أيسر التفاسير 002

  • Uploaded by: Mrw
  • 0
  • 0
  • November 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View أيسر التفاسير 002 as PDF for free.

More details

  • Words: 453,519
  • Pages: 1,274
‫الكتاب ‪ :‬أيسر التفاسير لكلم العلي الكبير‬ ‫نسخة موافقة للمطبوع‬ ‫المؤلف ‪ :‬جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري‬ ‫الناشر ‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬ ‫الطبعة ‪ :‬الخامسة‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‬ ‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬ ‫‪http://www.raqamiya.org‬‬ ‫[ الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬ومعه حاشيته المسماة نهر الخير على أيسر‬ ‫التفاسير ]‬ ‫شيء عندك انقطعت بك الحياة ولم تجد ما تواصل به سيرك في بقية عمرك فتكون كالبعير الذي‬ ‫أعياه السير فانقطع عنه وترك محسورا في الطريق ل يستطيع صاحبه رده إلى أهله‪ ،‬ول‬ ‫مواصلة السير عليه إلى وجهته‪ .‬وقوله‪{ :‬إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء} أي يوسع على من‬ ‫يشاء امتحانا له أيشكر أم يكفر ويقدر لمن يشاء أي يضيق على من يشاء ابتلء له أيصبر أم‬ ‫يضجر ويسخط‪{ ،‬إنه كان بعباده خبيرا بصيرا} فلذا هو يوسع ويضيق بحسب علمه وحكمته‪ ،‬إذ‬ ‫من عباده من ل يصلحه إل السعة‪ ،‬ومنهم من ل يصلحه إل الضيق‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ول تقتلوا‬ ‫أولدكم خشية إملق} أي ومما حكم به وقضى ووصى {أل تقتلوا أولدكم} أي أطفالكم ‪{ 1‬خشية‬ ‫إملق} أي مخافة الفاقة والفقر‪ ،‬إذ كان العرب يئدون البنات خشية العار ويقتلون الولد الذكور‬ ‫كالناث مخافة الفقر فأوصى تعالى بمنع ذلك وقال متعهدا متكفلً برزق الولد وآبائهم فقال‪:‬‬ ‫{نحن نرزقهم وإياكم} وأخبر تعالى أن قتل الولد {كان خطئا‪ 2‬كبيرا} أي إثما عظيما فكيف يقدم‬ ‫عليه المؤمن؟‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ول تقربوا ‪ 3‬الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلً‪ }4‬أي ومن جملة ما حكم به ووصى أن ل‬ ‫تقربوا أيها المؤمنون الزنا مجرد قرب منه قبل فعله‪ ،‬لن الزنا كان في حكم ال فاحشة أي خصلة‬ ‫قبيحة شديدة القبح ممجوجة طبعا وعقلً وشرعا‪ ،‬وساء طريق هذه الفاحشة سبيلً أي بئس الطريق‬ ‫الموصل إلى الزنا طريقا للثار السيئة والنتائج المدمرة التي تترتب عليه أولها أذية المؤمنين في‬ ‫أعراضهم وآخرها جهنم والصطلء بحرها والبقاء فيها أحقابا طويلة‪ .‬وقوله‪{ :‬ول تقتلوا النفس‬ ‫التي حرم ال إل بالحق} أي ومما حكم تعالى به وأوصى أن ل تقتلوا أيها المؤمنون النفس التي‬ ‫حرم ال أي قتلها إل بالحق‪ ،‬وقد بيّن رسول ال صلى ال عليه وسلم الحق الذي تقتل به نفس‬ ‫المؤمن وهو واحدة من ثلث‪ :‬القتل العمد العدوان‪ ،‬الزنا بعد الحصان‪ ،‬الكفر بعد اليمان‪ .‬وقوله‪:‬‬

‫{ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا‪ }5‬أي من قتل له قتيل ظلما وعدوانا أي غير خطأ فقد‬ ‫أعطاه تعالى سلطة كاملة على قاتل وليه إن شاء قتله وإن شاء أخذ دية منه‪ ،‬وإن شاء عفا عنه‬ ‫لوجه ال تعالى‪ :‬وقوله‪{ :‬فل يسرف ‪ 6‬في القتل إنه كان منصورا‪ }7‬أي ل يحل لولي الدم أي لمن‬ ‫قتل له‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الملق‪ :‬الفقر‪ ،‬وعدم الملك‪ ،‬يقال‪ :‬أملق الرجل‪ :‬إذا لم يبق له إل الملقات‪ ،‬وهي الحجارة‬ ‫العظام المُلس‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال‪ :‬خطىء يخطأ خطئا‪ ،‬وخطأ‪ :‬إذا أذنب‪ .‬وأخطأ يُخطىء‪ :‬خطأً إذا سلك سبيل خطإٍ عمدا‪.‬‬ ‫‪ 3‬قالت العلماء‪ :‬قول‪{ :‬ول تقربوا الزنى}‪ :‬أبلغ من قول‪ :‬ول تزنوا‪ ،‬فإن معناه ل تدنوا من الزنى‬ ‫والزنى يم ّد ويقصر لغتان‪.‬‬ ‫‪ 4‬قبح سبيل إي‪ :‬طريقا لنه يؤدي إلى النار‪.‬‬ ‫‪ 5‬الولي‪ :‬هو المستحق الدّم رجلً كان أو امرأة‪ ،‬والسلطان معناه التسليط فهو إن شاء قتل وإن‬ ‫شاء عفا‪ ،‬وإن شاء أخذ الدية‪.‬‬ ‫‪ 6‬أي‪ :‬فل يقتل غير قاتله‪ ،‬ول يمثّل بالقتيل‪ ،‬ول يقتل بالواحد اثنين أو أكثر ول بالعبد الحر‪.‬‬ ‫‪ 7‬جملة‪ :‬إنه كان منصورا‪ :‬تعليلية أي‪ :‬علّة للنهي عن السراف في القتل‪.‬‬

‫( ‪)3/191‬‬ ‫قتيل أن يسرف في القتل فيقتل بدل الواحد أكثر من واحد أو بدل المرأة رجل‪ .‬أو يقتل غير‬ ‫القاتل‪ ،‬وذلك أن ال تعالى أعطاه سلطة تمكنه من قتل قاتله فل يجوز أن يقتل غير قاتله كما كانوا‬ ‫في الجاهلية يفعلون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬العدة الحسنة تقوم مقام الصدقة لمن لم يجد ما يتصدق به على من سأله‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة البخل‪ ،‬والسراف معا وفضيلة العتدال والقصد‪.‬‬ ‫‪ -3‬تجلى حكمة ال تعالى في التوسعة على أناس‪ ،‬والتضييق على آخرين‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة قتل الولد بعد الولدة أو إجهاضا قبلها خوفا من الفقر أو العار‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة مقدمات الزنا كالنظر بشهوة والكلم مع الجنبية ومسها وحرمة الزنا وهو أشد‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة قتل النفس التي حرم ال قتلها إل بالحق والحق قتل عمد عدوانا‪ ،‬وزنا بعد إحصان‪،‬‬ ‫وكفر بعد إيمان ‪.1‬‬ ‫سؤُولً(‪)34‬‬ ‫حسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُ ّد ُه وََأ ْوفُواْ بِا ْل َعهْدِ إِنّ ا ْل َعهْدَ كَانَ مَ ْ‬ ‫وَلَ َتقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ِإلّ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬

‫حسَنُ تَ ْأوِيلً(‪َ )35‬ولَ َتقْفُ مَا لَيْسَ َلكَ‬ ‫وََأ ْوفُوا ا ْلكَ ْيلَ إِذا كِلْتُ ْم وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ ذَِلكَ خَيْ ٌر وَأَ ْ‬ ‫سؤُولً(‪َ )36‬ولَ َتمْشِ فِي الَرْضِ مَرَحًا‬ ‫سمْ َع وَالْ َبصَرَ وَالْ ُفؤَادَ ُكلّ أُول ِئكَ كَانَ عَنْهُ مَ ْ‬ ‫بِهِ عِ ْلمٌ إِنّ ال ّ‬ ‫ض وَلَن تَبْلُغَ ا ْلجِبَالَ طُولً(‪ُ )37‬كلّ ذَِلكَ كَانَ سَيّئُهُ عِ ْندَ رَ ّبكَ َمكْرُوهًا(‪ )38‬ذَِلكَ‬ ‫ق الَ ْر َ‬ ‫إِ ّنكَ لَن َتخْرِ َ‬ ‫جهَنّمَ مَلُومًا مّ ْدحُورًا(‪)39‬‬ ‫ج َعلْ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَتُ ْلقَى فِي َ‬ ‫ح ْكمَةِ وَلَ تَ ْ‬ ‫ِممّا َأوْحَى إِلَ ْيكَ رَ ّبكَ مِنَ الْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لحديث الصحيحين‪" :‬ل يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال إل‬ ‫بإحدى ثلث‪ :‬النفس بالنفس‪ ،‬والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة" وفي السنن‪:‬‬ ‫"لزوال الدنيا عند ال أهون من قتل مسلم"‪.‬‬

‫( ‪)3/192‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إل بالتي هي أحسن ‪ :‬أي أل بالخصلة التي هي أحسن من غيرها وهي تنميته والنفاق عليه منه‬ ‫بالمعروف‪.‬‬ ‫حتى يبلغ أشده‪ :‬أي بلوغه سن التكليف وهو عاقل رشيد‪.‬‬ ‫وأوفوا بالعهد‪ :‬أي إذا عاهدتم ال أو العباد فأوفوا بما عاهدتم عليه‪.‬‬ ‫إن العهد كان مسئول ‪ :‬أي عنه وذلك بأن يسأل العبد يوم القيامة لم نكثت عهدك؟‬ ‫أوفوا الكيل‪ :‬أي اتموه ول تنقصوه‪.‬‬ ‫بالقسطاس المستقيم‪ :‬أي الميزان السوي المعتدل‪.‬‬ ‫وأحسن تأويلً‪ :‬أي مآلً وعاقبة‪.‬‬ ‫ول تقف‪ :‬أي ول تتبع‪.‬‬ ‫والفؤاد‪ :‬أي القلب‪.‬‬ ‫كان عنه مسئولً ‪ :‬أي عن كل واحد من هذه الحواس الثلث يوم القيامة‪.‬‬ ‫مرحا‪ :‬أي ذا مرح بالكبر والخيلء‪.‬‬ ‫لن تخرق الرض ‪ :‬أي لن تثقبها أو تشقها بقدميك‪.‬‬ ‫من الحكمة‪ :‬أي التي هي معرفة المحاب ل تعالى للتقرب بها إليها ومعرفة المساخط لتتجنبها‬ ‫تقربا إليه تعالى بذلك‪.‬‬ ‫ملوما مدحورا‪ :‬أي تلوم نفسك على شركك بربك مبعدا من رحمة ال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في بيان ما قضى به ال تعالى على عباده المؤمنين ووصاهم به فقال تعالى‪:‬‬ ‫{ول تقربوا} أي أيها المؤمنون {مال اليتيم إل بالتي هي أحسن} أي بالفعلة التي هي أجمل وذلك‬

‫بأن تتصرفوا فيه بالتثمير له والصلح فيه‪ ،‬والنفاق منه على اليتيم بالمعروف أما أن تقربوه‬ ‫لتأكلوه إسرافا وبدارا فلل‪ .‬وقوله‪ :‬حتى يبلغ أشده أي حتى يبلغ سن الرشد فتحاسبوه وتعطوه ماله‬ ‫يتصرف فيه حسب المشروع من التصرفات المالية‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وأوفوا بالعهد ‪ }1‬أي ومما‬ ‫أوصاكم به أن توفوا بعهودكم التي بينكم وبين ربكم وبينكم وبين سائر الناس مؤمنهم وكافرهم فل‬ ‫يحل لكم أن ل توفوا بالعهد وأنتم قادرون على الوفاء بحال من الحوال‪ .‬وقوله‪{ :‬إن العهد كان‬ ‫مسئولً‪ }2‬تأكيد للنهي عن نكث العهد إذ أخبر تعالى أن العبد‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬التعريف في "العهد" للجنس ليشمل سائر العهود‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة تعليلية علل بها المر بالوفاء بالعهود‪ ،‬وحذف متعلق مسئول لظهوره‪ :‬وهو عنه أي‬ ‫مسئول عنه‪.‬‬

‫( ‪)3/193‬‬ ‫سيسأل عن عهده الذي لم يف به يوم القيامة‪ ،‬ومثل العهد سائر العقود من نكاح وبيع وإيجار وما‬ ‫إلى ذلك لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} أي العهود‪ ،‬وقوله‪{ :‬وأوفوا الكيل إذا كلتم‬ ‫وزنوا بالقسطاس ‪ 1‬المستقيم} هذا مما أمر ال تعالى وهو إيفاء الكيل والوزن أي توفيتهما وعدم‬ ‫بخسهما ونقصهما شيئا ولو يسيرا ما دام في المكان عدم نقصه‪ ،‬أما ما يعسر التحرز منه فهو‬ ‫من العفو لقوله تعالى‪{ :‬ل نكلف نفسا إل وسعها}‪ .‬وقوله {ذلك خير وأحسن تأويل} أي ذلك الوفاء‬ ‫والتوفية في الكيل والوزن خير لبراءة الذمة وطيب النفس به وأحسن تأويل أي عاقبة إذ يبارك‬ ‫ال تعالى في ذلك المال بأنواع من البركات ل يعلمها إل هو عز وجل‪ .‬ومن ذلك أجر الخرة‬ ‫وهو خير فإن من ترك المعصية وهو قادر عليها أثابه ال تعالى على ذلك بأحسن ثواب‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬ول تقف ‪ 2‬ما ليس لك به ‪ 3‬علم} أي ل تتبع بقول ول عمل ما ل تعلم‪ ،‬ول تقل رأيت كذا‬ ‫وأنت لم تر‪ ،‬ول سمعت كذا وأنت لم تسمع‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إن السمع والبصر والفؤاد} أي القلب‬ ‫{كل أولئك كان عنه ‪ 4‬مسئولً} أي ل تقف ما ليس لك به علم‪ ،‬لن ال تعالى سائل هذه العضاء‬ ‫يوم القيامة عما قال صاحبها أو عمل فتشهد عليه بما قال أو عمل مما ل يحل له القول فيه أو‬ ‫العمل‪ .‬ومعنى أولئك أي تلك المذكورات من السمع والبصر والفؤاد‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ول تمش في‬ ‫الرض مرحا} أي خيلء وتكبرا أي مما حرم تعالى وأوصى بعدم فعله المشي في الرض مرحا‬ ‫أي تكبرا واختيالً‪ ،‬لن الكبر حرام وصاحبه ل يدخل الجنة‪ ،‬وقوله {إنك لن تخرق الرض} أي‬ ‫برجليك أيها المتكبر لن المتكبر يضرب الرض برجليه اعتزازا واهتزازا‪ ،‬ولن تبلغ الجبال‬ ‫طول مهما تعاليت وتطاولت فإنك كغيرك من الناس ل تخرق الرض أي تثقبها أو تقطعها‬ ‫برجليك ول تبلغ علو الجبال فلذا أترك مشية الخيلء والتكبر‪ ،‬لن ذلك معيب ومنقصة ول يأتيه‬

‫إل ذو حماقة وسفه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} أي كل ذلك المأمور به‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬القسطاس بضم القاف قراءة الجمهور وبكسرها قراءة حفص وهو اسم للميزان أي آلة الوزن‪،‬‬ ‫واسم للعدل أيضا وقيل هو معرب من الرومية مركب من قسط أي عدل وطاس وهو كفة الميزان‬ ‫والصل ضم القاف وكسره العرب لنه أعجمي وهم يقولون أعجمي العب به ما شئت‪.‬‬ ‫‪ 2‬القفو‪ :‬التباع يقال قفاه يقفوه إذا اتبعه وهو مشتق من القفا وهو وراء العنق‪.‬‬ ‫‪ 3‬بهذه الحكمة وهي ول تقف ما ليس لك به علم‪ :‬وضع حد لكثير من المفاسد التي كانت تقع‬ ‫لسبب القول بدون علم منها‪ :‬الطعن في النساب لمجرد ظن‪ .‬ومنها القذف بالفاحشة‪ .‬ومنها‬ ‫الكذب‪ ،‬ومنها شهادة الزور إلى غير ذلك من الضرار التي تتم بسبب القول بالظن وبدون علم‪.‬‬ ‫‪ 4‬كل أولئك‪ :‬المفروض أن يقال‪ :‬كلها ولكن عدل إلى أولئك لهمية تلك الحواس ونظير هذا في‬ ‫كلم العرب قول الشاعر‪:‬‬ ‫ذم المنازل بعد منزلة اللوى‬ ‫والعيش بعد أولئك اليام‬

‫( ‪)3/194‬‬ ‫والمنهي عنه من قوله تعالى‪{ :‬وقضى ربك} إلى قوله {كل ذلك كان سيئه ‪ 1‬عند ربك مكروها}‬ ‫سيئة كالتبذير والبخل وقتل الولد والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم‪ ،‬وبخس الكيل والوزن‪،‬‬ ‫والقول بل علم كالقذف وشهادة الزور‪ ،‬والتكبر كل هذا الشيء مكروه عند ال تعالى إذا فل تفعله‬ ‫يا عبد ال وما كان من حسن فيه كعبادة ال تعالى وحده وبر الوالدين والحسان إلى ذوي القربى‬ ‫والمساكين وابن السبيل والعدة الحسنة فكل هذا الحسن هو عند أل حسن فأته يا عبد ال ول تتركه‬ ‫ومن قرأ كنافع كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فإنه يريد ما اشتملت عليه اليات من التبذير‬ ‫والبخل وقتل النفس إلى آخر المنهيات‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ذلك ‪ 2‬مما أوحى إليك ربك من الحكمة} أي ذلك الذي بيّنّا لك يا رسولنا من‬ ‫الخلق الفاضلة والخلل الحميدة التي أمرناك بالخذ بها والدعوة إلى التمسك بها‪ ،‬ومن الخلل‬ ‫القبيحة والخصال الذميمة التي نهيناك عن فعلها وحرمنا عليك إتيانها مما أوحينا إليك في كتابنا‬ ‫هذا من أنواع الحكم وضروب العلم والمعرفة‪ ،‬فلله الحمد وله المنة‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ول تجعل ‪ 3‬مع ال إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا‪ }4‬هذه أم الحكم بدأ بها‬ ‫السياق وختمه بها تقريرا وتأكيدا إذ تقدم قوله تعالى‪{ :‬ول تجعل مع ال إلها آخر فتقعد مذموما‬ ‫مخذولً}‪ .‬والخطاب وإن كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم فإن كل أحد معني به فأي إنسان‬ ‫يشرك بربه أحدا من خلقه في عبادته فقد جعله إلها مع ال‪ ،‬ولبد أن يلقى في جهنم ملوما من‬

‫نفسه مدحورا مبعدا من رحمة ربه التي هي الجنة‪ .‬وهذا إذا مات قبل أن يتوب فيوحد ربه في‬ ‫عباداته‪ .‬إذ التوبة إذا صحت جَبّت ما قبلها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة مال اليتيم أكل أو إفسادا أو تضييعا وإهمالً‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الوفاء بالعهود وسائر العقود‪.‬‬ ‫!‪ -‬وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة بخس الكيل والوزن‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور‪ :‬سيئة‪ ،‬وقرأ حفص‪ :‬سيئه‪ ،‬والسيئة ضد الحسنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الشارة إلى ما تقدم‪ ،‬والجملة مذيّل بها الكلم تنبيها على ما اشتملت عليه اليات السبع عشرة‬ ‫من الحكمة تحريضا على إتباع ما فيها وانه خير عظيم كما فيها المتنان على النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم وعلى أمته بهذه الحكم والمعارف النافعة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه الجملة معطوفة على مثيلتها المتضمنة للنهي عن كبائر الذنوب وهي مؤكدة لمضمون‬ ‫جملة‪{ :‬وقضى ربك ألّ تعبدوا إلّ إياه}‪.‬‬ ‫‪ 4‬المدحور‪ :‬هو المطرود من رحمة ال المغضوب عليه من ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/195‬‬ ‫‪ -4‬حصول البركة لمن يمتثل أمر ال في كيله ووزنه‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة القول أو العمل بدون علم لما ُي ْقضِي إليه ذلك من المفاسد ولن ال تعالى سائل كل‬ ‫الجوارح ومستشهدها على صاحبها يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة الكبر ومقت المتكبرين‪.‬‬ ‫‪ -7‬انتظام هذا السياق لخمس وعشرين حكمة الخذ بها خير من الدنيا وما فيها‪ ،‬والتفريط فيها هو‬ ‫سبب خسران الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫عظِيمًا(‪ )40‬وََلقَدْ صَ ّرفْنَا فِي َهذَا‬ ‫خذَ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ إِنَاثًا إِ ّن ُكمْ لَ َتقُولُونَ َق ْولً َ‬ ‫ن وَاتّ َ‬ ‫َأفََأصْفَاكُمْ رَ ّبكُم بِالْبَنِي َ‬ ‫ا ْلقُرْآنِ لِيَ ّذكّرُو ْا َومَا يَزِي ُدهُمْ ِإلّ ُنفُورًا(‪ )41‬قُل ّلوْ كَانَ َمعَهُ آِلهَةٌ َكمَا َيقُولُونَ إِذًا لّبْ َتغَوْاْ إِلَى ذِي‬ ‫سمَاوَاتُ السّ ْب ُع وَالَرْضُ‬ ‫عمّا َيقُولُونَ عُُلوّا كَبِيرًا(‪ )43‬تُسَبّحُ َلهُ ال ّ‬ ‫ا ْلعَرْشِ سَبِيلً(‪ )42‬سُبْحَانَهُ وَ َتعَالَى َ‬ ‫غفُورًا(‪)44‬‬ ‫حهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬ ‫ح ْم َد ِه وََلكِن لّ َت ْف َقهُونَ تَسْبِي َ‬ ‫شيْءٍ ِإلّ ُيسَبّحُ بِ َ‬ ‫ن وَإِن مّن َ‬ ‫َومَن فِيهِ ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفأصفاكم‪ :‬الستفهام للتوبيخ والتقريع ومعنى أصفاكم خصكم بالبنين واختارهم لكم‪.‬‬ ‫ولقد صرفنا في هذا القرآن‪ :‬أي بينا فيه من الوعد والوعيد والمثال والعظات والحكام والعبر‪.‬‬

‫ليذكروا ‪ :‬أي ليذكروا فيتعظوا فيؤمنوا ويطيعوا‪.‬‬ ‫لبتغوا إلى ذي العرش سبيل‪ :‬أي َلطَلَبوا طريقا إلى ال تعالى للتقرب إليه وطلب المنزلة عنده‪.‬‬ ‫ومن فيهن‪ :‬أي في السموات من الملئكة والرض من إنسان وجان وحيوان‪.‬‬

‫( ‪)3/196‬‬ ‫وإن من شيء إل يسبح ‪ :‬أي وما من شيء إل يسبح بحمده من سائر المخلوقات‪.‬‬ ‫حليما غفورا ‪ :‬حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على معصيتكم إياه وعدم طاعتكم له‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى مقرعا موبخا المشركين الذين يئدون البنات ويكرهونهنّ ثم هم يجعلون الملئكة إناثا‬ ‫{أفأصفاكم ربكم ‪ 1‬بالبنين} أي أخصكم بالبنين {واتخذ من الملئكة إناثا إنكم لتقولون قول عظيما}‬ ‫أيها المشركون إذ تجعلون ل ما تكرهون افترءً وكذبا على ال تعالى‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ولقد صرفنا‬ ‫‪ 2‬في هذا القرآن} أي من الحجج والبينات والمثال والمواعظ الشيء الكثير من أجل أن ُيذّكروا‬ ‫فيذكروا ويتعظوا فيُنيبوا إلى ربهم فيوحدونه وينزهونه عن الشريك والولد‪ ،‬ولكن ما يزيدهم‬ ‫القرآن وما فيه من البينات والهدى إل نفورا وبعدا عن الحق‪ .‬وذلك لغلبة التقليد عليهم‪ ،‬والعناد‬ ‫والمكابرة والمجاحدة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قل لو كان معه آلهة كما تقولون} أي قل يا نبينا لهؤلء‬ ‫المشركين المتخذين ل أندادا يزعمون أنها آلهة مع ال قل لهم لو كان مع ال آلهة كما تقولون‬ ‫وإن كان الواقع يكذبكم إذ ليس هناك آلهة مع ال ولكن على فرض أنه لو كان مع ا ل آلهة‬ ‫{لبتغوا إلى ذي العرش سبيلً} أي لطلبوا طريقا إلى ذي العرش سبحانه وتعالى يلتمسون فيها‬ ‫رضاه ويطلبون القرب منه والزلفى إليه لجلله وكماله‪ ،‬وغناه وحاجتهم وافتقارهم ‪ 3‬إليه‪ .‬ثم نزه‬ ‫سبحانه وتعالى نفسه أن يكون معه آلهة فقال {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا}‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{تسبح له السموات السبع والرض ومن فيهن ‪ }4‬فأخبر تعالى منزها نفسه مقدّسا ذاته عن الشبيه‬ ‫والشريك والولد والعجز‪ ،‬فأخبر أنه لعظمته وكماله تسبح له السموات السبع والرض ومن فيهن‬ ‫بكلمة‪ :‬سبحان ال وبحمده {وإن من شيء إل يسبح بحمده} كما أخبر أنه ما من شيء من‬ ‫المخلوقات إل ويسبح بحمده‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة متفرعة عن جملة‪{ :‬ول تجعل مع ال إلها آخر} وهي متضمنة للنكار على المشركين‬ ‫في تسميتهم الملئكة إناثا ونسبتهم إلى ال تعالى إذ قالوا‪ :‬الملئكة بنات ال تعالى ال عن ذلك‪،‬‬ ‫كما هي متضمنة توييخ المشركين على سوء فهمهم وقبيح قولهم بدليل قوله‪{ :‬انكم لتقولون قولً‬ ‫عظيما}‪.‬‬ ‫‪ 2‬من الجائز أن تكون (في) مزيدة‪ ،‬والقرآن‪ :‬معمول لصرّفنا‪ ،‬إذ التصريف‪ :‬صرف الشيء من‬

‫جهة إلى جهة‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬البيان والتكرير والنتقال من حكمة إلى حكمة ومن عبرة إلى‬ ‫موعظة‪.‬‬ ‫ل كما تفعل ملوك‬ ‫‪ 3‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪" :‬لطلبوا مع ال منازعة وقتا ً‬ ‫الدنيا بعضهم ببعض‪ ،‬وقال سعيد بن جبير المعنى‪ :‬إذا لطلبوا طريقا إلى الوصول إليه ليزيلوا‬ ‫ملكه لنهم شركاؤه‪ ،‬وما قاله ابن عباس كالذي قاله سعيد جائز لكن ما ذهبنا إليه في التفسير أولى‬ ‫وألصق بمعنى اليات والسياق‪.‬‬ ‫ن والنس‪.‬‬ ‫‪ 4‬من الملئكة والج ّ‬

‫( ‪)3/197‬‬ ‫بلسان قَاِلهِ وحَالِه ‪ 1‬معا فيقول سبحان ال وبحمده وقوله‪{ :‬ولكن ل تفقهون تسبيحهم ‪ }2‬لختلف‬ ‫اللسنة واللغات‪ .‬وقوله إن كان أي {ال حليما}‪ :‬أي ل يعاجل بالعقوبة من عصاه {غفورا} يغفر‬ ‫ذنوب وزلت من تاب إليه وأناب طالبا مغفرته ورضاه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة القول على ال تعالى بالباطل ونسبة النقص إليه تعالى كاتخاذه ولدا أو شريكا‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية الستدلل بالعقليات‪ ،‬على إحقاق الحق وإبطال الباطل‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة التسبيح وهو قول‪ :‬سبحان ال وبحمده حتى إن من قالها مائة مرة غفرت ذنوبه ولو‬ ‫كانت في الكثرة مثل زبد البحر‪.‬‬ ‫‪ -4‬كل المخلوقات في العوالم كلها تسبح ال تعالى أي تنزهه كن الشريك والولد والنقص والعجز‬ ‫ومشابهة الحوادث إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪.‬‬ ‫‪ -5‬حلم ال يتجلى في عدم تعجيل عقوبة من عصاه ولول حلمه لعجل عقوبة مشركي مكة وأكابر‬ ‫مجرميها‪ .‬ولكن ال أمهلهم حتى تاب أكثرهم‪.‬‬ ‫جعَلْنَا عَلَى‬ ‫حجَابًا مّسْتُورًا(‪ )45‬وَ َ‬ ‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ ِ‬ ‫ك وَبَيْنَ الّذِي َ‬ ‫جعَلْنَا بَيْ َن َ‬ ‫وَإِذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرآنَ َ‬ ‫ح َدهُ وَّلوْاْ عَلَى َأدْبَارِهِمْ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً أَن َي ْف َقهُو ُه َوفِي آذَا ِن ِه ْم َوقْرًا وَإِذَا َذكَ ْرتَ رَ ّبكَ فِي ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫جوَى إِذْ َيقُولُ الظّاِلمُونَ إِن‬ ‫ك وَإِذْ هُمْ َن ْ‬ ‫ُنفُورًا(‪ )46‬نّحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا َيسْ َت ِمعُونَ بِهِ إِذْ َيسْ َت ِمعُونَ إِلَ ْي َ‬ ‫لمْثَالَ َفضَلّواْ فَلَ َيسْتَطِيعْونَ سَبِيلً(‪)48‬‬ ‫كاَ‬ ‫تَتّ ِبعُونَ ِإلّ َرجُلً مّسْحُورًا(‪ )47‬انظُرْ كَ ْيفَ ضَرَبُواْ َل َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المراد من لسان الحال‪ :‬هو تسبيح الدللة‪ ،‬إذ كل محدث شاهد على أن ال خالق قادر‪ ،‬ول مانع‬ ‫من أن يسبّح كل شيء من إنسان وحيوانات ونبات وجماد والجن والملئكة إل ذرية إبليس فإنهم‬ ‫ل يسبّحون بلسان القال ولكن بلسان الحال‪.‬‬

‫‪ 2‬قوله‪{ :‬ل تفقهون تسبيحهم} دليل على أن تسبيح كل شيء بلسان قاله ويؤيد هذا تسبيح الطعام‪،‬‬ ‫وسلم الحجر على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأدل من هذا قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل‬ ‫يسمع صوت مؤذن من جن ول إنس ول شجر ول حجر ول مدر ول شيء إلّ شهد له يوم‬ ‫القيامة"‪.‬‬

‫( ‪)3/198‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حجابا مستورا ‪ :‬أي ساترا لهم فل يسمعون كلم ال تعالى‪.‬‬ ‫وجعلنا على قلوبهم أكنة‪ :‬أي أغطية على القلوب فل تعي ول تفهم‪.‬‬ ‫وفي آذانهم وقرا‪ :‬أي ثقلً فل يسمعون القرآن ومواعظه‪.‬‬ ‫ولو على أدبارهم نفورا‪ :‬أي فرارا من السماع حتى ل يسمعوا‪.‬‬ ‫بما يستمعون به‪ :‬أي بسببه وهو الهزء بالنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وإذ هم نجوى‪ :‬أي يتناجون بينهم يتحدثون سرا‪.‬‬ ‫رجل مسحورا‪ :‬أي مغلويا على عقله مخدوعا‪.‬‬ ‫ضربوا لك المثال ‪ :‬أي قالوا ساحر‪ ،‬وقالوا كاهن وقالوا شاعر‪.‬‬ ‫فضلوا‪ :‬أي عن الهدى فل يستطيعون سبيلً‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وإذا قرأت القرآن}‪ 1‬يخبر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم أنه إذا قرأ‬ ‫القرآن على المشركين ليدعوهم به إلى ال تعالى ليؤمنوا به ويعبدوه وحده جعل ال تعالى بينه‬ ‫وبين المشركين حجابا‪ 2‬ساترا‪ ،‬أو مستورا ل يُرى وهو حقا حائل بينهم وبين الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم حتى ل يسمعوا القرآن الذي يقرأ عليهم فل ينتفعون به‪ .‬وهذا الحجاب ناتج عن شدة‬ ‫بغضهم للرسول صلى ال عليه وسلم وكراهيتهم لدعوته فهم لذلك ل يرونه ول يسمعون قراءته‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وجعلنا على قلوبهم أكنة أن ‪ 3‬يفقهوه} جمع كنان وهو الغطاء حتى ل يصل المعنى‬ ‫المقروء من اليات إلى قلوبهم فيفقهوه‪ ،‬وقوله‪{ :‬وفي آذانهم وقرا} أي وجعل تعالى في آذان أولئك‬ ‫المشركين الخصوم ثقلً في آذانهم فل يسمعون القرآن الذي يتلى عليهم‪ ،‬وهذا كله من الحجاب‬ ‫الساتر والكنة‪ ،‬والوقر في الذان عقوبة من ال تعالى لهم حرمهم بها من الهداية بالقرآن لسابقة‬ ‫الشر لهم وما ظلمهم ال ولكن كانوا هم الظالمين ببغضهم للرسول وما جاء به وحربهم له ولما‬ ‫جاء به من التوحيد والدين الحق‪ ،‬وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬لما نزلت (سورة تبّت يدا أبي لهب)‬

‫أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها (حجر ملء الكف) وهي تقول مذمّما‬ ‫عصينا وأمره أبينا‪ ،‬ودينه قلينا‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم قاعد في المسجد ومعه أبو بكر قال‪:‬‬ ‫يا رسول ال‪ :‬لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إنها لن تراني‬ ‫فقرأ صلى ال عليه وسلم قرآنا‪ ،‬فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت‬ ‫لبي بكر بلغني أنّ صاحبك هجاني قال ل ورب هذا البيت ما هجاك فولّت‪.‬‬ ‫‪ 2‬ساترا أي‪ :‬للرسول صلى ال عليه وسلم حتى ل يراه من أراده بسوء‪ ،‬ومستورا أي‪ :‬الحجاب‬ ‫ل يراه المشركون وهو موجود فعلً‪ ،‬ولكن ل يُرى‪.‬‬ ‫‪ 3‬أن يفقهوه أي‪ :‬لئل يفقهوه أو كراهية أن يفقهوه‪.‬‬

‫( ‪)3/199‬‬ ‫تعالى‪{ :‬وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده} بأن قلت ل إله إل ال ‪ ،1‬أو ما أفهم معنى ‪ 2‬ل إله إل‬ ‫ال ولى المشركون على أدبارهم ‪ 3‬نفورا من سماع التوحيد لحبهم الوثنية وتعلق قلوبهم بالشرك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {نحن أعلم بما يستمعون به} يقول تعالى لرسوله نحن أعلم بما يستمع به المشركون‬ ‫أي بسبب أنهم يستمعون من أجل الستهزاء بك والسخرية منك ومما تتلوه ل أنهم يستمعون للعلم‬ ‫والمعرفة ولطلب الحق والهتداء إليه‪ .‬وقوله‪{ :‬إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى} أي يناجي‬ ‫بعضهم بعضا {إذ يقول الظالمون ‪ }4‬أي المشركون {إن تتبعون} أي ل تتبعون {إل رجلً‬ ‫مسحورا} أي مخدوعا مغلوبا على أمره‪ ،‬فكيف تتبعونه إذا؟‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{ :‬انظر كيف ‪ 5‬ضربوا لك المثال} أي انظر يا رسولنا كيف ضرب لك هؤلء‬ ‫المشركون المعاندون المثال فقالوا عنك‪ :‬ساحر‪ ،‬وشاعر‪ ،‬وكاهن ومجنون فضلوا في طريقهم‬ ‫{فل يهتدون سبيل} إنهم عاجزون عن الخروج من حيرتهم هذه التي أوقعهم فيها كفرهم وعنادهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير قاعدة حبك الشيء يعمى ويصم‪ :‬فإن الحجاب المذكور في الية وكذا الكنة والثقل في‬ ‫الذان هذه كلها حالت دون سماع القرآن من أجل بغضهم للرسول صلى ال عليه وسلم وللقرآن‬ ‫وما جاء به عن الدعوة إلى التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مدى كراهية المشركين للتوحيد وكلمة الخلص ل إله إل ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مدى ما كان عليه المشركون من السخرية والستهزاء بالرسول والقرآن‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان اتهامات المشركين للرسول صلى ال عليه وسلم بالسحر مرة والكهانة ثانية والجنون‬ ‫ثالثة بحثا عن الخلص من دعوة التوحيد فلم يعثروا على شيء كما قال تعالى‪{ :‬فضلوا فل‬ ‫يستطيعون سبيل}‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬وأنت تقرأ القرآن‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬دلّ على معنى ل إله إل ال‪.‬‬ ‫‪ 3‬يجوز أن يكون نفور جمع نافر كشهود جمع شاهد‪ ،‬ويجوز أن يكون مصدرا من نفر نفورا أي‪:‬‬ ‫نفروا نفورا‪.‬‬ ‫‪ 4‬قولهم هذا وهم يتناجون يقولون إن تتبعون إل رجلً مسحورا أي‪ :‬مطبوبا قد خبله السحر‬ ‫فاختلط عليه أمره‪ .‬يقولون هذا حتى ينفروا الناس عنه ول يتبعوه‪.‬‬ ‫‪ 5‬عجّبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وأخرى شاعر فضلّوا فل يستطيعون‬ ‫سبيل يرجعون معه من حيرتهم أو يتمكنون به من صدّ الناس عنك وصرفهم عن دعوتك‪.‬‬

