بسم ال الرحمن الرحيم الموسوعة الفقهية /الجزء الثامن عشر حقد * التّعريف : - 1الحقد من معانيه :الضّغن والنطواء على البغضاء ،وإمساك العداوة في القلب ، والتّربّص لفرصتها ،أو سوء الظّنّ في القلب على الخلئق لجل العداوة ،أو طلب النتقام . وتحقيق معناه :أنّ الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التّشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا . أ -الحسد :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الحسد أحد ثمار الحقد ومعناه في اللّغة :تمنّي الحاسد أن تزول إليه نعمة المحسود ،أو أن ُيسَْلبَها .وهذا معناه في الصطلح . ويقول ابن جزيّ :معناه تألّم القلب بنعمة اللّه تعالى على عباده وتمنّي زوالها عن المنعم عليه ن زوالها عن غيره فذلك غبطة جائزة . .فإن تمنّى مثلها لنفسه ولم يتم ّ ب -الغضب : - 3الغضب ضدّ الرّضا .وحقيقته :تغيّر يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التّشفّي ن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التّشفّي في الحال رجع إلى للصّدر ،وهو يثمر الحقد ل ّ الباطن واحتقن فيه فصار حقا .
الحكم التكليفي : – 4يختلف حكم الحقد بحسب باعثه ،فإن كان لحسد وضغن دون حق فهو مذموم شرعا ، لنه يثير العداوة والبغضاء والضرار بالناس لغير ما ذنب جنوه . وقد ورد ذمه في الشرع فمن ذلك قوله تعالى في ذم المنافقين الذين ساءهم ائتلف المؤمنين واجتماع كلمتهم بحيث أصبح أعداؤهم عاجزين عن التشفي منهم { :وَِإذَا لَقُو ُكمْ قَالُواْ آ َمنّا ن ا ْل َغيْظِ } .فقد ذكر ال سبحانه وتعالى في هذه الية أن لنَامِلَ مِ َ عضّواْ عََل ْي ُكمُ ا َ وَِإذَا خَلَوْاْ َ هؤلء المنافقين يظهرون اليمان عند ملقاتهم للمؤمنين ،وإذا خل بعضهم إلى بعض فإنهم يعضون أطراف أصابعهم لجل الغضب والحنق ،لما يرون من ائتلف المؤمنين واجتماع كلمتهم ،ونصرة ال تعالى إياهم ،بحيث عجز أعداؤهم عن أن يجدوا سبيلً إلى التشفي واضطروا إلى مداراتهم ،وعض النامل عادة النادم السيف العاجز .
وأيضا فإن النبي صلى ال عليه وسلم قد ذم الحقد ونفاه عن المؤمن في قوله صلى ال عليه وسلم « :المؤمن ليس بحقود » . هذا ومما ورد في ذم الحقد والتحذير منه ما روي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :قال فإنس ال يغفسر له رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم « :ثلث مسن لم يكسن فيسه واحدة منهسن ّ ماسوى ذلك لمن يشاء من مات ل يشرك بال شيئا ،ولم يكن ساحرا يتبع السحرة ،ولم يحقد على أخيه » « .وعن عائشة رضي ال عنها قالت :قام رسول ال صلى ال عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنّه قد قبض فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجع فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلته قال - :يا عائشة أو يا حميراء ن النبي صلى ال عليه وسلم قد خاس بك ؟ قلت ل وال يا رسول ال ولكني ظننت أظننت أ ّأنّك قبضت لطول سجودك فقال :أتدرين أي ليلة هذه ؟ قلت ال ورسوله أعلم .قال هذه ليلة إنس ال عسز وجسل يطلع على عباده فسي ليلة النصسف مسن شعبان فيغفسر النصسف مسن شعبان ّ للمستغفرين ،ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم » . ن الحقد كما ذكر المناوي من البليا التي ابتلي بها المناظرون قال الغزالي :ل - 5وأيضا فإ ّ يكاد المناظر ينفك عنه ،إذ ل تكاد ترى مناظرا يقدر على أن ل يضمر حقدا على من يحرك رأسه عند كلم خصمه ويتوقف في كلمه فل يقابله بحسن الصغاء ،بل يضمر الحقد ويرتبه في النفس ،وغاية تماسكه الخفاء بالنفاق . - 6ومما يذهب الحقد الهداء والمصافحة كما قال النبي صلى ال عليه وسلم « تهادوا فإنّ الهدية تذهب وحر الصدر .وفي رواية « :تهادوا تحابوا » . - 7أما إن كان الحقد على ظالم ل يمكن دفع ظلمه أو استيفاء الحق منه ،أو على كافر يؤذي المسلمين ول يمكنهم دفع أذاه ،فإنّ ذلك غير مذموم شرعا ،ثمّ إذا تمكن ممن ظلمه ، فإمّا أن يعفو عنه فذلك من الحسان والعفو عمن ظلمه عند المقدرة . ن ان َتصَرَ َب ْعدَ ظُ ْلمِ ِه َفأُوَْل ِئكَ مَا عََل ْيهِم وإمّا أن يأخذ حقه منه فل حرج فيه لقوله تعالى { :وََلمَ ِ ن النّاسَ } الية ،وقال تعالى { :قَاتِلُو ُه ْم ُي َعذّ ْب ُهمُ اللّهُ ن َيظِْلمُو َ سبِيلُ عَلَى اّلذِي َ سبِيلٍ ِ ،إ ّنمَا ال ّ مّن َ غ ْيظَ قُلُو ِب ِهمْ } . شفِ صُدُو َر قَ ْومٍ مّ ْؤ ِمنِينَ َ ،و ُيذْهِبْ َ صرْ ُكمْ عََل ْيهِمْ َو َي ْ خزِ ِهمْ َويَن ُ ِبَأيْدِي ُكمْ َو ُي ْ
حقّ * التّعريف : ق إذا ثبت ووجب . ق الشّيء يح ّ - 1الحقّ في اللّغة خلف الباطل ،وهو مصدر ح ّ وجاء في القاموس أنّ الحقّ يطلق على المال والملك والموجود الثّابت .ومعنى حقّ المر وجب ووقع بل شكّ ،وعرّفه الجرجانيّ بأنّه الثّابت الّذي ل يسوغ إنكاره .
والحقّ اسم من أسماء اللّه تعالى ،وقيل من صفاته . ومن معاني الحقّ في اللّغة :النّصيب ،والواجب ،واليقين ،وحقوق العقار مرافقه . والحقّ في الصطلح يأتي بمعنيين :الوّل :هو الحكم المطابق للواقع ،ويطلق على القوال والعقائد والديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ويقابله الباطل . والخر :أن يكون بمعنى الواجب الثّابت .وهو قسمان :حقّ اللّه وحقّ العباد . فأمّا حقّ اللّه ،فقد عرّفه التّفتازانيّ :بأنّه ما يتعلّق به النّفع العامّ للعالم من غير اختصاص بأحد ،فينسب إلى اللّه تعالى ،لعظم خطره ،وشمول نفعه ،أو كما قال ابن القيّم :حقّ اللّه ما ل مدخل للصّلح فيه ،كالحدود والزّكوات والكفّارات وغيرها . وأمّا حقّ العبد فهو ما يتعلّق به مصلحة خاصّة له ،كحرمة ماله ،أو كما قال ابن القيّم : وأمّا حقوق العباد ،فهي الّتي تقبل الصّلح والسقاط والمعاوضة عليها .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الحكم : - 2الحكم هو خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين بالقتضاء ،أو التّخيير ،أو الوضع ، ن الحقّ يثبت بالشّرع .فبين الحقّ والحكم علقة المسبّب بالسّبب . والحقّ أثر للحكم ل ّ
الحقّ عند علماء الصول :
- 3المراد بالحقّ عند علماء أصول الفقه :
اتّجه علماء الصول الّذين ذكروا الحقّ اتّجاهين : ن الحقّ هو الحكم ،وهو خطاب اللّه تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين التّجاه الوّل :أ ّ بالقتضاء أو التّخيير أو الوضع . ل خالصة . قال فخر السلم البزدويّ :أمّا الحكام فأنواع :الوّل :حقوق اللّه عزّ وج ّ ق اللّه تعالى غالب . والثّاني :حقوق العباد خالصة .والثّالث :ما اجتمع فيه الحقّان ،وح ّ والرّابع :ما اجتمعا معًا وحقّ العبد فيه غالب .ثمّ قال علء الدّين البخاريّ في شرحه :قال أبو القاسم -رحمه ال -في أصول الفقه :الحقّ :الموجود من كلّ وجه الّذي ل ريب في وجوده ،ومنه « :السّحر حقّ ،والعين حقّ » ،أي موجود بأثره ،وهذا الدّين حقّ ،أي موجود صورةً ومعنًى ،ولفلن حقّ في ذمّة فلن ،أي شيء موجود من كلّ وجه . وقال أيضا :حقّ اللّه تعالى :ما يتعلّق به النّفع العامّ للعالم ،فل يختصّ به أحد .وينسب ص به أحد من الجبابرة ،مثل :حرمة البيت الّذي يتعلّق إلى اللّه تعالى تعظيما ،أو لئلّ يخت ّ به مصلحة العالم ،باتّخاذه قبلةً لصلواتهم ،ومثاب ًة لهم .وكحرمة الزّنى لما يتعلّق بها من عموم النّفع في سلمة النساب ،وصيانة الفراش ،وإنّما الحقّ ينسب إليه تعالى تعظيمًا ،
لنّه يتعالى عن أن ينتفع بشيء ،فل يجوز أن يكون شيء حقّا له بهذا الوجه .ول يجوز أن ل سواء في ذلك .بل الضافة إليه لتشريف ما عظم يكون حقّا له بجهة التّخليق ،لنّ الك ّ خطره ،وقوي نفعه ،وشاع فضله ،بأن ينتفع به النّاس كافّةً . وحقّ العبد :ما يتعلّق به مصلحة خاصّة له ،مثل :حرمة ماله ،فإنّها حقّ العبد ،ليتعلّق صيانة ماله بها .فلهذا يباح مال الغير بإباحة المالك ،ول يباح الزّنى بإباحة المرأة ،ول بإباحة أهلها . ج ،والحقّ أن يقال :يعني وقال صاحب تيسير التّحرير :ويرد عليه الصّلة والصّوم والح ّ ق هو العبد . ق اللّه ما يكون المستحقّ هو اللّه ،وبحقّ العبد ما يكون المستح ّ بح ّ وقال الكنديّ :الحقّ :الموجود ،والمراد به هنا :حكم يثبت . وقال القرافيّ :حقّ اللّه :أمره ونهيه .وحقّ العبد :مصالحه .والتّكاليف على ثلثة أقسام: الوّل :حقّ اللّه تعالى فقط ،كاليمان وتحريم الكفر . والثّاني :حقّ العباد فقط ،كالدّيون والثمان .والثّالث :قسم اختلف فيه ،هل يغلب فيه حقّ اللّه ،أو يغلب فيه حقّ العبد ،كح ّد القذف ،ونعني بحقّ العبد المحض :أنّه لو أسقطه ق للّه تعالى ،وهو أمره بإيصال ذلك الحقّ إلى ل وفيه ح ّ ل فما من حقّ للعبد إ ّ لسقط ،وإ ّ مستحقّه .ثمّ قال :ما تقدّم من أنّ حقّ اللّه تعالى أمره ونهيه ،مشكل بما في الحديث الصّحيح عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :فإنّ حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا » فيقتضي أنّ حقّ اللّه تعالى على العباد نفس الفعل ،ل المر به ،وهو خلف ما نقلته قبل هذا .والظّاهر أنّ الحديث مؤوّل ،وأنّه من باب إطلق المر على متعلّقه الّذي هو الفعل ،فظاهره معارض لما حرّره العلماء من حقّ اللّه تعالى ،ول يفهم من ل أمره بها ،إذ لو فرضنا أنّه غير مأمور بها لم يصدق أنّها قولنا :الصّلة حقّ اللّه تعالى إ ّ حقّ اللّه تعالى ،فنجزم بأنّ الحقّ هو نفس المر ،ل الفعل ،وما وقع من ذلك مؤوّل .
التّجاه الثّاني : ن الحقّ هو الفعل فقال :المحكوم به -وهو ما - 4الحقّ هو الفعل :ذكر سعد التّفتازانيّ أ ّ يسمّيه بعضهم المحكوم فيه -هو الفعل الّذي تعلّق به خطاب الشّارع .فل بدّ من تحقّقه حسّا س أو بالعقل ،إذ الخطاب ل يتعلّق بما ل ،أي من وجوده في الواقع ،بحيث يدرك بالح ّ يكون له وجود أصلً .وأكّد صاحب تهذيب الفروق أنّ الحقّ هو الفعل ،فقال :حقّ اللّه تعالى :هو متعلّق أمره ونهيه ،الّذي هو عين عبادته ،ل نفس أمره ونهيه المتعلّق بها ، جنّ وَا ْلإِنسَ إِلّا ِل َي ْع ُبدُونِ } ،وقول الرّسول لمرين :الوّل :قوله تعالى َ { :ومَا خَلَقْتُ ا ْل ِ صلى ال عليه وسلم « :حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا » .
الثّاني :أنّ الحقّ معناه :اللّازم له على عباده ،واللّازم على العباد ل بدّ أن يكون مكتسبا لهم ،وكيف يصحّ أن يتعلّق الكسب بأمره ونهيه ،وهو كلمه ،وكلمه صفته القديمة .وحقّ العبد ثلثة أقسام :الوّل :حقّه على اللّه ،وهو ملزوم عبادته إيّاه بوعده ،وهو أن يدخله الجنّة ،ويخلّصه من النّار . والثّاني :حقّه في الجملة ،وهو المر الّذي تستقيم به أوله وأخراه من مصالحه . والثّالث :حقّه على غيره من العباد ،وهو ما له عليهم من الذّمم والمظالم . وفي هذا تأييد لبن الشّاطّ من المالكيّة حيث قال :الحقّ والصّواب ما اقتضاه ظاهر الحديث ، ن الحقّ هو عين العبادة .ل المر المتعلّق بها . من أ ّ -5وقسّم ابن رجب حقوق العباد إلى خمسة أقسام : أ -حقّ الملك . ب -حقّ التّملّك كحقّ الوالد في مال ولده وحقّ الشّفيع في الشّفعة . ج -حقّ النتفاع كوضع الجار خشبةً على جدار جاره إذا لم يضرّه . د -حقّ الختصاص وهو عبارة عمّا يختصّ مستحقّه بالنتفاع به ول يملك أحد مزاحمته فيه ،وهو غير قابل للشّمول والمعاوضات مثل مرافق السواق ،والجلوس في المساجد . هس -حقّ التّعلّق لستيفاء الحقّ مثل تعلّق حقّ المرتهن بالرّهن .
المراد بالحقّ عند الفقهاء : - 6المراد بالحقّ غالبًا عند الفقهاء :ما يستحقّه الرّجل . وإطلقات الفقهاء للحقّ كانت مختلف ًة ومتعدّدةً ،منها : - 1إطلق الحقّ على ما يشمل الحقوق الماليّة وغير الماليّة ،مثل قولهم :من باع بثمن حالّ ثمّ أجّله صحّ ،لنّه حقّه ،أل ترى أنّه يملك إسقاطه ،فيملك تأجيله . - 2اللتزامات الّتي تترتّب على العقد -غير حكمه -وتتّصل بتنفيذ أحكامه . مثل :تسليم الثّمن الحالّ أ ّولً ث ّم تسليم المبيع ،وذلك في قولهم :ومن باع سلع ًة بثمن سلّمه ن المبيع يتعيّن بالتّعيين ،والثّمن ل يتعيّن إلّ ل ،تحقيقًا للمساواة بين المتعاقدين ،ل ّ أ ّو ً ل أن يكون الثّمن مؤجّلً ،لنّه أسقط حقّه بالتّأجيل ،فل بالقبض ،فلهذا اشترط تسليمه إ ّ يسقط حقّ الخر . - 3الرزاق الّتي تمنح للقضاة والفقهاء وغيرهم من بيت مال المسلمين ،مثل قول ابن نجيم ق في ديوان الخراج كالمقاتلة والعلماء وطلبتهم والمفتين والفقهاء يفرض لولدهم :من له ح ّ تبعًا ،ول يسقط بموت الصل ترغيبا . ق الشّرب . - 4مرافق العقار ،مثل :حقّ الطّريق ،وحقّ المسيل ،وح ّ
-5الحقوق المجرّدة ،وهي المباحات ،مثل :حقّ التّملّك ،وحقّ الخيار للبائع أو للمشتري ، وحقّ الطّلق للزّوج .
مصدر الحقّ : ق هو اللّه تعالى لتنظيم حياة الخلق ،حتّى يكونوا سعداء في الدّنيا والخرة. - 7مصدر الح ّ ل يجعل اللّه للعبد حقّا أصلً ،ولكنّه تفضّل على عباده فجعل للشّخص حقوقا وكان يمكن أ ّ تؤدّى له ،وكلّفه بأداء حقوق للّه تعالى وللخرين ،ثمّ أعلمه وبلّغه ما له من حقوق ،وما عليه من واجبات عن طريق الشّرائع السّماويّة الّتي ختمت بالشّريعة السلميّة فكانت ناسخةً لما قبلها وعا ّمةً لجميع الخلق . فما أثبتته الشّريعة السلميّة حقّا فهو حقّ ،وما عداه فليس بحقّ ،فالحاكم هو اللّه تعالى قال ح ْكمُ إلّ لِلّهِ } وعلى ذلك إجماع المسلمين ،والحقوق هي أثر خطاب اللّه عزّ وجلّ { :إن ال ُ ل حكم شرعيّ ليس بخال عن حقّ اللّه تعالى ، الشّرع على ما تقدّم ،قال الشّاطبيّ :إنّ ك ّ وهو جهة التّعبّد ،فإنّ حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا ،وعبادته امتثال أوامره ،واجتناب نواهيه بإطلق . فإن جاء ما ظاهره أنّه حقّ للعبد مجرّدا فليس كذلك بإطلق ،بل جاء على تغليب حقّ العبد ل ،بناءً ن كلّ حكم شرعيّ ففيه حقّ للعباد ،إمّا عاجلً وإمّا آج ً في الحكام الدّنيويّة .كما أ ّ على أنّ الشّريعة إنّما وضعت لمصالح العباد ،روي عن معاذ -رضي ال عنه -قال « : فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :يا معاذ ،هل تدري حقّ اللّه على عباده ،وما حقّ العباد على اللّه ؟ قلت :اللّه ورسوله أعلم ،قال :فإنّ حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ول ل يعذّب من ل يشرك به شيئا » . يشركوا به شيئا ،وحقّ العباد على اللّه أ ّ ن كلّ الحقوق حتّى حقّ العبد هو حقّ للّه وحده بادئ ذي بدء ،فقال :كلّ ثمّ ذكر الشّاطبيّ أ ّ ن ما هو للّه فهو للّه ،وما كان للعبد فراجع إلى اللّه من وجهين : تكليف حقّ اللّه ،فإ ّ أ -من جهة حقّ اللّه فيه . ب -ومن جهة كون حقّ العبد من حقوق اللّه ،إذ كان للّه ألّ يجعل للعبد حقّا أصلً ،إذ الشياء كلّها بالنّسبة إلى وضعها الوّل متساوية ،ل قضاء للعقل فيها بحسن ول قبح ،فإذن كون المصلحة مصلحةً هو من قبل الشّارع ،بحيث يصدّقه العقل ،وتطمئنّ إليه النّفس .
أركان الحقّ هي :
8
-أ -صاحب الح قّ ،و هو في حقوق العباد الشّ خص الّذي ث بت له الح قّ ،كالزّوج
باعتباره صاحب حقّ على الزّوجة بالنّسبة لطاعته .
أمّا في حقوق اللّه تعالى كال صّلة وال صّوم فإ نّ صاحب الح قّ في ها هو اللّه تعالى وحده ول يشاركه في هذا الحقّ أحد غيره ،ولذا ل يملك أحد إسقاط حقّه تعالى . ق هو اللّه تعالى ، ب -من عليه الحقّ ،وهو الشّخص المكلّف بالداء ،فإذا كان صاحب الح ّ فيكون المكلّف بأداء الحقّ هو من عليه هذا الحقّ ،سواء أكان فردا كما في فرض العين ،أم جماع ًة كما في فرض الكفاية مثلً . ل الحقّ أي الشّيء المستحقّ ،كالفرائض الخمس في حقّ اللّه تعالى .والمال ج -مح ّ حقيقة ،كالقدر المقبوض من المهر ،وهو معجّل الصّداق أو حكما ،كالقدر المؤخّر من ل الستمتاع بعقد الزّواج . المهر لقرب الجلين ،وكذا سائر الدّيون .والنتفاع ،كح ّ والعمل ،مثل :ما تقوم به الزّوجة من أعمال ،وتمكين الزّوج من نفسها .والمتناع عن عمل ،مثل :عدم فعل الزّوجة ما يغضب اللّه أو يغضب الزّوج . ق لصاحب الحقّ أن يكون غير ممنوع شرعا ،لنّ الصل في ويشترط في الشّيء المستح ّ ل ما نهى الشّرع عنه ،فإذا كان الشّيء غير مشروع فل يكون حقّا ، الشياء الباحة شرعا إ ّ ق المطالبة بما هو غير مشروع ،مثل :تمكين الزّوج من الستمتاع وليس لصاحب الح ّ ل وقت ،لنّه ليس مشروعًا في بزوجته فإنّه حقّ مشروع ،ولكنّه ليس مشروعا دائما في ك ّ ع َتزِلُو ْا ال ّنسَاء فِي ن ا ْل َمحِيضِ قُلْ ُهوَ َأذًى فَا ْ سأَلُو َنكَ عَ ِ حال الحيض ،قال اللّه تعالى َ { :و َي ْ ن اللّ َه ُيحِبّ حيْثُ َأ َم َر ُكمُ اللّ ُه إِ ّ ن َ ن مِ ْ ط ّهرْنَ َف ْأتُوهُ ّ ن َفإِذَا َت َ طهُرْ َ حّتىَ َي ْ ن َ ا ْل َمحِيضِ َولَ تَ ْق َربُوهُ ّ ط ّهرِينَ } . ب ا ْل ُمتَ َ التّوّابِينَ َو ُيحِ ّ
أقسام الحقّ : - 9يقسّم الحقّ إلى تقسيمات عدّة باعتبارات مختلفة . باعتبار اللّزوم وعدمه ،باعتبار عموم النّفع وخصوصه ،وباعتبار وجود حقّ العبد وعدمه ، باعتبار إسقاط العبد للحقّ وعدم قدرته على إسقاط الحقّ ،وباعتبار إسقاط السلم للحقّ وعدم إسقاطه له ،وباعتبار معقوليّة المعنى وعدم معقوليّته ،وباعتبار عدم خل ّو كلّ حقّ من حقّ للّه تعالى وحقّ للعبد ،وباعتبار العبادات والعادات ،وباعتبار الحقّ التّامّ والحقّ المخفّف ،وباعتبار الحقّ المحدّد وغير المحدّد ،وباعتبار الحقّ المعيّن والمخيّر ،وباعتبار الحقّ المطلق والمقيّد ،وباعتبار الحقّ العينيّ والكفائيّ ،وباعتبار ما يورث من الحقوق وما ل ق الماليّ وغير الماليّ ،وباعتبار الحقّ الدّيانيّ والقضائيّ ،أو الدّنيويّ يورث ،وباعتبار الح ّ والخرويّ ،وغير ذلك . ومرجع هذه التّقسيمات ،إمّا بالنّظر إلى صاحب الحقّ ،أو بالنّظر إلى من عليه الحقّ ،أو بالنّظر إلى الشّيء المستحقّ ،أو بالنّظر إلى ما يتعلّق به الحقّ .
أوّلً :باعتبار اللّزوم وعدمه : - 10يقسّم الحقّ في الشّريعة السلميّة إلى قسمين :لزم ،وجائز بمعنى أنّه غير لزم . ق الّذي يقرّره الشّرع على جهة الحتم ،فإذا قرّره النّوع الوّل :الحقّ اللّازم ،وهو الح ّ الشّرع أوجد في مقابله واجبا ،وقرّر هذا الواجب على الخرين في نفس الوقت ،فالحقّ والواجب في المقابل قد وجدا في وقت واحد ،دون تخلّف أحدهما عن الخر ،فهما متلزمان وإن اختلف معنى كلّ واحد منهما عن الخر ،كحقّ الملك فإنّه يجب ،فمثلً :حقّ الحياة حقّ لكلّ شخص ،ويجب على الخرين -أفرادا ومجتمعا -أن يحترموا هذا الحقّ ،ول يجوز لهم العتداء عليه ،أو حرمانه منه ،وكذلك حقّ الح ّريّة فل يستعبد الحرّ ،وكذلك حقّ الملك وغيره من الحقوق . وإذا كان لصحاب هذه الحقوق حقّ ،ويجب على الخرين عدم العتداء عليه ،فإنّ لهؤلء الخرين حقّا في عدم الضرار بهم عند استعمال هذه الحقوق والتّمتّع بها . النّوع الثّاني :الحقّ الجائز ،وهو الحقّ الّذي يقرّره الشّرع من غير حتم ،وإنّما يقرّره على جهة النّدب أو الباحة .مثاله أمر المحتسب بصلة العيد ،قال الماورديّ :هل يكون المر بها من الحقوق اللّازمة أو من الحقوق الجائزة ؟ على وجهين من اختلف أصحاب الشّافعيّ فيها ،هل هي مسنونة أو من فروض الكفاية ،فإن قيل :إنّها مسنونة كان المر بها ندبا ، وإن قيل إنّها من فروض الكفاية كان المر بها حتما .
ثانيا :تقسيم الحقوق باعتبار عموم النّفع وخصوصه :
-11قسّم فقهاء الحنفيّة الحقوق باعتبار عموم النّفع وخصوصه إلى أربعة أقسام : حقوق اللّه الخالصة ،حقوق العباد الخالصة ،ما اجتمع فيه حقّ اللّه وحقّ العبد لكن حقّ اللّه غالب ،وما اجتمع فيه الحقّان لكن حقّ العبد غالب .
القسم الوّل :حقوق اللّه تعالى الخالصة : ص به أحد ،وإنّما هو عائد - 12حقّ اللّه تعالى :ما يتعلّق به النّفع العامّ للعالم ،فل يخت ّ على مجموع الفراد والجماعات ،وإنّما ينسب هذا الحقّ إلى اللّه تعالى تعظيما ،أو لئلّ يختصّ به أحد من الجبابرة ،كحرمة البيت الحرام الّذي يتعلّق به مصلحة العالم ،وذلك باتّخاذه قبلةً لصلواتهم ،ومثاب ًة لهم ،وكحرمة الزّنى لما يتعلّق بها من عموم النّفع في سلمة النساب ،وصيانة الفراش .وإنّما ينسب الحقّ إلى اللّه تعالى تعظيما ،لنّ اللّه عزّ وجلّ يتعالى عن أن ينتفع بشيء ،فل يجوز أن يكون شيء حقّا له بهذا الوجه ،لنّه باعتبار ل. التّضرّر أو النتفاع هو متعال عن الك ّ
ن الكلّ سواء في ذلك ،بل الضافة إليه لتشريف ول يجوز أن يكون حقّا له بجهة التّخليق ،ل ّ ما عظم خطره ،وقوي نفعه ،وشاع فضله ،بأن ينتفع به النّاس كافّ ًة ،فباعتبار التّخليق سمَاوَاتِ َومَا فِي الكلّ سواء في الضافة إلى اللّه تعالى ،قال عزّ وجلّ { :وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ ا ْلَأرْضِ } .
أنواع حقوق اللّه الخالصة : - 13حقوق اللّه تعالى الخالصة عند الحنفيّة أيضا ثمانية أنواع : أ -عبادة خالصة ،مثل :اليمان ،والصّلة ،وصوم رمضان ،وهي واجبة على المكلّف البالغ العاقل .وكذلك زكاة المال عند الحنفيّة -عبادة خالصة ،لنّها قرنت بالصّلة والصّوم وعدّت من أركان السلم ،قال صلى ال عليه وسلم « :بني السلم على خمس :شهادة أن ل اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ،وإقام الصّلة ،وإيتاء الزّكاة ،والحجّ ،وصوم ل إله إ ّ رمضان » . ب -عبادة فيها معنى المئونة ،مثل :صدقة الفطر ،وكذلك زكاة المال -عند جمهور الفقهاء .والمئونة هي الوظيفة الّتي تعود بالنّفع العا ّم على الفقراء والمساكين وغيرهم من صدَقَاتُ لِلْ ُف َقرَاء وَا ْل َمسَاكِينِ وَا ْلعَامِلِينَ عََل ْيهَا وَا ْل ُمؤَلّفَةِ المستحقّين في قوله عزّ وجلّ ِ { :إ ّنمَا ال ّ ل}. سبِي ِ ن ال ّ سبِيلِ الّلهِ وَابْ ِ قُلُو ُب ُهمْ َوفِي الرّقَابِ وَا ْلغَا ِرمِينَ َوفِي َ وإنّما كانت صدقة الفطر فيها معنى المئونة ،لنّها وجبت على النسان بسبب نفسه وبسبب غيره ،وهم الشخاص الّذين يمونهم ويلي عليهم . ولكونها وجبت على المخرج بسبب الغير لم تكن عباد ًة خالصةً ،وإنّما كان فيها معنى المئونة ،لنّ العبادة الخالصة ل تجب بسبب الغير . أمّا زكاة المال -عند جمهور الفقهاء -ففيها معنى المئونة ،لنّها وجبت على الشّخص بسبب خارج عن ذاته ،وهو ملكيّته للمال المستوفي لشروط الزّكاة ،وشكرًا للّه على بقائه ن كلّا من زكاة المال وصدقة الفطر مساعدة للفقراء زائدًا عن حاجته ،وعدم هلكه .كما أ ّ والمساكين وغيرهم من مصارف الزّكاة . ج -مئونة فيها معنى العبادة ،مثل :زكاة الزّروع والثّمار المقدّرة بالعشر أو نصف العشر على الزّارع حسب شروطها .وإنّما كانت مئون ًة ،لنّها وظيفة مقدّرة شرعا على نماء الرض من الزّروع والثّمار ،وتجب بسبب ما يخرج منها ،اعترافا بفضل اللّه تعالى ،لنّ سمَاوَاتِ وَا ْلَأرْضَ وَأَنزَلَ َلكُم ن خََلقَ ال ّ ل َ { :أمّ ْ اللّه هو المنبت والرّازق ،حيث قال عزّ وج ّ جرَهَا } . شَ ن َل ُكمْ أَن تُن ِبتُوا َ حدَا ِئقَ ذَاتَ َب ْهجَ ٍة مّا كَا َ سمَاء مَاء َفأَن َبتْنَا ِبهِ َ ن ال ّ مّ َ وإنّما كان فيها معنى العبادة لمور :منها :
- 1أنّها وجبت ابتدا ًء على المسلم فقط ،ولم تجب ابتداءً على غير المسلم من ال ّزرّاع ، والعبادة ل يكلّف بها غير المسلم . - 2أنّها تعطى لفئات معيّنة ممّن تستحقّ الخذ من الصّدقات ،ول يجوز للسّلطان أن يعطيها للغنياء . د -مئونة فيها معنى العقوبة ،مثل :الخراج على الرض الزّراعيّة . وهو الوظيفة المبيّنة الموضوعة على الرض بسبب التّمكّن من زراعة الرض ،وبقائها تحت أيدي أصحابها من غير المسلمين . أمّا المئونة فلتعلّق بقاء الرض لهل السلم بالمقاتلين الّذين هم مصارف الخراج .والعقوبة ن الخراج يتعلّق بالرض بصفة التّمكّن من الزّراعة ، للنقطاع بالزّراعة عند الجهاد ،ل ّ والشتغال بها عمار ًة للدّنيا ،وإعراض عن الجهاد .وهو سبب الذّلّ شرعا ،فكان الخراج في الصل صغارا . هس – حقوق دائرة بين العبادة والعقوبة وهي الكفّارات ،مثل :كفّارة الظّهار ،وكفّارة الفطر في رمضان عمدا ،وكفّارة الحنث في اليمين ،والكفّارة عقوبة لنّها وجبت جزا ًء على الفعل المحظور شرعًا ،فالعقوبة في الكفّارة من جهة الوجوب . وأمّا العبادة في الكفّارات فهي من جهة الداء ،لنّها تؤدّى ببعض أنواع العبادات ،مثل : الصّوم والطعام والعتق . أمّا كفّارة الفطر في رمضان عمدا فإنّ جهة العقوبة فيها غالبة ،لنّه ليس في الفطار عمدا شبهة الباحة بوجه ما ،ولمّا كانت جناية المفطر عمدا كاملةً ،كان المفروض أن يترتّب ن المفطر ليس على ذلك عقوبة محضة ،ولكنّه عدل عن ذلك لقصور الجناية من حيث إ ّ مبطلًا لحقّ اللّه الثّابت ،وإنّما هو مانع من تسليم الحقّ إلى مستحقّه . ن تقصيره كان لضعفه وعدم قدرته على أداء ما ولذلك لم يكن الزّجر عقوب ًة محضةً ،ل ّ وجب عليه ،وذلك مع التّسليم بخطئه وقبح فعله .أمّا بقيّة الكفّارات فإنّ العقوبة فيها تبع . و -عقوبة خالصة وهي الحدود ،مثل :ح ّد السّرقة ،وحدّ شرب الخمر ،وحدّ الزّنى . ز -عقوبة قاصرة وهي حرمان القاتل من الرث ،إذا قتل الوارث البالغ مورثه . وإنّما كانت قاصر ًة لنّه لم يلحق القاتل ألم في بدنه ول نقصان في ماله ،بل هو مجرّد منع لثبوت ملكه في التّركة ،فهي ليست عقوبةً كامل ًة أصليّةً ،وإنّما هي عقوبة إضافيّة للعقوبة الصليّة للقتل سواء أكان عمدًا أم غير عمد ،لنّه قصد حرمان هذا القاتل من تحقيق هدفه ، ن من وهو تعجّل الميراث ،ولذلك حرم من الميراث الّذي يأتي إليه عن طريق المقتول ،ل ّ استعجل الشّيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .
ح -حقّ قائم بنفسه ثبت للّه تعالى ابتداءً ،مثل :الخمس في الغنائم ،قال عزّ وجلّ { : خ ُمسَهُ وَلِل ّرسُولِ وَِلذِي الْ ُق ْربَى وَا ْل َيتَامَى وَا ْل َمسَاكِينِ وَابْنِ غ ِن ْمتُم مّن شَيْ ٍء َفأَنّ لِّلهِ ُ وَاعَْلمُو ْا َأ ّنمَا َ ج ْمعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ ع ْب ِدنَا َي ْومَ الْ ُف ْرقَانِ َي ْومَ ا ْلتَقَى ا ْل َ سبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَن ُتمْ بِالّلهِ َومَا أَنزَ ْلنَا عَلَى َ ال ّ شيْءٍ َقدِيرٌ } . َ ومثل :خمس ما يستخرج من الرض والبحار من معادن ونفط وفحم حجريّ وغير ذلك . وإنّما كان هذا الحقّ قائما بنفسه ،لنّه لم يتعلّق بذمّة شخص ،ولم يدخل في ملك شخص ثمّ ق للّه تعالى ،لنّه ن الجهاد والقتال في سبيل اللّه ح ّ أخرجه زكاةً أو صدقةً تبرّعا ،وذلك ل ّ إعلء لكلمة اللّه ،ونشر لدينه ،وذلك بإزالة العوائق أيّا كانت أمام الدّعوة السلميّة ،ولمّا ل { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا إِن تَنصُرُوا كان النّاصر للمسلمين هو اللّه تعالى ،حيث قال عزّ وج ّ ص ْر ُكمْ َو ُي َثبّتْ َأ ْقدَا َمكُ ْم } ،فالغنائم كلّها حقّ للّه تعالى ،ولكنّ اللّه هو الّذي جعل اللّ َه يَن ُ للمحاربين حقّا في الغنيمة ،حيث منحهم أربعة أخماس الغنيمة ،وبقي الخمس على ملك اللّه ،حقّا له ،فيكون طاهرا في ذاته ،لنّه لم يكن أداةً للتّطهير والتّزكية ،فل يحمل في طيّاته دنسا أو وزرا ،ولذلك جاز للرّسول صلى ال عليه وسلم وآله أن يأكلوا من خمس ل لهم . الغنيمة ،بخلف أموال الزّكاة والصّدقة فل تح ّ ولذلك يجوز للحاكم إعطاء المعدن والنّفط للّذي وجده واستخرجه من الرض إذا كان محتاجا ومستحقّا للصّدقة كما أنّه يجوز إعطاء الخمس لغير الفقراء والمساكين ،لنّه ليس صدقةً ول عبادةً ول مئونةً ول عقوب ًة ،لنّه لم يخرج من أموال النّاس حتّى يأخذ صفةً من هذه الصّفات ،وإنّما هو باق على حكم ملك اللّه تعالى ظاهرًا وباطنا ،حقيق ًة وحكما .
القسم الثّاني :حقّ العبد الخالص - 14حقّ العبد الخالص هو :ما كان نفعه مختصّا بشخص معيّن ،مثل :حقوق الشخاص الماليّة أو المتعلّقة بالمال ،كحقّ الدّية ،وحقّ استيفاء الدّين ،وحقّ استرداد المغصوب إن كان موجودًا ،أو حقّ استرداد مثله أو قيمته إن كان المغصوب هالكا . فتحريم مال الشّخص على غيره حقّ لهذا الشّخص .حتّى يتمكّن من حماية ماله وصيانته ، ل ماله لغيره بالباحة والتّمليك . ولهذا يملك أن يح ّ
ق اللّه غالب : ق العبد ولكن ح ّ ق اللّه وح ّ القسم الثّالث :ما اجتمع فيه ح ّ
- 15مثاله :حدّ القذف بعد تبليغ المقذوف ،وثبوت الحدّ على القاذف .
ن المقذوف بالزّنى قد اتّهم في عرضه ودينه ،وللّه فيه حقّ ، فللعبد في حدّ القذف حقّ ،ل ّ ن القذف بالزّنى مساس بالعراض علنا ،ممّا يؤدّي إلى شيوع الفاحشة ،وانتشار اللفاظ لّ المخلّة بالداب .وغلب حقّ اللّه تعالى لكي يتحتّم إقامة الحدّ على القاذف ،لعتدائه على
المجتمع وعلى المقذوف ،ولكي يمنع المقذوف من التّنازل عن حقّه ،أو الصّلح عليه ،أو تولّي تنفيذ الح ّد بنفسه ،ويترتّب على تغليب حقّ اللّه ما يأتي : أ -تداخل العقوبة ،بمعنى أنّه لو قذف جماع ًة بكلمة أو كلمات متفرّقة ،ل يقام عليه إلّ حدّ واحد فقط . ب -ل يجري فيه الرث . ج -ل يسقط بعفو المقذوف . ن ا ْل َعذَابِ }. ت مِ َ صنَا ِ ح َ ن ِنصْفُ مَا عَلَى ا ْل ُم ْ د -تتنصّف العقوبة بال ّرقّ ،قال اللّه تعالىَ {:فعَلَ ْيهِ ّ هس -يفوّض تنفيذ الح ّد للمام . ق اللّه وحقّ العبد لكن حقّ العبد غالب : القسم الرّابع :ما اجتمع فيه ح ّ - 16مثل :القصاص من القاتل عمدا عدوانا .فللّه فيه حقّ ،لنّه اعتداء على المجتمع ، واعتداء على مخلوق اللّه وعبده الّذي حرّم دمه إلّ بحقّ ،وللّه في نفس العبد حقّ الستعباد ، ت ا ْلجِنّ وَا ْلإِنسَ إِلّا ِل َي ْع ُبدُونِ } ل َ { :ومَا خَلَقْ ُ حيث قال عزّ وج ّ وللعبد في القصاص حقّ ،لنّ القتل العمد اعتداء على شخصه ،لنّ للعبد المقتول في نفسه حقّ الحياة ،وحقّ الستمتاع بها فحرمه القاتل من حقّه ،وهو اعتداء على أولياء المقتول ، لنّه حرمهم من رعاية مورثهم ،واستمتاعهم بحياته .فكان القتل العمد اعتداءً على حقّ اللّه وحقّ العبد ،ولذلك كان في شرعيّة القصاص إبقاء للحقّين ،وإخلء للعالم من الفساد . حيَا ٌة َياْ أُوِليْ الَ ْلبَابِ َلعَّل ُكمْ َتتّقُونَ } . تصديقًا لقول اللّه تعالى { :وََل ُكمْ فِي الْ ِقصَاصِ َ وغلب حقّ العبد ،لنّ وليّ المقتول يملك رفع دعوى القصاص أو عدم رفعها ،وبعد المطالبة بالقصاص والحكم على الجاني القاتل يملك التّنازل عنه والصّلح على مال أو الصّلح بغير عوض ،كما يملك تنفيذ حكم القصاص على القاتل إن أراد ذلك وكان يتقن التّنفيذ ،ول ق التّعزير. ل بإذن الحاكم ،لئلّ يفتات عليه ،فلو فعل وقع القصاص موقعه واستح ّ يجوز ذلك إ ّ
تقسيم الحقوق باعتبار وجود حقّ للعبد : - 17قسّم فقهاء المالكيّة الحقوق باعتبار وجود حقّ للعبد وعدم وجود حقّ له إلى قسمين رئيسيّين ،وهما : - 1حقّ اللّه فقط ،مثل :اليمان ،وتحريم الكفر . - 2حقّ العبد .ثمّ قسّموا حقّ العبد إلى ثلثة أقسام : الوّل :حقّ العبد على اللّه ،وملزوم عبادته إيّاه ،وهو أن يدخله الجنّة ،ويخلّصه من النّار. الثّاني :حقّ العبد في الجملة ،وهو المر الّذي يستقيم به أوله وأخراه من مصالحه ،مثل : تحريم الخمر .
الثّالث :حقّ العبد على غيره من العباد ،وهو ما له عليهم من الذّمم والمظالم ،مثل : الدّين ،وثمن المبيع .
ق للعبد : الحقوق كلّها فيها حقّ للّه وح ّ ن حقّ اللّه على العباد أن ي ليس بخال عن حقّ اللّه وهو جهة التّعبّد ،فإ ّ ل حكم شرع ّ - 18ك ّ يعبدوه ول يشركوا به شيئا ،وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلق . فإن جاء ما ظاهره أنّه حقّ مجرّد للعبد فليس كذلك بإطلق ،بل جاء على تغليب حقّ العبد ن كلّ حكم شرعيّ فيه حقّ للعباد إمّا عاجلً وإمّا آجلً ،بنا ًء على في الحكام الدّنيويّة .كما أ ّ ن الشّريعة إنّما وضعت لمصالح العباد ،ولذلك قال في الحديث « :حقّ العباد على اللّه إذا أّ عبدوه ولم يشركوا به شيئا أن ل يعذّبهم » . وعادتهم في تفسير حقّ اللّه أنّه ما فهم من الشّرع أنّه ل خيرة فيه للمكلّف ،كان له معنًى معقول أو غير معقول . وحقّ العبد :ما كان راجعا إلى مصالحه في الدّنيا .فإن كان من المصالح الخرويّة فهو من ق للّه . جملة ما يطلق عليه أنّه ح ّ ومعنى التّعبّد عندهم :أنّه ما ل يعقل معناه على الخصوص . وأصل العبادات راجعة إلى حقّ اللّه ،وأصل العادات راجعة إلى حقوق العباد . وقال العزّ بن عبد السّلم :حقوق اللّه ثلثة أقسام :أحدها ما هو خالص للّه كالمعارف والحوال المبنيّة عليها ،واليمان بما يجب اليمان به ،كاليمان بإرسال الرّسل وإنزال الكتب وبما تضمّنته الشّرائع من الحكام ،وبالحشر والنّشر والثّواب والعقاب . الثّاني :ما يتركّب من حقوق اللّه وحقوق عباده كالزّكاة والصّدقات والكفّارات والموال المندوبات والضّحايا والهدايا والوصايا والوقاف ،فهذه قربة إلى اللّه من وجه ،ونفع لعباده من وجه ،والغرض الظهر منها نفع عباده وإصلحهم بما وجب من ذلك أو ندب إليه ،فإنّه قربة لباذليه ورفق لخذيه . الثّالث :ما يتركّب من حقوق اللّه وحقوق رسوله صلى ال عليه وسلم وحقوق المكلّف والعباد أو يشتمل على الحقوق الثّلثة . ق اللّه تعالى فالتّكبيرات والشّهادة ولذلك أمثلة :أحدها الذان ،فيه الحقوق الثّلثة :أمّا ح ّ بالوحدانيّة ،وأمّا حقّ الرّسول صلى ال عليه وسلم فالشّهادة له بالرّسالة ،وأمّا حقّ العباد ق النّساء والمنفردين ،والدّعاء إلى الجماعات في فبالرشاد إلى تعريف دخول الوقات في ح ّ حقّ المقتدي .
تقديم الحقوق بعضها على بعض عند تيسّره وتعذّر الجمع :
- 19قال المام الزّركشيّ :حقوق اللّه إذا اجتمعت فهي على أقسام : أ -ما يتعارض فيقدّم آكده .فمنه :تقديم الصّلة آخر وقتها على رواتبها وكذلك على ل ما يسع الحاضرة فإن كان يسع المؤدّاة والمقضيّة فالفائتة المقضيّة إذا لم يبق من الوقت إ ّ أولى بالتّقديم مراعا ًة للتّرتيب .ومنها :تقديم النّوافل المشروع فيها الجماعة كالعيدين على الرّواتب .نعم تقدّم الرّواتب على التّراويح في الصحّ ،وتقديم الرّواتب على النّوافل المطلقة ،وتقديم الوتر على ركعتي الفجر في الصحّ ،وتقديم الزّكاة على صدقة التّطوّع ، والصّيام الواجب على نفله ،والنّسك الواجب على غيره . وإذا تيقّن المسافر وجود الماء آخر الوقت فتأخير الصّلة لنتظاره أفضل من التّقديم بالتّيمّم . ولو أوصى بماء لولى النّاس به قدّم غسل الميّت على غيره ،وغسل النّجاسة على الحدث ، لنّه ل بدل له ،وفي غسل الجنابة والحيض ثلثة أوجه :الوّل تقديم غسل الجنابة ،والثّاني تقديم غسل الحيض ،وثالثها أنّهما سواء فيقرع .ويقدّم الغسل من غسل الميّت وغسل الجمعة على غيرهما من الغسال ،وأيّهما يقدّم قولن :فصحّح العراقيّون تقديم الغسل من غسل ن الشّافعيّ علّق القول بوجوبه على صحّة الحديث ،وصحّح الميّت على غسل الجمعة ،ل ّ الخراسانيّون وتابعهم النّوويّ تقديم غسل الجمعة ،لصحّة أحاديثه .ومنها ،قاعدة المحافظة على فضيلة تتعلّق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلّق بمكانها . ب -ما يتساوى لعدم المرجّح ،كمن عليه فائت من رمضانين ،فإنّه يبدأ بأيّهما شاء ، وكذلك الشّيخ الّذي عليه فدية أيّام من رمضانين ،ومن عليه شاتان منذورتان فلم يقدر إلّ على إحداهما ،نذر حجّا أو عمر ًة بنذر واحد أو بنذور مختلفة ،فإنّه يبدأ بأيّهما شاء . ج -ما تفاوتت ،فيقدّم المرجّح ،كالدّم الواجب في الحرام ،والزّكاة الواجبة ،فإذا اجتمعا في شاة ،فالزّكاة أولى ،ومثله زكاة التّجارة والفطرة ،إذا اجتمعا في مال يقصر عنهما ، فالفطرة أولى ،لتعلّقهما بالعين . ولو وجبت عليه كفّارة الظّهار والقتل ،ووجد الطعام لحداهما وهو من أهله ،وقلنا بالطعام في القتل ،فالظّهار أولى . د -ما اختلف فيه كالعاري هل يصلّي قائما ؟ ويتمّ الرّكوع والسّجود محافظةً على الركان ، أو يصلّي قاعدا موميا محافظ ًة على ستر العورة ،أو يتخيّر بينهما ؟ والصحّ الوّل ،وكذا ح أنّه ل يسجد ول يجلس ،بل ينحني للسّجود إلى القدر الّذي المحبوس بمكان نجس ،والص ّ لو زاد عليه لقى النّجاسة .ولو كان في موضع نجس ومعه ثوب ،فهل يبسطه ويصلّي عريانًا أو يصلّي فيه أو يتخيّر بينهما ؟ فيه الوجه الثّلثة ،ولو لم يجد إلّ ثوب حرير ،
فالصحّ أنّه تجب الصّلة فيه .ولو اجتمع عراة فهل يستحبّ أن يصلّوا فرادى أو جماعةً أو يتخيّروا أو هما سواء ؟ فيه ثلثة أوجه . ي أيضا :فتار ًة تستوي كالقسم والنّفقة بين وفي حقوق الدميّين إذا اجتمعت :قال الزّركش ّ الزّوجات ،وتساوي أولياء النّكاح في درجة ،وتسوية الحكّام بين الخصوم في المحاكمات ، وتساوي الشّركاء في القسمة والجبار عليها ،والتّسوية بين السّابقين إلى مباح . وتار ًة يترجّح أحدهما كنفقة نفسه على نفقة زوجته وقريبه ،وتقديم نفقة زوجته على نفقة قريبه ،وتقديم غرمائه عليه في بيع ماله ،وقضاء دينه ،وتقديمه على غرمائه بنفقته ونفقة عياله وكسوتهم في مدّة الحجر ،وتقديم المضطرّ على غير المحتاج إليه ،وتقديم ذوي الضّرورات على ذوي الحاجات ،والتّقديم بالسّبق إلى المساجد ومقاعد السواق ،وتقديم حقّ البائع على حقّ المشتري ،والتّقديم في الرث بالعصوبة وقرب الدّرجة وفي ولية النّكاح بالبوّة والجدودة ،ثمّ بالعصوبة ،والحقّ الثّابت لمعيّن أقوى من الحقّ الثّابت لغير معيّن ، ولهذا تجب زكاة المال الموقوف على معيّن ،بخلف غير المعيّن ،والحقّ المتعلّق بالعين أقوى من المتعلّق بال ّذمّة ،ولهذا قدّم البائع على المفلس بالسّلعة على الغرماء ،وكذلك المرتهن يقدّم بالمرهون ،ويقدّم ما له متعلّق واحد على ما له متعلّقان ،كما لو جنى المرهون ي عليه على المرتهن ،لنّه ل متعلّق له سوى الرّقبة ،وحقّ المرتهن ثابت في يقدّم المجن ّ ال ّذمّة . وفي اجتماع حقّ اللّه وحقّ الدميّ قال الزّركشيّ :هو ثلثة أقسام : أ -ما قطع فيه بتقديم حقّ اللّه تعالى ،كالصّلة والزّكاة ،والصّوم والحجّ ،فإنّها تقدّم عند القدرة عليها على سائر أنواع التّرفّه والملذّ تحصيلً لمصلحة العبد في الخرة ،وكذلك ل صلة . تحريم وطء المتحيّرة ،وإيجاب الغسل عليها لك ّ ق الدميّ كجواز التّلفّظ بكلمة الكفر عند الكراه ولبس الحرير عند ب -ما قطع فيه بتقديم ح ّ الحكّة ،وكتجويز التّيمّم بالخوف من المرض وغيره من العذار ،وكذلك العذار المجوّزة لترك الجمعة والجماعات ،والفطر في رمضان ،والحجّ والجهاد وغيرها ،والتّداوي بالنّجاسات غير الخمر ،وإذا اجتمع عليه قتل قصاص وقتل ردّة قدّم قتل القصاص ،وجواز التّحلّل بإحصار العدوّ . ج -ما فيه خلف بحقّه .فمنها ،إذا مات وعليه زكاة ودين آدميّ وفيه أقوال ثلثة :قيل ح تقديم حقّ اللّه تعالى . تقدّم الزّكاة ،وقيل يقدّم الدّين ،وقيل إنّهما يتساويان والص ّ ح تقديم الحجّ والكفّارة ،قال الرّافعيّ في كتاب اليمان :ول ومنها ،الحجّ والكفّارة ،والص ّ ق الدميّ ويؤخّر حقّ اللّه تعالى ما دام تجري هذه القوال في حقّ المحجور ،بل يقدّم ح ّ
حيّا ،ومراده الحقوق المسترسلة في ال ّذمّة دون ما يتعلّق بالعين ،فإنّه يقدّم حيّا وميّتا ،ولهذا الزّكاة الواجبة في المرهون تقدّم على حقّ المرتهن ،وإذا اجتمع على التّركة دين آدميّ وجزية ،فالصّحيح تساويهما ،والفرق بينها وبين الزّكاة أنّ المغلّب في الجزية حقّ الدميّ ، فإنّها عوض عن سكنى الدّار ،فأشبهت غيرها من ديون الدميّين ،ولهذا ،لو أسلم أو مات في أثناء السّنة ل تسقط الجزية ،ولو مات في أثناء الحول لم تجب الزّكاة ،وأيضا ،فإنّ سعًا ،والزّكاة ل تجب ،إلّ بآخر الحول . الجزية تجب في أوّل الوجوب وجوبًا مو ّ ومنها إذا وجد المضطرّ ميت ًة وطعام الغير ،فأقوال ،قيل :تقدّم الميتة ،وقيل طعام الغير ، والثّالث أنّه يتخيّر . ومنها ،لو بذل الولد لوالده الطّاعة في أن يحجّ عنه وجب على الب قبوله ،وكذا لو بذل له الجرة على وجه ولم نوجب عليه القبول في دين الدميّ ،بل خلف .
تقسيم الحقوق باعتبار قابليّتها للسقاط وعدمه : - 20الحقّ إمّا أن يكون خالصًا للّه سبحانه وتعالى ،وإمّا أن يكون حقّا خالصا للعبد ،وإمّا ق العبد مع الختلف في تغليب أحدهما ،وقد تقدّم بيان ذلك . أن يجتمع فيه حقّ اللّه وح ّ وحقوق اللّه في الجملة إمّا عبادات محضة ماليّةً كانت كالزّكاة ،أو بدنيّ ًة كالصّلة ،أو جامعةً للبدن والمال كالحجّ .وإمّا عقوبات محضة كالحدود ،وإمّا كفّارات وهي متردّدة بين العقوبة ن الحقّ للّه سبحانه وتعالى ،لنّه ما من حقّ للعبد إلّ وفيه حقّ اللّه والعبادة .والصل أ ّ تعالى وهو أمره بإيصال ذلك الحقّ إلى مستحقّه ،وإفراد نوع من الحقوق بجعله حقّا للعبد فقط إنّما هو بحسب تسليط العبد على التّصرّف فيه بحيث لو أسقطه لسقط . وفيما يلي بيان ما يسقط من هذه الحقوق وما ل يسقط :
ق اللّه سبحانه وتعالى : أوّلً :ح ّ
- 21الصل أنّ حقوق اللّه سبحانه وتعالى -سواء أكانت عبادات كالصّلة والزّكاة ،أم كانت عقوبات كالحدود ،أم كانت متردّدةً بين العقوبة والعبادة كالكفّارات ،أم غير ذلك من الحقوق الّتي تثبت للعبد بصفة ذاتيّة بمقتضى الشّريعة كحقّ الولية على الصّغير ،وحقّ البوّة ،والمومة ،وحقّ البن في البوّة والنّسب -هذه الحقوق ل تقبل السقاط من أحد من العباد ،لنّه ل يملك الحقّ في ذلك . ومن حاول إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فإنّه يقاتل كما فعل أبو بكر رضي ال عنه ن السّنن الّتي فيها إظهار الدّين وتعتبر من شعائره كالذان لو اتّفق أهل بمانعي الزّكاة .بل إ ّ بلدة على تركه وجب قتالهم .
ج فوهبه كي ل يجب ول يجوز التّحيّل على إسقاط العبادات كمن كان له مال يقدر به على الح ّ ج ،وكمن دخل عليه وقت صلة فشرب دواءً منوّما حتّى يخرج وقتها وهو فاقد عليه الح ّ لعقله كالمغمى عليه . ن الحدّ حقّ اللّه تعالى لقول النّبيّ كما تحرم الشّفاعة لسقاط الحدود الخالصة للّه تعالى ،ل ّ صلى ال عليه وسلم وقد غضب حين شفع أسامة في المخزوميّة الّتي سرقت « :أتشفع في حدّ من حدود اللّه تعالى ؟ » أمّا ما اجتمع فيه حقّ اللّه وحقّ العبد كالقذف مع الختلف في تغليب أحدهما ،فإنّ من غلّب فيه جانب العبد أجاز العفو فيه قبل الرّفع للحاكم وبعده وهم الشّافعيّة والحنابلة . وعند الحنفيّة ل يجوز العفو فيه بعد الرّفع وفي رواية عن أبي يوسف أنّه يجوز . وقيّد المالكيّة العفو بعد الرّفع للحاكم بما إذا كان المقذوف يريد السّتر على نفسه ،ول يشترط هذا القيد بين البن وأبيه . وهذا بالنّسبة للحدود ،أمّا التّعزير فما كان منه حقّا للدميّ جاز العفو عنه وما كان منه حقّا للّه فهو موكول إلى المام بحسب ما يراه من المصلحة وهذا في الجملة . وينظر تفصيل ذلك في مواضعه من أبواب الفقه . كما أنّ من حقوق اللّه تعالى ما شرع أصلًا لمصلحة العباد ،ولذلك ل يسقط بالسقاط لمنافاة السقاط لما هو مشروع ،ومن ذلك ولية الب على الصّغير ،فهي من الحقوق الّتي اعتبرها الشّارع وصفا ذاتيّا لصاحبها فهي لزمة له ول تنفكّ عنه ،فحقّه ثابت بإثبات الشّرع ،فيعتبر حقّا للّه تعالى ،ولذلك ل يسقط بإسقاط العبد . ومن ذلك السّكنى في بيت العدّة ،فعلى المعتدّة أن تعتدّ في المنزل الّذي يضاف إليها بالسّكنى ن مِن ُبيُو ِتهِنّ } هو خ ِرجُوهُ ّ حال وقوع الفرقة ،والبيت المضاف إليها في قوله تعالى { :لَا ُت ْ البيت الّذي تسكنه ،ول يجوز للزّوج ول لغيره إخراج المعتدّة من مسكنها ،وليس لها أن تخرج وإن رضي الزّوج بذلك ،لنّ في العدّة حقّا للّه تعالى وإخراجها أو خروجها من مسكن العدّة مناف للمشروع ،فل يجوز لحد إسقاطه .وهذا في الجملة وينظر ( :سكنى - عدّة ) .ومن ذلك أيضًا خيار الرّؤية ،فبيع الشّيء قبل رؤيته يثبت للمشتري خيار الرّؤية ، ي صلى ال عليه وسلم « :من اشترى شيئًا لم يره فله فله الخذ وله ال ّردّ عند رؤيته لقول النّب ّ الخيار إذا رآه » .فالخيار هنا ليس باشتراط العاقدين ،وإنّما هو ثابت شرعًا فكان حقّ اللّه تعالى ،ولهذا ل يجوز إسقاطه ول يسقط بالسقاط .وهذا متّفق عليه عند من يجيزون بيع الشّيء الغائب مع مراعاة شرائط ثبوت الخيار .وينظر تفصيل ذلك في ( خيار الرّؤية ) . ل ما كان حقّا للّه تعالى ممّا شرع لمصلحة العباد ل يجوز إسقاطه . وهكذا في ك ّ
وما دامت حقوق اللّه تعالى ل تقبل السقاط من العباد فل يجوز العتياض عن إسقاطها ،فل ح أخذ يصحّ أن يصالح أحد سارقا أو شاربا للخمر ليطلقه ول يرفعه للسّلطان لنّه ل يص ّ ق للّه أو لدميّ ح أن يصالح شاهدا على أن ل يشهد عليه بح ّ العوض في مقابلته ،وكذا ل يص ّ شهَادَ َة لِلّ ِه } ،لنّ الشّاهد في إقامة الشّهادة محتسب حقّا للّه تعالى ،لقوله تعالى { :وََأقِيمُوا ال ّ والصّلح عن حقوق اللّه تعالى باطل ،ويجب على من أخذ عوضا ردّه لنّه أخذه بغير حقّ . وإذا كانت حقوق اللّه سبحانه وتعالى ل تقبل السقاط من جهة العباد ،فإنّها تقبل السقاط من قبل صاحب الشّرع رحم ًة بالعباد وتخفيفا عنهم ،ولذلك يقول الفقهاء :إنّ حقوق اللّه مبنيّة على المسامحة بمعنى أنّه سبحانه وتعالى لن يلحقه ضرر في شيء ،ومن ثمّ قبل الرّجوع عن القرار بالزّنى فيسقط الحدّ بخلف حقوق الدميّين فإنّهم يتضرّرون ،ولذلك كان من أسباب سقوط الح ّد الشّبهة المعتبرة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ادرءوا الحدود بالشّبهات » . والحرج والمشقّة الّتي تلحق المكلّف تكون سببا لسقاط بعض التّكاليف عمّن تلحقهم المشقّة وذلك تفضّلًا من اللّه تعالى ورحم ًة بهم ،وذلك كإسقاط العبادات والعقوبات عن المجنون ، وإسقاط بعض العبادات بالنّسبة لصحاب العذار كالمرضى والمسافرين لما ينالهم من مشقّة .وقد فصّل الفقهاء المشاقّ وأنواعها ،وبيّنوا لكلّ عبادة مرتبةً معيّن ًة من مشاقّها المؤثّرة في إسقاطها ،وأدرجوا ذلك تحت قاعدة :المشقّة تجلب التّيسير ،أخذا من قوله تعالى ُ { :يرِيدُ حرَجٍ } ن َ ن مِ ْ جعَلَ عََل ْي ُكمْ فِي الدّي ِ اللّ ُه ِب ُكمُ ا ْل ُيسْرَ َولَ ُيرِيدُ ِب ُكمُ ا ْل ُعسْرَ } ،وقوله تعالى َ { :ومَا َ .وراجع مصطلح ( تيسير ) . والحكم المبنيّ على العذار يسمّى رخصةً ،ومن أقسام الرّخصة ما يسمّى رخصة إسقاط كإسقاط الصّلة عن الحائض والنّفساء ،وإسقاط الصّوم عن الشّيخ الكبير الّذي ل يقوى على الصّوم .بل إنّ صلة المسافر قصرا فرض عند الحنفيّة وتعتبر رخصة إسقاط لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :صدقة تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته » . ووجه الستدلل أنّ التّصدّق بما ل يحتمل التّمليك إسقاط ل يحتمل ال ّردّ ،وإن كان ممّن ل ي القصاص ،فهو من اللّه الّذي تلزم طاعته أولى . يلزم طاعته كول ّ ومن ذلك أيضا إسقاط الحرمة في تناول المحرّم للضّرورة كأكل المضطرّ للميّتة وإساغة اللّقمة بالخمر لمن غصّ بها ،وإباحة نظر العورة للطّبيب . ويسري هذا الحكم على المعاملت ،فمن الرّخصة ما سقط مع كونه مشروعا في الجملة ، وذلك كما في السّلم لقول الرّاوي « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن بيع ما ليس عند
النسان ورخّص في السّلم » والصل في البيع أن يلقي عينًا وهذا مشروع لكنّه سقط في السّلم . وينظر تفصيل ذلك في بحث ( :تيسير -رخصة -وإسقاط ) ومواضعه من كتب الفقه .
حقوق العباد : - 22حقّ العبد بالنّسبة للسقاط وعدمه يشمل العيان والمنافع والدّيون والحقوق المطلقة وهي الّتي ليست عينا ول دينا ول منفع ًة . ل صاحب حقّ ل يمنع من إسقاط حقّه إذا كان جائز التّصرّف -بأن لم يكن والصل أنّ ك ّ ل قابلً للسقاط -بأن لم يكن عينا أو شيئا محرّما -ولم يكن محجورًا عليه -وكان المح ّ هناك مانع كتعلّق حقّ الغير به .وبيان ذلك فيما يأتي :
أ -العين :
- 23العين ما تحتمل التّعيين مطلقا جنسا ونوعا وقدرا وصفةً كالعروض من الثّياب ، والعقار من الرضين والدّور ،والحيوان من الدّوابّ ،والمكيل والموزون . ومالك العين يجوز له التّصرّف فيها بالنّقل على الوجه المشروع من بيع أو هبة أو غير ذلك. أمّا التّصرّف فيها بالسقاط بأن يقول الشّخص :أسقطت ملكي في هذه الدّار لفلن ،يريد بذلك زوال ملكه وثبوته لغيره فقد قال الفقهاء :إنّ ذلك باطل ،لنّ العيان ل تقبل السقاط وهذا في الجملة ،إذ أنّ العتق يعتبر إسقاطا لملك الرّقبة وهي عين ،والوقف كذلك يعتبر إسقاطًا للملك عند بعض الفقهاء .وينظر تفصيل ذلك في بحثي ( :إبراء -إسقاط ) .
ب -الدّين : - 24الدّين يجوز إسقاطه والعتياض عنه باتّفاق سواء أكان الدّين ثمن مبيع ،أم كان مسلمًا فيه ،أم كان نفقةً مفروضةً ماضيةً للزّوجة ،أم غير ذلك . وكما يجوز إسقاط كلّ الدّين يجوز إسقاط بعضه وتختلف الكيفيّة الّتي يتمّ بها العتياض فقد يكون في صورة صلح ،أو خلع ،أو تعليق على حصول شيء وغير ذلك . ومن أمثلة ذلك ما جاء في ابن عابدين :إذا أبرأت الزّوجة زوجها من المهر والنّفقة ليطلّقها ، صحّ البراء ويكون بعوض وهو ملكها نفسها . ويقول الشّافعيّة :إذا أعطى المدين الدّائن ثوبًا في مقابلة إبرائه ممّا عليه من الدّين ،فيملك ي من أقسام السقاط الدّائن العوض المبذول له نظير البراء ويبرأ المدين .وقد جعل القراف ّ بعوض :الصّلح عن الدّين .وينظر تفصيل ذلك في ( :إبراء -إسقاط ) .
ج -المنافع :
- 25المنافع كذلك يجوز إسقاطها ،سواء أكان المسقط مالكًا للرّقبة والمنفعة ،أم كان مالكًا للمنفعة فقط بمقتضى عقد ،كالجارة والعاريّة والوصيّة بالمنفعة ،أم بغير عقد كتحجير الموات لحيائه ،ومن ذلك الختصاص بمقاعد السواق وما شابه ذلك ،فالمنافع تقبل السقاط بإسقاط مستحقّ المنفعة ما لم يكن هناك مانع . ن من أوصى لرجل بسكنى داره فمات الموصي وباع الوارث الدّار ورضي ومن أمثلة ذلك أ ّ الموصى له جاز البيع وبطلت سكناه ،وكذا لو لم يبع الوارث الدّار ولكن قال الموصى له بالمنفعة أسقطت حقّي سقط حقّه بالسقاط . وأماكن الجلوس في المساجد والسواق يجوز للمنتفع بها إسقاط الحقّ فيها .هذا بالنّسبة لسقاطها بدون عوض ،أمّا بالنّسبة لسقاطها بعوض فإنّه يرجع إلى قاعدة التّفريق بين ملك المنفعة وملك النتفاع ،فمن ملك المنفعة ملك المعاوضة عليها ،ومن ملك النتفاع فقط فإنّه يملك السقاط ولكن ل يجوز المعاوضة عليه ،وهذا عند الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -أمّا الحنفيّة فلهم بعض القيود فإنّ العتياض عن المنافع عندهم ل يجوز إلّ لمالك الرّقبة والمنفعة ،أو لمالك المنفعة بعوض ،أمّا مالك المنفعة بدون عوض فل يجوز العتياض عنها .والمنافع عندهم ليست بأموال . كما ل يجوز عندهم إفراد حقوق الرتفاق بعقد معاوضة على الصحّ وإنّما يجوز تبعًا . ومن أمثلة المعاوضة على المنفعة ما لو أوصى شخص لرجلين أحدهما بعين الدّار والثّاني بسكناها ،وصالح الوّل الثّاني لنّ الموصى له بعين الدّار صالح الموصى له بسكناها بدراهم أو بمنفعة عين أخرى لتسلم الدّار له جاز . وينظر تفصيل ذلك في ( إجارة -إعارة -وصيّة -وقف -ارتفاق ) .
ق المطلق : د -الح ّ - 26المراد بحقّ العبد المطلق هنا ما ليس بعين ول دين ول منفعة كما سبق ،وذلك كحقّ الشّفعة ،وحقّ الخيار ،وحقّ الزّوجة في القسم ،وحقّ القصاص ،وحقّ الجل ،وما شابه ل صاحب حقّ ل يمنع من إسقاط حقّه ذلك فهذه الحقوق وما شابهها يجوز إسقاطها ،لنّ ك ّ ما لم يكن هناك مانع . ومن الموانع الّتي تمنع إسقاط مثل هذه الحقوق ما هو متّفق عليه ،ومنها ما هو مختلف فيه . فممّا هو متّفق على منع إسقاطه ما تعلّق به حقّ الغير ،كحقّ الصّغير في النّسب .فإذا ثبت هذا الحقّ فإنّه ل يجوز لمن لحق به الصّغير إسقاط النّسب ،فمن أقرّ بابن ،أو هنّئ به فسكت فقد التحق به ،ول يصحّ له إسقاط نسبه بعد ذلك .
ومن ذلك تصرّف المفلس المحجور عليه للفلس ،فإنّه يمنع من حقّ التّصرّف في ماله تصرّفا مستأنفا ،كوقف وعتق وإبراء وعفو مجّانًا ،وذلك لتعلّق حقّ الغرماء بماله . ومن أمثلة ما هو مختلف فيه صفات الحقوق كالجل والجودة ،فعند الشّافعيّة :صفات الحقوق ل تفرد بالسقاط في الصحّ فل يسقط الجل ،ومثله الجودة بالسقاط في حين أنّه يجوز ذلك عند الحنفيّة . وغير ذلك كإسقاط المجهول ،وإسقاط الحقّ قبل وجوبه ،وبعد وجود سبب الوجوب . وينظر تفصيل ذلك في ( :إبراء -إسقاط ) . ن الحقّ إذا كان مجرّدا عن وأمّا العتياض عن الحقوق فالقاعدة عند بعض فقهاء الحنفيّة أ ّ الملك فإنّه ل يجوز العتياض عنه ،كحقّ الشّفعة ،فلو صالح عنه بمال بطل حقّه في الشّفعة ويرجع به .إلخ . وحقّ القسم للزّوجة ،وحقّ الخيار في النّكاح للمخيّرة ،وإن كان حقّا منفردا في المحلّ الّذي ح العتياض عنه ،كحقّ القصاص ،وملك النّكاح ،وحقّ ال ّرقّ ،وقال آخرون تعلّق به ص ّ منهم :إنّ الحقّ إذا كان شرع لدفع الضّرر فل يجوز العتياض عنه ،وإن كان ثبوته على وجه البرّ والصّلة فيكون ثابتًا لصاحبه أصالةً فيصحّ العتياض عنه . أمّا غير الحنفيّة فلم يشيروا إلى قاعدة يمكن الستناد إليها في معرفة ذلك ،لكن بعد التّتبّع ن الحقّ الّذي ل ن الشّافعيّة والحنابلة يعتبرون أ ّ لبعض المسائل يمكن أن يقال في الجملة :إ ّ يئول إلى المال ،أو ما ليس عينًا ول منفع ًة كحقّ الشّفعة ،وحقّ خيار الشّرط ،وهبة الزّوجة يومها لضرّتها ،فهذا ل يجوز العتياض عنه ،أمّا ما كان يئول إلى مال كحقّ القصاص والرّ ّد بالعيب ،فإنّه يجوز العتياض عنه . وهذا في الجملة إذ أنّ ابن تيميّة أجاز للزّوجة أخذ العوض عن هبتها يومها لضرّتها وعن سائر حقوقها من القسم ،كما أنّه في رواية عن المام أحمد جواز العتياض عن حقّ الشّفعة من المشتري ل من غيره ،ويؤخذ من المسائل الّتي وردت عند المالكيّة أنّهم يجيزون أخذ ل حقّ ثبت للنسان فيجوز عندهم العتياض عن الشّفعة وعن هبة الزّوجة العوض عن ك ّ يومها لضرّتها وغير ذلك .وينظر ذلك في مواضعه من كتب الفقه .
تقسيم الحقوق باعتبار معقوليّة المعنى : - 27قسّم الشّاطبيّ الحقوق باعتبار معقوليّة المعنى وعدم معقوليّة المعنى " التّعبّديّ " إلى ثلثة أقسام :القسم الوّل :ما هو حقّ اللّه خالصا . ق اللّه هو التّعبّد . ن الصل في تنفيذ ح ّ مثل :العبادات ،ل ّ
حكمه :إذا طابق الفعل المر صحّ الفعل ،وإذا لم يطابق الفعل المر ل يصحّ الفعل ، والدّليل على ذلك :أنّ الصل في التّعبّد رجوعه إلى عدم معقوليّة المعنى ،بحيث ل يصحّ ن قصد الشّارع فيه هو الوقوف عند ما حدّه فيه إجراء القياس ،وإذا لم يعقل معناه دلّ على أ ّ الشّارع ،بحيث ل يتعدّاه .مثل بعض أفعال الصّلة والحجّ .وانظر مصطلح ( تعبّديّ ) . القسم الثّاني :ما هو مشتمل على حقّ اللّه وحقّ العبد ،والمغلّب فيه حقّ اللّه ،والصل في حقّ اللّه عدم معقوليّة المعنى .مثل :قتل النّفس ،لنّه ليس للشّخص خيرة أو حقّ في أن يسلم نفسه للقتل لغير ضرورة شرعيّة كالفتن ونحوها ،كما أنّه ل يملك العتداء على نفسه بالقتل ،لحقّ اللّه أو العتداء على عضو من أعضائه .وحقّ اللّه هو المعتبر والمغلّب . ن المعتبر في ن الصل فيه عدم معقوليّة المعنى ،ل ّ حكمه :مثل القسم الوّل وراجع له في أ ّ ن حقّ العبد لو الحقّين هو حقّ اللّه ،فصار حقّ العبد مطّرحًا شرعًا ،فكأنّه غير معتبر ،ل ّ ن حقّ اللّه هو المغلّب . كان معتبرًا تغلّب حقّه ،والمفروض :أ ّ القسم الثّالث :ما اشترك فيه الحقّان وحقّ العبد هو المغلّب .وأصله معقوليّة المعنى . صحّة ،لحصول مصلحة العبد بذلك عاجلً فإذا طابق مقتضى المر والنّهي فل إشكال في ال ّ أو آجلًا حسبما يتهيّأ له .وإن وقعت المخالفة فهنا نظر ،أصله المحافظة على تحصيل مصلحة العبد .فإمّا أن يحصل مع ذلك حقّ العبد ولو بعد الوقوع ،على حدّ ما كان يحصل عند المطابقة أو أبلغ ،أو ل .فإن فرض غير حاصل فالعمل باطل ،لنّ مقصود الشّارع لم يحصل .وإن حصل -ول يكون حصوله إلّ مسبّبا عن سبب آخر غير السّبب المخالف - صحّ وارتفع مقتضى النّهي بالنّسبة إلى حقّ العبد .ولذلك يصحّح مالك بيع المدبّر إذا أعتقه ن النّهي لجل فوت العتق .فإذا حصل فل معنى للفسخ عنده بالنّسبة إلى حقّ المشتري ،ل ّ ن النّهي قد المملوك .وكذلك يصحّح العقد فيما تعلّق به حقّ الغير إذا أسقط ذو الحقّ حقّه ،ل ّ فرضناه لحقّ العبد ،فإذا رضي بإسقاطه فله ذلك .وأمثلة هذا القسم كثيرة . فإذا رأيت من يصحّح العمل المخالف بعد الوقوع ،فذلك لحد المور الثّلثة . أمّا العبادات فمن حقّ اللّه تعالى الّذي ل يحتمل الشّركة ،فهي مصروفة إليه . وأمّا العادات فهي أيضًا من حقّ اللّه تعالى على النّظر الكّليّ ،ولذلك ل يجوز تحريم ما أحلّ ت مِنَ ط ّيبَا ِ خرَجَ ِل ِعبَادِهِ وَا ْل ّ حرّمَ زِينَ َة اللّ ِه اّل ِتيَ َأ ْ ن َ طيّبات ،فقد قال تعالى { :قُلْ مَ ْ اللّه من ال ّ ل اللّ ُه َل ُكمْ } . ط ّيبَاتِ مَا َأحَ ّ ح ّرمُواْ َ ن آ َمنُو ْا لَ ُت َ الرّ ْزقِ } وقال تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ فنهى عن التّحريم وجعله تعدّيا على حقّ اللّه تعالى .ولمّا همّ بعض أصحابه بتحريم بعض المحلّلت قال عليه الصلة والسلم « :من رغب عن سنّتي فليس منّي » .
ل اللّهُ جعَ َ طيّبات بقوله تعالى { :مَا َ وذمّ اللّه تعالى من حرّم على نفسه شيئًا ممّا وضعه من ال ّ ل حَامٍ } . ل سَآ ِئبَةٍ َولَ َوصِيلَةٍ َو َ مِن َبحِيرَةٍ َو َ ع ِم ِهمْ } . ل مَن ّنشَاء بِزَ ْ طعَ ُمهَا ِإ ّ ل َي ْ حجْرٌ ّ ث ِ حرْ ٌ وقوله َ { :وقَالُو ْا هَسذِهِ َأ ْنعَامٌ َو َ فذمّهم على أشياء في النعام والحرث اخترعوها ،منها التّحريم .وهو المقصود هاهنا . ن حقّ الغير وأيضا ففي العادات حقّ للّه تعالى من جهة وجه الكسب ووجه النتفاع ،ل ّ ق الغير ، محافظ عليه شرعا أيضا ،ول خيرة فيه للعبد ،فهو حقّ للّه تعالى صرفًا في ح ّ حتّى يسقط حقّه باختياره في بعض الجزئيّات ،ل في المر الكّليّ .ونفس المكلّف أيضا داخلة في هذا الحقّ ،إذ ليس له التّسليط على نفسه ول على عضو من أعضائه بالتلف . فإذًا العاديّات يتعلّق بها حقّ اللّه من وجهين : أحدهما :من جهة الوضع الوّل الكّليّ الدّاخل تحت الضّروريّات . الثّاني :من جهة الوضع التّفصيليّ الّذي يقتضيه العدل بين الخلق ،وإجراء المصلحة على وفق الحكمة البالغة ،فصار الجميع ثلثة أقسام ،وفي العاديّات أيضا حقّ للعبد من وجهين : أحدهما :جهة الدّار الخرة ،وهو كونه مجازًى عليه بالنّعيم ،موقّى بسببه عذاب الجحيم . والثّاني :جهة أخذه للنّعمة على أقصى كمالها فيما يليق بالدّنيا لكن بحسبه في خاصّة نفسه ، حيَا ِة ال ّد ْنيَا خَالِصَ ًة يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ } . ن آ َمنُو ْا فِي ا ْل َ كما قال تعالى { :قُلْ هِي لِّلذِي َ
الحقّ المحدود المقدار والحقّ غير المحدود : - 28تنقسم الحقوق باعتبار التّحديد والتّقدير وعدمه إلى ثلثة أقسام :حقّ محدود ،وحقّ غير محدود ،وحقّ مختلف فيه . القسم الوّل :الحقّ المحدود وهو الحقّ الّذي بيّن الشّرع أو اللتزام أنّه مقدّر . مثل :الفرائض الخمس في الصّلة ،وصوم رمضان ،والمقادير الواجب إخراجها في الزّكاة حسب أنواعها ،وذلك في العبادات . أمّا في المعاوضات الماليّة ،فمثل :أثمان المشتريات في العقود ،وقيم المتلفات .
حكم الحقّ المحدود :
- 29للحقّ المحدود المقدار أحكام منها : أ -أنّه مطلوب الداء .
ب -يتعلّق بذمّة من عليه أداء الحقّ ،وذلك بمجرّد وجود سببه ،ويصير دينا في ذمّته . ل بأداء المقدار المحدّد ،على الوجه الّذي عيّنه الشّرع أو اللتزام ج -ل تبرأ ال ّذمّة منه إ ّ ن التّحديد مشعر بقصد الشّارع أو اللتزام . وبيّنه ،ل ّ د -ل يسقط عند عدم الداء بالسّكوت أو بمضيّ المدّة الطّويلة .
هس -يؤدّى عن المدّة السّابقة . و -ل يتوقّف ثبوته على الرّضا أو حكم القاضي أو المصالحة ،لنّه محدّد من قبل من جهة الشّرع أو اللتزام . ز -حكم القاضي به مظهر للحقّ ل مثبت له ،لنّه ثابت من وقت تحديده على المكلّف . ح -ل يسقط هذا الحقّ عند عدم الداء إلّ بدليل شرعيّ في حقّ اللّه ،مثل :سقوط الصّلة عن الحائض ،أمّا في حقّ الشّخص فيسقط بإبراء ال ّذمّة .وحقّ اللّه المحدود لحق بضروريّات الدّين .
القسم الثّاني :الحقّ غير المحدود : 29م -هو الحقّ الّذي لم يعيّن الشّرع أو اللتزام مقداره ،مع وجود التّكليف به .مثل : الصّدقات ،والنفاق في سبيل اللّه ،والنفاق على القارب ،وإغاثة الملهوف ،وسدّ حاجة المحتاجين ،وغير ذلك من الحقوق الّتي لم تحدّد ،وذلك لتعذّر تحديد هذه الحقوق بالنّسبة لظروف كلّ حقّ ،حيث تختلف المقادير المطلوبة حسب الزمنة والمكنة المختلفة ،وكذلك ن المطلوب أداء الحقّ على الحال بالنّسبة للشخاص -المؤدّى له الحقّ والمؤدّي -وذلك ل ّ ل حقّ ،فترك التّحديد بادئ ذي بدء ليتحدّد قدر المطلوب أكمل وجه ،وهو يختلف باختلف ك ّ حسب كلّ حالة على حدة .
حكم الحقّ غير المحدود :
- 30للحقّ غير المحدود أحكام منها : أ -أنّه مطلوب الداء .
ب -ل يتعلّق بذمّة من عليه الداء بمجرّد وجود السّبب ،ولذلك ل يصير دينا في ال ّذمّة ، ن الذّمم ل يتعلّق بها غير المحدود من الحقوق ،وإنّما يتعلّق بال ّذمّة الحقّ المحدود لّ والمقدّر ،ليتيسّر على المكلّف الداء . ج -الحقّ غير المحدود ل يتعلّق بال ّذمّة إلّ بعد التّحديد ،والتّحديد يكون بالتّراضي ،أو بالصّلح ،أو بحكم القاضي ،لنّ التّكليف بقدر الحاجة ولذلك ل يتعلّق بال ّذمّة إلّ من وقت التّحديد . د -ل يجوز المطالبة بالحقّ غير المحدود عن المدّة السّابقة للتّحديد ،لنّ ال ّذمّة لم تكن مشغولةً به . هس -يسقط الحقّ غير المحدود بمضيّ المدّة والسّكوت عن المطالبة به . و -حقّ اللّه غير المحدود لحق بقاعدة التّحسين والتّزيين ،ولذلك ترك تحديده إلى المكلّفين ل حالة حسب الحاجة . ونظر القاضي ،لتقدير ك ّ
القسم الثّالث :الحقّ المختلف فيه : - 31هو الحقّ الّذي أخذ بشبه من الحقّ المحدود ،وبشبه من الحقّ غير المحدود .مثل : نفقة الزّوجة ،حيث اختلف الفقهاء في هذا الحقّ ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على الظهر عندهم -إلى أنّها تثبت في ال ّذمّة فل تسقط بالعسار . ن نفقة الزّوجة ل تثبت في ال ّذمّة لنّها وذهب الحنفيّة وهو رواية عن الحنابلة وغيرهم إلى أ ّ تجب صلةً ومودّةً ما لم يفرضها الحاكم ،وإذا فرضها الحاكم تكون محدّد ًة فتثبت في ال ّذمّة .
أنواع التّحديد وعدم التّحديد :
- 32تحديد الحقّ وعدم تحديده قد يكون بالنّسبة لصاحب الحقّ ،وقد يكون بالنّسبة لمن عليه الحقّ ،وقد يكون في الشّيء المستحقّ ،وقد يكون في القدر المستحقّ ،وقد يكون في المكان ،أو الزّمان ،أو التّجاه وغير ذلك . أ -الحقّ المحدود صاحبه :كالبائع في ثمن ما باعه ،والمشتري في المبيع ،والزّوجة في النّفقة .أمّا الحقّ غير المحدود صاحبه ،فمثل :المنتفع بالمباحات والمنافع العامّة . ب -الحقّ المحدود من عليه الداء -المكلّف -مثل :الصّلوات الخمس على البالغ العاقل ، والزّكاة على مالك النّصاب ،ونفقة الزّوجة على الزّوج ،ونفقة الولد الصّغار الفقراء على الب ،والثّمن على المشتري . أمّا الحقّ غير المحدود من عليه الداء -المكلّف -فمثل :صلة الجنازة ،ور ّد السّلم ، وتعلّم الفقه والطّبّ وغير ذلك من فروض الكفاية وسننها . ج -الحقّ المحدود في الشّيء المطلوب ،مثل :اليمان باللّه تعالى وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ،والجنّة والنّار والحساب ،وملكيّة المبيع للمشتري وخروجه من ملك البائع بمجرّد انعقاد العقد الصّحيح النّافذ ،وحلّ الزّوجة بعقد النّكاح . أمّا الحقّ غير المحدود في الشّيء المطلوب ،فمثل :دفع الذى عن الطّريق . د -الحقّ المحدود القدر ،مثل :القدر المحدود في الزّكاة ،والثّمن في المبيع .أمّا الحقّ غير المحدود القدر ،فمثل :الصّدقات ،والجهاد في سبيل اللّه ،ومساعدة المحتاجين . هس -الحقّ المحدود المكان ،مثل :الوقوف بجبل عرفات في الحجّ ،ومكان تسليم المبيع أو المسلم فيه المشروط في العقد .أمّا الحقّ غير المحدود المكان ،فمثل :الصّلة ،والتّعاقد في البيع والزّواج ،وغير ذلك من العقود . و -الحقّ المحدود الزّمن والوقت ،مثل :الصّلوات الخمس والحجّ .أمّا الحقّ غير المحدود الزّمن والوقت ،فمثل :السّنة الّتي يؤدّي فيها الشّخص فريضة الحجّ عند من يرى من الفقهاء وجوب الحجّ على التّراخي ،وسداد الدّيون الّتي لم يحدّد لها وقت للداء .
ز -الحقّ المحدود التّجاه ،مثل :عين الكعبة لمن يصلّي في المسجد الحرام . أمّا الحقّ غير المحدود التّجاه ،فمثل :الوقوف بعرفة . ح -الحقّ المحدود العدد ،مثل :أركان السلم الخمسة ،وفرائض الصّلة الخمس ، والجمع بين أربع زوجات ،وطرفي العقد وهما :الموجب والقابل . أمّا الحقّ غير المحدود العدد ،فمثل عدد أيّام شهر رمضان فقد يتمّ الشّهر وقد يكون تسعةً وعشرين ،وأيّام السّفر الشّرعيّ بالنّسبة لقصر الصّلة .
الحقّ التّامّ والمخفّف : - 33تنقسم الحقوق باعتبار حال التّكليف من حيث وجود أعذار معتبرة تقتضي التّخفيف أو عدم وجودها إلى قسمين :تامّ ومخفّف . الحقّ التّامّ :هو ما وجب أصلً في الحالة الطّبيعيّة مع عدم وجود عذر شرعيّ . مثل :أداء الصّلة كامل ًة للمقيم الصّحيح ،وأداء الدّين كاملً وغير ذلك . والحقّ المخفّف :هو ما شرع على خلف الصل ،بسبب عذر شرعيّ لتيسير الداء على المكلّف بها .والتّخفيف قد يكون في حقوق اللّه تعالى ،وقد يكون في حقوق العباد ،وهو أنواع :تخفيف إسقاط ،وتخفيف نقص ،وتخفيف تقديم ،وتخفيف تأخير ،وتخفيف ترخيص ،وتخفيف تغيير .وانظر مصطلح ( تيسير ) .
تقسيم الحقوق باعتبار انتقالها للورثة وعدم انتقالها :
- 34تنقسم الحقوق باعتبار انتقالها للورثة عن طريق الخلفة أو الوراثة ،وعدم انتقالها أصلً إلى ثلثة أقسام .
أوّلً :الحقوق الّتي تورث ،وهي : أ -الحقوق الماليّة ،مثل :العقار ،والمنقول والنّقدين ،والدّيون ،والدّية ،والغرّة . ب -الحقوق المقرّرة على عقار ،مثل :حقّ الشّرب ،وحقّ المجرى ،وحقّ المسيل ، وحقّ المرور . ج -بعض ما يتعلّق بالمال من حقوق ،مثل :حقّ حبس الرّهن إلى سداد الدّين ،وحبس المبيع حتّى دفع الثّمن .
ثانيا :الحقوق الّتي تثبت بالخلفة ول تورث :
- 35هي الحقوق الّتي تثبت للخلف ابتداءً ،ول تنتقل إليه عن طريق الرث ،وهذه الحقوق قد تثبت لجميع الورثة ،كما في بعض الحقوق المتعلّقة بالمال عند الحنفيّة ،مثل :خيار التّعيين ،وقد ثبت لبعض الورثة دون البعض الخر ،مثل أن تثبت لمن صلته عن طريق النّسب كالولد ،ول تثبت لمن صلته عن طريق السّبب كأحد الزّوجين ،وذلك في الحقوق
غير الماليّة كالقصاص عند أبي حنيفة ومالك والشّافعيّ ،فهو حقّ عندهم لولياء المقتول بالنّسب فقط ،وثبت لهم ابتدا ًء .وقد تثبت الحقوق لمن قرابته عن طريق العصبة الذّكور ، ول تثبت لمن عداهم ،مثل :ولء العتاقة . وقد تثبت الحقوق لبعض الورثة دون البعض الخر ولمدّة محدودة ،وذلك حسب النّظام الّذي يضعه الموصي أو الواقف في شروط صرف غلّة الوقف والوصيّة ،أو الّذي يضعه المام لصرف هذه الحقوق ،وذلك كالحقّ الثّابت في ديوان الخراج للمقاتلين والعلماء والفقهاء وغيرهم ،فإنّه بعد موتهم ينتقل إلى ورثتهم كلّهم أو بعضهم حسب النّظام الموضوع لذلك ن هذا الحقّ ل فمن مات وله حقّ في بيت المال عن طريق الستحقاق والمنح كالعطاء ،فإ ّ ل ،ل باعتبارهم ورثةً ، يورث عنه ،ول يثبت لجميع الورثة ،وإنّما يثبت للبعض أو الك ّ وإنّما باعتبارهم خلفا عن الميّت ،فكان حقّ الورثة في العطاء عن طريق الخلفة ،ومنح المام لهم ذلك العطاء ،وليس للمام أو الحاكم منع هذا الحقّ ،أو حرمانهم منه ،وإذا منعهم فقد ظلم .
ثالثا :الحقوق الّتي ل تورث ول تنقل بالخلفة : - 36هي كلّ ما كان متعلّقًا بنفس المورث ،وينتهي بموته ،ول يبقى له فيه حقّ بعد موته ، وذلك لنّ الورثة ل يرثون فكر مورثهم ول شهوته وغير ذلك ،ولذلك ل يرثون ما يتعلّق ن ما ل يورث بذاته ل يورث ما يتعلّق به . بهذه المور ،ضرورة أ ّ والحقوق الّتي ل تورث هي حقوق شخصيّة ،ارتبطت بالشّخص وحده دون غيره لصفات معيّنة فيه ،مثل :الوليات العامّة والخاصّة ،والولية على النّفس ،والولية على المال ، والمناصب والوظائف .مثل :المانة والوكالة ،واختيار إحدى الختين ،وكذلك اختيار الربع من زوجاته ،وذلك إذا أسلم وهو متزوّج أختين أو أكثر من أربع ،فإذا مات قبل الختيار ل ينتقل هذا الحقّ إلى الورثة . - 37وهناك حقوق اختلف الفقهاء فيها ،فذهب البعض إلى أنّها تورث ،وقال البعض :إنّها تنتقل بالخلفة ،وقال البعض الخر :إنّها ل تورث ،ويرجع اختلفهم إلى عدّة أسباب ، وهي أنواع ،منها ما يأتي :بعض ما يتعلّق بالمال من حقوق ،مثل :خيار الشّرط ،وخيار التّعيين ،وخيار العيب ،وخيار القبول . ومنها :المنافع ،مثل :السّكنى ،والمنفعة بالوصيّة . ومنها :القصاص في النّفس ،وحدّ القذف .فإذا نظرنا إلى السباب الّتي بنوا عليها أحكامهم ممّا يترتّب عليه اختلفهم ،نجد أنّها تتنوّع ،إلى ما يلي :
أ -خيار الشّرط :
- 38ذهب مالك والشّافعيّ إلى انتقاله للورثة ،لنّ خيار الشّرط صفة للعقد ،وأثر من آثاره ،فيورث . وذهب أبو حنيفة وأحمد بن حنبل إلى عدم انتقال خيار الشّرط للورثة ،لنّه يبطل بموت من له الخيار ويتمّ البيع ،وذلك لثلثة وجوه : ن الخيار مشيئته واختياره ،فتبطل بموته ،كسائر ن خيار الشّرط صفة للعاقد ،ل ّ الوّل :أ ّ صفاته . الثّاني :أنّ الجل في الثّمن ل يورث ،فكذلك في الخيار . ن البائع رضي بخيار واحد معيّن ،فكيف يثبت لشخاص آخرين لم يشرط لهم ، الثّالث :أ ّ ص عليهم في العقد ،وهم الورثة ،والواجب عدم تعدّي الخيار من اشترط له ،كما ل ولم ين ّ يتعدّى الجل من اشترط له .
ب -خيار التّعيين : - 39هو أن يقع البيع على واحد ل بعينه مثل :أن يشتري شخص ثوبين على أن يكون له الخيار ثلثة أيّام في تعيينه وأخذ أيّهما شاء ،ولكن المشتري مات قبل أن يختار ويعيّن أحد الثّوبين .فخيار التّعيين وإن ثبت حقّا للوارث عند الجميع ،لكنّهم اختلفوا في التّعليل :فذهب مالك والشّافعيّ إلى أنّه انتقل للوارث عن طريق الميراث ،لنّه صفة للعقد كخيار الشّرط . أمّا الحنفيّة فقالوا :خيار التّعيين ل يورث ،وإنّما ينتقل للورثة عن طريق الخلفة ،لنّه ن الوارث انتقل إليه الملك مختلطا بملك الغير ،وهو يحتاج إلى يثبت للوارث ابتداءً ،ل ّ قبضه وتعيينه ،فثبت له خيار التّعيين ابتداءً -عن طريق الخلفة -لنهاء هذا الختلط . ولم يثبت له بالميراث . وهذا الخيار الّذي ثبت للورثة ابتداءً خلف خيار التّعيين الّذي كان ثابتا للمورث المتعاقد ، حيث كان خيار التّعيين ثابتا للمورث عن طريق العقد ،أمّا خيار التّعيين الثّابت للورثة ابتداءً فهو لنهاء اختلط ملكهم بملك الغير ،حتّى يتمكّن الورثة من تسلّم ملكهم والنتفاع به .
ج -خيار العيب :
- 40المشتري استحقّ المبيع سليما من العيب ،فكذلك الوارث يستحقّه سليما ،فينتقل إليه حقّ السّلمة ابتداءً عن طريق الخلفة . وقد ذكر بعض الفقهاء من الحنفيّة أنّه ينتقل عن طريق الرث .
د -خيار القبول :
- 41هو حقّ يثبت للطّرف الثّاني عند التّعاقد ،وذلك بعد صدور اليجاب من الطّرف الوّل .وقد اختلف الفقهاء في انتقاله إلى الورثة :فذهب أكثر المالكيّة إلى أنّه حقّ يورث ، لنّه ل يجوز للموجب الرّجوع عن إيجابه ،لنّه ألزم نفسه به . أمّا الحنفيّة فقالوا :إنّ خيار القبول ل يورث ،لنّ اليجاب غير ملزم للموجب ،وله خيار الرّجوع ،ويبطل اليجاب بانفضاض مجلس العقد ،وموت أحد المتعاقدين ينهي المجلس فينحلّ اليجاب ،فل يكون بعده خيار القبول قائما ،وما دام خيار القبول أصبح غير موجود فل ينتقل إلى الورثة لبطلنه تبعا لبطلن اليجاب بانفضاض المجلس بتفرّق الرواح . وانظر مصطلحات الخيار المتعدّدة .
هس -المنافع : - 42اختلف الفقهاء في ماليّتها ،فذهب الحنفيّة إلى أنّها ليست مالً ،ولذلك ل تنتقل إلى الورثة عن طريق الميراث .وذهب غيرهم إلى أنّ المنافع أموال ،ولذلك قالوا :إنّها تورث مثل بقيّة الموال المملوكة للمورث .
و -القصاص في النّفس :
- 43هذا الحقّ ثابت لولياء المقتول ،ولكن الفقهاء اختلفوا في سبب ثبوته لهم :فقال أبو ن القصاص ن القصاص طريقة الخلفة دون الوراثة ،أل ترى أ ّ حنيفة ومالك والشّافعيّ :إ ّ يثبت بعد الموت ،والميّت ليس صالحا للمطالبة بالقصاص لفقده الحياة ،وذلك بخلف الدّين ن الميّت من أهل الملك في الموال ،ويتجاوز في الموال ما والهبة وما يتعلّق بالموال ،ل ّ ل يتجاوز في غيرها ،ولذلك إذا نصب شخص مصيدةً فوقع بها الصّيد بعد موته ،فإنّ الميّت يملكه ،ثمّ ينتقل إلى الورثة عن طريق الرث .أمّا القصاص فيثبت لولياء المقتول ابتداءً ل عن طريق الميراث ،ولذلك ل يثبت القصاص لحد الزّوجين لنّ الخلفة بالنّسب فقط ،دون السّبب وهو الزّوجيّة ،لنقطاع الزّوجيّة بالموت . ي عليه قبل موته قصاص النّفس ،وإنّما يثبت القصاص للوارث وقالوا أيضا :لم يثبت للمجن ّ ن استحقاق القصاص فرع زهوق الرّوح ،ومرتّب على خروج الرّوح ،فلم يكن ابتداءً ،ل ّ ن حقّ قصاص النّفس ثابتًا للمقتول قبل موته ،حتّى يكون القصاص ممّا ينتقل للوارث ،ل ّ القصاص ل يثبت إلّ بعد الموت ،فل يقع إلّ للوارث .
تقسيم الحقوق باعتبار الماليّة وعدمها : - 44تنقسم الحقوق باعتبار الماليّة والتّعلّق بالموال وعدم الماليّة إلى ما يأتي : أ -حقّ ماليّ ،يتعلّق بالموال ،ويستعاض عنه بمال ،مثل :العيان الماليّة حيث يمكن بيعها والستعاضة عنها بمال .
ب -حقّ ماليّ ،ليس في مقابلة مال ،مثل :المهر والنّفقة ،حيث يتعلّق المهر بالزّواج والدّخول ،وكلهما ليس مالًا ،وكذلك النّفقة تستحقّها الزّوجة مقابل احتباسها لحقّ الزّوج . ج -حقّ غير ماليّ ،يتعلّق بالموال ،ولكن ل يجوز الستعاضة عنه بمال ،مثل : ن حقّ الشّفعة قبل بيع الشّريك حقّ مجرّد ،وبعد البيع حقّ ثابت ،وهو أيضًا الشّفعة ،حيث إ ّ ح الستعاضة عنه بمال .إلّ أنّ الشّفعة حقّ يتعلّق حقّ مجرّد ،وهو حقّ ضعيف ل يص ّ بالعقار ،وهو مال بالجماع . د -حقّ غير ماليّ ،ل يتعلّق بالموال ،ولكن يجوز الستعاضة عنه بمال ،مثل : القصاص ،لنّه حقّ غير ماليّ ،ول يتعلّق بالموال ،لنّه عقوبة القتل العمد ،وهذا ليس مالًا ،ولكن يجوز الستعاضة عن القصاص بمال ،وذلك عند الصّلح على مال . هس -حقّ غير ماليّ ،ول يتعلّق بالموال ،ول يجوز الستعاضة عنه بمال ،ولكن قد يترتّب عليه حقوق ماليّة ،مثل :البوّة ،والمومة ،والبنوّة . ز -حقّ مختلف في ماليّته ،مثل :المنافع . ن المنافع مال ،وذهب الحنفيّة إلى أنّها ليست مالً ،وذكر الخطيب حيث ذهب الجمهور إلى أ ّ ن المنافع يطلق عليها المال مجازا . الشّربينيّ أ ّ
الحقّ الواجب ديانةً ،والحقّ الواجب قضاءً : - 45الحقّ الواجب ديان ًة :هو ما كان واجب الداء في ال ّذمّة بحكم شرعيّ أو باللتزام ، وليس هناك دليل يثبته عند التّقاضي ،مثل :الطّلق بغير شهود أو بطريق غير رسميّ ،وقد يكون حقّا ليس له مطالب من جهة العباد ،ول يدخل تحت ولية القضاء ،كالحجّ والوفاء ق الواجب قضاءً :هو ما كان واجب الداء وأمكن إثباته بالدّليل ،مثل : بالنّذر .والح ّ الطّلق أمام الشّهود أو بوثيقة رسميّة ،فإن راجعها الزّوج بطريق غير رسميّ أو ل دليل عليه فحكم الطّلق ما زال قائما قضا ًء فقط ل ديانةً . والحقّ الواجب ديان ًة وقضا ًء :هو ما كان واجب الداء في ال ّذمّة بحكم شرعيّ أو التزام ، ويمكن إثباته بالدّليل ،مثل :الطّلق بوثيقة رسميّة أو أمام الشّهود ،ولم يراجعها الزّوج فهي مطلّقة ديان ًة وقضاءً .
حقّ التّملّك والحقّ المباح :
- 46حقّ التّملّك :هو مجرّد المكان والصّلحيّة للملك شرعا . والمباح :هو ما خيّر فيه الشّخص بين الفعل والتّرك ،وكان فعله وتركه سواءً شرعا . فالحقّ المباح وحقّ التّملّك كلهما حقّ ليس له مح ّل معيّن -ولو في الجملة -يتعلّق به ،
وذلك لعدم وجود سبب من أسباب الملك بمحلّ معيّن يوجبه ويثبته فيه .وفي الوقت نفسه هو صالح لنتقاله وتركه إلى حقّ آخر أقوى منه عند وجود سبب من أسباب الملك . وحقّ التّملّك والحقّ المباح كلهما من الحقوق المجرّدة الضّعيفة ،الّتي ل تترقّى ول تنتقل إلى غيرها من الحقوق بالقول الصّادر من صاحبه تعبيرا عن إرادته وحده . والحقّ المباح يثبت بالصل ،لنّ الصل في الشياء الباحة عند الجمهور ويظهر ذلك في ل اللّه في كتابه فهو حلل ، المسكوت عنه ،واستدلّ بقوله صلى ال عليه وسلم « :ما أح ّ ن اللّه لم يكن وما حرّمه فهو حرام ،وما سكت عنه فهو عفو ،فاقبلوا من اللّه عافيته ،فإ ّ لينسى شيئا » .فإذا كان نقل الملك عن طريق التّراضي كما في العقود ،فمن له حقّ التّملّك للعقار أو المنقول المملوك للغير -قبل التّعاقد -فإنّ حقّه حقّ تملّك فقط ،وهو حقّ مباح ، ق التّملّك مع حقّ ق ل يفيد ملكا مطلقا ،ول ملكا في الجملة .ولذلك ل يتعارض ح ّ وهذا الح ّ ق المباح في التّملّك إلى أن يصدر من المالك للعقار أو المنقول إيجاب المالك ،ويستم ّر الح ّ ق التّملّك .فإذا أوجب صاحب المال على نفسه بيع المنقول لصاحب حقّ بالبيع لصاحب ح ّ التّملّك ،بأن صدر منه إيجاب بالبيع ،ترقّى هذا الحقّ -حقّ التّملّك -إلى مرحلة وسط بين حقّ التّملّك والملك ،وهو حقّ واحد يسمّى :الحقّ الثّابت أو الحقّ الواجب . أمّا إذا كان الوصول إلى الملك عن طريق آخر غير التّراضي ،بأن كان عن طريق ق التّملّك موجود أيضا إذا وجد سبب استحقاقه ،وقد الجبار ،مثل :الشّفعة والغنيمة ،فح ّ ق التّملّك أو المباح ل يعتبر ملكا مطلقا .هذا كلّه في الموال المملوكة نحّ أكّد الفقهاء على أ ّ للغير : - 47أمّا غير المملوك للغير ،مثل :الطّير في الهواء ،والسّمك في مياه النهار والبحار ، والنّبات والشجار في الصّحاري والغابات ،وكذلك الحيوانات البرّيّة ،فإنّه يجوز لكلّ ن الجميع لهم حقّ تملّك هذه الشياء شخص أن يسعى لتملّكها ،وذلك بالوسائل المشروعة ،ل ّ ل واحد صالح لن يكون مالكا لها ،فحقّ تملّكها مستم ّر إلى أن يوجد أحد وأمثالها ،وك ّ الشخاص سببا من أسباب الملك .
