وقال القاضي أبو بكر بن العربي أحد الئمة المالكية‪ ،‬شارح صحيح الترمذي‪ ،‬فأي‬ ‫لنسان طهارة النفس فأي‬ ‫كتاب قانون التأويل‪ :‬ذهبت الصوفأية لإلى أنه لإذا حصل ل ل‬ ‫تزكية القلب‪ ،‬وقطع العلئق‪ ،‬وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة‬ ‫بالجنس‪ ،‬واللقبال على ا تعالى بالكلية‪ ،‬علما ا دائما ا وعملا مستمراا‪ ،‬كشفت له‬ ‫القلوب‪ ،‬ورأى الملئكة وسمع أقوالهم‪ ،‬واطلع على أرواح النبياء‪ ،‬وسمع كلمهم‪،‬‬ ‫ثم قال ابن العربي من عنده‪ :‬ورؤية النبياء والملئكة وسماع كلمهم ممكن‬ ‫كرامة‪ ،‬وللكافأر عقوبة(‪ .‬الحاوي للفتاوي ج ‪ 2‬صا ‪ 258 ،257‬للعلمة جلل الدين‬ ‫السيوطي المتوفأى سنة ‪911‬هـ[‪.‬‬ ‫ولقد سمى الصوفأية العلم الناتج من الللهام علما ا لدنيا ا حاصلا بمحض فأضل ا‬ ‫وكرمه بغير واسطلة عبارظة‪.‬‬ ‫قال بعضهم‪:‬‬ ‫ت‬ ‫تعلررمرنا بل حر ظ‬ ‫ف وصرو ل‬

‫ت‬ ‫قررأناه بل سرهظو وفأرو ل‬

‫يعني بطريق الفيض الللهي‪ ،‬والللهام الرباني‪ ،‬ل بطريق التعليم اللفظي‪،‬‬ ‫والتدريس القولي‪.‬‬ ‫وقد سئل اللمام الغزالي عن الللهام فأقال‪) :‬الللهام ضوء من سراج الغيب‪ ،‬يسقط‬ ‫غ( كل هذا يدل على لإمكان الكشف وصحة الللهام ؛ لإذا‬ ‫ف لطي ظ‬ ‫ب صا ظ‬ ‫على قل ظ‬ ‫ف فأار ظ‬ ‫كان القلب صافأيا ا فأارغا ا من علئق الدنيا وهمومها‪ ،‬ولمرن صدأ الذنوب وظلماتها‪.‬‬ ‫‪142‬‬

‫فأالشياطين الظلمانية ل تقع لإل على القلوب العفنة‪ ،‬كما يقع الذباب على الواني‬ ‫ب القلوب عن مطالعة ما سحجب عنها‪ ،‬يقول صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫الوسخة‪ ،‬فأستحج س‬ ‫"لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا لإلى ملكوت السماء" ]رواه‬ ‫اللمام أحمد عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ .‬وستصرر س‬ ‫ف وسوسستها عن تلك القلوب‬ ‫بذكر ا تعالى ومراقبته‪" :‬لإن الشيطان واضع رخطمه على قلب ابن آدم‪ ،‬فأإ لرن رذركرر‬ ‫س ولإن نسي ارلتقم قلبه" ]رواه ابن أبي الدنيا‪ ،‬وأبو يعلى والبيهقي عن أنس‪،‬‬ ‫ا خن ر‬ ‫كما فأي الترغيب والترهيب‪ .‬خطمه‪ :‬فأمه‪ .‬ج ‪ .2‬صا ‪ .[400‬لن القلب لإذا اعتاد‬ ‫ض‪ .‬وأما لإذا اعتاد الذكر‪ ،‬وسسقري بأنواره‪،‬‬ ‫الوسوسة‪ ،‬والغفلة عن ذكر ا تعالى رملر ر‬ ‫وسطعت عليه شمس تجليات ا تعالى حيلري وكان فأي عداد الحياء‪ ،‬يقول عليه‬ ‫الصلة والسلم‪" :‬مثل الذي يذكر ربه‪ ،‬والذي ل يذكر رفبه مثل الحي والميت"‬ ‫]رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب الدعوات عن أبي موسى الشعري رضي‬ ‫ا عنه[‪.‬‬ ‫فألإذا واظب المؤمن على ذكر ا تعالى‪ ،‬وكان مستقيما ا على شرعه متحليا ا بالتقوى‪،‬‬ ‫مستأنسا ا بربه صار حياا بال‪ .‬ويقول القوم‪ :‬القلوب نوعان‪ :‬قلب ل يولد ولم يألن له‬ ‫أن يولد‪ ،‬بل يظل جنينا ا فأي بطن الشهوات والغي والضلل‪ .‬وقلب سولد‪ ،‬وخرج لإلى‬ ‫فأضاء التوحيد‪ ،‬وحفلق فأي سماء المعرفأة‪ ،‬وخلص من ظلمات النفس وشهواتها‬ ‫واتباع هواها‪ ،‬فأقفرت عيسنه بال تعالى وأنارت جوانبرهس أشعةس اليقين‪ ،‬وجعلته مرآةا‬ ‫شفافأة‪ ،‬ل سبيل للشيطان لإليه‪ ،‬ول سلطان له عليه‪ .‬وليس هذا ببعيد‪ ،‬فأالطاقة‬ ‫الروحية قد انطلقت لإلى عالم الغيب‪ ،‬وصار صاحبها رحيفا ا بعد أن كان ميتاا‪ ،‬ومنوراا‬ ‫بعد أن كان مظلماا‪ ،‬وملكيا ا بعد أن كان شيطانياا‪} :‬أررو رمرن كارن رمريتا ا فأأحرييناهس وجعلنا‬ ‫س{ ]النعام‪.[122 :‬‬ ‫لهس نوراا يمشي بله فأي النا ل‬ ‫ول شك أن تلك السرار الروحية‪ ،‬ل ستدرك بمجرد الكلم‪ ،‬فأمن ل نصيب له فأي‬ ‫شيء منها ل يضره أن يكلها لإلى أربابها‪ ،‬وأن يعطي القوس باريها‪:‬‬ ‫فأللكثافألة أقوافم لها سخلقوا‬

‫وللمحبلة أكبافد وأجفان‬

‫وأدنى النصيب من هذا العلم التصديق به وتسليمه لهله‪ ،‬وأقل عقوبة رمرن ينكره أن‬ ‫ل سيرزق منه شيئاا‪ .‬وهو علم الصديقين والمقربين ]وفأي اللحياء للغزالي بحث‬ ‫مستفيض فأي الموضوع فألسيرجع لإليه[‪.‬‬ ‫كرامات الوألياء‬ ‫‪143‬‬

‫إثبات الكرامات ـ الحكمة من الكرامات ـ‬ ‫الفرق بين الكرامة والستدراج ـ موقف الصحابة من الكرامات‬ ‫كثر تساؤل الناس فأي هذا الزمان عن الكرامات ؛ هل هي ثابتة فأي الشرع ؟ هل‬ ‫لها دليل من الكتاب والسنة ؟ ما هي الحكمة من لإجرائها على يد الولياء‬ ‫والمتقين ؟ ‪ ..‬لإلخ‪ .‬وبما أن موجات الللحاد والمادية‪ ،‬وتيارات التشكيك والتضليل‬ ‫قد كثرت فأي هذا الوقت‪ ،‬فأأثرت فأي عقول كثير من أبنائنا‪ ،‬وأضفلت العديد من‬ ‫مثقفينا‪ ،‬وحملتهم على الوقوف من الكرامات موقف المنكر الجاحد‪ ،‬أو الشا ص‬ ‫ك‬ ‫المترصدد‪ ،‬أو المستغرب المتعجب نتيجة لضعف لإيمانهم بال وقدرته وقلة تصديقهم‬ ‫بأوليائه وأحبابه‪.‬‬ ‫فأل يسعنا لإل أن نعالج هذا الموضوع لإظهاراا للحق‪ ،‬ونصرة لشريعة ا تعالى‪.‬‬ ‫لإثبات الكرامات‪:‬‬ ‫لقد ثبتت كرامات الولياء فأي كتاب ا تعالى وفأي سنة رسوله صلى ا عليه‬ ‫وسلم وفأي آثار الصحابة رضوان ا عليهم‪ ،‬ورمرن بعدهم لإلى يومنا هذا‪ ،‬وأقرها‬ ‫جمهور العلمالء من أهل السنة والجماعة‪ ،‬من الفقهاء والمحصدثين والصوليين‬ ‫ومشايخ الصوفأية‪ ،‬وتصانيسفهم ناطقة بذلك‪ ،‬كما ثبتت كذلك بالمشاهدة العيانية فأي‬ ‫مختلف العصور اللسلمية‪ .‬فأهي ثابتة بالتواتر فأي المعنى‪ ،‬ولإن كانت التفاصيل‬ ‫آحاداا ؛ ولم ينكرها لإل أهل البدع والنحراف ممن ضعف لإيمانهم بال تعالى‬ ‫وبصفاته وأفأعاله ]قال العلمة اليافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬والناس فأي لإنكار‬ ‫الكرامات مختلفون‪ ،‬فأمنهم من ينكر كرامات الولياء مطلقاا‪ ،‬وهؤلء أهل مذهب‬ ‫معروف‪ ،‬عن التوفأيق مصروف‪ .‬ومنهم من يكذب بكرامات أولياء زمانه ويصدق‬ ‫بكرامات الولياء الذين ليسوا فأي زمانه كمعروف الكرخي واللمام الجنيد وسهل‬ ‫التستري وأشباههم رضي ا عنهم‪ ،‬فأهؤلء كما قال أبو الحسن الشاذلي رضي ا‬ ‫عنه‪ :‬وا ما هي لإل لإسرائيلية‪ ،‬صدقوا بموسى وكذبوا بمحمد صلى ا عليه وسلم‬ ‫لنهم أدركوا زمنه‪ .‬ومنهم من يصدق بأن ل تعالى أولياء لهم كرامات ولكن ل‬ ‫لمام اليافأعي صا ‪.[18‬‬ ‫يصدق بأحد معيفظن من أهل زمانه(‪ .‬روض الرياحين‪ ،‬ل ل‬ ‫الدليل عليها من كتاب ا تعالى‪:‬‬ ‫‪1‬ـ قصة أصحاب الكهف وبقائهم فأي النوم أحياء سالمين عن الفأات مدة ثلثمائة‬ ‫طلررع ر‬ ‫س إذا ر‬ ‫ت‬ ‫وتسع سنين‪ ،‬وأنه تعالى كان يحفظهم من حر الشمس‪} :‬ورترى الشم ر‬ ‫ت اليميلن وإذا رغرربر ر‬ ‫ضسهم ذا ر‬ ‫رتزاروسر عرن كهفللهم ذا ر‬ ‫ت الشمالل{ ]الكهف‪.[17 :‬‬ ‫ت تقلر س‬ ‫‪144‬‬

‫لإلى أن قال‪} :‬وتحرسبسسهم أيقاظا ر وهسرم سرقوفد وسنقلصبسسهم ذات اليمين وذات الشمال وكرلبسسهم‬ ‫بالسطف ذراعيله بالوصيلد{ ]الكهف‪ .[18 :‬لإلى أن قال‪} :‬ولرلبثوا فأي ركرهفللهم ثلثمئظة‬ ‫سنين وازدادوا تسعاا{ ]الكهف‪] [25 :‬قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا‬ ‫تعالى فأي تفسيره الكبير عند قصة أصحاب الكهف‪) :‬احتج أصحابنا الصوفأية بهذه‬ ‫الية على صحة القول بالكرامات وهو استدلل ظاهر‪ ،‬فأنقول‪ :‬الذي يدل على‬ ‫جواز كرامات الولياء القرآن والخبار والثار والمعقول‪ (..‬انظره مفصلا فأي‬ ‫التفسير الكبير للعلمة فأخر الدين الرازي ج ‪ 5‬صا ‪.[682‬‬ ‫‪2‬ـ هيز مريم جذرع النخلة اليابس‪ ،‬فأاخضفر وتساقط منه الير ر‬ ‫ب الجني فأي غير‬ ‫ط س‬ ‫ك بجرذع النفرخلرلة ستساقل ر‬ ‫ك سر ر‬ ‫طبا ا جنيراا{ ]مريم‪:‬‬ ‫ط علي ل‬ ‫أوانه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬وهسصزي إلي ل‬ ‫ل‬ ‫‪.[25‬‬ ‫‪3‬ـ ما قص ا علينا فأي القرآن‪ ،‬من أن زكريا عليه السلم كان كلما دخل على‬ ‫مريم المحراب‪ ،‬وجد عندها رزقاا‪ ،‬وكان ل يدخل عليها أحد غيره عليه السلم‬ ‫فأيقول‪ :‬يا مريم أفنى لك هذا ؟ تقول‪ :‬هو من عند ا‪ .‬قال ا تعالى‪} :‬كفلما درخرل‬ ‫ك هذا قالر ر‬ ‫ت هرو لمرن عنلد‬ ‫عليها زكريا المحرا ر‬ ‫ب رورجرد عنردها لررزقا ا قال يا مريسم أفنى ل ل‬ ‫ا{ ]آل عمران‪.[37 :‬‬ ‫ل‬ ‫‪4‬ـ قصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلم على ما قاله جمهور المفسرين‬ ‫ك‬ ‫ك بله قربرل أرن يرترفد إلي ر‬ ‫ب أنا آتي ر‬ ‫فأي قوله تعالى‪} :‬قارل الذي لعرنردهس لعرلفم لمرن اللكتا ل‬ ‫ك{ ]النمل‪ .[40 :‬فأجاء بعرش بلقيس من اليمن لإلى فألسطين قبل ارتداد‬ ‫طرفأس ر‬ ‫الطرف‪.‬‬ ‫الدليل عليها من السنة الصحيحة‪:‬‬ ‫ج العابد الذي كلمه الطفل فأي المهد‪ .‬وهو حديث صحيح أخرجاه فأي‬ ‫‪1‬ـ قصة سجررري ظ‬ ‫الصحيحين ]عن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫"لم يتكلم فأي المهد لإل ثلثة‪ :‬عيسى‪ ،‬وكان فأي بني لإسرائيل رجل يقال له سجررريج‪،‬‬ ‫كان يصلي فأجاءته أمه‪ ،‬فأدعرته‪ ،‬فأقال‪ :‬سأجيسبها أرو أصلي ؟ فأقالت‪ :‬اللهم ل تمرته حتى‬ ‫تريه وجوه المومسات‪ .‬وكان جريج فأي صومعته فأتعررضت له امرأة وكلمته ؛‬ ‫فأأبى‪ .‬فأأتت راعياا‪ ،‬فأأمكنته من نفسها‪ ،‬فأولدت غلماا‪ ،‬فأقالت‪ :‬من جريج‪ .‬فأأتوه‬ ‫فأكسروا صومعته‪ ،‬وأنزلوه وسربوه‪ ،‬فأتوضأ وصرلى‪ ،‬ثم أتى الغلم ؛ فأقال‪ :‬رمن أبوك‬ ‫يا غلم ؟ فأقال‪ :‬الراعي‪ .‬قالوا‪ :‬نبني صومعتك من ذهب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬لإل من‬ ‫طين‪.["..‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪2‬ـ قصة الغلم الذي تكلم في المهد ]وهذا تمام الحديث المذكور آنفاا‪ .." :‬وكانت‬ ‫امرأة ترضع ابنا ا لها من بني لإسرائيل‪ ،‬فأمر بها رجل راكب ذو شارة‪ ،‬فأقالت‪ :‬اللهم‬ ‫اجعل ابني مثله‪ ،‬فأترك ثديها وأقبل على الراكب‪ ،‬فأقال‪ :‬اللهم ل تجعلني مثله‪ ،‬ثم‬ ‫أقبل على ثديها يمصه"‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬كأني أنظر لإلى النبي صلى ا عليه وسلم‬ ‫يمص لإصبعه‪" .‬ثم مفر بأرمة‪ ،‬فأقالت‪ :‬اللهم ل تجعل ابني مثل هذه‪ ،‬فأترك ثديها‪،‬‬ ‫فأقال‪ :‬اللهم اجعلني مثلها‪ .‬فأقالت‪ :‬للرم ذاك ؟ فأقال‪ :‬الراكب جبار من الجبابرة‪ ،‬وهذه‬ ‫الرمة يقولون‪ :‬سرقت‪ ،‬زنت‪ ،‬ولم تفعل"‪ .‬رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب ذكر‬ ‫بني لإسرائيل‪ ،‬واللفظ له‪ .‬ومسلم فأي كتاب بر الوالدين[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ قصة الثلثة الذين دخلوا الغار‪ ،‬وانفراج الصخرة عنهم بعد أن رسفد ر‬ ‫ت عليهم‬ ‫الباب‪ .‬وهو حديث متفق عليه ]وعن أبي عبد الرحمن عبد ا بن عمر بن الخطاب‬ ‫رضي ا عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬انطلق ثلثة‬ ‫رهط ممن كان قبلكم‪ ،‬حتى أووا المبيت لإلى غار‪ ،‬فأدخلوه‪ ،‬فأانحدرت صخرة من‬ ‫الجبل‪ ،‬فأسدت عليهم الغار‪ ،‬فأقالوا‪ :‬لإنه ل ينجيكم من هذه الصخرة لإل أن تدعوا ا‬ ‫بصالح أعمالكم‪ ،‬فأقال رجل منهم‪ :‬اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران‪ ،‬وكنت ل‬ ‫أغلبق قبلهما أهلا ول ما ا‬ ‫ل‪ ،‬فأنأى بي فأي طلب شيء يوماا‪ ،‬فألم أرح عليهما حتى‬ ‫ناما‪ ،‬فأحلرب س‬ ‫ت لهما غسبوقهما‪ ،‬فأوجدتهما نائمين‪ ،‬فأكرهت أن أوقظهما وأن أغبق‬ ‫قبلهما أهلا أو ما ا‬ ‫ل‪ ،‬فألبرث س‬ ‫ق الفجر‪،‬‬ ‫ت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى بلر ر‬ ‫فأاستيقظا‪ ،‬فأشربا غبوقهما‪ .‬اللهم لإن كن س‬ ‫ت فأعلت ذلك ابتغاء وجهك فأرفرصرج عنا ما نحن‬ ‫فأيه من هذه الصخرة‪ .‬فأانفرجت شيئاا ل يستطيعون الخروج"‪ .‬قال النبي صلى ا‬ ‫عليه وسلم‪" :‬وقال الخر‪ :‬اللهم لإنه كانت لي بن س‬ ‫ت عم‪ ،‬كانت أحب الناس لإلي‪،‬‬ ‫فأأردتها على نفسها‪ ،‬فأامتنعت مني‪ :‬حتى ألفم ر‬ ‫ت بها سنة من السنين فأجاءتني‪،‬‬ ‫فأأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها‪ ،‬فأفعل ر‬ ‫ت‪ ،‬حتى لإذا‬ ‫ض الخاتم لإل بحقه‪ ،‬فأتحفررج س‬ ‫قدر س‬ ‫ت من الوقوع‬ ‫ت عليها قالت‪ :‬ل أحل لك أن تف ف‬ ‫عليها فأانصررفأ س‬ ‫ت عنها وهي أحب الناس لإلي‪ ،‬وتركت الذهب الذي أعطيتها‪ .‬اللهم‬ ‫لإن كنت فأعلت ذلك ابتغاء وجهك فأافأررج عنا ما نحن فأيه‪ ،‬فأانفرجت الصخرة‪ ،‬غير‬ ‫أنهم ل يستطيعون الخروج منها"‪ .‬قال النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬وقال الثالث‪:‬‬ ‫ب‪،‬‬ ‫اللهم استأجرت أجراء‪ ،‬فأأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذه ر‬ ‫فأثفمر س‬ ‫ي‬ ‫ت أجرره‪ ،‬حتى كثرت منه الموال‪ ،‬فأجاءني بعد حين‪ ،‬فأقال‪ :‬يا عبد ا! أصد لإل ف‬ ‫أجري‪ ،‬فأقلت له‪ :‬كيل ما ترى من أجرك من اللبل والبقر والغنم والرقيق فأقال‪ :‬يا‬ ‫عبد ا‪ :‬ل تستهزىء بي‪ .‬فأقلت‪ :‬لإني ل أستهزىء بك‪ .‬فأأخذه كله‪ ،‬فأاستاقه‪ ،‬فألم‬ ‫ت فأعل س‬ ‫يترك منه شيئاا‪ .‬اللهم فألإن كن س‬ ‫ت ذلك ابتغاء وجهك فأافأررج عنا ما نحن فأيه‪.‬‬ ‫‪146‬‬

‫فأانفرجت الصخرة‪ ،‬فأخرجوا يمشون"‪ .‬أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫اللجارة واللفظ له‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الذكر[‪.‬‬ ‫‪4‬ـ قصة البقرة التي كلمت صاحبها‪ .‬وهو حديث صحيح مشهور ]روى سعيد بن‬ ‫المسيب عن أبي هريرة رضي ا عنه عن النبي صلى ا عليه وسلم‪" :‬بينما‬ ‫رجل راكب على بقرة قد حمل عليها‪ ،‬فأالتفتت لإليه البقرة فأقالت‪ :‬لإني لم سأخرلق لهذا‪،‬‬ ‫ولإنما خلقت للحرث‪ ،‬فأقال الناس‪ :‬سبحان ا بقرة تتكلم! فأقال النبي صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ :‬آمرن س‬ ‫ت بهذا أنا وأبو بكر وعمر"‪ .‬رواه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫المزارعة‪ ،‬ومسلم فأي كتاب فأضائل الصحابة‪ ،‬والترمذي فأي كتاب المناقب[‪.‬‬ ‫الدليل عليها من آثار الصحابة‪:‬‬ ‫وقد نسلقل عنهم من الكرامات الشيء الكثير‪.‬‬ ‫‪1‬ـ قصة أبي بكر رضي ا عنه مع أضيافأه فأي تكثير الطعام‪ ،‬حتى صار بعد‬ ‫الكل أكثرر مما كان‪ .‬وهو حديث صحيح فأي البخاري ]أخرج البخاري‪ :‬أن أبا بكر‬ ‫كان عنده أضياف‪ ،‬فأقدم لهم الطعام فألما أكلوا منه ربا من أسفله حتى لإذا شبعوا قال‬ ‫لمرأته‪) :‬ياأخت بني فأراس ما هذا ؟ قالت‪ :‬وقرة عيني لهي ]تعني القصعة[ أكثر‬ ‫منها قبل أن يأكلوا‪ ..‬لإلى آخر القصة[‪.‬‬ ‫‪2‬ـ قصة عمر رضي ا عنه‪ ،‬وهو على منبر المدينة ينادي بقائده‪ :‬يا سارية‬ ‫الجبل! وهو حديث حسن ]انظر الحديث صا ‪.[344‬‬ ‫‪3‬ـ قصة عثمان رضي ا عنه مع الرجل الذي دخل عليه‪ ،‬فأأخبره عما أحدث فأي‬ ‫طريقه من نظره لإلى المرأة الجنبية‪ .‬الحديث ]انظر الحديث صا ‪.[346‬‬ ‫‪4‬ـ سماع علي بن أبي طالب رضي ا عنه كلرم الموتى‪ .‬كما أخرجه البيهقي‬ ‫]أخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب قال‪) :‬دخلنا مقابر المدينة مع علي رضي ا‬ ‫عنه‪ ،‬فأنادى‪ :‬يا أهل القبور السلم عليكم ورحمة ا‪ ،‬تخبرونا بأخباركم أم‬ ‫نخبركم ؟ قال‪ :‬فأسمعنا صوتاا‪ :‬وعليكم السلم ورحمة ا وبركاته يا أمير المؤمنين‬ ‫خصبرنا عما كان بعدنا‪ .‬فأقال علي‪ :‬أما أزواجكم فأقد تزوجن‪ ،‬وأما أموالكم فأقد‬ ‫اقستسمت‪ ،‬والولد قد سحلشروا فأي زمرة اليتامى‪ ،‬والبناء الذي شيردتم فأقد سكنه‬ ‫أعداؤكم‪ ،‬فأهذه أخبار ما عندنا‪ ،‬فأما أخبار ما عندكم ؟ فأأجابه ميت‪ :‬قد تخفرقت‬ ‫الكفان‪ ،‬وانتثرت الشعور‪ ،‬وتقطعت الجلورد‪ ،‬وسالت الحداق على الخدود‪ ،‬وسالت‬ ‫‪147‬‬

‫المناخر بالقيح والصديد‪ ،‬وما قفدمناه وجدناه وما خفلفناه خسرناه‪ ،‬ونحن‬ ‫سمرررتهنون([‪.‬‬ ‫‪5‬ـ قصة عفباد بن بشر وأسيد بن حضير رضي ا عنهما اللذرين أضاء ر‬ ‫ت رلهرما‬ ‫عصا أحدهما عندما خرجا من عند رسول ا صلى ا عليه وسلم فأي ليلة مظلمة‪.‬‬ ‫وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ]أخرج الحاكم فأي كتاب معرفأة الصحابة‬ ‫وصححه والبيهقي وأبو نعيم وابن سعد‪ ،‬وهو فأي البخاري من غير تسمية‬ ‫الرجلين‪" :‬أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي ا عنهما كانا عند رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم فأي حاجة حتى ذهب من الليل ساعة‪ ،‬وهي ليلة شديدة الظلمة‪،‬‬ ‫خرجا وبيد كل واحد منهما عصا فأأضاءت لهما عصا أحدهما فأمشيا فأي ضوئها‪،‬‬ ‫حتى لإذا افأترقت بهما الطريق أضاءت للخر عصاه‪ ،‬فأمشى كل واحد منهما فأي‬ ‫ضوء عصاه حتى بلغ أهله"[‪.‬‬ ‫‪6‬ـ قصة خبيب رضي ا عنه فأي قطف العنب الذي سوجدفأي يده يأكله فأي غير‬ ‫أوانه‪ .‬وهو حديث صحيح ]أخرج البخاري فأي صحيحه فأي باب غزوة الرجيع عن‬ ‫أبي هريرة رضي ا عنه أن خبيبا ا كان أسيراا عند بني الحارث بمكة‪ ،‬فأي قصة‬ ‫طويلة‪ ،‬وفأيها أن بنت الحارث كانت تقول‪) :‬ما رأيت أسيراا قط خيراا من خبيب‪،‬‬ ‫لقد رأيته يأكل من قطف عنب‪ ،‬وما بمكة يومئذ ثمرة ولإنه لمورثق فأي الحديد‪ ،‬وما‬ ‫كان لإل رزق رزقه ا([‪.‬‬ ‫‪7‬ـ قصة سعد وسعيد رضي ا عنهما‪ ،‬وهي أن كلا منهما دعا على من كذب‬ ‫عليه‪ ،‬فأاستجيب له‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم ]الول منهما‪ :‬سعد بن أبي وقاصا‬ ‫رضي ا عنه‪ ،‬فأقد أخرج الشيخان والبيهقي من طريق عبد الملك بن عمير عن‬ ‫جابر رضي ا عنه قال‪ :‬شكا ناس من أهل الكوفأة سعد بن أبي وقاصا لإلى عمر‬ ‫)فأبعث معه من يسأل عنه بالكوفأة‪ ،‬فألطيف به فأي مساجد الكوفأة‪ ،‬فألم سيقل له لإل خير‬ ‫حتى انتهى لإلى مسجد‪ ،‬فأقال رجل يسردعى أبا سعدة‪ :‬أما لإذ أنشدتنا فألإن سعداا كان ل‬ ‫يقسم بالسوية ول يسير بالسرية ول يعدل فأي القضية‪ ،‬فأقال سعد‪ :‬اللهم لإن كان‬ ‫كاذبا ا فأأطرل عمره‪ ،‬وأطل فأقره وعرضه للفتن‪ ،‬قال ابن عمير‪ :‬فأرأيسته شيخا ا كبيراا‬ ‫قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وقد افأتقر يتعرض للجواري فأي الطريق‬ ‫يغمزهن‪ ،‬فألإذا قيل له‪ :‬كيف أنت ؟ يقول‪ :‬شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد(‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬سعيد بن زيد رضي ا عنه‪ .‬فأقد أخرج مسلم فأي كتاب المساقاة عن‬ ‫عروة بن الزبير رضي ا عنه‪) :‬أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد‬ ‫‪148‬‬

‫أنه أخذ شيئا ا من أرضها فأخاصمته لإلى مروان بن الحكم‪ ،‬فأقال سعيد‪ :‬أنا كنت آخذ‬ ‫من أرضها شيئا ا بعد الذي سمعسته من رسول ا صلى ا عليه وسلم ؟ قال‪ :‬وما‬ ‫سمع ر‬ ‫ت من رسول ا صلى ا عليه وسلم ؟ قال‪ :‬سمعت رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم يقول‪" :‬من أخذ شبراا من الرض ظلما ا طسصوقه لإلى سبع أرضين" فأقال له‬ ‫مروان‪ :‬ل أسألك بريصنرةا بعد هذا‪ .‬فأقال‪ :‬اللهم لإن كانت كاذبة فأررعصم بصرها واقتلها فأي‬ ‫أرضها‪ ،‬قال‪ :‬فأما ماتت حتى ذهب بصرها‪ ،‬ثم بينا هي تمشي فأي أرضها لإذ وقعت‬ ‫فأي حفرة فأماتت([‪.‬‬ ‫‪8‬ـ قصة عبور العلء بن الحضرمي رضي ا عنه البحر على فأرسه ونبع الماء‬ ‫بدعائه‪ .‬أخرجه ابن سعد فأي الطبقات ]كان أبو هريرة يقول‪) :‬رأي س‬ ‫ت من العلء بن‬ ‫الحضرمي ثلثةر أشياء ل أزال أحبه أبداا‪ ،‬رأيته قطع البحر على فأرسه يوم داريرن‪.‬‬ ‫وقدم من المدينة يريد البحرين‪ ،‬فألما كانوا بالدهناء نفد ماؤهم‪ ،‬فأدعا ا فأنبع لهم من‬ ‫تحت رملة‪ ،‬فأارتووا وارتحلوا‪ ،‬وأنسي رجل منهم بعض متاعه‪ ،‬فأرجع فأأخذه ولم‬ ‫يجد الماء‪ .‬وخرج س‬ ‫س مات ونحن‬ ‫ت معه من البحرين لإلى صف البصرة فألما كنا بلليا ظ‬ ‫على غير ماء‪ ،‬فأأبدى ا لنا سحابة فأسمطرنا فأغسلناه وحفرنا له بسيوفأنا ولم نسرللحرد له‪،‬‬ ‫فأرجعنا لنسرللحرد له فألم نجد موضع قبره(‪ .‬الطبقات الكبرى لبن سعد‪ .‬ج ‪ .4‬صا‬ ‫‪.[363‬‬ ‫‪9‬ـ قصة خالد بن الوليد رضي ا عنه فأي شربه السم‪ .‬أخرجه البيهقي وأبو نعيم‬ ‫والطبراني وابن سعد بلإسناد صحيح ]أخرج البيهقي وأبو نعيم عن أبي السفر قال‪:‬‬ ‫نزل خالد بن الوليد الحيرة‪ ،‬فأقالوا له‪ :‬احذر السم ل تسقيكه العاجم فأقال‪ :‬ائتوني‬ ‫به‪ ،‬فأأخذه بيده وقال‪ :‬بسم ا وشربه‪ ،‬فألم يضره شيئاا‪ .‬انظر تهذيب التهذيب لبن‬ ‫حجر ج ‪ .3‬صا ‪.[125‬‬ ‫‪10‬ـ لإضاءة أصابع حمزة السلمي رضي ا عنه فأي ليلة مظلمة‪ .‬أخرجه البخاري‬ ‫فأي التاريخ ]أخرج البخاري فأي التاريخ عن حمزة السلمي رضي ا عنه قال‪:‬‬ ‫)كنا مع النبي صلى ا عليه وسلم فأي سفر‪ ،‬فأتفرقنا فأي ليلة ظلماء‪ ،‬فأأضاءت‬ ‫أصابعي حتى جمعوا ظهرهم وما هلك منهم ولإن أصابعي لتنير(‪ .‬انظر تهذيب‬ ‫التهذيب ج ‪ .3‬صا ‪.[30‬‬ ‫‪11‬ـ قصة أم أيمن وكيف عطشت فأي طريق هجرتها‪ ،‬فأنزل عليها دلو من السماء‬ ‫فأشرب ر‬ ‫ت‪ .‬رواه أبو نعيم فأي الحلية ]عن عثمان بن القاسم قال‪) :‬خرجت أم أيمن‬ ‫مهاجرة لإلى رسول ا صلى ا عليه وسلم من مكة لإلى المدينة وهي ماشية ليس‬ ‫‪149‬‬

‫معها زاد وهي صائمة فأي يوم شديد الحر‪ ،‬فأأصابها عطش شديد حتى كادت أن‬ ‫تموت من شدة العطش‪ ،‬قال‪ :‬وهي بالروحاء أو قريبا ا منها‪ ،‬فألما غابت الشمس‬ ‫قالت‪ :‬لإذا أنا بحفيف شيء فأوق رأسي‪ ،‬فأرفأع س‬ ‫ت رأسي ؛ فألإذا أنا بدلو من السماء‬ ‫مدفلى برشاء أبيض‪ ،‬قالت‪ :‬فأدنا مني حتى لإذا كان حيث أستمكن منه تناورلسته‬ ‫فأشربت منه حتى رويت‪ ،‬قالت‪ :‬فألقد كنت بعد ذلك اليوم الحار أطوف فأي الشمس‬ ‫كي أعطش‪ ،‬وما عطرش س‬ ‫ت بعدها‪ .‬أخرجه أبو نعيم فأي الحلية ج ‪ .2‬صا ‪.[67‬‬ ‫‪12‬ـ سماع بعض الصحابة سورة الملك‪ ،‬من قبر بعد أن ضرب خباء فأوقه‪ .‬رواه‬ ‫الترمذي ]عن ابن عباس رضي ا عنهما قال‪ :‬ضرب بعض أصحاب النبي صلى‬ ‫ا عليه وسلم خباءه على قبر وهو ل يحسب أنه قبر‪ ،‬فألإذا فأيه لإنسان يقرأ سورة‬ ‫}تبارك الذي بيده الملك{ حتى ختمها‪،‬فأأتى النبفي صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأقال يا‬ ‫رسول ا‪ :‬لإني ضربت خبائي على قبر وأنا ل أحسب أنه قبر‪ ،‬فألإذا فأيه لإنسان يقرأ‬ ‫سورة تبارك الملك حتى ختمها‪ ،‬فأقال رسول ا صلى ا عليه وسلم‪" :‬هي‬ ‫المانعة‪ ،‬هي المنجية تنجيه من عذاب القبر"‪ .‬أخرجه الترمذي فأي كتاب فأضائل‬ ‫القرآن‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب[‪.‬‬ ‫‪13‬ـ تسبيح القصعة التي أكل منها سلمان الفارسي وأبو الدرداء رضي ا عنهما‬ ‫وسماعهما التسبيح‪ .‬رواه أبو نعيم ]أخرج البيهقي وأبو نعيم عن قيس قال‪) :‬بينما‬ ‫أبو الدرداء وسلمان يأكلن من صحفة لإذا سفبح ر‬ ‫ت وما فأيها([‪.‬‬ ‫‪14‬ـ قصة سفينة رضي ا عنه مولى رسول ا صلى ا عليه وسلم مع السد‪.‬‬ ‫أخرجه الحاكم فأي المستدرك وأبو نعيم فأي الحلية ]عن محمد بن المنكدر أن سفينة‬ ‫ت البحر فأانكسر ر‬ ‫مولى رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪) :‬ركب س‬ ‫ت سفينتي التي‬ ‫كنت فأيها‪ ،‬فأركرب س‬ ‫ت لوحاا من ألواحها‪ ،‬فأطرحني اللوح فأي أجمة فأيها السد‪ ،‬فأأقبل‬ ‫لإلفي يريدني‪ ،‬فأقلت‪ :‬يا أبا الحارث أنا مولى رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأطأطأ‬ ‫رأسه وأقبل لإلفي‪ ،‬فأدفأعني بمنكبه حتى أخرجني من الجمة ووضعني على‬ ‫الطريق‪ ،‬وهمهم فأظننت أنه يودعني‪ ،‬فأكان ذلك آخر عهدي به(‪ .‬أخرجه الحاكم فأي‬ ‫المستدرك فأي كتاب معرفأة الصحابة ج ‪ .3‬صا ‪ ،606‬وقال‪ :‬صحيح على شرط‬ ‫مسلم‪ .‬وأبو نعيم فأي الحلية ج ‪ .1‬صا ‪ 368‬وسفينة هو‪ :‬قيس بن فأروخ وكنيته أبو‬ ‫عبد الرحمن‪ .‬ذكره ابن حجر فأي التهذيب ج ‪ .4‬صا ‪.[125‬‬ ‫هذا غيض من فأيض‪ ،‬وقليل من كثير مما ورد عن كرامات صحابة رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ثم توالى ورود الكرامات الكثيرة على يد الولياء فأي عهد‬ ‫‪150‬‬

‫التابعين وتابعي التابعين لإلى يومنا هذا‪ ،‬مما يصعب عده‪ ،‬ويضيق حصره ]قال‬ ‫العلمة التاج السبكي فأي الطبقات الكبرى‪ :‬للكرامة أنواع‪ :‬النوع الول لإحياء‬ ‫الموتى‪2 .‬ـ كلم الموتى‪3 .‬ـ المشي على الماء‪4 .‬ـ انقلب العيان‪5 .‬ـ لإنزواء‬ ‫الرض‪6 .‬ـ كلم الحيوانات والجمادات‪7 .‬ـ لإبراء العلل‪8 .‬ـ طاعة الحيوان‪9 .‬ـ‬ ‫طي الزمان‪10 .‬ـ نشر الزمان‪11 .‬ـ لإمساك اللسان عن الكلم وانطلقه‪ ..‬لإلى أن‬ ‫عد خمسة وعشرين نوعاا‪ .‬وذكر لكل نوع مثالا وحكاية جرت للعلماء ومشايخ‬ ‫الصوفأية فأراجعه هناك تجده مفص ا‬ ‫ل[‪ ،‬وقد ألف العلماء فأي ذلك مجلدات كثيرة‪،‬‬ ‫وصنف أكابر الئمة منهم مصنفات فأي لإثبات الكرامة للولياء‪ ،‬منهم‪ :‬فأخر الدين‬ ‫الرازي وأبو بكر الباقلني‪ ،‬ولإمام الحرمين‪ ،‬وأبو بكر بن فأورك‪ ،‬وحجة اللسلم‬ ‫الغزالي‪ ،‬وناصر الدين البيضاوي‪ ،‬وحافأظ الدين النسفي‪ ،‬وتاج الدين السبكي‪ ،‬وأبو‬ ‫بكر الشعري‪ ،‬وأبو القاسم القشيري‪ ،‬والنووي‪ ،‬وعبد ا اليافأعي‪ ،‬ويوسف‬ ‫النبهاني‪ ،‬وغيرهم من العلماء المحققين الذين ل يحصى عددهم‪ ،‬وصار ذلك علما ا‬ ‫قويا ا يقينيا ا ثابتاا‪ ،‬ل تتطرق لإليه الشكوك أو الشبهات‪.‬‬ ‫وقد يتساءل بعضهم‪ :‬لماذا كانت كرامات الصحابة على كثرتها أقل من كرامات‬ ‫الولياء الذين جاؤوا بعد عصر الصحابة ؟!‪ ..‬ويجيب على ذلك تاج الدين السبكي‬ ‫فأي الطبقات بقوله‪) :‬الجواب‪ :‬ما أجاب به اللمام الجليل أحمد بن حنبل رضي ا‬ ‫عنه حين سئل عن ذلك‪ ،‬فأقال‪ :‬سأولئك كان لإيمانهم قوياا‪ ،‬فأما احتاجوا لإلى زيادة شيء‬ ‫يقوون به‪ ،‬وغيرهم كان لإيمانهم ضعيفا ا لم يبلغوا لإيمان أولئك فأقووا بلإظهار‬ ‫الكرامات لهم( ]جامع كرامات الولياء للشيخ يوسف النبهاني البيروتي ج ‪ .1‬صا‬ ‫‪.[20‬‬ ‫الحكمة من لإجراء الكرامات على يد الوألياء‪:‬‬ ‫اقتضت حكمة ا تعالى أن يكرم أحبابه وأولياءه بأنواع من خوارق العادات‪،‬‬ ‫تكريما ا لهم على لإيمانهم ولإخلصهم‪ ،‬وتأييداا لهم فأي جهادهم ونصرتهم لدين ا‪،‬‬ ‫ولإظهاراا لقدرة ا تعالى‪ ،‬ليزداد الذين آمنوا لإيماناا‪ ،‬وبيانا ا للناس أن القوانين‬ ‫الطبيعية والنواميس الكونية لإنما هي من صنع ا وتقديره‪ ،‬وأن السباب ل تؤثر‬ ‫بذاتها ؛ بل ا تعالى يخلق النتائج عند السباب ل بها‪ ،‬كما هو مذهب أهل السنة‬ ‫والجماعة‪.‬‬ ‫وقد يقول معترض‪ :‬لإن تأييد الحق ونشر دين ا ل يكون بخوارق العادات‪ ،‬بل‬ ‫يكون بلإقامة الدليل المنطقي والبرهان العقلي‪.‬‬

‫‪151‬‬

‫فأنقول‪ :‬نعم لبد من نشر تعاليم اللسلم بتأييد العقل السليم والمنطق الصحيح‬ ‫والحجة الدامغة‪ ،‬ولكن التعصب والعناد يدعوان لإلى أن تخرق العادات بالكرامات‬ ‫كما اقتضت حكمة ا أن يؤيد أنبياءه ورسله بالمعجزات لإظهاراا لصدقهم‪ ،‬وتأييداا‬ ‫لهم فأي دعوتهم‪ ،‬وحملا للعقول المتحجرة والقلوب المقفلة أن تخرج من جمودها‪،‬‬ ‫وتتحرر من تعصبها‪ ،‬فأتفكر تفكيراا سليما ا مستقيما ا يوصلها لإلى الليمان الراسخ‪،‬‬ ‫واليقين الجازم‪ .‬ومن هنا يظهر أن الكرامة والمعجزة تلتقيان فأي بعض اللحركم‬ ‫والمقاصد‪ ،‬لإل أن الفارق بينهما أن المعجزة ل تكون لإل للنبياء عليهم السلم‪،‬‬ ‫والكرامة ل تكون لإل للولياء‪ ،‬وكيل كرامة لولي معجزةف لنبي‪.‬‬ ‫الفرق بين الكرامة وأالستدراج‪:‬‬ ‫ل بد من التنبيه لإلى الفرق بين الكرامة والستدراج‪ ،‬وذلك لننا نشاهد بعض‬ ‫لسلم تجري على يديهم خوارق العادات؛ مع أنهم مجاهرون‬ ‫الفسقة المنسوبين ل ل‬ ‫بالمعصية‪ ،‬منحرفأون عن دين ا تعالى‪ .‬فأالكرامة ل تكون لإل على يد وليي‪ ،‬وهو‬ ‫صاحب العقيدة الصحيحة‪ ،‬المواظب على الطاعات‪ ،‬المتجنب للمعاصي‪،‬‬ ‫المعرض عن النهماك فأي اللذات والشهوات‪ ،‬وهو الذي قال ا تعالى فأيه‪} :‬أل‬ ‫إفن أولليارء ال ل خو ف‬ ‫ف عليلهرم ول هسرم يحرزسنورن ‪ .‬الذيرن آمنوا وكاسنوا يفتقورن{ ]يونس‪:‬‬ ‫‪62‬ـ ‪ .[63‬وأما ما يجري على يد الزنادقة والفسقة من الخوارق كطعن الجسم‬ ‫بالسيف وأكل النار والزجاج وغير ذلك‪ ،‬فأهو من قبيل الستدراج‪.‬‬ ‫ثم لإن الولي ل يسكن لإلى الكرامة‪ ،‬ول يتفاخر بها على غيره‪ ،‬قال العلمة فأخر‬ ‫الدين الرازي فأي تفسيره الكبير‪) :‬لإن صاحب الكرامة ل يستأنس بتلك الكرامة‪ ،‬بل‬ ‫عند ظهور الكرامة يصير خوفأه من ا تعالى أشد‪ ،‬وحذره من قهر ا أقوى‪ ،‬فألإنه‬ ‫يخاف أن يكون ذلك من باب الستدراج‪.‬‬ ‫وأما صاحب الستدراج‪ ،‬فألإنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه‪ ،‬ويظن أنه لإنما وجد‬ ‫تلك الكرامة لنه كان مستحقا ا لها‪ ،‬وحينئظذ يحتقر غيره‪ ،‬ويتكبر عليه‪ ،‬ويحصل له‬ ‫أررمفن لمرن مركلر ا وعقابه‪ ،‬ول يخاف سوء العاقبة‪ ،‬فألإذا ظهر شيء من هذه الحوال‬ ‫على صاحب الكرامة دل ذلك على أنها كانت استدراجا ا ل كرامة‪ ،‬فألهذا قال‬ ‫المحققون‪ :‬أكثر ما اتفق من النقطاع عن حضرة ا لإنما وقع فأي مقام الكرامات‪،‬‬ ‫فأل رجرررم أن ترى المحققين يخافأون من الكرامات‪ ،‬كما يخافأون من أنواع البلء‪،‬‬ ‫والذي يدل على أن الستئناس بالكرامة قاطع عن الطريق وجوه( ثم ذكرها حتى‬ ‫عفد لإحدى عشرة حجة‪ ،‬نذكر منها واحدة‪.‬‬ ‫قال اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى‪) :‬إلفن من اعتقد فأي نفسه أنه صار‬ ‫‪152‬‬

‫مستحقاا لكرامة بسبب عمله‪ ،‬حصل لعمله وقع عظيم فأي قلبه‪ ،‬ورمرن كان لعمله وقع‬ ‫عنده كان جاه ا‬ ‫ل‪ ،‬ولو عرف ربه لعلم أن كل طاعات الخلق فأي جنب جلل ا‬ ‫تقصير‪ ،‬وكل شكرهم فأي جنب آلئه ونعمائه قصور‪ ،‬وكيل معارفأهم وعلومهم فأي‬ ‫مقابلة عزته حيرةف وجهفل‪ ،‬رأيت فأي بعض الكتب أنه قرأ المقرئِ فأي مجلس‬ ‫الستاذ أبي علي الدقاق قوله تعالى‪} :‬إليله ير ر‬ ‫ب والرعرمسل الصالسح‬ ‫صرعسد الركللسم الطفيص س‬ ‫يرفأرسعسه{ ]فأاطر‪ .[10 :‬فأقال‪ :‬علمةس أن الحق رفأع عملك أن ل يرربقى عندك ]أي‬ ‫عملك[ فألإن بقي عملك فأي نظرك فأهو مدفأوع‪ ،‬ولإن لم يبق معك فأهو مرفأوع(‬ ‫]"تفسير الرازي" ج ‪ .5‬صا ‪.[692‬‬ ‫وعلى هذا فألإننا حين نرى أحداا من الناس يأتي بخوارق العادات ل نستطيع أن‬ ‫نحكم عليه بالولية‪ ،‬ول يمكن أن نعتبر عمله هذا كرامة حتى نرى سلوكه وتمسكه‬ ‫بشريعة ا‪ .‬قال أبو يزيد رحمه ا تعالى‪) :‬لو أن رجلا بسط سمص ف‬ ‫له على الماء‬ ‫وتربفرع فأي الهواء فأل تغتيروا به حتى تنظروا كيف تجدونه فأي المر والنهي(‬ ‫]"اللمع" للطوسي ص ‪[400‬هلل‪.‬‬ ‫موقف الصوفية من الكرامات‪:‬‬ ‫لإن بعض المنحرفأين عن الصوفأية يفدعي أن مقصد الصوفأية من سيرهم هو‬ ‫الوصول لإلى الكرامات ]من بينهم عبد الرحمن الوكيل الذي دفأعه الحقد الدفأين‬ ‫والخلق الذميم لإلى التهجم على السادة الصوفأية وتزييف كلمهم والدس عليهم‪،‬‬ ‫فأجمع الشياء التي سدفس ر‬ ‫ت على الصوفأية وجعلها فأي كتاب له[ وهم فأي هذا لإنما‬ ‫سيترجمون عما فأي نفوسهم من أمراض خبيثة وعلل دفأينة ؛ مع أننا نرى الصوفأية‬ ‫يهتمون بتزكية النفس وتخليصها من صفاتها المذمومة كالرياء والنفاق‪ ،‬وتحليتها‬ ‫بالصفات العالية‪ ،‬أن يكون سيره معهم بعيداا عن العلل والغايات‪ ،‬وأل يبتغي لإل‬ ‫وجه ا تعالى ورضاه‪ .‬كما نراهم يستترون من الكرامة بعداا عن شبهة الرياء‪.‬‬ ‫قال الشيخ أبو عبد ا القرشي رحمه ا تعالى‪) :‬من لم يكن كارها ا لظهور اليات‬ ‫وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصي فأهو فأي حقه حجاب‪،‬‬ ‫وسترها عليه رحمة‪ ،‬فأإ لفن من خرق عوائد نفسه ل يريد ظهور شيء من اليات‬ ‫وخوارق العادات له‪ ،‬بل تكون نفسه عنده أقل وأحقر من ذلك‪ ،‬فألإذا فأرنلري عن لإراداته‬ ‫جملاة فأكان له تحقق فأي رؤية نفسه بعين الحقارة والذلة‪ ،‬حصلت له أهلية ورود‬ ‫اللطاف‪ ،‬والتحقق بمراتب الصديقين( ]نور التحقيق لحامد صقر ص ‪[127‬هلل‪.‬‬ ‫وقال علي الخواصا رحمه ا تعالى‪) :‬السكفمل يخافأون من وقوع الكرامات على‬ ‫‪153‬‬