‫( ‪)3/200‬‬ ‫عظَامًا وَ ُرفَاتًا أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ خَ ْلقًا جَدِيدًا(‪ )49‬قُل كُونُواْ حِجَا َرةً َأوْ حَدِيدًا(‪َ )50‬أوْ‬ ‫َوقَالُواْ أَ ِئذَا كُنّا ِ‬ ‫صدُو ِركُمْ فَسَ َيقُولُونَ مَن ُيعِيدُنَا ُقلِ الّذِي فَطَ َركُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ فَسَيُ ْن ِغضُونَ إِلَ ْيكَ‬ ‫خَ ْلقًا ّممّا َيكْبُرُ فِي ُ‬ ‫حمْ ِد ِه وَتَظُنّونَ‬ ‫سهُ ْم وَيَقُولُونَ مَتَى ُهوَ ُقلْ عَسَى أَن َيكُونَ قَرِيبًا(‪َ )51‬يوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ ِب َ‬ ‫ُرؤُو َ‬ ‫إِن لّبِثْتُمْ ِإلّ قَلِيلً(‪)52‬‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ‪ :‬الستفهام للنكسار الستبعاد والرّفات الجزاء المتفرقة‪.‬‬ ‫مما يكبر في صدوركم ‪ :‬أي يعظم عن قبول الحياة في اعتقادكم‪.‬‬ ‫فطركم‪ :‬خلقكم‪.‬‬ ‫فسينغضون ‪ :‬أي يحركون رؤوسهم تعجبا‪.‬‬ ‫متى هو؟ ‪ :‬الستفهام للستهزاء أي متى هذا البعث الذي تعدنا‪.‬‬ ‫يوم يدعوكم‪ :‬أي يناديكم من قبوركم على لسان إسرافيل‪.‬‬ ‫فتستجيبون‪ :‬أي تجيبون دعوته قائلين سبحانك اللهم وبحمدك‪.‬‬ ‫وتظنون إن لبثتم إل قليلً‪ :‬وتظنون أنكم ما لبثتم في قبوركم إل قليل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير العقيدة ففي اليات قبل هذه كان تقرير التوحيد والوحي وفي هذه اليات‬ ‫تقرير البعث والجزاء الخر ففي الية (‪ )47‬يخبر تعالى عن إنكار المشركين للبعث واستبعادهم‬ ‫له بقوله‪{ :‬وقالوا ‪ 1‬أئذا كنا عظاما ورفاتا‪ }2‬أي أجزاء متفرقة كالحطام {أئنا لمبعوثون خلقا جديدا‬ ‫‪ }3‬وفي الية الثانية (‪ )48‬يأمر تعالى الرسول صلى ال عليه وسلم أن يقول لهم‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هذا من قولهم الذي قالوا وهم يسمعون القرآن‪ ،‬ويتناجون بينهم فيقولون كذا وكذا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرفات‪ :‬ما تكسّر ويَلي من كل شيء كالفتات‪ ،‬والحطام والرّضاض يقال‪ُ :‬رفِت الشيء رفتا‬ ‫أي‪ :‬حطم والستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للستهزاء مع الجحد والنكار‪ ،‬و {خلقا}‪ :‬منصوب على الحال من ضمير‬ ‫{لمبعوثون}‪.‬‬

‫( ‪)3/201‬‬ ‫كونوا ما شئتم فإن ال تعالى قادر على إحيائكم وبعثكم للحساب والجزاء وهو قوله تعالى‪ :‬قل‬ ‫كونوا حجارة أو حديدا‪ 1‬أو خلقا مما يكبر في ‪ 2‬صدوركم أي مما يعظم في نفوسكم أن يقبل‬ ‫الحياة كالموت ‪ 3‬مثل فإن ال تعالى سيحييكم ويبعثكم‪ .‬وقوله تعالى‪ :‬فسيقولون من يعيدنا؟ يخبر‬ ‫تعالى رسوله أن منكري البعث سيقولون له مستبعدين البعث‪ :‬من يعيدنا وعلمه الجواب فقال له‬ ‫قل الذي فطركم أي خلقكم أول مرة وهو جواب مسكت فالذي خلقكم ثم أماتكم هو الذي يعيدكم‬ ‫كما بدأكم وهو أهون عليه‪ .‬وقوله تعالى {فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو} يخبر تعالى‬ ‫رسوله بما سيقوله منكروا البعث له فيقول تعالى {فسينغضون} أي يحركون إليك رؤوسهم خفضا‬ ‫ورفعا استهزاء ويقولون‪{ :‬متى هو؟} أي متى البعث أي في أي يوم هو كائن‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬قل‬ ‫عسى أن يكون قريبا} علمه تعالى كيف يجيب المكذبين‪ .‬وقوله {يوم يدعوكم فتستجيبون ‪ 4‬بحمده‬ ‫وتظنون إن لبثتم إل قليلً} أي يكون بعثكم الذي تنكرونه يوم يدعوكم بأمر ال تعالى إسرافيل من‬ ‫قبوركم فتستجيبون أي فتجيبونه بحمد ‪ 5‬ال {وتظنون إن لبثتم} أي لبثتم إل قليلً أي ما لبثتم في‬ ‫قبوركم إل قليل ‪ 6‬من اللبث وذلك لما تعاينون من الهوال وتشاهدون من الحوال المفزعة‬ ‫المرعبة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء وبيان حتميتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان عليه المشركون من شدة إنكارهم للبعث الخر‪.‬‬ ‫‪ -3‬تعليم ال تعالى لرسوله كيف يجيب المنكرين المستهزئين بالتي هي أحسن‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان السلوب الحواري الهادي الخالي من الغلظة والشدة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الحديد‪ :‬تراب معدني ل يوجد إل في مغاور الرض‪ ،‬وهو تراب غليظ وأصنافه ثمانية وأشهر‬ ‫أنواعه الحمر وهو صنفان‪ ،‬ذكر وأنثى‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال مجاهد‪ :‬يعني السموات والرض والجبال لعظمها في النفوس‪.‬‬

‫ن الموت ل شيء أكبر منه في نفوس بني آدم‪ ،‬قال أمية بن الصلت‪:‬‬ ‫‪3‬لّ‬ ‫وللّموت خلق في النفوس فظيع‬ ‫وخلقا بمعنى مخلوق‪ ،،‬ومن يكبر في صدوركم صفة له‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي أنه صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬انكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا‬ ‫أسماءكم"‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال سعيد بن جبير يخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون‪ :‬سبحانك وبحمدك‪.‬‬ ‫‪ 6‬وقيل‪ :‬هذا ما بين النفختين‪ ،‬وذلك أنّ العذاب يكفّ عن المعذّبين بين النفختين وذلك أربعين عاما‬ ‫فينامون فإذا نفخ النفخة الثانية قالوا‪ :‬من بعثنا من مرقدنا وظنّوا أنهم ما لبثوا إلّ قليل‪.‬‬

‫( ‪)3/202‬‬ ‫‪ -5‬استقصار مدة اللبث في القبور مع طولها لما يشاهد من أهوال البعث‪.‬‬ ‫ع ُدوّا مّبِينًا(‬ ‫َوقُل ّلعِبَادِي َيقُولُواْ الّتِي ِهيَ أَحْسَنُ إِنّ الشّ ْيطَانَ يَن َزغُ بَيْ َنهُمْ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِلِنْسَانِ َ‬ ‫ح ْمكُمْ َأوْ إِن يَشَأْ ُيعَذّ ْبكُ ْم َومَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْي ِه ْم َوكِيلً(‪ )54‬وَرَ ّبكَ أَعَْلمُ‬ ‫‪ )53‬رّ ّبكُمْ أَعَْلمُ ِبكُمْ إِن يَشَأْ يَ ْر َ‬ ‫ض وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا(‪)55‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَلَقَدْ َفضّلْنَا َب ْعضَ النّبِيّينَ عَلَى َب ْع ٍ‬ ‫ِبمَن فِي ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫التي هي أحسن‪ :‬أي الكلمة التي هي أحسن من غيرها للطفها وحسنها‪.‬‬ ‫ينزغ ‪ :‬أي يفسد بينهم ‪.1‬‬ ‫عدوا مبينا ‪ :‬أي بيّن العداوة ظاهرها‪.‬‬ ‫ربكم أعلم بكم‪ :‬هذه هي الكلمة التي هي أحسن‪.‬‬ ‫وما أرسلناك عليهم وكيل‪ :‬أي فيلزمك إجبارهم على اليمان‪.‬‬ ‫فضلنا بعض النبيين ‪ :‬أي بتخصيص كل منهم بفضائل أو فضيلة خاصة به‪.‬‬ ‫وآتينا داود زبورا ‪ :‬أي كتابا هو الزبور هذا نوع من التفضيل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في طلب هداية أهل مكة‪ ،‬من طريق الحوار والمجادلة وحدث أن بعض المؤمنين‬ ‫واجه بعض الكافرين أثناء الجدال بغلظة لفظ كان توعده بعذاب النار فأثار ذلك حفائظ المشركين‬ ‫فأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين إذا خاطبوا المشركين أن ل يغلظوا لهم القول فقال تعالى‪:‬‬ ‫{وقل لعبادي ‪ }2‬أي المؤمنين {يقولوا التي هي أحسن} من الكلمات لتجد طريقا إلى قلوب‬ ‫الكافرين‪ ،‬وعلل لذلك تعالى فقال {إن الشيطان ينزغ بينهم} بالوسواس فيفسد العلئق التي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أن الية نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أن رجلً من العرب شتمه وسبه عمر وهم‬

‫بقتله فكادت تثير فتنة‪ ،‬والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب فلذا الية دعوة عامة لحسان‬ ‫القول في أثناء دعوة الناس وهدايتهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي بالكلمات التي هي أحسن‪.‬‬

‫( ‪)3/203‬‬ ‫كان في المكان التوصل بها إلى هداية الضالين‪ ،‬وذلك أن الشيطان كان ومازال للنسان عدوا‬ ‫مبينا أي بين العداوة ظاهرها فهو ل يريد للكافر أن يسلم‪ ،‬ول يريد للمسلم أن يؤجر ويثاب في‬ ‫دعوته‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} فيتوب عليكم فتسلموا‪{ .‬أو إن يشأ يعذبكم}‬ ‫بأن يترككم تموتون على شرككم فتدخلوا النار‪ .‬مثل هذا الكلم ينبغي أن يقول المؤمنون للكافرين‬ ‫ل أن يصدروا الحكم عليهم بأنهم أهل النار والمخلدون فيها فيزعج ذلك المشركين فيتمادوا في‬ ‫العناد والمكابرة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وما أرسلناك عليهم ‪ 1‬وكيل}‪ .‬يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك‬ ‫رقيبا عليهم فتجبرهم على السلم وإنما أرسلناك مبلغا دعوتنا إليهم بالسلوب الحسن وهدايتهم‬ ‫إلينا‪ ،‬وفي هذا تعليم للمؤمنين كيف يدعون الكافرين إلى السلم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وربك أعلم بمن‬ ‫في السموات والرض} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين ضمنا أنه تعالى أعلم بمن في السموات‬ ‫والرض فضل عن هؤلء المشركين فهو أعلم بما يصلحهم وأعلم بما كتب لهم أو عليهم من‬ ‫سعادة أو شقاء‪ ،‬وأسباب ذلك من اليمان أو الكفر‪ ،‬وعليه فل تحزنوا على تكذيبهم ول تيأسوا من‬ ‫إيمانهم‪ ،‬ول تتكلفوا ما ل تطيقون في هدايتهم فقولوا التي هي أحسن واتركوا أمر هدايتهم ل‬ ‫تعالى هو ربهم وأعلم بهم وقوله تعالى‪{ :‬ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا‬ ‫‪ ،}2‬يخبر تعالى عن انعامه بين عباده فالذي فاضل بين النبيين وهم أكمل الخلق وأصفاهم فهذا‬ ‫فضله بالخلة كإبراهيم وهذا بالتكليم كموسى‪ ،‬وهذا بالكتاب الحافل بالتسابيح والمحامد والعبر‬ ‫والمواعظ كداود‪ ،‬وأنت يا محمد بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ ،‬وبإرسالك إلى الناس‬ ‫كافة إلى غير ذلك من الفضالت وإذا تجلت هذه الحقيقة لكم وعرفتم أن ال أعلم بمن يستحق‬ ‫الهداية وبمن يستحق الضللة‪ ،‬وكذا الرحمة والعذاب ففوضوا المر إليه‪ ،‬وادعوا عباده برفق‬ ‫ولين وبالتي هي أحسن من غيرها من الكلمات‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬النهي عن الكلمة الخشنة المسيئة إلى المدعو إلى السلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الرقيب والحفيظ والوكيل والكفيل كلها بمعنى واحد في هذا السياق ومن إطلق الوكيل وإرادة‬ ‫الرقيب قول الشاعر‪:‬‬

‫ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني‬ ‫برد المور الماضيات وكيل‬ ‫‪ 2‬الزبور‪ :‬كتاب ليس فيه حلل ول حرام ول فرائض ول حدود لعدم الحاجة إلى ذلك لوجود‬ ‫التوراة بينهم‪ ،‬وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد والية صالحة لحجاج اليهود منكري نزول القرآن‬ ‫على محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/204‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الشيطان يسعى للفساد دائما فل يمكن من ذلك بالكلمات المثيرة للغضب والحاملة‬ ‫على اللجج والخصومة الشديدة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان نوع الكلمة التي هي أحسن مثل {ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم}‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن ال تعالى أعلم بخلقه فهو يهب كل عبد ما أهله له حتى إنه فاضل بين أنبيائه ورسله‬ ‫عليهم السلم في الكمالت الروحية والدرجات العالية‪.‬‬ ‫حوِيلً(‪ )56‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬ ‫شفَ الضّرّ عَنكُمْ وَلَ َت ْ‬ ‫عمْتُم مّن دُونِهِ فَلَ َيمِْلكُونَ كَ ْ‬ ‫ُقلِ ادْعُواْ الّذِينَ زَ َ‬ ‫حمَتَ ُه وَيَخَافُونَ عَذَا َبهُ إِنّ عَذَابَ رَ ّبكَ كَانَ‬ ‫ب وَيَرْجُونَ َر ْ‬ ‫يَدْعُونَ يَبْ َتغُونَ إِلَى رَ ّبهِمُ ا ْلوَسِيَلةَ أَ ّيهُمْ َأقْ َر ُ‬ ‫مَحْذُورًا(‪ )57‬وَإِن مّن قَرْيَةٍ ِإلّ َنحْنُ ُمهِْلكُوهَا قَ ْبلَ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ َأوْ ُمعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي‬ ‫لوّلُونَ وَآتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ‬ ‫سلَ بِاليَاتِ ِإلّ أَن كَ ّذبَ ِبهَا ا َ‬ ‫ا ْلكِتَابِ مَسْطُورًا(‪َ )58‬ومَا مَ َنعَنَا أَن نّرْ ِ‬ ‫جعَلْنَا‬ ‫س َومَا َ‬ ‫خوِيفًا(‪ )59‬وَإِذْ قُلْنَا َلكَ إِنّ رَ ّبكَ َأحَاطَ بِالنّا ِ‬ ‫سلُ بِاليَاتِ ِإلّ تَ ْ‬ ‫مُ ْبصِ َرةً َفظََلمُواْ ِبهَا َومَا نُ ْر ِ‬ ‫طغْيَانًا‬ ‫خ ّو ُفهُمْ َفمَا يَزِيدُهُمْ ِإلّ ُ‬ ‫ن وَنُ َ‬ ‫س وَالشّجَ َرةَ ا ْلمَ ْلعُونَةَ فِي القُرْآ ِ‬ ‫الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ ِإلّ فِتْنَةً لّلنّا ِ‬ ‫كَبِيرًا(‪)60‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فل يملكون ‪ :‬أي ل يستطيعون‪.‬‬ ‫كشف الضر‪ :‬أي إزالته بشفاء المريض‪.‬‬ ‫ول تحويل ‪ :‬أي للمرض من شخص مريض إلى آخر صحيح ليمرض به‪.‬‬

‫( ‪)3/205‬‬ ‫يدعون ‪ :‬أي ينادونهم طالبين منهم أو متوسلين بهم‪.‬‬ ‫يبتغون إلى ربهم الوسيلة‪ :‬أي يطلبون القرب منه بالطاعات وأنواع القربات‪.‬‬ ‫كان محذورا ‪ :‬أي يحذره المؤمنون ويحترسون منه بترك معاصي ال تعالى‪.‬‬ ‫في الكتاب مسطورا ‪ :‬أي في كتاب المقادير الذي هو اللوح المحفوظ مكتوبا‪.‬‬

‫أن نرسل باليات ‪ :‬أي باليات التي طلبها أهل مكة كتحويل الصفا إلى جبل ذهب‪ .‬أو إزالة جبال‬ ‫مكة لتكون أرضا زراعية وإجراء العيون فيها‪.‬‬ ‫إل ان كذب بها الولون ‪ :‬إذ طالب قوم صالح بالية ولما جاءتهم كفروا بها فأهلكهم ال تعالى‪.‬‬ ‫الناقة مبصرة‪ :‬أي وأعطينا ثمود قوم صالح الناقة آية مبصرة واضحة بينة‪.‬‬ ‫فظلموا بها‪ :‬أي كفروا بها وكذبوا فأهلكهم ال تعالى‪.‬‬ ‫إل تخويفا‪ :‬إل من أجل تخويف العباد بأنا إذا أعطيناهم اليات ولم يؤمنوا أهلكناهم‪.‬‬ ‫أحاط بالناس ‪ :‬أي قدرة وعلما فهم في قبضته وتحت سلطانه فل تخفهم‪.‬‬ ‫وما جعلنا الرؤيا ‪ : 1‬هي ما رآه الرسول صلى ال عليه وسلم ليلة السراء والمعراج من عجائب‬ ‫خلق ال تعالى‪.‬‬ ‫والشجرة الملعونة ‪ : 2‬هي شجرة الزقوم الوارد لفظها في الصافات والدخان‪.‬‬ ‫ونخوفهم ‪ :‬بعذابنا في الدنيا بالهلك والبادة وفي الخرة بالزقوم والعذاب الليم‪.‬‬ ‫فما يزيدهم‪ :‬أي التخويف إل طغينانا وكفرا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في تقرير التوحيد فيقول تعالى لرسوله قل يا محمد صلى ال عليه وسلم لولئك‬ ‫المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون ال سبحانه وتعالى فإنهم ل يملكون أن يكشفوا‬ ‫الضر عن مريض ول يستطيعون تحويله عنه إلى آخر عدو له يريد أن يمسه الضر لنهم أصنام‬ ‫وتماثيل ل يسمعون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لفظ الرؤيا يطلق في لب على الرؤيا في المنام‪ ،‬ويطلق على رؤية العين كما في هذه الية‬ ‫رواية صحيحة عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وما جعلنا الرؤيا‪ }..‬الخ قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى ال عليه وسلم ليلة أسري به‬ ‫إلى بيت المقدس‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل فيها ملعونة جريا على عادة العرب في كل طعام مكروه يقولون فيه ملعون‪ ،‬وجائز أن‬ ‫يكون المراد باللعن لعن آكلها أي‪ :‬الشجرة الملعون آكلها‪.‬‬

‫( ‪)3/206‬‬ ‫ول يبصرون فضل عن أن يستجيبوا دعاء من دعاهم لكشف ضر أو تحويله إلى غيره‪ ،‬هذا ما‬ ‫دلت عليه الية الولى (‪{ )54‬قل أدعوا ‪ 1‬الذين زعمتم من دونه‪ ،‬فل يملكون كشف الضر عنكم‬ ‫ول تحويل}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته}‬

‫{ويخافون عذابه}‪ .‬يخبرهم تعالى بأن أولئك الذين يعبدونهم من الجن ‪ 2‬أو الملئكة أو النبياء أو‬ ‫الصالحين هم أنفسهم يدعون ربهم ويتوسلون للحصول على رضاه‪ .‬بشتى أنواع الطاعات‬ ‫والقربات فالذي َيعْ ُب ُد ل ُيعْبَد‪ ،‬والذي يتقرب إلى ال بالطاعات ل يتقرب إليه وإنما يتقرب إلى من‬ ‫هو يتقرب إليه ليحظى بالمنزلة عنده‪ ،‬وقوله {يرجون رحمته ويخافون ‪ 3‬عذابه}‪ ،‬أي أن أولئك‬ ‫الذين يدعوهم الجهال من الناس ويطلبون منهم قضاء حاجاتهم هم أنفسهم يطلبون ال ويرجون‬ ‫رحمته ويخافون عذابه‪ .‬لن عذابه تعالى كان وما زال يحذره العقلء‪ ،‬لنه شديد ل يطاق‪ .‬فكيف‬ ‫يُدعى ويرجى ويخاف من هو يدعو ويرجو ويخاف لو كان المشركون يعقلون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وإن من قرية} أي مدينة من المدن {إل نحن مهلكوها} أي بعذاب إبادة قبل يوم‬ ‫القيامة‪{ ،‬أو معذبوها عذابا شديدا} بمرض أو قحط أو خوف من عدو {كان ذلك في الكتاب‬ ‫مسطورا} أي مكتوبا في اللوح المحفوظ‪ ،‬فلذا ل يستعجل أهل مكة العذاب فإنه إن كان قد كتب‬ ‫عليهم فإنه نازل بهم ل محالة وإن لم يكن قد كتب عليهم فل معنى لستعجاله فإنه غير واقع بهم‬ ‫وهم مرجون للتوبة أو لعذاب يوم القيامة وقوله تعالى‪{ :‬وما منعنا ‪ 4‬أن نرسل باليات} أي‬ ‫بالمعجزات وخوارق العادات {إل أن كذب بها} أي بالمعجزات الولون من المم فأهلكناهم ‪5‬‬ ‫بتكذيبهم بها‪ ،‬فلو أرسلنا نبينا محمدا بمثل تلك اليات وكذبت بها قريش‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬إنه لما ابتليت قريش بالقحط‪ ،‬وشكوا ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم أنزل ال‬ ‫تعالى هذه الية أي‪ :‬ادعوا الذين تعبدون من دون ال وزعمتم أنهم آلهة لكم‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم عن عبدال بن مسعود رضي ال عنه في قول ال تعالى‪{ :‬أولئك الذين يدعون} قال‪:‬‬ ‫نفر من الجنّ أسلموا‪ ،‬وكانوا ُيعْبَدون فبقي الذين كانوا يعبدونهم على عبادتهم وقد أسلم النفر من‬ ‫الجنّ‪ ،‬وفي رواية قال‪ :‬أنزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجنّ فأسلم الجنيّون‪،‬‬ ‫والذين كانوا يعبدونهم ل يشعرون أي‪ :‬بإسلمهم فبقوا يعبدونهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية الجمع بين الخوف والرجاء وهما كجناحي الطائر إن انكسر أحدهما لم يطر بالخر‪.،‬‬ ‫ولذا فلبد للمؤمن منهما فالخوف يحمل على أداء الفرائض واجتناب المحرمات‪ ،‬والرجاء يحمل‬ ‫على المسابقة في الخيرات‪ ،‬وبذلك تتم وليته لربه ويأمن عاقبة أمره‪.‬‬ ‫‪{ 4‬وإن من قرية} أي‪ :‬ظالمة حذفت الصفة للعلم بها إذ ل يأخذ ال أهل قرية إلّ بعد ظلمهم إذ هو‬ ‫أعدل من يعدل وعدل‪ ،‬وأرحم من يرحم ورحم وقد جاء هذا الوصف في عدّة آيات منها‪{ :‬وما كنا‬ ‫مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون} وفي الية تهديد ووعيد عرفه ابن مسعود رضي ال عنه فقال‪:‬‬ ‫إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن ال في هلكهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬وما صرفنا عن إرسالك يا رسولنا بالمعجزات التي يطالب بها المشركون إلّ تكذيب‬ ‫الولين بها وهؤلء مثلهم لو أرسلناك بها فكذبوا بها واستحقوا الهلك ونحن ل نريد لهم ذلك‪.‬‬

‫( ‪)3/207‬‬ ‫لهلكهم‪ ،‬وهو تعالى ل يريد إهلكهم بل يريد هدايتهم ليهتدي على أيديهم خلقا كثيرا من العرب‬ ‫والعجم والبيض والصفر فسبحان ال العليم الحكيم وقوله تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أي‬ ‫آية مبصرة أي مضيئة بينة فظلموا بها أي كذبوا بها فعقروها فظلموا بذلك أنفسهم وعرضوها‬ ‫لعذاب البادة فأبادهم ال فأخذتهم الصيحة وهم ظالمون هذا دليل على أن المانع من الرسال‬ ‫باليات هو ما ذكر تعالى في هذه الية وقوله تعالى‪{ :‬وما نرسل باليات إل تخويفا‪ }1‬يخبر تعالى‬ ‫أنه ما يرسل الرسل مؤيدين باليات التي هي المعجزات والعبر والعظات إل لتخويف الناس عاقبة‬ ‫الكفر والعصيان لعلهم يخافون فيؤمنون ويطيعون قوله تعالى {وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس}‬ ‫أي اذكر يا محمد إذ قلنا لك بواسطة وحينا هذا إن ربك أحاط بالناس‪ .‬فهم في قبضته وتحت قهره‬ ‫وسلطانه فل ترهبهم ول تخش منهم أحدا فإن ال ناصرك عليهم‪ ،‬ومنزل نقمته بمن تمادى في‬ ‫الظلم والعناد‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وما جعلنا الرؤيا التي أريناك} يريد رؤيا السراء والمعراج حيث‬ ‫أراه ال من آياته وعجائب صنعه وخلقه‪ ،‬ما أراه {إل فتنة للناس} أي لهل مكة اختبارا لهم هل‬ ‫يصدقون أو يكذبون‪ ،‬إذ ليس لزما لتقرير نبوتك وإثبات رسالتك وفضلك أن نريك الملكوت‬ ‫العلى وما فيه من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬والشجرة الملعونة} أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن الكريم وهي شجرة‬ ‫الزقوم وأنها {تخرج في أصل الجحيم} إل فتنة كذلك لهل مكة حيث قالوا كيف يصح وجود نخلة‬ ‫ذات طلع في وسط النار‪ ،‬كيف ل تحرقها النار قياسا للغائب على الشاهد وهو قياس فاسد‪ ،‬وقوله‬ ‫تعالى {ونخوفهم} بالشجرة الملعونة وأنها {طعام الثيم تغلي في البطون كغلي الحميم} وبغيرها من‬ ‫أنواع العذاب الدنيوي والخروي‪ ،‬وما يزيدهم ذلك إل طغيانا كبيرا أي ارتفاعا وتكبرا عن قبول‬ ‫الحق والستجابة له لما سبق في علم ال من خزيهم وعذابهم فاصبر أيها الرسول وامض في‬ ‫دعوتك فإن العاقبة لك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بالحكم على عدم استجابة اللهة المدعاة لعابديها‪.‬‬ ‫!‪ -‬بيان حقيقة عقليه وهي أن دعاء الولياء والستغاثة بهم والتوسل إليهم بالذبح والنذر هو أمر‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في السياق ما يدل على أن هناك رغبة في المعجزات من الكافرين والمؤمنين ولذا ذكر تعالى‬ ‫علل عدم إعطائها لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فالعلة الولى تكذيب الولين بها ودلل بتكذيب‬ ‫ثمود بها والثانية أنه ما يرسل بالمعجزات من أرسلهم بها إل لعلة التخويف فقط والثالثة إعلمه‬

‫تعالى رسوله بأن ربك محيط بعباده قادر عليهم فل تخفهم ول تطلب الية لهم‪ ،‬والرابعة‪ :‬أن‬ ‫معجزة السراء والمعراج لم تكن للهداية وإنما هي للفتنة ل غير‪.‬‬

‫( ‪)3/208‬‬ ‫باطل ومضحك في نفس الوقت‪ ،‬إذ الولياء كانوا قبل موتهم يطلبون الوسيلة إلى ربهم بأنواع‬ ‫لل‬ ‫سْ‬ ‫الطاعات والقربات ومن كان َيعْبُدْ ل ُيعْبَدْ‪ .‬ومن كان يَتَقرب ل يُتقَرّب إليه‪ ،‬ومن كان يَ َتوَ ّ‬ ‫يُتَوسلْ إليه بل يعبد الذي كان ُيعْبَد ويَ ُتوَسل إلى الذي كان يُتَوسل إليه ويتقرب إلى الذي كان‬ ‫يتقرب إليه‪ ،‬وهو ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة القضاء والقدر‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان المانع من عدم إعطاء الرسول صلى ال عليه وسلم اليات على قريش‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان علة السراء والمعراج‪ ،‬وذكر شجرة الزقوم في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫جدُ ِلمَنْ خََلقْتَ طِينًا(‪ )61‬قَالَ أَرَأَيْ َتكَ َهذَا‬ ‫جدُواْ لدَمَ َفسَجَدُواْ َإلّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْ ُ‬ ‫وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ‬ ‫الّذِي كَ ّر ْمتَ عََليّ لَئِنْ أَخّرْتَنِ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة لَحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َتهُ َإلّ قَلِيلً(‪ )62‬قَالَ اذْ َهبْ َفمَن تَ ِب َعكَ‬ ‫علَ ْيهِم‬ ‫صوْ ِتكَ وََأجِْلبْ َ‬ ‫ط ْعتَ مِ ْنهُمْ ِب َ‬ ‫جهَنّمَ جَزَآ ُؤكُمْ جَزَاء ّم ْوفُورًا(‪ )63‬وَاسْ َتفْزِزْ مَنِ اسْ َت َ‬ ‫مِ ْنهُمْ فَإِنّ َ‬ ‫لوْل ِد وَعِدْهُمْ َومَا َي ِعدُهُمُ الشّيْطَانُ ِإلّ غُرُورًا(‪ )64‬إِنّ‬ ‫ل ْموَالِ وَا َ‬ ‫جِلكَ وَشَا ِر ْكهُمْ فِي ا َ‬ ‫ك وَرَ ِ‬ ‫بِخَيِْل َ‬ ‫ك َوكِيلً(‪)65‬‬ ‫ن َو َكفَى بِرَ ّب َ‬ ‫سلْطَا ٌ‬ ‫عِبَادِي لَيْسَ َلكَ عَلَ ْيهِمْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لمن خلقت طينا ‪ :‬أي من الطين‪.‬‬ ‫أرأيتك ‪ :‬أي أخبرني‪.‬‬ ‫كرمت على ‪ :‬أي فضّلْته علي بالمر بالسجود له‪.‬‬ ‫لحتنكن ‪ :‬لستولين عليهم فأقودهم إلى الغواية كالدابة إذا جعل الرسن في‬

‫( ‪)3/209‬‬ ‫حنكها‪ ،‬تقُاد حيث شاء راكبها!‪.‬‬ ‫اذهب‪ :‬أي منظرا إلى وقت النفخة الولى‪.‬‬ ‫جزا ًء موفورا‪ :‬أي وافرا كاملً‪.‬‬ ‫واستفزز ‪ :‬أي واستخفف‪.‬‬ ‫بصوتك‪ :‬أي بدعائك إياهم إلى طاعتك ومعصيتي بأصوات المزامير والغاني واللهو‪.‬‬ ‫وأجلب عليهم‪ :‬أي صِحْ فيهم بركبانك ومُشاتك‪.‬‬

‫وشاركهم في الموال‪ :‬بحملهم على أكل الربا وتعاطيه‪.‬‬ ‫والولد‪ :‬بتزيين الزنا ودفعهم إليه‪.‬‬ ‫وعدهم‪ :‬أي بأن ل بعث ول حساب ول جزاء‪.‬‬ ‫إل غرورا ‪ :‬أي باطلً‪.‬‬ ‫ليس لك عليهم سلطان‪ :‬أي إن عبادي المؤمنين ليس لك قوة تتسلط عليهم بها‪.‬‬ ‫وكفى بربك وكيلً‪ :‬أي حافظا لهم منك أيها العدوّ‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم} أي اذكر يا رسولنا لهؤلء المشركين الجهلة الذين‬ ‫أطاعوا عدوهم وعدو أبيهم من قبل‪ ،‬وعصوا ربهم‪ ،‬اذكر لهم كيف صدّقوا ظنّ إبليس فيهم‪،‬‬ ‫واذكر لهم {إذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم} فامتثلوا أمرنا {فسجدوا إل إبليس} قال منكرا أمرنا‪،‬‬ ‫مستكبرا عن آدم عبدنا {أأسجد ‪ 1‬لمن خلقت طينا}؟ أي لمن خلقته من الطين لن آدم خلقه ال‬ ‫تعالى من أديم الرض عذبها وملحها ولذا سمى آدم آدم ثم قال في صلفه وكبريائه {أرأيتك} أي‬ ‫أخبرني أهذا {الذي كرمت علي ‪}2‬؟ ! قال هذا استصغار لدم واستخفافا بشأنه‪{ ،‬لئن أخرتني} أي‬ ‫وعزتك لئن أخرْت موتي {إلى يوم يبعثون لحتنكن ذريته} أي لستولين عليهم وأسوقهم إلى أودية‬ ‫الغواية والضلل حتى يهلكوا مثلي {إل قليلً}‪ 3‬منهم ممن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام انكاري‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬فضلت‪ ،‬والكرام‪ :‬اسم جامع لكل ما يحمد‪ ،‬وفي الكلم حذف تقديره أخبرني عن هذا الذي‬ ‫فضلته عليّ لمَ فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين‪ ،‬ويصح بدون تقدير المحذوف أي‪:‬‬ ‫أترى هذا الذي كرمته عليّ لفعلن به كذا وكذا‪.‬‬ ‫‪{ 3‬إل قليل}‪ :‬يعني المعصومين وهم الذين قال تعالى فيهم‪{ :‬إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان}‬ ‫واستثناء إبليس القليل كان ظنا منه فقط كما قال تعالى‪{ :‬ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه} وقال‬ ‫الحسن‪ :‬ظن ذلك لنه وسوس لدم في الجنة ولم يجد له عزما فحصل له بذلك هذا العلم المعبّر‬ ‫عنه بالظنّ إذ يطلق لفظ الظن‪ ،‬ويراد به العلم‪.‬‬

‫( ‪)3/210‬‬ ‫تستخلصهم لعبادتك فأجابه الرب تبارك وتعالى‪{ :‬قال اذهب ‪ }1‬أي مُنَظرا وممهلً إلى وقت النفخة‬ ‫الولى وقوله تعالى‪{ :‬فمن تبعك منهم} أي عصاني وأطاعك {فإن جهنم جزآؤكم جزآ ًء موفورا}‬ ‫أي وافرا كاملً‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال هذا لبليس بعد أن أنظره إلى يوم الوقت‬

‫المعلوم أذن له في أن يعمل ما استطاع في إضلل أتباعه‪{ ،‬واستفزز ‪ 2‬من استطعت منهم‬ ‫بصوتك} أي واستخفف منهم بدعائك إلى الباطل بأصوات المزامير والغاني وصور الملهي‬ ‫وأنديتها وجمعياتها‪{ ،‬وأجلب ‪ 3‬عليهم} أي صِح على خيلك ورجلك ‪ 4‬الركبان والمشاة وسقهم‬ ‫جميعا على بني آدم لغوائهم وإضللهم {وشاركهم في الموال} بحملهم على الربا وجمع الموال‬ ‫من الحرام وفي {الولد} بتزيين الزنا وتحسين الفجور وعدهم بالماني الكاذبة وبأن ل بعث يوم‬ ‫القيامة ول حساب ول جزاء قال تعالى‪{ :‬وما يعدهم الشيطان إل غرورا} أي باطلً وكذبا وزورا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إن عبادي} أي المؤمنين بي‪ ،‬المصدقين بلقائي ووعدي ووعيدي ليس لك عليهم قوة‬ ‫تتسلط عليهم بها‪{ ،‬وكفى بربك وكيل} أي حافظا لهم‪ :‬منك فل تقدر على إضللهم ول إغوائهم يا‬ ‫عدوي وعدوهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية التذكير بالحداث الماضية للتحذير من الوقوع في الهلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم الكبر وأنه من شر الصفات‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عداوة إبليس والتحذير منها‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان مشاركة إبليس أتباعه في أموالهم وأولدهم ونساءهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن أصوات الغاني والمزامير والملهي وأندية الملهي وجمعياتها الجميع من جند‬ ‫إبليس الذي يحارب به الدمي المسكين الضعيف‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان حفظ ال تعالى لوليائه‪ ،‬وهم المؤمنون المتقون‪ ،‬جعلنا ال تعالى منهم وحفظنا بما‬ ‫يحفظهم به إنه بركريم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المر هنا‪ :‬للهانة والطرد والحتقار والصغار‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفزاز‪ :‬طلب الفز‪ ،‬وهو الخفة والنزعاج‪ ،‬وترك التثاقل‪ ،‬والسين والتاء فيه لشدة طلب‬ ‫الستخفاف والزعاج‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجلب‪ :‬جمع الجيوش وسوقها مشتق من الجلبة التي هي الصياح إذ الجيوش تجمع بالجلبة‬ ‫فيهم والصياح بهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ حفص‪ { :‬ورَجِلِك} بكسر الجيم لغة في رجل وقرأ غيره و {رجْلك} بسكون الجيم‪ ،‬والمعنى‬ ‫بخيلك‪ :‬أي فرسانك ورجالك‪.‬‬

