Al Baqara1-105

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Al Baqara1-105 as PDF for free.

More details

  • Words: 127,372
  • Pages: 2,556
‫تفسَت القرآن الكريم‬

‫للشيخ متويل الشعراوي ر‪ٛ‬ته اهلل‬ ‫أعده لل ‪Apple iPOD Touch‬‬

‫ا‪١‬تهندس ‪٤‬تمد مبدع عؽسي ا‪ٟ‬تلبي‬

‫سورة البقرة‬

‫من ‪ 1‬إىل ‪105‬‬

‫بِس ِم َ ِ‬ ‫‪ٛ‬ت ِن ال َّر ِح ِ‬ ‫يم‬ ‫اّلل ال َّر ْ َ‬ ‫ْ ّ‬

‫الم (‪ )1‬بدأت سورة البقرة بقوله‬ ‫تعاىل ‪{ :‬الم} ‪ . .‬وهذه ا‪ٟ‬تروف‬ ‫حروف مقطعة ومعٌت مقطعة أن‬

‫كل حرف ينطق ٔتفرده ‪ .‬ألن‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪٢‬تا أ‪ٝ‬تاء و‪٢‬تا مسميات ‪. .‬‬ ‫فالناس حُت يتكلمون ينطقون‬ ‫ٔتس ىم ا‪ٟ‬ترف ولؼس با‪ٝ‬ته ‪. .‬‬ ‫فعندما تقول كتب تنطق‬ ‫ٔتسميات ا‪ٟ‬تروف ‪ .‬فإذا أردت أن‬ ‫تنطق بأ‪ٝ‬تائها ‪ .‬تقول كاف وتاء‬

‫وباء ‪ . .‬وال ٯتكن أن ينطق بأ‪ٝ‬تاء‬ ‫ا‪ٟ‬تروف إال من تعلم ودرس ‪ ،‬أما‬ ‫ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق‬ ‫ٔتسميات ا‪ٟ‬تروف ولكنه ال ينطق‬ ‫بأ‪ٝ‬تائها ‪ ،‬ولعل هذه أول ما يلفؾنا‬ ‫‪ .‬فرسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫كان أميا ال يقرأ وال يكتب ولذلك‬

‫لم يكن يعرف شؼئا عن أ‪ٝ‬تاء‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪ .‬فإذا جاء ونطق بأ‪ٝ‬تاء‬ ‫ا‪ٟ‬تروف يكون هذا إعجازا ًمن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬بأن هذا القرآن‬ ‫موىح به إىل ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ . .‬ولو أن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم درس وتعلم لكان شؼئا‬

‫عاديا أن ينطق بأ‪ٝ‬تاء ا‪ٟ‬تروف ‪.‬‬ ‫تعال إىل أي أمي لم يتعلم ‪. .‬‬ ‫ولكن َ‬ ‫إنه يستطيع أن ينطق ٔتسميات‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪ . .‬يقول الكتاب وكوب‬ ‫وغَت ذلك ‪ . .‬فإذا طلبت منه أن‬ ‫ينطق بأ‪ٝ‬تاء ا‪ٟ‬تروف فإنه ال‬ ‫يستطيع أن يقول لك ‪ .‬إن كلمة‬

‫كتاب مكونة من الكاف والتاء‬ ‫واأللف والباء ‪ . .‬وتكون هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تروف دالة عىل صدق رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم يف الببلغ عن‬ ‫ربه ‪ .‬وأن هذا القرآن موىح به من‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫و‪٧‬تد يف فواتح السور اليت تبدأ‬

‫بأ‪ٝ‬تاء ا‪ٟ‬تروف ‪ .‬تنطق ا‪ٟ‬تروف‬ ‫بأ‪ٝ‬تائها وٕتد الكلمة نفسها يف آية‬ ‫أخرى تنطق ٔتسمياهتا ‪ .‬فألم يف‬ ‫أول سورة البقرة نطقتها بأ‪ٝ‬تاء‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ألف الم ميم ‪ .‬بؼنما‬ ‫تنطقها ٔتسميات ا‪ٟ‬تروف يف شرح‬ ‫السورة يف قوله تعاىل ‪ { :‬أَل َ ْم ن َ ْش َر ْح‬

‫ك } ػ الشرح ‪ ] 1 :‬ويف‬ ‫لَ َ‬ ‫ك َص ْد َر َ‬ ‫سورة الفيل يف قوله تعاىل ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر‬ ‫ك بِأ َ ْص َح ِ‬ ‫اب الفيل}‬ ‫كَي ْ َف فَعَ َل َربُّ َ‬ ‫ػ الفيل ‪ ] 1 :‬ما الذي جعل رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬ينطق {‬ ‫الم } يف سورة البقرة بأ‪ٝ‬تاء‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪ . .‬وينطقها يف سوريت‬

‫الشرح والفيل ٔتسميات ا‪ٟ‬تروف‬ ‫‪ .‬البد أن رسول اهلل عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ٝ‬تعها من اهلل كما نقلها‬ ‫جربيل عليه السبلم إليه هكذا ‪.‬‬ ‫إذن فالقرآن أصله السماع ال ‪٬‬توز‬ ‫أن تقرأه إال بعد أن تسمعه ‪.‬‬ ‫لتعرف أن هذه ُتقرأ ألف الم ميم‬

‫والثانية تقرأ ألم ‪ . .‬مع أن الكتابة‬ ‫واحدة يف االثنُت ‪ . .‬ولذلك البد‬ ‫أن تستمع إىل فقيه يقرأ القرآن‬ ‫قبل أن تتلوه ‪ . .‬والذي يتعب‬ ‫الناس أهنم لم ‪٬‬تلسوا إىل فقيه وال‬ ‫استمعوا إىل قارئ ‪ . .‬ثم بعد ذلك‬ ‫يريدون أن يقرأوا القرآن كأي‬

‫كتاب ‪ .‬نقول ال ‪ . .‬القرآن له ٘تيز‬ ‫خاص ‪ . .‬إنه لؼس كأي كتاب‬ ‫تقرؤه ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألنه مرة يأيت باسم ا‪ٟ‬ترف ‪ .‬ومرة‬ ‫يأيت ٔتسميات ا‪ٟ‬ترف ‪ .‬وأنت ال‬ ‫ٯتكن أن تعرف هذا إال إذا‬ ‫استمعت لقارئ يقرأ القرآن ‪.‬‬

‫والقرآن مؽٍت عىل الوصل دائما‬ ‫ولؼس عىل الوقف ‪ ،‬فإذا قرأت يف‬ ‫خ س ين‬ ‫ه‬ ‫َت‬ ‫آ ر ورة و س مثبل ‪َ { :‬و ُ َو َخ ْ ُ‬ ‫ا‪ٟ‬تاكمُت } ػ ‪ ] 109‬ال ٕتد النون‬ ‫عليها سكون بل ٕتد عليها فتحة ‪،‬‬ ‫موصولة بقول اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫بسم اهلل الر‪ٛ‬تن الرحيم ‪ .‬ولو‬

‫كانت غَت موصولة لوجدت عليها‬ ‫سكونا ‪.‬‬ ‫اذن فكل آيات القرآن الكريم‬ ‫مبنية عىل الوصل ‪ . .‬ما عدا فواتح‬ ‫السور ا‪١‬تكونة من حروف فهي‬ ‫مبنية عىل الوقف ‪ . .‬فبل تقرأ يف أول‬ ‫سورة البقرة ‪ { :‬الم } وا‪١‬تيم‬

‫عليها ضمة ‪ .‬بل تقرأ ألفا عليها‬ ‫سكون والما عليها سكون وميما‬ ‫عليها سكون ‪ .‬اذن كل حرف منفرد‬ ‫بوقف ‪ .‬مع أن الوقف ال يوجد يف‬ ‫ختام السور وال يف القرآن الكريم‬ ‫كله ‪.‬‬ ‫وهناك سور يف القرآن الكريم‬

‫بدأت ْترف واحد مثل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫{ ص والقرآن ِذي الذكر } ػ ص‬ ‫ون }‬ ‫‪ { ] 1 :‬ن والقلم َو َما ي َ ْس ُط ُر َ‬ ‫ػ القلم ‪ ] 1 :‬ونبلحظ أن ا‪ٟ‬ترف‬ ‫لؼس آية مستقلة ‪ .‬بؼنما « ألم »‬ ‫يف سورة البقرة آية مستقلة ‪ .‬و ‪« :‬‬ ‫حم » ‪ .‬و ‪ « :‬عسق » آية مستقلة‬

‫مع أهنا كلها حروف مقطعة ‪ .‬وهناك‬ ‫سور تبدأ بآية من ‪ٜ‬تسة حروف‬ ‫مثل « كهيعص » يف سورة مريم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهناك سور تبدأ بأربعة حروف ‪.‬‬ ‫مثل « ا‪١‬تص » يف سورة « األعراف‬ ‫» ‪ .‬وهناك سور تبدأ بأربعة‬ ‫حروف وهي لؼست آية مستقلة‬

‫مثل « أ‪١‬تر » يف سورة « الرعد »‬ ‫متصلة ٔتا بعدها‪ . .‬بؼنما ٕتد‬ ‫سورة تبدأ ْترفُت ‪٫‬تا آية مستقلة‬ ‫مثل ‪ « :‬يس » يف سورة يس ‪ .‬و «‬ ‫حم » يف سورة غافر وفصلت ‪ . .‬و ‪:‬‬ ‫« طس » يف سورة النمل ‪ .‬وكلها‬ ‫لؼست موصلة باآلية اليت بعدها‪. .‬‬

‫وهذا يدلنا عىل أن ا‪ٟ‬تروف يف فواتح‬ ‫السور ال تسَت عىل قاعدة ‪٤‬تددة ‪.‬‬ ‫« ألم » مكونة من ثبلث حروف‬ ‫ٕتدها يف ست سور مستقلة ‪ . .‬فهي‬ ‫آية يف البقرة وآل عمران‬ ‫والعنكبوت والروم والسجدة‬ ‫ولقمان ‪ .‬و « الر » ثبلثة حروف‬

‫ولكنها لؼست آية مستقلة ‪ .‬بل‬ ‫اآلييف أربع سور هي ‪:‬‬ ‫جزء من ة‬ ‫يونس ويوسف وهود وإبراهيم ‪. .‬‬ ‫و ‪ « :‬ا‪١‬تص » من أربعة حروف‬ ‫وهي آية مستقلة يف سورة «‬ ‫األعراف » و « ا‪١‬تر » أربعة‬ ‫حروف ‪ ،‬ولكنها لؼست آية‬

‫مستقلة يف سورة الرعد إذن‬ ‫فا‪١‬تسألة لؼست قانونا يعمم ‪،‬‬ ‫ولكنها خصوصية يف كل حرف من‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪.‬‬ ‫وإذا سألت ما هو معٌت هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تروف؟ ‪ . .‬نقول إن السؤال يف‬ ‫أصله خطأ ‪ . .‬ألن ا‪ٟ‬ترف ال يسأل‬

‫عن معناه يف اللغة إال إن كان حرف‬ ‫معٌت ‪ . .‬وا‪ٟ‬تروف نوعان ‪ :‬حرف‬ ‫َمؽ ْ ٌَت وحرف معٌت ‪ .‬حرف ا‪١‬تؽٌت ال‬ ‫معٌت له إال للداللة عىل الصوت فقط‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ .‬أما حروف ا‪١‬تعاين فهي مثل يف ‪.‬‬ ‫ومن ‪ . .‬وعىل ‪ ( . .‬يف ) تدل عىل‬

‫الظرفية ‪ . .‬و ( ِم ْن ) تدل عىل‬ ‫االبتداء و ( إىل ) تدل عىل االنتهاء ‪.‬‬ ‫‪ .‬و ( عىل ) تدل عىل االستعبلء ‪. .‬‬ ‫هذه كلها حروف معٌت ‪.‬‬ ‫وإذا كانت ا‪ٟ‬تروف يف أوائل السور‬ ‫يف القرآن الكريم قد خرجت عن‬ ‫قاعدة الوصل ألهنا مبنية عىل‬

‫السكون البد أن يكون لذلك‬ ‫حكمة ‪ . .‬أوال لنعرف قول رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬من قرأ‬ ‫حرفا من كتاب اهلل فله به َح َسن َ ٌة‬ ‫ول ألم‬ ‫وا‪ٟ‬ت َ َسن َ ُة بعَ ْشر ْأمثَا‪٢‬تا ‪ ،‬ال أق ُ‬ ‫ألف ح ْر ٌف وال َ ٌم حرف‬ ‫حرف ولكن ٌ‬ ‫ِ‬ ‫يم حرف »‬ ‫وم ٌ‬

‫ولذلك ذكرت يف القرآن كحروف‬ ‫استقبللية لنعرف و‪٨‬تن نتعبد‬ ‫بتبلوة القرآن الكريم أننانأخذ‬ ‫حسنة عىل كل حرف ‪ .‬فإذا قرأنا‬ ‫بسم اهلل الر‪ٛ‬تن الرحيم ‪ .‬يكون‬ ‫لنا بالباء حسنة وبالسُت حسنة‬ ‫وبا‪١‬تيم حسنة فيكون لنا ثبلثة‬

‫حسنات بكلمة واحدة من القرآن‬ ‫الكريم ‪ .‬وا‪ٟ‬تسنة بعشر أمثا‪٢‬تا ‪.‬‬ ‫وحؼنما نقرأ « ألم » و‪٨‬تن ال نفهم‬ ‫معناها نعرف أن ثواب القرآن عىل‬ ‫كل حرف نقرؤه سواء فهمناه أم لم‬ ‫نفهمه ‪ . .‬وقد يضع اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل من أسراره يف هذه ا‪ٟ‬تروف‬

‫اليت ال نفهمها ثوابا وأجرا ال نعرفه‬ ‫‪.‬‬ ‫ويريدنا بقراءهتا أن ‪٨‬تصل عىل هذا‬ ‫األجر ‪. .‬‬ ‫والقرآن الكريم لؼس إعجازا يف‬ ‫الببلغة فقط ‪ .‬ولكنه ٭توي إعجازا‬ ‫يف كل ما ٯتكن للعقل البشري أن‬

‫يحوم حوله ‪ .‬فكل مفكر متدبر يف‬ ‫كبلم اهلل ‪٬‬تد إعجازا يف القرآن‬ ‫الكريم ‪ .‬فالذي درس الببلغة‬ ‫رأى اإلعجاز الببلغي ‪ ،‬والذي‬ ‫تعلم الطب وجد إعجازا طؽيا يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ .‬وعالم النباتات‬ ‫رأى إعجازا يف آيات القرآن‬

‫الكريم ‪ ،‬وكذلك عالم الفلك‪. .‬‬ ‫وإذا أراد انسان منا أن يعرف معٌت‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تروف فبل نأخذها عىل قدر‬ ‫بشريؾنا ‪ . .‬ولكن نأخذها عىل قدر‬ ‫مراد اهلل فيها ‪ . .‬وقدراتنا تتفاوت‬ ‫وأفهامنا قاصرة ‪ .‬فكل منا ٯتلك‬ ‫ِمفْتاحا ًمن مفاتيح الفهم كل عىل‬

‫قدر علمه ‪ . .‬هذا مفتاح بسيط‬ ‫يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتُت‬ ‫‪ . .‬وآخر يدور ثبلث مرات‬ ‫وهكذا ‪ . .‬ولكن من عنده العلم‬ ‫ٯتلك كل ا‪١‬تفاتيح ‪ ،‬أو ٯتلك‬ ‫ا‪١‬تفتاح الذي يفتح كل األبواب ‪. .‬‬ ‫و‪٨‬تن ال ‪٬‬تب أن ‪٧‬تهد أذهاننا لفهم‬

‫هذه ا‪ٟ‬تروف ‪ .‬فحياة البشر تقتضي‬ ‫منا يف بعض األحيان أن نضع‬ ‫كلمات ال معٌت ‪٢‬تا بالنسبة لغَتنا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإذن كانت ٘تثل أشياء ضرورية‬ ‫بالنسبة لنا ‪٘ .‬تاما ككلمة السر‬ ‫اليت تستخدمها ا‪ٞ‬تيوش ال معٌت ‪٢‬تا‬ ‫إذا ‪ٝ‬تعتها ‪ .‬ولكن بالنسبة ‪١‬تن‬

‫وضعها يكون ‪ٙ‬تنها ا‪ٟ‬تياة أو ا‪١‬توت‬ ‫‪ . .‬فخذ كلمات اهلل اليت تفهمها‬ ‫ٔتعانيها ‪ . .‬وخذ ا‪ٟ‬تروف اليت ال‬ ‫تفهمها ٔترادات اهلل فيها ‪ .‬فاهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل شاء أن يبىق معناها‬ ‫يف الغيب عنده ‪.‬‬ ‫والقرآن الكريم ال يؤخذ عىل نسق‬

‫واحد حىت نتنبه و‪٨‬تن نتلوه أو‬ ‫نكؾبه ‪.‬‬ ‫لذلك ٕتد مثبل بسم اهلل الر‪ٛ‬تن‬ ‫الرحيم مكتوبة بدون ألف بُت‬ ‫الباء والسُت ‪ .‬ومرة ٕتدها مكتوبة‬ ‫باأللف يف قوله تعاىل ‪ { :‬اقرأ باسم‬ ‫ك الذي َخل َ َق} ػ العلق ‪] 1 :‬‬ ‫َر ِبّ َ‬

‫وكلمة تبارك مرة تكتب باأللف‬ ‫ومرة بغَت األلف ‪ . .‬ولو أن ا‪١‬تسألة‬ ‫رتابة يف كتابة القرآن ‪ٞ‬تاءت كلها‬ ‫عىل نظام واحد ‪ .‬ولكنها جاءت‬ ‫بهذه الطريقة لتكون كتابة‬ ‫القرآن معجزة وألفاظه معجزة ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نقول للذين يؾساءلون عن‬

‫ا‪ٟ‬تكمة يف بداية بعض السور‬ ‫ْتروف ‪ . .‬نقول إن لذلك حكمة‬ ‫عند اهلل فهمناها أو لم نف‪٫‬تها ‪. .‬‬ ‫والقرآن نزل عىل أمة عربية فيها‬ ‫ا‪١‬تؤمن والكافر ‪ . .‬ومع ذلك لم‬ ‫نسمع أحدا ًيطعن يف األحرف اليت‬ ‫بدأت بها السور ‪ .‬وهذا دليل عىل‬

‫أهنم فهموها ٔتلكاهتم العربية ‪. .‬‬ ‫ولو أهنم لم يفهموها لطعنوا فيها ‪.‬‬ ‫وأنا أنصح من يقرأ القرآن‬ ‫الكريم للتعبد‪ . .‬أال يشغل نفسه‬ ‫بالتفكَت يف ا‪١‬تعٌت ‪ .‬أما الذي يقرأ‬ ‫القرآن لؼستنبط منه فليقف عند‬ ‫اللفظ وا‪١‬تعٌت ‪ . .‬فإذا قرأت القرآن‬

‫لؾتعبد فاقرأه بسر اهلل فيه‪ . .‬ولو‬ ‫جلست تبحث عن ا‪١‬تعٌت ‪ . .‬تكون‬ ‫قد حددت معٌت القرآن الكريم‬ ‫ٔتعلوماتك أنت ‪ .‬وتكون قد‬ ‫أخذت ا‪١‬تعٌت ناقصا نقص فكر‬ ‫البشر ‪ . .‬ولكن اقرأ القرآن بسر‬ ‫اهلل فيه ‪.‬‬

‫إننا لو ْتؿنا معٌت كل لفظ يف القرآن‬ ‫الكريم فقد أخرجنا األمي وكل‬ ‫من لم يدرس اللغة العربية دراسة‬ ‫متعمقة من قراءة القرآن ‪ .‬ولكنك‬ ‫ٕتد أميا لم يقرأ كلمة واحدة ومع‬ ‫ذلك ٭تفظ القرآن كله ‪ .‬فإذا قلت‬ ‫كيف؟ نقول لك بسر اهلل فيه ‪.‬‬

‫وسيلإفهام وفهم بُت‬ ‫والكبلم ة‬ ‫ا‪١‬تتكلم والسامع ‪ .‬ا‪١‬تتكلم هو الذي‬ ‫بيده البداية ‪ ،‬والسامع يفاجأ‬ ‫بالكبلم ألنه ال يعلم مقدما ماذا‬ ‫سيقول ا‪١‬تتكلم ‪ . .‬وقد يكون ذهن‬ ‫السامع مشغوال بشيء آخر ‪ . .‬فبل‬ ‫يستوعب أول الكلمات ‪ . .‬ولذلك‬

‫قد تنبهه ْتروف أو بأصوات ال‬ ‫مهمة ‪٢‬تا إال التنؽيه للكبلم الذي‬ ‫سيأيت بعدها ‪ .‬وإذا كنا ال نفهم هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪ .‬فوسائل الفهم‬ ‫واإلعجاز يف القرآن الكريم ال‬ ‫تنتهي ‪ ،‬ألن القرآن كبلم اهلل ‪.‬‬ ‫والكبلم صفة من صفات ا‪١‬تتكلم ‪. .‬‬

‫ولذلك ال يستطيع فهم بشري أن‬ ‫يصل إىل منتىه معاين القرآن‬ ‫الكريم ‪ ،‬إ‪٪‬تا يتقرب منها ‪ .‬ألن‬ ‫كبلم اهلل صفة من صفاته ‪ . .‬وصفة‬ ‫فيها كمال ببل هناية ‪.‬‬ ‫فإذا قلت إنك قد عرفت كل معٌت‬ ‫للقرآن الكريم ‪ . .‬فإنك تكون‬

‫قد حددت معٌت كبلم اهلل بعلمك ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك جاءت هذه ا‪ٟ‬تروف‬ ‫إعجازا لك ‪ .‬حىت تعرف إنك ال‬ ‫تستطيع أن ٖتدد معاين القرآن‬ ‫بعلمك ‪. .‬‬ ‫إن عدم فهم االنسان ألشياء ال‬ ‫ٯتنع انتفاعه بها ‪ . .‬فالريفي مثبل‬

‫ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما‬ ‫يذاع بالقمر الصناعي وهو ال‬ ‫يعرف عن أي منها شؼئا ‪ .‬فلماذا ال‬ ‫يكون اهلل تبارك وتعاىل قد أعطانا‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تروف نأخذ فائدهتا‬ ‫ونستفيد من اسرارها ويتزنل اهلل‬ ‫بها علؼنا ٔتا أودع فيها من فضل‬

‫الممن معٌت هذه‬ ‫سواء أفهم العبد ؤ‬ ‫ا‪ٟ‬تروف أو لم يفهمها ‪.‬‬ ‫وعطاء اهلل سبحانه وتعاىل وحكمته‬ ‫فوق قدرة فهم البشر ‪ . .‬ولو أراد‬ ‫االنسان أن ٭توم بفكره وخواطره‬ ‫حول معاين هذه ا‪ٟ‬تروف لوجد فيها‬ ‫كل يوم شؼئا جديدا ‪ .‬لقد خاض‬

‫العلماء يف البحث كثَتا‪ . .‬وكل‬ ‫عالم أخذ منها عىل قدر صفائه ‪ ،‬وال‬ ‫يدعي أحد العلماء أن ذلك هو ا‪ٟ‬تق‬ ‫ا‪١‬تراد من هذه ا‪ٟ‬تروف ‪ . .‬بل كل‬ ‫منهم يقول واهلل أعلم ٔتراده ‪.‬‬ ‫ولذلك ‪٧‬تد عا‪١‬تا يقول ( ألر ) و (‬ ‫حم ) و ( ن ) وهي حروف من فواتح‬

‫السور تكون اسم الر‪ٛ‬تن ‪. .‬‬ ‫نقول إن هذا ال ٯتكن ان ٯتثل‬ ‫فهما عاما ‪ٟ‬تروف بداية بعض سور‬ ‫القرآن ‪ . .‬ولكن ما الذي يتعبكم‬ ‫أو يرهقكم يف ‪٤‬تاولة ا‪٬‬تاد معان‬ ‫‪٢‬تذه ا‪ٟ‬تروف؟! ‪. .‬‬ ‫لو أن اهلل سبحانه وتعاىل الذي أنزل‬

‫القرآن يريد أن يفهمنا معانيها ‪. .‬‬ ‫ألوردها ٔتعٌت مباشر أو أوضح لنا‬ ‫ا‪١‬تعٌت ‪ .‬فمثبل أحد العلماء يقول‬ ‫إن معٌت ( ألم ) هو أنا اهلل ا‪ٝ‬تع‬ ‫وأرى ‪ . .‬نقول ‪٢‬تذا العالم لو أن‬ ‫اهلل أراد ذلك فما ا‪١‬تانع من أن‬ ‫يورده بشكل مباشر لنفهمه ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬

‫‪ .‬البد أن يكون هناك سر يف هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تروف ‪ . .‬وهذا السر هو من‬ ‫أسرار اهلل اليت يريدنا أن ننتفع‬ ‫بقراءهتا دون أن نفهمها ‪. .‬‬ ‫والبد أن نعرف أنه كما أن للبصر‬ ‫حدودا ً‪ .‬ولؤلذن حدودا ًوللمس‬ ‫والشم والتذوقحدودا ً‪ ،‬فكذلك‬

‫عقل االنسان له حدود يؾسع ‪٢‬تا يف‬ ‫ا‪١‬تعرفة ‪ . .‬وحدود فوق قدرات‬ ‫العقل ال يصل اليها ‪.‬‬ ‫واالنسان حؼنما يقرأ القرآن‬ ‫وا‪ٟ‬تروف ا‪١‬توجودة يف أوائل بعض‬ ‫السور يقول إن هذا امر خارج عن‬ ‫قدرته العقلية ‪ . .‬ولؼس ذلك‬

‫حجرا ًأو َس ّدا ًلباب االجتهاد ‪. .‬‬ ‫ألننا إن لم ندرك فإن علؼنا أن‬ ‫نعًتف ْتدود قدراتنا أمام قدرات‬ ‫خالقنا سبحانه وتعاىل اليت هي ببل‬ ‫حدود ‪.‬‬ ‫ويف االٯتان هناك ما ٯتكن فهمه‬ ‫وما ال ٯتكن فهمه ‪ . .‬فتحريم أكل‬

‫‪ٟ‬تم ا‪٠‬تزنير أو شرب ا‪٠‬تمر ال‬ ‫ننتظر حىت نعرف حكمته لنمؾنع‬ ‫عنه ‪ .‬ولكننا ‪٪‬تؾنع عنه بإٯتان أنه‬ ‫مادام اهلل قد حرمه فقد أصبح‬ ‫حراما ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬ما عرفتم من‬

‫‪٤‬تكمه فاعملوا به ‪ ،‬وما لم‬ ‫تدركوا فآمنوا به » ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪ُ { :‬ه َو‬ ‫ك الكتاب ِمن ْ ُه‬ ‫الذي أَن َز َل عَلَي ْ َ‬ ‫ات ُه َّن أُ ُّم الكتاب‬ ‫ات ُّ‪٤‬ت ْ َك َم ٌ‬ ‫آي َ ٌ‬ ‫ات فَأ َ َّما ال َّ ِذي َن يف‬ ‫َوأُ َخ ُر ُمت َ َشابِهَ ٌ‬ ‫ون َما تَ َشاب َ َه ِمن ْ ُه‬ ‫ُقلُوبِ ِه ْم زَي ْ ٌغ فَيَؾَّبِ ُع َ‬

‫ابتغاء الفؾنة وابتغاء تَأ ْ ِويلِ ِه َو َما‬ ‫يَعْل َ ُم تَأ ْ ِويل َ ُه إِال َّاهلل والراسخون ِيف‬ ‫آمنَّا بِ ِه كُ ٌّل ِّم ْن ِعن ِد‬ ‫العلم ي َ ُقول ُ َ‬ ‫ون َ‬ ‫َر ِبّنَا َو َما ي َ َّذ َّك ُر إِال َّأُ ْولُوا ْاأللباب } ػ‬ ‫آل عمران ‪ ] 7 :‬اذن فعدم فهمنا‬ ‫للمتشابه ال ٯتنع أن نستفيد من‬ ‫سر وضعه اهلل يف كتابه‪ . .‬و‪٨‬تن‬

‫نستفيد من أسرار اهلل يف كتابه‬ ‫فهمناها أم لم نفهمها ‪.‬‬ ‫ذَل ِ َ ِ‬ ‫ب فِي ِه ُه ًدى‬ ‫اب َال َري ْ َ‬ ‫ك الْكت َ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُت (‪)2‬‬ ‫لل ْ ُمتَّق َ‬

‫يف اآلية الثانية من سورة البقرة‬ ‫وصف اهلل سبحانه وتعاىل القرآن‬

‫الكريم بأنه الكتاب ‪ .‬وكلمة (‬ ‫قرآن ) معناها أنه يُقرأ ‪ ،‬وكلمة (‬ ‫كتاب ) معناها أنه ال ٭تفظ فقط يف‬ ‫دون يف السطور ‪،‬‬ ‫الصدور ‪ ،‬ولكن يُ ّ‬ ‫ويبىق ‪٤‬تفوظا ًإىل يوم القيامة ‪،‬‬ ‫والقول بأنه الكتاب ‪٘ ،‬تؼيز له عن‬ ‫كل كتب الدنيا ‪ ،‬و٘تؼيز له عن كل‬

‫الكتب السماوية اليت نزلت قبل‬ ‫ذلك ‪ ،‬فالقرآن هو الكتاب ا‪ٞ‬تامع‬ ‫لكل احكام السماء ‪ ،‬منذ بداية‬ ‫الرساالت حىت يوم القيامة ‪ ،‬وهذا‬ ‫تأكيد الرتفاع شأن القرآن‬ ‫وتفرده و‪ٝ‬تاويته ودليل عىل‬ ‫وحدانية ا‪٠‬تالق ‪ ،‬فمنذ فجر‬

‫التاريخ ‪ ،‬نزلت عىل األمم السابقة‬ ‫كتب ٖتمل منهج السماء ‪ ،‬ولكن‬ ‫كل كتاب وكل رسالة نزلت‬ ‫موقوتة ‪ ،‬يف زماهنا ومكاهنا ‪ ،‬تؤدي‬ ‫مهمتها لفًتة ‪٤‬تددة وٕتاه قوم‬ ‫ُ‪٤‬تَّددين ‪.‬‬ ‫فرسالة نوح عليه السبلم كانت‬

‫لقومه ‪ ،‬وكذلك ابراهيم ولوط‬ ‫وشعيب وصاٌف عليهم السبلم ‪. .‬‬ ‫كل هذه رساالت كان ‪٢‬تا وقت‬ ‫‪٤‬تدود ‪٘ ،‬تارس مهمتها يف ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫حىت يأيت الكتاب وه و القرآن‬ ‫الكريم ا‪ٞ‬تامع ‪١‬تنهج اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬ولذلك ُبشر يف الكتب‬

‫السماوية اليت نزلت قبل بعثة‬ ‫‪٤‬تمد عليه الصبلة والسبلم بأن‬ ‫هناك رسوال سيأيت ‪ ،‬وأنه ٭تمل‬ ‫الرسالة ا‪٠‬تا٘تة للعالم ‪ ،‬وعىل كل‬ ‫الذين يصدقون ٔتنهج السماء أن‬ ‫يؾبعوه ‪ . .‬ويف ذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ون‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬الذين يَؾَّبِ ُع َ‬

‫الرسول النبي األمي الذي َ ِ‪٬‬ت ُدون َ ُه‬ ‫َم ْك ُتوبا ً ِعن َد ُه ْم ِيف التوراة واإل‪٧‬تيل‬ ‫} ػ من اآلية ‪ 157‬سورة‬ ‫األعراف ] والقرآن هو الكتاب ‪،‬‬ ‫ألنه لن يصل اليه أي ٖتريف أو‬ ‫تبديل ‪ ،‬فرساالت السماء السابقة‬ ‫ائتمن اهلل البشر عليها ‪ ،‬فنسوا‬

‫بعضها ‪ ،‬وما لم ينسوه حرفوه ‪،‬‬ ‫وأضافوا إليه من كبلم البشر ‪ ،‬ما‬ ‫نسبوه إىل اهلل سبحانه وتعاىل ظلما‬ ‫وبهتانا ‪ ،‬ولكن القرآن الكريم‬ ‫‪٤‬تفوظ من ا‪٠‬تالق األعىل ‪ ،‬مصداقا ً‬ ‫لقوله تعاىل ‪ { :‬إِن َّا َ‪٨‬ت ْ ُن ن َ َّزلْنَا الذكر‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 9 :‬‬ ‫َوإِن َّا ل َ ُه َ‪ٟ‬تَاف ُظ َ‬

‫ومعٌت ذلك أال يرتاب انسان يف هذا‬ ‫الكتاب ‪ ،‬ألن كل ما فيه من منهج‬ ‫اهلل ‪٤‬تفوظ منذ ‪ٟ‬تظة نزوله إىل قيام‬ ‫الساعة بقدرة اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫ب‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪ { :‬ال َ َري ْ َ‬ ‫فِي ِه ُه ًدى ل ِ ّلْمتَّقِ‬ ‫ُت } ‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫واإلِعجاز ا‪١‬توجود يف القرآن‬

‫الكريم هو يف األسلوب ويف حقائق‬ ‫القرآن ويف اآليات وفيما ُر ِو َى لنا‬ ‫من قصص األنؽياء السابقُت ‪،‬‬ ‫وفيما صحح من التوراة واال‪٧‬تيل ‪،‬‬ ‫وفيما أىت به من علم لم تكن تعلمه‬ ‫البشرية والزالت حىت اآلن ال‬ ‫تعلمه ‪ ،‬كل ذلك ‪٬‬تعل القرآن ال‬

‫ريب فيه ‪ ،‬ألنه لو اجتمعت اإلنس‬ ‫وا‪ٞ‬تن ما استطاعوا أن يأتوا بآية‬ ‫واحدة من آيات القرآن ‪ ،‬ولذلك‬ ‫كلما تأملنا يف القرآن ويف أسلوبه ‪،‬‬ ‫وجدنا أنه ْتق ال ريب فيه ‪ ،‬ألنه ال‬ ‫أحد يستطيع أن يأيت بآية ‪ ،‬فما‬ ‫بالك بالقرآن ‪.‬‬

‫فهذا الكتاب ارتفع فوق كل‬ ‫الكتب ‪ ،‬وفوق مدارك البشر ‪،‬‬ ‫يوضح آيات الكون ‪ ،‬وآيات ا‪١‬تنهج‬ ‫‪ ،‬وله يف كل عصر معجزات ‪.‬‬ ‫إن كلمة الكتاب اليت وصف اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل بها القرآن ٘تؼيزا له‬ ‫عن كل الكتب السابقة ‪ ،‬تلفؾنا إىل‬

‫معان كثَتة ‪ٖ ،‬تدد لنا بعض‬ ‫أساسيات ا‪١‬تنهج اليت جاء هذا‬ ‫الكتاب لؼبلغنا بها ‪ .‬وأول هذه‬ ‫األساسيات ‪ ،‬أن نزول هذا الكتاب‬ ‫‪ ،‬يستوجب ا‪ٟ‬تمد هلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬واقرأ يف سورة الكهف ‪{ :‬‬ ‫ا‪ٟ‬تمد ِ َ ِ‬ ‫ّلل الذي أَن ْ َز َل عىل َعب ْ ِد ِه‬ ‫ّ‬

‫الكتاب َول َ ْم َ‪٬‬تْعَل ل َّ ُه ِع َو َجا * قَ ِي ّما ً‬ ‫لِ ّ ُؼن ْ ِذ َر بَأْسا ً َش ِديدا ً ِّمن ل َّ ُدن ْ ُه َويُب َ ِّش َر‬ ‫ون الصا‪ٟ‬تات‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت الذين يَعْ َمل ُ َ‬ ‫أ َ َّن َ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْجرا ً َح َسنا ً} ػ الكهف ‪1 :‬‬ ‫‪ ] 2‬ويلفت اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫عباده اىل أن إنزاله القرآن عىل‬ ‫رسوله صىل اهلل عليه وسلم‬

‫يستوجب ا‪ٟ‬تمد من البشر ‪ٚ‬تيعا ‪،‬‬ ‫ألن فيه منهج السماء ‪ ،‬وفيه الر‪ٛ‬تة‬ ‫من اهلل لعباده ‪ ،‬وفيه البشارة با‪ٞ‬تنة‬ ‫والطريق اليها ‪ ،‬وفيه التحذير من‬ ‫النار وما يقود اليها ‪ ،‬وهذا التحذير‬ ‫أو اإلنذار هو ر‪ٛ‬تة من اهلل تعاىل‬ ‫‪٠‬تلقه ‪ .‬ألنه لو لم ينذرهم لفعلوا ما‬

‫يستوجب العذاب ‪ ،‬و‪٬‬تعلهم‬ ‫ٮتلدون يف عذاب اليم ‪ .‬ولكن‬ ‫الكتاب الذي جاء ليلفتهم اىل ما‬ ‫يغضب اهلل ‪ ،‬حىت يتجنبوه ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬ ‫جاء بر‪ٛ‬تة تستوجب ا‪ٟ‬تمد ‪ ،‬ألهنا‬ ‫أرتنا ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬الطريق اىل النجاة من‬ ‫النار ‪ ،‬ولو لم يزنل اهلل سبحانه‬

‫وتعاىل الكتاب ‪ ،‬ما عرف الناس‬ ‫ا‪١‬تنهج الذي يقودهم اىل ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬وما‬ ‫استحق احد منهم رضا اهلل ونعيمه‬ ‫يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫ويف سورة الكهف ‪٧ ،‬تد تأكيدا ًآخر‬ ‫‪ . .‬ان كتاب اهلل ‪ ،‬وهو القرآن‬ ‫الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل‬

‫منه كلمة واحدة ‪ ،‬واقرأ قوله جل‬ ‫ك ِمن‬ ‫جبلله ‪ { :‬واتل َمآ أُ ْو ِح َي إِلَي ْ َ‬ ‫ِكت َ ِ‬ ‫ك ال َ ُمب َ ِ ّد َل لِكَلِ َماتِ ِه َولَن‬ ‫اب َربِّ َ‬ ‫َ ِٕت َد ِمن ُدونِ ِه ُملْت َ َحدا ً} ػ الكهف ‪:‬‬ ‫‪ ] 27‬ويبُت اهلل سبحانه وتعاىل لنا‬ ‫أن هذا الكتاب ‪ ،‬جاء لنفع الناس ‪،‬‬ ‫ولنفع العباد ‪ ،‬وأن اهلل لؼس ‪٤‬تتاجا ً‬

‫‪٠‬تلقه ‪ ،‬فهو قادر عىل أن يقهر من‬ ‫يشاء عىل الطاعة ‪ ،‬وال ٯتكن ‪٠‬تلق‬ ‫من خلق اهلل أن ٮترج من كون اهلل‬ ‫عن مرادات اهلل ‪ ،‬واقرأ قوله‬ ‫ك‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬طسم * تِل ْ َ‬ ‫ك بَا ِخ ٌع‬ ‫ات الكتاب ا‪١‬تبُت* لَعَل َّ َ‬ ‫آي َ ُ‬ ‫ك أَال َّي َ ُكونُوا ْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت * إِن‬ ‫ن‬ ‫نَّفْ َس َ‬ ‫ُ َ‬

‫ْ‬ ‫زن ْل عَلَي ْ ِه ْم ِّم َن السمآء آيَةً‬ ‫ن َّ َشأ ن ُ َ ِ ّ‬ ‫اضعِ‬ ‫فَ َظل َّ ْت أ َ ْعنَا ُق ُهم َ‪٢‬تَا َخ ِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الشعراء ‪ ] 4 - 1 :‬ويأيت اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل بالقسم الذي يلفؾنا‬ ‫اىل أن كل كلمة من القرآن هي من‬ ‫عند اهلل ‪ ،‬كما ابلغها جربيل عليه‬ ‫السبلم ‪١‬تحمد صىل اهلل عليه وسلم‬

‫يف قوله سبحانه ‪ { :‬فَبل َأُقْ ِس ُم‬ ‫ِٔتَ َواقِ ِع النجوم * َوإِن ّ َُه لَقَ َس ٌم ل َّ ْو‬ ‫تَعْ َمل ِ‬ ‫يم‬ ‫يم * إِن ّ َُه ل َ ُق ْر ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫آن َك ِر ٌ‬ ‫ون َعظ ٌ‬ ‫اب َّم ْك ُنونٍ * ال َّ َٯت َ ُس ُه إِال َّ‬ ‫* ِيف ِكت َ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يل ِّمن َّر ِ ّب‬ ‫ا‪١‬تطهرون * تَ ِزن ٌ‬ ‫العا‪١‬تُت } ػ الواقعة ‪] 80 - 75 :‬‬ ‫ثم يلفؾنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل اىل‬

‫ذلك الكتاب الذي هو منهج‬ ‫لبلنسان عىل األرض ‪ ،‬فبعد أن بُت‬ ‫لنا جل جبلله ‪ٔ ،‬تا ال يدع ‪٣‬تاال‬ ‫للشك أن الكتاب مزنل من عنده ‪،‬‬ ‫وأنه يصحح الكتب السابقة‬ ‫كالتوراة ‪ ،‬واال‪٧‬تيل واليت أئتمن‬ ‫اهلل عليها البشر ‪ ،‬فحرفوها‬

‫وبدلوها ‪ ،‬وهذا التحريف أبطل‬ ‫مهمة ا‪١‬تنهج اإل‪٢‬تي بالنسبة ‪٢‬تذه‬ ‫الكتب ‪ ،‬فجاء الكتاب الذي لم‬ ‫يصل اليه ٖتريف وال تبديل ‪ ،‬لؼبىق‬ ‫منهجا ًهلل ‪ ،‬اىل ان تقوم الساعة ‪.‬‬ ‫أول ما جاء به هذا الكتاب هو‬ ‫إٯتان القمة ‪ ،‬بأنه ال إله إال اهلل‬

‫الواحد األحد ‪ . .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪ { :‬الم * اهلل ال إله إِال َّ‬ ‫ك‬ ‫ُه َو ا‪ٟ‬تي القيوم * ن َ َّز َل عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُت ي َ َدي ْ ِه‬ ‫الكتاب با‪ٟ‬تق ُم َص ِ ّدقا ً ّ‪١‬تَا ب َ َْ‬ ‫َوأَنزَ َل التوراة واإل‪٧‬تيل } ػ آل‬ ‫عمران ‪ ] 3 - 1 :‬وهكذا نعرف‬ ‫ان الكتاب نزل ليؤكد لنا ‪ ،‬ان اهلل‬

‫واحد أحد ‪ ،‬ال شريك له ‪ ،‬وأن‬ ‫القرآن يشتمل عىل كل ما تضمنته‬ ‫الشرائع السماوية من توراة‬ ‫وا‪٧‬تيل ‪ ،‬وغَتها من الكتب ‪.‬‬ ‫فالقرآن نزل ليفرق بُت ا‪ٟ‬تق الذي‬ ‫جاءت به الكتب السابقة ‪ ،‬وبُت‬ ‫الباطل الذي أضافه أولئك الذي‬

‫ائتمنوا عليها ‪.‬‬ ‫ثم ٭تدد ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل لنا‬ ‫مهمؾنا يف أن هذا الكتاب مطلوب‬ ‫أن نبلغه للناس ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬واقرأ قوله‬ ‫ِ‬ ‫اب أُن ِز َل‬ ‫سبحانه ‪ { :‬ا‪١‬تص * كت َ ٌ‬ ‫ك َح َر ٌج ِّمن ْ ُه‬ ‫إِلَي ْ َ‬ ‫ك فَبل َي َ ُك ْن ِيف َص ْد ِر َ‬ ‫ل ِ ُؾن ِذر بِ ِه وذكرى لِلْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫ن‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬

‫األعراف ‪ ] 2 - 1 :‬فا‪٠‬تطاب هنا‬ ‫لرسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪،‬‬ ‫وكل خطاب لرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم يف القرآن الكريم ‪،‬‬ ‫يتضمن خطابا ألمته ‪ٚ‬تيعا ً‪،‬‬ ‫فالرسول صىل اهلل عليه وسلم كلف‬ ‫بأن يبلغ الكتاب للناس ‪ ،‬و‪٨‬تن‬

‫مكلفون بأن نؾبع ا‪١‬تنهج نفسه ونبلغ‬ ‫ما جاء يف القرآن للناس حىت يكون‬ ‫ا‪ٟ‬تساب عدال ‪ ،‬وأهنم قد بلغوا‬ ‫منهج اهلل ‪ ،‬ثم كفروا به أو تركوه ‪،‬‬ ‫إذن فإببلغ الكتاب من ا‪١‬تهمات‬ ‫األساسية اليت حددها اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل بالنسبة للقرآن ‪.‬‬

‫والكتاب فيه رد عىل حجج الكفار‬ ‫وأباطيلهم ‪ .‬واقرأ قول اهلل تبارك‬ ‫ات الكتاب‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬الر تِل ْ َ‬ ‫ك آي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ان لِلنَّ ِ‬ ‫اس َع َجبا ًأ َ ْن‬ ‫ا‪ٟ‬تكيم * أك َ َ‬ ‫أ َ ْو َحؼْنَآ إىل َر ُج ٍل ِّمن ْ ُه ْم أ َ ْن أَن ِذ ِر‬ ‫الناس َوب َ ِّش ِر الذين آمنوا أ َ َّن َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ال‬ ‫قَ َد َم ِص ْدقٍ ِعن َد َربِّ ِه ْم قَ َ‬

‫ِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫الكافرون إ َِّن هذا ل َ َساح ٌر ُّمبِ ٌ‬ ‫يونس ‪ ] 2 - 1 :‬ويف هذه اآليات‬ ‫الكرٯتة ‪ :‬يلفؾنا اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل إىل حقيقتُت ‪ . .‬ا‪ٟ‬تقيقة‬ ‫األول هي أن الكفار يتخذون من‬ ‫بشرية الرسول ُحجة بأن هذا‬ ‫الكتاب لؼس من عند اهلل ‪ .‬وكان‬

‫الرد هو ‪ :‬أن كل الرسل السابقُت‬ ‫كانوا بشرا ً‪ ،‬فما هو العجب يف أن‬ ‫يكون ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫رسوال ًبشرا ً‪ .‬واللفتة الثانية هي ان‬ ‫هذا القرآن مكتوب با‪ٟ‬تروف‬ ‫نفسها اليت خلقها اهلل لنا لنكتب بها‬ ‫‪ ،‬ومع ذلك فإن القرآن الكريم‬

‫نزل مستخدما ً‪٢‬تذه ا‪ٟ‬تروف اليت‬ ‫يعرفها الناس ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬معجزا ًيف أال‬ ‫يستطيع االنس وا‪ٞ‬تن ‪٣ ،‬تتمعُت‬ ‫أن يأتوا بسورة واحدة منه ‪ .‬ثم‬ ‫يلفؾنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لفتة‬ ‫اخرى اىل أن هذا الكتاب ‪٤‬تكم‬ ‫اآليات ‪ ،‬ثم بؼنه اهلل لعباده ‪ ،‬واقرأ‬

‫قوله جل جبلله يف سورة هود ‪ { :‬الر‬ ‫ِ‬ ‫اب أُ ْح ِك َم ْت آيَا ُت ُه ُث َّم ُف ّ ِصل َ ْت‬ ‫كت َ ٌ‬ ‫ِمن ل َّ ُد ْن َح ِك ٍ‬ ‫يم َخبِ ٍ‬ ‫َت * أَال َّتعبدوا‬ ‫إِال َّاهلل إِن ّ ٍَِت ل َ ُك ْم ِّمن ْ ُه ن َ ِذي ٌر َوب َ ِشَتٌ}‬ ‫ػ هود ‪ ] 2 - 1 :‬هذه هي بعض‬ ‫اآليات يف القرآن الكريم ‪ ،‬اليت‬ ‫أراد اهلل سبحانه وتعاىل أن يلفؾنا‬

‫فيها اىل معٌت الكتاب ‪ ،‬فآياته من‬ ‫عند اهلل ا‪ٟ‬تكيم ا‪٠‬تبَت ‪ ،‬وكل آية‬ ‫فيها اعجاز ُمتَح ّدَى به اإلنس‬ ‫وا‪ٞ‬تن ‪ ،‬وهذا الكتاب البد أن يبلغ‬ ‫للناس ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬فالكتاب ينذرهم أال‬ ‫يعبدوا إال اهلل ‪ ،‬ليكون ا‪ٟ‬تساب‬ ‫عدال يف اآلخرة ‪ ،‬فمن أنذر وأطاع‬

‫كان له ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬ومن عىص كانت له‬ ‫النار والعياذ باهلل ‪.‬‬ ‫ثم يلفؾنا اهلل اىل ان هذا الكتاب‬ ‫فيه قصص األنؽياء السابقُت منذ‬ ‫آدم عليه السبلم ‪ ،‬يقول جل جبلله‬ ‫ات الكتاب ا‪١‬تبُت*‬ ‫‪ { :‬الر تِل ْ َ‬ ‫ك آي َ ُ‬ ‫إِن َّآ أ َ ْنزَلْن َ ُاه ُق ْرآنا ً َع َربِيّا ًلَّعَل َّ ُك ْم‬

‫ِ‬ ‫ك أ َ ْح َس َن‬ ‫ص عَلَي ْ َ‬ ‫ون * َ‪٨‬ت ْ ُن ن َ ُق ُّ‬ ‫تَعْقل ُ َ‬ ‫ك هذا‬ ‫القصص ِٔتَآ أ َ ْو َحؼْنَآ إِلَي ْ َ‬ ‫نت ِمن قَبْلِ ِه َ‪١‬ت ِ َن‬ ‫القرآن َوإِن ُك َ‬ ‫الغافلُت } ػ يوسف ‪] 3 - 1 :‬‬ ‫وهكذا ‪٧‬تد أن القرآن الكريم ‪،‬‬ ‫قد جاء ليقص علؼنا أحسن‬ ‫القصص بالنسبة لؤلنؽياء‬

‫السابقُت ‪ ،‬واألحداث اليت وقعت‬ ‫يف ا‪١‬تاضي ‪ ،‬ولم يأت القرآن بهذه‬ ‫القصص للؾسلية أو للًتفيه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫جاء بها للموعظة ولتكون عربة‬ ‫اٯتانية ‪ ،‬ذلك أن القصص القرآين‬ ‫يتكرر يف كل زمان ومكان ‪.‬‬ ‫ففرعون هو كل حاكم طىغ يف‬

‫األرض ‪ ،‬ونصب نفسه إ‪٢‬تا ‪،‬‬ ‫وقارون هو كل من أنعم اهلل عليه‬ ‫فنسب النعمة اىل نفسه ‪ ،‬وتكرب‬ ‫وعىص اهلل ‪ ،‬وقصة يوسف هي قصة‬ ‫كل اخوة حقدوا عىل أخ ‪٢‬تم ‪،‬‬ ‫وتآمروا عليه ‪ ،‬وأهل الكهف هم‬ ‫كل فؾية آمنوا بربهم ‪ ،‬فنشر اهلل‬

‫‪٢‬تم من ر‪ٛ‬تته يف الدنيا واآلخرة ‪،‬‬ ‫ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم‬ ‫وعؼىس عليهما السبلم ‪ ،‬فهي‬ ‫معجزة لن تتكرر ولذلك عرف اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ابطا‪٢‬تا ‪ ،‬فقال‬ ‫عؼىس بن مريم وقال مريم ابنة‬ ‫عمران ‪.‬‬

‫والكتاب الذي أنزله اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل فيه لفتة اىل آيات اهلل يف‬ ‫كونه ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬ا‪١‬تر‬ ‫ات الكتاب والذي أُن ِز َل‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫ك آي َ ُ‬ ‫ك ا‪ٟ‬تق ولكن أ َ ْكث َ َر‬ ‫ك ِمن َّربِّ َ‬ ‫إِلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون * اهلل الذي َرفَ َع‬ ‫الناس ال َيُ ْؤم ُن َ‬ ‫السماوات بِغ َ ْ ِ‬ ‫َت َع َم ٍد تَ َر ْو َهنَا ُث َّم‬

‫استوى عَىلَ العرش َو َس ّخ ََر الشمس‬ ‫والقمر كُ ٌّل َ‪٬‬ت ْ ِري أل َ َج ٍل ُّم َس ًّىم‬ ‫يُ َد ِبّ ُر األمر يُ َف ّ ِص ُل اآليات لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون} ػ الرعد ‪1 :‬‬ ‫بِل َقآء َر ِبّ ُك ْم ُتوق ُن َ‬ ‫ ‪ ] 2‬وهكذا بُت لنا اهلل يف الكتاب‬‫آياته يف الكون ولفؾنا اليها ‪،‬‬ ‫فالسماء مرفوعة بغَت عمد نراها ‪،‬‬

‫والشمس والقمر مسخران ‪٠‬تدمة‬ ‫االنسان ‪ ،‬وهذه كلها آيات ال‬ ‫يستطيع أحد من خلق اهلل أن‬ ‫يدعيها لنفسه أو لغَته ‪ ،‬فبل يوجد ‪،‬‬ ‫حىت يوم القيامة من يستطيع ان‬ ‫يدعي انه رفع ال‪ٝ‬تاء بغَت عمد ‪،‬‬ ‫أو أنه خلق الشمس والقمر‬

‫وسخر‪٫‬تا ‪٠‬تدمة االنسان ‪ .‬ولو‬ ‫تدبر الناس يف آيات الكون آلمنوا‬ ‫ولكنهم يف غفلة عن هذه اآليات ‪.‬‬ ‫ثم ٭تدد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل مهمة‬ ‫هذا الكتاب وكيف أنه ر‪ٛ‬تة‬ ‫للناس ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬فيقول جل جبلله ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ك ل ِ ُت ْخ ِر َج‬ ‫اب أَن َزلْن َ ُاه إِلَي ْ َ‬ ‫{ ال ر ك ت َ ٌ‬

‫الناس ِم َن الظلمات إ َِىل النور بِإِذْ ِن‬ ‫ربِّ ِهم إىل ِص َر ِ‬ ‫اط العزيز ا‪ٟ‬تميد*‬ ‫َ ْ‬ ‫اهلل الذي ل َ ُه َما ِيف السماوات َو َما ِيف‬ ‫األرض َو َوي ْ ٌل ل ِ ّلْكَافِرِي َن ِم ْن ع َ َذ ٍ‬ ‫اب‬ ‫َش ِدي ٍد }‬

‫ػ إبراهيم ‪ ] 2 - 1 :‬أي أن مهمة‬ ‫هذا الكتاب هي أن ٮترج الناس من‬

‫ظلمات اًفهل والكفر والشرك‬ ‫ايل نور االٯتان ‪ ،‬ألن كل كافر‬ ‫مشرك ٖتيط به ظلمات ‪ ،‬يرى‬ ‫اآليات فبل يبصرها ‪ ،‬ويعرف أن‬ ‫هناك حسابا وآخرة ولكنه‬ ‫ينكر‪٫‬تا ‪ ،‬وال يرى إال ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬ ‫القصَتة غَت ا‪١‬تأمونة يف كل شيء ‪،‬‬

‫يف العمر والرزق وا‪١‬تتعة ‪ ،‬ولو تطلع‬ ‫اىل نور االٯتان ‪ ،‬لرأى اآلخرة وما‬ ‫فيها من نعيم أبدي ولَعَ ِم َل من‬ ‫أجلها ‪ ،‬ولكن ألنه ٖتيط به‬ ‫الظلمات ال يرى ‪ . .‬والطري ُق ألن‬ ‫يرى هو هذا الكتاب ‪ ،‬القرآن‬ ‫الكريم ألنه ٮترج الناس إذا قرأوه‬

‫من ظلمات ا‪ٞ‬تهل والكفر اىل نور‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة واليقُت ‪ .‬وبُت ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل أن الذين يلتفتون‬ ‫اىل الدنيا وحدها ‪ ،‬هم كاألنعام‬ ‫اليت تأكل وتشرب ‪ ،‬بل ان االنعام‬ ‫افضل منهم ‪ ،‬ألن االنعام تقوم‬ ‫ٔتهمتها يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬بؼنما هم ال‬

‫يقومون ٔتهمة العبادة ‪ ،‬فيقول‬ ‫ك‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬الر تِل ْ َ‬ ‫ات الكتاب َو ُق ْرآنٍ ُّمبِ ٍ‬ ‫ُت * ُّر َٔتَا‬ ‫آي َ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت‬ ‫ي َ َو ّدُ الذين َك َف ُروا ْل َ ْو كَانُوا ْ ُم ْسلم َ‬ ‫* ذَ ْر ُه ْم يَأْكُلُوا ْ َويَت َ َمتَّ ُعوا ْ َويُل ْ ِه ِه ُم‬ ‫ون } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪:‬‬ ‫األمل فَ َس ْو َف يَعْل َ ُم َ‬ ‫‪ ] 3 - 1‬هكذا ٮتربنا ا‪ٟ‬تق أن‬

‫آيات كتابه الكريم ومنهجه ال‬ ‫تؤخذ بالتمٍت ‪ ،‬ولكن البد أن‬ ‫يعمل بها ‪ ،‬وأن الذين كفروا يف‬ ‫٘تتعهم با‪ٟ‬تياة الدنيا ال يرتفعون‬ ‫فوق مرتبة األنعام ‪ ،‬وأهنم يتعلقون‬ ‫بأمل كاذب يف أن النعيم يف الدنيا‬ ‫فقط ‪ ،‬ولكن ا‪ٟ‬تقيقة غَت ذلك‬

‫وسوف يعلمون ‪.‬‬ ‫وهكذا بعد أن تعرضنا بإ‪٬‬تاز‬ ‫لبعض اآليات اليت ورد فيها ذكر‬ ‫الكتاب انه كتاب يبصرنا بقضية‬ ‫القمة يف العقيدة وهي أنه ال إله إال‬ ‫اهلل وأن ‪٤‬تمدا ًصىل اهلل عليه وسلم‬ ‫رسول اهلل ‪ ،‬وهو بهذا ٮترج الناس‬

‫من الظلمات اىل النور ‪.‬‬ ‫وأن يلفتهم اىل آيات الكون ‪. .‬‬ ‫وأن يعرفوا أن هناك آخرة ونعيما ً‬ ‫أبديا ًوشقاء أبديا ً‪ ،‬وأن يقيم‬ ‫الدليل وا‪ٟ‬تجة عىل الكافرين ‪ ،‬وأن‬ ‫ك الكتاب}‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬ذَل ِ َ‬ ‫٭تمل معٌت التفوق الكامل الشامل‬

‫عىل كل ما سبقه من كتب ‪ .‬وأنه‬ ‫سيظل كذلك حىت قيام الساعة‬ ‫ولذلك وصفه ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫بأنه « كتاب » ليكون دليبل عىل‬ ‫الكمال ‪.‬‬ ‫والبد أن نعرف أن ذلك لؼست‬ ‫كلمة واحدة ‪ . .‬وا‪٪‬تا هي ثبلث‬

‫كلمات ‪ « . .‬ذا » اسم اشارة‪« . .‬‬ ‫والبلم » تدل عىل االبتعاد ورفعة‬ ‫شأن القرآن الكريم ‪ ،‬و « ك »‬ ‫‪١‬تخاطبة الناس ‪ٚ‬تيعا بأن القرآن‬ ‫الكريم له عمومية الرسالة اىل يوم‬ ‫القيامة ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن عندما نقرأ سورة البقرة‬

‫نستطيع أن نقرأ آيتها الثانية‬ ‫بطريقتُت ‪ . .‬الطريقة األوىل أن‬ ‫ب‬ ‫نقول { الم * ذَل ِ َ‬ ‫ك الكتاب ال َ َري َْ‬ ‫فِي ِه } ثم نصمت قليبل ونضيف ‪:‬‬ ‫{ ُه ًدى ل ِ ّل ْ ُمتَّ ِقي َن } والطريقة‬ ‫ك‬ ‫الثانية أن نقول ‪ { :‬الم * ذَل ِ َ‬ ‫ب } ثم نصمت‬ ‫الكتاب ال َ َري ْ َ‬

‫قليبل ونضيف ‪ :‬فيه هدى للمتقُت‬ ‫« وكلتا الطريقتُت توضح لنا معٌت ال‬ ‫ريب أي ال شك ‪.‬‬ ‫‪ .‬أو نفي للشك وجزم مطلق أنه‬ ‫كتاب حكيم مزنل من ا‪٠‬تالق‬ ‫األعىل ‪ .‬وحىت نفهم ا‪١‬تنطلق الذي‬ ‫نأخذ منه قضايا الدين ‪ ،‬واليت‬

‫سيكون دستورنا يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فبلبد ان‬ ‫نعرف ما هو ا‪٢‬تدى ومن هم‬ ‫ا‪١‬تتقون؟ ا‪٢‬تدى هو الداللة عىل‬ ‫طريق يوصلك اىل ما تطلبه ‪.‬‬ ‫فاالشارات اليت تدل ا‪١‬تسافر عىل‬ ‫الطريق هي هدى له الهنا تبُت له‬ ‫الطريق الذي يوصله اىل ا‪١‬تكان‬

‫الذي يقصده ‪ . .‬وا‪٢‬تدى يتطلب‬ ‫هاديا ومهديا وغاية تريد أن ٖتققه‬ ‫‪ .‬فاذا لم يكن هناك غاية أو هدف‬ ‫فبل معٌت لوجود ا‪٢‬تدى ألنك ال‬ ‫تريد أن تصل اىل شيء ‪ . .‬وبالتايل‬ ‫ال تريد من أحد أن يدلك عىل‬ ‫طريق ‪.‬‬

‫اذن البد أن نوجد الغاية أوال ثم‬ ‫نبحث عمن يوصلنا اليها ‪.‬‬ ‫وهنا نؾساءل من الذي ٭تدد ا‪٢‬تدف‬ ‫و٭تدد لك الطريق للوصول إليه؟‬ ‫اذا اخذنا بواقع حياة الناس فإن‬ ‫الذي ٭تدد لك ا‪٢‬تدف البد أن‬ ‫تكون واثقا من حكمته ‪ . .‬والذي‬

‫٭تدد لك الطريق البد أن يكون له‬ ‫من العلم ما يستطيع به أن يدلك‬ ‫عىل أقصر الطرق لتصل اىل ما تريد‬ ‫‪.‬‬ ‫فاذا نظرنا اىل الناس يف الدنيا ‪٧‬تد‬ ‫أهنم ٭تددون مطلوبات حياهتم‬ ‫و٭تددون الطريق الذي ٭تقق هذه‬

‫ا‪١‬تطلوبات ‪ . .‬فالذي يريد أن يؽٍت‬ ‫بؼتا مثبل يأيت ٔتهندس يضع له‬ ‫الرسم ‪ ،‬ولكن الرسم قد يكون‬ ‫قاصرا عىل أن ٭تقق الغاية ا‪١‬تطلوبة‬ ‫فيظل يغَت ويبدل فيه ‪ .‬ثم يأيت‬ ‫مهندس عىل مستوى أعىل فيضع‬ ‫تصورا ًجديدا ًللمسألة كلها ‪. .‬‬

‫وهكذا يكون ا‪٢‬تدف متغَتا ولؼس‬ ‫ثابتا ‪.‬‬ ‫وعند الؾنفيذ قد ال توجد ا‪١‬تواد‬ ‫ا‪١‬تطلوبة فنغَت ونبدل لنأيت بغَتها‬ ‫ثم فوق ذلك كله قد تأيت قوة أعىل‬ ‫فتوقف الؾنفيذ أو ٘تنعه ‪ .‬إذن‬ ‫فأهداف الناس متغَتة ٖتكمها‬

‫ظروف حياهتم وقدراهتم ‪. .‬‬ ‫والغايات اليت يطلبوهنا ال تتحقق‬ ‫لقصور علم البشر وامكاناته ‪.‬‬ ‫اذن فكلنا ‪٤‬تتاجون اىل كامل العلم‬ ‫وا‪ٟ‬تكمة لَتسم لنا طريق حياتنا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وأن يكون قادرا عىل كل شيء ‪،‬‬ ‫ومالكا لكل شيء ‪ ،‬والكون خاضعا‬

‫الرادته حىت نعرف يقؼنا أن ما‬ ‫نريده سؼتحقق ‪ ،‬وأن الطريق‬ ‫الذي سنسلكه سيوصلنا اىل ما‬ ‫نريده ‪ .‬وينبهنا اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫اىل هذه القضية فيقول ‪:‬‬ ‫{ ُق ْل إ َِّن ُه َدى اهلل ُه َو ا‪٢‬تدى } ػ‬ ‫البقرة ‪] 120 :‬‬

‫ان اهلل يريد أن يلفت خلقه اىل‬ ‫اهنم إذا أرادوا أن يصلوا اىل ا‪٢‬تدف‬ ‫الثابت الذي ال يتغَت فليأخذوه عن‬ ‫اهلل ‪ .‬وإذا أرادوا أن يؾبعوا الطريق‬ ‫الذي ال توجد فيه أي عقبات أو‬ ‫متغَتات ‪ . .‬فليأخذوا طريقهم‬ ‫عن اهلل تبارك وتعاىل ‪ . .‬إنك اذا‬

‫اردت باقيا ‪ . .‬فخذ من البايق ‪ ،‬واذا‬ ‫أردت ثابتا ‪ . .‬فخذ من الثابت ‪.‬‬ ‫ولذلك كانت قوانُت البشر يف‬ ‫ٖتديد أهدافهم يف ا‪ٟ‬تياة وطريقة‬ ‫الوصول اليها قاصرة ‪.‬‬ ‫‪ .‬علمت أشياء وغابت عنها أشياء ‪.‬‬ ‫‪ .‬ومن هنا فهي تتغَت وتؾبدل كل‬

‫فًتة من الزمان ‪.‬‬ ‫ذلك أن من وضع القوانُت من‬ ‫البشر له هدف يريد أن ٭تققه ‪،‬‬ ‫ولكن اهلل جل جبلله ال هوى له ‪. .‬‬ ‫فإذا أردت أن ٖتقق سعادة يف حياتك‬ ‫‪ ،‬وأن تعؼش آمنا مطمػنا ‪ . .‬فخذ‬ ‫ا‪٢‬تدف عن اهلل ‪ ،‬وخذ الطريق عن‬

‫اهلل ‪ .‬فإن ذلك ينجيك من قلق‬ ‫متغَتات ا‪ٟ‬تياة اليت تتغَت وتؾبدل ‪.‬‬ ‫واهلل قد حدد ‪٠‬تلقه ولكل ما يف كونه‬ ‫أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته ‪.‬‬ ‫والذين ال يأخذون هذا الطريق‬ ‫يتعبون أنفسهم ويتعبون ‪٣‬تتمعهم‬ ‫وال ٭تققون شؼئا ‪.‬‬

‫اذن فا‪٢‬تدف ٭تققه اهلل لك ‪،‬‬ ‫والطريق يبؼنه اهلل لك ‪ . .‬وما‬ ‫عليك إال أن ٕتعل مراداتك يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة خاضعة ‪١‬تا يريده اهلل ‪.‬‬ ‫ويقول اهلل سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ُه ًدى ل ِ ّلْمتَّقِ‬ ‫ُت } ‪ . .‬ما معٌت‬ ‫ُ َ‬ ‫ا‪١‬تتقُت؟ متقُت ‪ٚ‬تع متق ‪ .‬واالتقاء‬

‫من الوقاية ‪ . .‬والوقاية هي‬ ‫االحًتاس والبعد عن الشر ‪. .‬‬ ‫لذلك يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ياأيها الذين آ َم ُنوا ْقوا أ َ ُنف َس ُك ْم‬ ‫وأ َ ْهلِ‬ ‫ق‬ ‫ود َها الناس‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ار‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫وا‪ٟ‬تجارة } ػ التحريم ‪ ] 6 :‬أي‬ ‫اعملوا بؼنكم وبُت النار وقاية‪.‬‬

‫احًتسوا من أن تقعوا فيها ‪ . .‬ومن‬ ‫عجيب أمر هذه التقوى أنك ٕتد‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول يف القرآن‬ ‫الكريم والقرآن كله كبلم اهلل«‬ ‫اتقوا اهلل » ويقول ‪ « :‬اتقوا النار »‬ ‫‪ .‬كيف نأخذ سلوكا واحدا ٕتاه اٌفق‬ ‫سبحانه وتعاىل وٕتاه النار اليت‬

‫سيعذب فيها الكافرون؟!‬ ‫اهلل تعاىل يقول ‪ « :‬اتقوا النار » ‪.‬‬ ‫أي ال تفعلوا ما يغضب اهلل حىت ال‬ ‫تعذبوا يف النار‪ . .‬فكأنك قد جعلت‬ ‫بؼنك وبُت النار وقاية بأن تركت‬ ‫ا‪١‬تعاصي وفعلت ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫وقول تعاىل ‪ « :‬اتقوا اهلل » كيف‬

‫نتقيه بؼنما ‪٨‬تن نطلب من اهلل كل‬ ‫النعم وكل ا‪٠‬تَت دائما ‪ .‬كيف‬ ‫ٯتكن أن يتم هذا؟ وكيف نتقي‬ ‫من ‪٨‬تب؟ ‪.‬‬ ‫نقول ان هلل سبحانه وتعاىل صفات‬ ‫جبلل وصفات ‪ٚ‬تال ‪ . .‬صفات‬ ‫ا‪ٞ‬تبلل ٕتدها يف القهار وا‪ٞ‬تبار‬

‫وا‪١‬تذل ‪ . .‬وا‪١‬تنتقم ‪ .‬والضار ‪ .‬كل‬ ‫هذا من متعلقات صفات ا‪ٞ‬تبلل ‪. .‬‬ ‫بل إن النار من متعلقات صفات‬ ‫ا‪ٞ‬تبلل ‪.‬‬ ‫أما صفات ا‪ٞ‬تمال فهي الغفار‬ ‫والرحيم وكل الصفات اليت تتزنل‬ ‫بها ر‪ٛ‬تات اهلل وعطاءاته عىل خلقه‬

‫‪ .‬فاذا كنت تقي نفسك من النار‬ ‫وهي من متعلقات صفات ا‪ٞ‬تبلل‬ ‫البد أن تقي نفسك من صفات‬ ‫ا‪ٞ‬تبلل كلها ‪ .‬ألنه قد يكون من‬ ‫متعلقاهتا ما أشد عذابا وايبلما من‬ ‫النار ‪ . .‬فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫حُت يقول ‪ « :‬اتقوا النار » ‪ .‬و ‪« :‬‬

‫اتقوا اهلل » يعٍت أن نتقي غضب‬ ‫اهلل الذي يؤدي بنا اىل أن نتقي كل‬ ‫صفات جبلله ‪ . .‬و‪٧‬تعل بيننا‬ ‫وبؼنها وقاية ‪ .‬فمن اتىق صفات‬ ‫جبلل اهلل أخذ صفات ‪ٚ‬تاله ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك يقول رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬إذا كانت آخر ليلة‬

‫من رمضان ٕتىل ا‪ٞ‬تبار با‪١‬تغفرة »‬ ‫وكان ا‪١‬تنطق يقتضي أن يقول‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم (‬ ‫ٕتىل الر‪ٛ‬تن با‪١‬تغفرة ) ولكن‬ ‫مادامت هناك ذنوب ‪ ،‬فا‪١‬تقام‬ ‫لصفة ا‪ٞ‬تبار الذي يعذب خلقه‬ ‫بذنوبهم ‪ .‬فكأن صفة الغفار تشفع‬

‫عند صفة ا‪ٞ‬تبار ‪ . .‬وصفة ا‪ٞ‬تبار‬ ‫مقامها للعاصُت ‪ ،‬فتأيت صفة الغفار‬ ‫لتشفع عندها ‪ ،‬فيغفر اهلل للعاصُت‬ ‫ذنوبهم ‪ ،‬و‪ٚ‬تال ا‪١‬تقابلة هنا حؼنما‬ ‫يتجىل ا‪ٞ‬تبار ّتربوته با‪١‬تغفرة‬ ‫فساعة تأيت كلمة جبار‪ . .‬يشعر‬ ‫االنسان بالفزع وا‪٠‬توف والرعب‬

‫‪ .‬لكن عندما تسمع ( ٕتىل ا‪ٞ‬تبار‬ ‫با‪١‬تغفرة ) فإن السعادة تدخل اىل‬ ‫قلبك ‪ .‬ألنك تعرف أن صاحب‬ ‫العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك‬ ‫‪ .‬والنار لؼست آمرة وال فاعلة‬ ‫بذاهتا ولكنها مأمورة ‪ .‬اذن فاستعذ‬ ‫منها باآلمر أو بصفات ا‪ٞ‬تمال يف‬

‫اآلمر ‪.‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل { ُه ًدى‬ ‫ل ِ ّلْمتَّقِ‬ ‫ُت } ولقد قلنا ان ا‪٢‬تدى‬ ‫ُ َ‬ ‫هدى اهلل ‪ . .‬ألنه هو الذي حدد‬ ‫الغاية من ا‪٠‬تلق ودلنا عىل الطريق‬ ‫ا‪١‬توصل اليها ‪ .‬فكون اهلل هو الذي‬ ‫حدد ا‪١‬تطلوب ودلنا عىل الطريق اليه‬

‫فهذه قمة النعمة ‪ . .‬النه لم يًتك‬ ‫لنا أن ‪٨‬تدد غايؾنا وال الطريق اليها ‪.‬‬ ‫فر‪ٛ‬تنا بذلك ‪٦‬تا سنتعرض له من‬ ‫شقاء يف أن ‪٩‬تطئ ونصيب بسبب‬ ‫علمنا القاصر ‪ ،‬فنشىق وندخل يف‬ ‫تجارب ‪ ،‬و‪٪‬تشي يف طرق ثم‬ ‫نكتشف أننا قد ضللنا الطريق‬

‫فنتجه اىل طريق آخر فيكون اضل‬ ‫وأشىق ‪.‬‬ ‫وهكذا نتخبط دون أن نصل اىل‬ ‫شيء ‪ . .‬وأراد سبحانه أن ‪٬‬تنؽنا هذا‬ ‫كله فأنزل القرآن الكريم ‪. .‬‬ ‫كتابا فيه هداية للناس وفيه داللة‬ ‫عىل أقصر الطرق لكي نتقي عذاب‬

‫اهلل وغضبه ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل قال ‪ُ { :‬ه ًدى‬ ‫ل ِ ّلْمتَّقِ‬ ‫ُت } أي أن هذا القرآن‬ ‫ُ َ‬ ‫هدى للجميع ‪ . .‬فالذي يريد أن‬ ‫يتقي عذاب اهلل وغضبه ‪٬‬تد فيه‬ ‫الطريق الذي ٭تدد له هذه الغاية ‪. .‬‬ ‫فا‪٢‬تدى من ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬

‫للناس ‪ٚ‬تيعا ‪ .‬ثم خص من آمن به‬ ‫بهدى آخر ‪ ،‬وهو أن يعؼنه عىل‬ ‫الطاعة ‪.‬‬ ‫اذن فهناك هدى من اهلل لكل خلقه‬ ‫وهو أن يد‪٢‬تم سبحانه وتعاىل‬ ‫ويبُت ‪٢‬تم الطريق ا‪١‬تستقيم ‪ .‬هذا‬ ‫هو هدى الداللة ‪ ،‬وهو أن يدل اهلل‬

‫خلقه ‪ٚ‬تيعا عىل الطريق اىل طاعته‬ ‫وجنته ‪ .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ود فَهَ َديْن َ ُاه ْم فاستحبوا‬ ‫{ َوأ َّما ‪ٙ‬تَ ُُ‬ ‫الع ىم عَىلَ ا‪٢‬تدى } ػ فصلت ‪17 :‬‬ ‫] اذن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل د‪٢‬تم عىل‬ ‫طريق ا‪٢‬تداية ‪ . .‬ولكنهم أحبوا‬ ‫طريق الغواية وا‪١‬تعصية واتبعوه ‪. .‬‬

‫هذه هداية الداللة ‪ . .‬أما هداية‬ ‫ا‪١‬تعونة ففي قوله سبحانه ‪{ :‬‬ ‫والذين اهتدوا زَادَ ُه ْم ُه ًدى‬ ‫َوآتَ ُاه ْم تَ ُق َو ُاه ْم } ػ ‪٤‬تمد ‪] 17 :‬‬ ‫وهذه هي داللة ا‪١‬تعونة ‪ . .‬وهي ال‬ ‫ٖتق إال ‪١‬تن آمن باهلل واتبع منهجه‬ ‫وأقبل عىل هداية الداللة وعمل‬

‫بها ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل ال يعُت‬ ‫من يرفض هداية الداللة ‪ ،‬بل‬ ‫يًتكه يضل ويشىق ‪.‬‬ ‫‪ .‬و‪٨‬تن حُت نقرأ القرآن الكريم‬ ‫‪٧‬تد أن اهلل تبارك وتعاىل ‪ :‬يقول‬ ‫لنؽيه ورسوله صىل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ك ال َهتَ ْ ِدي َم ْن أ َ ْحؽَب ْ َت ولكن‬ ‫{ إ َِّن َ‬

‫ِ‬ ‫آء } ػ القصص ‪:‬‬ ‫اهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫‪ ] 56‬وهكذا نىف اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل عن رسوله صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم أن يكون هاديا ‪١‬تن أحب ‪. .‬‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تق يقول لرسوله صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪َ { :‬وإِن ّ ََك لتهدي إىل‬ ‫ِص َر ٍ‬ ‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬ ‫يم } ػ الشورى ‪:‬‬

‫‪ ] 52‬فكيف يأيت هذا االختبلف‬ ‫مع أن القائل هو اهلل ‪.‬‬ ‫نقول ‪ :‬عندما تسمع هذه االيات‬ ‫اعلم أن ا‪ٞ‬تهة منفكة ‪ . .‬يعٍت ما‬ ‫نىف غَت ما أثبت ‪ . .‬ففي غزوة بدر‬ ‫مثبل أخذ رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم حفنة من ا‪ٟ‬تىص قذفها يف‬

‫وجه جؼش قريش ‪ .‬يأيت القرآن‬ ‫الكريم اىل هذه الواقعة فيقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬و َما َر َمي ْ َت إِذْ َر َمي ْ َت‬ ‫ولكن اهلل رىم } ػ األنفال ‪] 17 :‬‬ ‫نفي للحدث وإثباته يف اآلية نفسها‬ ‫‪ . .‬كيف رىم رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬مع أن اهلل تبارك‬

‫وتعاىل قال ‪َ { :‬و َما َر َمي ْ َت } ؟!‬ ‫نقول إنه يف هذه اآلية ا‪ٞ‬تهة منفكة‬ ‫‪ .‬الذي رىم هو رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬ولكن الذي أوصل‬ ‫ا‪ٟ‬تىص اىل كل جؼش قريش لتصيب‬ ‫كل مقاتل فيهم هي قدرة اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬فما كان لرمية‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫حفنة من ا‪ٟ‬تىص ٯتكن أن تصل اىل‬ ‫كل جؼش الكفار ‪ ،‬ولكن قدرة اهلل‬ ‫هي اليت جعلت هذا ا‪ٟ‬تىص يصيب‬ ‫كل جندي يف ا‪ٞ‬تؼش ‪.‬‬ ‫أما قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لرسوله‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪َ { :‬وإِن ّ ََك‬

‫لتهدي إىل ِص َر ٍ‬ ‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬ ‫يم } ‪.‬‬ ‫فهي هداية داللة ‪ .‬أي أن رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم بؾبليغه‬ ‫للقرآن وبيانه ‪١‬تنهج اهلل قد دل‬ ‫الناس كل الناس عىل الطريق‬ ‫وبُت‪٢‬تم ‪ .‬وقوله تبارك‬ ‫ا‪١‬تستقيم ه‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬إِن ّ ََك ال َهتَ ْ ِدي َم ْن أ َ ْحؽَب ْ َت‬

‫ِ‬ ‫آء } ‪ . .‬أي‬ ‫ولكن اهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫إنك ال توصل ا‪٢‬تداية اىل القلوب‬ ‫ألن اهلل سبحانه وتعاىل هو الذي‬ ‫يهدي القلوب ويزيدها هدى‬ ‫وإٯتانا ‪ .‬ولذلك أطلقها اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل قضية اٯتانية عامة يف قوله ‪:‬‬ ‫{ ُق ْل إ َِّن ا‪٢‬تدى ُه َدى اهلل }‬

‫فالقرآن الكريم ٭تمل هداية‬ ‫الداللة للذين يريدون أن ‪٬‬تعلوا‬ ‫بؼنهم وبُت غضب اهلل وعذابه‬ ‫وقاية ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫يم َ‬ ‫ال َّ ِذي َن يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون بِالْغَي ْ ِب َويُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)3‬‬ ‫َّ‬ ‫الص َبلةَ َو‪٦‬تَّا َرزَقْن َ ُاه ْم يُنْف ُق َ‬

‫بعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىللنا‬ ‫أن هذا الكتاب وهو القرآن‬ ‫الكريم { ُه ًدى ل ِ ّلْمتَّقِ‬ ‫ُت } ‪ . .‬أي‬ ‫ُ َ‬ ‫أن فيه ا‪١‬تنهج والطريق لكل من‬ ‫يريد أن ‪٬‬تعل بؼنه وبُت غضب اهلل‬ ‫وقاية ‪ . .‬أراد أن يعرفنا صفات‬ ‫هؤالء ا‪١‬تتقُت ومن هم ‪ . .‬وأول‬

‫صفة هي قوله تعاىل ‪ { :‬الذين‬ ‫ِ‬ ‫ون بالغيب } ‪. .‬‬ ‫يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ما هو الغيب الذي جعله اهلل أول‬ ‫مرتبة يف ا‪٢‬تدى ‪ . .‬ويف الوقاية من‬ ‫النار ومن غضب اهلل؟ ‪. .‬‬ ‫الغيب هو كل ما غاب عن مدركات‬ ‫ا‪ٟ‬تس ‪ .‬فاألشياء ا‪١‬تحسة اليت نراها‬

‫ونلمسها ال ٮتتلف فيها أحد ‪. .‬‬ ‫ولذلك يقال لؼس مع العُت أين‪. .‬‬ ‫ألن ما تراه ال تريد عليه دليبل ‪. .‬‬ ‫ولكن الغيب ال تدركه ا‪ٟ‬تواس ‪. .‬‬ ‫إ‪٪‬تا يدرك بغَتها ‪. .‬‬ ‫ومن الداللة عىل دقة التعريف أهنم‬ ‫قالوا أن هناك ‪ٜ‬تس حواس ظاهرة‬

‫هي ‪ :‬السمع والبصر والشم‬ ‫والذوق واللمس ‪ . .‬ولكن هناك‬ ‫أشياء تدرك بغَت هذه ا‪ٟ‬تواس ‪. .‬‬ ‫لنفرض أن أمامنا حقيبتُت ‪. .‬‬ ‫الشكل نفسه وا‪ٟ‬تجم نفسه ‪ .‬هل‬ ‫تستطيع ْتواسك الظاهرة أن‬ ‫تدرك أيهما أثقل من األخرى؟ ‪.‬‬

‫هل تستطيع ا‪ٟ‬تواس ا‪٠‬تمس أن‬ ‫تقول لك أي ا‪ٟ‬تقيبتُت أثقل؟ ‪. .‬‬ ‫ال ‪ . .‬البد أن ٖتمل واحدة منهما‬ ‫ثم ٖتمل األخرى لتعرف أيهما‬ ‫أثقل ‪. .‬‬ ‫بأي شيء أدركت هذا الثقل؟ ‪. .‬‬ ‫ْتاسة العضل ‪ . .‬ألن عضبلتك‬

‫أُجهدت عندما ‪ٛ‬تلت احدى‬ ‫ا‪ٟ‬تقيبتُت ‪ ،‬ولم ٕتهد عندما ‪ٛ‬تلت‬ ‫الثانية ‪ . .‬فعرفت بالدقة أيهما‬ ‫أثقل ‪ . .‬ال تقل باللمس؛ ألنك لو‬ ‫‪١‬تست احدا‪٫‬تا ثم ‪١‬تست األخرى‬ ‫ال تعرف أيهما أثقل ‪ . .‬إذن‬ ‫فهناك حاسة العضل اليت تقؼس‬

‫بها ثقل األشياء ‪. .‬‬ ‫ولنفرض أنك دخلت ‪٤‬تبل لؽيع‬ ‫القماش ‪ ،‬وأمامك نوعان من‬ ‫قماش واحد ‪ . .‬ولكن أحد‪٫‬تا‬ ‫أرق من اآلخر ‪ٔ . .‬تجرد أن تضع‬ ‫القماشُت بُت أنا ِملك تدرك أن‬ ‫أحد‪٫‬تا رقيق واآلخر أكثر ‪ٝ‬تكا ‪. .‬‬

‫بأي حاسة أدركت هذا؟ لؼس‬ ‫ْتاسة اللمس ولكن ْتاسة البؼنة‬ ‫وحكمها ال ٮتطئ ‪. .‬‬ ‫وعندما تشعر با‪ٞ‬توع ‪ . .‬بأي حاسة‬ ‫أدركت أنك جوعان؟ ‪ . .‬لؼس‬ ‫با‪ٟ‬تواس الظاهرة ‪ . .‬وكذلك‬ ‫عندما تظمأ ‪ . .‬ما هي ا‪ٟ‬تاسة اليت‬

‫أدركت بها أنك ‪٤‬تتاج اىل ا‪١‬تاء‪. .‬‬ ‫وعندما تكون نائما ‪ . .‬أي حاسة‬ ‫تلك اليت توقظك من النوم ‪ . .‬ال‬ ‫أحد يعرف ‪. .‬‬ ‫اذن هناك ملكات يف النفس وهي‬ ‫ا‪ٟ‬تواس الظاهرة ‪ . .‬وهناك‬ ‫ادراكات يف النفس ‪ . .‬وهي حواس‬

‫ال يعلمها إال خالقها ‪ . .‬لذلك‬ ‫عندما يأيت العلماء ليضعوا تعريفا‬ ‫للنفس البشرية نقول ‪٢‬تم ‪ :‬ماذا‬ ‫تعرفون عن هذه النفس؟! ‪. .‬‬ ‫انكم ال تعلمون إال ظاهرا من‬ ‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪ . .‬ولكن هناك أشياء‬ ‫داخل النفس ال تعرفوهنا ‪ . .‬هناك‬

‫ادراكات ال يعلم عنها االنسان‬ ‫شؼئا ‪ ،‬وهي ادراكات كثَتة ومتعددة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ .‬لذلك ٮتطئ من يقول إن ما ال‬ ‫يدرك با‪ٟ‬تواس البشرية الظاهرة‬ ‫هو غيب ‪ . .‬ألن هناك ملكات‬ ‫وادراكات متعددة تعمل بغَت علم‬

‫منا ‪.‬‬ ‫لو أعىط لطالب ٘ترين هندسي‬ ‫فحله وأىت با‪ٞ‬تواب ‪ . .‬هل نقول‬ ‫أنه عَلِ َم غؼبا؟ ‪ . .‬ألن حل التمرين‬ ‫كان غؼبا عنه ثم وصل اليه ‪ . .‬ال ‪. .‬‬ ‫ألن هناك مقدمات وقوانُت‬ ‫أوصلتاىل هذا ا‪ٟ‬تل ‪ . .‬والغيب‬ ‫ه‬

‫ببل مقدمات وال قوانُت تؤدي اليه ‪،‬‬ ‫وهل عندما تعلن األرصاد ا‪ٞ‬توية‬ ‫أن غدا يوم مطَت شديد الرياح ‪. .‬‬ ‫أتكون قد عَلِ َم ْت غؼبا؟ ‪ . .‬ال ‪. .‬‬ ‫ألهنا أخذت ا‪١‬تقدمات ووصلت بها‬ ‫اىل نتائج وهذا لؼس غؼبا ً‪. .‬‬ ‫واذا جاء أحد من الدجالُت وقال‬

‫لك ان ما سرق منك عند فبلن ‪. .‬‬ ‫أيكون قد علم الغيب؟ ‪ . .‬ال ‪. .‬‬ ‫ألنه يشًتط يف الغيب أال يكون‬ ‫معلوما ‪١‬تثلك ‪ . .‬وما سرق منك‬ ‫معلوم ‪١‬تثلك ‪ . .‬فالسارق والذي‬ ‫بيعت له ا‪١‬تسروقات يعرفان من‬ ‫الذي سرق ‪ ،‬وما الذي حدث‪. .‬‬

‫والشرطة تستطيع با‪١‬تقدمات‬ ‫والبصمات والبحث أن تصل اىل‬ ‫السارق ومن اشًتى ا‪١‬تسروقات ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإذا جاءك دجال من الذين‬ ‫يسخرون ا‪ٞ‬تن ‪ . .‬وا‪١‬تعروف أن‬ ‫ا‪ٞ‬تن مستورعنا ٯتتاز ٓتفة ا‪ٟ‬تركة‬ ‫وسرعتها ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬

‫يقول عن الشيطان ‪ { :‬إِن ّ َُه ي َ َرا ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ث ال َتَ َر ْو َهن ُ ْم } ػ‬ ‫ُه َو َوقَؽِيل ُ ُه م ْن َحي ْ ُ‬ ‫األعراف ‪ ] 27 :‬فقد يكون هذا‬ ‫المستعان به من ا‪ٞ‬تن قد رأى شؼئا ‪.‬‬ ‫‪ .‬أو انتقل من مكان إىل آخر ‪. .‬‬ ‫فيعرف شؼئا ال تعرفه أنت ‪ . .‬هذا‬ ‫ال يكون غؼبا ًألنك جهلته ‪ ،‬ولكن‬

‫غَتك يعلمه بقوانؼنه اليت خلقها‬ ‫اهلل له ‪ . .‬والعلماء الذين‬ ‫يكتشفون أسرار الكون ‪ . .‬أيقال‬ ‫إهنم أطلعوا عىل الغيب؟ ‪ . .‬ال ‪. .‬‬ ‫ألن هؤالء العلماء اكتشفوا موجودا ً‬ ‫له مقدمات فوصلوا اىل هذه النتائج‬ ‫فهو لؼس غؼبا ‪.‬‬

‫ولكن ما هو الغيب؟ ‪. .‬‬ ‫هو الشيء الذي لؼس له مقدمات‬ ‫وال ٯتكن أن يصل اليه علم َخل ْ ٍق‬ ‫من خلق اهلل حىت ا‪١‬تبلئكة ‪ . .‬واقرأ‬ ‫قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حؼنما‬ ‫عَل َّ َم آدم األ‪ٝ‬تاء كلها وعرضهم‬ ‫عىل ا‪١‬تبلئكة قال جل جبلله ‪{ :‬‬

‫َوعَل َّ َم ءَادَ َم األ‪ٝ‬تآء كُلَّهَا ُث َّم‬ ‫وين‬ ‫ال أَنْؽ ُِئ ِ‬ ‫َع َر َض ُه ْم عَىلَ ا‪١‬تبلئكة فَقَ َ‬ ‫بِأ َ ْ‪ٝ‬تآءِ هؤالء إِن ُكنْتم صا ِدقِ‬ ‫ُت *‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ك ال َعِل ْ َم لَنآ إِال َّ َما‬ ‫قَالُوا ْ ُسب ْ َحان َ َ‬ ‫عَل َّ ْمؾَنَآ إِن ّ ََك أَن ْ َت العليم ا‪ٟ‬تكيم *‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ٝ‬ت ِآئ ِه ْم فَل َ َّمآ‬ ‫قَ َ‬ ‫ال يَآءَادَ ُم أنؽِئ ْ ُه ْم بِأ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ال أَل َ ْم أ َ ُق ْل‬ ‫‪ٝ‬ت ِآئ ِه ْم قَ َ‬ ‫أنْبَأ ُه ْم بِأ ْ َ‬

‫ل َّ ُكم إين أ َ‬ ‫ب السماوات‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ون َو َما‬ ‫واألرض َوأعْل َ ُم َما ُتب ْ ُد َ‬ ‫ون} ػ البقرة ‪- 31 :‬‬ ‫ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬ ‫‪ ] 33‬وا‪ٞ‬تن أيضا ال يعلم الغيب ‪. .‬‬ ‫ولذلك عندما مات سليمان عليه‬ ‫السبلم ‪ . .‬وكان اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫قد َس ّخ ََر له ا‪ٞ‬تن لم تعلم ا‪ٞ‬تن‬

‫ٔتوته إال عندما أكلت دابة األرض‬ ‫عصاه ‪ . .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ فَل َ َّما قَ َضؼْنَا عَلَي ْ ِه ا‪١‬توت َما دَ َّ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫عىل َم ْوتِ ِه إِال َّدَابَّ ُة األ َ ْر ِض تَأْكُ ُل‬ ‫ِ‬ ‫نسأ َتَ ُه فَل َ َّما َخ َّر تَبَؼَّن َ ِت ا‪ٞ‬تن أَن ل َّ ْو‬ ‫م َ‬ ‫ون الغيب َما لَؽِثُوا ْ ِيف‬ ‫كَانُوا ْيَعْل َ ُم َ‬ ‫العذاب ا‪١‬تهُت }‬

‫ػ سبأ ‪ ] 14 :‬إذن فالغيب هو ما ال‬ ‫يعلمه إال اهلل سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬ ‫واقرأ قول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪{ :‬‬ ‫عَال ِ ُم الغيب فَبل َيُ ْظ ِه ُر عىل غَؼْبِ ِه‬ ‫أ َ َحدا ً* إِال َّ َم ِن ارتىض ِمن َّر ُس ٍ‬ ‫ول‬ ‫ك ِمن ب َ ْ ِ‬ ‫ُت ي َ َدي ْ ِه َو ِم ْن‬ ‫فَإِن ّ َُه ي َ ْسل ُ ُ‬ ‫َخل ْ ِف ِه َر َصدا ً} ػ ا‪ٞ‬تن ‪27 - 26 :‬‬

‫] وهكذا فإن الرسل ال يعلمون‬ ‫الغيب ‪ . .‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يعلمهم ٔتا يشاء من الغيب‬ ‫ويكون هذا معجزة ‪٢‬تم و‪١‬تن‬ ‫اتبعوهم ‪.‬‬ ‫وقمة الغيب هي االٯتان باهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬واالٯتان‬

‫ٔتبلئكته وكؾبه ورسله واالٯتان‬ ‫باليوم اآلخر ‪ . .‬كل هذه أمور‬ ‫غيؽية ‪ ،‬وحؼنما ٮتربنا اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل عن مبلئكته و‪٨‬تن ال نراهم‬ ‫‪ . .‬نقول مادام اهلل قد أخربنا بهم‬ ‫فنحن نؤمن بوجودهم ‪ . .‬وإذا‬ ‫أخربنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عن‬

‫اليوم اآلخر ‪ . .‬فمادام اهلل قد‬ ‫أخربنا فنحن نؤمن باليوم اآلخر ‪. .‬‬ ‫ألن الذي أخربنا به هو اهلل جل‬ ‫جبلله ‪ . .‬آمنت به أنه اله ‪. .‬‬ ‫واستخدمت يف هذا االٯتان الدليل‬ ‫العقلي الذي جعلٍت أؤمن بأن ‪٢‬تذا‬ ‫الكون إ‪٢‬تا ًوخالقا ً‪ . .‬وما يأتؼٍت‬

‫عن اهلل حيؿية االٯتان به أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل هو القائل ‪.‬‬ ‫والبد أن نعرف أن وجود الشيء‬ ‫‪٥‬تتلف ٘تاما عن ادراك هذا الشيء‬ ‫‪ . .‬فأنت لك روح يف جسدك هتبك‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬أرأيتها؟ ‪ . .‬أ‪ٝ‬تعتها؟ ‪. .‬‬ ‫أذقتها؟ ‪ . .‬أمشمتها؟ ‪ . .‬أ‪١‬تستها؟‬

‫‪ . .‬ا‪ٞ‬تواب طبعا ال ‪ . .‬فبأي وسيلة‬ ‫من وسائل االدراك تدرك أن لك‬ ‫روحا يف جسدك؟ بأثرها يف إحياء‬ ‫ا‪ٞ‬تسد ‪. .‬‬ ‫إذن فقد عرفت الروح بأثرها ‪،‬‬ ‫والروح ‪٥‬تلوق هلل ‪ . .‬فكيف تريد‬ ‫وأنت عاجز أن تدرك ‪٥‬تلوقا يف‬

‫جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها‬ ‫‪ . .‬ان تدرك اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫ْتواسك ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن إذا آمنا بالقمة الغيؽية وهو‬ ‫اهلل جل جبلله ‪ . .‬فبلبد أن نؤمن‬ ‫بكل ما ٮتربنا عنه وإن لم ن َ َره ‪. .‬‬ ‫ولقد أراد اهلل تبارك وتعاىل ر‪ٛ‬تة‬

‫بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب‬ ‫فأعطانا من الكون ا‪١‬تادي أدلة عىل‬ ‫أن وجود الشيء ‪ ،‬وادراك هذا‬ ‫الوجود شؼئان منفصبلن ٘تاما ‪. .‬‬ ‫فا‪ٞ‬تراثيم مثبل موجودة يف الكون‬ ‫تؤدي مهمتها منذ بداية ا‪٠‬تلق ‪. .‬‬ ‫وكان الناس يشاهدون آثار‬

‫األمراض يف أجسادهم من ارتفاع‬ ‫يف ا‪ٟ‬ترارة و‪ٛ‬تى وغَت ذلك وهم ال‬ ‫يعرفون السبب ‪ . .‬فلما ارتىق‬ ‫العلم وأذن اهلل ‪٠‬تلقه أن يروا هذا‬ ‫الوجود للجراثيم ‪ . .‬جعل اهلل‬ ‫العقول قادرة عىل أن تكتشف‬ ‫ا‪١‬تجهر ‪ . .‬الذي يعطؼنا الصورة‬

‫مكربة ‪ . .‬ألن العُت قدرهتا‬ ‫البصرية أقل من أن تدرك هذه‬ ‫ا‪١‬تخلوقات الدقيقة ‪ . .‬فلما‬ ‫اكتشف العلم ا‪١‬تجهر‪ . .‬استطعنا‬ ‫أن نرى هذا ا‪ٞ‬تراثيم ‪ . .‬ونعرف‬ ‫أن ‪٢‬تا دورة حياة وتكاثر إىل غَت ما‬ ‫يكشفه اهلل لنا من علم كما تقدم‬

‫الزمن ‪. .‬‬ ‫إن عدم قدرتنا عىل رؤية أي شيء ال‬ ‫يعٍت أنه غَت موجود ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن آلة اإلدراك وهي البصر‬ ‫عاجزة عن أن تراه ‪ ،‬ألنه غاية يف‬ ‫الصغر ‪ . .‬فاذا جئت با‪١‬تجهر كرب‬ ‫لك هذا ا‪١‬تيكروب ليدخل يف‬

‫نطاق وسيلة رؤيتك وهي العُت ‪. .‬‬ ‫ورؤيؾنا للجراثيم وا‪١‬تيكروبات‬ ‫لؼست دليبل عىل أهنا خلقت ساعة‬ ‫رأيناها ‪ . .‬بل هي موجودة تؤدي‬ ‫مهمتها ‪ . .‬سواء رأيناها أو لم نرها‬ ‫‪.‬‬ ‫فلو حدثنا أحد عن ا‪١‬تيكروبات‬

‫وا‪ٞ‬تراثيم قبل أن نراها رؤية‬ ‫العُت ‪ . .‬هل كنا نصدق؟ ‪ . .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ترك بعض خلقه‬ ‫غَت مدرك يف زمنه لبعض حقائق‬ ‫الكون لَتتقي االنسان ويدرك‬ ‫بعد ذلك ‪ . .‬وكان ا‪١‬تفروض أنه‬ ‫يزداد اٯتانا ‪ . .‬عندما يدرك‬

‫وليعرف ا‪٠‬تلق بالدليل ا‪١‬تادي أن ما‬ ‫هو غيب عنهم موجود وان كنا ال‬ ‫نراه ‪. .‬‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل قد أعطانا من‬ ‫آياته يف الكون ما ‪٬‬تعلنا ندرك أن‬ ‫‪٢‬تذا الكون خالقا ‪ . .‬فالشمس‬ ‫والقمر والنجوم واألرض‬

‫واالنسان وا‪ٟ‬تيوان وا‪ٞ‬تماد ال‬ ‫يستطيع أحد أن يدعي انه خلقهم‬ ‫‪ . .‬وال أحد ٯتكن أن يدعي أنه‬ ‫خلق نفسه أو غَته ‪ . .‬وال ٯتكن‬ ‫‪٢‬تذا الكون بهذا النظام الدقيق أن‬ ‫يوجد مصادفة؛ ألن ا‪١‬تصادفات‬ ‫أحداث غَت مرتبة أو غَت منظمة ‪.‬‬

‫‪ .‬ولو وجد هذا الكون بالصدفة‬ ‫لتصادمت الشمس والقمر‬ ‫والنجوم واألرض والختل الليل‬ ‫والنهار ‪. .‬‬ ‫ولكن كل ما يف الكون من آيات‬ ‫يؤكد لنا أن هناك قوة هائلة هي‬ ‫اليت خلقت ونظمت وأبدعت ‪. .‬‬

‫فإذا جاءنا رسول يبلغنا أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل هو الذي خلق هذا‬ ‫الكون فبلبد أن نصدقه ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ويقِ‬ ‫ون الصبلة } ‪ . .‬والصبلة‬ ‫يم َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫هي إدامة والء العبودية للحق تبارك‬ ‫وتعاىل وهي ال تسقط عن االنسان‬

‫أبدا ‪ . .‬فاالنسان يصيل وهو واقف‬ ‫‪ ،‬فإن لم يستطع يصلي وهو جالس‬ ‫‪ .‬فإن لم يستطع ‪ ،‬فيصلي وهو راقد‬ ‫‪ . .‬وال تسقط الصبلة عن االنسان‬ ‫من ساعة التكليف إىل ساعة الوفاة‬ ‫كل يوم ‪ٜ‬تس مرات ‪. .‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬و‪٦‬تَّا‬

‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬وحُت‬ ‫َرزَقْن َ ُاه ْم يُنْف ُق َ‬ ‫نتكلم عن الرزق يظن كثَت من‬ ‫الناس أن الرزق هو ا‪١‬تال ‪ . .‬نقول‬ ‫له ال ‪ . .‬الرزق هو ما ينتفع به فالقوة‬ ‫رزق ‪ ،‬والعلم رزق ‪ ،‬وا‪ٟ‬تكمة رزق‬ ‫‪ ،‬والتواضع رزق ‪ . .‬وكل ما فيه‬ ‫حركة للحياة رزق ‪ . .‬فإن لم يكن‬

‫عندك مال لؾنفق منه فعندك عافية‬ ‫تعمل بها لتحصل عىل ا‪١‬تال‪. .‬‬ ‫وتتصدق بها عىل العاجز وا‪١‬تريض‪.‬‬ ‫‪ .‬وان كان عندك حلم ‪ . .‬فإنك‬ ‫تنفقه بأن تقي األ‪ٛ‬تق من‬ ‫تصرفات قد تؤذي ا‪١‬تجتمع‬ ‫وتؤذيك ‪ . .‬وان كان عندك علم‬

‫انفقه لتعلم ا‪ٞ‬تاهل ‪ . .‬وهكذا‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫نرى ‪َ { :‬و‪٦‬تَّا َرزَقْن َ ُاه ْم يُنْف ُق َ‬ ‫تستوعب ‪ٚ‬تيع حركة ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ك َو َما‬ ‫ون ِٔتَا أُن ْ ِز َل إِلَي ْ َ‬ ‫َوال َّ ِذي َن يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ك َوبِ ْاآل ِخ َر ِة ُه ْم‬ ‫أُن ْ ِز َل ِم ْن قَبْلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)4‬‬ ‫يُوق ُن َ‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف هذه اآلية‬ ‫الكرٯتة يعطؼنا صفات أخرى من‬ ‫صفات ا‪١‬تؤمنُت ‪ . .‬فبعد أن ابلغنا‬ ‫أن من صفات ا‪١‬تؤمنُت االٯتان‬ ‫بالغيب واقامة الصبلة واالنفاق ‪٦‬تا‬ ‫رزقهم اهلل ‪ . .‬يأيت بعد ذلك اىل‬ ‫صفات أخرى ‪. .‬‬

‫فهؤالء ا‪١‬تؤمنون هم ‪ { :‬والذين‬ ‫ِ‬ ‫ك } أي‬ ‫ون ِٔتَآ أُن ْ ِز َل إِلَي ْ َ‬ ‫يُ ْؤم ُن َ‬ ‫بالقرآن الكريم الذي أنزله اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬و « ٔتا أنزل من‬ ‫قبلك » وهذه لم تأت يف وصف‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت إال يف القرآن الكريم ‪. .‬‬ ‫ذلك أن االسبلم عندما جاء كان‬

‫عليه أن يواجه صنفُت من الناس ‪.‬‬ ‫‪ .‬الصنف األول هم الكفار وهم ال‬ ‫يؤمنون باهلل وال برسول مبلغ عن‬ ‫اهلل ‪ . .‬وكان هناك صنف آخر من‬ ‫الناس ‪ . .‬هم أهل الكتاب يؤمنون‬ ‫باهلل ويؤمنون برسل عن اهلل‬ ‫وكتب عن اهلل ‪. .‬‬

‫واالسبلم واجه الصنفُت ‪ . .‬ألن‬ ‫أهل الكتاب رٔتا ظنوا أهنم عىل‬ ‫صلة باهلل ‪ . .‬يؤمنون به ويتلقون‬ ‫منه كؾبا ويؾبعون رسبل وهذا يف‬ ‫نظرهم كاف ‪ . .‬نقول ال ‪. .‬‬ ‫فاإلسبلم جاء ليؤمن به الكافر ‪،‬‬ ‫ويؤمن به أهل الكتاب ‪ ،‬ويكون‬

‫الدين كله هلل ‪. .‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يف كؾبه اليت‬ ‫أنز‪٢‬تا أخرب عن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم وعن ا‪ٝ‬ته وأوصافه ‪. .‬‬ ‫وطلب من أهل الكتاب الذين‬ ‫سيدركون رسالته صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم أن يؤمنوا به ‪ . .‬ولقد أعىط‬

‫اهلل جل جبلله أوصاف رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ألهل الكتاب‬ ‫حىت إهنم كانوا يعرفونه كما‬ ‫يعرفون أبناءهم ‪ . .‬بل كانت‬ ‫معرفتهم لرسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم وزمنه وأوصافه معرفة‬ ‫يقينية ‪ . .‬وكان يهود ا‪١‬تدينة‬

‫يقولون للكفار ‪ . .‬أ َ َط َّل زمن‬ ‫رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد‬ ‫وإرم ‪ . .‬فلما جاء رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم كانوا أول من حاربه‬ ‫وأنكر نبوته ‪ . .‬فأوصاف رسول‬ ‫اهلل عليه الصبلة والسبلم موجودة‬ ‫يف التوراة واال‪٧‬تيل ‪ . .‬ولذلك كان‬

‫أهل الكتاب ينذرون الكفار بأهنم‬ ‫سيؤمنون بالرسول ا‪ٞ‬تديد‬ ‫ويسودون به العرب ‪ . .‬واقرأ قول‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اب ِّم ْن ِعن ِد اهلل‬ ‫{ َو َ‪١‬تَّا َجآءَ ُه ْم كت َ ٌ‬ ‫ُم َص ِ ّد ٌق ِ ّ‪١‬تَا َمعَ ُه ْم َوكَانُوا ْ ِمن قَب ْ ُل‬ ‫ِ‬ ‫ون عَىلَ الذين َك َف ُروا ْفَل َ َّما‬ ‫ي َ ْست َ ْفت ُح َ‬

‫َجآءَ ُه ْم َّما َع َر ُفوا ْ َك َف ُروا ْبِ ِه فَلَعْن َ ُة‬ ‫اهلل عَىلَ الكافرين } ػ البقرة ‪89 :‬‬ ‫]‬ ‫أي أن رسالة ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم لم تكن مفاجئة ألهل‬ ‫الكتاب بل كانوا ينتظروهنا‪. .‬‬ ‫كانوا يؤكدون أهنم سيؤمنون بها‬

‫كما تأمرهم بها كؾبهم ‪. .‬‬ ‫ولكنهم رفضوا االٯتان وأنكروا‬ ‫الرسالة عندما جاء زمنها ‪. .‬‬ ‫ثم يقول سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون } ونبلحظ‬ ‫وباآلخرة ُه ْم يُوق ُن َ‬ ‫هنا أن كلمة ( وباآلخرة ) قد جاءت‬ ‫‪ . .‬ألنك اذا تصفحت التوراة اليت‬

‫هي كتاب اليهود ‪ ،‬أو قرأت التلمود‬ ‫ال ٕتد شؼئا عن اليوم اآلخر ‪.‬‬ ‫‪ .‬فقد أخذوا األمر ا‪١‬تادي فقط من‬ ‫كؾبهم ‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل أكد‬ ‫االيمان باليوم اآلخر حىت عرف‬ ‫الذين يقولون آمنا باهلل وكؾبه‬ ‫ورسله وال يلتفتون اىل اليوم اآلخر‬

‫أهنم لؼسوا ٔتؤمنُت ‪ . .‬فلو لم ‪٬‬تئ‬ ‫هذا الوصف يف القرآن الكريم‬ ‫رٔتا قالوا إن االسبلم موافق ‪١‬تا‬ ‫عندنا ‪ . .‬ولكن اهلل جل جبلله‬ ‫يريد تصوير االٯتان تصويرا‬ ‫كماليا بأن االٯتان باهلل قمة‬ ‫ابتداء واالٯتان باليوم اآلخر قمة‬

‫انتهاء ‪ . .‬فمن لم يؤمن باآلخرة‬ ‫وأنه سيلىق اهلل وسيحاسبه ‪ . .‬وأن‬ ‫هناك جنة ينعم فيها ا‪١‬تؤمن ‪ ،‬ونارا ً‬ ‫يعذب فيها الكافر يكون اٯتانه‬ ‫ناقصا ‪ . .‬ويكون قد اقًتب من‬ ‫الكافر الذي جعل الدنيا غايته‬ ‫وهدفه ‪. .‬‬

‫فا‪١‬تؤمن يؾبع منهج اهلل يف الدنيا‬ ‫لؼستحق نعيم اهلل يف اآلخرة‪ . .‬فلو‬ ‫أن اآلخرة لم تكن موجودة ‪ ،‬لكان‬ ‫الكافر أكثر حظا من ا‪١‬تؤمن يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫‪ . .‬ألنه أخذ من الدنيا ما يشتهيه‬ ‫ولم يقيد نفسه ٔتنهج ‪ ،‬بل أطلق‬ ‫لشهواته العنان ‪ . .‬بؼنما ا‪١‬تؤمن‬

‫قَي َّ َد حركته يف ا‪ٟ‬تياة طبقا ‪١‬تنهج اهلل‬ ‫وتعب يف سؽيل ذلك ‪ .‬ثم ٯتوت‬ ‫االثنان ولؼس بعد ذلك شيء ‪. .‬‬ ‫فيكون الكافر هو الفائز بنعم الدنيا‬ ‫وشهواهتا ‪ .‬وا‪١‬تؤمن ال يأخذ شؼئا ‪.‬‬ ‫واألمر هنا ال يستقيم بالنسبة‬ ‫لقضية االٯتان ‪ . .‬ولذلك كان‬

‫االٯتان باهلل قمة االٯتان بداية‬ ‫واالٯتان باآلخرة قمة االٯتان‬ ‫هناية ‪.‬‬

‫ك‬ ‫ك عَىلَ ُه ًدى ِم ْن َر ِبّ ِه ْم َوأُولَئِ َ‬ ‫أُولَئِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)5‬‬ ‫ُه ُم ا ْ‪١‬تُ ْفل ُح َ‬

‫قوله تعاىل ‪ ( :‬أولئك ) اشارة اىل‬ ‫الذين تنطبق عليهم كل الصفات‬ ‫اليت يبؼنها اهلل سبحانه وتعاىل يف‬ ‫اآليتُت السابقتُت‪ . .‬فأولئك‬ ‫الذين تنطبق عليهم هذه الصفات‬ ‫وصلوا اىل ا‪٢‬تدى أي اىل الطريق‬ ‫ا‪١‬توصل لإلٯتان ‪ . .‬ووصلوا إىل‬

‫الفبلح ‪ ،‬وهو ا‪٢‬تدف من اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬أولئك عىل ُه ًدى‬ ‫ِّمن َّربِّ ِه ْم وأولئك ُه ُم ا‪١‬تفلحون }‬ ‫تشمل ا‪ٞ‬تميع ‪. .‬‬ ‫ولكن ‪١‬تاذا استخدم اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل { أولئك } مرتُت؟ تلك‬ ‫من ببلغة القرآن الكريم ‪ ،‬و‪١‬تاذا‬

‫دمج ا‪٠‬تربين بعضهما مع بعض؟‬ ‫حىت نعرف أنه لؼس يف االسبلم‬ ‫إٯتانان بل إٯتان واحد يًتتب‬ ‫عليه جزاء واحد ‪ . .‬وسيلته ا‪٢‬تدى‬ ‫‪ ،‬وغايته الفبلح ‪ . .‬ولو نظر اىل‬ ‫التكليفات اليت هي ا‪٢‬تدى ا‪١‬توصلة‬ ‫اىل الغاية ‪٧‬تد أن اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫رفع ا‪١‬تهتدي عىل ا‪٢‬تدى ‪ . .‬لنعرف‬ ‫أن ا‪٢‬تدى لم يأت ليقيد حركتك‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة ويستذلك ‪ ،‬وا‪٪‬تا جاء‬ ‫لَتفعك ‪. .‬‬ ‫إن السطحيُّت يعتقدون أن ا‪٢‬تدى‬ ‫يقيد حركة االنسان يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫وٯتنعه من ٖتقيق شهواته العاجلة ‪.‬‬

‫‪ .‬ولكن ا‪٢‬تدى يف ا‪ٟ‬تقيقة يرفع‬ ‫االنسان و٭تفظه من الضرر ‪ ،‬ومن‬ ‫غضب اهلل ‪ ،‬ومن افساد ا‪١‬تجتمع‬ ‫الذي سيكون هو أول من يعاين منه‬ ‫‪ . .‬لذلك قال تبارك وتعاىل‪ { :‬عىل‬ ‫ُه ًدى } ‪. .‬‬ ‫و ( عىل ) تفيد االستعبلء ‪ .‬فاذا قلت‬

‫أنت عىل ا‪ٞ‬تواد فإنك تعلوه ‪ . .‬كأن‬ ‫ا‪١‬تهتدى حُت يلزم نفسه با‪١‬تنهج ال‬ ‫يذل ‪ . .‬ولكنه يرتفع اىل ا‪٢‬تدى‬ ‫ويصبح ا‪٢‬تدى يأخذه من خَت اىل‬ ‫خَت ‪ . .‬وذلك بعكس الضبللة اليت‬ ‫تأخذ االنسان اىل أسفل ‪ . .‬ولذلك‬ ‫حُت تقرأ يف القرآن الكريم قوله‬

‫تعاىل ‪َ { :‬وإِن َّآ أ َ ْو إِيَّا ُك ْم لعىل ُه ًدى أ َ ْو‬ ‫ِيف َضبل َ ٍل ُّمبِ ٍ‬ ‫ُت } ػ سبأ ‪] 24 :‬‬ ‫ترى ما يفيد االرتفاع والعلو يف‬ ‫ا‪٢‬تداية ‪ ،‬وما يفيد اال‪٩‬تفاض‬ ‫والزنول يف الضبللة؛ وإ‪٪‬تا كان العل ّو‬ ‫يف ا‪٢‬تدى ‪ . .‬ألن ا‪١‬تنهج قَي َّ َد حركة‬ ‫حياتك اعزازا لك لعلوك و‪ٝ‬تو‬

‫مقامك يف أنك ال تأخذ من بشر‬ ‫تشريعا ‪ . .‬وال تأخذ من ذاتك‬ ‫حركة ‪ . .‬وإ‪٪‬تا يرتفع بك لؾتلقي‬ ‫عن اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬وهذا علو‬ ‫كبَت ‪ . .‬ولكن عند الضبللة قال ‪:‬‬ ‫« يف ضبلل » ‪ . .‬و ( يف ) تدل عىل‬ ‫الظرفية ا‪١‬تحيطة ‪ . .‬وهو كما‬

‫وصفه اهلل سبح انه وتعاىل يف آية‬ ‫أخرى بقوله جل جبلله ‪ { :‬بىل َمن‬ ‫ب َس ِؼّئَةً َوأ َ َح َاط ْت بِ ِه خطيائته‬ ‫كَ َس َ‬ ‫فأولئك أ َ‬ ‫اب النار ُه ْم فِيهَا‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪] 81 :‬‬ ‫َخال ُد َ‬ ‫أحاطت به ا‪٠‬تطؼئة ‪ . .‬أي ال‬ ‫يستطيع أن يفلت منها ألنه‬

‫مظروف يف الضبلل ‪ . .‬وما دامت‬ ‫ا‪٠‬تطؼئة ‪٤‬تيطة به فبل ‪٬‬تد منفذا‬ ‫ألهنا ٖتكمه ‪ . .‬وما دامت ٖتكمه‬ ‫فبل ٯتكن أن يصل إىل هدى مطلقا‬ ‫‪ . .‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حؼنما قال‬ ‫‪ { :‬أولئك عىل ُه ًدى ِّمن َّربِّ ِه ْم‬ ‫وأولئك ُه ُم ا‪١‬تفلحون } ‪ . .‬اختار‬

‫لفظا عليه داللة دنيوية تقرب ا‪١‬تعٌت‬ ‫اىل السامع ‪. .‬‬ ‫ما هو الفبلح؟ ‪ . .‬ا‪١‬تعٌت العامهو‬ ‫الفوز وا ْ‪١‬تُ ْفلِ ُح هو الفائز ‪ .‬ومعٌت‬ ‫اآلية الكرٯتة أولئك هم الفائزون‬ ‫وقال ‪ « :‬هم ا‪١‬تفلحون » ‪.‬‬

‫‪ .‬ألن الفبلح مأخوذ من شق األرض‬ ‫‪ٝ‬ت َي الفبلح الذي‬ ‫للبذر ‪ . .‬ومنه ُ ِ ّ‬ ‫صفته شق األرض ورمي البذور‬ ‫فيها ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه تعاىل جاء بهذا اللفظ‬ ‫ريأن يأيت‬ ‫بالنسبة لآلخرة آلنه ي د‬ ‫لنا مع الشيء بدليله ‪ . .‬وهناك فرق‬

‫بُت أمر غؼبي عنا ال نعرفه ‪ . .‬وأمر‬ ‫غؼبي يستدل عليه ٔتشهود ‪. .‬‬ ‫فالدين يقيد حريتك يف ا‪ٟ‬تياة يف أن‬ ‫تفعل وال تفعل ‪ . .‬ومنهج اهلل جاء‬ ‫ليقول لك إفعل كذا وال تفعل كذا‬ ‫‪ .‬وكثَت من الناس يظن أن ذلك‬ ‫تقؼيد ‪ٟ‬تركة حياة ا‪١‬تؤمن واثقال‬

‫عليه ‪ . .‬ألنه أخذ منه حرية حركته‬ ‫فقيدها ‪. .‬‬ ‫ان اهلل تبارك وتعاىل حُت يقول لك‬ ‫ال تفعل ‪ . .‬معناها عند السطحيُت‬ ‫أنه ضيق عليك ما تريد أن تفعل ‪.‬‬ ‫‪ .‬وحُت يقول لك افعل ‪ . .‬معناها‬ ‫يكون قد ضيق عليك يف شيء ال‬

‫تريد أن تفعله ‪ .‬فمثبل ‪ :‬حُت‬ ‫يطلب منك الزكاة ‪ . .‬فالزكاة يف‬ ‫ظاهرها نقص ا‪١‬تال ‪ ،‬وإن كانت يف‬ ‫حقيقتها بركة و‪٪‬تاء ‪ . .‬ورسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول ‪« :‬‬ ‫ما نقصت صدقة من مال ‪ ،‬وما زاد‬ ‫اهلل عبدا بعفو إال عزا ‪ ،‬وما تواضع‬

‫أحد هلل إال رفعه »‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل اذا قيد‬ ‫حركتك يف ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬ال تظن أن هذا‬ ‫تضؼيق عليك ‪ . .‬بل ان هذا‬ ‫لفائدتك ‪ . .‬ألنه لم يأمرك‬ ‫وحدك ‪ ،‬ولكن األمر للناس ‪ٚ‬تيعا‬ ‫حُت يقول جل جبلله ‪ :‬ال تسرق ‪.‬‬

‫‪ .‬فقد قا‪٢‬تا للناس ‪ٚ‬تيعا ولذلك‬ ‫تكون أنت الرابح ‪ . .‬ألنه قيدك‬ ‫وأنت فرد من أن تسرق من غَتك‬ ‫‪ . .‬ولكنه قيد مبليُت الناس من أن‬ ‫يسرقوا منك ‪ . .‬اذن فاهلل لم يضيق‬ ‫عليك ‪ ،‬ولكنه ‪ٛ‬تى مالك من الناس‬ ‫كل الناس ‪ . .‬قيدك وأنت فرد أن‬

‫تسرق من مال غَتك ‪ ،‬وقيد‬ ‫مبليُت أن يسرقوا من مالك ‪. .‬‬ ‫فمن الفائز؟ ‪ . .‬أنت طبعا ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وأولئك ُه ُم‬ ‫ا‪١‬تفلحون } ( ا‪١‬تفلحون ) من مادة‬ ‫فلح ‪ . .‬فاذا كانت األرض صماء‬ ‫فحؼنما نشقها ونبذرها تعطي‬

‫‪٤‬تصوال عظيما ‪ ،‬العملية أخذناها‬ ‫أبا عن جد ‪ .‬فاألرض حُت تشق‬ ‫و ُتبذر ُتعطي ‪٤‬تصوال وافرا‪ . .‬واذا‬ ‫كانت هذه العملية أخذت أبا عن‬ ‫جد ‪ . .‬يأيت السؤال من الذي علم‬ ‫آدم البذر والزرع؟‪ . .‬نقول علمه‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل كما علمه‬

‫األ‪ٝ‬تاء ‪ . .‬وكما علمه ما ٯتكنه به‬ ‫أن يباشر مهمته يف األرض ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق جل جبلله لم يكن يًتك‬ ‫آدم يف حياته عىل األرض دون أن‬ ‫يعلمه ما يضمن استمرار حياته‬ ‫وحياة أوالده ‪ . .‬يعلمه عىل األقل‬ ‫بدايات ‪ . .‬ثم بعد ذلك تتطور‬

‫هذه البدايات ٔتا يكشفه اهلل من‬ ‫علمه ‪٠‬تلقه ‪ . .‬وبعد ذلك جاءت‬ ‫القرون ا‪١‬تتقدمة فاستطعنا أن‬ ‫نستخدم آالت حديثة متطورة‬ ‫تقوم بعملية ا‪ٟ‬ترث والبذر ‪. .‬‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تقيقة الثابتة اليت لم تتغَت‬ ‫منذ بداية الكون ولن تتغَت حىت‬

‫هنايته ‪ . .‬هي أن مهمة االنسان أن‬ ‫٭ترث ويضع البذرة يف األرض‬ ‫ويسقيها ‪ . .‬أما ‪٪‬تو الزرع نفسه‬ ‫فبل دخل لبلنسان فيه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكذلك الثمر الذي ينتجه ال‬ ‫عمل لئلنسان فيه ‪. .‬‬ ‫ولقد نبهنا اهلل تبارك وتعاىل اىل‬

‫هذه ا‪ٟ‬تقيقة حىت ال نغًت ْتركؾنا يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ونقول إننا ‪٨‬تن الذين نزرع ‪.‬‬ ‫‪ .‬واقرأ قول ا‪ٟ‬تق جل جبلله يف‬ ‫سورة الواقعة ‪ { :‬أَفَ َرأَي ْ ُتم َّما‬ ‫ُون * أَأ َ ُنت ْم تَ ْز َر ُعون َ ُه أ َ ْم َ‪٨‬ت ْ ُن‬ ‫َٖتْ ُرث َ‬ ‫آء ‪ٞ‬تََعَلْن َ ُاه ُح َطاما ً‬ ‫الزارعون * ل َ ْو ن َ َش ُ‬ ‫َ‬ ‫ون *‬ ‫ون * إِن َّا َ‪١‬تُغ ْ َر ُم َ‬ ‫فَ َظل ْ ُت ْم تَ َف ّك ُه َ‬

‫ون } ػ الواقعة ‪:‬‬ ‫ب َ ْل َ‪٨‬ت ْ ُن َ‪٤‬ت ْ ُرو ُم َ‬ ‫‪ ] 67-63‬وهكذا ظلت مهمة‬ ‫الفبلحة يف األرض مقتصرة عىل‬ ‫ا‪ٟ‬ترث والسقي والبذر ‪ ،‬وحؼنما‬ ‫تلىق ا‪ٟ‬تبة يف األرض ٮتلق اهلل يف‬ ‫داخلها الغذاء الذي يكفيها حىت‬ ‫تستطيع أن تأخذ غذاءها من‬

‫األرض ‪ . .‬واذا جئت ْتبة وبللتها‬ ‫ٕتد أهنا قد نبت ‪٢‬تا ساق وجذور ‪. .‬‬ ‫من أين جاء هذا النمو؟ ‪ .‬من‬ ‫تكوين ا‪ٟ‬تبة نفسه ‪ ،‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل قد قدر يف كل حبة من الغذاء‬ ‫ما يكفيها حىت تستطيع أن تتغذى‬ ‫من األرض ‪ . .‬وعىل قدر كمية‬

‫الغذاء المطلوبة يكون حجم ا‪ٟ‬تبة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وحُت تضعها يف األرض فإهنا تبدأ‬ ‫أوال بأن تغذي نفسها ‪ْ . .‬تيث‬ ‫ينبت ‪٢‬تا ساق وجذور وورقتان‬ ‫تؾنفس منهما ‪ . .‬كل هذا ال دخل‬ ‫لك فيه وال عمل لك فيه ‪ . .‬وتبدأ‬ ‫ا‪ٟ‬تبة تأخذ غذاءها من األرض‬

‫وا‪٢‬تواء ‪ . .‬لؾنمو حىت تصبح شجرة‬ ‫كبَتة تنتج الثمر من نوع البذرة‬ ‫نفسه ‪.‬‬ ‫ومن هنا جاءت كلمة ( ا‪١‬تفلحون )‬ ‫‪ . .‬ليعطؼنا ا‪ٟ‬تق جل جبلله من‬ ‫األمور ا‪١‬تادية ا‪١‬تشهودة ما يعُت‬ ‫عقولنا ا‪١‬تحدودة عىل فهم الغيب ‪. .‬‬

‫فيشبه التكليف وجزاءه يف اآلخرة‬ ‫بالبذور والفبلحة‪ . .‬أوال ألنك‬ ‫حُت ترمي بذرة يف األرض تعطيك‬ ‫بذورا كثَتة ‪. .‬‬ ‫واقرأ قول اهلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف‬ ‫{ َّمث َ ُل الذين يُنْف ُق َ‬ ‫َسؽ ِ‬ ‫ِيل اهلل كَ َمث َ ِل َحب َّ ٍة أَنؽَت َ ْت َسب ْ َع‬

‫َسنَابِ َل ِيف كُ ّ ِل ُسنبُل َ ٍة ِّمئ َ ُة َحب َّ ٍة واهلل‬ ‫ي َضا ِع ُف ِ‪١‬تَن ي َ َشآء واهلل وا ِس ٌع عَلِ‬ ‫يم‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 261 :‬‬ ‫واذا كانت األرض وهي ا‪١‬تخلوقة‬ ‫من اهلل هتبك أضعاف أضعاف ما‬ ‫أعطؼتها ‪ . .‬فكيف با‪٠‬تالق؟‪. .‬‬ ‫وكم يضاعف لك من الثواب يف‬

‫الطاعة؟ ‪ . .‬هذا هو السبب يف أن‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫وأولئك ُه ُم ا‪١‬تفلحون } ‪ . .‬حىت‬ ‫يلفؾنا ٔتادة الفبلحة ‪ . .‬وهي شيء‬ ‫موجود نراه ونشهده كل يوم ‪.‬‬ ‫وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء‬ ‫ليضاعفها لك ‪ . .‬كذلك األرض‬

‫أخذت منك حبة ولم تعطك مثل‬ ‫ما أخذت ‪ ،‬بل أعطتك با‪ٟ‬تبة‬ ‫سبعمائة حبة ‪ . .‬وهكذا نستطيع‬ ‫أن نصل بشيء مشهود يُ َف ّ ِص ُل لنا‬ ‫شؼئا غيؽيا ‪.‬‬

‫إ َِّن ال َّ ِذي َن َك َف ُروا َس َو ٌاء عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ون‬ ‫أأن ْ َذ ْرهتَ ُ ْم أ ْم ل َ ْم ُتن ْ ِذ ْر ُه ْم َال يُ ْؤم ُن َ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫وبعد ان ٖتدث ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫عن ا‪١‬تؤمنُت وصفاهتم ‪. .‬‬ ‫وجزائهم يف اآلخرة وما ينتظرهم‬ ‫من خَت كبَت ‪ . .‬اراد ان يعطؼنا‬

‫تبارك وتعاىل الصورة ا‪١‬تقابلة وهم‬ ‫الكافرون ‪ . .‬وبُت لنا ان االٯتان‬ ‫جاء ليهيمن عىل ا‪ٞ‬تميع ٭تقق ‪٢‬تم‬ ‫ا‪٠‬تَت يف الدنيا واآلخرة ‪ . .‬فبلبد أن‬ ‫يكون هناك شر ٭تاربه اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫ولوال وجود هذا الشر ‪ . .‬أكان‬ ‫هناك ضرورة لبلٯتان ‪ . .‬إن‬

‫االنسان ا‪١‬تؤمن يقي نفسه‬ ‫و‪٣‬تتمعه وعا‪١‬ته من شرور يأيت بها‬ ‫الكفر ‪ . .‬والكافرون قسمان ‪. .‬‬ ‫قسم كفر باهلل اوال ثم استمع اىل‬ ‫كبلم اهلل ‪ . .‬واستقبله بفطرته‬ ‫السليمة فاستجاب وآمن ‪. .‬‬ ‫وصنف آخر مستفيد من الكفر‬

‫ومن الطغيان ومن الظلم ومن اكل‬ ‫حقوق الناس وغَت ذلك ‪ . .‬وهذا‬ ‫الصنف يعرف ان االٯتان اذا جاء‬ ‫فانه سؼسلبه جاها دنيويا ومكاسب‬ ‫٭تققها ظلما وعدوانا ‪. .‬‬ ‫اذن الذين يقفون امام االٯتان هم‬ ‫ا‪١‬تستفيدون من الكفر ‪ . .‬ولكن‬

‫ماذا عن الذين كانوا كفارا‬ ‫واستقبلوا دين اهلل استقباال‬ ‫صحيحا ‪. .‬‬ ‫هؤالء قد تتفتح قلوبهم فيؤمنون ‪.‬‬ ‫والكفر معناه السًت ‪ . .‬ومعٌت َك َف َر‬ ‫( أي ) َس ًَت َ‪ . .‬وكفر باهلل أي سًت‬ ‫وجود اهلل جل جبلله ‪ . .‬والذي‬

‫يسًت البد ان يسًت موجودا ‪ ،‬ألن‬ ‫السًت طارئ عىل الوجود‪. .‬‬ ‫واالصل يف الكون هو االٯتان باهلل‬ ‫‪ . .‬وجاء الكفار ٭تاولون سًت وجود‬ ‫اهلل ‪ .‬فكأن األصل هو االٯتان ثم‬ ‫طرأت الغفلة عىل الناس فسًتوا‬ ‫وجود اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬لؼبقوا‬

‫عىل سلطاهنم او سيطرهتم او‬ ‫استغبل‪٢‬تم او استعبلئهم عىل‬ ‫غَتهم من البشر ‪. .‬‬ ‫ولفظ الكفر يف ذاته يدل عىل ان‬ ‫االٯتان سبق ثم بعد ذلك جاء‬ ‫الكفر ‪ . .‬كيف؟ ‪. .‬‬ ‫ألن ا‪٠‬تلق االول وهو آدم الذي‬

‫خلقه اهلل بيديه ‪ . .‬ونفخ فيه من‬ ‫روحه وأسجد له ا‪١‬تبلئكة ‪. .‬‬ ‫وعلمه اال‪ٝ‬تاء كلها ‪. .‬‬ ‫سجود ا‪١‬تبلئكة وتعليم اال‪ٝ‬تاء أمر‬ ‫مشهدي بالنسبة آلدم ‪ . .‬والكفر‬ ‫ساعتها لم يكن موجودا ‪ . .‬وكان‬ ‫ا‪١‬تفروض ان ادم بعد ان نزل اىل‬

‫االرض واستقر فيها ‪ . .‬يلقن ابناءه‬ ‫منهج عبادة اهلل ألنه نزل ومعه‬ ‫ا‪١‬تنهج يف ( افعل وال تفعل ) وكان‬ ‫عىل ابناء آدم ان يلقنوا ابناءهم‬ ‫ا‪١‬تنهج وهكذا ‪. .‬‬ ‫ولكن ٔترور الزمن جاءت الغفلة يف‬ ‫أن االٯتان يقيد حركة الناس يف‬

‫الكون ‪ . .‬فبدأ كل من يريد ان‬ ‫ٮتضع حياته لشهوة ببل قيود يتخذ‬ ‫طريق الكفر ‪ . .‬والعاقل حُت‬ ‫يسمع كلمة كفر ‪٬ . .‬تب عليه أن‬ ‫يتنبه إىل أن معناها سًت ‪١‬توجود‬ ‫واجب الوجود ‪ . .‬فكيف يكفر‬ ‫االنسان ويشارك يف سًت ما هو‬

‫موجود ‪ . .‬لذلك ٕتد ان ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬كَي ْ َف‬ ‫ون باهلل َو ُك ْ ُتن ْم أ َ ْم َواتا ً‬ ‫تَ ْك ُف ُر َ‬ ‫فَأ َ ْحيَا ُك ْم ُث َّم ُ ِٯت ُؼت ُك ْم ُث َّم ُ٭ت ْ ِؼي ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون * ُه َو الذي َخل َ َق‬ ‫ُث َّم إِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫ل َ ُك ْم َّما ِيف األرض َ‪ٚ‬تِيعا ً ُث َّم استوى‬

‫‪ٝ‬تاو ٍ‬ ‫ات‬ ‫إ َِىل السمآء فَ َس َّوا ُه َّن َسب ْ َع َ َ َ‬ ‫و ُهو بِ ُك ّ ِل َشيءٍ عَلِ‬ ‫يم }‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫ػ البقرة ‪ ] 29 :‬وهكذا يأيت هذا‬ ‫السؤال ‪ . .‬وال يستطيع الكافر له‬ ‫جوابا!! ألن اهلل هو الذي خلقه‬ ‫وأوجده ‪ . .‬وال يستطيع احد منا ان‬ ‫يدعي انه خلق نفسه او خلق غَته ‪.‬‬

‫‪ .‬فالوجود بالذات دليل عىل قضية‬ ‫االٯتان ‪ . .‬ولذلك يسأ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل كيف تكفرون باهلل‬ ‫وتسًتون وجود من خلقكم؟ ‪. .‬‬ ‫واٍفلق قضية ‪٤‬تسومة هلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ال يستطيع احد ان يدعيها ‪.‬‬ ‫‪ .‬فبل ٯتكن ان يدعي أحد أنه خلق‬

‫نفسه ‪ . .‬قضية انك موجود توجب‬ ‫االٯتان باهلل سبحانه وتعاىل الذي‬ ‫اوجدك ‪ . .‬انه عُت االستدالل عىل‬ ‫اهلل ‪ . .‬واذا نظر االنسان حوله‬ ‫فوجد كل ما يف الكون مسخر‬ ‫‪٠‬تدمته واالشياء تستجيب له فظن‬ ‫ٔترور الزمن ان له سيطرة عىل هذا‬

‫الكون ‪ . .‬ولذلك عاش ويف ذهنه‬ ‫قوة االسباب ‪ . .‬يأخذ االسباب وهو‬ ‫فاعلها فيجدها قد اعطته‬ ‫واستجابت له ‪ . .‬ولم يلتفت اىل‬ ‫خالق االسباب الذي خلق ‪٢‬تا‬ ‫قوانؼنها فجعلها تستجيب‬ ‫لبلنسان ‪ . .‬وقد اشار ا‪ٟ‬تق تبارك‬

‫وتعاىل اىل ذلك يف قوله جل جبلله ‪:‬‬ ‫{ كَبل َّإ َِّن اإلنسان ليطىغ * أَن َّر ُآه‬ ‫استغٌت } ػ العلق ‪ ] 7-6 :‬ذلك ان‬ ‫االنسان ٭ترث االرض فتعطيه‬ ‫الثمر ‪ . .‬فيعتقد انه هو الذي‬ ‫اخضع االرض ووضع ‪٢‬تا قوانؼنها‬ ‫لتعطيه ما يريد ‪ . .‬يضغط عىل زر‬

‫الكهرباء فينَت ا‪١‬تكان فيعتقد انه‬ ‫هو الذي اوجد ه ذه الكهرباء !‬ ‫يركب الطائرة ‪ . .‬وتسَت به يف ا‪ٞ‬تو‬ ‫فيعتقد انه هو الذي جعلها تطَت ‪. .‬‬ ‫وينىس ا‪٠‬تصائص اليت وضعها اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يف الغبلف ا‪ٞ‬توي‬ ‫لؼستطيع ان ٭تمل هذه الطائرة ‪. .‬‬

‫يفتح التليفزيون ويرى أمامه‬ ‫احداث العالم فيعتقد ان ذلك قد‬ ‫حدث بقدرته هو ‪ . .‬وينىس ان‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل وضع يف الغبلف‬ ‫ا‪ٞ‬توي خصائص جعلته ينقل‬ ‫الصوت والصورة من اقىص الدنيا‬ ‫اىل اقصاها يف ثوان معدودة ‪. .‬‬

‫وهكذا كل ما حولنا يظن االنسان‬ ‫انه اخضعه بذاته‪ . .‬بؼنما كل هذا‬ ‫مسخر من اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪٠‬تدمة االنسان ‪ . .‬وهو الذي خلق‬ ‫ووضع القوانُت ‪ . .‬نقول له انك لو‬ ‫فهمت معٌت ذاتية االشياء ما‬ ‫حدثتك نفسك بذلك ‪ . .‬الشيء‬

‫الذايت هو ما كان بذاتك ال يتغَت وال‬ ‫يتخلف ابدا ‪ . .‬ا‪٪‬تا االمر الذي‬ ‫لؼس بذاتك هو الذي يتغَت‪. .‬‬ ‫واذا نظرت إىل ذاتؼتك تلك اليت‬ ‫اغرتك واطغتك‪ . .‬ستفهم ان‬ ‫كلمة ذاتية هي أال تكون ‪٤‬تتاجا اىل‬ ‫غَتك بل كل شيء من نفسك ‪. .‬‬

‫وانت يف حياتك كلها لؼس لك‬ ‫ذاتية ‪ . .‬ألن كل شيء حولك متغَت‬ ‫بدون ارادتك ‪ . .‬وانت طفل‬ ‫‪٤‬تتاج إىل أبيك يف بدء حياتك ‪. .‬‬ ‫فاذا كربت وأصبح لك قوة‬ ‫واستجابت االحداث لك فإنك ال‬

‫تستطيع ان ٕتعل فًتة الشباب‬ ‫والفتوة هذه تبىق ‪.‬‬ ‫‪ .‬فالزمن ٯتلك ولكن لفًتة ‪٤‬تدودة‬ ‫‪ . .‬فاذا وصلت اىل مرحلة‬ ‫الشيخوخة فستحتاج اىل من يأخذ‬ ‫بيدك ويعؼنك ‪ . .‬رٔتا عىل ادق‬ ‫حاجاتك وهي الطعام والشراب ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫إذن فأنت تبدأ بالطفولة ‪٤‬تتاجا إىل‬ ‫غَتك ‪ . .‬وتنتهي بالشيخوخة‬ ‫‪٤‬تتاجا إىل غَتك‪ . .‬وحىت عندما‬ ‫تكون يف شبابك قد يصؼبك مرض‬ ‫يقعدك عن ا‪ٟ‬تركة ‪ . .‬فاذا كانت‬ ‫لك ذات حقيقية فأدفع هذا ا‪١‬ترض‬

‫عنك وقل لن امرض ‪ . .‬انك ال‬ ‫تستطيع ‪. .‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل اوجد هذه‬ ‫ا‪١‬تتغَتات حىت ينتهي الغرور من‬ ‫االنسان نفسه ‪ . .‬ويعرف انه قوي‬ ‫قادر ٔتا اخضع اهلل له من قوانُت‬ ‫الكون ‪ . .‬لنعلم اننا ‪ٚ‬تيعا ‪٤‬تتاجون‬

‫اىل القادر ‪ ،‬وهو اهلل سبحانه وتعاىل ‪،‬‬ ‫وان اهلل غٍت بذاته عن كل خلقه‪. .‬‬ ‫يغَت وال يتغَت ‪ . .‬ٯتيت وهو دائم‬ ‫الوجود ‪٬ . .‬تعل من بعد قوة ضعفا‬ ‫وهو القوي دائما ‪ . .‬ما عند الناس‬ ‫ينفد وما عنده تبارك وتعاىل ال ينفد‬ ‫أبدا ً‪ . .‬هو اهلل يف السماوات‬

‫واألرض ‪.‬‬ ‫اذن فلؼست لك ذاتية حىت تدعي‬ ‫انك اخضعت الكون بقدراتك ‪. .‬‬ ‫النه لؼس لك قدرة ان تبىق عىل‬ ‫حال واحد وٕتعله ال يؾبدل وال‬ ‫يتغَت ‪ . .‬فكيف تكفر باهلل تبارك‬ ‫وتعاىل وتسًت وجوده ‪ . .‬كل ما يف‬

‫الكون وما يف نفسك شاهد ودليل‬ ‫عىل وجود ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬ ‫قلنا ان الكافرين صنفان ‪ . .‬صنف‬ ‫كفر باهلل وعندما جاء ا‪٢‬تدى حكم‬ ‫عقله وعرف ا‪ٟ‬تق فآمن ‪. .‬‬ ‫والصنف اآلخر مستفيد من الكفر‬ ‫‪ . .‬ولذلك فهو متشبث به مهما‬

‫جاءه من االٯتان واالدلة االٯتانية‬ ‫فإنه يعاند ويكفر ‪ . .‬النه يريد ان‬ ‫٭تتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه‬ ‫القائم عىل الظلم والطغيان‪ . .‬وال‬ ‫يقبل ان ُ‪٬‬ت َ َّردَمنهما ولو با‪ٟ‬تق ‪. .‬‬ ‫هذا الصنف هو الذي قال عنه اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬إ َِّن الذين َك َف ُروا ْ‬

‫آء عَلَي ْ ِه ْم أَأَن َذ ْرهتَ ُ ْم أ َ ْم ل َ ْم‬ ‫َس َو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫ُتن ْ ِذ ْر ُه ْم ال َيُ ْؤم ُن َ‬ ‫إهنم لم يكفروا ألن ببلغا عن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لم يصلهم‪ . .‬ولم‬ ‫يكفروا ألهنم يف حاجة اىل ان‬ ‫يلفتهم رسول او نبي اىل منهج اهلل ‪.‬‬ ‫‪ .‬هؤالء اٗتذوا الكفر صناعة‬

‫ومنهج حياة ‪ . .‬فهم مستفيدون‬ ‫من الكفر ألنه جعلهم سادة والهنم‬ ‫متميزون عن غَتهم بالباطل ‪. .‬‬ ‫والهنم لو جاء االٯتان الذي يساوي‬ ‫بُت الناس ‪ٚ‬تيعا ويرفض الظلم ‪،‬‬ ‫ألصبحوا أشخاصا عاديُت غَت‬ ‫‪٦‬تيزين يف أي شيء ‪. .‬‬

‫ه ذا الكافر الذي اٗتذ الكفر طريقا‬ ‫‪ٞ‬تاه الدنيا وزخرفها ‪ . .‬سواء‬ ‫أنذرته أو لم تنذره فانه لن يؤمن ‪.‬‬ ‫‪ .‬انه يريد الدنيا اليت يعؼش فيها ‪.‬‬ ‫‪ .‬بل ان هؤالء هم الذين يقاومون‬ ‫الدين و٭تاربون كل من آمن ‪. .‬‬ ‫ألهنم يعرفون ان االٯتان‬

‫سؼسلبهم ‪٦‬تيزات كثَتة ‪. .‬‬ ‫ولذلك فإن عدم ايماهنم لؼس عن‬ ‫ان منهج االٯتان لم يبلغهم ‪ . .‬او‬ ‫ان أحدا لم يلفتهم اىل ايات اهلل يف‬ ‫األرض ‪ . .‬ولكن ألن حياهتم‬ ‫قائمة ومبنية عىل الكفر ‪.‬‬

‫‪ٝ‬تعِ ِه ْم‬ ‫اّلل عَىلَ ُقلُو ِب ِه ْم َوعَىلَ َ ْ‬ ‫َخت َ َم َّ ُ‬ ‫وعَىلَ أَب ْ َصا ِر ِهم ِ‬ ‫اب‬ ‫ش‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫اوةٌ َو َ‪٢‬ت ُ ْم ع َ َذ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)7‬‬ ‫َعظ ٌ‬ ‫وكما اعطانا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫أوصاف ا‪١‬تؤمنُت يعطؼنا صفات‬ ‫الكافرين ‪ . .‬وقد يؾساءل بعض‬ ‫الناس إذا كان هذا هو حكم اهلل عىل‬

‫الكافرين؟ فلماذا يطلب رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم اإلٯتان منهم‬ ‫وقد ختم اهلل عىل قلوبهم؟! ومعٌت‬ ‫ا‪٠‬تتم عىل القلب هو حكم بأال ّ‬ ‫ٮترج من القلب ما فيه من الكفر ‪.‬‬ ‫‪ .‬وال يدخل إليه اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫نقول أن اهلل سبحانه وتعاىل غٍت عن‬

‫العا‪١‬تُت ‪ . .‬فإن استغٌت بعض خلقه‬ ‫عن اإلٯتان واختاروا الكفر ‪. .‬‬ ‫فإن اهلل يساعده عىل االستغناء وال‬ ‫يعؼنه عىل العودة إىل اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫ولذلك فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول يف حديث قدسي ‪:‬‬ ‫أنعند ظن عبدي يب وأنا معه‬ ‫« ا‬

‫حُت يذكرين ‪ . .‬فإن ذكرين يف‬ ‫نفسه ‪ ،‬ذكرته يف نفسي ‪ ،‬وإن‬ ‫ذكرين يف مؤل ذكرته يف مؤل خَت منه ‪،‬‬ ‫وإن اقًتب إيل شربا تقربت إليه‬ ‫ذراعا ‪ ،‬وإن اقًتب إيل ذراعا‬ ‫اقًتبت إليه باعا وإن أتاين ٯتشي‬ ‫أتؼته هرولة » ‪.‬‬

‫وقد وضح ا‪ٟ‬تديث القدسي أن اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل يعُت ا‪١‬تؤمنُت عىل‬ ‫اإلٯتان ‪ ،‬وأن اهلل جل جبلله كما‬ ‫يعُت ا‪١‬تؤمنُت عىل اإلٯتان ‪ . .‬فإنه‬ ‫ال يهمه أن يأيت العبد إىل اإلٯتان أو‬ ‫ال يأيت ‪ . .‬ولذلك ‪٧‬تد القرآن دقيقا‬ ‫و‪٤‬تكما بأن من كفروا قد اختاروا‬

‫الكفر بإرادهتم ‪ .‬واخؾيارهم‬ ‫للكفر كان أوال قبل أن ٮتتم اهلل‬ ‫عىل قلوبهم ‪ . .‬وا‪٠‬تالق جل جبلله‬ ‫أغٌت الشركاء عن الشرك‪ . .‬ومن‬ ‫أشرك به فإنه يف غٌت عنه ‪.‬‬ ‫إن الذين كفروا ‪ . .‬أي سًتوا‬ ‫اإلٯتان باهلل ورسوله ‪ . .‬هؤالء‬

‫ٮتتم اهلل بكفرهم عىل آالت‬ ‫اإلدراك كلها ‪ . .‬القلب والسمع‬ ‫والبصر ‪ .‬والقلب أداة إدراك غَت‬ ‫ظاهرة ‪ . .‬وقد قدم اهلل القلب عىل‬ ‫السمع والبصر يف تلك اآلية ألنه‬ ‫يريد أن يعلمنا منافذ اإلدراك ‪. .‬‬ ‫ويف القرآن الكريم يقول ا‪ٟ‬تق‬

‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬واهلل أ َ ْخ َر َج ُكم‬ ‫ِّمن ُب ُط ِ ِ‬ ‫ون َشؼْئا ً‬ ‫ون أُ َّمهَات ُك ْم ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫َو َجعَ َل ل َ ُك ُم السمع واألبصار‬ ‫ون } ػ‬ ‫واألفئدة لَعَل َّ ُك ْم تَ ْش ُك ُر َ‬ ‫النحل ‪] 78 :‬‬ ‫وهكذا يعلمنا اهلل أن منافذ العلم‬ ‫يف اإلنسان هي السمع واألبصار‬

‫واألفئدة ‪ . .‬ولكن يف اآلية الكرٯتة‬ ‫اليت ‪٨‬تن بصددها قدم اهلل القلوب‬ ‫عىل السمع واألبصار‪ . .‬أن اهلل‬ ‫يعلم أهنم اختاروا الكفر‪ . .‬وكان‬ ‫هذا االخؾيار قبل أن ٮتتم اهلل عىل‬ ‫قلوبهم ‪ . .‬وا‪٠‬تتم عىل القلوب ‪. .‬‬ ‫معناه أنه ال يدخلها إدراك جديد‬

‫وال ٮترج منها إدراك قديم ‪. .‬‬ ‫ومهما رأت العُت أو ‪ٝ‬تعت األذن ‪.‬‬ ‫‪ .‬فبل فائدة من ذلك ألن هذه‬ ‫القلوب ‪٥‬تتومة ٓتاتم اهلل بعد أن‬ ‫اختار أصحابها الكفر وأصروا‬ ‫عليه ‪ . .‬ويف ذلك يصفهم ا‪ٟ‬تق جل‬ ‫جبلله ‪ُ { :‬ص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم ال َ‬

‫ِ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪] 18 :‬‬ ‫ي َ ْرج ُع َ‬ ‫ولكن ‪١‬تاذا فقدوا كل أدوات‬ ‫اإلدراك هذه؟ ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألن الغشاوة التفت حول القلوب‬ ‫الكافرة ‪ ،‬فجعلت العيون عاجزة عن‬ ‫تأمل آيات اهلل ‪ . .‬والسمع غَت‬ ‫قادر عىل التلقي من رسول اهلل صىل‬

‫اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫إذن فهؤالء الذين اختاروا الكفر‬ ‫وأصروا عليه وكفروا باهلل رغم‬ ‫رساالته ورسله وقرآنه ‪ . .‬ماذا‬ ‫يفعل اهلل بهم؟ أنه يتخىل عنهم ‪.‬‬ ‫وألنه سبحانه وتعاىل غٍت عن‬ ‫العا‪١‬تُت فإنه يؼسر ‪٢‬تم الطريق‬

‫الذي مشوا فيه ويعؼنهم عليه ‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪َ { :‬و َمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ُه َل‬ ‫يَعْ ُش َعن ذ ْك ِر الر‪ٛ‬تن ن ُ َقي ّ ْ‬ ‫َشي ْ َطانا ًفَ ُه َو ل َ ُه قَرِي ٌن } ػ الزخرف ‪:‬‬ ‫‪] 36‬‬ ‫ويقول جل جبلله ‪َ { :‬ه ْل أُنَؽ ّ ُِئ ُك ْم‬ ‫زن ُل عىل‬ ‫زن ُل الشياطُت * تَ َ َّ‬ ‫عىل َمن تَ َ َّ‬

‫كُ ّ ِل أ َ َّف ٍ‬ ‫اك أَثِ ٍ‬ ‫يم } ػ الشعراء ‪:‬‬ ‫‪] 222-221‬‬ ‫ومن عظمة علم اهلل تبارك وتعاىل‬ ‫أنه يعلم ا‪١‬تؤمن ويعلم الكافر ‪. .‬‬ ‫دون أن يكون جل جبلله تدخل يف‬ ‫اخؾيارهم ‪ . .‬فعندما بعث اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل نوحا عليه السبلم ‪.‬‬

‫‪ .‬ودعا نوح إىل منهج اهلل تسعمائة‬ ‫و‪ٜ‬تسُت عاما ‪ .‬وقبل أن يأيت‬ ‫الطوفان علم اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫أنه لن يؤمن بنوح عليه السبلم إال‬ ‫من آمن فعبل ‪ . .‬فطلب اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل من نوح أن يبٍت السفؼنة‬ ‫لؼنجو ا‪١‬تؤمنون من الطوفان ‪. .‬‬

‫واقرأ قوله جل جبلله ‪َ { :‬وأُو ِح َي‬ ‫ك إِال َّ‬ ‫إىل نُو ٍح أَن ّ َُه لَن يُ ْؤ ِم َن ِمن قَ ْو ِم َ‬ ‫َمن قَ ْد آ َم َن فَبل َتَبْت َ ِػ ْس ِٔتَا كَانُوا ْ‬ ‫ون * واصنع الفلك بِأَعْي ِننَا‬ ‫ي َ ْفعَل ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َو َو ْح ِؼنَا َوال َ ُٗتَا ِطؽ ْ ٍِت ِيف الذين ظ‪١‬توا‬ ‫ون } ػ هود ‪37-36 :‬‬ ‫إ َِّهن ُ ْم ُّمغ ْ َر ُق َ‬ ‫]‬

‫وهكذا نرى أنه من عظمة علم‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬أنه يعلم من‬ ‫سيصر عىل الكفر وأنه سيموت‬ ‫كافرا ‪ . .‬وإذا كانت هذه هي‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة فلماذا يطلب اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل من رسوله صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم أن يبلغهم با‪١‬تنهج‬

‫وبالقرآن؟ ‪ . .‬ليكونوا شهداء عىل‬ ‫أنفسهم يوم القيامة ‪ . .‬فبل يأيت‬ ‫هؤالء الناس يوم ا‪١‬تشهد العظيم‬ ‫و‪٬‬تادلون بالباطل ‪ . .‬أنه لو بلغهم‬ ‫ا‪٢‬تدى ودعاهم رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم آلمنوا ‪ . .‬ولكن ‪١‬تاذا‬ ‫ٮتتم اهلل جل جبلله عىل قلوبهم؟ ‪.‬‬

‫‪ .‬ألن القلب هو مكان العقائد ‪. .‬‬ ‫ولذلك فإن القضية تناقش يف‬ ‫العقل فإذا انتهت مناقشتها واقؾنع‬ ‫بها اإلنسان ٘تاما ًفإهنا تستقر يف‬ ‫القلب وال تعود إىل الذهن مرة‬ ‫أخرى وتصبح عقيدة وإٯتانا ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬

‫فَإ َِّهنَا ال َتَعْ َىم األبصار ولكن تع ىم‬ ‫القلوب اليت ِيف الصدور } ػ ا‪ٟ‬تج ‪:‬‬ ‫‪] 46‬‬ ‫وإذا ع ىم القلب عن قضية اإلٯتان‬ ‫‪ . .‬فبل عُت ترى آيات اإلٯتان‪. .‬‬ ‫وال أذن تسمع كبلم اهلل ‪ . .‬وهؤالء‬ ‫الذين اختاروا الكفر عىل اإلٯتان‬

‫‪٢‬تم يف اآلخرة عذاب عظيم ‪. .‬‬ ‫ولقد وصف اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫العذاب بأنه أليم ‪ . .‬وبأنه مهُت ‪.‬‬ ‫‪ .‬وبأنه عظيم ‪ . .‬العذاب األليم‬ ‫هو الذي يسبب أ‪١‬تا شديدا ‪. .‬‬ ‫والعذاب ا‪١‬تهُت هو الذي يأيت‬ ‫ألولئك الذين رفعهم اهلل يف الدنيا‬

‫‪ . .‬وأحيانا تكون اإلهانة أشد‬ ‫إيبلما للنفس من ألم العذاب‬ ‫نفسه ‪ . .‬أولئك الذين كانوا أئمة‬ ‫الكفر يف الدنيا ‪ . .‬يأيت بهم اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل يوم القيامة أمام من‬ ‫اتبعوهم فيهؼنهم ‪ . .‬أما العذاب‬ ‫العظيم فإنه منسوب إىل قدرة اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ألنه بقدرات‬ ‫البشر تكون القوة ‪٤‬تدودة ‪ . .‬أما‬ ‫بقدرات اهلل جل جبلله تكون‬ ‫القوة ببل حدود ‪ . .‬ألن كل فعل‬ ‫يؾناسب مع فاعله ‪ . .‬وقدرة اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل عظيمة يف كل فعل ‪.‬‬

‫‪ .‬ؤتا أن العذاب من اهلل جل‬ ‫جبلله فإنه يكون عذابا عظيما ‪.‬‬ ‫اس َم ْن ي َ ُقول آمنَّا بِ َ ِ‬ ‫َو ِم َن النَّ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫وبِالْيو ِم ْاآل ِخ ِر وما ُهم ِٔت ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ ْ ُ َ‬ ‫(‪)8‬‬

‫الناس يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا عىل ثبلثة‬ ‫أحوال ‪ :‬إما مؤمن ‪ ،‬وإما كافر ‪ ،‬وإما‬ ‫منافق ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يف بداية‬ ‫القرآن الكريم يف سورة ق‬ ‫البرة ‪. .‬‬ ‫أراد أن يعطؼنا وصف البشر ‪ٚ‬تيعا‬ ‫بالنسبة للمنهج وأهنم ثبلث فئات‬

‫‪ :‬الفئة األوىل هم ا‪١‬تؤمنون ‪َ ،‬ع َّرفنا‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل صفاهتم يف‬ ‫ثبلث آيات ‪ ،‬يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫يم َ‬ ‫{ الذين يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون بالغيب َويُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون *‬ ‫الصبلة َو‪٦‬تَّا َرزَقْن َ ُاه ْم يُنْف ُق َ‬ ‫ِ‬ ‫ك َو َمآ‬ ‫ون ِٔتَآ أُن ْ ِز َل إِلَي ْ َ‬ ‫والذين يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ك وباآلخرة ُه ْم‬ ‫أُن ْ ِز َل ِمن قَبْلِ َ‬

‫ِ‬ ‫ون * أولئك عىل ُه ًدى ِّمن‬ ‫يُوق ُن َ‬ ‫َّربِّ ِه ْم وأولئك ُه ُم ا‪١‬تفلحون }‬ ‫والفئة الثانية هم الكفار ‪ ،‬وعرفنا‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل صفاهتم يف‬ ‫آيتُت يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫آء عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫{ إ َِّن الذين َك َف ُروا ْ َس َو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ون‬ ‫أأن َذ ْرهتَ ُ ْم أ ْم ل َ ْم ُتن ْ ِذ ْر ُه ْم ال َيُ ْؤم ُن َ‬

‫‪ٝ‬تعِ ِه ْم‬ ‫هم وعىل َ ْ‬ ‫* َخت َ َم اهلل عىل ُقلُوبِ ْ‬ ‫وعىل أَب ْ َصا ِر ِهم ِ‬ ‫اب‬ ‫ش‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫اوةٌ َو َ‪٢‬ت ُ ْم ع َ َذ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫يم }‬ ‫عظ ٌ‬ ‫وجاء للمنافقُت فعرف صفاهتم يف‬ ‫ثبلث عشرة آية مؾتابعة ‪١ ،‬تاذا‪. .‬‬ ‫؟ ‪٠‬تطورهتم عىل الدين ‪ ،‬فالذي‬ ‫يهدم الدين هو ا‪١‬تنافق ‪ ،‬أما الكافر‬

‫فنحن نتقيه و‪٨‬تذره ‪ ،‬ألنه يعلن‬ ‫كفره ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تنافق ‪ ،‬يتظاهر أمامك‬ ‫باإلٯتان ‪ ،‬ولكنه يبطن الشر‬ ‫والكفر ‪ ،‬وقد ٖتسبه مؤمنا ‪ ،‬فتطلعه‬ ‫عىل أسرارك ‪ ،‬فؼتخذها سبلحا‬ ‫لطعن الدين ‪ . .‬وقد خلق اهلل يف‬

‫اإلنسان ملكات متعددة ‪ ،‬ولكن‬ ‫يعؼش اإلنسان يف سبلم مع نفسه ‪،‬‬ ‫البد أن تكون ملكاته منسجمة‬ ‫وغَت مؾناقضة ‪.‬‬ ‫فا‪١‬تؤمن ملكاته منسجمة ‪ ،‬ألنه‬ ‫اعتقد بقلبه يف اإلٯتان ونطق‬ ‫لسانه ٔتا يعتقد ‪ ،‬فبل تناقض بُت‬

‫ملكاته أبدا ً‪. .‬‬ ‫والكافر قد يقال إنه يعؼش يف سبلم‬ ‫مع نفسه ‪ ،‬فقد رفض اإلٯتان‬ ‫وأنكره بقلبه ولسانه وينطق‬ ‫بذلك ‪ ،‬ولكن الذي فقد السبلم مع‬ ‫ملكاته هو ا‪١‬تنافق ‪ ،‬أنه فقد السبلم‬ ‫مع ‪٣‬تتمعه وفقد السبلم مع نفسه ‪،‬‬

‫فهو يقول بلسانه ‪ ،‬ما ال يعتقد قلبه‬ ‫‪ ،‬يظهر غَت ما يبطن ‪ ،‬ويقول غَت ما‬ ‫يعتقد ‪ ،‬وٮتىش أن يكشفه الناس ‪،‬‬ ‫فيعؼش يف خوف عميق ‪ ،‬وهو يعتقد‬ ‫أن ذلك شيء مؤقت سينتهي ‪.‬‬ ‫ولكن هذا الؾناقض يبىق معه إىل‬ ‫آخر يوم له يف الدنيا ‪ ،‬ثم ينتقل‬

‫معه إىل اآلخرة ‪ ،‬فؼنقض عليه ‪،‬‬ ‫ليقوده إىل النار ‪ ،‬واقرأ قوله تبارك‬ ‫وها َش ِه َد‬ ‫آء َ‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬حىت إِذَا َما َج ُ‬ ‫‪ٝ‬ت ُع ُه ْم َوأَب ْ َص ُار ُه ْم‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ون *‬ ‫ود ُهم ٔتَا كَانُوا ْيَعْ َمل ُ َ‬ ‫َو ُجل ُ ُ‬ ‫َوقَالُوا ْ ِ‪ٞ‬تُلُو ِد ِه ْم ل ِ َم َش ِهدتُّ ْم عَلَؼْنَا‬ ‫قالوا أ َ َنطقَنَا اهلل الذي أ َ َنط َق كُ َّل‬

‫َش ْيءٍ َو ُه َو َخل َ َق ُك ْم أ َ َّو َل َم َّر ٍة َوإِلَي ْ ِه‬ ‫ون } ػ فصلت ‪] 21-20 :‬‬ ‫ُت ْر َج ُع َ‬ ‫إذن كل ملكاهتم انقضت عليهم يف‬ ‫اآلخرة ‪ ،‬فالسبلم الذي كانوا‬ ‫يتمنونه لم ٭تققوه ال يف حياهتم وال‬ ‫يف آخرهتم ‪ ،‬فلسان ا‪١‬تنافق يشهد‬ ‫عليه ‪ ،‬ويداه تشهدان عليه ‪،‬‬

‫ورجبله تشهدان عليه ‪ ،‬وا‪ٞ‬تلود‬ ‫تشهد عليه ‪ ،‬فماذا بقي له؟‬ ‫بؼنه وبُت ربه تناقض ‪ ،‬وبؼنه وبُت‬ ‫نفسه تناقض ‪ ،‬وبؼنه وبُت ‪٣‬تتمعه‬ ‫تناقض ‪ ،‬وبؼنه وبُت آخرته تناقض‬ ‫‪ .‬وبؼنه وبُت الكافرين تناقض ‪.‬‬ ‫يقول لسانه ما لؼس يف قلبه ‪ ،‬ؤتاذا‬

‫وصف ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ا‪١‬تنافقُت؟ قال تعاىل ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫آمنَّا باهلل‬ ‫{ َوم َن الناس َمن ي َ ُق ُ‬ ‫ول َ‬ ‫وباليوم اآلخر وما ُهم ِٔت ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫ن‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ‬ ‫البقرة ‪] 8 :‬‬ ‫هذه أول صفات ا‪١‬تنافقُت يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ ،‬يعلنون اإلٯتان‬

‫ويف قلوبهم الكفر ‪ ،‬ولذلك فإن‬ ‫إٯتاهنم كله تظاهر ‪ ،‬إذا ذهبوا‬ ‫للصبلة ال تكتب ‪٢‬تم ‪ ،‬ألهنم‬ ‫يتظاهرون بها ‪ ،‬وال يؤدوهنا عن‬ ‫إٯتان ‪ ،‬وإذا أدوا الزكاة ‪ ،‬فإهنا تكون‬ ‫عليهم حسرة ‪ ،‬ألهنم ينفقوهنا وهم‬ ‫‪٢‬تا كارهون ‪ ،‬ألهنا يف زعمهم نقص‬

‫من ما‪٢‬تم ‪ .‬ال يأخذون عليها ثوابا‬ ‫يف اآلخرة ‪ ،‬وإذا قتل واحد منهم يف‬ ‫غزوة ‪ ،‬انتابهم ا‪ٟ‬تزن ‪ ،‬واألىس ‪،‬‬ ‫ألهنم أهدروا حياهتم ولم‬ ‫يقدموها يف سؽيل اهلل ‪.‬‬ ‫وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء‬ ‫بالنسبة ‪٢‬تم ‪.‬‬

‫أما ا‪١‬تؤمن فحُت يصلي أو يؤدي‬ ‫الزكاة أو يستشهد يف سؽيل اهلل فهو‬ ‫يرجو ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬وأما ا‪١‬تنافقون فإهنم‬ ‫يفعلون كل هذا ‪ ،‬وهم ال يرجون‬ ‫شيئا ‪ . .‬فكأهنم بنفاقهم قد حكم‬ ‫عليهم اهلل سبحانه وتعاىل بالشقاء‬ ‫يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬فبل هم يف الدنيا‬

‫‪٢‬تم متعة ا‪١‬تؤمن فيما يفعل يف‬ ‫سؽيل اهلل ‪ ،‬وال هم يف اآلخرة ‪٢‬تم‬ ‫ثواب ا‪١‬تؤمن فيما يرجو من اهلل ‪.‬‬ ‫اّللَ َوال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َو َما‬ ‫ون َّ‬ ‫ُٮتَا ِد ُع َ‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫ون إ َِّال أن ْ ُف َس ُه ْم َو َما ي َ ْش ُع ُر َ‬ ‫َٮت ْ َد ُع َ‬ ‫(‪)9‬‬

‫وتأيت الصفة الثانية من صفات‬ ‫ا‪١‬تنافقُت ‪ ،‬وهي صفة تدل عىل‬ ‫غفلتهم و‪ٛ‬تق تفكَتهم ‪ ،‬فإهنم‬ ‫٭تسبون أهنم بنفاقهم ٮتدعون اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهل يستطيع بشر‬ ‫أن ٮتدع رب العا‪١‬تُت؟‬ ‫إن اهلل عليم بكل شيء ‪ ،‬عليم ٔتا‬

‫‪٩‬تفي وما نعلن ‪ ،‬عليم بالسر وما هو‬ ‫أخىف من السر ‪ ،‬وهل يوجد ما هو‬ ‫أخىف من السر؟ نقول نعم ‪ ،‬السر‬ ‫هو ما أسررت به لغَتك ‪ ،‬فكأنه‬ ‫يعلمه اثنان ‪ ،‬أنت ومن أسررت‬ ‫إليه ‪ .‬ولكن ما هو أخىف من السر ‪،‬‬ ‫ما تبقيه يف نفسك وال ٗترب به أحدا‬

‫‪ ،‬أنه يظل يف قلبك ال تسر به‬ ‫إلنسان ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يقول‬ ‫‪َ { :‬وإِن َٕتْهَ ْر بالقول فَإِن ّ َُه يَعْل َ ُم‬ ‫السر َوأ َ ْخ َىف } ػ طه ‪] 7 :‬‬ ‫فبل يوجد ‪٥‬تلوق ‪ ،‬يستطيع أن ٮتدع‬ ‫خالقه ‪ ،‬ولكنهم من غفلتهم ‪،‬‬ ‫٭تسبون أهنم يستطيعون خداع‬

‫اهلل جل جبلله ‪ .‬ويف تصرفهم هذا‬ ‫ال يكون هناك سبلم بؼنهم وبُت‬ ‫اهلل ‪ .‬بل يكون هناك مقت‬ ‫وغضب ‪.‬‬ ‫وهم يف خداعهم ٭تسبون أيضا‬ ‫أهنم ٮتدعون الذين آمنوا ‪ ،‬بأهنم‬ ‫يقولون أمامهم غَت ما يبطنون ‪،‬‬

‫ولكن هذا ا‪٠‬تداع شقاء عليهم ‪،‬‬ ‫ألهنم يعيشون يف خوف مستمر ‪،‬‬ ‫وهم دائما يف قلق أو خوف من أن‬ ‫يكشفهم ا‪١‬تؤمنون ‪ ،‬أو يستمعوا‬ ‫إليهم يف ‪٣‬تالسهم ا‪٠‬تاصة ‪ ،‬وهم‬ ‫يتحدثون بالكفر ويسخرون من‬ ‫اإلٯتان ‪ ،‬ولذلك إذا ٖتدثوا البد أن‬

‫يتأكدوا أوال من أن أحدا من‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ال يسمعهم ‪ ،‬ويتأكدوا‬ ‫ثانيا من أن أحدا من ا‪١‬تؤمنُت لن‬ ‫يدخل عليهم وهم يتحدثون ‪،‬‬ ‫وا‪٠‬توف ٯتؤل قلوبهم أيضا ‪ ،‬وهم‬ ‫مع ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬فكل واحد منهم‬ ‫ٮتىش أن تفلت منه كلمة ‪ ،‬تفضح‬

‫نفاقه وكفره ‪.‬‬ ‫وه كذا فبل سبلم بؼنهم وبُت‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ . .‬وا‪ٟ‬تقيقة أهنم ال‬ ‫ٮتدعون إال أنفسهم ‪ .‬فاهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬يعلم نفاقهم ‪،‬‬ ‫وا‪١‬تؤمنون قد يعلمون هذا النفاق ‪،‬‬ ‫فإن لم يعلموه ‪ ،‬فإن اهلل ٮتربهم به‬

‫‪ ،‬واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫تم‬ ‫آء أل َ َريْنَاكَ ُه ْم فَلَعَ َرفْ َُه‬ ‫َول َ ْو ن َ َش ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم ُاه ْم َولَتعْ ِرفَنَّ ُه ْم ِيف َ‪ٟ‬ت ْ ِن القول‬ ‫بِس َ‬ ‫واهلل يَعْل َ ُم أ َ ْع َمال َ ُك ْم } ػ ‪٤‬تمد ‪:‬‬ ‫‪] 30‬‬ ‫ألم يأت ا‪١‬تنافقون إىل رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ليشهدوا أنه‬

‫رسول اهلل ففضحهم اهلل أمام‬ ‫رسوله وأنزل قوله تعاىل ‪ { :‬إِذَا‬ ‫ك ا‪١‬تنافقون قَالُوا ْن َ ْشَه ُد إِن ّ ََك‬ ‫َجآءَ َ‬ ‫ول اهلل واهلل يَعْل َ ُم إِن ّ ََك ل َ َر ُسول ُ ُه‬ ‫ل َ َر ُس ُ‬ ‫ون }‬ ‫واهلل ي َ ْشهَ ُد إ َِّن ا‪١‬تنافقُت لكَا ِذ ُب َ‬ ‫ػ ا‪١‬تنافقون ‪] 1 :‬‬ ‫جاء ا‪١‬تنافقون إىل رسول اهلل صىل‬

‫اهلل عليه وسلم يشهدون بصدق‬ ‫رسالته ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يعلم‬ ‫أن هذه الشهادة حق وصدق ‪ ،‬ألنه‬ ‫جل جالله ‪ ،‬يعلم أن رسوله صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬صادق الرسالة ‪،‬‬ ‫ولكنه يف الوقت نفسه يشهد بأن‬ ‫ا‪١‬تنافقُت كاذبون ‪ .‬كيف؟‬

‫كيف يتفق كبلم اهلل مع ما قاله‬ ‫ا‪١‬تنافقون ثم يكونون كاذبُت؟‬ ‫نقول ‪ :‬ألن ا‪١‬تنافقُت قالوا‬ ‫بألسنتهم ما لؼس يف قلوبهم ‪ ،‬فهم‬ ‫شهدوا بألسنتهم فقط أن ‪٤‬تمدا‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم رسول اهلل‬ ‫ولكن قلوبهم منكرة لذلك ‪،‬‬

‫مكذبة به ‪ ،‬ولذلك فإن ما قاله‬ ‫ا‪١‬تنافقون رغم أنه حقيقة إال أهنم‬ ‫يكذبون ‪ ،‬ويقولون بألسنتهم ما‬ ‫لؼس يف قلوبهم ‪ ،‬ألن الصدق هو أن‬ ‫يوافق الكبلم حقيقة ما يف القلب ‪،‬‬ ‫وهؤالء كذبوا ‪ ،‬ألهنم يف شهادهتم‬ ‫لرسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم لم‬

‫يكونوا يعربون عن واقع يف قلوبهم‬ ‫‪ ،‬بل قلوبهم ُت َك ِ ّذ ُب ما يقولون ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وهناك آيات كثَتة يف القرآن‬ ‫الكريم يفضح اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫فيها ا‪١‬تنافقُت وينبئ رسوله صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ٔتا يضمرونه يف‬

‫قلوبهم ‪ ،‬إذن فخداعهم للمؤمنُت‬ ‫‪ ،‬رغم أنه خداع بشر ش‬ ‫لبر ‪ ،‬إال‬ ‫أنه أحيانا تفلت ألسنتهم ‪ ،‬فتعرف‬ ‫حقيقتهم ‪ ،‬وإذا لم يفلت اللسان ‪،‬‬ ‫جاء الؽيان من اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫ليفضحهم ‪ ،‬وتكون حصيلة هذا‬ ‫كله ‪ ،‬أهنم ال ٮتدعون أحدا ‪ ،‬فاهلل‬

‫يعلم سرهم وجهرهم ‪ ،‬فمرة‬ ‫يعُت اهلل ا‪١‬تؤمنُت عليهم‬ ‫فيكشفوهنم ‪ ،‬ومرة تفلت ألسنة‬ ‫ا‪١‬تنافقُت فيكشفون أنفسهم ‪.‬‬ ‫إذن فسلوك ا‪١‬تنافق ‪ ،‬ال ٮتدع به إال‬ ‫نفسه ‪ ،‬وهو ا‪٠‬تاسر يف الدنيا‬ ‫واآلخرة ‪ ،‬عندما يؤدي عمبل‬

‫إٯتانيا ‪ ،‬فاهلل يعلم أنه نفاق ‪،‬‬ ‫وعندما ٭تاول أن ٮتدع ا‪١‬تؤمنُت ‪،‬‬ ‫ينكشف ‪ ،‬والنؾيجة أهنم يعتقدون‬ ‫بأهنم حققوا ألنفسهم نفعا ‪ ،‬بؼنما‬ ‫هم لم ٭تققوا ألنفسهم إال‬ ‫ا‪٠‬تسران ا‪١‬تبُت ‪.‬‬

‫قل م ف‬ ‫اّلل‬ ‫ِيف ُ ُوبِ ِه ْم َ َر ٌض َ َزادَ ُه ُم َّ ُ‬ ‫مر ًضا و َ‪٢‬تم ع َذ َ ِ‬ ‫يم ِٔتَا كَانُوا‬ ‫ََ َ ُْ َ ٌ‬ ‫اب أل ٌ‬ ‫ون (‪)10‬‬ ‫ي َ ْك ِذ ُب َ‬

‫فاهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬شبه ما يف‬ ‫قلوب ا‪١‬تنافقُت بأنه مرض ‪،‬‬ ‫وا‪١‬ترض أوال يورث السقم ‪ ،‬فكأن‬ ‫قلوبهم ال ٘تلك الصحة اإلٯتانية‬