الحقّ الثّابت أو الحقّ الواجب : - 48الحقّ الثّابت -ويسمّى الحقّ الواجب عند بعض الفقهاء : -هو حقّ الشّخص في أن يتملّك شيئا محدّدا -ولو في الجملة -بإرادته وحده ،بعد وجود سبب من أسباب الملك ، وقبل ثبوت الملك .وهذا الحقّ لم يصل إلى درجة حقّ الملك ،لنّه أدنى منه ،ول يفيد ملكًا ن الحقّ الثّابت يعطي حقوقا أكثر من كما أنّه أعلى درج ًة من المباح وحقّ التّملّك ،حيث إ ّ
ن صاحب حقّ التّملّك إذا تحقّق له سبب من أسباب الملك حقّ التّملّك ،وله آثار أقوى ،ل ّ ق ثابت ،ولكنّه مجرّد عن الملك . كاليجاب في البيع والشّراء ،ترقّى حقّه إلى ح ّ ويمكن لصاحب الحقّ الثّابت -بإرادته وحده -أن يترقّى بهذا الحقّ الثّابت إلى حقّ الملك ، لنّه أصبح بالخيار بين قبول اليجاب في مجلس العقد فيصبح مالكا ،أو رفض اليجاب ، ق التّملّك ،وهو أهمّ فرق بين هذين الحقّين . وهذا المر ل يتوفّر لصاحب ح ّ وهذا في التّملّك الختياريّ بإرادة المالك وإيجابه ،فالحقّ الوسط هو الحقّ الثّابت فقط ، ويسمّى الحقّ الواجب . أمّا في التّملّك الجبريّ بغير إرادة المالك ،مثل :الغنيمة والشّفعة . قال ابن عابدين في شأن الغنيمة :والحاصل كما في الفتح عن المبسوط :أنّ الحقّ يثبت عندنا بنفس الخذ ،ويتأكّد بالحراز ،ويملك بالقسمة ،وما دام الحقّ ضعيفا ل تجوز القسمة .قلت :وهذا كلّه إذا لم يظهر عسكرنا على البلد ،فلو ظهروا عليها ،وصارت بلد إسلم ، وصارت الغنيمة محرزةً بدارنا ،ويتأكّد الحقّ ،فتصحّ القسمة . ويستوي الحقّ المباح _ أي حقّ التّملّك _ والحقّ الثّابت فيما يلي : أ -أنّ كلّا منهما حقّ مجرّد عن الملك ،ومعنىً مجرّد عن الملك ،أنّها ليست ملكا ،وسمّيت في البدائع الحقوق المفردة ،وهي ل تملك ول تضمن بالتلف ،ول يستعاض عنها بمال ، لنّه مجرّد حقّ فقط . ب -أنّ كلّا منهما حقّ ضعيف ،ولذلك ل تجوز قسمته أو الصّلح عنه . ج -أنّ كلّا منهما ل يباع ،ول يورث عند الحنفيّة . ن كلّا منهما ليس حقّ ملك ،ول نوع ملك كالحقّ المؤكّد . هس -أ ّ ز -أنّ كلّا منهما ل يضمن عند التلف . ويفترق الحقّ المباح -حقّ التّملّك -عن الحقّ الثّابت فيم يأتي : أ -أنّ الحقّ الثّابت تعلّق بشيء معيّن ولو في الجملة . أمّا الحقّ المباح فلم يتعلّق بشيء معيّن . ب -أنّ الحقّ الثّابت تحقّق له شيء من أسباب الملك . أمّا الحقّ المباح فلم يتحقّق له شيء من أسباب الملك . ج -أنّ الحقّ الثّابت في مقدور صاحبه وسلطته أن يرتقي بهذا الحقّ ويجعله حقّا مؤكّدا ،أو حقّ ملك ،وذلك بإرادته وقبوله وحده ،أمّا الحقّ المباح فصاحبه ل يقدر أن يترقّى به ويحوّله إلى حقّ مؤكّد ،أو حقّ ملك ،بقبوله وعبارته وحده .
ن الحقّ الثّابت ينتقل إلى الورثة عند المالكيّة ،كما في خيار القبول ،أمّا الحقّ المباح د-أّ فل ينتقل إلى الورثة .
ق المؤكّد : الح ّ - 49الحقّ المؤكّد حقّ استقرّ في عين معيّنة لم تملك بعد ،وإن كانت لصاحبه نوع ملك في الجملة ،وله حقّ المطالبة بالقسمة . ن من عليه الحقّ ل يقدر على إبطال الحقّ المؤكّد من جانبه ، ويسمّى :الحقّ المستمرّ ،ل ّ ويجب عليه التّسليم بالحقّ المؤكّد لصاحبه ،وإذا امتنع أجبره القاضي على ذلك . مثاله في الغنيمة :الحقّ المؤكّد فيها يكون بعد إحراز المسلمين للغنيمة في دار السلم ،لنّ ن الغنيمة في أرض الحرب والمعارك قبل الحقّ فيها قد تأكّد واستقرّ بعد هذا الحراز ،ل ّ الحراز كانت مجرّد حقّ لم يتأكّد بعد ،حيث كان هذا الحقّ مه ّددًا باسترداد العداء لموالهم ،وبعد الحراز للغنائم في بلد السلم زال الخطر ،وتأكّد الحقّ ،ولم يبق مجرّد حقّ ،أو حقّا مجرّدا .قال في ال ّدرّ المنتقى :والّذي قرّره في المنح كغيره :أنّه ل ملك بعد الحراز بدارنا أيضا إلّ بالقسمة ،فل يثبت بالحراز ملك لحد ،بل يتأكّد الحقّ ،ولهذا لو أعتق واحد من الغانمين عبدا بعد الحراز ل يعتق ،ولو كان له ملك ولو بشركة لعتق . ح عتق أحدهم للشّركة الخاصّة نعم لو قسمت الغنيمة على الرّايات فوقع عبد بين أهل راية ص ّ ،حيث كانوا قليلً كمائة فأقلّ ،وقيل :أربعين . ول يجوز بيع أحد الغانمين شيئا من الغنيمة قبل القسمة ،سواء أكان في دار الحرب أم بعد الحراز في دارنا ،لنّها ل تملك قبل القسمة كما علمت ،قال في الفتح :وهذا ظاهر في بيع الغزاة ،وأمّا بيع المام لها فذكر الطّحاويّ :أنّه يصحّ ،لنّه مجتهد فيه ،يعني أنّه ل بدّ أن يكون المام رأى المصلحة في ذلك .
ق المؤكّد : حكم الح ّ
- 50أ -يضمن عند التلف ،قال ابن عابدين :إذا فوّت حقّا مؤكّدا فإنّه يلحق بتفويت ق المرتهن ،ولذا ل يضمن بإتلف شيء من الغنيمة قبل حقيقة الملك في حقّ الضّمان كح ّ ن الفائت مجرّد الحقّ ،وأنّه غير مضمون ،وبعد الحراز بدار السلم -ولو الحراز ،ل ّ قبل القسمة -يضمن ،لتفويت حقيقة الملك ،ويجب عليه القيمة في " إتلفه شيئا " من الغنيمة بعد الحراز ،وأراد بقوله :لتفويت حقيقة الملك الحقّ المؤكّد ،إذ ل تحصل حقيقة الملك إلّ بعد القسمة كما مرّ . ب -ل يعتبر داخلًا في ملك صاحب الحقّ وليس له بيعه ،قال في الجوهرة :ول يجوز بيع الغنائم قبل القسمة ،لنّه ل ملك لحد فيها قبل ذلك .
ج -يورث الحقّ المؤكّد إذا مات صاحبه بعد التّأكّد وقبل الملك ،مثل :التّحجير . والغنيمة إذا أحرزت في دار السلم قبل القسمة ،قال ابن عابدين :بعد الحراز بدارنا يورث نصيب الغازي إذا مات في دارنا قبل القسمة ،للتّأكّد ل الملك ،لنّه ل ملك قبل القسمة ،وهذا لنّ الحقّ المتأكّد يورث ،كحقّ الرّهن وال ّردّ بالعيب ،بخلف الحقّ الضّعيف كالشّفعة وخيار الشّرط . ل أنّه انعقد ق المؤكّد مملوكًا لصاحبه في الجملة وإن لم يدخل في ملكه بعد ،إ ّ د -يعتبر الح ّ له سبب يرتّب له حقّا في الجملة ،وذلك لما يأتي . ل نقل الملكيّة ،ويتمّ ذلك - 1أنّ هذا الحقّ قد استقرّ وتحدّد وتعيّن المستحقّون له ،ولم يبق إ ّ في الغنيمة المحرزة بقسمتها . ق الغانمين به ،وتحقّق خروجه من ملك العداء ، - 2أنّه يضمن بالتلف ،لتعلّق ح ّ وانتهاء الباحة الّتي لحقت بالغنيمة وقت المعركة إلى قبيل الحراز . قال ابن عابدين :وبعد الخروج من دار الحرب ل ينتفع بشيء ممّا يجوز للغانمين النتفاع به ن حقّهم قد تأكّد حتّى يورث نصيبهم . في دار الحرب ،لزوال المبيح ،ول ّ - 3أنّ صاحب الحقّ المؤكّد في الغنيمة له الحقّ في المطالبة بقسمتها وتمليكها ،حتّى يتحقّق دخول نصيبه من الغنيمة في ملكه ولو لم يكن صاحب الحقّ المؤكّد صاحب اختصاص أو له نوع ملك لمّا كان له الحقّ في المطالبة بالقسمة والتّمليك . قال القرافيّ :إذا حيزت الغنيمة فقد انعقد للمجاهدين سبب المطالبة بالقسمة والتّمليك ،فهل يعدّون مالكين لذلك أم ل ؟ قولن :فقيل :يملكون بالحوز والخذ ،وهو مذهب الشّافعيّ ، وقيل :ل يملكون إلّ بالقسمة ،وهو مذهب مالك وأبي حنيفة – وهو الصّحيح عند الشّافعيّة كما قاله الخطيب الشّربينيّ .ثمّ قال القرافيّ :إذا قلنا انعقد له سبب يقتضي المطالبة بالتّمليك ،فهو مناسب لن يعدّ مالكا من حيث الجملة ،تنزيلً لسبب السّبب منزلة السّبب ،وإقام ًة للسّبب البعيد مقام السّبب القريب ،فهذا يمكن أن يتخيّل وقوعه قاعد ًة في الشّريعة ،ويجري فيها الخلف في بعض فروعها ل في كلّها . - 4أنّ الحقّ المؤكّد إذا مات صاحبه انتقل إلى ورثته كما في الغنيمة إذا حيزت بإجماع الفقهاء ،ولو لم يكن لصاحبه نوع ملك لما انتقل إلى الورثة ،كالحقّ الثّابت حيث إنّه لمّا كان خاليا عن الملك أصلً ،وليس فيه نوع من أنواع الملك ،ولم ينتقل إلى الورثة عند الحنفيّة ، ل ذلك على أنّ الحقّ المؤكّد فيه نوع ملك في الجملة ،ولذلك انتقل إلى خلفا للمالكيّة ،فد ّ الورثة .
- 51ويفترق الحقّ المؤكّد عن الحقّ الثّابت -وكلهما حقّ وسط بين التّملّك والملك -فيما يأتي : - 1أنّ الحقّ المؤكّد يضمن عند التلف .أمّا الحقّ الثّابت فل يضمن عند التلف . - 2أنّ الحقّ المؤكّد يورث بالجماع أمّا الحقّ الثّابت فل يورث عند الحنفيّة خلفا للمالكيّة. - 3أنّ الحقّ المؤكّد يعتبر مملوكًا في الجملة ،فل يجوز النتفاع به على سبيل الباحة .أمّا الحقّ الثّابت فل يعتبر مملوكا . - 4أنّ الحقّ المؤكّد أقرب ما يكون إلى حقّ الملك ،لوجود الشّبه في بعض المور . أمّا الحقّ الثّابت فأبعد ما يكون عن حقّ الملك ،لعدم وجود الشّبه في أكثر المور ،إن لم يكن في كلّها . ن الحقّ المؤكّد أبعد ما يكون عن حقّ التّملّك . -5أ ّ أمّا الحقّ الثّابت فهو قريب من حقّ التّملّك ،لوجود الشّبه في بعض المور . ويختلف الحقّ المؤكّد عن الملك فيما يأتي :أنّ الحقّ المؤكّد ل يجوز بيعه والتّصرّف فيه من ن لصاحبه حقّ المبيع والتّصرّف فيه والنتفاع ، صاحب الحقّ المؤكّد .أمّا حقّ الملك ،فإ ّ وغير ذلك من حقوق الملك .
استيفاء الحقّ : - 52تنقسم الحقوق من حيث استيفاؤها إلى ثلثة أقسام : الوّل :ما ل بدّ فيه من الرّفع إلى القضاء ،باتّفاق الفقهاء ،كتحصيل العقوبات وما يخاف من استيفائه الفتنة ،كالحقوق المتعلّقة بالنّكاح واللّعان والطّلق بالعسار والضرار وذلك لخطرها وكذلك ما كان من الحقوق مختلفًا في أصل ثبوته . الثّاني :ما ل يحتاج إلى القضاء باتّفاق الفقهاء ،لتحصيل العيان المستحقّة ،وتحصيل نفقة الزّوجة والولد . الثّالث :ما اختلف في جواز تحصيله من غير قضاء ،كاستيفاء الدّيون . وانظر مصطلح ( استيفاء ) .
التّعريف :
حُقّة *
- 1الحقّة والحقّ من البل لغ ًة :ما طعن في السّنة الرّابعة ،والجمع حقاق وحقق .وأحقّ البعير إحقاقا صار حقّا .وإنّما سمّيت بذلك لنّها استحقّت أن تركب ويحمل عليها ،ولنّها استحقّت أن يطرقها الفحل ،واستحقّ الفحل أن يطرق . ول يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن هذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -ابن المخاض وبنت المخاض : - 2ولد النّاقة إذا طعن في السّنة الثّانية سمّي ابن مخاض ،والنثى بنت مخاض ،سمّيت به ،لنّ أمّها غالبا تكون مخاضا أي حاملً . ب -ابن اللّبون وبنت اللّبون : - 3ابن اللّبون من البل هو ما طعن في الثّالثة ،والنثى بنت لبون ،لنّ أمّهما آن لها أن تلد فتصير لبونا أي ذات لبن لخرى غالبا . ج -الجذع والجذعة : - 4الجذع من البل ما طعن في الخامسة ،والنثى جذعة .وذلك آخر أسنان البل في الزّكاة .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث :
ت وأربعين من البل إلى ستّين ،وفي إحدى - 5أجمع الفقهاء على أنّه تجب حقّة في س ّ وتسعين حقّتان إلى مائة وعشرين .لما رواه البخاريّ في صحيحه عن أنس « :أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي ال تعالى عنه أرسل إليه كتاب صدقات النّبيّ صلى ال عليه وسلم وفيه :فإذا بلغت ستّا وأربعين إلى ستّين ففيها حقّة طروقة الجمل .فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الجمل » وتفصيل ذلك في كتاب الزّكاة عند الكلم عن زكاة البل ،كما تبحث في الدّيات في تغليظ الدّية أو تخفيفها .
حقن * انظر :احتقان .
انظر :احتقان .
حقنة * حقيقة *
التّعريف : - 1الحقيقة على وزن فعيلة مشتقّة من الحقّ ،ومن معانيه لغةً الثّبوت ،قال تعالى { :لقد حقّ القَولُ على أَك َثرِهمْ } أي ثبت ووجب .وحقيقة الشّيء منتهاه وأصله المشتمل عليه .وفي َ الصطلح عرّفها أكثر الصوليّين وعلماء البيان :بأنّها الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلح يقع به التّخاطب بالكلم المشتمل على تلك الكلمة .
ل عليه بغير قرينة . وعرّفها بعضهم :بأنّها لفظ أريد به ما وضع له ابتداءً بحيث يد ّ ل عليه بنفسها . والمراد من الوضع تعيين اللّفظة بإزاء معنىً تد ّ
اللفاظ ذات الصّلة : أ -المجاز : - 2المجاز اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما ،كتسمية الشّجاع أسدا ،سمّي مجازا لنّه جاوز وتعدّى محلّه ومعناه الموضوع له إلى غيره لمناسبة بينهما ،فالمجاز خلف ن اللّفظ المستعمل في المعنى المجازيّ خلف لنفس اللّفظ المستعمل في عن الحقيقة ،أي أ ّ المعنى الحقيقيّ . ب -الستعارة : - 3الستعارة عند علماء البلغة :هي ذكر أحد طرفي التّشبيه وإرادة الطّرف الخر بادّعاء ص المشبّه به للمشبّه ،كما تقول دخول المشبّه في جنس المشبّه به دالّا على ذلك بإثبات ما يخ ّ :في الحمّام أسد ،وأنت تريد الشّجاع مدّعيا أنّه من جنس السود فيثبت للشّجاع ما يخصّ المشبّه به .والستعارة في اصطلح الفقهاء :طلب العارة وهي تمليك المنفعة بل عوض . ( ر :استعارة ) . ج -الكناية : - 4الكناية في اللّغة بمعنى السّتر ،يقال :كنوت الشّيء وكنّيته أي سترته ،وفي الصطلح :كلم استتر المراد منه بالستعمال ،وإن كان معناه ظاهرا في اللّغة ،سواء أكان المراد منه الحقيقة أم المجاز .فيكون تردّد فيما أريد به ،فل بدّ من ال ّنيّة ،أو ما يقوم مقامها من دللة الحال ،كحال مذاكرة الطّلق مثلً في كنايات الطّلق ليزول التّردّد ويتعيّن ما أريد منه .فبين المجاز والحقيقة عموم وخصوص وجهيّ .
أقسام الحقيقة :
- 5الحقيقة ل بدّ لها من وضع :والوضع يأتي من الواضع ،فمتى تعيّن نسبت إليه الحقيقة ،فتكون لغويّ ًة إذا كان واضعها أهل اللّغة كلفظ النسان المستعمل في الحيوان النّاطق .وتكون شرعيّ ًة إذا كان واضعها الشّارع كالصّلة المستعملة في العبادة المخصوصة ، وتكون عرفيّ ًة إذا كان واضعها العرف سواءً أكان عرفا عامّا كالدّابّة لذوات الربع وهي في أصل اللّغة لكلّ ما يدبّ على الرض من إنسان أو حيوان ،أم خاصّا .كما لكلّ طائفة اصطلحات تخصّهم .
ن استعمال اللّفظ في معنىً قد يكون حقيق ًة باعتبار ،ومجازا باعتبار آخر . ويظهر من هذا أ ّ فلفظ " الصّلة " إذا استعمله أهل الشّرع في العبادة المخصوصة فهو حقيقة فيها ،وهو مجاز في الدّعاء ،وإذا استعمله أهل اللّغة فهي حقيقة في الدّعاء ،ومجاز في الركان المخصوصة.
الحكم الجماليّ : ن الصل في الكلم الحقيقة ،ولمّا كانت الحقيقة - 6أ ّولً :من القواعد العامّة عند الفقهاء أ ّ هي الصل ،والمجاز خلف عنها فل يصرف اللّفظ عن معناه الحقيقيّ إلى المجازيّ إلّ عند عدم إمكان المعنى الحقيقيّ بأن كان متعذّرا أو متعسّرا أو مهجورا عادةً . ولهذه القاعدة فروع منها : أ -إذا وقف على أولده ل يدخل فيه ولد ولده إن كان له ولد لصلبه عند الحنفيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة ،فإن لم يكن له ولد لصلبه استحقّ ولد البن عند ل يصار الحنفيّة ،لنّ اسم الولد حقيقة في ولد الصّلب ،فإذا أمكن حمله على الحقيقة فبها وإ ّ إلى المجاز .وعند المالكيّة -وهو قول عند الحنابلة -يدخل فيه ابن البن ،وعند الشّافعيّة يدخل ولد الولد مطلقا حملً على الجمع بين الحقيقة والمجاز . ب -لو حلف ل يبيع ،أو ل يشتري ،أو ل يؤجّر أو ل يضرب ولده يحنث بالمباشرة اتّفاقًا ،وإذا وكّل غيره بهذه العمال فباشرها الوكيل ل يحنث عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة ل أن يكون مثله ل يباشر ذلك الفعل ، والمالكيّة والشّافعيّة " حملً للّفظ على حقيقته ،إ ّ كالسّلطان والقاضي مثلً ،فيحنث بالمباشرة والتّوكيل كليهما . ن الفعل ينسب إلى وعند الحنابلة يحنث ولو فعله بالتّوكيل إلّ أن ينوي مباشرته بنفسه ل ّ الموكّل فيه والمر به ،كما لو كان ممّن ل يتولّاه بنفسه . ج -لو حلف ل يأكل من هذه الشّاة حنث بالكل من لحمها ،لنّه الحقيقة دون لبنها ونتاجها لنّه مجاز ،وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة . وقال المالكيّة :يحنث بكلّ فرع نشأ عن الصل إذا حلف بالمتناع عن الكل منه ،سواء تقدّم فرع المحلوف عليه عن اليمين أو تأخّر عنها ( .ر :أيمان ) . - 7ثانيا :تكميلً للقاعدة السّابقة توجد قاعدتان أخريان : الولى :إذا تعذّرت الحقيقة يصار إلى المجاز .ولهذه القاعدة أيضا فروع منها : أ -لو أقرّ من ل وارث له لمن ليس من نسبه وأكبر منه سنّا بأنّه ابنه ووارثه ثمّ توفّي المقرّ فبما أنّه ل يمكن حمل كلمه هذا على معناه الحقيقيّ فيصار إلى المجاز ،وهو معنى الوصيّة ،ويأخذ المقرّ له جميع التّركة .
ب -إذا حلف ل يأكل من هذه الشّجرة ،وكانت ممّا ل يؤكل عينها حنث بأكل ثمرها إذا كان لها ثمر ،وإلّ فبالكل من ثمنها " أو أيّ عوض عنها " ،وذلك لتعذّر الحقيقة ،كما صرّح به الفقهاء . الثّانية :الحقيقة تترك بدللة العادة ،ومن فروعها : أ -لو حلف ل يدخل قدمه في دار فلن فإنّه صار مجازا عن الدّخول مطلقا حافيا أو منتعلً ،أو راكبا ،حتّى لو وضع قدمه في الدّار وهو خارج البيت ولم يدخل ل يحنث ،ولو ن المعنى الحقيقيّ مهجور بدللة العادة . دخل راكبا ولم يضع قدمه يحنث ،وذلك ل ّ ب -من حلف ل يأكل هذه القدر تنعقد اليمين على ما يوجد في القدر ل على عين القدر فإنّ المعنى الحقيقيّ أي أكل عين القدر محال في العادة فتترك الحقيقة ويراد المجاز بعلقة ذكر المحلّ وإرادة الحال .هذا ،وقد يتعذّر المعنى الحقيقيّ والمجازيّ معا فل يمكن إعمال الكلم فيهمل ،كما لو أقرّ لزوجته الّتي هي من نسب آخر معروف وأكبر منه سنّا بأنّها ابنته فل يمكن حمل كلمه هذا على معنًى حقيقيّ لنّها معروفة النّسب وأكبر منه سنّا ،ول على المعنى المجازيّ أي معنى الوصيّة لكونها وارثةً له ول وصيّته لوارثها فيهمل كلمه . - 8ثالثا :ل يجوز الجمع في لفظ واحد بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ في الرادة عند جمهور الصوليّين ،كما في قولك :رأيت أسدا وتريد الحيوان المفترس والرّجل الشّجاع معًا ،وذلك لما فيه من الجمع بين المتنافيين حيث أريد باللّفظ كلّ من الموضوع له وغير ن المجاز خلف للحقيقة . الموضوع له معا .ولهذا صرّحوا بأ ّ وأجاز الشّافعيّة الجمع بين الحقيقة والمجاز بأن يراد من اللّفظ في إطلق واحد هذا وذاك ، إلّ إذا لم يمكن الجمع بينهما عقلً . ي شامل للحقيقيّ وغيره . ول خلف في جواز عموم المجاز وهو إرادة معنًى مجاز ّ وتفصيله في الملحق الصوليّ .هذا ولهذه القواعد فروع كثيرة في الوصايا واليمان والنّذور والوقف تنظر أحكامها في مظانّها من كتب الفقه .
حكر * التّعريف : - 1الحكر لغ ًة :السم من الحكر بفتح الحاء وسكون الكاف ،وهو في الصل الظّلم والتّنقّص ،والعسر ،واللتواء .ومنه رجل حكر وهو من يدخل على غيره المشقّة في ل فيغلو .والسم منه الحكر معاشرته ومعايشته ،والحتكار :أن يشتري الطّعام ويحبسه ليق ّ والحكرة .وفي القاموس وشرحه :الحكر اللّجاجة والعسر ،والستبداد بالشّيء ،أي الستقلل وأصل الحكرة الجمع والمساك .
ي مستدركا له على القاموس ،فقال :الحكر بالكسر أمّا الحِكر بالكسر فقد انفرد بذكره الزّبيد ّ ما يجعل على العقارات ،ويحبس ،مولّدة . وفي اصطلح الفقهاء يطلق على ثلثة معان : الوّل :الجرة المقرّرة على عقار محبوس في الجارة الطّويلة ونحوها .ومن هذا الستعمال ما قال ابن نجيم :من بنى في الرض الموقوفة المستأجرة مسجدا وقفه للّه تعالى فإنّه يجوز ،وإذا جاز فعلى من يكون حكره ؟ الظّاهر أنّه يكون على المستأجر ما دامت المدّة باقيةً فإذا انقضت ينبغي أن يكون في بيت المال . وفي فتاوى عليش " من استولى على الخلوّ يكون عليه لجهة الوقف أجرة للّذي يئول إليه الوقف يسمّى عندنا بمصر حكرًا لئلّ يذهب الوقف باطلً . الثّاني :أن يطلق على العقار المحتكر نفسه فيقال :هذا حكر فلن . الثّالث :أن يطلق على الجارة الطّويلة والغالب أن يسمّى هذا النّوع الحتكار . والستحكار بمعنى الستئجار إجارةً طويلةً ،ويسمّى " التّحكير أو الحكار " بمعنى اليجار أو التّأجير .قال ابن عابدين :الحتكار إجارة يقصد بها منع الغير واستبقاء النتفاع بالرض .وفي الفتاوى الخيريّة :الستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الرض للبناء ،أو الغرس ،أو لحدهما .ويكون في الدّار والحانوت أيضا . ومراد ابن عابدين بقوله يقصد بها منع الغير أي منع الغير من المنافسة فيما لو أوجرت الرض أجارةً قصير ًة وانتهت المدّة .فمن يستأجرها إجارةً طويل ًة يأمن من المنافسة ويمنعها ،ومن هنا أخذ هذا الصطلح وهو الحتكار لنّه يئول في معانيه اللّغويّة إلى المنع.
اللفاظ ذات الصّلة : - 2أ -الخلوّ :هو المنفعة الّتي يملكها المستأجر لعقار الوقف مقابل مال يدفعه لناظر الوقف لتعميره إذا تخرّب ولم يوجد ما يعمّره به ،ويكون عليه لجهة الوقف أجرة معلومة عن باقي المنفعة تسمّى حكرا . - 3ب -الجرة :وهي أع ّم من الحكر . - 4ج -الجارة الطّويلة :وهو اصطلح عند الحنفيّة وغيرهم وهو أعمّ من الحتكار إذ الحتكار يقصد به استئجار الرض المدّة الطّويلة للبناء ،أو الغرس ،أو أحدهما كما تقدّم في كلم ابن عابدين ،والجارة الطّويلة ل يشترط فيها أن تكون لهما ،بل قد تكون للزّرع ولسائر أنواع استعمالت الرض .وتكون في غير الرض أيضًا كالمساكن واللت وغيرها .
أقسام الحكر :
- 5الحكر يكون في الوقاف وهو الغلب وفي غيرها وهي الملك الخاصّة ،وهو ما يجري عليه كلم الرّمليّ وابن عابدين ،إذ أطلقا تعريف الحتكار عن قيد الوقف كما تقدّم . وصرّح بذلك ابن عابدين في منحة الخالق حيث قال :الرض المقرّرة للحتكار أعمّ من أن ن أكثر كلم الفقهاء في شأن الحكر ينصبّ على الحكر في الوقاف تكون ملكا أو وقفا .إلّ أ ّ ل نادرا ،ولذا عرّفه صاحب قانون العدل والنصاف بأنّه ول يتعرّضون للحكر في الملك إ ّ استبقاء الرض الموقوفة مقرّرةً للبناء أو الغراس أو أحدهما . ومن أجل ذلك سيقتصر الكلم فيما يلي على الحكر في الوقاف ،لنّ الحكر في الملك تجري أحكامه بحسب صيغة التّعاقد من حيث مقدار المدّة والجرة وغير ذلك كما سترد الشارة إليه .
حكم الجارة الطّويلة في الوقاف : ن المالك يصنع في ملكه ما يشاء . - 6الصل في الجارة الطّويلة في الملك أنّها جائزة ل ّ ونقل الحنفيّة التّصريح بذلك عن محمّد بن الحسن .أمّا في الوقاف فقد اختلف فيها : فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم جوازها فيما زاد على ثلث عند الحنفيّة وأربع عند المالكيّة في الجملة ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جوازها على التّفصيل التّالي : - 7فذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كان الواقف شرط أن يؤجّر أكثر من سنة يجوز شرطه ل محالة ،وإن كان شرط أن ل يؤجّر أكثر من سنة يجب مراعاة شرطه ل محالة . وإن كان لم يشترط شيئا فالمنقول عن مشايخ الحنفيّة أنّه ل تجوز أكثر من سنة واحدة ،وقال الفقيه أبو جعفر :أنا أجوّز في ثلث سنين ول أجوّز فيما زاد على ذلك ،والصّدر الشّهيد حسام الدّين كان يقول :في الضّياع " أي الراضي الزّراعيّة " نفتي بالجواز في ثلث سنين إلّ إذا كانت المصلحة في عدم الجواز ،وفي غير الضّياع نفتي بعدم الجواز فيما زاد عن ل إذا كانت المصلحة في الجواز ،وهذا أمر يختلف باختلف الزّمان والموضع . سنة واحدة إ ّ ح الجارة وتفسخ .وأطلق بعض قال صاحب الدّرّ :فلو آجرها المتولّي أكثر من ذلك لم تص ّ الحنفيّة المنع فيما زاد على ثلث سنين في الرض وسنة في غيرها كما صنع صاحب تنوير البصار . ل سنة ل يؤجّرها أكثر من سنة وإن كانت وقال الخصّاف :إن كانت الرض تزرع في ك ّ ل ثلث ل تؤجر أكثر من ثلث تزرع في كلّ سنتين مرّ ًة ل تؤجّر أكثر من سنتين ،أو في ك ّ . وإنّما جرت الفتيا عند الحنفيّة بذلك صيانةً للوقاف عن دعوى الملكيّة بطول المدّة قالوا :لنّ المدّة إذا طالت تؤدّي إلى إبطال الوقف ،فإنّ من رآه يتصرّف فيها تصرّف الملّاك على
طول الزّمان متواليًا ول مالك يعارض ويزاحم -ومال الوقف مال ضائع لعدم المطالب المهتمّ -يظنّه الرّائي بتصرّفه الدّائم مالكًا ،ويشهد له بالملك إذا ادّعاه .ول مصلحة للوقف في أمر يدعو إلى هذا الضّرر .ومن أجل ذلك جرت الفتيا عند الحنفيّة على إلحاق أرض اليتيم بأرض الوقف في هذا الحكم ،فل تؤجّر أكثر من ثلث سنين .وألحق بعضهم بذلك أيضا أراضي بيت المال ،نقله ابن عابدين عن حاشية الرّمليّ ووافقه صاحب الفتاوى الحامديّة .وفي قول متقدّمي الحنفيّة :يجوز إجارة الوقف للمدد الطّويلة . غير أنّ المفتى به عند الحنفيّة قول المتأخّرين المذكور أ ّولً وهو التّوقيت . قال ابن عابدين :وإنّما عدل المتأخّرون عن قول المتقدّمين بسبب الخوف على الوقف . ثمّ إن آجر النّاظر الوقف أكثر من ثلث سنين فقد اختلف قول الحنفيّة :فقال بعضهم ل يجوز ،وقال بعضهم يرفع إلى القاضي حتّى يبطله ،وبه أخذ الفقيه أبو اللّيث . ورأى بعض الحنفيّة أنّه مع ذلك إن احتاج القيّم أن يؤجّر الوقف إجارةً طويلةً فالحيلة له في ذلك أن يعقد عقودا ،فيكتب :استأجر فلن بن فلن ثلثين عقدا مثلً ،كلّ عقد على سنة ، من غير أن يكون بعضها شرطا في بعض ،فيكون العقد الوّل لزما لنّه ناجز ،وما بعده ل يلزم ،لنّه مضاف ،وإنّما تلزم كلّ سنة إذا دخلت . -8وعند المالكيّة كذلك ل يجوز كراء الوقف المدّة الطّويلة ،قال الحطّاب :الحبس إن كان على معيّنين كبني فلن ،فللنّاظر أن يكريه سنتين أو ثلث سنين ،ول يكريه أكثر من ذلك ، فإن وقع الكراء في السّنين الكثيرة فعثر على ذلك وقد مضى بعضها فإن كان الّذي بقي يسيرًا كالشّهر والشّهرين لم يفسخ ،وإن كان أكثر من ذلك فسخ . ونقل الحطّاب عن البرزليّ عن نوازل ابن رشد في وقف أكري خمسين عاما ،إن وقع الكراء لهذه المدّة على النّقد " أي تعجيل الجرة " فسخ ،وفي جوازه على غير النّقد قولن : الصّحيح منهما عندي المنع .ا هس . ثمّ قال الحطّاب :أمّا الحبس على المساجد والمساكين وشبهها فل يكريها النّاظر لكثر من أربعة أعوام إن كانت أرضا ،ول أكثر من عام إن كانت دارًا ،وهو عمل النّاس ،ومضى عليه عمل القضاة ،فإن أكرى أكثر من ذلك مضى إن كان نظرا ( أي مصلحةً ) ،ول يفسخ .وعلّلوا لمنع الجارة الطّويلة في الوقف بمثل ما علّل به الحنفيّة ،قالوا :لخوف اندراسه إذا طال مكثه بيد مكتريه . -9وعند الشّافعيّة يجوز أن تؤجّر العين إلى مدّة تبقى إليها غالبا -ما لم يخالف شرط الواقف -فتؤجّر الرض مائة سنة أو أكثر -قال القليوبيّ :سواء الملك والوقف -وتؤجّر الدّار ثلثين سنةً ،والثّوب سن ًة أو سنتين .وفي قول :ل يزاد على سنة .
وقال ابن حجر الهيتميّ :إنّما يجري ذلك -أي الجارة الطّويلة -في الوقف إن وقع على وفق الحاجة والمصلحة لعين الوقف ،واصطلح الحكّام على أنّه ل يؤجّر أكثر من ثلث سنين ،لئلّ يندرس استحسان منهم .قال :وإنّما اشترطنا ذلك لفساد الزّمان بغلبة الستيلء ن شرط إجارة الوقف أن يكون بأجرة المثل ،وتقويم المدّة على الوقف عند طول المدّة ،ول ّ المستقبلة البعيدة صعب -أي لتغيّر السعار وطروء الرّغبات غالبًا -قال :وأيضا ففيها منع النتقال إلى البطن الثّاني ،وضياع الجرة عليهم إذا كانت معجّلةً .وأطال في بيان ذلك في فتاواه الكبرى الفقهيّة ،وبيّن أنّ قضاة الشّافعيّة مالوا في ذلك إلى مذهب أبي حنيفة لنّه ن مجرّد زيادة الجرة على أجرة المثل ل أحوط .ونقله عن السّبكيّ وغيره .وبيّن أيضا أ ّ يسوّغ الجارة الطّويلة في الوقف .وقال :وألحقوا بأرض الوقف في ذلك أرض اليتيم . - 10ومذهب الحنابلة ،أنّ الجارة الطّويلة جائزة ،على الصل في الجارة إذا كانت في المدّة الّتي تبقى إليها العين غالبا وإن كثرت . حدَى ا ْب َن َتيّ هَا َتيْنِ ن أُن ِكحَكَ ِإ ْ واستدلّ ابن قدامة لهذا الصل بقول اللّه تعالى { :قَالَ ِإنّي ُأرِي ُد أَ ْ حجَجٍ } قال :وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل . ج َرنِي َثمَا ِنيَ ِ عَلَى أَن َت ْأ ُ قال ابن قدامة :لنّ ما جاز لسنة جاز لكثر منها ،والتّقدير بسنة أو ثلث تحكّم ل دليل ن ذلك يجري في الوقف ،قال :إن كان الوقف على عليه .وقد صرّح ابن تيميّة في فتاويه بأ ّ جهة عامّة جازت إجارته بحسب المصلحة ول يتوقّف ذلك بعدد .وكذلك قال صاحب مطالب أولي النّهى ونسبه إلى الرّعاية والمغني ،وأنّهم قالوا :بل الوقف أولى أي بجواز الجارة الطّويلة .وابن القيّم من الحنابلة بيّن مفاسد الجارة الطّويلة في الوقف كما بيّنها أصحاب المذاهب الخرى ،لكن لم يصرّح ببطلنها حيث لم يشترط الواقف امتناعها .
امتناع الجارة الطّويلة في الوقف إذا اشترط الواقف ذلك : - 11إذا شرط الواقف منع تأجير الوقف أكثر من مدّة معيّنة وجب التّقيّد بشرطه اتّفاقا ،لكن إذا اقتضت ضرورة إبقاء عين الوقف إلى إجارته م ّدةً أكثر ممّا شرطه جاز كما يأتي . وأجاز بعض الحنفيّة والشّافعيّة أن يحتال النّاظر على هذا الشّرط ،والحيلة الّتي ذكروها أن يؤجّره النّاظر ويكتب في عقد اليجار أنّه آجره عقودا متلحق ًة ،ستّين عقدا مثلً ،كلّ عقد ل سنة كذا وكذا . لسنة ،وأجرة ك ّ وقد أفتى بعض الحنفيّة والشّافعيّة بجواز هذه الحيلة أخذا بأنّها ل تخالف لفظ الواقف ،ومن هؤلء قاضي خان من الحنفيّة ،والشّيخ زكريّا النصاريّ ،وابن الستاذ ،وصاحب النوار من الشّافعيّة .وأفتى بعضهم بأنّها ل تفيد ،نظرا إلى المعنى وأنّ هذه العقود المتلحقة هي بمعنى عقد واحد .ومن هؤلء الفقيه أبو جعفر من الحنفيّة وابن الصّلح من الشّافعيّة قال في
الفتاوى الهنديّة :والفتوى على قول أبي جعفر قال ابن حجر :والمرجّح صحّة هذه الحيلة ن من تأمّل كلم أهل المذهب وتفاريعهم وجدهم في الغالب يرجّحون ما كان أقرب إلى لفظ لّ الواقف على ما هو أقرب إلى غرضه دون لفظه قال :ولذا اعتمده المحقّقون . ل هذا ما لم ينصّ الواقف على امتناع هذه الحيلة ،فإن منعها امتنعت اتّفاقا . وك ّ
حكم التّحكير في الوقف وشروط جوازه : ن التّحكير في الوقف مختلف فيه بين الفقهاء على أقوال : - 12يتبيّن ممّا تقدّم أ ّ القول الوّل وعليه الكثرون :إنّه جائز ،سواء اشترط الواقف منعه أم لم يشترط ،ولكن لمّا كان فيه ضرر على أرض الوقف لنّه يغلّ يد الواقف أو النّاظر في التّصرّف في الرض ، واستغللها لم يجيزوه إلّ بشروط : أ ّولً :أن يكون الوقف قد تخرّب وتعطّل انتفاع الموقوف عليهم به بالكّليّة . ثانيا :أن ل يكون للوقف حاصل يعمّر به . ثالثا :أن ل يوجد من يقرض الوقف القدر المحتاج إليه بأقلّ من أجر تلك المدّة . واشترط الحنفيّة أيضًا أن ل يمكن استبدال الوقف بعقار ذي ريع . فإذا وجدت هذه الشّروط جاز إيجار الوقف مدّةً طويلةً لمن يبنيه ،أو يغرس الرض ،لنّه تعيّن طريقًا للنتفاع بالوقف ،ولم ينظر أصحاب هذا القول إلى احتمال تملّك الوقف لنّه موهوم فل ينظر إليه عند وجود الضّرر المتحقّق . ل أنّه إن كان الواقف القول الثّاني :إنّه جائز مطلقا ،وهو قول الحنابلة وجمهور الشّافعيّة ،إ ّ قد منع الجارة الطّويلة امتنع إلّ إذا حصلت الشّروط المذكورة في القول الوّل .القول ي والزّركشيّ . الثّالث :قول بعض الشّافعيّة إنّه ممنوع مطلقا ،ومن هؤلء الذرع ّ
الحكر على الوقف الّذي فيه الخلوّ :
- 13إذا أنشأ النّاظر خلوّا على وقف بمال أخذه من إنسان ليعمّر به الوقف حيث ل مال يعمّر به ،على أن يكون جزء من منفعة الوقف مملوكا لدافع المال ،فذلك الجزء الّذي باعه ن ذلك يؤدّي إلى بطلن يملكه دافع المال ،ويسمّى الخلوّ ،ول يجوز بيع كلّ المنفعة ل ّ الوقف .ويجعل على مالك الخلوّ حكر دائم عن الجزء الّذي لم يملكه من المنفعة ،يدفع للنّاظر حقّا .للجهة المستحقّة في الوقف ،قال الشّيخ عليش :من استولى على الخلوّ يكون ل يذهب الوقف عليه لجهة الوقف أجرة للّذي يئول إليه الوقف يسمّى عندنا بمصر حكرا لئ ّ باطلً .ويراجع التّفصيل في مصطلح ( :خلوّ ) .
من يجوز منه التّحكير :
- 14التّحكير إذا تمّت شروطه يجوز ممّن له ولية إجارة الوقف وهو النّاظر فل يملكها الموقوف عليه إلّ إن كان موّلىً على ذلك من قبل الواقف ،أو مأذونا ممّن له ولية الجارة من ناظر أو قاض ،وكذلك ولية قبض الجرة للنّاظر ل للموقوف عليه ما لم يأذن له النّاظر بقبضها .
المدّة في التّحكير : - 15التّحكير نوع من الجارة ،والشّرط في الجارة من حيث الصل العلم بالمدّة ابتداءً وانتهاءً . ن الحكار ي من المالكيّة :جرى العرف عندنا بمصر أ ّ أمّا في التّحكير :فقد قال العدو ّ مستمرّة للبد وإن عيّن فيها وقت الجارة مدّةً ،فهم ل يقصدون خصوص تلك المدّة ، والعرف عندنا كالشّرط ،فمن احتكر أرضا مدّةً ومضت فله أن يبقى وليس للمتولّي أمر الوقف إخراجه . نعم إن حصل ما يدلّ على قصد الخراج بعد المدّة وأنّها ليست على البد فإنّه يعمل بذلك . وكذلك عند الحنفيّة فإنّه يثبت للمحتكر حقّ القرار إذا وضع بناءه في الرض ويستمرّ ما دام أسّ بنائه قائمًا فيها ،فل يكلّف برفع بنائه ،ول بقلع غراسه ما دام يدفع أجرة المثل المقرّرة على ساحة الرض المحتكرة . ويشترط أيضا لبقاء المحتكر بأجرة المثل أن ل يكون فيه ضرر على الوقف ،فإن كان فيه ضرر بأن يخاف منه على رقبة الرض يفسخ القاضي الجارة ،ويخرجه من يده ،وكذا إن كان هو أو وارثه مفلسا ،أو سيّئ المعاملة ،أو متغلّبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضّرر .
مقدار الجرة في الستحكار للوقف :
- 16اتّفق الفقهاء على أنّ العين الموقوفة إذا رغب في إجارتها ،فإنّها تؤجّر بأجرة المثل. ثمّ اختلفوا في تحكير الوقف بأقلّ من أجرة المثل . قال الحنفيّة :إنّه ل يجوز لمن له حقّ إجارة الوقف أن يؤجّره بأقلّ من أجرة المثل حتّى لو كان المؤجّر هو النّاظر في حال كونه المستحقّ وحده للجرة كلّها . ن النّاظر إذا كان عالمًا بأجرة المثل ،وآجر الموقوف بأقلّ منها فإنّ ذلك يعدّ وفي البحر :أ ّ خيانةً .وأمّا إذا كان النّقصان يسيرا بما يتغابن النّاس بمثله جاز ،لنّه ممّا يتسامح به ،وتنفذ الجارة معه ،سواء أكان المستأجر هو المستحقّ في الوقف ،أم كان أجنبيّا . ويفرّق الشّافعيّة والحنابلة بين أن يؤجّر المتولّي العين الموقوفة على غيره ،والعين الموقوفة عليه .
ففي الحالة الولى :ل يجوز له أن يؤجّرها بأقلّ من أجرة المثل . أمّا في الحالة الثّانية :فإنّ ذلك له ،قياسا أولويّا على صحّة العارة منه ،كما هو عند الشّافعيّة ،وباعتبار انتقال ملكيّة المنافع للموقوف عليه عند الشّافعيّة والحنابلة .
ما يترتّب على التّحكير بغبن فاحش : ن ناظر الوقف إذا آجر الوقف بأقلّ من أجرة المثل وبغبن فاحش - 17ذهب الحنفيّة إلى أ ّ يترتّب عليه فساد عقد الجارة .هذا ،وإذا كانوا قد اتّفقوا على فساد العقد ،فإنّهم اختلفوا في النّتائج الّتي تترتّب على ذلك ،فقال الخصّاف :إن استغلّها فعليه أجر المثل ،لنّ المتولّي أبطل بالتّسمية ما زاد على المسمّى إلى تمام أجر المثل ،وهو ل يملكه ،فيجب أجر المثل ، كما لو آجر من غير تسمية أجر .أمّا إذا لم يستغلّها ،كالدّار يقبضها ول يسكنها ،فهو يرى أنّه ل أجر عليه ،لنّ أجر المثل ل يلزمه في الجارة الفاسدة ،بل ل بدّ من استعمال العين الموقوفة المؤجّرة ،كي يجب أجر المثل عليه . ل حال . وقال صاحب السعاف وابن عابدين :إنّ الفتوى على أنّه يجب أجر المثل على ك ّ ويرى المالكيّة أنّ النّاظر إذا أكرى العين الموقوفة بأقلّ من أجرة المثل ضمن تمام أجرة ل رجع على المستأجر ،لنّه مباشر . المثل إن كان مليّا ،وإ ّ وقال الحنابلة بصحّة عقد الجارة إذا آجر النّاظر العين الموقوفة بأقلّ من أجر المثل ،حتّى إذا صاحب هذه الجارة غبن فاحش ،فعلى النّاظر ضمان النّقص في الجرة فيما ل يتغابن به في العادة ،إذا كان النّاظر غير المستحقّ في الوقف ،أمّا إذا كان النّاظر هو المستحقّ الوحيد في الوقف فالظّاهر أنّه ل يضمن .
زيادة أجرة المثل في أثناء المدّة أو بعدها :
- 18يرى فقهاء الحنفيّة أنّه إذا زادت أجرة مثل عقار الوقف المستحكر زيادةً فاحشةً ،فإن كانت الزّيادة بسبب البناء والعمارة الّتي أقامها المستحكر فيها فل تلزمه الزّيادة ،وإن كانت زيادة أجرة الرض من نفسها لكثرة رغبات النّاس في الصّقع ( أي الموقع ) تلزمه الزّيادة إتمامًا لجر المثل .فإن أبى استئجارها بذلك ينظر ،فإن كانت الرض لو رفعت منها العمارة ل تستأجر بأكثر من الجرة المقرّرة تترك في يد المحتكر بذلك الجر لعدم الضّرر على الجانبين .وإن كانت تستأجر بأكثر منها ولم يرض بالزّيادة يجبر على رفع بنائه .على ما يأتي :وهذا إن كانت زيادة المثل في أثناء مدّة الجارة ،قال ابن عابدين :لنّه قد عرض في أثناء المدّة ما يسوّغ الفسخ وهو الزّيادة العارضة في الجرة .
أمّا إن فرغت المدّة فإن لم يكن للمستأجر في الرض غراس أو بناء قائم فعلً ،فليس هو ق القرار .وإن كان له فيها بناء أو غراس فهو أولى من غيره أحقّ بالجارة إذ ل يكون له ح ّ بأجرة المثل ،فإن لم يرض أن يدفع أجرة المثل يؤمر برفع البناء . ل هذا إذا كان الحكر في أرض الوقف ،أمّا في الراضي غير الموقوفة إذا زاد أجر المثل وك ّ في مدّة العقد فللمستحكر أن يتمسّك بالعقد ويرفض الزّيادة .ثمّ إنّ المالك أحقّ بعقاره بعد ن المالك قد يرغب في سكنى عقاره أو بيعه أو هبته بخلف الوقف ، انتهاء المدّة والفرق أ ّ فإنّ سبيله التّأجير فالمستأجر الوّل أولى . والزّيادة المعتبرة في الفسخ هي ما كانت من غير متعنّت ،بل يشترط أن يكون له رغبة صحيحة في الستئجار بالزّيادة .أمّا إن زاد المتعنّت فل تقبل زيادته ،قال في قانون العدل والنصاف :عملًا بالمر السّلطانيّ المطاع . ح في الثّاني إلّ وإذا كان العقد بصيغة ( :كلّ شهر بكذا ) صحّ في الشّهر الوّل ول يص ّ بالتّلبّس به ،ويكون للنّاظر إذا انتهى كلّ شهر فسخ الجارة إذا زاد أحد على المستأجر ولم يرض المستأجر بالزّيادة . ن أجرة المثل قد زادت ،وقال المستحكر :لم وإذا اختلف المستحكر والنّاظر فقال النّاظر :إ ّ تزد فالقول للمستحكر ،وعلى النّاظر إثبات الزّيادة بالبرهان . ويؤخذ في ذلك عند محمّد بقول رجلين من أهل الخبرة والمانة .ويكفي واحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف .ول تفسخ إجارة الوقف بصفة عامّة بزيادة أجرة المثل في المدّة الولى عند ح عند الشّافعيّة وهو مذهب الحنابلة . المالكيّة ،وهو الص ّ
نقص أجرة المثل أثناء مدّة الحتكار : - 19إذا نقصت أجرة المثل أثناء مدّة الحتكار لم يجز فسخ العقد لمصلحة المحتكر حتّى عند ن العقد عقد إجارة لزم وفي الفسخ ضرر على المستحقّين الحنفيّة القائلين بفسخه للزّيادة .ل ّ .وذكر الذرعيّ من فقهاء الشّافعيّة في معرض ردّه على ابن الصّلح فيما لو طرأ تغيير ن الّذي يقع في النّفس أنّا ننظر إلى أجرة على أجرة المثل في أثناء المدّة بسبب تغيّر الحوال أ ّ المثل الّتي تنتهي إليها الرّغبات حالة العقد في جميع المدّة المعقود عليها مع قطع النّظر عمّا عساه يتجدّد .
ملكيّة الغراس والبناء الّذي يضعه المحتكر والتّصرّف فيها :
- 20البناء الّذي يبنيه المحتكر والغراس الّذي يغرسه بإذن القاضي أو النّاظر في الرض المحتكرة يكون ملكا خالصا له فيصحّ بيعه للشّريك وغيره ،وله هبته والوصيّة به ويورث عنه .أمّا الرض نفسها فرقبتها للوقف .
وعلى هذا لو أنّ الرض المحكّرة استملكت للمصلحة العامّة فليس للمحتكر إلّ التّعويض عن بنائه أو غراسه ،أمّا ما يقابل رقبة الرض فإنّه يكون للجهة الموقوف عليها . ن ما يبنيه المحتكر يكون ملكًا يباع ويورث لكنّهم قالوا هذا إذا بيّن وعند المالكيّة ما يفيد أ ّ الملكيّة ،أمّا إن بيّن التّحبيس أو لم يبيّن شيئًا فالبناء والغرس وقف على المشهور ل حقّ فيهما لورثة الباني والغراس . ن البناء والغراس ملك ويفهم ممّا ذكره الشّافعيّة في استئجار الرض للبناء أو الغراس ،أ ّ للمستأجر ،والرض ملك لصاحبها .وفي المسألة تفصيل . ن الحكر -إذا بيعت الرض -يبقى للمحتكر ،قال عثمان النّجديّ ويفهم من كلم الحنابلة أ ّ :إذا بيعت الرض المحتكرة أو ورثت فالحكر على من انتقلت إليه في الصحّ .
الشّفعة فيما بني في الرض المحتكرة : - 21ل شفعة عند الحنفيّة والشّافعيّة في الكردار الّذي في أرض الوقف المحتكرة لنّه ل شفعة عندهم في البناء بدون الرض ،ول في الشّجر بدون الرض . وعند المالكيّة يكون لمن اشترك في البناء في أرض الوقف المحتكرة الخذ بالشّفعة .
وقف البناء من مالكه في أرض الوقف المحتكرة :
- 22الصل عند الحنفيّة عدم جواز وقف البناء بدون وقف الرض ،كما لو كانت الرض مملوك ًة له ولم يقفها ،أو مملوكةً للغير . ولو كانت الرض موقوف ًة فوقف البناء الّذي بناه فيها على جهة أخرى غير الموقوفة عليها ن الرض إن كانت مقرّر ًة للحتكار جاز وقف ما الرض اختلفوا فيه ،ورجّح ابن عابدين أ ّ ص على ذلك الخصّاف . يبنيه المحتكر بها ،لنّه ل مطالب بنقضه بخلف المملوكة ن ّ وقال صاحب ال ّدرّ المختار :الصّحيح الصّحّة أي لكون ذلك أصبح متعارفا .وإذا بنى في الرض المحتكرة مسجدا جاز عند الحنفيّة أيضا ،قال ابن نجيم :والظّاهر أنّ الحكر على الواقف طيلة مدّة الحتكار ،فإذا انقضت المدّة ينبغي أن يكون الحكر على بيت المال . ح عند المالكيّة والشّافعيّة وقف البناء الّذي يبنيه المحتكر والغراس الّذي يغرسه .فقد ويص ّ ي في الرّوضة أنّه لو استأجر أرضًا ليبني فيها أو يغرس ،ففعل ،ثمّ وقف البناء ذكر النّوو ّ ح على الصحّ ،ولو وقف هذا أرضه ،وهذا بناءه ،صحّ بل خلف كما لو والغرس ص ّ باعاه.
موت المستحكر قبل أن يبني أو يغرس : - 23يرى الحنفيّة أنّه إذا مات المستحكر قبل أن يبني أو يغرس في الرض المستحكرة انفسخت الجارة ،وليس لورثته البناء في الرض أو الغرس فيها إلّ بإذن النّاظر .
ولم نجد لغير الحنفيّة تصريحًا بحكم الحكر خاصّةً .
انقضاء الحكر بهلك البناء أو الشجار : - 24إذا خرب البناء الّذي بناه المحتكر في أرض الوقف وزال عنها بالكّليّة ،ينقضي حقّ المحتكر في القرار فيها .وهذا إن كان بعد انقضاء مدّة الجارة ،ل في المدّة .وكذلك إن فنيت الشجار الّتي في الرض الزّراعيّة وذهب كردارها ل يكون للمحتكر حقّ في الستمرار في شغلها ،إن حصل ذلك بعد انقضاء مدّة الجارة .
حكم *
التّعريف :
- 1الحكم لغةً :القضاء .وأصل معناه :المنع ،يقال :حكمت عليه بكذا إذا منعته من خلفه فلم يقدر على الخروج من ذلك ،ويقال حكم اللّه أي قضاؤه بأمر والمنع من مخالفته . ي وغيرهما ،فالحكم ولتعريف الحكم اصطلحا يقيّد بالشّرعيّ ،تفريقا له عن العقليّ والعاد ّ ي عند جمهور الصوليّين هو :خطاب الشّارع المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو الشّرع ّ تخييرا أو وضعا . أمّا عند الفقهاء فهو :أثر خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييرا أو وضعا ، فالحكم عندهم هو الثر أي الوجوب ونحوه ،وليس الخطاب نفسه .
أنواع الحكم : ل تعريف الحكم - 2ينقسم الحكم هنا إلى التّكليفيّ والوضعيّ ،وبعضهم زاد التّخييريّ ،ويد ّ على هذه النواع ،فالمراد بالقتضاء في تعريف الحكم هو الطّلب ،ويسمّى هذا النّوع من أنواع الحكم :الحكم التّكليفيّ لما فيه من إلزام كلفة . ويتناول كلّا من طلب الفعل جازما ،وهو الوجوب ،أو غير جازم ،وهو النّدب ،كما يتناول طلب التّرك جازما ،وهو التّحريم ،أو غير جازم ،وهو الكراهة . والمراد بالتّخيير -في التّعريف -الباحة ،وهي أن ل يكون الشّيء مطلوب الفعل أو التّرك. وبأحكام القتضاء والتّخيير تستكمل أقسام الحكام التّكليفيّة الخمسة أو السّبعة -على ما سيأتي -وقصرها بعض الصوليّين -كالمديّ -على ما يتعلّق بطريق القتضاء ،وأفرد ن بعض الصوليّين يخرجون المندوب من الحكم الباحة باسم " الحكم التّخييريّ " في حين أ ّ التّكليفيّ لنّه ليس فيه إلزام بمشقّة ،قال المديّ :وهو أولى من المباح بالخروج من الحكم التّكليفيّ .وينظر مصطلح ( :إباحة ) .
والمراد بالوضع -في تعريف الحكم -خطاب اللّه تعالى المتعلّق بجعل الشّيء سببا ،أو شرطًا ،أو مانعًا ،أو صحيحا ،أو فاسدا " أو باطلً على ما ذهب إليه الحنفيّة من التّفرقة بين الفاسد والباطل " .وتفصيله في مصطلحي ( :باطل ،وبطلن ) .
أقسام الحكم التّكليفيّ : - 3ينقسم الحكم التّكليفيّ عند الجمهور إلى خمسة أقسام هي :الفرض ،والنّدب ، والباحة ،والحرمة ،والكراهة ،وتزيد القسام عند الحنفيّة قسمين آخرين هما الوجوب : وهو بين الفرض والنّدب .و الكراهة التّحريميّة :وهي بين الحرمة والكراهة التّنزيهيّة ، فالفرض غير الواجب عند الحنفيّة ،أمّا الجمهور فيسوّون بين الفرض والواجب . هذا ،ولبعض أقسام الحكم التّكليفيّ كالواجب تقسيمات كثيرة باعتبارات مختلفة ،أهمّها تقسيمه بحسب وقت أدائه إلى مؤقّت ،ومطلق ،وبحسب المطالب بأدائه إلى عينيّ ، وكفائيّ ،وبحسب المقدار المطلوب منه إلى محدّد ،وغير محدّد ،وبحسب تعيين المطلوب إلى معيّن ومخيّر .وتفصيل ذلك كلّه سبق في مصطلح ( :حقّ ) .وكذلك تقسيمات البقيّة كالمندوب والمكروه والمحرّم وتنظر في مصطلحاتها ،وفي الملحق الصوليّ .
أقسام الحكم الوضعيّ :
- 4ينقسم الحكم الوضعيّ إلى أقسام كثيرة أهمّها :السّبب ،والشّرط ،والمانع ، صحّة ،أو البطلن . والرّخصة ،أو العزيمة ،وال ّ وينظر تفصيلها في مصطلحاتها ،وفي الملحق الصوليّ .
حُكمان * انظر :تحكيم .
التّعريف :
حكمة *
- 1الحكمة في اللّغة :العلم بحقائق الشياء على ما هي عليه في الوجود والعمل بمقتضاها ، وهي إذا أضيفت إلى اللّه يراد بها العلم بالشياء وإيجادها على غاية الحكام ،وإذا أضيفت إلى النسان يراد بها معرفة الحقّ ،وفعل الخيرات . وتطلق على العلم ،والفقه ،ورد في الثر الصّحيح « :ل حسد إلّ في اثنتين :رجل آتاه اللّه مالً فسلّطه على هلكته في الحقّ ،ورجل آتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها » .
وجاءت الحكمة في القرآن بمعنى النّبوّة ،قال تعالى :في معرض المتنان على نبيّه داود ح ْكمَةَ َوفَصْلَ ح ْكمَةَ } { وَآ َت ْينَا ُه ا ْل ِ عليه وعلى نبينا الصلة والسلم { :وَآتَا ُه اللّ ُه ا ْلمُ ْلكَ وَا ْل ِ خطَابِ } ا ْل ِ
الحكمة عند الصوليّين : - 2الحكمة عند الصوليّين ما يترتّب على ربط الحكم بعلّته ،أو بسببه من جلب مصلحة أو دفع مضرّة ،أو تقليلها ،وتطلق أيضا على الوصف المناسب لشرع الحكم . أ -السّبب :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 3السّبب هو الوصف الظّاهر المنضبط المعرّف للحكم . ب -المانع : - 4المانع هو ما يلزم من وجوده عدم السّبب أو الحكم ،ول يلزم من وجوده الوجود . والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
الحكم الجماليّ : يتّضح الحكم الجماليّ للحكمة من المقارنة بينها وبين العلّة .فالفرق بين الحكمة والعلّة أنّ العلّة هي الوصف الّذي جعله الشّارع مناطا لثبوت الحكم حيث ربط الشّارع به الحكم وجودا وعدما على أنّه مظنّة لتحقيق المصلحة المقصودة للشّارع من شرع الحكم . أمّا الحكمة ،فهي المصلحة نفسها ،لذلك قد تتفاوت درجاتها في النضباط ،وقد تخفى فل تكون معلوم ًة لنا أصلً .لهذا اختلف الصوليّون في جواز ( ربط الحكم ) بالحكمة ،فقال بعضهم :إذا وجدت الحكمة ظاهر ًة منضبطةً جاز ربط الحكم بها لعدم المانع لنّها المناسب المؤثّر حقيقةً .وذهب البعض إلى أنّه ل يجوز ربط الحكم بها ،وإن كانت ظاهرةً منضبطةً ،وينظر مصطلح ( تعبّديّ ) ،والتّفصيل في الملحق الصوليّ .
التّعريف : 1
حكومة عدل *
-الحكومة في اللّغة :مصدر الثّلث يّ ( حكم ) واسم مصدر من ( غير الثّلث يّ ) ،ومن
معاني ها ر ّد الظّالم عن الظّلم قال الزهر يّ فسي تعلي قه على حديسث « :فسي أرش الجراحات الحكومسة » .معنسى الحكومسة فسي أرش الجراحات الّتسي ليسس فيهسا ديسة معلومسة أن يجرح النسان في بدنه ممّا يبقى شينه ول يبطل العضو فيقتاس ( يقدّر ) الحاكم أرشه .
ي ،فقد أطلقوه على الواجب الّذي ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغو ّ يقدّره عدل في جناية ليس فيها مقدار معيّن من المال .قال ابن عاشر :اتّفقت النقال على ن المراد بالحكومة الجتهاد وإعمال الفكر فيما يستحقّه المجنيّ عليه من الجاني . أّ ن استقرار الحكومة يتوقّف على حكم حاكم أو محكّم معتبر ،ومن ثمّ لو وسبب التّسمية أ ّ اجتهد فيه غيره لم يكن له أثر .قال ابن عرفة :ألفاظ المدوّنة يأتي فيها تار ًة لفظ الحكومة ، وتار ًة لفظ الجتهاد فيحتمل أن يكونا مترادفين .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الرش : - 2الرش هو المال الواجب في الجناية على ما دون النّفس ،وقد يطلق على بدل النّفس وهو الدّية . ص بسهم معيّن ، والرش أعمّ من حكومة العدل لنّه يشمل الواجب في جناية جاء فيها ن ّ والواجب في جناية ليس فيها نصّ مقدّر من الشّارع ،فحكومة العدل هي نوع من الرش . ب -الدّية : - 3الدّية :هي بدل النّفس لسقوط القصاص بأسبابه ،وقد يسمّى أرش ما دون النّفس بالدّية .والفرق بين الدّية وحكومة العدل ،أنّ الدّية تجب في الغالب بالجناية على النّفس ،أمّا حكومة العدل فتجب بالعتداء على ما دون النّفس ،كما أنّ الدّية مقدّرة شرعا ،وحكومة العدل غير مقدّرة في الشّرع ويترك أمر تقديرها للحاكم .
الحكام المتعلّقة بحكومة العدل : ما يجب فيه حكومة العدل :
- 4الصل أنّ ما ل قصاص فيه من الجنايات على ما دون النّفس وليس له أرش مقدّر ل معصوم اعتبارها ن الصل في الجناية الواردة على مح ّ بنصّ أو قياس ففيه الحكومة ،ل ّ بإيجاب الجابر أو الزّاجر ما أمكن . قال الزّيلعيّ عند الستدلل على وجوب حكومة العدل في الجنايات الّتي ليس فيها مقدار معيّن ن هذه ( الجنايات ) ليس فيها أرش مقدّر من جهة الشّرع ول يمكن إهدارها من المال :ل ّ فتجب فيها حكومة العدل وهو مأثور عن إبراهيم النّخعيّ وعمر بن عبد العزيز . هذا وقد أخرج الشّافعيّة من الحكومة ما عرفت نسبة أرشه إلى أرش مقدّر في الشّرع كأن كان بقربه موضحة ،أو جائفة فعندئذ وجب الكثر من قسطه والحكومة . ويخرج من الحكومة ما كان في معنى الجرح الّذي فيه أرش مقدّر مقيسًا عليه كالليتين والثّديين والحاجبين .
وللتّفصيل في الجنايات الّتي تجب فيها حكومة العدل ( ر :جناية على ما دون النّفس ) .
شروط حكومة العدل : - 5لم يذكر الفقهاء شروطا محدودةً لوجوب حكومة العدل إلّ أنّه أمكن بتتبّع عباراتهم استخلص الشّروط التية : أ -ألّ يكون للجناية أرش مقدّر : - 6يشترط ألّ يكون للجناية المراد تقديرها أرش مقدّر من قبل الشّارع بناءً عليه ل يجوز الجتهاد في تقدير أرش شجّة ،أو جراحة ،أو إزالة منفعة عضو لها أرش مقدّر في الشّرع. ل تبلغ الحكومة أرش العضو : ب-أّ - 7الحكومة الّتي تجب في جرح أصاب عضوا له أرش مقدّر كاليد والرّجل ل يبلغ بها ذلك الرش المقدّر ،وهو قول أكثر أهل العلم . وعلّة ذلك ألّ تكون الجناية على العضو مع بقائه مضمون ًة بما يضمن به العضو نفسه . قال النّوويّ :إن كانت الجناية على عضو له أرش مقدّر نظر :إن لم تبلغ الحكومة أرش ذلك العضو وجبت بكمالها ،وإن بلغته نقص الحاكم شيئًا منه بالجتهاد . وبهذا يقول القاضي من الحنابلة . ن حكومة النملة العليا يجرحها ،أو يقلع ظفرها ينقص عن أرش النملة . بناءً على هذا أ ّ والجناية على الصبع وعلى الرّأس ل تبلغ حكومتها أرش الموضحة ،وعلى البطن ل تبلغ أرش الجائفة ،وحكومة جرح الكفّ ل تبلغ دية الصابع الخمس ،وكذا حكومة قطع الكفّ الّتي ل أصبع عليها وكذا حكم القدم . أمّا إذا كانت الجراحة على عضو ليس له أرش مقدّر كالظّهر والكتف والفخذ فيجوز أن تبلغ حكومتها دية عضو مقدّر كاليد والرّجل وأن تزيد عليه وإنّما تنقص عن دية النّفس . ج -أن يكون التّقويم بعد اندمال الجرح : - 8يشترط أن يقوّم المجنيّ عليه لمعرفة الحكومة بعد اندمال الجرح وبرئه ل قبله ،لنّ الجرح قد يسري إلى النّفس أو إلى ما يكون واجبه مقدّرا ،فيكون ذلك هو الواجب ل الحكومة .وصرّح الحنفيّة والحنابلة بأنّه يشترط أن يقوّم بتقدير أرش الجراحة ذوا عدل من أهل الخبرة لنّه يفتقر إلى فرض الحرّ رقيقًا بصفاته ،وتعتبر قيمته ،ثمّ ينظر لمقدار النّقص ويؤخذ بنسبته من الدّية ،وهذا إنّما يستقرّ بعد معرفة القيمة من المقوّمين . قال الكاسانيّ عند الكلم عن طريقة الكرخيّ لتقدير حكومة العدل :تقرّب هذه الجناية إلى أقرب جناية لها أرش مقدّر فينظر ذوا عدل من أطبّاء الجراحات كم مقدار هذه هاهنا في قلّة
ن فيأخذ القاضي بقولهما ،ويحكم من الرش بمقداره من الجراحات وكثرتها بالحزر والظّ ّ أرش الجراحة المقدّرة . د -أن يحكم القاضي أو المحكّم بالحكومة : - 9يشترط أن يحكم بالحكومة القاضي أو المحكّم بشرطه -وهو كونه مجتهدا أو مقلّدا عند الضّرورة -بناءً على تقدير ذوي عدل من أطبّاء الجراحات ،حتّى لو وقعت الحكومة باجتهاد غير القاضي أو المحكّم لم تعتبر .
كيفيّة تقدير حكومة العدل : - 10يرى جمهور الفقهاء أنّه ل ب ّد لمعرفة حكومة العدل أن يتمّ تقويم المجنيّ عليه بتقويم العبيد كما في تقويم سائر المتلفات ،فيقوّم المجنيّ عليه بصفاته الّتي هو عليها لو كان عبدًا وينظر كم نقصت الجناية من قيمته ،فإن قوّم بعشرة دون الجناية وبتسعة بعد الجناية فالتّفاوت العشر فيجب له على الجاني عشر دية النّفس . وذهب الشّافعيّة في قول والكرخيّ من الحنفيّة إلى تقريب هذه الجناية إلى أقرب الجنايات الّتي لها أرش مقدّر ،فينظر ذوا عدل من أطبّاء الجراحات كم مقدار هذه هاهنا في قلّة الجراحات ن ،فيأخذ القاضي بقولهما ويحكم من الرش بمقداره من أرش الجراحة وكثرتها بالحزر والظّ ّ المقدّرة . ن رجلً قطع واستدلّ لهذه الطّريقة بالثر المنقول عن عليّ رضي ال عنه وهو ما روي أ ّ طرف لسانه في زمن عليّ رضي ال عنه فأمره أن يقرأ ( ألف ،ب ،ت ،ث ) .فكلّما قرأ حرفا أسقط من الدّية بقدر ذلك وما لم يقرأه أوجب الدّية بحساب ذلك . فإنّه اعتبر حكومة العدل في الّذي قطع طرف لسانه بهذا العتبار ولم يعتبر بالعبيد . ونقل عن عمر بن عبد العزيز ومجاهد مثل ذلك .ونقل الحصكفيّ عن الخلصة :إنّما ي لو كانت الجناية في وجه ورأس فحينئذ يفتى به ،ولو في غيرهما أو يستقيم قول الكرخ ّ تعسّر على المفتي يفتي بقول الطّحاويّ -وهو قول الجمهور -مطلقا لنّه أيسر . وقال الصّدر الشّهيد :ينظر المفتي في هذا ،إن أمكنه الفتوى بالثّاني -وهو قول الكرخيّ - بأن كانت الجناية في الرّأس والوجه يفتي بالثّاني .وإن لم يتيسّر عليه ذلك يفتي بالقول الوّل وهو قول الجمهور -لنّه أيسر .وكان المرغينانيّ يفتي به .ل الخلف بين الفريقين إذا كانت الجناية على عضو له أرش مقدّر فإن كانت على ومح ّ الصّدر أو الفخذ أو نحو ذلك ممّا ل مقدّر فيه اعتبرت الحكومة من دية النّفس قطعا .
ل ثالثا في كيفيّة تقدير الحكومة ،فقد قال في المحيط :والصحّ أنّه وذكر بعض الحنفيّة قو ً ل شجّة لها أرش مقدّر ،فإن كان مقداره مثل نصف شجّة شجّة من أق ّ ينظر كم مقدار هذه ال ّ شجّة ،وإن كان ربعًا فربع . لها أرش ،أو ثلثها ،وجب نصف أو ثلث أرش تلك ال ّ ل ثالثا ،والشبه أن يكون هذا تفسيرًا لقول الكرخيّ. ن هذا القول ليس قو ً ويرى الشّرنبلليّ أ ّ وقيل :تقدّر الجناية بمقدار ما يحتاج إليه المجنيّ عليه من النّفقة وأجرة الطّبيب إلى أن يبرأ ، وبهذا قال الفقهاء السّبعة . قال القهستانيّ :هذا كلّه إذا بقي للجراحة أثر وإلّ فعندهما ل شيء عليه ،وعند محمّد يلزمه قدر ما أنفق إلى أن يبرأ ،وعن أبي يوسف حكومة العدل في اللم . ويرى جمهور المالكيّة أنّ ما برئ من الجراحات على غير شين -ممّا دون الموضحة ممّا لم يقدّر فيه الشّارع شيئا -فإنّه ل شيء فيه على الجاني من عقل وتعزير وأجرة طبيب . ن على الجاني أجرة واستحسن ابن عرفة -فيما إذا لم يكن في الجرح شيء مقدّر -القول بأ ّ الطّبيب وثمن الدّواء سواء أبرئ على شين أم ل مع الحكومة في الوّل . أمّا ما قدّر الشّارع فيه شيئًا فالواجب المقدّر ،برئ على شين أم ل .إلّ موضحة الوجه والرّأس فإنّها إذا برئت على شين فقد اختلفوا في الواجب فيها على ثلثة اتّجاهات : الوّل :دفع ديتها وما حصل بالشّين ،وهذا هو المشهور عند المالكيّة . الثّاني :دفع ديتها ول يزاد عليها مطلقًا ،وهذا ما يقول به أشهب ،وهو مقابل المشهور . الثّالث :الزّيادة على الدّية إذا كان أمرا منكرا ،أمّا إذا كان شيئا يسيرا فل يزاد عليها .وهذا ما رواه نافع عن مالك .
حلل * التّعريف : ل حلّا . - 1الحلل لغةً :نقيض الحرام ومثله الحلّ والحلل والحليل ،وهو من حلّ يح ّ ويتعدّى بالهمز والتّضعيف فيقال أحلّه اللّه وحلّله .كما يقال هذا لك حلّ وحلل ،ويقال لضدّه حرم وحرام أي محرّم .والحلل اصطلحا :هو الجائز المأذون به شرعا .وبهذا يشمل المندوب والمباح والمكروه مطلقا عند الجمهور ،وتنزيها عند الحنفيّة ،من حيث جواز التيان بها وعدم امتناعه شرعا ،مع رجحان الفعل في المندوب ،وتساوي الفعل والتّرك في المباح ،ورجحان التّرك في المكروه . ن الواجب مركّب من جواز الفعل بمعنى رفع الحرج والحلل متضمّن في الواجب من حيث إ ّ ل تضمّنا على الجواز .فيكون الحلل في مع المنع من التّرك ،فاللّفظ الدّالّ على الوجوب يد ّ مقابلة الحرام من حيث الذن في الوّل وعدم امتناعه شرعا ،وعدم الذن في الحرام
ن المكلّف مأمور شرعا وامتناعه شرعا .والوجوب متعلّق بالحلل من حيث الجملة ،ل ّ ل اللّه ومجانبة ما حرّمه في شأنه كلّه . بالتزام ما أح ّ ج فِيمَا ن حَرَ ٍ ل لغةً ،ومنه قوله تعالى { :مّا كَانَ عَلَى ال ّن ِبيّ مِ ْ وقد يطلق الفرض ويراد به الح ّ ض اللّ ُه لَهُ } أي أحلّ له . فَرَ َ وممّا فرّق به الحنفيّة بين المكروه تنزيهًا والمكروه تحريما ،أنّ الوّل ما كان للحلّ أقرب ، والثّاني ما كان إلى الحرام أقرب ،أو ما ثبت تحريمه بدليل ظ ّنيّ .
من المسائل الصوليّة المتعلّقة بالحلل : يتعلّق بمصطلح حلل جملة من المسائل الصوليّة : المسألة الولى :هل الصل في الشياء -الّتي ل نصّ فيها -الحلّ أو الحرمة ؟ - 2وهذه المسألة ممّا اختلف فيه :فمختار أكثر الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الصل الحلّ ،وعند ن الصل التّوقّف ،وينسب لبي حنيفة ،وهو قول بعض أصحاب الحديث أنّ بعض الحنفيّة أ ّ الصل الحرمة . وسبب اختلفهم هو اختلفهم في حدّ الحلل :فعند الشّافعيّ ما ل دليل على تحريمه ،وعند ح ّرمًا حيَ إَِليّ ُم َ جدُ فِي مَا ُأ ْو ِ أبي حنيفة ما دلّ دليل على حلّه .دليل قول الجمهور { :قُل لّ َأ ِ جمِيعا } . ض َ لرْ ِ ط َعمُهُ } وقوله تعالى { :خََلقَ َلكُم مّا فِي ا َ عمٍ َي ْ عَلَى طَا ِ ومن الحاديث :قوله صلى ال عليه وسلم « :ما أحلّ اللّه في كتابه فهو حلل وما حرّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من اللّه عافيته فإنّ اللّه لم يكن نسيّا » . وقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ اللّه فرض فرائض فل تضيّعوها وحرّم حرمات فل تنتهكوها ،وحدّ حدودًا فل تعتدوها ،وسكت عن أشياء من غير نسيان فل تبحثوا عنها » . ودليل قول بعض أصحاب الحديث وما نسب لبي حنيفة أن التّصرّف في ملك الغير بغير إذنه ل يجوز ،فيبقى الصل على الحرمة حتّى يرد دليل الحلّ . ن طريق ثبوت الحكام سمعيّ وعقليّ ،والوّل غير موجود ،وكذا ودليل من قال بالتّوقّف أ ّ الثّاني ،فل يقطع بأحد الحكمين وهذا يوجب التّوقّف . ويظهر أثر الخلف في الكثير من الفروع الفقهيّة منها :الحيوان المشكل أمره كالزّرافة ، والنّبات المجهول تسميته ،ومنها ما إذا لم يعرف حال النّهر هل هو مباح أو مملوك ،ومنها ضبّة من ما لو دخل برجه حمام وشكّ هل هو مباح أو مملوك .وكذلك لو شكّ في كبر ال ّ الذّهب أو الفضّة .ويراجع تفصيل هذه الفروع في مصطلحي ( أطعمة ،وآنية ) . المسألة الثّانية :إذا اجتمع الحلل والحرام غلّب الحرام :
ص الشّافعيّة الحلل في هذه القاعدة بالمباح ،أمّا الحنفيّة فهو عندهم شامل للمباح -3خ ّ والواجب .وعند الشّافعيّة لو اختلط الواجب بالمحرّم روعي مقتضى الواجب ومن أمثلته عندهم اختلط موتى المسلمين بالكفّار يجب غسل الجميع والصّلة عليهم ،وكذلك الهجرة على المرأة من بلد الكفّار واجبة وإن كان سفرها وحدها حرامًا ،ونحوها . وقد خرّج الحنفيّة هذه الفروع على قاعدة إذا تعارض المانع والمقتضي قدّم المانع . ن في تغليب الحرام تقليلً للتّغيير ودليل قاعدة -إذا اجتمع الحلل والحرام غلّب الحرام -أ ّ ن المكلّف إذا انتفع بشيء قبل ورود الشّرع بما يحرّمه أو يبيحه فإنّه ل في الحكام ،وبيانه أ ّ حتّى َن ْبعَثَ َرسُولً } . يعاقب بالنتفاع به لقوله تعالى َ { :ومَا ُكنّا ُم َع ّذبِينَ َ جمِيعا } .فإذا ورد ما يفيد التّحريم فقد غيّر المر لرْضِ َ وقوله سبحانه { :خََلقَ َلكُم مّا فِي ا َ وهو عدم العقاب على النتفاع ،ثمّ إذا ورد ما يفيد الباحة فقد نسخ ذلك المحرّم فيلزم هنا تغييران .وأمّا إذا جعلنا المبيح هو المتقدّم فيكون مؤكّدا للباحة الصليّة ل مغيّرا لها ،فإذا جاء المحرّم كان ناسخًا للباحة ومغ ّيرًا لها ،فيلزم منه تغيير واحد ففيه تقليل للتّغيير . وهذا الدّليل يوافق الحنفيّة من أنّ الحلل شامل للمباح وللواجب . ن فيه ترك مباح لجتناب ن ترجيح التّحريم أحبّ ،ل ّ أمّا الشّافعيّة فقد استدلّوا لهذه القاعدة بأ ّ محرّم وذلك أولى وأحوط .ومن أمثلة هذه القاعدة وتطبيقاتها :تعارض حديث « :لك من الحائض ما فوق الزار » مع حديث « :اصنعوا ك ّل شيء إلّ النّكاح » فإنّ الوّل يقتضي سرّة والرّكبة ،والثّاني يقتضي إباحة ما عدا الوطء فيرجّح التّحريم احتياطا . تحريم ما بين ال ّ وكذلك لو اشتبهت محرم بأجنبيّات محصورات لم تحلّ . وكذلك لو كانت الشّجرة بعضها في الحلّ وبعضها في الحرم حرم قطعها .وغيرها من المثلة .ويستثنى من هذه القاعدة صور منها :إذا رمى سهما إلى طائر فجرحه ووقع على ن ذلك ل بدّ الرض فمات فإنّه يحلّ ،وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الرض ،ل ّ منه فعفي عنه . ن :معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه ل تحرم ، ومنها ما ذكر السّيوطيّ من أ ّ ولكن تكره . ومنها :لو اعتلفت الشّاة علفا حراما لم يحرم لبنها ولحمها وإن كان تركه أورع .وغيرها من المثلة . المسألة الثّالثة :أسباب التّحليل وأنواعه : - 4يحكم بالحلّ لسببين :الوّل :ذاتيّ ،كالنتفاع بالبرّ والشّعير وسائر الشياء المباحة . الثّاني :عرضيّ ،كالبيع الصّحيح والجارة والهبة وسائر السباب المبيحة .
والحلل بوصفه القائم به قد يعرض له ما يقتضي تحريمه من السباب المحرّمة .أو يعرض له ما ل يوصف معه بالحلّ كالشّبه .ولهذا كان الحلل درجات أعلها ما كان خالصًا من جميع الشّبه كالغتراف من النهار العظام الخالية عن الختصاص ،وأدناها ما قربت درجته الخيرة من الحرام المحض ،كمال من ل كسب له إلّ المكوس المحرّمة ،وإن كان يحتمل أن يكون بعض ما في يده حصل له من جهة حلل . ي في المصطلحات ( حرام ،ومباح ) .وكما تقدّم وينظر تفصيل ما تقدّم في الملحق الصول ّ جانب منه في مصطلح ( تحليل ،واشتباه ) .
حلِف * َ التّعريف : - 1الحلف لغةً اليمين :وأصلها العقد بالعزم وال ّنيّة . قال أبو هلل العسكريّ :والحلف من قولك :سيف حليف أي :قاطع ماض .فإذا قلت : حلف باللّه ،فكأنّك قلت :قطع المخاصمة باللّه .وقال ابن فارس :الحلف بمعنى اليمين ن النسان يلزمه الثّبات على اليمين . أصله من الحلف بمعنى الملزمة .وذلك أ ّ واصطلحا :توكيد حكم بذكر معظّم على وجه مخصوص .
حكمة التّحليف ومشروعيّته :
- 2التّحليف تكليف أحد الخصمين اليمين ويجري التّحليف للفصل في الخصومات وإنهاء النّزاع في الدّعاوى ،وثبت بفعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم بقوله :للمدّعى عليه « :احلف باللّه الّذي ل إله إلّ هو ،ما له عندك شيء » . ل فيمينه » . « وقوله صلى ال عليه وسلم للشعث بن قيس :بيّنتك وإ ّ
صفة التّحليف : - 3الحلف المنعقد هو القسم باللّه تعالى أو بصفاته ،مثل :ل ،ومقلّب القلوب ،وبالّذي سمَاء لرْضَ ِفرَاشا وَال ّ جعَلَ َل ُكمُ ا َ رفع سبعًا وبسط سبعا ،وهذا مصداقًا لقوله تعالى { :اّلذِي َ جعَلُواْ لِّلهِ أَندَادا وَأَنتُمْ ل َت ْ ج بِ ِه مِنَ ال ّث َمرَاتِ ِرزْقا ّل ُك ْم فَ َ سمَاء مَاء َفَأخْرَ َ ل مِنَ ال ّ ِبنَاء وَأَنزَ َ ن}. َتعَْلمُو َ ن اللّه ينهاكم أن وقد نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الحلف بغير اللّه بقوله « :أل إ ّ تحلفوا بآبائكم ،من كان حالفا ،فليحلف باللّه أو ليصمت » وزاد في رواية أخرى « فقال عمر :فواللّه ما حلفت بها منذ سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عنها ذاكرًا ول آثرا » ( .ر :أيمان -فقرة ، 17 /وإثبات -فقرة ، 23 /وإيلء -فقرة . ) 1 /
الحقوق الّتي يجري فيها التّحليف : - 4الحقوق على ضربين :أحدهما :حقّ للّه تعالى .والثّاني :حقّ للعباد .وحقّ اللّه على ن المقصود من اليمين النّكول ،وهو قسمين :فالوّل :الحدود ول يجري التّحليف فيها ،ل ّ ل يعدو أن يكون بذلً أو إقرارا فيه شبهة ،والحدود ل بذل فيها ول تقام بحجّة فيها شبهة . ولنّه لو رجع عن إقراره قبل منه وخلّي سبيله من غير يمين فلن ل يستحلف مع القرار ب ستره ،لقوله صلى ال عليه وسلم لهزال في قصّة ماعز « :لو سترته أولى ولنّه يستح ّ بثوبك لكان خيرا لك » . ن ذلك عبادة فل يستحلف الثّاني :الحقوق الماليّة كدعوى السّاعي الزّكاة على ربّ المال ،ل ّ عليها كالصّلة ،ولو ادّعى عليه كفّارة يمين أو ظهار أو نذر صدقة أو غيرها فالقول قوله في نفي ذلك من غير يمين ،لنّه ل حقّ للمدّعي فيه ول ولية عليه ،فإن تضمّنت الدّعوى حقّا لدميّ مثل سرقة يحلف المدّعى عليه لحقّ الدميّ دون حقّ اللّه عزّ وجلّ ،ويضمن . وحقوق العباد تنقسم إلى قسمين : أحدهما :ما هو مال أو المقصود منه مال ،فهذا تشرع فيه اليمين بل خلف بين أهل العلم . فإذا لم تكن بيّنة للمدّعي حلف المدّعى عليه وبرئ ،وقد ثبت هذا في قصّة الحضرميّ والكنديّ اللّذين اختلفا في الرض . الثّاني :ما ليس بمال ول المقصود منه مال كحدّ قذف ،وقود ،وما يطّلع عليه الرّجال غالبًا كنكاح ،وطلق ،ورجعة ،وعتق ،وإسلم ،وردّة ،وجرح ،وتعديل . فعند أبي حنيفة والمالكيّة ل يستحلف فيها لنّ النّكول عند أبي حنيفة بذل ،وهذه المسائل ل ح فيها البذل ،وعند الصّاحبين النّكول إقرار فيه شبهة ،وعليه يجري التّحليف فيها يص ّ عندهما . ل بشهادة رجلين عدلين ق فيها شيء إ ّ أمّا عند المالكيّة فكلّ دعوى ل تثبت إلّ بعدلين ل يستح ّ إذ ل فائدة في ردّ اليمين أو إثباتها ،لنّه إن حلفها ل يثبت المدّعى به لتوقّف ثبوتها على العدلين إلّ القسامة وجراح العمد ،وفي بعضها خلف وهي المسمّاة عندهم بأحكام تثبت في البدن ليست بمال ويطّلع عليها الرّجال غالبا . وعند الشّافعيّة ،الحنابلة على أحد القولين وهو المتّبع عندهم ،أنّه يجري التّحليف لنّه عند الشّافعيّة الدّعاوى الّتي تثبت برجلين أو رجل وامرأتين تثبت برجل ويمين . واستدلّوا « بأنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى بهما في الحقوق والموال » ثمّ الئمّة من بعده .والحنابلة على قولين :أحدهما :ل يستحلف المدّعى عليه ول تعرض عليه اليمين قال
ل في الموال والعروض خاصّةً أحمد -رحمه ال : -لم أسمع من مضى جوّزوا اليمان إ ّ كما سلف . الثّاني :يستحلف في الطّلق والقصاص والقذف . وقال الخرقيّ :إذا قال ارتجعتك فقالت :انقضت عدّتي قبل رجعتك فالقول قولها مع يمينها . ي صلى ال عليه ل حقّ لدميّ ،لقول النّب ّ قال ابن قدامة :فيتخرّج من هذا أنّه يستحلف في ك ّ ن اليمين على المدّعى وسلم « :لو يعطى النّاس بدعواهم لدّعى قوم دماء قوم وأموالهم ولك ّ عليه » .وهذا عامّ في كلّ مدّعًى عليه ،وهو ظاهر في دعوى الدّماء بذكرها في الدّعوى ق لدميّ ،فجاز أن يحلف فيها المدّعى مع عموم الحاديث ،ولنّها دعوى صحيحة في ح ّ عليه ،كدعوى المال .
أثر التّحليف في الخصومة : - 5الجمهور على أنّ اليمين تفيد قطع الخصومة في الحال ل البراءة من الحقّ . والمالكيّة اعتدّوا بالحلف وقالوا :تكون اليمين كافي ًة في إسقاط الخصومة وفي منع إقامة البيّنة بعد ذلك ،إلّ إذا كان للمدّعي عذر في عدم التيان بالبيّنة وذلك كنسيان حين تحليفه خصمه . وللتّفصيل ( ر :إثبات -فقرة . ) 28 /
صفة المحلوف عليه :
- 6يحلف على البتّ في فعله ،وكذا فعل غيره إن كان إثباتا ،وإن كان نفيا فعلى نفي العلم. ل على نفي فعل الغير ،فإنّها على نفي العلم ن اليمان كلّها على البتّ والقطع إ ّ وجملة المر أ ّ .وعلى هذا أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ . وقال الشّعبيّ والنّخعيّ :كلّها على العلم .وذكر ابن أبي موسى روايةً عن أحمد وذكر أحمد ي صلى ال عليه وسلم « ل تضطرّوا حديث الشّيبانيّ عن القاسم بن عبد الرّحمن عن النّب ّ النّاس في أيمانهم أن يحلفوا على ما ل يعلمون » ولنّه ل يكلّف ما ل علم له به ،وحمل ابن قدامة حديث القاسم بن عبد الرّحمن على اليمين على نفي فعل الغير . مثال البتّ :ادّعى عليه أنّه ضرب فلنًا واعتدى عليه ،فيحلف على البتات لنّه فعل النّفس . مثال العلم :ادّعى أحد دينًا على ميّت في مواجهة وارثه بسبب فيحلف الوارث على نفي العلم :واللّه ل أعلم أنّ أبي فعل ذلك لكونه فعل للغير . وتفرّد الحنفيّة بتقسيم الحلف إلى حلف على السّبب أو على الحاصل . والمقصود بالسّبب :وقوع سبب الحقّ المدّعى أو عدم وقوعه . ن العقد يحتمل الرتفاع والمقصود بالحاصل :بقاء العقد المثبت للحقّ أو عدم بقائه :أ ّ كالنّكاح يرتفع بالطّلق ،والبيع بالقالة .مثال الحلف على السّبب :دعوى عقد بيع موجب
ب على نفس السّبب لتملّك عين والكفالة لشتغال ال ّذمّة وتوجّه المطالبة ،فهو يمين منص ّ المؤدّي إلى حصول مسبّبه هل هو واقع أو ل ؟ . والحلف على الحاصل :يكون في الشياء الّتي تقع ثمّ قد ترتفع برافع كالنّكاح والطّلق والغصب ،فيحلف على الحاصل باللّه ما بينكما نكاح قائم ،وما هي بائن منك الن ،وما يجب عليه ردّه .أي إلى الن لم يزل حاصلً باقيا أم ل . قال صاحب معين الحكّام :الستحلف على قسمين : سيّة . أحدهما :على العقود الشّرعيّة ،والخر على الفعال الح ّ أمّا الوّل فهو أنّ القاضي يحلّفه على الحاصل بالعقد باللّه ما له قبلك ما ادّعى من الحقّ ،ول يحلّفه على السّبب وهو البيع والجارة والكفالة ونحوها ،وروي عن أبي يوسف يحلّفه على السّبب باللّه ما اشتريت ،ول استأجرت ،ول كفلت ونحوها ،إلّ أن يعرض للقاضي فيقول :كم من مشتر أو مستأجر يفسخ العقد فيحلّفه على الحاصل ،لنّ اليمين تجب على حسب الدّعوى ودفعه ،والدّعوى وقع في العقد ل في الحاصل به . وأمّا القسم الثّاني وهو الستحلف على الفعال الحسّيّة وهي نوعان : نوع يستحلف على الحاصل ل على السّبب كالغصب والسّرقة إن كان المغصوب والمسروق قائما ،يحلّفه باللّه ما هذا الثّوب لهذا ول عليك تسليمه ول تسليمه شيء منه إلى المدّعي ، وإن كان مستهلكًا يستحلف على القيمة ل غير . وأمّا النّوع الثّاني وهو ما إذا ادّعى على رجل أنّه وضع على حائطه خشب ًة ،أو بنى عليه بناءً ،أو أجرى على سطحه ،أو في داره ميزابًا أو فتح عليه في حقّه بابا ،أو رمى ترابا في أرضه أو ميتةً أو نحو ذلك ،ممّا يجب على صاحبه نقله وأراد استحلفه على ذلك ،فإنّه يحلّفه على السّبب باللّه ما فعلت هذا ،لنّه ليس في التّحليف هنا ضرر بالمدّعى عليه ،إذ بعدما ثبت هذا الحقّ للمدّعي وهو استحقاق رفع هذه الشياء عن أرضه ،ل يتضرّر بسقوطه بسبب من السباب ،فإنّه لو أذن له في البتداء أن يضع الخشبة على حائطه أو يلقي الميتة في أرضه ،كان ذلك إعارةً منه ،فمتى بدا له كان له أن يطالبه برفعه ،وإن باع منه ذلك ل ن هذا بيع الحقّ وبيع الحقّ ل يجوز .أ .هس .أي فهذه الفعال الحسّيّة كالسباب يجوز ،ل ّ الّتي ل ترتفع برافع نحو دعوى العبد المسلم العتق على موله ،فالتّحليف على السّبب ل يضرّ المدّعى عليه .
حقّ التّحليف : - 7إذا حلف المدّعى عليه بطلب الخصم قبل أن يكلّفه الحاكم فل تعتبر يمينه ،ويلزم أن يحلف من قبل الحاكم مرّ ًة أخرى .والجمهور على أنّه ل يجوز للقاضي استحلف المدّعى
عليه إلّ بعد طلب اليمين من المدّعي لنّه حقّ له ،فل يستوفيه من غير إذنه .ول يعتدّ بتحليف قاض قبل مطالبة المدّعي ،لنّها يمين قبل وقتها ،للمدّعي أن يطالب بإعادتها . واستثنى الحنفيّة خمسة مواطن :الوّل :إذا ادّعى أحد من التّركة حقّا بالجماع . الثّاني :إذا استحقّ أحد المال .الثّالث :لو أراد مشتر ردّ مبيع لعيبه . الرّابع :تحليف الحاكم الشّفيع عند الحكم له بالشّفعة بأنّه لم يبطل شفعته . والخامس :المرأة ،إذا طلبت فرض نفقة على زوجها الغائب . ( ر :إثبات -فقرة . ) 22 / 17 /
ال ّنيّة في التّحليف : ن اليمين على نيّة الحالف إذا كان - 8ذهب الجمهور " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ مظلوما ،وإن كان ظالما فعلى نيّة المستحلف ،لحديث أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :يمينك على ما يصدّقك به صاحبك » . إذ المقصود هو التّرهيب وردع الحالف عن جحوده خوفا من اليمين الغموس . ح تورية الحالف ول وقال الغزاليّ :وينظر في اليمين إلى نيّة القاضي وعقيدته ،فل يص ّ قوله إن شاء اللّه بحيث ل يسمع القاضي . وأتى ابن قدامة بمثال للحالف مظلوما وهي واقعة حصلت للصّحابيّ سويد بن حنظلة رضي ال عنه .قال سويد « :خرجنا نريد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عد ّو له فتحرّج القوم أن يحلفوا ،فحلفت أنّه أخي .فخلّى سبيله ،فأتينا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال :أنت أبرّهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم » . قال ابن قدامة والحال الثّالثة :لم يكن ظالما ول مظلوما قال :فظاهر كلم أحمد أنّه له تأويله وأورد عن أنس رضي ال عنه « أنّ رجلً جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال يا رسول اللّه احملني فقال :إنّي حاملك على ولد النّاقة فقال :يا رسول اللّه ما أصنع بولد النّاقة فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهل تلد البل إلّ النّوق » . وقال المالكيّة -عدا ابن القاسم : -اليمين على نيّة المستحلف ،وقال ابن القاسم :هي على نيّة الحالف فينفعه الستثناء فل تلزمه كفّارة ولكن يحرم ذلك عليه . وانظر التّفصيل في بحث ( أيمان ف 153 /فما بعدها ) . وقد توسّع ابن قدامة في ذلك فلينظر في موضعه .
حلْف * ِ
التّعريف : - 1الحلف لغةً العهد ،وقد حالف فلن فلنا إذا عاهده وعاقده .فهو حليفه ،وتحالفوا أي تعاهدوا ،وفي حديث أنس « :حالف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بين قريش والنصار في داري أي آخى بينهم » . وقال ابن الثير :أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التّناصر والتّساعد والتّفاق ،وقال ل بالحلف ،أي يؤكّد باليمان . ابن سيده :سمّي الحلف حلفًا لنّه ل يعقد إ ّ
اللفاظ ذات الصّلة : أ -المؤاخاة والموالة : - 2قال القرطبيّ :معنى المؤاخاة أن يتعاقد الرّجلن على التّناصر والمواساة والتّوارث حتّى يصيرا كالخوين نسبا ،وقد يسمّى ذلك حلفا . وإذا تحالفا على ذلك كان ك ّل منهما مولىً للخر بالموالة ( وانظر :ولء ) . ب -المهادنة : - 3المهادنة :المصالحة بعد الحرب . ج -المان : - 4المان لغ ًة السّلمة ،واصطلحا :رفع استباحة دم الحربيّ ورقّه وماله حين قتاله ،أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم السلم .
الحلف في الجاهليّة :
- 5كانت الحلف تعقد في الجاهليّة بين فرد وقبيلة ،أو بين فرد وفرد ،أو بين قبيلة وقبيلة .فممّا كان بين القبائل حلف المطيّبين من قريش .قال ابن إسحاق وغيره :وهم عبد مناف ، وأسد ،وزهرة ،وتيم رهط أبي بكر رضي ال عنه .سمّوا بذلك لمّا أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في يدي عبد الدّار من الحجابة والرّفادة واللّواء والسّقاية ،وأبت بنو عبد الدّار ، فأخرجت بنو عبد مناف جفن ًة مملوء ًة طيبا فوضعوها لحلفهم المذكورين في المسجد الحرام عند الكعبة ،ثمّ غمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا ثمّ مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدًا لليمين فسمّوا المطيّبين .وتعاقدت بنو عبد الدّار وحلفاؤها وهم جمح وسهم ومخزوم وعديّ بن كعب رهط عمر بن الخطّاب رضي ال عنه على ما أرادوا من ذلك المر ،فسمّوا الحلف .فكان يقال لبي بكر أنّه " مطيّبيّ " ولعمر أنّه " أحلفيّ " . وذكر ابن إسحاق أيضا أنّه كان في قريش حلف آخر هو حلف الفضول ،وقد شهده رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بنفسه قبل البعثة ،وكان سنّه إذ ذاك قريبا من عشرين عاما ،وقد ن لي به حمر قال فيه بعد ذلك « :لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفا ما أحبّ أ ّ
النّعم ،ولو أدعى به في السلم لجبت » .زاد في بعض الرّوايات « :تحالفوا أن تردّ الفضول على أهلها ،وألّ يعزّ ظالم مظلوما » ومعنى لجبت أي لنصرت المظلوم إذا دعا به .والبطون الّتي تحالفت هذا الحلف من قريش هم بنو هاشم ،وبنو المطّلب ،وبنو أسد بن عبد العزّى ،وبنو زهرة ،وبنو تيم بن مرّة ،ومن بني تيم عبد اللّه بن جدعان الّذي عقد الحلف في داره ،تعاقدوا وتعاهدوا على أن ل يجدوا بمكّة مظلوما من أهلها وغيرهم ممّن ل قاموا معه على من ظلمه حتّى تردّ عليه مظلمته . دخلها من سائر النّاس إ ّ وأمّا بين الفراد فقد كان أهل الجاهليّة يعاقد الرّجل منهم الخر فيقول :دمي دمك ،وهدمي هدمك ،وثأري ثأرك ،وحربي حربك ،وسلمي سلمك ،وترثني وأرثك ،وتطلب بي وأطلب بك ،وتعقل عنّي وأعقل عنك " فإذا قبل الخر نفذ بينهما هذا التّحالف . ل شيء ،فيمنع الرّجل حليفه وإن كان ظالما ،ويقوم دونه ، وكان المتحالفان يتناصران في ك ّ ويدفع عنه بك ّل ممكن ،حتّى يمنع الحقوق وينتصر به الظّالم في الظّلم والفساد والعناد . والتّحالف بين الفراد على نوعين :فقد يكون اللتزام من طرف واحد ،بأن يلتجئ رجل قد ترك عشيرته ،أو ل عشيرة له ،إلى رجل ذي منعة فيحالفه ليحميه ويتحمّل عنه جرائره ، دون التزام من قبل الضّعيف بالنّصرة أو العقل ( الدّية ) ،وقد كان هذا في الجاهليّة واستمرّ في السلم ،فكان العجميّ يوالي في العرب ،وقد يكون اللتزام من الطّرفين بأن ينصر كلّ منهما الخر ويرثه ويعقل عنه .