‫( ‪)3/211‬‬

‫سكُمُ ا ْلضّرّ‬ ‫رّ ّبكُمُ الّذِي يُزْجِي َلكُمُ ا ْلفُ ْلكَ فِي الْ َبحْرِ لِتَبْ َتغُواْ مِن َفضْلِهِ إِنّهُ كَانَ ِب ُكمْ رَحِيمًا(‪ )66‬وَإِذَا مَ ّ‬ ‫ضلّ مَن تَدْعُونَ ِإلّ إِيّاهُ فََلمّا َنجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْ َرضْتُمْ َوكَانَ الِنْسَانُ َكفُورًا(‪َ )67‬أفََأمِن ُتمْ‬ ‫فِي الْبَحْ ِر َ‬ ‫جدُواْ َلكُ ْم َوكِيلً(‪ )68‬أَمْ َأمِنتُمْ أَن ُيعِي َد ُكمْ‬ ‫سلَ عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا ثُ ّم لَ تَ ِ‬ ‫سفَ ِبكُمْ جَا ِنبَ الْبَرّ َأوْ يُرْ ِ‬ ‫خِ‬ ‫أَن يَ ْ‬ ‫سلَ عَلَ ْيكُمْ قَاصِفا مّنَ الرّيحِ فَ ُيغْ ِر َقكُم ِبمَا َكفَرْتُمْ ثُمّ لَ َتجِدُواْ َل ُكمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا(‬ ‫فِيهِ تَا َرةً ُأخْرَى فَيُرْ ِ‬ ‫ت َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ‬ ‫حمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْ ِر وَرَ َزقْنَاهُم مّنَ الطّيّبَا ِ‬ ‫‪ )69‬وََلقَدْ كَ ّرمْنَا بَنِي آدَمَ وَ َ‬ ‫ّممّنْ خََلقْنَا َت ْفضِيلً(‪)70‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يزجي لكم الفلك ‪ :‬أي يسوقها فتسير فيه‪.‬‬ ‫لتبتغوا من فضله ‪ :‬أي لتطلبوا رزق ال بالتجارة من إقليم إلى آخر‪.‬‬ ‫وإذا مسكم الضُر‪ :‬أي الشدة والبلء والخوف من الغرق‪.‬‬ ‫ضل من تدعون إل إياه‪ :‬أي غاب عنكم من كنتم تدعونهم من آلهتكم‪.‬‬ ‫أعرضتم ‪ :‬أي عن دعاء ال وتوحيده في ذلك‪.‬‬ ‫أو يرسل عليكم حاصبا ‪ :‬أي ريحا ترمى بالحصباء لشدتها‪.‬‬ ‫ثم ل تجدوا لكم وكيل ‪ :‬أي حافظا منه أي من الخسف أو الريح الحاصب‪.‬‬ ‫قاصفا من الريح‪ :‬أي ريحا شديدة تقصف الشجار وتكسرها لقوتها‪.‬‬ ‫علينا به تبيعا‪ :‬أي نصيرا ومعينا يتبعنا ليثأر لكم منا‪.‬‬ ‫ولقد كرمنا بني آدم ‪ :‬أي فضلناهم بالعلم والنطق واعتدال الخلق‪.‬‬ ‫حملناهم في البر والبحر‪ :‬في البر على البهائم والبحر على السفن‪.‬‬

‫( ‪)3/212‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه‪ .‬فقوله تعالى‪{ :‬ربكم الذي يزجي لكم الفلك‬ ‫في البحر لتبتغوا من فضله} يخبرهم تعالى بأن ربهم الحق الذي يجب أن يعبدوه ويطيعوه بعد أن‬ ‫يؤمنوا به هو الذي {يزجي ‪ 1‬لهم الفلك} أي السفينة {في البحر} أي يسوقها فتسير بهم في البحر‬ ‫إلى حيث يريدون من أجل أن يطلبوا رزق ال لهم بالتجارة من إقليم لخر‪ .‬هذا هو إلهكم ‪2‬‬ ‫الحق‪ ،‬أما الصنام والوثان فهي مخلوقة ل مربوبة له‪ ،‬ل تملك لنفسها فضلً عن غيرها‪ ،‬نفعا‬ ‫ول ضرا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إنه كان بكم رحيما} ومن رحمته تعالى تسخيره البحر لهم وإزجاء السفن وسوقها‬ ‫فيه ليحصلوا على أقواتهم عن طريق السفر والتجارة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإذا مسكم الضر ‪ 3‬في‬ ‫البحر ضل من تدعون إل إياه} يذكرهم بحقيقة واقعة لهم وهي أنهم إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم‬

‫شدة من مرض أو ضلل طريق أو عواصف بحرية اضطربت لها السفن وخافوا الغرق دعوا ال‬ ‫وحده ولم يبق من يدعوه سواه تعالى لكنهم إذا نجاهم من الهلكة التي خافوها ونزلوا بشاطئ‬ ‫السلمة اعرضوا عن ذكر ال وذكروا آلهتهم ونسوا ما كانوا يدعونه وهو ال من قبل {وكان‬ ‫النسان كفورا} هذا طبعه وهذه حاله سرعة النسيان‪ ،‬وشدة الكفران‪ .‬قوله تعالى‪ :‬وهو يخاطبهم‬ ‫لهدايتهم {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} يقرعهم على إعراضهم فيقول {أفأمنتم} ال تعالى {أن‬ ‫يخسف ‪ 4‬بكم} جانب الرض الذي نزلتموه عند خروجكم من البحر {أو يرسل عليكم حاصبا} أي‬ ‫ريحا شديدة تحمل الحصباء ‪ 5‬فيهلككم كما أهلك عادا {ثم ل تجدوا لكم} من غير ال {وكيلً}‬ ‫يتولى دفع العذاب عنكم ويقول‪{ :‬أم أمنتم} ال تعالى {أن يعيدكم فيه} أي في البحر {تارة أخرى}‬ ‫أي مرة أخرى {فيرسل عليكم قاصفا من الريح} أي ريحا شديدة تقصف الشجار وتحطمها‬ ‫{فيغرقكم بما كفرتم} أي بسبب كفركم كما أغرق آل فرعون {ثم ل تجدوا لكم علينا به تبيعا} أي‬ ‫تابعا يثأر لكم منا ويتبعنا مطالبا بما نلنا منكم من العذاب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الزجاء‪ :‬السوق قال تعالى‪ { :‬ألم تر أنّ ال يزجي سحابا} وقال الشاعر‪:‬‬ ‫يا أيها الراكب المزجي مطيته‬ ‫سائل بني أسد ما هذه الصوت‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬الذي يجب أن يشكروه بعبادته وحده دودن من سواه‪.‬‬ ‫‪ 3‬لفظ الضرّ يعم المرض وخوف الغرق والمساك عن الجري وأهوال حالة اضطراباته‪.‬‬ ‫‪ 4‬الخسف‪ :‬انهيار الرض بالشيء فوقها‪ ،‬وجانب البر‪ :‬ناحية الرض إذ البحر جانب والرض‬ ‫جانب‪.‬‬ ‫‪ 5‬يقال لكل ريح تحمل التراب والحصباء‪ :‬حاصب‪ ،‬قال الفرزدق‪:‬‬ ‫مستقبلين شمال الشام يضربنا‬ ‫بحاصب كنديف القطن منثور‬

‫( ‪)3/213‬‬ ‫فما لكم إذا ل تؤمنون وتوحدون وبالباطل تكفرون‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ولقد كرمنا بني آدم} أي‬ ‫فضلناهم بالنطق والعقل والعلم واعتدال الخلق {وحملناهم في البر والبحر} على ما سخرنا لهم من‬ ‫المراكب {ورزقناهم من الطيبات ‪ } 1‬أي المستلذات من اللحوم والحبوب والفواكه والخضر والمياه‬ ‫العذبة الفرات‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل} فالدميون أفضل من الجن‬ ‫وسائر الحيوانات‪ ،‬وخواصهم أفضل من الملئكة‪ ،‬وعامة الملئكة أفضل من عامة الدميين ومع‬ ‫هذا فإن الدمي إذا كفر ربه وأشرك في عبادته غيره‪ ،‬وترك عبادته‪ ،‬وتخلى عن محبته ومراقبته‬

‫أصبح شر الخليقة كلها‪ .‬قال تعالى‪ { :‬إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم‬ ‫خالدين فيها‪ ،‬أولئك هم شر البرية}‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعريف ال تعالى بذكر صفاته الفعلية والذاتية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تذكير المشركين بحالهم في الشدة والرخاء حيث يعرفون ال في الشدة ويخلصون له الدعاء‪،‬‬ ‫وينكرونه في الرخاء ويشركون به سواه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تخويف المشركين بأن ال تعالى قادر على أن يخسف بهم الرض أو يرسل عليهم حاصبا من‬ ‫الريح فيهلكهم أو يردهم إلى البحر مرة أخرى ويرسل عليهم قاصفا من الريح فيغرقهم بسبب‬ ‫كفرهم بال‪ ،‬وعودتهم إلى الشرك بعد دعائه تعالى والتضرع إليه حال الشدة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان منن ال تعالى على النسان وأفضاله عليه في تكريمه وتفضيله‪.‬‬ ‫‪ -5‬حال الرخاء أصعب على الناس من حال الشدة بالقحط والمرض‪ ،‬أو غيرهما من المصائب‪.‬‬ ‫‪ -6‬العلن عن كرامة الدمي وشرفه على سائر المخلوقات الرضية‪.‬‬ ‫َيوْمَ نَدْعُو ُكلّ أُنَاسٍ بِِإمَا ِمهِمْ َفمَنْ‪ 2‬أُو ِتيَ كِتَا َبهُ بِ َيمِينِهِ فَُأوْلَ ِئكَ َيقْرَؤُونَ كِتَا َبهُ ْم َولَ ُيظَْلمُونَ فَتِيلً(‪)71‬‬ ‫َومَن كَانَ فِي َه ِذهِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية دليل على إبطال الزهد في لذيد الطعام كالعسل والسمن واللحم والفواكه والكتفاء‬ ‫بالخبز بالملح ونحوه مع توفر طيب الطعام والشراب لنه مخالف لمنهج السلف وفيه كفر ما أنعم‬ ‫ال تعالى به على عباده من طيب الرزق‪.‬‬ ‫‪{ 2‬فمن أوتي} معطوف على مقدر اقتضاه قوله ‪{ :‬تدعو كل اناس بإمامهم} أي فيؤتون كتبهم‬ ‫{فمن أوتي كتابه ‪ }...‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)3/214‬‬ ‫عمَى وََأضَلّ سَبِيلً(‪ )72‬وَإِن كَادُواْ لَ َيفْتِنُو َنكَ عَنِ الّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ لِتفْتَ ِريَ‬ ‫عمَى َف ُهوَ فِي الخِ َرةِ أَ ْ‬ ‫أَ ْ‬ ‫عَلَيْنَا غَيْ َر ُه وَإِذًا لّتّخَذُوكَ خَلِيلً(‪ )73‬وََل ْولَ أَن ثَبّتْنَاكَ َلقَدْ كِدتّ تَ ْركَنُ إِلَ ْيهِمْ شَيْئًا قَلِيلً(‪ )74‬إِذا‬ ‫ض ْعفَ ا ْل َممَاتِ ثُ ّم لَ َتجِدُ َلكَ عَلَيْنَا َنصِيرًا(‪ )75‬وَإِن كَادُواْ لَيَسْ َتفِزّو َنكَ مِنَ‬ ‫ض ْعفَ الْحَيَا ِة َو ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫لّأَ َذقْنَا َ‬ ‫الَ ْرضِ لِ ُيخْرِجوكَ مِ ْنهَا وَإِذًا لّ يَلْبَثُونَ خِل َفكَ ِإلّ قَلِيلً(‪ )76‬سُنّةَ مَن قَدْ أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ مِن رّسُلِنَا َولَ‬ ‫حوِيلً(‪)77‬‬ ‫جدُ لِسُنّتِنَا َت ْ‬ ‫تَ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بإمامهم ‪ :‬أي الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير أو الشر‪.‬‬

‫فتيل‪ :‬أي مقدار فتيل وهو الخيط الذي يوجد وسط النواة‪.‬‬ ‫ومن كان في هذه أعمى‪ :‬من كان في الدنيا أعمى عن حجج ال تعالى الدالة على وجوده وعلمه‬ ‫وقدرته‪ ،‬فلم يؤمن به ولم يعبده فهو في الخرة أشد عمى وأضل سبيل‪.‬‬ ‫وإن كادوا‪ :‬أي قاربوا‪.‬‬ ‫ليفتنونك ‪ :‬أي يستنزلونك عن الحق‪ ،‬أي يطلبون نزولك عنه‪.‬‬ ‫لتفتري علينا غيره ‪ :‬أي لتقول علينا افتراء غير الذي أوحينا إليك‪.‬‬ ‫إذا لتخذوك خليلً‪ :‬أي لو فعلت الذي طلبوا منك فعله لتخذوك خليلً لهم‪.‬‬ ‫ضعف الحياة وضعف الممات‪ :‬أي لعذبناك عذاب الدنيا مضاعفا وعذاب الخرة كذلك‪.‬‬ ‫ليستفزونك من الرض ‪ :‬أي ليستخفونك من الرض أرض مكة‪.‬‬ ‫ل يلبثون خلفك ‪ :‬أي ل يبقون خلفك أي بعدك إل قليلً ويهلكهم ال‪.‬‬ ‫سنة من قد أرسلنا من قبلك ‪ :‬أي لو خرجوك لعذبناهم بعد خروجك بقليل‪ ،‬سنتنا في المم‪.‬‬ ‫ول تجد لستتنا تحويلً ‪ :‬أي عما جرت به في المم السابقة‪.‬‬

‫( ‪)3/215‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله في تقرير عقيدة البعث والجزاء‪ ،‬اذكر يا رسولنا‪{ ،‬يوم ندعو كل أناس‬ ‫بإمامهم} الذي كانوا يقتدون به ويتبعون فيتقدم ذلك المام ووراءه أتباعه وتوزع الكتب عليهم‬ ‫واحدا واحدا فمن أعطى كتابه بيمينه تشريفا له وتكريما‪ ،‬فأولئك الذين أكرموا بإعطائهم كتبهم‬ ‫بإيمانهم‪ ،‬يقرأون كتابهم ويحاسبون بما فيه {ول يظلمون} أي ل ينقصون مقدار فتيل ل تنقص‬ ‫حسناتهم‪ ،‬ول بزيادة سيئاتهم ‪ .1‬واذكر هذا لهم تعضهم به لعلهم يتعظون‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ومن كان‬ ‫في هذه} أي الدنيا {أعمى} ‪ ،‬ل يبصر هذه الحجج واليات والدلئل وأصر على الشرك‪ ،‬والتكذيب‬ ‫والمعاصي {فهو في الخرة أعمى} أي أشد عمى {وأضل سبيل} فل يرى طريق النجاة ول يسلكه‬ ‫حتى يقع في جهنم‪ .‬وقوله‪{ :‬وان كادوا ليفتنونك ‪ }2‬أي يصرفونك {عن الذي أوحينا ‪ 3‬إليك} من‬ ‫توحيدنا والكفر بالباطل وأهله‪{ .‬لتفتري علينا غيره} أي لتقول علينا غير الحق الذي أوحيناه إليك‪،‬‬ ‫وإذا لو فعلت بأن وافقتهم على ما طلبوا منك‪ ،‬من الغضاء على شركهم و التسامح معهم إقرارا‬ ‫لباطلهم‪ ،‬ولو مؤقتا‪{ ،‬لتخذوك خليلً} لهم وكانوا أولياء لك‪ ،‬وذلك أن المشركين في مكة‬ ‫والطائف‪ ،‬واليهود في المدينة كانوا يحاولون جهدم أن يستنزلوا الرسول على شيء من الحق الذي‬ ‫يأمر به ويدعو إليه مكرا منهم وخديعة سياسية إذ لو وافقهم على شيء لطالبوا بآخر‪ ،‬ولقالوا قد‬ ‫رجع إلينا‪ ،‬فهو إذًا يَ َت َقوّل‪ ،‬وليس بالذي يوحى إليه بدليل قبوله منا كذا وكذا وتنازله عن كذا وكذا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولول أن ثبتناك} أي على الحق حيث عصمناك {لقد كدت} أي قاربت {تركن}‪، 4‬‬

‫أي تميل {إليهم شيئا قليلً} بقبول بعض اقتراحاتهم {إذا} أي لو ملت إليهم‪ ،‬وقبلت منهم ولو شيئا‬ ‫يسيرا {لذقناك ضعف ‪ 5‬الحياة وضعف الممات ‪ ،}6‬أي لضاعفنا عليك العذاب في الدنيا والخرة‬ ‫ثم ل تجد لك نصيرا ينصرك إذا نحن خذلناك وعذبناك وقوله تعالى في حادثة أخرى وهي أنهم‬ ‫لمّا فشلوا في المحاولت السلمية أرادوا استعمال القوة فقرروا إخراجه من مكة بالموت أو الحياة‬ ‫فأخبر تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لم يذكر من أوتي كتبهم بشمائلهم إذ هم الذين خسروا أنفسهم اكتفاء بذكر من أوتوا كتبهم‬ ‫بأيمانهم‪ ،‬وقد ذكر في أول السورة‪{ :‬وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} وذكر في سورتي الحاقة‬ ‫والنشقاق‪.‬‬ ‫‪ 2‬عدي فعل يفتنونك بعن لنه مضمن معنى فعل يتعدّى بها وهو الصرف يقال‪ :‬صرفه عن كذا‪.‬‬ ‫أي يصرفونك‪.‬‬ ‫‪ 3‬الية مسوقة مساق المتنان على النبي صلى ال عليه وسلم حيث عصمه‪ ،‬وفيها بيان مدى ما‬ ‫كان المشركون يريدونه من صرف النبي صلى ال عليه وسلم عن الحق الذي جاءه وهو يدعو‬ ‫إليه من التوحيد‪.‬‬ ‫‪ 4‬الركون‪ :‬الميل بالركن الذي هو الجانب من جسد النسان واستعمل في الموافقة بعلقة القرب‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه الجملة جزاء لجملة‪{ :‬لقد كدت تركن إليهم} إذ تقدير الكلم لو ركنت إليهم لذقناك ضعف‬ ‫الحياة وضعف الممات‪.‬‬ ‫‪ 6‬جائز أن يكون المراد بعذاب الدنيا‪ :‬تراكم المصائب والزراء في مدّة الحياة وعذاب الممات أن‬ ‫يموت مكمودا مستذلً بين من فازوا عليه بشرف سقوطه بينهم وضياع ما كان يأمله ويدعو إليه‪.‬‬

‫( ‪)3/216‬‬ ‫رسوله بذلك إعلما وإنذارا‪ ،‬فقال‪{ :‬وإن كادوا ليستفزونك من الرض} أرض مكة {ليخرجوك‬ ‫منها وإذا}‪ ،‬أي لو فعلوا لم يلبثوا بعد إخراجك إل زمنا قليلً ونهلكهم كما هي سنتنا في المم‬ ‫السابقة التي أخرجت أنبياءها أو قتلتهم هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وإن كادوا ليستفزونك ‪ }1‬أي‬ ‫يستخفونك {من الرض ليخرجوك منها وإذا ل يلبثوا خلفك ‪ 2‬إل قليلً سنة من قد أرسلنا قبلك‬ ‫من رسلنا ول تجد لسنتنا تحويل} أي عما جرت به في المم السابقة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الترغيب في القتداء بالصالحين ومتابعتهم والترهيب من القتداء بأهل الفساد ومتابعتهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدالة ال تعالى في الموقف بإقامة الحجة على العبد وعدم ظلمه شيئا‪.‬‬

‫‪ -2‬عمى الدنيا عن الحق وشواهده سبب عمى الخرة وموجباته من السقوط في جهنم‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الركون أي الميل لهل الباطل بالتنازل عن شيء من الحق الثابت إرضاءً لهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬الوعيد الشديد لمن يرضى أهل الباطل تملقا لهم طمعا في دنياهم فيترك الحق لجلهم‪.‬‬ ‫‪ -6‬إمضاء سنن ال تعالى وعدم تخلفها بحال من الحوال‪.‬‬ ‫شهُودًا(‪َ )78‬ومِنَ‬ ‫ل َوقُرْآنَ ا ْلفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ ا ْلفَجْرِ كَانَ مَ ْ‬ ‫سقِ اللّ ْي ِ‬ ‫شمْسِ إِلَى غَ َ‬ ‫لةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬ ‫َأقِمِ الصّ َ‬ ‫ل صِ ْدقٍ‬ ‫خَ‬ ‫حمُودًا(‪َ )79‬وقُل ّربّ أَ ْدخِلْنِي ُمدْ َ‬ ‫اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً ّلكَ عَسَى أَن يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا مّ ْ‬ ‫طلُ إِنّ‬ ‫جعَل لّي مِن لّدُنكَ سُ ْلطَانًا ّنصِيرًا(‪َ )80‬و ُقلْ جَاء ا ْلحَقّ وَزَهَقَ الْبَا ِ‬ ‫ج صِدْقٍ وَا ْ‬ ‫وَأَخْرِجْنِي ُمخْرَ َ‬ ‫شفَاء‬ ‫طلَ كَانَ زَهُوقًا(‪ )81‬وَنُنَ ّزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬ ‫الْبَا ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفزاز‪ :‬الحمل على الترحل‪ ،‬وهو استفعال من فزّ يف ّز بمعنى‪ :‬بارح المكان‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫كادوا‪ :‬أن يخرجوك من بلدك كرها ثم صرفهم ال عنك حتى خرجت برضاك واختيارك فلذا لم‬ ‫تنزل بهم العقوبة بخروجك من بلدك‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع ‪{ :‬خلفك} أي بعدك‪ ،‬وقرأ حفص {خلفك} وهي لغة في خلف بمعنى ‪:‬بعد‪.‬‬

‫( ‪)3/217‬‬ ‫ض وَنَأَى بِجَانِبِهِ‬ ‫ن َولَ يَزِيدُ الظّاِلمِينَ َإلّ خَسَارًا(‪ )82‬وَإِذَآ أَ ْن َعمْنَا عَلَى الِنسَانِ أَعْ َر َ‬ ‫حمَةٌ لّ ْل ُم ْؤمِنِي َ‬ ‫وَرَ ْ‬ ‫وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَانَ َيؤُوسًا(‪ُ )83‬قلْ ُكلّ َي ْع َملُ عَلَى شَاكِلَ ِتهِ فَرَ ّبكُمْ أَعَْلمُ ِبمَنْ ُهوَ أَ ْهدَى سَبِيلً(‪)84‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لدلوك الشمس‪ :‬أي زوالها من كبد السماء ودحوضها إلى جهة الغرب‪.‬‬ ‫إلى غسق الليل ‪ :‬أي إلى ظلمة الليل‪ ،‬إذ الغسق الظلمة‪.‬‬ ‫وقرآن الفجر‪ :‬صلة الصبح‪.‬‬ ‫كان مشهودا‪ :‬تشهده الملئكة‪ ،‬ملئكة الليل وملئكة النهار‪.‬‬ ‫فتهجد به ‪ :1‬أي بالقرآن‪.‬‬ ‫نافلة‪ :‬أي زائدة عن الغرض وهي التهجد بالليل‪.‬‬ ‫مقاما محمودا‪ :‬هو الشفاعة العظمى يوم القيامة حيث يحمده الولون والخرون‪.‬‬ ‫أدخلني مدخل صدق ‪ :‬أي المدينة‪ ،‬إدخالً مرضيا ل أرى فيه مكروها‪.‬‬ ‫وأخرجني مخرج صدق‪ :‬أي من مكة إخراجا ل ألتفت بقلبي إليها‪.‬‬ ‫وقل جاء الحق وزهق الباطل‪ :‬أي عند دخولك مكة فاتحا لها بإذن ال تعالى‪.‬‬ ‫زهق الباطل ‪ :‬أي ذهب واضمحل‪.‬‬ ‫أعرض ونأ بجانبه‪ :‬أعرض عن الشكر فلم يشكر‪ ،‬ونأ بجانبه‪ :‬أي ثنى عطفه متبخترا في كبرياء‪.‬‬

‫على شاكلته ‪ :‬أي طريقته ومذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك العرض الهائل لتلك الحداث الجسام أمر تعالى رسوله بإقام الصلة فإنها مأمن الخائفين‪،‬‬ ‫ومنار السالكين‪ ،‬ومعراج الرواح إلى ساحة الفراح فقال‪{ :‬أقم الصلة لدلوك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تهجّد‪ :‬إذا ألقى الهجود عنه‪ ،‬وهو النوم‪ ،‬وقام يصلّي‪ ،‬والتهجّد من الهجود وهو من الضداد‬ ‫هجد‪ :‬نام‪ ،‬وهجد‪ :‬سهر‪.‬‬

‫( ‪)3/218‬‬ ‫الشمس} أي لول دلوكها ‪ 1‬وهو ميلها من كبد السماء إلى الغرب وهو وقت الزوال ودخول وقت‬ ‫الظهر‪ ،‬وقوله {إلى غسق ‪ 2‬الليل} أي إلى ظلمته‪ ،‬ودخلت صلة العصر ‪ 3‬فيما بين دلوك الشمس‬ ‫وغسق الليل‪ ،‬ودخلت صلة المغرب وصلة العشاء في غسق الليل الذي هو ظلمته‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫{وقرآن الفجر ‪ }4‬أي صلة الصبح وهذه هي الصلوات الخمس المفروضة على أمة السلم‪ ،‬النبي‬ ‫وأتباعه سواء وقوله {إن قرآن الفجر كان مشهودا} يعني محضورا‪ ،‬تحضره ملئكة النهار‬ ‫لتنصرف ملئكة الليل‪ ،‬لحديث الصحيح "يتعاقب فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار ‪ "...‬وقوله‬ ‫{ومن الليل فتهجد ‪ 5‬به نافلة لك} أي صلة زائدة على الفرائض الخمس وهي قيام الليل‪ ،‬وهى‬ ‫واجب عليه صلى ال عليه وسلم بهذه الية‪ ،‬وعلى أمته مندوب إليه‪ ،‬مرغب فيه‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} عسى من ال تعالى تفيد الوجوب‪ ،‬ولذا فقد أخبر‬ ‫تعالى رسوله مبشرا إياه بأن يقيمه يوم القيامة {مقاما محمودا} يحمده عليه الولون والخرون‪.‬‬ ‫وهو الشفاعة العظمى حيث يتخلى عنها ادم فمن دونه‪ ...‬حتى تنتهي إليه صلى ال عليه وسلم‬ ‫فيقول‪ :‬أنا لها‪ ،‬أنا لها‪ ،‬ويأذن له ربه فيشفع للخليقة في فضل القضاء‪ ،‬ليدخل أهل الجنة الجنة‪،‬‬ ‫وأهل النار النار‪ ،‬وتستريح الخليقة من عناء الموقف وطوله وصعوبته‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وقل رب ‪ 6‬أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق}‪ .‬هذه بشارة أخرى أن‬ ‫ال تعالى أذن لرسوله بالهجرة من تلقاء نفسه ل بإخراج قومه وهو كاره‪ .‬فقال له‪ :‬قل في دعائك‬ ‫ربي أدخلني المدينة دار هجرتي {مدخل صدق} بحيث ل أرى فيها مكروها‪ ،‬وأخرجني من مكة‬ ‫يوم تخرجني {مخرج صدق} غير ملتفت إليها بقلبي شوقا وحنينا إليها‪{ .‬واجعل لي من لدنك‬ ‫سلطانا نصيرا} أي وسلني أن أجعل لك من لدني سلطانا نصيرا لك على من بغاك بسوء‪ ،‬وكادك‬ ‫بمكر وخديعة‪ ،‬وحاول منعك من إقامة دينك‪ ،‬ودعوتك إلى ربك‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ما في التفسير أشهر وأولى بالخذ به وهو ما ذهب إليه عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس‬

‫ومالك‪ ،‬ويرى غير هؤلء من بعض الصحابة والتابعين‪ :‬أن دلوك الشمس هو غروبها وعليه فلم‬ ‫تشمل الية أوقات الصلوات الخمس بخلف القول بدلوك الشمس‪ :‬زوالها عن كبد السماء‪.‬‬ ‫‪ 2‬غسق الليل‪ :‬سواده وظلمته قال ابن قيس الرّقيّات‪:‬‬ ‫إنّ هذا الليل قد غسقاَ‬ ‫واشتكيت اله ّم والرقا‬ ‫‪ 3‬وقت العصر إذا زاد ظل كل شيء مثله‪ ،‬ووقت المغرب‪ :‬غروب الشمس‪ ،‬ووقت العشاء‪ :‬ذهاب‬ ‫الشفق الحمر‪ ،‬ووقت الصبح طلوع الفجر ووقت الظهر‪ :‬زوال الشمس عن كبد السماء‪.‬‬ ‫‪{ 4‬قرآن}‪ :‬منصوب على الغراء أي‪ :‬والزم قرآن الفجر لهميته ويصح أن ينصب على العطف‬ ‫أي‪ :‬أقم الصلة وأقم قرآن الفجر أي‪ :‬صلته‪.‬‬ ‫‪{ 5‬نافلة لك}‪ :‬أي نافلة لجلك خاصة بك دون سائر أمتك‪.‬‬ ‫‪ 6‬روى الترمذي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم بمكة ثمّ‬ ‫أمر بالهجرة فنزلت‪{ :‬وقل ربّ أدخلني‪ }..‬الخ وهو تعليم من ال لرسوله هذا الدعاء يقوله في‬ ‫صلته وخارجها‪.‬‬

‫( ‪)3/219‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وقل جاء الحق وزهق الباطل} هذه بشارة أخرى بأن ال تعالى سيفتح له مكة‪،‬‬ ‫ويدخلها ظافرا منتصرا وهو يكسر الصنام حول الكعبة وكانت ثلثمائة وستين صنما‍ ويقول جاء‬ ‫الحق وزهق الباطل أي ذهب الكفر واضمحل‪{ .‬إن الباطل كان زهوقا}‪ .‬ل بقاء له ول ثبات إذا‬ ‫صاول الحق‪ ،‬ووقف في وجهه‪ ،‬وجائز أن يكون المراد بالحق‪ ،‬القرآن وبالباطل الكذب والفتراء‪،‬‬ ‫وجائز أن يكون الحق السلم والباطل الكفر والشرك وأعم من ذلك‪ ،‬أن الحق هو كل ما هو‬ ‫طاعة ل عز وحل‪ ،‬والباطل كل طاعة للشيطان من الشرك والظلم وسائر المعاصي‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وننزل من ‪ 1‬القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} أي وننزل عليك يا رسولنا محمد من‬ ‫القرآن ما هو شفاء ‪ 2‬أي ما يستشفى به من مرض الجهل والضلل والشك والوساوس ورحمة‬ ‫للمؤمنين دون الكافرين‪ ،‬لن المؤمنين يعملون به فيرحمهم ال تعالى بعملهم بكتابه‪ ،‬وأما‬ ‫الكافرون‪ ،‬فل رحمة لهم فيه‪ ،‬لنهم مكذبون به تاركون للعمل بما فيه‪ .‬وقوله‪{ :‬ول يزيد الظالمين‬ ‫إل خسارا} أي ول يزيد القرآن الظالمين وهم المشركون المعاندون الذين أصروا على الباطل‬ ‫عنادا ومكابرة‪ ،‬هؤلء ل يزيدهم ما ينزل من القرآن ويسمعونه إل خسارا لزدياد كفرهم وظلمهم‬ ‫وعنادهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإذا أنعمنا على النسان أعرض ‪ 3‬ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان‬ ‫يؤوسا} يخبر ال تعالى عن النسان الكافر المحروم من نور اليمان وهداية السلم أنه إذا أنعم‬ ‫عليه بنعمة النجاة من الهلك وقد أشرف عليه بغرق أو مرض أو جوع أو نحوه أعرض عن ذكر‬

‫ال ودعائه كما كان يدعوه في حال الشدة‪ ،‬ونأى بجانبه أي‪ ،‬بعد عنا فل يلتفت إلينا بقلبه‪ ،‬وذهب‬ ‫في خيلئه وكبريائه وقوله تعالى‪{ :‬وإذا مسه الشر كان ‪ 4‬يؤوسا} أي قنوطا‪ .‬هذا هو الكافر‪ ،‬ذو‬ ‫ظلمة النفس لكفره وعصيانه‪ .‬إذا مسه الشر من جوع أو مرض أو خوف أحاط به كان يؤوسا أي‬ ‫كثير اليأس والقنوط تامهما‪ ،‬لعدم إيمانه بال ورحمته وقدرته على إنجائه وخلصه‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل} أي قل يا رسولنا للمشركين‪ ،‬كل منا‬ ‫ومنكم يعمل على طريقته ومذهبه بحسب حاله هداية وضللً‪ ،‬وال تعالى ربكم أعلم بمن هو‬ ‫أهدى منا ومنكم سبيل‪ .‬ويجزي الكل بحسب عمله وسلوكه‪ .‬وهذه كلمة‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬من}‪ :‬بيانية أي‪ :‬مبينة للموصول‪ ،‬ما هو شفاء وليست للبتداء ول هي زائدة أي‪ :‬وننزّل‬ ‫القرآن الذي هو شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقد يستشفى بالقرآن من المراض الجسمية ففي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي ال‬ ‫عنه أنّ رسول صلى ال عليه وسلم بعثهم وكانوا ثلثين راكبا فنزلوا على قوم من العرب‬ ‫فسألوهم أن يضيفوهم فأبوا فلدغ سيد الحي فأتاهم آت وقال لهم‪ :‬فيكم من يرقي من العقرب؟ قلنا‪:‬‬ ‫نعم لكن حتى تعطونا فقالوا‪ :‬إنا نعطيكم ثلثين شاة فرقاه بفاتحة الكتاب قرأها عليه سبع مرات‬ ‫فشفي فأخذوا الثلثين شاة فأتوا بها رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال لهم "كلوا وأطعمونا من‬ ‫الغنم"‪.‬‬ ‫‪ 3‬المراد بالنسان هنا‪ :‬الكافر ل المؤمن وال فيه للجنس فيشمل اللّفظ كل إنسان كافر لم يهتد إلى‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬كونه يؤوسا‪ :‬ل يتعارض مع كثرة دعائه كما في قوله تعالى‪{ :‬فذو دعاء عريض} إذ يدعو‬ ‫وهو قانط‪.‬‬

‫( ‪)3/220‬‬ ‫مفاصلة قاطعة‪ ،‬للنزاع الناجم عن كون كل يدعى أنه على الحق وأن دينه أصوب‪ ،‬وطريقته أمثل‬ ‫وسبيله أجدى وأنفع‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب إقامة الصلة وبيان أوقاتها المحددة لها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الترغيب في النوافل‪ ،‬وخاصة التهجد أي "نافلة الليل"‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير الشفاعة العظمى للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬ضعف الباطل وسرعة تلشيه إذا صاوله الحق ووقف في وجهه‪.‬‬

‫‪ -5‬القرآن شفاء لمراض القلوب عامة ورحمة بالمؤمنين خاصة‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان طبع المرء الكافر وبيان حال الضعف الملزم له‪.‬‬ ‫‪ -7‬تعليم الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين كيف يتخلصون من الجدال الفارغ والحوار غير‬ ‫المثمر‪.‬‬ ‫وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ الرّوحِ ُقلِ الرّوحُ مِنْ َأمْرِ رَبّي َومَا أُوتِيتُم مّن ا ْلعِ ْلمِ ِإلّ قَلِيلً(‪ )85‬وَلَئِن شِئْنَا لَ َنذْهَبَنّ‬ ‫علَ ْيكَ كَبِيرًا‬ ‫حمَةً مّن رّ ّبكَ إِنّ َفضْلَهُ كَانَ َ‬ ‫بِالّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ ثُ ّم لَ َتجِدُ َلكَ ِبهِ عَلَيْنَا َوكِيلً(‪ِ )86‬إلّ َر ْ‬ ‫ن لَ يَأْتُونَ ِبمِثْلِ ِه وََلوْ كَانَ‬ ‫س وَالْجِنّ عَلَى أَن يَأْتُواْ ِبمِ ْثلِ َهذَا ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫ت الِن ُ‬ ‫(‪ )87‬قُل لّئِنِ اجْ َت َم َع ِ‬ ‫ظهِيرًا(‪ )88‬وََلقَدْ صَ ّرفْنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا ا ْلقُرْآنِ مِن ُكلّ مَ َثلٍ فَأَبَى َأكْثَرُ النّاسِ ِإلّ‬ ‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫ُكفُورًا(‪)89‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يسألونك ‪ :‬أي يسألك المشركون بواسطة أهل الكتاب عن الروح الذي يحيا به البدن‪.‬‬

‫( ‪)3/221‬‬ ‫من أمر ربي‪ :‬أي من شأنه وعلمه الذي استأثر به ولم يعلمه غيره‪.‬‬ ‫لنذهبن بالذي أوحينا إليك ‪ :‬أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف لفعلنا‪.‬‬ ‫لك به علينا وكيل‪ :‬يمنع ذلك منا ويحول دون ما أردناه منك‪.‬‬ ‫إل رحمة من ربك‪ :‬أي لكن أبقيناه عليك رحمة من ربك فلم نذهب به‪.‬‬ ‫بمثل هذا القرآن‪ :‬من الفصاحة والبلغة والمحتوى من الغيوب والشرائع والحكام‪.‬‬ ‫ظهيرا ‪ :‬أي معينا ونصيرا‪.‬‬ ‫صرفنا‪ :‬بينا للناس مثلً من جنس كل مثل ليتعظوا به فيؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫فأبى أكثر الناس ‪ :‬أي أهل مكة إل كفورا أي جحودا للحق وعنادا فيه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬ويسألونك ‪ 1‬عن الروح} إذ قد سأله المشركون عن الروح وعن أصحاب الكهف‪،‬‬ ‫وذي القرنين بإيعاز من يهود المدينة فأخبره تعالى‪ :‬بذلك وعلمه الرد عليهم فقال‪{ :‬قل الروح من‬ ‫أمر ربي ‪ }2‬وعلمه الذي ل يعلمه إل هو‪ ،‬وما أوتيتم من العلم إل قليلً لن سؤالهم هذا ونظائره‬ ‫دال على إدعائهم العلم فأعلمهم أن ما أوتوه من العلم إل قليل بجانب علم ال تعالى ‪ 3‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬ولئن شئنا لنذهبن ‪ 4‬بالذي أوحينا إليك} هذا امتنان من ال على رسوله الذي أنزل عليه‬ ‫القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين بأنه تعالى قادر على محوه من صدره‪ .‬وسطره‪ ،‬فل تبقى منه آية‬ ‫ثم ل يجد الرسول وكيلً له يمنعه من ِف ْعلِ ال به ذلك ولكن رحمة منه تعالى لم يشأ ذلك بل يبقيه‬ ‫إلى قرب قيام الساعة حجة ال على عباده وآية على نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وصدق‬