‫اليت ٖتيي القلب فتجعله قويا شابا ‪،‬‬ ‫ولكنها قلوب مريضة ‪١ ،‬تاذا كانت‬ ‫مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها‬ ‫الؾنافر مع كل ما حو‪٢‬تا ‪ ،‬وأحست‬ ‫أهنا تعؼش حياة ملؤها الكذب ‪،‬‬ ‫فاضطراب القلب ‪ ،‬جعله مريضا ‪،‬‬ ‫وال ٯتكن أن يشىف إال بإذن اهلل ‪،‬‬

‫وعبلجه هو اإلٯتان ا‪ٟ‬تقيقي‬ ‫الصادق ‪ ،‬ذلك الذي يعطيه الشفاء‬ ‫‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫ون ُ َ ِ ّ ِ‬ ‫آء‬ ‫زن ُل م َن القرآن َما ُه َو ِش َف ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يد الظا‪١‬تُت‬ ‫َو َر ْ َ‬ ‫ُت َوال َي َ ِز ُ‬ ‫‪ٛ‬ت ٌة ل ّل ْ ُم ْؤمن َ‬ ‫إَال َّ َخ َسارا ً} ػ اإلسراء ‪] 82 :‬‬ ‫إذن فاإلٯتان والقرآن ‪٫‬تا شفاء‬

‫القلوب ‪ ،‬كبل‪٫‬تا بعيد عن قلوب‬ ‫هؤالء ا‪١‬تنافقُت ‪ ،‬فكأن ا‪١‬ترض‬ ‫يزداد يف قلوبهم مع الزمن ‪ ،‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل بنفاقهم وكفرهم‬ ‫يزيدهم مرضا ‪ .‬وهذه هي الصفة‬ ‫الثالثة للمنافقُت‪ . .‬أهنم أصحاب‬ ‫قلوب مريضة سقيمة ‪ ،‬ال يدخلها‬

‫نور اإلٯتان ‪ ،‬ولذلك فهي قلوب‬ ‫ضعيفة ‪ ،‬لؼس فيها القوة البلزمة‬ ‫‪١‬تعرفة ا‪ٟ‬تق ‪ .‬وهي قلوب خائفة من‬ ‫كل ما حو‪٢‬تا ‪ ،‬مرتعبة يف كل‬ ‫خطواهتا ‪ ،‬مضطربة بُت ما يف‬ ‫القلب وما عىل اللسان ‪ ،‬وا‪١‬تريض‬ ‫ال يقوى عىل شيء وكذلك هذه‬

‫القلوب ال تقوى عىل قول ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬وال‬ ‫تقوى عىل الصدق ‪ ،‬وال ترى ما‬ ‫حو‪٢‬تا ‪ ،‬تلك الرؤية اليت تؾناسب‬ ‫وتتفق مع فطرة اإلٯتان ‪ ،‬اليت‬ ‫وضعها اهلل تعاىل يف القلوب ‪،‬‬ ‫ولذلك إذا دخل ا‪١‬تنافقون يف‬ ‫معركة يف صفوف جؼش ا‪١‬تسلمُت‬

‫‪ . .‬فأول ما يبحثون عنه هو ا‪٢‬ترب‬ ‫من ا‪١‬تعركة ‪ ،‬يبحثون عن ‪٥‬تبأ‬ ‫ٮتتفون فيه ‪ ،‬أو مكان ال يراهم فيه‬ ‫أحد ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يصفهم‬ ‫ون َمل ْ َجئا ًأ َ ْو‬ ‫بقوله ‪ { :‬ل َ ْو َ ِ‪٬‬ت ُد َ‬ ‫مغَار ٍ‬ ‫ات أ َ ْو ُم ّد ََخبل ًل َّ َول َّ ْوا ْإِلَي ْ ِه َو ُه ْم‬ ‫َ َ‬ ‫ون } ػ التوبة ‪] 57 :‬‬ ‫َ‪٬‬ت ْ َم ُح َ‬

‫‪١‬تاذا؟ ألهنم أصحاب قلوب مريضة‬ ‫‪ ،‬ال تقوى عىل شيء ‪ ،‬ومرضها ‪٬‬تعلها‬ ‫هترب من كل شيء ‪ ،‬وٗتتفي ‪ .‬وليت‬ ‫األمر يقتصر عند هذا ا‪ٟ‬تد ‪ ،‬ولكن‬ ‫ينتظرهم يف اآلخرة عذاب أليم ‪،‬‬ ‫غَت العذاب الذي عانوه من قلوبهم‬ ‫ا‪١‬تريضة يف الدنيا ‪ ،‬فبما كانوا‬

‫يكذبون عىل اهلل وعىل رسوله ‪،‬‬ ‫ينتظرهم يف اآلخرة عذاب أليم‬ ‫أشد من عذاب الكافرين ‪ ،‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬إ َِّن‬ ‫ا‪١‬تنافقُت ِيف الدرك األسفل ِم َن‬ ‫النار } ػ النساء ‪] 145 :‬‬

‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم َال ُت ْف ِس ُدوا ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫َوإِذَا قِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)11‬‬ ‫قَالُوا إ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن ُم ْصل ُح َ‬

‫الفساد يف األرض هو أن تعمد إيل‬ ‫الصاٌف فتفسده ‪ ،‬وأقل ما يطلب‬ ‫منك يف الدنيا ‪ ،‬أن تدع الصاٌف‬ ‫لصبلحه ‪ ،‬وال تتدخل فيه لتفسده ‪،‬‬ ‫فإن شئت أن ترتقي إٯتانيا ‪ ،‬تأت‬

‫للصاٌف ‪ ،‬وتزد من صبلحه ‪ ،‬فإن‬ ‫جئت للصاٌف وأفسدته فقد‬ ‫أفسدت فسادين ‪ ،‬ألن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ ،‬أصلح لك مقومات حياتك‬ ‫يف الكون ‪ ،‬فلم تًتكها عىل الصبلح‬ ‫الذي خلقت به ‪ ،‬وكان تركها يف‬ ‫حد ذاته ‪ ،‬بعدا عن الفساد ‪ ،‬بل‬

‫جئت إليها ‪ ،‬وهي صا‪ٟ‬تة ٓتلق اهلل‬ ‫‪٢‬تا فأفسدهتا ‪ ،‬فأنت لم تستقبل‬ ‫النعمة ا‪١‬تمنوحة لك من اهلل ‪ ،‬بأن‬ ‫تًتكها تؤدي مهمتها يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ولم‬ ‫تزد يف مهمتها صبلحا ‪ ،‬ولكنك‬ ‫جئت إىل هذه ا‪١‬تهمة فأفسدهتا ‪. .‬‬ ‫فلو أن هناك بئرا يشرب منها‬

‫الناس ‪ ،‬فهذه نعمة لضرورة‬ ‫حياهتم ‪ ،‬تستطيع أنت بأسباب اهلل‬ ‫يف كون اهلل أن تأيت وتصلحها ‪ ،‬بأن‬ ‫تبطن جدراهنا با‪ٟ‬تجارة ‪ ،‬حىت ٘تنع‬ ‫اهنيار الرمال داخلها ‪ ،‬أو أن تأيت‬ ‫ْتبل وإناء حىت تعُت الناس عىل‬ ‫الوصول إىل مياهها ‪ ،‬ولكنك إذا‬

‫جئت وردمتها تكون قد أفسدت‬ ‫الصاٌف يف ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫وهكذا ا‪١‬تنافقون ‪ . .‬أنزل اهلل‬ ‫تعاىل منهجا للحياة الطؼبة لئلنسان‬ ‫عىل األرض ‪ ،‬وهؤالء ا‪١‬تنافقون‬ ‫بذلوا كل ما يف جهدهم إلفساد هذا‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ ،‬بأن تآمروا ضده وادعوا‬

‫أهنم مؤمنون هبليطعنوا اإلسبلم يف‬ ‫داخله ‪.‬‬ ‫ولقد تنبه أعداء اإلسبلم ‪ ،‬إىل أن‬ ‫هذا الدين القوي ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ال ٯتكن‬ ‫أن يتأثر بطعنات الكفر ‪ ،‬بل‬ ‫يواجهها ويتغلب عليها ‪ .‬فما قامت‬ ‫معركة بُت حق وباطل إال انتصر‬

‫ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ولقد حاول أعداء اإلسبلم‬ ‫أن يواجهوه سنوات طويلة ‪،‬‬ ‫ولكنهم عجزوا ‪ ،‬ثم تنبهوا إىل أن‬ ‫هذا الدين ال ٯتكن أن يهزم إال من‬ ‫داخله ‪ ،‬وأن استخدام ا‪١‬تنافقُت يف‬ ‫اإلفساد ‪ ،‬هو الطريقة ا‪ٟ‬تقيقية‬ ‫لتفريق ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬فانطلقوا إىل‬

‫ا‪١‬تسلمُت ا‪ٝ‬تا لؼتخذوا منهم‬ ‫ا‪ٟ‬تربة اليت يوجهوهنا ضد اإلسبلم ‪،‬‬ ‫وظهرت مذاهب واختبلفات ‪ ،‬وما‬ ‫أ‪ٝ‬توه العلمانية والؼسارية وغَت‬ ‫ذلك ‪ ،‬كل هذا قام به ا‪١‬تنافقون يف‬ ‫اإلسبلم وغلفوه بغبلف إسبلمي ‪،‬‬ ‫ليفسدوا يف األرض و٭تاربوا منهج‬

‫اهلل ‪.‬‬ ‫وإذا لفت ا‪١‬تؤمنون نظرهم إىل أهنم‬ ‫يفسدون يف األرض ‪ ،‬وطلبوا منهم‬ ‫أن ٯتؾنعوا عن اإلفساد ‪ ،‬ادعوا أهنم‬ ‫ال يفسدون ولكنهم يصلحون ‪،‬‬ ‫وأي صبلح يف عدم اتباع منهجاهلل‬

‫وا‪٠‬تروج عليه بأي حجة من‬ ‫ا‪ٟ‬تجج؟‬

‫َ‬ ‫ون َول َ ِك ْن َال‬ ‫أ َال إ َِّهن ُ ْم ُه ُم ا ْ‪١‬تُ ْف ِس ُد َ‬ ‫ون (‪)12‬‬ ‫ي َ ْش ُع ُر َ‬

‫وهكذا يعطؼنا اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫حكمه عليهم بأهنم كما أهنم‬

‫ٮتدعون أنفسهم وال يشعرون‬ ‫و٭تسبون أهنم ٮتدعون اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل وا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬كذلك‬ ‫فإهنم يفسدون يف األرض‬ ‫ويدعون أهنم مصلحون ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫يف ا‪ٟ‬تقيقة مفسدون ‪١‬تاذا؟ ‪ . .‬ألن‬ ‫يف قلوبهم كفرا ًوعداء ‪١‬تنهج اهلل ‪،‬‬

‫فلو قاموا بأي عمل يكون ظاهره‬ ‫اإلصبلح ‪ ،‬فحقيقته هي اإلفساد ‪،‬‬ ‫٘تاما ًكما ينطقون بألسنتهم ٔتا‬ ‫لؼس يف قلوبهم ‪.‬‬ ‫والكون ال يصلح إال ٔتنهج اهلل ‪،‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل هو الذي خلق ‪،‬‬ ‫وهو الذي أوجد ‪ ،‬وهو أدرى‬

‫بصنعته ؤتا يفسدها ؤتا يصلحها‬ ‫‪ ،‬ألنه هو الصانع ‪ ،‬وال يوجد من‬ ‫يعلم سر ما يصلح صنعته أكثر من‬ ‫صانعها ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن يف ا‪١‬تنهج الدنيوي إذا أردنا‬ ‫إصبلح شيء إتهنا لصانعه؛ فهو‬ ‫الذي يستطيع أن يدلنا عىل‬

‫اإلصبلح ا‪ٟ‬تقيقي ‪٢‬تذا الشيء ‪ ،‬فإذا‬ ‫لم يكن صانعه موجودا ًيف البلدة‬ ‫نفسها إتهنا إىل من دربهم الصانع‬ ‫عىل اإلصبلح ‪ ،‬أو إىل ما يسمونه «‬ ‫الكتالوج » الذي يبُت لنا طريق‬ ‫اإلصبلح ‪ ،‬وبدون هذا ال نصلح ‪،‬‬ ‫بل نفسد ‪ ،‬والعجيب أننا نؾبع هذه‬

‫الطريقة يف حياتنا الدنيوية ‪ ،‬ثم‬ ‫نأيت إىل اإلنسان والكون ‪ ،‬فبدال ًمن‬ ‫أن نتجه إىل صانعه وخالقه لنأخذ‬ ‫عنه منهج اإلصبلح ‪ ،‬وهو أدرى‬ ‫بصنعته ‪ ،‬نتجه إىل خلق اهلل يضعون‬ ‫لنا ا‪١‬تناهج اليت تفسد ‪ ،‬وظاهرها‬ ‫اإلصبلح لكنها تزيد األمور سوءا‬

‫والغريب أننا نسمي هذا فبلحا ‪،‬‬ ‫ونسميه تقدما ‪ .‬ولكن ‪١‬تاذا ال‬ ‫نتجه إىل الصانع أو ا‪٠‬تالق ‪ ،‬الذي‬ ‫أوجد وخلق؟ هو سبحانه وتعاىل‬ ‫أدرى ٓتلقه ؤتا يصلحهم وما‬ ‫يفسدهم ‪.‬‬ ‫ومادام ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ ،‬قد‬

‫حكم عىل ا‪١‬تنافقُت ‪ ،‬بأهنم هم‬ ‫ا‪١‬تفسدون فذلك حكم يقؼٍت ‪،‬‬ ‫وكل من ٭تاول أن يغَت من منهج‬ ‫اهلل ‪ ،‬أو يعطل تطؽيقه ْتجة‬ ‫اإلصبلح ‪ ،‬فهو مفسد وإن كان ال‬ ‫يشعر بذلك ‪ ،‬ألنه لو أراد إصبلحا‬ ‫الٕته إىل ما يصلح الكون ‪ ،‬وهو‬

‫ا‪١‬تنهج السماوي الذي أنزله خالق‬ ‫هذا الكون وصانعه ‪ ،‬وهذا ا‪١‬تنهج‬ ‫موجود و ُمبَل َّ ٌغ وال ٮتىف عىل أحد ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫اس‬ ‫َوإِذَا قِ َ‬ ‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم آم ُنوا َك َما آ َم َن النَّ ُ‬ ‫الس َفهَ ُاء أ َ َال‬ ‫قَالُوا أَن ُ ْؤ ِم ُن َك َما آ َم َن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫إ َِّهن ُ ْم ُه ُم ُّ‬ ‫الس َفهَ ُاء َولَك ْن َال يَعْل َ ُم َ‬ ‫(‪)13‬‬

‫والسفهاء يف قصد ا‪١‬تنافقُت هم‬ ‫الفقراء ‪ ،‬ولكن ما معٌت السفه يف‬ ‫اللغة ‪ :‬السفه معناه الطؼش وا‪ٟ‬تمق‬ ‫وا‪٠‬تفة يف تناول األمور ‪ ،‬فهل‬ ‫تنطبق صفة السفيه عىل ا‪١‬تؤمنُت ‪،‬‬ ‫الذين آمنوا باهلل ‪ ،‬أو أهنا تنطبق عىل‬ ‫أولئك الذين لم ؤيمنوا باهلل؟ إذا‬

‫كنتم تعتقدون أن الذين آمنوا هم‬ ‫السفهاء فلماذا تدعون اإلٯتان‬ ‫كذبا ‪ ،‬لتكونوا سفهاء؟ الشك أن‬ ‫هناك تناقضا ًموجودا ًيف كل‬ ‫تصرفات ا‪١‬تنافقُت ‪.‬‬ ‫فالرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫يدعوهم لئلٯتان ‪ ،‬وا‪١‬تسلمون‬

‫يدعوهنم لئلٯتان ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫يصفون الذين آمنوا بأهنم سفهاء‬ ‫أي فقراء ال ٯتلكون شؼئا ً‪ ،‬ألن‬ ‫سادة قريش لم يؤمنوا ‪ . .‬وهم‬ ‫يدعون أن الذين آمنوا ‪ ،‬تصرفوا‬ ‫تصرفا أ‪ٛ‬تق ‪ ،‬طائشا ً‪ ،‬ولكن‬ ‫الغفلة هي ا‪١‬ترض الذي ٯتؤل‬

‫قلوبهم ال ‪٬‬تعلهم ينؾبهون إىل‬ ‫حقيقة مهمة ‪ ،‬وهي أهنم‬ ‫يتظاهرون باإلٯتان ‪ ،‬ويدعون‬ ‫اإلٯتان ثم يصفون ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫بالسفهاء ‪ ،‬إذا كان هؤالء سفهاء‬ ‫كما تدعون ‪ .‬فهل تتظاهرون‬ ‫باإلٯتان لتصبحوا سفهاء مثلهم؟!‬

‫إن ا‪١‬تنطق ال يستقيم ويدل عىل‬ ‫أن هذه‬ ‫سفاهة عقول ا‪١‬تنافقُت ‪َّ ،‬‬ ‫العقول ‪ .‬لم تتنبه إىل أهنا حؼنما‬ ‫وصفت ا‪١‬تسلمُت بالسفهاء ‪ ،‬قد‬ ‫أدانت نفسها ‪ ،‬ألن ا‪١‬تنافقُت‬ ‫يدعون أهنم مؤمنون ‪ ،‬إذن فكل‬ ‫تصرفات ا‪١‬تنافقُت فيها تناقض ‪.‬‬

‫تناقض مع العقل وا‪١‬تنطق ‪ ،‬هذا‬ ‫الؾناقض يأيت من تناقض ملكات‬ ‫النفس بعضها مع بعض‪ . .‬فاللسان‬ ‫يكذب القلب ‪ .‬والعمل يكذب‬ ‫العقيدة ‪ .‬والتظاهر باإلٯتان‬ ‫٭تملهم مشقة اإلٯتان وال يعطيهم‬ ‫شؼئا من ثوابه ‪ .‬ولو كان ‪٢‬تم عقول‬

‫‪ ،‬لتنبهوا إىل هذا كله ‪ ،‬ولكنهم ال‬ ‫يشعرون وهم ٯتضون يف هذا‬ ‫الطريق ‪ ،‬طريق النفاق ‪ ،‬إهنم‬ ‫‪٬‬تسدون السفاهة بعؼنها ‪ ،‬بكل ما‬ ‫ٖتمله من ‪ٛ‬تق واستخفاف ‪ ،‬وعدم‬ ‫التنبه إىل ا‪ٟ‬تقيقة ‪ ،‬والرعونة اليت‬ ‫يتصرفون بها ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل‬

‫حُت وصفهم بالسفهاء ‪ ،‬كان وصفا‬ ‫دقيقا ً‪ٟ ،‬تالتهم وطريقة حياهتم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫آمنَّا َوإِذَا‬ ‫َوإِذَا ل َ ُقوا الَّذي َن آ َم ُنوا قَالُوا َ‬ ‫َخل َ ْوا إ َِىل َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم قَالُوا إِن َّا َمعَ ُك ْم‬ ‫ون (‪)14‬‬ ‫إ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن ُم ْستَهْ ِز ُئ َ‬

‫وهكذا يرينا ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ ،‬أن كل‬ ‫منافق له أكثر من حياة ٭ترص‬ ‫عليها ‪ ،‬وا‪ٟ‬تياة لكي تستقيم ‪٬ ،‬تب‬ ‫أن تكون حياة واحدة منسجمة مع‬ ‫بعضها البعض ‪ ،‬ولكن انظر إىل‬ ‫هؤالء ‪ . .‬مع ا‪١‬تؤمنُت يقولون آمنا ‪،‬‬ ‫ويتخذون حياة اإلٯتان ظاهرا ‪ ،‬أي‬

‫أهنم ٯتثلون حياة اإلٯتان ‪ ،‬كما‬ ‫يقوم ا‪١‬تمثل عىل ا‪١‬تسرح بتمؿيل‬ ‫دور شخصية غَت شخصؼته ٘تاما ً‪. .‬‬ ‫حياهتم كلها افتعال وتناقض ‪ ،‬فإذا‬ ‫بعدوا عن الذين آمنوا ‪ ،‬يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإِذَا َخل َ ْوا ْإىل‬ ‫َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم } ‪.‬‬

‫وانظر إىل دقة األداء القرآين ‪،‬‬ ‫الشيطان هو الدس ا‪٠‬تفي ‪ ،‬ا‪ٟ‬تق‬ ‫ظاهر وواضح ‪ ،‬أما منهج الشيطان‬ ‫وتآمره فيحدث يف ا‪٠‬تفاء ألنه‬ ‫باطل والنفس ال ٗتجل من حق‬ ‫أبدا ‪ ،‬ولكنها ٗتىش وٗتاف وٖتاول‬ ‫أن تخيف الباطل ‪.‬‬

‫ولنضرب لذلك مثبل بسيطا ‪ ،‬رجل‬ ‫‪٬‬تلس مع زوجته يف مزنله ‪ ،‬وطرق‬ ‫الباب طارق ‪ ،‬ماذا ٭تدث؟ يقوم‬ ‫الرجل بكل اطمػنان ‪ ،‬ويفتح‬ ‫الباب لَتى من الطارق ‪ ،‬فإن وجده‬ ‫صديقا ًأو قريبا أكرمه ورحب به‬ ‫وأصر عىل أن يدخل ليضيفه ‪.‬‬

‫وتقوم الزوجة بإعداد الطعام أو‬ ‫الشراب الذي سيقدم للضيف ‪،‬‬ ‫نأخذ هذه ا‪ٟ‬تالة نفسها إذا كان‬ ‫اإلنسان مع زوجة غَته يف شقته‬ ‫وطرق الباب طارق ‪ ،‬٭تدث‬ ‫ارتباك عنيف ‪ ،‬ويبحث الرجل‬ ‫عن مكان ٮتفي فيه ا‪١‬ترأة اليت معه ‪،‬‬

‫أو يبحث عن باب خفي ليخرجها‬ ‫منه ‪ ،‬أو ٭تاول أن يطفئ األنوار‬ ‫وٯتنع األصوات لعل الطارق ٭تس‬ ‫أنه ال يوجد أحد يف ا‪١‬تكان فؼنصرف‬ ‫‪ ،‬وقبل أن ُٮت ْ ِر َج تلك ا‪١‬ترأة‬ ‫ا‪١‬تحرمة عليه ‪ ،‬فإنه يفتح الباب‬ ‫ْترص ‪ ،‬وينظر ٯتؼنا ويسارا‬

‫لؼتأكد هل يراه أحد ‪ ،‬وعندما ال‬ ‫‪٬‬تد أحدا يسرع بدفع ا‪١‬ترأة إىل‬ ‫ا‪٠‬تارج ‪ ،‬ألهنا إثم يريد أن يتخلص‬ ‫منه ‪ ،‬وإذا نزل ليوصلها ٯتشي‬ ‫بعيدا عنها ‪ ،‬ويظل يرقب الطريق‬ ‫‪ ،‬لؼتأكد من أن أحدا لم يره ‪،‬‬ ‫وعندما يركبان السيارة ينطلقان‬

‫بأقىص سرعة ‪.‬‬ ‫هذا هو الفرق بُت منهج اإلٯتان ‪،‬‬ ‫ومنهج الشيطان ‪ ،‬ا‪ٟ‬تادثة واحدة ‪،‬‬ ‫ولكن الذي اختلف هو ا‪ٟ‬تبلل‬ ‫وا‪ٟ‬ترام ‪ .‬انظر كيف يتصرف‬ ‫الناس يف ا‪ٟ‬تبلل ‪ . .‬يف النور ‪ . .‬يف‬ ‫األمان ‪ ،‬وكيف يتصرفون يف ا‪ٟ‬ترام‬

‫ومنهج الشيطان يف الظبلم ويف‬ ‫ا‪٠‬تفية و٭ترصون عىل أال يراهم‬ ‫أحد ‪ ،‬ومن هنا تأيت دقة التعبَت‬ ‫القرآين ‪َ { . .‬وإِذَا َخل َ ْوا ْإىل‬ ‫َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم } ‪.‬‬ ‫إن منهج الشيطان ٭تتاج إىل خلوة ‪،‬‬ ‫إىل مكان ال يراك فيه أحد ‪ ،‬وال‬

‫يسمعك فيه أحد ‪ ،‬ألن العلن يف‬ ‫منهج الشيطان يكون فضيحة ‪،‬‬ ‫ولذلك ٕتد غَت ا‪١‬تستقيم ٭تاول‬ ‫جاهدا أن يسًت حركته يف عدم‬ ‫االستقامة ‪ ،‬و‪٤‬تاولته أن يسؾًت هي‬ ‫شهادة منه بأن ما يفعله جرٯتة‬ ‫وقبح ‪ ،‬وال يصح أن يعلمه أحد عنه‬

‫‪ ،‬ومادام ال يصح أن يراه أحد يف‬ ‫مكان ما ‪ ،‬فاعلم أنه ٭تس أن ما‬ ‫يفعله يف هذا ا‪١‬تكان هو من عمل‬ ‫الشيطان الذي ال يقره اهلل ‪ ،‬وال‬ ‫يرىض عنه ‪.‬‬ ‫والبد أن نعلم أن القيم ‪ ،‬هي القيم‬ ‫‪ ،‬حىت عند ا‪١‬تنحرف ‪ ،‬وقوله تعاىل ‪:‬‬

‫آمنَّا }‬ ‫{ َوإِذَا ل َ ُقوا ْالذين آ َم ُنوا ْقالوا َ‬ ‫معناها أهنم عندما يتظاهرون‬ ‫باإلٯتان يأخذون جانب العلن ‪،‬‬ ‫بل رٔتا افتعلوه ‪ ،‬وكان ا‪١‬تفروض‬ ‫أن يكون ا‪١‬تقابل عندما ٮتلون إىل‬ ‫شياطؼنهم أن يقولوا ‪ :‬لم نؤمن ‪.‬‬ ‫وهناك يف اللغة ‪ٚ‬تلة ا‪ٝ‬تية و‪ٚ‬تلة‬

‫فعلية ‪ ،‬ا‪ٞ‬تملة الفعلية ‪ ،‬تدل عىل‬ ‫التجدد ‪ ،‬وا‪ٞ‬تملة اال‪ٝ‬تية تدل عىل‬ ‫الؿبوت ‪ ،‬فا‪١‬تنافقون مع ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫يقولون آمنا ‪ ،‬إٯتاهنم غَت ثابت ‪،‬‬ ‫متذبذب ‪ ،‬وعندما يلقون الكافرين‬ ‫‪ ،‬لو قالوا لم نؤمن ‪ ،‬ألخذت صفة‬ ‫الؿبات ‪ ،‬ولكنهم يف الفًتة بُت‬

‫لقائهم با‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬ولقائهم‬ ‫بالكافرين ‪ ،‬الكفر متجدد ‪ ،‬لذلك‬ ‫قالوا ‪ { :‬إِن َّا َمعَ ُك ْم إ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫ُم ْستَهْ ِز ُئ َ‬ ‫اّلل ي َ ْستَهْ ِز ُئ بِ ِه ْم َو َ ُٯت ُّد ُه ْم ِيف‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُطغْي ِ ِ‬ ‫ون (‪)15‬‬ ‫اهن ْم يَعْ َم ُه َ‬ ‫َ‬

‫أن هؤالء المنافقُت قوم ال حول ‪٢‬تم‬ ‫وال قوة ‪ ،‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل ‪،‬‬ ‫وهو القادر القوي حؼنما يستهزئ‬ ‫بهم يكون االستهزاء أليما ً‪ ،‬وإذا‬ ‫كان ا‪١‬تنافق ‪ ،‬قد أظهر بلسانه ما‬ ‫لؼس يف قلبه ‪ ،‬فإن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يعامله ٔتثل فعله ‪ ،‬فإذا كان‬

‫له ظاهر وباطن ‪ ،‬يعامله يف ظاهر‬ ‫الدنيا ‪ ،‬معاملة ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬ويف‬ ‫اآلخرة يوم تبىل السرائر ‪٬‬تعله يف‬ ‫الدرك األسفل من النار ‪ ،‬ال يسويه‬ ‫بالكافر ألن ذنب ا‪١‬تنافق أشد ‪.‬‬ ‫ىء بِ ِه ْم }‬ ‫{ اهلل ي َ ْستَهْ ِز ُ‬ ‫واالستهزاء هو السخرية ‪ ،‬فهم‬

‫يأتون يوم القيامة ‪٤‬تاولُت أن‬ ‫يتمسكوا بالظاهر ‪ ،‬فيظهر اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪٢‬تم باطنهم ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬وي ْ ٌل ل ِ ّ ُك ّ ِل‬ ‫‪٫‬ت َز ٍة ُّ‪١‬ت َ َز ٍة } ػ ا‪٢‬تمزة ‪. ] 1 :‬‬ ‫َُ‬ ‫وا‪٢‬تمزة هو الذي يسخر من الناس‬ ‫ولو باإلشارة ‪. .‬‬

‫يرى إنسانا مصابا بعاهة يف قدمه ‪،‬‬ ‫ٯتشي وهو يعرج فيحاول أن يقلده‬ ‫بطريقة تثَت السخرية ‪ ،‬إما‬ ‫باإلشارة وإما بالكبلم ‪ ،‬وهناك همز‬ ‫و‪٫‬تزه ‪ . .‬ا‪٢‬تمز االستهزاء‬ ‫والسخرية من الناس ‪ ،‬عبلمة عدم‬ ‫اإلٯتان ‪ ،‬ألننا كلنا ‪٥‬تلوقون من إله‬

‫واحد ‪ ،‬فهذه الصفة اليت سخرت‬ ‫فيها من إنسان أعرج مثبل ‪ ،‬ال‬ ‫عمل له فيها ‪ ،‬وال حول له وال قوة ‪.‬‬ ‫‪ .‬واإلنسان لم يصنع نفسه ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تقيقة أنك تسخر من صنع اهلل ‪،‬‬ ‫والذي يسخر من خلق اهلل إنسان‬ ‫غبي ألنه سخر من خلق اهلل يف عيب‬

‫‪ ،‬ولم يقدر ما تفضل اهلل به عليه ‪،‬‬ ‫كما أنه سخر من عيب ولم يفطن‬ ‫إىل أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد أعىط‬ ‫ذلك اإلنسان خصاال و‪٦‬تيزات رٔتا‬ ‫لم يعطها له ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول ‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْال َ‬ ‫ي َ ْس َخ ْر َق ْو ٌم ِّمن قَ ْو ٍم عىس أَن‬

‫ي َ ُكونُوا ْ َخ َْتا ً ِّمن ْ ُه ْم } ػ ا‪ٟ‬تجرات ‪:‬‬ ‫‪. ] 11‬‬ ‫إن ‪٣‬تموع كل إنسان ‪ ،‬يساوي‬ ‫‪٣‬تموع كل إنسان آخر ‪ ،‬وذلك هو‬ ‫عدل اهلل ‪ ،‬فإذا كنت أحسن من‬ ‫إنسان يف شيء فاْتث عن النقص‬ ‫فيك ‪ .‬فإن استهزأت ٔتؤمن يف‬

‫شيء ‪ ،‬فاالستهزاء غَت مفصول عن‬ ‫صنعة اهلل ‪ ،‬إذن فمن ا‪١‬تنطق عندما‬ ‫ون } أن‬ ‫قالوا ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن ُم ْستَهْ ِز ُئ َ‬ ‫ىء‬ ‫يرد اهلل عليهم { اهلل ي َ ْستَهْ ِز ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫بِ ِه ْم َو َ ُٯت ُّد ُه ْم ِيف ُطغْيَاهنِ ْم يَعْ َم ُه َ‬ ‫} أي يزيدهم يف هذا الطغيان ‪،‬‬ ‫ألن ا‪١‬تد هو أن تزيد الشيء ‪ ،‬ولكن‬

‫مرة تزيد يف الشيء من ذاته ‪ ،‬ومرة‬ ‫تزيد عليه من غَته ‪ ،‬قد تأيت ٓتيط‬ ‫وتفرده إىل آخره ‪ ،‬وقد تصله ٓتيط‬ ‫آخر ‪ ،‬فتكون مددته من غَته ‪ ،‬فاهلل‬ ‫يزيدهم يف طغياهنم ‪ .‬وقوله تعاىل «‬ ‫يعمهون » العمه ٮتتلف عن الع ىم‬ ‫‪ ،‬وا‪٠‬تبلف يف ا‪ٟ‬ترف األخَت ‪ ،‬الع ىم‬

‫ع ىم البصر ‪ ،‬والعمه ع ىم البصَتة ‪،‬‬ ‫ويعمهون أي يتخبطون ‪ ،‬ألن‬ ‫العمه ينشأ عنه التخبط سواء‬ ‫التخبط ا‪ٟ‬تسي ‪ ،‬من ع ىم البصر ‪ ،‬أو‬ ‫التخبط يف القيم ومنهج ا‪ٟ‬تياة من‬ ‫ع ىم البصَتة ‪ .‬واهلل تعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫فَإ َِّهنَا ال َتَعْ َىم األبصار ولكن تع ىم‬

‫القلوب اليت ِيف الصدور } فكأ‪٪‬تا‬ ‫الع ىم ا‪١‬تادي ‪ ،‬قد ال يكون ‪ ،‬ولكن‬ ‫يكون هناك ع ىم البصَتة ‪ ،‬واقرأ‬ ‫ال َر ِ ّب ل ِ َم حشرتٍت‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫ال‬ ‫نت ب َ ِصَتا ً* قَ َ‬ ‫أع ىم َوقَ ْد ُك ُ‬ ‫ك آيَا ُتنَا فَن َ ِسؼتَهَا‬ ‫كذلك أَتَت ْ َ‬ ‫وكذلك اليوم تنىس } ػ طه ‪:‬‬

‫‪. ] 126-125‬‬ ‫فكأن ع ىم البصَتة يف الدنيا ‪ ،‬يعمي‬ ‫بصر اإلنسان ‪ ،‬عن رؤية آيات اهلل‬ ‫يف كونه ‪ ،‬ويعميه عن اإلٯتان‬ ‫وا‪١‬تنهج ‪. .‬‬

‫ك ال َّ ِذي َن ا ْش ًَت َ ُوا َّ‬ ‫الض َبلل َ َة‬ ‫أُولَئِ َ‬ ‫ار ُهت ُ ْم َو َما‬ ‫بِا ْ‪٢‬ت ُ َدى فَ َما َر ِْت َ ْت ِٕت ََ‬ ‫كَانُوا ُمهْت َ ِدي َن (‪)16‬‬

‫يعطؼنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل صفة‬ ‫أخرى من صفات ا‪١‬تنافقُت ‪،‬‬ ‫فيصفهم بأهنم الذين اشًتوا‬ ‫الضبللة با‪٢‬تدى ‪ .‬ومادام هناك‬

‫شراء ‪ ،‬فهناك صفقة ‪ ،‬تتطلب‬ ‫مشًتيوبائعا ‪ ،‬وقد كانت السلعة‬ ‫ا‬ ‫يف ا‪١‬تاضي تشًتى بسلعة أخرى ‪،‬‬ ‫أما اآلن فإن كل شيء يشًتى با‪١‬تال‬ ‫‪ ،‬ماذا اشًتوا؟‬ ‫إن هؤالء ا‪١‬تنافقُت اشًتوا الضبللة‬ ‫‪ ،‬واشًتوها بأي ‪ٙ‬تن؟! ‪. .‬‬

‫اشًتوها با‪٢‬تدى! الباء يف اللغة‬ ‫تدخل عىل ا‪١‬تًتوك ‪ ،‬عندما‬ ‫تشًتي شؼئا تًتك ‪ٙ‬تنه ‪ ،‬إذن كأن‬ ‫هؤالء قد تركوا ا‪٢‬تدى واشًتوا‬ ‫الضبللة ‪ ،‬ولكن هل كان معهم‬ ‫هدى ساعة الصفقة؟ ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تال يقتضي أن يكون معهم‬

‫هدى ‪ ،‬كأن يهتدي إنسان ثم ‪٬‬تد‬ ‫أن ا‪٢‬تدى ال ٭تقق له النفع الدنيوي‬ ‫الذي يطلبه فؼًتكه ليشًتي به‬ ‫الضبلل ليحقق به ما يريد ‪،‬‬ ‫وا‪٢‬تدى الذي كان معهم ‪ ،‬قد‬ ‫يكون هدى الفطرة ‪ ،‬فكأن هؤالء‬ ‫كان ٯتكنهم أن ٮتتاروا ا‪٢‬تدى‬

‫فاختاروا الضبللة ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يهدي كل‬ ‫الناس ‪ ،‬هدى داللة ‪ ،‬فمن اختار‬ ‫ا‪٢‬تدى يزده ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫ود فَهَ َديْن َ ُاه ْم فاستحبوا‬ ‫َوأ َّما ‪ٙ‬تَ ُُ‬ ‫الع ىم عَىلَ ا‪٢‬تدى } ػ فصلت ‪17 :‬‬ ‫]‬

‫ار ُهت ُ ْم }‬ ‫وقول ا‪ٟ‬تق { فَ َما َر ِْت َ ْت ِّٕت ََ‬ ‫التجارة بيع وشراء ‪ ،‬الشاري‬ ‫مستهلك ‪ ،‬والبائع قد يكون منتجا‬ ‫‪ ،‬أو وسيطا بُت ا‪١‬تنتج وا‪١‬تستهلك ‪.‬‬ ‫ما حظ البائع من الؽيع والشراء؟ أن‬ ‫يكسب فإذا ما كسب قيل رْتت‬ ‫ٕتارته ‪ .‬وإذا لم يكسب ولم ٮتسر‬

‫‪ ،‬أو إذا خسر ولم يكسب ‪ ،‬ففي‬ ‫ا‪ٟ‬تالُت ال ٭تقق رْتا ‪ ،‬ونقول ما‬ ‫رْتت ٕتارته ‪. .‬‬ ‫ار ُهت ُ ْم‬ ‫فقوله تعاىل { فَ َما َر ِْت َ ْت ِّٕت ََ‬ ‫َو َما كَانُوا ْ ُمهْت َ ِدي َن } يدل عىل أهنم‬ ‫خسروا كل شيء ألهنم لم يرْتوا ‪،‬‬ ‫فكأهنم لم ٭تققوا شؼئا له فائدة ‪،‬‬

‫وخسروا ا‪٢‬تدى ‪ ،‬أي خسروا الربح‬ ‫ورأس ا‪١‬تال ‪ .‬ما رْتت ٕتارهتم‬ ‫رٔتا يكونون لم يكسبوا ولم‬ ‫يخسروا ‪ ،‬ولكن هم قدموا ا‪٢‬تدى‬ ‫‪ٙ‬تنا للضبلل فلم يرْتوا وضاع‬ ‫منهم ا‪٢‬تدى ‪ ،‬أي رأس ما‪٢‬تم ‪. .‬‬ ‫ونفسية ا‪١‬تنافق إذا أردت أن ٖتددها‬

‫‪ ،‬فهو إنسان ببل كرامة ‪ ،‬ببل رجولة‬ ‫ال يستطيع ا‪١‬تواجهة ‪ ،‬ببل قوة ‪،‬‬ ‫٭تاول أن ٯتكر يف ا‪٠‬تفاء ‪ ،‬ولذلك‬ ‫تكون صورته حقَتة أمام نفسه ‪،‬‬ ‫حىت لو استطاع أن ٮتفي عيوبه عن‬ ‫الناس ‪ ،‬فيكفي أنه كاذب أمام‬ ‫نفسه لتكون صورته حقَتة أمام‬

‫نفسه ‪ ،‬ويف ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬ ‫إذا أنا لم آت الدنية خشية ‪ ...‬من‬ ‫الناس كان الناس أكرم من نفسي‬ ‫كىف ا‪١‬ترء عارا أن يرى عيب نفسه‬ ‫‪ ...‬وإن كان يف ُك ٍّن عن ا‪ٞ‬تن‬ ‫واألنس‬ ‫فا‪١‬تهم رأيك يف نفسك ‪. .‬‬

‫والتمزق الذي عند ا‪١‬تنافق أنه‬ ‫يريد أن ٮتفي عيوبه عن الناس ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ارا‬ ‫َمثَل ُ ُه ْم َك َمث َ ِل الَّذي ا ْست َ ْوقَ َد ن َ ً‬ ‫َ‬ ‫اّلل‬ ‫فَل َ َّما أ َضاءَ ْت َما َح ْول َ ُه ذَ َه َ‬ ‫ب َّ ُ‬ ‫بِ ُنو ِر ِهم وتَ َر َك ُهم ِيف ُظلُم ٍ‬ ‫ات َال‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)17‬‬ ‫يُبْص ُر َ‬

‫يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يقرب‬ ‫صفات التمزق يف ا‪١‬تنافقُت إىل‬ ‫فهمنا ‪ ،‬ولذلك فهو يضرب لنا‬ ‫األمثال ‪ ،‬واألمثال ‪ٚ‬تع مثل وهو‬ ‫الشؽيه الذي يقرب لنا ا‪١‬تعٌت‬ ‫ويعطؼنا ا‪ٟ‬تكمة ‪ ،‬واألمثال باب‬ ‫من األبواب العريقة يف األدب‬

‫العريب ‪ .‬فا‪١‬تثل أن تأيت بالشيء‬ ‫الذي حدث وقيل فيه قولة موجزة‬ ‫ومعربة ‪ ،‬رأى الناس أن يأخذوا‬ ‫هذه ا‪١‬تقولة لكل حالة مشابهة ‪.‬‬ ‫ولنضرب مثبل لذلك ‪ ،‬ملك من‬ ‫ا‪١‬تلوك ‪ ،‬أراد أن ٮتطب فتاة من‬ ‫فؾيات العرب ‪ ،‬فأرسل خاطبة‬

‫ا‪ٝ‬تها عصام لًِتى هذه العروس‬ ‫وتسأل عنها وٗتربه ‪ ،‬فلما عادت‬ ‫قال ‪٢‬تا ما وراءك يا عصام؟ أي‬ ‫ٔتاذا جئت من أخبار ‪ ،‬قالت ‪ :‬له‬ ‫أبدي ا‪١‬تخض عن الزبد ‪ .‬ا‪١‬تخ ض‬ ‫هو أن تأيت باللنب ا‪ٟ‬تليب وٗتضه يف‬ ‫القربة حىت ينفصل الزبد عن‬

‫اللنب ‪ ،‬فصار االثنان السؤال‬ ‫وا‪ٞ‬تواب يضربان مثبل ‪ .‬تأيت ‪١‬تن‬ ‫‪٬‬تؼئك تنتظر منه أخبارا فتقول له ‪:‬‬ ‫ما وراءك يا عصام ‪.‬‬ ‫وال يكون ا‪ٝ‬ته « عصام » ‪ . .‬ولم‬ ‫ترسله الستطبلع أخبار ‪ ،‬بؼنما‬ ‫تريد أن تسمع ما عنده من أخبار ‪.‬‬

‫وحؼنما تريد مثبل ‪ . .‬أن تصور‬ ‫تنافر القلوب ‪ . .‬وكيف أهنا إذا‬ ‫تنافرت ال تلؾئم أبدا ‪ . .‬ويريد‬ ‫الشاعر أن يقرب هذا ا‪١‬تعٌت فيقول‬ ‫‪:‬‬ ‫إن القلوب إذا تنافر ودها ‪ ...‬مثل‬ ‫الزجاجة كسرها ال يشعب ( أي ال‬

‫‪٬‬ترب )‬ ‫وساعة تنكسر الزجاجة ال تستطيع‬ ‫اصبلحها ‪ . .‬ولكي يسهل هذا‬ ‫ا‪١‬تعٌت عليك وتفهمه يف يسر‬ ‫وسهولة ‪ . .‬فإنك ال تستطيع أن‬ ‫تصور أو تشاهد معركة بُت قلبُت ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألن هذه مسألة غيؽية ‪ . .‬فتأيت‬

‫بشيء مشاهد وتضرب به ا‪١‬تثل ‪. .‬‬ ‫وبذلك يكون ا‪١‬تعٌت قد قرب ‪. .‬‬ ‫ألنك شبهته بشيء ‪٤‬تسوس ‪. .‬‬ ‫تستطيع أن تفهمه وتشاهده ‪. .‬‬ ‫ولقد استخدم اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫األمثال يف القرآن الكريم يف أكثر‬ ‫من موضع ‪ . .‬ليقًتب من أذهاننا‬

‫معٌت الغيؽيات اليت ال نعرفها وال‬ ‫نشاهدها ‪ . .‬ولذلك ضرب لنا‬ ‫األمثال يف قمة اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫وحدانية اهلل سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬ ‫وضرب لنا ا‪١‬تثل بنوره جل جبلله ‪.‬‬ ‫‪ .‬الذي ال نشهده وهو غيب عنا ‪. .‬‬ ‫وضرب لنا األمثال بالنسبة للكفار‬

‫وا‪١‬تنافقُت ‪ . .‬لنعرف فساد‬ ‫عقيدهتم ونتنبه ‪٢‬تا ‪ . .‬وضرب لنا‬ ‫األمثال فيما ٯتكن أن يفعله الكفر‬ ‫بالنعمة ‪ . .‬والطغيان يف ا‪ٟ‬تق ‪. .‬‬ ‫وغَت ذلك من األمثال ‪ . .‬قال اهلل‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬ولَقَ ْد َص َّرفْنَا لِلنَّ ِ‬ ‫اس ِيف هذا‬ ‫القرآن ِمن كُ ّ ِل َمث َ ٍل فأىب أ َ ْكث َ ُر‬

‫الناس إِال َّ ُك ُفورا ً} ػ اإلسراء ‪89 :‬‬ ‫]‬ ‫وقد ضرب اهلل جل جبلله لنا‬ ‫األمثال يف الدنيا ويف اآلخرة ‪ ،‬ويف‬ ‫دقة ا‪٠‬تلق ‪ . .‬وقمة اإلٯتان ‪ . .‬ومع‬ ‫ذلك فإن الناس منصرفون عن‬ ‫حكمة هذه األمثال ‪ . .‬كافرون بها‬

‫‪ . .‬مع أن ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‪. .‬‬ ‫ضربها ل انلتقرب لنا ا‪١‬تعٌت ‪.‬‬ ‫‪ .‬تشؽيها ٔتاديات نراها يف حياتنا‬ ‫الدنيا ‪ . .‬وكان ا‪١‬تفروض أن تزيد‬ ‫هذه األمثال الناس إٯتانا ‪ . .‬ألهنا‬ ‫تقرب ‪٢‬تم معاين غائبة عنهم ‪. .‬‬ ‫ولكنهم بدال من ذلك ازدادوا‬

‫كفرا!!‬ ‫والبد قبل أن نتعرض لآلية‬ ‫الكرٯتة ‪َ { :‬مثَل ُ ُه ْم كَ َمث َ ِل الذي‬ ‫استوقد َنارا ًفَل َ َّمآ أ َ َضاءَ ْت َما َح ْول َ ُه‬ ‫ب اهلل بِ ُنو ِر ِه ْم َوتَ َركَ ُه ْم ِيف‬ ‫ذَ َه َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ون } ‪ . .‬أن‬ ‫ُظل ُ َمات ال َّيُبْص ُر َ‬ ‫نتحدث عن بعض األمثال اليت‬

‫ُضربت يف القرآن الكريم ‪. .‬‬ ‫لنرى كيف أن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫حدثنا عن قضايا غيؽية ٔتحسات‬ ‫دنيوية ‪:‬‬ ‫ضرب اهلل تبارك وتعاىل لنا مثبل‬ ‫بالقمة اإلٯتانية ‪ . .‬وهي أنه ال إله‬ ‫إال اهلل ‪ . .‬وكيف أن هذه ر‪ٛ‬تة من‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪٬ . .‬تب أن‬ ‫نسجد له شكرا عليها ‪ . .‬ألن فيها‬ ‫وقاية لنا من شقاء ‪ . .‬ومع ذلك فإن‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل يريد بعباده‬ ‫الر‪ٛ‬تة ‪ ،‬ولكن بعض الناس يريد‬ ‫أن يشقي نفسه فيشرك باهلل جل‬ ‫جبلله ‪ . .‬وبدال من أن يأخذ طريق‬

‫اإلٯتان ا‪١‬تؼسر ‪ . .‬يأخذ طريق‬ ‫الكفر والنفاق والشرك باهلل الذي‬ ‫ٯتلك كل شيء يف الدنيا واآلخرة ‪. .‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪َ { :‬ض َر َب‬ ‫آء‬ ‫اهلل َمثَبل ً َّر ُجبل ًفِي ِه ُش َرك َُ‬ ‫ِ‬ ‫ون َو َر ُجبل ً َسلَما ًل ِ ّ َر ُج ٍل‬ ‫ُمت َ َشاك ُس َ‬ ‫ان مثَبل ًا‪ٟ‬تمد َ ِ‬ ‫ّلل ب َ ْل‬ ‫َه ْل ي َ ْس َِو‬ ‫ّ‬ ‫تي َ ِ َ‬

‫َ‬ ‫ون } ػ الزمر ‪:‬‬ ‫أ ْكث َ ُر ُه ْم ال َيَعْل َ ُم َ‬ ‫‪] 29‬‬ ‫بهذه الصورة ا‪١‬تحسة اليت نراها ‪. .‬‬ ‫وال ٮتتلف فيها اثنان ‪ . .‬يريد اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل أن يقرب إىل أذهاننا‬ ‫صورة العابد هلل وحده ‪ ،‬وصورة‬ ‫ا‪١‬تشرك باهلل ‪ . .‬ويعطؼنا ا‪١‬تثل يف‬

‫عبد ‪٦‬تلوك لشركاء ‪ . .‬رجل‬ ‫‪٦‬تلوك لعشرة مثبل ‪ . .‬ولؼس هؤالء‬ ‫الشركاء العشرة متفقُت‪ . .‬بل هم‬ ‫متشاكسون أي أهنم ‪٥‬تتلفون ‪. .‬‬ ‫ورجل آخر ‪٦‬تلوك لسيد واحد ‪. .‬‬ ‫أيهما يكون مسًت٭تا يعؼش يف‬ ‫ر‪ٛ‬تة؟ ‪ . .‬طبعا ا‪١‬تملوك لسيد‬

‫واحد يف نعمة ور‪ٛ‬تة ‪ . .‬ألنه يؾبع‬ ‫أمرا واحدا وهنيا واحدا ‪ . .‬ويطيع‬ ‫ربا واحدا ‪ . .‬ويطلب رضا سيد‬ ‫واحد ‪ . .‬أما ذلك الذي ٯتلكه‬ ‫شركاء حىت لو كانوا متفقُت ‪. .‬‬ ‫فسيكون لكل واحد منهم أمر وهني‬ ‫‪ . .‬ولكل واحد منهم طلب ‪ . .‬فما‬

‫بالك إذا كانوا ‪٥‬تتلفُت؟ أحد‬ ‫تعال ‪ . .‬واآلخر‬ ‫الشركاء يقول له َ‬ ‫يقول له ال تأت ‪ ،‬وأحد الشركاء‬ ‫يأمره بأمر ‪ ،‬واآلخر يأمره بأمر‬ ‫مناقض ‪ . .‬و٭تتار أيهما يرضي‬ ‫وأيهما يغضب؟ ‪ . .‬وهكذا تكون‬ ‫حياته شقاء وتناقضا ‪. .‬‬

‫إن اهلل سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يقرب لنا الصورة ‪ . .‬يف قضية هي‬ ‫قمة اليقُت ‪ . .‬وهي اإلٯتان‬ ‫بالواحد األحد ‪ . .‬يريدنا أن‬ ‫نلمس هذه الصورة ‪ٔ . .‬تثل نراه‬ ‫ونشهده ‪ . .‬وأن نرى فيض اهلل‬ ‫بر‪ٛ‬تته عىل عباده‪ . .‬وٯتضي ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه ليلفؾنا إىل أن نفكر قليبل يف‬ ‫مثل يضربه لنا يف القرآن الكريم ‪:‬‬ ‫{ و َض َرب اهلل مثَبل ً َرجل َ ْ ِ َ‬ ‫‪٫‬تآ‬ ‫ُت أ َح ُد ُ َ‬ ‫َ َ َ ّ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أَب ْ َك ُم ال َي َ ْق ِد ُر عىل َش ْيء َو ُه َو ك َ ٌّل عىل‬ ‫هه ال َيَأ ْ ِت بِ َخي ْ ٍر َه ْل‬ ‫اله أَيْن َ َما يُ َو ِ ّج ُّ‬ ‫َم ْو ُ‬ ‫ي َ ْست َ ِوي ُه َو َو َمن يَأ ْ ُم ُر بالعدل َو ُه َو‬ ‫عىل ِص َر ٍ‬ ‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬ ‫يم }‬

‫ػ النحل ‪] 76 :‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يف هذه اآلية‬ ‫الكرٯتة ‪ . .‬يطلب منا أن نفكر يف‬ ‫مثل مادي ‪٤‬تسوس ‪ . .‬أيهما خَت؟‬ ‫‪ . .‬أذلك الصنم الذي يعبده‬ ‫الكفار وهو ال يأيت ‪٢‬تم ٓتَت أبدا ‪. .‬‬ ‫ألنه ال يستطيع أن ينفع نفسه‬

‫فكيف يأيت با‪٠‬تَت لغَته ‪ . .‬بل هو‬ ‫عبء عىل من يتخذونه إ‪٢‬تا ‪. .‬‬ ‫فإهنم ‪٬‬تب أن يضعوه وأن ٭تملوه‬ ‫من مكان إىل آخر إذا أرادوا تغيَت‬ ‫ا‪١‬تعبد أو الرحيل ‪ . .‬وإذا سقط‬ ‫فتهشمت أجزاء منه ‪ . .‬فإنه ‪٬‬تب‬ ‫أن يصلحوها ‪. .‬‬

‫إذن فزيادة عىل أنه يأيت ‪٢‬تم ب يخر‪. .‬‬ ‫فإنه عبء عليهم يكلفهم مشقة ‪.‬‬ ‫‪ .‬و٭تتاج منهم إىل عناية ورعاية ‪. .‬‬ ‫أعبادة مثل هذا الصنم خَت؟ أم‬ ‫عبادة اهلل سبحانه الذي منه كل‬ ‫ا‪٠‬تَت وكل النعم ‪ . .‬والذي يأمر‬ ‫بالعدل ‪ . .‬فبل يفضل أحدا من‬

‫عباده عىل أحد ‪ . .‬والذي يعطي‬ ‫لعباده الصراط ا‪١‬تستقيم‪ . .‬الذي‬ ‫ال اعوجاج فيه ‪ . .‬وا‪١‬توصل إىل‬ ‫ا‪ٞ‬تنة يف اآلخرة ‪ . .‬إن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يشرح بهذا ا‪١‬تثل غباء فكر‬ ‫ا‪١‬تشركُت الذين يعبدون األصنام‬ ‫ويًتكون عبادة اهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬

‫وهكذا يعطؼنا هذان ا‪١‬تثبلن‬ ‫توضيحا لقضية الوحدانية‬ ‫واأللوهية ‪ . .‬ثم يأيت اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ٔتثل آخر ‪ . .‬يضرب لنا‬ ‫مثبل لنوره ‪ . .‬هذا النور اإل‪٢‬تي‬ ‫الذي يضيء الدنيا واآلخرة ‪. .‬‬ ‫فيضيء القلوب ا‪١‬تؤمنة ‪ . .‬إنه‬

‫يريد أن يضرب لنا مثبل ‪٢‬تذا النور‬ ‫بشيء مادي ‪٤‬تس ‪ . .‬فيقول جل‬ ‫ور السماوات‬ ‫جبلله ‪ { :‬اهلل ن ُ ُ‬ ‫واألرض َمث َ ُل نُو ِر ِه َك ِم ْشكَا ٍة فِيهَا‬ ‫اج ٍة‬ ‫ِم ْصب َ ٌ‬ ‫اح ا‪١‬تصباح ِيف ُز َج َ‬ ‫الزجاجة كَأ َ َّ‬ ‫ك‬ ‫ب ُد ِّر ٌّي يُوقَ ُد‬ ‫هن‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫ِمن َش َجر ٍة ُمباركَ ٍة زَي ْ ُتون َ ٍة ال َّ َش ْرقِيَةٍ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ّ‬

‫َوال َ َغ ْربِي َّ ٍة يَكَ ُاد زَي ْ ُتهَا يضياء َول َ ْو ل َ ْم‬ ‫ور عىل نُو ٍر يَهْ ِدي اهلل‬ ‫َ٘ت ْ َس ْس ُه ن َ ٌار ن ُّ ٌ‬ ‫ل ِ ُنو ِر ِ‬ ‫م‬ ‫آء َوي َ ْض ِر ُب اهلل‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫األمثال ِلنلَّ ِ‬ ‫اس واهلل بِ ُك ّ ِل َش ْيء عَلَيِ ٌم‬ ‫} ػ النور ‪] 35 :‬‬ ‫كأن اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬يريدنا‬ ‫أن نعرف بتشؽيه ‪٤‬تس ‪ . .‬أن مثل‬

‫نوره كمشكاة ‪ . .‬وا‪١‬تشكاة هي (‬ ‫الطاقة ) ‪ . .‬وهي فجوة يف ا‪ٟ‬تائط‬ ‫بالؽيت الريفي ‪ . .‬و‪٨‬تن نضع‬ ‫ا‪١‬تصباح يف هذه الطاقة‪ . .‬إذن‬ ‫ا‪١‬تصباح لؼس يف ا‪ٟ‬تجرة كلها‪. .‬‬ ‫ولكن نوره مركز يف هذه الطاقة‬ ‫فيكون قويا يف هذا ا‪ٟ‬تيز الضيق ‪. .‬‬

‫ولكن ا‪١‬تصباح يف زجاجة ‪ٖ . .‬تفظه‬ ‫من ا‪٢‬تواء من كل جانب ‪ . .‬فيكون‬ ‫الضوء أقوى ‪ . .‬صافيا ال دخان فيه ‪.‬‬ ‫‪ .‬كما أن الزجاج يعكس األشعة‬ ‫فيزيد تركيزه ‪ . .‬والزجاجة غَت‬ ‫عادية ولكنها ‪ « :‬كوكب دري » ‪. .‬‬ ‫أي هي مضؼئة بذاهتا وكأهنا كوكب‬

‫‪ . .‬ووقودها من شجرة مباركة‬ ‫ٯتلؤها النور ال شرقية وال غربية ‪. .‬‬ ‫أي ٯتلؤها النور من الوسط وٮترج‬ ‫صافيا ‪ . .‬والزيت مضيء بذاته‬ ‫دون أن َ٘ت َ َّس ُه النار ‪ . .‬فهي نور عىل‬ ‫نور ‪ . .‬أيكون جزء من هذه‬

‫ا‪١‬تشكاة ذات ا‪١‬تساحة الصغَتة‬ ‫مظلما؟ ‪.‬‬ ‫‪ .‬أم تكون كلها ملؼئة بالنور‬ ‫القوي؟ ‪.‬‬ ‫وهذا لؼس نور اهلل تبارك وتعاىل‬ ‫عن التشؽيه والوصف ‪ ،‬ولكنه مثل‬ ‫فقط للتقريب إىل األذهان ‪ . .‬فكأن‬

‫نور اهلل يضيء كل ركن وكل بقعة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وال يًتك مكانا مظلما ‪ . .‬فهو نور‬ ‫عىل نور ‪. .‬‬ ‫ولقد أراد أحد الشعراء أن ٯتدح‬ ‫ا‪٠‬تليفة وكانت العادة أن يشبه‬ ‫ا‪٠‬تليفة ‪ . .‬باألشخاص البارزين‬ ‫ذوي الصفات ا‪ٟ‬تسنة ‪ . .‬فقال ‪:‬‬

‫إقدام عمرو يف ‪ٝ‬تاحة حاتم ‪ ...‬يف‬ ‫حلم أحنف يف ذكاء إياس‬ ‫وكل هؤالء الذين ضرب بهم‬ ‫الشاعر ا‪١‬تثل كانوا مشهورين‬ ‫بهذه الصفات ‪ . .‬فعمرو كان‬ ‫مشهورا باإلقدام والشجاعة ‪. .‬‬ ‫وحاتم كان مشهور بالسماحة‪. .‬‬

‫وأحنف يضرب به ا‪١‬تثل يف ا‪ٟ‬تلم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإياس شعلة يف الذكاء‪ . .‬وهنا قام‬ ‫أحد ا‪ٟ‬تاضرين وقال ‪ :‬األمَت أكرب‬ ‫من كل شيء ‪٦‬تن شبهته بهم ‪. .‬‬ ‫فقال أبو ٘تام عىل الفور ‪:‬‬ ‫ال تنكروا َض ْريب لَه َم ْن ُدون َ ُه ‪...‬‬ ‫مثبل ً َش ُرودا ًيف النَّ َدى ِ‬ ‫والباس‬

‫فاهلل قَ ْد َضرب َّ‬ ‫األقل لنوره ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫مثبل ًمن ا‪١‬ت ِ ْشكَاة والن ّ ْرب ِ‬ ‫اس‬ ‫فأعجب أ‪ٛ‬تد بن ا‪١‬تعتصم‬ ‫وا‪ٟ‬تاضرون من ذكائه وأمر بأن‬ ‫تضاعف جائزته ‪ .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ . .‬يضرب لنا ا‪١‬تثل ٔتا‬ ‫سيشهده ا‪١‬تؤمنون يف ا‪ٞ‬تنة ‪. .‬‬

‫فيقول جل جبلله ‪َّ { :‬مث َ ُل ا‪ٞ‬تنة‬ ‫اليت وعِ َد ا‪١‬تتقون فِيهَآ أَن ْ َهار ِّمن َمآءٍ‬ ‫ٌ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غَ ْ ِ‬ ‫َت آسنٍ َوأ ْهن َ ٌار ّمن ل َّ َ ٍ‬ ‫نب ل َّ ْم يَتَغ َ ََّت ْ‬ ‫َطعمه وأ َ ْهنار ِّمن َ‪ٜ‬تْ ٍر ل َّ َّذ ٍة ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُت‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َُُْ َ ٌ ْ‬ ‫َ‬ ‫َوأ َ ْهن َ ٌار ِّم ْن َع َس ٍل ُّم َص ًّىف } ػ ‪٤‬تمد ‪:‬‬ ‫‪] 15‬‬ ‫هذه لؼست ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬ولكن هذا‬

‫مثل يقرب اهلل سبحانه وتعاىل لنا‬ ‫به الصورة بأشياء موجودة يف حياتنا‬ ‫‪ . .‬ألنه ال ٯتكن لعقول البشر أن‬ ‫تستوعب أكثر من هذا ‪ . .‬وا‪ٞ‬تنة‬ ‫فيها ما ال عُت رأت وال أذن ‪ٝ‬تعت‬ ‫وال خطر عىل قلب بشر ‪ . .‬ومن هنا‬ ‫فإنه ال توجد أ‪ٝ‬تاء يف ا‪ٟ‬تياة تعرب‬

‫عما يف ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫فَبل َتَعْل َ ُم ن َ ْف ٌس َّمآ أ ُْخ ِف َي َ‪٢‬تُم ِّمن ُق َّر ِة‬ ‫ِ‬ ‫أَع ْ ُ ٍ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ُت َج َزآء ًٔتَا كَانُوا ْيَعْ َمل ُ َ‬ ‫السجدة ‪] 17 :‬‬ ‫فإذا كانت النفس ال تعلم ‪ . .‬فبل‬ ‫توجد ألفاظ تعرب عما يوجد يف ا‪ٞ‬تنة‬ ‫‪ . .‬وا‪١‬تثل مىت شاع استعماله بُت‬

‫الناس ‪ٝ‬تي مثبل ‪ . .‬فأنت إذا رأيت‬ ‫شخصا مغًتا بقوته ‪ . .‬وتريد أن‬ ‫تفهمه أنك أقوى منه تقول له ‪. .‬‬ ‫إن كنت ر٭تا فقد القيت إعصارا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وال توجد ريح وال إعصار فيما‬ ‫٭تدث بؼنكما ‪ . .‬وإ‪٪‬تا ا‪١‬تراد ا‪١‬تعٌت‬ ‫دون التقيد ٔتدلول األلفاظ ‪.‬‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ . .‬يريد أن‬ ‫يعطؼنا صورة ‪ . .‬عما يف داخل‬ ‫قلوب ا‪١‬تنافقُت ‪ . .‬من اضطراب‬ ‫وذبذبة وتردد يف استقبال منهج اهلل‬ ‫‪ . .‬ويف الوقت نفسه ما ‪٬‬تري يف‬ ‫القلوب غيب عنا ‪ . .‬وأراد اهلل أن‬ ‫يقرب هذا ا‪١‬تعٌت إلؼنا ‪ . .‬فقال ‪{ :‬‬

‫َمثَل ُ ُه ْم َك َمث َ ِل الذي استوقد نَارا ً}‬ ‫‪ . .‬أي حاول أن يوقد نارا ‪. .‬‬ ‫والذي ٭تاول أن يوقد نارا ‪.‬‬ ‫‪ .‬البد أن له هدفا ‪ . .‬وا‪٢‬تدف قد‬ ‫يكون الدفء وقد يكون الطهي ‪. .‬‬ ‫وقد يكون الضوء وقد يكون غَت‬ ‫ذلك ‪ . .‬ا‪١‬تهم أن يكون هناك‬

‫هدف إليقاد النار ‪. .‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬فَل َ َّمآ‬ ‫أَ‬ ‫ح‬ ‫ب اهلل بِ ُنو ِر ِه ْم‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫اء‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ون }‬ ‫َوتَ َر َك ُه ْم ِيف ُظل ُ َمات ال َّيُبْص ُر َ‬ ‫‪ . .‬ذلك أهنم يف ا‪ٟ‬تَتة اليت ٘تؤل‬ ‫قلوبهم ‪ . .‬كانوا قد ‪ٝ‬تعوا من‬ ‫اليهود أن زمن نبي جديد قد أىت ‪. .‬‬

‫فقرروا أن يؤمنوا به ‪ . .‬ولكن‬ ‫إٯتاهنم لم يكن عن رغبة يف‬ ‫اإلٯتان ‪ . .‬ولكنه كان عن ‪٤‬تاولة‬ ‫للحصول عىل أمان دنيوي ‪ . .‬ألن‬ ‫اليهود كانوا يتوعدوهنم ويقولون‬ ‫أىت زمن نبي سنؤمن به ونقتلكم به‬ ‫قتل عاد وإرم ‪ . .‬فأراد هؤالء‬

‫ا‪١‬تنافقون أن يتقوا هذا القتل الذي‬ ‫يتوعدهم به اليهود ‪ . .‬فتصوروا‬ ‫أهنم إذا أعلنوا أهنم آمنوا بهذا النبي‬ ‫نفاقا أن ٭تصلوا عىل األمن ‪. .‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعطؼنا هذه‬ ‫الصورة ‪ . .‬إهنم أوقدوا هذه النار ‪.‬‬ ‫‪ .‬لتعطيهم نورا يريهم طريق‬

‫اإلٯتان ‪ . .‬وعندما جاء هذا النور‬ ‫بدال من أن يأخذوا نور اإلٯتان‬ ‫انصرفوا عنه ‪ . .‬وعندما حدث‬ ‫ذلك ذهب اهلل بنورهم ‪ . .‬فلم يبق‬ ‫يف قلوبهم شيء من نور اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫فهم الذين طلبوا نور اإلٯتان أوال ‪.‬‬ ‫‪ .‬فلما استجاب اهلل ‪٢‬تم انصرفوا‬

‫عنه ‪ . .‬فكأن الفساد يف ذاهتم ‪. .‬‬ ‫وكأهنم هم الذين بدأوا بالفساد ‪. .‬‬ ‫وساعة فعلوا ذلك ذهب اهلل بنور‬ ‫اإلٯتان من قلوبهم ‪.‬‬ ‫ونبلحظ هنا دقة التعبَت القرآين ‪. .‬‬ ‫ب اهلل بِ ُنو ِر ِه ْم‬ ‫يف قوله تعاىل ‪ { :‬ذَ َه َ‬ ‫} ولم يقل ذهب اهلل بضوئهم ‪. .‬‬

‫مع أهنم أوقدوا النار ليحصلوا عىل‬ ‫الضوء ‪ . .‬ما هو الفرق بُت الضوء‬ ‫والنور؟ ‪ . .‬إذا قرأنا قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ُ { :‬ه َو الذي َجعَ َل‬ ‫الشمس ِضيَآء ًوالقمر نُورا ً} ػ‬ ‫يونس ‪] 5 :‬‬ ‫‪٧‬تد أن الضوء أقوى من النور ‪. .‬‬

‫والضوء ال يأيت إال من إشعاع ذايت ‪. .‬‬ ‫فالشمس ذاتية اإلضاءة ‪ . .‬ولكن‬ ‫القمر يستقبل الضوء ويعكس‬ ‫النور ‪ . .‬وقبل أن تشرق الشمس‬ ‫ٕتد يف الكون نورا ‪ . .‬ولكن الضوء‬ ‫يأيت بعد شروق الشمس ‪ . .‬فلو أن‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل قال ذهب اهلل‬

‫بضوئهم ‪ . .‬لكان ا‪١‬تعٌت أنه‬ ‫سبحانه ذهب ٔتا يعكس النور ‪. .‬‬ ‫ولكنه أبىق ‪٢‬تم النور ‪ . .‬ولكن قوله‬ ‫ب اهلل بِ ُنو ِر ِه ْم } ‪. .‬‬ ‫تعاىل ‪ { :‬ذَ َه َ‬ ‫معناها أنه لم يبق ‪٢‬تم ضوءا وال‬ ‫نورا ‪ . .‬فكأن قلوبهم ٯتلؤها‬ ‫الظبلم ‪ . .‬ولذلك قال اهلل بعدها؛‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ون‬ ‫{ َوتَ َر َك ُه ْم ِيف ُظل ُ َمات ال َّيُبْص ُر َ‬ ‫} ‪ . .‬لنعلم أنه ال يوجد يف قلوبهم‬ ‫أي نور وال ضوء إٯتاين ‪ . .‬كل هذا‬ ‫حدث بظلمهم هم وانصرافهم‬ ‫عن نور اهلل ‪.‬‬ ‫ونبلحظ هنا أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ . .‬لم يقل وتركهم يف ظبلم ‪. .‬‬

‫بل قال ‪ « :‬يف ظلمات » ‪ . .‬أي أهنا‬ ‫ظلمات مًتاكمة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ظلمات مركبة ال يستطيعون‬ ‫ا‪٠‬تروج منها أبدا ‪. .‬‬ ‫من أين جاءت هذه الظلمات؟ ‪. .‬‬ ‫جاءت ألهنم طلبوا الدنيا ولم‬ ‫يطلبوا اآلخرة ‪ . .‬وعندما جاءهم‬

‫نور اإلٯتان انصرفوا عنه فصرف‬ ‫اهلل قلوبهم ‪. .‬‬ ‫مثبل إذا أخذنا قصة زعيم ا‪١‬تنافقُت‬ ‫عبد اهلل بن أُ َ ِيب ّ‪ ،‬نرى أن رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم دخل ا‪١‬تدينة‬ ‫وأهلها يستعدون لؾتويج عبد اهلل‬ ‫بن أيب ملكا عليها ‪ . .‬وعندما وصل‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫انصرف الناس عن عبد اهلل بن أيب‬ ‫إىل استقبال الرسول عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ . .‬فوصول الرسول عليه‬ ‫الصبلة والسبلم ضيع عىل عبد اهلل‬ ‫بن أيب ا ْ‪١‬تُلْك ‪ . .‬ولقد كان من‬ ‫ا‪١‬تمكن أن يؤمن ‪ . .‬وأن يلتمس‬

‫النور من رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ . .‬ولو آمن حينئذ رٔتا أعىط‬ ‫يف اآلخرة ملكا دائما ‪ . .‬يفوق ا‪١‬تلك‬ ‫الذي كان سيحصل عليه يف الدنيا ‪.‬‬ ‫قلبالدنيا ولؼس‬ ‫‪ .‬ولكن ألن يف ه‬ ‫الدين ‪ . .‬وألنه يريد رفعة يف الدنيا‬ ‫‪ . .‬وال يريد جنة يف اآلخرة ‪ ،‬فقد‬

‫مؤل ا‪ٟ‬تقد قلبه فكان ظلمة ‪ . .‬ومؤل‬ ‫ا‪ٟ‬تسد قلبه فكان ظلمة ‪ . .‬ومؤلت‬ ‫ا‪ٟ‬تسرة قلبه فكانت ظلمة ‪. .‬‬ ‫ومؤلت الكراهية والبغضاء قلبه‬ ‫فكانت ظلمة ‪ . .‬إذن هي ظلمات‬ ‫متعددة ‪. .‬‬ ‫وهكذا يف قلب كل منافق ظلمات‬

‫متعددة ‪ . .‬ظلمة ا‪ٟ‬تقد عىل‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت وظلمة الكراهية ‪٢‬تم ‪. .‬‬ ‫وظلمة ٘تٍت هزٯتة اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫وظلمة ٘تٍت أن يصؼبهم سوء وشر‬ ‫‪ . .‬وظلمة التمزق واأللم من‬ ‫ا‪ٞ‬تهد الذي يبذله للتظاهر‬ ‫باإلٯتان ويف قلوبهم الكفر ‪ . .‬كل‬

‫هذه ظلمات ‪ . .‬ولكن ال ٖتاول أن‬ ‫تأخذها بمقايؼس عقلك ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تفروض أن ا‪١‬تثل هنا لتقريب‬ ‫ا‪١‬تعٌت ‪ . .‬ألنك إذا قرأت قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وإِذَا قَ َرأ ْ َت‬ ‫ُت الذين ال َ‬ ‫القرآن َجعَلْنَا بَؼْن َ َ‬ ‫ك َوب َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون باآلخرة ِح َجابا ً َّم ْس ُتورا ً} ػ‬ ‫يُ ْؤم ُن َ‬

‫اإلسراء ‪] 45 :‬‬ ‫كيف يكون ا‪ٟ‬تجاب مستورا؟ ‪. .‬‬ ‫مع أن اٌفجاب هو الساتر الذي‬ ‫يسًت شؼئا عن شيء ‪ . .‬ولكن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يريدنا أن نفهم ‪. .‬‬ ‫أنه برغم أن ا‪ٟ‬تجاب يسًت شؼئا‬ ‫عن شيء ‪ ،‬فإن ا‪ٟ‬تجاب نفسه‬

‫مستور ال نراه ‪ . .‬وبعض العلماء‬ ‫يقولون ‪ :‬إن مستورا اسم مفعول ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهو يف معٌت اسم الفاعل ساتر ‪. .‬‬ ‫نقول ال ‪ . .‬واقرأ قوله تبارك‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬جنَّ ِ‬ ‫ات ع َ ْدنٍ اليت َوع َ َد‬ ‫ِ‬ ‫ان َوع ْ ُد ُه‬ ‫الر‪ٛ‬تن عبَادَ ُه بالغيب إِن ّ َُه ك َ َ‬ ‫َمأْتِيّا ً} ػ مريم ‪] 61 :‬‬

‫مأتيا اسم مفعول واسم الفاعل آىت‬ ‫‪ . .‬ويقول البعض وضع اسم‬ ‫ا‪١‬تفعول مكان اسم الفاعل ‪ . .‬نقول‬ ‫أنك لم تفهم ‪ . .‬هل وعد اهلل يلح‬ ‫يف طلب العبد ‪ . .‬أم أن العبد يلح يف‬ ‫طلبه بعمله فكأنه ذاهب إليه ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬توعود هو ا‪١‬تستفيد ولؼس الوعد‬

‫‪ . .‬إذن من دقة القرآن الكريم ‪. .‬‬ ‫أنه يريد أن ينبهنا إىل أن ا‪١‬توعود‬ ‫هو الذي يسىع للقاء الوعد ‪. .‬‬ ‫ولؼس الوعد هو الذي يطلب لقاء‬ ‫ا‪١‬توعود فؼستخدم اسم الفاعل ‪.‬‬ ‫فحُت يقول ا‪ٟ‬تق سبح انه وتعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ون‬ ‫{ َوتَ َر َك ُه ْم ِيف ُظل ُ َمات ال َّيُبْص ُر َ‬

‫} ‪ . .‬نىف النور عنهم ‪ . .‬والنور ال‬ ‫عبلقة له بالسمع وال بالشم وال‬ ‫باللمس ‪ . .‬ولكنه قانون البصر‪. .‬‬ ‫وانظر إىل دقة التعبَت القرآين‪ . .‬إذا‬ ‫امؾنع النور امؾنع البصر‪ . .‬أي أن‬ ‫العُت ال تبصر بذاهتا‪ . .‬ولكنها‬ ‫تبصر بانعكاس النور عىل األشياء ثم‬

‫انعكاسه عىل العُت‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬و َجعَلْنَا الليل‬ ‫والنهار آيَت َ ْ ِ‬ ‫ُت فَ َم َح ْونَآ آيَةَ الليل‬ ‫َو َجعَلْنَآ آي َ َة النهار ُمب ْ ِص َرة ً} ػ‬ ‫اإلسراء ‪] 12 :‬‬ ‫فكأن الذي ‪٬‬تعل العُت تبصر هو‬ ‫الضوء أو النور ‪ . .‬فإذا ضاع النور‬

‫ضاع اإلبصار ‪ . .‬ولذلك فأنت ال‬ ‫تبصر األشياء يف الظبلم‪ . .‬وهذه‬ ‫معجزة قرآنية اكتشفها العلم بعد‬ ‫نزول القرآن ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ُص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم َال ي َ ْرج ُع َ‬ ‫(‪)18‬‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ . .‬بعد أن‬ ‫أخربنا أنه بظلم هؤالء ا‪١‬تنافقُت‬ ‫ألنفسهم ‪ . .‬ذهب بنور اإلٯتان‬ ‫من قلوبهم فهم ال يبصرون آيات‬ ‫اهلل ‪ . .‬أراد أن يلفؾنا إىل أنه لؼس‬ ‫البصر وحده هو الذي ذهب ‪. .‬‬ ‫ولكن كل حواسهم تعطلت ‪. .‬‬

‫فالسمع تعطل فهم صم ‪. .‬‬ ‫والنطق تعطل فهم بكم ‪. .‬‬ ‫والبصر تعطل فهم ع ىم‪ . .‬وهذه‬ ‫هي آالت اإلدراك يف اإلنسان ‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬واهلل‬ ‫أ َ ْخ َر َج ُكم ِّمن ُب ُط ِ‬ ‫ون أُ َّمهَاتِ ُك ْم ال َ‬ ‫ون َشؼْئا ً َو َجعَ َل ل َ ُك ُم السمع‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬

‫واألبصار واألفئدة لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ون } ػ النحل ‪] 78 :‬‬ ‫تَ ْش ُك ُر َ‬ ‫إذن كوهنم يف ظلمات ال يبصرون‬ ‫معناها أهنا قد تعطلت وسائل‬ ‫اإلدراك األخرى؛ فآذاهنم ُص َّم ْت‬ ‫فهي ال تسمع منهج ا‪ٟ‬تق ‪،‬‬ ‫وألسنتهم تعطلت عن نقل ما يف‬

‫قلوبهم وأبصارهم ال ترى آيات‬ ‫اهلل يف الكون إذن فآالت إدراكهم‬ ‫‪٢‬تدى اهلل معطلة عندهم ‪. .‬‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَ ُه ْم ال َي َ ْرج ُع َ‬ ‫‪ . .‬أي لن تعود إليهم هذه الوسائل‬ ‫ليدركوا نور اهلل يف كونه ‪. .‬‬ ‫اإلدراك غَت موجود عندهم ‪. .‬‬

‫ولذلك فبل تطمعوا أن يرجعوا إىل‬ ‫منهج اإلٯتان أبدا ‪ . .‬لقد فسدت‬ ‫يف قلوبهم العقيدة ‪ . .‬فلم يفرقوا‬ ‫بُت ضر عاجل وما هو نفع آجل ‪. .‬‬ ‫نور ا‪٢‬تداية كان سيجعلهم‬ ‫يبصرون الطريق إىل اهلل ‪ . .‬حىت‬ ‫يسَتوا عىل بؼنة وال يتعثروا‪. .‬‬

‫ولكنهم حؼنما جاءهم النور‬ ‫رفضوه وانصرفوا عنه ‪ . .‬فكأنهم‬ ‫انصرفوا عن كل ما يهديهم إىل‬ ‫طريق اهلل!! ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل يف هذه اآلية‬ ‫الكرٯتة ‪ . .‬أعطانا وصفا آخر من‬ ‫صفات ا‪١‬تنافقُت هو أن أدوات‬

‫اإلدراك اليت خلقها اهلل جل جبلله‬ ‫معطلة عندهم ‪ . .‬ولذلك فإن‬ ‫اإلصرار عىل هدايتهم وبذل ا‪ٞ‬تهد‬ ‫معهم لن يأيت بنؾيجة ‪ . .‬ألن اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل بنفاقهم وظلمهم‬ ‫عطل وسائل ا‪٢‬تداية اليت كان من‬

‫ا‪١‬تمكن أن يعودوا بها إىل طريق‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬

‫ات‬ ‫أ َ ْو َك َص ِي ّ ٍب ِم َن َّ‬ ‫الس َماءِ فِي ِه ُظل ُ َم ٌ‬ ‫ون أ َ َصابِعَ ُه ْم ِيف‬ ‫َو َرع ْ ٌد َوب َ ْر ٌق َ‪٬‬تْعَل ُ َ‬ ‫آذَ ِ ِ‬ ‫اهن ْم ِم َن ا َّلص َوا ِع ِق َح َذ َر ا ْ‪١‬ت َ ْو ِت‬ ‫اّلل ُ ِ‪٤‬ت ٌيط بِالْكَافِرِي َن (‪)19‬‬ ‫َو َّ ُ‬

‫وقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬أ َ ْو‬ ‫كَ َصيِ ّ ٍب ِّم َن السمآء } ‪ . .‬الصيب‬ ‫هو ا‪١‬تطر ‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل‬ ‫يزنل ا‪١‬تاء فتقوم به ا‪ٟ‬تياة ‪. .‬‬ ‫مصداقا لقوله جل جبلله ‪{ :‬‬ ‫َو َجعَلْنَا ِم َن ا‪١‬تآء كُ َّل َش ْيءٍ َح ٍّي } ػ‬ ‫األنؽياء ‪] 30 :‬‬

‫ومن البديهي أننا نعرف أن إنزال‬ ‫ا‪١‬تطر ‪ . .‬هو من قدرة اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل وحده ‪ . .‬ذلك أن عملية‬ ‫ا‪١‬تطر فيها خلق ْتساب ‪ . .‬وفيها‬ ‫عمليات تتم كل يوم ْتساب أيضا‬ ‫‪ . .‬وفيها عوامل ال يقدر عليها إال‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬فمسألة‬

‫ا‪١‬تطر أعدت األرض ‪٢‬تا حُت ا‪٠‬تلق‬ ‫‪ . .‬فكانت ثبلثة أرباع األرض من‬ ‫ا‪١‬تاء والربع من اليابسة‪١ . .‬تاذا؟‬ ‫من ِح َك ِم اهلل يف هذا ا‪٠‬تلق أن‬ ‫تكون عملية البخر سهلة و‪٦‬تكنة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ذلك أنه كلما اتسع سطح ا‪١‬تاء‬ ‫يكون البخر أسهل ‪ . .‬وإذا ضاق‬

‫السطح تكون عملية البخر أصعب‬ ‫‪ . .‬فإذا جػنا بكوب ‪٦‬تلوء با‪١‬تاء‬ ‫ووضعناه يف حجرة مغلقة يوما ‪. .‬‬ ‫ثم عدنا إليه ‪٧‬تد أن حجم ا‪١‬تاء‬ ‫نقص ٔتقدار سنؾيمًت أو أقل ‪. .‬‬ ‫فإذا أخذنا ا‪١‬تاء الذي يف هذا الكوب‬ ‫وقذفناه يف ا‪ٟ‬تجرة ‪ . .‬فإنه ٮتتفي يف‬

‫فًتة قصَتة ‪١ . .‬تاذا؟ ‪ .‬؛ ألن سطح‬ ‫ا‪١‬تاء أصبح واسعا فتمت عملية‬ ‫البخر بسرعة ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل حُت خلق‬ ‫األرض ‪ . .‬وضع يف ا‪٠‬تلق حكمة‬ ‫ا‪١‬تطر يف أن تكون مساحة ا‪١‬تاء‬ ‫واسعة لؾتم عملية البخر بسهولة‪.‬‬

‫‪ .‬وجعل أشعة الشمس اليت تقوم‬ ‫بعملية البخر من سطح ا‪١‬تاء ‪. .‬‬ ‫وتم ذلك ْتساب دقيق ‪ . .‬حىت ال‬ ‫تغرق األمطار األرض أو ٭تدث‬ ‫فيها جفاف ‪ . .‬ثم سخر الريح‬ ‫لتدفع السحاب إىل حيث يريد اهلل‬ ‫أن يزنل ا‪١‬تطر ‪ . .‬وقمم ا‪ٞ‬تبال‬

‫الباردة ليصطدم بها السحاب‬ ‫فيزنل ا‪١‬تطر ‪ . .‬كل هذا ْتساب‬ ‫دقيق يف ا‪٠‬تلق ويف كل مراحل ا‪١‬تطر‬ ‫‪..‬‬ ‫ومادام ا‪١‬تاء هو الذي به ا‪ٟ‬تياة عىل‬ ‫األرض ‪ . .‬فقد ضرب اهلل لنا به‬ ‫ا‪١‬تثل كما ضرب لنا ا‪١‬تثل بالنار‬

‫وضوئها ‪ . .‬فكلها أمثلة مادية‬ ‫لتقرب إىل عقولنا ما هو غيب عنا ‪. .‬‬ ‫فا‪١‬تاء يعطؼنا ا‪ٟ‬تياة ‪. .‬‬ ‫لكن هؤالء ا‪١‬تنافقُت ‪ .‬لم يلتفوا إىل‬ ‫هذا ا‪٠‬تَت ‪ .‬الذي يزنل عليهم من‬ ‫السماء من غَت تعب أو جهد منهم‬ ‫‪ .‬بل التفتوا إىل أشياء ثانوية ‪ ،‬كان‬

‫من ا‪١‬تفروض أن يرحبوا بها ألهنا‬ ‫مقدمات خَت ‪٢‬تم ‪ .‬فا‪١‬تطر قبل أن‬ ‫يزنل من السماء البد أن يكون‬ ‫هناك شيء من الظلمة يف السحاب‬ ‫الذي يأيت با‪١‬تطر ‪ .‬فيحجب أشعة‬ ‫الشمس إن كنا هنارا ‪ .‬وٮتفي نور‬ ‫القمر والنجوم إن كنا ليبل ‪ .‬هذه‬

‫الظلمة مقدمات ا‪٠‬تَت وا‪١‬تاء ‪. .‬‬ ‫إهنم لم يلتفتوا إىل ا‪٠‬تَت الذي مؤل‬ ‫اهلل به سبحانه وتعاىل األرض‪ .‬بل‬ ‫التفتوا إىل الظلمة فنفروا من اٍفير‪.‬‬ ‫‪ .‬كذلك صوت الرعد ونور الربق ‪.‬‬ ‫الرعد يستقبله اإلنسان باألذن‬ ‫وهي آلة السمع ‪ .‬والربق تستقبله‬

‫العُت ‪ . .‬وصوت الرعد قوي ‪،‬‬ ‫أقوى من طاقة األذن ‪ .‬ولذلك‬ ‫عندما يسمعه اإلنسان يفزع ‪،‬‬ ‫و٭تاول أن ٯتنع استقبال األذن له ‪،‬‬ ‫بأن يضع أنامله يف أذنيه ‪.‬‬ ‫وهؤالء ا‪١‬تنافقون لم يضعوا‬ ‫األنامل ‪ .‬ولكن كما قال اهلل‬

‫ون‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪٬َ { :‬تْعَل ُ َ‬ ‫أ َ َصابِعَ ُه ْم يف آذَ ِاهنِم} ولم يقل‬ ‫أناملهم ‪ .‬وذلك مبالغة يف تصوير‬ ‫تأثَت الرعد عليهم ‪ .‬فكأهنم من‬ ‫خوفهم وذعرهم ٭تاول كل واحد‬ ‫منهم أن يدخل كل إصبعه يف أذنه ‪.‬‬ ‫ليحميه من هذا الصوت ا‪١‬تخيف ‪.‬‬

‫فكأهنم يبالغون يف خوفهم من‬ ‫الرعد ‪.‬‬ ‫ونبلحظ هنا أن ا‪ٟ‬تديث لؼس عن‬ ‫فرد واحد ‪ ،‬ولكن عن كثَتين ‪. .‬‬ ‫ألنه سبحانه وتعاىل يقول «‬ ‫أصابعهم » نقول أن األمر ‪ٞ‬تماعة‬ ‫يعٍت أمرا ًلكل فرد فيها ‪ ،‬فإذا قال‬

‫ا‪١‬تدرس للتبلميذ أخرجوا‬ ‫أقبلمكم ‪ ،‬فمعٌت ذلك أن كل‬ ‫تلميذ ٮترج قلمه ‪ . .‬وإذا قال‬ ‫رئؼس ا‪ٞ‬تماعة اركبوا سياراتكم‬ ‫‪ ،‬فمعٌت ذلك أن كل واحد يركب‬ ‫سيارته ‪ . .‬لذلك فإن معٌت {‬ ‫ون أ َ َصابِعَ ُه ْم يف آذَ ِاهنِم} أن‬ ‫َ‪٬‬تْعَل ُ َ‬

‫كل واحد منهم يضع إصبعيه يف‬ ‫أذنيه ‪. .‬‬ ‫‪١‬تاذا يفعلون ذلك؟! أهنم يفعلونه‬ ‫خوفا من ا‪١‬توت ‪ .‬ألن الرعد والربق‬ ‫يصاحبهما الصواعق أحيانا ‪،‬‬ ‫ولذلك فإهنم من مبالغتهم يف‬ ‫ا‪٠‬توف ٭تس كل واحد منهم أن‬

‫صاعقة ستقتله ‪ . .‬فكأهنم‬ ‫يستقبلون نعمة اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫بغَت حقيقتها ‪ . .‬هم ال يرون‬ ‫النعمة ا‪ٟ‬تقيقية يف أن هذا ا‪١‬تطر‬ ‫يأيت ‪٢‬تم بعوامل استمرار ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫ولكنهم يأخذون الظاهر يف الربق‬ ‫والرعد ‪ .‬وكذلك ا‪١‬تنافقون ‪ . .‬ال‬

‫يستطيع الواحد منهم أن يصرب عىل‬ ‫شهوات نفسه ونزواهتا ‪ . .‬إنه‬ ‫يريد ذلك العاجل وال ينظر إىل‬ ‫ا‪٠‬تَت ا‪ٟ‬تقيقي الذي وعد اهلل به‬ ‫عباده ا‪١‬تؤمنُت يف اآلخرة ‪ . .‬وهو‬ ‫ينظر إىل التكاليف كأهنا شدة‬ ‫ومسألة ٖتمل النفس بعض ا‪١‬تشاق‬

‫‪ .‬ويغفل عن حقيقة جزاء التكاليف‬ ‫يف اآلخرة ‪ .‬وكيف أهنا ستوفر ‪٢‬تم‬ ‫النعيم الدائم ‪٘ . .‬تاما كما ينظر‬ ‫اإلنسان إىل ا‪١‬تطر عىل أنه ظلمة‬ ‫ورعد وبرق ‪ ،‬وينىس أنه بدون هذا‬ ‫ا‪١‬تطر من ا‪١‬تستحيل أن تستمر‬ ‫حياته ‪. .‬‬

‫هم يأخذون هذه الظواهر عىل أهنا‬ ‫كل شيء ‪ .‬بؼنما هي يف ا‪ٟ‬تقيقة تأيت‬ ‫لوقت قصَت وٗتتفي ‪ ،‬فهي قصَتة‬ ‫كاٌفياة الدنيا ‪ ،‬وقؾية ‪ .‬ولكن‬ ‫نظرهتم إليها وقؾية ومادية ألهنم ال‬ ‫يؤمنون إال بالدنيا وغفلوا عن‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬غفلوا عن ذلك ا‪١‬تاء اليت‬

‫يبىق فًتة طويلة ‪ ،‬وتنبهوا إىل تلك‬ ‫الظواهر الوقؾية اليت تأيت مع ا‪١‬تطر‬ ‫فخافوا منها وكان خوفهم منها‬ ‫‪٬‬تعلهم ال ٭تسون ٔتا يف ا‪١‬تطر من‬ ‫خَت ‪ .‬وا‪١‬تنافقون يريدون أن‬ ‫يأخذوا خَت اإلسبلم دون أن‬ ‫يقوموا بواجبات هذا الدين!!‬

‫ثم يلفؾنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل إىل‬ ‫قضية هامة ‪ .‬وهي أن خوفهم من‬ ‫زوال متع الدنيا ونفوذها لن يفعل‬ ‫‪٢‬تم شؼئا ‪ .‬ألن اهلل ‪٤‬تيط بالكافرين‬ ‫‪ . .‬واإلحاطة معناها السيطرة‬ ‫التامة عىل الشيء ْتيثال يكون‬ ‫أمامه وسيلة لئلفبلت ‪ ،‬وقدرة اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪٤‬تيطة بالكافرين‬ ‫وغَت الكافرين ‪. .‬‬ ‫إذن عدم التفاهتم للنفع ا‪ٟ‬تقيقي ‪،‬‬ ‫وهو منهج اهلل ‪ ،‬ال يعطيهم قدرة‬ ‫اإلفبلت من قدرة اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫يَكَاد ال ْ َرب ُق َٮت ْ َط ُف أ َ‬ ‫ار ُه ْم كُل َّ َما‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َ َضاءَ َ‪٢‬ت ُ ْم َم َش ْوا في ِه َوإِذَا أ ْظل َ َم‬ ‫م ل‬ ‫ب‬ ‫اّلل ل َ َذ َه َ‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم قَا ُوا َو َ ْو َشاءَ َّ ُ‬ ‫اّللَ عَىلَ‬ ‫بِ َس ْمعِ ِه ْم َوأَب ْ َصا ِر ِه ْم إ َِّن َّ‬ ‫كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر (‪)20‬‬ ‫أن اهلل سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفؾنا إىل أن الربق الذي هو وقيت‬

‫وزمنه قليل ‪ .‬هو الذي يسًتعي‬ ‫انؾباههم ‪ .‬ولو آمنوا ألضاء نور‬ ‫اإلٯتان واإلسبلم طريقهم ‪.‬‬ ‫ولكن قلوبهم ‪٦‬تلوءة بظلمات‬ ‫الكفر فبل يرون طريق النور ‪. .‬‬ ‫والربق ٮتطف أبصارهم ‪ ،‬أي‬ ‫يأخذها دون إرادهتم ‪ .‬فا‪٠‬تطف‬

‫يعٍت أن الذي ٮتطف ال ينتظر اإلذن‬ ‫‪ ،‬والذي يتم ا‪٠‬تطف منه ال ٯتلك‬ ‫القدرة عىل منع ا‪٠‬تاطف ‪ .‬وا‪٠‬تطف‬ ‫غَت الغصب ‪ .‬فالغصب أن تأخذ‬ ‫الشيء برغم صاحبه ‪.‬‬ ‫ولكن ‪ . .‬ما الفرق بُت األخذ‬ ‫وا‪٠‬تطف والغصب؟ ‪ .‬األخذ أن‬

‫تطلب الشيء من صاحبه فيعطيه‬ ‫لك ‪ .‬أو تستأذنه ‪ .‬أي تأخذ الشيء‬ ‫بإذن صاحبه ‪ .‬وا‪٠‬تطف أن تأخذه‬ ‫دون إرادة صاحبه ودون أن‬ ‫يستطيع منعك ‪.‬‬ ‫والغصب أن تأخذ الشيء رغم‬ ‫إرادة صاحبه باستخدام القوة أو‬

‫غَت ذلك ْتيث يصبح عاجزا عن‬ ‫منعك من أخذ هذا الشيء ‪.‬‬ ‫ولنضرب لذلك مثبل وهلل ا‪١‬تثل‬ ‫األعىل ‪ .‬إذا دخل طفل عىل ‪٤‬تل‬ ‫للحلوى وخطف قطعة منها ‪ ،‬يكون‬ ‫صاحب ا‪١‬تحل ال قدرة له عىل‬ ‫ا‪٠‬تاطف ألن ا‪ٟ‬تدث فوق قدرات‬

‫ا‪١‬تخطوف منه ‪ ،‬فهو بعيد وغَت‬ ‫متوقع للشيء ‪ ،‬فبل يستطيع منع‬ ‫ا‪٠‬تطف ‪ . .‬أما الغصب فهو أن‬ ‫يكون صاحب ا‪١‬تحل متنبها ولكنه‬ ‫ال ٯتلك القدرة عىل منع ما ٭تدث ‪،‬‬ ‫وإذا حاول أن يقاوم ‪ . .‬فإن الذي‬ ‫سيأخذ الشيء بالرغم عنه البد أن‬

‫يكون أقوى منه ‪ .‬أي أن قوة‬ ‫ا‪١‬تُغْت َ ِصب ‪ ،‬تكون أقوى من‬ ‫ا‪١‬تُغْت َ َصب منه ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬يَكَ ُاد الربق َٮت ْ َط ُف‬ ‫أَ‬ ‫ار ُه ْم } ‪.‬‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫البد أن نتنبه إىل قوله تعاىل « يكاد »‬ ‫أي يكاد أو يقًتب الربق من أن‬

‫ٮتطف أبصارهم ‪ .‬ولؼس لئلنسان‬ ‫القدرة أن ٯتنع هذا الربق من أن‬ ‫يأخذ انؾباه البصر ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل { كُل َّ َما أ َ َضآءَ َ‪٢‬ت ُ ْم َّم َش ْوا ْ‬ ‫فِي ِه } ‪.‬‬ ‫أي أهنم ٯتشون عىل قدر النور‬ ‫الدنيوي ‪ .‬الذي يعطيه ‪٢‬تم الربق ‪.‬‬

‫فبل نور يف قلوبهم ‪ .‬ولذلك إذا‬ ‫أظلم عليهم توقفوا ‪ ،‬ألنه ال نور‬ ‫‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫ب‬ ‫وقوله تعاىل { َول َ ْو َشآءَ اهلل ل َ َذ َه َ‬ ‫بِ َس ْمعِ ِه ْم َوأَب ْ َصا ِر ِه ْم} ‪.‬‬ ‫يدعي بعض ا‪١‬تستشرقُت أن ذلك‬ ‫يتعارض مع اآلية الكرٯتة اليت‬

‫تقول { ُص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } كيف يكونون صما‬ ‫ي َ ْرج ُع َ‬ ‫بكما عميا ‪ . .‬أي أن منافذ‬ ‫اإلدراك عندهم ال تعمل ‪ ،‬و‪٨‬تن‬ ‫هنا نتحدث عن الع ىم اإلٯتاين ‪ ،‬ثم‬ ‫يقول تبارك وتعاىل { َول َ ْو َشآءَ اهلل‬ ‫ب بِ َس ْمعِ ِه ْم َوأَب ْ َصا ِر ِه ْم} مع‬ ‫ل َ َذ َه َ‬

‫أهنم صم وبكم وعمي؟ ‪. .‬‬ ‫نقول أن قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ ُص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي} أي ال يرون‬ ‫آيات اهلل ويقُت اإلٯتان ‪ ،‬وال‬ ‫يسمعون آيات القرآن ويعقلوهنا ‪.‬‬ ‫‪ .‬إذن فوسائل إدراكهم‬ ‫للمعنويات تتعطل ‪ .‬ولكن وسائل‬

‫إدراكهم بالنسبة للمحسات تبىق‬ ‫كما هي ‪ .‬فا‪١‬تنافق الذي ال يؤمن‬ ‫بيوم القيامة ‪ ،‬ال يرى ذلك العذاب‬ ‫الذي ينتظره يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫ولو شاء اهلل سبحانه وتعاىل أن‬ ‫يذهب بسمعهم وأبصارهم ‪.‬‬

‫بالنسبة لؤلشياء ا‪١‬تحسة ‪.‬‬ ‫الستطاع ألنه قادر عىل كل شيء ‪،‬‬ ‫ولكنه سبحانه وتعاىل لم يشأ ذلك ‪.‬‬ ‫حىت ال يأتوا ‪٣‬تادلُت يف اآلخرة ‪ ،‬من‬ ‫أهنم لو كان ‪٢‬تم بصر لرأوا آيات‬ ‫اهلل ‪ .‬ولو كان ‪٢‬تم ‪ٝ‬تع لتدبروا‬ ‫القرآن ‪ .‬فأبىق اهلل ‪٢‬تم أبصارهم‬

‫وأ‪ٝ‬تاعهم ‪ .‬لتكون حجة عليهم ‪،‬‬ ‫بأن ‪٢‬تم بصرا ولكنهم انصرفوا‬ ‫عن آيات اهلل إىل األشياء اليت‬ ‫تأتيهم بفائدة عاجلة يف الدنيا‬ ‫مهما جاءت بغضب اهلل ‪ .‬وأن ‪٢‬تم‬ ‫‪ٝ‬تعا يسمعون به كل شيء من‬ ‫خطط ا‪١‬تؤامرات عىل اإلسالم ‪.‬‬

‫وضرب اإلٯتان وغَت ذلك ‪ .‬فإذا‬ ‫تليت عليهم آيات اهلل فأهنم ال‬ ‫يسمعوهنا ‪ .‬ويف ذلك يقول اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬و ِمن ْ ُه ْم َّمن‬ ‫ك حىت إِذَا َخ َر ُجوا ْ ِم ْن‬ ‫ي َ ْست َ ِم ُع إِلَي ْ َ‬ ‫ك قَالُوا ْلِل َّ ِذي َن أُو ُتوا ْالعلم َماذَا‬ ‫ِعن ِد َ‬ ‫ال آنِفا ً} ػ ‪٤‬تمد ‪] 16 :‬‬ ‫قَ َ‬

‫أي أهنم يسمعون وال يعقلون وال‬ ‫يدخل النور إىل قلوبهم ‪ ،‬فكأهنم‬ ‫صم عن آيات اهلل ال يسمعوهنا ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يعطؼنا مثل ا‪١‬تنافقُت بأهنم ال‬ ‫يلتفتون إىل القيم ا‪ٟ‬تقيقية يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫‪ .‬ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط ‪.‬‬

‫يريدون النفع العاجل ‪ ،‬وظلمات‬ ‫قلوبهم ‪ .‬ال ٕتع‪٢‬تم يرون نور‬ ‫اإلٯتان ‪ .‬وإ‪٪‬تا يبهرهم بريق‬ ‫الدنيا مع أنه زائل ووقيت ‪.‬‬ ‫فيخطف أبصارهم ‪ .‬وألنه ال نور‬ ‫يف قلوبهم ‪ ،‬فإذا ذهبت عنهم الدنيا‬ ‫‪ٖ ،‬تيط بهم الظلمات من كل مكان‬

‫ألهنم ال يؤمنون باآلخرة ‪ .‬مع أن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل لو شاء لذهب‬ ‫بسمعهم وأبصارهم ‪ ،‬ألهنم ال‬ ‫يستخدموهنا االستخدام اإلٯتاين‬ ‫ا‪١‬تطلوب ‪ .‬وا‪١‬تفروض أن وسائل‬ ‫اإلدراك هذه ‪ .‬تزيدنا إٯتانا ‪. .‬‬ ‫ولكن هؤالء ال يرون إال متاع الدنيا‬

‫‪ .‬وال يسمعون إال وسوسة الشيطان‬ ‫‪ ،‬فا‪١‬تهمة اإلٯتانية لوسائل‬ ‫اإلدراك توقفت ‪ ،‬وكأن هذه‬ ‫الوسائل غَت موجودة ‪.‬‬

‫َ‬ ‫اعب ُ ُدوا َربَّ ُك ُم ال َّ ِذي‬ ‫اس ْ‬ ‫يَا أيُّهَا النَّ ُ‬ ‫َخل َ َق ُك ْم َوال َّ ِذي َن ِم ْن قَبْلِ ُك ْم لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ون (‪)21‬‬ ‫تَتَّ ُق َ‬

‫بعد أن حدثنا اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫عن صفات ا‪١‬تنافقُت يف ثبلث‬ ‫عشرة آية وأعطانا أوصافهم‬ ‫الظاهرة ‪ .‬وأعطانا أمثلة ‪١‬تا ٭تدث‬ ‫يف قلوبهم كي يعرفهم ا‪١‬تؤمنون‬ ‫ظاهرا وباطنا ‪ .‬و٭تذروهم وال‬ ‫يأمنوا ‪٢‬تم ‪ .‬بُت لنا كيف أن‬

‫ا‪١‬تنافقُت لم يكفروا باهلل كإله فقط‬ ‫‪ .‬ويسًتوا وجوده ‪ ،‬ولكن كفروا به‬ ‫كرب ‪ .‬والرب عطاؤه مكفول لكل‬ ‫من خلق مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬فهو‬ ‫سبحانه وتعاىل الذي استدعاهم‬ ‫للوجود وخلقهم ‪ .‬ولذلك فإنه‬ ‫سبحانه يضمن ‪٢‬تم رزقهم‬

‫وحياهتم ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل ال ٭ترم خلقا‬ ‫من خلقه من عطاء ربوبؼته يف‬ ‫الدنيا ‪ .‬فالشمس تشرق عىل‬ ‫ا‪١‬تؤمن والكافر ‪ .‬وا‪١‬تطر يزنل عىل‬ ‫من قال ال إله إال اهلل ومن سًت‬ ‫وجوده تعاىل ‪ :‬وا‪٢‬تواء يؾنفس به‬

‫ذلك الذي يقيم الصبلة والذي لم‬ ‫يركع ركعة يف حياته ‪ . .‬والطعام‬ ‫يأكله الذي ٭تب اهلل والذي يكفر‬ ‫بنعم اهلل ‪ . .‬ذلك أن هذه عطاءات‬ ‫ربوبية يعطيها اهلل تعاىل لكل خلقه‬ ‫يف الدنيا ‪. .‬‬ ‫أما عطاءات األلوهية ‪ ،‬فهي‬

‫للمؤمنُت يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل يلفت انؾباه‬ ‫خلقه إىل أن عطاء الربوبية من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪٢‬تم يكفي ليؤمنوا‬ ‫باهلل ويعبدوه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سْتانه وتعاىل حؼنما ٮتاطب‬ ‫الناس يف القرآن الكريم ‪ ،‬ذلك‬

‫الكتاب الذي ال يأتيه الباطل من‬ ‫بُت يديه وال من خلفه ‪ ،‬فبلبد أن‬ ‫يكون ا‪٠‬تطاب للناس يف كل زمان‬ ‫ومكان ‪ .‬منذ نزول القرآن الكريم‬ ‫إىل يوم القيامة ‪.‬‬ ‫وخطاب اهلل سبحانه وتعاىل خاص‬ ‫بقضية اإلٯتان يف القمة ‪ ،‬وهي‬

‫اٍفضوع إلله واحد ال شريك له ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل { الذي َخلَقَ ُك ْم‬ ‫والذين ِمن قَبْلِ ُك ْم } معناه أن من‬ ‫مقتضيات العبادة ‪ .‬أن اهلل هو خالق‬ ‫الناس ‪ٚ‬تيعا ‪ .‬ولؼس يف قضية ا‪٠‬تلق‬ ‫كما قلنا شبهة؛ ألنه ال أحد‬ ‫يستطيع أن يدعي أنه خلق نفسه ‪،‬‬

‫أو خلق هذا الكون ‪ ،‬بل إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يطلب منا أن ‪٨‬تًتم‬ ‫السبؽية ا‪١‬تباشرة يف وجودنا؛ فاألب‬ ‫واألم هنا سبب يف وجود اإلنسان ‪.‬‬ ‫فنجد اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫ك أَال َّتعبدوا إِال َّإِي َّ ُاه‬ ‫وقىض َربُّ َ‬ ‫وبالوالدين إ ِْح َسانا ًإ َِّما يَبْلُغ َ َّن‬

‫ك الكرب أَحد ُ َ ِ‬ ‫‪٫‬تا فَبل َ‬ ‫ِعن َد َ‬ ‫‪٫‬تا أ ْو كبل َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫‪٫‬تا َو ُقل‬ ‫ُق َتل َّ‪٢‬ت ُ َمآ أُ ٍ ّف َوال َتَنْهَ ْر ُ َ‬ ‫َّ‪٢‬ت ُ َما قَ ْوال ً َك ِرٯتا ً} ػ اإلسراء ‪23 :‬‬ ‫]‬ ‫وهكذا نرى أن ا‪ٟ‬تق قد احًتم‬ ‫السبؽية يف ا‪١‬توجد ‪ ،‬مع أنه سبحانه‬ ‫وتعاىل ا‪١‬توجد الذي خلق كل شيء ‪.‬‬

‫ولكن اهلل ٭تًتم عمل اإلنسان ‪.‬‬ ‫مع أنه سبب فقط ‪ ،‬فا‪١‬تال هو مال‬ ‫اهلل ‪ ،‬يعطيه ‪١‬تن يشاء ‪ .‬لكننا ‪٧‬تد‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل هو ٭تث عىل‬ ‫الصدقة يقول ‪َّ { :‬من ذَا الذي‬ ‫يُ ْق ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً َح َسنا ً} ػ البقرة‬ ‫‪] 245 :‬‬

‫فكأنه سبحانه احًتم عمل‬ ‫اإلنسان يف ا‪ٟ‬تصول عىل ا‪١‬تال ‪،‬‬ ‫رغم أن ا‪١‬تال مال اهلل ‪ .‬فقال وهو‬ ‫ا‪٠‬تالق األعظم ‪َّ { :‬من ذَا الذي‬ ‫يُ ْق ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً َح َسنا ً} وهكذا‬ ‫تتجىل ر‪ٛ‬تة ا‪ٟ‬تق با‪٠‬تلق ‪.‬‬

‫ون »‬ ‫اهلل يقول ‪ « :‬ولَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫نتقي ماذا؟ نتقي صفات ا‪ٞ‬تبلل يف‬ ‫اهلل ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل له صفات‬ ‫جبلل وصفات ‪ٚ‬تال ‪ ،‬صفات‬ ‫ا‪ٞ‬تبلل هي « ا‪ٞ‬تبار والقهار‬ ‫وا‪١‬تتكرب والقوي والقادر وا‪١‬تقتدر‬ ‫والضار » وغَتها من صفات‬

‫ا‪ٞ‬تبلل ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬ ‫‪٧‬تعل بيننا وبُت صفات ا‪ٞ‬تبلل‬ ‫وقاية حىت ال نغضب اهلل ‪ ،‬فيعاملنا‬ ‫ٔتتعلقات صفات جبلله ‪ ،‬وأن‬ ‫نتمسك بصفات ‪ٚ‬تال اهلل ‪:‬‬ ‫الرحيم الودود ‪ ،‬الغفار ‪ ،‬التواب ‪،‬‬

‫فإذا ‪٧‬تحنا يف ذلك كان لنا ‪٧‬تاة من‬ ‫النار اليت هي أحد جنود اهلل ‪،‬‬ ‫ومتعلقات جبلله ‪.‬‬ ‫عىل أننا البد أن نتنبه إىل أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل حؼنما يقول « يا‬ ‫أيها الناس » إ‪٪‬تا ٮتاطب كل الناس‬ ‫‪ ،‬فإذا أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬

‫‪٥‬تاطبة ا‪١‬تؤمنُت قال ‪ « :‬يا أيها‬ ‫الذين آمنوا » أي يا أيها الذين‬ ‫آمنتم باهلل إ‪٢‬تا ‪ ،‬ودخلتم معه يف‬ ‫عقد إيماين ‪.‬‬

‫ال َّ ِذي َجعَ َل ل َ ُك ُم ْاأل َ ْر َض فِ َرا ًشا‬ ‫السماء بِناء وأَن ْ َزل ِمن َ ِ‬ ‫الس َماء َماء ً‬ ‫َو َّ َ َ َ ً َ َ َ ّ‬ ‫فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِم َن الث ّ ََم َر ِ‬ ‫ات ِرزْقًا ل َ ُك ْم‬

‫َ‬ ‫َِِ‬ ‫ون‬ ‫فَ َبل َٕتْعَلُوا َّّلل أن ْ َدادًا َوأن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬ ‫(‪)22‬‬ ‫فبعد أن بُت لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫أن عطاء ربوبؼته الذي يعطيه‬ ‫‪٠‬تلقه ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬ا‪١‬تؤمن والكافر ‪ ،‬كان‬ ‫يكفي لكي يؤمن الناس ‪ ،‬كل الناس‬ ‫‪ . .‬أخذ يبُت لنا آيات من عطاء‬

‫الربوبية ‪ .‬ويلفؾنا إليها لعل من لم‬ ‫يؤمن عندما يقرأ هذه اآليات‬ ‫يدخل اإلٯتان يف قلبه ‪ .‬فيلفؾنا اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل إىل خلق األرض يف‬ ‫قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫{ الذي َجعَ َل ل َ ُك ُم األرض فِ َراشا ً‬ ‫}‪.‬‬

‫واألرض هي ا‪١‬تكان الذي يعؼش يف‬ ‫الناس وال يستطيع أحد أن يدعي‬ ‫أنه خلق األرض أو أوجدها ‪ .‬إذن‬ ‫فهي آية ربوبية ال ٖتتاج لكي نتنبه‬ ‫إليها إىل جهد عقلي ‪ .‬ألهنا بديهات‬ ‫‪٤‬تسومة هلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬وقوله‬ ‫تعاىل ‪ « :‬فراشا » توحي بأنه أعد‬

‫األرض إعدادا ًمر٭تا ًللبشر ‪ .‬كما‬ ‫تفرش عىل األرض شؼئا ‪ٕ ،‬تلس‬ ‫عليه أو تنام عليه ‪ ،‬فيكون فراشا‬ ‫ير٭تك ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نتوارث األرض جيبل بعد‬ ‫جيل ‪ .‬وهي تصلح ‪ٟ‬تياتنا ‪ٚ‬تيعا ً‪.‬‬ ‫ومنذ أن خلقت األرض إىل يوم‬

‫القيامة ‪ .‬ستظل فراشا لئلنسان ‪.‬‬ ‫قد يقول بعض الناس أنك إذا نمت‬ ‫عىل األرض فقد تكون غَت مر٭تة‬ ‫ٖتتك فيها حىص أو غَت ذلك ‪٦‬تا‬ ‫يضايقك ‪ .‬نقول أن اإلنسان‬ ‫األول كان ينام عليها مسًت٭تا ‪. .‬‬ ‫إذن فضرورة النوم ‪٦‬تكنة عىل‬

‫األرض ‪.‬‬ ‫وعندما تقدمت ا‪ٟ‬تضارة وزادت‬ ‫الرفاهية ظلت األرض فراشا ًرغم‬ ‫ما وجد عليها من أشياء لؼنة ‪ .‬فكأن‬ ‫اهلل تعاىل ‪ .‬قد أعدها لنا إعدادا ً‬ ‫يؾناسب مع كل جيل ‪ .‬فكل جيل‬ ‫رفه يف العؼش بسبب تقدم‬

‫ا‪ٟ‬تضارة كشف اهلل سبحانه من‬ ‫العلم ما يطوع له األرض و‪٬‬تعلها‬ ‫فراشا ً‪.‬‬ ‫ونبلحظ أن اهلل سبحانه وتعاىل يف‬ ‫آية أخرى يقول ‪َ { :‬جعَ َل ل َ ُك ُم‬ ‫األرض َمهْد َا ً} ػ الزخرف ‪10 :‬‬ ‫]‬

‫وا‪١‬تهد هو فراش الطفل ‪ ،‬والبد أن‬ ‫يكون مر٭تا ألن الطفل إذا وجد يف‬ ‫الفراش أي شيء يتعبه ‪ .‬فإن ال‬ ‫ٯتلك اإلمكانات اليت ٕتعله ير٭ته ‪،‬‬ ‫ولذلك ٘تهد األم لطفلها مكان‬ ‫نومه ‪ ،‬حىت ينام نوما ًمر٭تا ً‪ .‬ولكن‬ ‫الذي ٯتهد األرض لكل خلقه هو‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪٬ .‬تعلها فراشا ً‬ ‫لعباده ‪ .‬وإذا قرأت قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ُه َو الذي َجعَ َل ل َ ُك ُم األرض ذَلُوال ً‬ ‫فامشوا ِيف َمنَا ِكبِهَا َوكُلُوا ْ ِمن ِّرزْقِ ِه }‬ ‫ػ ا‪١‬تلك ‪] 15 :‬‬ ‫فإن معٌت ذلك أن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫جعل األرض مطيعة لئلنسان ‪،‬‬

‫تعطيه كل ما ٭تتاج إليه ‪.‬‬ ‫ويأيت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل إىل‬ ‫السماء فيقول ‪ « :‬والسماء بناء ً »‬ ‫والؽناء يفيد ا‪١‬تتانة والتماسك ‪.‬‬ ‫أي أن السماء وهي فوقك ال نرى‬ ‫شؼئا ٭تملها حىت ال تسقط عليك ‪.‬‬ ‫إهنا سقف متماسك متُت ‪. .‬‬

‫ويؤكد ا‪ٟ‬تق هذا ا‪١‬تعٌت بقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ك السمآء أَن تَ َق َع عَىلَ‬ ‫{ َو ُٯت ْ ِس ُ‬ ‫األرض إِال َّبِإِذْنِ ِه } ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 65 :‬‬ ‫ويف آية أخرى يقول ‪َ { :‬و َجعَلْنَا‬ ‫السمآء َسقْفا ً َّ‪٤‬ت ْ ُفوظا ً} ػ األنؽياء ‪:‬‬ ‫‪] 32‬‬ ‫وا‪٢‬تدف من هذه اآليات كلها ‪ .‬أن‬

‫نطمئن و‪٨‬تن نعؼش عىل األرض أن‬ ‫السماء لن تؾساقط علؼنا ألن اهلل‬ ‫٭تفظها ‪.‬‬ ‫إذن من آيات ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف‬ ‫األرض أنه جعلها فراشا ًأي ‪٦‬تهدة‬ ‫ومر٭تة ‪ٟ‬تياة اإلنسان ‪ .‬وحفظ‬ ‫السماء بقدرته جل جبلله ‪ ،‬فهي‬

‫ثابتة يف مكاهنا ‪ ،‬ال هتدد سكان‬ ‫األرض وتفزعهم ‪ ،‬بأهنا قد تسقط‬ ‫عليهم ‪ ،‬ثم جاء بآية أخرى ‪:‬‬ ‫{ َوأَن َز َل ِم َن السمآء َمآء ًفَأ َ ْخ َر َج‬ ‫بِ ِه ِم َن الثمرات ِرزْقا ًل َّ ُك ْم }‬ ‫فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل وضع يف‬ ‫األرض وسائل اسؾبقاء ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬

‫فلم يًتك اإلنسان عىل األرض‬ ‫دون أن يوفر له وسائل استمرار‬ ‫حياته ‪ .‬فا‪١‬تطر يزنل من السماء ‪،‬‬ ‫والسماء هي كل ما عبلك فأظلك ‪.‬‬ ‫فينبت به الزرع والثمر ‪ ،‬وهذا‬ ‫رزق لنا ‪ ،‬والناس ٗتتلف يف مسألة‬ ‫الرزق ‪ .‬والرزق هو ما ينتفع به ‪،‬‬

‫ولؼس هو ما ٖتصل عليه ‪ .‬فقد‬ ‫تربح ماال ًوافرا ًولكنك ال تنفقه وال‬ ‫تستفيد منه فبل يكون هذا رزقك‬ ‫ولكنه رزق غَتك ‪ ،‬وأنت تظل‬ ‫حارسا ًعليه ‪ ،‬ال تنفق منه قرشا ً‬ ‫واحدا ً‪ ،‬حىت توصله إىل صاحبه ‪.‬‬ ‫والرزق يف نظر معظم الناس هو‬

‫ا‪١‬تال ‪ ،‬قال عليه الصبلة والسبلم‪:‬‬ ‫« يقول ابن آدم مايل مايل ‪ . .‬وهل‬ ‫لك يا ابن آدم من مالك إال ما أكلت‬ ‫فأفنيت ‪ ،‬ولؽست فأبليت ‪ ،‬أو‬ ‫تصدقت فأمضيت » ‪.‬‬ ‫هذا هو رزق ا‪١‬تال ‪ .‬وهو جزء من‬ ‫الرزق ‪ .‬ولكن هناك رزق الصحة ‪.‬‬

‫ورزق الولد ‪ .‬ورزق الطعام ‪ .‬ورزق‬ ‫يف الربكة ‪ .‬وكل نعمة من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل هي رزق ولؼس‬ ‫ا‪١‬تال وحده ‪.‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفؾنا بهذه اآلية الكرٯتة إىل أن‬ ‫نفكر قليبل ً‪ ،‬فيمن خلق هذا‬

‫الكون ‪ .‬لنعرف أنه قبل أن ٮتلق‬ ‫اإلنسان خلق له عناصر بقائه ‪.‬‬ ‫ولكن هذا اإلعداد لم يتوقف عند‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تادية ‪ .‬بل إن اهلل كما أعد‬ ‫لنا مقومات حياتنا ا‪١‬تادية أعد لنا‬ ‫مقومات حياتنا الروحية ‪ ،‬أو القيم‬ ‫يف الوجود ‪ .‬وإذا قرأت يف سورة‬

‫الر‪ٛ‬تن قوله تعاىل ‪ { :‬الر‪ٛ‬تن *‬ ‫عَل َّ َم القرآن * َخل َ َق اإلنسان *‬ ‫عَل َّ َم ُه الؽيان } ػ الر‪ٛ‬تن ‪] 4-1 :‬‬ ‫لوجدت القرآن يعطؼنا قيم ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫اليت بدوهنا تصبح الدنيا كلها ال‬ ‫قيمة ‪٢‬تا ‪ .‬ألن الدنيا امتحان أو‬ ‫اخؾبار ‪ٟ‬تياة قادمة يف اآلخرة ‪ .‬فإذا‬

‫لم تأخذها ٔتهمتها يف أهنا الطريق‬ ‫الذي يوصلك إىل ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬أهدرت‬ ‫قيمتها ٘تاما ً‪.‬‬ ‫ولم تعد الدنيا تعطيك شؼئا ًإال‬ ‫العذاب يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫وقد ربط ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫الرزق يف هذه اآلية بالسماء فقال‬

‫سبحانه ‪:‬‬ ‫{ فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِم َن الثمرات ِرزْقا ً‬ ‫ل َّ ُك ْم }‬ ‫ليلفؾنا إىل أن الرزق ‪ ،‬ال يأيت إال من‬ ‫أعىل ‪ ،‬وضرب اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫ا‪١‬تثل با‪١‬تاء ألنه رزق مباشر‬ ‫‪٤‬تسوس منا ‪ ،‬وا‪١‬تاء يزنل من‬

‫السماء يف أنىق صوره مقطرا ً‪ .‬كل‬ ‫ما يأتؼنا من السماء ‪ .‬فيه علو ‪.‬‬ ‫يزنل ليزيد حياة القيم ارتقاء ً‪،‬‬ ‫عملية لو أراد البشر أن يقوموا بها‬ ‫ما استطاعوا ألهنا كانت ستكلف‬ ‫مبليُت ا‪ٞ‬تنيهات ‪ ،‬لتعطؼنا ماء ًال‬ ‫يكفي أسرة واحدة ‪ .‬ولكن اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل أنزل من السماء ماء ً‬ ‫يف أنىق صوره لينبت به الثمرات ‪،‬‬ ‫اليت تضمن استمرار ا‪ٟ‬تياة يف هذا‬ ‫الكون ‪.‬‬ ‫وبعد أن نفهم هذه النعم كلها ‪.‬‬ ‫واإلعجاز الذي فيها ونستوعبها‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬فَبل َ‬

‫َ‬ ‫َِ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫َٕتْعَلُوا ْ َّّلل أن َدادا ً َوأن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬ ‫« أندادا » ‪ٚ‬تع نِ ّد ‪ ،‬والند هو النظَت‬ ‫أو الشؽيه ‪ .‬وأي عقل فيه ّذرة من‬ ‫فكر يؽتعد عن مثل هذا ‪ ،‬فبل ‪٬‬تعل‬ ‫هلل تعاىل شؽيها ًوال نظَتا ًوال يُ َشبِ ّ ُه‬ ‫باهلل تعاىل أحدا ً‪ .‬فاهلل واحد يف‬ ‫قدرته ‪ ،‬واحد يف قوته ‪ ،‬واحد يف‬

‫خلقه ‪ .‬واحد يف ذاته ‪ ،‬وواحد يف‬ ‫صفاته ‪.‬‬ ‫وال توجد مقارنة بُت صفات ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل وصفات ا‪٠‬تلق ‪.‬‬ ‫واهلل خلق لكل منا عقبل ًيفكر به ‪ ،‬لو‬ ‫عرضت هذه ا‪١‬تسألة عىل العقل‬ ‫لرفضها ٘تاما ً‪ ،‬ألهنا ال تتفق مع‬

‫عقل أو منطق ‪ ،‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ون }‬ ‫{ َوأن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬ ‫أي تعرفون هذا جيدا ًبعقولكم‬ ‫ألن طؽيعة العقل ترفض هذا ٘تاما ً‬ ‫‪.‬‬ ‫فمنذا الذي يستطيع أن يدعي أنه‬

‫خلقكم والذين من قبلكم؟!‬ ‫ومنذا الذي يستطيع أن يدعي ولو‬ ‫كذبا ‪ ،‬أنه هو الذي جعل األرض‬ ‫فراشا ً‪ ،‬وجعل السماء سقفا ً‪٤‬تفوظا ً‬ ‫‪ ،‬أو أنزل ا‪١‬تطر وأنبت الزرع؟ ال‬ ‫أحد ‪ .‬إذن فأنتم تعلمون أن العقل‬ ‫كله هلل وحده ‪ ،‬ومادام ال يوجد‬

‫معارض وال ٯتكن أن يوجد ‪.‬‬ ‫فالقضية ‪٤‬تسومة للحق تبارك‬ ‫وتعاىل ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫َو ِم َن الناس َمن يَتَّ ِخ ُذ ِمن ُد ِ‬ ‫ون اهلل‬ ‫وهن ُ ْم كَ ُح ِّ‬ ‫ب اهلل والذين‬ ‫أَن َدادا ً ُ٭تِب ُّ َ‬ ‫آ َم ُنوا ْأ َ َش ُّد حبا ً َ ِ‬ ‫ّلل } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫ُّ ّ‬

‫‪] 165‬‬ ‫‪١‬تاذا اٗتذ هؤالء الناس هلل تعاىل‬ ‫أنداداً؟ ألهنم يريدون دينا ببل‬ ‫منهج ‪ .‬يريدون أن يرضوا فطرة‬ ‫اإلٯتان اليت خلقها اهلل فيهم ‪ .‬ويف‬ ‫الوقت نفسه يؾبعون شهواهتم ‪.‬‬ ‫عندما فكروا يف هذا وجدوا أن‬

‫أحسن طريقة هي أن يختاروا إ‪٢‬تا ً‬ ‫ببل منهج ‪ ،‬ال يطلب منهم شؼئا ً‪،‬‬ ‫ولذلك كل دعوة منحرفة ٕتد أهنا‬ ‫تؽيح ما حرم اهلل ‪ ،‬وٖتل اإلنسان‬ ‫من كل التكاليف اإلٯتانية كالصبلة‬ ‫والزكاة وا‪ٞ‬تهاد وغَتها ‪.‬‬ ‫أما الذين آمنوا ‪ .‬فإهنم يعرفون أن‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل إ‪٪‬تا وضع منهجه‬ ‫لصاٌف اإلنسان ‪ :‬فاهلل ال يستفيد‬ ‫من صبلتنا وال من زكاتنا ‪ .‬وال من‬ ‫منهج اإلٯتان شؼئا ً‪ ،‬ولكننا ‪٨‬تن‬ ‫الذين نستفيد من ر‪ٛ‬تة اهلل ‪ .‬ومن‬ ‫نعم اهلل ومن جنته يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫وألن الذين آمنوا يعرفون هذا‬

‫فإهنم ٭تبون اهلل حبا شديدا ً‪،‬‬ ‫والذين كفروا رغم كل ما يدعون‬ ‫فإهنم ساعة العسرة يلجأون إىل اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل باعؾباره وحده‬ ‫ا‪١‬تلجأ وا‪١‬تبلذ ‪ .‬واقرأ قوله تبارك‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬وإِذَا َم َّس اإلنسان الضر‬ ‫دَعَانَا ِ‪ٞ‬تَنبِ ِه أ َ ْو قَاعِدا ًأ َ ْو قَ ِآئما ًفَل َ َّما‬

‫َك َش ْفنَا َعن ْ ُه ُض َّر ُه َم َّر كَأَن ل َّ ْم ي َ ْد ُعنَآ‬ ‫إىل ُض ّ ٍر َّم َّس ُه } ػ يونس ‪] 12 :‬‬ ‫‪١‬تاذا لم يستدع األنداد؟ ألن‬ ‫اإلنسان ال يغش نفسه أبدا ًيف‬ ‫ساعة ا‪٠‬تطر ‪ ،‬وألن هؤالء يعرفون‬ ‫بعقو‪٢‬تم أنه ال ٯتكن أن يوجد هلل‬ ‫أنداد ‪ .‬ولكنه يتخذهم ألغراض‬

‫دنيوية ‪ .‬فإذا جاء ا‪٠‬تطر ‪ .‬يلجأ إىل‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬ألنه يعلم‬ ‫يقؼنا أنه وحده الذي يكشف الضر‬ ‫‪ ،‬فحبلق الصحة الذي يعاًفالناس‬ ‫دجبل ‪ .‬إذا مرض ابنه أسرع به إىل‬ ‫الطؽيب ألنه يغش الناس ‪ .‬ولكنه‬ ‫ال ٯتكن أن يغش نفسه ‪.‬‬

‫ولقد كان األصمعي واقفا ًعند‬ ‫الكعبة ‪ ،‬فسمع إعرابيا ًيدعو‬ ‫ويقول ‪:‬‬ ‫« يا رب أنت تعلم أين عاصيك‬ ‫وكان من حقك علي أال أدعوك وأنا‬ ‫عاص ‪ .‬ولكٍت أعلم أنه ال إله إال‬ ‫أنت فلمن أذهب ‪ » .‬فقال‬

‫األصمعي ‪ :‬يا هذا إن اهلل يغفر لك‬ ‫‪ٟ‬تسن مسألتك « ‪.‬‬

‫َوإ ِْن ُكن ْ ُت ْم ِيف َري ْ ٍب ِ‪٦‬تَّا ن َ َّزلْنَا عَىلَ‬ ‫عب ِدنَا فَأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ور ٍة ِم ْن ِمثْلِ ِه َوادْ ُعوا‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون َ ِ‬ ‫اّلل إ ِْن ُكن ْ ُت ْم‬ ‫ُشهَ َداءَ ُك ْم م ْن ُد ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُت (‪)23‬‬ ‫َصا ِدق َ‬

‫بعد أن بُت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لنا‬ ‫أن هؤالء الذين يتخذون من دون‬ ‫اهلل أندادا ًال يعتمدون عىل منطق‬ ‫وال عقل ‪ .‬ولكنهم يعتمدون عىل‬ ‫شهوات دنيوية عاجلة ‪ .‬أراد أن‬ ‫يأيت بالتحدي بالنسبة للقرآن‬ ‫الكريم ا‪١‬تعجزة ا‪٠‬تالدة لرسول‬

‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم حىت يؿبت‬ ‫‪٢‬تم أن اهلل سبحانه وتعاىل إذا كان‬ ‫قد جعل خلق الكون إعجازا ً‪٤‬تسا ‪.‬‬ ‫‪ .‬فإن القرآن منهج معجز إعجازا ً‬ ‫قيما ً‪ . .‬قال اهلل جل جبلله ‪:‬‬ ‫{ َوإِن ُكن ْ ُت ْم ِيف َري ْ ٍب } ا‪٠‬تطاب هنا‬ ‫لكل كافر ومنافق غَت مؤمن ‪ ،‬ألن‬

‫الذين آمنوا باهلل ورسوله لؼس يف‬ ‫قلوبهم ريب ‪ ،‬بل هم يؤمنون بأن‬ ‫القرآن موىح به من اهلل ‪ ،‬مبلغ إىل‬ ‫‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم بالوحي‬ ‫ا‪١‬تزنل من السماء ‪.‬‬ ‫والريب ‪ :‬هو الشك ‪ .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫{ إِن ُكن ْ ُت ْم ِيف َري ْ ٍب } أي إن كنتم‬

‫يف شك ‪ .‬من أين يأيت هذا الشك‬ ‫وا‪١‬تعجزة ٖتيط بالقرآن وبرسوله‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ؟ ما هي‬ ‫مربرات الشك ‪ ،‬ورسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ال يقرأ وال يكتب‬ ‫ولم يعرف بالببلغة والشعر بُت‬ ‫قومه حىت يستطيع أن يأيت من عنده‬

‫بهذا الكبلم ا‪١‬تعجز الذي لم‬ ‫يستطع فطاحل شعراء العرب‬ ‫الذين ٘ترسوا يف الببلغة واللغة أن‬ ‫يأتوا ٍ‬ ‫بآية من مثله ‪ .‬هذه واحدة ‪.‬‬ ‫والثانية أن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ال يكذب أبدا ًولم يعرف‬ ‫عنه كذب قبل تكليفه بالرسالة بل‬

‫كانوا يلقبونه صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫بالصادق األمُت ‪ .‬والذين كانوا‬ ‫يلقبون رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم هم الذين اهتموه بأن هذا‬ ‫القرآن لؼس من عند اهلل ‪ .‬أيصدق‬ ‫رسول اهلل عليه الصبلة والسبلم مع‬ ‫الناس ‪ .‬ويكذب عىل اهلل؟! ‪ . .‬هذا‬

‫مستحيل ‪.‬‬ ‫الكبلم الذي جاء به رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم وهو القرآن لم‬ ‫يكن أحد لؼستطيع أن يأيت به من‬ ‫فطاحل علماء الببلغة العرب ‪.‬‬ ‫والعلم الذي نزل يف القرآن‬ ‫الكريم ‪ .‬لم يكن يعرفه بشر يف‬

‫ذلك الوقت ‪ .‬فكيف جاء النبي‬ ‫األمي بهذا الكبلم ا‪١‬تعجز ‪ .‬وبهذا‬ ‫العلم الذي اليعلمه البشر؟! لو‬ ‫جلس إىل معلم أو قرأ كتب‬ ‫ا‪ٟ‬تضارات القدٯتة ‪ .‬لقالوا رٔتا‬ ‫استنبط منها ‪ ،‬ولكنه لم يفعل ذلك‬ ‫‪.‬‬

‫فمن أين دخل الريب إىل قلوبهم؟‬ ‫الشك أنه دخل من باب الباطل ‪.‬‬ ‫والباطل ال حجة له ‪ .‬وببل شك لقد‬ ‫فضحوا أنفسهم بأهنم ال يرتابون‬ ‫يف القرآن ولكنهم كانوا يريدونه‬ ‫أن يزنل عىل سيد من سادة قريش ‪.‬‬ ‫واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬

‫َوقَالُوا ْل َ ْوال َن ُ ِّز َل هذا القرآن عىل‬ ‫َر ُج ٍل ِّم َن القريتُت َع ِظ ٍ‬ ‫يم } ػ‬ ‫الزخرف ‪] 31 :‬‬ ‫وهؤالء ا‪١‬ترتابون لم ‪٬‬تدوا حجة‬ ‫يواجهون بها القرآن ‪ ،‬فقالوا ساحر‬ ‫‪ ،‬وهل للمسحور إرادة مع‬

‫الساحر؟ إذا كان ساحرا فلماذا لم‬ ‫يسحركم أنتم؟ وقالوا ‪٣‬تنون ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تجنون يتصرف ببل منطق ‪. .‬‬ ‫يضحك ببل سبب ‪ .‬ويبكي ببل‬ ‫سبب ‪ .‬ويضرب الناس ببل سبب ‪.‬‬ ‫ولذلك رد ا‪ٟ‬تق سبحانه عليهم‬ ‫بقوله تعاىل ‪ { :‬ن والقلم َو َما‬

‫ك‬ ‫نت بِ ِنعْ َم ِة َر ِبّ َ‬ ‫ون * َمآ أ َ َ‬ ‫ي َ ْس ُط ُر َ‬ ‫ك أل َ ْجرا ًغ َ َْت َ َ‪٦‬ت ْ ُنونٍ‬ ‫ِٔتَ ْج ُنونٍ * َوإ َِّن ل َ َ‬ ‫* َوإِن ّ ََك لعىل ُخل ُ ٍق َع ِظ ٍ‬ ‫يم } ػ القلم‬ ‫‪] 4-1 :‬‬ ‫فهل يكون ا‪١‬تجنون عىل خلق‬ ‫عظيم؟ إذن فأسباب الريب كلها أو‬ ‫األسباب اليت تثَت الشك غَت‬

‫موجودة ‪ .‬وغَت متوافرة ‪ .‬وال يوجد‬ ‫سبب حقيقي واحد ‪٬‬تعلهم‬ ‫يشكون يف أن القرآن لؼس من عند‬ ‫اهلل ‪ .‬ولكهنم هم القائلون كما‬ ‫يروي لنا ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإِذْ‬ ‫ان هذا ُه َو ا‪ٟ‬تق ِم ْن‬ ‫قَالُوا ْاللهم إِن ك َ َ‬ ‫ك فَأ َ ْم ِط ْر عَلَؼْنَا ِ‬ ‫ارة ً ِّم َن‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫ِعن ِد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫اب أَلِ ٍ‬ ‫السمآء أ َ ِو ائؾنا بِعَ َذ ٍ‬ ‫يم} ػ‬ ‫األنفال ‪] 32 :‬‬ ‫إذن فكل أسباب الشك غَت موجودة‬ ‫وأسباب اليقُت هي ا‪١‬توجودة ومع‬ ‫ذلك ارتابوا وشكوا ‪ .‬وقوله‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ ِّ‪٦‬تَّا ن َ َّزلْنَا عىل َعب ْ ِدنَا }‬

‫فالقرآن الكريم وجد يف اللوح‬ ‫ا‪١‬تحفوظ قبل أن ٮتلق اإلنسان ‪،‬‬ ‫وعندما جاء وقت مباشرته ‪١‬تهمته‬ ‫يف الكون نزل من اللوح ا‪١‬تحفوظ‬ ‫إىل السماء الدنيا دفعة واحدة ثم‬ ‫أنزله اهلل سبحانه وتعاىل عىل رسوله‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم بقدر ما‬

‫احتاجت إليه ا‪١‬تناسبات‬ ‫واألحداث ‪.‬‬ ‫إذن فقوله « نزلنا » أي نزل من‬ ‫اللوح ا‪١‬تحفوظ إىل السماء الدنيا‬ ‫دفعة واحدة ‪ .‬وقوله تعاىل « أنزل »‬ ‫أي أنزله آيات عىل ‪٤‬تمد صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ْتسب اقتضاء‬

‫األحداث وا‪١‬تناسبات ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبح انه وتعاىل يقول ‪ « :‬عىل‬ ‫عبدنا » وهذه ‪٤‬تتاجة إىل وقفة ‪.‬‬ ‫فاهلل جل جبلله ‪ .‬له عؽيد وله عباد ‪.‬‬ ‫كل خلق اهلل يف كونه عؽيد هلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬ال يستطيعون‬ ‫ا‪٠‬تروج عن مشؼئة اهلل أو إرادته ‪.‬‬

‫هؤالء هم العؽيد ‪ .‬ولكن العباد هم‬ ‫الذين اٖتدت مراداهتم مع ما‬ ‫يريده اهلل سبحانه وتعاىل ‪ٗ . .‬تلوا‬ ‫عن اخؾيارهم الدنيوي ‪ ،‬ليصبحوا‬ ‫طائعُت هلل باخؾيارهم ‪ ،‬أي أهنم‬ ‫تساووا مع ا‪١‬تقهورين يف أهنم‬ ‫اختاروا منهج اهلل وتركوا أي‬

‫اخؾيار ٮتالفه ‪.‬‬ ‫هؤالء هم العباد ‪ ،‬وإذا قرأت‬ ‫القرآن الكريم ٕتد أن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يشَت إىل العباد بأهنم‬ ‫الصا‪ٟ‬تون من البشر فيقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ك‬ ‫تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإِذَا َسأَل َ َ‬ ‫ِعبا ِدي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِر ُ ِ‬ ‫يب دَ ْع َوةَ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫يب أج ُ‬

‫الداع إِذَا دَع َ ِ‬ ‫ان فَلْؼ َ ْست َ ِجؼبُوا ْ ِيل‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫َولْي ُ ْؤم ُنوا ْ ِيب لَعَل َّ ُه ْم ي َ ْر ُش ُد َ‬ ‫البقرة ‪] 186 :‬‬ ‫هذا لؼس لكل خلق اهلل ‪ ،‬ولكنه‬ ‫للعباد ‪ .‬الذين إذا قال اهلل تعاىل ‪٢‬تم‬ ‫افعلوا فعلوا وإذا قال اهلل ال تفعلوا‬ ‫لم يفعلوا ‪ .‬أي أهنم ال ٮتالفون‬

‫بقدرهتم عىل االخؾيار منهج اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬ولذلك يف ا‪ٞ‬تهاد ال‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عن‬ ‫ا‪١‬تجاهدين أهنم عؽيد ‪ .‬بل يقول‬ ‫جل جبلله ‪ { :‬فَإِذَا َجآءَ َوع ْ ُد‬ ‫بؿْنَا عَلَي ْ ُك ْم ِعبَادا ًلَّنَآ أُ ْو ِيل‬ ‫وال‪٫‬تا ع َ‬ ‫أُ ُ َ‬ ‫بَأ ْ ٍس َش ِدي ٍد فَ َجا ُسوا ْ ِخبل َ َل الديار‬

‫ان َوعْدا ً َّم ْف ُعوال ً} ػ اإلسراء ‪5 :‬‬ ‫َوك َ َ‬ ‫]‬ ‫وبعض ا‪١‬تستشرقُت الذين‬ ‫٭تاولون الطعن يف القرآن الكريم‬ ‫يقولون أن كلمة عباد قد جاءت يف‬ ‫وصف غَت ا‪١‬تؤمن يف قوله تعاىل ‪:‬‬

‫{ أَأ َ ُنت ْم أ َ ْضلَل ْ ُت ْم ِعبَا ِدي َه ُؤالَءِ أ َ ْم‬ ‫ُه ْم َضلُّوا السؽيل } ػ الفرقان ‪:‬‬ ‫‪] 17‬‬ ‫نقول ‪ :‬إنكم لم تفهموا أن هذا‬ ‫ساعة ا‪ٟ‬تساب يف اآلخرة ‪ ،‬ويف‬ ‫اآلخرة كلنا عباد ألننا كلنا مقهورون‬ ‫فبل اخؾيار ألحد يف اآلخرة وإ‪٪‬تا‬

‫االخؾيار البشري ينتهي ساعة‬ ‫االحتضار ‪ ،‬ثم يصبح اإلنسان بعد‬ ‫ذلك مقهورا ً‪.‬‬ ‫فنحن ‪ٚ‬تيعا يف اآلخرة عباد ولكن‬ ‫الفرق بُت العؽيد والعباد هو يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الدنيا فقط ‪ .‬والعبودية هي أرىق‬ ‫مراتب القرب من اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫ألنك تأيت إىل اهلل طائعا ً‪ .‬منفذا ً‬ ‫للمنهج باخؾيارك ‪ .‬ولقد عرض‬ ‫عىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫أن يكون ملكا ًرسوال ً‪ ،‬أو عبدا ً‬ ‫رسوال ‪ .‬فاختار أن يكون عبدا ً‬ ‫رسوال ‪ .‬وإذا أردنا أن نعرف معٌت‬ ‫العبودية نقرأ يف سورة اإلسراء ‪{ :‬‬

‫ان الذي أسرى بِعَب ْ ِد ِه لَيْبل ً ِّم َن‬ ‫ُسب ْ َح َ‬ ‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام إىل ا‪١‬تسجد األقىص‬ ‫اركْنَا َح ْول َ ُه} ػ اإلسراء ‪1 :‬‬ ‫الذي ب َ َ‬ ‫]‬ ‫لنرى أنه يف أعىل درجات األنعام من‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل عىل رسوله صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم يف ا‪١‬تعجزة الكربى‬

‫اليت لم ٖتدث لبشر قبله صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم سواء كان رسوال ًأو غَت‬ ‫رسول ‪ ،‬ولن ٖتدث لبشر بعده ‪. .‬‬ ‫ذلك أن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم صعد إىل السماوات السبع‬ ‫بالروح وبا‪ٞ‬تسد ثم عاد إىل األرض‬ ‫‪ .‬وٕتاوز رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم مزنلة جربيل فتجاوز سدرة‬ ‫ا‪١‬تنتىه وهي ا‪١‬تكان الذي ينتهي إليه‬ ‫علم خلق اهلل من البشر وا‪١‬تبلئكة‬ ‫ا‪١‬تقربُت ‪.‬‬ ‫وبشرية الرسول أخذت جدال ً‬ ‫كبَتا منذ بدأت الرساالت‬ ‫السماوية ‪ .‬وحىت عصرنا هذا ‪.‬‬

‫ال ا‪١‬تؤل‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬فَ َق َ‬ ‫اك إِال َّ‬ ‫الذين َك َف ُروا ْ ِمن قِ ْو ِم ِه َما ن َ َر َ‬ ‫ب َ َشرا ً ِّمثْلَنَا } ػ هود ‪] 27 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فقالوا أَب َ َشرا ً ِّمنَّا‬ ‫َوا ِحدا ًنَّؾَّبِ ُع ُه إِن َّآ إِذا ًل َّ ِفي َضبل َ ٍل‬ ‫َو ُس ُع ٍر } ػ القمر ‪] 24 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َما َمن َ َع الناس أَن‬

‫يؤمنوا إِذْ َجآءَ ُه ُم ا‪٢‬تدى إِال َّأَن قالوا‬ ‫ث اهلل ب َ َشرا ً َّر ُسوال ً} ػ اإلسراء‬ ‫أَبَعَ َ‬ ‫‪] 94 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ولَئِ ْن أ َ َطعْ ُت ْم ب َ َشرا ً‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ّمثْل َ ُك ْم إِن َّ ُك ْم إِذا ً ّ‪٠‬تَاس ُر َ‬ ‫ا‪١‬تؤمنون ‪] 34 :‬‬ ‫إذن فبشرية الرسول اٗتذت حجة‬

‫للذين ال يريدون أن يؤمنوا‬ ‫والرسول مبلغ عن اهلل ‪ .‬والبد أن‬ ‫يكون من جنس القوم الذين‬ ‫أرسل إليهم ‪ .‬والبد أن يكون قد‬ ‫عاش بؼنهم فًتة قبل الرسالة‬ ‫واشتهر باألمانة والصدق حىت ال‬ ‫يكذبوه ‪ .‬ويف الوقت نفسه هو قدرة‬

‫‪ .‬ولذلك البد أن يكون من جنس‬ ‫قومه ‪ .‬ألنه سيطبق ا‪١‬تنهج عمليا‬ ‫أمامهم ‪ .‬ولو كان من جنس آخر‬ ‫لقالوا ال نطيق ما كلفؾنا به يا رب ‪.‬‬ ‫ألن هذا رسول اهلل ‪٥‬تلوق من غَت‬ ‫مادتنا ‪ .‬ومقهور عىل الطاعة ‪.‬‬ ‫إذن فبشرية الرسول حتمية ‪ .‬وكل‬

‫من ٭تاول أن يعطي الرسول صفة‬ ‫غَت البشرية ‪ .‬إ‪٪‬تا ٭تاول أن ينقص‬ ‫من كماالت رساالت اهلل ‪ ،‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لؼس عاجزا ً‪ ،‬عن أن‬ ‫٭تول الؽشر إىل مبلئكة واقرأ قوله‬ ‫آء ‪ٞ‬تََعَلْنَا ِمن ُك ْم‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬ول َ ْو ن َ َش ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫َّمبلَئ َكةً ِيف األرض َٮتْل ُ ُف َ‬

‫الزخرف ‪] 60 :‬‬ ‫إذن فبشرية الرسول هي من ٘تام‬ ‫الرسالة ‪.‬‬ ‫ثم يأيت التحدي من اهلل سبحانه‬ ‫ْ‬ ‫ور ٍة ِّمن ِّمثْلِ ِه }‬ ‫وتعاىل { فَأ ُتوا ْبِ ُس َ‬ ‫وا‪١‬تطلوب أن يأيت ا لعرب بسورة‬ ‫من مثل ما جاء به القرآن الكريم ‪.‬‬

‫الشهود الذين يطلب اهلل دعوهتم‬ ‫هم شهود ضعفاء ‪ .‬شهود من البشر‬ ‫ولؼست شهادة من اهلل بالغيب ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل وضع يف هذه‬ ‫اآلية معظم الشكوك لنفحصها ‪،‬‬ ‫ولنصل فيما بعد ذلك إىل جوهر‬ ‫اإلعجاز القرآين ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل تدرج يف‬ ‫التحدي مع الكافرين ‪ .‬فطلب‬ ‫منهم أن يأتوا ٔتثل القرآن ‪ ،‬ثم‬ ‫طلب عشر سور من مثله ‪ .‬ثم‬ ‫تدرج يف التحدي فطلب سورة‬ ‫واحدة ‪ .‬والزنل يف التحدي من‬ ‫القرآن كله إىل عشر سور ‪ .‬إىل‬

‫سورة واحدة ‪ .‬دليل ضد من‬ ‫ٖتداهم ‪ .‬فبل يستطيعون أن يأتوا‬ ‫ٔتثل القرآن ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إذن أفتوا‬ ‫بعشر سور ‪ .‬فبل يستطيعون ويصبح‬ ‫موقفهم مدعاة للسخرية ‪ .‬فيقول‬ ‫‪ :‬فأتوا بسورة ‪ .‬وهذا منتىه‬ ‫االستهانة بالذين ٖتداهم اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل وإثباتا ًألهنم ال‬ ‫يقدرون عىل شيء ‪ .‬وكلمة ٔتثل ‪.‬‬ ‫معناها أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يطلب ا‪١‬تؿيل وال يطلب نص‬ ‫القرآن وهذا إمعان وزيادة يف‬ ‫إظهار عجز القوم الذين ال يؤمنون‬ ‫باهلل ويشككون يف القرآن ‪ .‬وقوله‬

‫تعاىل ‪ { :‬وادعوا ُشهَ َدآءَ ُكم } ‪.‬‬ ‫معناه أن اهلل سبحانه وتعاىل زيادة يف‬ ‫التحدي يطالبهم بأن يأتوا هم‬ ‫بالشهداء ويعرضوا عليهم اآلية‬ ‫ليحكم هؤالء الشهود إذا كان ما‬ ‫جاءوا به مثل القرآن أم ال ‪ .‬ألؼس‬ ‫هذا إظهار منتىه القوة هلل سبحانه‬

‫وتعاىل ألنه لم يشًتط شهداء من‬ ‫ا‪١‬تبلئكة وال شهداء من الذين‬ ‫اشتهر عنهم الصدق ‪ .‬وأهنم‬ ‫يشهدون با‪ٟ‬تق ‪ .‬بل ترك ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه ‪٢‬تم أن يأتوا بالشهداء‬ ‫وهؤالء الشهداء لن يستطيعوا أن‬ ‫يشهدوا أن كبلم هؤالء ا‪١‬تشككُت‬

‫ٯتاثل سورة من القرآن ‪.‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل طلب منهم أن‬ ‫يأتوا بأي شهداء متحيزين ‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫وأطلقها سبحانه وتعاىل عىل كل‬ ‫أجناس األرض فقال ‪ِّ { :‬من ُد ِ‬ ‫ون‬ ‫اهلل إِن ُكنْتم صا ِدقِ‬ ‫ُت } ولكن‬ ‫ْ ُ ْ َ َ‬ ‫إياكم أن تقولوا يشهد اهلل بأن ما‬

‫جػنا به مثل القرآن ‪ .‬ألنكم‬ ‫تكونون قد كذبتم عىل اهلل‬ ‫وادعؼتم شؼئا لم يقله سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪.‬‬ ‫ولكن ما معٌت قوله تعاىل ‪ { :‬إ ِْن‬ ‫ُكنْتم صا ِدقِ‬ ‫ُت } صادقُت يف ماذا؟‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫وما هو الصدق؟ الصدق يقابل‬

‫الكذب ‪ ،‬والصدق والكذب ‪ ،‬كل‬ ‫منهما نسبي ‪ .‬كلنا يعلم أن هناك‬ ‫كبلما ًغَت مفيد ‪ ،‬فإذا قلت ‪٤‬تمد‬ ‫وس َك َّت فمن يسمعك سؼسألك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ماذا تقصد قبولك ‪٤‬تمد؟ وسؤاله‬ ‫دليل عىل أنه لم يستفد شؼئا ً‪،‬‬ ‫ولكنه لو سألك من عندك؟‬

‫وأجبت ‪٤‬تمد فكأنك ٗتربه بأن‬ ‫عندك ‪٤‬تمدا ًوهذه كلمة واحدة‬ ‫لكنك فهمتها با‪١‬تعٌت الذي أخذته‬ ‫من كبلم السائل ‪ .‬إذن فبل تقل‬ ‫كلمة واحدة ولكن قل كبلما ًمفيدا ً‬ ‫‪ .‬إذن فالكبلم ا‪١‬تفيد هو الذي‬ ‫سمع عليه ‪.‬‬ ‫يسكت ال ا‬

‫وكل متكلم قبل أن ينطق بالكبلم‬ ‫يكون عنده نسبة ذهنية ‪١‬تا سيقول‬ ‫‪ ،‬يعرب عنها بنسبة كبلمية ‪ .‬ولكن‬ ‫هناك نسبة خارجية ‪١‬تا يقول ٘تثل‬ ‫الواقع ‪.‬‬ ‫أي أنك لو قلت ‪٤‬تمد ‪٣‬تتهد فبلبد‬ ‫أن يكون هناك شخص ا‪ٝ‬ته ‪٤‬تمد‬

‫‪ .‬والبد أن يكون ‪٣‬تتهدا ًفعبل ً‪.‬‬ ‫لؾتطابق النسبة الكبلمية ‪ .‬مع‬ ‫النسبة الواقعية ‪ .‬فإذا لم يكن‬ ‫هناك شخص ا‪ٝ‬ته ‪٤‬تمد ‪ .‬أو كان‬ ‫هناك شخص ا‪ٝ‬ته ‪٤‬تمد ولكنه‬ ‫لؼس ‪٣‬تتهدا ً‪ ،‬فإن النسبة الكبلمية‬ ‫ٗتالف النسبة الواقعية ‪.‬‬

‫والصدق أن تتطابق النسبة‬ ‫الكبلمية والنسبة الواقعية ‪« .‬‬ ‫والكذب » أال تتطابق النسبة‬ ‫الكبلمية مع النسبة الواقعية ‪. .‬‬ ‫هذا ا‪١‬تفهوم ضرورة لعرض معٌت‬ ‫اآلية الكرٯتة ‪.‬‬ ‫إذن فقوله تعاىل « صادقُت » أي أن‬

‫تتطابق النسبة الكبلمية اليت‬ ‫ستقولوهنا مع نسبة واقعية‬ ‫تستطيعون أن تدللوا عليها ‪ .‬فإن‬ ‫لم ٭تدث ذلك فأنتم كاذبون ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل يريد منكم‬ ‫الدليل عىل صدقكم ‪.‬‬

‫فَإ ِْن ل َ ْم فَْتعَلُوا َول َ ْن تَ ْفعَلُوا فَا َّت ُقوا‬ ‫ار ُة‬ ‫ود َها النَّ ُ‬ ‫اس َوا ْ‪ٟ‬تِ َج َ‬ ‫النَّ َ‬ ‫ار ال َّ ِيت َو ُق ُ‬ ‫أُعِ ّد َْت لِلْكَافِرِي َن (‪)24‬‬

‫بعد أن ٖتدث اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫عن األدلة اليت يسؾند إليها‬ ‫ا‪١‬تشككون يف القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫وهي أدلة ال تسؾند إىل عقل وال إىل‬

‫منطق ‪ٖ .‬تداهم بأن يأتوا بسورة‬ ‫مثل القرآن ‪ ،‬وأن يستعؼنوا ٔتن‬ ‫يريدون من دون اهلل ‪ ،‬ألن القرآن‬ ‫كبلم اهلل ‪ ،‬واهلل سبحانه هو القائل‬ ‫‪ .‬ؤتا أهنم ٭تاولون التشكيك يف‬ ‫أن القرآن كبلم اهلل ‪ .‬وأنه مزنل‬ ‫من عند اهلل ‪ ،‬فلؼستعؼنوا ٔتن‬

‫يريدون ليأتوا بآية من مثله ‪ ،‬ألن‬ ‫التحدي هنا ال ٯتكن أن يتم إال إذا‬ ‫استعانوا ّتميع القوى ما عدا اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫ثم يأيت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعد‬ ‫ذلك بالنؾيجة قبل أن يتم التحدي‬ ‫‪ .‬ألن اهلل سبحانه وتعاىل يعلم أهنم‬

‫لن يفعلوا ولن يستطيعوا ‪.‬‬ ‫إن قوله سبحانه ‪ { :‬فَإِن ل َّ ْم تَ ْفعَلُوا ْ‬ ‫َولَن تَ ْفعَلُوا ْ} معناه أنه حكم‬ ‫عليهم بالفشل وقت نزول القرآن‬ ‫وبعد نزول القرآن إيل يوم القيامة‬ ‫‪ .‬ألن اهلل ال ٮتىف عن علمه شيء ‪.‬‬ ‫فهو بكل شيء عليم ‪ .‬وكلمة « لم‬

‫تفعلوا » عندما تأيت قد تثَت الشك‬ ‫‪ .‬فنحن نعرف أن ‪٣‬تيء إن‬ ‫الشرطية يثَت الشك ‪ . .‬ألن األمر‬ ‫لكي يتحقق يتعلق بشرط ‪ .‬وأنت‬ ‫إن قلت إن ذاكرت تنجح ‪ ،‬ففي‬ ‫ا‪١‬تسألة شك ‪ . .‬أما إذا قلت كقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق { إِذَا َجآءَن َ ْص ُر اهلل والفتح }‬

‫فمعٌت ذلك أن نصر اهلل آت ال ‪٤‬تالة‬ ‫‪.‬‬ ‫و « إن » حرف و « إذا » ظرف ‪،‬‬ ‫وكل حدث ٭تتاج إىل مكان وزمن ‪.‬‬ ‫فإذا جئت بأداة الشرط فمعٌت ذلك‬ ‫أنك تقربها من عنصر تكوين‬ ‫الفعل وا‪ٟ‬تدث ‪ .‬فإذا أردت أن تعرب‬

‫عن شيء سؼتحقق تقول إذا ‪ ،‬وإذا‬ ‫أردت أن تشكك فيه تقول « إن »‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل قال « فإن لم‬ ‫تفعلوا » وألن الفعل ‪٦‬تكن ا‪ٟ‬تدث‬ ‫أراد أن يرجح ا‪ٞ‬تانب ا‪١‬تانع فقال «‬ ‫ولن تفعلوا » هذا أمر اخؾياري ‪.‬‬ ‫فإذا تكلمت عن أمر اخؾياري ثم‬

‫حكمت أنه لن ٭تدث ‪ .‬فكأن‬ ‫قدرتك هي اليت منعته من الفعل ‪.‬‬ ‫فبل يقال أنك قهرته عىل أال يفعل ‪.‬‬ ‫ال ‪ .‬علمت أنه لن يفعل ‪.‬‬ ‫فاستعداداته ال ٯتكن أن ٘تكنه من‬ ‫الفعل ‪.‬‬ ‫وهذه أمور ضمن اخبارات القرآن‬

‫الكريم يف القضايا الغيؽية اليت‬ ‫أخرب عنها ‪ ،‬فعندما يقول اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل { َو َج َح ُدوا ْبِهَا‬ ‫واسؾيقنتهآ أ َ ُنف ُس ُه ْم } معناه أهنم‬ ‫مصدقون ولكن ألسنتهم ال تعًتف‬ ‫بذلك ‪ .‬وقوله تعاىل « فإن لم‬ ‫تفعلوا ولن تفعلوا » معناه أن الشك‬

‫مفتعل يف نفوسهم؛ هم ال يريدون‬ ‫أن يؤمنوا ولذلك يأتون بسبب‬ ‫مفتعل لعدم اإلٯتان ‪ .‬لقد استقر‬ ‫فكرهم عىل أهنم ال يؤمنون ‪،‬‬ ‫ومادام هذا هو ما قرر٘توه ‪ .‬فإنكم‬ ‫ستظلون تبحثون عن أسباب ملفقة‬ ‫لعدم اإلٯتان ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فاتقوا النار اليت‬ ‫ود َها الناس وا‪ٟ‬تجارة } ‪.‬‬ ‫َو ُق ُ‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد هنا أن‬ ‫يلفؾنا إىل صورة أخرى عن عجز‬ ‫هؤالء الكفار ‪ .‬فهم ْتثوا عن‬ ‫أعذار ‪ ،‬لؼربروا بها عدم إٯتاهنم‬ ‫وتظاهروا بأهنم يشكون يف‬

‫القرآن الكريم ‪ .‬يقول ‪٢‬تم ‪ :‬لو‬ ‫كانت لكم قدرة وذاتية فعبل‬ ‫فامنعوا أنفسكم من دخول النار‬ ‫يوم القيامة ‪ .‬كما منعتم انفسكم‬ ‫من اإلٯتان يف الدنيا ‪.‬‬ ‫وهذا وعيد من اهلل ‪ .‬لقد أعطاهم‬ ‫ذاتية االخؾيار يف الدنيا ولم ٮتتاروا‬

‫قهرا ًبل اختاروا عدم اإلٯتان‬ ‫ٔتشؼئة االخؾيار اليت أعطاه اهلل‬ ‫‪٢‬تم ‪ .‬ولكن هناك وقت لؼس فيه‬ ‫اخؾيار وهو اآلخرة فحاولوا أن‬ ‫تتقوا يف اآلخرة عذاب النار يوم‬ ‫القيامة ‪ .‬ولكن لن يكون ألحد‬ ‫اخؾيار ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل يقول‬

‫يف ذلك اليوم ‪١ّ ِ { :‬ت َ ِن ا‪١‬تلك اليوم‬ ‫َِ ِ‬ ‫ّلل الواحد القهار } ػ غافر ‪] 16 :‬‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ويقول جل جبلله ‪ { :‬ي َ ْو َم ال َ َ٘تْلِ ُ‬ ‫ن َ ْف ٌس لِن َ ْف ٍس َشؼْئا ًواألمر يَومئِ ٍذ ِ َ ِ‬ ‫ّلل‬ ‫َْ ّ‬ ‫} ػ االنفطار ‪] 19 :‬‬ ‫فإرادتكم اليت منعتكم من اإلٯتان‬ ‫‪ . .‬لن تقيكم يومئذ من عذاب‬

‫النار ‪ ،‬واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬إِن َّ ُك ْم‬ ‫ون ِمن ُد ِ‬ ‫ون اهلل َح َص ُب‬ ‫َو َما تَعْب ُ ُد َ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ األنؽياء‬ ‫َجهَنَّ َم أ ُنت ْم َ‪٢‬تَا َوا ِر ُد َ‬ ‫‪] 98 :‬‬ ‫‪١‬تاذا هم وما يعبدون؟ ألن العابد‬ ‫يرٕتي نفع ا‪١‬تعبود ‪ .‬فكأهنما عندما‬ ‫يرى كل منهما اآلخر يف العذاب ‪.‬‬

‫تكون ا‪ٟ‬تسرة أشد ‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫ا‪ٟ‬تجارة واألصنام اليت يعبدوهنا‬ ‫ستكون معهم يف النار يوم القيامة ‪.‬‬ ‫ولؼس هذا عقابا ًلؤلحجار‬ ‫واألصنام ‪ .‬ألهنا خلق مقهور هلل‬ ‫مسبح له ‪ ،‬ولكن هذه األصنام‬ ‫واألحجار تكون راضية وهي ٖترق‬

‫الذين كفروا باهلل ‪ .‬وتقول ‪« :‬‬ ‫عبدونا و‪٨‬تن أعبد هلل من‬ ‫ا‪١‬تستغفرين باألسحار » ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬أُعِ ّد َْت لِلْكَافِرِي َن }‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ٮتربهم وهم يف‬ ‫الدنيا ‪ ،‬أن النار أعدت للكافرين ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل النار أعدت للكافرين‬

‫تطمُت غاية االطمػنان للمؤمن ‪.‬‬ ‫وإرهاب غاية اإلرهاب للكافر ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل « أعدت » معناها أهنا‬ ‫موجودة فعبل ًوإن لم نكن نراها ‪.‬‬ ‫وأهنا ‪٥‬تلوقة وإن كانت ‪٤‬تجوبة عنا ‪.‬‬ ‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫قال ‪:‬‬

‫« عرضت عل ّي ا‪ٞ‬تنة ولو شئت أن‬ ‫آتيكم منها بقطاف لفعلت » ‪.‬‬ ‫وهذا دليل عىل أهنا موجودة فعبل ً‪.‬‬ ‫وا‪١‬تؤمن حؼنما يعلم أن ا‪ٞ‬تنة‬ ‫موجودة فعبل ًوأن اإلٯتان سيقوده‬ ‫إليها فإنه ٭تس بالسعادة ويشتاق‬ ‫للجنة ‪ .‬فإذا ‪ٝ‬تع قول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل ‪ { :‬أولئك ُه ُم الوارثون *‬ ‫ُون الفردوس ُه ْم فِيهَا‬ ‫الذين ي َ ِرث َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ ا‪١‬تؤمنون ‪11-10 :‬‬ ‫َخال ُد َ‬ ‫]‬ ‫ساعة تقرأ هذه اآلية الكرٯتة‬ ‫تعرف أن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫سيجعلك يف ا‪ٞ‬تنة تأخذ ما كان‬

‫لغَتك ‪ .‬ألن ا‪١‬تَتاث يأتيك من‬ ‫غَتك ‪ .‬وقد سبق علم اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل خلق الناس ‪ٚ‬تيعا ً‪ .‬وقبل أن‬ ‫ٮتلق أعد لكل خلقه مقعدا ًيف النار‬ ‫ومقعدا ًيف ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬الذين سيدخلون‬ ‫النار خالدين فيها ‪ ،‬مقاعدهم يف‬ ‫ا‪ٞ‬تنة ستكون خالية ‪ ،‬فيأيت اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل يعطيها للمؤمنُت‬ ‫لَتثوها فوق مقاعدهم ومناز‪٢‬تم‬ ‫يف ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه عندما‬ ‫يقول ‪ « :‬أعدت » فهي موجودة‬ ‫فعبل ً‪.‬‬

‫َوب َ ِّش ِر ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا‬ ‫الص ِا‪ٟ‬ت ِ‬ ‫ات أ َ َّن َ‪٢‬تم َجنَّ ٍ‬ ‫ات َٕتْ ِري ِم ْن‬ ‫َّ َ‬ ‫ُْ‬

‫َٖتْتِهَا ْاأل َ ْهن َ ُار كُل َّ َما ُر ِز ُقوا ِمنْهَا ِم ْن‬ ‫‪ٙ‬تَ َ َر ٍة ِرزْقًا قَالُوا َه َذا ال َّ ِذي ُر ِزقْنَا ِم ْن‬ ‫قَب ْ ُل َوأُ ُتوا بِ ِه ُمت َ َشابِهًا َو َ‪٢‬ت ُ ْم فِيهَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫أَزْ َو ٌ‬ ‫اج ُم َط ّه ََر ٌة َو ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬ ‫(‪)25‬‬ ‫وبعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل لنا‬ ‫مصَت الكافرين الذين يشككون يف‬

‫القرآن لؼتخذوا من ذلك عذرا ً‬ ‫لعدم اإلٯتان ‪ .‬قال ‪ :‬إذا كنتم قد‬ ‫اخًتتم عدم اإلٯتان ‪ٔ ،‬تا‬ ‫أعطؼتكم من اخؾيار يف الدنيا ‪،‬‬ ‫فإنكم يف اآلخرة لن تستطيعوا أن‬ ‫تتقوا النار ‪ .‬ولن تكون لكم إرادة ‪.‬‬ ‫ثم يأيت ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل بالصورة‬

‫ا‪١‬تقابلة ‪ .‬والقرآن الكريم إذا‬ ‫ذكرت ا‪ٞ‬تنة يأيت اهلل بعدها‬ ‫بالصورة ا‪١‬تقابلة وهي العذاب‬ ‫بالنار ‪ .‬وإذا ذكرت النار بعذابها‬ ‫و‪٢‬تؼبها ذكرت بعدها ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬وهذه‬ ‫الصورة ا‪١‬تتقابلة ‪٢‬تا تأثَت عىل دفع‬ ‫اإلٯتان يف النفوس ‪ .‬فإذا قرأ‬

‫اإلنسان سورة للعذاب ثم جاء‬ ‫بعدها النعيم فإنه يعرف أنه قد فاز‬ ‫مرتُت ‪ .‬فالذي يزحزح عن النار‬ ‫وال يدخلها يكون ذلك فوزا ًونعمة‬ ‫‪ ،‬فإذا دخل ا‪ٞ‬تنة تكون نعمة أخرى‬ ‫‪ ،‬ولذلك فإن اهلل تعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫فَ َمن ُز ْح ِز َح َع ِن النار َوأُدْ ِخ َل ا‪ٞ‬تنة‬

‫فَ َق ْد فَازَ} ػ آل عمران ‪] 185 :‬‬ ‫ولم يقل سبحانه ومن أدخل ا‪ٞ‬تنة‬ ‫فقد فاز ‪ .‬ألن ‪٣‬ترد أن تزحزح عن‬ ‫النار فوز عظيم ‪ . .‬ويف اآلخرة ‪.‬‬ ‫وبعد ا‪ٟ‬تساب يضرب الصراط فوق‬ ‫جهنم ‪ ،‬ويعرب من فوقه ا‪١‬تؤمنون‬ ‫والكافرون ‪ .‬فا‪١‬تؤمنون ‪٬‬تتازون‬

‫الصراط ا‪١‬تستقيم كل حسب‬ ‫عمله منهم من ٯتر بسرعة الربق‬ ‫‪ .‬ومنهم من ٯتر أكثر بطأ ًوهكذا ‪،‬‬ ‫والكافرون يسقطون يف النار ‪.‬‬ ‫ولكن ‪١‬تاذا ٯتر ا‪١‬تؤمنون فوق‬ ‫الصراط ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل قال‬ ‫ِ‬ ‫ان عىل‬ ‫‪َ { :‬وإِن ّمن ُك ْم إِال َّ َوا ِر ُد َها ك َ َ‬

‫ك َحتْما ً َّم ْق ِضيّا ً* ُث َّم نُن َ ِّجي‬ ‫َر ِبّ َ‬ ‫الذين اتقوا َّون َ َذ ُر الظا‪١‬تُت فِيهَا‬ ‫ِج ِؿيّا ً} ػ مريم ‪] 72-71 :‬‬ ‫ألن ‪٣‬ترد رؤية ا‪١‬تؤمنُت ‪ٞ‬تهنم نعمة‬ ‫كربى ‪ ،‬فحُت يرون العذاب‬ ‫الرهيب الذي أ‪٧‬تاهم اإلٯتان منه‬ ‫٭تس كل منهم بنعمة اهلل عليه ‪.‬‬

‫أنه أ‪٧‬تاه من هذا العذاب ‪ .‬وأهل‬ ‫النار وأهل ا‪ٞ‬تنة يرى بعضهم بعضا ً‬ ‫‪ .‬فأهل ا‪ٞ‬تنة حؼنما يرون أهل‬ ‫النار ٭تسون بعظيم نعمة اهلل‬ ‫عليهم ‪ .‬إذ أ‪٧‬تاهم منها ‪ ،‬وأهل‬ ‫النار حُت يرون أهل ا‪ٞ‬تنة ٭تسون‬ ‫بعظيم غضب اهلل عليهم أن‬

‫حرمهم من نعيمه ‪ ،‬فكأن هذه‬ ‫الرؤية نعيم ألهل ا‪ٞ‬تنة وزيادة يف‬ ‫العذاب ألهل النار ‪ . .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬ ‫« وبشر » والبشارة هي األخبار‬ ‫بشيء سار قادم لم يأت وقته بعد ‪.‬‬ ‫فأنت إذا بشرت إنسانا ًبشيء‬

‫أعلنته بشيء سار قادم ‪ .‬والبشارة‬ ‫هنا جاءت بعد الوعيد للكافرين ‪.‬‬ ‫واإلنذار هو اخبار بأمر ‪٥‬تيف ‪ .‬لم‬ ‫يأت وقته بعد ‪.‬‬ ‫ولكن البشارة تأيت أحيانا يف القرآن‬ ‫الكريم ويقصد بها الكفار ‪ .‬واقرأ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬وي ْ ٌل ل ِ ّ ُك ّ ِل أَفَّ ٍ‬ ‫اك أَثِ ٍ‬ ‫يم‬ ‫َ‬

‫* ي َ ْس َم ُع آي َ ِ‬ ‫ات اهلل تتىل عَلَي ْ ِه ُث َّم‬ ‫يُ ِص ُّر ُم ْست َ ْك ِربا ًكَأَن ل َّ ْم ي َ ْس َمعْهَا‬ ‫اب أَلِ ٍ‬ ‫فَب َ ِّش ْر ُه بِعَ َذ ٍ‬ ‫يم } ػ ا‪ٞ‬تاثية ‪:‬‬ ‫‪] 8-7‬‬ ‫البشارة هنا هتكمية من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬فا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل يريد أن يزيد عذاب الكفار‬

‫‪ ،‬فعندما يسمعون كلمة «‬ ‫فبشرهم » يعتقدون أهنم‬ ‫سؼسمعون خربا ًسارا ً‪ ،‬فيأيت بعدها‬ ‫العذاب األليم ليزيدهم غما عىل‬ ‫غم ‪.‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوب َ ِّش ِر الذين آ َم ُنوا ْ َو َع ِملُوا ْ‬

‫الصا‪ٟ‬تات } ‪.‬‬ ‫البشرى هنا إعبلم ٓتَت قادم‬ ‫للمؤمنُت ‪ ،‬واإلٯتان هو الرصيد‬ ‫القلبي للسلوك ‪ .‬ألن من يؤمن‬ ‫بقضية يعمل من أجلها ‪ ،‬التلميذ‬ ‫يذاكر ألنه مؤمن أنه سؼنجح ‪،‬‬ ‫وكل عمل سلوكي البد أن يوجد‬

‫من ينبوع عقيدي ‪ .‬واإلٯتان أن‬ ‫تنسجم حركة ا‪ٟ‬تياة مع ما يف‬ ‫القلب وفق مراد اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ :‬ونظام ا‪ٟ‬تياة ال يقوم إال عىل إٯتان‬ ‫‪ . .‬فكأن العمل الصاٌف ينبوعه‬ ‫اإلٯتان ‪ .‬ولذلك يقول القرآن‬ ‫الكريم ‪ { :‬والعصر * إ َِّن اإلنسان‬

‫ل َِىف ُخ ْس ٍر * إِال َّالذين آ َم ُنوا ْ َو َع ِملُوا ْ‬ ‫الصا‪ٟ‬تات } ػ العصر ‪] 3-1 :‬‬ ‫ويف آية أخرى ‪َ { :‬و َم ْن أ َ ْح َس ُن قَ ْوال ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ّ‪٦‬تَّن دَعَآ إ َِىل اهلل َو َع ِم َل َصا‪ٟ‬تا ً َوقَ َ‬ ‫إِن ّ ٍَِت ِم َن ا‪١‬تسلمُت } ػ فصلت ‪:‬‬ ‫‪] 33‬‬ ‫ولكن هل يكفي اإلعبلن عن كوين‬

‫من ا‪١‬تسلمُت؟ ال بل البد أن‬ ‫يقًتن هذا اإلعبلن بالعمل‬ ‫ٔترادات اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫ريد أن يلفؾنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يُ ُ‬ ‫‪ . .‬إىل أن قولنا « ال إله إال اهلل ‪٤‬تمد‬ ‫رسول اهلل » ‪ . .‬البد أن يصاحبه‬ ‫عمل ٔتنهج اإلسبلم ‪ . .‬ذلك أن‬