‫أيديهم‪ ،‬ويزدادون بها وجلا وخوفأا ا لحتمال أن تكون استدراجاا( ]اليواقيت‬ ‫وأالجواهر لعبد الوهاب الشعراني ج ‪ 2‬ص ‪[113‬هلل‪.‬‬ ‫ثم لإن الصوفأية يمنعون لإظهار الكرامة لإل لغرض صحيح ؛ كنصرة شريعة ا‬ ‫أمام الكافأرين والمعاندين ]كما حدث مع الشيخ محي الدين بن عربي فأي قصته مع‬ ‫الفيلسوف‪ ،‬وهو يرويها لنا بقوله‪) :‬حضر عندنا سنة ست وثمانين وخمسمائة‬ ‫فأيلسو ف‬ ‫ف ينكر النبوة على الحد الذي يثبتها المسلمون‪ ،‬وينكر ما جاءت به النبياء‬ ‫من خرق العوائد وأن الحقائق ل تتبدل‪ ،‬وكان زمن البرد والشتاء وبين أيدينا منقل‬ ‫عظيم يشتعل ناراا‪ ،‬فأقال المنكر المكذب‪ :‬لإن العامة تقول‪ :‬لإن لإبراهيم عليه السلم‬ ‫سألقي فأي النار فألم تحرقه‪ ،‬والنار محرقة بطبعها الجسوم القابلة للحتراق‪ ،‬ولإنما‬ ‫كانت النار المذكورة فأي القرآن فأي قصة لإبراهيم عبارة عن غضب نمرود وحنقه‪،‬‬ ‫فأهي نار الغضب‪ .‬فألما فأرغ من قوله قال له بعض الحاضرين ]أي الشيخ محي‬ ‫الدين نفسه[‪ :‬فألإن أريتك أنا صدق ا فأي ظاهر ما قاله فأي النار أنها لم تحرق‬ ‫لإبراهيم‪ ،‬وأن ا جعلها عليه ـ كما قال ـ برداا وسلماا‪ ،‬وأنا أقوم لك فأي هذا المقام‬ ‫ب عنه ؟ فأقال المنكر‪ :‬هذا ل يكون‪ ،‬فأقال له‪ :‬أليست هذه النار‬ ‫مقام لإبراهيم فأي الذ ص‬ ‫المحرقة ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فأقال‪ :‬تراها فأي نفسك‪ ،‬ثم ألقى النار التي فأي المنقل فأي لحرجر‬ ‫المنكر‪ ،‬وبقي ر‬ ‫ت على ثيابه مدة يقلبها المنكر بيده‪ ،‬فألما رآها لم تحرقه تعجب‪ ،‬ثم‬ ‫ردها لإلى المنقل‪ ،‬ثم قال له‪ :‬قرر ر‬ ‫ب يده فأأحرقته‪ .‬فأقال له‪:‬‬ ‫ب يدك أيضا ا منها‪ ،‬فأقفر ر‬ ‫هكذا كان المر‪ ،‬وهي مأمورة‪ ،‬تحرق بالمر وتترك اللحراق كذلك‪ ،‬وا تعالى‬ ‫الفاعل لما يشاء‪ .‬فأأسلم ذلك المنلكسر واعترف(‪ .‬الباب الخامس والثمانون ومائة من‬ ‫الفتوحات المكية ج ‪ .2‬صا ‪ [371‬وكلإبطال سحر الكافأرين والضالين أو الفسقة‬ ‫المشعوذين الذين يريدون أن يضلوا الناس عن دينهم ويشككوهم فأي عقائدهم‬ ‫ولإيمانهم ]ومن ذلك ما ذكره العلمة ابن حجر الهيثمي فأي الفتاوى الحديثية من أفن‬ ‫صوفأيا ا ناظر برهمياا‪ ،‬والبراهمة قوم تظهر لهم خوارق لمزيد الرياضات‪ ،‬فأطار‬ ‫البرهمي فأي الجو‪ ،‬فأارتفعت لإليه نعل الشيخ ولم تزل تضرب رأسه وتصفعه حتى‬ ‫وقع على الرض منكوساا على رأسه بين يدي الشيخ والناس ينظرون‪ .‬انظر‬ ‫الفتاوأى الحديثية لبن حجر ص ‪[222‬هلل‪ .‬أما لإظهارها بدون سبب مشروع فأهو‬ ‫مذموم‪ ،‬لما فأيه من حظ النفس والمفاخرة والعجب‪.‬‬ ‫قال الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى‪) :‬ول يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال‬ ‫معدودة من جملة رعونات النفس‪ ،‬لإل إلرن كانت لنصر دين أو جلب مصلحة‪ ،‬لن‬ ‫ا تعالى هو الفاعل عندهم‪ ،‬ل هسرم‪ ،‬هذا مشهدهم‪ ،‬وليس وجه الخصوصية لإل‬ ‫وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون غيرهم ؛ فألإذا أحيا كبشا ا مثلا أو دجاجة‬ ‫‪154‬‬

‫فألإنما ذلك بقدرة ا ل بقدرتهم‪ ،‬ولإذا رجع المر لإلى القدرة فأل تعجب( ]الباب‬ ‫الخامس وأالثمانون وأالمائة من الفتوحات المكية‪ .‬كذا في اليواقيت وأالجواهر‬ ‫للشعراني ج ‪ .2‬ص ‪[117‬هلل‪.‬‬ ‫ثم لإن الصوفأية يعتبرون أن أعظم الكرامات هي الستقامة على شرع ا تعالى‪.‬‬ ‫قال أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى فأي رسالته‪) :‬واعلم أن من أجصل الكرامات‬ ‫التي تكون للولياء دوام التوفأيق للطاعات‪ ،‬والحفظ من المعاصي والمخالفات(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" ص ‪[160‬هلل‪.‬‬ ‫وسذكر عند سهل بن عبد ا التستري رحمه ا تعالى الكرامات فأقال‪) :‬وما اليا س‬ ‫ت‬ ‫ت ؟! أشياء تنقضي لوقتها‪ ،‬ولكن أكبر الكرامات أرن ستبردرل سخسلقا ا مذموما ا‬ ‫وما الكراما س‬ ‫من أخلق نفسك بسخلق محمود( ]"كتاب اللمع" للطوسي ص ‪[400‬هلل‪.‬‬ ‫وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى‪) :‬الكرامة الحقيقية لإنما هي‬ ‫حصول الستقامة‪ ،‬والوصول لإلى كمالها‪ .‬ومرجعها أمران‪ :‬صحة الليمان بال عز‬ ‫وجل‪ .‬واتباع ما جاء به رسول ا صلى ا عليه وسلم ظاهراا وباطنا ا ؛ فأالواجب‬ ‫على العبد أن ل يحرصا إللر عليهما ول تكون له همة لإل فأي الوصول لإليهما‪ .‬وأما‬ ‫الكرامة بمعنى خرق العادة فأل عبرة بها عند المحققين‪ ،‬لإذ قد يسرررز س‬ ‫ق بها من لم‬ ‫تكتمل استقامته‪ ،‬وقد يسرررزق بها المستدررجون( وقال‪) :‬لإنما هي كرامتان جامعتان‬ ‫محيطتان ؛ كرامة الليمان بمزيد الليقان وشهود العيان‪ ،‬وكرامة العمل على‬ ‫القتداء والمتابعة ومجانبة الدعاوي والمخادعة‪ ،‬فأمن أعطيهما ثم جعل يشتاق لإلى‬ ‫غيرهما فأهو عبد سمرفترظر كذاب‪ ،‬ليس ذا حظ فأي العلم والعمل بالصواب ؛ كمن سأكرم‬ ‫بشهود الملك على نعت الرضا فأجعل يشتاق لإلى سياسة الدواب وخلع الرضا(‬ ‫]نور التحقيق ص ‪[128‬هلل‪.‬‬ ‫وقال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪) :‬واعلم أن الكرامة على‬ ‫قسمين‪ :‬حسية ومعنوية‪ ،‬ول تعر س‬ ‫ف العامةس لإل الحسية ؛ مثل الكلم على الخاطر‪،‬‬ ‫واللخبار بالمغيبات الماضية والكائنة والتية‪ ،‬والخذ من الكون‪ ،‬والمشي على‬ ‫الماء‪ ،‬واختراق الهواء‪ ،‬وطي الرض‪ ،‬والحتجاب عن البصار‪ ،‬ولإجابة الدعاء‬ ‫فأي الحال‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فأالعامة ل تعرف الكرامات لإل مثل هذا‪ .‬وأما الكرامة‬ ‫المعنوية فأل يعرفأها لإل الخواصا من عباد ا تعالى‪ ،‬والعامة ل تعرف ذلك وهي‬ ‫أن سيحفظ على العبد آداب الشريعة‪ ،‬وأن سيوففأق لفعل مكارم الخلق واجتناب‬ ‫سفاسفها‪ ،‬والمحافأظة على أداء الواجبات مطلقا ا فأي أوقاتها والمسارعة لإلى‬ ‫الخيرات‪ ،‬ولإزالة الغل والحقد من صدره للناس والحسد وسوء الظن‪ ،‬وطهارة‬ ‫‪155‬‬

‫القلب من كل صفة مذمومة‪ ،‬وتحليته بالمراقبة مع النفاس‪ ،‬ومراعاة حقوق ا‬ ‫تعالى فأي نفسه وفأي الشياء‪ ،‬وتفقد آثار ربه فأي قلبه‪ ،‬ومراعاة أنفاسه فأي دخولها‬ ‫وخروجها‪ ،‬فأيتلقاها بالدب لإذا ورد ر‬ ‫ت عليه وسيخرجها وعليه حلة الحضور مع ا‬ ‫تعالى‪ ،‬فأهذه كلها عندنا كرامات الولياء المعنوية التي ل يدخلها مكر ول‬ ‫استدراج( ]الباب الرابع وأالثمانون وأمائة من الفتوحات المكية ج ‪ .2‬ص ‪[369‬هلل‪.‬‬ ‫ثم لإن السادة الصوفأية ل يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالح دليلا‬ ‫على أفأضليته على غيره‪ .‬قال اللمام اليافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬ل يلزم أن يكون‬ ‫كيل رمرن له كرامة من الولياء أفأضرل من كل من ليس له كرامة منهم‪ ،‬بل قد يكون‬ ‫بعض رمرن ليس له كرامة منهم أفأضل من بعض رمرن له كرامة‪ ،‬لن الكرامة قد‬ ‫تكون لتقوية يقين صاحبها‪ ،‬ودليلا على صدقه وعلى فأضله ل على أفأضليته‪ ،‬ولإنما‬ ‫الفأضلية تكون بقوة اليقين‪ ،‬وكمال المعرفأة بال تعالى( ]كتاب نشر المحاسن‬ ‫الغالية لعبد ا اليافعي ص ‪[119‬هلل‪.‬‬ ‫كما أن الصوفأية يعتبرون أن عدم ظهور الكرامة على يد الولي الصالح ليس دليلا‬ ‫على عدم وليته‪.‬‬ ‫قال اللمام القشيري رحمه ا تعالى فأي رسالته‪) :‬لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة‬ ‫عليه فأي الدنيا‪ ،‬لم يقدح عدمها فأي كونه ولياا( وقال شيخ اللسلم زكريا النصاري‬ ‫فأي شرحه لرسالة القشيري عند هذا الكلم‪) :‬بل قد يكون أفأضل مفمرن ظهر له‬ ‫كرامات‪ ،‬لن الفأضلية لإنما هي بزيادة اليقين ل بظهور الكرامة( ]الرسالة‬ ‫القشيرية ص ‪[159‬هلل‪.‬‬ ‫الباب الخامس‬ ‫رتصحيح الفكار عن التصوف‬ ‫‪1‬ـ بين الحقيقة والشريعة‬ ‫‪2‬ـ الدس على العلوم اللسلمية أـ التفسير ‪ ,‬ب ـ الحديث ‪ ,‬جـ ـ التاريخ ‪ ,‬د ـ‬ ‫التـصوف ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ تأويل كلم السادة الصوفأية ‪4‬ـ وحدة الوجود والحلول والتحاد‪.‬‬ ‫‪5‬ـ بين الصوفأية وأدعياء التصوف ‪.‬‬ ‫‪6‬ـ أعداء التصوف ‪.‬‬

‫‪156‬‬

‫بين الحقيقة وأالشريعة‬ ‫تمهيد وأتعريف‪:‬‬ ‫لقد ورد فأي حديث جبريل المشهور الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي ا عنه‬ ‫تقسيسم الدين لإلى ثلثة أركان‪ ،‬بدليل قول الرسول صلى ا عليه وسلم لعمر‪" :‬فألإنه‬ ‫جبريل أتاكم يعلسمسكرم ديرنكرم" ]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الليمان‪ .‬واللمام‬ ‫أحمد فأي مسنده فأي باب الليمان واللسلم واللحسان ج ‪ .1‬صا ‪.[64‬‬ ‫‪1‬ـ فأركن اللسلم‪ :‬هو الجانب العملي ؛ من عبادات ومعاملت وسأمور تعبدية‪،‬‬ ‫ومحله العضاء الظاهرة الجسمانية‪ .‬وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة‪،‬‬ ‫واختص بدراسته السادة الفقهاء‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وركن الليمان‪ :‬وهو الجانب العتقادي القلبي ؛ من لإيمان بال‪ ،‬وملئكته‪،‬‬ ‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ..‬وقد اختص بدراسته السادة علماء‬ ‫التوحيد‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وركن اللحسان‪ :‬وهو الجانب الروحي القلبي ؛ وهو أن تعبد ا كأنك تراه‪ ،‬فألإن‬ ‫لم تكن تراه فألإنه يراك‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من أحوال وأذواق وجدانية‪ ،‬ومقامات‬ ‫عرفأانية‪ ،‬وعلوم وهبية‪ ،‬وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة‪ ،‬واختص ببحثه‬ ‫السادة الصوفأية‪.‬‬ ‫ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة نضرب لذلك مثلا الصلة‪ ،‬فأاللتيان‬ ‫بحركاتها وأعمالها الظاهرة‪ ،‬والتزام أركانها وشروطها‪ ،‬وغير ذلك مما ذكره‬ ‫علماء الفقه‪ ،‬يمثل جانب الشريعة‪ ،‬وهو جسد الصلة‪ .‬وحضور القلب مع ا تعالى‬ ‫فأي الصلة يمثل جانب الحقيقة‪ ،‬وهو روح الصلة‪.‬‬ ‫فأأعمال الصلة البدنية هي جسدها‪ ،‬والخشوع روحها‪ .‬وما فأائدة الجسد بل روح ؟!‬ ‫وكما أن الروح تحتاج لإلى جسد تقوم فأيه‪ ،‬فأكذلك الجسد يحتاج لإلى روح يقوم بها‪،‬‬ ‫ولهذا قال ا تعالى‪} :‬أقيسموا الصلةر وآتوا الزكارة{ ]البقرة‪ .[110 :‬ول تكون‬ ‫اللقامة لإل بجسد وروح‪ ،‬ولذا لم يقل‪ :‬أوجدوا الصلة‪.‬‬ ‫ومن هذا ندرك التلزم الوثيق بين الشريعة والحقيقة كتلزم الروح والجسد‪.‬‬ ‫والمؤمن الكامل هو الذي يجمع بين الشريعة والحقيقة‪ ،‬وهذا هو توجيه الصوفأية‬ ‫‪157‬‬

‫للناس‪ ،‬مقتفين بذلك أثر الرسول عليه الصلة والسلم وأصحابه الكرام‪.‬‬ ‫وللوصول لإلى هذا المقام الرفأيع‪ ،‬والليمان الكامل‪ ،‬لبد من سلوك الطريقة‪ ،‬وهي‬ ‫مجاهدة النفس‪ ،‬وتصعيد صفاتها الناقصة لإلى صفات كاملة‪ ،‬والترقي فأي مقامات‬ ‫الكمال بصحبة المرشدين‪ ،‬فأهي الجسر الموصل من الشريعة لإلى الحقيقة‪.‬‬ ‫قال السيد رحمه ا تعالى فأي تعريفاته‪) :‬الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين‬ ‫لإلى ا تعالى‪ ،‬من قطع المنازل والترقي فأي المقامات( ]تعريفات السيد صا ‪.[94‬‬ ‫فأالشريعة هي الساس‪ ،‬والطريقة هي الوسيلة‪ ،‬والحقيقة هي الثمرة وهذه الشياء‬ ‫الثلثة متكاملة منسجمة‪ ،‬فأررمرن تمفسك بالولى منها سلك الثانية فأوصل لإلى الثالثة‪،‬‬ ‫وليس بينها تعارض ول تناقض‪ .‬ولذلك يقول الصوفأية فأي قواعدهم المشهورة‪:‬‬ ‫)كل حقيقة خالفت الشريعة فأهي زندقة(‪ .‬وكيف تخالف الحقيقةس الشريعةر وهي لإنما‬ ‫نتجت من تطبيقها‪.‬‬ ‫يقول لإمام الصوفأية أحمد زروق رحمه ا تعالى‪) :‬ل تصوف لإل بفقه‪ ،‬لإذ ل‬ ‫تعرف أحكام ا الظاهرة لإل منه‪ .‬ول فأقه لإل بتصوف‪ ،‬لإذ ل عمل لإل بصدق‬ ‫وتوجه ل تعالى‪ .‬ول هما ]التصوف والفقه[ لإل بلإيمان‪ ،‬لإذ ل يصح واحد منهما‬ ‫دونه‪ .‬فألزم الجميع لتلزمها فأي الحكم‪ ،‬كتلزم الجسام للرواح‪ ،‬ول وجود لها لإل‬ ‫فأيها‪ ،‬كما ل حياة لها لإل بها‪ ،‬فأافأهم( ]"قواعد التصوف" للشيخ أحمد زروق قاعدة‬ ‫‪ .3‬صا ‪.[3‬‬ ‫ويقول اللمام مالك رحمه ا تعالى‪) :‬رمرن تصوف ولم يتفقه فأقد تزندق‪ ،‬ومن تفقه‬ ‫ولم يتصوف فأقد تفسق‪ ،‬ومن جمع بينهما فأقد تحقق( ]"شرح عين العلم وزين‬ ‫لمام سمل علي القاري ج ‪ .1‬صا ‪.[33‬‬ ‫الحلم" ل ل‬ ‫تزندق الول لنه نظر لإلى الحقيقة مجردة عن الشريعة‪ ،‬فأقال بالجبر وأن اللنسان‬ ‫ل خيار له فأي أمر من المور‪ ،‬فأهو يتمثل قول القائل‪:‬‬ ‫ألقاهس فأي اليصم مكتوفأا ا وقال له لإياك لإياك أرن تبتفل بالمالء‬ ‫فأع ف‬ ‫طل بذلك أحكام الشريعة والعمل بها‪ ،‬وأبطل حكمتها والنظر لإليها‪.‬‬ ‫وتففسق الثاني لنه لم يدخل قلبه نوسر التقوى‪ ،‬وسسر اللخلصا وواعظ المراقبة‪،‬‬ ‫‪158‬‬

‫وطريقة المحاسبة‪ ،‬حتى يحجب عن المعصية‪ ،‬ويتمسك بأهداب السنة‪.‬‬ ‫وتحقق الثالث لنه جمع كل أركان الدين‪ :‬الليمان‪ ،‬واللسلم‪ ،‬واللحسان‪ ،‬التي‬ ‫اجتمعت فأي حديث جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫وكما حفظ علماء الظاهر حدود الشريعة‪ ،‬كذلك حفظ علماء التصوف آدابها‬ ‫وروحها‪ ،‬وكما أبيح لعلماء الظاهر الجتهاد فأي استنباط الدلة واستخراج الحدود‬ ‫والفروع‪ ،‬والحكم بالتحليل والتحريم على ما لم يرلررد فأيه نص‪ ،‬فأكذلك للعارفأين أن‬ ‫يستنبطوا آداباا ومناهج لتربية المريدين وتهذيب السالكين‪.‬‬ ‫ولقد تحقق السلف الصالح والصوفأية الصادقون بالعبودية الحقة واللسلم‬ ‫الصحيح‪ ،‬لإذ جمعوا بين الشريعة والطريقة والحقيقة‪ ،‬فأكانوا متشصرعين متحققين‪،‬‬ ‫يهدون الناس لإلى الصراط المستقيم‪.‬‬ ‫فأالدين لإن خل من حقيقته جففت أصوسله‪ ،‬وذوت أغصانه‪ ،‬وفأسدت ثمرته‪.‬‬

‫مناقشة المتحاملين على الصوفية‪:‬‬ ‫أما هؤلء المعترضون على السادة الصوفأية‪:‬‬ ‫ـ لإن كانوا ينكرون هذا التقسيم لإلى ]شريعة‪ ،‬وطريقة‪ ،‬وحقيقة[ على النحو الذي‬ ‫بفيناه آنفاا‪ ،‬فأهم لشك يريدون بذلك أن يفصلوا روح اللسلم عن جسده‪ ،‬وأن يهدموا‬ ‫ركنا ا هاماا من أركان الدين الثلثة الموضحة فأي حديث جبريل عليه السلم‪،‬‬ ‫ويخالفوا علماء اللسلم وكبار فأقهائه‪.‬‬ ‫يقول ابن عابدين رحمه ا تعالى فأي حاشيته المشهورة )بلررصد المحتار(‪) :‬الطريقة‪:‬‬ ‫هي السيرة المختصة بالسالكين من قطع المنازل‪ ،‬والترقي فأي المقامات(‪ .‬ويقول‬ ‫فأي الصفحة التي تليها‪) :‬فأالحقيقة‪ :‬هي مشاهدة الربوبية بالقلب‪ ،‬ويقال‪ :‬هي سر‬ ‫معنوي ل حفد له ول جهة‪ .‬وهي والطريقة والشريعة متلزمة‪ ،‬لن الطريق لإلى ا‬ ‫تعالى لها ظاهر وباطن‪ ،‬فأظاهرها الشريعة والطريقة‪ ،‬وباطنها الحقيقة‪ .‬فأبطون‬ ‫الحقيقة فأي الشريعة والطريقة‪ ،‬كبطون الزربد فأي لبنه‪ ،‬ل سيظفر من اللبن بزبده‬ ‫‪159‬‬

‫بدون مخ ر‬ ‫ضه‪ ،‬والمراد من الثلثة ]الشريعة‪ ،‬والطريقة‪ ،‬والحقيقة[ لإقامة العبودية‬ ‫على الوجه المراد من العبد( ]حاشية ابن عابدين ج ‪ .3‬صا ‪.[303‬‬ ‫ويقول الشيخ عبد ا اليافأعي رحمه ا تعالى‪) :‬لإن الحقيقة هي مشاهدة أسرار‬ ‫الربوبية‪ .‬ولها طريقة هي عزائم الشريعة‪ ،‬فأمن سلك الطريقة وصل لإلى الحقيقة‪.‬‬ ‫فأالحقيقة نهاية عزائم الشريعة‪ .‬ونهاية الشيء غير مخالفة له‪ ،‬فأالحقيقة غير مخالفة‬ ‫لعزائم الشريعة( ]نشر المحاسن الغالية ج ‪ .1‬صا ‪.[154‬‬ ‫وقال صاحب كشف الظنون فأي حديثه عن علم التصوف‪) :‬ويقال‪ :‬علم التصوف‬ ‫علم الحقيقة أيضاا‪ ،‬وهو علم الطريقة‪ ،‬أي تزكية النفس عن الخلق الردية‪،‬‬ ‫وتصفية القلب عن الغراض الفدنية‪ .‬وعلم الشريعة بل علم الحقيقة عاطل‪ ،‬وعلم‬ ‫الحقيقة بل علم الشريعة باطل‪.‬‬ ‫علم الشريعة وما يتعلق بلإصلح الظاهر بمنزلة العلم بلوازم الحج‪ .‬وعلم الطريقة‬ ‫وما يتعلق بلإصلح الباطن بمنزلة العلم بالمنازل‪ ،‬وعقبات الطريق‪ .‬فأكما أن مجرد‬ ‫علم اللوازم‪ ،‬ومجرد علم المنازل ل يكفيان فأي الحج الصوري بدون لإعداد اللوازم‬ ‫وسلوك المنازل‪ ،‬كذلك مجرد العلم بأحكام الشريعة وآداب الطريقة ل يكفيان فأي‬ ‫الحج المعنوي‪ ،‬بدون العمل بموجبيهما( ]كشف الظنون عن أسامي الكتب‬ ‫والفنون‪ ،‬لحاجي خليفة ج ‪ .1‬صا ‪.[413‬‬ ‫ـ ولإن كان المعترضون يقررون فأكرة التقسيم السالفة الذكر‪ ،‬ولكنهم ينكرون هذه‬ ‫التسمية‪] :‬الشريعة‪ ،‬والطريقة‪ ،‬والحقيقة[‪.‬‬ ‫نقول لهم‪ :‬هذا تعبير درج عليه العلماء‪ ،‬وجرى عليه الفقهاء كما بفينا وهو‬ ‫اصطلح‪ ،‬ول مشاحة فأي الصطلحات‪.‬‬ ‫ـ ولإن كانوا يقرون التقسيم والتسمية‪ ،‬ولكنهم ينكرون على الصوفأية أحوالهم‬ ‫القلبية‪ ،‬وأذواقهم الوجدانية‪ ،‬وعلومهم الوهبية‪.‬‬ ‫نقول لهم‪ :‬لإن هذه أمور يكرم ا تعالى بها عباده المخلصين‪ ،‬وأحبابه الصادقين‪،‬‬ ‫ول حجر على القدرة الللهية‪.‬‬ ‫لإنما هي أذواق ومفاهيم‪ ،‬وكشوفأات وفأتوحات‪ ،‬منحهم ا لإياها‪ ،‬فأقد ثبت عن‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم أنه قال‪" :‬العلم علمان‪ :‬علم فأي القلب‪ ،‬وفأي رواية‪:‬‬ ‫‪160‬‬

‫علم ثابت فأي القلب‪ ،‬فأذلك العلم النافأع‪ .‬وعلم على اللسان‪ ،‬فأذلك حجة ا على‬ ‫خلقه" ]رواه الحافأظ أبو بكر الخطيب فأي تاريخه بلإسناد حسن‪ ،‬ورواه ابن عبد البر‬ ‫النمري فأي كتاب العلم عن الحسن مرسلا بلإسناد صحيح كما فأي الترغيب‬ ‫والترهيب ج ‪ .1‬صا ‪.[67‬‬ ‫ويدل على ذلك حديث معاذ بن جبل رضي ا عنه‪ ،‬فأقد أخرج أبو نعيم فأي الحلية‬ ‫عن أنس بن مالك رضي ا عنه أن معاذ بن جبل دخل على رسول ا صلى ا‬ ‫ت يا معاذ ؟"‪.‬قال‪ :‬أصبح س‬ ‫عليه وسلم فأقال‪" :‬كيف أصبح ر‬ ‫ت مؤمنا ا بال تعالى‪ .‬قال‪:‬‬ ‫"لإن لكل قول مصداقاا‪ ،‬ولكل حق حقيقة‪ ،‬فأما مصداق ما تقول ؟"‪ .‬قال‪ :‬يا نبي ا!‬ ‫ما أصبحت صباحا ا قط لإل ظننت أني ل أمسي‪ ،‬وما أمسيت مساء قط لإل ظننت‬ ‫أني ل أصبح‪ ،‬ول خطوت خطوة لإل ظننت أني ل أتبعها أخرى‪ ،‬وكأني أنظر لإلى‬ ‫كل أمة جاثية تدعى لإلى كتابها‪ ،‬معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون ا‬ ‫وكأني أنظر لإلى عقوبة أهل النار‪ ،‬وثواب أهل الجنة‪ .‬قال‪" :‬عرفأت فأالزم"‬ ‫]أخرجه أبو نعيم فأي الحلية ج ‪ .1‬صا ‪.[242‬‬ ‫فألم يصل الصالحون لإلى هذه الكشوفأات والمعارف لإل بتمسكهم بالكتاب والسنة‪،‬‬ ‫واقتفائهم أثر الرسول العظم وأصحابه الكرام‪ ،‬ومجاهدتهم لنفسهم‪ ،‬من صيام‬ ‫وقيام‪ ،‬وزهدهم فأي هذه الدنيا الفانية‪ ،‬كما أكرم ا معاذاا رضي ا عنه بهذا‬ ‫الكشف الذي أقره عليه رسول ا صلى ا عليه وسلم بقوله‪" :‬عرفأ ر‬ ‫ت فأالزم"‪.‬‬ ‫وهذا اللمام الشعراني رحمه ا تعالى يتحدث عن لإكرام ا تعالى للصوفأية الذين‬ ‫ساروا على نهج رسول ا صلى ا عليه وسلم وأصحابه من أمثال معاذ رضي‬ ‫ا عنه فأيقول‪:‬‬ ‫)اعلم يا أخي أن علم التصوف عبارة عن علم انقدح فأي قلوب الولياء حين‬ ‫استنارت بالعمل بالكتاب والسنة‪ ،‬فأكل من عمل بهما انقدح له من ذلك علوم وآداب‬ ‫وأسرار وحقائق‪ ،‬تعجز اللسنة عنها‪ ،‬نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من أحكام‪،‬‬ ‫حين عملوا بما علموه من أحكامها( ]"التصوف اللسلمي واللمام الشعراني لطه‬ ‫عبد الباقي سرور صا ‪.[70‬‬ ‫وقد كان علماء السلف الصالح رضي ا عنهم يعملون بكل ما يعلمون على وجه‬ ‫اللخلصا ل تعالى‪ ،‬فأاستنارت قلوبهم‪ ،‬وخلصت من العلل القادحة أعمالهم‪ ،‬فألما‬ ‫ذهبوا وخلف من بعدهم أقوام ل يعتنون باللخلصا فأي علمهم ول فأي عملهم‬ ‫‪161‬‬

‫أظلمت قلوبهم‪ ،‬وسحجبت عن أحوال القوم فأأنكروها‪.‬‬ ‫وهناك مغرضون يتحاملون على الصوفأية مستشهدين بكلم ابن تيمية وغيره‪،‬‬ ‫ويتهمونهم زوراا وبهتاناا‪ ،‬بأنهم يهتمون بالحقيقة فأقط‪ ،‬ويهملون جانب الشريعة‪،‬‬ ‫وأنهم يعتمدون على كشفهم ومفاهيمهم ولو خالفت الشريعة‪ ،‬فأهذا كله افأتراء باطل‪،‬‬ ‫يشهد على بطلنه كلم ابن تيمية نفسه‪ .‬فأقد تحدث ابن تيمية رحمه ا تعالى عن‬ ‫تمسك السادة الصوفأية بالكتاب والسنة فأي قسم علم السلوك من فأتاواه فأقال‪:‬‬ ‫)والشيخ عبد القادر ]الجيلني رحمه ا تعالى[ ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم‬ ‫أمراا بالتزام الشرع والمر والنهي وتقديمه على الذوق والقدر‪ ،‬ومن أعظم‬ ‫المشائخ أمراا بترك الهوى واللرادة النفسية‪ ،‬فألإن الخطأ فأي اللرادة من حيث هي‬ ‫لإرادة لإنما تقع من هذه الجهة‪ ،‬فأهو يأمر السالك أن ل تكون له لإرادة من جهته هو‬ ‫ب عز وجل ؛ لإما لإرادة شرعية لإن تبين له ذلك‪ ،‬ولإل‬ ‫أصلا ؛ بل يريد ما يريد الر ي‬ ‫جرى مع اللرادة القدرية‪ ،‬فأهو لإما مع أمر الرب ولإما مع خلقه‪ .‬وهو سبحانه له‬ ‫الخلق والمر‪ .‬وهذه طريقة شرعية صحيحة(]مجموع فأتاوى أحمد بن تيمية ج‬ ‫‪ .10‬صا ‪488‬ـ ‪.[489‬‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬فأأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن‬ ‫عياض‪ ،‬ولإبراهيم بن أدهم‪ ،‬وأبي سليمان الداراني‪ ،‬ومعروف الكرخي‪ ،‬والسري‬ ‫السقطي‪ ،‬والجنيد بن محمد‪ ،‬وغيرهم من المتقدمين‪ ،‬ومثل الشيخ عبد القادر‬ ‫]الجيلني[‪ ،‬والشيخ حماد‪ ،‬والشيخ أبي البيان‪ ،‬وغيرهم من المتأخرين‪ ،‬فأهم ل‬ ‫يسصوغون للسالك ولو طار فأي الهواء‪ ،‬أو مشى على الماء‪ ،‬أن يخرج عن المر‬ ‫والنهي الشرعيين‪ ،‬بل عليه أن يفعل المأمور‪ ،‬ويدع المحظور لإلى أن يموت‪ .‬وهذا‬ ‫هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ولإجماع السلف وهذا كثير فأي كلمهم(‬ ‫]"مجموع فأتاوى أحمد بن تيمية" ج ‪ .10‬صا ‪516‬ـ ‪.[517‬‬ ‫وهذه نبذة يسيرة من أقوال أئمة السادة الصوفأية وتوجيهاتهم تشهد على‪:‬‬ ‫تمسكهم بالكتاب وأالسنة‪:‬‬ ‫قال الشيخ عبد القادر الجيلني رحمه ا تعالى‪) :‬كل حقيقة ل تشهد لها الشريعة‬ ‫فأهي زندقة‪ .‬لطرر لإلى الحق عز وجل بجناحي الكتاب والسنة‪ ،‬ادخل عليه ويدك فأي‬ ‫يد الرسول صلى ا عليه وسلم( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد القادري الجيلني‬ ‫ص ‪[29‬هلل‪.‬‬

‫‪162‬‬

‫وقال منكراا على من يعتقد أن التكاليف الشرعية تسقط عن السالك فأي حال من‬ ‫الحوال‪) :‬ترك العبادات المفروضة زندقة‪ .‬وارتكاب المحظورات معصية‪ ،‬ل‬ ‫تسقط الفرائض عن أحد فأي حال من الحوال( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد‬ ‫القادري الجيلني ص ‪[29‬هلل‪.‬‬ ‫ويقول سهل التستري رحمه ا تعالى‪) :‬أصولنا سبعة أشياء‪ :‬التمسك بكتاب ا‬ ‫ف الذى‪،‬‬ ‫تعالى‪ ،‬والقتداء بسنة رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأكل الحلل‪ ،‬وك ل‬ ‫واجتناب الثام‪ ،‬والتوبة‪ ،‬وأداء الحقوق( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[210‬‬ ‫وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى يقول‪) :‬لإذا عارض كشسفك‬ ‫ب والسنة فأاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف‪ ،‬وقل لنفسك‪ :‬لإن ا‬ ‫الصحيح الكتا ر‬ ‫تعالى ضمن لي العصمة فأي الكتاب والسنة‪ ،‬ولم يضمنها لي فأي جانب الكشف‬ ‫والللهام( ]"لإيقاظ الهمم" ج ‪ .2‬صا ‪302‬ـ ‪.[303‬‬ ‫وقال أبو سعيد الخراز رحمه ا تعالى‪) :‬كيل باطظن يخالفه ظاهفر فأهو باطفل(‬ ‫]"الرسالة القشيرية" ص ‪[27‬هلل‪.‬‬ ‫وقال أبو الحسين الوراق رحمه ا تعالى‪) :‬ل يصل العبد لإلى ا لإل بال‪،‬‬ ‫وبموافأقة حبيبه صلى ا عليه وسلم فأي شرائعه‪ ،‬ورمرن جعل الطريق لإلى الوصول‬ ‫فأي غير القتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد( ]"طبقات الصوفية" للسلمي ص‬ ‫‪[300‬هلل‪.‬‬ ‫وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬لإن طريق القوم محررة على‬ ‫الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر‪ ،‬فأيحتاج سالكها لإلى ميزان شرعي فأي كل‬ ‫حركة وسكون( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[2‬‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬لإن حقيقة طريق القوم علم وعمل‪ ،‬سداها ولحمتها شريعة‪ ،‬وحقيقة‪،‬‬ ‫ل أحدهما فأقط( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪ 1‬صا ‪.[25‬‬ ‫وقال الشعراني أيضاا‪) :‬فأررمرن دفقق النظر رعللرم أنه ل يخرج شيء من علوم أهل ا‬ ‫تعالى عن الشريعة‪ .‬وكيف يخرج والشريعة صلتهم لإلى ا عز وجل فأي كل‬ ‫لحظة( ]"التصوف اللسلمي واللمام الشعراني" لطه عبد الباقي سرور صا ‪.[71‬‬

‫‪163‬‬

‫وسئل أبو يزيد البسطامي رحمه ا تعالى عن الصوفأي فأقال‪) :‬هو الذي يأخذ كتاب‬ ‫ا بيمينه وسنة رسوله بشماله‪ ،‬وينظر بلإحدى عينيه لإلى الجنة‪ ،‬وبالخرى لإلى‬ ‫النار‪ ،‬ويأتزر بالدنيا‪ ،‬ويرتدي بالخرة‪ ،‬ويلبي من بينهما للمولى‪ :‬لبيك اللهم لبيك(‬ ‫]"شطحات الصوفأية" لعبد الرحمن البدوي صا ‪.[96‬‬ ‫ومن جملة توجيه أبي يزيد رحمه ا تعالى‪) :‬عشرة أشياء فأريضة على البدن‪:‬‬ ‫أداء الفرائض‪ ،‬واجتناب المحارم‪ ،‬والتواضع ل‪ ،‬وكف الذى عن اللخوان‪،‬‬ ‫والنصيحة للبرصر والفاجر‪ ،‬وطلب مرضاة ا فأي جميع أموره‪ ،‬وطلب المغفرة‪،‬‬ ‫ي والمجادلةس من ظهور الجفا‪ ،‬وأن يكون وصي نفسه‬ ‫وترك الغضب‪ ،‬والكبسر والبغ س‬ ‫يتهيأ س للموت( ]"شطحات الصوفأية" صا ‪.[103‬‬ ‫ومع كل هذا نجد الحاقدين على التصوف لإذا سمعوا بشيء من أخلق القوم قالوا‪:‬‬ ‫]هذا منزع صوفأي‪ ،‬ل شرعي[ فأيتوهم السامع أن التصوف أمر خارج عن أصل‬ ‫الشريعة‪ ،‬والحال أنه لب الشريعة كما رأيت‪ .‬وإلفن رمرن يطالع كتب القوم السليمة من‬ ‫الدس ؛ مثل‪ :‬كتاب الحلية لبي نعيم‪ ،‬والرسالة القشيرية‪ ،‬وكتاب التعرف لمذهب‬ ‫أهل التصوف للكلباذي‪ ،‬واللمع للطوسي‪ ،‬واللحياء للغزالي‪ ،‬وطبقات الصوفأية‬ ‫للسلمي‪ ،‬والرعاية لحقوق ا للمحاسبي‪ ،‬والوصايا للشيخ محي الدين بن عربي‪،‬‬ ‫وغير ذلك من كتب الصوفأية‪ ،‬ل يكاد يجد سخسلقا ا مما فأيها يخالف الشريعة أبداا‪،‬‬ ‫لكثرة محاسبة الصوفأية لنفسهم وأخذهم بالعزائم‪ ،‬فألإن حقيقة طريق القوم علم‬ ‫وعمل‪ ،‬سداها ولحمتها شريعة وحقيقة‪.‬‬ ‫التحذير من الفصل بين الحقيقة وأالشريعة‪:‬‬ ‫هناك سأناس افدرعروا التصوف كذبا ا ونفاقاا‪ ،‬انحرفأوا عن اللسلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬لإن المقصود‬ ‫من الدين هو الحقيقة فأقط‪ ،‬وعطلوا أحكام الشريعة‪ ،‬فأأسقطوا عن أنفسهم التكاليف‪،‬‬ ‫وأباحوا المخالفات‪ ،‬وقالوا‪ :‬لإن السمرعفول عليه صلح القلب‪ ،‬ويقولون‪] :‬نحن أهل‬ ‫الباطن‪ ،‬وهم أهل الظاهر[‪ .‬فأهؤلء ضالون منحرفأون زنادقة‪ ،‬ل يجوز أن نأخذ‬ ‫أعمالهم وأحوالهم حجة على السادة الصوفأية الصادقين المخلصين‪.‬‬ ‫ولإن السادة أئمة الصوفأية قد نبهوا لإلى خطرهم‪ ،‬وحذروا من صحبتهم ومجالستهم‪،‬‬ ‫وتبرؤوا من سيرهم وانحرافأهم‪ .‬قال أبو يزيد البسطامي رحمه ا تعالى لبعض‬ ‫أصحابه‪) :‬قم بنا حتى ننظر لإلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولية‪ ،‬وكان‬ ‫‪164‬‬

‫رجلا مقصوداا مشهوراا بالزهد‪ ،‬فأمضينا لإليه‪ ،‬فألما خرج من بيته ودخل المسجد‬ ‫رمى ببصاقه تجاه القبلة‪ ،‬فأانصرف أبو يزيد ولم يسرلم عليه‪ ،‬وقال‪ :‬هذا غير مأمون‬ ‫على أدب من آداب رسول ا صلى ا عليه وسلم فأكيف يكون مأمونا ا على ما‬ ‫يدعيه( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ .[16‬وقال أيضاا‪) :‬لو نظرتم لإلى رجل أعطي‬ ‫من الكرامات حتى يرتقي فأي الهواء فأل تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند‬ ‫المر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[16‬‬ ‫وقال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬وكل شيخ لم يظهر بالسنة‬ ‫فأل يصح اتباعه لعدم تحقق حاله‪ ،‬ولإن صح فأي نفسه وظهر عليه ألف ألف كرامة‬ ‫من أمره( ]"قواعد التصوف" للشيخ أحمد رزوق صا ‪.[76‬‬ ‫وقال سهل بن عبد ا التستري رحمه ا تعالى‪) :‬احذر صحبة ثلث من أصناف‬ ‫الناس‪ :‬الجبابرة الغافألين‪ ،‬والقسفراء المداهنين‪ ،‬والمتصوفأة الجاهلين( ]"شرح‬ ‫الحكم" لبن عجيبة ج ‪ .1‬صا ‪.[76‬‬ ‫وقال السيد أحمد الرفأاعي رحمه ا تعالى‪) :‬ل تقولوا كما يقول بعض المتصوفأة‪:‬‬ ‫]نحن أهل الباطن‪ ،‬وهم أهل الظاهر[‪ .‬هذا الدين الجامع باطنه لب ظاهره‪،‬‬ ‫وظاهره ظرف باطنه‪ ،‬لول الظاهر لما بطن‪ ،‬لول الظاهر لما كان الباطن ولما‬ ‫صح‪ .‬القلب ل يقوم بل جسد‪ ،‬بل لول الجسد لفسد‪ ،‬والقلب نور الجسد‪ .‬هذا العلم‬ ‫الذي سماه بعضهم بعلم الباطن‪ ،‬هو لإصلح القلب‪ ،‬فأالول عمل بالركان وتصديق‬ ‫ت‪ ،‬وأكل ر‬ ‫ت وزني ر‬ ‫ت وسررق ر‬ ‫بالرجنان‪ .‬لإذا انفرد قلبك بحسن نيته وطهارة طويته‪ ،‬وقترل ر‬ ‫ت‬ ‫الربا‪ ،‬وشرب ر‬ ‫ت الخمر‪ ،‬وكذبت وتكبرت وأغلظت القول‪ ،‬فأما الفائدة من نيتك‬ ‫وطهارة قلبك ؟ ولإذا عبدت ا وتعففت‪ ،‬وصمت وتصدقت وتواضعت‪ ،‬وأبطن‬ ‫قلبسرك الرياء والفساد‪ ،‬فأما الفائدة من عملك ؟( ]"البرهان المؤيد" للسيد أحمد‬ ‫الرفأاعي رحمه ا تعالى‪ .‬توفأي سنة ‪578‬هـ بأم عبيدة بالعراق صا ‪.[68‬‬ ‫وينكر الشيخ عبد القادر الجيلني رحمه ا تعالى على من يعتقد أن التكاليف‬ ‫الشرعية تسقط عن السالك فأي حال من الحوال‪ ،‬كما رمفر بك قوله‪) :‬ترك العبادات‬ ‫المفروضة زندقة‪ ،‬وارتكاب المحظورات معصية‪ .‬ل تسقط الفرائض عن أحد فأي‬ ‫حال من الحوال( ]"الفتح الرباني" للشيخ عبد القادر الجيلني صا ‪.[29‬‬ ‫وقال شيخ الصوفأية اللمام الجنيد رحمه ا تعالى‪) :‬مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب‬ ‫والسنة( ]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[159‬‬ ‫‪165‬‬

‫وقال أيضاا‪) :‬الطرق كلها مسدودة على الخلق لإل على من اقتفى أثر الرسول عليه‬ ‫الصلة والسلم‪ ،‬واتبع سنته ولزم طريقته‪ ،‬فأإ لفن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه(‬ ‫]"طبقات الصوفأية" للسلمي صا ‪.[159‬‬ ‫وذكر رجل عنده المعرفأة فأقال‪ :‬أهل المعرفأة بال يصلون لإلى ترك الحركات‬ ‫]العمال[ من باب البر والتقرب لإلى ا عز وجل‪ .‬فأقال الجنيد رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫)لإن هذا قول قوم تكلموا بلإسقاط العمال ]الصالحة التكليفية[ وهو عندي عظيمة‪،‬‬ ‫والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا‪ ،‬فألإن العارفأين بال تعالى‬ ‫أخذوا العمال عن ا تعالى‪ ،‬ولإليه رجعوا فأيها‪ ،‬ولو بقي س‬ ‫ت ألف عام لم أنقص من‬ ‫أعمال البر ذرة لإل أن يحال بي دونها( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪ .[22‬وقال أيضاا‪:‬‬ ‫)ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع ]الصوم[ وترك الدنيا وقطع‬ ‫المألوفأات والمستحسنات( ]"الرسالة القشيرية" صا ‪.[22‬‬ ‫وقال لإبراهيم بن محمد النصر أباذي رحمه ا تعالى‪) :‬أصل التصوف ملزمة‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬وترك الهواء والبدع‪ ،‬وتعظيم حرمات المشايخ‪ ،‬ورؤية أعذار‬ ‫الخلق‪ ،‬وحسن صحبة الرفأقاء‪ ،‬والقيام بخدمتهم‪ ،‬واستعمال الخلق الجميلة‪،‬‬ ‫والمداومة على الوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلت‪ ،‬وما ضل أحد فأي هذا‬ ‫الطريق لإل بفساد البتداء‪ ،‬فألإن فأساد البتداء يؤثر فأي النتهاء( ]طبقات الصوفأية‬ ‫للسلمي صا ‪.[488‬‬ ‫الفقهاء الصوفية‪:‬‬ ‫لقد كان علماء الشريعة اللسلمية من الفقهاء والمحصدثين‪ ،‬يسيرون على أثر‬ ‫الرسول العظم صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأيجمعون بين الشريعة والطريقة والحقيقة‪،‬‬ ‫ويؤدون العبادات العملية متحققين بسر اللخلصا فأيها‪ ،‬متذوقين حلوتها‪ ،‬مدركين‬ ‫أسرارها‪ ،‬وقد كانت لهم مجاهدات لتهذيب نفوسهم ولإصلح قلوبهم‪ .‬وللرما تحلفروا به‬ ‫من صلح وتقوى ومعرفأة نالوا هذه المراتب العلمية‪ ،‬ومنحهم ا تعالى هذا الفهم‬ ‫لكتابه والتعمق فأي شرعه‪ ،‬ونفع ا المة بعلومهم على مصر السنين واليام‪ ،‬فأكأنهم‬ ‫أحياء بآثارهم الخالدة وجهودهم العلمية المباركة‪.‬‬ ‫نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر‪ :‬أن أبا علي الدقاق رحمه ا تعالى قال‪:‬‬ ‫)أنا أخذ س‬ ‫ت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر أباذي‪ ،‬وقال أبو القاسم‪ :‬أنا أخذتها‬ ‫من الشبلي‪ ،‬وهو من السري السقطي‪ ،‬وهو من معروف الكرخي‪ ،‬وهو من داود‬ ‫الطائي‪ ،‬وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي ا عنه‪ ،‬وكفل منهم أثنى‬ ‫‪166‬‬

‫عليه وأقرر بفضله‪ (..‬ثم قال صاحب الدر معلقاا‪) :‬فأيا عجبا ا لك يا أخي! ألم يكن لك‬ ‫أسوة حسنة فأي هؤلء السادات الكبار ؟ أكانوا سمفتهمين فأي هذا اللقرار والفأتخار‪،‬‬ ‫وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والحقيقة ؟ ورمن بعدهم فأي هذا المر فألهم‬ ‫تبع‪ ،‬وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع( ]الدر المختار ج ‪ .1‬صا ‪ .43‬وعليه‬ ‫حاشية ابن عابدين وهو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي فأقيه‬ ‫الديار الشامية ولإمام الحنفية فأي عصره‪ ،‬له من التآليف ]رد المحتار على الدر‬ ‫المختار[ فأي خمسة مجلدات يعرف بحاشية ابن عابدين‪ ،‬وله رفأع النظار عما‬ ‫أورده الحلبي على الدر المختار‪ ،‬والعقود الدرية فأي تنقيح الفتاوى الحامدية‬ ‫جزءان‪ ،‬ونسمات السحار شرح المنار‪ ،‬ومجموعة الرسائل‪ ..‬مولده ووفأاته فأي‬ ‫دمشق سنة ‪1198‬ـ ‪1252‬هـ[‪.‬‬ ‫ولعلك تستغرب عندما تسمع أن اللمام الكبير‪ ،‬أبا حنيفة النعمان رحمه ا تعالى‪،‬‬ ‫يعطي الطريقة لمثال هؤلء الكابر من الولياء والصالحين من الصوفأية!‪.‬‬ ‫فأهلف تأسى الفقهاء بهذا اللمام‪ ،‬فأساروا على نهجه‪ ،‬وجمعوا بين الشريعة والحقيقة‪،‬‬ ‫لينفع ا بعلمهم‪ ،‬كما نفع بلإمامهم العظم‪ ،‬اللمام الكبير‪ ،‬معدن التقوى والورع أبي‬ ‫حنيفة رحمه ا تعالى!‬ ‫يقول ابن عابدين رحمه ا تعالى فأي حاشيته متحدثا ا عن أبي حنيفة رحمه ا‬ ‫تعالى‪ ،‬تعليقاا على كلم صاحب الدر النف الذكر‪) :‬هو فأارس هذا الميدان‪ ،‬فألإن‬ ‫مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس‪ ،‬وقد وصفه بذلك عامة السلف‪،‬‬ ‫فأقال أحمد بن حنبل ]رحمه ا تعالى[ فأي حقه‪ :‬لإنه كان من العلم والورع والزهد‬ ‫ضلرب بالسياط لليرللري القضاء‪ ،‬فألم يفعل‪.‬‬ ‫ولإيثار الخرة بمحل ل يدركه أحد‪ ،‬ولقد س‬ ‫وقال عبد ا بن المبارك ]رحمه ا تعالى[‪ :‬ليس أحد أحق من أن يسرقرتدى به من‬ ‫أبي حنيفة‪ ،‬لنه كان لإماما ا تقيا ا نقيا ا ورعا ا عالما ا فأقيهاا‪ ،‬كشف العلم كشفا ا لم يكشفه‬ ‫أحد ببصر وفأهم وفأطنة وتقى‪ .‬وقال الثوري لمن قال له‪ :‬جئ س‬ ‫ت من عند أبي حنيفة‪:‬‬ ‫لقد جئ ر‬ ‫ت من عند أعبد أهل الرض( ]"حاشية ابن عابدين" ج ‪ .1‬صا ‪.[43‬‬ ‫ومن هذا نعلم أن الئمة المجتهدين والعلماء العاملين‪ ،‬هم الصوفأية حقيقة‪.‬‬ ‫فألإن قال قائل‪ :‬لو أن طريق التصوف أمر مشروع‪ ،‬لوضع فأيه الئمة المجتهدون‬ ‫كتباا‪ ،‬ول نرى لهم قط كتابا ا فأي ذلك ؟‬

‫‪167‬‬

‫يجيب الشعراني رحمه ا تعالى على هذا فأيقول‪) :‬لإنما لم يضع المجتهدون فأي‬ ‫ذلك كتاباا لقلة المراض فأي أهل عصرهم‪ ،‬وكثرة سلمتهم من الرياء والنفاق‪ .‬ثم‬ ‫بتقدير عدم سلمة أهل عصرهم من ذلك‪ ،‬فأكان ذلك فأي بعض أناس قليلين‪ ،‬ل يكاد‬ ‫يظهر لهم عيب‪ .‬وكان معظم همة المجتهدين لإذ ذاك لإنما هو فأي جمع الدلة‬ ‫المنتشرة فأي المدائن والثغور مع أئمة التابعين وتابعيهم‪ ،‬التي هي مادة كل علم‪،‬‬ ‫وبها سيعرف موازين جميع الحكام‪ ،‬فأكان ذلك أهم من الشتغال بمناقشة بعض‬ ‫أناس فأي أعمالهم القلبية التي ل يظهر بها شعار الدين‪ ،‬وقد ل يقعون بها فأي حكم‬ ‫الصل‪.‬‬ ‫ول يقول عاقل قط‪ :‬لإن مثل اللمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافأعي أو أحمد رضي‬ ‫ا عنهم‪ ،‬يعلم أحدهم من نفسه ريااء أو سعجبا ا أو كبراا أو حسداا أو نفاقا ا ثم ل يجاهد‬ ‫نفسه ول يناقشها أبداا‪ .‬ولول أنهم يعلمون سلمتهم من تلك الفأات والمراض‬ ‫لقدموا الشتغال بعلجها على كل علم( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪1‬‬ ‫صا ‪25‬ـ ‪.[26‬‬