‫رسالته‪ ،‬وليس هذا بأول إفضال من ال تعالى على رسوله‪ ،‬بل فضل ال عليه كبير‪ ،‬ولنذكر من‬ ‫ذلك طرفا وهو‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى ابن إسحق أن قريشا بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود‬ ‫ويثرب يسألنهم عن أمر النبي صلى ال عليه وسلم فقال اليهود لهما‪ :‬سلوه عن ثلثة وذكروا‬ ‫لهما أهل الكهف وذا القرنين وعن الروح‪ ،‬فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي وإلّ‬ ‫فروا رأيكم فيه فأنزل ال تعالى سورة الكهف وفيها الجواب عن أصحاب الكهف‪ ،‬وذي القرنين‪،‬‬ ‫وأنزل هذه الية‪{ :‬يسألونك عن الروح}‪.‬‬ ‫‪ 2‬يطلق الروح على ملك من الملئكة عظيم ويطلق على جبريل ويطلق على هذا الموجود الخفي‬ ‫المنتشر في سائر الجسد النساني الذي دلت عليه آثاره من الدراك والتفكير وهو المسؤول عنه‬ ‫في هذه الية‪ ،‬وسؤالهم كان عن بيان حقيقته وماهيته‪.‬‬ ‫‪ 3‬لفظ الية عام وإن كان سبب نزولها خاصا إذ العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب فإنه ما‬ ‫أوتي أحد علما إل وهو إلى جانب علم ال تعالى قليل‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي عن عبدال بن مسعود رضي ال عنه قوله‪ :‬إن هذا القرآن الذي أظهركم يوشك أن ينزع‬ ‫منكم‪ .‬قالوا‪ :‬كيف ينزع منا وقد أثبته ال في قلوبنا وكتبناه في المصاحف قال‪ :‬يسرى عليه في‬ ‫ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء ثمّ قرأ‪{ :‬ولئن‬ ‫شئنا لنذهبنّ} الية‪.‬‬

‫( ‪)3/222‬‬ ‫عموم رسالته‪ ،‬كونه خاتم النبياء‪ ،‬العروج به إلى الملكوت العلى‪ ،‬إمامته للنبياء الشفاعة‬ ‫العظمى‪ ،‬والمقام المحمود‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قل لئن اجتمعت ‪ 1‬النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله‪ ،‬ولو‬ ‫كان بعضهم لبعض ظهيرا} لشك أن هذا الذي علم ال رسوله أن يقوله له سبب وهو ادعاء‬ ‫بعضهم أنه في إمكانه أن يأتي بمثل هذا القرآن الذي هو آية صدق نبوة محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وبذلك تبطل الدعوى‪ ،‬وينتصر باطلهم على الحق‪ .‬فأمر تعالى رسوله أن يرد على هذا‬ ‫الزعم الباطل بقوله‪ :‬قل يا رسولنا لهؤلء الزاعمين التيان بمثل هذا القرآن لئن اجتمعت النس‬ ‫والجن متعاونين متظاهرين على التيان بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله‪ ،‬ذلك لنه وحي ال‬ ‫وكتابه‪ ،‬وحجته على خلقه‪ ،‬وكفى‪ .‬فكيف إذا يمكن للنس والجن أن يأتوا بمثله؟!‬ ‫وقوله‪{ :‬ولقد صرفنا في هذا القرآن} أي بينا مثلً من جنس كل مثل من أجل هداية الناس‬ ‫وإصلحهم علهم يتذكرون فيتعظون‪ ،‬فيؤمنون ويوحدون فأبى أكثر الناس إل كفورا أي جحودا‬

‫بالحق‪ ،‬وإنكارا للقرآن وتكذيبا به وبما جاء فيه من الحق والهدى والنور‪ ،‬لما سبق القضاء اللهي‬ ‫من امتلء جهنم بالغاوين وجنود إبليس أجمعين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬علم الروح مما استأئر ال تعالى به‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما علم أهل العلم إلى علم ال تعالى إل كما يأخذ الطائر بمنقاره من ماء المحيط‪.‬‬ ‫‪ -3‬حفظ القرآن في الصدور والسطور إلى قرب الساعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬عجز النس والجن عن التيان بقرآن كالقرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ -5‬لما سبق في علم ال من شقاوة الناس تجد أكثرهم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫ل وَعِ َنبٍ‬ ‫ن الَ ْرضِ يَنبُوعًا(‪َ )90‬أوْ َتكُونَ َلكَ جَنّةٌ مّن نّخِي ٍ‬ ‫َوقَالُواْ لَن ّن ْؤمِنَ َلكَ حَتّى َتفْجُرَ لَنَا مِ َ‬ ‫سمَاء َكمَا‬ ‫سقِطَ ال ّ‬ ‫فَ ُتفَجّ َر الَ ْنهَارَ خِلَلهَا َتفْجِيرًا(‪َ )91‬أوْ تُ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نزلت هذه الية ردّا على كفار قريش عندما قال النضر بن الحارث وغيره لو نشاء لقلنا مثل‬ ‫هذا‪ .‬ومعنى ظهيرا‪ :‬أي‪ :‬عنونا ونصيرا كما يتعاون الشعراء على قصيد الشعر‪.‬‬

‫( ‪)3/223‬‬ ‫سفًا َأوْ تَأْ ِتيَ بِالّل ِه وَا ْلمَل ِئكَةِ قَبِيلً(‪َ )92‬أوْ َيكُونَ َلكَ بَ ْيتٌ مّن زُخْ ُرفٍ َأوْ تَ ْرقَى فِي‬ ‫ع ْمتَ عَلَيْنَا كِ َ‬ ‫زَ َ‬ ‫سمَاء وَلَن ّن ْؤمِنَ لِ ُرقِ ّيكَ حَتّى تُنَ ّزلَ عَلَيْنَا كِتَابًا ّنقْ َر ُؤهُ ُقلْ سُبْحَانَ رَبّي َهلْ كُنتُ َإلّ بَشَرًا رّسُولً(‬ ‫ال ّ‬ ‫‪َ )93‬ومَا مَ َنعَ النّاسَ أَن ُي ْؤمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ ا ْل ُهدَى ِإلّ أَن قَالُواْ أَ َب َعثَ اللّهُ بَشَرًا رّسُولً(‪ )94‬قُل ّلوْ‬ ‫سمَاء مََلكًا رّسُولً(‪)95‬‬ ‫طمَئِنّينَ لَنَزّلْنَا عَلَ ْيهِم مّنَ ال ّ‬ ‫كَانَ فِي الَ ْرضِ مَل ِئكَةٌ َيمْشُونَ مُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ينبوعا‪ :‬عينا ل ينضب ماؤها فهي دائمة الجريان‪.‬‬ ‫جنة‪ :‬بستان كثير الشجار‪.‬‬ ‫كسفا‪ :‬قطعا جمع كسفة كقطعة‪.‬‬ ‫قبيلً‪ :‬مقابلة لنراهم عيانا‪.‬‬ ‫من زخرف ‪ :‬من ذهب‪.‬‬ ‫ترقى‪ :‬تصعد في السماء‬ ‫مطمئنين‪ :‬ساكنين في الرض ل يبرحون منها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والبعث وتقرير ذلك‪ .‬فقال تعالى مخبرا عن‬

‫قيلهم لرسول ال وهم يجادلون في نبوته‪ :‬فقالوا‪{ :‬لن ‪ 1‬نؤمن لك} أي لن نتابعك على ما تدعو إليه‬ ‫من التوحيد والنبوة لك والبعث والجزاء لنا {حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا} أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نزلت هذه الية في رؤساء قريش مثل‪ :‬عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي سفيان والنضر بن‬ ‫الحارث وأبي جهل وأمية بن خلف وغيرهم حيث اجتمعوا حول الكعبة ليل وبعثوا إلى الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم وكان حريصا على هدايتهم فأتاهم فقالوا له كلما طويلً ثم خلصوا إلى ما‬ ‫ذكر تعالى في هذه الية وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا الخ‪.‬‬

‫( ‪)3/224‬‬ ‫عينا يجري ماؤها على وجه الرض ل ينقطع {أو تكون لك جنة} أي بستان من نخيل وعنب‪،‬‬ ‫{فتفجر النهار خللها} أي خلل الشجار تفجيرا‪{ ،‬أو تسقط السماء كما زعمت علينا ‪ 1‬كسفا} أي‬ ‫قطعا‪{ ،‬أو تأتي بال والملئكة قبيل ‪ }2‬أي مقابلة نراهم معاينة‪{ ،‬أو يكون لك بيت من زخرف}‬ ‫أي من ذهب تسكنه بيننا {أو ترقى في السماء} أي تصعد بسلم ذي درج في السماء‪{ ،‬ولن نؤمن‬ ‫لرقيك ‪ }3‬إن أنت رقيت {حتى تنزل علينا كتابا} من عند ال {نقرأه} يأمرنا فيه باليمان بك‬ ‫واتباعك! هذه ست طلبات كل واحدة اعتبروها آية متى شاهدوها زعموا أنهم يؤمنون‪ ،‬وال يعلم‬ ‫أنهم ل يؤمنون‪ ،‬فلذا لم يستجب لهم وقال لرسوله‪ :‬قل يا محمد لهم‪{ .‬سبحان ال} متعجبا من‬ ‫طلباتهم {هل كنت إل بشرا رسولً}! ؟! أي هل كنت غير بشر رسول؟ وإل كيف يطلب مني هذا‬ ‫الذي طلبوا‪ ،‬إن ما تطلبونه ل يقدر عليه عبد مأمور مثلي‪ ،‬وإنما يقدر عليه رب عظيم قادر‪ ،‬يقول‬ ‫للشيء كن‪ ....‬فيكون! وأنا ما ادعيت ربوبية‪ ،‬وإنما أصرح دائما بأني عبد ال ورسوله إليكم‬ ‫لبلغكم رسالته بأن تعبدوه وحده ول تشركوا به سواه وتؤمنوا بالبعث الخر وتعملوا له بالطاعات‬ ‫وترك المعاصي‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى} أي وما منع أهل مكة‬ ‫أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ‪ 4‬على يد رسولهم {إل أن قالوا} أي إل قولهم {أبعث ال بشرا رسولً}‬ ‫منكرين على ال أن يبعث رسولً من البشر!‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قل لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا‬ ‫رسولً} أي قل يا رسولنا لهؤلء المنكرين أن يكون الرسول صلى ال عليه وسلم بشرا‪،‬‬ ‫المتعجبين من ذلك‪ ،‬قل لهم‪ :‬لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين ساكنين في الرض ل‬ ‫يغادرونها لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولً يهديهم بأمرنا ويعلمهم ما يطلب منهم فعله بإذننا‬ ‫لنهم يفهمون عنه لرابطة الجنس بينهم والتفاهم الذي يتم لهم‪ .‬ولذا بعثنا إليكم رسولً من جنسكم‬ ‫تفهمون ما يقول لكم يقدر على إفهامكم والبيان لكم فكيف إذا تنكرون الرسالة للبشر وهي أمر ل‬ ‫بد منه؟!‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬الكسف‪ :‬بفتح السين جمع كسفة بإسكانها‪ ،‬قرأ نافع كسفا بفتح السين وكذا عاصم وقرأ غيرهما‬ ‫كسفا بإسكان السين أي‪ :‬قطعة‪.‬‬ ‫‪ 2‬فسر قبيلً بعدّة تفسيرات قال ابن عباس‪ :‬كفيل‪ ،‬وقال مقاتل‪ :‬شهيدا‪ ،‬وقال مجاهد جمع القبيلة‬ ‫أي‪ :‬بأصناف الملئكة قبيلة قبيلة‪ ،‬وقيل ضمناء يضمنون لنا إتيانك به وما في التفسير أولى‬ ‫وأظهر في تفسير الية‪.‬‬ ‫‪ 3‬الرقى‪ :‬مصدر رقى يرقي رقيا ورُقيا أي‪ :‬صعد المنبر ونحوه‪.‬‬ ‫‪ 4‬الهدى‪ :‬أي ما يحقق الهداية من الكتب والرسل من عند ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/225‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان شدة عناد مشركي قريش‪ ،‬وتصلبهم وتحزبهم إزإء دعوة التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سخف عقول المشركين برضاهم لللوهية بحجر وإنكارهم الرسالة للبشر!‬ ‫‪ -4‬تقرير أن التفاهم حسب سنة ال ل يتم إل بين المتجانسين فإذا اختلفت الجناس فل تفاهم إل‬ ‫أن يشاء ال فل يتفاهم إنسان مع حيوان أو جان‪.‬‬ ‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ إِنّهُ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرًا َبصِيرًا(‪َ )96‬ومَن َيهْدِ اللّهُ َف ُهوَ ا ْل ُمهْتَ ِد َومَن‬ ‫ُقلْ َكفَى بِاللّهِ َ‬ ‫صمّا مّ ْأوَاهُمْ‬ ‫عمْيًا وَ ُب ْكمًا َو ُ‬ ‫حشُرُهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ عَلَى ُوجُو ِههِمْ ُ‬ ‫ُيضِْللْ فَلَن تَجِدَ َلهُمْ َأوْلِيَاء مِن دُونِ ِه وَنَ ْ‬ ‫عظَامًا وَ ُرفَاتًا‬ ‫سعِيرًا(‪ )97‬ذَِلكَ جَزَآؤُهُم بِأَ ّنهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا َوقَالُواْ أَئِذَا كُنّا ِ‬ ‫جهَنّمُ كُّلمَا خَ َبتْ زِدْنَاهُمْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت وَالَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخُْلقَ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ خَ ْلقًا جَدِيدًا(‪َ )98‬أوَلَمْ يَ َروْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬ ‫ل لّ رَ ْيبَ فِيهِ فَأَبَى الظّاِلمُونَ َإلّ ُكفُورًا(‪)99‬‬ ‫ج َعلَ َلهُمْ َأجَ ً‬ ‫مِثَْلهُ ْم وَ َ‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫شهيدا ‪ :‬على أني رسول ال إليكم وقد بلغتكم وعلى أنكم كفرتم وعاندتم‪.‬‬ ‫فلن تجد لهم أولياء‪ :‬أي يهدونهم‪.‬‬ ‫على وجوههم ‪ :‬أي يمشون على وجوههم‪.‬‬ ‫عميا وبكما وصما ‪ :‬ل يبصرون ول ينطقون ول يسمعون‪.‬‬

‫( ‪)3/226‬‬

‫كلما خبت ‪ :‬أي سكن لهبها زدناهم سعيرا أي تلهبا واستعارا‪.‬‬ ‫وقالوا ‪:‬أي منكرين للبعث‪.‬‬ ‫مثلهم ‪ :‬أي أناسا مثلهم‪.‬‬ ‫أجل‪ :‬وقتا محددا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في تقرير النبوة المحمدية إذ يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل‬ ‫لولئك المنكرين أن يكون الرسول بشرًا‪{ ،‬كفى ‪ 1‬بال شهيدا بيني وبينكم} على أني رسوله وأنتم‬ ‫منكرون عليّ ذلك‪.‬‬ ‫إنه تعالى كان وما زال {بعباده خبيرا} أي ذا خبرة تامة بهم {بصيرا} بأحوالهم يعلم المحق منهم‬ ‫من المبطل‪ ،‬والصادق من الكاذب وسيجزي كلً بعدله ورحمته‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ومن يهد ال فهو المهتد ‪ }2‬يخبر تعالى أن الهداية بيده تعالى فمن يهده ال فهو‬ ‫المهتدي بحق‪{ ،‬ومن يضلل فلن تجد لهم ‪ 3‬أولياء من دونه} أي يهدونهم بحال من الحوال‪ ،‬وفي‬ ‫هذا الكلم تسلية للرسول وعزاء له في قومه المصرين على الجحود والنكار لرسالته‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ونحشرهم يوم القيامة} أي أولئك المكذبين الضالين الذين ماتوا على ضللهم وتكذيبهم فلم‬ ‫يتوبوا نحشرهم يوم القيامة‪ ،‬يمشون على وجوههم ‪ 4‬حال كونهم عميا ل يبصرون‪ ،‬بكما ل‬ ‫ينطقون‪ ،‬صما‪ 5‬ل يسمعون وقوله تعالى‪{ :‬مأواهم جهنم} أي محل استقرارهم في ذلك اليوم جهنم‬ ‫الموصوفة بأنها {كلما خبت} أي سكن لهبها عنهم زادهم ال سعيرا أي تلهبا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أن نفرا من قريش قالوا حين سمعوا قوله‪{ :‬هل كنت إلّ بشرا رسولً} فمن يشهد لك أنك‬ ‫رسول ال؟ فنزل‪{ :‬قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}‪.‬‬ ‫‪ 2‬حذفت الياء ليوقف على الدّال بالسكون وهي لغة فصيحة وفي حال الوصل يؤتى بالياء نطقا‬ ‫بها‪.‬‬ ‫‪ 3‬جمع الضمير (لهم) مراعاة إلى أن (من) تكون للواحد والمتعدد‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬يسحبون على وجوههم إهانة لهم كما يفعل في الدنيا بمن ينتقم منه حيث يسحبونه على‬ ‫وجهه في الرض إهانة‪ ،‬ومن سورة القمر قال تعالى‪{ :‬يوم يسحبون في النار على وجوههم‬ ‫ذوقوا مسّ سقر} وجائز أن يمشوا على وجوههم عند حشرهم إلى جهنم فإذا دخلوها سحبوا على‬ ‫وجوههم لحديث أنس‪" :‬أليس الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه؟" في جواب‬ ‫سائل قال‪ :‬أفيحشر الكفّار على وجوههم؟‬ ‫‪ 5‬هذا في حال حشرهم إلى جهنم وكانوا قبل ذلك يسمعون ويبصرون وينطقون ثم إذا دخلوها‬ ‫عادت إليهم حواسهم لليات القرآنية المصرّحة بذلك منها‪{ :‬ورأى المجرمون‪ }..‬ومنها‪{ :‬سمعوا‬ ‫لها تغيظا وزفيرا} ومنها‪{ :‬قالوا يا مالك ليقض علينا ربك‪.}..‬‬

‫( ‪)3/227‬‬ ‫واستعارا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ذلك جزاؤهم} أي ذلك العذاب المذكور جزاؤهم بأنهم كفروا بآيات ال‬ ‫أي بسبب كفرهم بآيات ال‪ .‬وقولهم إنكارا للبعث الخر واستبعادا له‪{ :‬أإذا كنا عظاما ورُفاتا} أي‬ ‫ترابا {أئنا لمبعوثون خلقا جديدا} ورد ال تعالى على هذا الستبعاد منهم للحياة الثانية فقال‪{ :‬أو لم‬ ‫يروا} أي أينكرون البعث الخر؟ ولم يروا بعيون قلوبهم {أن الذي خلق السموات والرض قادر‬ ‫على أن يخلق مثلهم} ؟؟! بلى إنه لقادر لو كانوا يعلمون!‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وجعل ‪ 1‬لهم أجلً} أي وقتا محدودا معينا لهلكهم وعذابهم {ل ريب فيه} وهم‬ ‫صائرون إليه ل محالة‪ ،‬وقوله‪{ :‬فأبى الظالمون إل كفورا} أي مع هذا البيان والستدلل العقلي‬ ‫أبى الظالمون إل الجحود والكفران ليحق عليهم كلمة العذاب فيذوقوه والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عظم شهادة ال تعالى ووجوب الكتفاء بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الهداية والضلل بيد ال فيجب طلب الهداية منه والستعاذة به من الضلل‪.‬‬ ‫‪ -3‬فظاعة عذاب يوم القيامة إذ يحشر الظالمون يمشون على وجوههم كالحيات وهم صم بكم‬ ‫عمي والعياذ بال تعالى من حال أهل النار‪.‬‬ ‫‪ -4‬جهنم جزاء الكفر بآيات ال والنكار للبعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -5‬دليل البعث عقلي كما هو نقلي فالقادر على البدء‪ ،‬قادر عقلً على العادة بل العادة ‪-‬‬ ‫عقلً‪ -‬أهون من البدء للخلق من لشيء‪.‬‬ ‫ق َوكَانَ النسَانُ قَتُورًا(‪ )100‬وََلقَدْ‬ ‫خشْيَ َة الِنفَا ِ‬ ‫سكْ ُتمْ َ‬ ‫حمَةِ رَبّي ِإذًا لَّأمْ َ‬ ‫قُل ّلوْ أَن ُتمْ َتمِْلكُونَ خَزَآئِنَ رَ ْ‬ ‫آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ فَاسَْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ َفقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّي لَأَظُ ّنكَ يَا مُوسَى‬ ‫مَسْحُورًا(‪ )101‬قَالَ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا أَن َزلَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جملة‪{ :‬وجعل لهم أجلً ل ريب فيه} معطوفة على جملة {أو لم يروا} لتأويلها بمعنى‪ :‬قد رأوا‬ ‫ذلك لو كانوا يعقلون‪ .‬الجل‪ :‬الزمن المجعول غاية يبلغ إليها في حال من الحوال والمراد به هنا‬ ‫مدّة حياتهم‪.‬‬

‫( ‪)3/228‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َبصَآئِرَ وَإِنّي لََأظُ ّنكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا(‪ )102‬فَأَرَادَ أَن يَسْ َتفِزّهُم‬ ‫َهؤُلء ِإلّ َربّ ال ّ‬ ‫سكُنُواْ الَ ْرضَ فَإِذَا جَاء‬ ‫جمِيعًا(‪َ )103‬وقُلْنَا مِن َبعْ ِدهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْ‬ ‫ن الَ ْرضِ فَأَغْ َرقْنَا ُه َومَن ّمعَهُ َ‬ ‫مّ َ‬ ‫وَعْدُ الخِ َرةِ جِئْنَا ِبكُمْ َلفِيفًا(‪)104‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫خزائن رحت ربي ‪ :‬أي من المطر والرزاق‪.‬‬ ‫لمسكتم‪ :‬أي منعتم النفاق‪.‬‬ ‫خشية النفاق‪ :‬خوف النفاد‪.‬‬ ‫قتورا ‪ :‬أي كثير القتار أي البخل والمنع للمال‪.‬‬ ‫تسع آيات بينات ‪ :‬أي معجزات بينات أي واضحات وهو اليد والعصا والطمس الخ‪.‬‬ ‫مسحورا‪ :‬أي مغلوبا على عقلك‪ ،‬مخدوعا‪.‬‬ ‫ما أنزل هؤلء‪ :‬أي اليات التسع‪.‬‬ ‫مثبورا‪ :‬هالكا بانصرافك عن الحق والخير‪.‬‬ ‫فأراد أن يستفزهم ‪ :‬أي يستخفهم ويخرجهم من ديار مصر‪.‬‬ ‫اسكنوا الرض‪ :‬أي أرض القدس والشام‪.‬‬ ‫الخرة‪ :‬أي الساعة‪.‬‬ ‫لفيفا‪ :‬أي مختلطين من أحياء وقبائل شتى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قل يا محمد لولئك الذين يطالبون بتحويل جبل الصفا‬ ‫إلى ذهب‪ ،‬وتحويل المنطقة حول مكة إلى بساتين من نخيل وأعناب تجري النهار من خللها‪ ،‬قل‬ ‫لهم‪ ،‬لو كنتم أ نتم تملكون خزائن رحمة ربي من الموال والرزاق لمسكتم بخل بها ولم تنفقوها‬ ‫خوفا من نفادها إذ هذا طبعكم‪ ،‬وهو البخل‪{ ،‬وكان النسان} قبل هدايته وإيمانه {قتورا} أي كثير‬ ‫ل وشحا نفسيا ملزما له حتى يعالج هذا الشح بما وضع ال تعالى من دواء نافع جاء‬ ‫التقتير بخ ً‬ ‫بيانه في سورة المعارج ‪ 1‬من هذا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هو قوله تعالى‪{ :‬إنّ النسان خلق هلوعا إذا مسّه الشر جزوعا وإذا مسّه الخير منوعا إلّ‬ ‫المصلين الذين هم على صلتهم دائمون} إلى قوله‪{ :‬والذين هم على صلتهم يحافظون}‪.‬‬

‫( ‪)3/229‬‬ ‫الكتاب الكريم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ‪ }1‬أي‪ ،‬ولقد أعطينا موسى بن عمران نبي بني‬

‫إسرائيل تسع آيات وهي‪ :‬اليد‪ ،‬والعصا والدّم ‪ ،2‬وانفلق البحر‪ ،‬والطمس على أموال آل فرعون‪،‬‬ ‫والطوفان والجراد والقمل والضفادع‪ ،‬فهل آمن عليها آل فرعون؟! ل‪ ،‬إذا‪ ،‬فلو أعطيناك ما طالب‬ ‫به قومك المشركون من اليات الست التي اقترحوها وتقدمت في هذه السياق الكريم مبينة‪ ،‬ما‬ ‫كانوا ليؤمنوا بها‪ ،‬ومن هنا فل فائدة من إعطائك إياها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فاسأل بني إسرائيل} أي سل يا نبينا علماء بني إسرائيل كعبد ال بن سلم وغيره‪،‬‬ ‫إذ جاءهم موسى بطالب فرعون بإرسالهم معه ليخرج بهم إلى بلد القدس‪ ،‬وأرى فرعون اليات‬ ‫الدالة على صدق نبوته ورسالته وأحقية ما يطالب به فقال له فرعون‪{ :‬إني لظنك يا موسى‬ ‫مسحورا} أي ساحرا لظهارك ما أظهرت من هذه الخوارق‪ ،‬ومسحورا بمعنى مخدوعا مغلوبا‬ ‫على عقلك فتقول الذي تقول مما ل يقوله العقلء فرد عليه موسى بقوله بما أخبر تعالى به في‬ ‫قوله {لقد علمت} أي فرعون ما أنزل هؤلء اليات البينات إل رب السماوات أي خالقها ومالكها‬ ‫والمدبر لها {بصائر} أي آيات واضحات مضيئات هاديات لمن طلب الهداية‪ ،‬فعميت عنها وأنت‬ ‫تعلم صدقها {وإني لظنك يا فرعون مثبورا‪ !}3‬أي من أجل هذا أظنك يا فرعون ملعونا‪ ،‬من‬ ‫رحمة ال مبعدا مثبورا هالكا‪ .‬فلما أعيته أي فرعون الحجج والبينات لجأ إلى القوة‪{ ،‬فأراد أن‬ ‫يستفزهم من الرض} أي يستخفهم من أرض مصر بالقتل الجماعي استئصالً لهم‪ ،‬أو بالنفي‬ ‫والطرد والتشريد‪ ،‬فعامله الرب تعالى بنقيض‪ ،‬قصده فأغرقه ال تعالى هو وجنوده أجمعين‪ ،‬وهو‬ ‫معنى قوله تعالى‪{ :‬فأغرقناه ومن معه} أي من الجنود {أجمعين} وقوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى الترمذي وصححه والنسائي عن صفوان بن عسال المرادي‪ " :‬أن يهوديين قال أحدهما‬ ‫لصاحبه‪ :‬اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله‪ ،‬فقال‪ :‬ل تقل له نبي فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين‪،‬‬ ‫فأتيا النبي صلى ال عليه وسلم فسأله عن قول ال تعالى‪{ :‬ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات}‬ ‫فقال‪ :‬ل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تقتلوا النفس التي حرّم ال إل بالحق ول تسرقوا ول‬ ‫تسحروا ول تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله‪ ،‬ول تأكلوا الربا ول تقذفوا محصنة ول تفروا من‬ ‫الزحف‪ ،‬وعليكم يا معشر يهود خاصة ألّ تعدوا في السبت فقبّل يديه ورجليه وقال‪ :‬نشهد أنك‬ ‫نبي قال‪ :‬ما يمنعكما أن تؤمنا؟ قال‪ :‬إن داود دعا ال ألّ يزال في ذريته نبي وإنّا نخاف إن أسلمنا‬ ‫أن تقتلنا اليهود"‪ .‬وعليه فالمراد باليات‪ :‬آيات التشريع في التوراة‪ ،‬وهذا وجه‪ .‬ول منافاة مع‬ ‫تفسير اليات بالمعجزات التسع كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 2‬ل خلف في اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والدم وإنما الخلف في الثلث الباقية‬ ‫وانفلق البحر مجمع عليه وإنما في الطمس والحجر لن الحجر كان في التيه بعد نجاة بني‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ 3‬الظنّ هنا بمعنى التحقيق‪ ،‬وذكر لكلمة مثبور عدة معان كلها صحيحة منها‪ :‬الهلك والخسران‬ ‫والخبال والمنع من الخير‪ ،‬قال ابن الزّبعرى‪:‬‬

‫ي ومَنْ مال مَيَْل ُة مثبورُ‬ ‫إذ أجاري الشيطان في سنن الغ ّ‬ ‫أي هالك وخاسر‪.‬‬

‫( ‪)3/230‬‬ ‫{وقلنا من بعده} أي من بعد هلك فرعون وجنوده لبني إسرائيل على لسان موسى عليه السلم‬ ‫{اسكنوا الرض} أي أرض القدس والشام إلى نهاية آجالكم بالموت‪{ .‬فإذا جاء وعد الخرة} أي‬ ‫يوم القيامة بعثناكم أحياء كغيركم‪{ ،‬وجئنا بكم لفيفا} أي مختلطين من أحياء وقبائل أجناس شتى ل‬ ‫ميزة لحد على آخر‪ ،‬حفاة عراة لفصل القضاء ثم الحساب والجزاء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الشح من طبع النسان إل أن يعالجه باليمان والتقوى فيقيه ال منه ‪.1‬‬ ‫‪ -2‬اليات وحدها ل تكفي لهداية النسان بل ل بد من توفيق إلهي‪.‬‬ ‫‪ -9‬مظاهر قدرة ال تعالى وانتصاره لوليائه وكبت أعدائه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان كيفية حشر الناس يوم القيامة لفيفا أخلطا من قبائل وأجناس شتى‪.‬‬ ‫حقّ نَ َزلَ َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ ِإلّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا(‪َ )105‬وقُرْآنا فَ َرقْنَاهُ لِ َتقْرََأهُ عَلَى النّاسِ‬ ‫وَبِالْحَقّ أَنزَلْنَا ُه وَبِالْ َ‬ ‫ث وَنَزّلْنَاهُ تَنزِيلً(‪ُ )106‬قلْ آمِنُواْ ِبهِ َأوْ لَ ُت ْؤمِنُواْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى‬ ‫عَلَى ُمكْ ٍ‬ ‫ن وَعْدُ رَبّنَا َل َم ْفعُولً(‪)108‬‬ ‫سجّدًا(‪ )107‬وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَا َ‬ ‫عَلَ ْيهِمْ َيخِرّونَ لِلَ ْذقَانِ ُ‬ ‫خشُوعًا(‪)109‬‬ ‫ن وَيَزِيدُ ُهمْ ُ‬ ‫وَيَخِرّونَ لِلَ ْذقَانِ يَ ْبكُو َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وبالحق أنزلناه ‪ :‬أي القرآن‪.‬‬ ‫وبالحق نزل ‪ :‬أي نزل ببيان الحق في العبادات والعقائد والخبار والمواعظ والحكم والحكام‪.‬‬ ‫وقرآنا فرقناه ‪ :‬أن نزلناه مفرقا في ظرف ثلث وعشرين سنة لحكمة اقتضت ذلك‪.‬‬ ‫على مكث ‪ :‬أي على مهل وتؤده ليفهمه المستمع إليه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال تعالى ‪{ :‬ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}‪.‬‬

‫( ‪)3/231‬‬ ‫ونزلناه تنزيل‪ :‬أي شيئا فشيئا حسب مصالح المة لتكمل به ولتسعد عليه‪.‬‬ ‫أوتوا العلم من قبله ‪ :‬أي مؤمنوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبد ال بن سلم‪ ،‬وسلمان‬

‫الفارسي‪.‬‬ ‫للذقان سجدا‪ :‬أي سجدا على وجوههم‪ ،‬ومن سجد على وجهه فقد خرّ على ذقنه ساجدا‪.‬‬ ‫إن كان وعد ربنا لمفعولً ‪ :‬منجزا‪ ،‬واقعا‪ ،‬فقد أرسل النبي المي الذي بشرت به كتبه وأنزل عليه‬ ‫كتابه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى‪{ :‬وبالحق أنزلناه} أي ذلك الكتاب الذي جحد به الجاحدون‪ ،‬وكذب به المشركون‬ ‫أنزلناه بالحق الثابت حيث ل شك أنه كتاب ال ووحيه إلى رسوله‪ ،‬و {بالحق نزل} فكل ما جاء‬ ‫فيه ودعا إليه وأمر به‪ .‬وأخبر عنه من عقائد وتشريع وأخبار ووعد ووعيد كله حق ثابت ل‬ ‫خلف فيه ول ريبة منه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وما أرسلناك إل مبشرا ونذيرا} أي لم نرسلك لخلق‬ ‫الهداية في قلوب عبادنا ول لجبارهم بقوة السلطان على اليمان بنا وتوحيدنا‪ ،‬وإنما أرسلناك‬ ‫للدعوة والتبليغ {مبشرا} من أطاعنا بالجنة ومنذرا من عصانا مخوفا من النار‪ .‬وفي هذا تقرير‬ ‫لرسالته صلى ال عليه وسلم ونبوته وقوله تعالى‪{ :‬وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} أي‬ ‫أنزلنا القرآن وفرقناه في خلل ثلث وعشرين سنة لحكمة منا اقتضت ذلك وقوله {لتقرأه على‬ ‫الناس على مكث} آيات بعد آيات ليكون ذلك أدْعَى إلى فهم من يسمعه ويستمع إليه‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ونزلناه ‪ 1‬تنزيلً} أي شيئا فشيئا حسب ‪ 2‬مصالح العباد وما تتطلبه تربيتهم الروحية والنسانية‬ ‫ليكملوا به‪ ،‬عقولً وأخلقا وأرواحا ويسعدوا به في الدارين وقوله تعالى‪{ :‬قل آمنوا به أو ل‬ ‫تؤمنوا} أي قل يا رسولنا للمنكرين للوحي القرآني من قومك‪ ،‬آمنوا به أو ل تؤمنوا فإن إيمانكم به‬ ‫كعدمه ل يغير من واقعه شيئا فسوف يؤمن به ويسعد عليه غيركم إن لم تؤمنوا أنتم به وهاهم‬ ‫أولء الذين أوتوا العلم من قبله من علماء أهل الكتابين اليهود والنصارى قد آمنوا به‪ ،‬يريد أمثال‬ ‫عبدال بن سلم وسلمان الفارسي والنجاشي أصحم الحبشي وإنهم {إذا يتلى عليهم} أي يُقرأ عليهم‬ ‫{يخرون للذقان سجدا} أي يخرون ساجدين على أذقانهم ووجوههم ويقولون حال سجودهم‬ ‫{سبحان ربنا}‪3‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬ل خلف في أنه نزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة‪.‬‬ ‫‪{ 2‬تنزيل}‪ :‬مصدر مؤكد لنزوله نجما بعد نجم وهو معنى مفرّقا آية بعد آية وسورة بعد سورة‬ ‫حتى اكتمل نزوله‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية دليل على مشروعية التسبيح في السجود وشاهده من السنة رواية مسلم عن عائشة‬ ‫رضي ال عنها قالت‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكثر أن يقول في سجوده وركوعه‬ ‫سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" وورد أنه فعله استجابة لقول ال تعالى {فسبّح بحمد‬ ‫ربك واستغفره} آخر سورة النصر‪.‬‬

‫( ‪)3/232‬‬ ‫أي تنزيها له أن يخلف وعده إذ وعد أنه يبعث نبي آخر الزمان وينزل عليه قرآنا‪{ ،‬إن كان وعد‬ ‫ربنا لمفعول} إقرارا منهم بالنبوة المحمدية والقرآن العظيم‪ ،‬أي ناجزا إذ وعد بإرسال النبي الخاتم‬ ‫وإنزال الكتاب عليه فأنجز ما وعد‪ ،‬وهكذا وعد ربنا دائما ناجز ل يتخلف‪ .‬وقوله {ويخرون ‪1‬‬ ‫للذقان يبكون ‪ }2‬أي عندما يسمعون القرآن ل يسجدون فحسب بل يخرون يبكون ويزيدهم سماع‬ ‫القرآن وتلوته خشوعا في قلوبهم واطمئنانا في جوارحهم لنه الحق سمعوه من ربهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬القرآن حق من ال وما نزل به كله حق‪.‬‬ ‫‪ -2‬الندب إلى ترتيل القرآن لسيما عند قراءته على الناس لدعوتهم إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير نزول القرآن مفرقا في ثلث وعشرين سنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير النبوة المحمدية بنزول القرآن وإيمان من آمن به من أهل الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان حقيقة السجود وأنه وضع الوجه على الرض‪.‬‬ ‫‪ -6‬مشروعية السجود للقارىء أو المستمع وسنية ذلك عند قراءة هذه الية وهي {يخرون للذقان‬ ‫يبكون ويزيدهم خشوعا} فيخر ساجدا مكبرا في الخفض وفي الرفع قائلً‪ :‬ال أكبر ويسبح ويدعو‬ ‫في سجوده بما يشاء‪.‬‬ ‫جهَرْ ِبصَلَ ِتكَ َولَ تُخَا ِفتْ‬ ‫سمَاء ا ْلحُسْنَى َولَ َت ْ‬ ‫حمَنَ أَيّا مّا تَدْعُواْ فََل ُه الَ ْ‬ ‫ُقلِ ادْعُواْ اللّهَ َأوِ ادْعُواْ الرّ ْ‬ ‫ك وَلَمْ‬ ‫خ ْذ وَلَدًا وَلَم َيكُن لّهُ شَرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْل ِ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي َلمْ يَتّ ِ‬ ‫ِبهَا وَابْتَغِ بَيْنَ َذِلكَ سَبِيلً(‪َ )110‬و ُقلِ الْ َ‬ ‫ل َوكَبّ ْرهُ َتكْبِيرًا(‪)111‬‬ ‫َيكُن لّ ُه وَِليّ مّنَ ال ّذ ّ‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬الذقان} جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين‪ ،‬والسجود على الجبهة والنف وإنما ذكر الذقان هنا‬ ‫لنّ اللحية تصل إلى الرض قبل الجبهة والنف إذا كانت طويلة كما هي السنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬دلت الية على أن البكاء في الصلة ل يقطعها‪ ،‬والخلف في النفخ والنين والتنحنح والصحيح‬ ‫أنّ ما كان بحروف تسمع كان كلما ويقطع الصلة وما لم يكن بحرف فل فقد كان النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم يبكي في صلته ويسمع له أزير كأزير المرجل‪.‬‬