‫نطقنا بالشهادة ال يزيد يف ملك اهلل‬ ‫شؼئا ‪ . .‬فاهلل تبارك وتعاىل شهد‬ ‫بوحدانية ألوهؼته لنفسه ‪ ،‬وهذه‬ ‫شهادة الذات للذات ‪ . .‬ثم شهد‬ ‫ا‪١‬تبلئكة شهادة مشهد ألهنم يرونه‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ثم شهد أولو‬ ‫العلم شهادة دليل ٔتا فتح عليهم‬

‫اهلل جل جبلله من علم ‪ . .‬ويف ذلك‬ ‫ِ‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬شهدَ‬ ‫اهلل أَن ّ َُه ال َإله إِال َّ ُه َو وا‪١‬تبلئكة‬ ‫وأُ ْولُوا ْالعلم قَ ِآئما ًبالقسط ال َإله إِال َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُه َو العزيز ا‪ٟ‬تكيم } ػ آل عمران‬ ‫‪] 18 :‬‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد من‬

‫ا‪١‬تؤمنُت أن يعملوا با‪١‬تنهج ‪. .‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ‪ . .‬حىت ال تتعاند حركة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫بل تؾساند ‪ . .‬ومادامت حركة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة مستقيمة ‪ . .‬فإهنا تصبح حياة‬ ‫مؾساندة وقوية ‪ . .‬وعندما انتشر‬ ‫اإلسبلم يف بقاع األرض لم يكن‬ ‫ا‪٢‬تدف أن يؤمن الناس فقط ‪١‬تجرد‬

‫اإلٯتان ‪ . .‬ولكن البد أن تنسجم‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة مع منهج اإلسبلم ‪. .‬‬ ‫فإذا ابتعدت حركة ا‪ٟ‬تياة عن‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ . .‬حينئذ ال ٮتدم قضية‬ ‫الدين أن يؤمن الناس أو ال يؤمنوا ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك البد أن ينص عىل اإلٯتان‬ ‫والعمل الصاٌف‪ { . .‬والذين آ َم ُنوا ْ‬

‫َو َع ِملُوا ْالصا‪ٟ‬تات } ‪. .‬‬ ‫والصا‪ٟ‬تات هي ‪ٚ‬تع صا‪ٟ‬تة ‪. .‬‬ ‫والصا‪ٟ‬تة هي األمر ا‪١‬تستقيم مع‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ ،‬وضدها الفساد ‪ . .‬وحُت‬ ‫يستقبل اإلنسان الوجود ‪ . .‬فإن‬ ‫أقل الصا‪ٟ‬تات هو أن يًتك الصاٌف‬ ‫عىل صبلحه أو يزيده صبلحا ‪.‬‬

‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يبشر الذين‬ ‫آمنوا وعملوا الصا‪ٟ‬تات ّتنات‬ ‫ٕتري من ٖتتها األهنار ‪ . .‬وا‪ٞ‬تنات‬ ‫‪ٚ‬تع جنة ‪ ،‬وهي ‪ٚ‬تع ألهنا كثَتة‬ ‫ومؾنوعة ‪ . .‬وهناك درجات يف كل‬ ‫جنة أكثر من الدنيا ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬انظر ك َْي َف‬

‫فَ َّضلْنَا بَعْ َض ُه ْم عىل بَعْ ٍض َولَآل ِخ َر ُة‬ ‫أَكْ َرب در َج ٍ‬ ‫رب تَفْ ِضيبل ً} ػ‬ ‫ات َوأَكْ َُ‬ ‫ََُ‬ ‫اإلسراء ‪] 21 :‬‬ ‫ا‪ٞ‬تنات نفسها مؾنوعة ‪ . .‬فهناك‬ ‫جنات الفردوس ‪ ،‬وجنات عدن ‪،‬‬ ‫وجنات نعيم ‪.‬‬

‫‪ .‬وهناك دار ا‪٠‬تلد ‪ ،‬ودار السبلم ‪،‬‬ ‫وجنة ا‪١‬تأوى ‪ . .‬وهناك عِلِ ّيُون‬ ‫الذي هو أعىل وأفضل ا‪ٞ‬تنات ‪. .‬‬ ‫وأعىل ما فيها التمتع برؤية ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل‪ . .‬وهو نعيم يعلو‬ ‫كثَتا عن أي نعيم يف الطعام‬ ‫والشراب يف الدنيا ‪. .‬‬

‫والطعام والشراب بالنسبة ألهل‬ ‫ا‪ٞ‬تنة ال يكون عن جوع أو ظمأ ‪. .‬‬ ‫وإ‪٪‬تا عن ‪٣‬ترد الرغبة والتمتع ‪.‬‬ ‫واهلل جل جبلله يف هذه اآلية يَع ُد‬ ‫بأم ٍر غؼبي ‪ . .‬ولذلك فإنه لكي‬ ‫يقرب ا‪١‬تعٌت إىل ذهن البشر ‪. .‬‬ ‫البد من استخدام ألفاظ مشهودة‬

‫وموجودة ‪ . .‬أي عن واقع نشهده ‪.‬‬ ‫واقرأ ‪ ،‬قوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬فَبل َ‬ ‫تَعْل َ ُم ن َ ْف ٌس َّمآ أ ُْخ ِف َي َ‪٢‬تُم ِّمن ُق َّر ِة‬ ‫ِ‬ ‫أَع ْ ُ ٍ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ُت َج َزآء ًٔتَا كَانُوا ْيَعْ َمل ُ َ‬ ‫السجدة ‪] 17 :‬‬ ‫إذن ما هو موجود يف ا‪ٞ‬تنة ال تعلمه‬ ‫نفس يف الدنيا ‪ . .‬وال يوجد لفظ يف‬

‫اللغة يعرب عنه ‪ . .‬وال ملكة من‬ ‫ملكات ا‪١‬تعرفة كالسمع والنظر قد‬ ‫رأته ‪ . .‬ولذلك استخدم ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل األلفاظ اليت تؾناسب‬ ‫مع عقولنا وإدراكنا ‪ . .‬فقال تعاىل ‪:‬‬ ‫{ َجنَّ ٍ‬ ‫ات تَ ْج ِري ِمن َٖتْتِهَا األهنار } ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫عىل أن هناك آيات أخرى تقول ‪:‬‬ ‫{ َٕتْ ِري ِمن َٖتْتِهَا األهنار } ما‬ ‫الفرق بُت االثنُت‪ٕ . .‬تري ٖتتها‬ ‫األهنار ‪ . .‬أي أن نبع ا‪١‬تاء من مكان‬ ‫بعيد وهو ٯتر من ٖتتها ‪ . .‬أما قوله‬ ‫تعاىل ‪َٕ { :‬تْ ِري ِمن َٖتْتِهَا األهنار }‬ ‫فكأن األهنار تنبع ٖتتها ‪ . .‬حىت ال‬

‫ٮتاف إنسان من أن ا‪١‬تاء الذي يأيت‬ ‫من بعيد يقطع عنه أو ‪٬‬تف ‪ . .‬وهذه‬ ‫زيادة الطمػنان ا‪١‬تؤمنُت أن نعيم‬ ‫ا‪ٞ‬تنة باق وخالد ‪. .‬‬ ‫ومادام هناك ماء فهناك خضرة‬ ‫والب ّد أ َ ْن يكون‬ ‫ومنظر ‪ٚ‬تيل ُ‬ ‫هناك ‪ٙ‬تر ‪ . .‬ويف قوله تعاىل ‪{ :‬‬

‫كُل َّ َما ُر ِز ُقوا ْ ِمنْهَا ِمن ‪ٙ‬تَ َ َر ٍة ِّرزْقا ًقَالُوا ْ‬ ‫هذا الذي ُر ِزقْنَا ِمن قَب ْ ُل َوأُ ُتوا ْبِ ِه‬ ‫ُمت َ َشابِها ً} ‪ . .‬حديث عن ‪ٙ‬تر‬ ‫ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬و‪ٙ‬تر ا‪ٞ‬تنة ٮتتلف عن ‪ٙ‬تر‬ ‫الدنيا ‪ . .‬إنك يف الدنيا البد أن‬ ‫تذهب إىل الثمرة وتأيت بها أو‬ ‫يأتيك غَتك بها ‪ . .‬ولكن يف ا‪ٞ‬تنة‬

‫الثمر هو الذي يأيت إليك ‪ٔ . .‬تجرد‬ ‫أن تشتهيه ٕتده يف يدك ‪ . .‬وتعتقد‬ ‫أن هناك تشابها بُت ‪ٙ‬تر الدنيا‬ ‫و‪ٙ‬تر ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬ولكن الثمر يف ا‪ٞ‬تنة‬ ‫لؼس كثمر الدنيا ال يف طعمه وال يف‬ ‫رائحته ‪ . .‬وإ‪٪‬تا يرى أهل ا‪ٞ‬تنة‬ ‫‪ٙ‬ترها ويتحدثون يقولون رٔتا‬

‫تكون هذه الثمرة هي ‪ٙ‬ترة ا‪١‬تا‪٧‬تو‬ ‫أو التُت الذي أكلناه يف الدنيا‪. .‬‬ ‫ولكنها يف ا‪ٟ‬تقيقة ٗتتلف ٘تاما ‪. .‬‬ ‫قد يكون الشكل متشابها ولكن‬ ‫الطعم وكل شيء ‪٥‬تتلف ‪. .‬‬ ‫يف الدنيا كل طعام له فضبلت‬ ‫ٮترجها اإلنسان ‪ . .‬ولكن يف‬

‫اآلخرة ال يوجد لطعام فضبلت بل‬ ‫أن اإلنسان يأكل كما يشاء دون‬ ‫أن ٭تتاج إىل إخراج فضبلت ‪،‬‬ ‫وذلك الختبلف ‪ٙ‬تار الدنيا عن‬ ‫اآلخرة يف التكوين ‪. .‬‬ ‫إذن ففي ا‪ٞ‬تنة األهنار ‪٥‬تتلفة‬ ‫والثمار ‪٥‬تتلفة ‪.‬‬

‫‪ .‬وا‪ٞ‬تنة يكون الرزق فيها من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل الذي يقول «‬ ‫للشيء كن فيكون » ‪ . .‬وال أحد‬ ‫يقوم بعمل ‪ .‬ثم يقول ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫اج ُّم َط ّه ََرةٌ‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬و َ‪٢‬ت ُ ْم فِيهَآ أَزْ َو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫َو ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬ ‫الزوجة هي متعة اإلنسان يف الدنيا‬

‫إن كانت صا‪ٟ‬تة ‪ . .‬وا‪١‬تنغصة عليه‬ ‫إن كانت غَت صا‪ٟ‬تة ‪ . .‬وهناك‬ ‫منغصات تستطيع أن تضعها ا‪١‬ترأة‬ ‫يف حياة زوجها ٕتعله شقيا يف حياته ‪.‬‬ ‫‪ .‬كأن تكون سليطة اللسان أو‬ ‫دائمة الشجار ‪ . .‬أوال تعطي‬ ‫اهتماما لزوجها أو ٖتاول إثارته‬

‫بأن ٕتعله يشك فيها ‪ . .‬أما يف‬ ‫اآلخرة فتزول كل هذه ا‪١‬تنغصات‬ ‫وتزول بأمر اهلل ‪ .‬فالزوجة يف‬ ‫اآلخرة مطهرة من كل ما يكرهه‬ ‫الزوج فيها ‪ ،‬وما لم ٭تبه يف الدنيا‬ ‫ٮتتفي ‪ .‬فا‪١‬تؤمنون يف اآلخرة‬ ‫مطهرون من كل نقائص الدنيا‬

‫ومتاعبها وأو‪٢‬تا الغل وا‪ٟ‬تقد ‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله جل جبلله ‪َ { :‬ون َ َز ْعنَا‬ ‫َما ِيف ُص ُدو ِر ِهم ِّم ْن ِغ ّ ٍل إِ ْخ َوانا ًعىل‬ ‫ِ‬ ‫ُت } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 47 :‬‬ ‫ُس ُر ٍر ُّمت َ َقابِل َ‬ ‫فمقايؼس الدنيا ستختفي وكل‬ ‫شيء تكرهه يف الدنيا لن ٕتده يف‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬فإذا كان أي شيء قد‬

‫نغص حياتك يف الدنيا فإنه‬ ‫سيختفي يف اآلخرة ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل ضرب ا‪١‬تثل بالزوجات ألن‬ ‫الزوجة هي متعة زوجها يف الدنيا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهي اليت تستطيع أن ٖتيل حياته‬ ‫إىل نعيم أو جحيم ‪. .‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬

‫} ‪ . .‬أي ال موت يف اآلخرة ولن‬ ‫يكون يف اآلخرة وجود للموت أبدا‬ ‫‪ ،‬وإ‪٪‬تا فيها ا‪٠‬تلود الدائم إما يف‬ ‫اًفنة وإما يف النار ‪.‬‬ ‫اّللَ َال ي َ ْست َ ْحيِي أ َ ْن ي َ ْض ِر َب َمث َ ًبل‬ ‫إ َِّن َّ‬ ‫وضةً فَ َما فَ ْوقَهَا فَأ َ َّما ال َّ ِذي َن‬ ‫َما ب َ ُع َ‬ ‫ون أَن ّ َُه ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّق ِم ْن َر ِبّ ِه ْم‬ ‫آ َم ُنوا فَيَعْل َ ُم َ‬

‫َ‬ ‫ون َماذَا‬ ‫َوأ َّما ال َّ ِذي َن َك َف ُروا فَي َ ُقول ُ َ‬ ‫اّلل بِهَ َذا َمث َ ًبل ُي ِض ُّل بِ ِه كَثَِتًا‬ ‫أ َ َرادَ ّ َُ‬ ‫َويَهْ ِدي بِ ِه كَثَِتًا َو َما يُ ِض ُّل بِ ِه إ َِّال‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)26‬‬ ‫ال ْ َفاسق َ‬

‫بعد أن ٖتدث ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫عن ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬وأعطانا مثبل يقرب لنا‬ ‫صور النعيم ا‪٢‬تائلة اليت سؼنعم بها‬

‫اإلنسان يف ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬أراد أن يوضح‬ ‫لنا ا‪١‬تنهج اإلٯتاين الذي ‪٬‬تب أن‬ ‫يسلكه كل مؤمن ‪ . .‬ذلك أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ال يكلف كافرا‬ ‫بعبادته ‪ . .‬ولكن اإلنسان الذي‬ ‫ارتىض دخول اإلٯتان باهلل جل‬ ‫جبلله قد دخل يف عقد إٯتاين مع اهلل‬

‫تبارك وتعاىل‪ . .‬ومادام قد دخل‬ ‫العقد اإلٯتاين فأنه يتلىق عن اهلل‬ ‫منهجه يف افعل وال تفعل ‪ . .‬وهذا‬ ‫ا‪١‬تنهج عليه أن يطبقه دون أن‬ ‫يؾساءل عن ا‪ٟ‬تكمة يف كل شيء ‪. .‬‬ ‫ذلك أن اإلٯتان هو إٯتان بالغيب ‪.‬‬ ‫‪ .‬فإذا كان الشيء نفسه غائبا عنا‬

‫فكيف نريد أن نعرف حكمته ‪. .‬‬ ‫إن حكمة أي تكليف إٯتاين هي ‪:‬‬ ‫أنه صادر من اهلل سبحانه وتعاىل ‪،‬‬ ‫ومادام صادرا من اهلل فهو لم‬ ‫يصدر من ُمسا ٍو لك كي تناقشه ‪،‬‬ ‫ولكنه صادر من إله وجبت عليك‬ ‫له الطاعة ألنه إله وأنت له عابد ‪. .‬‬

‫فيكفي أن اهلل سبحانه وتعاىل قال‬ ‫افعل حىت نفعل ‪ . .‬ويكفي أنه قال‬ ‫ال تفعل حىت ال نفعل ‪. .‬‬ ‫ا‪ٟ‬تكمة غائبة عنك‪ . .‬ولكن‬ ‫صدور األمر من اهلل هو ا‪ٟ‬تكمة ‪،‬‬ ‫وهو ا‪١‬توجب للطاعة ‪ . .‬فأنا أصلي‬ ‫ألن اهلل فرض الصبلة ‪ ،‬وال أصلي‬

‫كنوع من الرياضة ‪ . .‬وأنا أتوضأ‬ ‫ألن اهلل تبارك وتعاىل أمرنا‬ ‫بالوضوء قبل الصبلة ‪ . .‬ولكنٍت ال‬ ‫أتوضأ كنوع من النظافة ‪ . .‬وأنا‬ ‫أصوم ألن اهلل أمرين بالصوم ‪ . .‬وال‬ ‫أصوم حىت أشعر ّتوع الفقَت ‪. .‬‬ ‫ألنه لو كانت الصبلة رياضة‬

‫السؾبدلناها بالرياضة يف ا‪١‬تبلعب‬ ‫‪ . .‬ولو أن الوضوء كان نظافة لقمنا‬ ‫باالستحمام قبل كل صبلة‪ . .‬ولو‬ ‫أن الصوم كان لنشعر با‪ٞ‬توع ما‬ ‫وجب عىل الفقَت أن يصوم ألنه‬ ‫يعرف معٌت ا‪ٞ‬توع ‪. .‬‬ ‫إذن فكل تكاليف من اهلل نفعلها ألن‬

‫اهلل شرعها وال نفعلها ألي شيء‬ ‫آخر ‪ . .‬وكل ما يأتؼنا من اهلل من‬ ‫قرآن نستقبله عىل أنه كبلم اهلل وال‬ ‫نستقبله بأي صيغة أخرى ‪ . .‬ذلك‬ ‫هو اإلٯتان الذي يريد اهلل منا أن‬ ‫نتمسك به ‪ ،‬وأن يكون هو سلوك‬ ‫حياتنا ‪.‬‬

‫تلك مقدمة كان البد منها إذا أردنا‬ ‫أن نعرف معٌت اآلية الكرٯتة ‪{ :‬‬ ‫إ َِّن اهلل ال َي َ ْست َ ْْح أَن ي َ ْض ِر َب َمثَبل ً َّما‬ ‫وضةً فَ َما فَ ْوقَهَا } وعندما ضرب‬ ‫ب َ ُع َ‬ ‫اهلل مثبل بالبعوضة ‪ . .‬استقبله‬ ‫الكفار با‪١‬تعٌت الدنيوي دون أن‬ ‫يفطنوا للمعٌت ا‪ٟ‬تقيقي ‪ . .‬قالوا‬

‫كيف يضرب اهلل مثبل بالبعوضة‬ ‫ذلك ا‪١‬تخلوق الضعيف ‪ . .‬الذي‬ ‫يكفي أن تضربه بأي شيء أو‬ ‫بكفك فيموت؟ ‪١ .‬تاذا لم يضرب‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل مثبلبالفيل الذي‬ ‫هو ضخم ا‪ٞ‬تثة شديدة القوة ‪.‬‬

‫‪ .‬أو باألسد الذي هو أقوى من‬ ‫اإلنسان وضرب لنا مثبل بالبعوضة‬ ‫فقالوا ‪ « :‬ماذا أراد اهلل بهذا مثبل »‬ ‫‪ . .‬ولم يفطنوا إىل أن هذه البعوضة‬ ‫دقيقة ا‪ٟ‬تجم خلقها معجزة ‪ . .‬ألن‬ ‫يف هذا ا‪ٟ‬تجم الدقيق وضع اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل كل األجهزة البلزمة‬

‫‪٢‬تا يف حياهتا ‪ . .‬فلها عؼنان و‪٢‬تا‬ ‫خرطوم دقيق جدا ولكنه يستطيع‬ ‫أن ٮترق جلد اإلنسان ‪ . .‬وٮترج‬ ‫األوعية الدموية اليت ٖتت ا‪ٞ‬تلد‬ ‫ليمتص دم اإلنسان ‪. .‬‬ ‫والبعوضة ‪٢‬تا أرجل و‪٢‬تا أجنحة‬ ‫و‪٢‬تا دورة تناسلية و‪٢‬تا كل ما يلزم‬

‫‪ٟ‬تياهتا ‪ . .‬كل هذا يف هذا ا‪ٟ‬تجم‬ ‫الدقيق ‪ . .‬كلما دق الشيء احتاج‬ ‫إىل دقة خلق أكرب ‪. .‬‬ ‫و‪٨‬تن نشاهد يف حياتنا البشرية أنه‬ ‫مثبل عندما اخًتع اإلنسان‬ ‫الساعة ‪ . .‬كان حجمها ضخما‬ ‫لدرجة أهنا ٖتتاج إىل مكان كبَت ‪. .‬‬

‫وكلما تقدمت ا‪ٟ‬تضارة وارتىق‬ ‫اإلنسان يف صناعته وحضارته‬ ‫وتقدمه ‪ ،‬أصبح ا‪ٟ‬تجم دقيقا‬ ‫وصغَتا ‪ ،‬وهكذا أخذت صناعة‬ ‫الساعات تدق ‪ . .‬حىت أصبح من‬ ‫ا‪١‬تمكن صنع ساعة يف حجم ا‪٠‬تاتم‬ ‫أو أقل ‪ . .‬وعندما بدأ اخًتاع‬

‫ا‪١‬تذياع أو الراديو كان حجمه‬ ‫كبَتا ‪ . .‬واآلن أصبح يف غاية الدقة‬ ‫لدرجة أنك تستطيع أن تضعه يف‬ ‫جؼبك أو أقل من ذلك ‪ . .‬ويف كل‬ ‫الصناعات عندما ترتقي ‪ . .‬يصغر‬ ‫حجمها ألن ذلك ‪٤‬تتاج إىل صناعة‬ ‫ماهر وإىل تقدم علمي ‪. .‬‬

‫وهكذا حُت ضرب اهلل مثبل‬ ‫بالبعوضة وما فوقها ‪ . .‬أي ٔتا هو‬ ‫أقل منها حجما ‪ . .‬فإنه تبارك‬ ‫وتعاىل أراد أن يلفؾنا إىل دقة ا‪٠‬تلق ‪.‬‬ ‫‪ .‬فكلما لطف الشيء وصغر حجمه‬ ‫احتاج إىل دقة ا‪٠‬تلق ‪ . .‬ولكن‬ ‫الكفار لم يأخذوا ا‪١‬تعٌت عىل هذا‬

‫النحو وإ‪٪‬تا أخذوه با‪١‬تعٌت الدنيوي‬ ‫الؽسيط الذي ال ٯتثل ا‪ٟ‬تقيقة ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل حؼنما ضرب‬ ‫هذا ا‪١‬تثل ‪ . .‬استقبله ا‪١‬تؤمنون‬ ‫بأنه كبلم اهلل ‪ . .‬واستقبلوه ٔتنطق‬ ‫اإلٯتان باهلل فصدقوا به سواء‬ ‫فهموه أم لم يفهموه ‪ . .‬ألن‬

‫ا‪١‬تؤمن يصدق كل ما ‪٬‬تيء من عند‬ ‫اهلل سواء عرف ا‪ٟ‬تكمة أو لم‬ ‫يعلمها ‪ . .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل‬ ‫‪َ { :‬ول َ َق ْد ِجػْن َ ُاه ْم بِ ِكت َ ٍ‬ ‫اب فَ َّصلْن َ ُاه‬ ‫عىل عِل ْ ٍم هدى ور ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ُ ً ََ َ‬ ‫‪ٛ‬تةً ل ّ َق ْو ٍم يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون إِال َّتَأ ْ ِويل َ ُه ي َ ْو َم يَأ ْ ِيت‬ ‫* َه ْل ي َ ُنظ ُر َ‬ ‫ْ‬ ‫وه ِمن قَب ْ ُل‬ ‫ول الذين ن َ ُس ُ‬ ‫تَأ ِويل ُ ُه ي َ ُق ُ‬

‫قَ ْد َجآءَ ْت ُر ُس ُل َر ِبّنَا با‪ٟ‬تق فَهَل لَّنَا‬ ‫ِمن ُش َفعَآءَ فَي َ ْش َف ُعوا ْلَنآ أ َ ْو ن ُ َر ّدُ‬ ‫فَنَعْ َم َل غ َ َْت َالذي ُكنَّا نَعْ َم ُل قَ ْد‬ ‫خسروا أَن ْ ُف َس ُه ْم َو َض َّل َعن ْ ُه ْم َّما‬ ‫ن‬ ‫ون } ػ األعراف ‪:‬‬ ‫ًت َ‬ ‫كَا ُوا ْيَفْ َ ُ‬ ‫‪] 53-52‬‬ ‫إن كل مصدق بالقرآن ال يطلب‬

‫تأويله أو ا‪ٟ‬تكمة يف آياته ‪. .‬‬ ‫َ‬ ‫ولذلك قال الكافرون ‪َ { :‬ماذَآ أ َرادَ‬ ‫اهلل بهذا َمثَبل ً} ويأيت رد ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬يُ ِض ُّل بِ ِه َكثَِتا ً‬ ‫ويَهْ ِدي بِ ِه كَثَِتا ًو َما يُ ِض ُّل بِ ِه إِال َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الفاسقُت } ‪ . .‬ومن هم‬ ‫الفاسقون؟ ‪ . .‬هم الذين ينقضون‬

‫عهد اهلل ‪ . .‬أول شيء يف الفسق أن‬ ‫ينقض الفاسق عهده ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويقال فسقت الرطبة أي بعدت‬ ‫القشرة عن الثمر ‪ . .‬فعندما تكون‬ ‫الثمرة أو البلحة ‪ٛ‬تراء تكون‬ ‫القشرة ملتصقة بالثمرة ْتيث ال‬ ‫تستطيع أن تزنعها منها ‪ . .‬فإذا‬

‫أصبحت الثمرة أو البلحة رطبا‬ ‫تسود قشرهتا وتؽتعد عن الثمرة‬ ‫ْتيث تستطيع أن تزنعها عنها‬ ‫بسهولة ‪ . .‬هذا هو الفاسق ا‪١‬تؽتعد‬ ‫عن منهج اهلل ‪ . .‬ينسلخ عنه‬ ‫بسهولة ويسر ‪ ،‬ألنه غَت ملتصق به‬ ‫‪ . .‬وعندما تؽتعد عن منهج اهلل‬

‫فإنك ال ترتبط بأوامره ونواهيه ‪. .‬‬ ‫فبل تؤدي الصبلة مثبل وتفعل ما هنى‬ ‫اهلل عنه ألنك فسقت عن دينه ‪. .‬‬ ‫والذي أوجد الفسق هو أن اإلنسان‬ ‫خلق ‪٥‬تتارا ‪ . .‬قادرا عىل أن يفعل أو‬ ‫ال يفعل ‪ . .‬وبهذا االخؾيار أفسد‬ ‫اإلنسان نظام الكون ‪ . .‬فكل شيء‬

‫لؼس لئلنسان اخؾيار فيه تراه‬ ‫يؤدي مهمته بدقة عالية كالشمس‬ ‫والقمر والنجوم واألرض ‪ . .‬كلها‬ ‫تؾبع نظاما دقيقا ال ٮتتل ألهنا‬ ‫مقهورة ‪ . .‬ولو أن اإلنسان لم ٮتلق‬ ‫مختارا ‪ . .‬لكان من ا‪١‬تستحيل أن‬ ‫يفسق ‪ . .‬وأن يؽتعد عن منهج اهلل‬

‫ويفسد يف األرض ‪ . .‬ولكن هذا‬ ‫االخؾيار هو أساس الفساد كله ‪.‬‬

‫ال َّ ِذي َن يَن ْ ُق ُضون َعهْ َد َ ِ‬ ‫اّلل ِم ْن بَعْ ِد‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِمؼثَاقِ ِه َويَقْ َط ُع َ َم‬ ‫اّلل بِ ِه أ َ ْن‬ ‫ون َما أ َ َر َّ ُ‬ ‫ون ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫وص َل َويُ ْف ِس ُد َ‬ ‫يُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)27‬‬ ‫أُولَئِ َ‬ ‫ك ُه ُم ا‪٠‬تَْاس ُر َ‬

‫بعد أن شرح اهلل لنا مفهوم اإلٯتان‬ ‫‪ .‬يف أننا نتلىق عن اهلل وننفذ ا‪ٟ‬تكم‬ ‫ولو لم نعرف ا‪ٟ‬تكمة ‪ .‬فكل ما يأيت‬ ‫من اهلل نأخذه ٔتنطق اإلٯتان ‪ ،‬وهو‬ ‫أن اهلل الذي قال ‪ .‬ولؼس ٔتنطق‬ ‫الكفر والتشكك ‪ .‬فكل شيء عن‬ ‫اهلل حكمته أنه صادر عن اٌفق‬

‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫وأخربنا ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن‬ ‫الفاسقُت هم ا‪١‬تؽتعدون عن منهج‬ ‫اهلل ‪ .‬وأراد ا‪ٟ‬تق أن يبُت لنا صفات‬ ‫الفاسقُت ‪ .‬فحددها يف ثبلث‬ ‫صفات ‪ . .‬أوال ‪ :‬الذين ينقضون‬ ‫عهد اهلل من بعد مؼثاقه ‪ . .‬ثانيا‬

‫الذين يقطعون ما أمر اهلل به أن‬ ‫يوصل ‪ .‬ثالثا ‪ :‬الذين يفسدون يف‬ ‫األرض ‪ .‬ثم حدد لنا ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل حكمهم فقال ‪ :‬أولئك هم‬ ‫ا‪٠‬تاسرون ‪ .‬وا‪٠‬تسران أن الذي‬ ‫وصلوا إليه هو من عملهم ‪ .‬ألهنم‬ ‫تركوا ا‪١‬تنهج وبدأوا يشرعون‬

‫ألنفسهم بهوى النفس ‪ .‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله عنهم ‪{ :‬‬ ‫أولئك الذين اشًتوا الضبللة‬ ‫ار ُهت ُ ْم َو َما‬ ‫با‪٢‬تدى فَ َما َر ِْت َ ْت ِّٕت ََ‬ ‫كَانُوا ْ ُمهْت َ ِدي َن } ػ البقرة ‪] 16 :‬‬ ‫إذن هم الذين اختاروا ‪ ،‬وهم‬ ‫الذين اشًتوا الضبللة ودفعوا ‪ٙ‬تنها‬

‫من هدى اهلل ‪ .‬فكأهنم عقدوا‬ ‫صفقة خاسرة ‪ .‬ألن هدى اهلل هو‬ ‫الذي يقودنا إىل ا‪ٟ‬تياة ا‪٠‬تالدة‬ ‫والنعيم الذي ال يزول ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعطينا‬ ‫الصورة يف قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل‬ ‫اشًتى ِم َن ا‪١‬تؤمنُت أ َ ُنف َس ُه ْم‬

‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون ِيف‬ ‫َوأ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم بِأ َّن َ‪٢‬ت ُ ُم ا‪ٞ‬تنة يُ َقاتل ُ َ‬ ‫َسؽ ِ‬ ‫ون َوعْدا ً‬ ‫ون َويُ ْقتَل ُ َ‬ ‫ِيل اهلل فَي َ ْق ُتل ُ َ‬ ‫عَلَي ْ ِه َح ّقا ً ِيف التوراة واإل‪٧‬تيل‬ ‫والقرآن َو َم ْن أوىف بِعَهْ ِد ِه ِم َن اهلل‬ ‫فاستبشروا بِؽَيْعِ ُك ُم الذي بَايَعْ ُت ْم‬ ‫ك ُه َو الفوز العظيم } ػ‬ ‫بِ ِه َوذَل ِ َ‬ ‫التوبة ‪] 111 :‬‬

‫إذن فا‪١‬تؤمنون باعوا هلل سبحانه‬ ‫وتعاىل أموا‪٢‬تم وأنفسهم ‪ ،‬وكانوا‬ ‫صادقُت يف عهدهم ‪ .‬أما الكفار‬ ‫وا‪١‬تنافقون ‪ ،‬فقد باعوا هدى اهلل ‪،‬‬ ‫واشًتوا به ضبلل الدنيا ‪ .‬فا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ذكر لنا أول صفات‬ ‫الفاسقُت أهنم ال عهد ‪٢‬تم ‪ .‬لؼس‬

‫بؼنهم وبُت الناس فقط ‪ .‬ولكن ال‬ ‫عهد ‪٢‬تم مع اهلل أيضا ‪ .‬وكلما‬ ‫عاهدوا اهلل عهدا نقضوه ‪ .‬واهلل‬ ‫٭تب الوفاء بالعهد ‪ .‬ولذلك يقول‬ ‫ال‬ ‫جل جبلله ‪َ { :‬وال َتَ ْق َر ُبوا ْ َم َ‬ ‫اليؾيم إِال َّباليت ِه َي أ َ ْح َس ُن حىت يَبْلُغَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ان‬ ‫أ ُش ّد َُه َوأ ْو ُفوا ْبِالْعَهْ ِد إ َِّن العهد ك َ َ‬

‫َم ْس ُؤوال ً} ػ اإلسراء ‪] 34 :‬‬ ‫ويقول تعاىل ‪َ { :‬و َما َو َج ْدنَا‬ ‫أل َ ْكث َ ِر ِهم ِّم ْن َعهْ ٍد َوإِن َو َج ْدنَآ‬ ‫أ َ ْكث َ َر ُهم ل َ َفا ِسقِ‬ ‫ُت } ػ األعراف ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪] 102‬‬ ‫ما هو العهد ا‪١‬توثق الذي أخذه اهلل‬ ‫عىل عباده فنقضوه؟ أنه اإلٯتان‬

‫األول ‪ .‬اإلٯتان الفطري ا‪١‬توجود‬ ‫يف كل منا ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل أخذ‬ ‫من البشر ‪ٚ‬تيعا عهدا ‪ ،‬فوىف به‬ ‫بعضهم ونقضه بعضهم ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل ذكر لنا يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ .‬أن هناك عهدا‬ ‫موثقا بؼنه وبُت ذرية آدم ‪ .‬فقال‬

‫ك ِمن‬ ‫جل جبلله ‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخ َذ َربُّ َ‬ ‫بٍت ءَادَ َم ِمن ُظ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّريَّت َ ُه ْم‬ ‫َوأ َ ْشهَ َد ُه ْم عىل أ َ ُنف ِس ِه ْم أَل َ ْس ُت‬ ‫بِ َر ِبّ ُك ْم قَالُوا ْبىل َش ِه ْدنَآ أَن تَ ُقولُوا ْ‬ ‫يَوم القيامة إِن َّا ُكنَّا َع ْن هذا غَافِلِ‬ ‫ُت‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫} ػ األعراف ‪] 172 :‬‬ ‫وهكذا أخذ اهلل عهدا عىل ذرية آدم‬

‫بأن يؤمنوا به وأشهدهم أنه ربهم‬ ‫‪.‬‬ ‫وجاءت الغفلة إىل القلوب ٔترور‬ ‫الوقت ‪ .‬فنقضوا العهد واٗتذوا‬ ‫آ‪٢‬تة من دون اهلل ‪ .‬إذن أول صفات‬ ‫الفاسقُت أهنم نقضوا عهد اهلل ‪.‬‬ ‫والذي ينقض عهدا مع بشر ‪،‬‬

‫فسلوكه هذا ال يقبله ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل حىت مع الكفار وغَت ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫‪ .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬إِال َّ‬ ‫اهد ّتُم ِّم َن ا‪١‬تشركُت ُث َّم‬ ‫الذين ع َ َ‬ ‫ل َ ْم يَن ُق ُصو ُك ْم َشؼْئا ً َول َ ْم يُ َظا ِه ُروا ْ‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم أ َ َحدا ًفأ٘توا إِلَي ْ ِه ْم َعهْ َد ُه ْم‬ ‫ب ا‪١‬تتقُت } ػ‬ ‫إىل ُم ّد ِ َِهت ْم إ َِّن اهلل ُ٭ت ِ ُّ‬

‫التوبة ‪] 4 :‬‬ ‫وهكذا نرى أن ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫حُت أعلن براءته وبراءة رسوله‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم وبراءة‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت من كل كافر مشرك يف‬ ‫قضية إٯتانية كربى ‪ .‬حرم اهلل‬ ‫فيها عىل الكفار وا‪١‬تنافقُت أن‬

‫يقًتبوا من بؼته ا‪ٟ‬ترام يف مكة ‪،‬‬ ‫احًتم جل جبلله العهد ‪ .‬حىت مع‬ ‫ا‪١‬تشركُت ‪ .‬وطلب من ا‪١‬تؤمنُت أن‬ ‫يوفوا به ‪ .‬فإذا كان هذا هو ا‪١‬تسلك‬ ‫اإلٯتاين مع كل كافر ومشرك إن‬ ‫كنت قد عاهدته عهدا فأوف به إىل‬ ‫مدته ‪ .‬فكيف با‪١‬تشركُت وقد‬

‫عاهدوا ا‪٠‬تالق األعظم ‪ .‬ثم‬ ‫ينقضون عهده ا‪١‬توثق ‪ .‬أهنم قد‬ ‫خانوا منهج اهلل وعهده ‪ .‬وإذا لم‬ ‫يكن ‪٢‬تم عهد مع اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل فهل يكون ‪٢‬تم عهد مع خلق‬ ‫اهلل؟!‬ ‫إذن فالفاسقون أول صفاهتم أنه ال‬

‫عهد ‪٢‬تم مع خالقهم وال عهد ‪٢‬تم‬ ‫مع الناس ‪ .‬ولذلك ال نأمن ‪٢‬تم أبدا‬ ‫‪.‬‬ ‫ثم تأيت بعد ذلك الصفة الثانية‬ ‫للفاسقُت يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ون َمآ أ َ َم َر اهلل بِ ِه أَن‬ ‫{ َوي َ ْق َط ُع َ‬ ‫وص َل } وما أمر اهلل به أن يوصل‬ ‫يُ َ‬

‫هو صلة الرحم ‪ .‬فقد أمرنا اهلل‬ ‫تعاىل بأن نصل أرحامنا ‪ .‬فنحن‬ ‫كلنا أوالد آدم ‪ .‬والرسول صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم يقول يف حجة الوداع «‬ ‫كلكم آلدم وآدم من تراب » ‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن هناك روابط‬ ‫إنسانية يلفؾنا اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫إليها ‪ .‬وهذه الروابط ‪ . .‬تبدأ‬ ‫باألسرة ثم تؾسع لتشمل القرية‬ ‫أو ا‪ٟ‬تي ‪ .‬ثم تؾسع لتشمل الدولة‬ ‫وا‪١‬تجتمع ‪ ،‬ثم تؾسع لتشمل‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬ثم تؾسع لتشمل‬ ‫العالم كله ‪ .‬هذه هي األخوة‬ ‫اإلنسانية اليت يريد ا‪ٟ‬تق تبارك‬

‫وتعاىل أن يلفؾنا إليها ‪.‬‬ ‫ولكن اللفتة هنا ال تقتصر عىل‬ ‫الناحية اإلنسانية ‪ ،‬بل تسجل أن‬ ‫ما فعلوا معصية ‪ ،‬و‪٥‬تالفة ألمر اهلل‬ ‫تعاىل ‪ .‬فاهلل أمر بأن نصل الرحم ‪.‬‬ ‫وجاء هؤالء وخالفوا وعصوا ما أمر‬ ‫اهلل به ‪ .‬وقطعوا هذه الصلة ‪ .‬إذن‬

‫فا‪١‬تسألة فيها ‪٥‬تالفة ‪١‬تنهج ‪،‬‬ ‫وعصيان ألمر من أوامر اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬فصلة الرحم‬ ‫توجد نوعا من التكافل االجتماعي‬ ‫بُت البشر ‪ .‬فإذا حدث لشخص‬ ‫مصؼبة ‪ . .‬أسرع أقاربه يقفون معه‬ ‫يف ‪٤‬تنته ‪ .‬و٭تاول كل منهم أن‬

‫ٮتفف عنه ‪ .‬هذا التبلحم بُت‬ ‫األسرة ‪٬‬تعلها قوية يف مواجهة‬ ‫األحداث ‪ .‬وال ٭تس واحد منها‬ ‫بالضياع يف هذا الكون ‪ ،‬ألنه‬ ‫متماسك مع أسرته ‪ ،‬متماسك مع‬ ‫حيه أو قريته ‪ .‬هكذا ٮتتفي ا‪ٟ‬تقد‬ ‫من ا‪١‬تجتمع ‪ .‬وٮتتفي التفكك‬

‫األسري ‪. .‬‬ ‫ولعلنا إذا نظرنا إيل ا‪١‬تجتمعات‬ ‫الغربية اليت يعًتيها تفكك األسرة‪.‬‬ ‫‪٧‬تد أن كل واحد منهم قد ضل‬ ‫طريقه وا‪٨‬ترف ألنه أحس‬ ‫بالضياع ‪ .‬فا‪٨‬ترف إىل ا‪١‬تخدرات‬ ‫أو إىل ا‪٠‬تمر أو إىل الزنا وغَت ذلك‬

‫من الرذائل اليت نراها ‪ .‬جيل‬ ‫ضائع ‪ .‬من الذي أضاعه؟ عدم‬ ‫صلة الرحم ‪.‬‬ ‫وإذا ٖتدثنا عن اال‪٨‬ترافات اليت‬ ‫نراها بُت الشباب اليوم فبل نلوم‬ ‫الشباب ‪ ،‬ولكن نلوم اآلباء‬ ‫واألمهات الذين تركوا أوالدهم‬

‫وبناهتم وأهدروا صلة الرحم ‪.‬‬ ‫فشب جيل يعاين من عقد نفسية ال‬ ‫حدود ‪٢‬تا ‪ ،‬إن االبن الذي يفقد جو‬ ‫األسرة ‪ .‬يفقد ميزان حياته ‪ .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫متضامنُت متحابُت خالُت من كل‬ ‫العقد اليت ٖتطم ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬إذن فعدم‬

‫صلة الرحم تضيع أجياال بأكملها‬ ‫‪.‬‬ ‫ونأيت بعد ذلك إيل الصفة الثالثة من‬ ‫صفات الفاسقُت بقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ون ِيف األرض } ‪ .‬نقول ‪:‬‬ ‫َويُفْ ِس ُد َ‬ ‫كل ما يف الكون ‪٥‬تلوق عىل نظام ‪« :‬‬ ‫قَ ّد ََر فَهَ َدى » أي كل شيء له هدى‬

‫البد أن يؾبعه ‪ .‬ولكن اإلنسان جاء‬ ‫يف ‪٣‬تال االخؾيار وأفسد قضية‬ ‫الصبلح يف الكون ‪.‬‬ ‫ومن ر‪ٛ‬تة اهلل أنه جعل يف كونه‬ ‫خلقا يعمل مقهورا ‪ .‬ليضبط‬ ‫حركة الكون األعىل ‪ .‬فالشمس‬ ‫والنجوم واألرض وكل الكون ما‬

‫عدا اإلنس وا‪ٞ‬تان ‪ .‬يسَت وفق‬ ‫نظام دقيق ‪١ .‬تاذا؟ ألنه يسَت ببل‬ ‫اخؾيار له ‪ .‬وا‪ٟ‬تق جل جبلله‬ ‫أخربنا بأنه لكي يعتدل ميزان‬ ‫حياتنا ‪ .‬االخؾيار اإلنساين أن‬ ‫نؽتعد عن منهج اهلل ‪ .‬ألن اهلل له‬ ‫صفة القهر ‪ .‬فهو يستطيع أن ٮتلقنا‬

‫مقهورين ‪ ،‬ولكنه أعطانا االخؾيار‬ ‫حىت نأتيه عن حب ‪ .‬ولؼس عن‬ ‫قهر ‪ .‬فأنت ٖتب الشهوات‬ ‫ولكنك ٖتب اهلل أكثر ‪ .‬فتقيد‬ ‫نفسك ٔتنهج اهلل ‪ .‬إذن فاالخؾيار‬ ‫لم يُعْ َط لنا ل ِ ُنفْ ِس َد يف األرض ‪.‬‬ ‫ولكنه أ ُْعطي لنا ‪ .‬لنأيت اهلل سبحانه‬

‫وتعاىل طائعُت ولسنا مقهورين ‪.‬‬ ‫ولذلك فكل منا ‪٥‬تتار يف أن يؤمن أو‬ ‫ال يؤمن ‪ .‬وهذا االخؾيار يؿبت‬ ‫‪٤‬تبوبية اهلل سبحانه وتعاىل يف قلوبنا‬ ‫‪ .‬ولكن اإلنسان بدال من أن يأخذ‬ ‫االخؾيار ليأيت اهلل عن حب ‪ .‬فؼنال‬ ‫ا‪ٞ‬تزاء األعظم ‪ .‬أخذه ليفسد يف‬

‫األرض ‪. .‬‬ ‫والفساد أن تنقل ‪٣‬تال افعل وال‬ ‫تفعل ‪ .‬فتضع هذه مكان هذه ‪.‬‬ ‫فؼنقلب ا‪١‬تيزان أي أنك فيما قال‬ ‫اهلل فيه افعل ‪ .‬ال تفعل ‪ ،‬وفيما قال‬ ‫ال تفعل ‪ .‬تفعل ‪. .‬‬ ‫فتكون قد جعلت ميزان حياتك‬

‫معكوسا ‪١ .‬تاذا؟ ألننا غَت ‪٤‬تكومُت‬ ‫بقاعدة كلية تنظم حياة الناس ‪.‬‬ ‫فكل واحد سيضع قاعدة له ‪ .‬وكل‬ ‫واحد لن يفعل ما عليه ‪ .‬فيحدث‬ ‫تصادم يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وكل فساد يشكل‬ ‫قبحا يف الوجود ‪ .‬فهب أنك تسَت يف‬ ‫الطريق ‪ .‬وترى عمارة مبنية‬

‫حديثا ‪ .‬قد تسربت ا‪١‬تياه من‬ ‫مواسَتها ‪ .‬عندما ترى ذلك تتأذى‬ ‫‪ .‬ألن هناك قبحا يف الوجود ‪ .‬يف عدم‬ ‫أمانة إنسان يف عمله ‪ .‬إذن فحُت‬ ‫يفسد عامل واحد ‪ .‬بعدم‬ ‫اإلخبلص يف عمله ‪ .‬يفقد الكون‬ ‫نعمة ٭تبها اهلل ‪ .‬يف أن ترى الشيء‬

‫ا‪ٞ‬تميل ‪ .‬فتقول ‪ :‬اهلل ‪. .‬‬ ‫فكل إنسان غَت أمُت يف عمله ‪.‬‬ ‫يفسد يف الكون ‪ .‬وكل إنسان غَت‬ ‫أمُت يف خلقه يفسد يف الكون ‪.‬‬ ‫ويعتدي عىل حرمات اآلخرين‬ ‫وأموا‪٢‬تم ‪ .‬وهذا ‪٬‬تعل الكون‬ ‫قؽيحا ‪ ،‬فبل يوجد إنسان يأمن عىل‬

‫عرضه وماله ‪. .‬‬ ‫لقد أراد ا‪١‬تعتدي أن ٭تقق ما ينفع به‬ ‫نفسه عاجبل ‪ .‬ولكنه أحدث فسادا‬ ‫يف الكون كذلك عندما يغش‬ ‫التاجر الناس ‪ .‬وعندما يكؾسب‬ ‫اإلنسان ا‪١‬تال بالنهب والسرقة ‪.‬‬ ‫فيفتح اهلل عليه أسوأ مصارف ا‪١‬تال‬

‫يف الوجود ‪ .‬فهو أخذ ا‪ٟ‬تسرة‬ ‫بالفساد يف األرض ‪.‬‬ ‫والفساد يف األرض أن ٗترج الشيء‬ ‫عن حد اعتداله ‪ .‬فؾسرف يف‬ ‫شهواتك وتسرف يف أطماعك ‪.‬‬ ‫وتسرف يف عقابك للناس ‪.‬‬ ‫وتسرف باعتدائك عىل حقوق‬

‫الغَت ‪ .‬والفساد يف األرض ‪ .‬أن‬ ‫يوجد منهج مطبق غَت منهج اهلل ‪.‬‬ ‫إن غياب منهج اهلل معناه أن يصبح‬ ‫كل منا عبد أهوائه ‪ .‬وإذا صارت‬ ‫األمور حسب أهواء الناس ‪ .‬جاءت‬ ‫‪٢‬تم حركة ا‪ٟ‬تياة بالشقاء والشر‬ ‫بدال من السعادة واألمن ‪ .‬أن ما‬

‫نراه اليوم من شكوى الناس عبلمة‬ ‫عىل الفساد ‪.‬‬ ‫ألن معناها أن الناس تعاين وال أحد‬ ‫يتحرك ‪ .‬لَتفع أسباب هذه‬ ‫الشكوى ‪ .‬ولن يستقيم أمر هذا‬ ‫الوجود ‪ ،‬ويتخلص من الفساد إال إذا‬ ‫حكمنا منهج ال هوى له ‪ .‬والذي ال‬

‫هوى له هو خالق البشر ‪ .‬واضع‬ ‫ميزان الكون ‪.‬‬ ‫وأول مظاهر الفساد ‪ .‬أن يوكل‬ ‫األمر إىل غَت أهله ‪ .‬ألنه إذا أعىط‬ ‫األمر إىل غَت أهله فانتظر الساعة ‪.‬‬ ‫كما يقول الرسول صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ « :‬إذا وسد األمر إىل غَت‬

‫أهله فانتظر الساعة » ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن ا‪١‬تجتمع حينئذ يكون‬ ‫مبنيا عىل النفاق واختبلل األمور ‪ ،‬ال‬ ‫عىل اإلتقان واإلخبلص ‪ .‬فالذي‬ ‫‪٬‬تيد النفاق هو الذي يصل إىل‬ ‫الدرجات العبل ‪ ،‬والذي يتقن‬ ‫عمله ال يصل إىل شيء ‪ .‬وتكون‬

‫النؾيجة أن ‪٣‬تموعة من ا‪١‬تنافقُت‬ ‫ا‪ٞ‬تهلة هم الذين يسَتون األمور‬ ‫بدون علم ‪ .‬والفساد يف األرض هو‬ ‫أن يضيع ا‪ٟ‬تق ‪ .‬ويضيع القيم ‪.‬‬ ‫ويصبح ا‪١‬تجتمع غابة ‪ .‬كل إنسان‬ ‫يريد أن ٭تقق هواه بصرف النظر‬ ‫عن حقوق اآلخرين ‪ .‬و٭تس من‬

‫يعمل وال يصل إىل حقه ‪ . .‬أنه ال‬ ‫فائدة من العمل ‪ ،‬فؼتحول‬ ‫ا‪١‬تجتمع كله إىل ‪٣‬تموعة من غَت‬ ‫ا‪١‬تنتجُت ‪.‬‬ ‫والفساد يف األرض هو أن ‪٧‬تعل‬ ‫عقولنا هي ا‪ٟ‬تاكمة ‪ .‬فبل نتأمل يف‬ ‫ميزان الكون الذي خلقه اهلل ‪،‬‬

‫وإ‪٪‬تا ‪٪‬تضي بعقولنا ‪٩‬تطط ‪. .‬‬ ‫فنقطع األشجار ونرمي ‪٥‬تلفات‬ ‫ا‪١‬تصانع يف األهنار فنفسدها ‪ .‬ونأيت‬ ‫بالكيماويات السامة نرش بها‬ ‫الزرع أو ‪٣‬تاري ا‪١‬تياه واألهنار كما‬ ‫٭تدث اآلن فنملؤه ُ‪ٝ‬تا ثم نأكله ثم‬ ‫‪٧‬تد التلوث قد مؤل الكون ‪ .‬وطبقة‬

‫األوزون قد أصابها ضرر واضح‬ ‫يعرض حياة البشر عىل األرض‬ ‫ألخطار كبَتة ‪ .‬وتفسد مياه األهنار‬ ‫‪ .‬وال تصبح صا‪ٟ‬تة للشرب وال‬ ‫للري ‪ .‬ويضيع ا‪٠‬تَت من الدنيا‬ ‫بالتدريج ‪ .‬والفساد يف األرض ‪ .‬هو‬ ‫أن ينتشر الظلم ‪ .‬وتصبح ا‪ٟ‬تياة‬

‫سلسلة ال تنتهي من الشقاء ‪.‬‬ ‫والفساد يف األرض هو أن تضيع‬ ‫األمانة ‪.‬‬ ‫فتفسد ا‪١‬تعامبلت بُت الناس ‪.‬‬ ‫وتضيع ا‪ٟ‬تقوق ‪.‬‬ ‫هذه هي بعض أوجه الفساد يف‬ ‫األرض ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل قد‬

‫وضع قانونا كليا ‪ ،‬هو منهجه‬ ‫لؼتعامل به الناس ‪ .‬ولكن الناس‬ ‫تركوه ‪ .‬ومشوا يتخبطون يف ظبلم‬ ‫ا‪ٞ‬تهل ‪ .‬قال رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬من استعمل رجبل‬ ‫من عصابة ‪ ،‬وفيهم من هو أرىض‬ ‫هلل منه ‪ ،‬فقد خان اهلل ورسوله‬

‫وا‪١‬تؤمنُت »‬ ‫وهكذا يكون مدى حرص‬ ‫اإلسبلم عىل استقامة أمور الناس ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫أولئك ُه ُم ا‪٠‬تاسرون }‬ ‫خسروا ماذا؟ خسروا دنياهم‬ ‫وآخرهتم وخسروا أنفسهم ‪ .‬ألن‬

‫اإلنسان له حياتان ‪ . .‬حياة قصَتة‬ ‫يف الدنيا ملؼئة با‪١‬تتاعب ‪ .‬وحياة‬ ‫طويلة خالدة يف اآلخرة ‪ .‬والذي‬ ‫يؽيع ا‪ٟ‬تياة األبدية ونعيمها‬ ‫وخلودها ْتياة الدنيا اليت ال يضمن‬ ‫فيها شؼئا ‪ ،‬يكون من ا‪٠‬تاسرين ‪. .‬‬ ‫فعمر اإلنسان قد يكون يوما أو‬

‫شهرا أو عاما ‪ .‬وا‪ٟ‬تياة الدنيا مهما‬ ‫طالت فهي قصَتة ‪ .‬ومهما أعطت‬ ‫فهو قليل ‪ .‬فالذي يؽيع آخرته‬ ‫بهذه الدنيا ‪ ،‬أيكون راْتا أم‬ ‫خاسرا؟ طبعا يكون خاسرا ‪ .‬ألنه‬ ‫اشًتى ماال يساوي بنعيم اهلل كله ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫وإذا كان اإلنسان قد نسي اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل وهو القيه حتما ‪.‬‬ ‫ثم يبعث يوم القيامة ليجده أمامه‬ ‫‪ .‬فيوفيه حسابه ‪ .‬أيكون قد‬ ‫كسب أم خسر؟! ‪ . .‬طبعا يكون‬ ‫خاسرا ‪ .‬ألنه أوجب عىل نفسه‬ ‫عذاب اهلل ‪ .‬وأوجب عىل نفسه‬

‫عقاب اهلل ‪.‬‬ ‫إن قوله تعاىل ‪ « :‬ا‪٠‬تاسرون » تدل‬ ‫عىل أن الصفقة انتهت وضاع كل‬ ‫شيء ألن نؾيجتها كانت ا‪٠‬تسران ‪،‬‬ ‫ولؼس ا‪٠‬تسران موقوتا ‪ ،‬وال هو‬ ‫خسران ٯتكن أن يعوض يف‬ ‫الصفقة القادمة ‪ .‬بل هو خسران‬

‫أبدي ‪ ،‬والندم عليها سيكون‬ ‫شديدا ‪ .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ إِن َّآ أَن َذ ْرنَا ُك ْم ع َ َذابا ًقَ ِريبا ًي َ ْو َم‬ ‫ول‬ ‫ي َ ُنظ ُر ا‪١‬ترء َما قَ ّد ََم ْت ي َ َد ُاه َوي َ ُق ُ‬ ‫نت ُت َرابا ً} ػ النبأ ‪:‬‬ ‫الكافر ياليؾٍت ُك ُ‬ ‫‪] 40‬‬ ‫‪١‬تاذا يتمٌت الكافر أن يكون ترابا؟‬

‫‪٢‬تول العذاب الذي يراه أمامه ‪.‬‬ ‫وهول ا‪٠‬تسران الذي تعرض له ‪.‬‬ ‫وهذا دليل عىل شدة الندم ‪ .‬يوم ال‬ ‫ينفع الندم ‪ .‬عىل أنه سبحانه وتعاىل‬ ‫ٖتدث يف هذه اآلية عن ا‪٠‬تاسرين ‪.‬‬ ‫ولكنه جل جبلله ‪ٖ .‬تدث يف آية‬ ‫أخرى عن األخسرين ‪ .‬فقال تعاىل‬

‫‪ُ { :‬ق ْل َه ْل نُنَؽ ّ ُِئ ُكم باألخسرين‬ ‫أ َ ْع َماال ً* الذين َض َّل َسعْي ُه ْم ِيف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ون أ َّهن ُ ْم‬ ‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا َو ُه ْم َ٭ت ْ َسب ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون ُصنْعا ً* أولئك الذين‬ ‫ُ٭تْس ُن َ‬ ‫َك َفروا ْبِآي َ ِ‬ ‫ات َربِّ ِه ْم َولِقَ ِائ ِه‬ ‫ُ‬ ‫فَ َحبِ َط ْت أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم فَبل َن‬ ‫ِ‬ ‫يم َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي َ ْو َم القيامة َوزْنا ً} ػ الكهف ‪:‬‬

‫‪] 105-103‬‬ ‫إذن فهناك خاسر ‪ .‬وهناك من‬ ‫أخسر منه ‪ .‬واألخسر هو الذي‬ ‫كفر باهلل جل جبلله ‪ .‬وبيوم‬ ‫القيامة ‪ .‬واعتقد أن حياته يف‬ ‫الدنيا فقط ‪ .‬ولم يكن اهلل يف باله‬ ‫وهو يعمل أي عمل ‪ ،‬بل كانت‬

‫الدنيا هي اليت تشغله ‪ .‬ثم فوجئ‬ ‫با‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يوم القيامة ‪.‬‬ ‫ولم ٭تؾسب له أية حسنة ‪ ،‬ألنه‬ ‫كان يقصد ْتسناته ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪.‬‬ ‫فبل يوجد له رصيد يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫والعجيب أنك ترى الناس ‪.‬‬ ‫يعدون للحياة الدنيا إعدادا قويا ‪.‬‬

‫فَتسلون أوالدهم إىل مدارس‬ ‫لغات ‪ .‬ويتحملون يف ذلك ماال‬ ‫يطيقون ‪ .‬ثم يدفعوهنم إىل‬ ‫ا‪ٞ‬تامعات ‪ .‬أو إىل الدراسة يف‬ ‫ا‪٠‬تارج ‪ .‬هم يف ذلك يعدوهنم‬ ‫‪١‬تستقبل مظنون ‪ .‬ولؼس يقؼنا ‪.‬‬ ‫ألن اإلنسان ٯتكن أن ٯتوت وهو‬

‫شاب ‪ .‬فيضيع كل ما أنفقوه من‬ ‫أجله ‪ .‬وٯتكن أن ينحرف يف آخر‬ ‫مراحل دراسته ‪ .‬فبل ٭تصل عىل‬ ‫شيء ‪ .‬وٯتكن أن يتم هذا اإلعداد‬ ‫كله ‪ ،‬ثم بعد ذلك يرتكب جرٯتة‬ ‫يقضي فيها بقية عمره يف السجن ‪.‬‬ ‫فيضيع عمره ‪.‬‬

‫ولكن اليقُت الذي الشك فيه هو‬ ‫أننا ‪ٚ‬تيعا سنبليق اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يوم القيامة ‪ .‬وسيحاسؽنا عىل‬ ‫أعمالنا ‪ .‬ومع أن هذا يقُت ‪ ،‬فإن‬ ‫كثَتا من الناس ال يلتفتون إليه ‪.‬‬ ‫يسعون للمستقبل ا‪١‬تظنون ‪ .‬وال‬ ‫٭تس واحد منهم بيقُت اآلخرة ‪.‬‬

‫فتجد قليبل من اآلباء هم الذين‬ ‫يبذلون جهدا ‪ٟ‬تمل أبنائهم عىل‬ ‫الصبلة وعبادة اهلل واألمانة وكل ما‬ ‫يقربهم إىل اهلل ‪ . .‬أهنم ينسون‬ ‫النعيم ا‪ٟ‬تقيقي ‪ .‬و‪٬‬ترون وراء‬ ‫الزائل فتكون النؾيجة عليهم‬ ‫وباال يف اآلخرة ‪.‬‬

‫َكي َف تَ ْك ُفرون بِ َ ِ‬ ‫اّلل َو ُكن ْ ُت ْم أ َ ْم َواتًا‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫فَأ َ ْحيَا ُك ْم ُث َّم ُ ِٯت ُؼت ُك ْم ُث َّم ُ٭ت ْ ِؼي ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)28‬‬ ‫ُث َّم إِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬

‫كيف يف اللغة للسؤال عن ا‪ٟ‬تال ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أوردها يف هذه‬ ‫اآلية الكرٯتة لؼس بغرض‬ ‫االستفهام ‪ ،‬ولكن لطلب تفسَت‬

‫أمر عجيب ما كان ‪٬‬تب أن ٭تدث ‪.‬‬ ‫وبعد كل ما رواه ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يف آيات سابقة من أدلة دامغة‬ ‫عن خلق السماوات واألرض‬ ‫وخلق الناس ‪ . .‬أدلة ال يستطيع‬ ‫أحد أن ينكرها أو ٮتطئها ‪. .‬‬ ‫فكيف بعد هذه األدلة الواضحة‬

‫تكفرون باهلل؟ ‪ . .‬كفركم ال حجة‬ ‫لكم فيه وال منطق ‪ . .‬والسؤال‬ ‫يكون مرة للتوبيخ ‪ . .‬كأن تقول‬ ‫لرجل كيف تسب أباك؟ أو‬ ‫للتعجب من شيء قد فعله وما كان‬ ‫‪٬‬تب أن يفعله ‪ . .‬وكبل‪٫‬تا متبلقيان‬ ‫‪ .‬سواء كان القصد التوبيخ أو‬

‫التعجب فالقصد واحد ‪ . .‬فهذا ما‬ ‫كان ‪٬‬تب أن يصح منك ‪ .‬ثم يأيت‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بأدلة أخرى ال‬ ‫يستطيع أحد أن ينكرها أو يكذب‬ ‫بها ‪ . .‬فيقول جل جبلله ‪{ :‬‬ ‫كْ ُت ْم أ َ ْم َواتا ًفَأ َ ْحيَا ُك ْم ُث َّم‬ ‫َو ُن‬ ‫ُ ِٯت ُؼت ُك ْم } ‪.‬‬

‫وهكذا ينتقل الكبلم إىل أصل‬ ‫ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت ‪ .‬فبعد أن بُت ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ماذا يفعل‬ ‫الكافرون الفاسقون وا‪١‬تنافقون من‬ ‫إفساد يف األرض ‪ . .‬وقطع ‪١‬تا أمر‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل به أن يوصل‪. .‬‬ ‫صعد ا‪ٞ‬تدل إىل حديث عن ا‪ٟ‬تياة‬

‫وا‪١‬توت ‪ .‬وقوله تعاىل { ُكن ْ ُت ْم‬ ‫أ َ ْم َواتا ًفَأ َ ْحيَا ُك ْم } قضية ال ٖتتمل‬ ‫ا‪ٞ‬تدل ‪ . .‬رٔتا استطاعوا ا‪١‬تجادلة‬ ‫يف مساءلة عدم اتباع ا‪١‬تنهج ‪ ،‬أو‬ ‫قطع ما أمر اهلل به أن يوصل ‪. .‬‬ ‫ولكن قضية ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت ال ٯتكن‬ ‫ألحد أن ‪٬‬تادل فيها ‪ .‬فاهلل سبحانه‬

‫وتعاىل خلقنا من عدم ‪ . .‬ولم يدع‬ ‫أحد قط أنه خلق الناس أو خلق‬ ‫نفسه ‪ . .‬وعندما جاء رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم وقال للناس أن‬ ‫الذي خلقكم هو اهلل ‪ . .‬لم يستطع‬ ‫أحد أن يكذبه ولن يستطيع ‪. .‬‬ ‫ذلك أننا كنا فعبل غَت موجودين يف‬

‫الدنيا ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل هو‬ ‫الذي أوجدنا وأعطانا ا‪ٟ‬تياة ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ « :‬ثم ٯتؼتكم » ‪. .‬‬ ‫فإن أحدا ال يشك يف أنه سيموت ‪.‬‬ ‫‪ .‬ا‪١‬توت مقدر عىل الناس ‪ٚ‬تيعا ‪. .‬‬ ‫وا‪٠‬تلق من العدم واقع بالدليل ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬توت واقع با‪ٟ‬تس وا‪١‬تشاهدة ‪. .‬‬

‫إن قضية ا‪١‬توت هي سؽيلنا ‪١‬تواجهة‬ ‫أي ملحد ‪ . .‬فإن قالوا إن العقل‬ ‫كاف إلدارة ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬وأنه ال يوجد‬ ‫شيء ا‪ٝ‬ته غيب ‪ . .‬قلنا ‪ :‬الذي‬ ‫ٖتكم يف ا‪٠‬تلق إ‪٬‬تادا ‪ ،‬هو الذي‬ ‫يتحكم فيه موتا ‪ . .‬وا‪ٟ‬تياة الدنيا‬ ‫هي مرحلة بُت قوسُت ‪ . .‬القوس‬

‫األول هو أن اهلل ٮتلقنا ويوجدنا ‪. .‬‬ ‫و٘تضي رحلة ا‪ٟ‬تياة إىل القوس‬ ‫الثاين ‪ . .‬الذي ٗتمد فيه بشريؾنا‬ ‫وتتوقف حياتنا وه و ا‪١‬توت ‪ .‬أي أننا‬ ‫يف رحلة ا‪ٟ‬تياة من اهلل وإليه ‪ . .‬إذن‬ ‫فحركة ا‪ٟ‬تياة الدنيا هي بداية من‬ ‫اهلل با‪ٟ‬تق وهناية با‪١‬توت ‪.‬‬

‫‪ .‬إهنم عندما ٖتدثوا عن أطفال‬ ‫األنابيب ‪ . .‬وهي عملية لعبلج‬ ‫العقم أكثر من أي شيء آخر ‪. .‬‬ ‫ولكنهم صوروها تصويرا جاهليا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكل ما ٭تدث أهنم يأخذون‬ ‫بويضة من رحم األم اليت يكون‬ ‫ا‪١‬تهبل عندها مسدودا أو ال يسمح‬

‫بالتلقيح الطؽيعي ‪ . .‬يأخذون هذه‬ ‫البويضة من رحم األم ‪. .‬‬ ‫وٮتصبوهنا با‪ٟ‬تيوانات ا‪١‬تنوية‬ ‫للزوج ‪ . .‬ثم يزرعوهنا يف رحم‬ ‫األم ‪.‬‬ ‫إهنم أخذوا من خلق اهلل وهي‬ ‫بويضة األم وا‪ٟ‬تيوان ا‪١‬تنوي من‬

‫الرجل ‪ . .‬وكل ما يفعلونه هو‬ ‫عملية التلقيح ومع ذلك يسمونه‬ ‫أطفال األنابيب ‪ . .‬كأن األنبوبة‬ ‫ٯتكن أن ٗتلق طفبل!! وا‪ٟ‬تقيقة‬ ‫غَت ذلك ‪ . .‬فبويضة األم ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تيوان ا‪١‬تنوي للرجل ‪٫‬تا من‬ ‫خلق اهلل ‪ . .‬وهم لم ٮتلقوا شؼئا ‪. .‬‬

‫أننا نقول ‪٢‬تم ‪ :‬إذا كنتم ٘تلكون‬ ‫ا‪١‬توت وا‪ٟ‬تياة فامنعوا إنسانا واحدا‬ ‫أن ٯتوت ‪ . .‬بدال من إنفاق ألوف‬ ‫ا‪ٞ‬تنيهات يف معا‪ٞ‬تة عقم قد ينجح‬ ‫أو ال ينجح ‪ . .‬ابقوا واحدا عىل قيد‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬ولن يستطيعوا ‪. .‬‬ ‫إن ا‪١‬توت أمر حسي مشاهد ‪. .‬‬

‫ولذلك فمن ر‪ٛ‬تة اهلل بالعقل‬ ‫البشري بالنسبة لؤلحداث الغيؽية‬ ‫أن اهلل سبحانه وتعاىل قربها لنا‬ ‫بشيء مشاهد ‪ . .‬كيف؟ ‪ . .‬عندما‬ ‫ينظر اإلنسان إىل نفسه وهو حي ‪. .‬‬ ‫ال يعرف كيف أحياه اهلل وكيف‬ ‫خلقه ‪ . .‬اهلل سبحانه وتعاىل ذكر لنا‬

‫غيب ا‪٠‬تلق يف القرآن الكريم‬ ‫فقال جل جبلله أنه خلق اإلنسان‬ ‫من تراب ومن طُت ومن ‪ٛ‬تأ‬ ‫مسنون ثم نفخ فيه من روحه ‪. .‬‬ ‫واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬إِن‬ ‫ُك ُنت ْم ِيف َري ْ ٍب ِّم َن البعث فَإِن َّا‬ ‫َخلَقْنَا ُك ْم ِّمن ُت َر ٍ‬ ‫اب } ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 5 :‬‬

‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ول َ َق ْد َخل َ ْقنَا‬ ‫اإلنسان ِمن ُسبلَل َ ٍة ِّمن ِط ٍ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫ا‪١‬تؤمنون ‪] 12 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إِن َّا َخل َ ْقن َ ُاهم ِّمن‬ ‫ِط ٍ‬ ‫ُت ال َّ ِز ٍب } ػ الصافات ‪] 11 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ولَقَ ْد َخلَقْنَا‬ ‫اإلنسان ِمن َصل ْ َص ٍال ِّم ْن َ‪ٛ‬تَإٍ‬

‫َّم ْس ُنونٍ } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 26 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَإِذَا َس َّوي ْ ُت ُه َون َ َف ْخ ُت‬ ‫فِي ِه ِمن ُّرو ِحي فَ َق ُعوا ْل َ ُه َسا ِج ِدي َن }‬ ‫ػ ص ‪] 72 :‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أخربنا عن‬ ‫مرحلة يف ا‪٠‬تلق لم نشهدها ‪. .‬‬ ‫ولكن ا‪١‬توت شيء مشهود لنا ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬

‫‪ .‬ومادام مشهودا لنا ‪ ،‬يأيت ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل به كدليل عىل‬ ‫مراحل ا‪٠‬تلق اليت لم نشهدها ‪. .‬‬ ‫فا‪١‬توت نقض للحياة ‪ . .‬وا‪ٟ‬تياة‬ ‫أخربنا اهلل تبارك وتعاىل بأطوارها‬ ‫‪ . .‬ولكنها غيب لم نشهده ‪. .‬‬ ‫ولكن الذي خلق قال أنا خلقتك‬

‫من تراب ‪ . .‬من طين ‪ .‬من ‪ٛ‬تأ‬ ‫مسنون ‪ .‬من صلصال كالفخار ‪. .‬‬ ‫فا‪١‬تاء وضع عىل تراب فأصبح طؼنا ‪.‬‬ ‫‪ .‬والطُت تركناه فتغَت لونه وأصبح‬ ‫صلصاال ‪ . .‬الصلصال‪ . .‬جف‬ ‫فأصبح ‪ٛ‬تأ مسنونا ‪ ،‬ثم ‪٨‬تته يف‬ ‫صورة إنسان ونفخ ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل فيه الروح فأصبح بشرا‪. .‬‬ ‫ثم يأيت ا‪١‬توت وهو نقض للحياة ‪. .‬‬ ‫ونقض كل شيء يأيت عىل عكس‬ ‫بنائه ‪. .‬‬ ‫بناء العمارة يبدأ من أسفل إىل أعىل‬ ‫‪ . .‬وهدمها يبدأ من أعىل إىل أسفل‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬ولذلك فإن آخر مرحلة من رحلة‬ ‫ما ‪ . .‬هي أول خطوة يف طريق العودة‬ ‫‪ . .‬فإذا كنت مسافرا إىل‬ ‫اإلسكندرية ‪ . .‬فأول مكان يف‬ ‫طريق العودة هو آخر مكان وصلت‬ ‫إليه ‪.‬‬ ‫أول شيء ٮترج من ا‪ٞ‬تسد هو الروح‬

‫وهو آخر ما دخل فيه ‪ . .‬ثم بعد‬ ‫ذلك يتصلب ا‪ٞ‬تسد ويصبح كا‪ٟ‬تمأ‬ ‫ا‪١‬تسنون ‪ . .‬ثم يتعفن فيصبح‬ ‫كالصلصال‪ . .‬ثم يؾبخر ا‪١‬تاء الذي‬ ‫فيه فيعود ترابا ‪ . .‬وهكذا يكون‬ ‫ا‪١‬توت نقض صورة ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬متفقا‬ ‫مع ا‪١‬تراحل اليت بؼنها لنا ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫وقوله تعاىل ‪ُ { :‬ث َّم إِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫‪ . .‬أي أن اهلل تبارك وتعاىل‬ ‫يبعثكم ليحاسبكم‪ . .‬لقد حاول‬ ‫الكفار وا‪١‬تلحدون وأصحاب‬ ‫الفلسفة ا‪١‬تادية أن ينكروا قضية‬ ‫البعث ‪ . .‬وهم يف هذا لم يأتوا‬

‫ّتديد ‪ . .‬بل جاءوا بالكبلم نفسه‬ ‫الذي قاله أصحاب ا‪ٞ‬تاهلية األوىل‬ ‫‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل عما يقوله‬ ‫أصحاب ا‪ٞ‬تاهلية األوىل ‪َ { :‬وقَالُوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫وت َو َ‪٨‬تْيَا‬ ‫َما ه َي إِال َّ َحيَا ُتنَا الدنيا َ ُ‪٪‬ت ُ‬ ‫َو َما يُهْلِ ُكنَآ إِال َّالدهر } ػ ا‪ٞ‬تاثية ‪:‬‬ ‫‪] 24‬‬

‫وأمنية الكافر وا‪١‬تسرف عىل نفسه ‪.‬‬ ‫‪ .‬أال يكون هناك بعث أو حساب ‪.‬‬ ‫‪ .‬والذين يتعجبون من ذلك نقول‬ ‫‪٢‬تم ‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعاىل الذي‬ ‫أوجدكم من عدم يستطيع أن‬ ‫يعيدكم وقد كنتم موجودين ‪. .‬‬ ‫يقول جل جبلله ‪َ { :‬و ُه َو الذي‬

‫يد ُه َو ُه َو أ َ ْه َو ُن‬ ‫يَب ْ َد ُؤا ْا‪٠‬تلق ُث َّم يُعِ ُ‬ ‫عَلَي ْ ِه َول َ ُه ا‪١‬تثل األعىل ِيف السماوات‬ ‫واألرض َو ُه َو العزيز ا‪ٟ‬تكيم } ػ‬ ‫الروم ‪] 27 :‬‬ ‫فإ‪٬‬تاد ما كان موجودا أسهل من‬ ‫اإل‪٬‬تاد من عدم عىل غَت مثال موجود‬ ‫‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل يرد عىل‬

‫الكفار فيقول سبحانه ‪َ { :‬و َض َر َب‬ ‫ِ‬ ‫ال َمن ُ٭تيِي‬ ‫لَنا َمثَبل ً َونَس َي َخلْقَ ُه قَ َ‬ ‫العظام و ِهي ر ِ‬ ‫يم* ُق ْل ُ٭ت ْ ِؼيهَا‬ ‫م‬ ‫َ َ َ ٌ‬ ‫الذي أَن َشأ َ َهآ أ َ َّو َل َم َّر ٍة َو ُه َو بِ ُك ّ ِل‬ ‫ِ‬ ‫يم } ػ يس ‪] 79-78 :‬‬ ‫َخل ْ ٍق عَل ٌ‬ ‫وهكذا فإن البعث أهون عىل اهلل من‬ ‫بداية ا‪٠‬تلق ‪ . .‬وكل شيء مكتوب‬

‫عند اهلل سبحانه وتعاىل يف كتاب‬ ‫مبُت ‪ . .‬وما أخذته األرض من‬ ‫جسد اإلنسان ترده يوم القيامة ‪. .‬‬ ‫ليعود من جديد ‪.‬‬ ‫وخلق السموات واألرض أكرب من‬ ‫خلق اإلنسان ‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪٠‬تَل‬ ‫رب‬ ‫{ َ ْ ُق السماوات واألرض أكْ َ ُ‬

‫ِم ْن َخل ْ ِق الناس ولكن أ َ ْكث َ َر الناس ال َ‬ ‫ون } ػ غافر ‪] 57 :‬‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬ ‫وقول اهلل سبحانه وتعاىل ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬هو اطمػنان‬ ‫إِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫‪١‬تن آمن ‪ . .‬ومادمنا إليه نرجع ومنه‬ ‫بدأنا ‪ . .‬فا‪ٟ‬تياة بدايتها من اهلل‬ ‫وهنايتها إىل اهلل ‪ . .‬فلنجعلها هي‬

‫نفسها هلل ‪ . .‬والبد أن نلتفت إىل‬ ‫أن اهلل تبارك وتعاىل أخىف عنا‬ ‫ا‪١‬توت زمانا ومكانا وسؽبا وعمرا ‪. .‬‬ ‫لم ٮتفه ليحجبه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا أخفاه حىت‬ ‫نتوقعه يف كل ‪ٟ‬تظة ‪ . .‬وهذا إعبلم‬ ‫واسع با‪١‬توت حىت يسرع الناس إىل‬ ‫العمل الصاٌف‪ . .‬وإىل ا‪١‬تثوبة ‪ .‬ألنه‬

‫ال يوجد عمر مؾيقن يف الدنيا ‪. .‬‬ ‫فبل الصغَت آمن عىل عمره ‪ . .‬وال‬ ‫الشاب آمن عىل عمره ‪ . .‬وال‬ ‫الكهل آمن عىل عمره ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك ‪٬‬تب أن يسارع كل منا يف‬ ‫ا‪٠‬تَتات ‪ . .‬حىت ال يفاجئه ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫‪ .‬فيموت وهو عاص ‪. .‬‬

‫ونبلحظ أن قصة ا‪ٟ‬تياة جاء اهلل بها‬ ‫يف آية واحدة ‪ .‬والرجوع إىل اهلل‬ ‫وهو يقُت بالنسبة للمؤمنُت‬ ‫يلزمهم با‪١‬تنهج ‪ ،‬فيعيشون من‬ ‫حبلل ‪ .‬والتزامهم هذا هو الذي‬ ‫يقودهم إىل طريق ا‪ٞ‬تنة ‪.‬‬ ‫ويطمػنهم عىل أوالدهم بعد أن‬

‫يرحل اآلباء من الدنيا ‪.‬‬ ‫فعمل الرجل الصاٌف ينعكس عىل‬ ‫أوالده من بعده ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬ولْي َ ْخ َش الذين‬ ‫ل َ ْو تَ َر ُكوا ْ ِم ْن َخل ْ ِف ِه ْم ُذ ِّريَّةً ِضعَافا ً‬ ‫َخا ُفوا ْعَلَي ْ ِه ْم فَلْؼَتَّ ُقواّ اهلل َولْي َ ُقولُوا ْ‬ ‫قَ ْوال ً َس ِديدا ً} ػ النساء ‪] 9 :‬‬

‫إذن فصاحب االلتزام با‪١‬تنهج ‪،‬‬ ‫يطمئن إىل لقاء ربه ويطمئن إىل‬ ‫جزائه ‪ ،‬والذي ال يؤمن باآلخرة‬ ‫أخذ من اهلل ا‪ٟ‬تياة فأفناها فيما ال‬ ‫ينفع ‪ .‬ثم بعد ذلك ال ‪٬‬تد شؼئا إال‬ ‫ا‪ٟ‬تساب والنار ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬والذين كفروا‬

‫أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم َك َس َر ٍ‬ ‫اب بِقِيعَ ٍة َ٭ت ْ َسب ُ ُه‬ ‫الظمآن َمآء ًحىت إِذَا َجآءَ ُه ل َ ْم َ ِ‪٬‬ت ْد ُه‬ ‫َشؼْئا ً َو َو َج َد اهلل ِعن َد ُه فَ َو َّفُاه ِح َساب َ ُه‬ ‫واهلل َسرِي ُع ا‪ٟ‬تساب } ػ النور ‪:‬‬ ‫‪] 39‬‬ ‫أي أن الكافر سيفاجأ يف اآلخرة باهلل‬ ‫الذي لم يكن يف باله أنه سيحاسبه‬

‫عىل ما فعل ‪ . .‬وقوله تعاىل { إِلَي ْ ِه‬ ‫ون } تقرأ قراءتان ‪ .‬بضمة‬ ‫ُت ْر َج ُع َ‬ ‫عىل التاء ‪ .‬ومرة بفتحة عىل التاء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رب عىل الرجوع‬ ‫األوىل معناها ‪ .‬أننا ُ‪٧‬ت ْ ُ‬ ‫‪ .‬فبل يكون الرجوع إىل اهلل تعاىل‬ ‫بإرادتنا ‪ ،‬وهذا ينطبق عىل الكفار‬ ‫الذين يتمنون عدم الرجوع إىل اهلل‬

‫‪ .‬أما الثانية « تَرجعون » فهذه‬ ‫فيها إرادة ‪ .‬وهي تنطبق عىل‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ألهنم يتمنون الرجوع إىل‬ ‫اهلل ‪.‬‬ ‫ُه َو ال َّ ِذي َخل َ َق ل َ ُك ْم َما ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫السماءِ‬ ‫َج ِميعًا ُث َّم ا ْست َ َوى إ َِىل َّ َ‬

‫‪ٝ‬تاو ٍ‬ ‫ات َو ُه َو بِ ُك ّ ِل‬ ‫فَ َس َّوا ُه َّن َسب ْ َع َ َ َ‬ ‫َشيءٍ عَلِ‬ ‫يم (‪)29‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬

‫يذكرنا اهلل سبحانه وتعاىل يف هذه‬ ‫اآلية أنه هو الذي خلق ما يف األرض‬ ‫‪ٚ‬تيعا ‪ .‬وقد جاءت هذه اآلية بعد‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬فَأ َ ْحيَا ُك ْم ُث َّم‬ ‫ُ ِٯت ُؼت ُك ْم ُث َّم ُ٭ت ْ ِؼي ُك ْم ُث َّم إِلَي ْ ِه‬

‫ون } لتلفؾنا إىل أن ما يف‬ ‫ُت ْر َج ُع َ‬ ‫األرض كله ملك هلل جل جبلله ‪،‬‬ ‫وأننا ال ‪٪‬تلك شؼئا إال ملكية مؤقتة‬ ‫‪ .‬وأن ما لنا يف الدنيا سيصَت لغَتنا ‪.‬‬ ‫وهكذا ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت خلق‬ ‫ا‪ٟ‬تياة وقال { ُكن ْ ُت ْم أ َ ْم َواتا ً‬

‫فَأ َ ْحيَا ُك ْم } كأن ا‪ٟ‬تياة ٖتتاج إىل‬ ‫إمداد من ا‪٠‬تالق للمخلوق حىت‬ ‫ٯتكن أن تستمر ‪ .‬فبلبد لكي‬ ‫تستمر ا‪ٟ‬تياة أن يستمر اإلمداد‬ ‫بالنعم ‪ .‬ولكن النعم تظل طوال‬ ‫فًتة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وعند ا‪١‬توت تنتهي‬ ‫عبلقة اإلنسان بنعم الدنيا ‪.‬‬

‫ولذلك البد أن يتنبه اإلنسان إىل‬ ‫أن األشياء مسخرة له يف الدنيا‬ ‫لتخدمه ‪ .‬وأن هذا الؾسخَت لؼس‬ ‫بقدرات أحد ‪ .‬ولكن بقدرة اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬واإلنسان ال‬ ‫يدري كيف تم ا‪٠‬تلق ‪ .‬وال ما هي‬ ‫مراحله إال أن ٮتربنا اهلل سبحانه‬

‫وتعاىل بها ‪ .‬فهو جل جبلله يقول ‪:‬‬ ‫{ َّمآ أ َ ْشهَ ُّ‬ ‫دهت ُ ْم َخل ْ َق السماوات‬ ‫واألرض َوال َ َخل ْ َق أَن ْ ُف ِس ِه ْم َو َما‬ ‫نت ُمتَّ ِخ َذ ا‪١‬تضلُت َع ُضدا ً} ػ‬ ‫ُك ُ‬ ‫الكهف ‪] 51 :‬‬ ‫وماداموا لم يشهدوا خلق‬ ‫السموات واألرض وال خلق‬

‫أنفسهم ‪ .‬فبلبد أن نأخذ ذلك عن‬ ‫اهلل ما ينبػنا به اهلل عن خلق‬ ‫السموات واألرض وعن خلقنا هو‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة ‪ .‬وما يأتؼنا عن غَت اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل فهو ضبلل وزيف ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن اآلن ‪٧‬تد ْتوثا كثَتة عن‬ ‫كيفية السموات واألرض وخلق‬

‫اإلنسان ‪ .‬وكلها لن تصل إىل‬ ‫حقيقة ‪ .‬بل ستظل نظريات ببل‬ ‫دليل ‪ .‬ولذلك قال اهلل سبحانه‬ ‫نت ُمتَّ ِخ َذ ا‪١‬تضلُت‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬و َما ُك ُ‬ ‫َع ُضدا ً} أي أن هناك من سيأيت‬ ‫ويضل ‪ .‬ويقول هكذا تم خلق‬ ‫السموات واألرض ‪ ،‬وهكذا خلق‬

‫اإلنسان ‪ .‬هؤالء ا‪١‬تضلون الذين‬ ‫جاءوا بأشياء هي من علم اهلل وحده‬ ‫‪ .‬جاءوا تثبؼتا ‪١‬تنهج اإلٯتان ‪ .‬فلو‬ ‫لم يأت هؤالء ا‪١‬تضلون ‪ ،‬ولو لم‬ ‫يقولوا خلقت األرض بطريقة كذا‬ ‫والسماء بطريقة كذا ‪ .‬لقلنا أن‬ ‫اهلل تعاىل قد أخربنا يف كتابه العزيز‬

‫أن هناك من سيأيت ويضل يف خلق‬ ‫الكون وخلق اإلنسان ولكن‬ ‫كوهنم أتوا ‪ .‬فهذا دليل عىل صدق‬ ‫القرآن الذي أنبأنا ٔتجؼئهم قبل‬ ‫أن يأتوا بقرون ‪.‬‬ ‫واالستفادة من الشيء ال تقتضي‬ ‫معرفة أسراره ‪ . .‬فنحن مثبل‬

‫نستخدم الكهرباء مع أننا ال نعرف‬ ‫ما هي؟ وكذلك نعؼش عىل األرض‬ ‫ونستفيد بكل ظواهرها وكل ما‬ ‫سخره اهلل لنا ‪ .‬وعدم علمنا بسر‬ ‫ا‪٠‬تلق واإل‪٬‬تاد ال ٭ترمنا هذه الفائدة‬ ‫‪ .‬فهو علم ال ينفع وجهل ال يضر ‪.‬‬ ‫والكون مسخر ‪٠‬تدمة اإلنسان ‪.‬‬

‫والؾسخَت معناه التذليل وال تتمرد‬ ‫ظواهر الكون عىل اإلنسان ‪ .‬وإذا‬ ‫كانت هناك ظواهر يف الكون‬ ‫تتمرد ب َق َدر اهلل ‪ .‬مثل الفيضانات‬ ‫والرباكُت والكوارث الطبيعية ‪.‬‬ ‫نقول أن ذلك ٭تدث ليلفؾنا ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه وتعاىل إىل أن كل ما يف‬ ‫الكون ال ٮتدمنا بذاتنا ‪.‬‬ ‫وال بسيطرتنا عليه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا ٮتدمنا‬ ‫بأمر اهلل له ‪ ،‬وإال لو كانت‬ ‫ا‪١‬تخلوقات ٗتدمك بذاتك ‪.‬‬ ‫فأقدر عليها حؼنما تتمرد عىل‬ ‫خدمتك ‪ .‬وكل ما يف الكون خاضع‬

‫لطبلقة قدرة اهلل ‪ .‬حىت األسباب‬ ‫وا‪١‬تسؽبات خاضعة أيضا لطبلقة‬ ‫القدرة اآل‪٢‬تية ‪ .‬فاألسباب‬ ‫وا‪١‬تسؽبات يف الكون ال ٗترج عن‬ ‫إرادة اهلل ‪.‬‬ ‫لذلك إذا ٘ترد ا‪١‬تاء بالطوفان ‪.‬‬ ‫و٘ترد الرياح بالعاصفة ‪ .‬و٘تردت‬

‫األرض بالزالزل والرباكُت ‪ .‬فما‬ ‫ذلك إال ليعرف اإلنسان أنه لؼس‬ ‫بقدرته أن يسيطر عىل الكون‬ ‫الذي يعؼش فيه ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬أ َ َول َ ْم ي َ َر ْوا ْأَن َّا‬ ‫َخلَقْنَا َ‪٢‬تُم ِ‪٦‬تَّا َع ِمل َ ْت أَي ْ ِدينَآ أَنْعاما ً‬ ‫ِ‬ ‫اها َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ون * َوذَلَّلْن َ َ‬ ‫فَ ُه ْم َ‪٢‬تَا َمال ُك َ‬

‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫فَمنْهَا َر ُك ُ‬ ‫وب ُه ْم َومنْهَا يَأكُل ُ َ‬ ‫يس ‪] 72-71 :‬‬ ‫واإلنسان عاجز عن أن ٮتضع‬ ‫حيوانا إال بتذليل اهلل له ‪ . .‬ومن‬ ‫العجيب أنك ترى ا‪ٟ‬تيوانات‬ ‫تدرك ما ال يدركه اإلنسان يف‬ ‫الكون ‪ .‬فهي ٖتس بالزلزال قبل‬

‫أن يقع ‪ .‬وٗترج من مكان الزلزال‬ ‫هاربة ‪ .‬بؼنما اإلنسان ال يستطيع‬ ‫بعقله أن يفهم ما سيحدث ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف قوله ‪{ :‬‬ ‫َخل َ َق ل َ ُك ْم َّما ِيف األرض َ‪ٚ‬تِيعا ً}‬ ‫يستوعب كل أجناس األرض ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن اإلنسان ال يستطيع أن‬

‫يوجد شؼئا إال من موجود ‪ .‬أي أن‬ ‫اإلنسان لم يستحدث شؼئا يف‬ ‫الكون ‪ .‬فأنت إذا أخذت حبة‬ ‫القمح ‪ .‬من أين جػنا بها؟ من‬ ‫‪٤‬تصول العام ا‪١‬تاضي‪ . .‬و‪٤‬تصول‬ ‫العالم ا‪١‬تاضي ‪ .‬من أين جاء؟ ‪. .‬‬ ‫من ‪٤‬تصول العام الذي قبله ‪.‬‬

‫وهكذا يظل تسلسل األشياء حىت‬ ‫تصل إىل حبة القمح األوىل ‪ .‬من‬ ‫أين جاءت؟ جاءت با‪٠‬تلق ا‪١‬تباشر‬ ‫من اهلل ‪ .‬وكذلك كل ‪ٙ‬تار األرض‬ ‫إذا أعدهتا للثمرة األوىل فهي با‪٠‬تلق‬ ‫ا‪١‬تباشر من اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬فإذا‬ ‫حاولت أن تصل إىل أصل وجود‬

‫اإلنسان ‪ .‬ستجد بالمنطق والعقل ‪.‬‬ ‫‪ .‬أن بداية ا‪٠‬تلق هي من ذكر وأنثى‬ ‫‪ُ .‬خلقا با‪٠‬تلق ا‪١‬تباشر من اهلل ‪.‬‬ ‫ألنك أنت من أبيك وأبوك من‬ ‫جدك ‪ .‬وجدك من أبيه ‪ .‬وهكذا‬ ‫٘تضي حىت تصل إىل خلق اإلنسان‬ ‫األول ‪ .‬فنجد أنه ال بد أن يكون‬

‫خلقا مباشرا من اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ .‬وما ينطبق عىل اإلنسان ينطبق عىل‬ ‫ا‪ٟ‬تيوان وعىل النبات وعىل ا‪ٞ‬تماد ‪.‬‬ ‫فكل شيء إذا رددته ألصله ٕتد أنه‬ ‫البد أن يبدأ ٓتلق مباشر من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫بعض الناس يؾساءل عن الريق‬

‫وا‪ٟ‬تضارة وهذه االخًتاعات‬ ‫ا‪ٞ‬تديدة ‪ .‬ألؼس لئلنسان فيها‬ ‫خلق؟ ‪ . .‬نقول فيها خلق من‬ ‫موجود ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل كشف‬ ‫من علمه للبشر ما يستطيعون‬ ‫باستخدام ا‪١‬تواد اليت خلقها اهلل يف‬ ‫األرض أن يرتقوا ويصنعوا أشياء‬

‫جديدة ‪ .‬ولكننا لم ‪٧‬تد ولم نسمع‬ ‫عن إنسان خلق مادة من عدم ‪.‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل هو الذي خلق‬ ‫كل ما يف هذا الكون من عدم ‪ .‬ثم‬ ‫بعد ذلك تكاثرت ا‪١‬تخلوقات‬ ‫بقوانُت سخرها اهلل سْتانه وتعاىل‬ ‫‪٢‬تا ‪ .‬ولكن كل هذا التطور راجع إىل‬

‫أن اهلل خلق ا‪١‬تخلوقات وأعطاها‬ ‫خاصية الؾناسل والتزاوج لؾستمر‬ ‫ا‪ٟ‬تياة جيبل بعد جيل ‪.‬‬ ‫وكل خلق اهلل الذي تراه يف الكون‬ ‫اآلن قد وضع اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫فيه من قوانُت األسباب ما يعطيه‬ ‫استمرارية ا‪ٟ‬تياة من جيل إىل‬

‫جيل حىت ينتهي الكون ‪ .‬فإذا قال‬ ‫لك إنسان ‪ :‬أنا أزرع بذكائي‬ ‫وعلمي ‪ .‬فقل له ‪ :‬أنت تأيت بالبذرة‬ ‫اليت خلقها اهلل ‪ .‬وتضعها يف األرض‬ ‫ا‪١‬تخلوقة هلل ‪ .‬ويزنل اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ا‪١‬تاء عليها من السماء ‪.‬‬ ‫وتنبت بقدرة اهلل الذي وضع فيها‬

‫غذاءها وطريقة إنباهتا ‪ .‬إذن فكل‬ ‫ما ٭تدث أنك ٖترث األرض ‪.‬‬ ‫وترمي البذرة ‪ .‬يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫َ َ‬ ‫ُون *‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬أفَ َرأي ْ ُتم َّما َٖتْ ُرث َ‬ ‫أَأ َ ُنت ْم تَ ْز َر ُعون َ ُه أ َ ْم َ‪٨‬ت ْ ُن الزارعون‬ ‫} ػ الواقعة ‪] 64-63 :‬‬ ‫صحيح أن اإلنسان يقوم ْترث‬

‫األرض ورمي البذرة ‪ .‬ورٔتا تعهد‬ ‫الزرع بالعناية الري ‪ .‬ولكن لؼس‬ ‫يف كل ما يفعله مهمة خلق ‪ .‬بل أن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل هو خالق كل‬ ‫شيء ‪ .‬ولو كنت تزرع بقدرتك‬ ‫فأت ببذرة من غَت خلق اهلل ‪.‬‬ ‫وأرض لم ٮتلقها اهلل ‪ .‬وماء لم‬

‫يزنله اهلل من السماء ‪ .‬وطبعا لن‬ ‫تستطيع ‪ . .‬ولكن ما هو مصدر‬ ‫األشياء اليت استحدثت؟‬ ‫نقول إن هناك فرقا بُت وجود‬ ‫الشيء ق‬ ‫بالوة ‪ .‬وجوده بالفعل ‪. .‬‬ ‫فالنخلة مثبل حبة كانت موجودة‬ ‫بالقوة ‪ .‬كانت نواة ‪ .‬ثم زرعت‬

‫فأصبحت موجودة بالفعل ‪ .‬وأنت‬ ‫ال عمل لك يف ا‪ٟ‬تالتُت فبل أنت‬ ‫بقوتك خلقت النواة اليت هي‬ ‫البذرة وال أنت بفعلك جعلت‬ ‫النواة تكرب ‪ .‬لتصَت ‪٩‬تلة بالفعل ‪.‬‬ ‫عىل أن هناك أشياء مطمورة يف‬ ‫الكون ‪ .‬خلقها اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫مع بداية ا‪٠‬تلق ‪ .‬ثم تركها‬ ‫مطمورة يف الكون ‪ .‬حىت كشفها‬ ‫اهلل ‪١‬تن يبحث عن أسراره يف كونه‬ ‫‪.‬‬ ‫وكل كشف له ميبلد ‪ .‬إذا أخذنا‬ ‫مثبل ما ٖتت الثرى ‪ .‬أو الكنوز‬ ‫ا‪١‬توجودة ٖتت سطح األرض ‪ .‬لقد‬

‫ظلت مطمورة حىت هدى اهلل‬ ‫اإلنسان إليها ‪ .‬وعلمه كيف‬ ‫يستخرجها ‪ .‬فاإلنسان لم ٮتًتع‬ ‫مثبل أو يوجد الؽًتول أو ا‪١‬تعادن ‪.‬‬ ‫ولكنها كلها كانت مطمورة يف‬ ‫الكون حىت جاء الوقت الذي ‪٬‬تب‬ ‫أن تؤدي فيه دورها يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬فدلنا‬

‫ا‪ٟ‬تق عليها ‪ ،‬فلؼس معٌت أن الشيء‬ ‫كان غائبا عنا أنه لم يكن موجودا ‪.‬‬ ‫أو أنه وجد ‪ٟ‬تظة اكتشافنا له ‪.‬‬ ‫فالشيء ا‪ٟ‬تادث اآلن ‪ ،‬والشيء‬ ‫الذي سيحدث بعد سنوات ‪ . .‬خلق‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل كل عناصره ‪.‬‬ ‫وأودعها يف األرض ‪ٟ‬تظة ا‪٠‬تلق ‪.‬‬

‫واإلنسان ٔتا يكشف اهلل له من‬ ‫علم يستطيع تركيب هذه العناصر‬ ‫‪ .‬ولكنه ال يستطيع خلقها أو إ‪٬‬تادها‬ ‫‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫ُث َّم استوى إ َِىل السمآء } ‪.‬‬ ‫حؼنما يقول اهلل جل جبلله ‪.‬‬ ‫استوى ‪٬ . .‬تب أن نفهم كل شيء‬

‫متعلق بذات اهلل عىل أنه سبحانه‬ ‫لؼس كمثله شيء ‪ .‬فاهلل استوى‬ ‫وا‪١‬تلوك تستوي عىل عروشها ‪.‬‬ ‫وأنت تستوي عىل كرسيك ‪ .‬ولكن‬ ‫ألننا ‪٤‬تكومون بقضية « لؼس‬ ‫كمثله شيء » البد أن نعرف أن‬

‫استواء اهلل سبحانه وتعاىل لؼس‬ ‫كمثله شيء ‪.‬‬ ‫واهلل حي ‪ .‬وأنت حي ‪ .‬هل حياتك‬ ‫كحياته؟ واهلل سبحانه وتعاىل يعلم‬ ‫وأنت تعلم ‪ .‬هل علمك كعلمه؟‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يقدر ‪ .‬وأنت‬ ‫تقدر ‪ .‬هل قدرتك كقدرته ‪.‬‬

‫طبعا ال ‪ .‬فعندما تأيت إىل « استوى »‬ ‫فبل ٖتاول أن تفهمها أبدا با‪١‬تفهوم‬ ‫حانه وتعاىل‬ ‫البشري ‪ . .‬فاهلل سب‬ ‫يعلم ما يف األرض وما يف السماء ‪.‬‬ ‫وهو سبحانه يعلم ا‪١‬تكان بكل ذراته‬ ‫‪ .‬وا‪١‬توجودين يف هذا ا‪١‬تكان أو‬ ‫ا‪١‬تكُت ‪ .‬بكل ذراته ‪ .‬وأنت تعرف‬

‫ظاهر األمر ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يعلم غيب السموات واألرض‬ ‫حىت يوم القيامة ‪ .‬وبعد يوم‬ ‫القيامة إذن فهو جل جبلله ‪ .‬لؼس‬ ‫كمثله شيء ‪ .‬وال ٯتكن أن ٖتيط‬ ‫أنت بعقلك بفعل يتعلق بذات اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬فعقلك قاصر عن‬

‫أن يدرك ذلك ‪ .‬لذلك قل سبحان‬ ‫اهلل ‪ .‬لؼس كمثله شيء يف كل فعل‬ ‫يتصل بذات اهلل ‪ { :‬استوى إ َِىل‬ ‫السمآء } هذا الكبلم هو كبلم اهلل‪.‬‬ ‫فا‪١‬تتحدث هو اهلل عز وجل ‪.‬‬ ‫بعض الناس يقولون تلقؼنا القرآن‬ ‫وحفظناه ‪ .‬نقول ‪٢‬تم أن الذي‬

‫حفظ القرآن هو اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ .‬ومادام قد حفظ كبلمه فهو جل‬ ‫جبلله يعلم أن الوجود كله لن‬ ‫يتعارض مع القرآن الكريم‪. .‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل حفظ القرآن‬ ‫ليكون حجة له عىل الناس ‪ .‬ومادام‬ ‫اهلل جل جبلله هو ا‪٠‬تالق ‪ .‬وهو‬

‫القائل ‪ .‬فبل توجد حقيقة يف الكون‬ ‫كله تتصادم مع القرآن الكريم‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله سبحانه وتعاىل ‪ { :‬إِن َّا‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫َ‪٨‬ت ْ ُن ن َ َّزلْنَا الذكر َوإِن َّا ل َ ُه َ‪ٟ‬تَاف ُظ َ‬ ‫ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 9 :‬‬ ‫وهذا من عظمة اهلل أن حفظ كبلمه‬ ‫ليكون حجة عىل الناس ‪ .‬واهلل‬

‫سبحانه وتعاىل وجدت صفاته قبل‬ ‫أن توجد متعلقات هذه الصفات ‪.‬‬ ‫فهو جل جبلله ‪ .‬خلق ألنه خالق ‪.‬‬ ‫كأن صفة ا‪٠‬تلق وجدت أوال ‪ .‬وإال‬ ‫كيف خلق أول خلقه ‪ .‬إن لم يكن‬ ‫سبحانه وتعاىل خالقا؟‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل رزاق ‪ .‬قبل أن‬

‫يوجد من يرزقه ‪ .‬وإال فبأي قدرة‬ ‫رزق اهلل أول خلقه؟ واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل خلق هذا الكون بكمال‬ ‫صفاته ‪ .‬وشهد أنه ال إله إال هو قبل‬ ‫أن يشهد أي من خلق اهلل أنه ال إله‬ ‫إال اهلل ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬ش ِه َد‬ ‫اهلل أَن ّ َُه ال َإله إِال َّ ُه َو وا‪١‬تبلئكة‬

‫َوأُ ْولُوا ْالعلم قَ ِآئ َما ًبالقسط } ػ آل‬ ‫عمران ‪] 18 :‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل شهد أنه ال إله‬ ‫إال هو قبل أن يوجد أحد من خلقه‬ ‫يشهد بوحدانية ألوهؼته ‪ .‬شهد‬ ‫أنه ال إله إال هو قبل أن ٮتلق‬ ‫ا‪١‬تبلئكة ‪ .‬ليشهدوا شهادة مشهد‬

‫بأنه ال إله إال اهلل ‪ .‬وأولوا العلم‬ ‫شهادة علم ‪ .‬فكأن شهادة الذات‬ ‫للذات ‪ .‬يف قوله تعاىل { َش ِه َد اهلل‬ ‫أَن ّ َُه ال َإله إِال َّ ُه َو } هي اليت يعتد بها ‪،‬‬ ‫وهي أقوى الشهادات؛ فاهلل لؼس‬ ‫‪٤‬تتاجا ِمن خلقه إىل امتداد الشهادة‬ ‫‪.‬‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ :‬بعد أن خلق‬ ‫األرض وخلق السماء واسؾتب له‬ ‫األمر ‪ .‬قال { و ُهو بِ ُك ّ ِل َشيءٍ عَلِ‬ ‫يم‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫} أي ال تغيب ذرة من ملكه عن‬ ‫علمه ‪ .‬فهو عليم بكل ذرات‬ ‫األرض وكل ذرات الناس ‪ .‬وكل‬ ‫ذرات الكون ‪ .‬والكون كله ال يفعل‬

‫إال بأذنه ومراده ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ال َحب َّ ٍة ِّم ْن‬ ‫{ يابٍت إ َِّهنَآ إِن تَ ُ‬ ‫ك ِمثْقَ َ‬ ‫َخ ْردَ ٍل فَت َ ُك ْن ِيف َص ْخ َر ٍة أ َ ْو ِيف‬ ‫السماوات أ َ ْو ِيف األرض يَأ ْ ِت بِهَا‬ ‫يف َخبَِتٌ} ػ لقمان ‪:‬‬ ‫اهلل إ َِّن اهلل ل َ ِط ٌ‬ ‫‪] 16‬‬

‫ك لِل ْ َم َبل ِئ َك ِة إ ِِّين َجاعِ ٌل‬ ‫ال َربُّ َ‬ ‫َوإِذْ َق َ‬ ‫ِيف ْاأل َ ْر ِض َخلِي َفةًقَالُوا أ َ َٕتْعَ ُل فِيهَا‬ ‫َم ْن يُفْ ِس ُد فِيهَا َوي َ ْس ِف ُ‬ ‫ك ال ِ ّد َماءَ‬ ‫ك‬ ‫ك َون ُ َق ِ ّد ُس ل َ َ‬ ‫َو َ‪٨‬ت ْ ُن ن ُ َسبِ ّ ُح ِْت َ ْم ِد َ‬ ‫قَ َ َ‬ ‫ون (‪)30‬‬ ‫ال إ ِِّين أعْل َ ُم َما َال تَعْل َ ُم َ‬ ‫بعد أن أخربنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫أنه خلق ‪ٚ‬تيع ما يف الكون ‪ .‬أراد أن‬

‫ٮتربنا عمن خلفه لعمارة هذا‬ ‫الكون ‪ .‬فكأن القصة اليت بدأ اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل بها قصص القرآن‬ ‫كانت هي قصة آدم أول ا‪٠‬تلق ‪.‬‬ ‫ولقد وردت هذه القصة يف القرآن‬ ‫الكريم كثَتا لتدلنا ‪١‬تاذا أخربنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بهذه القصة؟‬

‫وجاءت لتدلنا أيضا عىل صدق‬ ‫الببلغ عن اهلل ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ك نبَأ َ ُهم با‪ٟ‬تق }‬ ‫ص عَلَي ْ َ‬ ‫{ َ‪٨‬ت ْ ُن ن َ ُق ُّ‬ ‫ػ الكهف ‪] 13 :‬‬ ‫كلمة ا‪ٟ‬تق اليت جاءت هنا لتدلنا عىل‬ ‫أن هناك قصصا ‪ .‬ولكن بغَت حق ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل أراد أن ٮترج‬

‫قصصه عن دائرة القصص اليت‬ ‫يتداو‪٢‬تا الناس أو قصص التاريخ‬ ‫إلمكان ‪٥‬تالفتها الواقع وتأيت بغَت‬ ‫حق ‪ .‬وهناك قصص تروي يف‬ ‫الدنيا وال واقع ‪٢‬تا ‪ ،‬بل هي من‬ ‫قؽيل ا‪٠‬تيال ‪.‬‬ ‫وكلمة قصة ‪ .‬مأخوذة من قص‬

‫األثر ‪ٔ .‬تعٌت أن يؾبع قصاص األثر‬ ‫يف الصحراء اآلثار اليت يشاهدها‬ ‫عىل الرمال حىت يصل إىل مراده ‪.‬‬ ‫عندما يصل إىل نهاية األثر ‪. .‬‬ ‫ومادمنا قد عرفنا أن اهلل يقص ا‪ٟ‬تق‬ ‫‪ .‬نعرف أن قصص القرآن الكريم‬ ‫كلها أحداث وقعت فعبل ‪ .‬ولكل‬

‫قصة يف القرآن عربة ‪ .‬أو شيء مهم‬ ‫يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يلفؾنا‬ ‫إليه ‪ .‬فمرة تكون القصة لتثؽيت‬ ‫النبي صىل اهلل عليه وسلم وتثؽيت‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ :‬واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬وكُبل ًّ‬ ‫ك ِم ْن أَنْبَاءِ الرسل َما‬ ‫ص عَلَي ْ َ‬ ‫ن َّ ُق ُّ‬ ‫ك } ػ هود ‪] 120 :‬‬ ‫نُؿَبِ ّ ُت بِ ِه ُف َؤادَ َ‬

‫فكل قصة تؿبت فؤاد الرسول‬ ‫وا‪١‬تؤمنُت يف ا‪١‬تواقف اليت تزلز‪٢‬تم‬ ‫فيها األحداث ‪ .‬وقصص القرآن‬ ‫لؼست لقتل الوقت ‪ .‬ولكن ا‪٢‬تدف‬ ‫األ‪ٝ‬تى للقصة هو تثؽيت ونفع‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة اإلٯتانية ‪ .‬ولو نظرنا‬ ‫إىل قصص القرآن الكريم ‪٧‬تد أهنا‬

‫تتحدث عن أشياء مضت‬ ‫وأصبحت تارٮتا ‪ .‬والتاريخ يربط‬ ‫األحداث بأزماهنا ‪ .‬وقد يكون‬ ‫التاريخ لشخص ال ‪ٟ‬تدث ‪ .‬ولكن‬ ‫الشخص حدث من أحداث الدنيا‬ ‫‪ .‬ولو قرأت تاريخ كل حدث‬ ‫لوجدت أنه يعرب عن وجهة نظر‬

‫راويه ‪ .‬فكل قصص التاريخ كؾبت‬ ‫من وجهات نظر من رووها ‪.‬‬ ‫ولذلك ‪ .‬فالقصة الواحدة ٗتتلف‬ ‫باختبلف الراوي ‪.‬‬ ‫ولكن قصص القرآن الكريم ‪ .‬هو‬ ‫القصص ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬والعربة يف قصص‬ ‫القرآن الكريم أهنا تنقل لنا‬

‫أحداثا يف التاريخ ‪ .‬تتكرر عىل مر‬ ‫الزمن ‪ .‬ففرعون مثبل هو كل‬ ‫حاكم يريد أن يُعْب َ َد يف األرض ‪.‬‬ ‫وأهل الكهف مثبل هي قصة كل فئة‬ ‫مؤمنة هربت من طغيان الكفر‬ ‫وانعزلت لتعبد اهلل ‪ .‬وقصة يوسف‬ ‫عليه السبلم هي قصة كل أخوة‬

‫نزغ الشيطان بؼنهم فجعلهم‬ ‫٭تقدون عىل بعضهم ‪ .‬وقصة ذي‬ ‫القرنُت هي قصة كل حاكم مصلح‬ ‫أعطاه اهلل سبحانه األسباب يف‬ ‫الدنيا ومكنه يف األرض ‪ .‬فعمل‬ ‫ٔتنهج اهلل ؤتا يرضي اهلل‪ .‬وقصة‬ ‫صاٌف هي قصة كل قوم طلبوا‬

‫معجزة من اهلل ‪ .‬فحققها ‪٢‬تم‬ ‫فكفروا بها ‪.‬‬ ‫وقصة شعيب عليه السبلم ‪ . .‬هي‬ ‫قصة كل قوم سرقوا يف ا‪١‬تيزان‬ ‫وا‪١‬تكيال ‪.‬‬ ‫وهكذا كل قصص القرآن ‪.‬‬ ‫قصص تتكرر يف كل زمان ‪ .‬حىت يف‬

‫الوقت الذي نعؼش فيه ٕتد فيه‬ ‫أكثر من فرعون ‪ .‬وأكثر من أهل‬ ‫كهف يفرون بدينهم ‪ .‬وأكثر من‬ ‫قارون يعبد ا‪١‬تال والذهب ‪. .‬‬ ‫و٭تسب أنه استغٌت عن اهلل ‪.‬‬ ‫ولذلك جاءت شخصيات قصص‬ ‫القرآن ‪٣‬تهلة إال قصة واحدة هي‬

‫قصة عؼىس بن مريم ومريم ابنة‬ ‫عمران ‪١ .‬تاذا؟ ألهنا معجزة لن‬ ‫تتكرر ‪ .‬ولذلك عرفها اهلل لنا فقال‬ ‫« مريم ابنة عمران » وقال «‬ ‫عؼىس بن مريم » حىت ال يلتؽس‬ ‫األمر ‪ .‬وتدعي أي امرأة أهنا ‪ٛ‬تلت‬ ‫بدون رجل ‪ .‬مثل مريم ‪ .‬نقول ‪:‬‬

‫ال ‪ .‬معجزة مريم لن تتكرر ‪.‬‬ ‫ولذلك حددها اهلل تعاىل باالسم ‪.‬‬ ‫فقال ‪ :‬عؼىس بن مريم ‪ .‬ومريم‬ ‫ابنة عمران ‪ . .‬أما بايق قصص‬ ‫القرآن الكريم فقد جاءت ‪٣‬تهلة ‪.‬‬ ‫فلم يقل لنا اهلل تعاىل من هو فرعون‬ ‫موىس ‪ .‬وال من هم أهل الكهف وال‬

‫من هو ذو القرنُت وال من هو‬ ‫صاحب ا‪ٞ‬تنتُت ‪ .‬إيل آخر ما جاء يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ .‬ألنه لؼس‬ ‫ا‪١‬تقصود بهذه القصص شخصا‬ ‫بعؼنه ‪ .‬ال تتكرر القصة مع غَته ‪،‬‬ ‫وبعض الناس يشغلون أنفسهم‬ ‫ٔتن هو فرعون موىس؟ ومن هو ذو‬

‫القرنُت ‪ . .‬اٍف نقول ‪٢‬تم لن تصلوا‬ ‫إىل شيء ألن اهلل سبحانه وتعاىل قد‬ ‫روى لنا القصة دون توضيح‬ ‫لؤلشخاص ‪ .‬لنعرف أنه لؼس‬ ‫ا‪١‬تقصود شخصا بعؼنه ‪ .‬ولكن‬ ‫ا‪١‬تقصود هو ا‪ٟ‬تكمة من القصة ‪.‬‬ ‫والقصص يف القرآن ال ترد مكررة ‪.‬‬

‫وقد يأيت بعض منها يف آيات ‪.‬‬ ‫وبعض منها يف آيات أخرى ‪ .‬ولكن‬ ‫اللقطة ‪٥‬تتلفة ‪ .‬تعطؼنا يف كل آية‬ ‫معلومة جديدة ‪ْ .‬تيث أنك إذا‬ ‫‪ٚ‬تعت كل اآليات اليت ذكرت يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ٕ .‬تد أمامك قصة‬ ‫كاملة متكاملة ‪ .‬كل آية تضيف شؼئا‬

‫جديدا ‪.‬‬ ‫وأكرب القصص يف القرآن الكريم‬ ‫‪ .‬قصة موىس عليه السبلم ‪.‬‬ ‫ويذكرنا القرآن الكريم بها دائما‬ ‫ألن أحداثها تعاًف قصة أسوأ البشر‬ ‫يف التاريخ ‪ .‬ويف كل مناسبة يذكرنا‬ ‫اهلل بلقطة من حياة هؤالء ‪ .‬واقرأ‬

‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وأ َ ْو َحؼْنَآ إىل أُ ِّم موىس‬ ‫أ َ ْن أ َ ْر ِضعِي ِه فَإِذَا ِخفْ ِت عَلَي ْ ِه فَأَلْقِي ِه‬ ‫ِيف اليم َوال َ َٗت َ ِايف َوال َٖتزين إِن َّا َر ّآدُ ُوه‬ ‫إِلَي ِ ِ‬ ‫وه ِم َن ا‪١‬ترسلُت } ػ‬ ‫ك َو َجاعل ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫القصص ‪] 7 :‬‬ ‫ويف آية أخرى يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫ك َما‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬إِذْ أ َ ْو َحؼْنَآ إىل أُ ِّم َ‬

‫يوىح * أ َ ِن اقذفيه ِيف التابوت‬ ‫فاقذفيه ِيف اليم فَلْيلْقِ ِه اليم‬ ‫ْ ُ‬ ‫بالساحل يَأ ُخ ْذ ُه ع َ ُد ٌّو ِّيل َوع َ ُد ٌّو ل َّ ُه }‬ ‫ػ طه ‪] 39-38 :‬‬ ‫والفهم السطحي يظن أن هذا‬ ‫تكرار ونقول ال ‪ .‬فقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوأ َ ْو َحؼْنَآ إىل أُ ِّم موىس أ َ ْن أ َ ْر ِضعِي ِه‬

‫فَإِذَا ِخ ْف ِت عَلَي ْ ِه فَأَلْقِي ِه ِيف اليم } ‪.‬‬ ‫وهذه اللقطة تدل عىل أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يعد أم موىس إعدادا‬ ‫إٯتانيا للحدث ‪ .‬ولكن عند وقوع‬ ‫ا‪ٟ‬تدث تتغَت القصة عىل ‪٪‬تط سريع‬ ‫{ أ َ ِن اقذفيه ِيف التابوت فاقذفيه ِيف‬ ‫اليم فَلْيلْقِ ِه اليم بالساحل } ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫كبلم يناسب ‪ٟ‬تظة وقوع ا‪ٟ‬تدث ‪. .‬‬ ‫فاآلية األوىل ‪ . .‬بؼنت لنا أن أم‬ ‫موىس أرضعته قبل أن تضعه يف‬ ‫التابوت ‪ .‬وأهنا ستلقيه يف اليم‬ ‫عندما ٭تدث خطر وٗتاف عليه من‬ ‫القتل ‪ .‬وفيه تطمُت ‪٢‬تا ‪ .‬أال ٗتاف‬ ‫وال ٖتزن ‪ .‬ألن اهلل منجيه ‪ .‬وفيها‬

‫بشارتان ‪ :‬أن اهلل سَتده ألمه ‪.‬‬ ‫وأن اهلل قد اختاره رسوال ‪.‬‬ ‫نأيت إىل اآلية الثانية اليت تكمل لنا‬ ‫هذه اللقطة فتول { اقذفيه ِيف‬ ‫التابوت} هنا نعرف أن أم موىس‬ ‫ستلقيه يف تابوت ‪ ،‬وهو ما لم يذكر‬ ‫يف اآلية السابقة ‪ .‬ثم بعد ذلك‬

‫نعلم أن اهلل سبحانه وتعاىل أصدر‬ ‫أمره إىل ا‪١‬تاء أن يلقي التابوت إىل‬ ‫الساحل ‪ .‬وهذا ما لم يرد يف اآلية‬ ‫السابقة ‪ .‬ونعرف أيضا أن الذي‬ ‫سيأخذه وهو فرعون ‪ .‬ستكون‬ ‫بؼنهما عداوة مؾبادلة ‪ . .‬وهكذا‬ ‫نرى أن آييت القصة ‪ .‬يكمل‬

‫بعضهما بعضا‪ .‬ولؼس هناك‬ ‫تكرار ‪ .‬واهلل سْتانه وتعاىل يف‬ ‫اآلية الثانية يريد أن يؿبت أنه‬ ‫ستكون هناك عداوة مؾبادلة بُت‬ ‫موىس وفرعون ‪ . .‬كما أثؽتت‬ ‫عداوة فرعون هلل جل جبلله‬ ‫و‪١‬توىس ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ع َ ُد ٌّو ِّيل َوع َ ُد ٌّو ل َّ ُه‬

‫} ولكن العداوة ال تستقر إال إذا‬ ‫كانت مؾبادلة ‪ .‬فتأيت آية ثالثة‬ ‫لتكمل الصورة ‪ . .‬يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫{ فالتقطه ِ‬ ‫ون َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ُ‬ ‫آل ف ْر َع ْو َن لي َ ُك َ‬ ‫ع َ ُد ّوا ً َو َح َزنا ً} ػ القصص ‪] 8 :‬‬ ‫وهكذا بؼنت لنا اآلية الكرٯتة‬ ‫كيف أن العداوة بُت فرعون‬

‫وموىس سؾستقر حىت يقىض عىل‬ ‫فرعون ‪ .‬ألنه إذا كان إنسان عدوا‬ ‫لك ‪ .‬وأنت تقابل العداوة‬ ‫باإلحسان ٗتمد العداوة بعد قليل‬ ‫‪ .‬إذن هذه اآليات لؼست تكرارا‬ ‫ولكنها آيات تكمل القصة ‪. .‬‬ ‫وتعطؼنا الصورة الكاملة ا‪١‬تتكاملة ‪.‬‬

‫ولكن ‪١‬تاذا لم تأت قصة موىس‬ ‫متكاملة كقصة يوسف؟ ألن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد أن يؿبت بها‬ ‫نبؼنا عليه الصبلة والسبلم‬ ‫وا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬فتأيت هنا لقطة وهنا‬ ‫لقطة ‪ .‬لتؤدي ما هو مطلوب من‬ ‫التثؽيت ٔتا ال ٮتل‪ . .‬ألن اآليات‬

‫تعطؼنا القصة متكاملة ‪.‬‬ ‫وهكذا قصة آدم ‪ .‬جاءت لنا يف‬ ‫آيات متعددة؛ لتعطؼنا يف ‪٣‬تموعها‬ ‫قصة كاملة ‪ .‬ويف الوقت نفسه كل‬ ‫آية ‪٢‬تا حكمة ٭تتاج إليها التوقيت‬ ‫الذي نزلت فيه ‪ . .‬فاهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يروي لنا بداية ا‪٠‬تلق ‪.‬‬

‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫يقول ‪ « :‬كلكم بنو آدم وآدم خلق‬ ‫من تراب » ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يعرفنا كيف بدأ ا‪٠‬تلق ‪ .‬وقصة‬ ‫عداوة إبلؼس آلدم وذريته ‪. .‬‬ ‫فتكلم اهلل سبحانه وتعاىل عن أول‬

‫البشر ‪ .‬عرفنا ا‪ٝ‬ته ‪ .‬وهو آدم عليه‬ ‫السبلم ‪ .‬وتكلم عن ا‪١‬تادة اليت خلق‬ ‫منها ‪ .‬وتكلم عن ا‪١‬تنهج الذي‬ ‫وضعه آلدم ‪ .‬وحدثنا عن النقاش‬ ‫الذي دار مع ا‪١‬تبلئكة ‪ .‬كما أخربنا‬ ‫بأن آدم سيكون خليفة يف األرض ‪.‬‬ ‫وأنه علمه األ‪ٝ‬تاء كلها ليقود‬

‫حركة حياته ‪ .‬وعلمنا منطق علم‬ ‫األشياء ‪ .‬وعلم مسمياهتا ‪ .‬وحدثنا‬ ‫عن ا‪ٟ‬توار الذي حدث بُت إبلؼس‬ ‫أمام ربه حؼنما أىب السجود ‪.‬‬ ‫وبُت لنا حجة إبلؼس يف االمؾناع‬ ‫عن السجود ‪ ،‬وخطة إبلؼس‬ ‫ومدخله إىل قلوب ا‪١‬تؤمنُت‬

‫باإلغواء والوسوسة وغَت ذلك ‪.‬‬ ‫إذن فهناك أشياء كثَتة تتعرض ‪٢‬تا‬ ‫قصة آدم ‪ ،‬ولو أن بشرا يريد أن‬ ‫يؤرخ آلدم ما استطاع أن يأيت بكل‬ ‫هذه اللقطات ‪ .‬ولكن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل جعل كل لقطة تأيت للتثؽيت‬ ‫‪.‬‬

‫واآلية الكرٯتة اليت ‪٨‬تن بصددها‬ ‫لم تأت يف األعراف وال يف ا‪ٟ‬تجر وال‬ ‫يف اإلسراء وال يف الكهف وال يف طه ‪.‬‬ ‫وبهذا نعرف أنه لؼس هناك‬ ‫تكرار ‪ . .‬فاهلل سبحانه وتعاىل أخرب‬ ‫مبلئكته أنه جاعل يف األرض‬ ‫خليفة ‪ .‬هنا البد لنا من وقفة ‪.‬‬

‫أخلق آدم كفرد ‪ .‬أم خلقه اهلل وكل‬ ‫ذريته مطمورة فيه إىل يوم القيامة‬ ‫‪ ،‬إذا قرأنا القرآن الكريم ‪٧‬تد أن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬ول َ َق ْد‬ ‫َخلَقْنَا ُك ْم ُث َّم َص َّو ْرنَا ُك ْم ُث َّم ُقلْنَا‬ ‫للمبلئكة اسجدوا ألَدَ َم } ػ‬ ‫األعراف ‪] 11 :‬‬

‫ا‪٠‬تطاب هنا للجمع ‪ .‬آلدم وذريته ‪.‬‬ ‫سبحان وتعاىل يشَت إىل أن‬ ‫ه‬ ‫فكأنه‬ ‫األصل األول للخلق آدم ‪ ،‬وهو‬ ‫مطمور فيه صفات ا‪١‬تخلوقُت من‬ ‫ذريته إىل أن تقوم الساعة وراثة ‪.‬‬ ‫أي أنه ساعة خلق آدم ‪ . .‬كان فيه‬ ‫الذرات اليت سيأخذ منها ا‪٠‬تلق كله‬

‫‪ .‬هذا عن هذا ‪ . .‬حىت قيام الساعة‬ ‫‪.‬‬ ‫قلت إن كل واحد منا فيه ذرة‬ ‫ولقد ُ‬ ‫أو جزئ من آدم ‪ ،‬فأوالد آدم أخذوا‬ ‫منه وا‪ٞ‬تيل الذي بعدهم أخذ من‬ ‫ا‪١‬تيكروب ا‪ٟ‬تي الذي أودعه آدم يف‬ ‫أوالده ‪ .‬والذين بعدهم أخذوا‬

‫أيضا من ا‪ٞ‬تزيء ا‪ٟ‬تي الذي ُخلِق يف‬ ‫األصل مع آدم ‪ .‬وكذلك الذين‬ ‫بعدهم ‪ .‬والذين بعدهم ‪ .‬وا‪ٟ‬تياة‬ ‫البد أن تكون حلقة متصلة ‪ .‬كل‬ ‫منا يأخذ من الذي قبله ويعطي‬ ‫الذي بعده ‪ .‬ولو كان هناك حلقة‬ ‫مفقودة ‪ .‬لتوقفت ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬كأن‬

‫ٯتوت الرجل قبل أن يتزوج ‪ .‬فبل‬ ‫تكون له ذرية من بعده ‪ .‬تتوقف‬ ‫حلقة ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬فكون حلقة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫مستمرة ‪ .‬دليل أهنا حياة متصلة ‪.‬‬ ‫لم تتوقف ‪ .‬ومادامت ا‪ٟ‬تياة من‬ ‫عهد آدم إىل يومنا هذا متصلة ‪.‬‬ ‫فبلبد أن يكون يف كل منا ذرة من‬

‫آدم الذي هو بداية ا‪ٟ‬تياة وأصلها ‪.‬‬ ‫وانتقلت بعده ا‪ٟ‬تياة يف حلقات‬ ‫متصلة إىل يومنا هذا وستظل إىل‬ ‫يوم القيامة ‪.‬‬ ‫فأنا اآلن حي ‪ .‬ألنٍت نشأت من‬ ‫ميكروب حي من أيب ‪ .‬وأيب أخذ‬ ‫حياته من ميكروب حي من أبيه ‪.‬‬

‫وهكذا حىت تصل إىل آدم ‪ ،‬إذن‬ ‫فأنت ‪٥‬تلوق من جزيء حي فيه‬ ‫ا‪ٟ‬تياة لم تتوقف منذ آدم إىل يومنا‬ ‫هذا ‪ .‬ولو توقفت ‪١‬تا كان لك وجود ‪.‬‬ ‫إذن فحياة الذين يعيشون اآلن‬ ‫موصولة بآدم ‪ .‬لم يطرأ عليها موت‬ ‫‪ .‬والذين سيعيشون وقت قيام‬

‫الساعة حياهتم أيضا موصولة بآدم‬ ‫أول ا‪٠‬تلق ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫حُت أمر ا‪١‬تبلئكة بالسجود آلدم ‪.‬‬ ‫فإهنم سجدوا آلدم ولذريته إىل أن‬ ‫تقوم الساعة ‪ .‬وذرية آدم كانت‬ ‫مطمورة يف ظهره ‪ .‬وشهدت ا‪٠‬تلق‬ ‫األول ‪ .‬إذن فقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل ‪ { :‬ل َ َق ْد َخل َ ْقنَا ُك ْم ُث َّم‬ ‫َص َّو ْرنَا ُك ْم } فيه جزئية جديدة‬ ‫لقصة ا‪٠‬تلق ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫ال َربُّ َ‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْقَ َ‬ ‫ك } أي أن اهلل سبحانه‬ ‫لِل ْ َمبل َ ِئ َ ِة‬ ‫وتعاىل يطلب من سيدنا ‪٤‬تمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم أن يقول أنه عند‬

‫خلق آدم ‪ .‬خلقه خليفة يف األرض ‪.‬‬ ‫والكبلم هنا ال يعٍت أن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يستشَت أحدا يف ا‪٠‬تلق ‪.‬‬ ‫بدليل أنه قال « إين جاعل » إذن‬ ‫فهو أمر مفروغ منه ‪ .‬ولكنه إعبلم‬ ‫للمبلئكة ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫عندما ٭تدث ا‪١‬تبلئكة عن ذلك‬

‫فؤلن ‪٢‬تم مع آدم مهمة ‪ .‬فهناك‬ ‫ا‪١‬تدبرات أمرا ‪ .‬وا‪ٟ‬تفظة الكرام ‪.‬‬ ‫وغَتهم من ا‪١‬تبلئكة الذين‬ ‫سيكلفهم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ٔتهام متعددة تتصل ْتياة هذا‬ ‫ا‪١‬تخلوق ا‪ٞ‬تديد ‪ .‬فكان اإلعبلم ‪.‬‬ ‫ا‪٠‬تليف‬ ‫ألن للمبلئكة عمبل مع هذا ة‬

‫‪.‬‬ ‫قد يقول بعض الناس ‪ .‬أن حياة‬ ‫اإلنسان عىل األرض ٗتضع لقوانُت‬ ‫ونوامؼس ‪ .‬نقول ما يدريك أن‬ ‫وراء كل ناموس ملكا؟‬ ‫ولكن هذا ا‪٠‬تليفة سيخلف من؟ قد‬ ‫ٮتلف بعضه بعضا‪ .‬يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬

‫يكون هنا إعبلم من اهلل بأن كل‬ ‫إنسان سيموت وٮتلفه غَته ‪ .‬فلو‬ ‫كانوا ‪ٚ‬تيعا سيعيشون ما خلف‬ ‫بعضهم بعضا‪ .‬وقد يكون اإلنسان‬ ‫خليفة ‪ٞ‬تنس آخر ‪ .‬ولكن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬نىف أن ٮتلف‬ ‫اإلنسان جنسا آخر ‪ .‬واقرأ قوله‬

‫جل جبلله ‪ . . . { :‬إِن ي َشأ ْ‬ ‫َ‬ ‫يُ ْذ ِهب ْ ُك ْم َويَأ ْ ِت ِٓتَل ْ ٍق َج ِدي ٍد * َو َما‬ ‫ذلك عَىلَ اهلل بِعَزِي ٍز} ػ إبراهيم ‪:‬‬ ‫‪] 20-19‬‬ ‫ا‪ٞ‬تديهو من نوع ا‪٠‬تلق‬ ‫وا‪٠‬تلق د‬ ‫نفسه الذي أهلكه اهلل ‪ .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ٮتربنا أن البشر‬

‫سيخلفون بعضهم إىل يوم القيامة ‪.‬‬ ‫‪ .‬فيقول جل جبلله ‪ { :‬فَ َخل َ َف ِمن‬ ‫بَعْ ِد ِه ْم َخل ْ ٌف أ َ َضا ُعوا ْالصبلة‬ ‫ون‬ ‫واتبعوا الشهوات فَ َس ْو َف يَل ْ ُق َ‬ ‫َغيّا ً} ػ مريم ‪] 59 :‬‬ ‫ولكن هذا يطلق عليه َخل ْ ٌف ‪ .‬وال‬ ‫يطلق عليه خليفة ‪ .‬والشاعر يقول‬

‫‪:‬‬ ‫ذهب الذين يعاش يف اكنافهم ‪...‬‬ ‫وبقيت يف خلف كجلد األجرب‬ ‫ولكن اهلل جعل ا‪١‬تبلئكة‬ ‫يسجدون آلدم ساعة ا‪٠‬تلق وجعل‬ ‫الكون مسخرا له فكأنه خليفة اهلل‬ ‫يف أرضه ‪ .‬أمده بعطاء األسباب ‪.‬‬

‫فخضع الكون له بإرادة اهلل ‪ .‬ولؼس‬ ‫بإرادة اإلنسان ‪ .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول يف حديث قدسي ‪ « :‬يا‬ ‫ابن آدم تفرغ لعباديت أمؤل صدرك‬ ‫غٌت وأسد فقرك ‪ . .‬وإال تفعل‬ ‫مؤلت يدك شغبل ولم ُأس ّد فقرك »‬ ‫إذن كلمة خليفة ‪ .‬تأخذ عدة معان ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫ماذا قالت ا‪١‬تبلئكة ‪ { :‬قَالُوا ْأ َ َٕتْعَ ُل‬ ‫فِيهَا َمن يفْ ِس ُد فِيهَا وي َ ْ فِ‬ ‫ك الدمآء‬ ‫س ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك}‬ ‫ك َون ُ َق ِ ّد ُس ل َ َ‬ ‫َو َ‪٨‬ت ْ ُن ن ُ َسبِ ّ ُح ِْت َ ْم ِد َ‬ ‫‪.‬‬ ‫كيف عرف ا‪١‬تبلئكة ذلك؟ البد أن‬ ‫هناك حالة قبلها قاسوا عليها ‪ .‬أو‬

‫أهنم ظنوا أن آدم سيطىغ يف األرض‬ ‫‪ .‬ولكن كلمة سفك وكلمة دم ‪.‬‬ ‫كيف عرفتهما ا‪١‬تبلئكة وهي لم‬ ‫ٖتدث بعد؟ البد أهنم عرفوها من‬ ‫حياة سابقة ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول ‪ { :‬وا‪ٞ‬تآن َخلَقْن َ ُاه ِمن قَب ْ ُل‬ ‫ِمن ن َّا ِر السموم } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 27 :‬‬

‫فكأن ا‪ٞ‬تن قد خلق قبل اإلنسان ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إين أَعْل َ ُم َما ال َ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬ ‫معٌت ذلك أن علمك أيها ا‪١‬تخلوق‬ ‫مناسب ‪١‬تخلوقؼتك ‪ .‬أما علم اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬فهو أزيل ال هنائي‬ ‫‪.‬‬

‫ولكن هل قال ا‪١‬تبلئكة حُت‬ ‫أخربهم اهلل ٓتلق آدم ذلك علنا أم‬ ‫أسروه يف أنفسهم؟ سواء قالوه أم‬ ‫أسروه ‪ .‬فقد علمه اهلل ‪ .‬ألنه يعلم‬ ‫ما يسرون وما يعلنون ‪ .‬وأنه يعلم‬ ‫السر وأخىف ‪ .‬فما هو السر ‪ .‬وما هو‬ ‫األخىف من السر؟ السر هو ما‬

‫أسررته إىل غَتك ‪ .‬فما أسر به إىل‬ ‫غَتي ‪ .‬فهو السر ‪ .‬وما أخفيه يف‬ ‫صدري وال يطلع عليه أحد ‪ .‬هو‬ ‫أخىف من السر ‪ .‬فبل يقال أسررت‬ ‫إال إذا ْتت به لغَتي ‪ .‬أما ما أخفيه‬ ‫يف صدري ‪ .‬فبل يعلمه أحد إال اهلل ‪.‬‬ ‫فهذا هو ما أخىف من السر ‪.‬‬

‫وعندما يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ون } أراد أن‬ ‫{ إين أعْل َ ُم َما ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫يعطي القضية بعدها ا‪ٟ‬تقيقي ‪ .‬وقد‬ ‫حىك القرآن الكريم قول ا‪١‬تبلئكة‬ ‫ك َونُقَ ِ ّد ُس‬ ‫‪َ { :‬و َ‪٨‬ت ْ ُن ن ُ َسبِ ّ ُح ِْت َ ْم ِد َ‬ ‫ك} ‪.‬‬ ‫لَ َ‬ ‫والؾسؽيح هو التزنيه عما ال يليق‬

‫بذات ا‪١‬تزنه ‪ .‬والتقديس هو‬ ‫التطهَت ‪ . .‬مأخوذ من الْقَ َدس وهو‬ ‫الدلو الذي كانوا يتطهرون به ‪.‬‬ ‫ولذلك ‪٨‬تن نقول ُسبّوح ُقدوس ‪.‬‬ ‫ُسبّوح أي ُمزنه عن كل ما ال يليق‬ ‫ّتبلله ‪ .‬وقدوس ‪ .‬أي ُم َط ّه َْر ‪. .‬‬ ‫الؾسؽيح ٭تتاج إىل ُمسبِ ّح ‪ .‬وإىل ما‬

‫نسبحه ‪ .‬وا‪١‬تبلئكة قالوا ‪{ :‬‬ ‫ك ال َعِل ْ َم لَنآ إِال َّ َما عَل َّ ْمؾَنَآ }‬ ‫ُسب ْ َحان َ َ‬ ‫‪.‬‬ ‫وهذا تسؽيح وتزنيه هلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ . .‬والؾسؽيح والتزنيه ال‬ ‫يكونان إال للكمال ا‪١‬تطلق الذي ال‬ ‫تشوبه أية شائبة ‪ . .‬والكمال‬

‫ا‪١‬تطلق هو هلل سبحانه وتعاىل وحده‬ ‫‪ .‬لذلك صرف اهلل ألسنة خلقه عن‬ ‫أن يقولوا كلمة سبحانك لغَت اهلل‬ ‫تعاىل ‪ .‬فبل تسمع يف حياتك أن‬ ‫إنسانا قال لبشر سبحانك ‪.‬‬ ‫وهكذا صرفت ألس ةنا‪٠‬تلق عن أن‬ ‫تسبح لغَت اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫وقول ا‪١‬تبلئكة ‪َ { :‬و َ‪٨‬ت ْ ُن ن ُ َسبِ ّ ُح‬ ‫ك } كأن نقول‬ ‫ك َونُقَ ِ ّد ُس ل َ َ‬ ‫ِْت َ ْم ِد َ‬ ‫سبحان اهلل وْتمده ‪ .‬ومعناها تزنيه‬ ‫هلل سبحانه وتعاىل يف ذاته‪ . .‬فبل‬ ‫تشبّه بذات ‪ .‬ويف صفاته ‪ .‬فبل‬ ‫تشبّه بصفات ويف أفعاله ‪ .‬فبل تشبه‬ ‫بأفعال ‪ . .‬ولكن ما معٌت كلمة‬

‫وْتمده؟ معناها أننا نزنهك‬ ‫و‪٨‬تمدك ‪ .‬أي يا رب تزنيهنا لك‬ ‫نعمة ‪ .‬ولذلك فإين أ‪ٛ‬تدك عىل‬ ‫أنك أعطيؾٍت القدرة ألنزهك ‪. .‬‬ ‫والتقديس هو تطهَت اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل من كل األغيار ‪ .‬وألنك يا‬ ‫ريب قدوس طاهر ‪ .‬ال يليق أن يرفع‬

‫إليك إال طاهر ‪ .‬وال يليق أن يصدر‬ ‫عمن خلقته بيديك إال طاهر ‪. .‬‬ ‫إنه ع ّرفنا معٌت نسبح ْتمدك‬ ‫ونقدس لك ‪ .‬ثم أراد اهلل ْتكمته‬ ‫أن يرد عىل ا‪١‬تبلئكة فقال ‪ { :‬إين‬ ‫َ‬ ‫ون } ولم يطلقها‬ ‫أعْل َ ُم َما ال َتَعْل َ ُم َ‬

‫هكذا ‪ .‬ولكنه سبحانه أىت بالقضية‬ ‫اليت تؤكد صدق الواقع ‪. .‬‬ ‫‪ٝ‬تاءَ كُلَّهَا ُث َّم‬ ‫َوعَل َّ َم آدَ َم ْاأل َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫وين‬ ‫ال أَنْؽ ُِئ ِ‬ ‫َع َر َض ُه ْم عَىلَ ا ْ‪١‬ت َ َبل ِئ َكة فَ َق َ‬ ‫بِأ َ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُت‬ ‫َ‬ ‫‪ٝ‬تاء َه ُؤ َالء إ ِْن ُكن ْ ُت ْم َصا ِدق َ‬ ‫(‪)31‬‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ .‬رد عىل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة بهذه اآلية الكرٯتة ‪ .‬ألنه‬ ‫علم آدم األ‪ٝ‬تاء كلها ‪ . .‬وكلمة‬ ‫كلها تفيد اإلحاطة ‪ .‬ومعٌت‬ ‫اإلحاطة معرفة كل شيء عن هذه‬ ‫األ‪ٝ‬تاء ‪.‬‬ ‫هنا يؾبادر سؤال ‪ :‬هل عَلّم اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل آدم األ‪ٝ‬تاء منذ‬ ‫ساعة ا‪٠‬تلق إىل قيام الساعة مادام‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول كلها ‪.‬‬ ‫فما هو حكم تلك األ‪ٝ‬تاء اليت هي‬ ‫‪١‬تخًتعات ستأيت بعد خلق آدم‬ ‫بقرون طويلة؟‬ ‫نقول إن اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬حُت‬

‫علم آدم األ‪ٝ‬تاء وميزه عىل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة يكون قد أعىط ذلك األدىن‬ ‫عنصرا ميزه عن ا‪١‬تخلوق من‬ ‫عنصر أعىل ‪ .‬فآدم ‪٥‬تلوق من طُت ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تبلئكة ‪٥‬تلوقون من نور ‪.‬‬ ‫وقدرات البشر ال تستطيع أن‬ ‫تعطي األدىن شؼئا أكثر من األعىل ‪.‬‬

‫ولكن اهلل سبحانه وتعاىل وحده هو‬ ‫الذي يعطي ذلك ليذكرنا أن ما‬ ‫نأخذه لؼس بقدراتنا ولكن‬ ‫بقدرته هو سبحانه ‪ .‬ولذلك ٕتد‬ ‫سليمان وهو ملك ونبي ‪ . .‬أعطاه‬ ‫اهلل تعاىل ملكا ال ينبغي ألحد من‬ ‫بعده ‪ .‬وميزه عن خلقه ‪ .‬يأيت‬

‫ا‪٢‬تدهد ليقول لسليمان ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫ك ِمن‬ ‫طت ِٔتَا ل َ ْم ُ ِٖت ْط بِ ِه َو ِجػ ْ ُت َ‬ ‫أ َح ُ‬ ‫َسبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِ ٍ‬ ‫ُت } ‪.‬‬ ‫كيف ٭تيط ا‪٢‬تدهد وهو طائر‬ ‫ضعيف ‪٤‬تدود ٔتا لم ٭تط به‬ ‫سليمان وهو ا‪١‬تلك النبي الذي‬ ‫حكم اإلنس وا‪ٞ‬تن؟ ألن اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬يكره الغرور من‬ ‫خلقه ‪ .‬ولذلك يأيت بآية ٘تيز األدىن‬ ‫عن األعىل ليعلموا ‪ٚ‬تيعا أن كل‬ ‫قدراهتم لؼست بذاهتم ‪ .‬وإ‪٪‬تا هي‬ ‫من اهلل ‪ .‬فيأيت موىس وهو الرسو ل‬ ‫والنبي ‪ . .‬فؼتعلم من ا‪٠‬تضر وهو‬ ‫العبد الصاٌف ما لم يكن يعلمه ‪.‬‬

‫وقد خلق اهلل سبحانه ا‪١‬تسميات‬ ‫وإن كنا ال نعرف وجودها وجعل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة تتلىق أ‪ٝ‬تاء هذه‬ ‫ا‪١‬تسميات من آدم ‪ .‬وأن البعض‬ ‫يؾساءل عن وسيلة تعليم ا‪٠‬تالق‬ ‫األكرم آلدم عليه السبلم ‪ .‬وتعليم‬ ‫ا‪٠‬تالق ٮتتلف عن تعليم ا‪٠‬تلق ‪ .‬ألن‬

‫ا‪٠‬تالق يعلم إ‪٢‬تاما ‪ .‬يقذف يف قلب‬ ‫آدم أ‪ٝ‬تاء ا‪١‬تسميات كلها لكل ما يف‬ ‫الكون من أ‪ٝ‬تاء ا‪١‬تخلوقات ‪. .‬‬ ‫إذن فا‪١‬تشهد األول ‪ .‬آلدم مع‬ ‫ا‪١‬تبلئكة ‪ .‬كان قد تم إ‪٬‬تاد كل‬ ‫ا‪١‬تسميات وأ‪٢‬تمها اهلل آلدم ‪.‬‬ ‫بدليل أن ا‪١‬تبلئكة لم تتعرف عىل‬

‫هذه ا‪١‬تسميات ‪ .‬بؼنما عرفها آدم‬ ‫‪ .‬وهنا البد لنا من وقفة ‪ .‬إن الكبلم‬ ‫هو ناتج السمع ‪ .‬واللغة ناتج البؼئة‬ ‫‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل علم آدم‬ ‫األ‪ٝ‬تاء ‪ .‬وهذا العلم ال ٯتكن أن‬ ‫يأيت إال إذا كان آدم قد ‪ٝ‬تع من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ثم نطق ‪ .‬فأنت‬

‫إذا أتيت بطفل عريب ‪ . .‬وتركته يف‬ ‫لندن مثبل ‪ . .‬فًتاه يتكلم‬ ‫اإل‪٧‬تليزية بطبلقة ‪ . .‬وال يفهم‬ ‫كلمة واحدة من اللغة العربية ‪.‬‬ ‫والعكس صحيح ‪ .‬إذا أتيت بطفل‬ ‫إ‪٧‬تليزي ‪ .‬وتركته يف بلد عريب ‪.‬‬ ‫يتكلم العربية ‪ . .‬وال يعلم شؼئا عن‬

‫اإل‪٧‬تليزية ‪ .‬إذن فاللغة لؼست‬ ‫وراثة وال جنسا وال بؼئة ‪.‬‬ ‫ولكنها ‪٤‬تاكاة يسمعها اإلنسان‬ ‫فؼنطق بها ‪ .‬وإذا لم يسمع اإلنسان‬ ‫شؼئا وكان أصم فإنه ال يستطيع‬ ‫النطق ْترف واحد ‪ .‬فإذا كان آدم‬ ‫قد نطق بهذه األ‪ٝ‬تاء ‪ .‬فبلبد أنه‬

‫‪ٝ‬تع من اهلل سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬ ‫والعجيب أن الطريقة اليت علم اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل آدم بها ‪ .‬هي‬ ‫الطريقة نفسها اليت تؾبعها‬ ‫البشرية إىل يومنا هذا ‪ .‬فأنت ال‬ ‫تعلم الطفل بأن تقص عليه‬ ‫األفعال ‪ .‬ولكن البد أن يبدأ‬

‫تعليمه باأل‪ٝ‬تاء وا‪١‬تسميات ‪.‬‬ ‫تقول له ‪ :‬هذا كوب ‪ .‬وهذا جبل‬ ‫وهذا ْتر ‪ .‬وهذه مشس ‪ .‬وهذا‬ ‫قمر ‪ .‬وبعد أن يتعلم ا‪١‬تسميات ‪.‬‬ ‫يستطيع أن يعرف األفعال ‪.‬‬ ‫ويتقدم يف التعليم بعد ذلك‪. .‬‬ ‫وهكذا نتعرف عىل النشأة األوىل‬

‫للكبلم ‪ .‬وطبلقة قدرة اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل علمت آدم األ‪ٝ‬تاء ‪.‬‬ ‫وهنا نتوقف لنجيب عن سؤالُت ‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬إذا كان اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫قد علم آدم األ‪ٝ‬تاء كلها ‪ .‬فهل كان‬ ‫فيها أ‪ٝ‬تاء ما سؼستجد من‬ ‫‪٥‬تًتعات يف العالم؟‬

‫نقول ‪ :‬إنه حىت لو تعلم آدم األ‪ٝ‬تاء‬ ‫اليت ٭تتاج إليها يف أولويات الوجود‬ ‫ويستخدمها يف متطلبات حياته عىل‬ ‫األرض ‪ .‬فإذا جد جديد ‪ ،‬فإن أوالد‬ ‫آدم يستخدمون هذه األ‪ٝ‬تاء من‬ ‫ا‪١‬تقدمات واأل‪ٝ‬تاء اليت تعلموها ‪.‬‬ ‫فما ‪٬‬تد يف الوجود من أ‪ٝ‬تاء ‪.‬‬

‫تدخل عىل اللغة ‪ .‬لم تأت من فراغ‬ ‫‪ .‬وإ‪٪‬تا جاءت من اللغة اليت تنطق‬ ‫بها وتكتب بها ‪.‬‬ ‫كذلك كل شيء يف هذا الكون ‪ .‬لو‬ ‫أعدته اآلن إىل أصله ‪ٕ .‬تد أن أصله‬ ‫من اهلل ‪ .‬فلو أعدت البشرية إىل‬ ‫أصلها البد أن تصل إىل أن‬

‫اإلنسان األول خلقه اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬ولو أعدت العلم إىل أصله ‪.‬‬ ‫وكل علم ٭تتاج إىل معلم ‪ .‬نقول‬ ‫لك ‪ . .‬من الذي علم ا‪١‬تعلم األول‬ ‫البيهي أن العلم بدأ‬ ‫‪ .‬ألؼس من د‬ ‫ٔتعلم علمه اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫وكان هذا هو ا‪١‬تعلم األول ‪ . .‬إذن‬

‫فالذي علم األ‪ٝ‬تاء آلدم هو اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬وهو علمها ألوالده‬ ‫‪ .‬وأوالده علموها ألوالدهم وهكذا‬ ‫‪..‬‬ ‫يأيت السؤال الثاين ‪ :‬إذا كان اهلل هو‬ ‫ا‪١‬تعلم للكبلم ‪ .‬فلماذا اختلفت‬ ‫اللغات عىل األرض وأصبح هناك‬

‫ألوان من اللغات واأللسنة؟‬ ‫نقول إن تنوع فًتات التاريخ‬ ‫وانتشار اإلنسان عىل األرض جعل‬ ‫كل ‪٣‬تموعة من البشر تقًتب من‬ ‫بعضها لتكون ‪٢‬تا لغة واحدة ‪ .‬وكل‬ ‫لغة موجودة مأخوذة من لغة قدٯتة ‪.‬‬ ‫فالفرنسية واإل‪٧‬تليزية واإليطالية‬

‫‪ .‬مأخوذة من البلتينية ‪ .‬والعربية‬ ‫والسريالية ‪٢‬تما عبلقة باللغة‬ ‫العربية ‪ .‬واللهجات اليت يتكلم بها‬ ‫العالم العريب صاحب اللغة الواحدة‬ ‫‪ٗ ،‬تتلف ‪ . .‬حىت أن ‪٢‬تجة ا‪ٞ‬تزائر أو‬ ‫ا‪١‬تغرب مثبل ‪ٕ .‬تدها ‪٥‬تتلفة عن‬ ‫اللهجة ا‪١‬تصرية أو السودانية ‪.‬‬

‫ولكننا إذا تكلمنا باللغة العربية‬ ‫فَ ِه َم بعضنا بعضا ‪ ،‬ولغة هؤالء ‪ٚ‬تيعا‬ ‫يف األصل هي لغة القرآن ‪ .‬وهي‬ ‫العربية ‪ .‬ولكن يف فًتات الوهن‬ ‫التارٮتي الذي مر عىل العرب‬ ‫انعزلت الببلد العربية بعضها عن‬

‫بعض ومىض كل ‪٣‬تتمع يأخذ اللغة‬ ‫كمظهر اجتماعي ‪.‬‬ ‫فؼسقط التفاهم بُت اللهجات‬ ‫ا‪١‬تختلفة ‪.‬‬ ‫وهكذا علم اهلل سبحانه وتعاىل آدم‬ ‫األ‪ٝ‬تاء كلها ‪ .‬ثم عرضهم عىل‬ ‫وين‬ ‫ا‪١‬تبلئكة وقال ‪٢‬تم { أَنْؽ ُِئ ِ‬

‫بِأ َ ْ‪ٝ‬تآءِ هؤالء إِن ُكنْتم صا ِدقِ‬ ‫ُت } ؟‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫أي أن اهلل سبحانه وتعاىل كرم آدم‬ ‫يف العلم ‪ .‬وأعطاه علما لم يعطه‬ ‫للمبلئكة ‪ .‬ثم جعل آدم هو الذي‬ ‫يعلمهم أ‪ٝ‬تاء مسميات لم‬ ‫يعرفوها ‪ .‬وهذا دليل عىل طبلقة‬ ‫قدرة اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬يفعل ما‬

‫يشاء يف كونه ‪ .‬وكما قلنا إن ٘تؼيز‬ ‫األدىن عن األعىل ‪ .‬ال يتم إال بفعل‬ ‫اهلل وحده ‪.‬‬ ‫ولكي نقرب هذا إىل العقول ‪ :‬هب‬ ‫أن إنسانا ضعيفا يريد أن ٭تمل‬ ‫‪ٛ‬تبل ثقيبل ‪ . .‬ال يقدر ‪ .‬وإذا كان‬ ‫هناك إنسان قوي يعؼنه فإنه ال‬

‫يستطيع أن يعطيه من قوته ليحمل‬ ‫ه ذا ا‪ٟ‬تمل ‪ .‬ولكن يعؼنه بأن‬ ‫٭تمل عنه ‪ .‬أما الذي يستطيع أن‬ ‫‪٬‬تعل هذا الضعيف قويا ٯتكنه أن‬ ‫٭تمل هذا ا‪ٟ‬تمل الثقيل فهو اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬فاإلنسان ال‬ ‫يستطيع أن يعطي إنسانا آخر من‬

‫قوته ‪ .‬ولكن اهلل وحده هو القادر‬ ‫عىل أن ‪٬‬تعل الضعيف قويا والقوي‬ ‫ضعيفا ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إِن ُكنْتم صا ِدقِ‬ ‫ُت‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫} وهل يكذب ا‪١‬تبلئكة؟ إن‬ ‫ا‪١‬تبلئكة خلق من نور يسبحون اهلل‬ ‫‪ .‬ويفعلون ما يؤمرون ‪ . .‬نقول إن‬

‫قوله تعاىل { أَنْؽ ُِئ ِ َ‬ ‫‪ٝ‬تآءِ هؤالء‬ ‫وين بِأ ْ َ‬ ‫إِن ُكنْتم صا ِدقِ‬ ‫ُت } فيما قستم‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫عليه األحداث ‪ .‬أو فيما قلتموه‬ ‫ضربا بالغيب ‪.‬‬ ‫ولو أن ا‪١‬تبلئكة قاسوا حكمهم عىل‬ ‫حكم جنس آخر كان يف األرض‬ ‫كا‪ٞ‬تن مثبل الذين خلقوا قبل‬

‫اإلنسان ‪ . .‬يقول ا‪ٟ‬تق تعاىل أنكم‬ ‫أخطأتم يف قياسكم هذا ‪ .‬أو إن‬ ‫كنتم صادقُت فيما تنبأتم به من‬ ‫غيب؛ فبل يعلم الغيب إال اهلل تعاىل‬ ‫‪ .‬فالقياسان جانبهما التوفيق ‪.‬‬ ‫ولؼس هذا طعنا يف ا‪١‬تبلئكة ‪.‬‬ ‫ولكنه تصحيح ‪٢‬تم ‪ .‬وتعريف لنا‬

‫بأن ا‪١‬تبلئكة ال يعلمون الغيب ‪.‬‬ ‫ولذلك فهم حؼنما قاسوا أو‬ ‫حكموا عىل غيب ‪ . .‬جانبهم‬ ‫التوفيق ‪ .‬ألن اهلل وحده هو عبلم‬ ‫الغيوب ‪ .‬والذي دفع ا‪١‬تبلئكة إىل‬ ‫أن يقولوا أو يبطنوا هذا الكبلم هو‬

‫حبهم الشديد هلل تعاىل ‪. .‬‬ ‫وكراهؼتهم إلفساد يف كونه ‪.‬‬

‫ك َال عِل ْ َم لَنا إ َِّال َما‬ ‫قَالُوا ُسب ْ َحان َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يم‬ ‫يم ا ْ‪ٟ‬تَك ُ‬ ‫عَل ّ ْمؾَنَا إِن ّ ََك أن ْ َت الْعَل ُ‬ ‫(‪)32‬‬

‫هذه اآلية الكرٯتة ‪ .‬توضح لنا أن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل هو ا‪١‬تعلم األول‬ ‫يف الكون ‪ .‬وإذا كان لكل علم معلم‬ ‫‪ .‬فإن ا‪١‬تعلم األول البد أن يكون‬ ‫هو اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬وإذا كنا‬ ‫نشاهد يف عصرنا ألوانا من العلوم ‪.‬‬ ‫‪ .‬فهذه العلوم من تفاعل العقل‬

‫الذي وهبه اهلل تعاىل لئلنسان‪ .‬من‬ ‫ا‪١‬تواد اليت وضعها اهلل تعاىل يف‬ ‫الكون ‪ .‬با‪١‬تنطق والعلم الذي‬ ‫علمه اهلل لئلنسان ‪.‬‬ ‫إن كل االخًتاعات واالبتكارات‬ ‫أخذت وجودها من مقدمات كانت‬ ‫سابقة عليها ‪ .‬فا‪١‬تاء مثبل كان‬

‫موجودا منذ األزل ‪ .‬والشمس‬ ‫كطاقة تبخر ا‪١‬تاء لتصنع منه سحابا‬ ‫‪ .‬فإذا استخدم اإلنسان الطاقة‬ ‫ا‪ٟ‬ترارية يف تبخَت ا‪١‬تاء واستخدم‬ ‫البخار كطاقة ‪ ،‬فهناك قفزة‬ ‫حضارية يف العلوم ا‪ٝ‬تها عصر‬ ‫البخار ‪ ،‬وهو الذي كانت تسَت به‬

‫القطارات واآلالت يف ا‪١‬تصانع ‪.‬‬ ‫وغَت ذلك ‪.‬‬ ‫إن هذا التقدم يف العلم ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو‬ ‫نابع من وجود العلم والطاقة ‪ ،‬وزاد‬ ‫عليهما القدوة العقلية لئلنسان‬ ‫ا‪١‬تمنوحة له من ا‪٠‬تالق ‪ ،‬اليت جعلته‬ ‫يفكر يف استخدام الطاقة النإتة‬

‫من البخار ‪ ،‬فإذا توصل اإلنسان‬ ‫‪١‬تراقبة شجرة ساقطة وهي‬ ‫تتدحرج إىل األرض ألن جذعها‬ ‫أسطواين ‪ .‬فإنه أخذ من نظام هذه‬ ‫الشجرة ما يصنع منه العجلة اليت‬ ‫كانت تطورا هاما يف تاريخ العلم ‪. .‬‬ ‫إذن فساق الشجرة األسطوانية هو‬

‫الذي أعىط لئلنسان فكرة العجلة ‪،‬‬ ‫فإذا طور اإلنسان استخدام البخار‬ ‫وصنع قطارا يسَت بالبخار ‪ .‬فهذا‬ ‫التطوير هو ابن للعلم السابق عن‬ ‫قدرة الطاقة النإتة عن تبخَت ا‪١‬تاء‬ ‫‪ .‬وكيفية صناعة العجلة ‪ . .‬فكل‬ ‫علم نابع من علم سابق ‪ . .‬يًتابط‬

‫مع إمكانات وهبها اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل لئلنسان ‪ .‬ولذلك عندما‬ ‫جاء اإلسبلم ليعرض العلم‬ ‫التجريبي أو ا‪١‬تادي ‪ .‬جاء ليلفؾنا إىل‬ ‫آيات ا‪٠‬تالق يف الكون ‪ .‬وطلب منا‬ ‫أن نتأمل يف هذه اآليات ‪. .‬‬ ‫ونعمل فيها العقل واإلدراك ‪.‬‬

‫واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوكَأ َ ِي ّن ِّمن آي َ ٍة ِيف السماوات‬ ‫ون عَلَيْهَا َو ُه ْم َعنْهَا‬ ‫واألرض َ ُٯت ُّر َ‬ ‫ون } ػ يوسف ‪] 105 :‬‬ ‫ُمعْر ُِض َ‬ ‫وهكذا يلفؾنا اهلل جل جبلله إىل‬ ‫آياته اليت يف السموات واألرض‬ ‫لنعمل فيها العقل واإلدراك ‪،‬‬

‫لؾستنبط منها ما يعطؼنا ا‪ٟ‬تضارة ‪. .‬‬ ‫إن القرآن يطالؽنا بأن نواصل‬ ‫العلم الذي علمه اهلل آلدم‪ .‬وإذا‬ ‫كان تاريخ العلوم ٭تمل لنا أخبارا‬ ‫عن قوم لم يكونوا مؤمنُت ومع هذا‬ ‫سبقونا يف العلم واالستنباط ‪ ،‬فكان‬ ‫الواجب علؼنا ‪٨‬تن ا‪١‬تؤمنُت أن‬

‫نتأمل آيات اهلل تعاىل يف األرض ‪.‬‬ ‫فنيوتن الذي الحظ قوة جاذبية‬ ‫األرض كان يراقب تفاحة تسقط‬ ‫من أعىل الشجرة وتصطدم‬ ‫باألرض ‪ .‬فتوصل إىل قانون‬ ‫ا‪ٞ‬تاذبية ‪.‬‬ ‫وإذا أردنا أن نأخذ ‪١‬تحة من علم‬

‫اهلل الذي علمه لنا ‪ .‬فيكفي أن‬ ‫ننظر إىل النواة ففي هذه النواة‬ ‫الصغَتة ‪٩‬تلة كاملة ‪ .‬مىت وضعت‬ ‫ن‬ ‫الواة يف األرض ‪٪ .‬تت النخلة ‪.‬‬ ‫وأصبح ‪٢‬تا وجود ‪.‬‬ ‫ولكي نوضح هذا كله نقول إن كل‬ ‫علم مؽٍت عىل نظريات ‪ .‬النظرية‬

‫األوىل تؤدي إىل الثانية ‪ .‬والثانية‬ ‫تؤدي إىل الثالثة ‪ .‬وهكذا ‪ . .‬ولكن‬ ‫بداية كل هذه العلوم لم تبدأ‬ ‫بنظرية ‪ ،‬ولكنها بدأت ٔتا‬ ‫يسمونه البديهيات ‪ .‬أي األشياء‬ ‫اليت ال ٖتتاج إىل دليل ‪ .‬إهنا األشياء‬ ‫اليت خلقها اهلل يف الكون ‪ .‬وعىل هذه‬

‫البديهيات بنيت النظريات‬ ‫الواحدة بعد األخرى ‪ .‬حىت إذا‬ ‫أردت أن تعيدها إىل أصلها ‪ ،‬فإنك‬ ‫تصل يف هناية األمر إىل أن العلم‬ ‫األول من اهلل سبحانه وتعاىل ‪،‬‬ ‫فا‪١‬تعلم األول علمه اهلل ‪ .‬والثمرة‬ ‫األوىل خلقها اهلل ‪ .‬وكل اكتشافات‬

‫اإلنسان منذ بداية ا‪ٟ‬تياة وحىت‬ ‫قيام الساعة موجودة بالقوة ‪ .‬مثل‬ ‫النواة اليت فيها النخلة ‪ .‬تنتظر‬ ‫التأمل والعمل ‪ .‬لتصبح اكتشافا‬ ‫بالفعل ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل وهو‬ ‫ا‪١‬تعلم األول ‪ . .‬وضع يف كونه من‬ ‫العلم الكثَت ‪ .‬و٭تضرين قول‬

‫الشاعر أ‪ٛ‬تد شويق حُت قال ‪:‬‬ ‫سبحانك اللهم خَت معلم ‪...‬‬ ‫علمت بالقلم القرون األوىل‬ ‫أرسلت بالتوارة موىس مرشدا ‪...‬‬ ‫وابن الؽتول فعلم اإل‪٧‬تيبل‬ ‫وفجرت ينبوع الؽيان ‪٤‬تمدا ‪...‬‬ ‫فسىق ا‪ٟ‬تديث وناول التزنيبل‬

‫وكان شويق يصوغ يف أبياته أن كل‬ ‫علم هو منسوب إىل اهلل وحده ‪. .‬‬ ‫وهكذا يتضح لنا‪ .‬أن قول ا‪١‬تبلئكة‬ ‫ك ال َعِل ْ َم لَنآ إِال َّ َما‬ ‫‪ُ { :‬سب ْ َحان َ َ‬ ‫عَل َّ ْمؾَنَآ إِن ّ ََك أَن ْ َت العليم ا‪ٟ‬تكيم }‬ ‫يتضمن االعًتاف بأن العلم كله‬ ‫مرجعه إىل اهلل ‪ .‬فاهلل سبحانه‬

‫وتعاىل هو مصدر العلم وا‪ٟ‬تكمة ‪.‬‬ ‫وقوله سبحانه وتعاىل ‪ { :‬العليم‬ ‫ا‪ٟ‬تكيم } العليم أي الذي يعلم‬ ‫كل شيء خافيا كان أو ظاهرا ‪.‬‬ ‫والعلم كله منه ‪ .‬وأما ا‪ٟ‬تكمة‬ ‫فتطلق يف األصل عىل قطعة ا‪ٟ‬تديد‬ ‫اليت توضع يف فم الفرس لتلجمه‬

‫حىت ٯتكن للراكب أن يتحكم فيه‬ ‫‪ .‬ذلك أن ا‪ٟ‬تصان حيوان مدلل‬ ‫شارد ‪ .‬٭تتاج إىل ترويض ‪ .‬وقطعة‬ ‫ا‪ٟ‬تديد اليت توضع يف فمه ٕتعله‬ ‫أكثر طاعة لصاحبه ‪ .‬وكأن إطبلق‬ ‫صفة ا‪ٟ‬تكيم عىل ا‪٠‬تالق سبحانه‬ ‫وتعاىل هو أنه جل جبلله ٭تكم‬

‫ا‪١‬تخلوقات حىت ال تسَت بغَت هدى‬ ‫‪ .‬ودون دراية ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تكمة أن يوضع هدف لكل‬ ‫حركة لتنسجم ا‪ٟ‬تركات بعضها مع‬ ‫بعض ‪ ،‬ويصَت الكون ‪٤‬تكوما با‪ٟ‬تق‬ ‫الذي ال يأتيه الباطل من بُت يديه‬ ‫وال من خلفه ‪ .‬وا‪ٟ‬تكيم العليم ‪ .‬هو‬

‫الذي يضع لكل كائن إطاره‬ ‫وحدوده ‪ .‬وا‪ٟ‬تكمة هي أن يؤدي‬ ‫كل شيء ما هو مطلوب منه برباعة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تكمة يف الفقه هي أن تستنبط‬ ‫ا‪ٟ‬تكم السليم ‪ .‬وا‪ٟ‬تكمة يف الشعر‬ ‫أن تزن الكلمات عىل ا‪١‬تفاعيل ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تكمة يف الطب أن تعرف‬

‫تشخيص ا‪١‬ترض والدواء الذي‬ ‫يعا‪ٞ‬ته ‪ .‬وا‪ٟ‬تكمة يف ا‪٢‬تندسة أن‬ ‫تصمم ا‪١‬تستشىف طبقا‬ ‫الحؾياجات ا‪١‬تريض والطؽيب‬ ‫وأجهزة العبلج و‪٥‬تازن األدوية‬ ‫وغَت ذلك ‪ .‬أو يف تصميم ا‪١‬تزنل‬ ‫للسكن ا‪١‬تريح ‪ .‬وحكمة بناء مزنل‬

‫مثبل ٗتتلف عن حكمة بناء قصر أو‬ ‫مكان للعمل ‪.‬‬ ‫والكون كله ‪٥‬تلوق من قبل حكيم‬ ‫عليم ‪ .‬وضع ا‪٠‬تالق سبحانه وتعاىل‬ ‫فيه كل شيء يف موضعه ليؤدي‬ ‫مهمته ‪ .‬ووصف اهلل تعاىل بأنه‬ ‫حكيم يتطلب أن يكون عليما ‪.‬‬

‫ألن علمه هو الذي ‪٬‬تعله يصنع كل‬ ‫شيء ْتكمة ‪ .‬وقد أعىط اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لكل خلقه من العلم‬ ‫عىل قدر حاجته ‪ ،‬فلؼس من طؽيعة‬ ‫ا‪١‬تبلئكة أن يعرفوا ماذا سيفعل‬ ‫ذلك اإلنسان الذي سؼستخلفه اهلل‬ ‫يف األرض ‪ .‬ولكنهم موجودون‬

‫‪١‬تهمة أخرى ‪ . .‬وميز اهلل اإلنسان‬ ‫بالعقل لؼستكشف من آيات اهلل يف‬ ‫الكون عىل قدر حاجة حياته ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬سبِ ّ ِح‬ ‫ك األعىل * الذي َخل َ َق‬ ‫اسم َربِّ َ‬ ‫فسوى * والذي قَ ّد ََر فهدى } ػ‬ ‫األعىل ‪] 3-1 :‬‬

‫إذن فكل شيء خلق بقدر ‪ .‬وكل‬ ‫‪٥‬تلوق مؼسر ‪١‬تا هداه اهلل له ‪. .‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ٝ‬ت ِائ ِه ْم فَل َ َّما‬ ‫قَ َ‬ ‫ال يَا آدَ ُم أنْؽِئ ْ ُه ْم بِأ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ال أَل َ ْم أ َ ُق ْل‬ ‫‪ٝ‬ت ِائ ِه ْم قَ َ‬ ‫أنْبَأ ُه ْم بِأ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ات‬ ‫ب َّ َ َ‬ ‫ل َ ُك ْم إ ِِّين أعْل َ ُم َغي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ون َو َما‬ ‫َو ْاأل َ ْر ِض َوأعْل َ ُم َما ُتب ْ ُد َ‬ ‫ون (‪)33‬‬ ‫ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد أن يرد‬ ‫عىل مبلحظة ا‪١‬تبلئكة بالنسبة ‪٠‬تلق‬ ‫آدم وخبلفته يف األرض ‪ ،‬وأن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يف حكمته ما ٮتفي‬ ‫عليهم ‪ .‬ولذلك فهم لم يدركوا‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تكمة ‪ .‬وقبل أن ٮتلق اهلل‬ ‫آدم و‪٬‬تعله خليفة يف األرض ‪. .‬‬

‫كان عىل علم بكل ما سيحدث من‬ ‫آدم وذريته حىت قيام الساعة ‪.‬‬ ‫وبعد قيام الساعة ‪ ،‬أما ا‪١‬تبلئكة ‪.‬‬ ‫فهم لم يكونوا عىل علم بذلك ‪.‬‬ ‫ألن هذا لؼس عملهم ‪ .‬وكما قلنا ‪:‬‬ ‫كل مؼسر ‪١‬تا خلق له ‪ .‬ولذلك أراد‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يعطي‬

‫للمبلئكة الصورة بأنكم قد‬ ‫حكمتم عىل آدم إما من ٕتربة‬ ‫‪ٞ‬تنس آخر عاش يف األرض ‪ ،‬وإما‬ ‫من ضرب بالغيب ‪ .‬وا‪١‬تقياسان‬ ‫غَت صحيحُت ‪ .‬ولذلك ميز اهلل‬ ‫سبحانه يف هذه اللحظة آدم عىل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة فعلمه أ‪ٝ‬تاء ا‪١‬تسميات‬

‫كلها ‪ ،‬ثم طلب من ا‪١‬تبلئكة أن‬ ‫ٮتربوه بهذه األ‪ٝ‬تاء ‪ .‬ولكنهم قالوا‬ ‫‪ :‬إن العلم من اهلل وحده ‪ .‬ؤتا أن‬ ‫اهلل تعاىل لم يعلمهم األ‪ٝ‬تاء فإهنم‬ ‫ال يعرفوهنا ‪ .‬فطلب اهلل من آدم أن‬ ‫ٮتربهم بأ‪ٝ‬تاء هذه ا‪١‬تسميات‬ ‫فأخربهم بها ‪ .‬ولكنه لم ٮتربهم‬

‫بها بذاته وال من قانونه ‪ .‬وال بعلم‬ ‫علمه وحده ‪ .‬ولكنه أخربهم‬ ‫بتعليم اهلل سبحانه وتعاىل له‪ .‬ويف‬ ‫ذلك يقول اهلل تعاىل ‪ { :‬ن َ ْرفَ ُع‬ ‫ٍ‬ ‫آء َوفَ ْو َق كُ ّ ِل ِذي عِل ْ ٍم‬ ‫دَ َر َجات َّمن ن َّ َش ُ‬ ‫لِ‬ ‫يم } ػ يوسف ‪] 76 :‬‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫إذن فَعِل ْ ُم آدم لؤل‪ٝ‬تاء كان ٔتشؼئة‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬وهذه ا‪١‬تشؼئة‬ ‫وحدها هي اليت جعلت آدم يف ذلك‬ ‫الوقت يعلم ما ال تعلمه ا‪١‬تبلئكة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهنا رد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عىل‬ ‫قول ا‪١‬تبلئكة بأن آدم سيفسد يف‬ ‫األرض ‪ .‬فذكرهم اهلل تعاىل بقوله‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ب‬ ‫‪ { :‬أل َ ْم أ ُق ْل ل َّ ُك ْم إين أعْل َ ُم َغي ْ َ‬

‫السماوات واألرض } أي أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل وحده هو الذي يعلم‬ ‫الغيب ‪ .‬والغيب هنا هو الغيب‬ ‫ا‪١‬تطلق ‪ .‬فهناك غيب نسبي ‪ .‬قد‬ ‫تسرق حافظة نقودي مثبل وأنا ال‬ ‫أعلم من الذي سرقها فهو غيب‬ ‫عٍت ‪ .‬ولكنه معلوم للذي سرق ‪،‬‬

‫وللذي سهل له طريقة السرقة بأن‬ ‫حرس له الطريق حىت يسرق دون‬ ‫أن يفاجئه أحد ‪ .‬وقد يكون قد‬ ‫صدر قرار هام بالنسبة يل كًتقية‬ ‫أو فصل أو حكم ‪ .‬لم يصلٍت ‪ .‬فأنا‬ ‫ال أعلمه ‪ .‬ولكن الذي وقع القرار‬ ‫أو ا‪ٟ‬تكم يعلمه ‪.‬‬

‫هذا الغيب النسبي ‪ .‬ال يعؾرب غؼبا ‪.‬‬ ‫ولكن الغيب ا‪١‬تطلق هو الذي لؼس‬ ‫له مقدمات تنبئ عما سيحدث ‪. .‬‬ ‫هذا الغيب الذي يفاجئك ‪.‬‬ ‫ويفاجئ كل من حولك ببل‬ ‫مقدمات ‪ . .‬هذا الغيب ال يعلمه‬ ‫إال اهلل وحده ‪ .‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬

‫َ‬ ‫ون‬ ‫َوأعْل َ ُم َما ُتب ْ ُد َ‬ ‫ون َو َما ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬ ‫} ‪ . .‬تعطؼنا هنا وقفة ‪ .‬هل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة قالوا هلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ أَتَ ْجع َ ُل فِيهَا َمن يُ ْف ِس ُد فِيهَا‬ ‫ك الدمآء َو َ‪٨‬ت ْ ُن ن ُ َسبِ ّ ُح‬ ‫َوي َ ْس ِف ُ‬ ‫ك } هل قا‪٢‬تا‬ ‫ك َونُقَ ِ ّد ُس ل َ َ‬ ‫ِْت َ ْم ِد َ‬ ‫ا‪١‬تبلئكة فعبل وجهرا ‪ ،‬أم أهنم‬

‫قالوها يف أنفسهم ولم ينطقوا بها ‪.‬‬ ‫ون‬ ‫‪ .‬قوله تعاىل { َو َما ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬ ‫} تعطؼنا إشارة إىل أن ا‪١‬تبلئكة‬ ‫رٔتا قالوا هذا سرا ‪ .‬ولم يبدوه ‪،‬‬ ‫وعىل أية حال ‪ .‬سواء قالوه جهرا ‪.‬‬ ‫أو قالوه سرا ‪ .‬فقد علمه اهلل ‪ .‬ألن‬ ‫اهلل جل جبلله ‪ . .‬بكل شيء ‪٤‬تيط ‪.‬‬