‫الدس على العلوم اللسلمية‬ ‫التفسير ـ الحديث ـ التاريخ ـ التصوف‬ ‫لقد تعرض اللسلم منذ انبثاق فأجره لإلى خصوم أشداء‪ ،‬وأعداء أللفداء حاولوا‬ ‫تقويض بنيانه‪ ،‬وتحطيم أركانه‪ ،‬عن طريق تشويه معالمه‪ ،‬ودس الباطيل‬ ‫والخرافأات فأي علومه‪ ،‬كما نرى ذلك فأي التفسير والحديث وفأي التاريخ‬ ‫والتصوف‪ ..‬وغيرها‪.‬‬ ‫أما التفسير‪ :‬فأكثيراا ما نقرأ فأي كتبه بعض اللسرائيليات التي ليست لإل أساطير‬ ‫كاذبة‪ ،‬وعقائد غير لإسلمية‪ ،‬نقلها لإلى الدين اللسلمي اليهود الذين اعتنقوا اللسلم‬ ‫غير مخلصين‪ ،‬أو مخلصين ولكن علقت بأذهانهم هذه الساطير حين كانوا على‬ ‫دين اليهودية‪ ،‬فأنقلوها عن كتب أنبيائهم التي دخلها التحريف والتغيير‪ ،‬وتقفبلها‬ ‫‪168‬‬

‫بعض المسلمين على أنها صحيحة‪.‬‬ ‫وقد وفأق ا تعالى علماء المسلمين لإلى تمحيص هذه اللسرائيليات وتنبيه المسلمين‬ ‫لإلى ضررها‪ ،‬وخصوصا ا منها ما يضر بالعقيدة‪ ،‬كاللخبار بأن أيوب عليه السلم‬ ‫مرض حتى ظهر الدود على جسده‪ ،‬وكنسبة المعاصي لإلى بعض النبياء‪ ،‬فأقد‬ ‫زعموا أن داود عليه السلم عشق امرأة بعض جنوده‪ ،‬ثم رأرسرل زورجها لبعض‬ ‫المواقع الحربية لقتله‪ ،‬فأسقتل وتزوجها‪ .‬كما زعموا أن يوسف عليه السلم هفم بامرأة‬ ‫ش وسوء‪ ،‬ولففقوا فأي ذلك قصصا ا وحكايات ل تليق بمقام الرسل‬ ‫العزيز هرفم فأسرح ظ‬ ‫الكرام‪ ،‬الذين عصمهم ا من كل سوء وفأاحشة‪.‬‬ ‫فأالواجب على كل مسلم نبسذ هذه اللسرائيليات‪ ،‬والعتماد على المصادر اللسلمية‬ ‫الصحيحة الشهيرة‪.‬‬ ‫وأأما الحديث‪ :‬فألقد حاول الدفساسون المغرضون تشويه معالم اللسلم عن طريق‬ ‫وضع أحاديث مكذوبة مفتراة على لسان الرسول صلى ا عليه وسلم ؛ يقصدون‬ ‫بذلك تحطيم العقيدة‪ ،‬ودس الفأكار الهفدامة ؛ كالتجسيم والتشبيه والفوقية والجهة‪،‬‬ ‫وغير ذلك من العقائد الفاسدة‪.‬‬ ‫كما وضعوا أحاديث فأي الترغيب والترهيب ما أنزل ا بها من سلطان‪ .‬ولإذا قيل‬ ‫ي‬ ‫لهم‪ :‬للرم تكذبون على رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وهو يقول‪" :‬رمرن كذب عل ف‬ ‫متعمداا فأليتبورأ مقعده من النار"؟ ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب العلم عن‬ ‫أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬ومسلم فأي كتاب الليمان‪ ،‬والترمذي فأي كتاب العلم‪،‬‬ ‫وابن ماجه فأي أبواب السنة[ قالوا‪ :‬نحن نكذب له ل عليه‪ .‬كما كان بعضهم يضع‬ ‫الحديث تقربا ا لإلى الحكام‪ ،‬وتزلفا ا لإلى الملوك‪ ،‬رغبة فأي مطمع دنيوي ومكسب‬ ‫مادي‬ ‫ولكن ا تعالى قفيض لسنة رسوله صلى ا عليه وسلم علماء مخلصين غيورين‪،‬‬ ‫مفحصوا تلك الحاديث‪ ،‬وبينوا الصحيحة من الضعيفة‪ ،‬والموضوعة من الحسنة‪،‬‬ ‫والمشهورة من الغريبة‪ ،‬كالسمرزي والزين العراقي والذهبي وابن حجر وغيرهم‬ ‫]وقد جمع بعض العلماء الغيورين على الحاديث النبوية كتبا ا بفينوا فأيها الحاديث‬ ‫الموضوعة منها‪ :‬الللي المصنوعة فأي الحاديث الموضوعة للسيوطي‪ ،‬وكشف‬ ‫الخفاء للعجلوني‪ ،‬وأسنى المطالب للحوت البيروتي[‪.‬‬

‫‪169‬‬

‫وأما التاريخ‪ :‬فأقد كان ميدانا ا خصبا ا للدس والفأترالء ؛ حيث ألصق المضللون فأي‬ ‫تاريخ اللسلم قصصاا وحوادث من نسيج خيالهم‪ .‬حاولوا بذلك تشويه سيرة الخلفاء‬ ‫وملوك اللسلم‪ ،‬كما نسبوا لإلى هارون الرشيد سأموراا غريبة منكرة‪ ،‬نجدها فأي‬ ‫أكاذيب ألف ليلة وليلة‪.‬‬ ‫ول يخفى ما أحدثه المضللون الصليبيون والمستشرقون ورمرن ل ف‬ ‫ف لرففهم فأي تاريخ‬ ‫ت وأضاليل واضحة البطلن لم يقصدوا بها لإل‬ ‫اللسلم من افأتراءات وتسفررها ظ‬ ‫التهديم والتشكيك‪.‬‬ ‫ولكن المؤرخين المسلمين المحققين كالذهبي‪ ،‬والطبري‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وابن الثير‪،‬‬ ‫وابن هشام وغيرهم‪ ،‬قد دفونوا التاريخ اللسلمي‪ ،‬وهذبوه ونفوا عنه الدخائل‪،‬‬ ‫وأخرجوه نقيا ا سليماا‪ .‬فأعلى طالب الحقيقة أن يعود لإلى هذه المراجع الصحيحة‪ ،‬كي‬ ‫يميز الخبيث من الطيب‪ ،‬والغث من السمين‪.‬‬ ‫وأما التصوف‪ :‬فأكغيره من العلوم الدينية‪ ،‬لم يررسلم من الدس والتحريف من هؤلء‬ ‫الدخلء والمفترين‪.‬‬ ‫فأمنهم من أدخل فأي كتب الصوفأية أفأكاراا منحرفأة‪ ،‬وعبارات سيئة ما أنزل ا بها‬ ‫من سلطان‪ ،‬كقولهم‪:‬‬ ‫ب فأي كنيسة‬ ‫ب لإل راه ف‬ ‫ب والخنزيسر لإل لإلهنا وما الر ي‬ ‫وما الكل س‬ ‫}ركبسرر ر‬ ‫ت ركللرمةا تخسرسج لمرن أفأروالهلهرم إرن يرسقولورن إل ركلذباا{ ]الكهف‪.[5 :‬‬ ‫ومنهم من أراد أن يفسد دين المسلمين بأشياء سأخر تمس عقائدهم ؛ فأنسب لإلى‬ ‫بعض رجال الصوفأية أقوالا تخالف عقيدة أهل السنة ؛ كالقول بالحلول والتحاد‪،‬‬ ‫وبأن الخالق عين المخلوق‪ ،‬والكون عين المكصون‪.‬‬ ‫س فأي‬ ‫ومنهم من حاول تشويه تاريخ رجال الصوفأية‪ ،‬ونزع ثقة الناس بهم‪ ،‬فأرد ف‬ ‫كتبهم حوادث وقصصاا من نسج خياله‪ ،‬فأيها ارتكاب للمنكرات واقتراف للثام‬ ‫لمام الشعراني رحمه ا‬ ‫والكبائر‪ ،‬كما نجد ذلك كثيراا فأي الطبقات الكبرى ل ل‬ ‫تعالى‪ ،‬وهو منها بريء كما سيأتي‪.‬‬ ‫ومنهم المبصشرون والمستشرقون‪ ،‬وأبواق الستعمار الذين درسوا كتب السادة‬ ‫الصوفأية‪ ،‬وكتبوا عنهم المؤلفات لجل التحريف والتزوير والدس‪ ،‬يقصدون بذلك‬ ‫أن يطعنوا اللسلم فأي صميمه‪ ،‬وأن يسلخوا روح الدين عن جسده‪ ،‬ولقد سخدع بهم‬ ‫‪170‬‬

‫أقوام أرادوا أن يفهموا التصوف من كتب هؤلء المستشرقين‪ ،‬كأمثال ]نكلسون‬ ‫اللنكليزي‪ ،‬وجولد زيهر اليهودي‪ ،‬وماسينيون الفرنسي وغيرهم[‪ ،‬فأوقعوا فأي‬ ‫أحابيلهم‪ ،‬وتسفمسموا من أفأكارهم‪ ،‬وانجرفأوا فأي تيار محاربة الصوفأية‪ .‬ول أدري‬ ‫كيف يثق مسلم صادق بأقوال عدوه المخادع الماكر ؟‬ ‫ومنهم اليسفذسج الذين يصدقون هؤلء وهؤلء‪ ،‬فأيعتقدون بهذه المور المدسوسة‬ ‫ويثبتونها فأي كتبهم‪ .‬وكل هذا بعيد عن الصوفأية والتصوف‪.‬‬ ‫فألإن قال قائل‪ :‬إلفن ما نسب لإلى الصوفأية من أقوال مخالفة هي حقا ا من كلمهم بدليل‬ ‫وجودها فأي كتبهم المطبوعة المنشورة‪.‬‬ ‫نقول‪ :‬ليس كل ما فأي كتب الصوفأية لهم ؛ لنها لم ترسلم من حملت الدس‬ ‫والتحريف‪ .‬وما أحوجنا لإلى تضافأر جهود المؤمنين المخلصين لتنقية هذا التراث‬ ‫اللسلمي الثمين مفما لحق به من دس وتحريف‪.‬‬ ‫ولو ثبت بطريق صحيح عن بعض الصوفأية كلم مخالف لحدود الشريعة فأنقول‪:‬‬ ‫ليست كلمة فأرد واحد حجة على جماعة‪ ،‬شعارها ومذهبها التمسك بالكتاب والسنة‪.‬‬ ‫حتى لإنهم ليقولون‪ :‬لإن أول شرط الصوفأي أن يكون واقفاا عند حدود الشريعة‪ ،‬وأل‬ ‫ينحرف عنها قيد شعرة‪ .‬فألإذا هو تخطى هذا الشرط‪ ،‬ووصف نفسه بأنه صوفأي‪،‬‬ ‫فأقد اختلق لنفسه صفة ليست فأيه وزعم ما ليس له‪.‬‬ ‫ولإن من لإضاعة الوقت الثمين النشغارل بمثل هذه اليتفررهات والباطيل المفتراة على‬ ‫هؤلء القوم فأي هذه الوقات التي يوجد ما هو أهم من المجادلة بها‪ ،‬فأهي معروفأة‬ ‫لدى الصوفأية المحققين والعلماء المدققين‪ .‬وعلينا أن نعرف أن التصوف ليس علما ا‬ ‫نتلقاه بقراءة الكتب ومطالعة الكراريس‪ ،‬ولكنه أخلق ولإيمان‪ ،‬وأذواق ومعارف‪،‬‬ ‫ل ينال لإل بصحبة الرجال‪ ،‬الذين اهتدوا بهدي الرسول صلى ا عليه وسلم‪،‬‬ ‫وورثوا عنه العلم والعمل والخلق والمعارف‪ .‬وهو علم ينتقل من الصدر لإلى‬ ‫الصدر‪ ،‬ويفرغه القلب فأي القلب‪.‬‬ ‫وهناك أقوام مغرضون‪ ،‬درسوا كتب السادة الصوفأية وتتبعوا ما فأيها من دس‬ ‫وتشويه وتحريف واعتبروها حقائق ثابتة‪ ،‬وارتكزوا عليها فأي حملتهم العنيفة‬ ‫وتهجماتهم الشديدة على السادة الصوفأية البرار‪ .‬ولو أنهم قرأوا ما يعلنه رجال‬ ‫التصوف فأي جميع كتبهم من استمساكهم بالشريعة واعتصامهم بكتاب ا وسنة‬ ‫‪171‬‬

‫رسوله صلى ا عليه وسلم وتقيدهم بالمذاهب اللسلمية المعتبرة‪ ،‬وتربرصنيلهرم عقيدة‬ ‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬كما بيناه آنفاا فأي بحث بين الحقيقة والشريعة‪ ،‬لدركوا تماما ا‬ ‫أن ما ورد فأي كتبهم مما يناقض هذا المبدأ الواضح والمنهج السوي‪ ،‬لإنما هو‬ ‫مؤول أو مدسوس‪.‬‬ ‫وأ لإليك بعض أمثلة الدس المفتراة على الصوفية وأالعلماء في كتبهم‪:‬‬ ‫يقول ابن الفراء فأي طبقاته نقلا عن أبي بكر المروزي ومسدد وحرب لإنهم قد‬ ‫لمام أحمد بن حنبل‪ ..‬وبعد أن يفيض فأي ذكر‬ ‫رووا الكثير من المسائل‪ ،‬ونسبوها ل ل‬ ‫هذه المسائل يقول‪:‬‬ ‫)رجلن صالحان سبليا بأصحاب سوء‪ :‬جعفر الصادق‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬أما جعفر‬ ‫الصادق فأقد نسبت لإليه أقوال كثيرة‪ ،‬دونت فأي فأقه الشيعة اللمامية على أنها له‪،‬‬ ‫وهو بريء منها‪ .‬وأما اللمام أحمد‪ ،‬فأقد نسب لإليه بعض الحنابلة آراء فأي العقائد لم‬ ‫يقل بها( ]التصوف اللسلمي واللمام الشعراني لطه عبد الباقي سرور صا ‪.[82‬‬ ‫وسئل اللمام الفقيه ابن حجر الهيثمي رحمه ا تعالى ونفعنا به‪ :‬فأي عقائد الحنابلة‬ ‫ما ل يخفى على شريف علمكم‪ ،‬فأهل عقيدة اللمام أحمد بن حنبل رضي ا عنه‬ ‫كعقائدهم ؟‬ ‫فأأجاب بقوله‪) :‬عقيدة لإمام السنة أحمد بن حنبل رضي ا عنه وأرضاه وجعل‬ ‫جنان المعارف متقلبه ومأواه‪ ،‬وأفأاض علينا وعليه من سوابغ امتنانه‪ ،‬وبوأه‬ ‫الفردوس العلى من جنانه‪ ،‬موافأقةف لعقيدة أهل السنة والجماعة من المبالغة التامة‬ ‫فأي تنزيه ا تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواا كبيراا ؛ من الجهة‬ ‫والجسمية وغيرها من سائر سمات النقص‪ ،‬بل وعن كل وصف ليس فأيه كمال‬ ‫مطلق‪ ،‬وما اشتهر بين جهلة المنسوبين لإلى هذا اللمام العظم المجتهد من أنه قائل‬ ‫بشيء من الجهة أو نحوها فأكذب وبهتان وافأتراء عليه‪ .‬فأسلعن من نسب لإليه‪ ،‬أو‬ ‫رماه بشيء من هذه المثالب التي برأه ا منها‪ ،‬وقد بين الحافأظ الحجة القدوة اللمام‬ ‫أبو الفرج بن الجوزي من أئمة مذهبه المبرئين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة‬ ‫أن كل ما نسب لإليه من ذلك كذب عليه وافأتراء وبهتان‪ ،‬وأن نصوصه صريحة فأي‬ ‫بطلن ذلك وتنزيه ا تعالى عنه‪ ،‬فأاعلم ذلك‪ ،‬فألإنه مهم( ]الفتاوى الحديثية لبن‬ ‫حجر المكي صا ‪.[148‬‬ ‫س عليه كتاب نهج البلغة أو‬ ‫وأما اللمام علي بن أبي طالب رضي ا عنه فأقد سد ف‬ ‫‪172‬‬

‫أكثره‪ ،‬فأقد ذكر الذهبي رحمه ا تعالى فأي ترجمة علي بن الحسين الشريف‬ ‫المرتضى أنه‪) :‬هو المتهم بوضع كتاب نهج البلغة‪ ،‬ورمرن طالعه جزم بأنه‬ ‫مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي ا عنه‪ ،‬فأفيه السب الصراح والحط على‬ ‫السيدين أبي بكر وعمر رضي ا عنهما‪ ،‬وفأيه من التناقض والشياء الركيكة‬ ‫والعبارات التي من له معرفأة بنررفس القرشيين الصحابة‪ ،‬وبنررفس غيرهم ممن بعدهم‬ ‫من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل( ]ميزان العتدال للذهبي ج ‪ 3‬صا‬ ‫‪.[124‬‬ ‫س عليه فأي‬ ‫س عليهم اللمام الشعراني رحمه ا تعالى‪ ،‬وأكثر ما سد ف‬ ‫وممن سد ف‬ ‫الطبقات الكبرى‪ ،‬ولقد أوضح ذلك فأي كتابه لطائف المنن والخلق فأقال‪) :‬ومما‬ ‫رمفن ا تبارك وتعالى به علفي‪ ،‬صبري على الحسدة والعداء‪ ،‬لما دسوا فأي كتبي‬ ‫ي‬ ‫ي زوراا وبهتاناا‪ ،‬ومكاتبتهم فأ ف‬ ‫كلماا يخالف ظاهر الشريعة‪ ،‬وصاروا يستفتون عل ف‬ ‫ب السلطان‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬لإعلم يا أخي أن أول ابتلء وقع لي فأي مصر من نحو‬ ‫للبا ل‬ ‫هذا النوع‪ ،‬أنني لما حجرج س‬ ‫ي جماعة مسألة‬ ‫ت سنة سبع وأربعين وتسعمائة‪ ،‬رزفور عل ف‬ ‫فأيها خرق للجماع الئمة الربعة‪ ،‬وهو أنني أفأتي س‬ ‫ت بعض الناس بتقديم الصلة عن‬ ‫وقتها لإذا كان وراء العبد حاجة‪ ،‬قالوا‪ :‬وشاع ذلك فأي الحج‪ ،‬وأرسل بعض العداء‬ ‫مكاتبات بذلك لإلى مصر من الجبل‪ ،‬فألما وصل س‬ ‫ت إلى مصر‪ ،‬حصل فأي لم ر‬ ‫صرر رريج‬ ‫عظيم‪ ،‬حتى وصل ذلك لإلى لإقليم الغربية والشرقية والصعيد وأكابر الدولة بمصر‪،‬‬ ‫فأحصل لصحابي غاية الضرر‪ ،‬فأما رجع س‬ ‫ت لإلى مصر لإل وأجد غالب الناس ينظر‬ ‫ي شذراا‪ ،‬فأقلت‪ :‬ما بال الناس ؟ فأأخبروني بالمكاتبات التي جاءتهم من مكة‪ ،‬فأل‬ ‫لإل ف‬ ‫يعلم عدد من اغتابني‪ ،‬ولث بعرضي لإل ا عز وجل‪.‬‬ ‫ثم لإني لما صنفت كتاب البحر المورود فأي المواثيق والعهود‪ ،‬وكتب عليه علماء‬ ‫المذاهب الربعة بمصر‪ ،‬وتسارع الناس لكتابته‪ ،‬فأكتبوا منه نحو أربعين نسخة‪،‬‬ ‫غار من ذلك الحسدسة‪ ،‬فأاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي‪ ،‬واستعاروا منه‬ ‫نسخته‪ ،‬وكتبوا لهم منها بعض كراريس‪ ،‬ودسوا فأيها عقائد زائغة ومسائل خارقة‬ ‫للجماع المسلمين‪ ،‬وحكايات وسخريات عن جحا‪ ،‬وابن الراوندي‪ ،‬وسبكوا ذلك‬ ‫فأي غضون الكتاب فأي مواضع كثيرة‪ ،‬حتى كأنهم المؤلف‪ ،‬ثم أخذوا تلك‬ ‫الكراريس‪ ،‬وأرسلوها لإلى سوق الكتبلصيين فأي يوم السوق‪ ،‬وهو مجمع طلبة العلم‪،‬‬ ‫فأنظروا فأي تلك الكراريس‪ ،‬ورأوا اسمي عليها‪ ،‬فأاشتراها من ل يخشى ا تعالى‪،‬‬ ‫ثم دار بها على علماء جامع الزهر‪ ،‬ممن كان كتب على الكتاب ومن لم يكتب‪،‬‬ ‫فأأوقع ذلك فأتنة كبيرة‪ ،‬ومكث الناس يلوثون بي فأي المساجد والسواق وبيوت‬ ‫المراء نحو سنة‪ ،‬وأنا ل أشعر‪ .‬وانتصر لي الشيخ ناصر الدين اللقاني‪ ،‬وشيخ‬ ‫‪173‬‬

‫اللسلم الحنبلي‪ ،‬والشيخ شهاب الدين بن الجلبي‪ ،‬كل ذلك وأنا ل أشعر‪ ،‬فأأرسل‬ ‫لي شخص من المحبين بالجامع الزهر‪ ،‬وأخبررني الخبرر فأأرسلت نسختي التي‬ ‫عليها خطوط العلماء‪ ،‬فأنظروا فأيها‪ ،‬فألم يجدوا فأيها شيئا ا مما دسه هؤلء الحسدة‪،‬‬ ‫فأسيبوا من فأعل ذلك‪ ،‬وهو معروف‪.‬‬ ‫وأعر س‬ ‫ي السوء لإلى وقتي هذا‪ ،‬وهذا‬ ‫ف بعض جماعة من المتهصورين‪ ،‬يعتقدون فأ ف‬ ‫بناء على ما سمعوه أولا من سأولئك الحسدة‪ ،‬ثم لإن بعض الحسدة‪ ،‬جمع تلك المسائل‬ ‫التي سدفست فأي تلك الكراريس وجعلها عنده‪ ،‬وصار كلما سمع أحداا يكرهني‪ ،‬يقول‬ ‫له‪ :‬لإن عندي بعض مسائل تتعلق بفلن‪ ،‬فألإن احتجت لإلى شيء منها أطلعتك عليه‪،‬‬ ‫ي وأنا‬ ‫ثم صار يعطي بعض المسائل لحاسد بعد حاسد لإلى وقتي هذا‪ ،‬ويستفتون عل ف‬ ‫ل أشعر‪ ،‬فألما شعر س‬ ‫ت‪ ،‬أرسلت لجميع علماء الزهر أنني أنا المقصود بهذه‬ ‫السئلة‪ ،‬وهي مفتراة علفي‪ ،‬فأامتنع العلماء من الكتابة عليها(]كتاب "لطائف المنن‬ ‫والخلق" للشعراني ج ‪ .2‬صا ‪190‬ـ ‪.[191‬‬ ‫وقد ذكر المؤرخ الكبير عبد الحي بن العماد الحنبلي رحمه ا تعالى فأي كتابه‬ ‫شذرات الذهب فأي أخبار من ذهب ترجمة الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه ا‬ ‫تعالى وبعد أن أثنى عليه‪ ،‬وذكر مؤلفاته الكثيرة‪ ،‬وأثنى عليها أيضا ا قال فأيه‪:‬‬ ‫)وحسده طوائف فأدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع‪ ،‬وعقائد زائغة‪،‬‬ ‫ومسائل تخالف اللجماع‪ ،‬وأقاموا عليه القيامة‪ ،‬وشفنعوا وسيبوا‪ ،‬ورموه بكل‬ ‫عظيمة‪ ،‬فأخذلهم ا‪ ،‬وأظهره ا عليهم وكان مواظبا ا على السنة‪ ،‬ومبالغا ا فأي‬ ‫الورع‪ ،‬سمؤلثراا ذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه‪ ،‬متحملا للذى‪ ،‬موزعا ا أوقاته‬ ‫ف وتسليظك ولإفأادة‪ ..‬وكان سيسرمسع لزاويته دوي كدوي‬ ‫على العبادة ؛ ما بين تصني ظ‬ ‫النحل ليلا ونهاراا‪ ،‬وكان يحيي ليلة الجمعة بالصلة على المصطفى صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬ولم يزل مقيما ا على ذلك‪ ،‬مع ف‬ ‫ظما ا فأي صدور الصدور‪ ،‬لإلى أن نقله ا تعالى‬ ‫لإلى دار كرامته( ]"شذرات الذهب فأي أخبار من ذهب" للمؤرخ الفقيه الديب عبد‬ ‫الحي الحنبلي المتوفأى سنة ‪1089‬هـ‪ .‬ج ‪ .8‬صا ‪.[374‬‬ ‫س الزنادقة‬ ‫وقال الشعراني رحمه ا تعالى فأي كتابه اليواقيت والجواهر‪) :‬وقد د ف‬ ‫تحت وسادة اللمام أحمد بن حنبل فأي مرض موته‪ ،‬عقائد زائغة‪ ،‬ولول أن أصحابه‬ ‫يعلمون منه صحة العتقاد‪ ،‬لفأتتنوا بما وجوده تحت وسادته( ]اليواقيت والجواهر‬ ‫فأي بيان عقائد الكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[8‬‬ ‫وكذلك ذكر الشيخ مجد الدين الفيروز أبادي صاحب القاموس فأي اللغة‪ :‬أن بعض‬ ‫‪174‬‬

‫الملحدة صنف كتابا ا فأي تنقيص اللمام العظم أبي حنيفة رضي ا تعالى عنه‬ ‫وأضافأه لإليه‪ ،‬ثم أوصله لإلى الشيخ جمال الدين بن الخياط اليمني‪ ،‬فأشفنع على الشيخ‬ ‫أشد التشنيع‪ ،‬فأأرسل لإليه الشيخ مجد الدين يقول له‪) :‬لإني معتقد فأي اللمام أبي‬ ‫حنيفة غاية العتقاد‪ ،‬وصنفت فأي مناقبه كتابا ا حافألا وبالغ س‬ ‫ت فأي تعظيمه لإلى الغاية‪،‬‬ ‫ي( ]لطائف المنن‬ ‫فأأحلررق هذا الكتاب الذي عندك‪ ،‬أو اغسله‪ ،‬فألإنه كذب وافأتراء عل ف‬ ‫والخلق للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[127‬‬ ‫وقال الفقيه الكبير أحمد بن حجر الهيثمي المكي رحمه ا تعالى‪) :‬ولإياك أن تغتفر‬ ‫بما وقع فأي كتاب الغنية للمام العارفأين‪ ،‬وقطب اللسلم والمسلمين‪ ،‬الشيخ عبد‬ ‫القادر الجيلني‪ .‬فألإنه دسه عليه فأيها رمرن سينتقم ا منه‪ ،‬ولإل فأهو بريء من ذلك‪.‬‬ ‫ب والسنلة وفأقله الشافأعيلة‬ ‫وكيف تروج عليه هذه المسألة الواهية مع تضلعه من الكتا ل‬ ‫والحنابللة‪ ،‬حتى كان يفتي على المذهبين‪ .‬هذا مع ما انضم لذلك من أن ا رمفن عليه‬ ‫من المعارف والخوارق الظاهرة والباطنة‪ .‬وما أنبأ عنه ما ظهر عليه وتواتر من‬ ‫أحواله‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬فأكيف سيتصور أو سيتوهم أنه قائل بتلك القبائح التي ل يصدر‬ ‫مثلها لإل عن اليهود وأمثالهم ممن استحكم فأيهم الجهل بال وصفاته وما يجب له‬ ‫وما يجوز وما يستحيل‪ .‬سبحانك هذا بهتان عظيم( ]"الفتاوى الحديثية" لبن حجر‬ ‫صا ‪.[149‬‬ ‫وكذلك دسوا على اللمام الغزالي عدة مسائل فأي كتاب اللحياء‪ ،‬وظفر القاضي‬ ‫عياض بنسخة من تلك النسخ فأأمر بلإحراقها ]"اليواقيت والجواهر" ج ‪ .1‬صا ‪.[8‬‬ ‫قال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ومفما ديسوا على الغزالي‪ ،‬وأشاعه بعضهم عنه‪،‬‬ ‫قولهم عنه لإنه قال‪] :‬لإن ل عباداا لو سألوه أن ل يقيم الساعة لم يقمها‪ ،‬ولإن ل عباداا‬ ‫لو سألوه أن يقيم الساعة الن لقامها[‪ .‬فألإن مثل ذلك كذب وزور على اللمام حجة‬ ‫اللسلم رضي ا تعالى عنه وأرضاه‪ ،‬يجب على كل عاقل تنزيه اللمام عنه‪ ،‬لنه‬ ‫يريد النصوصا القاطعة الواردة فأي مقدمات الساعة‪ ،‬فأيؤدي ذلك لإلى تكذيب الشارع‬ ‫صلى ا عليه وسلم فأيما أخبر‪ ،‬وإلرن سوجد ذلك فأي بعض مؤلفات اللمام فأذلك‬ ‫مدسوس عليه من بعض الملحدة‪ ،‬وقد رأيت كتابا ا كاملا مشحونا ا بالعقائد المخالفة‬ ‫لهل السنة والجماعة‪ ،‬صفنفه بعض الملحدين ونسبه لإلى اللمام الغزالي‪ ،‬فأاطلع‬ ‫ف هذا‬ ‫ب وا وافأترى رمرن أضا ر‬ ‫عليه الشيخ بدر الدين ابن جماعة‪ ،‬فأكتب عليه‪ :‬كذ ر‬ ‫الكتاب لإلى حجة اللسلم( ]"لطائف المنن والخلق" للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[127‬‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬وكذلك دسوا علفي أنا فأي كتابي المسمى بالبحر المورود جملةا من‬ ‫‪175‬‬

‫العقائد الزائغة‪ ،‬وأشاعوا تلك العقائد فأي مصر ومكة نحو ثلث سنين‪ ،‬وأنا بريء‬ ‫منها كما بريفرن س‬ ‫ت فأي خطبة الكتاب لفما غيرتها‪ ،‬وكان العلماء كتبوا عليه وأجازوه‪،‬‬ ‫فأما سكنت الفتنة حتى أرسلت لإليهم النسخة التي عليها خطوطهم( ]"اليواقيت‬ ‫والجواهر" ج ‪ .1‬صا ‪.[8‬‬ ‫هذا وقد مل خصوسمه الدنيا حوله حقداا وحسداا‪ ،‬وافأتراء وكذبا ا وتضلي ا‬ ‫ل‪ ،‬لسيما فأي‬ ‫كتبه المعروفأة‪ ،‬وأشهرها الطبقات الكبرى‪.‬‬ ‫ص س‬ ‫ف بين كلم الشعراني رحمه ا تعالى الذي يعلن فأيه تمسك‬ ‫فألو قارن السمرن ل‬ ‫الصوفأية بالشريعة‪ ،‬وقد مر بك فأي بحث بين الحقيقة والشريعة ]انظر بحث بين‬ ‫الحقيقة والشريعة صا ‪ 381‬من هذا الكتاب[ وبين كلمه فأي الطبقات الكبرى لرأى‬ ‫تباينا ا ظاهراا‪ ،‬ولظهر له كذب ما فأي الطبقات‪.‬‬ ‫وكذلك دسوا على الشيخ محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪ ،‬قال الشعراني‪:‬‬ ‫)كان رضي ا عنه متقيداا بالكتاب والسنة‪ ،‬ويقول‪ :‬كل رمرن رمى ميزان الشريعة‬ ‫من يده لحظة هلك‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬وهذا اعتقاد الجماعة لإلى قيام الساعة‪ ،‬وجميع ما‬ ‫لم يفهمه الناس من كلمه لإنما هو للسعصلو مراقيه‪ ،‬وجميع ما عارض من كلمه ظاهر‬ ‫الشريعة وما عليه الجمهور فأهو مدسوس عليه‪ ،‬كما أخبرني بذلك سيدي أبو طاهر‬ ‫المغربي نزيل مكة المشرفأة‪ ،‬ثم أخرج لي نسخة الفتوحات التي قابلها على نسخة‬ ‫الشيخ التي بخطه فأي مدينة قونيه‪ ،‬فألم أر فأيها شيئا ا مما كنت توقفت فأيه وحذفأته‬ ‫حين اختصرت الفتوحات‪ ..‬ثم قال الشعراني رحمه ا تعالى‪ :‬لإذا علمت ذلك‪،‬‬ ‫فأيحتمل أن الحسدة دسوا على الشيخ فأي كتبه‪ ،‬كما دسوا فأي كتبي أنا‪ ،‬فألإنه أمر قد‬ ‫شاهدته عن أهل عصري فأي حقي‪ ،‬فأال يغفر لنا ولهم آمين( ]"اليواقيت‬ ‫والجواهر" للشعراني ج ‪ 1‬صا ‪.[9‬‬ ‫ذكر الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار أن‪) :‬من قال عن فأصوصا الحكم للشيخ‬ ‫لضلل‪ ،‬ورمرن طالعه‬ ‫محي الدين بن عربي‪ ،‬لإنه خارج عن الشريعة‪ ،‬وقدصنفه ل ل‬ ‫ملحد‪ ،‬ماذا يلزمه ؟ أجاب‪ :‬نعم‪،‬فأيه كلمات تباين الشريعة‪ ،‬وتكلف بعض المتصصلفين‬ ‫للرجاعها لإلى الشرع‪ ،‬لكن الذي تيقرنسته أن بعض اليهود افأتراها على الشيخ قدس‬ ‫ا سره‪،‬فأيجب الحتياط بترك مطالعة تلك الكلمات‪ .‬قال العلمة ابن عابدين رحمه‬ ‫ا تعالى فأي حاشيته على الدر المختار عندقوله‪] :‬لكن الذي تيقرنسته[‪ :‬وذلك بدليظل‬ ‫ب عدلم اطلعه على مراد الشيخ فأيها‪ ،‬وأنه ل يمكن تأويلها‪،‬‬ ‫ثبت عنده‪ ،‬أو لسب ل‬ ‫فأتعفين عنده أنها مفتراة عليه‪ ،‬كما وقع للشيخ الشعراني أنه افأترى عليه بعض‬ ‫‪176‬‬

‫الحساد فأي بعض كتبه أشياء مكفرة‪ ،‬وأشاعها عنه‪ ،‬حتى اجتمع بعلماء عصره‪،‬‬ ‫ي عليه‪.‬‬ ‫فأأخرج لهم مسودة كتابه التي عليها خطوط العلماء فألإذا هي خالية عما ارفأتسلر ر‬ ‫وقال ابن عابدين أيضاا عند قوله‪] :‬فأيجب الحتياط[‪ :‬لنه لإن ثبت افأتراؤها فأالمر‬ ‫ظاهر‪ ،‬ولإل فأل يفهم كيل أحد مرارده فأيها‪ ،‬فأسيخشى على الناظر فأيها من اللنكار‬ ‫عليه‪ ،‬أو فأهم خلف المراد( ]حاشية ابن عابدين ج ‪ .3‬صا ‪ ،303‬وصاحب الدر‬ ‫المختار الشيخ محمد علء الدين الحصكفي المتوفأى سنة ‪1088‬هـ[‪.‬‬ ‫ومن المدسوس على الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى أيضاا‪ :‬القول بأن أهل النار‬ ‫يتلذذون بدخولهم النار‪ ،‬وأنهم لو أخرجوا منها‪ ،‬تعذبوا بذلك الخروج‪.‬‬ ‫قال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ولإن سوجد نحو ذلك فأي شيء من كتبه فأهو‬ ‫مدسوس عليه‪ ،‬فألإني مررت على كتاب الفتوحات المكية جميعه فأرأيته مشحونا ا‬ ‫بالكلم على عذاب أهل النار( ]"الكبريت الحمر" صا ‪ 276‬طبعة ‪ .1277‬كذا فأي‬ ‫مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم ‪ 1381‬صا ‪.[21‬‬ ‫س فأي كتاب الفصوصا والفتوحات‪ ،‬أن الشيخ محي الدين‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬كذب رمرن د ف‬ ‫بن عربي قال بأن أهل النار يتلذذون بالنار‪ ،‬وأنهم لو سأخرجوا منها لستغاثوا‪،‬‬ ‫وطلبوا الرجوع لإليها‪ ،‬كما رأيت ذلك فأي هذين الكتابين‪ .‬وقد حذفأت ذلك من‬ ‫الفتوحات حال اختصاري لها‪ .‬حتى ورد عن الشيخ شمس الدين الشريف‪ ،‬بأنهم‬ ‫دسوا على الشيخ فأي كتبه كثيراا من العقائد الزائغة التي نقلت عن غير الشيخ‪ ،‬فألإن‬ ‫الشيخ لمرن سكفمل العارفأين بلإجماع أهل الطريق‪ ،‬وكان جليس رسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم على الدوام‪ ،‬فأكيف يتكلم بما يهدم شيئاا من أركان شريعته‪ ،‬ويساوي بين‬ ‫دينه وبين جميع الديان الباطلة‪ ،‬ويجعل أهل الدارين سواء ؟! هذا ل يعتقده فأي‬ ‫الشيخ لإل من عزرل عنه عقله‪ .‬فألإياك يا أخي أن تصدق‪ ،‬من يضيف شيئا ا من العقائد‬ ‫الزائغة لإلى الشيخ‪ ،‬واحلم سمعك وبصرك وقلبك‪ ،‬وقد نصحستك والسلم‪ .‬وقد رأيت‬ ‫فأي عقائد الشيخ محي الدين الواسطي ما نصه‪ :‬ونعتقد أن أهل الجنة والنار‬ ‫مخلدون فأي داررريلهما‪ ،‬ل يخرج أحد منهم من داره أبد البدين ودهر الداهرين‪..‬‬ ‫قال‪ :‬ومرادنا بأهل النار الذين هم أهلها من الكفار والمشركين والمنافأقين‬ ‫والمع ص‬ ‫طلين‪ ،‬ل عصاة الموحدين فألإنهم يخرجون من النار بالنصوصا( ]"اليواقيت‬ ‫والجواهر" للشعراني ج ‪ .2‬صا ‪.[205‬‬ ‫ويؤيد ما ذكرنا بأن هذا القول مدسوس على الشيخ محي الدين ما ذكره الشيخ نفسه‬ ‫فأي الباب الحادي والسبعين وثلثمائة من الفتوحات‪ ،‬عندما تغلق أبواب النار‪ ،‬كيف‬ ‫‪177‬‬

‫يصير أهلها كقطع اللحم حينما تغلي بهم النار ويصير أعلهاأسفلها‪ .‬وكذلك ما‬ ‫ذكره اللمام الباجوري الشافأعي فأي شرحه على جوهرة التوحيد‪) :‬وما يقال بتمرن‬ ‫أهل النار بالعذاب‪ ،‬حتى لو أسرلسقوا فأي الجنة لتألموا مدسوس على القوم ]الصوفأية[‬ ‫كيف وقد قال تعالى‪} :‬فأسذوسقوا فأرلررن رنزيردسكم إل رعذاباا{ ]النبأ‪] [30 :‬حاشية العلمة‬ ‫شيخ اللسلم لإبراهيم الباجوري صا ‪.[108‬‬ ‫فأكيف يعتقد مسلم هذه العقيدة الفاسدة التي تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة ؟ وقد‬ ‫نص على ذلك الشيخ محمد بن يوسف الكافأي‪ ،‬بعد أن ذكر فأريق الجنة‪ ،‬وأنهم‬ ‫مخلدون فأيها ومنعمون‪ ،‬ذكر فأريق أهل النار فأقال‪) :‬وفأريق السعير خالدون فأيه‬ ‫أبداا‪ ،‬ل ينقطع عنهم ألم العذاب‪ ،‬وقال بعضهم‪] :‬ينقطع عنهم‪ ،‬وينقلب فأي حقهم‬ ‫استلذاذاا‪ ،‬بحيث لو سعرضت عليهم الجنة ر‬ ‫لبروها‪ ،‬لما هم فأيه من الستلذاذ[‪ .‬ومعتقد‬ ‫هذا كافأر بل شك ول ريب‪ ،‬لتكذيبه ا تعالى فأي خبره‪} :‬إفن الذيرن ركرفروا وماتوا‬ ‫س أجمعيرن ‪ .‬خالديرن فأيها ل يخفف س‬ ‫ف‬ ‫وسهم سكففافر أولئ ر‬ ‫ك عليلهم لعنرةس ال والملئركلة والنا ل‬ ‫ب ول هسرم يسرنظرسرورن{ ]البقرة‪161 :‬ـ ‪ .[162‬وفأي خبره أيضاا‪} :‬إفن الذيرن‬ ‫عنهسسم العذا س‬ ‫ضرج ر‬ ‫كفسروا بآيالتنا سوف نس ر‬ ‫ت سجسلودسهم برفدرلناسهم سجلوداا غيرها‬ ‫صليهم ناراا سكفلما نر ل‬ ‫ب{ ]النساء‪ .[56 :‬وغير ذلك من اليات الدالة على استمرار عذابهم(‬ ‫ليذوقوا العذا ر‬ ‫]المسائل الكافأية للشيخ محمد بن يوسف الكافأي التونسي صا ‪.[19‬‬ ‫ومما نسب لإلى الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى أيضا ا افأترااء عليه القوسل‪ :‬بسقوط‬ ‫التكليف‪.‬‬ ‫يقول العلمة الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬وقد ذكر الشيخ محي الدين أنه ل يجوز‬ ‫لولي قط المبادرة لإلى فأعل معصية اطلع من طريق كشفه على تقديرها عليه‪ ،‬كما‬ ‫ل يجوز لمن سكشف له أن يمرض فأي اليوم الفلني من رمضان‪ ،‬أن يبادر للفطر‬ ‫فأي ذلك اليوم‪ ،‬بل يجب عليه الصبر حتى يتلبس بالمرض‪ ،‬لن ا تعالى ما شرع‬ ‫الفطر لإل مع الترليبس بالمرض أو غيره من العذار‪ ،‬قال‪ :‬وهذا مذهبنا ومذهب‬ ‫المحققين من أهل ا عز وجل( ]مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم ‪ 1381‬صا‬ ‫‪.[21‬‬ ‫س على العارف الكبير الشيخ لإبراهيم الدسوقي رحمه ا تعالى قوله‪) :‬أذن‬ ‫ومما سد ف‬ ‫لي ربي أن أتكلم وأقول أنا ا‪ ،‬فأقال لي‪ :‬قل‪ :‬أنا ا ول تبالل( وفأي هذا من الشناعة‬ ‫والجتراء‪ ،‬ما يغني عن اللطالة ]مجلة العشيرة المحمدية عدد محرم ‪ 1381‬صا‬ ‫‪.[23‬‬ ‫‪178‬‬

‫س على رابعة العدوية رحمها ا تعالى‪ ،‬قولها عن الكعبة‪] :‬هذا الصنم‬ ‫ومما سد ف‬ ‫المعبود فأي الرض[ ]وقد عمد بعض المغرضين الدساسين لإلى تقصي جميع‬ ‫النصوصا المدسوسة والمكذوبة على الصوفأية ليتخذها ذريعة فأي حملته‬ ‫المغرضة‪ ،‬وتهجمه الشنيع على الصوفأية بأسلوب مقذع وعبارات منحطة بعيدة‬ ‫عن أخلق اللسلم وصفات المؤمنين ل يدفأعه لإلى ذلك لإل حقد دفأين وهوى نفسي‬ ‫ومآرب شخصية[‪ .‬وهذا ابن تيمية نفسه سيكصذب نسبة هذا القول لإليها ويبين أنه‬ ‫مدسوس ومكذوب عليها‪ ،‬فأقد قال حين سئل عن ذلك‪) :‬وأما ما ذكر عن رابعة من‬ ‫قولها عن البيت‪ :‬لإنه الصنم المعبود فأي الرض‪ ،‬فأهو كذب على رابعة المؤمنة‬ ‫التقية‪ ،‬ولو قال هذا من قال لكان كافأراا يستتاب‪ ،‬فألإن تاب ولإل قتل‪ ،‬وهو كذب‪ .‬فألإن‬ ‫البيت ل يعبده المسلمون ؛ ولكنهم يعبدون رب البيت بالطواف به والصلة لإليه(‬ ‫]"مجموعة الرسائل والمسائل" لبن تيمية ج ‪ 1‬صا ‪80‬ـ ‪.[81‬‬ ‫ولو ذهبنا نستقصي ألوان التزييف فأي التاريخ اللسلمي والتصوف لما رولسرعرتنا هذه‬ ‫الرسالة‪ ،‬لإذ التصوف كان نصيبه من الدس والفأتراء أعظم من غيره‪ ،‬لن‬ ‫المزيفين أدركوا أن التصوف هو روح اللسلم‪ ،‬وأن الصوفأية هم قوته النافأذة‬ ‫الضخمة وشعلته الوضاءة المشرقة‪ ،‬فأأرادوا أن يطفئوا هذا النور‪ .‬قال تعالى‪:‬‬ ‫}سيريدورن لليس ر‬ ‫طلفئوا نورر ال بأفأوالهلهم واس سمتليم نولرله ولو ركلرهر الكافأرورن{ ]الصف‪:‬‬ ‫‪.[8‬‬ ‫ولإننا ل ننسى أن الذي ساعد على الدس والتضليل والفأتراء عدم الطباعة الفنية‬ ‫والمراقبة الشديدة فأي الماضي‪ ،‬كما هي عليه اليوم فأي عصرنا الحاضر من الطبع‬ ‫المنظم‪ ،‬ومن العقوبات القانونية لمن يتجرأ على طبع شيء من الكتب بغير لإذن‬ ‫مؤلفها‪ ،‬بخلف عصر النرسخ للكتب الخطية‪ ،‬فأقد كان الدساسون والكذابون‬ ‫يروجون كتباا فأيها ما فأيها من الدجل والكذب ما ا به عليم‪ ،‬وسيدخلون على كتب‬ ‫العلماء وخصوصاا الصوفأية الدسائس والباطيل‪.‬‬ ‫ض لهذا الدين رجالا سهروا على تنقية الكتب‬ ‫ولكن ا تعالى ـ وله الحمد ـ قيف ر‬ ‫اللسلمية‪ ،‬وبفينوا المدسوس فأيها من الصحيح‪.‬‬ ‫ونحن بهذا الكتاب المتواضع نساهم فأي تنقية التصوف اللسلمي مما علق به من‬ ‫دسائس وأمور دخيلة عليه‪ ،‬لنعيد له صفاءه وبريقه ولينتفع الناس من طاقاته‬

‫‪179‬‬

‫الروحية ونفحته الليمانية فأي هذا العصر الذي خفيمت عليه ظلمات المادية وآثام‬ ‫اللباحية وتيارات الللحاد والوجودية‪..‬‬ ‫صوفية‬ ‫سادة ال ي‬ ‫تأوأيل كلم ال ذ‬ ‫لإن ما نراه فأي كتب الصوفأية من المور التي يخالف ظاهرها نصوصا الشريعة‬ ‫وأحكامها‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ـ لإما أن تكون مدسوسة عليهم من قبل الزنادقة والحسدة وأعداء اللسلم كما بيففنا‪.‬‬ ‫ـ ولإما أن يكون كلما ا قابلا للتأويل‪ ،‬تحدثوا به من باب اللشارة أو الكناية أو‬ ‫المجاز‪ ،‬كما نرى ذلك فأي كثير من الكلم العربي‪ ،‬ونجده بارزاا فأي كتاب ا‬ ‫تعالى فأي مواطن عديدة‪ ،‬كما فأي قوله تعالى‪} :‬وسأشلرسبوا فأي سقلوبللهسم اللعرجرل{‬ ‫]البقرة‪ .[93 :‬أي حب العجل‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬واسألل القريررة{ ]يوسف‪ .[82 :‬أي أهل القرية‪.‬‬ ‫وقوله عز وجل‪} :‬أرو رمرن كارن مريتا ا فأأرحيرريرناسه{ ]النعام‪ .[122 :‬أي كان ميت القلب‪،‬‬ ‫فأأحياه ا تعالى‪.‬‬ ‫س لمرن ال ي‬ ‫ت إلى النولر{ ]لإبراهيم‪ .[1 :‬أي من‬ ‫وقوله تعالى‪} :‬لستخلررج النا ر‬ ‫ظسلما ل‬ ‫ظلمات الكفر لإلى نور الليمان‪.‬‬ ‫كما نلحظ فأي بعض اليات القرآنية الكريمة تعارضا ا فأي الظاهر‪ ،‬ولكنا لو تعمقنا‬ ‫فأي فأهمها‪ ،‬ودققنا فأي مدلولها ومتعلقها‪ ،‬لوجدناها قابلة للتأويل‪ ،‬وبذلك ل نستطيع‬ ‫أن نقول‪ :‬لإن فأي القرآن تعارضا ا أو تصادماا‪.‬‬ ‫ك ل تهلدي رمرن أحبررب ر‬ ‫ت{ ]القصص‪ .[56 :‬ويقول فأي‬ ‫فأمثلا ؛ يقول ا تعالى‪} :‬إنف ر‬ ‫ك لررتهلدي إلى صراظط سمسرتقيظم{ ]الشورى‪.[52 :‬‬ ‫موطن آخر‪} :‬وإنف ر‬ ‫صرين تعارضا ا ؛ لن الول ينفي‬ ‫فأقد يرى رمرن ليس عنده علم فأي التفسير أن بين الن ف‬ ‫عن الرسول صلى ا عليه وسلم الهداية‪ ،‬والثاني يثبت له الهداية‪ .‬ولكنه لو سأل‬ ‫ق الهداية‪ ،‬وأن معناها فأي‬ ‫أهل الذكر لخبروه أن الهداية فأي الية الولى بمعنى خرل ل‬ ‫صين عند أهلل الفهم‪.‬‬ ‫الية الثانية الدللة واللرشاد‪ .‬فأل تعارض بين الن ف‬ ‫‪180‬‬