‫( ‪)3/233‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ادعوا ال أو ادعوا الرحمن‪ :‬أي سموه بأيهما ونادوه بكل واحد منهما ال أو الرحمن‪.‬‬ ‫أياما تدعوا‪ :‬أي إن تدعوه بأيهما فهو حسن لن له السماء الحسنى وهذان منها‪.‬‬ ‫ول تجهر بصلتك‪ :‬أي بقراءتك في الصلة كراهة أن يسمعها المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن‬ ‫ومن أنزله‪.‬‬ ‫ول تخافت بها‪ :‬أي ول تسر به إسرارا حتى ينتفع بقراءتك أصحابك الذين يصلون وراءك‬ ‫بصلتك‪.‬‬ ‫وابتغ بين ذلك سبيل‪ :‬أي اطلب بين السر والجهر طريقا وسطا‪.‬‬ ‫لم يتخذ ولدا ‪ :‬كما يقول الكافرون‪.‬‬ ‫ولم يكن له شريك ‪ :‬كما يقول المشركون‪.‬‬ ‫ولم يكن له ولي من الذل‪ :‬أي لم يكن له ولي ينصره من أجل الذل إذ هو العزيز الجبار مالك‬ ‫الملك ذو الجلل والكرام‪.‬‬ ‫وكبره تكبيرا‪ :‬أي عظمه تعظيما كاملً عن اتخاذ الولد والشريك والولي من الذل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫كان صلى ال عليه وسلم يقول في دعائه يا ال‪ .‬يا رحمن‪ ،‬يا رحمن يا رحيم فسمعه المشركون‬ ‫وهم يتصيدون له أية شبهة ليثيروها ضده فلما سمعوه يقول‪ :‬يا ال‪ ،‬يا رحمن قالوا‪ :‬أنظروا إليه‬ ‫كيف يدعو إلهين وينهانا عن ذلك فأنزل ال تعالى ‪{ :1‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن} أي قل لهم‬ ‫يا نبينا أدعوا ال أو أدعوا الرحمن فال هو الرحمن الرحيم فـ {أياما تدعوا} منهما ال أو الرحمن‬ ‫فهو ال ذو السماء الحسنى والصفات العلى وقوله تعالى‪{ :‬ول تجهر ‪ 2‬بصلتك ول تخافت بها‬ ‫وابتغ بين ذلك سبيل} أي وسطا بين السر والجهر‪ ،‬وذلك أن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن‬ ‫سبّوا قارئه ومن أنزله‪ ،‬فأمر ال تعالى رسوله والمؤمنون تابعون له إذا قرأوا في صلتهم أن ل‬ ‫يجهروا حتى ل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فنزلت الية مبيّنة أنهما ال والرحمن اسمان لمسمى واحد فإن دُعي يا ال فهو ذاك وإن دعي يا‬ ‫رحمن فهو ذاك‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم وغيره عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله تعالى‪{ :‬ول تجهر بصلتك} الخ‬ ‫قوله نزلت ورسول ال صلى ال عليه وسلم متوارٍ بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته‬ ‫بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به"‪ .‬فقال ال تعالى‪{ :‬ول‬ ‫تجهر بصلت ك ‪ }،‬فيسمع المشركون قراءتك {ول تخافت بها} عن أصحابك أي‪ :‬أسمعهم القرآن‬ ‫ول تجهر ذلك الجهر { وابتغ بين ذلك سبيل} أي‪ :‬بين الجهر والمخافتة كان هذا في مكة ثم‬

‫استقرت السنة بالجهر في صلة الصبح والمغرب والعشاء في الركعتين الولتين والسر في صلة‬ ‫الظهر والعصر وثالثة المغرب والخيرتين من صلة العشاء‪.‬‬

‫( ‪)3/234‬‬ ‫يسمع المشركون قراءتهم ول يسروا حتى ل يحرم سماع القرآن من يصلي وراءهم فأمر رسول‬ ‫ال بالتوسط بين الجهر والسر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وقل الحمد ل ‪ 1‬الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من‬ ‫الذل وكبره تكبيرا} أي أمر ال تعالى الرسول أن يحمد ال الذي لم يتخذ ولدا كما زعم ذلك بعض‬ ‫العرب‪ ،‬إذ قالوا الملئكة بنات ال! وكما زعم ذلك اليهود إذ قالوا عزير بن ال والنصارى إذ‬ ‫قالوا عيسى بن ال! {ولم يكن له شريك في الملك} كما قال المشركون من العرب‪ :‬لبيك اللهم لبيك‬ ‫لبيك ل شريك لك لبيك إل شريكا هولك‪ ،‬تملكه وما ملك !{ولم يكن له ولي من الذل} كما قال‬ ‫الصابئون والمجوس‪ :‬لو ل أولياء ال لذل ال! {وكبره} أنت أو عظمه يا رسولنا تعظيما من أن‬ ‫يكون له وصف النقص والفتقار والعجز‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن ل السماء الحسنى وهي مائة اسم إل اسما واحدا‪ 2‬فيدعى ال تعالى وينادى بأيّها‪ :،‬وكلها‬ ‫حسنى كما قال تعالى في سورة العراف‪{ :‬ول السماء الحسنى فادعوه بها}‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للرسول والقرآن والمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الخذ بالحتياط للدين كما هو للدنيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب حمد ال تعالى والثناء عليه وتنزيهه عن كل عجز ونقص‪.‬‬ ‫‪ -5‬هذه الية {وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك‪ ،‬ولم يكن له ولي من‬ ‫الذل} تسمى آية العز هكذا سماها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن عمر أنه قال‪ :‬ال أكبر خير من الدنيا وما فيها‪ ،‬وورد أنّ هذه الية {وقل الحمد ل}‬ ‫الخ خاتمة التوراة وفاتحتها أوّل سورة النعام‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجماع على أنه ل يصح وضع اسم ل تعالى بالنظر والجتهاد وإنما أسماؤه وصفاته توقيفية‬ ‫مصدرها الوحي اللهي‪ :‬الكتاب والسنة‪.‬‬

‫( ‪)3/235‬‬

‫سورة الكهف‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الكهف ‪1‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها عشر ومائة‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شدِيدًا مِن لّدُنْهُ‬ ‫عوَجَا(‪ )1‬قَ ّيمًا لّيُنذِرَ بَ ْأسًا َ‬ ‫جعَل لّهُ ِ‬ ‫ب وَلَمْ َي ْ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي أَن َزلَ عَلَى عَبْ ِدهِ ا ْلكِتَا َ‬ ‫الْ َ‬ ‫حسَنًا(‪ )2‬مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا(‪ )3‬وَيُنذِرَ الّذِينَ‬ ‫وَيُبَشّرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ َلهُمْ َأجْرًا َ‬ ‫خذَ اللّهُ وَلَدًا(‪ )4‬مّا َلهُم بِهِ مِنْ عِ ْل ٍم وَل لبَا ِئهِمْ كَبُ َرتْ كَِلمَةً َتخْرُجُ مِنْ َأ ْفوَا ِههِمْ إِن َيقُولُونَ إِلّا‬ ‫قَالُوا اتّ َ‬ ‫سفًا(‪)6‬‬ ‫سكَ عَلَى آثَارِ ِهمْ إِن لّمْ ُي ْؤمِنُوا ِب َهذَا ا ْلحَدِيثِ أَ َ‬ ‫كَذِبًا(‪ )5‬فََلعَّلكَ بَاخِعٌ ّنفْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الحمد ل ‪ :‬الحمد الوصف بالجميل‪ ،‬وال عَلَم على ذات الرب تعالى‪.‬‬ ‫الكتاب ‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ولم يجعل له عوجا‪ :‬أي ميلً عن الحق والعتدال في ألفاظه ومعانيه‪.‬‬ ‫قيما‪ :‬أي ذا اعتدال ل إفراط فيه ول تفريط في كل ما حواه ودعا إليه من التوحيد والعبادة‬ ‫والداب والشرائع والحكام‪.‬‬ ‫بأسا شديدا ‪ :‬عذابا ذا شدة وقسوة وسوء عذاب في الخرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى مسلم‪" :‬من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال" وروى الدارمي في‬ ‫مسنده عن أبي سعيد الخدري رصي ال عنه‪" :‬من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من‬ ‫النور فيما بينه وبين البيت العتيق"‪ ..‬وروي أيضا "أن من قرأها يوم الجمعة غفر له إلى الجمعة‬ ‫الخرى وزيادة ثلثة أيام وأعطي نورا يبلغ السماء ووقي فتنة الدجال"‪.‬‬

‫( ‪)3/236‬‬ ‫من لدنه‪ :‬من عنده سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫أجرا حسناَ‪ :‬أي الجنة إذ هي أجر المؤمنين العاملين بالصالحات‪.‬‬ ‫كبرت كلمة‪ :‬أي عظمت فريه وهي قولهم الملئكة بنات ال‪.‬‬ ‫إن يقولون إلّ كذبا ‪ :‬أي ما يقولون إلّ كذبا بحتا ل واقع له من الخارج‪.‬‬ ‫باخع نفسك‪ :‬قاتل نفسك كالمنتحر‪.‬‬ ‫بهذا الحديث أسفا ‪ :‬أي بالقرآن من أجل السف الذي هو الحزن الشديد‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫أخبر تعالى في فاتحة سورة الكهف ‪ 1‬بأنه المستحق للحمد‪ ،‬وأن الحمد ل وذكر موجب ذلك‪ ،‬وهو‬ ‫إنزاله على عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم الكتاب الفخم العظيم وهو القرآن العظيم‬ ‫الكريم فقال‪{ :‬الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب} وقوله تعالى ‪{ :‬ولم يجعل له عوجا‪ }2‬أي‬ ‫ولم يجعل لذلك الكتاب العظيم عوجا أي ميلً عن الحق والعتدال في ألفاظه ومعانيه فهو كلم‬ ‫مستقيم محقق للخذ به كل سعادة وكمال في الحياتين‪ .‬وقوله {قيما} أي معتدلً خاليا من الفراط‬ ‫والتفريط قيما على الكتب السابقة مهيمنا عليها الحق فيها ما أحقه والباطل ما أبطله‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬لينذر بأسا شديدا من لدنه} أي أنزل الكتاب الخالي من العوج القيم من أجل أن ينذر‬ ‫الظالمين من أهل الشرك والمعاصي عذابا شديدا في الدنيا والخرة ينزل بهم من عند ربهم الذين‬ ‫كفروا به وأشركوا وعصوه وكذبوا رسوله وعصوه‪ .‬ومن أجل أن يبشر بواسطته أيضا {الذين‬ ‫آمنوا وعملوا الصالحات} أي يخبرهم بما يسرهم ويفرح قلوبهم وهو أن لهم عند ربهم جنات‬ ‫تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا وقوله تعالى ‪{ :‬وينذر} بصورة خاصة أولئك المتقولين‬ ‫على ال المفترين عليه بنسبتهم الولد إليه فقالوا‪{ :‬اتخذ ال ولدا} وهم اليهود والنصارى وبعض‬ ‫مشركي العرب الذين قالوا إن الملئكة بنات ال! هذا ما دل عليه قوله تعالى‪{ :‬وينذر الذين قالوا‬ ‫اتخذ ال ولدا} وهو قول َتوَارَثُوهُ ل علم لحد منهم به‪ ،‬وإنما هو مجرد كذب يتناقلونه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى ابن اسحق في سبب نزول سورة الكهف حديثا طويلً خلصته أن وفدا من قريش أتوا‬ ‫اليهود بالمدينة وقالوا لهم أنتم أهل الكتاب فأخبرونا عن صاحبنا هذا‪ -‬محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ -‬فقالت اليهود‪ :‬سلوه عن ثلث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل فإن لم يفعل‬ ‫فهو رجل متقوّل فروا فيه رأيكم‪ :‬سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الول ما كان من أمرهم فإنه‬ ‫كان لهم حديث عجيب‪ .‬وسلوه عن رجل طوافة قد بلغ مشارق الرض ومغاربها ما كان نبؤه؟؛‬ ‫وسلوه عن الروح ما هي؟ فان أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل‬ ‫متقوّل فانظروا في أمره ما بدالكم وأتى الوفد مكة وسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬ ‫"أخبركم بما سألتم عنه غدا؛ ولم يستثن أي‪ :‬لم يقل إن شاء ال فانقطع الوحي نصف شهر ثم‬ ‫نزلت سورة الكهف وفيها جواب ما سألوا‪.‬‬ ‫‪ 2‬العوج‪ :‬ضد الستقامة وهو النحراف في الذوات والمعاني وتكسر عينه وتقع‪ ،‬وقيل‪ :‬الكسر في‬ ‫المعاني والفتح في الذّوات‪.‬‬

‫( ‪)3/237‬‬

‫بينهم لذا قبح ال قولهم هذا وعجّب منه العقلء‪ ،‬فقال‪{ :‬كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي عظم‬ ‫قولهم {اتخذ ال ولدا} كلمة قالوها تخرج من أفواههم ل غير إذ ل واقع لها أبدا‪ ،‬وقرر النكار‬ ‫عليهم فقال‪{ :‬إن يقولون إلّ كذبا} أي ما يقولون إلّ الكذب البحت الذي ل يعتمد على شيء من‬ ‫الصحة البتة‪ .‬وقوله‪{ :‬فلعلك باخع ‪ 1‬نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} يعاتب ال‬ ‫تعالى رسوله ويخفف عنه ما يجده في نفسه من الحزن على عدم إيمان قومه واشتدادهم في الكفر‬ ‫والتكذيب وما يقترحونه عليه من اليات أي فلعلك يا رسولنا قاتل نفسك على إثر رفض قومك‬ ‫لليمان بك وبكتابك وما جئت به من الهدى‪ ،‬حزنا عليهم‪ ،‬وجزعا منهم‪ ،‬فل تفعل واصبر لحكم‬ ‫ربك فإنه منجز وعده لك بالنصر على قومك المكذبين لك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب حمد ال تعالى على آلئه وعظيم نعمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل يحمد إلّ من له ما يقتضي حمده‪ ،‬وإلّ كان المدح كذبا وزورا‪.‬‬ ‫‪ -3‬عظم شأن القرآن الكريم وسلمته من الفراط والتفريط والنحراف في كل ما جاء به‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان مهمة القرآن وهي البشارة لهل اليمان والنذار لهل الشرك والكفران‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنديد بالكذب على ال ونسبة ما ل يليق بجلله وكماله إليه كالولد ونحوه‪.‬‬ ‫‪ -6‬تحريم النتحار وقتل النفس من الحزن أو الخوف ونحوه من الغضب والحرمان‪.‬‬ ‫صعِيدًا‬ ‫عمَلًا(‪ )7‬وَإِنّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَ ْيهَا َ‬ ‫جعَلْنَا مَا عَلَى الْأَ ْرضِ زِي َنةً ّلهَا لِنَبُْلوَ ُهمْ أَ ّيهُمْ َأحْسَنُ َ‬ ‫إِنّا َ‬ ‫ف وَال ّرقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا(‪ )9‬إِذْ َأوَى ا ْلفِتْيَةُ ِإلَى‬ ‫صحَابَ ا ْل َكهْ ِ‬ ‫جُرُزًا (‪ )8‬أَمْ حَسِ ْبتَ أَنّ َأ ْ‬ ‫شدًا(‪َ )10‬فضَرَبْنَا عَلَى آذَا ِن ِهمْ فِي‬ ‫ح َم ًة وَهَ ّيئْ لَنَا مِنْ َأمْرِنَا رَ َ‬ ‫ا ْل َك ْهفِ َفقَالُوا رَبّنَا آتِنَا مِن لّدُنكَ رَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬باخع} مهلك نفسك‪ ،‬قال ذو الرّمة‪:‬‬ ‫أل أيهذا الباخع الوجد نفسه‬ ‫بشيء نحته عن يديه المقادر‬ ‫وفسّر ابن عباس رضي ال عنهما الباخع بقاتل نفسه من شدّة الحزن‪.‬‬

‫( ‪)3/238‬‬ ‫حصَى ِلمَا لَبِثُوا َأمَدًا (‪)12‬‬ ‫ا ْل َك ْهفِ سِنِينَ عَ َددًا (‪ )11‬ثُمّ َبعَثْنَا ُهمْ لِ َنعْلَمَ َأيّ الْحِزْبَيْنِ أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫صعيدا جرزا‪ :‬أي ترابا ل نبات فيه‪ ،‬فالصعيد هو التراب والجرز ‪ 1‬الذي ل نبات فيه‪.‬‬ ‫الكهف‪ :‬النقب الواسع في الجبل والضيق منه يقال له "غار"‪.‬‬

‫والرقيم‪ :‬لوح حجري رقمت فيه أسماء أصحاب الكهف‪.‬‬ ‫أوى الفتية إلى الكهف ‪ :‬اتخذوه مأوى لهم ومنزلً نزلوا فيه‪.‬‬ ‫الفتية‪ :‬جمع فتى وهم شبان مؤمنون‪.‬‬ ‫هيئ لنا من أمرنا رشدا ‪ :‬أي ييسر لنا طريق رشد وهداية‪.‬‬ ‫فضربنا على آذانهم ‪ :‬أي ضربنا على آذانهم حجابا يمنعهم من سماع الصوات والحركات‪.‬‬ ‫سنين عددا ‪ :‬أي أعواما عدة‪.‬‬ ‫ثم بعثناهم ‪ :‬أي من نومهم بمعنى أيقظناهم‪.‬‬ ‫أحصى لما لبثوا ‪ :‬أي أضبط لوقات بعثهم في الكهف‪.‬‬ ‫أمدا‪ :‬أي مدة محدودة معلومة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لها} من حيوان وأشجار ونبات وأنهار وبحار‪ ،‬وقوله‬ ‫{لنبلوهم} أي لنختبرهم {أيهم أحسن عمل} أي أيهم أترك لها وأتبع لمرنا ونهينا وأعمل فيها‬ ‫بطاعتنا وقوله‪{ :‬وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} أي وإنا لمخربوها في يوم‪ ،‬من اليام بعد‬ ‫عمارتها ونضارتها وزينتها نجعلها {صعيدا‪ 2‬جرزا} أي ترابا ل نبات فيه‪ ،‬إذا فل تحزن يا‬ ‫رسولنا ول تغتم مما تلقيه من قومك فإن مآل الحياة التي من أجلها عادوك وعصوننا إلى أن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجرز‪ :‬القاحل الجرد الذي ل نبات فيه‪.‬‬ ‫صعُد‪ ،‬والصعيد‪ :‬الطريق أيضا لحديث الصحيح‪" :‬إياكم والقعود‬ ‫‪ 2‬الصعيد‪ :‬وجه الرض والجمع ُ‬ ‫على الصعدات" أي‪ :‬الطرق‪ ،‬وجمع الجرز‪ :‬أجراز يقال سنين أجراز ل مطر فيها ول عشب ول‬ ‫نبات‪.‬‬

‫( ‪)3/239‬‬ ‫تصبح صعيدا جرزا‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬أم حسبت ‪ 1‬أن أصحاب الكهف والرقيم ‪ 2‬كانوا من آياتنا‬ ‫عجبا} أي أظننت أيها النبي أن أصحاب الكهف أي الغار في الكهف والرقيم وهو اللوح الذي‬ ‫كتبت عليه ورقم أسماء أصحاب الكهف وأنسابهم وقصتهم {كانوا من آياتنا عجبا‪ }3‬أي كان‬ ‫أعجب من آياتنا في خلق ومخلوفات‪ ،‬السموات والرض بل من مخلوقات ال ما هو أعجب‬ ‫بكثير‪ .‬وقوله‪{ :‬إذْ أوى الفتية إلى الكهف} هذا شروع في ذكر قصتهم العجيبة‪ ،‬أي اذكر للسائلين‬ ‫لك عن قصة هؤلء الفتية‪ ،‬إذ أووا إلى الغار في الكهف فنزلوا فيه‪ ،‬واتخذوه مأوى لهم ومنزلً‬ ‫هروبا من قومهم الكفار أن يفتنوهم في دينهم وهم سبعة شبان ومعهم كلب لهم فقالوا سائلين ربهم‪:‬‬ ‫{ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا} أي أعطنا من عندك رحمة تصحبنا في‬

‫هجرتنا هذه للشرك والمشركين {وهيء لنا من أمرنا رشدا} أي ويسر لنا من أمرنا في فرارنا من‬ ‫ديار المشركين خوفا على ديننا {رشدا‪ }4‬أي سدادا وصلحا ونجاة من أهل الكفر والباطل‪ ،‬قال‬ ‫ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه اليات وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلء الفتية إلى‬ ‫الكهف الذي ذكره ال في كتابه فقال بعضهم‪ :‬كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى‬ ‫وكان لهم ملك عابد وثن دعاهم إلى عبادة الصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم‬ ‫أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف وقوله تعالى‪{ :‬فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا} أي‬ ‫فضربنا على آذانهم حجابا‪ 5‬يمنعهم من سماع الصوات والحركات فناموا في كهفهم سنين معدودة‬ ‫أي ثلثمائة وتسع سنين‪ ،‬وكانوا يتقلبون بلطف ال وتدبيره لهم من جنب إلى جنب حتى بعثهم من‬ ‫نومهم وهذا استجابة ال تعالى لهم إذ دعوه قائلين‪{ :‬ربنا آتنا من لدنك رحمة} وقوله تعالى‪{ :‬ثم‬ ‫بعثناهم} أي من نومهم ورقادهم {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا} أي في الكهف {أمدا} أي‬ ‫لنعلم عِّلمَ مشاهدة ولينظر عبادي فيعلموا أي الطائفتين ‪ 6‬اللتين اختلفتا في قدر لبثهم في الكهف‬ ‫كانت أحصى لمدة لبثهم في الكهف حيث اختلف الناس إلى حزبين حزب يقول لبثوا في كهفهم كذا‬ ‫سنة وآخر يقول لبثوا إلى مدى أي غاية كذا من السنين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬أم) هذه هي المنقطعة التي تقدّر ببل والستفهام للتعجيب‪.‬‬ ‫‪ 2‬ويجمع الرقيم على ُرقُم‪ ،‬والرقيم‪ :‬فعيل بمعنى مفعول أي‪ :‬مرقوم بمعنى مكتوب‪.‬‬ ‫‪ 3‬إنّ إماتة الحياء أعجب من إماتة أصحاب الكهف‪.‬‬ ‫‪ 4‬الرشد‪ :‬بفتحتين‪ :‬الخير‪ ،‬وإصابة الحق والنفع والصلح أيضا‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬حائلً كغشاوة ونحوها مما يحول دون السمع‪ ،‬ومعنى ضربنا‪ ،‬جعلنا أو وضعنا كقوله‪:‬‬ ‫{ضربت عليهم الذلّة} أي‪ :‬جعلت وألصقت بهم‪.‬‬ ‫‪ 6‬يبعد أن يكون المراد بالحزبين‪ :‬هم أصحاب الكهف أنفسهم بل الذين اختلفوا فيهم حزبان من‬ ‫المة التي اكتشفتهم بعد مضيّ سنين عديدة‪.‬‬

‫( ‪)3/240‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان العلة في وجود الزينة على هذه الرض‪ ،‬وهي البتلء والختبار للناس ليظهر الزاهد‬ ‫فيها‪ ،‬العارف بتفاهتها وسرعة زوالها‪ ،‬وليظهر الراغب فيها المتكالب عليها الذي عصى ال من‬ ‫أجلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير فناء كل ما على الرض حتى تبقى صعيدا جرزا وقاعا صفصفا ل يرى فيها عوج ول‬

‫أمت‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم بإجابة السائلين عن أصحاب الكهف باليجاز‬ ‫والتفصيل‪.‬‬ ‫ضمْنَ قصة أصحاب الكهف إذ فروا بدينهم خوفا من الشرك والكفر‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التواحيد ِ‬ ‫‪ -5‬استجابة ال دعاء عباده المؤمنين الموحدين حيث استجاب للفتية فآواهم الدار ورعاهم حتى‬ ‫بعثهم بعد تغير الحوال وتبدل العباد والبلد‪.‬‬ ‫حقّ إِ ّنهُمْ فِتْ َيةٌ آمَنُوا بِرَ ّبهِ ْم وَ ِزدْنَاهُمْ هُدًى (‪ )13‬وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُو ِبهِمْ ِإذْ‬ ‫نَحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ نَبَأَهُم بِالْ َ‬ ‫شطَطًا (‪َ )14‬هؤُلَاء‬ ‫عوَ مِن دُونِهِ إَِلهًا َلقَدْ قُلْنَا ِإذًا َ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ لَن نّدْ ُ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫قَامُوا َفقَالُوا رَبّنَا َربّ ال ّ‬ ‫علَ ْيهِم بِسُ ْلطَانٍ بَيّنٍ َفمَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا (‬ ‫َق ْومُنَا اتّخَذُوا مِن دُونِهِ آِلهَةً ّلوْلَا يَأْتُونَ َ‬ ‫‪ )15‬وَإِذِ اعْتَزَلْ ُتمُوهُمْ َومَا َيعْ ُبدُونَ ِإلّا اللّهَ فَ ْأوُوا إِلَى ا ْل َك ْهفِ يَنشُرْ َلكُمْ رَ ّبكُم مّن رّحمته و ُيهَيّئْ َلكُم‬ ‫مّنْ َأمْ ِركُم مّ ْر َفقًا (‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫نبأهم بالحق ‪ :‬أي خبرهم العجيب بالصدق واليقين‪.‬‬ ‫وزدناهم هدى ‪ :‬أي إيمانا وبصيرة في دينهم ومعرفة ربهم حتى صبروا على الهجرة‪.‬‬

‫( ‪)3/241‬‬ ‫وربطنا على قلوبهم ‪ :‬أي شددنا عليها فقويت عزائم حتى قالوا كلمة الحق عند سلطان جائر‪.‬‬ ‫لن ندعوا من دونه إلها ‪ :‬لن نعبد من دونه إلها آخر‪.‬‬ ‫لو ل يأتون عليهم بسلطان ‪ :‬أي هل يأتون بحجة قوية تثبت صحة عبادتهم‪.‬‬ ‫على ال كذبا ‪ :‬أي باتخاذ آلهة من دونه تعالى يدعوها ويعبدها‪.‬‬ ‫فأووا إلى الكهف‪ :‬أي انزلوا في الكهف تستترون به على أعين أعدائكم المشركين‪.‬‬ ‫ينشر لكم ربكم من رحمته‪ :‬أي يبسط من رحمته عليكم بنجاتكم مما فررتم منه‪.‬‬ ‫ويهيء لكم من أمركم ‪ :‬وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغم والكرب‪.‬‬ ‫مرفقا‪ :‬أي ما ترتفقون به وتنتفعون من طعام وشراب وإواء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن ذكر تعالى موجز قصة أصحاب الكهف أخذ في تفصيلها فقال {نحن نقص عليكم نبأهم‬ ‫بالحق ‪ }1‬أي نحن رب العزة والجلل نقص عليك أيها الرسول خبر أصحاب الكهف بالحق الثابت‬ ‫الذي ل شك فيه {إنهم فتية ‪ ،}2‬جمع فتى {آمنوا بربهم} أي صدقوا بوجوده ووجوب عبادته‬ ‫وتوحيده فيها وقوله {وزدناهم هدى} أي هداية إلى معرفة الحق من محاب ال تعالى ومكارهه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وربطنا على قلوبهم} أي قوّينا عزائمهم بما شددنا على قلوبهم حتى قاموا وقالوا‬

‫على رؤوس المل وأمام ملك كافر {ربنا رب السموات والرض} أي ليس لنا رب سواه‪ ،‬لن‬ ‫ندعوا من دونه إلها مهما كان شأنه‪ ،‬إذ لو اعترفنا بعبادة غيره لكنا قد قلنا إذا شططا من القول‬ ‫وهو الكذب والغلو فيه وقوله تعالى‪{ :‬هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة} يخبر تعالى عن قيل‬ ‫الفتية لما ربط ال على قلوبهم إذ قاموا في وجه المشركين الظلمة وقالوا‪{ :‬هؤلء قومنا اتخذوا ‪3‬‬ ‫من دون ال آلهة‪ ،‬لو ل يأتون عليهم بسلطان بين} أي هل يأتون عليهم بسلطان بيّن أي بحجة‬ ‫واضحة تثبت عبادة هؤلء الصنام من دون ال؟ ومن أين ذلك والحال أنه ل إله إلّ ال؟!‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فمن أظلم ‪ 4‬ممن افترى} ينفي ال عز وجل أن يكون هناك أظلم ممن افترى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الحق هنا بمعنى الصدق في الخبار والباء في قوله {بالحق} للملبسة أي‪ :‬القصص المصاحب‬ ‫للصدق والنبأ‪ :‬الخبر ذو الشأن والهمية‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة بيانية أي‪ :‬مبينة للقصص‪.‬‬ ‫‪{ 3‬من} ابتدائية‪ ،‬أي آلهة ناشئة من غير ال تعالى‪.‬‬ ‫‪{ 4‬من} اسم استفهام‪ ،‬ومعناه النكار والنفي‪ ،‬النكار على من اتخذ آلهة دون ال تعالى‪ ،‬والنفي‬ ‫لوجود آلهة حق مع ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/242‬‬ ‫على ال كذبا باتخاذ آلهة يعبدها معه باسم التوسل بها وشعار التشفع والتقرب إلى ال زلفى‬ ‫بواسطتها!! وقوله تعالى عن قيل أصحاب الكهف لبعضهم ‪{ :1‬وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلّ‬ ‫ال} من الصنام والوثان {فأووا إلى الكهف} أي فصيروا إلى غار الكهف المسمى "بنجلوس"‬ ‫{ينشر لكم ربكم من رحمته} أي يبسط لكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من المر الذي رميتم‬ ‫به من الكافر "دقينوس " {ويهيىء لكم من أمركم مرفقا} أي ما ترتفقون به من طعام وشراب وأمن‬ ‫في مأواكم الجديد الذي أويتم إليه فرارا بدينكم واستخفائكم من طالبكم المتعقب لكم ليفتنكم في‬ ‫دينكم أو يقتلكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بذكر قصة أصحاب الكهف‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير زيادة اليمان ونقصانه‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة الجرأة في الحق والتصريح به ولو أدى إلى القتل أو الضرب أو السجن‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التوحيد وأنه ل إله إلّ ال على لسان أصحاب الكهف‪.‬‬ ‫‪ -5‬بطلن عبادة غير ال لعدم وجود دليل عقلي أو نقلي عليها‪.‬‬

‫‪ -6‬الشرك ظلم وكذب والمشرك ظالم مفتر كاذب‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقرير فرض الهجرة في سبيل ال‪.‬‬ ‫‪ -8‬فضيلة اللتجاء إلى ال تعالى وطلب حمايته لعبده وكفاية ال من لجأ إليه في صدق‪.‬‬ ‫شمَالِ وَهُمْ فِي‬ ‫ضهُمْ ذَاتَ ال ّ‬ ‫ن وَإِذَا غَرَبَت ّتقْ ِر ُ‬ ‫شمْسَ ِإذَا طََلعَت تّزَاوَرُ عَن َك ْه ِفهِمْ ذَاتَ الْ َيمِي ِ‬ ‫وَتَرَى ال ّ‬ ‫ج َوةٍ مّنْهُ ذَِلكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ مَن َيهْدِ اللّهُ َف ُهوَ ا ْل ُمهْتَدِي َومَن ُيضِْللْ فَلَن َتجِدَ َل ُه وَلِيّا مّرْشِدًا(‪)17‬‬ ‫فَ ْ‬ ‫ل َوكَلْ ُبهُم‬ ‫شمَا ِ‬ ‫ن وَذَاتَ ال ّ‬ ‫وَتَحْسَ ُبهُمْ أَ ْيقَاظًا وَهُمْ ُرقُودٌ وَنُقَلّ ُبهُمْ ذَاتَ الْ َيمِي ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬قالوا ما قالوه على سبيل النصح والمشورة الصائبة‪.‬‬

‫( ‪)3/243‬‬ ‫سطٌ ذِرَاعَ ْيهِ بِا ْل َوصِيدِ َلوِ اطَّل ْعتَ عَلَ ْيهِمْ َلوَلّ ْيتَ مِ ْنهُمْ فِرَارًا وََلمُلِ ْئتَ مِ ْنهُمْ رُعْبًا (‪)18‬‬ ‫بَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تزاور ‪ :‬أي تميل‪.‬‬ ‫تقرضهم‪ :‬تتركهم وتتجاوز عنهم فل تصيبهم‪.‬‬ ‫في فجوة منه‪ :‬متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها‪.‬‬ ‫من آيات ال ‪ :‬أي دلئل قدرته‪.‬‬ ‫أيقاظا ‪ :‬جمع يقظ أي منتبهين لن أعينهم منفتحة‪.‬‬ ‫بالوصيد‪ :‬فناء الكهف‪.‬‬ ‫رُعبا‪ :‬منعهم ال بسببه من الدخول عليهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في عرض قصة أصحاب الكهف يقول تعالى في خطاب رسوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم {وترى الشمس إذا طلعت تزاور ‪ 1‬عن كهفهم} أي تميل عنه ذات اليمين {وإذا غربت‬ ‫تقرضهم} أي تتركهم وتتجاوز عنهم فل تصيبهم ذات الشمال‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وهم في فجوة ‪2‬‬ ‫منه} أي متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها‪ ،‬وقوله {ذلك من آيات ال} أي وذلك المذكور‬ ‫من ميلن الشمس عنهم إذا طلعت وقرضها لهم إذا غربت من دلئل قدرة ال تعالى ورحمته‬ ‫بأوليائه ولطفه بهم ‪ ،3‬وقوله تعالى‪{ :‬من يهد ال فهو ال ُمهْتَ ِد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا}‬ ‫يخبر تعالى أن الهداية بيده وكذلك الضلل فليطلب العبد من ربه الهداية إلى صراطه المستقيم‪،‬‬ ‫وليستعذ به من الضلل المبين إذ من يضله ال لن يوجد له ولي يرشده بحال من الحوال‪ ،‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ‪ }4‬أي انك إذا نظرت إليهم تظنهم أيقاظا‬ ‫__________‬

‫‪{ 1‬تزاور}‪ :‬تتنحى أو تميل من الزورار والزور‪ :‬الميل‪ ،‬والزور من الناس‪ :‬المائل النظر إلى‬ ‫ناحية وازورّ‪ :‬مال ومنه قول عنترة‪:‬‬ ‫فازورّ من وقع القّنا بلبانه‬ ‫وشكا إليّ بعبرة وتحمحم‬ ‫الللّبان‪ :‬الصدر‪ ،‬والتحمحم‪ :‬صوت دون الصهيل‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفجوة‪ :‬والجمع فجوات وفجاء وهو المتسع‪.‬‬ ‫‪ 3‬والمقصود بيان حفظهم من تطرق البلء‪ ،‬وتغير البدان والبدان والتأذي بحرّ أو برد‪.‬‬ ‫‪{ 4‬رقود}‪ :‬جمع راقد كراكع وركوع‪ ،‬وساجد وسجود‪ ،‬والتقليب‪ :‬تغيير وضع الشيء من ظاهره‬ ‫إلى باطنه وفعل ال تعالى هذا لحكمة وهي‪ :‬حتى ل تؤثر الرض على أجسامهم فتبلى‪ ،‬ولم‬ ‫يعرف كم مرّة يقلبون فيها في الشهر أو العام أو في أقل أو أكثر‪.‬‬

‫( ‪)3/244‬‬ ‫أي منتبهين لن أعينهم متفتحة وهم رقود نائمون ل يحسّون بأحد ول يشعرون‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ونقلبهم ذات اليمين} أي جهة اليمين {وذات الشمال} أي جهة الشمال حتى ل َتعْدو التربة على‬ ‫أجسادهم فتبليها‪ .‬وقوله‪{ :‬وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} أي‪ :‬وكلبهم الذي خرج معهم‪ ،‬وهو كلب‬ ‫صيد {باسط ذراعية بالوصيد ‪ }1‬أي‪ :‬بِفناء الكهف‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬لو اطلعت عليهم} أي لو‬ ‫شاهدتهم وهم رقود وأعينهم مفتحة {لوليت منهم فرارا} لرجعت فارا منهم {ولملئت منهم رعبا} أي‬ ‫خوفا وفزعا‪ ،‬ذلك أن ال تعالى ألقى عليهم من الهيبة والوقار حتى ل يدنو منهم أحد ويمسهم‬ ‫بسوء إلى أن يوقظهم عند نهاية الجل الذي ضرب لهم‪ ،‬ليكون أمرهم آية من آيات ال الدالة على‬ ‫قدرته وعظيم سلطانه وعجيب تدبيره في خلقه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان لطف ال تعالى بأوليائه بإكرامهم في هجرتهم إليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن الهداية بيد ال فالمهتدي من هداه ال والضال من أضله ال ولزم ذلك طلب الهداية‬ ‫من ال‪ ،‬والتعوذ به من الضلل لنه مالك ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان عجيب تدبير ال تعالى وتصرفه في مخلوقاته فسبحانه من إله عظيم عليم حكيم‪.‬‬ ‫َوكَذَِلكَ َبعَثْنَاهُمْ لِيَ َتسَاءلُوا بَيْ َنهُمْ قَالَ قَا ِئلٌ مّ ْنهُمْ َكمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ قَالُوا رَ ّبكُمْ أَعْلَمُ‬ ‫طعَامًا فَلْيَأْ ِتكُم بِرِ ْزقٍ مّنْهُ‬ ‫ِبمَا لَبِثْتُمْ فَا ْبعَثُوا َأحَ َدكُم ِبوَ ِر ِقكُمْ هَ ِذهِ إِلَى ا ْل َمدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَ ّيهَا أَ ْزكَى َ‬ ‫جمُوكُمْ َأوْ ُيعِيدُوكُمْ فِي مِلّ ِتهِ ْم وَلَن‬ ‫ظهَرُوا عَلَ ْيكُمْ يَ ْر ُ‬ ‫شعِرَنّ ِبكُمْ أَحَدًا (‪ )19‬إِ ّنهُمْ إِن يَ ْ‬ ‫ف وَلَا يُ ْ‬ ‫ط ْ‬ ‫وَلْيَتَلَ ّ‬ ‫ق وَأَنّ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ حَ ّ‬ ‫ُتفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (‪َ )20‬وكَذَِلكَ أَعْثَرْنَا عَلَ ْيهِمْ لِ َيعَْلمُوا أَ ّ‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬فناء عند مدخل الكهف فشبّه بالباب الذي هو الوصيد لنه يوصد ويغلق‪.‬‬