‫وال نريد ‪٢‬تذه النقطة أن تثَت جدال‬ ‫‪١ . .‬تاذا؟ ألنه يف ا‪ٟ‬تالتُت ‪ . .‬سواء يف‬ ‫ا‪ٞ‬تهر أو يف الكتمان‪ . .‬فإن ا‪١‬توقف‬ ‫يؾساوى عند علم اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ . .‬فبل داعي للجدل ألنه ال‬ ‫خبلف ‪.‬‬

‫َوإِذْ ُقلْنَا لِل ْ َم َبل ِئ َك ِة ْاس ُج ُدوا ِآلدَ َم‬ ‫ِ‬ ‫رب‬ ‫فَ َس َج ُدوا إ َِّال إِبْلؼ َس أ َ َىب َو ْاست َ ْك ََ‬ ‫ان ِم َن الْكَافِرِي َن (‪)34‬‬ ‫َوك َ َ‬

‫أصدر اهلل تعاىل أمره للمبلئكة‬ ‫لؼسجدوا آلدم ‪ .‬وهذه القضية‬ ‫أخذت جدال طويبل ‪ .‬قال بعض‬ ‫الناس ‪ :‬كيف يسجد ا‪١‬تبلئكة لغَت‬

‫اهلل؟ والسجود هلل وحده ‪ .‬وقال‬ ‫آخرون ‪ :‬هل معٌت سجود ا‪١‬تبلئكة‬ ‫آلدم أهنم عبدوه؟ وقالت فئة‬ ‫أخرى ‪ :‬السجود لغَت اهلل ال ‪٬‬توز‬ ‫ٖتت أي ظرف من الظروف ‪ .‬نقول‬ ‫‪٢‬تؤالء ‪ :‬أنكم لم تدركوا ا‪١‬تعٌت ‪،‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل بعد أن ميز آدم‬

‫عىل ا‪١‬تبلئكة بعلم األ‪ٝ‬تاء‪ . .‬طلب‬ ‫منهم أن يسجدوا آلدم ‪ ،‬وهنا البد‬ ‫أن نعرف أن السجود آلدم ‪ . .‬هو‬ ‫إطاعة ألمر اهلل ‪ . .‬ولؼست عبادة‬ ‫آلدم ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل هو الذي‬ ‫أمر ا‪١‬تبلئكة بالسجود ‪ .‬ولم‬ ‫يأمرهم بذلك آدم ‪ .‬وال ٭تق له أن‬

‫يأمرهم ‪ .‬فاألمر بالسجود هنا من‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬من أطاعه كان‬ ‫عابدا ‪ .‬ومن لم يطعه كان عاصيا ‪.‬‬ ‫ومن رد األمر عىل األمر كان كافرا ‪.‬‬ ‫ولكي نفهم معٌت العبادة نقول ‪ :‬إن‬ ‫العبادة هي طاعة أوامر اهلل ‪.‬‬ ‫واجؾناب نواهيه ‪ .‬فما قال يل اهلل ‪:‬‬

‫افعل ‪ .‬فإين أفعل ‪ .‬وما قال ‪ :‬ال‬ ‫تفعل ‪ .‬فإنٍت ال افعل ‪ . .‬ألن العبادة‬ ‫ه ي طاعة ‪٥‬تلوق ‪٠‬تالقه يف أوامره‬ ‫ونواهيه ‪ .‬ولذلك عندما نذهب إىل‬ ‫ا‪ٟ‬تج فإننا نقبل ا‪ٟ‬تجر األسود يف‬ ‫الكعبة ‪ ،‬ونرجم ا‪ٟ‬تجر الذي ٯتثل‬ ‫إبلؼس يف مٌت ‪ .‬نقبل حجرا‬

‫ونرجم حجرا ‪ . .‬هذا هو معٌت‬ ‫عبادة اهلل واتباع منهجه ‪ .‬كما‬ ‫أمرنا نفعل ‪ .‬ال شيء مقدس عندنا‬ ‫‪ . .‬إال أمر اهلل ومهنجه ‪ .‬ا‪١‬تبلئكة‬ ‫هنا لم يسجدوا آلدم ‪ .‬ولكنهم‬ ‫سجدوا ألوامر اهلل بالسجود آلدم ‪.‬‬ ‫وفرق كبَت بُت السجود لشيء ‪،‬‬

‫وبُت السجود ألمر اهلل ‪ .‬السجود‬ ‫ألمر اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ال يعؾرب‬ ‫خروجا عىل ا‪١‬تنهج ‪ ،‬ألن األساس هو‬ ‫طاعة اهلل ‪ .‬وهل سجد كل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة آلدم؟ ال ‪ .‬وإ‪٪‬تا سجد آلدم‬ ‫ا‪١‬تبلئكة الذين ‪٢‬تم مهمة معه ‪،‬‬ ‫وتلك ا‪١‬تهمة قد أوضحها اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل يف قوله ‪َ { :‬وإ َِّن‬ ‫عَلَي ُكم َ‪ٟ‬تافِ ِظُت * ِك َراما ًكَاتِ‬ ‫ِ‬ ‫ُت*‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ َ‬ ‫ون } ػ االنفطار ‪:‬‬ ‫ون َما تَ ْفعَل ُ َ‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬ ‫‪] 12-10‬‬ ‫وقوله سبحانه ‪َّ { :‬ما يَل ْ ِف ُظ ِمن قَ ْو ٍل‬ ‫إِال َّل َ َدي ْ ِه رقِ‬ ‫يب عَؾِي ٌد } ػ ق ‪] 18 :‬‬ ‫َ ٌ‬ ‫وقوله سبحانه ‪ { :‬فا‪١‬تدبرات أ َ ْمرا ً‬

‫} ػ النازعات ‪] 5 :‬‬ ‫إذن هناك من ا‪١‬تبلئكة من‬ ‫سؼسجل عىل اإلنسان أعماله ‪.‬‬ ‫وكل قول يقوله وكل فعل يفعله ‪.‬‬ ‫بل ويكؾبون هذه األفعال ‪ .‬ومنهم‬ ‫من ٭تفظه من الشياطُت ‪ ،‬ومنهم‬ ‫من ينفذ أقدار اهلل يف األرض ‪.‬‬

‫هؤالء ‪ٚ‬تيعا ‪٢‬تم مهمة مع اإلنسان‬ ‫‪ .‬ولكن األمر بالسجود لم يشمل‬ ‫أولئك ا‪١‬تبلئكة العالُت من ‪ٛ‬تلة‬ ‫العرش وحراس السماء وغَتهم‬ ‫‪٦‬تن لؼست ‪٢‬تم مهمة مع اإلنسان ‪.‬‬ ‫ولذلك عندما رفض إبلؼس‬ ‫ال‬ ‫السجود ‪ .‬قال له اهلل تعاىل ‪ { :‬قَ َ‬

‫ك أَن تَ ْس ُج َد ِ‪١‬تَا‬ ‫ياإبلؼس َما َمنَعَ َ‬ ‫نت‬ ‫رب َت أ َ ْم ُك َ‬ ‫َخلَقْ ُت بِي َ َد َّي أ َ ْست َ ْك َْ‬ ‫ِم َن العالُت } ػ ص ‪] 75 :‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ . .‬كنت من العالُت أي‬ ‫أنك كنت من ا‪١‬تبلئكة العالُت ‪. .‬‬ ‫الذين لم يشملهم أمر السجود ‪.‬‬

‫إذن فأمر السجود آلدم ‪ . .‬كأمر اهلل‬ ‫لنا بالسجود إىل القبلة يف الصبلة ‪.‬‬ ‫فنحن ال نسجد للقبلة ذاهتا ‪. .‬‬ ‫ولكننا نسجد ألمر اهلل بالسجود إىل‬ ‫القبلة ‪ . .‬سجد ا‪١‬تبلئكة الذين‬ ‫مشلهم أمر السجود ألمر اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ولكن إبلؼس‬

‫رفض أن يسجد ‪ .‬وعىص أمر اهلل ‪.‬‬ ‫بعض الناس يقولون ‪ :‬أن إبلؼس‬ ‫لم يكن من الذين أمرهم اهلل تعاىل‬ ‫بالسجود ‪ .‬ألن األمر مشل‬ ‫ا‪١‬تبلئكة وحدهم ‪ . .‬وإبلؼس لؼس‬ ‫ملكا ‪ .‬ولكنه من ا‪ٞ‬تن ‪ .‬كما يروي‬ ‫لنا القرآن الكريم يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬

‫ِ‬ ‫ان ِم َن ا‪ٞ‬تن فَ َف َس َق َع ْن‬ ‫إِال َّإِبْلؼ َس ك َ َ‬ ‫أ َ ْم ِر َربِّ ِه } ػ الكهف ‪] 50 :‬‬ ‫ونقول ‪ :‬إن كون إبلؼس من ا‪ٞ‬تن‬ ‫هو الذي جعله يعصي أمر اهلل‬ ‫بالسجود ‪ .‬فلو أن إبلؼس كان من‬ ‫ا‪١‬تبلئكة وهم مقهورون عىل‬ ‫الطاعة كان البد أن يطيع أمر اهلل‬

‫ويسجد ‪ .‬ولكن كونه من ا‪ٞ‬تن‬ ‫الذين ‪٢‬تم اخؾيار يف أن يطيعوا وأن‬ ‫يعصوا فذلك الذي مكنه أن يعصي‬ ‫أمر السجود ‪ .‬ولذلك فإن الذين‬ ‫يأخذون من اآلية الكرٯتة أن‬ ‫إبلؼس كان من ا‪ٞ‬تن ‪ .‬بأنه لم‬ ‫يشمله أمر السجود ‪ .‬نقول ‪٢‬تم ‪:‬‬

‫إن اٌفق سبحانه وتعاىل قد أخربنا‬ ‫عن جنس إبلؼس حىت نفهم من‬ ‫أي باب إىل ا‪١‬تعصية دخل ‪ . .‬ذلك‬ ‫أنه دخل من باب االخؾيار ا‪١‬تمنوح‬ ‫لئلنس وا‪ٞ‬تن يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬ ‫وحدها ‪ ،‬ولو أراد اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل أن يكون إبلؼس مقهورا عىل‬

‫الطاعة ما كان يستطيع أن يعصي ‪.‬‬ ‫ولكن معصؼته جاءت من أنه خلق‬ ‫‪٥‬تتارا‪ . .‬واالخؾيار هو الباب الذي‬ ‫دخل منه إىل ا‪١‬تعصية ‪ .‬هذه حقيقة‬ ‫‪٬‬تب أن نفهمها ‪ .‬ولذلك يرد ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل عىل كل من سيخطر‬ ‫بباله أن أمر السجود لم يشمل‬

‫إبلؼس لكونه من ا‪ٞ‬تن لقوله‬ ‫ك أَال َّ‬ ‫ال َما َمنَعَ َ‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫ك } ػ األعراف ‪:‬‬ ‫تَ ْس ُج َد إِذْ أ َ َم ْر ُت َ‬ ‫‪] 12‬‬ ‫وكان كفر إبلؼس وخلوده يف النار‬ ‫أنه رد األمر عىل اآلمر ‪ .‬وقال ‪{ :‬‬ ‫أَأ َ ْس ُج ُد ِ‪١‬ت َ ْن َخلَقْ َت ِطؼنا ً} ػ‬

‫اإلسراء ‪] 61 :‬‬ ‫وقد كان وجود إبلؼس مع األعىل منه‬ ‫وهم ا‪١‬تبلئكة ‪ .‬مربرا أكرب‬ ‫للسجود ‪.‬‬ ‫فمادام قد صدر األمر إىل األعىل‬ ‫بالسجود فإنه ينطبق عىل األدىن ‪.‬‬ ‫وقد كان إبلؼس كما جاء يف األثر‬

‫يس ىم طاووس ا‪١‬تبلئكة ‪ . .‬وكان‬ ‫يزهو ٓتيبلء بؼنهم ‪ . .‬وهذه ا‪٠‬تيبلء‬ ‫أو الكرب هو الذي جعله يقع يف‬ ‫ا‪١‬تعصية ‪ ،‬وألن إبلؼس خلق ‪٥‬تتارا ‪.‬‬ ‫فقد كان مزهوا باخؾياره لطاعة‬ ‫اهلل ‪ . .‬قبل أن يقوده غروره إىل‬ ‫الكفر وا‪١‬تعصية ‪ .‬ولذلك لم يكد‬

‫يصدر األمر من اهلل بالسجود آلدم‬ ‫‪ .‬حىت امؾنع إبلؼس تكربا منه ‪. .‬‬ ‫ولم ‪٬‬تاهد نفسه عىل طاعة اهلل ‪. .‬‬ ‫فمعصية إبلؼس هي معصية يف‬ ‫القمة ‪ .‬ألنه رد األمر عىل اآلمر‬ ‫وظن أنه خَت من آدم ‪ . .‬ولم يلتزم‬ ‫بطاعة اهلل ‪ ،‬ومىض غروره يقوده‬

‫من معصية إىل أخرى ‪ .‬فطرده اهلل‬ ‫من ر‪ٛ‬تته وجعله رجيما ‪ .‬و‪١‬تا‬ ‫عرف إبلؼس أنه طرد من ر‪ٛ‬تة‬ ‫اهلل طلب من اهلل سبحانه وتعاىل أن‬ ‫يبقيه إىل يوم الدين ‪ ،‬وأقسم‬ ‫إبلؼس بعزة اهلل أن يغري بٍت آدم ‪.‬‬

‫‪ .‬حدد األماكن اليت يأيت منها‬ ‫اإلغواء ‪ .‬فقال ‪ُ { :‬ث َّم آلتِؼَنَّ ُه ْم ِّمن‬ ‫بَ ْ ِ‬ ‫ف ْم َو َع ْن‬ ‫ُت أَي ْ ِدي ِه ْم َو ِم ْن َخل ْ ِه‬ ‫أ َ ْٯت َ ِ ِ‬ ‫مش ِآئلِ ِه ْم َوال َ َ ِٕت ُد‬ ‫اهن ْم َو َعن َ َ‬ ‫أ َ ْكث َ َر ُه ْم َشا ِكرِي َن } ػ األعراف ‪:‬‬ ‫‪] 17‬‬ ‫نبلحظ هنا أن ا‪ٞ‬تهات بالنسبة‬

‫لئلنسان ستة ‪ .‬اليمُت والشمال ‪.‬‬ ‫واألمام وا‪٠‬تلف وأعىل وأسفل ‪،‬‬ ‫ولكن إبلؼس لم يذكر إال أربعة‬ ‫فقط ‪ .‬أما ا‪ٞ‬تهتان األخَتتان و‪٫‬تا‬ ‫األعىل واألسفل ‪ .‬فبل يستطيع‬ ‫إبلؼس أن يقًتب منهما ‪ .‬أما‬ ‫األسفل فهو مكان السجود‬

‫وا‪٠‬تضوع هلل ‪ .‬وأما األعىل فهو مكان‬ ‫صعود الصبلة والدعاء ‪ .‬وهذان‬ ‫ا‪١‬تكانان ال يستطيع إبلؼس أن‬ ‫يقًتب منهما ‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن إبلؼس لم ٯتؾنع‬ ‫عن السجود فقط ‪ .‬وإ‪٪‬تا رد األمر‬ ‫عىل اآلمر ‪ .‬وهذا أول الكفر ‪ .‬ثم‬

‫بعد ذلك مىض يف غيه فتوعد آدم‬ ‫وذريته بأن يضلهم عن سؽيل اهلل ‪.‬‬

‫ك‬ ‫َو ُقلْنَا يَا آدَ ُم ا ْس ُك ْن أَن ْ َت َوزَ ْو ُج َ‬ ‫ث ِشػ ْ ُت َما‬ ‫ا‪ٞ‬تَْنَّةَ َوكُ َبل ِمنْهَا َرغ َ ًدا َحي ْ ُ‬ ‫َو َال تَقْ َربَا َه ِذ ِه ال َّش َج َرةَ فَت َ ُكونَا ِم َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُت (‪)35‬‬ ‫الظا‪١‬ت ِ َ‬

‫بعد أن خلق اهلل سبحانه وتعاىل آدم‬ ‫وأمر ا‪١‬تبلئكة أن تسجد له وحدث‬ ‫كفر إبلؼس ومعصؼته أراد اهلل جل‬ ‫جبلله أن ٯتارس آدم مهمته عىل‬ ‫األرض ‪ .‬ولكنه قبل أن ٯتارس‬ ‫مهمته أدخله اهلل يف ٕتربة عملية‬ ‫عن ا‪١‬تنهج الذي سيؾبعه اإلنسان يف‬

‫األرض ‪ ،‬وعن الغواية اليت‬ ‫سؼتعرض ‪٢‬تا من إبلؼس ‪ .‬فاهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ر‪ٛ‬تة منه لم يشأ أن‬ ‫يبدأ آدم مهمته يف الوجود عىل‬ ‫أساس نظري ‪ ،‬ألن هناك فرقا بُت‬ ‫الكبلم النظري والتجربة‪.‬‬ ‫قد يقال لك شيء وتوافق عليه من‬

‫الناحية النظرية ولكن عندما يأيت‬ ‫الفعل فإنك ال تفعل شؼئا ‪ .‬إذن‬ ‫فالفًتة اليت عاش فيها آدم يف ا‪ٞ‬تنة‬ ‫كانت تطبيقا عمليا ‪١‬تنهج العبودية‬ ‫‪ ،‬حىت إذا ما خرج إىل مهمته لم‬ ‫ٮترج ٔتبدأ نظري ‪ ،‬بل خرج‬ ‫ٔتنهج عملي تعرض فيه ال فعل وال‬

‫تفعل ‪ .‬وا‪ٟ‬تبلل وا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬وإغواء‬ ‫الشيطان وا‪١‬تعصية ‪ .‬ثم بعد ذلك‬ ‫يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود‬ ‫إىل اهلل ‪ .‬وليعرف بنو آدم أن اهلل ال‬ ‫يغلق بابه يف وجه العاصي ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫يفتح له باب التوبة ‪ .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل أسكن آدم ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬وبعض‬

‫الناس يقول ‪ :‬أهنا جنة ا‪٠‬تلد اليت‬ ‫سيدخل فيها ا‪١‬تؤمنون يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫وبعضهم قال ‪ :‬لوال أن آدم عىص‬ ‫لكنا نعؼش يف ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬نقول ‪٢‬تم ال ‪.‬‬ ‫‪ .‬جنة اآلخرة هي لآلخرة وال يعؼش‬ ‫فيها إنسان فًتة من الوقت ثم بعد‬ ‫ذلك يطرد منها بل هي كما أخربنا‬

‫اهلل تعاىل جنة ا‪٠‬تلد ‪ . .‬كل من‬ ‫دخلها عاش يف نعيم أبدي ‪.‬‬ ‫إذن فما هي ا‪ٞ‬تنة اليت عاش فيها‬ ‫آدم وحواء؟ هذه ا‪ٞ‬تنة هي جنة‬ ‫التجربة أو ا‪١‬تكان الذي ٘تت فيه‬ ‫ٕتربة تطؽيق ا‪١‬تنهج ‪ .‬و‪٨‬تن إذا قرأنا‬ ‫القرآن الكريم ‪٧‬تد أن ا‪ٟ‬تق‬

‫سبح انه وتعاىل قد أطلق لفظ ا‪ٞ‬تنة‬ ‫عىل جنات األرض ‪ .‬وا‪ٞ‬تنة تأيت من‬ ‫لفظ « جن » وهو السًت ‪ ،‬ذلك أن‬ ‫فيها أشجارا كؿيفة تسًت من‬ ‫يعؼش فيها فبل يراه أحد ‪ .‬وفيها‬ ‫‪ٙ‬ترات تعطيه استمرار ا‪ٟ‬تياة فبل‬ ‫٭تتاج إىل أن ٮترج منها ‪ .‬و‪٧‬تد يف‬

‫القرآن الكريم قوله تعاىل ‪ { :‬إِن َّا‬ ‫بَلَون ُاهم كَما بَلَونَآ أ َ‬ ‫اب ا‪ٞ‬تنة‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ َ ْ‬ ‫إِذْ أَقْسموا ْلَي ْص ِرمنَّهَا م ْصبِ ِ‬ ‫ُت *‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ ُ‬ ‫ون } ػ القلم ‪-17 :‬‬ ‫َوال َي َ ْستَؿ ْ ُن َ‬ ‫‪] 18‬‬ ‫وهذه قصة األخوة الذين كانوا‬ ‫ٯتلكون جنة من جنان األرض‬

‫فمنعوا حق الفقَت وا‪١‬تسكُت‬ ‫واليؾيم ‪ ،‬فذهب اهلل بثمر ا‪ٞ‬تنة‬ ‫كلها وأحرق أشجارها ‪ .‬وهناك يف‬ ‫سورة الكهف قصة صاحب ا‪ٞ‬تنتُت‬ ‫‪ :‬يف قوله تعاىل ‪ { :‬واضرب ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ُت جعلْنا ألَح ِد ِ‬ ‫‪٫‬تا َجنَّت َ ْ ِ‬ ‫ُت‬ ‫َّمثَبل ً َّر ُجل َ ْ ِ َ َ َ َ َ‬ ‫ِم ْن أ َ ْعن َ ٍ‬ ‫ا‪٫‬تا بِن َ ْخ ٍل‬ ‫اب َو َح َففْن َ ُ َ‬

‫َو َجعَلْنَا بَؼْن َ ُه َما زَ ْرعا ً} ػ الكهف ‪:‬‬ ‫‪] 32‬‬ ‫وهي قصة ذلك الرجل الذي أعطاه‬ ‫اهلل جنتُت ‪ . .‬فبدال من أن يشكر‬ ‫اهلل تعاىل عىل نعمه ‪ . .‬كفر وأنكر‬ ‫البعث وا‪ٟ‬تساب ‪ .‬ويف سورة سبأ‬ ‫اقرأ قوله تعاىل عن أهل سبأ الذين‬

‫هداهم اهلل وبُت ‪٢‬تم الطريق‬ ‫ا‪١‬تستقيم ولكنهم فضلوا الكفر ‪.‬‬ ‫واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬ل َ َق ْد‬ ‫ان ل ِ َسبَإٍ ِيف َم ْس َك ِن ِه ْم آي َ ٌة َجنَّ َت ِ‬ ‫ان‬ ‫كَ َ‬ ‫عن ِٯت ٍ ِ‬ ‫مش ٍال كُلُوا ْ ِمن ِّرزْ ِق‬ ‫َ َ‬ ‫ُت َو َ‬ ‫َر ِبّ ُك ْم واشكروا ل َ ُه بَل ْ َدةٌ َط ِؼّب َ ٌة َو َر ٌّب‬ ‫ور * فَأ َ ْع َر ُضوا ْفَأ َ ْر َسلْنَا عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫َغ ُف ٌ‬

‫َسي ْ َل العرم َوب َ ّدَلْن َ ُاه ْم ِّتَنَّؾَي ْ ِه ْم‬ ‫ايت أُكُ ٍل َ‪ٜ‬تْ ٍط وأَث ٍْل و َشيءٍ‬ ‫َجنَّت َ ْ ِ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُت ذَ َو َ ْ‬ ‫ِّمن ِس ْد ٍر قَلِ ٍ‬ ‫يل * ذلك َج َزيْن َ ُاه ْم ِٔتَا‬ ‫َك َف ُروا ْ َو َه ْل ‪٧‬تازي إِال َّالكفور } ػ‬ ‫سبأ ‪] 17-15 :‬‬ ‫وهكذا نرى أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يف القرآن الكريم قد أطلق لفظ‬

‫ا‪ٞ‬تنة عىل جنات الدنيا ‪ ،‬ولم يقصره‬ ‫عىل جنة اآلخرة ‪.‬‬ ‫إذن فآدم حُت قال له اهلل سبحانه‬ ‫ك‬ ‫نت َوزَ ْو ُج َ‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬اسكن أ َ َ‬ ‫ا‪ٞ‬تنة } ػ األعراف ‪] 19 :‬‬ ‫فهي لؼست جنة ا‪٠‬تلد وإ‪٪‬تا هي جنة‬ ‫سيمارس فيها ٕتربة تطؽيق ا‪١‬تنهج‬

‫‪ .‬ولذلك ال يقال ‪ :‬كيف دخل‬ ‫إبلؼس ا‪ٞ‬تنة بعد أن عىص وكفر ‪،‬‬ ‫ألن هذه لؼست جنة ا‪٠‬تلد والبد أن‬ ‫تنؾبه إىل ذلك جيدا حىت ال يقال أن‬ ‫معصية آدم هي اليت أخرجت البشر‬ ‫من ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬ألن اهلل تعاىل قبل أن‬ ‫ٮتلق آدم حدد مهمته فقال ‪َ { :‬وإِذْ‬

‫ك لِل ْ َمبل َ ِئ َك ِة إ ِِّين َجاعِ ٌل ِيف‬ ‫ال َربُّ َ‬ ‫قَ َ‬ ‫األرض َخلِي َفةً} ػ البقرة ‪] 30 :‬‬ ‫فآدم ‪٥‬تلوق للخبلفة يف األرض ومن‬ ‫صلح من ذريته يدخل جنة ا‪٠‬تلد يف‬ ‫اآلخرة ‪ ،‬ومن دخل جنة ا‪٠‬تلد عاش‬ ‫يف النعيم خالدا ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬

‫ث ِشػ ْ ُت َما } فاهلل‬ ‫َوكُبل َ ِمنْهَا َرغَدا ً َحي ْ ُ‬ ‫سبحانه وتعاىل أمد ا‪ٞ‬تنة اليت سكنها‬ ‫آدم وحواء بكل ما يضمن استمرار‬ ‫حياهتما ‪٘ ،‬تاما كما خلق كل النعم‬ ‫اليت تضمن استمرار حياة آدم‬ ‫وذريته يف األرض قبل أن تبدأ‬ ‫ا‪ٟ‬تياة البشرية عىل األرض ‪ .‬فاهلل‬

‫سبحانه وتعاىل له عطاء ربوبية فهو‬ ‫الذي خلق ‪ .‬وهو الذي أوجد من‬ ‫عدم ‪ ،‬ولذلك فقد ضمن ‪٠‬تلقه ما‬ ‫يعطيهم استمرار ا‪ٟ‬تياة عىل‬ ‫األرض من ماء وهواء وطعام ونعم‬ ‫ال تعد وال ٖتىص فكأن اهلل تعاىل قد‬ ‫أمد ا‪ٞ‬تنة اليت سكن فيها آدم‬

‫وزوجته بكل عوامل استمرار‬ ‫حياهتما قبل أن يسكناها ‪ .‬كما‬ ‫أمد األرض بكل وسائل استمرار‬ ‫حياة اإلنسان قبل أن يزنل آدم‬ ‫إليها ‪ .‬إذن فقوله تعاىل ‪ { :‬يَآءَادَ ُم‬ ‫ك ا‪ٞ‬تنة } ‪.‬‬ ‫اسكن أَن ْ َت َوزَ ْو ُج َ‬ ‫هذه فًتة التدريب عىل تطؽيق‬

‫ا‪١‬تنهج ‪ .‬والسكن هو ا‪١‬تكان الذي‬ ‫يرتاح فيه اإلنسان ويرجع إليه‬ ‫تساففًتات ‪،‬‬ ‫دائما ‪ .‬فأنت قد ر‬ ‫وكل الدول اليت ٘تر بها خبلل‬ ‫سفرك ال تعؾرب سكنا إىل أن تعود إىل‬ ‫بؼتك ‪ ،‬فهذا هو السكن والرجل‬ ‫يكد ويتعب يف ا‪ٟ‬تياة وأينما ذهب‬

‫فإنه يعود مرة أخرى إىل ا‪١‬تكان‬ ‫الذي يسكنه لؼسًتيح فيه ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وال َتَ ْق َربَا هذه‬ ‫الشجرة } هو استكمال للمنهج ‪.‬‬ ‫فهناك أمر وهني افعل وال تفعل ‪{ :‬‬ ‫ك ا‪ٞ‬تنة } أمر ‪:‬‬ ‫اسكن أَن ْ َت َوزَ ْو ُج َ‬ ‫{ َوكُبل َ ِمنْهَا َرغَدا ً} أمر ‪َ { ،‬وال َ‬

‫تَ ْق َربَا هذه الشجرة } هني وهذا‬ ‫أول منهج يعلم اإلنسان الطاعة هلل‬ ‫سبحانه وتعاىل واالمؾناع عما هنى‬ ‫عنه ‪ ،‬وكل رسائل السماء ومناهج‬ ‫اهلل يف األرض أمر ونهي‪.‬‬ ‫‪ .‬افعل كذا وال تفعل كذا ‪.‬‬ ‫وهكذا فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬

‫ضمن آلدم ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ولؼست ا‪ٟ‬تياة‬ ‫فقط ولكن رغدا ‪ .‬أي مباحا وببل‬ ‫تعب وعن سعة وبدون مشقة ‪.‬‬ ‫كما أننا نبلحظ هنا أن ا‪١‬تباح كثَت‬ ‫وا‪١‬تمنوع قليل ‪ .‬فكل ما يف ا‪ٞ‬تنة من‬ ‫الطعام والشراب مباح آلدم ‪ ،‬وال‬ ‫قيد إال عىل شيء واحد ‪ . .‬شجرة‬

‫واحدة من بُت ألوف األشجار اليت‬ ‫كانت موجودة يف ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬شجرة‬ ‫واحدة فقط هي ا‪١‬تمنوعة ‪.‬‬ ‫وإذا نظرت إىل منهج السماء إىل‬ ‫األرض ٕتد أن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫قد أباح فيه نعما ال ٖتىص وال تعد‬ ‫وقيد فيه أقل القليل ‪ . .‬فالذي‬

‫هنانا اهلل عنه بالنسبة لنعماألرض‬ ‫هو أقل القليل ‪ ،‬كما كان يف جنة‬ ‫آدم شجرة واحدة وا‪١‬تباح بعد ذلك‬ ‫كثَت ‪ .‬وإذا أخذنا ألفاظ العبارات‬ ‫‪٧‬تد أن اهلل سبحانه وتعاىل ساعة‬ ‫يقول ‪ { :‬و ُقلْنَا يَآءَادَ ُم } أىت‬ ‫بضمَت « ن » ضمَت ا‪ٞ‬تمع ‪ ،‬ألن‬

‫اهلل واحد أحد ‪ ،‬ولكنهم يسموهنا ‪:‬‬ ‫نون الكربياء ونون العظمة ‪.‬‬ ‫إذن فكل حدث يأيت فيه ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل بنون الكربياء ونون‬ ‫التعظيم ‪ .‬ألن كل فعل من األفعال‬ ‫٭تتاج إىل صفات متعددة حىت يتم ‪.‬‬ ‫فأنت إذا أردت أن تفعل شؼئا فإنه‬

‫يقتضي منك قوة ويقتضي منك‬ ‫علما ويقتضي منك قدرة ويقتضي‬ ‫منك حكمة ‪ . .‬إذن فهناك صفات‬ ‫كثَتة موجودة يقتضيها الفعل ‪.‬‬ ‫ولكن حُت يتكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل عن شهادة التوحيد يقول «‬ ‫إنٍت أنا اهلل » وال يقول ‪ :‬إ‪٪‬تا ‪٨‬تن‬

‫اهلل ‪ . .‬ألنه جل جبلله ‪ .‬يريد‬ ‫توحيدا ‪ .‬ففي موقع التوحيد يأيت‬ ‫بضمَت اإلفراد واحد أحد ‪ . .‬أما‬ ‫يف صدر األحداث ‪ .‬فيأيت بضمَت‬ ‫الكربياء والعظمة ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫اها بِأَيي ْ ٍد‬ ‫تعاىل ‪ { :‬والسمآء بَنَؼْن َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ الذاريات ‪47 :‬‬ ‫َوإِن َّا َ‪١‬تُوس ُع َ‬

‫]‬ ‫وعندما أراد ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن‬ ‫ٯتتدح إبراهيم قال ‪ { :‬إ َِّن‬ ‫ِ‬ ‫ان أُ َّمةً} ما معٌت أُ َّمة؟‬ ‫يم ك َ َ‬ ‫إِب ْ َراه َ‬ ‫أي جامعا لصفات ا‪٠‬تَت اليت ال‬ ‫ٕتتمع يف فرد ولكنها ٕتتمع يف أمة ‪.‬‬ ‫فاألمة ٕتتمع فيها صفات ا‪٠‬تَت ‪. .‬‬

‫هذا متميز بالصدق ‪ ،‬وذلك‬ ‫بالشجاعة ‪ .‬وهذا با‪ٟ‬تلم ‪ .‬فأراد‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يقول إن‬ ‫إبراهيم كان أمة أي أنه كان جامعا‬ ‫لصفات ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫ويف قوله { و ُقلْنَا يَآءَادَ ُم } آدم اسم‬ ‫علم عىل ا‪١‬تس ىم الذي هو أول خلق‬

‫اهلل من البشر « واسكن » ٖتتاج إىل‬ ‫عنصرين ‪ :‬ا‪٢‬تدوء واالطمػنان ‪. .‬‬ ‫هذا هو معٌت اسكن ‪ .‬توفَت ا‪٢‬تدوء‬ ‫واالطمػنان ‪ ،‬ومنه أخذ اسم‬ ‫السكن ‪ .‬وكلمة ا‪١‬تسكن وأطلق‬ ‫عىل الزوجة ‪ . .‬وإذا فقد ا‪١‬تكان‬ ‫الذي تسكن فيه عنصرا من هذين‬

‫العنصرين و‪٫‬تا ا‪٢‬تدوء والطمأنؼنة‬ ‫ال يقال عليه مسكن ‪ .‬والزوجة‬ ‫‪ٝ‬تيت سكنا كما جاء يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫{ َو ِم ْن آيَاتِ ِه أ َ ْن َخل َ َق ل َ ُكم ِّم ْن‬ ‫أ َ ُنف ِس ُك ْم أَزْ َواجا ًلؾسكنوا إِلَيْهَا‬ ‫‪ٛ‬تةً} ػ‬ ‫َو َجعَ َل بَؼْن َ ُكم َّم َو َّدة ً َو َر ْ َ‬ ‫الروم ‪] 21 :‬‬

‫ألن ا‪٢‬تدوء والر‪ٛ‬تة والربكة‬ ‫تتوافر يف الزوجة الصا‪ٟ‬تة ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬ ‫{ َو َص ّ ِل عَلَي ْ ِه ْم إ َِّن صبلوتك َسك ٌَن‬ ‫َّ‪٢‬ت ُ ْم } ػ التوبة ‪] 103 :‬‬ ‫أي راحة واطمػنانا ور‪ٛ‬تة ‪.‬‬ ‫فاإلنسان يريد يف بؼته أن تكون‬

‫ا‪ٟ‬تياة فيه مر٭تة له من عناء العمل‬ ‫وصخب ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬اسكن أَن ْ َت‬ ‫ك } وكان من ا‪١‬تمكن أن‬ ‫َوزَ ْو ُج َ‬ ‫يقول اسكن وزوجك ألن الفاعل‬ ‫يف فعل األمر دائما مسؾًت ‪ .‬ولكنه‬ ‫سبحانه قال ‪ :‬اسكن أنت وزوجك‬

‫‪ . .‬وإياك أن تظن أن أنت هو‬ ‫فاعل الفعل اسكن ‪ .‬ولكنه ضمَت‬ ‫جاء ليفصل بُت اسكن وبُت‬ ‫زوجك حىت ال يعطف االسم عىل‬ ‫الفعل ‪.‬‬ ‫أننا البد أن نبلحظ أن كلمة زوج‬ ‫تطلق عىل الفرد ومعه مثله ‪ .‬ولذلك‬

‫بت التأنيث ‪ . .‬اسكن‬ ‫لم يأت اء‬ ‫أنت وزوجتك ‪ .‬ألن األمر التكليفي‬ ‫من اهلل ‪ .‬سواء فيه الذكر واألنثى ‪.‬‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬و َم ْن َع ِم َل‬ ‫َص ِا‪ٟ‬تا ً ِّمن ذَ َك ٍر أ َ ْو أنثى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن }‬ ‫ػ غافر ‪] 40 :‬‬ ‫إذن فهما مؾساويان يف هذه الناحية‬

‫‪ .‬هذه ا‪ٞ‬تنة ماذا وفر اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل آلدم وزوجه فيها؟ اقرأ قوله‬ ‫ك أَال َّ َ ُٕتوعَ‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬إ َِّن ل َ َ‬ ‫فِيهَا َوال َتعرى * َوأَن ّ ََك ال َتَ ْظ َمأُ فِيهَا‬ ‫َوال َتضْح } ػ طه ‪119-118 :‬‬ ‫]‬ ‫هذه عناصر ا‪ٟ‬تياة اليت وفرها اهلل‬

‫آلدم وزوجه يف جنة التجربة‬ ‫اإلٯتانية العملية عىل التكليف ‪.‬‬ ‫وهكذا نرى من األوصاف اليت‬ ‫أعطاها اهلل سبحانه وتعاىل لنا ‪٢‬تذه‬ ‫ا‪ٞ‬تنة أهنا لؼست جنة اآلخرة ‪ .‬ألنه‬ ‫أوال فيها تكليف ‪ .‬يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوال َتَ ْق َربَا هذه الشجرة } وجنة‬

‫اآلخرة ال تكليف فيها ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل أباح آلدم وحواء أن‬ ‫يأكبل كما يشاءان من ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬وا‪ٞ‬تنة‬ ‫فيها أصناف كثَتة متعددة ‪.‬‬ ‫ث ِشػ ْ ُت َما }‬ ‫ولذلك قال ‪َ { :‬حي ْ ُ‬ ‫وأنت ال تستطيع أن تقدم إلنسان‬ ‫صنفا أو صنفُت وتقول له كل ما‬

‫شئت ‪ .‬ألنه ال يوجد أمامه إال ‪٣‬تال‬ ‫ضيق لبلخؾيار ‪ ،‬كما أن قلة عدد‬ ‫األصناف ٕتعل النفس ٘تل ‪.‬‬ ‫ولذلك البد أن يكون هناك‬ ‫أصناف متعددة وكثَتة ‪.‬‬ ‫ثم جاء النهي ‪ .‬يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ‬ ‫تَ ْق َربَا هذه الشجرة } أي ال تقًتبا‬

‫من مكاهنا ‪ .‬ولكن ‪١‬تاذا لم يقل ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل وال تأكبل من هذه‬ ‫الشجرة؟ ‪ .‬ألن اهلل جل جبلله‬ ‫ر‪ٛ‬تة بآدم وزوجه كان ال يريد‪٫‬تا‬ ‫أن يقعا يف غواية ا‪١‬تعصية ‪ .‬فلو أنه‬ ‫قال ‪ :‬وال تأكبل من هذه الشجرة‬ ‫لكان مباحا ‪٢‬تما أن يقًتبا منها‬

‫فتجذبهما ّتمال منظرها ويقًتبا‬ ‫من ‪ٙ‬تارها فتفؾنهما برائحتها‬ ‫العذبة ولوهنا ا‪ٞ‬تذاب ‪ .‬حينئذ‬ ‫٭تدث اإلغواء ‪ .‬و٘تتد أيديهما‬ ‫ٖتت هذا اإلغراء إىل الشجرة ليأكبل‬ ‫منها ‪.‬‬ ‫ولكن اهلل تعاىل يعلم أن النفس‬

‫البشرية إذا حرم عليها شيء ولم‬ ‫ولكان ذلك أدىع أال تفعله ‪.‬‬ ‫ٖتم ح ه‬ ‫فاهلل تعاىل حُت حرم ا‪٠‬تمر لم يقل‬ ‫حرمت عليكم ا‪٠‬تمر وإال كنا‬ ‫جلسنا يف ‪٣‬تالس ا‪٠‬تمر ومع الذين‬ ‫يشربوهنا ‪ .‬أو نتاجر فيها وهذا كله‬ ‫إغراء بشرب ا‪٠‬تمر‪ . .‬ولكنه قال‬

‫‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْإ َِّ‪٪‬تَا ا‪٠‬تمر‬ ‫وا‪١‬تؼسر واألنصاب واألزالم‬ ‫ر ِْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل الشيطان‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫فاجتنبوه لَعَل َّ ُك ْم ُت ْفل ُح َ‬

‫ػ ا‪١‬تائدة ‪] 90 :‬‬ ‫هذا النص الكريم قد جعلنا نؽتعد‬ ‫عن األماكن اليت فيها ا‪٠‬تمور ‪ .‬فبل‬

‫‪٧‬تلس مع من يشربوهنا ‪ ،‬وال نتاجر‬ ‫فيها حىت ال نقع يف ا‪١‬تعصية ‪ .‬فإذا‬ ‫رأيت مكانا فيه ‪ٜ‬تر فابتعد عنه يف‬ ‫ا‪ٟ‬تال ‪ .‬حىت ال يغريك منظر ا‪٠‬تمر‬ ‫وشاربها بأن تفعل مثله ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫جل جبلله يقول يف ا‪١‬تحرمات ‪« :‬‬ ‫ال تقربوا » واجتنبوا ‪ . .‬أي ال‬

‫ٖتوموا حو‪٢‬تا ‪ .‬ألهنا إذا كانت غائبة‬ ‫عنك فبل ٗتطر عىل بالك فبل تقع‬ ‫فيها ‪ .‬ولذلك يقول الرسول صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ُت‬ ‫« َّ‬ ‫ام ب َ ِّ ٌ‬ ‫إن ا ْ‪ٟ‬تَبل َ َل ب َ ِّ ٌ‬ ‫ُت وا ْ‪ٟ‬ت َ َر َ‬ ‫وبؼنهما أمور مشؾبهات ال يعلمهن‬ ‫كثَت من الناس فمن اتىق الشبهات‬

‫فقد اسؾربأ لدينه وعرضه ومن وقع‬ ‫يف الشبهات وقع يف ا‪ٟ‬ترام كالراعي‬ ‫يرىع حول ا‪ٟ‬ت ىم يوشك أن يقع فيه‬ ‫أال وإن لكل مل ٍ ِ‬ ‫‪ٛ‬تى أال وإِن ‪ٛ‬تى‬ ‫ََ‬ ‫ك َ‬ ‫اهلل ‪٤‬تارمه »‬ ‫ولقد كان بعض الناس يقبلون عىل‬ ‫شرب ا‪٠‬تمر ويقولون إنه لم يرد‬

‫فيها ٖتريم صريح ‪ . .‬فلم تأت‬ ‫مسبوقة بكلمة حرمت ‪ . .‬نقول إن‬ ‫كلمة اجتنبوا ‪ .‬أشد من التحريم ‪.‬‬ ‫فقوله تعاىل ‪ { :‬فاجتنبوا الرجس‬ ‫ِم َن األوثان } معناه أال تنظر حىت‬ ‫إىل الصنم ‪ .‬واجؾناب ا‪٠‬تمر أال تقع‬ ‫عؼنك عليها ‪. .‬‬

‫وقد اختلف الناس يف نوع هذه‬ ‫الشجرة ‪ .‬وهل هي شجرة تفاح أو‬ ‫تُت أو عنب أو غَت ذلك ‪ .‬و‪٨‬تن‬ ‫نقول ‪ :‬لؼس هذا هو ا‪١‬تقصود ‪.‬‬ ‫ولكن ا‪١‬تقصود هو التحريم ‪ .‬ألن‬ ‫منهج اهلل سبحانه وتعاىل ٭تلل أشياء‬ ‫‪ .‬و٭ترم أشياء ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَت َ ُكونَا ِم َن الظا‪١‬تُت‬ ‫} الظلم هو ا‪ٞ‬تور والتعدي عىل‬ ‫حقوق الغَت ‪ .‬والظالم هو من أخذ‬ ‫فوق ما يستحقه بغَت حق ‪ .‬والظلم‬ ‫يقتضي ظا‪١‬تا ومظلوما ‪ .‬وموضوعا‬ ‫للظلم ‪ .‬فكل حق سواء كان ماديا أو‬ ‫معنويا يعتدي عليه إنسان بدون‬

‫حق فقد ‪ٛ‬تل ظلما ‪ .‬حىت اإلنسان‬ ‫أنه أحيانا يظلم نفسه ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬والذين إِذَا فَعَلُوا ْفَا ِح َشةً‬ ‫سه ْم ذَ َك ُروا ْاهلل } ػ‬ ‫أ َ ْو ظلموا أَن ْ ُف َ ُ‬ ‫آل عمران ‪] 135 :‬‬ ‫كيف يظلم اإلنسان نفسه؟ قد‬ ‫يظلم اإلنسان غَته ‪ .‬ولكنه ال‬

‫يظلم نفسه أبدا ألنه يريد أن‬ ‫يعطيها كل ما تشتهيه ‪ .‬وهذا هو‬ ‫عُت الظلم للنفس ‪ .‬ألنه أعطاها‬ ‫شهوة عاجلة يف الدنيا ‪ .‬رٔتا‬ ‫استمرت ساعات ‪ .‬وحرمها من‬ ‫نعيم أبدي يف اآلخرة ‪ .‬فكأنه‬ ‫ظلمها بأن أعطاها عذابا أليما يف‬

‫اآلخرة مقابل متعة زائلة ال تدوم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهناك من يؽيع دينه بدنياه ‪.‬‬ ‫ولكن أظلم الناس لنفسه من يؽيع‬ ‫دينه ‪ .‬بدنيا غَته ‪ .‬يشهد زورا ‪.‬‬ ‫لَتضي رئؼسا ‪ .‬أو يتقرب ‪١‬تسئول‬ ‫‪ .‬أو يرتكب جرٯتة ‪ . .‬إذن قوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬فَت َ ُكونَا ِم َن الظا‪١‬تُت } أي‬

‫من الذين ظلموا أنفسهم ٔتعصية‬ ‫اهلل ‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ان َعنْهَا فَأ َ ْخ َر َج ُه َما‬ ‫فَأزَ ّ‪٢‬ت ُ َما ال َّشي ْ َط ُ‬ ‫ِ‪٦‬تَّا كَانَا فِي ِه َو ُقلْنَا ا ْهبِ ُطوا بَعْ ُض ُك ْم‬ ‫لِبَعْ ٍض ع َ ُد ٌّو َول َ ُك ْم ِيف ْاأل َ ْر ِض ُم ْستَقَ ٌّر‬ ‫َو َمتَا ٌع إ َِىل ِح ٍ‬ ‫ُت (‪)36‬‬

‫بعد أن أسكن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫آدم وزوجه يف ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬وأخرب‪٫‬تا ٔتا‬ ‫هو حبلل وما هو حرام ‪ .‬بدأ‬ ‫الشيطان مهمته ‪ .‬مهمة عداوته‬ ‫الرهؼبة آلدم وذريته ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه يقول ‪ { :‬فَأَزَ َّ‪٢‬ت ُ َما‬ ‫الشيطان } أي أن الشيطان باشر‬

‫مهمته فأوقعهما يف الزلة ‪ .‬وهي‬ ‫العثرة أو الكبوة ‪ .‬كيف حدث ذلك‬ ‫واهلل تعاىل دقنصح آدم وزوجه أال‬ ‫يؾبعا الشيطان ‪ .‬وأبلغه أنه عدو‬ ‫‪٢‬تما ‪ .‬يف قوله تعاىل ‪ . . { :‬إ َِّن هذا‬ ‫ك فَبل َ ُٮت ْ ِر َجنَّ ُك َما‬ ‫ك َول ِ َز ْو ِج َ‬ ‫ع َ ُد ٌّو ل َّ َ‬ ‫ِم َن ا‪ٞ‬تنة فتشىق } ػ طه ‪] 117 :‬‬

‫إذن فالعداوة معلنة ومسبقة ‪.‬‬ ‫ولنفرض أهنا غَت معلنة ‪ .‬ألم يشهد‬ ‫آدم ا‪١‬توقف الذي عىص يفه إبلؼس‬ ‫أمر اهلل ولم يسجد آلدم؟ ألم‬ ‫يعرف مدى تكرب إبلؼس عليه ‪ .‬يف‬ ‫قوله { أَنَا ْ َخ َْتٌ ِّمن ْ ُه } وقوله {‬ ‫أَأ َ ْس ُج ُد ِ‪١‬ت َ ْن َخلَقْ َت ِطؼنا ً} كل هذا‬

‫كان ينبغي أن ينبه آدم إىل أن‬ ‫إبلؼس لن يأيت له ٓتَت أبدا ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لم يكتف‬ ‫بالدالالت الطؽيعية اليت نشأت‬ ‫عن موقف إبلؼس يف رفضه السجود‬ ‫‪ .‬بل أخرب آدم أن الشيطان عدو له‬ ‫ولزوجه ‪ . .‬يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل ‪ { :‬فَأَزَ َّ‪٢‬ت ُ َما الشيطان َعنْهَا‬ ‫فَأ َ ْخ َر َج ُه َما ِ‪٦‬تَّا كَانَا فِي ِه } من ماذا‬ ‫أخرجهما؟ من العؼش الرغيد ‪.‬‬ ‫واسع النعمة يف ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬ومن ا‪٢‬تدوء‬ ‫واالطمػنان يف أن رزقهما يأتيهما‬ ‫ببل تعب ‪ .‬ولذلك سيأيت ا‪ٟ‬تق يف آية‬ ‫أخرى ويقول ‪ { :‬فَبل َ ُٮت ْ ِر َجنَّ ُك َما‬

‫ِم َن ا‪ٞ‬تنة فتشىق }‬ ‫وهنا البد أن نؾساءل ‪١ :‬تاذا لم يقل‬ ‫فتشقيا؟‬ ‫إن هذه لفتة من ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ . .‬إىل مهمة ا‪١‬ترأة ومهمة الرجل‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬فمهمة ا‪١‬ترأة أن تكون‬ ‫سكنا لزوجها عندما يعود إىل بؼته ‪.‬‬

‫تذهب تعبه وشقاءه ‪ .‬أما مهمة‬ ‫الرجل فهي العمل حىت يوفر‬ ‫الطعام وا‪١‬تسكن لزوجته وأوالده ‪.‬‬ ‫والعمل تعب وحركة ‪.‬‬ ‫وهكذا لفؾنا ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل إىل‬ ‫أن مهمة الرجل أن يكدح ويشىق‬ ‫‪ .‬ثم يأيت إىل أهله فتكون السكؼنة‬

‫والراحة واالطمػنان ‪.‬‬ ‫إذا كانت هذه هي ا‪ٟ‬تقيقة ‪ .‬فلماذا‬ ‫يأيت العالم ليغَت هذا النظام؟‬ ‫نقول إن العالم هو الذي يتعب‬ ‫نفسه ‪ .‬ويتعب الدنيا ‪ .‬فعمل‬ ‫ا‪١‬ترأة شقاء ‪٢‬تا ‪ .‬فمهمتها هي‬ ‫الؽيت ‪ .‬ولؼس عندها وقت ألي‬

‫شيء آخر ‪ .‬فإذا عملت فذلك عىل‬ ‫حساب أوالدها وبؼتها وزوجها ‪. .‬‬ ‫ومن هنا ينشأ الشقاء يف ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬ ‫فيضيع األوالد ‪ .‬ويهرب الزوج إىل‬ ‫مكان فيه امرأة تعطيه السكن‬ ‫الذي ٭تتاج إليه ‪ .‬وينتهي ا‪١‬تجتمع‬ ‫إىل فوىض ‪. .‬‬

‫وكان ‪٬‬تب عىل آدم أن يتنبه إىل أن‬ ‫إبلؼس يعؾربه السبب يف طرده من‬ ‫ر‪ٛ‬تة اهلل ‪ .‬فبل يقبل منه نصيحة‬ ‫وال كبلما و٭تتاط ‪ . .‬كيف أزل‬ ‫الشيطان آدم وزوجه؟ لقد شرح‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل لنا هذا ولكن‬ ‫لؼس يف سورة البقرة وإ‪٪‬تا يف آية‬

‫أخرى ‪ . .‬فقال تعاىل ‪ { :‬فَ َو ْس َو َس‬ ‫َ‪٢‬ت ُ َما الشيطان لِ ُؼب ْ ِد َي َ‪٢‬ت ُ َما َما ُوو ِر َي‬ ‫َعن ْ ُه َما ِمن َس ْوءَ ِ ِ‬ ‫ال َما َهنَا ُك َما‬ ‫اهت َما َوقَ َ‬ ‫َربُّ ُك َما َع ْن هذه الشجرة إِال َّأَن‬ ‫تَ ُكونَا َلم َ َك ْ ِ‬ ‫ُت أ َ ْو تَ ُكونَا ِم َن ا‪٠‬تالدين‬ ‫}‬

‫ػ األعراف ‪] 20 :‬‬ ‫إذن فإبلؼس قال كاذبا أن من يأكل‬ ‫من هذه الشجرة يصبح ملكا ‪.‬‬ ‫ويصبح خالدا ال ٯتوت ‪ . .‬ووسوسة‬ ‫الشيطان تتم بكبلم كاذب لتزيُت‬ ‫ا‪١‬تعصية ‪ ،‬والشيطان ال يهمه أي‬ ‫معصية ارتكبت ‪ .‬وإ‪٪‬تا يريدك‬

‫عاصيا عىل أي وجه ‪ .‬ولكن النفس‬ ‫عندما توسوس لك با‪١‬تعصية ‪،‬‬ ‫تريد شؼئا بذاته ‪ .‬وهذا هو الفرق‬ ‫بُت وسوسة الشيطان ‪ .‬ووسوسة‬ ‫النفس ‪ .‬فالشيطان يريدك عاصيا‬ ‫بأي ذنب ‪ .‬فإن امؾنعت يف ناحية‬ ‫أتاك من ناحية أخرى ‪ .‬فقد قال‬

‫آلدم ‪ :‬هل أدلك عىل شجرة ا‪٠‬تلد‬ ‫وملك ال يبىل « ولكن هذه ا‪١‬تحاولة‬ ‫لم تفلح ‪ .‬فقال ‪٢‬تما ‪َ { :‬ما َهنَا ُك َما‬ ‫َربُّ ُك َما َع ْن هذه الشجرة إِال َّأَن‬ ‫تَ ُكونَا َمل َ َك ْ ِ‬ ‫ُت أ َ ْو تَ ُكونَا ِم َن ا‪٠‬تالدين‬ ‫} وفات عىل آدم أنه لو كان هذا‬ ‫صحيحا ‪ . .‬ألكل إبلؼس من‬

‫الشجرة ‪ . .‬ولم يطلب من ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل أن ٯتهله إىل يوم‬ ‫الدين ‪. .‬‬ ‫ما الذي اسقط آدم يف ا‪١‬تعصية؟ إهنا‬ ‫الغفلة أو النسيان ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪َ { :‬ولَقَ ْد َع ِه ْدنَآ إىل‬ ‫ءَادَ َم ِمن قَب ْ ُل فَن َ ِس َي َول َ ْم َ ِ‪٧‬ت ْد ل َ ُه‬

‫َع ْزما ً} ػ طه ‪] 115 :‬‬ ‫وهل النسيان معصية ‪ .‬حىت يقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬وعىص‬ ‫ءَادَ ُم َربَّ ُه فغوى } ػ طه ‪] 121 :‬‬ ‫نعم النسيان كان معصية يف األمم‬ ‫السابقة ‪ .‬لذلك يقول النبي صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم » رفع عن أميت‬

‫ا‪٠‬تطأ والنسيان وما استكرهوا‬ ‫عليه «‬ ‫ونسي وعىص ‪ .‬تؤدي معٌت واحدا ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ال اهبطوا‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫بَعْ ُض ُك ْم لِبَعْ ٍض ع َ ُد ٌّو َول َ ُك ْم ِيف‬ ‫األرض ُم ْست َ َق ٌّر َو َمتَا ٌع إىل ِح ٍ‬ ‫ُت } ػ‬

‫األعراف ‪] 24 :‬‬ ‫هذا ا‪٢‬تبوط هو بداية نزول‬ ‫اإلنسان إىل األرض لؼباشر مهمته‬ ‫يف الدنيا ‪ .‬ومادام ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل قال ‪َ { :‬ول َ ُك ْم ِيف األرض‬ ‫ُم ْست َ َق ٌّر َو َمتَا ٌع إىل ِح ٍ‬ ‫ُت } ‪ .‬فهي إذن‬ ‫حياة موقوته عىل قدر وقتها ‪ ،‬وعىل‬

‫قدر حجمها ‪. .‬‬ ‫والذين يقولون بأنه البد من وجود‬ ‫بشر نسميه ‪٥‬تَلِ ّصا ‪ .‬ليفدي العالم‬ ‫بصلبه أو بغَت ذلك من ا‪٠‬تطؼئة اليت‬ ‫ارتكبها آدم ‪ .‬نقول له ‪ :‬أنك لم‬ ‫تفهم عن اهلل شؼئا ‪ ،‬ألن القصة هي‬ ‫هنا خطأ قد حدث و ُصوب ‪ .‬وفرق‬

‫بُت ا‪٠‬تطأ وا‪٠‬تطؼئة ‪ .‬فا‪٠‬تطأ‬ ‫يصوب ‪ .‬ولكن ا‪٠‬تطؼئة يعاقب‬ ‫عليها ‪.‬‬ ‫وآدم أخطأ وصوب اهلل له ‪ .‬وتلىق‬ ‫من ربه كلمات فتاب عليه ‪ .‬إذن ال‬ ‫توجد خطؼئة بعد أن علمه اهلل‬ ‫التوبة وتاب إىل اهلل ‪ .‬ثم ماذا فعل‬

‫آدم ‪ .‬حىت نقول ‪٩‬تلص العالم من‬ ‫خطؼئة آدم ‪ .‬إنه أكل من الشجرة ‪.‬‬ ‫وهل خطايا العالم كلها أكل؟!‬ ‫من الذين أوجد القتل وسفك‬ ‫الدماء ‪ ،‬والزنا واالغتصاب‬ ‫والنميمة والغؼبة؟‬ ‫لو أن كبلمهم صحيح لكان البد أال‬

‫توجد خطؼئة عىل األرض مادام قد‬ ‫وجد ا‪١‬تخلِ ّص الذي فدى العالم‬ ‫من ا‪٠‬تطؼئة ‪ .‬ولكن ا‪٠‬تطؼئة باقية ‪.‬‬ ‫ومن الذي قال أن ا‪٠‬تطؼئة تورث ‪.‬‬ ‫حىت يرث العالم كله خطؼئة آدم؟!‬ ‫‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وال َ‬ ‫تَ ِز ُر َوا ِز َرةٌ ِوزْ َر أخرى } ‪. .‬‬

‫وقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل { َو ُقلْنَا‬ ‫اهبطوا بَعْ ُض ُك ْم لِبَعْ ٍض ع َ ُد ٌّو}‬ ‫العداوة هنا بُت الشيطان‬ ‫واإلنسان ‪.‬‬ ‫والعداوة أيضا بُت شياطُت اإلنس‬ ‫وا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬هذه العداوة اليت تؤدي‬ ‫بنا إىل نشاط وتنبه ‪ .‬فا‪١‬تستشرقون‬

‫يعادون اإلسبلم ‪ .‬ولكن معاداهتم‬ ‫هذه تعطؼنا نشاطا لكي نبحث‬ ‫ونطلع حىت نرد عليهم ‪ .‬وجنود‬ ‫الشيطان من اإلنس يعادون‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬وعداواهتم هذه تعطؼنا‬ ‫مناعة أال ‪٩‬تطئ وال نغفل ‪ .‬فأنت‬ ‫مادام لك عدو ‪ . .‬فحاول أن تتفوق‬

‫عليه بكل السبل ‪.‬‬ ‫ولعل ا‪ٟ‬تضارة اإلنسانية ال ترتقي‬ ‫بسرعة قدر ارتقائها وقت‬ ‫ا‪ٟ‬تروب ‪ .‬ففيها ٭تاول كل خصم‬ ‫أن يتغلب عىل خصمه ‪ .‬وٕتند كل‬ ‫القوى للتفوق علميا عىل الدول‬ ‫األخرى ‪ .‬هذه االرتقاءات‬

‫واالخًتاعات ‪ .‬قد تكون للتدمَت‬ ‫والقتل ‪ .‬ولكن بعد أن تنتهي‬ ‫ا‪ٟ‬ترب توجه إىل ارتقاءات‬ ‫اإلنسان يف األرض ‪ .‬فتفؾيت الذرة‬ ‫وصلوا إليه يف ا‪ٟ‬تروب ‪.‬‬ ‫والصواريخ اليت وصل اإلنسان بها‬ ‫إىل القمر كانت نؾيجة حرب ‪،‬‬

‫واالرتقاءات العلمية ا‪١‬تختلفة اليت‬ ‫٘تت يف أمريكا واالٖتاد السوفؼيت‬ ‫كان أساسها عداء كل معسكر‬ ‫لآلخر ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل { اهبطوا بَعْ ُض ُك ْم‬ ‫لِبَعْ ٍض ع َ ُد ٌّو } ‪ . .‬ا‪٢‬تبوط قد يكون‬ ‫من مكان أعىل إىل مكان أسفل ‪ .‬وقد‬

‫يكون ‪٢‬تبوط معنويا ‪ .‬بأن تقول‬ ‫هذا اإلنسان هبط يف نظري منذ‬ ‫فعل كذا ‪ .‬هو لم يهبط من مكان‬ ‫أعىل إىل مكان أسفل ‪.‬‬ ‫ولكنه هبط يف قيمته ‪ .‬وا‪١‬تسافات‬ ‫ال تعٍت قربا أو بعدا ‪ .‬فقد يكون‬ ‫إنسان ‪٬‬تلس إىل جوارك وأنت‬

‫بعيد عنه ال ٖتس به ‪ .‬وقد يكون‬ ‫هناك إنسان بعيد عنك ٔتئات‬ ‫األميال ولكنه قريب إىل قلبك‬ ‫أكثمن ذلك ا‪ٞ‬تالس إىل جوارك ‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وسواء كان ا‪٢‬تبوط ماديا أو معنويا ‪.‬‬ ‫فإنه حدث لؼباشر آدم مهمته عىل‬ ‫األرض ‪ . .‬والعداوة بُت اإلٯتان‬

‫والكفر مستمرة ‪.‬‬ ‫وهكذا بعد معصية آدم ‪ .‬هبط هو‬ ‫وحواء من ا‪ٞ‬تنة ليمارسا حياهتما‬ ‫عىل األرض ‪ . .‬وقوله تعاىل «‬ ‫اهبطوا » معناه أن آدم وحواء‬ ‫وإبلؼس هبطوا إىل األرض بعد أن‬ ‫٘تت التجربة اإلٯتانية ‪.‬‬

‫لقد بُت اهلل تعاىل آلدم عمليا أن‬ ‫إبلؼس عدو له ‪ .‬ال يريد له ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫وأنه كاذب يف كل ما يعد به اإلنسان‬ ‫‪ .‬وقد حدد اهلل ا‪ٟ‬تياة الدنيا بأهنا‬ ‫حياة موقوتة ‪ .‬قدراهتا ‪٤‬تدودة ‪.‬‬ ‫ومتاعها ‪٤‬تدود ‪ . .‬يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َول َ ُك ْم ِيف األرض ُم ْست َ َق ٌّر َو َمتَا ٌع إىل‬

‫ِح ٍ‬ ‫ُت } ‪.‬‬ ‫أي ال أحد سؼبىق يف األرض إال‬ ‫ٔتقدار ما قدر اهلل له من عمر ثم‬ ‫ٯتوت ‪ .‬وبهذا حذر اهلل آدم‬ ‫وذريته من أن يتخذوا من ا‪ٟ‬تياة‬ ‫هدفا ًألن متاعها قليل ‪ ،‬وأمدها‬ ‫قصَت ‪.‬‬

‫فَتَل ََّىق آدم ِم ْن ر ِبّ ِه كَلِم ٍ‬ ‫ات فَتَا َب‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫عَلَي ِه إِن ّ َُه ُهو التّ ََو ل ِ‬ ‫يم (‪)37‬‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫اب ا َّرح ُ‬ ‫ْ‬

‫نزل آدم وحواء إىل األرض‬ ‫ليمارسا مهمتهما يف الكون ‪.‬‬ ‫وقبل أن يبدآ هذه ا‪١‬تهمة ‪.‬‬ ‫جعلهما اهلل سبحانه وتعاىل ٯتران‬ ‫بتجربة عملية بالنسبة لتطؽيق‬

‫ا‪١‬تنهج وبالنسبة إلغواء الشيطان ‪.‬‬ ‫وحذر‪٫‬تا بأن الشيطان عدو ‪٢‬تما ‪.‬‬ ‫‪ .‬كان البد بعد أن وقعت ا‪١‬تعصية‬ ‫أن يشرع اهلل تعاىل التوبة ر‪ٛ‬تة‬ ‫بعباده ‪ .‬ذلك أن تشريع التوبة لؼس‬ ‫ر‪ٛ‬تة بالعاصي وحده ‪ ،‬ولكنه ر‪ٛ‬تة‬ ‫با‪١‬تجتمع كله ‪ .‬فاإلنسان إذا عىص‬

‫وعرف أنه ‪ . .‬ال توبة له وأنه‬ ‫‪٤‬تكوم عليه با‪٠‬تلود يف النار ‪.‬‬ ‫يتمادى يف إجرامه ‪ .‬ألنه مادام ال‬ ‫أمل له يف النجاة من عذاب اآلخرة ‪.‬‬ ‫فإنه يتمادى يف ا‪١‬تعصية ‪ .‬ألنه ال‬ ‫أمل يف الغفران أو التوبة ‪. .‬‬ ‫من الذي سيعاين يف هذه ا‪ٟ‬تالة؟ إنه‬

‫ا‪١‬تجتمع الذي يعؼش فيه ذلك‬ ‫العاصي ‪ .‬وسيكون ا‪١‬تؤمنون أكثر‬ ‫الناس معاناة ألهنم أهل خَت‬ ‫وتسامح ‪ .‬وألن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ . .‬أمرهم بالعفو ‪ .‬والصفح ‪ .‬واقرأ‬ ‫قوله تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وال َيَأْتَ ِل‬ ‫أُ ْولُوا ْالفضل ِمن ُك ْم والسعة أَن‬

‫يؤتوا أُ ْو ِيل القرىب وا‪١‬تساكُت‬ ‫وا‪١‬تهاجرين ِيف َسؽ ِ‬ ‫ِيل اهلل َولْيَعْ ُفوا ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ون أَن يَغ ْ ِف َر اهلل‬ ‫وليصفحوا أال َ ُٖتب ُّ َ‬ ‫ل َ ُكم واهلل َغ ُف ِ‬ ‫يم } ػ النور ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫ْ‬ ‫‪] 22‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وأَن تعفوا أَقْ َر ُب‬ ‫نس ُوا ْالفضل بَؼْن َ ُك ْم }‬ ‫للتقوى َوال َتَ َ‬

‫ػ البقرة ‪] 237 :‬‬ ‫وهناك آيات كثَتة يف القرآن‬ ‫الكريم ٖتث ا‪١‬تؤمنُت عىل العفو ‪.‬‬ ‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫يقول ‪:‬‬ ‫« أوصاين ريب بؾسع أوصيكم بها‪:‬‬ ‫أوصاين باإلخبلص يف السر ويف‬

‫العبلنية ‪ .‬والقصد يف الغٌت والفقر‬ ‫وأن أعفو عمن ظلمٍت ‪ ،‬وأعطي‬ ‫من حرمٍت ‪ ،‬وأصل من قطعٍت ‪،‬‬ ‫وأن يكون صميت فكرا ونطقي‬ ‫ذكرا ‪ ،‬ونظري عربا »‬ ‫فالتوبة لو لم تشرع لعاىن ا‪١‬تجتمع‬ ‫كله ‪ .‬وخاصة ا‪١‬تؤمنُت الذي أمروا‬

‫أن يقابلوا العدوان بالصفح‬ ‫والظلم بالعفو ‪ .‬ولذلك كان تشريع‬ ‫وبمن اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫الت ة‬ ‫ر‪ٛ‬تة بالناس كلهم ‪.‬‬ ‫واهلل جل جبلله شرع التوبة أوال ‪.‬‬ ‫ثم بعد أن شرعها تاب العاصي ‪.‬‬ ‫ثم بعد ذلك يقبل اهلل التوبة أو ال‬

‫يقبلها تبعا ‪١‬تشيػته ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫اب عَلَي ْ ِه ْم لؼتوبوا إ َِّن‬ ‫تعاىل ‪ُ { :‬ث َّم تَ َ‬ ‫اهلل ُه َو التواب الرحيم } ػ التوبة ‪:‬‬ ‫‪] 118‬‬ ‫آدم تلىق من ربه كلمات فتاب عليه‬ ‫‪ .‬أتوجد خطؼئة بعد توبة آدم‬ ‫وقبول اهلل سبحانه وتعاىل هذه‬

‫التوبة؟ إن بعض الناس يقول أن‬ ‫آدم قد عىص وتاب اهلل عليه ‪.‬‬ ‫وإبلؼس قد عىص فجعله اهلل خالدا‬ ‫يف النار ‪ .‬نقول ‪ :‬إنكم لم تفهموا‬ ‫ماذا فعل آدم؟ أكل من الشجرة‬ ‫ا‪١‬تحرمة ‪ .‬وعندما علم أنه أخطأ‬ ‫وعىص ‪ .‬لم يصر عىل ا‪١‬تعصية ‪ .‬ولم‬

‫يرد األمر عىل اآلمر ‪ .‬ولكنه قال يا‬ ‫رب أمرك ومنهجك حق ‪ .‬ولكنٍت‬ ‫لم أقدر عىل نفسي فسا‪٤‬تٍت ‪.‬‬ ‫أعًتف آدم بذنبه ‪ .‬واعًتف‬ ‫بضعفه ‪ .‬واعًتف بأن ا‪١‬تنهج حق ‪.‬‬ ‫وطلب التوبة من اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬ولكن إبلؼس رد األمر عىل‬

‫ال أَنَا ْ َخ َْتٌ ِّمن ْ ُه‬ ‫اآلمر ‪ .‬قال ‪ { :‬قَ َ‬ ‫َخلَقْؾ َ ٍِت ِمن ن َّا ٍر َو َخلَقْت َ ُه ِمن ِط ٍ‬ ‫ُت }‬ ‫ك‬ ‫وقال { ألَقْ ُع َد َّن َ‪٢‬ت ُ ْم ِص َر َاط َ‬ ‫ك‬ ‫ا‪١‬تستقيم } وقال ‪ { :‬فَبِعِ َّزتِ َ‬ ‫ألُ ْغ ِويَنَّهم أ َ‬ ‫‪ٚ‬تعِ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ُت * إِال َّ ِعبَادَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ِمن ْ ُه ُم ا‪١‬تخلصُت } وقال ‪{ :‬‬

‫أل َ ْحؾ َ ِنك ََّن ُذ ِّريَّت َ ُه إِال َّقَلِيبل ً} فإبلؼس‬ ‫هنا رد األمر عىل اآلمر ‪.‬‬ ‫لم يعًتف بذنبه ‪ .‬ويقول يا رب‬ ‫غلؽٍت ضعفي ‪ .‬وأنت ا‪ٟ‬تق وقولك‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ .‬ولكنه رد األمر عىل اهلل تعاىل‬ ‫وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل‬ ‫كذا ‪ .‬وهذا كفر باهلل ‪.‬‬

‫إياك أن ترد األمر عىل اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬فإذا كنت ال تصلي ‪ . .‬فبل‬ ‫تقل وما فائدة الصبلة ‪ .‬وإذا لم‬ ‫تكن تزكي ‪ .‬فبل تقل تشريع الزكاة‬ ‫ظلم للقادرين ‪ .‬وإذا كنت ال تطبق‬ ‫شرع اهلل ‪ .‬فبل تقل أن هذه‬ ‫الشريعة لم تعد تناسب العصر‬

‫ا‪ٟ‬تديث ‪ .‬فإنك بذلك تكون قد‬ ‫كفرت والعياذ باهلل ‪ .‬ولكن قل يا‬ ‫ريب إن فرض الصبلة حق ‪ .‬وفرض‬ ‫الزكاة حق ‪ .‬وتطؽيق الشريعة حق ‪.‬‬ ‫ولكنٍت ال أقدر عىل نفسي ‪ .‬فارحم‬ ‫ضعفي يا رب العا‪١‬تُت ‪ .‬إن فعلت‬ ‫ذلك ‪ .‬تكن عاصيا فقط ‪.‬‬

‫إن الفرق بُت معصية آدم ومعصية‬ ‫إبلؼس ‪ .‬أن آدم اعًتف ٔتعصؼته‬ ‫وذنبه ‪ .‬ولكن إبلؼس رد األمر عىل‬ ‫اآلمر ‪ .‬فيكون آدم قد عىص ‪،‬‬ ‫وإبلؼس قد كفر والعياذ باهلل ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫فتلىق ءَادم ِمن َربِّ ِه كَلِم ٍ‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫عَلَي ْ ِه } هذه الكلمات اليت تلقاها‬ ‫آدم ‪ .‬أراد العلماء أن ٭تصروها ‪ .‬ما‬ ‫هذه الكلمات؟ هل هي قول آدم‬ ‫كما جاء يف قوله تعاىل ‪ { :‬قَاال َ َربَّنَا‬ ‫َظل َ ْمنَآ أ َ ُنف َسنَا َوإِن ل َّ ْم َ ْغ‬ ‫ت ِف ْر لَنا‬ ‫‪ٛ‬تنَا لَن ُكون َ َّن ِم َن ا‪٠‬تاسرين } ػ‬ ‫َوتَ ْر َ ْ‬ ‫األعراف ‪] 23 :‬‬

‫هذه اآلية الكرٯتة ‪ .‬دلؾنا عىل أن‬ ‫ذنب آدم لم يكن من ذنوب‬ ‫االستكبار ‪ .‬ولكن من ذنوب الغفلة‬ ‫‪ . .‬بؼنما كان ذنب إبلؼس من‬ ‫ذنوب االستكبار عىل أمر اهلل ‪.‬‬ ‫ولكن آدم عندما عىص حدث منه‬ ‫انكسار ‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬يا ريب أمرك بأال أقرب‬ ‫الشجرة حق ‪ .‬ولكٍت لم أقدر عىل‬ ‫نفسي ‪ .‬فآدم أقر ْتق اهلل يف‬ ‫التشريع ‪ .‬بؼنما إبلؼس اعًتض‬ ‫عىل هذا األمر وقال ‪:‬‬ ‫{ أَأ َ ْس ُج ُد ِ‪١‬ت َ ْن َخلَقْ َت ِطؼنا ً}‬ ‫الكلمات اليت تلقاها آدم من اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل قد تكون ‪َ { :‬ربَّنَا‬ ‫نفنَا َوإِن ل َّ ْم تَغ ْ ِف ْر لَنا‬ ‫َظل َ ْمنَآ أ َ ُ َس‬ ‫‪ٛ‬تنَا لَن ُكون َ َّن ِم َن ا‪٠‬تاسرين }‬ ‫َوتَ ْر َ ْ‬ ‫وقد تكون ‪ . . :‬اللهم ال إله إال أنت‬ ‫سبحانك ريب وْتمدك ‪ .‬إين‬ ‫ظلمت نفسي ظلما كثَتا فاغفر يل‬ ‫يا خَت الغافرين ‪ . .‬أو اقبل توبيت يا‬

‫خَت التوابُت ‪ . .‬أو قال ‪ :‬سبحان‬ ‫اهلل وا‪ٟ‬تمد هلل وال إله إال اهلل ‪. .‬‬ ‫ا‪١‬تهم أن اهلل سبحانه وتعاىل قد‬ ‫أوىح آلدم بكلمات يتقرب بها إليه‬ ‫‪ .‬سواء كانت هذه اآلية الكرٯتة أو‬ ‫كلمات أخرى ‪.‬‬ ‫لو نظرنا إىل تعليم اهلل آدم لكلمات‬

‫لؼتوب عليه ‪ .‬لوجدنا مبدأ مهما يف‬ ‫حياة ا‪١‬تجتمع ‪ .‬ألن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل كما قلنا ‪ . .‬لو لم يشرع‬ ‫التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها ‪.‬‬ ‫لكان الذي يذنب ذنبا واحدا ال‬ ‫يرجع عن ا‪١‬تعصية أبدا ‪ .‬وكان‬ ‫العالم كله سيعاين ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل خلقنا ‪٥‬تتارين‬ ‫ولم ٮتلقنا مقهورين ‪ .‬القهر يؿبت‬ ‫صفة القدرة هلل ‪ ،‬ولكن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد منا أن نأيت عن‬ ‫حب ولؼس عن قهر ‪ .‬ولذلك‬ ‫خلقنا ‪٥‬تتارين ‪ .‬وجعل لنا طاقة‬

‫تستطيع أن تعصي وأن تطيع ‪.‬‬ ‫ومادام هناك اخؾيار ‪ . .‬فاإلنسان‬ ‫ٮتتار هذه أو تلك ‪. .‬‬ ‫إن اهلل لم ٮتلق بشرا ٮتتارون ا‪٠‬تَت‬ ‫عىل طول ا‪٠‬تط ‪ .‬وبشرا ٮتتارون‬ ‫الشر يف كل وقت ‪ .‬فهناك من‬ ‫ا‪٠‬تَتين من يقع يف الشر مرة ‪،‬‬

‫وهناك من الشريرين من يعمل‬ ‫ا‪٠‬تَت مرة ‪ .‬فالعبد لؼس ‪٥‬تلوقا أن‬ ‫ٮتتار خَتا مطلقا ‪ .‬أو أن ٮتتار شرا‬ ‫مطلقا ‪ . .‬ولذلك فأحيانا ننىس أو‬ ‫نسهو ‪ .‬أو نعصي ‪ .‬ومادام العبد‬ ‫معرضا للخطؼئة ‪ .‬فاهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل شرع التوبة ‪ .‬حىت ال ييأس‬

‫العبد من ر‪ٛ‬تة اهلل ‪ ،‬ويتوب لَتجع‬ ‫إىل اهلل ‪ .‬وقد جاء يف اٌفكمة ‪« :‬‬ ‫رب معصية أورثت ذال وانكسارا ‪.‬‬ ‫خَت من طاعة أورثت عزا‬ ‫واستكبارا » ‪.‬‬ ‫وهكذا عندما نزل آدم لؼباشر‬ ‫مهمته يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬لم يكن ٭تمل أي‬

‫خطؼئة عىل كتفيه ‪ . .‬فقد أخطأ‬ ‫وعلمه اهلل تعاىل كلمات التوبة‪.‬‬ ‫فتاب فتقبل اهلل توبته‪. .‬‬ ‫وقوله سبحانه وتعاىل ‪ { :‬إِن ّ َُه ُه َو‬ ‫التواب الرحيم } ‪ . .‬كلمة تواب‬ ‫تدل عىل أن اهلل تعاىل ال يأخذ عباده‬ ‫بذنب واحد ‪ .‬ألنه سبحانه وتعاىل‬

‫حىت لو تاب عن ذنب واحد لكل‬ ‫عبد من عباده كان توابا ‪ .‬وا‪١‬تبالغة‬ ‫يف الصفة تأيت من ناحيتُت ‪ .‬أوال أن‬ ‫األمر يتكرر عدة مرات من عدد‬ ‫قليل من األشخاص ‪ .‬أو من‬ ‫شخص واحد ‪ .‬أو أن األمر يقع مرة‬ ‫واحدة ولكن من أشخاص كثَتين‬

‫‪..‬‬ ‫فإذا قلت مثبل ‪ :‬فبلن أكول ‪ ،‬قد‬ ‫يكون أكوال ألنه يأكل كمية كبَتة‬ ‫من الطعام ‪ .‬فؼس ىم أكوال ‪ . .‬إنه ال‬ ‫يتجاوز طعامه يف عدد مراته‬ ‫وجبات الطعام العادي لئلنسان ‪.‬‬ ‫ولكنه يأكل كمية كبَتة ‪.‬‬

‫فنسميه أكوال ‪ .‬فيأكل مثبل عشرة‬ ‫أرغفة يف اإلفطار ومثلها يف الغداء‬ ‫ومثلها يف العشاء ‪.‬‬ ‫وقد يكون اإلنسان أكوال إذا تكرر‬ ‫الفعل نفسه ‪ . .‬كأن يأكل كميات‬ ‫الطعام العادية ولكنه يأكل يف اليوم‬ ‫‪ٜ‬تس عشرة مرة مثبل ‪ . .‬فاهلل‬

‫سبحانه وتعاىل تواب ألن خلقه‬ ‫كثَتون ‪ .‬فلو اخطأ كل واحد منهم‬ ‫مرة ‪ .‬يكون عدد ذنوبهم اليت‬ ‫سؼتوب اهلل عليها كمية هائلة ‪.‬‬ ‫فإذا وجد من يذنب عدة مرات يف‬ ‫اليوم ‪ .‬فإن اهلل تعاىل ‪ .‬يكون توابا‬ ‫عنه أيضا إذا تاب وإته إليه ‪. .‬‬

‫إذن مرة تأيت ا‪١‬تبالغة ‪ .‬يف ا‪ٟ‬تدث‬ ‫وإن كان الذي يقوم به شخص‬ ‫واحد ‪ .‬ومرة تأيت ا‪١‬تبالغة يف ا‪ٟ‬تدث‬ ‫ألن من يقوم به أفراد متعددون ‪. .‬‬ ‫إذن فآدم أذنب ذنبا واحدا ‪ .‬يقتضي‬ ‫أن يكون اهلل تائبا ‪ .‬ولكن ذرية‬ ‫آدم من بعده سيكونون خلقا كثَتا‬

‫‪ . .‬فتأيت ا‪١‬تبالغة من ناحية العدد ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إِن ّ َُه ُه َو التواب‬ ‫الرحيم } سيدنا عمر جاءته امرأة‬ ‫تصيح وتصرخ ألن ابنها ضبط‬ ‫سارقا ‪.‬‬ ‫وقالت لعمر ما سرق ابٍت إال هذه‬ ‫ا‪١‬ترة ‪ .‬فقال ‪٢‬تا عمر ‪ :‬اهلل أرحم‬

‫بعبده من أن يأخذه من أول مرة ‪.‬‬ ‫البد أنه سرق من قبل ‪. .‬‬ ‫وأنا أٖتدى أن يوجد ‪٣‬ترم يضبط‬ ‫من أول مرة ‪.‬‬ ‫كلمة تواب تدل عىل أنه يضبط بعد‬ ‫مرتُت أو ثبلث ‪ ،‬فاهلل يسًت عبده‬ ‫مرة ومرة ‪ .‬ولكن إذا ازداد و٘تادى‬

‫يف ا‪١‬تعصية ‪ .‬يوقفه اهلل عند حده ‪.‬‬ ‫وهذا هو معٌت تواب ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ .‬تواب‬ ‫بر‪ٛ‬تته ‪ . .‬ألن هناك من يعفو‬ ‫ويظل ٯتن عليك بالعفو ‪ .‬حىت أن‬ ‫ا‪١‬تعفو عنه يقول ‪ :‬لؼتك عاقبؾٍت‬ ‫ولم ٘تن علي بالعفو كل ساعة ‪.‬‬

‫لكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ .‬تواب‬ ‫رحيم ‪ .‬يتوب عىل العبد ‪ .‬وير‪ٛ‬ته‬ ‫فيمحو عنه ذنوبه ‪.‬‬

‫ُقلْنَا ا ْهبِ ُطوا ِمنْهَا َ‪ٚ‬تِيعًا فَإ َِّما‬ ‫ْ‬ ‫اي‬ ‫يَأتِؼَنَّ ُك ْم ِم ِ ٍّت ُه ًدى فَ َم ْن تَبِ َع ُه َد َ‬ ‫ون‬ ‫فَ َبل َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم َو َال ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫(‪)38‬‬

‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف هذه‬ ‫اآلية ‪ُ { :‬قلْنَا اهبطوا ِمنْهَا َ‪ٚ‬تِيعا ً}‬ ‫ويف سورة طه يقول جل جالله {‬ ‫ال اهبطا ِمنْهَا َ‪ٚ‬تِيعا ً} عندما‬ ‫قَ َ‬ ‫خاطب اهلل سبحانه وتعاىل بصورة‬ ‫ا‪ٞ‬تمع ‪ .‬كان ا‪٠‬تطاب لكل ذرية آدم‬ ‫ا‪١‬تطمورة يف ظهره ‪ .‬أمرا ً‪٢‬تم ‪ٚ‬تيعا‬

‫با‪٢‬تبوط ‪ .‬آدم وحواء والذرية ‪ .‬ألن‬ ‫كل واحد منا ‪ .‬إىل أن تقوم الساعة‬ ‫فيه جزيء من آدم ‪ .‬ولذلك البد‬ ‫أن نلتفت إىل قول اٌفق تبارك‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬ولَقَ ْد َخلَقْنَا ُك ْم ُث َّم‬ ‫َص َّو ْرنَا ُك ْم ُث َّم ُقلْنَا للمبلئكة‬ ‫اسجدوا ألَدَ َم } ػ األعراف ‪11 :‬‬

‫]‬ ‫نبلحظ هنا أن ا‪٠‬تطاب بصيغة‬ ‫ا‪ٞ‬تمع ‪ ،‬فلم يقل ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬لقد خلقتك ثم صورتك‬ ‫ثم قلت للمبلئكة اسجدوا آلدم ‪،‬‬ ‫فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفؾنا إىل أنه ساعة ا‪٠‬تلق كان كل‬

‫ذرية آدم مطمورين يف ظهره ‪.‬‬ ‫خلقهم ‪ٚ‬تيعا ثم صورهم ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬ ‫ثم طلب من ا‪١‬تبلئكة السجود آلدم‬ ‫‪ .‬فهل ‪٨‬تن كنا موجودين؟ نعم كنا‬ ‫موجودين يف آدم ‪ .‬ولذلك فإن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ « :‬اهبطوا »‬ ‫لنعرف أن هذا ا‪٠‬تطاب موجه إىل‬

‫آدم وذريته ‪ٚ‬تيعا إىل يوم القيامة ‪.‬‬ ‫ومرة يقول { اهبطا ِمنْهَا َ‪ٚ‬تِيعا ً}‬ ‫ألن هنا بداية ٖتمل ا‪١‬تسئولية‬ ‫بالنسبة آلدم ‪ .‬يف هذه اللحظة وهي‬ ‫‪ٟ‬تظة ا‪٢‬تبوط يف األرض ‪ .‬سؼبدأ‬ ‫منهج اهلل مهمته يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬ومادام‬ ‫هناك منهج وتطؽيق فردي ‪ .‬تكون‬

‫ا‪١‬تسئولية فردية ‪ .‬وال يأيت ا‪ٞ‬تمع‬ ‫هنا ‪.‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫اهبطا ِمنْهَا َ‪ٚ‬تِيعا ً} نبلحظ أن أمر‬ ‫ا‪٢‬تبوط هنا با‪١‬تؿٌت ‪ .‬ثم يقول‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ٚ‬تيعا‪ٚ . .‬تع ‪. .‬‬ ‫نقول أنه مادامت بداية التكليف ‪.‬‬

‫فهناك طرفان سيواجه بعضهما‬ ‫البعض ‪ .‬الطرف األول ‪ .‬هو آدم‬ ‫وزوجه ‪ .‬والطرف الثاين هو إبلؼس‬ ‫‪ .‬فهم ثبلثة ولكنهم يف معركة‬ ‫اإلٯتان ‪ .‬فريقان فقط ‪ .‬آدم وحواء‬ ‫وذريتهما فريق ‪ .‬والشيطان فريق‬ ‫آخر ‪ .‬فكأن اهلل تعاىل يريد أن‬

‫يلفؾنا إىل أن هذا ا‪٢‬تبوط يتعلق‬ ‫با‪١‬تنهج وتطؽيقه يف األرض ‪ .‬ويف‬ ‫ا‪١‬تنهج آدم وحواء حريصان عىل‬ ‫الطاعة ‪ .‬وإبلؼس حريص عىل أن‬ ‫يقود‪٫‬تا إىل ا‪١‬تعصية ‪.‬‬ ‫ويف قوله تعاىل ‪ { :‬فَإ َِّما يَأْتِؼَنَّ ُكم ِّم ِ ٍّت‬ ‫ُه ًدى } نبلحظ أن اهلل سبحانه‬

‫وتعاىل بعد أن مر آدم بالتجربة‬ ‫ووقع يف ا‪١‬تعصية ‪ ،‬علمه اهلل تعاىل‬ ‫كلمات التوبة ‪ .‬ونصحه أنه إذا‬ ‫غفل يتوب ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫‪ .‬سيقبل توبته ‪. .‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد من‬ ‫آدم وحواء أن يسكنا األرض ‪.‬‬

‫ويبدآ مهمتهما يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬واهلل‬ ‫يد‪٢‬تما عىل ا‪٠‬تَت ‪ .‬مصداقا لقوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬فَإ َِّما يَأْتِؼَنَّ ُكم ِّم ِ ٍّت ُه ًدى }‬ ‫‪ . .‬وهدى ‪٢‬تا معنيان ‪ . .‬هي ٔتعٌت‬ ‫الداللة عىل ا‪٠‬تَت ‪ .‬أو الداللة عىل‬ ‫الطريق ا‪١‬توصلة للخَت ‪ .‬وهناك‬ ‫هدى وهو اإلعانة عىل اإلٯتان‬

‫والزيادة فيه ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫والذين اهتدوا زَادَ ُه ْم ُه ًدى‬ ‫َوآتَ ُاه ْم تَ ُق َو ُاه ْم } ػ ‪٤‬تمد ‪] 17 :‬‬ ‫ا‪٢‬تدى هنا يف اآلية الكرٯتة ‪. .‬‬ ‫ٔتعٌت الداللة عىل طريق ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪:‬‬

‫اي فَبل َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫{ فَ َمن تَبِ َع ُه َد َ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫ما هو ا‪٠‬توف وما هو ا‪ٟ‬تزن؟ ا‪٠‬توف‬ ‫أن تتوقع شرا مقببل ال قدرة لك عىل‬ ‫دفعه فتخاف منه ‪ . .‬وا‪ٟ‬تزن أن‬ ‫يفوتك شيء ٖتبه وتتمناه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول يف هذه‬

‫اآلية ‪ :‬من مىش يف طريق اإلٯتان‬ ‫الذي دللته عليه ‪ .‬وأنزلته يف‬ ‫منهجي ‪ .‬فبل خوف عليهم ‪ .‬أي أنه‬ ‫ال خَت سيفوهتم فيحزنوا عليه ‪.‬‬ ‫ألن كل ا‪٠‬تَت يف منهج اهلل ‪ .‬فالذي‬ ‫يؾبع ا‪١‬تنهج ال ٮتاف حدوث شيء‬ ‫أبدا ‪.‬‬

‫وهذه تعطؼنا قضية مهمة يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪ .‬الذي لم يرتكب أية‬ ‫‪٥‬تالفة ‪ . .‬هل يناله خوف؟ أبدا ‪. .‬‬ ‫ولكن من يرتكب ‪٥‬تالفة ٕتده‬ ‫دائما خائفا خشية أن ينكشف‬ ‫أمره ‪ . .‬ويفاجأ بشر ال قدرة له عىل‬ ‫دفعه ‪.‬‬

‫إن اإلنسان ا‪١‬تستقيم ال يعؼش‬ ‫ا‪٠‬توف ‪ .‬ألن ا‪٠‬توف أمران ‪ .‬إما‬ ‫ذنب أنا سبب فيه ‪ .‬والسائر عىل‬ ‫الطريق ا‪١‬تستقيم لم يفعل شؼئا‬ ‫ٮتاف انكشافه ‪ .‬وإما أمر ال دخل يل‬ ‫فيه ‪٬ .‬تريه عىل خالقي ‪ .‬وهذا البد‬ ‫أن يكون ‪ٟ‬تكمة ‪ .‬قد أدركها ‪.‬‬

‫وق ال أدركها ولكٍت أتقبلها ‪.‬‬ ‫د‬ ‫فالذي يؾبع هدى اهلل ‪ .‬ال ٮتاف وال‬ ‫٭تزن ‪ .‬ألنه لم يذنب ‪ .‬ولم ٮترق‬ ‫قانونا ‪ .‬ولم يغش بشرا ‪ .‬أو ٮتفي‬ ‫جرٯتة ‪ .‬فبل ٮتاف شؼئا ‪ ،‬ولو قابله‬ ‫حدث مفاجئ ‪ ،‬فقلبه مطمئن ‪.‬‬ ‫والذين يؾبعون اهلل ‪ .‬ال ٮتافون ‪ .‬وال‬

‫ٮتاف عليهم ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ‬ ‫ون } ألن الذي يعؼش‬ ‫ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫طائعا ‪١‬تنهج اهلل ‪ . .‬لؼس هناك شيء‬ ‫‪٬‬تعله ٭تزن ‪ .‬ذلك أن إرادته يف هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تالة ٗتضع إلرادة خالقه ‪ .‬فكل ما‬ ‫٭تدث له من اهلل هو خَت ‪ .‬حىت ولو‬ ‫كان يبدو عىل السطح غَت ذلك ‪.‬‬

‫ملكاته منسجمة وهو يف سبلم مع‬ ‫الكون ومع نفسه ‪ .‬والكون ال‬ ‫يسمع منه إال الؾسؽيح والطاعة‬ ‫والصبلة ‪ .‬وكلها ر‪ٛ‬تة ‪ .‬فهو يف‬ ‫سبلم مع نفسه ‪ .‬ويف سبلم مع ربه ‪.‬‬ ‫ويف سبلم مع ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تجتمع دائما يسعد باإلنسان‬

‫ا‪١‬تؤمن الذي ال يفسد يف األرض ‪.‬‬ ‫بل يفعل كل خَت ‪ .‬فا‪١‬تؤمن نفحة‬ ‫‪ٚ‬تال تشع يف الكون ‪ .‬ونعمة حسن‬ ‫ورضا مع كل الناس ومادام‬ ‫اإلنسان كذلك ‪ .‬فلن يفقد ما‬ ‫يسره أبدا ‪ .‬فإن أصابته أحداث ‪.‬‬ ‫‪ .‬أجراها اهلل عليه ‪ . .‬ال يقابلها إال‬

‫بالشكر ‪ .‬وإن كان ال يعرف‬ ‫حكمتها ‪ . .‬وإياك أن تعًتض عىل‬ ‫اهلل يف حكم ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول ‪ :‬أ‪ٛ‬تدك ريب عىل كل‬ ‫قضائك و‪ٚ‬تيع قدرك ‪ٛ .‬تد‬ ‫الرضا ْتكمك واليقُت ْتكمتك ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫واإلنسان ينفعل لؤلحداث ‪ .‬ولكن‬ ‫هناك فرق بُت االنفعال لؤلحداث‬ ‫وحدها وبُت االنفعال لؤلحداث مع‬ ‫حكمة ‪٣‬تريها ‪ .‬ولذلك فإن رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم يعلمنا‬ ‫الدقة حؼنما قال ‪ « :‬إن العُت‬ ‫تدمع والقلب ٭تزن وال نقول إال ما‬

‫يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا‬ ‫إبراهيم ‪١‬تحزونون »‬ ‫انظر إىل اإلٯتان وهو يستقبل‬ ‫األحداث ‪ . .‬العُت تدمع ‪ .‬وال‬ ‫يكون القلب قاسيا مثل ا‪ٟ‬تجر ‪،‬‬ ‫لكن فيه حنان ‪ .‬والقلب ٮتشع هلل ‪.‬‬ ‫مقدرا حكمته وإرادته ‪. .‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل ال يريدنا أن‬ ‫نستقبل األحداث با‪ٟ‬تزن وحده ‪.‬‬ ‫ولكن با‪ٟ‬تزن مع اإلٯتان ‪ .‬فاهلل ال‬ ‫ٯتنعك أن ٖتزن ‪ .‬ولكن عليك أال‬ ‫تفصل ا‪ٟ‬تدث عن ‪٣‬تريه وحكمته‬ ‫فيه ‪ . .‬ولذلك حُت تذهب إىل‬ ‫طؽيب العظام ‪ . .‬فيكسر لك‬

‫عظامك لكي يصلحها ‪ .‬هل يفعل‬ ‫لك خَتا أو شرا؟ طبعا يفعل لك‬ ‫خَتا ‪ .‬وإن كان ذلك يؤ‪١‬تك ‪.‬‬

‫َوال َّ ِذي َن كَ َف ُروا َو َك َّذ ُبوا بِآيَاتِنَا‬ ‫أُولَئِ َ َ‬ ‫اب النَّا ِر ُه ْم ِيف َها‬ ‫ك أ ْص َح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)39‬‬ ‫َخال ُد َ‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعد أن أعلمنا‬ ‫أن آدم حُت يهبط إىل األرض‬ ‫سؼتلىق من اهلل منهجا ‪ٟ‬تركة حياته‬ ‫‪ .‬من اتبعه خرج من حياته ا‪٠‬توف‬ ‫وا‪ٟ‬تزن ‪ .‬وأصبح آمنا يف الدنيا‬ ‫واآلخرة ‪ .‬أراد اهلل تعاىل أن يعطؼنا‬ ‫الصورة ا‪١‬تقابلة ‪ .‬فا‪ٟ‬تكم يف اآلية‬

‫السابقة كان عن الذين اهتدوا ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تكم يف هذه اآلية عن الذين‬ ‫كفروا ‪ .‬يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪.‬‬ ‫‪ { .‬والذين َك َفروا ْ َو َك َّذ ُبوا ْبِآيَاتِنَآ‬ ‫} والكفر كما بؼنا هو ‪٤‬تاولة سًت‬ ‫وجود اهلل واجب الوجود ‪ .‬و‪٤‬تاولة‬ ‫سًت هذا الوجود هو إعبلن بأن اهلل‬

‫تعاىل موجود ‪ .‬فأنت ال ٖتاول أن‬ ‫تسًت شؼئا إال إذا كان له وجود أوال ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫إن الشيء الذي ال وجود له ال ٭تتاج‬ ‫إىل سًت؛ ألنه لؼس موجودا يف عقولنا‬ ‫‪ .‬وعقولنا ال تفهم وال تسع إال ما هو‬ ‫موجود ‪ .‬توجد الصورة الذهنية‬

‫أوال ‪ . .‬ثم بعد ذلك يوجد االسم أو‬ ‫الصورة الكبلمية ‪ .‬ولذلك إذا‬ ‫حدثك إنسان عن شيء لؼس له‬ ‫وجود فأنت ال تفهمه ‪ .‬وال تستطيع‬ ‫أن تعيه إال إذا شبه لك ٔتوجود ‪.‬‬ ‫كأن يقال لك ‪ :‬مثل هذا ا‪ٞ‬تبل أو‬ ‫مثل هذه البحَتة ‪ .‬أو مثل قرص‬

‫الشمس أو غَت ذلك حىت تستطيع‬ ‫أن تفهم ‪ .‬فأنت ال تفهم غَت‬ ‫موجود إال إذا شبه ٔتوجود ‪.‬‬ ‫وكل شيء البد أن يكون قد وجد‬ ‫أوال ‪ .‬ثم بعد ذلك ٕتتمع ‪٣‬تامع اللغة‬ ‫يف العالم لؾبحث عن لفظ يعرب عنه‬ ‫بعد أن وجد يف الصورة الذهنية ‪.‬‬

‫فلم يكن هناك اسم للصاروخ مثبل‬ ‫قبل أن يوجد الصاروخ ‪ .‬وال‬ ‫لسفؼنة الفضاء قبل أن ٗتًتع ‪ .‬وال‬ ‫ألشعة الليزر قبل أن تكتشف ‪.‬‬ ‫إذن فكل هذا وجد أوال ‪ .‬ووضع له‬ ‫االسم بعد ذلك ‪.‬‬ ‫الذين كفروا ٭تاولون سًت وجود اهلل‬

‫‪ .‬وسًت وجود اهلل سبحانه وتعاىل هو‬ ‫إثبات لوجوده ‪ .‬ألنك ال تسًت شؼئا‬ ‫غَت موجود ‪ .‬وهكذا يكون الكفر‬ ‫مثؽتا لئلٯتان ‪ .‬وعقلك ال يستطيع‬ ‫أن يفهم االسم إال إذا وجد ا‪١‬تعٌت‬ ‫يف عقلك ‪ .‬وأنت ال ٕتد لغة من‬ ‫لغات العالم ‪ .‬لؼس فيها اسم اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬بل إن اهلل جل‬ ‫جبلله وهو غيب عنا إذا ذكر ا‪ٝ‬ته‬ ‫فهمه الصغَت والكبَت ‪ .‬وا‪ٞ‬تاهل‬ ‫والعالم ‪ .‬والذي طاف الدنيا ‪.‬‬ ‫والذي لم ٮترج من بؼته ‪ .‬كل‬ ‫هؤالء يفهمون اهلل بفطرة اإلٯتان‬ ‫اليت وضعها يف قلوبنا ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬

‫إذن الذين كفروا ٭تاولون سًت‬ ‫وجود اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬وقوله‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬وكَ َّذ ُبوا ْبِآيَاتِنَآ} واآلية‬ ‫هي الشيء العجيب البلفت ‪.‬‬ ‫فهناك يف الكون آيات كونية مثل‬ ‫الشمس والقمر والنجوم‬ ‫واألرض ‪ .‬وا‪ٞ‬تبال والبحار وغَت‬

‫ذلك ‪ .‬هذه تس ىم آيات ‪ .‬شيء فوق‬ ‫قدرة البشر خلقها اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل لتكون آية يف كونه وٗتدم‬ ‫اإلنسان ‪.‬‬ ‫وهناك اآليات وهي ا‪١‬تعجزات ‪.‬‬ ‫عندما يرسل اهلل رسوال أو نؽيا إىل‬ ‫قومه فإنه سبحانه ٮترق له قوانُت‬

‫الكون ليؿبت لقومه أنه نبي مرسل‬ ‫من عند اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫وهذه اآليات مقصود بها من‬ ‫شهدها ‪ .‬ألهنا تأيت لتثؽيت ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫بالرسل ‪ .‬وهم ٯترون بأزمة‬ ‫٭تتاجون فيها إىل التثؽيت ‪ .‬وداللة‬ ‫عىل صدق رسالة النبي لقومه ‪. .‬‬

‫وتطلق اآليات عىل آيات القرآن‬ ‫الكريم ‪ .‬كبلم اهلل ا‪١‬تعجز الذي‬ ‫وضع فيه سبحانه وتعاىل ما يؿبت‬ ‫صدق الرسالة ‪ .‬إىل يوم الدين ‪.‬‬ ‫٭تدثنا اهلل سبحانه يف آياته ‪ .‬عن‬ ‫كيفية خلق اإلنسان ‪ .‬وعن منهج‬ ‫السماء لؤلرض وغَت ذلك ‪.‬‬

‫والذين كذبوا بآيات اهلل ‪ .‬هم‬ ‫الكافرون ‪ .‬وهم ا‪١‬تشركون ‪ .‬وهم‬ ‫الذين يرفضون اإلسبلم ‪.‬‬ ‫و٭تاربون الدين ‪ .‬هؤالء ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬ ‫حدد لنا اهلل تعاىل مصَتهم ‪ .‬ولكن‬ ‫هل التكذيب عدم قدرة عىل‬ ‫الفهم؟ نقول أحيانا يكون‬

‫التكذيب متعمدا مثلما حدث آلل‬ ‫فرعون عندما أصابهم اهلل بآفات‬ ‫وأمراض وبالعذاب األصغر حىت‬ ‫يؤمنوا ‪ .‬ولكنهم رغم يقؼنهم بأن‬ ‫هذه اآليات من اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ .‬لم يعًتفوا بها ‪ . .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫جل جبلله ‪َ { .‬و َج َح ُدوا ْبِهَا‬

‫واسؾيقنتهآ أ َ ُنف ُس ُه ْم ُظلْما ً َو ُعل ُ ّوا ً}‬ ‫ػ النمل ‪] 14 :‬‬ ‫واآليات يف الكون كثَتة ‪ .‬لو أننا‬ ‫آلمنَّا ‪ .‬فهي لؼست‬ ‫التفؾنا إليها َ‬ ‫‪٤‬تتاجة إىل فكر ‪ .‬بل إن اهلل تعاىل ‪،‬‬ ‫ر‪ٛ‬تة بنا جعلها ظاهرة ‪ .‬ليدركها‬ ‫الناس ‪ .‬كل الناس ‪ .‬ولكن البعض‬

‫رغم ذلك يكذب بآيات اهلل ‪.‬‬ ‫وهؤالء هم الذين يريدون أن‬ ‫يؾبعوا هوى النفس ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ٚ‬تع الكافرين وا‪١‬تكذبُت‬ ‫بآيات اهلل يف عقاب واحد ‪ . .‬وقال‬ ‫جل جبلله ‪ { :‬أولئك أ َ‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫النار } والصاحب هو الذي يألف‬

‫صاحبه ‪ .‬و٭تب أن ‪٬‬تلس معه ‪.‬‬ ‫ويقضي أ‪ٚ‬تل أوقاته ‪ .‬فكان قوله‬ ‫تعاىل ‪ :‬أصحاب النار ‪ .‬دليل عىل‬ ‫عشق النار ‪٢‬تم ‪ .‬فهي تفرح بهم ‪،‬‬ ‫عندما يدخلوهنا ‪ .‬كما يفرح‬ ‫الصديق بصديقه ‪ .‬وال تريد أن‬ ‫تفارقهم أبدا ‪ . .‬ولذلك اقرأ ا‪ٟ‬تق‬

‫ول ِ‪ٞ‬تَهَنَّ َم‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ي َ ْو َم ن َ ُق ُ‬ ‫ول َه ْل ِمن َّم ِزي ٍد‬ ‫َه ِل امتؤلت َوتَ ُق ُ‬ ‫} ػ ق ‪] 30 :‬‬ ‫وهكذا نرى مدى العشق ‪ ،‬بُت‬ ‫النار والكافرين ‪ .‬إن النار‬ ‫تصاحبهم يف كل مكان ‪ .‬وهي‬ ‫لؼست مصاحبة كريهة بالنسبة‬

‫للنار ‪ .‬ولكنها مصاحبة ٖتبها النار ‪.‬‬ ‫فالنار حُت ٖترق كل كافر وآثم‬ ‫ومنافق تكون سعيدة ‪ .‬ألهنا تعاقب‬ ‫الذين كفروا ٔتنهج اهلل وكذبوا‬ ‫بآياته يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا‪ . .‬وكذلك‬ ‫ا‪ٟ‬تال بالنسبة للجنة ‪ .‬فإن ا‪ٞ‬تنة‬ ‫أيضا ٖتب مصاحبة كل من آمن‬

‫باهلل وأخلص له العبادة وطبق‬ ‫منهجه ‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْ َوعَ ِملُوا ْالصا‪ٟ‬تات‬ ‫وأخؽتوا إىل ر ِبّ ِهم أولئك أ َ‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ هود ‪:‬‬ ‫ا‪ٞ‬تنة ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬ ‫‪] 23‬‬ ‫أي أن ا‪ٞ‬تنة تصاحب ا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬

‫وٖتبهم وتبلزمهم ‪ .‬مثلما‬ ‫تصاحب النار الكافرين وا‪١‬تكذبُت‬ ‫‪ . .‬وكما أن النار تكون سعيدة‬ ‫وهي ٖترق الكافر ‪ .‬فا‪ٞ‬تنة تكون‬ ‫سعيدة وهي ٘تتع ا‪١‬تؤمن‪ . .‬ثم‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ُ { :‬ه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } أي أن العذاب فيها‬ ‫فيهَا َخال ُد َ‬

‫دائم ‪ .‬ال يتغَت وال يفًت ‪ .‬وال ٮتفف ‪.‬‬ ‫بل هو مستمر إىل األبد ‪ . .‬واقرأ‬ ‫قوله سبحانه وتعاىل ‪ { :‬أولئك‬ ‫الذين اشًتوا ا‪ٟ‬تياة الدنيا باآلخرة‬ ‫فَبل َ ُٮت َ ّف َُف َعن ْ ُه ُم العذاب َوال َ ُه ْم‬ ‫ون }‬ ‫يُ َ‬ ‫نص ُر َ‬

‫ػ البقرة ‪] 86 :‬‬ ‫وهكذا نعرف أن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل قد أنزل ا‪١‬تنهج إىل األرض‬ ‫مع آدم ‪ ،‬وأن آدم ‪ .‬نزل إىل األرض‬ ‫ومعه ا‪٢‬تدى ليطبق أول منهج‬ ‫للسماء عىل األرض ‪ .‬فكأن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لم يًتك اإلنسان‬

‫‪ٟ‬تظة واحدة عىل األرض دون أن‬ ‫يعطيه ا‪١‬تنهج الذي يبُت له طريق‬ ‫ا‪٢‬تدى وطريق الضبلل ‪ .‬ومع‬ ‫ا‪١‬تنهج شرعت التوبة ‪ .‬وشرع قبول‬ ‫التوبة حىت ال ييأس اإلنسان ‪ .‬وال‬ ‫٭تس أنه إذا أخطأ أو نسي أصبح‬ ‫مصَته جهنم ‪ .‬بل ٭تس أن أبواب‬

‫السماء مفتوحة له دائما ‪ .‬وأن اهلل‬ ‫الذي خلقه رحيم به ‪ .‬إذا أخطأ‬ ‫فتح له أبواب التوبة وغفر له ذنوبه‬ ‫‪ .‬حىت ٭تس كل إنسان برعاية اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل له هو عىل األرض ‪.‬‬ ‫من أول بداية ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫فا‪١‬تنهج موجود ‪١‬تن يريد أن يؤمن ‪.‬‬

‫والتوبة قائمة لكل من ٮتطئ ‪.‬‬ ‫وحذر اهلل سبحانه وتعاىل آدم‬ ‫وذريته أنه من يطع ويؤمن يعش‬ ‫ا‪ٟ‬تياة الطؼبة يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬ ‫ومن يكفر ويكذب ‪ .‬فإن مصَته‬ ‫عذاب أبدي ‪.‬‬ ‫لقد عرف اهلل آدم بعدوه إبلؼس ‪.‬‬

‫وطلب منه أن ٭تذره ‪ .‬فماذا فعل‬ ‫بنو آدم؟ هل استقبلوا منهج اهلل‬ ‫بالطاعة أو با‪١‬تعصية؟ وهل‬ ‫٘تسكوا بتعاليم اهلل ‪ .‬أو تركوها‬ ‫وراء ظهورهم؟‬

‫يا ب َ ٍِت إِسر ِ‬ ‫يل اذْ ُك ُروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت ال َّ ِيت‬ ‫ائ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ْم َوأ َ ْو ُفوا بِعَهْ ِدي‬ ‫أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُ‬

‫أُ ِ‬ ‫ار َهب ُ ِ‬ ‫ون‬ ‫وف بِعَهْ ِد ُك ْم َوإِي َّ َ‬ ‫اي فَ ْ‬ ‫(‪)40‬‬ ‫بعد أن قص اهلل علؼنا قصة ا‪٠‬تلق‬ ‫وكيف بدأت بآدم ‪ ،‬وعداوة إبلؼس‬ ‫آلدم وسؽبها ‪ .‬قص علؼنا التجربة‬ ‫األوىل للمنهج يف إحدى ا‪ٞ‬تنات ‪،‬‬ ‫وكيف أن آدم تعرض للتجربة‬

‫فأغواه الشيطان وعىص ‪ .‬ثم نزل‬ ‫إىل األرض مسلحا ٔتنهج اهلل ‪.‬‬ ‫و‪٤‬تميا بالتوبة من أن يطىغ ‪ .‬بدأت‬ ‫مهمة آدم عىل األرض ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد أن‬ ‫يعرض علؼنا موكب الرساالت‬ ‫وكيف استقبل بنو آدم منهج اهلل‬

‫بالكفر والعصيان ‪ .‬فاختار جل‬ ‫جبلله قصة بٍت إسرائيل ألهنا أكثر‬ ‫القصص معجزات ‪ ،‬وأنؽياء بٍت‬ ‫إسرائيل من أكثر األنؽياء الذين‬ ‫أرسلوا ألمة واحدة ولؼس معٌت هذا‬ ‫أهنم مفضلون ‪ .‬ولكن ألهنم كانوا‬ ‫أكثر األمم عصيانا وآثاما فكانوا‬

‫أكثرهم أنؽياء ‪ .‬كانوا كلما خرجوا‬ ‫من معجزة ا‪٨‬ترفوا ‪ .‬فتأتيهم‬ ‫معجزة أخرى ‪ .‬فؼنحرفون ‪.‬‬ ‫وهكذا حكم اهلل عليهم لظلمهم‬ ‫أن يتفرقوا يف األرض ثم يتجمعوا‬ ‫مرة أخرى يف مكان واحد ‪ .‬ليذوقوا‬ ‫العذاب والنكال جزاء ‪٢‬تم عىل‬

‫معصؼتهم وكفرهم ‪ .‬ولذلك‬ ‫أخذت قصة بٍت إسرائيل ذلك‬ ‫ا‪ٟ‬تجم الضخم يف كتاب اهلل ‪ .‬ويف‬ ‫تثؽيت رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ .‬فموىس عليه السبلم الذي‬ ‫أرسله اهلل إىل بٍت إسرائيل من أويل‬ ‫العزم من الرسل ‪ .‬ولذلك فإنك‬

‫ٕتد فيه تربية أوال ‪ .‬وتربية ثانيا ‪. .‬‬ ‫والبد أن نلتفت إىل قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ :‬يا بٍت إسرائيل «‬ ‫فا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪ .‬حُت يريد أن‬ ‫ينادي البشر ‪ٚ‬تيعا يقول ‪ { :‬يابٍت‬ ‫ءَادَ َم } واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬يابٍت‬ ‫ءَادَ َم ُخ ُذوا ْ ِزينَت َ ُك ْم ِعن َد كُ ّ ِل‬

‫َم ْسِج ٍد } ػ األعراف ‪] 31 :‬‬ ‫وقوله سبحانه ‪ { :‬يابٍت ءَادَ َم ال َ‬ ‫يَفْتِنَنَّ ُك ُم الشيطان } ػ األعراف ‪:‬‬ ‫‪] 27‬‬ ‫‪١‬تاذا ٮتاطؽنا اهلل تعاىل بقوله ‪ :‬يا بٍت‬ ‫آدم؟ ألنه يريد أن يذكرنا بنعمة‬ ‫علؼنا منذ بداية ا‪٠‬تلق ‪ .‬ألن هذه‬

‫النعم ٗتص آدم وذريته ‪ .‬فاهلل تعاىل‬ ‫خلق آدم بيديه ‪ .‬وأمر ا‪١‬تبلئكة أن‬ ‫تسجد له ‪ .‬وأعد له كونا ملؼئا بكل‬ ‫ما يضمن استمرار حياته ‪ .‬لؼس‬ ‫بالضروريات فقط ‪ .‬ولكن‬ ‫بالكماليات ‪ .‬ثم دربه ا‪ٟ‬تق عىل ما‬ ‫سؼتعرض له من إغواء الشيطان ‪.‬‬

‫وأفهمه أن الشيطان عدو له ‪ .‬ثم‬ ‫علمه كلمات التوبة ‪ .‬لؼتوب عليه ‪.‬‬ ‫وأمده بنعم ال تعد وال ٖتىص ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يذكرنا بكل ذلك حىت ‪٩‬تجل من‬ ‫أن نرتكب معصية بعد كل هذا‬ ‫التكريم لئلنسان ‪ .‬فإذا تذكرنا‬

‫نعم اهلل علؼنا ‪ . .‬فإننا ‪٩‬تجل أن‬ ‫نقابل هذه النعم با‪١‬تعصية ‪.‬‬ ‫وقد علمنا اهلل سبحانه وتعاىل علما‬ ‫ميزنا اهلل تعاىل فيه عن مبلئكته ‪.‬‬ ‫لذا كان ‪٬‬تب أن نظل شاكرين‬ ‫عابدين طوال حياتنا يف هذه الدنيا‬ ‫‪.‬‬

‫لكننا نبلحظ أن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل بدأ هذه اآلية الكرٯتة بقوله‬ ‫يل } ‪١‬تاذا؟ ومن‬ ‫‪ { :‬يَاب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫هو إسرائيل؟‬ ‫إسرائيل مأخوذة من كلمتُت ‪ :‬اسر‬ ‫وإيل ‪ ( . .‬اسر ) يعٍت عبد مصطىف‬ ‫أو ‪٥‬تتار ‪ ( .‬وإيل ) معناها اهلل يف‬

‫العربانية ‪ .‬فيكون معٌت الكلمة‬ ‫صفوة اهلل ‪.‬‬ ‫واالصطفاء هنا ليعقوب ولؼس‬ ‫لذريته ‪. .‬‬ ‫فإذا نظرنا إىل إسرائيل الذي هو‬ ‫يعقوب كيف أخذ هذا االسم ‪٧ .‬تد‬ ‫أنه أخذ االسم ألنه ابتىل من اهلل‬

‫ببلء كبَتا ‪ .‬استحق به أن يكون‬ ‫صفيا هلل ‪ .‬وعندما ينادي اهلل تعاىل‬ ‫قوم موىس بقوله ‪ :‬يا بٍت إسرائيل ‪.‬‬ ‫فإنه يريد أن يذكرهم ٔتزنلة‬ ‫إسرائيل عند اهلل ‪ .‬ما واجهه من‬ ‫ببلء ‪ .‬وما ٖتمله يف حياته ‪ .‬فاذكروا‬ ‫ما وصاكم به حُت حضرته الوفاة ‪.‬‬

‫‪ .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬أ َ ْم‬ ‫وب‬ ‫ُك ُنت ْم ُشهَ َدآءَإِذْ َح َض َر يَعْ ُق َ‬ ‫ا‪١‬توت إِذْقَ َ ِ ِ‬ ‫ون ِمن‬ ‫ال لب َ ِنيه َما تَعْب ُ ُد َ‬ ‫ك‬ ‫بَعْ ِدي قَالُوا ْنَعْب ُ ُد إ‪٢‬تك وإله آب َ ِائ َ‬ ‫ِ‬ ‫اق إ‪٢‬تا‬ ‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬ ‫يل َوإ ِْس َح َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬ ‫إِب ْ َراه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫َواحدا ً َو َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه ُم ْسل ُم َ‬ ‫البقرة ‪] 133 :‬‬

‫ثم يأيت بعد ذلك قول يعقوب ‪. .‬‬ ‫ٍت إ َِّن اهلل‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬يَاب َ ِ َّ‬ ‫وتن إَال َّ‬ ‫اصطىف ل َ ُك ُم الدين فَبل َ َ٘ت ُ ُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫َوأن ْ ُتم ُّم ْسل ُم َ‬ ‫‪] 132‬‬ ‫تلك هي الوصية اليت وىص بها‬ ‫يعقوب بنيه ‪ . .‬فيها علم وفيها‬

‫عظة ‪ .‬علم بأن اهلل إله واحد ‪ .‬ال‬ ‫شريك له ‪ .‬وأن الدين هو اإلسبلم‬ ‫‪ .‬وعظة وتذكَت بأن اهلل اختار ‪٢‬تم‬ ‫الدين ‪ .‬فليحرصوا عليه حىت‬ ‫ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫ولقد جاءت هذه الوصية حُت‬ ‫حضر يعقوب ا‪١‬توت ‪ .‬وساعة‬

‫ا‪١‬توت يكون اإلنسان صادقا مع‬ ‫نفسه ‪ .‬وصادقا مع ربه ‪ .‬وصادقا مع‬ ‫ذريته ‪ .‬فكأنه سبحانه وتعاىل حؼنما‬ ‫يل } يريد‬ ‫يقول ‪ { :‬يَاب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫أن يذكرهم بإسرائيل وهو‬ ‫يعقوب وكيف ٖتمل وظل صابرا ‪.‬‬ ‫ووصؼته ‪٢‬تم ساعة ا‪١‬توت ‪.‬‬

‫سبحان وتعاىل يذكر األبناء‬ ‫ه‬ ‫إن اهلل‬ ‫بفضله عىل اآلباء علهم يتعظون أو‬ ‫ٮتجلون من ا‪١‬تعصية ٘تاما كما‬ ‫يكون هناك عبد صاٌف أسرف‬ ‫أبناؤه عىل أنفسهم ‪.‬‬ ‫فيقال ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫أال ٗتجلون؟ أنتم أبناء فبلن‬

‫الرجل الصاٌف ‪ .‬ال يصح أن‬ ‫ترتكبوا ما يغضب اهلل … { يَاب َ ٍِت‬ ‫يل }‬ ‫إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق ‪.‬‬ ‫وإسحاق ابن إبراهيم ‪ .‬وإبراهيم‬ ‫ا‪٧‬تب إسحاق وإ‪ٝ‬تاعيل ‪. .‬‬ ‫ورسولنا صىل اهلل عليه وسلم من‬

‫ذرية إ‪ٝ‬تاعيل ‪ .‬واهلل سبحانه‬ ‫يل‬ ‫وتعاىل يقول ‪ { :‬يَاب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫اذكروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت اليت أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫} ولكن اهلل سبحانه وتعاىل حُت‬ ‫ٮتاطب ا‪١‬تسلمُت ال يقول اذكروا‬ ‫نعمة اهلل ‪ .‬وإ‪٪‬تا يقول ‪ « :‬اذكروا‬ ‫اهلل » ألن بٍت إسرائيل ماديون‬

‫ودنيويون ‪.‬‬ ‫فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪٢‬تم‬ ‫‪ :‬مادمتم ماديُت ودنيويُت ‪.‬‬ ‫فاذكروا نعمة اهلل ا‪١‬تادية عليكم ‪.‬‬ ‫ولكننا ‪٨‬تن ا‪١‬تسلمُت أمة غَت مادية‬ ‫‪.‬‬ ‫وهناك فرق بُت أن يكون اإلنسان‬

‫مع النعمة ‪ .‬وأن يكون مع ا‪١‬تنعم ‪.‬‬ ‫ا‪١‬تاديون ٭تبون النعمة ‪ .‬وغَت‬ ‫ا‪١‬تاديُت ٭تبون ا‪١‬تنعم ‪ .‬ويعيشون‬ ‫يف معؼته ‪ .‬ولذلك ‪ .‬فخطاب‬ ‫ا‪١‬تسلمُت ‪ « :‬اذكروا اهلل » ألننا‬ ‫‪٨‬تن مع ا‪١‬تنعم ‪ .‬بؼنما خطابه‬ ‫سبحانه لؽٍت إسرائيل ‪ « :‬اذكروا‬

‫نعمة اهلل »‬ ‫وا‪ٟ‬تديث القدسي يقول ‪ « :‬أنا‬ ‫أهل أن أَتىق فبل ‪٬‬تعل معي إله ‪،‬‬ ‫فمن اتىق أن ‪٬‬تعل معي إ‪٢‬تا كان‬ ‫أهبل أن أغفر له »‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل واجب العبادة ‪.‬‬ ‫ولو لم ٮتلق ا‪ٞ‬تنة والنار ‪.‬‬

‫‪ .‬ولذلك فإن ا‪١‬تؤمنُت هم أهل‬ ‫االبتبلء من اهلل ‪١ .‬تاذا؟ ألن االبتبلء‬ ‫منه نعمة ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يباهي بعباده مبلئكته ‪ .‬ويقول ‪:‬‬ ‫إهنم يعبدونٍت لذايت ‪ .‬فتقول‬ ‫ا‪١‬تبلئكة ‪ :‬بل يعبدونك لنعمتك‬ ‫عليهم ‪ .‬فيقول سبحانه ‪٢‬تم ‪:‬‬

‫سأقبضها عنهم وال يزالون ٭تبونٍت‬ ‫‪ . .‬ومن عبادي من أحب دعاءهم ‪.‬‬ ‫فأنا أبتليهم حىت يقولوا يا رب ‪.‬‬ ‫ألن أصواهتم ٭تبها اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬ولذلك إذا ابتىل عبدا يف‬ ‫صحته مثبل ‪ .‬وسلب منه نعمة‬ ‫العافية ‪ .‬ترى ا‪ٞ‬تاهل هو الذي‬

‫ينظر إىل هذا نظرة عدم الرضا ‪.‬‬ ‫وأما ا‪١‬تتعمق فؼنظر إىل قول اهلل يف‬ ‫ا‪ٟ‬تديث القدسي ‪ :‬أن اهلل عز وجل‬ ‫يقول يوم القيامة ‪ « :‬يا ابن آدم‬ ‫مرضت فلم تعدين قال ‪ :‬يا رب‬ ‫وكيف أعودك وأنت رب العا‪١‬تُت؟‬ ‫قال ‪ :‬أما علمت أن عبدي فبلنا‬

‫مرض فلم تعده ‪ .‬أما علمت أنك‬ ‫لو عدته لوجدتٍت عنده » فلو فقد‬ ‫ا‪١‬تؤمن نعمة العافية ‪ . .‬فبل ييأس‬ ‫فإن اهلل تعاىل يريده أن يعؼش مع‬ ‫ا‪١‬تنعم ‪ . .‬وأنه طوال فًتة مرضه‬ ‫يف معية اهلل تعاىل ‪ .‬ولذلك حُت‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬يَاب َ ٍِت‬

‫إِسر ِ‬ ‫يل اذكروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت اليت‬ ‫ائ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم } معناها ‪ .‬إن لم‬ ‫تكونوا مؤمنُت لذايت ‪ .‬فاستحيوا‬ ‫أن ترتكبوا ا‪١‬تعصية بنعميت اليت‬ ‫أنعمت عليكم ‪ .‬ولقد جاءت‬ ‫النعمة هنا ألن بٍت إسرائيل‬ ‫يعبدون اهلل من أجل نعمه ‪.‬‬

‫{ اذكروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت } الذكر هو‬ ‫َ‬ ‫ا‪ٟ‬تفظ من النسيان ‪ ،‬ألن روتُت‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪٬‬تعلنا ننىس ا‪١‬تسبب للنعم ‪.‬‬ ‫فالشمس تطلع كل يوم ‪ .‬كم منا‬ ‫يتذكر أهنا ال تطلع إال بإذن اهلل‬ ‫فيشكره ‪ .‬وا‪١‬تطر يزنل كل فًتة ‪.‬‬ ‫من منا يتذكر أن ا‪١‬تطر يزنله اهلل ‪.‬‬

‫فيشكره ‪ .‬فالذكر يكون باللسان‬ ‫وبالقلب ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫غيب مستور عنا ‪ .‬وعظمته أنه‬ ‫مستور ‪ .‬ولكن نعم اهلل سبح انه‬ ‫تدلنا عليه ‪ . .‬فبالذكر يكون يف بالنا‬ ‫دائما ‪ .‬وبنعمه يكون ذكره‬ ‫وشكره دائما ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل طلب من بٍت‬ ‫إسرائيل أن يذكروا النعمة اليت‬ ‫أنعمها عليهم فقط ‪ .‬وكان ‪٬‬تب‬ ‫عليهم أن يطيعوا اهلل فيذكروا‬ ‫ا‪١‬تنعم ‪ .‬ألن ذكر اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪٬‬تعلك يف ركن ركُت ‪ .‬ال يصل‬ ‫إليك مكروه وال شر ‪.‬‬

‫إن ذكر اهلل ا‪١‬تنعم يعطؼنا حركة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة يف كل شيء ‪ .‬فذكر اهلل يوجد‬ ‫يف القلوب ا‪٠‬تشوع ‪ .‬ويقلل من‬ ‫ا‪١‬تعاصي وينتفع الناس كل الناس‬ ‫به ‪ ،‬و‪٬‬تعل حركة ا‪ٟ‬تياة مستقيمة‬ ‫‪ .‬وحُت يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫{ اذكروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت } معناها اذكروين‬ ‫َ‬

‫حىت بالنعمة اليت أنعمت عليكم ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وأَو ُفوا ْبعهدي أُ ِ‬ ‫وف‬ ‫َ ْ‬ ‫بِعَهْ ِد ُك ْم } العهد هو ا‪١‬تؼثاق ‪.‬‬ ‫واقرأ قوله سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬ول َ َق ْد‬ ‫َع ِه ْدنَآ إىل ءَادَ َم ِمن قَب ْ ُل فَن َ ِس َي َول َ ْم‬ ‫َ ِ‪٧‬ت ْد ل َ ُه َع ْزما ً} ػ طه ‪] 115 :‬‬ ‫إذن فالعهد أمر موثق بُت العبد‬

‫وربه ‪ .‬ما هو العهد الذي يريد اهلل‬ ‫من بٍت إسرائيل أن يوفوا به ليفي‬ ‫اهلل بعهده ‪٢‬تم؟‬ ‫نقول ‪ :‬إما أن يكون عهد الفطرة ‪.‬‬ ‫وعهد الفطرة كما قلنا أن نؤمن‬ ‫باهلل ونشكره عىل نعمه ‪ .‬وكما قلنا‬

‫إذا هبط اإلنسان يف مكان لؼس يف‬ ‫أحد ‪.‬‬ ‫ثم نام وقام فوجد مائدة حافلة‬ ‫بالنعم أمامه ‪ .‬أال يسأل نفسه ‪ :‬من‬ ‫صنع هذا؟ لو أنه فكر قليبل لعرف‬ ‫أنه البد أن يكون ‪٢‬تا من صانع ‪.‬‬ ‫خصوصا أن ا‪٠‬تلق هنا فوق قدرات‬

‫البشر ‪ .‬فإذا أرسل اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل رسوال يقول إن اهلل هو الذي‬ ‫خلق وأوجد ‪ .‬ولم يوجد مدع وال‬ ‫معارض نظرا ألن إ‪٬‬تاد هذه النعم‬ ‫فوق قدرة البشر ‪ .‬تكون القضية‬ ‫‪٤‬تسومة هلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫إذن فذكر اهلل وشكره واجب‬

‫بالفطرة السلمية ‪ ،‬ال ٭تتاج إىل‬ ‫تعقيدات وفلسفات ‪ .‬والوفاء بعهد‬ ‫اهلل أن نعبده ونشكره هو فطرة‬ ‫اإلٯتان ‪١‬تا أعطاه لنا من نعم ‪ .‬عىل‬ ‫أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪٧‬تده يقول ‪:‬‬ ‫{ وأَو ُفوا ْبعهدي أُ ِ‬ ‫وف بِعَهْ ِد ُك ْم }‬ ‫َ ْ‬ ‫ػ البقرة ‪] 40 :‬‬

‫ويف آية أخرى ‪ { :‬فاذكروين‬ ‫أَذْ ُك ْر ُك ْم } ػ البقرة ‪] 152 :‬‬ ‫ويف آية ثالثة ‪ { :‬إِن تَ ُنص ُروا ْاهلل‬ ‫ي َ ُنص ْر ُك ْم َويُؿَبِ ّ ْت أَقْ َد َام ُك ْم } ػ‬ ‫‪٤‬تمد ‪] 7 :‬‬ ‫ما هي هذه القضية اليت يريد ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل أن ينبهنا إليها يف‬

‫هذه اآليات الكرٯتة؟ اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يريد أن نعرف أنه قد وضع‬ ‫يف يدنا مفتاح ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬ففي يد كل‬ ‫واحد منا مفتاح الطريق الذي‬ ‫يقوده إىل ا‪ٞ‬تنة أو إىل النار ‪ .‬ولذلك‬ ‫إذا وفيت بالعهد أوىف اهلل ‪ .‬وإذا‬ ‫ذكرت اهلل ذكرك ‪ .‬وإذا نصرت‬

‫اهلل نصرك ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تديث القدسي يقول ‪ « :‬وإن‬ ‫تقرب إيل َّشربا قتربت إليه ذراعا‬ ‫وإن تقرب إيل َّذراعا تقربت إليه‬ ‫باعا وإن أتاين ٯتشي أتؼته هرولة »‬ ‫هكذا يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬ ‫ينبهنا أن ا‪١‬تفتاح يف يدنا ‪٨‬تن ‪ .‬فإذا‬

‫بدأنا بالطاعة ‪ .‬فإن عطاء اهلل ببل‬ ‫حدود ‪ .‬وإذا تقربنا إىل اهلل تقرب‬ ‫إلؼنا ‪ .‬وإذا بعدنا عنه نادانا ‪ .‬هذا‬ ‫هو إٯتان الفطرة ‪.‬‬ ‫هل هذا هو العهد ا‪١‬تقصود من اهلل‬ ‫سبحانه يف قوله ‪ { :‬أ َ ْو ُفوا ْبعهدي‬ ‫أُ ِ‬ ‫وف بِعَهْ ِد ُك ْم } أو هو العهد الذي‬

‫أخذه اهلل عىل األنؽياء لؼبلغوا‬ ‫أقوامهم بأهنم إذا جاء رسول‬ ‫مصدق ‪١‬تا معهم فبلبد أن يؤمنوا به‬ ‫وينصروه؟ فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫أخذ عىل األنؽياء ‪ٚ‬تيعا العهد‬ ‫لرسول اإلسبلم سيدنا ‪٤‬تمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ . .‬أو هو العهد‬

‫الذي أخذه اهلل بواسطة موىس عليه‬ ‫السبلم عىل علماء بٍت إسرائيل‬ ‫الذين تلقوا التوراة ولقنوها‬ ‫وكؾبوها وحفظوها ‪ .‬عهد بأال‬ ‫يكتموا منها شؼئا ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫اق الذين‬ ‫يث َ‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخ َذ اهلل ِم َ‬ ‫أُو ُتوا ْالكتاب ل َ ُتبيِنُنَّ ُه لِلنَّ ِ‬ ‫اس َوال َ‬ ‫َّ‬

‫تَ ْك ُت ُمون َ ُه فَنَب َ ُذ ُوه َو َرآءَ ُظ ُهو ِر ِه ْم‬ ‫واشًتوا بِ ِه ‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ًفَبِػ َْس َما‬ ‫ون } ػ آل عمران ‪] 187 :‬‬ ‫ًت َ‬ ‫ي َ ْش َ ُ‬ ‫وا‪٢‬تدف من هذا العهد ‪ .‬أال‬ ‫يكتموا ما ورد عن اإلسبلم يف‬ ‫التوراة ‪ .‬وأال ٮتفوا صفات رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم اليت جاءت‬

‫بها ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل قد أعىط‬ ‫صفات رسوله ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يف التوراة ويف اإل‪٧‬تيل ‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬و َ‪١‬تَّا َجآءَ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫اب ِّم ْن ِعن ِد اهلل ُم َص ِ ّد ٌق ِ ّ‪١‬تَا َمعَ ُه ْم‬ ‫كت َ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون عَىلَ‬ ‫َوكَانُوا ْمن قَب ْ ُل ي َ ْست َ ْفت ُح َ‬ ‫الذين َك َف ُروا ْفَل َ َّما َجآءَ ُه ْم َّما‬

‫َع َر ُفوا ْ َك َف ُروا ْبِ ِه فَلَعْن َ ُة اهلل عَىلَ‬ ‫الكافرين }‬ ‫ػ البقرة ‪] 89 :‬‬ ‫ولقد جاء القرآن الكريم ‪ .‬مصدقا‬ ‫‪١‬تا نزل من التوراة ‪ .‬وعرف بنو‬ ‫إسرائيل أنفسهم صدق ما نزل‬ ‫يف القرآن ‪ .‬ولكنهم كفروا ألن‬

‫رسول اهلل لم يكن من قومهم ‪. .‬‬ ‫وقد كان أهل الكتاب من توراة‬ ‫وإ‪٧‬تيل يعرفون أن رسالة رسول‬ ‫اهلل هي الرسالة ا‪٠‬تا٘تة ‪ .‬وأنه البد‬ ‫أن يؤمن به قوم كل نبي ‪ .‬هل هذا‬ ‫هو العهد الذي يوجب عىل كافة‬ ‫األمم اإلٯتان برسالة ‪٤‬تمد صىل‬

‫اهلل عليه وسلم ونصرته إن أدركوه‬ ‫‪ .‬وإن لم يدركوه فا‪١‬تسئولية عىل‬ ‫أبنائهم وأحفادهم أن ينصروه‬ ‫ويؤمنوا به مىت أدركوه ‪ .‬إن كانت‬ ‫هي عهد إٯتان الفطرة ‪ ،‬أو كانت‬ ‫هي عهد اإلٯتان برسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم فكبل‪٫‬تا وارد ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬أُ ِ‬ ‫وف بِعَهْ ِد ُك ْم }‬ ‫أي ٔتا وعدتكم من جنة النعيم يف‬ ‫اآلخرة ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل بعد‬ ‫نزول اإلسبلم اختص بر‪ٛ‬تته‬ ‫الذين آمنوا ٔتحمد عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ .‬وكل من لم يؤمن بهذا‬ ‫الدين ال عهد له عند اهلل ‪.‬‬

‫واقرأ قوله تبارك وتعاىل عندما‬ ‫أخذت الرجفة موىس وقومه وطلب‬ ‫موىس من اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫الر‪ٛ‬تة ‪ .‬قال تعاىل ‪ { :‬واكتب لَنا‬ ‫ِيف هذه الدنيا َح َسنَةً َو ِيف اآلخرة إِن َّا‬ ‫ُ ِ‬ ‫يب بِ ِه َم ْن‬ ‫ُه ْدنَآ إِلَي ْ َ‬ ‫ك قَ َ‬ ‫ال عذايب أص ُ‬ ‫‪ٛ‬ت ِيت و ِسع ْت كُ َّل َشيءٍ‬ ‫َ‬ ‫آء َو َر ْ َ َ َ‬ ‫أ َش ُ‬ ‫ْ‬

‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ون َويُ ْؤ ُت َ‬ ‫فَ َسأ ْك ُؾبُهَا لل َّ ِذي َن يَتَّ ُق َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون*‬ ‫الزكاة والذين ُهم بِآيَاتنَا يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون الرسول النبي األمي‬ ‫الذين يَؾَّبِ ُع َ‬ ‫الذي ي َ ُِدجون َ ُه َم ْك ُتوبا ً ِعن َد ُه ْم ِيف‬ ‫التوراة واإل‪٧‬تيل يَأ ْ ُم ُر ُهم‬ ‫با‪١‬تعروف َويَنْهَ ُاه ْم َع ِن ا‪١‬تنكر‬ ‫َو ُ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ ُم الطؼبات َو ُ٭ت َ ّ ِر ُم عَلَي ْ ِه ُم‬

‫ا‪٠‬تبآئث َوي َ َض ُع َعن ْ ُه ْم إِ ْص َر ُه ْم‬ ‫واألغبلل اليت كَان َ ْت عَلَي ْ ِه ْم فالذين‬ ‫آ َم ُنوا ْبِ ِه َو َع َّز ُر ُوه َو َن َص ُر ُوه واتبعوا‬ ‫النور الذي أُن ِز َل َمعَ ُه أولئك ُه ُم‬ ‫ا‪١‬تفلحون } ػ األعراف ‪-156 :‬‬ ‫‪] 157‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يذكر بٍت‬

‫إسرائيل يف هذه اآلية الكرٯتة ‪.‬‬ ‫بالعهد الذي أخذه عليهم ‪.‬‬ ‫وينذرهم أن ر‪ٛ‬تته هي للمؤمنُت‬ ‫برسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫مىت جاءت رسالته ‪. .‬‬ ‫اي فارهبون }‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِي َّ َ‬ ‫أي أنه ال توجد قوة وال قدرة يف‬

‫الكون إال قوة اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫ولذلك فاتقوا يوما ستبلقون فيه‬ ‫اهلل و٭تاسبكم ‪ .‬وهو سبحانه‬ ‫وتعاىل قهار جبار ‪ .‬وال ‪٧‬تاة من‬ ‫عذابه ‪١‬تن لم يؤمن ‪.‬‬

‫ك ْم‬ ‫َوآ ِم ُنوا ِٔتَا أَن ْ َزل ْ ُت ُم َص ِ ّدقًا ِ‪١‬تَا َمعَ ُ‬ ‫ًتوا‬ ‫َو َال تَ ُكونُوا أ َ َّو َل كَافِ ٍر بِ ِه َو َال تَ ْش َُ‬

‫اي فَا َّت ُق ِ‬ ‫ون‬ ‫بِآي َ ِايت ‪ٙ‬تَ َنًا قَلِ ً‬ ‫يبل َوإِي َّ َ‬ ‫(‪)41‬‬

‫بعد أن ذَ َّك َر اهلل سبحانه وتعاىل بٍت‬ ‫إسرائيل بالعهود اليت قطعوها عىل‬ ‫أنفسهم سواء بعدم الؾبديل‬ ‫والتغيَت يف التوراة ‪ .‬إلخفاء أشياء‬ ‫وإضافة أشياء ‪ .‬وذكرهم بعهدهم‬

‫بالنسبة لئلٯتان برسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم الذي ذكر اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل أوصافه يف التوراة‪.‬‬ ‫حىت أن ا‪ٟ‬ت َ ْرب اليهودي ابن سبلم‬ ‫كان يقول لقومه يف ا‪١‬تدينة ‪ :‬لقد‬ ‫عرفته حُت رأيته كمعرفيت البٍت‬ ‫ومعرفيت ‪١‬تحمد أشد ‪ .‬أي أنه كان‬

‫يُ َذ ِ ّك ُر قومه ‪ .‬أن أوصاف الرسول‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ا‪١‬توجودة يف‬ ‫التوراة ‪ .‬ال ٕتعلهم ٮتطئونه ‪ .‬قال‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وآ ِم ُنوا ْ ِٔتَآ‬ ‫أَن َزل ْ ُت ُم َص ِ ّدقا ً ِ ّ‪١‬تَا َمعَ ُك ْم } ‪ .‬ألن‬ ‫القرآن مصدق للتوراة ‪ .‬والقصد‬ ‫هنا التوراة ا‪ٟ‬تقيقية قبل أن‬

‫٭ترفوها ‪ .‬فالقرآن لؼس موافقا ‪١‬تا‬ ‫معهم من ا‪١‬تحرف أو ا‪١‬تبدل من‬ ‫التوراة ‪ .‬بل هو موافق للتوراة اليت‬ ‫ال زيف فيها ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وال َ‬ ‫تكونوا أ َ َّو َل كَافِ ٍر بِ ِه } ‪ . .‬ولقد قلنا‬ ‫أن اليهود لم يكونوا أول كافر‬

‫ٔتحمد صىل اهلل عليه وسلم ‪ .‬وإ‪٪‬تا‬ ‫كانت قريش قد كفرت به يف مكة ‪.‬‬ ‫ا‪١‬تقصود يف ه ذه اآلية الكرٯتة أول‬ ‫كافر به من أهل الكتاب ‪١ .‬تاذا؟‬ ‫ألن قريشا ال صلة ‪٢‬تا ٔتنهج‬ ‫السماء ‪ .‬وال هي تعرف شؼئا عن‬ ‫الكتب السابقة ‪ .‬ولكن أحبار‬

‫اليهود كانوا يعرفون صدق الرسالة‬ ‫‪ .‬وكانوا يستفتحون برسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم عىل أهل‬ ‫ا‪١‬تدينة ويقولون ‪ « :‬جاء زمن‬ ‫رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد‬ ‫وإرم » ‪ .‬و‪١‬تا جاء رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم بدال من أن‬

‫يسارعوا باإلٯتان به ‪ .‬كانوا أول‬ ‫كافر به ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل لم يفاجئ أهل‬ ‫الكتاب ٔتجيء ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ .‬وإ‪٪‬تا نبههم إىل ذلك يف‬ ‫التوراة واإل‪٧‬تيل ‪ .‬ولذلك كان ‪٬‬تب‬ ‫أن يكونوا أول ا‪١‬تؤمنُت ولؼس أول‬

‫الكافرين ‪ .‬ألن الذي جاء يعرفونه ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ق‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت‬ ‫و وله تعاىل ‪َ { :‬وال َتَ ْش َ ُ‬ ‫‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ً} ‪ :‬ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫حؼنما يتحدث عن الصفقة‬ ‫اإلٯتانية ‪ .‬يستخدم كلمة الشراء‬ ‫وكلمة الؽيع وكلمة التجارة‪ .‬اقرأ‬

‫قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل اشًتى ِم َن‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت أ َ ُنف َس ُه ْم َوأ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم بِأ َ َّن‬ ‫َ‪٢‬ت ُ ُم ا‪ٞ‬تنة } ػ التوبة ‪] 111 :‬‬ ‫ويف آية أخرى يقول ‪َ { :‬ه ْل‬ ‫أَ‬ ‫ُ‬ ‫ار ٍة ُتن ِجي ُكم ِّم ْن‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ّ‬ ‫كم عىل ِٕت ََ‬ ‫ُ ْ‬ ‫يم * ُت ْؤ ِمنون باهلل ورسول ِهِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اب أل ٍ‬ ‫ع َ َذ ٍ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََُ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِيف َسؽ ِ‬ ‫ِيل اهلل بِأ َ ْم َوال ِ ُك ْم‬ ‫َو ُٕتَاه ُد َ‬

‫َوأ َ ُنف ِس ُك ْم } ػ الصف ‪11-10 :‬‬ ‫]‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ . .‬استعمل‬ ‫كلمة الصفقة والشراء والؽيع بعد‬ ‫ذلك يف قوله تعاىل ‪ { :‬ياأيها الذين‬ ‫لصبل َ ِة ِمن ي َ ْو ِم‬ ‫آمنوا إِذَا نُو ِد َي ل ِ َّ‬ ‫ا‪ٞ‬تمعة فاسعوا إىل ِذ ْك ِر اهلل َوذَ ُروا ْ‬

‫الؽيع } ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪] 9 :‬‬ ‫ونعلم أن التجارة هي وساطة بُت‬ ‫ا‪١‬تنتج وا‪١‬تستهلك ‪ . .‬ا‪١‬تنتج يريد‬ ‫أن يؽيع إنتاجه ‪ .‬وا‪١‬تستهلك ‪٤‬تتاج‬ ‫إىل هذا اإلنتاج ‪ .‬والربح عملية‬ ‫تطول فًتة ‪ . .‬وتقصر فًتة مع‬

‫عملية ٖترك السلعة واإلقبال‬ ‫عليها إن كان سريعا أو بطؼئا ‪.‬‬ ‫وعملية االٕتار استخدمها اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ليبُت لنا أهنا أقصر‬ ‫طريق إىل النفع ‪ .‬فالتجارة تقوم عىل‬ ‫يد اإلنسان ‪ .‬يشًتي السلعة‬ ‫ويؽيعها ‪ .‬ولكنها مع اهلل سيأخذ‬

‫منك بعضا من حرية نفسك ‪.‬‬ ‫ليعطيك أخلد وأوسع منها ‪.‬‬ ‫وكما قلنا ‪ :‬لو قارنا بُت الدنيا‬ ‫بعمرها ا‪١‬تحدود عمر كل واحد‬ ‫منا كم سنة؟ ‪ٜ‬تسُت ‪ . .‬ستُت ‪. .‬‬ ‫سبعُت!! ‪٧‬تد أن الدينا مهما طالت‬ ‫‪ . .‬ستنتهي واإلنسان العاقل هو‬

‫الذي يضحي بالفًتة ا‪١‬توقوته‬ ‫وا‪١‬تنتهية ليكون له حظ يف الفًتة‬ ‫ا‪٠‬تالدة ‪ .‬وبذلك تكون هذه‬ ‫الصفقة راْتة ‪.‬‬ ‫إن النعيم يف الدنيا عىل قدر قدرات‬ ‫البشر ‪ .‬والنعيم يف اآلخرة عىل قدر‬ ‫قدرات اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬يأيت‬

‫اإلنسان ليقول ‪١ :‬تاذا أضيق عىل‬ ‫نفسي يف الدنيا؟ ‪١‬تاذا ال أ٘تتع؟‬ ‫نقول له ‪ :‬ال ‪ . .‬إن الذي سؾناله من‬ ‫العذاب والعقاب يف اآلخرة ال‬ ‫يساوي ما أخذته من الدنيا ‪ . .‬إذن‬ ‫الصفقة خاسرة ‪ .‬أنت اشًتيت‬ ‫زائبل ‪ .‬ودفعته ‪ٙ‬تنا لنعيم خالد ‪. .‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل يقول لليهود ‪:‬‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت ‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ً} أي‬ ‫{ َوال َتَ ْش َ ُ‬ ‫ال تدفعوا اآليات اإلٯتانية اليت‬ ‫أعطيت لكم لتأخذوا مقابلها ‪ٙ‬تنا‬ ‫قليبل ‪ . .‬وعندما يأخذ اإلنسان‬ ‫أقل ‪٦‬تا يعطي ‪ . .‬فذلك قلب‬ ‫للصفقة ‪ .‬والقلب تأيت من ا‪٠‬تسارة‬

‫دائما ‪. .‬‬ ‫وكأن اآلية تقول ‪ :‬تدفعون آيات‬ ‫اهلل اليت تكون منهجه ا‪١‬تتكامل‬ ‫لتأخذوا عرضا من أعراض الدنيا‬ ‫‪ .‬قيمته قليلة ووقته قصَت ‪ .‬هذا‬ ‫قلب للصفقة ‪.‬‬ ‫ولذلك جاء األداء القرآين مقاببل‬

‫‪٢‬تذا القلب ‪ .‬ففي الصفقات ‪. .‬‬ ‫األ‪ٙ‬تان دائما تدفع والسلعة تؤخذ‬ ‫‪ .‬ولكن يف هذه ا‪ٟ‬تالة اليت تتحدث‬ ‫عنها اآلية يف قوله تعاىل { َوال َ‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت ث َنَما ًقَلِيبل ً} قد‬ ‫تَ ْش َ ُ‬ ‫جعلت الثمن الذي ‪٬‬تب أن يكون‬ ‫مدفوعا جعلته مشًتي وهذا هو‬

‫ا‪ٟ‬تمق وا‪٠‬تطأ ‪.‬‬ ‫يق‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت ‪ٙ‬تَ َنا ً‬ ‫اهلل ول { َوال َتَ ْش َ ُ‬ ‫قَلِيبل ً} أي ال تقبلوا الصفقة ‪. .‬‬ ‫الشيء الذي كان ‪٬‬تب أن تضحوا به‬ ‫ال ٕتعلوه ‪ٙ‬تنا ‪ .‬ألنك يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬ ‫تكون قد جعلت الثمن سلعة ‪.‬‬ ‫مادمت ستشًتي اآليات بالثمن ‪.‬‬

‫‪ .‬فقد جعلت آيات اهلل ‪ٙ‬تنا‬ ‫لتحصل عىل مكاسب دنيوية ‪.‬‬ ‫ولؼتك جعلتها ‪ٙ‬تنا غاليا ‪ .‬بل‬ ‫جعلتها ‪ٙ‬تنا رخيصا ‪.‬‬ ‫لقد تنكرت لعهدك مع اهلل لؼبىق‬ ‫لك مالك أو مركزك!! أما إذا‬ ‫ضْح اإلنسان بشيء من متع الدنيا‬

‫‪ . .‬ليأخذ متع اآلخرة الباقية ‪. .‬‬ ‫فتكون هذه هي الصفقة الراْتة ‪.‬‬ ‫ذلك ألن اإلنسان يف الدنيا ينعم‬ ‫عىل قدر تصوره للنعيم ‪ .‬ولكنه يف‬ ‫اآلخرة ينعم عىل قدر تصور اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يف النعيم ‪.‬‬ ‫بعض الذين ال يريدون أن ٭تملوا‬

‫أنفسهم عىل منهج اهلل يستعجلون‬ ‫مكاسب الصفقة ‪ .‬استعجاال أ‪ٛ‬تق ‪.‬‬ ‫إهنم يريدون ا‪١‬تتعة حراما أو حبلال‬ ‫‪ . .‬نقول لكل واحد منهم ‪ :‬إن‬ ‫كنت مؤمنا باآلخرة ‪ :‬أو غَت مؤمن‬ ‫فالصفقة خاسرة ‪ . .‬ألنك يف كلتا‬ ‫ا‪ٟ‬تالتُت ستعذب يف النار‪ . .‬فكأنك‬

‫اشًتيت بإٯتانك ودينك متعة‬ ‫زائلة ‪.‬‬ ‫وجعلت الكفر ومعصية اهلل ‪٫‬تا‬ ‫الثمن فقلبت اآلية ‪ ،‬وجعلت‬ ‫الشيء الذي كان ‪٬‬تب أنيشًتي‬ ‫ٔتنهج اهلل وهو نعيم اآلخرة يباع ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويباع ٔتاذا؟ بنعيم زائل!‬

‫وعندما يأخذ اإلنسان أقل ‪٦‬تا‬ ‫يعطي ‪ . .‬يكون هذا قلبا للصفقة ‪.‬‬ ‫فكأن اآلية تقول ‪ :‬إنكم تدفعون‬ ‫آيات اهلل وما تعطيكم من َخ َْت َ ْي‬ ‫الدنيا واآلخرة لتأخذوا عرضا‬ ‫زائبل من أعراض الدنيا و‪ٙ‬تنه‬ ‫قليل ‪ .‬وال‪ٙ‬تن يكون دائما من‬

‫األعيان كالذهب والفضة وغَت‪٫‬تا‬ ‫‪ . .‬وهي لؼست سلعة ‪ .‬فهب أن‬ ‫معك كزن قارون ذهبا ‪ .‬وأنت يف‬ ‫مكان منعزل وجائع ‪ .‬أال تعطي هذا‬ ‫الكزن ‪١‬تن سيعطيك رغيفا ‪ . .‬حىت‬ ‫ال ٘توت من ا‪ٞ‬توع؟ ولذلك ‪٬‬تب أال‬ ‫يكون ا‪١‬تال غاية أو سلعة ‪ .‬فإن‬

‫جعلته غاية يكون معك ا‪١‬تال‬ ‫الكثَت ‪ . .‬وال تشًتي به شؼئا ألن‬ ‫ا‪١‬تال غايتك ‪ .‬فيفسد ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تال عبد ‪٥‬تلص ‪ .‬ولكنه سيد‬ ‫رديء ‪ .‬هو عبدك حُت تنفقه ‪.‬‬ ‫ولكن حُت ٗتزنه وتتكالب عليه‬ ‫يشقيك وٯترضك ‪ .‬ألنك‬

‫أصبحت له خادما ‪.‬‬ ‫واآلية الكرٯتة ‪ . .‬تعطؼنا فكرة‬ ‫عن اليهود ألن ‪٤‬تور حياهتم‬ ‫وحركتهم هو ا‪١‬تال والذهب ‪.‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل حرم الربا ألن‬ ‫ا‪١‬تال يف الربا يصبح سلعة ‪ .‬فا‪١‬تائة‬ ‫تأخذ ٔتائة و‪ٜ‬تسُت مثبل ‪ . .‬وهذا‬

‫يفسد ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬ألنه من ا‪١‬تفروض‬ ‫أن يزيد ا‪١‬تال بالعمل ‪ .‬فإذا‬ ‫أصبحت زيادة ا‪١‬تال بدون عمل ‪.‬‬ ‫فسدت حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وزاد الفقَت‬ ‫فقرا ‪ .‬وزاد الغٍت غٌت ‪ .‬وهذا ما‬ ‫نراه يف العالم اليوم ‪.‬‬ ‫فالدول الفقَتة تزداد فقرا ألهنا‬

‫تقًتض ا‪١‬تال وتًتاكم عليها‬ ‫فوائده حىت تكون الفائدة أكثر من‬ ‫الدين نفسه ‪ .‬وكلما مر الوقت ‪.‬‬ ‫زادت الفوائد ‪ .‬فؼتضاعف الدين ‪.‬‬ ‫ويستحيل الؾسديد ‪ .‬والدول‬ ‫الغنية تزداد غٌت ‪ ،‬ألهنا تدفع‬ ‫القرض وتسًتده بأضعاف قيمته ‪.‬‬

‫وإذا قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وال َ‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت ‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ً} ‪٬‬تب أال‬ ‫تَ ْش َ ُ‬ ‫نفهم أنه ٯتكن شراء آيات اهلل‬ ‫بثمن أعىل ‪ . .‬ال ‪ . .‬ألنه مهما‬ ‫ارتفع الثمن وعبل سيكون قليبل ‪.‬‬ ‫وقليبل جدا ‪ .‬ألنه يقابل آيات اهلل‬ ‫‪ .‬وآيات اهلل ال تقدر بثمن ‪.‬‬

‫فالصفقة خاسرة مهما كانت‬ ‫قيمتها ‪.‬‬ ‫اي‬ ‫وقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإِي َّ َ‬ ‫فاتقون } ويف اآلية السابقة قال ‪:‬‬ ‫اي فارهبون } وهي وعيد ‪.‬‬ ‫{ َوإِي َّ َ‬ ‫اي فاتقون } واقع ‪.‬‬ ‫ولكن { َوإِي َّ َ‬ ‫اي فارهبون }‬ ‫فقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِي َّ َ‬

‫هي وعيد وٖتذير ‪١‬تا سيأيت يف اآلخرة‬ ‫اي فاتقون } يعٍت‬ ‫‪ .‬ولكن { َوإِي َّ َ‬ ‫اتقوا صفات ا‪ٞ‬تبلل من اهلل تعاىل ‪.‬‬ ‫وصفات ا‪ٞ‬تبلل هي اليت تتعلق‬ ‫ببطش اهلل وعذابه ‪ .‬ومن هذه‬ ‫الصفات ا‪ٞ‬تبار والقهار وا‪١‬تتكرب‬ ‫والقادر وا‪١‬تنتقم وا‪١‬تذل ‪ .‬وغَتها‬

‫من صفات ا‪ٞ‬تبلل ‪.‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪ « :‬اتقوا‬ ‫اهلل » ويقول « اتقوا النار » كيف؟‬ ‫نقول إن اهلل سبحانه وتعاىل يريدنا‬ ‫أن ‪٧‬تعل بيننا وبُت النار وهي أحد‬ ‫جنود العذاب هلل سبحانه وتعاىل‬ ‫وقاية ‪ .‬ويريدنا أن ‪٧‬تعل بيننا‬

‫وبُت عذاب النار وقاية ‪ .‬ويريدنا‬ ‫أيضا ‪ . .‬أن ‪٧‬تعل بيننا وبُت صفات‬ ‫ا‪ٞ‬تبلل يف اهلل وقاية ‪ .‬فقوله تعاىل {‬ ‫اي فاتقون } أي اجعلوا بينكم‬ ‫َوإِي َّ َ‬ ‫وبُت صفات ا‪ٞ‬تبلل يف اهلل وقاية ‪.‬‬ ‫حىت ال يصؼبكم عذاب عظيم ‪.‬‬ ‫وكيف ‪٧‬تعل بيننا وبُت صفات‬

‫ا‪ٞ‬تبلل يف اهلل وقاية؟ أن تكون‬ ‫أعمالنا يف الدنيا وفقا ‪١‬تنهج اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬إذن فالتقوى‬ ‫مطلوبة يف الدنيا ‪. .‬‬ ‫َو َال تَلْؽ ُِسوا ا ْ‪ٟ‬ت َ َّق بِالْبَا ِط ِل َوتَ ْك ُت ُموا‬ ‫َ‬ ‫ون (‪)42‬‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ َّق َوأن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬

‫بعد أن حذر ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫اليهود من أن يؽيعوا دينهم بثمن‬ ‫قليل وهو ا‪١‬تال أو النفوذ الدنيوي ‪.‬‬ ‫قال تعاىل ‪َ { :‬وال َتَلْؽ ُِسوا ْا‪ٟ‬تق‬ ‫بالباطل } مادة تلؽس ‪ .‬مأخوذة من‬ ‫اللباس الذي نرتديه ‪ .‬واللؽس هو‬ ‫التغطية أو التعمية بأن ‪٩‬تفي ا‪ٟ‬تق‬

‫وال نظهره ‪ .‬فاللباس تغليف‬ ‫للجسم يسًته فبل يبُت تفصيبلته ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق هو القضية الثابتة ا‪١‬تقدرة‬ ‫اليت ال تتغَت ‪ .‬فلنفرض أننا شهدنا‬ ‫شؼئا يقع ‪ .‬ثم روى كل منا ما حدث‬ ‫‪ .‬إذا كنا صادقُت لن يكون حديؿنا‬

‫إال مطابقا للحقيقة ‪ .‬ولكن إذا كان‬ ‫هناك من ٭تاول تغيَت اٌفقيقة‬ ‫فيكون لكل منا رواية ‪ .‬وهكذا‬ ‫فا‪ٟ‬تق ثابت وال يتغَت ‪.‬‬ ‫يف التوراة آيات لم ٭ترفها اليهود ‪. .‬‬ ‫وآيات ‪٤‬ترفة ‪ .‬كل اآليات اليت‬ ‫تتعلق برسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم ووصفه ‪ . .‬وأنه النبي ا‪٠‬تاتم‬ ‫‪ . .‬حرفها اليهود ‪ .‬واآليات اليت ال‬ ‫تتعلق برسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم لم ٭ترفوها ‪ . .‬فكأهنم خلطوا‬ ‫ا‪ٟ‬تق بالباطل ‪ . .‬ما الذي جعلهم‬ ‫يدخلون الباطل و٭تاولون إخفاء‬ ‫ا‪ٟ‬تقائق؟ ا‪١‬تصلحة األوىل ‪ :‬ليشًتوا‬

‫بآيات اهلل ‪ٙ‬تنا قليبل ‪ . .‬والباطل‬ ‫هو ما ال واقع له ‪ .‬ولذلك فإن أبواب‬ ‫الباطل متعددة ‪.‬‬ ‫وباب ا‪ٟ‬تق واحد ‪ .‬فاهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يريد أن يبلغنا أن اليهود قد‬ ‫وضعوا يف التوراة باطبل لم يأمر به‬ ‫اهلل ‪ .‬وكتموا ا‪ٟ‬تقيقة عن رسالة‬

‫‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم ‪ .‬ولكن‬ ‫هل فعلوا ذلك عن طريق ا‪٠‬تطأ أو‬ ‫السهو أو النسيان؟ ال بل فعلوه‬ ‫وهم يعلمون ‪ .‬نأيت مثبل إىل قول‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل لليهود ‪{ :‬‬ ‫وادخلوا الباب ُس َّجدا ً َو ُقولُوا ْ ِح َّط ٌة‬ ‫يد‬ ‫ن َّغ ْ ِف ْر ل َ ُك ْم َخ َطايَا ُك ْم َو َس َ ِزن ُ‬

‫ا‪١‬تحسنُت } ػ البقرة ‪] 58 :‬‬ ‫وحطة أي حط عنا يا رب ذنوبنا ‪.‬‬ ‫يأيت اليهود ويغَتون قول اهلل ‪.‬‬ ‫فبدال من أن يقولوا حطة ‪ .‬يقولوا‬ ‫حنطة ‪ .‬من يسمع هذا اللفظ قد ال‬ ‫يتنبه ويعتقد أهنم قالوا ما أمرهم‬ ‫اهلل به ‪ .‬مع أن الواقع أهنم حرفوه ‪.‬‬

‫ولذلك عندما كانوا يأتون إىل‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫كانوا يقولون ‪ :‬راعنا ليا بألسنتهم‬ ‫‪ .‬وكان ا‪١‬تفروض أن يقولوا راعؼنا ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنهم قالوا راعنا من الرعونة ‪.‬‬ ‫‪ .‬واهلل تعاىل نبه ا‪١‬تؤمنُت برسوله‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم أال يقولوا‬

‫مثلهم ‪ .‬فقال جل جبلله ‪ { :‬ال َ‬ ‫تَ ُقولُوا ْ َرا ِعنَا َو ُقولُوا ْانظرنا } ‪.‬‬ ‫أي اتركوا هذه الكلمة هنائيا ‪ ،‬هذا‬ ‫لؽس ا‪ٟ‬تق بالباطل ‪ .‬إذن فاليهود‬ ‫ألؽسوا ا‪ٟ‬تق بالباطل ‪ .‬واإلنسان ال‬ ‫يلؽس ا‪ٟ‬تق بالباطل ‪ . .‬إال إذا كان‬ ‫ال يستطيع مواجهة ا‪ٟ‬تق ‪ .‬ألن عدم‬

‫القدرة عىل مواجهة ا‪ٟ‬تق ضعف ن َ ِف ُّر‬ ‫منه إىل الباطل ‪ ،‬ألن ا‪ٟ‬تق يتعب‬ ‫صاحبه ‪ . .‬واإلنسان ال يستطيع أن‬ ‫َ٭تْمل نفسه عىل ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وتَ ْك ُت ُموا ْا‪ٟ‬تق‬ ‫َ‬ ‫ون } أي أهنم يفعلون‬ ‫َوأن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬ ‫ذلك عن عمد ولؼس عن جهل ‪.‬‬

‫فقد يكتم اإلنسان حقا وهو ال‬ ‫يعلم أنه ا‪ٟ‬تق ‪ .‬ولكن إذا كنت‬ ‫تعلمه فتلك هي النكبة ألنك ٗتفيه‬ ‫عامدا متعمدا ‪ .‬أو وأنتم تعلمون ‪.‬‬ ‫قد يكون معناها أن اليهود وهم‬ ‫أهل الكتاب يعلمون ما سيصؼبهم‬ ‫يف اآلخرة من العذاب األليم ‪. .‬‬

‫بسبب إخفائهم ا‪ٟ‬تق ‪ .‬فهم ال‬ ‫‪٬‬تهلون ماذا سيحدث يف اآلخرة ‪.‬‬ ‫ولكنهم يقدمون عىل عملهم مع‬ ‫علمهم أنه خطأ فيكون العذاب‬ ‫حقا ‪.‬‬ ‫َِ‬ ‫الص َبلةَ َوآ ُتوا ال َّزكَاةَ‬ ‫يموا َّ‬ ‫َوأق ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)43‬‬ ‫َو ْاركَ ُعوا َم َع ال َّراكع َ‬

‫إقامة الصبلة معروفة ‪ .‬وهي تبدأ‬ ‫بالتكبَت وٗتتم بالؾسليم‪.‬‬ ‫بشرائطها من عناصر القيام‬ ‫والركوع والسجود ‪ .‬ولكن ا‪ٟ‬تق‬ ‫يقول { َوآ ُتوا ْالزكاة واركعوا َم َع‬ ‫الراكعُت } إما أنه يريد منهم أن‬ ‫ينضموا إىل موكب اإلٯتان ا‪ٞ‬تامع‬

‫ألن صبلهتم لم يكن فيها ركوع ‪.‬‬ ‫إذن فهو يريدهم أن يؤمنوا‬ ‫ٔتحمد صىل اهلل عليه وسلم ‪ .‬وال‬ ‫يظنوا أن إٯتاهنم ٔتوىس عليه‬ ‫السبلم يعفيهم من أن يكونوا‬ ‫خاضعُت ‪١‬تا جاء به ‪٤‬تمد صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ .‬ويقولون ديننا كافؼنا ‪.‬‬

‫إ‪٪‬تا جاء اإلسبلم ‪١‬تن ال دين له وهم‬ ‫الكفار وا‪١‬تشركون ‪ . .‬فيقول ‪٢‬تم‬ ‫‪ { :‬اركعوا َم َع الراكعُت} ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفتهم إىل أن صبلهتم لن تقبل‬ ‫منهم إال أن يكون فيها ركوع ‪.‬‬ ‫وصبلة اليهود لؼس فيها ركوع ‪. .‬‬

‫وإن كان فيها سجود ‪ ،‬ويف كلتا‬ ‫ا‪ٟ‬تالتُت فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يلفتهم إىل ضرورة اإلٯتان برسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حؼنما قال ‪{ :‬‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت ‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ً} يريد‬ ‫َوال َتَ ْش َ ُ‬ ‫أن يلفتهم إىل أن العكس هو‬

‫ا‪١‬تطلوب وأهنم كان ‪٬‬تب أن‬ ‫يشًتوا اإلٯتان وٮتتاروا الصفقة‬ ‫الراْتة ‪ .‬ولن ٭تدث ذلك إال إذا‬ ‫آمنوا بالرسول ا‪٠‬تاتم ‪٤‬تمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ .‬فهذا هو الطريق‬ ‫الوحيد لرضا اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يهدم‬

‫تكربهم عىل الدين ا‪ٞ‬تديد‬ ‫فأمرهم بالصبلة كما يصلي‬ ‫ا‪١‬تسلمون ‪ .‬وبالزكاة كما يزكي‬ ‫ا‪١‬تسلمون ‪ .‬فبل يعتقدون أن‬ ‫إٯتاهنم ٔتوىس والتوراة سيقبل‬ ‫منهم بعد أن جاء الرسول ا‪ٞ‬تديد‬ ‫الذي أمروا أن يؤمنوا به ‪ .‬بل إن‬

‫إٯتاهنم ٔتوىس والتوراة ‪ .‬لو كانوا‬ ‫مؤمنُت بهما حقا ‪ . .‬يستوجب‬ ‫هذا اإلٯتان عليهم أن يؤمنوا‬ ‫ٔتحمد صىل اهلل عليه وسلم ‪ .‬ألن‬ ‫التوراة تأمرهم بذلك ‪ .‬فكأن عدم‬ ‫إٯتاهنم ٔتحمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم كفر بالتوراة ونقض‬

‫لتعاليمها ‪.‬‬ ‫والصبلة كما قلنا ‪ . .‬استحضار‬ ‫العبد وقفته بُت يدي ربه ‪ .‬وحؼنما‬ ‫يقف العبد بُت يدي اهلل ‪ . .‬البد أن‬ ‫يزول كل ما يف نفسه من كربياء ‪.‬‬ ‫ويدخل بدال منه ا‪٠‬تشوع‬ ‫وا‪٠‬تضوع والذلة هلل ‪ .‬وا‪١‬تتكرب‬

‫غافل عن رؤية ربه الذي يقف‬ ‫أمامه ‪ .‬إ‪٪‬تا عدم إٯتاهنم بهذا‬ ‫النبي ‪ .‬والوقوف بُت يدي اهلل‬ ‫للصبلة كما ‪٬‬تب أن تؤدى ‪ ،‬وكما‬ ‫فرضها اهلل تعاىل من فوق سبع‬ ‫‪ٝ‬توات ‪ .‬إ‪٪‬تا هو رفض للخضوع‬ ‫ألوامر اهلل ‪.‬‬

‫وبعد ذلك تأيت الزكاة ‪ .‬ألن العبد‬ ‫ا‪١‬تؤمن ‪ .‬البد أن يوجه حركة‬ ‫حياته إىل عمل نافع يؾسع له و‪١‬تن‬ ‫ال يقدر عىل ا‪ٟ‬تركة يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل حؼنما يطالؽنا‬ ‫بالسعي يف األرض ال يطالؽنا أن‬ ‫يكون ذلك عىل قدر احؾياجاتنا‬

‫فقط ‪ ،‬بل يطالؽنا أن يكون ٖتركنا‬ ‫أكثر من حاجة حياتنا ‪ .‬حىت يؾسع‬ ‫هذا التحرك ليشمل حياة غَت‬ ‫القادر عىل حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬فيؾسع‬ ‫ا‪١‬تجتمع للجميع ‪ .‬ويزول منه‬ ‫ا‪ٟ‬تقد وا‪ٟ‬تسد ‪ ،‬وتصىف النفوس ‪. .‬‬

‫أَتَأ ْ‬ ‫اس بِال ْ ِ ِ‬ ‫م‬ ‫رب َوتَن ْ َس ْو َن‬ ‫الن‬ ‫ون‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أَن ْ ُفس ُكم وأَن ْ ُتم تَتْلُون ال ْ ِ‬ ‫اب أفَ َبل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)44‬‬ ‫تَعْقل ُ َ‬

‫بعد أن لفت اهلل أنظار اليهود ‪ .‬إىل‬ ‫أن عدم إٯتاهنم باإلسبلم هو كفر‬ ‫بالتوراة ‪ . .‬ألن تعاليم التوراة‬ ‫تآمرهم أن يؤمنوا بالرسول‬

‫ا‪ٞ‬تديد ‪ .‬وقد أعطوا أوصاف‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫وزمنه يف التوراة ‪ .‬وأمروا أن يؤمنوا‬ ‫به ‪ .‬قال تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ون الناس بالرب َوتَن ْ َس ْو َن‬ ‫أتَأ ُم ُر َ‬ ‫أَن ْ ُف َس ُك ْم } لقد كان اليهود‬ ‫يبشرون ٔتجيء رسول جديد ‪.‬‬

‫ويعلنون أهنم سيؤمنون به ‪ .‬فلما‬ ‫جاء رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫ولم يكن من قومهم كفروا به ‪.‬‬ ‫ألهنم كانوا يريدون أن تكون‬ ‫السطوة ‪٢‬تم ‪ .‬بأن يأيت الرسول‬ ‫ا‪ٞ‬تديد منهم ‪ .‬فلما جاء من العرب‬ ‫‪ . .‬عرفوا أن سطوهتم ستزول وأن‬

‫سيادهتم االقتصادية ستنتهي ‪.‬‬ ‫فكفروا بالرسول وبرسالته ‪.‬‬ ‫والبد أن ننبه إىل أنه إذا كانت هذه‬ ‫اآليات قد نزلت يف اليهود ‪ .‬فلؼس‬ ‫معناها أهنا تنطبق عليهم وحدهم ‪.‬‬ ‫بل هي تنطبق عىل أهل الكتاب‬ ‫‪ٚ‬تيعا ‪ .‬وغَت ا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬فالعربة‬

‫لؼست ٓتصوص ا‪١‬توضوع ‪ .‬ولكن‬ ‫العربة بعموم السبب ‪.‬‬ ‫إن الكبلم منطبق هنا حىت عىل‬ ‫ا‪١‬تسلمُت الذين يشًتون بآيات‬ ‫اهلل ‪ٙ‬تنا ًقليبل وهؤالء هم خطباء‬ ‫الفؾنة الذين رآهم رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ .‬تقرض شفاهم‬

‫ٔتقارض من نار ‪ .‬فسأل ‪ :‬من‬ ‫هؤالء يا جربيل ‪ :‬فقال خطباء‬ ‫الفؾنة ‪ .‬إهنم الذين يزينون لكل‬ ‫ظالم ظلمه ‪ .‬و‪٬‬تعلون دين اهلل يف‬ ‫خدمة أهواء البشر ‪ .‬وكان األصل‬ ‫أن ٗتضع أهواء البشر لدين اهلل ‪.‬‬ ‫وهؤالء هم الذين ٭تاولون ٖتت‬

‫شعار التجديد أن ‪٬‬تعلوا للناس‬ ‫حجة يف أن يتحللوا من منهج اهلل ‪.‬‬ ‫فهم يربرون ما يقع ‪ .‬وال يتدبرون‬ ‫حساب اآلخرة ‪.‬‬ ‫إن علماء الدين الذين ٭تملون‬ ‫منهج اهلل لؼس من عملهم تربير ما‬ ‫يقع من غَتهم ‪ .‬ومنهج اهلل ال‬

‫ٯتكن أن ٮتضع أبدا ًألهواء البشر ‪.‬‬ ‫وعىل الذين يفعلون ذلك أن يتوبوا‬ ‫ويرجعوا إىل اهلل ‪ .‬و٭تاولوا‬ ‫استدراك ما وقع منهم ‪ .‬ألن‬ ‫الرجوع إىل ا‪ٟ‬تق خَت من التمادي يف‬ ‫الباطل ‪.‬‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬

‫َ ْ‬ ‫ون الناس بالرب َوتَن ْ َس ْو َن‬ ‫أتَأ ُم ُر َ‬ ‫أَن ْ ُف َس ُك ْم } يعطؼنا منهجا ًآخر من‬ ‫مناهج الدعاة ‪ .‬ألن الذي يأمر‬ ‫با‪١‬تعروف وينىه عن ا‪١‬تنكر و٭تمل‬ ‫منهج اهلل ‪ . .‬يريد أن ٮترج من ال‬ ‫يؤمن من حركة الباطل اليت ألفها ‪.‬‬ ‫وإخراج غَت ا‪١‬تؤمن من حركة‬

‫الباطل أمر شاق عىل نفسه ‪ .‬ألنه‬ ‫خروج عن الذي اعتاده ‪ُ .‬وبعد عما‬ ‫ألفه ‪ .‬واعًتاف أنه كان عىل باطل‬ ‫لذلك فهو يكون مفتوح العينُت عىل‬ ‫من بُت له طريق اإلٯتان لَتى هل‬ ‫يطبق ذلك عىل نفسه أم ال؟ أيطبق‬ ‫الناهي عن ا‪١‬تنكر ما يقوله؟ فإذا‬

‫طبقه عرف أنه صادق يف الدعوة ‪.‬‬ ‫وإذا لم يطبقه كان ذلك عذرا ليعود‬ ‫إىل الباطل الذي كان يسيطر عىل‬ ‫حركة حياته ‪.‬‬ ‫إن الدين كلمة تقال ‪ .‬وسلوك‬ ‫يفعل ‪.‬‬