‫وكذلك نجد أن بعض الحاديث النبوية الشريفة ل يصح حملها على ظاهرها‪ ،‬بل‬ ‫لبد من تأويلها على معان تلئم باقي نصوصا الشرع‪ ،‬وتطابق صريح القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬وفأي هذا المعنى يقول اللمام الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬وقد أجمع أهل‬ ‫الحق على وجوب تأويل أحاديث الصفات‪ ،‬كحديث‪" :‬ينزل ربنا تبارك وتعالى كل‬ ‫ليلة لإلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الرخر ؛ فأيقول‪ :‬من يدعوني فأأستجيب‬ ‫له ؟ من يسألني فأأعطريه ؟ من ريستغفرني فأأغفرر له ؟" ]أخرجه البخاري فأي‬ ‫صحيحه فأي كتاب أبواب التهجد عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬ومسلم فأي كتاب‬ ‫الذكر والدعاء[‪ .‬وقد بلغ بأحد الضالين أن يقول‪ ،‬وكان على منبر‪ ،‬فأنزل درجة منه‬ ‫وقال للناس‪ :‬ينزل ربكم عن كرسيه لإلى السماء ؛ كنزولي عن منبري هذا‪ ،‬وهذا‬ ‫جهل ليس فأوقه جهل( ]"التصوف اللسلمي واللمام الشعراني" لطه عبد الباقي‬ ‫سرور صا ‪.[105‬‬ ‫ومن جملة التأويل فأي الحديث‪ ،‬تأويل حديث "لإن ا خلق آدم على صورته" ]رواه‬ ‫مسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر والصلة عن أبي هريرة رضي ا عنه وأول‬ ‫الحديث‪" :‬لإذا قاتل أحدكم أخاه فأليجتنب الوجه‪ .["..‬قال العلمة ابن حجر الهيثمي‬ ‫رحمه ا تعالى مؤولا ذلك‪) :‬ويصح أن يكون الضمير ل تعالى كما هو ظاهر‬ ‫السياق‪ ،‬وحينئظذ يتعين أن المراد بالصورة الصفة‪ ،‬أي أن ا تعالى خلق آدم على‬ ‫أوصافأه‪ .‬من العلم والقدرة وغيرهما‪ ،‬ويؤيد هذا الحدي س‬ ‫ث الصحيح عن عائشة‬ ‫رضي ا عنها‪" :‬كان صلى ا عليه وسلم سخلسسقه القرآن" ]هذا الحديث فأقرة من‬ ‫حديث طويل ولفظه‪" :‬قال سعد بن هشام‪ :‬يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم قالت‪ :‬ألرس ر‬ ‫ق نبي‬ ‫ت تقرأ القرآن ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قالت‪ :‬فألإن سخلس ر‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم كان القرآن"‪ .‬رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب صلة‬ ‫المسافأرين وقصرها‪ ،‬باب جامع صلة الليل[‪ ،‬وحديث‪" :‬تخلقوا بأخلق ا‬ ‫تعالى"‪.‬‬ ‫فأالمطلوب من الكامل أن يطصهر أخلقه‪ ،‬وأوصافأه من كل نقص‪ ،‬ليحصل له نو س‬ ‫ع‬ ‫س بأخلق ربه‪ ،‬أي صفاته‪ ،‬ولإل فأشفتان ما بين أوصاف القديم والحادث‪ .‬وبهذا‬ ‫تأ ي‬ ‫التقرير سيعرلم أن هذا الحديث غاية المدح لدم عليه السلم‪ ،‬حيث أوجد ا فأيه‬ ‫ت كصفاته تعالى بالمعنى الذي قررته‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬والحاصل أن الحديث لإن‬ ‫صفا ظ‬ ‫أعيرد الضمير فأيه ل تعالى‪ ،‬وجب تأويله على ما هو المعروف من مذهب الخلف‬ ‫الذي هو أحكسم وأعلسم‪ ،‬خلفأا ا لفرقة ضلوا عن الحق‪ ،‬وارتكبوا عظالئم من الجهة‬ ‫والتجسيم اللذرين هما كفر عند كثير من العلماء‪ ،‬أعاذنا ا من ذلك بمصنه وكرمه(‬ ‫‪181‬‬

‫]الفتاوأى الحديثية لبن حجر الهيثمي ص ‪[214‬هلل‪.‬‬ ‫قال العلمة المناوي فأي شرحه على الجامع الصغير‪ ،‬عند قوله صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪" :‬لإن ا يقول يوم القيامة‪ ،‬يا ابن آدم مرض س‬ ‫ت فألم تعدني‪ .‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬كيف‬ ‫أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال‪ :‬أرما علم ر‬ ‫ت أفن عبدي فألنا ا مرض فألم تعده ؟ أما‬ ‫علم ر‬ ‫ت أنك لو سعدرته لوجدتني عنده" ؟ ]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب البر‬ ‫والصلة عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ ...‬لإلخ الحديث‪) :‬سئل بعض العارفأين عن‬ ‫ت الحق فأي لإضافأة الجوع والظمأ لنفسه ؛ هل الررولى لإبقاسؤها على ما وردت‪،‬‬ ‫ترنريزل ل‬ ‫أو تأويلها كما أفولها الحق لعبده حين قال‪ :‬كيف أطعمك‪ ..‬لإلخ ؟ فأقال‪ :‬الواجب‬ ‫تأويلها للعوام لئل يقعوا فأي جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة‪ ،‬وأما‬ ‫العارف فأعليه الليمان بها على حد ما يعلمه ا‪ ،‬ل على حد نسبتها للخلق‬ ‫لستحالته‪ ،‬وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق‪ ،‬فأل يجتمع قط مع خلقه فأي جنس‬ ‫ول نوع ول شخص‪ ،‬ول تلحقه صفةس تشبيه ؛ لنها ل تكون لإل لمن يجتمع مع‬ ‫خلقه فأي حال من الحوال‪ .‬ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئل يفورتهم كمال‬ ‫الليمان‪ ،‬لنه ما كلفهم لإل بالليمان به ل بماأولوه‪ ،‬فأقد ل يكون مراداا للحق‪ ،‬فأالدب‬ ‫لإضافأتنا لإليه كفل ما أضافأه لنفسه تعالى‪ ..‬لإلخ( ]فيض القدير شرح الجامع الصغير‬ ‫للعلمة المناوأي ج ‪ 2‬ص ‪[313‬هلل‪.‬‬ ‫فألإذا كان كلم سيد المرسلين صلى ا عليه وسلم وقد أوتي الفصاحة والبلغة‬ ‫ووضوح اللفظ ولإشراق التعبير وجوامع الكلم ؛ قد احتاج فأي بعض الحيان لإلى‬ ‫التأويل ؛ بحمل معانيه على غير ما يفيده ظاهر لفظه‪ ،‬فألإن كلم غيره من أمته‬ ‫ممن لم يبلغ شأوه فأي البيان والفصاحة قابل للتأويل محتمل للتفسير من باب أولى‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فألإن لكل فأن من الفنون أو علم من العلوم كالفقه والحديث‬ ‫والمنطق والنحو والهندسة والجبر والفلسفة اصطلحات خاصة به‪ ،‬ل يعلمها لإل‬ ‫أرباب ذلك العلم‪ ،‬فأهل يفهم الطبيب اصطلح المهندس‪ ،‬أو يفهم المهندس اصطلح‬ ‫الطبيب حين يعبر كل منهما عن آلته ومسميات فأنه ؟‬ ‫ومن قرأ كتب علم من العلوم دون أن يعرف اصطلحاته‪ ،‬أو يطلع على رموزه‬ ‫ولإشاراته‪ ،‬فألإنه يؤول الكلم تأويلت شتى مغايرة لما يقصده العلماء‪ ،‬ومناقضة لما‬ ‫يريده الكاتبون فأيتيه ويضل‪.‬‬ ‫وللصوفأية اصطلحاتهم التي قامت بعض الشيء مقام العبارة فأي تصوير‬ ‫‪182‬‬

‫مدركاتهم ومواجيدهم‪ ،‬حين عجزت اللغة عن ذلك‪ .‬فألبد لمن يريد الفهم عنهم من‬ ‫صحبتهم حتى تتضح له عباراتهم‪ ،‬ويتعرف على لإشاراتهم ومصطلحاتهم ؛‬ ‫فأيستبين له أنهم لم يخرجوا عن الكتاب والسنة‪ ،‬ولم ينحرفأوا عن الشريعة الغراء‪،‬‬ ‫وأنهم هم الفاهمون لروحها‪ ،‬الواقفون على حقيقتها‪ ،‬الحارسون لتراثها‪.‬‬ ‫قال بعض العارفأين‪) :‬نحن قوم يحرم النظر فأي كتبنا على من لم يكن من أهل‬ ‫طريقنا( ]"اليواقيت والجواهر" للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪ .[22‬لن الغاية من تدوين‬ ‫هذه العلوم لإيصالها لهلها‪ ،‬فألإذا اطلع عليها رمرن ليس من أهلها جهلها‪ ،‬ثم عاداها‪،‬‬ ‫لن اللنسان عدو لما جهل‪ .‬ولذلك قال السيد علي بن وفأا رحمه ا تعالى‪) :‬إلفن من‬ ‫ردفورن المعارف والسرار لرم يدصونها للجمهور‪ ،‬بل لو رأى رمرن يطالع فأيها مفمن ليس‬ ‫هو بأهلها لنهاهس عنها( ]نفس المصدر السابق[‪.‬‬ ‫وأتوضيحا ا للموضوع نقول‪:‬‬ ‫لإن كلم السادة الصوفأية فأي تحذير من ل يفهم كلمهم ول يعرف اصطلحاتهم من‬ ‫قراءة هذه الكتب ليس من قبيل كتم العلم‪ ،‬ولكن خوفأا ا من أن يفهم الناس من كتبهم‬ ‫غير ما يقصدون‪ ،‬وخشية أن يؤولوا كلمهم على غير حقيقته‪ ،‬فأيقعوا فأي اللنكار‬ ‫والعتراض‪ ،‬شأن من يجهل علماا من العلوم‪ .‬لن المطلوب من المؤمن أن‬ ‫يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلم وما يتفق مع مستواهم فأي العلم والفهم‬ ‫والستعداد‪ ،‬ولهذا أفأرد البخاري فأي صحيحه بابا ا فأي ذلك فأقال‪" :‬باب من خص‬ ‫بالعلم قوماا دون قوم كراهية أن ل يفهموا‪ ،‬وقال علي رضي ا عنه‪) :‬حدثوا‬ ‫ب ا ورسولهس ؟" ]"صحيح البخاري" كتاب‬ ‫الناس بما يعرفأون‪ ،‬أتحبون أن سيكفذ ر‬ ‫العلم[‪ .‬قال العلمة العيني رحمه ا تعالى فأي شرحه لهذا الحديث‪) :‬ترك بعض‬ ‫الناس من التخصيص بالعلم لقصور فأهمهم‪ ،‬والمراد كلموهم على قدر عقولهم‪،‬‬ ‫وفأي كتاب العلم لدم بن لإياس عن عبد ا بن داود عن معروف فأي آخره‪" :‬ودعوا‬ ‫ما ينكرون"‪ .‬أي ما يشتبه عليهم فأهمه‪ ،‬وفأيه دليل على أن المتشابه ل ينبغي أن‬ ‫سيذركر عند العامة‪ .‬ومثله قول ابن مسعود رضي ا عنه‪ ،‬ذكره مسلم فأي مقدمة‬ ‫كتابه بسند صحيح قال‪" :‬ما أن ر‬ ‫ث قوما ا حديثا ا ل تبلغه عقولهم لإل كان‬ ‫ت بمحد ظ‬ ‫لبعضهم فأتنة"‪ .‬لن الشخص لإذا سمع ما ل يفهمه‪ ،‬وما ل يتصور لإمكانه يعتقد‬ ‫استحالته جه ا‬ ‫ل‪ ،‬فأل يصدق وجوده‪ ،‬فألإذا سأسنلرد لإلى ا ورسوله يلزم تكذيبهما(‬ ‫لمام العيني ج ‪ .2‬صا ‪204‬ـ ‪.[205‬‬ ‫]"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" ل ل‬ ‫وقال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي قواعده‪) :‬فأي كل علم ما يخص وما‬ ‫يعم‪ ،‬فأليس التصوف بأولى من غيره فأي عمومه وخصوصه‪ ،‬بل يلزم بذل أحكام‬ ‫‪183‬‬

‫ا المتعلقة بالمعاملت من كظل عموماا‪ ،‬وما وراء ذلك على حسب قالبله ل قدر‬ ‫قالئله‪ ،‬لحديث‪" :‬حدثوا الناس بما يعرفأون‪ ،‬أتحبون أن سيكفذب ا ورسوله ؟" ]رواه‬ ‫البخاري تعليقا ا فأي كتاب العلم باب من خص قوماا دون آخرين عن علي رضي ا‬ ‫عنه[‪ .‬وقيل للجنيد رحمه ا تعالى‪ :‬يسألك الرجلن عن المسألة الواحدة فأتجيب‬ ‫هذا بخلف ما تجيب هذا ؟ فأقال‪ :‬الجواب على قدر السائل‪ .‬قال عليه السلم‪:‬‬ ‫"أسلمررنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"] رواه الديلمي بسند ضعيف عن ابن‬ ‫عباس رضي ا عنهما[( ]قواعد التصوف للشيخ زروق صا ‪.[7‬‬ ‫ولهذا ذكر الشيخ محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى فأي الباب الرابع والخمسين‬ ‫من الفتوحات ما نصه‪) :‬اعلم أن أهل ا لم يضعوا اللشارات التي اصطلحوا‬ ‫عليها فأيما بينهم لنفسهم‪ ،‬فألإنهم يعلمون الحق الصريح فأي ذلك‪ ،‬ولإنما وضعوها‬ ‫منعاا للدخيل بينهم‪ ،‬حتى ل يعرف ما هم فأيه‪ ،‬شفقةا عليه أن يسمع شيئا ا لم يصل لإليه‬ ‫ب بحرمانه‪ ،‬فأل يناله بعد ذلك أبداا‪ ،‬قال‪ :‬ومن أعجب‬ ‫فأينكره على أهل ا‪ ،‬فأسيعاقر س‬ ‫الشياء فأي هذه الطريق‪ ،‬بل ل يوجد لإل فأيها‪ ،‬أنه ما من طائفة تحمل علما ا من‬ ‫المنطقصيين والنحاة وأهل الهندسة والحساب والمتكلمين والفلسفة ؛ لإل ولهم‬ ‫اصطلح ل يعلمه الدخيل فأيهم لإل بتوقيف منهم‪ ،‬لبد من ذلك‪ .‬لإل أهل هذه‬ ‫الطريقة خاصة‪ ،‬فألإن المريد الصادق لإذا دخل طريقهم‪ ،‬وما عنده خبر بما‬ ‫اصطلحوا عليه‪ ،‬وجلس معهم‪ ،‬وسمع منهم ما يتكلمون به من اللشارات‪ ،‬فأرلهرم‬ ‫جميع ما تكلموا به‪ ،‬حتى كأنه الواضع لذلك الصطلح‪ ،‬ويشاركهم فأي الخوض‬ ‫فأي ذلك العلم‪ .‬ول يستغرب هو ذلك من نفسه‪ ،‬بل يجد علم ذلك ضروريا ا ل يقدر‬ ‫على دفأعه‪ ،‬فأكأنه ما زال يعلمه‪ ،‬ول يدري كيف حصل له ذلك‪ .‬هذا شأن المريد‬ ‫الصادق‪ ،‬وأما الكاذب فأل يعرف ما يسمع‪ ،‬ول يدري ما يقرأ‪ ،‬ولم يزل علماء‬ ‫الظاهر فأي كل عصر يستوقون فأي فأهم كلم القوم‪ .‬وناهيك باللمام أحمد بن سريج‪،‬‬ ‫حضر يوما ا مجلس الجنيد‪ ،‬فأقيل له‪ :‬ما فأهم ر‬ ‫ت من كلمه ؟ فأقال‪ :‬ل أدري ما يقول‪،‬‬ ‫ولكن أجد لكلمه صولة فأي القلب ظاهرة‪ .‬تدل على عمل فأي الباطن ولإخلصا فأي‬ ‫الضمير‪ ،‬وليس كلمه كلم مبطل‪ .‬ثم لإن القوم ل يتكلمون باللشارة لإل عند‬ ‫حضور رمرن ليس منهم‪ ،‬أو فأي تأليفهم ل غير‪ ..‬ثم قال‪ :‬ول يخفى أن أصل اللنكار‬ ‫من العداء المبطلين لإنما ينشأ من الحسد‪ ،‬ولو أن أولئك المنكرين تركوا الحسد‪،‬‬ ‫وسلكوا طريق أهل ا‪ ،‬لم يظهر منهم لإنكار ول حسد‪ ،‬وازدادوا علما ا لإلى علمهم‪.‬‬ ‫ولكن هكذا كان المر‪ ،‬ول حول ول قوة لإل بال العلي العظيم( ]اليواقيت‬ ‫والجواهر للشعراني صا ‪.[19‬‬ ‫وقال العلمة ابن عابدين رحمه ا تعالى فأي حاشيته شارحا ا كلم صاحب الدر‬ ‫‪184‬‬

‫المختار‪ ،‬حين سئل عن فأصوصا الحكم للشيخ محي الدين بن عربي‪) :‬يجب‬ ‫الحتياط ؛ لنه لإن ثبت افأتراؤها فأالمر ظاهر‪ ،‬ولإل فأل يفهم كل واحد مراده فأيها‪،‬‬ ‫فأسيخشى على الناظر فأيها من اللنكار عليه‪ ،‬أو فأهم خلف المراد‪ .‬وللحافأظ‬ ‫السيوطي رسالة سماها‪] :‬تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي[‪ ،‬ذكر فأيها أن الناس‬ ‫افأترقوا فأيه فأرقتين‪ :‬الفرقة المصيبة تعتقد وليته‪ ،‬والخرى بخلفأها‪ .‬ثم قال‪:‬‬ ‫والقول الفصل عندي فأيه طريقة ل يرضاها الفرقتان ؛ وهي اعتقاد وليته وتحريم‬ ‫النظر فأي كتبه‪ ،‬وقد سنقل عنه أنه قال‪] :‬نحن قوفم يحرم النظر فأي كتبنا[‪ ،‬وذلك أن‬ ‫الصوفأية تواطؤوا على ألفاظ‪ ،‬اصطلحوا عليها‪ ،‬وأرادوا بها معاني غير المعاني‬ ‫المتعارفأة منها بين الفقهاء‪ ،‬فأمن حملها على معانيها المتعارفأة كفر‪ ،‬نص على ذلك‬ ‫الغزالي فأي بعض كتبه وقال‪ :‬لإنه شبيه بالمتشابه فأي القرآن والسنة‪ ،‬كالوجه واليد‬ ‫والعين والستواء‪ .‬ولإذا ثبت أصل الكتاب عنه ]عن الشيخ محي الدين[ فألبرد من‬ ‫ت كصل كلمة لحتمال أن سيدس فأيه ما ليس منه‪ ،‬من قلبرلل عدو أو ملحد أو زنديق‪،‬‬ ‫ثبو ل‬ ‫ت أنه قصد بهذه الكلمة المعنى المتعارف‪ ،‬وهذا ل سبيل لإليه‪ ،‬ومن افدعاه كفر‬ ‫وثبو ل‬ ‫ض أكابر العلماء‬ ‫لنه من أمور القلب التي ل يطلع عليها لإل ا تعالى‪ .‬وقد سأل بع س‬ ‫ض الصوفأية‪ :‬ما حملكم على أنكم اصطلحتم على هذه اللفاظ التي سيستشنع‬ ‫بع ر‬ ‫ظاهرها ؟ فأقال‪ :‬غيرة على طريقنا هذا أن يفدعريه من ل يسرحسنه ويدخل فأيه من ليس‬ ‫أهله( ]حاشية ابن عابدين ج ‪ 3‬صا ‪.[303‬‬ ‫وسئل العلمة ابن حجر الهيثمي رحمه ا تعالى‪ :‬ما حكم مطالعة كتب ابن عربي‬ ‫وابن الفارض ؟ فأأجاب بقوله‪) :‬حكمها أنها جائزة مطالعة كتبهما‪ ،‬بل مستحبة‪ ،‬فأكم‬ ‫اشتملت تلك الكتب على فأائدة ل توجد فأي غيرها‪ ،‬وعائدة ل تنقطع هواطل خيرها‪،‬‬ ‫وعجيبة من عجائب السرار الللهية التي ل ينتهي مدسد خيرها‪ ،‬وكم رترجمت عن‬ ‫مقاظم عجز عن الترجمة عنه من سواها‪ ،‬ورمزت برموز ل يفهمها لإل العارفأون‪،‬‬ ‫ول يحوم حول حومة حماها لإل الربانيون‪ ،‬الذين هم بين مواطن الشريعة الغراء‬ ‫وأحكام ظواهرها على أكمل ما ينبغي جامعون‪ ،‬ولذلك كانوا بفضل مؤلفيها‬ ‫معترفأين‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬هذا ولإنه قد طالع هذه الكتب أقوام عوام جهلة طغام‪،‬‬ ‫فأأدمنوا مطالعتها‪ ،‬مع دقة معانيها ورقة لإشاراتها وغموض مبانيها‪ ،‬وبنائها على‬ ‫اصطلح القوم السالمين عن المحذور واللوم‪ ،‬وتوقف فأهمها بكمالها على لإتقان‬ ‫العلوم الظاهرة‪ ،‬والتحلي بحقائق الحوال والخلق الباهرة‪ ،‬فألذلك ضسعف ر‬ ‫ت‬ ‫أفأهامهم‪ ،‬وزلف ر‬ ‫ت أقدامهم‪ ،‬وفأهموا منها خلف المراد‪ ،‬واعتقدوه صوابا ا فأباؤوا‬ ‫بخسار يوم التناد‪ ،‬وألحدوا فأي العتقاد‪ ،‬وهوت بهم أفأهامهم القاصرة لإلى هفوة‬ ‫الحلول والتحاد‪ ،‬حتى لقد سمع س‬ ‫ت شيئا ا من هذه المفاسد القبيحة‪ ،‬والمكفرات‬ ‫الصريحة‪ ،‬من بعض من أدمن مطالعة تلك الكتب‪ ،‬مع جهله بأساليبها وعظم ما لها‬ ‫‪185‬‬

‫من الخطب‪ .‬وهذا هو الذي أوجب لكثير من الئمة الحط عليها‪ ،‬والمبادرة باللنكار‬ ‫لإليها‪ ،‬ولهم فأي ذلك نوع عذر‪ ،‬لن قصدهم فأطم أولئك الجهلة عن تلك السموم‬ ‫القاتلة لهم‪ ،‬ل اللنكار على مؤلفيها من حيث ذاتهم وحالهم( ]الفتاوى الحديثية لبن‬ ‫حجر الهيثمي المكي صا ‪.[216‬‬ ‫وقال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬وبالجملة فأل ترلحيل قراءة كتب التوحيد الخاصا‪،‬‬ ‫وكتب العارفأين لإل لعالم كامل‪ ،‬أو من سلك طريق القوم‪ .‬وأما من لم يكن واحداا‬ ‫من هذين الرجلين‪ ،‬فأل ينبغي له مطالعة شيء من ذلك‪ ،‬خوفأا ا عليه من لإدخال السشبرله‬ ‫التي ل يكاد الفرلطسن أن يخرج منها‪ ،‬فأضلا عن غير الفطن‪ ،‬ولكن من شأن النفس‬ ‫كثرة الفضول‪ ،‬ومحبة الخوض فأيما ل يعنيها( ]التصوف اللسلمي واللمام‬ ‫الشعراني لطه عبد الباقي سرور صا ‪104‬ـ ‪.[105‬‬ ‫وقال الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه ا تعالى فأي كتابه اللنسان الكامل‪) :‬ثم‬ ‫ألتمس من الناظر فأي هذا الكتاب‪ ،‬بعد أن أعلمه أني ما وضعت شيئا ا فأي هذا‬ ‫الكتاب لإل وهو مؤفيد بكتاب ا وسنة رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأنه لإذا لح له‬ ‫شيء من كلمه بخلف الكتاب والسنة‪ ،‬فأليعلم أن ذلك من حيث مفهومه‪ ،‬ل من‬ ‫حيث مرادي الذي وضع س‬ ‫ت الكلم لجله‪ ،‬فأليتوقف عن العمل به مع التسليم‪ ،‬لإلى أن‬ ‫يفتح ا عليه بمعرفأته‪ ،‬ويحصل له شاهد ذلك من كتاب ا وسنة نبيه صلى ا‬ ‫عليه وسلم‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬واعلم أن كل علم ل يؤيده الكتاب والسنة فأهو ضللة‪ ،‬ل‬ ‫لجل ما ل تجد أنت له ما يؤيده‪ ،‬فأقد يكون العلم فأي نفسه مؤفيداا بالكتاب والسنة‪،‬‬ ‫ولكن قلة استعدادك منعك من فأهمه‪ ،‬فألم تستطع أن تتناوله بيدك من محله‪ ،‬فأتظن‬ ‫أنه غير مؤيد بالكتاب والسنة‪ ،‬والطري س‬ ‫ق فأي هذا التسليسم(] اللنسان الكامل لعبد‬ ‫الكريم الجيلي صا ‪ .5‬وليحذر القارىء من مطالعة هذا الكتاب لن فأيه كلمات‬ ‫مخالفة لعقيدة أهل السنة‪ ،‬ول تقبل التأويل بحال مع أنه قد ألف كتابه مؤيداا بالكتاب‬ ‫والسنة‪ ،‬كما نص عليه مؤلفه فأي مقدمة كتابه‪ .‬ونحن متأكدون أن الكثير مما فأيه‬ ‫مدسوس عليه‪ .‬انظر بحث الدس من هذا الكتاب صا ‪.[398‬‬ ‫يتبين لنا من هذه النصوصا التي نقلناها عن الفقهاء العلم والسادة الصوفأية أمور‬ ‫أهمها‪:‬‬ ‫أـ أنه ل يصح لغير السالك فأي طريق الصوفأية‪ ،‬أن يطالع كتبهم‪ ،‬خشية أن يفهمها‬ ‫على غير حقيقتها‪ ،‬وخلف ما يريده مؤلفوها ؛ لنه بعيد عن فأهم اصطلحاتهم‪،‬‬ ‫ومعرفأة لإشاراتهم‪.‬‬

‫‪186‬‬

‫غير أن كتب الصوفية لإجمالا تنقسم لإلى ثلثة أقسام‪:‬‬ ‫‪1‬ـ القسم الول‪ :‬يبحث عن تصحيح العبادات‪ ،‬وحسن لإقامتها بصورتها وروحها‪،‬‬ ‫من الخشوع والحضور فأيها مع ا تعالى‪ ،‬مع مراعاة آدابها الظاهرة كذلك‪.‬‬ ‫‪2‬ـ القسم الثاني‪ :‬يبحث فأي مجاهدة النفس وتزكيتها‪ ،‬والقلب وأحواله ؛ من تخليته‬ ‫عن صفاته الناقصة كالشكوك والوساوس والرياء والحقد والغل والسمعة والجاه‬ ‫والحسد وغيرها من الصفات المذمومة‪ .‬وتحليته بالصفات الكاملة كالتوبة والتوكل‬ ‫والرضا والتسليم والمحبة واللخلصا‪ ،‬والصدق والخشوع والمراقبة وغيرها من‬ ‫الصفات الحسنة‪.‬‬ ‫لمام الغزالي‪ ،‬وقوت القلوب لبي‬ ‫وهذان القسمان مذكوران فأي كتاب اللحياء ل ل‬ ‫طالب المكي‪ ،‬وأمثالهما‪ .‬وتسمى هذه العلوم علورم المعاملة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ القسم الثالث‪ :‬يبحث عن المعارف الربانية والعلوم الوهبية والذواق الوجدانية‬ ‫والحقائق الكشفية‪ .‬ومعظم كتب الشيخ محي الدين ابن عربي رحمه ا تعالى من‬ ‫هذا القسم ؛ كالفتوحات المكية والفصوصا‪ .‬وكذلك كتاب اللنسان الكامل للشيخ عبد‬ ‫ب التحذير من قراءتها‬ ‫الكريم الجيلي رحمه ا تعالى‪ .‬وعلى أمثال هذه الكتب ينص ي‬ ‫لغير السالكين العارفأين من الصوفأية‪ .‬وتسمى هذه العلوم علورم المكاشفة‪.‬‬ ‫ب ـ أن التصوف ل سينال بقراءة الكتب‪ ،‬ول بمعرفأة الصطلحات بل لبد من‬ ‫السلوك مع رجاله ومجالسة أهله‪ .‬قال الشيخ الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬سمعت‬ ‫سيدي عليا ا الخواصا رضي ا عنه يقول‪ :‬لإياك أن تعتقد يا أخي لإذا طالعت كتب‬ ‫القوم‪ ،‬وعرفأت مصطلحهم فأي ألفاظهم أنك صرت صوفأياا‪ ،‬لإنما التصوف التخلق‬ ‫بأخلقهم‪ ،‬ومعرفأة طرق استنباطهم لجميع الداب والخلق التي تحلفروا بها من‬ ‫الكتاب والسنة( ]لطائف المنن والخلق للشعراني ج ‪ 2‬صا ‪.[149‬‬ ‫ج ـ أن السادة الصوفأية لإنما وضعوا هذه الرموز واللشارات كي ل يأخذ علمهم لإل‬ ‫رمرن سار فأي طريقهم‪ .‬وقد بينا أن التصوف ل ينال بقراءة الوراق‪ ،‬بل بصحبة‬ ‫أهل الذواق‪.‬‬ ‫د ـ أن النصوصا التي فأيها الكفر والزيغ والسمسروق من الدين مدسوسة على القوم‬ ‫حتماا‪ ،‬لما رأي ر‬ ‫ت من تمسكهم بالكتاب والسنة مما مر معك لمرن نسسقول‪.‬‬

‫‪187‬‬

‫هـ ـ أن ما ثبت عنهم بالتأكيد‪ ،‬ويمكن تأويله وحمله على وجه صحيح من عقيدة‬ ‫أهل الحق ؛ أهل السنة والجماعة‪ ،‬وجب تأويله عليها‪ ،‬لنها هي عقيدتهم التي‬ ‫يعتقدونها ويصرحون بها‪ ،‬وسيثبتونها دائماا فأي مقدمات كتبهم كما هي سنتهم‪،‬‬ ‫ف لمذهب أهل‬ ‫وانظر لإن شئت مقدمة الرسالة القشيرية‪ ،‬والفتوحات المكية‪ ،‬والتعير ر‬ ‫التصوف‪ ،‬ولإحياء علوم الدين وغيرها من الكتب‪.‬‬ ‫و ـ أن ما نسب لإليهم مما ل يمكن تأويله على وجه صحيح‪ ،‬لإن صح عنهم فأهو‬ ‫مردود على صاحبه‪ ،‬ل نسلمه له ول نعتقده‪ ،‬بل نقول بكفر سمرعترقرلده‪ ،‬ولكنا ل نكفر‬ ‫شخصا ا معيناا‪ ،‬لنا ل ندري خاتمته‪ ،‬ولننا مسؤولون أولا وآخراا عن عقيدة أهل‬ ‫الحق‪ ،‬أهل السنة والجماعة‪ ،‬ل عن عقيدة أي لإنسان آخر‪.‬‬ ‫ولإليك أيها القارىء الكريم بعض المثلة عن سأمور وعبارات أنكرها الجاهلون‪،‬‬ ‫صموهم بالخروج عن الشريعة‪ ،‬ولكنك حين تفهم‬ ‫فأتحاملوا على الصوفأية وو ر‬ ‫مرادهم‪ ،‬وتطلع على قصدهم‪ ،‬يتبين لك أن لإنكار المنكرين كان لإما عن جهل‬ ‫وتسرع‪ ،‬أوعن حسد وتحامل‪.‬‬ ‫‪1‬ـ يقول اللمام الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬مما نسقلرل عن القوم قولهم‪] :‬دخلنا‬ ‫حضرةر ا‪ ،‬وخرجنا عن حضرلة ا[‪ .‬ليس مرادهم بحضرة ا عز وجل مكانا ا‬ ‫معيناا‪ ،‬فألإن ذلك ربما سيفهم منه التحييسز للحق‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا‪ ،‬ولإنما‬ ‫مرادهم بالحضرة حيث أطلقوا شهوسد أحدهم أنه بين يدي ربه عز وجل‪ ،‬فأما دام‬ ‫يشهد أنه بين يد ر‬ ‫ي ربه عز وجل فأهو فأي حضرته‪ ،‬فألإذا سحجب خرج عن حضرته(‬ ‫]لطائف المنن والخلق للشعراني ج ‪ .1‬صا ‪.[127‬‬ ‫‪2‬ـ وقال الشيخ الكبر محي الدين بن عربي رحمه ا تعالى‪) :‬كنت ذات يوم مع‬ ‫بعض لإخواني فأأنشدت قائ ا‬ ‫ل‪:‬‬ ‫يا رمرن يراني ول أراه‬

‫كم ذا أراهس ول يراني‬

‫فأقال ذلك الخ الذي كان معي لما سمع هذا البيت‪ :‬كيف تقول لإنه ل يراك‪ ،‬وأنت‬ ‫تعلم أنه يراك ؟ قال‪ :‬فأقلت مرتج ا‬ ‫ل‪:‬‬ ‫يا رمرن يراني مذنبا ا‬

‫ول أراه آخذاا‬

‫‪188‬‬

‫ول يراني للئذاا‬ ‫كم ذا أراه منلعما ا‬ ‫]كتاب النصرة النبوية للشيخ مصطفى المدني على هامش الرائية ص ‪[82‬هلل‪.‬‬ ‫‪3‬ـ وقال الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ومما نقل عن الغزالي أنه قال‪] :‬ليس فأي‬ ‫اللمكان أبدع مما كان[‪ .‬ولعل مراده رضي ا تعالى عنه أن جميع الممكنات‬ ‫أبرزها ا على صورلة ما كانت فأي علمه تعالى القديم‪ ،‬وعلمه القديم ل يقبل‬ ‫الزيادة‪ ،‬وفأي القرآن العظيم‪} :‬أرع ر‬ ‫طى سكفل شيظء رخرلقرهس ثسفم هدى{ ]طه‪ .[50 :‬فألو‬ ‫صح أن فأي اللمكان أبدع مما كان‪ ،‬ولم يسبق به علم ا تعالى للزم عليه تقدم‬ ‫جهل‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا‪،‬وهذا هو معنى قول الشيخ محي الدين بن‬ ‫عربي رحمه ا تعالى فأي تأويل ذلك‪ :‬لإن كلم حجة اللسلم فأي غاية التحقيق‪،‬‬ ‫لنه ما ثرفم لإل رتبتان‪ :‬قلردفم وحدوث ؛ فأالحق تعالى له رتبة القلردم‪ ،‬والحادث له رتبة‬ ‫الحدوث‪ ،‬فألو خلق ا تعالى ما خلق لإلى ما ل يتناهى عق ا‬ ‫ل‪ ،‬فأل يرقى عن رتبة‬ ‫الحدوث لإلى رتبة القدم أبداا( ]"لطائف المنن وأالخلق" للشعراني ج ‪ .1‬ص‬ ‫‪[126‬هلل‪.‬‬ ‫‪4‬ـ وقال محمد أبو المواهب الشاذلي رحمه ا تعالى مؤولا كلم أبي يزيد رحمه‬ ‫ضنا بحراا وقف ر‬ ‫ا تعالى‪] :‬خ ر‬ ‫ت النبياء بساحله[‪) .‬قلنا‪ :‬خاض العارفأون بحر‬ ‫التوحيد أولا بالدليل ؛ وبعد ذلك وصلوا لإلى مرتبة الشهود والعيان‪ ،‬والنبياء عليهم‬ ‫السلم وقفوا بأول وهلة على ساحل العيان‪ ،‬ثم وصلوا لإلى ما ل يعبر عنه‬ ‫بالعرفأان‪ .‬فأكانت بدايتهم عليهم السلم نهاية العارفأين( ]قوانين حكم اللشراق لإلى‬ ‫كافة الصوفية في جميع الفاق‪ ،‬قانون الولية الخاصة ص ‪[58‬هلل‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ومما نقل عن أبي الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى قوله‪] :‬يصل الولي لإلى رتبة‬ ‫يزول عنه فأيها كلفة التكليف[‪ .‬فأأجاب أبو المواهب بقوله‪) :‬قلنا‪ :‬يكون الولي أولا‬ ‫يجد كلفة التعب‪ ،‬فألإذا وصل‪،‬وجد بالتكليف الراحة والطرب‪ ،‬من باب قوله صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪" :‬أررحنا بها يا بلل" ]يا بلل أرحنا بالصلة‪ .‬رواه اللمام أحمد فأي‬ ‫مسنده‪ .‬ورواه أبو داود فأي كتاب الدب‪ :‬باب فأي صلة العتمة يا بلل أقم الصلة‬ ‫أرحنا بها عن سالم بن أبي الجعد[‪ .‬ذلك مقصد الرجال( ]"قوانين حكم اللشراق"‬ ‫ص ‪[59‬هلل‪.‬‬ ‫‪6‬ـ ومن الكلمات التي لها تأويل شرعي صحيح كلمة ]مدد[ التي سيرصددها بعض‬ ‫الصوفأية‪ ،‬فأينادي بها أحدهم رسول ا صلى ا عليه وسلم أو يخاطب بها شيخه‪.‬‬

‫‪189‬‬

‫وحجة المعتلرض عليهم أن هذه الكلمة هي سؤال لغير ا واستعانة بسواه ول‬ ‫يجوز السؤال لإل له ول الستعانة لإل به ؛ حيث قال الرسول صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫"لإذا سألت فأاسأل ا‪ ،‬ولإذا استعنت فأاستعن بال" ]أخرجه الترمذي فأي كتاب صفة‬ ‫القيامة عن عبد ا بن عباس رضي ا عنهما‪ .‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح[‪ ،‬ثم لإن‬ ‫ا تعالى بفين فأي كتابه العزيز أنه هو مصدر اللمداد حين قال‪} :‬سكلا نسلميد هؤلء‬ ‫وهؤلء لمرن عطالء رصبك‪] {...‬اللسراء‪.[20 :‬‬ ‫وقد جهل هؤلء المعترضون أن السادة الصوفأية هم أهل التوحيد الخالص‪ ،‬الذين‬ ‫يأخذون بيد مريديهم ليذيقوهم حلوة الليمان‪ ،‬وصفاء اليقين ؛ ويخلصوهم من‬ ‫شوائب الشرك فأي جميع صوره وأنواعه‪.‬‬ ‫ولتوضيح المراد من كلمة ]مدد[ نقول‪ :‬لبد للمؤمن فأي جميع أحواله أن تكون له‬ ‫نظرتان‪:‬‬ ‫ـ نظرية توحيدية ل تعالى‪ ،‬بأنه وحده مسبب السباب‪ ،‬والفاعل المطلق فأي هذا‬ ‫الكون‪ ،‬المنفرسد بالليجاد واللمداد‪ ،‬ول يجوز للعبد أن يشرك معه أحداا من خلقه‪،‬‬ ‫مهما عل قدره أو سمت رتبته من نبي أو ولي‪.‬‬ ‫ـ ونظرة للسباب التي أثبتها ا تعالى بحكمته‪ ،‬حيث جعل لكل شيء سبباا‪.‬‬ ‫فأالمؤمن يتخذ السباب ولكنه ل يعتمد عليها ول يعتقد بتأثيرها الستقللي‪ ،‬فألإذا‬ ‫نظر العبد لإلى السبب واعتقد بتأثيره المستقل عن ا تعالى فأقد أشرك‪ ،‬لنه جعل‬ ‫اللله الواحد آلهة متعددين‪ .‬ولإذا نظر للمسصبب وأهمل اتخاذ السباب‪ ،‬فأقد خالف سنة‬ ‫ب ول‬ ‫ا الذي جعل لكل شيء سبباا‪ .‬والكمال هو النظر بالعينين معاا‪ ،‬فأنشهد المسبص ر‬ ‫نهمل السبب‪ .‬ولتوضيح هذه الفكرة نسوق بعض المثلة عليها‪:‬‬ ‫ـ لإن ا تعالى وحده هو خالق البشر ؛ ومع ذلك فأقد جعل لخلقهم سببا ا عادياا‪ ،‬وهو‬ ‫التقاء الزوجين‪ ،‬وتكيوسن الجنين فأي رحم الم‪ ،‬وخروجه منه فأي أحسن تقويم‪.‬‬ ‫ـ وكذلك فألإن ا تعالى هو وحده المميت ؛ ولكنه جعل للماتة سببا ا هو ملك‬ ‫س‪]{...‬الزمر‪.[42 :‬‬ ‫الموت‪ ،‬فألإذا لحظنا المسبب قلنا‪} :‬اس يرترروففأى الرنفس ر‬ ‫ولإذا قلنا‪ :‬لإن فألناا قد توفأاه ملك الموت‪ ،‬ل نكون قد أشركنا مع ا لإلها ا آخر ؛ لننا‬ ‫‪190‬‬

‫لحظنا السبب‪ ،‬كما بينه ا تعالى فأي قوله‪} :‬قسرل يتروفأاسكرم رملر س‬ ‫ت الذي سوصكرل‬ ‫ك المو ل‬ ‫بلسكم{ ]السجدة‪.[11 :‬‬ ‫ـ وكذلك فألإن ا تعالى هو الرزاق‪ ،‬ولكنه جعل للرزق أسبابا ا عادية كالتجارة‬ ‫والزراعة‪ ..‬فألإذا لحظنا المسبب فأي معرض التوحيد‪ ،‬أدركنا قوله تعالى‪} :‬إفن ار‬ ‫ق ذو القفولة الملتيسن{ ]الذاريات‪ .[58 :‬ولإذا لحظنا السبب وقلنا‪ :‬لإن فألنا ا‬ ‫هرو الفرفزا س‬ ‫سيررز س‬ ‫ق من كسبله‪ ،‬ل نكون بذلك قد أشركنا‪ ،‬فأرسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫"ما أكل أحد طعاما ا قط خيراا من أن يأكل من عمل يده" ]أخرجه البخاري فأي‬ ‫صحيحه فأي كتاب البيوع‪ ،‬باب كسب الرجل وعمله بيده‪ ،‬عن المقدام رضي ا‬ ‫عنه[‪ .‬وقد جمع الرسول صلى ا عليه وسلم بين النظرتين توضيحا ا للمر وبيانا ا‬ ‫للكمال فأي قوله‪" :‬ولإنما أنا قاسم وا يعطي" ]أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي‬ ‫كتاب العلم‪ ،‬باب من يرد ا به خيراا‪ ،‬عن معاوية رضي ا عنه[‪.‬‬ ‫لنعام‪ ،‬فأفي معرض التوحيد قوله تعالى‪} :‬وما بلسكم لمرن‬ ‫ـ وكذلك المر بالنسبة ل ل‬ ‫ا{ ]النحل‪ .[53 :‬لنه المنعم الحقيقي وحده‪ .‬وفأي معرض الجمع بين‬ ‫لنعرمظة فأرلمرن ل‬ ‫ملحظة المسصبب والسبب قوله تعالى‪} :‬وإرذ رتقوسل للذي أررنرعرم اس عليله وأرنرعرم ر‬ ‫ت‬ ‫عليه‪] {...‬الحزاب‪ .[37 :‬فأليس الرسول صلى ا عليه وسلم شريكا ا ل فأي‬ ‫عطائه‪ ،‬ولإنما سيقت النعم لزيد بن حارثة رضي ا عنه بسببه صلى ا عليه‬ ‫ق بفضله‪ ،‬وتزوج باختياره‪..‬‬ ‫وسلم‪ ،‬فأقد أسلم على يديه‪ ،‬وسأعتل ر‬ ‫ـ وكذلك بالنسبة للستعانة‪ ،‬لإذا نظرنا للمسبب قلنا‪" :‬لإذا استعرن ر‬ ‫ت فأاستعن بال"‪.‬‬ ‫ولإذا نظرنا للسبب قلنا‪} :‬وتعاونوا على البصر والتقوى{ ]المائدة‪" .[2 :‬وا فأي‬ ‫عون العبد ما كان العبد فأي عون أخيه" ]أخرجه مسلم فأي كتاب الذكر‪ ،‬باب فأضل‬ ‫الجتماع على تلوة القرآن‪ ،‬عن أبي هريرة رضي ا عنه[‪ .‬فألإذا قال المؤمن‬ ‫لخيه‪ :‬أرلعصني على حمل هذا المتاع ؛ ل يكون مشركا ا مع ا تعالى أحداا أو مستعينا ا‬ ‫بغير ا‪ ،‬لن المؤمن ينظر بعينيه‪ ،‬فأيرى المسصبب والسبب‪ ،‬وكل من يتهمه‬ ‫بالشرك فأهو ضال مضل‪.‬‬ ‫ـ وهكذا المر بالنسبة للهداية ؛ لإذا نظرنا للمسبب‪ ،‬رأينا أن الهادي هو ا وحده‪،‬‬ ‫ك ل تهلدي رمرن أحبررب ر‬ ‫ت{‬ ‫لهذا قال ا تعالى لرسوله صلى ا عليه وسلم‪} :‬إنف ر‬ ‫]القصص‪ .[56 :‬ولإذا لحظنا السبب‪ ،‬نرى قول ا تعالى لرسوله صلى ا عليه‬ ‫ك لررتهدي إلى صراظط سمسرتقيظم{ ]الشورى‪ .[52 :‬أي تكون سببا ا فأي هداية‬ ‫وسلم‪} :‬وإنف ر‬ ‫من أراد ا هدايته‪.‬‬ ‫‪191‬‬

‫والعلماء العارفأون المرشدون هم ورثة الرسول صلى ا عليه وسلم فأي هداية‬ ‫الخلق ودللتهم على ا تعالى‪ .‬فألإذا استرشد مريد بشيخه‪ ،‬فأقد اتخذ سببا ا من أسباب‬ ‫الهداية التي أمر ا بها‪ ،‬وجعل لها أئمة يدلون عليها }ورجرعرلنا لمرنسهم أرئلفمةا ريهسدورن‬ ‫صربروا وكانوا بآيالتنا يولقنورن{ ]السجدة‪.[24 :‬‬ ‫بأملرنا لفما ر‬ ‫وصلة المريد هي صلة روحية‪ ،‬ل تفصلها المسافأات ول الحواجز المادية‪ ،‬ولإذا‬ ‫كانت السجسدر والمسافأات ل تفصل أصوات الثير فأكيف تفصل بين الرواح‬ ‫المطلقة ؟! لذا قالوا‪) :‬شيخك هو الذي ينفعك سبعسده كما ينفعك قرسبه( وبما أن الشيخ‬ ‫هو سبب هداية المريد ؛ فألإن المريد لإذا تعلق بشيخه‪ ،‬وطلب منه المدد‪ ،‬ل يكون قد‬ ‫أشرك بال تعالى‪ ،‬لنه يلحظ هنا السبب‪ ،‬كما أوضحناه سابقاا‪ ،‬مع اعتقاده أن‬ ‫ي والسملمفد هو ا تعالى‪ ،‬وأن الشيخ ليس لإل سبباا‪ ،‬أقامه ا لهداية خلقه‪،‬‬ ‫الهاد ر‬ ‫ولإمدادهم بالنفحات القلبية‪ ،‬والتوجيهات الشرعية‪ .‬ورسول ا صلى ا عليه وسلم‬ ‫هو البحر الزاخر الذي يستمد منه هؤلء الشيوخ وعنه يصدرون‪.‬‬ ‫فألإذا سلمنا بقيام الصلة الروحية بين المريد وشيخه‪ ،‬سلمنا بقيام المدد المترتب‬ ‫عليها‪ ،‬لن ا يرزق البعض بالبعض فأي أمر الدين والدنيا‪.‬‬ ‫ولعل القارىء الكريم بعد هذا‪ ،‬قد اكتفى بهذه المثلة من كلم القوم‪ ،‬وبتلك النقول‬ ‫الصريحة من عباراتهم‪ ،‬حتى لإذا ما رأى كلما ا مشتبها ا يحتمل ويحتمل‪ ،‬أحسن‬ ‫الظن بهم‪ ،‬والتمس سبلا لتأويل كلمهم بعد أن تبين له أن التأويل جائز فأي كلم ا‬ ‫تعالى وسنة رسوله صلى ا عليه وسلم وكلم الفقهاء والمحدثين والصوليين‬ ‫والنحويين وغيرهم‪ .‬ولهذا قال اللمام النووي رحمه ا تعالى‪) :‬يحرم على كل‬ ‫عاقل أن يسيء الظن بأحد من أولياء ا عز وجل‪ ،‬ويجب عليه أن يؤول أقوالهم‬ ‫وأفأعالهم مادام لم يلحق بدرجتهم‪ ،‬ول يعجز عن ذلك لإل قليل التوفأيق( ]"اليواقيت‬ ‫وأالجواهر" ج ‪ .1‬ص ‪[11‬هلل‪.‬‬ ‫وأحدة الوجود وأالحلول وأالتحاد‬ ‫الحلول وأالتحاد‪:‬‬ ‫لإن من أهم ما يتحامل به المغرضون على السادة الصوفأية اتهامهم جهلا وزوراا‬ ‫بأنهم يقولون بالحلول والتحاد‪ ،‬بمعنى أن ا سبحانه وتعالى قد حفل فأي جميع‬ ‫أجزاء الكون ؛ فأي البحار والجبال والصخور والشجار واللنسان والحيوان‪ ..‬لإلخ‪،‬‬ ‫‪192‬‬

‫أو بمعنى أن المخلوق عين الخالق‪ ،‬فأكل الموجودات المحسوسة والمشاهدة فأي هذا‬ ‫الكون هي ذات ا تعالى وعينه‪ .‬تعالى ا عن ذلك علواا كبيراا‪.‬‬ ‫ولشك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد المة‪ .‬وما كان للصوفأية وهم‬ ‫المتحققون باللسلم والليمان واللحسان أن ينزلقوا لإلى هذا الدرك من الضلل‬ ‫والكفر‪ ،‬وما ينبغي لمؤمن منصف أن يرميهم بهذا الكفر جزافأا ا دون تمحيص أو‬ ‫تثبت‪ ،‬ومن غير أن يفهم مرادهم‪ ،‬ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها‬ ‫صريحة واضحة فأي سأمهات كتبهم‪ ،‬كالفتوحات المكية‪ ،‬ولإحياء علوم الدين‪،‬‬ ‫والرسالة القشيرية وغيرها‪..‬‬ ‫ولعل بعض المغرضين المتحاملين على الصوفأية يقولون‪ :‬لإن هذا القول بتبرئة‬ ‫السادة الصوفأية من فأكرة الحلول والتحاد‪ ،‬لإنما هو تهرب من الواقع أو دفأاع‬ ‫مغرض عن الصوفأية بدافأع التعصب والهوى‪ ،‬فأهلف تأتون بدليل من كلمهم يبرىء‬ ‫ساحتهم من هذه التهم ؟!‪.‬‬ ‫فألبيان الحقيقة الناصعة نورد نبذاا من كلم السادة الصوفأية تثبت براءرتهم مما‬ ‫س من الوقوع فأي هذه العقيدة‬ ‫ايتهموا به من القول بالحلول والتحاد‪ ،‬وتحذيررهم النا ر‬ ‫الزائغة‪ ،‬وستظلهر بوضوح أن ما نسب لإليهم من أقوال تفيد الحلول أو التحاد لإما‬ ‫مدسوسة عليهم‪ ،‬أو مؤولة ]انظر موضوعي الدس صا ‪ 398‬والتأويل صا ‪415‬‬ ‫فأي هذا الكتاب[ بما يلئم هذه النصوصا الصريحة التالية الموافأقة لعقيدة أهل السنة‬ ‫والجماعة‪.‬‬ ‫يقول الشعراني رحمه ا تعالى‪) :‬ولعمري لإذا كان سعفباد الوثان لم يتجرؤوا على‬ ‫أن يجعلوا آلهتهم عين ا ؛ بل قالوا‪ :‬ما نعبدهم لإل ليقربونا لإلى ا زلفى‪ ،‬فأكيف‬ ‫يس ر‬ ‫ظن بأولياء ا تعالى أنهم يفدعون التحاد بالحق على حيد ما تتعقله العقول‬ ‫الضعيفة ؟! هذا كالمحال فأي حقهم رضي ا تعالى عنهم‪ ،‬لإذ ما لمن وليي لإل وهو‬ ‫يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق‪ ،‬وأنها خارجة عن جميع معلومات‬ ‫الخلئق‪ ،‬لن ا بكل شيء محيط( ]اليواقيت والجواهر ج ‪ 1‬صا ‪.[83‬‬ ‫والحلول والتحاد ل يكون لإل بالجناس‪ ،‬وا تعالى ليس بجنس حتى يحفل‬ ‫بالجناس‪ ،‬وكيف يحل القديم فأي الحادث‪ ،‬والخالق فأي المخلوق! ؟ لإن كان حلورل‬ ‫رعررض فأي جوهر فأال تعالى ليس عرضاا‪ ،‬ولإن كان حلورل جوهر فأي جوهر فأليس‬ ‫ا تعالى جوهراا‪ ،‬وبما أن الحلول والتحاد بين المخلوقات محال ؛ لإذ ل يمكن أن‬ ‫‪193‬‬