الحكام المتعلّقة بالحلف : أوّلً :التّحالف بين مسلم ومسلم :
- 6ل يعرف خلف بين الفقهاء في أنّ التّحالف بين أفراد المسلمين إذا كان على أن ينصر شرّ ،وعلى الحقّ والباطل ،أو على أن يرث كلّ كلّ من الطّرفين الخر على الخير وال ّ منهما الخر دون ذوي قرابته ،فإنّ ذلك الحلف يكون باطلً ،ووجه ذلك أنّه ل يجوز التّناصر على الباطل ،ول على ما حرّمه اللّه تعالى ،لقول اللّه تعالى َ { :و َتعَا َونُواْ عَلَى الْبرّ لثْمِ وَا ْل ُعدْوَانِ } ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :انصر أخاك وَالتّ ْقوَى َولَ َتعَا َونُواْ عَلَى ا ِ ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول اللّه ،هذا ننصره مظلوما ،فكيف ننصره ظالما ،قال : تأخذ فوق يديه » قال الجصّاص :كان حلف الجاهليّة أن يعاقده فيقول :دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك ،وكان في هذا الحلف أشياء قد حظرها السلم ،وهو أنّه يشرط أن يحامي عنه ويبذل دمه دونه ويهدم ما يهدمه فينصره على الحقّ والباطل ،وقد أبطلت الشّريعة هذا الحلف ،وأوجبت معونة المظلوم على الظّالم حتّى ينتصف منه .
وكذا ورد في الميراث اليات الكريمة الّتي حدّدت نصيب كلّ وارث ،وقد قال تعالى في حكِيما } فمن جعل ميراثه لمن واله ن اللّ َه كَانَ عَلِيمَا َ ن اللّ ِه إِ ّ آيات المواريث َ { :فرِيضَ ًة مّ َ وعاقده دون من جعل اللّه تعالى لهم الميراث ،ناقض حكم اللّه تعالى بذلك ،فبطل عقده ، وحكم اللّه تعالى نافذ . -7أمّا التّحالف على الخير والنّصرة على الحقّ وعلى العقل والتّوارث لمن ل وارث له .فقد ورد أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال في غزوة الفتح « :ل حلف في السلم وأيّما حلف كان في الجاهليّة لم يزده السلم إلّ شدّ ًة » وفي رواية « ولكن تمسّكوا بحلف الجاهليّة » وفي رواية « ل حلف في السلم وحلف الجاهليّة مشدود » وفي رواية الطّبريّ « :فوا بحلف فإنّه ل يزيده السلم إلّ شدّ ًة ول تحدثوا حلفا في السلم » . وقد اختلف العلماء في ذلك . -8أ -فذهب الحنفيّة إلى أنّه ل بأس أن يحالف مسلم مسلما حتّى بعد ورود هذا الحديث على العقل والميراث -ول يرث إلّ على الوجه الّذي يأتي بيانه -وعلى النّصرة والنّصيحة والرّفادة وغير ذلك من أنواع التّعاون . ن المراد بالحديث المذكور :نفي الحلف على المور الّتي كانوا يتعاقدون عليها في وقالوا إ ّ الجاهليّة وحظرها السلم ،وهي أن ينصره على الحقّ والباطل ويرثه دون ذوي رحمه واستدلّوا لذلك بالدلّة المتقدّمة وبقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :مولى القوم منهم وابن أختهم منهم وحليفهم منهم » . ن ذلك مذهب عمر ،وعليّ ،وابن مسعود رضي ال عنهم . وقالوا :إ ّ ثمّ عند الحنفيّة قد تكون الموالة من الجانبين أو من جانب واحد ،ولو والى صبيّ عاقل بإذن ح كذلك ،ويكون وكيلً عن سيّده بعقد وليّه صحّ ،أو والى العبد بإذن سيّده آخر يص ّ الموالة ،ولمن والى رجلً أن ينقل ولءه إلى غيره إن لم يعقل عنه أو عن ولده ،ولو عقل عنه بيت المال فولؤه للمسلمين فل ينتقل عن ولئهم إلى ولء خاصّ ،ول بدّ في عقد الموالة أن يشترط العقل -أي تحمّل الدّية -والرث . وفي شرح السّراجيّة :بل مجرّد العقد كاف بأن يقول واليتك ،ويقول الخر قبلت ،فينعقد العقد ويرث القابل ،وهذا إجمال ينظر تفصيله في مصطلح ( :ولء ) . وقد أورد الطّحاويّ في " شروطه " صيغ ًة لعقد الموالة مستوفيةً للشّروط المعتبرة فيه عند الحنفيّة . ن أحلف الجاهليّة يستمرّ -9ب -وذهب جمهور الفقهاء إلى الخذ بظاهر هذا الحديث من أ ّ التّناصر بها حتّى بعد هذا الحديث ،لكن ل يكون إلّ تناصرا على الحقّ والتّعاون على الخير
،ول تقتضي ميراثا لكون التّوارث بها منسوخا ،لكن الحلف الّتي عقدت في السلم ،أو تعقد من بعد ورود الحديث منقوضة ،لكون هذا الحديث ناسخا لجازة التّحالف الّتي عمل بها في أوّل السلم فقد أمروا أن ل ينشئوا بعد ذلك معاقد ًة كما عبّر ابن كثير . ل المسلمين يقتضي ووجهه أنّ السلم وحّد بين المسلمين ،فهو بمعنى تحالف شامل لك ّ خوَةٌ } التّناصر والتّعاون بينهم على من قصد بعضهم بظلم ،لقوله تعالى ِ { :إ ّنمَا ا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ ِإ ْ ض ُهمْ َأوِْليَاء َبعْضٍ } . وقوله { :وَا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ وَا ْل ُم ْؤ ِمنَاتُ َبعْ ُ وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا » . ب لخيه ما يحبّ لنفسه » . وقوله « :ل يؤمن أحدكم حتّى يح ّ وقوله « :المسلم أخو الم سلم ل يظل مه ول يخذله ول يحقره » .وقوله « :الم سلمون تتكافأ دماؤهم ،يسعى بذمّتهم أدناهم ،ويجير عليهم أقصاهم ،وهم يد على من سواهم » . ل مؤمن أن يقوم بحقوقه ، ل مؤمن ،ووجب على ك ّ فمن كان قائما بواجب اليمان كان أخًا لك ّ
وإن لم يجر بينهما عقد خا صّ ،فإ ّن اللّه ورسوله قد عقدا الخوّة بينهما بقوله تعالى ِ { :إ ّنمَا خ َوةٌ } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :وددت أنّي قد رأيت إخواني » ومن ا ْل ُم ْؤمِنُو نَ إِ ْ لم ي كن خارجا عن حقوق اليمان و جب أن يعامل بمو جب ذلك ،فيح مد على ح سناته ويوالى عليها وينهى عن سيّئاته ويعاقب عليها .كف سّاق أهل الملّة إذ هم مستحقّون للثّواب والعقاب ، وللموالة والمعاداة . قالوا :وأمّا استمرار العمل بأحلف الجاهليّة في التّناصر فيؤيّده في الحديث ال سّابق ذكره أ نّ ن لي النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفا ما أحبّ أ ّ به حمر النّعم ولو أدعى به في السلم لجبت » أي لنصرت المستنصر به ،وفي رواية « شهدت حلف المطيّبين وأنا غلم مع عمومتي فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه » . واختلف أصحاب هذا القول في الوقت الّذي هو الحدّ الفاصل بين ما هو من أحلف الجاهليّة ، فيبطل منه ما يخالف حكم السلم ،ويبقى ما عداه على حاله ،فيستمرّ حكمه في السلم ، وبين ما هو من أحلف السلم فينقض .فقال ابن عبّاس :ما كان قبل نزول الية -يعني { ضهُ مْ َأ ْولَى ِب َبعْ ضٍ } -فهو جاهل يّ ،وما بعدها إسلميّ ،وعن عل يّ : َوُأ ْولُو الَْأرْحَا مِ َب ْع ُ ما كان قبل نزول { ليلفِ ُقرَيشٍ } جاهليّ ،وما بعدها إسلميّ ،وعن عثمان :ما كان قبل ل حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود الهجرة فهو جاهل يّ وما بعدها إسلميّ .وعن عمر :ك ّ ل حلف بعد ها منقوض .قال ا بن ح جر :وأظ نّ قول ع مر أقوا ها .أي ل ما ث بت أ نّ النّبيّ وك ّ صلى ال عليه وسلم آخى بينهم في المدينة وذلك ينفي القولين الثّاني والثّالث .
- 10وذهب آخرون إلى أنّه ل بأس أن يعقد حلف بين مسلم ومسلم على التّناصر على الحقّ والنّصيحة والتّعاون على الخير حتّى وإن كان ذلك بعد ورود الحديث المتقدّم ،ول توارث به .قال النّوويّ :المؤاخاة في السلم ،والمحالفة على طاعة اللّه ،والتّناصر في الدّين ، والتّعاون على البرّ والتّقوى وإقامة الحقّ ،هذا باق لم ينسخ ،قال وهذا معنى قوله صلى ال ل شدّةً » وأمّا عليه وسلم في هذه الحاديث « :وأيّما حلف كان في الجاهليّة لم يزده السلم إ ّ قوله صلى ال عليه وسلم « :ل حلف في السلم » فالمراد به حلف التّوارث والحلف على ما منع الشّرع منه .
أطوار التّوارث بالحلف في السلم : ل به - 11ل تختلف كلمة المفسّرين وغيرهم من العلماء في أنّ التّوارث بالحلف كان معمو ً ل في السلم ،وقد آخى النّبيّ صلى ال عليه وسلم بين المهاجرين والنصار فكان لكلّ أ ّو ً رجل من المهاجرين أخ من النصار ،وتوارثوا بذلك ،فكان النصاريّ إذا مات يرثه أخوه المهاجريّ ،وقد ورد في ذلك أحاديث منها : جعَ ْلنَا مَوَاِليَ } ل َ - 1ما روى البخاريّ والطّبريّ عن ابن عبّاس قال في قوله تعالى { :وَِلكُ ّ قال :ورث ًة { وَاّلذِينَ عَ َقدَتْ َأ ْيمَا ُن ُكمْ } .قال :كان المهاجرون لمّا قدموا على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ورث المهاجر النصاريّ دون ذوي رحمه للخوة الّتي آخى النّبيّ صلى ال عليه ت َأ ْيمَا ُنكُمْ } إلّ جعَ ْلنَا مَوَاِليَ } نسخت .ثمّ قال { وَاّلذِينَ عَ َقدَ ْ وسلم بينهم ،فلمّا نزلت { وَِلكُلّ َ النّصر والرّفادة والنّصيحة ،وقد ذهب الميراث . ونقل الطّبريّ عن الحسن وعكرمة " كان الرّجل يحالف الرّجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الخر ،فنسخ ذلك " وعاقد أبو بكر رضي ال عنه مولًى فورثه . ول تختلف كلمة العلماء في أنّ التّوارث على هذه الصّفة منسوخ ،واختلفوا في النّاسخ ،فقال ض ُهمْ أَوْلَى ِب َبعْضٍ فِي ِكتَابِ اللّهِ } وقيل : ل ْرحَامِ َبعْ ُ بعضهم :النّاسخ قوله تعالى { :وَأُوْلُواْ ا َ بل الّتي في آخر النفال . لقْ َربُونَ } أي يرثون كلّ جعَ ْلنَا مَوَاِليَ ِممّا َت َركَ ا ْلوَاِلدَانِ وَا َ ل َ وقيل :بل قوله تعالى { :وَِلكُ ّ ت َأ ْيمَا ُنكُمْ فَآتُو ُهمْ َنصِي َبهُمْ } أي من النّصيحة والنّصر ،دون المال ،وقوله { :وَاّلذِينَ عَ َقدَ ْ الميراث ،وهذا قول الطّبريّ .وقيل :حصل النّسخ على مرحلتين ،فنسخ الوّل بقوله جعَ ْلنَا مَوَاِليَ } أي ورثةً يرثون ،والمولى هنا هو القريب كالخ وابن ل َ تبارك وتعالى { :وَِلكُ ّ العمّ ،ممّا ترك الوالدان والقربون ،والّذين عقدت أيمانكم . شهِيدا ) فقد نسخت شيْءٍ َ ل َ ن اللّ َه كَانَ عَلَى كُ ّ وقرئ ( :عاقدت َأ ْيمَا ُن ُكمْ فَآتُو ُهمْ َنصِي َب ُهمْ إِ ّ انفراد الحليف لكلّ المال ،وجمعت بين الفريقين ،فجعلت المال للقارب ،وأمرت بإعطاء
شهِيدًا} أي قد شيْءٍ َ الحليف نصيبًا ،فكانوا يعطونه السّدس ،قوله ِ { :إنّ الّلهَ كَانَ عَلَى كُلّ َ شهد معاقدتكم إيّاهم واللّه يحبّ الوفاء .قاله القرطبيّ . قال قتادة :كان الرّجل يعاقد الرّجل في الجاهليّة ،فلمّا جاء السلم أمروا أن يؤتوهم نصيبهم ض ُهمْ أَوْلَى ِب َبعْضٍ } . ل ْرحَامِ َبعْ ُ وهو السّدس ،ثمّ نسخ بالميراث ،فقال { :وَأُوْلُواْ ا َ قال ابن حجر :وروي من طرق شتّى عن جماعة من العلماء مثل ذلك ،وهذا هو المعتمد . ص الميراث قال :وينزّل حديث ابن عبّاس على هذا .ثمّ نسخ هذا بآية سورة الحزاب .وخ ّ بالعصبة ،وبقي للمعاقد النّصر والرفاد وغيرهما . قال وعلى هذا يتنزّل بقيّة الثار ،لكنّ ابن عبّاس لم يتعرّض لذكر النّاسخ الثّاني .
التّوارث بالحلف : - 12اختلف الفقهاء في إرث الحليف من حليفه فذهب الجمهور " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى أنّ ميراث الحليف منسوخ أصلً ،فل توارث بالحلف ،وإنّما الميراث برحم أو نكاح أو ولء .فإن لم يكن أحد من هؤلء فتركته للمسلمين أي فتكون لبيت المال .وذهب الحنفيّة ن إرث الحليف باق ،قالوا :يرث الحليف كلّ والحكم وحمّاد وهو رواية عن أحمد :إلى أ ّ المال ،لكن بعد سائر الورثة ،فإن لم يكن له قريب ول وارث بنكاح ول مولى عتاقة فميراثه لحليفه ،فإن لم يكن فلبيت المال . ونقل الجصّاص نحو ذلك عن عمر بن الخطّاب وابن مسعود رضي ال عنهما وعن الحسن البصريّ وإبراهيم والزّهريّ .واستدلّوا على ذلك بأمور منها : ضهُمْ َأوْلَى ِب َبعْضٍ } فإنّ " أولى " صيغة تفضيل تثبت ل ْرحَامِ َب ْع ُ أ -قوله تعالى { :وَُأوْلُو ْا ا َ أصل الميراث للحليف ،لكن تجعل القريب أولى منه . قال الجصّاص :جعلت الية ذوي الرحام أولى من موالي المعاقدة ،فنسخ ميراثهم في حال وجود القرابات ،وهو باق لهم إذا فقد القرباء ،على الصل الّذي كان عليه ،فمتى فقدوا وجب ميراث الحليف بقضيّة الية ،إذ كانت إنّما نقلت ما كان للحلفاء إلى ذوي الرحام إذا سنّة ما يوجب نسخها .ا .هس . وجدوا ،فإذا لم يوجدوا فليس في القرآن ول في ال ّ ب -روى مسلم من حديث جابر بن عبد اللّه أنّه قال « :كتب النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل لمسلم أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه » . ل بطن عقوله .ث ّم كتب :أنّه ل يح ّ على ك ّ فأجازت أن يتحوّل الرّجل عن موالة قوم إلى موالة غيرهم بإذنهم ،فهذا في مولى التّعاقد ، ن ولء العتاقة ل يتحوّل ،لما في الحديث « :الولء لحمة كلحمة النّسب » . لّ سنّة في ج -ما روى تميم الدّاريّ أنّه قال « :سألت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ما ال ّ الرّجل من أهل الشّرك يسلم على يدي رجل من المسلمين ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم :هو أولى النّاس بمحياه ومماته » يعني محياه في تحمّل العقل عنه ومماته في الرث عنه ولمعرفة كيفيّة التّوارث بالحلف ينظر مصطلح ( إرث ) . ن معاوية رضي ال عنه كان قد عاقد رجلً يسمّى زيد بن الحتّات ،فمات د -ما روي أ ّ فحاز معاوية رضي ال عنه ميراثه . هس -واستدلّوا بالقياس على الوصيّة لغير وارث ،قالوا :إن وصّى لغير وارث بجميع ماله ،فمات ولم يكن له وارث ،جازت الوصيّة ،فكذا هذا . وانظر لتمام القول في حكم التّوارث بالحلف مصطلح ( إرث . ) 52 /
أحكام الحليف في غير التّوارث : ن للحليف تزويج المرأة فهو أحد أوليائها . - 13ذهب أبو حنيفة إلى أ ّ لكن ترتيبه في ذلك بعد جميع العصبات وذوي الرحام ،وهو أولى من القاضي والسّلطان . وقال محمّد بن الحسن :ل ولية في التّزويج لذوي الرحام ول لمولى الموالة وهو الحليف. واختلف النّقل عن أبي يوسف فقيل :قوله كقول أبي حنيفة ،وقيل :كقول محمّد . وليس للحليف عند غير الحنفيّة في ولية التّزويج مدخل . وقال الحنفيّة في أولويّة الصّلة على الميّت :إنّ الولياء فيها على التّرتيب المذكور في النّكاح ،وهذا يقتضي أنّ للحليف وليةً فيها على ما ذكر في النّكاح من التّرتيب . ن الرّجل وعشيرته يعقلون عن وقال الجمهور :ل عقل بالحلف .وأمّا الحنفيّة فقد قالوا :إ ّ موله بالولء ،وإذا عقل عنه لزمه الولء فل ينتقل عنه بعد إلّ برضاه . ولزوم العقل عن مولى الموالة منقول أيضًا عن مجاهد ( .وانظر :عاقلة ) .
ثانيا :التّحالف بين طائفتين من المسلمين :
- 14يرد هنا الخلف المتقدّم في محالفة الفرد للفرد ،غير أن ل توارث هنا ول تعاقل ، وإنّما يثبت بالحلف عند من أجازه مجرّد التّناصر على الحقّ ودفع الظّلم . ويستدلّ المجيزون لمثل هذا التّحالف بما ورد في حديث أنس عند البخاريّ « :حالف النّبيّ صلى ال عليه وسلم بين قريش والنصار في داري مرّتين » . ن قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ل حلف في السلم » المراد به ما كان على وقالوا :إ ّ ق والباطل .قال ابن الثير :أصل الحلف طريقة أهل الجاهليّة من العانة بالحلف في الح ّ المعاقدة والمعاهدة على التّساعد والتّعاضد والتّفاق ،فما كان منه في الجاهليّة على الفتن والقتال والغارات ،فذلك الّذي ورد النّهي عنه في السلم ،وما كان منه في الجاهليّة على نصر المظلوم وصلة الرحام ،كحلف المطيّبين وما جرى مجراه فذلك الّذي قال فيه النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :وأيّما حلف كان في الجاهليّة لم يزده السلم إلّ شدّ ًة » يريد :من
المعاقدة على الخير ونصرة الحقّ .وبذلك يجتمع الحديثان .وهذا هو الحلف الّذي يقتضيه السلم .وتقدّم النّقل عن النّوويّ بمثل ذلك ( ف . ) 10/ وأمّا الّذين خالفوا في جواز ذلك وهم الكثرون فقد احتجّوا بظاهر الحديث « ل حلف في ل مسلم نصرة أخيه المسلم ، السلم » وبأنّ السلم جعل المسلمين يدًا واحدةً وأوجب على ك ّ والقيام على الباغي حتّى يرجع إلى الحقّ ،كما تقدّم توجيهه عن ابن تيميّة ( ف . ) 9 /
حلق * التّعريف : - 1الحلق في اللّغة إزالة الشّعر .يقال حلق رأسه ،أي :أزال شعره . ومن معانيه أيضا :الحلقوم وهو مساغ الطّعام والشّراب في المريء . ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة الحلق عن هذين المعنيين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الستحداد :
- 2الستحداد حلق العانة .وسمّي استحدادا لستعمال الحديدة وهي الموسى . فالستحداد نوع من الحلق . ب -النّتف : - 3النّتف لغ ًة نزع الشّعر والرّيش ونحوه . ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة النّتف عن هذا المعنى اللّغويّ . ن الحلق بالموسى ونحوه ن كلّا منهما إزالة للشّعر إلّ أ ّ والوجه المشترك بين الحلق والنّتف :أ ّ ،والنّتف بنزعه من جذوره .
أحكام الحلق بالمعنى الوّل " حلق الشّعر " : حلق الرّأس :
سنّة في شعر الرّأس بالنّسبة ن ال ّ - 4اختلف الفقهاء في حلق الرّأس :فذهب الحنفيّة إلى أ ّ للرّجل إمّا الفرق أو الحلق ،وذكر الطّحاويّ أنّ الحلق سنّة . ن حلق شعر الرّأس بدعة غير محرّمة ، وذهب المالكيّة كما جاء في الفواكه الدّواني إلى أ ّ ج » ،قال القرطبيّ :كره لنّه صلى ال عليه وسلم « لم يحلق رأسه إلّ في التّحلّل من الح ّ مالك حلق الرّأس لغير المتحلّل من الحرام ،وقال الجهوريّ :إنّ القول بجواز حلقه ولو لغير المتعمّم أولى بالتّباع فهو من البدع الحسنة حيث لم يفعله لهوى نفسه وإلّ كره أوحرم. وصرّح ابن العربيّ من المالكيّة بأنّ الشّعر على الرّأس زينة ،وحلقه بدعة ،ويجوز أن يتّخذ
جمّةً وهي ما أحاط بمنابت الشّعر ،ووفرةً وهو ما زاد على ذلك إلى شحمة الذنين ،وأن يكون أطول من ذلك . ويرى الشّافعيّة أنّه ل بأس بحلق جميع الرّأس لمن أراد التّنظيف . واختلفت الرّواية عن أحمد في حلق الرّأس :فعنه أنّه مكروه ،لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال في الخوارج « :سيماهم التّحليق » فجعله علمةً لهم . وروي عنه أنّه ل يكره ذلك ،لكن تركه أفضل ،قال حنبل :كنت أنا وأبي نحلق رءوسنا في حياة أبي عبد اللّه ،فيرانا ونحن نحلق فل ينهانا . واتّفق الفقهاء على أنّه يكره القزع ،وهو أن يحلق بعض الرّأس دون بعض . وقيل :أن يحلق مواضع متفرّقةً منه .لما روى ابن عمر رضي ال تعالى عنهما « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأى غلما قد حلق بعض رأسه ،وترك بعضه فنهى عن ذلك » .وفي لفظ قال « :احلقه كلّه أو دعه كلّه » . وفي رواية عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « نهى عن القزع » . هذا بالنّسبة للرّجل ،أمّا المرأة فل يجوز لها حلق رأسها من غير ضرورة عند الحنفيّة والمالكيّة لقول أبي موسى « :برئ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من الصّالقة ،والحالقة ي صلى ال عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها » ،قال الحسن :هي ن النّب ّ » وروي « أ ّ مثلة . وأمّا إذا كان حلق المرأة شعر رأسها لعذر أو وجع فل بأس به عند الحنفيّة والحنابلة .ويرى الشّافعيّة والحنابلة الكراهة .قال الثرم :سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن المرأة تعجز عن ب ،قال :إذا كان لضرورة فأرجو أن ل يكون به شعرها وعن معالجته ،وتقع فيه الدّوا ّ بأس .وأمّا حلق القفا -وهو مؤخّر العنق -فقد صرّح الحنابلة بأنّه يكره لمن لم يحلق رأسه ،ولم يحتج إليه لحجامة أو غيرها . قال المروزيّ :سألت أبا عبد اللّه عن حلق القفا فقال :هو من فعل المجوس ،ومن تشبّه بقوم فهو منهم ،وقال :ل بأس أن يحلق قفاه وقت الحجامة .
حلق رأس المولود : - 5ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحبّ حلق رأس المولود في اليوم السّابع ،ويتصدّق بوزن الشّعر ورقًا ( فضّةً ) ثمّ اختلفوا في حلق شعر المولود النثى ،فذهب المالكيّة ن فاطمة بنت رسول اللّه والشّافعيّة إلى أنّه ل فرق في ذلك بين الذّكر والنثى ،لما روي ،أ ّ صلى ال عليه وسلم وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم ،وتصدّقت بزنة ذلك
ن هذا حلق فيه مصلحة من حيث التّصدّق ،ومن حيث حسن الشّعر بعده ،وعلّة فضّ ًة .ول ّ الكراهة من تشويه الخلق غير موجودة هنا . وأمّا الحنابلة فيرون عدم حلق شعر المولود النثى لحديث سمرة بن جندب مرفوعا « :كلّ غلم رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السّابع ،ويحلق رأسه » وعن أبي هريرة مثله . ي صلى ال عليه وسلم لفاطمة لمّا ولدت الحسن « :احلقي رأسه ،وتصدّقي بوزن ولقول النّب ّ شعره فضّ ًة على المساكين والوفاض » يعني أهل الصّفّة . أمّا الحنفيّة فذهبوا إلى أنّ حلق شعر المولود في سابع الولدة مباح ل سنّة ول واجب .
حلق الشّارب : ن حلق الشّارب سنّة وقصّه أحسن ،وقال الطّحاويّ :حلقه أحسن من - 6ذهب الحنفيّة إلى أ ّ القصّ ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أحفوا الشّوارب ،وأعفوا اللّحى » . والحفاء :الستئصال ،وهو قول لدى الشّافعيّة . ي من الشّافعيّة أنّه بدعة .وهو رواية عند الحنفيّة أيضا . ويرى الغزال ّ ص. ويرى المالكيّة أنّ الشّارب ل يحلق ،بل يق ّ وذهب الشّافعيّة إلى كراهة حلق الشّارب واستحباب قصّه عند الحاجة حتّى يبين طرف الشّفة بيانا ظاهرا . ن حفّ الشّارب أو قصّ طرفه ،والحفّ أولى نصّا ،وفسّروا الحفّ وعند الحنابلة يس ّ ص .وتفصيله في مصطلح ( شارب ) . بالستقصاء أي المبالغة في الق ّ وأمّا حلق اللّحية فمنهيّ عنه ،وفيه خلف ينظر في مصطلح ( لحية ) .
حلق شعر المحرم :
- 7يحظر على المحرم حلق رأسه أو رأس محرم غيره ،ما لم يفرغ الحالق والمحلوق له من أداء نسكهما .وكذا لو حلق له غيره حللً أو محرما يحظر عليه تمكينه من ذلك . وفي الموضوع خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( إحرام ) .
الحلق للتّحلّل من الحرام : - 8يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في أظهر القولين والحنابلة على ظاهر المذهب أنّ ج والعمرة ،فل يحصل التّحلّل في العمرة والتّحلّل الكبر في الحلق أو التّقصير نسك في الح ّ ج إلّ مع الحلق . الح ّ وقال الشّافعيّة في أحد القولين -وهو خلف الظهر -وأحمد في قول :إنّ الحلق أو التّقصير ليس بنسك ،وإنّما هو إطلق من محظور كان محرّما عليه بالحرام فأطلق فيه عند
الحلّ ،كاللّباس والطّيّب وسائر محظورات الحرام ،وهذا ما حكاه القاضي عياض عن عطاء وأبي ثور وأبي يوسف أيضا . فعلى هذا التّجاه ل شيء على تارك الحلق ويحصل التّحلّل بدونه . هذا ول تؤمر المرأة بالحلق بل تقصّر لما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « : ي صلى ن النّب ّ ي رضي ال عنه « أ ّ ن التّقصير » .وروى عل ّ ليس على النّساء حلق وإنّما عليه ّ ن الحلق للتّحلّل في حقّ النّساء بدعة وفيه ال عليه وسلم نهى المرأة أن تحلق رأسها » ول ّ مثلة ،ولهذا لم تفعله واحدة من نساء رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
مقدار الواجب حلقه للتّحلّل : ل{: - 9ل خلف بين الفقهاء في أفضليّة حلق جميع الرّأس على التّقصير لقوله عزّ وج ّ صرِينَ } والرّأس اسم للجميع ،وكذا روي « أنّ رسول اللّه صلى ال س ُكمْ َومُ َق ّ ُمحَلّقِينَ ُرؤُو َ عليه وسلم حلق جميع رأسه » . وإنّما اختلفوا في أقلّ ما يجزئ من الحلق :فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجزئ حلق ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم حلق جميع رأسه » فكان تفسيرا لمطلق بعض الرّأس « ،ل ّ المر بالحلق .فوجب الرّجوع إليه . ن من حلق أقلّ من ربع الرّأس لم يجزه ،وإن حلق ربع الرّأس أجزأه ويكره. ويرى الحنفيّة أ ّ ن ربع الرّأس يقوم مقام كلّه في القرب المتعلّقة بالرّأس كمسح ربع الرّأس في أمّا الجواز فل ّ باب الوضوء .وأمّا الكراهة فلنّ المسنون هو حلق جميع الرّأس وترك المسنون مكروه . وقال الشّافعيّة :أقلّ ما يجزئ ثلث شعرات حلقا أو تقصيرا من شعر الرّأس . وقال النّوويّ :فتجزئ الثّلث بل خلف عندنا ول يجزئ أقلّ منها . وحكى إمام الحرمين ومن تابعه وجها أنّه يجزئ شعرة واحدة .قال النّوويّ وهو غلط .
المفاضلة بين الحلق والتّقصير للتّحلّل :
- 10قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أنّ التّقصير يجزئ في حقّ من لم يوجد منه معنًى يقتضي وجوب الحلق عليه .كما أجمعوا على أنّ الحلق أفضل من التّقصير في حقّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :اللّهمّ ارحم المحلّقين .قالوا :والمقصّرين يا الرّجل ،ل ّ رسول اللّه .قال :اللّهمّ ارحم المحلّقين .قالوا :والمقصّرين يا رسول اللّه .قال :اللّهمّ ارحم المحلّقين والمقصّرين » .فقد دعا النّبيّ صلى ال عليه وسلم للمحلّقين ثلثا وللمقصّرين ن الحلق أكمل في قضاء التّفث ، مرّةً ،ولنّ ذكر المحلّقين في القرآن قبل المقصّرين ،ول ّ وفي التّقصير بعض تقصير فأشبه الغتسال مع الوضوء . ن التّقصير كما تقدّم . ن الحلق بالجماع وإنّما عليه ّ وأمّا النّساء فليس عليه ّ
هذا وللتّفصيل في آداب الحلق للتّحلّل وزمانه ومكانه ،وحكم تأخيره عن زمانه ومكانه ، ج من كتب الفقه ومصطلحات ( إحرام ،إحصار ،تحلّل ،وتحليق ) . تنظر أبواب الح ّ
حلق العانة والبط : - 11ل خلف بين الفقهاء في أنّه يستحبّ حلق العانة بالنّسبة للرّجل ،لنّه من الفطرة ،كما جاء في الحديث « :الفطرة خمس » ،وذكر منها الستحداد وهو حلق العانة . وأمّا المرأة فيستحبّ لها النّتف عند الجمهور .وتفصيل ذلك في مصطلح ( استحداد ) . وأمّا حلق شعر البط فجائز لمن شقّ عليه النّتف ،والفضل فيه النّتف .
حلق شعر سائر الجسد :
- 12يرى جمهور الفقهاء أنّه لو نبتت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة كان لها إزالتها بالحلق .وذهب المالكيّة إلى أنّه يجب عليها إزالتها . وقال ابن جرير :ل يجوز للمرأة حلق لحيتها ول عنفقتها ول شاربها ،ول تغيير شيء من خلقتها بزيادة ول نقص منه ،قصدت به التّزيّن لزوج أو غيره ،لنّها في جميع ذلك مغيّرة خلق اللّه ومتعدّية على ما نهى عنه . وأمّا حلق شعر سائر الجسد كشعر اليدين والرّجلين فقد صرّح المالكيّة بوجوبه في حقّ النّساء وقالوا :يجب عليها إزالة ما في إزالته جمال لها ولو شعر اللّحية إن نبتت لها لحية ،ويجب ن إبقاء ما في إبقائه جمال لها فيحرم عليها حلق شعرها . عليه ّ وأمّا حلق شعر الجسد في حقّ الرّجال فمباح عند المالكيّة ،وقيل :سنّة ،والمراد بالجسد ما عدا الرّأس . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يحلق الرّجل شعر حلقه ،وعن أبي يوسف ل بأس بذلك .وفي حلق شعر الصّدر والظّهر ترك الدب . ص للشّافعيّة والحنابلة في المسألة . ولم يستدلّ على ن ّ هذا وللفقهاء خلف وتفصيل في حلق شعر الحاجبين ينظر في ( تنمّص ) .
حلق شعر الكافر إذا أسلم : - 13ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الكافر إذا أسلم يسنّ حلق رأسه ،لما روي « عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال له :ألق عنك شعر الكفر » .قال الرّمليّ :وظاهر إطلقهم أي الشّافعيّة عدم الفرق هنا في استحباب الحلق بين الذّكر وغيره وهو محتمل . سنّة للمرأة والخنثى التّقصير كما في التّحلّل في الحجّ . ل ندبه الذّكر ،وأنّ ال ّ ويحتمل أنّ مح ّ ي العرب -أي وقيّد المالكيّة المر بحلق شعر من أسلم بما إذا كان شعره على غير ز ّ
المسلمين -كالقزعة وشبهها ،لما روي في سنن أبي داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جدّه أنّه « جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :قد أسلمت ،فقال له النّبيّ صلى ال ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم :ألق عنك شعر الكفر » يقول :احلق قال :وأخبرني آخر أ ّ عليه وسلم قال لخر معه « :ألق عنك شعر الكفر واختتن » . وقوله صلى ال عليه وسلم « شعر الكفر » أي الشّعر الّذي من زيّ الكفر . وقد كانت العرب تدخل في دين اللّه أفواجا ،ولم يروا في ذلك أنّهم كانوا يحلقون . واستحبّ مالك أن يحلق على عموم الحوال . واشترط الحنابلة في حلق الرّأس أن يكون رجلً ،وأطلقوا في حلق العانة والبطين .
حلق شعر الميّت : - 14ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم حلق شعر رأس الميّت ،لنّ ذلك إنّما يكون لزينة أو نسك ،والميّت ل نسك عليه ول يزيّن . وكذلك يحرم حلق عانته لما فيه من لمس عورته ،وربّما احتاج إلى نظرها وهو محرّم ،فل يرتكب من أجل مندوب أي في حال الحياة . ويرى المالكيّة أنّه يكره حلق شعر الميّت الّذي ل يحرم على الحيّ حلقه وإلّ حرم حلقه من ميّت . وصرّح الشّافعيّة بأنّه ل يحلق شعر رأس الميّت ،وقيل إن كان له عادة بحلقه ففيه الخلف ، ح والمختار ،لنّه لم ينقل عن النّبيّ وكذلك ل يحلق شعر عانته وإبطيه في القديم وهو الص ّ صلى ال عليه وسلم والصّحابة رضي ال عنهم فيه شيء معتمد ،وأجزاء الميّت محترمة ، ل كراهة إزالة شعره ما لم تدع حاجة إليه ،وإلّ كأن لبّد شعر رأسه فل تنتهك بذلك .ثمّ مح ّ أو لحيته بصبغ أو نحوه ،أو كان به قروح وجمد دمها ،بحيث ل يصل الماء إلى أصوله إلّ بإزالته وجب كما صرّح به الذرعيّ .
أحكام الحلق " بمعنى مساغ الطّعام والشّراب " :
- 15يتعلّق بالحلق أحكام كذهاب بعض حروف الحلق لجناية ووصول اللّبن إلى جوف الرّضيع من الحلق ،ووصول شيء لحلق الصّائم من عين أو أذن ووصول غير متحلّل للحلق في الصّيام ،وغير ذلك من الحكام ينظر تفصيلها في مواطنها ،وفي مصطلح ( بلعوم ) .
حلّ * التّعريف :
ل ما عدا الحرم ،والحلّ أيضا ل لغ ًة وصف ،أو تسمية بالمصدر من قولك :الح ّ - 1الح ّ الرّجل الحلل الّذي خرج من إحرامه ،والحلّ مقابل الحرام .وورد أنّ عبد المطّلب لمّا حفر زمزم قال :ل أحلّها لمغتسل وهي لشارب حلّ وبلّ ،وروي من كلم العبّاس وابن عبّاس أيضا :ومعنى بل :مباح في لغة حمير .ول يخرج معناه الصطلحيّ عن ذلك .
الحكم الجماليّ : أ -الح ّل ضدّ الحرمة : - 2الح ّل بمعنى الحلل ،وهو ما أطلق الشّرع فعله ،وكلّ شيء ل يعاقب عليه باستعماله . ل ،وقد اشتهر قول الصوليّين الصل في الشياء الباحة ،وهذا قبل ورود والصل هو الح ّ الشّرع ،أمّا بعد وروده فالحلل ما أحلّه الشّرع ،والحرام ما حرّمه الشّرع ،وما سكت عنه الشّرع فهو عفو ،وانظر مصطلح ( حلل ) . ل المقابل للحرم الم ّكيّ : ب -الح ّ ل صيده ول يقطع - 3هو ما وراء أعلم الحرم ،فما كان دون العلم فهو حرم ل يح ّ ل يحلّ صيده إذا لم يكن صائده محرما . شجره وما كان وراء المنار ( العلم ) فهو من الح ّ فكلّ الدّنيا حلّ ما عدا الحرم . وأعلم الحرم وتسمّى أيضا المنار هي الّتي ضربها إبراهيم الخليل على نبيّنا وعليه الصّلة والسّلم على أقطار الحرم ونواحيه وبها تعرف حدود الحرم من الحلّ ( .ر :أعلم الحرم ). ل للحرام بالعمرة : ج -أفضل بقاع الح ّ - 4من كان في الحرم من م ّكيّ وغيره وأراد العمرة خرج إلى الحلّ فيحرم من أدناه ، وإحرامه من التّنعيم أفضل « ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر عبد الرّحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التّنعيم » . وقال ابن سيرين « :وقّت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لهل مكّة التّنعيم » ،وإنّما لزم ل ليجمع في النّسك بين الحلّ والحرم ،ولذلك ل يجب على الم ّكيّ والمتمتّع الحرام من الح ّ ل. الخروج إلى الحلّ لجل الحرام بالحجّ ،لنّه سيذهب إلى عرفة ،وهي من الح ّ واختلف الفقهاء في أفضل البقاع للحلّ على قولين ،فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى تفضيل التّنعيم ،وهو الموضع الّذي عنده المسجد المعروف الن بمسجد عائشة بينه وبين مكّة فرسخ ن على يمينه جبلً يقال له نعيم ،وعلى شماله حبلًا ،فهو أقرب الحلّ إلى مكّة ،سمّي بذلك ل ّ يقال له ناعم ،والوادي نعمان . ثمّ الجعرانة بكسر الجيم وإسكان العين -وقد تكسر العين وتشدّد الرّاء . -
وقال الشّافعيّ :التّشديد خطأ .وهي موضع بين مكّة والطّائف . ثمّ الحديبية ( مصغّرة وقد تشدّد ) ،وهي بئر قرب مكّة ،بين مكّة وجدّة ،حدث عندها صلح الحديبية المشهور . وذهب المالكيّة والشّافعيّة ،إلى تفضيل الجعرانة ،ثمّ التّنعيم ،ثمّ الحديبية « لعتماره صلى ال عليه وسلم منها في ذي القعدة عام الفتح حين قسم غنائم حنين » . وأصل الخلف في التّفضيل كما وضّحه ابن عابدين بقوله :التّنعيم موضع قريب من مكّة ل ،الحرام منه للعمرة أفضل من الحرام لها عند مسجد عائشة وهو أقرب موضع من الح ّ ل عندنا ،وإن كان صلى ال عليه وسلم لم يحرم منها « لمره من الجعرانة وغيرها من الح ّ عليه الصلة والسلم عبد الرّحمن بأن يذهب بأخته عائشة إلى التّنعيم لتحرم منه » والدّليل ي مقدّم عندنا على الفعليّ . القول ّ قال ابن حجر :ولكن ل يلزم من ذلك -أي إذنه لعائشة بالعتمار من التّنعيم -تعيّن التّنعيم للفضل لما دلّ عليه حديث إبراهيم عن السود قال « :قالت عائشة رضي ال عنها :يا رسول اللّه يصدر النّاس بنسكين وأصدر بنسك فقيل لها :انتظري :فإذا طهرت فاخرجي إلى التّنعيم فأهلّي ،ثمّ ائتينا بمكان كذا ،ولكنّها على قدر نفقتك أو نصبك » . ن الفضل في زيادة التّعب والنّفقة ،وإنّما يكون التّنعيم أفضل من جهة أخرى تساويه إلى أي أ ّ الحلّ ل من جهة أبعد منه ،واللّه أعلم . د -الحكام المتعلّقة بالحلّ : ج والعمرة ففيه المواقيت المكانيّة للحرام ،والّتي جاء ذكرها في ل أحكام تتعلّق بالح ّ - 5للح ّ حديث ابن عبّاس ( .ر :إحرام -ف ) 55/والصل في صيد البرّ الحلّ ،فحرم صيد الحرم ،لقوله صلى ال عليه وسلم في مكّة « :ل ينفّر صيدها » وبالجماع ،فبقي ما عداه على الصل .ثمّ هل العبرة بمكان الصّيد أم بمكان الصّائد ؟ خلف ،الجمهور على أنّ العبرة بمكان الصّيد ،إلّ ما روي عن المام أحمد أنّ العبرة بمكان الصّائد ( .ر :مصطلح حرم ) . هس -الحلّ المقابل لحرم المدينة : ل أو حرم كمكّة يحرم فيه ما يحرم في حرم مكّة . - 6اختلف الفقهاء في المدينة هل هي ح ّ فذهب الجمهور من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى تحريم صيدها لقوله صلى ال عليه وسلم في حديث أبي هريرة « :ما بين لبتيها حرام » وقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ إبراهيم حرّم مكّة ،وإنّي حرّمت المدينة ما بين لبتيها ل يقطع عضاهها ،ول يصاد صيدها » . وحديث عليّ مرفوعا « :المدينة حرم ما بين عير إلى ثور » .
ول جزاء على من صاد فيها بل يستغفر اللّه .ول يضمن القيمة . ي في الجديد والرّواية المعتمدة عن أحمد ،وقال الشّافعيّ في القديم وهذا مذهب مالك والشّافع ّ وابن المنذر وهو رواية أخرى عن أحمد :يجب فيه الجزاء ،وجزاؤه إباحة سلب الصّائد وعاضد الشّجر لمن أخذه .لحديث سعد رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه » . وعند الحنفيّة ل حرم للمدينة فل يحرم فيها الصّيد ول قطع الشّجر لحديث « :يا أبا عمير ما فعل النّغير » وقالوا :لو حرم لما جاز صيده .وعلى مذهب الجمهور ينتهي حرم المدينة المنوّرة ،ويبدأ الحلّ من خارج الحدود الّتي حدّها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والّتي هي جبل عير وثور ،أو اللّابتان ،كما في الحديثين المتقدّمين ،وانظر ( المدينة المنوّرة ) . و -أشهر الحلّ : - 7الشهر الحرم أربعة وهي ذو القعدة وذو الحجّة ،والمحرّم ،ورجب مضر ،لقوله عزّ لرْضَ سمَاوَات وَا َ شهْرًا فِي ِكتَابِ الّلهِ َي ْومَ خََلقَ ال ّ شرَ َ عَ شهُورِ عِندَ الّلهِ ا ْثنَا َ عدّةَ ال ّ ل ِ { :إنّ ِ وج ّ ن كَآفّ ًة َكمَا يُقَاتِلُو َن ُكمْ س ُكمْ َوقَاتِلُو ْا ا ْل ُمشْ ِركِي َ ح ُرمٌ ذَِلكَ الدّينُ ا ْل َق ّيمُ فَلَ َتظْلِمُو ْا فِيهِنّ أَن ُف َ ِم ْنهَا َأ ْربَعَ ٌة ُ ن اللّ َه مَعَ ا ْل ُمتّقِينَ } . كَآفّةً وَاعَْلمُو ْا أَ ّ وعن أبي بكرة رضي ال عنه قال « :خطبنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوم النّحر ن الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والرض ،السّنة اثنا عشر بمنًى فقال :إ ّ شهرًا منها أربعة حرم ثلث متواليات ذو القعدة ،وذو الحجّة ،والمحرّم ،ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان » .وعليه فالثّمانية الشهر الباقية هي ما يطلق عليها أشهر الحلّ . وقد كان القتال محرّما في الشهر الحرم مباحا في أشهر الحلّ في الجاهليّة واستمرّ في صدر السلم ،وقد أحدث الجاهليّون فيها النّسيء وهو إبدال موضع شهر حرام مكان آخر حلل ، ن كَ َفرُو ْا ُيحِلّونَهُ وقد أبطله السلم بقوله تعالى ِ { :إ ّنمَا ال ّنسِيءُ ِزيَادَةٌ فِي ا ْلكُ ْفرِ ُيضَلّ ِبهِ اّلذِي َ عَامًا َو ُيحَ ّرمُو َنهُ عَاما } ( ر :مصطلح :إحرام .نسيء .الشهر الحرم ) . ز -الحلّ مقابل الحرام : ل بفعل النسان ما يخرج به من الحرام فيحلّ له ما كان محظورا على - 8يكون الح ّ ج أو العمرة ( .ر :مصطلح تحلّل ) . المحرم بالح ّ
حلم * ر :رؤيا .
حلوان * التّعريف : - 1الحلوان بضمّ الحاء وسكون اللّام مثل غفران :العطاء ،وهو اسم من حلوته أحلوه ومنه حلوان الكاهن .والحلوان أيضا أن يأخذ الرّجل من مهر ابنته شيئا ،وحلوان المرأة مهرها . ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ،ومهر البغيّ وحلوان وورد « أ ّ الكاهن » . وقال شرّاح الحديث :إنّ المراد بحلوان الكاهن ما يعطاه من الجر على كهانته . أ -الجعل :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الجعل هو المال الملتزم في مقابلة عمل ل على وجه الجارة . ص من الحلوان . ن الجعل أخ ّ فالفرق بينهما أ ّ ب -الحباء : - 3الحباء بكسر الحاء مصدر حبا يحبو ومعناه في اللّغة :العطيّة والعطاء بغير عوض . والفقهاء يقصدون به :أخذ الرّجل من مهر ابنته لنفسه . والصّلة بين الحلوان بمعناه العامّ ،وبين الحباء بمعناه عند الفقهاء ،صلة العموم والخصوص . ج -الرّشوة : - 4الرّشوة بكسر الرّاء -والضّمّ فيها لغة -وسكون الشّين :مصدر رشا يرشو .وهي لغةً العطاء .وفي الصطلح :ما يعطيه الشّخص لخر ليحكم له ،أو يحمله على ما يريد .
الحكم الجماليّ : - 1الحلوان الّذي يعطى للكاهن حرام فقد نقل النّوويّ عن البغويّ والقاضي عياض إجماع المسلمين على تحريمه لحديث « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغيّ وحلوان الكاهن » .ولنّه عوض عن محرّم ،ولنّه أكل المال بالباطل . - 2والحُلوان بمعنى الحباء ،وهو أخذ الرّجل من مهر ابنته ،لنفسه ،اختلف الفقهاء في حكمه ،وفي حكم من اشترط عليه في الصّداق حباءً يحابى به الب على ثلثة أقوال :فقال أبو حنيفة وأصحابه ( وهو مذهب الحنابلة ) :الشّرط لزم والصّداق صحيح . وقال مالك :إذا كان الشّرط عند النّكاح فهو لبنته ،وإن كان بعد النّكاح فهو له ،وسبب اختلفهم تشبيه النّكاح في ذلك بالبيع . وقال الشّافعيّ :المهر فاسد ،ولها صداق المثل .
- 3وأمّا الحلوان بمعنى المهر ،فتراجع أحكامه في مصطلح ( مهر ) .
حلول * ر :أجل .
حليف *
ر :حلف .
حليّ * التّعريف : 1
-الحل يّ لغةً :جمع الحلي وهو ما يتزيّن به من مصوغ المعدنيّات أو الحجار الكريمة .
ي أي تزيّن . وحليت المرأة حليا لبست الحليّ ،فهي حال وحالية .وتحلّى بالحل ّ ول يخرج المعنى الصطلحيّ عند الفقهاء عن المعنى اللّغويّ . الزّينة :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الزّينة اسم جامع لكلّ ما يتزيّن به . ي أيضا. والزّينة أعمّ من الحليّ لنّها تكون بغير الحل ّ
الحكام المتعلّقة بالحليّ : أوّلً :حلية الذّهب :
أ -حلية الذّهب للرّجال : - 3يحرم على الرّجل اتّخاذ حليّ الذّهب بجميع أشكالها .وذلك لعموم قوله صلى ال عليه ل الذّهب والحرير لناث أمّتي وحرم على ذكورها » . وسلم « :أح ّ ويستثنى من التّحريم حالتان : ن من الذّهب الحالة الولى :اتّخاذه للحاجة .ذهب الجمهور إلى جواز اتّخاذ أنف أو س ّ للحاجة إليه .لحديث « عرفجة بن أسعد الّذي قلع أنفه يوم الكلب ،فاتّخذ أنفا من ورق فأنتن عليه ،فأمره النّبيّ صلى ال عليه وسلم فاتّخذ أنفًا من ذهب » . ن أو شدّه بالذّ هب للرّجال وذ هب أ بو حني فة و هو قول ل بي يو سف إلى عدم جواز اتّخاذ ال سّ ّ ن النّصّ ورد في النف دون غيره ولضرورة النّتن بالفضّة . دون الفضّة ،ل ّ
الحالة الثّانية :تحلية آلت القتال بالذّهب .ذهب الشّافعيّة والحنفيّة إلى عدم جواز تحلية آلت القتال بالذّ هب ،ل نّ ال صل أ نّ التّحلّي بالذّ هب حرام على الرّجال إلّ ما خ صّه الدّل يل ولم ن فيه زيادة إسراف وخيلء . يثبت ما يدلّ على الجواز .ول ّ وذهسب المالكيّة والحنابلة :إلى جواز تحليسة السسّيف بالذّهسب سسواء مسا اتّصسل بسه كالقبيعسة والمقبسض ،أو مسا انفصسل عنسه كالغمسد ،وقصسر الحنابلة الجواز على القبيعسة لنّس عمسر - رضي ال عنه -كان له سيف فيه سبائك من ذهب ،وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب « .وكانت قبيعة سيف النّبيّ صلى ال عليه وسلم من فضّة » .
ب -حلية الفضّة للرّجال : - 5اتّفق الفقهاء من حيث الجملة على جواز لبس الرّجل خاتما من فضّة ،وعلى جواز اتّخاذ سنّ أو أنف من فضّة ،وعلى جواز تحلية آلت الحرب بالفضّة . وللمذاهب تفصيل في ذلك ينظر في مصطلح ( تختّم من الموسوعة ،ج . ) 11/ وقيّد المالكيّة الخاتم بأن ل يزيد على درهمين شرعيّين . وقيّده الشّافعيّة والحنابلة بأن ل يبلغ به حدّ السراف فل يتجاوز به عاد ًة أمثال اللّابس . وللحنابلة ثلثة أقوال في تحلّي الرّجال بالفضّة فيما عدا الخاتم وحلية السّلح أحدها :الحرمة .والثّاني :الكراهة ،والثّالث ما قاله صاحب الفروع :ل أعرف على تحريم لبس الفضّة نصّا عن أحمد وكلم شيخنا ( يعني ابن تيميّة ) يدلّ على إباحة لبسها للرّجال إلّ ما دلّ الشّرع على تحريمه ،أي ممّا فيه تشبّه أو إسراف أو ما كان على شكل صليب ونحوه . ل على إباحة ما هو في معناه ،وما هو أولى واستدلّوا لذلك بالقياس على خاتم الفضّة فإنّه يد ّ منه ،والتّحريم يفتقر إلى دليل والصل عدمه . وذهب المالكيّة إلى تحريم حليّ الفضّة للرّجال عدا الخاتم وحلية السّيف والمصحف ولم نجد للحنفيّة تصريحا في هذه المسألة . وذهب الحنفيّة وهو المرجّح عند الحنابلة إلى إباحة يسير الذّهب في خاتم الفضّة للرّجال شريطة أن يقلّ الذّهب عن الفضّة وأن يكون تابعا للفضّة ،وذلك كالمسمار يجعل في حجر ص .والمعتمد عند المالكيّة أنّه يكره . الف ّ أمّا فيما عدا خاتم الفضّة من الحليّ للرّجال كالدّملج ،والسّوار ،والطّوق ،والتّاج ،فللشّافعيّة فيه وجهان :الوّل التّحريم ،والثّاني الجواز ما لم يتشبّه بالنّساء .لنّه لم يثبت في الفضّة إلّ تحريم الواني ،وتحريم الحليّ على وجه يتضمّن التّشبّه بالنّساء . واتّفق الفقهاء على جواز اتّخاذ أنف أو سنّ من فضّة .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جواز تحلية آلت الحرب بالفضّة عدا السّرج واللّجام والثّغر للدّابّة فهو حرام ،لنّه حلية للدّابّة ل للرّجل . واستدلّوا بالحديث السّابق ،وقصر الحنفيّة والمالكيّة الجواز على حلية السّيف فقط .
حلية الذّهب والفضّة للنّساء : - 6أجمع الفقهاء على جواز اتّخاذ المرأة أنواع حليّ الذّهب والفضّة جميعًا كالطّوق ،والعقد ،والخاتم ،والسّوار ،والخلخال ،والتّعاويذ ،والدّملج ،والقلئد ،والمخانق ،وكلّ ما يتّخذ في العنق ،وكلّ ما يعتدن لبسه ولم يبلغ حدّ السراف أو التّشبّه بالرّجال . وفي لبس المرأة نعال الذّهب والفضّة وجهان للشّافعيّة :أحدهما التّحريم وهو مذهب الحنابلة لما فيه من السّرف الظّاهر ،وأصحّهما الباحة كسائر الملبوسات . وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز تحلية المرأة آلت الحرب بالذّهب أو بالفضّة لما فيه من التّشبّه بالرّجال .وجاء في الحديث الصّحيح عن ابن عبّاس قال « :لعن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم المتشبّهين من الرّجال بالنّساء ،والمتشبّهات من النّساء بالرّجال » .وخالف في هذا الشّاشيّ والرّافعيّ من الشّافعيّة فقال :بجواز التّحلية بناءً على ن التّحلية للنّساء جواز لبس آلة الحرب واستعمالها للنّساء غير محلّاة فتجوز مع التّحلية ،ل ّ ص للحنفيّة في هذه المسألة . أولى بالجواز من الرّجال .ولم نقف على ن ّ
حكم المموّه بذهب أو فضّة :
ح إلى جواز استعمال الرّجل ما موّه بذهب أو - 7ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الص ّ فضّة ممّا يجوز له استعماله من الحليّ كالخاتم ،إذا لم يخلص منه شيء بالذابة والعرض ن الذّهب والفضّة على هذه الصّفة مستهلك فصار كالعدم وهو تابع للمموّه . على النّار ،ل ّ وذهب الحنابلة وهو مقابل الصحّ عند الشّافعيّة إلى عدم جواز استعمال الواني المموّهة بذهب أو فضّة وإلى حرمة التّمويه بهما . ويجوز عند الحنابلة تمويه غير الواني بالذّهب أو الفضّة بحيث يتغيّر اللّون ول يحصل من الذّهب أو الفضّة شيء إن عرض على النّار .
الحليّ من غير الذّهب والفضّة : - 8اتّفق الفقهاء على جواز تحلّي المرأة بأنواع الجواهر النّفيسة كالياقوت والعقيق واللّؤلؤ. كما ذهب الئمّة الثّلثة إلى جوازه للرّجال . وكرهه الشّافعيّة وبعض الحنابلة من جهة الدب ،لنّه من زيّ النّساء أو من جهة السّرف . واختلف الحنفيّة في حكم تحلّي الرّجل بالحجار الكريمة . واختار شمس الئمّة وقاضي خان من الحنفيّة الح ّل قياسًا على العقيق .
واتّفق الفقهاء على كراهة خاتم الحديد والصّفر والشّبه " وهو ضرب من النّحاس " والقصدير للرّجل والمرأة .وورد النّهي عن ذلك في حديث بريدة رضي ال عنه قال « :إنّ رجلً جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وعليه خاتم من شبه ،فقال له :ما لي أجد منك ريح الصنام ؟ فطرحه ثمّ جاء وعليه خاتم من حديد فقال :ما لي أرى عليك حلية أهل النّار . فطرحه ،فقال :يا رسول اللّه ،من أيّ شيء أتّخذه ؟ قال :اتّخذه من ورق ول تتمّه مثقالً » .واختار النّوويّ في المجموع عدم الكراهة مستدلّا بأنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قال للّذي خطب الواهبة نفسها « اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد » ولو كان مكروهًا لم يأذن فيه .كما استدلّ بحديث معيقيب رضي ال عنه وكان على خاتم النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال : « كان خاتم النّبيّ صلى ال عليه وسلم من حديد ملويّ عليه فضّة » . ثمّ قال النّوويّ " :والمختار أنّه ل يكره لهذين الحديثين " .
زكاة الحليّ : - 9اتّفق الفقهاء على وجوب الزّكاة في الحلي المستعمل استعمالً محرّما ،كأن يتّخذ الرّجل حلي الذّهب للستعمال ،لنّه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وهو صياغته صياغ ًة محرّمةً ،وبقي على حكم الصل من وجوب الزّكاة فيه . كما اتّفقوا على وجوبها في الحلي المكنوز المقتنى الّذي لم يقصد به مقتنيه استعمالً محرما ول مكروها ول مباحا ،لنّه مرصد للنّماء فصار كغير المصوغ ،ول يخرج عن التّنمية إلّ بالصّياغة المباحة ونيّة اللّبس . واختلفوا في الحلي المستعمل استعمالً مباحا كحلي الذّهب للمرأة وخاتم الفضّة للرّجل . فذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّ في القديم وأحد القولين في الجديد وهو المفتى به في المذهب إلى عدم وجوب الزّكاة في الحلي المباح المستعمل . وروي هذا القول عن ابن عمر وجابر وعائشة وابن عبّاس وأنس بن مالك وأسماء -رضي ال عنهم -والقاسم والشّعبيّ وقتادة ومحمّد بن عليّ وعمرة وأبي عبيد وإسحاق وأبي ثور. واستدلّوا بما ورد من آثار عن عائشة وابن عمر وأسماء وجابر رضي ال عنهم ،فقد روي ن الحليّ فل تخرج منه عن عائشة رضي ال عنها أنّها كانت تلي بنات أخيها في حجرها له ّ الزّكاة .وروي عن ابن عمر رضي ال عنهما أنّه كان يحلّي بناته وجواريه الذّهب ثمّ ل يخرج من حليّهنّ الزّكاة .وروي عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما أنّها كانت تحلّي ن رجلً سأل جابرا رضي ال عنه ثيابها الذّهب ،ول تزكّيه نحوًا من خمسين ألفا .وروي أ ّ عن الحلي أفيه زكاة ؟ فقال جابر ل ،فقال :وإن كان يبلغ ألف دينار فقال جابر كثير .
والمأثور عن عائشة رضي ال عنها يخالف ما روته عن الرّسول صلى ال عليه وسلم فيحمل على أنّها لم تخالفه إلّ فيما علمته منسوخا ،فإنّها زوجه وأعلم النّاس به ،وكذلك ابن عمر فإنّ أخته حفصة كانت زوج النّبيّ صلى ال عليه وسلم وحكم حليّها ل يخفى عليه ول يخفى عنها حكمه فيه .كما استدلّوا بقياس الحلي المباح على ثياب البدن والثاث وعوامل البقر في أنّها مرصدة في استعمال مباح فسقط وجوب الزّكاة فيها . وذهب الحنفيّة والشّافعيّ في القول الخر في الجديد إلى وجوب الزّكاة في الحلي المباح المستعمل ،وهو مرويّ عن عمر بن الخطّاب وابن عمر ،وابن عبّاس ،وعبد اللّه بن عمرو بن العاص ،وأبي موسى الشعريّ ،وسعيد بن جبير وعطاء ،وطاوس ،وابن مهران ومجاهد ،وجابر بن زيد ،وعمر بن عبد العزيز ،والزّهريّ ،وابن حبيب . ن امرأةً أتت النّبيّ صلى ال عليه وسلم ومعها ابنة لها واستدلّوا بحديث عبد اللّه بن عمرو « أ ّ وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها :أتعطين زكاة هذا ؟ قالت :ل .قال : أيسرّك أن يسوّرك اللّه بهما سوارين من نار ؟ قال :فخلعتهما فألقتهما إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وقالت :هما للّه ورسوله » . كما استدلّوا بحديث عائشة رضي ال عنها قالت « دخل عليّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق ،فقال :ما هذا يا عائشة ،فقلت :صنعتهنّ أتزيّن لك يا ن ؟ قلت :ل ،أو ما شاء اللّه قال :هذا حسبك من النّار » رسول اللّه .قال :أتؤتين زكاته ّ .والحلي مال نام ودليل النّماء العداد للتّجارة خلقةً .
حكم انكسار الحلي : - 10فصّل القائلون بعدم وجوب الزّكاة في الحلي ما إذا انكسر الحلي ،فله حينئذ أحوال : الوّل :أن ل يمنع النكسار استعماله ولبسه فل أثر للنكسار ول زكاة فيه . وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة .وقيّده الحنابلة بأن ل ينوي ترك لبسه . الثّاني :أن يمنع النكسار استعماله فيحتاج إلى سبك وصوغ . فتجب زكاته ،وأوّل الحول وقت النكسار ،وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة . الثّالث :أن يمنع النكسار الستعمال ولكن ل يحتاج إلى سبك وصوغ ويقبل الصلح باللحام وهذا على أحوال : أ -إن قصد جعله تبرًا أو دراهم ،أو كنزه وجبت زكاته وانعقد حوله من يوم النكسار . وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة . ب -أن يقصد إصلحه فل زكاة فيه وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ج -إن لم يقصد شيئا وجبت زكاته عند الشّافعيّة ول تجب عند المالكيّة .
ن النكسار إذا منع الستعمال مطلقًا فل زكاة في الحلي . والمذهب عند الحنابلة أ ّ إجارة الحلي : - 11ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جواز إجارة الحلي بأجرة من جنسه أو من غير جنسه . لنّه عين ينتفع بها منفع ًة مباحةً مقصودةً مع بقائها فجازت إجارتها كالراضي . وكره المالكيّة إجارة الحلي لنّه ليس من شأن النّاس ،والولى إعارته لنّها من المعروف . ولم نقف على رأي الحنفيّة في المسألة .
وقف الحلي : - 12ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى صحّة وقف الحلي لما روى نافع أنّ حفصة ابتاعت حليّا بعشرين ألفا حبسته على نساء آل الخطّاب فكانت ل تخرج زكاته . وظاهر مذهب المالكيّة الجواز بناءً على جواز وقف المملوك مطلقا :العقار والمقوّم والمثليّ والحيوان .ول يجوز وقف الحليّ عند الحنفيّة بنا ًء على أنّ الصل عندهم عدم جواز الوقف ن حكم الوقف الشّرعيّ التّأبيد ،ول يتأبّد غير العقار . في غير العقار ل ّ وللتّفصيل ينظر مصطلح ( وقف ) .
التّعريف :
حمى *
- 1الحمى في اللّغة :الموضع فيه كل يحمى من النّاس أن يرعى ،والشّيء المحميّ ، وحمى اللّه :محارمه ،وهو مصدر يراد به اسم المفعول ،ويثنّى فيقال حميان ،وسمع حموان .يقال :حميت المكان من النّاس حمىً وحميا مثل رميا ،وحميةً بالكسر وحمايةً ، أي جعلته ممنوعا من النّاس ل يقربونه ،ول يجترئون عليه . واصطلحا :موضع من الموات يحميه المام لمواشي مخصوصة . قال الشّافعيّ :وأصل الحمى أنّه كان الرّجل العزيز من العرب إذا استنجع بلدا مخصّبا أوفى بكلب على حبل إن كان ،أو على نشز إن لم يكن جبل ثمّ استعواه ،ووقف له من يسمع منتهى صوته ،فحيث بلغ صوته حماه من كلّ ناحية ،ويرعى مع العامّة فيما سواه ،ويمنع غيره من أن يشاركه في حماه .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -إحياء الموات : - 2إحياء الموات هو عمارة أرض لم يجر عليها ملك لحد ،ولم يوجد فيها أثر عمارة . ن كليهما تخصيص أرض لمصلحة معيّنة ،ويكون والعلقة بين الحمى وإحياء الموات أ ّ
الحمى تخصيص الرض للمصلحة العامّة ،في حين يحصل بالحياء اختصاص إنسان معيّن ،هو محيي الرض . ب -القطاع : - 3القطاع لغةً التّمليك .واصطلحًا :ما يعطيه المام من الراضي رقب ًة أو منفع ًة لمن ن الحمى يكون لمصلحة عامّة ،بخلف ينتفع به فهذا تمليك ،والحمى ليس فيه تمليك ،كما أ ّ القطاع ،فإنّه قد يكون لمصلحة خاصّة . ج -الرفاق : - 4الرفاق :منح المنفعة ،وجعل موضع ما مرفقا ( محلّا لخدمات النّاس ) كمقاعد السواق ،وأفنية الشّوارع ،وحريم المصار ،ومنازل السفار ( الستراحات ) . فالرفاق يكون في كلّ ما فيه نفع عام ،أمّا الحمى فهو في المراعي . د -الرصاد : - 5الرصاد لغةً :التّخصيص والعداد والتّهيئة . وفي الصطلح :تخصيص المام غلّة بعض أراضي بيت المال لبعض مصارفه . ن الرصاد تخصيص الغلّة ،أمّا الحمى فهو تخصيص العين والفرق بينه وبين الحمى ،أ ّ لمصلحة عامّة .
الحكم التّكليفيّ : ن فيه تضييقا على النّاس ،ومنعا لهم من النتفاع بشيء لهم - 6الصل في الحمى المنع ،ل ّ فيه حقّ مشاع ،لما رواه الصّعب بن جثّامة قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :ل حمى إلّ للّه ولرسوله » . وقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم «:المسلمون شركاء في ثلث :الماء والنّار والكل ». ولكن أباح جمهور الفقهاء للمام أن يحمي لخيل المجاهدين ،ونعم الجزية وإبل الصّدقة والماشية الضّعيفة ،وذلك بشروط معيّنة ،لما ورد « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حمى النّقيع لخيل المسلمين » .وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال « :حمى النّبيّ صلى ال عليه وسلم الرّبذة لبل الصّدقة » . وحمى عمر رضي ال عنه بعده -صلى ال عليه وسلم -الشّرف ،قيل :والرّبذة . وقد أورد البخاريّ في صحيحه حديث حمى عمر رضي ال عنه عن زيد بن أسلم عن أبيه « ن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه استعمل مولىً له يدعى هنيّا على الحمى ،فقال :يا هنيّ أّ اضمم جناحك عن المسلمين واتّق دعوة المسلمين ( وفي رواية :المظلوم ) ،فإنّ دعوة ب الصّريمة وربّ الغنيمة ،وإيّاي ونعم ابن عوف ،ونعم ابن المظلوم مستجابة ،وأدخل ر ّ
ب الغنيمة ن ربّ الصّريمة ور ّ عفّان ،فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ،وإ ّ إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه ،فيقول يا أمير المؤمنين ،يا أمير المؤمنين ،أفتاركهم أنا ل أبا لك ،فالماء والكل أيسر عليّ من الذّهب والورق .وايم اللّه ،إنّهم ليرون أنّي قد ظلمتهم ،إنّها لبلدهم ،فقاتلوا عليها في الجاهليّة ،وأسلموا عليها في السلم .والّذي نفسي بيده ،لول المال الّذي أحمل عليه في سبيل اللّه ما حميت عليهم من بلدهم شبرا » . وكذلك حمى عثمان رضي ال عنه .وذهب الشّافعيّة -في قول -إلى أنّ الحمى كان خاصّا بالرّسول صلى ال عليه وسلم وليس لغيره أن يحمي أخذا بظاهر قوله صلى ال عليه وسلم : « ل حمى إلّ للّه ولرسوله » .والظهر عندهم القول الوّل الموافق للجمهور .
شروط الحمى : - 7أ -أن تقع الحماية من المام أو نائبه ،ولنائب المام الحماية ،ولو لم يستأذن المام ، ن الحماية ليست من قبيل التّمليك أو القطاع ،فل تجري عليها أحكامهما ،وليس لحد لّ غير المام أو نائبه الحقّ في الحماية . ب -أن يكون الحمى لمصلحة المسلمين ،بأن يكون لخيل المجاهدين ونعم الجزية ،والبل ل النّاس الّتي يقوم المام بحفظها ، الّتي يحمل عليها في سبيل اللّه ،وإبل الزّكاة ،وضوا ّ وماشية ضعاف المسلمين .وخصّه الشّافعيّة للضّعفاء من المسلمين دون الغنياء . وقال الحطّاب من المالكيّة :والظّاهر أنّ هذا جار على مذهبنا .ول يجوز للمام أن يخصّ ن في تخصيص نفسه بالحمى تضييقا على النّاس وإضرارا بهم ،وليس له نفسه بالحمى ،ل ّ ص به أغنياء المسلمين ،أو إدخاله مواشيه ما حماه للمسلمين ،إن كان غنيّا ول يجوز أن يخ ّ أهل ال ّذمّة ،ويجوز أن يخصّ به فقراء المسلمين ،لما ورد في حديث عمر المتقدّم . ج -أن ل يكون الحمى ملكا لحد ،مثل بطون الودية والجبال والموات ،وإن كان ينتفع المسلمون بتلك المواضع ،فمنفعتهم في حماية المام أكثر . قال سحنون :الحمية إنّما تكون في بلد العراب العفاء ،الّتي ل عمارة فيها بغرس ول بناء ،وإنّما تكون الحمية فيها في الطراف ،حتّى ل تضيق على ساكن ،وكذلك الودية العفاء ،الّتي ل مساكن بها ،إلّ ما فضل عن منافع أهلها من المسارح والمرعى . ول يجوز حماية الماء العدّ -وهو الّذي له مادّة ل تنقطع -كماء عين أو بئر . د -أن يكون الحمى قليلً ،ل يضيّق على النّاس ،بل يكون فاضلً عن منافع أهل ذلك الموضع .
أخذ العوض ممّن ينتفع بالحمى :
- 8ل يجوز لحد من الولة أن يأخذ من أصحاب المواشي عوضا عن مراعي موات أو حمىً ،لقول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « المسلمون شركاء في ثلث الماء والنّار والكل » .
نصب أمين على الحمى : ب القوياء . - 9يندب للمام نصب أمين يدخل دوابّ الضّعفاء ويمنع دوا ّ
عقوبة التّعدّي على حمى المام :
- 10إذا خصّ المام الحمى بالضّعفاء ،ودخله أحد من أهل القوّة منع ،ول غرم عليه ول تعزير إن لم يبلغه نهي المام ،فإن كان قد بلغه النّهي ،وتعدّى بعد ذلك ورعى في الحمى ، فللمام أن يعزّره بالزّجر أو التّهديد ،فإن تكرّرت المخالفة فيعزّره بالضّرب
نقض الحمى : - 11حمى النّبيّ صلى ال عليه وسلم -كالمنصوص عليه -ل ينقض ول يغيّر ،ولو مع عدم بقاء الحاجة إليه ،ومن أحياه لم يملكه ،وقال الحطّاب :الظهر جواز نقضه ،إن لم يقم دليل على إرادة استمراره .أمّا إذا حمى إمام بعد النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ نقضه المام نفسه ،أو نقضه من يأتي بعده ،وفقا لمصالح المسلمين جاز له ذلك . قال الرّمليّ :ما حماه عليه الصلة والسلم ل ينقض بحال ول يغيّر بحال ،لنّه نصّ ، بخلف حمى غيره ،ولو الخلفاء الرّاشدين رضي ال عنهم . قال البهوتيّ :وليس هذا من نقض الجتهاد بالجتهاد ،بل عمل بكلّ من الجتهادين في محلّه ،كالحادثة إذا حكم فيها قاض بحكم ،ثمّ وقعت مرّةً أخرى ،وتغيّر اجتهاده ،كقضاء عمر في المشرّكة .
إحياء الحمى :
- 12إذا استق ّر حكم الحمى على أرض فأقدم عليها من أحياها مخلّا بحقّ الحمى ،روعي الحمى .فإن كانت ممّا حماه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان الحمى ثابتا ،والحياء باطلً ،والمتعرّض لحيائه مردود مزجور ،ل سيّما إذا كان سبب الحمى باقيا ،وإن كانت ممّا حماه الئمّة بعده ،ففي إقرار إحيائه قولن عند الشّافعيّة ،ووجهان عند الحنابلة . ن ملكيّتها بالحياء قد ورد فيها نصّ ،وهو قوله صلى ال عليه أحدهما :يملكها باعتبار أ ّ ص مقدّم على اجتهاد المام عندما حماها . وسلم « :من أحيا أرضا ميّتةً فهي له » والنّ ّ والثّاني :ل يملكها ،ول يقرّ عليها ،ويجري عليه حكم الحمى ،كالّذي حماه الرّسول صلى ال عليه وسلم لنّه حكم نفذ بحقّ .والوّل هو المعتمد عند الحنابلة .
حمالة * التّعريف : - 1الحمالة بفتح الحاء هي الدّية والغرامة الّتي يتحمّلها النسان عن غيره ،ويقال :حمال أيضا وجمعها حمالت وحمل . وفي الصطلح :ما يتحمّله النسان ،ويلتزمه في ذمّته بالستدانة ليدفعه في إصلح ذات البين ،مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدّماء ،ويتلف فيها نفس أو مال ،فيسعى إنسان في الصلح بينهم ،ويتحمّل الدّماء الّتي بينهم والموال . الكفالة :
اللفاظ ذات الصّلة :
ضمّ ،ومنه قوله تعالى { َوكَفَّلهَا َز َكرِيّا } أي ضمّها إليه - 2الكفالة في اللّغة :بمعنى ال ّ وألزمه كفالتها .وقوله صلى ال عليه وسلم « :أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا وأشار سبّابة والوسطى » أي الّذي يضمّه إليه في التّربية .ويسمّى النّصيب كفلً ،لنّ بأصبعيه ال ّ صاحبه يضمّه إليه .وأمّا في الصطلح فالكفالة عند الحنفيّة :ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة الصيل في المطالبة مطلقا أي :سواء كان بنفس أو بدين أو عين كالمغصوب ونحوه . فالكفيل والضّمين ،والقبيل ،والحميل ،والغريم بمعنًى واحد . ن الكفالة هي أن يلتزم الرّشيد بإحضار ويرى المالكيّة ،والشّافعيّة في المشهور ،والحنابلة أ ّ بدن من يلزم حضوره في مجلس الحكم . فالحنفيّة يطلقون الكفالة على كفالة المال والوجه ،والمالكيّة والشّافعيّة يقسمون الضّمان إلى ضمان المال وضمان الوجه . ويطلق الشّافعيّة الكفالة على ضمان العيان البدنيّة . وأمّا عند الحنابلة :فالضّمان يكون التزام حقّ في ذمّة شخص آخر ،والكفالة التزام بحضور بدنه إلى مجلس الحكم . الضّمان : - 3الضّمان في اللّغة :من ضمن المال وبه ضمانًا أي التزمه . وفي الصطلح :هو ضمّ ذمّة الضّامن إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ . والفرق بين الضّمان والحمالة ،هو أنّ الحمالة ضمان الدّية وغيرها لصلح ذات البين ، والضّمان يكون في ذلك وفي غيره ،فالضّمان أع ّم من الحمالة .
مشروعيّة الحمالة : ن الحمالة أمر مشروع ،وهي من مكارم الخلق . - 4ل خلف بين الفقهاء في أ ّ
وكانت العرب تعرف الحمالة ،فإذا وقعت بينهم فتنة اقتضت غرامةً في دية أو غيرها ،قام أحدهم فتبرّع بالتزام ذلك حتّى ترتفع تلك الفتنة الثّائرة . وكانوا إذا علموا أنّ أحدهم تحمّل حمال ًة بادروا إلى معونته ،وأعطوه ما تبرأ به ذمّته . وإذا سأل لذلك لم يعدّ نقصا في قدره ،بل فخرا .وسمّي قتادة بن أبي أوفى رضي ال عنه صاحب الحمالة ،لنّه تحمّل بحمالت كثيرة ،فسأل فيها وأدّاها . والصل في ذلك قوله تعالى { :فَاتّقُوا اللّهَ وَأصِْلحُوا ذَاتَ بَين ُكمْ } . وما روي عن قبيصة بن مخارق الهلليّ قال « :تحمّلت حمالةً فأتيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أسأله فيها .فقال :أقم حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها .قال :ثمّ قال يا قبيصة : ن المسألة ل تحلّ إلّ لحد ثلثة :رجل تحمّل حمال ًة فحلّت له المسألة حتّى يصيبها قواما إّ من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتّى يقوم ثلثة من ذوي الحجا من قومه :لقد أصابت فلنا فاقة فحلّت له المسألة ،حتّى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش فما سواهنّ من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا » .
أحكام الحمالة : أ -دفع الزّكاة للحميل :
- 5ذهب الفقهاء إلى جواز دفع الزّكاة للحميل إذا استدان لصلح ذات البين بسبب إتلف نفس ،أو مال ،أو نهب بشرط أن يكون فقيرا ،قال الحنابلة :ولو كان الصلح بين أهل ال ّذمّة .واختلفوا فيما إذا كان غنيّا : فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يعطى من سهم الغارمين وإن كان غنيّا ،وبهذا قال إسحاق ،وأبو ثور ،وأبو عبيد ،وابن المنذر . واستدلّوا بما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ل تحلّ ل لخمسة :لغاز في سبيل اللّه ،أو لعامل عليها ،أو لغارم ،أو لرجل الصّدقة لغنيّ إ ّ اشتراها بماله ،أو لرجل كان له جار مسكين فتصدّق على المسكين فأهداها المسكين للغنيّ» فيجوز للمتحمّل في صلح وبرّ إذا استدان مالًا لتسكين الثّائرة بين شخصين أو قبيلتين أن يقضي ذلك ممّا يأخذه من الزّكاة وإن كان غنيّا إذا كان يجحف بماله كالغريم . ن الحميل قد يلتزم بمثل ذلك المال الكثير ،وقد أتى معروفا عظيما ،وابتغى صلحا عامّا ول ّ ،فكان من المعروف حمله عنه من الزّكاة وتوفير ماله عليه ،لئلّ يجحف بمال المصلحين ، أو يوهن عزائمهم عن تسكين الفتن ،وكفّ المفاسد ،فيدفع إليه ما يؤدّي حمالته وإن كان غنيّا .وأمّا إن استدان الحمالة وأدّاها جاز له الخذ من الزّكاة ،لنّ الغرم باق ،والمطالبة قائمة ،فلم يخرج عن كونه مدينًا بسبب الحمالة .
وإن أدّى الحمالة من ماله لم يكن له أن يأخذ ،لنّه قد سقط الغرم ،فخرج عن كونه مدينا . ول تعتبر الغرامة لمصلحة نفسه حمالةً ،ول تأخذ حكمها ،لنّ الغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه ،فاعتبرت حاجته كالفقير والمسكين ،وأمّا الغارم في الحمالة فيأخذ لخماد الفتنة فجاز له الخذ مع الغنى كالغازي والعامل . ل له كسائر ويرى الحنفيّة أنّه ل تدفع الزّكاة إلّ لحميل فقير ،لنّ من تجب عليه الزّكاة ل تح ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال لمعاذ رضي ال عنه « : أصناف مصارف الزّكاة .ول ّ ن اللّه افترض عليهم صدق ًة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم » . وأعلمهم أ ّ
إباحة السّؤال لجل الحمالة : 6
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أ نّ من تحمّل بسبب إتلف نفس أو مال ،دي ًة أو مالً لتسكين
فتنة وقعت بين طائفتين يجوز له أن يسأل حتّى يؤدّي . واستدلّوا على ذلك بحديث قبيصة بن المخارق السّابق . ي صلى ال عليه وسلم قال « :إنّ المسألة ل تحلّ إلّ ن النّب ّ وبحديث أنس رضي ال عنه أ ّ لثلثة :لذي فقر مدقع ،أو لذي غرم مفظع ،أو لذي دم موجع » .
التّعريف :
حمد *
- 1الحمد لغةً :نقيض ال ّذمّ ،ومنه المحمدة خلف المذمّة . وهو الشّكر والرّضا والجزاء وقضاء الحقّ ،أو :الثّناء الكامل ،أو :الثّناء بالكلم أو باللّسان على جميل اختياريّ على جهة التّعظيم ،كان نعم ًة كالعطايا أو ل ،كالعبادات ،أو هو :الثّناء على المحمود بجمال صفاته وأفعاله . قال الجرجانيّ :الحمد هو الثّناء على الجميل من جهة التّعظيم من نعمة وغيرها وقسّمه - كما فعل أبو البقاء وغيره -خمسة أقسام . - 1الحمد اللّغويّ :وهو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم والتّبجيل باللّسان وحده . - 2الحمد العرفيّ :وهو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما ،وهو أع ّم من أنيكون فعل اللّسان أو الركان أو الجنان . ق بما أثنى به على نفسه على لسان - 3الحمد القوليّ :وهو حمد اللّسان وثناؤه على الح ّأنبيائه . - 4الحمد الفعليّ :وهو التيان بالعمال البدنيّة ابتغاء وجه اللّه تعالى . - 5الحمد الحاليّ :وهو الّذي يكون بحسب الرّوح والقلب ،كالتّصاف بالكمالت العلميّةوالعمليّة والتّخلّق بالخلق اللهيّة .
- 2والحمد على الطلق يكون للّه تعالى فهو سبحانه يستحقّ الحمد بأجمعه ،إذ له السماء ن كلّ إحسان هو الحسنى والصّفات العل ،ول يجوز الحمد على الطلق إلّ للّه تعالى ،ل ّ منه في الفعل أو التّسبّب . وحمد اللّه تعالى عبارة عن تعريفه وتوصيفه بنعوت جلله وصفات جماله وسمات كماله الجامع لها ،سواء كان بالحال أو بالمقال ،وهو معنًى يعمّ الثّناء بأسمائه فهي جليلة ،والشّكر على نعمائه فهي جزيلة ،والرّضا بأقضيته فهي حميدة ،والمدح بأفعاله فهي جميلة .والتّحميد :حمد اللّه تعالى مرّ ًة بعد مرّة ،أو كما قال الزهريّ :كثرة حمد اللّه سبحانه بالمحامد الحسنة ،والتّحميد أبلغ من الحمد . - 3والمقام المحمود الّذي ورد في حديث « :اللّهمّ آت محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا » هو المقام الّذي يحمده فيه جميع الخلق لشفاعته لتعجيل الحساب والراحة من طول الوقوف . ولواء الحمد الّذي ورد في حديث « :إنّي لوّل النّاس تنشقّ الرض عن جمجمتي يوم القيامة ول فخر ،وأعطى لواء الحمد ول فخر » المراد به انفراده صلى ال عليه وسلم بالحمد على رؤوس الخلق يوم القيامة وشهرته به ،والعرب تضع اللّواء في موضع الشّهرة ، وقال الطّيبيّ :ويحتمل أن يكون لحمده يوم القيامة لواء حقيق ًة يسمّى لواء الحمد . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ أو العرفيّ .
اللفاظ ذات الصّلة : الثّناء :
ص بعضهم به المدح ،وقال - 4هو ما يوصف به النسان من مدح أو ذمّ ،وخ ّ الفيروزآبادي :هو وصف بمدح أو ذمّ ،أو خاصّ بالمدح ،وقال أبو البقاء :هو الكلم الجميل ،وقيل :هو الذّكر بالخير ،وقيل .يستعمل في الخير والشّرّ على سبيل الحقيقة ، شرّ .وقيل :هو التيان بما يشعر وهو في عرف الجمهور حقيقة في الخير ومجاز في ال ّ التّعظيم مطلقًا ،سواء كان باللّسان أو بالجنان أو بالركان ،وسواء أكان في مقابلة شيء أم ل فيشمل الحمد والشّكر والمدح وهو المشهور بين الجمهور .
الشّكر : - 5هو في اللّغة :عرفان الحسان ونشره ،أو هو :العتراف بالنّعمة على جهة التّعظيم للمنعم ،أو هو :الثّناء على المحسن بما قدّم من المعروف ،أو هو :العتراف بالنّعمة وفعل ما يجب لها ،يقال :شكرت للّه أي اعترفت بنعمته وفعلت ما يجب من الطّاعة وترك
المعصية ،أو هو :مقابلة النّعمة بالقول والفعل وال ّنيّة ،فيثني على المنعم بلسانه ،وينيب نفسه في طاعته ،ويعتقد أنّه مولّيها .ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك . ن الشّكر أعمّ من واختلف في الصّلة بين الشّكر والحمد ،فقيل :إنّهما بمعنًى واحد ،وقيل :إ ّ الحمد ،لنّه باللّسان وبالجوارح وبالقلب ،والحمد إنّما يكون باللّسان خاصّ ًة ،وقيل :الحمد ن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، أعمّ .قال القرطبيّ :الصّحيح أ ّ والشّكر ثناء على المشكور بما أولى من الحسان ،وعلى هذا الحدّ قال علماؤنا :الحمد أعمّ من الشّكر .
المدح : - 6هو في اللّغة :الثّناء الحسن ،أو الثّناء على الممدوح بما فيه من الصّفات الجميلة خلقيّةً كانت أو اختياريّ ًة .وفي الصطلح :هو الثّناء باللّسان على الجميل الختياريّ قصدا .قال ن المدح يقال فيما يكون من النسان ص من المدح وأعمّ من الشّكر ،فإ ّ الرّاغب :والحمد أخ ّ باختياره ،وممّا يقال منه وفيه بالتّسخير فقد يمدح النسان بطول قامة وصباحة وجهه كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه .و الحمد يكون في الثّاني دون الوّل ،والشّكر ل يقال إلّ في مقابلة نعمة .فكلّ شكر حمد ، ل حمد مدح وليس كلّ مدح حمدا . وليس كلّ حمد شكرًا ،وك ّ
الحكم التّكليفيّ :
- 7الحمد يكون للّه عزّ وجلّ ،وهو كلّه وبإطلق له سبحانه ،لنّه تعالى المستحقّ للحمد ذاتًا وصفات ول شيء منه لغيره في الحقيقة . وقد يحمد النسان نفسه فيثني عليها ويزكّيها ،وقد يحمد غيره فيثني عليه ويمدحه .
حمد النسان نفسه : س ُكمْ هُ َو أَعَْل ُم ِبمَنِ - 8نهى اللّه تعالى أن يحمد النسان نفسه في قوله تعالى { :فَل ُتزَكّوا أَن ُف َ ل اللّ ُه ُي َزكّي مَن َيشَاء َولَ سهُمْ بَ ِ ن أَن ُف َ ن ُي َزكّو َ اتّقَى } وقوله عزّ وجلّ { :أََلمْ َترَ إِلَى اّلذِي َ ُيظْلَمُونَ َفتِيلً } وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تزكّوا أنفسكم ،اللّه أعلم بأهل البرّ منكم » .لكن إن احتاج النسان إلى بيان فضله والتّعريف بما عنده من القدرات فل بأس لرْضِ ِإنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } . خزَآئِنِ ا َ جعَ ْلنِي عَلَى َ بذلك .كما قال يوسف عليه السلم { :ا ْ وانظر مصطلح ( مدح -تزكية ) .
حمد النسان غيره :
حمد النسان غيره وثناؤه عليه ومدحه إيّاه منهيّ عنه شرعا من حيث الجملة ،وبخاصّة إذا ن رجلًا ذكر عند النّبيّ صلى ال ي من حديث أبي بكرة « أ ّ كان بما ليس فيه ،ففي البخار ّ
عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :ويحك قطعت عنق صاحبك -يقوله مرارا -إن كان أحدكم مادحا أخاه ل محالة فليقل :أحسب فلنا كذا وكذا إن كان يرى أنّه كذلك ،ول أزكّي على اللّه أحدا » .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( مدح ) .
حمد اللّه تعالى : سنّة ،ومنه قول اللّه تعالى :للنّبيّ - 9حمد اللّه تعالى مطلوب شرعا ،ورد بذلك الكتاب وال ّ صلى ال عليه وسلم { :قُل الحَمدُ لِلّهِ } وقوله صلى ال عليه وسلم « :كلّ أمر ذي بال ل ل{: يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع » .وقد حمد اللّه تعالى نفسه وافتتح كتابه بحمده فقال عزّ وج ّ ح ْمدُ لِلّ ِه رَبّ العَاَلمِينَ } .وحكم حمد اللّه تعالى يتعدّد بتعدّد مواطنه على النّحو التّالي : ال َ
أوّلً :البتداء بالحمد :
- 10ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ البتداء بحمد اللّه تعالى في المور المهمّة مندوب اقتداءً ل بحديث أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّبيّ صلى ال عليه بكتاب اللّه تعالى ،وعم ً ب البداءة بالحمد ل أمر ذي بال ل يبدأ فيه بحمد اللّه تعالى فهو أقطع » فيستح ّ وسلم قال « :ك ّ لكلّ مصنّف ،ودارس ،ومدرّس ،وخطيب ،وخاطب ،وبين يدي سائر المور المهمّة ، قال الشّافعيّ :أحبّ أن يقدّم المرء بين يدي خطبته وكلّ أمر طلبه حمد اللّه تعالى والثّناء عليه سبحانه وتعالى والصّلة على رسوله صلى ال عليه وسلم . قال ابن عابدين :الحمدلة تجب في الصّلة ،وتسنّ في الخطب ،وقبل الدّعاء ،وبعد الكل ،وتباح بل سبب ،وتكره في الماكن المستقذرة ،وتحرم بعد أكل الحرام . ن البسملة للكتب والوثائق والرّسائل ،كما في كتب النّبيّ صلى ال عليه وفي فتح الباري أ ّ وسلم إلى الملوك وما كتبه في صلح الحديبية ،وأنّ الحمد للخطب .
ثانيا :الحمد في دعاء الستفتاح : - 11ورد الحمد في دعاء الستفتاح الّذي جاءت فيه -كما قال النّوويّ -أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول المصلّي في استفتاح الصّلة « :اللّه أكبر كبيرا ،والحمد للّه كثيرا ،وسبحان اللّه بكرةً وأصيلً . . .الخ » . ل هذا ثابت في الصّحيح عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . وك ّ ح ما روي فيه عن عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه :أنّه كبّر ثمّ وقال البيهقيّ :أص ّ قال :سبحانك اللّهمّ وبحمدك ،تبارك اسمك ،وتعالى جدّك ،ول إله غيرك . وروي مرفوعا بأسانيد ضعيفة .وتفصيل المأثور في دعاء الستفتاح ،وحكمه ،وموضعه من الصّلوات ينظر في ( استفتاح ،وتحميد ) .
ثالثا :قراءة سورة الحمد في الصّلة :
- 12سورة الحمد -كما تقدّم -هي سورة الفاتحة ،وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ قراءتها في الصّلة فرض ،وقال أبو حنيفة :ل تتعيّن قراءة الفاتحة بل تستحبّ ،وفي رواية عنه تجب ولو قرأ غيرها من القرآن أجزأه . وفي المسألة تفصيل ينظر في ( صلة ،وفاتحة ) .
رابعا :الحمد في الرّكوع والسّجود : ن الولى أن يقول المصلّي في التّسبيح المندوب في - 13ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ الرّكوع :سبحان ربّي العظيم وبحمده ،وفي السّجود ،سبحان ربّي العلى وبحمده . وفي الصّحيحين عن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده :سبحانك اللّه ّم ربّنا وبحمدك اللّهمّ اغفر لي » . والفضل عند الحنابلة القتصار على " سبحان ربّي العظيم " في الرّكوع وعلى " سبحان ربّي العلى " في السّجود من غير زيادة وبحمده . ولم يتعرّض الحنفيّة لزيادة لفظ ( وبحمده ) في أيّ من الرّكوع أو السّجود . وفي تفصيل مذاهب الفقهاء في حكم التّسبيح في الرّكوع والسّجود ينظر مصطلح ( تسبيح ).
خامسا :الحمد في الرّفع بعد الرّكوع :
14
-ذهب المالكيّة وأبو حنيفة إلى من كان إماما يقول في الرّفع بعد الرّكوع :سمع اللّه لمن
حمده ول يقول ربّنا لك الحمد . وقال أبو يوسف ومحمّد :يجمع بين التّسميع والتّحميد ،وروي عن أبي حنيفة مثل قولهما . ج أبو حنيفة بما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه احت ّ ليؤتمس بسه ،فإذا كبّر فكبّروا ،وإذا قرأ فأنصستوا ،وإذا قال :ول ّ قال « :إنّمسا جعسل المام الضّالّين فقولوا :آمين ،وإذا ركع فاركعوا ،وإذا قال :سمع اللّه لمن حمده فقولوا :ربّنا لك الحمد » قسم التّحميد والتّسميع بين المام والقوم فجعل التّحميد لهم والتّسميع له ،وفي الجمع ن إتيان المام بالح مد يؤدّي إلى ج عل ب ين الذّكر ين من أ حد الجانبين إبطال هذه الق سمة ،ول ّ أنس الذّكسر يقارن النتقال ،فإذا قال المام : التّابسع متبوعا تابعا ،وهذا ل يجوز ،بيان ذلك ّ سسمع اللّه لمسن حمده ،يقول المقتدي مقارنا له :ربّنسا لك الحمسد ،فلو قالهسا المام بعسد ذلك لوقع قوله بعد قول المقتدي ،فينقلب المتبوع تابعا والتّابع متبوعا ،ومراعاة التّبعيّة في جميع أجزاء الصّلة واجبة بقدر المكان . وإن كان المصلّي مقتديا يأتي بالحمد ل غير .وإن كان منفردًا يجمع بينهما على المعتمد من أقوال ثلثة مصحّحة ،أحدها هذا ،والثّاني أنّه كالمؤتمّ ،والثّالث أنّه كالمام .
- 15واختلف في المختار من ألفاظ الحمد عند الحنفيّة :قال الحصكفيّ :أفضله :اللّهمّ ربّنا ولك الحمد ،ثمّ حذف الواو ،ثمّ حذف اللّهمّ فقط ،وأضاف ابن عابدين :وبقي رابعة هي : حذف اللّهمّ والواو ،ثمّ قال :الربعة في الفضليّة على هذا التّرتيب كما أفاده بالعطف بثمّ . قال الكاسانيّ :والشهر ربّنا لك الحمد . - 16وأمّا المقتدي فيندب له أن يقول :ربّنا ولك الحمد بعد قول المام :سمع اللّه لمن حمده ب على .والف ّذ ( المنفرد ) يجمع بينهما ،فهو مخاطب بسنّة ومندوب والتّرتيب بينهما مستح ّ الظّاهر ،فيسنّ له أن يقول :سمع اللّه لمن حمده ،ويندب له أن يقول بعد ذلك :ربّنا ولك الحمد . ب له أن يقول :ربّنا لك ن المصلّي إذا استوى قائما من ركوعه استح ّ وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ملء السّموات وملء الرض وملء ما شئت من شيء بعد ،أهل الثّناء والمجد ،أحقّ ما قال العبد وكلّنا لك عبد ل مانع لما أعطيت ول معطي لما منعت ول ينفع ذا الجدّ منك الجدّ ،قال الشّافعيّ والصحاب :يستوي في استحباب هذه ل واحد منهم بين قوله بسمع اللّه لمن حمده الذكار كلّها المام والمأموم والمنفرد ،يجمع ك ّ وربّنا لك الحمد إلى آخره .والجمع بين التّسميع والتّحميد للمام والمنفرد هو قول لبي يوسف ومحمّد ،واحتجّ أبو يوسف ومحمّد بما ورد « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الرّكوع قال :سمع اللّه لمن حمده ،ربّنا لك الحمد » وغالب أحواله صلى ال عليه وسلم أنّه كان هو المام ،ولنّ المام منفرد في حقّ نفسه ،والمنفرد يجمع ن التّسميع تحريض على الحمد فل ينبغي أن يأمر غيره بين هذين الذّكرين فكذا المام ،ول ّ سكُمْ } ن َأنْ ُف َ س بالبِرّ َو َت ْنسَو َ بالبرّ وينسى نفسه كي ل يدخل تحت قوله تعالى َ { :أ َت ْأمُرُونَ النّا َ قال ابن عابدين :لكن المتون على قول المام . وقال النّوويّ :وهذا ل خلف فيه عندنا ،لكن قال الصحاب :إنّما يأتي المام بهذا كلّه إذا رضي المأمومون بالتّطويل وكانوا محصورين ،فإن لم يكن كذلك اقتصر على قوله :سمع اللّه لمن حمده ربّنا لك الحمد . قال الشّافعيّ والصحاب :ولو قال :ولك الحمد ربّنا أجزأه ،لنّه أتى باللّفظ والمعنى ، سنّة . ولكن الفضل قوله :ربّنا لك الحمد على التّرتيب الّذي وردت به ال ّ وقال صاحب الحاوي وغيره :يستحبّ للمام أن يجهر بقوله سمع اللّه لمن حمده ليسمع المأمومون ويعلموا انتقاله كما يجهر بالتّكبير ،ويسرّ بقوله ربّنا لك الحمد لنّه يفعله في العتدال فيسرّ به كالتّسبيح في الرّكوع والسّجود ،وأمّا المأموم فيسرّ بهما كما يسرّ
بالتّكبير ،فإن أراد تبليغ غيره انتقال المام كما يبلّغ التّكبير جهر بقوله سمع اللّه لمن حمده ، لنّه المشروع في حال الرتفاع . ول يجهر بقوله ربّنا لك الحمد ،لنّه إنّما يشرع في حال العتدال . وقال الحنابلة :إذا استتمّ المصلّي قائمًا من ركوعه قال :ربّنا ولك الحمد ملء السّموات والرض وملء ما شئت من شيء بعد ،لما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقول :سمع اللّه لمن حمده حين يرفع صلبه من الرّكوع ثمّ يقول وهو قائم :ربّنا ولك الحمد » متّفق عليه ،ولما روى عليّ رضي ال تعالى عنه قال : « كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرّكوع قال :اللّه ّم ربّنا لك الحمد ملء السّموات وملء الرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد » . ق ما قال ونقل عن أحمد أنّ المصلّي إن شاء زاد على ذلك قوله « :أهل الثّناء والمجد ،أح ّ العبد ،وكلّنا لك عبد ،اللّهمّ ل مانع لما أعطيت ،ول معطي لما منعت ،ول ينفع ذا الجدّ ي صلى ال ن النّب ّ منك الجدّ » رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي ال تعالى عنه أ ّ عليه وسلم كان يقوله ،أو يقول المصلّي غير ذلك ممّا ورد . ن النّبيّ صلى ال عليه والصّحيح -عند الحنابلة -أنّ المنفرد يقول كما يقول المام ،ل ّ وسلم روي عنه أنّه قال لبريدة « :إذا رفعت رأسك في الرّكوع فقل :سمع اللّه لمن حمده ، اللّهمّ ربّنا ولك الحمد ،ملء السّماء وملء الرض وملء ما شئت بعد » وهذا عا ّم في جميع ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقول ذلك ولم تفرّق الرّواية بين كونه أحواله ،وقد روي أ ّ إماما ومنفردا ،ولنّ ما شرع من القراءة والذّكر في حقّ المام شرع في حقّ المنفرد ، كسائر الذكار .والمأموم يحمد -أي يقول :ربّنا ولك الحمد -فقط في حال رفعه من الرّكوع ،لما روى أنس وأبو هريرة رضي ال تعالى عنهما « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم :إذا قال المام :سمع اللّه لمن حمده فقولوا :ربّنا ولك الحمد » . ي صلى ال عليه وسلم ن النّب ّ ن للمأموم ل ّ فأمّا قول « ملء السّموات » . . .وما بعده فل يس ّ اقتصر على أمرهم بقول « :ربّنا ولك الحمد » فدلّ على أنّه ل يشرع لهم سواه . وللمصلّي -إماما كان أو مأموما أو منفردا -قول " ربّنا لك الحمد " بل واو لورود الخبر بذلك ،وبالواو أفضل للتّفاق عليه من حديث ابن عمر وأنس وأبي هريرة رضي ال عنهم ، ن التّقدير ربّنا حمدناك ولك الحمد ، ولكونه أكثر حروفا ،ويتضمّن الحمد مقدّرا ومظهرا ،فإ ّ ن في الكلم مقدّرا . لنّ الواو للعطف ،ولمّا لم يكن في الظّاهر ما يعطف عليه دلّ على أ ّ وإن شاء المصلّي قال " :اللّهمّ ربّنا لك الحمد " بل واو ،وهو أفضل منه مع الواو وإن شاء قاله بواو .وذلك بحسب الرّوايات صحّةً وكثر ًة وضدّهما .
وإذا رفع المصلّي رأسه من الرّكوع فعطس فقال :ربّنا ولك الحمد ،ينوي بذلك لما عطس وللرّفع ،فروي عن أحمد أنّه ل يجزئه ،لنّه لم يخلصه للرّفع من الرّكوع .وقال ابن قدامة :والصّحيح أنّ هذا يجزئه ،لنّه ذكر ل تعتبر له ال ّنيّة وقد أتى به فأجزأه ،كما لو قاله ذاهلًا وقلبه غير حاضر ،وقول أحمد يحمل على الستحباب ل على نفي الجزاء حقيق ًة . ن جهر المام بالتّحميد ،لنّه ل ن جهر المام بالتّسميع ليحمد المأموم عقبه ،ول يس ّ ويس ّ يعقبه من المأموم شيء فل فائدة في الجهر به ( .ر :مصطلح تحميد ) .
سادسا :الحمد بعد الصّلة : - 17اتّفق الفقهاء على استحباب الحمد بعد الصّلة ،وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة ن رسول اللّه صلى منها :ما رواه الشّيخان عن المغيرة بن شعبة رضي ال تعالى عنه « أ ّ ل اللّه وحده ل شريك له ،له ال عليه وسلم كان إذا فرغ من الصّلة وسلّم قال :ل إله إ ّ الملك وله الحمد ،وهو على كلّ شيء قدير ،اللّهمّ ل مانع لما أعطيت ،ول معطي لما منعت ،ول ينفع ذا الجدّ منك الجدّ » وما رواه الشّيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي ال ن فقراء المهاجرين أتوا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقالوا :ذهب تعالى عنه « :أ ّ أصحاب الدّثور بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم ،يصلّون كما نصلّي ،ويصومون كما نصوم ،ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون ،قال صلى ال عليه وسلم :أل أعلّمكم شيئا تدركون به من سبقكم ،وتسبقون به من بعدكم ،ول يكون أحد ل من صنع ما صنعتم ؟ قالوا :بلى يا رسول اللّه ،قال :تسبّحون وتحمدون أفضل منكم إ ّ وتكبّرون خلف كلّ صلة ثلثا وثلثين » .وتفصيل هذا في مصطلح ( تحميد ) .