‫( ‪)3/245‬‬ ‫علَمُ ِبهِمْ قَالَ الّذِينَ‬ ‫ع َة ل رَ ْيبَ فِيهَا ِإذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْ َنهُمْ َأمْرَ ُهمْ َفقَالُوا ابْنُوا عَلَ ْيهِم بُنْيَانًا رّ ّبهُمْ أَ ْ‬ ‫السّا َ‬ ‫سجِدًا (‪)21‬‬ ‫علَ ْيهِم مّ ْ‬ ‫غَلَبُوا عَلَى َأمْرِهِمْ لَنَتّخِذَنّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذلك بعثناهم‪ :‬أي كما أنمناهم تلك النومة الطويلة الخارقة للعادة بعثناهم ‪ 1‬من رقادهم بعثا خارقا‬ ‫للعادة أيضا فكان في منامهم آية وفي إفاقتهم آية‪.‬‬ ‫كم لبثتم‪ :‬أي في الكهف نائمين‪.‬‬ ‫يوما أو بعض يوم‪ :‬لنهم دخلوا الكهف صباحا واستيقظوا عشية‪.‬‬ ‫بورقكم‪ :‬بدراهم الفضة التي عندكم‪.‬‬ ‫إلى المدينة ‪ :‬أي المدينة التي كانت تسمى أفسوس وهي طرسوس اليوم‪.‬‬ ‫أزكى طعاما‪ :‬أي أيّ أطعمة المدينة أحلّ أي أكثر حِلّيّةً‪.‬‬ ‫وليتلطف‪ :‬أي يذهب يشتري الطعام ويعود في لطف وخفاء‪.‬‬ ‫يرجموكم‪ :‬أي يقتلوكم رميا بالحجارة‪.‬‬ ‫أعثرنا عليهم‪ :‬أطلعنا عليهم أهل بلدهم‪.‬‬ ‫ليعلموا‪ :‬أي قومهم أن البعث حق للجساد والرواح معا‪.‬‬ ‫إذ يتنازعون‪ :‬أي الكفار قالوا ابنوا عليهم أي حولهم بناء يسترهم‪.‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬أي المؤمنون والكافرون في شأن البناء عليهم‪.‬‬ ‫وقال الذين غلبوا على أمرهم ‪ :‬وهم المؤمنون لنتخذن حولهم مسجدا يصلى فيه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في الحديث عن أصحاب الكهف فقوله تعالى ‪{ :‬وكذلك بعثناهم ليتساءلوا‬ ‫بينهم} أي كما أنمناهم ثلثمائة سنة وتسعا وحفظنا أجسادهم وثيابهم من البلى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البعث‪ :‬التحريك من سكون أي‪ :‬كما ضربنا على آذانهم وزدناهم هدىً وقلبناهم بعثناهم أيضا‬ ‫أي‪ :‬أيقظناهم من رقادهم على ما كانوا عليه من ثيابهم وأحوالهم‪.‬‬

‫( ‪)3/246‬‬

‫ومنعناهم من وصول أحد إليهم‪ ،‬وهذا من مظاهر قدرتنا وعظيم سلطاننا بعثناهم من نومهم‬ ‫الطويل ليتساءلوا بينهم فقال قائل منهم مستفهما كم لبثتم يا إخواننا فأجاب بعضهم قائلً {لبثنا يوما‬ ‫أو بعض يوم} لنهم آووا إلى الكهف في الصباح وبعثوا من رقادهم في المساء وأجاب بعض آخر‬ ‫بقول مُ ْرضٍ للجميع وهو قوله‪{ :‬ربكم أعلم بما لبثتم} فسلموا المر إليه‪ ،‬وكانوا جياعا فقالوا‬ ‫لبعضهم {فابعثوا أحدكم بورقكم ‪ 1‬هذه} يشيرون إلى عملة من فضة كانت معهم {إلى المدينة}‬ ‫وهي أفسوس التي خرجوا منها هاربين بدينهم‪ .‬وقوله‪{ :‬فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق‬ ‫منه} أي فلينظر الذي تبعثرنه لشراء الطعام أي أنواع الطعمة أزكى أي أطهر من الحرام‬ ‫والستقذار {فليأتكم ‪ 2‬برزق منه} لتأكلوه سدا لجوعكم وليتلطف ‪ 3‬في شرائه وذهابه وإيابه حتى ل‬ ‫يشعر بكم أحدا وعلل لقوله هذا بقوله {إنهم إن يظهروا عليكم} أي يطلعوا {يرجموكم} أو يقتلوكم‬ ‫رجما بالحجارة ‪{ 4‬أو يعيدوكم في ملتهم} ملة الشرك بالقسر والقوة‪{ .‬ولن تفلحوا إذا أبدا} أي ولن‬ ‫تفلحوا بالنجاة من النار ودخول الجنة إذا أنتم عدتم للكفر والشرك‪ ..‬فكفرتم وأشركتم بربكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وكذلك أعثرنا عليهم} أي وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة وبعثناهم ليتساءلوا بينهم‬ ‫فيزدادوا إيمانا ومعرفة بولية ال تعالى وحمايته لوليائه {أعثرنا عليهم ‪ }5‬أهل مدينتهم الذين‬ ‫انقسموا إلى فريقين فريق يعتقد أن البعث حق وأنه بالجسام‪ ،‬والرواح‪ ،‬وفريق يقول البعث‬ ‫الخر للرواح دون الجسام كما هي عقيدة النصارى إلى اليوم‪ ،‬فأنام ال الفتية وبعثهم وأعثر‬ ‫عليهم هؤلء القوم المختلفين فأتضح لهم أن ال قادر على بعث الناس أحياء أجساما وأرواحا كما‬ ‫بعث أصحاب الكهف وهو معنى قوله تعالى {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا} أي أولئك المختلفون‬ ‫في شأن البعث أن وعد ال حق وهو ما وعد به الناس من أنه سيبعثهم بعد موتهم يوم القيامة‬ ‫ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم‪{ .‬وأن الساعة ل ريب فيها} وقوله تعالى‪{ :‬إذ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس كان معهم دراهم فضة عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم والورق‪:‬‬ ‫الفضة‪ ،‬وقرىء بكسر الراء وقرىء بسكونها‪.‬‬ ‫‪ 2‬في هذه الية دليل على جواز الوكالة في كل مباح مأذون فيه وسواء كان الموكل عاجزا أو‬ ‫قادرا ورأى بعضهم أنّ القادر ل يوكل‪ ،‬والصحيح جوازه‪ ،‬وقد وكل النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫وهو صحيح حاضر‪ ،‬ووكّل عليّ رضي ال عنه ووكل كثير من الصحابة من ينوب عنهم في‬ ‫أمورهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجمهور على أن نصف حروف القرآن التاء من قوله‪{ :‬وليتلّطف} أي‪ :‬نصف القرآن من‬ ‫الفاتحة إلى {وليتلّطف } والنصف الخر والخير منها إلى الناس‪.‬‬ ‫‪ 4‬القتل بالرجم بالحجارة أشفى لصدور أهل الدين لنهم يشاركون في القتل بالرجم‪.‬‬ ‫‪ 5‬أطعلنا عليهم‪ .‬يقال عثر على كذا‪ :‬وقف عليه برجله ومنه العثار للرجل وأعثر عليه‪ :‬جعل‬ ‫غيره يعثر عليه بمعنى يقف عليه مطلعا عليه ظاهرا‪.‬‬

‫( ‪)3/247‬‬ ‫يتنازعون بينهم أمرهم} أي أعثرناهم عليهم في وقت كان أهل البلد يتنازعون في شأن البعث‬ ‫والحياة الخرة هل هي بالجسام والرواح أو بالرواح دون الجسام‪ .‬فتبين لهم بهذه الحادثة أن‬ ‫البعث حق وأنه بالجسام والرواح معا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فقالوا ابنوا عليهم بنيانا} واتركوهم في‬ ‫الكهف أي سدوا عليهم باب الكهف واتركوهم فيه لنهم بعد أن عثروا عليهم ماتوا {ربهم أعلم‬ ‫بهم} وبحالهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} أي قال الذين غلبوا على أمر‬ ‫الفتية لكون الملك كان مسلما معهم {لنتخذن عليهم مسجدا‪ }1‬أي للصلة فيه وفعلً بنو على مقربة‬ ‫من فم الغار بالكهف‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب طلب الحلل في الطعام والشراب وغيرهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬الموت على الشرك والكفر مانع من الفلح يوم القيامة أبدا‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير معتقد البعث والجزاء الذي ينكره أهل مكة‪.‬‬ ‫‪ -5‬مصداق قول الرسول صلى ال عليه وسلم "لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم‬ ‫مساجد" وقوله "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه‬ ‫تلك الصور أولئك شرار الخلق يوم القيامة" (في الصحيحين)‪.‬‬ ‫‪ -6‬مصداق قول الرسول صلى ال عليه وسلم "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع"‪.‬‬ ‫إذ قد بنى ‪ 2‬المسلمون على قبور الولياء والصالحين المساجد‪ .‬بعد القرون المفضلة حتى أصبح‬ ‫يندر وجود مسجد عتيق خال من قبر أو قبور‪.3 .‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اتخاذ المساجد على القبور من عمل أهل الكتاب قبل هذه المّة‪ ،‬وقد بيّن ذلك رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم وحذّر منه وحرّمه على أمته لما يفضي به إلى الشرك وعبادة غير ال تعالى فقد‬ ‫روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي ال عنهما قوله‪" :‬لعن رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" وفي الصحيحين عن عائشة رضي ال‬ ‫عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي ال عنهما ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم فقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا‬ ‫على قبره مسجدا وصوّروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند ال يوم القيامة"‪ .‬وروى مسلم‪" :‬ل‬

‫تصلوا إلى القبور ول تجلسوا عليها" وفي الصحيحين‪" :‬لعنة ال على اليهود والنصارى اتخذوا‬ ‫قبور أنبيائهم مساجد‪ ،‬يحذر ما صنعوا"‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى الترمذي وصححه عن جابر رضي ال عنه قال‪" :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن‬ ‫تجصص القبور وأن يكتب عليها أو يبنى عليها وأن توطأ" وروى أبو داود والترمذي وغيرهما أن‬ ‫ل إلّ‬ ‫عليا قال لحد رجاله أبعثك على ما بعثني عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ألّ تدع تمثا ً‬ ‫طمسته ول قبرا مشرفا إلّ سويته ول صورة إلّ طمستها" والمراد بالمشرف‪ :‬العالي المرتفع أما‬ ‫تسنيم القبر شبرا وأي ليعرف فل بأس به‪.‬‬ ‫‪ 3‬ذكر القرطبي هنا أنّ الدفن في التابوت جائز لسيما في الرض الرخوة وقال‪ :‬روي أنّ دانيال‬ ‫عليه السلم كان في تابوت من حجر وأنّ يوسف عليه السلم أوصى بأن يتخذ له تابوت من‬ ‫زجاج‪.‬‬

‫( ‪)3/248‬‬ ‫جمًا بِا ْلغَ ْيبِ وَ َيقُولُونَ سَ ْب َع ٌة وَثَامِ ُنهُمْ‬ ‫س ُهمْ كَلْ ُبهُمْ َر ْ‬ ‫خمْسَةٌ سَادِ ُ‬ ‫سَ َيقُولُونَ ثَلَا َثةٌ رّا ِب ُعهُمْ كَلْ ُبهُ ْم وَ َيقُولُونَ َ‬ ‫كَلْ ُبهُمْ قُل رّبّي أَعْلَمُ ِب ِعدّ ِتهِم مّا َيعَْل ُمهُمْ إِلّا قَلِيلٌ فَلَا ُتمَارِ فِي ِهمْ إِلّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا َتسْ َتفْتِ فِيهِم مّ ْن ُهمْ‬ ‫علٌ ذَِلكَ غَدًا (‪ )23‬إِلّا أَن يَشَاء اللّ ُه وَا ْذكُر رّ ّبكَ إِذَا َنسِيتَ َوقُلْ‬ ‫شيْءٍ إِنّي فَا ِ‬ ‫حدًا (‪ )22‬وَلَا َتقُولَنّ ِل َ‬ ‫أَ َ‬ ‫سعًا‬ ‫ن وَا ْزدَادُوا تِ ْ‬ ‫شدًا (‪ )24‬وَلَبِثُوا فِي َك ْه ِفهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِي َ‬ ‫عَسَى أَن َيهْدِيَنِ رَبّي لَِأقْ َربَ مِنْ َهذَا رَ َ‬ ‫سمِعْ مَا َلهُم مّن دُونِهِ مِن وَِليّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ أَ ْبصِرْ بِهِ وَأَ ْ‬ ‫(‪ُ )25‬قلِ اللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا لَبِثُوا لَهُ غَ ْيبُ ال ّ‬ ‫ح ْكمِهِ َأحَدًا (‪)26‬‬ ‫وَلَا يُشْ ِركُ فِي ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫رجما بالغيب‪ :‬أي قذفا بالظن غير يقين علم‪.‬‬ ‫ما يعلمهم إلّ قليل ‪ :‬أي من الناس‪.‬‬ ‫فل تمار فيهم‪ :‬ل تجادل في عدتهم‪.‬‬ ‫ول تستفت فيهم منهم أحدا ‪ :‬أي من أهل الكتاب‪ ،‬الستفتاء‪ :‬الستفهام والسؤال‪.‬‬ ‫إلّ أن يشاء ال‪ :‬أي إلّ أن تقول إن شاء ال‪.‬‬ ‫لقرب من هذا رشدا‪ :‬هداية وأظهر دللة على نبوتي من قصة أصحاب الكهف‪.‬‬ ‫له غيب السموات والرض ‪ :‬أي علم غيب السموات والرض وهو ما غاب فيهما‪.‬‬ ‫أبصر به وأسمع ‪ :‬أي أبصر بال واسمع به صيغة تعجب! والصل ما أبصره وما أسمعه‪.‬‬ ‫ما لم من دونه من ولي‪ :‬أي ليس لهل السموات والرض من دون ال أي من ناصر‪.‬‬

‫( ‪)3/249‬‬

‫ول يشرك في حكمه أحدا ‪ :‬لنه غني عما سواه ول شريك له‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في الحديث عن أصحاب الكهف يخبر تعالى بأن الخائضين في شان أصحاب‬ ‫الكهف سيقول بعضهم بأنهم ثلثة رابعهم كلبهم ويقول بعض آخرهم خمسة سادسهم كلبهم ‪1‬‬ ‫{رجما بالغيب} أي قذفا بالغيب من غير علم يقيني‪ ،‬ويقول بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم‪ ،‬ثم أمر‬ ‫ال تعالى رسوله أن يقول لصحابه تلك القوال‪{ :‬ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلّ قليل} أي ما‬ ‫يعلم عددهم إلّ قليل من الناس قال ابن عباس أنا من ذلك القليل فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم ولعله‬ ‫فهم ذلك من سياق الية إذ ذكر تعالى أن الفريقين الول والثاني قالوا ما قالوه من باب الرجم‬ ‫بالغيب ل من باب العلم والمعرفة‪ ،‬وسكت عن الفريق الثالث‪ ،‬فدل ذلك على أنهم سبعة وثامنهم‬ ‫كلبهم وال أعلم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فل تمار فيهم إلّ مراءً ظاهرا‪ }2‬أي ول تجادل أهل الكتاب في‬ ‫شأن أصحاب الكهف إلّ جدالً بينا لينا بذكرك ما قصصنا عليك دون تكذيب لهم‪ ،‬ول موافقة لهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ول تستفت فيهم ‪ }3‬أي في أصحاب الكهف {منهم} أي من أهل الكتاب {أحدا} وذلك‬ ‫لنهم ل يعلمون عدتهم وإنما يقولون بالخرص والتخمين ل بالعلم واليقين‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬ول‬ ‫تقولن لشيء ‪ 4‬إني فاعل ذلك غدا إلّ أن يشاء ال} أي ل تقل يا محمد في شأن تريد فعله مستقبلً‬ ‫ل أن تقول إن شاء ال ‪ 5‬وذلك أنه صلى ال عليه وسلم لما سأله وفد قريش بإيعاز‬ ‫أي سأفعل كذا إ ّ‬ ‫من اليهود عن المسائل الثلث‪ :‬الروح‪ ،‬وأصحاب الكهف وذي القرنين‪ ،‬قال لسائليه‪ :‬أجيبكم غدا‬ ‫انتظارا للوحي ولم يقل إن شاء ال‪ ،‬فأدبه ربه تعالى بانقطاع الوحي عنه نصف شهر‪ ،‬وأنزل هذه‬ ‫السورة وفيها هذا التأديب له صلى ال عليه وسلم وقوله‪{ :‬واذكر ربك إذا نسيت} أي إذا نسيت‬ ‫الستثناء الذي علمناك فاذكره ولو بعد حين لتخرج من الحرج‪.‬‬ ‫أما الكفارة فلزمة إلّ أن يكون الستثناء متصلً بالكلم وقوله تعالى‪{ :‬وقل عسى أن يهديني ربي‬ ‫لقرب من هذا رشدا} أي وقل بعد النسيان والستثناء المطلوب منك {عسى أن يهديني‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أصل الرجم هو الرجم بالحجارة ونحوها والمراد به هنا‪ ،‬رمي الكلم من غير روّية ول تثبّت‪،‬‬ ‫والمراد أنّ ما قالوه في بيان عددهم هو من باب القول بالظن بدون علم‪.‬‬ ‫‪ 2‬المراد‪ :‬بالظاهر هو الذي ل سبيل إلى إنكاره ول يطول الخوض فيه‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفتاء‪ :‬طلب الفتيا وهي الخبر عن أمر ل يعلمه إلّ ذوو العلم روي أنّ النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم سأل بعض نصارى نجران فنهي عن ذلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬لشيء أي‪ :‬في شيء أو لجل شيء‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬إلّ أن تذكر مشيئة ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/250‬‬ ‫ربي لقرب من هذا رشدا} أي لعل ال تعالى أن يهديني فيسددني لَسَدّ ما وعدتكم أن أخبركم به‬ ‫مما هو أظهر دللة على نبوتي مما سألتموني عنه اختبارا لي‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ولبثوا في كهفهم‬ ‫ثلثمائة ‪ 1‬سنين وازدادوا تسعا} يخبر تعالى أن الفتية لبثوا في كهفهم رقودا من ساعة دخلوه إلى‬ ‫أن أعثر ال عليهم قومهم ثلثمائة سنين بالحساب الشمسي وزيادة تسع سنين بالحساب القمري‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬قل ال أعلم بما لبثوا} رد به على من قال من أهل الكتاب إن الثلثمائة والتسع سنين هي‬ ‫من ساعة دخولهم الكهف إلى عهد النبي صلى ال عليه وسلم فأبطل ال هذا بتقرير الثلثمائة‬ ‫ل وبقوله {ال أعلم بما لبثوا} ثانيا وبقوله‪{ :‬له غيب السموات والرض} أي ما غاب‬ ‫والتسع أو ً‬ ‫فيهما‪ ،‬ثالثا‪ ،‬وبقوله ‪{ :‬أبصر به وأسمع} أي ما أبصره بخلفه وما أسمعه لقوالهم حيث ل يخفى‬ ‫عليه شيء من أمورهم وأحوالهم خامسا‪ ،‬وقوله (ليس لهم} أي لهل السموات والرض من دونه‬ ‫ي ول ناصر {ول يشرك في حكمه أحدا} لغناه عما سواه ولعدم وجود شريك له‬ ‫تعالى {من ولي} أ ْ‬ ‫بحال من الحوال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان اختلف أهل الكتاب وعدم ضبطهم للحداث التاريخية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عدد فتية أصحاب الكهف وأنهم سبعة وثامنهم كلبهم‪.‬‬ ‫ل إلّ قال بعدها إن شاء ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬من الدب مع ال تعالى أن ل يقول العبد سأفعل كذا مستقب ً‬ ‫‪ -4‬من الدب من نسي الستثناء أن يستثني ولو بعد حين فإن حلف ل ينفعه الستثناء إلّ إذا كان‬ ‫متصلً بكلمه‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير المدة التي لبثها الفتية في كهفهم وهي ثلث مائة وتسع سنين بالحساب القمري‪.‬‬ ‫سكَ‬ ‫جدَ مِن دُونِهِ مُلْ َتحَدًا (‪ )27‬وَاصْبِرْ َنفْ َ‬ ‫حيَ إِلَ ْيكَ مِن كِتَابِ رَ ّبكَ لَا مُ َب ّدلَ ِلكَِلمَاتِ ِه وَلَن تَ ِ‬ ‫وَا ْتلُ مَا أُو ِ‬ ‫شيّ‬ ‫مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَ ّبهُم بِا ْل َغدَا ِة وَا ْلعَ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور {ثلثمائةٍ} بالتنوين و {سنين} منصوب على التمييز أو على البدلية‪ ،‬فهو مجرور‪،‬‬ ‫وقرأ خلفهم بإضافة ثلثمائة إلى سنين‪.‬‬

‫( ‪)3/251‬‬

‫غفَلْنَا قَلْ َبهُ عَن ِذكْرِنَا وَاتّبَعَ‬ ‫جهَ ُه وَلَا َت ْعدُ عَيْنَاكَ عَ ْنهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَ ْ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫يُرِيدُو َ‬ ‫َهوَا ُه َوكَانَ َأمْ ُرهُ فُ ُرطًا (‪َ )28‬و ُقلِ ا ْلحَقّ مِن رّ ّبكُمْ َفمَن شَاء فَلْ ُي ْؤمِن َومَن شَاء فَلْ َي ْكفُرْ إِنّا أَعْتَدْنَا‬ ‫شوِي ا ْلوُجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ‬ ‫لِلظّاِلمِينَ نَارًا أَحَاطَ ِبهِمْ سُرَا ِد ُقهَا وَإِن يَسْ َتغِيثُوا ُيغَاثُوا ِبمَاء كَا ْل ُم ْهلِ يَ ْ‬ ‫عمَلًا (‪)30‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ إِنّا لَا ُنضِيعُ أَجْرَ مَنْ َأحْسَنَ َ‬ ‫وَسَاءتْ مُرْ َتفَقًا (‪ )29‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫عدْنٍ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهِمُ الْأَ ْنهَارُ يُحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَ َهبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا‬ ‫ُأوْلَ ِئكَ َلهُمْ جَنّاتُ َ‬ ‫حسُ َنتْ مُرْ َت َفقًا (‪)31‬‬ ‫ب وَ َ‬ ‫س وَإِسْتَبْ َرقٍ مّ ّتكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَا ِئكِ ِنعْمَ ال ّثوَا ُ‬ ‫خضْرًا مّن سُندُ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واتل ما أوحي إليك من الكتاب‪ :‬أي اقرأ القرآن تعبدا ودعوة وتعليما‪.‬‬ ‫ل مبدل لكلماته ‪ :‬أي ل مغير لكلمات ال في ألفاظها ول معانيها وأحكامها‪.‬‬ ‫ملتحدا ‪ :‬أي ملجأ تميل إليه إحتماءا به‪.‬‬ ‫واصبر نفسك ‪ :‬أي إحبسها‪.‬‬ ‫يريدون وجهه ‪ :‬أي طاعته ورضاه‪ ،‬ل عرضا من عرض الدنيا‪.‬‬ ‫ول تعد عيناك عنهم ‪ :‬أي ل تتجاوزهم بنظرك إلى غيرهم من أبناء الدنيا‪.‬‬ ‫تريد زينة الحياة الدنيا ‪ :‬أي بمجالستك الغنياء تريد الشرف والفخر‪.‬‬ ‫من أغفلنا قلبه‪ :‬أي جعلناه غافلً عما يجب عليه من ذكرنا وعبادتنا‪.‬‬ ‫وكان أمره فرطا‪ :‬أي ضياعا وهلكا‪.‬‬ ‫أحاط بهم سرادقها‪ :‬حائط من نار أحيط بهؤلء المعذبين في النار‪.‬‬

‫( ‪)3/252‬‬ ‫بماء كالمهل‪ :‬أي كعكر الزيت أي الدردي وهو ما يبقى في أسفل الناء ثخنا رديئا‪.‬‬ ‫من سندس واستبرق‪ :‬أي مَارَقّ من الديباج‪ ،‬والستبرق ما غلظ منه أي من الديباج‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد نهاية الحديث عن أصحاب الكهف أمر تعالى رسوله بتلوة كتابه فقال‪{ :‬واتل ‪ }1‬أي واقرأ {ما‬ ‫أوحي إليك من كتاب ربك} تعبدا به ودعوة للناس إلى ربهم به وتعليما للمؤمنين بما جاء فيه من‬ ‫الهدى‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ل مبدل لكلماته} أي ل تتركن تلوته والعمل به والدعوة إليه فتكون من الهالكين فإن ما‬ ‫وعد ربك به المعرضين عنه المكذبين به كائن حقا وواقع صدقا فإن ربك {لّ مبدل لكلماته}‬ ‫المشتملة على وعده لوليائه ووعيده لعدائه ممن كفروا به وكذبوا بكتابه فلم يحلوا حلله ولم‬ ‫يحرموا حرامه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{ :‬ولن تجد من دون ملتحدا} أي انك إن لم تتل كتابه الذي أوحاه إليك وتعمل بما فيه‬

‫ل تميل‬ ‫فَنَاَلكَ ما أوعد به الكافرين المعرضين عن ذكره‪{ .‬لن تجد من دون ال ملتحدا} أي موئ ً‬ ‫إليه وملجأ تحتمي به وإذا كان مثل هذا الوعيد الشديد يوجه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫وهو المعصوم فغيره ممن تركوا تلوة القرآن والعمل به فل أقاموا حدوده ول أحلوا حلله ول‬ ‫حرموا حرامه أولى بهذا الوعيد وهو حائق بهم ل محالة إن لم يتوبوا قبل موتهم وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} نزل هذا التوجيه للرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم عندما عرض عليه المشركون إبعاد أصحابه الفقراء كبلل وصهيب‬ ‫وغيرهما ليجلسوا إليه ويسمعوا منه فنهاه ربه عن ذلك وأمره أن يحبس نفسه مع أولئك الفقراء‬ ‫المؤمنين {الذين يدعون} ربهم في صلتهم في الصباح والمساء ل يريدون بصلتهم وتسبيحهم‬ ‫ودعائهم عرضا من أعراض الدنيا وإنما يريدون رضا ال ومحبته بطاعته في ليلهم ونهارهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ول تعد عيناك ‪ 2‬عنهم} أي ل تتجاوز ببصرك هؤلء المؤمنين الفقراء إلى أولئك‬ ‫الغنياء تريد مجالستهم للشرف والفخر وقوله {ول تطع ‪ 3‬من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} فجعلناه‬ ‫غافلً‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تضمنت هذه الية‪{ :‬واتل} الخ الرد على المشركين إذ المعنى‪ :‬ل تعبأ بهم إن كرهوا تلوة‬ ‫بعض القرآن لن فيها التعريض بآلهتهم والتنديد بها حتى طالبوك بأن تجعل بعض القرآن للثناء‬ ‫عليها أو عليهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ل تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي أنها نزلت في أمية بن خلف الجمحي لنه دعا النبي صلى ال عليه وسلم إلى أمر كرهه‬ ‫وهو إبعاد الفقراء وتقريب صناديد قريش‪.‬‬

‫( ‪)3/253‬‬ ‫عن ذكرنا وذكر وعدنا ووعيدنا ليكون من الهالكين لعناده وكبريائه وظلمه‪{ .‬وكان أمره فرطا‪}1‬‬ ‫أي ضياعا وهلكا‪ ،‬وقوله تعالى في الية الثالثة من هذا السياق {وقل الحق من ربكم فمن شاء‬ ‫فليؤمن ‪ 2‬ومن شاء فليكفر} أي هذا الذي جئت به وأدعو إليه من اليمان والتوحيد والطاعة ل‬ ‫بالعمل الصالح هو {الحق من ربكم} أيها الناس‪{ .‬فمن شاء} ال هدايته فآمن وعمل صالحا فقد‬ ‫نجاه ومن لم يشأ ال هدايته فبقي على كفره فلم يؤمن فقد خاب وخسر‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} أي جدرانها النارية‪{ .‬وإن يستغيثوا} من شدة‬ ‫العطش {يغاثوا بماء كالمهل} رديئا ثخنا {يشوي الوجوه} إذا أدناه الشارب من وجهه ليشرب شوى‬ ‫جلده ووجهه ولذا قيل فيه ذم له‪{ .‬بئس الشراب وساءت} أي جهنم {مرتفقا} في منزلها وطعامها‬ ‫وشرابها إذ كله سوء وعذاب هذا وعيد من اختار الكفر على اليمان وأما وعد من آمن وعمل‬

‫صالحا وقد تضمنته اليتان (‪ )32-31‬إذ قال تعالى‪{ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ل‬ ‫نضيع أجر من أحسن عملً} هذا حكمنا الذي ل تبديل له وبين تعالى أجرهم على إيمانهم وإحسان‬ ‫أعمالهم فقال‪{ :‬أولئك لهم جنات عدن} أي إقامة دائمة {تجري من تحتهم النهار يحلون فيها من‬ ‫أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق‪ ،‬متكئين فيها على الرائك} وهي‬ ‫السرة بالحجلة()‪ .‬ثم أثنى ال تعالى على نعيمهم الذي أعده لهم بقوله‪{ :‬نعم الثواب} الذي ‪ 3‬أثيبوا‬ ‫به {وحسنت} الجنة في حليها وثيابها وفرشها وأسرتها وطعامها وشرابها وحورها ورضوان ال‬ ‫فيها {حسنت ‪ 4‬مرتفقا} يرتفقون فيه وبه‪ ،‬جعلنا ال من أهلها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان خيبة وخسران المعرضين عن كتاب ال فلم يتلوه ولم يعملوا بما جاء فيه من شرائع‬ ‫وأحكام‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفرط‪ :‬الظلم والعتداء وهو مشتق من الفروط وهو السبق لنّ الظلم سبق في الشر والظلم‬ ‫يؤدي إلى الهلك والضياع والخسران‪.‬‬ ‫‪ 2‬المر في قوله {فليؤمن} و{فليكفر} للتسوية بينهما وليس في هذا إذن لهما بالكفر وإنما الخطاب‬ ‫للتهديد والوعيد لمن اختار الكفر على اليمان بدليل الجملة التعليلية‪{ :‬إنا أعتدنا للظالمين نارا}‬ ‫الخ‪ ،‬والمراد بالظالمين المشركون لقوله تعالى‪{ :‬إن الشرك لظلم عظيم}‪.‬‬ ‫‪{ 3‬الرائك}‪ :‬جمع أريكة وهي مجموع سرير وحجلة‪ ،‬والحجلة‪ :‬قبة من ثياب تكون في البيت‬ ‫تجلس فيها المرأة أو تنام فيها ولذلك يقال للنساء ربات الحجال فإذا وضع فيها سرير فهي أريكة‬ ‫يجلس فيها وينام‪.‬‬ ‫‪( 4‬المرتفق)‪ :‬محل الرتفاق‪ ،‬وإطلق المرتفق على النار تهكّم‪ ،‬إذ النار لن تكون محل راحة‬ ‫وارتفاق أبدا بل هي دار شقاء وعذاب‪.‬‬

‫( ‪)3/254‬‬ ‫‪ -2‬الترغيب في مجالسة أبناء الخرة وهم الفقراء الصابرون وترك أبناء الدنيا والعراض عما‬ ‫هم فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬على الداعي إلى ال تعالى أن يبين الحق‪ ،‬والناس بعد بحسب ما كتب لهم أو عليهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترغيب والترهيب بذكر جزاء الفريقين المؤمنين والكافرين‪.‬‬ ‫‪ -5‬عذاب النار شر عذاب‪ ،‬ونعيم الجنة‪ ،‬نعم النعيم ول يهلك على ال إلّ هالك‪.‬‬ ‫جعَلْنَا بَيْ َن ُهمَا زَرْعًا (‬ ‫خلٍ وَ َ‬ ‫حفَفْنَا ُهمَا بِ َن ْ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫جعَلْنَا لَِأحَدِ ِهمَا جَنّتَيْنِ مِنْ أَعْنَا ٍ‬ ‫وَاضْرِبْ َلهُم مّثَلًا رّجُلَيْنِ َ‬

‫‪ )32‬كِلْتَا ا ْلجَنّتَيْنِ آ َتتْ ُأكَُلهَا وَلَمْ َتظْلِمْ مِ ْنهُ شَيْئًا َوفَجّرْنَا خِلَاَل ُهمَا َنهَرًا (‪َ )33‬وكَانَ لَهُ َثمَرٌ فَقَالَ‬ ‫خلَ جَنّ َت ُه وَ ُهوَ ظَالِمٌ لّ َنفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنّ‬ ‫ِلصَاحِبِهِ وَ ُهوَ ُيحَاوِ ُرهُ أَنَا َأكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزّ َنفَرًا(‪ )34‬وَ َد َ‬ ‫جدَنّ خَيْرًا مّ ْنهَا مُنقَلَبًا (‪)36‬‬ ‫أَن تَبِيدَ هَ ِذهِ أَ َبدًا (‪َ )35‬ومَا أَظُنّ السّاعَةَ قَا ِئمَ ًة وَلَئِن رّدِدتّ إِلَى رَبّي لَأَ ِ‬ ‫سوّاكَ َرجُلًا (‪ّ )37‬لكِنّا‬ ‫طفَةٍ ثُمّ َ‬ ‫قَالَ لَ ُه صَاحِ ُب ُه وَ ُهوَ يُحَاوِ ُرهُ َأ َكفَرْتَ بِالّذِي خََل َقكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّ ْ‬ ‫ُهوَ اللّهُ رَبّي وَلَا ُأشْ ِركُ بِرَبّي َأحَدًا (‪)38‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واضرب لهم مثلً ‪ :‬أي اجعل لهم مثلً هو رجلين ‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫جنتين ‪ :‬أي بستانين‪.‬‬ ‫وحففناهما بنخل ‪ :‬أي أحطناهما بنخل‪.‬‬ ‫آتت أكلها ‪ :‬أي أعطت ثمارها وهو ما يؤكل‪.‬‬ ‫ل ووافيا‪.‬‬ ‫ولم تظلم منهم شيئا ‪ :‬أي وَلَمْ تنقص منه شيئا بل أتت به كام ً‬

‫( ‪)3/255‬‬ ‫خللهما نهرا ‪ :‬أي خلل الشجار والنخيل نهرا جاريا‪.‬‬ ‫وهو يحاوره ‪ :‬أي يحادثه ويتكلم معه‪.‬‬ ‫وأعز نفرا‪ :‬أي عشيرة ورهطا‪.‬‬ ‫تبيد‪ :‬أي تفنى وتذهب‪.‬‬ ‫خيرا منها منقلبا‪ :‬أي مرجعا في الخرة‪.‬‬ ‫أكفرت بالذي خلقك من تراب؟ ! ‪ :‬الستفهام للتوبيخ والخلق من تراب باعتبار الصل هو آدم‪.‬‬ ‫من نطفة ‪ :‬أي مني‪.‬‬ ‫ثم سواك ‪ :‬أي عدلك وصيرك رجلً‪.‬‬ ‫لكنا ‪ :‬أي لكن أنا‪ ،‬حذفت اللف وأدغمت النون في النون فصارت لكنا‪.‬‬ ‫هو ال ربي ‪ :‬أي أنا أقول ال ربي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬واضرب لولئك المشركين المتكبرين الذين اقترحوا‬ ‫عليك أن تطرد الفقراء المؤمنين من حولك حتى يجلسوا إليك ويسمعوا منك {اضرب ‪ 1‬لهم} أي‬ ‫اجعل لهم مثلً‪{ :‬رجلين} مؤمنا وكافرا {جعلنا لحدهما} وهو الكافر {جنتين من أعناب وحففناهما‬ ‫بنخل} أي أحطناهما بنخل‪{ ،‬وجعلنا بينهما} أي بين الكروم والنخيل {زرعا} {كلتا الجنتين ‪ 2‬آتت‬ ‫أكلها ولم تظلم منه شيئا} أي لم تنقص منه شيئا {وفجرنا خللهما نهرا} ليسقيهما‪{ .‬وكان ‪ 3‬له ثمر‬ ‫فقال لصاحبه وهو يحاوره} أي في الكلم يراجعه‪ ،‬ويُفاخره‪{ :‬أنا أكثر منك مالً وأعز نفرا‪ }4‬أي‬

‫عشيرة ورهطا‪ ،‬قال هذا فخرا وتعاظما‪{ .‬ودخل جنته} والحال أنه {ظالم لنفسه} بالكفر والكبر‬ ‫وقال‪{ :‬ما أظن ‪ 5‬أن تبيد هذه} يشير إلى جنته {أبدا} أي ل تفنى {وما أظن الساعة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في تحديد الفريقين الذين ضرب لهما المثل‪ ،‬وفي الرجلين اللّذين ضرب بهما المثل‪،‬‬ ‫والظاهر أنّ الفريقين الذين ضرب لهما المثل هم المؤمنون والكافرون المستنكفون عن مجالسة‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وأما الرجلن فقد روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنهما من بنى إسرائيل وهو‬ ‫الظاهر وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال سيبويه‪ :‬أصل كل كّ ْل َو وأصل كلتا كلوا فحذفت لم الفعل من كلتا وعوضت التاء عن اللم‬ ‫المحذوفة لتدل التاء على التأنيث‪.‬‬ ‫‪{ 3‬وكان له ثمر‪ }..‬الجملة في محل نصب على الحال‪ ،‬والثمر بضم الثاء والميم المال الكثير‬ ‫المختلف من النقدين والنعام والجنات والمزارع مأخوذ من‪ :‬ثمر ماله‪ :‬إذا كثر‪ ،‬وقرأ الجمهور‬ ‫بضم الثاء والميم وقرأ حفص بفتحهما‪.‬‬ ‫‪ 4‬أعزّ أي أشد عزّة‪ ،‬والنفر‪ :‬عشيرة الرجل الذين ينفرون معه للدفاع أو القتال والمراد بالنفر هنا‬ ‫أولده‪.‬‬ ‫‪ 5‬الظنّ هنا بمعنى العتقاد ومعنى تبيد‪ :‬تفنى وتهلك‪.‬‬