‫يصير رجلن رجلا واحداا لتباينهما فأي الذات ؛ فأالتباين بين الخالق والمخلوق‪،‬‬ ‫وبين الصانع والصنعة‪ ،‬وبين الواجب الوجود والممكن الحادث أعظم وأولى لتباين‬ ‫الحقيقتين‪.‬‬ ‫وما زال العلماء‪ ،‬ومحققو الصوفأية يبينون بطلن القول بالحلول والتحاد‪،‬‬ ‫وينبهون على فأساده‪ ،‬ويحذرون من ضلله‪ .‬قال الشيخ محي الدين بن عربي‬ ‫رحمه ا تعالى فأي عقيدته الصغرى‪) :‬تعالى الحق أن تحله الحوادث أو يحلها(‬ ‫]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت‬ ‫وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫وقال فأي عقيدته الوسطى‪) :‬اعلم أن ا تعالى واحد باللجماع‪ ،‬ومقام الواحد يتعالى‬ ‫أن يحل فأيه شيء‪ ،‬أو يحل هو فأي شيء‪ ،‬أو يتحد فأي شيء( ]الفتوحات المكية‬ ‫للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪-80‬‬ ‫‪[81‬هلل‪.‬‬ ‫وقال فأي باب السرار‪) :‬ل يجوز لعارف أن يقول‪ :‬أنا ا ‪ ،‬ولو بلغ أقصى‬ ‫درجات القرب‪ ،‬وحاشا العارف من هذا القول حاشاه‪ ،‬لإنما يقول‪ :‬أنا العبد الذليل‬ ‫فأي المسير والمقيل( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما‬ ‫في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫وقال فأي الباب التاسع والستين ومائة‪) :‬القديم ل يكون قط محلا للحوادث‪ ،‬ول‬ ‫يكون حالا فأي المحردث( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪،‬‬ ‫كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫وقال فأي باب السرار‪) :‬من قال بالحلول فأهو معلول‪ ،‬فألإن القول بالحلول مرض ل‬ ‫يزول‪ ،‬وما قال بالتحاد لإل أهل الللحاد‪ ،‬كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل‬ ‫والفضول ( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في‬ ‫اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫ث‬ ‫وقال فأي باب السرار أيضاا‪) :‬الحادث ل يخلو عن الحوادث‪ ،‬ولو حل بالحاد ل‬ ‫القديسم لصح قول أهل التجسيم‪ ،‬فأالقديم ل يحل ول يكون مح ا‬ ‫ل( ]الفتوحات المكية‬ ‫للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪-80‬‬ ‫‪[81‬هلل‪.‬‬ ‫‪194‬‬

‫وقال فأي الباب التاسع والخمسين وخمسمائة بعد كلم طويل‪) :‬وهذا يدلك على أن‬ ‫العالم ما هو عين الحق‪ ،‬ول حل فأيه الحق‪ ،‬لإذ لو كان عيرن الحق‪ ،‬أو حفل فأيه لما‬ ‫كان تعالى قديما ا ول بديعاا( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين بن عربي‪،‬‬ ‫كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫وقال فأي الباب الرابع عشر وثلثمائة‪) :‬لو صفح أن يرقى اللنسان عن لإنسانيته‪،‬‬ ‫والرمل س‬ ‫ك عن ملكيته‪ ،‬ويتحد بخالقه تعالى‪ ،‬لصفح انقلب الحقائق‪ ،‬وخرج اللله عن‬ ‫كونه لإلهاا‪ ،‬وصار الحق خلقاا‪ ،‬والخلق حقاا‪ ،‬وما وثق أحد بعلم‪ ،‬وصار المحال‬ ‫واجباا‪ ،‬فأل سبيل لإلى قلب الحقائق أبداا( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي‬ ‫الدين بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫وكذلك جاء فأي شعره ما ينفي الحلول والتحاد كقوله‪:‬‬ ‫ودرع مقالةر قوم قال عالسمهم بأفنه باللله الواحد اترحدا‬ ‫التحاسد سمسحافل ل يقول به لإل جهوفل به عن عقلله رشررردا‬ ‫وعن حقيقلته وعن شريعلته فأاعبرد لإلرهك ل تشررك به أررحدا‬ ‫وقال أيضاا فأي الباب الثاني والتسعين ومائتين‪) :‬من أعظم دليل على نفي الحلول‬ ‫والتحاد الذي يتوهمه بعضهم‪ ،‬أن تعلم عقلا أن القمر ليس فأيه من نور الشمس‬ ‫شيء‪ ،‬وأن الشمس ما انتقلت لإليه بذاتها‪ ،‬ولإنما كان القمر محلا لها‪ ،‬فأكذلك العبد‬ ‫ليس فأيه من خالقه شيء ول حل فأيه( ]الفتوحات المكية للشيخ الكبر محي الدين‬ ‫بن عربي‪ ،‬كما في اليواقيت وأالجواهر ج ‪ .1‬ص ‪[81-80‬هلل‪.‬‬ ‫قال صاحب كتاب نهج الرشاد فأي الرد على أهل الوحدة والحلول والتحاد‪:‬‬ ‫)حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال‪ :‬اجتمع س‬ ‫ت‪ ،‬بالشيخ أبي العباس المرسي ـ‬ ‫تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي ـ وفأاو ر‬ ‫ضته فأي هؤلء التحادية‪ ،‬فأوجدته‬ ‫شديد اللنكار عليهم‪ ،‬والنهي عن طريقهم‪ ،‬وقال‪ :‬أتكون الصنعة هي عين‬ ‫الصانع ؟!( ]الحاوأي للفتاوأي في الفقه وأعلوم التفسير للعلمة جلل الدين‬ ‫السيوطي ج ‪ .2‬ص ‪[134‬هلل‪.‬‬ ‫وأما ما ورد من كلم السادة الصوفأية فأي كتبهم مما يفيد ظاهره الحلول والتحاد‪،‬‬ ‫فأهو لإما مدسوس عليهم‪ ،‬بدليل ما سبق من صريح كلمهم فأي نفي هذه العقيدة‬ ‫الضالة‪ .‬ولإما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة الخبيثة والنحلة الدخيلة‪ ،‬ولكن‬ ‫‪195‬‬

‫المغرضين حملوا المتشابه من كلمهم على هذا الفهم الخاطىء‪ ،‬ورموهم بالزندقة‬ ‫والكفر‪.‬‬ ‫أما الراسخون فأي العلم والمدققون المنصفون من العلماء فأقد فأهموا كلمهم على‬ ‫معناه الصحيح الموافأق لعقيدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬وأدركوا تأويله بما يناسب ما‬ ‫عرف عن الصوفأية من لإيمان وتقوى‪.‬‬ ‫قال العلمة جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى فأي كتابه الحاوي للفتاوي‪:‬‬ ‫)واعلم أنه وقع فأي عبارة بعض المحققين لفظ التحاد‪ ،‬لإشارة منهم لإلى حقيقة‬ ‫التوحيد‪ ،‬فألإن التحاد عندهم هو المبالغة فأي التوحيد‪ .‬والتوحيد معرفأة الواحد‬ ‫والحد‪ ،‬فأاشتبه ذلك على من ل يفهم لإشاراتلهم‪ ،‬فأحملوه على غير محمله ؛ فأغلطوا‬ ‫وهلكوا بذلك‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬فألإذن أصل التحاد باطل محال‪ ،‬مردود شرعا ا وعقلا‬ ‫وعرفأا ا بلإجماع النبياء ومشايخ الصوفأية وسائر العلماء والمسلمين‪ ،‬وليس هذا‬ ‫مذهب الصوفأية‪ ،‬ولإنما قاله طائفة غلة لقلة علمهم وسوء حظهم من ا تعالى‪،‬‬ ‫فأشابهوا بهذا القولل النصارى الذين قالوا فأي عيسى عليه السلم‪ :‬اتفرحد ناسوتسهس‬ ‫بلهوتلله‪ .‬وأما رمرن حفظه ا تعالى بالعناية‪ ،‬فألإنهم لم يعتقدوا اتحاداا ول حلو ا‬ ‫ل‪ ،‬ولإن‬ ‫وقع منهم لفظ التحاد فألإنما يريدون به محو أنفسهم‪ ،‬ولإثبات الحق سبحانه‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وقد يسرذركر التحاد بمعنى فأناء المخالفات ‪ ،‬وبقاء الموافأقات‪ ،‬وفأناء حظوظ‬ ‫النفس من الدنيا‪ ،‬وبقاء الرغبة فأي الخرة‪ ،‬وفأناء الوصاف الذميمة‪ ،‬وبقاء‬ ‫الوصاف الحميدة‪ ،‬وفأناء الشك‪ ،‬وبقاء اليقين‪ ،‬وفأناء الغفلة وبقاء الذكر‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وأما قول أبي يزيد البسطامي رحمه ا تعالى‪] :‬سبحاني‪ ،‬ما أعظم شأني[‬ ‫فأهو فأي معرض الحكاية عن ا‪ ،‬وكذلك قول من قال‪] :‬أنا الحق[ محمول على‬ ‫الحكاية‪ ،‬ول يسظرين بهؤلء العارفأين الحلول والتحاد‪،‬لن ذلك غير مظنون بعاقل‪،‬‬ ‫فأضلا عن المتميزين بخصوصا المكاشفات واليقين والمشاهدات‪ .‬ول يس ر‬ ‫ظين بالعقلء‬ ‫المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود‬ ‫الشرع الغل س‬ ‫ط بالحلول والتحاد‪ ،‬كما غلط النصارى فأي ظنهم ذلك فأي حق عيسى‬ ‫ت جهللة المتصوفأة‪ ،‬وأما العلماء‬ ‫عليه السلم‪ .‬ولإنما حدث ذلك فأي اللسلم من واقعا ل‬ ‫العارفأون المحققون فأحاشاهم من ذلك‪ ..‬لإلى أن قال‪:‬‬ ‫والحاصل أن لفظ التحاد مشترك‪ ،‬فأيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو‬ ‫الحلول‪ ،‬وهو كفر‪ .‬ويطلق على مقام الفناء اصطلحا ا اصطلح عليه الصوفأية‪ ،‬ول‬ ‫‪196‬‬

‫مشاحة فأي الصطلح‪ ،‬لإذ ل يمنع أحد من استعمال لفظ فأي معنى صحيح‪ ،‬ل‬ ‫محذور فأيه شرعاا‪ ،‬ولو كان ذلك ممنوعاا لم يجز لحد أن يتفوه بلفظ التحاد‪ ،‬وأنت‬ ‫تقول‪ :‬بيني وبين صاحبي زيد اتحاد‪.‬‬ ‫وكم استعمل المحصدثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ التحاد فأي معان حديثية‬ ‫وفأقهية ونحوية‪.‬‬ ‫كقول المحصدثين‪ :‬اتحد مخرج الحديث‪.‬‬ ‫وقول الفقهاء‪ :‬اتحد نوع الماشية‪.‬‬ ‫وقول النحاة‪ :‬اتحد العامل لفظا ا أو معنى‪.‬‬ ‫وحيث وقع لفظ التحاد من محققي الصوفأية‪ ،‬فألإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو‬ ‫محو النفس‪ ،‬ولإثبات المر كله ل سبحانه‪ ،‬ل ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له‬ ‫الجلد‪ .‬وقد أشار لإلى ذلك سيدي علي بن وفأا‪ ،‬فأقال من قصيدة له‪:‬‬ ‫يظينوا بي حلولا واتحاداا وقلبي لمرن سوى التوحيد خالي‬ ‫فأتبرأ من التحاد بمعنى الحلول‪ ،‬وقال فأي أبيات أسرخرر‪:‬‬ ‫وعلسمك أفن كفل الملر أرمري هو المعنى المسمى باتحاد‬ ‫فأذكر أن المعنى الذي يريدونه بالتحاد لإذا أطلقوه‪ ،‬هو تسليم المر كله ل‪ ،‬وترك‬ ‫ي على مواقع أقداره من غير اعتراض‪ ،‬وترك نسبة‬ ‫اللرادة معه والختيار‪ ،‬والجر س‬ ‫شيظء ما لإلى غيره( ]الحاوأي للفتاوأي في الفقه وأعلوم التفسير وأالحديث‬ ‫وأالصول وأالنحو وأاللعراب وأسائر الفنون للعلمة جلل الدين السيوطي صاحب‬ ‫التآليف الكثيرة المتوفى سنة ‪911‬هـ‪ .‬ج ‪ .2‬ص ‪[134‬هلل‪.‬‬ ‫ونقل الشعراني عن سيدي علي بن وفأا رحمهما ا تعالى قوله‪) :‬المراد بالتحاد‬ ‫حيث جاء فأي كلم القوم فأناء العبد فأي مراد الحق تعالى‪ ،‬كما يقال‪ :‬بين فألن‬ ‫وفألن اتحاد‪ ،‬لإذا عمل كل منهما بمراد صاحبه‪ ،‬ثم أنشد‪:‬‬ ‫وعلسمك أفن كفل الملر أمري هو المعنى المسفمى باتحاد‬ ‫]اليواقيت وأالجواهر للشعراني ج ‪ .1‬ص ‪[83‬هلل‪.‬‬ ‫وقال العلمة ابن قيم الجوزية رحمه ا تعالى فأي كتابه مدارج السالكين شرح‬ ‫منازل السائرين‪) :‬الدرجة الثالثة من درجات الفناء‪ :‬فأناء خواصا الولياء وأئمة‬ ‫‪197‬‬

‫المقربين‪ ،‬وهو الفناء عن لإرادة السوى‪ ،‬شائما ا برق الفنالء عن لإرادة ما سواه‪ ،‬سالكا ا‬ ‫سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه‪ ،‬فأانياا بمراد محبوبه منه‪ ،‬عن مراده هو من‬ ‫محبوبه‪ ،‬فأضلا عن لإرادة غيره‪ ،‬قد اتحد مراده بمراد محبوبه‪ ،‬أعني المراد الديني‬ ‫المري‪ ،‬ل المراد الكوني القدري‪ ،‬فأصار المرادان واحداا‪ ..‬ثم قال‪ :‬وليس فأي‬ ‫العقل اتحاد صحيح لإل هذا‪ ،‬والتحاد فأي العلم والخبر‪ .‬فأيكون المرادان والمعلومان‬ ‫والمذكوران واحداا مع تباين اللرادتين والعلمين والخبرين‪ ،‬فأغاية المحبة اتحاد‬ ‫مراد المحب بمراد المحبوب‪ ،‬وفأناء لإرادة المحب فأي مراد المحبوب‪ .‬فأهذا التحاد‬ ‫والفناء هو اتحاد خواصا المحبين وفأناؤهم ؛ قد فأرنرروا بعبادة محبوبهم‪ ،‬عن عبادة ما‬ ‫سواه‪ ،‬وبحبه وخوفأه ورجائه والتوكل عليه والستعانة به والطلب منه عن حب ما‬ ‫سواه‪ .‬ورمرن تحقق بهذا الفناء ل يحب لإل فأي ا‪ ،‬ول يبغض لإل فأيه‪ ،‬ول يوالي لإل‬ ‫فأيه‪ ،‬ول يعادي لإل فأيه‪ ،‬ول يعطي لإل ل‪ ،‬ول يمنع لإل ل‪ ،‬ول يرجو لإل لإياه‪ ،‬ول‬ ‫ب لإليه مما‬ ‫يستعين لإل به‪ ،‬فأيكون دينه كله ظاهراا وباطنا ا ل‪ ،‬ويكون ا ورسولهس أح ف‬ ‫سواهما‪ ،‬فأل يوايد من حافد ا ورسوله ولو كان أقرب الخلق لإليه‪،‬‬ ‫ب المصافأيا‬ ‫س كصلهم جميعا ا ولو كارن الحبي ر‬ ‫بل سعادي الذي عادى لمن النا ل‬ ‫وحقيقة ذلك فأناؤه عن هوى نفسه‪ ،‬وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه‪،‬‬ ‫والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن ل لإله لإل ا علما ا ومعرفأة وعملا وحالا‬ ‫وقصداا‪ ،‬وحقيقة هذا النفي واللثبات الذي تضمنرتهس هذه الشهادة هو الفناء والبقاء‪،‬‬ ‫فأيفنى عن تأله ما سواه علما ا ولإقراراا وتعبداا‪ ،‬ويبقى بتألهه وحده‪ ،‬فأهذا الفناء وهذا‬ ‫البقاء هو حقيقة التوحيد‪ ،‬الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات ا عليهم‪ ،‬وسأنزلت‬ ‫به الكتب‪ ،‬وخلقت لجله الخليقة‪ ،‬وشرعت له الشرائع‪ ،‬وقامت عليه سوق الجنة‪،‬‬ ‫وأسس عليه الرخرلق والمر‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬وهذا الموضع مما غلط فأيه كثير من‬ ‫أصحاب اللرادة‪ .‬والمعصوم من عصمه ا‪ ،‬وبال المستعان والتوفأيق والعصمة(‬ ‫]مدارج السالكين شرح منازل السائرين ج ‪ .1‬ص ‪ 90‬وأ ‪ 91‬للعلمة الشهير ابن‬ ‫قيم الجوزية المتوفى ‪751‬هـ[هلل‪.‬‬ ‫وقال فأي موضع آخر‪) :‬ولإن كان مشمراا للفناء العالي‪ ،‬وهو الفناء عن لإرادة‬ ‫السوى‪ ،‬لم يبق فأي قلبه مرافد‪ ،‬يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني‪ ،‬بل‬ ‫يتحد المرادان ؛ فأيصير عين مراد الرب تعالى هو عين مراد العبد‪ ،‬وهذا حقيقة‬ ‫المحبة الخالصة‪ ،‬وفأيها يكون التحاد الصحيح‪ ،‬وهو التحاد فأي المراد‪ ،‬ل فأي‬ ‫المريد ول فأي اللرادة( ]مدارج السالكين شرح منازل السائرين ج ‪ .1‬ص ‪ 90‬وأ‬ ‫‪ 91‬للعلمة الشهير ابن قيم الجوزية المتوفى ‪751‬هـ[هلل‪.‬‬ ‫‪198‬‬

‫ورغم أن ابن تيمية مخاصم للسادة الصوفأية‪ ،‬وشديد العداوة لهم‪ ،‬فألإنه يبصرىسء‬ ‫ساحتهم من تهمة القول بالتحاد‪ ،‬ويؤول كلمهم تأويلا صحيحا ا سليماا‪ .‬أما تبرئته‬ ‫لساحتهم‪ ،‬فأقد قال فأي فأتاويه‪) :‬ليس أحد من أهل المعرفأة بال‪ ،‬يعتقد حلول الرب‬ ‫تعالى به أو بغيره من المخلوقات‪ ،‬ول اتحاده به‪ ،‬ولإن سسمع شيء من ذلك منقول‬ ‫عن بعض أكابر الشيوخ فأكثير منه مكذوب‪ ،‬اختلقه الفأاكون من التحادية‬ ‫المباحية‪ ،‬الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية( ]مجموع فأتاوى ابن‬ ‫تيمية قسم التصوف ج ‪ .11‬صا ‪74‬ـ ‪.[75‬‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬كل المشايخ الذين سيقتردى بهم فأي الدين متفقون على ما اتفق عليه‬ ‫سلف المة وأئمتها من أن الخالق سبحانه مباين للمخلوقات‪ .‬وليس فأي مخلوقاته‬ ‫شيء من ذاته‪ ،‬ول فأي ذاته شيء من مخلوقاته‪ ،‬وأنه يجب لإفأراد القديم عن‬ ‫الحادث‪ ،‬وتمييز الخالق عن المخلوق‪ ،‬وهذا فأي كلمهم أكثر من أن يمكن ذكره‬ ‫هنا( ]مجموع فأتاوى ابن تيمية قسم علم السلوك ج ‪ .10‬صا ‪.[223‬‬ ‫وأما تأويله لكلمهم فأقد قال فأي مجموعة رسائله‪) :‬وأما قول الشاعر فأي شعره‪:‬‬ ‫أنا رمرن أهوى ورمرن أهوى أنا‬ ‫فأهذا لإنما أراد به الشاعر التحاد المعنوي‪ ،‬كاتحاد أحد المحربين بالخر‪ ،‬الذي يحب‬ ‫أحدهما ما يحب الخر‪ ،‬ويبغض ما يبغضه‪ ،‬ويقول مثل ما يقول‪ ،‬ويفعل مثل ما‬ ‫يفعل ؛ وهذا تشابه وتماثل‪ ،‬ل اتحاد العين بالعين‪ ،‬لإذا كان قد استغرق فأي محبوبه‪،‬‬ ‫حتى فأني به عن رؤية نفسه‪ ،‬كقول الخر‪:‬‬ ‫ك عصني فأظنرن س‬ ‫غب س‬ ‫ت أفنك أصني‬ ‫تب ر‬ ‫فأهذه الموافأقة هي التحاد السائغ( ]مجموع رسائل ابن تيمية صا ‪.[52‬‬ ‫من هذه النصوصا المتعددة تبين لنا أن كل ما ورد فأي كلم السادة الصوفأية من‬ ‫كلمة ]اتحاد[ لإنما يراد بها هذا الفهم السليم الذي يوافأق عقيدة أهل السنة والجماعة‪،‬‬ ‫ول يصح أن نحمل كلمهم على معان تخالف ما صرحوا به من تبصنيهم لعقيدة أهل‬ ‫السنة والجماعة‪ .‬وما على المنصف لإل أن يحسن الظن بالمؤمنين‪ ،‬ويؤول كلمهم‬ ‫على معنى شرعي مستقيم ]انظر بحث تأويل كلم السادة الصوفأية صا ‪.[415‬‬ ‫‪199‬‬

‫وأحدة الوجود‪:‬‬ ‫اختلف علماء النظر فأي موقفهم من العارفأين المحققين القائلين بوحدة الوجود‪،‬‬ ‫فأمنهم من تسرع باتهامهم بالكفر والضلل‪ ،‬وفأهم كلمهم على غير المراد‪ .‬ومنهم‬ ‫من لم يتورط بالتهجم عليهم‪ ،‬فأتثبت فأي المر ورجع لإليهم ليعرف مرادهم‪ .‬لن‬ ‫هؤلء العارفأين مع توسعهم فأي هذه المسألة لم يبحثوا فأيها بحثا ا يزيل لإشكال علماء‬ ‫النظر‪ ،‬لنهم تكلموا فأي ذلك ودفونوا لنفسهم وتلميذهم ل لمن لم يشهد تلك الوحدة‬ ‫ليضاح لتطمئن به قلوب أهل التسليم من علماء‬ ‫من غيرهم‪ ،‬لذلك احتاج المر ل ل‬ ‫النظر‪.‬‬ ‫ومن العلماء الذين حققوا فأي هذه المسألة‪ ،‬وفأهموا المراد منها السيد مصطفى كمال‬ ‫الشريف‪ .‬حيث قال‪) :‬الوجود واحد‪ ،‬لنه صفة ذاتية للحق سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو‬ ‫واجب فأل يصح تعدده‪ ،‬والموجود هو الممكن‪ ،‬وهو العالرسم فأصح تعدده باعتبار‬ ‫حقائقه‪ .‬وقياسمه لإنما هو بذلك الوجود الواجب لذاته‪ ،‬فألإذا زال بقي الوجود كما هو‪،‬‬ ‫فأالموجود غير الوجود‪ ،‬فأل يصح أن يقال الوجود اثنان‪ :‬وجود قديم ووجود‬ ‫حادث‪ ،‬لإل أن يراد بالوجود الثاني الموجود من لإطلق المصدر على المفعول‪،‬‬ ‫فأعلى هذا ل يترتب شيء من المحاذير التي ذكرها أهل النظر على وحدة الوجود‬ ‫س ل يرى لإل الهياكل أي الموجود‪،‬‬ ‫القائل بها أهل التحقيق‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬اللح ي‬ ‫والروسح ل تشهد لإل الوجود‪ ،‬ولإذا شهدت الموجود فأل تشهده لإل ثانياا‪ ،‬على حصد رمرن‬ ‫قال‪ :‬ما رأيت شيئا ا لإل ورأيت ا قبله‪ ،‬وأراد بهذه الرؤية الشهورد ل رؤية البصر‪،‬‬ ‫لن الرؤية من خصائص البصر‪ ،‬والشهود من خصائص البصيرة‪ ،‬لذلك ورد‪:‬‬ ‫أشهد أن ل لإله لإل ا‪ ،‬ولم يرد أرى ؛ بل ول يصح أن يقال‪ :‬أرى( ]رسالة وحدة‬ ‫الوجود للعلمة مصطفى كمال الشريف صا ‪27‬ـ ‪.[28‬‬ ‫وهكذا شأن العلماء المنصفين‪ ،‬يغارون على الشريعة الغراء‪ ،‬ويتثفبتون فأي‬ ‫المور‪ ،‬دون أن يتسرعوا بتكفير أحد من المؤمنين‪ ،‬ويرجعون فأي فأهم كل حقيقة‬ ‫لإلى أهل الختصاصا بها‪.‬‬ ‫ونظراا لن مسألة وحدة الوجود أخذت حظا ا كبيراا من اهتمام بعض العلماء‪،‬‬ ‫وشغلت أذهان الكثير منهم‪ ،‬أردنا أن نزيد الموضوع لإيضاحا ا وتبسيطا ا خدمة‬ ‫‪200‬‬

‫للشريعة وتنويراا للفأهام فأنقول‪:‬‬ ‫لإن الوجود نوعان‪ :‬وجود قديم أزلي ؛ وهو واجب‪ ،‬وهو الحق سبحانه وتعالى‪ ،‬قال‬ ‫ك بأفن ار هسرو الرح ي‬ ‫ق{ ]الحج‪ .[22 :‬أي الثابت الوجود‪ ،‬المرحفقق‪.‬‬ ‫تعالى‪} :‬ذلل ر‬ ‫ووجود جائز عرضي ممكن‪ ،‬وهو وجود من عداه من السمرحردثات‪.‬‬ ‫ولإن القول بوحدة الوجود‪ ،‬وأن الوجود واحد هو الحق تعالى يحتمل معنيين‪:‬‬ ‫أحدهما حق‪ ،‬والثاني كفر‪ ،‬ولهذا فأالقائلون بوحدة الوجود فأريقان‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الفريق الول‪ :‬أرادوا به اتحاد الحق بالخلق‪ ،‬وأنه ل شيء فأي هذا الوجود سوى‬ ‫الحق‪ ،‬وأن الكل هو‪ ،‬وأنه هو الكل‪ ،‬وأنه عين الشياء‪ ،‬وفأي كل شيء له آية تدل‬ ‫على أنه عينه‪ ..‬فأقوله هذا كفر وزندقة وأشد ضللة من أباطيل اليهود والنصارى‬ ‫وعبدة الوثان‪.‬‬ ‫وقد شفدد الصوفأية النكير على قائله‪ ،‬وأفأترروا بكفره‪ ،‬وحفذروا الناس من مجالسته‪.‬‬ ‫قال العارف بال أبو بكر محمد بناني رحمه ا تعالى‪) :‬فأاحذر يا أخي كفل الحذر‬ ‫من الجلوس مع من يقول‪ :‬ما ثرفم لإل ا‪ ،‬ويسترسل مع الهوى‪ ،‬فألإن ذلك هو الزندقة‬ ‫المحضة‪ ،‬لإذ العارف المحقق لإذا صح قدمه فأي الشريعة‪ ،‬ورسخ فأي الحقيقة‪ ،‬وترفرفوهر‬ ‫بقوله‪ :‬ما ثرفم لإل ا‪ ،‬لم يكن قصدهس من هذه العبارة لإسقا ر‬ ‫ط الشرائع ولإهمال التكاليف‪،‬‬ ‫حاش ل أن يكون هذا قصده( ]مدارج السلوك لإلى ملك الملوك للعارف الكبير‬ ‫محمد بناني المتوفأى ‪1284‬هـ[‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الفريق الثاني‪ :‬قالوا ببطلن وكفر ما سذلكرر ؛ من أن الخالق عين المخلوق‪ ،‬ولإنما‬ ‫أرادوا بوحدة الوجود وحدة الوجود القديم الزلي‪ ،‬وهو الحق سبحانه‪ ،‬فأهو لشك‬ ‫واحد منزه عن التعدد‪ .‬ولم يقصدوا بكلمهم الوجود العرضي المتعدد‪ .‬وهو الكون‬ ‫الحادث‪ ،‬نظراا لن وجوده مجازي‪ ،‬وفأي أصله رعردلميي ل يضر ول ينفع‪ .‬فأالكون‬ ‫معدوم فأي نفسه‪ ،‬هالك فأاظن فأي كل لحظة‪ .‬قال تعالى‪} :‬سكيل رشيظء هالل ف‬ ‫ك إل روجهرسه{‬ ‫]القصص‪ .[88 :‬ولإنما سيظهره الليجاد‪ ،‬ويسرثبسته اللمداد‪ .‬الكائنات ثابتة بلإثباته‪،‬‬ ‫وممحوةف برأحصدرية ذاته‪ ،‬ولإنما يسرمسكه سر القيومية فأيه‪ .‬وهؤلء قسمان‪:‬‬ ‫‪1‬ـ قسم أخذ هذا الفهم بالعتقاد والبرهان‪ ،‬ثم بالذوق والرعيان‪ ،‬وغلب عليه الشهود‪،‬‬ ‫فأاستغرق فأي سلجج بحار التوحيد‪ ،‬فأفني عن نفسه فأضلا عن شهود غيره‪ ،‬مع‬ ‫‪201‬‬

‫استقامته على شرع ا تعالى وهذا قوله حق‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وقسم ظن أن ذلك علم لفظي‪ ،‬فأتوغل فأي تلوة عباراته‪ ،‬وتمفسك بظواهر‬ ‫لإشاراته‪ ،‬وغاب فأي شهودها عن شهود الحق‪ ،‬فأربما هانت الشريعة فأي عينيه‪ ،‬لما‬ ‫يلتذ به من حلوة تلك اللفاظ‪ ،‬فأيقع على أم رأسه‪ ،‬ويتكلم بما ظاهره أن الشريعة‬ ‫فأي جهة يختص بها أهل الغفلة‪ ،‬والحقيقة فأي جهة أخرى يختص بها أهل العرفأان‪،‬‬ ‫ورلعمري لإن هذا لهو عين الزور والبهتان‪ ،‬وما ثرفم لإل شريعةف ومقاسم لإحسان‪.‬‬ ‫وعلى كيل فأالررولى بالصوفأي فأي هذا الزمان أن يبتعد عن اللفاظ والتعابير التي‬ ‫فأيها لإيهام أو غموض أو اشتباه ]انظر بحث بين الحقيقة والشريعة صا ‪ 381‬من‬ ‫هذا الكتاب[ لئل يوقع الناس بسوء الظن به‪ ،‬أو تأويل كلمه على غير ما يقصده‪،‬‬ ‫ولن كثيراا من الزنادقة والدخلء على الصوفأية قد تكلموا بمثل هذه العبارات‬ ‫الموهمة واللفاظ المتشابهة‪ ،‬للير ر‬ ‫ظهروا ما يسلكينورنه فأي قلوبهم من عقائد فأاسدة‪،‬‬ ‫ولليصلوا بذلك لإلى لإباحة المحرمات‪ ،‬ولليبصرسروا ما يقعون فأيه من المنكرات‬ ‫والفواحش‪ ،‬فأاختلط الحق بالباطل‪ ،‬وأسلخرذ المؤمن الصادق بجريرة الفاسق‬ ‫المنحرف‪.‬‬ ‫صروا تلمذتهم‬ ‫لهذا سيفرج الصوفأية بواطنهم وظواهرهم بالشريعة الغفراء‪ ،‬وأرو ر‬ ‫بالتمسك بها قولا وعملا وحا ا‬ ‫ل‪ ،‬فأهي عندهم باب الدخول وسلم الوصول‪ ،‬ورمرن حاد‬ ‫عنها كان من الهالكين‪ ،‬وقد مر بك كلم الصوفأية فأي التمسك بالشريعة فأارجع لإليه‬ ‫فأي هذا الكتاب ]أما ما ثبت من كلم أعلم الصوفأية مما فأيه غموض أو اشتباه‬ ‫فأمريده أحد سببين‪:‬‬ ‫ت ل يفهمها غيرهم كما أشرنا‬ ‫ت ورموزاا ولإشارا ظ‬ ‫أ ـ لإما لنهم التزموا اصطلحا ظ‬ ‫لإلى ذلك فأي بحث التأويل‪.‬‬ ‫ب ـ ولإما لنهم تكلموا بها فأي حالت الغلبة والشطح‪ .‬ولذلك ل يجوز لمن لم يذق‬ ‫مذاقهم ولم يبلغ مراتبهم أن يقلدهم فأي هذه العبارات ويتشدق بها أمام الناس[‪.‬‬ ‫وختاما ا نقول‪ :‬لإن تلك النقول عن العلماء العلم‪ ،‬وعن الصوفأية أنفسهم‪ ،‬تكشف‬ ‫للقارىء الكريم أن الصوفأية سمربرفؤسون مما سنسب لإليهم من القول بالحلول والتحاد‪،‬‬ ‫ووحدة الوجود‪ ،‬وأن كلمهم مؤفول على وجه شرعي‪ ،‬وموافأق لما عليه أهل السنة‬ ‫والجماعة‪ ،‬من العقيدة الصحيحة السليمة‪ ،‬وأنهم ما نالوا هذه المواهب العرفأانية لإل‬ ‫‪202‬‬

‫بالتمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬وأنهم حقيقة رجال السلف الصالح ـ رضي ا عنهم ـ‬ ‫الذين تمسكوا بهدي رسول ا صلى ا عليه وسلم ‪ ،‬فأأفألحوا وتحققوا بالتباع‬ ‫الكامل له عليه الصلة والسلم‪ ،‬فأنالوا الرضى من ا تعالى‪ ،‬وفأازوا بسعادة‬ ‫صصديقيرن والشهدالء والصالحيرن‬ ‫ك مرع ال ص‬ ‫الدارين‪} .‬رورمرن يسلطلع ار والرسورل فأأولئل ر‬ ‫ك رفأيقاا{ ]النساء‪.[69 :‬‬ ‫ورحسسرن أولئ ر‬

‫بين الصوفية وأأدعياء التصوف‬ ‫ف رجافل مغلرضورن تررزيفروا بزيه‪ ،‬وانتسبوا له‪ ،‬فأأساؤوا لإليه بأقوالهم‬ ‫لقد شفوهر التصو ر‬ ‫وأفأعالهم وسيرتهم‪ ،‬والتصوف منهم براء‪.‬‬ ‫فأمن أجل خدمة الحق ولإظهاره علينا أن نفرق بين أدعياء التصوف المنحرفأين‪،‬‬ ‫وبين السادة الصوفأية الصادقين العارفأين‪ ،‬وخصوصا ا الئمة منهم الذين كانت لهم‬ ‫درجات عليا فأي الليمان والتقوى والورع‪ ،‬وآثار كبرى فأي نشر الخلق والدين‬ ‫والدعوة لإلى ا تعالى فأي سائر العصور والبلدان‪ ،‬وعلينا أن نقف وقفة رجل‬ ‫متمسك بشرعه ودينه ونقول‪ :‬هناك فأرق كبير بين التصوف والصوفأي‪ ،‬وليس‬ ‫المتصوف بانحرافأه وشذوذه ممثلا للتصوف‪ ،‬كما أن المسلم بأفأعاله المنركرة ليس‬ ‫ممثلا للسلمه ودينه‪.‬‬ ‫ومتى كان فأي شريعة الحق والدين أن يسرؤاخذ الجار بظلم الجار ؟ وأن يتحمل‬ ‫اللسلسم فأي جوهره النقي أخطارء المسلمين المنحرفأين ؟ وأن تنسب لإلى هذه الفئة‬ ‫الطيبة النقية أخطاسء المتصوفأة الشاذين ؟‪.‬‬ ‫ولإنكار بعض العلماء على أفأعال شاذة منسوبة لإلى الصوفأية لإنما يستهدف هؤلء‬ ‫س منهم‪.‬‬ ‫الغلة المنحرفأين من أدعياء التصوف‪ .‬ولطالما حفذر مرشدو الصوفأية النا ر‬ ‫قال الشيخ أحمد زروق رحمه ا تعالى فأي كتابه قواعد التصوف‪) :‬فأغلةس‬ ‫المتصوفأة كأهل الهواء من الصوليين‪ ،‬وكالمطعون عليهم من المتفقهين‪ ،‬يسرريد‬ ‫ب فأعسلهم‪ ،‬ول سيترر س‬ ‫ك المذهب الحق الثابت بنسبتهم له وظهورهم فأيه(‬ ‫قوسلهم‪ ،‬وسيجتنر س‬ ‫لإلخ ]قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق قاعدة ‪ ،35‬صا ‪.[13‬‬ ‫لإن الخير والشر موجود فأي كل طائفة من الناس لإلى يوم القيامة‪ ،‬فأليس كل‬ ‫‪203‬‬

‫الصوفأية سواء‪ ،‬كما أنه ليس كل العلماء والفقهاء والمدرسين والقضاة والتجار‬ ‫والمراء سواء ؛ لإذ فأيهم الصالح وفأيهم الصلح‪ ،‬وفأيهم الفاسد وفأيهم الفأسد‪ ،‬هذا‬ ‫ق تعر ر‬ ‫ف الح ف‬ ‫ف أهرله‪ ،‬ويعرف الرجال‬ ‫أمر ظاهر ل شبهة فأيه عند الجمهور اعر ل‬ ‫بالحق ل الحق بالرجال‪.‬‬ ‫ونحن ننكر ما أنكره العلماء على هؤلء الدعياء من المتصوفأة المنحرفأين‪،‬‬ ‫الشاذين عن دين ا تعالى‪ ،‬وأما المتمسكون بالكتاب والسنة‪ ،‬المستقيمون على‬ ‫شرع ا تعالى فأهم الذين رنعنيهم‪ ،‬ونقتفي أثرهم‪ ،‬وسنعرض لك فأي الفصل التالي‬ ‫شهادة علماء المة اللسلمية من سلفها لإلى خلفها بهم‪.‬‬ ‫أعداء التصيوف‬ ‫لإن الذين طعنوا فأي التصوف اللسلمي‪ ،‬وتهجموا عليه‪ ،‬واتهموه بشتى أنواع‬ ‫الكاذيب والفأتراءات‪ ،‬ورموه بالنحراف والزيغ ؛ لإما أن يكون باعثهم على ذلك‬ ‫لسلم‪ ،‬ولإما أن يكون سبب وقولعهم فأي هذا اللثم جهلهم‬ ‫الحقد والعداوة المتأصلة ل ل‬ ‫المطبق بحقيقة التصوف‪.‬‬ ‫‪1‬ـ أما الصنف الول‪ :‬فأهم أعداء اللسلم من الزنادقة المستشرقين وأذنابهم‬ ‫وعملئهم الذين صنعرتهم الصليبية الماكرة والستعمار البغيض‪ ،‬لطعن اللسلم‬ ‫ودك حصونه‪ ،‬وتشويه معالمه‪ ،‬وبث سموم الفرقة والخصام بين صفوف أبنائه‪.‬‬ ‫وقد كشفهم السيسد محمد أسد‪ ،‬فأي كتابه‪ :‬اللسلم على مفترق الطرق فأي بحث‪ :‬شبح‬ ‫الحروب الصليبية ]انظر كتاب اللسلم على مفترق الطرق صا ‪ .52‬أما المؤلف‬ ‫فأنمساوي الصل وكان اسمه ليوبولدفأايس‪ ،‬فأاعتنق اللسلم وتسمى باسم "محمد‬ ‫أسد" وينصرف فأي الوقت الحاضر لإلى ترجمة معاني القرآن الكريم وصحيح‬ ‫البخاري لإلى اللغة اللنكليزية[‪.‬‬ ‫وقد عكف هؤلء المغرضون على دراسة اللسلم دراسة دقيقة مستفيضة كي‬ ‫يعرفأوا سفر قفوته‪ ،‬ولليعلموا من أي باب يلجون‪ ،‬وفأي أي طريق يسيرون للوصول‬ ‫لإلى أهدافأهم الماكرة ومآربهم الخبيثة‪ .‬ومن أشهر كفتابهم‪ :‬نكلسون اللنكليزي‪،‬‬ ‫وجولدزيهر اليهودي‪ ،‬وماسينيون الفرنسي وغيرهم‪.‬‬ ‫فأتارة يسديسون السم فأي الدسم‪ ،‬ويمدحون اللسلم فأي بعض كتبهم كي ينالوا ثقة‬ ‫‪204‬‬

‫القارىء‪ ،‬فألإذا اطمأفن لإليهم‪ ،‬وركن لإلى أقوالهم شككوه فأي عقائده‪ ،‬وحشوا قلبه‬ ‫بأباطيل ألصقوها باللسلم زوراا وبهتاناا‪.‬‬ ‫وتارة يرنتحلون صفة الباحث العلمي المتجرد‪ ،‬أو يلبسون ثوب الغيور على الدين‪،‬‬ ‫المتباكي على تراثه‪ ،‬فأيشنون حملةا شرعواء على التصوف‪ ،‬وقد عرفأوا أنه روح‬ ‫اللسلم وقلبه النابض‪ ،‬فأيردعون أنه مقتبس من اليهودية أو النصرانية أو البوذية‪،‬‬ ‫ويتهمون رجاله بعقائد مكفرة وأفأكار منحرفأة ضالة‪ ،‬كالقول بالحلول والتحاد‪،‬‬ ‫ووحدة الوجود‪ ،‬ووحدة الديان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ب عليهم لنهم أعداء‪ ،‬وهذا شأن العدو الماكر‪ ،‬ول ندخل فأي تفاصيل‬ ‫ونحن ل نعتل س‬ ‫الرصد عليهم‪ ،‬وتفنيد افأتراءاتهم بعد أرن علمنا أغراضهم ومآربهم الخبيثة‪ .‬ولكننا‬ ‫نعتب على جماعة يردعون اللسلم ثم يتبفنون آرارء هؤلء الخصوم اللداء‬ ‫صح‬ ‫وخصوصا ا فأي طعن اللسلم فأي روحه وجوهره‪ ،‬أل وهو التصوف‪ .‬فأهل ي ل‬ ‫لمسلم عاقل أن يتخذ أقوال العداء المتحاملين المغرضين الكافأرين حجة لطعن‬ ‫لإخوته المؤمنين ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم‪.‬‬ ‫ولو كان هؤلء المستشرقون صادقين فأي دفأاعهم عن اللسلم مخلصين فأي زعمهم‬ ‫بتنقيته من الشوائب وغيرتهم عليه وحبهم له‪ ،‬فألماذا لم يعتنقوه ؟! وللرم لم يتخذوه‬ ‫منهجا ا لهم فأي حياتهم ؟!‬ ‫‪2‬ـ وأما الصنف الثاني‪ :‬فأهم الذين جهلوا حقيقة التصوف اللسلمي ولم يأخذوه عن‬ ‫رجاله الصادقين وعلمائه المخلصين ؛ بل نظروا لإليه نظرة سطحية بعيدة عن‬ ‫التمحيص والتبين‪ ،‬وهؤلء أقسام‪:‬‬ ‫أـ قسم أخذوا فأكرتهم عن التصوف من خلل أعمال وسلوك بعض الدخلء‬ ‫والمنحرفأين من أدعياء التصوف ؛ دون أن سيفصرقوا بين التصوف الحقيقي الناصع‪،‬‬ ‫وبين بعض الوقائع المشوهة التي تصدر عن الدخلء على الصوفأية والتي ل ترسم ي‬ ‫ت‬ ‫لإلى اللسلم بصلة ]انظر بحث بين الصوفأية وأدعياء التصوف صا ‪ 449‬فأي هذا‬ ‫الكتاب[‪.‬‬ ‫ب ـ وقسم سخدعوا بما وجدوه فأي كتب السادة الصوفأية من أمور مدسوسة أو مسائل‬ ‫دخيلة ؛ فأأخذوها على أنها حقائق ثابتة‪ ،‬دون تحقيق أو تثبت ]انظر بحث الدس‬ ‫على العلوم اللسلمية صا ‪ 398‬فأي هذا الكتاب[ أو لإنهم أخذوا الكلم الثابت فأي‬ ‫‪205‬‬

‫كتب الصوفأية فأفهموه على غير مراده‪ ،‬حسب فأهمهم السطحي وعلمهم المحدود‪،‬‬ ‫وأهوائهم الخاصة‪ ،‬دون أن يرجعوا لإلى كلم الصوفأية الواضح الذي ل يحيد عن‬ ‫لب الشريعة‪ ،‬والذي يعطي الضوء الناصع والنور الكاشف لتأويل هذا الكلم‬ ‫المتشابه ]انظر بحث التأويل صا ‪ 415‬فأي هذا الكتاب[‪.‬‬ ‫مثلهم فأي ذلك كمثل الذي فأي قلبه زيغ ومرض ؛ فأأخذ اليات القرآنية المتشابهة‬ ‫فأي القرآن الكريم فأأفولها حسب هواه وانحرافأه‪ ،‬دون أن يلتفت لإلى سائر اليات‬ ‫القرآنية السمرحركرمة التي تسرلقي النور على معاني هذه اليات المتشابهة وتوضح‬ ‫ب‬ ‫معانيها‪ ،‬وتبين أغراضها‪ .‬قال ا تعالى فأي حقهم‪} :‬هسرو الذي أرنرزرل علي ر‬ ‫ك اللكتا ر‬ ‫ب وأسرخسر سمتشابها ف‬ ‫ت سمحركما ف‬ ‫لمرنهس آيا ف‬ ‫ت فأأفما الذيرن فأي سقلوبللهم زيفغ‬ ‫ت هسفن أسيم الكتا ل‬ ‫فأيتفلبعورن ما تشابرهر منهس ابتغارء الفتنرلة وابتغارء تأويللله{]آل عمران‪.[7 :‬‬ ‫لهذا ولئل يلتبس المر على جاهل أحمق أو مغرض متحامل‪ ،‬وضع علماء‬ ‫الصوفأية عقائدهم صريحة واضحة ل تحيد عن مذهب أهل السنة والجماعة‪،‬‬ ‫ومنهم الشيخ محي الدين رحمه ا تعالى‪ ،‬فأقد ذكر عقيدته واضحة مفصلة فأي‬ ‫مطلع كتابه الفتوحات المكية‪ ،‬وكذلك صاحب الرسالة القشيرية وغيرهما‪..‬‬ ‫ج ـ وقسم هم المغشوشون المخدوعون الذين أخذوا ثقافأتهم وعلومهم عن‬ ‫المستشرقين كما بيففنا سابقاا‪ ،‬ورتبفنوا مزاعمهم وأباطيلهم كأنها برردهيا ف‬ ‫ت ل تقبل‬ ‫الجدل‪ ،‬أو تنزيل من حكيم حميد‪ .‬ولم تسعفهم الفطانة والذكاء لإلى لإدراك حقيقة‬ ‫صسبوا أنفسهم وجفندوا ثقافأتهم لهدم اللسلم‪ ،‬بتشويه‬ ‫هؤلء المستشرقين الذين نر ر‬ ‫معالمه‪ ،‬وطعنه فأي جوهره وروحه‪.‬‬ ‫لإل أن هذه المة اللسلمية ل تزال فأيها طائفة ظاهرة على الحق ل يضرهم من‬ ‫خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر ا ]أخرج البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫العتصام أن رسول ا صلى ا عليه وسلم قال‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي‬ ‫ظاهرين حتى يأتيهم أمر ا وهم ظاهرون" ومفر الحديث وعزوه صا ‪ ،[42‬ولو‬ ‫اجتمع الثقلن على حربهم قبي ا‬ ‫ل‪ ،‬يدعورن رمرن ضل لإلى الهدى‪ ،‬ويصبرون منهم‬ ‫على الذى‪ ،‬ويبصرون بنور ا أهرل الضلل والعمى‪ ،‬اهتدوا بهدي النبي الكريم‬ ‫صلوات ا وسلمه عليه‪ ،‬واستضاءوا بنوره على مر الزمان والدهور‪.‬‬

‫‪206‬‬

‫الباب السادس‬ ‫شهادات علماء المة اللسلمية‬ ‫من سلفها لإلى خلفها للتصوف ورجاله‬ ‫ختاما ا لهذه الرسالة أنقل لك طرفأا ا يسيراا من القوال والشهادات عن التصوف‬ ‫لبعض أكابر علماء المة‪ ،‬ورجال الفكر والدعوة منذ الصدر الول لإلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ول أراك محتاجا ا لإلى هذه الشهادات‪ ،‬بعد أن عرفأت جوهر التصوف وتبين لك أنه‬ ‫روح اللسلم‪ ،‬وأحد أركان الدين الثلثة‪ :‬اللسلم والليمان واللحسان‪.‬‬ ‫ولكن هناك بعض النفوس قد عميت عن رؤية النور‪ ،‬وتجاهلت حقائق اللسلم‪،‬‬ ‫وحكمت على الصوفأية من خلل أعمال بعض المنحرفأين والمبتدعين من أدعياء‬ ‫التصوف دون تبييظن ول تمحيص‪ ،‬فألإلى هؤلء ولإلى كل جاهل بحقيقة التصوف‬ ‫نسوق هذه القوال ؛ كي يدركوا أثر التصوف وضرورته للحياء القلوب‪ ،‬وتهذيب‬ ‫النفوس‪ ،‬وكي يطلعوا على ثمرات التصوف ونتائجه فأي انتشار اللسلم فأي‬ ‫مختلف الديار وشتى المصار‪.‬‬ ‫‪1‬ـ اللمام أبو حنيفة رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وقد مر بك فأي بحث بين الشريعة والحقيقة الكلم المفصل عن اللمام الكبر أبي‬ ‫حنيفة النعمان رحمه ا تعالى‪ ،‬وكيف أنه كان يعطي الشريعة والطريقة‪ ،‬وأنه كان‬ ‫فأارس هذا الميدان‪ ،‬كما ذكر العلمة ابن عابدين فأي حاشيته المشهورة ]أبو حنيفة‬ ‫‪207‬‬