سابعا :الحمد في الخطب المشروعة :
- 18الحمد مطلوب في الخطب المشروعة ،وهي عشر أو ثمان أو أدنى من ذلك أو أكثر ، على تفصيل يذكر في موطنه ،ومن ذلك :
أ -الحمد في خطبتي الجمعة : ن لفظ الحمد ل يشترط في خطبة الجمعة ،فلو ذكر الخطيب اللّه - 19ذهب الحنفيّة إلى أ ّ ل اللّه جاز عنده في تعالى على قصد الخطبة بقوله :الحمد للّه أو سبحان اللّه أو ل إله إ ّ أركان الخطبة ،أمّا إذا قال ذلك لعطاس أو تعجّب فل يجوز ،واستدلّ بقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا سعَوْا إِلَى ِذ ْكرِ اللّهِ } .من غير فصل ،فكان ج ُمعَةِ فَا ْ اّلذِينَ آ َمنُوا ِإذَا نُودِي لِلصّلَاةِ مِن يَ ْو ِم ا ْل ُ ن الحمد في خطبة الجمعة مندوب . الشّرط الذّكر العمّ .وذهب المالكيّة إلى أ ّ وقال الشّافعيّة والحنابلة :من أركان خطبتي الجمعة حمد اللّه تعالى للتّباع ،روى مسلم عن جابر رضي ال تعالى عنه قال « :كانت خطبة النّبيّ صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة يحمد
اللّه ويثني عليه » .الحديث ،ولفظ الحمد متعيّن للتّعبّد به ،فل يكفي نحو :ل إله إلّ اللّه ول نحو :الشّكر للّه ،ول غير لفظ اللّه كالرّحمن ،ويكفي مصدر الحمد وما اشتقّ منه وإن تأخّر كس " للّه الحمد " .والتّفصيل في صلة الجمعة .
ب -الحمد في خطبتي العيدين : - 20خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة ،لكنّهما بعد الصّلة في العيدين ،ويبدأ فيهما بالتّكبير ،وحكم الحمد فيهما كحكمه في خطبتي الجمعة على الخلف والتّفصيل السّابقين . وتفصيله في صلة العيد .
ج -الحمد في خطبتي الستسقاء :
- 21اختلف الحنفيّة في خطبتي الستسقاء ،فذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل خطبة في الستسقاء ن فيه خطبتين ،وذهب محمّد إلى أنّ فيه خطب ًة واحدةً .وعندهما ،وذهب أبو يوسف إلى أ ّ أنّه يبدأ بالتّحميد في الخطبة . والحمد في خطبتي الستسقاء عند المالكيّة كالحمد في خطبتي العيد . ن الحمد ركن من أركان خطبتي الستسقاء . وقال الشّافعيّة :إ ّ ن في صلة وعند الحنابلة :اختلفت الرّواية في الخطبة للستسقاء وفي وقتها ،والمشهور أ ّ الستسقاء خطبةً واحدةً بعد الصّلة كالعيدين لقول ابن عبّاس في وصف صلة الستسقاء : « صلّى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ركعتين كما كان يصلّي في العيد » .وعلى ذلك يكون الحمد في خطبة الستسقاء عندهم كالحمد في خطبة العيدين .والتّفصيل في استسقاء .
د -الحمد في خطبتي الكسوف : - 22خطبة الكسوف مستحبّة عند الشّافعيّة والحمد فيها ركن عندهم لفعله صلى ال عليه وسلم خلفا لجمهور الفقهاء الّذين يقولون :إنّه ل خطبة في كسوف الشّمس ،ول في خسوف القمر بل صلة ودعاء وتكبير وصدقة .كما ورد في حديث عائشة رضي ال تعالى عنها : ن الشّمس والقمر آيتان من آيات اللّه ،ل ينخسفان لموت أحد ول لحياته ،فإذا رأيتم ذلك «إّ فادعوا اللّه ،وكبّروا ،وصلّوا ،وتصدّقوا » .
هس -الحمد في خطب النّكاح :
- 23اتّفق الفقهاء على ندب الحمد في خطب النّكاح " عند التماس الخطبة ،وعند الجابة إليها ،وعند اليجاب في عقد النّكاح ،وعند القبول فيه " لحديث « :كلّ أمر ذي بال ل يبدأ ص بعضهم لخطبة النّكاح لفظ خطبة ابن مسعود الّذي فيه بحمد اللّه تعالى فهو أقطع » وخ ّ ن الحمد للّه ،نحمده ونستعينه ونستغفره . فيه :إ ّ
و -الحمد في خطب الحجّ :
- 24اتّفق جمهور الفقهاء على ندب الحمد في خطب الحجّ " وهي :يوم السّابع بمكّة ،ويوم عرفة ،ويوم العيد بمنًى ،وثاني أيّام التّشريق بمنىً " . ن الحمد في هذه الخطب ركن من أركانها يأتي به الخطيب وجوبا . وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ
ثامنا :الحمد في بدء الدّعاء وختمه : - 25قال النّوويّ :أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدّعاء بالحمد للّه تعالى والثّناء عليه ، ثمّ الصّلة على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،وكذلك يختم الدّعاء بهما ،والثار في هذا الباب كثيرة معروفة ،منها ما روي عن فضالة بن عبيد رضي ال تعالى عنه قال « :سمع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً يدعو في صلته لم يمجّد اللّه تعالى ولم يصلّ على النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :عجّل هذا ثمّ دعاه فقال له أو لغيره :إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربّه عزّ وجلّ والثّناء عليه ،ثمّ يصلّي على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ثمّ يدعو بعد بما شاء » . خرُ ب للدّاعي أن يقول في آخر دعائه كما قال أهل الجنّة { :وَآ ِ وقال القرطبيّ :يستح ّ ح ْمدُ لِلّ ِه رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ } . ن ا ْل َ دَعْوَا ُه ْم أَ ِ
تاسعا :الحمد عند حصول نعمة أو اندفاع مكروه :
- 26قال النّوويّ :يستحبّ لمن تجدّدت له نعمة ظاهرة ،أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة ،أن يسجد شكرا للّه تعالى ،وأن يحمد اللّه تعالى أو يثني عليه بما هو أهله ،والحاديث والثار في هذا كثيرة مشهورة ،منها « ما روي عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطّاب ن عمر أرسل ابنه عبد اللّه إلى عائشة رضي ال عنهما يستأذنها أن يدفن مع رضي ال عنه أ ّ ب يا أمير المؤمنين ،أذنت صاحبيه ،فلمّا أقبل عبد اللّه قال عمر :ما لديك ؟ قال :الّذي تح ّ ،قال :الحمد للّه ،ما كان من شيء أه ّم إليّ من ذلك » . وعن أبي هريرة رضي ال تعالى عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من رأى مبتلىً فقال :الحمد للّه الّذي عافاني ممّا ابتلك به وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلً ،لم يصبه ذلك البلء » قال النّوويّ :قال العلماء من أصحابنا وغيرهم :ينبغي أن يقول هذا الذّكر ل يتألّم قلبه بذلك إلّ أن تكون بليّته معصيةً ( سرّا ) بحيث يسمع نفسه ول يسمعه المبتلى لئ ّ فل بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدةً .
عاشرا :الحمد بعد العطاس : - 27قال النّوويّ :اتّفق العلماء على أنّه يستحبّ للعاطس أن يقول عقب عطاسه :الحمد للّه ب العالمين كان أحسن ،ولو قال :الحمد للّه على ،ثمّ قال النّوويّ :فلو قال :الحمد للّه ر ّ كلّ حال كان أفضل .لما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي ال تعالى عنهما « أنّ رجلً
عطس إلى جنبه فقال :الحمد للّه والسّلم على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال ابن عمر :وأنا أقول :الحمد للّه والسّلم على رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وليس هكذا علّمنا ل حال » . رسول اللّه صلى ال عليه وسلم علّمنا أن نقول :الحمد للّه على ك ّ ويستحبّ لمن سمعه أن يشمّته .وأقلّ الحمد والتّشميت وجوابه أن يرفع صوته بحيث يسمعه صاحبه ،وإذا قال العاطس لفظا آخر غير الحمد للّه لم يستحقّ التّشميت . هذا في العاطس غير المصلّي . أمّا العاطس أثناء الصّلة ففي حمده تفصيل ينظر في ( تحميد ،و تشميت ) .
حادي عشر :الحمد عند الصّباح والمساء - 28الحمد عند الصّباح وعند المساء مطلوب ومرغّب فيه شرعا ،لقول اللّه عزّ وجلّ : ح ْمدِ سبّحْ ِب َ غرُو ِبهَا } وقوله سبحانه وتعالى َ { :و َ شمْسِ َو َقبْلَ ُ ح ْمدِ َر ّبكَ َقبْلَ طُلُوعِ ال ّ سبّحْ ِب َ { َو َ شيّ وَا ْلِإ ْبكَارِ } ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من قال حين يصبح وحين ك بِا ْلعَ ِ َربّ َ ل أحد قال يمسي :سبحان اللّه وبحمده مائة مرّة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل ممّا جاء به إ ّ مثل ما قال أو زاد عليه » رواه مسلم ،وقوله صلى ال عليه وسلم « :من قال حين يصبح : اللّهمّ ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك ل شريك لك ،فلك الحمد ولك الشّكر ،فقد أدّى شكر يومه ،ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته » . وقوله صلى ال عليه وسلم « :من قال إذا أصبح :ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير ،كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل ،وكتب له عشر حسنات ،وحطّ عنه عشر سيّئات ،ورفع له عشر درجات ،وكان في حرز من الشّيطان حتّى يمسي ،وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتّى يصبح » .
ثاني عشر :الحمد عند موت الولد :
- 29الحمد عند فقد الولد مطلوب ومرغّب فيه شرعًا لما ورد عن أبي موسى الشعريّ رضي ال تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :إذا مات ولد العبد قال اللّه تعالى لملئكته :قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون :نعم ،فيقول :قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم ،فيقول :ماذا قال عبدي ؟ فيقولون :حمدك واسترجع ،فيقول اللّه تعالى :ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد » .
ثالث عشر :الحمد إذا رأى ما يحبّ وما يكره : 30
-إذا رأى الشّخص شيئا يحبّه أو شيئا يكرهه حمد بما ورد في الحديث عن عائشة رضي
ال تعالى عنها قالت « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا رأى ما يح بّ قال :الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات وإذا رأى ما يكره قال :الحمد للّه على كلّ حال » .
رابع عشر :الحمد إذا دخل السّوق : - 31عن عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « : من دخل السّوق فقال :ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،يحيي ويميت وهو حيّ ل يموت ،بيده الخير وهو على ك ّل شيء قدير ،كتب اللّه له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيّئة ،ورفع له ألف ألف درجة » رواه التّرمذيّ ،ورواه الحاكم من طرق كثيرة ،وزاد فيه في رواية التّرمذيّ « وبنى له بيتًا في الجنّة » وفيه من الزّيادة :قال الرّاوي :فقدمت خراسان ،فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت له :أتيتك بهديّة فحدّثته بالحديث فكان قتيبة يركب في موكبه حتّى يأتي السّوق فيقولها ثمّ ينصرف .
خامس عشر :الحمد إذا نظر في المرآة :
- 32يشرع لمن نظر في المرآة أن يحمد اللّه تعالى ،فعن عليّ رضي ال تعالى عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا نظر وجهه في المرآة قال :الحمد للّه ،اللّهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي » وفي حديث أنس « :الحمد للّه الّذي سوّى خلقي فعدله ،وكرّم صورة وجهي فحسّنها ،وجعلني من المسلمين » .
سادس عشر :الحمد إذا ركب دابّته ونحوها : ل َلكُم جعَ َ - 33حمد اللّه تعالى عند ركوب الدّابّة ونحوها مطلوب شرعا ،لقوله تعالى َ { :و َ ستَ َو ْي ُتمْ عََل ْيهِ ظهُورِهِ ُث ّم َتذْ ُكرُوا ِن ْعمَةَ َر ّب ُكمْ ِإذَا ا ْ ستَوُوا عَلَى ُ ن الْفُ ْلكِ وَا ْلَأ ْنعَامِ مَا تَ ْر َكبُونَ ِ ،ل َت ْ مّ َ خرَ َلنَا َهذَا َومَا ُكنّا َلهُ مُ ْق ِرنِينَ ،وَِإنّا إِلَى َر ّبنَا َلمُنقَِلبُونَ } ولما روي سّ سبْحانَ اّلذِي َ َوتَقُولُوا ُ عن عليّ بن ربيعة قال « :شهدت عليّا أتي بدابّة ليركبها ،فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال سخّ َر َلنَا ن اّلذِي َ سبْحا َ :بسم اللّه ثلثا ،فلمّا استوى على ظهرها قال :الحمد للّه ،ثمّ قال ُ { : َهذَا َومَا ُكنّا لَ ُه مُ ْق ِرنِينَ ،وَِإنّا إِلَى َر ّبنَا َلمُنقَِلبُونَ } ثمّ قال :الحمد للّه ثلث مرّات ،ث ّم قال : اللّه أكبر ثلث مرّات ،ثمّ قال :سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه ل يغفر الذّنوب إلّ أنت .ثمّ ضحك ،فقيل :يا أمير المؤمنين من أيّ شيء ضحكت ؟ قال :رأيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم فعل كما فعلت ثمّ ضحك ،فقلت :يا رسول اللّه من أيّ شيء ضحكت ؟ قال : ن ربّك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم أنّه ل يغفر الذّنوب غيري » . إّ
سابع عشر :الحمد لمن أكل أو شرب ،أو لبس جديدًا ،أو قام من المجلس ،أو خرج من الخلء ،أو استيقظ من نومه ،أو أوى إلى فراشه ،أو سئل عن حاله أو حال غيره :
ل واحد من هؤلء .وقد سبق بيان ذلك في ( تحميد ) . - 34الحمد مشروع لك ّ
ثامن عشر :فضل الحمد وأفضل ألفاظه : ل أمر ذي - 35حمد اللّه تعالى مشروع في المواطن الّتي سبق ذكرها ،ومستحبّ في ك ّ بال ،والحمد ل تكاد تحصى مواطنه فهو مطلوب على كلّ حال وفي كلّ موطن .إلّ المواطن الّتي ينزّه الذّكر عنها .وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الحمد منها ما روى أبو هريرة وأبو سعيد الخدريّ رضي ال تعالى عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا ل اللّه ،الحمد للّه ،قال :صدق عبدي ،الحمد لي » . قال العبد ل إله إ ّ ومنها ما روى جابر رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من قال سبحان اللّه وبحمده غرست له نخلة في الجنّة » .وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :لقيت إبراهيم عليه السلم ليلة أسري بي ،فقال :يا محمّد ن الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء ،وأنّها قيعان ،وأنّ أقرئ أمّتك منّي السّلم ،وأخبرهم أ ّ ل اللّه ،واللّه أكبر » . غرسها :سبحان اللّه ،والحمد للّه ،ول إله إ ّ ومنها ما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم : « كلمتان حبيبتان إلى الرّحمن خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان :سبحان اللّه وبحمده ، سبحان اللّه العظيم » ومنها ما روى أبو مالك الشعريّ رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :الطّهور شطر اليمان ،والحمد للّه تمل الميزان ، وسبحان اللّه والحمد للّه تملن -أو تمل -ما بين السّموات والرض » . ومنها ما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم : ب إليّ ممّا طلعت « لن أقول :سبحان اللّه ،والحمد للّه ،ول إله إلّ اللّه ،واللّه أكبر ،أح ّ عليه الشّمس » .ومنها ما روى أبو ذ ّر رضي ال تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه ب الكلم إلى اللّه :سبحان اللّه وبحمده » . وسلم قال « :إنّ أح ّ - 36وأحسن العبارات في الحمد :الحمد للّه ربّ العالمين ،إذ هي فاتحة الكتاب العزيز ، وآخر دعوى أهل الجنّة ،وهي لكونها جمل ًة اسميّ ًة دالّ ًة على ثبوت ذلك للّه تعالى والدّوام له سبحانه وتعالى ،وهذا أبلغ من الجملة الفعليّة الدّالّة على التّجدّد والحدوث ،وهذا من حكم افتتاح الكتاب العزيز بذلك ،أي الشارة إلى أنّه المحمود في الزل وفيما ل يزال ،وفي قوله :ربّ العالمين -أي مربّيهم بنعمة اليجاد ثمّ بنعمة التّنمية والمداد -تحريض وحثّ على القيام بحمده وشكره في كلّ وقت وحين . - 37ومجامع الحمد :الحمد للّه حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ،قال النّوويّ :قال المتأخّرون من أصحابنا الخراسانيّين :لو حلف إنسان ليحمدن اللّه تعالى بمجامع الحمد ، ومنهم من قال بأجلّ التّحاميد ،فطريقه في برّ يمينه أن يقول :الحمد للّه حمدًا يوافي نعمه
ويكافئ مزيده " .واحتجّوا لهذه المسألة بحديث منقطع ولذلك قال النّوويّ في الرّوضة :ليس لهذه المسألة دليل معتمد " وفي التّحفة :لو قيل :يبرّ بقوله " ربّنا لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك وعظيم سلطانك " لكان أقرب بل ينبغي أن يتعيّن لنّه أبلغ معنًى وصحّ به الخبر » . قالوا :ولو حلف ليثنين على اللّه تعالى أحسن الثّناء فطريق البرّ أن يقول :ل أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ،وزاد بعضهم في آخره :فلك الحمد حتّى ترضى ،وصوّر أبو سعد المتولّي المسألة فيمن حلف ليثنين على اللّه تعالى بأجلّ الثّناء وأعظمه .
حمدلة * انظر :حمد .
حمل *
التّعريف :
- 1من معاني الحمل في اللّغة الرّفع والعلوق ،يقال :حمل الشّيء على ظهره استقلّه ورفعه ،فهو حامل وهي حاملة .والحمل بالكسر ما يحمل .وحملت المرأة حملً علقت حمَالِ َأجَُلهُنّ ت ا ْلَأ ْ بالحمل فهي حامل وحاملة .وجمعه أحمال وحمال .قال تعالى { :وَأُوْلَا ُ حمَْلهُنّ } وحملت الشّجرة :أخرجت ثمرتها .ويطلق الحمل في اصطلح الفقهاء ن َ أَن َيضَعْ َ على هذين المعنيين أيضا أي حمل المتاع وما في بطن النثى من الولد .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الحبل : - 2الحبل بفتحتين المتلء ،ومنه حبل المرأة وهو امتلء رحمها ،فهي حبلى .والحبل الحمل .ويكون الحبل مصدرا واسما من حبلت المرأة حبلً .ومنه حديث « :نهى عن بيع حبل الحبلة » .وهو أن يباع ما في بطن النّاقة .وقيل ولد الولد الّذي في البطن . وقال بعضهم :الحبل مخصوص بالدميّات ،أمّا الحمل فيشمل الدميّات والبهائم والشّجر ، ص من الحمل . . فهو بهذا المعنى أخ ّ ب -الجنين : - 3الجنين في اللّغة مأخوذ من جنّ الشّيء بمعنى ستر ،ويطلق على الولد ما دام في بطن أمّه ،لستتاره فيه ،وجمعه أجنّة . أمّا الحمل فيطلق على حمل المتاع ،وعلى ثمرة الشّجر ،وعلى ما في بطن النثى . ل ما في بطنها ولو كان أكثر من جنين. ل ولد في بطن المّ فهو جنين ،أمّا الحمل فيشمل ك ّ وك ّ
أحكام الحمل :
- 4تقدّم أنّ لفظ الحمل يطلق على ما يرفع باليد ،أو على الظّهر من المتاع ،وما تحمله النثى في رحمها من الجنين .وفيما يلي الحكام المتعلّقة بكل القسمين :
أوّلً :الحمل بمعنى ما تحمله النثى من ولد : - 5يمرّ الحمل في تكوينه ونموّه بمراحل مختلفة من النّطفة إلى العلقة ،ومنها إلى المضغة فإلى العظام ،فتكسى العظام لحما ،ثمّ تنشّأ خلقا آخر ،فتبارك اللّه أحسن الخالقين . وقد سبق بيان بعض هذه الدوار في مصطلح ( :جنين ) وفيما يلي الحكام الفقهيّة الّتي تتعلّق بمدّة الحمل ،وما يترتّب عليها من الثار ،وما يثبت للحمل من حقوق كالنّسب والرث والوصيّة ،وما ينشأ عنه وعن وضعه من الحكام المتعلّقة بأمّه في العبادات والمعاملت والنّكاح وغيرها ،مع إحالة بعض هذه الحكام إلى مصطلحاتها الصليّة .
مدّة الحمل وأثرها في ثبوت النّسب : أقلّ مدّة الحمل :
ن رجلً تزوّج امرأ ًة فجاءت بولد - 6أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر باتّفاق الفقهاء ،لما روي أ ّ لستّة أشهر فهمّ عثمان رضي ال عنه برجمها ،فقال ابن عبّاس :لو خاصمتكم بكتاب اللّه شهْرا } ،وقال { :وَا ْلوَاِلدَاتُ حمْلُهُ َو ِفصَالُهُ ثَلَاثُونَ َ لخصمتكم ،فإنّ اللّه تعالى يقول َ { :و َ ن كَامَِليْنِ } فالية الولى حدّدت مدّة الحمل والفصال أي الفطام بثلثين ن حَوَْليْ ِ لدَهُ ّ ضعْنَ أَ ْو َ ُيرْ ِ شهرًا ،والثّانية تدلّ على أنّ مدّة الفطام عامان فبقي لمدّة الحمل ستّة أشهر . وهذه المدّة تحسب من وقت الزّواج وإمكان الوطء عند الجمهور ،ومن وقت عقد الزّواج عند الحنفيّة ،ومن وقت الخلوة بعد العقد عند الشّافعيّة . ولتعيين أقلّ مدّة الحمل آثار فقهيّة ،منها : أ -إذا ولدت اثنين فأكثر وكان بين وضعهما أقلّ من ستّة أشهر يعتبر الولدان توأمين ، فتنقضي العدّة بوضع الثّاني ل بالوّل . وهل يعتبر الدّم بينهما حيضا أو نفاسا ؟ فيه خلف وتفصيل ينظر في مصطلحيهما . وأمّا لو كان بين وضعهما ستّة أشهر فأكثر كانا بطنين تنقضي عدّتهما بوضع الوّل . ل من ستّة أشهر ثبت نسبه اتّفاقا .لنّه ظهر ب -إذا أقرّت بانقضاء العدّة ثمّ جاءت بولد لق ّ عكسه بتعيين ،فصارت كأنّها لم تقربه .وإن جاءت به لستّة أشهر فأكثر ل يثبت نسبه عند الحنفيّة والحنابلة ،لنّه لم يظهر عكسه فيكون من حمل حادث بعده كما يقول الحنفيّة ،ولنّها ل النّكاح لها بمدّة الحمل فلم يلحق به ،كما لو أتت به بعد أتت به بعد الحكم بقضاء عدّتها وح ّ انقضاء عدّتها بوضع حملها لمدّة الحمل ،كما يعلّله الحنابلة .
وقال المالكيّة والشّافعيّة :يثبت نسبه ما لم .تتزوّج أو يبلغ أربع سنين ،لنّه ولد يمكن كونه منه في هذه المدّة وهي أقصى مدّة الحمل ،وليس معه من هو أولى منه . هذا ،ولتحديد أقلّ مدّة الحمل آثار أخرى في اللّعان ،والستلحاق والنّسب ،والحيض والنّفاس والعدّة تنظر في مصطلحاتها .
أكثر مدّة الحمل : - 7اختلف الفقهاء في تحديد أكثر مدّة الحمل ،فقال الشّافعيّة وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة وقول عند المالكيّة :إنّ أكثر مدّة الحمل أربع سنين ،لقول مالك بن أنس :هذه جارتنا امرأة محمّد بن عجلن امرأة صدق ،وزوجها رجل صدق حملت ثلثة أبطن في اثنتي عشرة سن ًة كلّ بطن في أربع سنين " وما ليس فيه نصّ يرجع فيه إلى الوجود ،وقد ن محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بقيّ في بطن أمّه أربع حكى أبو الخطّاب أ ّ سنين وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيليّ ،وإذا تقرّر وجوده وجب أن يحكم به . ن عمر ضرب لمرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلّ لنّه غاية الحمل . ول ّ وقد روي ذلك عن عثمان وعليّ وغيرهما . ن أقصى مدّة الحمل سنتان ،وروي ذلك عن عائشة وقال الحنفيّة ،وهو رواية عن أحمد :إ ّ وهو مذهب الثّوريّ ،لما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت « :ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين ول قدر ما يتحوّل ظلّ عود المغزل » وذلك ل يعرف إلّ توقيفا ،إذ ليس ي صلى ال عليه وسلم .والمشهور عن مالك أنّ للعقل فيه مجال ،فكأنّها روته عن النّب ّ ن أقصى الحمل تسعة أشهر . أقصى مدّة الحمل خمس سنين .وقال محمّد بن عبد الحكم :إ ّ -8وثمرة هذا الخلف تظهر فيما يأتي :المطلّقة طلقا بائنا والمتوفّى عنها زوجها إذا جاءت ن الوضع تمّ ضمن أقصى مدّة الحمل عند كلّ منهما بولد لسنتين فأقلّ ثبت نسبه اتّفاقا ،ل ّ الجميع .أمّا إذا جاءت بولد لكثر من ذلك إلى أربع سنين ،فالجمهور على أنّه يثبت نسبه ن الوضع ضمن أقصى مدّة الحمل عندهم ،ول يثبت عند الحنفيّة وانقضت عدّتها بناءً على أ ّ لنّها وضعت بعد أقصى مدّة الحمل . وفي المطلّقة الرّجعيّة ذكر الحنفيّة أنّه يثبت نسب ولدها وإن جاءت به لكثر من سنتين ما لم تقرّ بانقضاء العدّة لحتمال الوطء والعلوق في العدّة لجواز أن تكون ممتدّة الطّهر . وفي الموضوع فروع أخرى تنظر أحكامها في مصطلح ( :نسب ) .
أثر الحمل في تصرّفات الحامل :
- 9الحمل ل يؤثّر في تصرّفات الحامل قبل ستّة أشهر باتّفاق الفقهاء ،وكذلك بعد ستّة أشهر ما لم يأت لها الطّلق ( وجع الولدة ) عند جمهور الفقهاء :الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،فتصحّ تبرّعاتها كسائر المعاملت . وفي حالة الطّلق تعتبر الحامل كالمريضة مرض الموت . ويرى المالكيّة أنّ الحمل من المراض المخوفة بعد ستّة أشهر ،لنّ الحامل تتوقّع الولدة بعدها كلّ ساعة ،تنطبق عليها أحكام مرض الموت ( .ر :حامل ،ومرض الموت ) .
أهليّة الحمل : - 10الحمل له أهليّة وجوب ناقصة فتثبت له الحقوق الّتي ل تحتاج إلى القبول كالرث والوصيّة والنّسب ،ول يجب عليه شيء كالنّفقة وثمن المبيع ونحوهما ،وذلك لنّ الحمل من جهة جزء من أمّه حسّا ،لقراره بقرارها وانتقاله بانتقالها ،وحكما ،لعتقه ورقّه ودخوله في البيع بعتقها ورقّها وبيعها .ومن جهة أخرى هو نفس تنفرد بالحياة وهو معدّ للنفصال ،فلم يكن له ذمّة كاملة بل ناقصة ،فهي ثابتة له من جهة الوجوب له ل عليه ،كما يقول الفقهاء والصوليّون وفيما يلي الحقوق الّتي تثبت للحمل .
أ -النّسب :
- 11اتّفق الفقهاء على أنّه يثبت نسب الحمل للفراش إذا كان في مدّة يحتملها ،إلى ستّة أشهر فصاعدا من وقت النّكاح ،أو وقت إمكان الدّخول إلى سنتين ،أو أربع سنين من وفاة الزّوج أو طلق الحامل بائنا حسب ما ذكر في مدّة الحمل ،وعلى تفصيل يذكر في مصطلح ( :نسب ) .
ب -الرث : ن الحمل يرث ،وله نصيب في مال مورثه قبل أن يولد ، - 12ل خلف بين الفقهاء في أ ّ لكنّهم اختلفوا في كيفيّة توريثه . فقال الحنفيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة :تقسم التّركة بين سائر الورثة إذا طالبوا بذلك من غير انتظار للولدة ،ويدفع إلى من ل ينقصه الحمل كمال ميراثه ،وإلى من ينقصه أقلّ ما يصيبه ،ول يدفع شيء من الميراث إلى من يسقطه الحمل ويوقف للحمل نصيب .ويقدّر عدد الحمل واحدًا عند الحنفيّة ،لنّه هو الغالب المعتاد ،فيوقف له نصيب ذكر أو أنثى أيّهما كان أكثر .وعند الحنابلة يوقف له نصيب اثنين . ن الحمل سبب لتأخير تقسيم التّركة ، وذهب المالكيّة وهو قول آخر عند الشّافعيّة :إلى أ ّ فيوقف التّقسيم كلّه حتّى تضع الحامل ،أو يظهر عدم حملها بانتفاء عدّة الوفاة وليس بها حمل
ظاهر .وإن قالت :ل أدري أخّر الرث حتّى يتبيّن أن ل حمل فيها بأن تحيض حيضةً ،أو يمضي أمد العدّة ول ريبة حمل بها . هذا ،واشترط الجميع لرث الحمل أن يعلم أنّه كان موجودا حال وفاة مورثه وأن تضعه حيّا بأن يستهلّ صارخًا فيرث ويورث ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا استهلّ المولود ورث». وفيما سوى الستهلل تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ( :إرث ) .
ج -الوصيّة للحمل : ن الموصي ح الوصيّة للحمل عند عامّة الفقهاء ،لنّها استخلف من وجه ،ل ّ - 13تص ّ يجعله خليفةً في بعض ماله ،والجنين يصلح خليف ًة في الرث فكذا في الوصيّة ،وقيّد الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة صحّة الوصيّة للحمل بالعلم بوجوده حين الوصيّة ،بأن ينفصل حيّا لقلّ من ستّة أشهر ،إذ لو ولد لكثر من ستّة أشهر احتمل وجوده وعدمه حين الوصيّة فل تصحّ ح للمعدوم . الوصيّة ،وهي تمليك ل يص ّ ح الوصيّة لحمل ثابت أو ما سيوجد ،فيوقف إلى وضعه ،فيستحقّ إن وقال المالكيّة :تص ّ استهلّ عقب ولدته ،فإن نزل ميّتا أو حيّا حياةً غير قارّة فل يستحقّها ،وتردّ الوصيّة لورثة الموصي .وتفصيله في مصطلح ( :وصيّة ) .
د -الوقف على الحمل :
- 14قال الحنفيّة وهو الصّحيح المعوّل عليه عند المالكيّة :إنّه يصحّ الوقف على من سيولد ،أي الحمل ،لنّ الوقف ل يحتاج إلى القبول فيصحّ الوقف للحمل استقللً كما يصحّ تبعا . وقال الشّافعيّة :يشترط لصحّة الوقف إمكان تمليكه بأن يكون موجودا حال الوقف في ح تبعا كأن يقول :وقفت ح على جنين استقللً ،كما ل يص ّ الخارج أهلً للملك ،فل يص ّ على ولدي وحمل زوجتي .لكنّه يدخل في الوقف على ال ّذ ّريّة والنّسل والعقب ،ول يدخل فيما لو قال وقفت على الولد ،لنّه ل يسمّى ولدًا قبل انفصاله . وقال الحنابلة :ل يصحّ الوقف على حمل أصال ًة ،كوقفت داري على ما في بطن هذه المرأة ح تمليكه بغير الرث والوصيّة . ،لنّه تمليك إذن ،والحمل ل يص ّ ح الوقف على الحمل تبعا ،كأن يقول :وقفت على أولدي وأولد فلن وفيهم حمل ، ويص ّ فيشمل الحمل ( .ر :وقف ) .
هس -القرار للحمل والهبة له : ح القرار للحمل إن بيّن المقرّ سببا صالحا يتصوّر للحمل ،كالرث والوصيّة ، - 15يص ّ كأن يقول :عليّ كذا أو عندي كذا لهذا الحمل بإرث ووصيّة .
وهذا باتّفاق الفقهاء إذا كان الحمل محتمل الوجود وقت القرار ،بأن ل يولد لكثر من سنتين عند الحنفيّة أو أربع سنين عند غيرهم .وفي صحّة القرار للحمل في حالة الطلق وعدم بيان السّبب تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ( :إقرار ) . هذا .ول تصحّ الهبة للحمل ،لنّها تمليك يحتاج إلى القبض ،والحمل ليس من أهل القبض وتفصيله في مصطلح ( هبة ) .
أثر نقصان أهليّة الحمل : - 16تقدّم القول بأنّ الحمل له أهليّة وجوب ناقصة ،ل يجب عليه شيء من الحقوق الماليّة ،وقد صرّح الفقهاء بأنّه ل يجب في مال الحمل نفقة القارب ،ول يجب ثمن المبيع الّذي اشترى له وليّه ،ونحوهما من الواجبات الماليّة ( .ر :جنين ) .
نفي الحمل :
- 17لو قال الرّجل لمرأته وهي حامل ليس هذا الحمل -الجنين -منّي لم يجب اللّعان في ن الحمل غير متيقّن الوجود فقد يكون انتفاخا . قول أبي حنيفة ،ل ّ وقال الصّاحبان :إن جاءت بولد لقلّ من ستّة أشهر -الّتي هي أقلّ مدّة الحمل -من وقت القذف وجب اللّعان للتّأكّد من وجود الحمل فكان محتملً للنّفي إذ الحمل تتعلّق به الحكام . ويقول الكاسانيّ :ول يقطع نسب حمل قبل الولدة بل خلف بين أصحابنا ،أمّا عند أبي حنيفة فظاهر ،لنّه ل يجيز نفيه قبل الوضع .وأمّا عند الصّاحبين ،فلنّ الحكام إنّما تثبت ن القذف إذا لم ينعقد للولد ل للحمل والجنين ،إنّما يستحقّ اسم الولد بالولدة .ويقول :إ ّ ن النّسب قد ثبت ، موجبًا للّعان ل ينقطع نسب الولد ويكون ابنهما ول يصدّقان على نفيه ،ل ّ ل باللّعان واللّعان لم يوجد . والنّسب الثّابت بالنّكاح ل ينقطع إ ّ ويصرّح التّمرتاشيّ وشارحه :إن قال الرّجل لمرأته زنيت وهذا الحمل -الجنين -من الزّنى تلعنا ،لوجود القذف الصّريح ولكن ل ينتفي الحمل لعدم الحكم عليه قبل الولدة . ويصرّح ابن مودود بأنّه ل ينتفي نسب الحمل قبل الولدة . ويجيز مالك في قول نسب إليه اللّعان أثناء الحمل لنفيه والحكم بنفيه بناءً على ذلك ،لما روي عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه « لعن بين هلل بن أميّة وبين امرأته وهي حامل » ونفى النّسب عن الزّوج :يقول ابن رشد :والمشهور عن مالك في نفي الحمل أنّه ل يجب به اللّعان .ويقول الخطيب الشّافعيّ :إن كان هناك ولد ينفيه ما دام يعلم أنّه ليس منه ، ن ترك النّفي يتضمّن الستلحاق ،واستلحاق من ليس منه حرام . لّ
وإنّما يعلم إذا لم يطأ أو وطئها ولكن ولدته لقلّ من ستّة أشهر من وطئه ،أو لزيادة على أربع سنين -الّتي هي أقصى مدّة الحمل عندهم -فلو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزّنى .حرم النّفي لرعاية الفراش . ن الحمل وفي مذهب أحمد ينقل ابن قدامة خلفًا في هذه المسألة ،فنقل عن الخرقيّ وجماعة أ ّ ل ينتفي بنفيه قبل الوضع ول ينتفي حتّى يلعنها بعد الوضع . وقال أبو بكر :ينتفي الولد بزوال الفراش باللّعان ،ول يحتاج إلى نفي الحمل في اللّعان وقيل ح لعنه قبل وضعه ،واختاره ابن قدامة وغيره . :يص ّ ونقل ابن قدامة عن ابن عبد البرّ القول بجواز نفي الحمل ،وأنّه ينفى بذلك ،وأنّ الثار الّتي تدلّ على صحّة هذا القول كثيرة .ولنّ الحمل مظنون بإمارات تدلّ عليه . وصحّح ابن قدامة هذا القول .وتفصيل القول في ذلك موضعه مصطلح ( لعان ) .
الستلحاق : ن أمته حامل منه فجاءت به لستّة سيّد أ ّ - 18قال ابن عابدين في باب الستيلد :لو أقرّ ال ّ أشهر من وقت القرار ثبت نسبه منه ،للتّيقّن بوجوده وقت القرار . ن الحمل -الجنين -عبارة عن الولد ،وإن جاءت به لكثر من ستّة ويعلّل الكاسانيّ ذلك بأ ّ أشهر لم يلزمه النّسب ،لنّه لم يتيقّن بوجوده وقت الدّعوى . لكنّه إن قال في إقراره :ما في بطنها من حمل أو ولد منّي لم يقبل قوله إنّها لم تكن حاملً وإنّما كان ريحا ولو صدّقته .وفي الفتاوى الهنديّة :إذا كان لرجل جارية حامل فأقرّ أنّ حملها من زوج قد مات ،ث ّم ادّعى أنّه منه فولدت لقلّ من ستّة أشهر ،فإنّه يعتق ول يثبت نسبه ولو مكث المولى بعد إقراره الوّل سن ًة ثمّ قال :هي حامل منّي فولدت ولدا لقلّ من ستّة أشهر من وقت القرار فهو ابن للمولى ثابت النّسب منه . وصرّح المالكيّة بأنّه يصحّ استلحاق الحمل -الجنين -ول يتوقّف ذلك على الولدة في ن الزّوج إن لعن لرؤية الزّنى وقال :وطأتها الظّاهر .وفي متن خليل وحاشية الدّسوقيّ إ ّ قبل هذه الرّؤية في يومها ،أو قبل ذلك ولم استبرئها بعد ذلك ثمّ ظهر بها حمل يمكن أن يكون من زنى الرّؤية وأن يكون منه ،بأن كان لستّة أشهر فأكثر ،فللمام مالك في إلزام الزّوج بالولد والحمل وعدمه أقوال :قيل :بأنّه يلزمه الولد ول ينتفي عنه أصلًا بناءً على أنّ اللّعان إنّما شرع لنفي الح ّد فقط ،وإنّ عدوله عن دعوى الستبراء رضا منه بالستلحاق . وقيل :بعدم اللزام فهو لحق به ويتوارثان ما لم ينفه بلعان آخر .وقيل :ينفى باللّعان الوّل .فإن استلحقه بعد ذلك لحق به وحدّ ،قال :والقول الثّالث هو الرّاجح .
ن من استلحق حملًا تعذّر عليه نفيه .ويقول كما يصرّح الشّافعيّة كما في أسنى المطالب أ ّ الرّمليّ :إنّ من سكت على حمل يعلم أنّه ليس منه يكون بسكوته مستلحقًا لمن ليس منه . ويقول ابن قدامة :إنّ الزّوج إن استلحق الحمل فمن قال ل يصحّ نفيه قال :ل يصحّ ح استلحاقه ،وإذا استلحقه استلحاقه ،وهو المنصوص عن أحمد ،ومن أجاز نفيه قال :يص ّ لم يملك نفيه بعد ذلك ،ومن قال :ل يصحّ استلحاقه قال :لو صحّ استلحاقه لزمه بترك نفيه .ول يلزمه ذلك بالجماع .
انقضاء العدّة بوضع الحمل : ن الحامل تنقضي عدّتها بوضع الحمل سواء أكانت عن - 19اتّفق فقهاء المذاهب على أ ّ حمَالِ َأجَُلهُنّ أَن ت ا ْلَأ ْ طلق ،أم وفاة ،أم متاركة ،أم وطء شبهة لقوله تعالى { :وَأُوْلَا ُ حمَْلهُنّ } ولنّ القصد من العدّة براءة الرّحم وهي تحصل بوضع الحمل . ن َ َيضَعْ َ ل من ستّة أشهر فالعدّة تنقضي ن الحمل إذا كان اثنين أو أكثر وكان بينهما أق ّ كما اتّفقوا على أ ّ بوضع الخير لحصول البراءة به .وتفصيله في مصطلحي ( عدّة -حامل ) .
إخراج الحمل من الحامل الميّت :
- 20إذا ماتت الحامل وفي بطنها جنين حيّ ،فإن أمكن أن تسطو عليه القوابل وجب ذلك ق بطنها عند الحنفيّة والشّافعيّة وبعض المالكيّة استبقاءً لحياة الحمل ، اتّفاقا ،وإن لم يمكن ش ّ خلفا للحنابلة والمشهور عند المالكيّة ،حيث قالوا بعدم جواز هتك حرمة الميّت المتيقّنة لمر ن هذا الولد ل يعيش ول يتحقّق أن يحيا ،كما علّلوها ،وتفصيله في مصطلح ( : موهوم ،ل ّ حامل ) .
العتداء على الحمل : 21
-العتداء على الحمل إذا تسبّب في إسقاطه م ّيتًا ففيه غرّة باتّفاق الفقهاء ،وكذلك إذا
أسقطته الحامل بدواء أو فعل كضرب ( :ر :غرّة ) . أمّا إذا ألقته حيّا حياةً مستقرّ ًة ث مّ مات بسبب العتداء فد ية كاملة خطأً كان العتداء أو عمدا. وفي رواية عند المالكيّة فيه القصاص إذا كان عمدا ( .ر :إجهاض ،حامل ) .
ذكاة حمل الحيوان :
- 22إنّ خرج الحمل بعد تذكية الحيوان الحامل وكان كامل الخلقة وغلب على الظّنّ أنّ موته بسبب تذكية أمّه فجمهور الفقهاء على أنّه يحلّ أكله لقوله صلى ال عليه وسلم « : ذكاة الجنين ذكاة أمّه » . ولنّه متّصل يتغذّى بغذائها ويباع ببيعها فتكون ذكاته بذكاتها كأعضائها .
ل حتّى يخرج حيّا فيذكّى ،لنّه حيوان ينفرد بحياة ( .ر :أطعمة ، وقال أبو حنيفة :ل يح ّ تذكية ) .
بيع الحمل واستثناؤه في بيع الحامل : ن من شروط - 23اتّفق الفقهاء على عدم جواز بيع الحمل وحده أو استثنائه من بيع أمّه ،ل ّ البيع أن يكون المعقود عليه موجودا مقدور التّسليم فل يجوز بيع المضامين ،والملقيح أي ما في أصلب الفحول ،وباقي أرحام النعام والخيل من أجنّةً ،كما ل يجوز بيع حبل الحبلة ي صلى ال عليه ن النّب ّ أي نتاج النّتاج ،لما ورد عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة « أ ّ وسلم نهى عن بيع المضامين والملقيح وحبل الحبلة » . ن الحمل مجهول ،وباستثناء المجهول من المعلوم وأمّا عدم صحّة استثنائه في البيع فل ّ ل مجهولً ( .ر :بيع منهيّ عنه ) . يصير الك ّ
ثانيا :الحمل بمعنى الرّفع :
- 24الحمل بمعنى الرّفع له أحكام فقهيّة في البيع والجارة من حمل المبيع إلى المشتري وحمل المأجور إلى المستأجر ثمّ منه إلى المؤجّر بعد انتهاء العقد ،وأجرة الحمل وضمان الحمل ( المحمول ) ،وكذلك حمل المصحف وكتب التّفسير وما إلى ذلك ،وتفصيلها في مصطلحاتها ،وفيما يلي الكلم عنها إجمالً :
أ -حمل المبيع والمأجور : ل إذا ن مطلق البيع يقتضي تسليم المبيع في المحلّ الّذي يوجد فيه ،إ ّ - 25ذكر الفقهاء أ ّ اشترط أن يسلّم في مح ّل معيّن ،وفي هذه الحالة يلزم البائع بحمل المبيع وتسليمه في ذلك ن ما يباع محمولًا على الحيوان كالحطب والفحم المحلّ .وذكر في مجلّة الحكام العدليّة أ ّ تكون أجرة حمله ونقله إلى بيت المشتري جاري ًة حسب عرف البلدة وعادتها . وبالنّسبة لحمل المأجور ذكروا أنّه إن احتاج ردّ المأجور إعادته إلى الحمل والمؤنة فأجرة نقله على الجر . وجاء في المجلّة :يلزم الحمّال إدخال الحمل إلى الدّار لكنّه ل يلزمه وضعه في محلّه . مثلً ليس على الحمّال إخراج الحمل إلى فوق الدّار ول وضعه في النبار .أي المخازن .
ب -ضمان الحمّال :
ل إذا تعمّد ذلك . - 26ما يحمله الحمّال بإذن المالك يكون أمان ًة فل يضمن بعيبه أو تلفه إ ّ فمن استأجر أجيرا يحمل له شيئا فحمل له إناءً أو وعاءً فخرّ منه الناء أو انفلت منه الوعاء فذهب ما فيه ل يكون ضامنا . وهذه هي القاعدة في ضمان المانات في الجملة ،وتفصيله في مصطلح ( :ضمان ) .
ج -حمل المصحف : - 27ل يجوز مسّ المصحف وحمله بغير غلف متجاف أي غير مشرّز للمحدث حدثا أكبر أو أصغر عند جميع الفقهاء من المذاهب الربعة . واختلفوا فيما إذا حمله بغلف :فقال الحنفيّة والحنابلة يجوز ،ومنعه المالكيّة والشّافعيّة . ونهينا عن حمل المصحف وما يجب تعظيمه في القتال ،لنّ ذلك قد يؤدّي إلى وقوعه في يد العدوّ ،وفي ذلك تعريضه لستخفافهم به ،إلّ في جيش يؤمن عليه فل كراهة . ويجوز حمل المصحف إلى بلد الكفّار إذا دخل إليهم مسلم بأمان إذا كانوا يوفون بالعهد ،لنّ الظّاهر عدم تعرّضهم له في هذه الحالة .
التّعريف :
حمّام *
- 1الحمّام مشدّدا والمستح ّم في الصل الموضع الّذي يغتسل فيه بالحميم وهو الماء الحارّ ، ثمّ قيل للغتسال بأيّ ماء كان " استحمام " . والعرب تذكّر الحمّام وتؤنّثه ،والحمّاميّ صاحبه ،واستحمّ فلن :دخل الحمّام . وفي الحديث « :ل يبولن أحدكم في مستحمّه ،ثمّ يتوضّأ فيه » . ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
أحكام تتعلّق بالحمّام : بناء الحمّام ،وبيعه ،وإجارته والكسب الحاصل منه : - 2ذهب الحنفيّة في الصّحيح من المذهب والمالكيّة والشّافعيّة إلى جواز بناء الحمّام للرّجال والنّساء ،إذا لم يكن فيه كشف العورة ،ويكره إذا كان فيه ذلك . ويجوز أيضا بيعه وشراؤه ،وإجارته وذلك لحاجة النّاس إليه .ويجوز أخذ أجرة الحمّام ، ولم تعتبر الجهالة في قدر المكث وغيره ،لتعارف النّاس ،وإجماع المسلمين من لدن الصّحابة والتّابعين ،لما ورد « :ما رأى المسلمون حسنًا فهو عند اللّه حسن » . ول فرق بين اتّخاذ الحمّام للرّجال والنّساء ،إذ الحاجة في حقّ النّساء أظهر ،لنّهنّ يحتجن إلى الغتسال عن الجنابة والحيض والنّفاس ،ول يتمكّن من ذلك في النهار والحياض تمكّن الرّجال .وقال اللّخميّ من المالكيّة :إجارة الحمّام للنّساء على ثلثة أوجه :جائزة إن كانت عادتهنّ ستر جميع الجسد ،وغير جائزة إذا كانت عادتهنّ عدم السّتر ،واختلف إذا كانت عادتهنّ الدّخول بالمآزر . ن إجارة الحمّام وبيعه وشراءه مكروه . ويرى الحنابلة وهو قول بعض الحنفيّة :أ ّ
قال أبو داود :سألت أحمد عن كري الحمّام ؟ قال :أخشى ،كأنّه كرهه .وقيل له :فإن اشترط على المكتري أن ل يدخله أحد بغير إزار ،فقال :ويضبط هذا ؟ وكأنّه لم يعجبه ، لما فيه من فعل المنكرات من كشف العورة ،والنّظر إليها ،ودخول النّساء إليه . ولما روي عن عمارة بن عقبة أنّه قال :قدمت على عثمان بن عفّان فسألني عن مالي فأخبرته أنّ لي غلمانا وحمّاما له غلّة :فكره له غلّة الحجّامين ،وغلّة الحمّام ،وقال :إنّه بيت الشّياطين « ،وسمّاه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم شرّ بيت » . وكسب الحمّاميّ مكروه ،وحمّاميّة النّساء أشدّ كراهةً .قال أحمد في الّذي يبني حمّاما للنّساء :ليس بعدل ،وحمله ابن تيميّة على غير البلد الباردة ،كما ذكر ابن عابدين نقلً عن الزّيلعيّ :أنّ من العلماء من فصّل بين حمّام الرّجل وحمّام النّساء .
الشّفعة في الحمّام : ن من أصلهم : - 3ل تثبت الشّفعة في الحمّام الّذي ل يقبل القسمة عند جمهور الفقهاء ،ل ّ ن الخذ بالشّفعة لدفع ضرر القسمة ،وهذا ل يتحقّق فيما ل يحتملها وتثبت في الكبير الّذي أّ يقبل القسمة بشرط أن يتأتّى النتفاع بالمأخوذ بالشّفعة . قال المحّليّ :كلّ ما لو قسم بطلب منفعته المقصودة كحمّام ورحىً صغيرين ل شفعة فيه في ن العلّة دفع الصحّ .ومقابله عند الشّافعيّة -ومثله عند المالكيّة -ثبوت الشّفعة بناءً على أ ّ ل من الضّررين حاصل قبل البيع ،ومن حقّ الرّاغب فيه من ضرر الشّركة فيما يدوم ،وك ّ الشّريكين أن يخلّص صاحبه بالبيع له ،فإذا باع لغيره سلّطه الشّرع على أخذه منه . ن الخذ بالشّفعة عندهم ن الشّفعة تثبت في الحمّام فيأخذه الشّفيع بقدره ،ل ّ وذهب الحنفيّة إلى أ ّ لدفع ضرر التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :شفعة ) .
قسمة الحمّام :
- 4ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من شروط القسمة جبرا عدم فوت المنفعة المقصودة بالقسمة ،ولذا ل يقسم حمّام ونحوه عند عدم الرّضا ،أمّا عند رضا الجميع فتجوز قسمته ، لوجود التّراضي منهم بالتزام الضّرر ،فكلّ واحد ينتفع بنصيبه فيما شاء كأن يجعله بيتا . وقيّد بعض الفقهاء عدم جواز قسمة الحمّام بأن يكون صغيرا . ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلح ( قسمة ) .
دخول الحمّام : - 5ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ دخول الحمّام مشروع للرّجال والنّساء .
وقد دخل خالد بن الوليد حمّام حمص ،ودخل ابن عبّاس حمّام الجحفة .وكان الحسن وابن سيرين يدخلن الحمّام .ولكنّه مقيّد بما إذا لم يكن فيه كشف العورة ،مع مراعاة ما يلي : - 6إذا كان الدّاخل رجلًا فيباح له دخوله إذا أمن وقوع محرّم :بأن يسلم من النّظر إلى عورات النّاس ومسّها ،ويسلم من نظرهم إلى عورته ومسّها ،وإن خشي أن ل يسلم من ذلك كره له ذلك ،لنّه ل يأمن وقوعه في المحظور ،فإنّ كشف العورة ومشاهدتها حرام ، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال « :قلت :يا رسول اللّه ،عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال :احفظ عورتك إلّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك .قال :قلت :يا رسول اللّه ،إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال :إن استطعت أن ل يرينّها أحد فل يرينّها .قال :قلت :يا رسول اللّه .إذا كان أحدنا خاليا .قال :اللّه أحقّ أن يستحيا منه من ل من في ن كلّ من في الحمّام عليه إزار ،قال أحمد :إن علمت أنّ ك ّ النّاس » .وأن يعلم أ ّ الحمّام عليه إزار فادخله ،وإلّ فل تدخل . ن النّبيّ وقال سعيد بن جبير :دخول الحمّام بغير إزار حرام .لحديث جابر بن عبد اللّه :أ ّ صلى ال عليه وسلم قال « :من كان يؤمن باللّه واليوم الخر فل يدخل الحمّام بغير إزار ، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الخر فل يدخل حليلته الحمّام » . وأيضا روي « من دخل الحمّام بغير مئزر لعنه الملكان » قال ابن ناجي من المالكيّة :دخول الرّجل الحمّام على ثلثة أوجه :الوّل :دخوله مع زوجته ،أو وحده فمباح ،الثّاني : دخوله مع قوم ل يستترون فممنوع ،الثّالث :دخوله مع قوم مستترين فمكروه ،إذ ل يؤمن أن ينكشف بعضهم فيقع بصره على ما ل يحلّ .وقيل في هذا الوجه :إنّه جائز . -7إذا كان الدّاخل امرأةً فيباح لها دخوله مع مراعاة ما سبق ،وبوجود عذر من حيض أو نفاس ،أو جنابة أو مرض ،أو حاجة إلى الغسل ،وأن ل يمكنها أن تغتسل في بيتها لخوفها ي صلى ن النّب ّ من مرض أو ضرر ،لما روى أبو داود عن ابن عمر رضي ال عنهما « أ ّ ال عليه وسلم قال :إنّها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمّامات ، ل بالزر ،وامنعوها النّساء إلّ مريض ًة أو نفساء » . فل يدخلنها الرّجال إ ّ ولخبر « ما من امرأة تضع أثيابها في غير بيت زوجها إلّ هتكت السّتر بينها وبين ربّها » . ن من الفتنة . ن أمر النّساء مبنيّ على المبالغة في السّتر ،ولما في خروجهنّ واجتماعه ّ ول ّ فإن لم يكن لها عذر كره لها دخول الحمّام . ن المعتمد أن ل كراهة مطلقا ،ثمّ قال ابن وذكر ابن عابدين نقلً عن إحكامات الشباه :أ ّ عابدين :وفي زماننا ل شكّ في الكراهة لتحقّق كشف العورة .
ن حين لم يكن لهنّ حمّامات منفردة ،فأمّا مع وفي قول عند المالكيّة :إنّما منع دخوله ّ ن المرأة إذا اعتادت انفرادهنّ عن الرّجال فل بأس ،وقال ابن الجوزيّ ،وابن تيميّة :إ ّ ل لعذر أنّه يجوز لها دخوله . الحمّام وشقّ عليها تركت دخوله إ ّ
دخول ال ّذ ّميّة الحمّام مع المسلمات : ن للمرأة المسلمة إذا كانت في الحمّام مع - 8يرى جمهور الفقهاء خلفًا للحنابلة في المعتمد أ ّ النّساء المسلمات أن تكشف عن بدنها ما ليس بعورة بالنّسبة إلى النّساء المسلمات ،وهو ما سرّة والرّكبة . عدا ما بين ال ّ وعند بعض الفقهاء يجب عليها في الحمّام أن تستر جميع بدنها لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أيّما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ستر ما بينها وبين اللّه » . أمّا ال ّذ ّميّة فليس لها عند الجمهور أن تنظر من المسلمة إلّ ما يراه الرّجل الجنبيّ منها ، ص الشّافعيّة على أنّ المرأة ال ّذ ّميّة تمنع من دخول الحمّام مع النّساء ،وقد كتب عمر ولهذا ن ّ ن نساء أهل ال ّذمّة يدخلن الحمّامات مع رضي ال عنه إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أنّه بلغني أ ّ نساء المسلمين فامنع من ذلك .وحل دونه فإنّه ل يجوز أن ترى ال ّذ ّميّة عريّة المسلمة .وقال ابن عبّاس :ل يحلّ للمسلمة أن تراها يهوديّة أو نصرانيّة لئلّ تصفها لزوجها .
آداب الدّخول إلى الحمّام والخروج منه :
- 9من آدابه - :أن يسلّم الجرة أوّلًا أي قبل دخوله ،ذكر هذا الشّافعيّة . وأن يقصد بدخوله التّنظيف والتّطهير ل التّرفّه والتّنعّم . وأن يقدّم رجله اليسرى في دخوله ،واليمنى في خروجه . ويقصد موضعًا خاليًا ،لنّه أبعد من أن يقع في محظور . ويقلّل اللتفات تج ّنبًا لرؤية عورة . ول يكثر الكلم ،ويتحيّن بدخوله وقت الفراغ أو الخلوة إن قدر على ذلك . -ول يطيل المقام ،ويمكث فيه مكثا متعارفا ،وأن يصبّ صبّا متعارفا من غير إسراف .
طهارة ماء الحمّام : - 10ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يجزئ الغسل والوضوء بماء الحمّام ،ويجعل بمنزلة شكّ . الماء الجاري ،لنّ الصل الطّهارة فل تزول بال ّ ن من أدخل يده في حوض الحمّام وعليها نجاسة ،فإن كان الماء ساكنا ل وصرّح الحنفيّة بأ ّ يدخل فيه شيء من النبوب ،ول يغترف النّاس بالقصعة ،يتنجّس ماء الحوض ،وإن كانوا يغترفون من الحوض ،بقصاعهم ،ول يدخل من النبوب ماء أو على العكس اختلفوا فيه ، وأكثرهم على أنّه ينجّس ماء الحوض .
وإن كان النّاس يغترفون بقصاعهم ،ويدخل الماء من النبوب ،اختلفوا فيه :وأكثرهم على ب على وجه الحمّام ( أي أرضه ) فالصحّ أنّ ذلك الماء أنّه ل ينجّس .وأمّا الماء الّذي ص ّ ن فيه خبثا ،حتّى لو خرج إنسان من الحمّام وقد أدخل رجليه في ذلك طاهر ما لم يعلم أ ّ الماء ،ولم يغسلهما بعد الخروج وصلّى جاز . وإذا تنجّس حوض الحمّام فدخل فيه الماء فقد صرّح الحنفيّة أنّه ل يطهر ما لم يخرج منه مثل ما كان فيه ثلث مرّات ،وقال بعضهم :إذا خرج منه مثل ما كان فيه مرّ ًة واحدةً يطهر ،لغلبة الماء الجاري عليه ،والوّل أحوط .
السّلم في الحمّام : - 11ل يستحبّ أن يسلّم على من في الحمّام لنّ أحواله ل تناسب ذلك ،وإذا سلّم عليه فل يجب ال ّردّ ،وقيل :ل يردّ .وقال أحمد :ل أعلم أنّني سمعت فيه شيئا ،ويرى بعض الحنابلة أنّ الولى جوازه من غير كراهة ،لدخوله في عموم قوله صلى ال عليه وسلم « : ص ،والصل في الشياء الباحة . أفشوا السّلم بينكم » ولنّه لم يرد فيه ن ّ
قراءة القرآن والذكر في الحمّام :
ن قراءة القرآن في الحمّام تكره ،لنه محل لكشف - 12ذهب الحنفيّة ،والحنابلة إلى أ ّ العورة ،ويفعل فيه مال يحسن في غيره ،فيصان القرآن عنه . إل أن ّس الحنفيّة قيدوا الكراهسة برفسع الصسّوت ،فإن لم يرفسع ل يكره وهسو المختار عندهسم ، وحكى ابن عقيل الكراهية عن علي وابن عمر رضي ال تعالى عنهم ،وبه قال أبو وائل ، والش عبي ومكحول ،وقبي صة بن ذؤ يب ،وأ ما إذا قرأ القرآن خارج الحمّام في مو ضع ل يس فيه غسالة الناس نحو مجلس الحمّامي والثيابي فقال أبو حنيفة :ل يكره .ويكره عند محمد. ويرى المالكية والشّافعية عدم كراهية قراءة القرآن في الحمّام وبه قال النخعي . ل مكان - 13وأمّا الذّكر والتّسبيح في الحمّام فل بأس للمستتر فيه ،فإنّ ذكر اللّه حسن في ك ّ ن أبا هريرة رضي ال عنه دخل الحمّام فقال :ل إله إلّ ما لم يرد المنع منه ،ولما روي أ ّ اللّه .وروي عن النّبيّ « أنّه كان يذكر اللّه على كلّ أحيانه » .
الصّلة في الحمّام وعليه وإليه : ن الصّلة في الحمّام - 14ذهب الحنفيّة والمالكيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية إلى أ ّ صحيحة ما لم يكن نجسا ،لقوله عليه الصلة والسلم « :جعلت لي الرض مسجدا ل فهو مسجد » . وطهورا» وفي لفظ « :أينما أدركتك الصّلة فص ّ ولنّه موضع طاهر فصحّت الصّلة فيه كالصّحراء .
ويرى الحنابلة في رواية أخرى وهي المعتمد عندهم أنّ الصّلة في الحمّام ل تصحّ بحال ، ل الحمّام والمقبرة » ،ولنّه لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :الرض كلّها مسجد إ ّ مظنّة النّجاسات ،فعلّق الحكم عليه دون حقيقته .ويصلّى فيه لعذر ،كأن حبس فيه ،ولم يمكنه الخروج ،ثمّ ل يعيد صلته ولو زال العذر في الوقت وخرج منها ،لصحّة صلته . ب الماء وبين البيت الّذي تنزع فيه الثّياب ول فرق عندهم في الحمّام بين مكان الغسل وص ّ والتون ،وكلّ ما يغلق عليه باب الحمّام ،لتناول السم له . وعلى هذا الخلف الصّلة على سطح الحمّام ،لنّ الهواء تابع للقرار فيثبت فيه حكمه . - 15وفي الصّلة إلى الحمّام قال محمّد :أكره أن تكون قبلة المسجد إلى الحمّام ،ث ّم تكلّم فقهاء الحنفيّة في معنى قول محمّد هذا فقال بعضهم :ليس المراد به حائط الحمّام ،وإنّما المراد به المحمّ وهو الموضع الّذي يصبّ فيه الحميم ،وهو الماء الحارّ ،لنّ ذلك موضع النجاس .واستقبال النجاس في الصّلة مكروه . وأمّا إن استقبل حائط الحمّام فلم يستقبل النجاس وإنّما استقبل الحجر والمدر ،فل يكره .
قطع من سرق من حمّام : - 16فرّق الحنفيّة بين اللّيل والنّهار :فإذا سرق من الحمّام ليلًا قطع ،لنّه بني للحرز ،وإذا سرق منه نهارا ل يقطع ،وإن كان صاحبه عنده ،لنّه مأذون بالدّخول فيه نهارًا ،فاختلّ الحرز ،وما اعتاد النّاس من دخول الحمّام بعض اللّيل فهو كالنّهار . ن من سرق من حمّام نصابًا من آلته أو من ثياب الدّاخلين وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ يقطع :إن كان دخله للسّرقة ل للستحمام ،أو نقب حائطه ودخل من النّقب أو تسوّر وسرق منه سواء كان للحمّام حارس أم ل . أمّا إن سرق الحمّام من بابه أو دخله مغتسلً فسرق لم يقطع لنّه خائن . وعند الحنابلة يقطع سارق الحمّام إن كان للمتاع حافظ ،سواء كان صاحب الثّياب المسروقة أو غيره .فإن لم يكن لها حافظ فل يقطع ،لنّه مأذون للنّاس في دخوله ،فجرى مجرى سرقة الضّيف من البيت المأذون له في دخوله .وإليه ذهب إسحاق ،وأبو ثور ،وابن المنذر لنّه متاع له حافظ .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :سرقة ) .
التّعريف :
حمو *
- 1حمو المرأة وحموها وحمها وحماها ،أبو زوجها أو أخو زوجها ،وكذلك من كان من قبل الزّوج من ذوي قرابته فهم أحماء المرأة ،وحماة المرأة أمّ زوجها ،وحكى النّوويّ إجماع أهل اللّغة على ذلك .
وقال ابن فارس :الحمء :أبو الزّوج ،وأبو امرأة الرّجل . وقال المحكم :وحمء الرّجل أبو زوجته أو أخوها أو عمّها . فحصل من هذا أنّ الحمء يكون من الجانبين كالصّهر ،وهكذا نقله الخليل عن بعض العرب . وقالوا كلّ شيء من قبل المرأة فهم الختان وقال ابن العرابيّ :الحماة أ ّم الزّوج ،والختنة أمّ المرأة ،ومن العرب من يبدّل مكان الختين الصهار -والعكس -ومن العرب من يجعلهم كلّهم أصهارا ،وهذا على سبيل الغلبة . والمعنى الصطلحيّ ل يعدو المعنى اللّغويّ .
الحكم الجماليّ : - 2النّظر والخلوة بالنّسبة للحمو يختلف باختلف أحوال الحمو . فالحمو المحرم :كأبي الزّوج وإن عل ،وابن الزّوج وإن نزل ،يجوز له النّظر إلى المرأة ن زِينَ َتهُنّ والخلوة بها ،وكذلك أمّ الزّوجة بالنّسبة إلى الزّوج وابنتها ،لقوله تعالى { :وَلَا ُي ْبدِي َ ن أَ ْو آبَاء ُبعُوَل ِت ِهنّ َأوْ َأ ْبنَا ِئهِنّ َأوْ َأ ْبنَاء ُبعُوَل ِتهِنّ }إلى آخر الية .ولقوله ن أَ ْو آبَا ِئهِ ّ إِلّا ِل ُبعُوَل ِتهِ ّ ل أن يكون ناكحا أو ذا محرم » صلى ال عليه وسلم « أل ل يبيتن رجل عند امرأة ثيّب إ ّ ص فيه ال ّثيّب بالذّكر لنّها يدخل عليها غالبا ،وأمّا البكر فمصونة في العادة ،فهي وإنّما خ ّ أولى بذلك . وقد حكى النّوويّ وغيره الجماع على تحريم الخلوة بالجنبيّة ،وإباحة الخلوة بالمحارم . والمحرم :هي كلّ من حرم عليه نكاحها على التّأبيد بسبب مباح .انظر ( محرم ) . ل من يمتّ بقرابة إلى الزّوج ،ما عدا المذكورين - 3الحمو غير المحرم كأخي الزّوج وك ّ ي في النّظر والخلوة ،والسّكن ،واستماع الصّوت ،وقال في في السّابق فحكمهم حكم الجنب ّ النصاف :وحرم نظر بشهوة أو مع خوف ثورانها لحد ممّن ذكرنا . س ،لنّه أبلغ منه في الّلذّة وإثارة س فالقاعدة في ذلك أنّه متى حرم النّظر حرم الم ّ وأمّا الم ّ الشّهوة .ول يلزم عند الجمهور من حلّ النّظر حلّ المسّ والخلوة كالشّاهد ونحوه . خلفا للحنفيّة فمسّ المحرم لما يحلّ له نظره بغير شهوة جائز كالنّظر . والخلوة كذلك سواء في الدّخول على النّساء أو السّكنى لحديث « :إيّاكم والدّخول على النّساء .فقال رجل من النصار :يا رسول اللّه أفرأيت الحمو قال :الحمو الموت » .والحديث محمول على من ليس بمحرم من الحماء ،وقد خرج هذا الكلم مخرج التّغليظ ،لنّه صلى ال عليه وسلم فهم من السّائل طلب التّرخيص بدخول مثل هؤلء الّذين ليسوا بمحارم . ولتفصيل ذلك راجع بحث ( :أجنبيّ ،قرابة ،استمتاع ،اشتهاء ،ومحرم ) .
حميل * ر :حمالة ،كفالة .
التّعريف :
حمية *
- 1الحمية -والحموة أيضا -في اللّغة المنع ،وحمى المريض ما يضرّه :أي منعه إيّاه فاحتمى هو .ول يخرج اصطلح الفقهاء في الجملة عن هذا المعنى .
الحكم التّكليفيّ : - 2الحمية نوع من التّداوي وهو مشروع .لحديث أسامة بن شريك « :قالت العراب :يا رسول اللّه أل نتداوى ؟ قال :نعم عباد اللّه ،تداووا فإنّ اللّه لم يضع دا ًء إلّ وضع له دواءً إلّ دا ًء واحدًا .قالوا :يا رسول اللّه ،وما هو ؟ قال :الهرم » . وقال ابن القيّم :الصل في الحمية :قوله تعالى { :وَإِن كُنتُم ّمرْضَى َأوْ عَلَى سَ َفرٍ أَ ْو جَاء طيّبا } ،فحمى المريض صعِيدا َ س ُتمُ ال ّنسَاء فَلَ ْم َتجِدُو ْا مَاء فَ َت َي ّممُواْ َ ل َم ْ حدٌ مّنكُم مّنَ ا ْلغَا ِئطِ َأوْ َ َأ َ من استعمال الماء لنّه يضرّه .وعن أ ّم المنذر سلمى بنت قيس النصاريّة رضي ال عنها ي بن أبي طالب ،وعليّ ناقه قالت « :دخل علينا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ومعه عل ّ من مرض ،ولنا دوال معلّقة ،فقام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يأكل منها وقام عليّ يأكل منها فطفق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول لعليّ :إنّك ناقه حتّى كفّ ،قالت وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعليّ :من هذا أصب ،فإنّه أوفق لك » .وقال زيد بن أسلم :حمى عمر رضي ال عنه مريضا حتّى أنّه من شدّة ما حماه كان يمتصّ النّوى .قال ابن القيّم :وبالجملة :فالحمية من أنفع الدوية قبل الدّاء فتمنع حصوله ،وإذا حصل فتمنع تزايده ،وانتشاره . ن الحمية يراعى فيها أصول الطّبّ أو التّجربة الصّحيحة ليعرف المريض ما ول يخفى أ ّ يحتمي منه من الطعمة وما يحتمي لجله من المراض .وينظر مصطلح ( :تداوي ) .
انظر :آنية :أشربة .
حنتم * حنث *
التّعريف :
- 1الحنث بالكسر في اللّغة :الذّنب العظيم ،والثم .يقال :بلغ الغلم الحنث أي جرى عليه القلم بالطّاعة والمعصية ،بالبلوغ .وجاء في القرآن الكريم َ { :وكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى ا ْلحِنثِ ا ْل َعظِيمِ } .والحنث والخلف في اليمين ،ففي الثر « :في اليمين حنث أو مندمة » . والمعنى أن يندم الحالف على ما حلف عليه ،أو يحنث في يمينه فتلزمه الكفّارة . ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -النّقض : - 2النّقض ضدّ البرام ،يقال :نقض العهد ،واليمين ،والبناء والحبل :أبطله ،وفي المحكم :النّقص هو :إفساد ما أبرم من عهد أو يمين أو عقد أو بناء . ل ْيمَانَ َب ْعدَ َت ْوكِيدِهَا } . ل تَن ُقضُواْ ا َ قال اللّه تعالى َ { :و َ غزَْلهَا مِن َب ْعدِ قُوّ ٍة أَنكَاثا } . ل َتكُونُو ْا كَاّلتِي َن َقضَتْ َ ل شأنه َ { :و َ وقال ج ّ ب -النّكث : - 3هو من نكث اليمين ،والعهد نكثًا :إذا نقضه ،ونبذه ،وفي التّنزيل { :وَإِن ّن َكثُواْ ن َل ُهمْ } . طعَنُو ْا فِي دِي ِنكُمْ فَقَاتِلُو ْا َأ ِئمّ َة ا ْلكُ ْفرِ ِإ ّن ُهمْ لَ َأ ْيمَا َ ع ْهدِ ِهمْ َو َ َأ ْيمَانَهُم مّن َب ْعدِ َ ج -البرّ : - 4هو في اللّغة :الخير والفضل ،يقال :برّ الرّجل يبرّ برّا فهو برّ وبارّ :أي صادق ، وتقيّ ،وفي الصطلح :الموافقة لما حلف عليه ،وبرّ في القول واليمين صدق فيهما . د -الخلف : - 5هو من أخلف الرّجل وعده :لم يعرف به ،وفي الثر « آية المنافق ثلث :إذا حدّث كذب ،وإذا وعد أخلف ،وإذا اؤتمن خان » .
الحكم التّكليفيّ :
- 6ل يغيّر اليمين حال المحلوف عليه عمّا كان عليه قبل اليمين :وجوبا ،وتحريما ،وندبا ،وكراهةً ،وإباحةً ،وبناءً على ذلك :إن حلف على فعل واجب ،أو ترك حرام فيمينه طاعة ،والقامة عليها واجبة ،والحنث معصية ،وتجب به الكفّارة . وإن حلف على ترك واجب ،أو فعل حرام ،فيمينه معصية ويجب عليه أن يحنث ويكفّر عن يمينه عند الجمهور ،وتفصيله في ( أيمان ف ) 122 /وإن حلف على فعل نفل ،فالقامة على ذلك طاعة ،والمخالفة مكروهة ،وعليه كفّارة بالحنث لخبر « :إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك وأت الّذي هو خير » . وإن حلف على ترك نفل ،فاليمين مكروهة والقامة عليها مكروهة .
وإن حلف على مباح كدخول دار ،ولبس ثوب أو تركهما فله أن يقيم على اليمين وله أن يحنث ،والفضل -عند الجمهور وفي الصّحيح عند الشّافعيّة -القامة على اليمين لقوله ل ْيمَانَ َب ْعدَ َت ْوكِيدِهَا } .وفي الجملة إذا حلف على يمين فرأى غيرها ل تَن ُقضُواْ ا َ تعالى َ { :و َ ب له الحنث والتّكفير لقوله صلى ال عليه وسلم « :من حلف على يمين خيرًا منها استح ّ فرأى غيرها خيرا منها ،فليكفّر عن يمينه وليفعل » ولما فيه من تعظيم اسم اللّه تعالى .
ما يقع فيه الحنث من اليمان : -7ل خلف بين الفقهاء في أنّ الحنث ل يقع إلّ في اليمين المنعقدة ،ثمّ اختلفوا فيما تنعقد ن اليمين تنعقد على المستقبل كواللّه :ل أفعل كذا ،أو عليه اليمين ،فاتّفق الفقهاء على أ ّ لفعلن كذا ونحو ذلك فيحنث في هذه اليمين بمخالفتها في المستقبل ،أمّا على الماضي ،كأن يقول كاذبًا ،وهو عالم :واللّه ما فعلت كذا فذهب الجمهور إلى عدم انعقادها ،لنّ اليمين المنعقدة هي الّتي يمكن فيها البرّ ،والحنث ول يتصوّر البرّ في اليمين على الماضي ،لنّ ث ،ول منع على ماض . ث والمنع ،ول يتصوّر ح ّ اليمين للح ّ ل في اليمين الّتي قصد عقدها على المستقبل . فل يكون الحنث إ ّ أمّا يمين الماضي ،وهي ما يسمّى اليمين الغموس فيستغفر اللّه ول كفّارة فيها ،وقال الشّافعيّة :تنعقد على الماضي ويحنث في الحال ،وتجب عليه الكفّارة لنّه حلف باللّه وهو مختار كاذب ،فصار كما لو حلف على مستقبل . أمّا يمين اللّغو :فل خلف بين الفقهاء في أنّه ل حنث فيها :ولكنّهم اختلفوا في صورتها : فقيل هي :ما يسبق على لسان الرّجل من غير قصد ،كأن يقول :ل ،واللّه ،بلى ،واللّه . وينظر التّفصيل في مصطلح ( أيمان ) .
سبب وجوب الكفّارة :
ن الكفّارة تجب على من حنث في اليمين المنعقدة ،ولكنّهم - 8ل خلف بين الفقهاء في أ ّ اختلفوا في سبب الوجوب .فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى أنّ سبب وجوب الكفّارة هو اليمين ،وأمّا الحنث فيها فليس سببًا في وجوب الكفّارة إنّما هو شرط فيه ،وذهب الشّافعيّة إلى أنّ سبب وجوب الكفّارة هو اليمين ،والحنث جميعا . والتّفصيل في مصطلح ( :أيمان -كفّارة ) .
الكفّارة قبل الحنث : - 9اختلف الفقهاء في جواز الكفّارة قبل الحنث ،فقال المالكيّة في المعتمد والشّافعيّة : ب تأخير التّكفير عن الحنث ،ويجوز التّكفير قبل الحنث ،وقيّد الشّافعيّة ذلك بما لو كفّر يستح ّ بغير الصّوم ولم يكن الحنث معصيةً .
وقال الحنابلة :يجوز التّقديم ،وإن كانت الكفّارة صومًا ،ويستوي التّقديم والتّأخير في الفضيلة ،وقال ابن أبي موسى :التّأخير أفضل ،وعند الحنفيّة وهو غير المعتمد للمالكيّة ل يجوز تقديم الكفّارة على الحنث .والتّفصيل في مصطلحي ( أيمان ،وكفّارة ) .
ما يقع فيه الحنث : - 10الصل المرجوع إليه ،في البرّ والحنث هو اتّباع مقتضى اللّفظ الّذي تعلّمت به ص أو قرينة . اليمين ،وقد يقيّد بنيّة تقترن به ،أو باصطلح خا ّ وتفصيل ذلك في مصطلح ( :أيمان ) .
وقت وقوع الحنث :
- 11ل يقع الحنث في اليمين المطلقة إذا كانت على الثبات ،إلّ بعد اليأس من البرّ بها ، وأمّا الّتي على النّفي فيحنث بمجرّد الفعل عند الجمهور ،أمّا عند المالكيّة فيحنث بمجرّد ضدّ .أمّا المؤقّتة ،فيقع الحنث بآخر وقتها ،والتّفصيل في ( أيمان ) . العزم على ال ّ
حنث النّاسي ،والمكره ،والجاهل : - 12ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحالف إن فعل المحلوف عليه ناسيًا فل حنث ،إذا كانت اليمين بغير الطّلق ،والعتاق ،والجاهل عندهم كالنّاسي فل يحنث بفعله ،أمّا المكره فيحنث في الكراه غير الملجئ ول يحنث في الكراه الملجئ . وذهب الشّافعيّة في الظهر إلى أنّه إذا وجد القول ،أو الفعل المحلوف عليه على وجه الكراه أو النّسيان ،أو الجهل فل يحنث سواء أكانت اليمين باللّه ،أم بالطّلق لخبر « تجاوز اللّه عن أمّتي الخطأ ،والنّسيان ،وما استكرهوا عليه » . والتّفصيل في ( إكراه وأيمان ) .وذهب الحنفيّة إلى أنّه يحنث بالمخالفة مع النّسيان ولو مع الكراه ،أو الغماء ،أو الجنون ونحوها . وذهب المالكيّة إلى أنّه يحنث بالمخالفة مع النّسيان .
التّعريف :
حوالة *
- 1الحوالة في اللّغة :من حال الشّيء حولً وحؤولً :تحوّل .وتحوّل من مكانه انتقل عنه وحوّلته تحويلً نقلته من موضع إلى موضع . والحوالة بالفتح مأخوذة من هذا ،فإذا أحلت شخصا بدينك فقد نقلته إلى ذمّة غير ذمّتك . - 2والحوالة في الصطلح :نقل الدّين من ذمّة إلى ذمّة .فمتى تمّ اليجاب والقبول تحميلًا وتحمّلًا لداء الدّين من المحتمل إلى الدّائن ،بين اثنين من الثّلثة الطراف المعنيّة ،الدّائن
والمدين والملتزم بالداء ،مع الستيفاء لسائر الشّرائط الّتي ستأتي ،فقد تمّ هذا النّقل من الوجهة الشّرعيّة .مثال ذلك أن يقول للدّائن قائل :لك على فلن دين مقداره كذا فاقبل ي ،فيقول الدّائن :قبلت أو يبتدئ الدّائن فيقول لصاحبه :لي على فلن كذا ،فاقبل حوالته عل ّ دينه عليك حوالةً ،فيجيب :قد فعلت . - 3بعد هذا التّعريف يتبيّن ما يلي : أ -أنّ المحيل هو المدين ،وقد يكون دائنا أيضا باعتبار آخر -كما سنرى ، -وهو طرف في العقد إذا باشره بنفسه أو أجازه . ب -وأمّا المحال ،فهو الدّائن ،وهو أبدا طرف في العقد ،إمّا بمباشرته ،وأمّا بإجازته . ويقال له أيضا :حويل ،ومحتال " بصيغة اسم الفاعل " . ول يقال :محال له ،أو محتال له ،لنّ هذه الصّلة لغو -كما قال في المغرب -وإن أثبتها البعض ،وتكلّف ابن عابدين تصحيحها . ج -وأمّا المحال عليه -ويقال له أيضا :حويل ،بزنة " كفيل " ،ومحتال عليه -فهو الّذي التزم لحد الخرين بديته على ثانيهما ،وهو أيضا أبدا طرف في العقد ،على نحو ما ذكر في المحال . د -وأمّا المحال به " ،ويقال :المحتال به " فهو الدّين نفسه الّذي للمحتال على المحيل ، وهو هنا محلّ عقد الحوالة .
ألفاظ ذات صلة : أ -الكفالة أو الضّمان : - 4الكفالة أو الضّمان لغةً :اللتزام بالشّيء . وفي الصطلح :ضمّ ذمّة الضّامن إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ . والفرق بين الحوالة والكفالة أو الضّمان :أنّ الحوالة نقل للدّين من ذمّة إلى ذمّة أخرى ،أمّا ن بالحوالة تبرأ الكفالة أو الضّمان فهو ضمّ ذمّة إلى ذمّة في اللتزام بالحقّ فهما متباينان ،ل ّ ذمّة المحيل ،وفي الكفالة ل تبرأ ذمّة المكفول . ب -البراء : - 5البراء لغةً :التّنزيه والتّخليص والمباعدة عن الشّيء . واصطلحا :إسقاط الشّخص حقّا له في ذمّة آخر أو قبله .والفرق بين الحوالة والبراء ،أنّ الحوالة نقل للحقّ من ذمّة إلى ذمّة ،والبراء إسقاط للحقّ .
الحكم التّكليفيّ :
- 6الحوالة بالدّين مشروعة يدلّ لذلك ما يأتي :
سنّة : أ -ال ّ ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :مطل - 7روى أبو هريرة رضي ال عنه أ ّ ي في الوسط « : الغنيّ ظلم ،فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع » ،وفي لفظ عند الطّبران ّ ومن أحيل على مليء فليتبع » وفي آخر عند أحمد وابن أبي شيبة « :ومن أحيل على مليء فليحتل » وقد يروى بفاء التّفريع « :وإذا أحلت على مليء فاتبعه » ،فيفيد أنّ ما قبله علّته ،أي أنّ مطل أهل الملءة واليسار ظلم محرّم في السلم ،فل يخشينه مسلم فيأبى من خشيته قبول الحوالة على مليء بل إنّه لمأمور بقبولها .
ب -الجماع :
- 8انعقد الجماع على مشروعيّة الحوالة .
ج -القياس : ن كلّا من المحال عليه والكفيل قد التزم ما هو أهل - 9الحوالة مقيسة على الكفالة ،بجامع أ ّ للتزامه وقادر على تسليمه ،وكلهما طريق لتيسير استيفاء الدّين ،فل تمتنع هذه كما لم تمتنع تلك .والحاجة تدعو إلى الحوالة ،والدّين يسر . واستدلّ الحنفيّة بقياس المجموع على آحاده :ذلك أنّ كلّا من نوعي الحوالة ( المطلقة أو المقيّدة ) يتضمّن تبرّع المحال عليه باللتزام واليفاء ،وأمره بالتّسليم إلى المحال ،وتوكيل ل وهي جائزة على النفراد ،فلتكن كذلك عند المحال بالقبض منه .وما منها خصلة إ ّ الجتماع ،بجامع عدم الفرق . - 10واختلفوا في قبول المحال للحوالة المأمور به في الحديث ،هل هو أمر إيجاب ،أم ندب أم إباحة ؟ قال بالوّل أحمد وأبو ثور وابن جرير . لنّه الصل في صيغة المر ،وقال بالثّاني :أكثر أهل العلم ،ومنهم من يصرّح بتقييده بأن يكون المليء ليس في ماله شبهة حرام .وإنّما صرفوا الكلم عن ظاهره إلحاقا للحوالة بسائر المعاوضات ،لنّها ل تخلو من شوب معاوضة . واستظهر الكمال بن الهمام أنّه أمر إباحة ،لنّ أهل الملءة قد يكون فيهم اللّدد في الخصومة والمطل بالحقوق ،وهو ضرر ل يأمر الشّارع بتحمّله ،بل بالتّباعد عنه واجتنابه .فمن عرف منهم بحسن القضاء استحبّ اتّباعه ،تفاديا للمساس بمشاعره ،وتنفيسا عن المدين نفسه ،ومن جهل حاله فعلى الباحة ،إذ ل ترجيح بل مرجّح . وبعض الشّافعيّة يجعل الملءة شيئا ،وكلّا من القرار بالدّين وعدم المماطلة شيئا آخر . وذلك إذ يقول :يسنّ قبولها على مليء ،مق ّر ،باذل ،ل شبهة في ماله .
حقيقة عقد الحوالة وحكمة مشروعيّتها :
- 11يرى الحنفيّة والحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،أنّ الحوالة مستثناة من بيع الدّين ن كلّ واحد ملك بها ما لم يكن يملك ،فكأنّما بالدّين ،ونسب النّصّ عليه إلى الشّافعيّ نفسه ل ّ المحال قد باع ما له في ذمّة المحيل بما لهذا في ذمّة مدينه . ن المحتال يبيع ما له في وعبارة صاحب المهذّب من الشّافعيّة :الحوالة بيع في الحقيقة :ل ّ ن المحيل يبيع ما له في ذمّة المحال عليه ذمّة المحيل بما للمحيل في ذمّة المحال عليه ،أو أ ّ بما عليه من الدّين .وجزم به ابن رشد الحفيد من المالكيّة أوّل كلمه ،إذ يقول بإطلق : والحوالة معاملة صحيحة مستثناة من الدّين بالدّين . فالحوالة ،على هذا ،بيع دين بدين ،أو كما يقول في الحاوي الزّاهديّ " :هي تمليك الدّين من غير من هو عليه " ،والقياس امتناعه ،ولكنّه جوّز للحاجة ،رخصةً من الشّارع وتيسيرا .فكثيرا ما يكون المدين مماطلً ،يؤذي دائنيه بتسويفه وكذوب وعوده ،أو بمشاغباته وضيق ذات يده ،وربّما كان له دين على آخر هو ألين عريكةً ،وأحسن معاملةً ، وأوفر رزقا ،فيرغب دائنو الوّل في التّحوّل إلى هذا توفيرا للجهد والوقت ،واتّقاءً لخطار الخصومات ،وتحصيلً لجزء من المال عاطل ،يمكن أن تنمّى به ثروة ،أو تسدّ به خلّة . فرخّص في الحوالة من أجل هذا وما شاكله ،إذ لو لم تشرع لفاتت كلّ هذه الغراض الصّحيحة ،ولحاقت بالدّائنين أضرار جمّة ،ول ضرر ول ضرار في السلم . والعكس صحيح أيضا :فربّما كان المحال عليه مماطلً ،وكان المحال أقدر من المحيل على استخلص الحقّ منه ،ولول الحوالة لطال عناء الدّائن الضّعيف ،أو لضاع ماله . ل وقت يتاح الوكيل الصّالح ،وإن أتيح فقلّما يكون بغير أجر . وليس في ك ّ على أنّ الوكالة ل تغني في الحالة الولى ،لنّها عقد غير لزم :فقد يوكّل المدين المماطل دائنه في استيفاء الدّين ،ويسلّطه على تملّكه بعد قبضه ،تحت ضغط ظروف خاصّة ،ثمّ ل يلبث أن يعزله قبل قبضه ،فيعود كما بدأ . - 12ول يبعد كثيرًا عن هذا المذهب من الرّأي رأي الذّاهبين إلى أنّ الحوالة بيع عين بعين ن المقصود بالدّين هو الماصدق الخارجيّ له ،إذ المعاني الكّليّة القائمة تقديرا .وقد يوضّحه أ ّ بالذّمّة ،كمائة ثوب أو دينار ،ل تعني لذاتها -وكذا ل يبعد عنهم الرّأي القائل بأنّها بيع عين بدين -وهذا قد يقرب من مذهب الحنفيّة إذا كانت الحوالة مقيّدةً على ما قرّره الزّاهديّ ،إذ المقصود عندهم بالمبيع عينه ،لتعلّق الحاجة بمنفعتها الذّاتيّة ،أمّا المقصود بالثّمن فماليّته .ولذا يكون للمشتري تسليم مثله مع بقائه ،ولو تلف أو استحقّ ل يبطل العقد ،ويسلّم المثل ،نعم في الحوالة المطلّقة الّتي تفرّد بها الحنفيّة ل يتصوّر معنى البيع على حال ،وهي بالحمالة ( الكفالة ) أشبه .
ن ابن تيميّة وتلميذه ابن القيّم ل يسلّمان بأنّ الحوالة واردة على خلف القياس - 13على أ ّ ن امتناع بيع الدّين وإن كان فيها بيع دين بدين .وفي ذلك يقرّر ابن القيّم في إعلم الموقّعين أ ّ بالدّين ليس فيه نصّ عامّ ،ول إجماع .وإنّما ورد النّهي عن بيع الكالئ بالكالئ ،والكالئ هو الشّيء المؤخّر الّذي لم يقبض ،كما لو أسلم شيئا في شيء في ال ّذمّة ،وكلهما مؤخّر ، فهذا ل يجوز بالتّفاق ،وهو بيع كالئ بكالئ . وأمّا بيع الدّين بالدّين فهو على أربعة وجوه :إمّا أن يكون بيع واجب بواجب كالصّورة الّتي ذكرنا ،وهو الممنوع ،أو يكون بيع ساقط بساقط " كما في صور المقاصّة " ،أو يكون بيع ساقط بواجب " كما لو باعه دينا له في ذمّته ،بدين آخر من غير جنسه " ،فقد سقط الدّين المبيع ووجب عوضه ،أو يكون بيع واجب بساقط " كما لو اشترى من مديونه قمحا على سبيل السّلم بالدّين الّذي له عليه فقد وجب له عليه دين ،وسقط عنه غيره " . وقد حكى بعضهم الجماع على امتناع هذا شرعا ،ول إجماع فيه . ونقل تلميذه ابن القيّم عنه اختيار جوازه ،ثمّ قال :وهو الصّواب ،إذ ل محذور فيه ،وليس بيع كالئ بكالئ فيتناوله النّهي بلفظه ،ول في معناه فيتناوله بعموم المعنى .فإنّ المنهيّ عنه قد شغلت فيه ال ّذمّتان بغير فائدة :فإنّه لم يتعجّل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله ،وينتفع صاحب المؤخّر بربحه ،بل كلهما شغلت ذمّته بغير فائدة . وأمّا ما عداه من الصّور الثّلث فلكلّ منها غرض صحيح ،ومنفعة مطلوبة ،وذلك ظاهر ن ذمّتهما تبرأ من أسرها ،وبراءه ال ّذمّة مطلوب لهما وللشّارع . ص :فإ ّ في مسألة التّقا ّ وأمّا في الصّورتين الخرتين :فأحدهما يعجّل براءة ذمّته والخر ينتفع بربحه ،يعني فثمّ نفع في مقابلة نفع ،فتجوز ،كما في بيع العين بالدّين سواء اتّحدت ال ّذمّة أم اختلفت . - 14وهناك أقوال أخر أجملها السّيوطيّ في ستّة : - 1بيع . - 2استيفاء . - 3بيع مشتمل على استيفاء . - 4استيفاء مشتمل على بيع . - 5إسقاط بعوض . - 6ضمان بإبراء . - 15والصّحيح عند الحنابلة أنّ الحوالة عقد إرفاق منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره وليست الحوالة بيعا ،لنّها لو كانت بيعًا لكانت بيع دين بدين ولمّا جاز التّفرّق قبل القبض ،
وليست في معنى البيع لعدم العين فيها ،وهذا موافق للمعتمد عند الحنفيّة ،إذ يقولون " : الحوالة ما وضعت للتّمليك ،وإنّما وضعت للنّقل " . أو لقول بعض الشّافعيّة ،كما يفهم من عبارة صاحب المهذّب :إذا أحال بالدّين انتقل الحقّ إلى المحال عليه ،وبرئت ذمّة المحيل ،لنّ الحوالة إمّا أن تكون تحويل حقّ ،أو بيع حقّ ، وأيّهما كان وجب أن تبرأ به ذمّة المحيل . وهو عند المالكيّة صريح كلمهم في تعليل شريطة تساوي الدّينين قدرا وصف ًة :هذا ابن رشد الحفيد نفسه -على خلف ما تقدّم له -يعود فيقول " :لنّه إن اختلفا في أحدهما كان بيعا ولم يكن حوال ًة " فخرج من باب الرّخصة إلى باب البيع ،وإذا خرج إلى باب البيع دخله الدّين بالدّين . إلّ أن يكون تأويل كلمه ما قاله بعض المالكيّة " :إنّ الحوالة من أصلها مستثناة من بيع صحّة كان ذلك هو محلّ الرّخصة الدّين بالدّين ،فهو لزم لها ،إلّ أنّه إذا استوفيت شرائط ال ّ " وإذن يظلّ المالكيّة -قولً واحدا -مع القائلين بأنّ الحوالة مستثناة من بيع الدّين . ن أكثرهم على أنّها مستثناة من بيع الدّين بالدّين. ن الخلف ثابت عندهم ،غير أ ّ ولكن الواقع أ ّ - 16وإليك ما قاله ابن تيميّة :الوجه الثّاني - :يعني ممّا يبيّن أنّ الحوالة على وفق القياس ن صاحب الحقّ إذا استوفى من أنّ الحوالة من جنس إيفاء الحقّ ،ل من جنس البيع ،فإ ّالمدين ماله كان هذا استيفاءً ،فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدّين عن الدّين الّذي ي صلى ال عليه وسلم الحوالة في معرض الوفاء ،فقال في في ذمّة المحيل ،ولهذا ذكر النّب ّ الحديث الصّحيح « :مطل الغنيّ ظلم ،وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع » :فأمر المدين بالوفاء ،ونهاه عن المطل ،وبيّن أنّه ظالم إذا مطل ،وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليء .وهذا كقوله تعالى { :فَا ّتبَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ وََأدَاء إَِليْ ِه ِبِإحْسَانٍ } . أمر المستحقّ أن يطالب بالمعروف ،وأمر المدين أن يؤدّي بإحسان . ووفاء المدين ليس هو البيع الخاصّ ،وإن كان فيه شوب معاوضة .
تقسيم الحوالة وبيان أنواعها : - 17تتنوّع الحوالة عند الحنفيّة ،إلى نوعين أصليّين : أ -حوالة مقيّدة . ب -وحوالة مطلقة . ثمّ تتنوّع الحوالة المطلقة ،بدورها ،إلى نوعين فرعيّين : - 1حوالة حالّة . - 2 -وحوالة مؤجّلة .
ويمكن أيضا أن تتنوّع الحوالة المقيّدة إلى أنواع فرعيّة : أ -حوالة مقيّدة بدين خاصّ . ب -حوالة مقيّدة بعين هي أمانة ،كالوديعة . ج -حوالة مقيّدة بعين مضمونة ،كالمغصوبة .هذا ،وتوجد حالة خاصّة للحوالة ل تخرج عن هذين النّوعين ،هي السّفتجة في بعض صورها . والسّفتجة ورقة تكتب للمقرض في بلد ليستوفي نظير قرضه في بلد آخر اتّقا ًء لخطر الطّريق ن صاحب المال سافر بماله إلى البلد الّذي يقصده ،فيلتمس من يحتاج إلى المحتمل ،لو أ ّ المال هنا وله مال أو دين في البلد الخر ،فيقرضه المال هنا على أن يستوفيه هناك من وكيل المقترض ،أو من مدينه في ذاك البلد . ن بعض صور السّفتجة قرض محض مشروط الوفاء في بلد آخر ،وبعضها يتوافر ونظرا ل ّ فيها معنى الحوالة ،فقد أفرد لها بحث في آخر موضوع الحوالة .
أوّلً -النّوعان الصليّان للحوالة : - 18قد يقيّد قضاء دين الحوالة بأن يكون من مال المحيل الّذي عند المحال عليه أو في ذمّته .وقد ل يقيّد بذلك . ففي الحالة الولى ،تكون الحوالة مقيّدةً ،وفي الحالة الثّانية ،تكون حوالةً مطلق ًة . وفي الحوالة المطلقة قد ل يكون للمحيل عند المحال عليه عين -بغصب أو إيداع أو نحوهما أو ل يكون له في ذمّته دين بسبب ما -كمعاوضة أو إتلف أو غيرهما -فيقبل الحوالةمتبرّع لم تتوجّه عليه للمحيل أيّة حقوق . وقد يكون شيء من ذلك لكن الحوالة أرسلت إرسالً ،ولم تقيّد بشيء من ذلك . وإذن يمكن تفسير كلّ من الحوالة المطلقة والمقيّدة كما يلي : - 19الحوالة المقيّدة :هي الّتي تقيّد بدين للمحيل على المحال عليه ،أو بعين له عنده ، أمانةً كانت أم مضمونةً .مثال ذلك :أن يقول المدين لخر :أحلت فلنا عليك باللف الّتي لي في ذمّتك ،فيقبل المحال عليه ،أو يقول له :أحلت فلنا عليك باللف الّتي له عليّ ، على أن تؤدّيها إليه من الدّنانير الّتي أودعتكها .أو على أن تؤدّيها إليه من الدّنانير الّتي اغتصبتها منّي ،فيقبل المحال عليه ،ويجيز المحال في الحوال كلّها . - 20والحوالة المطلقة :هي الّتي لم تقيّد بشيء من ذلك ،ولو كان للمحيل لدى المحال عليه شيء تمكن التّأدية منه . مثال ذلك :أن يرى رجل خير دائنا ومدينه يتشاجران فيقول للدّائن :دينك عليّ ،ول شأن لك بهذا وإن لم يكن له عليّ شيء ،فيقبل الدّائن .أو يقول المدين لغاصبه -سواء أكانت
ي " ولم يقل :على أن العين المغصوبة باقي ًة أم تالفةً -أحلت فلنًا عليك باللف الّتي له عل ّ تقتضيه ممّا أستحقّه عليك " فيقبل الغاصب ،ويجيز المحال . ومن المثلة ذات اله ّميّة العلميّة :أنّه إذا باع المدين الرّاهن العين المرهونة دون إذن من ل أن يجيز هذا البيع المرتهن ،فإنّ هذا البيع ل يسلب حقّ المرتهن في حبس المرهون إ ّ فيكون عندئذ قد تنازل عن حقّه في حبسه بمقتضى الرّهن ،أمّا إذا تمسّك المرتهن بحقّه ولم يجز البيع ،فإنّ المشتري يتخيّر بين أن يصبر حتّى يفكّ الرّهن ،أو يرفع المر إلى القاضي ليفسخ له البيع ،بسبب العجز عن التّسليم . ن خير وسيلة لحلّ المشكلة أن ينقل فإذا آثر النتظار فقد يطول أمده وحينئذ ربّما بدا له أ ّ ك الرّهن بقضاء الدّين عن الرّاهن ويتسلّم المبيع الدّين على نفسه بطريق الحوالة ،ثمّ يف ّ المرهون ،وبعد ذلك يرجع على الرّاهن بما دفع عن ذمّته إلى المرتهن .
ثانيا -النواع الفرعيّة للحوالة : أنواع الحوالة المقيّدة :
- 21تبيّن ممّا سلف في الحوالة المقيّدة ،أنّها عند الحنفيّة -بالتّفصيل -أنواع ثلثة : أ -حوالة مقيّدة بدين خاصّ . ب -حوالة مقيّدة بعين هي أمانة :كالعاريّة الوديعة والعين الموهوبة -إذا تراضيا على ردّها ،أو قضى القاضي به -أو المأجور بعد انقضاء مدّة الجارة . ج -حوالة مقيّدة بعين مضمونة . والعين المضمونة عند الطلق -كما هنا -إنّما تنصرف إلى المضمونة بنفسها ،أي الّتي إذا هلكت وجب مثلها ،إن كانت مثليّةً ،وقيمتها إن كانت قيميّةً -كالمغصوب ،وبدل الخلع ،والمهر ،وبدل الصّلح عن دم العمد ،والمبيع بيعا فاسدا ،والمقبوض على سوم الشّراء " والعين المضمونة بنفسها هذه ملحقة بالدّيون فتكفل " . أمّا العين المضمونة بغيرها ،فإنّها ل يجري ضمانها على قواعد الضّمان العامّة ،بل يكون ص :وذلك كالمبيع في يد البائع -ولو بعد امتناعه من تسليمه إلى المشتري ، لها ضمان خا ّ إذ ل يصير بذلك غاصبا -وكالرّهن في يد المرتهن ،فإنّه إذا هلك غير مضمون بمثل ول قيمة ،لكن هلك المبيع في يد البائع يسقط الثّمن عن المشتري ،وبهلك الرّهن يسقط ما يقابله من الدّين عن الرّاهن .وما زاد من قيمته على الدّين يهلك عند الحنفيّة على حكم المانة ،ولذا سمّي مضمونا بغيره .
أنواع الحوالة المطلقة : - 22الحوالة المطلقة نوعان :
أ -حوالة حالّة : - 23وهي حوالة الطّالب بدين حالّ على المحيل :إذ يكون الدّين حالّا كذلك على المحال ن الكفيل ن الدّين يتحوّل في الحوالة ،بالصّفة الّتي كان عليها لدى المحيل ،كما أ ّ عليه .ل ّ يتحمّل ما على الصيل ،بأيّ صفة كان .
ب -حوالة مؤجّلة :
- 24وهي حوالة اشترط فيها أجل معيّن ،أو كانت بدين مؤجّل على المحيل ،أو المحال عليه وإن لم يصرّح فيها بالجل كشرط .إذ يكون المال على المحال عليه ،إلى ذلك الجل ن الفرض في حالة الشّرط ،أو العلم بالتّأجيل على السّابق ،أو الّذي استحدث بالشّرط ،ل ّ المحال عليه أنّ الحوالة كذلك قبلت .وفي حالة سبق الجل في جانب المحيل إنّما يتحوّل الدّين بالوصف الّذي كان عليه ،اعتبارا بالكفالة . على أنّهما قد تفترقان في بعض جوانب الجل :ففي الكفالة ،إذا أجّل الطّالب الدّين ،ولم يضف الجل إلى الكفيل ،يصير الجل مشروطا للصيل -حتّى لو مات الكفيل ،يبقى الدّين على الصيل مؤجّلًا .ولو وقع ذلك في الحوالة ،ولم يضف الجل إلى المحال عليه - وبالولى إذا أضافه -ل يصير الجل مشروطا في حقّ الصيل -فلو مات المحال عليه مفلسًا عاد الدّين على الصيل حالّا . ثمّ تغتفر في الجل الجهالة اليسيرة .فقد نصّوا على أنّه لو قبل الحوالة إلى الحصاد ،ل يجبر على الداء قبله .وسواء هنا في لزوم التّأجيل دين القرض وغيره -وإن كان الصل في دين القرض عدم لزوم التّأجيل فيه ،إذ المقرض متبرّع ،فل يجبر على عدم المطالبة - فقد جاء في الكافي للحاكم الشّهيد ما خلصته :رجل مدين بألف قرضا ،ودائن بمثلها ،له أن يحيل دائنه على مدينه إلى أجل معيّن كسنة .ثمّ ليس له بعد ذلك ،أن يأخذ مدينه بدينه ، أو أن يبرّئه منه ،أو يهبه له . ن حقّ الطّالب تعلّق بالمال المحال ومن جملة ما علّله به شارحه السّرخسيّ في مبسوطه :إ ّ ل بطل حقّ الطّالب :لنّ به ،وذلك يوجب الحجر على المحيل عن التّصرّف فيه ،وإ ّ المحال عليه ما التزم الحوالة مطلقةً ،وإنّما مقيّد ًة بذلك المال ،فإذا سقط لم تبق عليه مطالبة بشيء .أل ترى أنّ الحوالة لو كانت مقيّدةً بوديعة ،فهلكت تلك الوديعة ،بطلت الحوالة . ولذا نقل عنه في جامع الفصولين :إنّ الحيلة في تأجيل القرض أن يحال به الدّائن على ثالث ل يطالب المحيل ،لنّ ،فيؤجّل ذلك الثّالث مدّةً معلومةً .إذ هذا صحيح ،ومن لوازمه أ ّ الحوالة مبرّئة من مطالبته ،ول المحال عليه قبل حلول أجله بسبب ما ،ولو بموته أو إسقاطه .