‫فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك‬ ‫ضاعت الدعوة ‪ .‬فاهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫رب َم ْقتا ً‬ ‫ون َما ال َتَ ْفعَل ُ َ‬ ‫ل َم تَ ُقول ُ َ‬ ‫ون * َك َُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫عن َد اهلل أن تَ ُقولُوا ْ َما ال َتَ ْفعَل ُ َ‬ ‫الصف ‪] 3-2 :‬‬ ‫‪١‬تاذا ‪ . .‬؟ ألن من يراك تفعل ما‬

‫تنهاه عنه يعرف أنك ‪٥‬تادع‬ ‫وغشاش ‪ .‬وما لم ترتضه أنت‬ ‫كسلوك لنفسك ‪ .‬ال ٯتكن أن‬ ‫تبشر به غَتك ‪ .‬لذلك نقرأ يف‬ ‫ان ل َ ُك ْم‬ ‫القرآن الكريم ‪ { :‬لَّقَ ْد ك َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِيف َر ُس ِ‬ ‫ان‬ ‫ول اهلل أُ ْس َوةٌ َح َسن َ ٌة ّ‪١‬تَن ك َ َ‬ ‫ي َ ْر ُجو اهلل واليوم اآلخر َوذَ َك َر اهلل‬

‫َكثَِتا ً} ػ األحزاب ‪] 21 :‬‬ ‫فمنهج الدين وحده ال يكفي ‪ . .‬إال‬ ‫بالتطؽيق ‪ .‬ولذلك كان رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ال يأمر‬ ‫أصحابه بأمر إال كان أسبقهم إليه ‪،‬‬ ‫فكان ا‪١‬تسلمون يأخذون عنه‬ ‫القدوة قوال وعمبل ‪ ،‬وكان عمر بن‬

‫ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه ‪ .‬حُت يريد‬ ‫أن يقنن أمرا ًيف اإلسبلم يأيت بأهله‬ ‫وأقاربه ويقول ‪٢‬تم ‪ :‬لقد بدا يل أن‬ ‫آمر بكذا وكذا ‪ ،‬والذي نفسي‬ ‫بيده من خالف منكم ألجعلنه نكاال‬ ‫للمسلمُت ‪ .‬وكان عمر بن‬ ‫ا‪٠‬تطاب بهذا يقفل أبواب الفؾنة ‪،‬‬

‫ألنه يعلم من أين تأيت ‪. .‬‬ ‫ويف الدعوة اإلسبلمية ‪ . .‬البد أن‬ ‫يكون العلماء قدوة لؼنصلح أمر‬ ‫الناس ‪ .‬ففي كل علوم الدنيا القدوة‬ ‫الين ‪.‬‬ ‫لؼست مطلوبة ‪ .‬إال يف د‬ ‫فأنت إذا ُذ ِك َر لك عالم كيمياء‬ ‫بارع ‪ .‬وقيل لك أنه يؾناول ا‪٠‬تمر‬

‫‪ .‬أو يفعل كذا ‪ .‬تقول مايل وسلوكه‬ ‫‪ .‬أنا آخذ عنه علم الكيمياء ألنه‬ ‫بارع يف ذلك ‪ .‬ولكن ال شأن يل‬ ‫بسلوكه ‪ .‬وكذلك كل علماء‬ ‫األرض ‪ .‬ما عدا عالم الدين ‪ .‬فإذا‬ ‫كان هناك عالم يبصرك بالطريق‬ ‫ا‪١‬تستقيم ‪ .‬وتتلىق عنه علوم دينك‬

‫ثم بعد ذلك تعرف أنه يشرب‬ ‫ا‪٠‬تمر أو يسرق ‪ .‬أتستمع له؟ أبدا‬ ‫‪ .‬أنه يهبط من نظرك يف ا‪ٟ‬تال ‪ .‬وال‬ ‫ٖتب أن تسمعه ‪ .‬وال ٕتلس يف‬ ‫‪٣‬تلسه ‪ .‬مهما كان علمه ‪ .‬فستقول‬ ‫له كفاك دجبل ‪. .‬‬ ‫وهكذا فإن عالم الدين البد أن‬

‫يكون قدوة ‪ .‬فبل ينىه عن منكر‬ ‫ويفعله ‪ .‬أو يأمر ٔتعروف وهو ال‬ ‫ينفذه ‪ .‬فالناس كلهم مفتحة‬ ‫أعؼنهم ‪١‬تا يصنع ‪ .‬واإلسبلم قبل أن‬ ‫ينتشر با‪١‬تنهج العلمي ‪ . .‬انتشر‬ ‫با‪١‬تنهج السلوكي ‪ .‬وأكرب عدد من‬ ‫ا‪١‬تسلمُت اعؾنق هذا الدين من‬

‫أسوة سلوكية قادته إليه ‪ .‬فالذين‬ ‫نشروا اإلسبلم يف الصُت‪ . .‬كان‬ ‫أغلبهم من التجار الذين ٗتلقوا‬ ‫بأخبلق اإلسبلم ‪ .‬فجذبوا حو‪٢‬تم‬ ‫الكثَتين ‪ .‬فاعؾنقوا اإلسبلم ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ َو َم ْن أ َ ْح َس ُن قَ ْوال ً ِّ‪٦‬تَّن دَعَآ إ َِىل اهلل‬

‫ِ‬ ‫ال إِن ّ ٍَِت ِم َن‬ ‫َو َع ِم َل َصا‪ٟ‬تا ً َوقَ َ‬ ‫ا‪١‬تسلمُت } ػ فصلت ‪] 33 :‬‬ ‫فالشرط األول هو الدعوة إىل اهلل ‪.‬‬ ‫والشرط الثاين العمل الصاٌف ‪.‬‬ ‫وقوله { إِن ّ ٍَِت ِم َن ا‪١‬تسلمُت } لم‬ ‫ينسب الفضل لنفسه أو لذاته ‪.‬‬ ‫ولكنه نسب الفضل إىل اإلسبلم ‪.‬‬

‫ولكن قولوا يل ‪ :‬أي فائدة أن نقول‬ ‫أننا مسلمون ونعمل بعمل غَت‬ ‫ا‪١‬تسلمُت؟ إذن فقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ون الناس بالرب َوتَن ْ َس ْو َن‬ ‫أتَأ ُم ُر َ‬ ‫أَن ْ ُف َس ُك ْم } يذكر اهلل بأن اليهود‬ ‫يقولون ما ال يفعلون ‪ .‬ولو كانوا‬ ‫يؤمنون حقا بالتوراة آلمنوا برسول‬

‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم وباإلسبلم‬ ‫‪ .‬ألن ذلك أمر يف التوراة ‪ .‬ولكنهم‬ ‫نسوا أنفسهم ‪ .‬فهم أول ‪٥‬تالف‬ ‫للتوراة ‪ .‬ألهنم لم يؾبعوها ‪ . .‬وهم‬ ‫يتلون كتابهم الذي يأمرهم‬ ‫باإليمان ا‪ٞ‬تديد ‪.‬‬ ‫ومع أهنم متأكدون من صدق‬

‫رسالة رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ .‬إال أهنم ال يؤمنون ‪ .‬ولو كان‬ ‫عندهم ذرة من العقل آلمنوا ٔتا‬ ‫يطلبه منهم كتابهم الذي يتلونه ‪.‬‬ ‫ولكنهم ال يفكرون بعقو‪٢‬تم ‪،‬‬ ‫وإ‪٪‬تا يريدون علوا يف األرض ‪.‬‬ ‫واآلية كما قلنا ال تنطبق عىل اليهود‬

‫وحدهم ‪ .‬بل عىل كل من يسلك‬ ‫هذا السلوك ‪. .‬‬

‫الص ْ ِ‬ ‫الص َبل ِة َوإ َِّهنَا‬ ‫رب َو َّ‬ ‫َوا ْستَعِ ُؼنوا بِ َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)45‬‬ ‫ل َ َكبَِتَةٌ إ َِّال عَىلَ ا‪٠‬تَْاشع َ‬ ‫بعد أن بُت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬ ‫اإلٯتان قدوة ‪ .‬وبعد أن لفؾنا إىل أن‬

‫التوراة تطالب اليهود ‪ .‬بأن يؤمنوا‬ ‫ٔتحمد عليه الصبلة والسبلم ‪.‬‬ ‫يطلب اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫االستعانة بالصرب والصبلة‪ .‬ومعٌت‬ ‫االستعانة بالصرب أن هناك أحداثا‬ ‫شاقة ستقع ‪ .‬وأن ا‪١‬تسألة لن تكون‬ ‫سهلة ‪ .‬بل ٖتتاج إىل جهد ‪ .‬فالصرب‬

‫معناه ‪ٛ‬تل النفس عىل أمر صعب ‪.‬‬ ‫وهم ماداموا قد تعودوا عىل شراء‬ ‫آيات اهلل بثمن قليل ‪ . .‬ألهنم‬ ‫قلبوا الصفقة ‪ .‬فجعلوا آيات اهلل‬ ‫‪ٙ‬تنا ‪١‬تتع الدنيا ‪ .‬واشًتوا بها متعهم‬ ‫وملذاهتم ‪ .‬وبعد أن تعودوا عىل‬ ‫الربا وغَته من وسائل الكسب‬

‫ا‪ٟ‬ترام ‪ .‬البد أن يستعؼنوا بالصرب‬ ‫إذا أرادوا العودة إىل طريق اإلٯتان ‪.‬‬ ‫وكما قلنا فإن ا‪١‬تسألة لؼست‬ ‫ٓتصوصية ا‪١‬توضوع ولكن بعموم‬ ‫السبب ‪ .‬فإهنا موجهة للجميع ‪.‬‬ ‫فكل مؤمن يدخل منهج اإلٯتان‬ ‫‪٤‬تتاج إىل االستعانة بالصرب ليحمل‬

‫نفسه عىل مشقة ا‪١‬تنهج وتكاليفه ‪.‬‬ ‫وليمنع نفسه عن الشهوات اليت‬ ‫حرمها اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫والصرب يف اآلية الكرٯتة فسره‬ ‫بعض العلماء بأنه الصيام ‪ ،‬فكأن‬ ‫اهلل تعاىل يأمرهم أن ‪٬‬توعوا‬ ‫ويصربوا عىل ألم ا‪ٞ‬توع ‪ .‬ومشقة‬

‫اإلٯتان والصبلة كما قلنا خشوع‬ ‫وخضوع وذلة هلل ‪ . .‬تنهي‬ ‫استكبارهم بأن يؤمنوا بدين لم‬ ‫يزنل عىل أحد من أحبار اليهود ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫َوإ َِّهنَا ل َ َكبَِتَةٌ إِال َّعَىلَ ا‪٠‬تاشعُت} ‪.‬‬ ‫ويطلب ا‪ٟ‬تق يف قوله ‪ { :‬واستعؼنوا‬

‫بالصرب والصبلة} االستعانة‬ ‫بشيئُت ‪٫‬تا الصرب والصبلة ‪ .‬وكان‬ ‫سياق اآلية يقتضي أن يقال ‪« :‬‬ ‫وأهنما » لكن القرآن قال ‪َ { :‬وإ َِّهنَا‬ ‫ل َ َكبَِتَةٌ } فهل ا‪١‬تقصود واحدة‬ ‫منهما ‪ .‬الصبلة فقط ‪ .‬أم الصرب؟‬ ‫نقول إنه عندما يأيت أمران‬

‫منضمان إىل بعضهما ال تستقيم‬ ‫األمور إال بهما معا ‪ . .‬يكونان‬ ‫عبلجا واحدا ‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ون باهلل ل َ ُك ْم ل ِ َُت ْ ُضو ُك ْم‬ ‫{ َ٭تْل ُف َ‬ ‫وه إِن‬ ‫واهلل َو َر ُسول ُ ُه أ َ َح ُّق أَن يُ ْر ُض ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ػ التوبة ‪] 62 :‬‬ ‫كَانُوا ْ ُم ْؤمن َ‬ ‫فقال يرضوه ولم يقل يرضوها ‪.‬‬

‫التفسَت السابق نفسه نفهمه ‪:‬‬ ‫لؼس هلل حق ولرسوله حق ‪ .‬ولكن‬ ‫اهلل ورسوله يلتقيان عىل حق واحد ‪.‬‬ ‫وكذلك قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذَا َرأ َ ْوا ْ‬ ‫وك‬ ‫ارة ًأ َ ْو َ‪٢‬تْوا ًانفضوا إِلَيْهَا َوتَ َر ُك َ‬ ‫ِٕت ََ‬ ‫قَ ِآئما ً} ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪] 11 :‬‬ ‫وكان ا‪١‬تفروض أن يقال إليهما ‪.‬‬

‫ولكن التجارة واللهو ‪٢‬تما عمل‬ ‫واحد ‪ .‬هو شغل ا‪١‬تؤمنُت عن‬ ‫العبادة والذكر ‪ { :‬واستعؼنوا‬ ‫بالصرب والصبلة} ألن العبلج يف‬ ‫الصرب مع الصبلة ‪ .‬والصرب كبَت أن‬ ‫تتحمله النفس ‪ .‬وكذلك الصبلة ‪.‬‬ ‫ألهنما يأخذان من حركة حياة‬

‫اإلنسان ‪ .‬والصرب هنا مطلوب‬ ‫ليصربوا عىل ما ٯتؾنعون عنه من‬ ‫نعيم الدنيا وزخرفها ‪ .‬والصبلة‬ ‫ٖتارب االستكبار يف النفس ‪ .‬فكأن‬ ‫الوصفة اإلٯتانية ال تتجزأ ‪ .‬فبل‬ ‫يتم الصرب ببل صبلة ‪ ،‬وال تتقن‬ ‫الصبلة إال بالصرب ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إِال َّعَىلَ ا‪٠‬تاشعُت }‬ ‫‪ . .‬ما معٌت ا‪٠‬تشوع؟ ا‪٠‬تشوع هو‬ ‫ا‪٠‬تضوع ‪١‬تن ترى أنه فوقك ببل‬ ‫منازع ‪ .‬فالناس يتفاوتون يف القيم‬ ‫وا‪١‬تواهب ‪ .‬وكل واحد ٭تاول أن‬ ‫يفاخر بعلوه ومواهبه ‪.‬‬

‫ويقول ‪ :‬أنا خَت من فبلن ‪ .‬أو أنت‬ ‫خَت من فبلن ‪ .‬إذن فمن ا‪١‬تمكن‬ ‫أن يستكرب اإلنسان ٔتا عنده ‪.‬‬ ‫ولكن اإلنسان ٮتضع ‪١‬تن كانت له‬ ‫حاجة عنده ‪ .‬ألنه لو تكرب عليه‬ ‫أتعبه يف دنياه ‪ .‬ولذلك أعىط اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل للناس ا‪١‬تواهب عىل‬

‫الشيوع وا‪٠‬تشوع عىل الشيوع ‪.‬‬ ‫فكل إنسان منا ‪٤‬تتاج لآلخر ‪ .‬هذا‬ ‫خشوع عىل الشيوع ‪ .‬وكل إنسان‬ ‫منا ‪٦‬تيز ٔتا ال يقدر عليه غَته ‪ .‬هذه‬ ‫مواهب عىل الشيوع ‪ .‬هذا يف البشر‬ ‫‪ ،‬أما بالنسبة هلل سبحانه فإنه‬ ‫خشوع ‪١‬تن خلق ووهب وأوجد ‪.‬‬

‫وا‪٠‬تشوع ‪٬‬تعل اإلنسان يستحضر‬ ‫عظمة ا‪ٟ‬تق سبحانه ويعرف ضآلة‬ ‫قيمته أمام ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ومدى عجزه أمام خالق هذا‬ ‫الكون ‪ .‬ويعلم أن كل ما عنده‬ ‫ٯتكن أن يذهب به اهلل تعاىل يف‬ ‫‪ٟ‬تظة ‪ . .‬ذلك أننا نعؼش يف عالم‬

‫األغيار ‪ .‬ولذلك فنخضع للذي ال‬ ‫يتغَت ‪ .‬ألن كل ما ٭تصل عليه‬ ‫اإلنسان هو من اهلل ولؼس من ذاته‬ ‫‪ .‬والذين يغًتون بوجود األسباب‬ ‫نقول ‪٢‬تم ‪ :‬اعبدوا واخشعوا‬ ‫لواهب األسباب وخالقها ‪ .‬ألن‬ ‫األسباب ال تعمل بذاهتا ‪ .‬واهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪٬‬تعل األيام دوال‪. .‬‬ ‫أي متداولة بُت الناس ‪ .‬إنسان‬ ‫يفاخر بقوته ‪ .‬يأيت من هو أقوى منه‬ ‫فيهزمه ‪ .‬إنسان يفاخر ٔتاله ‪.‬‬ ‫يضيع هذا ا‪١‬تال يف ‪ٟ‬تظة ‪ . .‬واقرأ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬إِن َٯت ْ َس ْس ُك ْم قَ ْر ٌح‬ ‫ك‬ ‫فَقَ ْد َم َّس القوم قَ ْر ٌح ِّمثْل ُ ُه َوتِل ْ َ‬

‫ُت الناس َولِيَعْل َ َم‬ ‫األيام ن ُ َدا ِو ُ‪٢‬تَا ب َ ْ َ‬ ‫اهلل الذين آ َم ُنوا ْ َويَتَّ ِخ َذ ِمن ُك ْم‬ ‫ب الظا‪١‬تُت } ػ‬ ‫ُشهَ َدآءَ واهلل ال َ ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫آل عمران ‪] 140 :‬‬ ‫ولذلك البد أن نفهم ‪ .‬أن اإلنسان‬ ‫الذي يستعلي باألسباب سيأيت‬ ‫وقت ال تعطيه األسباب ‪ .‬فاإلنسان‬

‫إذا بلغ يف عؼنه وأعُت الناس مرتبة‬ ‫الكمال ‪ .‬اغًت بنفسه ‪ .‬نقول له ‪:‬‬ ‫ال تغًت بكماالت نفسك ‪ .‬فإن‬ ‫كانت موجودة اآلن ‪ .‬فسؾتغَت غدا ‪.‬‬ ‫‪ .‬فا‪٠‬تشوع ال يكون إال هلل ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وإ َِّهنَا‬ ‫ل َ َكبَِتَةٌ إِال َّعَىلَ ا‪٠‬تاشعُت} من هم‬

‫ا‪٠‬تاشعون؟ ا‪٠‬تاشع هو الطائع هلل ‪.‬‬ ‫ا‪١‬تمؾنع عن ا‪١‬تحرمات ‪ .‬الصابر‬ ‫عىل األقدار ‪ .‬الذي يعلم يقؼنا‬ ‫داخل نفسه أن األمر هلل وحده ‪.‬‬ ‫ولؼس ألي قوة أخرى ‪ . .‬فيخشع‬ ‫‪١‬تن خلقه وخلق هذا الكون له ‪.‬‬

‫ون أ َ َّهن ُ ْم ُم َبل ُقو َر ِبّ ِه ْم‬ ‫ال َّ ِذي َن ي َ ُظنُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون (‪)46‬‬ ‫َوأ َّهن ُ ْم إِلَيْه َراج ُع َ‬ ‫بعد أن أوضح لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل أن الصرب والصبلة كبَتة إال‬ ‫عىل كل من خشع قلبه هلل ‪ .‬فهو‬ ‫يقبل عليهما ْتب وإٯتان ورغبة ‪.‬‬ ‫أراد أن يعرفنا من هم ا‪٠‬تاشعون ‪.‬‬

‫ون‬ ‫فقال جل جبلله ‪ { :‬الذين ي َ ُظنُّ َ‬ ‫أ َ َّهنُم مبلقوا َربِّ ِه ْم } ‪.‬‬ ‫ما هو الظن؟ سبق أن ٖتدثنا عن‬ ‫النسب ‪ .‬وقلنا هناك نسبة أنا‬ ‫جازم بها والواقع يصدقها ‪ .‬عندما‬ ‫أقول مثبل ‪٤ :‬تمد ‪٣‬تتهد ‪ .‬فإذا كان‬ ‫هناك شخص ا‪ٝ‬ته ‪٤‬تمد و‪٣‬تتهد ‪.‬‬

‫أكون قد جزمت بواقع ‪ .‬فهذه‬ ‫نسبة ‪٣‬تزوم بها بشرط أن أستطيع‬ ‫أن أدلل عىل صدق ما أقول ‪ .‬فإذا‬ ‫كنت جازما بالنسبة عىل صدق ما‬ ‫أقول ‪ . .‬فهذا تقليد ‪ .‬مثلما يقول‬ ‫ابنك البالغ من العمر ست سنوات‬ ‫مثبل ‪ :‬ال إله إال اهلل ‪٤‬تمد رسول اهلل‬

‫‪ .‬ولكن عقله الصغَت ال يستطيع أن‬ ‫يدلل عىل ذلك ‪ .‬وإ‪٪‬تا هو يقلد أباه‬ ‫أو مدرسيه ‪. .‬‬ ‫فإذا كنت جازما بالشيء وهو لؼس‬ ‫له وجود يف الواقع ‪ .‬فهذا هو ا‪ٞ‬تهل ‪.‬‬ ‫وا‪ٞ‬تاهل شر من األمي ‪ .‬ألن‬ ‫ا‪ٞ‬تاهل مؤمن بقضية ال واقع ‪٢‬تا ‪.‬‬

‫ويدافع عنها ‪ .‬أما األمي ‪ . .‬فهو ال‬ ‫يعلم ‪ .‬ومىت علم فإنه يؤمن ‪.‬‬ ‫ولذلك البد بالنسبة للجاهل أن‬ ‫ٗترج الباطل من قلبه أوال ‪.‬‬ ‫ليدخل ا‪ٟ‬تق ‪ .‬وإذا كانت القضية‬ ‫غَت ‪٣‬تزوم بها ومؾساوية يف النفي‬ ‫والوجود فإن ذلك يكون شكا ‪ .‬فإذا‬

‫رجحت إحدى الكفتُت عىل‬ ‫األخرى يكون ذلك ظنا ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬الذين‬ ‫ون } ولم يقل ‪ :‬الذين تيقنوا‬ ‫ي َ ُظنُّ َ‬ ‫أهنم مبلقوا ربهم ‪١ . .‬تاذا لم‬ ‫يستخدم ا‪ٟ‬تق تعاىل لفظ اليقُت‬ ‫وأبدله بالظن؟ ألن ‪٣‬ترد الظن أنك‬

‫مبلق اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬كاف‬ ‫أن ‪٬‬تعلك تلتزم با‪١‬تنهج ‪ .‬فما‬ ‫بالك إذا كنت مؾيقنا ‪ .‬فمجرد‬ ‫الظن يكفي ‪.‬‬ ‫وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثبل‬ ‫وهلل ا‪١‬تثل األعىل نقول ‪ :‬هب أنك‬ ‫سائر يف طريق ‪ .‬وجاء شخص‬

‫ٮتربك أن هذا الطريق فيه لصوص‬ ‫وقطاع طرق ‪ .‬فمجرد هذا الكبلم‬ ‫‪٬‬تعلك ال ٘تشي يف هذا الطريق إال‬ ‫إذا كنت مسلحا ومعك شخص أو‬ ‫اثنان ‪ .‬فأنت تفعل ذلك لبلحؾياط‬ ‫‪ .‬إذن فمجرد الظن دفعنا لبلحؾياط‬ ‫ون أ َ َّهنُم‬ ‫‪ . .‬إذن فقوله تعاىل ‪ { :‬ي َ ُظنُّ َ‬

‫مبلقوا َر ِبّ ِه ْم } فمجرد أن القضية‬ ‫راجحة ‪ .‬هذا يكفي التباع منهج‬ ‫اهلل ‪ .‬فتقي نفسك من عذاب‬ ‫عظيم ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪١‬تع ّري يف آخر حياته ‪:‬‬ ‫ا‪١‬تنجم والطؽيب كبل‪٫‬تا ‪...‬‬ ‫زعم ّ‬ ‫قلت إليكما‬ ‫ال ٖتشر األجساد ُ‬

‫فلست ٓتاس ٍر ‪...‬‬ ‫إن ص ّح قولكما ْ‬ ‫فا‪٠‬تسار عليكما‬ ‫أو صح قويل‬ ‫ُ‬ ‫فكل مكذب باآلخرة خاسر ‪.‬‬ ‫والنفس البشرية البد أن ٖتتاط‬ ‫للقاء اهلل ‪ .‬وأن تعًتف أن هناك‬ ‫حشرا ًوتعمل لذلك ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬

‫ون أ َ َّهنُم مبلقوا َر ِبّ ِه ْم‬ ‫الذين ي َ ُظنُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون } والرجوع إىل‬ ‫َوأ َّهن ُ ْم إِلَيْه َراج ُع َ‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل أمر يقؼٍت ‪.‬‬ ‫فمادمت قد جئت إىل الدنيا ‪٥‬تلوقا‬ ‫من اهلل فأنت ال ‪٤‬تالة سًتجع إليه ‪.‬‬ ‫وهذا اليوم ‪٬‬تب أن ‪٨‬تتاط له ‪.‬‬ ‫حيطة كربى ‪ .‬وأن نًتقبه ‪ .‬ألنه‬

‫يوم عظيم ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه يقول‬ ‫‪ { :‬ياأيها الناس اتقوا َربَّ ُك ْم إ َِّن‬ ‫ِ‬ ‫يم * ي َ ْو َم‬ ‫زَل ْ َزلَةَ الساعة َش ْي ٌء َعظ ٌ‬ ‫تَ َر ْو َهنَا تَ ْذ َه ُل كُ ُّل ُم ْر ِضعَ ٍة َع َّمآ‬ ‫أَر َضع ْت وتَ َض ُع كُ ُّل ذَ ِ‬ ‫‪ٛ‬ت ٍل‬ ‫ات َ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫‪ٛ‬تلَهَا َوتَ َرى الناس سكارى َو َما ُهم‬ ‫َْ‬ ‫اب اهلل َش ِدي ٌد }‬ ‫بسكارى ولكن ع َ َذ َ‬

‫ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 2-1 :‬‬ ‫ويقول جل جبلله ‪ { :‬فَ َكي ْ َف‬ ‫ون إِن َك َف ْر ُت ْم ي َ ْوما ً َ‪٬‬تْعَ ُل‬ ‫تَتَّ ُق َ‬ ‫الولدان ِشؼبا ً} ػ ا‪١‬تزمل ‪] 17 :‬‬ ‫إذا كان هذا حالنا يوم القيامة ‪،‬‬ ‫فكيف ال يكفي ‪٣‬ترد الظن ألن‬ ‫نتمسك ٔتنهج اهلل ‪ .‬و‪٨‬تن ‪٨‬تتاط‬

‫ألحداث دنيوية ال تساوي شؼئا‬ ‫بالنسبة ألهوال يوم القيامة ‪ .‬أن‬ ‫الظن هنا بأننا سنبليق اهلل تعاىل‬ ‫يكفي ألن نعمل له ألف حساب ‪.‬‬

‫يا ب َ ٍِت إِسر ِ‬ ‫يل اذْ ُك ُروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت ال َّ ِيت‬ ‫ائ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم َوأ َ ِّين فَ َّضل ْ ُت ُك ْم عَىلَ‬ ‫ُت (‪)47‬‬ ‫الْعَا َ‪١‬ت ِ َ‬

‫ي ّدعي بعض الناس أن هناك‬ ‫تكرارا ً‪ .‬لآليات السبع اليت سبق‬ ‫فيها تذكَت بٍت إسرائيل ‪ .‬نقول ‪:‬‬ ‫ال ‪ .‬لم تتكرر هذه اآليات ‪ . .‬وهي‬ ‫يل‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬يَاب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫اذكروا نِعْ َم ِ‬ ‫يت اليت أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫وأَو ُفوا ْبعهدي أُ ِ‬ ‫وف بِعَهْ ِد ُك ْم‬ ‫َ ْ‬

‫اي فارهبون * َوآ ِم ُنوا ْ ِٔتَآ‬ ‫َوإِي َّ َ‬ ‫أَن َزل ْ ُت ُم َص ِ ّدقا ً ِ ّ‪١‬تَا َمعَ ُك ْم َوال َتكونوا‬ ‫ًتوا ْبِآي َ ِايت ‪ٙ‬تَ َنا ً‬ ‫أ َ َّو َل كَافِ ٍر بِ ِه َوال َتَ ْش َُ‬ ‫اي فاتقون * َوال َتَلْؽ ُِسوا ْ‬ ‫قَلِيبل ً َوإِي َّ َ‬ ‫ا‪ٟ‬تق بالباطل َوتَ ْك ُت ُموا ْا‪ٟ‬تق َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫تَعلَمون * وأَقِ‬ ‫يموا ْالصبلة َوآ ُتوا ْ‬ ‫ْ ُ َ َ ُ‬ ‫الزكاة واركعوا َم َع الراكعُت*‬

‫َ ْ‬ ‫س َن‬ ‫ون الناس بالرب َوتَن ْ َ ْو‬ ‫أتَأ ُم ُر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ون الكتاب أَفَبل َ‬ ‫أن ْ ُف َس ُك ْم َوأن ْ ُت ْم تَتْل ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون * واستعؼنوا بالصرب‬ ‫تَعْقل ُ َ‬ ‫والصبلة َوإ َِّهنَا ل َ َكبَِت َ ٌة إِال َّعَىلَ‬ ‫ون أ َ َّهنُم‬ ‫ا‪٠‬تاشعُت * الذين ي َ ُظنُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون }‬ ‫مبلقوا َربِّ ِه ْم َوأ َّهن ُ ْم إِلَيْه َراج ُع َ‬ ‫ػ البقرة ‪] 46-40 :‬‬

‫هذه اآليات السبع كلها تذكر بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ .‬برسالة رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ .‬والذي جاء وصف‬ ‫صفاته وزمنه يف التوراة‬ ‫ولتذكَتهم أن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ .‬هو نعمة إليهم وإىل‬ ‫الناس ‪ٚ‬تيعا ‪ .‬وإذا كان اهلل قد‬

‫فضل بٍت إسرائيل بأن أرسل‬ ‫رسبل ‪ .‬فلؼس معٌت ذلك أن ينكروا‬ ‫نعمة اهلل عليهم بالرسول ا‪٠‬تاتم ‪.‬‬ ‫ؤتا أن أوصاف رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم قد ذكرت يف التوراة‬ ‫وطلب منهم أن يؤمنوا به‬ ‫وينصروه فإن عدم إٯتاهنم به هو‬

‫كفر بالتوراة ‪ .‬كما أن اإل‪٧‬تيل‬ ‫بشر ٔتحمد صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫وطلب منهم أن يؤمنوا به ‪ .‬فعدم‬ ‫إٯتاهنم به كفر باإل‪٧‬تيل ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬اذكروا نِعْ َم ِيت اليت‬ ‫أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم } أي اذكروا أنٍت‬ ‫جعلت يف كتابكم ما يؿبت صدق‬

‫‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم يف نبوته ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تعٌت اذكروا نعميت بأين‬ ‫فضلتكم عىل العا‪١‬تُت ‪٦‬تن‬ ‫عاصروكم وقت نزول رسالة‬ ‫موىس ‪ .‬وجعلت منكم األنؽياء ‪.‬‬ ‫سبحان وتعاىل ‪ . .‬قد‬ ‫ه‬ ‫ومادام ا‪ٟ‬تق‬ ‫فضلهم عىل العا‪١‬تُت‪ . .‬فكيف ٯتّن‬

‫عليهم؟ نقول ا ّ‪١‬تن هنا لشدة النكاية‬ ‫بهم ‪ .‬فاهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬لشدة‬ ‫معصؼتهم وكفرهم جعل منهم‬ ‫القردة وا‪٠‬تنازير وعبد الطاغوت ‪.‬‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬ولَقَ ْد عَلِ ْم ُت ُم‬ ‫الذين اعتدوا ِمن ْ ُك ْم ِيف السبت‬ ‫فَ ُقلْنَا َ‪٢‬تم ُكونُوا ْقِ َردة ً َخا ِسئِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬

‫البقرة ‪] 65 :‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ُ { :‬ق ْل َه ْل أُنَؽ ّ ُِئ ُك ْم‬ ‫بِ َش ّ ٍر ِّمن ذلك َمثُوبَةً ِعن َد اهلل َمن‬ ‫ِ‬ ‫ب عَلَي ْ ِه َو َجعَ َل ِمن ْ ُه ُم‬ ‫لَّعَن َ ُه اهلل َو َغض َ‬ ‫القردة وا‪٠‬تنازير َو َعب َ َد الطاغوت‬ ‫أولئك َش ٌر َمكَانا ًوأ َ َض ُّل عَن سوآءِ‬ ‫ّ ّ َ‬ ‫ََ‬ ‫السؽيل } ػ ا‪١‬تائدة ‪] 60 :‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعاىل يبُت لنا كيف‬ ‫كفر بنو إسرائيل بأنؽيائهم‬ ‫وقتلوهم ‪ .‬رغم أن اهلل تعاىل‬ ‫أعطاهم خَتا كثَتا ‪ . .‬ولكنهم‬ ‫نكثوا العهد ‪ . .‬فاستحقوا العذاب‬ ‫‪ .‬فهم لم ‪٬‬تعلوا نعمة اهلل عليهم‬ ‫سؽبا يف إخبلصهم واإلٯتان به‬

‫سبحانه وتصديق منهجه ‪.‬‬ ‫وتصديق الرسول ا‪٠‬تاتم الذي ذكر‬ ‫عندهم يف التوراة ‪ .‬كان ‪٬‬تب أن‬ ‫يؤمنوا باهلل وأن يذكروا نعمه‬ ‫الكثَتة اليت تفضل بها عليهم ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق يريد أن يلفؾنا إىل أنه مادام‬ ‫قد أنعم عليهم ‪.‬‬

‫‪ .‬فبل يظنون أهنم غَت مطالبُت‬ ‫باإلٯتان ٔتحمد عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ .‬إ‪٪‬تا كانالبد أن يفهموا‬ ‫أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫جاء ليصحح ‪٢‬تم كتابهم ‪ .‬ويوضح‬ ‫‪٢‬تم الطريق الصحيح ‪ . .‬فكان ‪٬‬تب‬ ‫عليهم أن ينصروه ‪ .‬والنعمة ال‬

‫ٯتكن أن تستمر مع الكفر بها ‪.‬‬ ‫وحىت ال نظن أن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫قد قسا عليهم بأن جعلهم أ‪٦‬تا‬ ‫متفرقة يف األرض كلها ‪ .‬ثم بعد‬ ‫ذلك ‪٬‬تمعون يف وطن واحد ليقتلوا‬ ‫‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬و ُقلْنَا ِمن‬ ‫يل اسكنوا األرض‬ ‫بَعْ ِد ِه لِؽ َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬

‫} ػ اإلسراء ‪] 104 :‬‬ ‫أي أرض تلك اليت طلب اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل من بٍت إسرائيل أن‬ ‫يسكنوها؟ مادام ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل قال ‪ { :‬اسكنوا األرض }‬ ‫فهي األرض كل األرض ‪ .‬وهل‬ ‫تكون األرض كلها وطنا لليهود ‪.‬‬

‫طبعا ًال ‪ .‬ولكن ا‪ٟ‬تق سبحانه كتب‬ ‫عليهم أن يتفرقوا يف األرض ‪ .‬فبل‬ ‫تكون ‪٢‬تم دولة إال عندما يشاء اهلل‬ ‫أن ‪٬‬تمعهم يف مكان واحد ‪ .‬ثم‬ ‫يسلط عليهم عباده ا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫يل ِيف الكتاب‬ ‫ِسر ِائ َ‬ ‫َوقَ َضؼْنَآ إىل ب َ ٍِت إ ْ َ‬

‫ل َ ُت ْف ِس ُد َّن ِيف األرض َم َّرتَ ْ ِ‬ ‫ُت َولتَعْل ُ َّن‬ ‫وال‪٫‬تا‬ ‫ُعل ُ ّوا ًكَبَِتا ً* فَإِذَا َجآءَ َوع ْ ُد أُ ُ َ‬ ‫بَعَؿْنَا عَلَي ْ ُك ْم ِعبَادا ًلَّنَآ أُ ْو ِيل بَأ ْ ٍس‬ ‫ِ‬ ‫ان‬ ‫َش ِدي ٍد فَ َجا ُسوا ْخبل َ َل الديار َوك َ َ‬ ‫َوعْدا ً َّم ْف ُعوال ً* ُث َّم َردَدْنَا َلُك ُم الكرة‬ ‫عَلَي ِهم وأَم َددْنَا ُكم بِأ َ ْمو ٍال وب َ ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َو َجعَلْنَا ُك ْم أ َ ْكث َ َر ن َ ِفَتا ً} ػ اإلسراء‬

‫‪] 6-4 :‬‬ ‫هذه هي ا‪١‬ترة األوىل اليت انتصر فيها‬ ‫ا‪١‬تسلمون عىل اليهود ‪ .‬يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ُ { .‬ث َّم َردَدْنَا ل َ ُك ُم‬ ‫الكرة عَلَي ْ ِه ْم } ومادام ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل قال عليهم فهي عىل‬ ‫ا‪١‬تسلمُت ‪ .‬ألهنم هم الذين‬

‫انتصروا عىل اليهود ‪ .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫{ وأَم َددْنَا ُكم بِأ َ ْمو ٍال وب َ ِ‬ ‫ُت }‬ ‫ن‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫معناها أهنم ينتصرون عىل‬ ‫ا‪١‬تسلمُت وهذا ما هو حادث اآلن ‪،‬‬ ‫وما شاهدناه وما نشاهده يف الفًتة‬ ‫األخَتة ‪ .‬أي أن ا‪١‬تدد والقوة‬ ‫تأتيهم من ا‪٠‬تارج ولؼس من ذاهتم‬

‫‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نرى أن إسرائيل قائمة عىل‬ ‫جلب ا‪١‬تهاجرين اليهود من الدول‬ ‫األخرى وجلب األموال‬ ‫وا‪١‬تساعدات من الدول األخرى‬ ‫أيضا ‪ .‬أي أن كل هذا يأتيهم ٔتدد‬ ‫من ا‪٠‬تارج ‪ .‬وإسرائيل ال تستطيع‬

‫أن تعؼش إال با‪١‬تهاجرين إليها ‪.‬‬ ‫وبا‪١‬تعونات اليت تأتيها ‪ .‬فا‪١‬تدد البد‬ ‫أن يأيت من ا‪٠‬تارج ‪ .‬إذا كانت هناك‬ ‫معركة وطلب قائد ا‪١‬تدد ‪. .‬‬ ‫فمعناه أنه يريد رجاال يأتونه من‬ ‫خارج أرض ا‪١‬تعركة ليصبحوا‬ ‫مددا وقوة ‪٢‬تذا ا‪ٞ‬تؼش ‪ .‬وقوله تعاىل‬

‫‪َ { :‬و َجعَلْنَا ُك ْم أ َ ْكث َ َر ن َ ِفَتا ً} النفَت‬ ‫هو الصوت العايل الذي ‪٬‬تذب‬ ‫االنؾباه ‪ .‬و‪٨‬تن نرى اآلن أن‬ ‫إسرائيل تسيطر عىل وسائل‬ ‫اإلعبلم والدعاية يف العالم‪ .‬وأن‬ ‫صوهتا عال ومسموع ‪ . .‬ويقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬فَإِذَا َجآءَ‬

‫وعد اآلخرة لِ‬ ‫س‬ ‫ؼ‬ ‫وه ُك ْم‬ ‫وءوا ْ ُو ُج َ‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫وه أ َ َّو َل‬ ‫َولِي َ ْد ُخلُوا ْا‪١‬تسجد كَ َما دَ َخل ُ ُ‬ ‫َم َّر ٍة } ‪ . .‬ومعٌت هذا أن ا‪١‬تسجد‬ ‫األقىص سيضيع من ا‪١‬تسلمُت‬ ‫ويصبح ٖتت حكم اليهود فيأيت‬ ‫ا‪١‬تسلمون و٭تاربوهنم ويدخلون‬ ‫ا‪١‬تسجد كما دخلوه أول مرة يف‬

‫عهد عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل‬ ‫عنه ‪ .‬ويقول اهلل تعاىل ‪ { :‬فَإِذَا َجآءَ‬ ‫َوع ْ ُد اآلخرة ِجػْنَا بِ ُك ْم ل َ ِفيفا ً}‬ ‫واللفيف هو ا‪ٞ‬تمع غَت ا‪١‬تتجانس ‪.‬‬ ‫الذي يؾنافر مع نفسه ومع من حوله‬ ‫‪ .‬ؤتا أن اهلل سبحانه وتعاىل قد‬ ‫قىض أن ٭تدث قتال بُت اليهود‬

‫وبُت ا‪١‬تسلمُت ‪ . .‬يستعيد فيه‬ ‫ا‪١‬تسلمون ا‪١‬تسجد األقىص ‪ .‬فكان‬ ‫البد أن ‪٬‬تمعهم يف مكان واحد ‪.‬‬ ‫ألهنم لو بقوا كجاليات متفرقة يف‬ ‫كل دول العالم ومعزولة عن‬ ‫ا‪١‬تجتمعات اليت يعيشون فيها‬ ‫ت‬ ‫القىض ذلك أن ٭تارب ا‪١‬تسلمون‬

‫العالم كله ‪ .‬ولكن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل سيأيت بهم من كل دولة إىل‬ ‫ا‪١‬تكان الذي فيه بيت ا‪١‬تقدس حىت‬ ‫ٯتكن أن ٭تاربهم ا‪١‬تسلمون ‪ ،‬وأن‬ ‫يدخلوا ا‪١‬تسجد كما دخلوه أول‬ ‫مرة ‪.‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يذكر بٍت‬

‫إسرائيل بنعمه عليهم ‪.‬‬ ‫ؤتعاصيهم وكفرهم حىت ال يقول‬ ‫أحد إن اهلل سبحانه كان قاسيا‬ ‫عليهم ألهنم هم الذين كفروا ‪.‬‬ ‫وهم الذين عصوا وأفسدوا يف‬ ‫األرض ‪ .‬فاستحقوا هذا العقاب‬ ‫من اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫َوا َّت ُقوا ي َ ْومًا َال َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َع ْن ن َ ْف ٍس‬ ‫اع ٌة َو َال يُ ْؤ َخ ُذ‬ ‫َشؼْئًا َو َال يُقْب َ ُل ِمنْهَا َش َف َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)48‬‬ ‫من ْ َها ع َ ْد ٌل َو َال ُه ْم يُن ْ َص ُر َ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬واتقوا ي َ ْوما ً}‬ ‫يذكرهم بهذا اليوم ‪ .‬وهو يوم‬ ‫القيامة الذي ال ينفع اإلنسان فيه‬ ‫إال عمله ‪ .‬ويطلب ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل منهم أن ‪٬‬تعلوا بؼنهم وبُت‬ ‫صفات ا‪ٞ‬تبلل هلل تعاىل يف ذلك‬ ‫اليوم وقاية ‪.‬‬ ‫إن هناك آية أخرى تقول ‪{ :‬‬ ‫واتقوا ي َ ْوما ًال َّ َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َعن ن َّ ْف ٍس‬ ‫َشؼْئا ً َوال َيُقْب َ ُل ِمنْهَا ع َ ْد ٌل َوال َتَن َف ُعهَا‬ ‫ون } ػ البقرة‬ ‫اع ٌة َوال َ ُه ْم يُ َ‬ ‫َش َف َ‬ ‫نص ُر َ‬

‫‪] 123 :‬‬ ‫وهذه اآلية وردت مرتُت ‪ .‬وصدر‬ ‫اآليتُت متفق ‪ .‬ولكن اآلية األوىل‬ ‫اع ٌة َوال َ‬ ‫تقول ‪َ { :‬وال َيُ ْقب َ ُل ِمنْهَا فَ‬ ‫ش َ‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫يُ ْؤ َخ ُذ منْهَا ع َ ْد ٌل َوال َ ُه ْم يُن ْ َص ُر َ‬ ‫واآلية الثانية ‪َ { :‬وال َيُقْب َ ُل ِمنْهَا‬ ‫اع ٌة َوال َ ُه ْم‬ ‫ع َ ْد ٌل َوال َتَن َف ُعهَا َش َف َ‬

‫ون } هل هذا تكرار؟ نقول‬ ‫يُ َ‬ ‫نص ُر َ‬ ‫ال ‪ .‬وا‪١‬تسألة ٖتتاج إىل فهم ‪.‬‬ ‫فاآليتان متفقتان يف مطلعهما ‪ :‬يف‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬واتقوا ي َ ْوما ًال َّ َٕتْ ِزي‬ ‫ن َ ْف ٌس َعن ن َّ ْف ٍس َشؼْئا ً} ‪.‬‬ ‫ففي اآلية األوىل قدم الشفاعة‬ ‫وقال ‪ :‬ال يقبل ‪ .‬والثانية أخر‬

‫الشفاعة وقال ال تنفع ‪ .‬الشفاعة يف‬ ‫اآلية األوىل مقدمة ‪ .‬والعدل‬ ‫متأخر ‪ ،‬ويف اآلية الثانية العدل‬ ‫مقدم والشفاعة مؤخرة ‪ . .‬ويف‬ ‫اآلية األوىل ال يقبل منها شفاعة ‪.‬‬ ‫ويف اآلية الثانية‪ . .‬ال تنفعها شفاعة‬ ‫‪ .‬وا‪١‬تقصود بقوله تعاىل ‪ { :‬اتقوا‬

‫ي َ ْوما ً} هو يوم القيامة الذي قال‬ ‫عنه سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ي َ ْو َم ال َ‬ ‫ك ن َ ْف ٌس لِن َ ْف ٍس َشؼْئا ًواألمر‬ ‫َ٘تْلِ ُ‬ ‫يَومئِ ٍذ ِ َ ِ‬ ‫ّلل } ػ االنفطار ‪] 19 :‬‬ ‫َْ ّ‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ال َّ َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َعن‬ ‫ن َّ ْف ٍس َشؼْئا ً} كم نفسا هنا؟ إهنما‬ ‫اثنتان ‪ .‬نفس عن نفس ‪ .‬هناك‬

‫نفس أوىل ونفس ثانية ‪ .‬فما هي‬ ‫النفس األوىل؟ النفس األوىل هي‬ ‫ا‪ٞ‬تازية ‪ .‬والنفس الثانية ‪ . .‬هي‬ ‫ا‪١‬تجزي عنها ‪ . .‬ومادام هناك‬ ‫نفسان فقوله تعاىل ‪ { :‬ال َيُقْب َ ُل‬ ‫ِمنْهَا َش َفاعَةٌ } هل من النفس‬ ‫األوىل أو الثانية؟‬

‫إذا نظرت إىل ا‪١‬تعٌت فا‪١‬تعٌت أنه‬ ‫سيأيت إنسان صاٌف يف يوم القيامة‬ ‫ويقول يا رب أنا سأجزي عن فبلن‬ ‫أو أغٍت عن فبلن أو أقضي حق فبلن‬ ‫‪ .‬النفس األوىل أي النفس ا‪ٞ‬تازية‬ ‫ٖتاول أن تتحمل عن النفس‬ ‫ا‪١‬تجزي عنها ‪.‬‬

‫ولكي نقرب ا‪١‬تعٌت وهلل ا‪١‬تثل‬ ‫األعىل نفًتض أن حاكما غضب‬ ‫عىل أحد من الناس وقرر أن ينتقم‬ ‫منه أبشع انتقام ‪ .‬يأيت صديق ‪٢‬تذا‬ ‫ا‪ٟ‬تاكم و٭تاول أن ‪٬‬تزي عن‬ ‫ا‪١‬تغضوب عليه ‪ .‬فبما ‪٢‬تذا الرجل‬ ‫من مزنلة عند ا‪ٟ‬تاكم ٭تاول أن‬

‫يشفع للطرف الثالث ‪ .‬ويف هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تالة إما أن يقبل شفاعته أو ال‬ ‫يقبلها ‪ .‬فإذا لم يقبل شفاعته فإنه‬ ‫سيقول للحاكم أنا سأسدد ما عليه ‪.‬‬ ‫‪ .‬أي سيدفع عنه فدية ‪ ،‬وال يتم‬ ‫ذلك إال إذا فسدت الشفاعة ‪.‬‬ ‫فإذا كانت ا‪١‬تسألة ويف يوم القيامة‬

‫ومع اهلل سبحانه وتعاىل‪ . .‬يأيت‬ ‫إنسان صاٌف ليشفع عند اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل إلنسان أسرف عىل نفسه ‪.‬‬ ‫فبلبد أن يكون هذا اإلنسان‬ ‫ا‪١‬تشفع من الصا‪ٟ‬تُت حىت تقبل‬ ‫شفاعته عند ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪.‬‬

‫واقرأ قوله سبحانه ‪َ { :‬من ذَا الذي‬ ‫ي َ ْش َف ُع ِعن ْ َد ُه إِال َّبِإِذْنِه } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫‪] 255‬‬ ‫ُت‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬يَعْل َ ُم َما ب َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫أي ْ ِدي ِه ْم َو َما َخل ْ َف ُه ْم َوال َي َ ْش َف ُع َ‬ ‫إِال َّ ِ‪١‬ت َ ِن ارتىض َو ُه ْم ِّم ْن َخ ْشؼَتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ األنؽياء ‪] 28 :‬‬ ‫ُم ْشف ُق َ‬

‫واإلنسان الصاٌف ٭تاول أن يشفع‬ ‫‪١‬تن أسرف عىل نفسه فبل تقبل‬ ‫شفاعته وال يؤخذ منه عدل وال‬ ‫يسمح ‪٢‬تا بأي مساومة أخرى ‪.‬‬ ‫إذن ال يتكلم عن العدل يف ا‪ٞ‬تزاء إال‬ ‫إذا فشلت الشفاعة ‪.‬‬ ‫هنا الضمَت يعود إىل النفس ا‪ٞ‬تازية‬

‫‪ .‬أي اليت تتقدم للشفاعة عند اهلل ‪.‬‬ ‫فيقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ال َ‬ ‫اع ٌة } فبل يقبل منها‬ ‫يُقْب َ ُل ِمنْهَا َش َف َ‬ ‫أي مساومة أخرى ‪ .‬ويقول‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬وال َيُ ْؤ َخ ُذ ِمنْهَا ع َ ْد ٌل }‬ ‫‪ .‬وهذا ترتيب طؽيعي لؤلحداث ‪.‬‬ ‫يف اآلية الثانية يتحدث اهلل تبارك‬

‫وتعاىل عن النفس ا‪١‬تجزي عنها‬ ‫قبل أن تستشفع بغَتها وتطلب‬ ‫منه أن يشفع ‪٢‬تا ‪ .‬البد أن تكون قد‬ ‫ضاقت حيلها وعزت عليها‬ ‫األسباب ‪ .‬فيضطر أن يذهب لغَته‬ ‫‪ .‬ويف هذا اعًتاف بعجزه ‪ .‬فيقول‬ ‫يا رب ماذا أفعل حىت أكفر عن‬

‫ذنويب فبل يقبل منه ‪ .‬فيذهب إىل من‬ ‫تقبل منهم الشفاعة فبل تقبل‬ ‫شفاعتهم ‪.‬‬ ‫وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثبل من‬ ‫القرآن الكريم فاقرأ قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل ‪َ { :‬ول َ ْو ترى إِ ِذ‬ ‫ا‪١‬تجرمون نَا ِك ُسوا ْ ُر ُءو ِس ِه ْم ِعن َد‬

‫َر ِبّ ِه ْم َربَّنَآ أَب ْ َص ْرنَا َو َ ِ‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا فارجعنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫نَعْ َم ْل َصا‪ٟ‬تا ًإِن َّا ُموق ُن َ‬ ‫السجدة ‪] 12 :‬‬ ‫هؤالء هم الذين يطلبون العدل من‬ ‫اهلل ‪ .‬بأن يعيدهم إىل الدنيا‬ ‫ليكفروا عن سؼئاهتم ‪ .‬ويعملوا‬ ‫عمبل صا‪ٟ‬تا ينجيهم من العذاب ‪.‬‬

‫ذلك أن ا‪ٟ‬تسنات يذهنب السؼئات‬ ‫‪..‬‬ ‫فماذا كان رد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫عليهم ‪ .‬قال جل جبلله ‪{ :‬‬ ‫فَ ُذو ُقوا ْ ِٔتَا ن َ ِس ُؼت ْم لِقَآءَي َ ْو ِم ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫اب‬ ‫هاذآ إِن َّا نَسؼنَا ُك ْم َو ُذو ُقوا ْع َ َذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ا‪٠‬تلد ٔتَا ُك ُنت ْم تَعْ َمل ُ َ‬

‫السجدة ‪] 14 :‬‬ ‫فهم عرضوا أن يكفروا عن‬ ‫سؼئاهتم ‪ .‬بأن طلبوا العودة إىل‬ ‫الدنيا ليعملوا صا‪ٟ‬تا ‪ .‬فلم يقبل‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل منهم هذا‬ ‫العرض ‪ .‬اقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪:‬‬ ‫يلي َ ْو َم يَأ ْ ِيت‬ ‫ون إِال َّتَأ ْ ِو َ ُه‬ ‫{ َه ْل ي َ ُنظ ُر َ‬

‫ْ‬ ‫وه ِمن قَب ْ ُل‬ ‫ول الذين ن َ ُس ُ‬ ‫تَأ ِويل ُ ُه ي َ ُق ُ‬ ‫قَ ْد َجآءَ ْت ُر ُس ُل َربِّنَا با‪ٟ‬تق فَهَل لَّنَا‬ ‫ِمن ُش َفعَآءَ فَي َ ْش َف ُعوا ْلَنآ أ َ ْو ن ُ َر ّدُ‬ ‫فَنَعْ َم َل غ َ َْت َالذي ُكنَّا نَعْ َم ُل قَ ْد‬ ‫خسروا أَن ْ ُف َس ُه ْم َو َض َّل َعن ْ ُه ْم َّما‬ ‫ون} ػ األعراف ‪] 53 :‬‬ ‫كَانُوا ْي َ ْتَف ُر َ‬ ‫لقد طلب هؤالء الشفاعة أوال ولم‬

‫تقبل ‪ .‬فدخلوا يف حد آخر وهو‬ ‫العدل فلم يؤخذ مصداقا لقوله‬ ‫اع ٌة َوال َ‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬وال َيُقْب َ ُل ِمنْهَا َش َف َ‬ ‫يُ ْؤ َخ ُذ ِمنْهَا ع َ ْد ٌل } ‪ . .‬وهكذا نرى‬ ‫االختبلف يف اآليتُت ‪ .‬فلؼس هناك‬ ‫تكرار يف القرآن الكريم ‪. .‬‬ ‫ولكن اآلية اليت ‪٨‬تن بصددها تتعلق‬

‫بالنفس ا‪ٞ‬تازية ‪ .‬أو اليت تريد آن‬ ‫تشفع ‪١‬تن أسرف عىل نفسه ‪َ { :‬وال َ‬ ‫اع ٌة َوال َيُ ْؤ َخ ُذ ِمنْهَا‬ ‫يُقْب َ ُل ِمنْهَا َش َف َ‬ ‫ع َ ْد ٌل } ‪ .‬واآلية الثانية ‪ { :‬ال َيُ ْقب َ ُل‬ ‫اع ٌة } ‪ .‬أي‬ ‫ِمنْهَا ع َ ْد ٌل َوال َتَن َف ُعهَا َش َف َ‬ ‫أن الضمَت هنا عائد عىل النفس‬ ‫ا‪١‬تجزي عنها ‪ .‬فهي تقدم العدل‬

‫أوال ‪ { :‬ارجعنا نَعْ َم ْل َص ِا‪ٟ‬تا ً} فبل‬ ‫يقبل منها ‪ ،‬فؾبحث عن شفعاء فبل‬ ‫ٕتد وال تنفعها شفاعة ‪.‬‬ ‫وهذه اآليات اليت أوردناها من‬ ‫القرآن الكريم كلها تتعلق بيوم‬ ‫القيامة ‪.‬‬

‫عىل أن هناك مثبل آخر يف قوله تعاىل‬ ‫‪َ { :‬وال َتقتلوا أ َ ْوالَدَ ُك ْم ِّم ْن ْإمبلَقٍ‬ ‫َّ‪٨‬ت ْ ُن ن َ ْر ُز ُق ُك ْم َوإِي َّ ُاه ْم } ػ األنعام ‪:‬‬ ‫‪] 151‬‬ ‫واآلية الثانية يف قوله سبحانه ‪{ :‬‬ ‫َوال َتقتلوا أ َ ْوالدَ ُك ْم َخ ْشيَةَ إ ِْمبلقٍ‬ ‫َّ‪٨‬ت ْ ُن ن َ ْر ُز ُق ُه ْم َوإِيَّا ُكم } ػ اإلسراء ‪:‬‬

‫‪] 31‬‬ ‫يقول بعض الناس إن « نرزقكم »‬ ‫يف اآلية األوىل « ونرزقهم » يف‬ ‫اآلية الثانية من ‪ٚ‬تال األسلوب ‪.‬‬ ‫نقول ال ‪ .‬قوله تعاىل ‪َ { :‬وال َتقتلوا‬ ‫أ َ ْوالَدَ ُك ْم ِّم ْن ْإمبلَقٍ } أي من فقر‬ ‫موجود ‪ .‬ومادام الفقر موجودا‬

‫فاإلنسان ال يريد أوالدا ليزداد‬ ‫فقره ‪ .‬ولذلك قال له ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪٨َّ { :‬ت ْ ُن ن َ ْر ُز ُق ُك ْم َوإِي َّ ُاه ْم }‬ ‫‪ .‬أي أن ‪٣‬تيء األوالد لن يزيدكم‬ ‫فقرا ‪ .‬ألن لكم رزقكم و‪٢‬تم‬ ‫رزقهم ‪ .‬ولؼس معٌت أن ‪٢‬تم‬ ‫رزقهم أن ذلك سؼنقص من‬

‫رزقكم ‪ . .‬فلؤلب رزق وللولد‬ ‫رزق ‪ .‬أما يف اآلية الثانية ‪َ { :‬وال َ‬ ‫تقتلوا أ َ ْوالدَ ُك ْم َخ ْشيَةَ إ ِْمبلقٍ }‬ ‫فكأن الفقر غَت موجود ‪ .‬ولك هن‬ ‫ٮتىش أن رزق بأوالد بأنه الفقر ‪.‬‬ ‫يقول له ا‪ٟ‬تق ‪٨َّ { :‬ت ْ ُن ن َ ْر ُز ُق ُه ْم‬ ‫َوإِيَّا ُكم } ‪ .‬أي أن رزقهم‬

‫سيأتيهم قبل رزقكم ‪.‬‬ ‫فعندما تقرأ قول اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ { :‬اتقوا ي َ ْوما ًال َّ َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َعن‬ ‫ن َّ ْف ٍس َشؼْئا ً} مكررة يف اآليتُت ال‬ ‫تظن أن هذا تكرار ‪ .‬ألن إحدا‪٫‬تا‬ ‫اع ٌة َوال َ‬ ‫ختامها ‪ { :‬ال َيُقْب َ ُل ِمنْهَا َش َف َ‬ ‫يُ ْؤ َخ ُذ ِمنْهَا ع َ ْد ٌل } ‪ .‬والثانية ‪ { :‬ال َ‬

‫اع ٌة }‬ ‫يُ ْقب َ ُل ِمنْهَا ع َ ْد ٌل َوال َتَن َف ُعهَا َش َف َ‬ ‫‪ .‬فالضمَت ‪٥‬تتلف يف ا‪ٟ‬تالتُت‪ .‬مرة‬ ‫يرجع إىل النفس ا‪ٞ‬تازية فقدم‬ ‫الشفاعة وأخر العدل ‪ .‬ولكن يف‬ ‫النفس المجزي عنها يتقدم العدل‬ ‫وبعد ذلك الشفاعة ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬

‫ياأيها الناس اتقوا َربَّ ُك ْم واخشوا‬ ‫ي َ ْوما ًال َّ َ‪٬‬ت ْ ِزي َوال ِ ٌد َعن َول َ ِد ِه َوال َ‬ ‫ود ُه َو َجا ٍز َعن َوال ِ ِد ِه َشؼْئا ً} ػ‬ ‫َم ْول ُ ٌ‬ ‫لقمان ‪] 33 :‬‬ ‫أي أن اإلنسان ال ٯتكن أن ‪٬‬تزى‬ ‫عن إنسان مهما بلغت قرابته ‪. .‬‬ ‫ال ‪٬‬تزى الولد عن أمه أو أبيه ‪ .‬أو‬

‫‪٬‬تزى الوالد عن أوالده ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬ي َ ْو َم ي َ ِف ُّر ا‪١‬ترء ِم ْن‬ ‫أ َ ِخي ِه * َوأُ ِّم ِه َوأَبِي ِه * وصاحؽته‬ ‫َوب َ ِني ِه * ل ِ ُك ّ ِل امرىء ِّمن ْ ُه ْم ي َ ْو َمئِ ٍذ‬ ‫َشأ ْ ٌن يُغ ْ ِني ِه } ػ عؽس ‪37-34 :‬‬ ‫]‬ ‫وقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ال َ‬

‫يُ ْقب َ ُل ِمنْهَا ع َ ْد ٌل } ‪ { :‬ال َيُ ْؤ َخ ُذ ِمنْهَا‬ ‫ع َ ْد ٌل } ‪ .‬العدل هو ا‪١‬تقابل ‪ .‬كأن‬ ‫يقول ا‪١‬تسرف عىل نفسه يا رب‬ ‫فعلت كذا وأسرفت عىل نفسي‬ ‫فأعدين إىل الدنيا أعمل صا‪ٟ‬تا ‪.‬‬ ‫وكلمة العدل مرة تأيت بكسر العُت‬ ‫وهي مقابل الشيء من جنسه ‪ .‬أي‬

‫أن يعدل القماش قماش مثله‬ ‫ويعدل الذهب ذهب مثله ‪ .‬وعدل‬ ‫بفتح العُت مقابل الشيء ولكن من‬ ‫غَت جنسه ‪ .‬والعدل معناه ا‪ٟ‬تق‬ ‫والعدل ال يكون إال بُت خصمُت ‪.‬‬ ‫ومعناه اإلنصاف ومعناه ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق هو الشيء الثابت الذي ال‬

‫يتغَت ‪ .‬وأنك ال تتحيز ‪ٞ‬تهة عىل‬ ‫حساب جهة أخرى ‪ .‬ولذلك كان‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫عندما كان ‪٬‬تلس مع أصحابه يوزع‬ ‫نظره إىل كل ا‪ٞ‬تالسُت ‪ . .‬حىت ال‬ ‫يقال أنه مهتم بواحد منهم عن‬

‫اآلخر ‪.‬‬ ‫والبد أن نعرف ما هي النفس ‪.‬‬ ‫كلمة النفس إذا وردت يف القرآن‬ ‫الكريم ‪ .‬فافهم أن ‪٢‬تا عبلقة‬ ‫بالروح ‪ .‬حؼنما تتصل الروح‬ ‫با‪١‬تادة وتعطيها ا‪ٟ‬تياة توجد النفس‬ ‫‪ .‬ا‪١‬تادة وحدها قبل أن تتصل بها‬

‫الروح تكون مقهورة ومنقادة‬ ‫مسبحة هلل ‪ .‬فبل تقل ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الروحية وا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تادية ‪ .‬ألن‬ ‫الروح مسبحة وا‪١‬تادة مسبحة ‪.‬‬ ‫ولكن عندما تلتقي الروح با‪١‬تادة‬ ‫وتبدأ ا‪ٟ‬تياة وتتحرك الشهوات‬ ‫يبدأ ا‪٠‬تلل ‪ .‬وا‪١‬توت يًتتب عليه‬

‫خروج الروح من ا‪ٞ‬تسد ‪ .‬الروح‬ ‫تذهب إىل عا‪١‬تها الؾسخَتي ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تادة تذهب إىل عا‪١‬تها الؾسخَتي‬ ‫‪ .‬وذلك ‪٬‬تعلنا نفهم قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ي َ ْو َم تَ ْشهَ ُد‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم أَل ْ ِسن َ ُت ُه ْم َوأَي ْ ِدي ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ‬ ‫َوأ ْر ُجل ُ ُه ْم ٔتَا كَانُوا ْيَعْ َمل ُ َ‬

‫النور ‪] 24 :‬‬ ‫‪١‬تاذا تشهد؟ ألهنا لم تعد مسخرة‬ ‫لئلنسان تؾبع أوامره يف الطاعة‬ ‫وا‪١‬تعصية ‪ .‬فحواسك مسخرة لك‬ ‫بأمر اهلل يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا وهي‬ ‫مسبحة وعابدة ‪ .‬فإذا أطاعتك يف‬ ‫معصية فإهنا تلعنك ألنك أجربهتا‬

‫عىل ا‪١‬تعصية فتأيت يوم القيامة‬ ‫وتشهد عليك ‪ .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪َ { :‬ون َ ْف ٍس َو َما َس َّو َاها‬ ‫* فَأ َ‬ ‫ج‬ ‫ف‬ ‫ور َها َوتَ ْق َو َاها } ػ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫‪٢‬ت‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الشمس ‪] 8-7 :‬‬ ‫ولقد شاع عند الناس لفظ ا‪ٟ‬تياة‬ ‫ا‪١‬تادية وا‪ٟ‬تياة الروحية ‪ .‬ألن ا‪ٟ‬تياة‬

‫الروحية ٗتتلف عن الروح اليت يف‬ ‫جسدك ‪ .‬وهي تنطبق عىل ا‪١‬تبلئكة‬ ‫مصداقا لقوله تعاىل ‪ { :‬ن َ َز َل بِ ِه‬ ‫الروح األمُت } ػ الشعراء ‪193 :‬‬ ‫]‬ ‫ك‬ ‫وقوله جل جبلله ‪َ { :‬وكَ َذل ِ َ‬ ‫ك ُروحا ً ِّم ْن أ َ ْم ِرنَا } ػ‬ ‫أ َ ْو َحؼْنَآ إِلَي ْ َ‬

‫الشورى ‪] 52 :‬‬ ‫هذه هي الروح اليت فيها النقاء‬ ‫والصفاء ‪ .‬وقوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ ُه ْم‬ ‫ون } ‪ .‬أي أن اهلل سبحانه‬ ‫يُن ْ َص ُر َ‬ ‫وتعاىل إذا أقىض عليهم العذاب ال‬ ‫يستطيع أحد نصرهم أو وقف‬

‫عذابهم ‪ .‬ال ٯتكن أن ٭تدث هذا ‪.‬‬ ‫ألن األمر كله هلل ‪.‬‬

‫َوإِذْ َ‪٧‬تَّؼْنَا ُك ْم ِم ْن ِ‬ ‫آل فِ ْر َع ْو َن‬ ‫يَسومون َ ُكم سوء الْع َذ ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫ُ ُ ُْ َ َ‬ ‫اب يُ َذ ّ ُْت َ‬ ‫َ‬ ‫ون نِ َساءَ ُك ْم َو ِيف‬ ‫أبْنَاءَ ُك ْم َوي َ ْست َ ْحي ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)49‬‬ ‫ذَل ُك ْم ب َ َبل ٌء م ْن َر ِبّ ُك ْم َعظ ٌ‬

‫بعد أن حذر اهلل سْتانه وتعاىل بٍت‬ ‫إسرائيل من يوم ال تنفع فيه‬ ‫الشفاعة ‪ .‬أراد أن يذكرهم‬ ‫بفضله عليهم وبنعمه ‪ .‬قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫« إذ » هي ظرف لشيء وسبق أن‬ ‫قلنا أن الظرف نوعان ‪ .‬ألن كل‬ ‫حدث من األحداث ٭تتاج إىل زمان‬

‫يقع فيه وإىل مكان يقع فيه ‪ .‬وعندما‬ ‫أقول لك إجلس مكانك ‪ .‬هذا‬ ‫الظرف يراد به ا‪١‬تكان ‪ .‬وعندما‬ ‫ٮتاطب اهلل عز وجل عباده ‪ :‬أذكر‬ ‫إذ فعلت كذا ‪ .‬أي اذكر وقت أن‬ ‫فعلت كذا ظرف زمان ‪ .‬وقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ « :‬وإذ ‪٧‬تؼناكم » أي‬

‫اذكروا الوقت الذي ‪٧‬تاكم فيه من‬ ‫فرعون ‪.‬‬ ‫واآلية اليت ‪٨‬تن بصددها وردت‬ ‫ثبلث مرات يف القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ َ‪٧‬تَّؼْنَا ُكم ِّم ْن ِ‬ ‫آل‬ ‫فِ ْر َع ْو َن ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء العذاب‬ ‫ي َذ ِّ ُْت َ‬ ‫ون‬ ‫ون أبْنَآءَ ُك ْم َوي َ ْست َ ْحي ُ َ‬ ‫ُ َ‬

‫نِ َسآءَ ُك ْم َو ِيف ذَل ِ ُك ْم ببلء ِّمن َّر ِبّ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫يم } ػ البقرة ‪] 49 :‬‬ ‫َعظ ٌ‬ ‫{ وإِذْ أ َ ْ‪٧‬تؼنا ُكم ِمن ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫َ ََْ ْ ّ ْ‬ ‫آل ف ْر َع َ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء العذاب يُ َقتّل ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ون نِ َسآءَ ُك ْم } ػ‬ ‫أبْنَآءَ ُك ْم َوي َ ْست َ ْحي ُ َ‬ ‫األعراف ‪] 141 :‬‬ ‫وقوله جل جبلله يف سورة إبراهيم‬

‫‪ { :‬إِذْ أَ‪٧‬تَا ُك ْم ِّم ْن ِ‬ ‫آل فِ ْر َع ْو َن‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء العذاب َويُ َذ ّ ُْت َ‬ ‫َ‬ ‫ون نِ َسآءَ ُك ْم } ػ‬ ‫أبْنَآءَ ُك ْم َوي َ ْست َ ْحي ُ َ‬ ‫إبراهيم ‪] 6 :‬‬ ‫االختبلف بُت األوىل والثانية هو‬ ‫قوله تعاىل يف اآلية األوىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم } ‪ .‬ويف الثانية ‪:‬‬ ‫يُ َذ ّ ُْت َ‬

‫ِ‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم } ‪ « .‬و‪٧‬تؼنا »‬ ‫{ يُ َقتّل ُ َ‬ ‫يف اآلية األوىل ‪ « :‬وأ‪٧‬تؼنا » يف اآلية‬ ‫الثانية ‪ .‬ما الفرق بُت ‪٧‬تؼنا وأ‪٧‬تؼنا؟‬ ‫هذا هو ا‪٠‬تبلف الذي يستحق أن‬ ‫تتوقف عنده ‪ . .‬يف سورة البقرة ‪{ :‬‬ ‫َوإِذْ َ‪٧‬تَّؼْنَا ُكم ِّم ْن ِ‬ ‫آل فِ ْر َع ْو َن } ‪. .‬‬ ‫الكبلم هنا من اهلل ‪ .‬أما يف سورة‬

‫إبراهيم فنجد { اذكروا نِعْ َم َة اهلل‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم إِذْ أَ‪٧‬تَا ُك ْم } ‪.‬‬ ‫الكبلم هنا كبلم موىس عليه السبلم‬ ‫‪ .‬ما الفرق بُت كبلم اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل وكبلم موىس؟‪. .‬‬ ‫إن كبلم موىس ٭تكي عن كبلم اهلل ‪.‬‬ ‫إن اهلل سبحانه وتعاىل حُت ٯتنت‬

‫عىل عباده ٯتنت عليهم بقمم‬ ‫النعمة ‪ ،‬وال ٯتنت بالنعم الصغَتة ‪.‬‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل حُت امنت عىل‬ ‫بٍت إسرائيل قال ‪٧َ { :‬تَّؼْنَا ُكم ِّم ْن‬ ‫ِ‬ ‫آل فِ ْر َع ْو َن ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء‬ ‫ِ‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم‬ ‫العذاب ُذَي ّ ُْت َ‬ ‫ون نِ َسآءَ ُك ْم } ‪ .‬ولم‬ ‫َوي َ ْست َ ْحي ُ َ‬

‫يتكلم عن العذاب الذي كان يبلقيه‬ ‫قوم موىس من آل فرعون ‪ .‬إهنم‬ ‫كانوا يأخذوهنم أجراء يف األرض‬ ‫ليحرثوا ويف ا‪ٞ‬تبال لؼنحتوا ا‪ٟ‬تجر‬ ‫ويف ا‪١‬تنازل ليخدموا ‪ .‬ومن لؼس له‬ ‫عمل يفرضون عليه ا‪ٞ‬تزية ‪.‬‬ ‫ولذلك كان اليهود ٯتكرون‬

‫ويسَتون ٔتبلبس قدٯتة حىت‬ ‫يتهاون فرعون يف أخذ ا‪ٞ‬تزية منهم‬ ‫‪ .‬وهذا معٌت قول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬و ُض ِرب َ ْت عَلَي ْ ِه ُم الذلة‬ ‫وا‪١‬تسكنة } ػ البقرة ‪] 61 :‬‬ ‫أي أهنم يتمسكون ويظهرون‬ ‫الذلة حىت ال يدفعوا ا‪ٞ‬تزية ‪ .‬ولكن‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لم ٯتنت عليهم‬ ‫بأن أ‪٧‬تاهم من كل هذا العذاب ‪.‬‬ ‫ه‬ ‫بل ٯتنت عليهم بقمة النعمة ‪.‬‬ ‫وهي ‪٧‬تاة األبناء من الذبح واستحياء‬ ‫النساء ‪ .‬ألهنم يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬ ‫سؾستذل نساؤهم ورجا‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫فا‪١‬ترأة ال ٕتد رجبل ٭تميها‬

‫وتنحرف ‪.‬‬ ‫كلمة ‪٧‬تَّى وكلمة أ‪٧‬تى بؼنهما فرق‬ ‫كبَت ‪.‬‬ ‫كلمة َ‪٧‬تَّى تكون وقت نزول‬ ‫العذاب ‪ .‬وكلمة أ‪٧‬تى ٯتنع عنهم‬ ‫العذاب ‪ .‬األوىل للتخليص من‬ ‫العذاب والثانية يبعد عنهم عذاب‬

‫فرعون هنائيا ‪ .‬ففضل اهلل عليهم‬ ‫كان عىل مرحلتُت ‪ .‬مرحلة أنه‬ ‫خلصهم من عذاب واقع عليهم ‪.‬‬ ‫وا‪١‬ترحلة الثانية أنه أبعدهم عن‬ ‫آل فرعون فمنع عنهم العذاب ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء‬ ‫العذاب } ما هو السوء؟ إنه‬

‫ا‪١‬تشتمل عىل ألوان شىت من‬ ‫العذاب كا‪ٞ‬تلد والسخرة والعمل‬ ‫باألشغال الشاقة ‪ .‬ما معٌت يسوم؟‬ ‫يقال سام فبلن خصمه أي أذله‬ ‫وأعنته وأرهقه ‪ .‬وسام مأخوذة من‬ ‫سام ا‪١‬تاشية تركها ترىع ‪ .‬لذلك‬ ‫‪ٝ‬تيت بالسام أي ا‪١‬تًتوكة ‪.‬‬

‫وعندما يقال إن فرعون يسوم بٍت‬ ‫إسرائيل سوء العذاب ‪ .‬معناها أن‬ ‫كل حياهتم ذل وعذاب ‪ . .‬فتجد أن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل عندما يتكلم عن‬ ‫حكام مصر من الفراعنة يتكلم عن‬ ‫فراعنة قدماء كانوا يف عهد عاد‬ ‫وعهد ‪ٙ‬تود ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪{ :‬‬

‫والفجر * َول َ ٍ‬ ‫يال َع ْش ٍر * والشفع‬ ‫والوتر * واليل إِذَا ي َ ْس ِر * َه ْل ِيف‬ ‫ك قَ َس ٌم ل ِ ّ ِذى ِح ْج ٍر * أَل َ ْم تَ َر‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫ك بِعا ٍد* إِرم ذَ ِ‬ ‫ات‬ ‫َكي ْ َف فَعَ َل َربُّ َ َ َ َ‬ ‫العماد * اليت ل َ ْم ُٮتْل َ ْق ِمثْلُهَا ِيف الببلد‬ ‫* َو‪ٙ‬تَ ُودَ الذين َجا ُبوا ْالصخر بالواد‬ ‫* َوفِ ْر َع ْو َن ِذى األوتاد * الذين َطغ َ ْوا ْ‬

‫ِيف الببلد * فَأ َ ْكث َ ُروا ْ ِفيهَا الفساد } ػ‬ ‫الفجر ‪] 12-1 :‬‬ ‫أي أن اهلل تبارك وتعاىل جاء‬ ‫ْتضارة الفراعنة وقدماء‬ ‫ا‪١‬تصريُت بعد عاد و‪ٙ‬تود ‪ .‬وهذا‬ ‫دليل عىل أن حضارة عاد و‪ٙ‬تود‬ ‫قدٯتة ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل وصف‬

‫عادا بأهنا اليت لم ٮتلق مثلها يف الببلد‬ ‫‪ .‬أي أهنا حضارة أرىق من حضارة‬ ‫قدماء ا‪١‬تص ي‬ ‫رين ‪.‬‬ ‫قد يؾساءل بعض الناس كيف‬ ‫يصف اهلل سبحانه وتعاىل عادا بأهنا‬ ‫اليت لم ٮتلق مثلها يف الببلد ‪ .‬مع أنه‬ ‫يوجد اآلن حضارات متقدمة‬

‫كثَتة ‪.‬‬ ‫نقول إن اهلل قد كشف لنا حضارة‬ ‫الفراعنة وآثارهم ‪ .‬ولكنه أخىف‬ ‫عنا حضارة عاد ‪ .‬ولقد وجدنا يف‬ ‫حضارة الفراعنة أشياء لم نصل‬ ‫إليها حىت اآلن ‪ .‬مثل براعتهم يف‬ ‫ٖتنيط ا‪١‬توىت وا‪١‬تحافظة عىل ا‪ٞ‬تثث ‪.‬‬

‫وبناء األهرامات وغَت ذلك ‪ .‬ؤتا‬ ‫أن حضارة عاد كانت أرىق من‬ ‫حضارة الفراعنة ‪ .‬فإهنا تكون قد‬ ‫وصلت إىل أسرار مازالت خافية‬ ‫عىل العالم حىت اآلن ‪ .‬ولكنا ال‬ ‫نعرف شؼئا عنها ‪ ،‬ألن اهلل لم‬ ‫يكشف لنا آثارها ‪.‬‬

‫ولقد ٖتدث ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل عن‬ ‫الفراعنة باسم فرعون ‪ .‬وتكلم‬ ‫عنهم يف أيام موىس باسم آل‬ ‫فرعون ‪ .‬ولكن الزمن الذي كان‬ ‫بُت عهدي يوسف وموىس لم يسم‬ ‫ملك مصر فرعون ‪ ،‬إ‪٪‬تا ‪ٝ‬تاه‬ ‫العزيز الذي هو رئؼس الوزراء‬

‫ورئؼسه ا‪١‬تلك ‪ .‬وقال ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫ال ا‪١‬تلك ائتوين بِ ِه }‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬وقَ َ‬ ‫ػ يوسف ‪] 50 :‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تاكم أيام يوسف كان يس ىم‬ ‫ملكا ولم يسم فرعون ‪ .‬بؼنما حكام‬ ‫مصر قبل يوسف وبعده كانوا‬ ‫يلقبون بفرعون ‪ .‬ذلك ألنه قبل‬

‫عهد يوسف عليه السبلم حكم‬ ‫مصر ا‪٢‬تكسوس أهل بٍت إسرائيل‬ ‫‪.‬‬ ‫فقد أغاروا عىل مصر وانتصروا عىل‬ ‫الفراعنة ‪ .‬وحكموا مصر سنوات‬ ‫حىت ٕتمع الفراعنة وطردوهم منها‬ ‫‪.‬‬

‫والغريب أن هذه القصة لم تعرف‬ ‫إال بعد اكتشاف حجر رشيد ‪،‬‬ ‫وفك رموز اللغة ا‪٢‬تَتوغليفية ‪.‬‬ ‫وكان ملوك ا‪٢‬تكسوس من الرعاة‬ ‫الذين استعمروا مصر فًتة ‪.‬‬ ‫ولذلك نرى يف قصة يوسف عليه‬ ‫السبلم قول اهلل سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬

‫ال ا‪١‬تلك ائتوين ِهب} ‪.‬‬ ‫َوقَ َ‬ ‫وهكذا نعلم أن القرآن الكريم‬ ‫قد روى بدقة قصة كل حاكم يف‬ ‫زمنه ‪ .‬وصف الفراعنة بأهنم‬ ‫الفراعنة ‪ .‬ثم جاء ا‪٢‬تكسوس فلم‬ ‫يكن هناك فرعون ولكن كان‬ ‫هناك ملك ‪ .‬وعندما جاء موىس‬

‫كان الفراعنة قد عادوا ‪ٟ‬تكم مصر‬ ‫‪ .‬فإذا كان هذا األمر لم نعرفه إال‬ ‫يف مطلع القرن ا‪٠‬تامس ‪ .‬عندما‬ ‫اكتشف الفرنسيون حجر رشيد ‪،‬‬ ‫ولكن القرآن أرخ له التاريخ‬ ‫الصحيح منذ أربعة عشر قرنا ‪.‬‬ ‫وهذه معجزة تنضم ‪١‬تعجزات‬

‫كبَتة يف القرآن الكريم عن شيء‬ ‫كان ‪٣‬تهوال وقت نزول القرآن‬ ‫وأصبح معلوما اآلن ‪ .‬لنجد أن‬ ‫القرآن جاء به يف وضعه الصحيح‬ ‫والسليم ‪.‬‬ ‫بعد أن ٖتدثنا عن ف‬ ‫الرق بُت‬ ‫‪٧‬تؼناكم وأ‪٧‬تؼناكم ‪ .‬نتحدث عن‬

‫ِ‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم } ‪.‬‬ ‫الفرق بُت { يُ َذ ّ ُْت َ‬ ‫ِ‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم } ‪ . .‬الذبح‬ ‫و { يُ َقتّل ُ َ‬ ‫غَت القتل ‪ . .‬الذبح البد فيه من‬ ‫إراقة دماء ‪ .‬والذبح عادة يتم بقطع‬ ‫الشرايُت عند الرقبة ‪ ،‬ولكن‬ ‫القتل قد يكون بالذبح أو بغَته‬ ‫كا‪٠‬تنق واإلغراق ‪ .‬كل هذا قتل‬

‫لؼس شرطا فيه أن تسفك الدماء ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفؾنا إىل أن فرعون حؼنما أراد أن‬ ‫ينتقم من ذرية بٍت إسرائيل انتقم‬ ‫منهم انتقامُت ‪ . .‬انتقاما ألهنم‬ ‫كانوا حلفاء للهكسوس‬ ‫وساعدوهم عىل احتبلل مصر ‪.‬‬

‫ولذلك فإن ملك ا‪٢‬تكسوس اٗتذ‬ ‫يوسف وزيرا ‪ .‬فكأن ا‪٢‬تكسوس‬ ‫كانوا موالُت لؽٍت إسرائيل ‪.‬‬ ‫وعندما انتصر الفراعنة انتقموا‬ ‫من بٍت إسرائيل بكل وسائل‬ ‫االنتقام ‪ .‬قتلوهم وأحرقوا عليهم‬ ‫بيوهتم ‪.‬‬

‫أما مسألة الذبح يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم } فلقد رأى‬ ‫يُ َذ ّ ُْت َ‬ ‫فرعون نارا هبت من ناحية بيت‬ ‫ا‪١‬تقدس فأحرقت كل ا‪١‬تصريُت‬ ‫ولم ينج منها غَت بٍت إسرائيل ‪.‬‬ ‫فلما طلب فرعون تأويل الرؤيا ‪.‬‬ ‫قال له الكهان ٮترج من ذرية‬

‫إسرائيل ولد يكون عىل يده هناية‬ ‫ملكك ‪ .‬فأمر القوابل ( الدايات )‬ ‫بذبح كل مولود ذكر من ذرية بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ .‬ولكن قوم فرعون‬ ‫الذين تعودوا السلطة قالوا لفرعون‬ ‫‪ :‬إن بٍت إسرائيل يوشك أن‬ ‫ينقرضوا وهم يقومون با‪٠‬تدمات‬

‫‪٢‬تم ‪ .‬فجعل الذبح سنة والسنة‬ ‫الثانية يبقون عىل ا‪١‬تواليد الذكور ‪.‬‬ ‫وهارون ولد يف السنة اليت لم يكن‬ ‫فيها ذبح فنجا ‪ .‬وموىس ولد يف السنة‬ ‫اليت فيها ذبح فحدث ما حدث ‪.‬‬ ‫إذن سبب الذبح هو خوف فرعون‬ ‫البح‬ ‫من ضياع ملكه ‪ .‬وفرض ذ‬

‫حىت يتأكد قوم فرعون من موت‬ ‫ا‪١‬تولد ‪ .‬ولو فعلوه بأي طريقة‬ ‫أخرى كأن القوة من فوق جبل أو‬ ‫ضربوه ْتجر غليظ ‪ .‬أو طعنوه‬ ‫بسيف أو برمح قد ينجو من ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫ولكن الذبح ‪٬‬تعلهم يتأكدون من‬ ‫موته يف ا‪ٟ‬تال فبل ينجو أحد ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء‬ ‫ون أَبْنَآءَ ُك ْم‬ ‫العذاب يُ َذ ِبّ ُح َ‬ ‫ون نِ َسآءَ ُك ْم } ‪ .‬كلمة‬ ‫َوي َ ْست َ ْحي ُ َ‬ ‫االبن تطلق عىل الذكر ‪ ،‬ولكن الولد‬ ‫يطلق عىل الذكر واألنثى ‪ .‬ولذلك‬ ‫كان الذبح للذكور فقط ‪ .‬أما النساء‬ ‫فكانوا يًتكوهنن أحياء ‪.‬‬

‫ولكن ‪١‬تاذا لم يقل ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل يذْتون أبناءكم ويستحيون‬ ‫بناتكم بدال من قوله يستحيون‬ ‫نساءكم ‪ .‬ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يريد أن يلفؾنا إىل أن الفكرة من‬ ‫هذا هو إبقاء عنصر األنوثة يتمتع‬ ‫بهن آل فرعون ‪ .‬لذلك لم يقل‬

‫بنات ولكنه قال نساء ‪ .‬أي أهنم‬ ‫يريدوهنن للمتعة وذلك للؾنكيل‬ ‫بؽٍت إسرائيل ‪ .‬وال يقتل رجولة‬ ‫الرجل إال أنه يرى الفاحشة تصنع‬ ‫يف نسائه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬و ِيف‬ ‫ذَل ِ ُكم ببلء ِّمن َربِّ ُكم َع ِ‬ ‫يم} ‪ .‬ما‬ ‫ظ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ْ‬

‫هو الببلء؟ بعض الناس يقول إن‬ ‫الببلء هو الشر ‪ .‬ولكن اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل يقول ‪َ { :‬ونَبْلُو ُكم بالشر‬ ‫ِ‬ ‫ون }‬ ‫وا‪٠‬تَت فؾْنَةً َوإِلَؼْنَا ُت ْر َج ُع َ‬ ‫إذن هناك ببلء با‪٠‬تَت وببلء بالشر ‪.‬‬ ‫والببلء كلمة ال ٗتيف ‪ .‬أما الذي‬ ‫ٮتيف هو نؾيجة هذا الببلء؛ ألن‬

‫الببلء هو امتحان أو اخؾبار ‪ .‬إن‬ ‫أديته و‪٧‬تحت فيه كان خَتا لك ‪.‬‬ ‫وأن لم تؤده كان وباال عليك ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول يف خليله‬ ‫ِ‬ ‫ِ بت‬ ‫يم َربُّ ُه‬ ‫إبراهيم ‪َ { :‬وإِذ ا ىل إِب ْ َراه َ‬ ‫بِكَلِم ٍ َ‬ ‫ك‬ ‫ال إ ِِّين َجاعِل ُ َ‬ ‫ات فَأتَ َّمُه َّن قَ َ‬ ‫َ‬ ‫لِلنَّ ِ‬ ‫اس إ َِماما ً} ػ البقرة ‪] 124 :‬‬

‫فإبراهيم ‪٧‬تح يف االمتحان ‪ ،‬والببلء‬ ‫جاء لؽٍت إسرائيل من جهتُت ‪. .‬‬ ‫ببلء الشر بتعذيبهم وتقؾيلهم‬ ‫وذبح أبنائهم ‪ .‬وببلء ا‪٠‬تَت‬ ‫بإ‪٧‬تائهم من آل فرعون ‪ .‬ولقد ‪٧‬تح‬ ‫بنو إسرائيل يف الببلء األول ‪.‬‬ ‫وصربوا عىل العذاب والقهر وكان‬

‫ببلء عظيما ‪ .‬ويف الببلء الثاين فعلوا‬ ‫أشياء سنتعرض ‪٢‬تا يف حؼنها ‪.‬‬

‫َوإِذْ فَ َرقْنَا بِ ُك ُم الْب َ ْح َر فَأ َ ْ‪٧‬تَؼْنَا ُك ْم‬ ‫آل فِ ْر َعون وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ون‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َوأغْ َرقْنَا َ ْ َ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫(‪)50‬‬

‫مرة ثانية تأيت « وإذ » ‪ .‬ويأيت‬ ‫اال‪٧‬تاء وسيلة ‪ .‬هذه الوسيلة ذكرهتا‬ ‫اآلية الكرٯتة ‪ .‬فقد خرج موىس‬ ‫وقومه وكانوا ستمائة ألف كما‬ ‫تقول الروايات ‪ .‬وعرف فرعون‬ ‫ٓتروجهم فخرج وراءهم عىل‬ ‫رأس جؼش من ألف ألف ( مليون )‬

‫‪ .‬عندما رآهم قوم موىس كما‬ ‫يروي لنا القرآن الكريم ‪ { :‬قالوا‬ ‫أُو ِذينَا ِمن قَب ْ ِل أَن تَأْتِؼنَا َو ِمن بَعْ ِد َما‬ ‫ِجئْؾَنَا } ػ األعراف ‪] 129 :‬‬ ‫وقال ‪٢‬تم موىس كما جاء يف الكتاب‬ ‫ك‬ ‫العزيز ‪ { :‬عىس َربُّ ُك ْم أَن يُهْلِ َ‬ ‫ع َ ُد َّو ُك ْم َوي َ ْست َ ْخلِ َف ُك ْم ِيف األرض‬

‫ون } ػ األعراف‬ ‫فَؼ َ ُنظ َر َكي ْ َف تَعْ َمل ُ َ‬ ‫‪] 129 :‬‬ ‫وعندما جاء قوم فرعون بعددهم‬ ‫الضخم يقاومون قوم موىس‬ ‫وتراءى اًفمعان أي أهنم رأوهم‬ ‫رؤية العُت قال قوم موىس « أنا‬ ‫‪١‬تدركون »‬

‫وهذا كبلم منطقي ‪ .‬فأمامهم‬ ‫البحر ووراءهم فرعون وجنوده ‪.‬‬ ‫ولكن حُت ٗترج األحداث من‬ ‫نطاق األسباب إىل قدرة ا‪١‬تسبب‬ ‫فهي ال ٗتضع ألسباب الكون ‪.‬‬ ‫ولذلك قال ‪٢‬تم موىس ٔتلء فمه ‪:‬‬ ‫ال كَبل َّإ َِّن َمعِ َي َر ِ ّيب َسيَهْ ِدي ِن } ‪.‬‬ ‫{ قَ َ‬

‫وبذلك نقل ا‪١‬تسألة من األسباب‬ ‫إىل ا‪١‬تسبب تبارك وتعاىل ‪.‬‬ ‫فبمنطق األحداث يكون فرعون‬ ‫وجنوده سيدركوهنم ‪ .‬ولكن‬ ‫ٔتنطق ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل فإنه‬ ‫سيهيئ ‪٢‬تم طريق النجاة ‪.‬‬ ‫وأوىح اهلل سبحانه وتعاىل إىل موىس‬

‫بأن يضرب بعصاه البحر فانفرق ‪.‬‬ ‫وهكذا توقف قانون ا‪١‬تاء وهو‬ ‫االستطراق والسيولة ‪ .‬وانفرق‬ ‫البحر وأصبح كل جزء منه كا‪ٞ‬تبل ‪.‬‬ ‫ذرات ا‪١‬تاء ٘تاسكت مع بعضها‬ ‫البعض لتكون جبلُت كبَتين‬ ‫بؼنهما يابس ٯتر منه بنو إسرائيل‬

‫‪.‬‬ ‫هذا هو معٌت قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ‬ ‫فَ َرقْنَا بِ ُك ُم البحر} والفرق هو‬ ‫الفصل بُت شيئُت ‪ . .‬وإذا كان‬ ‫البحر قد انشق ‪ . .‬فأين ذهب‬ ‫الطُت ا‪١‬تؽتل يف قاع البحر؟‪. .‬‬ ‫قالوا إن اهلل أرسل ر٭تا مرت عليه‬

‫فجففته ‪ .‬ولذلك قال ا‪ٟ‬تق جل‬ ‫جبلله ‪َ { :‬ط ِريقا ً ِيف البحر يَؽَسا ً}‬ ‫ويقال إنه حُت كان موىس وقومه‬ ‫يعربون البحر سألوا عن بقية‬ ‫إخواهنم ‪ .‬فقال ‪٢‬تم موىس أهنم يف‬ ‫طرق أخرى موازية لطريقنا ‪ .‬قالوا‬ ‫نريد أن نطمئن عليهم ‪ .‬فرفع‬

‫موىس يده إىل السماء وقال اللهم‬ ‫أَعِ ِ ٍّت عىل أخبلقهم السؼئة ‪ .‬فأوىح‬ ‫اهلل إىل موىس أن يضرب بعصاه‬ ‫ا‪ٟ‬تواجز فانفتحت طاقة بُت كل‬ ‫‪٦‬تر ‪ .‬فكانوا يرون بعضهم بعضا ‪.‬‬ ‫وعندما رأى موىس عليه السبلم‬ ‫فرعون وجيشه يتجهون إىل البحر‬

‫ليعربوه ‪ .‬أراد أن يضرب البحر‬ ‫ليعود إىل السيولة ‪ .‬فبل يلحق بهم‬ ‫آل فرعون ‪ .‬ولكن اهلل أوىح إليه ‪:‬‬ ‫{ واترك البحر َر ْهوا ًإ َِّهن ُ ْم ُجن ٌد‬ ‫ون } ػ الدخان ‪] 24 :‬‬ ‫ُّمغ ْ َر ُق َ‬ ‫أي اترك البحر عىل ما هو عليه‪.‬‬ ‫حىت يؾبعكم قوم فرعون ‪ .‬ظانُت‬

‫أهنم قادرون عىل أن يسلكوا نفس‬ ‫الطريق وٯتشوا فيه ‪ .‬وحؼنما‬ ‫يكون أو‪٢‬تم قريبا من شاطئكم‬ ‫وآخرهم عند الشاطئ اآلخر ‪.‬‬ ‫أعيد ا‪١‬تاء إىل استطراقه ‪ .‬فأكون‬ ‫قد أ‪٧‬تيت وأهلكت بالسبب‬ ‫الواحد ‪ .‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد‬

‫أن ٯتن عىل بٍت إسرائيل بأنه‬ ‫أ‪٧‬تاهم من العذاب وأهلك‬ ‫عدوهم ‪.‬‬ ‫فكان العطاء عطاءين ‪ .‬عطاء إ‪٬‬تاب‬ ‫بأن أ‪٧‬تاهم ‪ .‬وعطاء سلب بأن‬ ‫أهلك عدوهم ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ون }‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وأن ْ ُت ْم تَ ُنظ ُر َ‬

‫يف هذه اآلية لم يتحدث ا‪ٟ‬تق جل‬ ‫جبلله عن فرعون ‪ .‬وإ‪٪‬تا حدث‬ ‫عن إغراق آل فرعون ‪١ .‬تاذا؟ ألن‬ ‫آل فرعون هم الذين أعانوه عىل‬ ‫جربوته وبطشه وطغيانه ‪ .‬هم‬ ‫األداة اليت استخدمها لتعذيب بٍت‬ ‫إسرائيل ‪.‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل أراد أن يرى‬ ‫بنو إسرائيل آل فرعون وهم‬ ‫يغرقون فوقفوا يشاهدوهنم ‪.‬‬ ‫وأنت حُت ترى مصرع عدوك ‪.‬‬ ‫تشعر با‪١‬ترارة اليت يف قلبك تزول‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ون } ٖتتمل معٌت‬ ‫{ َوأن ْ ُت ْم تَ ُنظ ُر َ‬ ‫آخر ‪ .‬أي ينظر بعضكم إىل بعض‬

‫وأنتم غَت مصدقُت أنكم ‪٧‬توتم‬ ‫من هذا الببلء العظيم ‪ .‬ويف نفس‬ ‫الوقت تطمػنون وأنتم‬ ‫تشاهدوهنم ‪ .‬وهم يغرقون دون‬ ‫أن ينجو منهم أحد حىت ال يدخل‬ ‫يف قلوبكم الشك ‪ .‬أنه رٔتا ‪٧‬تى‬

‫بعضهم وسيعودون ّتؼش‬ ‫ليؾبعوكم ‪.‬‬

‫وإِذْ واع َ ْدنَا ُم َ َ ِ‬ ‫ُت لَيْلَةً ُث َّم‬ ‫َ َ‬ ‫وىس أ ْربَع َ‬ ‫َّاٗت َ ْذ ُت ُم الْعِ ْج َل ِم ْن بَعْ ِد ِه َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫َظا ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫ون (‪)51‬‬ ‫ُ َ‬

‫قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل { َوإِذْ‬ ‫واع َ ْدنَا موىس أَربَعِ‬ ‫ُت لَيْلَةً} هذا‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الوعد كان إلعطاء موىس ا‪١‬تنهج ‪،‬‬ ‫فحؼنما كلّم اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫موىس ّتانب الطور ‪ . .‬كان هذا‬ ‫إلببلغ موىس عليه السبلم أنه‬ ‫رسول من رب العا‪١‬تُت وأنه أرسله‬

‫ليخ لص بٍت إسرائيل من طغيان‬ ‫فرعون وعذابه ‪ . .‬وأنه سيمده‬ ‫بآيات ومعجزات ‪ . .‬حىت يقؾنع‬ ‫فرعون وقومه أن موىس رسول من‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل‪ . .‬بعد تكليف‬ ‫موىس بالرسالة وذهابه إىل فرعون ‪.‬‬ ‫‪ .‬وما حدث مع السحره ثم ‪٧‬تاة‬

‫موىس وقومه ‪ . .‬بأن شق اهلل جل‬ ‫جبلله ‪٢‬تم البحر ‪ . .‬هذا يف وقت لم‬ ‫يكن ا‪١‬تنهج قد نزل بعد ‪ . .‬ولذلك‬ ‫ٔتجرد أن ‪٧‬تَّى اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫موىس وقومه وأغرق فرعون ‪. .‬‬ ‫كان البد أن يتم إببلغ موىس‬ ‫با‪١‬تنهج ‪ .‬وكان الوعد يشمل‬

‫أربعُت ليلة ‪ . .‬هذه الليايل‬ ‫األربعون حددت كثبلثُت أوال ‪. .‬‬ ‫تم أ٘تها ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعشر‬ ‫أخرى ‪ . .‬واقرأ قوله سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬وواع ْدنَا موىس ثَبلَثِ‬ ‫ُت‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫لَيْلَةً َوأ َ ْ٘ت َ ْمن َ َ‬ ‫اها بِعَ ْش ٍر فَت َ َّم ِميقَ ُ‬ ‫َِ ِ‬ ‫ُت لَيْلَةً} ػ األعراف ‪:‬‬ ‫َربِّه أ ْربَع َ‬

‫‪] 142‬‬ ‫وعندما يتكلم الدين عن الزمن‬ ‫يتكلم دائما بالليلة ‪ . .‬والسبب يف‬ ‫ذلك أنك ال تستطيع أن ٖتدد الزمن‬ ‫بدقة بالنهار ‪ . .‬الشمس تشرق‬ ‫وتغرب ثم تعود لتشرق ‪ . .‬فإذا‬ ‫نظرت إىل قرص الشمس ‪ . .‬ال‬

‫ٯتكن أن ٖتدد يف أي وقت من‬ ‫الشهر ‪٨‬تن ‪ . .‬هل يف أوله أو يف‬ ‫وسطه أو يف آخره ‪ . .‬ولكن إذا جاء‬ ‫الليل ٔتجرد أن تنظر إىل القمر‬ ‫تستطيع أن ٖتدد الزمن ‪ .‬فإذا كان‬ ‫القمر هبلال فنحن يف أوائل الشهر‬ ‫‪ . .‬وإذا كان بدرا فنحن يف وسطه‬

‫وهكذا ‪. .‬‬ ‫إن هناك مقايؼس دقيقة بالنسبة‬ ‫للقمر وقياس الزمن يف عرف‬ ‫الناس؛ اإلنسان العادي يستطيع‬ ‫أن ٭تدد لك الزمن بالتقريب‬ ‫بالليايل ‪ . .‬ويقول لك البدوي يف‬ ‫الصحراء ‪ ،‬هذا القمر ابن كذا ليلة‬

‫‪.‬‬ ‫ويف منطق الدين ‪٨‬تسب كل شيء‬ ‫بدخول الليل ‪ . .‬فهذه ليلة األول‬ ‫من شهر رمضان نصلي فيها‬ ‫الًتاويح ‪ . .‬وليلة العيد ال تصىل‬ ‫فيها الًتاويح ‪ . .‬وليلة النصف من‬ ‫شعبان ‪ . .‬وليلة اإلسراء وا‪١‬تعراج ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫ويف كل مقايؼس الدين الليل ال‬ ‫يؾبع النهار إال يف شيء واحد هو يوم‬ ‫عرفة ‪ . .‬فبل نقول ليلة عرفة وإ‪٪‬تا‬ ‫نقول يوم عرفة ‪ . .‬إذن الليلة هي‬ ‫ابتداء الزمن يف الدين‪ . .‬والزمن‬ ‫عند اهلل مدته اثنا عشر شهرا للعام‬

‫الواحد ‪ . .‬السنة ا‪١‬تيبلدية ٗتتلف‬ ‫عن السنة ا‪٢‬تجرية ‪ . .‬والسبب يف‬ ‫ذلك أن اهلل سبحانه وتعاىل وزع‬ ‫ر‪ٛ‬تته عىل كونه ‪ . .‬فلو أن‬ ‫ا‪١‬تواقيت الدينية سارت عىل‬ ‫مواقيت الشمس ‪ٞ . .‬تاء رمضان‬ ‫مثبل يف شهر ‪٤‬تدد ال يتغَت ‪.‬‬

‫‪ .‬يصومه الناس صيفا يف مناطق‬ ‫‪٤‬تددة ‪ .‬وشتاء يف مناطق ‪٤‬تددة وال‬ ‫ٮتتلف أبدا ‪ . .‬فيظل رمضان يأيت‬ ‫يف الصيف وا‪ٟ‬تر دائما بالنسبة‬ ‫لبعض الناس ‪ . .‬ويف الشتاء والربد‬ ‫دائما بالنسبة لبعض الناس‪. .‬‬ ‫ولكن ألن السنة ا‪٢‬تجرية تقوم عىل‬

‫حساب ا‪٢‬تبلل ‪ . .‬فمعٌت ذلك أن‬ ‫كل نفحات اهلل يف كونه تأيت يف كل‬ ‫الفصول واألزمان ‪ . .‬فتجد‬ ‫رمضان يف الصيف والشتاء‪. .‬‬ ‫وكذلك وقفة عرفات وكذلك كل‬ ‫ا‪١‬تناسبات الدينية الطؼبة ‪ . .‬ألن‬ ‫السنة ا‪٢‬تجرية تنقص أحد عشر‬

‫يوما عن السنة ا‪١‬تيبلدية ‪ . .‬والفرق‬ ‫سنة كل ثبلث وثبلثُت سنة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫اٗتذتم العجل ِمن بَعْ ِد ِه َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫َظا‪١‬تُ َ‬ ‫يريد أن ٯتّحص بٍت إسرائيل ‪. .‬‬ ‫ويبُت لنا كفرهم بنعم اهلل ‪ .‬فاهلل‬

‫‪٧‬تاهم من آل فرعون ‪ . .‬ولم‬ ‫يكادوا يعربون البحر حىت رأوا قوما‬ ‫يعبدون األصنام ‪ . .‬فقالوا كما‬ ‫يروى لنا القرآن الكريم ‪{ :‬‬ ‫ياموىس اجعل لَّنَآ إ‪٢‬تا كَ َما َ‪٢‬ت ُ ْم ِآ‪٢‬ت َ ٌة‬ ‫} ػ األعراف ‪] 138 :‬‬ ‫حدث هذا ٔتجرد خروجهم من‬

‫البحر سا‪١‬تُت ‪ . .‬موىس عليه‬ ‫السبلم أخذ النقباء وذهب ‪١‬تيقات‬ ‫ربه ‪ .‬وترك أخاه هارون مع بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ . .‬وبنو إسرائيل عندما‬ ‫كانوا يف مصر ‪ . .‬وكانوا ٮتدمون‬ ‫نساء آل فرعون ‪ . .‬أخذوا منهن‬ ‫بعض ا‪ٟ‬تلي والذهب خلسة ‪ . .‬ومع‬

‫أن فرعون وقومه متمردون عىل‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل‪ . .‬فإن هذا ال‬ ‫يربر سرقة حلي نسائهم ‪ . .‬فنحن‬ ‫ال نكافئ من عىص اهلل فؼنا بأن‬ ‫نعصي اهلل فيه ‪ . .‬ونصبح‬ ‫مؾساويُت معهم يف ا‪١‬تعصية‪. .‬‬ ‫ولكن نكافئ من عىص اهلل فؼنا بأن‬

‫نطيع اهلل فيه ‪. .‬‬ ‫وأبو الدرداء رضي اهلل عنه حؼنما‬ ‫بلغه أن شخصا سبه ‪ . .‬بعث له‬ ‫كتابا قال فيه ‪ . .‬يا أخي ال تسرف‬ ‫يف شتمنا ‪ . .‬واجعل للصلح موضعا‬ ‫فإنا ال نكافئ من عىص اهلل فؼنا بأكثر‬ ‫من أن نطيع اهلل فيه ‪ . .‬بنو‬

‫إسرائيل سرقوا بعض حلي نساء‬ ‫آل فرعون ‪ . .‬فجعلها اهلل فؾنة‬ ‫إلغوائهم ‪ . .‬وزين ‪٢‬تم الشيطان‬ ‫أن يصنعوا منها عجبل يعبدونه ‪. .‬‬ ‫صنعه ‪٢‬تم موىس السامري الذي‬ ‫رباه جربيل ‪ . .‬فأخذ ا‪ٟ‬تلي‬ ‫وصهرها ليجعلها يف صورة عجل له‬

‫خوار ‪ . .‬وقال ‪٢‬تم هذا إ‪٢‬تكم وإله‬ ‫موىس ‪.‬‬ ‫أتعرف ‪١‬تاذا فؾنهم اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل بالعجل؟‬ ‫ألن الذهب ا‪١‬تصنوع منه العجل‬ ‫من أصل حرام ‪ . .‬وا‪ٟ‬ترام ال يأيت‬ ‫منه خَت مطلقا ‪ . .‬والبد أن نأخذ‬

‫العربة من هذه الواقعة ‪ . .‬وهي أن‬ ‫ا‪ٟ‬ترام ينقلب عىل صاحبه شرا ً‬ ‫ووباال ‪ ،‬إن كان طعامك حراما‬ ‫يدخل يف تكوين خبلياك ويصبح‬ ‫يف جسدك ا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬فإذا دخل‬ ‫ا‪ٟ‬ترام إىل ا‪ٞ‬تسد ٯتيل فعلك إىل‬ ‫ا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬فا‪ٟ‬ترام يؤرق ا‪ٞ‬تسد‬

‫ويسوقه إىل ا‪١‬تعاصي ‪. .‬‬ ‫يقول رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم « إن اهلل تعاىل طيب ال يقبل‬ ‫إال طؼبا ‪ ،‬وإن اهلل تعاىل أمر ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫ٔتا أمر به ا‪١‬ترسلُت فقال تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ياأيها الرسل كُلُوا ْ ِم َن الطؼبات‬ ‫واعملوا َص ِا‪ٟ‬تا ً} وقال تعاىل ‪{ :‬‬

‫ياأيها الذين آ َم ُنوا ْكُلُوا ْ ِمن َط ِؼّب ِ‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫ما رزَقْنَا ُكم واشكروا َ ِ‬ ‫ّلل إِن ُكن ْ ُت ْم‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ون } ‪ ،‬ثم ذكر ‪ ،‬الرجل‬ ‫إِي َّ ُاه تَعْب ُ ُد َ‬ ‫يطيل السفر أشعث أغرب ٯتد يديه‬ ‫إىل السماء يا رب يا رب ومطعمه‬ ‫حرام ومشربه حرام وملؽسه‬

‫حرام وغذي با‪ٟ‬ترام فأ َ َّىن‬ ‫يستجاب لذلك » ‪.‬‬ ‫وقد حصل لؽٍت إسرائيل الشيء‬ ‫نفسه وسرقوا ذهب آل فرعون‬ ‫فانقلب عليهم ظلما ‪ ،‬وقال اهلل‬ ‫تعاىل عنهم ‪ُ { :‬ث َّم اٗتذتم العجل‬ ‫ِمن بع ِد ِه وأَنْتم َظا ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫َْ َ ُ ْ ُ َ‬

‫وعد اهلل ‪١‬توىس كما قال أهل العلم‬ ‫كان ثبلثُت ليلة ‪ . .‬إ٘تام الثبلثُت‬ ‫ليلة يؤتيه ما وعد ‪ . .‬وكلمة وعد‬ ‫هي اإلخبار بشيء سار ‪ .‬والوعيد‬ ‫هي اإلخبار بشيء سيئ ‪ . .‬فإذا‬ ‫أن ما سيجيء‬ ‫‪ٝ‬تعت وعدا فأعرف َّ‬ ‫بعدها خَت ‪ .‬وإذا ‪ٝ‬تعت وعيدا‬

‫تعرف أن ما بعدها شر ‪ ،‬إال آية‬ ‫واحدة وهي قوله سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ النار َوع َ َد َها اهلل الذين َك َف ُروا ْ}‬ ‫ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 72 :‬‬ ‫فهل الوعد هنا ٓتَت أو ا‪١‬تعىن‬ ‫اختلف؟ ‪ . .‬نقول ‪ :‬إن كانت النار‬ ‫موعودا فهي شر ‪ . .‬وإن كانت النار‬

‫هي ا‪١‬توعودة والكفار هم ا‪١‬توعود‬ ‫بهم فهي خَت للنار؛ ألن النار تفرح‬ ‫بتعذيب الكافرين من عباد اهلل ‪. .‬‬ ‫ونعرف هذا الفرح من قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ول ِ‪ٞ‬تَهَنَّ َم َه ِل امتؤلت‬ ‫{ ي َ ْو َم ن َ ُق ُ‬ ‫ول َه ْل ِمن َّم ِزي ٍد } ػ ق ‪] 30 :‬‬ ‫َوتَ ُق ُ‬ ‫وال يستزيد اإلنسان إال من شيء‬

‫٭تبه ‪ . .‬والنار ككل شيء مسخر‬ ‫مسبحة هلل تكره العصاة‪ . .‬ولكنها‬ ‫غَت مأمورة ْترقهم يف الدنيا ‪. .‬‬ ‫ولكن يف اآلخرة تكون سعيدة وهي‬ ‫ٖترق العصاة والكافرين ‪.‬‬

‫ك‬ ‫ُث َّم َع َف ْونَا َعن ْ ُك ْم ِم ْن بَعْ ِد ذَل ِ َ‬ ‫ون (‪)52‬‬ ‫لَعَل َّ ُ‬ ‫ك ْم تَ ْش ُك ُر َ‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل ٯتن عىل بٍت‬ ‫إسرائيل مرة أخرى ‪ . .‬مع أهنم‬ ‫ارتكبوا ذنبا من ذنوب القمة ‪. .‬‬ ‫ومع ذلك عفا اهلل عنهم ألنه يريد‬ ‫أن يسؾبقي عنصر ا‪٠‬تَت للناس ‪. .‬‬ ‫يريد أن يعلم خلقه أنه رب رحيم‬ ‫‪ .‬يفتح أبواب التوبة للواحد بعد‬

‫خبليالشر يف‬ ‫اآلخر ‪ . .‬لتمحو ا‬ ‫النفس البشرية ‪. .‬‬ ‫إن اإلنسان حُت يذنب ذنبا ينفلت‬ ‫من قضية اإلٯتان ‪ . .‬ولو لم تشرع‬ ‫التوبة والعفو من اهلل لزاد الناس يف‬ ‫معاصيهم وغرقوا فيها ‪ . .‬ألنه إذا‬ ‫لم تكن هناك توبة وكان الذنب‬

‫الواحد يؤدي إىل النار ‪ . .‬والعقاب‬ ‫سؼنال اإلنسان فإنه يتمادى يف‬ ‫ا‪١‬تعصية ‪ .‬وهذا ما ال يريده اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لعباده‪ . .‬ويف‬ ‫ا‪ٟ‬تديث الشريف ‪:‬‬ ‫« َ َّلل أفرح بت ِ‬ ‫وبة عب ِده ِمن أح ِدكم‬ ‫ُّ ُ‬ ‫سقَ َط عىل بعَته وقد أضلَّه يف ٍ‬ ‫أرض‬ ‫َ‬

‫فبل ٍة »‬ ‫معٌت ا‪ٟ‬تديث ‪ . .‬رجل معه بعَت‬ ‫٭تمل ماله وطعامه وشرابه وكل ما‬ ‫ٯتلكه ‪ .‬هذا البعَت تاه يف صحراء‬ ‫جرداء ‪ْ . .‬تث عنه صاحبه فلم‬ ‫‪٬‬تده ‪ . .‬لقد فقده وفقد معه كل‬ ‫مقومات حياته ‪ . .‬ثم ينظر فَتاه‬

‫أمامه ‪ . .‬كيف تكون فرحته؟ ‪. .‬‬ ‫طبعا ببل حدود ‪ .‬هكذا تكون فرحة‬ ‫اهلل تعاىل بتوبة عبده ا‪١‬تؤمن بل‬ ‫أشد من ذلك ‪.‬‬ ‫إن اهلل تبارك وتعاىل حُت يفتح‬ ‫باب التوبة ‪ .‬يريد ‪ٟ‬تركة العالم أن‬ ‫تسَت ‪ . .‬هب أن نفسا غفلت مرة ‪.‬‬

‫‪ .‬أو قادهتا شهوهتا مرة إىل معصية ‪.‬‬ ‫أو وسوس الشيطان ‪٢‬تا كما حدث‬ ‫مع آدم وحواء ‪ .‬لو لم تكن هناك‬ ‫توبة ومغفرة ‪ . .‬النقلب كل هؤالء‬ ‫إىل شياطُت ‪ . .‬بل إن أعمال ا‪٠‬تَت‬ ‫تأيت من الذين أسرفوا عىل أنفسهم‬ ‫‪ . .‬فهؤالء ٭تسنون كثَتا ويفعلون‬

‫ا‪٠‬تَت كثَتا ‪ . .‬مصداقا ًلقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫نب السؼئات‬ ‫{ إ َِّن ا‪ٟ‬تسنات يُ ْذه ْ َ‬ ‫ذلك ذكرى لِل َّذا ِكرِي َن } ػ هود ‪:‬‬ ‫‪] 114‬‬ ‫وقوله جل جبلله ‪ُ { :‬خ ْذ ِم ْن‬ ‫أ َ ْم َو ِا‪٢‬تِ ْم َص َدقَةً ُت َط ِّه ُر ُه ْم‬ ‫َو ُت َز ِ ّكي ِه ْم بِهَا } ػ التوبة ‪] 103 :‬‬

‫إذن فكون اهلل سبحانه وتعاىل يتوب‬ ‫عىل بٍت إسرائيل مع أهنم كفروا‬ ‫بالقمة يف عبادة العجل‪ . .‬فذلك‬ ‫ألن اهلل يريد اسؾبقاء ا‪٠‬تَت يف كونه‬ ‫‪ . .‬ولقد عبد بنو إسرائيل العجل‬ ‫قبل أن يزنل عليهم ا‪١‬تنهج وهو‬ ‫التوراة ‪ . .‬ولكن هل بعد أن أنزل‬

‫عليهم ا‪١‬تنهج والتوراة تابوا‬ ‫وأصلحوا أو استمروا يف معصؼتهم‬ ‫وعنادهم؟‬

‫آتا م َ ِ‬ ‫ان‬ ‫اب َوال ْ ُف ْرقَ َ‬ ‫َوإِذْ ي َْن َ ُ‬ ‫وىس الْكت َ َ‬ ‫ون (‪)53‬‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم هتَ ْت َ ُد َ‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يذكر بٍت‬ ‫إسرائيل هنا ‪ . .‬أنه بعد أن أراهم‬ ‫من ا‪١‬تعجزات الكثَت ‪ .‬و‪٧‬تاهم من‬ ‫آل فرعون وشق ‪٢‬تم البحر كان‬ ‫البد أن يؤمنوا إٯتانا حقيقيا ال‬ ‫يشوبه أي نوع من الًتدد ‪ . .‬ذلك‬ ‫ألنهم رأوا وشهدوا ‪ . .‬وكانت‬

‫شهادهتم عُت يقُت ‪ .‬أي شهدوا‬ ‫بأعؼنهم ماذا حدث ‪. .‬‬ ‫ولكن هل استطاعت هذه‬ ‫ا‪١‬تشاهدة أن ٘تحو من قلوبهم‬ ‫النفاق والكفر؟ ‪ . .‬ال ‪ . .‬لقد ظلوا‬ ‫معاندين طوال تارٮتهم ‪ .‬لم‬ ‫يأخذوا أي شيء بسهولة ‪. .‬‬

‫إن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫٭تذر أمته من أن يكونوا كؽٍت‬ ‫إسرائيل ويكونوا قوما شددوا‬ ‫فشدد اهلل عليهم ‪ . .‬وكان ذلك‬ ‫بالنسبة لقصة البقرة ‪ . .‬اليت أمروا‬ ‫أن يذْتوها ليعرفوا من القاتل يف‬ ‫جرٯتة قتل كادت تثَت حروبا‬

‫بؼنهم ‪ . .‬فأخذوا يسألون ما هي‬ ‫وما لوهنا إىل آخر ما سنتحدث عنه ‪.‬‬ ‫‪ .‬عندما نأيت إىل اآليات الكرٯتة‬ ‫ا‪٠‬تاصة بهذه الواقعة ‪ .‬فلو ذْتوا أي‬ ‫بقرة لكفتهم ‪ . .‬ألنه يكفي أن‬ ‫يقول ‪٢‬تم اهلل سبحانه وتعاىل إذْتوا‬ ‫بقرة فيذْتوا أي بقرة ‪ .‬وعدم‬

‫التحديد يكون أسهل عليهم ‪. .‬‬ ‫ولكنهم سألوا وظلوا يسألون‬ ‫فشدد عليهم ‪ . .‬بتحديد بقرة‬ ‫معؼنة بذاهتا‪ . .‬ولذلك يقول‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم «‬ ‫هلك من‬ ‫ذَ ُروين ما تَ َركْ ُت ُك ْم فإ‪٪‬تا َ‬ ‫قبلِ ُكم بكثر ِة س ِ‬ ‫ؤا‪٢‬تِ ْم واختبلفِ ِه ْم‬

‫عىل ِ‬ ‫أنؽيائ ِهم فإذا أمر ُتكم بشيء‬ ‫فأتوا منه ما استطعتم وإذا َهنَؼ ْ ُت ُكم‬ ‫عن شيء فد ُعوه » ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يف قوله ‪َ { :‬وإِذْ‬ ‫وىس الكتاب والفرقان} ‪.‬‬ ‫آتَؼْنَا ُم َ‬ ‫كأن إتيان موىس الكتاب والفرقان‬ ‫‪ . .‬نعمة ‪٬‬تب أن يذكرها قومه ‪. .‬‬

‫وأن يستقبلوا منهج اهلل عىل أنه‬ ‫نعمة ‪ . .‬فبل يأخذ اإلنسان‬ ‫التكليف اإل‪٢‬تي من زاوية ما يقيد‬ ‫حركته وال ما يعطيه له ‪ . .‬ذلك أن‬ ‫اهلل حُت حرم عليك السرقة ‪. .‬‬ ‫حرم عىل الناس ‪ٚ‬تيعا أن يسرقوك‬ ‫‪ . .‬فإذا أخذ منك حريتك أن‬

‫تسرق ‪ . .‬فقد أخذ من الناس كل‬ ‫الناس حريتهم أن يسرقوا مالك ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهذه ‪ٛ‬تاية كبَتة لك ‪.‬‬ ‫ما هو الكتاب ‪ . .‬وما هو الفرقان؟ ‪.‬‬ ‫‪ .‬الكتاب هو التوراة ‪ . .‬هو الذي‬ ‫يبُت ا‪١‬تنهج ‪ . .‬والفرقان هو األشياء‬ ‫اليت يفرق اهلل فيها بُت ا‪ٟ‬تق‬

‫والباطل ‪ . .‬فكأن الفرقان تطلق‬ ‫مرة عىل التوراة ‪ . .‬ألهنا تفرق بُت‬ ‫ا‪ٟ‬تق والباطل ‪ .‬وتطلق أيضا عىل كل‬ ‫ما يفرق بُت ا‪ٟ‬تق والباطل ‪. .‬‬ ‫ولذلك ‪ٝ‬تي يوم بدر يوم الفرقان‬ ‫‪ . .‬ألنه فرق بُت ا‪ٟ‬تق والباطل ‪. .‬‬

‫فكأن منهج اهلل وكتابه يبُت لنا أين‬ ‫ا‪ٟ‬تق وأين الباطل ويفرق بؼنهما ‪.‬‬

‫وىس لِقَ ْو ِم ِه يَا قَ ْو ِم إِن َّ ُك ْم‬ ‫َوإِذْقَ َ‬ ‫ال ُم َ‬ ‫َظل َ ْم ُت ْم أَن ْ ُف َس ُك ْم بِ ِّاٗتَا ِذ ُك ُم الْعِ ْج َل‬ ‫فَ ُتو ُبوا إ َِىل بَا ِر ِئ ُك ْم فَاقْ ُتلُوا أَن ْ ُف َس ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب‬ ‫ذَل ُك ْم َخ َْتٌ ل َ ُك ْم عن ْ َد بَا ِرئ ُك ْم فَت َ َ‬

‫عَلَي ُكم إِن ّ َُه ُهو التّ ََو ل ِ‬ ‫يم‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ّ ُ‬ ‫اب ا َّرح ُ‬ ‫(‪)54‬‬ ‫يذكّر اهلل تبارك وتعاىل بٍت‬ ‫إسرائيل بقصة عبادة العجل ‪.‬‬ ‫وهي قصة ‪٥‬تالفة خطَتة ‪١‬تنهج اهلل‬ ‫و‪٥‬تالفة يف القمة ‪ . .‬عبادة اهلل‬ ‫وحده ‪ .‬والذي حدث أن موىس‬

‫عليه السبلم ذهب ‪١‬تيقات اهلل ومعه‬ ‫نقباء قومه لؼتلىق ا‪١‬تنهج والتوراة ‪. .‬‬ ‫وأخربه اهلل سبحانه وتعاىل أن قومه‬ ‫قد ضلوا وعبدوا غَت اهلل ‪ . .‬وعاد‬ ‫موىس وهو يف قمة الغضب ‪.‬‬ ‫وأمسك بأخيه هارون ‪٬‬تره من‬ ‫رأسه و‪ٟ‬تؼته ‪ . .‬ويقول له لقد‬

‫اخلفتك عليهم لكيبل يضلوا ‪،‬‬ ‫ال‬ ‫فقال هارون عليه السبلم ‪ { :‬قَ َ‬ ‫يَؽْن َ ُؤ َّم ال َتَأ ْ ُخ ْذ بِلِ ْحؼ َ ِيت َوال َبِ َرأ ْ ِسي إ ِِّين‬ ‫ِ‬ ‫ُت بٍت‬ ‫يت أَن تَ ُق َ‬ ‫ول فَ َّرقْ َت ب َ َْ‬ ‫َخش ُ‬ ‫إِسر ِ‬ ‫ت‬ ‫ب قَ ْو ِيل } ػ طه ‪:‬‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫يل‬ ‫آئ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫‪] 94‬‬ ‫فؾنة عبادة العجل حدثت بسبب‬

‫السامري ‪ . .‬والسامري ا‪ٝ‬ته‬ ‫موىس السامري ولدته أمه يف‬ ‫الصحراء وماتت فكفله جربيل‬ ‫ورباه ‪ . .‬وكان جربيل عليه السبلم‬ ‫يأتيه عىل حصان ‪ . .‬٭تمل له ما‬ ‫٭تتاج إليه من طعام وشراب ‪ ،‬وكان‬ ‫موىس السامري يرى حصان‬

‫جبريل ‪ ،‬كلما مىش عىل األرض وقع‬ ‫منه تراب فتخضر وتنبت األرض‬ ‫بعد هذا الًتاب ‪ .‬وأيقن أن يف‬ ‫حافر ا‪ٟ‬تصان س ّرا ً‪ . .‬فأخذ قبضة‬ ‫من أثر ا‪ٟ‬تصان ووضعها يف العجل‬ ‫ا‪١‬تصنوع من الذهب ‪ .‬فأخذ ٭تدث‬ ‫خوارا كأنه حي ‪. .‬‬

‫وال تتعجب من أن صاحب الفؾنة‬ ‫‪٬‬تد معونة من األسباب حىت يفنت‬ ‫بها الناس ‪ . .‬ألن اهلل تبارك وتعاىل‬ ‫يريد أن ٯتتحن خلقه ‪ .‬والذي‬ ‫٭تمل دعوة ا‪ٟ‬تق البد أن يهؼئه اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل هتؼئة خاصة ‪.‬‬ ‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬

‫قبل أن ينتقل إىل ا‪١‬تدينة ‪. .‬‬ ‫تعرض هو وا‪١‬تسلمون البتبلءات‬ ‫كثَتة ‪ . .‬ولقد جاء حدث اإلسراء‬ ‫وا‪١‬تعراج لرسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم بعد أن ٗتلت عنه أسباب‬ ‫الدنيا يف مكة وذهب إىل الطائف‬ ‫يدعو أهلها فسلطوا عليه غلماهنم‬

‫وسفهاءهم فقذفوه با‪ٟ‬تجارة حىت‬ ‫أدموا قدميه الشريفتُت ‪ . .‬ورفع‬ ‫يديه إىل السماء بالدعاء ا‪١‬تأثور ‪:‬‬ ‫« اللهم إليك أشكو ضعف قويت‬ ‫وقلة حيليت وهواين عىل الناس » ‪.‬‬ ‫ولؼس هذا عىل الرسول وحده بل‬ ‫وا‪١‬تؤمنُت معه ‪ . .‬حىت أن مصعب‬

‫بن عمَت فىت قريش ا‪١‬تدلل ‪. .‬‬ ‫الذي كان عنده من ا‪١‬تبلبس‬ ‫واألموال والعؽيد ما ال يعد وال ٭تىص‬ ‫رئي بعد إسبلمه وهو يرتدي جلد‬ ‫‪ٛ‬تار وذلك حىت ٮتؾرب ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يف قلب مصعب بن عمَت‬ ‫حبه لئلٯتان ‪ . .‬هل ٭تب الدنيا‬

‫أكثر أو ٭تب اهلل ورسوله أكثر ‪. .‬‬ ‫حىت أن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ .‬كان يقول للصحابة‬ ‫انظروا كيف فعل اإلٯتان‬ ‫بصاحبكم ‪.‬‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل البد أن ٯتحص‬ ‫وٮتؾرب أولئك الذين سيحملون‬

‫دعوته إىل الدنيا كلها ‪ . .‬البد أن‬ ‫يكونوا صابرين عىل الببلء ‪ .‬أقوياء‬ ‫أمام خصوم الدعوة ‪ . .‬مستعدين‬ ‫لتحمل األعباء واآلالم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألن هذا هو دليل الصدق يف‬ ‫اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫ولذلك ٕتد كل دعوة ضبلل تأيت‬

‫بالفائدة ألصحابها ‪ . .‬دعوة‬ ‫الشيوعية يستفيد منها أعضاء‬ ‫اللجنة ا‪١‬تركزية ‪ . .‬أما الشعب‬ ‫فإنه يرتدي مبلبس رخيصة ‪. .‬‬ ‫ويسكن يف بيوت ضيقة ‪ .‬أما‬ ‫السادة الذين ينفقون ببل حساب‬ ‫فهم أعضاء اللجنة ا‪١‬تركزية ‪. .‬‬

‫هذه دعوة الباطل ‪ . .‬وعكس ذلك‬ ‫دعوة ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬صاحب الدعوة هو‬ ‫الذي يدفع أوال ويضحي أوال ‪ .‬ال‬ ‫ينتفع ٔتا يقول بل عىل العكس‬ ‫يضحي يف سؽيل ما يقول ‪ . .‬إذن‬ ‫الباطل يأيت با‪٠‬تَت لصاحب الدعوة‬ ‫‪ .‬فإذا رأيت دعوة تغدق عىل أتباعها‬

‫فأعلم أهنا دعوة باطل ‪ . .‬لوال أهنا‬ ‫أعطت بسخاء ما تبعها أحد ‪.‬‬ ‫واآلية الكرٯتة اليت ‪٨‬تن بصددها‬ ‫هي تقريع من موىس عليه السبلم‬ ‫لقومه ‪ . .‬الذين ‪٧‬تاهم اهلل من آل‬ ‫فرعون وأهلك عدوهم فاٗتذوا‬ ‫العجل إ‪٢‬تا ‪ . .‬ومىت حدث ذلك؟ يف‬

‫الوقت الذي كان موىس فيه دق‬ ‫ذهب ‪١‬تيقات ربه ليأيت با‪١‬تنهج ‪. .‬‬ ‫والذين اٗتذوا العجل إ‪٢‬تا ‪ . .‬هل‬ ‫ظلموا اهلل سبحانه وتعاىل أو ظلموا‬ ‫أنفسهم؟ ‪ . .‬ظلموا أنفسهم‬ ‫ألهنم أوردوها مورد التهلكة دون‬ ‫أن يستفيدوا شؼئا ‪ . .‬والظالم عىل‬

‫أنواع ‪ . .‬ظالم يف شيء أعىل أي يف‬ ‫القمة ‪ . .‬وظالم يف مطلوب القمة‬ ‫‪ . .‬الظالم يف القمة هو الذي ‪٬‬تعل‬ ‫اهلل شريكا ولذلك قال اهلل تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫يم} ػ‬ ‫إ َِّن الشرك ل َ ُظل ْ ٌم َعظ ٌ‬ ‫لقمان ‪] 13 :‬‬ ‫وعبلقة الشرك بالظلم أنك جئت‬

‫ٔتن لم ٮتلق ومن لم يرزق شريكا‬ ‫‪١‬تن خلق ورزق ‪ . .‬وذلك الذي‬ ‫جعلته إ‪٢‬تا كيف يعبد؟ ‪ . .‬العبادة‬ ‫طاعة العابد للمعبود‪ . .‬فماذا قال‬ ‫لكم هذا العجل الذي عبد٘توه من‬ ‫دون اهلل أن تفعلوا ‪ . .‬لذلك فأنتم‬ ‫ظا‪١‬تون ظلم القمة ‪ . .‬والظلم‬

‫اآلخر هو الظلم فيما شرعت‬ ‫القمة ‪ . .‬بأن أخذتم حقوق الناس‬ ‫واسؾبحتموها‪ . .‬يف كلتا ا‪ٟ‬تالتُت ال‬ ‫يقع الظلم عىل اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫ولكن عىل نفسك ‪١ .‬تاذا؟ ‪ . .‬ألنك‬ ‫آمنت باهلل أو لم تؤمن ‪ .‬سيظل هو‬ ‫اهلل القوي القادر العزيز ‪ .‬لن‬

‫ص إِٯتانك أو عدم إٯتانك من‬ ‫يُنْق َ‬ ‫ملكه شؼئا ‪ .‬ثم تأيت يوم القيامة‬ ‫فيعذبك ‪ .‬فكأن الظلم وقع عليك ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإذا أخذت حقوق الناس فقد‬ ‫تتمتع بها أياما أو أسابيع أو سنوات‬ ‫ثم ٘توت وتًتكها وتأخذ العذاب ‪.‬‬ ‫فكأنك ظلمت نفسك ولم تأخذ‬

‫شؼئا ‪ . .‬لذلك يقول ا‪ٟ‬تق جل‬ ‫جبلله ‪َ { :‬و َما َظل َ ُمونَا ولكن كانوا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫أن ْ ُف َس ُه ْم ي َ ْظل ُم َ‬ ‫‪] 57‬‬ ‫وظلم الناس يعود عىل أنفسهم ‪. .‬‬ ‫ألنه ال أحد من خلق اهلل يستطيع أن‬ ‫يظلم اهلل سبحانه وتعاىل‪ . .‬وقوله‬

‫سبحانه { فتوبوا إىل بَا ِر ِئ ُك ْم } ‪. .‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل قال يف اآلية‬ ‫السابقة « عفونا عنكم » ثم‬ ‫يقول هذه اآلية { فتوبوا إىل‬ ‫بَا ِر ِئ ُك ْم } ‪ . .‬ألن التوبة هي أصل‬ ‫ا‪١‬تغفرة ‪ .‬أنت تتوب عن فعلك‬

‫للذنب وتعتزم أال تعود ‪١‬تثله أبدا‬ ‫ويقبل اهلل توبتك ويعفو عنك ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وقد كان من ا‪١‬تمكن أن يأخذهم‬ ‫اهلل بهذا الذنب ويهلكهم كما‬ ‫حدث بالنسبة لؤلمم السابقة‪. .‬‬ ‫أما وقد شرع اهلل ‪٢‬تم أن يتوبوا ‪.‬‬

‫فهذا فضل من اهلل وعفو ‪ . .‬ثم‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫فاقتلوا أ َ ُنف َس ُك ْم } ‪ . .‬فانظروا إىل‬ ‫دقة التكليف ودقة ا‪ٟ‬تيؿية يف قوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬فتوبوا إىل بَا ِر ِئ ُك ْم فاقتلوا‬ ‫أ َ ُنف َس ُك ْم } اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول ‪٢‬تم ‪ . .‬أنا لم أغلب عليكم‬

‫خالقا خلقكم أو آخذكم منه ‪. .‬‬ ‫ولكن أنا الذي خلقتكم ‪ .‬ولكن‬ ‫ا‪٠‬تالق شيء والبارئ شيء آخر ‪. .‬‬ ‫خلق أي أوجد الشيء من عدم ‪. .‬‬ ‫والبارئ أي َس َّو ُاه عىل هؼئة‬ ‫مستقيمة وعىل أحسن تقويم ‪. .‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪:‬‬

‫{ الذي َخل َ َق فسوى * والذي قَ ّد ََر‬ ‫فهدى } ػ األعىل ‪] 3-2 :‬‬ ‫ومن هنا نعرف أن ا‪٠‬تلق شيء‬ ‫والؾسوية شيء آخر ‪ . .‬بارئكم‬ ‫مأخوذة من برئ السهم ‪ . .‬وبرئ‬ ‫السهم ٭تتاج إىل دقة وبراعة ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فاقتلوا أ َ ُنف َس ُك ْم }‬

‫ألن الذي خلقك وسواك كفرت‬ ‫به وعبدت سواه ‪ .‬فكأنك يف هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تالة البد أن تعيد له ا‪ٟ‬تياة اليت‬ ‫وهبها لك ‪ . .‬وعندما نزل حكم‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل‪ . .‬جعل موىس‬ ‫بٍت إسرائيل يقفون صفوفا ‪ .‬وقال‬ ‫‪٢‬تم أن الذي لم يعبد العجل يقتل‬

‫من عبده ‪ . .‬ولكنهم حُت وقفوا‬ ‫للؾنفيذ ‪ .‬كان الواحد منهم ‪٬‬تد ابن‬ ‫عمه وأخاه وذوي ر‪ٛ‬ته أمامه‬ ‫فيشق عليه الؾنفيذ ‪ . .‬فر‪ٛ‬تهم اهلل‬ ‫بأن بعث ضبابا يسًتهم حىت ال‬ ‫‪٬‬تدوا مشقة يف تنفيذ القتل ‪. .‬‬ ‫وقيل أهنم قتلوا من أنفسهم‬

‫سبعُت ألفا ‪.‬‬ ‫وعندما حدث ذلك أستصرخ موىس‬ ‫وهارون ربهم ‪ . .‬وقاال البكية‬ ‫البكية ‪ .‬أي أبكوا عىس أن يعفو‬ ‫اهلل عنهم ‪ .‬ووقفوا يبكون أمام‬ ‫حائط ا‪١‬تبىك فر‪ٛ‬تهم اهلل ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فاقتلوا أ َ ُنف َس ُك ْم }‬

‫ألن هذه األنفس بشهوهتا‬ ‫وعصياهنا ‪ . .‬هي اليت جعلتهم‬ ‫يتمردون عىل ا‪١‬تنهج ‪. .‬‬ ‫إن التشريع هنا بالقتل هو كفارة‬ ‫الذنب ‪ .‬ألن الذي عبد العجل‬ ‫واٗتذ إ‪٢‬تا آخر غَت اهلل ‪ .‬كونه‬ ‫يقدم نفسه ليقتل فهذا اعًتاف‬

‫منه بأن العجل الذي كان يعبده‬ ‫باطل ‪ . .‬وهو بذلك يعيد نفسه‬ ‫اليت ٘تردت عىل منهج اهلل إىل العبادة‬ ‫الصحيحة ‪ . .‬وهذا أقىس أنواع‬ ‫الكفارة ‪ . .‬وهو أن يقتل نفسه‬ ‫إثباتا إلٯتانه ‪ . .‬بأنه ال إله إال اهلل‬ ‫وندما عىل ما فعل وإعبلنا لذلك ‪. .‬‬

‫فكأن القتل هنا شهادة صادقة للعودة‬ ‫إىل اإلٯتان ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل { ذلكم َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم ِعن ْ َد‬ ‫بَا ِر ِئ ُك ْم } ‪ . .‬أي أن هذه التوبة‬ ‫هي أصدق أنواع التوبة ‪ . .‬وهي‬ ‫خَت ألهنا تنجيكم من عذاب‬ ‫اب‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬وقوله سبحانه { فَت َ َ‬

‫عَلَي ْ ُك ْم إِن ّ َُه ُه َو التواب الرحيم } ‪.‬‬ ‫التوبة األوىل أنه شرع لكم الكفارة‬ ‫‪ . .‬والتوبة الثانية عندما تقبل‬ ‫منكم توبتكم ‪ . .‬وعفا عنكم‬ ‫عفوا أبديا ‪.‬‬

‫ك َح َّىت‬ ‫وىس ل َ ْن ن ُ ْؤ ِم َن ل َ َ‬ ‫َوإِذْ ُقل ْ ُت ْم يَا ُم َ‬ ‫اّللَ َجهْ َرة ًفَأ َ َخ َذتْ ُك ُم‬ ‫ن َ َرى َّ‬ ‫َّ ِ َ‬ ‫ون (‪)55‬‬ ‫الصاعقَ ُة َوأن ْ ُت ْم تَن ْ ُظ ُر َ‬ ‫بعد أن تاب اهلل عىل قوم موىس بعد‬ ‫عبادهتم للعجل ‪ . .‬عادوا مرة‬ ‫أخرى إىل عنادهم وماديتهم ‪ .‬فهم‬ ‫كانوا يريدون إ‪٢‬تا ماديا ‪ . .‬إ‪٢‬تا‬

‫يرونه ولكن اإلله من عظمته أنه‬ ‫غيب ال تدركه األبصار ‪ . .‬واقرأ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬ال َّ ُت ْد ِر ُك ُه األبصار‬ ‫َو ُه َو يُ ْد ِر ُك األبصار َو ُه َو اللطيف‬ ‫ا‪٠‬تبَت } ػ األنعام ‪] 103 :‬‬ ‫سبحان وتعاىل فوق‬ ‫ه‬ ‫فكون اهلل‬ ‫إدراك البشر ‪ . .‬هذا من عظمته‬

‫جل جبلله ‪ . .‬ولكن اليهود الذين‬ ‫ال يؤمنون إال بالشيء ا‪١‬تادي ا‪١‬تحس‬ ‫‪ . .‬ال تؾسع عقو‪٢‬تم وال قلوبهم إىل‬ ‫أن اهلل سبحانه وتعاىل فوق ا‪١‬تادة‬ ‫وفوق األبصار ‪ . .‬وهذه النظرة‬ ‫ا‪١‬تادية نظرة ‪ٛ‬تقاء ‪ . .‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل قد لفؾنا إىل قضية رؤيته‬

‫جهرا يف الدنيا ‪ . .‬بقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ويف أ ُنف ِس ُك ْم أفَبل َ ُتبْص ُر َ‬ ‫الذاريات ‪] 21 :‬‬ ‫أي أن اهلل جل جبلله وضع دليل‬ ‫القمة عىل وجود اهلل الذي ال تدركه‬ ‫األبصار ‪ .‬وضع هذا الدليل يف‬ ‫نفس كل واحد منا ‪ .‬وهي الروح‬

‫ا‪١‬توجودة يف ا‪ٞ‬تسد ‪ . .‬واإلنسان‬ ‫م لخوق من مادة نفخت فيها الروح‬ ‫فدبت فيها ا‪ٟ‬تياة وا‪ٟ‬تركة وا‪ٟ‬تس ‪.‬‬ ‫‪ .‬إذن كل ما يف جسدك من حياة ‪. .‬‬ ‫لؼس راجعا إىل ا‪١‬تادة اليت تراها‬ ‫أمامك ‪ . .‬وإ‪٪‬تا يرجع إىل الروح‬ ‫اليت ال تستطيع أن تدركها إال‬

‫بآثارها ‪ . .‬فإذا خرجت الروح‬ ‫ذهبت ا‪ٟ‬تياة وأصبح ا‪ٞ‬تسد رمة ‪.‬‬ ‫إذا كانت هذه الروح اليت يف‬ ‫جسدك ‪ . .‬واليت تعطيك ا‪ٟ‬تياة ال‬ ‫تستطيع أن تدركها مع أهنا موجودة‬ ‫داخلك ‪ . .‬فكيف تريد أن تدرك‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬كان ‪٬‬تب أوال‬

‫أن تسأل اهلل أن ‪٬‬تعلك تدرك‬ ‫الروح اليت يف جسدك ‪ . .‬ولكن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل قال إهنا من أمر اهلل ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫‪ .‬واقرأ جل جبلله ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫َع ِن الروح ُق ِل الروح ِم ْن أ َ ْم ِر َر ِ ّيب‬ ‫َو َمآ أُوتِ ُؼتم ِّم َن العلم إِال َّقَلِيبل ً} ػ‬ ‫اإلسراء ‪] 85 :‬‬

‫إذا كانت هذه الروح هي ‪٥‬تلوقة هلل‬ ‫ال تدركها ‪ . .‬فكيف تطمع أن‬ ‫ترى خالقها ‪ . .‬وانظر إىل دقة‬ ‫األداء القرآين يف قوله سبحانه ‪{ .‬‬ ‫حىت ن َ َرى اهلل َجهْ َرة ً} ‪ . .‬فكلمة‬ ‫نرى تطلق ويراد بها العلم ‪ .‬مثبل ‪:‬‬ ‫{ أ َ َرأَي ْ َت َم ِن اٗتذ إ‪٢‬ته َه َو ُاه } ػ‬

‫الفرقان ‪] 43 :‬‬ ‫أي أعلمت ‪ . .‬ولكن جاءت كلمة‬ ‫جهرة لؾنفي العلم فقط وتطالب‬ ‫بالرؤية ‪٣‬تهورة واضحة يدركوهنا‬ ‫ْتواسهم ‪ .‬وهذا دليل عىل أهنم‬ ‫متمسكون با‪١‬تادية اليت ه ي قوام‬ ‫حياهتم ‪ . .‬نقول ‪٢‬تؤالء إن سؤالكم‬

‫يؾسم بالغباء‪ . .‬فأنتم حُت‬ ‫تطلبون أن تروا اهلل جهرة ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تفروض أن اهلل تبارك وتعاىل له‬ ‫مدلول عندكم ‪ . .‬ولذلك تطلبون‬ ‫رؤيته لتقارنوا ا‪١‬تدلول عىل ا‪١‬توجود‬ ‫‪ . .‬ذلك لو كانت القضية أصبل أن‬ ‫تعرفوا أن اهلل موجود أو غَت موجود‬

‫‪ . .‬والذي شجعهم عىل أن يقولوا ما‬ ‫قالوا ‪ . .‬طلب موىس عليه السبلم‬ ‫من اهلل سبحانه وتعاىل أن يراه ‪.‬‬ ‫ال َر ِ ّب أرين‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫ال لَن تَ َر ِاين ولكن‬ ‫أ َ ُنظ ْر إِلَي ْ َ‬ ‫ك قَ َ‬ ‫ان ْ ُظ ْر إ َِىل ا‪ٞ‬تَْب َ ِل فَإ ِِن ا ْستَقَ َّر َمكَان َ ُه‬ ‫فَ َس ْو َف تَ َر ِاين فَل َ َّما تجىل َربُّ ُه لِل ْ َجب َ ِل‬

‫َجعَل َ ُه دَكّا ً َو َخ َّر موىس َصعِقا ً} ػ‬ ‫األعراف ‪] 143 :‬‬ ‫والبد أن نعرف أن قضية رؤية اهلل‬ ‫يف الدنيا ‪٤‬تسوسة ‪ . .‬وأنه ال سؽيل‬ ‫إىل ذلك واإلنسان يف جسده‬ ‫البشري ‪ . .‬ألن هذا ا‪ٞ‬تسد له‬ ‫قوانُت يف ادراكاته ‪ . .‬ولكن يوم‬

‫القيامة نكون خلقا بقوانُت ٗتتلف‬ ‫‪ . .‬ففي الدنيا البد أن ٗترج‬ ‫‪٥‬تلفات الطعام من أجسادنا ‪ .‬ويف‬ ‫اآلخرة ال ‪٥‬تلفات ‪ .‬ويف الدنيا‬ ‫٭تكمنا الزمن ‪ . .‬ويف اآلخرة ال‬ ‫زمن ‪ .‬إذ يظل اإلنسان شبابا دائما‬ ‫‪ . .‬إذن فهناك تغيَت ‪. .‬‬

‫ا‪١‬تقايؼس هنا غَت ا‪١‬تقايؼس يوم‬ ‫القيامة يف الدنيا بإعدادك‬ ‫وجسدك ال ٯتكن أن ترى اهلل ‪.‬‬ ‫ويف اآلخرة يسمح إعدادك‬ ‫وجسدك بأن يتجىل عليك اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬وهذا قمة النعيم‬ ‫يف اآلخرة ‪ .‬أنت اآلن تعؼش يف أثار‬

‫قدرة اهلل ‪ . .‬ويف اآلخرة تعؼش‬ ‫عيشة الناظر إىل اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫‪ .‬ويف ذلك يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪:‬‬ ‫{ ُو ُجو ٌه ي َ ْو َمئِ ٍذ ن َّا ِض َر ٌة * إىل َر ِبّهَا‬ ‫نَا ِظ َرةٌ } ػ القيامة ‪] 23-22 :‬‬ ‫واإلنسان يف الدنيا قد اخًتع آالت‬ ‫مكنته من أن يرى ما ال يراه بعؼنه‬

‫ا‪١‬تجردة يرى األشياء الدقيقة‬ ‫بواسطة ا‪١‬تيكرسكوب ‪ .‬واألشياء‬ ‫البعيدة بواسطة التلسكوب ‪ . .‬فإذا‬ ‫كان عمل اإلنسان يف الدنيا جعله‬ ‫يبصر ما لم يكن يبصره ‪ . .‬فما‬ ‫بالك بقدرة اهلل يف اآلخرة‪ . .‬وإذا‬ ‫كان اإلنسان عندما يضعف نظره ‪.‬‬

‫يطلب منه الطؽيب استعمال‬ ‫نظارة ‪ . .‬فإذا ذهب إىل طؽيب أمهر‬ ‫‪ . .‬أجرى له عملية جراحية يف‬ ‫عؼنه يستغٍت بها عن النظارة ويرى‬ ‫بدوهنا ‪ . .‬فما بالكم بإعداد ا‪ٟ‬تق‬ ‫للخلق وبقدرة اهلل اليت ال حدود ‪٢‬تا‬ ‫يف أن يعيد خلق العُت ْتيث‬

‫تستطيع أن تتمتع بوجهه الكريم ‪.‬‬ ‫ولقد حسم اهلل تبارك وتعاىل‬ ‫ا‪١‬تسألة مع موىس عليه السبلم بأن‬ ‫أراه العجز البشري‪ . .‬ألن ا‪ٞ‬تبل‬ ‫بقوته وجربوته لم يستطع احتمال‬ ‫نور اهلل فجعله دكا ‪ . .‬وكأن اهلل‬ ‫يريد أن يفهم موىس ‪ . .‬أن اهلل‬

‫تبارك وتعاىلحجب عنه رؤيته‬ ‫ر‪ٛ‬تة منه ‪ .‬ألنه إذا كان هذا قد‬ ‫حدث للجبل فماذا كان ٯتكن أن‬ ‫٭تدث بالنسبة ‪١‬توىس ‪ .‬إذا كان‬ ‫موىس قد صعق برؤية ا‪١‬تتج َّىل عليه ‪.‬‬ ‫‪ .‬فكيف لو رأى ا‪١‬تتجلِ ّي؟ ‪. .‬‬ ‫واإلنسان حُت يعجز عن إدراك‬

‫شيء يف الدنيا ألنه ‪٥‬تلوق بهذه‬ ‫اإلمكانات يكون العجز عن‬ ‫اإلدراك إدراكا ألن العجز عن‬ ‫اإلدراك هو يف عظمة اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ . .‬وقوم موىس حؼنما طلبوا‬ ‫منه أن يروا اهلل جهرة أخذهتم‬ ‫الصاعقة وهم ينظرون ‪ . .‬عندما‬

‫اجًتأوا هذا االجًتاء عىل اهلل‬ ‫أخذهتم الصاعقة ‪ . .‬والصاعقة‬ ‫إما نار تأيت وإما عذاب يزنل ‪. .‬‬ ‫ا‪١‬تهم أنه ببلء يعمهم ‪. .‬‬ ‫والصاعقة قد أصابت موىس ‪.‬‬

‫ُث َّم بَعَؿْنَا ُك ْم ِم ْن بَعْ ِد َم ْوتِ ُك ْم لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ون (‪)56‬‬ ‫تَ ْش ُك ُر َ‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يكمل لنا‬ ‫قصة الذين قالوا { أ َ ِرنَا اهلل َجهْ َرة ً‬ ‫فَأ َ َخ َذهتْ ُ ُم الصاعقة } ‪ .‬موىس عليه‬ ‫السبلم أصيب بالصاعقة أيضا‪. .‬‬ ‫عندما طلب أن ينظر إىل اهلل ‪.‬‬ ‫ولكن هناك فرق بُت ا‪ٟ‬تالتُت‪. .‬‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل يقول ‪َ { :‬و َخ َّر‬

‫ال‬ ‫موىس َصعِقا ًفَل َ َّمآ أَفَ َ‬ ‫اق قَ َ‬ ‫ك َوأَنَا ْأ َ َّو ُل‬ ‫ك ُتب ْ ُت إِلَي ْ َ‬ ‫ُسب ْ َحان َ َ‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت } ػ األعراف ‪] 143 :‬‬ ‫ولكن األمر لم يكن كذلك مع قوم‬ ‫موىس ‪ .‬فمع موىس قال اهلل سبحانه‬ ‫اق } أي أن‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬فَل َ َّمآ أَفَ َ‬ ‫الصاعقة أصابته بنوع من اإلغماء‬

‫‪ . .‬ولكن مع قوم موىس ‪ .‬قال ‪{ :‬‬ ‫ُث َّم بَعَؿْنَا ُكم ِّمن بَعْ ِد َم ْوتِ ُك ْم } ‪. .‬‬ ‫فكأن قوم موىس ماتوا فعبل من‬ ‫الصاعقة ‪ . .‬فموىس أفاق من تلقاء‬ ‫نفسه ‪ . .‬أما أولئك الذين‬ ‫أصابتهم الصاعقة من قومه‪. .‬‬

‫فقد ماتوا ثم بعثوا لعلهم‬ ‫يشكرون ‪.‬‬

‫ام َوأَن ْ َزلْنَا‬ ‫َو َظلَّلْنَا عَلَي ْ ُك ُم الْغ َ َم َ‬ ‫لسل ْ َوى كُلُوا ِم ْن‬ ‫عَلَي ْ ُك ُم ا ْ‪١‬ت َ َّن َوا َّ‬ ‫َط ِؼّب ِ‬ ‫ات َما َرزَقْنَا ُك ْم َو َما َظل َ ُمونَا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫َولَك ْن كَانُوا أن ْ ُف َس ُه ْم ي َ ْظل ُم َ‬ ‫(‪)57‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعاىل يريد أن ٯتنت‬ ‫عىل بٍت إسرائيل بنعمه ومعجزاته‬ ‫‪ . .‬ويرينا أنه برغم كل هذه النعم‬ ‫عاش بنو إسرائيل يف عنادهم‬ ‫وتعنتهم ‪ ،‬بعد أن طلب بنو‬ ‫إسرائيل أن يروا اهلل جهرة‬ ‫فقتلتهم الصاعقة ‪ . .‬ثم بعثهم‬

‫اهلل تبارك وتعاىل لعلهم يشكرون‬ ‫‪ . .‬ذكر لنا ا‪ٟ‬تق جل جبلله نعما‬ ‫أخرى من نعمه عىل بٍت إسرائيل ‪.‬‬ ‫‪ .‬وقال اذكروا إذ كنتم يف الصحراء‬ ‫ولؼس فيها ظل ٖتتمون به من‬ ‫حرارة الشمس القاسية ‪ . .‬ولؼس‬ ‫فيها مكان تستظلون فيه ‪ ،‬ألنه ال‬

‫ماء وال نبات يف الصحراء‪ . .‬فظلل‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل عليكم بالغمام‬ ‫‪ . .‬أي جاء الغمام ر‪ٛ‬تة من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ثم بعد ذلك جاء‬ ‫ا‪١‬تن والسلوى ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تن نقط ‪ٛ‬تراء تتجمع عىل أوراق‬ ‫الشجر بُت الفجر وطلوع الشمس‬

‫‪ . .‬وهي موجودة حىت اآلن يف العراق‬ ‫‪ . .‬ويف الصباح الباكر يأيت الناس‬ ‫با‪١‬تبلءات الؽيضاء ويفرشوهنا ٖتت‬ ‫الشجر ‪ . .‬ثم يهزون الشجر‬ ‫بعنف فؾسقط القطرات ا‪١‬توجودة‬ ‫عىل ورق الشجر فوق ا‪١‬تبلءات ‪. .‬‬ ‫ف‪٬‬تمعوهنا وتصبح من أشىه أنواع‬

‫ا‪ٟ‬تلويات ‪ .‬فيها طعم القشدة‬ ‫وحبلوة عسل النحل ‪ . .‬وهي نوع‬ ‫من ا‪ٟ‬تلوى اللذيذة ا‪١‬تغذية سهلة‬ ‫ا‪٢‬تضم سريعة االمتصاص يف‬ ‫ا‪ٞ‬تسم ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل جعله‬ ‫بالنسبة ‪٢‬تم وقود حياهتم ‪ . .‬وهم‬ ‫يف الصحراء يعطيهم الطاقة ‪ .‬أما‬

‫السلوى فهي طَت من ال‪ٝ‬تاء‬ ‫ويقال أنه السمان ‪ . .‬يأتيهم يف‬ ‫‪ٚ‬تاعات كبَتة ال يعرفون مصدرها‬ ‫‪ . .‬ويبىق عىل األرض حىت ٯتسكوا‬ ‫به ويذْتوه ويأكلوه ‪.‬‬ ‫فاهلل تبارك وتعاىل قد رزقهم بهذا‬ ‫الرزق الطيب من غمام يقيهم‬

‫حرارة الشمس ‪ ،‬و َم ّن يعطيهم‬ ‫وقود ا‪ٟ‬تركة ‪ .‬و َسل ْ َوى كغذاء ‪٢‬تم ‪،‬‬ ‫وكل هذا يأتيهم من السماء دو‪٪‬تا‬ ‫تعب منهم ‪ . .‬ولكنهم لعدم‬ ‫إٯتاهنم بالغيؽيات يريدون األمر‬ ‫ا‪١‬تادي وهم ٮتافون أن ينقطع ا‪١‬ت َ َّن‬ ‫والسلْوى عنهم يوما ما فماذا‬

‫يفعلون؟‬ ‫لو كانوا مؤمنُت حقا لقالوا ‪ :‬إن‬ ‫الذي رزقنا با‪١‬تن والسلوى لن‬ ‫يضيعنا ‪ . .‬ولكن ا‪ٟ‬تق جل جبلله‬ ‫يزنل ‪٢‬تم طعامهم يوميا من‬ ‫السماء وهم بدال من أن يقابلوا‬ ‫هذه النعمة بالشكر قابلوها‬

‫با‪ٞ‬تحود ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َما َظل َ ُمونَا ولكن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } فا‪ٟ‬تق‬ ‫كانوا أن ْ ُف َس ُه ْم ي َ ْظل ُم َ‬ ‫سبحانه وتعاىل يتحدث للمرة‬ ‫الثالثة عن ظلم قوم موىس‪ . .‬ففي‬ ‫ا‪١‬ترة األوىل قال « وأنتم ظا‪١‬تون »‬ ‫‪ .‬ويف اآلية الثانية قال ‪ « :‬ظلمتم‬

‫أنفسكم » ‪ . .‬ويف هذه اآلية قال ‪:‬‬ ‫{ َو َما َظل َ ُمونَا ولكن كانوا أَن ْ ُف َس ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫ي َ ْظل ُم َ‬ ‫ولقد سبق أن قلت أنه ال أحد‬ ‫يستطيع أن يظلم اهلل ألن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل باق بقدرته وقوته‬ ‫وعظمته ‪ . .‬ال يقلل منها لو كفر‬

‫أهل األرض ‪ٚ‬تيعا وال يزيد فيها لو‬ ‫آمن أهل األرض كلهم ‪ .‬فقدرة‬ ‫اهلل باقية وكلمته ماضية ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن ‪٨‬تن الذين نظلم أنفسنا ‪. .‬‬ ‫بأن نوردها مورد التهلكة والعذاب‬ ‫الذي ال ‪٧‬تاة منه دون أن نعطيها‬ ‫شؼئا ‪. .‬‬

‫إن الدنيا كما قلنا عالم أغيار ‪.‬‬ ‫والنعمة اليت أنت فيها زائلة عنك ‪.‬‬ ‫إما أن تًتكها با‪١‬توت أو تًتكك هي‬ ‫وتزول عنك ‪ . .‬وٗترج من الدنيا‬ ‫ٖتمل أعمالك فقط ‪ . .‬كل شيء‬ ‫زال وبقيت ذنوبك ٖتملها إىل‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬ولذلك فإن كل من‬

‫عىص اهلل و٘ترد عىل دينه قد ظلم‬ ‫نفسه ألنه قادها إىل العذاب‬ ‫األبدي طمعا يف نفوذ أو مال زال‬ ‫بعد فًتة قصَتة ولم يدم ‪ . .‬فكأنه‬ ‫ظلمها بأن حرمها من نعيم أبدي‬ ‫وأعطاها شهوة قصَتة عاجلة « ‪.‬‬

‫َوإِذْ ُقلْنَا ادْ ُخلُوا َه ِذ ِه ال ْ َق ْري َ َة فَ ُكلُوا‬ ‫ث ِشػ ْ ُت ْم َرغ َ ًدا َوادْ ُخلُوا‬ ‫ِمنْهَا َحي ْ ُ‬ ‫اب ُس َّج ًدا َو ُقولُوا ِح َّط ٌة نَغ ْ ِف ْر ل َ ُك ْم‬ ‫الْب َ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت‬ ‫َخ َطايَا ُك ْم َو َس َ ِزن ُ‬ ‫يد ا ْ‪١‬تُ ْحسن َ‬ ‫(‪)58‬‬ ‫من هذه اآلية الكرٯتة نعرف أن‬ ‫بٍت إسرائيل رفضوا رزق السماء‬

‫من ا‪١‬تن والسلوى مع أنه كان رزقا‬ ‫عاليا ‪ . .‬عاليا يف ا‪ٞ‬تودة ألنه طعام‬ ‫حلو نقي شهي يزنل ‪٢‬تم من السماء‬ ‫مباشرة ‪ ،‬وعاليا يف الكثرة من أنه‬ ‫كان يأتيهم ببل عمل وببل تعب‬ ‫وبكميات هائلة تكفيهم وتزيد ‪.‬‬ ‫‪ .‬وطلبوا من موىس طعام األرض‬

‫الذي يزرعونه بأيديهم ويرونه‬ ‫أمامهم كل يوم فقد كانوا ٮتافون‬ ‫أن يسؾيقظوا يوما فبل ‪٬‬تدون ا‪١‬تن‬ ‫والسلوى ‪ .‬ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يكمل لنا القصة يف آية قادمة ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رب عىل َطعَا ٍم‬ ‫َوإِذْ ُقل ْ ُت ْم ياموىس َن ن ّ َْص َ‬ ‫ك ُٮت ْ ِر ْج لَنا ِ‪٦‬تَّا‬ ‫َوا ِح ٍد فادع لَنا َربَّ َ‬

‫ُتنْبِ ُت األرض ِمن ب َ ْقلِهَا َوقِث ّ َِآئهَا‬ ‫ال‬ ‫َو ُفو ِمهَا َوع َ َد ِسهَا َوب َ َصلِهَا قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ون الذي ُه َو أدىن بالذي ُه َو‬ ‫أتَ ْسؾَب ْ ِدل ُ َ‬ ‫َخ َْتٌ اهبطوا ِم ْصرا ًفَإ َِّن ل َ ُك ْم َّما‬ ‫َسأَل ْ ُت ْم } ػ البقرة ‪] 61 :‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل مازال ٯتنت‬ ‫عىل بٍت إسرائيل بنعمه وكيف‬

‫قابلوها با‪ٞ‬تحود ‪ . .‬فيذكرهم‬ ‫بإ‪٧‬تائهم من عذاب آل فرعون ‪. .‬‬ ‫ويذكرهم بالبحر الذي انشق ‪٢‬تم‬ ‫فمشوا فيه ثم انقض ا‪١‬تاء بعد ذلك‬ ‫عىل آل فرعون فأغرقهم ‪. .‬‬ ‫ويذكرهم كيف أهنم عبدوا‬ ‫العجل بعد ذلك ‪ . .‬وكان من‬

‫ا‪١‬تمكن أن يهلكهم اهلل بذنوبهم‬ ‫‪ .‬كما أهلك األمم السابقة ولكنه‬ ‫عفا عنهم ‪ . .‬ثم يذكرهم بفضله‬ ‫عليهم بأن أعطاهم الكتاب الذي‬ ‫يفرق بُت ا‪ٟ‬تق والباطل ‪. .‬‬ ‫ويذكرهم بأهنم طلبوا أن يروا‬ ‫اهلل جهرة ‪ . .‬فصعقوا وماتوا ثم‬

‫بعثهم اهلل ‪ .‬ويذكرهم كيف‬ ‫ظللهم بالغمام من حرارة‬ ‫الشمس ا‪١‬تحرقة ‪ . .‬ورزقهم‬ ‫با‪١‬تن والسلوى ‪ . .‬ثم يذكرهم‬ ‫بأهنم طلبوا طعام األرض‬ ‫فاستجاب ‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫يف هذه اآلية يقول ا‪ٟ‬تق تبارك‬

‫ث ِشػ ْ ُت ْم‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬فَ ُكلُوا ْ ِمنْهَا َحي ْ ُ‬ ‫َرغَدا ً} ‪ .‬ويف آية أخرى يقول ‪{ :‬‬ ‫ث ِشػ ْ ُت ْم } ‪ .‬الفرق يف‬ ‫َرغَدا ً َحي ْ ُ‬ ‫ث‬ ‫ا‪١‬تعٌت أن قوله تعاىل ‪َ { :‬حي ْ ُ‬ ‫ِشػ ْ ُت ْم َرغَدا ً} تدل عىل أن هناك‬ ‫أصنافا ًكثَتة من الطعام ‪.‬‬ ‫ث ِشػ ْ ُت ْم } يكون‬ ‫{ و َرغَدا ً َحي ْ ُ‬

‫هناك صنف واحد والناس جائعون‬ ‫فيقبلون عىل الطعام ‪ . .‬عندما يقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪ :‬كلوا رغدا ًيكون‬ ‫ا‪١‬تخاطب هنا نوعُت ‪ :‬إنسان غَت‬ ‫جائع ولذلك تعد له ألوانا متعددة‬ ‫من الطعام لتغريه عىل األكل ‪. .‬‬ ‫فتقدم يف هذه ا‪ٟ‬تالة « حيث شػتم‬

‫ث ِشػ ْ ُت ْم‬ ‫» فيقال ‪ { :‬فَ ُكلُوا ْ ِمنْهَا َحي ْ ُ‬ ‫َرغَدا ً} ‪ . .‬فإذا كان اإلنسان‬ ‫جوعان يرىض بأي طعام ‪ . .‬فيقال‬ ‫رغدا حيث شػتم ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تسألة يف القرآن الكريم‬ ‫لؼست تقدٯتا وتأخَتا ًيف األلفاظ ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن ا‪١‬تعٌت ال يستقيم بدون‬

‫هذا التغيَت ‪ . .‬قوله تعاىل { ادخلوا‬ ‫هذه القرية } ‪ . .‬والقرية هي هنا‬ ‫بيت ا‪١‬تقدس أو فلسطُت أو األردن‬ ‫‪ . .‬ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫وادخلوا الباب ُس َّجدا ً َو ُقولُوا ْ ِح َّط ٌة‬ ‫يد‬ ‫ن َّغ ْ ِف ْر ل َ ُك ْم َخ َطايَا ُك ْم َو َس َ ِزن ُ‬ ‫ا‪١‬تحسنُت } ‪. .‬‬

‫وا‪ٟ‬تق جل جبلله حُت خاطبهم‬ ‫بُت لنا أهنم لم يكونوا يف حالة جوع‬ ‫شديد ْتيث يأكلو ن أي شيء فقال ‪:‬‬ ‫ث ِشػ ْ ُت ْم َرغَدا ً}‬ ‫{ فَ ُكلُوا ْ ِمنْهَا َحي ْ ُ‬ ‫أي ستجدون فيها ألوانا كثَتة من‬ ‫الطعام تغريكم عىل األكل ولو لم‬ ‫تكونوا جائعُت ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وادخلوا الباب‬ ‫ُس َّجدا ً} ‪ . .‬أي ادخلوا الباب‬ ‫وأنتم يف منتىه ا‪٠‬تضوع ‪{ . .‬‬ ‫َو ُقولُوا ْ ِح َّط ٌة } أي حط عنا ذنوبنا يا‬ ‫رب ‪ . .‬غَت أهنم حىت يف األمر‬ ‫يغَتون مضمونه ‪ . .‬ويلؽسون‬ ‫ا‪ٟ‬تق بالباطل ‪ . .‬وهذه خاصية‬

‫فيهم ‪ . .‬ولذلك دخلوا الباب وهم‬ ‫غَت ساجدين ‪ . .‬دخلوه زاحفُت‬ ‫عىل ظهورهم ‪ . .‬مع أن ما أمرهم‬ ‫اهلل به أقل مشقة ‪٦‬تا فعلوه ‪ . .‬فكأن‬ ‫ا‪١‬تخالفة لم تأت من أن أوامر اهلل‬ ‫شاقة ‪ . .‬ولكنها أتت من الرغبة يف‬ ‫‪٥‬تالفة أمر ا‪٠‬تالق وبدال من أن‬

‫يقولوا حطة ‪ .‬أي حط عنا يا رب‬ ‫ذنوبنا قالوا حنطة وا‪ٟ‬تنطة هي‬ ‫القمح ‪ . .‬ليطوعوا اللفظ‬ ‫ألغراضهم ‪ . .‬فكأن ا‪١‬تسألة‬ ‫لؼست عدم قدرة عىل الطاعة‬ ‫ولكن رغبة يف ا‪١‬تخالفة ‪.‬‬ ‫ومع أن ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل وعدهم‬

‫با‪١‬تغفرة والر‪ٛ‬تة والزيادة‬ ‫للمحسنُت ‪ . .‬فإهنم خالفوا‬ ‫يد‬ ‫وعصوا ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َس َ ِزن ُ‬ ‫ا‪١‬تحسنُت } يأيت يف اآلية الكرٯتة ‪:‬‬ ‫{ ل ِ ّل َّ ِذي َن أ َ ْح َس ُنوا ْا‪ٟ‬تسٌت َو ِزيَادَةٌ }‬ ‫ػ يونس ‪] 26 :‬‬ ‫أي ‪٢‬تم أجر مثل ما فعلوا أضعافا‬

‫مضاعفة ‪ . .‬وما هي الزيادة؟‬ ‫أن يروا اهلل يوم القيامة ‪ .‬هذه هي‬ ‫الزيادة اليت لؼس ‪٢‬تا نظَت يف الدنيا ‪.‬‬ ‫فَب َ ّد ََل ال َّ ِذي َن َظل َ ُموا قَ ْو ًال غ َ َْت َال َّ ِذي‬ ‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم فَأَن ْ َزلْنَا عَىلَ ال َّ ِذي َن َظل َ ُموا‬ ‫قِ َ‬ ‫ِر ْجزا ِمن َ ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫الس َماء ٔتَا كَانُوا ي َ ْف ُس ُق َ‬ ‫ً َ ّ‬ ‫(‪)59‬‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل يشرح لنا يف هذه‬ ‫اآلية الكرٯتة كيف أن اليهود قوم‬ ‫معصية برغم نعم اهلل عليهم ‪. .‬‬ ‫فلو أن اهلل سبحانه وتعاىل كلفهم‬ ‫تكليفا لم يستطيعوه؛ ألنه شاق‬ ‫عليهم فرٔتا كان ‪٢‬تم عذرهم ‪. .‬‬ ‫ولكن اهلل تبارك وتعاىل ال يكلف إال‬

‫ٔتا هو يف طاقة اإلنسان أو أقل منها‬ ‫‪ . .‬فيقول جل جبلله ‪ { :‬ال َيُكَلِ ّ ُف‬ ‫اهلل نَفْسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا َ‪٢‬تَا َما كَ َسب َ ْت‬ ‫َوعَلَيْهَا َما اكؾسبت } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫‪] 286‬‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل لم يكلف بٍت‬ ‫إسرائيل بأن يدخلوا هذه القرية‬

‫اليت يقال ‪ :‬إهنا القدس ويقال أهنا‬ ‫قرية يف فلسطُت أو قرية يف األردن‬ ‫‪ . .‬إال بناء عىل طلبهم هم ‪ .‬فهم‬ ‫الذين طلبوا من موىس أن يدعو اهلل‬ ‫‪٢‬تم أن يدخلوا واديا فيه زرع ‪. .‬‬ ‫ليأكلوا ‪٦‬تا تنتج األرض ويطمػنوا‬ ‫عىل طعامهم ‪ . .‬ألهنم ٮتافون أن‬

‫يأيت يوم ‪ . .‬ال يزنل عليهم ا‪١‬تن‬ ‫والسلوى من السماء ‪ . .‬فلما‬ ‫استجاب اهلل لدعواهم وقال ‪٢‬تم‬ ‫ادخلوا الباب خاشعُت ‪ .‬وقولوا يا‬ ‫رب حط عنا ذنوبنا ‪ . .‬بدل بنو‬ ‫إسرائيل القول فبدال من أن يقولوا‬ ‫حطة قالوا حنطة ‪ . .‬وبدلوا طريقة‬

‫الدخول فبدال من أن يدخلوا‬ ‫ساجدين دخلوا عىل ظهورهم‬ ‫زاحفُت ‪ . .‬وكان هذا رغبة يف‬ ‫ا‪١‬تخالفة ‪ . .‬فأصابهم اهلل بعذاب‬ ‫من السماء ٔتا كانوا يفسقون ‪. .‬‬ ‫أي يؽتعدون عن منهج اهلل وال‬

‫يطبقونه ‪ .‬رغبة يف ا‪١‬تخالفة‬ ‫وإصرارا عىل العناد ‪.‬‬

‫وىس لِقَ ْو ِم ِه فَ ُقلْنَا‬ ‫َوإِ ِذ ا ْسؾ َ ْس َىق ُم َ‬ ‫اك ا ْ‪ٟ‬ت َ َج َر فَان ْ َف َج َر ْت‬ ‫ا ْض ِر ْب بِعَ َص َ‬ ‫ِمن ْ ُه اثْنَتَا َع ْش َرةَ عَؼْنًا قَ ْد عَلِ َم كُ ُّل‬ ‫أُن َ ٍ‬ ‫اس َم ْش َرب َ ُه ْم كُلُوا َوا ْش َر ُبوا ِم ْن‬

‫ِرزْ ِق َ ِ‬ ‫اّلل َو َال تَعْث َ ْوا ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫ّ‬ ‫ُمفْ ِس ِدي َن (‪)60‬‬

‫ومعناها ‪ :‬اذكر إذا اسؾسىق موىس‬ ‫لقومه ‪ . .‬وهذه وردت كما بؼنا يف‬ ‫عدة آيات يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ‬ ‫أ َ ْ‪٧‬تؼنا ُكم ِمن ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫ََْ ْ ّ ْ‬ ‫آل ف ْر َع َ‬ ‫ي َ ُسو ُمون َ ُك ْم سواء العذاب } ػ‬

‫األعراف ‪] 141 :‬‬ ‫وقول سبحانه ‪َ { :‬وإِذْ َواع َ ْدنَا موىس‬ ‫أَربَعِ‬ ‫ُت لَيْلَةً} ػ البقرة ‪] 51 :‬‬ ‫ْ َ‬ ‫وقوله جل جبلله ‪َ { :‬وإِذْ ُقل ْ ُت ْم‬ ‫ك حىت ن َ َرى اهلل‬ ‫ياموىس لَن ن ُّ ْؤ ِم َن ل َ َ‬ ‫َجهْ َرة ً} ػ البقرة ‪] 55 :‬‬ ‫وقلنا أن هذه كلها نعم امنت اهلل بها‬

‫عىل بٍت إسرائيل وهو سبحانه‬ ‫وتعاىل يذكرهم بها ‪ .‬إما مباشرة‬ ‫وإما عىل لسان موىس عليه السبلم ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق يريد أن يذكر بٍت إسرائيل‬ ‫حؼنما تاهوا يف الصحراء أنه‬ ‫أظلهم بالغمام‪ . .‬وسقاهم حُت‬ ‫طلبوا السقيا ‪ . .‬ولقد وصلت ندرة‬

‫ا‪١‬تاء عند بٍت إسرائيل لدرجة أهنم‬ ‫لم ‪٬‬تدوا ما يشربونه ‪ . .‬ألن‬ ‫اإلنسان يبدأ ا‪ٞ‬تفاف عنده لعدم‬ ‫وجود ماء يسقي به زرعه ‪ . .‬ثم‬ ‫يقل الماء فبل ‪٬‬تد ما يسقي به أنعامه‬ ‫‪ . .‬ثم يقل ا‪١‬تاء فبل ‪٬‬تد ما يشربه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهذا هو قمة ا‪ٞ‬تفاف أو ا‪ٞ‬تدب ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫وموىس عليه السبلم طلب السقيا‬ ‫من اهلل تبارك وتعاىل‪ . .‬وال تطلب‬ ‫السقيا من اهلل إال إذا كانت‬ ‫األسباب قد نفدت ‪ . .‬وانتهت‬ ‫آخر نقطة من ا‪١‬تاء عندهم؛ فا‪١‬تاء‬ ‫مصدر ا‪ٟ‬تياة يزنله اهلل من السماء ‪.‬‬

‫‪ .‬ويزنله نقيا طاهرا صا‪ٟ‬تا للشرب‬ ‫والري والزرع وسقيا األنعام ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل جعل ثبلثة‬ ‫أرباع األرض ماء والربع يابسا‪. .‬‬ ‫حىت تكون مساحة سطح ا‪١‬تاء‬ ‫للؾبخر بواسطة أشعة‬ ‫ا‪١‬تعرضة ّ‬ ‫الشمس كبَتة جدا فؾسهل‬