‫أحد الئمة الربعة‪ ،‬أشهر من أن يعرف‪ ،‬توفأي فأي بغداد سنة ‪150‬هـ‪ .‬انظر )‬ ‫‪395‬ـ ‪ (396‬من هذا الكتاب[‪.‬‬ ‫‪2‬ـ اللمام مالك رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫يقول اللمام مالك رحمه ا تعالى‪) :‬رمرن تفقفهر ولم يتصوف فأقد تفسق‪ ،‬ورمرن تصفوف‬ ‫ولم يتفقه فأقد تزندق‪ ،‬ومن جمرع بينهما فأقد تحفقق( ]حاشية العلمة علي العدوي‬ ‫على شرح اللمام الزرقاني على متن العزية فأي الفقه المالكي ج ‪ .3‬صا ‪.195‬‬ ‫لمام مل علي القاري المتوفأى ‪1014‬هـ‪ .‬ج ‪ .1‬صا‬ ‫وشرح عين العلم وزين الحلم ل ل‬ ‫‪ .33‬واللمام مالك رحمه ا تعالى أحد الئمة الربعة المشهورين توفأي سنة‬ ‫‪179‬هـ فأي المدينة المنورة[‪.‬‬ ‫‪3‬ـ اللمام الشافعي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال اللمام الشافأعي رحمه ا تعالى ]اللمام الشافأعي رحمه ا تعالى أحد الئمة‬ ‫الربعة المشهورين توفأي فأي مصر سنة ‪204‬هـ[‪) :‬صحبت الصوفأية فألم أستفد‬ ‫منهم سوى حرفأين‪ ،‬وفأي رواية سوى ثلث كلمات‪:‬‬ ‫قولهم‪ :‬الوقت سيف لإن لم تقطعه قطعك‪.‬‬ ‫وقولهم‪ :‬نفرسك لإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل‪.‬‬ ‫لمام جلل الدين السيوطي صا ‪.[15‬‬ ‫وقولهم‪ :‬العدم عصمة( ]تأييد الحقيقة العلية ل ل‬ ‫ك التكلف‪ ،‬ولعشرةس الخلق بالتل ي‬ ‫ب لإلفي من دنياكم ثلث‪ :‬تر س‬ ‫طف‪،‬‬ ‫وقال أيضاا‪) :‬سحبص ر‬ ‫والقتداء بطريق أهل التصوف( ]"كشف الخفاء ومزيل الللباس عما اشتهر من‬ ‫لمام العجلوني المتوفأى سنة ‪1162‬هـ‪ .‬ج ‪ .1‬صا‬ ‫الحاديث على ألسنة الناس" ل ل‬ ‫‪.[341‬‬ ‫‪4‬ـ اللمام أحمد رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫كان اللمام أحمد رحمه ا تعالى ]اللمام أحمد رحمه ا تعالى أحد الئمة الربعة‬ ‫المشهورين توفأي سنة ‪241‬هـ[ قبل مصاحبته للصوفأية يقول لولده عبد ا رحمه‬ ‫ا تعالى‪) :‬يا ولدي عليك بالحديث‪ ،‬ولإياك ومجالسة هؤلء الذين سموا أنفسهم‬ ‫صوفأية‪ ،‬فألإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه‪ .‬فألفما صحب أبا حمزة البغدادي‬ ‫الصوفأي‪ ،‬وعرف أحوال القوم‪ ،‬أصبح يقول لولده‪ :‬يا ولدي عليك بمجالسة هؤلء‬ ‫القوم‪ ،‬فأللإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة(‬ ‫]"تنوير القلوب" صا ‪ 405‬للعلمة الشيخ أمين الكردي المتوفأى سنة ‪1332‬هـ[‪.‬‬ ‫‪208‬‬

‫ونقل العلمة محمد السفاريني الحنبلي رحمه ا تعالى عن لإبراهيم بن عبد ا‬ ‫القلنسي رحمه ا تعالى أن اللمام أحمد رحمه ا تعالى قال عن الصوفأية‪) :‬ل‬ ‫أعلم أقواما ا أفأضل منهم‪ .‬قيل‪ :‬لإنهم يستمعون ويتواجدون‪ ،‬قال‪ :‬دعوهم يفرحوا مع‬ ‫ا ساعة‪"] (..‬غذاء اللباب شرح منظومة الداب" ج ‪ .1‬صا ‪.[120‬‬ ‫‪5‬ـ اللمام المحاسبي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫ويقول اللمام المحاسبي رحمه ا تعالى‪ ،‬متحدثا ا عن جهاده المرير للوصول لإلى‬ ‫الحق حتى اهتدى لإلى التصوف ورجاله‪ ،‬وهو من أروع ما كتب فأي وصف الحياة‬ ‫الصوفأية والخلقية والليمانية‪) :‬أما بعد‪ ،‬فأقد انتهى البيان لإلى أن هذه المة تفترق‬ ‫على بضع وسبعين فأرقة‪ ،‬منها فأرقة ناجية‪ ،‬وا أعلم بسائرها ؛ فألم أزل برهة من‬ ‫عمري‪ ،‬أنظر اختلف المة‪ ،‬وألتمس المنهاج الواضح والسبيل القاصد‪ ،‬وأطلب‬ ‫من العلم والعمل‪ ،‬وأستدل على طريق الخرة بلإرشاد العلماء‪ ،‬وعقلت كثيراا من‬ ‫كلم ا عز وجل بتأويل الفقهاء‪ ،‬وتدبرت أحوال المة‪ ،‬ونظرت فأي مذاهبها‬ ‫وأقاويلها‪ ،‬فأعقلت من ذلك ما قردر لي‪ ،‬ورأيت اختلفأهم بحراا عميقاا‪ ،‬غرق فأيه ناس‬ ‫كثير‪ ،‬وسلم منه عصابة قليلة‪ ،‬ورأيت كل صنف منهم‪ ،‬يزعم أن النجاة لمن تبعهم‪،‬‬ ‫وأن المهالك لمن خالفهم‪ ،‬ثم رأيت الناس أصنافأاا‪:‬‬ ‫فأمنهم العالم بأمر الخرة‪ ،‬لقاؤه عسير‪ ،‬ووجوده عزيز‪.‬‬ ‫ومنهم الجاهل‪ ،‬فأالبعد عنه غنيمة‪.‬‬ ‫ومنهم المتشبه بالعلماء‪ ،‬مشغوف بدنياه‪ ،‬مؤثر لها‪.‬‬ ‫ومنهم حامل علم‪ ،‬منسوب لإلى الدين‪ ،‬ملتمس بعلمه التعظيم والعلو‪ ،‬ينال بالدين من‬ ‫عرض الدنيا‪.‬‬ ‫ومنهم حامل علم‪ ،‬ل يعلم تأويل ما حمل‪.‬‬ ‫ومنهم متشبه بالينفساك‪ ،‬متحير للخير‪ ،‬ل غناء عنده‪ ،‬ول نفاذ لعلمه ]لإلى قلوب‬ ‫السامعين[‪ ،‬ول معترمد على رأيه‪.‬‬ ‫ومنهم منسوب لإلى العقل والدهاء‪ ،‬مفقود الورع والتقى‪.‬‬ ‫ومنهم متوايدون‪ ،‬على الهوى والفأقون‪ ،‬وللدنيا يلذلون‪ ،‬ورياسرتها يطلبون‪.‬‬ ‫ومنهم شياطين اللنس‪ ،‬عن الخرة يصدون‪ ،‬وعلى الدنيا يتكالبون‪ ،‬ولإلى جمعها‬ ‫سيهرعون‪ ،‬وفأي الستكثار منها يرغبون‪ ،‬فأهم فأي الدنيا أحياء‪ ،‬وفأي السعرف موتى‪،‬‬ ‫بل السعرف عندهم منكر‪ ،‬والستواء ]بين الحي والميت[ معروف‪.‬‬

‫‪209‬‬

‫ضق س‬ ‫ت بذلك ذرعاا‪ ،‬فأقصدت لإلى هدى المهتدين‪،‬‬ ‫فأتفقردت فأي الصناف نفسي‪ ،‬و ل‬ ‫بطلب السداد والهدى‪ ،‬واسترشدت العلم‪ ،‬ورأعمرلت الفكر‪ ،‬وأطلت النظر‪ ،‬فأتبفين لي‬ ‫من كتاب ا تعالى وسنة نبيه ولإجماع المة‪ ،‬أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد‪،‬‬ ‫ويضل عن الحق‪ ،‬ويطيل المكث فأي العمى‪.‬‬ ‫فأبدأ س‬ ‫ت بلإسقاط الهوى عن قلبي‪ ،‬ووقفت عند اختلف المة مرتاداا لطلب الفرقة‬ ‫الناجية‪ ،‬حلذراا من الهواء السمرردية والفرقة الهالكة‪ ،‬متحرزاا من القتحام قبل‬ ‫البيان‪ ،‬وألتمس سبيل النجاة للسمرهجلة نفسي‪.‬‬ ‫ثم وجرد س‬ ‫ت باجتماع المة فأي كتاب ا المنزل أن سبيل النجاة فأي التمسك بتقوى ا‬ ‫وأداء فأرائضه‪ ،‬والورع فأي حلله وحرامه وجميع حدوده‪ ،‬واللخلصا ل تعالى‬ ‫بطاعته‪ ،‬والتأصسي برسوله صلى ا عليه وسلم‪ .‬فأطلبت معرفأة الفرائض والسنن‬ ‫عند العلماء فأي الثار‪ ،‬فأرأيت اجتماعا ا واختلفأاا‪ ،‬ووجد س‬ ‫ت جميعهم مجتمعين على‬ ‫أن علم الفرائض والسنن عند العلماء بال وأمره‪ ،‬الفقهاء عن ا العاملين‬ ‫برضوانه الورعين عن محارمه المتأسين برسوله صلى ا عليه وسلم والمؤثرين‬ ‫الخرة على الدنيا ؛ سأولئك المتمسكون بأمر ا وسنن المرسلين‪.‬‬ ‫فأالتمست من بين المة هذا الصنف المجترمرع عليهم والموصوفأين بآثارهم‪،‬‬ ‫واقتبست من علمهم‪ ،‬فأرأيتهم أقل من القليل‪ ،‬ورأيت علمهم مندرسا ا كما قال رسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم ‪" :‬بدأ اللسلم غريباا‪ ،‬وسيعود غريبا ا كما بدأ فأطوبى‬ ‫للغرباء" ]أخرجه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الليمان عن أبي هريرة رضي ا‬ ‫عنه[‪ ،‬وهم المتفصردون بدينهم‪ ،‬فأعظم ر‬ ‫ت مصيبتي لفقد الولياء التقياء‪ ،‬وخشي س‬ ‫ت‬ ‫ب من عمري لختلف المة‪ ،‬فأانكمشت فأي‬ ‫بغتة الموت أن يفاجئني على اضطرا ظ‬ ‫طلب عالم لم أجد لي من معرفأته بسرداا‪ ،‬ولم أق ر‬ ‫صر فأي الحتياط ول فأي النصح‪.‬‬ ‫ض لي الرؤوف بعباده قوماا وجدت فأيهم دلئل التقوى وأعلم الورع ولإيثار‬ ‫فأقيف ر‬ ‫الخرة على الدنيا‪ ،‬ووجدت لإرشادهم ووصاياهم موافأقة لفأاعيل أئمة الهدى‪،‬‬ ‫]ووجدتهم[ مجتمعين على نصح المة‪ ،‬ل يسرريجون أبداا فأي معصيته‪ ،‬ول يسقرصنطون‬ ‫أبداا من رحمته‪ ،‬يرضون أبداا بالصبر على البأساء والضراء والرضا بالقضاء‬ ‫والشكر على النعماء‪ ،‬سيحصببون ا تعالى لإلى العباد بذكرهرم أياديه ولإحسانه‪،‬‬ ‫ويحيثون العباد على اللنابة لإلى ا تعالى‪ ،‬علماء بعظمة ا تعالى‪ ،‬علماء بعظيم‬ ‫قدرته‪ ،‬وعلماء بكتابه وسنته‪ ،‬فأقهاء فأي دينه‪ ،‬علماء بما يحب ويكره‪ ،‬رولرعين عن‬ ‫البدع والهواء‪ ،‬تاركين التعمق واللغلء‪ ،‬مبغضين للجدال والمراء‪ ،‬متوصرعين‬ ‫عن الغتياب والظلم مخالفين لهوائهم‪ ،‬محاسبين لنفسهم‪ ،‬مالكين لجوارحهم‪،‬‬ ‫‪210‬‬

‫ورعين فأي مطاعمهم وملبسهم وجميع أحوالهم‪ ،‬سمجانبين للشبهات‪ ،‬تاركين‬ ‫للشهوات‪ ،‬مجتزئين بالبسرلغة من القوات‪ ،‬متقللين من المباح‪ ،‬زاهدين فأي الحلل‪،‬‬ ‫مشلفقين من الحساب‪ ،‬رولجلين من المعاد‪ ،‬مشغولين بينهم‪ ،‬سمرزلرين على أنفسهم من‬ ‫دون غيرهم‪ ،‬لكل امرىء منهم شأن يغنيه‪ ،‬علماء بأمر الخرة وأقاويل القيامة‬ ‫وجزيل الثواب وأليم العقاب‪ .‬ذلك أورثهم الحزن الدائم والهرفم المقيم‪ ،‬فأشغلوا عن‬ ‫سرور الدنيا ونعيمها‪ .‬ولقد وصفوا من آداب الدين صفات‪ ،‬وحيدوا للورع حدوداا‬ ‫ضاق لها صدري‪ ،‬وعلمت أن آداب الدين وصدق الورع بحر ل ينجو من الغرق‬ ‫فأيه شبهي‪ ،‬ول يقوم بحدوده مثلي‪ ،‬فأتبين لي فأضلهم‪ ،‬واتضح لي نصحهم‪ ،‬وأيقن س‬ ‫ت‬ ‫أنهم العاملون بطريق الخرة والمتأسون بالمرسلين‪ ،‬والمصابيح لمن استضاء بهم‪،‬‬ ‫والهادون لمن استرشد‪.‬‬ ‫فأأصبحت راغبا ا فأي مذهبهم مقتبسا ا من فأوائدهم قابلا لدابهم محبا ا لطاعتهم‪ ،‬ل‬ ‫أعدل بهم شيئاا‪ ،‬ول أوثر عليهم أحداا‪ ،‬فأفتح ا لي علما ا اتضح لي برهانه‪ ،‬وأنار‬ ‫لي فأضله‪ ،‬ورجوت النجاة لمن أقفر به أو انتحله‪ ،‬وأيقنت بالغوث لمن عمل به‪،‬‬ ‫ورأيت العوجاج فأيمن خالفه‪ ،‬ورأيت الفررين متراكما ا على قلب من جهله وجحده‪،‬‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ورأيت الحجة العظمى لمن فأهمه‪ ،‬ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجبا ا عل ف‬ ‫فأاعتقدته فأي سريرتي‪ ،‬وانطويت عليه بضميري‪ ،‬وجعلته أساس ديني‪ ،‬وبنيت عليه‬ ‫أعمالي‪ ،‬وتقلفربت فأيه بأحوالي‪ .‬وسألت ا عز وجل أن يولزرعني شكرر ما أنعم به‬ ‫علفي‪ ،‬وأن يقويني على القيام بحدود ما عفرفأني به‪ ،‬مع معرفأتي بتقصيري فأي ذلك‪،‬‬ ‫لمام أبي عبد ا الحارث‬ ‫وأني ل أدرك شكره أبداا( ]كتاب الوصايا صا ‪27‬ـ ‪ .32‬ل ل‬ ‫المحاسبي المتوفأى ‪243‬هـ‪ .‬وهو من أمهات الكتب الصوفأية المعتمدة[‪.‬‬ ‫‪6‬ـ عبد القاهر البغدادي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال اللمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه ا تعالى فأي كتابه‬ ‫الفررر س‬ ‫ق‪) :‬الفصل الول من فأصول هذا الباب فأي بيان أصناف أهل السنة‬ ‫ق بين الفلرر ل‬ ‫والجماعة‪ .‬اعلموا أسعدكم ا أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس‪:‬‬ ‫‪1‬ـ صنف منهم أحاطوا علماا بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد‬ ‫والثواب والعقاب وشروط الجتهاد واللمامة والزعامة‪..‬‬ ‫‪2‬ـ والصنف الثاني منهم‪ :‬أئمة الفقه من فأريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا‬ ‫فأي سأصول الدين مذاهب الصفاتية فأي ا وفأي صفاته الزلية وتبفرسؤا من القدر‬ ‫والعتزال‪ ،‬وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها‪ ،‬ودوام عذاب النار على الكفرة‪،‬‬ ‫‪211‬‬

‫وقالوا بلإمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬وأحسنوا الثناء على السلف الصالح‬ ‫من المة‪ ،‬ورأوا وجوب الجمعة خلف الئمة الذين تبرؤا من أهل الهواء الضالة‪،‬‬ ‫ورأرروا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن لإجماع الصحابة‪،‬‬ ‫ويدخل فأي هذه الجماعة أصحاب مالك والشافأعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل‬ ‫رضي ا عنهم‪.‬‬ ‫‪3‬ـ والصنف الثالث منهم‪ :‬هم الذين أحاطوا علماا بطرق الخبار والسنن المأثورة‬ ‫عن النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬وميزوا بين الصحيح والسقيم منها‪ ،‬وعرفأوا‬ ‫أسباب الجرح والتعديل‪ ،‬ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الهواء‬ ‫الضالة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ والصنف الرابع منهم‪ :‬قوم أحاطوا علما ا بأكثر أبواب الدب والنحو‬ ‫ت أئمة اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلء‬ ‫والتصريف‪ ،‬رورجرروا على رسرم ل‬ ‫وسيبويه‪.‬‬ ‫‪5‬ـ والصنف الخامس منهم‪ :‬هم الذين أحاطوا علماا بوجوه قراءات القرآن وبوجوه‬ ‫تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفأق مذاهب أهل السنة دون تأويلت أهل‬ ‫الهواء الضالة‪.‬‬ ‫‪6‬ـ والصنف السادس منهم‪ :‬الزهاد الصوفأية الذين أبصروا فأأقصروا‪ ،‬واخرتبروا‬ ‫فأاعتبروا‪ ،‬ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور‪ ،‬وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد‬ ‫كل سأولئك مسؤول عن الخير والشر‪ ،‬ومحاسب على مثاقيل الذر‪ ،‬فأأعيدوا خير‬ ‫ت أهل‬ ‫اللعداد ليوم المعاد‪ ،‬وجرى كلمهم فأي طريقرري العبارة واللشارة على رسرم ل‬ ‫الحديث دون من يشتري لهو الحديث‪ ،‬ل يعملون الخير رياء‪ ،‬ول يتركونه حياء‪،‬‬ ‫ض لإلى ا تعالى‪ ،‬والتوكسل عليه‬ ‫ديسنهم التوحيد ونفي التشبيه‪ ،‬ومذهبهم التفوي س‬ ‫ك‬ ‫والتسليسم لمره‪ ،‬والقناعةس بما رزقوا‪ ،‬واللعرا س‬ ‫ض عن العتراض عليه‪} .‬ذل ر‬ ‫فأضسل ال يؤلتيله رمرن يشاسء واس ذو الفضلل العظيلم{ ]الجمعة‪.[4 :‬‬ ‫‪7‬ـ والصنف السابع منهم‪ :‬قوم مرابطون فأي ثغور المسلمين فأي وجوه الكفرة‪،‬‬ ‫يجاهدون أعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين‪.‬‬ ‫‪8‬ـ والصنف الثامن منهم‪ :‬عامة البلدان التي غلب فأيها شعائر أهل السنة‪ ،‬دون‬ ‫عامة البقاع التي ظهر فأيها شعار أهل الهواء الضالة‪] (..‬الفررر س‬ ‫لمام‬ ‫قل ل‬ ‫ق بين الفلرر ل‬ ‫عبد القاهر البغدادي المتوفأى سنة ‪429‬هـ‪ .‬صا ‪.[189‬‬ ‫‪7‬ـ اللمام القشيري رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫‪212‬‬

‫وقال اللمام أبو القاسم القشيري رحمه ا تعالى فأي مقدمة رسالته المشهورة‬ ‫ضلهم على الكافأة‬ ‫متحدثاا عن الصوفأية‪) :‬جعل ا هذه الطائفة صفوة أوليائه‪ ،‬وفأر ف‬ ‫من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات ا وسلمه عليهم‪ ،‬وجعل قلوبهم معادن‬ ‫صهم من بين المة بطوالع أنواره‪ ،‬فأهم الغياث للخلق‪ ،‬والدائرون فأي‬ ‫أسراره‪ ،‬واخت ف‬ ‫عموم أحوالهم مع الحق بالحق‪ .‬صففاهم من كدورات البشرية‪ ،‬ورفقاهم لإلى محل‬ ‫المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الحدية‪ ،‬ووفأقهم للقيام بآداب العبودية‪،‬‬ ‫وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية‪ ،‬فأقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف‪،‬‬ ‫وتحققوا بما رمفنه سبحانه لهم من التقليب والتصريف‪ ،‬ثم رجعوا لإلى ا سبحانه‬ ‫وتعالى بصدق الفأتقار ونعت النكسار‪ ،‬ولم يتفلكلوا على ما حصل منهم من‬ ‫العمال أو صفا لهم من الحوال‪ ،‬علماا منهم بأنه جفل وعل يفعل ما يريد‪ ،‬ويختار‬ ‫من يشاء من العبيد‪ ،‬ل يحكم عليه خلق‪ ،‬ول يتوجه عليه لمخلوق حق‪ ،‬ثوابه ابتداء‬ ‫لمام أبي‬ ‫فأضل‪ ،‬وعذابه حكم بعدل‪ ،‬وأمره قضاء فأصل( ]الرسالة القشيرية ل ل‬ ‫القاسم القشيري المتوفأى سنة ‪465‬هـ‪ .‬صا ‪.[2‬‬ ‫‪8‬ـ اللمام الغزالي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وها هو ذا حجة اللسلم اللمام أبو حامد الغزالي رحمه ا تعالى يتحدث فأي كتابه‬ ‫المنقذ من الضلل عن الصوفأية وعن سلوكهم وطريقتهم الحقة الموصلة لإلى ا‬ ‫تعالى فأيقول‪:‬‬ ‫)ولقد علمت يقيناا أن الصوفأية هم السالكون لطريق ا تعالى خاصة وأن سيرتهم‬ ‫أحسن السيرة‪ ،‬وطريقتهم أصوب الطرق‪ ،‬وأخلقهم أزكى الخلق‪ ..‬ثم يقول رداا‬ ‫على من أنكر على الصوفأية وتهفجم عليهم‪ :‬وبالجملة فأماذا يقول القائلون فأي طريقظة‬ ‫طهارستها ـ وهي أول شروطها ـ تطهيسر القلب بالكلية عما سوى ا تعالى‪،‬‬ ‫ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلة استغرا س‬ ‫ق القلب بالكلية بذكر‬ ‫ا‪ ،‬وآخرها الفناء بالكلية فأي ا( ]المنقذ من الضلل لحجة اللسلم الغزالي‬ ‫المتوفأى سنة ‪505‬هـ‪ .‬صا ‪.[131‬‬ ‫‪9‬ـ اللمام فخر الدين الرازي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال العلمة الكبير والمفسر الشهير اللمام فأخر الدين الرازي رحمه ا تعالى فأي‬ ‫كتابه اعتقادات فأرق المسلمين والمشركين‪) :‬الباب الثامن فأي أحوال الصوفأية‪:‬‬ ‫صرر فأرق المة‪ ،‬لم يذكر الصوفأية وذلك خطأ‪ ،‬لن حاصل قول‬ ‫اعلم أن أكثر رمرن رح ر‬ ‫الصوفأية أن الطريق لإلى معرفأة ا تعالى هو التصفية والتجرد من العلئق البدنية‪،‬‬ ‫وهذا طريق حسن‪ ..‬وقال أيضاا‪ :‬والمتصوفأة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن‬ ‫‪213‬‬

‫العلئق الجسمانية‪ ،‬ويجتهدون ألف يخلو سفرهم وبارلهم عن ذكر ا تعالى فأي سائر‬ ‫تصرفأاتهم وأعمالهم‪ ،‬منطبعون على كمال الدب مع ا عز وجل‪ ،‬وهؤلء هم‬ ‫لمام فأخر الدين‬ ‫خير فأرق الدميين( ]اعتقادات فأرق المسلمين والمشركين ل ل‬ ‫الرازي صا ‪72‬ـ ‪ 73‬توفأي سنة ‪606‬هـ بمدينة هراة‪ .‬يقول محرر كتاب اعتقادات‬ ‫فأرق المسلمين علي سامي النشار‪) :‬وفأي أواخر أيامه ]فأخر الدين الرازي[ وقد بلغ‬ ‫أوج كماله العلمي حدث له ما حدث لبي حامد الغزالي من قبل‪ ،‬فأقلف ر‬ ‫ت ثقته بالعقل‬ ‫س عجزه‪ ،‬وأدرك تماما ا أنه ل يستطيع اللحاطة بالوجود فأي ذاته‪،‬‬ ‫اللنساني‪ ،‬وأح ف‬ ‫فأأدركرته حالة صوفأية كانت تنتابه منها فأي بعض مجالس وعظه نوبا ف‬ ‫ت فأيصرخ‬ ‫مستغيثاا‪.‬‬ ‫وعظ يوماا بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري‪ ،‬وحصلت له حال فأاستغاث‪) :‬يا‬ ‫سلطان العالم ل سلطانك يبقى‪ ،‬ول تلبيس الرازي يبقى(‪.‬‬ ‫ونظم أشعاراا تغلب عليها النزعة الصوفأية كقوله‪:‬‬ ‫نهايةس لإقدام العقول عقاسل وأكثسر سعي العالميرن ضلسل‬ ‫وأرواسحنا فأي روحشظة من لجسومنا وحاصسل دنيانا أذى ووباسل‬ ‫ولم نستفد من بحثنا طورل عمرنا سوى أرن جمعنا فأيه قيرل وقالوا‬ ‫لمام فأخر الدين الرازي صلة قوية بالشيخ الكبر محي الدين بن عربي‬ ‫وكان ل ل‬ ‫على أثر لإرسال رسالة جاءته من الشيخ محي الدين بن عربي‪ ،‬بين له فأيها قيمة‬ ‫العلوم العرفأانية الوهبية وشفورقه لها‪ ،‬وهذه الرسالة مطبوعة بالمطبعة السلفية‬ ‫بمصر وتسمى "رسالة شيخ الطريقة محي الدين بن عربي لإلى اللمام ابن الخطيب‬ ‫الري المعروف بفخر الرازي" نسخها وأبرزها وصححها عبد العزيز الميمني‬ ‫الراجقوتي الثري المقرىء بالجامعة اللسلمية فأي عليكرة بالهند عام ‪ 1334‬فأي‬ ‫مجموعة ثلث رسائل[‪.‬‬ ‫‪10‬ـ العز بن عبد السلم رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلم رحمه ا تعالى ]عز الدين بن عبد‬ ‫السلم يلقب بشيخ العلماء وبسلطان العلماء ولد سنة ‪577‬هـ‪ ،‬وتوفأي سنة ‪660‬هـ‪.‬‬ ‫انتهت لإليه اللمامة‪ ،‬وبلغ منزلة الجتهاد مع الزهد والورع‪ .‬ولد بالشام‪ ،‬ووفأد‬ ‫مصر فأأقام بها أكثر من عشرين عاماا‪ ،‬ناشراا للعلم آمراا بالمعروف ناهيا ا عن‬ ‫ف كتباا كثيرة‪ ،‬وأخذ التصوف عن شهاب الدين السهروردي‪ ،‬وسلك‬ ‫المنكر‪ .‬وألف ر‬ ‫‪214‬‬

‫على يد الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه ا تعالى‪ ،‬وكان يقول لإذا حضر مجلسه‬ ‫وسمع كلمه‪ :‬هذا كلم قريب العهد بال[‪:‬‬ ‫)قعد القوم من الصوفأية على قواعد الشريعة التي ل تنهدم دنيا وأخرى ‪ ،‬وقعد‬ ‫غيرهم على الرسوم‪ ،‬ومما يدلك على ذلك‪ ،‬ما يقع على يد القوم من الكرامات‬ ‫وخوارق العادات‪ ،‬فألإنه فأرع عن قربات الحق لهم‪ ،‬ورضاه عنهم‪ ،‬ولو كان العلم‬ ‫من غير عمل‪ ،‬يرضي الحق تعالى كل الرضى‪ ،‬لجرى الكرامات على أيدي‬ ‫أصحابهم‪ ،‬ولو لم يعملوا بعلمهم‪ ،‬هيهات هيهات( ]نور التحقيق للشيخ حامد صقر‬ ‫صا ‪.[96‬‬ ‫‪11‬ـ اللمام النووأي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال اللمام النووي رحمه ا تعالى فأي رسالته المقاصد‪ :‬أصول طريق التصوف‬ ‫خمسة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تقوى ا فأي السر والعلنية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ اتباع السنة فأي القوال والفأعال‪.‬‬ ‫‪3‬ـ اللعراض عن الخلق فأي اللقبال واللدبار‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الرضى عن ا فأي القليل والكثير‪.‬‬ ‫‪5‬ـ الرجوع لإلى ا فأي السراء والضراء( ]مقاصد اللمام النووي فأي التوحيد‬ ‫والعبادة وأصول التصوف صا ‪ 20‬توفأي اللمام النووي سنة ‪676‬هـ فأي قرية من‬ ‫قرى الشام تسمى‪ :‬نوى[‪.‬‬ ‫‪12‬ـ ابن تيمية رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫تحدث أحمد بن تيمية رحمه ا تعالى عن تمسك الصوفأية بالكتاب والسنة فأي‬ ‫الجزء العاشر من مجموع فأتاويه فأقال‪) :‬فأأما المستقيمون من السالكين كجمهور‬ ‫مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض‪ ،‬وإبراهيم بن أدهم‪ ،‬وأبي سليمان الداراني‪،‬‬ ‫ومعروف الكرخي‪ ،‬والسري السقطي‪ ،‬والجنيد بن محمد‪ ،‬وغيرهم من المتقدمين‪،‬‬ ‫ومثل الشيخ عبد القادر ]الجيلني[ والشيخ حماد‪ ،‬والشيخ أبي البيان‪ ،‬وغيرهم من‬ ‫المتأخرين‪ ،‬فأهم ل يسوغون للسالك ولو طار فأي الهواء‪ ،‬أو مشى على الماء‪ ،‬أن‬ ‫يخرج عن المر والنهي الشرعيين‪ ،‬بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور لإلى‬ ‫أن يموت‪ .‬وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ولإجماع السلف‪ ،‬وهذا كثير‬ ‫فأي كلمهم( ]مجموع فأتاوى أحمد بن تيمية ج ‪ .10‬صا ‪516‬ـ ‪.[517‬‬ ‫‪13‬ـ اللمام الشاطبي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫رذركر ر‬ ‫ت "المسلم مجلة العشيرة المحمدية" تحت عنوان‪ :‬اللمام الشاطبي ]الشاطبي‬ ‫‪215‬‬

‫هو لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفأى سنة ‪790‬هـ[‪ .‬صوفأي‬ ‫سلفي للسيد أبي النقى أحمد خليل‪) :‬كتاب العتصام من الكتب التي يعتبرها‬ ‫السمتسصلفة مرجعا ا أساسياا لبعض آرائهم‪ ،‬ويرون فأي الشيخ أبي لإسحاق الشاطبي‬ ‫لإماما ا لهم‪ ،‬وقد عقد اللمام الشاطبي فأي كتابه هذا فأصولا كريمة عن التصوف‬ ‫اللسلمي‪ ،‬وأثبت أنه من صميم الدين‪ ،‬وليس هو مبتردعاا‪ ،‬ووففأى المقام هناك بما‬ ‫تخرس له اللسن‪ ،‬وتسلم له العقول والقلوب‪ ،‬فأاستمرع لإلى اللمام الشاطبي يقول‪:‬‬ ‫لإن كثيراا من الجهال‪ ،‬يعتقدون فأي الصوفأية أنهم متساهلون فأي التباع والتزام ما‬ ‫لم يأت فأي الشرع التزامه‪ ،‬مما يقولون به ويعملون عليه‪ ،‬وحاشاهم من ذلك أن‬ ‫يعتقدوه أو يقولوا به‪ .‬فأأول شيء برنرروا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها‪،‬‬ ‫حتى زعم سمذصكسرسهم وحافأظ مأخذهم‪ ،‬وعمود نحلتهم أبو القاسم القشيري‪ :‬لإنهم لإنما‬ ‫اختصوا باسم التصوف انفراداا به عن أهل البدع‪ .‬فأذكر أن المسلمين بعد رسول ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم لم يترسفم أفأاضلهم فأي عصرهم باسم رعلرظم سوى الصحبة‪ ،‬لإذ ل‬ ‫فأضيلرة فأوقها‪ ،‬ثم سمي من يليهم التابعون‪ ،‬ثم اختلف الناس‪ ،‬وتباينت المراتب‪،‬‬ ‫فأقيل لخواصا الناس ممن لهم شدة عناية فأي الدين‪ :‬الزهاد والعفباد‪ .‬قال‪ :‬ثم ظهرت‬ ‫البدع وافدعى كل فأريق أن فأيهم زهاداا وسعفباداا‪ ،‬فأانفرد خواصا أهل السنة‪،‬‬ ‫المراعون أنفسهم مع ا‪ ،‬والحافأظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف‪ ،‬فأتأمل‬ ‫تغنم‪ ،‬وا أعلم( ]المسلم مجلة العشيرة المحمدية‪ ،‬عدد ذي القعدة سنة ‪1373‬هـ[‪.‬‬ ‫‪14‬ـ ابن خلدوأن رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وقال ابن خلدون رحمه ا تعالى فأي كلمه عن علم التصوف‪) :‬هذا العلم من‬ ‫العلوم الشرعية الحادثة فأي الملة‪ ،‬وأصله أن طريقة هؤلء القوم لم تزل عند سلف‬ ‫المة وكبارها من الصحابة والتابعين ورمن بعردهم طريقةر الحق والهداية‪ ،‬وأصسلها‬ ‫العكو س‬ ‫ض عن زخرف الدنيا‬ ‫ف على العبادة والنقطاع لإلى ا تعالى‪ ،‬واللعرا س‬ ‫وزينتها‪ ،‬والزهسد فأيما سيقلبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه‪ ،‬والنفراسد عن الخلق‬ ‫فأي الخلوة للعبادة‪ .‬وكان ذلك عارما ا فأي الصحابة والسلف‪ ،‬فألفما فأشا اللقبال على‬ ‫الدنيا فأي القرن الثاني وما بعده‪ ،‬وجنح الناس لإلى مخالطة الدنيا‪ ،‬اختص المقبلون‬ ‫على العبادة باسم الصوفأية( ]مقدمة ابن خلدون صا ‪ .328‬وهو عبد الرحمن بن‬ ‫الشيخ أبي بكر محمد بن خلدون الحضرمي ولد عام ‪732‬هـ وتوفأي سنة ‪808‬هـ[‪.‬‬ ‫‪15‬ـ تاج الدين السبكي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وقال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه ا تعالى فأي كتابه معيد النعم ومبيد النقم‪،‬‬ ‫تحت عنوان الصوفأية‪) :‬رحفياهسم ا وبفياهم وجمعنا فأي الجنة نحن ولإياهم‪ .‬وقد‬ ‫تشعبت القوال فأيهم تشعبا ا ناشئا ا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة السمتلصبسين بها‪ ،‬بحيث‬ ‫‪216‬‬

‫قال الشيخ أبو محمد الجويني‪ :‬ل يصح الوقف عليهم لنه ل حفد لهم‪ .‬والصحيح‬ ‫صحته‪ ،‬وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون فأي أغلب الوقات بالعبادة‪ ..‬ثم‬ ‫تحدث عن تعاريف التصوف لإلى أن قال‪ :‬والحاصل أنهم أهل ا وخاصته الذين‬ ‫ترتجى الرحمة بذكرهم‪ ،‬وسيستنزل الغيث بدعائهم‪ ،‬فأرضي ا عنهم وعفنا بهم(‬ ‫لمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي‬ ‫]كتاب معيد النعم ومبيد النقم صا ‪ 119‬ل ل‬ ‫المتوفأى سنة ‪771‬هـ[‪.‬‬ ‫‪16‬ـ جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وقال العلمة المشهور جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى فأي كتابه تأييد‬ ‫الحقيقة العلفية‪) :‬لإن التصوف فأي نفسه علم شريف‪ ،‬ولإن مداره على اتباع السنة‬ ‫وترك البدع ‪ ،‬والتبصري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها‬ ‫ب محبته‪ ،‬واحتقالر ما سواه‪..‬‬ ‫واختياراتها‪ ،‬والتسليلم ل‪ ،‬والرضى به وبقضائه‪ ،‬وطل ل‬ ‫وعلم س‬ ‫ت أيضاا أنه قد كثر فأيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم‪ ،‬فأأدخلوا‬ ‫فأيه ما ليس منه‪ ،‬فأأدى ذلك لإلى لإساءة الظن بالجميع‪ ،‬فأوفجه أهسل العلم للتمييز بين‬ ‫الصنفين لسيعلرم أهل الحق من أهل الباطل‪ ،‬وقد تأمل س‬ ‫ت المور التي أنكرها أئمة‬ ‫الشرع على الصوفأية فألم أرر صوفأيا ا محقصقرا ا يقول بشيء منها‪ ،‬ولإنما يقول بها أهل‬ ‫البدع والغلةس الذين افدرعروا أنهم صوفأية وليسوا منهم( ]تأييد الحقيقة العلية صا ‪.57‬‬ ‫للعلمة جلل الدين السيوطي المتوفأى سنة ‪911‬هـ[‪.‬‬ ‫‪17‬ـ ابن عابدين رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫وتحفد ر‬ ‫ث خاتمة المحققين العلمة الكبير والفقيه الشهير الشيخ محمد أمين المشهور‬ ‫بابن عابدين رحمه ا تعالى فأي كتابه المسمى مجموعة رسائل ابن عابدين‬ ‫الرسالة السابعة ]شفاء العليل وبريل الغليل فأي سحركلم الوصية بالختمات والتهاليل[ عن‬ ‫البدع الدخيلة على الدين مما يجري فأي المآتم والختمات‪ ،‬من لقبل أشخاصا تزيفروا‬ ‫بلزي العلم‪ ،‬وانتحلوا اسم الصوفأية‪ ،‬ثم استدرك الكلم عن الصوفأية الصادقين حتى‬ ‫ق من ساداتنا الصوفأية‬ ‫ل سيظن أنه يتكلم عنهم عامة فأقال‪) :‬ول كلم لنا مع ال س‬ ‫صفد ل‬ ‫المبرئين عن كل خصلة ردفية‪ ،‬فأقد سسئل لإماسم الطائفتين سيدنا الجنيد‪ :‬لإن أقواما ا‬ ‫يتواجدون ويتمايلون ؟ فأقال‪ :‬دعوهم مع ا تعالى يفرحون‪ ،‬فألإنهم قوم ق ف‬ ‫طعت‬ ‫الطري س‬ ‫ب فأؤاردهم‪ ،‬وضاقوا ذرعا ا فأل حرج عليهم لإذا تنفسوا‬ ‫ق أكباردهم‪ ،‬ومفزق النص س‬ ‫مداواةا لحالهم‪ ،‬ولو سذرق ر‬ ‫ت مذاقهم عذرتهم فأي صياحهم‪ ..‬وبمثل ما ذكره اللمام‬ ‫الجنيد‪ ،‬أجاب العلمة النحرير ابن كمال باشا لما استفتي عن ذلك حيث قال‪:‬‬ ‫ص ر‬ ‫ما فأي الفتواسجلد لإن حقفرق ر‬ ‫س‬ ‫ج ول التمايلل لإن أخرل ر‬ ‫ت من ربا ل‬ ‫ت من حر ظ‬ ‫ت تسعى على لررجظل وسح ف‬ ‫فأقم ر‬ ‫س‬ ‫ق للرمرن دعاه موله أن يسعى على الصرا ل‬ ‫‪217‬‬

‫الرخصة فأيما ذكر من الوضاع عند الذكر والسماع للعارفأين الصارفأين أوقاتهم‬ ‫لإلى أحسن العمال‪ ،‬السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الحوال‪ ،‬فأهم ل‬ ‫يستمعون لإل من اللله‪ ،‬ول يشتاقون إللف له ؛ إلرن ذكروه ناحوا‪ ،‬ولإن شكروه باحوا‪،‬‬ ‫ولإن وجدوه صاحوا‪ ،‬ولإن شهدوه استراحوا‪ ،‬ولإن سرحوا فأي حضرات قربه‬ ‫ساحوا‪ .‬لإذا غلب عليهم الوجد بغلباته‪ ،‬وشربوا من موارد لإراداته‪ ،‬فأمنهم رمرن طرقرته‬ ‫طوارق الهيبة فأخفر وذاب‪ ،‬ومنهم من بلرق ر‬ ‫ت له بوارق اللطف فأتحفرك وطاب‪،‬‬ ‫ب من مطلع القرب فأسكر وغاب‪ .‬هذا ما رعفن لي فأي‬ ‫ومنهم من طلع عليهم اللح ي‬ ‫الجواب‪ ،‬وا أعلم بالصواب‪.‬‬ ‫وأيضا ا فألإن سماعهم ينتج المعارف الللهية‪ ،‬والحقائق الربانية‪ ،‬ول يكون لإل‬ ‫بوصف الذات العلية والمواعظ اللحركلمفية‪ ،‬والمدايح النبوية‪.‬‬ ‫ول كلم لنا أيضاا مع من اقتدى بهم‪ ،‬وذاق من مشربهم‪ ،‬ووجد من نفسه الشوق‬ ‫والهيام فأي ذات الملك الع ف‬ ‫لم‪ ،‬بل كلمنا مع هؤلء العوام‪ ،‬الفسقة اللئام‪ ..‬لإلخ(‬ ‫]الرسالة السابعة‪ ،‬شفاء العليل وبل الغليل فأي حكم الوصية بالختمات والتهاليل صا‬ ‫‪172‬ـ ‪ 173‬للفقيه الكبير ابن عابدين ولد سنة ‪ 1198‬وتوفأي ‪1252‬هـ وقد ذكرنا‬ ‫سابقا ا شيئا ا من ترجمته[‪.‬‬ ‫‪18‬ـ الشيخ محمد عبده رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫ذكرت مجلة المسلم مقالة تحت عنوان رأي الشيخ محمد عبده فأي التصوف‪ ،‬نقلها‬ ‫عنه المرحوم الشيخ علي محفوظ فأي رسالة اللبداع فأقال‪) :‬قال الشيخ محمد عبده‬ ‫رحمه ا تعالى‪ :‬قد اشتبه على بعض الباحثين فأي تاريخ اللسلم وما حدث فأيه من‬ ‫البدع والعادات التي شوه ر‬ ‫ب فأي سقوط المسلمين فأي الجهل‪ ،‬فأظنوا‬ ‫ت جماله‪ ،‬السب س‬ ‫أن التصوف من أقوى السباب لوقوع المسلمين فأي الجهل بدينهم وسبعدهم عن‬ ‫س النجاة‪ ،‬ومدار صحة العمال‪ ،‬وليس المر كما‬ ‫التوحيد الخالص الذي هو أس ي‬ ‫ظنوا‪ ،‬فأنذكر لك الغرض منه على وجه اللجمال‪ ،‬وما آل لإليه أمره بعد ذلك‪.‬‬ ‫لسلم‪ ،‬فأكان له شأن عظيم‪ ،‬وكان المقصود‬ ‫ظهر التصوف فأي القرون الولى ل ل‬ ‫منه فأي أول المر تقويم الخلق وتهذيب النفوس‪ ،‬وترويضها بأعمال الدين‬ ‫وجذبها لإليه‪ ،‬وجعله وجدانا ا لها‪ ،‬وتعريفها بلحركمه وأسراره بالتدريج‪ .‬وكان الفقهاء‬ ‫الذين وقفوا عند ظواهر الحكام المتعلقة بأعمال الجوارح والمعاملت ينكرون‬ ‫عليهم معرفأة أسرار الدين‪ ،‬ويرمونهم بالزيغ والللحاد‪ ،‬وكانت السلطة للفقهاء‬ ‫لحاجة المراء والسلطين لإليهم‪ ،‬فأاضطر الصوفأية لإلى لإخفاء أمرهم‪ ،‬وو ر‬ ‫ضع‬ ‫‪218‬‬

‫الرموز والصطلحات الخاصة بهم‪ ،‬وعدم قبول أحد معهم لإل بشروط واختبار‬ ‫طويل‪ ،‬فأقالوا‪ :‬لبد فأيمن يحب أن يكون معنا أن يكون أولا طالبا ا فأمريداا فأسالكاا‪،‬‬ ‫وبعد السلوك لإما أن يصل ولإما أن ينقطع‪ ،‬فأكانوا يختبرون أخلق الطالب وأطواره‬ ‫زمنا ا طوي ا‬ ‫ل‪ ،‬ليعلموا أنه صحيح اللرادة صادق العزيمة‪ ،‬ل يقصد مجرد الوقوف‬ ‫على أسرارهم‪ ،‬وبعد الثقة يأخذونه بالتدريج شيئا ا فأشيئاا( ]مجلة المسلم ـ العدد‬ ‫السادس ـ غرة المحرم ‪1378‬هـ‪ .‬صا ‪ .24‬ولد الشيخ محمد عبده ‪1266‬هـ‪ .‬وتوفأي‬ ‫‪1323‬هـ فأي مصر[‪.‬‬ ‫‪19‬ـ المير شكيب أرسلن رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫جاء فأي كتاب حاضر العالم اللسلمي للمير شكيب أرسلن رحمه ا تعالى تحت‬ ‫عنوان‪ :‬نهضة اللسلم فأي أفأريقيا وأسبابها‪) :‬وفأي القرن الثامن عشر والتاسع‬ ‫عشر حصلت نهضة جديدة عند أتباع الطريقتين‪ :‬القادرية والشاذلية‪ ،‬وسوجدت‬ ‫طريقتان‪ ،‬هما‪ :‬التيجانية والسنوسية‪.‬‬ ‫س مبشري الدين اللسلمي فأي غربي أفأريقيا من السنيغال لإلى‬ ‫فأالقادرية هم أحم س‬ ‫بنين التي بقرب مصب النيجر‪ .‬وهم ينشرون اللسلم بطريقة سلمية بالتجارة‬ ‫والتعليم‪ ،‬وتجد التجار الذين من السونينكة والماندجولة المنتشرين على مدن النيجر‬ ‫وفأي بلد كارتا وماسينة‪ ،‬كلهم من مريدي الطريقة القادرية‪ .‬ولمرن مريديهم من‬ ‫يخدمون فأي مهنة الكتابة والتعليم‪ ،‬ويفتحون كتاتيب ليس فأي زوايا الطريقة فأقط‪،‬‬ ‫بل فأي كل القرى‪ ،‬فأيلصقنون صغار الزنج الدين اللسلمي أثناء التعليم‪ ،‬ويرسلون‬ ‫النجباء من تلميذهم على نفقة الزوايا لإلى مدارس طرابلس والقيروان وجامع‬ ‫القرويين بفاس والجامع الزهر بمصر‪ .‬فأسيخفرجون من هناك طلبة مجازين‪ ،‬أي‬ ‫أساتذة‪ ،‬ويعودون لإلى تلك البلد لجل مقاومة التبشير المسيحي فأي السودان(‬ ‫]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪ .2‬صا ‪.[396‬‬ ‫وتحدث عن شيخ الطريقة القادرية فأقال‪) :‬وكان عبد القادر الجيلني الموجود فأي‬ ‫جيلن من فأارس متصوفأا ا عظيماا زكي النشأة‪ ،‬وله أتباع ل سيحصى عددهم‪،‬‬ ‫ووصلت طريقته لإلى أسبانيا‪ ،‬فألما زالت دولة العرب من غرناطة انتقل مركز‬ ‫الطريقة القادرية لإلى فأاس‪ ،‬وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من بين‬ ‫البربر‪ ،‬وتمسكوا بالسنة والجماعة‪ ،‬كما أن هذه الطريقة هي التي فأي القرن‬ ‫الخامس عشر‪ ،‬اهتدى على يدها زنوج غربي أفأريقيا‪.‬‬ ‫وتحدث عن السنوسية فأقال‪ :‬فأالسنوسية نشروا طريقتهم فأي وادي والبافأيرمي‬ ‫‪219‬‬

‫وبوركو‪ ،‬وتبعوا نهر بينوى لإلى أن بلغوا النيجر الدنى حيث نجدهم ريهدون تلك‬ ‫القبائل لإلى اللسلم‪ .‬وبواسطة السنوسية صارت نواحي بحيرة تشاد هي مركز‬ ‫اللسلم العام فأي أواسط أفأريقيا‪ ،‬وسيقفوم عدد مريدي الطريقة السنوسية بأربعة‬ ‫مليين‪ ،‬وطريقة هؤلء الجماعة فأي التبشير هي أن يشتروا الرقاء صغاراا من‬ ‫السودان‪ ،‬ويريبوهم فأي جغبوب وغذامس وغيرها‪ ،‬ثم متى بلغوا أشفدهم وأكملوا‬ ‫تحصيل العلم أعتقوهم‪ ،‬وسرحوهم لإلى أطراف السودان‪ ،‬ريهدون أبناء جلدتهم‬ ‫الباقين على الفتيشية‪.‬‬ ‫وهكذا يرحل كل سنة مئات من مبشري السنوسية للبر ص‬ ‫ث دعاية اللسلم فأي جميع‬ ‫أفأريقيا الداخلية‪ ،‬من سواحل الصومال شرقاا‪ ،‬لإلى سواحل السينغامبية غرباا‪ ،‬ولقد‬ ‫رحرذا سيدي محمد المهدي وأخوه سيدي محمد الشريف حذو والدهما فأي السعي لإلى‬ ‫الغرض الذي توخاه‪ ،‬أل وهو تخليص اللسلم من النفوذ الجنبي‪ ،‬ولإعادة اللمامة‬ ‫العامة كما كانت فأي عصر الخلفاء‪ .‬وباللجمال‪ :‬فألإن مريدي هذه الطرق هم الذين‬ ‫سعوا فأي نشر اللسلم‪ ،‬روسوفأصسقوا لإليه فأي أفأريقيا( ]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪.2‬‬ ‫صا ‪.[400‬‬ ‫ي دليل أقطع من المبشرين السنوسين‬ ‫وتحدث عن السنوسية أيضاا بقوله‪) :‬وأ ي‬ ‫السحفمس السغفير الذين خفرجتهم زوايا الصحراء‪ ،‬وهم سيعيدون باللوف المؤفلفلة‪ ،‬وما‬ ‫انفكوا يجوبون كل بلد وثنية مبشرين بالوحدانية داعين لإلى اللسلم‪ .‬وهذه‬ ‫العمال التي قام بها المبشرون المسلمون فأي غربي أفأريقيا وأوسطها خلل القرن‬ ‫التاسع عشر لإلى اليوم رلعجيبةف من العجائب الكبرى‪ ،‬وقد اعترف عدد كبير من‬ ‫الغربيين بهذا المر‪ ،‬فأقد قال أحد اللنكليز فأي هذا الصدد منذ عشرين سنة‪ :‬لإن‬ ‫اللسلم ليفوز فأي أواسط أفأريقيا فأوزاا عظيماا‪ ،‬حيث الوثنية تختفي لمن أمامه اختفاء‬ ‫الظلم من فألق الصباح‪ ،‬وحيث الدعوة النصرانية كأنها خرافأة من الخرافأات‪(..‬‬ ‫]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪ .1‬صا ‪.[301‬‬ ‫وتحفد ر‬ ‫ث عن الطريقة الشاذلية فأقال‪) :‬وأما الشاذلية فأنسبتها لإلى أبي الحسن الشاذلي‪،‬‬ ‫أخذ عن عبد السلم بن مشيش‪ ،‬الذي أخذ عن أبي مدين وكانت ولدة أبي مدين فأي‬ ‫لإشبيلية سنة ‪ 1127‬ميلدية‪ ،‬وقرأ فأي فأاس‪ ،‬وحفج البيت الحرام‪ ،‬ثم استقر يعلم‬ ‫التصوف فأي بجاية‪ ،‬وتبعه خل ف‬ ‫ق كثير‪ ..‬وهي من أوليات الطرق التي أدخلت‬ ‫التصوف فأي المغرب‪ ،‬ومركزها بوبريت فأي مراكش‪ .‬وكان من أشياخها سيدي‬ ‫العربي الدرقاوي المتوفأى سنة ‪1823‬م الذي أوجد عند مريديه حماسة دينية شديدة‬ ‫امتدت لإلى المغرب الوسط‪ ،‬وكان للدرقاوية دور فأعال فأي مقاومة الفتح الفرنسي(‬ ‫‪220‬‬