ثالثا :أقسام الحوالة عند جمهور الفقهاء : - 25ل يوجد عند الجمهور هذا التّنويع للحوالة إلى مطلقة ومقيّدة .وإن كان من الجائز - على المرجوح عند المالكيّة والشّافعيّة -حوالة على غير مدين -بشرط رضاه -تترتّب عليها أحكامها عندهم وفي مقدّمتها سقوط دين المحيل وبراءة ذمّته " بصورة نهائيّة غير موقوتة " ،فيصدق عليها أنّها حوالة مطلقة ،وإن لم يسمّوها هم بهذا السم . على أنّ ابن الماجشون -وهو صاحب هذا القول المرجوح عند المالكيّة -قد اشترط أن تقع الحوالة بلفظها وإلّ فهي حمالة ،أي ضمان ( كفالة ) . ن هذا من قبيل الضّمان ،وليس من الحوالة في والّذي رجّحه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،أ ّ شيء ،ولو استعمل لفظها . ويفرّع المالكيّة على هذا الّذي رجّحوه قائلين :لو أعدم -أي أفلس -المحال عليه لرجع المحال على المحيل -إلّ أن يعلم المحال أنّه ل شيء للمحيل على المحال عليه -ويشترط المحيل براءته من الدّين ،فل رجوع له عليه . وليس العدام ،أي الفقر ،شريطةً حتميّ ًة عندهم ليثبت حقّ الرّجوع ،بل مثله الموت وكلّ ق من المحال عليه ،كامتناع ذي سطوة .وهذه طريقة أشهب ، سبب يتعذّر به استيفاء الح ّ وعليها تعويلهم في هذا الحكم خلفا لبن القاسم ،فإنّه يرى عدم الرّجوع مطلقا .
الحوالة على عين :
- 26والحوالة على عين -أيّا كان نوع العين -ل تعرف عند جمهور الفقهاء .إذ هم جميعًا شارطون في المال المحال عليه أن يكون دينا . كما أطبق الحنفيّة وغيرهم على هذه الشّريطة في جانب المال المحال به . على أنّ التّحقيق عند الحنفيّة أنفسهم يردّهم إلى وفاق الخرين .فقد قال السّرخسيّ :حقيقة الحوالة هي المطلقة ،فأمّا المقيّدة من وجه فتوكيل بالداء والقبض .
حلول الحوالة وتأجيلها : - 27فيما يتعلّق بحلول الحوالة وتأجيلها عند جمهور الفقهاء سيأتي بيانه .
أركان الحوالة وشروطها :
- 28ذهب الفقهاء إلى أنّه ل بدّ لوجود الحوالة من التي : أ -الصّيغة . ب -المحيل . ج -المحال . د -المحال عليه .
هس -المحال به " دين المحال على المحيل " . كما ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّه ل بدّ لوجود الحوالة من وجود دين للمحيل على المحال عليه في الجملة . ولم يعتبر الحنفيّة لوجود الحوالة وجود هذا الدّين . ولكن الفقهاء اختلفوا في اعتبار ما سبق أركانًا فذهب الجمهور إلى اعتبارها كلّها أركانا . وذهب الحنفيّة إلى اعتبار الصّيغة وحدها ركنا ،أمّا المحيل والمحال والمحال عليه فهم أطراف الحوالة .والمحال به هو محلّها .
المراد بالصّيغة : - 29الصّيغة تتألّف في الجملة من إيجاب وقبول . المراد باليجاب عند الجمهور :كلّ ما يدلّ على النّقل والتّحويل كأحلتك ،وأتبعتك ، ل ما يدلّ على الرّضا بهذا النّقل والتّحويل ،نحو رضيت ،وقبلت ،وفعلت . وبالقبول :ك ّ ح من خلف فقهيّ عامّ ، ومن القبول :أحلني ،أو لتحلني ( فاللّام المر ) ،على الص ّ لدللته على الرّضا ،ويغني عن إعادته مرّةً أخرى بعد اليجاب . واليجاب عند الحنفيّة :هو قول الطّرف البادئ بالعقد ،والقبول هو القول المتمّم له من ل ما يدلّ دللتها ، الطّرف الخر بأيّة ألفاظ تدلّ على معنى الحوالة .ويقوم مقام اللفاظ ك ّ كالكتابة ،وإشارة الخرس المفهمة ،ولو كان الخرس قادرا على الكتابة فيما اعتمدوه . ل واحد منهما :قبلت ،أو رضيت ،أو نحو ذلك ممّا يدلّ على الرّضا . فاليجاب أن يقول ك ّ ويكفي عند الحنفيّة أن يجري اليجاب والقبول بين اثنين فحسب أيّا كانا من الطراف الثّلثة لتنعقد الحوالة ،لكنّها عندئذ قد تنعقد ناجزةً أو موقوفةً على رضا الثّالث بحسب كون الثّالث أيّ الثّلثة هو : أ -فإن جرى اليجاب والقبول بين المحال والمحال عليه وكان الثّالث هو المحيل ،انعقدت الحوالة ناجزةً دون توقّف على إجازته ،بنا ًء على رواية الزّيادات وهي الصّحيحة ،وخلفا لرواية القدوريّ الّتي اشترطت رضاه ،ولو خارج مجلس العقد . ب -وإن كان الثّالث هو المحال عليه انعقدت موقوف ًة على إجازته ولو خارج مجلس العقد . ج -وإن كان الثّالث هو المحال ،انعقدت موقوف ًة أيضًا على إجازته ولو خارج مجلس العقد ،أخذًا بمذهب أبي يوسف الّذي اعتمدته المجلّة ( م ) 683 /تيسيرا على النّاس في معاملتهم ،وإن شرط أبو حنيفة ومحمّد قبوله في مجلس العقد ،واعتبره شيوخ الحنفيّة المصحّح في المذهب .
تغيّر الحوالة بألفاظ معيّنة :
- 30ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وأكثر المالكيّة إلى أنّه ل تقيّد بألفاظ معيّنة في عقد الحوالة ،شأنها في ذلك كسائر العقود ،إذ العبرة في العقود بالمعاني ل باللفاظ . ل يبرأ كفالة فيتبع ن الكفالة بشرط أن يبرأ الصيل ،حوالة ،والحوالة بشرط أ ّ ولذا قالوا :إ ّ المعنى جريان أحكام الحوالة أو الكفالة ،كما نصّ عليه في البحر . فإذا اختلفت الطراف المعنيّة ول بيّنة :أهي كفالة بشرط براءة الصيل -أي حوالة معنىً ن الصل بقاء حقّه في مطالبة أم بدون شرط البراءة ؟ فالمصدّق هو الدّائن الطّالب ،ل ّل ما يفيد معناها ،كنقلت حقّك إلى فلن ، الصيل ،فل ينتقل إلّ بإقراره .فتنعقد عندهم بك ّ ي ،أو ملّكتك الدّين الّذي عليه بحقّك عليّ ،أو أو جعلت ما أستحقّه على فلن لك بحقّك عل ّ أتبعتك ديناك على فلن ،أو اقبض ديني عليه لنفسك ،أو خذ -أو اطلب -دينك منه . وذهب بعض المالكيّة إلى أنّه يشترط في الصّيغة لفظ الحوالة ،واعتمده خليل في مختصره ، واشترط لفظه الحوالة دون بديل ،وهو الّذي جرى عليه أبو الحسن من أئمّة المالكيّة . - 31ول تنعقد الحوالة عند الشّافعيّة بلفظ البيع مراعاةً للّفظ ،وقيل :تنعقد مراعا ًة للمعنى ، كالبيع بلفظ السّلم . والمالكيّة يتوسّعون ما ل يتوسّع غيرهم ،وهم بصدد صيغة الحوالة فيقولون :إنّها تحصل ( ولو بإشارة أو كتابة ) ويطلقون ذلك إطلقا يتناول القادر -على النّطق -والعاجز ،ثمّ يعقّبون بمقابل ضعيف عندهم -وإن اعتمده بعض متأخّريهم -قائلين :وقيل :ل تكفي الشارة والكتابة إلّ من الخرس .
الصّيغة : - 32الصّيغة تدلّ على التّراضي ويتناول بحث التّراضي العناصر الثّلثة التّالية : - 1رضا المحيل . - 2رضا المحال . - 3رضا المحال عليه . ن رضا المحال والمحال عليه مختلف في اعتبارهما من شرائط النعقاد أو من ويلحظ أ ّ شرائط النّفاذ .
أوّلً :رضا المحيل :
- 33ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط رضا المحيل ،وعلّلوه بأنّه مخيّر في جهات قضاء الدّين ،فل تتعيّن عليه جهة قهرا ،كجهة الدّين الّذي له على المحال عليه 34 .
واشترط الحنفيّة أن تقع الحوالة عن رضا من المحيل لنّها إبراء فيه معنى التّمليك ،فيفسدها الكراه كسائر التّمليكات .
وفي اشتراط رضاه اختلف بين روايتي القدوريّ والزّيادات :ووجه رواية القدوريّ الموجبة ن ذوي المروءات قد يأنفون من أن يحمل عنهم أحد شيئا من ديونهم ،فل بدّ من :أّ رضاهم ،ثمّ يطّرد الباب كلّه على وتيرة واحدة .ووجه الرّواية الصّحيحة النّافية :أنّ التزام الدّين من المحال عليه تصرّف في حقّ نفسه ،والمحيل ل يلحقه به ضرر ،بل فيه نفعه ل فلنّ المحال عاجلً وآجلً :أمّا عاجلً فلنّه سيكفي المطالبة بدينه في الحال ،وأمّا آج ً عليه ل يرجع عليه إن لم يكن بأمره قد قبل حوالة دينه ،فلم يبق معنىً لشتراط رضاه . لكن كثيرا من محقّقي المذهب ل يرون أنّ هناك في الحقيقة خلفا :فإنّ القدوريّ لم يوجب رضا المحيل لنفاذ عقد الحوالة ،بل ليسقط بالوفاء دين المحيل في ذمّة المحال عليه -إن كان -وليرجع هذا إلى المحيل بما أدّى عنه إن لم يكن مدينا له .فإنّه ل رجوع على المحيل ول سقوط لدينه ما لم يرض .
ثانيا :رضا المحال : - 35ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى وجوب رضا المحال للمعنى نفسه النف في رضا المحيل ،ولنّ الدّين حقّه ،فل ينتقل من ذمّة إلى ذمّة إلّ برضاه ،إذ الذّمم تتفاوت يسارا وإعسارا ،وبذلً ومطلً ،وتتأثّر بذلك قيمة الدّين نفسه ،ول سبيل إلى إلزامه بتحمّل ضرر لم يلتزمه . واشترط أبو حنيفة ومحمّد أن يكون هذا الرّضا في مجلس العقد ،حتّى إذا كان غائبا عن المجلس ثمّ بلغه خبر الحوالة فأجازها ،لم تنفذ الحوالة ،لنّها لم تنعقد أصلً إذ أنّ رضا المحال عندهما ركن في انعقادها .أمّا عند أبي يوسف فيكتفى منه بمجرّد الرّضا ،أينما كان ولو خارج مجلس العقد ،فيكون شريطة نفاذ . وأمّا الحنابلة فل يوجبون رضا المحال ،إلّ على احتمال ضعيف عندهم .بل يجبر المحال على القبول ،إذا كان المحال عليه مليئا غير جاحد ول مماطل . وقال بعض الحنابلة :يستغنى بتاتا عن قبول المحال ،فإن قبل فذاك ،وإن لم يقبل فل بأس ، والحوالة نافذة برغمه . قال صاحب النصاف :في رواية عن المام أحمد :ل يبرأ المحيل إلّ برضا المحال . فإن أبى أجبره الحاكم ،لكن تنقطع المطالبة بمجرّد الحوالة .وقيل :يتوجّه أنّ للمحال مطالبة المحيل قبل إجبار الحاكم .ومبنى الرّوايتين :أنّ الحوالة هل هي نقل للحقّ أو تقبيض ؟ فإن قلنا :هي نقل للحقّ ،لم يعتبر لها قبول .وإن قلنا :هي تقبيض ،فل بدّ من القبض بالقول ،وهو قبولها .فيجبر عليه المحال .ا هس .
واستدلّ الحنابلة بظاهر حديث أبي هريرة عند الجماعة :قال صلى ال عليه وسلم « :مطل الغنيّ ظلم ،وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع » .ويفسّره لفظ أحمد وابن أبي شيبة « :ومن أحيل على مليء فليحتل » .فقد أمر صلوات ال عليه الدّائن بقبول الحوالة أو اللتزام بمقتضاها ،والمر بأصل وضعه للوجوب ،وليس هنا ما يصرفه عن هذا الصل . كما استدلّوا بالمعقول :فإنّ الدّائن الّذي يهيّئ له مدينه مثل دينه عدّا ونقدا من يد أخرى فيأبى ل متعنّتا معاندا . أن يأخذه ،ويصرّ على أن ينقده إيّاه مدينه بالذّات ،ل يكون إ ّ
ثالثا :رضا المحال عليه : ح إلى - 36ذهب جمهور الفقهاء الحنابلة والمالكيّة في المشهور عندهم والشّافعيّة في الص ّ أنّه ل يشترط رضا المحال عليه لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « من أحيل على مليء فليتبع » ولم يقل على مليء راض . ن الحقّ للمحيل فله أن يستوفيه بغيره كما لو وكّل غيره بالستيفاء . ول ّ وذهب الحنفيّة في المشهور عندهم إلى اشتراط رضا المحال عليه سواء أكان مدينا أم ل ، ن النّاس يتفاوتون في تقاضي ديونهم رفقا وعنفا ،ويسرا وسواء أتساوى الدّينان أم ل ،ل ّ وعسرا ،فل يلزم من ذلك بما لم يلتزمه . ن المحال عليه مثله في أنّه طرف في الحوالة ل تمام لها بدونه فليكن وقياسا على المحال فإ ّ مثله في اشتراط رضاه .
ن المقصود بالحوالة وكالة : اختلف المتعاقدين في أ ّ
- 37قد يختلف المحيل والمحال في حقيقة العقد الواقع بينهما :هل كان حوالةً أو وكالةً عن المحيل بقبض الدّين من المحال عليه . - 38وفي هذه المسألة عند الحنفيّة احتمالن : أ -إمّا أن يختلفا في اللّفظ المستعمل بينهما نفسه :هل كان لفظ الحوالة أو الوكالة ؟ ب -وإمّا أن يتّفقا على أنّ اللّفظ المستعمل بينهما كان لفظ الحوالة ولكن المحيل يقول :إنّه ن المقصود بالحوالة إنّما أراد بذلك وكال ًة بقبض دين له على الثّالث ،أمّا المحال فيدّعي أ ّ معناها الظّاهر المتبادر الحقيقيّ وليس الوكالة . ن القول للمحيل في عدم الحوالة لنّها عقد ملزم ،فل ففي الحالة الولى :يكون من الواضح أ ّ ل ببيّنة ،إذ الصل عدمه وعلى مدّعيه إثباته . يثبت عليه إ ّ وفي الحالة الثّانية :يقبل في القضاء زعم المحيل بيمينه أنّه إنّما أراد الوكالة ،لنّ لفظ الحوالة صالح لمعنى الوكالة أيضًا بطريق المجاز ومستعمل بمعناها في العرف الفقهيّ ،كما وقع في كلم محمّد بن الحسن وغيره ،ول سيّما أنّ الصل عدم الحوالة وبقاء حقّ المحيل
دينا ،فإذا أنكر المحيل ول بيّنة ،لم يكن عليه إلّ اليمين ،لنصّ الحديث المشهور « :البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » .ول يكون استعمال لفظ الحوالة بمثابة إقرار من المحيل بدين عليه للمحال ما دام لفظها صالحا لمعنى الوكالة . وبهذا الصل يتمسّك لقول محمّد -في رواية ابن سماعة -أنّ للمحيل أن يقبض المال في غيبة المحال ،وأن ينهى عن دفعه إليه بدعوى أنّه حين أحاله إنّما أراد توكيله . وإن كان الّذي رواه بشر -واعتمدوه ويعزى إلى أبي يوسف -خلف ذلك ،بناءً على أنّ تصديقه في دعواه هذه هو من قبيل القضاء على الغائب . نعم إذا كان في صيغة التّعاقل نفسها -وراء ظاهر اللّفظ -ما يكذّب هذا الدّعاء ،فل سبيل إلى قبوله ،ولذا ينصّون على أنّه إذا وقعت الحوالة بصيغة :اضمن عنّي كذا من المال لفلن ن الصّيغة ل تحتملها . ،كانت دعوى الوكالة كذبا مرفوضا ،ل ّ ن قبول قول المحيل بأنّ الحوالة كان المقصود بها - 39وقد ذهب بعض الحنفيّة إلى أ ّ ن كلمة الحوالة مستعملة في الوكالة ،فل يكون إقرارا بدين المحال ،ل وكالةً ،وتعليله بأ ّ ن كلمة الحوالة مستعملة في المعنيين " معنى الحوالة ،ومعنى الوكالة " ل بناءً على أ ّ يستقيم إ ّ على سواء ،لتكون من قبيل اللّفظ المشترك ،ول يكفي أن يكون استعمالها في الوكالة من ن الحقيقة مقدّمة على المجاز عند المام ، ل عند الصّاحبين -ل ّ قبيل المجاز المتعارف -إ ّ ن ما على ولذا تكلّف شمس الئمّة السّرخسيّ فحمل المسألة على :ما إذا ادّعى المحال أ ّ ن المحيل كان وكيلً عنه في بيعه . المحال عليه ليس إلّ ثمن مال له هو ،وأ ّ ن أصل المنازعة وقع فالدّين دينه هو ،وقد وصل إليه حقّه .وإذن يكون القول للمحيل ،ل ّ بينهما في ملك ذلك المال ،واليد كانت للمحيل فالظّاهر أنّه له . وعلّق عليه الكمال بن الهمام بقوله " :ظاهره تخصيص المسألة بنحو هذه الصّورة " ،وليس كذلك بل جواب المسألة مطلق في سائر المّهات ،والحقّ أن ل حاجة إلى ذلك بعد تجويز ن ثبوت الدّين على النسان ل يمكن كون اللّفظ " :أحلتك بألف " يراد به ألف للمحيل ،ل ّ بمثل هذه الدّللة ،بل ل بدّ من القطع بها من جهة اللّفظ أو دللته ،مثل :له عليّ أو في ل بمثله من اللّفظ ، ذمّتي ،لنّ فراغ ال ّذمّة كان ثابتًا بيقين فل يلزم فيه ضرر شغل ذمّته إ ّ ومنه قوله :اتّزنها ،في جواب :لي عليك ألف " للتّيقّن بعود الضّمير في اتّزنها على اللف المدّعاة بخلف مجرّد ( قوله :أحلتك ) . - 40ويترتّب على ذلك : أ -أنّه إذا كان المحال قد قبض بالفعل دين الحوالة ،الّتي أنكر المحيل حقيقتها ،بدعوى أنّها وكالة ،فإنّه يؤمر بردّ ما قبضه إلى المحيل ،إذ قد سقط -بسقوط دعواه -حقّه فيه .
ب -إذا كان المحيل صادقا في دعواه -وليس كاذبًا يريد الحيلة -فإنّ الحوالة ل يكون قد طرأ عليها أيّ تغيير ،إلّ بحسب ظاهر الحال ،وهي إذن لم تنعقد من الصل حوالةً حقيقيّ ًة ،بل وكالة . - 41رأي غير الحنفيّة :الّذي قرّره الحنفيّة في هذه الحالة ،هو قول المزنيّ عند الشّافعيّة ، وقد اعتمدوه ،لنّ الصل بقاء الدّين في محلّه ،ولكن أبا العبّاس بن سريج منهم ينازع فيه ، وعنده أنّ مدّعي الحوالة هو الّذي يصدّق بيمينه ،لنّ استعمال صيغة الحوالة بلفظها يؤيّده ، فالظّاهر معه ،كما لو تنازع اثنان على ملك دار ،وهي في يد أحدهما ،وسيأتي الفصل في الموضوع وفق القواعد المقرّرة ( ر :ف . ) 42 / وواضح أنّ حكم المسألة يبقى كما هو ،إذا كان النّزاع منصبّا على اللّفظ الّذي استعمل : أكان لفظ الحوالة أم لفظ الوكالة . والفرض أن ل بيّنة لحدهما ،وإلّ عمل بها في هذه الصّورة الخيرة لمكانها ،وهذا ممّا ن منكر الحوالة هو في معتمدهم الصّدق على كلّ حال نصّ عليه الشّافعيّة ،كما نصّوا على أ ّ ن الصل معه -ولو كان منكرها وزاعم الوكالة هو المحال نفسه لمر ما ،كما لو تبيّن لّن محلّ الخلف إنّما هو فيما إذا كان له إفلس المحال عليه .ومن أهمّ ما صرّحوا به أيضا أ ّ ل فل يتّجه سوى تصديق المحيل ،وللمحال تحليفه على نفي المحيل مقرّا بدين المحال ،وإ ّ ل بعد دينه ،لنّه ،أي المحيل ،متمسّك عندئذ بنفس الصل الوّل الّذي ل تتحقّق حوالة إ ّ تحقّقه وهو كونه مدينا للمحال . وكما وافق الشّافعيّة -في المعتمد لديهم -الحنفيّة في الصل ،وافقوهم في الستثناء أيضًا إذ هو ممّا ل يقبل النّزاع ،فذكروا أنّه إذا كان في صيغة التّعاقد ما يكذّب المحيل -كمالو قال :أحلتك بالمائة الّتي لك في ذمّتي على فلن مديني -فالقول قول المحال عندئذ ،لنّ هذا ل يحتمل غير الحوالة وكلّ ما قرّره الشّافعيّة ،أصلً واستثناءً ووفاقا وخلفا وترجيحا ، ذكره الحنابلة حذو القذّة بالقذّة . - 42والقولن اللّذان ذكرهما الشّافعيّة يوجدان أيضا عند المالكيّة . فابن القاسم يرى رأي المزنيّ ،وابن عبد الملك يرى رأي أبي العبّاس ،وإن كان الّذي يوجد لكلّ منها إنّما هو نصوص جزئيّة قام أصحابهما بتخريج نظائرها عليها ،وقد جرى خليل على الثّاني ،ولكنّهم نقدوه وآثروا الوّل . ومن آثار هذا الخلف :فيما نصّ عليه الشّافعيّة والحنابلة حالت واحتمالت تختلف في الحكام تبعًا لما إذا كان منكر الحوالة ومدّعي الوكالة هو المحيل أو المحال . وتفصيل ذلك كما يلي :
- 43الحالة الولى -حين يكون المحيل هو منكر الحوالة : أ -فعند من يقولون بترجيح زعم مثبتها ( وهو المحال ) تثبت الحوالة بيمينه وتترتّب عليها آثارها ،وفي طليعة هذه الثار براءة المحيل ،ومطالبة المحال عليه . ب -وعند من يقولون بترجيح زعم منكرها ( وهو المحيل ) تنتفي الحوالة وتثبت الوكالة ن المحال إمّا أن يكون قد قبض المال من بيمينه ،ثمّ تبرز بعد ذلك احتمالت ثلثة :ل ّ المحال عليه ،أو لم يقبضه ،وفي الحالة الولى :إمّا أن يكون المال باقيا عنده أو هالكا . ن المحال لم يقبض المال : - 44الحتمال الوّل :أ ّ في هذه الحالة ينعزل الوك يل من الوكالة بإنكاره إيّا ها ،فل يكون له الح قّ في الق بض من المحال عليه ،وهل يرجع بدينه على المحيل ؟ ال صّواب :نعم ،ل نّ المحيل ينكر الحوالة ، وق يل :ل ير جع ،مؤاخذةً له بقول نف سه ل نّ مقت ضى الحوالة الّ تي يدّعي ها براءة المح يل ، وثبوت حقّه على المحال عل يه -ولو قب ضه المح يل م نه -لنّه في نظره وزع مه ل يس إلّ قبض ظالم ما ليس له بحقّ . ن المحال قبض المال ،وما زال عنده : - 45الحتمال الثّاني :أ ّ فسي هذه الحالة يكون على المحال ردّ مسا قبضسه إلى المحيسل ،وللمحيسل اسسترداده منسه ،ثم ّس ل فقد استردّ منه المحيل ما قبضه على أساس يرجع هو على المحيل بدينه ،لنّه إن كان محا ً الحوالة فعلى المحيل أن يفيه دينه ،وإن كان وكيلً فحقّه باق في ذمّة المحيل . هكذا قالوا ،مع تسليمهم بأنّه دائن ،ولم يقولوا بالمقاصّة ،لنّ الّذي بيده عين والّذي له دين ،والمقاصّة عندهم إنّما تكون بين دينين متساويين جنسا وقدرا وصف ًة :فليس لها هنا موضع .نعم إن خشي ضياع حقّه كان له ،بينه وبين اللّه ،أخذ ما معه على سبيل الظّفر بالحقّ .وهناك من يقول :ليس للمحال حقّ الرّجوع بدينه ،مؤاخذ ًة له بمقتضى قوله ،لنّه بإقراره بالحوالة مقرّ ببراءة ذمّة المحيل من هذا الدّين . - 46الحتمال الثّالث :أنّ المحال قبض المال ،ولكنّه هلك عنده : حقس للمحيسل على المحال ،ول للمحال على المحيسل ،سسواء أكان التّلف بتفريسط منسه أم فل ّ بدون تفريط .فإن كان بتفريط ،فلنّه إمّا ماله قد تلف بيده ،وذلك إذا كان في الواقع صادقًا في زعمه الحوالة ،وإمّا مال لزمه ضمانه ،فيثبت عليه مثل ما له عند المحيل ويتقا صّان . ن المال إنّ ما تلف في يد أمي نه ،أي وكيله ن المح يل مقرّ بأ ّ وأمّا أن كان بغ ير تفر يط ،فل ّ ي من كبار الشّافعيّة ،ينازع في هذا بمقتضى دعواه ،والفرض أن ل تعدّي .وإن كان البغو ّ ،بناءً على أنّ أخذ الوكيل لنفسه يوجب ضمانه ويقول :إنّه يضمن لثبوت وكالته ،كما أنّه ، أي المحال ،مقرّ بأنّه قد استوفى حقّه ،وتلف عنده .
- 47الحالة الثّانية :حين يكون المحال هو منكر الحوالة : أ -فع ند من يقولون بترج يح ز عم مثبت ها " و هو المح يل " :تث بت الحوالة بيمي نه ،وتترتّب عليها أحكامها ،فيبرأ المحيل ،ويطالب المحال عليه ،ث مّ ما قبض منه يكون للمحال ،لنّا إذا نظر نا إلى جا نب المح يل ،فهذا هو مقت ضى الحوالة الّ تي أقرّ هو ب ها ،وإذا نظر نا إلى جانب المحال ،فإنّه ظافر بجنس حقّه الّذي يأبى المحيل تسليمه إليه . ب -أمّا عند من يقولون بترجيح زعم نافيها " وهو المحال " فتثبت الوكالة بيمينه ويعتبر وكيلًا بالقبض ،عن المحيل ،كما أنّ المحيل في تمسّكه بأنّ العقد كان حوال ًة يكون معترفا بدين المحال في ذمّته . ثمّ الحتمالت بعد ذلك ثلثة :لنّ المحال إمّا أن يكون قد قبض المال من المحال عليه ،أو لم يقبضه ،وفي الحالة الولى :إمّا أن يكون المال باقيًا عنده أو هالكا . ن المحال لم يقبض المال : - 48الحتمال الوّل :أ ّ وفي هذه الحالة يأخذ المحال حقّه من المحيل ،ث مّ يكون للمحيل مطالبة المحال عليه بدينه ، ل نّ الواقع إن كان وكال ًة -كما ثبت ظاهرا -فدينه ما زال في ذمّة مدينه لم يقبضه الوكيل ن المحال لم يعمل بمقتضاها لنّ ها اع تبرت في الظّا هر ب عد ،وإن كان في الواقع حوال ًة ،فإ ّ وكال ًة ،وبدلً من أن يأ خذ المحال حقّه من المحال عل يه ،أخذه من المح يل ظلما وعدوانا ، فيكون له -رغم إقراره بأ نّ ما في ذمّة المحال عليه هو للمحيل -أن يأخذه لنفسه وفا ًء بما أخذه المحال منسه ،كالظّافسر بجنسس حقّه ،وهذا هسو الّذي رجّحسه ابسن المقري مسن متأخّري الشّافعيّة والقاضي من الحنابلة . وإن كان ثمّ من يمنعه من أخذه ،وقوفا عند مؤاخذته بإقراره هذا . ن المحال قبض المال ،وما زال عنده : - 49الحتمال الثّاني :أ ّ في هذه الحالة يكون له الح قّ في تملّك ما قبض .لنّه مع ثبوت الوكالة يعتبر ظافرا بجنس سكًا بالحوالة الّتي تتضمّن إقرار المحيل له بدينه . حقّه الّذي يأبى المحيل تسليمه إليه تم ّ - 50الحتمال الثّالث :المحال قبض المال ،ولكنّه هلك عنده : وفي هذه الحالة -تفريعا على الوكالة الّتي ثبتت -إن كان قد تلف بتفريط منه لزمه ضمانه ،وثبت عليه مثل ما له في ذمّة المحيل ،فيتقاصّان ،وإن كان من غير تفريط ،فقد هلك على صاحبه وهو المحيل ،ويرجع هو بدينه عليه ،وعلى كلّ حال يبرأ المحال عليه ، بالدّفع إلى المحال ،لنّه إن كان محالً ،فذاك حقّه ،وإن كان وكيلً ،فقد دفع إليه بمقتضى عقد الوكالة .
- 51تنبيه :عدم تضمين المحال في هذه الحالة الخيرة عندما يتلف المال بيده دون تفريط ولها نظائر -مبنيّ على أنّه إذا انتفت الحوالة في هذا التّنازع المشروع ثبتت الوكالة ،ق من وقد عبّر الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ في المهذّب بذلك فعلً :فهو يقول في هذا الشّ ّ ي في القضيّة " وإن قلنا بقول المزنيّ ،وحلف المحال ثبت أنّه وكيل " ،كما عبّر به البغو ّ خلفيّته النفة الذّكر ( ر :ف . ) 42 / ن الصل فيما يتلف في يد إنسان ولكن الجوينيّ يحكي وجهًا آخر بتضمين المحال ،ويعلّله بأ ّ من ملك غيره هو الضّمان ،ول يلزم من تصديقه في نفي الحوالة ،ليبقى حقّه ،تصديقه في إثبات الوكالة ليسسقط عنسه الضّمان .كمسا إذا اختلف المتبايعان فسي قدم العيسب وحدوثسه ، و صدّقنا البائع بيمي نه في م نع الرّدّ بذا الع يب ،ث مّ و قع الف سخ ،بتحالف أو غيره ،فإنّه ل يمكّن من المطالبة بأرش ذلك العيب ،ذهابا إلى أنّه حادث بمقتضى يمينه . [ ولعلّ م ثل هذا المل حظ هو الّذي حدا بالمتأخّر ين من الشّافعيّة إلى العدول عن عبار تي ي إلى م ثل قول هم " :وبالحلف تند فع الحوالة " ،ولكنّ هم لم يعوّلوا على هذا الشّيراز يّ والبغو ّ ح -أنّ ها مق صودة ومضوا في الو جه ،بل ولم يلتفتوا إل يه بأك ثر من هذه الشارة -إن ص ّ التّفريع على أساس ثبوت الوكالة ] .
مجلس العقد :
ح إلى أنّ الحوالة تنعقد 51م -ذهب المالكيّة في المشهور عندهم والشّافعيّة في الص ّ باليجاب من المحيل ،والقبول من المحال . ل في مجلس العقد وهو ول يكون قبولً بمعناه المتبادر عند الطلق ،بل قرينة صارفة إ ّ مجلس علم المحال باليجاب غير المرجوع عنه بكتابة أو غيرها . ويجبر المحال على القبول عند الحنابلة إذا أحيل على مليء . أمّا المحال عليه فل يشترط رضاه ،ل في العقد ول خارجه ،لنّه مدين للمحيل ،فل شأن له بمن هو مكلّف بالتّأدية إليه أو إلى من يختاره .لكن اليجاب من المحيل كاف وحده عند الحنابلة ،فهم يكتفون في مجلس العقد بإيجاب المحيل فقط . ويشترط بعض المالكيّة حضور المحال عليه وإقراره ،أو حضوره وعلمه . واشترط ابن القاسم من المالكيّة حضور المحال عليه وإقراره أو حضوره وعلمه ،ووافقه من المالكيّة طائفة كبيرة كابن يونس وابن عرفة وأبي الحسن ،حتّى لقد استنبط ابن سودة في ن هذا الرّأي هو المعتمد ،وبناءً عليه تفسخ الحوالة على شرح التّحفة من اجتماع كلّ هؤلء أ ّ الغائب .وبالرّغم من ذلك فالّذي جرى عليه خليل والقرافيّ وابن سلمون -واشتهر عند المالكيّة -عدم اشتراط هذه الشّريطة وهو في الصل قول ابن الماجشون وينسب إلى مالك
نفسه ،وعليه عامّة الموثّقين والندلسيّين .وهو قول من عدا المالكيّة من الفقهاء - 52 . ن شريطة اليجاب والقبول أن يكونا بمجلس واحد هو مجلس العقد ،وقد وذهب الحنفيّة إلى أ ّ ل واحد ن كلّا من البتداء والتّعقيب يمكن أن يكون من ك ّ ل اليجاب ،وقد عرفنا أ ّ يسمّى :مح ّ ل أنّها تكون ناجز ًة أو موقوفةً ،نحو من الطراف الثّلثة لكلّ حوالة ،وبذلك تنعقد الحوالة إ ّ ما أسلفناه ( ر :ف . ) 29 / وقد لخّصه صاحب النّهر من الحنفيّة -على طريقة أبي حنيفة ومحمّد -بقوله :الشّرط قبول المحتال في المجلس ،ورضا المحال عليه ولو غائبا .
الشّروط الّتي يشترطها الطراف : 53
-يشترط الحنفيّة كما سبق ( ر :ف /
24
) في صيغة الحوالة عدم وجود شرط غير
جائز ،من مب طل ،كالتّعل يق والتّأق يت ،أو مف سد كالتّأج يل إلى أ جل مجهول جهالةً فاحشةً . ن تعليق التّمليكات والتّقييدات ل يجوز ،فالتّمليك ،كبيع وهبة وإجارة ففي جامع الفصولين :إ ّ ،وأمّا التّقييد فكعزل الوكيل وحجر المأذون . ل من وهذا النّصّ ينطبق على الحوالة ،لما فيها من معنى المعاوضة والتّقييد أيضا ،إذ ك ّ المحال والمحال عليه يلتزم بها التزامات جديدةً . ن التّأقيت ينافي طبيعة - 54أمّا التّأقيت ،والتّأجيل إلى الجل المجهول جهال ًة فاحشةً :فل ّ الحوالة -أعني نقل الدّين -فلو قيل الحوالة قابل لمدّة سنة واحدة ،مثلً ،فل حوالة أصلً ، ن التّأجيل بالجل المجهول جهالةً فاحشةً يفضي إلى النّزاع المشكل ،مثال ذلك :أن يقول ول ّ الملتزم :قبلت حوالة الدّين الّذي لك على فلن ،على أن أوديه إليك عند هطول المطر ،أو عند هبوب الرّيح ،وهذا شرط ل منفعة فيه لحد فيلغو ،وتكون الحوالة حالّ ًة بخلف التّأجيل بالجل المعلوم كغاية شهر كذا ،أو المجهول جهال ًة محتمل ًة كموسم حصاد القمح هذا العام ، فإنّه تأجيل بأجل متعارف ،ول غرر فيه أصلًا ،أو ل غرر يذكر . ن تأجيل عقدها ل يصحّ ،ولكن تأجيل الدّين فيها يصحّ ، وصرّح فقهاء الحنفيّة في الحوالة بأ ّ فلو قال لخر :ضمنت بما لك على فلن على أن أحيلك به على فلن إلى شهر ،انصرف ح. التّأجيل إلى الدّين لنّ تأجيل عقدها ل يص ّ - 55ومقتضى قواعد المالكيّة الحكم بصحّة أن يشترط البائع على المشتري أن يحيل عليه دائنه ،وهذا على ما قرّره أبو إسحاق التّونسيّ المالكيّ من الكتفاء بأن يكون الدّين في الحوالة مقارنًا لثبوتها ول يشترط أن يكون سابقًا عليها . وعند الشّافعيّة أنّه لو شرط العاقد في الحوالة رهنا أو ضمينا فالمعتمد أنّه ل يجوز ،وقالوا في خيار الشّرط :أنّه ل يثبت في عقدها لنّه لم يبن على المغابنة .
ويرى الحنابلة أنّ الحوالة ل يدخلها خيار وتلزم بمجرّد العقد ،ويرون كذلك أنّه لو شرط على المحتال أن يؤخّر حقّه أو يؤخّر بعضه إلى أجل ولو معلوما لم تصحّ الحوالة ،لنّ الحالّ ل يتأجّل بالتّأجيل .
أطراف الحوالة : أوّلً -المحيل وشرائطه :
- 56يشترط في المحيل عدّة شرائط لصحّة العقد ،وشريطة واحدة لنفاذه ( ر :ف .) 94/ فشرائط صحّة الحوالة في المحيل نوعان :
النّوع الوّل :شرائط تتعلّق بأهليّة المحيل : - 57أ -العقل :يشترط في المحيل أن يكون عاقلً ،فل تنعقد حوالة المجنون والصّبيّ اللّذين ل تمييز لديهما .إذ العقل من شرائط أهليّة التّصرّفات كلّها . ب -نفاذ التّصرّفات الماليّة :ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الحوالة تصحّ من المحجور عليه لفلس بشريطتين :إذن القاضي ،وعدم ظهور دائن آخر .وعليه بعض الشّافعيّة .ولكنّهم ن الحجر لحقّ الغرماء بعامّة ،وقد يكون ثمّ دائن آخر في الواقع ونفس المر . ضعّفوه ،ل ّ ن القول بالجواز هنا في حالة الحجر للسّفه والرّأيان يردان في حوالة السّفيه بإذن وليّه ،إلّ أ ّ أقوى ،حتّى لقد قطع به إمام الحرمين . ويرى كثير من الفقهاء أنّ الجازة اللّاحقة لتصرّف السّفيه كالذن السّابق . ومن هؤلء الحنفيّة والمالكيّة .فإذا كان الدّين على اثنين فأحال به ،وأحدهما نافذ التّصرّف والخر بخلفه -أو كانا هما المحال عليهما معا ،وأحدهما غير نافذ التّصرّف -فيجري فيه الخلف المعروف في نتيجة تفريق الصّفقة .
النّوع الثّاني :مديونيّة المحيل للمحال :
- 58صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ من شروط الحوالة ،أن يكون المحيل مدينا للمحال ولو بدين حوالة سابقة ،أو دين كفالة ،أو بدين مركّب من هذا كلّه أو بعضه . وعلّلوه بأن ليس من المتصوّر حوالة دين ل وجود له . ص المالكيّة على الكتفاء بإقرار المحال بثبوته. ويثبت الدّين بطرق الثبات المقرّرة فقها ،وين ّ واشترط الحنفيّة أن يكون المحيل مدينا للمحال .وإلّ كانت الحوالة على مدين وكالةً بالقبض ،أو هبة دين ،أو بيع دين من غير من هو عليه ،وهذه الهبة وهذا البيع باطلن عندهم .
ثانيًا :المحال وشرائطه :
- 59يشترط جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " في المحال لنعقاد الحوالة أن يكون عاقلً ،لنّ قبوله الحوالة شريطة أو ركن فيها ،وغير العاقل ليس من أهل القبول ، ي غير مميّز . فل يصحّ احتيال مجنون ول صب ّ ل على احتمال ولم يتعرّض الحنابلة لهذا الشّرط ،لنّهم ل يشترطون رضا المحال -إ ّ ضعيف لهم -بل المحال عندهم يجبر على القبول إذا أحيل على مليء .
ثالثًا :المحال عليه وشرائطه : ي على الصحّ -عن عقد الحوالة عند أكثر منكري الحوالة - 60أنّ المحال عليه أجنب ّ المطلقة -وإذن فليس يشترط فيه شيء من هذه الشّرائط الّتي يذكرها الحنفيّة سوى مراعاة ل استيفاء الحقّ كالدّار يكون فيها المتاع ،أو مصلحة القاصر ،لنّه عندهم ليس إلّ مح ّ الكيس تكون فيه النّقود .ويشترط في المحال عليه عند الحنفيّة أن يكون متمتّعًا بأهليّة الداء الكاملة ،وذلك بأن تتوافر فيه الصّفتان التّاليتان :
الولى :الهليّة :
- 61أن يكون عاقلً ،لما قدّمناه في المحال ،فل تصحّ الحوالة على مجنون أو صبيّ ل ح من الصّبيّ قبولها بحال ،قياسا على الكفالة تمييز له .كما يشترط أن يكون بالغا ،فل يص ّ ن قبول هذه الحوالة ،وما دام ليس في ذمّته ول عنده للمحيل ما يفي بالدّين المحال به ،ل ّ حينئذ تبرّع ابتداءً ،إن كانت الحوالة بأمر المحيل ،وتبرّع ابتداءً وانتها ًء إن لم تكن بأمره ، ق الرّجوع عليه في هذه الحالة الخيرة ،سواء بعد ذلك أكان الصّبيّ مأذونا في إذ ل يملك ح ّ التّجارة أم غير مأذون ،بل وسواء قبوله بنفسه وقبول وليّه له ،لنّه من التّصرّفات الضّارّة ،فل يملكه الوليّ .والتّقييد -بكونه ليس في ذمّته ول عنده للمحيل ما يكفي -ليس في كلم الحنفيّة .ولكن ابن عابدين استظهره في حاشيته على البحر فإذا اختلّ هذا القيد - ل يشترط بلوغه لصل انعقاد بأن كان في ذمّته أو عنده للمحيل ما يكفي سداد دينه -فينبغي أ ّ الحوالة ،بل لنفاذها ،فتنعقد موقوف ًة على إجازة وليّه إن كان دون البلوغ . وعندئذ ينبغي أن تكون شريطة البلوغ هذه شريطة نفاذ مطلوبةً في المحال عليه بالنّسبة إلى الحوالة المقيّدة بالدّين الّذي عليه ،لنّ فيها معنى المعاوضة انتهاءً ،حيث يقضى فيها دين ص ،فتحتاج إلى إذن الوليّ أو إجازته . بدين بطريق التّقا ّ أمّا إذا كانت الحوالة مطلق ًة فإنّ بلوغ المحال عليه عندئذ شريطة انعقاد ل بدّ منها ،لنّها كما قال صاحب البحر هنا :إن كانت بأمر المحيل كانت تبرّعا ابتداءً ،معاوض ًة انتهاءً ،وإن كانت بدون أمره كانت تبرّعا ابتداءً وانتها ًء فهي من المضا ّر الّتي ل يملكها على الصّغير ح من غير البالغ ولو بإذن وليّه أو إجازته . وليّه كسائر التّبرّعات ،فل تص ّ
وكون المحال عليه مدينًا للمحيل أو عنده مال له ل يمنع إطلق الحوالة دون ارتباطها بالدّين أو المال الّذي للمحيل عنده ،إلّ أن يقال :إنّها عندئذ تعقد مقيّدةً حكما بهذا المال أو الدّين ولو صدرت بصيغة مطلقة ،وتكون موقوفةً على إجازة الوليّ ،فليتأمّل .
الثّانية :قدرة المحال عليه على الوفاء بما التزم به : - 62يشترط الحنفيّة في المحال عليه أن يكون قادرا على تنفيذ الحوالة ،فلو قبل الحوالة مقيّدةً بشرط العطاء من ثمن دار المحيل ،فهي حوالة فاسدة ،لنّه ل يقدر على بيع دار ليست له .فإن كان ثمّ إذن سابق من صاحب الدّار ببيعها صحّت الحوالة ،لنتفاء المانع ، لكنّه ل يجبر على البيع ،وإن كان وجوب الداء في الحوالة متوقّفا عليه ،فإذا باع الدّار مختارا يجبر على الداء ،كما لو قبل الحوالة إلى الحصاد ،فإنّه ل يجبر على الداء قبله . وكذا لو قبل الحوالة على أن يؤدّي من ثمن داره هو ،فإنّه ل يجبر على الداء حتّى يبيع مختارا ،لكن إن شرط قيامه بهذا البيع في صلب عقد الحوالة أجبر عليه ،قياسا على الرّهن ،إذا شرط فيه بيع المرهون عند عدم الوفاء ،فإنّه يكون شرطا ملزما ،ل يملك الرّاهن الرّجوع فيه .هكذا جمع صاحب الظّهيريّة بين قولين :أحدهما :إطلق الجبار ،والثّاني : إطلق عدمه ،فحمل الوّل على حالة الشتراط ،والثّاني على عدمه .
ملءة المحال عليه :
- 63لم يشترط الحنفيّة ،ول الشّافعيّة ،ملءة المحال عليه . ويرى المالكيّة أنّ حقّ المحتال يتحوّل على المحال ،بمجرّد عقد الحوالة ،وإن أفلس المحال عليه ،أو جحد الدّين الّذي عليه بعد تمام الحوالة وسواء كان الفلس سابقا على عقد الحوالة ، ن حقّ المحال ل يتحوّل أو طارئا عليها إلّ أن يعلم المحيل وحده بإفلس المحال عليه ،فإ ّ على ذمّة المحال عليه ول تبرأ ذمّة المحيل بذلك . ي اشتراط ملءة المحال عليه للّزوم الحوالة إذا لم يرض المحال بالحوالة . ويرى الرّهون ّ ويرى الخرشيّ بطلن الحوالة في حالة جهل المحال عدم ملءة المحال عليه وعلم المحيل ذلك . أمّا الحنابلة فيشترطون ملءة المحال عليه للزوم الحوالة إذا لم يرض المحال بالحوالة ،على ن من معتمد الحنابلة ،أو إذا جهل حال المحال عليه ،على رواية عندهم ،وينصّون على أ ّ قبل الحوالة على مليء بعدما أفلس كان رضاه معيبًا فل يعتبر ،بل يحقّ له فسخ الحوالة . وقد اعتبر أحمد في المليء الّذي يجب قبول الحوالة عليه ملءته بماله ،وبقوله ،وببدنه ، أي أن يكون قادرًا على الوفاء ،غير جاحد ،ول مماطل ،كما هو المتبادر ،وكما فهم ابن ن الملءة بالقول تعني عدم الجحد وعدم قدامة في المغني .ولكن متأخّري الحنابلة على أ ّ
المماطلة ،ويفسّرون الملءة بالبدن بإمكان إحضار المحال عليه إلى مجلس الحكم .ولذا ل يجب عندهم على المحال قبول الحوالة على أبيه ،دون رضاه ،ول على من في غير بلده ، لنّه ل يمكن إحضارهما إلى مجلس الحكم ،وبالتّالي ل يجبر المحال على هذا القبول .ولم يعتبروا في القدرة على الوفاء أن تكون ناجز ًة ،فذو المال الّذي ل تصل إليه يده الن لمر ما ،هو مليء ما دام على ما سبق وصفه . ي قاصر كوصيّ يتيم ،أو كان صغيرا مميّزا ،أجاز - 64وقال الحنفيّة إذا كان المحال ول ّ وليّه الحالة ،فإنّه يشترط أن يكون المحال عليه حينئذ أمل من المدين الوّل صيان ًة لحقّ حسَنُ } والصّغير بمثابة اليتيم. ي َأ ْ ل بِاّلتِي ِه َ ل ا ْل َيتِيمِ ِإ ّ ل تَ ْق َربُواْ مَا َ الصّغير ،لقوله تعالى َ { :و َ لكن ابن عابدين في حواشيه على البحر نقل نصوصا مذهبيّ ًة تنافيه :وذلك إذ يقول -نقلً عن كتاب أحكام الصّغار " -ذكر فخر الدّين في بيوع فتاواه :الب والوصيّ إذ قبل الحوالة على شخص دون المحيل في الملءة " -إن وجب -أي الدّين -بعقدهما جاز عند أبي حنيفة ومحمّد ،ول يجوز عند أبي يوسف ،وإن لم يكن واجبا بعقدهما ( كالرث ) ل يصحّ في قولهم .وذكر صدر السلم أبو اليسر في باب الخلع من المبسوط -في حيلة هبة صداق ن الب يحتال على نفسه شيئا ،فتبرأ ذمّة الزّوج من ذلك القدر ،ولو كان الب الصّغيرة -أ ّ مثل الزّوج في الملءة فينبغي أن تصحّ أيضا ،وقد اكتفى ابن نجيم في البحر بحكاية القولين عند التّساوي في الملءة . وصرّح الشّافعيّة بصحّة احتيال وليّ القاصر بشريطة واحدة :أن تقتضي ذلك مصلحة خيْرٌ } ح ّل ُهمْ َ ن ا ْل َيتَامَى قُلْ ِإصْلَ ٌ سأَلُو َنكَ عَ ِ ص التّنزيل الحكيم َ { :و َي ْ القاصر نفسه ،أخذًا من ن ّ دون تقييد بأيّ قيد آخر .ولذا أبطلوا احتياله على مفلس ،علم إفلسه أم جهل ،واحتياله بدين موثّق عليه برهن أو ضمان ،لما في انفكاك الوثيقة من الضّرر البيّن . وقد سئل السّيوطيّ عن رجل له على رجل دين ،فمات الدّائن وله ورثة ،فأخذ الوصياء من المدين بعض الدّين ،وأحالهم على آخر بالباقي ،فقبلوا الحوالة وضمن لهم آخر فمات المحال عليه ،فهل لهم الرّجوع على المحيل أم ل ؟ فأجاب -يطالبون الضّامن وتركة المحال عليه -فإن تبيّن إفلسهما تبيّن فساد الحوالة ،لنّها لم تقع على وفق المصلحة لليتام ،فيرجعون على المحيل . ومن أمثلة المصلحة أن يكون المحيل بمال اليتيم فقيرا ،أو مماطلً ،أو مخوف المتناع بسطوة ،أو هرب أو سيّئ القضاء على أيّة صورة ،والمحال عليه بعكس ذلك كلّه ،فتكون الحوالة من مصلحة القاصر .
إمكان إحضار المحال عليه مجلس الحكم :
- 65تفرّد بهذه الشّريطة الحنابلة ،وقد فسّر الزّركشيّ ( في شرح الخرقيّ ) القدرة بالبدن - في صدد بحث المليء الّذي يجبر المحال على إتباعه -بإمكان حضوره لمجلس الحكم : ل برضا الب ،لنّه ل يملك طلب أبيه . ح عندهم أن يحيل ولد على أبيه إ ّ أ -فل يص ّ قال ابن نصر اللّه :هذه المسألة لم يذكرها أحد ممّن تقدّم من الصحاب . وظاهره صحّة الحوالة على أمّه ولو بغير رضاها . ب -كما ل يلزم بقبول الحوالة على أبيه ( أي أب المحال ) . ج -ول يلزم المحال بقبول الحوالة على من في غير بلده . د -ول يلزم المحال كذلك بقبول الحوالة على ذي شوكة .
مديونيّة المحال عليه للمحيل عند من ل يجيز الحوالة المطلقة : - 66ل يشترط الحنفيّة هذه الشّريطة ،لجازتهم الحوالة المطلقة ،ومن فروع هذا الصل ن مسلما باع من مسلم خمرا بألف درهم ،ثمّ إنّ ما نقلوه في الهنديّة عن المحيط ونصّه :لو أ ّ البائع أحال مسلما على المشتري حوالةً مقيّد ًة -بأن قال :أحلت فلنا عليك باللف الّتي لي عليك -ثمّ اختلفوا :فقال المحال عليه ( وهو المشتري ) :اللف كان من ثمن خمر ،وقال المحيل ( وهو البائع ) :كان من ثمن متاع ،فالقول قول البائع المحيل ،فإن أقام المحال عليه بيّن ًة على المحيل بذلك قبلت بيّنته .وإن لم تكن الحوالة مقيّدةً بل كانت مطلق ًة -بأن قال البائع للمشتري :أحلت فلنا عليك بألف درهم -ل تبطل الحوالة ،وإن أثبت المشترى على ن اللف الّتي عليه كانت ثمن خمر . المحيل أ ّ أمّا غير القائلين بالحوالة المطلقة فيشترطون في المحال عليه أن يكون مدينا للمحيل بدين الحوالة . - 67والّذي يموت وهو مدين تظلّ ذمّته مشغولةً بدينه حتّى يؤدّى عنه ،فإن لم تكن له تركة ل يسقط دينه من ذمّته ما لم يتبرّع متبرّع بقضاء دينه ،وعلى هذا يكون لدائنه بعد موته أن يحيل بدينه عليه ،ل على تركته ،لنّها من ناحية ليست شخصا ،ول تحقّق للحوالة إلّ على شخص يسمّى محالً عليه ،ومن ناحية أخرى هي إمّا عين ،ول تصحّ الحوالة على عين عند غير الحنفيّة ،وإمّا دين له وهذا ينتقل للوارث ،وعليه الوفاء ممّا ورث أو من غيره . ن ذمّة الميّت تخرب بموته -أو بعبارة أخرى :إنّ الميّت ل ذمّة له أمّا الصل المقرّر من أ ّ فإنّما هو بالنّسبة إلى المستقبل ،ل الماضي .هكذا نصّ الشّافعيّة .وهو ظاهر مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .ودين المحيل أعمّ من أن يكون دين حوالة ، أو ضمان ،أو غيرهما ( ر :ف . ) 58 / ومثله في هذا التّعميم الدّين الّذي يحال عليه في الحوالة المقيّدة .
ومن المسائل الواردة تفريعا على هذا الصل :ما إذا أقرض شخص اثنين مائة دينار -على كلّ منهما خمسون -وتضامنا ،ث ّم أحال على أحدهما بخمسين دينارا ،هل تنصرف الحوالة ك رهنها إن كان فيها رهن -أم توزّع عليها إلى الخمسين الصليّة الّتي عليه -حتّى ينف ّ وعلى الخمسين الخرى الّتي ضمنها عن رفيقه ،أم يرجع إلى إرادة المحيل ؟ رجّحوا الرّجوع إلى إرادة المحيل ،فإن لم تكن له إرادة ،كان بالخيار يصرفها إلى ما شاء من ذلك بإرادة جديدة محدثة ،هكذا نصّ الشّافعيّة .
محلّ الحوالة وشرائطه " المال المحال به والمال المحال عليه " : يتفرّع الكلم في نوعيّة المال المحال به والمال المحال عليه على النّحو التّالي : - 1حوالة الدّين . - 2حوالة العين . - 3حوالة المنفعة . - 4حوالة الحقّ .
أوّلً :حوالة الدّين :
- 68ل خلف في جواز أن يكون المال المحال به دينا .
وكذلك المال المحال عليه -عند من يشترط وجوده -فل خلف في جواز أن يكون دينا .
ثانيا :حوالة العين : ح ،إذ ل يتصوّر فيها النّقل الحكميّ . - 69الحوالة بعين -مطلق ًة كانت أو مقيّد ًة -ل تص ّ أمّا الحوالة على العين -أي في الحوالة المقيّدة -أيّا كان نوع العين ،فل تعرف عند غير الحنفيّة .إذ غير الحنفيّة جميعا شارطون في المال المحال عليه أن يكون دينا . فالعين ل تصحّ الحوالة عليها ،سواء أكانت أمانةً أم مضمونةً ،كوديعة ،ومال مضاربةً أو شرك ًة ،ومرهون بعد فكاكه ،وموروث ،وباق في يد وليّ بعد رفع الحجر عن قاصره ، وعاريّة ،ومغصوب ،ومأخوذ على سوم الشّراء ،ومقبوض بعقد فاسد .
ثالثا :حوالة المنفعة :
- 70ل تصحّ كذلك ،إذ المنفعة كالعين ،ل يتصوّر فيها النّقل الحكميّ . ل عليه. أمّا الحوالة على المنفعة فلم نجد في نصوص الفقهاء ما يشعر بجواز كونها مالً محا ً ن ذلك لكون المنافع الّتي يستحقّها إنسان بسبب ما ،إنّما تستوفى شخصيّا من قبل والظّاهر أ ّ صاحبها ،وهي دائما من غير جنس الدّين المحال به .
رابعا :حوالة الحقّ : ل تصحّ كذلك حوالة الحقّ .وقد نصّ الفقهاء على أنّ الحوالة إنّما تكون بدين .
شرائط المال المحال به والمحال عليه : أوّلً :كون المال المحال به لزما :
- 71يشترط في المال المحال به عند الحنفيّة أن يكون دينا لزما . قياسا على الكفالة :بجامع أنّ كلً من الكفالة والحوالة عقد التزام بما على مدين . ل دين تصحّ به الكفالة تصحّ به الحوالة وما ل فل . نكّ فالصل أ ّ ومقتضى ذلك ألّ تصحّ حوالة الزّوجة بنفقتها المفروضة -بالقضاء أو بالتّراضي -غير المستدانة ،لنّها دين ضعيف يسقط بالطّلق وبموت أحد الزّوجين .لكنّهم نصّوا على صحّة ح كفالته تصحّ حوالته ،ما لم يكن ن كلّ دين تص ّ الكفالة بها استحسانا .ومن قواعدهم أ ّ ح بالنّفقة غير المفروضة -رغم أنّها مجهولًا .وإذن فتصحّ حوالة دين النّفقة هذا ،بل تص ّ تسقط بمضيّ شهر -إذا تمّت الحوالة قبل سقوطها ،وإلّ فل تصحّ ،لنّهم كذلك قالوا في الكفالة بها ،وأوّلوا به قول من نفى صحّة الكفالة بها ،معلّلً بأنّها ليست دينا أصلً . ل بالداء أو أمّا مهر الزّوجة فدين قويّ صحيح يصدق عليه أنّه ل ينقطع استمرار وجوبه إ ّ البراء ،وإن أمكن أن يعرض له ما يبطل حكم العقد نفسه ،كالطّلق المنصّف للمهر قبل الدّخول فتصحّ الحوالة بالمهر بل نزاع . وأمّا دين الزّكاة فليس دينًا حقيقةً بالمعنى الخاصّ من كلّ وجه -ولذا ل يستوفى من تركة المتوفّى -فل تصحّ الحوالة به .وهذا كلّه عند الحنفيّة ،أمّا غيرهم فل يشترطون اللّزوم بإطلق الفقهاء عدا المالكيّة ،وبعض الشّافعيّة ،وبعض الحنابلة . ح بالدّين الّذي يستدينه صبيّ أو وممّا فرّعه المالكيّة على اشتراط اللّزوم أنّ الحوالة ل تص ّ ي ل يقرّه . ن الول ّ سفيه ويصرفه فيما له عنه غنًى ،ل ّ ن الشّرط هو أن يكون الدّين لزما ،أو آيلً إلى اللّزوم بنفسه : والّذي اعتمده الشّافعيّة ،أ ّ ن الصل في فاللّازم هو الّذي ل خيار فيه ،واليل إلى اللّزوم كالثّمن في مدّة الخيار ،ل ّ البيع لزوم الثّمن ،وأنّ الخيار عارض في طريق اللّزوم ،وبزوال العارض يعود الصل ن تراضيهما تلقائيّا .ثمّ بمجرّد الحوالة بالثّمن في مدّة الخيار يبطل خيار الطّرفين ،ل ّ ن بقاء الخيار في الثّمن ينافي اللّزوم الّذي في طبيعة بالحوالة إجازة للعقد الّذي بنيت عليه ،ول ّ عقد الحوالة .وعلى هذا فإنّ الجعل المشروط للعامل في الجعالة ،ل تصحّ الحوالة به عند الشّافعيّة قبل تمام العمل ،لنّه لم يلزم بعد ،وقد ل يلزم قطّ ،ثمّ هو إذا لزم فليس لزومه بنفسه ،بل بواسطة العمل .
أمّا الكثرة الغالبة من الحنابلة فقد جروا على عدم اعتبار هذه الشّريطة أصلً .ولذا فهم مصرّحون بصحّة الحوالة بمال الكتابة ،وبجعل العامل في الجعالة حتّى قبل الشّروع في العمل .ومنهم من يضيف إيضاحا لوجهة نظرهم أنّ الحوالة بمنزلة الوفاء . وكذلك يجيزون الحوالة بالثّمن في مدّة الخيار ،بل هذا أولى لنّه آيل إلى اللّزوم .
ثانيا :كون المال المحال به أو عليه يصحّ العتياض عنه : أ -المال المحال به :
- 72اشترط الشّافعيّة صحّة العتياض عن المال المحال به ،ورأوا أنّها تغني عن شريطة اللّزوم أو اليلولة إليه .فما ل يصحّ العتياض عنه -كالمسلم فيه ،وكلّ مبيع قبل قبضه ، ودين الزّكاة -ل تصحّ الحوالة به برغم لزومه . والمالكيّة ،وجماهير الحنابلة ،يصرّحون بهذه الموافقة ،كلّ على طريقته . وممّا يستدلّ به لعدم صحّة العتياض عن المسلم فيه حديث أبي سعيد أنّه صلى ال عليه ن في إسناده عطيّة بن وسلم قال « :من أسلف في شيء فل يصرفه إلى غيره » لكن قالوا إ ّ ج بحديثه ،ويغني عنه النّهي الثّابت عن بيع ما لم يقبض سعد العوفيّ ،قال المنذريّ :ل يحت ّ . ص بعض الحنفيّة على صحّة ضمان المسلم فيه ،ومعنى ذلك صحّة الحوالة به أيضا ، وقد ن ّ ل. ح ضمانه صحّت حوالته ما لم يكن مجهو ً ل دين ص ّ إذ من قواعدهم أنّ ك ّ وصرّح به السّرخسيّ في المبسوط ،كما صرّح به بعض الحنابلة تنزيلً له منزلة الموجود لصحّة البراء منه . لكن الشّافعيّة وموافقيهم يفرّقون في دين السّلم من حيث تصحيحهم ضمانه دون الحوالة به بأنّ دين السّلم ل يصحّ العتياض عنه ،وأنّ الحوالة اعتياض ،لنّها بيع بخلف الضّمان . ن كلّ من يجيز أخذ القيمة عن الزّكاة ،ل يسلّم بهذا التّعليل " عدم صحّة العتياض وظاهر أ ّ " لمنع الحوالة بدين الزّكاة ،فالّذي ل يرى عّلةً مانع ًة أخرى يصرّح بجواز الحوالة به . ومن الشّافعيّة أنفسهم من يصرّح أيضا بصحّة الحوالة بدين الزّكاة ،على أنّها استيفاء ل بيع. وقد تقدّم أنّ الثّمن في مدّة الخيار تصحّ الحوالة به عند كثيرين ،كالشّافعيّة والحنابلة ،لنّ الحوالة متسامح فيها استثناء لنّها إرفاق كما تقدّم . ص المالكيّة -خلفا لشهب -على امتناع أن يكون الدّينان - 73ولعتبار هذه الشّريطة ن ّ المحال به والمحال عليه طعامين من بيع ( سلم ) . ن الّذي يمتنع عندهم بيعه قبل بل هم يقتصرون على هذا القدر في صياغة هذه الشّريطة ،ل ّ قبضه إنّما هو طعام المعاوضة ل غير .
ومقتضى هذه العلّة أن تمتنع عندهم أيضا الحوالة بدين على دين ،وأحدهما طعام من بيع والخر من قرض .وهذا هو الّذي قرّره أبو الوليد بن رشد . وقد جرى عليه خليل في البيوع ،ولكنّه جرى هنا في الحوالة على عدم امتناع هذه الصّورة ،متى كان أحد الدّينين حالّا -كما حكي عن مالك نفسه ،وعليه عامّة أصحابه عدا ابن القاسم -ركونا إلى قول ابن يونس :إنّ هذا هو الصوب ،تغليبا لجانب الدّين الخر الّذي ليس بطعام معاوض ًة .أمّا ابن القاسم فلم يصحّحها إلّ بشريطة حلول الدّينين كليهما فهو تنزيل للحلول منزلة القبض .
ب -المال المحال عليه : - 74الّذين اشترطوا صحّة العتياض عن المال المحال عليه هم الّذين اشترطوا مثلها في المحال به ،فعلى ما هناك ل تصحّ الحوالة برأس مال السّلم ،وعلى ما هنا ل تصحّ الحوالة ل من عليه وكذا المسلم فيه ،وك ّل مبيع قبل قبضه ،ودين الزّكاة وإن كان عند الحنابلة في ك ّ دين السّلم المسلم فيه ،ورأس ماله وجه بصحّة الحوالة عليه وبه . وواضح بناء هذه الشّريطة على أنّ الحوالة بيع وقد فرغنا من ذلك قبلً ( ر :ف . ) 11 /
ثالثا :كون المال المحال به أو عليه مستقرّا : أ -المال المحال به :
- 75الدّين المستقرّ هو الّذي ل يتطرّق إليه انفساخ بتلف مقابله ،أو فواته بأيّ سبب كان كتعذّر المال المسلم فيه في عقد السّلم . فالمهر قبل الدّخول وقبل الموت ،والجرة قبل استيفاء المنفعة ،أو قبل مضيّ المدّة ،والثّمن قبل قبض المبيع ،وما شاكل ذلك ،كلّها ديون لزمة يصحّ العتياض عنها ،ولكنّها غير مستقرّة لنّها عرضة للسّقوط بفوات مقابلها ،كردّة الزّوجة ،وموت الجير أو المستأجر ، ح الحوالة بها ،وبالولى إذا اختلت شريطة أخرى ،كالثّمن في مدّة وتلف المبيع فل تص ّ الخيار ،لنتفاء لزومه .وهذه الشّريطة يجزم بها كثير من الحنابلة وإن لم يكونوا جمهورهم ،على أنّ بعضهم يدّعي أنّه الشهر عندهم .
ب -المال المحال عليه :
- 76لم يصرّح باشتراط استقراره سوى الحنابلة أيضا نقلً عن نصّ أحمد ،وفي التّفريع على ذلك يقول ابن قدامة :دين السّلم ليس بمستقرّ ،لكونه بعرض الفسخ ،لنقطاع المسلم ح ،لنّه غير فيه .ثمّ يقول :وإن أحالت المرأة على زوجها بصداقها قبل الدّخول لم يص ّ ن له تسليمه إليها ،وحوالته به تقوم مقام تسليمه ، مستقرّ ،وإن أحالها الزّوج به صحّ ،ل ّ ح لنّه مستقرّ ،وإن أحال البائع بالثّمن على المشتري في مدّة وإن أحالت به بعد الدّخول ص ّ
ح في قياس ما ذكر ،وإن أحاله المشتري به صحّ ،لنّه بمنزلة الوفاء ،وله الخيار لم يص ّ الوفاء قبل الستقرار . ويلحظ هنا أنّ ابن قدامة في كلمه هذا يجري على عدم التّفريق بين الدّين غير اللّازم كمال الكتابة ،والثّمن في مدّة الخيار ،وبين الدّين اللّازم غير المستقرّ كدين السّلم ،والمهر قبل الدّخول ،كما أنّه جرى على عدم اشتراط الستقرار إلّ في الدّين المحال عليه دون المحال به ،فصحّح إحالة الزّوج لزوجته بمهرها قبل الدّخول ،ومنع الحالة منها عليه ،لنّ له ح منه التّسليم .ومع ذلك ففي الحنابلة من ينازع في اعتبار هذه الشّريطة الحالة به حيث يص ّ ،فالمجد بن تيميّة في " المحرّر " لم يستثن من الدّيون الّتي تصحّ الحوالة بها وعليها سوى دين السّلم -فمنع الحوالة به وعليه -وهذا الّذي استثناه منازع في منعه عندهم :فقد حكى صاحب النصاف صحّة الحوالة بدين السّلم وعليه مطلقا .
رابعا :كون المال المحال عليه ناشئا عن معاوضة ماليّة : - 77وهذه الشّريطة شريطة لزوم .فالّذي يخالع زوجته على مال ،ثمّ يحيل على هذا المال ،فتموت الزّوجة ولو موسر ًة قبل أن يقبضه المحال ،أو تفلس -كما استظهروه - يكون للمحال الرّجوع عليه بدينه .هذه حوالة صحيحة ولزمة ابتداءً ،ولكنّها قد تتحوّل عن هذا اللّزوم كم رأينا .هكذا قرّره ابن الموّاز من المالكيّة .
خامسا :كون المال المحال به أو عليه معلوما : أ -المال المحال به :
ل معاوضة ، - 78اشترط الفقهاء هذه المعلوميّة وذلك لما في الجهالة من الغرر المفسد لك ّ والحوالة ل تخلو من معنى المعاوضة ،كما سلف ،فل تصحّ الحوالة بمجهول ،كالحوالة بما سيثبت على فلن .ول نزاع في هذه الشّريطة ،سواء أقلنا :إنّ الحوالة اعتياض ،أم قلنا ن المجهول يمتنع العتياض عنه لما فيه من الغرر ،كما يتعذّر استيفاؤه إنّها استيفاء ،ل ّ وإيفاؤه لما يثيره من نزاع مشكل يحتجّ فيه كلّ من الخصمين بالجهالة احتجاجا متعادلً حتّى ل ما لو كانت على شخص ما ديون كثيرة ل يعلم مقدارها ،فقال لدائنه :أحلتك على فلن بك ّ لك عليّ ،لم تصحّ الحوالة . - 79وكثيرون يحدّدون بوضوح كيف يكون المال معلوما هنا . ح السّلم فيه ل تصحّ الحوالة به :فهم ل ما ل يص ّ ومن هؤلء الشّافعيّة والحنابلة إذ يقولون :ك ّ إذن يشرطون معلوميّة قدره كمائة ثوب ،ومعلوميّة جنسه ،كقطن أو صوف ،ومعلوميّة صفاته الّتي تختلف باختلفها الغراض أختلفا بيّنا ،أي صفاته الضّابطة ،أو كما قالوا " :
صفاته المعتبرة في السّلم " كالطّول والعرض ،والرّقّة ،والصّفاقة ،والنّعومة والخشونة ، واللّون ،وما إلى ذلك . ل بالسّنّ والعدد وهذا ل يكفي وذلك يعني عدم صحّة الحوالة بإبل الدّية ،لنّها ل تعلم إ ّ لضبطها المعتبر في السّلم ،وهذا هو الّذي اعتمده فيها الشّافعيّة وأبو الخطّاب من الحنابلة ، وإن كان هنالك من يقول بصحّة الحوالة بها وعليها ،كما لو كان لرجل ،وعليه ،خمس من البل أرش موضحة ،فيحيل بهذه على تلك ،وإلى هذا ذهب القاضي من الحنابلة ،وهو قول للشّافعيّ نفسه ،اكتفاءً بالعلم بسنّها وعددها ،فليس الضّبط بالصّفات المطلوبة في السّلم إذن بحتم ليتحقّق معنى العلم بالمحال به ،ولحسم ما عساه ينشأ من نزاع يعتبر أقلّ ما يقع عليه السم في السّنّ والقيمة وسائر الصّفات ،كما قرّره القاضي من الحنابلة " وإن كان قياس كلم ن والعدد حال غالب إبل البلد " . الشّافعيّة في الضّمان أن يراعى فيما وراء السّ ّ
ب -المال المحال عليه : - 80يصرّح الشّافعيّة والحنابلة باشتراط معلوميّة الدّينين " المحال به ،والمحال عليه " لدى المتعاقدين المحيل والمحال .ولم نجد في كلم فقهاء الحنفيّة والمالكيّة تصريحًا باشتراط معلوميّة المال المحال عليه في الحوالة المقيّدة ،كما هو موجود في المال المحال به ،ولكن يستنتج من قواعد الحنفيّة هذا الشتراط .
سادسا :كون المال المحال به أو عليه ثابتا قبل الحوالة : أ -المال المحال به :
- 81صرّح المالكيّة باشتراط ثبوت المال المحال به في ال ّذمّة قبل الحوالة . ح أن يسلف ( يقرض ) شخص آخر نقودا أو طعاما مثلً ،على أن وفرّعوا عليه أنّه ل يص ّ يستوفي المسلف ممّن هو مدين للمستلف بمثل ذلك ،إذ من الواضح في هذه الحالة أنّ الدّين ل مع الحوالة في وقت واحد . المحال به لم يثبت إ ّ وبعض المالكيّة يصرّحون ،بأن ل بأس أن تكتري من رجل داره بدين لك حالّ أو مؤجّل على رجل آخر ،وتحيله عليه في الوقت نفسه . وعند الحنابلة أنّ المحيل إذا أحال شخصا غير مدين له على من عليه دين للمحيل فهي وكالة جرت بلفظ الحوالة .
ب -المال المحال عليه :
- 82اشترط المالكيّة والحنابلة ،ثبوت المال المحال عليه قبل الحوالة ،وفرّع الباجيّ من المالكيّة على هذه الشّريطة أنّ المدين لو أحال على غير مدينه ثمّ أعطى المحال عليه ما يقضي به دين الحوالة ،فأفلس هذا أو مات قبل أن يقضي الدّين يكون للمحال الحقّ في
الرّجوع على المحيل بدينه ،ثمّ يرجع هذا بدوره على المحال عليه بما كان أعطاه ،لكن هذا هو حكم الحمالة عندهم ،وهذه الواقعة هي من الحمالة وإعطاؤه بعد ذلك ما يقضي به ل تتحوّل به هذه الحمالة إلى حوالة . ن صحّة الحوالة - ولكن الشّافعيّة ينصّون على خلف هذا .فقد قال الخطيب " :فإن قيل :إ ّ أي بالثّمن على المشتري -زمن الخيار مشكل ،إذا كان الخيار للبائع أو لهما " يعني البائع ن البائع إذا أحال فقد أجاز ، والمشتري " ،لنّ الثّمن لم ينتقل عن ملك المشتري ،أجيب بأ ّ فوقعت الحوالة مقارن ًة للملك وذلك كاف " .
سابعا :كون المال المحال به أو عليه حالّا : أ -المال المحال به :
ل إذا كان الدّين المحال عليه قد حلّ ،إذ لو - 83ل تصحّ الحوالة بدين لم يحلّ أجله بعد ،إ ّ لم يحلّ هو أيضا فل أقلّ من أن يلزم بيع الكالئ بالكالئ ،وينضاف إليه محذور آخر هو ربا النّساء ،إن جمعت الدّينين علّة ربويّة واحدة . هكذا قرّر المالكيّة هذه الشّريطة بإطلقها هذا ،على طريقة ابن القاسم . واشترط الحنفيّة أن يستمرّ حلول المال المحال به إن كان حالّا ،في الحوالة بمال القاصر وما ل من تجب فيه رعاية الصلح لصاحبه ،لنّ الحوالة به إلى أجل إبراء مؤقّت شاكلها من ك ّ فل يجوز اعتبارا بالبراء المؤبّد الّذي ل يملكه الوليّ في مال القاصر ،وقد أطلق أبو يوسف هنا ،ولم يفصّل تفصيل أبي حنيفة ومحمّد بين الدّين الواجب بعقد الب أو الوصيّ ،فيجوز تأجيله ،والدّين الواجب بغير عقدهما -كالرث والتلف -فل يجوز . نقله في البحر عن المحيط ،ث ّم قال :وكذا قبول الحوالة من المتولّي أي " ناظر الوقف " فهي على هذا التّفصيل . وهذه الشّريطة ليست إلّ تطبيقا جزئيّا للصل العامّ ،الّذي ل يختلف عليه ،في تصرّفات الوليّ من أنّها منوطة بالمصلحة ( ر :ف . ) 96 /
ب -المال المحال عليه : - 84اشترط المالكيّة حلول المال المحال عليه ،ولو لم يكن الدّين المحال به حالّا .
ثامنا :كون المال المحال به أو عليه مثليّا :
- 85ل خلف بين الفقهاء في صحّة الحوالة بالدّين أو الحوالة عليه إن كان المال مثليّا ، ح عند الشّافعيّة -إلى صحّة الحوالة بالدّين القيميّ أو وذهب جمهور الفقهاء -وهو الص ّ الحوالة عليه ،لنّ ما له صفات ضابطة ففي ضبطه بها بلغ ،كما ل يجادل في ذلك أحد في باب السّلم ،فيقاس القيميّ المنضبط على المثليّ ما دام كلهما دينا في ال ّذمّة له صفات
ب -على ما فيها من الخلف تضبطه تضاف إلى معرفة النّوع والقدر :كالثّياب ،والدّوا ّ المعروف -والصّوف ،والقطن ،والشّعر ،والخشاب ،والحجار ،والحديد ،والرّصاص ،والبلّور ،والزّجاج ،والفخّار ،والورق ،والكتب واللت ما دامت ذات صفات ضابطة كإنتاج مصنع بعينه . بل لمجتهد أن يعتبر هذه الشياء الخيرة حينئذ من قبيل المثليّ الّذي ل تفاوت فيه يذكر . وذهب قلّة من الشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط كون المال المحال به أو عليه مثليّا ،بل من الشّافعيّة وغيرهم من يشترط خصوص الثّمنيّة ول يكتفي بمطلق المثليّة ،فل حوالة على هذا ل بالذّهب أو الفضّة ،أو ما يجري مجراهما في التّعامل النّقديّ . القول إ ّ والمراد عند هؤلء جميعا بالمثليّة أن يكون الدّين من جنس ما يكال أو يوزن ويضبطه الوصف ،كالنّقود والحبوب والدهان ،فل تصحّ الحوالة بالقيميّ ،وهو ما خرج عن هذا النّمط كالثّياب المتفاوتة ،والحيوان ،فقد يثبت شيء من غير المثليّ في ال ّذمّة ،كما لو بيع ن المقصود بالحوالة الوصول بوصف ،أو التزم صداقا ،أو بدل خلع ،ولكن ل يحال به ،ل ّ إلى الحقّ دون تفاوت ،وهذا ل يكون إلّ في المثليّات .
تاسعا :كون المالين المحال به أو عليه متساويين جنسا وقدرا وصفةً : - 86لم يشترط الحنفيّة التّساوي بين المالين المحال به والمحال عليه في الحوالة المقيّدة جنسا أو قدرا أو صفةً ،وإنّما الكلم في اشتراط ذلك يجري على غير مذهبهم . وتفصيل ذلك فيما يلي :
أ -المال المحال به :
- 87المراد بالصّفة ما يشمل الجودة والرّداءة ،والحلول والتّأجيل ،وقدر الجل ،ل صفة التّوثّق برهن أو ضمان ،بل هذه تسقط عن كل الدّينين بمجرّد الحوالة ،لنّها بمثابة ضيّة ،ول بقمح على القبض ،فل تصحّ الحوالة بنقود فضّيّة على ذهبيّة ،أو ذهبيّة على ف ّ شعير ،ول بضأن على معز ،ول عكسه ،ول بخمسة أثواب ،مثلً على عشرة ،ول بعشرة على خمسة " نعم إذا كان له عشرة على آخر ،فأحال على خمسة منها بخمسة صحّت الحوالة لتحقّق الشّريطة " ،ول بالمغشوش على الخالص ول بالخالص على المغشوش ،ول بحالّ على مؤجّل ،ول بمؤجّل على حالّ ،ول بمؤجّل إلى شهر على مؤجّل إلى شهرين ول ح بمائة دينار ذهبيّة من نقود بلد بعينه ،أو مائة إردبّ من القمح الهنديّ ، عكسه .ولكنّها تص ّ أو مائة شاة من الضّأن التّركيّ مضبوطة الوصف سنّا ولونا -وما إليها -على مائة مثلها ، والدّينان حالّان ،أو مؤجّلن إلى أجل واحد كسنة مثلً .
والحكمة في اشتراط هذه الشّريطة ،أنّ الحوالة -سواء جرينا على أنّها معاوضة أو ليست بمعاوضة -عقد إرفاق يقصد به اليفاء والستيفاء ،ل السترباح والستكثار ،فلو أذن ل يريد أن يغبن الخر ،ويصيب منه أكثر ممّا يترك بالتّفاوت فيها لتبارى المتعاملون بها ،ك ّ له ،وهذا خلف موضوعها .ثمّ بالنّسبة إلى من ل يشترطون رضا المحال ،كيف يعقل إجباره مع اختلف الدّينين ؟ طيّب من الشّافعيّة صحّة الحوالة بألف على ومبالغ ًة في اتّقاء التّفاوت منع القاضي أبو ال ّ شخصين ،ك ّل منهما مدين للمحيل بألف على التّضامن ،على أن يطالب المحال أيّهما شاء ، وعلّل المنع بأنّ المحال يستفيد زيادةً في المطالبة ،إذ كان قبل الحوالة يطالب واحدا ،فصار بعدها يطالب اثنين .وإن كان الشّيخ أبو إسحاق من الشّافعيّة أيضا يخالفه ،ويصحّح هذه ل قدر حقّه ،وما يزال ن المحال ،مهما استفاد من زيادة مطالبة ،فلن يأخذ إ ّ الحوالة ،ل ّ المتأخّرون من الشّافعيّة متأرجحين بين هذين الرّأيين :فبينا يصحّح البلقينيّ والسّبكيّ الوّل ، يأخذ الرّمليّ الكبير بالثّاني . هكذا قرّر الشّافعيّة هذه الشّريطة ،وفق ما استقرّ عليه المذهب ،وإن كان منهم من ينازع في ن المحيل إذن متبرّع شريطة التّساوي في الصّفة إذا كان التّفاوت لمصلحة المحال ،ل ّ بالزّيادة على سبيل إحسان القضاء . - 88وهذه الشّريطة يقرّرها أيضًا المالكيّة والحنابلة ( ،ر :ف ، ) 83 /باستثناء ما تفرّد ن محلّ المنع عند الختلف بالجودة والرّداءة ،أو القلّة ،والكثرة إذا لم به المالكيّة من أ ّ يقبض المحال من المحال عليه قبل تفرّقهما . ن الخلف فيما إذا كان وهؤلء جميعا يحاذون الشّافعيّة في تقريراتهم النفة الذّكر ،حتّى إ ّ ص الحنابلة على بقائه كما هو ،وإن كان المالكيّة يعكسون التّفاوت لمصلحة المحال ين ّ الموقف :فيمنعون التّحوّل على العلى صف ًة أو الكثر قدرا ،قولً واحدا ،ويتردّدون ويختلفون في التّحوّل على الدنى أو القلّ . ص المالكيّة على أن ل خلف في صحّة الحوالة مع التّفاوت في القدر ،إذا وقعت بلفظ وين ّ البراء من الزّيادة والحوالة بالباقي ،كما لو قال الدّائن بألف :أبرأتك من ثلثمائة ،وأحلني على مدينك فلن بالباقي ،فيقول :أحلتك وهذا واضح جدّا .
الستعاضة في الحوالة : - 89المراد بالستعاضة أن يتراضى المحال والمحال عليه بعد صحّة الحوالة بدفع عوض عن المحال به .والستعاضة جائزة عند الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة . ول نصّ فيها عن الشّافعيّ ول عن قدماء أصحابه .ولم نطّلع على مذهب المالكيّة في ذلك .
وقيّد الحنفيّة والحنابلة الجواز بأن ل يكون العوضان ربويّين ،فإن كانا كذلك وجب التّقابض في المجلس .
ب -المال المحال عليه : - 90سلف الكلم في هذه الشّريطة بالنّسبة للدّين المحال به ،وهو بعينه الكلم هنا فل حاجة ن هذه الشّريطة تفسّر في كلم بعض الشّافعيّة إلى إعادته ،بيد أنّه ينبغي التّنبيه هنا على أ ّ بالمساواة في الواقع ،وفي اعتبار المتعاقدين المحيل والمحال -أي في رأيهما ومبلغ علمهما ومعنى ذلك أنّه إذا تساوى الدّينان في الواقع ونفس المر ،ولكنّهما جهل هذا التّساوي أوجهله أحدهما فالحوالة باطلة ،وكذلك تكون الحوالة باطل ًة إذا اعتقد التّساوي ،ول تساوي ، في الحقيقة .
عاشرا :قبض المال المحال عليه " إن كان رأس مال سلم أو ربويّا يوافق المحال به في علّة الرّبا " .
- 91صرّح الحنفيّة باشتراط قبض المال المحال عليه إن كان رأس مال سلم أو ربويّا يوافق ص عبارة السّرخسيّ في مبسوطه " :ولنّه -أي دين الحوالة المحال به في علّة الرّبا ،ون ّ يثبت في ذمّة المحال عليه على الوجه الّذي كان في ذمّة المحيل ،حتّى لو كان بدلصرف أو سلم ل يجوز الستبدال به مع المحال عليه " كما ل يجوز مع المحيل ،ويبطل عقد الصّرف والسّلم بافتراق المتعاقدين قبل القبض من المحال عليه . ولم يذكر المالكيّة القبض هنا في حوالة الطّعام على الطّعام ،لكنّهم نصّوا على ضرورته في حالة الصّرف خاصّةً وعبارتهم في عقد حوالته " :ل بدّ من القبض قبل افتراق كلمهم ، وقبل طول مجلسهم ،وإلّ فسد " . ولم يتردّد الشّافعيّة في رفض هذه الشّريطة ولو في الرّبويّات ،لنّ المعاوضة في الحوالة - بعد القول بها -ليس على سنن سائر المعاوضات . ص عبارة الشّافعيّة كما يلي :هي -أي الحوالة -بيع دين بدين جوّز للحاجة ،ولهذا لم ون ّ يعتبر التّقابض في المجلس ،وإن كان الدّينان ربويّين . أمّا في رأس مال السّلم ،فيقول البجيرميّ فيما كتبه على شرح المنهاج من كتب الشّافعيّة ح الحوالة بما ل يعتاض عنه ،ول تصحّ الحوالة عليه ،كدين السّلم ،أي المعتمدة :ل تص ّ مسلما فيه ورأس مال ( أيّهما كان ) .
ما ل يشترط في الحوالة :
- 92ل يشترط أن يكون سبب الدّينين في الحوالة من نوع واحد ،بأن يكون كلهما من قرض ،أو بيع ،أو ضمان مثلً ،فل مانع أن يكون أحد ديني الحوالة من عقد معاوضة ،
والخر دين إتلف مثلً .أو أحدهما صداقا ،والخر بدل خلع ،أو بدل قرض ،أو أجرة . كما ل يشترط أيضا أن يكون الدّين المحال به ثابتا على المحيل ثبوتا أصليّا . فالدّين الّذي يكون في غير محلّه الصيل ،كما لو كان من حوالة أو كفالة ،تصحّ الحوالة به ،بأن يحيل المحال عليه أو الكفيل على مدين له هو .بل يجوز أيضا للمحال أن يحيل دائنه على المحال عليه ،وللمكفول له أن يحيل دائنه على الكفيل . وهذا في الصل موجود في كتب الشّافعيّة ،مع زيادة تعدّد المحالين مع بقاء المحال عليه واحدا .ونصّ عبارة الرّافعيّ في الشّرح الكبير هكذا :إذا أحلت زيدا على عمرو ،ثمّ أحال عمرو زيدا على بكر ،ثمّ أحال بكر على آخر ،جاز .وقد تعدّد المحال عليهم وزيد المحال واحد .ولو أحلت زيدا على عمرو ،ثمّ أحال زيد بكرا على عمرو ،ثمّ أحال بكر آخر على عمرو جاز ،والتّعدّد هاهنا في المحتالين ،وعمرو المحال عليه واحد .ولو أحلت زيدا على عمرو ،ثمّ ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدّين فأحال زيدا عليك جاز .
الجزاء على تخلّف إحدى شرائط النعقاد " بطلن الحوالة " : - 93إذا عدمت شرائط انعقاد الحوالة كلّا أو بعضا فالنّتيجة المقرّرة فقهًا هي بطلنها ،أي عدم انعقادها ،جزاءً لمخالفة تلك الشّرائط . وهذا مبدأ متّفق عليه بين فقهاء الشّريعة ول مجال للخلف فيه ،وإلّ لم يبق أيّة ثمرة لشرائط النعقاد " وهذا معروف في الحكام العامّة للتّعاقد ممّا يسمّى اليوم :نظريّة العقد " .ولكن قد يختلف الفقهاء في اشتراط بعض الشّرائط لنعقاد الحوالة ،فمن يشترط لنعقاد شريطة ما ، يحكم ببطلن الحوالة عند فقد هذه الشّريطة ،ويخالفه في ذلك من ل يشترطها .ومن المقرّر في القواعد أنّه يستوي في النّتيجة تخلّف جميع المقوّمات وشرائط النعقاد وتخلّف بعضها فقط ن تخلّف بعض العناصر الساسيّة ،كتخلّف الكلّ من حيث النّتيجة وهي البطلن . ،فإ ّ ومن الواضح أنّه حيثما يتقرّر بطلن الحوالة فإنّ هذا البطلن يستتبع آثارا ،إذ يجب فيه عندئذ نقض ما قد تمّ تنفيذه من العقد قبل تقرير بطلنه ،ثمّ ردّ ما يستلزم هذا النّقض ردّه ممّا قبض دون حقّ ،كما هو معلوم من الحكام العامّة في التّعاقد . وسيأتي في آثار الحوالة والحكام المترتّبة عليها أنّ الحوالة الصّحيحة الّتي نفذت بدفع المحال عليه إلى المحال دين الحوالة يترتّب فيها للمحال عليه حقّ الرّجوع على المحيل .غير أنّهم في الحوالة الباطلة أو الفاسدة قد أعطوا المحال عليه الخيار في الرّجوع على المحيل أو على ق نظرا لبطلن الحوالة . المحال القابض ،لنّه قبض ما ليس له بح ّ
شرائط النّفاذ :
أوّلً :بلوغ المحيل والمحال ،والمحال عليه بحسب الحوال :
- 94أ -يشترط الحنفيّة لنفاذ الحوالة أن يكون المحيل بالغا ،لنّ في الحوالة معنى المعاوضة ،ومعاوضات الصّبيّ المميّز ل تنفذ إلّ بإجازة وليّه .فحوالته منعقدة موقوفة على الجازة .والبلوغ شرط صحّة عند الجمهور . فإذا كان المحيل مم ّيزًا غير بالغ ففيه الخلف المشهور بين الفقهاء في تصرّفات الصّغير المميّز إذا باشرها بنفسه :أتكون باطلةً ،أم موقوفةً على إجازة وليّه ،إن رآها وفق مصلحته ؟ وتفصيل ذلك في مصطلح ( أهليّة و صغر ) . ب -ويشترط الحنفيّة لنفاذ الحوالة أن يكون المحال بالغا ،لما قلناه في المحيل ،ولذا ينعقد احتيال الصّبيّ المميّز ،ولكنّه ل ينفذ إلّ بإجازة وليّه ،وهذه الجازة مشروطة بأن يكون المحال عليه أمل من المحيل .وهذه الشّريطة يوافق عليها المالكيّة والشّافعيّة ،ويخالف فيها الحنابلة ،لنّهم ل يشترطون رضا المحال ،إلّ على احتمال ضعيف للحنابلة . ج -أمّا شريطة بلوغ المحال عليه ،فسبق بحثها كشريطة انعقاد أثناء بحث المحال عليه وشرائطه ( ر :ف . ) 62 /
ثانيا :ولية المحال على المال المحال به : - 95يشترط لنفاذ الحوالة أن تكون للمحال على المال المحال به ولية . ي ل يكون محالً إلّ بإجازة من له الولية ،أمّا الوكيل فإن كان وكيلً بالقبض فليس فالفضول ّ ن المقصود من وكالته الستيفاء ل البراء ،وإن كان وكيلً في العقد له أن يحتال أصلً ،ل ّ ففي قبوله حوالة الثّمن خلف مشهور :جوّزها منه الطّرفان أبو حنيفة ومحمّد ،على المل والفلس مطلقا -ويضمن للموكّل لنّ الحوالة إبراء مؤقّت فتعتبر بالمطلق -ومنعها أبو يوسف .وقد أجرى الخلف في البدائع بين أبي حنيفة مجوّزا ،والصّاحبين مانعين . ن هذه الحوالة هي تصرّف في ملك الموكّل من غير إذنه ،فل ينفذ عليه واستدلّ لهما :بأ ّ كتصرّف الجنبيّ . واستدلّ لبي حنيفة :بأنّ الوكيل بقبوله الحوالة إنّما تصرّف بالبراء في حقّ نفسه " وهو قبض الثّمن " بمقتضى عقد الوكالة لنّ قبض الثّمن من حقوق العبد الّتي تعود للوكيل بالبيع ، فإبراؤه المشتري عن الثّمن أو قبوله الحوالة به إسقاط لحقّ نفسه وهو القبض فينفذ عليه ، لنّ الحوالة كالبراء تمنع مطالبة المحيل ،ويسقط بذلك الثّمن من ذمّة المشتري تبعا لسقوط حقّ القبض ،ولكن ل يسقط حقّ الموكّل في الثّمن الّذي هو عوض ملكه . وإنّما يسقط الثّمن من ذمّة المشتري تبعا ،لنّه لو لم يسقط مع سقوط حقّ الوكيل في قبضه لبقي دينًا غير قابل للقبض ،وهذا ل نظير له في الشّرع ،كما أنّه غير مفيد .فلذا يسقط الثّمن من ذمّة المشتري تبعا لسقوط حقّ الوكيل في قبضه ،ولكن يضمنه الوكيل للبائع
الموكّل ،لنّ الوكيل بتصرّفه هذا قد تجاوز إلى حقّ غيره وهو الثّمن نفسه حيث أتلفه على صاحبه بالبراء أو قبول الحوالة به . وقد لخصّه في مجمع النهر بأنّ حقوق العقد للعاقد ،والحوالة من هذه الحقوق .واحتيال الوكيل في البيع ،بثمن المبيع بالصّورة المشروحة لم نجد حكمه منصوصا عند غير الحنفيّة. أمّا النّائب الشّرعيّ عن الصّغير ،وليّا كان كالب أو وصيّا ،فل يملك عند الحنفيّة حقّ الحتيال بمال هذا الصّغير على ما قرّره السّرخسيّ في المبسوط بإطلقه ،على خلف عامّة الكتب .ونصّ عبارته :لو احتال بمال ابنه الصّغير ،أو اليتيم الّذي تحت وصايته ،لم يجز ،لنّ الحوالة إبراء الصيل ،وهو ل يملكه في مال القاصرين . - 96وأمّا احتيال وليّ القاصر ،كأبيه أو وصيّه بدينه ،فلم نر في المذاهب الخرى إطلق عدم جوازه ،كما فعل السّرخسيّ من الحنفيّة . بل في كلم بعضهم -كما هو مقتضى إطلق حديث الحوالة -التّصريح بصحّتها بشريطة سأَلُو َنكَ عَنِ ص التّنزيل الحكيم َ { :و َي ْ واحدة :أن تقتضيها مصلحة القاصر نفسه -أخذًا من ن ّ خيْرٌ } -دون تقيّد بأيّ قيد آخر . ح ّل ُهمْ َ ا ْل َيتَامَى قُلْ ِإصْلَ ٌ ولذا أبطلوا احتياله على مفلس سسواء أعلم إفلسسه أم جهسل ،وكذا احتياله بديسن موثّق عليسه برهن أو ضمان ،لما في انفكاك الوثيقة من الضّرر البيّن بالقاصر . وقد سئل السّيوطيّ عن رجل له على رجل دين ،فمات الدّائن وله ورثة فأخذ الوصياء من المدين بعض الدّين ،وأحالهم على آخر بالباقي فقبلوا الحوالة وضمنها لهم آخر ،فمات المحال عليه ،فهل لهم الرّجوع على المحيل أم ل فأجاب :يطالبون الضّامن وتركة المحال عليه ،فإن تبيّن إفلسهما فقد بان فساد الحوالة ،لنّها لم تقع على وفق المصلحة لليتام ، فيرجعون على المحيل . ومن أمثلة المصلحة أن يكون المحيل بمال اليتيم فقيرا أو مماطلً ،أو مخوف المتناع بسطوة أو هرب ،أو سيّئ القضاء على أيّة صورة ،والمحال عليه بعكس ذلك كلّه فتصحّ الحوالة حينئذ ،لنّها أصلح للقاصر . 97
ي موقوفا على إجازة من له الولية على دين الحوالة ،هو اتّجاه -وكون احتيال الفضول ّ
ي في القد يم ،وأح مد في فقه يّ يو جد أيضًا ع ند كثير ين غ ير الحنفيّة ،كالمالكيّة ،والشّافع ّ رواية .ولكن الّذي عند الشّافعيّة في الجديد ،وهو المعتمد عند الحنابلة أ نّ حوالة الفضول يّ كسائر تصرّفاته باطلة من أصلها ،فل تعود بالجازة صحيحةً . وهذه قاعدة عامّة ،أخذت من حديث ثابت في بياعات الفضوليّ عند أبي داود والتّرمذيّ " الّذي اعتبره حسنا " ونصّه « :ل بيع إلّ فيما تملك » .
وطردوا هذا فيما عدا البيع فأصبح قاعدةً .ومثله حديث حكيم بن حزام « أنّه صلى ال عليه وسلم قال :ل تبع ما ليس عندك » .
ثالثا :قبول المحال والمحال عليه : - 98أ -قبول المحال -إذا لم يكن هو أحد الطّرفين المنشئين للعقد -ليس شريطة انعقاد إلّ عند أبي حنيفة ومحمّد . أمّا أبو يوسف فيكتفي برضا المحال ،ولو خارج مجلس العقد ،على أن يكون إذن شريطة نفاذ .وهذا هو الّذي أخذت به مجلّة الحكام العدليّة في المادّة ( . ) 683 ب -ورضا المحال عليه كذلك -ولو خارج مجلس العقد -شريطة نفاذ باتّفاق أئمّة المذهب الحنفيّ الثّلثة .هذا ،وقد سبق الكلم بالتّفصيل على فقه هذه المسألة والخلف الجتهاديّ فيها بين المذاهب بما فيه الكفاية .
آثار الحوالة :
- 99إذا تمّت الحوالة بأركانها وشرائطها ترتّبت عليها آثارها الّتي من أجلها شرعت ، واعترتها على الجملة أحكام عدّة وهي :
أ -لزوم الحوالة : - 100الحوالة عقد لزم دون خلف ،ولكن قبولها للخيارات محلّ اختلف بين الفقهاء ، فالشّافعيّة والحنابلة يقرّون أنّها ل تقبل الخيارات إلّ أنّ من أهل المذهبين من أجاز فيها خيار المجلس -وفي ذلك يقول صاحب " المهذّب " من الشّافعيّة " :ل يجوز خيار الشّرط فيه - أي عقد الحوالة " -لنّه لم يبن على المغابنة ،فل يثبت فيه خيار الشّرط . وفي خيار المجلس وجهان :أحدهما يثبت ،لنّه بيع ،فيثبت فيه خيار المجلس كالصّلح . الثّاني ( :وهو الصحّ ) ل يثبت ،لنّه يجري مجرى البراء ،ولهذا ل يجوز بلفظ البيع ، فلم يثبت فيه خيار المجلس فهو جازم -كما يظهر من كلمه -بعدم قبول الحوالة خيار الشّرط عند الشّافعيّة . والمالكيّة يشترطون للزوم الحوالة أن يكون الدّين المحال عليه عن عوض ماليّ ،فإذا اختلّت الشّريطة لم تكن الحوالة لزمةً ،وعنهم في بعض تفسيرات المذهب ،أنّ يسار المحال عليه كذلك من شرائط لزوم العقد . - 101وصرّح الحنفيّة بأنّ الحوالة من العقود اللّازمة الّتي ل يمكن فسخها أو إبطالها من جانب واحد ما لم يشرط له الخيار . ومدّة خيار الشّرط ثلثة أيّام عند أبي حنيفة وأيّة مدّة تعلم نهايتها عند الصّاحبين .
وقد صرّحوا بجواز اشتراط الخيار لمن يجب رضاه في الحوالة ،وهو على الصّحيح المحال والمحال عليه فحسب ،كما يتبادر من كلم بعضهم . ثمّ قال الحنفيّة :إذا شرط الخيار للمحال أو المحال عليه أو كليهما ،فبدا لهذا أو ذاك في مدّة ن أحد الشّخصين أو كليهما قد يجهل صاحبه بعض الخيار أن يعدل عن العقد فذلك له ،ل ّ جهالة ،ثمّ بعد تقصّي أحواله يبدو له أنّ هذه الحوالة ليست في مصلحته فيراجع نفسه قبل فوات الوان . وقد ل يجهل ،ولكن تتغيّر حتّى في هذه الفترة القصيرة ،ظروف المحال عليه إلى أسوأ ،أو المحيل إلى أفضل ،أو يقع التّغيّران كلهما ،فيؤثر المحال أن يعود من حيث بدأ . أمّا المحيل فشرط الخيار له أصالةً بيّن جدّا ،على القول بأنّه طرف في العقد ،فقد يأنف بعد شيء من الرّويّة -أن يتحمّل عنه فلن دينه ،وقد يكون ذا صلة خاصّة بالمحال عليه ، ن مكان المحال سيثقل عليه فتأخذه به رأفة ،ويعيد الدّين إلى نفسه ويعلم أنّ فيه ضعفا ،وأ ّ كرّةً أخرى ،ثق ًة بأنّه أقدر على معالجة صاحبه . وانفساخ الحوالة عند الحنفيّة لمر عارض كالتّوى وموت المحيل في الحوالة المقيّدة أو مطلقا على الخلف عندهم -لم يمنع من الحكم عليها بأنّها عقد لزم ( ر :ف ، 138 /. ) 141 / - 102وقد أفاد ابن نجيم في البحر نقلً عن الخلصة والبزّازيّة أنّ الحوالة على ثلثة أوجه :لزمة وجائزة وفاسدة . فاللّازمة :أن يحيل المدين دائنه على آخر ويقبل الحوالة ،سواء أكانت مقيّد ًة أم مطلقةً . والجائزة :أن يقيّدها بأن يعطي المحال عليه الحوالة من ثمن دار نفسه ،فل يجبر المحال عليه على البيع ،وهو بمنزلة ما لو قبل الحوالة على أن يعطي عند الحصاد ،فإنّه ل يجبر على أداء المال قبل الجل . والفاسدة :أن يقيّد فيها المحال عليه بالداء من ثمن دار المحيل ،لنّها حوالة بما ل يقدر على الوفاء به ،وهو بيع دار غيره ،فإنّ الحوالة بهذا الشّرط ل تكون توكيلً ببيع دار المحيل .أي لكي يكون بحكم الوكالة قادرا على الوفاء .
ب -الشّروط اللّاحقة : - 103اختلف الفقهاء في الشّروط الواقعة بعد العقد -أيّا كان هذا العقد -هل تلحقه أم ل؟ فشرط الشّافعيّة والحنابلة للحاق الشّروط الّتي لم تشرط في صلب العقد وقوعها قبل لزوم العقد .
وللحنفيّة في ذلك قولن :قول باللّحاق ،ويعزى إلى أبي حنيفة ،وقول بعدمه ويعزى إلى الصّاحبين ،وعلى القول باللّحاق : - 1ل فرق بين أن يقع الشّرط في مجلس العقد ،وأن يقع خارجه ،خلفا لمن شرط اتّحاد المجلس . - 2إذا كان الشّرط فاسدا يفسد العقد لحاقه إلّ أنّه إذا خرج مخرج الوعد " ولنسمّه شرطا وعديّا " ل يفسده ،بل ل بأس حينئذ بأن يكون في صلب العقد . ثمّ هل يكون هذا الشّرط الوعديّ ملزمًا أو غير ملزم ؟ في ذلك قولن مصحّحان في المذهب ،بعد أن يكون الشّرط الوعديّ في ذاته ليس من المحظورات الشّرعيّة . ن الوعد ل يجب الوفاء به قضاءً . فالقائل بعدم اللّزوم جار على المشهور من أ ّ والقائل باللّزوم ملحظه أنّ المواعيد قد تلزم ،فتجعل هنا لزم ًة لحاجة النّاس إلى لزومها . هذا تقرير القاعدة في ذاتها عند الحنفيّة على صعيد العقد بوجه عامّ أيّا كان نوعه . ص يجب أن يفرّق عند الحنفيّة -كما هو فإذا أريد تطبيقها هنا على عقد الحوالة -بوجه خا ّ واضح بين نوعين من الشّروط ،ونوعين من العبارات الّتي تصاغ بها .