‫عملية البخر؛ فإنك إذا جئت‬ ‫بكوب ماء وتركته يف حجرة مغلقة‬ ‫‪١‬تدة يومُت أو ثبلثة ‪ .‬ثم عدت‬ ‫ٕتده ناقصا قَتاطا أو قَتاطُت ‪.‬‬ ‫ولكن إذا أمسكت ما يف الكوب من‬ ‫ماء وألقؼته عىل أرض ا‪ٟ‬تجرة ‪. .‬‬ ‫فأنه ‪٬‬تف قبل أن تغادرها ‪١‬تاذا؟ ‪. .‬‬

‫ألن مساحة سطح ا‪١‬تاء هنا كبَتة ‪. .‬‬ ‫ولذلك يتم البخر بسرعة وال‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫يستغرق ا‬ ‫وهذه هي النظرية نفسها اليت تتم‬ ‫يف الكون ‪ .‬اهلل تبارك وتعاىل جعل‬ ‫سطح ا‪١‬تاء ثبلثة أرباع األرض‬ ‫لؼتم البخر يف سرعة وسهولة‪. .‬‬

‫فؼتكون السحاب ويزنل ا‪١‬تطر‬ ‫نأخذ منه ما ‪٨‬تتاج إليه ‪ ،‬والبايق‬ ‫يكون ينابيع يف األرض ‪ ،‬مصداقا‬ ‫لقوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر أ َ َّن‬ ‫اهلل أَن َز َل ِم َن السمآء َمآء ًفَ َسل َ َك ُه‬ ‫يَنَابِي َع ِيف األرض } ػ الزمر ‪] 21 :‬‬ ‫هذه الؼنابيع تذهب إىل أماكن ال‬

‫يصلها ا‪١‬تطر ‪ .‬ليشرب منها الناس‬ ‫ِ‪٦‬تّا نُسميه اآلبار أو ا‪١‬تياه ا‪ٞ‬توفية ‪.‬‬ ‫‪ .‬وتشرب منها أنعامهم ‪ . .‬فإذا‬ ‫حدث جفاف ٮترج الناس رجاال‬ ‫ونساء وصؽيانا وشيوخا ‪.‬‬ ‫يتضرعون إىل اهلل ليمطرهم با‪١‬تاء‬ ‫‪ . .‬و‪٨‬تن إذا توسلنا بأطفالنا الرضع‬

‫وبالضعفاء ٯتطرنا اهلل ‪.‬‬ ‫وبعض الناس يقولون أن ا‪١‬تطر‬ ‫يزنل بقوانُت علمية ثابتة ‪. .‬‬ ‫يصعد البخار من البحار ويصبح‬ ‫سحابا يف طبقات ا‪ٞ‬تو العليا ثم‬ ‫يزنل مطرا ‪.‬‬

‫‪ .‬تلك هي القوانُت الثابتة لزنوله‪.‬‬ ‫وأن السحاب البد أن يكون‬ ‫ارتفاعه عدد كذا من األمتار ‪. .‬‬ ‫ليصل إىل برودة ا‪ٞ‬تو اليت ٕتعله‬ ‫يزنل مطرا ‪ .‬والبد أن يكون‬ ‫السحاب ملقحا ‪ . .‬نقول أن هذا‬ ‫كله مرتبط ٔتتغَتات ‪ .‬فالريح هتب‬

‫أو ال هتب ‪ .‬وٖتمل السحاب إىل‬ ‫منطقة عالية باردة وال ٖتمله وغَت‬ ‫ذلك ‪. .‬‬ ‫إذن فكل ثابت ‪٤‬تمول عىل متغَت ‪. .‬‬ ‫قد تعرف أنت القوانُت الثابتة ‪. .‬‬ ‫ولكن القوانُت ا‪١‬تتغَتة ال ٯتكن أن‬ ‫تنبأ ٔتا ستفعل ولذلك يقول اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وأَل َّ ِو استقاموا‬ ‫عَىلَ الطريقة أل َ ْسقَؼْن َ ُاهم َّمآء ًغ َ َدقا ً‬ ‫} ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 16 :‬‬ ‫إذن فعوامل سقوط ا‪١‬تطر ال ٗتضع‬ ‫لقوانُت ثابتة ‪ .‬ولكن ا‪١‬تتغَت هو‬ ‫العامل ا‪ٟ‬تاسم ‪ .‬لؼسوق السحاب‬ ‫إىل ا‪١‬تناطق الباردة وإىل االرتفاع‬

‫ا‪١‬تطلوب ‪ . .‬والبد أن نتنبه إىل أن‬ ‫هناك قوانُت ثابتة يف الكون‬ ‫وقوانُت تتغَت ‪ . .‬وأن القانون‬ ‫ا‪١‬تتغَت هو الذي ٭تدث التغيَت ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِ ِذ اسؾسىق موىس‬ ‫ل ِ َق ْو ِم ِه } ‪ . .‬تدل عىل أن هناك‬ ‫ُمسؾسىق بفتح القاف وأن هناك‬

‫مسؾسقي بكسر القاف ‪. .‬‬ ‫مسؾسقي بكسر القاف أي ضارع‬ ‫إىل اهلل ليزنل ا‪١‬تطر ‪ . .‬أما‬ ‫ا‪١‬تسؾسىق بفتح القاف فهو اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل الذي يزنل ا‪١‬تطر ‪. .‬‬ ‫إن هذا ا‪١‬توقف خاص باهلل تبارك‬ ‫وتعاىل فبل توجد ‪٥‬تازن للمياه‬

‫ولؼس هناك ماء يف األرض ‪ . .‬من‬ ‫أهنار أو آبار أو عيون وال ملجأ إال‬ ‫اهلل ‪ . .‬فبلبد من التوسل هلل تبارك‬ ‫وتعاىل ‪:‬‬ ‫عن أنس رضي اهلل عنه أن عمر بن‬ ‫ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه كان إذا‬ ‫قحطوا اسؾسقي بالعباس بن‬

‫ا‪١‬تطلب رضي اهلل عنه فقال ‪:‬‬ ‫اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبؼنا‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم فؾسقؼنا ‪ ،‬وإنا‬ ‫نتوسل إليك بعم نبؼنا فاسقنا قال ‪:‬‬ ‫ُفؼسقون «‬ ‫بعض الناس يقولون هذا دليل عىل‬ ‫أن ا‪١‬تيت ال يستعان به ‪ . .‬بدليل‬

‫أن عمر ابن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه‬ ‫لم يتوسل برسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم بعد موته ‪ ،‬وإ‪٪‬تا توسل‬ ‫بعم رسول اهلل ‪ . .‬نقول ؤتن‬ ‫توسل عمر؟ ‪ . .‬أتوسل بالعباس‬ ‫أم بعم رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ؟ ‪ . .‬توسل بالرسول ‪،‬‬

‫وبذلك أخذنا ا‪ٟ‬تجة أن الوسيلة‬ ‫لؼست مقصورة عىل رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ . .‬وإ‪٪‬تا تتعدى إىل‬ ‫أقاربه ‪. .‬‬ ‫وهنا يأيت سؤال ‪١‬تاذا نقل األمر من‬ ‫رسول اهلل عليه الصبلة والسبلم إىل‬ ‫عم الرسول؟ ‪ . .‬نقول ألن رسول‬

‫اهلل قد انتقل وال ينتفع اآلن با‪١‬تاء ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن عمه العباس هو ا‪ٟ‬تي الذي‬ ‫ينتفع با‪١‬تاء ‪ . .‬لذلك كان التوسل‬ ‫بعم رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫‪ .‬ولم يكن منطقيا أن يتوسلوا‬ ‫برسول اهلل عليه الصبلة والسبلم‬ ‫وهو ميت وال ٭تتاج إىل ا‪١‬تاء ‪. .‬‬

‫والذين أرادوا أن يأخذوا التوسل‬ ‫بذوي ا‪ٞ‬تاه ‪ . .‬نقول ‪٢‬تم أن‬ ‫ا‪ٟ‬تديث ضدكم ولؼس معكم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألنه أثبت أن التوسل جائز ٔتن‬ ‫ينؾسب إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪.‬‬ ‫البد أن نتحدث كيف أن ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه وتعاىل بعد أن قابل بنو‬ ‫إسرائيل النعمة با‪ٞ‬تحود والنكران‬ ‫فكيف يسقيهم؟ ‪ . .‬نقول إهنا‬ ‫النبوة الرحيمة اليت كانت السبب‬ ‫يف تزنل الر‪ٛ‬تة تلو الر‪ٛ‬تة عىل بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ . .‬وكان طمع موىس يف‬ ‫ر‪ٛ‬تة اهلل ببل حدود ‪ . .‬ولذلك فإن‬

‫الدعوات كانت تتواىل من موىس‬ ‫عليه السبلم لقومه ‪ . .‬وكانت‬ ‫االستجابة من اهلل تأيت ‪.‬‬ ‫كان من ا‪١‬تفروض الستكمال‬ ‫ا‪١‬تعٌت أن يقال وإذا اسؾسىق موىس‬ ‫ربه لقومه فقال يا رب اسقهم ‪. .‬‬ ‫ولكن هذه لم تأت حذفت وجاء‬

‫بعدها اإلجابة ‪َ { :‬وإِ ِذ اسؾسىق‬ ‫اك‬ ‫موىس ل ِ َق ْو ِم ِه فَ ُقلْنَا اضرب بِّعَ َص َ‬ ‫ا‪ٟ‬تجر } ‪ . .‬إذن قوله يا رب اسق‬ ‫قومي واستجابة اهلل له ‪٤‬تذوفة ألهنا‬ ‫مفهومة ‪ . .‬ولذلك جاء القرآن‬ ‫باللفتات األساسية وترك اللفتات‬ ‫ا‪١‬تفهومة لذكاء الناس ‪٘ . .‬تاما كما‬

‫جاء يف سورة النمل ‪ :‬ا‪٢‬تدهد ذهب‬ ‫ورأى ملكة بلقؼس وعرشها ‪ .‬وعاد‬ ‫إىل سليمان وأخربه ‪ .‬فطلب‬ ‫سليمان من ا‪٢‬تدهد أن يلقي إىل‬ ‫ملكة سبأ وقومها كتابا وقال ‪{ :‬‬ ‫اذهب بِّ ِكت َ ِايب هذا فَأَلْقِ ْه إِلَي ْ ِه ْم ُث َّم‬ ‫ِ‬ ‫ون *‬ ‫تَ َو َّل َع ْ ُنه ْم فانظر َماذَا ي َ ْرج ُع َ‬

‫ِ ِ‬ ‫اب‬ ‫قَال َ ْت ياأيها ا‪١‬تؤل إين أُلْق َي إ َِيل َّكت َ ٌ‬ ‫يم } ػ النمل ‪] 29-28 :‬‬ ‫َك ِر ٌ‬ ‫فسليمان أمر ا‪٢‬تدهد أن يلقي‬ ‫كتابا إىل بلقؼس وقومها ‪ . .‬واآلية‬ ‫اليت بعدها جاءت بقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫قالت { ياأيها ا‪١‬تؤل إين أُلْقِ َي إ َِيل َّ‬ ‫ِ‬ ‫اب َك ِريٌم } كل التفاصيل‬ ‫كت َ ٌ‬

‫حذفت من أن ا‪٢‬تدهد أخذ‬ ‫الكتاب وطار إىل ‪٦‬تلكة سبأ وألىق‬ ‫الكتاب أمام عرشها‪ . .‬والتقطت‬ ‫بلقؼس ملكة سبأ الكتاب وقرأته ‪.‬‬ ‫‪ .‬ودعت قومها وبدأت تروي‬ ‫إليهم قصة الكتاب ‪ . .‬كل هذا‬ ‫ُحذف ألنه مفهوم ‪.‬‬

‫قال موىس يا رب اسق قومي ‪. .‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل قال له ‪ :‬إن‬ ‫أردت ا‪١‬تاء لقومك ‪ . .‬كل هذا‬ ‫‪٤‬تذوف ‪ . .‬وتأيت اآلية الكرٯتة ‪{ :‬‬ ‫اك ا‪ٟ‬تجر} ‪.‬‬ ‫اضرب بِّعَ َص َ‬ ‫اك ا‪ٟ‬تجر } لنا معها‬ ‫{ اضرب بِّعَ َص َ‬ ‫وقفة ‪ . .‬اإلنسان حُت يسؾسقي‬

‫اهلل ‪ . .‬يطلب منه أن يزنل عليه‬ ‫مطرا من السماء ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل كان قادرا عىل أن يزنل عىل‬ ‫بٍت إسرائيل مطرا من السماء ‪.‬‬ ‫ولكن اهلل جل جبلله أراد ا‪١‬تعجزة ‪.‬‬ ‫‪ .‬فقال سأمدكم ٔتاء ولكن من‬ ‫جنس ما منعكم ا‪١‬تاء وهو ا‪ٟ‬تجر‬

‫ا‪١‬توجود ٖتت أرجلكم ‪ . .‬لن‬ ‫أعطيكم ماء من السماء ‪ . .‬ولكن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل أراد أن يُ ِري بٍت‬ ‫إسرائيل مدى اإلعجاز ‪. .‬‬ ‫فأعطاهم ا‪١‬تاء من ا‪ٟ‬تجر الذي‬ ‫ٖتت أرجلهم ‪.‬‬ ‫ولكن من الذي يتأثر بالضرب ‪:‬‬

‫ا‪ٟ‬تجر أم العصا؟‪ . .‬العصا هي اليت‬ ‫تتأثر وتتحطم وا‪ٟ‬تجر ال ٭تدث فيه‬ ‫شيء ‪ . .‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫أراد بضربة واحدة من العصا أن‬ ‫ينفلق ا‪ٟ‬تجر ‪ . .‬ولذلك يقول‬ ‫الشاعر ‪:‬‬ ‫القدر ‪...‬‬ ‫أيا هازئا ًمن صنوف ْ‬

‫بنفسك تعنف ال بالقد ْر‬ ‫ويا ضاربا صخرة ًبالعصا‪...‬‬ ‫ضرب ْ َت العصا أم ضرب ْ َت ا‪ٟ‬تج ْر‬

‫إن انفجار ا‪١‬تاء من ضربة العصا‬ ‫دليل عىل أن العصا أشارت فقط إىل‬ ‫الصخرة فتفجر منها ا‪١‬تاء ‪ . .‬وحىت‬ ‫لو كانت العصا من حديد ‪ . .‬هل‬

‫تكون قادرة عىل أن ٕتعل ا‪١‬تاء ينبع‬ ‫من ا‪ٟ‬تجر؟‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفؾنا إىل أنه كان من ا‪١‬تمكن أن‬ ‫يزنل ا‪١‬تاء من السماء ‪ . .‬ولكن اهلل‬ ‫أرادها نعمة مركبة ‪ . .‬ليعلموا أنه‬ ‫يستطيع أن يأيت ا‪١‬تاء من ا‪ٟ‬تجر‬

‫الصلب ‪ . .‬وأن نبع ا‪١‬تاء من‬ ‫متعلقات « كن » ‪.‬‬ ‫هنا البد أن ننظر إىل تعنت بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ .‬قالوا ‪١‬توىس هب أننا يف‬ ‫مكان ال حجر فيه ‪ .‬من أين ينبع‬ ‫ا‪١‬تاء؟ ‪ . .‬البد أن نأخذ معنا ا‪ٟ‬تجر‬ ‫حىت إذا عطشنا نضرب ا‪ٟ‬تجر‬

‫بالعصا‪ . .‬ونسوا أن هناك ما يتم‬ ‫باألسباب وما يتم بكلمة « كن » ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك ٕتد مثبل كبار األطباء‬ ‫٭تتارون يف عبلج مريض‪ . .‬ثم‬ ‫يشىف عىل يد طؽيب ناشئ حديث‬ ‫التخرج ‪ . .‬هل هذا الطؽيب‬ ‫الناشئ يعرف أكثر من أساتذته‬

‫الذين علموه؟ ‪ . .‬ا‪ٞ‬تواب طبعا ال ‪.‬‬ ‫إن التلميذ ال يتفوق عىل أستاذه‬ ‫الذي علمه فلؼس العبلج‬ ‫باألسباب وحدها ولكن بقدرة‬ ‫ا‪١‬تسبب ‪ . .‬ولذلك جاء موعد‬ ‫الشفاء عىل يد هذا الطؽيب الناشئ ‪.‬‬ ‫‪ .‬فكشف اهلل له الداء وأ‪٢‬تمه‬

‫الدواء ‪.‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫فانفجرت ِمن ْ ُه اثنتا َع ْش َرةَ عَؼْنا ً}‬ ‫‪١‬تاذا اثنتا عشرة عؼنا ‪ .‬ألن اليهود‬ ‫كانوا يعيشون حياة انعزال ‪ .‬كل‬ ‫‪٣‬تموعة منهم كانت تس ىم « سبطا‬ ‫» ‪٢‬تا شيخ مثل شيخ القؽيلة ‪. .‬‬

‫وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يقول ‪ { :‬قَ ْد‬ ‫عَلِ َم كُ ُّل أُن َ ٍ‬ ‫اس َّم ْش َرب َ ُه ْم } أي كل‬ ‫سبط أو ‪٣‬تموعة ذه بت ‪١‬تشرب ‪. .‬‬ ‫نبعت العيون من ا‪ٟ‬تجر امتدت‬ ‫متشعبة إىل األسباط ‪ٚ‬تيعا كل يف‬ ‫مكانه ‪ . .‬فإذا ما أخذوا حاجتهم‬ ‫ضرب موىس ا‪ٟ‬تجر فيجف ‪.‬‬

‫ولذلك نعرف أن ا‪ٟ‬تجر كان‬ ‫يعطيهم ا‪١‬تاء عىل قدر ا‪ٟ‬تاجة‬ ‫وكانت ا‪ٞ‬تهة السفىل من ا‪ٟ‬تجر‬ ‫ا‪١‬تبلمسة لؤلرض ‪ . .‬وا‪ٞ‬تهة العليا‬ ‫اليت ضرب عليها بالعصا لم ينبع‬ ‫منهما شيء ‪ ،‬أما بايق ا‪ٞ‬تهات األربع‬ ‫فقد نبع منها كل منها ثبلثة ينابيع ‪.‬‬

‫وهناك شيء يف اللغة يسمونه اللفظ‬ ‫ا‪١‬تشًتك ‪ . .‬وهو الذي يستخدم‬ ‫يف معانٍ متعددة ‪ . .‬فإذا قلت سىق‬ ‫القوم دوابهم من العُت ‪ . .‬العُت‬ ‫هنا عُت ا‪١‬تاء ‪ . .‬وإذا قلت أرسل‬ ‫األمَت عيونه يف ا‪١‬تدينة يعٍت أرسل‬ ‫جنوده ‪ . .‬وإذا قلت اشًتيته بعُت‬

‫أي بذهب ‪ . .‬وإذا قلت نظر إيل‬ ‫بعؼنه شذرا أي ببصره‪ . .‬إذن كلمة‬ ‫عُت تستخدم يف أشياء متعددة‪. .‬‬ ‫ومعناها هنا عُت ا‪١‬تاء ا‪ٞ‬تارية ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬قَ ْد عَلِ َم كُ ُّل أُن َ ٍ‬ ‫اس‬ ‫َّم ْش َرب َ ُه ْم } أي أن كل سبط عرف‬ ‫مكانه الذي يلزمه ‪ . .‬حىت ال يضيع‬

‫من كل منهم ا‪١‬تاء ‪ . .‬ولكن‬ ‫اإلنسان حؼنما يكون مضطرا‬ ‫يلتزم ٔتا يطلبه اهلل منه ويكون‬ ‫ملتزما باألداء ‪ ،‬فإذا فرج اهلل كربه‬ ‫وعادت إليه النعمة يعود إىل طغيانه‬ ‫‪.‬‬

‫‪ .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله فيها‬ ‫‪ { :‬كُلُوا ْواشربوا ِمن ِّرزْ ِق اهلل َوال َ‬ ‫َ ْع‬ ‫تث َ ْوا ْ ِيف األرض ُمفْ ِس ِدي َن} أي ال‬ ‫يكون شكركم عىل النعمة‬ ‫باإلفساد يف األرض ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫ان ل ِ َسبَإٍ ِيف َم ْس َك ِن ِه ْم‬ ‫تعاىل ‪ { :‬لَقَ ْد ك َ َ‬ ‫ان عن ِٯت ٍ ِ‬ ‫مش ٍال كُلُوا ْ‬ ‫آي َ ٌة َجن َّت َ ِ َ َ‬ ‫ُت َو َ‬

‫ِمن ِّرزْ ِق َر ِبّ ُك ْم واشكروا ل َ ُه بَل ْ َد ٌة‬ ‫ور * فَأ َ ْع َر ُضوا ْ‬ ‫َط ِؼّب َ ٌة َو َر ٌّب َغ ُف ٌ‬ ‫فَأ َ ْر َسلْنَا عَلَي ْ ِه ْم َسي ْ َل العرم‬ ‫َوب َ ّدَلْن َ ُاه ْم ِّتَنَّؾَي ْ ِه ْم َجنَّت َ ْ ِ‬ ‫ُت ذَ َو َ‬ ‫ايت ْ‬ ‫أُكُ ٍل َ‪ٜ‬تْ ٍط َوأَث ٍْل َو َش ْيءٍ ِّمن ِس ْد ٍر‬ ‫قَلِ ٍ‬ ‫يل } ػ سبأ ‪] 15-15 :‬‬ ‫هنا نرى أن أهل سبأ رزقهم اهلل‬

‫فأعرضوا عن شكره ‪ . .‬كانوا‬ ‫يؾيهون بالسد الذي ٭تفظ ‪٢‬تم مياه‬ ‫األمطار ‪ . .‬وٯتدهم ٔتا ٭تتاجون‬ ‫إليه منها طوال العام ‪ ،‬وأخذوا‬ ‫يتفاخرون بعلمهم ونسوا اهلل‬ ‫الذي علمهم ‪ . .‬فكان هذا السد‬ ‫هو النكبة أو الكارثة اليت أهلكت‬

‫زرعهم ‪ . .‬كذلك حدث لؽٍت‬ ‫إسرائيل ‪ ،‬قيل ‪٢‬تم ‪ { :‬كُلُوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ثا ْ ِيف‬ ‫واشربوا من ِّرزْ ِق اهلل َوال َتَعْ ْو َ‬ ‫األرض ُم ْف ِس ِدي َن } فأفسدوا يف‬ ‫األرض ونسوا نعمة اهلل فزنل بهم‬ ‫العذاب ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫َوإِذْ ُقل ْ ُت ْم يَا ُم َ ل‬ ‫رب عَىلَ َطعَا ٍم‬ ‫وىس َ ْن ن َ ْص َ‬ ‫ك ُٮت ْ ِر ْج لَنا ِ‪٦‬تَّا‬ ‫َوا ِح ٍد فَادْ ُع لَنا َربَّ َ‬ ‫ُتنْبِ ُت ْاأل َ ْر ُض ِم ْن بَقْلِهَا َوقِث ّ َِائهَا‬ ‫ال‬ ‫َو ُفو ِمهَا َوع َ َد ِس َها َوب َ َصلِهَا قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ون ال َّ ِذي ُه َو أَدْ َىن بِال َّ ِذي ُه َو‬ ‫أتَ ْسؾَب ْ ِدل ُ َ‬ ‫َخ َْتٌ ا ْهبِ ُطوا ِم ْص ًرا فَإ َِّن ل َ ُك ْم َما‬ ‫َسأَل ْ ُت ْم َو ُض ِرب َ ْت عَلَي ْ ِه ُم ال ِ ّذل َّ ُة‬

‫وا ْ‪١‬تس َكن َ ُة وبَاءوا بِغ َ َض ٍب ِم َن َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫َ َْ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِأ َ َّهنم كَانُوا ي َ ْك ُفرون بِآي َ ِ‬ ‫ات‬ ‫ذَل َ ُْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َِ‬ ‫ُت بِغ َ ْ ِ‬ ‫ك‬ ‫َت ا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق ذَل ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫اّلل َوي َ ْق ُتل ُ َ‬ ‫ون النَّبِيِ ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)61‬‬ ‫ٔتَا َع َص ْوا َوكَانُوا يَعْت َ ُد َ‬ ‫هذه اآلية الكرٯتة أيضا من آيات‬ ‫التذكَت بنعم اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫عىل موىس وعىل بٍت إسرائيل ‪. .‬‬

‫وكنا قد تعرضنا ‪١‬تعٌت طعام واحد‬ ‫عند ذكر ا‪١‬تن والسلوى ‪ . .‬وقلنا أن‬ ‫تكرار نزول ا‪١‬تن والسلوى كل‬ ‫يوم جعل الطعام لونا واحدا ‪. .‬‬ ‫وكلمة واحد هي أول العدد ‪ . .‬فإذا‬ ‫إنضم إليه مثله يصَت اثنُت ‪ . .‬وإذا‬ ‫إنضم إليه مثله يصبح ثبلثة ‪ . .‬إذن‬

‫فأصل العدد هو الواحد ‪. .‬‬ ‫والواحد يدل عىل وحدة الفرد وال‬ ‫يدل عىل وحدانية ‪ . .‬فإذا قلنا اهلل‬ ‫واحد فإن ذلك يعٍت أنه لؼس‬ ‫كمثله أحد ‪ . .‬ولكنه ال يعٍت أنه‬ ‫لؼس مكونا من أجزاء ‪ . .‬فأنت‬ ‫لست واحدا ًولست أحدا ًألنك‬

‫مكون من أجزاء كما أن هناك من‬ ‫يشبهونك ‪ . .‬والشمس يف‬ ‫‪٣‬تموعؾنا واحدة ولكنها لؼست‬ ‫أحدا ًألهنا مكونة من أجزاء‬ ‫وتتفاعل ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫واحد لؼس كمثله شيء ‪ . .‬وأحد‬ ‫لؼس مكونا من أجزاء ‪ . .‬ولذلك‬

‫من أ‪ٝ‬تائه ا‪ٟ‬تسٌت الواحد األحد ‪.‬‬ ‫‪ .‬وال نقول أن االسم مكرر فهذه‬ ‫تعٍت الفردية ‪ ،‬وهذه تنفي التجزئة‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫رب عىل َطعَا ٍم‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ن ن ّ َْص َ‬ ‫َوا ِح ٍد } ‪ . .‬نبلحظ هنا أن الطعام‬ ‫ُوصف بأنه واحد رغم أنه مكون‬

‫من صنفُت ‪٫‬تا ا‪١‬تن والسلوى ‪. .‬‬ ‫ولكنه واحد لرتابة نزوله ‪. .‬‬ ‫الطعام كان يأتيهم من السماء‪. .‬‬ ‫ولكن تعنتهم مع اهلل جعلهم ال‬ ‫يصربون عليه فقالوا ما يدرينا لعله‬ ‫ال يأيت ‪ . .‬نريد طعاما نزرعه‬ ‫بأيدينا ويكون طوال الوقت أمام‬

‫عيوننا ‪ . .‬وكأن هذه ا‪١‬تعجزات‬ ‫كلها لؼست كافية ‪ . .‬لتعطيهم‬ ‫الثقة يف استمرار رزق اهلل‪ . .‬إهنم‬ ‫يريدون أن يروا ‪ . .‬ألم يقولوا‬ ‫‪١‬توىس ‪ { :‬أ َ ِرنَا اهلل َجهْ َرة ً} ‪. .‬‬ ‫ماذا طلبوا؟ ‪ . .‬قالوا ‪ { :‬فادع لَنا‬ ‫ك ُٮت ْ ِر ْج لَنا ِ‪٦‬تَّا ُتنْبِ ُت األرض} ‪.‬‬ ‫َربَّ َ‬

‫ك } أي أطلب من‬ ‫‪ { .‬ادع لَنا َربَّ َ‬ ‫اهلل ‪ . .‬وألن الدعاء لون من الطلب‬ ‫فإنك حُت تتوجه إىل اهلل طالبا أن‬ ‫يعطيك ‪ . .‬فإنك تدعو بذلة‬ ‫الداعي أمام عزة ا‪١‬تدعو ‪. .‬‬ ‫والطلب إن كان من أدىن إىل أعىل‬ ‫قيل دعاء ‪ . .‬ومن مسا ٍو إىل مسا ٍو‬

‫قيل طلب ‪ . .‬ومن أعىل إىل أدىن قيل‬ ‫أمر ‪. .‬‬ ‫لقد طلب بنو إسرائيل من موىس‬ ‫أن يدعو اهلل سبحانه وتعاىل أن‬ ‫ٮترج ‪٢‬تم أطعمة ‪٦‬تا تنبت األرض‬ ‫‪ . .‬وعددوا ألوان األطعمة‬ ‫ا‪١‬تطلوبة ‪ . .‬وقالوا ‪ِ { :‬من بَقْلِهَا‬

‫َوقِث ّ َِآئهَا َو ُفو ِمهَا َوع َ َد ِسهَا َوب َ َصلِهَا }‬ ‫‪ . .‬ولكنها كلها أصناف تدل عىل أن‬ ‫من يأكلها هم من صنف العؽيد ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تعروف أن آل فرعون إستعبدوا‬ ‫بٍت إسرائيل ‪ . .‬ويبدو أن بٍت‬ ‫إسرائيل أحبوا حياة العبودية‬ ‫واستطعموها ‪. .‬‬

‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل كان يريد أن‬ ‫يرفع قدرهم فزنل عليهم ا‪١‬تن‬ ‫والسلوى ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنهم فضلوا طعام العؽيد ‪. .‬‬ ‫والبقل لؼس مقصودا ًبه البقول‬ ‫فحسب ‪ . .‬ولكنه كل نبات ال ساق‬ ‫له مثل ا‪٠‬تس والفجل والكرات‬

‫وا‪ٞ‬ترجَت ‪ . .‬والقثاء هو القتة صنف‬ ‫من ا‪٠‬تيار ‪ . .‬والفوم هو القمح أو‬ ‫الثوم ‪ .‬والعدس والبصل معروفان‬ ‫‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل قبل أن‬ ‫‪٬‬تؼبهم أراد أن يؤنبهم ‪ :‬فقال {‬ ‫َ‬ ‫ون الذي ُه َو أدىن بالذي ُه َو‬ ‫أتَ ْسؾَب ْ ِدل ُ َ‬ ‫َخ َْتٌ} ‪. .‬‬

‫عندما نسمع كلمة اسؾبدال فاعلم‬ ‫أن الباء تدخل عىل ا‪١‬تًتوك ‪. .‬‬ ‫تقول إشًتيت الثوب بدرهم ‪. .‬‬ ‫يكون معٌت ذلك إنك أخذت‬ ‫الثوب وتركت الدرهم ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬الذي ُه َو أدىن بالذي‬ ‫ُه َو َخ َْتٌ} ‪ . .‬أي اهنم تركوا الذي‬

‫هو خَت وهو ا‪١‬تن والسلوى ‪. .‬‬ ‫وأخذوا الذي هو أدىن ‪ . .‬والدنو هنا‬ ‫ال يعٍت الدناءة ‪ . .‬ألن ما تنتجه‬ ‫األرض من نعم اهلل ال ٯتكن أن‬ ‫يوصف بالدناءة ‪ . .‬ولكن اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل ٮتلق باألسباب وٮتلق‬ ‫باألمر ا‪١‬تباشر ‪ . .‬ما ٮتلقه اهلل‬

‫باألمر ا‪١‬تباشر منه بكلمة « كن » ‪.‬‬ ‫‪ .‬يكون خَتا ‪٦‬تا جاء باألسباب ‪. .‬‬ ‫ألن ا‪٠‬تلق ا‪١‬تباشر ال صفة لك فيه ‪.‬‬ ‫‪ .‬عطاء خالص من اهلل ‪ . .‬أما ا‪٠‬تالق‬ ‫باألسباب فقد يكون لك دور فيه ‪.‬‬ ‫‪ .‬كأن ٖترث األرض أو تبذر البذور‬ ‫‪ . .‬ما جاء خالصا من اهلل بدون‬

‫أسبابك يقًتب من عطاء اآلخرة‬ ‫اليت يعطي اهلل فيها ببل أسباب‬ ‫ولكن بكلمة « كن » ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وال َ‬ ‫ك إىل َما َمتَّعْنَا بِ ِه أ َزْ َواجا ً‬ ‫َ٘ت ُ ّد ََّن عَيْنَي ْ َ‬ ‫ِّمن ْ ُه ْم زَ ْه َرةَ ا‪ٟ‬تياة الدنيا لِنَفْؾِن َ ُه ْم‬ ‫ك َخ َْتٌ وأبىق } ػ طه ‪:‬‬ ‫فِي ِه َو ِرزْ ُق َربِّ َ‬

‫‪] 131‬‬ ‫فاهلل تبارك وتعاىل يصف رزق‬ ‫الدنيا بأنه فؾنة ‪ . .‬ويصف رزق‬ ‫اآلخرة بأنه خَت منه ‪ . .‬مع أن رزق‬ ‫الدنيا واآلخرة ‪ ،‬وكل رزق يف هذا‬ ‫الوجود حىت الرزق ا‪ٟ‬ترام هو من‬ ‫اهلل جل جبلله ‪ . .‬فبل رازق إال اهلل‬

‫ولكن الذي ‪٬‬تعل الرزق حراما هو‬ ‫استعجال الناس عليه فيأخذونه‬ ‫بطريق حرام ‪ . .‬ولو صربوا‬ ‫‪ٞ‬تاءهم حبلال ‪. .‬‬ ‫نقول إن اهلل سبحانه وتعاىل هو‬ ‫الذي يرزق ‪ . .‬ولكنه ‪ٝ‬تى رزقا‬ ‫فؾنة و‪ٝ‬تى رزقا خَتا منه ‪ . .‬ذلك‬

‫أن الرزق من اهلل بدون أسباب‬ ‫أعىل وأفضل مزنلة من الرزق الذي‬ ‫يتم باألسباب ‪. .‬‬ ‫إذن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت يقول‬ ‫َ‬ ‫ون الذي ُه َو أدىن‬ ‫‪ { :‬أتَ ْسؾَب ْ ِدل ُ َ‬ ‫بالذي ُه َو َخ َْتٌ} ‪ . .‬يكون ا‪١‬تعٌت‬ ‫أتسؾبدلون الذي هو رزق مباشر‬

‫من اهلل تبارك وتعاىل‪ . .‬وهو ا‪١‬تن‬ ‫والسلوى يأتيكم « بكن » قريب‬ ‫من رزق اآلخرة ٔتا هو أقل منه‬ ‫درجة وهو رزق األسباب يف الدنيا ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولم ‪٬‬تب بنو إسرائيل عىل هذا‬ ‫التأنيب ‪ . .‬وقال ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬اهبطوا ِم ْصرا ًفَإ َِّن ل َ ُك ْم‬

‫َّما َسأَل ْ ُت ْم } ‪ . .‬وال يقال ‪٢‬تم ذلك‬ ‫إال ألهنم أصروا عىل الطلب برغم‬ ‫أن ا‪ٟ‬تق جل جبلله بُت ‪٢‬تم أن ما‬ ‫يزنله إليهم خَت ‪٦‬تا يطلبونه ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫نبلحظ هنا أن مصر جاءت من ّونةً ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن كلمة مصر حُت ترد يف‬

‫القرآن الكريم ال ترد منونة ‪. .‬‬ ‫ومن شرف مصر أهنا ذكرت أكثر‬ ‫من مرة يف القرآن الكريم ‪. .‬‬ ‫نبلحظ أن مصر حؼنما يقصد بها‬ ‫وادي النيل ال يأيت أبدا منونة وإقرأ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬تَب َ َّوءَا ل ِ َق ْو ِم ُك َما‬ ‫ِ ِٔت ْص َر ُبيُوتا ً} ػ يونس ‪] 87 :‬‬

‫ك‬ ‫وقوله جل جبلله ‪ { :‬أَلَؼ ْ َس ِيل ُمل ْ ُ‬ ‫ِم ْص َر وهذه األهنار َٕتْ ِري ِمن ٖتيت }‬ ‫ػ الزخرف ‪] 51 :‬‬ ‫ال الذي‬ ‫وقوله سبحانه ‪َ { :‬وقَ َ‬ ‫اشًتاه ِمن ِّم ْص َر الِ ْم َرأَتِ ِه أ َ ْك ِر ِمي‬ ‫َمث ْ َو ُاه } ػ يوسف ‪] 21 :‬‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬ادخلوا‬

‫ِم ْص َر إِن َشآءَ اهلل آ ِم ِ‬ ‫ُت } ػ يوسف‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫‪] 99 :‬‬ ‫كلمة مصر ذكرت يف اآليات األربع‬ ‫السابقة بغَت تنوين‪ . .‬ولكن يف‬ ‫اآلية اليت ‪٨‬تن بصددها ‪ { :‬اهبطوا‬ ‫ِم ْصرا ً} بالؾنوين ‪ . .‬هل مصر‬ ‫هذه هي مصر الواردة يف اآليات‬

‫ا‪١‬تشار إليها؟ ‪ . .‬نقول ال ‪ . .‬ألن‬ ‫الشيء ا‪١‬تمنوع من الصرف‬ ‫للعلمية والتأنيث ‪ . .‬إذا كان لبقعة‬ ‫أو مكان ‪ . .‬مرة تلحظ أنه بقعة‬ ‫فؼبىق مؤنثا ً‪ . .‬ومرة تلحظ أنه مكان‬ ‫فيكون مذكرا ‪ . .‬فإن كان بقعةً‬ ‫فهو علم ‪٦‬تنوع من الصرف ‪ . .‬وإن‬

‫كان مكانا تكون فيه علمية ولؼس‬ ‫فيه تأنيث ‪ . .‬ومرة تكون هناك‬ ‫علمية وأ‪٫‬تية ولكن اهلل صرفها يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ . .‬كلمات نوح‬ ‫ولوط وشعيب و‪٤‬تمد وهود ‪. .‬‬ ‫كل هذه األ‪ٝ‬تاء كان مفروضا أن‬ ‫٘تنع من الصرف ولكنها صرفت ‪. .‬‬

‫فقيل يف القرآن الكريم نوحا‬ ‫ولوط وشعؼبا و‪٤‬تمدا وهودا ‪ . .‬إذن‬ ‫فهل من ا‪١‬تمكن أن تكون مصر‬ ‫اليت جاءت يف قوله تعاىل ‪ { :‬اهبطوا‬ ‫ِم ْصرا ًفَإ َِّن ل َ ُك ْم َّما َسأَل ْ ُت ْم } هي‬ ‫مصر اليت عاشوا فيها وسط حكم‬ ‫فرعون ‪ . .‬قوله تعاىل ‪ { :‬اهبطوا‬

‫ِم ْصرا ً} من ا‪١‬تمكن أن يكون‬ ‫ا‪١‬تعٌت أي مصر من األمصار ‪. .‬‬ ‫ومن ا‪١‬تمكن أن تكون مصر اليت‬ ‫عاش فيها فرعون ‪ . .‬وكلمة مصر‬ ‫تطلق عىل كل مكان له مفيت وأمير‬ ‫وقاض ‪ . .‬وهي مأخوذة من‬ ‫االقتطاع ‪ . .‬ألنه مكان يقطع‬

‫إمتداد األرض ا‪٠‬تبلء ‪ . .‬ولكن‬ ‫الثابت يف القرآن الكريم‪ . .‬إن‬ ‫مصر اليت لم تنون هي علم عىل‬ ‫مصر اليت نعؼش فيها ‪ . .‬أما مصرا ً‬ ‫اليت خضعت للؾنوين فهي تعٍت كل‬ ‫وا ٍد فيه زرع ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و ُض ِرب َ ْت عَلَي ْ ِه ُم‬

‫الذلة وا‪١‬تسكنة } ‪ . .‬الذلة هي‬ ‫ا‪١‬تشقة اليت تؤدي إىل اإلنكسار ‪. .‬‬ ‫وٯتكن أن ترفع عنك بأن تكون يف‬ ‫‪ٛ‬تى غَتك فيعزك بأن يقول إنك‬ ‫يف ‪ٛ‬تاه ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول عن بٍت إسرائيل ‪{ :‬‬ ‫ُض ِرب َ ْت عَلَي ْ ِه ُم الذلة أَي ْ َن َما ثقفوا‬

‫إِال َّ ِْتَب ْ ٍل ِّم َن اهلل َو َحب ْ ٍل ِّم َن الناس }‬ ‫ػ آل عمران ‪] 112 :‬‬ ‫حبل من اهلل كما حدث عندما‬ ‫عاهدهم رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يف ا‪١‬تدينة ‪ . .‬وعاشوا يف ‪ٛ‬تى‬ ‫العهد ‪ . .‬إذن ْتبل من اهلل أي عىل‬

‫يد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫أو ا‪١‬تؤمنُت به ‪.‬‬ ‫‪ .‬وْتبل من الناس أي يف ‪ٛ‬تاية دولة‬ ‫قوية كالواليات ا‪١‬تتحدة األمريكية‬ ‫‪ . .‬إذا عاهدهتم عزوا وإن تركتهم‬ ‫ذلوا ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و ُض ِرب َ ْت عَلَي ْ ِه ُم‬

‫الذلة } ضربت أي طبعت طبعة‬ ‫قوية بضربة قوية ٕتعل الكتابة‬ ‫بارزة عىل النقود ‪ . .‬ولذلك يقال‬ ‫ضربت يف مصر ‪ . .‬أي أعدت‬ ‫بضربة قوية أذلتهم وبقيت بارزة‬ ‫ال يستطيعون ‪٤‬توها ‪ . .‬أما ا‪١‬تسكنة‬ ‫فهي انكسار يف ا‪٢‬تؼئة ‪.‬‬

‫أهل الكتاب كانوا يدفعون ا‪ٞ‬تزية‬ ‫وا‪ٞ‬تزية كانت تؤخذ من األغنياء ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكانوا يلؽسون ا‪١‬تبلبس القذرة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويقفون يف موقف الذل وا‪٠‬تزي‬ ‫حىت ال يدفعوا ا‪ٞ‬تزية ‪.‬‬ ‫آءو بِغ َ َض ٍب ِّم َن‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وب َ ُ‬ ‫اهلل } ‪ . .‬أي غضب اهلل عليهم‬

‫بذنوبهم وعصياهنم ‪ .‬حىت أصبح‬ ‫الغضب من كثرة عصياهنم كأنه‬ ‫ك‬ ‫‪ٝ‬تة من ‪ٝ‬تاهتم ‪١‬تاذا؟ ‪ { :‬ذَل ِ َ‬ ‫بِأ َ َّهنم كَانُوا ْي َ ْك ُفرون بِآي َ ِ‬ ‫ات اهلل‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ون النبيُت بِغ َ ْ ِ‬ ‫َت ا‪ٟ‬تق ذلك ِٔتَا‬ ‫َوي َ ْق ُتل ُ َ‬ ‫ون } أي أهنم‬ ‫َع َصوا ْ َّوكَانُوا ْيَعْت َ ُد َ‬ ‫كانوا يكفرون بالنعم وال يشكرون‬

‫‪ . .‬ويكفرون باآليات ويشًتون‬ ‫بها ‪ٙ‬تنا قليبل ‪ . .‬ولم يكتفوا بذلك‬ ‫بل كانوا يقتلون أنؽياء اهلل بغَت حق‬ ‫‪..‬‬ ‫األنؽياء غَت الرسل ‪ . .‬واألنؽياء‬ ‫أسوة سلوكية ولكنهم ال يأتون‬ ‫ٔتنهج جديد ‪ . .‬أما الرسل فهم‬

‫أنؽياء بأهنم أسوة سلوكية ورسل‬ ‫ألهنم جاءوا ٔتنهج جديد ‪. .‬‬ ‫ولذلك كل رسول نبي ولؼس كل‬ ‫نبي رسوال ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يعصم أنؽياءه ورسله من ا‪٠‬تطؼئة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنه يعصم رسله من القتل فبل‬ ‫يقدر عليهم أعداؤهم ‪ . .‬فمجيء‬

‫األنؽياء ضرورة ‪ . .‬ألهنم ‪٪‬تاذج‬ ‫سلوكية تسهل عىل الناس‬ ‫التزامهم با‪١‬تنهج ‪ ،‬وبنو إسرائيل‬ ‫بعث اهلل ‪٢‬تم أنؽياء ليقتدوا بهم‬ ‫فقتلوهم ‪١ . .‬تاذا؟ ‪ . .‬ألهنم‬ ‫فضحوا كذبهم وفسقهم وعدم‬ ‫التزامهم با‪١‬تنهج‪ . .‬ولذلك ٕتد‬

‫الكافر والعاصي وغَت ا‪١‬تلتزم يغار‬ ‫ويكره ا‪١‬تلتزم ٔتنهج اهلل ‪. .‬‬ ‫و٭تاول إزالته عن طريقه ولو‬ ‫بالقتل ‪ . .‬إذن فغضب اهلل عليهم‬ ‫من عصياهنم واعتدائهم عىل‬ ‫األنؽياء وما ارتكبوه من آثام ‪.‬‬

‫إ َِّن ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َوال َّ ِذي َن َه ُادوا‬ ‫الصابِئُِت َم ْن آ َم َن بِ َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ارى َو َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َوالنَّ َص َ‬ ‫َوالْي َ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َو َع ِم َل َص ِا‪ٟ‬تًا فَل َ ُه ْم‬ ‫أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن ْ َد َر ِبّ ِه ْم َو َال َخ ْو ٌف‬ ‫ون (‪)62‬‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم َو َال ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫بعد أن ٖتدث ا‪ٟ‬تق سبح انه وتعاىل‬ ‫عن بٍت إسرائيل وكيف كفروا‬

‫بنعمه ‪ . .‬أراد أن يعرض لنا‬ ‫حساب األمم اليت سبقت أمم‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يوم‬ ‫القيامة ‪ ،‬ولقد وردت هذه اآلية يف‬ ‫سورة ا‪١‬تائدة ولكن ٓتبلف يسَت‬ ‫من التقديم والتأخَت ‪ . .‬ففي سورة‬ ‫ا‪١‬تائدة ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْوالذين‬

‫َه ُادوا ْوالصابئون والنصارى } ػ‬ ‫ا‪١‬تائدة ‪] 69 :‬‬ ‫أي أنه يف سورة ا‪١‬تائدة تقدمت‬ ‫الصابئون عىل النصارى‪. .‬‬ ‫واختلف اإل ْعراب فبؼنما يف البقرة‬ ‫و « الصابئُت » ‪ . .‬ويف ا‪١‬تائدة و «‬ ‫الصابئون » ‪ . .‬وردت آية أخرى‬

‫يف سورة ا‪ٟ‬تج ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫والذين َه ُادوا ْوالصابئُت‬ ‫والنصارى وا‪١‬تجوس والذين‬ ‫أشركوا إ َِّن اهلل ي َ ْف ِص ُل بَؼْن َ ُه ْم ي َ ْو َم‬ ‫القيامة إ َِّن اهلل عىل كُ ّ ِل َش ْيءٍ َش ِهي ٌد }‬ ‫ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 17 :‬‬ ‫اآليات الثبلث تبدو متشابهة ‪. .‬‬

‫أن هناك خبلفات كثَتة ‪ . .‬ما‬ ‫إال َّ‬ ‫هو سبب التكرار ا‪١‬توجود يف اآليات‬ ‫‪ . .‬وتقديم الصابئُت مرة‬ ‫وتأخَتها ‪ . .‬ومع تقدٯتها رفعت‬ ‫وتغَت اإلعراب ‪ . .‬ويف اآليتُت‬ ‫األوليُت ( البقرة وا‪١‬تائدة ) تأيت ‪{ :‬‬ ‫َم ْن آ َم َن باهلل واليوم اآلخر َو َع ِم َل‬

‫َص ِا‪ٟ‬تا ًفَل َ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن َد َر ِبّ ِه ْم َوال َ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫أما يف اآلية اليت يف سورة ا‪ٟ‬تج فقد‬ ‫زاد فيها ‪ { :‬ا‪١‬تجوس والذين‬ ‫أشركوا } ‪ . .‬واختلف فيها ا‪٠‬ترب ‪.‬‬ ‫‪ .‬فقال اهلل سبحانه وتعاىل ‪ { :‬إ َِّن‬ ‫اهلل يَفْ ِص ُل بَؼْن َ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة } ‪.‬‬

‫عندما خلق اهلل وأنزله ليعمر‬ ‫األرض أنزل معه ا‪٢‬تدى ‪ . .‬واقرأ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬فَإ َِّما يَأْتِؼَنَّ ُكم ِّم ِ ٍّت‬ ‫اي فَبل َي َ ِض ُّل َوال َ‬ ‫ُه ًدى فَ َم ِن اتبع ُه َد َ‬ ‫يشىق } ػ طه ‪] 123 :‬‬ ‫مفروض أن آدم أبلغ ا‪١‬تنهج ألوالده‬ ‫‪ . .‬وهؤالء أبلغوه ألوالدهم وهكذا‬

‫‪ . .‬وتشغل الناس ا‪ٟ‬تياة وتطرأ‬ ‫عليهم الغفلة ‪ . .‬ويصؼبهم طمع‬ ‫الدنيا وجشعها ويؾبعون شهواهتم ‪.‬‬ ‫‪ .‬فكان البد من ر‪ٛ‬تة اهلل ‪٠‬تلقه أن‬ ‫يأيت الرسل ليذكروا وينذروا‬ ‫ويبشروا ‪. .‬‬ ‫اآلية الكرٯتة تقول ‪ { :‬إ َِّن الذين‬

‫آ َم ُنوا ْ} ‪ . .‬أي إٯتان الفطرة الذي‬ ‫نزل مع آدم إىل األرض ‪ . .‬وبعد‬ ‫ذلك جاءت أديان كفر الناس بها‬ ‫فأبيدوا من عىل األرض ‪ . .‬كقوم‬ ‫نوح ولوط وفرعون وغَتهم ‪. .‬‬ ‫وجاءت أديان ‪٢‬تا اتباع حىت اآلن‬ ‫كاليهودية والنصرانية والصابػية ‪،‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل يريد أن ‪٬‬تمع‬ ‫كل ما سبق يف رسالة ‪٤‬تمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم‪ . .‬ورسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم جاء لتصفية‬ ‫الوضع اإلٯتاين يف األرض ‪. .‬‬ ‫إذن الذين آمنوا أوال سواء مع آدم أو‬ ‫مع الرسل ‪ . .‬الذين جاءوا بعده‬

‫‪١‬تعا‪ٞ‬تة الداءات اليت وقعت ‪ . .‬ثم‬ ‫الذين تسموا باليهود والذين‬ ‫تسموا بالنصارى والذين تسموا‬ ‫بالصابئة‪ . .‬فاهلل تبارك وتعاىل‬ ‫يريد أن يبلغهم لقد انتىه كل هذا‬ ‫‪ . .‬فمن آمن ٔتحمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم فبل خوف عليهم وال هم‬

‫٭تزنون ‪ . .‬فكأن رسالته عليه‬ ‫الصبلة والسبلم جاءت لتصفية كل‬ ‫األديان السابقة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكل إنسان يف الكون مطالب بأن‬ ‫يؤمن ٔتحمد عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ . .‬فقد دىع الناس كلهم‬ ‫إىل اإلٯتان برسالته ‪ . .‬ولو بقي‬

‫إنسان من عهد آدم أو من عهد‬ ‫إدريس أو من عهد نوح أو إبراهيم‬ ‫أو هود ‪ . .‬وأولئك الذين نسبوا إىل‬ ‫اليهودية وإىل النصرانية وإىل‬ ‫الصابػية‪ . .‬كل هؤالء مطالبون‬ ‫باإلٯتان ٔتحمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم والتصديق بدين اإلسبلم ‪. .‬‬

‫فاإلسبلم ٯتسح العقائد السابقة يف‬ ‫األرض ‪ . .‬و‪٬‬تعلها مركزة يف دين‬ ‫واحد ‪ . .‬الذين آمنوا بهذا الدين ‪:‬‬ ‫ون }‬ ‫{ ال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫‪ . .‬والذين لم يؤمنوا ‪٢‬تم خوف‬ ‫وعليهم حزن ‪ . .‬وهذا إعبلن‬ ‫بوحدة دين جديد ‪ . .‬ينتظم فيه‬

‫كل من يف األرض إىل أن تقوم‬ ‫الساعة ‪ . .‬أما أولئك الذين ظلوا‬ ‫عىل ما هم عليه ‪ . .‬ولم يؤمنوا‬ ‫بالدين ا‪ٞ‬تديد ‪ . .‬ال يفصل اهلل‬ ‫بؼنهم إال يوم القيامة ‪ . .‬ولذلك‬ ‫فإن اآلية اليت تضمنت اٌفساب‬ ‫والفصل يوم القيامة ‪ . .‬جاء فيها‬

‫كل من لم يؤمن بدين ‪٤‬تمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم‪ٔ . .‬تا فيهم‬ ‫ا‪١‬تجوس والذين أشركوا ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أراد أن يرفع‬ ‫الظن ‪ . .‬عمن تبع دينا سبق‬ ‫اإلسبلم وبقي عليه بعد السبلم‪. .‬‬ ‫وهو يظن أن هذا الدين نافعه ‪. .‬‬

‫نقول له أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد‬ ‫حسم هذه القضية يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َو َمن يَؽْت َ ِغ غ َ َْت َاإلسبلم ِدينا ًفَل َْن‬ ‫يُ ْقب َ َل ِمن ْ ُه } ػ آل عمران ‪] 85 :‬‬ ‫وقوله جل جبلله ‪ { :‬إ َِّن ال ِ ّدي َن‬ ‫ِعن َد اهلل اإلسبلم } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫‪] 19‬‬

‫إذن التصفية النهائية ‪١‬توكب‬ ‫اإلٯتان والرساالت يف الوجود‬ ‫حسمت ‪ . .‬فالذي آمن ٔتحمد‬ ‫عليه الصبلة والسبلم‪ . .‬ال ٮتاف‬ ‫وال ٭تزن يوم القيامة ‪ . .‬والذي لم‬ ‫يؤمن يقول اهلل تبارك وتعاىل له {‬ ‫إ َِّن اهلل يَفْ ِص ُل بَؼْن َ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة }‬

‫‪ . .‬إذن الذين آمنوا هم الذين‬ ‫ورثوا اإلٯتان من عهد آدم ‪. .‬‬ ‫والذين هادوا هم أتباع موىس عليه‬ ‫السبلم ‪ . .‬وجاء االسم من قو‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫« إنا هدنا إليك » أي عدنا إليك ‪.‬‬ ‫‪ .‬والنصارى ‪ٚ‬تع نصراين وهم‬ ‫منسوبون إىل الناصرة البلدة اليت‬

‫ولد فيها عؼىس عليه السبلم ‪ . .‬أو‬ ‫من قول ا‪ٟ‬تواريُت ‪٨‬تن أنصار اهلل‬ ‫يف قوله تعاىل ‪ { :‬فَل َ َّمآ أ َ َح َّس عؼىس‬ ‫ال َم ْن أنصاري إ َِىل‬ ‫ِمن ْ ُه ُم الكفر قَ َ‬ ‫ال ا‪ٟ‬تواريون َ‪٨‬ت ْ ُن أَن ْ َص ُار اهلل‬ ‫اهلل قَ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫آمنَّا باهلل واشهد بِأن َّا ُم ْسل ُم َ‬ ‫َ‬ ‫آل عمران ‪] 52 :‬‬

‫أما الصابئة فقد اختلف العلماء‬ ‫فيهم ‪ . .‬قال بعضهم هم أتباع‬ ‫نوح ولكنهم غَتوا بعده وعبدوا‬ ‫من دون اهلل الوسائط يف الكون‬ ‫كالشمس والقمر والكواكب‪. .‬‬ ‫أو الصابئة هم الذين انتقلوا من‬ ‫الدين الذي كان يعاصرهم إىل‬

‫الدين ا‪ٞ‬تديد ‪ . .‬أو هم ‪ٚ‬تاعة من‬ ‫العقبلء قالوا ما عليه قومنا ال يقنع‬ ‫العقل ‪ . .‬كيف نعبد هذه األصنام‬ ‫و‪٨‬تن نصنعها ونصلحها؟ ‪.‬‬ ‫‪ .‬فامؾنعوا عن عبادة أصنام العرب‬ ‫‪ . .‬فقالوا عنهم إهنم صؽئوا عن‬ ‫دين آبائهم ‪ . .‬أي تركوه وآمنوا‬

‫بالدين ا‪ٞ‬تديد ‪ . .‬وأيا كان ا‪١‬تراد‬ ‫بالصابئُت فهم كل من مال عن‬ ‫دينه إىل دين آخر ‪.‬‬ ‫أننا نبلحظ أن اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫‪ .‬جاء بالصابئُت يف سورة البقرة‬ ‫متأخرة ومنصوبة ‪ . .‬ويف سورة‬ ‫ا‪١‬تائدة متقدمةً ومرفوعةً ‪ . .‬نقول‬

‫هذا الكبلم يدخل يف قواعد النحو ‪.‬‬ ‫‪ .‬اآلية تقول ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْ}‬ ‫‪٨ . .‬تن نعرف أ َ َّن ( إ َِّن ) تنصب‬ ‫االسم وترفع ا‪٠‬ترب ‪ . .‬فالذين مؽٍت‬ ‫ألنه إسم موصول يف ‪٤‬تل نصب‬ ‫إسم ألن ‪ { :‬والذين َه ُادوا ْ}‬ ‫معطوف عىل الذين آمنوا يكون‬

‫منصوبا ًأيضا ً‪ . .‬والنصارى‬ ‫معطوف أيضا عىل إسم إن ‪. .‬‬ ‫والصابئُت معطوف أيضا ومنصوب‬ ‫بالياء ألنه ‪ٚ‬تع مذكر سالم ‪. .‬‬ ‫نأيت إىل قوله تعاىل ‪َ { :‬م ْن آ َم َن باهلل‬ ‫واليوم اآلخر } ‪ .‬هذه مستقيمة يف‬ ‫سورة البقرة إعرابا وترتؼبا‪. .‬‬

‫والصابئُت تأخرت عن النصارى‬ ‫ألهنم فرقة قليلة ‪ . .‬ال ٘تثل ‪ٚ‬تهرة‬ ‫كثَتة كالنصارى‪ . .‬ولكن يف آية‬ ‫ا‪١‬تائدة تقدمت الصابئون وبالرفع‬ ‫يف قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫والذين َه ُادوا ْ} ‪ . .‬الذين آمنوا‬ ‫إسم إن والذين هادوا معطوف ‪ . .‬و‬

‫« الصابئون » كان القياس إعرابيا‬ ‫أن يقال والصابئُت ‪ . .‬وبعدها‬ ‫النصارى معطوفة‪ . .‬ولكن كلمة (‬ ‫الصابئون ) توسطت بُت اليهود‬ ‫وبُت النصارى‪ . .‬وكسر إعرابها‬ ‫بشكل ال يقتضيه الظاهر ‪. .‬‬ ‫وللعرب إذن مرهفة لغويا ‪ . .‬فمىت‬

‫‪ٝ‬تع الصابئُت اليت جاءت معطوفة‬ ‫عىل اسم إن تأيت بالرفع يلتفت لفتة‬ ‫قسرية ليعرف السبب ‪. .‬‬ ‫حُت توىل أبا جعفر ا‪١‬تنصور ا‪٠‬تبلفة‬ ‫‪ . .‬وقف عىل ا‪١‬تنرب و‪ٟ‬تن ‪ٟ‬تنة أي‬ ‫أخطأ يف نطق كلمة ‪ . .‬وكان هناك‬ ‫إعرايب ‪٬‬تلس فآذت أُذنيه ‪. .‬‬

‫وأخطأ ا‪١‬تنصور للمرة الثانية‬ ‫فحرك اإلعرايب أُذنيه باستغراب ‪.‬‬ ‫‪ .‬وعندما أخطأ للمرة الثالثة قام‬ ‫اإلعرايب وقال ‪ . .‬أشهد أنك وليت‬ ‫هذا األمر بقضاء وقدر ‪ . .‬أي أنك‬ ‫ال تستحق هذا ‪ . .‬هذا هو اللحن إذا‬ ‫‪ٝ‬تعه العريب هز أذنيه ‪ . .‬فإذا جاء‬

‫لفظ مرفوعا وا‪١‬تفروض أن يكون‬ ‫منصوبا ‪ . .‬فإن ذلك ‪٬‬تعله يتنبه أن‬ ‫اهلل له حكمة وعلة ‪ . .‬فما هي‬ ‫العلة؟ ‪. .‬‬ ‫الذين آمنوا أمرهم مفهوم والذين‬ ‫هادوا أمرهم مفهوم والنصارى‬ ‫أمرهم مفهوم ‪ . .‬أما الصابئون‬

‫فهؤالء لم يكونوا تابعُت لدين ‪. .‬‬ ‫ولكنهم سلكوا طريقا ‪٥‬تالفا ‪. .‬‬ ‫فجاءت هذه اآلية لتلفؾنا أن هذه‬ ‫التصفية تشمل الصابئُت أيضا‪. .‬‬ ‫فقدمتها ورفعتها لتلفت إليها‬ ‫اآلذان بقوة ‪ . .‬فاهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يعطف اإلٯتان عىل العمل لذلك‬

‫يقول دائما ‪ { :‬آ َم َن َو َع ِم َل َص ِا‪ٟ‬تا ً‬ ‫} ‪ . .‬ألن اإلٯتان إن لم يقًتن‬ ‫بعمل فبل فائدة منه ‪ . .‬واهلل يريد‬ ‫اإلٯتان أن يسيطر عىل حركة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫بالعمل الصاٌف‪ . .‬فيأمر كل مؤمن‬ ‫بصاٌف العمل وهؤالء ال خوف‬

‫عليهم يف الدنيا وال هم ٭تزنون يف‬ ‫اآلخرة ‪.‬‬

‫َوإِذْ أ َ َخ ْذنَا ِمؼثَاقَ ُك ْم َو َرفَعْنَا فَ ْوقَ ُك ُم‬ ‫ور ُخ ُذوا َما آتَؼْنَا ُك ْم بِ ُق َّو ٍة‬ ‫ا ُّلط َ‬ ‫ِِ‬ ‫ون‬ ‫َواذْ ُك ُروا َما يفه لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫(‪)63‬‬

‫ٯتنت اهلل سبحانه وتعاىل مرة أخرى‬ ‫ُّ‬ ‫عىل بٍت إسرائيل بالنعم اليت أنعم‬ ‫بها عليهم ويذكرهم ّتحودهم‬ ‫بها ‪ . .‬ولكننا نبلحظ أن القرآن‬ ‫الكريم حؼنما يتكلم عن اليهود ‪. .‬‬ ‫يتكلم عنهم با‪٠‬تطاب ا‪١‬تباشر ‪. .‬‬ ‫فهل الذين عاصروا نزول القرآن‬

‫وهم الذين أخذ اهلل تبارك وتعاىل‬ ‫عليهم ا‪١‬تؼثاق ‪ . .‬هؤالء ‪٥‬تاطبون‬ ‫ٔتراد آبائهم وأجدادهم الذين‬ ‫عاصروا موىس عليه السبلم ‪.‬‬ ‫نقول أنه كان ا‪١‬تطلوب من كل جد‬ ‫أو أب أن يبلغ ذريته ما انتهت إليه‬ ‫قضية اإلٯتان ‪ . .‬فحُت ٯتنت اهلل‬

‫عليهم أنه أهلك أهل فرعون‬ ‫وأنقذهم ‪ . .‬ٯتنت عليهم ألنه‬ ‫أنقذ آباءهم من التذبيح ‪ . .‬ولوال‬ ‫أنه أنقذهم ما جاء هؤالء اليهود‬ ‫ا‪١‬تعاصرون لرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬فهم كانوا‬ ‫مطمورين يف ظهور آبائهم ‪. .‬‬

‫ولكي ينقذهم اهلل كان البد أن‬ ‫تستمر حلقة ا‪ٟ‬تياة متصلة ‪. .‬‬ ‫فمىت انتهت حياة األب قبل أن‬ ‫يتزوج وينجب انتهت يف اللحظة‬ ‫نفسها حياة ذريته ‪ . .‬الشيء نفسه‬ ‫ينطبق عىل قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫‪َ { :‬وإِ ِذ اسؾسىق موىس ل ِ َق ْو ِم ِه } ‪. .‬‬

‫إمؾنان عىل اليهود ا‪١‬تعاصرين لزنول‬ ‫القرآن ‪ . .‬ألنه سبحانه وتعاىل لو‬ ‫لم ينقذ آباءهم من ا‪١‬توت عطشا‬ ‫‪١‬تاتوا ببل ذرية ‪.‬‬ ‫إذن كل إمؾنان عىل اليهود يف عهد‬ ‫موىس هو إمؾنان عىل ذريته يف عهد‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أخذ عىل‬ ‫اليهود ا‪١‬تؼثاق القديم ‪ . .‬ولوال هذا‬ ‫ا‪١‬تؼثاق ما آمنوا وال آمنت ذريتهم ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َرفَعْنَا فَ ْوقَ ُك ُم‬ ‫الطور } ‪ . .‬أي أن اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل يذكرهم بأهنم بعد أن ‪٧‬توا‬ ‫وأغرق اهلل فرعون وقومه ذهب‬

‫موىس ‪١‬تيقات ربه لؼتلىق عنه‬ ‫التوراة ‪ . .‬فعبد بنو إسرائيل‬ ‫العجل ‪ .‬وعندما عاد موىس بالتوراة‬ ‫وباأللواح ‪ . .‬وجدوا يف تعاليمها‬ ‫مشقة عليهم ‪ . .‬وقالوا ‪٨‬تن ال نطيق‬ ‫هذا التكليف وفكروا أال يلتزموا به‬ ‫وأال يقبلوه ‪.‬‬

‫التكليف هو من مكلف هو اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬وهم يقولون إن‬ ‫اهلل كلفهم ما ال يطيقون ‪ . .‬مع أن‬ ‫اهلل جل جبلله ال يكلف نفسا إال‬ ‫وسعها ‪ . .‬هذا هو ا‪١‬تبدأ اإلٯتاين‬ ‫الذي وضعه ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪. .‬‬ ‫يظن بعض الناس أن معٌت اآلية‬

‫الكرٯتة ‪ { :‬ال َيُكَلِ ّ ُف اهلل ن َ ْفسا ًإِال َّ‬ ‫ُو ْسعَهَا } ػ البقرة ‪] 286 :‬‬ ‫يظنون أننا نضع أنفسنا حكما عىل‬ ‫تكليف اهلل ‪ . .‬فإن كنا نعتقد أننا‬ ‫نقدر عىل هذا التكليف نقل هو من‬ ‫اهلل وإن كنا نعتقد أننا ال نقدر عليه‬ ‫ْتكمنا ‪٨‬تن ‪ . .‬نقل اهلل لم يكلفنا‬

‫بهذا ألنه فوق طاقؾنا ‪ . .‬ولكن‬ ‫ا‪ٟ‬تكم الصحيح هل كلفك اهلل‬ ‫بهذا األمر أو لم يكلفك؟ إن كان‬ ‫اهلل قد كلفك فهو عليم بأن ذلك يف‬ ‫وسعك؛ ألن اهلل ال يكلف نفسا إال‬ ‫وسعها ‪.‬‬

‫‪ .‬و‪٨‬تن نسمع اآلن صيحات تقول‬ ‫أن العصر لم يعد ٭تتمل ‪ . .‬وإن‬ ‫ظروف الدنيا وسرعة ا‪ٟ‬تركة فيها‬ ‫وسرعة األحداث هي تربير أنه‬ ‫لؼس يف وسعنا أن نؤدي بعض‬ ‫التكاليف ‪ . .‬رٔتا كان هذا التكليف‬ ‫يف الوسع يف ا‪١‬تاضي عندما كانت‬

‫ا‪ٟ‬تياة بسيطة وحركتها بطؼئة‬ ‫ومشكبلهتا ‪٤‬تدودة ‪.‬‬ ‫ردد هذا الكبلم ‪ :‬إن‬ ‫نقول ‪١‬تن ي ّ‬ ‫الذي كلفك قدٯتا هو اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ .‬إنه يعلم أن يف وسعك أن‬ ‫تؤدي التكليف وقت نزوله ‪ . .‬وبعد‬ ‫آالف السنُت من نزوله وحىت قيام‬

‫الساعة ‪ . .‬والدليل عىل ذلك أن‬ ‫هناك من يقوم بالتكليف ويتطوع‬ ‫بأكثر منه ليدخل يف باب‬ ‫اإلحسان؛ فهناك من يصلي‬ ‫الفروض وهي التكليف ‪ . .‬وهناك‬ ‫من يزيد عليها السنن ‪ . .‬وهناك‬ ‫من يقوم الليل ‪ . .‬فيظل يتقرب‬

‫إىل اهلل تبارك وتعاىل بالتطوع من‬ ‫جنس ما فرض ‪ . .‬وهناك من‬ ‫يصوم رمضان ومن يتطوع ويصوم‬ ‫أوائل الشهور العربية ‪ . .‬أو كل‬ ‫اثنُت و‪ٜ‬تؼس عىل مدار العام أو يف‬ ‫شهري رجب وشعبان ‪ . .‬وهناك‬ ‫من ٭تج مرة ومن ٭تج مرات ‪. .‬‬

‫وهناك من يلتزم ْتدود الزكاة ومن‬ ‫يتصدق بأكثر منها ‪.‬‬ ‫إذن كل التكاليف اليت كلفنا اهلل بها‬ ‫يف وسعنا وأقل من وسعنا ‪ . .‬وال‬ ‫يقال أن العصر دق اختلف ‪ ،‬فنحن‬ ‫الذين نعؼش هذا العصر‪ . .‬بكل ما‬ ‫فيه من متغَتات نقوم بالتكاليف‬

‫ونزيد عليها دون أي مشقة ‪ ،‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل رفع فوق بٍت‬ ‫إسرائيل الطور ر‪ٛ‬تة بهم ‪. .‬‬ ‫٘تاما كما ٯتسك الطؽيب ا‪١‬تشرط‬ ‫ليزيل صديدا ًتك َّون داخل ا‪ٞ‬تسد‬ ‫‪ . .‬ألن ا‪ٞ‬تسد ال يصح بغَت هذا ‪.‬‬ ‫لذلك عندما أراد اهلل سبحانه‬

‫وتعاىل أن يصيب بفضله ور‪ٛ‬تته‬ ‫بٍت إسرائيل رغم أنوفهم ‪ . .‬رفع‬ ‫فوقهم جبل الطور ا‪١‬توجود يف سؼناء‬ ‫‪ . .‬وقال ‪٢‬تم تقبلوا التكليف أو‬ ‫أطبق عليكم ا‪ٞ‬تبل ‪٘ . .‬تاما كما‬ ‫أهلك اهلل تبارك وتعاىل الذين‬ ‫كفروا ورفضوا اإلٯتان وقاوموا‬

‫الرسل الذين من قبلهم ‪ . .‬قد‬ ‫يقول البعض إن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫أرغم اليهود عىل تكليف وهو القائل‬ ‫ُت‬ ‫‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين قَد َّتب َ َّ َ‬ ‫الرشد ِم َن الغي } ػ البقرة ‪256 :‬‬ ‫]‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَ َمن َشآءَ فَلْي ُ ْؤ ِمن‬

‫َو َمن َشآءَ فَلْي َ ْك ُف ْر } ػ الكهف ‪:‬‬ ‫‪] 29‬‬ ‫نقول إن اهلل جل جبلله لم يرغم‬ ‫أحدا عىل التكليف ‪ . .‬ولكنه ر‪ٛ‬تة‬ ‫منه خَتهم بُت التكليف وبُت‬ ‫عذاب يصؼبهم فيهلكهم ‪ . .‬وهذا‬ ‫العذاب هو أن يُ ْطب َق عليهم جبل‬

‫الطور ‪ . .‬إذن ا‪١‬تسألة لؼس فيها‬ ‫لك‬ ‫ِ‬ ‫إجبار و ن فيها ٗتيَت ‪ . .‬وقد ُخ َّت َ‬ ‫الذين من قبلهم بُت اإلٯتان‬ ‫وا‪٢‬تبلك فلن يصدقوا حىت‬ ‫أصابهم ا‪٢‬تبلك‪ . .‬ولكن حؼنما‬ ‫رأى بنو إسرائيل ا‪ٞ‬تبل فوقهم‬ ‫خشعوا ساجدين عىل األرض ‪. .‬‬

‫وسجودهم دليل عىل أهنم قبلوا‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ . .‬ولكنهم كانوا وهم‬ ‫ساجدون ينظرون إىل ا‪ٞ‬تبل فوقهم‬ ‫خشية أن يطبق عليهم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك ٕتد سجود اليهود حىت‬ ‫اليوم عىل جهة من الوجه ‪ . .‬بؼنما‬ ‫ا‪ٞ‬تهة األخرى تنظر إىل أعىل وكان‬

‫ذلك خوفا من أن ينقض ا‪ٞ‬تبل‬ ‫عليهم ‪ . .‬ولو سألت يهوديا ً‪١‬تاذا‬ ‫تسجد بهذه الطريقة يقول لك‬ ‫أ‪ٛ‬تل التوراة ويهتز منتفضا ‪. .‬‬ ‫نقول أهنم اهتزوا ساعة أن رفع‬ ‫اهلل جبل الطور فوقهم ‪ . .‬فكانوا يف‬ ‫كل صبلة يأخذون الوضع نفسه ‪،‬‬

‫والذين شهدوهم من أوالدهم‬ ‫وذريتهم ‪ . .‬اعتقدوا أهنا شرط من‬ ‫شروط السجود عندهم ‪ . .‬ولذلك‬ ‫أصبح سجودهم عىل جانب من‬ ‫الوجه ‪ . .‬ونظرهم إىل شيء‬ ‫أعبلهم ٮتافون منه ‪ . .‬أي أن‬ ‫الصورة اليت حدثت ‪٢‬تم ساعة رفع‬

‫جبل الطور ال زالوا باقُت عليها حىت‬ ‫اآلن ‪.‬‬ ‫يف هذه اآلية الكرٯتة يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬وإذا رفعنا‬ ‫فوقكم الطور ‪ } . .‬ويف آية أخرى‬ ‫يقول ا‪١‬توىل جل جبلله يف نفس ما‬ ‫حدث ‪َ { :‬وإِذ نَتَقْنَا ا‪ٞ‬تبل فَ ْوقَ ُه ْم‬

‫كَأَن ّ َُه ُظل َّ ٌة وظنوا أَن ّ َُه َواقِ ٌع بِ ِه ْم ُخ ُذوا ْ‬ ‫َمآ ءاتؼناكم بِ ُق َّو ٍة واذكروا َما فِي ِه‬ ‫ون} ػ األعراف ‪:‬‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫‪] 171‬‬ ‫« نتقنا » كأن ا‪ٞ‬تبل وتد يف األرض‬ ‫ونريد أن ‪٩‬تلعه ‪ . .‬فنحركه ٯتؼنا‬ ‫ويسارا حىت ٯتكن أن ٮترج من‬

‫األرض ‪ . .‬هذه ا‪ٟ‬تركة والزحزحة‬ ‫وا‪ٞ‬تذب هي النتق ‪ . .‬وا‪ٞ‬تبل‬ ‫كالوتد ٘تاما ٭تتاج إىل هز وزعزعة‬ ‫وجذب حىت ٮترج من مكانه ‪. .‬‬ ‫وهذه الصورة عندما حدثت‬ ‫خشعوا وسجدوا وتقبلوا ا‪١‬تنهج ‪.‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬

‫ُخ ُذوا ْ َمآ ءاتؼناكم بِ ُق َّو ٍة} ‪. .‬‬ ‫األخذ عادة مقابل للعطاء ‪ . .‬أنت‬ ‫تأخذ من ٍ‬ ‫معط ‪ . .‬والتكليف أخذ‬ ‫من اهلل حىت تعطي به حركة صبلح‬ ‫يف الكون ‪ . .‬إذن كل أخذ البد أن‬ ‫يأيت منه عطاء؛ فأنت تأخذ من‬ ‫ا‪ٞ‬تيل الذي سبقك وتعطي للجيل‬

‫الذي يليك ‪ . .‬ولكنك ال تعطيه‬ ‫كما هو ‪ ،‬ولكن البد أن تضيف‬ ‫عليه ‪ .‬وهذه اإلضافة هي اليت تصنع‬ ‫ا‪ٟ‬تضارات ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ « :‬بقوة » ‪ . .‬أي ال‬ ‫تأخذوا التكليف بتخاذل ‪. .‬‬ ‫واإلنسان عادة يأخذ بقوة ما هو‬

‫نافع له ‪ . .‬ولذلك فطؽيعة مناهج‬ ‫اهلل أن تؤخذ بقوة وبيقُت ‪. .‬‬ ‫لتعطي خَتا كثَتا بقوة وبيقُت‪. .‬‬ ‫وإذا أخذت منهج اهلل بقوة فقد‬ ‫ائتمنت عليه وأن صدرك قد‬ ‫انشرح وتريد أن تأخذ أكثر ‪. .‬‬ ‫لذلك ٕتد يف القرآن الكريم‬

‫يسألونك عن كذا ‪ . .‬دليل عىل‬ ‫أهنم عشقوا التكليف وعلموا أنه‬ ‫نافع فهم يريدون زيادة النفع ‪.‬‬ ‫ومادام ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قال ‪{ :‬‬ ‫ُخ ُذوا ْ َمآ ءاتؼناكم بِ ُق َّو ٍة} ‪ . .‬فقد‬ ‫عشقوا التكليف ولم يعد شاقا عىل‬ ‫أنفسهم ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬واذكروا َما فِي ِه‬ ‫ون} ‪ . .‬إذكروا ما فيه‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫أي ما يف ا‪١‬تنهج وأنه يعاًف كل قضايا‬ ‫ا‪ٟ‬تياة واعرفوا حكم هذه القضايا ‪.‬‬ ‫ون } أي تطيعون‬ ‫‪ { .‬لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫اهلل وتتقون عقابه وعذابه يوم‬ ‫القيامة ‪.‬‬

‫ك فَل َ ْو َال فَ ْض ُل‬ ‫ُث َّم تَ َولَّؼ ْ ُت ْم ِم ْن بَعْ ِد ذَل ِ َ‬ ‫َِ‬ ‫‪ٛ‬ت ُت ُه ل َ ُكن ْ ُت ْم ِم َن‬ ‫اّلل عَلَي ْ ُك ْم َو َر ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ا‪٠‬تَْا ِسرِي َن (‪)64‬‬ ‫بُت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لنا‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫كيف أمر اليهود بأن يتذكروا‬ ‫ا‪١‬تنهج وال ينسوه ‪ . .‬وكان ‪٣‬ترد‬ ‫تذكرهم للمنهج ‪٬‬تعلهم يؤمنون‬

‫باإلسبلم وبرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ألنه مكتوب عندهم‬ ‫يف التوراة ومذكورة أوصافه ‪. .‬‬ ‫ماذا فعل اليهود؟‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫تَ َولَّؼ ْ ُت ْم ِّمن بَعْ ِد ذلك } ‪ . .‬أي‬ ‫أعرضتم عن منهج اهلل ونسؼتموه‬

‫ولم تلتفتوا إليه ‪ { . .‬فَل َ ْوال َفَ ْض ُل‬ ‫‪ٛ‬ت ُت ُه ل َ ُكن ْ ُتم ِّم َن‬ ‫اهلل عَلَي ْ ُك ْم َو َر ْ َ‬ ‫ا‪٠‬تاسرين } ما هو الفضل وما هي‬ ‫الر‪ٛ‬تة؟ الفضل هو الزيادة عما‬ ‫تستحق ‪ . .‬يقال لك هذا حقك‬ ‫وهذا فضل مٍت أي زيادة عىل حقك‬ ‫‪..‬‬

‫عن عائشة رضي اهلل عنها عن‬ ‫النبي صىل اهلل عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫س ّددوا وقاربوا وأبشروا فإنه ال‬ ‫ِ‬ ‫عمله قالوا ‪ :‬وال‬ ‫يُ ْدخ ُل أحدا ًا‪ٞ‬تن َة ُ‬ ‫ول اهلل؟ قال ‪ :‬وال أنا إال‬ ‫أنت يا رس َ‬ ‫أن يتغمدين اهلل ٔتغفرة ور‪ٛ‬تة »‬ ‫فإذا تساءلت كيف يتم هذا؟‬

‫وكيف أنه ال أحد يدخل ا‪ٞ‬تنة‬ ‫بعمله؟ نقول نعم ألن عمل الدنيا‬ ‫كله ال يساوي نعمة من نعم اهلل عىل‬ ‫خلقه؛ فأنت تذكرت العمل ولم‬ ‫تتذكر الفضل ‪ . .‬وكل من يدخل‬ ‫ا‪ٞ‬تنة فبفضل اهلل سبحانه وتعاىل‪. .‬‬ ‫حىت الشهداء الذين أعطوا حياهتم‬

‫وهي كل ما ٯتلكون يف هذه الدنيا ‪.‬‬ ‫‪ .‬يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عنهم ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُت ِٔتَآ آتَ ُاه ُم اهلل ِمن فَ ْضلِ ِه‬ ‫{ فَ ِرح َ‬ ‫ِ‬ ‫ون بالذين ل َ ْم يَل ْ َح ُقوا ْ‬ ‫َوي َ ْستَبْش ُر َ‬ ‫بِ ِهم ِّم ْن َخل ْ ِف ِه ْم أَال َّ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫ون } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫‪] 170‬‬

‫فإذا كان هؤالء الشهداء وهم يف‬ ‫أعىل مراتب ا‪ٞ‬تنة قد دخلوا ا‪ٞ‬تنة‬ ‫بفضل اهلل ‪ . .‬فما بالك ٔتن هم‬ ‫أقل منهم أجرا ‪ . .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل له فضل عىل عباده ‪ٚ‬تيعا‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل ل َ ُذو‬ ‫فَ ْض ٍل عَىلَ الناس ولكن أ َ ْكث َ َر الناس‬

‫ون } ػ البقرة ‪] 243 :‬‬ ‫ال َي َ ْش ُك ُر َ‬ ‫أما الر‪ٛ‬تة فهي اليت فتحت طريق‬ ‫التوبه لغفران الذنوب ‪ .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد أن يلفؾنا إىل‬ ‫أنه لوال هذا الفضل لؽٍت إسرائيل ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولوال أنه فتح ‪٢‬تم باب الر‪ٛ‬تة‬ ‫وا‪١‬تغفرة ليعودوا مرة أخرى إىل‬

‫مؼثاقهم ومنهجهم ‪ . .‬لوال هذا‬ ‫لكانوا من ا‪٠‬تاسرين الذين أصابهم‬ ‫خسران مبُت يف الدنيا واآلخرة ‪. .‬‬ ‫ولكن اهلل تبارك وتعاىل بفضل منه‬ ‫ور‪ٛ‬تة قد قادهم إىل الدين الذي‬ ‫حفظه اهلل سبحانه وتعاىل بقدرته‬ ‫من أي ٖتريف ‪ . .‬فرفع عنهم عبء‬

‫حفظ الكتاب ‪ . .‬وما ينتج عن ذلك‬ ‫من ‪ٛ‬تل ثقيل يف الدنيا ‪. .‬‬ ‫ور‪ٛ‬تهم برسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم الذي أرسله ر‪ٛ‬تة للعا‪١‬تُت ‪.‬‬ ‫‪ .‬مصداقا لقوله تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫‪ٛ‬تةً ل ِ‬ ‫ومآ أ َ‬ ‫اك إِال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َْ‬ ‫األنؽياء ‪] 107 :‬‬

‫وأعطاهم فضل هذا الدين ا‪٠‬تاتم‬ ‫الذي حسم قضية اإلٯتان يف هذا‬ ‫الكون ‪ . .‬ومع هذه الر‪ٛ‬تة وهذا‬ ‫الفضل ‪ . .‬بأن نزل إليهم يف‬ ‫التوراة أوصاف رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم وموعد بعثه ‪ . .‬فتح ‪٢‬تم‬ ‫بابا حىت ال يصبحوا من ا‪٠‬تاسرين ‪.‬‬

‫‪ .‬ولكنهم تركوا هذا الباب كما‬ ‫تولوا عن دينهم ‪.‬‬

‫اعت َ َد ْوا ِمن ْ ُك ْم‬ ‫َول َ َق ْد عَلِ ْم ُت ُم ِذ َّ‬ ‫الي َن ْ‬ ‫السب ْ ِت فَ ُقلْنَا َ‪٢‬ت ُ ْم ُكونُوا قِ َردَة ً‬ ‫ِيف َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)65‬‬ ‫َخاسئ َ‬

‫بعد أن بُت اهلل جل جبلله لنا كيف‬ ‫أنه فتح باب الفضل والر‪ٛ‬تة‬ ‫لليهود فًتكوه ‪ . .‬أراد أن يبُت لنا‬ ‫بعض الذي فعلوه يف ‪٥‬تالفة أوامر‬ ‫اهلل والتحايل عليها‪ . .‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل له أوامر يف الدين وأوامر‬ ‫تتعلق بشئون الدنيا ‪ . .‬وهو ال ٭تب‬

‫أن نأخذ أي أمر له يتعلق بالدين أو‬ ‫بالدنيا مأخذ عدم ا‪ٞ‬تد ‪ . .‬أو‬ ‫نفضل أمرا عىل أمر ‪ . .‬ولذلك ٕتد‬ ‫يف سورة ا‪ٞ‬تمعة مثبل قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬ياأيها الذين‬ ‫ي ِم‬ ‫لصبل َ ِة ِمن َ ْو‬ ‫آمنوا إِذَا نُو ِد َي ل ِ َّ‬ ‫ا‪ٞ‬تمعة فاسعوا إىل ِذ ْك ِر اهلل َوذَ ُروا ْ‬

‫الؽيع ذَل ِ ُك ْم َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم إِن ُك ُنت ْم‬ ‫ون * فَإِذَا ُق ِضي َ ِت الصبلة‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬ ‫فانتشروا ِيف األرض وابتغوا ِمن‬ ‫فَ ْض ِل اهلل } ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪] 10-9 :‬‬ ‫هذان أمران أحد‪٫‬تا يف الدين‬ ‫والثاين يتعلق بالدنيا‪ . .‬وكبل‪٫‬تا من‬ ‫منهج اهلل‪ . .‬فاهلل ال يريدك أن‬

‫تتاجر وتعمل وقت الصبلة ‪ . .‬وال‬ ‫أن تًتك عملك ببل داع وتبىق يف‬ ‫ا‪١‬تسجد بعد الصبلة ‪ . .‬إذا نودي‬ ‫للصبلة فإىل ا‪١‬تسجد ‪ . .‬وإذا قضيت‬ ‫الصبلة فإىل السعي للرزق‪. .‬‬ ‫وهناك يومان يف األسبوع ذكرا يف‬ ‫القرآن باإلسم و‪٫‬تا يوم ا‪ٞ‬تمعة‬

‫والسبت ‪ . .‬يب‪٪‬تا أيام األسبوع‬ ‫سبعة ‪ٜ ،‬تسة أيام منها لم تذكر يف‬ ‫القرآن باإلسم ‪ . .‬وهي األحد‬ ‫واإلثنُت والثبلثاء واألربعاء‬ ‫وا‪٠‬تمؼس ‪ . .‬ا‪ٞ‬تمعة هي عيد‬ ‫ا‪١‬تسلمُت الذي شرع فيه‬ ‫إجتماعهم يف ا‪١‬تساجد وأداء صبلة‬

‫ا‪ٞ‬تماعة ‪ . .‬ونبلحظ أن يوم‬ ‫ا‪ٞ‬تمعة لم يأخذ اشتقاقه من العدد‬ ‫‪ . .‬فأيام األسبوع نسبت إىل‬ ‫األعداد فيما عدا ا‪ٞ‬تمعة والسبت ‪.‬‬ ‫لذلك ٕتد األحد منسوب إىل واحد‬ ‫واإلثنُت منسوب إىل إثنُت ‪. .‬‬ ‫والثبلثاء منسوب إىل ثبلثة‬

‫واألربعاء منسوب إىل أربعة‬ ‫وا‪٠‬تمؼس منسوب إىل ‪ٜ‬تسة ‪. .‬‬ ‫كان ا‪١‬تفروض أن ينسب يوم‬ ‫ا‪ٞ‬تمعة إىل ستة ولكنه لم ينسب‪. .‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألنه اليوم الذي اجتمع فيه‬ ‫للكون نظام وجوده ‪ . .‬فسماه اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل ا‪ٞ‬تمعة وجعله لنا‬

‫عيدا ‪ . .‬والعيد هو اجتماع كل‬ ‫الكون يف هذا اليوم ‪ ،‬إجتماع نعمة‬ ‫اهلل يف إ‪٬‬تاد الكون و٘تامها يف ذلك‬ ‫اليوم ‪ . .‬فا‪١‬تؤمنون باهلل ‪٬‬تتمعون‬ ‫اجتماع حفاوة بتمام خلق الكون‬ ‫‪٢‬تم ‪ . .‬والسبت ‪ . .‬الباء والتاء‬ ‫تفيد معٌت القطع ‪ . .‬وسبت ويسبت‬

‫سؽتا إذا انقطع عمله ‪ . .‬ونبلحظ‬ ‫أن خلق السموات واألرض تم يف‬ ‫ستة أيام مصداقا لقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ُه َو الذي َخل َ َق السماوات واألرض‬ ‫ِيف ِستَّ ِة أَيَّا ٍم } ػ ا‪ٟ‬تديد ‪] 4 :‬‬ ‫وكان ٘تام ا‪٠‬تلق يوم ا‪ٞ‬تمعة‪ . .‬ويف‬ ‫سبع وهو يوم السبت ‪. .‬‬ ‫اليوم ال ا‬

‫كان كل شيء قد استقر وفرغ من‬ ‫خلق الكون ‪ . .‬ولذلك له سبات أي‬ ‫أن هذا اليوم يس ىم سباتا ‪ . .‬ألن‬ ‫فيه سكون ا‪ٟ‬تركة بعد ٘تام ا‪٠‬تلق ‪.‬‬ ‫‪ .‬فلما أراد اليهود يوما للراحة‬ ‫أعطاهم اهلل يوم السبت وأراد‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن يؽتليهم يف‬

‫هذا اليوم واالبتبلء هو إمتحاهنم‬ ‫فقد كانوا يعيشون عىل البحر‬ ‫وعملهم كان صيد السمك ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكان اإلبتبلء يف هذا اليوم حيث‬ ‫حرم اهلل عليهم فيه العمل وجعل‬ ‫ا‪ٟ‬تؼتان اليت يصطادوهنا تأيت إليهم‬ ‫وقد بدت أشرعتها وكانوا يبحثون‬

‫عنها طوال األسبوع ورٔتا ال‬ ‫‪٬‬تدوهنا ‪ . .‬ويف يوم السبت جاءهتم‬ ‫ظاهرة عىل سطح ا‪١‬تاء تسىع إليهم‬ ‫لتفؾنهم ‪ . .‬واقرأ قوله سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪َ { :‬و ْسئَل ْ ُه ْم َع ِن القرية اليت‬ ‫ِ‬ ‫ون ِيف‬ ‫كَان َ ْت َحاض َرةَ البحر إِذْيَعْ ُد َ‬ ‫السبت إِذْ تَأْتِي ِه ْم ِحؼت َ ُاهن ُ ْم ي َ ْو َم‬

‫ِ‬ ‫ون ال َ‬ ‫َسؽْت ِه ْم ُش َّرعا ً َوي َ ْو َم ال َي َ ْسؽ ُِت َ‬ ‫وهم ِٔتَا كَانُوا‬ ‫ك ن َ ل ُْ‬ ‫تَأْتِي ِه ْم كَ َذل ِ َ‬ ‫بُ‬ ‫ون } ػ األعراف ‪] 163 :‬‬ ‫ي َ ْف ُس ُق َ‬ ‫وهكذا ٯتتلئ سطح البحر‬ ‫باأل‪ٝ‬تاك وا‪ٟ‬تؼتان يوم السبت‪. .‬‬ ‫فإذا جاء صباح األحد اختفت بعيدا‬ ‫وهم يريدون أن ‪٬‬تعلوا السبت‬

‫عيدا ‪٢‬تم ال يفعلون فيه أي شيء ‪. .‬‬ ‫ولكنهم يف الوقت نفسه يريدون‬ ‫أن ٭تصلوا عىل هذه األ‪ٝ‬تاك‬ ‫وا‪ٟ‬تؼتان ‪ . .‬صنعوا شؼئا ا‪ٝ‬ته‬ ‫ا‪ٟ‬تياض العميقة ليحتالوا بها عىل‬ ‫أمر اهلل بعدم العمل يف هذا اليوم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويف الوقت نفسه ٭تصلون عىل‬

‫األ‪ٝ‬تاك ‪ . .‬هذه ا‪ٟ‬تياض يدخلها‬ ‫السمك بسهولة‪ . .‬وألهنا عميقة‬ ‫ال يستطيع ا‪٠‬تروج منها ويًتكونه‬ ‫يؽيت الليل ويف الصباح يصطادونه‬ ‫‪ . .‬وكان هذا ٖتايبل منهم عىل ‪٥‬تالفة‬ ‫أمر اهلل ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل ال‬ ‫٭تب من ٭تتال يف شيء من أوامره ‪.‬‬

‫ويقول اهلل تعاىل ‪َ { :‬ول َ َق ْد عَلِ ْم ُت ُم‬ ‫الذين اعتدوا ِمن ْ ُك ْم ِيف السبت‬ ‫فَ ُقلْنَا َ‪٢‬تم ُكونُوا ْقِ َردة ً َخا ِسئِ‬ ‫ُت } ‪. .‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫وهذه قصة مشهورة عند اليهود‬ ‫ومتواترة ‪ . .‬يعلمها األجداد لآلباء‬ ‫واألباء لؤلحفاد ‪ . .‬وهي لؼست‬ ‫جديدة عليهم وإن كان ا‪١‬تخاطبون‬

‫هم اليهود ا‪١‬تعاصرين لرسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬ولذلك‬ ‫عندما ‪ٝ‬تع ‪ { :‬ولقد علمتم } أي‬ ‫لقد عرفتم ومعٌت ذلك أن القصة‬ ‫عندكم معروفة ‪ . .‬وكأهنا من‬ ‫قصص الًتاث اليت يؾناقلوهنا ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬الذين اعتدوا‬

‫ِمن ْ ُك ْم ِيف السبت } ‪ . .‬ا‪١‬تفعول هنا‬ ‫واحد هنا حيلة مذكورة أهنم‬ ‫اعتدوا عىل أمر اهلل بالراحة يوم‬ ‫السبت ‪ . .‬هم حقيقة لم يصطادوا‬ ‫يوم السبت ‪ . .‬ولكنهم ٖتايلوا عىل‬ ‫ا‪١‬تمنوع بنصب الفخاخ للحؼتان‬ ‫واأل‪ٝ‬تاك ‪ . .‬وكانوا يف ذلك أغؽياء‬

‫‪ . .‬وقد كان ا‪١‬تمنوع أن يأخذوا‬ ‫السمك يف حيازهتم بالصيد يوم‬ ‫السبت ‪ . .‬ولكنهم أخذوه يف‬ ‫حيازهتم با‪ٟ‬تيلة والفخاخ ‪ . .‬وقوله‬ ‫تعاىل ‪ « :‬اعتدوا » أي ٕتاوزوا‬ ‫حدود اهلل ا‪١‬ترسومة ‪٢‬تم ‪ . .‬وعادة‬ ‫حُت ٭ترم اهلل شؼئا يأيت بعد‬

‫ود‬ ‫التحريم قوله تعاىل ‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬ ‫وها } ػ البقرة ‪187 :‬‬ ‫اهلل فَبل َ قْ َت َر ُب َ‬ ‫]‬ ‫ألنه يريد أن ٯتنعك من اإلغراء ‪.‬‬ ‫‪ .‬حىت ال تقع يف ا‪١‬تعصية فيقول لك‬ ‫ال تقًتب ‪ . .‬ولكن بٍت إسرائيل‬ ‫اعتدوا عىل حكم اهلل متظاهرين‬

‫بالطاعة وهم عاصون‪ . .‬وحسبوا‬ ‫أهنم يستطيعون خداع اهلل بأهنم‬ ‫طائعون مع أهنم عاصون ‪ . .‬وصدر‬ ‫حكم اهلل عليهم ‪ { :‬فَ ُقلْنَا َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ُكونُوا ْقِ َردة ً َخا ِسئِ‬ ‫ُت } ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وعادة أنك ال تأمر إنسانا أمرا إال‬ ‫إذا كان يف قدرته أن يفعله ‪ . .‬األمر‬

‫هنا أن يكونوا قردة ‪ .‬فهل‬ ‫يستطيعون تنفيذه؟ وأن يغَتوا‬ ‫خلقتهم إىل قردة ‪ . .‬إنه أمر يف‬ ‫مقدرة اهلل وحده فكيف يقول ‪٢‬تم‬ ‫كونوا قردة؟‬ ‫نقول إن اآلمر نفسه هنا هو الذي‬ ‫يستطيع أن ‪٬‬تعلهم قردة ‪ . .‬وهذا‬

‫األمر يس ىم أمرا ًتسخَتيّا ًولم‬ ‫يقل ‪٢‬تم كونوا قردة ليكونوا هم‬ ‫بإرادهتم قردة ‪ . .‬ولكنه سبحانه‬ ‫ٔتجرد أن قال كونوا قردة كانوا ‪. .‬‬ ‫وهذا يدلنا عىل انصياع ا‪١‬تأمور‬ ‫لؤلمر وهو غَت ‪٥‬تتار ‪ . .‬ولو كان ال‬ ‫يريد ذلك وال يلزم أن يكونوا قد‬

‫‪ٝ‬تعوا قول اهلل أو قال ‪٢‬تم ‪ . .‬ألنه‬ ‫لو كان ا‪١‬تطلوب منهم تنفيذ ما‬ ‫‪ٝ‬تعوه رٔتا كان ذلك الزما ‪. .‬‬ ‫ولكن ٔتجرد صدور األمر وقبل أن‬ ‫ينؾبهوا أو يعلموا شؼئا كانوا قردة ‪.‬‬ ‫ولقد اختلف العلماء كيف ٖتول‬ ‫هؤالء اليهود إىل قردة؟ كيف‬

‫مسخوا؟ قال بعضهم لقد تم‬ ‫ا‪١‬تسخ وهم ال يدرون ‪ . .‬فلما‬ ‫وجدوا أنفسهم قد ٖتولوا إىل خلق‬ ‫أقل من اإلنسان ‪ . .‬لم يأكلوا ولم‬ ‫يشربوا حىت ماتوا ‪ . .‬وقال بعض‬ ‫العلماء أن اإلنسان إذا مسخ فإنه ال‬ ‫يؾناسل ‪ ،‬ولذلك فبمجرد مسخهم‬

‫لم يؾناسلوا حىت انقرضوا ‪ . .‬و‪١‬تاذا‬ ‫لم يؾناسلوا؟ ألن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪َ { :‬وال َتَ ِز ُر َوا ِز َرةٌ ِوزْ َر‬ ‫أخرى } ػ األنعام ‪] 164 :‬‬ ‫ولو أهنم تناسلوا ‪ . .‬لتحمل األبناء‬ ‫وزر آبائهم ‪ . .‬وهذا مرفوض عند‬ ‫اهلل ‪ . .‬إذن فمن ر‪ٛ‬تة اهلل أهنم ال‬

‫يأكلون وال يشربون وال يؾناسلون ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويبقون فًتة ثم ينقرضون‬ ‫باألمراض واألوبئة وهذا ما حدث‬ ‫‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫قد يقول بعض الناس لو أهنم‬ ‫مسخوا قردة ‪ . .‬فمن أين جاء‬ ‫اليهود ا‪١‬توجودون اآلن؟ نقول ‪٢‬تم‬

‫أنه لم يكن كل اليهود عاصُت ‪. .‬‬ ‫ولكن كان منهم أقلية هي اليت‬ ‫عصت ومسخت ‪ . .‬وبقيت‬ ‫األكثرية ليصل نسلها إلؼنا اليوم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وقد قال علماء آخرون أن هناك‬ ‫آية يف سورة ا‪١‬تائدة تقول ‪ُ { :‬ق ْل‬ ‫َه ْل أُنَؽ ّ ُِئ ُك ْم بِ َش ّ ٍر ِّمن ذلك َمثُوبَةً‬

‫ِعن َد اهلل َمن لَّعَن َ ُه اهلل و َغ ِ‬ ‫ب عَلَي ْ ِه‬ ‫ض‬ ‫َ َ‬ ‫َو َجعَ َل ِمن ْ ُه ُم القردة وا‪٠‬تنازير‬ ‫َو َعب َ َد الطاغوت أولئك َش ٌّر َّمكَانا ً‬ ‫َوأ َ َض ُّل َعن َس َوآءِ السؽيل } ػ‬ ‫ا‪١‬تائدة ‪] 60 :‬‬ ‫إذن هذه قضية قوم غضب اهلل‬ ‫عليهم ومسخهم قردة وخنازير‬

‫وعبدة الطاغوت ‪ . .‬ولقد أخربنا‬ ‫اهلل جل جبلله أن اليهود مسخوا‬ ‫قردة ‪ . .‬ولكنه لم يقل لنا أهنم‬ ‫مسخوا خنازير ‪ . .‬فهل مسخوا‬ ‫قردة؟ ثم بعد ذلك إزداد غضب‬ ‫اهلل عليهم ومسخوا خنازير؟ وهل‬ ‫نقلهم اهلل من إنسانية إىل بهيمية‬

‫يف القيم واإلرادة وا‪٠‬تلقة؟‬ ‫نقول علؼنا أوال أن ننظر إىل‬ ‫البهيمية اليت نقلهم اهلل إليها ‪. .‬‬ ‫‪٧‬تد أن القردة هي ا‪ٟ‬تيوان الوحيد‬ ‫ا‪١‬تفضوح العورة دائما ‪ . .‬وإن‬ ‫عورته ‪٢‬تا لون ‪٦‬تيز عن جسده ‪.‬‬

‫‪ .‬وأنه ال يتأدب إال بالعصا ‪. .‬‬ ‫واليهود كذلك لم يقبلوا ا‪١‬تنهج إال‬ ‫عندما رفع فوقهم جبل الطور ‪. .‬‬ ‫وما هم فيه اآلن لؼس مسخ خلقه‬ ‫ولكن مسخ ُخلُق ‪ . .‬وا‪٠‬تنازير ال‬ ‫يغارون عىل أنثاهم وهذه الزمة‬ ‫موجودة يف اليهود ‪ . .‬وعبدة‬

‫الطاغوت ‪ . .‬الطاغوت هو كل‬ ‫إنسان ٕتاوز ا‪ٟ‬تد يف البغي والظلم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وعباد الطاغوت هم الطائعون‬ ‫لكل ظالم يعؼنونه عىل ظلمه وهم‬ ‫كذلك ‪.‬‬ ‫إذن فعملية ا‪١‬تسخ هذه سواء ٘تت‬ ‫مرة واحدة أو عىل مرتُت مسألة‬

‫شكلية ‪ . .‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫أعطانا يف اآلية اليت ذكرناها يف‬ ‫سورة ا‪١‬تائدة ‪ٝ‬تات اليهود‬ ‫األخبلقية ‪ . .‬فكأهنم مسخوا خلقه‬ ‫ومسخوا أخبلقا ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ُت ي َ َديْهَا َو َما‬ ‫فَ َجعَلْن َ َ‬ ‫اها نَكَ ًاال ‪١‬تَا ب َ ْ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُت (‪)66‬‬ ‫َخل ْ َفهَا َو َم ْو ِع َظةً لل ْ ُمتَّق َ‬

‫يريد اهلل تبارك وتعاىل أن يلفؾنا‬ ‫إىل أنه بعد أن جعل ا‪١‬تسخة‬ ‫ا‪٠‬تلقية واألخبلقية لليهود ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُت ي َ َديْهَا } أي‬ ‫فَ َجعَلْن َ َ‬ ‫اها نَكَاال ً ّ‪١‬تَا ب َ َْ‬ ‫ما معها ‪َ { :‬و َما َخل ْ َفهَا } أي ما‬ ‫بعدها ‪ « :‬والنكال » هو العقوبة‬ ‫الشديدة ‪ . .‬والعقوبة البد أن تنشأ‬

‫عن ٕتريم أوال ‪ . .‬هذا هو ا‪١‬تبدأ‬ ‫اإلسبلمي وا‪١‬تبدأ القانوين ‪. .‬‬ ‫فرجال القانون يقولون ال عقوبة‬ ‫إال بتجريم وال ٕتريم إال بنص ‪. .‬‬ ‫قبل أن تعاقب البد أن تقول أن‬ ‫هذا الفعل جرٯتة عقوبتها كذا‬ ‫وكذا ‪ . .‬ويف هذه ا‪ٟ‬تالة عندما‬

‫يرتكبها أي إنسان يكون مستحقا‬ ‫للعقوبة ‪ . .‬ومادام هذا هو ا‪١‬توقف‬ ‫فبلبد من تشريع ‪.‬‬ ‫والتشريع لؼس معناه أن اهلل شرع‬ ‫العقوبة ‪ . .‬ولكن معناه ‪٤‬تاولة منع‬ ‫ا‪ٞ‬ترٯتة بالتخويف حىت ال يفعلها‬ ‫أحد ‪ . .‬فإذا ٘تت ا‪ٞ‬ترٯتة فبلبد من‬

‫توقيع العقوبة ‪ . .‬ألن توقيعها عربة‬ ‫للغَت ومنع له من ارتكابها ‪ . .‬وهذا‬ ‫الزجر ي‪ٝ‬تى نكوال ومنها النكول‬ ‫يف اليمُت أي الرجوع فيه ‪.‬‬ ‫اها نَكَاال ً}‬ ‫إذن قوله تعاىل ‪ { :‬فَ َجعَلْن َ َ‬ ‫‪ . .‬أي جعلناهم زجرا وعقابا قويا ‪.‬‬ ‫‪ .‬حىت ال يعود أحد من بٍت إسرائيل‬

‫إىل مثل هذه ا‪١‬تخالفة ‪ { :‬نَكَاال ً ِ ّ‪١‬تَا‬ ‫ُت ي َ َديْهَا } ‪ . .‬أي عقوبة حُت‬ ‫بَ ْ َ‬ ‫يرويها الذين عاصروها تكفي‬ ‫لكيبل يقًتبوا من هذه ا‪١‬تعصية أبدا‬ ‫‪ . .‬وتكون ‪٢‬تم موعظة ال ينسوهنا ‪:‬‬ ‫{ َو َما َخل ْ َفهَا } يعٍت جعلناها‬ ‫تتوارثها األجيال من بٍت إسرائيل‬

‫جيبل بعد جيل ‪ . .‬كما بيننا األب‬ ‫٭تكي البنه حىت ال يعود أحد يف‬ ‫ا‪١‬تستقبل إىل مثل هذا العمل من‬ ‫شدة العقوبة ‪ { :‬و َمو ِع َظةً ل ِ ّلْمتَّقِ‬ ‫ُت‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫} ‪ . .‬أي موعظة لكل الناس الذين‬ ‫سؼبلغهم اهلل تبارك وتعاىل ٔتا‬ ‫حدث من بٍت إسرائيل وما عاقبهم‬

‫به ‪ . .‬حىت يقوا أنفسهم شر‬ ‫العذاب يوم القيامة الذي سيكون‬ ‫فيه ألوان أشد كثَتا من هذا‬ ‫العذاب ‪ . .‬عىل أننا البد أن نلفت‬ ‫اإلنؾباه إىل أن مبدأ أنه ال عقوبة إال‬ ‫بتجريم وال ٕتريم إال بنص هو‬ ‫مبدأ إ‪٢‬تي ‪ . .‬ولذلك يقول اهلل‬

‫ِ‬ ‫ُت‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬و َما ُكنَّا ُمعَ ّذبِ َ‬ ‫ث َر ُسوال ً} ػ اإلسراء ‪:‬‬ ‫حىت نَبْعَ َ‬ ‫‪] 15‬‬ ‫أي يأيت الرسول أوال ليجرم هذه‬ ‫األفعال ‪ . .‬فإن ارتكبها أحد من‬ ‫خلق اهلل حقت عليه العقوبة ‪. .‬‬ ‫ومن هنا فإن كل ما يقال عن قوانُت‬

‫بأثر رجعي ‪٥‬تالف لشريعة اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل وعدله‪ . .‬فبل يوجد‬ ‫يف عدالة السماء ما يقال عنه أثر‬ ‫رجعي ‪.‬‬

‫اّلل‬ ‫وىس لِقَ ْو ِم ِه إ َِّن ّ ََ‬ ‫َوإِذْقَ َ‬ ‫ال ُم َ‬ ‫يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن تَ ْذ َ ُْتوا بَقَ َرة ًقَالُوا‬

‫أَتَتَّ ِخ ُذنَا ُه ُزوا قَ َ َ‬ ‫وذ بِ َ ِ‬ ‫اّلل أ َ ْن‬ ‫ال أ ُع ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫أ َ ُكون ِم َن ا‪ٞ‬تْا ِهلِ‬ ‫ُت (‪)67‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫تعرضنا إىل هذه اآلية الكرٯتة يف‬ ‫بداية سورة البقرة ‪ . .‬ألن السورة‬ ‫‪ٝ‬تيت بهذا االسم ‪ . .‬ونبلحظ هنا‬ ‫أن اهلل سبحانه وتعاىل أىت ْترف ‪« :‬‬ ‫ال‬ ‫وإذ » ‪ . .‬يعٍت واذكروا ‪َ { :‬وإِذْقَ َ‬

‫موىس ل ِ َق ْو ِم ِه إ َِّن اهلل يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن‬ ‫تَ ْذ َ ُْتوا ْب َ َق َرة ً} ‪ . .‬ولم يقل ‪١‬تاذا‬ ‫أمرهم بأن يذْتوا البقرة ‪ . .‬والبد‬ ‫أن نقرأ اآليات إىل آخر القصة‬ ‫لنعرف السبب يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ‬ ‫قَتَل ْ ُت ْم نَفْسا ًفادارأتم فِيهَا واهلل‬ ‫ون* فَ ُقلْنَا‬ ‫ُ‪٥‬ت ْ ِر ٌج َّما ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬

‫ك ُ٭تْيِي اهلل‬ ‫اضربوه بِبَعْ ِضهَا َك َذل ِ َ‬ ‫ا‪١‬توىت َويُ ِري ُك ْم آيَاتِ ِه لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪] 73-72 :‬‬ ‫تَعْقل ُ َ‬ ‫وا‪١‬تفروض يف كل األمور أن األمر‬ ‫تسبقه علته‪ . .‬ولكن هذه عظمة‬ ‫القرآن الكريم ‪ . .‬ألن السؤال‬ ‫عن العلة أوال معناه أن األمر صادر‬

‫من مساو لك ‪ . .‬فإذا قال لك‬ ‫إنسان إفعل كذا ‪ . .‬تسأله ‪١‬تاذا‬ ‫حىت أطيع األمر وأنفذه ‪ . .‬إذن‬ ‫األمر من ا‪١‬تساوي هو الذي تسأل‬ ‫عن علته ‪ . .‬ولكن األمر من غَت‬ ‫ا‪١‬تساوي ‪ . .‬كأمر األب إلبنه‬ ‫والطؽيب ‪١‬تريضه والقائد ‪ٞ‬تنوده ‪. .‬‬

‫مثل هذا األمر ال يسأل عن علته‬ ‫قبل تنفيذه ‪ . .‬ألن الذي أصدره‬ ‫أحكم من الذي صدر إليه األمر ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولو أن كل مكلف من اهلل أقبل عىل‬ ‫األمر يسأل عن علته أوال ‪. .‬‬ ‫فيكون قد فعل األمر بعلته ‪ .‬فكأنه‬ ‫قد فعله من أجل العلة ‪ . .‬ومن هنا‬

‫يزول اإلٯتان ‪ . .‬ويستوي أن‬ ‫يكون اإلنسان مؤمنا أو غَت مؤمن ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويكون تنفيذ األمر ببل ثواب من‬ ‫اهلل ‪. .‬‬ ‫إن اإلٯتان ‪٬‬تعل ا‪١‬تؤمن يتلىق األمر‬ ‫من اهلل طائعا ‪ . .‬عرف علته أو لم‬ ‫يعرف ‪ . .‬ويقوم بؾنفيذه ألنه‬

‫صادر من اهلل ‪ . .‬ولذلك فإن تنفيذ‬ ‫أي أمر إٯتاين يتم ألن األمر صادر‬ ‫من اهلل ‪ . .‬وكل تكليف يأيت ‪ . .‬علة‬ ‫حدوثه هي اإلٯتان باهلل ‪ . .‬ولذلك‬ ‫فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يبدأ كل‬ ‫تكليف بقوله تعاىل ‪ { :‬يَا أَيُّهَا الذين‬ ‫آمنوا } ‪ . .‬أي يا من آمنت باهلل‬

‫ربا وإ‪٢‬تا وخالقا ‪ . .‬خذ عن اهلل‬ ‫وافعل ألنك آمنت ٔتن أمرك ‪.‬‬ ‫يف هذه اآليات اليت ‪٨‬تن بصددها‬ ‫أراد اهلل تعاىل أن يبُت لنا ذلك ‪.‬‬ ‫فجاء باألمر بذبح البقرة أوال‪. .‬‬ ‫وبالعلة يف اآليات اليت روت لنا علة‬ ‫القصة ‪ . .‬وأنت حُت تعبد اهلل فكل‬

‫ما تفعله هو طاعة هلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ . .‬سواء عرفت العلة أو لم تعرفها؛‬ ‫فأنت تؤدي الصبلة ألن اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل أمرك بأن تصلي ‪ . .‬فلو‬ ‫أديت الصبلة عىل أهنا رياضة أو أهنا‬ ‫وسيلة لبلسؾيقاظ ا‪١‬تبكر ‪ . .‬أو أهنا‬ ‫حركات الزمة لليونة ا‪١‬تفاصل فإن‬

‫صبلتك تكون ببل ثواب وال أجر ‪.‬‬ ‫‪ .‬إن أردت الرياضة فاذهب إىل‬ ‫أحد النوادي وليدربك أحد‬ ‫ا‪١‬تدربُت لتكون الرياضة عىل‬ ‫أصو‪٢‬تا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وأن أردت اللياقة البدنية فهناك‬ ‫ألف طريقة لذلك ‪ . .‬وإن أردت‬

‫عبادة اهلل كما أمرك اهلل فلتكن‬ ‫صبلتك اليت فرضها اهلل عليك ألن‬ ‫اهلل فرضها ‪ . .‬وكذلك كل‬ ‫العبادات األخرى ‪. .‬‬ ‫الصوم لؼس شعورا بإحساس‬ ‫ا‪ٞ‬تائع ‪ . .‬وال هو طريقة لعمل‬ ‫الرجيم ولكنه عباده ‪ . .‬إن لم‬

‫تصم تنفيذا ألمر اهلل بالصوم فبل‬ ‫ثواب لك ‪ . .‬وإن جعلت للصيام‬ ‫أي سبب إال العبادة فإنه صيام ال‬ ‫يقبله اهلل ‪ . .‬واهلل أغٌت الشركاء‬ ‫عن الشرك ‪ . .‬فمن أشرك معه‬ ‫أحدا ترك اهلل عمله ‪١‬تن أشركه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكذلك كل العبادات ‪.‬‬

‫هذا هو ا‪١‬تفهوم اإلٯتاين الذي أراد‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل أن يلفؾنا إليه يف‬ ‫قصة بقرة بٍت إسرائيل ‪ . .‬ولذلك‬ ‫لم يأت بالعلة أو السبب أوال ‪. .‬‬ ‫بل أىت بالقصة ثم أخربنا سبحانه‬ ‫يف آخرها عن السبب ‪ . .‬وسواء‬ ‫أخربنا اهلل عن السبب أو لم ٮتربنا‬

‫فهذا ال يغَت يف إٯتاننا ْتقيقة ما‬ ‫حدث ‪ . .‬وإن القصة ‪٢‬تا حكمة‬ ‫وإن خفيت علؼنا فهي موجودة ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن‬ ‫تَ ْذ َ ُْتوا ْب َ َق َرة ً} ‪ . .‬أعىط اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل األمر أوال ليخؾرب قوة إٯتان‬ ‫بٍت إسرائيل ‪ . .‬ومدى قيامهم‬

‫بؾنفيذ التكليف دون تلكؤ أو ٘تهل‬ ‫‪ . .‬ولكنهم بدال من أن يفعلوا ذلك‬ ‫أخذوا يف ا‪١‬تساومة والؾباطؤ ‪َ { :‬وإِذْ‬ ‫ال موىس ل ِ َق ْو ِم ِه } ‪ . .‬كلمة قوم‬ ‫قَ َ‬ ‫تطلق عىل الرجال فقط ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يقول القرآن الكريم ‪ { :‬ياأيها‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْال َي َ ْس َخ ْر قَ ْو ٌم ِّمن قَ ْو ٍم‬

‫عىس أَن ي َ ُكونُوا ْ َخ َْتا ً ِّمن ْ ُه ْم َوال َ‬ ‫ِ‬ ‫آء ِّمن نِ ّ َسآءٍ عىس أَن ي َ ُك َّن َخ َْتا ً‬ ‫ن َس ٌ‬ ‫ِّمن ْ ُه َّن } ػ ا‪ٟ‬تجرات ‪] 11 :‬‬ ‫إذن قوم هم الرجال ‪ . .‬ألهنم‬ ‫يقومون عىل شئون أسرهم‬ ‫ونسائهم ‪ . .‬ولذلك يقول الشاعر‬ ‫العريب ‪:‬‬

‫وما أدري ولست أخال أدري ‪...‬‬ ‫أَ‬ ‫حص‬ ‫ق‬ ‫نٍ‬ ‫نساء‬ ‫أم‬ ‫آل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ٌْ‬ ‫ُ‬ ‫فالقوامة للرجال ‪ . .‬وا‪١‬ترأة حياهتا‬ ‫مبنية عىل السًت يف بؼتها‪. .‬‬ ‫والرجال يقومون ‪٢‬تا ٔتا ٖتتاج إليه‬ ‫من شئون ‪ . .‬وا‪١‬تفروض أن ا‪١‬ترأة‬ ‫سكن لزوجها وبؼتها وأوالدها وهي‬

‫يف هذا ‪٢‬تا مهمة أكرب من مهمة‬ ‫الرجال ‪ . .‬قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل‬ ‫يَأ ْ ُم ُر ُك ْم } ‪ . .‬األمر طلب فعل ‪.‬‬ ‫وإذا كان اآلمر أعىل من ا‪١‬تأمور‬ ‫نسميه أمرا ‪ . .‬وإذا كان مساويا له‬ ‫نسميه إلتماسا ‪ . .‬وإذا كان إىل أعىل‬ ‫نسميه رجاء ودعاء ‪ . .‬عىل أننا البد‬

‫أن نلتفت إىل قوله تعاىل عىل لسان‬ ‫ك دَعَا زَ َك ِريَّا َربَّ ُه‬ ‫زكريا ‪ُ { :‬هنَال ِ َ‬ ‫ك ُذ ِّريَّةً‬ ‫ب ِيل ِمن ل َّ ُد ْن َ‬ ‫قَ َ‬ ‫ال َر ِ ّب َه ْ‬ ‫َط ِؼّبَةً} ػ آل عمران ‪] 38 :‬‬ ‫هل هذا أمر من زكريا؟ طبعا ال ‪.‬‬ ‫ألنه دعاء والدعاء رجاء من األدىن‬ ‫إىل األعىل ‪ . .‬قوله تعاىل ‪ { :‬اهلل‬

‫يَأ ْ ُم ُر ُك ْم } ‪ . .‬لو أن إنسانا يعقل‬ ‫أدىن عقل ثم يطلب منه أن يذبح‬ ‫بقرة ‪ . .‬أهذه ٖتتاج إىل إيضاح؟ لو‬ ‫كانوا ذْتوا بقرة لكان كل شيء قد‬ ‫تم دون أي جهد ‪.‬‬ ‫‪ .‬فمادام اهلل قد طلب منهم أن‬ ‫يذْتوا بقرة ‪ . .‬فكل ما عليهم هو‬

‫الؾنفيذ ‪. .‬‬ ‫ولكن أنظر إىل الغباء حىت يف‬ ‫السؤال ‪ . .‬إهنم يريدون أن يفعلوا‬ ‫أي شيء إلبطال التكليف ‪ . .‬لقد‬ ‫قالوا ‪١‬توىس نؽيهم إنك هتزأ بنا ‪. .‬‬ ‫أي أهنم اسؾنكروا أن يكلفهم اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل بذبح بقرة عىل‬

‫إطبلقها دون ٖتديد ‪ . .‬فاهتموا‬ ‫موىس أنه يهزأ بهم ‪ . .‬كأهنم يرون‬ ‫أن ا‪١‬تسألة صعبة عىل اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ . .‬ال ٯتكن أن ٖتل ٔتجرد‬ ‫ذبح بقرة ‪ . .‬وعندما ‪ٝ‬تع موىس‬ ‫كبلمهم ذهل ‪ . .‬فهل هناك نبي‬ ‫يهزأ بتكليف من تكليفات اهلل‬

‫تبارك وتعاىل‪ . .‬أينقل نبي اهلل‬ ‫‪٢‬تم أمرا من أوامر اهلل جل جبلله‬ ‫عىل سؽيل ا‪٢‬تزل؟‬ ‫هنا عرف موىس أن هؤالء اليهود هم‬ ‫جاهلون ‪ . .‬جاهلون بربهم‬ ‫وبرسو‪٢‬تم وجاهلون بآخرهتم ‪. .‬‬ ‫وأهنم ٭تاولون أن يأخذوا كل شيء‬

‫ٔتقايؼسهم ولؼس ٔتقايؼس اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬فإته إىل السماء‬ ‫يستعيذ باهلل من هؤالء ا‪ٞ‬تاهلُت ‪. .‬‬ ‫الذين يأتيهم الؼسر فَتيدونه‬ ‫عسرا ‪ .‬ويأتيهم السهل فَتيدونه‬ ‫صعبا ‪ . .‬ويطلبون من اهلل أن‬ ‫يعنتهم وأن يشدد عليهم وأن‬

‫‪٬‬تعل كل شيء يف حياهتم صعبا‬ ‫وشاقا ‪.‬‬

‫ك يب ُِت لَنا ما ِ‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫قَالُوا ادْ ُع لَنا َربَّ َ ُ َ ّ ْ َ َ َ‬ ‫ول إِ َّهنَا بَقَ َرةٌ َال فَا ِر ٌض َو َال‬ ‫إِن ّ َُه ي َ ُق ُ‬ ‫ك فَافْعَلُوا َما‬ ‫ُت ذَل ِ َ‬ ‫بِك ٌْر َع َو ٌ‬ ‫ان ب َ ْ َ‬ ‫ون (‪)68‬‬ ‫ُت ْؤ َم ُر َ‬

‫وكان سؤا‪٢‬تم يبُت نقص درجة‬ ‫اإلٯتان عندهم ‪ . .‬لم يقولوا ادع‬ ‫لنا ربنا ‪ . .‬بل قالوا إدع لنا ربك ‪،‬‬ ‫وكأنه رب موىس وحده ‪ . .‬ولقد‬ ‫تكررت هذه الطريقة يف كبلم بٍت‬ ‫إسرائيل عدة مرات ‪ . .‬حىت إهنم‬ ‫قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم‬

‫ك فقاتبل إِن َّا‬ ‫نت َو َربُّ َ‬ ‫‪ { :‬فاذهب أ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ ا‪١‬تائدة ‪] 24 :‬‬ ‫َه ُاهنَا قَاع ُد َ‬ ‫ولقد استمر ا‪ٟ‬توار بؼنهم وبُت‬ ‫موىس فًتة طويلة ‪ . .‬يوجهون‬ ‫السؤال ‪١‬توىس فيدعو اهلل فيأتيه‬ ‫ا‪ٞ‬تواب من اهلل تبارك وتعاىل ‪. .‬‬ ‫فبدال من أن ينفذوا األمر وتنتهي‬

‫ا‪١‬تسألة يوجهون سؤاال آخر ‪. .‬‬ ‫فيدعو موىس ربه فيأتيه ا‪ٞ‬تواب ‪،‬‬ ‫ويؤدي ا‪ٞ‬تواب إىل سؤال يف غَت ‪٤‬تله‬ ‫منهم ‪ . .‬ثم يقطع ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل عليهم أسباب ا‪ٞ‬تدل ‪ . .‬بأن‬ ‫يعطيهم أوصافا لبقرة ال تنطبق إال‬ ‫عىل بقرة واحدة فقط ‪ . .‬فكأهنم‬

‫شددوا عىل أنفسهم فشدد اهلل‬ ‫عليهم ‪. .‬‬ ‫نأيت إىل أسئلة بٍت إسرائيل ‪. .‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬قَالُوا ْ‬ ‫ك يُب َ ُِّت لَّنَا َما ِه َي } ‪. .‬‬ ‫ادع لَنا َربَّ َ‬ ‫سؤال ال معٌت له وال ‪٤‬تل ‪ . .‬ألن اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل قال ‪٢‬تم إهنا بقرة‪. .‬‬

‫ولم يقل مثبل إهنا حيوان عىل‬ ‫إطبلقه فلم يكن هناك ‪٤‬تل‬ ‫للسؤال ‪ . .‬فجاء ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫يقول ‪٢‬تم ‪ { :‬إ َِّهنَا ب َ َق َر ٌة ال َّفَا ِر ٌض‬ ‫َوال َبِك ٌْر } ‪ . .‬الفارض يف اللغة هو‬ ‫الواسع وا‪١‬تراد به بقرة غَت مسنة ‪. .‬‬ ‫ولكن ما العبلقة بُت سن البقرة‬

‫وبُت الواسع؟ البقرة تتعرض‬ ‫للحمل كثَتا وأساسا هي للنب‬ ‫ولئل‪٧‬تاب ‪ . .‬ومادامت قد تعرضت‬ ‫للحمل كثَتا يكون مكان اللنب‬ ‫فيها يف اتساع ‪ . .‬أي أن بطنها‬ ‫يزداد اتساعا مع كل ‪ٛ‬تل جديد ‪. .‬‬ ‫وعندما يكون بطن البقرة واسعا ً‬

‫يعرف أهنا مسنة وولدت كثَتا‬ ‫وصارت فارضا ‪.‬‬ ‫وكلمة « بكر » ‪٢‬تا معانٍ متعددة‬ ‫منها أنه لم يطأها فحل ‪ . .‬ومنها‬ ‫أهنا ك‬ ‫بر ولدت مرة واحدة ‪. .‬‬ ‫ومنها أهنا ولدت مرارا ولكن لم‬ ‫يظهر ذلك عليها ألهنا صغَتة السن‬

‫‪.‬‬ ‫ُت ذلك } ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ع َو ٌ‬ ‫ان ب َ ْ َ‬ ‫‪ .‬يعٍت وسط بُت هذه األوصاف‬ ‫كلها ‪ . .‬ا‪ٟ‬تق بعد ذلك يقرعهم‬ ‫رون } ‪. .‬‬ ‫فيقول ‪ { :‬فافعلوا َما ُت ْؤ َم َ‬ ‫يعٍت كفاكم ‪٣‬تادلة ونفذوا أمر اهلل‬ ‫واذْتوا البقرة ‪ . .‬ولكنهم لم‬

‫يسكنوا أهنم يريدون أن ٭تاوروا ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك غَتوا صيغة السؤال ‪.‬‬ ‫ُت لَنا َما ل َ ْو ُهنَا‬ ‫قَالُوا ادْ ُع لَنا َربَّ َ‬ ‫ك يُب َ ِّ ْ‬ ‫ول إ َِّهنَا بَقَ َرةٌ َصفْ َر ُاء فَاقِ ٌع‬ ‫قَ َ‬ ‫ال إِن ّ َُه ي َ ُق ُ‬ ‫ل َ ْو ُهنَا تَ ُس ُّر النَّا ِظرِي َن (‪)69‬‬

‫ْتثوا عن سؤال آخر ‪ :‬ما لوهنا؟ كأن‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل حُت حدثهم عن‬ ‫السن فتحوا األبواب لؼسألوا ما‬ ‫لوهنا؟ مع أنه سبحانه وتعاىل قال‬ ‫رون } ‪. .‬‬ ‫‪٢‬تم ‪ { :‬فافعلوا َما ُت ْؤ َم َ‬ ‫فلم يفعلوا بل سألوا ما لوهنا؟ {‬ ‫ال إِن ّ َُه ي َ ُق ُ َ‬ ‫آء }‬ ‫قَ َ‬ ‫ول إ ِّهنَا ب َ َق َرةٌ َص ْف َر ُ‬

‫والصفرة لون من األلوان ‪ . .‬ثم‬ ‫قال جل جبلله ‪ { :‬فَاقِ ٌع ل َّ ْو ُهنَا } ‪. .‬‬ ‫يعٍت صفرة شديدة ‪ . .‬ثم قال ‪{ :‬‬ ‫تَ ُس ُّر الناظرين } ‪ . .‬يعٍت أن كل‬ ‫من ينظر إليها يُسر لنضارهتا‬ ‫ونظافتها وحسن مظهرها وتناسق‬ ‫جسدها ‪. .‬‬

‫وصف البقرة بأهنا صفراء هذا لون‬ ‫معروف ‪ . .‬ويف األلوان ال ٯتكن أن‬ ‫ٖتدد لونا إال برؤيته ‪ . .‬ولذلك فإن‬ ‫ا‪١‬تحسات يف األلوان البد أن تسبق‬ ‫َّ‬ ‫معرفتها وبعد ذلك تأيت باللون‬ ‫ا‪١‬تطلوب ‪ . .‬لذلك ال يقال صفراء‬ ‫فقط ألنك ال تستطيع ٖتديده؛ ألن‬

‫اللون األصفر له درجات ال هناية ‪٢‬تا‬ ‫‪ . .‬ومزج األلوان يعطيك عددا ًال‬ ‫هنائيا من درجاهتا ‪ . .‬ولذلك فإن‬ ‫ا‪١‬تشتغلُت بدهان ا‪١‬تنازل ال‬ ‫يستطيعون أن يقوموا بدهان شقة‬ ‫بلون إال إذا قام بعمل مزيج اللون‬ ‫كله مرة واحدة ‪ . .‬حىت ٮترج‬

‫الدهان كله بدرجة واحدة من‬ ‫اللون ‪ . .‬ولكن إذا طلبت منه أن‬ ‫يدهن الشقة باللون نفسه ‪. .‬‬ ‫بشرط أن يدهن حجرة واحدة كل‬ ‫يوم فإنه ال يستطيع ‪ . .‬فإذا ‪ٝ‬تعت‬ ‫صفراء يأيت اللون األصفر إىل‬ ‫ذهنك ‪ . .‬فإذا ‪ٝ‬تعت « فاقع » فكل‬

‫لون من األلوان له وصف يناسبه‬ ‫يعطؼنا دقة اللون ا‪١‬تطلوب ‪« . .‬‬ ‫فاقع » أي شديد الصفرة ‪.‬‬ ‫أظن أن ا‪١‬تسألة قد أصبحت‬ ‫واضحة ‪ . .‬إهنا بقرة لوهنا أصفر‬ ‫فاقع تسر الناظرين ‪ . .‬وكان من‬ ‫ا‪١‬تفروض أن يكتفي بنو إسرائيل‬

‫بذلك ولكنهم عادوا إىل السؤال‬ ‫مرة أخرى ‪.‬‬

‫ُت لَنا َما ِه َي إ َِّن‬ ‫قَالُوا ادْ ُع لَنا َربَّ َ‬ ‫ك يُب َ ِّ ْ‬ ‫لبق‬ ‫اّلل‬ ‫ا ْ َ َ َر تَ َشاب َ َه عَلَؼْنَا َوإِن َّا إ ِْن َشاءَ َّ ُ‬ ‫ون (‪)70‬‬ ‫َ‪١‬تُهْت َ ُد َ‬

‫وبرغم أن ما قيل لؽٍت إسرائيل ‪. .‬‬ ‫واضح ٘تام الوضوح عن البقرة ‪. .‬‬ ‫ونه ومنظرها ‪.‬‬ ‫وعمرها وشكلها ول ا‬ ‫‪ .‬فإن اهلل سبحانه وتعاىل أراد أن‬ ‫يؤدبهم فجعلهم ينظرون إىل البقر‬ ‫‪ . .‬وهذا يقول هذه هي واآلخر‬ ‫يقول ال بل هي يف مكان كذا ‪. .‬‬

‫والثالث يقول ال بل هي يف موقع‬ ‫كذا ‪ . .‬وعادوا إىل موىس يسألونه‬ ‫أن يعود إىل ربه ليبُت ‪٢‬تم ألن البقر‬ ‫تشابه عليهم‪ . .‬وهنا ذكروا اهلل‬ ‫الذي نسوه ولم ينفذوا أمره منذ أن‬ ‫قال ‪٢‬تم اذْتوا بقرة ثم قال ‪٢‬تم ‪{ :‬‬ ‫رون } ‪ . .‬فطلبوا منه‬ ‫فافعلوا َما ُت ْؤ َم َ‬

‫ا‪٢‬تداية بعد أن تاهوا وضاعوا‬ ‫بسبب عنادهم وجد‪٢‬تم ‪ . .‬وجاء‬ ‫ا‪ٞ‬تواب من اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫ول ُتثِ‬ ‫ول إ َِّهنَا بَقَ َرةٌ َال ذَل‬ ‫َت‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫قَ َ‬ ‫ال إِن ّ َُه ي َ ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْاأل َ ْر َض َو َال تَ ْسقِي ا ْ‪ٟ‬ت َ ْر َث ُم َسل َّ َم ٌة‬ ‫َال ِشيَةَ فِيهَا قَالُوا ْاآل َن ِجئ ْ َت بِا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق‬ ‫ون (‪)71‬‬ ‫فَ َذ َ ُْت َ‬ ‫وها َو َما ك َ ُادوا ي َ ْفعَل ُ َ‬

‫« بقرة ال ذلول » ‪ . .‬البقرة الذلول‬ ‫هي البقرة ا‪١‬تروضة ا‪١‬تمرنة تؤدي‬ ‫مهمتها ببل تعب‪٘ . .‬تاما مثل‬ ‫ا‪٠‬تيل ا‪١‬تروضة اليت ال تتعب‬ ‫راكبها ألهنا تم ترويضها ‪. .‬‬ ‫وسيدنا إ‪ٝ‬تاعيل هو أول من‬ ‫روض ا‪٠‬تيل وساسها ‪ . .‬وقال اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ‪٢‬تم أول وصف‬ ‫للبقرة أهنا لؼست مروضة ‪ . .‬ال‬ ‫أحد قادها وال قامت بعمل ‪ . .‬إهنا‬ ‫انطلقت عىل طؽيعتها وعىل سجؼتها‬ ‫ِ‬ ‫‪ٟ‬تق‬ ‫َت‬ ‫يف ا ول بدون قائد ‪ُ { . .‬تث ُ‬ ‫األرض } أي لم تستخدم يف‬ ‫حراثة األرض أو فبلحتها ‪َ { . .‬وال َ‬

‫تَ ْسقِي ا‪ٟ‬ترث } ‪ . .‬أي لم‬ ‫تستخدم يف إدارة السوايق لسقية‬ ‫الزرع ‪ُ { . .‬م َسل َّ َم ٌة ال َّ ِشيَةَ فِيهَا }‬ ‫أي خالية من العيوب ال أذهنا مثقوبة‬ ‫‪ .‬وال فيها أي عبلمة من العبلمات‬ ‫اليت ٯتيز الناس أبقارهم بها ‪ . .‬وال‬ ‫رجلها عرجاء ‪ ،‬خالية من البقع‬

‫واأللوان غَت اللون األصفر الفاقع ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكلمة { ال َّ ِشيَةَ فِيهَا } ‪ . .‬أي ال‬ ‫شيء فيها ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تتأمل يف وصف البقرة كما جاء‬ ‫يف اآليات يرى الصعوبة والتشدد يف‬ ‫اخؾيار أوصافها ‪ . .‬كأن ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل يريد أن ‪٬‬تازيهم عىل‬

‫أعما‪٢‬تم ‪ . .‬ولم ‪٬‬تد بنو إسرائيل‬ ‫إال بقرة واحدة تنطبق عليها هذه‬ ‫ا‪١‬تواصفات فقالوا { اآلن ِجئ ْ َت‬ ‫با‪ٟ‬تق } كأن ما قاله موىس قبل ذلك‬ ‫كان خارجا عن نطاق ا‪ٟ‬تق ‪ .‬وذْتوا‬ ‫البقرة ولكن عن كره منهم ‪. .‬‬ ‫ألهنم كانوا حريصُت عىل أال‬

‫يذْتوها ‪ ،‬حرصهم عىل عدم تنفيذ‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ .‬هم يريدون أن ٯتاطلوا‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬واهلل يقول‬ ‫لنا أن ‪ٝ‬تة ا‪١‬تؤمنُت أن يسارعوا إىل‬ ‫تنفيذ تكاليفه ‪ . .‬واقرأ قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫{ وسارعوا إىل َمغ ْ ِف َر ٍة ِّمن َّربِّ ُك ْم‬ ‫َو َجنَّ ٍة َع ْر ُضهَا السماوات واألرض‬

‫أُعِ ّد َْت لِلْمتَّقِ‬ ‫ُت } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫ُ َ‬ ‫‪] 133‬‬ ‫وهذه السرعة من المؤمنُت يف تنفيذ‬ ‫التكاليف ‪ . .‬دليل عىل عشق‬ ‫التكليف ‪ . .‬ألنك تسارع لتفعل ما‬ ‫يطلبه منك من ٖتبه ‪ . .‬وقوله تعاىل‬ ‫ون } ‪ . .‬يدلنا‬ ‫‪َ { :‬و َما ك َ ُادوا ْي َ ْفعَل ُ َ‬

‫عىل أهنم حاولوا اإلبطاء يف الؾنفيذ‬ ‫والتلكؤ ‪.‬‬ ‫إننا البد أن نلتفت إىل أن تباطؤ بٍت‬ ‫إسرائيل يف الؾنفيذ خدم قضية‬ ‫إٯتانية أخرى ‪ . .‬فالبقرة اليت‬ ‫طلبها اهلل منهم بسبب عدم‬ ‫قيامهم بؾنفيذ األمر فور صدوره‬

‫‪٢‬تم بقرة نادرة ال تتكرر ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تواصفات اليت أعطيت ‪٢‬تم يف‬ ‫النهاية ‪ . .‬لم تكن تنطبق إال عىل‬ ‫بقرة واحدة لؼتحكم صاحبها يف‬ ‫‪ٙ‬تنها ويؽيعها بأغىل األسعار ‪. .‬‬ ‫والقصة أنه كان هناك يف بٍت‬ ‫إسرائيل رجل صاٌف ‪ . .‬يتحرى‬

‫ا‪ٟ‬تبلل يف الرزق والصدق يف القول‬ ‫واإلٯتان ا‪ٟ‬تقيقي باهلل ‪ .‬وعندما‬ ‫حضرته الوفاة كان عنده عجلة‬ ‫وكان له زوجة وابنهما الصغَت‪. .‬‬ ‫ماذا يفعل وهو ال ٯتلك سوى‬ ‫العجلة ‪ .‬إته إىل اهلل وقال ‪ :‬اللهم‬

‫إين استودعك هذه العجلة لولدي ‪،‬‬ ‫ثم أطلقها يف ا‪١‬تراعي ‪.‬‬ ‫‪ .‬لم ي ّ ِ‬ ‫وص عليها أحدا ًولكن‬ ‫استودعها اهلل ‪ .‬استودعها يد اهلل‬ ‫األمؼنة عىل كل شيء ‪ . .‬ثم قال‬ ‫المرأته إين ال أملك إال هذه العجلة‬ ‫وال آمن عليها إال اهلل ‪ . .‬ولقد‬

‫أطلقتها يف ا‪١‬تراعي ‪. .‬‬ ‫وعندما كرب الولد قالت له أمه ‪ :‬إن‬ ‫أباك قد ترك لك وديعة عند اهلل‬ ‫وهي عجلة ‪ . .‬فقال يا أمي وأين‬ ‫أجدها؟ ‪ . .‬قالت كن كأبيك هو‬ ‫توكل واستودع ‪ ،‬وأنت توكل‬ ‫واسًتد ‪ . .‬فقال الولد ‪ :‬اللهم رب‬

‫إبراهيم ورب موىس ‪ . .‬رد إيل ما‬ ‫استودعه أيب عندك ‪ . .‬فإذا بالعجلة‬ ‫تأيت إليه وقد أصبحت بقرة‬ ‫فأخذها لَتيها ألمه ‪ . .‬وبؼنما هو‬ ‫سائر رآه بنو إسرائيل ‪ .‬فقالوا إن‬ ‫هذه البقرة هي اليت طلبها الرب ‪. .‬‬ ‫وذهبوا إىل صاحب البقرة وطلبوا‬

‫شراءها فقال بكم ‪ . .‬قالوا بثبلثة‬ ‫دنانَت ‪ . .‬فذهب لؼستشَت أمه‬ ‫فخافوا أن ترفض وعرضوا عليه‬ ‫ستة دنانَت ‪ . .‬قالت أمه ال ‪ . .‬ال‬ ‫تباع ‪ . .‬فقال االبن لن أبيعها إال‬ ‫ٔتلء جلدها ذهبا ‪ ،‬فدفعوا له ما‬ ‫أراد ‪ . .‬وهكذا ‪٧‬تد صبلح األب‬

‫‪٬‬تعل اهلل حفيظا عىل أوالده يرعاهم‬ ‫ويؼسر ‪٢‬تم أمورهم ‪.‬‬

‫ْ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫َوإِذْقَتَل ْ ُت ْم ن َ ْف ًسا فَ َّاد َارأ ُت ْم فيهَا َو َّ ُ‬ ‫ون (‪)72‬‬ ‫ُ‪٥‬ت ْ ِر ٌج َما ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬ ‫قصة القؾيل هي أن رجبل ثريا من‬ ‫بٍت إسرائيل لم يكن له ولد يرثه ‪.‬‬

‫‪ .‬وكان له أقارب كل منهم يريد أن‬ ‫يستأثر بأموال هذا الرجل ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تال والذهب ‪٫‬تا حياة بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ . .‬فتآمر عىل هذا الرجل‬ ‫الثري ابن أخيه فقتله لَتثه‬ ‫ويستويل عىل أمواله ‪ . .‬ولكنه أراد‬ ‫أن يبعد التهمة عن نفسه فحمل‬

‫ا‪ٞ‬تثة وألقاها عىل باب قرية ‪٣‬تاورة‬ ‫لؼتهم أهلها بقتل الثري‪ . .‬ويف‬ ‫الصباح قام أهل القرية ووجدوا‬ ‫جثة الثري أمام قريتهم‪. .‬‬ ‫ووجدوه غريبا عن القرية فسألوا‬ ‫من هو؟ حىت وصلوا إىل ابن أخيه ‪. .‬‬ ‫فتجمع أهل القؾيل واهتموهم‬

‫بقتله ‪ . .‬وكان أشدهم ٖتمسا يف‬ ‫االهتام القاتل ابن أخيه ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل { فادارأتم فِيهَا }‬ ‫الدرأ هو الشيء حُت ‪٬‬تئ إليك‬ ‫وكل واحد ينفيه عن نفسه ‪. .‬‬ ‫إدارأتم أي أن كبل منكم يريد أن‬ ‫يدفع ا‪ٞ‬ترٯتة عن نفسه فكل واحد‬

‫يقول لست أنا ‪. .‬‬ ‫ولؼس من الضروري أن يتهم أحد‬ ‫آخر غَته ‪ . .‬ا‪١‬تهم أن يدفعها عن‬ ‫نفسه ‪.‬‬ ‫ولقد حاول أهل القريتُت ‪ . .‬قرية‬ ‫القؾيل ‪ ،‬والقرية اليت وجدت‬ ‫أمامها ا‪ٞ‬تثة ‪ .‬أن يدفع كل منهما‬

‫شبهة ا‪ٞ‬ترٯتة عن نفسه ورٔتا‬ ‫يتهم بها اآلخر ‪ . .‬ولم يكن هناك‬ ‫دليل دامغ يرجح اهتاما ‪٤‬تددا ‪ .‬بل‬ ‫كانت األدلة ضائعة ولذلك‬ ‫استحال توجيه اهتام لشخص دون‬ ‫آخر أو لقرية دون أخرى ‪.‬‬ ‫وكان التشريع يف ذلك الوقت ينص‬

‫عىل أنه إذا وجد قؾيل عىل باب قرية‬ ‫ولم يستدل عىل قاتله ‪ . .‬فإن قرية‬ ‫القؾيل وأهله يأخذون ‪ٜ‬تسُت‬ ‫رجبل من أعيان القرية اليت وجدت‬ ‫ّتوارها ا‪ٞ‬تثة ‪ . .‬فيلقوا اليمُت‬ ‫بأهنم ما قتلوه ‪ . .‬وال علموا قاتله ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإذا كان األعيان واألكابر أقل من‬

‫األٯتان‬ ‫‪ٜ‬تسُت رجبل ‪ . .‬تكررت ْ‬ ‫حىت تصَت ‪ٜ‬تسُت ٯتينا ‪. .‬‬ ‫فيحلفون أهنم ما قتلوه وال يعرفون‬ ‫قاتله ‪ . .‬عندما يتحمل بيت ا‪١‬تال‬ ‫دية القؾيل ‪. .‬‬ ‫ولكن اهلل كان يريد شؼئا آخر ‪. .‬‬ ‫يريد أن يرد بهذه ا‪ٞ‬ترٯتة عىل‬

‫جحود بٍت إسرائيل باليوم اآلخر ‪.‬‬ ‫‪ .‬و‪٬‬تعل ا‪١‬تيت يقف أمامهم‬ ‫وينطق اسم قاتله ‪ . .‬و‪٬‬تعلهم‬ ‫يرون البعث وهم أحياء ‪ . .‬ولذلك‬ ‫قال سبحانه وتعاىل ‪ { :‬واهلل ُ‪٥‬ت ْ ِر ٌج‬ ‫ون} ‪ . .‬أي أن بٍت‬ ‫َّما ُكن ْ ُت ْم تَ ْك ُت ُم َ‬ ‫إسرائيل أو أولئك الذين ارتكبوا‬

‫ا‪ٞ‬ترٯتة دبروها عىل أن تبىق يف طي‬ ‫الكتمان فبل يعلم أحد عنها شؼئا ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك جاء الشاب وقتل عمه‬ ‫دون أن يراه أحد ‪ . .‬ثم ‪ٛ‬تل ا‪ٞ‬تثة‬ ‫خفية يف ظبلم الليل وخرج بها فلم‬ ‫يلتفت أحد إليه ‪ . .‬ثم ذهب إىل‬ ‫قرية ‪٣‬تاورة وألىق با‪ٞ‬تثة عىل باب‬

‫القرية وأهلها نائمون وانصرف‬ ‫عائدا ‪. .‬‬ ‫كانت كل هذه ا‪٠‬تطوات يف رأيه‬ ‫ستجعل ا‪ٞ‬ترٯتة غامضة ال تنكشف‬ ‫أبدا وال يعرف سرها أحد ‪ .‬ولكن‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل أراد غَت ذلك‪. .‬‬ ‫أراد أن يكشف ا‪ٞ‬ترٯتة بطريقة ال‬

‫ٖتتمل ا‪ٞ‬تدل ‪ ،‬ويف نفس الوقت‬ ‫يرد عىل جحود بٍت إسرائيل للبعث ‪.‬‬ ‫‪ .‬بأن يريهم البعث وهم أحياء ‪.‬‬ ‫ك ُ٭تْيِي‬ ‫وه بِبَعْ ِضهَا َك َذل ِ َ‬ ‫فَ ُقلْنَا ا ْضر ُِب ُ‬ ‫اّلل ا ْ‪١‬ت َ ْو َىت َويُ ِري ُك ْم آيَاتِ ِه لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫َّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)73‬‬ ‫تَعْقل ُ َ‬

‫احتدم ا‪٠‬تبلف بُت بٍت إسرائيل‬ ‫وكادت ٖتدث فؾنة كبَتة ‪. .‬‬ ‫فقرروا أن يلجأوا إىل موىس عليه‬ ‫السبلم ليطلب من اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل أن يكشف ‪٢‬تم لغز هذه‬ ‫ا‪ٞ‬ترٯتة ويد‪٢‬تم عىل القاتل ‪. .‬‬ ‫وجاء األمر من اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫أن اذْتوا البقرة ولو ذْتوا بقرة أية‬ ‫بقرة النتهت ا‪١‬تشكلة ‪ . .‬ولكنهم‬ ‫ظلوا يقولون ما لوهنا وما شكلها إىل‬ ‫آخر ما رويناه ‪ . .‬حىت وصلوا إىل‬ ‫البقرة اليت كان قد استودعها‬ ‫الرجل الصاٌف عند اهلل حىت يكرب‬ ‫ابنه فاشًتوها وذْتوها ‪ . .‬فأمرهم‬

‫اهلل أن يضربوه ببعضها ‪ .‬أي أن‬ ‫يضربوا القؾيل ّتزء من البقرة‬ ‫ا‪١‬تذبوحة بعد أن سال دمها وماتت‬ ‫‪..‬‬ ‫وانظر إىل العظمة يف القصة ‪. .‬‬ ‫جزء من ميت يُضرب به ميت‬ ‫فيحيا ‪ . .‬إذن ا‪١‬تسألة أعدها ا‪ٟ‬تق‬

‫بصورة ال ٕتعلهم يشكون أبدا ‪. .‬‬ ‫فلو أن اهلل أحياه بدون أن يضرب‬ ‫ّتزء من البقرة ‪ .‬لقالوا لم يكن قد‬ ‫مات ‪ ،‬كانت فيه حياه ثم أفاق بعد‬ ‫اغماءة ‪ .‬ولكن اهلل أمرهم أن‬ ‫يذْتوا بقرة حىت ٘توت ليعطيهم‬ ‫درسا إٯتانيا بقدرة اهلل وهم‬

‫ا‪١‬تاديون الذين ال يؤمنون إال‬ ‫با‪١‬تاديات ‪ . .‬وأن يأخذوا جزءا ًأو‬ ‫أجزاء منها وأن يضربوا به القؾيل‬ ‫فيحيا وينطق باسم قاتله وٯتؼته‬ ‫اهلل بعد ذلك ‪. .‬‬ ‫ك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪ { . .‬كَ َذل ِ َ‬ ‫ُ٭تْيِي اهلل ا‪١‬توىت َويُ ِري ُك ْم آيَاتِ ِه‬

‫ِ‬ ‫ون } لَتى بنو‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَعْقل ُ َ‬ ‫إسرائيل وهم عىل قيد ا‪ٟ‬تياة كيف‬ ‫٭تِت اهلل ا‪١‬توىت وليعرفوا أن اإلنسان‬ ‫ال يبىق حيا بأسباب ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬ولكن‬ ‫بإرادة مسبب ا‪ٟ‬تياة يف أن يقول «‬ ‫كن فيكون » ‪.‬‬

‫ك‬ ‫وب ُك ْم ِم ْن بَعْ ِد ذَل ِ َ‬ ‫ُث َّم قَ َس ْت ُقل ُ ُ‬ ‫ف ِه‬ ‫ار ِة أ َ ْو أ َ َش ُّد قَ ْس َوة ً َوإ َِّن ِم َن‬ ‫َ َي كَا ْ‪ٟ‬تِ َج َ‬ ‫ار ِة َ‪١‬تَا يَت َ َف ّج َُر ِمن ْ ُه ْاأل َ ْهن َ ُار َوإ َِّن‬ ‫ا ْ‪ٟ‬تِ َج َ‬ ‫ِمنْهَا َ‪١‬تَا ي َ َّش َّق ُق فَي َ ْخ ُر ُج ِمن ْ ُه ا ْ‪١‬ت َ ُاء َوإ َِّن‬ ‫ِمنْهَا َ‪١‬تا يَهْبِ ُط ِم ْن َخ ْشي ِة َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫اّلل َو َما ّ َُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)74‬‬ ‫بِغَاف ٍل َع َّما تَعْ َمل ُ َ‬

‫‪١‬تاذا ذكر ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل القلب‬ ‫ووصفه بأنه يقسو ولم يقل‬ ‫نفوسكم ألن القلب هو موضع‬ ‫الرقة والر‪ٛ‬تة والعطف ‪ . .‬وإذا ما‬ ‫جعلنا القلب كثَت الذكر هلل فإنه‬ ‫ٯتتلئ ر‪ٛ‬تة وعطفا ‪ . .‬والقلب هو‬ ‫العضو الذي ٭تسم مشاكل ا‪ٟ‬تياة‪.‬‬

‫‪ .‬فإذا كان القلب يعمر باليقُت‬ ‫واإلٯتان ‪ . .‬فكل جارحة تكون‬ ‫فيها ‪ٜ‬تَتة اإلٯتان ‪.‬‬ ‫وحىت نعرف قوة وقدرة وسعة‬ ‫القلب عىل اإلٯتان واحتوائه أوضح‬ ‫اهلل تعاىل هذا ا‪١‬تعٌت يف كتابه العزيز‬ ‫حيث يقول ‪ { :‬اهلل ن َ َّز َل أ َ ْح َس َن‬

‫ا‪ٟ‬تديث ِكتَابا ً ُّمت َ َشابِها ً َّمث َ ِاين َ‬ ‫ود الذين َٮت ْ َش ْو َن‬ ‫تَ ْق َشعِ ُّر ِمن ْ ُه ُجل ُُ‬ ‫ِ‬ ‫وب ُه ْم‬ ‫ود ُه ْم َو ُقل ُ ُ‬ ‫ُت ُجل ُ ُ‬ ‫َربَّ ُه ْم ُث َّم تَل ُ‬ ‫ك ُه َدى اهلل يَهْ ِدي‬ ‫إىل ِذ ْك ِر اهلل ذَل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء َو َمن يُ ْضلِ ِل اهلل فَ َما ل َ ُه‬ ‫بِه َمن ي َ َش ُ‬ ‫ِم ْن َها ٍد } ػ الزمر ‪] 23 :‬‬ ‫وهكذا نرى أن ا‪ٞ‬تلود تقشعر من‬

‫هول الوعيد بالنار ‪ . .‬و‪٣‬ترد قراءة‬ ‫ما ذكره القرآن عنها ‪ . .‬وبعد ذلك‬ ‫تأيت الر‪ٛ‬تة ‪ ،‬ويف هذه اٌفالة ال تلُت‬ ‫ا‪ٞ‬تلود فقط ولكن البد أن تلُت‬ ‫القلوب ألهنا هي اليت تعطي اللمحة‬ ‫اإلٯتانية لكل جوارح ا‪ٞ‬تسد ‪. .‬‬ ‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬

‫يقول ‪:‬‬ ‫« أال وإن يف ا‪ٞ‬تسد مضغة إذا‬ ‫صلحت صلح ا‪ٞ‬تسد كله وإذا‬ ‫فسدت فسد ا‪ٞ‬تسد كله أال وهي‬ ‫القلب »‬ ‫إذن فالقلب هو منبع اليقُت ومصب‬ ‫اإلٯتان ‪ ،‬وكما أن اإلٯتان يف‬

‫القلب فإن القسوة والكفر يف‬ ‫القلب ‪ . .‬فالقلب حؼنما ينىس‬ ‫ذكر اهلل يقسو ‪١ . .‬تاذا؟ ‪ . .‬ألنه‬ ‫يعتقد أنه لؼس هناك إال ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الدنيا وإال ا‪١‬تادة فيحاول أن ٭تصل‬ ‫منها عىل أقىص ما يستطيع وبأي‬ ‫طريقة فبل تأيت إال بالظلم‬

‫والطغيان وأخذ حقوق الضعفاء ‪،‬‬ ‫ثم ال يفرط فيها أبدا ألهنا هي منتىه‬ ‫حياته فبل شيء بعدها ‪.‬‬ ‫إنه ‪٬‬تد إنسانا ًٯتوت أمامه من‬ ‫ا‪ٞ‬توع وال يعطيه رغيفا ‪ . .‬وإذا‬ ‫خرج اإلٯتان من القلب خرجت‬ ‫منه الر‪ٛ‬تة وخرج منه كل إٯتان‬

‫ا‪ٞ‬توارح ‪ . .‬فلمحة اإلٯتان اليت يف‬ ‫اليد ٗترج فتمتد اليد إىل السرقة‬ ‫وا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬و‪١‬تحة اإلٯتان اليت يف‬ ‫العُت ٗترج فؾنظر العُت إىل كل ما‬ ‫حرم اهلل ‪ .‬و‪١‬تحة اإلٯتان اليت يف‬ ‫القدم ٗترج فبل ٘تشي القدم إىل‬ ‫ا‪١‬تسجد أبدا ولكنها ٘تشي إىل‬

‫ا‪٠‬تمارة وإىل السرقة ‪ . .‬ألنه كما‬ ‫قلنا القلب ‪٥‬تزن اإلٯتان يف ا‪ٞ‬تسم ‪.‬‬ ‫ويشبه ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل قسوة‬ ‫قلوبهم فيقول ‪ { :‬فَ ِه َي كا‪ٟ‬تجارة‬ ‫أ َ ْو أ َ َش ُّد قَ ْس َوة ً} ‪ . .‬ا‪ٟ‬تجارة هي‬ ‫الشيء القاسي الذي تدركه‬ ‫حواسنا ومألوف لنا ومألوف لؽٍت‬

‫إسرائيل أيضا ‪ . .‬ألن ‪٢‬تم مع‬ ‫ا‪ٟ‬تجارة شوطا كبَتا عندما تاهوا يف‬ ‫الصحراء‪ . .‬وعندما عطشوا وكان‬ ‫موىس يضرب ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تجر بعصاه ‪.‬‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل لفتهم إىل أن‬ ‫ا‪١‬تفروض أن تكون قلوبهم لؼنة‬

‫ورفيقة حىت ولو كانت يف قسوة‬ ‫ا‪ٟ‬تجارة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن قلوبهم ٕتاوزت هذه‬ ‫القسوة فلم تصبح يف شدة ا‪ٟ‬تجارة‬ ‫وقسوهتا بل هي أشد ‪.‬‬ ‫ولكن كيف تكون القلوب أشد‬ ‫قسوة من ا‪ٟ‬تجارة ‪ . .‬ال تنظر إىل‬

‫لؼنونة مادة القلوب ولكن انظر إىل‬ ‫أدائها ‪١‬تهمتها ‪.‬‬ ‫ا‪ٞ‬تبل قسوته مطلوبة ألن هذه‬ ‫مهمته أن يكون وتدا ًلؤلرض‬ ‫صلبا قويا ‪ ،‬ولكن هذه القسوة‬ ‫لؼست مطلوبة من القلب ولؼست‬ ‫مهمته ‪ . .‬أما قلوب بٍت إسرائيل‬

‫فهي أشد قسوة من ا‪ٞ‬تبل ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تطلوب يف القلوب اللُت ‪ ،‬ويف‬ ‫ا‪ٟ‬تجارة القسوة ‪ . .‬فكل صفة‬ ‫‪٥‬تلوقة ‪١‬تخلوق ومطلوبة ‪١‬تهمة ‪. .‬‬ ‫فا‪٠‬تطاف مثبل أعوج ‪ . .‬هذا العوج‬ ‫‪٬‬تعله يؤدي مهمته عىل الوجه‬ ‫األكمل ‪ . .‬فعوج ا‪٠‬تطاف استقامة‬

‫‪١‬تهمته ‪ . .‬وحُت تفسد القلوب‬ ‫وٗترج عن مهمتها تكون أقىس من‬ ‫ا‪ٟ‬تجارة ‪ . .‬وتكون عىل العكس‬ ‫٘تاما من مهمتها ‪. .‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوإ َِّن ِم َن ا‪ٟ‬تجارة َ‪١‬تَا يَت َ َف ّج َُر ِمن ْ ُه‬ ‫األهنار َوإ َِّن ِمنْهَا َ‪١‬تَا ي َ َّش َّق ُق فَي َ ْخ ُر ُج‬

‫ِمن ْ ُه ا‪١‬تآء } ػ البقرة ‪] 74 :‬‬ ‫هنا يذكرهم اهلل ‪١‬تا رأوه من‬ ‫الر‪ٛ‬تة ا‪١‬توجودة يف ا‪ٟ‬تجارة ‪. .‬‬ ‫عندما ضرب موىس ا‪ٟ‬تجر بالعصا‬ ‫فانفجرت منه العيون ‪ .‬وذلك مثل‬ ‫حسي شهدوه ‪ .‬يقول ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تق جل‬ ‫جبلله ‪ :‬أن الر‪ٛ‬تة تصيب ا‪ٟ‬تجارة‬

‫فؼتفجر منها األهنار وٮترج منها‬ ‫ا‪١‬تاء ويقول سبحانه ‪َ { :‬وإ َِّن ِمنْهَا‬ ‫َ‪١‬تَا يَهْبِ ُط ِم ْن َخ ْشي َ ِة اهلل } ‪. .‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تجارة يصؼبها اللُت‬ ‫والر‪ٛ‬تة فيخرج منها ا‪١‬تاء ‪ .‬ولكن‬ ‫قلوبكم إذا قست ال يصؼبها لُت وال‬ ‫ر‪ٛ‬تة فبل تلُت أبدا وال تخشع أبدا ‪.‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل نزل عليكم‬ ‫التوراة وأعطاكم من فضله‬ ‫ور‪ٛ‬تته وسًته ومغفرته الكثَت ‪. .‬‬ ‫كان ا‪١‬تفروض أن تلُت قلوبكم‬ ‫لذكر اهلل ‪.‬‬ ‫ولكن ما الفرق بُت تفجر األهنار‬ ‫من ا‪ٟ‬تجارة وبُت تشققها ليخرج‬

‫منها ا‪١‬تاء؟ عندما تتفجر ا‪ٟ‬تجارة‬ ‫ٮترج منها ا‪١‬تاء ‪٨ .‬تن نذهب إىل‬ ‫مكان ا‪١‬تاء لنأخذ حاجؾنا ‪ . .‬ولكن‬ ‫عندما تتفجر منها األهنار فا‪١‬تاء هو‬ ‫الذي يأيت إلؼنا و‪٨‬تن يف أماكننا ‪. .‬‬ ‫وفرق بُت عطاء تذهب إليه وعطاء‬ ‫يأيت إليك ‪ . .‬أما هبوط ا‪ٟ‬تجر من‬

‫خشية اهلل فذلك حدث عندما ٕتىل‬ ‫اهلل للجبل فجعله دكا ‪ .‬واقرأ قوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬فَل َ َّما ٕتىل َربُّ ُه لِل ْ َجب َ ِل‬ ‫َجعَل َ ُه دَكّا ً َو َخ َّر موىس َصعِقا ً} ػ‬ ‫األعراف ‪] 143 :‬‬ ‫يذكرهم ا‪ٟ‬تق سبحانه كيف أن‬ ‫ا‪ٞ‬تبل حُت ٕتىل اهلل له هبط واهنار‬

‫من خشية اهلل ‪ .‬وهكذا ال يعطيهم‬ ‫األمثلة ‪٦‬تا وقع لغَتهم ‪ ،‬ولكن‬ ‫يعطيهم األمثلة ‪٦‬تا وقع ‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫بافِ ٍل َع َّما‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َما اهلل ِغ َ‬ ‫ون } أي تذكروا أن اهلل‬ ‫تَعْ َمل ُ َ‬ ‫سبحانه وتعاىل ال يغيب عنه شيء‬ ‫وأن كل ما تعملونه يعرفه وأنكم‬

‫مبلقونه يوم القيامة و‪٤‬تتاجون إىل‬ ‫ر‪ٛ‬تته ومغفرته ‪ ،‬فبل ٕتعلوا‬ ‫قلوبكم تقسو حىت ال يطردكم اهلل‬ ‫من ر‪ٛ‬تته كما خلت قلوبكم من‬ ‫ذكره ‪.‬‬

‫أَفَت َ ْطمع َ ِ‬ ‫ان‬ ‫ون أ ْن ُ ْؤيم ُنوا ل َ ُك ْم َوقَ ْد ك َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫فَرِي ٌق ِمن ْ ُهم ي َ ْس َم ُعون ك َ َبلم َ ِ‬ ‫اّلل ُث َّم‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ْ‬

‫ِ‬ ‫وه َو ُه ْم‬ ‫ُ٭ت َ ّ ِر ُفون َ ُه م ْن بَعْ ِد َما َع َقل ُ ُ‬ ‫ون (‪)75‬‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬ ‫يعطؼنا ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل هنا‬ ‫ا‪ٟ‬تكمة ‪ . .‬فيما رواه لنا عن بٍت‬ ‫إسرائيل وعن قصصهم ‪ .‬ألهنم‬ ‫سيكون ‪٢‬تم دور مع ا‪١‬تسلمين يف‬ ‫ا‪١‬تدينة ‪ ،‬ثم يف بيت ا‪١‬تقدس ‪ ،‬ثم يف‬

‫ا‪١‬تسجد األقىص ‪ . .‬فهو يروي لنا‬ ‫كيف أتعبوا نؽيهم وكيف عصوا‬ ‫ربهم ‪ .‬وكيف قابلوا النعمة‬ ‫با‪١‬تعصية والر‪ٛ‬تة با‪ٞ‬تحود ‪ .‬وإذا‬ ‫كان هذا موقفهم يا ‪٤‬تمد مع اهلل‬ ‫ومع نؽيهم ‪ . .‬فبل تطمع أن يؤمنوا‬ ‫لك وال أن يدخلوا يف اإلسبلم ‪ ،‬مع‬

‫أنهم عندهم التوراة تدعوهم إىل‬ ‫اإلٯتان ٔتحمد عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪. .‬‬ ‫هذه اآليات ٖتمل أعظم تعزية‬ ‫للرسول الكريم ‪ .‬وتطالبه أال‬ ‫٭تزن عىل عدم إٯتان اليهود به ألنه‬ ‫عليه الببلغ فقط؛ ولكن حرص‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم عىل‬ ‫أن يؤمن كل أهل األرض يهود‬ ‫ونصارى وكفارا ً‪ ،‬لؼس معناه أنه‬ ‫لم يفهم مهمته ‪ ،‬ولكن معناه أنه‬ ‫أدرك حبلوة التكليف من ربه ‪،‬‬ ‫ْتيث يريد أن يهدي كل خلق اهلل‬ ‫يف األرض ‪ . .‬فيطمػنه اهلل ويقول‬

‫له ال تعتقد أهنم سيؤمنون لك ‪.‬‬ ‫ولؼس معٌت عدم إٯتاهنم أنك‬ ‫لست صادقا ‪ . .‬فتكذيبهم لك ال‬ ‫ينبغي أن يؤثر فيك ‪ . .‬فبل تطمع يا‬ ‫محمد أن يؤمنوا لك ‪. .‬‬ ‫ما هو الطمع؟ ‪ . .‬الطمع هو رغبة‬ ‫النفس يف شيء غَت حقها وإن كان‬

‫‪٤‬تبوبا ‪٢‬تا ‪ . .‬واألصل يف اإلنسان‬ ‫العاقل أال يطمع إال يف حقه ‪. .‬‬ ‫واإلنسان أحيانا يريد أن يرفه‬ ‫حياته ويعؼش مًتفا ولكن ْتركة‬ ‫حياته كما هي ‪ .‬نقول له إذا أردت‬ ‫أن تتوسع يف ترفك فبلبد أن تتوسع‬ ‫يف حركة حياتك؛ ألنك لو أترفت‬

‫معتمدا عىل حركة حياة غَتك‬ ‫فسيفسد ميزان حركة ا‪ٟ‬تياة يف‬ ‫األرض ‪ ،‬أي إن كنت تريد أن‬ ‫تعؼش حياة متزنة فعش عىل قدر‬ ‫حركة حياتك؛ ألنك إن فعلت غَت‬ ‫ذلك تسرق وترتش وتفسد ‪ .‬فإن‬ ‫كان عندك طمع فليكن فيما تقدر‬

‫عليه ‪.‬‬ ‫إذن فكلمة « افتطمعون » هنا ٖتدد‬ ‫أنه ‪٬‬تب أال نطمع إال فيما نقدر‬ ‫عليه ‪ .‬هؤالء اليهود هل نقدر عىل‬ ‫أن ‪٧‬تعلهم يؤمنون؟ يقول اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل لرسوله صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ . .‬هذا أمر زائد عىل ما‬

‫كلفت به ‪ . .‬ألن عليك الببلغ ‪،‬‬ ‫وحىت لو كان ‪٤‬تؽبا إىل نفسك ‪ . .‬فإن‬ ‫مقدماهتم مع اهلل ال تعطيك األمل‬ ‫يف أنك ستصل إىل النؾيجة اليت‬ ‫ترجوها ‪. .‬‬ ‫وهذه اآلية فيها تسرية لرسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم عما سيبلقيه‬

‫مع اليهود ‪ .‬وتعطيه الشحنة‬ ‫اإلٯتانية اليت ٕتعله يقابل عدم‬ ‫إٯتان هؤالء بقوة وعزٯتة ‪ . .‬ألنه‬ ‫كان يتوقعه فبل ٭تزن وال تذهب‬ ‫نفسه حسرات ‪ ،‬ألن اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل قد وضع يف نفسه التوقع ‪١‬تا‬

‫سيحدث منهم ‪ . .‬فإذا جاء‬ ‫تصرفهم وفق ما سيحدث ‪.‬‬ ‫‪ .‬يكون ذلك أمرا ‪٤‬تتمبل من‬ ‫النفس ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وقَ ْد‬ ‫ِ‬ ‫ون كَبل َ َم اهلل‬ ‫ان فَرِي ٌق ّمن ْ ُه ْم ي َ ْس َم ُع َ‬ ‫كَ َ‬ ‫} انظر إىل األمانة والدقة ‪ . .‬فريق‬

‫منهم لؼس كلهم ‪ . .‬هذا هو ما‬ ‫استنبط منه العالم نظرية صيانة‬ ‫االحتمال ‪ . .‬وهي عدم التعميم‬ ‫ْتيث تقول أهنم ‪ٚ‬تيعا كذا ‪ .‬البد‬ ‫أن تضع احتماال يف أن شخصا ما‬ ‫سيؤمن أو سيشذ أو سيخالف ‪. .‬‬ ‫هنا فريق من أهل الكتاب عرفوا‬

‫صفات رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم من التوراة واإل‪٧‬تيل ‪. .‬‬ ‫وعندما بعث آمنوا به ‪ ،‬وهؤالء لم‬ ‫٭ترفوا كبلم اهلل ‪ .‬لو أن القرآن جاء‬ ‫با‪ٟ‬تكم عاما لتغَتت نظرة‬ ‫الكافرين لئلسبلم ‪ . .‬ولقالوا لقد‬ ‫قال عنا هذا الدين أننا حرفنا كتاب‬

‫اهلل ولكننا لم ‪٨‬ترفه و‪٨‬تن ننتظر‬ ‫رسوله ‪ . .‬فكأن هذا ا‪ٟ‬تكم غَت‬ ‫دقيق ‪ . .‬والبد أن شؼئا ما خطأ ‪. .‬‬ ‫ألن اهلل الذي نزل هذا القرآن ال‬ ‫ٮتفي عليه شيء ويعرف ما يف قلوبنا‬ ‫‪ٚ‬تيعا ‪ . .‬ولكن ألن اآلية الكرٯتة‬ ‫تقول أن فريقا منهم كانوا‬

‫يسمعون كبلم اهلل ثم ٭ترفونه ‪. .‬‬ ‫الكبلم ببل تعميم ومنطبق بدقة عىل‬ ‫كل حال ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق جل جبلله يقول ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫ُ٭ت َ ّ ِر ُفون َ ُه ِمن بَعْ ِد َما َعقَ ُل ُوه َو ُه ْم‬ ‫ون } ‪ .‬هذه معصية مركبة‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬ ‫‪ٝ‬تعوا كبلم اهلل وعقلوه وعرفوا‬

‫العقوبة عىل ا‪١‬تعصية ثم بعد ذلك‬ ‫حرفوه ‪ . .‬لقد قرأوه يف التوراة‬ ‫وقرأوا وصف رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم حىت أهنم يعرفونه‬ ‫كأبنائهم ‪ . .‬ثم حرفوا كبلم اهلل‬ ‫وهم يعلمون ‪ . .‬ومعٌت التحريف‬ ‫تغ يير معٌت الكلمة‪ . .‬كانوا يقولون‬

‫السأم عليكم بدال من السبلم‬ ‫َّ‬ ‫عليكم ‪ . .‬ولم يتوقف األمر عند‬ ‫التحريف بل تعداه إىل أن جاءوا‬ ‫بكبلم من عندهم وقالوا أنه من‬ ‫التوراة ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫آمنَّا َوإِذَا‬ ‫َوإِذَا ل َ ُقوا الَّذي َن آ َم ُنوا قَالُوا َ‬ ‫َخ َبل بَعْ ُض ُه ْم إ َِىل بَعْ ٍض قَالُوا‬

‫اّلل عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫أ َ ُٖتَ ِ ّدث َ‬ ‫ُوهن ُ ْم ِٔتَا فَت َ َح ّ َُ‬ ‫لِي َحا ُّجو ُك ْم بِ ِه ِعن ْ َد َربِّ ُك ْم أَفَ َبل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)76‬‬ ‫تَعْقل ُ َ‬

‫هذه صور من صور نفاق اليهود ‪.‬‬ ‫والناس مقسمون إىل ثبلث ‪:‬‬ ‫مؤمنون وكافرون ومنافقون ‪. .‬‬ ‫ا‪١‬تؤمن انسجم مع نفسه ومع‬

‫الكون الذي يعؼش فيه ‪ . .‬والكافر‬ ‫انسجم مع نفسه ولم ينسجم مع‬ ‫الكون ‪ ،‬والكون يلعنه ‪ . .‬وا‪١‬تنافق‬ ‫ال انسجم مع نفسه وال انسجم مع‬ ‫الكون ‪ ،‬واآلية تعطؼنا صورة من‬ ‫صور النفاق وكيف ال ينسجم‬ ‫ا‪١‬تنافق مع نفسه وال مع الكون ‪. .‬‬

‫فهو يقول ما ال يؤمن به ‪ . .‬ويف‬ ‫داخل نفسه يؤمن ٔتا ال يقول ‪.‬‬ ‫والكون كله يلعنه ‪ ،‬ويف اآلخرة هو يف‬ ‫الدرك األسفل من النار ‪ .‬وهذه‬ ‫اآلية تتشابه مع آية ٖتدثنا عنها يف‬ ‫أول هذه السورة ‪ . .‬وهي قوله تعاىل‬ ‫آمنَّا‬ ‫‪َ { :‬وإِذَا ل َ ُقوا ْالذين آ َم ُنوا ْقالوا َ‬

‫َوإِذَا َخل َ ْوا ْإىل َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم قالوا إِن َّا‬ ‫ون } ػ‬ ‫َمعَ ُك ْم إ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن ُم ْستَهْ ِز ُئ َ‬ ‫البقرة ‪] 14 :‬‬ ‫يف اآلية األوىل كان الدور لليهود ‪،‬‬ ‫وكان هناك منافقون من غَت اليهود‬ ‫وشياطؼنهم من اليهود ‪ . .‬وهنا‬ ‫الدور من اليهود وا‪١‬تنافقُت من‬

‫اليهود ‪ .‬ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬ ‫آمنَّا }‬ ‫{ َوإِذَا ل َ ُقوا ْالذين آ َم ُنوا ْقالوا َ‬ ‫وهل اإلٯتان كبلم؟ ‪ . .‬اإلٯتان‬ ‫يقُت يف القلب ولؼس كبلما‬ ‫باللسان ‪ . .‬واالستدالل عىل‬ ‫اإلٯتان بالسلوك فبل يوجد إنسان‬ ‫يسلك سؽيل ا‪١‬تؤمنُت نفاقا أو رياء‬

‫‪ . .‬يقول آمنت نفاقا ولكن سلوكه‬ ‫ال يكون سلوك ا‪١‬تؤمن ‪ . .‬ولذلك‬ ‫كان سلوكهم هو الذي يفضحهم ‪.‬‬ ‫يقول تعاىل ‪َ { :‬وإِذَا َخبل َبَعْ ُض ُه ْم إىل‬ ‫ُوهنُم ِٔتَا فَت َ َح اهلل‬ ‫بَعْ ٍض قالوا أ َ ُٖتَ ِ ّدث َ‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم } ‪ . .‬ويف سورة أخرى يقول‬ ‫آمنَّا َوإِذَا‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا ل َ ُقو ُك ْم قالوا َ‬