‫]"حاضر العالم اللسلمي" ج ‪ .1‬صا ‪.[301‬‬ ‫وختم المير شكيب أرسلن موضوعه عن نهضة اللسلم فأي أفأريقيا فأقال‪) :‬وأكثر‬ ‫أسباب هذه النهضة الخيرة راجعة لإلى التصوف والعتقاد بالولياء( ]"حاضر‬ ‫العالم اللسلمي" ج ‪ .1‬صا ‪.[301‬‬ ‫‪20‬ـ الشيخ رشيد رضا رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال الشيخ رشيد رضا رحمه ا تعالى‪) :‬لقد انفرد الصوفأية بركن عظيم من أركان‬ ‫الدين‪ ،‬ل يطاولهم فأيه مطاول‪ ،‬وهو التهذيب علما ا وتخلقا ا وتحققاا‪ ،‬ثم لما دونت‬ ‫العلوم فأي الملة‪ ،‬كتب شيوخ هذه الطائفة فأي الخلق ومحاسبة النفس‪] (..‬مجلة‬ ‫المنار السنة الولى صا ‪.[726‬‬ ‫‪21‬ـ الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه ا تعالى‪:‬‬ ‫قال الستاذ والمؤرخ محمد راغب الطباخ رحمه ا تعالى فأي كتابه الثقافأة‬ ‫اللسلمية‪) :‬فألإذا كان التصوف عبارة عن تزكية النفوس وتصفية الخلق‪ ،‬فأنعرم‬ ‫ب ونعرم المقصسد‪ ،‬وذلك هو الغاية من بعثة النبياء عليهم الصلة والسلم‪،‬‬ ‫المذه س‬ ‫فأفي الحديث عنه عليه الصلة والسلم‪" :‬لإنما سبعث س‬ ‫ت لتمم مكارم الخلق" ]رواه‬ ‫البخاري فأي الدب المفرد فأي باب حسن الخلق عن أبي هريرة رضي ا عنه‪،‬‬ ‫وأخرجه اللمام أحمد والبيهقي والحاكم فأي الترجمة النبوية وقال‪ :‬صحيح على‬ ‫شرط مسلم[‪ .‬وقد تأملنا سيرة الصوفأية فأي القرون الولى من اللسلم‪ ،‬فأوجدناها‬ ‫سيرة حسنة جميلة مبنية على مكارم الخلق والزهد والورع والعبادة‪ ،‬منطبقة‬ ‫على الكتاب والسنة‪ .‬وقد صفرح بذلك سيد هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه ا‬ ‫تعالى كما فأي ترجمته فأي تاريخ ابن رخلصركارن حيث قال‪ :‬مذهبنا هذا مقيد بأصول‬ ‫الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫وفأي شرح اللحياء للعلمة الزبيدي ج ‪ 1‬صا ‪ :174‬وقال الجنيد‪ :‬الطرق كلها‬ ‫مسدودة على الخلق‪ ،‬لإل على من اقتفى أثر الرسول صلى ا عليه وسلم‪ .‬وهي فأي‬ ‫ترجمته فأي الرسالة ]القشيرية[ صا ‪ .19‬وفأيها‪ :‬قال الجنيد‪ :‬من لم يحفظ القرآن‪،‬‬ ‫ولم يكتب الحديث‪ ،‬ل يقتدى به فأي هذا المر‪ ،‬لن علمنا مقيد بالكتاب والسنة‪ .‬ثم‬ ‫قال بعد السند عن الجنيد‪ :‬مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة‪ .‬وقال الجنيد‪:‬‬ ‫لعرلسمنا هذا مشفيد بحديث رسول ا صلى ا عليه وسلم ‪.‬‬ ‫وقال سري السقطي‪ :‬التصوف اسم لثلثة معان‪ :‬وهو الذي ل يطفئ نوسر معرفأته‬ ‫‪221‬‬

‫نورر ورعه‪ ،‬ول يتكلم بباطلن علظم ينقضه عليه ظاهسر الكتاب‪ ،‬ول تحمله الكرامات‬ ‫على هتك محارم ا تعالى‪.‬‬ ‫وفأي شذرات الذهب ج ‪ .5‬صا ‪ 279‬فأي ترجمة أبي الحسن الشاذلي‪ ،‬ومن كلمه‪:‬‬ ‫كل علم تسبق لإليك فأيه الخواطر‪ ،‬وتميل النفس وتلتذ به فأارم به‪ ،‬وخذ بالكتاب‬ ‫والسنة‪.‬‬ ‫ولغيرهم فأي هذا الباب عبارات كثيرة‪ ،‬تجدها منثورة فأي كتاب التعرف لمذهب‬ ‫لمام الكلباذي‪ ،‬وفأي الرسالة القشيرية وغيرهما‪..‬‬ ‫أهل التصوف ل ل‬ ‫وهؤلء فأوق ما اتصفوا به من تهذيب النفس والورع والزهد والعبادة‪ ،‬قد قاموا فأي‬ ‫عصورهم بالواجب عليهم ؛ من لإرشاد الخلق لإلى الحق‪ ،‬والدعوة لإليه‪ ،‬وصردهم‬ ‫س عن التكالب على الدنيا وجمع حطامها من أي وجه كان‪ ،‬والسترسال فأي‬ ‫النا ر‬ ‫الشهوات والملذات مما يؤدي لإلى النهماك فأي المحرمات والغفلة عن الواجبات‬ ‫وما سخللق اللنسان له‪ ،‬وتكون نتيجة ذلك انتشار الفوضى‪ ،‬وظهور الفساد‪ ،‬وكثرة‬ ‫البغي والهرج‪.‬‬ ‫فأكان هؤلء بوعظهم ولإرشادهم‪ ،‬واللحركلم والحقائق التي تفجرت من ينابيع قلوبهم‪،‬‬ ‫هم حراس الخلق‪ ،‬والخذين بيد المة لإلى مناهج الحق وسبل الرشاد‪ ،‬والدعاة‬ ‫لإلى السعادة الحقيقية‪ ،‬وهي قيام اللنسان بجميع ما سأمر به مع عدم نسيانه نصيربه‬ ‫من الدنيا‪ ،‬فأكانوا فأي جملة السامعين فأي هذه المة والمجيبين لقوله تعالى‪} :‬رورلترسكرن‬ ‫ك هم‬ ‫ف ويرنرهورن علن المنكلر وأولئ ر‬ ‫منسكرم أسفمةف ريدعورن إلى الخيلر ويأسمرورن بالمعرو ل‬ ‫السمرفللسحورن{ ]آل عمران‪.[104 :‬‬ ‫فأسل س‬ ‫ف الصوفأية هم أعلم الملة وسادة المة وسراجها الوهاج ونورها الوضاح‪،‬‬ ‫وبهم وبأمثالهم من المحصدثين والفقهاء اهتدت المة لإلى الصراط المستقيم‪ ،‬وسلكت‬ ‫المنهاج القويم‪ ،‬وانتظمت أحوال معاشهم‪ ،‬وصلحت سأمور معادهم‪ ،‬وفأازوا فأوزاا‬ ‫عظيماا‪.‬‬ ‫ولإذا تتبعنا آثار الصوفأية وتراجمهم‪ ،‬نجد أن الكثير منهم قد كان للواحد منهم أتباع‬ ‫يعدون باللوف‪ ،‬كلما انتسب لإليه شخص آخى بينه وبين سابقيه ؛ فأتمكن ر‬ ‫ت بين‬ ‫أتباعه والمنتسبين لإليه أواصر ا س‬ ‫للفة وروابط المحبة‪ ،‬وتواسوا فأيما بينهم‪،‬‬ ‫وتواصوا بالحق‪ ،‬وعطف غنييهم على فأقيرهم‪ ،‬ورحم كبيسرهم صغيررهم‪ ،‬فأأصبحوا‬ ‫بنعمة ا لإخواناا‪ ،‬وصاروا كالجسد الواحد‪ ،‬وكانوا فأي منتهى الطاعة والنقياد‬ ‫‪222‬‬

‫لشيخهم‪ ،‬يقومون لقيامه‪ ،‬ويقعدون لقعوده‪ ،‬ويمتثلون أوامره‪ ،‬ويتبادرون لدنى‬ ‫لإشاراته‪.‬‬ ‫ومن جليل أعمال الصوفأية وآثارهم الحسنة فأي المة اللسلمية أن الملوك‬ ‫والمراء متى قصدوا الجهاد‪ ،‬كان الكثير من هؤلء بلإيعاز‪ ،‬وبغير لإيعاز‬ ‫سيحصرضون أتباعهم على الخروج لإلى الجهاد‪ .‬ولعظيم اعتقادهم فأيهم‪ ،‬وانقيادهم لهم‬ ‫كانوا يبتدرون لإلى النتظام فأي سلك المجاهدين‪ ،‬فأيجتمع بذلك عدد عظيم من‬ ‫أطراف ممالكهم‪ ،‬وكثيراا ما كان أولئك يرافأقون الجيوش بأنفسهم‪،‬ويدافأعون‬ ‫ويحصرضون ؛ فأيكون ذلك سببا ا للظفر والنصر‪.‬‬ ‫ت بطون التاريخ وجرد ر‬ ‫ولإذا رتتبفرع ر‬ ‫ت من ذلك شيئا ا كثيراا‪ ،‬على أننا ل ننسى أن مثل‬ ‫هذا العمل قد كان فأي كثير من المحصدثين والعلماء العاملين‪.‬‬ ‫ومن آثار الصوفأية أنه لإذا حصل اختلف بين الناس فأي أمور دنياهم وخصوصا ا‬ ‫بين لإخوانهم المنسوبين لإليهم‪ ،‬فألإنهم يرجعون لإلى شيخهم‪ ،‬فأيفصل بينهم بما أنزل‬ ‫ا‪ ،‬ويعودون وهم راضون‪ ،‬ويستغنون عن الترافأع لإلى الحكام لفصل ما بينهم من‬ ‫الخصومات‪.‬‬ ‫وهذا مما شاهدناه بأعيننا‪ ،‬وسمعناه بآذاننا فأي أوائل هذا القرن من بعض بقاياهم‪،‬‬ ‫بل كان بعض الناس سينذر أخاه بالشكوى لإلى الشيخ لإن لم ينصفه‪ ،‬فأيعود هذا لإلى‬ ‫حظيرة الحق خشية أن يبلغ الشيخ عنه شيئاا‪ ،‬وهو يحرصا أن تبقى سمعته لديه‬ ‫طيبة وسيرته حسنة( ]الثقافأة اللسلمية للمؤرخ الكبير الستاذ محمد راغب‬ ‫الطباخ صا ‪302‬ـ ‪ 304‬ولد ‪1293‬هـ وتوفأي ‪1370‬هـ فأي حلب[‪.‬‬ ‫‪22‬ـ أحمد الشرباصي‪:‬‬ ‫قال الستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الكاتب اللسلمي المعروف والمدصرس فأي‬ ‫الزهر الشريف فأي مجلة اللصلح الجتماعي تحت عنوان‪ :‬الخلق عند‬ ‫الصوفأية‪ ،‬بعد أن تحدث عن التصوف وتعريفه واشتقاقه‪) :‬وأنا أعتقد أن حقيقة‬ ‫التصوف الكاملة‪،‬هي مرتبة اللحسان الذي حدده رسول اللسلم محمد عليه‬ ‫الصلة والسلم فأي حديث جبريل حين قال‪" :‬اللحسان أن تعبد ا كأنك تراه‪ ،‬فألإن‬ ‫لم تكن تراه فألإنه يراك" ]رواه مسلم فأي صحيحه فأي كتاب الليمان عن عمر رضي‬ ‫ا عنه[‪ .‬ومن هذا تفهم أن كثيراا من أدعياء التصوف ل ينطبق عليهم ذلك القانون‬ ‫الدقيق العميق‪ ،‬فأهم عن حقيقته خارجون‪.‬‬

‫‪223‬‬

‫وأساس التصوف فأي الواقع هو تربية الذوق‪ .‬والسخسلق الكريم ليس لإل ذوقا ا سليماا‪،‬‬ ‫تتغلب به شخصية اللنسان على شخصية الحيوان فأي حياة الناس‪.‬‬ ‫وقد اهتم الصوفأية أكبر الهتمام بالخلق‪ ،‬بل لقد جعلوا الخلق فأي مناهجهم‪،‬هي‬ ‫ت كلمة التصوف‪ ،‬ووضع ر‬ ‫العماد والسناد‪،‬وهي عمود أمرهم كله‪ ،‬بحيث لو رفأع ر‬ ‫ت‬ ‫ت الحقيقة‪ ،‬ولما جانب ر‬ ‫بدلها كلمة الخلق لما فأارق ر‬ ‫ت الواقع فأي قليل أو كثير‪ ،‬لن‬ ‫العمدة فأي التصوف على مجاهدة النفس وتطهيرها‪ ،‬وتحليتها بكل جمال وكمال‪،‬‬ ‫وهذا جماع مكارم الخلق‪.‬‬ ‫ولقد كان من مظاهر اهتمام الصوفأية بالجوانب الخلقية أنهم تبنفروا حركة الفتوة‬ ‫ومبادىء الفروسية‪ ،‬ومزجوا بين مبادئهم ومبادىء الفتيان‪ ،‬حتى تكفون من ذلك فأي‬ ‫تاريخ الفتوة فأصل مستقل‪،‬اتخذ عنوان فأتوة الصوفأية‪ .‬ومن هذا أخذ الصوفأية مبدأ‬ ‫الليثار‪،‬وتقديم الغير على النفس‪ ،‬حتى قال القشيري‪ :‬أ ر‬ ‫صسل الفتوة أن يكون العبد‬ ‫أبداا فأي أمر غيره‪ .‬وقال ابن أبي بكر الهوازي‪ :‬أصل الفتوة أل ترى لنفسك فأضلا‬ ‫أبداا‪.‬‬ ‫ف الذى‪ ،‬وبذلل الندى‪ ،‬وك ص‬ ‫وأخذوا بمبادىء ك ص‬ ‫ف الشكوى‪ ،‬وستلر البلوى‪ ،‬والعفلو‬ ‫عن اللعدا‪ ،‬والسصمو لإلى السعل‪.‬‬ ‫وهم يأخذون بالمبدأ الخلقي المحمدي‪ " :‬س‬ ‫طوبى للرمرن شغله عيسبه عن عيوب‬ ‫الناس" ]رواه الديلمي فأي الفردوس عن أنس رضي ا عنه[‪ .‬ولذلك يقول ابن‬ ‫عطاء ا السكندري‪ ،‬وهو ممن جمع بين عمق التفكير وروعة التعبير‪ :‬تشيوسفأك‬ ‫ب عنك من الغيوب‪.‬‬ ‫لإلى ما بطررن فأيك من العيوب خيفر من تشوفأك لإلى ما سحلج ر‬ ‫ومن منهاج الصوفأية الخلقي عملهم بمختلف الوسائل والسباب على لإماتة‬ ‫المطامع‪،‬لتقوى الشخصية الروحية فأي نفس اللنسان‪ .‬ولذا قال أبو بكر الوراق‬ ‫وهو من أعلم القوم‪ :‬لو قيل للطمع من أبوك ؟ لجاب‪ :‬الشك فأي المقدور‪ .‬فألو قيل‬ ‫له‪ :‬فأما هي حرفأتك ؟ لجاب‪ :‬اكتساب الذل‪ ،‬فألو قيل له‪ :‬فأما هي غايتك ؟ لجاب‪:‬‬ ‫الحرمان‪ .‬وفأي هذا المجال يقول ابن عطاء ا السكندري‪ :‬ما بررسقر ر‬ ‫ت أغصاسن ذصل لإل‬ ‫على بذر طمع‪.‬‬ ‫وقد قرلدرم اللمام علي بن أبي طالب رضي ا عنه البصرة‪ ،‬فأدخل جامعها‪ ،‬فأوجد‬ ‫صاصا يقصون على الناس‪ ،‬فأأقامهم‪ ،‬حتى لإذا جاء لإلى الحسن البصري‪ ،‬وهو‬ ‫القس ف‬ ‫‪224‬‬

‫سيد الفتيان عند الصوفأية‪ ،‬فأقال له علي‪ :‬يا فأتى! لإني سائلك عن أمر ؛ فألإن أجبتني‬ ‫أبقريستك‪ ،‬ولإل أقمتك كما أقمت أصحابك ـ وكان قد رأى عليه رسرمتا ا وهديا ا ـ فأقال‬ ‫الحسن‪ :‬سل ما شئت‪ .‬فأقال علي‪ :‬ما لمل س‬ ‫ك الدين ؟ فأقال الحسن‪ :‬الورع‪ .‬قال‪ :‬فأما‬ ‫فأساد الدين ؟ قال‪ :‬الطمع‪ .‬قال‪ :‬اجلس‪ ،‬فأمثلك من يتكلم على الناس‪.‬‬ ‫وهفم ابن عطاء ا السكندري يوما ا بشيء من الطمع‪ ،‬فأسمع هاتفا ا يقول له‪ :‬السلمةس‬ ‫فأي الدين بترك الطمع فأي المخلوقين‪.‬‬ ‫وصاحب الطمع ل يشبع أبداا‪ ،‬أل ترى أن حروفأه كلها مجوفأة‪ ،‬الطاء والميم‬ ‫والعين ؟!‪ .‬ولما عفلم الصوفأيةس أتبارعهم القناعة والستغناء فأتحوا أمامهم الباب لإلى‬ ‫ا ر‬ ‫لنفلة والعفزلة‪ ،‬ومن هنا نراهم يتحدثون كثيراا عن استخفافأهم بالبغي والبغاة‪ ،‬وعدم‬ ‫اكتراثهم بالطغيان أو الطغاة‪ ،‬وعدم اغترارهم بالجاه أو أصحاب الجاه‪.‬‬ ‫ومن منهاج الصوفأية الخلقي الدعوة لإلى التضحية والجهاد‪ ،‬والتحريض على‬ ‫استجابة داعي الكفاح والستشهاد‪.‬‬ ‫ومن منهاجهم الخلقي تعليسم الصبر والمبالغة فأيه‪ ،‬ولكرد س‬ ‫ت أقول واللسراف فأيه‪،‬‬ ‫فألقد دخل ذو النون على أخ له صوفأي مريض‪ ،‬واشتد الداء به فأأفن أنفاة‪ ،‬فأقال له ذو‬ ‫ك‪:‬‬ ‫النون‪ :‬ليس بصادق فأي حبه من لم يصبر على ضربه‪ .‬فأقال المريض كالمستدر ل‬ ‫بل ليس بصادق فأي حبه من لم يتلذذ بضربه‪..‬‬ ‫ومن منهاجهم الخلقي التنشئةس على المراقبة ل‪ ،‬حتى يرث العبد من وراء هذه‬ ‫المراقبة صلة بال وقرباا منه‪ .‬ومن لطائفهم فأي التربية الخلقية‪ ،‬أنهم يطالبون‬ ‫لإخوانهم باليسر والسهولة والمطاوعة فأي الصداقة‪ ،‬حتى ل تكون هناك سكلففة‪ ،‬وما‬ ‫دام الصوفأي قد وثق بأخيه دينا ا وسخسلقا ا وتصرفأا ا ؛ فأل محل لعتراضه عليه فأي‬ ‫شيء‪ .‬ويتصل بهذا تنفيسرهم من الغترار بالطاعة‪ ،‬ولإبعاسدهم عن اليأس من‬ ‫المغفرة‬ ‫ومن منهاجهم الخلقي تعليسم الثبات والرزانة وعدم الستجابة لدواعي‬ ‫الستخفاف( ]مجلة اللصلح الجتماعي صا ‪.[4‬‬ ‫وقال الستاذ أحمد الشرباصي أيضاا فأي تقدمته لكتاب نور التحقيق‪) :‬هذا هو‬ ‫ف عليه أعداؤه الصرحاء‪ ،‬وشفوه جماله‬ ‫التصوف الجليل النبيل‪ ،‬أضاعه أهلسه‪ ،‬وحا ر‬ ‫‪225‬‬

‫أدعياؤه الخبثاء‪ ،‬وتطاول عليه الزمن‪ ،‬وهو مجهول منكور‪ ،‬أو مذموم محذور‪،‬‬ ‫على الرغم من جماله وعظم رجاله الماضين وأبطاله‪ ،‬واتساع اختصاصه‬ ‫ومجاله‪ ،‬وخطورة أقواله وأعماله‪ ،‬فأغدا كالدرة الثمينة حجبتها اللفائف السود ؛‬ ‫فأظنها الجاهلون سوداء بسواد لفائفها‪ ،‬وهم لو وصلوا لإليها‪ ،‬وجلرروا عنها ما حاق‬ ‫بها أو حاطها من أستار لنبهر ر‬ ‫ت أعينهم من ساطع الضياء وفأريد البهاء‪.‬‬ ‫لهفي على التصوف الحق الناطق بنقائه وصفائه‪ ،‬أين الذين سيطللعون الحيارى من‬ ‫أبناء الكون على ما فأيه من أخبار وأسرار ؟! أين الذين يصرخون بين القطعان‬ ‫الضالة من البشر‪ ،‬ليقولوا لها‪ :‬لإن التصوف جزء من اللسلم وجانب من هدي‬ ‫الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأن التصوف مظلوم‪ ،‬فأقد أضيف لإليه كثير مما‬ ‫ليس منه عن حسن نية أو سوء قصد‪ ،‬وقد كتم أدعياؤه كثيراا من أموره‪ ،‬وقد‬ ‫تطاول عليه بالتحريف قفوم نرلكسل حسابهم لإلى ا‪ ،‬وقد تسرع بالسخرية منه رمرن لم‬ ‫يطرقوا بابه‪ ،‬ولم يذوقوا شرابه‪ ،‬ولم يطالعوا كتابه‪ ..‬ولم يجد التصوف الكريم الذي‬ ‫ب‬ ‫أضاعه الناس مع هذه العوامل الهدامة كلها من يأخذ بناصره‪ ،‬أو يجلو الغياه ر‬ ‫عن مآثره‪ ،‬أو يعرض على الشانئين أو الخاطئين سلسل مفاخره‪ .‬وقد علمرترنا‬ ‫الدراسات والتجارب أن الحق لإذا لم يجد أه ا‬ ‫ل‪ ،‬ولم يفز بمؤيد أو مستجيب انطوى‬ ‫وتوارى‪ ،‬حتى يهيء ا له بعد قليل أو طويل من سيذصكر به أو يدعو لإليه‪ ،‬أو يحمل‬ ‫الناس رغبة أو رهبة عليه‪ ،‬فألإذا هو بعد انطوائه السيد المطاع‪.‬‬ ‫أرأيت لإلى كنز وسيع عجيب‪ ،‬فأيه المال الغزير الذي ل يحصى‪ ،‬وفأيه أدوية الجسم‬ ‫الشافأية التي لتخون‪ ،‬وفأيه علج النفس الذي يهدي‪ ،‬وفأيه نور القلب الذي ل‬ ‫يخبو‪ ..‬ماذا يكون من شأنك لو أن لإنسانا ا أخبرك بوجود هذا الكنز فأي مكان ما‪،‬‬ ‫ورسم لك الطريق لإليه‪ ،‬وذكر لك ما تحتاجه الرحلةس نحوه من مجهود وتكاليف ؟‪..‬‬ ‫أل تحاول أن تبذل جهدك وتستنفذ طاقتك‪ ،‬وتعمل وسعك حتى تصل لإلى هذا الكنز‬ ‫الذي ستجد عنده جاه الدنيا وعز الخرة ؟‪..‬‬ ‫كذلك شأن التصوف يا صاح‪ ،‬لإنه الدواء المخفي والكنز المطوي والسر العلمي‪،‬‬ ‫لإنه الدواء الذي يحتاج لإليه جسمك وفأهمك وخلقك‪ ،‬ولكنك لن تصل لإليه ولن تنتفع‬ ‫به حتى تتجه بمشاعرك نحوه‪ ،‬وحتى ستقبل ببصرك وبصيرتك عليه‪ ،‬وحتى تبذل‬ ‫من ذات يدك‪ ،‬وذات نفسك ومن وقتك وبحثك ما يهيء لك البلوغ لإليه والوقوف‬ ‫عليه‪ ،‬فأهل فأعلت من ذلك شيئا ا وقد عرفأت الطريق لإلى النعيم ؟‪.‬‬ ‫لإنه ل يعنيني أبداا أن تكون صوفأيا ا أرو ل تكون‪ ،‬ول يهمني كثيراا أن تكون من‬ ‫‪226‬‬

‫أعداء الصوفأية أو من أوليائهم‪ ،‬ولكن يهمني أولا وقبل كل شيء أن تكون على‬ ‫بصيرة من أمرك‪ ،‬وأن ل تجهل شيئا ا جليلا يطالبك ديسنك وعرقسلك بأن تعرفأه‪ ،‬ومن‬ ‫هنا يتحتم عليك أن تدرس التصوف لتتصوره وتفهمه وتفقهه‪ ،‬وبعد ذلك تحكم له‬ ‫أو عليه‪ ،‬وأزيدك بيانا ا فأأقول لك‪ :‬لإنه قد يكون فأي التصوف وتاريخه وسير رجاله‬ ‫ما أضيف لإليه أو افأتراه المفترون عليه‪ ،‬ومن هنا يستتر حق وراء باطل‪ ،‬ومن هنا‬ ‫أيضاا يطالبك دينك بأن تقوم لتهتك حجاب الباطل‪ ،‬وتستضيء بنور الحق‪ ..‬فأهلف‬ ‫يكفي ذلك لتحريضك على دراسة التصوف ؟‪.‬‬ ‫وكم أويد فأي النهاية أن تقوم حركةف علمية واسعة بيننا‪ ،‬تدور حول دراسة التصوف‬ ‫ونشر أسفاره‪ ،‬وتمحيص سأموره وموضوعاته‪ ،‬بل وبسط ما سيلحق به من شطحات‬ ‫نابية وخرافأات منكرة ودسائس خبيثة‪ ،‬حتى نعرف الباطل ونتبين جذوره‪ ،‬ثم نرسكفر‬ ‫عليه بالحجة الدامغة‪ ،‬فألإذا الباطل زاهق‪ ،‬ولإذا الحق سيد مطاع‪.‬‬ ‫يا أبنارء اللسلم! إلفن التصوف يحتل من أخلقكم وتاريخكم جانبا ا كبيراا‪ ،‬وقد‬ ‫ضيعتموه أزمانا ا طوا ا‬ ‫ل‪ ،‬فأحرسسبكم ما كان‪ ،‬وأقبلوا على التصوف فأفيه غذاء ودواء‪،‬‬ ‫وا الهادي لإلى سبيل السواء( ]تصدير كتاب نور التحقيق للشيخ حامد لإبراهيم‬ ‫محمد صقر صا ‪1‬ـ ‪.[3‬‬ ‫‪23‬ـ أبو الحسن الندوأي‪:‬‬ ‫يقول أبو الحسن علي الحسني الندوي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق‬ ‫ومعتمد ندوة العلماء بالهند فأي بحث الصوفأية فأي الهند وتأثيرهم فأي المجتمع‪ ،‬من‬ ‫كتابه المسلمون فأي الهند‪) :‬لإن هؤلء الصوفأية كانوا يبايعون الناس على التوحيد‬ ‫واللخلصا واتباع السنة‪ ،‬والتوبة عن المعاصي وطاعة ا ورسوله‪ ،‬ويحصذرون‬ ‫من الفحشاء والمنكر والخلق السيئة والظلم والقسوة ويرصغبونهم فأي التحلي‬ ‫بالخلق الحسنة‪ ،‬والتخلي عن الرذائل مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب‬ ‫الجاه‪ ،‬وتزكية النفس ولإصلحها‪ ،‬ويعلمونهم ذكر ا والنصح لعباده والقناعة‬ ‫والليثار‪ ،‬وعلوة على هذه البيعة التي كانت رمز الصلة العميقة الخاصة بين‬ ‫الشيخ ومريديه لإنهم كانوا يلعظون الناس دائماا‪ ،‬ويحاولون أن يسرللهبوا فأيهم عاطفة‬ ‫الحب ل سبحانه‪ ،‬والحنين لإلى رضاه‪ ،‬ورغبة شديدة للصلح النفس وتغيير‬ ‫الحال‪..‬‬ ‫ثم تحدث عن مدى تأثير أخلقهم ولإخلصهم وتعليمهم وتربيتهم‪ ،‬ومجالسهم فأي‬ ‫المجتمع والحياة‪ ،‬وضرب بعض المثلة التي ستلقي الضوء على هذا الواقع‬ ‫‪227‬‬

‫التاريخي فأتحدث عن الشيخ أحمد الشهيد رحمه ا تعالى فأقال‪ :‬لإن الناس أقبلوا‬ ‫عليه لإقبالا منقطع النظير‪ ،‬ولإنه لم يمر ببلدة لإل وتاب عليه‪ ،‬وبايعه عدد كبير من‬ ‫الناس‪ ،‬ولإنه أقام فأي ركرلسكفتا شهرين‪ ،‬ويقدر أن الذين كانوا يدخلون فأي البيعة ل يقل‬ ‫عددهم عن ألف نسمة يومياا‪ ،‬وتستمر البيعة لإلى نصف الليل‪ ،‬وكان من شدة‬ ‫الزحام ل يتمكن من مبايعتهم واحداا واحداا فأكان يمد سبعة أو ثمانية من العمائم‪،‬‬ ‫والناس يمسكونها ويتوبون ويعاهدون ا‪ ،‬وكان هذا دأبه كل يوم سبع عشرة أو‬ ‫ثماني عشرة مرة‪..‬‬ ‫وتحفدث عن شيخ اللسلم علء الدين رحمه ا تعالى فأقال‪ :‬لإن السنوات الخيرة‬ ‫من عهده‪ ،‬تمتاز بأن كسرد ر‬ ‫ت فأيها سو س‬ ‫ق المنكرات من الخمر والغرام‪ ،‬والفسق‬ ‫والفجور‪ ،‬والميسر والفحشاء بجميع أنواعها‪ ،‬ولم تنطق اللسن بهذه الكلمات لإل‬ ‫قلي ا‬ ‫ل‪ ،‬وأصبحت الكبائر تشبه الكفر فأي أعين الناس‪ ،‬وظفل الناس يستحيون من‬ ‫ت فأي السوق حواد س‬ ‫التعامل بالربا والدخار والكتناز علناا‪ ،‬وندر ر‬ ‫ث الكذب‬ ‫والتطفيف والغش‪ ..‬ثم قال‪ :‬لإن تربية هؤلء الصوفأية والمشايخ ومجالسهم كانت‬ ‫تنشىء فأي اللنسان رغبة فأي لإفأادة الناس وحرصا ا على خدمتهم ومساعدتهم‪..‬‬ ‫ثم بفين الستاذ الندوي أفن تأثير هذه المواعظ‪ ،‬ودخول الناس فأي الدين‪ ،‬وانقيادهم‬ ‫للشرع أدى لإلى أن تعطلت تجارة الخمر فأي ركرلسكفتا وهي كبرى مدن الهند ومركز‬ ‫اللنجليز‪ ،‬وكسدت سوسقها‪ ،‬وأرقفرت الحانات‪ ،‬واعتذر الخمارون عن دفأع الضرائب‬ ‫للحكومة‪ ،‬متعصللين بكساد السوق‪ ،‬وتعطلل تجارة الخمر‪ ..‬ثم قال‪ :‬لإن هذه الحالة‬ ‫كانت نتيجة أخلق هؤلء المصلحين والدعاة والصوفأية والمشايخ وروحانيتهم‪ ،‬أن‬ ‫اهتدى بهم فأي هذه البلد الواسعة عدد هائل من الناس‪ ،‬وتابوا عن المعاصي‬ ‫والمنكرات واتباع الهوى‪ .‬لم يكن بوسع حكومة أو مؤسسة أو قانون أن يؤثر فأي‬ ‫هذه المجموعة البشرية الضخمة ويحيطها بسياج من الخلق والمبادىء الشريفة‬ ‫لزمظن طويل‪..‬‬ ‫وفأي ختام البحث قال الستاذ الندوي حفظه ا تعالى‪ :‬لقد كانت هناك بجهود‬ ‫هؤلء الصوفأية أشجار كثيرة وارفأة الظلل فأي مئات من بلد الهند‪ ،‬استراحت فأي‬ ‫ظلها القوافأل التائهة والمسافأرون السمرترعبون‪ ،‬ورجعوا بنشاط جديد وحياة جديدة(‬ ‫]المسلمون فأي الهند صا ‪140‬ـ ‪ 146‬للعلمة الكبير أبي الحسن الندوي[‪.‬‬ ‫وتحدث الستاذ أبو الحسن الندوي فأي كتابه رجال الفكر والدعوة فأي اللسلم عن‬ ‫الصوفأية وأثرها فأي نشر اللسلم بصدد حديثه عن الصوفأي الشهير والمرشد‬ ‫‪228‬‬

‫الكبير سيدي عبد القادر الجيلني قدس ا روحه‪ ،‬فأقال‪) :‬وكان يحضر مجلسه‬ ‫نحو من سبعين ألفاا‪ ،‬وأسلم على يديه أكثر من خمسة آلف من اليهود والنصارى‪،‬‬ ‫وتاب على يديه من العيارين والمسالحة ]المسالح‪ :‬الجماعة أو القوم ذووا السلح[‬ ‫أكثر من مائة ألف‪ ،‬وفأتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه‪ ،‬فأدخل فأيه خلق ل‬ ‫يحصيهم لإل ا‪ ،‬وصلحت أحوالهم‪ ،‬وحسن لإسلمهم‪ ،‬وظفل الشيخ يربيهم‬ ‫ويحاسبهم‪ ،‬ويشرف عليهم وعلى تقدمهم‪ .‬وأصبح هؤلء التلميذ الروحانيون‬ ‫يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الليمان‪ ،‬ثم يجيز الشيخ كثيراا منهم‬ ‫ممن يرى فأيه النبوغ والستقامة والمقدرة على التربية‪ ،‬فأينتشرون فأي الفأاق‬ ‫يدعون الخلق لإلى ا‪ ،‬ويربون النفوس‪ ،‬ويحاربون الشرك والبدع والجاهلية‬ ‫والنفاق‪ ،‬فأتنتشر الدعوة الدينية وتقوم ثكنات الليمان ومدارس اللحسان‪ ،‬ومرابط‬ ‫الجهاد ومجامع الخوة فأي أنحاء العالم اللسلمي‪.‬‬ ‫وقد كان لخلفائه وتلميذه‪ ،‬ولرمرن سار سيرتهم فأي الدعوة وتهذيب النفوس من‬ ‫أعلم الدعوة وأئمة التربية فأي القرون التي تلررته فأضل كبير فأي المحافأظة على‬ ‫روح اللسلم وشعلة الليمان‪ ،‬وحماسة الدعوة والجهاد وقوة التمرد على الشهوات‬ ‫والسلطات‪ .‬ولولهم لبتلعت الماديةس التي كانت تسير فأي رحاب الحكومات‬ ‫والمدنيات هذه المة‪ ،‬وانطفأ ر‬ ‫ت شرارة الحياة والحب فأي صدور أفأرادها‪ .‬وقد كان‬ ‫لهؤلء فأضل كبير لنشر اللسلم فأي المصار البعيدة التي لم تغزها جيوش‬ ‫المسلمين‪ ،‬أو لم تستطع لإخضاعها للحكم اللسلمي وانتشر بهم اللسلم فأي أفأريقيا‬ ‫السوداء وفأي أندونيسيا وجزر المحيط الهندي وفأي الصين وفأي الهند( ]رجال‬ ‫الفكر والدعوة فأي اللسلم لبي الحسن الندوي صا ‪248‬ـ ‪.[250‬‬ ‫وتحدث الستاذ أبو الحسن الندوي فأي كتابه روائع لإقبال عن زيارته للشاعر بعد‬ ‫ف ورجاله والتجديد اللسلمي فأي الهند بواسطتهم‪ ،‬وبعد أن‬ ‫أن ذكر لإقبافل التصو ر‬ ‫أثنى على الشيخ أحمد السرهندي والشيخ ولي ا الدهلوي والسلطان محي الدين‬ ‫أورنك زيب رحمهم ا تعالى‪ ،‬قال‪ :‬لإنني أقول دائماا‪ :‬لول وجوسدهم وجهادهم‬ ‫لبتلعت الهنسد وحضارستها وفألسفستها اللسلرم( ]روائع لإقبال للستاذ أبي الحسن‬ ‫الندوي صا ‪.[7‬‬ ‫‪24‬ـ أبو العلى المودوأدي‪:‬‬ ‫قال العلمة الكبير الستاذ أبو العلى الرمرودودي فأي كتابه مبادىء اللسلم تحت‬ ‫عنوان التصوف‪) :‬لإن علقة الفقه لإنما هي بظاهر عمل اللنسان فأقط‪ ،‬ول ينظر لإل‬ ‫ت به على الوجه المطلوب‪ ،‬أم ل ؟ فألإن قم ر‬ ‫ت بما سأملر ر‬ ‫هل قم ر‬ ‫ت فأل تهمه حاسل قلبك‬ ‫‪229‬‬

‫وكيفيته‪ .‬أما الشيء الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته فأهو التصوف‪ ،‬لإن الفقه‬ ‫ل ينظر فأي صلتك مثلا لإل هل قد أتمرم ر‬ ‫ت وضوءك على الوجه الصحيح أم ل ؟‬ ‫ت موليا ا وجهك شطر المسجد الحرام أم ل ؟ وهل أفدري ر‬ ‫وهل صلفري ر‬ ‫ت أركان الصلة‬ ‫ت فأي صلتك بكل ما يجب أن تقرأ فأيها أرم ل ؟ فألإن قم ر‬ ‫كلها‪ ،‬أم ل ؟ وهل قرأ ر‬ ‫ت‬ ‫بكل ذلك فأقد صحت صلتك بحكم الفقه‪.‬‬ ‫إللف أن الذي يهم التصوف هو ما يكون عليه قلبك حين أدائك هذه الصلة من‬ ‫الحالة‪ .‬هل رأنرب ر‬ ‫ت فأيها لإلى ربك أم ل ؟ وهل تجفرد رقلسبك فأيها عن هموم الدنيا‬ ‫ت فأيك هذه الصلة خشيةر ا واليقين بكونه خبيراا‬ ‫وشؤونها أم ل ؟ وهل أنشأ ر‬ ‫ي حيد نزهت هذه‬ ‫بصيراا‪ ،‬وعاطفة‪ ،‬ابتغاء وجهه العلى وحده أرم ل ؟ ولإلى أ ص‬ ‫ت أخلقه ؟ ولإلى أي حد جعلته مؤمنا ا صادقا ا‬ ‫الصلة روحه ؟ ولإلى أي حد أصلح ر‬ ‫عاملا بمقتضيات لإيمانه ؟‪ .‬فأعلى قدر ما تحصل له هذه المور‪ ،‬وهي من غايات‬ ‫الصلة وأغراضها الحقيقية‪ ،‬فأي صلته تكون صلته كاملة فأي نظر التصوف‪،‬‬ ‫وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة‪ ،‬تكون ناقصة فأي نظر التصوف‪.‬‬ ‫فأهكذا ل يهم الفقه فأي سائر الحكام الشرعية لإل هل أدى المرء العمال على‬ ‫الوجه الذي أمره به لدائها أم ل ؟ أما التصوف فأيبحث عما كان فأي قلبه من‬ ‫اللخلصا وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه العمال‪.‬‬ ‫ويمكنك أن ستدرك هذا الفرق بين الفقه والتصوف بمثظل أ ر‬ ‫ضربه لك‪ :‬لإنك لإذا أتاك‬ ‫رجل‪ ،‬نظرت فأيه من وجهتين‪ :‬لإحداهما‪ :‬هل هو صحيح البدن كامل العضاء ؟ أم‬ ‫فأي بدنه شيء من العرج أو العمى ؟ وهل هو جميل الوجه أو دميمه ؟ وهل هو‬ ‫لبس زيا ا فأاخراا أو ثيابا ا بالية ؟‬ ‫والوجهة الخرى‪ :‬لإنك تريد أن تعرف أخلقه وعاداته وخصاله ومبلغه من العلم‬ ‫والعقل والصلح‪ .‬فأالوجهة الولى وجهة الفقه‪ ،‬والوجهة الثانية وجهة التصوف‪.‬‬ ‫وكذلك لإذا أررد ر‬ ‫ت أن تتخذ أحداا صديقا ا لك‪ ،‬فألإنك تتأمل فأي شخصه من كل‬ ‫الوجهتين‪ ،‬وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل الباطن معاا‪.‬‬ ‫كذلك ل تررجسمسل فأي عين اللسلم لإل الحياة التي فأيها اتبافع كامل صحيح لحكام‬ ‫الشريعة من الوجهتين الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫‪230‬‬

‫ومثل الذي طاعته صحيحة فأي الظاهر‪ ،‬ولكن يعوزه روح الطاعة الحقيقية فأي‬ ‫الباطن‪ ،‬كمثل جسد جميل قد فأارقه روسحه‪.‬‬ ‫ومثل الذي فأي عمله الكمالت الباطنة كلها‪ ،‬وليست طاعته صحيحة على حسب‬ ‫الوجه المراد فأي الظاهر‪ ،‬كمثل رجل صالح دميم الوجه مطموس العينين أعرج‬ ‫القدمين‪ .‬وسهل عليك بهذا المثال أن تعرف العلقة بين الفقه والتصوف‪.‬‬ ‫ثم تحدث الستاذ المودودي عن الدخلء الذين تشبهوا بالصوفأية بلباسهم وكلمهم‪،‬‬ ‫وباينوهم بأفأعالهم وأخلقهم وقلوبهم‪ ،‬والتصوف منهم براء‪ .‬وهكذا شأن كل‬ ‫ف غيور على دينه‪ .‬ثم حذر الستاذ المودودي من هؤلء المفدعين فأقال‪) :‬ول‬ ‫منص ظ‬ ‫يستحق من ل يتبع الرسول صلى ا عليه وسلم اتباعا ا صحيحاا‪ ،‬ول يتقيد بما أرشد‬ ‫لإليه من صراط الحق‪ ،‬أن سيسمري نفسه صوفأيا ا لإسلمياا‪ ،‬فألإن مثل هذا التصوف ليس‬ ‫من اللسلم فأي شيء أبداا‪ ..‬ثم بين حقيقة الصوفأي الصادق وحالته المثالية التي‬ ‫تطابق تعاليم التصوف السامية فأقال‪ :‬لإنما التصوف عبارة ـ فأي حقيقة المر ـ عن‬ ‫حب ا ورسوله الصادق بل الولوع بهما والتفاني فأي سبيلهما‪ ،‬والذي يقتضيه هذا‬ ‫الولوع والتفاني أ ر‬ ‫ل ينحرف المسلم قيد شعرة عن اتباع أحكام ا ورسوله صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪ .‬فأليس التصوف اللسلمي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة‪،‬‬ ‫ولإنما هو القيام بأحكامها بغاية من اللخلصا‪ ،‬وصفاء النية وطهارة القلب(‬ ‫]مبادىء اللسلم لبي العلى المودودي‪ ،‬موضوع التصوف‪ .‬صا ‪114‬ـ ‪.[117‬‬ ‫‪25‬ـ صبري عابدين‪:‬‬ ‫قال الستاذ صبري عابدين فأي حديثه فأي ندولة لواء اللسلم فأي موضوع الصوفأية‬ ‫وعلقتها بالدين‪) :‬شهرد س‬ ‫ت بنفسي كيف حال الصوفأية فأي السودان وأريتريا‬ ‫والحبشة والصومال‪ .‬لإن السلطة الصوفأية للسيد الميرغني لها اعتبارها‪ ،‬وبصورة‬ ‫خاصة ولية القاضي فأي أريتريا ل توليها الحكومة‪ ،‬لإنما هو يولي القاضي‬ ‫والخطيب والمؤذن‪ ،‬وله حق الولية الدينية بصفته رئيس الطريقة الصوفأية‪.‬‬ ‫والواقع أن الصوفأية ينشرون اللسلم فأي العالم‪ ،‬وأذكر لكم أنه منذ خمسين عاماا‪،‬‬ ‫كتب الشيخ البكري كتابا ا ذكر فأيه نقلا عن المبشرين يقول‪ :‬لإن هؤلء يقولون‪ :‬ما‬ ‫ذهبنا لإلى أقاصي المناطق البعيدة عن الحضارة والمدنية فأي أفأريقيا وأقاصي آسيا‬ ‫ي يسبقنا لإليها‪ ،‬وينتصر علينا‪.‬‬ ‫لإل وجدنا الصوفأ ف‬

‫‪231‬‬

‫لي ر‬ ‫ت المسلمين يفهمون مافأي الصوفأية من قوة روحية ومادية‪ ،‬فأجنودهم مجندون‬ ‫لسلم‪ .‬رأي س‬ ‫ت على حدود الحبشة والسودان وأريتريا بعثة سويدية للتبشير‪،‬‬ ‫ل ل‬ ‫ووجرد س‬ ‫ت لإلى جانبهم أكواخاا أقامها الصوفأيون‪ ،‬وأفأسدوا على المبشرين السويدريين‬ ‫لإقامتهم أربعين سنة‪ .‬ولذلك أرجو أن نتعاون للخماد هذه الحركات التي تؤذينا‪،‬‬ ‫دينيا ا وسياسياا‪ ،‬ولإن الذين يحملون على الصوفأية ليسوا فأوق مستوى الشبهات‪ ،‬بل‬ ‫هم غارقون فأي الشبهات‪ ..‬لإلى أن قال‪ :‬أكبسر المصائب التي أصابت المسلمين أنهم‬ ‫لم يأخذوا باللسلم كله‪ ،‬أما الصوفأية فأقد ألزموا أنفسهم أن يأخذوا باللسلم كله‪ ،‬بل‬ ‫زادوا عليه‪ .‬لإنهم ألزموا أنفسهم ألف يأخذوا بالرخص بل بالعزائم‪ ،‬مع أن ا يحب‬ ‫أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه‪ .‬لماذا ؟ لن مذهبهم يقوم على الزهد بالمعنى‬ ‫الذي يفهمه العلم‪ ،‬وأزيد على ذلك أن أساس الزهد جاء عن النبي صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬فأقد كان الرسول صلى ا عليه وسلم زاهداا فأي هذه الحياة ولذائذها‪ .‬عاش‬ ‫الرسول صلى ا عليه وسلم وانتقل لإلى الرفأيق العلى ولم يأكل رغيفا ا مرقفقراا‪ ،‬ول‬ ‫أكل على خوان‪.‬‬ ‫فأرسول ا صلى ا عليه وسلم هو المثل العلى للخلفاء الراشدين وللرمرن تبعه‬ ‫وللمسلمين كافأة‪ .‬والصوفأية قد ألزموا أنفسهم‪ ،‬كما نصوا على ذلك فأي كتبهم‪ ،‬على‬ ‫أرن ل يكون بينهم صوفأيا ا لإل من استمسك بالكتاب والسنة‪ ،‬ووضعوا لذلك سأصولا‬ ‫فأي كتبهم‪ :‬الرسالة القشيرية لبي القاسم القشيري ولإحياء علوم الدين للغزالي‪،‬‬ ‫وكتاب حلية الولياء لبي نعيم الصفهاني‪ ،‬وكتاب قواعد التصوف لحمد زروق‪.‬‬ ‫ولإنا نقول‪ :‬لإن الذين يبحثون فأي بعض العلوم وينتقدونها‪ ،‬وينكرونها وهم لم يطلعوا‬ ‫عليها‪ ،‬مثلهم مثل رجل ل يفهم فأي الطب شيئا ا فأينكر الطب‪ ،‬وكاللسكافأي الذي ينكر‬ ‫الهندسة‪.‬‬ ‫وفأي مصر هنا‪ ،‬فأي الوقت الذي جاءت جيوش الصليبية لإلى دمياط‪ ،‬كان للصوفأية‬ ‫أمثال أبي الحسن الشاذلي وعز الدين بن عبد السلم‪ ،‬وأبي الفتح ابن دقيق العيد‪،‬‬ ‫وآخرين من العلماء خدمة جليلة فأي مقاومة الصليبيين( ]مجلة لواء اللسلم ـ العدد‬ ‫العاشر ـ السنة التاسعة ‪1375‬هـ ـ ‪1956‬م ندوأة لواء اللسلم‪ :‬الصوفية‬ ‫وأعلقتها بالدين ص ‪645‬ـ ‪[647‬هلل‪.‬‬ ‫‪26‬ـ محمد أبو زهرة‪:‬‬ ‫قال الستاذ العلمة محمد أبو زهرة فأي حديثه عن التصوف فأي ندوة لواء اللسلم‪:‬‬ ‫)لإن التصوف فأي ظاهره يتضمن ثلث حقائق‪:‬‬ ‫‪232‬‬

‫الحقيقة الولى‪ :‬محاربة الهوى والشهوة‪ ،‬والسيطرةس على النفس‪ .‬وكان المتصوفأة‬ ‫يأخذون بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ا عنه لإذ يقول‪ :‬أيها الناس‬ ‫ارقردعوا ]اقدعوا‪ :‬من قدع بمعنى‪ :‬منع وكف‪ ،‬وقدع فأرسه كبحه‪ ،‬كذا فأي القاموس[‬ ‫هذه النفوس عن شهواتها‪ ،‬فألإنها مريئة وبيئة‪ .‬أي لإن اللنسان يستمرؤها‪ ،‬ولكن‬ ‫عاقبتها وخيمة‪.‬‬ ‫والحقيقة الثانية التي تتضمنها ظاهرة التصوف هي‪ :‬التصال الروحي ومخاطبة‬ ‫الوجدان والنفس‪.‬‬ ‫والحقيقة الثالثة‪ :‬أن التصوف يقتضي فأي وقائعه التي نراها تابعا ا ومتبوعاا‪ ،‬شيخا ا‬ ‫ومريداا‪ ،‬يقتضي موجها ا وشخصا ا يوفجه‪ ،‬يقتضي استهوااء نفسيا ا وتوجيها ا نفسياا‪.‬‬ ‫وهذه الظواهر‪ ،‬بصرف النظر عن أن اللسلم قررها نظاماا‪ ،‬أولم يقررها‪ .‬هذه‬ ‫لصلح‪ ،‬أو أنها ضرر محض ؟‬ ‫الوقائع الثابتة‪ ،‬هل يمكن أن تتخذ سبيلا ل ل‬ ‫أما أنها ضرر محض‪ ،‬فأما أظن أحداا يوافأق على ذلك‪ ،‬لن التصوف حقيقة واقعة‬ ‫ككل الشياء‪ ،‬يقبل أن يكون ضاراا ويقبل أن يكون نافأعاا‪ ،‬يقبل أن يكون ممدوحاا‪،‬‬ ‫ت وسذم ر‬ ‫ويقبل أن يكون مذموماا‪ .‬وحسبنا أن نقول‪ :‬لإن الصلة ذاتها سمدح ر‬ ‫ت‪ ،‬فأقال ا‬ ‫تعالى‪} :‬فأويفل للسمصصليرن ‪ .‬الذيرن هسرم رعرن صللتهم ساهورن{ ]الماعون‪4 :‬ـ ‪ .[5‬وقال‬ ‫سبحانه فأي وصف المؤمنين‪} :‬الذين يقيمون الصلةر ويؤستورن الزكاةر وهسرم باللخررلة‬ ‫هسرم يوقنورن{ ]لقمان‪ .[4 :‬وكذلك التصوف التصوف ـ كما قال ا س‬ ‫لستاذ فأودة ـ فأي‬ ‫عصورنا المتأخرة كان له مزايا‪ ،‬وكانت له آثار واضحة‪ ،‬فأالمسلمون فأي غرب‬ ‫أفأريقيا وفأي وسطها وفأي جنوبها كان لإيمانهم ثمرةا من ثمرات التصوف‪.‬‬ ‫واللمام السنوسي الكبير عندما أراد أن يصلح بين المسلمين‪ ،‬اتجه أول ما اتجه لإلى‬ ‫أن نهج منهاجا ا صوفأياا‪ ،‬وكان منهاجه فأي ذاته عجيبا ا غريباا‪ ،‬فألإنه اتخذ المريدين‪،‬‬ ‫ثم أراد أن يجعل من هؤلء المريدين رجال أعمال كأحسن ما يكون رجال‬ ‫العمال‪ ،‬ولذلك أنشأ الزوايا‪ .‬وأوسل زاوية أنشأها فأي جبل حول مكة‪ ،‬ثم انتقل‬ ‫بزواياه فأي الصحراء‪ ،‬وهذه الزوايا كانت واحات عامرة فأي وسط الصحراء‪،‬‬ ‫وبعمل رجالهم وقواتهم وتوجيههم‪ ،‬استنبط الماء وجعل فأيها زرعا ا وغراسا ا‬ ‫ضوا مضاجع الليطاليين أكثر‬ ‫وثماراا‪ ،‬ووفجههم وعفلمهم الحرب والرماية حتى أق ي‬ ‫من عشرين سنة‪ ،‬عندما عجزت الدولة العثمانية عن أن تعين أهل ليبيا‪ .‬واستمرت‬ ‫‪233‬‬