النّوع الوّل من الشّروط الملحقة :شروط فاسدة : - 104أ -كما لو اشترط أحد الطراف شرطا ملحقا بعد العقد أن تكون الحوالة عقدا غير لزم :بمعنى أن يكون لمن شاء من أطرافها ،أو لطرف معيّن أن ينقضها متى شاء ،دون تقيّد بمدّة معيّنة . ب -أو يشترط المحيل أنّ الحوالة ماضيةً قطعيّةً قطعت كلّ علقة بينه وبين المحال عليه ل تتأثّر بموت محيل ،ول بموت محال عليه أو إفلسه ،ول رجوع عليه للمحال سواء وفّيت الحوالة أم ل . ج -أو يشترط ما يشبه المقامرة من نوع آخر ،كما لو شرط في الحوالة المقيّدة أن ل رجوع عليه فيها ،ولو تلف المال الّذي قيّدت به أو استحقّ . وواضح أنّ هذا النّوع من الشّروط مناف لمقتضى العقد في قواعد الحنفيّة فهي شروط فاسدة في نفسها .ثمّ إن قلنا بلحاقها بعقد الحوالة إذا شرطت بعد العقد فإنّها تفسده أيضا ،وإن لم نقل يلحقاها اقتصر فسادها عليها بذواتها ،ولم يتعدّ إلى العقد نفسه . على أنّه حين يصاغ الشّرط من هذه الشّروط وأمثالها بصيغة الوعد " كأن يقول المحال بعد العقد :إنّي ملتزم بهذه الحوالة أبدًا ولن أرجع عليك بحال من الحوال ،أو يقول المحيل : إنّنا ملتزمان بهذه الحوالة ،ولكنّني سأذعن لرادتك إن بدا لك أن تفسخها أنت " فالّذي يبدو
ن هذا ل يغيّر شيئا من مقتضى العقد .أمّا جعله أمرا جائزا بطريق العدة ،فهذا وما إليه أّ ممّا يجيء فيه الخلف في لزوم الوعد وعدم لزومه .
النّوع الثّاني من الشّروط الملحقة :شروط صحيحة : - 105أ -وذلك كاشتراط المحال أن يعطيه المحال عليه بالدّين رهنا أو أن يكون موسرا . ب -أو اشتراط المحال عليه أن يكون الدّين المحال على الصيل مؤجّلً عليه هو . ج -أو أن يشترط لحد الطراف الخيار ثلثة أيّام ،أو مدّ ًة ما معلوم ًة على ما سلف ( ر : ف . ) 101 / ن هذه مصالح ل ريب فيها ،وليس في شيء منها حظر شرعيّ -إذا كانت المعاملة في فإ ّ المثالين الخيرين ليست من قبيل الصّرف -فهذا النّوع من الشّروط لو أنّ العاقد شرطها في أثناء العقد لصحّت وتمّ العقد على وفق أغراضه الصّحيحة تلك ،إذ هي بين شرط ملئم لعقد الحوالة ،أو مأذون فيه بترخيص الشّارع -وإن لم يكن من مقتضى العقد نفسه -فلو نسي اشتراط شيء منها في أثناء العقد فاتّفقا على إلحاقه جاز إلحاقا ،كما يجوز ابتدا ًء على أنّه قد يعتبر اشتراط يسار المحال عليه من مقتضيات العقد ،بدليل الرّجوع على المحيل إذا توي الدّين .حتّى إنّه لو فاته اشتراط ذلك في العقد لم يكن من بأس في أن يتدارك ،ولو بعد مدّة ص عبارتهم " : مديدة ،وهم قد صرّحوا بمثل ذلك في خيار الشّرط المتعلّق بعقد البيع ،ون ّ لو قال أحدهما بعد البيع ،ولو بأيّام :جعلتك بالخيار ثلثة أيّام صحّ إجماعا " ،ومجال التّيسير في الحوالة أوسع منه في البيع . ول خفاء في هذا بنا ًء على قول اللّحاق بالعقد في الشّروط المتراخية عنه ،أمّا على القول المقابل ،فل يستقيم . 105م -أمّا الشّرط الفاسد أو الصّحيح في نفسه ،من تلك الشّروط عند الجمهور ففيها التّفصيل التّالي : أ -إنّ اشتراط عدم الرّجوع على المحيل ،إذا توي المال على المحال عليه ،ليس مخالفا لمقتضى العقد عند أحد من غير الحنفيّة ،حتّى يكون فاسدًا ،بل هو اشتراط مقتضى العقد وأحد لوازمه غير المنفكّة عند كثيرين ،بحيث لو شرط خلفه في صلب العقد لخرج العقد عن أن يكون حوال ًة حقيقيّ ًة أو لبطل ،والبطلن حينئذ هو مختار الشّافعيّة ( .ر :ف 31 /و ) 156 /وإن كان الّذي حكاه الباجيّ من المالكيّة عن سحنون صحّة الشّرط ،ولعلّه أحد الوجه الّتي أشار إليها الخطيب عند الشّافعيّة . ب -إذا شرط في الحوالة تقديم رهن بالدّين أو كفيل فقد اختلف الشّافعيّة في صحّة هذا الشّرط ،وقد سبق ذلك ( ر :ف . ) 55 / ، 54 /
ن هذا من مصالح العقد ،ومع ذلك فهناك من ج -اشتراط يسار المحال عليه ل ينازع أحد أ ّ ح عندهم ،ذلك أنّهم يقولون إنّ إعسار يرى مانعا من لزومه لو شرط ،كالشّافعيّة في الص ّ المحال عليه نقص كالعيب في المبيع -على أساس أنّ الحوالة عند الشّافعيّة من قبيل بيع ل كان الخيار المحال -في فسخ الحوالة الدّين -فلو لزم شرط انتفاء العسار بحيث إذا اخت ّ والبقاء عليها -لوجب أن يكون له الخيار بمجرّد وجود العسار عند العقد من غير شرط ، على قاعدة خيار العيب ،وليس المر كذلك . وهناك من يرى أنّه شرط لزم ،ويثبت الخيار عند انتفاء الشّرط ،وعلى هذا الحنابلة وأبو العبّاس بن سريج من الشّافعيّة وموافقوه ،أمّا العسار فعيب ،واشتراط انتفائه غير مجد على ما تبيّن . ولذا يقول ابن قدامة :قد يثبت بالشّرط ما ل يثبت بإطلق العقد بدليل اشتراط في المبيع . ومن ثمّ لجأ السّيوطيّ ،أو من نقل عنهم في الشباه ،إلى بناء القول بعدم لزوم شرط اليسار على أنّ الحوالة استيفاء والقول بلزومه على أنّها بيع . د -وأمّا شرط المحال عليه تأجيل الدّين بالنّسبة إليه بعد ما كان حالّا على المحيل ،فإنّ ل ل يتأجّل " أي ل يعتبر تأجيله الشّافعيّة والحنابلة يمنعون تأجيل الحالّ ،ويقولون " :الحا ّ ملزما .ولكن المالكيّة يتوسّعون في قابليّة الدّين للتّأجيل ما ل يتوسّع غيرهم حتّى إنّهم ليجيزون تأجيل دين القرض ،وينفّذون شرطه ( .ر :ف . ) 24 /
أحكام الحوالة : - 106لعقد الحوالة أثران رئيسيّان هما براءة ذمّة المحيل من الدّين الّذي أحال به ،واشتغال ذمّة المحال عليه بالدّين ،وفيما يلي بيان لهذين الثرين وما يتبعهما بالنّسبة إلى : أ -أثر الحوالة في علقة المحيل والمحال . ب -أثر الحوالة في علقة المحال والمحال عليه . ج -أثر الحوالة في علقة المحيل والمحال عليه .
أولً -أثر الحوالة في علقة المحيل والمحال :
ويظهر ذلك الثر فيما يلي :
براءة المحيل من دين المحال ثمّ من مطالبته : - 107اتّفق الفقهاء على أنّه متى صحّت الحوالة فقد فرغت ذمّة المحيل ممّا كان عليه لدائنه الّذي قبل الحتيال به ،وبالتّالي ل يكون لهذا الدّائن حقّ المطالبة . لكن الحنفيّة قيّدوا براءة ذمّة المحيل وسقوط حقّ المطالب بعدم التوى -على اختلف في تفسير التوى -إلّ في حالت استثنوها ونصّوا عليها .
كون الحوالة تنقل الدّين والمطالبة : - 108ويترتّب على كون الحوالة تنقل الدّين والمطالبة معًا النّتائج التّالية : أ -متى برئ المحيل وكان له كفيل ،برئ كفيله تبعا ،إذ ل معنى لمطالبته بدين ل وجود له. ب -لو أحال الكفيل المكفول له على غير المدين المكفول ( الصل ) برئ الكفيل المحيل والمدين الصيل معا ،لنّ الحوالة بإطلقها تنصرف إلى الدّين ،وهو على الصل ،فيبرأ الصيل أ ّولً ،ثمّ الكفيل المحيل تبعا ،هذا ما لم ينصّ في الحوالة على براءة الكفيل المحيل وحده فحسب ،وإلّ برئ هو وحده ،قياسا على صلح الكفيل مع الطّالب في الموضعين ،ثمّ إذا توي المال عاد الدّائن المحال على أيّهما شاء وفقا للحكم العامّ في الحوالة عند الحنفيّة . وبراءة المكفول والكفيل معا أصال ًة وتبعا إذا أحال أحدهما الدّائن ل ينازع فيها الشّافعيّة ول الحنابلة . ن الكفيل تبع له ،لكنّهم ينازعون في أمّا المالكيّة فيوافقون على براءتهما بإحالة الصيل ،ل ّ ن الصل ل يتبع العكس :إذ ل يبرأ الصيل عندهم بحالة الكفيل ،وإنّما يبرأ الكفيل وحده ل ّ الفرع .وممّا يتّصل بهذه المسألة ما يقوله الحنفيّة : ج -إنّ الكفالة متى انعقدت بأمر المكفول عنه فإنّها توجب دينين :دينًا للطّالب على الكفيل ، ن هذا الخير مؤجّل إلى وقت الداء . ودينًا للكفيل على المكفول عنه ،إلّ أ ّ ومعنى هذا أنّه يتسنّى للكفيل أن يحيل المكفول له على الصيل حوالة مقيّدة بدينه هذا عليه ، فإذا قبل الصيل والمكفول له برئ الكفيل ،لكن براءة مؤقّتة بعدم التّوى -على قاعدة براءة المحيل -وهي من وقائع الفتوى ،بخلف ما إذا أحال المحال عليه الطّالب على المحيل ، فإنّه يبرأ بهذه الحوالة براءةً مؤبّدةً ل رجوع بعدها عليه ،وإن توي المال الّذي على الصيل ،لنّه هو المحيل الوّل فالقرار عليه ( .ر :ف . ) 171 / ن الكفيل الضّامن ،ولو بالمر ،ل يثبت له في ذمّة المضمون عنه أمّا الشّافعيّة فعندهم أ ّ شيء بمجرّد الضّمان ،فل مجال للقول بأنّه تصحّ حوالة الكفيل أو غير حوالته ،ولذا يقول الخطيب في شرح المنهاج :لو أبرأ الضّامن الصيل ،أو صالحه ،عمّا سيغرم في ماله ،أو رهنه الصيل شيئًا بما ضمنه ،أو قام به كفيلًا لم يصحّ ،ل يثبت له حقّ بمجرّد الضّمان . ن هبة الدّين ،أو البراء منه ،أو أخذ رهن به ،كان قبل الحوالة حقّا للدّائن تجاه د-إّ المدين دون غيره ،أمّا بعد الحوالة فبالعكس ،إذ يصبح حقّا للدّائن تجاه المحال عليه دون المحيل . هس -لو مات المحيل حوال ًة مطلق ًة ،ل يأخذ المحال الدّين من تركته ،لنّ الحوالة باقية ل من ورثته أو الغرماء ،لئلّ يتوى حقّه . ومقتضاها براءة ذمّته ،ولكنّه يأخذ كفي ً
المحيل ضامن لدين الحوالة : - 109هذا الحكم انفرد به الحنفيّة لما هو مقرّر عندهم من أنّه إذا عجز المحال عن الوصول إلى حقّه من طريق المحال عليه ،فإنّه يرجع على المحيل بدينه ،كما كان أ ّولً .ولول هذا الضّمان لما استقام ذلك ،لكنّه ضمان باعتبار المال ل باعتبار الحال ،ولو شرط ضمانه في الحال لصارت كفال ًة .
ثانيا -أثر الحوالة في علقة المحال والمحال عليه :
- 110اتّفق الفقهاء على أنّ الحوالة تشغل ذمّة المحال عليه بحقّ أنشأته الحوالة للمحال ، وإن اختلفوا في حقيقة هذا الشتغال :هل هو انتفاء الدّين ،أو المطالبة به ،أو مجرّد اشتغال ذمّة جديدة دون انتقال " كما في الكفالة " . فالمهمّ أنّ الحوالة كما أحدثت براءةً في ذمّة المحيل على اختلف في نوع هذه البراءة ودرجتها ،قد أحدثت شغلًا في ذمّة المحال عليه .ويتفرّع عن هذا الشّغل ما يلي :
أ -ثبوت ولية للمحال في مطالبة المحال عليه : - 111وهي مطالبة بدين ثابت في ذمّة المحال عليه -على المصحّح في مذهب الحنفيّة من أنّ الحوالة تنقل الدّين أيضًا ،ل المطالبة وحدها -أو هي مطالبة بدين ثابت في ذمّة المحيل بناءً على أنّها وثيقة بالدّين ول تنقل الدّين ،سواء أنقلت المطالبة أم ل . وعلى كلّ حال فهذه الولية ليست أثرا مباشرا لصحّة الحوالة بل بواسطة الثر السّابق : أعني اشتغال ذمّة المحال عليه بحقّ المحال " .ومعلوم أنّه حين يكون له حقّ مطالبة المحيل أيضًا ،بسبب اشتراط عدم براءته ،تكون الحوالة قد تجاوزت نطاقها وصارت كفال ًة " . ثمّ قد تسقط هذه الولية قبل اليفاء -إمّا باختيار المحال ،وإمّا بغير اختياره . فمن الحالة الولى -أن يبرّئ المحال المحال عليه إبراء إسقاط ،أو إبراء استيفاء ،وتعتبر هذه الخيرة إقرارا بالوفاء . ومن الحالة الثّانية -أن يقدّم المحيل وفاء دينه ،إذ المحال يجبر حينئذ على قبول هذا الوفاء . وأمّا إجبار المحال على قبول إيفاء دينه من المحيل ،فلم نجد أحدًا عدا المالكيّة ،يوافق عليه ل إذا كان بسؤال من المحال عليه ،لنّه حينئذ نائب بصريح العبارة أو ما يشبه صريحها ،إ ّ ن المحيل يكون بها متبرّعا ،حتّى إنّه ل عنه في إقباض الطّالب ،أمّا المبادرة التّلقائيّة ،فإ ّ يستحقّ الرّجوع على أحد -خلفا للحنفيّة -فهي منه منّة ،ول يوجب أحد قبول المنن إذا استثنينا المالكيّة عند اللّجوء إلى القضاء :فهم عندئذ فقط يوافقون الحنفيّة على هذا الجبار .
ب -ثبوت حقّ للمحال في ملزمة المحال عليه :
- 112ل خلف في هذا الحقّ نفسه ،وإن كان قد يعرض الخلف في بعض النّتائج المترتّبة عليه .فمن المقرّر -مثلً -أنّه إذا كان بالدّين أكثر من ضامن ،وأحيل عليهم جميعًا ،فإنّ ص عليه الشّافعيّة والحنابلة -أن يطالب كلّ واحد منهم :إن شاء بجميع للمحال -كما ن ّ الدّين ،وإن شاء ببعض منه . وإذن يتوجّه السّؤال التّالي :إذا أحال الدّائن بدينه على اثنين كفله له معًا ،كما لو قال أحدهما :ضمنت لك أنا ،وهذا ،ما لك على فلن ،وقال الخر :نعم .ففي المسألة وجهان :أحدهما :أنّه يطالب كلّا منهما بجميع الدّين -ولنفرض أنّه ألف -قياسا على ما لو ل منهما تكون رهنا بجميع اللف . ن حصّة ك ّ رهنا به بيتهما المشترك ،فإ ّ والثّاني :أنّه يطالب كلّا منهما بخمسمائة ل غير ،قياسا على ما لو اشتريا بيتا بألف ،فإنّ الثّمن يكون بينهما مناصفةً .
ج -عدم جواز امتناع المحال عليه عن الدّفع : - 113يلوم المحال عليه بالداء إلى المحال بمقتضى عقد الحوالة ،وليس له المتناع سواء أوقع التزام الدّفع في الحوالة بلفظ الحوالة أم بما في معناها . ويرى الحنفيّة أنّه إذا تعلّل المحال عليه بعلّة توجب براءة المحيل ،ليبرأ هو بذلك عن الدّفع ، فإنّه يفرّق بين حالتين : الحالة الولى :حالة ادّعائه أمرا مستنكرا ،أو وقوفه موقف المتناقض . ن دين الحوالة ل وجود له أصلً وفي هذه الحالة ل تسمع دعواه ،مثال ذلك :أن يزعم أ ّ على التّحقيق ،لنّه ثمن خمر باعها مسلم ،أو لنّه صداق امرأة نكاحها فاسد لكذا وكذا ،فل تسمع دعواه ،وإن كان معه بيّنة ل تقبل ،لنّه أ ّولً يدّعي أمرا نكرا ليس بالظّاهر من شأن المسلمين ،ولنّه ثانيا متناقض مع نفسه :إذ قبوله الحوالة يكذّب دعواه . والحالة الثّانية :حالة عدم النّكارة والتّناقض كليهما . وفي هذه الحالة تسمع دعواه ،وتقبل بيّنته ،لنّه يدّعي مشبّها ،ويبرهن عليه ،مثال ذلك ، ن دين الحوالة صداق امرأة كانت أبرأت منه زوجها المحيل ،أو أنّ الزّوج قد أن يدّعي أ ّ نقدها إيّاه بعد ،أو باعها به شيئا وأقبضها . ل ،ث ّم يبرأ المحال عليه وهكذا إذا كان المحيل نفسه حاضرا ،وادّعى مبرّئا ،ليبرأ هو أ ّو ً تبعا ،أعني أنّه يكون على النّحوين النفين :إمّا مرفوض الدّعوى ،أو مقبول البيّنة .
د -الضّمانات والدّفوع :
- 114الحقّ الّذي اشتغلت به ذمّة المحال عليه هو الدّين الّذي كان في ذمّة المحيل وما يتبعه من حقوق ،لكن الفقهاء اختلفوا :هل ينتقل الدّين بضماناته الّتي كانت له في ذمّة المحيل ، أم ل ؟ - 115ذهب جمهور الفقهاء إلى بقاء الضّمانات الّتي هي لمصلحة المدين -كالجل ، وأسباب سقوط الدّين المحال به أصالةً أو إيفا ًء -وإلى سقوط الضّمانات الّتي هي لمصلحة الدّائن كالرّهن ،والكفالة ،بمجرّد الحوالة بالدّين الموثّق عليه ،لنّها كالقبض ،ويستدلّون على أنّها كالقبض ،بسقوط حبس البائع المبيع إذا أحاله المشتري بالثّمن ،وسقوط حبس الزّوجة نفسها إذا أحالها الزّوج بالصّداق . ص الشّافعيّة على أنّه إذا شرط في عقد الحوالة بقاء الرّهن بطلت ،إن كان هذا الشّرط بل ن ّ في صلب العقد ،لنّه شرط فاسد ،ووثيقة بغير دين . - 116وفي كلم فقهاء الحنفيّة ما قد يشعر بأنّ الدّين ينتقل بضماناته ،لنّهم يستعملون في التّعبير عن انتقاله صيغ عموم تشمل تلك الضّمانات :فهم مثلً حين يعلّلون لماذا تكون الحوالة بدين حالّ على المحال حالّةً ،كذلك على المحال عليه ،وبدين مؤجّل مؤجّلةً ؟ يقولون :لنّ الحوالة لتحويل الدّين من الصيل ،وإنّما يتحوّل بالصّفة الّتي كانت على الصيل .ولكن يبدو أنّ هذا التّعميم غير مقصود إلّ فيما يشبه الجل من وجوه الدّفع والتّبرّي الّتي كانت للمدين .ولذا حين يعالجون مسائل التّأمينات والضّمانات ،نجدهم قاطعين بنفي انتقالها ،بل بانقضائها بمجرّد إبرام عقد الحوالة . والتّجاه الغالب عند الحنفيّة هو التّفريق بين نوعين من الضّمانات .
النّوع الوّل :ضمانات لمصلحة الدّائن : - 117كالكفالة والرّهن ،وحقّ البائع في حبس المبيع بالثّمن ،وحقّ المرأة في حبس نفسها حتّى تقبض معجّل مهرها وثيقةً به .وهذه ل تنتقل مع الدّين بمعنى أنّها ل تستمرّ ضمانًا به ن انتقال الدّين عن ذمّة المدين المحيل هو براءة محلّه الجديد ،بل تنقضي بمجرّد الحوالة ،ل ّ لذمّته ،فل مساغ للتّوثّق عليها بعد براءتها ،وإذن فالدّين بانتقاله يتجرّد من ضماناته تلك ، ويكون في محلّه الجديد غير مضمون بها . وللدّائن أن يطالب المحال عليه بوثيقة جديدة ينشئانها معا -فإن وافق فذاك ،وإن أبي فل سبيل عليه ،ولذا جاء في تلخيص الجامع :جاز للمحال أن يسترهن منه ،أي المحال عليه.
النّوع الثّاني :ضمانات لمصلحة المدين :
- 118وهي السباب والحجج الّتي تكون للمدين التّعلّق بها ،لدفع دعاوى دائنيه ،ولذا تسمّى في العرف الحاضر بالدّفوع ،كالجل يتعلّق به لدفع المطالبة قبل حلول الدّين ،واستحقاق
ص ،لدفع دعوى بقاء المبيع ،أو عدم تقوّمه ،لدفع المطالبة بثمنه ،وسبق الوفاء أو التّقا ّ ال ّذمّة مشغولةً ،وهذه حيث ل مانع تنسحب على الدّين في محلّه الجديد .ول ينتقل مجرّدا عنها ،إذ يكون للمحال عليه التّمسّك بها ،كما كان هذا التّمسّك للمحيل ،وما يزال ،فيمكن ن الدّين ينتقل بهذا النّوع من الضّمانات ،لنّها تسند إلى مديونيّة المحيل الّتي هي القول :إ ّ أساس الحوالة ،وإن بقيت أيضًا في محلّه الوّل ،فهي من الحقوق المشتركة .إلّ أنّ ن المحال عليه ل يتولّى الدّفع بغير الجل ممّا ذكر إلّ نيابةً عن الظّاهر من كلم الحنفيّة أ ّ الصيل ،فما لم تثبت تلك النّيابة ،بوجه شرعيّ ،ل يكون له ذلك .لكن في حالة غيبة الصيل له التّعلّق بهذه الدّفوع دون نيابة ،ولذا جاء في البحر الرّائق ":غاب المحيل ، ن مال المحال على المحيل كان ثمن خمر " ل تصحّ دعواه ،وإن برهن وزعم المحال عليه أ ّ على ذلك ،كما في الكفالة .ولو أحال امرأته بصداقها على رجل ،وقبل الحوالة ،ثمّ غاب الزّوج ،فأقام المحال عليه بيّنةً أنّ نكاحها كان فاسدا ،وبيّن لذلك وجها ،ل تقبل بيّنته ،ولو ادّعى أنّها كانت أبرأت زوجها عن صداقها ،أو أنّ الزّوج أعطاها المهر ،أو باع بصداقها منها شيئا وقبضته ،قبلت بيّنته ،وإن كان البيع غير مقبوض ل تقبل بيّنته .والفرق أنّ مدّعي فساد النّكاح متناقض ،أو لنّه يدّعي أمرا مستنكرا فل تسمع دعواه ،بخلف دعوى البراء أو البيع -أي بيع الزّوج لمرأته شيئا بصداقها -لنّه غير مستنكر ،وكذا في الكفالة .فعلى هذا لو ادّعى المحيل أنّه أوفاه الدّين بعدها تسمع وتقبل بيّنته أنّه غير مستنكر . والتّفريق بين النّوعيّة من الضّمان في الحكم هو التّجاه الغالب عند الحنفيّة ،وخالف محمّد ن الصّحيح أنّه قائل كأبي يوسف بانتقال الدّين إلى ذمّة المحال بن الحسن -على الرّغم من أ ّ ن النّوع الوّل من الضّمانات ينتقل أيضا مع الدّين ، عليه ل المطالبة فقط -لنّه يرى أ ّ ك إلّ بسقوطه وبراءة ال ّذمّة منه . ويكون وثيق ًة به في محلّه الجديد ،ل تنف ّ
ثالثا -أثر الحوالة في علقة المحيل والمحال عليه : أ -حقّ المحال عليه في ملزمة المحيل :
- 119يرى الحنفيّة أنّ ملزمة المحال عليه للمحيل خاصّة بالحوالة المطلقة . أمّا ملزمة المحال للمحال عليه فهي حكم عامّ يثبت في كلّ حوالة .وهذان الحقّان في اللّازمة أحدهما -وهو حقّ المحال عليه -تبع للخر -وهو حقّ المحال -ما دام الوفاء لم ن المحال إذا لزم المحال عليه ،كان للمحال عليه أن يلزم المحيل ،ليخلّصه يتمّ بعد .فإ ّ وإذا حبسه المحال ،كان له أن يحبس المحيل ،لهذا الغرض نفسه ،لكن بشريطتين أخريين: أ -أن تكون الحوالة بإذن المحيل ،أعني المدين الصليّ .
ب -وأن تكون الحوالة مطلقةً غير مقيّدة ،لنّه عند توافر هذه الشّرائط ،يكون المحيل هو الّذي جرّ على المحال عليه هذه التّبعة ،فعهدة تخليصه عليه جزاءً وفاقا . أمّا إذا لم يلزمه المحال أو يحبسه ،فبأيّ حقّ يلزم هو المحيل أو يحبسه ،والفرض أن ليس له عليه دين ؟ فإذا لم تكن الحوالة بإذن المحيل يكون المحال عليه متبرّعا بالتزامها ، فل يتوجّه له على المحيل حقّ ،وإذا كانت الحوالة مقيّد ًة لم تكن ملزمته للمحيل ،أو حبسه بأولى من العكس ،فيمتنعان إذ لو استعمل هو حقّه في ذلك لعامله المحيل بالمثل ،فل تكون ثمّ جدوى . ن الشّرائط الّتي شرطها الحنفيّة لملزمة المحال عليه المحيل ،يستغني غير - 120وواضح أ ّ الحنفيّة منها عن شريطة رضا المحيل ،إذ الحوالة عندهم ل تكون إلّ برضاه ( ر :ف 33 /
) كما يستغنون -باستثناء مثبتي الحوالة المطلقة منهم -عن شريطة الحوالة المقيّدة ،لنّ الحوالة عندهم ل تكون إلّ مقيّدةً ( ر :ف . ) 25 /
ب -حقّ المحال عليه في الرّجوع : أوّلً -حالة الداء الفعليّ :
- 121ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ استحقاق رجوع المحال عليه بعد أدائه دين الحوالة ،ل يتصوّر في حوالة صحيحة عند غير الحنفيّة من نفاة الحوالة المطلقة ،لنّ المحال عليه عندهم هو مدين للمحيل ،فما يؤدّيه بحكم الحوالة إنّما يوفّي به ذمّته المحال عليها ،فل رجوع له ( ر :ف ، 25 /و . ) 66 / ق الرّجوع على المحيل إذا - 122ويرى الحنفيّة أنّه متى أدّى المحال عليه إلى المحال استح ّ توافرت شرائط الرّجوع التّالية :
أ -أن تكون الحوالة برضا المحيل : ن المحال عليه حينئذ إذا أدّى ل يكون متبرّعا ،بل يكون في حقيقة المر قد اشترى من لّ المحال الدّين الّذي له في ذمّته بما أدّاه هو إليه ،وحيث ملك الدّين استحقّ الرّجوع به على المدين ،كما لو ورثه أو وهب منه ،أمّا إذا كانت الحوالة بغير رضا المدين ،كما لو قال ي فقبل الطّالب ،فإنّ الحوالة حينئذ صحيحة قائل للطّالب :لك على فلن ألف فاحتل بها عل ّ على المعتمد ،ولكن ل تثبت للمحال عليه ولية الرّجوع على المدين إذا أدّى ،لنّه يكون متبرّعًا بالداء ،ل مالكا للدّين بطريق الشّراء حذرا من تمليك الدّين من غير من عليه الدّين. وإنّ الرّجوع في الحوالة يكون بحكم الملك .
ب -أن يؤدّي المحال عليه مال الحوالة إلى المحال :
لنّه إذا لم يؤ ّد لم يملك الدّين ،وهو إنّما يرجع بحكم ملكه .
ج -أن ل يكون المحال عليه مدينا للمحيل بمثل دينه : لنّه لو كان مدينا للتقى الدّينان ووقع التّقاصّ ،ومن ثمّ يمتنع الرّجوع ،لنّه لو رجع على المحيل ،لرجع المحيل عليه ،فيكون عبثا . - 123ويرجع المحال عليه بالمحال به ،إلّ في حالة واحدة ،هي ما إذا صالح المحال عليه المحال عن حقّه بأقلّ منه من جنسه فإنّه يرجع بما أدّى . فمثلً لو كان حقّه مائة دينار فصالحه عنها بثمانين ،لم يكن له حقّ الرّجوع إلّ بالثّمانين الّتي أدّاها . والمحال عليه بعين للمحيل عنده ،كوديعة إذا لم يعط المحال تلك العين نفسها ،وإنّما قضى الدّين من ماله هو ،يعدّ متبرّعا ل رجوع له على المحيل قياسا ،لكنّهم استبعدوا ذلك استحسانا ،ومنحوه حقّ الرّجوع بما أدّى ،فإن كان هناك غرماء فإنّه يحاصّهم .
ثانيًا :حالة الداء الحكميّ :
- 124يقوم مقام الداء الفعليّ الداء الحكميّ عند الحنفيّة .
وفي حالة الداء الحكميّ بطريق الحوالة ،أي إذا أحال المحال عليه الطّالب على غير المحيل ،ل يملك المحال عليه الوّل حقّ الرّجوع على المحيل ،إلّ بعد قبض الطّالب فعلً من المحال عليه الثّاني ،وعلّله السّرخسيّ بقوله :لنّه بعرضة العود على الصيل ،لنّ الحوالة تنفسخ بموت المحال عليه مفلسا .
ج -حقّ المحيل في مطالبة المحال عليه : ن المحال عليه في الحوالة المطلقة ،إمّا أن يكون مدينا للمحيل أو عنده - 125يقرّر الحنفيّة أ ّ له عين ،وإمّا أن ل يكون : أ -فإن كان :طولب بعد الحوالة بدينين ،أو دين وعين . - 1دين الحوالة الّذي التزمه بمقتضاها ونشأ معه للمحال حقّ مطالبة لم تكن . - 2ودين المحيل القائم بذمّته من قبل ،أو ماله الّذي عنده ،مقترنًا بحقّ مطالبة قديمة ،فإنّ هذا الحقّ القديم ل ينقطع بسبب الحوالة ،لنّها لم تقيّد بالدّين السّابق ول بالعين فبقيا كما كانا بحقوقهما كاملةً ،ومنها حقّ المحيل في مطالبته والقبض منه . ويظلّ المحال عليه كذلك إلى أن يؤدّي إلى المحال ،فإذا أدّى سقط ما عليه بطريق المقاصّة لكنّها مقاصّة دين للمحال عليه بعين للمحيل فتتوقّف على التّراضي . ب -وإذا لم يكن للمحيل عنده شيء ،فإنّما يطالب بدين واحد ،وهو دين الحوالة ل غيره ، ثمّ إذا أدّاه ثبت له حقّ الرّجوع على المحيل إن كانت الحوالة برضاه ،وإلّ فل رجوع عليه .والطّالب في هذه الحالة هو المحال وحده ،إلّ أنّه في الحوالة المؤجّلة ل تستحقّ مطالبته
أثناء الجل ،فهي إذن ل تحلّ عليه إلّ بموته هو ،ل بموت المحيل -وإن كان تأجيله تابعا ن حلول الجل في حقّ الصيل ،إنّما هو لستغنائه عن الجل بموته ، لتأجيل المحيل -ل ّ فإذا مات هو فإنّ المحال عليه ما زال على قيد الحياة ،وفي حاجة إلى الجل ،فل وجه ن الصيل برئ عن الدّين في أحكام الدّنيا والتحق لحلوله عليه بحلوله على الصيل ،ل ّ بالجانب .وبقاء المحيل على قيد الحياة ل يؤثّر في حلول الجل على المحال عليه بموته هو ،لنّه استغنى عن الجل بموته ،ثمّ إن لم يكن في تركته وفاء بدين الحوالة ،استحقّ الطّالب الرّجوع على المحيل إلى أجله الصليّ ،لنّ هذا الجل لم يكن سقط حقيقةً ،وإنّما سقط في ضمن الحوالة حكما ،وقد انتقضت الحوالة بموت المحال عليه مفلسًا فينتقض ما تضمّنته ، أعني سقوط الجل .نظيره :ما لو أنّ المدين بدين مؤجّل باع به سلعةً من دائنه ثمّ استحقّت ن الجل يعود ،لنّ سقوطه إنّما كان بحكم البيع ،وقد انتقض البيع .نعم إن كان السّلعة ،فإ ّ الجل باقيا لكن المحال عليه نزل عنه فذاك ،إذ الجل حقّه فيسقط بإسقاطه " .نظيره ما لو أسقط الصيل الجل قبل الحوالة " ثمّ إن أدّى قبل الموعد الصليّ لحلول الجل فليس له أن ل ذاك الموعد ،إذ إسقاط الجل صحيح في حقّه ،ل في حقّ يرجع على المحيل حتّى يح ّ المحيل . - 126ويقرّر الحنفيّة كذلك في الحوالة المقيّدة أنّ المحيل ل يملك مطالبة المحال عليه بالمال الّذي قيّد وفاؤها به ،لنّه قد تعلّق به حقّ المحال ،فإنّه إنّما رضي بنقل حقّه إلى المحال عليه على أن يوفّيه حقّه ممّا للمحيل عنده ،فتعلّق به حقّ استيفائه ،فلو أخذه المحيل لبطل ل فات الرّضا ،وبطلت الحوالة . هذا الحقّ ،فل يسلّط على أخذه ،وإ ّ وبعبارة أوجز :لمّا قيّدت الحوالة بشيء تعلّق حقّ الستيفاء به كالرّهن ،فل يزاحم فيه ن المحال عليه دفعه إلى المحيل وجب عليه المستحقّ ،ول يدفع إلى غيره .فإذا اتّفق أ ّ ضمانه للمحال ،لنّه فوّت عليه ما تعلّق به حقّه ،كما لو استهلك الرّهن أحد ،فإنّه يضمنه لصاحب حقّ الستيفاء منه وهو المرتهن . - 127وهذان الثران ليسا عند جماهير الفقهاء من غير الحنفيّة مجرّد سقوط مطالبة المحيل ن حقّه صار كالمرهون ،بل عند الجماهير يبرأ المحال عليه من دين ومنع الدّفع إليه ،ل ّ ن حقّه صار ملكًا للمحال ،ولذا إذا توي فإنّما يتوى المحيل ،ومن ثمّ يمتنع الدّفع إليه ،ل ّ على المحال نفسه .
انتهاء الحوالة : - 128انتهاء الحوالة قد يكون بأداء مالها إلى المحال ،وقد يكون بما يساوي هذا الداء ، وقد يكون بدون هذا وذاك ،ويمكن ترتيب ذلك .في فرعين :
أوّلً -انتهاء الحوالة بالتّنفيذ : - 129إذا أدّى المحال عليه مال الحوالة -بعينه إن كان عينا ،وبمثله إن كان دينا -إلى المحال أو من ينوب منابه فهذه هي غايتها المنشودة . ومتى انتهت إلى غايتها فل بقاء لها .بل لو تحقّقت هذه الغاية ل عن طريق المحال عليه ل متبرّعًا عن المحال عليه ،ما لم مباشرةً ،بل عن طريق متبرّع بالوفاء -وهو ل يكون إ ّ ن هذا الوفاء والّذي قبله سواء ،من حيث إنهاء الحوالة . يصرّح بخلفه -فإ ّ وقد ل يؤدّي المحال عليه العين نفسها الّتي قيّدت بها الحوالة ،ول مثل دينها -مطلق ًة كانت أو مقيّدةً -ومع ذلك تنتهي الحوالة ،لنّه قد وقع ما يساوي هذا الداء ،كما في الحالتين التّاليتين : أ -أن يؤدّي المحال عليه شيئا آخر عن تراض بينه وبين المحال :كما لو كانت الحوالة مقيّدةً بوديعة -ككتاب أو أكثر -فيؤثّر المحال عليه الحتفاظ لنفسه الوديعة لرغبته فيها ويعيض المحال منها قيمتها نقدا ،أو كان المحال به دينا على المحيل ،مقداره ألف دينار مثلًا ،فيرغب المحال عليه وهو تاجر أن يبايع بها المحال فيعرض عليه أن يعيضه من دنانيره ، بضائع كثياب أو غيرها . ب -أن يموت المحال ،ويرث المحال عليه مال الحوالة :لنّ الرث من أسباب الملك فيملك المحال عليه الدّين في هذه الحال . وهذا يعادل تماما ما لو كان قد وفّاه دينه قبل وفاته ،ثمّ عاد إليه المال بطريق الميراث . وفي معنى الرث أن يهب المحال المحال عليه دين الحوالة أو يتصدّق به عليه فيقبل أو ل يردّ .
ثانيا :انتهاء الحوالة دون تنفيذ :
- 130تنتهي الحوالة دون تنفيذ في حالتين : الولى :النتهاء الرّضائيّ . الثّانية :النتهاء غير الرّضائيّ .
الولى النتهاء الرّضائيّ : وذلك بطريقين : الوّل :النتهاء بطريق التّقايل " التّراضي على الفسخ " . الثّاني :النتهاء بطريق البراء .
أ -النتهاء بطريق التّقايل " التّراضي على الفسخ " .
131
-الفسخ في اصطلح الفقهاء هو إنهاء العقد قبل أن يبلغ غايته ،وعبارة ابن نجيم " :
الفسخ حلّ ارتباط العقد " . فإذا أراد واحد أو أكثر من أطراف الحوالة -دون أن يكون له خيار الشّرط -أن يرجع في الحوالة ،فقد قال الحنفيّة " :إنّ المحيل والمحال يملكان النّقض " أي نقض الحوالة . وظا هر أنّ هم يعنون أن يكون ذلك عن تراض بينه ما ،ل أن يكون بطر يق الرادة المنفردة . وعلى ذلك فإنّ المحيل ل يملك إبطال الحوالة بعد ثبوت صحّتها . أمّا المحال عليه ،فإذا تراضى مع بقيّة أطراف العقد على نقضه فذاك . وإذا تراضى الطّرفان الخران واعترض هو ،فل قيمة لعتراضه هذا ،ل نّ العقد حقّهما ، ولصاحب العقد إسقاطه .أمّا أن يستبدّ هو بفسخ العقد فهذا ما ل سبيل إليه . 132
-ومفاد ما تقدّم :أ نّ الحوالة عند الحنفيّة تقبل التّفاسخ والتّقايل برضا الطّرفين الوّلين
فيه والمحيل والمحال فقط ،ول يتوقّف ذلك على رضا المحال عليه . ن المتولّي مصرّح بأ نّ وقد نقل الخطيب عن الرّافع يّ :عدم صحّة التّقايل في الحوالة ،كما أ ّ الحوالة من العقود اللّازمة ،وأنّها لو فسخت ل تنفسخ . البلقينيس حكسى فسي صسحّة إقالتهسا خلفا ،نقلً عسن ّ أنس والّذي ذكره السسّيوطيّ فسي فتاويسه ّ صحّة لما مرّ من أنّها بيع ،كما أنّه يوجد بإزاء ن صّ ل ما فعله أنّه رجّح ال ّ الخوارزم يّ ،وك ّ المتولّي العا مّ ن صّ عا مّ يقابله ،وهو قولهم " :فسخ الحوالة انقطاع من حينه " وإذن فالخلف ثابت في المذهب . - 133ويستوي عند الحنفيّة أن يكون التّراضي على الفسخ إلى غير بديل ،أو إلى بديل . ن " الحوالة إذا تعدّدت على رجلين كانت الثّانية نقضا للولى " ومن النّوع الثّاني تصريحهم بأ ّ فهذه كأنّها استعاضة عن حوالة بحوالة . فإذا كان الرّجلن المحال عليهما بمثابة رجل واحد ،لنّهما أصيل وكفيله ،وإنّما التّعدّد ن الثّانية ل تكون نقضًا للولى ،بل إمّا أن تصحّ الحوالتان ، الحقيقيّ في جانب المحال ،فإ ّ ح الولى ،وتلغو الثّانية . وإمّا أن تص ّ سرّ في ذلك أنّ الحوالة على الكفيل ل تقتضي براءة الصيل من حقّ المحيل ،فيتسنّى وال ّ للمحيل أن يحيل عليه بعد أن أحال على الكفيل ،بخلف العكس ،إذ إنّ الحوالة على الصيل تقتضي براءته وبراءة الكفيل كليهما من حقّ المحيل براءة مراعاة -وسمّاها بعضهم :تأخير المطالبة -فل يسعه بعد أن أحال على الوّل أن يحيل على الثّاني ،وقد أصبح بريئا .
ب -النتهاء بطريق البراء :
- 134إبراء المحال للمحال عليه من دين الحوالة يقع تحت احتمالين فهو إمّا أن يكون إبراء استيفاء ،أو إبراء إسقاط . - 135أ -فإذا كان إبراء استيفاء فإنّه في معنى القرار بالقبض .وعندئذ تنتهي الحوالة بما دلّ عليه هذا البراء من وقوع الوفاء فعلً .وتصبح المسألة من قبيل النّهاية بطريق الداء ، ويترتّب فيها ما يترتّب على أداء الحوالة من حقّ المحال عليه في الرّجوع بدين الحوالة على المحيل إن لم يكن مدينا له بمثله .فإن كان مدينا له وقع التّقاصّ بينهما . - 136ب -وأمّا إذا كان إبراء المحال للمحال عليه إبراء إسقاط قبل الوفاء ،فإنّه يخرج به المحال عليه من الحوالة كما صرّح به صاحب البدائع وغيره . وعندئذ يسقط حقّ المحال في دين الحوالة سقوطًا نهائيّا ،ولو كانت الحوالة على كفيل المدين ومقيّد ًة بدين الكفالة .ذلك لنّ حقّ المحال قد تحوّل عن المحيل بمقتضى الحوالة نفسها حيث ل محلّه المحال عليه في التزام الداء . يبرأ بها المحيل ويح ّ فإذا أبرئ المحال عليه لم يبق للمحال حقّ تجاه أحد ،سواء أكان المحال عليه مدينا أصليّا ل أم غير مدين أصلً ،بأن كانت الحوالة مطلق ًة عند الحنفيّة . للمحيل أم كفي ً - 137ج -وقد يقع هذا البراء -إبراء السقاط -من المحال للمحال عليه بعد أن أدّى هذا إليه دين الحوالة ،ويكون هذا عند الحنفيّة إبراءً صحيحا ،بناءً على نظريّتهم في أنّ إيفاء ن الدّين قبل الدّيون ل يسقطها من الذّمم ،وإنّما يؤدّي إلى المقاصّة وامتناع المطالبة :فإ ّ الوفاء يكون قائما بذمّة المدين ،وبالداء يقوم دين نظيره في ذمّة الدّائن المستوفي ،أي يصبح المدين دائنا أيضا لدائنه فيصير ك ّل منهما دائنا ومدينا للخر ،فتمتنع المطالبة من الجانبين لعدم فائدتها ،وهذه هي المقاصّة . فالبراء بعد الداء الصل فيه أن يكون إبراء استيفاء ،لكن إذا صرّح المبرّئ أو دلّت القرائن على أنّه أريد به السقاط فإنّه يصادف دينا قائما فيسقطه ،ولكن هذا ل يؤثّر في الحوالة الّتي تنتهي بمجرّد الداء ،وإنّما يقتصر أثره على أن يصبح للّذي أبرئ -أي المحال عليه -حقّ مطالبة المحال الّذي أبرأه بما كان قد أدّاه إليه ،لنّه بعد البراء أصبح المقبوض بل مقابل ،فتنتقض المقاصّة السّابقة التّقدير . هذا ،ول نعلم أحدا من أهل العلم والجتهاد يقول بما يقول به الحنفيّة في هذا الشّأن ،أي بصحّة البراء بعد الوفاء ،بناءً على نظريّتهم النفة الذّكر .
الثّانية :النتهاء غير الرّضائيّ : وذلك في أربع حالت :
أولً -النتهاء بموت المحيل :
138
-يرى جمهور الفقهاء عدم انفساخ الحوالة بموت المحيل ،لنّ المال قد تحوّل من ملك
المح يل إلى ملك المحال ( ر :ف /
127
) و ما تأث ير موت المح يل في الحوالة ب عد صحّتها
ل كتأثير موت بائع ال سّلعة بعد صحّة الب يع ولزو مه ،بل بعد إقبا ضه إيّاها فضلً ولزومها إ ّ صحّة واللّزوم ،لنّ الحوالة عندهم بمثابة القباض والتّسليم . عن ال ّ ل به دينها المؤجّل ،وفي ذلك يقول صاحب نعم تتأثّر الحوالة بموت المحال عليه ،إذ يح ّ نهاية المحتاج :لو أحال بمؤجّل على مثله حلّت الحوالة بموت المحال عليه ،ول تحلّ بموت المحيل ،لبراءته بالحوالة . ص المالكيّة في الضّمان ،وفي الشّرح الكبير للحنابلة :فإن مات المحيل أو ويؤخذ مثله من ن ّ المحال فالجل باق بحاله ،وإن مات المحال عليه انبنى على " قاعدة حلول الدّين بالموت - أي بموت المدين " -وفيه روايتان ،ول يعلم في حلول الدّين بموت المدين خلف لحد من أرباب المذاهب المدوّنة سوى أحمد في إحدى هاتين الرّوايتين . ن ما قبضه المحال من المحال عليه -قبل موت المحيل أو ويترتّب على ذلك عند الجمهور أ ّ ل ذلك هو له خاصّةً ل يشركه فيه أحد من غرماء المحيل ، بعده ،في صحّته أو مرضه -ك ّ صحّة . كما ل يشركونه في سلعة كان اشتراها في حال ال ّ ويرى الحنفيّة أنّه إذا مات المحيل حوال ًة مطلق ًة ل تنفسخ هذه الحوالة . ثمّ إن كان له على المحال عليه مال " بالمعنى الشّامل للدّين توسّعا ،فإنّه مال حكميّ عند الحنفيّة " فل شأن للمحال بهذا المال ول تعلّق لنّ حقّه في ذمّة المحال عليه ،وهذا المال تركة للمحيل ،فيئول إلى ورثته ،بعد أن تقضى منه الحقوق المقدّمة ،كالدّيون الخرى غير دين المحال ،لنّه ل يعود على المحيل ما دامت الحوالة قائمةً ،وموت المحيل ل يبطل الحوالة المطلقة . - 139وأمّا في الحوالة المقيّدة ،فقد يموت المحيل قبل استيفاء دينها ،وفي هذه الحالة تنفسخ ن المال الّذي قيّدت به قد استحقّ من المحال عليه ،ودخل في تركة المحيل ، الحوالة ،ل ّ وعلى هذه التّركة يعود المحال بدينه ،ويكون أسوة الغرماء ،هكذا علّل صاحب -البدائع - ن المرتهن اختصّ بغرم الرّهن من بين سائر الغرماء ،لنّه ثمّ فرّق بين الحوالة والرّهن ،بأ ّ إذا هلك سقط دينه خاصّةً ،ولمّا اختصّ بغرمه اختصّ بغنمه ،لنّ الخراج بالضّمان .وأمّا المحال في الحوالة المقيّدة فلم يختصّ بغرم ذلك المال ،لنّه لو توي ل يسقط دينه عن المحيل .فلمّا لم يختصّ بغرمه لم يختصّ بغنمه ،ويكون أسوة الغرماء . - 140ومن نتائج القول بالنفساخ عند الحنفيّة :
أ -إنّ المحال إذا رجع إلى تركة المحيل وعرف نصيبه في القسمة بين الغرماء ،فأرادن ما على المحال أن يستوفي نصيبه هذا من المحال عليه بدلًا من التّركة لم يجز له ذلك ،ل ّ عليه صار مشتركًا بين المستحقّين . ب -لو نقصت حصّة المحال في المقاسمة عن الوفاء بدينه ،ل يكون له حقّ الرّجوع بمابقيّ له على المحال عليه ،لنّه صار تاويا فل يرجع به على أحد . ج -إن كان المحال قد قبض شيئًا من دين الحوالة قبل موت المحيل -ولو في أثناءص الغرماء في الباقي .لكن في حالة القبض ،والمحيل مرضه -فله ما قبضه ،ثمّ يحا ّ مريض مرض الموت ،يوجد في كلم بعضهم تفرقة بين قبض الدّين وقبض العين . - 1ففي قبض الدّين يسلّم للمحال ما أخذه ،ول سبيل للغرماء عليه ،لكن يكون المحال عليه بأدائه الدّين -غريمًا للمحيل يستحقّ الرّجوع عليه كسائر الغرماء ،ول يملك الستئثارل حصّته في بما كان في ذمّته ليقع التّقاصّ ،بل يشاركه فيه الغرماء ،ول يسلّم له منه إ ّ المحاصّة . - 2أمّا في قبض العين -كالوديعة والمغصوب -فبالعكس :أي ل سبيل حينئذ لغرماء المحيل على المحال عليه ،لكن ل تسلّم العين المأخوذة للمحال ،بل يحاصّه فيها الغرماء .
ثانيا -النتهاء بموت المحال عليه : ص بعض الحنفيّة على أنّ الحوالة تنتهي بموت المحال عليه ،وذهب آخرون منهم - 141ن ّ إلى أنّ الحوالة ل تنتهي بموت المحال عليه سواء مات مدينًا أم غير مدين .إلّ أن يكون قد ن الحوالة حينئذ تنتهي في الدّين كلّه -إن لم يترك وفا ًء بشيء منه -أو مات مفلسا ،فإ ّ تنتهي في باقيه ،إن ترك وفا ًء ببعضه ،ويرجع الباقي إن مات المحال عليه مفلسا ، ن التّركة خلف عن صاحبها في قضاء دينه ، وسيجيء في التّوى ( ر :ف : ) 164 /ذلك أ ّ ي في المبسوط . كما صرّح به السّرخس ّ
ثالثا :النتهاء بفوات المحلّ :
أ -ارتفاع المال المحال به أصالةً : - 142اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أحال المشتري البائع بالثّمن على ثالث ،ثمّ استحقّ المبيع ، تبطل الحوالة ،لنّه تبيّن أنّ المحيل -وهو المشتري -غير مدين للمحال -البائع - ومديونيّة المحيل للمحال شريطة لنعقاد الحوالة ل تقوم بدونها كما تقدّم بيانه ( ف .) 59 /
-ب -ارتفاع المال المحال عليه أصالةً :
- 143في الحوالة المطلقة :لو كان للمحيل على المحال عليه دين أو عين هي أمانة أو مضمونة ،فاستحقّت أو تبيّن أنّ الدّين لم يجب أصلً في حقيقة المر ،كما لو كان ثمن مبيع
ق المبيع ،فإنّ الحوالة تبقى كما هي صحيح ًة نافذ ًة ،ل يتطرّق إليها بطلن أو فاستح ّ ن دين الحوالة المطلقة إنّما يتعلّق بذمّة المحال عليه -كما سبق بيانه -وفي انفساخ ،ل ّ ال ّذمّة سعة ،فل يتأثّر بمثل هذه العوارض ،وقد سبق بحث ذلك ( ر :ف . ) 66 / - 144أمّا في الحوالة المقيّدة :فيقرّر الفقهاء في الجملة أنّ المال الّذي تقيّد الحوالة بإيفاء دينها به أو منه ،إذا كان عينا -أمانةً كانت أو مضمون ًة كالمغصوبة -ثمّ تبيّن استحقاقها لغير المحيل ،أو كان دينا ثمّ تبيّن انعدامه من الصل ل بسبب عارض ،أي إنّ ال ّذمّة لم تشغل به أصلً ،ل أنّها شغلت ثمّ فرغت بسبب طارئ :فهنا يتبيّن بطلن الحوالة ،بمعنى عدم انعقادها بتاتا . مثال ذلك في العيان :رجل له عند رجل ألف دينار .بطريق الوديعة أو الغصب ،فأحال ن هذه الدّنانير ليست ملكا للمحيل ،ول له عليها ولية ، عليه بها دائنا له ،ثمّ بعد ذلك تبيّن أ ّ كما لو كانت في يده بطريق السّرقة ،أو ظهرت مستحقّ ًة لغيره ،فإنّ الحوالة تبطل لنّها علقت بمعدوم حكما . ل أو خلّا ،فأحال عليه بالثّمن دائنا له ،ثمّ بعد ذلك ومثاله في الدّيون :رجل باع آخر منز ً ن الخلّ خمر ،فتبطل الحوالة ،لنّها قيّدت بدين لم يكن له وجود قطّ. استحقّ المبيع أو تبيّن أ ّ ن الدّين يعود على المدين الصليّ ،وهو المحيل وفي جميع الحوال متى بطلت الحوالة ،فإ ّ . ومن أمثلتهم :ما لو باع منزلً ،وأحال على ثمنه ،أو أحيل هو به ،ثمّ تبيّن أنّ المنزل موقوف ،إمّا ببيّنة ،وإمّا بإقرار الطراف الثّلثة -المحيل والمحال والمحال عليه -وكذا عند الشّافعيّة ما لو أحال على أجرة شهر لدار له ،فمات المستأجر خلله ،إذ قالوا :تبطل الحوالة في مقابل ما بقي من المدّة ،لبطلن الجارة فيها . قال الباجيّ في تعليل القول :بأنّ الحوالة باطلة ،والدّين كما كان ،ولو دفع المحال عليه إلى المحال لرجع عليه به ،فهو أنّ المحال عليه ليس طرفًا في عقد الحوالة ،وإنّما يلزمه أن يدفع الثّمن للبائع المحيل -مباشرةً ،أو بواسطة كالمحال -لنّه مستحقّ عليه للبائع بعقد آخر ،فإذا سقط استحقاقه بهلك المبيع مثلً قبل التّسليم برئت ذمّته من الثّمن فل يكلّف أداءه ،وإن كان قد دفعه حقّ له استرداده ،ومعلوم أنّ من شرائط الحوالة أن يكون على المحال عليه مثل ما على المحيل فإذا انتفى الشّرط انتفى المشروط . ب إليّ ،وهو قول أصحاب مالك كلّهم . قال ابن الموّاز :هذا أح ّ يرى ابن القاسم من المالكيّة أنّ الحوالة معروف ،وأنّها ل تبطل بتبيّن أن ل دين على المحال عليه ،ويرجع بعد أدائه على المحيل .وعلّل الباجيّ تعليل كل الوجهين عندهم .
أمّا تعليل قول ابن القاسم بعدم البطلن فهو أنّ الحوالة عقد لزم ،فل ينتقص في حقّ المحال باستحقاق سلعة لم يعاوض هو عليها بدين الحوالة سواء قبضه أم لم يقبضه بعد .
ج -ارتفاع المال المحال به عروضا : - 145يرى الحنفيّة أنّه إذا أحال المشتري البائع بالثّمن على ثالث ،حوالةً مقيّدةً " أو مطلقةً " ،ثمّ هلك المبيع عند البائع قبل تسليمه إلى المشتري أو ر ّد عليه بعيب بعد التّسليم ،تبطل الحوالة ،لنّه قد تبيّن أنّ المحيل وهو المشتري غير مدين .
د -ارتفاع المال المحال عليه عروضا :
ن المال المحال عليه إذا كان ثابتًا ث ّم طرأ عليه الرتفاع له ثلث - 146ذهب الحنفيّة إلى أ ّ حالت .
الحالة الولى :ارتفاع المحال عليه عروضا في الحوالة المطلقة : - 147إذا كان للمحيل مال عند المحال عليه ولكن الحوالة صدرت مطلق ًة لم يقيّد فيها الوفاء بذلك المال ،فإنّ هذه الحوالة المطلقة ل تبطل بفوات المال الّذي للمحيل عند المحال عليه سواء أكان بخلوّ يده من العين الّتي كانت له عنده بهلك ،أم كان باسترداد المحيل ماله من المحال عليه ،إذ أنّ حقّ الطّالب إنّما تعلّق بذمّة المحال عليه ،ل بشيء ،عنده أو عليه ، ن للمحال أن يطالبه وفي ال ّذمّة سعة .فللمحيل أن يطالب المحال عليه بما له عنده ،كما أ ّ بدين الحوالة .فإذا أدّى هذا الدّين الخير ،سقط عنه الدّين الوّل بطريق المقاصّة بين دين الحوالة الّذي أدّاه ودين المحيل . وقد سئل ابن نجيم عن مدين باع دائنه شيئا بمثل دينه ،ثمّ أحال عليه بالثّمن أو بنظيره ،هل تصحّ الحوالة ؟ فأجاب :إن وقعت بنظير الثّمن صحّت ،لنّها لم تقيّد بالثّمن – ول يشترط لصحّتها دين على المحال عليه – وإن وقعت بالثّمن فهي مقيّدة بالدّين ،وهو مستحقّ للمحال ن الدّين إذا استحقّ للغير فإنّها تبطل. عليه ،لوقوع المقاصّة بنفس الشّراء ،وقدّمنا أ ّ
الحالة الثّانية :ارتفاع المال المحال عليه عروضا في الحوالة المقيّدة بعين :
- 148ل تبطل الحوالة المقيّدة إذا كان المال الّذي قيّدت به الحوالة عينا مضمونةً ،ثمّ لحقها ل ،فإنّ الحوالة تبقى الهلك بسبب طارئ ،كما لو ضاعت أو سرقت أو تلفت في حريق مث ً كما هي ،ومطالبة المحال عليه متوجّهة ،كما كانت قبل التّلف لنّ الحوالة قيّدت حين عقدت ن العين المضمونة كالمغصوب مثلًا إذا بشيء موجود فعلًا ،فل يضير ارتفاعه الطّارئ ،ل ّ هلكت وجب على ضامنها مثلها ،إن كانت مثليّ ًة ،وقيمتها إن كانت قيميّ ًة ،فيكون فواتها إلى خلف .
ن الخلف قائم مقام الصل ،فيتعلّق به حقّ المحال . والفوات إلى خلف كالبقاء حكما ،ل ّ وهذا منطبق تماما على المانات الّتي تفوت بتعدّي من هي عنده ،إذ هي إذ ذاك تدخل في عداد العيان المضمونة بخلف الفوات بطريق استحقاق العين للغير ،ولو كانت مغصوبةً ، فإنّ ال ّذمّة تبرأ فيه من ضمانات الفائت بعوده إلى مالكه ،فيفوت إلى غير خلف ،ولذا تبطل الحوالة به ،كما تقدّم ( ر :ف ) 143 /أمّا فوات المانات بغير تعدّي من هي عنده ، كالوديعة إذا احترقت أو سرقت ،فإنّه ينهي الحوالة ،وتبرأ ذمّة المحال عليه ويعود الدّين على المحيل .وإذا استردّ المحيل من المحال عليه العين الّتي قيّدت الحوالة بالداء منها ،ل تبطل الحوالة ول تتأثّر بذلك ،لنّ المحال عليه متع ّد بدفع ما تعلّق به حقّ المحال إلى من ليس له حقّ أخذه ،وربّما كان هذا كيدًا يكيده للمحال ،فيضمن المحال عليه للمحال ،ويرجع هو على المحيل بما أخذه .
الحالة الثّالثة :ارتفاع المال المحال عليه عروضا في الحوالة المقيّدة بدين : - 149إذا استوفى المحيل من المحال عليه دينه الّذي قيّدت به الحوالة ،ل تبطل الحوالة بذلك ول تتأثّر به في شيء للسّبب المذكور في حالة استرداد المحيل العين الّتي قيّدت بها الحوالة . - 150ل تبطل الحوالة المقيّدة إذا كان المال الّذي قيّدت به الحوالة دينا فات بأمر عارض بعد الحوالة كذلك .مثاله :رجل باع بضاعةً بألف دينار ،وأحال على المشتري بثمنها ،ثمّ احترقت البضاعة مثلً أو غرقت قبل تسليمها إلى المشتري ،أو ردّت بعيب ،أو خيار ما - ن الثّمن يسقط عن المشتري ،ولكن ل تبطل الحوالة ، ولو بعد التّسليم -أو تقايل البيع ،فإ ّ ن الدّين الّذي قيّدت به كان قائمًا عند عقدها ،فليس يضرّ سقوطه بعد . لّ ثمّ إذا أدّى المحال عليه استحقّ الرّجوع على المحيل ،لنّه قضى دينه بأمره . فإذا كان المشتري في المثال النف هو المحيل للبائع بالثّمن ،فقد تقدّم في الفقرة ( ) 145 حكمهم ببطلن الحوالة . - 151والشّافعيّة يوافقون الحنفيّة على هذه التّفرقة تمام الموافقة ،فيما اعتمدوه ،وكذلك الحنابلة ،فيما عليه القاضي وأصحابه ،وإن كانوا كسائر الحنابلة ل يبطلون الحوالة بعد قبض دينها ،ويقولون :يتبع صاحب المال ماله حيث كان . ن الدّين وهو وجه لبعض الشّافعيّة ( ر :ف ) 150/وقد علّل الشّافعيّة وموافقوهم بقولهم :إ ّ سقط في الحالين بعد ثبوت ،فصار كأن لم يكن ،نظير ما لو تبيّن أنّه ثمن خمر موقوف ، ل أنّه منع من ذلك مانع في حالة الحوالة عليه ،وهو ومقتضى ذلك بطلن الحوالة فيهما ،إ ّ ق الغير به ،وهذا الغير هو المحال . تعلّق ح ّ
وقد استنبط بعض متأخّري الشّافعيّة من هذا التّعليل أنّه في حالة الحوالة به -أي بالثّمن من ل مكانه دائنا له ،بطريق الحوالة ، ن المحال -وهو البائع -كان قد أح ّ قبل المشتري -لو أ ّ قبل سقوط الدّين ،لم تبطل الحوالة أيضا لتعلّق حقّ الغير . ح أنّه ل فرق عند الشّافعيّة -في حالتي البطلن وعدمه -بين أن يكون - 152ثمّ الص ّ طروء الطّارئ المسقط للدّين قد وقع بعد قبض دين الحوالة أو قبله . ويترتّب على بطلنه بعد القبض ،أن يرجع صاحب المال " المحيل " على المحال الّذي قبضه -إمّا بعينه إن كان باقيًا ،أو ببدله إن كان تالفًا -ولو ردّه المحال على المحال عليه ، لنّه ل يملك الحقّ في هذا ال ّردّ ،فقد قبض بإذن ،فإن لم يقع القبض عن نفسه ،وقع عن الذن ،ويتعيّن حقّه فيما قبضه . ن المحال عليه ل يملك الرّجوع على المحيل إلّ بعد ويترتّب على بقاء صحّتها قبل القبض أ ّ الدّفع .ويفرّق الحنابلة وبعض الشّافعيّة في ذلك بين ما قبل القبض وبعده :فبعد القبض ل تبطل الحوالة عندهم جزما ،بل يتبع صاحب المال ماله حيث كان .أمّا قبل القبض فعندهم قولن :بالبطلن وبعدمه . أمّا أشهب -وهو الّذي اعتمد متأخّرو المالكيّة طريقته في المسألة -فيطلق القول هنا بعدم ل أنّه يبطل الحوالة بالثّمن أو عليه ،إذا ردّ المبيع بعيب . البطلن ،لنّ الفسخ عارض -إ ّ - 153والتّفرقة بين الحوالة بالدّين والحوالة عليه ،جارية على المعتمد عند الشّافعيّة ،وعلى قول القاضي وأصحابه عند الحنابلة ،ومن هؤلء وهؤلء مخالفون :يسوّون بين الحوالة بالدّين والحوالة عليه في البطلن ،لما قدّمناه هناك ،ول يأبهون لتعلّق حقّ الغير ،لعدم فائدة الحوالة . صحّة -منهم أبو عليّ الطّبريّ من الشّافعيّة -فهم ل وآخرون :يسوّون بينهما في ال ّ ن الدّين كان قائما عند عقد الحوالة على أيّة حال ينظرون إلى تعلّق حقّ أجنبيّ ،بل إلى أ ّ وصحّت الحوالة وبرئت بها ذمّة المحيل ،فل يض ّر سقوطه بعد ثبوته ،لنّه يغتفر في البقاء ما ل يغتفر في البتداء . ن الحوالة بالدّين وعليه ،إذا طرأ والقياس الّذي كان أبو عليّ الطّبريّ نفسه يتعلّق به :هو أ ّ فاسخ لسبب وجوبه ،تقاس على التّصرّف في أحد عوضي البيع ،إذا طرأ ما يفسخه ،كما لو اشترى زيد بثوبه شيئًا ما من عمرو ،وباع زيد هذا الشّيء ث ّم ردّ عليه الثّوب بعيب ،فإنّ الصّفقة الثّانية ماضية .والجامع في هذا القياس أنّ كلّا منهما صفقة سبقتها أخرى ،فل يؤثّر في .الثّانية طروء انفساخ الولى .
رابعا :النتهاء بالتّوى :
- 154التّوى في اللّغة :وزان الهوى -وقد يمدّ -التّلف والهلك . هكذا عمّم في -المصباح -وقصره صاحب -الصّحاح -على هلك المال . ويشتقّ منه فيقال :توي المال -من باب فرح -يتوى ،فهو تو وتاو . أمّا في اصطلح الفقهاء هنا :فالتّوى هو العجز عن الوصول إلى الحقّ ،أي عجز المحال عن الوصول إلى حقّه من طريق المحال عليه . - 155الرّجوع على المحيل إذا توي المال على المحال عليه ،لم يقل به سوى الحنفيّة . والّذين وافقوا على الرّجوع بسبب العجز عن الوصول إلى الحقّ في حالت الغرور خاصّةً ، لم يعتبروه فاسخا للحوالة -إن صحّحوا انعقادها -بل سببا من أسباب الخيار في البقاء على عقدة الحوالة أو فسخها . لكن المالكيّة قالوا :إنّه بمجرّد الحوالة ،يتحوّل الدّين إلى ذمّة المحال عليه نتيج ًة لعتبارها كالقبض ،وتبرأ ذمّة المحيل نهائيّا ،فل رجوع عليه بسبب فلس المحال عليه ،ولو كان هذا الفلس قائمًا عند الحوالة ،ول بجحده للدّين بعد الحوالة ،إلّ أن غرّه المحيل ،بأن علم أو ظنّ ظنّا قويّا فقر المحال عليه أو جحده ،فكتمه عن المحال ،فإن ثبت هذا العلم أو الظّنّ ، ببيّنة أو إقرار ،لم يتحوّل الدّين ولم تبرأ ذمّة المحيل .ومعنى ذلك :أنّ الحوالة باطلة . - 156نعم إذا شرط المحال الرّجوع عند العجز عن الوصول إلى الحقّ من قبل المحال عليه بسبب معين أو أكثر ،فهنا يختلف نفاة الرّجوع بالتّوى :فالمالكيّة ،وبعض الشّافعيّة ، ن له شرطه .ويعلّله الباجيّ قائلً :ووجه ذلك أنّ الحوالة صحيحة ،وقد شرط فيها يقولون إ ّ سلمة ذمّته ،فله شرطه . ن شرط الرّجوع عند العجز شرط مناف لمقتضى العقد فيبطل ، أمّا جماهير الشّافعيّة فيرون أ ّ ثمّ الصحّ عندهم أنّه يبطل العقد نفسه أيضا . - 157يعتبر الحنفيّة التّوى نهاي ًة للحوالة على التّفصيل الّذي سيأتي .يخالفهم أئمّة المذاهب الثّلثة الخرى وغيرهم : فالشّافعيّة واللّيث وأبو عبيد على أنّ التّوى ل يعتبر نهايةً للحوالة ،وبالتّالي ل رجوع به للمحال على المحيل .وكذلك يقول أحمد إلّ أنّه استثنى في رواية عنه ما إذا كان المحال عليه مفلسا عند الحوالة ،ولم يعلم المحال بإفلسه ،فإنّه حينئذ يكون له الرّجوع على المحيل إلّ أن يثبت علم المحال بذلك ورضاه به -وهذه الرّواية عن أحمد تتّفق مع مذهب المالكيّةن اشتراط الرّجوع في حالة التّوى مقبول ويعمل به ،ولكن بشريطة علم الّذين يقولون أيضًا بأ ّ المحيل بهذا الفلس .وألحقوا به علمه بجحده كما ب ّينّاه آنفا ( ف . ) 155 / ن المذاهب في الرّجوع بالتّوى ثلثة : - 158وبهذا يتحرّر :أ ّ
- 1إطلق القول به :على خلف في تحديد أسبابه أو إطلقها .وهذا هو مذهب الحنفيّة " ما عدا زفر " ،ورأي بعض السّلف . - 2إطلق رفضه :وهذا هو مذهب جماهير الشّافعيّة . - 3وجوب استحقاق الرّجوع إذا شرط ،وإلّ فل رجوع إلّ في حالت الغرور -وعليهالمالكيّة .
أدلّة الحنفيّة : يستدلّ الحنفيّة لقولهم بالرّجوع في حالة التّوى بما يلي :
-أ -إجماع الصّحابة :
- 159فقد جاء عن عثمان -رضي ال عنه -في المحال عليه إذا مات مفلسا أنّه يعود الدّين إلى ذمّة المحيل ،وقال « :ليس على مال امرئ مسلم توًى » ولم ينقل عن أحد من الصّحابة خلفه ،فكان إجماعًا .وجاء عن شريح مثله .
ب -المعقول : - 160قالوا :لنّ المقصود بالحوالة أن ينوب الثّاني عن الوّل في اليفاء ،ل مجرّد نقل الوجوب من ذمّة إلى ذمّة ،إذ الذّمم ل تتفاوت في أصل الوجوب ،هذا هو ما يتعارفه النّاس ،وما تعارفوه فهو كالمشروط . وعلى هذا ،فبراءة المحيل لم تثبت مطلق ًة ،بل مشروطةً بعوض .فإذا لم يسلّم هذا العوض عاد الدّين إلى ذمّة المحيل فشغلها كما كان . نظيره أن يهلك المبيع قبل قبضه ،أو يخرج مستحقّا ،أو يتبيّن به عيب ،فإنّ المشتري ل ليحصل على مبيع سليم ،فإذا فات هذا يرجع بالثّمن ،إذ العرف قاض بأنّه ما بذل الثّمن إ ّ المقصود الّذي هو في قوّة المشروط ،عاد بالثّمن الّذي بذله .هذا قياس ل شكّ في جلئه .
أدلّة الشّافعيّة وموافقيهم :
ويستدلّ الشّافعيّة وموافقوهم على عدم الرّجوع في حالة التّوى مطلقا بالدلّة التّالية :
سنّة المطهّرة : أ -ال ّ ي في الوسط ،وأصله عند الجماعة - 161فقد جاء في قوله صلوات اللّه عليه عند الطّبران ّ « من أحيل على مليء فليتبع » هذا من غير فصل بين توىً وغيره ،ول يوجد مخصّص لهذا العموم .
-ب -آثار الصّحابة :
ن حزنا جدّ سعيد بن المسيّب كان له على عليّ رضي ال عنه دين - 162من ذلك " :أ ّ فأحاله به ،فمات المحال عليه فأخبره فقال :اخترت علينا ،أبعدك اللّه " وروى ابن حزم ،
عن سعيد بن المسيّب :أنّه كان لبيه المسيّب دين على إنسان ألفا درهم ،ولرجل آخر على عليّ بن أبي طالب ألفا درهم :فقال ذلك الرّجل للمسيّب :أنا أحيلك على عليّ ،وأحلني أنت على فلن ،ففعل .فانتصف المسيّب من عليّ ،وتلف مال الّذي أحاله المسيّب عليه .فأخبر المسيّب بذلك عليّ بن أبي طالب ،فقال له عليّ :أبعده اللّه .
أدلّة المالكيّة وموافقيهم : 162م -المالكيّة في استدللهم على عدم الرّجوع في التّوى إلّ في حالتي الشّرط أو الغرور ن أدلّة الشّافعيّة في رفض الرّجوع مطلقا مخصّصة بهذين الدّليلين التّاليين وليست يقولون :إ ّ على إطلقها : أ -المحال على مفلس يجهل إفلسه كمشتري السّلعة يجهل عيبها ،إذ الفلس عيب فيالمحال عليه ،فيكون له الرّجوع ،كما أنّ للمشتري ال ّردّ بالعيب .وهكذا يقول الحنابلة ب -المحيل الّذي يكتم إفلس المحال عليه كالبائع يدلّس عيب المبيع ،فيجب أن تقعالمسئوليّة على المدلّس ،ول تقتصر على المفلس .هكذا يقول المالكيّة ،وإنّما خصّوا بالذّكر في قياسهم حالة التّدليس من حالت ال ّردّ بعيب المبيع ،مع أنّه عامّ سواء أدلّس البائع أم لم ن للذّمم خفاءً وسريّ ًة ل تعلم ،فصارت أشبه بالمبيع الّذي يجهل باطنه ،وهذا ل يدلّس ،ل ّ ردّ بعيبه عندهم إلّ عن تدليس .
أسباب التّوى :
- 163للتّوى -في الحوالة بنوعيها المطلقة والمقيّدة -سببان عند أبي حنيفة ،وثلثة أسباب ل ،فيكون مجموع السباب أربعةً في عند الصّاحبين .وتنفرد الحوالة المقيّدة بسبب مستق ّ الجملة . ل :موت المحال عليه مفلسًا قبل الداء . أ ّو ً ثانيا :جحد المحال عليه الحوالة ول بيّنة . ثالثا :تفليس القاضي للمحال عليه . رابعا :تلف المانة الّتي قيّدت بها الحوالة ،أو ضياعها .
أوّلً -موت المحال عليه مفلسا قبل الداء : - 164وذلك بأن ل يترك ما يقضي منه دين المحال ،ول كفيلًا به . أمّا إذا ترك ما يقضى منه دين المحال -مهما كان ما تركه ،ولو دينا في ذمّة أو أكثر - فإنّه ل يتحقّق إفلسه ،ول يمكن حينئذ الرّجوع على المحيل ،مهما تكن السباب والمعاذير. حتّى إنّه لو مات المحال عليه إلى أجل مليئا وله دين سيفضي انتظار قسمته إلى تأخير أداء
الحوالة لما بعد الجل ل يكون للطّالب أن يتعلّل بذلك ليرجع على المحيل ،لبقاء الحوالة ،إذ التّركة خلف عن صاحبها في المقصود هنا ،وهو قضاء الدّين . ل بالنّسبة فإن كان ما تركه المحال عليه ل يفي إلّ ببعض دين المحال ،فل إفلس ول توى إ ّ إلى باقيه .ولذا يقولون :إذا مات المحال عليه مديونا ،قسم ماله بين الغرماء وبين المحال بالحصص ،وما بقي له يرجع به على المحيل . ن الكفيل قائم مقام - 165كذلك إذا ترك كفيلًا بدين الحوالة ،ل يعدّ مفلسا بالنّسبة إليه -ل ّ ل أن يموت الكفيل أيضا مفلسا ،أو يبرّئه المحال -لنّ هذا الصيل ،وخلف عنه -إ ّ البراء كالفسخ للكفالة معنىً -وهذا وهو الّذي عناه صاحب الخلصة ،حين قال :إنّ المحال لو أبرأ الكفيل بعد موت المحال عليه ،فله أن يرجع بدينه على المحيل . هذا ،وفي حالة الكفالة ببعض الدّين يكون التّوى بالنّسبة إلى باقيه ل غير . - 166ولهذا وذاك يقول في " البزّازيّة " :أخذ المحال من المحال عليه بالمال كفيلً ،ثمّ مات المحال عليه مفلسًا ،ل يعود الدّين إلى ذمّة المحيل ،سواء كفل بأمره أو بغير أمره ، وسواء أكانت الكفالة حاّلةً أم مؤجّل ًة ،أم كفل حالّا ثمّ أجّله المكفول له . وإن لم يكن به -أي بالمال -كفيل ،ولكن تبرّع رجل ورهن به رهنا ،ثمّ مات المحال عليه مفلسا ،عاد الدّين إلى ذمّة المحيل ،ولو كان المحال مسلّطا على بيع الرّهن فباعه ، ولم يقبض الثّمن حتّى مات المحال عليه مفلسا ،بطلت الحوالة ،والثّمن لصاحب الرّهن .
ثانيا -جحد المحال عليه الحوالة ،ول بيّنة : - 167إذا جحد المحال عليه الحوالة ،ول بيّنة عليها ،فقد تحقّق التّوى بهذا السّبب . فل يمكن أن يقبل هذا الجحد مع وجود بيّنة على الحوالة ،سواء أقامها المحال أم المحيل . فإذا لم تكن لحدهما بيّنة على الحوالة يحلف المحال عليه اليمين :أن ل حوالة عليه ،وفقا للقاعدة القائلة " :البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر " . فإذا قبل من المحال عليه جحده هذا وقضى بمنع المحال عنه فقد تحقّق عجز المحال عن الوصول إلى الحقّ ،أي أنّه توى . ثمّ إذا أراد المحال الرّجوع على المحيل بحجّة التّوى بسبب هذا الجحد ل يثبت الجحد بمجرّد دعوى المحال لجل الرّجوع على المحيل ،كما هو واضح ،بل ل بدّ من ثبوت الجحد ل بحضور المحال عليه ،إذ ل يمكن ن هذه البيّنة ل يمكن القضاء بمقتضاها إ ّ بالبيّنة .على أ ّ القضاء على غائب ،لكن المحال يكفي مئونة هذا القضاء إذا صدّقه المحيل في دعوى الجحد ،فيستحقّ الرّجوع عليه حينئذ ،ولو لم تكن له بيّنة .
ثالثا -تفليس القاضي المحال عليه :
- 168ومعناه أن يحكم القاضي بإفلسه بعد أن يظهر له حاله . وليس حتما أن يكون ظهور الحال الّذي يبني عليه القاضي حكمه بالفلس عن شهادة شهود وإن كان هذا احتياطا حسنا -فإنّها شهادة نفي ليست بحجّة ،بل يكفيه اجتهاد الرّأي .وفيل بعد الحبس . موضوعنا هذا ل يكون التّفليس إ ّ - 169ومن فروع هذا الصل المتنازع فيه ،وهو إمكان تحقّق التّوى بالتّفليس ،ما إذا مات المحال عليه ،ولم يترك إلّ دينًا على مفلس ،فعند أبي حنيفة :ل توى في هذه الحالة ، وعند الصّاحبين :بل يحصل التّوى بتفليس القاضي لهذا المدين .
رابعا -تلف المانة الّتي قيّدت بها الحوالة أو ضياعها : - 170إذا أصاب الوديعة مثلً تلف أو ضياع ولو بمجرّد دعوى الوديع -كما لو ادّعى ضياع الدّنانير المودعة عنده -تكون النّتيجة عند الحنفيّة انفساخ الحوالة الّتي قيّدت بها ، وبراءة المحال عليه من المطالبة بمقتضاها ،وإذن يعود الدّين إلى ذمّة المحيل كما كان بادئ ذي بدء ،ذلك أنّ المحال عليه لم يلتزم التّسليم مطلقا ،بل مقيّدا بشيء معيّن ،وقد ذهب ذلك الشّيء المعيّن ،فلم تبق عليه مطالبة بشيء ما . بخلف العين المضمونة -كالمغصوب -فإنّ الحوالة المقيّدة بها ل تنفسخ بفواتها ،لنّها تفوت -إن فاتت -إلى خلف ،من مثل أو قيمة ،فتتعلّق الحوالة بهذا الخلف ،فإن فاتت ل إلى خلف بأن ظهرت مستحقّ ًة -بطلت الحوالة من أصلها ،كما سبق إيضاحه . ( ر :ف . ) 144/
آثار التّوى :
- 171ذهب الحنفيّة إلى أنّه متى تحقّق التّوى في دين الحوالة وثبت بأحد أسبابه المتقدّمة ترتّب عليه أثران : ل :انتهاء الحوالة ،فتنتهي بانتهائها أحكامها . أ ّو ً ن براءة المحيل من هذا الدّين كانت مشروطةً ثانيا :رجوع المحال على المحيل بدينه :ل ّ بسلمة عاقبة الحوالة ،أي باستيفاء الحقّ من المحلّ الثّاني ،فلمّا انتفت الشّريطة انتفى المشروط ،وعاد الدّين إلى ذمّة المحيل كما كان . وإذن تتوجّه عليه للمحال جميع حقوق الدّائنين تجاه مدينهم ،كالمطالبة والمقاضاة . نعم ل رجوع على المحال عليه إذا هو أحال الطّالب على المحال نفسه ،فتوي المال عنده - ل توي مال حوالته . - وإن كان يصدق عليه ( أي على المحال عليه ) حينئذ أنّه مح ّ ن مقتضاها هذه البراءة دون وفي عقد الحوالة إذا اشترطت براءة الصيل صراح ًة -رغم أ ّ شرط -هل يرجع المحال على المحيل في حالة التّوى ؟ إنّ مقتضى كونها حوال ًة أن تثبت
أحكام الحوالة ،ومن جملتها الرّجوع على المحيل بسبب التّوى ،ومقتضى شرط البراءة صراح ًة عدم هذا الرّجوع ،لكنّهم نصّوا على ثبوت حقّ الرّجوع بالتّوى هذه الحالة . وهم يختلفون في كيفيّة عود الدّين إلى ذمّة المحيل حينئذ : ن المحال هو الّذي يفسخ الحوالة متى أ -فمن قائل إنّ ذلك يكون طريق الفسخ :أي أ ّتحقّق سبب من أسباب التّوى ،ومن ثمّ يعاد الدّين على المحيل ،كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبًا ،لفوات وصف السّلمة المشروط عرفًا في الموضعين . ب -ومن قائل :بل عن طريق النفساخ التّلقائيّ :دون حاجة إلى تدخّل المحال ،نظيرالبيع إذا هلك المبيع قبل قبضه ،فإنّه ينفسخ دون تدخّل من أحد ،لفوات وصف السّلمة ، ويعود حقّ المشتري في الثّمن ،فكذلك هنا -بنفس العلّة -تنفسخ الحوالة تلقائيّا عند التّوى ، ويعود الدّين إلى ذمّة المحيل . ج -ومن قائل :إن كان السّبب هو الجحود فالطّريق هو الفسخ ،وإن كان هو الموت عنإفلس فالطّريق هو النفساخ .ول يخفى ما يترتّب على هذا الختلف من آثار عمليّة .
حوز * ر :أرض الحوز .
حوض *
التّعريف :
- 1الحوض في اللّغة :مجتمع الماء ،والجمع أحواض وحياض . وحوض الرّسول صلى ال عليه وسلم هو الّذي يسقي منه أمّته يوم القيامة . حكى أبو زيد :سقاك اللّه بحوض الرّسول صلى ال عليه وسلم ومن حوضه ،والتّحويض : عمل الحوض ،والحتياض :اتّخاذه . ول يخرج استعمال الفقهاء لكلمة الحوض عن هذا المعنى .
التّفرقة بين القليل والكثير : - 2فرّق الفقهاء بين القليل والكثير في الماء الرّاكد ،فالكثير يجوز به التّوضّؤ والغتسال فيه ،ول يتنجّس جميعه بوقوع النّجاسة في طرف منه ،إلّ أن يتغيّر لونه ،أو طعمه ،أو ريحه ،والقليل عكسه .وأمّا نجاسة مكان الوقوع فاختلفوا فيه على أقوال . ن العبرة في قلّة الماء وكثرته هي بالقلّتين فما دونهما فهو قليل فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ .وقال المالكيّة :ل حدّ للكثرة في المذهب .
أمّا الحنفيّة فذهب بعضهم إلى أنّ الحوض :إذا كان بحال إذا اغتسل إنسان في جانب منه ، ل يرتفع ول ينخفض الطّرف الّذي يقابله ،فهو كبير ،وما دون ذلك صغير . وقال عامّة مشايخهم :الحوض إذا كان مربّعا فالكبير ما كان عشرا في عشر ،وإذا كان مد ّورًا فما كان حوله ثمانية وأربعون ذراعا ،وقيل ستّة وثلثون ذراعا . ل جانب خمسة عشر ذراعا ،وربعا أو خمسا من الذّراع . وإذا كان مثلّثا فما كان من ك ّ وأمّا الصّغير فقيل :ما كان أربعًا في أربع .وقيل :خمسًا في خمس .وقيل :أقلّ من عشر في عشر .والمراد بالذّراع في تحديد الحوض في الصّحيح من المذهب هو ذراع المساحة . ن ذراع المساحة بالممسوحات أليق . وهو سبع قبضات فوق كلّ قبضة أصبع ،ل ّ وفي ابن عابدين :أنّ المختار عشر في عشر بذراع الكرباس ،وهو سبع قبضات فقط . فيكون ثمانيا في ثمان بذراع زماننا .وذكر نقلً عن الهداية أنّ عليه الفتوى . وقيل :إنّه يعتبر في ك ّل زمان ومكان ذراعهم .قال في النّهر :هو النسب . واختلفوا كذلك في قدر عمقه على أقوال :فقال بعضهم :إن كان بحال لو رفع الماء بكفّه ل ينحسر ما تحته من الرض فهو عميق . وقال البعض الخر :العميق ما كان بحال لو اغترف ل تصيب يده وجه الرض . والتّفصيل في ( طهارة ،ومياه ،ونجاسة ) .
حوقلة * التّعريف : - 1من معاني الحوقلة في اللّغة :سرعة المشي ،ومقاربة الخطو . ل باللّه ،كما عبّر عنها الزهريّ وأمّا في العرف فهي :قول :ل حول ول قوّة إ ّ سكّيت :يقال :قد أكثرت من الحولقة :إذا أكثرت من قول :ل حول والكثرون ،قال ابن ال ّ ول قوّة إلّ باللّه .وقال الجوهريّ :الحولقة ل الحوقلة ،واختاره الحريريّ . فعلى الوّل " الحوقلة " وهو المشهور :الحاء والواو من الحول .والقاف من القوّة ،واللّام من اسم اللّه تعالى .قال السنويّ :وهذا أحسن ،لتضمينه جميع اللفاظ . وعلى الثّاني " :الحولقة " الحاء واللّام من الحول ،والقاف من القوّة . أ -الحيعلة :
اللفاظ ذات الصّلة :
1م -الحيعلة قول حيّ على الصّلة ،أو حيّ على الفلح والبسملة قول بسم اللّه ،والحمدلة قول الحمد للّه ،والهيللة قول ل إله إلّ اللّه ،والسّبحلة قول سبحان اللّه .
معنى الحوقلة : - 2قال النّوويّ في شرح مسلم :قال أبو الهيثم :الحول :الحركة من حال الشّيء إذا تحرّك ،أي ل حركة ول استطاعة إلّ بمشيئة اللّه ،وبه قال ثعلب وآخرون . ل بعصمته ،ول قوّة على طاعته إلّ وقال ابن مسعود :معناه :ل حول عن معصية اللّه إ ّ بمعونته ،قال الخطّابيّ :هذا أحسن ما جاء فيه . ل بك . وفي أسنى المطالب :ل حول لي عن المعصية ،ول قوّة لي على ما دعوتني إليه إ ّ
أحكام الحوقلة :
أ -عند سماع المؤذّن : - 3صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو الرّاجح عند المالكيّة كما قال المير ،بأنّه ب لسامع الذان أن يحوقل عند قول المؤذّن :حيّ على الصّلة ،حيّ على الفلح ،أي يستح ّ ل باللّه . أن يقول :ل حول ول قوّة إ ّ والقول الخر المشهور للمالكيّة ،أنّه ل يحوقل ول يحكي عند الحيعلتين . ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :إذا وقد روى عمر بن الخطّاب رضي ال عنه « أ ّ قال المؤذّن :اللّه أكبر ،اللّه أكبر ،فقال أحدكم :اللّه أكبر ،اللّه أكبر .ثمّ قال :حيّ على الصّلة فقال :ل حول ول قوّة إلّ باللّه ،ثمّ قال :حيّ على الفلح ،قال :ل حول ول قوّة إلّ باللّه ،مخلصا من قلبه ،دخل الجنّة » رواه مسلم . فهذا الحديث مقيّد لطلق حديث أبي سعيد الخدريّ الّذي جاء فيه « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :إذا سمعتم النّداء فقولوا مثل ما يقول المؤذّن » .متّفق عليه . ن المعنى مناسب لجابة الحيعلة من السّامع بالحوقلة ،فإنّه لمّا دعي إلى ما فيه الفوز ول ّ والفلح والنّجاة ،وإصابة الخير ،ناسب أن يقول :هذا أمر عظيم ،ل أستطيع مع ضعفي ن ألفاظ الذان ذكر اللّه ،فناسب أن يجيب بها القيام به ،إلّ إذا وفّقني اللّه بحوله وقوّته ،ول ّ ،إذ هو ذكر اللّه تعالى ،وأمّا الحيعلة فإنّما هي دعاء إلى الصّلة ،والّذي يدعو إليها هو المؤذّن ،وأمّا السّامع فإنّما عليه المتثال والقبال على ما دعي إليه ،وإجابته في ذكر اللّه ل ل بالحديثين . فيما عداه .وقيل يجمع السّامع بين الحيعلتين والحوقلة عم ً ويرى الخرقيّ من الحنابلة أنّه يستحبّ لمن سمع المؤذّن أن يقول كما يقول ،واستدلّ في ذلك ي السّابق ذكره . بظاهر ما رواه أبو سعيد الخدر ّ وصرّح في المجموع أنّه يحوقل أربعةً ،ونقل عن ابن الرّفعة أنّه يحوقل مرّتين . وكذلك بالنّسبة للمقيم فقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن يستحبّ أن يقول في القامة: مثل ما يقول في الذان ،لما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النّبيّ صلى ال عليه
وسلم « :أنّ بللً أخذ في القامة ،فلمّا أن قال :قد قامت الصّلة قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أقامها اللّه وأدامها » وقال في سائر القامة كنحو حديث عمر في الذان .
ب -الحوقلة في الصّلة : ن المصلّي لو حوقل في الصّلة لمور الدّنيا تفسد الصّلة ،وإن كان - 4ذهب الحنفيّة إلى أ ّ لمور الخرة ،أو لدفع الوسوسة ل تفسد . ويرى المالكيّة أنّه إن قالها في الصّلة لحاجة فل حرج . والمتبادر من كلم الشّافعيّة -وكذا الحنابلة -أنّ الحوقلة في الصّلة غير مبطلة إذا قصد بها الذّكر ،لنّ الذكار والتّسبيحات والدعية بالعربيّة ل يضرّ عندهم سواء المسنون وغيره.
موارد ذكر الحوقلة :
- 5الحوقلة من الذكار الّتي ورد ذكرها في مواضع كثيرة منها :إذا وقع الشّخص في هلكة ،أو إذا مرض ،أو أعجبه شيء وخاف أن يصيبه بعينه . وإذا تطيّر بشيء وأثناء خروجه من بيته ،وإذا استيقظ من اللّيل ،وإذا استيقظ في اللّيل وأراد ل صلة ففي جميع هذه الحالت وغيرها ورد ذكر الحوقلة ضمن أدعية النّوم بعده ،وبعد ك ّ ي في كتابه الذكار ،مستدلّا بالحاديث النّبويّة الشّريفة ،وكذلك أخرى ،ذكرها المام النّوو ّ ورد ذكر الحوقلة ضمن أذكار الصّباح والمساء وضمن دعوات مستحبّة في جميع الوقاف غير مختصّة بوقت ،أو حال مخصوص . كما روي عن أبي موسى الشعريّ قال « :قال لي النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أل أدلّك ل باللّه على كنز من كنوز الجنّة ؟ فقلت :بلى يا رسول اللّه ،قال :قل :ل حول ول قوّة إ ّ ».
حوْل * التّعريف : - 1الحول في اللّغة :السّنة ،ويأتي بمعنى القوّة والتّغيّر ،والنقلب ،وبمعنى القامة ، والحول من حال الشّيء حولً :إذا دار .وسمّيت السّنة حولً لنقلبها ودوران الشّمس في مطالعها ،ومغاربها ،وهو تسمية بالمصدر ،والجمع :أحوال ،وحؤول ،وحوول ، ل ما أتى عليه حول من ذي حافر وغيره . بالهمزة ،وبغير الهمزة ،والحوليّ :ك ّ يقال جمل حوليّ ،ونبت حوليّ .وأحول الصّبيّ ،فهو محول :أتى عليه حول من مولده . والصطلح الشّرعيّ ل يخرج عن هذا المعنى .
الحكام الشّرعيّة المتعلّقة بالحول :
أ -الحول في الزّكاة : - 2اتّفق الفقهاء على أنّ الحول شرط لوجوب الزّكاة في نصاب السّائمة من بهيمة النعام ، وفي الثمان ،وهي الذّهب ،والفضّة ،وفي عروض التّجارة لحديث « :ل زكاة في مال ن هذه الموال مرصدة للنّماء ،فالماشية مرصدة لل ّدرّ حتّى يحول عليه الحول » .قالوا :ل ّ ن النّماء والنّسل ،وعروض التّجارة مرصدة للرّبح وكذا الثمان ،فاعتبر في الكلّ الحول ،ل ّ شرط لوجوب الزّكاة في المال ،وهو ل يحصل إلّ بالستنماء ،ول ب ّد لذلك من مدّة ،وأقلّ مدّة يستنمى المال فيها بالتّجارة والسامة عادةً :الحول ،فصار مظنّة النّماء فاعتبر في ل ما وجوب الزّكاة ،وإنّما لم يعتبر حقيقة النّماء ،لنّه غير منضبط ،ولكثرة اختلفه ،وك ّ اعتبر مظنّته ،لم يلتفت إلى حقيقته كالحكم مع السباب .ولنّ الزّكاة في هذه الموال تتكرّر فل بدّ من ضابط كي ل يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزّمن الواحد مرّات فينفد مال المالك حصَادِهِ } . .أمّا الزّرع والثّمار فل يشترط فيها حول لقوله تعالى { :وآتُوا حَقّهُ يَومَ َ ولنّها نماء بنفسها متكاملة عند إخراج الزّكاة منها ،فتؤخذ زكاتها حينئذ ،ثمّ تأخذ في النّقص ل في النّماء ،فل تجب فيها زكاة ثانية ،لعدم إرصادها للنّماء . والمعدن المستخرج من الرض كالزّرع ل يشترط فيه حول فيما يجب فيه من زكاة أو خمس ل أنّه إن كان من جنس الثمان ففيه باتّفاق الفقهاء .فيؤخذ زكاته عند حصوله ،قالوا :إ ّ ن الثمان قيم الموال ،ورأس مال الزّكاة عند كلّ حول ،لنّه مظنّة النّماء من حيث إ ّ التّجارة ،وبها تحصل المضاربة والشّركة .والتّفصيل ،في مصطلحات ( زكاة ،ركاز ، معدن ) .
ابتداء الحول : - 3ل خلف بين الفقهاء في أنّه إن ملك نصابًا من مال الزّكاة ممّا يعتبر له الحول ،ول مال له سواه :انعقد حوله من حين حصول الملك باتّفاق الفقهاء . وإن كان له مال ل يبلغ نصابا ،فملك مالً آخر بلغ به نصابا ،ابتدأ الحول من حين بلوغ النّصاب .وإن كان عنده نصاب فاستفاد في خلل الحول مالً من جنس ما عنده ،فإن كان المستفاد من نماء ما عنده كربح التّجارة ،ونتاج السّائمة فإنّه يضمّ في الحول إلى ما عنده من أصله ،فيزكّى بحول الصل باتّفاق الفقهاء ،لنّه متولّد من ماله فيتبعه في الحول ،ولنّه ملك بملك الصل وتولّد منه فيتبعه في الحول .أمّا إذا استفاد بعد الحول والتّمكّن من أداء الزّكاة من الصل لم يضمّ في الحول الوّل ويض ّم في الحول الثّاني . وإن كان المستفاد من جنس ما عنده ،ولم يكن من نمائه كالمشترى ،والمتّهب والموصى به فقد اختلف الفقهاء في ضمّه إلى الصل في الحول .
فذهب الحنفيّة إلى أنّه يضمّ إلى ما عنده في الحول فيزكّي بحول الصل عينا كان أو ماشيةً . ص بدليل ، ل ما خ ّ ن عمومات الزّكاة تقتضي الوجوب مطلقًا عن شرط الحول إ ّ وقالوا :إ ّ ن المستفاد من جنس الصل تبع له ،لنّه زيادة عليه ،إذ الصل يزداد به . ول ّ والزّيادة تبع للمزيد عليه ،والتّبع ل ينفرد بالشّرط كما ل ينفرد بالسّبب لئلّ ينقلب التّبع أصلً ،فتجب فيه الزّكاة بحول الصل . وقال المالكيّة :ل يض ّم إلى الصل في الحول إن كان المال عينا ،أمّا إن كان ماشيةً فيضمّ . وقال الشّافعيّة ،والحنابلة :ل يضمّ الثّانية إلى الولى ،بل ينعقد لها حول بسبب مستقلّ . لخبر « :ل زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول » . والمستفاد مال لم يحل عليه الحول فل زكاة فيه .ولنّ المستفاد ملك بملك جديد فليس مملوكا بما ملك به ما عنده ،ول تفرّع عنه ،فلم يضمّ إليه في الحول . وإن كان المستفاد من غير جنس ما عنده ،كأن تكون عنده أربعون من الغنم ،فاستفاد في الحول خمسا من البل ،فللمستفاد حكم نفسه ،ول يضمّ إلى ما عنده في الحول ،بل إن كان ل فل شيء عليه عند جمهور الفقهاء . نصابا استقبل به حولً ،وإ ّ
ما يقطع حكم الحول : - 4مذهب الجمهور من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة -من غير عروض التّجارة -أنّه يشترط في وجوب الزّكاة وجود النّصاب في جميع الحول ،فإن نقص في أثناء الحول انقطع الحول .أمّا في عروض التّجارة فإن نقص في أثناء الحول انقطع الحول عند الحنابلة ،وفي قول عند الشّافعيّة . ول ينقطع عند المالكيّة والشّافعيّة في الظهر عندهم ،وقول زفر من الحنفيّة بل الشّرط وجود النّصاب في آخر الحول فقط ،إذ هو حال الوجوب فل يعتبر غيره لكثرة اضطراب القيم. وللشّافعيّة قول ثالث في عروض التّجارة :إنّ المعتبر طرفا الحول ،كغير عروض التّجارة . ل لحظة يشقّ ويحوج إلى ملزمة السّوق ومراقبة ول يعتبر ما بينهما إذ تقويم العروض في ك ّ دائمة . وقال الحنفيّة :يشترط وجود النّصاب ،في أوّل الحول وفي آخره ،حتّى لو انتقص النّصاب في أثناء الحول ثمّ كمل في آخره تجب الزّكاة ،سواء أكان من السّوائم أو من الذّهب ، والفضّة ،أو مال التّجارة .أمّا إذا هلك كلّه في أثناء الحول ،ينقطع الحول عند الجميع .
استبدال مال الزّكاة في الحول بمثله :
- 5إذا باع نصابًا للزّكاة ممّا يعتبر فيه الحول بجنسه كالبل بالبل ،أو البقر بالبقر ،أو الغنم بالغنم ،أو الثّمن بالثّمن لم ينقطع الحول ،وبنى حول الثّاني على حول الوّل ،وإلى
هذا ذهب المالكيّة والحنابلة وقالوا :إنّه نصاب يضمّ إليه نماؤه في الحول ،فيبنى حول بدله من جنسه على حوله كالعروض ،وحديث « :ل زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول » ل النّزاع . مخصوص بالنّماء والرّبح ،وعروض التّجارة ،فتقيس عليه مح ّ وذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،إلى أنّ الحول الوّل ينقطع فيستأنف كلّ من المتبايعين الحول على ما أخذه من حين المبادلة في السّائمة . أمّا الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة فكذلك عند الشّافعيّة يستأنف الحول إن لم يكن صيرفيّا يبدّلها للتّجارة ،وكذا إن كان صيرفيّا على الصحّ . ن استبدال الدّنانير بالدّنانير ،أو بالدّراهم ،ل يقطع الحول .قالوا :لنّ وقال الحنفيّة :إ ّ الوجوب في الدّراهم والدّنانير متعلّق بالمعنى ل بالعين ،والمعنى قائم بعد الستبدال فل يبطل ن الحكم فيها متعلّق بالعين ،وقد تبدّلت حكم الحول كعروض التّجارة ،بخلف السّائمة ،ل ّ العين ،فبطل الحول على الوّل ،فيستأنف للثّاني حولً .والتّفصيل في باب ( الزّكاة ) . أمّا إذا استبدل نصاب الزّكاة بغير جنسه ،بأن يبيع نصاب السّائمة بدنانير أو بدراهم ،أو بادل البل ببقر ،أو غنم ،في خلل الحول ،فإنّ حكم الحول ينقطع ويستأنف حولً آخر باتّفاق الفقهاء . هذا إذا لم يفعل ذلك فرارا من الزّكاة ،أمّا إذا فعل ذلك فرارا منها ،لم تسقط الزّكاة ،وتؤخذ في آخر الحول إذا كان البدال عند قرب الوجوب ،وإلى هذا ذهب المالكيّة والحنابلة ،وقالوا :إنّه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه ،فلم يسقط كما لو طلّق امرأته في مرض موته ،ولنّه قصد قصدًا فاسدا فاقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده . وقال الحنفيّة والشّافعيّة :ل فرق في انقطاع الحول بالمبادلة في أثناء الحول بين من يفعله محتاجًا إليه ،وبين من قصد الفرار من الزّكاة ،وفي الصّورتين ينقطع الحول .هذا في المبادلة الصّحيحة .أمّا المبادلة الفاسدة فل تقطع الحول ،وإن اتّصلت بالقبض ويبنى على الحول الوّل ،لنّها ل تزيل الملك . وإن باع النّصاب قبل تمام الحول ،وردّت عليه بعيب أو إقالة ،استأنف الحول من حين ال ّردّ لنقطاع الحول الوّل بالبيع ،وإلى هذا ذهب الشّافعيّة والحنابلة ،وقال المالكيّة :يبني على الحول الوّل .والتّفصيل في مصطلح ( :زكاة ) .
علف السّائمة في خلل الحول : - 6يرى جمهور الفقهاء أنّه إذا أعلف السّائمة في معظم الحول ينقطع الحول . وقال المالكيّة ل يقطع الحول ،بنا ًء على ما ذهبوا إليه من عدم اشتراط السّوم في وجوب الزّكاة على بهيمة النعام .والتّفصيل في باب ( زكاة ) .