‫َخل َ ْوا ْ َع ُّضوا ْعَلَي ْ ُك ُم األنامل ِم َن‬ ‫الغيظ } ػ آل عمران ‪] 119 :‬‬ ‫ويف سورة ا‪١‬تائدة يقول سبحانه ‪{ :‬‬ ‫آءو ُك ْم قالوا آ َمنَّا َوقَ ْد َّد َخلُوا ْ‬ ‫َوإِذَا َج ُ‬ ‫بالكفر َو ُه ْم قَ ْد َخ َر ُجوا ْبِ ِه } ػ‬ ‫ا‪١‬تائدة ‪] 61 :‬‬ ‫هنا أربع صور من صور ا‪١‬تنافقُت ‪.‬‬

‫‪ .‬كلها فيها التظاهر بإٯتان كاذب ‪.‬‬ ‫‪ .‬يف اآلية األوىل { َوإِذَا َخل َ ْوا ْإىل‬ ‫َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم قالوا إِن َّا َمعَ ُك ْم } ويف‬ ‫اآلية الثانية ‪َ { :‬وإِذَا َخال َبَعْ ُض ُه ْم‬ ‫ُوهنُم ِٔتَا فَت َ َح‬ ‫إىل بَعْ ٍض قالوا أ َ ُٖتَ ِ ّدث َ‬ ‫اهلل عَلَي ْ ُك ْم } ‪ .‬ويف اآلية الثالثة‪{ :‬‬ ‫َع ُّضوا ْعَلَي ْ ُك ُم األنامل ِم َن الغيظ }‬

‫‪ .‬ويف اآلية الرابعة ‪َ { :‬وقَ ْد َّد َخلُوا ْ‬ ‫بالكفر َو ُه ْم قَ ْد َخ َر ُجوا ْبِ ِه } ‪.‬‬ ‫إن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫حؼنما بعث كان اليهود يقولون‬ ‫للمؤمنُت هذا هو نؽيكم موجود‬ ‫عندنا يف التوراة أوصافه كذا‪. .‬‬ ‫حينئذ كان أحبار اليهود ينهوهنم‬

‫عن ذلك ويقولون ‪٢‬تم ‪{ :‬‬ ‫ُوهنُم ِٔتَا فَت َ َح اهلل عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫أ َ ُٖتَ ِ ّدث َ‬ ‫لِي َحآ ُّجو ُكم بِ ِه ِعن ْ َد َربِّ ُك ْم }‬ ‫ُ‬ ‫فكأهنم علموا صفات رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ولكنهم أرادوا‬ ‫أن ٮتفوها ‪ . .‬إن الغريب أهنم‬ ‫يقولون ‪ِٔ { :‬تَا فَت َ َح اهلل عَلَي ْ ُك ْم } ‪.‬‬

‫وإذا كان هذا فتحا من اهلل فبل فضل‬ ‫‪٢‬تم فيه ‪ . .‬ولو أراد اهلل ‪٢‬تم الفتح‬ ‫آلمنت القلوب ‪. .‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬لِي َحآ ُّجو ُكم بِ ِه ِعن ْ َد‬ ‫ُ‬ ‫َربِّ ُك ْم } يدل عىل أن اليهود‬ ‫ا‪١‬تنافقُت والكفار وكل خلق‬

‫األرض يعلمون أهنم من خلق اهلل ‪،‬‬ ‫وأن اهلل هو الذي خلقهم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وماداموا يعلمون ذلك فلماذا‬ ‫يكفرون ٓتالقهم؟ { لِي َحآ ُّجو ُكم‬ ‫ُ‬ ‫بِ ِه } أي لتكون حجتهم عليكم‬ ‫قوية عند اهلل ‪ . .‬ولكنهم لم يقولوا‬ ‫عند اهلل بل قالوا { ِعن ْ َد َر ِبّ ُك ْم }‬

‫وا‪١‬تحاجة معناها أن يلتقي فريقان‬ ‫لكل منهما وجهة نظر ‪٥‬تتلفة ‪.‬‬ ‫وتقام بؼنهما مناظرة يديل فيها كل‬ ‫فريق ْتجته ‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫أَ‬ ‫آج إِب ْ َرا ِ‬ ‫ت‬ ‫يم ِيف‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫الذي‬ ‫ِىل‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َربِّ ِه أ ْن آتَ ُاه اهلل ا‪١‬تلك} ػ البقرة ‪:‬‬ ‫‪] 258‬‬

‫هذه هي ا‪١‬تناظرة اليت حدثت بُت‬ ‫إبراهيم عليه السبلم والنمرود‬ ‫الذي آتاه اهلل ا‪١‬تلك‪ . .‬ماذا قال‬ ‫إبراهيم؟ { إِذْقَ َ ب ِ‬ ‫يم َر ِ ّيب َ‬ ‫ال إِ ْ َراه ُ‬ ‫ِ‬ ‫يت } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫الذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫‪] 258‬‬ ‫هذه كانت حجة إبراهيم يف الدعوة‬

‫إىل اهلل ‪ ،‬فرد عليه النمرود ْتجة‬ ‫مزيفة ‪ .‬قال أنا أحيي وأميت ‪. .‬‬ ‫ثم جاء بواحد من جنوده وقال‬ ‫‪ٟ‬تراسه اقتلوه ‪ . .‬فلما إتهوا إليه‬ ‫قال اتركوه ‪ . .‬ثم التفت إىل‬ ‫إبراهيم ‪ { :‬قَ َ َ ِ ِ‬ ‫يت‬ ‫ال أنَا أ ُْحيي َوأُم ُ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 258 :‬‬

‫جدل عقيم ألن هذا الذي أمر‬ ‫النمرود بقتله ‪ .‬كان حيا وحياته من‬ ‫اهلل ‪ . .‬والنمرود حُت قال اقتلوه‬ ‫بقتل ‪ . .‬وفرق‬ ‫لم ٯتته ولكن أمر ه‬ ‫بُت ا‪١‬توت والقتل ‪ . .‬القتل أن‬ ‫هتدم بنية ا‪ٞ‬تسد فتخرج الروح‬ ‫منه ألنه ال يصلح إلقامتها ‪. .‬‬

‫وا‪١‬توت أن ٗترج الروح من ا‪ٞ‬تسد‬ ‫والبنية سليمة لم هتدم ‪ . .‬الذي‬ ‫ٯتيت هو اهلل وحده ‪ ،‬ولذلك يقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬و َما ُ‪٤‬ت َ َّم ٌد إِال َّ‬ ‫َ‬ ‫ول قَ ْد َخل َ ْت ِمن قَبْلِ ِه الرسل‬ ‫َر ُس ٌ‬ ‫ات أ َ ْو ُقتِ َل انقلؽتم عىل‬ ‫أَفإ ِْن َّم َ‬ ‫أ َ ْعقَابِ ُك ْم } ػ آل عمران ‪144 :‬‬

‫]‬ ‫والنمرود لو قتل هذا الرجل ما كان‬ ‫يستطيع أن يعيده إىل ا‪ٟ‬تياة ‪. .‬‬ ‫ولكن إبراهيم عليه السبلم ‪ . .‬لم‬ ‫يكن يريد أن يدخل يف مثل هذا‬ ‫ا‪ٞ‬تدل العقيم ‪ . .‬الذي فيه مقارعة‬ ‫ا‪ٟ‬تجة ‪ .‬با‪ٟ‬تجة ٯتكن فيه ا‪ٞ‬تدال‬

‫ولو زيفا ‪ . .‬ولذلك جاء با‪ٟ‬تجة‬ ‫البالغة اليت ال يستطيع النمرود أن‬ ‫‪٬‬تادل فيها ‪ { :‬قَ َ ب ِ‬ ‫يم فَإ َِّن‬ ‫ال إِ ْ َراه ُ‬ ‫اهلل يَأ ْ ِيت بالشمس ِم َن ا‪١‬تشرق فَأ ْ ِت‬ ‫بِهَا ِم َن ا‪١‬تغرب فَب ُ ِه َت الذي َك َف َر‬ ‫واهلل ال َيَهْ ِدي القوم الظا‪١‬تُت } ػ‬ ‫البقرة ‪] 258 :‬‬

‫ا‪ٟ‬تاجة ‪ . .‬كل طرف‬ ‫هذا هو معٌت ّ‬ ‫يأيت ْتجته ‪ ،‬وما داموا ٭تاجونكم‬ ‫عند ربكم وهم يعتقدون أن‬ ‫القضية لن ٘تر أمام اهلل بسبلم‬ ‫ألنه رب ا‪ٞ‬تميع وسؼنصف ا‪١‬تظلوم‬ ‫من الظالم ‪ . .‬إذا كانت هذه هي‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة فهل أنتم تعملون ‪١‬تصلحة‬

‫أنفسكم؟ ا‪ٞ‬تواب ال ‪ . .‬لو كنتم‬ ‫تعلمون الصواب ما كنتم وقعتم يف‬ ‫هذا ا‪٠‬تطأ فهذا لؼس فتحا‪. .‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون }‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬أفَبل َتَعْقل ُ َ‬ ‫ختام منطقي لآلية ‪ . .‬ألن من‬ ‫يتصرف تصرفهم ويقول كبلمهم‬ ‫ال يكون عنده عقل ‪ . .‬الذي يقول‬

‫{ لِي َحآ ُّجو ُكم بِ ِه ِعن ْ َد َر ِبّ ُك ْم }‬ ‫ُ‬ ‫يكون مؤمنا بأن له ربا ‪ ،‬ثم ال يؤمن‬ ‫اإللوال ٮتافه ال ٯتكن أن‬ ‫بهذا ه‬ ‫يتصف بالعقل ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اّللَيَعْل َ ُم َما‬ ‫ون أ َ َّن َّ‬ ‫أ َو َال يَعْل َ ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)77‬‬ ‫ون َو َما يُعْل ُن َ‬ ‫يُس ُّر َ‬

‫يبُت اهلل لنا بأنه يعلم أمرهم وما‬ ‫يفعلون ‪ .‬لقد ظنوا أن اهلل غافل‬ ‫عندما خبل بعضهم إىل بعض وقالوا‬ ‫ُوهنُم ِٔتَا فَت َ َح اهلل ل َعَي ْ ُك ْم‬ ‫‪ { :‬أ َ ُٖتَ ِ ّدث َ‬ ‫لِي َحآ ُّجو ُكم بِ ِه ِعن ْ َد َربِّ ُك ْم } ‪. .‬‬ ‫ُ‬ ‫اهلل علم و‪ٝ‬تع ‪ . .‬وعندما يبليق‬ ‫ا‪١‬تنافقون ا‪١‬تؤمنُت ويقولون آمنا ‪. .‬‬

‫{ َوإِذَا َخل َ ْوا ْ َع ُّضوا ْعَلَي ْ ُك ُم األنامل‬ ‫ِم َن الغيظ } هذا انفعال حركي‬ ‫لؼس فيه كبلم يقال ولكن فيه واقع‬ ‫يرى ‪ . .‬ومع ذلك فهو لؼس سرا ‪.‬‬ ‫ما هو السر وما هو العلن؟ ‪ . .‬األمر‬ ‫ا‪١‬تعلن هو الذي ٮترج منك إىل من‬ ‫عنده آلة السماع لؼسمعك ‪. .‬‬

‫واألمر ا‪١‬تعلن ٮترج منك إىل من‬ ‫عنده آلة الرؤية لَتاك ‪ . .‬فإن كان‬ ‫حركة ببل صوت فهذا عدته العُت ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإن كان بصوت فعدته األذن ‪. .‬‬ ‫هذه وسائل اإلدراك األصلية ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون َو َما‬ ‫وقوله تعاىل{ يَعْل َ ُم َما يُس ُّر َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ألم يكن أوىل أن يقول‬ ‫يُعْل ُن َ‬

‫سبحانه يعلم ما يعلنون وما‬ ‫يسرون ‪ . .‬وإذا كان يعلم ما نسر‬ ‫أفبل يعلم ما نعلن؟ ‪ . .‬الشك أنه‬ ‫يعلم ‪ . .‬ولكنها دقة يف الببلغة‬ ‫القرآنية؛ ذلك أن ا‪١‬تتكلم هو اهلل‬ ‫سبحانه ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نعلم أن اهلل غيب ‪ . .‬وغيب‬

‫يعٍت مستور عن حواسنا ‪ . .‬ومادام‬ ‫اهلل غؼبا فهو يعلم الغيب ا‪١‬تستور ‪.‬‬ ‫‪ .‬رٔتا كان العلن الظاهر له قوانُت‬ ‫أخرى ‪ . .‬فمثبل إذا كان هناك‬ ‫شخص يف ا‪١‬تزنل ‪ ،‬ثم يقول « أنا‬ ‫اعلم ما يف ا‪١‬تزنل وما هو خارج‬ ‫ا‪١‬تزنل ‪ . .‬لو قال أنا اعلم ما يف‬

‫ا‪١‬تزنل لقلنا له أنت داخله فبل‬ ‫غرابة يف ذلك‪ . .‬ولكنك مستور‬ ‫عما يف ا‪٠‬تارج فكيف تعلمه؟‬ ‫ومادام اهلل غؼبا ًفقوله ما يسرون‬ ‫أقرب لغؼبه ‪ .‬وما يعلنون هي اليت‬ ‫ٖتتاج وقفة ‪ .‬ال تظنوا أن اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل ألنه غيب ال يعلم إال ما هو‬

‫مستور وخفي فقط ‪ . .‬ال ‪ . .‬إنه‬ ‫يعلم ا‪١‬تشهود والغائب ‪ . .‬إذن‬ ‫فا‪١‬تناسب ألن اهلل غيب عن‬ ‫أبصارنا وكوننا ال ندركه أن يقول‬ ‫ما يسرون أوال ‪. .‬‬ ‫ما معٌت ما يسرون؟ ‪ . .‬السر هو ما‬ ‫لم هتمس به إىل غَتك‪ . .‬ألن‬

‫‪٫‬تسك للغَت بالشيء لم يعد سرا ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن السر هو ما تسره يف نفسك‬ ‫وال هتمس به ألحد من الناس ‪. .‬‬ ‫وإذا كان السر هو ما تسره يف‬ ‫نفسك ‪ ،‬فالعلن هو ما ٕتاهر به ‪.‬‬ ‫ويكون علنا مادام قد علمه اثنان ‪.‬‬ ‫‪ .‬والعلن عند الناس واضح والسر‬

‫عندهم خفي ‪ . .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل حُت ٮتربنا أنه غيب ‪. .‬‬ ‫فلؼس معٌت ذلك أنه ال يعلم إال‬ ‫غؼبا ً‪ .‬إنه يعلم السر والعلن‪. .‬‬ ‫واهلل جل جبلله يقول يف القرآن‬ ‫الكريم ‪ { :‬ي َ ْعل َ ُم السر َوأ َ ْخ َىف } ػ‬ ‫طه ‪] 7 :‬‬

‫فإذا كان السر هو ما ٗتفيه يف نفسك‬ ‫وله واقع داخلك ‪ » . .‬ما هو أخىف «‬ ‫هو أن اهلل يعلم أنك ستفعله قبل‬ ‫أن تفعله ‪ .‬ويعلم أنه سيحدث‬ ‫منك قبل أن ٭تدث منك ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب‬ ‫َومن ْ ُه ْم أُ ّمي ُّ َ‬ ‫ون َال يَعْل َ ُم َ‬ ‫ون الْكت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ون (‪)78‬‬ ‫إ َِّال أ َم ِاين َّ َوإ ِْن ُه ْم إ َِّال ي َ ُظنُّ َ‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل الزال يتحدث‬ ‫عن أهل الكتاب ‪ . .‬فبعد أن بُت‬ ‫ُوهنُم ِٔتَا‬ ‫لنا الذين يقول ‪ { :‬أ َ ُٖتَ ِ ّدث َ‬ ‫فَت َ َح اهلل عَلَي ْ ُك ْم لِي َحآ ُّجو ُكم بِ ِه ِعن ْ َد‬ ‫ُ‬ ‫َربِّ ُك ْم } ‪ . .‬انتقل سبحانه وتعاىل‬ ‫إىل طائفة أخرى وهم من أ‪ٝ‬تاهم‬ ‫باألم يين ‪ . .‬وأصح قول يف األمي هو‬

‫أنه كما ولدته أمه ‪ .‬أي لم يعلم‬ ‫شؼئا ًمن ثقافة وعلم يف الوجود منذ‬ ‫‪ٟ‬تظة نزوله من بطن أمه ‪ .‬ولذلك‬ ‫فإن األمي عىل إطبلقه هو الذي ال‬ ‫يكؾسب شؼئا ًمن ثقافة الوجود‬ ‫حوله ‪ ،‬بصرف النظر عن أن يقال‬ ‫كما ولدته أمه ‪ . .‬ألن الشائع يف‬

‫ا‪١‬تجتمعات أن الذي يعلم هم‬ ‫ا‪٠‬تاصة ال العامة‪ . .‬وعىل أية حال‬ ‫فا‪١‬تعاين كلها ملتقية يف تعريف األمي‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬ومن ْ ُه ْم أُ ّمي ُّ َ‬ ‫تبلحظ أن هناك معسكرات من‬ ‫األميُت واجهت الدعوة اإلسبلمية‬

‫‪ . .‬فا‪١‬تعسكر األول كان ا‪١‬تشركُت‬ ‫يف مكة ‪ ،‬وا‪١‬تعسكر الثاين كان أهل‬ ‫الكتاب يف ا‪١‬تدينة ‪ .‬وأهل الكتاب‬ ‫تطلق عىل أتباع موىس وأتباع‬ ‫ا‪١‬تسيح ‪ . .‬ولكن يف ا‪ٞ‬تزيرة العربية‬ ‫كان هناك عدد ال يذكر من‬ ‫النصارى ‪ . .‬وكان هناك ‪٣‬تتمع ‪.‬‬

‫وا‪١‬تقصود من قوله تعاىل ‪َ { :‬و ِمن ْ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون الكتاب إِال َّأ َ َم ِاين َّ‬ ‫أُ ّمي ُّ َ‬ ‫ون ال َيَعْل َ ُم َ‬ ‫} هم اليهود الذين كان ‪٢‬تم ‪٣‬تتمع‬ ‫يف ا‪١‬تدينة ‪ . .‬ومادام ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫وتعاىل قال ‪َ { :‬ومن ْ ُه ْم أُ ّمي ُّ َ‬ ‫معٌت هذا أنه البد أن يكون هناك‬ ‫منهم غَت أميُت ‪ . .‬وهؤالء هم‬

‫الذين سيأيت قول اهلل تعاىل عنهم يف‬ ‫اآلية التالية ‪ { :‬فَ َوي ْ ٌل ل ِ ّل َّ ِذي َن‬ ‫ون الكتاب بِأَي ْ ِدي ِه ْم } ػ‬ ‫ي َ ْك ُؾب ُ َ‬ ‫البقرة ‪] 79 :‬‬ ‫قسم اهلل تبارك وتعاىل اليهود‬ ‫هنا ّ‬ ‫إىل أقسام ‪ . .‬منهم قسم أ ُِّمي ال‬ ‫يعرفون الكتاب وما يقوله ‪٢‬تم‬

‫أحبارهم هو الذي يعرفونه فقط ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهؤالء رٔتا لو كانوا يعلمون ما يف‬ ‫التوراة ‪ . .‬من صفات رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم آلمنوا به ‪. .‬‬ ‫والكتاب هنا يقصد به التوراة ‪. .‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل لم ينف عنهم‬ ‫مطلق العلم ‪ . .‬ولكنه نىف‬

‫خصوصية العلم ‪ ،‬ألنه قال ال‬ ‫يعلمون إال أماين ‪ . .‬فكأن األماين‬ ‫يعلموهنا من الكتاب ‪.‬‬ ‫ولكن ما األماين؟ ‪ . .‬إهنا تطلق مرة‬ ‫بدون تشديد الياء ومرة بتشديد‬ ‫الياء ‪ . .‬فإن كانت التخفيف تكون‬ ‫‪ٚ‬تع أمنية ‪ . .‬وإن كانت بالتشديد‬

‫تكون ‪ٚ‬تع أمنية بالتشديد عىل‬ ‫الياء ‪ . .‬األمنية ٕتدها يف القرآن‬ ‫الكريم يف قوله تعاىل ‪ { :‬لَّؼ ْ َس‬ ‫بِأ َ َمانِ ِي ّ ُك ْم وال أ َ َم ِاين ّ ِأ َ ْه ِل الكتاب‬ ‫َمن يَعْ َم ْل سواءا ُ‪٬‬ت ْ َز بِ ِه } ػ النساء‬ ‫‪] 123 :‬‬ ‫هذه بالنسبة للجمع ‪ .‬أما بالنسبة‬

‫للمفرد ‪ . .‬يف قوله تعاىل ‪َ { :‬و َمآ‬ ‫ك ِمن َّر ُس ٍ‬ ‫ول َوال َنَبِ ٍّي‬ ‫أ َ ْر َسلْنَا ِمن قَبْلِ َ‬ ‫إِال َّإِذَا ٘تٌت أَل َْىق الشيطان يف أُ ْم ِنؼَّتِ ِه‬ ‫} ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 52 :‬‬ ‫ما هي األمنية؟ ‪ . .‬األمنية هي‬ ‫الشيء الذي ٭تب اإلنسان أن‬

‫٭تدث ولكن حدوثه مستحيل ‪. .‬‬ ‫إذن لن ٭تدث ولن يكون له وجود ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك قالوا إن من معاين التمٍت‬ ‫اختبلق األشياء ‪ . .‬الشاعر الذي‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ود يوما ً‪...‬‬ ‫أال لَي ْ َت ال َّش َ‬ ‫باب يع ُ‬ ‫فَأُ ْخ ِرب ُه ٔتا فَعَ َل ا‪١‬ت ِ‬ ‫يب‬ ‫ش‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬

‫هل الشباب ٯتكن أن يعود؟ ‪. .‬‬ ‫طبعا ًمستحيل‪ . .‬هذا شيء لن‬ ‫٭تدث ‪ . .‬والشاعر الذي قال ‪:‬‬ ‫لَيت الكواكب دتنُو ِيل فَأ َ‬ ‫ظمهَا‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ُ ...‬ع ُقودَ َم ْد ٍح فَما أ َ ْر َىض ل َ ُك ْم كَلِ ِم‬ ‫هل النجوم ستزنل من السماء‬ ‫وتأيت إىل هذا الشاعر ‪ . .‬ينظمها‬

‫أبيات شعر إىل حبيؽته ‪ . .‬إذن من‬ ‫معاين التمٍت الكذب واالختبلق‪.‬‬ ‫ولقد فسر بعض ا‪١‬تستشرقُت قول‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل ‪َ { :‬و َمآ أ َ ْر َسل اَْن‬ ‫ك ِمن َّر ُس ٍ‬ ‫ول َوال َنَبِ ٍّي إِال َّإِذَا‬ ‫ِمن قَبْلِ َ‬ ‫٘تٌت } ( أي قرأ ) ‪ { :‬أَل َْىق‬ ‫الشيطان يف أُ ْم ِنؼَّتِ ِه } ( أي يف‬

‫قراءته ) ‪ . .‬وطبعا الشيطان لن‬ ‫يلقي يف قراءة الرسول إال كذبا‬ ‫وإفًتاء وكفرا ‪ . .‬إقرأ قوله‬ ‫سبحانه ‪ { :‬أَفَ َرأَي ْ ُت ُم البلت‬ ‫والعزى * َو َمنَاةَ الثالثة األخرى*‬ ‫ك إِذا ً‬ ‫أَل َ ُك ُم الذكر َول َ ُه األنثى* تِل ْ َ‬ ‫قِ ْس َم ٌة ضيزى } ػ النجم ‪-19 :‬‬

‫‪] 22‬‬ ‫قال أعداء اإلسبلم مادام قد ذكر‬ ‫يف القرآن أ‪ٝ‬تاء الغرانيق ‪ . .‬وهي‬ ‫األصنام اليت كان يعبدها الكفار ‪. .‬‬ ‫ومنها البلت والعزى ومناة الثالثة‬ ‫األخرى ‪ . .‬إذن فشفاعة هذه‬ ‫األصنام ترٕتى يف اآلخرة‪ . .‬وهذا‬

‫كبلم ال ينسجم مع منطق الدين كله‬ ‫يدعو لعبادة اهلل وحده ‪ . .‬وخرج‬ ‫ا‪١‬تستشرقون من ذلك بأن الدين‬ ‫فعبل يدعو لعبادة اهلل وحده ‪ . .‬إذن‬ ‫فيكون الشيطان قد ألىق يف أمنؼته‬ ‫فيما يقوله رسول اهلل ‪ . .‬ثم أحكم‬ ‫اهلل سبحانه آياته فقال تعاىل ‪{ :‬‬

‫ِ َ‬ ‫وهآ أ َ ُنت ْم‬ ‫آء َ َّ‬ ‫‪ٝ‬تؼ ْ ُت ُم َ‬ ‫‪ٝ‬ت ٌ‬ ‫إ ِْن ه َي إِال َّأ ْ َ‬ ‫آؤ ُكم َّمآ أَن َز َل اهلل بِهَا ِمن‬ ‫َوآب َ ُ‬ ‫ُسل ْ َطانٍ } ػ النجم ‪] 23 :‬‬ ‫هم يريدون بذلك أن يشككوا ‪. .‬‬ ‫يف أنه من ا‪١‬تمكن أن يلقي‬ ‫الشيطان بعض أفكاره يف قول‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬

‫ولكن اهلل سبحانه ينسخ ما يلقي‬ ‫الشيطان و٭تكم آياته ‪.‬‬ ‫إن اهلل جل جبلله لم يًتك وحيه‬ ‫لعبث الشيطان ‪ . .‬ولذلك سنبحث‬ ‫اآلية بعيدا ًعن كل ما قيل ‪ . .‬نقول‬ ‫لو أنك تنبهت إىل قول اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫ك ِمن َّر ُس ٍ‬ ‫ول‬ ‫{ َو َمآ أ َ ْر َسلْنَا ِمن قَبْلِ َ‬

‫َوال َنَبِ ٍّي إِال َّإِذَا ٘تٌت } لو قلنا ٘تٌت‬ ‫ٔتعٌت قرأ ‪ ،‬ثم أن اهلل ينسخ ما‬ ‫يلقي الشيطان ثم ٭تكم اهلل آياته‬ ‫‪ . .‬إذن هو سبحانه لن يًتك رسوله‬ ‫ٮتطئ ‪ . .‬وبذلك ضمنا أن كل ما‬ ‫ينتهي إليه الرسول صواب ‪ . .‬وأن‬ ‫كل ما وصلنا عن الرسول ‪٤‬تكم ‪. .‬‬

‫فنطمئن إىل أنه لؼس هناك شيء‬ ‫ٯتكن أن يلقيه الشيطان يف ٘تٍت‬ ‫الرسول ويصلنا دون أن ينسخ ‪.‬‬ ‫فإذا قلنا ‪ :‬إن اهلل ينسخ ما يلقي‬ ‫الشيطان فما الذي جعلكم‬ ‫تعرفون ما ألقاه الشيطان مادام‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم لم‬

‫يقل لكم إال ا‪١‬تحكم ‪ . .‬ثم من هو‬ ‫الرسول؟ ب َ َش ٌر أُو ِح َي إليه ٔتنهج من‬ ‫السماء وأمر بؾبليغه‪ . .‬ومن هو‬ ‫النبي؟ ‪ . .‬بشر أوحي إليه بمهنج ‪.‬‬ ‫ولم يؤمر بؾبليغه ‪ . .‬ومادام لم‬ ‫يؤمر بؾبليغه يكون خاصا بهذا‬ ‫النبي ‪ . .‬ويكون النبي قدوة‬

‫سلوكية ‪ . .‬ألنه يطبق منهج‬ ‫الرسول الذي قبله فهو لم يأت‬ ‫ّتديد ‪.‬‬ ‫اآلية الكرٯتة جاءت بكلميت‬ ‫رسول أو نبي ‪ . .‬إذا كان معٌت أمنية‬ ‫الشيطان مستقيما بالنسبة‬ ‫للرسول فهو غَت مستقيم بالنسبة‬

‫للنبي ‪ . .‬ألن النبي ال يقرأ شؼئا ً‪،‬‬ ‫ومادام النبي ذكر يف اآلية الكرٯتة‬ ‫فبلبد أن يكون للتمٍت معٌت آخر‬ ‫غَت القراءة ‪ . .‬ألن النبي لم يأت‬ ‫بكبلم يقرؤه عىل الناس ‪ . .‬فكأنه‬ ‫سيقرأ كبلما ‪٤‬تكما لؼس فيه أمنية‬ ‫الشيطان أي قراءته ‪.‬‬

‫إن التمٍت ال يأيت ٔتعٌت قراءة‬ ‫الشيطان ‪ . .‬وأمنية الرسول‬ ‫والنبي أن ينجحا يف مهمتهما ‪. .‬‬ ‫فالرسول كمبلغ ‪١‬تنهج اهلل ‪ ،‬النبي‬ ‫كأسوة سلوكية ‪ . .‬ا‪١‬تعٌت هنا ٮتتلف‬ ‫‪ . .‬الرسول أمنؼته أن يبلغ منهج اهلل‬ ‫‪ . .‬والشيطان ٭تاول أن يزنع‬

‫ا‪١‬تنهج من قلوب الناس ‪ . .‬هذا هو‬ ‫ا‪١‬تعٌت ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل حُت‬ ‫٭تكم آياته ينصر اإلٯتان لؼسود‬ ‫منهج اهلل يف األرض وتنتظم حركة‬ ‫الناس ‪ . .‬هذا هو ا‪١‬تعٌت ‪.‬‬ ‫وكلمة ٘تٍت يف هذه اآلية الكرٯتة‬ ‫ٔتعٌت أن الرسول أو النبي ٭تب أن‬

‫يسود منهجه األرض ‪. .‬‬ ‫والشيطان يلقي العراقيل واهلل‬ ‫٭تكم آياته وينصر ا‪ٟ‬تق ‪ .‬و‪٬‬تب أن‬ ‫نفهم اآلية عىل هذا المعٌت‪ . .‬وبهذا‬ ‫ينتفي ٘تاما ما يدعيه ا‪١‬تستشرقون‬ ‫من أن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم حؼنما كان يقرأ ما يوىح إليه‬

‫يستطيع الشيطان أن يتدخل‬ ‫ويضع كبلما يف الوحي‪ . .‬مستحيل‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ال َ‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ومن ْ ُه ْم أُ ّمي ُّ َ‬ ‫ون الكتاب إِال َّأ َ َم ِاين َّ} ‪. .‬‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬ ‫معناها أنه يأيت قوم ال يعرفون شؼئا ً‬ ‫عن الكتاب إال ظنا ‪ . .‬فيصدقهم‬

‫هؤالء األميون دون علم ‪ . .‬وكان‬ ‫اهلل سبحانه يريد أن يلفؾنا إىل أن‬ ‫كثَتا من ا‪١‬تذاهب الدينية يف‬ ‫األرض ينشأ عن ا‪١‬تبلغُت ‪٢‬تا ‪. .‬‬ ‫فهناك أناس يأ٘تنون آخرين‬ ‫ليقولوا ‪٢‬تم ما إنتهت إليه األحكام‬ ‫الدينية ‪ . .‬فيأيت األمي أو غَت‬

‫ا‪١‬تثقف يسأل عا‪١‬تا عن حكم من‬ ‫األحكام الشرعية ‪ . .‬ثم يأخذ منه‬ ‫ا‪ٟ‬تكم ويطبقه دون أن يناقشه ‪. .‬‬ ‫ألن علمه قد إنتىه عند السؤال عن‬ ‫الفتوى ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫كما يقول ‪َ { :‬وال َتَ ِز ُر َوا ِز َرةٌ ِوزْ َر‬ ‫أخرى } ػ األنعام ‪] 164 :‬‬

‫أي ال ٭تمل أحد ذنب أحد يوم‬ ‫القيامة ‪ . .‬فيقول تعاىل ‪{ :‬‬ ‫لِي َ ْح ِملُوا ْأ َ ْوزَ َار ُه ْم كَا ِملَةًي َ ْو َم‬ ‫وهن ُ ْم‬ ‫القيامة َو ِم ْن أ َ ْوزَا ِر الذين يُ ِضل ُّ َ‬ ‫بِغ َ ْ ِ‬ ‫َت عِل ْ ٍم } ػ النحل ‪] 25 :‬‬ ‫بعض الناس يظن أن اآليتُت‬ ‫بؼنهما تعارض‪ . .‬نقول ال ‪ . .‬ومن‬

‫يرتكب إ‪ٙ‬تا ٭تاسب عليه ‪ . .‬ومن‬ ‫يضل غَته بفتوى غَت صحيحة ٭تل‬ ‫له بها ما حرم اهلل ‪ . .‬فإنه ٭تمل‬ ‫معاصيه ومعاصي من أضل ‪. .‬‬ ‫فيكون له وزر ألنه ضل ‪ ،‬ووزر‬ ‫ألنه أضل غَته ‪ . .‬بل وأكثر من‬

‫ذلك ‪ . .‬فإن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم يقول ‪:‬‬ ‫« من دعا إىل هدى كان له من األجر‬ ‫مثل أجور من تبعه ال ينقص ذلك‬ ‫من أجورهم شؼئا ً‪ ،‬ومن دعا إىل‬ ‫ضبللة كان عليه من اإلثم مثل‬ ‫آثام من تبعه ال ينقص ذلك من‬

‫آثامهم شؼئا ً»‬ ‫والبد أن نتنبه إىل خطورة الفتوى يف‬ ‫الدين بغَت علم ‪ . .‬الفتوى يف الدنيا‬ ‫أقىص ما ٯتكن أن تؤدي إليه هو أن‬ ‫ٕتعلك ٗتسر صفقة ‪ . .‬لكن‬ ‫الفتوى يف الدين ستدوم عمرا‬ ‫طويبل ‪. .‬‬

‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يقول ‪َ { :‬وإ ِْن‬ ‫ون } ‪ . .‬والظن كما‬ ‫ُه ْم إِال َّي َ ُظنُّ َ‬ ‫قلنا هو نسبة راجحة ولكن غَت‬ ‫مؤكدة ‪ . .‬وإذا كان التمٍت كما ورد‬ ‫يف اللغة هو القراءة ‪ . .‬فهؤالء‬ ‫األ ِّميون ال يعلمون الكتاب إال‬ ‫قراءة لسان ببل فهم ‪ . .‬ولذلك قال‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل عن اليهود ‪{ :‬‬ ‫‪ٛ‬تلُوا ْالتوراة ُث َّم ل َ ْم‬ ‫َمث َ ُل الذين ُ ِّ‬ ‫وها كَ َمث َ ِل ا‪ٟ‬تمار َ٭ت ْ ِم ُل‬ ‫َ٭ت ْ ِمل ُ َ‬ ‫أ َ ْس َفارا ً} ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪] 5 :‬‬ ‫وهكذا نرى أن هناك صنفا ٭تمل‬ ‫التوراة وهو ال يعرف عنها شؼئا ‪. .‬‬ ‫واهلل جل جبلله قال إن مثله‬

‫كا‪ٟ‬تمار ‪ . .‬ولكن أقل من ا‪ٟ‬تمار ‪،‬‬ ‫ألن ا‪ٟ‬تمار مهمته أن ٭تمل‬ ‫األثقال ‪ . .‬ولكن اإلنسان لؼست‬ ‫مهمته أن ٭تمل ما ‪٬‬تهل ‪ . .‬ولكن‬ ‫البد أن يقرأ الكتاب ويعلم‬ ‫ا‪١‬تطلوب منه ‪.‬‬

‫فَوي ْ ٌل لِل َّ ِذي َن ي َ ْك ُؾبون ال ْ ِ‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون َه َذا م ْن عن ْ ِد‬ ‫بِأي ْ ِدي ِه ْم ُث َّم ي َ ُقول ُ َ‬ ‫َِ‬ ‫يبل فَ َوي ْ ٌل َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ًتوا بِ ِه ‪ٙ‬تَ َنًا قَلِ ً‬ ‫اّلل لِي َ ْش َُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‪٦‬تَّا َكؾَب َ ْت أَي ْ ِدي ِه ْم َو َوي ْ ٌل َ‪٢‬ت ُ ْم ِ‪٦‬تَّا‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)79‬‬ ‫ي َ ْكسب ُ َ‬ ‫هذه اآلية الكرٯتة جاءت يف‬ ‫القسم الثاين من اليهود وهو ا‪١‬تقابل‬

‫لؤلميُت ‪ . .‬وهم إما أميون ال‬ ‫يعلمون الكتاب ‪ . .‬وإما يعلمون‬ ‫ولكنهم يغَتون فيه ويكؾبونه‬ ‫بأيديهم ويقولون هذا من عند ا هلل‬ ‫‪ .‬ولذلك توعدهم اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل فقال ‪ :‬ويل ‪٢‬تم ‪ ،‬وبدأ اآلية‬ ‫بالوعيد با‪ٞ‬تزاء مباشرة ‪ .‬نبلحظ‬

‫أن كلمة ويل يف اللغة تستعمل‬ ‫معها كلميت ويح وويس ‪ . .‬وكلها‬ ‫تعٍت ا‪٢‬تبلك والعذاب‪. .‬‬ ‫وتستعمل للتحسر عىل غفلة‬ ‫اإلنسان عن العذاب ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬ياويلؾنا َم ِال هذا الكتاب‬ ‫ال َيُغَا ِدر َصغَِتة ًوال َكَبَِتة ًإِال َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫اها } ػ الكهف ‪] 49 :‬‬ ‫أ َ ْح َص َ‬ ‫وقوله جل جبلله ‪ { :‬ياويلنا قَ ْد ُكنَّا‬ ‫ِيف َغفْل َ ٍة ِّم ْن هذا } ػ األنؽياء ‪97 :‬‬ ‫]‬ ‫هذه الويبلت تعٍت ا‪ٟ‬تسرة وقت‬ ‫رؤية العذاب ‪ . .‬وقيل إن الويل‬ ‫َوا ٍد يف جهنم يهوي اإلنسان فيه‬

‫أربعُت خريفا والعياذ باهلل ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ينذر الذين‬ ‫يكؾبون الكتاب بأيديهم أن‬ ‫عذابهم يوم القيامة سيكون‬ ‫مضاعفا ‪ . .‬ألن كل من ارتكب‬ ‫إ‪ٙ‬تا نؾيجة لتزييفهم للكتاب‬ ‫سيكونون شركاء وسيحملون‬

‫عذابهم معهم يوم القيامة ‪،‬‬ ‫وسيكون عذابهم مضاعفا أضعافا‬ ‫كثَتة ‪.‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون الكتاب‬ ‫فَ َوي ْ ٌل ل ّل َّ ِذي َن ي َ ْك ُؾب ُ َ‬ ‫بِأَي ْ ِدي ِه ْم } ‪ . .‬ألم يكن يكفي أن‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق فويل للذين يكؾبون‬

‫الكتاب ويكون ا‪١‬تعٌت مفهوما ‪. .‬‬ ‫يكؾبون الكتاب ٔتاذا؟ بأيديهم ‪.‬‬ ‫‪ .‬نقول ال ‪ . .‬ألن الفعل قد يتم‬ ‫باألمر وقد يتم بالفعل ‪ . .‬رئؼس‬ ‫الدولة مثبل يتصل بأحد وزرائه‬ ‫ويقول له ألم أكتب إليك كتابا‬ ‫بكذا فلماذا لم تنفذه؟ هو لم‬

‫يكتب هذا الكتاب بيده ولكنهم‬ ‫كؾبوه بأمره ‪ ،‬ورؤساء الدول نادرا‬ ‫ما يكؾبون كؾبا بأيديهم ‪.‬‬ ‫إن اهلل سبحانه وتعاىل يريد هنا أن‬ ‫يبُت لنا مدى تعمد هؤالء لئلثم ‪. .‬‬ ‫فهم ال يكتفون مثبل بأن يقولوا‬ ‫لغَتهم إكؾبوا ‪ . .‬ولكن‬

‫الهتمامهم بتزييف كبلم اهلل‬ ‫سبحانه وتزويره يقومون بذلك‬ ‫بأيديهم لؼتأكدوا بأن األمر قد‬ ‫تم كما يريدون ٘تاما ‪ . .‬فلؼس‬ ‫ا‪١‬تسألة نزوة عابرة ‪ . .‬ولكنها مع‬ ‫سبق اإلصرار والًتصد‪ . .‬وهم‬ ‫يريدون بذلك أن يشًتوا ‪ٙ‬تنا‬

‫قليبل ‪ ،‬هو ا‪١‬تال أو ما يس ىم‬ ‫بالسلطة الزمنية ‪ . .‬٭تكمون‬ ‫ويكون ‪٢‬تم نفوذ وسلطان ‪.‬‬ ‫ولقد كان أهل الكتاب يف ا‪١‬تاضي‬ ‫إذا اختلفوا يف شيء ‪ . .‬ذهبوا إىل‬ ‫الكهان والرهبان وغَتهم ليقضوا‬ ‫بؼنهم ‪١ . .‬تاذا؟ ألن الناس حُت‬

‫ٮتتلفون يريدون أن يسؾًتوا وراء‬ ‫ما ٭تفظ كربياءهم إن كانوا ‪٥‬تطئُت‬ ‫‪ . .‬يعين ال أهنزم أمامه وال ينهزم‬ ‫أمامي ‪ . .‬وإ‪٪‬تا يقولون ارتضؼنا‬ ‫حكم فبلن ‪ . .‬فإذا كنا سنلجأ إىل‬ ‫تشريع السماء ليحكم بيننا‪ . .‬ال‬ ‫يكون هناك غالب ومغلوب أو‬

‫منهزم ومنتصر ‪ . .‬ذلك حُت‬ ‫أخضع أنا وأنت ‪ٟ‬تكم اهلل يكون‬ ‫كل منا راضيا بنؾيجة هذا ا‪ٟ‬تكم ‪.‬‬ ‫ولكن رجال الدين اليهودي‬ ‫وا‪١‬تسيحي أخذوا يصدرون فتاوى‬ ‫مؾناقضة ‪.‬‬

‫‪ .‬كل منهم حسب مصلحته وهواه‬ ‫‪ . .‬ولذلك تضاربت األحكام يف‬ ‫القضايا ا‪١‬تتشابهة ‪ . .‬ألنه لم يعد‬ ‫ا‪ٟ‬تكم بالعدل‪ . .‬بل أصبح ا‪ٟ‬تكم‬ ‫خاضعا ألهواء ومصاٌف وقضايا‬ ‫البشر ‪ . .‬وحُت يكؾبون الكتاب‬ ‫بأيديهم ويقولون هذا من عند اهلل‬

‫‪ . .‬إ‪٪‬تا يريدون أن ٮتلعوا عىل‬ ‫ا‪١‬تكتوب قداسة ٕتعل اإلنسان‬ ‫يأخذه ببل مناقشة ‪ . .‬وبذلك‬ ‫يكونون هم ا‪١‬تشرعُت باسم اهلل ‪،‬‬ ‫ويكؾبون ما يريدون ويسجلونه‬ ‫كتابه ‪ ،‬وحُت أحس أهل الكتاب‬ ‫بتضارب حكم الدين ٔتا أضافه‬

‫الرهبان واألحبار ‪ ،‬بدأوا يطلبون‬ ‫ٖترير ا‪ٟ‬تكم من سلطة الكنؼسة ‪.‬‬ ‫ولكن ‪١‬تاذا يكتب هؤالء الناس‬ ‫الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من‬ ‫عند اهلل؟! ‪ . .‬ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ًتوا ْبِ ِه ‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ً} ‪.‬‬ ‫يقول ‪ { :‬لِي َ ْش َُ‬ ‫‪ .‬وقد قلنا إن اإلنسان ال يشًتي‬

‫الثمن ‪ . .‬ولكن يدفع الثمن‬ ‫ويشًتي السلعة ‪ . .‬ولكنك هنا‬ ‫تدفع لتأخذ ‪ٙ‬تنا ‪ . .‬تدفع من منهج‬ ‫اهلل وحكم اهلل فتغَته وتبدله‬ ‫لتأخذ ‪ٙ‬تنا موقوتا ‪ . .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يعطيك يف اآلخرة الكثَت‬ ‫ولكنك تؽيعه بالقليل‪ . .‬وكل ‪ٙ‬تن‬

‫مهما بلغ تأخذه مقابل منهج اهلل‬ ‫يعؾرب ‪ٙ‬تنا قليبل ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ :‬يقول {‬ ‫فَ َوي ْ ٌل َّ‪٢‬ت ُ ْم ِّ‪٦‬تَّا َكؾَب َ ْت أَي ْ ِدي ِه ْم } ‪. .‬‬ ‫اآلية الكرٯتة بدأت بقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ون الكتاب‬ ‫{ فَ َوي ْ ٌل ل ّل َّ ِذي َن ي َ ْك ُؾب ُ َ‬ ‫بِأَي ْ ِدي ِه ْم } ‪ . .‬ثم جاء قوله تعاىل ‪:‬‬

‫{ فَ َوي ْ ٌل َّ‪٢‬ت ُ ْم ِّ‪٦‬تَّا َكؾَب َ ْت أَي ْ ِدي ِه ْم‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫َو َوي ْ ٌل ّ‪٢‬ت ُ ْم ّ‪٦‬تَّا ي َ ْكسب ُ َ‬ ‫فساعة الكتابة ‪٢‬تا ويل وعذاب‪. .‬‬ ‫وساعة بيع الصفقة لها ويل وعذاب‬ ‫‪ . .‬والذي يكسبونه هو ويل‬ ‫وعذاب ‪.‬‬ ‫لقد انتشرت هذه ا‪١‬تسألة يف كتابة‬

‫صكوك الغفران اليت كانت تباع يف‬ ‫الكنائس ‪١‬تن يدفع أكثر ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬و َوي ْ ٌل َّ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬وكلمة كسب‬ ‫ّ‪٦‬تَّا ي َ ْكسب ُ َ‬ ‫تدل عىل عمل من أعمال‬ ‫جوارحك ‪٬‬تلب لك خَتا أو نفعا‬ ‫وهناك كسب وهناك اكؾسب ‪. .‬‬

‫كسب تأيت بالشيء النافع ‪،‬‬ ‫واكؾسب تأيت بالشيء الضار‪. .‬‬ ‫ولكن يف هذه اآلية الكرٯتة ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل قال ‪َ { :‬و َوي ْ ٌل َّ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬ويف آية ثانية‬ ‫ّ‪٦‬تَّا ي َ ْكسب ُ َ‬ ‫ب م‬ ‫ب َس ِؼّئَةً } ‪.‬‬ ‫قال ‪ { :‬ىل َن كَ َس َ‬ ‫فلماذا تم هذا اإلستخدام؟ نقول‬

‫إن هذا لؼس كسبا طؽيعيا ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو‬ ‫افتعال يف الكسب‪ . .‬أي اكؾساب‬ ‫‪ . .‬والبد أن نفهم إنه بالنسبة‬ ‫‪ٞ‬توارح اإلنسان ‪ . .‬فإن هناك‬ ‫القول والفعل والعمل ‪ . .‬بعض‬ ‫الناس يعتقد إن هناك القول‬ ‫والعمل ‪ . .‬نقول ال ‪ . .‬هناك قول‬

‫هو عمل اللسان ‪ . .‬وفعل هو‬ ‫عمل ا‪ٞ‬توارح األخرى غَت اللسان‬ ‫‪ . .‬وعمل وهو أن يوافق القول‬ ‫الفعل ‪ . .‬لذلك فإن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫رب َمقْتا ً‬ ‫ون َما ال َتَ ْفعَل ُ َ‬ ‫ل َم تَ ُقول ُ َ‬ ‫ون * كَ َُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫عن َد اهلل أن تَ ُقولُوا ْ َما ال َتَ ْفعَل ُ َ‬

‫الصف ‪] 3-2 :‬‬ ‫إذن هناك قول وفعل وعمل ‪. .‬‬ ‫واإلنسان إذا استخدم جوارحه‬ ‫استخداما سليما بفعل ما هو صاٌف‬ ‫له ‪ . .‬فإذا انتقل إىل ما هو غَت صاٌف‬ ‫إىل ما يغضب اهلل فإن جوارحه ال‬ ‫تفعل ولكنها تفتعل ‪.‬‬

‫‪ .‬تتصادم ملكاهتا بعضها مع بعض‬ ‫واإلنسان وهو يفتح ا‪٠‬تزانة ليأخذ‬ ‫من ماله يكون مطمػنا ال ٮتاف شؼئا‬ ‫‪ . .‬واإلنسان حُت يفتح خزانة‬ ‫غَته يكون مضطربا وتصرفاته‬ ‫كلها افتعال‪ . .‬واإلنسان مع زوجته‬ ‫منسجم يف هؼئة طؽيعية ‪ ،‬بعكس‬

‫ما يكون يف وضع ‪٥‬تالف ‪ . .‬إهنا حالة‬ ‫افتعال ‪ . .‬وكل من يكسب شؼئا‬ ‫حراما افتعله ‪ . .‬ولذلك يقال عنه‬ ‫اكؾسب ‪ . .‬إال إذا ٘ترس وأصبح‬ ‫ا‪ٟ‬ترام ال يهزه ‪ ،‬أو ‪٦‬تن نقول عنهم‬ ‫معتادو اإلجرام ‪ . .‬يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬ ‫يفعل الشيء ببل افتعال ألنه اعتاد‬

‫عليه ‪ . .‬هؤالء الذين وصلوا إىل‬ ‫ا‪ٟ‬تد الذي يكؾبون فيه بأيديهم‬ ‫ويقولون من عند اهلل ‪ . .‬أصبح‬ ‫اإلثم ال يهزهم ‪ ،‬ولذلك توعدهم‬ ‫اهلل بالعذاب مرتُت يف آية واحدة‪.‬‬

‫َوقَالُوا ل َ ْن َ٘ت َ َّسنَا النَّ ُار إ َِّال أَيَّامًا‬ ‫معْ ُدودة ً ُق ْل أ َ َّٗت َ ْذ ُتم ِعن ْ َد َ ِ‬ ‫اّلل َعهْ ًدا‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬

‫َ‬ ‫فل ِ‬ ‫ون عَىلَ‬ ‫اّلل َعهْ َد ُه أ ْم تَ ُقول ُ َ‬ ‫َ َْن ُٮتْل َف َّ ُ‬ ‫َِ‬ ‫ون (‪)80‬‬ ‫ّ‬ ‫اّلل َما َال تَعْل َ ُم َ‬ ‫هنا يكشف اهلل سبحانه وتعاىل فكر‬ ‫هؤالء الناس ‪ . .‬لقد زين ‪٢‬تم‬ ‫الشيطان الباطل فجعلهم‬ ‫يعتقدون أهنم كسبوا فعبل وأهنم‬ ‫أخذوا ا‪١‬تال وا‪ٞ‬تاه الدنيوي وفازوا‬

‫به ‪ . .‬ألهنم لن يعذبوا يف اآلخرة إال‬ ‫عذابا خفيفا قصَتا‪ . .‬ولذلك‬ ‫يفضح اهلل تبارك وتعاىل ما يقولونه‬ ‫بعضهم مع بعض‪ . .‬ماذا قالوا؟ ‪{ :‬‬ ‫وقَالُوا ْلَن َ٘ت َ َّسنَا النار إِال َّأَيَّاما ً‬ ‫َّمعْ ُدودَة ً} ‪.‬‬ ‫ا‪١‬تس يعٍت اللمس ا‪٠‬تفيف أو‬

‫اقًتاب شيء من شيء ‪ . .‬ولكن ال‬ ‫٭تس أحد‪٫‬تا باآلخر إال إحساسا‬ ‫خفيفا ال يكاد يذكر ‪ . .‬فإذا أتيت إىل‬ ‫ك عىل يده‬ ‫إنسان ووضعت أَنَا ِمل َ َ‬ ‫يقال مسست ‪ . .‬ولكنك لم‬ ‫تستطع بهذا ا‪١‬تس أن ٖتس ْترارة‬ ‫يده أو نعومة جلده ‪ . .‬ولكن‬

‫اللمس يعطيك إحساسا ٔتا‬ ‫تلمس ‪ { :‬وقَالُوا ْلَن َ٘ت َ َسنَا النار إِال َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أَيَّاما ً َّمعْ ُدودَة ً} وهكذا أخذوا أقل‬ ‫األقل يف العذاب ‪ . .‬ثم أقل األقل‬ ‫يف الزمن فقالوا أياما معدودة ‪. .‬‬ ‫الشيء إذا قيل عن معدود فهو قليل‬ ‫‪ . .‬أما الشيء الذي ال ٭تىص فهو‬

‫الكثَت ‪ . .‬ولذلك حُت يتحدث‬ ‫اهلل عن نعمه يقول سبحانه ‪{ :‬‬ ‫وهآ } ػ‬ ‫َوإِن تَ ُع ُّدوا ْنِعْ َمةَ اهلل ال َ ُٖتْ ُص َ‬ ‫النحل ‪] 18 :‬‬ ‫فمجرد اإلقبال عىل العد معناه أن‬ ‫الشيء ٯتكن إحصاؤه ‪ . .‬فإن لم‬ ‫يكن ‪٦‬تكنا ال يُقبل أحد عىل عده ‪،‬‬

‫وال نرى من حاول ع َّد حبات الرمل‬ ‫أو ذرات ا‪١‬تاء يف البحار‪ . .‬نِعَ ُم اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ظاهرة وخفية ال‬ ‫ٯتكن أن ٖتىص ‪ ،‬ولذلك ال يقبل ال‬ ‫يُقبل أحد عىل إحصائها ‪ . .‬وإذا‬ ‫‪ٝ‬تعت كلمة « أياما معدودة »‬ ‫فأعلم أهنا أيام قليلة ‪ . .‬ولذلك‬

‫نرى يف سورة يوسف قول ا‪ٟ‬تق جل‬ ‫جبلله ‪َ { :‬و َش َر ْو ُه بِث َ َمنٍ َٓت ْ ٍس‬ ‫دَ َرا ِه َم َمعْ ُدودَ ٍة } ػ يوسف ‪] 20 :‬‬ ‫قو‪٢‬تم لن ٘تسنا النار إال أياما‬ ‫معدودة ‪ . .‬دليل عىل غبائهم ألن‬ ‫مدة ا‪١‬تس ال تكون إال ‪ٟ‬تظة ‪. .‬‬ ‫ولكنها أماين وضعها الشيطان يف‬

‫عقو‪٢‬تم ليأيت الرد من اهلل يف قوله‬ ‫سبحانه ‪ُ { :‬ق ْل أ َ َّٗت َ ْذ ُت ْم ِعن َد اهلل‬ ‫َعهْدا ًفَل َْن ُٮتْلِ َف اهلل َعهْ َد ُه } أي إذا‬ ‫كان ذلك وعدا ًمن اهلل ‪ ،‬فاهلل ال‬ ‫ٮتلف وعده ‪ .‬واهلل يأمر رسوله صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم أن يقول ‪٢‬تم لستم‬ ‫أنتم الذين ٖتكمون وتقررون‬

‫ماذا سيفعل اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫بكم ‪ . .‬بل هو جل جبلله الذي‬ ‫٭تكم ‪ . .‬فإن كان قد أعطاكم‬ ‫عهدا فاهلل ال ٮتلف وعده ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ون عَىلَ اهلل‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬أ ْم تَ ُقول ُ َ‬ ‫ون } ‪ . .‬هنا أدب النبوة‬ ‫َما ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫وا‪٠‬تلق العظيم لرسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم ‪ . .‬فبدال من أن يقول‬ ‫‪٢‬تم أتفًتون عىل اهلل أو أتكذبون‬ ‫عىل اهلل ‪ . .‬أو أٗتتلقون عىل اهلل ما لم‬ ‫َ‬ ‫ون عَىلَ اهلل‬ ‫يقله ‪ . .‬قال ‪ { :‬أ ْم تَ ُقول ُ َ‬ ‫ون } إن الذي ٮتتلق‬ ‫َما ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫الكبلم يعلم أنه ‪٥‬تتلق ‪.‬‬

‫‪ .‬إنه أول من يعلم كذب ما يقول ‪،‬‬ ‫وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه‬ ‫فيصدقه ‪ ،‬ولكنه يظل يعلم إن ما‬ ‫قاله ‪٥‬تتلق رغم أهنم صدقوه‪. .‬‬ ‫ولذلك فإن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم يقول ‪ « :‬إ‪٪‬تا أنا بشر‬ ‫وإنكم ٗتتصمون إيل ّفلعل‬

‫بعضكم أن يكون أ‪ٟ‬تن ْتجته من‬ ‫بعض فأقضي له عىل ‪٨‬تو ما أ‪ٝ‬تع‬ ‫فمن قضيت له ْتق مسلم فإ‪٪‬تا هي‬ ‫قطعة من النار فليأخذها أو لؼًتكها‬ ‫»‬ ‫إذن ‪٥‬تتلق الشيء يعرف إن هذا‬ ‫الشيء ‪٥‬تتلق ‪ .‬وهؤالء اليهود هم‬

‫أول من يعلم إن قو‪٢‬تم ‪ { . .‬لَن‬ ‫َ٘ت َ َّسنَا النار إِال َّأَيَّاما ً َّمعْ ُدودَة ً} قول‬ ‫‪٥‬تتلق ‪ . .‬ولكن لمن يقولون عىل اهلل‬ ‫ما هو افًتاء وكذب؟ يقولون‬ ‫لؤلميُت الذين ال يعرفون الكتاب ‪.‬‬

‫ب م‬ ‫ب َس ِؼّئَةً َوأ َ َح َاط ْت بِ ِه‬ ‫َىلَ َ ْن َك َس َ‬ ‫ك أَ‬ ‫َخ ِطيػ َ ُت ُه فَأُولَئِ‬ ‫اب النَّا ِر ُه ْم‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)81‬‬ ‫فيهَا َخال ُد َ‬ ‫أراد اهلل سبحانه وتعاىل أن يوضح‬ ‫كذبهم ‪ . .‬فجاء القرآن قائبل ‪« :‬‬ ‫بىل » وهي حرف جواب مثل نعم‬ ‫٘تاما ‪ . .‬ولكن « بىل » حرف‬

‫جواب يف النفي ‪ . .‬يعٍت ينفي الذي‬ ‫قبله ‪ . .‬هم قالوا لن ٘تسنا النار إال‬ ‫أياما معدودة ورسول اهلل سأ‪٢‬تم‬ ‫هل اٗتذوا عند اهلل عهدا أو‬ ‫يقولون عىل اهلل ما ال يعلمون ‪ ،‬فجاء‬ ‫ب م‬ ‫لق‬ ‫ب‬ ‫ا رآن ليقول ‪ { :‬ىل َن كَ َس َ‬ ‫َس ِّيئَةً َوأ َ َح َاط ْت بِ ِه خطيائته‬

‫فأولئك أ َ‬ ‫اب النار ُه ْم فِيهَا‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬بداية ا‪ٞ‬تواب ببىل‬ ‫َخال ُد َ‬ ‫تنفي ما قالوا ‪ . .‬ألن بىل تأيت بعد‬ ‫النفي ‪ . .‬ونعم تأيت بعد اإلجابة ‪. .‬‬ ‫فإذا قال إنسان لؼس لك عندي‬ ‫شيء وقلت نعم ‪ ،‬فمعناها أنه‬ ‫صحيح أنك لؼس لك عندي شيء ‪.‬‬

‫‪ .‬أما إذا قلت بىل ‪ ،‬فمعٌت ذلك أن‬ ‫لك عندي شؼئا أو أشياء ‪ . .‬ولذلك‬ ‫بعد قو‪٢‬تم { لَن َ٘ت َ َسنَا النار إِال َّ‬ ‫ّ‬ ‫أَيَّاما ً َّمعْ ُدودَة ً} ‪ . .‬لو جاء بعدها‬ ‫نعم ‪ ،‬لكان قو‪٢‬تم صحيحا ‪ ،‬ولكن‬ ‫بىل نفت ‪ . .‬وجاء الكبلم بعدها‬ ‫مؤكدا النفي ‪:‬‬

‫م‬ ‫ب َس ِؼّئَةً َوأ َ َح َاط ْت ِهب‬ ‫{ َن َك َس َ‬ ‫خطيائته فأولئك أ َ‬ ‫اب النار‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } هم قالوا لن‬ ‫ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬ ‫٘تسنا النار ‪ . .‬قال لن ٘تسكم فقط‬ ‫بل أنتم فيها خالدون ‪ . .‬وقوله‬ ‫تعاىل ‪ { :‬أ َ‬ ‫اب النار} ‪. .‬‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫الصحبة تقتضي نوعا من ا‪١‬تبلزمة‬

‫فيها ٕتاذب ا‪١‬تتصاحبُت ‪ . .‬ومعٌت‬ ‫ذلك أنه سيكون هناك ٕتاذب‬ ‫بُتهم وبُت النار‪. .‬‬ ‫هنا نبلحظ أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ب م‬ ‫ب َس ِؼّئَةً } ‪. .‬‬ ‫قال ‪ { :‬ىل َن كَ َس َ‬ ‫وكان السياق يقتضي أن يقال‬ ‫اكؾسب ‪ . .‬ولكن ألهنم ظنوا أهنم‬

‫كسبوا ‪ . .‬كما بؼنا يف اآلية السابقة‬ ‫‪ . .‬وقوله تعاىل ‪َ { :‬وأ َ َح َاط ْت بِ ِه‬ ‫خطيائته } ‪ . .‬إحاطة ْتيث ال‬ ‫يوجد منفذ لئلفبلت من ا‪٠‬تطؼئة‬ ‫ألهنا ‪٤‬تيطة به ‪ .‬وأنسب تفسَت‬ ‫ب َس ِؼّئَةً‬ ‫لقوله تعاىل ‪ { :‬كَ َس َ‬ ‫َوأ َ َح َاط ْت بِ ِه خطيائته } ‪ . .‬أن‬

‫ا‪١‬تراد الشرك ‪ . .‬ألن الشرك هو‬ ‫الذي ٭تيط باإلنسان وال مغفرة فيه‬ ‫‪ . .‬واهلل تعاىل يقول ‪ { :‬إ َِّن اهلل ال َ‬ ‫يَغ ْ ِفر أَن يُ ْشر َ ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫َ‬ ‫ك بِه َويَغْف ُر َما ُد َ‬ ‫ُ‬ ‫كِ‬ ‫ذَل ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫آء } ػ النساء ‪] 48 :‬‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ولذلك فهؤالء لم يكونوا عصاة‬ ‫فقط ‪ . .‬ولكنهم كانوا كافرين‬

‫مشركُت ‪ .‬والدليل قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬وأصحاب‬ ‫ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬ ‫الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون‬ ‫منها ال ٮتلدون يف النار ‪ . .‬ولكن‬ ‫ا‪١‬تشرك باهلل والكافر به هم‬ ‫ا‪٠‬تالدون يف النار ‪ . .‬وكل من لم‬ ‫يؤمن بسيدنا ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬

‫وسلم كافر ‪ . .‬ألن اهلل سبحانه‬ ‫م يؽت‬ ‫وتعاىل قال ‪َ { :‬و َن َ ْ َ ِغ غ َ َْت َ‬ ‫اإلسبلم ِدينا ًفَل َْن يُقْب َ َل ِمن ْ ُه َو ُه َو ِيف‬ ‫اآلخرة ِم َن ا‪٠‬تاسرين } ػ آل‬ ‫عمران ‪] 85 :‬‬ ‫ولذلك قلت هناك فرق بُت ‪. .‬‬ ‫اإلنسان الذي يرتكب معصية‬

‫ألنه ال يقدر عىل نفسه فؼندم‬ ‫ويتوب ‪ . .‬وبُت إنسان يفرح‬ ‫با‪١‬تعصية ‪ . .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا التوبة عَىلَ‬ ‫ِ‬ ‫ون السواء ِّتَهَال َ ٍة‬ ‫اهلل لل َّ ِذي َن يَعْ َمل ُ َ‬ ‫ون ِمن قَ ِر ٍ‬ ‫يب } ػ النساء ‪:‬‬ ‫ُث َّم ي َ ُتو ُب َ‬ ‫‪] 17‬‬

‫وهناك من يندم عىل ا‪١‬تعصية وهذا‬ ‫له توبة ‪ . .‬وهناك من يفرح‬ ‫با‪١‬تعصية وهذا يزداد معصية ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫الص ِا‪ٟ‬ت ِ‬ ‫ات‬ ‫َوال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫أُولَئِ َ َ‬ ‫اب ا‪ٞ‬تَْنَّ ِة ُه ْم فِيهَا‬ ‫ك أ ْص َح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)82‬‬ ‫َخال ُد َ‬

‫عندما يذكر اهلل سبحانه وتعاىل يف‬ ‫القرآن الكريم ‪ . .‬العذاب والنار‬ ‫‪ ،‬يأيت بالمقابل وهو النعيم وا‪ٞ‬تنة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وذلك أن ا‪١‬تقابلة ترينا الفرق ‪. .‬‬ ‫وتعطي للمؤمن إحساسا بالسعادة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألنه زحزح عن عذاب اآلخرة ‪،‬‬ ‫ولؼس هذا فقط ‪ . .‬بل دخل ا‪ٞ‬تنة‬

‫ليقيم خالدا يف النعيم ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يقول سبحانه ‪ { :‬فَ َمن ُز ْح ِز َح َع ِن‬ ‫النار َوأُدْ ِخ َل ا‪ٞ‬تنة فَقَ ْد فَازَ } ػ آل‬ ‫عمران ‪] 185 :‬‬ ‫إذن الفوز يف اآلخرة لؼس عىل درجة‬ ‫واحدة ولكن عىل درجتُت ‪ . .‬أوىل‬ ‫درجات الفوز أن يزحزح اإلنسان‬

‫عىل النار ولو إىل األعراف وهذا فوز‬ ‫عظيم ‪ . .‬يكفي إنك ٘تر عىل‬ ‫الصراط ا‪١‬تضروب فوق النار وترى‬ ‫ما فيها من ألوان العذاب ‪ ،‬ثم بعد‬ ‫ذلك تنجو من هذا الهول كله ‪. .‬‬ ‫يكفي ذلك ليكون فوزا عظيما ‪. .‬‬ ‫ألن الكافر يف هذه اللحظة يتمٌت لو‬

‫كان ترابا حىت ال يدخل النار ‪. .‬‬ ‫فمرور ا‪١‬تؤمن فوق الصراط‬ ‫ورؤيته للنار نعمة ألنه ٭تس ٔتا ‪٧‬تا‬ ‫منه ‪ . .‬فإذا ٕتاوز النار ودخل إىل‬ ‫ا‪ٞ‬تنة لؼنعم فيها نعيما خالدا كان‬ ‫هذا فوزا ًآخر ‪ . .‬ولذلك حرص‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل أن يعطؼنا‬

‫ا‪١‬ترحلتُت ‪ .‬فلم يقل ‪ :‬من زحزح‬ ‫عن النار فاز ‪ . .‬ولم يقل من أدخل‬ ‫ا‪ٞ‬تنة فاز ‪ . .‬بل قال { فَ َمن ُز ْح ِز َح‬ ‫َع ِن النار َوأُدْ ِخ َل ا‪ٞ‬تنة فَ َق ْد فَازَ } ‪. .‬‬ ‫وجاءت هذه اآلية الكرٯتة بعد‬ ‫آيات العذاب لتعطؼنا ا‪١‬تقارنة ‪.‬‬

‫يل َال‬ ‫اق ب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫َوإِذْ أ َ َخ ْذنَا ِمؼث َ َ‬ ‫اّللَ َوبِال ْ َوال ِ َدي ْ ِن إ ِْح َسانًا‬ ‫ون إ َِّال َّ‬ ‫تَعْب ُ ُد َ‬ ‫َو ِذي ال ْ ُق ْر َىب َوالْؼَت َ َاىم َوا ْ‪١‬ت َ َسا ِك ِ‬ ‫ُت‬ ‫َِ‬ ‫َو ُقولُوا لِلنَّ ِ‬ ‫الص َبلةَ‬ ‫يموا َّ‬ ‫اس ُح ْسنًا َوأق ُ‬ ‫يبل‬ ‫َوآ ُتوا ال َّزكَاةَ ُث َّم تَ َولَّؼ ْ ُت ْم إ َِّال قَلِ ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)83‬‬ ‫من ْ ُك ْم َوأن ْ ُت ْم ُمعْر ُِض َ‬

‫أخذ اهلل سبحانه وتعاىل عىل بٍت‬ ‫إسرائيل ‪ٙ‬تانية أشياء ‪ :‬ا‪١‬تؼثاق ‪. .‬‬ ‫وهو العهد ا‪١‬توثق ا‪١‬تربوط ربطا‬ ‫دقيقا وهو عهد الفطرة أو عهد الذر‬ ‫‪ . .‬مصداقا لقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخ َذ‬ ‫ك ِمن بٍت ءَادَ َم ِمن ُظ ُهو ِر ِه ْم‬ ‫َربُّ َ‬ ‫ش َد ُه ْم عىل أ َ ُنف ِس ِه ْم‬ ‫ُذ ِّريَّت َ ُه ْم َوأ َ ْ َه‬

‫أَل َ ْس ُت بِ َر ِبّ ُك ْم قَالُوا ْبىل } ػ‬ ‫األعراف ‪] 172 :‬‬ ‫وهناك عهد آخر أخذه سبحانه‬ ‫وتعاىل عىل رسله ‪ٚ‬تيعا ‪ . .‬أن‬ ‫يبشروا برسالة رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬ويطلبوا من‬ ‫أتباعهم أن يؤمنوا به عند بعثه ‪. .‬‬

‫أو أال يكتموا ما يف كؾبهم وإال‬ ‫يغَتوه ‪ . .‬وا‪١‬تؼثاق هو كل شيء فيه‬ ‫تكليف من اهلل ‪ . .‬ذلك أنك تدخل‬ ‫يف عقد إٯتاين مع اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫بأن تفعل ما يأمر به وتًتك ما هنى‬ ‫عنه ‪ . .‬هذا هو ا‪١‬تؼثاق ‪ . .‬كلمة‬ ‫ا‪١‬تؼثاق وردت يف القرآن الكريم‬

‫بوصف غليظ ‪ . .‬يف عبلقة الرجل‬ ‫با‪١‬ترأة ‪ . .‬قال سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫ان‬ ‫َوإ ِْن أ َردْتُّ ُم اسؾبدال زَ ْو ٍج َّمكَ َ‬ ‫زَ ْو ٍج َوآتَؼ ْ ُت ْم إ ِْح َدا ُه َّن قِن ْ َطارا ًفَبل َ‬ ‫تَأ ْ ُخ ُذوا ْ ِمن ْ ُه َشؼْئا ًأَتَأ ْ ُخ ُذون َ ُه ُبهْتَانا ً‬ ‫َوإ ِْ‪ٙ‬تا ً ُّمبِؼنا ً* َوكَي ْ َف تَأ ْ ُخ ُذون َ ُه َوقَ ْد‬ ‫أفىض بَعْ ُض ُك ْم إىل بَعْ ٍض َوأ َ َخ ْذ َن‬

‫اقًغَلِيظا ً} ػ النساء ‪:‬‬ ‫ِمن ُكم ِّمؼث َ ا‬ ‫‪] 21-20‬‬ ‫نقول نعم ألن هذا ا‪١‬تؼثاق سيحل‬ ‫للمرأة أشياء ال تكون إال به ‪. .‬‬ ‫أشياء ال ٖتل ألبيها أو ألخيها أو أي‬ ‫إنسان عدا زوجها ‪ . .‬والرجل إذا‬ ‫دخل عىل ابنته وكانت ساقها‬

‫مكشوفة تسارع بتغطؼته ‪ . .‬فإذا‬ ‫دخل عليها زوجها فبل شيء عليها ‪.‬‬ ‫‪ .‬إذن هو مؼثاق غليظ ألنه دخل‬ ‫مناطق العورة وأباح العورة للزوج‬ ‫والزوجة ‪ . .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ِ‬ ‫اس ل َّ ُك ْم‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ُ { :‬ه َّن لب َ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫اس َّ‪٢‬ت ُ َّن } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫َوأَن ْ ُت ْم لب َ ٌ‬

‫‪] 187‬‬ ‫إن كبل منهما يغطي وٮتفي ويسًت‬ ‫عورة اآلخر ‪ . .‬واألب ال يفرح من‬ ‫انتقال والية ابنته إىل غَته ‪ . .‬إال‬ ‫انتقال هذه الوالية لزوجها ‪. .‬‬ ‫ويشعر بالقلق عندما تكرب الفتاة‬ ‫وال تتزوج ‪.‬‬

‫اق بٍت‬ ‫ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخ ْذنَا ِمؼث َ َ‬ ‫ون إِال َّاهلل } هذا‬ ‫إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫يل ال َتَعْب ُ ُد َ‬ ‫ا‪١‬تؼثاق مشل ثبلثة شروط ‪ { :‬ال َ‬ ‫ون إِال َّاهلل } أي تعبدون اهلل‬ ‫تَعْب ُ ُد َ‬ ‫وحده ‪ . .‬وتؤمنون بالتوراة ؤتوىس‬ ‫نؽيا ‪١ . .‬تاذا؟ ألن عبادة اهلل وحده‬ ‫هي قمة اإلٯتان ‪ . .‬ولكن ال ٖتدد‬

‫أنت منهج عبادته سبحانه ‪ . .‬بل‬ ‫الذي ٭تدد منهج العبادة هو ا‪١‬تعبود‬ ‫ولؼس العابد ‪ . .‬البد أن تتخذ‬ ‫ا‪١‬تنهج ا‪١‬تزنل من اهلل وهو التوراة‬ ‫وتؤمن به ‪ . .‬ثم بعد ذلك تؤمن‬ ‫ٔتوىس نؽيا ‪ . .‬ألنه هو الذي نزلت‬ ‫عليه التوراة ‪ . .‬وهو الذي سيبُت‬

‫لك طريق العبادة الصحيحة ‪.‬‬ ‫وبدون هذه الشروط الثبلثة ال‬ ‫تستقيم عبادة بٍت إسرائيل ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وبالوالدين إ ِْح َسانا ً‬ ‫} ألهنما السبب ا‪١‬تباشر يف وجودك‬ ‫‪ . .‬ربياك وأنت صغَت ‪ ،‬ورعياك ‪،‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ « :‬إحسانا » معناه‬ ‫زيادة عىل ا‪١‬تفروض ‪.‬‬ ‫ألنك قد تؤدي الشيء بالقدر‬ ‫ا‪١‬تفروض منك ‪ . .‬فالذي يؤدي‬ ‫الصبلة مثبل بقدر الغرض يكون‬ ‫قد أدى ‪ . .‬أما الذي يصلي النوافل‬ ‫ويقوم الليل يكون قد دخل يف ‪٣‬تال‬

‫اإلحسان ‪ . .‬أي عطاؤه أكثر من‬ ‫ا‪١‬تفروض ‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل‬ ‫يقول ‪ { :‬إ َِّن ا‪١‬تتقُت ِيف َجنَّ ٍ‬ ‫ات‬ ‫َو ُعيُونٍ * آ ِخ ِذي َن َمآ آتَ ُاه ْم َربُّ ُه ْم‬ ‫إ َِّهنم كَانُوا ْقَب َل ذَل ِ‬ ‫ك ُ‪٤‬ت ْ ِس ِ‬ ‫ُت * كَانُوا ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون *‬ ‫قَليبل ً ّمن الليل َما يَهْ َج ُع َ‬ ‫ِ‬ ‫ون * ويف‬ ‫وباألسحار ُه ْم ي َ ْستَغْف ُر َ‬

‫أ َ ْم َو ِ ِ‬ ‫لس ِآئ ِل وا‪١‬تحروم }‬ ‫ا‪٢‬ت ْم َح ٌّق ل َّ َّ‬ ‫ػ الذاريات ‪] 19-15 :‬‬ ‫وهكذا نرى أن اإلحسان زيادة عىل‬ ‫ا‪١‬تفروض يف الصبلة والؾسؽيح‬ ‫والصدقة واهلل تبارك وتعاىل يريد‬ ‫منك أن تعطي لوالديك أكثر من‬ ‫ا‪١‬تفروض أو من الواجب عليك ‪. .‬‬

‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و ِذي القرىب } ‪. .‬‬ ‫٭تدد اهلل لنا فيها ا‪١‬ترتبة الثانية‬ ‫بالنسبة لئلحسان ‪ . .‬فاهلل جل‬ ‫جبلله أوصانا أن ‪٨‬تسن لوالدينا‬ ‫ونرىع أقاربنا ‪ . .‬ولو أن كل واحد‬ ‫منا قام بهذه العملية ما وجد ‪٤‬تتاج‬ ‫أو فقَت أو مسكُت يف ا‪١‬تجتمع ‪. .‬‬

‫واهلل يريد ‪٣‬تتمعا ال فقر فيه وال‬ ‫حقد ‪ . .‬وهذا ال يتأىت إال بالًتاحم‬ ‫واإلحسان للوالدين واألقارب ‪. .‬‬ ‫فيكون لكل ‪٤‬تتاج يف ا‪١‬تجتمع من‬ ‫يكفله ‪. .‬‬ ‫ويقول اهلل سبحانه ‪ « :‬والؼتاىم » ‪.‬‬ ‫‪ .‬واليؾيم هو من فقد أباه وهو طفل‬

‫لم يبلغ مبلغ الرجال ‪ . .‬هذا يف‬ ‫اإلنسان ‪ . .‬أما يف ا‪ٟ‬تيوان فإن‬ ‫اليؾيم من فقد أمه ‪ . .‬ألن األمومة‬ ‫يف ا‪ٟ‬تيوان هي ا‪١‬تبلزمة للطفل ‪،‬‬ ‫وألن األب غَت معروف يف ا‪ٟ‬تيوان‬ ‫ولكن األم معروفة ‪ . .‬اليؾيم الذي‬ ‫فقد أباه فقد من يعوله ومن يسىع‬

‫من أجله ومن يدافع عنه ‪ . .‬واهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل جعل األم هي اليت‬ ‫تريب وترىع ‪ . .‬واألب يكافح من‬ ‫أجل توفَت احؾياجات األسرة ‪. .‬‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تال إنقلب اآلن ولذلك‬ ‫يقول شويق ر‪ٛ‬ته اهلل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لؼ‬ ‫يم َم ِن انْت َ َىه أ َ َوب ُاه ِم ْن ‪...‬‬ ‫َ ْ َس الْيَؾ ُ‬

‫َه ِّم ا ْ‪ٟ‬تَيَا ِة َو َخل َّ َ َ‬ ‫ف ُاه ذَلِيبل َ‬ ‫ِ‬ ‫يم ُه َو ال َّ ِذي تَل َْىق ل َ ُه ‪ ...‬أُ َّما َ‬ ‫إ ِّن الْيَؾ َ‬ ‫َٗتَل َّ ْت أ َ ْو أَب َا ً َم ْشغُوال َ‬ ‫إن اليؾيم يكون منكسرا ألنه فقد‬ ‫والده فأصبح ال نصَت له ‪ . .‬فإذا‬ ‫رأينا يف ا‪١‬تجتمع اإلسبلمي أن كل‬ ‫يؾيم يرعاه رعاية األب كل رجال‬

‫ا‪١‬تجتمع ‪ . .‬فذلك ‪٬‬تعل األب ال‬ ‫ٮتىش أن يًتك إبنه بعد وفاته ‪. .‬‬ ‫إذن فرعاية ا‪١‬تجتمع لليؾيم تضمن‬ ‫أوال ‪ٛ‬تاية حقه ‪ ،‬ألنه إذا كان يؾيما‬ ‫وله مال فإن الناس كلهم يطمعون‬ ‫يف ماله ‪ ،‬ألنه ال يقدر أن ٭تميه ‪. .‬‬ ‫هذه واحدة ‪ . .‬والثانية أن هذا‬

‫التكافل يُ ْذ ِهب ا‪ٟ‬تقد من ا‪١‬تجتمع‬ ‫و‪٬‬تعل كل إنسان مطمػنا عىل‬ ‫أوالده ‪. .‬‬ ‫وقوله سبحانه وتعاىل ‪« :‬‬ ‫وا‪١‬تساكُت » ‪ . .‬يف ا‪١‬تاضي كنا‬ ‫نقول إن ا‪١‬تساكُت هم الذين ال‬ ‫ٯتلكون شؼئا عىل اإلطبلق ليقيموا‬

‫به حياهتم ‪ . .‬إىل أن نزلت اآلية‬ ‫الكرٯتة يف سورة الكهف ‪ { :‬أ َ َّما‬ ‫السفؼنة فَكَان َ ْت ِ‪١‬ت َ َس ِي‬ ‫ون‬ ‫اك َن يَعْ َمل ُ َ‬ ‫ِيف البحر} ػ الكهف ‪] 79 :‬‬ ‫فعرفنا أن ا‪١‬تسكُت قد ٯتلك ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنه ال ٯتلك ما يكفيه ‪ . .‬وهذا‬ ‫نوع من التكافل اإلجتماعي البد‬

‫أن يكون موجودا يف ا‪١‬تجتمع ‪. .‬‬ ‫حىت يتكافل ا‪١‬تجتمع كله ‪ . .‬فأنت‬ ‫إن كنت فقَتا أو مسكؼنا ويأتيك‬ ‫من رجل غٍت ما يعؼنك عىل حياتك‬ ‫‪ . .‬فإنك سؾتمٌت له ا‪٠‬تَت ألن هذا‬ ‫ا‪٠‬تَت يصؼبك‪ . .‬ولكن إذا كان هذا‬ ‫الغٍت ال يعطيك شؼئا ‪ . .‬هو يزداد‬

‫غٌت وأنت تزداد فقرا ‪ . .‬تكون‬ ‫النؾيجة أن حقده يزداد عليك ‪. .‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َو ُقولُوا ْلِلنَّ ِ‬ ‫اس ُح ْسنا ً} ‪ . .‬كلمة‬ ‫حسنا بضم ا‪ٟ‬تاء ترد ٔتعٌت حسن‬ ‫بفتح ا‪ٟ‬تاء ‪ . .‬وا‪ٟ‬تسن هو ما حسنه‬ ‫الشرع ‪ . .‬ذلك أن العلماء اختلفوا‬

‫حسنه الشرع أو‬ ‫‪ :‬هل ا‪ٟ‬تسن هو ما َّ‬ ‫ما حسنه العقل؟ نقول ‪ :‬ما حسنه‬ ‫العقل ‪٦‬تا لم يرد فيه نص من‬ ‫ٖتسُت الشرع ‪ . .‬ألن العقل قد‬ ‫ٮتتلف يف الشيء الواحد‪ . .‬هذا‬ ‫يعؾربه حسنا وهذا يعؾربه قؽيحا ‪. .‬‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل يقول ‪ { :‬ادع‬

‫إىل َسؽ ِ‬ ‫ك با‪ٟ‬تكمة وا‪١‬توعظة‬ ‫ِيل َر ِبّ َ‬ ‫ا‪ٟ‬تسنة َو َجا ِد ْ‪٢‬تُم باليت ِه َي أ َ ْح َس ُن }‬ ‫ػ النحل ‪] 125 :‬‬ ‫هذا هو معٌت قوله تعاىل ‪َ { :‬و ُقولُوا ْ‬ ‫لِلنَّ ِ‬ ‫اس ُح ْسنا ً} ‪ . .‬ثم جاء قوله جل‬ ‫جبلله ‪ { :‬وأَقِ‬ ‫يموا ْالصبلة } وقد‬ ‫َ ُ‬ ‫تكلمنا عن معٌت إقامة الصبلة وما‬

‫‪٬‬تعلها مقبولة عند اهلل ‪ .‬وهناك‬ ‫فرق بُت أن تقول صلوا ‪ . .‬وبُت أن‬ ‫تقول أقيموا الصبلة ‪ . .‬أقيموا‬ ‫صل ولكن صبلة عىل‬ ‫الصبلة معناها ّ‬ ‫مستواها الذي يطلب منك ‪. .‬‬ ‫وإقامة الصبلة كما قلنا هي الركن‬ ‫الذي ال يسقط أبدا عن اإلنسان ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وآ ُتوا ْالزكاة } ‪. .‬‬ ‫بالنسبة للزكاة عندما يقول اهلل‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬و ِذي القرىب والؼتاىم‬ ‫وا‪١‬تساكُت } ‪ . .‬نقول أن األقارب‬ ‫والؼتاىم وا‪١‬تساكُت ‪٢‬تم حق يف‬ ‫الزكاة ماداموا فقراء ‪ . .‬لنحس‬

‫‪ٚ‬تيعا أننا نعؼش يف بؼئة إٯتانية‬ ‫متكاملة متكافلة ‪ . .‬٭تاول كل منا أن‬ ‫يعاون اآلخر ‪ . .‬فالزكاة يف األساس‬ ‫تعطي للفقَت ولو لم يكن يؾيما أو‬ ‫قريبا ‪ . .‬فإن لكل فقَت حقوقا‬ ‫ورعاية ‪ . .‬فإذا كان هناك فقراء‬ ‫أقارب أو يتاىم يصبح ‪٢‬تم حقان ‪. .‬‬

‫حق القريب وحق الفقَت ‪. .‬‬ ‫وإن كان يؾيما فله حق اليؾيم وحق‬ ‫الفقَت ‪ . .‬بعد أن ذكر ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل عناصر ا‪١‬تؼثاق الثمانية ‪. .‬‬ ‫قال ‪ُ { :‬ث َّم تَ َولَّؼ ْ ُت ْم } ‪ . .‬توىل يعٍت‬ ‫أعرض أو لم يُط ْع أو لم يستمع ‪. .‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ُ { :‬ث َّم تَ َولَّؼ ْ ُت ْم‬

‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫إِال َّقَليبل ً ّمن ْ ُك ْم َوأن ْ ُت ْم ُّمعْر ُِض َ‬ ‫‪ .‬هذا هو واقع تاريخ بٍت إسرائيل ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألن بعضهم توىل ولم يطع ا‪١‬تؼثاق‬ ‫وبعضهم أطاع ‪. .‬‬ ‫إن القرآن لم يشن ‪ٛ‬تلة عىل اليهود‬ ‫‪ ،‬وإ‪٪‬تا شن ‪ٛ‬تلة عىل ا‪١‬تخالفُت‬ ‫منهم ‪ .‬ولذلك احًتم الواقع وقال‬

‫‪ { :‬إِال َّقَلِيبل ً} ‪ . .‬وهذا يقال عنه‬ ‫بالنسبة للبشر قانون صيانة‬ ‫االحتمال ‪. .‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق جل جبلله يتكلم بإنصاف‬ ‫ا‪٠‬تالق للمخلوق ‪ . .‬لذلك لم يقل‬ ‫{ ُث َّم تَ َو َّيل ْ ُت ْم } بل قال إال قليبل ‪.‬‬

‫« تولؼتم » يعٍت أعرضتم ‪ ،‬ولكن‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل يقول ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫تَ َولَّؼ ْ ُت ْم إِال َّقَلِيبل ً ِّمن ْ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ون } نريد أن نأخذ الدقة‬ ‫ُّمعْر ُِض َ‬ ‫األدائية ‪ . .‬إذا أردنا أن نفسر تويل ّ ‪.‬‬ ‫‪ .‬فمعناها أعرض أو رفض األمر ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن الدقة لو نظرنا للقرآن‬

‫لوجدنا أنه حُت يلتقي ا‪١‬تؤمن‬ ‫بالكافر يف معركة ‪ . .‬فاهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول ‪َ { :‬و َمن يُ َو ِ ّ‪٢‬تِ ْم ي َ ْو َمئِ ٍذ‬ ‫ُد ُب َر ُه إِال َّ ُمت َ َح ّ ِرفا ًل ِ ّقِت َ ٍال أ َ ْو ُمت َ َح ِي ّزا ًإىل‬ ‫فِئ َ ٍة فَقَ ْد بَآءَ بِغ َ َض ٍب ِّم َن اهلل } ػ‬ ‫األنفال ‪] 16 :‬‬ ‫إذن فالتويل هو اإلعراض ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه وتعاىل يف هذه اآلية‬ ‫الكرٯتة بُت لنا أن اإلعراض يتم‬ ‫بنوايا ‪٥‬تتلفة ‪ . .‬ا‪١‬تقاتل يوم‬ ‫الزحف يعرض أو يتوىل لؼس بنية‬ ‫ا‪٢‬ترب من ا‪١‬تعركة ‪ . .‬ولكن بنية‬ ‫أن يذهب ليقاتل يف مكان آخر أو‬ ‫يعاون إخوانه الذين تكاثر عليهم‬

‫األعداء ‪ . .‬هذا إعراض ولكن‬ ‫لؼس بنية ا‪٢‬ترب من ا‪١‬تعركة ‪. .‬‬ ‫ولكن بنية القتال بشكل أنسب‬ ‫للنصر ‪. .‬‬ ‫نفرض أن إنسانا مدين لك رأيته‬ ‫وهو قادم يف الطريق فتوليت عنه ‪. .‬‬ ‫أنت لم تعرض عنه كرها ‪. .‬‬

‫ولكن ر‪ٛ‬تة ألنك ال تريد ا‪١‬تساس‬ ‫ول أو‬ ‫بكرامته‪ . .‬إذن هناك ت ٍ ّ‬ ‫إعراض لؼس بنية اإلعراض ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يلفؾنا‬ ‫إىل أن هؤالء اليهود تولوا بنية‬ ‫اإلعراض ‪ ،‬ولم يتولوا بأي نية‬ ‫أخرى ‪ . .‬أي أهنم أعرضوا وهم‬

‫متعمدون أن يعرضوا ‪ . .‬ولؼس‬ ‫‪٢‬تدف آخر ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫َوإِذْ أ َخ ْذنَا مؼثَاقَ ُك ْم َال تَ ْسف ُك َ‬ ‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم ِم ْن‬ ‫ِد َماءَ ُك ْم َو َال ُٗتْر ُِج َ‬ ‫ِديَا ِر ُك ْم ُث َّم أَقْ َر ْر ُت ْم َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ون (‪)84‬‬ ‫تَ ْشهَ ُد َ‬

‫قلنا ساعة تسمع « إذ » فأعلم أن‬ ‫معناها أذكر ‪ . .‬وقلنا إن ا‪١‬تؼثاق هو‬ ‫العهد ا‪١‬توثق ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪ { :‬ال َ‬

‫ِ‬ ‫ون ِد َمآءَ ُك ْم } ‪ . .‬واهلل‬ ‫تَ ْسف ُك َ‬ ‫تبارك وتعاىل ذكر قبل ذلك يف‬ ‫ا‪١‬تؼثاق عبادة اهلل وحده‪. .‬‬ ‫وبالوالدين إحسانا وذي القرىب‬ ‫والؼتاىم وا‪١‬تساكُت‪ . .‬وقولوا‬ ‫للناس حسنا وأقيموا الصبلة إىل‬ ‫آخر ما جاء يف اآلية الكرٯتة ‪. .‬‬

‫وكلها أوامر أي وكلها افعل ‪. .‬‬ ‫إستكماال للمؼثاق‪ . .‬يقول اهلل يف‬ ‫هذه اآلية الكرٯتة ما ال تفعل ‪. .‬‬ ‫فالعبادة كما قلنا هي إطاعة األوامر‬ ‫واالمؾناع عن ن‬ ‫الواهي‪ . .‬أو ما هنى‬ ‫عنه ا‪١‬تؼثاق ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ون ِد َمآءَ ُك ْم } ومعناها‬ ‫{ ال َتَ ْسف ُك َ‬

‫ال يسفك كل واحد منكم دم أخيه‬ ‫‪ . .‬ال يسفك بعضكم دم بعض ‪.‬‬ ‫ولكن ‪١‬تاذا قال اهلل ‪ « :‬دماءكم »؟‬ ‫ألنه بعد ذلك يقول ‪َ { :‬وال َ‬ ‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم ِّمن ِديَا ِر ُك ْم } ‪.‬‬ ‫ُٗتْر ُِج َ‬ ‫‪ .‬ا‪ٟ‬تكم اإلٯتاين ٮتاطب ا‪ٞ‬تماعة‬ ‫اإلٯتانية عىل أهنا وحدة واحدة ‪. .‬‬

‫لذلك يقول رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬ ‫« مثل ا‪١‬تؤمنُت يف توادهم‬ ‫وتعاطفهم وترا‪ٛ‬تهم كمثل‬ ‫ا‪ٞ‬تسد الواحد إذا اشتىك منه عضو‬ ‫تداىع له سائر األعضاء بالسهر‬ ‫وا‪ٟ‬ت ىم »‬

‫فكأن ا‪١‬تجتمع اإلٯتاين وحدة واحدة‬ ‫‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫فَإِذَا دَ َخل ْ ُت ْم ُبيُوتا ًفَ َسلِ ّ ُموا ْعىل‬ ‫أ َ ُنف ِس ُكم َ ِٖتيَةً ِّم ْن ِعن ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫اهلل‬ ‫د‬ ‫ار َكةً‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫َط ِؼّبَةً} ػ النور ‪] 61 :‬‬ ‫ولكن إذا كنت أنا الداخل فكيف‬ ‫أسلم عىل نفسي؟ كأن اهلل ٮتاطب‬

‫ا‪١‬تؤمنُت عىل أساس أهنم وحدة‬ ‫واحدة ‪ . .‬وعىل هذا األساس يقول‬ ‫ِ‬ ‫ون ِد َمآءَ ُك ْم }‬ ‫سبحانه ‪ { :‬ال َتَ ْسف ُك َ‬ ‫‪ . .‬أي ال تقتلوا أنفسكم ‪. .‬‬ ‫السفك معناه حب الدم ‪« . .‬‬ ‫ودماءكم » هو السائل ا‪١‬توجود يف‬ ‫ا‪ٞ‬تسم البلزم للحياة ‪ . .‬وقوله‬

‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم ِّمن‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬وال َ ُٗتْر ُِج َ‬ ‫ِديَا ِر ُك ْم } يعٍت ال ٮترج بعضكم‬ ‫بعضا من ديارهم ‪ . .‬ثم ربط‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت من بٍت إسرائيل بقوله‬ ‫تعاىل ‪ُ { :‬ث َّم أَقْ َر ْر ُت ْم َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ون } ‪ . .‬أقررتم أي‬ ‫تَ ْشهَ ُد َ‬ ‫َ‬ ‫ون }‬ ‫اعًتفتم ‪َ { :‬وأن ْ ُت ْم تَ ْشهَ ُد َ‬

‫الشهادة هي اإلخبار ٔتشاهد ‪. .‬‬ ‫والقاضي يسأل الشهود ألهنم رأوا‬ ‫ا‪ٟ‬تادث فَتوون ما شاهدوا ‪. .‬‬ ‫وأنت حُت تروي ما شاهدت ‪. .‬‬ ‫فكأن الذين ‪ٝ‬تعوا أصبح ما وقع‬ ‫مشهودا وواقعا لديهم ‪ . .‬وشاهد‬ ‫الزور يغَت ا‪١‬تواقع ‪.‬‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ٮتاطب اليهود‬ ‫ا‪١‬تعاصرين لرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬ويذكرهم ٔتا كان‬ ‫من آبائهم األولُت ‪ . .‬وموقفهم‬ ‫من أخذ ا‪١‬تؼثاق حُت رفع فوقهم‬ ‫جبل الطور وهي مسألة معروفة ‪. .‬‬ ‫والقرآن يريد أن يقول ‪٢‬تم إنكم‬

‫غَتتم وبدلتم فيما تعرفون‪. .‬‬ ‫فالذي جاء عىل هواكم طبقتموه ‪. .‬‬ ‫والذي لم يأت عىل هواكم لم‬ ‫تطبقوه ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم‬ ‫ُث َّم أن ْ ُت ْم َه ُؤ َالء تَقْ ُتل ُ َ‬ ‫ون فَ ِريقًا ِمن ْ ُك ْم ِم ْن ِديَا ِر ِه ْم‬ ‫َو ُٗتْر ُِج َ‬ ‫اإلث ِْم َوال ْ ُع ْد َو ِ‬ ‫ان‬ ‫ون عَلَي ْ ِه ْم بِ ْ ِ‬ ‫تَ َظا َه ُر َ‬

‫وإ ِْن يَأ ْ ُتو ُكم أُ‬ ‫وه ْم َو ُه َو‬ ‫س‬ ‫ارى ُت َف ُاد ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫اج ُه ْم أفَ ُت ْؤم ُن َ‬ ‫ُ‪٤‬ت َ َّر ٌم عَلَي ْ ُك ْم إِ ْخ َر ُ‬ ‫بِبَعْ ِض ال ْ ِكت َ ِ‬ ‫ون بِبَعْ ٍض‬ ‫اب َوتَ ْك ُف ُر َ‬ ‫ك ِمن ْ ُك ْم إ َِّال‬ ‫فَ َما َج َز ُاء َم ْن ي َ ْفعَ ُل ذَل ِ َ‬ ‫ِخ ْز ٌي ِيف ا ْ‪ٟ‬تَيَا ِة ال ُّدنْيَا َوي َ ْو َم الْقِي َ َام ِة‬ ‫ون إ َِىل أ َ َش ِ ّد الْعَ َذ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫اب َو َما ّ َُ‬ ‫يُ َر ّدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)85‬‬ ‫بِغَاف ٍل َع َّما تَعْ َمل ُ َ‬

‫ٮتاطب ا‪ٟ‬تق جل جبلله اليهود‬ ‫ليفضحهم ألهنم طبقوا من التوراة‬ ‫ما كان عىل هواهم ‪ . .‬ولم يطبقوا ما‬ ‫لم يعجبهم ويقول ‪٢‬تم ‪{ :‬‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ون بِبَعْض الكتاب َوتَ ْك ُف ُر َ‬ ‫أفَ ُت ْؤم ُن َ‬ ‫بِبَعْ ٍض } ‪ .‬إنه يذكرهم بأهنم‬ ‫وافقوا عىل ا‪١‬تؼثاق وأقروه ‪.‬‬

‫ولقد نزلت هذه اآلية عندما زنت‬ ‫امرأة يهودية وأرادوا أال يقيموا‬ ‫عليها ا‪ٟ‬تد بالرجم ‪ . .‬فقالوا‬ ‫نذهب إىل ‪٤‬تمد ظانُت أنه‬ ‫سيعفيهم من ا‪ٟ‬تد ا‪١‬توجود يف‬ ‫كتابهم ‪ . .‬أو أنه ال يعلم ما يف‬ ‫كتابهم ‪ . .‬فلما ذهبوا إىل رسول‬

‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال ‪٢‬تم‬ ‫هذا ا‪ٟ‬تكم موجود عندكم يف‬ ‫التوراة ‪ . .‬قالوا عندنا يف التوراة أن‬ ‫نلطخ وجه الزاين والزانية بالقذارة‬ ‫ونطوف به عىل الناس ‪ . .‬قال ‪٢‬تم‬ ‫رسول اهلل ال ‪ . .‬عندكم آية‬ ‫الرجم موجودة يف التوراة فانصرفوا‬

‫‪ . .‬فكأهنم حُت يحسبون أن رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم سيخفف‬ ‫حدا من حدود اهلل ‪ . .‬يذهبون إليه‬ ‫لؼستفتوه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫َ‬ ‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم } ‪. .‬‬ ‫أن ْ ُت ْم هؤالء تَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫أي بعد أن أخذ عليكم ا‪١‬تؼثاق أال‬

‫تفعلوا ‪ . .‬تقتلون أنفسكم ‪. .‬‬ ‫يقتل بعضكم بعضا ‪ ،‬أو أن منقتل‬ ‫سيقتل ‪ .‬فكأنه هو الذي قتل نفسه‬ ‫‪ . .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه قال ‪ُ { :‬ث َّم أَن ْ ُت ْم‬ ‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم } ‪١ . .‬تاذا‬ ‫هؤالء تَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫جاء بكلمة هؤالء هذه؟ إلهنا إشارة‬ ‫للتنؽيه لكي نلتف إىل ا‪ٟ‬تكم ‪.‬‬

‫ون فَ ِريقا ً‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و ُٗتْر ُِج َ‬ ‫ِّمن ْ ُك ْم ِّمن ِديَا ِر ِه ْم } وحذرهم‬ ‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم‬ ‫بقوله ‪َ { :‬وال َ ُٗتْر ُِج َ‬ ‫ِّمن ِديَا ِر ُك ْم } ‪ . .‬وجاء هذا يف‬ ‫ا‪١‬تؼثاق ‪ .‬ما هو ا‪ٟ‬تكم الذي يريد‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن يلفؾنا إليه؟‬ ‫نقول إن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم حؼنما هاجر إىل ا‪١‬تدينة‬ ‫إنتقل من دار شرك إىل دار إٯتان ‪.‬‬ ‫‪ .‬ومعٌت دار إٯتان أن هناك مؤمنُت‬ ‫سبقوا ‪ . .‬فهناك من آمن من أهل‬ ‫ا‪١‬تدينة ‪ . .‬لقد هاجر ا‪١‬تسلمون‬ ‫قبل ذلك إىل ا‪ٟ‬تبشة ولكنها كانت‬ ‫هجرة إىل دار أمن ولؼست دار‬

‫إٯتان ‪ . .‬ولكن حُت حدثت بيعة‬ ‫العقبة وجاء ‪ٚ‬تاعة من ا‪١‬تدينة‬ ‫وعاهدوا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم وآمنوا به ‪ . .‬أرسل معهم‬ ‫الرسول مصعب بن عمَت ليعلمهم‬ ‫دينهم ‪ . .‬وجاءت هجرة الرسول‬ ‫عليه الصبلة والسبلم عىل ‪ٜ‬تَتة‬

‫إٯتانية موجودة ‪١ . .‬تا جاء الرسول‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم إىل ا‪١‬تدينة‬ ‫أفسد عىل اليهود خطة حياهتم ‪. .‬‬ ‫فاليهود كانوا ‪٦‬تثلُت يف بٍت قؼنقاع‬ ‫وبٍت النضَت وبٍت قريظة ‪ . .‬وكان‬ ‫هناك يف ا‪١‬تدي ةناألوس وا‪٠‬تزرج ‪.‬‬ ‫‪ .‬وبؼنهما حروب دائمة قبل أن‬

‫يأيت اإلسبلم ‪ . .‬فاليهود قسموا‬ ‫أنفسهم إىل قوم مع األوس وقوم مع‬ ‫ا‪٠‬تزرج حىت يضمنوا استمرار‬ ‫العداوة ‪ . .‬فكلما هدأ القتال‬ ‫أهاجوا أحد ا‪١‬تعسكرين عىل اآلخر‬ ‫ليعود القتال من جديد ‪.‬‬

‫‪ .‬وهم كذلك حىت اآلن وهذه‬ ‫طؽيعتهم ‪.‬‬ ‫إن الذي صنع الشيوعية يهودي ‪،‬‬ ‫والذي صنع الرأ‪ٝ‬تالية يهودي‪. .‬‬ ‫والذي ٭ترك العداوة بُت‬ ‫ا‪١‬تعسكرين يهودي ‪ . .‬وكان بنو‬ ‫النضَت وبنو قؼنقاع مع ا‪٠‬تزرج وبنو‬

‫قريظة مع األوس ‪ . .‬فإذا إشؾبك‬ ‫األوس وا‪٠‬تزرج كان مع كل منهم‬ ‫حلفاؤه من اليهود ‪ .‬عندما تنتهي‬ ‫ا‪١‬تعركة ماذا كان ٭تدث؟ إن‬ ‫ا‪١‬تأسورين من بٍت النضَت وبٍت‬ ‫قؼنقاع يقوم بنو قريظة با‪١‬تساعدة‬ ‫يف فك أسرهم ‪ . .‬مع أهنم هم‬

‫ا‪١‬تؾسؽبون يف هذا األسر ‪ . .‬فإذا‬ ‫إنتصرت األوس وأخذوا أسرى من‬ ‫ا‪٠‬ترج ومن حلفائهم اليهود ‪. .‬‬ ‫يأيت اليهود ويعملون عىل إطبلق‬ ‫سراح األسرى اليهود ‪ . .‬ألن‬ ‫عندهم نصا ًأنه إذا وجد أسَت من‬ ‫بٍت إسرائيل فبلبد من فك أسره ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪٢‬تم إن‬ ‫أعمالكم يف أن ٭تارب بعضكم‬ ‫بعضا وأن تسفكوا دماءكم ‪ . .‬ال‬ ‫تتفق مع ا‪١‬تؼثاق الذي أخذه اهلل‬ ‫عليكم بل هي مصاٌف دنيوية ‪. .‬‬ ‫تقتلون أنفسكم واهلل هناكم عن‬ ‫ون فَ ِريقا ً ِّم ْن ُك ْم ِّمن‬ ‫هذا ‪َ { :‬و ُٗتْر ُِج َ‬

‫ِديَا ِر ِه ْم } واهلل هناكم عن هذا ‪{ :‬‬ ‫ون عَلَي ْ ِه ْم باإلثم َوال ْ ُع ْد َو ِ‬ ‫ان‬ ‫تَ َظا َه ُر َ‬ ‫وه ْم َو ُه َو‬ ‫َوإِن يَأ ُتو ُك ْم أسارى ُت َف ُاد ُ‬ ‫اج ُه ْم } ‪. .‬‬ ‫ُ‪٤‬ت َ َّر ٌم عَلَي ْ ُك ْم إِ ْخ َر ُ‬ ‫وهذا ما كان ٭تدث يف ا‪١‬تدينة يف‬ ‫ا‪ٟ‬تروب بُت األوس وا‪٠‬تزرج كما‬ ‫بؼنا ‪ . .‬واألسارى جمع أسَت وهي‬

‫عىل غَت قياسها ‪ ،‬ألن القياس فيها‬ ‫أسرى ‪ . .‬ولذلك نرى يف آية‬ ‫أخرى أنه يأيت قول اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬ما كَان ل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ون ل َ ُه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ َ ّ َ َ‬ ‫أسرى حىت يُث ْ ِخ َن ِيف األرض } ػ‬ ‫األنفال ‪] 67 :‬‬ ‫ولكن القرآن أىت بها أسارى ‪. .‬‬

‫واللغة أحيانا تأيت عىل غَت ما‬ ‫يقتضيه قياسها لتلفتك إىل معٌت من‬ ‫ا‪١‬تعاين ‪ . .‬فكسبلن ٕتمع كساىل ‪.‬‬ ‫والكسبلن هو هابط ا‪ٟ‬تركة ‪. .‬‬ ‫األسَت أيضا أنت قيدت حركته ‪. .‬‬ ‫فكأن ‪ٚ‬تع أسَت عىل أسارى إشارة إىل‬ ‫تقؼيد ا‪ٟ‬تركة ‪ . .‬القرآن الكريم‬

‫جاء بأسارى وأسرى ‪ . .‬ولكنه‬ ‫حُت استخدم أسارى أراد أن‬ ‫يلفؾنا إىل تقييد ا‪ٟ‬تركة مثل كساىل‬ ‫‪ . .‬ومعٌت وجود األسرى أن حربا‬ ‫وقعت ‪ٟ . .‬ترب تقتضي االلتقاء‬ ‫وااللتحام ‪ . .‬ويكون كل واحد‬ ‫منهم يريد أن يقتل عدوه ‪.‬‬

‫كلمة األسر هذه أخذت من أجل‬ ‫هتدئة سعار اللقاء ‪ . .‬فكأن اهلل أراد‬ ‫أن ٭تمي القوم من شراسة نفوسهم‬ ‫وقت ا‪ٟ‬ترب فقال ‪٢‬تم‬ ‫إستأسروهم ‪ . .‬ال تقتلوهم إال إذا‬ ‫كنتم مضطرين للقتل ‪ . .‬ولكن‬ ‫خذوهم أسرى ويف هذا مصلحة‬

‫لكم ألنكم ستأخذون منهم‬ ‫الفدية ‪ . .‬وهذا تشريع من ضمن‬ ‫تشريعات الر‪ٛ‬تة ‪ . .‬ألنه لو لم‬ ‫يكن األسر مباحا ‪ . .‬لكان البد إذا‬ ‫إلتىق مقاتبلن أن يقتل أحد‪٫‬تا‬ ‫اآلخر ‪ . .‬لذلك يقال خذه أسَتا إال‬ ‫إذا كان وجوده خطرا ًعىل حياتك ‪.‬‬

‫وقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإِن‬ ‫وه ْم َو ُه َو ُ‪٤‬ت َ َّر ٌم‬ ‫يَأ ُتو ُك ْم أسارى ُت َف ُاد ُ‬ ‫اج ُه ْم } ‪ . .‬كانت كل‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم إِ ْخ َر ُ‬ ‫طائفة من اليهود مع حليفتها من‬ ‫األوس أو ا‪٠‬تزرج ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكانت ٗترج ا‪١‬تغلوب من دياره‬ ‫وتأخذ الديار ‪ . .‬وبعد أن تنتهي‬

‫ا‪ٟ‬ترب يفادوهم ‪ . .‬أي يأخذون‬ ‫منهم الفدية ليعيدوا إليهم‬ ‫ديارهم وأوالدهم ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا يقسم اليهود أنفسهم هذه‬ ‫القسمة ‪ . .‬إهنا لؼست تقسيمة‬ ‫إٯتانية ولكنها تقسيمة مصلحة‬ ‫دنيوية ‪١ . .‬تاذا؟ ألنه لؼس من‬

‫ا‪١‬تعقول وأنتم أهل كتاب ‪ . .‬ثم‬ ‫تقسمون أنفسكم قسما مع‬ ‫األوس وقسما مع ا‪٠‬تزرج ‪. .‬‬ ‫ويكون بؼنكم إثم وعدوان ‪.‬‬ ‫ون عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬تَ َظا َه ُر َ‬ ‫باإلثم َوال ْ ُع ْد َو ِ‬ ‫ان } ‪ . .‬تظاهرون‬ ‫عليهم ‪ .‬أي تعاونون عليهم وأنتم‬

‫أهل دين واحد ‪ « :‬باإلثم » ‪. .‬‬ ‫واإلثم هو الشيء ا‪٠‬تؽيث الذي‬ ‫يستحي منه الناس ‪ « :‬والعدوان »‬ ‫‪ . .‬أي التعدي بشراسة‪ . .‬وقوله‬ ‫َ ِ‬ ‫ون بِبَعْ ِض الكتاب‬ ‫تعاىل ‪ { :‬أفَ ُت ْؤم ُن َ‬ ‫ون بِبَعْ ٍض } ‪ . .‬أي‬ ‫َوتَ ْك ُف ُر َ‬ ‫تأخذون القضية عىل أساس‬

‫ا‪١‬تصلحة الدنيوية ‪ . .‬وتقسمون‬ ‫أنفسكم مع األوس أو ا‪٠‬تزرج ‪. .‬‬ ‫تفعلون ذلك وأنتم مؤمنون بإله‬ ‫ورسول وكتاب ‪ . .‬مستحيل أن‬ ‫يكون دينكم أو نؽيكم قد أمركم‬ ‫بهذا ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬

‫فَما َج َزآء َمن ي َ ْفعَ ُل ذلك ِمن ُكم إِال َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِخ ْز ٌي ِيف ا‪ٟ‬تياة الدنيا } أي إنكم‬ ‫فعلتم ذلك وخالفتم لتصلوا إىل ‪٣‬تد‬ ‫دنيوي ولكنكم لم تصلوا إليه ‪. .‬‬ ‫سيصؼبكم اهلل ٓتزي يف الدنيا ‪. .‬‬ ‫أي أن ا‪ٞ‬تزاء لن يتأخر إىل اآلخرة‬ ‫بل سيأتيكم خزي وهو ا‪٢‬توان‬

‫والذل يف الدنيا ‪ . .‬وماذا يف اآلخرة؟‬ ‫يقول اهلل تعاىل ‪َ { :‬وي َ ْو َم القيامة‬ ‫ون إىل أ َ َش ِ ّد العذاب } ا‪٠‬تزي يف‬ ‫يُ َر ّدُ َ‬ ‫الدنيا أصابهم عىل يد رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم وا‪١‬تؤمنُت ‪. .‬‬ ‫وأخرج بنو قؼنقاع من ديارهم يف‬ ‫ا‪١‬تدينة ‪ . .‬كذلك ذبح بنو قريظة‬

‫بعد أن خانوا العهد وخانوا رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم وا‪١‬تسلمُت‬ ‫‪ . .‬وهكذا ال يؤخر اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل جزاء بعض الذنوب إىل‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬وجزاء الظلم يف الدنيا ال‬ ‫يؤجل إىل اآلخرة ‪ ،‬ألن ا‪١‬تظلوم‬ ‫البد أن يرى مصرع ظا‪١‬تيه حىت‬

‫يعتدل نظام الكون ‪ . .‬ويعرف‬ ‫الناس أن اهلل موجود وأنه سبحانه‬ ‫لكل ظالم با‪١‬ترصاد ‪ . .‬اليهود‬ ‫أتاهم خزي الدنيا سريعا ‪ { :‬ي َ ْو َم‬ ‫ون إىل أ َ َش ِ ّد العذاب } ‪.‬‬ ‫القيامة يُ َر ّدُ َ‬ ‫قد يؾساءل الناس أال يكفيهم‬ ‫ا‪٠‬تزي يف الدنيا عن عذاب اآلخرة؟‬

‫نقول ال ‪ . .‬ألن ا‪٠‬تزي لم ينلهم يف‬ ‫الدنيا حدا ‪ . .‬ولم يكن نؾيجة‬ ‫إقامة حدود اهلل عليهم ‪ . .‬فا‪٠‬تزي‬ ‫حُت ينال اإلنسان كحد من حدود‬ ‫من حدود اهلل يعفيه من عذاب‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬فالذي سرق وقطعت‬ ‫يده والذي زنا ورجم ‪ . .‬هؤالء‬

‫نا‪٢‬تم عذاب من حدود اهلل فبل‬ ‫٭تاسبون يف اآلخرة ‪ . .‬أما الظا‪١‬تون‬ ‫فاألمر ٮتتلف ‪ . .‬لذلك فإننا ‪٧‬تد‬ ‫إناسا من الذين ارتكبوا إ‪ٙ‬تا يف‬ ‫الدنيا يلحون عىل إقامة ا‪ٟ‬تد عليهم‬ ‫لؼنجوا من عذاب اآلخرة ‪ . .‬مع أنه‬ ‫لم يرهم أحد أو يعلم بهم أحد أو‬

‫يشهد عليهم أحد ‪ . .‬حىت ال يأيت‬ ‫واحد ليقول ‪١ :‬تاذا ال يعفي الظا‪١‬تون‬ ‫الذي أصابهم خزي يف الدنيا من‬ ‫عذاب اآلخرة؟ نقول إهنم يف خزي‬ ‫الدنيا لم ٭تاسبوا عن جرائمهم ‪.‬‬ ‫‪ .‬أصابهم ضر وعذاب ‪ . .‬ولكن‬ ‫أشد العذاب ينتظرهم يف اآلخرة ‪.‬‬

‫‪ .‬وما أهون عذاب الدنيا هو بقدرة‬ ‫البشر بالنسبة لعذاب اآلخرة الذي‬ ‫هو بقدرة اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬كما‬ ‫أن هذه الدنيا تنتهي فيها حياة‬ ‫اإلنسان با‪١‬توت ‪ ،‬أما اآلخرة فبل‬ ‫موت فيها بل خلود يف العذاب ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪َ { :‬و َما‬

‫ِ‬ ‫ون} ‪ . .‬أي ال‬ ‫اهلل بِغَاف ٍل َع َّما تَعْ َمل ُ َ‬ ‫ٖتسب أن اهلل سبحانه وتعاىل يغفل‬ ‫عن شيء يف كونه فهو ال تأخذه سنة‬ ‫نوم ‪ . .‬وهو بكل شيء ‪٤‬تيط ‪.‬‬ ‫ك ال َّ ِذي َن ا ْش ًَت َ ُوا ا ْ‪ٟ‬تَيَاةَ ال ُّدنْيَا‬ ‫أُولَئِ َ‬ ‫ْ ِخ ِ‬ ‫اب‬ ‫بِاآل َرة فَ َبل ُٮت َ ّف َُف َعن ْ ُه ُم الْعَ َذ ُ‬ ‫ون (‪)86‬‬ ‫َو َال ُه ْم يُن ْ َص ُر َ‬

‫ويذكر لنا اهلل سبحانه وتعاىل سبب‬ ‫خؼبة هؤالء وضبل‪٢‬تم ألهنم اشًتوا‬ ‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا باآلخرة ‪ . .‬جعلوا‬ ‫اآلخرة ‪ٙ‬تنا لزنواهتم ونفوذهم يف‬ ‫الدنيا ‪ . .‬هم نظروا إىل الدنيا فقط‬ ‫‪ . .‬ونظرة اإلنسان إىل الدنيا‬ ‫ومقارنتها باآلخرة ٕتعلك تطلب يف‬

‫كل ما تفعله ثواب اآلخرة ‪. .‬‬ ‫فالدنيا عمرك فيها ‪٤‬تدود ‪ . .‬وال‬ ‫تقل عمر الدنيا مليون أو مليونان‬ ‫أو ثبلثة مبليُت سنة ‪ . .‬عمر الدنيا‬ ‫بالنسبة لك هو مدة بقائك فيها‪. .‬‬ ‫فإذا خرجت من الدنيا انتهت‬ ‫بالنسبة لك‪ . .‬وا‪٠‬تروج من الدنيا‬

‫با‪١‬توت ‪ . .‬وا‪١‬توت ال أسباب له‬ ‫ولذلك فإن اإلسبلم ال ‪٬‬تعل الدنيا‬ ‫هدفا ألن عمرنا فيها مظنون ‪. .‬‬ ‫هناك من ٯتوت يف بطن أمه ‪. .‬‬ ‫ومن يعؼش ساعة أو ساعات ‪ ،‬ومن‬ ‫يعؼش إىل أرذل العمر ‪ . .‬إذن فإته‬ ‫إىل اآلخرة ‪ ،‬ففيها النعيم الدائم‬

‫وا‪ٟ‬تياة ببل موت ا‪١‬تتعة عىل قدرات‬ ‫اهلل ‪ . .‬ولكن خؼبة هؤالء أهنم‬ ‫إشًتوا الدنيا باآلخرة ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق عنهم ‪ { :‬فَبل َ ُٮت َ ّف َُف‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫َعن ْ ُه ُم العذاب َوال َ ُه ْم يُ َ‬ ‫نص ُر َ‬ ‫‪ .‬ال ٮتفف عنهم العذاب أي ‪٬‬تب‬ ‫أال يأمنوا أن العذاب يف اآلخرة‬

‫سيخفف عنهم ‪ . .‬أو ستقل درجته‬ ‫أو تنقص مدته ‪ . .‬أو سيأيت يوما وال‬ ‫يأيت يوما وقوله ‪َ { :‬وال َ ُه ْم‬ ‫ين‬ ‫ون } ‪ . .‬النصرة تأيت عىل‬ ‫صر َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫معنيُت ‪ . .‬تأيت ٔتعٌت أنه ال يغلب ‪.‬‬ ‫‪ .‬وتأيت ٔتعٌت أن هناك قوة تنتصر‬ ‫له أي تنصره ‪ . .‬كونه يغلب ‪ . .‬اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل غالب عىل أمره فبل‬ ‫أحد ٯتلك لنفسه نفعا وال ضرا ‪. .‬‬ ‫ولكن اهلل ٯتلك النفع والضر لكل‬ ‫خلقه ‪ . .‬وٯتلك تبارك وتعاىل أن‬ ‫يقهر خلقه عىل ما يشاء ‪ . .‬ورسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول ‪{ :‬‬ ‫ك لِن َ ْف ِسي نَفْعا ًوال َ َض ّرا ًإِال َّ‬ ‫ُقل ال َّأ َ ْملِ ُ‬ ‫َ‬

‫َما َشآءَ اهلل } ػ األعراف ‪] 188 :‬‬ ‫أما مسألة أن ينصره أحد ‪ . .‬فمن‬ ‫الذي يستطيع أن ينصر أحدا من‬ ‫اهلل ‪ . .‬واقرأ قوله سبحانه وتعاىل‬ ‫عن نوح عليه السبلم ‪ { :‬وياقوم‬ ‫َمن ي َ ُنص ُر ِين ِم َن اهلل } ػ هود ‪] 30 :‬‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬فَبل َ‬

‫ُٮت َ ّف َُف َعن ْ ُه ُم العذاب } ‪ . .‬أمر لم‬ ‫يقع بعد بل سيقع مستقببل ‪. .‬‬ ‫يتحدث اهلل سبحانه وتعاىل عنه‬ ‫بلهجة ا‪١‬تضارع ‪ . .‬نقول إن كل‬ ‫أحداث الكون وما سيقع منها هو‬ ‫ع دناهلل تم وانتىه وقىض فيه ‪. .‬‬ ‫لذلك ‪٧‬تد يف القرآن الكريم قوله‬

‫سبحانه ‪ { :‬أىت أ َ ْم ُر اهلل فَبل َ‬ ‫وه } ػ النحل ‪] 1 :‬‬ ‫تَ ْستَعْ ِجل ُ ُ‬ ‫أىت فعل ماضي ‪ . .‬وال تستعجلوه‬ ‫مستقبل ‪ . .‬كيف يقول اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل أىت ثم يقول ال‬ ‫تستعجلوه؟ إنه مستقبل بالنسبة‬ ‫لنا ‪ . .‬أما بالنسبة هلل تبارك وتعاىل‬

‫فمادام قد قال أىت ‪ . .‬فمعٌت ذلك‬ ‫أنه حدث ‪ . .‬فبل أحد ٯتلك أن‬ ‫ٯتنع أمرا من أمور اهلل من ا‪ٟ‬تدوث‬ ‫‪ . .‬فالعذاب آت ‪٢‬تم آت ‪ . .‬وال‬ ‫ٮتفف عنهم ألن أحدا ال ٯتلك‬ ‫ٗتفيفه ‪.‬‬

‫ول َ َق ْد آتَؼْنَا م َ ِ‬ ‫اب َوقَ ّفَؼْنَا ِم ْن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وىس الْكت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫بَعْ ِد ِه بِال ُّر ُس ِل َوآتَؼْنَا عؼ َىس اب ْ َن‬ ‫َم ْريَم الْب ِؼّن َ ِ‬ ‫ات َوأَي َّ ْدن َ ُاه بِ ُرو ِح‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ول ٔتَا َال‬ ‫ال ْ ُق ُد ِس أفَ ُكل َّ َما َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬ ‫رب ُت ْم فَ َف ِريقًا‬ ‫هتَ َْوى أَن ْ ُف ُس ُك ُم ْاست َ ْك َْ‬ ‫ون (‪)87‬‬ ‫كَ َّذب ْ ُت ْم َوفَ ِريقًا تَ ْق ُتل ُ َ‬

‫بُت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل لنا‬ ‫وبعد أن ّ‬ ‫ما فعله ايلهود مع نؽيهم موىس عليه‬ ‫السبلم ‪ . .‬أراد أن يبُت لنا ما فعله‬ ‫بنو إسرائيل بعد نؽيهم موىس ‪. .‬‬ ‫وأراد أن يبُت لنا موقفهم من‬ ‫رسول جاءهم منهم ‪ . .‬ولقد جاء‬ ‫لؽٍت إسرائيل رسل كثَتون ألن‬

‫‪٥‬تالفاهتم للمنهج كانت كثَتة ‪. .‬‬ ‫ولكن اآليةَ الكرٯتة ذكرت عؼىس‬ ‫عليه السبلم ‪ . .‬ألن الديانتُت‬ ‫الكبَتتُت اللتُت سبقتا اإلسبلم ‪٫‬تا‬ ‫اليهودية والنصرانية ‪ . .‬ولكن‬ ‫البد أن نعرف أنه قبل ‪٣‬تيء عؼىس‬ ‫‪ . .‬وبُت رسالة موىس ورسالة عؼىس‬

‫عليهما السبلم رسل كثَتون‪. .‬‬ ‫منهم داود وسليمان وزكريا و٭تِت‬ ‫وغَتهم ‪ . .‬فكأنه يف كل فًتة كان‬ ‫بنو إسرائيل يؽتعدون عن الدين ‪.‬‬ ‫‪ .‬ويرتكبون ا‪١‬تخالفات وتنتشر‬ ‫اهلل‬ ‫بؼنهم ا‪١‬تعصية ‪ . .‬فَتسل ُ‬ ‫زان حركة حياهتم‬ ‫رسوال يعدل مي َ‬

‫‪ . .‬ومع ذلك يعودون مرة أخرى إىل‬ ‫اهلل‬ ‫معصؼتهم وفسقهم ‪ . .‬فؼبعث ُ‬ ‫رسوال جديدا ً‪ . .‬ليزيل الباطل‬ ‫وهوى النفس من ا‪١‬تجتمع ويطبق‬ ‫شرع اهلل ‪ . .‬ولكنهم بعده يعودون‬ ‫مرة أخرى إىل ا‪١‬تعصية والكفر ‪.‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬ولَقَ ْد‬ ‫وقال ُ‬

‫والقائل هو‬ ‫آتَؼْنَا موىس الكتاب}‬ ‫ُ‬ ‫والكتاب هو‬ ‫اهلل جل جبلله ‪. .‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫التورا ُة ‪َ { :‬وقَ ّفَؼْنَا من بَعْ ِد ِه بالرسل‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل بُت لنا‬ ‫}‪ُ ..‬‬ ‫وقف بٍت إسرائيل من موىس ‪. .‬‬ ‫م َ‬ ‫ول اهلل ص‬ ‫وموقِ َف ُهم من رس ِ‬ ‫اهلل‬ ‫ىل‬ ‫ُ‬ ‫خاتم األنؽياءِ‬ ‫عليه وسلم ِ‬

‫وا‪١‬ترسلُت ‪ . .‬ولكنه لم يبُت لنا‬ ‫موق َف ُهم من ال ِ‬ ‫رسل الذين جاءوا‬ ‫بعد موىس حىت عؼىس ابن مريم ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬ت ُق سبحانه وتعاىل يريد أن يلفؾنا‬ ‫‪ . .‬إىل أنه لم يًتك األمر لؽٍت‬ ‫إسرائيل بعد موىس ‪ . .‬أن يعملوا‬ ‫بالكتاب الذي أرسل معه فقط ‪. .‬‬

‫ولكنه أتبع ذلك بالرسل ‪ . .‬حُت‬ ‫تسمع « قفؼنا » ‪ . .‬أي اتبعنا‬ ‫بعضهم بعضا‪ . .‬كل ٮتلف الذي‬ ‫سبقه ‪ « .‬وقفؼنا » مشتقة من قفا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وقفا الشيء خلفه ‪ . .‬وتقول‬ ‫قفوت فبلنا ًأي سرت خلفه قريبا ً‬ ‫منه ‪.‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق يريد أن يلفؾنا إىل أن‬ ‫رسالةَ موىس لم تقف عند موىس‬ ‫وكتابه ‪ . .‬ولكنه سبحانه أرسل‬ ‫رسبل ًوأنؽياءَ ليذكروا وينبهوا ‪. .‬‬ ‫ولقد قلنا إن كثرةَ األنؽياءِ لؽٍت‬ ‫رائيل لؼست شهادة ‪٢‬تم ولكنها‬ ‫إس َ‬ ‫شهادة عليهم ‪ . .‬إهنم يتفاخرون‬

‫أهنم أكث ُر ِ‬ ‫األمم أنؽياء ً‪. .‬‬ ‫ويعؾربون ذلك ميزة ‪٢‬تم ولكنهم‬ ‫لم يفهموا ‪ . .‬فكثرة األنؽياء‬ ‫والرسل دالل َة عىل كثرة فساد األمة‬ ‫‪ ،‬ألن الرسل إ‪٪‬تا ‪٬‬تؼئون لتخليص‬ ‫البش ِ‬ ‫رية من فساد وأمراض‬ ‫وإنقاذها من الشقاء ‪ . .‬وكلما كثُ َر‬

‫واألنؽياء دل ذلك عىل أن‬ ‫رسل‬ ‫ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫وم قد ا‪٨‬ترفوا ٔتجرد ِ‬ ‫ذهاب‬ ‫الق َ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ول عنهم ‪ ،‬ولذلك كان البد‬ ‫من رسول جديد ‪٘ . .‬تاما كما‬ ‫يكون ا‪١‬تريض يف ٍ‬ ‫حالة خطر ٍة‬ ‫فيكثر أطباؤه ببل فائد ٍة ‪ . .‬وليقطع‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل عليهم ا‪ٟ‬تج َة‬ ‫ُ‬ ‫يوم القيامة ‪ِ.‬‬ ‫َ‬

‫‪ .‬لم يًتك ‪٢‬تم فًتة ًمن ٍ‬ ‫غفلة ‪. .‬‬ ‫رسل تأتيهم واحدا‬ ‫بل كانت ال ُ‬ ‫فًتات ق ٍ‬ ‫بعد اآلخر عىل ٍ‬ ‫ريبة ‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا إىل يوشع وأمشويه‬ ‫ومشعون ‪ .‬وداود وسليمان وشعيب‬

‫وأرميا ‪ .‬وحزقيل وإلياس والؼسع‬ ‫ويونس وزكريا و٭تِت ‪ . .‬نرى‬ ‫موكبا طويبل ًجاء بعد موىس ‪ . .‬حىت‬ ‫إنه لم ٘تر فًت ٌة لؼس فيها نبي أو‬ ‫رق بُت النب ِي‬ ‫رسول ‪ . .‬وحىت نف َ‬ ‫والرس ِ‬ ‫رسل‬ ‫ول ‪ . .‬نقول النب ُي م ٌ‬ ‫رسل‬ ‫رسل ‪ . .‬كبل‪٫‬تا م ٌ‬ ‫ول م ٌ‬ ‫والرس ُ‬

‫من ا ِ‬ ‫هلل ولكن النب َي ال يأيت بتشري ٍع‬ ‫رسل عىل منه ِج‬ ‫جدي ٍد ‪ . .‬وإ‪٪‬تا هو م ٌ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ول الذي َسبَقَ ُه ‪ . .‬واقرأ قول َ ُه‬ ‫ك‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬و َمآ أ َ ْر َسلْنَا ِمن قَبْلِ َ‬ ‫ِمن َّر ُس ٍ‬ ‫ول َوال َنَبِ ٍّي } ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 52 :‬‬ ‫إذن فالنبي مرسل أيضا ً‪ . .‬ولكنه‬ ‫أسوةٌ سلوكي ٌة لتطؽي ِق منه ِج الرس ِ‬ ‫ول‬

‫الذي سبقه ‪.‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل قص علؼنا‬ ‫وهل ُ‬ ‫قصص كل الرسل واألنؽياء الذين‬ ‫أرسلهم؟ اقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪:‬‬ ‫ك ِمن‬ ‫{ َو ُر ُسبل ًقَ ْد قَ َص ْصن َ ُاه ْم عَلَي ْ َ‬ ‫ك‬ ‫قَب ْ ُل َو ُر ُسبل ًل َّ ْم نَقْ ُص ْص ُه ْم عَلَي ْ َ‬ ‫َوكَل َّ َم اهلل موىس تَكْلِيما ً} ػ النساء ‪:‬‬

‫‪] 164‬‬ ‫رسل وأنؽياء أرسلوا إىل‬ ‫إذن هناك ٌ‬ ‫بٍت إسرائيل لم نعرفهم ‪ . .‬ألن‬ ‫اهلل لم يقصص علؼنا نبأهم ‪. .‬‬ ‫ولكن اآلية الكرٯتة اليت ‪٨‬تن‬ ‫بصددها لم تذكر إال عؼىس عليه‬ ‫السبلم ‪ . .‬باعؾباره من أكثر‬

‫الرسل أتباعا ‪ . .‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل حؼنما أرسل عؼىس أيده‬ ‫صدق‬ ‫باآليات والبؼنات اليت تؿبت َ‬ ‫ببلغه عن ا ِ‬ ‫هلل ‪ . .‬ولذلك قال جل‬ ‫جبلله ‪َ { :‬وآتَؼْنَا عِؼ َىس ابن َم ْري َ َم‬ ‫البؼنات َوأَي َّ ْدن َ ُاه بِ ُرو ِح القدس } ‪.‬‬ ‫عؼ‬ ‫ريم عليه السبلم‬ ‫‪ .‬و ىس اب ُن م َ‬

‫جاء لَتد عىل ا‪١‬تادية اليت سيطرت‬ ‫عىل بٍت إسرائيل ‪ . .‬وجعلتهم ال‬ ‫يعًتفون إال بالشيء ا‪١‬تادي‬ ‫ا‪١‬تحسوس ‪ . .‬فعقو‪٢‬تم وقلوبهم‬ ‫أغلقت من ناحية الغيب ‪ . .‬حىت‬ ‫إهنم قالوا ‪١‬توىس ‪ { :‬أ َ ِرنَا اهلل َجهْ َرة ً‬ ‫} ‪ . .‬وحُت جاءهم ا‪١‬تن والسلوى‬

‫رزقا ًمن اهلل ‪ . .‬خافوا أن ينقطع‬ ‫رزق غؼب ّي فطلبوا نبات‬ ‫عنهم ألنه ٌ‬ ‫األرض ‪ . .‬لذلك كان البد أن يأيت‬ ‫رسول كل حياته ومنهجه أمور‬ ‫غيؽية ‪ . .‬مولده أمر غؼبي ‪ ،‬وموته‬ ‫أمر غؼبي ورفعه أمر غؼبي‬ ‫ومعجزاته أمور غيؽية حىت ينقلهم‬

‫من طغيان ا‪١‬تادية إىل صفاء‬ ‫الروحانية ‪.‬‬ ‫لقد كان أول أمره أن يأيت عن غَت‬ ‫ا‪١‬تادي ‪ . .‬أي الذي‬ ‫طريق التكاثر ّ‬ ‫يتم بُت الناس عن طريق رجل‬ ‫واهلل‬ ‫وأنثى وحيوان من ّ‬ ‫وي ‪ُ . .‬‬ ‫سبحانه وتعاىل أراد أن ٮتلع من‬

‫أذهان بٍت إسرائيل أن األسباب‬ ‫ا‪١‬تادية ٖتكمه ‪ . .‬وإ‪٪‬تا هو الذي‬ ‫٭تكم السبب ‪ .‬هو الذي ٮتلق‬ ‫األسباب ومىت قال ‪ « :‬كن » كان ‪.‬‬ ‫‪ .‬بصرف النظر عن ا‪١‬تادية ا‪١‬تألوفة‬ ‫يف الكون ‪ . .‬ويف قضية ا‪٠‬تلق أراد‬ ‫اهلل جل جبلله للعقول أن تفهم أن‬

‫مشؼته هي السبب وهي الفاعلة ‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله سبحانه ‪ِ َ ِ { :‬‬ ‫ك‬ ‫ّلل ُمل ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫آء‬ ‫السماوات واألرض َٮتْل ُ ُق َما ي َ َش ُ‬ ‫يهب ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫آء إِنَاثا ً َويَهَ ُب ِ‪١‬تَن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫آء الذكور * أ َ ْو يُ َز ِّو ُج ُه ْم ُذك َْرانا ً‬ ‫ي َ َش ُ‬ ‫آء َعقِيما ًإِن ّ َُه‬ ‫َوإِنَاثا ً َو َ‪٬‬تْعَ ُل َمن ي َ َش ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم قَ ِدي ٌر }‬ ‫عَل ٌ‬

‫ػ الشورى ‪] 50-49 :‬‬ ‫فكأن اهلل سبحانه وتعاىل جعل‬ ‫الذكورة واألنوثة ‪٫‬تا السبب يف‬ ‫اإل‪٧‬تاب ‪ . .‬ولكنه جعل طبلقة‬ ‫القدرة مهيمنةً عىل األسباب ‪. .‬‬ ‫فيأيت رجل وامرأة ويتزوجان‬ ‫ولكنهما ال ينجبان ‪ . .‬فكأن‬

‫األسباب نفسها عاجزة عن أن‬ ‫تفعل شؼئا إال بإرادة ا‪١‬تسبب ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫َوآتَؼْنَا عِؼ َىس ابن َم ْري َ َم البؼنات‬ ‫َوأَي َّ ْدن َ ُاه بِ ُرو ِح القدس } ‪١ . .‬تاذا‬ ‫قال ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وأَي َّ ْدن َ ُاه‬ ‫بِ ُرو ِح القدس } ‪ . .‬ألم يكن بايق‬

‫الرسل واألنؽياء مؤيدين بروح‬ ‫القدس؟‬ ‫نقول ‪ :‬لقد ذكر هنا تأييد عؼىس‬ ‫بروح القدس ألن الروح ستشيع يف‬ ‫كل أمر له ‪ . .‬ميبلدا ًومعجزة ًوموتا ً‬ ‫روح القدس هو جربيل عليه‬ ‫‪ . .‬وال ُ‬ ‫السبلم لميكن يفارقه أبدا ‪. .‬‬

‫لقد جاء عؼىس عليه السبلم عىل غَت‬ ‫مألوف الناس وطؽيعة البشر ‪٦‬تا‬ ‫جعله معرضا ًدائما ًللهجوم ‪. .‬‬ ‫ولذلك البد أن يكون الوحي يف‬ ‫صحؽته ال يفارقه‪ . .‬ليجعل من‬ ‫مهابته عىل القوم ما يرد الناس عنه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وعندما يتحدث القرآن أنه رفع‬

‫إىل السماء ‪ . .‬اختلف العلماء هل‬ ‫رفع إىل السماء حيا؟ أو مات ثم‬ ‫رفع إىل السماء؟ نقول ‪ :‬لو أننا‬ ‫عرفنا أنه ُرفع حيا أو مات فما الذي‬ ‫يتغَت يف منهجنا؟ ال شيء ‪ . .‬وعندما‬ ‫يقال إنه شيء عجيب أن يرفع‬ ‫إنسان إىل السماء ‪ ،‬ويظل هذه‬

‫الفًتة ثم ٯتوت ‪ . .‬نقول إن عؼىس‬ ‫ريم لم يؾربأ من الوفاة ‪ . .‬إنه‬ ‫اب َن م َ‬ ‫سؼت َ َو ّىف كما يُت َ َو َّىف سائر البشر‪. .‬‬ ‫ُ‬ ‫ولكن هل كان ميبلده طؽيعيا ً؟‬ ‫اإلجابة ال ‪ . .‬إذن فلماذا تتعجب‬ ‫إذا كانت وفاته غَت طؽيعية؟ لقد‬ ‫خلق من أم بدون أب ‪ . .‬فإذا‬

‫حدث أنه رفع إىل السماء حيا ً‬ ‫وسيزنل إىل األرض فما العجب يف‬ ‫ذلك؟ ألم يصعد رسولنا صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم إىل السماء حيا ً؟ ثم‬ ‫نزل لنا بعد ذلك إىل األرض حيا ً؟‬ ‫لقد حدث هذا ‪١‬تحم ٍد عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ . .‬إذن فا‪١‬تبدأ موجود ‪. .‬‬

‫فلماذا تسؾبعد صعود عؼىس ثم‬ ‫نزوله يف آخر الزمان؟ والفرق بُت‬ ‫‪٤‬تم ٍد صىل اهلل عليه وسلم وعؼىس‬ ‫هو أن ‪٤‬تمدا ًلم ٯتكث طويبل ًيف‬ ‫السماء ‪ ،‬بؼنما عؼىس بىق‪. .‬‬ ‫وا‪٠‬تبلف عىل الفًتة ال ينقض ا‪١‬تبدأ‬ ‫‪.‬‬

‫عن ابن ا‪١‬تسيب أنه ‪ٝ‬تع أبا هريرة‬ ‫رضي اهلل عنه يقول قال رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم « والذي‬ ‫نفسي بيده ليوشكن أن يزنل‬ ‫فيكم ابن مريم صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم حكما مقسطا فيكسر‬ ‫الصليب ويقتل ا‪٠‬تزنير ويضع‬

‫ا‪ٞ‬تزية ويفيض ا‪١‬تال حىت ال يقبله‬ ‫أحد »‬ ‫وهذا ا‪ٟ‬تديث موجود يف صحيح‬ ‫البخاري ‪ . .‬فقد جعله اهلل مثبل‬ ‫لؽٍت إسرائيل ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫سبحانه ‪ { :‬إ ِْن ُه َو إِال َّ َعب ْ ٌد أَنْعَ ْمنَا‬ ‫يل }‬ ‫عَلَي ْ ِه َو َجعَلْن َ ُاه َمثَبل ًلؽٍت إِ ْس َر ِائ َ‬

‫ػ الزخرف ‪] 59 :‬‬ ‫ُتعِؼ َىس ابن‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وآتَ ْ َا‬ ‫َم ْري َ َم البؼنات } ‪.‬‬ ‫‪ .‬البؼنات هي ا‪١‬تعجزات مثل إبراء‬ ‫األكمه واألبرص وإحياء ا‪١‬توىت‬ ‫بإذن اهلل وغَت ذلك من ا‪١‬تعجزات ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهي األمور البؼنة الواضحة عىل‬

‫صدق رسالته ‪.‬‬ ‫لكننا إذا تأملنا يف هذه ا‪١‬تعجزات ‪.‬‬ ‫‪٧ .‬تد أن بعضها نسبت لقدرة اهلل‬ ‫كإحياء ا‪١‬توىت جاء بعدها بإذن اهلل ‪.‬‬ ‫‪ .‬وبعضها نسبها إىل معجزته‬ ‫كرسول ‪ . .‬ومعروف أنه كرسول‬ ‫ي‬ ‫اهلل ٔتعجزات ٗترق قوانُت‬ ‫ؤيده ُ‬

‫الكون ‪ . .‬ولكن هناك فرقا ًبُت‬ ‫معجزة تعطي كشفا ًللرسول ‪. .‬‬ ‫وبُت معجزة البد أن تتم كل مرة‬ ‫من اهلل مباشرة ‪ . .‬واقرأ اآلية‬ ‫الكرٯتة ‪َ { :‬و َر ُسوال ًإىل بٍت‬ ‫يل أ َ ِّين قَ ْد ِجػ ْ ُت ُك ْم بِآي َ ٍة ِّمن‬ ‫إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫َّربِّ ُك ْم أين أ َ ْخل ُ ُق ل َ ُك ْم ِّم َن الطُت‬

‫َكهَؼْئ َ ِة الطَت فَأ َ ُنف ُخ فِي ِ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ون‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ىء األكمه‬ ‫َط َْتا ًبِإِذْ ِن اهلل َوأب ْ ِر ُ‬ ‫واألبرص َوأ ُْح ِي ا‪١‬توىت بِإِذْ ِن اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ون‬ ‫ون َو َما تَ َّدخ ُر َ‬ ‫َوأُنَؽ ّ ُِئ ُك ْم ٔتَا تَأكُل ُ َ‬ ‫ِيف ُبيُوتِ ُك ْم إ َِّن ِيف ذلك آليَةً ل َّ ُك ْم إِن‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫ُك ُنتم ُّم ْؤمن َ‬ ‫‪] 49‬‬

‫وهكذا نرى يف اآلية الكرٯتة أنه‬ ‫بؼنما كان إخبار عؼىس ‪١‬تا يأكل‬ ‫الناس وما يدخرون يف بيوهتم‬ ‫كشفا ًمن اهلل ‪ . .‬كان إحياء ا‪١‬توىت يف‬ ‫كل مرة بإذن اهلل ‪ . .‬ولؼس كشفا‬ ‫وال معجزة ذاتية لعؼىس عليه‬ ‫السبلم ‪ . .‬إن كل رسول كان مؤيدا ً‬

‫بروح القدس وهو جربيل عليه‬ ‫السبلم ‪ . .‬ولكن اهلل أيد عؼىس‬ ‫بروح القدس دائما معه ‪ . .‬وهذا‬ ‫معٌت قوله تعاىل ‪َ { :‬وأَي َّ ْدن َ ُاه بِ ُرو ِح‬ ‫القدس } ‪ . .‬وأيدناه مشتقة من‬ ‫القوة ومعناها قويناه بروح القدس‬ ‫يف كل أمر من األمور ‪ . .‬وكلمة‬

‫روح تأيت عىل معنيُت ‪ . .‬ا‪١‬تعٌت‬ ‫األول ما يدخل ا‪ٞ‬تسم فيعطيه‬ ‫ا‪ٟ‬تركة وا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬وهناك روح‬ ‫أخرى هي روح القيم ٕتعل ا‪ٟ‬تركة‬ ‫نافعة ومفيدة ‪ . .‬ولذلك ‪ٝ‬تى ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل القرآن بالروح‪. .‬‬ ‫ك‬ ‫واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬وكَ َذل ِ َ‬

‫ك ُروحا ً ِّم ْن أ َ ْم ِرنَا } ػ‬ ‫أ َ ْو َحؼْنَآ إِلَي ْ َ‬ ‫الشورى ‪] 52 :‬‬ ‫والقرآن روح ‪ . .‬من ال يعمل به‬ ‫تكون حركة حياته ببل قيم ‪ . .‬إذن‬ ‫كل ما يتصل با‪١‬تنهج فهو روح ‪. .‬‬ ‫والقدس هذه الكلمة تأيت مرة بضم‬ ‫القاف وتسكُت الدال ‪ . .‬ومرة‬

‫بضم القاف وضم الدال ‪ . .‬وكبل‬ ‫اللفظُت صحيح وهي تفيد الطهر‬ ‫والتزنه عن كل ما يعيب ويشُت ‪. .‬‬ ‫والقدس يعٍت ا‪١‬تطهر عن كل شائبة‬ ‫‪.‬‬ ‫قوله تبارك وتعاىل ‪ { :‬أَفَ ُكل َّ َما‬ ‫ول ِٔتَا ال َهتوى‬ ‫َجآءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬

‫أَن ْ ُف ُس ُك ْم استكربتم } قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫« أفكلما » ‪ . .‬هناك عطف وهناك‬ ‫استفهام ‪ ،‬وهي تعٍت أكفرتم ‪،‬‬ ‫وكلما جاءكم رسول ٔتا ال هتوى‬ ‫أنفسكم استكربتم ‪ . .‬أي إن‬ ‫اليهود جعلوا أنفسهم مشرعُت من‬ ‫دون اهلل ‪ . .‬وهم يريدون أن‬

‫يشرعوا لرسلهم ‪ . .‬فإذا جاء‬ ‫الرسول ٔتا ٮتالف هواهم ك َّذبوه أو‬ ‫قتلوه ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ِٔ { :‬تَا ال َهتوى‬ ‫أَن ْ ُف ُس ُك ْم } ‪ . .‬هناك َه َوى‬ ‫بالفتحة عىل الواو و َه ِو َي بالكسرة‬ ‫عىل الواو ‪َ . .‬ه َوى بالفتحة عىل الواو‬

‫ٔتعٌت سقط إىل أسفل ‪ . .‬و َه ِو َي‬ ‫بالكسرة عىل الواو معناه أحب‬ ‫وأشتىه ‪.‬‬ ‫‪ .‬اللفظان ملتقيان ‪ . .‬األول معناه‬ ‫ا‪٢‬تبوط ‪ ،‬والثاين حب الشهوة‬ ‫وا‪٢‬توى يؤدي إىل ا‪٢‬تبوط ‪ . .‬ولذلك‬ ‫فإن اهلل سبحانه وتعاىل حؼنما‬

‫يشرع يقول ( تَعَال َ ْوا )‬ ‫ومعناها؟إرتفعوا من موقعكم‬ ‫ا‪٢‬تابط ‪ . .‬إذن فا‪١‬تنهج جاء ليعصمنا‬ ‫من السقوط ‪ . .‬ورسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ . .‬يعطؼنا هذا‬ ‫ا‪١‬تعٌت ‪ ،‬وكيف أن الدين يعصمنا‬ ‫من أن هنوى ونسقط يف جهنم يقول‬

‫‪:‬‬ ‫« إ‪٪‬تا مثلي ومثل أميت كمثل‬ ‫رجل استوقد نارا ًفجعلت الدواب‬ ‫والفراش يقعْن فيه فأنا آخذ‬ ‫بحجزكم وأنتم مو‪ٛ‬تون فيه » ‪.‬‬ ‫ومعٌت آخذ ْتجزكم أي آخذ بكم‬ ‫‪ . .‬وكأننا نقبل عىل النار و‪٨‬تن‬

‫نشتهيها باتباعنا شهوتنا‪. .‬‬ ‫ورسول اهلل ٔتنهج اهلل ٭تاول أن‬ ‫ينقذنا منها ‪ . .‬ولكن رب نف ٍس‬ ‫عشقت مصرعها ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل يقول ‪ { :‬استكربتم فَ َف ِريقا ً‬ ‫ون } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫كَ َّذب ْ ُت ْم َوفَ ِر قيا ًتَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫‪] 87‬‬

‫معٌت استكربتم أي أعطؼتم‬ ‫ألنفسكم كربا لستم أهبل له ‪. .‬‬ ‫كبار ولستم كبارا ً‪.‬‬ ‫ادعؼتم أنكم ٌ‬ ‫‪ .‬ولكن هل ا‪١‬تشروع مساو لك‬ ‫حىت تتكرب عىل منهجه؟ طبعا ال ‪. .‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬ففريقا ًكذبتم } ‪. .‬‬ ‫والكذب كبلم ٮتالف الواقع‪ . .‬أي‬

‫أنكم اتهمتم الرسل بأهنم يقولون‬ ‫كبلما ٮتالف الواقع ‪ .‬ألنه ٮتالف ما‬ ‫تشتهيه أنفسكم ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ون } ‪ . .‬التكذيب‬ ‫{ َوفَ ِريقا ًتَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫مسألة منكرة ‪ . .‬ولكن القتل أمر‬ ‫بشع ‪ . .‬وحُت ترى إنسانا يتخلص‬ ‫من خصمه بالقتل فاعلم أهنا‬

‫شهادة بضعفه أمام خصمه ‪ . .‬وإن‬ ‫طاقته وحياته ال تطيق وجود ا‪٠‬تصم‬ ‫رجل مكتمل الرجولة‬ ‫‪ . .‬ولو أنه ٌ‬ ‫‪١‬تا تأثر بوجود خصمه ‪ . .‬ولكن‬ ‫ألنه ضعيف أمامه قتله ‪. .‬‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وفَ ِريقا ًتَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫مثل نبي اهلل ٭تِت ونبي اهلل زكريا ‪.‬‬

‫‪ .‬وهناك قصص وروايات تناولت‬ ‫قصة سالومي ‪ . .‬وهي قصة راقصة‬ ‫‪ٚ‬تيلة أرادت إغراء ٭تِت عليه‬ ‫السبلم فرفض أن ٮتضع إلغرائها ‪.‬‬ ‫‪ .‬فجعلت مهرها أن يأتوها برأسه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وفعبل قتلوه وجاءوها برأسه عىل‬ ‫صينية من الفضة ‪.‬‬

‫اّلل‬ ‫َوقَالُوا ُقل ُ ُ‬ ‫وبنَا ُغل ْ ٌف ب َ ْل لَعَن َ ُه ُم َّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)88‬‬ ‫بِ ُك ْف ِر ِه ْم فَقَلِ ً‬ ‫يبل َما يُ ْؤم ُن َ‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل يذكر لنا كيف‬ ‫برر بنو إسرائيل عدم إٯتاهنم‬ ‫وقتلهم األنؽياء وكل ما حدث‬ ‫منهم ‪ . .‬فماذا قالوا؟ لقد قالوا {‬ ‫وبنَا ُغل ْ ٌف } والغلف مأخوذ من‬ ‫ُقل ُ ُ‬

‫الغبلف والتغليف ‪ . .‬وهناك غلْف‬ ‫بسكون البلم ‪ ،‬وغلُف بضم البلم‪.‬‬ ‫وبنَا ُغل ْ ٌف‬ ‫‪ .‬مثل كتاب وكتب { ُقل ُ ُ‬ ‫} أي مغلفة وفيها من العلم ما‬ ‫يكفيها ويزيد ‪ ،‬فكأهنم يقولون إننا‬ ‫لسنا يف حاجة إىل كبلم الرسل‪ . .‬أو‬ ‫وبنَا ُغل ْ ٌف } أي مغلفة ومطبوع‬ ‫{ ُقل ُ ُ‬

‫عليها ‪ . .‬أي أن اهلل طبع عىل قلوبهم‬ ‫وختم عليها حىت ال ينفذ إليها شعاع‬ ‫من ا‪٢‬تداية ‪ . .‬وال ٮترج منها شعاع‬ ‫من الكفر ‪.‬‬ ‫إذا كان اهلل سبحانه وتعاىل قد فعل‬ ‫هذا ‪ . .‬ألم تسألوا أنفسكم ‪١‬تاذا؟‬ ‫ما هو السبب؟ وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬

‫يرد عليهم فيقول ‪ { :‬بَل لَّعَن َ ُه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون } ‪:‬‬ ‫اهلل بِ ُك ْف ِره ْم فَقَليبل ً َّما يُ ْؤم ُن َ‬ ‫لفظ « بل » يؤكد لنا أن كبلمهم‬ ‫غَت صحيح ‪ . .‬فهم لؼس عندهم‬ ‫كفاية من العلم ْتيث ال ٭تتاجون‬ ‫إىل منهج الرسل ‪ . .‬ولكنهم‬ ‫ملعونون ومطرودون من ر‪ٛ‬تة اهلل‬

‫‪ . .‬فبل تنفذ إشعاعات النور وال‬ ‫ا‪٢‬تداية إىل قلوبهم ‪ . .‬ولكن ذلك‬ ‫لؼس ألن ختم عليها ببل سبب ‪. .‬‬ ‫ولكنه جزاء عىل أهنم جاءهم النور‬ ‫وا‪٢‬تدى ‪ . .‬فصدوه بالكفر أوال ‪. .‬‬ ‫ولذلك فإهنم أصبحوا مطرودين‬ ‫من ر‪ٛ‬تة اهلل ‪ . .‬ألن من يصد‬

‫اإلٯتان بالكفر يطرد من ر‪ٛ‬تة اهلل‬ ‫‪ ،‬وال ينفذ إىل قلبه شعاع من أشعة‬ ‫اإلٯتان ‪.‬‬ ‫وهنا ‪٬‬تب أن نتنبه إىل أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لم يبدأهم باللعنة ‪.‬‬ ‫وبعض الناس الذين يريدون أن‬ ‫يهربوا من مسئولية الكفر ‪ -‬علها‬

‫تنجيهم من العذاب يوم القيامة ‪-‬‬ ‫يقولون إن اهلل سبحانه وتعاىل قال ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫آء َويَهْ ِدي‬ ‫{ فَإ َِّن اهلل يُض ُّل َمن ي َ َش ُ‬ ‫آء } ػ فاطر ‪] 8 :‬‬ ‫َمن ي َ َش ُ‬ ‫تلك هي حجة الكافرين الذين‬ ‫يظنون إهنا سؾنجيهم من العذاب‬ ‫يوم القيامة ‪ . .‬إهنم يريدون أن‬

‫يقولوا إن اهلل يضل من يشاء ‪. .‬‬ ‫اهلل قد شاء أن يضلٍت فما‬ ‫ومادام ُ‬ ‫ذنبي أنا؟ وهل أستطيع أن أمنع‬ ‫مشيئة اهلل ‪ . .‬نقول له ‪ :‬إن اهلل إذا‬ ‫قيد أمرا من األمور ا‪١‬تطلقة فيجب‬ ‫أن نلجأ إىل التقؼيد ‪ . .‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل يقول ‪ { :‬واهلل ال َيَهْ ِدي‬

‫القوم الكافرين } ػ التوبة ‪] 37 :‬‬ ‫ويقول سبحانه ‪ { :‬واهلل ال َيَهْ ِدي‬ ‫القوم الظا‪١‬تُت } ػ التوبة ‪] 19 :‬‬ ‫ويقول جل جبلله ‪ { :‬واهلل ال َ‬ ‫يَهْ ِدي القوم الفاسقُت } ػ التوبة ‪:‬‬ ‫‪] 24‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أخربنا أنه منع‬

‫إعانته للهداية عن ثبلثة أنواع من‬ ‫الناس ‪ . .‬الكافرين والظا‪١‬تُت‬ ‫والفاسقُت ‪ . .‬ولكن هل هو‬ ‫سبحانه وتعاىل منع معونة ا‪٢‬تداية‬ ‫أوال؟ أم أهنم هم الذين ارتكبوا‬ ‫من الضبلل ما جعلهم ال يستحقون‬ ‫هداية اهلل؟! إنسان واجه اهلل‬

‫بالكفر ‪ . .‬كفر باهلل ‪ . .‬رفض أن‬ ‫يستمع آليات اهلل ورسله ‪.‬‬ ‫‪ .‬ورفض أن يتأمل يف كون اهلل ‪. .‬‬ ‫ورفض أن يتأمل يف خلقه هو نفسه‬ ‫ومن الذي خلقه ‪ . .‬ورفض أن‬ ‫يتأمل يف خلق السموات واألرض‬ ‫‪ . .‬كل هذا رفضه ٘تاما ‪ . .‬ومىض‬

‫سطريق الضبلل‬ ‫يصنع لنف ه‬ ‫ويشرع لنفسه الكفر ‪ . .‬ألنه فعل‬ ‫ذلك أوال ‪ . .‬وألنه بدأ بالكفر‬ ‫برغم أن اهلل سبحانه وتعاىل وضع‬ ‫له يف الكون ويف نفسه آيات ٕتعله‬ ‫يؤمن باهلل ‪ ،‬وبرغم ذلك رفض ‪.‬‬ ‫هو الذي بدأ واهلل سبحانه وتعاىل‬

‫ختم عىل قلبه ‪.‬‬ ‫اإلنسان الظالم يظلم الناس وال‬ ‫ٮتىش اهلل ‪ . .‬يذكرونه بقدره اهلل‬ ‫وقوة اهلل فبل يلتفت ‪ . .‬ٮتتم اهلل‬ ‫عىل قلبه ‪ . .‬كذلك اإلنسان الفاسق‬ ‫الذي ال يًتك منكرا إال فعله ‪ . .‬وال‬ ‫إ‪ٙ‬تا إال ارتكبه ‪ . .‬وال معصية إال‬

‫أسرع إليها ‪ . .‬ال يهديه اهلل ‪. .‬‬ ‫أكنت تريد أن يبدأ هؤالء الناس‬ ‫بالكفر والظلم والفسوق ويصرون‬ ‫ثيهديهم اهلل؟ يهديهم‬ ‫عليه م‬ ‫قهرا أو قَ ْسرا ً‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫خلقنا ‪٥‬تتارين؟ طبعا ال ‪ . .‬ذلك‬ ‫يضع االخؾيار البشري يف أن يطيع‬

‫اإلنسان أو يعىص ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أثبت طبلقة‬ ‫قدرته فيما ‪٨‬تن مقهورون فيه ‪. .‬‬ ‫يف أجسادنا اليت تعمل أعضاؤها‬ ‫الداخلية بقهر من اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ولؼس بإرادة منا كالقلب‬ ‫والؾنفس والدورة الدموية ‪. .‬‬

‫وا‪١‬تعدة واألمعاء والكبد ‪ . .‬كل‬ ‫هذا وغَته مقهور هلل جل جبلله ‪. .‬‬ ‫ال نستطيع أن نأمره ليفعل فيفعل ‪.‬‬ ‫‪ .‬وأن نأمره أال يفعل فبل يفعل ‪. .‬‬ ‫وأثبت اهلل سبحانه وتعاىل طبلقة‬ ‫قدرته فيما يقع علؼنا من أحداث يف‬ ‫الكون ‪ . .‬فهذا ٯترض ‪ ،‬وهذا‬

‫تد‪٫‬ته سيارة ‪ ،‬وهذا يقع عليه حجر‬ ‫‪ . .‬وهذا يسقط ‪ ،‬وهذا يعتدي عليه‬ ‫إنسان ‪ . .‬كل األشياء اليت تقع‬ ‫عليك ال دخل لك فيها وال تستطيع‬ ‫أن ٘تنعها ‪ . .‬بىق ذلك الذي يقع‬ ‫منك وأ‪٫‬ته تطؽيق منهج اهلل يف‬ ‫افعل وال تفعل ‪ . .‬هذا لك اخؾيار‬

‫فيه ‪.‬‬ ‫إن اهلل سبحانه وتعاىل أوجد لك‬ ‫هذا االخؾيار حىت يكون ا‪ٟ‬تساب‬ ‫يف اآلخرة عدال ‪ . .‬فإذا اخًتت‬ ‫الكفر ال ‪٬‬تربك اهلل عىل اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫وإذا اخًتت الظلم ال ‪٬‬تربك اهلل‬ ‫عىل العدل ‪ . .‬وإذا اخًتت الفسوق‬

‫ال ‪٬‬تربك اهلل عىل الطاعة ‪ . .‬إنه‬ ‫٭تًتم اخؾيارك ألنه أعطاك هذا‬ ‫االخؾيار ليح اسبك عليه يوم‬ ‫القيامة ‪.‬‬ ‫لقد أثبت اهلل لنفسه طبلقة القدرة‬ ‫بأنه يهدي من يشاء ويضل من‬ ‫يشاء ‪ .‬ولكنه سبحانه قال إنه ال‬

‫يهدي القوم الكافرين وال القوم‬ ‫الظا‪١‬تُت وال القوم الفاسقُت ‪. .‬‬ ‫فمن يرد أن ٮترج من هداية اهلل‬ ‫فليكفر أو يظلم أو يفسق ‪. .‬‬ ‫ويكون يف هذه ا‪ٟ‬تالة هو الذي‬ ‫اختار فحق عليه عقاب اهلل ‪. .‬‬ ‫لذلك فقد قال الكافرون من بٍت‬

‫إسرائيل إن اهلل ختم عىل قلوبهم‬ ‫فهم ال يهتدون ‪ ،‬ولكنهم هم‬ ‫الذين اختاروا هذا الطريق ومشوا‬ ‫فيه ‪.‬‬ ‫‪ .‬فاختاروا عدم ا‪٢‬تداية ‪. .‬‬ ‫لقد أثارت هذه القضية جدال كبَتا ً‬ ‫بُت العلماء ولكنها يف ا‪ٟ‬تقيقة ال‬

‫تستحق هذا ا‪ٞ‬تدل‪ . .‬فاهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل قال ‪ { :‬بَل لَّعَن َ ُه ُم‬ ‫اهلل بِ ُك ْف ِر ِه ْم } ‪ . .‬واللعن هو‬ ‫الطرد واإلبعاد من ر‪ٛ‬تة اهلل ‪. .‬‬ ‫ويتم ذلك بقدرة اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ . .‬ألن الطرد يؾناسب مع قوة‬ ‫الطارد ‪.‬‬

‫فمثبل ‪ . .‬إبنك الصغَت يطرد حجرا‬ ‫أمامه تكون قوة الطرد مؾناسبة مع‬ ‫سنه وقوته ‪ . .‬واألكرب أشد فأشد ‪.‬‬ ‫‪ .‬فإذا كان الطارد هو اهلل سبحانه‬ ‫مقدار لقوة‬ ‫وتعاىل فبل يكون هناك ٌ‬ ‫اللعن والطرد يعرفه العقل البشري‬ ‫‪.‬‬

‫قوله تعاىل ‪ { :‬بَل لَّعَن َ ُه ُم اهلل‬ ‫بِ ُك ْف ِر ِه ْم } ‪ . .‬أي طردهم اهلل‬ ‫بسبب كفرهم ‪ . .‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل ال يتودد للناس لكي يؤمنوا‪. .‬‬ ‫وال يريد للرسل أن يتعبوا أنفسهم‬ ‫يف ‪ٛ‬تل الناس عىل اإلٯتان ‪ . .‬إ‪٪‬تا‬ ‫وظيفة الرسول هي الببلغ حىت‬

‫يكون ا‪ٟ‬تساب حقا وعدال ‪ . .‬واقرأ‬ ‫ك بَا ِخ ٌع‬ ‫قوله جل جبلله ‪ { :‬لَعَل َّ َ‬ ‫ك أَال َّي َ ُكونُوا ْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت * إِن‬ ‫ن‬ ‫نَّفْ َس َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫زن ْل عَلَي ْ ِه ْم ِّم َن السمآء آيَةً‬ ‫ن َّ َشأ ن ُ َ ِ ّ‬ ‫اضعِ‬ ‫فَ َظل َّ ْت أ َ ْعنَا ُق ُهم َ‪٢‬تَا َخ ِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الشعراء ‪] 4-3 :‬‬ ‫أي إهنم ال يستطيعون أال يؤمنون‬

‫إذا أردناهم مؤمنُت قهرا ‪. .‬‬ ‫ولكننا نريدهم مؤمنُت اخؾيارا ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإٯتان العبد هو الذي ينتفع به ‪. .‬‬ ‫فاهلل ال ينتفع بإٯتان البشر ‪. .‬‬ ‫وقولنا ال إله إال اهلل ال يسند عرش‬ ‫اهلل ‪ . .‬قلناها أو لم نقلها فبل إله إال‬ ‫اهلل ‪ . .‬ولكننا نقو‪٢‬تا لتشهد علؼنا‬

‫يوم القيامة ‪ . .‬نقو‪٢‬تا لؾنجؼنا من‬ ‫أهوال يوم القيامة ومن غضب اهلل‬ ‫‪..‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ « :‬بكفرهم » يعطؼنا‬ ‫قضية مهمة هي ‪ :‬أنه تبارك وتعاىل‬ ‫أغٌت الشركاء عن الشرك ‪ .‬فمن‬ ‫يشرك معه أحدا فهو ‪١‬تن أشرك ‪.‬‬

‫‪ .‬لذلك يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله يف‬ ‫ا‪ٟ‬تديث القدسي ‪:‬‬ ‫« أنا أغٌت الشركاءِ عن ال ِّش ِ‬ ‫رك من‬ ‫ك فيه معي غَتي‬ ‫َع ِم َل عمبل أ َ ْش َر َ‬ ‫تركْ ُت ُه و ِشر ُكه »‬ ‫وشهادة اهلل سبحانه وتعاىل لنفسه‬ ‫باأللوهية ‪ . .‬هي شهادة الذات‬

‫للذات ‪ . .‬وذلك يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َش ِه َد اهلل أَن ّ َُه ال َإله إِال َّ ُه َو } ػ آل‬ ‫عمران ‪] 18 :‬‬ ‫فاهلل سبحانه وتعاىل قبل أن ٮتلق‬ ‫خلقا يشهدون أنه ال إله إال اهلل ‪. .‬‬ ‫شهد لنفسه باأللوهية ‪ . .‬ولنقرأ‬ ‫اآلية الكرٯتة ‪َ { :‬ش ِه َد اهلل أَن ّ َُه ال َ‬

‫إله إِال َّ ُه َو وا‪١‬تبلئكة َوأُ ْولُوا ْالعلم‬ ‫قَ ِآئ َما ًبالقسط } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫‪] 18‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل شهد لنفسه‬ ‫شهادة الذات للذات ‪ .‬وا‪١‬تبلئكة‬ ‫شهدوا با‪١‬تشاهدة ‪ . .‬وأولو العلم‬ ‫بالدليل ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫يقول ‪ { :‬فَ َقليبل ً َّما يُ ْؤم ُن َ‬ ‫عندما تقول قليبل ما ٭تدث كذا ‪،‬‬ ‫فإنك تقصد به هنا صيانة‬ ‫اإلحتمال ‪ ،‬ألنه من ا‪١‬تمكن أن‬ ‫يثوب واحد منهم إىل رشده ويؤمن‬ ‫فؼبق‬ ‫الباب مفتوحا ‪٢‬تؤالء ‪.‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫‪ ..‬ي ُ‬ ‫ولذلك ‪٧‬تد الذين أسرفوا عىل‬

‫أنفسهم يف شبابهم قد يأتون يف‬ ‫آخر عمرهم ويتوبون ‪ . .‬يف ظاهر‬ ‫األمر أهنم أسرفوا عىل أنفسهم ‪. .‬‬ ‫ولكنهم عندما تابوا واعًتفوا‬ ‫ٓتطاياهم وعادوا إىل طريق اٌفق‬ ‫تقبل اهلل إٯتاهنم ‪ . .‬لذلك يقول‬ ‫اهلل جل جبلله ‪ { :‬فَقَلِيبل ً َّما‬

‫ِ‬ ‫ون } أي أن األغلؽية تظل عىل‬ ‫يُ ْؤم ُن َ‬ ‫كفرها ‪ . .‬والقلة هي اليت تعود إىل‬ ‫اإلٯتان ‪.‬‬ ‫و َ‪١‬تَا َجاء ُهم ِكتَاب ِم ْن ِعن ْ ِد َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫َّ َ ْ ٌ‬ ‫ُم َص ِ ّد ٌق ِ‪١‬تَا َمعَ ُه ْم َوكَانُوا ِم ْن قَب ْ ُل‬ ‫ِ‬ ‫ون عَىلَ ال َّ ِذي َن كَ َف ُروا فَل َ َّما‬ ‫ي َ ْستَفْت ُح َ‬

‫َجاءَ ُه ْم َما َع َر ُفوا َك َف ُروا بِ ِه فَلَعْن َ ُة‬ ‫َِ‬ ‫اّلل عَىلَ الْكَافِرِي َن (‪)89‬‬ ‫ّ‬

‫بعد أن بُت لنا اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫‪ .‬أن بٍت إسرائيل قالوا إن قلوبهم‬ ‫غلف ال يدخلها شعاع من ا‪٢‬تدى أو‬ ‫اإلٯتان ‪ . .‬أراد تبارك وتعاىل أن‬ ‫يعطينا صورة أخرى لكفرهم بأنه‬

‫أنزل كتابا مصدقا ‪١‬تا معهم ومع‬ ‫ذلك كفروا به ‪ . .‬ولو كان هذا‬ ‫الكتاب ‪٥‬تتلفا عن الذي معهم لقلنا‬ ‫إن ا‪١‬تسألة فيها خبلف ‪ . .‬ولكنهم‬ ‫كانوا قبل أن يأيت رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ويزنل عليه القرآن‬ ‫كانوا يؤمنون بالرسول والكتاب‬

‫الذي ذكر عندهم يف التوراة ‪. .‬‬ ‫وكانوا يقولون ألهل ا‪١‬تدينة ‪. .‬‬ ‫أ َ َه ّل زمن رسول سنؤمن به ونؾبعه‬ ‫ونقتلكم قبل عاد وإرم ‪.‬‬ ‫لقد كان اليهود يعيشون يف ا‪١‬تدينة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وكان معهم األوس وا‪٠‬تزرج‬ ‫وعندما ٖتدث بؼنهم خصومات‬

‫كانوا يهددوهنم بالرسول القادم ‪. .‬‬ ‫فلما جاء رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم كفروا به ؤتا أنزل عليه من‬ ‫القرآن ‪.‬‬ ‫واليهود يف كفرهم كانوا أحد‬ ‫أسباب نصرة رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬ألن األوس وا‪٠‬ترزج‬

‫عندما بعث الرسول عليه الصبلة‬ ‫والسبلم قالوا هذا النبي الذي‬ ‫يهددنا به اليهود وأسرعوا يبايعونه‬ ‫‪ . .‬فكأن اليهود سخرهم اهلل لنصرة‬ ‫اإلسبلم وهم ال يشعرون ‪.‬‬ ‫والرسول عليه الصبلة والسبلم كان‬ ‫يذهب إىل الناس يف الطائف ‪. .‬‬

‫وينتظر القبائل عند قدومها إىل‬ ‫مكة يف موسم ا‪ٟ‬تج ليعرض عليهم‬ ‫الدعوة فيصدونه ويضطهدونه ‪. .‬‬ ‫وعندما شاء اهلل أن ينتشر دعوة‬ ‫اإلسبلم جاء الناس إىل مكة ومعهم‬ ‫األوس وا‪٠‬تزرج إىل رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ولم يذهب هو‬

‫إليهم ‪ ،‬وأعلنوا مبايعته واإلٯتان‬ ‫برسالته ونشر دعوته ‪ . .‬دون أن‬ ‫يطلب عليه الصبلة والسبلم منهم‬ ‫ذلك ‪ . .‬ثم دعوه ليعؼش بؼنهم يف‬ ‫دار اإلٯتان ‪ . .‬كل هذا تم عندما‬ ‫شاء اهلل أن ينصر اإلسبلم با‪٢‬تجرة‬ ‫إىل ا‪١‬تدينة وينصره ٔتن اتبعوه ‪.‬‬

‫ويقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون عَىلَ‬ ‫َوكَانُوا ْمن قَب ْ ُل ي َ ْست َ ْفت ُح َ‬ ‫الذين َك َف ُروا ْ} ‪ . .‬أي أهنم قبل أن‬ ‫يأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫كانوا يستفتحون بأنه قد أطل زمن‬ ‫رسول سنؤمن به ونؾبعه ‪ . .‬فلما‬ ‫جاء الرسول كذبوه وكفروا‬

‫برسالته ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬عَىلَ الذين َك َف ُروا ْ}‬ ‫‪ . .‬أي كفار ا‪١‬تدينة من األوس‬ ‫وا‪٠‬تزرج الذين لم يكونوا أسلموا‬ ‫بعد ‪ . .‬ألن الرسول لم يأت ‪. .‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعطؼنا ٘تام‬ ‫الصورة يف قوله تعاىل ‪ { :‬فَل َ َّما‬

‫َجآءَ ُه ْم َّما َع َر ُفوا ْ َك َف ُروا ْبِ ِه فَلَعْن َ ُة‬ ‫اهلل عَىلَ الكافرين } ‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن بٍت إسرائيل فيهم‬ ‫جحود مركب جاءهم الرسول‬ ‫الذي انتظروه وبشروا به‪. .‬‬ ‫ولكن أخذهم الكرب رغم أهنم‬ ‫موقنون ٔتجيء الرسول ا‪ٞ‬تديد‬

‫وأوصافه موجودة عندهم يف‬ ‫التوراة إال أهنم رفضوا أن يؤمنوا‬ ‫فاستحقوا بذلك لعنة اهلل‪. .‬‬ ‫واللعنة كما قلنا هي الطرد من‬ ‫ر‪ٛ‬تة اهلل ‪.‬‬

‫بِػ ْ َس َما ا ْش ًَت َ ْوا بِ ِه أَن ْ ُف َس ُه ْم أ َ ْن‬ ‫زن َل‬ ‫ي َ ْك ُف ُروا ِٔتَا أَن ْ َز َل ّ َُ‬ ‫اّلل بَغْيًا أ َ ْن يُ َ ِ ّ‬

‫اّلل ِم ْن فَ ْضلِ ِه عَىلَ َم ْن ي َ َش ُاء ِم ْن ِعبَا ِد ِه‬ ‫َّ ُ‬ ‫فَب َ ُاءوا بِغ َ َض ٍب عَىلَ َغ َض ٍب َولِلْكَافِرِي َن‬ ‫ُت (‪)90‬‬ ‫اب ُم ِه ٌ‬ ‫ع َ َذ ٌ‬ ‫بسول‬ ‫عندما رفض اليهود اإلٯتان ر‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم وطردهم‬ ‫بُت لنا أهنم ‪{ :‬‬ ‫اهلل من ر‪ٛ‬تته ‪ّ . .‬‬ ‫بِػ ْ َس َما اشًتوا بِ ِه أَن ْ ُف َس ُه ْم} ‪. .‬‬

‫وكلمة إشًتى سبق ا‪ٟ‬تديث عنها‬ ‫وقلنا إننا عادة ندفع الثمن ونأخذ‬ ‫السلعة اليت نريدها ‪ . .‬ولكن‬ ‫الكافرين قلبوا هذا رأسا عىل عقب‬ ‫وجعلوا الثمن سلعة ‪ . .‬عىل أننا البد‬ ‫أن نتحدث أوال عن الفرق بُت‬ ‫شرى واشًتى ‪َ . .‬ش َرى ٔتعٌت باع ‪.‬‬

‫‪ .‬واقرأ قوله عز وجل ‪َ { :‬و َش َر ْو ُه‬ ‫بِث َ َمنٍ َٓت ْ ٍس دَ َرا ِه َم َمعْ ُدودَ ٍة َوكَانُوا ْ‬ ‫فِي ِه ِم َن الزاهدين } ػ يوسف ‪:‬‬ ‫‪] 20‬‬ ‫ومعٌت اآلية الكرٯتة أهنم باعوه‬ ‫بثمن قليل ‪ . .‬واشًتى يعٍت ابتاع‬ ‫‪ . .‬ولكن اشًتى قد تأيت ٔتعٌت‬

‫شرى ‪ . .‬ألنك يف بعض األحيان‬ ‫تكون ‪٤‬تتاجا إىل سلعة ومعك مال ‪.‬‬ ‫‪ .‬وتذهب وتشًتي السلعة ٔتالك‬ ‫وهذا هو الوضع السليم ‪ . .‬ولكن‬ ‫لنفرض أنك احتجت لسلعة‬ ‫ضرورية كالدواء مثبل ‪ . .‬ولؼس‬ ‫عندك ا‪١‬تال ولكن عندك سلعة‬