‫المقاومة السنوسية بهذه الزوايا‪ ،‬لإلى أن أذفل ا الدولة الليطالية‪ ،‬ولإذا السنوسية‬ ‫تحيا من جديد‪ ،‬وكنا نويد أن تحيا كما ابتدأت طريقة صوفأية عاملة قوية‬ ‫ل أويد أن أتعرض لنشأة التصوف فأي اللسلم وقبل اللسلم‪ ،‬ولكني ل أستطيع أن‬ ‫أقول لإن عمر بن الخطاب لم يكن متصوفأاا‪ ،‬وهو الذي قال فأيه محمد بن عبد ا‬ ‫صلى ا عليه وسلم‪" :‬لو كان فأي هذه ا س‬ ‫لمة محفدثون لكان عمر بن الخطاب" ]"لإن‬ ‫من أمتي محدثين ومكلمين ولإن عمر منهم" أخرجه البخاري فأي صحيحه فأي كتاب‬ ‫المناقب عن أبي هريرة رضي ا عنه‪ ،‬وأخرج مسلم فأي صحيحه‪" :‬لقد كان فأيما‬ ‫قبلكم من المم محدثون فألإن يك فأي أمتي أحد فألإنه عمر" من حديث عائشة رضي‬ ‫ا عنها فأي كتاب فأضائل الصحابة[‪ .‬والذي كان يعتقد فأيه رسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم أنه كان من أقرب أصحابه لإلى ا‪ ،‬حتى لإنه عندما كان ذهب لإلى‬ ‫العمرة وفجهر لإليه القول‪ ،‬وقال له‪" :‬ل تنسنا من سدعائك يا أخي" ]رواه أبو داود فأي‬ ‫باب الدعاء عن عمر رضي ا عنه‪ ،‬والترمذي فأي كتاب الدعوات وقال‪ :‬حديث‬ ‫ي أشلركنا فأي دعائك ول تنسنا"[‪.‬‬ ‫حسن صحيح‪ ،‬ولفظه‪" :‬أي سأخ ف‬ ‫ول أستطيع أن أقول‪ :‬لإن أبا بكر الصديق الذي كان يركب الصعب من المور‬ ‫ضابطا ا نفسه‪ ،‬والذي سأثر عنه أنه قال كلما ا نسب لإلى النبي صلى ا عليه وسلم‪،‬‬ ‫واختلفت الرواية فأي قائله‪" :‬رجعنا من الجهاد الصغر ]وهو القتال[ لإلى الجهاد‬ ‫الكبر ]وهو مجاهدة النفس[ ]بل هو من حديث رسول ا صلى ا عليه وأسلم‬ ‫وأروأاه الديلمي عن جابر رضي ا عنه‪ .‬راجع كشف الخفاء للعجلوني ج ‪ .1‬ص‬ ‫‪[424‬هلل"‪ .‬وأبو بكر الذي يقول‪ :‬لفأفر من الشرف يتبرعك الشرف‪.‬‬ ‫وقد كان وما زال هناك موجهون وشيوخ لهم مريدون ولهم أتباع وهؤلء هم الذين‬ ‫نرجو أن يعود التصوف على أيديهم كما ابتدأ‪.‬‬ ‫هل نحن الن في حاجة لإلى التصوف المصلح المثمر ؟‬ ‫أقول‪ :‬لإذا كان الماضون لم يكونوا فأي حاجة لإليه‪ ،‬بل كان المتصوف يعمل ل‬ ‫ولنفسه ولمريديه‪ ،‬فأنحن فأي عصرنا هذا أشد الناس حاجة لإلى متصوف يعمل‬ ‫بنظام التصوف الحقيقي‪ ،‬وذلك لن شباربنا قد استهوته الهواء‪ ،‬وسيطرت على‬ ‫قلبه ؛ فأأصبحت دور السينما أشد المغريات وأشد الوسائل جلبا ا لها‪ ،‬والمجلت‬ ‫الفارغة‪ ،‬واللذاعة اللهية اللعبة‪ ،‬أصبح كيل هذا يستهويه‪ ،‬ولإذا سيطرت الهواء‬ ‫ب الخطباء ل ستجدي‪ ،‬وكتابة الكفتاب‬ ‫والشهوات على جيل من الجيال أصبحت سخط س‬ ‫ل ستجدي‪ ،‬ومواعظس الوعاظ ل تجدي‪ ،‬ولحكم العلماء ل تجدي‪ ،‬وأصبحت كل‬ ‫‪234‬‬

‫وسائل الهداية ل تجدي شيئاا‪ .‬وحسبك أن ترى المجلت الدينية توزع بأقل من‬ ‫نصف العشر أو ربع العشر مما توزعه المجلت اللهية العابثة‪.‬‬ ‫لصلح‪ ،‬هذا الطريق أرن نتجه لإلى الستيلء على‬ ‫لإذن ل بد لنا من طريق آخر ل ل‬ ‫نفوس الشباب‪ ،‬وهذا الستيلء يكون بطريق الشيخ ومريديه‪ ،‬بحيث يكون فأي كل‬ ‫قرية‪ ،‬وفأي كل حيي من أحياء المدن‪ ،‬وفأي كل بيئة علمية أو اجتماعية أو سياسية‪،‬‬ ‫رجال يقفون موقف الشيخ الصوفأي من مريديه‪.‬‬ ‫لإن العلقة بين المريد والشيخ‪ ،‬وبين مراتب هذا المريد هي التي يمكن أن تهذب‬ ‫وأن توجه‪ .‬يقول الشاطبي فأي كتابه الموافأقات‪ :‬إلفن بين المعلم والمتعلم روحانية‬ ‫تجعله ينطبع بفكره‪ ،‬وينطبع بكل ما يلقنه من معلومات‪ .‬نحن فأي حاجة لإلى هؤلء‬ ‫الذين يستهوون الشباب ليصرفأوهم عن هذا الهوى الماجن‪ ،‬وليوجهوهم‪.‬‬ ‫كان هنا منذ بضع سنين أو عشر سنين رجفل اتجه لإلى الشباب‪ ،‬وحاول أن يتخذ‬ ‫معهم فأي لإصلحهم ما يتخذه الصوفأي مع المريدين‪ ،‬وقد نجح لإلى حد كبير‪ ،‬ولول‬ ‫اشتغاله بالسياسة ما فأسد أمره قط‪.‬‬ ‫ب أن نتجه لإلى الصوفأية كعلج أخير لوقاية الشباب من الفساد‪ ،‬ول‬ ‫ولذلك سأوج س‬ ‫أعتقد أن هناك علجا ا أجدى منها(‪.‬‬ ‫وخلصة الحديث عن التصوف فأي ندوة لواء اللسلم‪ :‬أن التصوف كأمر واقع‪،‬‬ ‫كان فأيه خير‪ ،‬وخالطه بعض الشر‪ ،‬ولإذا خلص من شره‪ ،‬واتجه لإلى المعاني‬ ‫الروحية‪ ،‬كان سبيل لإصلح للمجتمع اللسلمي‪ .‬ولإن الشباب المسلم وقع تحت‬ ‫استهواءات مختلفة تؤدي لإلى النحراف‪ ،‬ول سبيل لإلى رده لإلى الستقامة‬ ‫اللسلمية لإل باستهواء يكون كاستهواء الشيخ الصوفأي لمريديه‪ ،‬وحينئظذ تعمل‬ ‫الصوفأية أفأضل العمال للصلح الشباب ]مجلة لواء اللسلم‪ ،‬العدد الثاني عشر‪،‬‬ ‫شعبان ‪1379‬هـ الموافأق ‪1960‬م ندوة لواء اللسلم‪ ،‬التصوف فأي اللسلم‪ .‬صا‬ ‫‪ 758‬و ‪766‬‬

‫‪235‬‬

‫الباب السابع‬ ‫شيخنا محذمد الهاشمي رحمه ا تعالى‬ ‫هذا ويسعدني فأي نهاية هذا البحث أن أنوه بفضل شيخنا المربي الكبير‪ ،‬والعارف‬ ‫بال‪ ،‬المرشد سيدي محمد الهاشمي رحمه ا تعالى فأي نقله هذه المعاني الروحية‪،‬‬ ‫والحقائق الربانية التي تكلمنا عنها لإلى هذا البلد الكريم‪ ،‬وتجسيدها فأي صورة‬ ‫واقعية‪ ،‬ستحصدسثنا عنها أرواح مريديه وتلمذته‪ ،‬وستشلهدنا لإياها حياستهم الذاخرة بذكر‬ ‫ا وحق عبادته‪ ،‬كما شهد له بذلك معاصروه من أكابر السادة العلماء‪ .‬لذا أختم‬ ‫ب ذكراه‪ ،‬وسرد نبظذ عن حياته الطيبة‪.‬‬ ‫كتابي بطيص ل‬ ‫وألدته‪:‬‬ ‫ولد سماحة الستاذ المرشد الكبير سيدي محمد بن الهاشمي قدس ا روحه من‬ ‫أبوين صالحين‪ ،‬كلهما من آل بيت النبوة‪ ،‬يرجع نسبهما لإلى الحسن بن علي‬ ‫رضي ا عنهما‪ ،‬يوم السبت ‪ 22‬شوال ‪1298‬هـ فأي مدينة سبدة التابعة لمدينة‬ ‫تلمسان‪ ،‬وهي من أشهر المدن الجزائرية‪ .‬وكان والده من علمائها وقاضيا ا فأيها‪،‬‬ ‫فألما توفأي ترك أولداا صغاراا‪ ،‬والشيخ أكبرهم سناا‪.‬‬ ‫بقي الشيخ مدة من الزمن ملزما ا للعلماء‪ ،‬قد انتظم فأي سلكهم جاداا فأي الزدياد من‬ ‫العلم‪ ،‬ثم هاجر مع شيخه محمد بن يرصلس لإلى بلد الشام فأاراا من ظلم الستعمار‬ ‫اللفأرنسي‪ ،‬الذي منع الشعب الجزائري من حضور حلقات العلماء وتوجيههم‪.‬‬ ‫وكانت هجرتهما فأي ‪ 20‬رمضان سنة ‪1329‬هـ عن طريق طنجة ومرسيليا‪،‬‬ ‫متوجهين لإلى بلد الشام‪ .‬فأمكثا فأي دمشق أياما ا قلئل‪ ،‬وعلملر ر‬ ‫ت الحكومة التركية‬ ‫آنذاك على تفريق جميع المغاربة الجزائريين‪ ،‬وكان نصيبه رحمه ا تعالى أن‬ ‫ذهب لإلى تركيا وأقام فأي أضنة‪ ،‬وبقي شيخه ابن يرصلس فأي دمشق‪ .‬وعاد بعد سنتين‬ ‫صحبه ولرزمه‪.‬‬ ‫لإلى دمشق ؛ فأالتقى بشيخه ابن يرصلس رو ر‬ ‫وفأي بلد الشام تابع أخذ العلم عن أكابر علمائها‪ .‬ومن أشهرهم المحصدث الكبير بدر‬ ‫الدين الرحرسني‪ ،‬والشيخ أمين سويد‪ ،‬والشيخ جعفر الكتاني‪ ،‬والشيخ نجيب كيوان‪،‬‬ ‫والشيخ توفأيق اليوبي‪ ،‬والشيخ محمود العطار وأخذ عنه علم سأصول الفقه‪،‬‬ ‫والشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافأي وأخذ عنه الفقه المالكي‪ ،‬وقد أجازه‬ ‫أشياخه بالعلوم العقلية والنقلية‪.‬‬ ‫‪236‬‬

‫أما من ناحية التصوف فأقد أذن له شيخه محمدبن يرصلس بالورد العام لما رأى من‬ ‫تفوقه على تلمذته‪ ،‬من حيث العلسم والمعرفأةس والنصسح لهم وخدمستهم‪ .‬ولما قدم‬ ‫المرشد الكبير أحمد بن مصطفى العلوي من الجزائر لداء فأريضة الحج ؛ نزل‬ ‫فأي دمشق بعد وفأاة سيدي محمد بن يرصلس سنة ‪1350‬هـ‪ ،‬وأذن له بالورد الخاصا‬ ‫]تلقين السم العظم[ واللرشاد العام‪.‬‬ ‫أخلقه وأسيرته‪:‬‬ ‫كان رحمه ا تعالى متخلقاا بأخلق النبي صلى ا عليه وسلم‪ ،‬متابعا ا له فأي جميع‬ ‫أقواله وأحواله وأخلقه وأفأعاله‪ ،‬فأقد نال الوراثة الكاملة عن الرسول صلى ا‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫وكان متواضعاا حتى اشتهر بذلك ولم يسبقه أحد من رجال عصره فأي تواضعه‪.‬‬ ‫وكان يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه‪ .‬دخل عليه رجل فأقفبل يد الشيخ رحمه ا‬ ‫تعالى؛ وأراد الشيخ أن يقبل يده‪ ،‬فأامتنع الرجل عن ذلك وقال‪ :‬أستغفسر ا يا سيدي‬ ‫أنا لست أهلا لذلك‪ ،‬أنا رأقبل رجلكم‪ .‬فأقال الشيخ رحمه ا تعالى‪ :‬لإذا قرفبلت لررجلررنا‬ ‫فأنحن نقبل رجرلكم‪.‬‬ ‫وكان يحب أن يخدم لإخوانه بنفسه‪ ،‬فأيأتي الزائر‪ ،‬ويأتي التلميذ فأيبيت عنده فأيقصدم له‬ ‫الطعام‪ ،‬ويحمل له الفراش مع ضعف جسمه‪ .‬وكم جئناه فأي منتصف الليل‪،‬‬ ‫وطرقنا بابه‪ ،‬فأيفتح الباب وهو بثيابه التي يقابل بها الناس‪ ،‬كأنه جندي مستعد‪ .‬فأما‬ ‫رأيناه فأي ثوب نوم أبداا‪.‬‬ ‫وكان حليما ا ل يغضب لإل ل‪ .‬رحردث أن جاءه رجل من دمشق لإلى بيته وأخذ يتهجم‬ ‫عليه‪ ،‬ويتهكم به‪ ،‬ويتكلم بكلمات يقشعر لها جلد المسلم ؛ ولكن الشيخ رضي ا‬ ‫عنه لم يزد على قوله له‪ :‬ا يجزيك الخير‪ ،‬لإنك ستبين عيوبنا‪ ،‬وسوف نترك ذلك‬ ‫ونتحلى بالخلق الفاضلة‪ .‬وما أن طال المقام بالرجل لإل وأقبل على الشيخ‪ ،‬يقبل‬ ‫قدميه ويديه‪ ،‬ويطلب منه المعذرة‪.‬‬ ‫وكان كريما ا ل يرد سائ ا‬ ‫ل‪ .‬وكم رأينا أشخاصا ا يأتون لإليه فأيعطيهم ويكرمهم‪،‬‬ ‫ولسيما فأي مواسم الخير ؛ حيث يأتي الناس لبيته‪ ،‬وترى موائد الطعام يأتيها‬ ‫الناس أفأواجا ا أفأواجاا يأكلون منها‪ ،‬ول تزال ابتسامته فأي وجهه‪ ،‬وقد بلغ من كرمه‬ ‫أنه بنى داره التي فأي حي المهاجرين بدمشق قسمين‪ :‬قسم لهله‪ ،‬وقسم لتلميذه‬ ‫‪237‬‬

‫ومريديه‪.‬‬ ‫وكان من صفاته رضي ا عنه واسع الصدر وتحمل المشقة والتوجيه‪ ،‬وشدة‬ ‫الصبر مع بشاشة الوجه ؛ حتى لإني استغربت مرة صبره فأقال لي‪ :‬يا سيدي!‬ ‫مشربسرنا هذا جمالي‪ .‬وكان يأتي لإليه الرجل العاصي فأل يرى لإل البشاشة من وجهه‬ ‫وسعة الصدر‪ ،‬وكم تاب على يديه عصاة منحرفأون‪ ،‬فأانقلبوا بفضل صحبته‬ ‫مؤمنين عارفأين بال تعالى‪.‬‬ ‫رحردث أنه كان سائراا فأي الطريق بعد انتهاء الدرس‪ ،‬فأمر به سكران ؛ فأما كان من‬ ‫الشيخ رحمه ا تعالى لإل أن أزال الغبار عن وجهه‪ ،‬ودعا له ونصحه‪ ،‬وفأي اليوم‬ ‫الثاني كان ذلك السكران أول رجل يحضر درس الشيخ‪ ،‬وتاب بعد ذلك وحسن ر‬ ‫ت‬ ‫توبته‪.‬‬ ‫وكان رحمه ا تعالى يهتم بأحوال المسلمين ويتألم لما يصيبهم‪ ،‬وكان يحضر‬ ‫جمعية العلماء التي تقام فأي الجامع الموي‪ ،‬يبحث فأي أمور المسلمين ويحصذر من‬ ‫تفرقتهم‪ ،‬وقد طبع رسالة تبين سبب التفرقة وضررها‪ ،‬وفأائدة الجتماع على ا‬ ‫والعتصام بحبل ا سماها‪ :‬القول الفصل القويم فأي بيان المراد من وصية الحكيم‪.‬‬ ‫وكان رحمه ا تعالى يكره الستعمار بكل أساليبه‪ ،‬ويبحث فأي توجيهه عن مدى‬ ‫صلة الحوادث مع الستعمار وكيفية الخلصا من ذلك‪ .‬ولما رندب ر‬ ‫ت الحكومة الشعب‬ ‫لإلى التديرب على الرماية‪ ،‬ون ف‬ ‫ظمت المقاومة الشعبية‪ ،‬سارع الشيخ لتسجيل اسمه‬ ‫بالمقاومة الشعبية‪ ،‬فأكان يتدرب على أنواع السلحة مع ضعف جسمه ونحوله‬ ‫وكبر سنه‪ .‬وبهذا ضرب للشعب المثل العلى لقوة الليمان والعقيدة والجهاد فأي‬ ‫سبيل ا‪ ،‬وذفكرنا بلرمرن قبله من المرشدين السكفمل الذين جاهدوا الستعمار‬ ‫وحاربوه ؛ أمثال عمر المختار والسنوسي وعبد القادر الجزائري‪ .‬وما المجاهدون‬ ‫الذين قاموا فأي المغرب‪ ،‬للخراج الستعمار وأذنابهم لإل الصوفأية‪.‬‬ ‫وكان رحمه ا تعالى حسن السيرة والمعاملة‪ ،‬مما جعل الناس‪ ،‬سيقبلون عليه‬ ‫ويأخذون عنه التصوف الحقيقي‪ ،‬حتى قيل‪ :‬لم يشتهر الهاشمي بعلمه مع كونه‬ ‫عالماا‪ ،‬ولم يشتهر بكراماته مع أن له كرامات كثيرة‪ ،‬ولكنه اشتهر بأخلقه‪،‬‬ ‫وتواضعه‪ ،‬ومعرفأته بال تعالى‪.‬‬ ‫وكان رحمه ا تعالى لإذا حضرر ر‬ ‫ت مجلسه‪ ،‬شعرت كأنك فأي روضة من رياض‬ ‫‪238‬‬

‫الجنة ؛ لن مجلسه ليس فأيه ما يشوبه من المكدرات والمنكرات‪ .‬فأكان رحمه ا‬ ‫تعالى يتحاشى أن سيذكر فأي حضرته رجل من المسلمين وينقص‪ .‬ول يحب أن‬ ‫يذكر فأي مجلسه الفساق وغيرهم‪ ،‬ويقول‪ :‬عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة‪.‬‬ ‫وبقي رحمه ا تعالى دائبا ا فأي جهاده مستقيما ا فأي توجيهه للمسلمين ولإخراجهم مما‬ ‫وقعوا فأيه من الضلل والزيغ‪ .‬فأقد كانت حلقاته العلمية متوالية من الصباح حتى‬ ‫المساء ؛ ولسيما علم التوحيد الذي هو من سأصول الدين‪ ،‬فأيبيصرن العقائد الفاسدة‬ ‫والللحادية‪ ،‬مع بيان عقيدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬والرجوع لإلى ا تعالى؛ والتعلق‬ ‫به دون سواه‪.‬‬ ‫نشاطه في الدعوة وأاللرشاد‪:‬‬ ‫كان بيته قبلة للعلماء والمتعلمين والزوار‪ ،‬ل يضجر من مقابلتهم‪ ،‬ويقيم ـ مع‬ ‫ضعف جسمه ـ حلقات منظمة دورية للعلم والذكر فأي المساجد والبيوت‪ ،‬ويطوف‬ ‫فأي مساجد دمشق‪ ،‬يجمع الناس على العلم وذكر ا والصلة على رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪ .‬ولم يزل مثابراا على همته ونشاطه ودعوته حتى أيامه الخيرة‪.‬‬ ‫تترلمرذ عليه نخبةف طيبةف صالحة من العلماء وطلب العلم‪ ،‬ومن مختلف طبقات المة‬ ‫يهتدون بلإرشاداته‪ ،‬ويغترفأون من علومه‪ ،‬ويقتبسون من لإيمانه ومعارفأه الذوقية‪،‬‬ ‫ويرجعون لإليه فأي سأمورهم‪.‬‬ ‫وقد أذن للمستفيدين منهم بالدعوة واللرشاد‪ ،‬وبذا انتشرت هذه الطاقة الروحية‬ ‫الكبرى فأي دمشق وحلب‪ ،‬وفأي مختلف المدن السورية والبلدان اللسلمية‪.‬‬ ‫مؤلفاته‪:‬‬ ‫‪1‬ـ مفتاح الجنة شرح عقيدة أهل السنة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الرسالة الموسومة بعقيدة أهل السنة مع ن ر‬ ‫ظمها‪.‬‬ ‫‪3‬ـ البحث الجامع والبرق اللمع والغيث الهامع فأيما يتعلق بالصنعة والصانع‪.‬‬ ‫‪4‬ـ الرسالة الموسومة بسبيل السعادة فأي معنى كلمتي الشهادة مع نظمها‪.‬‬ ‫‪5‬ـ الدرة البهية‪.‬‬ ‫‪6‬ـ الحل السديد لما استشكله المريد من جواز الخذ عن مرشدين‪.‬‬ ‫‪7‬ـ القول الفصل القويم فأي بيان المراد من وصية الحكيم‪.‬‬ ‫‪8‬ـ شرح شطرنج العارفأين للشيخ محي الدين بن عربي‪.‬‬ ‫‪9‬ـ الجوبة العشرة‪.‬‬ ‫‪239‬‬

‫‪10‬ـ شرح نظم عقيدة أهل السنة‪.‬‬ ‫وغير ذلك من الرسائل‪.‬‬ ‫وقد أخذ التصوف عن سيدي الهاشمي رحمه ا تعالى كثيفر من العلماء وغيرهم ل‬ ‫يعلم عددهم لإل ا‪.‬‬ ‫وهكذا قضى الشيخ الهاشمي حياته فأي جهاد وتعليم‪ ،‬يربي النفوس‪ ،‬ويزكي القلوب‬ ‫الراغبة فأي التعرف على مولها‪ ،‬ل يعتريه ملل ول كسل‪ .‬واستقامته على شريعة‬ ‫رسول ا صلى ا عليه وسلم قولا وعملا وحا ا‬ ‫ل‪ ،‬ووصيسته فأي آخر حياته‪ :‬عليكم‬ ‫بالكتاب والسنة‪ ،‬تشهد له بكمال وراثته‪.‬‬ ‫وهكذا رحل الشيخ الكبير لإلى رضوان ا تعالى وقربه يوم الثلثاء ‪ 12‬من رجب‬ ‫صلي عليه بالجامع الموي‪ ،‬ثم‬ ‫‪1381‬هـ الموافأق ‪ 19‬كانون الول ‪1961‬م‪ ،‬و س‬ ‫شيعرته دمشق تحمله على الكف لإلى مقبرة الدحداح‪ ،‬حيث سوولري مثواه‪ ،‬وهو‬ ‫معروف وسمرزار‪ .‬ولئن وارى القبسر جسرده الطاهر الكريم‪ ،‬فأما وارى علمه وفأضله‬ ‫ومعارفأه وما أسدى للناس من معروف ولإحسان‪ ،‬فأللمرثل هذا فأليعملل العاملون‪ .‬وهذا‬ ‫ض ونقطة من بحر‪ ،‬ولإل فأسيرة‬ ‫من بعض سيرته الكريمة‪ ،‬وما قدمناه غي ف‬ ‫ض من فأي ظ‬ ‫لنسان أن يحيط بما تكنه صدوسرهم‬ ‫العارفأين منطوية فأي تلمذتهم‪ ،‬ومن أين ل ل‬ ‫وأسرارهم ؟‬ ‫وفأي مثله قال القائل‪:‬‬ ‫إلرن تسرل أين قبوسر العظما فأعلى الفأواه أو فأي النفس‬ ‫وبمثل هذه الشخصيات الحية نقتدي وبمثلهم نتشفبه‪.‬‬ ‫فأتشبفسهوا لإن لم تكونوا مثرلهم إلفن التشيبهر بالكرالم فألسح‬ ‫وقد قيل‪:‬‬ ‫مو س‬ ‫ت التقي حياةف ل انقطارع لها قرد مات قوفم وهرم فأي الناس أحياسء‬ ‫وقد أذن لنا رحمه ا تعالى‪ ،‬قبل رحيله عن دار الدنيا‪ ،‬بالورد العام والخاصا‪،‬‬ ‫والتربية واللرشاد‪ ،‬كما هو مبفين فأي نص اللجازة التي نقدمها لك على الصفحات‬ ‫التالية‪.‬‬ ‫‪240‬‬

‫اللجازة‬ ‫أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪ ،‬بسم ا الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد ل المنعم المجيد‪،‬‬ ‫المنزه عن التقيد باللطلق والتقييد‪ ،‬الذي نور بصائر العارفأين بنور معرفأته‪،‬‬ ‫وقذف فأي قلوبهم أنواراا وصلوا بها لإلى ميادين مكاشفته‪ ،‬وجعل القتداء بهم سببا ا‬ ‫لنيل المال‪ ،‬والرضا منه عنهم سسفلما ا موصلا لإلى اللخلصا فأي العمال‪ ،‬والصلة‬ ‫ك إفنما‬ ‫والسلم على سيدنا محمد رسول ا‪ ،‬المنزل عليه‪} :‬إفن الذيرن سيبايسعونر ر‬ ‫ا{ ]الفتح‪ ،[10 :‬وعلى آله وأصحابه الذين رأذن لهم لبب ص‬ ‫ث العلم ونشره فأي‬ ‫يبايعورن ر‬ ‫المة المحمدية‪ ،‬حتى صار اللذن سنة نبوية‪ ،‬تداولها أهل الهمم العلية‪ ،‬وعلى‬ ‫التابعين لهم بلإحسان‪ ،‬الداعين لإلى ا بلإذنه‪ ،‬الذين ل تزال شمسهم على الفأاق‬ ‫طالعة‪ ،‬وأنوارهم فأي السرائر والقلوب لمعة‪ ،‬الذين يحافأظون على أمانة ا حتى‬ ‫سيبصلغونها لإلى نظرائهم فأي التقوى والعلم بال‪.‬‬ ‫ت وأجز س‬ ‫أما بعد‪ :‬فألإني لهذه المناسبة أذرن س‬ ‫ت أفأراداا من لإخواننا فأي طريقتنا الشاذلية‬ ‫الدرقاوية العلية للرما تفررسسته فأي أخلقهم‪ ،‬واعتمدته من أحوالهم‪ ،‬لإذنا ا عاما ا مطلقا ا‬ ‫فأي سائر الوراد والحزاب الشاذلية‪ ،‬وفأي الورد الخاصا‪ ،‬الذي هو ذكر السم‬ ‫المفرد ]ا[ الذي هو السم العظم عند أهل ا‪ ،‬بشروطه المعروفأة عندهم‪،‬‬ ‫فأيتأكد على كل واحد منهم أن سيرربي كل من اتخذه شيخاا له فأي طريق ا‪ ،‬وأرجو‬ ‫ا أن ينفعهم وينفع بهم‪ ،‬ومن جملتهم‪ :‬أخونافأي ا البر الود‪ ،‬الفقيه العارف‬ ‫بال‪ ،‬التقي المجد ولي ا‪ ،‬الصادق فأي المحبة والعهد‪ ،‬سيدي الشيخ عبد القادر‬ ‫بن عبد ا عيسى عزيزي الحلبي‪ ،‬كما أذن لي سأستاذي سيدي أحمد بن مصطفى‬ ‫العلوي المستغانمي رضي ا عنه‪ ،‬وأرجو ا أن أكون مأذونا ا من ا تعالى‪ ،‬ومن‬ ‫رسوله صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأرجو له مثل ذلك‪ ،‬ثم أقول‪:‬‬ ‫فأاعر ر‬ ‫ف يا أخي فأضل اللذن وسره‪ ،‬ول تجهله‪ ،‬لإذ المأذوسن مأموفن‪ ،‬لإذ هو فأي‬ ‫ضمان ا تعالى‪ ،‬ثم فأي ضمان رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬ثم فأي ضمان‬ ‫شيوخ الطريقة رضي ا عنهم‪.‬‬ ‫فأاعرف هذا‪ ،‬واعتقده ول تجهله‪ ،‬واعلم أن اللذن الحقيقي واللجازة الحقيقية هي ما‬ ‫حصل لكم من اللذن الشفهي الباطني واللجازة القلبية الحقيقية‪ ،‬فأهي التي سيعمل‬ ‫بها‪ ،‬وهي التي ترنفعل لها القلوب‪ ،‬وتنقاد لها النفوس‪ ،‬ولول الضرورة لما اعتاد‬ ‫عليه الناس من اللجازة بالكتابة‪ ،‬لررما كتب أهل ا لإجازة لمأذون من ا ومن‬ ‫الرسول ثم منهم لإجازة شفوية قلبية حقيقية‪ .‬وكن ذا حزظم وعزظم فأي تربية كل من‬ ‫‪241‬‬

‫ح من أحد فأي حق ا‪ ،‬وأوصيك بالنصيحة‬ ‫اتخذك شيخا ا له من عباد ا‪ ،‬ول تست ل‬ ‫لخوان بقدر اللمكان‪ ،‬وبالمحافأظة على حدود ا فأي السر واللعلن‪ ،‬وكن‬ ‫ل ل‬ ‫بالمؤمنين رؤوفأا ا رحيماا‪ ،‬محبةا فأي ا واقتدااء برسول ا صلى ا عليه وسلم‪،‬‬ ‫وأرجو ا للجميع التوفأيق‪ ،‬وأن يقينا ولإياهم من سوء الطوارق‪ ،‬ويسلك بنا وبهم‬ ‫أحسن الطرائق‪ ،‬ويحمينا ولإياهم من كل عائق‪ ،‬ونسأل ا بكل رمرن ررارم النتظام فأي‬ ‫سلك أهل ا نفحة خير من نفحات ا‪ ،‬نسلك بها سبيل النجاة‪ ،‬ونصل بها لإلى‬ ‫حقيقة تقوى ا بجاه صاحب الجاه‪ ،‬سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم‪ ،‬يوم يتجلى‬ ‫الحق تعالى لعباده برضاه‪ ،‬والظن فأي ا جميل‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬والحمد‬ ‫ل رب العالمين‪.‬‬ ‫قاله وكتبه العبد الفقير لإلى ا تعالى‪ :‬محمد بن أحمد بن الهاشمي بن عبد الرحمن‬ ‫التلمساني أص ا‬ ‫ل‪ ،‬الدمشقي سكناا‪ ،‬الشاذلي الدرقاوي طريقة‪ .‬عامله ا والمسلمين‬ ‫باللطف واللحسان‪ .‬آمين‪.‬‬ ‫حررت هذه اللجازة المباركة فأي ‪ 16‬ربيع الول ‪.1377‬‬ ‫خادم الطريقة القادرية الشاذلية الدرقاوية العلوية‬ ‫عبد ا محمد بن الهاشمي التلمساني‬ ‫دمشق‬ ‫صورة الجازة‬ ‫سند الطريقة الشاذإلية‬ ‫لما كان اللسناد من الدين‪ ،‬ولول اللسناد لقال رمرن شاء ما شاء‪ .‬ولما كان مشرب‬ ‫القوم رضوان ا عليهم أجمعين أبلغ المشارب فأي التحقيق‪ ،‬وأسنى المعارج فأي‬ ‫التدقيق‪ ،‬رتعفين على كل منتسب لإليهم أن يحقق مستنده على الوجه الحق‪ ،‬لن‬ ‫الحقائق ل تؤخذ من كل ذي دعوى‪ ،‬لإل بعد تحقق صحة دعواه على الوجه‬ ‫الكمل‪.‬‬ ‫ولما كان سند طريق القوم مسلسلا لإلى رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأقد أثبرتنا‬ ‫‪242‬‬

‫هذا السند على الصفحات التالية متسلسلا شيخا ا عن شيخ لإلى سيدنا الحسن‬ ‫البصري‪ ،‬ثم سيدنا علي بن أبي طالب رضي ا عنه‪ ،‬ثم لإلى حضرة سيدنا رسول‬ ‫ا صلى ا عليه وسلم‪.‬‬ ‫لإل أن بعض العلماء أنكر سماع الحسن البصري من اللمام علي بن أبي طالب‬ ‫رضي ا عنه وكرم وجهه‪ ،‬ولكن الحافأظ المحدث الفقيه جلل الدين السيوطي‬ ‫رحمه ا تعالى‪ ،‬أثبت سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب رضي ا‬ ‫عنهما‪ ،‬وتبعه فأي ذلك الفقيه المحدث الحجة أحمد بن حجر الهيثمي المكي رحمه‬ ‫ا تعالى‪.‬‬ ‫ولإليك تحقيق كل منهما فأي هذا الموضوع‪:‬‬ ‫أولا ـ قال الحافأظ المحدث جلل الدين السيوطي رحمه ا تعالى فأي كتابه الحاوي‬ ‫للفتاوي‪) :‬أنكر جماعة من الحفاظ سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب‬ ‫رضي ا عنه‪ ،‬وتمفسرك بهذا بعض المتأخرين ؛ فأخدش به طريق لبس الخرقة‪.‬‬ ‫وأثبته جماعة‪ ،‬وهو الراجح عندي لوجوه‪ ،‬وقد رجحه أيضا ا الحافأظ ضياء الدين‬ ‫المقدسي فأي المختارة‪ .‬وتبعه على ذلك الحافأظ ابن حجر ]العسقلني[ فأي أطراف‬ ‫المختارة ]وكذلك أثبت الحافأظ ابن حجر العسقلني سماع الحسن البصري من‬ ‫علي كرم ا وجهه فأي كتابه تهذيب التهذيب ج ‪ .2‬صا ‪.[264‬‬ ‫الوجه الول‪ :‬لإن العلماء ذكروا فأي الصول فأي وجوه الترجيح أن المرثبل ر‬ ‫ت مقفدم‬ ‫على النافأي‪ ،‬لن معه زيادة علم‪.‬‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬لإن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلفأة عمر باتفاق‪ .‬وكانت سأمه رخريررةس‬ ‫مولةر أسصم سلمة رضي ا عنها‪ ،‬فأكانت سأم سلمة تخرجه لإلى الصحابة يباركون‬ ‫عليه‪ ،‬وأخرجته لإلى عمر‪ ،‬فأدعا له‪ :‬اللهم فأقهه فأي الدين وحبربه لإلى الناس‪ .‬ذكره‬ ‫الحافأظ جمال الدين المزي فأي التهذيب‪ ،‬وأخرجه العسكري فأي كتاب المواعظ‬ ‫بسنده‪ .‬وذكر المزي أنه ]الحسن البصري[ حضر يوم الدار‪ ،‬وله أربع عشرة سنة‪.‬‬ ‫ومن المعلوم أنه من حين بلغ سبع سنين أسلمر بالصلة‪ ،‬فأكان يحضر الجماعة‬ ‫ويصلي خلف عثمان لإلى أن قتل عثمان‪ ،‬وعلي لإذ ذاك بالمدينة‪ ،‬فألإنه لم يخرج منها‬ ‫لإلى الكوفأة لإل بعد قتل عثمان‪ .‬فأكيف سيستنكر سماعهس منه وهو كل يوم يجتمع به فأي‬ ‫المسجد خمس مرات من حين ميفرز لإلى أن بلغ أربع عشرة سنة ؟‬

‫‪243‬‬

‫وزيادة على ذلك‪ :‬لإن عليا ا كان يزور سأمهات المؤمنين‪ ،‬ومنهن سأم سلمة‪ ،‬والحسن‬ ‫فأي بيتها هو وسأمه‪.‬‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬لإنه ورد عن الحسن ما يدل على سماعه منه‪ .‬أورد المزي فأي‬ ‫التهذيب من طريق أبي نعيم قال‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد‬ ‫الرحمن بن زكريا حدثنا أبو حنيفة محمد بن صفية الواسطي حدثنا محمد بن‬ ‫موسى الجرشي حدثنا سثمامة بن عبيدة حدثنا عطية بن محارب عن يونس بن عبيد‬ ‫قال‪ :‬سألت الحسن قلت‪ :‬يا أبا سعيد! لإنك تقول‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬ولإنك لم تدركه ؟ قال‪ :‬يا ابن أخي! لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد‬ ‫قبلك‪ ،‬ولول منزلتك مني ما أخبرتك‪ .‬لإني فأي زمان كما ترى ـ وكان فأي عمل‬ ‫الحجاج ـ كل شيء سمعتني أقول‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه وسلم فأهو عن‬ ‫علي بن أبي طالب‪ ،‬غير أني فأي زمان ل أستطيع أن أذكر علياا‪.‬‬ ‫ثم ساق الحافأظ السيوطي عدة أحاديث رواها الحسن عن علي رضي ا عنهما‪.‬‬ ‫منها‪ :‬قال أحمدفأي مسنده‪ :‬حدثنا سهشيم أخبرنا يونس عن الحسن عن علي قال‪:‬‬ ‫سمعت رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول‪" :‬سرفأع القلسم عن ثلثة‪ :‬عن الصغير‬ ‫حتى يبلغ‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن المصاب حتى يكشف عنه"‪ .‬أخرجه‬ ‫الترمذي وحسنه ]راجع تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي عند شرحه لهذا‬ ‫الحديث )ج ‪/4‬صا ‪ ،[(686‬والنسائي‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬والضياء المقدسي فأي‬ ‫المختارة‪ .‬قال الحافأظ زين الدين العراقي فأي شرح الترمذي عند الكلم على هذا‬ ‫الحديث‪ :‬قال علي بن المديني‪ :‬الحسن رأى علياا بالمدينة وهو غلم‪ .‬وقال أبو‬ ‫زرعة‪ :‬كان الحسن البصري يوم سبويلرع لعلي ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬ورأى عليا ا‬ ‫بالمدينة ثم خرج ]علي رضي ا عنه[ لإلى الكوفأة والبصرة ولم يلقه الحسن بعد‬ ‫ذلك‪ .‬وقال الحسن‪ :‬رأيت الزبير يبايع علياا‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وفأي هذا القدر كفاية‪ ،‬وسيحمل قوسل النافأي على ما بعد خروج علي من‬ ‫المدينة( ]الحاوي للفتاوي للحافأظ المحدث الفقيه جلل الدين السيوطي‪ .‬ج ‪ .2‬صا‬ ‫‪102‬ـ ‪.[103‬‬ ‫ثانياا ـ وسئل الحافأظ ابن حجر الهيثمي ـ نفع ا بعلومه ـ هل سمع الحسن البصري‬ ‫من كلم علي كرم ا وجهه‪ ،‬حتى يتم للسادة الصوفأية سند خرقتهم وتلقينهم الذكر‬ ‫المروي عنه عن علي كرم ا وجهه ؟‬

‫‪244‬‬

‫فأأجاب بقوله‪) :‬اختلف الناس فأيه‪ ،‬فأأنكره الكثرون‪ ،‬وأثبته جماعة‪ .‬قال الحافأظ‬ ‫السيوطي‪ :‬وهو الراجح عندي كالحافأظ ضياء الدين المقدسي فأي المختارة‪،‬‬ ‫والحافأظ شيخ اللسلم ابن حجر ]العسقلني[ فأي أطراف المختارة لوجوه‪:‬‬ ‫الول‪ :‬لإن السمثبل ر‬ ‫ت مقفدم على النافأي‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬لإنه ولد لسنتين بقيتا من خلفأة عمر‪ ،‬وميفرز لسبظع وسأمر بالصلة ؛ فأكان‬ ‫يحضر الجماعة ويصلي خلف عثمان لإلى أن قسلتل‪ ،‬وعلي لإذ ذاك بالمدينة يحضر‬ ‫الجماعة كل فأرض‪ ،‬ولم يخرج منها لإل بعد قتل عثمان‪ ،‬وسن الحسن لإذ ذاك أربع‬ ‫عشرة سنة‪ .‬فأكيف سينكر سماعه منه مع ذلك‪ ،‬وهو يجتمع معه كل يوم بالمسجد‬ ‫خمس مرات مدة سبع سنين ؟! ومن ثرفم قال علي بن المديني‪ :‬رأى الحسن عليا ا‬ ‫بالمدينة وهو غلم‪ .‬وزيادة على ذلك‪ :‬لإن عليا ا كان يزور سأمهات المؤمنين‪ ،‬ومنهن‬ ‫سأم سلمة والحسن فأي بيتها‪ ،‬هو وسأمه خريرة لإذ هي مولة لها‪ .‬وكانت سأم سلمة رضي‬ ‫ا عنها تخرجه لإلى الصحابة يباركون عليه‪ .‬وأخرجته لإلى عمر رضي ا عنه‬ ‫فأدعا له‪ :‬اللهم فأقرهه فأي الدين وعلصرمهس وحبصربهس لإلى الناس‪ .‬ذكره المزي‪ ،‬وأسنده‬ ‫العسكري‪ ،‬وقد أورد المزي فأي التهذيب من طريق أبي نعيم‪ :‬أنه سئل عن قوله‪:‬‬ ‫قال رسول ا صلى ا عليه وسلم ولم يدركه ؟ فأقال‪ :‬كل شيظء قلته فأيه فأهو عن‬ ‫علي ؛ غير أني فأي زماظن ل أستطيع أن أذكر علياا‪ ،‬أ ر‬ ‫ي زمان الحجاج‪ .‬ثم ذكر‬ ‫الحافأظ أحاديث كثيرة‪ ،‬وقعت له من رواية الحسن عن علي كرم ا وجهه‪ .‬وفأي‬ ‫بعضها ورجاله ثقات قول الحسن‪ :‬سمعت علياا يقول‪ :‬قال رسول ا صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪" :‬مثل سأمتي مثل المطر‪ "..‬الحديث( ]الفتاوى الحديثية لخاتمة الفقهاء‬ ‫والمحدثين الشيخ أحمد بن حجر الهيثمي المكي‪ .‬صا ‪ .129‬وتمام الحديث‪.." :‬ل‬ ‫يدرى أوله خير أم آخره" رواه الترمذي فأي كتاب المثال وقال‪ :‬حسن غريب[‪.‬‬ ‫وبعد أن ثبت سماع الحسن البصري من علي رضي ا عنهما‪ ،‬وصح سند السادة‬ ‫الصوفأية لإلى رسول ا صلى ا عليه وسلم من غير ريبة ول شك‪ ،‬ول أدنى‬ ‫شبهة أقول‪:‬‬ ‫قد أخذ العبد الفقير الطريق عن سيدي ومولي الشيخ محمد الهاشمي صاحب‬ ‫ب ا ثراه‪ ،‬وجزاه عنا خير الجزاء‪ .‬وقد لقرنررنا وأذرن لنا‬ ‫الخلق المحمدية طيف ر‬ ‫بالورد العام والورد الخاصا وهو تلقين السم المفرد‪ :‬ا‪.‬‬ ‫وشيخنا محمد الهاشمي أخذ عن شيخه السيد محمد بن يرصلس وعن شيخه أحمد بن‬ ‫‪245‬‬

‫مصطفى العلوي ]حين ترى فأي السند أن أحد المرشدين قد أخذ الطريق عن‬ ‫شيخين فأالمراد أنه ابتدأ سيره عند أحدهما‪ ،‬وبعد وفأاة الشيخ الول التقى بالشيخ‬ ‫الثاني فألقنه الطريق وأذن له باللرشاد[‪ ،‬وهما عن الشيخ محمد بن الحبيب‬ ‫البوزيدي الشريف المستغانمي‪ ..‬لإلى آخر السند كما هو مذكور فأي شجرة السند‬ ‫التي أثبتناها على الصفحة التالية‪.‬‬ ‫وقد رسمنا هذه الشجرة عن الكتب التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ لإرشاد الراغبين للشيخ حسن بن عبد العزيز أحد مريدي الشيخ أحمد بن‬ ‫مصطفى العلوي المستغانمي رحمه ا تعالى‪.‬‬ ‫‪2‬ـ النوار القدسية للشيخ محمد ظافأر المدني‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أوراد السادة الشاذلية الدرقاوية التلمسانية‪.‬‬ ‫‪4‬ـ مجموع الوراد المسمى‪ :‬الدرة البهية فأي أوراد الطائفة العلوية للعارف بال‬ ‫سيدي عدة بن تونس المستغانمي‪.‬‬ ‫والحمد ل الذي شفرفأنا بالنضمام فأي سلك هذه السلسلة الذهبية للطريقة الشاذلية‬ ‫الدرقاوية‪ ،‬ونسأله تعالى أن يكرمنا بما أكرم به رجالها‪ ،‬وأن يحشرنا فأي زمرتهم‬ ‫تحت لواء سيد المرسلين صلى ا عليه وسلم‪ ،‬وأن يجعلنا معهم ومنهم‪ ،‬لإنه سميع‬ ‫مجيب‪ .‬آمين‪.‬‬ ‫الختام‬ ‫وبعد‪ .‬فألعلك أيها القارىء ـ وقد عرفأ ر‬ ‫ت التصوف الحق‪ ،‬واطلعت على كلم الئمة‬ ‫العلم‪ ،‬وما ذكروه عنه‪ ،‬وعرفأت صحة نسبته وتسلسله لإلى رسول ا صلى ا‬ ‫عليه وسلم ـ أن تتخذ التصوف لك منهجاا‪ ،‬وستحصلق فأي أجوائه الصافأية‪ ،‬وتتعبد فأي‬ ‫محاريبه‪ ،‬وتسبح فأي أنواره وتعرج فأي معارجه‪ ،‬فأتكون صورة مثالية عن هؤلء‬ ‫الصوفأية‪ ،‬الذين ورثوا الوراثة الكاملة من رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ .‬لإذ هم‬ ‫العلماء بال تعالى‪ ،‬الداعون لإلى ا على هدي رسول ا صلى ا عليه وسلم‪ ،‬فأهو‬ ‫لإمامهم فأي جميع حالتهم‪ ،‬والعلم بال تعالى صفتهم‪ ،‬والعبادة حليتهم‪ ،‬والتقوى‬ ‫شعارهم‪ ،‬وحقائق الحقيقة أسرارهم‪ .‬لهم من الساعات من لإمداد فأضل ا مزيد‪،‬‬ ‫ولهيب شوقهم يتأجج ويقول‪ :‬هل من مزيد ؟!‬ ‫‪246‬‬

‫لقد تفانى الصوفأية فأي حب مولهم‪ ،‬وعاشوا فأي ذكره ومناجاته‪ ،‬فأعفلمهم وطهرهم‪،‬‬ ‫وزكاهم وأدبهم‪ ،‬واصطفاهم واجتباهم‪ ،‬وأحبهم ورضي عنهم‪ ،‬فأفتح لقلوبهم ملكوت‬ ‫السموات‪ ،‬وأراهم عجائب كونه وبدائع قدرته وأسرار خليقته‪ ،‬وأفأاض عليهم‬ ‫هداياه وعطاياه علوما ا وأذواقاا‪.‬‬ ‫فأما أجدر الباحثين والمفكرين ورواد الحقيقة بالبحث عن ذلك التراث اللسلمي‬ ‫العظيم الذي تركه لهم أسلفأهم من قبسل وديعة فأي أيديهم‪ ،‬وأمانة فأي أعناقهم‪،‬‬ ‫فأيأخذوه عن أهله‪ ،‬وريقدروه ح ف‬ ‫ق قدره‪ ،‬ثم بعد ذلك يخلصوه من كل شائبة تعكر‬ ‫صفوه‪ ،‬أو تهبط به لإلى المكان الذي ل يليق به‪.‬‬ ‫فأهل فأفكرر المنصفون من سأولي الرأي والفكر والقلم‪ ،‬أن يشحذوا هممهم فأيسيروا فأي‬ ‫قافألة أهله‪ ،‬حتى ينهلوا من منهله العذب‪ ،‬فأينفوا عن التصوف تسفرهالته ودخيله‪ ،‬كما‬ ‫نفى أهل الحديث عن الحديث أكاذيبه‪ ،‬وأهل التفسير عن التفسير لإسرائيلياته‪ ،‬حتى‬ ‫يتسنى لناشد الحقيقة أن يجدها سليمة صحيحة‪ ،‬ويميزها عما سواها ؟‬ ‫هذا ما وفأقنا ا للثباته فأي هذا الكتاب‪ ،‬وهو الموفأق للهداية والمرشد لإلى الصواب‪.‬‬ ‫جعله ا خالصا ا لوجهه الكريم‪ ،‬ونفع به رمرن قرأه وهداه لإلى الصراط المستقيم‪.‬‬ ‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين‪.‬‬ ‫‪http://www.shazly.com/arabic/books/haqaeq/haqaeq1.asp‬‬

‫‪247‬‬

Related Documents

Doc Doc Doc !
May 2020 58
Doc
May 2020 29
Doc
June 2020 20
Doc
May 2020 15
Doc
May 2020 15
Doc.
December 2019 22

More Documents from ""

April 2020 126
December 2019 33
December 2019 29
Ml_sept_oct_09_low.pdf
December 2019 27