الحول في مدّة الرّضاع : ن فطام ن مدّة الرّضاع حولن كاملن ،وبناءً على ذلك فإ ّ - 7ل خلف بين الفقهاء في أ ّ الصّبيّ قبل تمام الحولين حقّ للبوين معا ،بشرط عدم الضرار بالرّضيع وليس لحدهما ن كَامَِليْنِ ن حَوَْليْ ِ لدَهُ ّ ضعْنَ َأ ْو َ ت ُيرْ ِ الستقلل بالفطام قبل تمام الحولين لقوله تعالى { :وَالْوَاِلدَا ُ ل ُتكَّلفُ نَفْسٌ ِإلّ ن بِا ْل َمعْرُوفِ َ ن َأرَادَ أَن ُي ِتمّ ال ّرضَاعَةَ وَعلَى ا ْلمَوْلُودِ َلهُ ِرزْ ُقهُنّ َو ِكسْ َو ُتهُ ّ ِلمَ ْ ن َأرَادَا فِصَالً عَن س َعهَا لَ ُتضَآرّ وَاِلدَ ٌة بِوََلدِهَا َولَ َموْلُو ٌد لّ ُه بِوََلدِهِ َوعَلَى ا ْلوَارِثِ ِمثْلُ ذَِلكَ َفإِ ْ ُو ْ جنَاحَ عََل ْي ِهمَا } . َترَاضٍ ّم ْن ُهمَا َو َتشَا ُورٍ فَلَ ُ والتّفاصيل في مصطلحي ( رضاع ،وحضانة ) .
اشتراط الحولين في الرّضاع المؤثّر في التّحريم :
- 8اختلف الفقهاء في تحديد مدّة الرّضاع المؤثّر في تحريم النّكاح وثبوت المحرميّة المفيدة لجواز النّظر والخلوة :فقال الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان :أبو يوسف ،ومحمّد :يشترط ل ما ألّ يبلغ المرتضع حولين ،فمتى بلغ حولين فل أثر لرتضاعه .لخبر « :ل رضاع إ ّ فتق المعاء ،وكان قبل حولين » .وقال المالكيّة :ل يضرّ زيادة شهرين . وقال أبو حنيفة :هو حولن ،ونصف .والتّفصيل في مصطلح ( :رضاع ) .
حوَل * التّعريف : - 1الحول بفتحتين :أن يظهر البياض في العين في مؤخرها ،ويكون السّواد من قبل الماق وطرف العين من قبل النف .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى . أ -العور :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2العور ذهاب بصر إحدى العينين .يقال عور الرّجل :ذهب بصر إحدى عينيه فهو أعور والنثى عوراء . ب -العشى : - 3العشى هو سوء البصر باللّيل والنّهار .وقيل من يبصر بالنّهار ول يبصر باللّيل . ج -الظّفر : - 4الطّفر بياض يبدو في إنسان العين ،وذلك يمكن ضعفا في البصر . وعدّه صاحب المبسوط من عيوب العين .
الحكام المتعلّقة بالحول :
أ -فسخ النّكاح بالحول : - 5يرى جمهور الفقهاء أنّ الحول ل يثبت به حقّ فسخ النّكاح لحد الزّوجين ما لم يشترط السّلمة منه ،لنّه ل يفوت به مقصود النّكاح ،والمقصود من النّكاح المصاهرة والستمتاع بخلف اللّون والطّول والقصر ونحو ذلك . والزّوج قد رضي رضا مطلقا وهو لم يشترط صف ًة فظهر عدمها . ل عيب يفرّ الزّوج الخر منه ول يحصل به قال ابن القيّم -ونقله ابن مفلح وأقرّه : -ك ّ مقصود النّكاح من المودّة والرّحمة :يوجب الخيار . وإنّ النّكاح أولى من البيع ،وإنّما ينصرف الطلق إلى السّلمة فهو كالمشروط عرفا . أمّا إذا اشترط أحد الزّوجين على صاحبه السّلمة من الحول ونحوه ،كالعور والعرج -حتّى ي أو وصف غيره بحضرته وسكت بأنّها صحيحة العينين ولو كان شرط السّلمة بوصف الول ّ أو سليمة من الحول ونحو ذلك -فبان خلف ذلك فيرى المالكيّة والحنابلة على أحد القولين وهو ما صوّبه ابن مفلح -أنّ له الفسخ .ويؤخذ من عبارات الشّافعيّة أنّه إن كان المشروط سلمة الزّوج من الحول فبان دون المشروط فلها الخيار ،وإن شرطت السّلمة في الزّوجة ففي ثبوت الخيار للزّوج قولن ي :والظهر ثبوته . لتمكّنه من الطّلق .قال النّوو ّ ويرى الحنفيّة أنّه لو اشترط أحدهما على صاحبه السّلمة من الحول ،بل وممّا هو أفحش منه كالعمى ،والشّلل ،والزّمانة ،وكذلك لو شرط الجمال والبكارة ،فوجد بخلف ذلك ل ن فوت زيادة مشروطة ليست بمنزلة العيب في إثبات الخيار كما في البيع. يثبت له الخيار ،ل ّ
ب -التّضحية بالحولء :
- 6ل خلف بين الفقهاء في إجزاء التّضحية بالشّاة الحولء ،ما لم يمنع الحول النّظر ، لعدم فوات المقصود من البصر ،وللتّفصيل ر :أضحيّة ( ف . ) 28 /
ج -ما يجب في الحوال : - 7الجناية على العين إذا أدّت إلى الحول تجب فيها حكومة عدل . بهذا قال الشّافعيّة والحنابلة وهو مقتضى قواعد المالكيّة -وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء الحنفيّة حيث قالوا :لو ضرب العين ضرب ًة فابيضّت أو أصابها قرح أو شيء ممّا يهيّج بالعين فنقص من ذلك لم يكن فيه قصاص ،وإنّما تجب فيه حكومة عدل . هذا وأمّا الحكام المتعلّقة بالجناية على العين الحولء والقتصاص من الحول إذا فقأ عينا سليمةً فتنظر في ( جناية ،حكومة عدل ،قصاص ،دية ،وعين ) .
حياء * التّعريف : - 1الحياء لغ ًة مصدر حيي ،وهو :تغيّر وانكسار يعتري النسان من خوف ما يعاب به ويذمّ .وفي الشّرع :خلق يبعث على اجتناب القبيح من الفعال والقوال ،ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحقّ . أ -الخجل :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الخجل :وهو :السترخاء من الحياء ،ويكون من الذّلّ ،يقال :به خجلة أي حياء ، وهو التّحيّر والدّهش من الستحياء .يقال :خجل الرّجل خجلً :فعل فعلً فاستحى منه . ن الخجل معنىً يظهر في الوجه لغمّ وقال أبو هلل العسكريّ :الفرق بين الخجل والحياء ،أ ّ يلحق القلب عند ذهاب حجّة ،أو ظهور على ريبة وما أشبه ذلك فهو شيء تتغيّر به الهيئة ، والحياء هو الرتداع بقوّة الحياء ،ولهذا يقال فلن يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا ،ول يقال يخجل أن يفعله في هذه الحال ،لنّ هيئته ل تتغيّر منه قبل أن يفعله ،فالخجل ممّا كان والحياء ممّا يكون ،وقد يستعمل الحياء موضع الخجل توسّعا . وقال النباريّ :أصل الخجل في اللّغة :الكسل والتواني وقلّة الحركة في طلب الرّزق ثمّ كثر استعمال العرب له حتّى أخرجوه على معنى النقطاع في الكلم ،وفي الحديث « إذا ن كسلتنّ ،وقال أبو عبيدة : ن أي ذللتنّ وخجلت ّ ن خجلتنّ » .وقعت ّ ن وإذا شبعت ّ جعتنّ وقعت ّ الخجل هاهنا الشر ،وقيل :هو سوء احتمال العناء ،وقد جاء عن العرب الخجل بمعنى الدّهش .قال الكميت :فلم يدفعوا عندنا ما لهم
لوقع الحروب ولم يخجلوا .
أي لم يبقوا دهشين مبهوتين . ب -البذاءة : - 3البذاءة لغةً :السّفاهة والفحش في المنطق وإن كان الكلم صدقا ،وفي الحديث : « الحياء من اليمان ،واليمان في الجنّة ،والبذاءة من الجفاء والجفاء في النّار » فجعل البذاءة مقابلةً للحياء .وقريب من البذاءة الفحش وقد جاء في الحديث قوله صلى ال عليه ل زانه » . وسلم « :ما كان الفحش في شيء إلّ شانه وما كان الحياء في شيء إ ّ ج -الوقاحة : - 4الوقاحة والقحة أن يقلّ حياء الرّجل ويجترئ على اقتراف القبائح ول يعبأ بها .
الحكام المتعلّقة بالحياء :
- 5الحياء من خصائص النسان ،وغريزة فيه ،وإن كان استعماله على وفق الشّرع يحتاج ل ما يشتهيه فل يكون كالبهيمة .وإذا ورد إلى اكتساب وعلم ونيّة ،فإنّه يردع عن ارتكاب ك ّ نصّ فيه وصف اللّه تعالى بالحياء :فهو حياء محمول على معنًى يليق به سبحانه وتعالى . ضرِبَ َمثَلً مّا َبعُوضَةً َفمَا فَ ْو َقهَا } وما رواه سلمان س َتحْيي أَن َي ْ ن اللّ َه لَ َي ْ كقوله تعالى { :إِ ّ عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال « :إنّ اللّه حييّ كريم يستحيي إذا رفع الرّجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين » . والحياء بمعناه الشّرعيّ مطلوب ،وقد حثّ عليه النّبيّ صلى ال عليه وسلم ورغّب فيه ،لنّه باعث على أفعال الخير ومانع من المعاصي ،ويحول بين المرء والقبائح ،ويمنعه ممّا يعاب ل خيرا ،فالّذي يهمّ بفعل به ويذمّ ،فإذا كان هذا أثره فل شكّ أنّه خلق محمود ،ل ينتج إ ّ سيّئة فاحشة فيمنعه حياؤه من اجتراحها ،أو يعتدي عليه سفيه فيمنعه حياؤه من مقابلة ال ّ بالسّيّئة ،أو يسأله سائل فيمنعه حياؤه من حرمانه ،أو يضمّه مجلس فيمسك الحياء بلسانه عن الكلم ،والخوض فيما ل يعنيه ،فالّذي يكون للحياء في نفسه هذه الثار الحسنة ،فهو ذو خلق محمود ،فقد ورد « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم مرّ على رجل يعظ أخاه في ن الحياء من اليمان » . الحياء ،فقال له صلى ال عليه وسلم :دعه فإ ّ وقال عليه الصلة والسلم « :الحياء ل يأتي إلّ بخير » وقال صلى ال عليه وسلم « : اليمان بضع وسبعون شعب ًة أفضلها قول :ل إله إلّ اللّه ،وأدناها إماطة الذى عن الطّريق ،والحياء شعبة من اليمان » وقال عليه الصلة والسلم « :الحياء واليمان قرنا ل دين خلقا جميعا ،فإذا رفع أحدهما رفع الخر » وقال عليه الصلة والسلم « :إنّ لك ّ وخلق السلم الحياء » وفي الصّحيحين « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أشدّ حيا ًء من العذراء في خدرها ،فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه » ،وعنه صلى ال عليه وسلم : ن ممّا أدرك النّاس من كلم النّبوّة الولى :إذا لم تستح فاصنع ما شئت » . «إّ قال العلماء :الحياء من الحياة ،وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوّة خلق الحياء ،وقلّة ل يراك حيث الحياء من موت القلب والرّوح ،وأولى الحياء :الحياء من اللّه ،والحياء منه أ ّ نهاك ،ويكون ذلك عن معرفة ومراقبة ،وهو معنى قوله صلى ال عليه وسلم « :الحسان :أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك » . وروى التّرمذيّ من حديث عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنهما مرفوعا « :استحيوا من اللّه حقّ الحياء .قال :قلنا :إنّا نستحيي والحمد للّه ،قال :ليس ذاك ولكن الستحياء من اللّه حقّ الحياء أن تحفظ الرّأس وما وعى ،والبطن وما حوى ،وتتذكّر الموت والبلى ،ومن أراد الخرة ترك زينة الدّنيا ،فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللّه حقّ الحياء » قال الجنيد
رحمه ال :الحياء رؤية اللء ،ورؤية التّقصير فيتولّد بينهما حالة تسمّى :الحياء .وقال ابن القيّم :ومن كلم الحكماء أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه ،وعمارة القلب بالهيبة والحياء ،فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير . - 6ويجري في الحياء الحكام التّكليفيّة :فإن كان المستحيي منه محرّما ،فالحياء منه واجب ،وإن كان الحياء منه مكروه فهو مندوب ،وإن كان المستحيي منه واجبا فالحياء منه حرام ،وإن كان من مباح فهو عرفيّ أو جائز . فالحياء من تعلّم أمور الدّين وما يجب على النسان العلم به ليس بحياء شرعيّ .فعن عائشة رضي ال عنها قالت :نعم النّساء نساء النصار لم يكن يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدّين وعن أمّ سلمة رضي ال عنها أنّها قالت « :جاءت أ ّم سليم إلى رسول اللّه صلى ال عليه ن اللّه ل يستحيي من الحقّ ،هل على المرأة غسل إذا هي وسلم فقالت :يا رسول اللّه :إ ّ احتلمت ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :نعم ،إذا رأت الماء » . والحياء من مواجهة الظّلمة ،والفسّاق وزجرهم ،وترك الجهر بالمعروف ،والنّهي عن المنكر حيا ًء ليس بحياء ،وإنّما هو عجز ومهانة ،وتسميته حياءً :من إطلق بعض أهل العرف :أطلقوه مجازا لمشابهته الصّوريّة للحياء الشّرعيّ .
أخذ مال الغير بسبب الحياء : - 7صرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّه :إذا أخذ مال غيره بالحياء كأن يسأل غيره مالً في مل ن المهدي أهدى فدفعه إليه بباعث الحياء فقط ،أو أهدي إليه حياءً هدّيةً يعلم المهدى له :أ ّ إليه حياءً لم يملكه ،ول يحلّ له التّصرّف فيه ،وإن لم يحصل طلب من الخذ ،فالمدار ن صاحب المال دفعه إليه حيا ًء ،ول مروءةً ،ول لرغبة في خير ،ومن هذا : مجرّد العلم بأ ّ ن ذلك لمجرّد حيائهم ،ل لو جلس عند قوم يأكلون طعاما ،وسألوه أن يأكل معهم ،وعلم أ ّ يجوز له أكله من طعامهم ،كما يحرم على الضّيف أن يقيم في بيت مضيفه مدّةً تزيد على مدّة الضّيافة الشّرعيّة وهي ثلثة أيّام فيطعمه حياءً . فللمأخوذ بالحياء حكم المغصوب ،وعلى الخذ ردّه ،أو التّعويض عنه ،ويجب أن يكون ن المقاصد التّعويض بقيمة ما أخذ أو أكل من زادهم ،وقال ابن الجوزيّ :هذا كلم حسن ل ّ في العقود معتبرة .ولم نطّلع على مذهب الحنفيّة والمالكيّة في ذلك .
التّعريف :
حياة *
- 1الحياة في اللّغة نقيض الموت ،والحيّ من كلّ شيء نقيص الميّت .وهي عبارة عن قوّة مزاجيّة تقتضي الحسّ والحركة ،وفي حقّ اللّه تعالى هي صفة تليق به جلّ شأنه .وعرّف الجرجانيّ الحياة :بأنّها صفة توجب للموصوف بها أن يعلم ويقدر . وعلى هذا ل يخرج المعنى الصطلحيّ للحياة عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الرّوح : - 2قال الفرّاء :الرّوح ،هو الّذي يعيش به النسان ،لم يخبر اللّه تعالى به أحدا من خلقه. ح مِنْ َأ ْمرِ َربّي } . ح قُلِ الرّو ُ ن الرّو ِ سأَلُو َنكَ عَ ِ قال تعالى َ { :و َي ْ ب -النّفس : - 3قال أبو بكر بن النباريّ :من اللّغويّين من سوّى بين النّفس والرّوح ،وقال :هما شيء واحد ،وقال غيرهم :الرّوح هو الّذي به الحياة والنّفس هي الّتي بها العقل . ج -الستهلل : - 4الستهلل مصدر استهلّ ،يقال :استهلّ الصّبيّ بالبكاء أي رفع صوته وصاح عند الولدة ،وك ّل شيء ارتفع صوته فقد استهلّ .وفي الحديث « :إذا استهلّ المولود ورث » . والستهلل أمارة من أمارات الحياة . د -الموت : - 5الموت :صفة وجوديّة خلقت ضدّا للحياة .وقيل :صفة عدميّة . والصّلة بين الموت والحياة التّضادّ .
الحكام المتعلّقة بالحياة : أوّلً :بدء الحياة :
- 6بدء الحياة الدميّة الولى كان نفخ ًة من روح اللّه تعالى في الصّورة الّتي سوّاها اللّه ل رَ ّبكَ لِ ْلمَلَا ِئكَ ِة ِإنّي خَاِلقٌ عزّ وجلّ من طين لدم عليه السلم ،كما قال سبحانه ِ { :إ ْذ قَا َ جدَ ا ْلمَلَا ِئكَ ُة كُّلهُمْ سَ ن ،فَ َ ت فِي ِه مِن رّوحِي فَ َقعُوا لَ ُه سَاجِدِي َ س ّو ْيتُهُ َونَ َفخْ ُ ن َ ،فإِذَا َ َبشَرا مِن طِي ٍ ن ا ْلكَا ِفرِينَ } . ن مِ ْ س َت ْك َبرَ َوكَا َ ن ،إِلّا ِإبْلِيسَ ا ْ ج َمعُو َ َأ ْ واتّفق الفقهاء على أنّ بدء الحياة الحقيقيّة المعتبرة في ذ ّريّة آدم عليه السلم يكون بنفخ الرّوح في الجنين ،لما روى عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه قال « :حدّثنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهو الصّادق المصدوق قال :إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يومًا ،ثمّ يكون في ذلك علق ًة مثل ذلك ،ثمّ يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك ث ّم يرسل الملك فينفخ فيه الرّوح ويؤمر بأربع كلمات :بكتب رزقه ،وأجله ،وعمله وشقيّ أو سعيد » .واختلف
الفقهاء في موعد نفخ الرّوح :هل هو بعد أربعين ليلةً ،أو بعد اثنتين وأربعين ،أو بعد مائة وعشرين ،وينظر تفصيل ذلك في ( جنين ،وروح ) . ل للحيّ ،أو ل يعتبر كذلك : واختلفوا في الجنين قبل نفخ الرّوح :هل يعتبر حيّا ،أو أص ً فذهب الجمهور إلى أنّ حياة الجنين تبدأ ويعت ّد بها منذ نفخ الرّوح ،أمّا قبلها فل تكون حياته حقيقيّ ًة بل حياة اعتباريّة يظهر أثرها في بعض الحكام والتّصرّفات ،كتعلّق حقّه بالرث ، وصحّة اليصاء له بشرطه إلى غير ذلك ،واستدلّوا بقول اللّه تعالى { :وَلَ َقدْ خَلَ ْقنَا ا ْلإِنسَانَ جعَ ْلنَا ُه ُنطْفَ ًة فِي َقرَا ٍر ّمكِينٍ ُ ،ثمّ خَلَ ْقنَا الّنطْفَةَ عَلَ َقةً َفخَلَ ْقنَا ا ْلعَلَ َقةَ مِن سُلَالَةٍ مّن طِينٍ ُ ،ثمّ َ حسَنُ خرَ َف َتبَا َركَ اللّهُ َأ ْ عظَاما َف َكسَ ْونَا ا ْل ِعظَامَ َلحْما ُث ّم أَنشَ ْأنَا ُه خَلْقًا آ َ ُمضْغَ ًة َفخَلَ ْقنَا ا ْل ُمضْغَةَ ِ خ َر } أي بنفخ الرّوح حيث يبدأ في الجنين شأْنَا ُه خَلْقا آ َ ن قوله تعالى ُ { :ثمّ أَن َ ا ْلخَالِقِينَ } ل ّ الحساس والتّأثّر ،قال القرطبيّ :اختلف النّاس في الخلق الخر ،فقال ابن عبّاس والشّعبيّ ضحّاك وابن زيد :هو نفخ الرّوح فيه بعد أن كان جمادا . وأبو العالية وال ّ ن تعلّق الرّوح بالجنين إنّما يكون واستدلّوا كذلك بحديث ابن مسعود السّابق الّذي يدلّ على أ ّ ن الجنين يجمع في بطن أمّه أربعين يوما نطف ًة ،ثمّ يكون علق ًة مثل بعد الربعين الثّالثة ،وأ ّ ذلك ،ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك ،ثمّ تنفخ فيه الرّوح وبها يكون حيّا ،وأفاض ابن القيّم في الستدلل بهذا الحديث ث ّم قال :إنّ الجنين قبل نفخ الرّوح كان فيه حركة نم ّو واغتذاء كالنّبات ،ولم تكن حركة نموّه واغتذائه بالرادة ،فلمّا نفخت فيه الرّوح انضمّت حركة سيّته وإرادته إلى حركة نموّه واغتذائه . حّ وذهب بعض الفقهاء إلى أنّ حياة الجنين تبدأ من حين تلقيح ماء المرأة بماء الرّجل واستقرار ما حصل من ذلك في الرّحم ،ولكنّهم ل يعتبرون حياة الجنين في تلك المرحلة حياةً كاملةً لنسان حيّ بالفعل ،وإنّما النسان كائن بالقوّة ،حياته حياة اعتباريّة ،قال الغزاليّ :أوّل مراتب الوجود أن تقع النّطفة في الرّحم ويختلط بماء المرأة وتستعدّ لقبول الحياة ،وإفساد ذلك جناية ،فإن صارت مضغةً وعلق ًة كانت الجناية أفحش ،وإن نفخ فيه الرّوح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ،ومنتهى التّفاحش في الجناية بعد النفصال حيّا ،وإنّما قلنا : مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المنيّ في الرّحم ل من حيث الخروج من الحليل لنّ الولد ل يخلق من منيّ الرّجل وحده بل من الزّوجين جميعا . ن الحياة النسانيّة الكاملة المعتبرة اعتبارا كاملً في الحكام الشّرعيّة تبدأ ويتّفق الفقهاء على أ ّ بولدة الشّخص حيّا .
ثانيا :انتهاء الحياة : - 7تنتهي حياة النسان بنزع الرّوح ،أي بالموت .
وأمارات الموت معروفة ،ورد بعضها في حديث أ ّم سلمة رضي ال تعالى عنها قالت « : دخل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه ،ثمّ قال :إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر » .قال الزّركشيّ :وشخوص البصر هو الحالة الّتي يشاهد فيها الميّت ملك الموت ،وهذه الحالة هي الّتي ل تقبل منها التّوبة ،قال اللّه تعالى { :وََل ْيسَتِ حدَ ُهمُ ا ْلمَ ْوتُ قَالَ ِإنّي ُتبْتُ النَ } .وذكر الفقهاء حضَرَ َأ َ حتّى ِإذَا َ سيّئَاتِ َ ن ال ّ ن َي ْعمَلُو َ التّ ْوبَ ُة لِّلذِي َ من أمارات انتهاء الحياة :شخوص البصر ،وانقطاع النّفس ،وانفراج الشّفتين ،وسقوط القدمين ،وانفصال الزّندين ،وميل النف ،وامتداد جلدة الوجه ،وانخساف الصّدغين ، وتقلّص الخصيتين مع تدلّي جلدتهما .
ثالثًا :الحفاظ على الحياة : ف عمّا يهلكها أو يضرّها ،والمكلّف - 8يكون الحفاظ على الحياة بفعل ما يمسكها والك ّ ل تُلْقُو ْا ِبَأ ْيدِي ُكمْ إِلَى مأمور بإحياء نفسه وعدم إلقائها إلى التّهلكة ،قال اللّه تعالى َ { :و َ ال ّتهُْلكَةِ } ،وقرّر الفقهاء أنّ حفظ النّفوس آكد الضّروريّات الّتي تجب مراعاتها بعد حفظ الدّين .وقال الشّاطبيّ :تكاليف الشّريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق ،وهذه المقاصد ثلثة أقسام :ضروريّة ،وحاجيّة وتحسينيّة ،والضّروريّة :هي الّتي ل بدّ منها في قيام مصالح الدّين والدّنيا .والحفظ لها يكون بأمرين :أحدهما ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك مراعاتها من جانب الوجود ،والثّاني ما يدرأ عنها الختلل الواقع أو المتوقّع فيها وذلك مراعاتها من جانب العدم .وحفظ النّفس والعقل من جانب الوجود كتناول المأكولت والمشروبات والملبوسات والمسكونات ممّا يتوقّف عليه بقاء الحياة ،ومجموع الضّروريّات خمسة :حفظ الدّين ،والنّفس والعقل ،والنّسل ،والمال . ويجب على المسلم فعل ما يمسك حياته من أكل وشرب ولباس وسكن ونحو ذلك ،وممّا ورد ل ُتسْ ِرفُواْ } . في ذلك قول اللّه تعالى { :وكُلُواْ وَاشْ َربُواْ َو َ قال القرطبيّ في تفسير هذه الية :قال ابن عبّاس :أحلّ اللّه في هذه الية الكل والشّرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلةً ،فأمّا ما تدعوا إليه الحاجة هو ما سدّ الجوعة وسكّن الظّمأ فمندوب إليه عقلًا وشرعًا ،لما فيه من حفظ النّفس وحراسة الحواسّ ،ولذلك ورد الشّرع بالنّهي عن الوصال ،لنّه يضعف الجسد ويميت النّفس ويضعف عن العبادة ،وذلك يمنع منه الشّرع ويدفعه العقل .والمضطرّ في المخمصة الّذي ل يجد إلّ محرّما كالميتة ،أو مال الغير ، ويغلب على ظنّه الهلك إن لم يأكل من هذا المحرّم ،يلزمه منه بقدر ما يدفع عن نفسه غ ْيرَ بَاغٍ َولَ عَادٍ فَل ِإ ْثمَ عََل ْيهِ } وقوله سبحانه طرّ َ ن اضْ ُ ل َ { :فمَ ِ الهلك لقول اللّه عزّ وج ّ وتعالى َ { :ولَ تُلْقُواْ ِبَأ ْيدِيكُمْ إِلَى ال ّتهُْلكَةِ } .
على تفصيل في ذلك يرجع إليه في ( مخمصة ،ومضطرّ ،وميتة ) . والمكلّف مأمور شرعا بالكفّ عمّا يتلف الحياة أو يضرّها ،قال اللّه تعالى { :ول تَ ْقتُلُوا ج عمرو بن العاص رضي ال عنه بهذه الية ،حين امتنع عن الغتسال سكُمْ } وقد « احت ّ َأنْ ُف َ بالماء البارد ،حين أجنب في غزوة ذات السّلسل خوفا على نفسه من الهلك ،فأقرّه النّبيّ صلى ال عليه وسلم على ذلك » .
رابعًا :الجناية على الحياة : وهي قسمان :جناية الشّخص على حياته ،وجناية على حياة غيره .
أ -جناية الشّخص على حياته :
- 9حرّم الشّرع تحريمًا قاطعًا أن يجني الشّخص على حياته ،قال اللّه تعالى { :ول تَ ْقتُلُوا سكُمْ } . َأنْ ُف َ وقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع ،فأخذ سكّينا فجزّ بها يده ،فما رقأ عنه الدّم حتّى مات ،قال اللّه تعالى :بادرني عبدي بنفسه حرّمت عليه الجنّة » .وقال صلى ال عليه وسلم « :من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا ،ومن شرب سمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا ،ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا » . وحرّم الشّرع أن يقتل النسان نفسه ويجني على حياته ،لنّ نفسه الّتي يزهقها ليست ملكا له ،فالنفس ملك للّه تعالى .
ب -جناية الشّخص على حياة غيره : - 10الحياة الّتي يجنى عليها ،إمّا أن تكون حياةً حقيقّيةً مستقرّةً ،أو مستمرّةً لشخص حيّ ، وإمّا أن تكون حياةً اعتباريّ ًة وهي حياة الجنين .
الجناية على حياة شخص حيّ :
- 11الجناية على حياة شخص حيّ تكون بالقتل أي بفعل ما يكون سببا لزهوق النّفس وهو مفارقة الرّوح للجسد ،قال أبو البقاء :إذا اعتبر بفعل المتولّي لذلك يقال :قتل ،وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال :موت . والقتل عند جمهور الفقهاء ثلثة أقسام :عمد ،وشبه عمد ،وخطأ ،وعند بعضهم أربعة أقسام ،وعند آخرين خمسة أقسام ،بإضافة ما جرى مجرى الخطأ ،والقتل بسبب ،وفي ل من هذه القسام وموجبه تفصيل ينظر في ( دية ،وقتل ،وقود ،وجناية ) . بيان ك ّ
سنّة والجماع ،أمّا وقد أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حقّ ،والصل فيه الكتاب وال ّ حقّ } وقوله سبحانه { : حرّ َم اللّ ُه ِإلّ بِال َ س اّلتِي َ الكتاب فمنه قول اللّه تعالى َ { :ولَ تَ ْقتُلُواْ النّفْ َ ل َ { :ومَن يَ ْقتُلْ مُ ْؤمِنا ّم َتعَمّدا خطَئا } .وقوله عزّ وج ّ ل َ ل مُ ْؤمِنا ِإ ّ َومَا كَانَ ِلمُ ْؤ ِمنٍ أَن يَ ْقتُ َ عظِيما } . عذَابا َ ع ّد لَهُ َ غضِبَ اللّهُ عََل ْيهِ وََل َعنَهُ وَأَ َ ج َه ّنمُ خَالِدا فِيهَا َو َ َفجَزَآ ُؤهُ َ سنّة فمنها قول رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن ل وأمّا ال ّ ل بإحدى ثلث :ال ّثيّب الزّاني ،والنّفس بالنّفس ،والتّارك لدينه إله إلّ اللّه وأنّي رسول اللّه إ ّ المفارق للجماعة » . وقوله صلى ال عليه وسلم « :قتل المؤمن أعظم عند اللّه من زوال الدّنيا » . والحياة عند الجناية عليها إمّا أن تكون مستمرّةً ،أو مستقرّةً ،أو حياة عيش المذبوح . والحياة المستمرّة :هي الّتي تبقى إلى انقضاء الجل بموت أو قتل . والحياة المستقرّة :تكون بوجود الرّوح في الجسد ومعها الحركة الختياريّة والدراك دون الحركة الضطراريّة .كم لو طعن إنسان وقطع بموته بعد ساعة أو يوم أو أيّام وحركته الختياريّة موجودة . وحياة عيش المذبوح :هي الّتي ل يبقى معها إبصار ول نطق ول حركة اختيار . ويختلف حكم الجناية على الحياة باختلف هذه الحوال . وفي ذلك تفصيل ينظر في ( قود ،وجناية ،وقصاص ) .
الجناية على حياة الجنين : - 12إذا ضرب بطن امرأة حامل فألقت -بسبب ذلك -جنينها وهي حيّة ،فإمّا أن تلقيه ميّتا أو حيّا : أ -إن ألقته ميّتا ففيه غرّة باتّفاق الفقهاء ،لما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه قال « : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ،فاختصموا إلى ن دية جنينها غرّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أ ّ عبد أو وليدة ،وقضى أنّ دية المرأة على عاقلتها » . والغرّة :العبد أو المّة في هذه الجناية ،سمّيا بذلك لنّهما من أنفس الموال ،ويستوي في ل يكثر التّنازع في الذّكورة ذلك أن يكون الجنين الملقى ميّتا ذكرا أو أنثى لطلق الخبر ،ولئ ّ والنوثة لعدم النضباط .وتتعدّد الغرّة بتعدّد الجنين الملقى . وتجب مع الغرّة الكفّارة عند الشّافعيّة والحنابلة ،لنّ الجنين المجنيّ عليه آدميّ معصوم ، ن الكفّارة حقّ اللّه تعالى . ول ّ ن الكفّارة مندوبة ل واجبة . خلفا للحنفيّة والمالكيّة الّذين قالوا :إ ّ
ن ما استبان - 13واختلف الفقهاء في الجنين الملقى الّذي يجب فيه ما سبق :فقال الحنفيّة :إ ّ بعض خلقه كظفر وشعر فهو كمن كان تامّ الخلق فيما ذكر من الحكام ،وأضاف ابن عابدين ل بعد مائة وعشرين يوما ،وظاهر ما قدّمه عن الذّخيرة أنّه ل بدّ من :أنّه ل يستبين خلقه إ ّ وجود الرّأس ،وفي الشّم ّنيّ :لو ألقت مضغ ًة ولم يتبيّن شيء من خلقه فشهد ثقات من القوابل أنّه مبدأ خلق آدميّ ولو بقي لتصوّر فل غرّة فيه ،وتجب فيه عندنا حكومة .وقال المالكيّة :في الجنين ما سبق من الحكام وإن كان علق ًة أي دما مجتمعا إذا صبّ عليه ماء حا ّر ل يذوب . وقال الشّافعيّة :إذا ألقت المرأة بالجناية عليها لحما ،قال القوابل - :أي أربع منهنّ ،أو رجل وامرأتان ،أو رجلن -فيه صورة خفيّة -أي تخفى على غير القوابل -كنحو يد أو ن ففيه الغرّة والكفّارة .ولو قلن :ليس فيه صورة ظاهرة ول خفيّة رجل ل يعرفها غيره ّ ولكنّه أصل آدميّ لو بقي لتصوّر فل غرّة فيه ول كفّارة . ن فيه صور ًة خفيّ ًة ففيه غرّة ،وإن وقال الحنابلة :إن ألقت مضغ ًة فشهد ثقات من القوابل أ ّ شهدن أنّه مبتدأ خلق آدميّ لو بقي تصوّر ففيه وجهان :أصحّهما :ل شيء فيه لنّه لم شكّ ،والثّاني :فيه غرّة يتصوّر فلم يجب فيه كالعلقة ،ولنّ الصل براءة ال ّذمّة فل تشغل بال ّ لنّه مبتدأ خلق آدميّ أشبه ما لو تصوّر . ب -إن ألقت المرأة الحامل -بسبب الجناية عليها -جنينها حيّا ثمّ مات بسبب ذلك بعد تمام انفصاله حيّا ففيه الدّية كاملةً لتيقّن حياته وموته بالجناية ،وفيه مع الدّية الكفّارة .وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الجنين إن استهلّ صارخا بعد انفصاله ثبتت حياته وترتّب عليها الحكام الشّرعيّة المنوطة بها ،لكنّهم اختلفوا فيما تثبت به الحياة من المور الخرى كالعطاس والرتضاع والتّنفّس والحركة .وينظر التّفصيل في ( استهلل ) . وإن ضرب بطن امرأة حامل فلم تلق جنينها وماتت وهو في بطنها فل شيء فيه بخصوصه . وفي جناية المرأة الحامل على حياة جنينها تفصيل في ( إجهاض ) .
خامسا :الحياة المعتبرة في الرث : - 14من شروط الرث تحقّق موت المورث أو إلحاقه بالموتى حكما ،وتحقّق حياة الوارث بعده أو إلحاقه بالحياء .والحكم باستحقاق الرث واضح متّفق عليه في حالة التّحقّق من موت المورث ومن حياة الوارث بعده ،بأن كانا حيّين ثمّ مات المورث موتا حقيقيّا وتحقّقت حياة الوارث بعده ،لكن هناك صورا أخرى ل يكون فيها الحكم واضحا أو متّفقا عليه ،منها :الحمل الّذي له حقّ في الرث ،والّذين يموتون معًا في وقت واحد ول يعلم السّابق منهم .
ن حياته تلحق -تقديرا -بالحيّ عند وفاة مورثه ،وقد اشترط الفقهاء للحكم أمّا الحمل فإ ّ بتوريث الحمل شرطين : أحدهما :أن يعلم أنّه كان موجودا حال موت المورث . الثّاني :أن ينفصل كلّه حيّا حيا ًة مستقرّةً . على تفصيل ينظر في ( إرث :ف . ) 115 / 109 / وأمّا الّذين يموتون معًا في وقت واحد ول يعلم سابق منهم وهم في الصل يتوارثون . فقد اتّفق جمهور الفقهاء ورواية عن أحمد على أنّهم في هذه الحالة ل يتوارثون ،وتركة كلّ منهم لباقي الورثة الحياء ،لما روى الحاكم بسند صحيح أنّ أمّ كلثوم بنت عليّ رضي ال عنهما توفّيت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه في يوم واحد فلم يدر أيّهما ن من شروط الرث تحقّق حياة الوارث بعد موت المورث مات قبل فلم ترثه ولم يرثها ،ول ّ شكّ ،ولنّا إن ورّثنا أحدهم فقط فهو تحكّم ،وإن ورّثنا كلّا وهو هنا منتف ،ول توارث بال ّ من الخر تي ّقنّا الخطأ .والرّواية الخرى عن أحمد :يرث بعضهم من بعض من تلد ما له ،أي قديمه دون طارفه وهو ما ورثه ممّن مات معه . ن أحدهم مات قبل صاحبه بعينه ثمّ أشكل ،أعطي كلّ وارث اليقين ،ووقف الباقي وإن علم أ ّ ن الحقّ ل يعدوهم ،والمرء يملك المشكوك فيه ،حتّى يتبيّن المر ،أو يصطلحوا ،ل ّ التّصرّف في خالص حقّه ،وذلك عند الحنفيّة والحنابلة ،وقال الشّافعيّة :يوقف الميراث حتّى يتبيّن المر أو يصطلحوا ،لنّ التّذكّر غير ميئوس منه .
سادسا :الحياة المعتبرة في الصّيد والذّبائح : - 15اتّفق الفقهاء على أنّ الذّكاة الشّرعيّة بأنواعها من ذبح أو نحر أو عقر أو صيد ل بدّ منها لباحة ما يؤكل لحمه من الحيوان أو الطّير . واتّفقوا على أنّ من شروط الذّكاة الشّرعيّة أن تكون بالحيوان أو الطّير عند الذّبح أو الصّيد حياةً ،وإلّ كان ميتةً ولم تعمل الذّكاة عملها من حيث الباحة ،لكنّهم اختلفوا في الحياة المعتبرة شرعًا عند الذّبح أو الصّيد . وقد اتّفقوا على أنّه إذا كانت فيه حياة مستقرّة فيحلّ بالذّكاة ،أمّا إذا لم يبق فيه إلّ مثل عيش المذبوح فقد اختلفوا في أنّ الذّكاة تحلّه أو ل ،على تفصيل ينظر في ( ذبائح ) . كما اختلف فيما إذا ذبحت شاة مثلً وكان في بطنها جنين ،هل تعتبر ذكاتها ذكاةً له من حيث ن حياته تابعة لحياتها أو مستقلّة عنها ،وينظر التّفصيل في ( :ذبائح ) . إّ
سابعا :الحياة المعتبرة في غسل السّقط وتكفينه والصّلة عليه :
- 16اتّفق الفقهاء على أنّ السّقط إذا استه ّل ثبتت له أحكام الحيّ وحقوقه ،ومنها وجوب ن النّبيّ غسله وتكفينه والصّلة عليه ،لما روى جابر بن عبد اللّه رضي ال تعالى عنهما أ ّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا استهلّ الصّبيّ ورث وصلّي عليه » . ولنّه قد ثبت له حكم الدّنيا في السلم والميراث والدّية فغسّل وصلّي عليه كغيره . واختلفوا في السّقط إن لم يستهلّ :فقال الحنفيّة :السّقط إن لم يستهلّ غسّل وسمّي -في الصحّ المفتى به على خلف ظاهر الرّواية -إكراما لبني آدم ،وأدرج في خرقة ودفن ولم يصلّ عليه سواء أكان تامّ الخلق أم ل .وقال المالكيّة :يكره غسل سقط لم يستهلّ صارخا ، ولو تحرّك أو عطس أو بال أو رضع ،إلّ أن تتحقّق الحياة بعلمة من علماتها فيجب غسله ،ويغسل دم السّقط الّذي لم يستهلّ ويلفّ بخرقة ويوارى . وقال الشّافعيّة :إن لم يستهلّ السّقط ولم يتحرّك ،فإن لم يكن له أربعة أشهر كفّن بخرقة ودفن ،وإن تمّ له أربعة أشهر ففيه قولن :قال في القديم :يصلّى عليه لنّه نفخ فيه الرّوح ح لنّه لم يثبت له حكم الدّنيا فصار كمن استهلّ ،وقال في المّ :ل يصلّى عليه ،وهو الص ّ في الرث وغيره فلم يصلّ عليه ،فإن قلنا يصلّى عليه غسّل كغير السّقط ،وإن قلنا ل يصلّى عليه ففي غسله قولن :قال البويطيّ :في مختصره ل يغسّل ،لنّه ل يصلّى عليه ن الغسل قد ينفرد عن الصّلة كما نقول في فل يغسّل كالشّهيد ،وقال في المّ :يغسّل ل ّ الكافر . وقال الحنابلة :السّقط إن خرج م ّيتًا فقال أحمد :إذا أتى له أربعة أشهر غسّل وصلّي عليه لما روى المغيرة أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :والسّقط يصلّى عليه » ولنّه نسمة نفخ فيها الرّوح فيصلّى عليه كالمستهلّ .فأمّا من لم يبلغ أربعة أشهر فل يغسّل ول يصلّى ف في خرقة ويدفن لعدم وجود الحياة . عليه ويل ّ
ثامنا :الحياة المعتبرة في قبول التّوبة : - 17يقبل اللّه تعالى توبة العبد المذنب المكلّف -كرما منه تعالى وفضلً -ما لم يغرغر ، ل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » أي ما لم كما جاء في الحديث الشّريف « :إنّ اللّه عزّ وج ّ تصل روحه حلقومه ،من الغرغرة وهي جعل الشّراب في الفم وإدارته إلى أصل الحلقوم فل حضَرَ حتّى ِإذَا َ ت َ س ّيئَا ِ ن ال ّ ن َي ْعمَلُو َ يبلع ،وهذا مأخوذ من قوله تعالى { :وََل ْيسَتِ التّ ْو َبةُ لِّلذِي َ ن } .الية ،وفسّر ابن عبّاس حضوره بمعاينة ملك الموت ، ل ِإنّي ُتبْتُ ال َ ت قَا َ حدَهُ ُم ا ْلمَوْ ُ َأ َ وقال غيره :المراد تيقّن الموت ل خصوص رؤية ملكه لنّ كثيرًا من النّاس ل يراه . سرّ في عدم قبول التّوبة حين اليأس من الحياة أنّ من شروطها عزم التّائب على أن وقيل :ال ّ ل يعود إلى الذّنب ،وذلك إنّما يتحقّق مع تمكّن التّائب من الذّنب وبقاء الختيار .
قال ابن علّان :والحاصل أنّه متى فرض الوصول لحالة ل تمكن الحياة بعدها عادةً ل تصحّ منه حينئذ توبة ول غيرها ،وهذا مراد الحديث بقوله « :يغرغر » .ومتى لم يصل لذلك صحّت منه التّوبة وغيرها .
حيازة * التّعريف : - 1الحوز لغ ًة الجمع وضمّ الشّيء ،وكلّ من ضمّ شيئا إلى نفسه من مال أو غيره فقد حازه حوزا وحياز ًة واحتازه احتيازا . وفي الصطلح قال الدّردير :الحيازة :هي وضع اليد على الشّيء والستيلء عليه . والحيازة بهذا التّعريف بمعنى القبض . يؤيّده قول ابن أبي زيد القيروانيّ :ول تتمّ هبة ول صدقة ول حبس إلّ بالحيازة . فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث .وفي القوانين الفقهيّة :القبض :هو الحوز . وفي كتب المالكيّة استعمال كلمة " حوز " بدل " حيازة " . قال صاحب البهجة :الحوز وضع اليد على الشّيء المحوز .
بم تكون الحيازة :
- 2قال الحطّاب :الحيازة تكون بثلثة أشياء :أضعفها :السّكنى والزدراع ،ويليها : الهدم ،والبناء ،والغرس ،والستغلل ،ويليها التّفويت بالبيع والهبة ،والصّدقة ،والنّحلة ، ل ما يفعله الشّخص في ماله . والعتق ،والكتابة ،والتّدبير ،والوطء ،وك ّ وفي كون الحيازة سندا للملكيّة خلف بين الفقهاء ،يتّضح من خلل البحث . وتطلق الحيازة على الحيازة الصسّحيحة والباطلة ،سسواء كانست اليسد الحائزة متعدّيةً أو مأذونةً من المالك الحقيقيّ ،أو مدّعي ًة الملك ،فكلّها حيازة .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -القبض : - 3القبض لغةً :مصدر قبضت الشّيء قبضا :أخذته ،وهو في قبضته ،أي :في ملكه ، وقبض عليه بيده ضمّ عليه أصابعه . والقبض في الصطلح :هو حيازة الشّيء والتّمكّن منه . قال الكاسانيّ :ومعنى القبض هو التّمكين والتّخلّي وارتفاع الموانع عرفا وعادةً حقيق ًة .وقد تقدّم قول ابن جزيّ :القبض :هو الحوز .فتبيّن أنّ القبض والحيازة شيء واحد . ر :مصطلح ( تقابض ) .
ب -وضع اليد : - 4يقال في اللّغة :المر بيد فلن أي :في تصرّفه ،والدّار في يد فلن أي :في ملكه . وأمّا في الصطلح فقد قال القرافيّ في الفروق :اليد عبارة عن القرب والتّصال ، وأعظمها ثياب النسان الّتي عليه ونعله ومنطقته ،ويليه البساط الّذي هو جالس عليه ، والدّابّة الّتي هو راكبها ،وتليه الدّابّة الّتي هو سائقها أو قائدها ،والدّار الّتي هو ساكنها ، فهي دون الدّابّة لعدم الستيلء على جميعها . وتقدّم بيّنة ذي اليد المعتبرة ،وأمّا اليد الّتي ل تعتبر في التّرجيح ألبتّة فعبارة عن حيازة بطريق تقتضي عدم الملك بحقّ ،كالغصب والعاريّة .إذا علمنا ذلك بأنفسنا أو بالبيّنة .واليد بهذين المعنيين نفس معنى الحيازة بمعنييها . ج -التّقادم : 4م -التّقادم لغةً .مصدر تقادم ،يقال :تقادم الشّيء أي :صار قديما . وفي الصطلح يعبّر عن التّقادم بمرور الزّمان .كما في مجلّة الحكام العدليّة . والتّفصيل في مصطلح ( :تقادم ) من الموسوعة .
أحكام الحيازة : - 5تقدّم أنّ الحيازة تكون عن طريق مشروع وعن طريق ،غير مشروع ،فالطّرق غير المشروعة كالغصب ،والسّرقة ،والحرابة ،هي من الكسب غير المشروع ،وتنظر في ن الشّيء المحوز هنا ل مصطلحاتها .وهذه الحيازة ليست مشروعةً ول عبرة بها شرعا .ل ّ يكون للّذي بيده بل لمالكه الصليّ .وأمّا الطّرق المشروعة فتكون بحيازة بيت المال للرض ،الّتي مات أربابها بل وارث وآلت إلى بيت المال ،أو فتحت عنو ًة أو صلحا ،ولم تملك لهلها بل أبقيت رقبتها للمسلمين إلى يوم القيامة . وتكون بإحياء الموات ،والصطياد ،واحتشاش الكل من الرض المباحة ،واستخراج ما في باطن الرض من المعدن والرّكاز ،واللّقطة .وتنظر في مصطلحاتها . وتكون أيضا عن طريق العقد ،سواء أكان عن طريق الرادة المنفردة أم عن طريق إرادتين ،وينظر كلّ عقد في مصطلحه . ثمّ الحيازة بمعنى القبض تنظر أحكامها في مصطلح ( قبض ) .
الحيازة كدليل على الملكيّة :
سيّارة ، - 6الصل أنّ النسان يتصرّف فيما يملكه بوجه شرعيّ ،فساكن الدّار ،وسائق ال ّ أو ال ّدرّاجة وصاحب ال ّدكّان الغالب أنّهم يملكون ما يتصرّفون فيه ،ولكن قد يمكّن المالك غيره من التّصرّف ،إمّا بعوض أو بدون عوض -وقد يكون المتصرّف متعدّيا كالغاصب
والسّارق -فاحتمال الفصل بين الملكيّة والتّصرّف احتمال قائم ،ولكن كلّما طالت مدّة ن المتصرّف مالك إلى أن يحصل الطمئنان بملكيّة الحائز للشّيء التّصرّف دلّ ذلك على أ ّ حسبما يشهد به العرف . ومن هنا كانت علقة الحائز بمدّعي ملكيّة الشّيء المحوز لها تأثير حسبما يشهد به العرف ن الجنبيّ ل يسكت عن تصرّف الجنبيّ في عقاره من التّسامح أو المشاحّة .فالعرف يشهد أ ّ ن الب يتسامح مع ابنه في عشر سنوات وأكثر وهو حاضر ساكت ،بينما يشهد العرف أ ّ تصرّفه في مال الب عشرين سن ًة أو أكثر . ن حضور مدّعي فكانت الصّلة بين الحائز وبين مدّعي الملكيّة مؤثرةً في مدّة الحيازة كما أ ّ الملكيّة وبعده والمسافة الفاصلة بين المتنازع فيه وبين القائم بالحقّ لها تأثيرها ،وكذلك الشّيء المحوز فحيازة الدّور والرضين ليست كحيازة الثّياب والحيوان ،فإذا كان المالك قد ل فإنّه ل يتسامح في استعمال دابّته مثل هذه المدّة. يتسامح في سكنى داره الخمس سنوات مث ً ن أنواع التّصرّف مختلفة فهناك التّصرّف بالسّكنى ،وأقوى منها التّصرّف بالهدم والبناء كما أ ّ وقلع الشّجر وغراسة الرض ،وأقوى من ذلك التّصرّف بالبيع والهبة والصّدقة من وجوه التّفويت فكانت أحكام الحيازة تتأثّر بهذه العتبارات . وذ هب الحنفيّة وأح مد -في الرّوا ية المشهورة ع نه -إلى أ نّ من ادّ عى شيئًا في يد غيره فأنكره وكان لكلّ وا حد منه ما بيّ نة ،فبيّنته على المدّ عي ( الخارج ) تقدّم على بيّ نة المدّ عى عليه ( الدّاخل ) . وقال إسحاق :ل تسمع بيّنة المدّعى عليه بحال .واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم : « البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» فجعل حبس البيّنة في جانب المدّعي ،فل يبقى في جانب المدّعى عليه بيّنة .ولنّ بيّنة المدّعي أكثر فائد ًة فوجب تقديمها ،كتقديم بيّنة الجرح على التّعديل ،ودليل كثرة فائدتها :أنّها تثبت شيئا لم يكن ،وبيّنة المنكر إنّما تثبت ل اليد عليه فلم تكن مفيدةً ،ولنّ الشّهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها رؤية اليد ظاهرا تد ّ ن ذلك جائز عند كثير من أهل العلم ،فصارت البيّنة بمنزلة اليد المفردة ، والتّصرّف ،فإ ّ ن شاهدي الفرع لمّا كانا فتقدّم عليها بيّنة المدّعي على المدّعى عليه " صاحب اليد " كما أ ّ مبنيّين على شاهدي الصل لم تكن لهما مزيّة . وعن أحمد رواية ثانية :إن شهدت بيّنة الدّاخل بسبب الملك ،وقالت :نتجت في ملكه أو اشتراها ،أو نسجها ،أو كانت بيّنته أقدم تاريخا قدّمت ،وإلّ قدّمت بيّنة المدّعي ،وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور في النّتاج وال ّنسّاج فيما ل يتكرّر نسجه .
ن الحيازة ل تنقل الملك عن المحوز عليه إلى الحائز باتّفاق وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ ولكنّها تدلّ عليه ،فيكون القول معها قول الحائز :إنّه يملكه بيمينه . فإذا كانت للمدّعي بيّنة وللمدّعى عليه بيّنة قدّم صاحب اليد ببيّنته ،لنّهما استويا في إقامة البيّنة ،وترجّحت بيّنته بيده كالخبرين اللّذين مع أحدهما قياس فيقضى له بها . ي صلى ال عليه وسلم اختصم إليه رجلن في دابّة ن النّب ّ لما روي عن جابر بن عبد اللّه « أ ّ ل واحد منهما البيّنة بأنّها له أنتجها فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أو بعير ،فأقام ك ّ للّذي هي في يده » .وبتقديم بيّنة المدّعى عليه بكلّ حال ،قال شريح والشّعبيّ والحكم وأبو عبيد ،وقال :هو قول أهل المدينة وأهل الشّام ،وروي عن طاوس . وللتّفصيل ينظر في ( دعوى ،شهادة ،تقادم ) . هذا ،وللمالكيّة تفصيلت انفردوا بها في مسائل الحيازة ،ول سيّما بمعنى دليل الملك أو سببه ،بيانها فيما يلي : ت مراتب : يقول ابن رشد :إنّ الحيازة على س ّ أ -أضعفها حيازة الب على ابنه ،وحيازة البن على أبيه . ب -ويليها حيازة القارب الشّركاء بالميراث أو بغير الميراث بعضهم على بعض . ج -تليها حيازة القرابة بعضهم على بعض فيما ل شرك بينهم فيه ،والختان ،والموالي الشراك بمنزلتهم . د -ويليها حيازة الموالي والختين بعضهم على بعض فيما ل شرك بينهم فيه . هس – وتليها حيازة الجنبيّين الشراك بعضهم على بعض فيما ل شرك بينهم فيه . و – حيازة الجنبيّين الّذين ل شركة بينهم فيه . وكلّما كانت الرّابطة قويّةً وجب أن تكون الحيازة ضعيفة التّأثير في ادّعاء الملك ،فل بدّ له من قوّة تسندها ،إمّا طول مدّة ،وإمّا نوع قويّ من التّصرّف على ما سيتبيّن بعد .
أنواع الحيازة : - 7الحيازة تكون بنوع من النواع التية : ب .اللّبس أ -في العقار :السّكنى ،الزدراع ونحو ذلك .وفي المنقول :الرّكوب في الدّوا ّ في الثّياب .النتفاع في الواني ونحو ذلك . ب -النّوع المتوسّط في العقار :الهدم والبناء فيما ل يحتاج إليه لبقاء الصل ،والغرس للشجار ونحو ذلك ،وفي المنقول الستغلل وهو إيجار الدّوابّ ،والثّياب ،وقبض الجرة ونحو ذلك .
ج -النّوع القوى :التّفويت بالبيع ،والهبة والصّدقة ،والنّحل ،وما أشبه ذلك ممّا ل يفعله الرّجل إلّ في ماله .
أثر الحيازة : ن مجرّد الحيازة ل تنقل الملك عن المحوز عليه إلى الحائز ،ولكنّه - 8يقول ابن رشد :إ ّ يدلّ على الملك كإرخاء السّتور ،ومعرفة العفاص والوكاء ،وما أشبه ذلك من الشياء . ن الحائز ل ينتفع بالحيازة إلّ إذا جهل الوجه الّذي حاز به أو ادّعى شراءً ،وأمّا معنى هذا أ ّ إذا عرف وجه دخوله في حوزه ككراء ،أو عمرى ،أو إسكان ،أو إرفاق ،أو إجارة ونحو ذلك ،فإنّ طول الحوز ل ينقل الملك .
شروط الحيازة بين الجانب غير الشّركاء :
- 9يقول خليل :إن حاز أجنبيّ غير شريك وتصرّف ثمّ ادّعى حاضر ساكت بل مانع عشر ل بإسكان ونحوه .فالحوز عند المالكيّة يكون دالّا على ملك سنين لم تسمع دعواه ،ول بيّنته إ ّ الحائز إذا توفّر ما يلي : ل :أن يتصرّف الحائز :والتّصرّف المجمع عليه هو ما كان كالهدم والبناء فيما ل أ ّو ً ضرورة داعية إليه .أمّا السّكنى ونحوها ،فقد اختلف فيها والمشهور أنّه حيازة . يقول ابن رشد :وأمّا حيازة الجنبيّين بعضهم على بعض فيما ل شركة بينهم فيه ،فالمشهور ن الحيازة تكون بينهم في العشرة أعوام .وإن لم يكن هدم ول بنيان ،وفي في المذهب أ ّ ل مع الهدم والبنيان ،وهو قول ابن القاسم في كتاب الجدار لبن القاسم أنّها ل تكون حيازةً إ ّ رواية حسن بن عاصم عنه ،ويشهد لهذا القول ما أخرجه مالك في الموطّأ بلغا أنّ عبد الرّحمن بن عوف تكارى أرضا .فلم تزل في يديه بكراء حتّى قال ابنه وهو أبو سلمة أو حميد :فما كنت أراها إلّ لنا من طول ما مكثت في يديه حتّى ذكرها لنا عند موته فأمر بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب أو ورق . - 10ثانيا :أن يكون المدّعي حاضرا عالما ،فلو كان المدّعي غائبا غيبةً بعيدةً فهو باق على حقّه ويختلف تقدير الغيبة بين الرّجل والمرأة ،والبعد والقرب ،وتقدير الغيبة عند فقهاء المالكيّة هو بالمراحل . فإذا كان المدّعي على سبعة مراحل فأكثر فهو باق على حجّته ولو طال أمد غيابه ما طال ، فالغائب في مثل هذا البعد معذور ،سواء أكان رجلً أم امرأةً ،وإذا كان على ثلث أو أربع مراحل فالمرأة معذورة بل خلف ،وكذلك الرّجل إن أبدى عذره في عدم القيام ،وإن لم يتبيّن عذره ،فقال ابن القاسم :هو على حقّه له القيام معلّلً بأنّه كم ممّن ل يتبيّن عذره للنّاس وهو معذور .وقال ابن حبيب :من كان على ثلث مراحل ل قيام له بعد الجل إن لم يتبيّن
عذره ،فابن القاسم جعله معذورا :وابن حبيب جعله غير معذور حتّى يثبت خلف ذلك. وحدّد ابن عرفة موطن الخلف قائلً :الخلف في القريب هو إذا علم ،وأمّا إذا لم يعلم فل حيازة عليه وإن كان حاضرًا ،غير أنّه في الغالب محمول على غير العلم حتّى يثبت علمه ، وفي الحاضر محمول على العلم حتّى يتبيّن أنّه لم يعلم . واستحبّ مطرّف وأصبغ للغائب إذا علم ومنعه مانع من الحضور لطلب حقّه أن يشهد أنّه علم ،وأنّ سكوته عن المطالبة إنّما هو لجل العذر مع تأكيدهما على أنّه إذا علم ولم يشهد لم يوهن ذلك حجّته إلّ أن يطول الزّمان جدّا ،مثل السّبعين والثّمانين سن ًة وما قاربها ،ويكون مع ذلك سماع مستفيض بأنّها ملك للّذين هي بأيديهم تداولوها هم ومن كان قبلهم بما يحاز به الملك ،فيكون ذلك كالحيازة على الحاضر ،وإن كانت الغيبة بعيدةً ،قال ابن حبيب : وبقولهما أقول . فالغائب يكون على حجّته إذا اجتمع أمران :أن يطول ذلك جدّا فيما تهلك فيه البيّنات ، ن الحائز ومن سبقه وتتعاقب الجيال كالسّبعين والثّمانين ،وأن يتأيّد الحوز بشهادة سماع أ ّ مالكون لما تحت أيديهم .وإذا كانت الغيبة على مسافة يوم فالرّجل هو كالحاضر ،وأمّا المرأة فهي على حقّها .قال ابن فرحون :فرع :وفي الطّرر لبن عات ومغيب المرأة على مسيرة اليوم ل يقطع حجّتها لقوله عليه الصلة والسلم « :ل يحلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم ل مع ذي محرم عليها » .قاله بعض الشّيوخ المتأخّرين . الخر تسافر مسيرة يوم إ ّ ن الحائز يتصرّف في ملكه ،وأن يعلم أنّ والمراد بالعلم هو العلم الشّامل لمرين .العلم بأ ّ ن المحوز ملكه فإن كان وارثًا حلف على عدم علمه وقضي له المحوز ملكه ،فإذا جهل أ ّ ببيّنته ،وإذا قال علمت بالملك ولكنّي لم أجد الوثيقة المثبتة للملك إلّ الن ،فقد اختلف فيه ، ورجّح ابن العربيّ أنّه غير معذور بذلك فل تسمع دعواه ،وكذلك إذا ادّعى أنّ سكوته إنّما كان من أجل عدم وجود البيّنة الّتي تشهد له . ثالثا :أن يسكت المحوز عنه الحاضر طوال المدّة ول يطالب بحقّه ،فإن نازع في أثناء المدّة ولم يزل يخاصم ويطلب فهو على حقّه ،وإن نازع اليوم واليومين لم يفده ،ويكون كمن هو ساكت ،قال ابن سحنون عن أبيه :فيمن أثبت بيّن ًة في أرض أنّها له ،وأثبت الّذي في يده أنّه يحوزها عشر سنين بمحضر الطّالب ،فأقام الطّالب بيّنةً أنّه طلبها ونازع فيها هذا ،قال : إن قالوا إنّه لم يزل يخاصم ويطلب ليس أن يخاصم يوما أو يومين ثمّ يمسك نفعه ذلك ،وإلّ لم ينفعه ،ول بدّ أن يكون الطّلب عند الحاكم . قال أبو الحسن الصّغير الطّلب النّافع إنّما يكون عند الحاكم .
- 11رابعا :أن ل يمنعه من المطالبة مانع :والموانع كثيرة ومتنوّعة لم يقع استقصاؤها ، وإنّما وقع التّنبيه على بعضها احتياطا لحقّ المالك . فمن الموانع ،الخوف من الحائز كما إذا كان الحائز ذا سلطة وظالما .أو كان مستندا إلى ب الدّين يخشى إن سلطان جائر وكأن يكون الطّالب مدينًا معسرًا وحلّ أجل الدّين ،والحائز ر ّ هو طالبه بالتّخلّي عن الحوز أن يطالب بأداء الدّين ،ومثله إذا كان المدّعي سفيها أو صغيرا ن أجل الحوز معتبر بعد ارتفاع المانع ،وفي وثائق أو بكرًا لم تعنّس من كان هذا حاله ،فإ ّ ابن العطّار ل يقطع قيام البكر غير العانس ول قيام الصّغير ،ول قيام المولّى عليه في رقاب ل أن يبلغ الصّغير ويملك نفسه من الوليّ ، الملك ،ول في إحداث العتمار بحضرتهم إ ّ وتعنّس الجارية ويحاز عليهم عشرة أعوام من بعد ذلك وهم عالمون بحقوقهم ل يعترضون من غير عذر فينقطع حينئذ قيامهم وما لم يعرفوا ل ينقطع قيامهم . فأصحاب العذار هؤلء يعتبر أمد السّكوت المسقط لحقّهم بعد حصول أمرين .حصول ن الحائز يحوز ملكهم وسكوتهم بعد العلم عشر سنين بغير عذر . علمهم بأ ّ ومن العذار المقبولة الّتي يبقى معها المدّعي على حقّه وإن طال كون المحوز عنه من أهل سرّاج الثّراء والفضل ،من شأنه إرفاق النّاس والتّوسعة عليهم ،فقد سئل أبو زكريّا يحيى ال ّ ل موطن ،وجرت عادتهم مع النّاس أنّهم عن أناس لهم أملك عديدة في بلد شتّى وبك ّ يتفضّلون معهم في أملكهم بالبناء والحرث والغراسة ،وغير ذلك من أنواع العمارة ،وذلك ن بعض كلّه على وجه الفضل لكثرة ذمّتهم وغناهم وعل ّو همّتهم ومحاسنهم مع النّاس ،ثمّ إ ّ السّاكنين أنكروا الفضل والحسان والخير ،وأرادوا بزعمهم أن يمتازوا ببعض الملك بسبب العمارة وينسبوها لنفسهم من غير أن تقوم بيّنة على ذلك ،فهل تجوز العمارة على أصحاب الملك أم ل تجوز على الوجه المذكور إلّ إذا قامت بيّنة عادلة بانتقال الملك ببيع ،أو هبة ،أو صدقة ؟ فأجاب أنّها ل تجوز على الوجه المذكور إلّ إذا قامت بيّنة مقبولة بانتقال الملك ،إمّا ببيع أو هبة ،أو صدقة ،وأمّا مجرّد العمارة العاريّة عن ذلك فلغو ، ول عبرة بها ول معوّل عليها . ن فتوى السّرّاج هي فيما إذا كانت الرض المذكورة ودقّق عبد الرّحمن الحائك فقال :إ ّ معروف ًة للقائم ومنسوبةً إليه ،وأمّا إذا لم تكن كذلك فل تنزع من يد حائزها . - 12خامسا :أن تستمرّ الحيازة عشر سنين فأكثر :إذا حاز الجنبيّ غير الشّريك عقارا وتوفّرت الشّروط المذكورة قبل هذا فإنّه ل ينتفع بحيازته إلّ إذا طال أمد الحيازة . ل على الملكيّة قد اختلف الفقهاء في تحديده هل يؤقّت بزمن ،أو مرجع والطّول المعتبر دلي ً ذلك إلى اقتناع الحاكم .
ففي المدوّنة :ما سمعت مالكا يحدّد فيه عشر سنين ول غير ذلك ،ولكن على قدر ما يرى ن هذا قد حازها دون الخر فيما يكرى ويهدم ويبنى ويسكن . أّ وذهب ربيعة إلى أنّه إذا كان الرّجل حاضرًا وماله في يد غيره فمضت له عشر سنين وهو على ذلك ،كان المال للّذي هو في يده بحيازته إيّاه عشر سنين ،إلّ أن يأتي الخر ببيّنة على أنّه أكرى ،أو أسكن ،أو أعار عاريّ ًة ،أو صنع شيئا من هذا ،وإلّ فل شيء له . وعمدة التّقدير بعشر سنين الحديث الّذي رواه في المدوّنة عن عبد الجبّار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن عن سعيد بن المسيّب يرفعه إلى الرّسول صلى ال عليه وسلم أنّه قال : « من حاز شيئا عشر سنين فهو له » . قال عبد الجبّار وحدّثني عبد العزيز بن المطّلب عن زيد بن أسلم عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم بمثله .ورواه زيد بن أسلم مرفوعا « :من احتاز شيئا عشر سنين فهو له » . كما ذكره أبو داود في باب القضية . قال في التّوضيح :وبالعشر سنين أخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ . ن السّبع والثّمان وما قارب العشر مثل العشرة . ولبن القاسم كما في الموّازيّة أ ّ ويقول ابن رشد في شرحه لكلم المستخرجة العشر سنين وما قاربها يريد واللّه أعلم . ن ما قرب من العشرة والشّهرين والثّلثة وما قارب منها ثلث العام وأقلّ .وقد قيل :إ ّ العوام بالعام والعامين حيازة .قال الحطّاب :فتحصّل في مدّة الحيازة ثلثة أقوال : الوّل :قول مالك إنّها ل تح ّد بسنين مقدّرة بل باجتهاد المام . الثّاني :أنّ المدّة عشر سنين وهو القول المعتمد بنا ًء على الحديث ووجّهه أيضا ابن سحنون بأنّ اللّه لمّا أمر نبيّه بالقتال بعد عشر سنين كان أبلغ في العذار . ن مدّة الحيازة سبع سنين فأكثر وهو قول ابن القاسم الثّاني . الثّالث :أ ّ وإذا كانت الحيازة في إرفاق ففي المسائل الملقوطة المنسوبة لولد ابن فرحون " مسألة " في قناة تجري منذ أربع سنين في أرض رجل ،والّذي تجري عليه ساكت ل تكون السّنة حيازةً للتّغافل عن مثلها وسكوت أربع سنين طول .أمّا إذا كانت الحيازة في منقول فقال أصبغ :إنّ السّنة والسّنتين في الثّياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن ،وإنّ السّنتين والثّلث حيازة في ن يستخدمن ،وفي العبيد والعروض فوق ذلك ول ب إذا كانت تركب ،وفي الماء إذا ك ّ الدّوا ّ تبلغ في شيء من ذلك كلّه بين الجنبيّين إلى عشرة أعوام كما يصنع في الصول " العقار ". وجاء في المدوّنة ما ظاهره أنّه ل فرق في الجل بين الثّياب والعروض والحيوان ،وبين الدّور ،ونصّ المدوّنة قلت :أرأيت الدّوابّ والثّياب والعروض كلّها والحيوان كلّه ،هل كان مالك يرى أنّها إذا حازها رجل بمحضر من رجل فادّعاها الّذي حيزت عليه أنّه ل حقّ له
ن هذا قد حازها دونه ،وهل كان يقول في هذه الشياء مثل ما يقوله في الدّور فيها ،ل ّ ن ذلك عندي مثل ما قال مالك في الدّور والحيازة ؟ قال لم أسمع من مالك في هذا شيئًا إلّ أ ّ ب تكرى وتركب . إذا كانت الثّياب تلبس وتمتهن ،والدّوا ّ ص المدوّنة على أنّ التّحديد ليس قارّا ،وإنّما هو لجتهاد الحاكم ينظر في ويجب حمل ن ّ الظّروف المحيطة بالقضيّة ويعطي لكلّ حالة ما يناسبها حسب اختلف العراف والشخاص . - 13وتضاف مدّة حيازة الوارث إلى مدّة حيازة المورث ،فإذا حاز المورث الشّيء خمس سنين وحازه الوارث خمس سنين ضمّت مدّة هذا إلى مدّة ذاك وسقط حقّ القائم في الدّعوى. - 14سابعا :ألّ يكون المحوز وقفا :إذا كان المحوز حبسا فإنّه ل تسقط الدّعوى ولو طال الزّمان ،ففي نوازل ابن رشد :سئل عن جماعة واضعين أيديهم على أملكهم ومورثهم ومورث مورثهم نحوًا من سبعين عاما يتصرّفون فيه بالبناء والغرس والتّعويض والقسمة وكثير من وجوه التّفويت ،فادّعى عليهم بوقفيّتها شخص حاضر عالم بالتّفويت المذكور ل بعد أن يثبت والتّصرّف هو ومورثه من قبله .فأجاب بما نصّه .ل يجب القضاء بالحبس إ ّ التّحبيس وملك المحبّس لما حبسه يوم التّحبيس وبعد أن تتعيّن الملك المحبّسة بالحيازة لها ح فيه الحيازة ،فإذا ثبت ذلك كلّه على وجهه وأعذر إلى المقوم عليهم فلم يكن على ما تص ّ لهم حجّة إلّ من ترك القائم وأبيه قبله عليهم وطول سكوتهما عن طلب حقّهما مع علمهما بتفويت الملك فالقضاء بالحبس واجب ،والحكم به لزم . ومن باب أولى الحبس العامّ بما يشمله من مسجد وطريق ومصالح عامّة . قال الزّرقانيّ :ومن شروطها -أي الحيازة -أن يدّعي الحائز ملك الشّيء المحوز ،أي ل مجرّد الحوز فل ينفعه . ولو مرّةً ،وأمّا إن لم يكن له حجّة إ ّ ل مع جهل المدخل في هذا الصل المحوز ،ولم ول ينفع الحائز المدّعي الملكيّة بحيازته إ ّ يتحقّق هل بعاريّة مثلً أو ل ؟ أعني هل دخل بوجه ل يقتضي نقل الملك كالعاريّة والسكان ونحوهما أم ل .لنّه لو تحقّق أنّ دخوله كان بشيء منها ما نفعته حيازته ولو طالت .
ما توجبه الحيازة : ن الدّعوى تنقسم إلى ثلثة أقسام : - 15يقول ابن الحاجب :إ ّ أ -الدّعوى المشبّهة :وهي الدّعوى الّتي توجب اليمين على المدّعى عليه بمجرّدها من غير صنّاع إثبات خلطة ،وهي الدّعوى اللّائقة بالمدّعي والمدّعى عليه .وذلك كالدّعاوى على ال ّ المنتصبين للصّناعة والتّجارة في السواق والمسافر على رفقته .
ب -الدّعوى البعيدة :وهي الّتي ل تشبه فل تسمع ول يلتفت إليها ،كدعوى دار بيد حائز يتصرّف فيها بالهدم ،والبنيان ،والعمارة مدّةً طويل ًة ،والمدّعي شاهد ساكت ول مانع من خوف ول قرابة ول صهر وشبهة . ج -الدّعوى المتوسّطة بين المشبّهة والبعيدة ،فتسمع من مدّعيها ،ويمكّن من إقامة البيّنة، فإن عجز عنها حلف المدّعى عليه في غير ما فيه معرّة . وأمّا الدّعوى بما فيه معرّة على غير لئق به فل يمين فيها . فابن الحاجب كما يدلّ الّنصّ أعله يعتبر الحيازة بشروطها ،كالشّهادة القاطعة الّتي تثبت الحقّ لصاحبها بدون يمين ،وبناءً على ذلك فدعوى القائم ( المدّعي ) باطلة من أصلها ، وطول المدّة كاف في إثبات الحائز لشهادة العرف ،وابن الحاجب يعتبر العرف كشاهدين . - 16وذهب ابن رشد إلى التّفصيل ،فقال :إنّ الدّعوى على الحائز تنقسم إلى أقسام ،ولكلّ قسم حكمه : أ -أن ل تتأيّد دعوى المدّعي على الحائز ببيّنة ول إقرار من الحائز ،ولم تتضمّن الدّعوى الوجه الّذي يتصرّف به الحائز ،وكانت بعد عشر سنين فهذه الدّعوى من أصلها ل توجب سؤال الحائز ول تلزمه اليمين لردّ دعوى المدّعي . ن الحائز إنّما كان يتصرّف في الحوز كراءً ، ب -مثل الصّورة الولى إلّ أنّ القائم يدّعي أ ّ أو إسكانا ،أو إعارةً ،فتجب يمين الحائز لردّ دعوى المدّعي . ج -أن يقوم القائم قبل أن تنقضي مدّة الحيازة ولم يؤيّد دعواه فتتوجّه اليمين على الحائز . هس – أن تتأيّد دعوى المدّعي ببيّنة ،أو بإقرار الحائز بعد أمد الحيازة ،وهنا يسأل الحائز عن الوجه الّذي صار به إليه المحوز ،فإن بيّن وجها قبل مع يمينه ،وتسقط دعوى المدّعي سواء أذكر أنّه صار إليه بشراء من القائم ،أو من مورثه ،أو بهبة ،أو بصدقة منه ،ونقل ابن رشد أنّ ابن القاسم يقول بالتّفرقة بين ادّعاء الشّراء وادّعاء التّبرّع فقد سئل عن الّذي يكون بيده المسكن أو الرض فيقيم رجل عليه بيّن ًة أنّه مسكنه أو أرضه ،أو يقرّ له بذلك الّذي هو بيده ،ويدّعي الّذي هو بيده أنّه باعه منه ،أو تصدّق به عليه ،أو وهبه ،أو ما أشبه ذلك ،ول يأتي ببيّنة على شيء من دعواه . قال ابن القاسم :القول قول الّذي هو بيده ،إذا كان قد حازه الزّمان الّذي يعلم في مثله أن قد هلكت البيّنة على البيع مع يمينه ،وأمّا الصّدقة والهبة والنّزول ( أي السكان ) فإنّي أرى أن يحلف صاحب المنزل باللّه الّذي ل إله إلّ هو ما وهب ول تصدّق ول أنزل ول كان ذلك ل على وجه التماس الرّفق به .فيردّ إليه بعد أن يدفع قيمة ما أحدث عليه نقضا إن منه إ ّ
ن الصل في نقل أحبّ ،وإن أبى أسلم إليه نقضه مقلوعا ،ووجه التّفرقة بين البيع والتّبرّع أ ّ الملك هو البيع ،وأمّا التّبرّع فنادر بالنّسبة للبيع فضعفت دعوى مدّعيه . وإذا أقام المدّعي البيّنة أنّه اشتراها من الحائز وصادقه الحائز على ذلك إلّ أنّه ادّعى القالة بعد البيع فيصدق الحائز بيمينه قال ابن عاصم : فمع يمينه له المقالة
وإن يكن مدّعيا إقال ًة
الحيازة بين الجانب الشّركاء : - 17حكم هذه المرتبة كحكم المرتبة السّابقة في كلّ التّفصيلت ،إلّ أنّ الحيازة ل تكون مؤثّر ًة إلّ إذا كانت من النّوع الثّاني ،أعني الغرس والقلع في الشجار ،والبناء والهدم في الدّور ،وكراء الحيوان وأخذ أجرة ذلك ،أمّا لو ضعفت الحيازة فكانت بالسّكنى أو الزّراعة أو الستخدام ،فإنّ المدّعي يبقى على حقّه ولو مضت المدّة . وروي عن مطرّف أنّ الشّركاء الجانب بمنزلة غير الشّركاء ،ووهّن ابن رشد هذا القول ن إلغاء تأثير علقة الشّركة في التّسامح بعيد ،ثمّ رجّح أن يكون حكم الشراك الجنبيّين لّ حكم القرابة من غير أهل الميراث الّذين ليسوا بأشراك وهذا الختيار يبيّنه البند التّالي .
الحيازة بين القارب غير الشّركاء ،والقارب الشّركاء :
- 18الحيازة بين القارب غير الشّركاء ،والقارب الشّركاء ،حصّل ابن رشد في هاتين ن الحيازة بينهم إذا كانت بالهدم والبنيان واستمرّت عشرة المرتبتين ثلثة أقوال :الوّل :أ ّ أعوام ،فهي قاطعة لحجّة القائم . الثّاني :أنّها ل تكون حيازةً بينهم إلّ فيما جاوز الربعين سن ًة . الثّالث :التّفرقة بين القارب الشّركاء وغير الشّركاء ،فغير الشّركاء تكفي مدّة السّنوات العشر مع الهدم والبناء ،والشّركاء ل بدّ من أربعين سن ًة . والمعتمد من هذه القوال هو القول الثّاني . ي في تحليل قول خليل :وفي الشّريك القريب مع الهدم والبنيان وما يقوم مقام يقول الزّرقان ّ كلّ قولن ،أحدهما :عشر سنين ،والثّاني :زيادة على أربعين عامًا معهما وهو المعتمد . وذلك إذا لم تكن عداوة بين القارب شركاء كانوا أو ل ،أمّا إذا حصلت بينهم عداوة فحكمهم حكم الجانب السّابق .يقول ابن عاصم . والقربون حوزهم مختلف
بحسب اعتمارهم يختلف
فإن يكن بمثل سكنى الدّار
والزّرع للرض والعتمار
فهو بما يجوز الربعين
وذو تشاجر كالبعدين
ومثله ممّا إذا كان عرف البلد عدم التّسامح .ذكره ابن سلمون في وثائقه .
الحيازة بين الب وابنه : - 19بما أنّ التّسامح بين الب وابنه ممّا جرى به العرف في القطار المختلفة ،فإنّ حيازة أحدهما على الخر إن كانت من النّوع الوّل فهي غير مؤثّرة ،وللقائم منهما الحقّ في المطالبة بدون تحديد أمد ،وإن كانت من النّوع الثّاني ،أعني الهدم ،أو البناء ،أو الغرس، ل تهلك فيه ل إذا طال أمدها طو ً أو اليجار ،وقبض الجرة فل تكون الحيازة مؤثّرةً إ ّ ل منهما . البيّنات ،وينقطع العلم بحقيقة ما يدّعيه ك ّ فإذا بلغت الحيازة مثل هذا الطّول ،انقطعت حجّة المدّعي وقضي للحائز المدّعي الملكيّة - ن الشّهود -ونقل عن مختصر المتيطيّ ،أنّه ولم يحدّد الزّرقانيّ المدّة بأجل وإنّما ربطها بس ّ ن القارب ل عشرين سن ًة ،وفي محلّ أكثر من أربعين سنةً ،ثمّ استشكل ذلك بأ ّ ذكر في مح ّ بغير علقة البنوّة والبوّة تكون الحيازة بينهم بما يجاوز الربعين ،فكيف تكون بين الب وابنه دون ذلك على القول بعشرين سن ًة ،أو كيف تكون مساوي ًة على القول بأربعين . وحدّد الدّردير في شرحه على خليل أقلّ المدّة بستّين سن ًة بين البن وأبيه .
الحيازة بين الختان والصهار والموالي :
- 20ويشمل المولى العلى والسفل إذا لم تكن بينهم قرابة ،واختلف في هذه المرتبة على ل مع الطّول ثلثة أقوال كلّها لبن القاسم :الوّل :أنّهم كالقارب فل تحصل الحيازة بينهم إ ّ جدّا ،بأن تزيد مدّتها على أربعين سن ًة سواء كان التّصرّف بالهدم والبنيان أو ما يقوم مقامهما ،أو كان بالستغلل بالكراء ،أو النتفاع بنفسه بسكنى أو ازدراع . وقيل إنّهم كالجانب غير الشّركاء فيكفي في الحيازة عشر سنين مع التّصرّف مطلقا ،أي سواء كان بالهدم ،أو البناء ،أو ما يقوم مقام ك ّل منهما ،أو بالجارة أو بالستغلل بنفسه بسكنى أو ازدراع ،وقيل كالجانب الشّركاء ،فيكفي في الحيازة عشر سنين مع التّصرّف ل ،ل باستغلل أو سكنى أو ازدراع . بالهدم ،أو البناء ،وما يقوم مقام ك ّ وأمّا إذا كان بين الصهار قرابة يجري فيهم ما يجري في القارب .
الحيازة في غير العقار في المراتب الخمسة : ن الحيازة بين الجانب في المنقولت أقلّ مدّة من الرّباع والعقارات ،وأمّا - 21سبق أ ّ غيرهم فإنّ حيازة المنقولت ل تختلف عن حيازة العقارات ،يقول خليل :وإنّما تفترق الدّار ن الحيازة بين القارب ل تفترق فيها حيازة من غيرها في حيازة الجنبيّ ،ومفهوم هذا أ ّ العقار عن حيازة المنقول فل ب ّد من الزّيادة على أربعين عاما ،والرّاجح أنّ المنقول كالعروض الّتي تطول مدّتها كالنّحاس والبسط ونحوها ممّا يستعمل ،فيكفي فيها العشر سنين بخلف ما ل تطول مدّتها كالثّياب تلبس فينبغي أقلّ من ذلك بالجتهاد .
ويوضّح الزّرقانيّ ذلك بقوله :ل كثياب مع لبس فينبغي حيازته دون تلك المدّة لعدم بقائه فيها فيبعد تحديده بذلك .
التّصرّف من النّوع الثّالث : ن التّصرّف بسبب الحيازة أنواع :وأنّ أقوى النواع هو التّصرّف بالبيع والهبة - 22سبق أ ّ والصّدقة والنّحل ،وما أشبه ذلك من التّصرّفات المفوّتة عن المالك حقوق الملكيّة ،وهذا التّفويت من الحائز ل يخلو وضعه ،إمّا أن يفوت الكلّ ،أو البعض ،فإن فوّت الكلّ فله أحوال . أ -الحالة الولى :أن يفوت الحائز بالبيع بحضور المحوز عنه فيعترض على البيع فل ينفذ البيع . ب -الثّانية :أن يسكت وقت مجلس البيع بدون عذر ثمّ يقوم عقب المجلس مطالبا بحقّه فينفذ البيع ويستحقّ الثّمن ،وإن سكت حتّى مضى العام ونحوه نفذ البيع واستحقّ البائع الثّمن مع يمينه في بيان الوجه الّذي انفرد به من شراء أو مقاسمة . ج -الحالة الثّالثة :أن ل يكون حاضرا مجلس البيع فيعلم به بعد وقوعه ويقوم بمجرّد ما يبلغه الخبر فهو على حقّه ،إن شاء أنفذ البيع وأخذ الثّمن ،وإن شاء ردّ البيع . د -الحالة الرّابعة :أن ل يكون حاضرا مجلس العقد فيعلم به بعد وقوعه ول يقوم إلّ بعد ل الثّمن . العام ونحوه ،فالبيع نافذ وليس له إ ّ هس -الحالة الخامسة :أن ل يكون حاضرا ويبلغه الخبر ويسكت حتّى تمضي مدّة الحيازة فل يستحقّ شيئا . و -الحالة السّادسة :أن يقع التّفويت بالهبة أو الصّدقة ،وقد كان حاضرا مجلس التّفويت واعترض فهو على حقّه . ز -الحالة السّابعة :مثل سابقتها إلّ أنّه سكت في مجلس التّفويت ،ث ّم أبدى اعتراضه بعد ذلك فليس له شيء . ح -الحالة الثّامنة :أن يكون غائبًا عن مجلس التّفويت فيقوم بمجرّد ما يبلغه الخبر فهو على حقّه . ط -الحالة التّاسعة :أن يقوم بعد العام ونحوه فالقول للحائز .
تفويت البعض وله أحوال :
وكذلك إذا فوّت البعض له أحوال :
الحالة الولى :إذا فوّت الكثر ،فما فات حكمه على التّفصيل السّابق والقليل قد اختلف فيه، ن الق ّل يتبع الكثر يستحقّه الحائز بيمينه ،وفهم من كلم فروى يحيى عن ابن القاسم أ ّ
ن ابن القاسم ل يرى أنّ القلّ تبع للكثر ،فيكون للمحوز عليه حقّه بعد يمينه . سحنون أ ّ ن القلّ قد تمّت حيازته الحالة الثّانية :إذا فوّت القلّ فقد روي أيضا عن ابن القاسم روايتان أ ّ ن القلّ يكون تبعا للكثر ويبقى الكثر على حاله يطبّق فيه مقاييس الحيازة السّابقة ،وروي أ ّ فل يرتفع حقّ المطالبة ويأخذ المحوز عليه حقّه . وإذا فوّت النّصف فلكلّ حكمه ،ول يكون بعض ذلك تبعا للبعض .
ق الملكيّة : تأخّر الحيازة عن ثبوت ح ّ - 23إذا ملك شخص مالً بوجه شرعيّ وتأخّر حوزه له فهل يعتبر هذا الحوز مسقطا لحقّه؟ ن المدّة ل تؤثّر على الملكيّة لقوله صلى ال عليه أنّه إن أعلم وجه التّملّك وتأخّر الحوز ،فإ ّ وسلم « :ل يبطل حقّ امرئ مسلم وإن قدم » وبنا ًء على هذا فإذا عيّن لمرأة صداقها حقولًا فقبضت البعض من يد الزّوج أو والده ،وبقي قسم لم تقبضه إلى أن مات المالك الصليّ واليد للزّوج فإنّ طول المدّة ل يؤثّر في مطالبتها بحقّها وتستحقّه حتّى يعلم أنّها فوّتت ن من قام بعقد شراء من المقوم عليه أو من أبيه صداقها بمفوّت .وكذلك ما ذكره ابن الحاجّ أ ّ قبله ،وتاريخ الشّراء أكثر من عشرين سنةً ،وقال لم يعلم بشراء أبيه ول جدّه إلى الن فليحلف على ذلك ويأخذ الملك .ا هس .علّق عليه الرّهونيّ ول يعترض هذا ما ذكره من ل ذلك إذا لم يكن عقد الشّراء من المقوّم ن رسوم الشرية ل ينزع بها من يد حائز ،لنّ مح ّ أّ ن النسان قد يبيع ما ل يملك ،ولمّا كانت هذه عليه ،لنّ علّة عدم النتزاع بعقود الشربة أ ّ العلّة منتفيةً إذا كان المقوّم عليه هو البائع ،كان رسم الشّراء مؤيّدا للقائم تأييدا يوجب رفع يد الحائز ،وكذلك إذا حكم الحاكم بالحقّ ولم يحز المحكوم عليه حقّه ،فإنّ المقضيّ عليه ل ينتفع بطول الحيازة ،والقائم يكون على حقّه متى قام به .وورثة المقضيّ عليه بمنزلته ، ل مع جهل أصل الدّخول فيها ،والطّول المذكور قيل : وذلك لنّ الحيازة ل ينتفع بها إ ّ عشرون سنةً على ما وقع في سماع عيسى في كتاب القسمة ،وحدّه ابن حبيب خمسين سنةً ن محلّ ذلك إذا ادّعى الحائز بعد طول المدّة أنّه وحكاه عن مطرّف وأصبغ ودقّق ابن رشد بأ ّ ح به انتقال الملك ،وأمّا طول بقائه وحده بيده فل صار إليه بعد الحكم بوجه عيّنه ممّا يص ّ يعتبر ناقلًا للملك .
الحيازة كسبب من أسباب الملكيّة :
- 24تكون الحيازة مفيدةً للملكيّة إذا كان موضوعها المال المباح الّذي ليس في ملك أحد وقت وضع اليد عليه ،ولم يوجد مانع شرعيّ يمنع من تملّكه ويشمل أنواعا أربعةً : أ -إحياء الموات ( ر :إحياء الموات ،وأرض ) . ب -الصطياد ( ر .صيد ) .
ج -أخذ الكل ونحوه ( ر :احتشاش ،وكل ) . د -أخذ ما يوجد في باطن الرض ( ر .معادن ،ركاز ) . هذا ،وهناك مسائل أخرى تتعلّق بالحيازة ،كضرورتها في عقد الهبة ،وعدم تمام التّبرّع بدونها ،وأثرها في عقد الرّهن وتعيين المدّعي والمدّعى عليه ،وأثر شهادة السّماع على الحيازة وغيرها من المسائل الفقهيّة ،تنظر في مصطلحات ( :تبرّع ،دعوى ،رهن ، شهادة ،قبض ،هبة ) .
حيض * التّعريف : - 1الحيض لغ ًة مصدر حاض ،يقال حاض السّيل إذا فاض ،وحاضت السّمرة إذا سال صمغها ،وحاضت المرأة :سال دمها . والمرأة حيضة ،والجمع حيض ،والقياس حيضات .والحياض :دم الحيضة . والحيضة بالكسر :السم ،وخرقة الحيض ،هي الخرقة الّتي تستثفر بها المرأة . وكذلك المحيضة ،والجمع المحايض .وفي حديث بئر بضاعة « :تلقى فيها المحايض » . والمرأة حائض ،لنّه وصف خاصّ .وجاء حائضة أيضا بناءً له على حاضت ،وجمع الحائض حيّض وحوائض ،وجمع الحائضة حائضات . وتحيّضت المرأة قعدت عن الصّلة أيّام حيضها .وللحيض في الصطلح تعريفات كثيرة ، وهي متقاربة في الغالب .وفيما يلي المشهور منها في كلّ مذهب . فقد عرّفه صاحب الكنز من الحنفيّة بقوله :هو دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن داء وصغر. وقال ابن عرفة من المالكيّة :الحيض دم يلقيه رحم معتاد حملها دون ولدة . صحّة وعرّفه الشّافعيّة بأنّه :دم جبلّة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل ال ّ من غير سبب في أوقات معلومة . صحّة من غير سبب ولدة من قعر الرّحم يعتاد أنثى وقال الحنابلة :دم طبيعة يخرج مع ال ّ إذا بلغت في أوقات معلومة .وللحيض أسماء منها :الطّمث ،والعراك ،والنّفاس . أ -الطّهر :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الطّهر لغ ًة :النّقاء من الدّنس والنّجس فهو نقيض النّجاسة ونقيض الحيض والجمع أطهار .وطهرت المرأة ،وهي طاهر :انقطع عنها الدّم ورأت الطّهر ،فإذا اغتسلت قيل : تطهّرت واطّهرت .والمرأة طاهر من الحيض ،وطاهرة من النّجاسة ومن العيوب .
والطّهر شرعا خلف الحيض .قال البركويّ :الطّهر المطلق ما ل يكون حيضا ول نفاسا . ص من الطّهر في اللّغة . فالطّهر في باب الحيض أخ ّ ب -القرء : - 3القرء والقرء :الحيض ،والطّهر ،فهو من الضداد .والجمع أقراء وقروء وأقرؤ وهو في الصل اسم للوقت .قال الشّافعيّ :القرء اسم للوقت .فلمّا كان الحيض يجيء لوقت ، والطّهر يجيء لوقت ،جاز أن يكون القراء حيضا وأطهارا . والقرء عند أهل الحجاز الطّهر .وعند أهل العراق الحيض . ج -الستحاضة : - 4الستحاضة استفعال من الحيض ،وهي لغ ًة :أن يستمرّ بالمرأة خروج الدّم بعد أيّام حيضها المعتاد ،يقال :استحيضت المرأة أي استمرّ بها الدّم بعد أيّامها ،فهي مستحاضة . وشرعا :سيلن الدّم في غير أوقاته المعتادة من مرض ،وفساد من عرق يسمّى " العاذل . ي في رسالة الحيض :الستحاضة :دم ولو حكما -ليدخل اللوان -خارج من قال البركو ّ فرج داخل ل عن رحم ،قال ابن عابدين :وعلمته أن ل رائحة له ،ودم الحيض منتن الرّائحة .ويسمّون دم الستحاضة دما فاسدا ،ودم الحيض دما صحيحا . د -النّفاس : - 5النّفاس لغةً :ولدة المرأة إذا وضعت ،فهي نفساء ،ونفست المرأة ،ونفست بالكسر، نفاسا ونفاس ًة ونفاسا ولدت فهي نفساء ونفساء ونفساء . قال ثعلب :النّفساء الوالدة والحامل والحائض .يقال :نفست المرأة تنفس ،بالفتح :إذا حاضت .ومنه حديث « أمّ سلمة قالت :بينا أنا مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت ،فانسللت ،فأخذت ثياب حيضتي ،قال :أنفست ؟ أراد :أحضت ؟ » ونقل عن الصمعيّ نفست بالبناء للمفعول أيضا .قال صاحب المصباح :وليس بمشهور في الكتب في الحيض ،ول يقال في الحيض ،نفست بالبناء للمفعول . والنّفاس شرعا :هو الدّم الخارج عقب الولد .وقال المالكيّة والحنابلة :هو الدّم الخارج بسبب الولدة .قال النّوويّ :النّفاس ،عند الفقهاء الدّم الخارج بعد الولد . وأمّا أهل اللّغة فقالوا :النّفاس الولدة .فالمعنى الشّرعيّ مغاير للمعنى اللّغويّ .كما أنّ النّفاس بمعنى الحيض هو تعريف لغويّ ل شرعيّ .فالحيض والنّفاس مختلفان في المفهوم.
الحكم التّكليفيّ لتعلّم أحكام الحيض : 5م -يجب على المرأة تعلّم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض .وعلى زوجها أو وليّها أن يعلّمها ما تحتاج إليه منها إن علم ،وإلّ أذن لها بالخروج لسؤال العلماء ،ويحرم عليه منعها
إلّ أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك .ولها أن تخرج بغير إذنه إن لم يأذن لها .وهو من علم الحال المتّفق على فرضيّة تعلّمه . قال ابن نجيم :ومعرفة مسائله من أعظم المهمّات لما يترتّب عليها ممّا ل يحصى من الحكام ،كالطّهارة ،والصّلة ،وقراءة القرآن ،والصّوم والعتكاف ،والحجّ ،والبلوغ ، والوطء ،والطّلق والعدّة والستبراء وغير ذلك من الحكام .وكان من أعظم الواجبات ، ن عظم منزلة العلم بالشّيء بحسب منزلة ضرر الجهل به ،وضرر الجهل بمسائل الحيض لّ أشدّ من ضرر الجهل بغيرها فيجب العتناء بمعرفتها .
أثر الحيض على الهليّة : ن الحيض ل يعدم أهليّة الوجوب ،ول أهليّة الداء ،لعدم إخلله - 6صرّح الصوليّون بأ ّ بالذّمّة ،ول بالعقل ،والتّمييز ،وقدرة البدن .فالمرأة الحائض كاملة الهليّة ،وإن كان الشّارع قد رتّب على الحيض بعض الحكام الخاصّة الّتي تتناسب وحالة المرأة
ركن الحيض :
ن للحيض ركنا ،وهو بروز الدّم من الرّحم ،أي ظهور الدّم بأن - 7صرّح فقهاء الحنفيّة بأ ّ يخرج من الفرج الدّاخل إلى الفرج الخارج ،فلو نزل إلى الفرج الدّاخل فليس بحيض وبه يفتى .وعن محمّد يكفي الحساس به .فلو أحسّت به في رمضان قبيل الغروب ،ثمّ خرج بعده تقضي صوم اليوم عنده ،ل عند أبي حنيفة وأبي يوسف .وكذا إذا حاذى الدّم حرف الفرج الدّاخل ولم ينفصل عنه ثبت به الحيض .أمّا إذا أحسّت بنزوله ،ولم يظهر إلى حرف شدّ والحتشاء . المخرج فليس له حكم الحيض حتّى لو منعت ظهوره بال ّ وما صرّح به الحنفيّة ل يأباه فقهاء المذاهب الخرى حيث إنّهم يعرّفون الحيض بأنّه :دم ص الحنابلة على أنّه يثبت بانتقال الحيض ما يثبت بخروجه . يخرج ...لكن ن ّ
شروط الحيض : - 8ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ليس كلّ دم يخرج من المرأة يكون حيضا ،بل ل بدّ من شروط تتحقّق فيه حتّى يكون الدّم الخارج حيضا ،وتترتّب عليه أحكام الحائض ،وهذه الشّروط هي : أ -أن يكون من رحم امرأة ل داء بها .فالخارج من الدّبر ليس بحيض ،وكذا الخارج من رحم البالغة بسبب داء يقتضي خروج دم بسببه .وقد زاد الحنفيّة والحنابلة على هذا الشّرط ن الحامل عندهم ل تحيض . كلمة " ول حبل " حيث إ ّ ب -أل يكون بسبب الولدة ،فالخارج بسبب الولدة دم نفاس ل حيض .
ج -أن يتقدّمه نصاب الطّهر ولو حكما .ونصاب الطّهر مختلف فيه فهو خمسة عشر يوما عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ،وثلثة عشر يوما عند الحنابلة ،وهو أقلّ مدّة فاصلة بين حيضتين أي يجب أن تكون المرأة قبله طاهرةً خمسة عشر يوما فأكثر عند الجمهور ،وثلثة عشر يوما عند الحنابلة حتّى يعتبر الدّم بعده حيضا ،ولو كان هذا الطّهر حكميّا ،كما إذا كانت المرأة بين الحيضتين مشغول ًة بدم الستحاضة فإنّها طاهرة حكما . ن للحيض مدّ ًة ل ينقص عنها ،فإذا نقص علمنا د -ألّ ينقص الدّم عن أقلّ الحيض ،حيث إ ّ أنّه ليس بدم حيض .هذا على مذهب الجمهور ،وعند المالكيّة ل حدّ لقلّه بالزّمان ،وأقلّه دفعة بالمقدار وسيأتي تفصيل ذلك . هس -أن يكون في أوانه ،وهو تسع سنين قمريّة ،فمتى رأت دما قبل بلوغ تلك السّنّ لم ن الياس لم يكن حيضا أيضا . يكن حيضا ،وإذا رأت دما بعد س ّ
ألوان دم الحيض : - 9ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض ،لنّه الصل فيما تراه المرأة في زمن المكان ،ولنّ عائشة رضي ال عنها كان النّساء يبعثن إليها بالدّرجة ن « :ل تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء » . فيها الكرسف فيه الصّفرة والكدرة :فتقول له ّ تريد بذلك الطّهر من الحيض . وال صّفرة والكدرة :هما شيء كال صّديد .قال الرّمل يّ :وهما ليس من ألوان الدّم ،وإنّما هما كالصّديد .وقد صرّح ابن حجر الهيتميّ بأنّهما ماءان ل دمان . ن الصّفرة والكدرة ليستا بحيض ،لنّهما ليستا على لون ،ولقول أمّ وعند الشّافعيّة وجه أ ّ عطيّة « كنّا ل نعدّ الصّفرة والكدرة شيئا » وهذا قول ابن الماجشون أيضا . قال الدّسوقيّ :وجعله المازريّ والباجيّ هو المذهب . واختلف الفقهاء في الصّفرة والكدرة في غير أيّام الحيض . فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّهما ليسا بحيض في غير أيّام الحيض ،لقول أمّ عطيّة كنّا ل نعدّ الصّفرة والكدرة بعد الطّهر شيئًا .وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّهما حيض . إذا رأتهما المعتادة بعد عادتها ،فإنّها تجلس أيّامهما عند الشّافعيّة . وتستظهر بثلثة أيّام عند المالكيّة .وقد صرّح الحنفيّة بأنّ ألوان دم الحيضة ستّة ،وهي السّواد والحمرة ،والصّفرة ،والخضرة ،والكدرة ،والتّربيّة قالوا :والكدرة ما هو كالماء الكدر ،التّربيّة نوع من الكدرة على لون التّراب ،والصّفرة كصفره القزّ ،والتّبن ،والسّدر ن المعتبر حال الرّؤية ل حالة التّغيّر ،كما لو رأت بياضا فاصفرّ على الختلف ،ثمّ إ ّ
باليبس ،أو رأت حمرةً أو صفر ًة فابيضّت باليبس ،وأنكر أبو يوسف الكدرة في أوّل الحيض دون آخره ،ومنهم من أنكر الخضرة . قال ابن عابدين :والصّحيح أنّها حيض من ذوات القراء دون اليسة .وزاد المالكيّة على الصّفرة والكدرة التّربيّة -وهو الماء المتغيّر دون الصّفرة -والتّربيّة عند المالكيّة تساوي التّربيّة عند الحنفيّة ،حيث إنّهم وصفوا التّربيّة بأنّها دم فيه غبرة تشبه لون التّراب .
مدّة الحيض : السّنّ الّتي تحيض فيها المرأة :
ن تحيض له المرأة تسع سنين قمريّة ،لنّه لم يثبت - 10ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أقلّ س ّ ن ما ورد في الشّرع ول ضابط له شرعيّا ول في الوجود والعادة لنثى حيض قبلها ،ول ّ لغويّا يتبع فيه الوجود ،قال الشّافعيّ :أعجل من سمعت من النّساء تحيض نساء تهامة ، يحضن لتسع سنين -هكذا سمعت -ورأيت جدّ ًة لها إحدى وعشرون سنةً .ول فرق في ذلك بين البلد الحارّة والبلد الباردة . ن الفقهاء قد اختلفوا في أنّه هل العبرة بأوّل التّاسعة ،أو وسطها ،أو آخرها . ثمّ إ ّ ن المعتبر في التّسع التّقريب ل التّحديد ،فيغتفر قبل تمامها بما ل يسع فذهب الشّافعيّة إلى أ ّ ي في زمن حيضا وطهرا دون ما يسعهما .فيكون الدّم المرئيّ فيه حيضا .بخلف المرئ ّ يسعهما .أي إن رأت الدّم قبل تمام التّسع بأقلّ من ستّة عشر يوما بلياليها فهو حيض ،وإن رأته قبل تمام التّسع بستّة عشر يومًا بلياليها أو أكثر فهو ليس بحيض . وعند الشّافعيّة قول بدخول التّاسعة ،وآخر بمضيّ نصفها . وذهب الحنابلة إلى أنّ العبرة بتمام تسع سنين .فإن رأت من الدّم ما يصلح أن يكون حيضًا ن حكم بكونه حيضًا .وثبتت في حقّها أحكام الحيض كلّها . وقد بلغت هذه السّ ّ قالت عائشة رضي ال عنها « :إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة » « .وروي مرفوعا من رواية ابن عمر » . وهناك أقوال أخرى في أقلّ سنّ تحيض له المرأة فقيل ستّ ،وقيل سبع .وقيل اثنتا عشرة . ل إذا كان في أوان البلوغ بمقدّمات وأمارات من نفور الثّدي وق يل ل يح كم للدّم بأنّه ح يض إ ّ ونبات شعر العانة ،وشعر البط وشبهه .وكلّها أقوال ضعيفة . ن الياس ،وتسمّى المرأة ن تحيض فيه المرأة -ويسمّى بس ّ كما اختلف الفقهاء في أكبر س ّ آيسةً -فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه ل يحدّ بمدّة .