‫( ‪)3/256‬‬ ‫قائمة ولئن رددت إلى ربي} كما تقول أنت {لجدن خيرا منها ‪ }1‬أي من جنتي {منقلبا} أي مرجعا‬ ‫إن قامت الساعة وبعث الناس وبعثت معهم‪ .‬هذا القول من هذا الرجل هو ما يسمى بالغرور‬ ‫النفسي الذي يصاب به أهل الشرك والكبر‪ .‬وهنا قال له صاحبه المسلم {وهو يحاوره} أكفرت‬ ‫بالذي خلقك من تراب}؟ وهو ال عز وجل حيث خلق أباك آدم من {تراب ثم من نطفة ‪ }2‬أي ثم‬ ‫خلقك أنت من نطفة أي من مني {ثم سواك رجلً} وهذا توبيخ من المؤمن للكافر المغرور ثم قال‬ ‫له‪{ :‬لكنا هو ال ربي} أي لكن أنا أقول‪ :‬هو ال ربي‪{ ،‬ول أشرك بربي أحدا} من خلقه في‬ ‫عبادته‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال للوصول بالمعاني ا الخفية إلى الذهان‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان صورة مثالية لغرس بساتين النخل والكروم‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة التوحيد والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالكبر والغرور حيث يفضيان بصاحبهما إلى الشرك والكفر‪.‬‬

‫وََلوْلَا ِإذْ َدخَ ْلتَ جَنّ َتكَ قُ ْلتَ مَا شَاء اللّهُ لَا ُق ّوةَ إِلّا بِاللّهِ إِن تُرَنِ أَنَا َأ َقلّ مِنكَ مَالًا َووَلَدًا (‪َ )39‬فعَسَى‬ ‫صعِيدًا زََلقًا (‪َ )40‬أوْ‬ ‫سمَاء فَ ُتصْبِحَ َ‬ ‫حسْبَانًا مّنَ ال ّ‬ ‫سلَ عَلَ ْيهَا ُ‬ ‫ك وَيُرْ ِ‬ ‫رَبّي أَن ُيؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنّ ِت َ‬ ‫غوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (‪ )41‬وَُأحِيطَ بِ َثمَ ِرهِ فََأصْبَحَ ُيقَّلبُ َكفّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا‬ ‫ُيصْبِحَ مَاؤُهَا َ‬ ‫شهَا وَ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ ُأشْ ِركْ بِرَبّي َأحَدًا (‪ )42‬وَلَمْ َتكُن لّهُ‬ ‫وَ ِهيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُو ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور (منهما) بالتثنية وقرأ عاصم (منها) بالفراد‪.‬‬ ‫‪ 2‬النطفة‪ :‬ماء الرجال مشتقة من النطف الذي هو السيلن‪.‬‬

‫( ‪)3/257‬‬ ‫حقّ ُهوَ خَيْرٌ َثوَابًا وَخَيْرٌ‬ ‫فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ مُن َتصِرًا (‪ )43‬هُنَاِلكَ ا ْلوَلَايَةُ لِلّهِ الْ َ‬ ‫عقْبًا (‪)44‬‬ ‫ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما شاء ال‪ :‬أي يكون وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬ ‫حسبانا من السماء‪ :‬أي عذابا ترمى به فتؤول إلى أرض ملساء دحضا ل يثبت عليها قدم‪.‬‬ ‫أو يصبح ماؤها غورا ‪ :‬أي غائرا في أعماق الرض فل َيقْدِرُ على استنباطِه وإخراجه‪.‬‬ ‫وأحيط بثمره‪ :‬أي هلكت ثماره‪ ،‬فلم يبق منها شيء‪.‬‬ ‫يقلب فكفيه‪ :‬ندما وحسرة على ما أنفق فيها من جهد كبير ومال طائل‪.‬‬ ‫وهي خاوية على عروشها ‪ :‬أي ساقطة على أعمدتها التي كان يُعرش بها للكرم‪ ،‬وعلى جدران‬ ‫مبانيها‪.‬‬ ‫فئة ‪ :‬جماعة من الناس قوية كعشيرته من قومه‪.‬‬ ‫هنالك‪ :‬أي حين حل العذاب بصاحب الجنتين أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫الولية‪ :‬أي الملك والسلطان الحق ل تعالى‪.‬‬ ‫خير ثوابا وخير عقبا‪ :‬أي ال تعالى خير من يثيب وخير من يُعقب أي يحزي بخير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪.:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في المثل المضروب للمؤمن الفقير والكافر الغني فقد قال المؤمن للكافر ما‬ ‫أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬ولو ل إذ دخلت جنتك} أي هل إذ دخلت بستانك قلت عند تعجبك من‬ ‫حسنه وكماله {ما شاء ال} أي ‪ 1‬كان {ل قوة إل ‪ 2‬بال} أي ل قوة لحد على فعل شيء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا وجه في إعراب (ما شاء ال) ما‪ :‬مبتدأ والخبر كان‪ ،‬وهناك وجه آخر حسّنه بعضهم وهو‪:‬‬ ‫هذه الجنة ما شاء ال‪ .‬فما خبر عن مبتدأ محذوف ويجوز تقديره أيضا‪ :‬المر الذي شاء ال‬

‫إعطاءه‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال مالك‪ :.‬ينبغي لكل من دخل داره أو بستانه أن يقول‪ :‬ما شاء ال ل قوة إلّ بال‪ ،‬وروي أنه‬ ‫ل بال‪ ،‬وروى مسلم أن‪ :‬ل حول ول قوة‬ ‫كان مكتوبا على باب وهب بن منبّه ما شاء ال ل قوّة إ ّ‬ ‫إلّ بال كنز من كنوز الجنة وورد استحباب قول بسم ال آمنت بال توكلت على ال ل قوة إلّ‬ ‫بال‪.‬‬

‫( ‪)3/258‬‬ ‫أو تركه إلّ بإقدار ال تعالى له وإعانته عليه قال هذا المؤمن نصحا للكافر وتوبيخا له‪ .‬ثم قال له‬ ‫‪{ 1‬إن ترن أنا أقل منك مالً وولدا} ا ليوم {فعسى ‪ 2‬ربي} أي فرجائي في ال {أن يؤتيني خيرا‬ ‫من جنتك ويرسل عليها} أي على جنة الكافر {حسبانا ‪ 3‬من السماء} أي عذابا ترمى به ‪{ .‬فتصبح‬ ‫صعيدا زلقا}؟ أي ترابا أملس ل ينبت زرعا ول يثبت عليه قدم‪{ .‬أو يصبح ماؤها غورا} الذي‬ ‫تسقى به غائرا في أعماق الرض فلن تقدر على إستخراجه مرة أخرى‪ ،‬وهو معنى {فلن تستطيع‬ ‫له طلبا}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬في اليات (‪ )42( ،)41( ،)40‬يخبر تعالى أن رجاء المؤمن قد تحقق إذ قد أحيط‬ ‫فعلً ببستان الكافر فهلك بكل ما فيه من ثمر {فأصبح يقلب كفيه} ندما وتحسرا {على ما أنفق فيها}‬ ‫من جهد ومال في جنته {وهي خاوية على عروشها} أي ساقطة على أعمدة الكرم التي كان‬ ‫يعرشها للكرم أي يحمله عليها كما سقطت جدران مبانيها على سقوفها وهو يتحسر ويتندم ويقول‪:‬‬ ‫{يا ليتني لم أشرك بربي أحدا‪ ،‬ولم تكن له} جماعة قوية تنصره {من دون ال وما كان} المنهزم‬ ‫{منتصرا} لن من خذله ال ل ناصر له‪ .‬قال تعالى‪ :‬في نهاية المثل الذي هو أشبه بقصة {هنالك}‬ ‫أي يوم القيامة {الولية} أي القوة والملك والسلطان {ل} أي المعبود {الحق} ل لغيره من الصنام‬ ‫والحجار {هو} تعالى {خير ثوابا} أي خير من يثيب على اليمان والعمل الصالح‪{ .‬وخير عقبا‪}4‬‬ ‫أي خير من يعقب أي يجزي بحسن العواقب‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ 1‬بيان مآل المؤمنين كصهيب وسلمان وبلل‪ ،‬وهو الجنّة ومآل الكافرين كأبي جهل وعقبة بن‬ ‫أبي معيط وهو النار‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحباب قول من أعجبه شيء‪{ :‬ما شاء ال‪ ،‬ل قوة إلّ بال} فإنه ل يرى فيه مكروها إن شاء‬ ‫ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أنا‪ :‬ضمير فصل وأقل مفعول ثانٍ لترن وحذفت ياء التكلم بعد نون الوقاية تخففا‪.‬‬

‫‪( 2‬عسى) للرجاء وهو طلب المر القريب الحصول وأراد به هنا الدعاء لنفسه وعلى صاحبه‬ ‫الكافر المشرك‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحسبان‪ :‬مصدر كالغفران وهو هنا وصف لمحذوف تقديره‪ :‬هلكا حسبانا أي‪ :‬مقدرا من ال‬ ‫تعالى‪ ،‬وقيل هو اسم جمع حسبانة أي‪ :‬صاعقة‪ ،‬وقيل‪ :‬اسم للجراد وهو محتمل لكل ما ذكر‪.‬‬ ‫عقُب وقرىء بضم العين وسكون القات بمعنى‪ :‬عاقبة‬ ‫‪ 4‬العقب‪ :‬بمعنى العاقبة وقرىء‪ :‬بضمتين ُ‬ ‫وهي آخرة المر وما يرجوه المرء من سعيه وعمله ولذا فسرت الية بهو خير عاقبة لمن رجاه‬ ‫وآمن به‪ ،‬يقال‪ :‬هذا عاقبة أمر فلن وعقباه وعقبه‪ :‬أي آخره‪.‬‬

‫( ‪)3/259‬‬ ‫‪ -3‬استجابة ال تعالى لعباده المؤمنين وتحقيق رجائهم فيه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬المخذول من خذلة ال تعالى فإنه ل ينصر أبدا‪.‬‬ ‫‪ -5‬الولية بمعنى ‪ 1‬الموالة النافعة للعبد هي موالة ال تعالى ل موالة غيره‪.‬‬ ‫‪ -6‬الولية بمعنى الملك والسلطان ل يوم القيامة ليست لغيره إذ الملك والمر كلهما ل تعالى‪.‬‬ ‫سمَاء فَاخْتََلطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَ ْرضِ فََأصْبَحَ هَشِيمًا‬ ‫وَاضْرِبْ َلهُم مّ َثلَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َكمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ ال ّ‬ ‫ل وَالْبَنُونَ زِينَةُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ‬ ‫شيْءٍ مّقْتَدِرًا (‪ )45‬ا ْلمَا ُ‬ ‫ح َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫تَذْرُوهُ الرّيَا ُ‬ ‫الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَ ّبكَ َثوَابًا وَخَيْرٌ َأمَلًا (‪)46‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫المثل ‪ :‬الصفة المعجبة‪.‬‬ ‫هشيما ‪ :‬يابسا متفتتا‪.‬‬ ‫تذروه الرياح ‪ :‬أي تنثره الرياح وتفرقه لخفته ويبوسته‪.‬‬ ‫مقتدرا ‪ :‬أي كامل القدرة ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫زينة الحياة الدنيا‪ :‬أي يتجمل بما فيها‪.‬‬ ‫والباقيات الصالحات ‪ :‬هي العمال الصالحة من سائر العبادات والقربات‪.‬‬ ‫وخير أملً ‪ :‬أي ما يأمله النسان وينتظره من الخير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا مثل آخر مضروب أي مجعول للحياة الدنيا حيث اغتر بها الناس وخدعتهم فصرفتهم عن ال‬ ‫تعالى ربهم فلم يذكروه ولم يشكروه فاستوجبوا غضبه وعقابه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬الولية}‪ :‬بفتح الواو‪ :‬الموالة‪ ،‬وبكسرها‪ :‬الملك والسلطان‪.‬‬

‫( ‪)3/260‬‬ ‫قال تعالى‪ :‬في خطاب رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪{ :‬واضرب لهم} أي لولئك المغرورين‬ ‫بالمال والسلطان {مثل الحياة الدنيا} أي صفتها الحقيقية التي ل تختلف عنها بحال {كماء أنزلناه‬ ‫من ‪ 1‬السماء‪ ،‬فاختلط به نبات الرض} فَزَهَا وازدهر واخضرّ وأنظر‪ ،‬فأعجب أصحابه‪،‬‬ ‫حفَة‪ ،‬محرقة‪{ ،‬فأصبح ‪ 2‬هشيما} أي‬ ‫وأفرحهم وسرهم ما يأملون منه‪ .‬وفجأة أتاه أمر ال برياح ل ِ‬ ‫يابسا متهشما متكسرا {تذروه الرياح} هنا وهناك {وكان ال على كل شيء مقتدرا} أي قادرا كامل‬ ‫القدرة‪ ،‬فأصبح أهل الدنيا مبلسين آيسين من كل خير‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير‬ ‫أملً} إنه بعد أن ضرب المثل للحياة الدنيا التي غرت أبناءها فأوردتهم موارد الهلك أخبر بحقيقة‬ ‫أخرى‪ ،‬يعلم فيها عباده لينتفعوا بها‪ ،‬وهي أن {المال والبنون} أو الولد {زينة الحياة ‪ 3‬الدنيا} ل‬ ‫غير أي يتجمل بهما ساعة ثم يبيدان ويذهبان‪ ،‬فل يجوز الغترار بهما‪ ،‬بحيث يصبحان همّ‬ ‫النسان في هذه الحياة فيصرفانه عن طلب سعادة الخرة باليمان وصالح العمال‪ ،‬هذا جزء‬ ‫الحقيقة في هذه الية‪ ،‬والجزء الثاني هو أن {الباقيات الصالحات} والمراد بها أفعال البر وضروب‬ ‫العبادات ومنها سبحان ال ‪ ،4‬والحمد ل‪ ،‬ول إله إلّ ال‪ ،‬وال أكبر‪ ،‬ول حول ول قوة إلّ بال‪،‬‬ ‫أي هذه {خير ثوابا} أي جزاءً وثمارا‪ ،‬يجنيه العبد من الكدح المتواصل في طلب الدنيا مع‬ ‫العراض عن طلب الخرة‪{ ،‬وخير أملً} يأمله النسان من الخير ويرجوه ويرغب في تحصيله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بعض الحكماء شبّه الحياة الدنيا بالماء للتصالت التية‪:‬‬ ‫‪ -1‬الماء ل يستقر في موضع والحياة كذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬الماء يتغيّر والدنيا كذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬الماء ل يبقى والدنيا كذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬الماء ل يقدر أحد أن يدخله ول يبتل والدنيا ل يدخلها أحد ويسلم من فتنها وآفاتها‪.‬‬ ‫‪ -5‬الماء إذا كان بقدر كان نافعا منبتا وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكا وكذلك الدنيا الكفاف‬ ‫منها ينفع وفضولها يضر‪.‬‬ ‫وفي الصحيح "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه ال بما آتاه" رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال‪ :‬هشمه يهشمه إذا كسره وفتّته وهشيم بمعنى‪ :‬مهشوم فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى‬ ‫مقتول‪ ،‬وهشم الثريد إذا فتته وبه سمي هاشم بن مناف وكان اسمه عمرو وفيه يقول عبدال بن‬ ‫الزبعري‪:‬‬ ‫عمر العُل هشم الثريد لقومه‬

‫ورجال مكة مسنتون عجاف‬ ‫ل ونفعا وفي البنين قوة ودفعا‬ ‫‪ 3‬قيل‪ :‬في المال والبنين زينة الحياة الدنيا‪ :‬لن في المال جما ً‬ ‫والمثال مضروب لحقارة الدنيا وسرعة زوالها ولذا قيل‪ :‬ل تعقد قلبك مع المال لنه فيء ذاهب‬ ‫ول مع النساء لنها اليوم معك وغدا مع غيرك ول مع السلطان لنه اليوم لك وغدا لغيرك‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى مالك في الموطأ‪ :‬أن الباقيات الصالحات هنّ‪ :‬سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال‬ ‫أكبر ول حول ول قوة إلّ بال العلي العظيم‪.‬‬

‫( ‪)3/261‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حقارة الدنيا وسوء عاقبتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن المال والبنين ل يعدوان كونهما زينة‪ ،‬والزينة سريعة الزوال وهما كذلك فل يجوز‬ ‫الغترار بهما‪ ،‬وعلى العبد أن يطلب ما يبقى على ما يفنى وهو الباقيات الصالحات من أنواع‬ ‫البر والعبادات من صلة وذكر وتسبيح وجهاد‪ ،‬ورباط‪ ،‬وصيام وزكاة‪.‬‬ ‫وَ َيوْمَ نُسَيّرُ ا ْلجِبَالَ وَتَرَى الْأَ ْرضَ بَارِ َز ًة َوحَشَرْنَا ُهمْ فَلَمْ ُنغَادِرْ مِ ْنهُمْ َأحَدًا (‪ )47‬وَعُ ِرضُوا عَلَى رَ ّبكَ‬ ‫ج َعلَ َلكُم ّموْعِدًا (‪َ )48‬ووُضِعَ ا ْلكِتَابُ فَتَرَى‬ ‫عمْتُمْ أَلّن نّ ْ‬ ‫صَفّا ّلقَدْ جِئْ ُتمُونَا َكمَا خََلقْنَاكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ َبلْ زَ َ‬ ‫صغِي َرةً وَلَا كَبِي َرةً إِلّا‬ ‫ش ِفقِينَ ِممّا فِي ِه وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا ا ْلكِتَابِ لَا ُيغَادِ ُر َ‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُ ْ‬ ‫عمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظِْلمُ رَ ّبكَ َأحَدًا (‪) 49‬‬ ‫جدُوا مَا َ‬ ‫حصَاهَا َووَ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫نُسير الجبال ‪ :‬أي تقتلع من أصولها وتصير هباءً منبثا‪.‬‬ ‫بارزة ‪ :‬ظاهرة إذ فنى كل ما كان عليها من عمران‪.‬‬ ‫فلم نغادر ‪ :‬لم نترك منهم أحدا‪.‬‬ ‫موعدا ‪ :‬أي ميعادا لبعثكم أحياء للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫ووضع الكتاب ‪ :‬كتاب الحسنات وكتاب السيئات فيؤتاه المؤمن بيمينه والكافر بشماله‪.‬‬ ‫مشفقين ‪ :‬خائفين‪.‬‬ ‫حضُورك‪.‬‬ ‫يا ويلتنا‪ :‬أي يا هلكتنا احضري هذا أوَان ُ‬ ‫ل يغادر صغيرة‪ :‬أي ل يترك صغيرة من ذنوبنا ول كبيرة إلّ جمعها عَدّا‪.‬‬

‫( ‪)3/262‬‬

‫ما عملوا حاضرا‪ :‬مثبتا في كتابهم‪ ،‬مسجلً فيها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى مآل الحياة الدنيا وأنه ا ْلفَناء والزوال ورغّب في الصالحات وثوابها المرجوا يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬ناسب ذكر نبذة عن يوم القيامة‪ ،‬وهو يوم الجزاء على الكسب في الحياة الدنيا قال تعالى‪:‬‬ ‫{ويوم نسير الجبال} أي اذكر {يوم نسير} أي تقتلع ‪ 1‬من أصولها وتصير هباءً منبثا‪{ ،‬وترى‬ ‫الرض بارزة} ظاهرة ليس عليها شيء فهي قاع صفصف {وحشرناهم} أي جمعناهم من قبورهم‬ ‫للموقف {فلم نغادر ‪ 2‬منهم أحدا} أي لم نترك منهم أحدا كائنا من كان‪{ ،‬وعرضوا على ربك} أيها‬ ‫الرسول صفا وقوفا أذلء‪ ،‬وقيل لهم توبيخا وتقريعا‪{ :‬لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ‪ }3‬ل مال‬ ‫معكم ول سلطان لكم بل حفاة عراة غُرلً‪ ،4‬جمع أغرل‪ ،‬وهو الذي لم يختتن‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬بل زعمتم ‪ }5‬أي ادعيتم كذبا أنا ل نجمعكم ليوم القيامة‪ ،‬ولن نجعل لكم موعدا فها‬ ‫أنتم مجموعون لدينا تنتظرون الحساب والجزاء‪ ،‬وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما فيه‪ ،‬وقوله‬ ‫تعالى في الية {ووضع الكتاب} يخبر تعالى عن حال العرض عليه فقال‪{ :‬ووضع الكتاب ‪ }6‬أي‬ ‫كتاب الحسنات والسيئات وأعطى كل واحد كتابه فالمؤمن يأخذه بيمينه والكافر بشماله‪{ ،‬فترى‬ ‫المجرمين} في تلك الساعة {مشفقين} أي خائفين {مما فيه} أي في الكتاب من السيئات {ويقولون‪:‬‬ ‫يا وليتنا} ‪ 7‬ندما وتحسرا ينادون يا ويلتهم وهي هلكهم قائلين‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا على قراءة تُسير بالتاء المضمومة للبناء للمفعول وقراءة الجمهور {نُسير الجبال} والفاعل‬ ‫هو ال تعالى‪ ،‬وقرىء أيضا‪ :‬تسير الجبال بفتح التاء مضارع سار يسير كقوله تعالى‪{ :‬وتسير‬ ‫الجبال سيرا}‪.‬‬ ‫‪ 2‬المغادرة الترك ومنه الغدر لنه ترك الوفاء‪ ،‬وسمي الغدير من الماء غديرا لنه ترك بعد‬ ‫السيل‪ ،‬ومنه غدائر المرأة وهو شعرها تضفره وتتركه خلفها‪.‬‬ ‫‪ 3‬أخرج الحافظ أبو القاسم بن مندة في كتاب التوحيد له عن معاذ بن جبل رضي ال عنه أن‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن ال تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت رقيع غير‬ ‫فظيع‪ :‬يا عبادي أنا ال ل إله إلّ أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي‬ ‫ل خوف عليكم ول أنتم تحزنون احضروا حجتكم ويسروا جوابكم فإنكم مسؤولون محاسبون يا‬ ‫ملئكتي أقيموا عبادي صفوفا على أنامل أقدامهم للحساب" تضمن هذا الحديث تفسيرا كاملً لهذه‬ ‫اليات‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫"يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلً" غير مختونين"‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذا الخطاب لمنكري البعث والجزاء من أهل الكفر والشرك‪.‬‬ ‫‪{ 6‬الكتاب}‪ :‬اسم جنس يشمل كل الكتب التي يُعطاها العباد في المحشر‪.‬‬

‫‪ 7‬الويلة‪ :‬مؤنث الويل للمبالغة وهي سوء الحال والهلك كما أنّت الدار على داره للدللة على‬ ‫سعة المكان‪ ،‬ونداء الويلة معناه‪ :‬الدعاء على أنفسهم بالهلك لمشاهدتهم عظائم الهوال وما‬ ‫ينتظرهم من صنوف العذاب نادوا ويلتهم طالبين حضورها ‪.‬‬

‫( ‪)3/263‬‬ ‫عدّا‪.‬‬ ‫{ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ‪ 1‬ول كبيرة} من ذنوبنا {إلّ أحصاها} أي أثبتها َ‬ ‫وقوله تعالى في آخر العرض {ووجدوا ما عملوا حاضرا} أي من خير وشر مثبتا في كتابهم‪،‬‬ ‫وحوسبوا به‪ ،‬وجوزوا عليه {ول يظلم ربك أحدا} بزيادة سيئة على سيئاته أو بنقص حسنة من‬ ‫حسناته‪ ،‬ودخل أهل الجنة الجنة‪ ،‬وأهل النار النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرضها على مسامع المنكرين لها‪.‬‬ ‫‪ -2‬يبعث النسان كما خلقه ال ليس معه شيء‪ ،‬حافيا عاريا لم يقطع منه غفلة الذكر‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة كتب العمال في الدنيا وإعطائها أصحابها في الخرة تحقيقا للعدالة اللهية‪.‬‬ ‫‪ -4‬نفي الظلم عن ال تعالى وهو غير جائز عليه لغناه المطلق وعدم حاجته إلى شيء‪.‬‬ ‫خذُونَ ُه وَذُرّيّتَهُ‬ ‫سجَدُوا إِلّا إِ ْبلِيسَ كَانَ مِنَ ا ْلجِنّ َففَسَقَ عَنْ َأمْرِ رَبّهِ َأفَتَتّ ِ‬ ‫سجُدُوا لِآ َدمَ فَ َ‬ ‫وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَلَا ِئكَةِ ا ْ‬ ‫ض وَلَا‬ ‫ت وَالْأَ ْر ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫شهَدّت ُهمْ خَ ْلقَ ال ّ‬ ‫َأوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ َل ُكمْ عَ ُدوّ بِئْسَ لِلظّاِلمِينَ َبدَلًا (‪ )50‬مَا أَ ْ‬ ‫عوْ ُهمْ‬ ‫عمْتُمْ فَدَ َ‬ ‫عضُدًا (‪ )51‬وَ َيوْمَ َيقُولُ نَادُوا شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ زَ َ‬ ‫سهِ ْم َومَا كُنتُ مُتّخِذَ ا ْل ُمضِلّينَ َ‬ ‫خَ ْلقَ أَنفُ ِ‬ ‫جعَلْنَا بَيْ َنهُم ّموْ ِبقًا (‪ )52‬وَرَأَى ا ْل ُمجْ ِرمُونَ النّارَ فَظَنّوا أَ ّنهُم ّموَا ِقعُوهَا وَلَمْ َيجِدُوا‬ ‫فَلَمْ َيسْتَجِيبُوا َلهُمْ وَ َ‬ ‫عَ ْنهَا َمصْ ِرفًا (‪)53‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اسجدوا لدم ‪ :‬أي حيّوه بالسجود له كما أمرتكم طاعة لي‪.‬‬ ‫إل إبليس ‪ :‬أي الشيطان أبى السجود ورفضه وهو معنى {فسق عن أمر ربه} أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أصغر الصغائر‪ :‬النظر بغير قصد وأكبر الكبائر الشرك بال تعالى ول ضابط حق الكبيرة إل‬ ‫أن هناك ضابطا يستأنس به وهو‪ :‬ما توعد عليه أو لعن عليه أو وضع حدّ له في الكتاب أو السنة‬ ‫فهو كبيرة‪.‬‬

‫( ‪)3/264‬‬

‫خرج عن طاعته‪ ،‬ولم يكن من الملئكة‪ ،‬بل كان من الجن‪ ،‬لذا أمكنه أن يعصي ربه!‬ ‫أفتتخذونه وذريته أولياء؟ ‪ :‬الستفهام للستنكار‪ ،‬ينكر تعالى على بني آدم اتخاذ الشيطان وأولده‬ ‫أولياء يطاعون ويوالون بالمحبة والمناصرة‪ ،‬وهم لهم عدو‪ ،‬عجبا لحال بني آدم كيف يفعلون‬ ‫ذلك!؟‪.‬‬ ‫بئس للظالمين بدلً ‪ :‬قبح بدلً طاعة إبليس وذريته عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫المضلين عضدا‪ :‬أي ما كنت متخذ الشياطين من النس والجن أعوانا في الخلق والتدبير‪ ،‬فكيف‬ ‫تطيعونهم وتعصونني‪.‬‬ ‫موبقا‪ :‬أي واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا هذا إذا دخلوا النار‪ ،‬أما ما قبلها فالموبق‪،‬‬ ‫حاجز بين المشركين‪ ،‬وما كانوا يعبدون بدليل قوله‪{ :‬ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم‬ ‫مواقعوها}‪.‬‬ ‫مواقعوها ‪ :‬أي واقعون فيها ول يخرجون منها أبدا‪.‬‬ ‫ولم يجدوا عنها مصرفا‪ :‬أي مكانا غيرها ينصرفون إليه لينجوا من عذابها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في إرشاد بني آدم وتوجيههم إلى ما ينجيهم من العذاب ويحقق لهم السعادة‬ ‫في الدارين‪ ،‬قال تعالى في خطاب رسوله واذكر َلهُم {إذ قلنا للملئكة} وهم عبادنا المكرمون‬ ‫{اسجدوا لدم} فامتثلوا أمرنا وسجدوا إلّ إبليس‪ .‬لكن إبليس الذي يطيعه الناس اليوم كان من الجن‬ ‫وليس من الملئكة لم يسجد‪ ،‬ففسق ‪ 1‬بذلك عن أمرنا وخرج عن طاعتنا‪{ .‬أفتتخدونه ‪ }2‬أي أيصح‬ ‫منكم يا بني آدم أن تتخذوا عدو أبيكم وعدو ربكم وعدوكم أيضا وليا توالونه وذريته ‪ 3‬بالطاعة‬ ‫لهم والستجابة لما يطلبون منكم من أنواع الكفر والفسق {بئس للظالمين} أنفسهم {بدلً} طاعة‬ ‫الشيطان وذريته ‪ 4‬ووليتهم عن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفسق‪ :‬مشتق من‪ :‬فسقت الرطبة‪ :‬إذا خرجت من قشرتها‪ ،‬والفأرة من جحرها‪ ،‬وفسق العبد‪:‬‬ ‫خرج عن طاعة ربه متجاوزا الطاعة إلى المعصية‪ ،‬فكل من ترك واجبا وفعل حراما فقد فسق‬ ‫بذلك عن طاعة ربه أي خرج عنها‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتوبيخ والنكار‪ ،‬وذرية الشيطان بيّنت السنة كيفية وجودهم فقد صح عن النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم قوله‪" :‬ل تكن أوّل من يدخل السوق ول آخر من يخرج منها فيها باض الشيطان‬ ‫وفرّخ"‪ ،‬فهذا دال على أن للشيطان ذرية من صلبه‪.‬‬ ‫‪ 3‬في مسلم‪" :‬أن للصلة شيطانا يسمى خنزب مهمته الوسوسة فيها" وروى الترمذي أن للوضوء‬ ‫شيطانا يسمى الولهان يوسوس فيه‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى مسلم رضي ال عنه قال‪" :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن الشيطان يضع عرشه‬ ‫على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول‪ :‬فعلت كذا وكذا‬

‫فيقول‪ :‬ما صنعت شيئا قال‪ :‬ثم يجيء أحدهم فيقول‪ :‬ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال‪:‬‬ ‫فيدنيه وقال‪ :‬فيلتزمه ويقول‪ :‬نعم أنت!!"‪.‬‬

‫( ‪)3/265‬‬ ‫طاعة ال ورسوله ووليتهما‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ما أشهدتهم ‪ 1‬خلق السموات والرض ول خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين‬ ‫عضدا} يخبر تعالى بأنه المنفرد بالخلق والتدبير ليس له وزير معين فكيف ُيعْ َبدُ الشيطان وذريته‪،‬‬ ‫وأنا الذي خلقتهم وخلقت السموات والرض ‪ 2‬وخلقت هؤلء الذين يعبدون الشيطان‪ ،‬ولم أكن‬ ‫{متخذ المضلين} وهم الشياطين من الجن والنس الذين يضلون عبادنا عن طريقنا الموصل إلى‬ ‫رضانا وجنتنا‪ ،‬أي لم أكن لجعل منهم معينا لي يعضدنى ويقوي أمري وخلصة ما في الية أن‬ ‫ال تعالى ينكر على الناس عبادة الشياطين وهي طاعتهم وهم مخلوقون وهو خالقهم وخالق كل‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم} أي أذكر يا رسولنا لهؤلء المشركين‬ ‫المعرضين عن عبادة ال إلى عبادة عدوه الشيطان‪ ،‬أذكر لهم يوم يقال لهم في عرصات القيامة‬ ‫{نادوا شركائي الذين} أشركتموهم في عبادتي زاعمين أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم فيخلصونكم‬ ‫من عذابنا‪.‬‬ ‫قال تعالى {فدعوهم ‪ }3‬يا فلن!! يا فلن‪{ ..‬فلم يستجيبوا لهم} إذ ل يجرؤ أحد ممن عبد من دون‬ ‫ال أن يقول رب هؤلء كانوا يعبدونني‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وجعلنا بينيهم موبقا‪ }4‬أي حاجزا وفاصلً‬ ‫من عداوتهم لبعضهم‪ .‬وحتى ل يتصل بعضهم ببعض في عرصات القيامة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ورأى‬ ‫المجرمون النار} أي يؤتى بها ُتجَرّ بالسلسل حتى تبرز لهل الموقف فيشاهدونها وعندئذ يظن ‪5‬‬ ‫المجرمون أي يوقنوا {أنهم مواقعوها} أي داخلون فيها‪{ .‬ولم يجدوا عنها مصرفا‪ }6‬أي مكانا‬ ‫ينصرفون إليه لنهم محاطون بالزبانية‪ ،‬والعياذ بال من النار وعذابها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬ما أحضرتهم لستعين بهم على خلق السموات والرض ول أحضرت بعضهم لستعين به‬ ‫على خلق البعض الخر‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية رد على أهل الضلل كافة من شيطان وكاهن ومنجم وطبعيّ وملحد إذ الجميع مخلوق‬ ‫مربوب وال خالق كل شيء ومليكه وربّه ومدبّره‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬امتثلوا المر ودعوهم فلم يستجيبوا لهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬فسّر الموبق ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬بالحاجز‪ ،‬وفسره أنس بن مالك رضي ال عنه بواد‬ ‫في جهنم من قيح ودم‪ ،‬وفسر بالمهلك والتفسير بالمهلك يدخل فيه كل ما ذكر‪ ،‬ومن الجائز أن‬

‫يتعدد الحاجز ويكون أنواعا منها‪ :‬عداوة بعضهم لبعض فإنها حاجز والنار نفسها أعظم موبق‬ ‫ولعلها هي المراد بالموبق‪.‬‬ ‫‪{ 5‬ظنوا} أي‪ :‬أيقنوا إذ يطلق الظن ويراد به اليقين وهو كثير في القرآن الكريم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫فقلت لهم ظنوا بألفي مدجّج‬ ‫سراتهم في الفارسيّ المسرد‬ ‫‪{ 6‬مصرفا}‪ :‬أي‪ :‬مهربا لحاطتها بهم من كل جانب ول ملجأ ول معدل‪.‬‬

‫( ‪)3/266‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عداوة إبليس وذريته لبني آدم‪.‬‬ ‫‪ -2‬العجب من بني آدم كيف يطيعون عدوهم ويعصون ربهم!!‬ ‫‪ -3‬ل يستحق العبادة أحد سوى ال عز وجل لنه الخالق لكل معبود مما عُبِدَ من سائر‬ ‫المخلوقات‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان خزي المشركين يوم القيامة حيث يطلب إليهم أن يدعوا شركاءهم لغاثتهم فيدعونهم فل‬ ‫يستجيبون لهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬جمع ال تعالى المشركين وما كانوا يعبدون من الشياطين في موبق واحد في جهنم وهو وادي‬ ‫من شر أودية جهنم وأسوأها‪.‬‬ ‫جدَلًا (‪َ )54‬ومَا مَ َنعَ النّاسَ‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫ل َوكَانَ الْإِنسَانُ َأكْثَرَ َ‬ ‫وَلَقَدْ صَ ّرفْنَا فِي َهذَا ا ْلقُرْآنِ لِلنّاسِ مِن ُكلّ مَ َث ٍ‬ ‫أَن ُي ْؤمِنُوا ِإذْ جَاء ُهمُ ا ْلهُدَى وَيَسْ َت ْغفِرُوا رَ ّب ُهمْ إِلّا أَن تَأْتِ َي ُهمْ سُنّةُ الَْأوّلِينَ َأوْ يَأْتِ َيهُمُ ا ْلعَذَابُ قُبُلًا (‪)55‬‬ ‫خذُوا‬ ‫ق وَاتّ َ‬ ‫حضُوا ِبهِ ا ْلحَ ّ‬ ‫طلِ لِيُ ْد ِ‬ ‫ن وَيُجَا ِدلُ الّذِينَ َكفَرُوا بِالْبَا ِ‬ ‫ن َومُنذِرِي َ‬ ‫سلُ ا ْلمُرْسَلِينَ إِلّا مُ َبشّرِي َ‬ ‫َومَا نُ ْر ِ‬ ‫سيَ مَا َق ّد َمتْ َيدَاهُ‬ ‫آيَاتِي َومَا أُنذِرُوا هُ ُزوًا (‪َ )56‬ومَنْ َأظْلَمُ ِممّن ُذكّرَ بِآيَاتِ رَبّهِ فَأَعْ َرضَ عَ ْنهَا وَنَ ِ‬ ‫عهُمْ إِلَى ا ْلهُدَى فَلَن َيهْ َتدُوا إِذًا أَ َبدًا (‬ ‫جعَلْنَا عَلَى قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً أَن َي ْفقَهُو ُه َوفِي آذَا ِنهِ ْم َوقْرًا وَإِن َتدْ ُ‬ ‫إِنّا َ‬ ‫جلَ َلهُمُ ا ْل َعذَابَ بَل ّلهُم ّموْعِدٌ لّن َيجِدُوا مِن‬ ‫خذُهُم ِبمَا َكسَبُوا َلعَ ّ‬ ‫حمَةِ َلوْ ُيؤَا ِ‬ ‫‪ )57‬وَرَ ّبكَ ا ْلغَفُورُ ذُو الرّ ْ‬ ‫دُونِهِ َموْئِلًا (‪)58‬‬