‫أخرى كأن يكون عندك ساعة أو‬ ‫قلم فاخر ‪ . .‬فتذهب إىل الصيدلية‬ ‫وتعطي الرجل سلعة مقابل سلعة ‪.‬‬ ‫‪ .‬أصبح الثمن يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬ ‫مشًتى ‪ . .‬إذن فمرة يكون الؽيع‬ ‫مشًتي ومرة يكون مؽيعا ً‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يقول ‪{ :‬‬

‫بِػ ْ َس َما اشًتوا بِ ِه أَن ْ ُف َس ُه ْم} ‪. .‬‬ ‫وكأ‪٪‬تا يعَتهم بأهنم يدعون‬ ‫الذكاء والفطنة ‪ . .‬ويؤمنون با‪١‬تادية‬ ‫وأساسها الؽيع والشراء ‪ . .‬لو كانوا‬ ‫حقيقة يتقنون هذا لعرفوا أهنم قد‬ ‫أ٘توا صفقة خاسرة ‪ . .‬الصفقة‬ ‫الراْتة كانت أن يشًتوا أنفسهم‬

‫مقابل التصديق ٔتا أنزل اهلل عىل‬ ‫‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫ولكنهم باعوا أنفسهم واشًتوا‬ ‫الكفر فخسروا الصفقة ألهنم‬ ‫أخذوا ا‪٠‬تزي يف الدنيا والعذاب يف‬ ‫اآلخرة ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪٬‬تعل بعض العذاب يف الدنيا‬

‫لؼستقيم ميزان األمور حىت عند‬ ‫من لم يؤمن باآلخرة ‪ . .‬فعندما‬ ‫يرى ذلك من ال يؤمن باآلخرة‬ ‫عذابا دنيويا يقع عىل ظالم ‪ . .‬ٮتاف‬ ‫من الظلم ويؽتعد عنه حىت ال‬ ‫يصؼبه عذاب الدنيا ويعرف أن يف‬ ‫الدنيا مقايؼس يف الثواب والعقاب‬

‫‪ . .‬وحىت ال ينتشر يف األرض فساد‬ ‫من ال يؤمن باهلل وال باآلخرة ‪. .‬‬ ‫وضع ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل قصاصا يف‬ ‫الدنيا ‪ . .‬واقرأ قوله جل جبلله ‪{ :‬‬ ‫َول َ ُك ْم ِيف القصاص َحيَاةٌ ياأويل‬ ‫ون} ػ البقرة ‪:‬‬ ‫األلباب لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫‪] 179‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل يف قصاصه‬ ‫يلفت ا‪١‬تؤمن وغَت ا‪١‬تؤمن إىل‬ ‫عقوبة ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪ . .‬فيأيت‬ ‫للمرايب الذي ٯتتص دماء الناس‬ ‫ويصؼبه بكارثة ال ‪٬‬تد بعدها ما‬ ‫ينفقه ‪ . .‬ولذلك ‪٨‬تن نقول يا رب‬ ‫إن القوم غرهم حلمك‬

‫واسؾبطأوا آخرتك فخذهم‬ ‫ببعض ذنوبهم أخذ عزيز مقتدر‬ ‫حىت يعتدل ا‪١‬تيزان‪.‬‬ ‫واهلل تبارك وتعاىل جعل مصارع‬ ‫الظا‪١‬تُت والباغُت وا‪١‬تتجربين يف‬ ‫الدنيا ‪ . .‬جعلها اهلل عربة ‪١‬تن ال‬ ‫يعؾرب ٔتنهج اهلل ‪.‬‬

‫فتجد إنسانا ابتعد عن دينه‬ ‫وأقبلت عليه الدنيا بنعيمها و‪٣‬تدها‬ ‫وشهرهتا ثم ٕتده يف آخر أيامه‬ ‫يعؼش عىل صدقات ا‪١‬تحسنُت ‪. .‬‬ ‫وٕتد امرأة غرها ا‪١‬تال فانطلقت‬ ‫ٕتمعه من كل مكان حبلال أو حراما‬ ‫وأعطتها الدنيا بسخاء ‪ . .‬ويف آخر‬

‫أيامها تزول عنها الدنيا فبل ٕتد‬ ‫‪ٙ‬تن الدواء ‪ . .‬و٘توت فيجمع ‪٢‬تا‬ ‫الناس مصاريف جنازهتا ‪ . .‬كل‬ ‫هذه األحداث وغَتها عربة للناس ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك فهي ٖتدث عىل رؤوس‬ ‫األشهاد ‪ . .‬يعرفها عدد كبَت من‬ ‫الناس ‪ . .‬إما ألهنا تنشر يف الصحف‬

‫وإما أهنا تذاع بُت أهل ا‪ٟ‬تي‬ ‫فيؾناقلوهنا ‪ . .‬ا‪١‬تهم أهنا تكون‬ ‫مشهورة ‪.‬‬ ‫وٕتد مثبل أن اليهود الذين كانوا‬ ‫زعماء ا‪١‬تدينة ٕتار ا‪ٟ‬ترب‬ ‫والسبلح ‪ . .‬ينتهي بهم ا‪ٟ‬تال أن‬ ‫يطردوا من ديارهم وتؤخذ‬

‫أموا‪٢‬تم وتسىب نساؤهم ‪ . .‬ألؼس‬ ‫هذا خزيا؟‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬أَن ي َ ْك ُف ُروا ْ ِٔتَآ أن َ َز َل‬ ‫اهلل بَغْيا ً} ‪ . .‬البغي ٕتاوز ا‪ٟ‬تد ‪،‬‬ ‫واهلل جعل لكل شيء حدا َم ْن ٕتاوزه‬ ‫ب َ َىغ ‪ . .‬وا‪ٟ‬تدود اليت وضعها اهلل‬ ‫سبحانه هي أحكام ‪ . .‬ومرة تكون‬

‫أوامر ومرة تكون نواهي ‪ .‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق بالنسبة لؤلوامر ‪{ :‬‬ ‫وها } ػ‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫ود اهلل فَبل َتَعْت َ ُد َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬ ‫البقرة ‪] 229 :‬‬ ‫ويقول تعاىل بالنسبة للنواهي ‪{ :‬‬ ‫وها } ػ‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫ود اهلل فَبل َتَ ْق َر ُب َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬ ‫البقرة ‪] 187 :‬‬

‫ولكن ما سبب بغيهم؟ ‪ . .‬بغيهم‬ ‫حسد عىل رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم أن تأيت إليه الرسالة ‪ . .‬وعىل‬ ‫العرب أن يكون الرسول منهم ‪. .‬‬ ‫واليهود اعتقدوا لكثرة أنؽيائهم‬ ‫أهنم الذين ورثوا رساالت اهلل إىل‬ ‫األرض ‪ . .‬وعندما جاءت التوراة‬

‫واإل‪٧‬تيل يبشران برسول خاتم‬ ‫قالوا إنه منا ‪ . .‬الرسالة والنبوة لن‬ ‫ٗترج عنا فنحن شعب اهلل ا‪١‬تختار ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك كانوا يعلنون أهنم‬ ‫سيؾبعون النبي القادم وينصرونه ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنهم فوجئوا بأنه لؼس منهم ‪.‬‬ ‫‪ .‬حينئذ مؤلهم الكرب وا‪ٟ‬تسد‬

‫وقالوا مادام لؼس منا فلن نؾبعه بل‬ ‫سنحاربه ‪ . .‬لقد خلعت منهم‬ ‫الرساالت ألهنم لؼسوا أهبل ‪٢‬تا ‪. .‬‬ ‫وكان البد أن يعاقبهم اهلل عىل‬ ‫كفرهم ومعصؼتهم و‪٬‬تعل‬ ‫الرسالة يف أمة غَتهم ‪ . .‬واهلل‬ ‫تبارك وتعاىل يقول ‪ { :‬إِن ي َشأ ْ‬ ‫َ‬

‫يُ ْذ ِهب ْ ُك ْم َويَأ ْ ِت ِٓتَل ْ ٍق َج ِدي ٍد * َو َما‬ ‫ك عَىلَ اهلل بِعَزِي ٍز} ػ فاطر ‪:‬‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫‪] 17-16‬‬ ‫لقد اخؾربهم اهلل يف رساالت‬ ‫متعددة ولكنهم كما قرأنا يف‬ ‫اآليات السابقة ‪ . .‬كذبوا فريقا‬ ‫من األنؽياء ‪ .‬ومن لم يكذبوه قتلوه‬

‫‪ . .‬لذلك كان البد أن يزنع اهلل‬ ‫منهم هذه الرساالت و‪٬‬تعلها يف أمة‬ ‫غَتهم ‪ . .‬لتكون أمة العرب فيها‬ ‫ختام رساالت السماء إىل األرض ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك بغوا ‪.‬‬ ‫زن ُل اهلل‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬بَغْيا ًأَن يُ َ ِ ّ‬ ‫ِمن فَ ْضلِ ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫آء ِم ْن ِعبَا ِد ِه }‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ىل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪ . .‬ومن هنا نعرف أن الرساالت‬ ‫واخؾيار الرسل ‪ . .‬فضل من اهلل‬ ‫ٮتتص به من يشاء ‪ . .‬واهلل سبحانه‬ ‫حُت يطلق أيدينا وٯتلكنا األسباب‬ ‫‪ . .‬فإننا ال ‪٩‬ترج عن مشيػته بل‬ ‫‪٩‬تضع ‪٢‬تا ‪ . .‬ونعرف أنه ال ذاتية يف‬ ‫هذا الكون ‪.‬‬

‫‪ .‬وذلك حىت ال يغًت اإلنسان بنفسه‬ ‫‪ . .‬فإن بطل العالم يف لعبة معؼنة هو‬ ‫قمة الكماالت البشرية يف هذه‬ ‫اللعبة ‪ . .‬ولكن هذه الكماالت‬ ‫لؼست ذاتية فيه ألن غَته ٯتكن أن‬ ‫يتغلب عليه ‪ . .‬وألنه قد يصؼبه أي‬ ‫عائق ‪٬‬تعله ال يصلح للبطولة ‪. .‬‬

‫وعىل كل حال فإن بطولته ال تدوم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألهنا لؼست ذاتية فيه و َم ْن وهبها‬ ‫له وهو اهلل سيهبها لغَته مىت شاءَ‪. .‬‬ ‫ولذلك البد أن يعلم اإلنسان أن‬ ‫الكمال البشري متغَت ال يدوم‬ ‫ألحد ‪ . .‬وأن كل من يبلغ القمة‬ ‫ينحدر بعد ذلك ألننا يف عالم أغيار‬

‫‪ . .‬والبد لكل من عبل أن يزنل ‪. .‬‬ ‫فالكمال هلل وحده ‪ . .‬واهلل‬ ‫سبحانه ٭ترس كماله بذاته‪.‬‬ ‫إذن اليهود حسدوا رسول اهلل ‪. .‬‬ ‫حسدوا نزول القرآن عىل العرب ‪.‬‬ ‫آءو‬ ‫‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬فَب َ ُ‬ ‫بِغ َ َض ٍب عىل َغ َض ٍب َولِلْكَافِرِي َن‬

‫ُت } ‪ . .‬واهلل جل جبلله‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫ع َ َذ ٌ‬ ‫ٮتربنا أنه غضب عليهم مرتُت ‪.‬‬ ‫الغضب األول أهنم لم ينفذوا ما‬ ‫جاء يف التوراة فغضب اهلل عليهم ‪. .‬‬ ‫والغضب الثاين حُت جاءهم رسول‬ ‫مذكور عندهم يف التوراة ومطلوب‬ ‫منهم أن يؤمنوا به فكفروا به ‪. .‬‬

‫وكان ا‪١‬تفروض أن يؤمنوا حىت‬ ‫يرىض اهلل عنهم ‪ . .‬ولذلك غضب‬ ‫اهلل عليهم مرة أخرى عندما كفروا‬ ‫برسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وللْكَافرِي َن ع َ َذ ٌ‬ ‫ُت } ‪ . .‬العذاب يف القرآن‬ ‫ُّم ِه ٌ‬ ‫الكريم ُو ِص َف بأنه أليم‪. .‬‬

‫َو ُو ِص َف بأنه عظيم َو ُو ِص َف بأنه‬ ‫مهُت ‪ . .‬أليم أي شديد األلم‬ ‫يصيب من يعذب بألم شديد ‪. .‬‬ ‫ولكن لنفرض أن الذي يعذب‬ ‫يتجلد ‪ . .‬و٭تاول أال يظهر األلم‬ ‫حىت ال يشمت فيه الناس ‪ . .‬يأتيه‬ ‫اهلل بعذاب عظيم ال يقدر عىل‬

‫احتماله ‪ . .‬ذلك أن عظمة‬ ‫العذاب ٕتعله ال يستطيع أن ٭تتمل‬ ‫‪ . .‬فإذا كان اإلنسان من الذين‬ ‫تزعموا الكفر يف الدنيا‪ . .‬ووقفوا‬ ‫أمام دين اهلل ٭تاربونه وتزعموا‬ ‫قومهم ‪ . .‬يأتيهم اهلل تبارك‬ ‫وتعاىل بعذاب مهُت‪ . .‬ويكون‬

‫هذا أكثر إيبلما للنفس من األلم ‪.‬‬ ‫‪٘ .‬تاما كما تأيت لرجل هو أقوى َم ْن‬ ‫يف ا‪١‬تنطقة ٮتافه الناس ‪ٚ‬تيعا ثم‬ ‫تضربه بيدك وتسقطه عىل األرض‬ ‫‪ . .‬تكون يف هذه ا‪ٟ‬تالة قد أهنته‬ ‫أمام الناس ‪ . .‬فبل يستطيع بعد‬ ‫ذلك أن يتجرب أو يتكرب عىل واحد‬

‫منهم ‪ . .‬ويكون هذا أشد إيبلما‬ ‫للنفس من ألم العذاب نفسه‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ ُث َّم لَنزن َِع َّن ِمن كُ ّ ِل ِشيعَ ٍة أَي ُّ ُه ْم‬ ‫أ َ َش ُّد عَىلَ الر‪ٛ‬تن عِؾِيّا ً* ُث َّم لَن ْح ُن‬ ‫أَعْل َ ُم بالذين ُه ْم أوىل بِهَا ِصلِيّا ً} ػ‬ ‫مريم ‪] 70-69 :‬‬

‫نت‬ ‫وقوله جل جبلله ‪ُ { :‬ذ ْق إِن ّ ََك أ َ َ‬ ‫العزيز الكريم } ػ الدخان ‪49 :‬‬ ‫]‬ ‫ذلك هو العذاب ا‪١‬تهُت ‪.‬‬ ‫ِمن ِ َن‬ ‫اّلل‬ ‫َوإِذَا قِ َ‬ ‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم آ ُوا ٔتَا أ ْ َز َل َّ ُ‬ ‫قَالُوا ن ُ ْؤ ِم ُن بِ َامأُن ْ ِز َل عَلَؼْنَا‬ ‫ون ِٔتَا َو َراءَ ُه َو ُه َو ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّق‬ ‫َوي َ ْك ُف ُر َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ُم َص ِ ّدقًا ‪١‬تَا َمعَ ُه ْم ُق ْل فَل َم تَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫أَنْؽِياء َ ِ‬ ‫اّلل ِم ْن قَب ُل إ ِْن ُكن ْ ُتم م ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪)91‬‬ ‫يبُت لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل موقف‬ ‫اليهود ‪ . .‬من عدم اإلٯتان برسالة‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫مع أهنم أُومروا بذلك يف التوراة‪. .‬‬

‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫فيقول جل جبلله ‪َ { :‬وإِذَا قِ َ‬ ‫اّلل } أي إذا دعاهم‬ ‫آ ِم ُنوا ْ ِٔتَا أَن ْ َز َل ّ َُ‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أن‬ ‫يؤمنوا باإلسبلم وأن يؤمنوا‬ ‫بالقرآن رفضوا ذلك { قَالُوا ْن ُ ْؤ ِم ُن‬ ‫ِٔتَآ أُ ْ ِنز َل عَلَؼْنَا } أي نؤمن بالتوراة‬ ‫ونكفر ٔتا وراءه ‪ ،‬أي ٔتا نزل بعده‬

‫‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نعرف أن الكفر هو السًت ‪. .‬‬ ‫ولو أن ‪٤‬تمدا صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫جاء يناقض ما عندهم رٔتا قالوا ‪:‬‬ ‫جاء ليهدم ديننا ولذلك نكفر به ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنه جاء با‪ٟ‬تق مصدقا ‪١‬تا معهم‬ ‫‪.‬‬

‫إذن حُت يكفرون بالقرآن‬ ‫يكفرون أيضا بالتوراة ‪ . .‬ألن‬ ‫القرآن يصدق ما جاء يف التوراة ‪.‬‬ ‫وهنا يقيم اهلل تبارك وتعاىل عليهم‬ ‫ا‪ٟ‬تجة البالغة ‪ . .‬إن كفركم هذا‬ ‫وسلوكك ضد كل نبي جاءكم ‪. .‬‬ ‫ولو أنكم تستقبلون اإلٯتان‬

‫حقيقة بصدر رحب ‪ . .‬فقولوا لنا‬ ‫ل ِ َم قتلتم أنؽياء اهلل؟ ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَلِم تَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫ون أنْؽِيَآءَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اهلل ِمن قَب ْ ُل } ‪ . .‬هل هناك يف‬ ‫كتابكم التوراة أن تقتلوا أولياء‬ ‫اهلل ‪ . .‬كأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد‬ ‫أخذ ا‪ٟ‬تجة من قو‪٢‬تم ‪ { :‬ن ُ ْؤ ِم ُن ِٔتَآ‬

‫رون ِٔتَا َو َرآءَ ُه } ‪.‬‬ ‫أُن ْ ِز َل عَلَؼْنَا َوي َ ْك ُف َ‬ ‫‪ .‬إذا كان هذا صحيحا وأنكم‬ ‫تؤمنون ٔتا أنزل عليكم فهاتوا لنا‬ ‫‪٦‬تا أنزل إليكم وهي التوراة ما يؽيح‬ ‫لكم قتل األنؽياء إن كنتم مؤمنُت‬ ‫بالتوراة ‪ . .‬وطبعا لم يستطيعوا ردا‬ ‫ألهنم كفروا ٔتا أنزل عليهم ‪. .‬‬

‫فهم كاذبون يف قو‪٢‬تم نؤمن ٔتا‬ ‫أنزل علؼنا ‪ . .‬ألن ما يزنل عليهم‬ ‫لم يأمرهم بقتل األنؽياء ‪. .‬‬ ‫فكأهنم كفروا ٔتا أنزل عليهم ‪. .‬‬ ‫وكفروا ٔتا أنزل عىل ‪٤‬تمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم ‪.‬‬ ‫والقرآن يأتؼنا با‪ٟ‬تجة البالغة اليت‬

‫ٗترس أفواه الكافرين وتؤكد أهنم‬ ‫عاجزون غَت قادرين عىل ا‪ٟ‬تجة يف‬ ‫ا‪١‬تناقشة ‪ . .‬وهنا البد أن نتنبه إىل‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬فَلِم تَ ْق ُتل ُ َ‬ ‫ون أنْؽِيَآءَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اهلل ِمن قَب ْ ُل } ‪ . .‬قوله تعاىل ‪ « :‬من‬ ‫قبل » طمأنة لرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫ُ‬ ‫عليه وسلم إىل أن قتلهم األنؽياء‬

‫انتىه ‪ ،‬ويف الوقت نفسه قضاء عىل‬ ‫آمال اليهود يف أن يقتلوا ‪٤‬تمدا عليه‬ ‫الصبلة والسبلم‪ . .‬واهلل يريد‬ ‫نزع ا‪٠‬توف من قلوب ا‪١‬تؤمنُت عىل‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم بأن‬ ‫ما جرى للرسل السابقُت من بٍت‬ ‫إسرائيل لن ‪٬‬تري عىل رسول اهلل‬

‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬وبذلك‬ ‫قطع القرآن خط الرجعة عىل كل‬ ‫من يريد أذى لرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬ألن ذلك كان عهدا‬ ‫وانتىه ‪ . .‬وأهنم لو تآمروا عىل قتله‬ ‫عليه الصبلة والسبلم فلن يفلحوا‬ ‫ولن يصلوا إىل هدفهم ‪.‬‬

‫واليهود بعد نزول هذه اآلية‬ ‫الكرٯتة لم يًتاجعوا عن تآمرهم‬ ‫ولن يكفوا عن بغيهم يف قتل‬ ‫الرسل واألنؽياء ‪ . .‬فحاولوا قتل‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫أكثر من مرة ‪ . .‬مرة وهو يف حيهم‬ ‫ألقوا فوقه حجرا ولكن جربيل‬

‫عليه السبلم أنذره فتحرك رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم من مكانه‬ ‫قبل إلقاء ا‪ٟ‬تجر ‪ . .‬ومرة دسوا له‬ ‫السم ‪ ،‬و‪٤‬تاوالت أخرى فشلت‬ ‫كلها ‪.‬‬ ‫إذن فقوله تعاىل ‪ « :‬من قبل »‬ ‫معناها ‪ . .‬إن كنتم تفكرون يف‬

‫التخلص من ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم بقتله كما فعلتم يف‬ ‫أنؽيائكم نقل لكم ‪ :‬إنكم لن‬ ‫تستطيعوا أن تقتلوه ‪.‬‬ ‫ولقد كانت هذه اآلية كافية إللقاء‬ ‫اليأس يف نفوسهم حىت يكفوا عن‬ ‫أسلوبهم يف قتل األنؽياء ولكنهم‬

‫ظلوا يف ‪٤‬تاوالهتم ‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫نفسه كانت اآلية تثبؼتا لرسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم وللمؤمنُت ‪.‬‬ ‫بأن اليهود مهما تآمروا فلن‬ ‫ٯتكنهم اهلل من شيء ‪ . .‬وقوله‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ‪. .‬‬ ‫تعاىل ‪ { :‬إِن ُن‬ ‫كْ ُت ْم ُّم ْؤمن َ‬ ‫أي ٔتا أنزل إليكم ‪.‬‬

‫وىس بِالْب ِؼّن َ ِ‬ ‫ات ُث َّم‬ ‫َول َ َق ْد َجاءَ ُك ْم ُم َ َ‬ ‫َّاٗت َ ْذ ُت ُم الْعِ ْج َل ِم ْن بَعْ ِد ِه َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪)92‬‬ ‫َظا‪١‬تُ َ‬

‫بعد أن بُت لنا اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫رفضهم لئلٯتان ٔتا أنزل عىل‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫ْتج ة أهنم يؤمنون ٔتا أنزل إليهم‬

‫فقط ‪ . .‬أوضح لنا أن هذه ا‪ٟ‬تجة‬ ‫كاذبة وأهنم يف طؽيعتهم الكفر‬ ‫واإل‪ٟ‬تاد ‪ . .‬فقال سبحانه ‪َ { :‬ولَقَ ْد‬ ‫َجآءَ ُك ْم موىس بالبؼنات } ‪ . .‬أي‬ ‫أن موىس عليه السبلم أيده اهلل‬ ‫ببؼنات ومعجزات كثَتة كانت‬ ‫تكفي لتمؤل قلوبكم باإلٯتان‬

‫دون إال اهلل ‪ . .‬فلقد‬ ‫وٕتعلكم ال تعب‬ ‫شق لكم البحر ومررتم فيه وأنتم‬ ‫تنظرون وترون ‪ . .‬أي أن ا‪١‬تعجزة‬ ‫لم تكن غؼبا عنكم بل حدثت‬ ‫أمامكم ورأيتموها ‪ . .‬ولكنكم‬ ‫ٔتجرد أن ٕتاوزتم البحر وذهب‬ ‫موىس للقاء اهلل ‪ٔ . .‬تجرد أن حدث‬

‫ذلك اٗتذتم العجل إ‪٢‬تا من دون‬ ‫اهلل وعبد٘توه ‪ . .‬فكيف تدعون‬ ‫أنكم آمنتم ٔتا أنزل إليكم ‪ . .‬لو‬ ‫كنتم قد آمنتم به ما كنتم اٗتذتم‬ ‫العجل إ‪٢‬تا ً‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يريد أن ينقض‬ ‫حجتهم يف أهنم يؤمنون ٔتا أنزل‬

‫إليهم ‪ . .‬ويرينا أهنم ما آمنوا حىت‬ ‫ٔتا أنزل إليهم ‪ . .‬فجاء ْتكاية قتل‬ ‫األنؽياء ‪ . .‬ولو أهنم كانوا مؤمنُت‬ ‫حقا ٔتا أنزل إليهم فليأتوا ٔتا يؽيح‬ ‫‪٢‬تم قتل أنؽيائهم ولكنهم كاذبون‬ ‫‪ . .‬أما ا‪ٟ‬تجة الثانية فهي إن كنتم‬ ‫تؤمنون ٔتا أنزل إليكم ‪ . .‬فقولوا‬

‫لنا كيف وقد جاءكم موىس باآليات‬ ‫الواضحة من العصا اليت ٖتولت إىل‬ ‫حية واليد الؽيضاء من غَت سوء‬ ‫والبحر الذي شققناه لكم لؾنجوا‬ ‫من قوم فرعون ‪ . .‬والقؾيل الذي‬ ‫أحياه هلل أمامكم بعد أن ضربتموه‬ ‫ببعض البقرة اليت ذْتتموها‪. .‬‬

‫آيات كثَتة ولكن ٔتجرد أن‬ ‫ترككم موىس وذهب للقاء ربه‬ ‫عبدتم العجل ‪.‬‬ ‫إذن فقولكم نؤمن ٔتا أنزل إلؼنا‬ ‫غَت صحيح ‪ . .‬فبل أنتم مؤمنون ٔتا‬ ‫أنزل إليكم وال أنتم مؤمنون ٔتا‬ ‫أنزل من بعدكم ‪ . .‬وكل هذه‬

‫حجج ا‪٢‬تدف منها عدم اإلٯتان‬ ‫أصبل ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ُ { :‬ث َّم اٗتذتم العجل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ون } ‪ . .‬واٗتاذ‬ ‫من بَعْ ِده َوأن ْ ُت ْم َظا‪١‬تُ َ‬ ‫العجل يف ذاته لؼس معصية إذا‬ ‫اٗتذته للحرث أو للذبح لتأكل‬ ‫‪ٟ‬تمه ‪ . .‬ولكن ا‪١‬تعصية هي اٗتاذ‬

‫العجل معبودا ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫اٗتذتم العجل } ‪ . .‬أي أن ذلك‬ ‫أمر مشهود لم تعبدوا العجل سرا‬ ‫بل عبد٘توه جهرا ‪ ،‬ولذلك فهو‬ ‫أمر لؼس ‪٤‬تتاجا إىل شهود وال إىل‬ ‫شهادة ألنه حدث علنا وأمام الناس‬ ‫كلهم ‪ . .‬وذكر حكاية العجل هذه‬

‫ليشعروا بذنبهم يف حق اهلل ‪ . .‬كأن‬ ‫يرتكب اإلنسان خطأ ثم ٯتر عليه‬ ‫وقت ‪ . .‬وكلما أردنا أن نؤنبه‬ ‫ذكرناه ٔتا فعل ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } ‪ . .‬أي ظا‪١‬تون يف‬ ‫َوأن ْ ُت ْم َظا‪١‬تُ َ‬ ‫إٯتانكم ‪ . .‬ظا‪١‬تون يف حق اهلل‬ ‫بكفركم به ‪.‬‬

‫َوإِذْ أ َ َخ ْذنَا ِمؼثَاقَ ُك ْم َو َرفَعْنَا فَ ْوقَ ُك ُم‬ ‫ور ُخ ُذوا َما آتَؼْنَا ُك ْم بِ ُق َّو ٍة‬ ‫ا ُّلط َ‬ ‫‪ٝ‬ت ُعوا قَالُوا َ ِ‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا َو َع َصؼْنَا‬ ‫َوا ْ َ‬ ‫َوأُ ْشر ُِبوا ِيف ُقلُوبِ ِه ُم الْعِ ْج َل‬ ‫بِ ُك ْف ِر ِه ْم ُق ْل بِػ ْ َس َما يَأ ْ ُم ُر ُك ْم بِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)93‬‬ ‫إِٯتَان ُ ُك ْم إ ِْن ُكن ْ ُت ْم ُم ْؤمن َ‬

‫بعد أن ذَ َّكرهم اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫بكفرهم بعبادهتم للعجل‪ . .‬وكان‬ ‫هذا نوعا من التأنيب الشديد‬ ‫والتذكَت بالكفر‪ . .‬أراد أن‬ ‫يؤنبهم مرة أخرى وأن يُ َذ ِ ّك َر ُهم‬ ‫أهنم آمنوا خوفا من وقوع جبل‬ ‫الطور عليهم ‪ . .‬ولم يكن ا‪ٞ‬تبل‬

‫سيقع عليهم ‪ . .‬ألن اهلل ال يقهر‬ ‫أحدا عىل اإلٯتان ‪ . .‬ولكنهم‬ ‫ٔتجرد أن رأوا جبل الطور فوقهم‬ ‫آمنوا ‪ . .‬مثلهم كالطفل الذي‬ ‫وصف له الطؽيب دواء مرا ليشىف ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن َرف َْع اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫‪ٞ‬تبل الطور فوقهم ليأخذوا ا‪١‬تؼثاق‬

‫وا‪١‬تنهج ‪ . .‬ال يقال إنه فعل ذلك‬ ‫إرغاما لكي يؤمنوا ‪ . .‬إنه إرغام‬ ‫ا‪١‬تحب ‪ . .‬يريد اهلل من خلقه أال‬ ‫يعيشوا ببل منهج ‪ٝ‬تاوي فرفع‬ ‫فوقهم جبل الطور إظهارا لقوته‬ ‫وقدرته تبارك وتعاىل حىت إذا‬ ‫استشعروا هذه القوة ا‪٢‬تائلة وما‬

‫ٯتكن أن تفعله ‪٢‬تم وبهم آمنوا ‪. .‬‬ ‫فكأهنم حُت أحسوا بقدرة اهلل‬ ‫آمنوا ‪٘ . .‬تاما كالطفل الصغَت‬ ‫يفتح فمه لؾناول الدواء ا‪١‬تر وهو‬ ‫كاره ‪ . .‬ولكن هل أعطؼته الدواء‬ ‫كرها فيه أو أعطؼته له قمة يف ا‪ٟ‬تب‬ ‫واإلشفاق عليه؟‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يلفتهم‬ ‫أن لم يًتك حيلة من ا‪ٟ‬تيل‬ ‫إىل ه‬ ‫حىت يتلىق بنو إسرائيل منهج اهلل‬ ‫الصحيح ‪ . .‬نقول إنه لم يًتك‬ ‫حيلة إال فعلها ‪ . .‬لكن غريزة‬ ‫االستكبار والعناد منعتهم أن‬ ‫يستمروا عىل اإلٯتان ‪٘ . .‬تاما كما‬

‫يقال لؤلب إن الدواء مر لم ٭تقق‬ ‫الشفاء وطفلك مريض ‪ . .‬فيقول‬ ‫وماذا افعل أكثر من ذلك أرغمته‬ ‫عىل شرب الدواء ا‪١‬تر ولكنه لم‬ ‫يشف ‪.‬‬ ‫وقول اهلل تعاىل ‪ « :‬مؼثاقكم » ‪.‬‬ ‫هل ا‪١‬تؼثاق منهم أو هو مؼثاق اهلل؟‬

‫‪ .‬طبعا هو مؼثاق اهلل‪ . .‬ولكن اهلل‬ ‫جل جبلله خاطبهم بقوله ‪« :‬‬ ‫مؼثاقكم » ألهنم أصبحوا طرفا يف‬ ‫العقد ‪ . .‬وماداموا قد أصبحوا‬ ‫والبأن‬ ‫طرفا أصبح مؼثاقهم ‪ . .‬د‬ ‫نؤمن أن رفع جبل الطور فوق‬ ‫اليهود لم يكن إلجبارهم ألخذ‬

‫ا‪١‬تؼثاق منهم حىت ال يقال أهنم‬ ‫أجربوا عىل ذلك ‪ . .‬هم اتبعوا موىس‬ ‫قبل أن يرفع فوقهم جبل الطور ‪. .‬‬ ‫فبلبد أهنم أخذوا منهجه‬ ‫باخؾيارهم وطبقوه باخؾيارهم‬ ‫ألن اهلل سبحانه وتعاىل لم يبق‬ ‫الطور مرفوعا فوق رءوسهم أينما‬

‫كانوا طوال حياهتم حىت يقال أهنم‬ ‫أجربوا ‪ . .‬فلو أهنم أجربوا ‪ٟ‬تظة‬ ‫وجود جبل الطور فوقهم ‪ . .‬فإهنم‬ ‫بعد أن انتهت هذه ا‪١‬تعجزة لم‬ ‫يكن هناك ما ‪٬‬تربهم عىل تطؽيق‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ . .‬ولكن ا‪١‬تسألة أن اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل‪ . .‬حؼنما يرى من‬

‫عباده ‪٥‬تالفة فإنه قد ٮتيفهم ‪. .‬‬ ‫وقد يأخذهم بالعذاب األصغر‬ ‫علهم يعودون إىل إٯتاهنم ‪ . .‬وهذا‬ ‫يأيت من حب اهلل لعباده ألنه‬ ‫يريدهم مؤمنُت ‪. .‬‬ ‫ولكن اليهود قوم ماديون ال يؤمنون‬ ‫إال با‪١‬تادة واهلل تبارك وتعاىل أراد‬

‫أن يريهم آية مادية عىل قلوبهم‬ ‫ٗتشع وتعود إىل ذكر اهلل ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولؼس يف هذا إجبار ألنه كما قلنا‬ ‫إنه عندما انتهت ا‪١‬تعجزة كان‬ ‫ٯتكنهم أن يعودوا إىل ا‪١‬تعصية ‪. .‬‬ ‫ولكنها آية تدفع إىل اإلٯتان ‪. .‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ُ { :‬خ ُذوا ْ َمآ ءاتؼناكم‬

‫بِ ُق َّو ٍة } ألن ما يؤخذ بقوة يعىط بقوة‬ ‫‪ . .‬واألخذ بقوة يدل عىل عشق‬ ‫اآلخذ للمأخوذ ‪ . .‬وما دام ا‪١‬تؤمن‬ ‫يعشق ا‪١‬تنهج فإنه سيؤدي مطلوباته‬ ‫بقوة ‪ . .‬فاإلنسان دائما عندما‬ ‫يأخذ شؼئا ال ٭تبه فإنه يأخذه بفتور‬ ‫وهتاون ‪.‬‬

‫قوله تعاىل ‪ { :‬وا‪ٝ‬تعوا قَالُوا ْ َ ِ‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا‬ ‫َو َع َصؼْنَا } ‪ . .‬القول هو عمل‬ ‫اللسان والفعل للجوارح كلها ما‬ ‫عدا اللسان ‪ . .‬هناك قول وفعل‬ ‫وعمل ‪ . .‬القول أن تنطق بلسانك‬ ‫والفعل أن تقوم جوارحك‬ ‫بالؾنفيذ ‪ . .‬والعمل أن يطابق‬

‫القول الفعل ‪ . .‬هم ‪ { :‬قَالُوا ْ‬ ‫َِ‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا َو َع َصؼْنَا } هم ‪ٝ‬تعوا ما قاله‬ ‫‪٢‬تم اهلل سبحانه وتعاىل وعصوه‪. .‬‬ ‫ولكن ( عصؼنا ) عىل أي شيء‬ ‫معطوفة؟ ‪ . .‬إهنا لؼست معطوفة‬ ‫عىل « ‪ٝ‬تعنا » ‪ . .‬ولكنها معطوفة‬ ‫عىل ( قالوا ) ‪ . .‬اقلوا ‪ٝ‬تعنا يف القول‬

‫ويف الفعل عصؼنا ‪ . .‬ولؼس معٌت‬ ‫ذلك أهنم قالوا بلساهنم عصؼنا يف‬ ‫الفعل ‪ . .‬فا‪١‬تشكلة جاءت من‬ ‫عطف عصؼنا عىل ‪ٝ‬تعنا ‪. .‬‬ ‫فتحسب أهنم قالوا الكلمتُت‪ . .‬ال‬ ‫‪ . .‬هم قالوا ‪ٝ‬تعنا ولكنهم لم‬ ‫ينفذوا فلم يفعلوا ‪ .‬واهلل سبحانه‬

‫وتعاىل يريدهم أن يسمعوا ‪ٝ‬تاع‬ ‫طاعة ال ‪ٝ‬تاع ٕترد أي ‪٣‬ترد ‪ٝ‬تاع ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنهم ‪ٝ‬تعوا ولم يفعلوا شؼئا‬ ‫فكأن عدم فعلهم معصية ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وأُ ْشر ُِبوا ْ ِيف ُقلُوبِ ِه ُم‬ ‫العجل } ‪ .‬ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫يريد أن يصور لنا ماديتهم ‪. .‬‬

‫فا‪ٟ‬تب أمر معنوي ولؼس أمرا ًماديّا ً‬ ‫ألنه غَت ‪٤‬تسوس ‪ . .‬وكان التعبَت‬ ‫يقتضي أن يقال وأشربوا حب‬ ‫العجل ‪ . .‬ولكن الذي يتكلم هو‬ ‫اهلل ‪ . .‬يريد أن يعطؼنا الصورة‬ ‫الواضحة الكاملة يف أهنم أشربوا‬ ‫العجل ذاته أي دخل العجل إىل‬

‫قلوبهم ‪.‬‬ ‫لكن كيف ٯتكن أن يدخل العجل‬ ‫يف هذا ا‪ٟ‬تيز الضيق وهو القلب ‪. .‬‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يلفؾنا‬ ‫إىل الشيوع يف كل شيء بكلمة‬ ‫أُ ْشر ُِبوا ‪ . .‬ألهنا وصف لشرب ا‪١‬تاء‬ ‫وا‪١‬تاء يتغلغل يف كل ا‪ٞ‬تسم ‪. .‬‬

‫والصورة تعرب عن تغلغل ا‪١‬تادية‬ ‫يف قلوب بٍت إسرائيل حىت كأن‬ ‫العجل دخل يف قلوبهم وتغلغل‬ ‫كما يدخل ا‪١‬تاء يف ا‪ٞ‬تسم مع أن‬ ‫القلب ال تدخله ا‪١‬تاديات ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪{ :‬‬ ‫َوأُ ْ ِ‬ ‫شر ُبوا ْ ِيف ُقلُوبِ ِه ُم العجل‬

‫بِ ُك ْف ِر ِه ْم } ‪ . .‬كأن الكفر هو الذي‬ ‫أسقاهم العجل ‪ . .‬هم كفروا أوال‬ ‫‪ . .‬وبكفرهم دخل العجل إىل‬ ‫قلوبهم وختم عليها ‪ . .‬وقوله تعاىل‬ ‫‪ُ { :‬ق ْل بِػ ْ َس َما يَأ ْ ُم ُر ُك ْم بِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ‪. .‬‬ ‫إِٯتَان ُ ُك ْم إ ِْن ُكن ْ ُت ْم ُّم ْؤمن َ‬ ‫بمأنزل علؼنا وال‬ ‫هم قالوا نؤمن ا‬

‫نؤمن ٔتا جاء بعده ‪ . .‬قل هل‬ ‫إٯتانكم يأمركم بهذا؟ ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهذا أسلوب هتكم من القرآن‬ ‫الكريم عليهم ‪ . .‬مثل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫آل ل ُ ٍ‬ ‫وط ِّمن قَ ْريَتِ ُك ْم‬ ‫{ أخرجوا َ‬ ‫ون } ػ النمل ‪:‬‬ ‫إ َِّهن ْم أُن َ ٌ‬ ‫اس يَت َ َط ّه َُر َ‬ ‫‪] 56‬‬

‫هل الطهر والطهارة مربر إلخراج‬ ‫آل لوط من القرية؟ ‪ . .‬طبعا ال ‪. .‬‬ ‫ولكنه أسلوب هتكم واسؾنكار ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق أن إٯتاهنم بهذا بل يأمرهم‬ ‫باإلٯتان برسالة ‪٤‬تمد صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬واقرأ قوله تبارك‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬واكتب لَنا ِيف هذه الدنيا‬

‫ك‬ ‫َح َسنَةً َو ِيف اآلخرة إِن َّا ُه ْدنَآ إِلَي ْ َ‬ ‫ال عذايب أُ ِصيب بِ ِه َم ْن أ َ‬ ‫آء‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫قَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ٛ‬ت ِيت َو ِسعَ ْت كُ َّل َش ْيءٍ فَ َسأَكْ ُؾبُهَا‬ ‫َو َر ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون الزكاة‬ ‫ون َويُ ْؤ ُت َ‬ ‫لل َّ ِذي َن يَتَّ ُق َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون * الذين‬ ‫والذين ُهم بِآيَاتنَا يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون الرسول النبي األمي الذي‬ ‫يَؾَّبِ ُع َ‬ ‫َ ِ‪٬‬ت ُدون َ ُه َم ْك ُتوبا ً ِعن َد ُه ْم ِيف التوراة‬

‫واإل‪٧‬تيل يَأ ْ ُم ُر ُهم بالمعروف‬ ‫َويَنْهَ ُاه ْم َع ِن ا‪١‬تنكر َو ُ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ ُم‬ ‫الطؼبات َو ُ٭ت َ ّ ِر ُم عَلَي ْ ِه ُم ا‪٠‬تبآئث‬ ‫َوي َ َض ُع َعن ْ ُه ْم إِ ْص َر ُه ْم واألغبلل‬ ‫اليت كَان َ ْت عَلَي ْ ِه ْم فالذين آ َم ُنوا ْبِ ِه‬ ‫َو َع َّز ُر ُوه َون َ َص ُر ُوه واتبعوا النور‬ ‫الذي أُن ِز َل َمعَ ُه أولئك ُه ُم‬

‫ا‪١‬تفلحون } ػ األعراف ‪-156 :‬‬ ‫‪] 157‬‬ ‫هذا هو ما يأمرهم به إٯتاهنم ‪. .‬‬ ‫أن يؤمنوا بالنبي األمي ‪٤‬تمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم‪ . .‬واهلل تبارك‬ ‫وتعاىل يعلم ما يأمرهم به اإلٯتان‬ ‫ألنه منه جل جبلله ‪ . .‬ولذلك‬

‫عندما ٭تاولون خداع اهلل ‪. .‬‬ ‫يتهكم اهلل سبحانه وتعاىل عليهم‬ ‫ويقول ‪٢‬تم ‪ { :‬بِػ ْ َس َما يَأ ْ ُم ُر ُك ْم بِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ‪.‬‬ ‫إِٯتَان ُ ُك ْم إ ِْن ُكن ْ ُت ْم ُّم ْؤمن َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت }‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إ ِْن ُكن ْ ُت ْم ُّم ْؤمن َ‬ ‫دليل عىل أهنم لؼسوا مؤمنُت ‪. .‬‬

‫ولكن الزال يف قلوبهم الشرك‬ ‫والكفر أو العجل الذي عبدوه ‪.‬‬

‫ُق ْل إ ِْن كَان َ ْت ل َ ُك ُم ال ّد َُار ْاآل ِخ َر ُة‬ ‫ِعن ْ َد َ ِ‬ ‫ون النَّ ِ‬ ‫اّلل َخال ِ َصةً ِم ْن ُد ِ‬ ‫اس‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُت‬ ‫فَت َ َمنّ َُوا ا ْ‪١‬ت َ ْو َت إ ِْن ُكن ْ ُت ْم َصا ِدق َ‬ ‫(‪)94‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يفضح‬ ‫اليهود ‪ . .‬ويبُت إن إٯتاهنم غَت‬ ‫صحيح وأهنم عدلوا وبدلوا‬ ‫واشًتوا بآيات اهلل ‪ٙ‬تنا قليبل ‪. .‬‬ ‫وهو سبحانه يريدنا أن نعرف أن‬ ‫هؤالء اليهود ‪ . .‬لم يفعلوا ذلك عن‬ ‫جهل وال هم ُخدعوا بل هم‬

‫يعملون أهنم غَتوا وبدلوا ‪. .‬‬ ‫ويعرفون أهنم جاءوا بكبلم ونسبوه‬ ‫إىل اهلل سبحانه وتعاىل زورا وبهتانا‬ ‫‪ . .‬ولذلك يطلب من رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم أن يفضحهم‬ ‫أمام الناس ويبُت كذبهم بالدليل‬ ‫القاطع ‪ . .‬فيقول ‪ُ { :‬ق ْل إِن كَان َ ْت‬

‫ل َ ُك ُم الدار اآلخرة } ‪ « :‬قل »‬ ‫موجهة إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم أي قل ‪٢‬تم يا ‪٤‬تمد ‪ . .‬وال‬ ‫يقال هذا الكبلم إال إذا كان اليهود‬ ‫قالوا إن ‪٢‬تم ‪ « :‬الدار اآلخرة عند‬ ‫اهلل خالصة » ‪.‬‬ ‫الشيء ا‪٠‬تالص هو الصايف ببل معكر‬

‫أو شريك ‪ .‬أي الشيء الذي لك‬ ‫ٔتفردك ال يشاركك فيه أحد وال‬ ‫ينازعك فيه أحد ‪ . .‬فاهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يقول لرسوله صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ :‬إن كانت اآلخرة ‪٢‬تم‬ ‫وحدهم عند اهلل ال يشاركهم فيها‬ ‫أحد ‪ . .‬فكان الواجب عليهم أن‬

‫يتمنوا ا‪١‬توت ليذهبوا إىل نعيم‬ ‫خالد ‪ . .‬فمادامت ‪٢‬تم الدار‬ ‫اآلخرة وماداموا موقنُت من دخول‬ ‫ا‪ٞ‬تنة وحدهم ‪ . .‬فما الذي ‪٬‬تعلهم‬ ‫يبقون يف الدنيا ‪ . .‬أَال َيتمنون‬ ‫ا‪١‬توت كما ٘تٌت ا‪١‬تسلمون الشهادة‬ ‫ليدخلوا ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬ولؼست هذه هي‬

‫االفًتاءات الوحيدة من اليهود عىل‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫جل جبلله ‪َ { :‬وقَالُوا ْلَن ي َ ْد ُخ َل‬ ‫ان ُه ودا ًأ َ ْو نصارى }‬ ‫ا‪ٞ‬تنة إِال َّ َمن ك َ َ‬ ‫ػ البقرة ‪] 111 :‬‬ ‫من الذي قال؟ اليهود قالوا عن‬ ‫أنفسهم لن يدخل ا‪ٞ‬تنة إال من كان‬

‫هودا ‪ ،‬والنصارى قالوا عن أنفسهم‬ ‫لن يدخل ا‪ٞ‬تنة إال من كان نصرانيا‬ ‫‪ . .‬كل منهم قال عن نفسه إن‬ ‫ا‪ٞ‬تنة خاصة به ‪ .‬ولقد شكل قو‪٢‬تم‬ ‫هذا لنا لغزا يف العقائد ‪ . .‬من الذي‬ ‫سيدخل ا‪ٞ‬تنة وحده ‪ . .‬اليهود أم‬ ‫النصارى؟ نقول ‪ :‬إن اهلل سبحانه‬

‫وتعاىل أجاب عن هذا السؤال‬ ‫بقوله جل جبلله ‪َ { :‬وقَال َ ِت اليهود‬ ‫لَؼ ْ َس ِت النصارى عىل َش ْيءٍ َوقَال َ ِت‬ ‫النصارى لَؼ ْ َس ِت اليهود عىل َش ْيءٍ}‬ ‫ػ البقرة ‪] 113 :‬‬ ‫وهذا أصدق قول قالته اليهود‬ ‫وقالته النصارى بعضهم لبعض ‪.‬‬

‫فاليهود لؼسوا عىل شيء والنصارى‬ ‫لؼسوا عىل شيء ‪ . .‬وكبل‪٫‬تا صادق يف‬ ‫مقولته عن اآلخر ‪ . .‬يف اآلية‬ ‫الكرٯتة اليت ‪٨‬تن بصددها ‪. .‬‬ ‫اليهود قالوا إن الدار اآلخرة خالصة‬ ‫‪٢‬تم ‪ . .‬سنصدقهم ونقول ‪٢‬تم ‪١‬تاذا‬ ‫ال يتعجلون ويتمنون ا‪١‬توت ‪. .‬‬

‫فا‪١‬تفروض أهنم يشتاقون لآلخرة‬ ‫مادامت خالصة ‪٢‬تم ‪ . .‬ولذلك قال‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل ‪ { :‬إِن ُكن ْ ُت ْم‬ ‫صا ِدقِ‬ ‫ُت } ‪ . .‬ولكنها أمانٍ كاذبة‬ ‫َ َ‬ ‫عند اليهود وعند النصارى ‪. .‬‬ ‫واقرأ قوله سبحانه ‪َ { :‬وقَال َ ِت‬ ‫اليهود والنصارى َ‪٨‬ت ْ ُن أَبْن َ ُاء اهلل‬

‫َوأ َ ِحب َّ ُاؤ ُه ُق ْل فَلِ َم يُعَ ِ ّذ ُب ُكم‬ ‫بِ ُذن ُ ِ ُك‬ ‫وبم ب َ ْل أ َ ُنت ْم ب َ َش ٌر ِ‪٦‬ت َّ ْن َخل َ َق‬ ‫يَغ ْ ِف ُر ِ‪١‬تَن ي َ َشآء ويُعَ ِ‬ ‫م‬ ‫آء‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ذ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ‬ ‫و َِ‬ ‫ك السماوات واألرض َو َما‬ ‫ّلل ُمل ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫بَؼْن َ ُه َما َوإِلَي ْ ِه ا‪١‬تصَت }‬

‫ػ ا‪١‬تائدة ‪] 18 :‬‬ ‫إذن هم يتو‪٫‬تون أهنم مهما فعلوا‬

‫من ذنوب فإن اهلل لن يعذبهم يوم‬ ‫القيامة ‪ . .‬ولكن عدل اهلل يأىب‬ ‫ذلك ‪ . .‬كيف يعذب بشرا‬ ‫بذنوبهم ثم ال يعذب اليهود ٔتا‬ ‫اقًتفوا من ذنوب ‪ . .‬بل يدخلهم‬ ‫ا‪ٞ‬تنة يف اآلخرة ‪ . .‬وكيف ‪٬‬تعل اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ا‪ٞ‬تنة يف اآلخرة‬

‫لليهود وحدهم ‪ . .‬وهو قد كتب‬ ‫ر‪ٛ‬تته ألتباع ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم وا‪١‬تؤمنُت برسالة اإلسبلم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ل‬ ‫وأبغ اليهود والنصارى بذلك يف‬ ‫كؾبهم ‪ . .‬واقرأ قوله سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬واكتب لَنا ِيف هذه الدنيا‬ ‫ك‬ ‫َح َسنَةً َو ِيف اآلخرة إِن َّا ُه ْدنَآ إِلَي ْ َ‬

‫ال عذايب أُ ِصيب بِ ِه َم ْن أ َ‬ ‫آء‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫قَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ٛ‬ت ِيت َو ِسعَ ْت كُ َّل َش ْيءٍ فَ َسأَكْ ُؾبُهَا‬ ‫َو َر ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون الزكاة‬ ‫ون َويُ ْؤ ُت َ‬ ‫لل َّ ِذي َن يَتَّ ُق َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون * الذين‬ ‫والذين ُهم بِآيَاتنَا يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون الرسول النبي األمي الذي‬ ‫يَؾَّبِ ُع َ‬ ‫َ ِ‪٬‬ت ُدون َ ُه َم ْك ُتوبا ً ِعن َد ُه ْم ِيف التوراة‬ ‫واإل‪٧‬تيل } ػ األعراف ‪-156 :‬‬

‫‪] 157‬‬ ‫إذا كانت هذه هي ا‪ٟ‬تقيقة ا‪١‬توجودة‬ ‫يف كؾبهم ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫تغ غ َ َْت َاإلسبلم‬ ‫يقول ‪َ { :‬و َمن يَب ْ َ ِ‬ ‫ِدينا ًفَل َْن يُقْب َ َل ِمن ْ ُه َو ُه َو ِيف اآلخرة ِم َن‬ ‫ا‪٠‬تاسرين } ػ آل عمران ‪] 85 :‬‬ ‫فكيف ي َ َّد ِعي اليهود أن الدار‬

‫اآلخرة خالصة ‪٢‬تم يوم القيامة؟‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تق جل جبلله يفضح‬ ‫كذبهم ويؤكد لنا أن ما يقولونه‬ ‫هم أول من يعرف إنه كذب ‪.‬‬

‫َول َ ْن يَت َ َم َّ ْون ُه أَب َ ًدا ِٔتَا قَ ّد ََم ْت أَي ْ ِدي ِه ْم‬ ‫اّلل علِيم بِ َّ ِ‬ ‫ُت (‪)95‬‬ ‫َو َّ ُ َ ٌ‬ ‫الظا‪١‬ت ِ َ‬

‫إهنم لن يتمنوا ا‪١‬توت أبدا بل‬ ‫ٮتافوه ‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل حُت‬ ‫أنزل هذه اآلية ‪ . .‬وضع قضية‬ ‫اإلٯتان كله يف يد اليهود ‪ْ . .‬تيث‬ ‫يستطيعون إن أرادوا أن يشككوا‬ ‫يف هذا الدين ‪ . .‬كيف؟ ألم يكن‬ ‫من ا‪١‬تمكن عندما نزلت هذه اآلية‬

‫أن يأيت عدد من اليهود ويقولوا ليؾنا‬ ‫‪٪‬توت ‪٨ . .‬تن نتمٌت ا‪١‬توت يا ‪٤‬تمد‬ ‫‪ .‬فادع لنا ربك ٯتيؾنا ‪ . .‬ألم يكن‬ ‫من ا‪١‬تمكن أن يقولوا هذا؟ ولو‬ ‫نفاقا ‪َ . .‬ولو رياء ًليهدموا هذا‬ ‫الدين ‪ . .‬ولكن حىت هذه لم‬ ‫يقولوها ولم ٗتطر عىل بالهم ‪. .‬‬

‫أنظر إىل اإلعجاز القرآين يف قوله‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬ول َ ْن يَت َ َمنّ َْو ُه } ‪.‬‬ ‫لقد حكم اهلل سبحانه حكما هنائيا‬ ‫يف أمر إخؾياري لعدو يعادي‬ ‫اإلسبلم ‪ . .‬وقال إن هذا العدو‬ ‫وهم اليهود لن يتمنوا ا‪١‬توت ‪. .‬‬ ‫وكان من ا‪١‬تمكن أن يفطنوا ‪٢‬تذا‬

‫التحدي ‪ . .‬ويقولوا بل ‪٨‬تن نتمٌت‬ ‫ا‪١‬توت ونطلبه من اهلل ‪ . .‬ولكن‬ ‫حىت هذه لم ٗتطر عىل با‪٢‬تم؛ ألن‬ ‫اهلل تبارك وتعاىل إذا حكم يف أمر‬ ‫اخؾياري فهو يسلب من أعداء‬ ‫الدين تلك ا‪٠‬تواطر اليت ٯتكن أن‬ ‫يستخدموها يف هدم الدين ‪ . .‬فبل‬

‫ٗتطر عىل با‪٢‬تم أبدا مثلما ٖتداهم‬ ‫اهلل سبحانه من قبل يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ول السفهآء ِم َن الناس َما‬ ‫{ َس َ ُقي ُ‬ ‫َوال َّ ُه ْم َعن قِبْلَتِ ِه ُم اليت كَانُوا ْعَلَيْهَا‬ ‫} ػ البقرة ‪] 142 :‬‬ ‫ولقد نزلت هذه اآلية الكرٯتة قبل‬ ‫أن يقولوا ‪ . .‬بدليل إستخدام‬

‫ول » ‪.‬‬ ‫حرف السُت يف قوله ‪ « :‬سيق ُ‬ ‫‪ .‬ووصفهم اهلل جل جبلله‬ ‫بالسفهاء ‪ . .‬ومع ذلك فقد قالوا ‪. .‬‬ ‫ولو أن عقو‪٢‬تم تنبهت لسكتوا ولم‬ ‫يقولوا شؼئا ‪ . .‬وكان يف ذلك ٖت ٍد‬ ‫للقرآن الكريم ‪ . .‬كانوا سيقولون‬ ‫لقد قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬

‫ول السفهآء ِم َن الناس } ‪. .‬‬ ‫َسي َ ُق ُ‬ ‫ولكن أحدا لم يقل شؼئا فأين هم‬ ‫هؤالء السفهاء و‪١‬تاذا لم يقولوا؟‬ ‫وكان هذا يعؾرب ٖتديا للقرآن‬ ‫الكريم يف أمر ٯتلكون فيه حرية‬ ‫االخؾيار ‪ . .‬ولكن ألن اهلل هو‬ ‫القائل واهلل هو الفاعل ‪ . .‬لم ٮتطر‬

‫ذلك عىل با‪٢‬تم أبدا ‪ ،‬وقالوا بالفعل‬ ‫‪.‬‬ ‫يف اآلية الكرٯتة اليت ‪٨‬تن بصددها ‪.‬‬ ‫‪ٖ .‬تداهم القرآن أن يتمنوا ا‪١‬توت‬ ‫ولم يتمنوه ‪ . .‬وكان الكبلم‬ ‫ا‪١‬تنطقي مادامت الدار اآلخرة‬ ‫خالصة ‪٢‬تم ‪ . .‬واهلل ٖتداهم أن‬

‫يتمنوا ا‪١‬توت إن كانوا صادقُت‬ ‫لتمنوه ‪ . .‬ليذهبوا إىل نعيم أبدي ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن ا‪ٟ‬تق حكم مسبقا أن ذلك‬ ‫لن ٭تدث منهم ‪١ . .‬تاذا؟ ألهنم‬ ‫كاذبون ويعلمون أهنم كاذبون ‪. .‬‬ ‫لذلك فهم يهربون من ا‪١‬توت وال‬ ‫يتمنونه ‪.‬‬

‫انظروا مثبل إىل العشرة ا‪١‬تبشرين‬ ‫با‪ٞ‬تنة ‪ . .‬عمار بن ياسر يف ا‪ٟ‬ترب‬ ‫يف حنُت ‪ . .‬كان ينشد وهو‬ ‫يستشهد اآلن ألىق األحبة ‪٤‬تمدا‬ ‫وصحبه ‪ . .‬كان سعيدا ًألنه أصيب‬ ‫وكان يعرف وهو يستشهد أنه‬

‫ذاهب إىل ا‪ٞ‬تنة عند ‪٤‬تمد صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم وصحابته ‪.‬‬ ‫‪ .‬هكذا تكون الثقة يف ا‪ٞ‬تزاء‬ ‫والبشرى با‪ٞ‬تنة‪ . .‬وعبد اهلل بن‬ ‫رواحة كان ٭تارب وهو ينشد‬ ‫ويقول ‪:‬‬ ‫يا حبذا ا‪ٞ‬تنة واقًتابها ‪ ...‬طؼبة‬

‫وبارد وشرابها‬ ‫واإلمام علي رضي اهلل عنه يدخل‬ ‫معركة حنُت ويرتدي غبللة لؼس‬ ‫‪٢‬تا دروع ‪ . .‬ال ترد سهما وال طعنة‬ ‫رمح ‪ . .‬حىت إن إبنه ا‪ٟ‬تسن يقول‬ ‫له ‪ :‬يا أيب لؼست هذه لباس حرب ‪.‬‬ ‫‪ .‬فَتد علي كرم اهلل وجهه ‪ :‬يا بٍت‬

‫إن أباك ال يبايل أسقط عىل ا‪١‬توت أم‬ ‫سقط ا‪١‬توت عليه ‪ . .‬وسيدنا‬ ‫حذيفة بن اليمان ينشد وهو‬ ‫٭تتضر ‪ . .‬حؽيب جاء عىل ناقة ال‬ ‫ربح من ندم ‪ . .‬إذن الذين يثقون‬ ‫بآخرهتم ٭تبون ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫ويف غزوة بدر سأل أحد الصحابة‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬ ‫يا رسول اهلل ألؼس بيٍت وبُت ا‪ٞ‬تنة‬ ‫إال أن أقاتل هؤالء فيقتلوين ‪. .‬‬ ‫فيجيب رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم نعم ‪ . .‬وكان يف يد الصحايب‬ ‫٘ترات ٯتضغها ‪ . .‬فؼسؾبطئ أن‬ ‫يبىق بعيدا عن ا‪ٞ‬تنة حىت يأكل‬

‫التمرات فيلقيها من يده ويدخل‬ ‫ا‪١‬تعركة ويستشهد ‪.‬‬ ‫هؤالء هم الذين يثقون ٔتا عند اهلل‬ ‫يف اآلخرة ‪ . .‬ولكن اليهود عندما‬ ‫ٖتداهم القرآن الكريم بقوله ‪٢‬تم‬ ‫‪ { :‬فَت َ َمنّ َُوا ْا‪١‬توت إِن ُكن ْ ُت ْم‬ ‫صا ِدقِ‬ ‫ُت } ‪ . .‬سكنوا ولم ‪٬‬تؼبوا ‪. .‬‬ ‫َ َ‬

‫ولو ٘تنوا ا‪١‬توت النقطع نفس‬ ‫الواحد منهم وهو يبلع ريقه فماتوا‬ ‫‪ٚ‬تيعا ‪ . .‬قد يقول قائل وهل‬ ‫التمٍت باللسان؟ رٔتا ٘تنوا بالقلب‬ ‫‪ . .‬نقول ما هو التمٍت؟ نقول إن‬ ‫التمٍت هو أن تقول لشيء ‪٤‬تبوب‬ ‫عندك لؼته ٭تدث ‪ .‬فهو قول ‪. .‬‬

‫وهب أنه عمل قلبي فلو أهنم ٘تنوا‬ ‫بقلوبهم ألطلع اهلل عليها وأماهتم‬ ‫يف ا‪ٟ‬تال ‪ . .‬ولكن مادام ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل قال ‪َ { :‬ول َ ْن يَت َ َمنّ َْو ُه‬ ‫أَبَدا ً} ‪ . .‬فهم لن يتمنوه سواء كان‬ ‫باللسان أو بالقلب‪ . .‬ألن اإلدعاء‬ ‫منهم بأن ‪٢‬تم ا‪ٞ‬تنة عند اهلل خالصة‬

‫أشبه بقو‪٢‬تم الذي يرويه لنا‬ ‫القرآن يف قوله سبحانه ‪َ { :‬وقَالُوا ْ‬ ‫لَن َ٘ت َ َّسنَا النار إِال َّأَيَّاما ً َّمعْ ُدودَة ً ُق ْل‬ ‫أ َ َّٗت َ ْذ ُت ْم ِعن َد اهلل َعهْدا ًفَل َْن ُٮتْلِ َف‬ ‫َ‬ ‫ون عَىلَ اهلل َما ال َ‬ ‫اهلل َعهْ َد ُه أ ْم تَ ُقول ُ َ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪] 80 :‬‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬ ‫وقوله تعاىل ‪ِٔ { :‬تَا قَ ّد ََم ْت أَي ْ ِدي ِه ْم‬

‫} ‪ . .‬أي أن أعما‪٢‬تم السؼئة‬ ‫ٕتعلهم ٮتافون ا‪١‬توت ‪ . .‬أما‬ ‫صاحب األعمال الصا‪ٟ‬تة فهو‬ ‫يسعد با‪١‬توت ‪ . .‬ولذلك نسمع أن‬ ‫فبلنا حُت مات كان وجهه أشبه‬ ‫بالبدر ألن عمله صاٌف ‪ . .‬فساعة‬ ‫ا‪١‬توت يعرف فيها اإلنسان يقؼنا‬

‫أنه ميت ‪ . .‬فاإلنسان إذا مرض‬ ‫يأمل يف الشفاء ويسؾبعد ا‪١‬توت ‪. .‬‬ ‫ولكن ساعة الغرغرة يتأكد‬ ‫اإلنسان أنه ميت ويستعرض‬ ‫حياته يف شريط عاجل ‪ . .‬فإن كان‬ ‫عمله صا‪ٟ‬تا تنؽسط أساريره‬ ‫ويفرح ألنه سؼنعم يف اآلخرة نعيما‬

‫خالدا ‪ . .‬ألنه يف هذه الساعة‬ ‫والروح تغادر ا‪ٞ‬تسد يعرف‬ ‫اإلنسان مصَته إما إىل ا‪ٞ‬تنة وإما‬ ‫إىل النار ‪.‬‬ ‫‪ .‬وتؾسلمه إما مبلئكة الر‪ٛ‬تة‬ ‫وإما مبلئكة العذاب ‪ . .‬فالذي‬ ‫أطاع اهلل يستبشر ٔتبلئكة‬

‫الر‪ٛ‬تة ‪ . .‬والذي عىص وفعل ما‬ ‫يغضب اهلل يستعرض شريط‬ ‫أعماله ‪ . .‬فيجده شريط سوء وهو‬ ‫مقبل عىل اهلل ‪ . .‬ولؼست هناك‬ ‫فرصة للتوبة أو لتغيَت أعماله ‪. .‬‬ ‫عندما يرى مصَته إىل النار تنقبض‬ ‫أساريره وتقبض روحه عىل هذه‬

‫ا‪٢‬تؼئة ‪ . .‬فيقال فبلن مات وهو‬ ‫أسود الوجه منقبض األسارير ‪.‬‬ ‫إذن فالذي أساء يف دنياه ال يتمٌت‬ ‫ا‪١‬توت أبدا ‪ . .‬أما صاحب العمل‬ ‫الصاٌف فإنه يستبشر بلقاء اهلل ‪.‬‬ ‫ولكن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم هنى عن ٘تٍت ا‪١‬توت فقال ‪:‬‬

‫وت وال‬ ‫« ال َيَت َ َمنَّ َّ‬ ‫أحدكم ا‪١‬ت َ‬ ‫ُت ُ‬ ‫يدعو به من قَ ِ‬ ‫بل أن يَأْتِيَه إال أن‬ ‫يكون قد َوثِ َق بعملِه »‬ ‫نقول إن ٘تٍت ا‪١‬توت ا‪١‬تنهي عنه هو‬ ‫٘تٍت اليأس و٘تٍت االحتجاج عىل‬ ‫ا‪١‬تصائب ‪ . .‬يعٍت يتمىن ا‪١‬توت‬ ‫ألنه ال يستطيع أن يتحمل قدر اهلل‬

‫يف مصؼبة حدثت له ‪ . .‬أو يتمناه‬ ‫احتجاجا عىل أقدار اهلل يف حياته ‪. .‬‬ ‫هذا هو ٘تٍت ا‪١‬توت ا‪١‬تنهي عنه ‪. .‬‬ ‫أما صاحب العمل الصاٌف‬ ‫فمستحب له أن يتمٌت لقاء اهلل‪. .‬‬ ‫وإقرأ قوله تعاىل يف آخر سورة‬ ‫يوسف ‪َ { :‬ر ِ ّب قَ ْد آتَيْؾ َ ٍِت ِم َن‬

‫ا‪١‬تلك َوعَل َّ ْمؾ َ ٍِت ِمن تَأ ْ ِو ِ‬ ‫يل‬ ‫األحاديث فَا ِط َر السماوات‬ ‫نت َولِ ِي ّي ِيف الدنيا‬ ‫واألرض أ َ َ‬ ‫واآلخرة تَ َو َّف ٍِت ُم ْسلِما ً َوأ َ ِْ‪ٟ‬ت ْق ٍِت‬ ‫بالصا‪ٟ‬تُت} ػ يوسف ‪] 101 :‬‬ ‫وقول رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ :‬أي ال تتمنوا ا‪١‬توت جزعا‬

‫‪٦‬تا يصؼبكم من قدر اهلل ‪ . .‬ولكن‬ ‫إصربوا عىل قدر اهلل ‪ . .‬وقوله تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫يم بالظا‪١‬تُت } ‪ . .‬ألن‬ ‫‪ { :‬واهلل عَل ٌ‬ ‫اهلل عليم بظلمهم ومعصؼتهم‪. .‬‬ ‫هذا الظلم وا‪١‬تعصية هو الذي‬ ‫‪٬‬تعلهم ٮتافون ا‪١‬توت وال يتمنونه ‪.‬‬

‫َولَت ِج َد َّهن ُ ْم أ َ ْح َر َص النَّ ِ‬ ‫اس عَىلَ َحيَا ٍة‬ ‫َو ِم َن ال َّ ِذي َن أ َ ْش َر ُكوا ي َ َو ّدُ أ َ َح ُد ُه ْم ل َ ْو‬ ‫يُعَ َّم ُر أَل ْ َف َسن َ ٍة َو َما ُه َو ِ ُٔت َز ْح ِز ِح ِه‬ ‫ِم َن الْعَ َذ ِ‬ ‫اّلل ب َ ِصَتٌ ِٔتَا‬ ‫اب أ َ ْن يُعَ َّم َر َو ّ َُ‬ ‫ون (‪)96‬‬ ‫يَعْ َمل ُ َ‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعد أن فضح‬ ‫كذبهم ‪ . .‬يف أهنم ال ٯتكن أن‬

‫يتمنوا ا‪١‬توت ألهنم ظا‪١‬تون ‪. .‬‬ ‫وماداموا ظا‪١‬تُت فا‪١‬توت أمر ‪٥‬تيف‬ ‫بالنسبة ‪٢‬تم ‪ . .‬وهم أحرص‬ ‫الناس عىل ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬حىت إن‬ ‫حرصهم يفوق حرص الذين‬ ‫أشركوا ‪ . .‬فا‪١‬تشرك حريص عىل‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ألنه يعتقد أن الدنيا هي‬

‫الغاية ‪ . .‬واليهود أشد حرصا عىل‬ ‫ا‪ٟ‬تياة من ا‪١‬تشركُت ألهنم ٮتافون‬ ‫ا‪١‬توت لسوء أعما‪٢‬تم السابقة ‪. .‬‬ ‫لذلك كلما طالت حياهتم ظنوا‬ ‫أهنم بعيدون عن عذاب اآلخر ِة ‪. .‬‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ال ٕتعلهم يواجهون العذاب‬ ‫ولذلك فهم يفرحون بها ‪.‬‬

‫إن اليهود ال يبالون أن يعيشوا يف ذلة‬ ‫أو يف مسكنة ‪ . .‬أو أي نوع من‬ ‫أنواع ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬ا‪١‬تهم أهنم يعيشون‬ ‫يف أي حياة ‪ . .‬ولكن ‪١‬تاذا هم‬ ‫حريصون عىل ا‪ٟ‬تياة أكثر من‬ ‫ا‪١‬تشركُت؟ ألن ا‪١‬تشرك ال آخرة‬ ‫له فالدنيا هي كل ‪٫‬ته وكل حياته ‪.‬‬

‫‪ .‬لذلك يتمٌت أن تطول حياته بأي‬ ‫‪ٙ‬تن وبأي شكل ‪ . .‬ألنه يعتقد أن‬ ‫بعد ذلك ال شيء ‪ . .‬وال يعرف أن‬ ‫بعد ذلك العذاب‪ . .‬واليهود‬ ‫أحرص من ا‪١‬تشركُت عىل حياهتم‬ ‫‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ي َ َو ّدُ أ َ َح ُد ُه ْم ل َ ْو‬

‫يُعَ َّم ُر أ َل ْ َف َسن َ ٍة } ‪ . .‬الود هو ا‪ٟ‬تب ‪.‬‬ ‫‪ .‬أي أهنم ٭تبون أن يعيشوا ألف‬ ‫سنة أو أكثر ‪ . .‬ولكن هب أنه عاش‬ ‫ألف سنة أو حىت أكثر من ذلك ‪. .‬‬ ‫أيزحزحه هذا عن العذاب؟ ال ‪. .‬‬ ‫طول العمر ال يغَت النهاية ‪.‬‬ ‫فمادامت النهاية هي ا‪١‬توت‬

‫يؾساوى من عاش سنوات قليلة‬ ‫ومن عاش ألوف السنُت ‪ . .‬قوله‬ ‫تعاىل ‪ « :‬يعمر » بفتح العُت‬ ‫وتشديد ا‪١‬تيم يقال عنها إهنا مبنية‬ ‫للمجهول دائما ‪ . .‬وال ينفع أن‬ ‫يقال يعمر بكسر ا‪١‬تيم ‪ . .‬فالعمر‬ ‫لؼس بيد أحد ولكنه بيد اهلل ‪. .‬‬

‫فاهلل هو الذي يعطي العمر وهو‬ ‫الذي ينهيه ‪ . .‬ؤتا أن العمر لؼس‬ ‫ملكا إلنسان فهو مؽٍت للمجهول ‪. .‬‬ ‫والعمر هو السن الذي يقطعه‬ ‫اإلنسان بُت ميبلده ووفاته ‪. .‬‬ ‫ومادة الكلمة مأخوذة من العمار‬ ‫ألن ا‪ٞ‬تسد تعمره ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وعندما‬

‫تنتهي يصبح ا‪ٞ‬تسد أشبلء وخرابا ‪.‬‬ ‫‪ .‬قوله تعاىل ‪ « :‬ألف سنة » ‪١ . .‬تاذا‬ ‫ذكرت األلف؟ ألهنا هي هناية ما كان‬ ‫العرب يعرفونه من ا‪ٟ‬تساب ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن الرجل الذي أسر يف‬ ‫ا‪ٟ‬ترب أخت كسرى فقالت كم‬ ‫تأخذ وتًتكٍت؟ قال ألف درهم ‪. .‬‬

‫قالوا له بكم فديتها؟ قال بألف ‪. .‬‬ ‫قالوا لو طلبت أكثر من ألف لكانوا‬ ‫أعطوك ‪ . .‬قال واهلل لو عرفت‬ ‫شؼئا فوق األلف لقلته ‪ . .‬فاأللف‬ ‫كانت هناية العدد عند العرب ‪. .‬‬ ‫ولذلك كانوا يقولون ألف ألف ولم‬ ‫يقولوا مليونا ‪. .‬‬

‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َما ُه َو ِ ُٔت َز ْح ِز ِح ِه‬ ‫ِم َن العذاب أَن يُعَ َّم َر } ‪ . .‬معناها‬ ‫أنه لو عاش ألف سنة أو أكثر فلن‬ ‫يهرب من العذاب ‪ .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬أي‬ ‫{ واهلل ب َ ِصَتٌٔتَا يَعْ َمل ُ َ‬ ‫يعرف ما يعملونه وسيعذبهم به‬

‫سواء عاشوا ألف سنة أو أكثر أو أقل‬ ‫‪.‬‬ ‫ان ع َ ُد ًّوا ِ‪ٞ‬ت ِ ْ ِ‬ ‫يل فَإِن ّ َُه ن َ َّزل َ ُه‬ ‫رب َ‬ ‫ُق ْل َم ْن ك َ َ‬ ‫ك بِإِذْ ِن َ ِ ِ ِ‬ ‫ُت‬ ‫عَىلَ قَلْبِ َ‬ ‫ّ‬ ‫اّلل ُم َص ّدقًا ‪١‬تَا ب َ ْ َ‬ ‫ي َ َدي ْ ِه و ُه ًدى و ُب ْش َرى لِلْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)97‬‬

‫اهلل تبارك وتعاىل أراد أن يلفؾنا إىل‬ ‫أن اليهود لم يقتلوا األنؽياء و٭ترفوا‬ ‫التوراة ويشًتوا بآيات اهلل جاه‬ ‫الدنيا فقط ‪ . .‬ولكنهم عادوا‬ ‫ا‪١‬تبلئكة أيضا ‪ . .‬بل إهنم‬ ‫أضمروا العداوة ألقرب ا‪١‬تبلئكة‬ ‫إىل اهلل الذي نزل بوحي القرآن‬

‫وهو جربيل عليه السبلم ‪ . .‬وأهنم‬ ‫قالوا جربيل عدو لنا ‪.‬‬ ‫ا‪٠‬تطاب هنا لرسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ . .‬ولقد جلس ابن‬ ‫جوريا أحد أحبار اليهود مع رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم وقال له من‬ ‫الذي يزنل عليك بالوحي؟ فقال‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫جربيل ‪ . .‬فقال اليهودي لو كان‬ ‫غَته آلمنا بك ‪ . .‬جربيل عدونا‬ ‫ألنه يزنل دائما با‪٠‬تسف والعذاب‬ ‫‪ . .‬ولكن ميكائيل يزنل بالر‪ٛ‬تة‬ ‫والغيث واٍفصب ‪ . .‬وأيضا هو‬ ‫عدوهم ألهنم اعتقدوا أن بيت‬

‫ا‪١‬تقدس سيخربه رجل ا‪ٝ‬ته‬ ‫ٓتؾنصر ‪ ،‬فأرسل اليهود إليه من‬ ‫يقتله ‪ . .‬فلىق اليهودي غبلما صغَتا‬ ‫وسأله الغبلم ماذا تريد؟ قال إين‬ ‫أريد أن أقتل ٓتؾنصر ألنه عندنا يف‬ ‫التوراة هو الذي سيخرب بيت‬ ‫ا‪١‬تقدس ‪ . .‬فقال الغبلم إن يكن‬

‫مقدرا أن ٮترب هذا الرجل بيت‬ ‫ا‪١‬تقدس فلن تقدر عليه ‪ . .‬ألن‬ ‫ا‪١‬تقدر نافذ سواء رضؼنا أم لم‬ ‫نرىض ‪ . .‬وإن لم يكن مقدرا‬ ‫فلماذا تقتله؟ أي أن الطفل قال له‬ ‫إذا كان اهلل قد قىض يف الكتاب أن‬ ‫ٓتؾنصر سيخرب بيت ا‪١‬تقدس ‪. .‬‬

‫فبل أحد يستطيع أن ٯتنع قضاء اهلل ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولن تقدر عليه لتقتله و٘تنع‬ ‫ٗتريب بيت ا‪١‬تقدس عىل يديه ‪. .‬‬ ‫وإن كان هذا غَت صحيح فلماذا‬ ‫تقتل نفسا بغَت ذنب ‪ . .‬فعاد‬ ‫اليهودي دون أن يقتل ٓتؾنصر ‪. .‬‬ ‫وعندما رجع إىل قومه قالوا له إن‬

‫جربيل هو الذي ٘تثل لك يف صورة‬ ‫طفل وأقنعك أال تقتل هذا الرجل‬ ‫‪.‬‬ ‫ويروى أن سيدنا عمر بن ا‪٠‬تطاب‬ ‫كان له أرض يف أعىل ا‪١‬تدينة ‪. .‬‬ ‫وكان حُت يذهب إليها ٯتر عىل‬ ‫مدارس اليهود و‪٬‬تلس إليهم ‪. .‬‬

‫وظن اليهود أن ‪٣‬تلس عمر معهم‬ ‫إ‪٪‬تا يعرب عن حبه ‪٢‬تم ‪ . .‬فقالوا له‬ ‫إننا ‪٨‬تبك و‪٨‬تًتمك ونطمع فيك ‪.‬‬ ‫‪ .‬ففهم عمر مرادهم فقال واهلل ما‬ ‫جالستكم حبا فيكم ‪ . .‬ولكٍت‬ ‫أحؽبت أن أزداد تصورا لرسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم وأعلم عنه ما يف‬

‫كتابكم ‪ . .‬فقالوا له ومن ٮترب‬ ‫‪٤‬تمدا بأخبارنا وأسرارنا؟ فقال‬ ‫عمر إنه جربيل يزنل عليه من‬ ‫السماء بأخباركم ‪ . .‬قالوا هو‬ ‫عدونا ‪ . .‬فقال عمر كيف مزنلته‬ ‫من اهلل؟ قالوا إنه ‪٬‬تلس عن ٯتُت‬ ‫اهلل وميكائيل ‪٬‬تلس عىل يسار اهلل ‪.‬‬

‫‪ .‬فقال عمر مادام األمر كما قلتم‬ ‫فلؼس أحد‪٫‬تا عدوا ًلآلخر ألهنما‬ ‫عند اهلل يف مزنلة واحدة ‪.‬‬ ‫‪ .‬فمن كان عدوا ًألحد‪٫‬تا فهو عدو‬ ‫هلل ‪ . .‬فلن تشفع لكم عداوتكم‬ ‫‪ٞ‬تربيل و‪٤‬تؽتكم ‪١‬تيكائيل ألن‬ ‫مزنلتهما عند اهلل عالية ‪.‬‬

‫إن عداوهتم ‪ٞ‬تربيل عليه السبلم‬ ‫تؤكد ماديتهم ‪ . .‬فهم يقؼسون‬ ‫األمر عىل البشر ‪ . .‬إن الذي ‪٬‬تلس‬ ‫عىل ٯتُت السيد ومن ‪٬‬تلس عىل‬ ‫يساره يؾنافسان عىل ا‪١‬تزنلة عنده ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن هذا يف دنيا البشر ‪ . .‬ولكن‬ ‫عند ا‪١‬تبلئكة ال شيء من هذا ‪. .‬‬

‫اهلل عنده ما ‪٬‬تعله يعطي ‪١‬تن يريد‬ ‫ا‪١‬تزنلة العالية دون أن ينقص من‬ ‫اآلخر ‪ . .‬ثم إن اهلل سْتانه وتعاىل‬ ‫ا‪ٝ‬ته ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬وما يزنل به جربيل‬ ‫حق وما يزنل به ميكائيل حق ‪. .‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق ال ٮتاصم ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬وقال ‪٢‬تم‬ ‫عمر أنتم أش ّد كفرا من ا‪ٟ‬تمَت ‪. .‬‬

‫ثم ذهب إىل رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم فلم يكد الرسول يراه‬ ‫حىت قال له وافقك ربك يا عمر ‪. .‬‬ ‫وتزنل قول اهلل تبارك وتعاىل‪{ :‬‬ ‫ان ع َ ُد ّوا ً ِ ّ‪ٞ‬ت ِ ْ ِ‬ ‫يل فَإِن ّ َُه ن َ َّزل َ ُه‬ ‫رب َ‬ ‫ُق ْل َمن ك َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُت‬ ‫عىل قَلْبِ َ‬ ‫ك بِإِذْ ِن اهلل ُم َص ِ ّدقا ً ّ‪١‬تَا ب َ َْ‬ ‫ي َ َدي ْ ِه و ُه ًدى وبشرى لِلْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت }‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬

‫فقال عمر يا رسول اهلل ‪ . .‬إين بعد‬ ‫ذلك يف إٯتاين ألصلب من ا‪ٞ‬تبل ‪.‬‬ ‫إذن فقو‪٢‬تم ميكائيل حبيؽنا‬ ‫وجربيل عدونا من ا‪١‬تاديات ‪ ،‬واهلل‬ ‫تبارك وتعاىل يقول لرسوله صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ . .‬إهنم يُعَ ُادون‬ ‫جربيل ألنه نزل عىل قلبك بإذن‬

‫اهلل ‪ . .‬ومادام نزل من عند اهلل عىل‬ ‫قلبك ‪ . .‬فبل شأن ‪٢‬تم بهذا ‪ . .‬وهو‬ ‫مصدق ‪١‬تا بُت يديهم من التوراة ‪.‬‬ ‫‪ .‬وهو هدى وبشرى للمؤمنُت ‪. .‬‬ ‫فأي عنصر من هذه العناصر‬ ‫تنكرونه عىل جربيل ‪ . .‬إن‬

‫عداوتكم ‪ٞ‬تربيل عداوة هلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫َم ْن كَان ع َ ُد ًوا ِ َ ِ‬ ‫ّلل َو َم َبل ِئ َكتِ ِه َو ُر ُسلِ ِه‬ ‫َ ّ ّ‬ ‫َو ِج ْ ِ‬ ‫اّللَ ع َ ُد ٌّو‬ ‫رب َ‬ ‫ال فَإ َِّن َّ‬ ‫يل َو ِميكَ َ‬ ‫لِلْكَافِرِي َن (‪)98‬‬

‫وهكذا أعىط اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫ا‪ٟ‬ت ُ ْكم ‪ . .‬فقال إن العداوة للرسل‬ ‫‪ . .‬مثل العداوة للمبلئكة ‪ . .‬مثل‬ ‫العداوة ‪ٞ‬تربيل وميكائيل ‪ . .‬مثل‬ ‫العداوة هلل ‪ .‬ولقد جاء ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل با‪١‬تبلئكة ككل‪ . .‬ثم ذكر‬ ‫جربيل وميكائيل باالسم ‪.‬‬

‫إن ا‪١‬تسألة لؼست ‪٣‬تزأة ولكنها‬ ‫قضية واحدة ‪ . .‬فمن كان عدوا‬ ‫للمبلئكة وجربيل وميكائيل‬ ‫ورسل اهلل ‪ . .‬فهو أوال وأخَتا عدو‬ ‫هلل ‪ . .‬ألنه ال انقسام بؼنهم فكلهم‬ ‫دائرون حول ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق الواحد‬ ‫ال عدوان فيه ‪ . .‬وإ‪٪‬تا العدوان‬

‫ينشأ من تصادم األهواء والشهوات‬ ‫‪ .‬وهذا ٭تدث يف أمور الدنيا ‪.‬‬ ‫واآلية الكرٯتة أثؽتت وحدة ا‪ٟ‬تق‬ ‫بُت اهلل ومبلئكته ورسله وجربيل‬ ‫وميكائيل ‪ . .‬ومن يعادي واحدا من‬ ‫هؤالء يعاديهم ‪ٚ‬تيعا وهو عدو اهلل‬ ‫سبحانه ‪ . .‬واليهود أعداء اهلل ألهنم‬

‫كفروا به ‪ . .‬وأعداء الرسل ألهنم‬ ‫كذبوهم وقتلوا بعضهم ‪.‬‬ ‫وهكذا فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد‬ ‫أن يلفؾنا إىل وحدة ا‪ٟ‬تق يف الدين ‪. .‬‬ ‫مصدره هو اهلل جل جبلله ‪. .‬‬ ‫ورسوله من ا‪١‬تبلئكة هو جربيل ‪. .‬‬ ‫ورسله من البشر هم الرسل‬

‫واألنؽياء الذين بعثهم اهلل ‪. .‬‬ ‫وميكائيل يزنل با‪٠‬تَت وا‪٠‬تصب ألن‬ ‫اإلٯتان أصل وجود ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬فمن‬ ‫كان عدوا للمبلئكة والرسل‬ ‫وجربيل وميكائيل فهو كافر ‪ . .‬ألن‬ ‫اآلية لم تقل إن العداوة ‪٢‬تؤالء هي‬ ‫‪٣‬ترد عداوة ‪ . .‬وإ‪٪‬تا َحكَ َم اهلل‬

‫عليهم بأهنم كافرون ‪ . .‬اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لم ٮترب ‪٤‬تمدا صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم بهذا ا‪ٟ‬تكم فقط ‪،‬‬ ‫وإ‪٪‬تا أمره بأن يعلنه حىت يعرفه‬ ‫الناس ‪ٚ‬تيعا ويعرفوا أن اليهود‬ ‫كافرون ‪.‬‬

‫ات ب َ ِؼّن َ ٍ‬ ‫ك آي َ ٍ‬ ‫ات َو َما‬ ‫َول َ َق ْد أَن ْ َزلْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫ي َ ْك ُف ُر بِهَا إ َِّال ال ْ َف ِ ُق‬ ‫ون (‪)99‬‬ ‫اس َ‬

‫إنتقل اهلل سبحانه وتعاىل بعد ذلك‬ ‫إىل تأكيد صدق رسالة ‪٤‬تمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم‪ . .‬وأن اآليات‬ ‫فيها واضحة ْتيث إِن كل إنسان‬ ‫يعقل ويريد اإلٯتان يؤمن بها ‪. .‬‬

‫ولكن الذين يريدون الفسق‬ ‫والفجور ‪ . .‬هم هؤالء الذين ال‬ ‫يؤمنون ‪ . .‬ما معٌت اآليات‬ ‫البؼنات؟ إن اآلية هي األمر‬ ‫العجيب ‪ . .‬وهو عجيب ألنه معجز‬ ‫‪ . .‬واآليات معجزات للرسول تدل‬ ‫عىل صدق ببلغه عن اهلل‪ . .‬وهي‬

‫كذلك اآليات يف القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫‪ .‬وبؼنات معناها أهنا أمور واضحة‬ ‫ال ٮتتلف عليها وال ٖتتاج إىل بيان ‪:‬‬ ‫{ َو َما ي َ ْك ُف ُر بِهَآ إِال َّالفاسقون } ‪. .‬‬ ‫والفسق هو ا‪٠‬تروج عن الطاعة‬ ‫وهي مأخوذة من الرطبة ‪ . .‬البلح‬ ‫قبل أن يصبح رطبا ال تستطيع أن‬

‫تزنع قشرته ولكن عندما يصبح‬ ‫رطبة ٕتد أن القشرة تؽتعد عن‬ ‫الثمرة فيقال فسقت الرطبة ‪. .‬‬ ‫ولذلك من ٮترج عن منهج اهلل‬ ‫يقال له فاسق ‪.‬‬ ‫اهلل‬ ‫وا‪١‬تعٌت أن اآليات اليت أيد بها ُ‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪٤‬تمدا ًعليه الصبلة‬

‫والسبلم ظاهرة أمام الكفار‬ ‫لؼست ‪٤‬تتاجة إىل دليل ‪ . .‬فرسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم الذي لم‬ ‫يقرأ كلمة يف حياته ‪ . .‬يأيت بهذا‬ ‫القرآن ا‪١‬تعجز لفظا ومعٌت ‪ . .‬هذه‬ ‫معجزة ظاهرة ال ٖتتاج إىل دليل ‪. .‬‬ ‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬

‫الذي ال تغريه الدنيا كلها ‪. .‬‬ ‫لؼًتك هذا الدين مهما أعطوه ‪. .‬‬ ‫دليل عىل أنه صاحب مبدأ ورسالة‬ ‫من السماء ‪ . .‬ورسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم الذي ٮترب بقرآن موىح‬ ‫من السماء عن نؾيجة حرب ستقع‬ ‫بعد تسع سنوات ‪ . .‬وٮترب الكفار‬

‫وا‪١‬تنافقُت ٔتا يف قلوبهم‬ ‫ويفضحهم ‪ . .‬ويتنبأ بأحداث‬ ‫قادمة وبقوانُت الكون ‪ . .‬وغَت‬ ‫ذلك ‪٦‬تا احتواه القرآن ا‪١‬تعجز من‬ ‫كل أنواع اإلعجاز علميا وفلكيا‬ ‫وكونيا ‪ . .‬كل هذه آيات بؼنات‬ ‫يتحدى القرآن بها الكفار ‪ . .‬كلها‬

‫آيات واضحة ال ٯتكن أن يكفر‬ ‫بها إال الذي يريد أن ٮترج عن‬ ‫منهج اهلل ‪ ،‬ويفعل ما هتواه نفسه ‪. .‬‬ ‫إن اإلعجاز يف الكون ويف القرآن‬ ‫ويف رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫‪ .‬كل هذا ال ٭تتاج إال ‪١‬تجرد فكر‬ ‫‪٤‬تايد ‪ . .‬لنعرف أن هذا القرآن هو‬

‫من عند اهلل مليء با‪١‬تعجزات لغة‬ ‫وعلما ‪ . .‬وإنه سيظل معجزة لكل‬ ‫جيل له عطاء جديد ‪.‬‬ ‫اه ُدوا َعهْ ًدا نَب َ َذ ُه فَرِي ٌق‬ ‫أ َ َوكُل َّ َما ع َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫من ْ ُه ْم َب ْل أكْث َ ُر ُه ْم َال يُ ْؤم ُن َ‬ ‫(‪)100‬‬

‫بعد أن بُت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬ ‫الدين اإلسبلمي ‪ ،‬وكتابه القرآن‬ ‫فيه من اآليات الواضحة ما ‪٬‬تعل‬ ‫اإلٯتان به ال ٭تتاج إال إىل وقفة مع‬ ‫العقل ‪٦‬تا ‪٬‬تعل موقف العداء الذي‬ ‫يقفه اليهود من اإلسبلم منافيا لكل‬ ‫العهود اليت أخذت عليهم ‪ ،‬منافيا‬

‫لئلٯتان الفطري ‪ ،‬ومنافيا ألهنم‬ ‫عاهدوا اهلل أال يكتموا ما جاء يف‬ ‫التوراة عن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ ،‬ومنافيا لعهدهم أن يؤمنوا‬ ‫برسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪،‬‬ ‫ومنافيا ‪١‬تا طلب منهم موىس أن‬ ‫يؤمنوا باإلسبلم عندما يأيت الرسول‬

‫‪ ،‬مصداقا لقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخ َذ‬ ‫اق النبيُت َ‪١‬تَآ آتَؼ ْ ُت ُكم ِّمن‬ ‫اهلل ِمؼث َ َ‬ ‫ِكت َ ٍ‬ ‫ول‬ ‫اب َو ِح ْك َم ٍة ُث َّم َجآءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬ ‫ُّم َص ِ ّد ٌق ِ ّ‪١‬تَا َمعَ ُك ْم ل َ ُت ْؤ ِم ُن َّن بِ ِه‬ ‫ال أَأَقْ َر ْر ُت ْم َوأ َ َخ ْذ ُت ْم‬ ‫َولَؾ َ ُنص ُرن ّ َُه قَ َ‬ ‫ال‬ ‫عىل ذلكم إِ ْص ِري قالوا أَقْ َر ْرنَا قَ َ‬ ‫فاشهدوا َوأ َنَا ْ َمعَ ُك ْم ِّم َن الشاهدين‬

‫} ػ آل عمران ‪] 81 :‬‬ ‫وهكذا نعرف أن موىس عليه‬ ‫السبلم الذي أُخذ عليه ا‪١‬تؼثاق قد‬ ‫أبلغه إىل بٍت إسرائيل ‪ ،‬وأن بٍت‬ ‫إسرائيل كانوا يعرفون هذا ا‪١‬تؼثاق‬ ‫جيدا ًعند بعث رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬وكانت عندهم‬

‫أوصاف دقيقة للرسول عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪ . .‬ولكنهم نقضوه كما‬ ‫نقضوا كثَتا من ا‪١‬تواثيق ‪ . .‬منها‬ ‫عهدهم بعدم العمل يف السبت ‪،‬‬ ‫وكيف ٖتايلوا عىل أمر اهلل بأن‬ ‫صنعوا مصايد لؤل‪ٝ‬تاك تدخل‬ ‫فيها وال تستطيع ا‪٠‬تروج وهذا‬

‫ٖتايل عىل أمر اهلل ‪ ،‬ثم كان‬ ‫مؼثاقهم يف اإلٯتان باهلل إ‪٢‬تا واحدا ً‬ ‫أحدا ‪ ،‬ثم عبدوا العجل ‪ . .‬وكان‬ ‫قو‪٢‬تم ‪١‬توىس عليه السبلم بعد أن‬ ‫أمرهم اهلل بدخول واد فيه زرع ‪. .‬‬ ‫ألهنم أرادوا أن يأكلوا من نبات‬ ‫األرض بدال من ا‪١‬تن والسلوى اليت‬

‫كانت تأتيهم من السماء ‪ . .‬قالوا‬ ‫ك‬ ‫نت َو َربُّ َ‬ ‫‪١‬توىس ‪ { :‬فاذهب أ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪ . .‬وغَت‬ ‫فقاتبل إِن َّا َه ُاهنَا قَاع ُد َ‬ ‫ذلك الكثَت من ا‪١‬تواثيق بالنسبة‬ ‫للحرب واألسرى والعبادة ‪ ،‬حىت‬ ‫عندما رفع اهلل تبارك وتعاىل جبل‬ ‫الطور فوقهم ودخل يف قلوبهم‬

‫الرعب وظنوا أنه واقع عليهم ‪،‬‬ ‫ولم يكن هذا إال ظنا ولؼس حقيقة‬ ‫‪ . .‬ألن اهلل تبارك وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫وظنوا أَن ّ َُه َواقِ ٌع بِ ِه ْم } ‪ . .‬ؤتجرد‬ ‫ابتعادهم عن جبل الطور نقضوا‬ ‫ا‪١‬تؼثاق ‪.‬‬ ‫ثم نقضوا عهدهم ومؼثاقهم مع‬

‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫عندما هاجر إىل ا‪١‬تدينة وذلك يف‬ ‫غزوة ا‪٠‬تندق ‪ . .‬وعندما أرادوا أن‬ ‫يفتحوا طريقا للكفار ليضربوا‬ ‫جيوش ا‪١‬تؤمنُت من ا‪٠‬تلف ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل { ن َّب َ َذ ُه فَرِي ٌق ِّمن ْ ُهم }‬ ‫قلنا إن هذا يس ىم قانون صيانة‬

‫االحتمال ‪ . .‬ألن منهم من صان‬ ‫ا‪١‬تواثيق ‪ . .‬ومنهم من صدق ما‬ ‫عهد اهلل عليه ‪ . .‬ومنهم مثبل من‬ ‫كان يريد أن يعؾنق الدين ا‪ٞ‬تديد‬ ‫ويؤمن ٔتحمد عليه الصبلة‬ ‫والسبلم ‪.‬‬ ‫إذن فلؼسوا كلهم حىت ال يقال هذا‬

‫عىل مطلق اليهود ‪ . .‬ألن فيهم أناسا‬ ‫لم ينقضوا العهد ‪ . .‬ويريد اهلل‬ ‫تبارك وتعاىل أن يفتح الباب أمام‬ ‫أولئك الذين يريدون اإلٯتان ‪،‬‬ ‫حىت ال يقولوا لقد حكم اهلل علؼنا‬ ‫حكما مطلقا و‪٨‬تن نريد أن نؤمن‬ ‫و‪٨‬تافظ عىل العهد ‪ ،‬ولكن هؤالء‬

‫الذين حافظوا عىل العهد كانوا قلة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك قال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } ‪ . .‬أي‬ ‫{ ب َ ْل أ ْكث َ ُر ُه ْم ال َيُ ْؤم ُن َ‬ ‫أن الفريق الناقض للعهد ‪. .‬‬ ‫الناقض لئلٯتان هم األكثرية من‬ ‫بٍت إسرائيل ‪.‬‬

‫ول ِم ْن ِعن ْ ِد َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫َو َ‪١‬تَّا َجاءَ ُه ْم َر ُس ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُم َص ِ ّد ٌق ِ‪١‬تَا َمعَ ُه ْم نَب َ َذ فَرِي ٌق ِم َن‬ ‫ال َّ ِذي َن أُو ُتوا ال ْ ِكتَاب ِكتَاب َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫َ َ ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ون‬ ‫َو َراءَ ُظ ُهو ِره ْم كَأ َّهن ُ ْم َال يَعْل َ ُم َ‬ ‫(‪)101‬‬ ‫بعد أن ٖتدث اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫عن اليهود الذين نقضوا ا‪١‬تواثيق‬

‫ا‪٠‬تاصة باإلٯتان برسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ونقضوها وهم‬ ‫يعلمون ‪ . .‬قال اهلل سبحانه ‪{ :‬‬ ‫ول ِّم ْن ِعن ِد اهلل‬ ‫َو َ‪١‬تَّآ َجآءَ ُه ْم َر ُس ٌ‬ ‫ُم َص ِ ّد ٌق ِ ّ‪١‬تَا َمعَ ُه ْم } ‪ . .‬أي أن ما جاء‬ ‫يف القرآن مصدق ‪١‬تا جاء يف التوراة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ألن القرآن من عند اهلل والتوراة‬

‫من عند اهلل ‪ . .‬ولكن التوراة‬ ‫حرفوها وكتموا بعضها وغَتوا‬ ‫وبدلوا فيها فأخفوا ما يريدون‬ ‫إخفاءه ‪ . .‬لذلك جاء القرآن‬ ‫الكريم ليظهر ما أخفوه ويؤكد ما‬ ‫لم ٮتفوه ولم يتبلعبوا فيه ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬نَب َ َذ فَرِي ٌق ِّم َن الذين‬

‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اب اهلل َو َرآءَ‬ ‫أو ُتوا ْالكتاب كت َ َ‬ ‫ُظ ُهو ِر ِه ْم } ‪ . .‬قلنا إن هناك‬ ‫كتابا نبذوه أوال وهو التوراة‪ . .‬و‪١‬تا‬ ‫جاءهم الكتاب ا‪٠‬تاتم وهو القرآن‬ ‫الكريم نبذوه هو اآلخر وراء‬ ‫ظهورهم ‪ . .‬ما معٌت نبذه؟ ‪. .‬‬ ‫ا‪١‬تعٌت طرحه بعيدا عنه‪ . .‬إذن ما يف‬

‫كتابهم من صفات رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم نبذوه بعيدا ‪ . .‬ومن‬ ‫التبشَت ٔتجيء رسول اهلل عليه‬ ‫الصبلة والسبلم نبذوه هو اآلخر‪. .‬‬ ‫ألهنم كانوا يستفتحون عىل الذين‬ ‫كفروا ويقولون أىت زمن نبي سنؤمن‬ ‫به ونقتلكم قتل عاد وإرم ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ب َن َذ فَرِي ٌق } ‪. .‬‬ ‫يعٍت نبذ ‪ٚ‬تاعة وبقيت ‪ٚ‬تاعة‬ ‫أخرى لم تنبذ الكتاب‪ . .‬بدليل‬ ‫أن ابن سبلم وهو أحد أحبار اليهود‬ ‫صدق رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم وآمن به ‪ . .‬وكعب األحبار‬ ‫‪٥‬تَتيق أسلم ‪ . .‬فلو أن القرآن‬

‫عمم ولم يقل فريق لقيل إنه غَت‬ ‫منصف ‪٢‬تؤالء الذين آمنوا ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َرآءَ ُظ ُهو ِر ِه ْم } ‪.‬‬ ‫‪ .‬النبذ قد يكون أمامك ‪ . .‬وكونه‬ ‫أمامك فأنت تراه دائما ‪ ،‬ورٔتا‬ ‫يغريك باإلقبال عليه ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫نبذوه وراء ظهورهم أي جعلوه‬

‫وراءهم حىت ينسوه ٘تاما وال‬ ‫يلتفتوا إليه ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ون }‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬كَأ َّهن ُ ْم ال َيَعْل َ ُم َ‬ ‫‪ . .‬أي يتظاه رون بأهنم ال يعلمون‬ ‫ببشارة رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم وأوصافه ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪« :‬‬ ‫كأهنم » ‪ . .‬دليل عىل أهنم يعلمون‬

‫ذلك علم يقُت ‪ . .‬ألهنم لو كانوا ال‬ ‫يعلمون ‪ . .‬لقال ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬ ‫نَب َ َذ فَرِي ٌق ِّم َن الذين أُو ُتوا ْالكتاب‬ ‫ِ‬ ‫اب اهلل َو َرآءَ ُظ ُهو ِر ِه ْم } وهم‬ ‫كت َ َ‬ ‫ال يعلمون ‪ . .‬إذن هم يعلمون‬ ‫يقؼنا ولكنهم تظاهروا بعدم العلم‬ ‫‪ . .‬والبد أن نتنبه إىل أن نبذ ٯتكن‬

‫أن يأيت مقابلها فنقول نبذ كذا‬ ‫واتبع كذا‪ . .‬وهم نبذوا كتاب اهلل‬ ‫ولكن ماذا اتبعوا؟‬

‫واتَّب َ ُعوا ما تَتْلُو ال َّشيا ِطُت عَىلَ مل ْ ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ان َول َ ِك َّن‬ ‫ُسلَي ْ َم َ‬ ‫ان َو َما كَ َف َر ُسلَي ْ َم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس‬ ‫ون النَّ َ‬ ‫ُت كَ َف ُروا يُعَل ّ ُم َ‬ ‫ال َّشيَاط َ‬ ‫ا ِ‬ ‫لس ْح َر َو َما أُن ْ ِز َل عَىلَ ا ْ‪١‬تَل َ َك ْ ِ‬ ‫ُت بِبَابِ َل‬ ‫ّ‬

‫وت َو َما يُعَلِ ّ َم ِ‬ ‫ان ِم ْن‬ ‫وت َو َم ُار َ‬ ‫َه ُار َ‬ ‫وال إ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن فِؾْن َ ٌة فَ َبل‬ ‫أ َ َح ٍد َح َّىت ي َ ُق َ‬ ‫ون‬ ‫ون ِم ْهن ُ َما َما يُ َف ّ ِر ُق َ‬ ‫تَ ْك ُف ْر فَؼَتَعَل َّ ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ُت ا ْ‪١‬ت َ ْرءِ َوزَ ْو ِج ِه َو َما ُه ْم‬ ‫بِه ب َ ْ َ‬ ‫بِ َضارِي َن بِ ِه ِم ْن أ َ َح ٍد إ َِّال بِإِذْ ِن َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ون َما ي َ ُض ُّر ُه ْم َو َال يَن ْ َف ُع ُه ْم‬ ‫َويَتَعَل َّ ُم َ‬ ‫َولَقَ ْد عَلِ ُموا َ‪١‬ت َ ِن ا ْش ًَت َ ُاه َما ل َ ُه ِيف‬

‫ْاآل ِخ َر ِة ِم ْن َخ َبلقٍ َولَبِػ َْس َما َش َر ْوا‬ ‫َِ‬ ‫ون‬ ‫بِه أن ْ ُف َس ُه ْم ل َ ْو كَانُوا يَعْل َ ُم َ‬ ‫(‪)102‬‬ ‫ٮتربنا ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن فريقا‬ ‫من اليهود نبذوا كتاب اهلل واتبعوا‬ ‫ما تتلو الشياطُت ‪ . .‬ألن النبذ‬ ‫يقابله اإلتباع ‪ . .‬واتبعوا يعٍت‬

‫اقتدوا وجعلوا طريقهم يف‬ ‫االهتداء هو ما تتلوه الشياطُت عىل‬ ‫ملك سليمان ‪ . .‬وكان السياق‬ ‫يقتضي أن يقال ما تلته الشياطُت‬ ‫عىل ملك سليمان ‪ . .‬ولكن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يريدنا أن نفهم أن‬ ‫هذا االتباع مستمر حىت اآلن‬

‫كأهنم لم ٭تددوا ا‪١‬تسألة بزمن‬ ‫معُت ‪.‬‬ ‫إنه حىت هذه اللحظة هناك من‬ ‫اليهود من يؾبع ما تلته الشياطُت‬ ‫عىل ملك سليمان ‪ ،‬ونظرا ألن‬ ‫ا‪١‬تعاصرين من اليهود قد رضوا‬ ‫وأخذوا من فعل أسبلفهم الذين‬

‫اتبعوا الشياطُت فكأهنم فعلوا ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬واتبعوا َما‬ ‫تَتْلُوا ْالشياطُت } ولكن الشياطُت‬ ‫تلت وانتهت ‪ . .‬واستحضار اليهود‬ ‫‪١‬تا كانت تتلوه الشياطُت حىت اآلن‬ ‫دليل عىل أهنم يؤمنون به‬ ‫ويصدقونه ‪ . .‬الشياطُت هم‬

‫العصاة من ا‪ٞ‬تن ‪ . .‬وا‪ٞ‬تن فيهم‬ ‫العاصون والطائعون وا‪١‬تؤمنون ‪. .‬‬ ‫وإقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬وأَن َّا ِمنَّا‬ ‫ِ‬ ‫ك ُكنَّا‬ ‫ون ذَل ِ َ‬ ‫الصا‪ٟ‬تون َومنَّا ُد َ‬ ‫َط َرآ ِئ َق قِ َددا ً} ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 11 :‬‬ ‫وقوله سبحانه عن ا‪ٞ‬تن ‪َ { :‬وأَن َّا ِمنَّا‬ ‫ا‪١‬تسلمون َو ِمنَّا القاسطون } ػ ا‪ٞ‬تن‬

‫‪] 14 :‬‬ ‫إذن ا‪ٞ‬تن فيهم ا‪١‬تؤمن والكافر ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تؤمنون من ا‪ٞ‬تن فيهم الطائع‬ ‫والعاصي ‪ . .‬والشياطُت هم مرد ُة‬ ‫ا‪ٞ‬ت ِن ا‪١‬تتمردون عىل منهج اهلل ‪. .‬‬ ‫وكل متمرد عىل منهج اهلل نسميه‬ ‫شيطانا ‪ . .‬سواء كان من ا‪ٞ‬تن أو من‬

‫اإلنس ‪ . .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ك َجعَلْنَا‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وكَ َذل ِ َ‬ ‫ل ِ ُك ّ ِل نِبِ ٍي ع َ ُدوا ً َشيا ِ‬ ‫ُت اإلنس‬ ‫ط‬ ‫ّ ّ َ َ‬ ‫وا‪ٞ‬تن يُو ِحي بَعْ ُض ُه ْم إىل بَعْ ٍض‬ ‫ُز ْخ ُر َف القول ُغ ُرورا ً} ػ األنعام ‪:‬‬ ‫‪] 112‬‬ ‫إذن فالشياطُت هم ا‪١‬تتمردون عىل‬

‫منهج اهلل ‪ . .‬قوله تعاىل ‪ { :‬واتبعوا‬ ‫ما تَتْلُوا ْالشياطُت عىل مل ْ ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُسلَي ْ َما َن } ‪ . .‬يعٍت ما كانت تتلو‬ ‫الشياطُت أيام ملك سليمان ‪. .‬‬ ‫ولكن ما هي قصة ملك سليمان‬ ‫والشياطُت؟ ‪ . .‬الشياطُت كانوا‬ ‫قبل ‪٣‬تيء رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم كان اهلل قد مكنهم من قدرة‬ ‫االستماع إىل أوامر السماء وهي‬ ‫نازلة إىل األرض ‪ . .‬وكانوا‬ ‫يستمعون لؤلوامر تلىق من‬ ‫ِ‬ ‫ا‪١‬تبلئكة وينقلوهنا إىل أئمة الكفر‬ ‫ويزيدون عليها بعض األكاذيب‬ ‫وا‪٠‬ترافات ‪ . .‬فبعضها يكون عىل‬

‫حق واألكثر عىل باطل ‪ . .‬ولذلك‬ ‫قال اهلل تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإ َِّن‬ ‫ون إىل أ َ ْولِي َ ِآئ ِه ْم‬ ‫الشياطُت لَيُو ُح َ‬ ‫لِي َجا ِدلُو ُك ْم } ػ األنعام ‪] 121 :‬‬ ‫ُ‬ ‫وكان الشياطُت قبل نزول القرآن‬ ‫يستقرون السمع ‪ ،‬ولكن عند بعث‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬

‫إمؾنع ذلك كله ‪ ،‬حىت ال يضع‬ ‫الشياطُت خرافاهتم يف منهج‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أو يف‬ ‫القرآن ‪ . .‬ولذلك قال ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وأَن َّا ُكنَّا نَقْ ُع ُد‬ ‫لس ْم ِع فَ َمن ي َ ْست َ ِم ِع‬ ‫ِمنْهَا َمقَاعِ َد ل ِ َّ‬ ‫اآلن َ ِ‪٬‬ت ْد ل َ ُه ِشهَابا ً َّر َصدا ً} ػ ا‪ٞ‬تن ‪:‬‬

‫‪]9‬‬ ‫أي أن الشياطُت كانت ‪٢‬تا مقاعد‬ ‫يف السماء تقعد فيها لؾستمع إىل ما‬ ‫يزنل من السماء إىل األرض لؼتم‬ ‫تنفيذه ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن عند نزول القرآن أرسل‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل الشهب وهي‬

‫النجوم ا‪١‬تحًتقة فعندما ٖتاول‬ ‫الشياطُت االستماع إىل ما يزنل‬ ‫من السماء يزنل عليهم شهاب‬ ‫٭ترقهم ‪ . .‬ولذلك فإن عامة الناس‬ ‫حُت يرون شهابا ٭تًتق يف السماء‬ ‫بسرعة يقولون ‪ :‬سهم اهلل يف عدو‬ ‫الدين ‪ . .‬كأن ا‪١‬تسألة يف أذهان‬

‫الناس وجعلتهم يقولون ‪ :‬سهم اهلل‬ ‫يف عدو الدين ‪ . .‬الذي هو الشيطان‬ ‫‪.‬‬ ‫واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وأَن َّا‬ ‫اها ُملِئ َ ْت‬ ‫َ‪١‬ت َ ْسنَا السمآء فَ َو َج ْدن َ َ‬ ‫َح َرسا ً َش ِديدا ً َو ُش ُهبا ً} ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 8 :‬‬ ‫{ َوأَن َّا ال َندري أ َ َش ٌّر أُ ِري َد ِٔتَن ِيف‬

‫األرض أ َ ْم أ َ َرادَ بِ ِه ْم َربُّ ُه ْم َر َشدا ً}‬ ‫ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 10 :‬‬ ‫أي أن األمر اختلط عىل الشياطُت‬ ‫ألهنم لم يعودوا يستطيعون اسًتاق‬ ‫السمع ‪ . .‬ولذلك لم يعرفوا هل‬ ‫الذي يزنل من السماء خَت أو شر؟‬ ‫‪ . .‬أنظر إىل دقة األداء القرآين يف‬

‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وأَن َّا َ‪١‬ت َ ْسنَا السمآء }‬ ‫‪ . .‬كأهنم صعدوا حىت بلغوا السماء‬ ‫لدرجة أهنا أصبحت قريبة ‪٢‬تم‬ ‫حىت كادوا يلمسوهنا ‪ . .‬فاهلل‬ ‫تبارك وتعاىل يف هذه ا‪ٟ‬تالة وهي‬ ‫اتباع اليهود ‪١‬تا تتلو الشياطُت عىل‬ ‫ملك سليمان من السحر والتعاويذ‬

‫واألشياء اليت تضر وال تفيد أراد أن‬ ‫يربئ سليمان من هذا كله ‪ . .‬فقال‬ ‫ان }‬ ‫جل جبلله ‪َ { :‬و َما َك َف َر ُسلَي ْ َم ُ‬ ‫‪..‬‬ ‫وكان ا‪١‬تنطق يقتضي أن ٮتص اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل حكاية الشياطُت‬ ‫قبل أن يربئ سليمان من الكفر‬

‫الذي أرادوا أن ينشروه ‪ . .‬ولكن‬ ‫اهلل أراد أن ينفي هتمة الكفر عن‬ ‫سليمان ويثؽتها لكل من اتبع‬ ‫الشياطُت فقال جل جبلله ‪َ { :‬و َما‬ ‫ان ولكن الشياطُت‬ ‫َك َف َر ُسلَي ْ َم ُ‬ ‫َك َف ُروا ْ} ‪.‬‬ ‫إذن الشياطُت هم الذين نشروا‬

‫كف‬ ‫لكف‬ ‫طُت‬ ‫ا ر ‪ . .‬وكيف ر الشيا ُ‬ ‫ؤتاذا أغروا أتباعهم بالكفر؟‪. .‬‬ ‫يقول اهلل سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ولكن‬ ‫ِ‬ ‫ون الناس‬ ‫الشياطُت َك َف ُروا ْيُعَل ّ ُم َ‬ ‫السحر َو َمآ أُن ْ ِز َل عَىلَ ا‪١‬تلكُت بِبَابِ َل‬ ‫وت َو َما يُعَلِ ّ َم ِ‬ ‫ان ِم ْن‬ ‫وت َو َم ُار َ‬ ‫َه ُار َ‬ ‫أ َ َح ٍد حىت ي َ ُقوال َإ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن فِؾْن َ ٌة فَبل َ‬

‫تَ ْك ُف ْر فَؼَتَعَلَّم ِ‬ ‫ون‬ ‫ون من ْ ُه َما َما يُ َف ّ ِر ُق َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُت ا‪١‬ترء َوزَ ْو ِج ِه َو َما ُهم‬ ‫بِه ب َ ْ َ‬ ‫آرِي َن بِ ِه ِم ْن أ َ َح ٍد إِال َّبِإِذْ ِن اهلل‬ ‫بِ َض ّ‬ ‫ون َما ي َ ُض ُّر ُه ْم َوال َيَن َف ُع ُه ْم‬ ‫َويَتَعَل َّ ُم َ‬ ‫َولَقَ ْد عَلِ ُموا ْ َ‪١‬ت َ ِن اشًتاه َما ل َ ُه ِيف‬ ‫اآلخرة ِم ْن َخبلَقٍ } ‪.‬‬ ‫ما قصة كل هذا؟ ‪ . .‬اليهود نبذوا‬

‫عهد اهلل واتبعوا ما تتلو الشياطُت‬ ‫أيام سليمان ‪ ،‬وأرادوا أن ينسبوا‬ ‫كل شيء يف عهد سليمان عىل أنه‬ ‫سحر وعمل شياطُت ‪ ،‬وهكذا أراد‬ ‫اليهود أن يو‪٫‬توا الناس أن منهج‬ ‫سليمان هو من السحر ومن‬ ‫الشياطُت ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬

‫أراد أن يربئ سلٯتان من هذه‬ ‫الكذبة‪ . .‬سليمان عليه السبلم‬ ‫حُت جاءته النبوة طلب من اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل أن يعطيه ملكا ال‬ ‫يعطيه ألحد من بعده ‪ . .‬واقرأ قوله‬ ‫ب ِيل‬ ‫تعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫ال َر ِ ّب اغفر ِيل َو َه ْ‬ ‫ُملْكا ًال َّيَنبَغِي أل َ َح ٍد ِّمن بعدي إِن ّ ََك‬

‫نت الوهاب * فَ َس ّخ َْرنَا ُه َلالريح‬ ‫أَ َ‬ ‫َٕتْ ِري بِأ َ ْم ِر ِه ر َخآء حيث أ َ‬ ‫اب *‬ ‫ص‬ ‫ُ ًَْ ُ َ َ‬ ‫والشياطُت كُ َّل بَنَّآءٍ َو َغ َّو ٍ‬ ‫اص *‬ ‫وآ َخرِين م َق َرنِ‬ ‫ُت ِيف األصفاد }‬ ‫َُ ّ َ‬ ‫َ‬

‫ػ ص ‪] 38-35 :‬‬ ‫وهكذا أعىط سليمان ا‪١‬تلك عىل‬ ‫اإلنس وا‪ٞ‬تن و‪٥‬تلوقات اهلل كالريح‬

‫والطَت وغَت ذلك ‪ . .‬حُت أخذ‬ ‫سليمان ا‪١‬تلك كان الشياطين‬ ‫ٯتؤلون األرض كفرا ًبالسحر‬ ‫وكؾبه ‪ .‬فأخذ سليمان كل كتب‬ ‫السحر وقيل أنه دفنها ٖتت عرشه‬ ‫‪ . .‬وحُت مات سليمان وعثرت‬ ‫الشياطُت عىل ‪٥‬تبأ كتب السحر‬

‫أخرجتها وأذاعتها بُت الناس ‪. .‬‬ ‫وقال أولياؤهم من أحبار اليهود إن‬ ‫هذه الكتب من السحر هي اليت‬ ‫كان سليمان يسيطر بها عىل اإلنس‬ ‫وا‪ٞ‬تن ‪ ،‬وأهنا كانت منهجه ‪،‬‬ ‫وأشاعوها بُت الناس ‪ . .‬فأراد اهلل‬ ‫أن يربئ سليمان‬ ‫سبحانه وتعاىل ْ‬

‫من هذه التهمة ومن أنه حكم‬ ‫بالسحر ونشر الكفر ‪ . .‬قال جل‬ ‫ان ولكن‬ ‫جبلله ‪َ { :‬و َما َك َف َر ُسلَي ْ َم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون الناس‬ ‫الشياطُت َك َف ُروا ْيُعَل ّ ُم َ‬ ‫السحر } ‪.‬‬ ‫ما هو السحر؟ ‪ . .‬الكلمة مشتقة‬ ‫من سحر وهو آخر ساعات الليل‬

‫وأول طلوع النهار ‪ . .‬حيث ٮتتلط‬ ‫الظبلم بالضوء ويصبح كل شيء غَت‬ ‫واضح ‪ . .‬هكذا السحر شيء ٮتيل‬ ‫إليك أنه واقع وهو لؼس بواقع ‪. .‬‬ ‫إنه قائم عىل شيئُت ‪ . .‬سحر العُت‬ ‫لًتى ما لؼس واقعا عىل أنه حقيقة ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكنه ال يغَت طؽيعة األشياء ‪. .‬‬

‫ولذلك قال اهلل تبارك وتعاىل يف‬ ‫سحرة فرعون ‪ { :‬سحروا أ َ‬ ‫ُت‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫آءوا بِ ِس ْح ٍر‬ ‫الناس واسًتهبوهم َو َج ُ‬ ‫َع ِظ ٍ‬ ‫يم } ػ األعراف ‪] 116 :‬‬ ‫إذن فالساحر يسيطر عىل عُت‬ ‫ا‪١‬تسحور لَتى ما لؼس واقعا وما‬ ‫لؼس حقيقة ‪ . .‬وتصبح عُت‬

‫ا‪١‬تسحور خاضعة إلرادة الساحر ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك فالسحر ٗتيل ولؼس‬ ‫حقيقة ‪ . .‬واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫ال ب َ ْل أَل ْ ُقوا ْفَإِذَا‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫ِحبَا ُ‪٢‬ت ُ ْم َو ِع ِصي ُّ ُه ْم ُٮتَي َّ ُل إِلَي ْ ِه ِمن‬ ‫ِس ْح ِر ِه ْم أ َ َّهنَا تسىع } ػ طه ‪] 66 :‬‬ ‫إذن مادام اهلل سبحانه وتعاىل قال ‪:‬‬

‫{ ُٮتَي َّ ُل إِلَي ْ ِه } ‪ . .‬فهي ال تسىع ‪. .‬‬ ‫إذن فالسحر ٗتيل ‪ . .‬وما الدليل‬ ‫عىل أن السحر ٗتيل؟ ‪ . .‬الدليل هو‬ ‫ا‪١‬تواجهة اليت حدثت بُت موىس‬ ‫وسحرة فرعون ‪ . .‬ذلك أن‬ ‫الساحر يسحر أعُت الناس ولكن‬ ‫عينيه ال يسحر‪٫‬تا أحد ‪ . .‬حؼنما‬

‫جاء السحرة وموىس ‪ . .‬اقرأ قوله‬ ‫سبحانه ‪ { :‬قَالُوا ْياموىس إ َِّمآ أَن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون أ َ َّو َل َم ْن ألىق *‬ ‫ُتلْق َي َوإ َِّمآ أن ن َّ ُك َ‬ ‫ال ب َ ْل أَل ْ ُقوا ْفَإِذَا ِحبَا ُ‪٢‬ت ُ ْم َو ِع ِصي ُّ ُه ْم‬ ‫قَ َ‬ ‫ُٮتَي َّ ُل إِلَي ْ ِه ِمن ِس ْح ِر ِه ْم أ َ َّهنَا تسىع }‬ ‫ػ طه ‪] 66-65 :‬‬ ‫عندما ألىق السحرة حبا‪٢‬تم‬

‫وعصيهم ُخ ِي ّل للموجودين إهنا‬ ‫حيات تسىع ‪ . .‬ولكن هل خيل‬ ‫للسحرة إهنا حيات؟ طبعا ال‪ . .‬ألن‬ ‫أحدا لم يسحر أعُت السحرة ‪. .‬‬ ‫ولذلك ظل ما ألقوه يف أعؼنهم‬ ‫حباال و ِع ِصيّا ً‪ . .‬حُت ألىق موىس‬ ‫عصاه واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬

‫ك تَل ْ َق ْف َما صنعوا‬ ‫َوأَل ْ ِق َما ِيف َ ِٯتؼ ِن َ‬ ‫إ َِّ‪٪‬تَا َصن َ ُعوا ْكَي ْ ُد َسا ِح ٍر َوال َيُ ْفلِ ُح‬ ‫ث أىت * فَأُلْقِ َي السحرة‬ ‫الساحر َحي ْ ُ‬ ‫ون‬ ‫آمنَّا بِ َر ِ ّب َه ُار َ‬ ‫ُس َّجدا ًقالوا َ‬ ‫وموىس } ػ طه ‪] 70-69 :‬‬ ‫هنا تظهر حقيقة السحر ‪١ . .‬تاذا‬ ‫سجد السحرة؟ ألن حبا‪٢‬تم‬

‫وعصيهم ظلت كما هي حباال‬ ‫وعصيا ‪ . .‬ذلك أن أحدا لم يسحر‬ ‫أعؼنهم ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولكن عندما ألىق موىس عصاه‬ ‫ٖتولت إىل حية حقيقية ‪ . .‬فعرفوا‬ ‫أن هذا لؼس سحرا ولكنها معجزة‬ ‫من اهلل سبحانه وتعاىل ‪١ . .‬تاذا؟ ألن‬

‫السحر ال يغَت طؽيعة األشياء ‪ ،‬وهم‬ ‫تأكدوا أن عصا موىس قد ٖتولت إىل‬ ‫حية ‪ . .‬ولكن حبا‪٢‬تم وعصيهم‬ ‫ظلت كما هي وإن كان قد خيل إىل‬ ‫الناس أهنا ٖتولت إىل حية ‪.‬‬ ‫إذن فالسحر ٗتيل والساحر يرى‬ ‫الشيء عىل حقيقته لذلك فإنه ال‬

‫ٮتاف ‪ . .‬بؼنما ا‪١‬تسحورون الذين‬ ‫هم الناس يتخيلون أن الشيء قد‬ ‫تغَتت طؽيعته ‪ . .‬ولذلك سجد‬ ‫السحرة ألهنم عرفوا أن معجزة‬ ‫موىس لؼست سحرا ‪ . .‬ولكنها شيء‬ ‫فوق طاقة البشر ‪.‬‬ ‫السحر إِذن ٗتيل والشياطُت ‪٢‬تم‬

‫قدرة التشكل بأي صورة من‬ ‫الصور ‪ ،‬و‪٨‬تن ال نستطيع أن ندرك‬ ‫الشيطان عىل صورته ا‪ٟ‬تقيقية ‪،‬‬ ‫ولكنه إذا تشكل نستطيع أن نراه يف‬ ‫صورة مادية ‪ . .‬فإذا تشكل يف صورة‬ ‫إنسان رأيناه إنسانا ‪ ،‬وإذا تشكل يف‬ ‫صورة حيوان رأيناه حيوانا ‪ ،‬ويف‬

‫هذه ا‪ٟ‬تالة ٖتكمه الصورة‪ . .‬فإذا‬ ‫تشكل كإنسان وأطلقت عليه‬ ‫الرصاص مات ‪ ،‬وإذا تشكل يف‬ ‫صورة حيوان ود‪٫‬تته بسيارتك‬ ‫مات ‪ ،‬ذلك ألن الصورة ٖتكمه‬ ‫بقانوهنا ‪ . .‬وهذا هو السر يف إنه ال‬ ‫يبىق يف تشكله إال ‪١‬تحة ثم ٮتتفي يف‬

‫ثوان ‪١ . .‬تاذا؟ ألنه ٮتىش ‪٦‬تن يراه‬ ‫يف هذه الصورة أن يقتله خصوصا‬ ‫أن قانون التشكل ٭تكمه ‪. .‬‬ ‫ولذلك فإن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم حُت تشكل له الشيطان‬ ‫يف صورة إنسان قال ‪:‬‬ ‫« ولقد ‪٫‬تمت أن أربطه يف سارية‬

‫ا‪١‬تسجد لؼتفرج عليه صؽيان‬ ‫ا‪١‬تدينة ولكٍت تذكرت قَول أخي‬ ‫سليمان ‪ » :‬رب هب يل ُملْكا ًال‬ ‫ينبغي ألحد من بعدي « ‪ .‬فًتكته »‬ ‫ا‪ٟ‬تديث لم ُٮت َ َّر ْج ‪.‬‬ ‫ومن ر‪ٛ‬تة اهلل بنا أنه إذا تشكل‬ ‫الشيطان فإن الصورة تحكمه ‪. .‬‬

‫وإال لكانوا فزعونا وجعلوا حياتنا‬ ‫جحيما ‪ . .‬فاهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫جعل الكون يقوم عىل التوازن حىت‬ ‫ال يطىغ أحد عىل أحد ‪ٔ . .‬تعٌت أننا‬ ‫لو كنا يف قرية وكلنا ال ‪٪‬تلك سبلحا‬ ‫وجد التوازن ‪ . .‬فإذا ملك أحدنا‬ ‫سبلحا وادىع أنه يفعل ذلك ليدافع‬

‫عن أهل القرية ‪ ،‬ثم بعد ذلك‬ ‫استغل السبلح لؼسيطر عىل أهل‬ ‫القرية ويفرض عليهم إتاوات‬ ‫وغَت ذلك ‪ ،‬يكون التوازن قد‬ ‫اختل وهذا ماال يقبله اهلل ‪.‬‬ ‫السحر يؤدي الختبلل التوازن يف‬ ‫الكون ‪ . .‬ألن الساحر يستعُت‬

‫بقوة أعىل يف عنصرها من اإلنسان‬ ‫وهو الشيطان وهو ‪٥‬تلوق من نار‬ ‫خفيف ا‪ٟ‬تركة قادر عىل التشكل‬ ‫وغَت ذلك ‪ . .‬اإلنسان عندما‬ ‫يطلب ويتعلم كيف يسخر ا‪ٞ‬تن ‪.‬‬ ‫‪ .‬يدعي أنه يفعل ذلك لينشر ا‪٠‬تَت‬ ‫يف الكون ‪ ،‬ولكنها لؼست حقيقة ‪. .‬‬

‫ألن هذا يغريه عىل الطغيان ‪. .‬‬ ‫والذي ٮتل بأمن العالم هو عدم‬ ‫التكافؤ بُت الناس ‪.‬‬ ‫‪ .‬إنسان يستطيع أن يطىغ فإذا لم‬ ‫يقف أمامه ا‪١‬تجتمع كله إختل‬ ‫التوازن يف ا‪١‬تجتمع ‪ .‬واهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل يريد تكافؤ الفرص ليحفظ‬

‫أمن وسبلمة الكون ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يقول لنا ال تطغوا وتستعؼنوا‬ ‫بالشياطُت يف الطغيان حىت ال‬ ‫تفسدوا أمن الكون ‪.‬‬ ‫ولكن اهلل جل جبلله شاءت‬ ‫حكمته أن يضع يف الكون ما ‪٬‬تعل‬ ‫كل ‪٥‬تلوق ال يغًت بذاتؼته‪ . .‬وال‬

‫٭تسب أنه هو الذي حقق لنفسه‬ ‫العلو يف األرض ‪ . .‬ولقد كانت‬ ‫معصية إبلؼس يف أنه رفض أن‬ ‫ال أَنَا ْ‬ ‫يسجد آلدم ‪ .‬إنه قال ‪ { :‬قَ َ‬ ‫َخ َْتٌ ِّمن ْ ُه َخلَقْؾ َ ٍِت ِمن ن َّا ٍر َو َخلَقْت َ ُه ِمن‬ ‫ِط ٍ‬ ‫ُت } ػ األعراف ‪] 12 :‬‬ ‫إذن فقد أخذ عنصر ا‪٠‬تلق ليدخل‬

‫الكرب إىل نفسه فيعصي ‪ ،‬ولذلك‬ ‫أراد اهلل سبحانه وتعاىل أن يعلم‬ ‫البشر من القوانُت ‪ ،‬ما ‪٬‬تعل هذا‬ ‫األعىل يف العنصر وهو الشيطان‬ ‫ٮتضع لؤلدىن وهو اإلنسان ‪ ،‬حىت‬ ‫يعرف كل خلق اهلل أنه إن ميزهم‬ ‫اهلل يف عنصر من العناصر ‪ ،‬فإن هذا‬

‫لؼس بإرادهتم وال ميزة ‪٢‬تم ‪. .‬‬ ‫ولكنه ٔتشؼئة اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫‪ .‬فأرسل ا‪١‬تلكُت ببابل هاروت‬ ‫وماروت ليعلما الناس السحر ‪.‬‬ ‫الذي ٮتضع األعىل عنصرا ًلؤلدىن‪.‬‬ ‫واقرأ قوله سبحانه ‪َ { :‬و َما َك َف َر‬ ‫ان ولكن الشياطُت َك َف ُروا ْ‬ ‫ُسلَي ْ َم ُ‬

‫ِ‬ ‫ون الناس السحر َو َمآ أُن ْ ِز َل‬ ‫يُعَل ّ ُم َ‬ ‫وت‬ ‫عَىلَ ا‪١‬تلكُت بِبَابِ َل َه ُار َ‬ ‫وت َو َما يُعَ ّ ِ َمل ِ‬ ‫ان ِم ْن أ َ َح ٍد حىت‬ ‫َو َم ُار َ‬ ‫ي َ ُقوال َإ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن فِؾْن َ ٌة فَبل َتَ ْك ُف ْر } ‪. .‬‬ ‫فاهلل تبارك وتعاىل أرسل ا‪١‬تلكُت‬ ‫هاروت وماروت ليعلما الناس‬ ‫السحر ‪ . .‬ولقد رويت عن هذه‬

‫ا‪١‬تلكُت قصص كثَتة ‪ . .‬ولكن‬ ‫مادام اهلل سبحانه وتعاىل قد أرسل‬ ‫ملكُت ليعلما الناس السحر‪. .‬‬ ‫فمعٌت ذلك أن السحر علم‬ ‫يستعُت فيه اإلنسان بالشياطُت ‪.‬‬ ‫‪ .‬وقيل إن ا‪١‬تبلئكة قالوا عن خلق‬ ‫آدم كما يروي لنا القرآن الكريم‬

‫‪ { :‬قَالُوا ْأ َ َٕتْعَ ُل فِيهَا َمن يُ ْف ِس ُد فِيهَا‬ ‫ك الدمآء َو َ‪٨‬ت ْ ُن ن ُ َسبِ ّ ُح‬ ‫َوي َ ْس ِف ُ‬ ‫ك } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫ك َونُقَ ِ ّد ُس ل َ َ‬ ‫ِْت َ ْم ِد َ‬ ‫‪] 20‬‬ ‫حينئذ طلب ا‪ٟ‬تق جل جبلله من‬ ‫ا‪١‬تبلئكة ‪ . .‬أن ٮتتاروا ملكُت‬ ‫ليهبطا إىل األرض لؼنظروا ماذا‬

‫يفعبلن؟ فاختاروا هاروت‬ ‫وماروت ‪ . .‬وعندما نزال إىل‬ ‫األرض فتنتهما امرأة فارتكبا‬ ‫الكبائر ‪ .‬هذه القصة برغم‬ ‫وجودها يف بعض كتب التفسَت‬ ‫لؼست صحيحة ‪ . .‬ألن ا‪١‬تبلئكة‬ ‫ْتكم خلقهم ال يعصون اهلل ‪. .‬‬

‫وألنه من ٘تام اإلٯتان أن يؤدي‬ ‫ا‪١‬تخلوق كل ما كُلِ ّف به من اهلل جل‬ ‫جبلله ‪ . .‬وهذان ا‪١‬تلكان كلفا بأن‬ ‫يعلما الناس السحر‪ . .‬وأن ٭تذرا‬ ‫بأن السحر فؾنة تؤدي إىل الكفر‬ ‫وقد فعبل ذلك ‪ . .‬والفؾنة هي‬ ‫االمتحان ‪ . .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬

‫تبارك وتعاىل ‪َ { :‬و َما يُعَ ّ ِ َمل ِ‬ ‫ان ِم ْن‬ ‫أ َ َح ٍد حىت ي َ ُقوال َإ َِّ‪٪‬تَا َ‪٨‬ت ْ ُن فِؾْن َ ٌة فَبل َ‬ ‫تَ ْك ُف ْر فَؼَتَعَلَّم ِ‬ ‫ون‬ ‫ون من ْ ُه َما َما يُ َف ّ ِر ُق َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُت ا‪١‬ترء َوزَ ْو ِج ِه َو َما ُهم‬ ‫بِه ب َ ْ َ‬ ‫آرِي َن بِ ِه ِم ْن أ َ َح ٍد إِال َّبِإِذْ ِن اهلل }‬ ‫بِ َض ّ‬ ‫‪ . .‬إذن فهذان ا‪١‬تلكان حذرا الناس‬ ‫من أن ما يعلمانه من السحر فؾنة‬

‫تؤدي إىل الكفر ‪ . .‬وإهنا ال تنفع إال‬ ‫يف الشر ويف التفريق بُت الزوج‬ ‫وزوجه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وإن ضررها ال يقع إال بإذن اهلل ‪. .‬‬ ‫فلؼس هناك أي قوى يف هذا الكون‬ ‫خارجة عن مشؼئة اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪. .‬‬

‫ثم يأيت قول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ون َما ي َ ُض ُّر ُه ْم َوال َيَن َف ُع ُه ْم‬ ‫َويَتَعَل َّ ُم َ‬ ‫َولَقَ ْد عَلِ ُموا ْ َ‪١‬ت َ ِن اشًتاه َما ل َ ُه ِيف‬ ‫اآلخرة ِم ْن َخبلَقٍ َولَبِػ َْس َما َش َر ْوا ْ‬ ‫َِ‬ ‫ون } ‪. .‬‬ ‫بِه أن ْ ُف َس ُه ْم ل َ ْو كَانُوا ْيَعْل َ ُم َ‬ ‫إن اهلل سبحانه وتعاىل ٮتربنا أن‬ ‫تعلم السحر يضر وال ينفع‪ . .‬فهو‬

‫ال ‪٬‬تلب نفعا أبدا حىت ‪١‬تن يشتغل‬ ‫به ‪ . .‬فتجد من يشتغل بالسحر‬ ‫يعتمد يف رزقه عىل غَته من البشر‬ ‫فهم افضل منه ‪ . .‬وهو يظل طوال‬ ‫اليوم يبحث عن إنسان يغريه بأنه‬ ‫يستطيع أن يفعل له أشياء ليأخذ‬ ‫منه ماال ‪ ،‬وٕتد شكله غَت طؽيعي‬

‫وحياته غَت مستقرة وأوالده‬ ‫منحرفُت ‪ .‬وكل من يعمل‬ ‫بالسحر ٯتوت فقَتا ال يملك شؼئا‬ ‫وتصؼبه األمراض ا‪١‬تستعصية ‪،‬‬ ‫ويصبح عربة يف آخر حياته ‪.‬‬ ‫إذن فالسحر ال يأيت إال بالضرر ثم‬ ‫بالفقر ثم بلعنة اهلل يف آخر حياة‬

‫الساحر ‪ . .‬والذي يشتغل بالسحر‬ ‫ٯتوت كافرا وال يكون له يف اآلخرة‬ ‫إال النار ‪ . .‬ولذلك قد اشًتوا‬ ‫أنفسهم بأسوأ األشياء لو كانوا‬ ‫يعلمون ذلك ‪ . .‬ألهنم لم يأخذوا‬ ‫شؼئا إال الضر ‪ . .‬ولم يفعلوا شؼئا‬ ‫إال التفريق بُت الناس ‪ . .‬وهم ال‬

‫يستطيعون أن يضروا أحدا إال‬ ‫بإذن اهلل ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل إذا كانت‬ ‫حكمته قد اقتضت أن يكون‬ ‫السحر من فنت الدنيا وابتبلءاهتا ‪.‬‬ ‫‪ .‬فإنه سبحانه قد حكم عىل كل من‬ ‫يعمل بالسحر بأنه كافر ‪. .‬‬

‫ولذلك ال ‪٬‬تب أن يتعلم اإلنسان‬ ‫السحر أو يقرأ عنه ‪ . .‬ألنه وقت‬ ‫تعلمه قد يقول سأفعل ا‪٠‬تَت ثم‬ ‫يستخدمه يف الشر ‪ . .‬كما أن‬ ‫الشياطُت اليت يستعُت بها الساحر‬ ‫غالبا ما تنقلب عليه لتذيقه وبال‬ ‫أمره وتكون شرا عليه وعىل أوالده ‪.‬‬

‫‪ .‬واقرأ قوله سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫ال ِّم َن اإلنس ي َ ُع ُ‬ ‫ان ِر َج ٌ‬ ‫وذ َ‬ ‫َوأن ّ َُه ك َ َ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم َر َهقا ً} ػ‬ ‫بِ ِر َج ٍال ّم َن ا‪ٞ‬تن فَ َز ُاد ُ‬ ‫ا‪ٞ‬تن ‪] 6 :‬‬ ‫أي أن الذي يستعُت با‪ٞ‬تن ينقلب‬ ‫عليه ويذيقه ألوانا من العذاب ‪. .‬‬

‫َول َ ْو أ َ َّهن ُ ْم آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا َ‪١‬تَثُوب َ ٌة ِم ْن ِعن ْ ِد‬ ‫َِ‬ ‫ون (‪)103‬‬ ‫ّ‬ ‫اّلل َخ َْتٌ ل َ ْو كَانُوا يَعْل َ ُم َ‬

‫يفتح اهلل جل جبلله أمام عباده‬ ‫أبواب التوبة والر‪ٛ‬تة ‪ . .‬لقد بُت‬ ‫‪٢‬تم أن السحر كفر ‪ ،‬وأن من يقوم‬ ‫به يبعث كافرا يوم القيامة وٮتلد يف‬ ‫النار ‪ . .‬وقال ‪٢‬تم سبحانه وتعاىل لو‬

‫أهنم امؾنعوا عن تعلم السحر‬ ‫ليمتازوا به عىل من سواهم إمؾيازا‬ ‫يف الضرر واإليذاء ‪ . .‬لكان ذلك‬ ‫خَتا ‪٢‬تم عند اهلل تبارك وتعاىل‪. .‬‬ ‫ألن ا‪١‬تلكُت اللذين نزال لتعليم‬ ‫السحر قال اهلل سبحانه عنهما ‪{ :‬‬ ‫َو َما يُعَلِ ّ َم ِ‬ ‫ان ِم ْن أ َ َح ٍد حىت ي َ ُقوال َإ َِّ‪٪‬تَا‬

‫َ‪٨‬ت ْ ُن فِؾْن َ ٌة فَبل َتَ ْك ُف ْر } ‪.‬‬ ‫إذن فممارسة السحر كفر ‪ .‬فلو‬ ‫أهنم آمنوا بهذه القضية وبأهنم‬ ‫يدخلون يف الكفر واتقوا اهلل لكان‬ ‫ذلك ثوابا ‪٢‬تم عند اهلل وخَتا ًيف‬ ‫الدنيا واآلخرة ‪ . .‬ولكن ما هي‬ ‫ا‪١‬تثوبة؟ هي الثواب عىل العمل‬

‫الصاٌف ‪ . .‬يقابلها العقوبة وهي‬ ‫العقاب عىل العمل السيئ‪ . .‬وهي‬ ‫مشتقة من ثاب أي رجع ‪ . .‬ولذلك‬ ‫يس ىم ا‪١‬تبلغ عن اإلمام يف الصبلة‬ ‫ا‪١‬تثوب ‪ . .‬ألن اإلمام يقول اهلل‬ ‫أكرب فَتددها ا‪١‬تبلغ عن اإلمام‬ ‫بصوت عال حىت يسمعها ا‪١‬تصلون‬

‫الذين ال يصلهم صوت اإلمام ‪. .‬‬ ‫وهذا إ‪ٝ‬ته الؾثويب ‪ . .‬أي إعادة ما‬ ‫يقوله اإلمام لتزداد فرصة الذين‬ ‫لم يسمعوا ما قاله اإلمام ‪ . .‬وكما‬ ‫قلنا فهي مأخوذة من ثاب أي رجع‪.‬‬ ‫‪ .‬ألن اإلنسان عندما يعمل صا‪ٟ‬تا‬ ‫يرجع عليه عمله الصاٌف با‪٠‬تَت‪. .‬‬

‫فبل تعتقد أن العمل الصاٌف ٮترج‬ ‫منك وال يعود ‪ . .‬ولكنه البد أن‬ ‫يعود عليك با‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا إىل دقة التعبَت القرآين ‪:‬‬ ‫{ َ‪١‬تَثُوب َ ٌة ِّم ْن ِعن ِد اهلل َخ َْتٌ} ‪٧ .‬تد‬ ‫أن كلمة مثوبة مأخوذة من نفس‬ ‫معٌت كلمة ثوب و‪ٚ‬تعه ثياب ‪. .‬‬

‫وكان الناس قدٯتا يأخذون‬ ‫أصواف األغنام ليصنعوا منها‬ ‫مبلبسهم ‪ . .‬فيأيت الرجل ٔتا‬ ‫عنده من غنم و‪٬‬تز صوفها ثم‬ ‫يعطيه آلخر ليغزله وينسجه ثوبا‬ ‫ويعيده إىل صاحبه ‪ . .‬فكأن ما‬ ‫أرسله من الصوف رد إليه كثوب ‪.‬‬

‫‪ .‬ولذلك ‪ٝ‬تيت مثوبة ألن ا‪٠‬تَت‬ ‫يعود إليك لتنتفع به نفعا عاليا ‪. .‬‬ ‫وكذلك الثواب عن العمل الصاٌف‬ ‫يرتد إليك بالنفع العايل ‪.‬‬ ‫إذن فكلمة ثوب جاء منها الثواب ‪،‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل علمنا أن‬ ‫الثواب لسًت العورة‪ . .‬والعمل‬

‫الصاٌف يسًت األمراض ا‪١‬تعنوية‬ ‫والنفسية يف اإلنسان ‪ . .‬ويف ذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬قَ ْد‬ ‫أَن َزلْنَا عَلَي ْ ُك ْم لِبَاسا ًيُ َوا ِري‬ ‫سوءاتِ ُكم و ِريشا ًولِ‬ ‫اس التقوى‬ ‫ب‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َْ ْ َ‬ ‫ذلك َخ َْتٌ} ػ األعراف ‪] 26 :‬‬ ‫فكأن هناك لباسُت أحد‪٫‬تا لسًت‬

‫العورة ‪ . .‬والثاين لسًت اإلنسان من‬ ‫العذاب ‪ . .‬ولباس التقوى خَت من‬ ‫لباس سًت العورة ‪ . .‬قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َ‪١‬تَثُوب َ ٌة ِّم ْن ِعن ِد اهلل َخ َْتٌ} ‪ . .‬انظر‬ ‫إىل ا‪١‬تثوبة اليت تأيت من عند اهلل ‪. .‬‬ ‫إذا كان الثواب يأتيك من عند من‬

‫صنعه ‪ٚ‬تيبل مزركشا وله ألوان‬ ‫مبهجة ‪.‬‬ ‫‪ .‬إذا كان هذا ما يصنعه لك بشر‬ ‫فما بالك بالثواب الذي يأتيك من‬ ‫عند اهلل ‪ .‬إنه قمة ا‪ٞ‬تمال ‪ .‬فاهلل‬ ‫هو القادر عىل أن يرد الثواب‬ ‫بقدراته سبحانه فيكون الرد عاليا‬

‫وعاليا جدا ‪ْ ،‬تيث يضاعف الثواب‬ ‫مرات ومرات ‪ .‬عىل أننا البد أن‬ ‫نتنبه إىل قول اهلل تعاىل ‪َ { :‬ول َ ْو أ َ َّهن ُ ْم‬ ‫آ َم ُنوا ْواتقوا } قلنا معٌت اتقوا أهنم‬ ‫جعلوا بؼنهم وبُت صفات ا‪ٞ‬تبلل يف‬ ‫اهلل وقاية ‪ . .‬ولذلك قل انإن بعض‬ ‫الناس يؾساءل ‪ . .‬كيف يقول اهلل‬

‫تبارك وتعاىل ‪ « :‬اتقوا اهلل » ‪. .‬‬ ‫ويقول جل جبلله ‪ « :‬اتقوا النار »‬ ‫‪ . .‬نقول إن معٌت اتقوا اهلل أي‬ ‫اجعلوا بؼنكم وبُت صفات ا‪ٞ‬تبلل‬ ‫يف اهلل وقاية ‪ « :‬واتقوا النار » ‪. .‬‬ ‫أي اجعلوا بؼنكم وبُت عذاب النار‬ ‫وقاية ‪ . .‬ألن النار من متعلقات‬

‫صفات ا‪ٞ‬تبلل ‪ . .‬لذلك فإن قوله ‪:‬‬ ‫« اتقوا اهلل » ‪ . .‬تساوي ‪ « :‬اتقوا‬ ‫النار » ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬ ‫حؼنما قال ‪ « :‬اتقوا » أطلقها عامة‬ ‫‪ . .‬وا‪ٟ‬تذف هنا ا‪١‬تراد به التعميم ‪.‬‬ ‫‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يلفؾنا إىل أن السحرة لو آمنوا بأن‬

‫تعلم السحر فتنة تؤدي إىل الكفر ‪.‬‬ ‫‪ .‬واتقوا اهلل وخافوا عذابه يف‬ ‫اآلخرة لكان ذلك خَتا ً‪٢‬تم ‪. .‬‬ ‫لذلك قال جل جبلله ‪١َ { :‬تَثُوب َ ٌة‬ ‫ِّم ْن ِعن ِد اهلل َخ َْتٌ} ‪. .‬‬ ‫وساعة تسمع كلمة خَت تأيت إىل‬ ‫الذهن كلمة شر ‪ . .‬ألن ا‪٠‬تَت‬

‫يقابله الشر ‪ . .‬ولكن يف بعض‬ ‫األحيان كلمة خَت ال يقابلها شر ‪.‬‬ ‫ولكن يقابلها خَت أقل ‪ .‬وكلمة‬ ‫خَت هي الوحيدة يف اللغة العربية‬ ‫اليت يساوي اإلسم فيها أفعل‬ ‫التفضيل ‪ . .‬فأنت تقول هذا‬ ‫فاضل وهذا مفضول عليه ‪ . .‬كلمة‬

‫خَت إسم تفضيل فيقال ذلك خَت‬ ‫من كذا ‪ . .‬أي واحد منهما يعطي‬ ‫أكثر من اآلخر ‪ . .‬وكلمة خَت إذا‬ ‫لم يأت مقابلها أي خَت من كذا‬ ‫يكون مقابلها شر ‪ . .‬فإذا قلت‬ ‫فبلن خَت من فبلن ‪ . .‬فكبل‪٫‬تا‬ ‫إشًتك يف ا‪٠‬تَت ولكن بدرجة‬

‫‪٥‬تتلفة ‪ . .‬وا‪٠‬تَت هو ما يأيت لك‬ ‫بالنفع ‪ . .‬ولكن مقياس النفع ٮتتلف‬ ‫باختبلف الناس ‪ . .‬واحد ينظر إىل‬ ‫النفع العاجل وآخر ينظر إىل النفع‬ ‫اآلجل ‪ . .‬ويف ظاهر األمر كل‬ ‫منهما أراد خَتا ‪.‬‬ ‫وإذا أردنا أن نقرب ذلك إىل‬

‫األذهان فلنقل إن هناك أخوين‬ ‫أحد‪٫‬تا يسؾيقظ مبكرا ًليذهب إىل‬ ‫مدرسته والثاين ينام حىت الضْح ‪،‬‬ ‫وٮترج من الؽيت ليجلس عىل‬ ‫ا‪١‬تقىه ‪ . .‬األول ٭تب ا‪٠‬تَت لنفسه‬ ‫والثاين ٭تب ا‪٠‬تَت لنفسه وا‪٠‬تبلف‬ ‫يف تقؼيم ا‪٠‬تَت ‪ . .‬الكسول ٭تب‬

‫ا‪٠‬تَت العاجل فيعطي نفسه حظها‬ ‫من النوم والًتفيه وعدم العمل ‪. .‬‬ ‫وا‪١‬تجتهد ٭تب ا‪٠‬تَت اآلجل لنفسه‬ ‫لذلك يتعب ويشىق سنوات‬ ‫الدراسة حىت يرتاح بعد ذلك‬ ‫و٭تقق مستقببل مرموقا ‪.‬‬ ‫الفبلح الذي يزرع ويذهب إىل‬

‫حقله يف الصباح الباكر ويروي‬ ‫ويبذر ا‪ٟ‬تب ويشىق ‪ ،‬يأتيه يف آخر‬ ‫العام ‪٤‬تصول وافر وخَت كثَت ‪.‬‬ ‫‪ .‬والفبلح الذي ‪٬‬تلس عىل ا‪١‬تقىه‬ ‫طول النهار أعىط نفسه خَت‬ ‫الراحة ‪ ،‬ولكن ساعة ا‪ٟ‬تصاد ٭تصد‬ ‫الندم ‪.‬‬

‫إذن كل الناس ٭تبون ا‪٠‬تَت ولكن‬ ‫نظرهتم ومقايؼسهم ٗتتلف ‪. .‬‬ ‫فمنهم من يريد متعة اليوم ‪،‬‬ ‫ومنهم من يعمل ألجل متعة الغد ‪.‬‬ ‫‪ .‬واهلل تبارك وتعاىل حين يأمرنا‬ ‫با‪٠‬تَت ‪ . .‬قد يكون ا‪٠‬تَت متعبا‬ ‫للجسد والنفس ‪ . .‬ولكن النهاية‬

‫متاع أبدي يف جنة ا‪٠‬تلد ‪ .‬إذن‬ ‫فا‪٠‬تَت ا‪ٟ‬تقيقي هو ما جاء به الشرع‬ ‫‪١ . .‬تاذا؟ ألن ا‪٠‬تَت هو ما لؼس بعده‬ ‫بعد ‪ . .‬فأنت تولد ثم تكرب ثم‬ ‫تتخرج يف ا‪ٞ‬تامعة‪ . .‬ثم تصبح يف‬ ‫أعىل ا‪١‬تناصب ثم ٘توت ثم تبعث‬ ‫ثم تدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬وبعدها ال شيء‬

‫إال ا‪٠‬تلود يف النعيم ‪.‬‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬ل َّ ْو كَانُوا ْيَعْل َ ُم َ‬ ‫‪ .‬اهلل ينفي عنهم العلم بؼنما يف‬ ‫اآلية السابقة أثبت ‪٢‬تم العلم يف‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬ولَقَ ْد عَلِ ُموا ْ َ‪١‬ت َ ِن‬ ‫اشًتاه َما ل َ ُه ِيف اآلخرة ِم ْن َخبلَقٍ } ‪.‬‬ ‫‪ .‬نقول إن العلم الذي ال ٮتضع‬

‫حركة اإلنسان له فكأنه لم يعلم‬ ‫شؼئا ‪ . .‬ألن هذا العلم سيكون‬ ‫حجة عىل صاحبه يوم القيامة ولؼته‬ ‫لم يعلمه ‪ . .‬واقرأ قول الشاعر ‪:‬‬ ‫اح يد ‪...‬‬ ‫‪ٝ‬ت َ‬ ‫ُر ِز ُقوا وما ُر ِز ٌقوا َ َ‬ ‫فكأهنم ُر ِز ُقوا وما ُر ِز ُقوا‬ ‫ُخلِ ُقوا وما ُخلِ ُقوا ‪١‬تك ُر َم ٍة ‪...‬‬

‫فكأهنم ُخلِ ُقوا وما ُخلِ ُقوا‬ ‫فكأن العلم لم يؿبت لك ألنك لم‬ ‫تنفع به ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول ‪ { :‬ولكن أ َ ْكث َ َر الناس ال َ‬ ‫ون } ػ الروم ‪] 6 :‬‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬ ‫( يعلمون ظاهرا من ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪.‬‬ ‫‪ ) .‬وهكذا نىف اهلل عن الناس العلم‬

‫ا‪ٟ‬تقيقي ‪ . .‬وأثبت ‪٢‬تم العلم‬ ‫الدنيوي الظاهر ‪ . .‬وقوله جل‬ ‫‪ٛ‬تلُوا ْالتوراة‬ ‫جبلله ‪َ { :‬مث َ ُل الذين ُ ِّ‬ ‫وها َك َمث َ ِل ا‪ٟ‬تمار‬ ‫ُث َّم ل َ ْم َ٭ت ْ ِمل ُ َ‬ ‫َ٭ت ْ ِم ُل أ َ ْس َفارا ًبِػ َْس َمث َ ُل القوم‬ ‫الذين كَ َّذ ُبوا ْبِآي َ ِ‬ ‫ات اهلل واهلل ال َ‬ ‫يَهْ ِدي القوم الظا‪١‬تُت } ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪:‬‬

‫‪]5‬‬ ‫أي أهنم ‪ٛ‬تلوا التوراة علما‬ ‫ولكنهم لم ٭تملوها منهجا وعمبل‬ ‫‪ . .‬وهؤالء السحرة علموا أ َ َّن َم ْن‬ ‫ٯتارس السحر يكفر ‪ . .‬ومع ذلك‬ ‫لم يعملوا ٔتا علموا ‪.‬‬

‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َال تَ ُقولُوا َرا ِعنَا‬ ‫‪ٝ‬ت ُعوا َولِلْكَافِرِي َن‬ ‫َو ُقولُوا ان ْ ُظ ْرنَا َوا ْ َ‬ ‫ع َذاب أَلِ‬ ‫يم (‪)104‬‬ ‫َ ٌ ٌ‬

‫هذا نداء للمؤمنُت ‪ . .‬ألن اآلية‬ ‫الكرٯتة تبدأ ‪ { :‬يَاأَيُّهَا الذين‬ ‫آ َم ُنوا ْ} ‪ . .‬نعرف أن اإلٯتان هنا‬ ‫هو سبب التكليف ‪ . .‬فاهلل ال يكلف‬

‫كافرا أو غَت مؤمن ‪ . .‬وال يأمر‬ ‫بتكليف إال ‪١‬تن آمنوا ‪ . .‬فمادام‬ ‫العبد قد آمن فقد أصبحت‬ ‫مسئولية حركته يف ا‪ٟ‬تياة عند ربه ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولذلك يوحي إليه ٔتنهج ا‪ٟ‬تياة ‪. .‬‬ ‫أما الكافر فبل يكلفه اهلل بشيء ‪.‬‬ ‫إذن قوله تعاىل ‪ { :‬يَاأَيُّهَا الذين‬

‫آ َم ُنوا ْ} ‪ . .‬أمر ‪١‬تن آمن باهلل ورىض‬ ‫به إ‪٢‬تا ومشرعا ‪ . .‬قوله ‪ { :‬يَاأَيُّهَا‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْ} ‪ . .‬نداء للمؤمنُت‬ ‫وقوله ‪ { :‬ال َتَ ُقولُوا ْ َرا ِعنَا } ‪ . .‬هنى‬ ‫‪ . .‬وكأن راعنا كانت مقولة‬ ‫عندهم يريد اهلل أن ينهاهم عنها ‪.‬‬ ‫‪ .‬واإلٯتان يلزمهم أن يستمعوا إىل‬

‫هني اهلل ‪.‬‬ ‫ما معٌت راعنا؟ ‪٨‬تن نقول يف لغؾنا‬ ‫الدارجة ( راعؼنا ) ‪ . .‬يعٍت‬ ‫احفظنا وراقؽنا وخذ بيدنا وكلها‬ ‫مأخوذة من مادة الرعاية والراعي ‪.‬‬ ‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫يقول ‪:‬‬

‫« كلكم راع وكلكم مسئول عن‬ ‫رعؼته »‬ ‫وأصل ا‪١‬تادة مأخوذة من راعي‬ ‫الغنم ‪ . .‬ألن راعي الغنم البد أن‬ ‫يتجه بها إىل األماكن اليت فيها‬ ‫العشب وا‪١‬تاء ‪ . .‬أي إىل أماكن‬ ‫الرعي ‪ . .‬وأن يكون حارسا عليها‬

‫حىت ال تشرد واحد أو تضل فتفتك‬ ‫بها ذئاب الصحاري‪ . .‬وأن يوفر‬ ‫‪٢‬تا الراحة حىت ال تتعب وتنفق يف‬ ‫الطريق ‪ . .‬ورسول اهلل صىل اهلل‬ ‫كنت أرىع‬ ‫عليه وسلم يقول ‪ُ « :‬‬ ‫الغنم عىل قراريط ألهل مكة »‬ ‫ولكن ‪١‬تاذا اسؾبدل ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل كلمة راعنا بكلمة انظرنا؟‬ ‫إن عند اليهود يف العربانية‬ ‫والسريانية كلمة راعنا ومعناها‬ ‫الرعونة ‪ . .‬ولذلك كانوا إذا ‪ٝ‬تعوا‬ ‫من صحابة رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم كلمة راعنا ‪ . .‬اٗتذوها‬ ‫وسيلة للسباب بالنسبة لرسول اهلل‬

‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬وا‪١‬تسلمون‬ ‫ال يدرون شؼئا ‪ . .‬لذلك أمر اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ا‪١‬تؤمنُت أن يًتكوا‬ ‫هذه الكلمة ‪ . .‬حىت ال ‪٬‬تد اليهود‬ ‫وسيلة لسًت سبابهم ‪ ،‬وأمرهم بأن‬ ‫يقولوا ‪ :‬انظرنا ‪.‬‬ ‫ثم قال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪« :‬‬

‫وا‪ٝ‬تعوا » ‪ . .‬واهلل هنا يشَت إىل‬ ‫الفرق بُت اليهود وا‪١‬تؤمنُت ‪. .‬‬ ‫فاليهود قالوا ‪ٝ‬تعنا وعصؼنا ‪ ،‬ولكن‬ ‫اهلل يقول للمؤمنُت إ‪ٝ‬تعوا ‪ٝ‬تاع‬ ‫طاعة و‪ٝ‬تاع تنفيذ ‪.‬‬ ‫سعد بن معاذ ‪ٝ‬تع واحدا من اليهود‬ ‫يقول لرسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم راعنا وسعد كان من أحبار‬ ‫اليهود ويعرف لغتهم فلما ‪ٝ‬تع ما‬ ‫قاله فهم مراده ‪ .‬فذهب إىل‬ ‫اليهودي وقال له لو ‪ٝ‬تعتها منك‬ ‫مرة أخرى لضربت عنقك ‪. .‬‬ ‫وقال اليهودي أو لستم تقولوهنا‬ ‫لنؽيكم؟ أهي حرام علؼنا وحبلل‬

‫لكم؟ فزنلت اآلية الكرٯتة تقول ‪:‬‬ ‫{ ال َتَ ُقولُوا ْ َرا ِعنَا َو ُقولُوا ْانظرنا } ‪.‬‬ ‫‪ .‬ولو تأملنا كلمة ( راعنا ) وكلمة (‬ ‫انظرنا ) لوجدنا ا‪١‬تعٌت واحدا ‪. .‬‬ ‫ولكن ( انظرنا ) تؤدي ا‪١‬تعٌت‬ ‫ولؼس ‪٢‬تا نظَت يف لغة اليهود اليت‬ ‫تعٍت اإلساءة لرسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ولِلكَافِرِين ع َذاب أَلِ‬ ‫يم } ‪ . .‬أي من‬ ‫َ َ ٌ ٌ‬ ‫َ‬ ‫يقولون راعنا إساءة ًلرسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪٢‬تم عذاب‬ ‫أليم ‪.‬‬ ‫َما ي َ َو ّدُ ال َّ ِذي َن كَ َف ُروا ِم ْن أ َ ْه ِل‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ ِكت َ ِ‬ ‫زن َل‬ ‫ُت أ َ ْن يُ َ َّ‬ ‫اب َو َال ا ْ‪١‬تُ ْش ِرك َ‬

‫عَلَي ُك ْم ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫اّلل‬ ‫َت ِم ْن َر ِبّ ُك ْم َو ّ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ص بِ َر ْ َ ِ ِ م‬ ‫اّلل ُذو‬ ‫َٮتْت َ ُّ‬ ‫‪ٛ‬تته َ ْن ي َ َش ُاء َو َّ ُ‬ ‫ال ْ َف ْض ِل الْعَ ِظ ِ‬ ‫يم (‪)105‬‬

‫ثم كشف ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫للمؤمنُت العداوة اليت يكنها ‪٢‬تم‬ ‫أهل الكتاب من اليهود‬ ‫وا‪١‬تشركُت ‪ . .‬الذين كفروا ألهنم‬

‫رفضوا اإلٯتان ٔتحمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم‪ . .‬فيلفتهم إىل أن‬ ‫اليهود وا‪١‬تشًتكُت يكرهون ا‪٠‬تَت‬ ‫للمؤمنُت ‪ . .‬فتشككوا يف كل أمر‬ ‫يأيت منهم ‪ ،‬واعلموا أهنم ال‬ ‫يريدون لكم خَتا ‪ . .‬قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫« ما يود » ‪ . .‬أي ما ٭تب ‪ ،‬والود‬

‫معناه ميل القلب إىل من ٭تبه ‪. .‬‬ ‫والود ٮتتلف عن ا‪١‬تعروف ‪ . .‬أنت‬ ‫تصنع معروفا فيمن ٖتب ومن ال‬ ‫ٖتب ‪ . .‬ولكنك ال تود إال من ٖتب ‪.‬‬ ‫‪ .‬لذلك قال اهلل تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون باهلل واليوم‬ ‫ال َّ َ ِٕت ُد قَ ْوما ًيُ ْؤم ُن َ‬ ‫آد اهلل َو َر ُسول َ ُه‬ ‫ون َم ْن َح َّ‬ ‫اآلخر يُ َو ّآدُ َ‬

‫َول َ ْو كانوا آبَآءَ ُه ْم أ َ ْو أَبْنَآءَ ُه ْم أ َ ْو‬ ‫إِ ْخ َو َاهن ُ ْم أ َ ْو َع ِشَتَهتَ ُ ْم } ػ ا‪١‬تجادلة‬ ‫‪] 22 :‬‬ ‫ثم بعد ذلك يأيت ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ليقول عن الوالدين ‪َ { :‬وإِن‬ ‫ك ِيب َما لَؼ ْ َس‬ ‫اك عىل أَن ُت ْش ِر َ‬ ‫اه َد َ‬ ‫َج َ‬ ‫ك بِ ِه عِل ْ ٌم فَبل َ ُت ِطعْ ُه َما َو َصا ِحب ْ ُه َما‬ ‫لَ َ‬

‫ِيف الدنيا َمعْ ُروفا ً} ػ لقمان ‪] 15 :‬‬ ‫يقول بعض ا‪١‬تستشرقُت إن هناك‬ ‫تناقضا بُت اآليتُت‪ . .‬كيف أن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ :‬ال توادوا من‬ ‫٭تارب اهلل ورسوله ‪ . .‬ثم يأيت‬ ‫ويقول إذا حاول أبواك أن ‪٬‬تعبلك‬ ‫تشرك باهلل فصاحبهما يف الدنيا‬

‫معروفا ‪ . .‬وطبعا الوالدان اللذان‬ ‫٭تاوالن دفع ابنهما إىل الكفر إ‪٪‬تا‬ ‫٭تاربان اهلل ورسوله ‪ . .‬كيف يتم‬ ‫هذا الؾناقض؟ ‪.‬‬ ‫نقول إنكم لم تفهموا ا‪١‬تعٌت ‪. .‬‬ ‫إن اإلنسان يصنع ا‪١‬تعروف فيمن‬ ‫٭تب ومن ال ٭تب كما قلنا ‪ . .‬فقد‬

‫ٕتد إنسانا يف ضيق وتعطيه مبلغا‬ ‫من ا‪١‬تال كمعروف ‪ . .‬دون أن‬ ‫يكون بؼنك وبؼنه أي صلة ‪ . .‬أما‬ ‫الود فبل يكون إال مع من ٖتب ‪.‬‬ ‫إذن ‪َّ { :‬ما ي َ َو ّدُ } معناها حب‬ ‫القلب ‪ . .‬أي أن قلوب اليهود‬ ‫والنصارى وا‪١‬تشركُت ال ٖتب لكم‬

‫ا‪٠‬تَت ‪ . .‬إهنم يكرهون أن يزنل‬ ‫عليكم خَت من ربكم ‪ . .‬بل هم‬ ‫يف ا‪ٟ‬تقيقة ال يريدون أن يزنل‬ ‫عليكم من ربكم أي شيء ‪٦‬تا‬ ‫يس ىم خَتا ‪ . .‬وا‪٠‬تَت هو وحي اهلل‬ ‫ومنهجه ونبوة رسول صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ِّ { :‬م ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت } ‪ . .‬أي‬ ‫من أي شيء ‪٦‬تا يس ىم خَت ‪ . .‬فأنت‬ ‫حُت تذهب إىل إنسان وتطلب م هن‬ ‫ماال يقول لك ما عندي من مال ‪. .‬‬ ‫أي ال أملك ماال ‪ ،‬ولكنه قد ٯتلك‬ ‫جنيها أو جنيهُت ‪ . .‬وال يعؾرب هذا‬ ‫ماال ٯتكن أن يويف ٔتا تريده ‪. .‬‬

‫وتذهب إىل رجل آخر بنفس‬ ‫الغرض تقول أريد ماال ‪ . .‬يقول‬ ‫لك ما عندي من مال ‪ . .‬أي لؼس‬ ‫عندي وال قرش واحد ‪ ،‬ما عندي‬ ‫أي مبلغ ‪٦‬تا يقال له مال حىت ولو كان‬ ‫عدة قروش ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬

‫يريدنا أن نفهم أن أهل الكتاب‬ ‫والكفار وا‪١‬تشركُت ‪.‬‬ ‫‪ .‬مشًتكون يف كراهؼتهم‬ ‫للمؤمنُت ‪ . .‬حىت إهنم ال يريدون‬ ‫أن يزنل عليكم أي شيء من ربكم‬ ‫‪٦‬تا يطلق عليه خَت ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ِّ { :‬من َّر ِبّ ُك ْم } ‪. .‬‬

‫تدل عىل ا‪١‬تصدر الذي يأيت منه‬ ‫ا‪٠‬تَت من اهلل ‪ . .‬فكأهنم ال ٭تبون أن‬ ‫يزنل عىل ا‪١‬تؤمنُت خَت من اهلل ‪. .‬‬ ‫وهو ا‪١‬تنهج والرسالة ‪ .‬ثم يقول‬ ‫ص‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬واهلل َٮتْت َ ُّ‬ ‫بِ َر ْ َ ِ ِ‬ ‫آء } ‪ . .‬أي أن ا‪٠‬تَت‬ ‫‪ٛ‬تته َمن ي َ َش ُ‬ ‫ال ٮتضع لرغبة الكافرين وأمانيهم ‪.‬‬

‫‪ .‬واهلل يزنل ا‪٠‬تَت ‪١‬تن يشاء ‪ . .‬واهلل‬ ‫قد قسم بُت الناس أمور حياهتم‬ ‫الدنيوية ‪ . .‬فكيف يطلب‬ ‫الكافرون أن ٮتضع اهلل منهجه‬ ‫إلرادهتم؟ واقرأ قوله تبارك وتعاىل‬ ‫‪َ { :‬وقَالُوا ْل َ ْوال َن ُ ِّز َل هذا القرآن عىل‬ ‫َر ُج ٍل ِّم َن القريتُت َع ِظ ٍ‬ ‫يم * أ َ ُه ْم‬

‫ِ‬ ‫ك َ‪٨‬ت ْ ُن قَ َس ْم َان‬ ‫‪ٛ‬ت َت َر ِبّ َ‬ ‫ون َر ْ َ‬ ‫ي َ ْقس ُم َ‬ ‫بَؼْن َ ُه ْم َّمعِي َشت َ ُه ْم ِيف ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬ ‫ورفَعْنَا بَعْ َض ُهم فَو َق بَعْ ٍض در َج ٍ‬ ‫ات‬ ‫ََ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ِ‬ ‫لِ ّؼَتَّخ َذ بَعْ ُض ُهم بَعْضا ً ُس ْخ ِريّا ً‬ ‫‪ٛ‬تت ربِّ َ ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ك َخ َْتٌ ّ‪٦‬تَّا َ‪٬‬ت ْ َم ُع َ‬ ‫َو َر ْ َ ُ َ‬ ‫الزخرف ‪] 32-31 :‬‬ ‫اعًتض الكفار عىل نزول القرآن‬

‫عىل ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫وقالوا لو نزل عىل رجل من‬ ‫القريتُت عظيم ‪ . .‬فَتد عليهم‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬أنتم ال تقسمون‬ ‫ر‪ٛ‬تة اهلل ولكن اهلل يقسم بؼنكم‬ ‫حياتكم يف الدنيا ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يف اآلية اليت ‪٨‬تن‬

‫ص‬ ‫بصددها يقول ‪ { :‬واهلل َٮتْت َ ُّ‬ ‫بِ َر ْ َ ِ ِ‬ ‫آء } ‪ . .‬ساعة تقرأ‬ ‫‪ٛ‬تته َمن ي َ َش ُ‬ ‫كلمة ٮتتص تفهم أن شؼئا خصص‬ ‫لشيء دون غَته ‪ . .‬يعٍت أنٍت‬ ‫خصصت فبلنا بهذا الشيء ‪{ :‬‬ ‫ص بِ َر ْ َ ِ ِ‬ ‫آء} ‪. .‬‬ ‫واهلل َٮتْت َ ُّ‬ ‫‪ٛ‬تته َمن ي َ َش ُ‬ ‫أي يعطي الر‪ٛ‬تة ‪١‬تن يشاء لكي‬

‫يؤدي مهمته أو يزنل ر‪ٛ‬تته عىل من‬ ‫يشاء ‪ ،‬فلؼس ‪٢‬تؤالء الكفار أن‬ ‫يتحكموا يف مشؼئة اهلل ‪،‬‬ ‫وحسدهم وكراهؼتهم للمؤمنُت‬ ‫ال يعطيهم حق التحكم يف ر‪ٛ‬تة‬ ‫اهلل ‪ . .‬ولذلك أراد اهلل أن يرد‬ ‫عليهم بأن هذا الدين سينتشر‬

‫ويزداد ا‪١‬تؤمنون به ‪ . .‬وسيفتح اهلل‬ ‫به أقطارا ودوال ‪ . .‬وسيدخل‬ ‫الناس فيه أفواجا وسيظهره عىل‬ ‫الدين كله ‪.‬‬ ‫ولو تأملنا أسباب انتصار أي عدو‬ ‫عىل من يعاديه لوجدنا إهنا إما‬ ‫أسباب ظاهرة واضحة وإما مكر‬

‫وخداع ‪ْ . .‬تيث يظهر العدو‬ ‫لعدوه أنه ٭تبه ويكيد له يف ا‪٠‬تفاء‬ ‫حىت يتمكن منه فيقتله ‪ . .‬ولقد‬ ‫هاجر رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم إىل ا‪١‬تدينة سرا ‪١ . .‬تاذا؟ ألن‬ ‫اهلل أراد أن يقول لقريش لن‬ ‫تقدروا عىل رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم ولو با‪١‬تكر وا‪٠‬تداع‬ ‫والتبؼيت ‪ . .‬هم بؼتوا الفؾية‬ ‫ليقتلوه ‪ . .‬وجاءوا من كل قؽيلة‬ ‫بفىت ليضيع دمه بُت القبائل ‪. .‬‬ ‫وخرج صىل اهلل عليه وسلم ووضع‬ ‫الًتاب عىل رءوس الفؾية ‪ . .‬اهلل‬ ‫أرادهم أن يعرفوا أهنم لن يقدروا‬

‫عىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫با‪١‬تكر والتبؼيت وا‪٠‬تداع وال‬ ‫بالعداء الظاهر ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬واهلل ُذو الفضل‬ ‫العظيم } ‪ . .‬الفضل هو األمر‬ ‫الزائد عن حاجتك الضرورية ‪.‬‬

‫‪ .‬ولذلك يقول رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬من كان معه فضل‬ ‫ظهر فَلْي َ ُع ْد به عىل من ال ظهر له‬ ‫ومن كان معه فضل زاد فليعد به عىل‬ ‫من ال زاد له »‬ ‫وفضل مال أي مال زائد عىل‬ ‫حاجته ‪ .‬هذا عن الفضل بالنسبة‬

‫للبشر ‪ .‬أما بالنسبة هلل سبحانه‬ ‫وتعاىل فإن كل ما يف كون اهلل اآلن‬ ‫ويف اآلخرة هو فضل اهلل ألنه زائد‬ ‫عىل حاجته؛ فاهلل غَت ‪٤‬تتاج ‪٠‬تلقه‬ ‫وال لكل نعمه اليت سبقت واليت‬ ‫ستأيت ‪ .‬ولذلك قال ‪ { :‬واهلل ُذو‬ ‫الفضل العظيم } ‪ . .‬أي ذو الفضل‬

‫ا‪٢‬تائل الزائد عىل حاجته؛ ألنه‬ ‫رٔتا يكون عندي فضل ‪ ،‬ولكٍت‬ ‫أبقيه ألنٍت سأحتاج إليه مستقببل ‪.‬‬ ‫والفضل ا‪ٟ‬تقيقي هو الذي من عند‬ ‫اهلل ‪ .‬لذلك فإن اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫هو ذو الفضل العظيم؛ ألنه غَت‬ ‫‪٤‬تتاج إىل كل خلقه أو كونه؛ ألن‬

‫اهلل سبحانه كان قبل أن يوجد شيء‬ ‫‪ ،‬وسيكون بعد أال يوجد شيء ‪.‬‬ ‫وهذا ما يس ىم بالفضل العظيم ‪.‬‬

Related Documents

Al
June 2020 39
Al
June 2020 43
Al
November 2019 54
Al
May 2020 42
Al
June 2020 34
Al Jawab Al Kafi
November 2019 103