ن وانقطع ن ما ل تحيض مثلها فيه ،فإذا بلغت هذه السّ ّ قال الحنفيّة :بل هو أن تبلغ من السّ ّ دمها حكم بإياسها .فإذا لم تبلغها وانقطع دمها ،أو بلغتها والدّم يأتيها على العادة فليست بآيسة ،لنّه حينئذ ظاهر في أنّه ذلك المعتاد ،وعود العادة يبطل الياسة . وقد فسّر بعضهم هذا بأنّه تراه سائلً كثيرا احترازا عمّا إذا رأت بّلةً يسيرةً ونحوها . وقيّدوه بأن يكون أحمر ،أو أسود ،فلو كان أصفر أو أخضر أو تربيّ ًة ل يكون حيضا . وبعضهم قال :إنّها إذا كانت عادتها قبل الياس أن يكون دمها أصفر فرأته كذلك ،أو علقا ن الياس فرأته كذلك كان حيضا .واستظهر ابن عابدين هذا القول .وحدّ التّمرتاشيّ س ّ بخمسين سنةً ،وقال :وعليه المعوّل . وقال الحصكفيّ :وعليه الفتوى في زماننا .وحدّه كثير منهم بخمس وخمسين سنةً . وقد صرّح الحنفيّة بأنّ المرأة إذا رأت الدّم الخالص بعد تلك المدّة فإنّه حيض ،وكذا لو لم يكن خالصًا وكانت عادتها كذلك .وقال الشّافعيّة وابن تيميّة من الحنابلة :ل حدّ لخر سنّ الحيض بل هو ممكن ما دامت المرأة حّيةً .وقال المحامليّ :آخره ستّون سنةً . قال الرّمليّ :ول منافاة بين القول بأنّه ل حدّ لخره ،والقول بتحديده باثنتين وستّين سن ًة لنّه باعتبار الغالب حتّى ل يعتبر النّقص عنه . وعند المالكيّة أقوال لخصّها العدويّ بقوله :بنت سبعين سن ًة ليس دمها بحيض ،وبنت ل فل ،والمراهقة وما خمسين يسأل النّساء ،فإن جزمن بأنّه حيض أو شككن فهو حيض وإ ّ بعدها للخمسين يجزم بأنّه حيض ول سؤال ،والمرجع في ذلك العرف والعادة . ن تحيض فيه المرأة خمسون سنةً ،لقول عائشة رضي ال وذهب الحنابلة إلى أنّ أكثر س ّ عنها " :إذا بلغت المرأة خمسين سنةً خرجت من حدّ الحيض " وقالت أيضا " :لن ترى في بطنها ولدا بعد الخمسين " .وجاء في النصاف نقلً عن المغني في العدد :وإن رأت الدّم بعد الخمسين على العادة الّتي كانت تراه فيها فهو حيض في الصّحيح .وينظر مصطلح ( إياس ).
فترة الحيض : ل فترة الحيض وأكثرها . - 11اختلف الفقهاء في أق ّ ن أقلّ الحيض ثلثة أيّام بلياليها -وقدّروها باثنتين وسبعين ساعةً ، فذهب الحنفيّة إلى أ ّ وأكثره عشرة أيّام بلياليها .قال ابن عابدين :وقد روي ذلك عن ستّة من الصّحابة بطرق متعدّدة فيها مقال يرتفع بها الضّعيف إلى الحسن .وقال الكمال بن الهمام :والمقدّرات الشّرعيّة ممّا ل تدرك بالرّأي ،فالموقوف فيها حكمه الرّفع . وذهب المالكيّة إلى أنّه ل حدّ لقلّه بالزّمان ،ولذلك بيّنوا أقلّه في المقدار وهو دفعة ،قالوا : وهذا بالنّسبة إلى العبادة ،وأمّا في العدّة والستبراء فل ب ّد من يوم أو بعضه .
وأمّا أكثره فإنّه يختلف عندهم بوجود الحمل وعدمه .فأكثر الحيض لغير الحامل خمسة عشر يوما سواء كانت مبتدأ ًة أو معتادةً ،غير أنّ المعتادة -وهي الّتي سبق لها حيض ولو مرّةً - تستظهر ثلثة أيّام على أكثر عادتها إن تمادى بها .فإذا اعتادت خمس ًة ثمّ تمادى مكثت ثماني ًة ،فإن تمادى في المرّة الثّالثة مكثت أحد عشر .فإن تمادى في الرّابعة مكثت أربعة عشر ،فإن تمادى في مرّة أخرى مكثت يوما ول تزيد على الخمسة عشر . وأمّا الحامل -وهي عندهم تحيض -فأكثر حيضها يختلف باختلف الشهر سواء كانت مبتدأ ًة أو معتادةً . قال مالك :ليس أوّل الحمل كآخره ،ولذلك كثرت الدّماء بكثرة أشهر الحمل . فإذا حاضت الحامل في الشّهر الثّالث من حملها ،أو الرّابع ،أو الخامس واستمرّ الدّم نازلً عليها كان أكثر الحيض في حقّها عشرين يوما ،وما زاد على ذلك فهو دم علّة وفساد . وإذا حاضت في الشّهر السّابع من حملها ،أو الثّامن ،أو التّاسع منه واستمرّ الدّم نازلً عليها كان أكثر الحيض في حقّها ثلثين يوما .وأمّا إذا حاضت في الشّهر السّادس فحكمه حكم ما بعده من الشهر ل ما قبله وعلى هذا جميع شيوخ أفريقيّة وهو المعتمد .وظاهر المدوّنة أنّ حكمه حكم ما قبله وهو خلف المعتمد . وإذا حاضت في الشّهر الوّل أو الثّاني فهي كالمعتادة غير الحامل تمكث عادتها ، والستظهار وهو قول مالك المرجوع إليه وهو الرّاجح . قال ابن يونس :الّذي ينبغي على قول مالك الّذي رجع إليه أن تجلس في الشّهر والشّهرين ن الحمل ل يظهر في شهر ول في شهرين فهي محمولة على أنّها قدر أيّامها والستظهار ،ل ّ حائل حتّى يظهر الحمل ول يظهر إلّ في ثلثة أشهر . والقول الثّاني هو أنّ حكم الحيض في الشّهر الوّل والثّاني حكم ما بعده أي الشّهر الثّالث وهو قول مالك المرجوع عنه . ن أقلّ الحيض يوم وليلة لقول عليّ رضي ال عنه :وأقلّ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ ن الشّرع علّق على الحيض أحكاما ،ولم يبيّنه فعلم أنّه ردّه إلى العرف الحيض يوم وليلة ول ّ كالقبض والحرز ،وقد وجد حيض معتاد يومًا ،ولم يوجد أقلّ منه قال عطاء :رأيت من تحيض يوما .وقال الشّافعيّ :رأيت امرأ ًة قالت :إنّها لم تزل تحيض يوما ل تزيد . وقال أبو عبد اللّه الزّبيريّ :كان في نسائنا من تحيض يوما أي بليلته ،لنّه المفهوم من إطلق اليوم ،وهما أربع وعشرون ساعةً . ن ،لقول عليّ رضي ال عنه :ما زاد على الخمسة عشر وأكثره خمسة عشر يوما بلياليه ّ استحاضة ،وأقلّ الحيض يوم وليلة .وقال عطاء " :رأيت من تحيض خمسة عشر يوما "
ويؤيّده ما رواه عبد الرّحمن بن أبي حاتم في سننه عن ابن عمر مرفوعا « :النّساء ناقصات ن ؟ قال :تمكث إحداهنّ شطر عمرها ل تصلّي » . عقل ودين .قيل ما نقصان دينه ّ ن غالب الحيض ستّ أو سبع « ،لقول النّبيّ صلى ال ص الشّافعيّة والحنابلة على أ ّ وقد ن ّ عليه وسلم لحمنة بنت جحش لمّا سألته تحيضي ستّة أيّام ،أو سبعة أيّام في علم اللّه ،ثمّ اغتسلي ،فإذا رأيت أن قد طهرت واستنقأت فصلّي أربعا وعشرين ليل ًة ،أو ثلثا وعشرين ن ذلك يجزئك ،وكذلك فافعلي كما تحيض النّساء وكما ليلةً وأيّامها ،وصومي وصلّي ،فإ ّ ن». يطهرن لميقات حيضهنّ وطهره ّ
أحوال الحائض : - 12الحائض إمّا أن تكون مبتدأةً ،أو معتادةً ،أو متحيّرةً . فالمبتدأة :هي من كانت في أوّل حيض أو نفاس ،أو هي الّتي لم يتقدّم لها حيض قبل ذلك . والمعتادة :عند الحنفيّة هي من سبق منها دم وطهر صحيحان أو أحدهما . وقال المالكيّة :هي الّتي سبق لها حيض ولو مرّةً . وهي عند الشّافعيّة من سبق لها حيض وطهر وهي تعلمهما قدرا ووقتا .ومذهب الحنابلة أنّ ل شهر مرّ ًة -ول يشترطون فيها التّوالي . العادة ل تثبت إلّ في ثلثة أشهر -في ك ّ والمتحيّرة :من نسيت عادتها عددا أو مكانا .وقال الشّافعيّة :هي المستحاضة غير المميّزة النّاسية للعادة .وتسمّى الضّالّة والمضلّة والمحيّرة أيضا بالكسر لنّها حيّرت الفقيه .
أ -المبتدأة :
- 13إذا رأت المبتدأة الدّم وكان في زمن إمكان الحيض -أي في سنّ تسع سنوات فأكثر - ولم يكن الدّم ناقصًا عن أقلّ الحيض ول زائدًا على أكثره -على خلف بين الفقهاء في أقلّ ن دم الحيض جبلّة الحيض وأكثره كما سبق -فإنّه دم حيض ،ويلزمها أحكام الحائض ،ل ّ وعادة ،ودم الستحاضة لعارض من مرض ونحوه ،والصل عدمه . وسواء أكان ما رأته دما أسود أم ل ،ولو كان صفرةً وكدرةً فإنّه حيض ،لنّه الصل فيما تراه المرأة في زمن المكان ،ولقول عائشة رضي ال عنها لمّا كانت النّساء يبعثن إليها بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصّفرة من دم الحيض :ل تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء تريد بذلك الطّهر من الحيضة . ل الحيض فليس بحيض لعدم صلحيّته له ،بل هو دم فساد . فإذا انقطع الدّم لدون أق ّ ل ،بحسب انقطاع الدّم واستمراره . ن للمبتدأة أحوا ً ثمّ إ ّ
الحالة الولى :انقطاع الدّم لتمام أكثر الحيض فما دون :
- 14إذا انقطع الدّم دون أكثر الحيض أو لكثره ولم يجاوز ورأت الطّهر ،طهرت ،ويكون الدّم بين أوّل ما تراه إلى رؤية الطّهر حيضا ،يجب عليها خلله ما يجب على الحائض ، وهو ما ذهب إليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . وذهب الحنابلة إلى أنّ الدّم إن جاوز أقلّ الحيض ولم يعبر أكثره ،فإنّ المبتدأة ل تجلس المجاوز لنّه مشكوك فيه ،بل تغتسل عقب أقلّ الحيض وتصوم وتصلّي فيما جاوزه ،لنّ المانع منهما هو الحيض وقد حكم بانقطاعه ،وهو آخر الحيض حكما ،أشبه آخره حسّا . ن الظّاهر أنّه وقد صرّحوا بحرمة وطئها في الزّمن المجاوز لقلّ الحيض قبل تكراره ،ل ّ حيض ،وإنّما أمرت بالعبادة احتياطا لبراءة ذمّتها ،فتعيّن ترك وطئها احتياطا .ثمّ إنّه متى انقطع الدّم يومًا فأكثر أو أقلّ قبل مجاوزة أكثر الحيض ،اغتسلت عند انقطاعه ،لحتمال أن ل بالغسل ثمّ حكمها حكم الطّاهرات ،فإن عاد الدّم يكون آخر حيضها ،ول تطهر بيقين إ ّ فكما لو لم ينقطع على ما تقدّم تفصيله .هذا هو ظاهر المذهب عند الحنابلة وهو المعتمد . وعندهم رواية توافق ما ذهب إليه الجمهور .
الحالة الثّانية :استمرار الدّم وعبوره أكثر مدّة الحيض : - 15اختلف الفقهاء فيما إذا استم ّر دم المبتدأة وجاوز أكثر الحيض ،فذهب الحنفيّة والمالكيّة ن حيضها أكثر فترة الحيض وطهرها ما جاوزه .فمذهب الحنفيّة أنّ حيضها في كلّ إلى أ ّ شهر عشرة ،وطهرها عشرون .قالوا :لنّ هذا دم في أيّام الحيض وأمكن جعله حيضًا فيجعل حيضًا .وما زاد على العشرة يكون استحاضةً لنّه ل مزيد للحيض على العشرة ، ل شهر .هذا مذهب الحنفيّة في الجملة .وقد ذكر البركويّ للمبتدأة الّتي استمرّ وهكذا في ك ّ دمها أربعة وجوه سبق تفصيلها في مصطلح ( استحاضة ) من الموسوعة ( . ) 198/ 3 والمشهور عند المالكيّة أنّها تمكث خمسة عشر يوما -أكثر فترة الحيض عندهم -أخذًا بالحوط ثمّ هي مستحاضة .وتفصيل أحكام استمرار الدّم في ( استحاضة ) من الموسوعة ( 200 / 3وما بعدها ) .
ب -المعتادة :ثبوت العادة :
ح عند الشّافعيّة -إلى أنّ العادة - 16ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والمالكيّة وهو الص ّ تثبت بمرّة في المبتدأة ،لحديث أ ّم سلمة رضي ال عنها « أنّ امرأ ًة كانت تهراق الدّم على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فاستفتيت لها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال : ن من الشّهر قبل أن يصيبها الّذي أصابها ، لتنظر عدد اليّام واللّيالي الّتي كانت تحيضه ّ فلتدع الصّلة قدر ذلك من الشّهر ،فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل ثمّ لتستثفر بثوب ثمّ لتصلّ فيه ». ن الظّاهر أنّها فيه كالّذي يليه فالحديث قد دلّ على اعتبار الشّهر الّذي قبل الستحاضة ،ول ّ
لقربه إليها فهو أولى ممّا انقضى .واستدلّ المالكيّة على ذلك بقوله تعالى { كما بدأكم تعودون } حيث شبّه العود بالبدء فيفيد إطلق العود على ما فعل مرّةً واحد ًة . ل بثلث مرّات في كلّ شهر مرّة ،وهو قول عند الشّافعيّة وذهب الحنابلة إلى أنّها ل تثبت إ ّ لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « دعي الصّلة قدر اليّام الّتي كنت تحيضين فيها » وهي ن ما اعتبر له التّكرار اعتبر فيه الثّلث كالقراء والشّهور في صيغة جمع وأقلّه ثلث ،ول ّ ن العادة مأخوذة من المعاودة ول تحصل عدّة الحرّة ،وخيار المصرّاة ،ومهلة المرتدّ .ول ّ ن الدّم عندهم إمّا أن يأتي في الثّلث متساويا أو مختلفا . المعاودة بمرّة واحدة .ثمّ إ ّ فإن كان الدّم في الثّلث متساويا ابتداءً وانتهاءً ،ولم يختلف تيقّن أنّه حيض وصار عادةً . وإن كان الدّم على أعداد مختلفة فما تكون منه ثلثا صار عادةً لها دون ما لم يتكرّر مرتّبا ، كان كخمسة في أوّل شهر ،وستّة في شهر ثان ،وسبعة في شهر ثالث ،فتجلس الخمسة لتكرارها ثلثا ،كما لو لم يختلف .أو غير مرتّب كأن ترى في الشّهر الوّل خمسةً ،وفي الشّهر الثّاني أربعةً ،وفي الشّهر الثّالث ستّةً ،فتجلس الربعة لتكرّرها . ح عند الشّافعيّة أنّها تثبت بمرّتين . وفي رواية عن أحمد وهو مقابل الص ّ ن نقص العادة ل يحتاج إلى تكرار ،لنّه رجوع إلى الصل وهو ص الحنابلة على أ ّ وقد ن ّ العدم .فلو نقصت عادتها ث ّم استحيضت بعده .فإن كانت عادتها عشرة أيّام فرأت الدّم سبعةً ثمّ استحيضت في الشّهر الخر جلست السّبعة لنّها الّتي استقرّت عليها عادتها . واختلف الحنفيّة في المعتادة إذا رأت ما يخالف عادتها مرّةً واحدةً ،هل يصير ذلك المخالف عاد ًة لها أم ل بدّ من تكراره ؟ فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يصير ذلك عادةً بمرّة ل بتكراره . واحدة .وذهب محمّد إلى أنّه ل يصير عاد ًة إ ّ بيان ذلك لو كانت عادتها خمسةً من أوّل الشّهر فرأت ستّةً فهي حيض اتّفاقا ،لكن عندهما يصير ذلك عادةً ،فإذا استمرّ بها الدّم في الشّهر الثّاني تردّ إلى آخر ما رأت ،وعند محمّد ستّة مرّتين تردّ إليها عند الستمرار اتّفاقا . تردّ إلى العادة القديمة .ولو رأت ال ّ والخلف في العادة الصليّة وهي أن ترى دمين متّفقين وطهرين متّفقين على الولء أو أكثر ل الجعليّة .أمّا الجعليّة فإنّها تنتقض برؤية المخالف مرّةً بالتّفاق .وصورة الجعليّة أن ترى أطهارًا مختلفةً ،ودماءً مختلفةً فتبني على أوسط العداد على قول محمّد بن إبراهيم .وعلى القلّ من المرّتين الخيرتين على قول أبي عثمان سعيد بن مزاحم .
أحوال المعتادة : المعتادة إمّا أن ترى من الدّم ما يوافق عادتها .أو ينقطع الدّم دون عادتها ،أو يجاوز عادتها .
موافقة الدّم للعادة : - 17اتّفق الفقهاء على أنّه إذا رأت المعتادة ما يوافق عادتها بأن انقطع دمها ولم ينقص أو يزد على عادتها ،فأيّام الدّم حيض وما بعدها طهر . فإن كانت عادتها خمسة أيّام حيضًا .وخمسةً وعشرين طهرا ورأت ما يوافق ذلك ،فحيضها خمسة أيّام ،وطهرها خمسة وعشرون كعادتها .
انقطاع الدّم دون العادة :
- 18اتّفق الفقهاء على أنّه إذا انقطع دم المعتادة دون عادتها ،فإنّها تطهر بذلك ول تتمّم عادتها ،بشرط أن ل يكون انقطاع الدّم دون أقلّ الحيض .ومنع الحنفيّة وطأها حينئذ حتّى تمضي عادتها وإن اغتسلت .قالوا :لنّ العود في العادة غالب فكان الحتياط في الجتناب .ومذهب الجمهور أنّه يجوز وطؤها . وقد صرّح الحنابلة بعدم كراهته كسائر الطّاهرات ومتى كان انقطاع الدّم دون أقلّ الحيض - على الخلف المتقدّم فيه -فليس ذلك الدّم بحيض في حقّها لتبيّن أنّه دم فساد ل حيض ومن ثمّ فإنّها تقضي الصّلة والصّوم . وقد صرّح الحنفيّة بأنّها تصلّي كلّما انقطع الدّم ،لكن تنتظر إلى آخر الوقت المستحبّ وجوبًا فإن لم يعد في الوقت تتوضّأ فتصلّي وكذا تصوم إن انقطع ليلً ،فإن عاد في الوقت أو بعده في العشرة اليّام بعد الحكم بطهارتها فتقعد عن الصّوم والصّلة . والفرق عندهم بين انقطاع الدّم قبل العادة وبعد الثّلث -وهو أقلّ الحيض عندهم - وانقطاعه قبل الثّلث أنّها تصلّي ،بالغسل كلّما انقطع قبل العادة وبعد الثّلث ل بالوضوء . لنّه تحقّق كونها حائضًا برؤية الدّم ثلث ًة فأكثر ،بخلف انقطاعه قبل الثّلث ،فإنّها تصلّي ن الدّم دم فساد ل دم حيض . بالوضوء لنّه تبيّن أ ّ وإن عاد الدّم بعد انقطاعه ،فمذهب الحنفيّة أنّه يبطل الحكم بطهارتها بشرط أن يعود في مدّة أكثر الحيض -عشرة أيّام -ولم يتجاوزها . وأن تبقى بعد ذلك طاهرا أقلّ الطّهر -خمسة عشر يوما -فلو تجاوز أكثر الحيض أو نقص الطّهر عن ذلك فحيضها أيّام عادتها فقط .ولو اعتادت في الحيض يوما دما ويوما طهرا هكذا إلى العشرة ،فإذا رأت الدّم في اليوم الوّل تترك الصّلة والصّوم . وإذا طهرت في الثّاني توضّأت وصلّت وفي الثّالث تترك الصّلة والصّوم .وفي الرّابع تغتسل وتصلّي وهكذا إلى العشرة . ومذهب المالكيّة فيما لو عاد الدّم بعد انقطاعه ،فإن كان مقدار النقطاع ل يبلغ أقلّ الطّهر ألغي ولم يحتسب به ،وأضيف الدّم الوّل إلى الثّاني ،وجعل حيضةً منقطع ًة تغتسل منها
المرأة عند إدبار الدّم وإقبال الطّهر ،يومًا كان أو أكثر ،وتصلّي فإذا عاد الدّم إليها كفّت عن الصّلة وضمّته إلى أيّام دمها ،وعدّته من حيضتها . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا عاد الدّم بعد النّقاء ،فالكلّ حيض -الدّم والنّقاء -بشروط : وهي أن ل يجاوز ذلك خمسة عشر يوما ،ولم تنقص الدّماء من أقلّ الحيض ،وأن يكون النّقاء محتوشا بين دمي الحيض .وهذا القول يسمّى عندهم قول السّحب وهو المعتمد . ل على الحيض وجب أن يدلّ النّقاء ن الدّم إذا د ّ ن النّقاء طهر ،ل ّ والقول الثّاني عندهم هو أ ّ ل التّلفيق عندهم في الصّلة على الطّهر ويسمّى هذا القول قول اللّقط وقول التّلفيق .ومح ّ والصّوم ونحوهما بخلف العدّة ،فل يجعل النّقاء طهرا في انقضاء العدّة بإجماعهم . وذهب الحنابلة إلى أنّها إن طهرت في أثناء عادتها طهرا خالصا ولو أقلّ مدّة فهي طاهر تغتسل وتصلّي وتفعل ما تفعله الطّاهرات ،ول يكره وطء الزّوج لها بعد الغتسال ،فإن عاودها الدّم في أثناء العادة ولم يجاوزها ،فإنّها تجلس زمن الدّم من العادة كما لو لم ينقطع، لنّه صادف زمن العادة .
مجاوزة الدّم للعادة : - 19اختلف الفقهاء فيما إذا جاوز دم المعتادة عادتها . فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا رأت المعتادة ما يخالف عادتها ،فإمّا أن تنتقل عادتها أو ل ،فإن لم تنتقل ردّت إلى عادتها ،فيجعل المرئيّ فيها حيضًا وما جاوز العادة استحاضةً ،وإن انتقلت فالكلّ حيض -وسيأتي تفصيل قاعدة انتقال العادة -فإذا استمرّ دم المعتادة وزاد على أكثر الحيض فطهرها وحيضها ما اعتادت فتردّ إليها فيهما في جميع الحكام إن كان طهرها ن الطّهر أقلّ من ستّة أشهر ،فإن كان طهرها ستّة أشهر فأكثر فإنّه ل يقدّر حينئذ بذلك ،ل ّ بين الدّمين أقلّ من أدنى مدّة الحمل عاد ًة فيردّ إلى ستّة أشهر إلّ ساعةً تحقيقا للتّفاوت بين طهر الحيض وطهر الحمل وحيضها بحاله . وهذا قول محمّد بن إبراهيم الميدانيّ .قال في العناية وغيرها :وعليه الكثر . وفي التتارخانية :وعليه العتماد ،وهناك قول عن محمّد أنّه مقدّر بشهرين واختاره الحاكم. قال صاحب العناية :قيل والفتوى على قول الحاكم واخترنا قول الميدانيّ لقوّة قوله روايةً ن ما اختاره الحاكم الشّهيد عليه الفتوى ،لنّه أيسر على المفتي ودرايةً .قال ابن عابدين :إ ّ والنّساء ومشى عليه في ال ّدرّ المختار . وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا تمادى دم الحيض على المعتادة ،فإنّها تستظهر ثلثة أيّام من أيّام الدّم الزّائد على أكثر عادتها ،ثمّ هي طاهر بشرط أن ل تجاوز خمسة عشر يوما ،فإذا اعتادت خمسة أيّام أ ّولً ،ث ّم تمادى ،مكثت ثمانيةً ،فإن تمادى في المرّة الثّالثة مكثت أحد
عشر ،فإن تمادى في الرّابعة مكثت أربعة عشر .فإن تمادى في مرّة أخرى فل تزيد على الخمسة عشر .ومن كانت عادتها ثلثة عشر فتستظهر يومين .ومن عادتها خمسة عشر فل استظهار عليها ،وقاعدة ذلك أنّ الّتي أيّام عادتها اثنا عشر يومًا فدون ذلك تستظهر بثلثة أيّام وثلثة عشر بيومين ،وأربعة عشر بيوم ،وخمسة عشر ل تستظهر بشيء .وأمّا الّتي عادتها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيّام وفي آخر أقلّ أو أكثر إذا تمادى بها الدّم فإنّها تستظهر على أكثر أيّامها على المشهور . وقال ابن حبيب تستظهر على أقلّ العادة .وأيّام الستظهار كأيّام الحيض ،والدّم بعد الستظهار فيما بين عادتها ونصف شهر استحاضة . وتغتسل بعد الستظهار وتصلّي وتصوم وتوطأ وإن كان ذلك قبل الخمسة عشر يوما . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن جاوز الدّم عادتها ولم يعبر أكثر الحيض فالجميع حيض ،لنّ الصل استمرار الحيض . والمذهب عند الحنابلة أنّها ل تلتفت إلى ما خرج عن عادتها قبل تكرّره ،فما تكرّر من ذلك ثلثًا أو مرّتين على اختلف في ذلك فهو حيض ،وإلّ فل ،فتصوم وتصلّي قبل التّكرار . وتغتسل عند انقطاعه ثانيا .فإذا تكرّر ثلثا أو مرّتين صار عادةً فتعيد ما صامته ونحوه من فرض .ويرى ابن قدامة أنّها تصير إليه من غير تكرار « لقول عائشة رضي ال عنها ن الشّارع ردّ النّاس إلى العرف في مثل للنّساء :ل تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء » ،ول ّ هذه الحالة والعرف بين النّساء أنّ المرأة متى رأت دما يصلح لن يكون حيضا اعتقدته حيضا ،وإن عبر الدّم أكثر الحيض فهو استحاضة .وقد سبق تفصيل أحكامها في مصطلح استحاضة .
مذهب الحنفيّة في انتقال العادة : - 20إذا رأت المعتادة ما يخالف عادتها في الحيض .فإذا لم يجاوز الدّم العشرة اليّام ، ل حيض ،وانتقلت العادة عددا فقط إن طهرت بعده طهرا صحيحا خمسة عشر يوما ، فالك ّ وإن جاوز العشرة اليّام ردّت إلى عادتها ،لنّه صار كالدّم المتوالي . وهذا فيما إذا لم تتساو العادة والمخالفة حيث يصير الثّاني عادةً لها .فإن تساوت العادة والمخالفة فالعدد بحاله ،سواء رأت نصابا " ثلثة أيّام " في أيّام عادتها ،أو قبلها ،أو بعدها ،أو بعضه في أيّامها ،وبعضه قبلها أو بعدها ،لكن إن وافق زمانا وعددا فل انتقال ل فالنتقال ثابت على حسب المخالف . أصلً .وإ ّ فإذا جاوز الدّم العشرة ووقع نصاب في زمان العادة .فالواقع في زمان العادة فقط حيض والباقي استحاضة .ثمّ إنّه متى كان الواقع في زمان العادة مساويا لعادتها عددا ،فالعادة باقية
في حقّ العدد والزّمان معا .فإن لم يكن مساويا لعادتها انتقلت العادة عددا إلى ما رأته ناقصا .وإنّما قيّد بالنّاقص لنّه ل احتمال لكون الواقع في العادة زائدا عليها . وإذا جاوز الدّم العشرة ولم يقع في زمان العادة نصاب بأن لم تر شيئا ،أو رأت أقلّ من ثلثة أيّام انتقلت العادة زمانًا ،والعدد بحاله يعتبر من أوّل ما رأت .
انتقال العادة عند غير الحنفيّة : - 21صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ العادة قد تنتقل ،فتتقدّم أو تتأخّر ،أو يزيد قدر الحيض أو ينقص .ومن أمثلة انتقال العادة عند المالكيّة ما إذا تمادى دم المعتادة وزاد على عادتها فإنّها تستظهر بثلثة أيّام على عادتها ،ويصير الستظهار عاد ًة لها . وقد ذكر الشّافعيّة أمثلةً كثيرةً على انتقال العادة ،نذكر منها ما يلي :إذا كانت عادتها اليّام الخمسة الثّانية من الشّهر ،فرأت في بعض الشّهور ،اليّام الخمسة الولى دما وانقطع ،فقد تقدّمت عادتها ،ولم يزد حيضها ،ولم ينقص ولكن نقص طهرها فصار عشرين بعد أن كان خمسةً وعشرين .وإن رأته في الخمسة الثّالثة ،أو الرّابعة ،أو الخامسة أو السّادسة ،فقد تأخّرت عادتها ،ولم يزد حيضها ،ولم ينقص ،ولكن زاد طهرها . وإن رأته في الخمسة الثّانية مع الثّالثة فقد زاد حيضها ،وتأخّرت عادتها . وإن رأته في الخمسة الولى والثّانية ،فقد زاد حيضها وتقدّمت عادتها .وإن رأته في الخمسة الولى والثّانية والثّالثة فقد زاد حيضها ،فصار خمسة عشر وتقدّمت عادتها وتأخّرت .وإن رأته في أربعة أيّام أو ثلثة ،أو يومين ،أو يوم من الخمسة المعتادة ،فقد نقص حيضها ولم تنتقل عادتها .وإن رأته في يوم أو يومين ،أو ثلثة ،أو أربعة من الخمسة الولى فقد نقص حيضها وتقدّمت عادتها .وإن رأت ذلك في الخمسة الثّالثة ،أو الرّابعة ،أو ما بعد ذلك فقد نقص حيضها وتأخّرت عادتها . والمثلة الّتي ذكرها الحنابلة في انتقال العادة ل تخرج عن المثلة الّتي ذكرها الشّافعيّة . وقد صرّح الشّافعيّة بأنّ العمل بالعادة المنتقلة متّفق عليه في الجملة عندهم ،وانتقال العادة يثبت بمرّة في الصحّ .وهذا إن كانت متّفق ًة غير مختلفة . وذهب الحنابلة إلى أنّ المرأة إذا كانت لها عادة مستقرّة في الحيض ،فرأت الدّم في غير عادتها لم تعتبر ما خرج عن العادة حيضًا حتّى يتكرّر ثلثًا في أكثر الرّوايات ،أو مرّتين في رواية .وسواء رأت الدّم قبل عادتها أو بعدها ،مع بقاء العادة ،أو انقطاع الدّم فيها ،أو في بعضها ،فإنّها ل تجلس في غير أيّامها حتّى يتكرّر مرّتين أو ثلثا ،فإذا تكرّر علمنا أنّه حيض متنقّل فتصير إليه ،أي تترك الصّلة والصّوم فيه ،ويصير عاد ًة لها ،وتترك العادة الولى .ويجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في هذه المرّات الثّلث الّتي أمرناها
بالصّيام فيها ،لنّنا تب ّينّا أنّها صامته في حيض ،والصّوم في الحيض غير صحيح .ول تقضي الصّلة .وقيل :ل حاجة إلى التّكرار ،وتنتقل بمجرّد رؤيتها دمًا يصلح أن يكون حيضا .فعليه :تجلس ما تراه من الدّم قبل عادتها وبعدها ما لم يزد عن أكثر الحيض ، ل حال فإن تجاوزت الزّيادة أكثر الحيض فهي استحاضة ورجّحه صاحب المغني .وعلى ك ّ ونردّها إلى عادتها ،ويلزمها قضاء ما تركته من الصّلة والصّيام فيما زاد عن عادتها .وإن كانت لها عادة فرأت الدّم أكثر منها وجاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة ،وحيضها منه قدر العادة ل غير .ول تجلس بعد ذلك من الشّهور المستقبلة إلّ قدر العادة بل خلف عند من اعتبر العادة .
أنواع العادة : - 22العادة ضربان :متّفقة ،ومختلفة .فالمتّفقة ما كانت أيّاما متساويةً ،كسبعة من كلّ شهر ،فهذه تجلس أيّام عادتها ول تلتفت إلى ما زاد عليها . والمختلفة هي ما كانت أيّاما مختلفةً ،وهي قسمان مرتّبة ،بأن ترى في شهر ثلثةً ،وفي الثّاني أربعة ،وفي الثّالث خمس ًة ،ثمّ تعود إلى مثل ذلك .فهذه ،إذا استحيضت في شهر وعرفت نوبته عملت عليه .وإن نسيت نوبته جلست القلّ ،وهو ثلثة لنّه المتيقّن . وغير مرتّبة :بأن تتقدّم هذه مرّةً ،وهذه أخرى كأن تحيض في شهر ثلث ًة ،وفي الثّاني خمسةً ،وفي الثّالث أربع ًة .فإن أمكن ضبطه بحيث ل يختلف هو ،فالّتي قبلها ،وإن لم يمكن ضبطه ردّت إلى ما قبل شهر الستحاضة عند الشّافعيّة بنا ًء على ثبوت العادة بمرّة . ل شهر . وعند الحنابلة تجلس القلّ في ك ّ
وتلفيق الحيض :
- 23اختلف الفقهاء فيما إذا رأت المرأة الدّم يوما أو أيّاما ،والطّهر يوما أو أيّاما ،بحيث ل يحصل لها طهر كامل ،اختلفًا يرجع حاصله إلى قولين : الوّل :ويسمّى قول التّلفيق أو اللّقط ،وهو أن تلفّق حيضها من أيّام الدّم فقط ،وتلغي أيّام الطّهر فتكون فيها طاهرا ،تصلّي وتصوم . والقول الثّاني ويسمّيه الشّافعيّة قول السّحب ،وهو أن تجعل أيّام الدّم ،وأيّام الطّهر كلّها أيّام حيض .وذلك بشروط ذكروها ،وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :تلفيق ) .
الطّهر من الحيض : أ -أقلّ الطّهر وأكثره :
ن المرأة قد ل تحيض أصلً . - 24أجمع الفقهاء على أنّه ل حدّ لكثر الطّهر ،ل ّ
ن امرأةً في زمنه كانت طيّب من الشّافعيّة ،أ ّ وقد تحيض في السّنة مرّةً واحدةً .حكى أبو ال ّ تحيض في كلّ سنة يوما وليلةً .واختلفوا في أقلّ الطّهر . ن أقلّ طهر بين حيضتين خمسة عشر فذهب الحنفيّة والمالكيّة على المشهور ،والشّافعيّة إلى أ ّ ن الشّهر غالبا ل يخلو من حيض وطهر ،وإذا كان أكثر الحيض خمسة يوما بلياليها ،ل ّ عشر لزم أن يكون أقلّ الطّهر كذلك .واستدلّ الحنفيّة على ذلك بإجماع الصّحابة . ج به ل الطّهر بين الحيضتين ثلثة عشر يوما .لما روى أحمد واحت ّ وذهب الحنابلة إلى أنّ أق ّ عن عليّ رضي ال عنه " أنّ امرأةً جاءته -قد طلّقها زوجها -فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلث حيض .فقال عليّ لشريح .قل فيها .فقال شريح :إن جاءت ببيّنة من بطانة ي :قالون -أي جيّد ل فهي كاذبة .فقال عل ّ أهلها ممّن يرجى دينه وأمانته فشهدت بذلك .وإ ّ ل توقيفا ،وهو قول صحابيّ اشتهر ،ولم يعلم خلفه . بالرّوميّة -قالوا :وهذا ل يقوله إ ّ ن الثّلثة عشر طهر صحيح يقينا . ووجود ثلث حيض في شهر دليل على أ ّ ح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البيّنة . ن العدّة يص ّ قال أحمد :ل يختلف أ ّ وغالب الطّهر باقي الشّهر الهلليّ بعد غالب الحيض ،وهو عند الشّافعيّة والحنابلة أربع وعشرون ،أو ثلثة وعشرون ،وعند الحنفيّة خمس وعشرون .
ب -علمة الطّهر : - 25الطّهر من الحيض يتحقّق بأحد أمرين ،إمّا انقطاع الدّم ،أو رؤية القصّة .والمقصود بانقطاع الدّم الجفاف بحيث تخرج الخرقة غير الملوّثة بدم ،أو كدرة ،أو صفرة .فتكون جافّ ًة من كلّ ذلك ،ول يضرّ بللها بغير ذلك من رطوبة الفرج . والقصّة ماء أبيض يخرج من فرج المرأة يأتي في آخر الحيض .قالت عائشة رضي ال تعالى عنها « :لمّا كانت النّساء يبعثن إليها بالدّرجة " اللّفافة " فيها الكرسف " القطن " فيه الصّفرة من دم الحيض .ل تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء » . ن الغاية النقطاع ،فإذا انقطع طهرت ،سواء خرجت بعده وقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة بأ ّ رطوبة بيضاء أم ل . وفرّق المالكيّة بين معتادة الجفوف ،ومعتادة القصّة ،ومعتادة القصّة مع الجفوف .فمعتادة ل ،ل تنتظر الجفوف وإذا رأت الجفوف أ ّولً ،ل تنتظر القصّة . الجفوف إذا رأت القصّة أ ّو ً ل ،ندب لها انتظار القصّة وأمّا معتادة القصّة فقط ،أو مع الجفوف إذا رأت الجفوف أ ّو ً لخر الوقت المختار .وإن رأت القصّة أ ّولً فل تنتظر شيئا بعد ذلك .فالقصّة أبلغ لمعتادتها ،ولمعتادتها مع الجفوف أيضا .
ج -حكم الطّهر المتخلّل بين أيّام الحيض :
- 26اختلف الفقهاء في النّقاء المتخلّل بين أيّام الحيض ،هل هو حيض أو طهر ؟ . فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه حيض .وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه طهر . وهناك تفصيل في بعض المذاهب بيانه في مصطلح ( :تلفيق ) .
د -دم الحامل : - 27اختلف الفقهاء في دم الحامل هل هو دم حيض ،أو علّة وفساد ؟ . ن دم الحامل دم علّة وفساد ،وليس بحيض ،لحديث أبي سعيد فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ ي صلى ال عليه وسلم قال في سبي أوطاس :ل توطأ حامل حتّى ن النّب ّ رضي ال عنه « أ ّ تضع ،ول غير ذات حمل حتّى تحيض » فجعل الحيض علما على براءة الرّحم ،فدلّ على أنّه ل يجتمع معه . وقال صلى ال عليه وسلم في حقّ ابن عمر -لمّا طلّق زوجته وهي حائض « -مره فليراجعها ثمّ ليطلّقها طاهرا أو حاملً » .فجعل الحمل علما على عدم الحيض كالطّهر . وقد استحبّ الحنابلة للحامل أن تغتسل عند انقطاع الدّم عنها احتياطا ،وخروجا من الخلف. ن دم الحامل حيض ،إن توافرت شروطه لعموم الدلّة لخبر: وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ « دم الحيض أسود يعرف » وعن عائشة رضي ال تعالى عنها أنّها قالت في الحامل ترى الدّم :أنّها تترك الصّلة ،من غير نكير ،فكان إجماعا .وإجماع أهل المدينة عليه ،ولنّه دم متردّد بين دمي الجبلّة والعلّة ،والصل السّلمة من العلّة ،ولنّه دم ل يمنعه الرّضاع بل إذا وجد معه حكم بكونه حيضا ،وإن ندر فكذا ل يمنعه الحيض . وأكثر الحيض للحامل عند المالكيّة يختلف عن غيرها ،وقد سبق بيانه في فترة الحيض .
هس – أنواع الطّهر :
- 28قسّم الحنفيّة الطّهر إلى صحيح ،وفاسد ،وإلى تامّ ،وناقص . فالطّهر الصّحيح :هو النّقاء خمسة عشر يومًا فأكثر ل يشوبه خللها دم مطلقا ل في أوّله ، ول في وسطه ،ول في آخره ،ويكون بين دمين صحيحين ،والطّهر الفاسد ما خالف ل من خمسة عشر ،أو خالطه دم أو لم يقع بين دمين الصّحيح في أحد أوصافه ،بأن كان أق ّ صحيحين . فإذا كان الطّهر أقلّ من خمسة عشر يوما ،فإنّه طهر فاسد ،ويجعل كالدّم المتوالي .ولو كان خمسة عشر يوما ،لكن خالطه دم صار طهرا فاسدا ،كما لو رأت المبتدأة أحد عشر يوما دما ،وخمسة عشر طهرا ،ثمّ استمرّ بها الدّم ،فالطّهر هنا صحيح ظاهر ،لنّه ن اليوم الحادي عشر تصلّي فيه فهو من جملة استكمل خمسة عشر ،لكنّه فاسد معنىً ،ل ّ الطّهر .فقد خالط هذا الطّهر دم في أوّله ففسد .
وإذا كان الطّهر خمسة عشر يوما ،ولكن كان بين استحاضتين ،أو بين حيضين ونفاس ،أو بين نفاس واستحاضة ،أو بين طرفي نفاس واحد ،فإنّه يكون طهرا فاسدا . والطّهر التّامّ ما كان خمسة عشر يوما فأكثر سواء أكان صحيحا ،أم فاسدا . والطّهر النّاقص :ما نقص عن خمسة عشر يوما ،وهو نوع من الطّهر الفاسد .
ما يترتّب على الحيض : أولً -البلوغ :
- 29اتّفق الفقهاء على أنّ الحيض علمة من علمات البلوغ الّتي يحصل بها التّكليف ،فإذا رأت المرأة الدّم في زمن المكان ،أصبحت بالغةً مكلّفةً يجب عليها ما يجب على البالغات المكلّفات ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يقبل اللّه صلة حائض إلّ بخمار » . ن التّكليف حصل به . فأوجب عليها أن تستتر لبلوغها بالحيض .فدلّ على أ ّ وقيّد المالكيّة ذلك بالحيض الّذي ينزل بنفسه ،أمّا إذا تسبّب في جلبه ،فل يكون علم ًة .
ثانيا -التّطهّر : - 30صرّح الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة بأنّه ل تصحّ طهارة الحائض ،فإذا اغتسلت ن الحائض ،إن ح غسلها ،وذهب الحنابلة إلى أ ّ الحائض لرفع حدث الجنابة ،فل يص ّ اغتسلت للجنابة زمن حيضها صحّ غسلها ،واستحبّ تخفيفا للحدث ،ويزول حكم الجنابة . لنّ بقاء أحد الحدثين ل يمنع ارتفاع الخر .كما لو اغتسل المحدث حدثا أصغر . ونصّوا على أنّه ليس عليها أن تغتسل للجنابة حتّى ينقطع حيضها لعدم الفائدة .
أ -غسل الحائض :
- 31اتّفق الفقهاء على أنّ الحيض موجب من موجبات الغسل ،فإذا انقطع الدّم وجب على المرأة أن تغتسل لستباحة ما كانت ممنوع ًة منه بالحيض « ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش :دعي الصّلة قدر اليّام الّتي كنت تحيضين فيها ثمّ اغتسلي وصلّي ن. » وأمر به أمّ حبيبة وسهلة بنت سهيل وغيره ّ ن َفأْتُو ُهنّ } أي إذا اغتسلن ،فمنع الزّوج من وطئها قبل طهّرْ َ ويؤيّده قوله تعالى َ { :فِإذَا َت َ غسلها فدلّ على وجوبه عليها لباحة الوطء ،ول خلف بين الفقهاء في أنّ النقطاع شرط لصحّة الغسل ،وزاد الشّافعيّة القيام إلى الصّلة ونحوها ،والمراد بالقيام إلى الصّلة ،إمّا حقيق ًة ،بأن أرادت صلة ما قبل دخول الوقت من نافلة أو مقضيّة ،أو حكما بأن دخل وقت الصّلة ،إذ بدخوله تجب الصّلة ويجب تحصيل شروطها وإن لم ترد الفعل فهي مريدة حكما لكون الشّارع ألجأها إلى الفعل المستلزم للرادة فهي مريدة بالقوّة .
وغسل الحيض كغسل الجنابة ،ويستحبّ للمغتسلة من الحيض ،غير المحرمة والمحدّة ن أسماء رضي ال عنها، تطييب موضع الدّم .لما روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها « أ ّ سألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن غسل المحيض ؟ فقال :تأخذ إحداكنّ ماءها وسدرتها ب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا ،حتّى تبلغ شؤون رأسها ، فتطهّر فتحسن الطّهور .ث ّم تص ّ ثمّ تصبّ عليها الماء .ثمّ تأخذ فرصةً ممسّكةً فتطهّر بها فقالت أسماء :وكيف تطهّر بها . فقال :سبحان اللّه .تطهّرين بها .فقالت عائشة .كأنّها تخفي ذلك تتبّعين أثر الدّم .وسألته عن غسل الجنابة ؟ فقال :تأخذ ماءً فتطهّر ،فتحسن الطّهور ،أو تبلغ الطّهور .ث ّم تصبّ على رأسها فتدلكه .حتّى تبلغ شؤون رأسها .ثمّ تفيض عليها الماء .فقالت عائشة :نعم النّساء نساء النصار ،لم يكن يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدّين » .
ب -طهارة الحائض : - 32ل خلف بين الفقهاء في طهارة جسد الحائض ،وعرقها ،وسؤرها ،وجواز أكل طبخها وعجنها ،وما مسّته من المائعات ،والكل معها ومساكنتها ،من غير كراهة ،لما روي « أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ،ول يجامعوهنّ في البيوت ، عنِ سأَلُو َنكَ َ فسأل أصحاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن ذلك فأنزل اللّه تعالى َ { :و َي ْ ا ْل َمحِيضِ } الية .فقال صلى ال عليه وسلم :اصنعوا ك ّل شيء إلّ النّكاح ،فأنكرت اليهود ن اليهود تقول :كذا كذا ، ذلك .فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقال يا رسول اللّه :إ ّ ن ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما » . فل نجامعه ّ ي صلى ال عليه وسلم قال لعائشة :ناوليني الخمرة من المسجد فقالت: ن النّب ّ ولما روي « أ ّ ن حيضتك ليست في يدك » « .وكان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إنّي حائض .قال :إ ّ يشرب من سؤر عائشة وهي حائض ،ويضع فاه على موضع فيها » . « وكانت تغسل رأس رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهي حائض » . وقد نقل ابن جرير وغيره الجماع على ذلك .
ثالثا -الصّلة :
- 33اتّفق الفقهاء على عدم صحّة الصّلة من الحائض إذ الحيض مانع لصحّتها .كما أنّه يمنع وجوبها ،ويحرم عليها أداؤها .قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصّلة عنها في أيّام حيضها ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش « : ي الجماع على سقوط وجوب الصّلة عنها. إذا أقبلت الحيضة فدعي الصّلة » كما نقل النّوو ّ ن سجود التّلوة والشّكر في معنى الصّلة فيحرمان وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأ ّ على الحائض .
ن قضاء ما فات الحائض في أيّام حيضها ليس بواجب ،لما روت كما اتّفق الفقهاء على أ ّ معاذة قالت « :سألت عائشة ما بال الحائض تقضي الصّوم ،ول تقضي الصّلة ؟ فقالت : أحروريّة أنت ؟ فقلت :لست بحروريّة .ولكن أسأل .فقالت :كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصّوم ،ول نؤمر بقضاء الصّلة » . ثمّ إنّ الفقهاء اختلفوا في حكم قضائها للصّلة إذا أرادت قضاءها . ل مطلقا فذهب الحنفيّة إلى أنّه خلف الولى .وذهب الشّافعيّة إلى كراهة قضائها ،وتنعقد نف ً ل ثواب فيه ،لنّها منهيّة عن الصّلة ،لذات الصّلة ،والمنهيّ عنه لذاته ل ثواب فيه . ي بحرمتها .وخالف الرّمليّ فقال بصحّتها وانعقادها على قول الكراهة وقال أبو بكر البيضاو ّ المعتمد ،إذ ل يلزم من عدم طلب العبادة عدم انعقادها .وقيل لحمد في رواية الثرم :فإن سنّة ،قال في الفروع :فظاهر النّهي التّحريم . أحبّت أن تقضيها ؟ قال :ل ،هذا خلف ال ّ ويتوجّه احتمال أنّه يكره لكنّه بدعة ،ولعلّ المراد إلّ ركعتي الطّواف ،لنّها نسك ل آخر لوقته .
إدراك وقت الصّلة : الحائض إمّا أن تدرك أوّل وقت الصّلة بأن تكون طاهرًا ثمّ يطرأ الحيض ،أو تدرك آخر الوقت بأن تكون حائضا ثمّ تطهر .
أ -إدراك أوّل الوقت :
- 34اختلف الفقهاء فيما إذا أدركت الحائض أوّل الوقت ،بأن كانت طاهرا ثمّ حاضت هل تجب عليها تلك الصّلة أو ل ؟ : فذهب الحنفيّة إلى أنّه إن طرأ الحيض في أثناء الوقت سقطت تلك الصّلة ،ولو بعد ما افتتحت الفرض .أمّا لو طرأ وهي في التّطوّع ،فإنّه يلزمها قضاء تلك الصّلة . وذهب المالكيّة إلى أنّه إن حدث الحيض في وقت مشترك بين الصّلتين سقطت الصّلتان ، وإن حدث في وقت مختصّ بإحداهما ،سقطت المختصّة بالوقت وقضيت الخرى . ص بالظّهر إلى أربع ركعات في الحضر ،وركعتين في السّفر ،ثمّ فمثلً إنّ أوّل الزّوال مخت ّ ص العصر بأربع قبل الغروب في الحضر ،وركعتين في السّفر تشترك الصّلتان إلى أن تخت ّ .فلو حاضت المرأة في وقت الشتراك سقطت الظّهر والعصر ،ولو حاضت في وقت ل الظّهر ول العصر سقط عنها قضاء العصر وحدها ، الختصاص بالعصر وكانت لم تص ّ ولو حاضت في وقت الختصاص بالظّهر سقطت ،وإن تمادى الحيض إلى وقت الشتراك سقطت العصر ،فإن ارتفع قبله وجبت ،ومثل ذلك في المغرب والعشاء .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن طرأ الحيض في أوّل الوقت ،فإنّه تجب عليها تلك الصّلة فقط إن أدركت قدر الفرض ،ول تجب معها الصّلة الّتي تجمع معها بعدها ،ويجب الفرض الّذي قبلها أيضا ،إن كانت تجمع معها وأدركت قدره ولم تكن قد صلّته لتمكّنها من فعل ذلك . وذهب الحنابلة إلى أنّه إن أدركت المرأة من أوّل الوقت قدر تكبيرة ،ث ّم طرأ الحيض لزمها ن الصّلة تجب بدخول أوّل الوقت قضاء تلك الصّلة الّتي أدركت التّكبيرة من وقتها فقط ،ل ّ على مكلّف ،لم يقم به مانع وجوبًا مستقرّا ،فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها . فيجب قضاها عند زوال المانع .ول تلزمها غير الّتي دخل وقتها قبل طروء الحيض ،لنّها لم تدرك جزءا من وقتها ،ول من وقت تبعها فلم تجب .
ب -إدراك آخر الوقت : - 35اختلف الفقهاء في مقدار الوقت الّذي تدرك فيه الحائض الصّلة إن طهرت ،فذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين انقطاع الدّم لكثر الحيض ،وانقطاعه قبل أكثر الحيض بالنّسبة للمبتدأة ،وانقطاع دم المعتادة في أيّام عادتها أو بعدها ،أو قبلها بالنّسبة للمعتادة . فإن كان انقطاع الدّم لكثر الحيض في المبتدأة ،فإنّه تجب عليها الصّلة لو بقي من الوقت مقدار تحريمة ،وإن بقي من الوقت ما يمكنها الغتسال فيه أيضا ،فإنّه يجب أداء الصّلة. فإن لم يبق من الوقت هذا المقدار فل قضاء ول أداء .فالمعتبر عندهم الجزء الخير من الوقت بقدر التّحريمة .فلو كانت فيه طاهر ًة وجبت الصّلة وإلّ فل . وإن كان انقطاع الدّم قبل أكثر مدّة الحيض بالنّسبة للمبتدأة ،أو كان انقطاعه في أيّام عادتها أو بعدها -قبل تمام أكثر المدّة -أو قبلها بالنّسبة للمعتادة ،فإنّه يلزمها القضاء إن بقي من الوقت قدر التّحريمة ،والغسل أو التّيمّم عند العجز عن الماء .ول ب ّد هنا من بقاء قدر ن زمان الغسل أو التّيمّم حيض ،فل يحكم الغسل أو التّيمّم زياد ًة على قدر التّحريمة ،ل ّ بطهارتها قبل الغسل أو التّيمّم ،فل ب ّد أن يبقى من الوقت زمن يسعه ويسع التّحريمة ،حتّى إذا لم يبق بعد زمان الغسل أو التّيمّم من الوقت مقدار التّحريمة ل يجب القضاء ،وذلك ن زمان بخلف ما لو انقطع الدّم لكثر المدّة في المبتدأة ،فإنّه يكفي قدر التّحريمة فقط ،ل ّ الغسل أو التّيمّم من الطّهر ،لئلّ يزيد الحيض عن العشرة ،فبمجرّد النقطاع تخرج من الحيض ،فإذا أدركت بعده قدر التّحريمة تحقّق طهرها فيه ،وإن لم تغتسل فيلزمها القضاء ، والمقصود بالغسل هنا الغسل مع مقدّماته ،كالستقاء ،وخلع الثّياب ،والتّستّر عن العين ، ن المراد به الغسل الفرض ل المسنون ،لنّه الّذي يثبت به رجحان جانب الطّهارة . كما أ ّ وذهب المالكيّة إلى أنّ الحائض تدرك الصّلة إذا بقي من الوقت ما يسع ركع ًة تامّةً ،وذلك في صلة الصّبح والعصر والعشاء ،فإذا طهرت الحائض قبل الطّلوع ،أو الغروب ،أو
ل من ركعة على المشهور ، الفجر بقدر ركعة ،فإنّها تجب عليها تلك الصّلة ،ول تدرك بأق ّ وتدرك الظّهر والمغرب إذا بقي من وقتهما الضّروريّ ما يسع فضل ركعة على الصّلة الولى ل الثّانية ،فإذا طهرت الحائض وقد بقي من اللّيل قدر أربع ركعات صلّت المغرب والعشاء ،لنّه إذا صلّت المغرب بقيت ركعة للعشاء . ن الصّلة تجب على الحائض إذا طهرت وقد أدركت من آخر وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ الوقت قدر تكبيرة ،فيجب قضاؤها فقط إن لم تجمع مع الّتي قبلها ،وقضاؤها وقضاء ما قبلها إن كانت تجمع ،فإذا طهرت قبل طلوع الشّمس ،وبقي من الوقت ما يسع تكبيرةً لزمها قضاء الصّبح فقط ،لنّ الّتي قبلها ل تجمع إليها .وإن طهرت قبل غروب الشّمس بمقدار تكبيرة لزمها قضاء الظّهر والعصر ،وكذا إن طهرت قبل طلوع الفجر بمقدار تكبيرة لزمها قضاء المغرب والعشاء ،لما روي عن عبد الرّحمن بن عوف وابن عبّاس أنّهما قال :في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة " تصلّي المغرب والعشاء ،فإذا طهرت قبل غروب ن وقت الثّانية وقت للولى في حالة العذر ،ففي الشّمس صلّت الظّهر والعصر جميعا " ل ّ حالة الضّرورة أولى ،لنّها فوق العذر ،وإنّما تعلّق الوجوب بقدر تكبيرة لنّه إدراك .
رابعا -الصّوم : - 36اتّفق الفقهاء على تحريم الصّوم على الحائض مطلقا فرضا أو نفلً ،وعدم صحّته منها لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حديث أبي سعيد « :أليس إذا حاضت لم تصلّ ،ولم تصم ؟ قلن :بلى ،قال :فذلك من نقصان دينها » فإذا رأت المرأة الدّم ساعةً من نهار ،فسد ي وغيرهما الجماع على ذلك ،قال إمام الحرمين : صومها ،وقد نقل ابن جرير والنّوو ّ ن الطّهارة ليست مشروط ًة فيه . ح منها ل يدرك معناه ،ل ّ وكون الصّوم ل يص ّ كما اتّفق الفقهاء على وجوب قضاء رمضان عليها ،لقول عائشة رضي ال عنها في الحيض :كان يصيبنا ذلك ،فنؤمر بقضاء الصّوم ول نؤمر بقضاء الصّلة . ونقل التّرمذيّ وابن المنذر وابن جرير وغيرهم الجماع على ذلك . ن الحيض ل يقطع التّتابع في صوم الكفّارات ،لنّه ينافي الصّوم واتّفق الفقهاء أيضا على أ ّ ن اليأس فيه خطر ،واستثنى ول تخلو عنه ذات القراء في الشّهر غالبا ،والتّأخير إلى س ّ الحنفيّة من ذلك كفّارة اليمين ونحوها .وتفصيل ذلك في مصطلح ( كفّارة ) .
إدراك الصّوم :
ل خلف بين الفقهاء في أنّه إذا انقطع دم الحيض بعد الفجر ،فإنّه ل يجزيها صوم ذلك اليوم ويجب عليها قضاؤه ،ويجب عليها المساك حينئذ عند الحنفيّة والحنابلة ،وعند المالكيّة
يجوز لها التّمادي على تعاطي المفطر ول يستحبّ لها المساك ،وعند الشّافعيّة ل يلزمها المساك . كما اتّفق الفقهاء على أنّه إذا طهرت المرأة قبل الفجر ،فإنّه يجب عليها صوم ذلك اليوم . لكن اختلفوا في الفترة الّتي إذا انقطع فيها الدّم فإنّه يجزيها صوم ذلك اليوم . فذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يجزيها صوم ذلك إذا لم يبق من الوقت قدر الغتسال والتّحريمة ، ن العشاء صارت دينا عليها ، ل بهذا ،وإن بقي قدرهما يجزيها ،ل ّ لنّه ل يحكم بطهارتها إ ّ وأنّه من حكم الطّاهرات فحكم بطهارتها ضرور ًة .والمراد بالغسل هنا ما يشمل مقدّماته كما في غسل الحائض للصّلة . وذهب المالكيّة إلى أنّها إن رأت الطّهر قبل الفجر بلحظة وجب الصّوم ،بأن رأت علمة الطّهر مقارن ًة للفجر ونوت الصّوم حينئذ . ن معتادة القصّة ل تنتظرها هنا ،بل متى رأت أيّ علمة جفوفا كانت أو وقد صرّحوا بأ ّ قصّةً ،وجب عليها الصّوم ،ويصحّ صومها حينئذ ،وإن لم تغتسل إلّ بعد الفجر ،بل إن لم تغتسل أصلً ،لنّ الطّهارة ليست شرطا في الصّوم . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه متى انقطع دم الحيض وجب عليها الصّوم ،ولم يذكروا فتر ًة معيّنةً كالحنفيّة والمالكيّة . قال النّوويّ :وإذا انقطع الحيض ارتفع تحريم الصّوم وإن لم تغتسل . وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه إذا نوت الحائض صوم غد قبل انقطاع دمها ،ثمّ انقطع ليلً صحّ إن تمّ لها في اللّيل أكثر الحيض ،وكذا قدر العادة في الصحّ .كما صرّح الحنابلة بمثل هذا ، ح. فنصّوا على أنّه لو نوت الحائض صوم غد وقد عرفت أنّها تطهر ليلً ص ّ
خامسا -الحجّ : أ -أغسال الحجّ :
ج للحائض ،لحديث « عائشة :قالت :قدمت مكّة - 37اتّفق الفقهاء على س ّنيّة أغسال الح ّ وأنا حائض ،ولم أطف بالبيت ول بين الصّفا والمروة .قالت :فشكوت ذلك إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :افعلي كما يفعل الحاجّ ،غير أن ل تطوفي بالبيت حتّى تطهري » .فيسنّ لها أن تغتسل للحرام ،ولدخول مكّة .وللوقوف بعرفة وغيرها من الغسال المسنونة .واستثنى المالكيّة الغتسال لدخول مكّة فلم يستحبّوه للحائض ،قالوا :لنّه في الحقيقة للطّواف ،فلذا ل يطلب من الحائض لمنعها من دخول المسجد .
ب -الطّواف :
ل الطّواف « ، ن الحيض ل يمنع شيئا من أعمال الحجّ إ ّ - 38ل خلف بين الفقهاء في أ ّ لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعائشة حين حاضت :افعلي ما يفعل الحاجّ غير أن ل تطوفي بالبيت » .ثمّ إنّ الطوفة المشروعة في الحجّ ثلثة :طواف القدوم ،وهو سنّة عند الفقهاء عدا المالكيّة حيث قالوا بوجوبه ،وطواف الفاضة ،وهو ركن من أركان الحجّ بالتّفاق ،وطواف الوداع وهو واجب عند الفقهاء عدا المالكيّة حيث قالوا بس ّنيّته . فإذا حاضت المرأة قبل أن تطوف طواف القدوم سقط عنها ول شيء عليها وذلك عند القائلين بسنّيّته . وعند المالكيّة ل يجب عليها حيث بقي عذرها بحيث ل يمكنها التيان به قبل الوقوف بعرفة ، وإذا حاضت المرأة قبل طواف الفاضة ،فإنّها تبقى على إحرامها حتّى تطهر ثمّ تطوف . فإن طافت وهي حائض فل يصحّ طوافها عند الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - ن الطّهارة له واجبة ،وهي غير طاهرة وذهب الحنفيّة إلى صحّته مع الكراهة التّحريميّة ،ل ّ ،وتأثم وعليها بدنة . واتّفق الفقهاء على أنّ للحائض أن تنفر بل طواف وداع ،تخفيفا عليها لحديث عائشة رضي ن صفيّة رضي ال عنها حاضت فأمرها النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن تنصرف ال عنها « أ ّ بل وداع » .وعن طاوس قال « :كنت مع ابن عبّاس إذ قال زيد بن ثابت :تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت .فقال له ابن عبّاس :أما ل .فسل فلنة النصاريّة ،هل أمرها بذلك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ؟ قال :فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عبّاس يضحك ،وهو يقول :ما أراك إلّ قد صدقت » . وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّها إن طهرت قبل مفارقة بنيان مكّة لزمها العود فتغتسل وتطوف ،فإن لم تفعل فعليها دم بخلف ما إذا طهرت خارج مكّة فل شيء عليها . ج). وتفصيل ذلك في مصطلح ( :ح ّ
سادسا - :أ -قراءة القرآن : - 39اختلف الفقهاء في حكم قراءة الحائض للقرآن ،فذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى حرمة قراءتها للقرآن لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ل تقرأ الحائض ول الجنب شيئا من القرآن » .وهناك تفصيلت بيانها فيما يلي : فمذهب الحنفيّة حرمة قراءتها للقرآن ولو دون آية من المركّبات ل المفردات ،وذلك إذا قصدت القراءة ،فإن لم تقصد القراءة بل قصدت الثّناء أو الذّكر فل بأس به . قال ابن عابدين :فلو قرأت الفاتحة على وجه الدّعاء ،أو شيئا من اليات الّتي فيها معنى الدّعاء ،ولم ترد القراءة ل بأس به ،وصرّحوا أنّ ما ليس فيه معنى الدّعاء كسورة المسد،
ل تؤثّر فيه نيّة الدّعاء فيحرم ،وقد أجازوا للمعلّمة الحائض تعليم القرآن كلمةً كلمةً ،وذلك ل كلمتين ،لنّها ل تعدّ بالكلمة قارئ ًة .كما أجازوا للحائض أن تتهجّى بأن تقطّع بين ك ّ بالقرآن حرفا حرفا ،أو كلم ًة كلم ًة مع القطع ،من غير كراهة ،وكرهوا لها قراءة ما نسخت تلوته من القرآن ،ول يكره لها قراءة القنوت ،ول سائر الذكار والدّعوات . ومذهب الشّافعيّة حرمة قراءة القرآن للحائض ولو بعض آية ،كحرف للخلل بالتّعظيم سواء أقصدت مع ذلك غيرها أم ل ،وصرّحوا بجواز إجراء القرآن على قلبها من غير تحريك اللّسان ،وجواز النّظر في المصحف ،وإمرار ما فيه في القلب ،وكذا تحريك لسانها وهمسها بحيث ل تسمع نفسها ،لنّها ليست بقراءة قرآن .ويجوز لها قراءة ما نسخت تلوته .ومذهب الحنابلة أنّه يحرم عليها قراءة آية فصاعدا ،ول يحرم عليها قراءة بعض آية ،لنّه ل إعجاز فيه ،وذلك ما لم تكن طويلةً ،كما ل يحرم عليها تكرير بعض آية ما لم تتحيّل على القراءة فتحرم عليها .ولها تهجية آي القرآن لنّه ليس بقراءة له ،ولها التّفكّر فيه وتحريك شفتيها به ما لم تبيّن الحروف ،ولها قراءة أبعاض آية متوالية ،أو آيات سكتت بينها سكوتا طويلً .ولها قول ما وافق القرآن ولم تقصده ،كالبسملة ،وقول الحمد للّه ربّ العالمين ،وكآية السترجاع { إنّا لِلّ ِه وإنّا إلي ِه رَاجِعُون } وآية الرّكوب ،ولها أيضا أن يقرأ عليها وهي ساكتة ،لنّها في هذه الحالة ل تنسب إلى القراءة ،ولها أن تذكر اللّه تعالى ، واختار ابن تيميّة أنّه يباح للحائض أن تقرأ القرآن إذا خافت نسيانه ،بل يجب لنّ ما ل يتمّ الواجب إلّ به فهو واجب . وذهب المالكيّة إلى أنّ الحائض يجوز لها قراءة القرآن في حال استرسال الدّم مطلقا ،كانت جنبا أم ل ،خافت النّسيان أم ل .وأمّا إذا انقطع حيضها ،فل تجوز لها القراءة حتّى تغتسل ل أن تخاف النّسيان .هذا هو المعتمد عندهم ،لنّها قادرة على التّطهّر جنبًا كانت أم ل ،إ ّ ن المرأة إذا انقطع حيضها جاز لها القراءة إن لم في هذه الحالة ،وهناك قول ضعيف هو أ ّ تكن جنبًا قبل الحيض .فإن كانت جنبا قبله فل تجوز لها القراءة .
ب -مسّ المصحف وحمله : - 40اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على الحائض مسّ المصحف من حيث الجملة لقوله تعالى : ط ّهرُونَ } ولما روى عبد اللّه بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن { لّا َيمَسّ ُه إِلّا ا ْل ُم َ جدّه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « كتب إلى أهل اليمن كتابا ،وكان فيه :ل يمسّ القرآن س المصحف . إلّ طاهر » واستثنى المالكيّة من ذلك المعلّمة والمتعلّمة فإنّه يجوز لهما م ّ وهناك تفصيلت في بعض المذاهب تنظر في مصطلح ( :مصحف ) .
دخول المسجد :
- 41اتّفق الفقهاء على حرمة اللّبث في المسجد للحائض ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم : ل المسجد لحائض ول جنب » ويندرج فيه العتكاف كما صرّح الفقهاء بذلك .واتّفقوا « ل أح ّ على جواز عبورها للمسجد دون لبث في حالة الضّرورة والعذر ،كالخوف من السّبع قياسًا ن« ص والبرد والعطش ،ول ّ سبِيلٍ } واللّ ّ ج ُنبًا ِإلّ عَا ِبرِي َ ل ُ على الجنب لقوله تعالى َ { :و َ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد فقالت إنّها حائض فقال حيضتك ليست بيدك » ،وزاد الحنفيّة أنّ الولى لها عند الضّرورة أن تتيمّم ثمّ تدخل . ويرى الحنفيّة والمالكيّة حرمة دخولها المسجد مطلقا سواء للمكث أو للعبور ،واستثنى الحنفيّة من ذلك دخولها للطّواف . ن تلويثه وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى حرمة مرورها في المسجد إن خافت تلويثه ،ل ّ بالنّجاسة محرّم ،والوسائل لها حكم المقاصد .فإن أمنت تلويثه فذهب الشّافعيّة إلى كراهة ل الكراهة إذا عبرت لغير حاجة ،ومن الحاجة المرور من المسجد ، عبورها المسجد ،ومح ّ لبعد بيتها من طريق خارج المسجد وقربه من المسجد . وذهب الحنابلة إلى أنّها ل تمنع من مرورها في المسجد حينئذ .قال أحمد -في رواية ابن إبراهيم -تمرّ ول تقعد . كما اختلف الفقهاء في دخول الحائض مصلّى العيد .فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك، قال الحنفيّة :وكذا مصلّى الجنازة إذ ليس لهما حكم المسجد في الصحّ ،وذهب الحنابلة إلى حرمة مصلّى العيد عليها ،لنّه مسجد لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ويعتزل الحيّض المصلّى » ،وأجازوا مصلّى الجنائز لها لنّه ليس بمسجد .
الستمتاع بالحائض : ع َتزِلُواْ ال ّنسَاء فِي - 42اتّفق الفقهاء على حرمة وطء الحائض في الفرج لقوله تعالى { :فَا ْ طهُرْنَ } ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :اصنعوا كلّ حّتىَ َي ْ ن َ ا ْل َمحِيضِ َولَ تَ ْق َربُوهُ ّ شيء إلّ النّكاح » وحكى النّوويّ الجماع على ذلك ،واستثنى الحنابلة من به شبق ل تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج ،ويخاف تشقّق أنثييه إن لم يطأ ،ول يجد غير الحائض ،بأن ل يقدر على مهر امرأة أخرى . سرّة والرّكبة ،فذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة واختلف الفقهاء في الستمتاع بما بين ال ّ سرّة والرّكبة ،لحديث عائشة رضي ال والمالكيّة والشّافعيّة -إلى حرمة الستمتاع بما بين ال ّ عنها قالت « :كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتّزر ثمّ يباشرها .قالت :وأيّكم يملك إربه كما كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يملك إربه » وعن ميمونة رضي ال عنها نحوه .وفي رواية « كان يباشر المرأة
سرّة والرّكبة حريم للفرج ،ومن من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار » ولنّ ما بين ال ّ يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى . سرّة والرّكبة ،من وراء حائل .ومنعه وقد أجاز الحنفيّة والشّافعيّة الستمتاع بما بين ال ّ المالكيّة . كما منع الحنفيّة النّظر إلى ما تحت الزار ،وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بجوازه ولو بشهوة . ص الحنفيّة على عدم جواز الستمتاع بالرّكبة لستدللهم بقوله صلى ال عليه وسلم « :ما ون ّ دون الزار » ومحلّه العورة الّتي يدخل فيها الرّكبة .وأجاز المالكيّة والشّافعيّة الستمتاع بالسّرّة والرّكبة .وقد ذكر الحنفيّة والشّافعيّة حكم مباشرة الحائض لزوجها ،وقرّروا أنّه يحرم عليها مباشرتها له بشيء ممّا بين سرّتها وركبتها في جميع بدنه . وذهب الحنابلة إلى جواز الستمتاع من الحائض بما دون الفرج ،فله أن يستمتع بما بين السّرّة والرّكبة ،وهذا من مفردات المذهب . ويستحبّ له حينئذ ستر الفرج عند المباشرة ،ول يجب على الصّحيح من المذهب ،قال في النّكت :وظاهر كلم إمامنا وأصحابنا أنّه ل فرق بين أن يأمن على نفسه مواقعة المحظور ي أنّه إذا لم يأمن على نفسه من ذلك حرم عليه لئلّ يكون طريقا أو يخاف ،وصوّب المرداو ّ إلى مواقعة المحظور .
كفّارة وطء الحائض : ص الشّافعيّة على أنّ وطء الحائض في الفرج كبيرة من العامد المختار العالم بالتّحريم - 43ن ّ ،ويكفر مستحلّه ،وعند الحنفيّة ل يكفر مستحلّه لنّه حرام لغيره . وقد أوجب الحنابلة نصف دينار ذهبا كفّار ًة في وطء الحائض ،وهو من مفردات المذهب . واستحبّ الحنفيّة والشّافعيّة أن يتصدّق بدينار إن كان الجماع في أوّل الحيض وبنصفه إن كان في آخره .قال الحنفيّة :أو وسطه .لحديث « :إذا واقع الرّجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فدينار ،وإن كان دما أصفر فنصف دينار » وعند المالكيّة ل كفّارة عليه .
وطء الحائض بعد انقطاع الحيض :
- 44ذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى أنّه ل يحلّ وطء الحائض ن اللّه تعالى حتّى تطهر -ينقطع الدّم -وتغتسل .فل يباح وطؤها قبل الغسل ،قالوا :ل ّ حتّىَ ن َ ل تَ ْق َربُوهُ ّ ل الوطء شرطين :انقطاع الدّم ،والغسل ،فقال تعالى َ { :و َ شرط لح ّ طهّرْنَ } أي اغتسلن بالماء { َف ْأتُوهُنّ } .وقد صرّح ن َ { .فِإذَا َت َ َيطْ ُهرْنَ } أي يقطع دمه ّ ل الوطء فل بدّ من الغسل حتّى يحلّ المالكيّة بأنّه ل يكفي التّيمّم لعذر بعد انقطاع الدّم في ح ّ
وطؤها .وفرّق الحنفيّة بين أن ينقطع الدّم لكثر مدّة الحيض وبين أن ينقطع لقلّه ،وكذا بين أن ينقطع لتمام عادتها ،وبين أن ينقطع قبل عادتها . فذهبوا إلى أنّه إذا انقطع الدّم على أكثر المدّة في الحيض ولو حكما بأن زاد على أكثر المدّة ، فإنّه يجوز وطؤها بدون غسل ،لكن يستحبّ تأخير الوطء لما بعد الغسل . وإن انقطع دمها قبل أكثر مدّة الحيض أو لتمام العادة في المعتادة بأن لم ينقص عن العادة ، فإنّه ل يجوز وطؤها حتّى تغتسل أو تتيمّم ،أو أن تصير الصّلة دينا في ذمّتها ،وذلك بأن يبقى من الوقت بعد النقطاع مقدار الغسل والتّحريمة فإنّه يحكم بطهارتها بمضيّ ذلك الوقت، ولزوجها وطؤها بعده ولو قبل الغسل . وإذا انقطع الدّم قبل العادة وفوق الثّلث ،فإنّه ل يجوز وطؤها حتّى تمضي عادتها وإن اغتسلت ،لنّ العود في العادة غالب ،فكان الحتياط في الجتناب ،فلو كان حيضها المعتاد لها عشر ًة فحاضت ثلث ًة وطهرت ستّ ًة ل يحلّ وطؤها ما لم تمض العادة .
طلق الحائض : - 45اتّفق الفقهاء على أنّ إيقاع الطّلق في فترة الحيض حرام ،وهو أحد أقسام الطّلق البدعيّ لنهي الشّارع عنه ،لما روي عن « ابن عمر رضي ال تعالى عنهما أنّه طلّق امرأته ي صلى ال عليه وسلم فقال :مره فليراجعها ث ّم ليمسكها وهي حائض فذكر عمر ذلك للنّب ّ س » ولمخالفته قوله تعالى : حتّى تطهر ثمّ تحيض فتطهر ثمّ إن شاء طلّقها طاهرا قبل أن يم ّ ن ِل ِع ّد ِتهِنّ } أي في الوقت الّذي يشرعن فيه في العدّة ،وزمن الحيض ل يحسب من { َفطَلّقُوهُ ّ ن في إيقاع الطّلق في زمن الحيض ضررا بالمرأة لتطويل العدّة عليها حيث إنّ العدّة ،ول ّ بقيّة الحيض ل تحسب منها . ن النّبيّ صلى ال عليه كما ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع الطّلق في زمن الحيض ،ل ّ ل بعد وقوع وسلم أمر عبد اللّه بن عمر رضي ال عنه بالمراجعة ،وهي ل تكون إ ّ الطّلق ،وفي لفظ الدّارقطنيّ « ،قال :قلت يا رسول اللّه أرأيت لو أنّي طلّقتها ثلثًا .قال :كانت تبين منك وتكون معصيةً » قال نافع وكان عبد اللّه طلّقها تطليق ًة فحسبت من طلقه ، راجعها كما أمره رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ،ولنّه طلق من مكلّف في محلّه فوقع سنّة بل هو إزالة عصمة وقطع كطلق الحامل ،ولنّه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة ال ّ ملك ،فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوب ًة له . وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى وجوب مراجعتها ،وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ مراجعتها سنّة .وما سبق من أحكام إنّما هو في طلق الحائض المدخول بها أو من في حكمها . ولمزيد من التّفصيل انظر مصطلح ( طلق ) .
خلع الحائض : - 46ذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى جواز الخلع في زمن الحيض جنَاحَ عََل ْي ِهمَا فِيمَا ا ْف َتدَتْ ِبهِ } ولحاجتها إلى الخلص بالمفارقة لطلق قوله تعالى { :فَلَ ُ حيث افتدت بالمال .وذهب المالكيّة في المشهور عندهم إلى منع الخلع في الحيض وتفصيل ذلك في مصطلح ( خلع ) .
ما يحلّ بانقطاع الدّم :
- 47إذا انقطع دم الحيض لم يحلّ ممّا حرم غير الصّوم والطّلق ،ولم يبح غيرهما حتّى ن تحريمه بالحيض تغتسل وإنّما أبيح الصّوم والطّلق بالنقطاع دون الغسل ،أمّا الصّوم فل ّ ل بالحدث بدليل صحّته من الجنب ،وقد زال ،وأمّا بالطّلق فلزوال المعنى المقتضي للتّحريم وهو تطويل العدّة .
أحكام عامّة : أولً -إنزال ورفع الحيض بالدّواء :
- 48صرّح الحنابلة بأنّه يجوز للمرأة شرب دواء مباح لقطع الحيض إن أمن الضّرر ، وذلك مقيّد بإذن الزّوج .لنّ له حقّا في الولد ،وكرهه مالك مخافة أن تدخل على نفسها ضررًا بذلك في جسمها .كما صرّحوا بأنّه يجوز للمرأة أن تشرب دوا ًء مباحا لحصول ل أن يكون لها غرض محرّم شرعا كفطر رمضان فل يجوز . الحيض ،إ ّ ن المرأة متى شربت دواءً وارتفع حيضها فإنّه يحكم لها بالطّهارة ،وأمّا إن شربت دواءً ثمّ إ ّ ن النّازل غير حيض وأنّها طاهر .فل تنقضي ونزل الحيض قبل وقته فقد صرّح المالكيّة بأ ّ به العدّة ،ول تحلّ للزواج ،وتصلّي وتصوم لحتمال كونه غير حيض ،وتقضي الصّوم دون الصّلة احتياطا لحتمال أنّه حيض . وقد صرّح الحنفيّة بأنّه إذا شربت المرأة دوا ًء فنزل الدّم في أيّام الحيض فإنّه حيض وتنقضي به العدّة .
ثانيا -ادّعاء الحيض : - 49ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا ادّعت المرأة الحيض وأمكن ذلك قبل قولها وجوبا، لنّها مؤتمنة فيحرم وطؤها حينئذ وإن كذّبها ،وقيّد الحنفيّة ذلك ممّا إذا كانت عفيفةً أو غلب ن صدقها ،أمّا لو كانت فاسق ًة ولم يغلب على الظّنّ صدقها بأن كانت في غير أوان على الظّ ّ الحيض فل يقبل قولها اتّفاقا . وذهب الشّافعيّة إلى أنّها إن أخبرته بالحيض فإنّه يحرم عليه مباشرتها إن صدّقها وإلّ فل ، وإذا صدّقها وادّعت دوامه صدّقت .
ثالثا -ما يتّفق فيه الحيض والنّفاس من أحكام وما يختلفان فيه : - 50حكم النّفاس حكم الحيض في سائر أحكامه إلّ في مسائل : أ -العتداد بالحيض دون النّفاس ،لنّ انقضاء العدّة بالقروء ،والنّفاس ليس بقرء ،ن العدّة تنقضي بوضع الحمل . ول ّ ن البلوغ يحصل قبله بالحمل ،لنّ الولد ب -حصول البلوغ بالحيض دون النّفاس حيث إ ّخرُجُ مِن َبيْنِ الصّلْبِ وَال ّترَائِبِ } . ينعقد من مائهما لقوله تعالى { :خُِلقَ مِن مّاء دَا ِفقٍ َي ْ ج -الحيض يكون استبراءً ،بخلف النّفاس . هس -الحيض ل يقطع التّتابع في صوم الكفّارة ،بخلف النّفاس . و -احتساب الحيض في مدّة اليلء دون النّفاس .سنّة والبدعة بخلف النّفاس . ز -يحصل بالحيض الفصل بين طلقي ال ّل الحيض محدود ،ول حدّ لقلّ النّفاس ،وأكثر الحيض عشرة ،أو ثلثة عشر ، ح -أق ّأو خمسة عشر وأكثر النّفاس أربعون ،أوستّون .
التّعريف :
حيلة *
- 1الحيلة لغ ًة :الحذق في تدبير المور ،وهو تقليب الفكر حتّى يهتدي إلى المقصود ، وأصل الياء واو ،وهي ما يتوصّل به إلى حالة ما ،في خفية . وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث .وقد تستعمل فيما فيه حكمة . وأصلها من الحول ،وهو التّحوّل من حال إلى حال بنوع تدبير ولطف يحيل به الشّيء عن ظاهره ،أو من الحول بمعنى القوّة .وتجمع الحيلة على الحيل . أمّا في الصطلح فيستعمل الفقهاء الحيلة بمعنىً أخصّ من معناها في اللّغة ،فهي نوع مخصوص من العمل الّذي يتحوّل به فاعله من حال إلى حال ،ث ّم غلب استعمالها عرفا في ل بنوع من سلوك الطّرق الخفيّة الّتي يتوصّل به إلى حصول الغرض ،بحيث ل يتفطّن لها إ ّ الذّكاء والفطنة .
اللفاظ ذات الصّلة : الخدعة : - 2أصل الخدعة إخفاء الشّيء أو الفساد .ويراد بها إظهار ما يبطن خلفه ،أراد اجتلب نفع ،أو دفع ضرّ ،ول يقتضي أن يكون بعد تدبّر ،ونظر ،وفكر ،وهذا ما يفرّقه عن الحيلة .فهو بمعنى الخديعة ،وكذلك الخلبة .
الغرور : - 3الغرور :إيهام يحمل النسان على فعل ما يضرّه . التّدبير : - 4التّدبير تقويم المر على ما يكون فيه صلح عاقبته .وأصله من الدّبر ،وأدبار المور ن في كلّ إحالة شيء من جهة إلى جهة أخرى عواقبها .فيشترك التّدبير والحيلة ،من حيث إ ّ ص التّدبير بما يكون فيه صلح العاقبة ،أمّا الحيلة فتعمّ الصّلح والفساد .الكيد : ،واخت ّ 5
-الكيد إيقاع المكروه بالغير على وجه المكر والخديعة .
وهو ضرب من الحتيال وقد يكون مذمومًا أو ممدوحًا ،وفي الوّل أكثر ،وكذلك الستدراج سفَ } . والمكر وبعض ذلك ممدوح كما في قوله تعالى َ { :كذَِلكَ ِك ْدنَا ِليُو ُ المكر : - 6المكر صرف الغير عمّا يقصده بحيلة ،ومنه المحمود والمذموم .وهو أخصّ من الحيلة . التّورية والتّعريض : - 7التّورية والتّعريض :أن تطلق لفظا ظاهرا في معنىً ،وتريد به معنىً آخر يتناوله ذلك اللّفظ لكنّه خلف ظاهره .وأصل التّورية السّتر ،والتّعريض خلف التّصريح . الذّريعة : - 8الذّريعة :الوسيلة إلى الشّيء ،وسدّ الذّريعة قطع السباب المباحة الّتي يتوصّل بها إلى المحرّم .
تقسيم الحيل : تنقسم الحيل باعتبار مشروعيّتها إلى حيل مشروعة وحيل محرّمة .
الحيل المشروعة :
- 9وهي الحيل الّتي تتّخذ للتّخلّص من المآثم للتّوصّل إلى الحلل ،أو إلى الحقوق ،أو إلى دفع باطل ،وهي الحيل الّتي ل تهدم أصلً مشروعا ول تناقض مصلح ًة شرعيّ ًة . وهي ثلثة أنواع : أ -أن تكون الحيلة محرّمةً ويقصد بها الوصول إلى المشروع ،مثل أن يكون له على رجل حقّ فيجحده ول بيّنة له ،فيقيم صاحب الحقّ شاهدي زور يشهدان به ول يعلمان ثبوت هذا الحقّ .ومتّخذ هذا القسم من الحيل يأثم على الوسيلة دون القصد .ويجيز هذا من يجيز مسألة الظّفر بالحقّ ،فيجوز في بعض الصّور دون بعض . ب -أن تكون الحيلة مشروعةً وتفضي إلى مشروع .
ومثالها السباب الّتي نصبها الشّارع مفضيةً إلى مسبّباتها ،كالبيع ،والجارة وأنواع العقود الخرى ،ويدخل فيه التّحيّل على جلب المنافع ودفع المضارّ . ج -أن تكون الحيلة لم توضع وسيلةً إلى المشروع فيتّخذها المتحيّل وسيل ًة إلى ذلك ،ومثاله المعاريض الجائزة في الكلم .ومن الحيل المشروعة ما ل خلف في جوازه ومنها ما هو ل تردّد وإشكال وموضع خلف . مح ّ
الحيل المحرّمة : - 10وهي الحيل الّتي تتّخذ للتّوصّل بها إلى محرّم ،أو إلى إبطال الحقوق ،أو لتمويه ل شرعيّا أو تناقض مصلح ًة شرعّيةً . الباطل أو إدخال الشّبه فيه .وهي الحيل الّتي تهدم أص ً ل تردّد وخلف . والحيل المحرّمة منها ما ل خلف في تحريمه ومنها ما هو مح ّ والحيل المحرّمة ثلثة أنواع وهي : أ -أن تكون الحيلة محرّمةً ويقصد بها محرّم :ومثاله من طلّق زوجته ثلثا وأراد التّخلّص من عار التّحليل ،فإنّه يحال لذلك بالقدح في صحّة النّكاح بفسق الوليّ ،أو الشّهود فل يصحّ الطّلق في النّكاح الفاسد . ب -أن تكون الحيلة مباح ًة في نفسها ويقصد بها محرّم .كما يسافر لقطع الطّريق ،أو قتل النّفس المعصومة . ج -أن تكون الحيلة لم توضع وسيلةً إلى المحرّم بل إلى المشروع ،فيتّخذها المحتال وسيلةً إلى المحرّم .كمن يريد أن يوصي لوارثه ،فيحتال لذلك بأن يقرّ له ،فيتّخذ القرار وسيلةً للوصيّة للوارث .
أدلّة مشروعيّة الحيل المباحة :
- 11تقدّم التّعريف بالحيل المشروعة وهذا بيان لدلّة مشروعيّتها : ن حِيلَةً ستَطِيعُو َ ن لَ َي ْ ضعَفِينَ ِمنَ ال ّرجَالِ وَال ّنسَاء وَا ْلوِ ْلدَا ِ ل ا ْل ُمسْ َت ْ أ -قوله سبحانه وتعالى ِ { :إ ّ سبِيلً } ،أراد بالحيلة التّحيّل على التّخلّص من الكفّار ،وهذه حيلة محمودة يثاب ل َي ْهتَدُونَ َ َو َ عليها من عملها . ب -مباشرة السباب المشروعة حيلة على حصول مسبّباتها ،كالكل ،والشّرب ،واللّبس والسّفر الواجب ،وكذلك العقود الشّرعيّة واجبها ومستحبّها ومباحها كلّها حيلة على حصول المعقود عليه ،فإذا كانت الحيلة سببا مشروعا وما تفضي إليه مشروع فل معنى لمنعها . ج -إنّ العاجز الّذي ل حيلة عنده لجهله بطرق تحصيل مصالحه مذموم ،لنّه ل خبرة له شرّ خفيّها وظاهرها ،فيحسن التّوصّل إلى مقاصده المحمودة الّتي يحبّها اللّه بطرق الخير وال ّ شرّ الظّاهرة والخفيّة الّتي يتوصّل بها إلى خداعه ورسوله بأنواع الحيل ،ويعرف طرق ال ّ
شرّ والمكر به فيحترز منها .وقد كان « حذيفة بن اليمان -رضي ال عنه -أعلم النّاس بال ّ والفتن ،وكان النّاس يسألون رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الخير ،وكان هو يسأله شرّ مخافة أن يدركه » . عن ال ّ ن المعنى الّذي من أجله حرّمت الحيل هو أنّها تهدم الصول الشّرعيّة ،وتناقض د-إّ المصالح الشّرعيّة ،فإذا انتفى هذا المعنى وكانت الحيل ممّا ل يناقض الصول الشّرعيّة فل معنى لمنعها بل كانت من المشروع . هس -أجازت الشّريعة للمكره على الكفر أن يتلفّظ بكلمة الكفر إحرازا لدمه ،وفي هذا تحيّل على إحراز الدّم ،والتّحيّل هنا كالتّحيّل بكلمة السلم إحرازا للدّم ،كذلك كما في قوله : ل اللّه عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّ بحقّها » صلى ال عليه وسلم « فإذا قالوا ل إله إ ّ فكلّ من الحالتين نطق بكلمة من غير اعتقاد معناها توصّلً إلى غرض دنيويّ ،وهو إحراز الدّم ،فأجريت عليهما أحكام السلم في الظّاهر . و -إنّ الخروج من الحرام إلى الحلل والتّخلّص من المآثم أمر واجب شرعا ،والتّحيّل له باتّخاذ الوسائل والسباب المؤدّية إليه أمر مطلوب شرعا كذلك ،ول تخرج الحيل المباحة حنَثْ } وهي حيلة ضرِب بّهِ وَلَا َت ْ ض ْغثًا فَا ْ خذْ ِب َي ِدكَ ِ عن هذا .من ذلك قوله تعالى َ { :و ُ للخروج من الحنث ،وقد عمل به النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حقّ الضّعيف الّذي زنى ، وهو من حديث أبي أمامة بن سهل في السّنن ،حيث إنّه أخبره بعض أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من النصار أنّه « اشتكى رجل منهم حتّى أضنى ،فعاد جلدةً على عظم ،فدخلت عليه جارية لبعضهم ،فهشّ لها فوقع عليها ،فلمّا دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك ،وقال :استفتوا لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فإنّي قد وقعت على جارية ي ،فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقالوا :ما رأينا بأحد من النّاس دخلت عل ّ من الضّرّ مثل الّذي هو به ،لو حملناه إليك لتفسّخت عظامه ،ما هو إلّ جلد على عظم ، فأمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ ،فيضربوه بها ضرب ًة واحدةً » .ومن ذلك حديث أبي سعيد « أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أكلّ تمر خيبر هكذا ؟ فقال :ل واللّه يا رسول اللّه إنّا لنأخذ الصّاع من هذا ا بالصّاعين ،والصّاعين بالثّلثة فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل تفعل بع الجمع بالدّراهم ،ثمّ ابتع بالدّراهم جنيبا » .وفي أمره صلى ل لما فيه ال عليه وسلم بأن يشتري بالدّراهم تمرا ،ونهيه أن يشتريه بمثله خروج ممّا ل يح ّ من الرّبا إلى ما يحلّ وهو البيع ،وهو خروج من الثم .
أدلّة تحريم الحيل المحرّمة :
- 12إنّ الحيل المحرّمة تقوم على المخادعة والتّلبيس والتّدليس ،وعلى اتّخاذ الوسائل المشروعة ،وغير المشروعة ،للوصول إلى الحرام ومن أمثلة ذلك : أ -قوله صلى ال عليه وسلم « :لعن رسول اللّه المحلّل والمحلّل له » . ن قول المحلّل تزوّجت هذه المرأة ،أو قبلت هذا ن فيه استحلل الزّنى باسم النّكاح ،فإ ّ لّ النّكاح ،وهو غير مبطن لحقيقة النّكاح ول يقصد أن تكون زوج ًة له ،ول هي مريدة لذلك ول الوليّ ،فقد توسّل باللّفظ الشّرعيّ إلى ما ينافي مقصود العقد ،أو إلى أمر خارج عن أحكام العقد ،وهو عود المرأة إلى زوجها المطلّق . ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم سئل في نكاح المحلّل وقد ورد من حديث ابن عبّاس « أ ّ ل نكاح رغبة ،ل نكاح دلسة ،ول استهزاء بكتاب اللّه ،ثمّ يذوق عسيلتها » . فقال :ل ،إ ّ ب -قوله صلى ال عليه وسلم « :قاتل اللّه اليهود ،حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها فباعوها » فاحتالوا على تحريم أكل الشّحوم بأكل أثمانها . ج -قول المرابي بعتك هذه السّلعة بكذا كما في بيع العينة عند الجمهور على أن يستردّها منه بأقلّ ممّا باعها ،ولم يكن مريدا لحقيقة البيع ،وليس لحد من البائع والمشتري غرض في السّلعة بوجه من الوجوه ،وإنّما قصد البائع عود السّلعة إليه بأكثر من ذلك الثّمن .وصحّ ن اللّه ل يخدع عن أنس وعبد اللّه بن عبّاس رضي ال عنهما أنّهما سئل عن العينة ،فقال إ ّ هذا ممّا حرّم اللّه ورسوله ،فسمّيا ذلك خداعا . - 4لقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى اليهود على تحايلهم على الحرام فقال تعالى { :وَلَ َقدْ عَِل ْم ُتمُ سئِينَ } ،فلقد حرّم على اليهود أن يعملوا سبْتِ فَقُ ْلنَا َل ُهمْ كُونُواْ ِق َردَةً خَا ِ ع َتدَواْ مِن ُكمْ فِي ال ّ اّلذِينَ ا ْ في السّبت شيئا ،فكان بعضهم يحفر الحفيرة ،ويجعل لها نهرا إلى البحر فإذا كان يوم السّبت فتح النّهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتّى يلقيها في الحفيرة ،فإذا كان يوم الحد ، جاءوا فأخذوا ما تجمّع في الحفيرة من حيتان وقالوا :إنّما صدناه يوم الحد ،فعوقبوا بالمسخ قرد ًة لنّهم استحلّوا الحرام بالحيلة . ولقد حذّر النّبيّ صلى ال عليه وسلم من ارتكاب الحيل ،كما فعلته بنو إسرائيل فقال صلى ال عليه وسلم « :ل ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلّوا محارم اللّه بأدنى الحيل » .ومعنى أدنى الحيل ،أي أسهلها وأقربها ،كما في المطلّق ثلثا ،فمن السّهل عليه أن يعطي مالًا لمن ي الّتي هي نكاح الرّغبة ،فإنّها يصعب معها ينكح مطلّقته ليحلّها له ،بخلف الطّريق الشّرع ّ عودها إليه .وكذلك من أراد أن يقرض ألفا بألف وخمسمائة ،فمن أدنى الحيل أن يعطيه ألفا إلّ درهما باسم القرض ،ويبيعه خرق ًة تساوي درهما بخمسمائة درهم ودرهم ،فإنّها من أدنى الحيل إلى الرّبا وأسهلها ،كما فعلت اليهود في العتداء يوم السّبت .
ل على أنّ العمال تابعة -5قوله صلى ال عليه وسلم « :إنّما العمال بال ّنيّات » يد ّ ل ما نواه وأبطنه ل ما أعلنه لمقاصدها ونيّاتها ،وأنّه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله إ ّ وأظهره ،فمن نوى الرّبا بعقد البيع في الرّبويّات وأدّى إلى الرّبا كان مرابيا ،وكلّ عمل قصد به التّوصّل إلى تفويت حقّ كان محرّما .وتفصيله في مصطلح ( مخارج ) .
حيوان * التّعريف : حيَوَانُ } أي : ن الدّارَ الْآخِرَ َة َل ِهيَ ا ْل َ - 1الحيوان نقيض الموتان وفي القرآن الكريم { :وَإِ ّ الحياة الّتي ل يعقبها موت .وقيل الحيوان في الية مبالغة في الحياة كالموتان للموت الكثير. ل ذي روح ،ناطقا كان أو غير ناطق ،مأخوذ من الحياة ويستوي في لفظ " ويطلق على ك ّ الحيوان " الواحد والجمع ،لنّه مصدر في الصل .وقيل الحيوان بمعنى الحياة ضدّ الموت .والحيوان في الصطلح :هو الجسم النّامي الحسّاس المتحرّك بالرادة . أ -الدّابّة :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الدّابّة كلّ ما دبّ على الرض .وخالف فيه بعضهم ،فأخرج الطّير من الدّوابّ ،وأمّا تخصيص الفرس والبغل والحمار بالدّابّة عند الطلق فعرف طارئ .وغلب اسم الدّابّة على ص من الحيوان على القول المشهور . ما يركب .فالدّابّة أخ ّ ب -البهيمة : ب الب ّر والبحر ،وكلّ حيوان ل يميّز فهو بهيمة ،والجمع - 3البهيمة كلّ ذات أربع من دوا ّ " بهائم " .فالبهيمة أخصّ من الحيوان ومن الدّابّة . ج -النّعم : - 4النّعم جمع ل واحد له من لفظه بمعنى :المال الرّاعي ،وأكثر ما يقع على البل .قال أبو عبيد :النّعم :الجمال فقط ،ويؤنّث ويذكّر ،وجمعه نعمان ،وجمع النعام " أناعيم " . وقيل النعام :ذوات الخفّ والظّلف ،وهي البل والبقر والغنم . فالنعام أخصّ الجميع بالمقارنة مع الحيوان والبهيمة .
الحكام الّتي تتعلّق بالحيوان : أ -أكل الحيوان :
ل ما ل في الجملة إ ّ - 5ما يتأتّى أكله من الحيوان يصعب حصره ،والصل في الجميع الح ّ استثني فيما يلي :
سنّة وعليه الجماع . الوّل الخنزير :فهو محرّم بنصّ الكتاب وال ّ واختلفوا فيما عداه من الحيوان :فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يحلّ أكل كلّ ذي ناب من السّباع :كالسد ،والنّمر ،والفهد ،والذّئب ،والكلب وغيرها ،ول ذي مخلب من الطّير كالصّقر ،والبازي .والنّسر ،والعقاب والشّاهين وغيرها .لنّه عليه الصلة والسلم « نهى ل ذي مخلب من الطّير » . ل ذي ناب من السّباع ،وعن ك ّ عن ك ّ ثمّ اختلفوا في تحليل وتحريم بعض آحاد الحيوان ،كالخيل ،والضّبع ،والثّعلب ،وأنواع الغراب وغيرها .ينظر تفصيلها في مصطلح ( أطعمة ) . وانعقد المذهب عند المالكيّة في رواية ،أنّه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النّمل والدّود، ل الدميّ والخنزير فهما محرّمان إجماعا . وما بين ذلك إ ّ ي ،ويحيى بن وكذلك ل يحرم عندهم شيء من الطّير في رواية ،وبه قال اللّيث والوزاع ّ سعيد .واحتجّوا بعموم اليات المبيحة ،وقول أبي الدّرداء وابن عبّاس :ما سكت اللّه عنه فهو ممّا عفا عنه . ل سبع ضار كالسد ،والذّئب ، الثّاني :ما أمر بقتله كالحيّة ،والعقرب ،والفأرة ،وك ّ وغيرهما ممّا سبق . ن من الصول المعتبرة في التّحليل والتّحريم الستطابة ، الثّالث :المستخبثات :فإ ّ والستخباث ،ورآه الشّافعيّ رحمه ال الصل العظم والعمّ .والصل في ذلك قوله تعالى ط ّيبَاتُ } ل ُأحِلّ َل ُكمُ ال ّ سأَلُو َنكَ مَاذَا ُأحِلّ َل ُهمْ قُ ْ خبَآئِثَ } ،وقوله تعالى َ { :ي ْ َ { :و ُيحَ ّرمُ عََل ْيهِ ُم ا ْل َ وتفصيل الموضوع في مصطلح ( أطعمة ) .
ب -ذكاة الحيوان : ن المأكول من الحيوان ل يحلّ إلّ بالذّبح المعتبر ،وهو ما - 6ل خلف بين الفقهاء في أ ّ كان بين الحلق والّلبّة حال الختيار .وذكاة الضّرورة :جرح وطعن وإنهار دم في أيّ موضع وقع من البدن .ويستثنى السّمك والجراد ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أحلّت لنا ميتتان ودمان ،فأمّا الميتتان .فالحوت والجراد ،وأمّا الدّمان :فالكبد والطّحال » . ن ذبحه كموته ،وقال الحنفيّة :يطهر وأمّا ما ل يؤكل لحمه ،فذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ لحمه وشحمه وجلده ،حتّى لو وقع في الماء القليل ل يفسده إلّ أنّه ل يحلّ أكله . وهذا بالنّسبة لغير الخنزير .أمّا الخنزير فإنّه رجس . وفي الموضوع خلف وتفصيل ينظر في ( ذبائح ) .
ج -زكاة الحيوان :
ل في النّعم ،وهي البل ،والبقر ،والغنم ، - 7أجمع الفقهاء على أنّه ل تجب الزّكاة إ ّ واختلفوا في الخيل ،ينظر تفصيله في مصطلح ( :زكاة ) .
د -النفاق على الحيوان والرّفق به : - 8ل خلف بين الفقهاء في أنّه يجب على المالك إطعام بهائمه ،وسقيها ،وريّها ولو كانت مريض ًة ل ينتفع بها ،لحديث ابن عمر مرفوعا قال « :عذّبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت فدخلت النّار ،ل هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ،ول هي تركتها تأكل من خشاش الرض » متّفق عليه .كما يحرم أن يحمّله ما ل يطيق ،لنّ فيه تعذيبا له . وإن امتنع المالك من النفاق على بهيمته أجبر عليه عند الجمهور ديانةً وقضاءً ،وقال الحنفيّة :ل يجبر على نفقة البهائم قضاءً في ظاهر الرّواية ،ويجبر ديانةً وعليه الفتوى . وفي الموضوع تفصيل ينظر في مصطلح ( :نفقة ) .
هس -جناية الحيوان والجناية عليه :
- 9يرى جمهور الفقهاء أنّ راكب الدّابّة يضمن ما وطئته بيدها أو رجلها ،ول يضمن ما نفحت بذنبها أو رجلها . والصل في ذلك أنّ المرور في طريق المسلمين مباح بشرط السّلمة فيما يمكن الحتراز ن المتسبّب ضامن إذا كان متع ّديًا ،والمباشر يضمن مطلقًا . عنه ،وأ ّ ن عمر رضي ال عنه وكذلك يضمن الحيوان ،والنّقصان فيه ،في الجناية عليه ،لما روي أ ّ قضى في عين الدّابّة ربع القيمة .والمراد بالعين ،العين الباصرة ،وإنّما كان ضمان العين ربع القيمة ،لنّها تعمل بعينيها وعيني قائدها . وتفصيل ذلك في مصطلحي ( :جناية وضمان ) .
مواطن البحث : - 10تكلّم الفقهاء عن الحيوان بالضافة إلى ما سبق في مواطن أخرى منها :بيع الحيوان، وما يعتبر فيه عيبا ،في كتاب البيع ،وخيار العيب ،وعن السّلم فيه في السّلم ،وعن ثبوت الشّفعة فيه في الشّفعة وعن استئجاره في الجارة ،وعن التقاطه في اللّقطة ،وعن صيده والصّيد به في الصّيد والحرام . نهاية الجزء الثامن عشر من الموسوعةالفقهية