‫( ‪)3/267‬‬ ‫جعَلْنَا ِل َمهِْل ِكهِم ّموْعِدًا (‪)59‬‬ ‫وَتِ ْلكَ ا ْلقُرَى أَ ْهَلكْنَاهُمْ َلمّا ظََلمُوا وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫صرفنا‪ :‬أي بيّنا وكررنا البيان‬ ‫من كل مثل‪ :‬المثل الصفة المستغربة العجيبة‪.‬‬ ‫جدلً‪ :‬أي مخاصمة بالقول‪.‬‬ ‫سنة الولين‪ :‬أي العذاب بالبادة الشاملة والستئصال التام‪.‬‬ ‫قبل‪ :‬عيانا ومشاهدة‪.‬‬ ‫ليدحضوا به الحق ‪ :‬أي يبطلوا به الحق‪.‬‬ ‫هزوا ‪ :‬أي مهزوءا به‪.‬‬ ‫أكنة‪ :‬أغطية‪.‬‬ ‫وفي آذانهم وقرا ‪ :‬أي ثقلً فهم ل يسمعون‪.‬‬ ‫موئلً‪ :‬أي مكانا يلجأون إليه‪.‬‬ ‫لمهلكهم موعدا‪ :‬أي وقتا معينا لهلكهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في بيان حجج ال تعالى على عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فينجوا من‬ ‫عذابه ويدخلوا دار كرامته فقال تعالى‪{ :‬ولقد صرفنا ‪ 1‬في هذا القرآن من كل مثل} أي ضربنا فيه‬ ‫المثال الكثيرة وبيّنا فيه الحجج العديدة‪{ ،‬وصرفنا فيه} من الوعد والوعيد ترغيبا وترهيبا‪ ،‬وقابلوا‬ ‫كل ذلك بالجحود والمكابرة‪{ ،‬وكان النسان ‪ 2‬أكثر شيء جدلً} فأكثرهم النسان يصرفه في‬ ‫الجدل والخصومات حتى ل يذعن للحق ويسلم به ويؤديه إن كان عليه‪ .‬هذا ما دلت عليه الية‬ ‫الولى‪ )54( :‬أما الية الثانية فقد أخبر تعالى فيها أن الناس ما منعهم {أن يؤمنوا إذ جاءهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬يحتمل أي‪ :‬هذا الكلم وجهين‪ :‬أحدهما ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية‬ ‫والثاني‪ :‬ما أوضحه لهم من دلئل الربوبية وما في التفسير لم يخرج عن هذا فتأمّله‪.‬‬ ‫‪ 2‬يحتمل اللفظ الكافر لقوله تعالى‪{ :‬ويجادل الذين كفروا بالباطل} ويحتمل المسلم إلّ أنه في‬ ‫الكافر أظهر وأكثر وروي مسلم عن علي رضي ال عنه "أن النبي صلى ال عليه وسلم طرقه‬ ‫وفاطمة فقال‪ :‬أل تصلون؟ فقلت يا رسول ال إنما أنفسنا بيد ال فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حين قلت له ذلك ثمّ سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول ‪:‬‬ ‫{ وكان النسان أكثر شيء جدل}‪.‬‬

‫( ‪)3/268‬‬ ‫الهدى} وهو بيان ‪ 1‬طريق السعادة والنجاة باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الكفر‬ ‫والشرك وسوء العمال {ويستغفروا ربهم إلّ أن تأتيهم سنة الولين} بعذاب الستئصال والبادة‬

‫الشاملة‪{ ،‬أو يأتيهم} عذاب يوم القيامة معاينة ‪ 2‬وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬أو يأتيهم العذاب قبلً‪}3‬‬ ‫وحينئذ ل ينفع اليمان‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وما نرسل المرسلين إلّ مبشرين ومنذرين} أي دعاة هداة‬ ‫يبشرون من آمن وعمل صالحا بالجنة وينذرون من كفر‪ ،‬وعمل سوءا بالنار‪ .‬فلم نرسلهم جبارين‬ ‫ولم نكلفهم بهداية الناس أجمعين‪ ،‬لكن الذين كفروا يتعامون عن هذه الحقيقة ويجادلون {بالباطل‬ ‫ليدحضوا به الحق}‪{ .‬واتخذوا} آيات ال وحججه {وما أنذروا} به من العذاب اللزم لكفرهم‬ ‫وعنادهم اتخذوه سخرية وهزءا يهزءون به ويسخرون منه وبذلك أصبحوا من أظلم الناس‪ .‬وهو‬ ‫ما قررته الية (‪ )57‬إذ قال تعالى فيها‪{ :‬ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما‬ ‫قدمت يداه} أي من الجرام والشر والشرك‪ .‬اللهم إنه ل أحد أظلم من هذا النسان الكافر العنيد‪.‬‬ ‫ثم ذكر تعالى سبب ظلم وإعراض ونسيان هؤلء الظلمة المعرضين الناسين وهو أنه تعالى حسب‬ ‫سنته فيمن توغل في الشر والظلم والفساد يجعل على قلبه كنانا يحيطه به فيصبح ل يفقه شيئا‪.‬‬ ‫ويجعل في أذنيه ثقلً فل يسمع الهدى‪ .‬ولذا قال لرسوله صلى ال عليه وسلم‪{ :‬وإن تدعهم إلى‬ ‫الهدى فلن يهتدوا إذا} أي بعد ما جعل على قلوبهم من الكنة وفي آذانهم من الوقر {أبدا}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا} أي لو يؤاخذ هؤلء الظلمة‬ ‫المعرضين {لعجل لهم العذاب}‪ ،‬ولكن مغفرته ورحمته تأبيان ذلك وإلّ لعجل لهم العذاب فأهلكهم‬ ‫أمامكم وأنتم تنظرون‪ .‬ولكن {لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلً‪ }4‬يئلون إليه ول ملجأ يلجأون‬ ‫إليه‪ .‬ويرجح أن يكون ذلك يوم بدر لن السياق في الظلمة المعاندين المحرومين من هداية ال‬ ‫كأبي جهل وعقبة ابن أبي معيط والخنس بن شريق‪ ،‬هذا أولً‪ .‬وثانيا قوله تعالى‪{ :‬وتلك ‪ 5‬القرى‬ ‫أهلكناهم لما ظلموا} يريد أهل القرى من قوم هود وقوم صالح وقوم لوط‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬بواسطة القرآن والرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬عيانا‪ ،‬وفسّره بعضهم بعذاب السيف يوم بدر‪.‬‬ ‫‪ 3‬قراءة الجمهور‪( :‬قبل) بكسر القاف أي‪ :‬المقابل الظاهر‪ ،‬وقراء (قُبل) بضم القاف والباء وهو‬ ‫جمع قبيل أي‪ :‬يأتيهم العذاب أنواعا متعدّدة‪.‬‬ ‫ل وؤولً أي‪ :‬لجأ تقول العرب‪ :‬ل وألت نفسه‬ ‫‪{ 4‬موئل}‪ :‬أي‪ :‬منجىً أو محيصا يقال‪ :‬وأل يئل وأ ّ‬ ‫أي‪ :‬ل نجت ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫ل وألت نفسك خليتها‬ ‫للعامريين ولم تكلَم‬ ‫‪ 5‬تلك‪ :‬مبتدأ وأهلكناهم الخبر‪ ،‬ويصح أن تكون تلك في محل نصب والعامل‪ :‬أهلكنا نحو‪ :‬زيدا‬ ‫ضربته‪.‬‬

‫( ‪)3/269‬‬

‫{ وجعلنا لمهلكهم موعدا} أي لهلكهم موعدا محددا فكذلك هؤلء المجرمون من قريش‪ ،‬وقد‬ ‫أهلكهم ببدر ولعنهم إلى البد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬لقد أعذر ال تعالى إلى الناس بما يبين في كتابه من الحجج وما ضرب فيه من المثال‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان غريزة الجدل في النسان والمخاصمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مهمة الرسل وهي البشارة والنذارة وليست إكراه الناس على اليمان‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان عظم ظلم من يُ َذكّرُ بالقرآن فيعرض ويواصل جرائمه ناسيا ما قدمت يداه‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان سنة ال في أن العبد إذا ا واصل الشر والفساد يحجب عن اليمان والخير ويحرم الهداية‬ ‫أبدا حتى يهلك كافرا ظالما فيخلد في العذاب المهين‪.‬‬ ‫جمَعَ بَيْ ِن ِهمَا‬ ‫حقُبًا (‪ )60‬فََلمّا بََلغَا َم ْ‬ ‫جمَعَ الْ َبحْرَيْنِ َأوْ َأ ْمضِيَ ُ‬ ‫وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِلفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ َم ْ‬ ‫سفَرِنَا‬ ‫نَسِيَا حُو َت ُهمَا فَاتّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (‪ )61‬فََلمّا جَاوَزَا قَالَ ِلفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا َلقَدْ َلقِينَا مِن َ‬ ‫ت َومَا أَنسَانِيهُ إِلّا الشّ ْيطَانُ أَنْ‬ ‫هَذَا َنصَبًا (‪ )62‬قَالَ أَرَأَ ْيتَ ِإذْ َأوَيْنَا إِلَى الصّخْ َرةِ فَإِنّي نَسِيتُ ا ْلحُو َ‬ ‫عجَبًا (‪ )63‬قَالَ ذَِلكَ مَا كُنّا نَبْغِ فَارْ َتدّا عَلَى آثَا ِر ِهمَا َقصَصًا (‪)64‬‬ ‫خذَ سَبِيَلهُ فِي الْبَحْرِ َ‬ ‫أَ ْذكُ َر ُه وَاتّ َ‬ ‫حمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَّلمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِ ْلمًا (‪ )65‬قَالَ لَهُ مُوسَى َهلْ أَتّ ِب ُعكَ‬ ‫َفوَجَدَا عَ ْبدًا مّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ َر ْ‬ ‫عَلَى أَن ُتعَّلمَنِ ِممّا عُّل ْمتَ ُرشْدًا (‪ )66‬قَالَ إِ ّنكَ لَن َتسْتَطِيعَ‬

‫( ‪)3/270‬‬ ‫حطْ بِهِ خُبْرًا (‪ )68‬قَالَ سَ َتجِدُنِي إِن شَاء اللّ ُه صَابِرًا‬ ‫علَى مَا َلمْ تُ ِ‬ ‫ي صَبْرًا (‪َ )67‬وكَ ْيفَ َتصْبِرُ َ‬ ‫َمعِ َ‬ ‫عصِي َلكَ َأمْرًا (‪)69‬‬ ‫وَلَا أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذ قال موسى لفتاه ‪ :‬أي أذكر إذ قال موسى بن عمران نبي بني إسرائيل لفتاه يوشع بن نون بن‬ ‫افرايم بن يوسف عليه السلم‪.‬‬ ‫مجمع البحرين‪ :‬أي حيث التقى البحران بحر فارس وبحر الروم‪.‬‬ ‫حقبا‪ :‬الحقب الزمن وهو ثمانون سنة والجمع أحقاب‪.‬‬ ‫سبيله في البحر سربا‪ :‬أي طريقه في البحر سربا أي طريقا كالنفق‪.‬‬ ‫فلما جاوزا‪ :‬أي المكان الذي فيه الصخرة ومنه اتخذ الحوت طريقه في البحرسربا‪.‬‬ ‫في البحر عجبا ‪ :‬أي عجبا لموسى حيث تعجب من إحياء الحوت واتخاذه في البحر طريقا كالنفق‬ ‫في الجبل‪.‬‬

‫قصصا‪ :‬أي يتتبعان آثار أقدامهما‪.‬‬ ‫عبدا من عبادنا‪ :‬هو الخضر عليه السلم‪.‬‬ ‫مما علمت رشدا‪ :‬أي ما هو رشاد إلى الحق ودليل على الهدى‪.‬‬ ‫ما لم تحط به خبرا‪ :‬أي علما‪.‬‬ ‫ول أعصي لك أمرا‪ :‬أي انتهى إلى ما تأمرني به وإن لم يكن موافقا هواي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه قصة موسى ‪ 1‬مع الخضر عليهما السلم وهي تقرر نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫وتؤكدها‪ .‬إذ مثل هذا القصص الحق ل يتأتى لحد أن يقصه ما لم يتلقه وحيا من ال عز وجل‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وإذ قال موسى} أي أذكر يا رسولنا تدليلً على توحيدنا ولقائنا ونبوتك‪ .‬إذ قال موسى‬ ‫بن عمران نبينا إلى بني إسرائيل لفتاه ‪ 2‬يوشع بن نون {ل أبرح} أي سائرا {حتى أبلغ مجمع ‪3‬‬ ‫البحرين} حيث أرشدني ربي إلى لقاء عبدٍ هناك من عباده هو أكثر مني علما حتى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذهب نوف البكالي إلى أن موسى هذا هو موسى بن منشا بن يوسف عليه السلم وردّ هذا عليه‬ ‫ابن عباس رضي ال عنهما ردا عنيفا كما في البخاري فالصحيح أنه موسى بن عمران رسول ال‬ ‫إلى بني إسرائيل‪.‬‬ ‫ن هو؟ قيل‪ :‬إنه كان شابا يخدمه ولذا أطلق عليه لفظ الفتى على جهة‬ ‫‪ 2‬اختلف في فتى موسى مَ ْ‬ ‫حسن الدب‪ ،‬قال ابن العربي‪ .‬ظاهر القرآن أنه عبد وما دام صح الحديث بأنه يوشع بن نون فل‬ ‫حاجة إلى البحث والتنقيب‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي ملتقاهما‪ .‬وهما بحر الردن وبحر القلزم على الراجح الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)3/271‬‬ ‫اتعلم منه علما أزيده على علمي‪ { ،‬أو أمضي حقبا‪ }1‬أي أواصل سيري زمنا طويلً حتى أظفر‬ ‫بهذا العبد الصالح لتعلم عنه‪ .‬قوله تعالى‪{ :‬فلما بلغا مجمع بينهما} أي بين البحرين وهما بحر‬ ‫الروم وبحر فارس عند باب المندب حيث التقى البحر الحمر والبحر البيض‪ .‬أو البحر البيض‬ ‫والطلنطي عند طنجة وال أعلم بأيهما أراد‪ .‬وقوله {نسيا حوتهما} أي نسي الفتى الحوت‪ ،‬إذ هو‬ ‫الذي كان يحمله‪ ،‬ولكن نسب النسيان إليهما جريا على المتعارف من لغة العرب ‪ ،2‬وهذا الحوت‬ ‫قد جعله ال تعالى علمة لموسى على وجود الخضر حيث يفقد الحوت‪ ،‬إذ القصة كما في‬ ‫البخاري تبتدىء بأن موسى خطب يوما في بنى إسرائيل فأجاد وأفاد فأعجب به شاب من بني‬ ‫إسرائيل فقال له‪ :‬هل يوجد من هو أعلم منك يا موسى؟ فقال‪ :‬ل‪ .‬فأوحى إليه ربه فورا بلى عبدنا‬ ‫خضر‪ ،‬فتاقت نفسه للقياه للتعلم عنه‪ ،‬فسأل ربه ذلك‪ ،‬فأرشده إلى مكان لقياه وهو مجمع البحرين‪،‬‬

‫وجعل له الحوت علمة فأمره أن يأخذ طعامه حوتا وأعلمه أنه إذا فقد الحوت فثم يوجد عبد ال‬ ‫خضر ومن هنا لما بلغا مجمع البحرين واستراحا فنام موسى ‪ 3‬والفتى شبه نائم وإذا بالحوت‬ ‫يخرج من المكتل "وعاء" ويشق طريقه إلى البحر فينجاب عنه البحر فيكون كالطاق أو النفق آية‬ ‫لموسى‪ .‬ويغلب النوم على يوشع فينام فلما استراحا قاما مواصلين سيرهما ونسي الفتى وذهب من‬ ‫نفسه خروج الحوت من المكتل ودخوله في البحر لغلبة النوم فلما مشيا مسافة بعيدة وشعرا‬ ‫بالجوع وقد جاوزا المنطقة التي هي مجمع البحرين ‪ 4‬قال موسى للفتى {آتنا ‪ 5‬غداءنا} وعلل ذلك‬ ‫بقوله‪{ :‬لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} أي تعبا‪ .‬هنا قال الفتى لموسى ما قصّ ال تعالى‪ :‬قال مجيبا‬ ‫لموسي {أرأيت} أي أتذكر {إذ أوينا إلى الصخرة} ا لتي استراحا عندها {فإني نسيت الحوت} وقال‬ ‫كالمعتذر‪{ ،‬وما أنسانيه إلّ الشيطان أن أذكره ‪ ،6‬واتخذ سبيله} أي طريقه {في البحر عجبا} أي‬ ‫حيي بعد موت‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال النحاس‪ :‬الحقب‪ :‬زمان من الدهر مبهم غير محدود وجمعه أحقاب وورد الحقب مقدرا‬ ‫بثمانين سنة‪ ،‬إلّ أنه في قول موسى هذا مراده الوّل وهو زمن غير محدود‪.‬‬ ‫‪ 2‬نحو قوله‪{ :‬يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} مع أنه ل يخرج إلّ من البحر الملح ونحو قوله‪{ :‬يا‬ ‫معشر الجن والنس ألم يأتكم رسل منكم } مع العلم أن الرسل من النس فقط‪.‬‬ ‫‪ 3‬في البخاري‪ :‬أن موسى عليه السلم قال ليوشع ل أكلفك إلّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت‬ ‫قال الفتى‪ :‬ما كلّفت كثيرا‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا يُرجح أن يكون البحران‪ :‬نهر الردن وبحيرة طبريّة‪.‬‬ ‫‪ 5‬في الية دليل على وجوب حمل الزاد في السفر ففي هذا رد على المتصوفة الذين يخرجون بل‬ ‫زاد بدعوى التوكل ثمّ هم يسألون الناس‪ ،‬وشاهد هذا آية البقرة إذ نزلت في أناس من اليمن كانوا‬ ‫يحجون ول يتزودون فنزل قوله تعالى ‪{ :‬وتزودّوا ‪ }..‬الية‪.‬‬ ‫‪ 6‬أن‪ :‬وما دخلت عليه تسبك بمصدر فيقال‪ :‬وما أنساني ذكره إلّ الشيطان‪.‬‬

‫( ‪)3/272‬‬ ‫ومشى حتى انتهى إلى البحر وانجاب له البحر فكان كالسرب فيه أي النفق فأجابه مرسى بما قص‬ ‫تعالى‪{ :‬قال ذلك ما كنا نبغ} وذلك لن ال تعالى جعل لموسى فقدان الحوت علمة على مكان‬ ‫الخضر الذي يوجد فيه {فارتدا} أي رجعا {على آثارهما قصصا} أي يتتبعان آثار أ قدامهما‬ ‫{فوجدا} خضرا كما قال تعالى‪{ :‬فوجدا عبدا‪ 1‬من عبادنا} وهو خضر {آتيناه رحمة من عندنا} أي‬ ‫نبوة {وعلمناه من لدنا علما} وهو علم غيب خاص به {قال له موسي} مستعطفا له {هل أتبعك‬ ‫على أن تعلمني هما علمت رشدا} أي مما علمك ال رشدا أي رشادا يدُلني على الحق وتحصل لي‬

‫به هداية فأجابه خضر بما قال تعالى‪{ :‬قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يريد أنه يرى منه أمورا‬ ‫ل يقره عليها وخضر لبد يفعلها فيتضايق موسى لذلك ول يطيق الصبر‪ ،‬وعلل له عدم استطاعته‬ ‫الصبر بقوله {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي علما كاملً‪ .‬فأجابه موسى وقد صمم‬ ‫على الرحلة لطلب العلم مهما كلفه الثمن فقال {ستجدني إن شاء ال صابرا ول أعصي لك أمرا}‬ ‫أي سأنتهي إلى ما تأمرني وإن لم يكن موافقا لما أحب وأهوى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عتب ال تعالى على رسوله موسى عليه السلم عندما سئل هل هناك من هو أعلم منك فقال‬ ‫ل وكان المفروض أن يقول على القل ال أعلم‪ .‬فعوقب لذلك فكلف هذه الرحلة الشاقة‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحباب الرفقة في السفر‪ ،‬وخدمة التلميذ للشيخ‪ ،‬إذ كان يوشع يخدم موسى بحمل الزاد‪.‬‬ ‫‪ -3‬طروء النسيان على النسان مهما كان صالحا‪.‬‬ ‫‪ -4‬مراجعة الصواب بعد الخطأ خير من التمادي على الخطأ {فارتدا على آثارهما قصصا}‪.‬‬ ‫‪ -5‬تجلى قدرة ال تعالى في إحياء الحوت بعد الموت‪ ،‬وانجياب الماء عليه حتى كان كالطاق‬ ‫فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا‪ .‬وبه استدل موسى أي بهذا العجب على مكان خضر‬ ‫فوجده هناك‪.‬‬ ‫‪ -6‬استحباب طلب المزيد من العلم مهما كان المرء عالما وهنا أورد الحديث التالي وهو خير من‬ ‫قنطار ذهبا لمن حفظه وعمل به وهو قول ابن عباس رضي ال عنه قال سأل موسى ربه‪ :‬قال‬ ‫رب أي عبادك أحب إليك؟ قال‪ :‬الذي يذكرني ول ينساني‪ ،‬قال‪ :‬فأي عبيدك أقضى؟ قال الذي‬ ‫يقضي بالحق ول يتبع الهوى‪ ،‬قال‪ :‬أي رب أي عبادك أعلم؟ قال‪ :‬الذي يبتغي علم الناس إلى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في البخاري‪" :‬فوجدا خضرا على ط ْنفَسة خضراء على كبد البحر مسجىّ بثوبه قد جعل طرفه‬ ‫تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه فقال‪ :‬هل بأرضك من سلم؟‬ ‫من أنت؟ قال‪ :‬أنا موسى‪ "..‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)3/273‬‬ ‫علم نفسه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى‪ .‬وللثر بقية ذكره ابن جرير‬ ‫عند تفسير هذه اليات‪.‬‬ ‫شيْءٍ حَتّى ُأحْ ِدثَ َلكَ مِنْهُ ِذكْرًا (‪ )70‬فَانطََلقَا حَتّى إِذَا َركِبَا فِي‬ ‫قَالَ فَإِنِ اتّ َبعْتَنِي فَلَا َتسْأَلْنِي عَن َ‬ ‫سفِينَةِ خَ َر َقهَا قَالَ َأخَ َرقْ َتهَا لِ ُتغْرِقَ أَهَْلهَا َلقَدْ جِ ْئتَ شَيْئًا ِإمْرًا (‪ )71‬قَالَ أَلَمْ َأ ُقلْ إِ ّنكَ لَن َتسْتَطِيعَ‬ ‫ال ّ‬ ‫عسْرًا (‪ )73‬فَانطََلقَا حَتّى ِإذَا‬ ‫ت وَلَا تُرْ ِهقْنِي مِنْ َأمْرِي ُ‬ ‫ي صَبْرًا (‪ )72‬قَالَ لَا ُتؤَاخِذْنِي ِبمَا نَسِي ُ‬ ‫َمعِ َ‬

‫غلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ َأقَتَ ْلتَ َنفْسًا َزكِيّةً ِبغَيْرِ َنفْسٍ ّلقَدْ جِ ْئتَ شَيْئًا ّنكْرًا (‪)74‬‬ ‫َلقِيَا ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ذكرا ‪ :‬أي بيانا وتفصيلً لما خفي عليك‪.‬‬ ‫لقد جئت شيئا إمرا ‪ :‬أي فعلت شيئا منكرا‪.‬‬ ‫ل ترهقني‪ :‬أي ل تغشني بما يعسر علي ول أطيق حمله فتضيق علي صحبتي إياك‪.‬‬ ‫نفسا زكية‪ :‬أي طاهرة لم تتلوث روحها بالذنوب‪.‬‬ ‫بغير نفس‪ .‬أي بغير قصاص‪.‬‬ ‫نكرا‪ :‬المر الذي تنكره الشرائع والعقول من سائر المناكر! وهو المنكر الشديد النكارة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلم والعالم الذي أراد أن يصحبه‬ ‫لطلب العلم منه وهو خضر‪ .‬قوله تعالى‪{ :‬قال} أي خضر {فإن اتبعتني} مصاحبا لي لطلب العلم‬ ‫{فل تسألني ‪ 1‬عن شيء} أفعله مما ل تعرف له وجها شرعيا {حتى أحدث لك منه ذكرا} أي حتى‬ ‫أكون أنا الذي يبين لك حقيقته وما جهلت منه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فانطلقا} أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في قول موسى‪{ :‬هل أتبعك} من حسن الدب والتلطف في السؤال وتواضع الطالب للشيخ‬ ‫الشيء الكثير‪ ،‬وفي الية دليل على أن المتعلم تابع للعالم وإن تفاوتت مرتبتهما‪ ،‬وما كان موسى‬ ‫إلّ أفضل من خضر ولكنه بحكم أنه تابع للخضر العالم تواضع في لطف‪.‬‬

‫( ‪)3/274‬‬ ‫بعد رضا موسى بمطلب خضر انطلقا يسيران في الرض ‪ 1‬فوصل ميناء من المواني البحرية‪،‬‬ ‫فركبا سفينة كان خضر يعرف أصحابها فلم يأخذوا منهما أجر الركاب فلما أقلعت السفينة‪،‬‬ ‫وتوغلت في البحر أخذ خضر فأسا فخرق السفينة‪ ،‬فجعل موسى يحشو بثوب له الخرق ويقول‪:‬‬ ‫{أخرقتها لتغرق أهلها} على أنهما حملنا بدون َنوْل {لقد جئت شيئا إمرا} أي أتيت يا عالم منكرا‬ ‫فظيعا فأجابه خضر بما قص تعالى‪{ :‬قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} فأجاب موسى بما‬ ‫ذكر تعالى عنه‪{ :‬قال ل تؤاخذني بما نسيت ول ترهقني من أمري عسرا} أي ل تعاقبني بالنسيان‬ ‫فإن الناسي ل حرج عليه‪ .‬وكانت هذه من موسى ‪ 2‬نسيانا حقا ول تغشني بما يعسر علي ول‬ ‫أطيقه فأتضايق من صحبتي إياك‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فانطلقا} بعد نزولهما من البحر إلى البر فوجدا غلما جميلً وسيما يلعب مع الغلمان‬ ‫فأخذه خضر جانبا وأضجعه ‪ 3‬وذبحه فقال له موسى بما أخبر تعالى عنه‪{ :‬أقتلت نفسا زكية بغير‬ ‫نفس} زاكية طاهرة لم يذنب صاحبها ذنبا تتلوث به ش روحه ولم يقتل نفسا يستوجب بها‬

‫القصاص {لقد جئت شيئا نكرا} أي أتيت منكرا عظيما بقتلك نفسا طاهرة لم تذنب ولم تكن هذه‬ ‫نسيانا من موسى بل كان عمدا إذ لم يطق فعل منكر كهذا لم يعرف له وجها‪ 4‬ول سببا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬جواز الشتراط في الصحبة وطلب العلم وغيرهما للمصلحة الراجحة‪.‬‬ ‫‪ -2‬جواز ركوب السفن في البحر‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية إنكار المنكر على من علم أنه منكر‪.‬‬ ‫‪ -4‬رفع الحرج عن الناس‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية القصاص وهو النفس بالنفس‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في البخاري‪" :‬فانطلقا يسيران على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا‬ ‫الخضر فحملوه بغير نول أي (أجرة)"‪.‬‬ ‫‪ 2‬في البخاري‪" :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وكانت الولى من موسى نسيانا قال‪ :‬وجاء‬ ‫عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة في البحر فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم‬ ‫ال إلّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر" حرف السفينة‪ :‬طرفها‪ ،‬وحرف كل شيء‬ ‫طرفه‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الترمذي‪" :‬أنه أخذ رأسه بيده فاقتلعه فقتله" وفي بعض الروايات "أنه أخذ حجرا فضرب بها‬ ‫رأس الغلم فقتله" وما في التفسير أصح وأوضح‪.‬‬ ‫‪ 4‬سيأتي بيان علّة القتل وأنها حق والقتل كان بإذن ال تعالى وما مات أحد ول قتل إلّ بإذن ال‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/275‬‬ ‫الجزء السادس عشر‬ ‫شيْءٍ َب ْعدَهَا فَلَا ُتصَاحِبْنِي قَدْ‬ ‫قَالَ أَلَمْ َأقُل ّلكَ إِ ّنكَ لَن َتسْتَطِيعَ َمعِي صَبْرًا (‪ )75‬قَالَ إِن سَأَلْ ُتكَ عَن َ‬ ‫ط َعمَا أَهَْلهَا فَأَ َبوْا أَن ُيضَيّفُو ُهمَا‬ ‫بََل ْغتَ مِن لّدُنّي عُذْرًا (‪ )76‬فَانطََلقَا حَتّى إِذَا أَتَيَا أَ ْهلَ قَرْيَةٍ اسْتَ ْ‬ ‫خ ْذتَ عَلَيْهِ َأجْرًا (‪ )77‬قَالَ َهذَا فِرَاقُ بَيْنِي‬ ‫َفوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَن َقضّ فََأقَامَهُ قَالَ َلوْ شِ ْئتَ لَاتّ َ‬ ‫وَبَيْ ِنكَ سَأُنَبّ ُئكَ بِتَ ْأوِيلِ مَا َلمْ تَسْ َتطِع عّلَ ْي ِه صَبْرًا (‪)78‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قال ألم أقل لك ‪ :‬أي قال خضر لموسى عليهما السلم‪.‬‬ ‫بعدها‪ :‬أي بعد هذه المرة‪.‬‬

‫فل تصاحبني ‪ :‬أي ل تتركني أتبعك‪.‬‬ ‫من لدني عذرا‪ :‬أي من قبلي (جهتي) عذرا في عدم مصاحبتي لك‪.‬‬ ‫أهل قرية ‪ :‬مدينة أنطاكية‪.‬‬ ‫استطعما أهلها‪ :‬أي طلبا منهم الطعام الواجب للضيف‪.‬‬ ‫يريد أن ينقض‪ :‬أي قارب السقوط لميلنه‪.‬‬ ‫فأقامه‪ :‬أي الخضر بمعنى أصلحه حتى ل يسقط‪.‬‬ ‫أجرًا ‪ :‬أي جعل على إقامته لصلحه‪.‬‬ ‫هذا فراق بيني وبينك‪ :‬أي قولك هذا {لو شئت لتخذت عليه أجرا} هو نهاية الصحبة وبداية‬ ‫المفارقة‪.‬‬ ‫بتأويل‪ :‬أي تفسير ما كنت تنكره على حسب علمك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في محاورة الخضر مع موسى عليهما السلم‪ ،‬فقد تقدم إنكار موسى على‬

‫( ‪)3/276‬‬ ‫الخضر قتله الغلم بغير نفس‪ ،‬ول جرم إرتكبه‪ ،‬وبالغ موسى في إنكاره إلى أن قال‪{ :‬لقد جثت‬ ‫شيئا نكرا‪ }1‬فأجابه خضر بما أخبر تعالى به في قوله‪ { :‬ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}‬ ‫لما سألتني الصحبة للتعليم‪ ،‬فأجاب موسى بما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬قال إن سألتك عني شيء‬ ‫بعدها} أي بعد هذه المرة {فل تصاحبني} أي اترك صحبتي فإنك {قد بلغت من ‪ 2‬لدني} أي من‬ ‫جهتي وقبلي عذرا في تركك إياي‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬فانطلقا} في سفرهما {حتى إذا أتيا أهل قرية} (أي مدينة) قيل إنها انطاكية ووصلها‬ ‫في الليل والجو بارد فاستطعما أهلها أي طلبا منهم طعام الضيف الواجب له {فأبوا أن يضيفوهما‬ ‫‪ ،3‬فوجدا فيها} أي في القرية {جدارا يريد أن ينقض} أي يسقط فأقامه الخضر وأصلحه فقال‬ ‫موسى له‪{ :‬لو شئت لتخذت عليه أجرا} أي جعل مقابل إصلحه‪ ،‬لسيما أن أهل هذه القرية لم‬ ‫يعطونا حقنا من الضيافة‪ .‬وهنا قال الخضر لموسى‪{ :‬هذا فراق بيني وبينك} لنك تعهدت إنك إذا‬ ‫سألتني بعد حادثة قتل الغلم عن شيء أن ل تطلب صحبتي وها أنت قد سألتني‪ ،‬فهذا وقت ‪4‬‬ ‫فراقك إذا {سأنبئك} أي أخبرك {بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} من خرق السفينة وقتل الغلم‬ ‫وإقامة الجدار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الوفاء بما التزم به النسان لخر‪.‬‬

‫‪ -2‬وجوب الضيافة لمن استحقها‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز التبرع بأي خير أو عمل ابتغاء وجه ال تعالى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في أيهما أبلغ‪ :‬إمرا أو نكرا‪ ،‬ورجّح بعضهم أن إمرا فيما لم يحدث من فعل منكر فيكون‬ ‫خاصا بالمستقبل‪ ،‬ومعناه‪ :‬أمر فظيع مهيل ونكرا‪ :‬يكون فيما وقع فهو بيّن الفساد بالغ في النكر‬ ‫واجب النكار‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرىء‪{ :‬من لدني} بتخفيف الدال وقرىء في السبع بتشديدها وقرىء عذرا بسكون الذال وقرىء‬ ‫في السبع أيضا بضمهما‪ ،‬وضمّ العين قبلها كنُذُر ونُذُر‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الحديث‪" :‬إنهم كانوا لئاما بخلء" وهو تعليل لعدم استضافة موسى والخضر‪.‬‬ ‫‪ 4‬في البخاري‪ :‬هنا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يرحم ال موسى لوددت أنه كان صبر‬ ‫حتى يقص علينا من أخبارهما"‪.‬‬

‫( ‪)3/277‬‬ ‫سفِينَةٍ‬ ‫سفِينَةُ َفكَا َنتْ ِلمَسَاكِينَ َي ْعمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتّ أَنْ أَعِي َبهَا َوكَانَ وَرَاءهُم مِّلكٌ يَ ْأخُذُ ُكلّ َ‬ ‫َأمّا ال ّ‬ ‫طغْيَانًا َوكُفْرًا (‪ )80‬فَأَرَدْنَا أَن‬ ‫غصْبًا (‪ )79‬وََأمّا ا ْلغُلَامُ َفكَانَ أَ َبوَاهُ ُم ْؤمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْ ِه َق ُهمَا ُ‬ ‫َ‬ ‫جدَارُ َفكَانَ ِلغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ا ْلمَدِينَةِ‬ ‫حمًا (‪ )81‬وََأمّا الْ ِ‬ ‫يُبْدَِل ُهمَا رَ ّب ُهمَا خَيْرًا مّنْهُ َزكَا ًة وََأقْ َربَ ُر ْ‬ ‫حمَةً‬ ‫َوكَانَ َتحْتَهُ كَنزٌ ّل ُهمَا َوكَانَ أَبُو ُهمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَ ّبكَ أَنْ يَبُْلغَا َأشُدّ ُهمَا وَيَسْ َتخْرِجَا كَنزَ ُهمَا رَ ْ‬ ‫ك َومَا َفعَلُْتهُ عَنْ َأمْرِي ذَِلكَ تَ ْأوِيلُ مَا لَمْ َتسْطِع عّلَيْ ِه صَبْرًا (‪)82‬‬ ‫مّن رّ ّب َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لمساكين‪ :‬جمع مسكين وهو الضعيف العاجز عن الكسب‪.‬‬ ‫يعملون في البحر‪ :‬أي يؤجرون سفينتهم للركاب‪.‬‬ ‫أعيبها‪ :‬أي أجعلها معيبة حتى ل يرغب فيها‪.‬‬ ‫غصبا‪ :‬أي قهرا‪.‬‬ ‫أن يرهقهما طغيانا وكفرا ‪ :‬أي يغشاهما‪ :‬ظلما وجحودا‬ ‫وأقرب رحما ‪ :‬أي رحمة إذ الرحم والرحمة بمعنى واحد‪.‬‬ ‫وما فعلته عن أمري ‪ :‬أي عن اختيار مني بل بأمر ربي جل جلله و عظم سلطانه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا آخر حديث موسى والخضر عليهما السلم‪ ،‬فقد واعد الخضر موسى عندما أعلن له عن فراقه‬ ‫أن يبين له تأويل ما لم يستطع عليه صبرا‪ ،‬وهذا بيانه‪ ،‬قال تعالى (حكاية عن‬

‫( ‪)3/278‬‬ ‫الخضر) {أما السفينة} التي خرقتُها وأنكرتَ عليّ ذلك {فكانت ‪ 1‬لمساكين يعملون في البحر}‬ ‫يؤجرون سفينتهم بما يحصل لهم بعض القوت {فأردت أن أعيبها ‪ }2‬ل لغرق أهلها‪{ ،‬وكان‬ ‫وراءهم ‪ 3‬ملك ‪ }4‬ظالم {يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} أي قهرا وإنما أردت أن أبقيها لهم إذ‬ ‫الملك المذكور ل يأخذ إلّ السفن الصالحة {وأمّا الغلم} الذي قتلته وأنكرتَ عليّ قتله {فكان أبواه‬ ‫مؤمنين فخشينا} إن كبر {أن يرهقهما ‪ }5‬أي يُغشيهما {طغيا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ‪ 6‬ربهما خيرا‬ ‫منه زكاة} أي طهرا وصلحا {وأقرب ‪ 7‬رحما} أي رحمة وبرا بهما فلذا قتلته‪{ ،‬وأما الجدار فكان‬ ‫لغلمين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما‪ ،‬وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما}‬ ‫أي سن الرشد {ويستخرجا كنزهما رحمة من ‪ 8‬ربك} أي كان ذلك رحمة {وما فعلته عن أمري}‬ ‫أي عن إرادتي واختياري بل كان بأمر ال وتعليمه‪{ .‬ذلك} أي هذا {تأويل ما لم تسطع عليه‬ ‫صبرا}‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ضروب من خفي ألطاف ال تعالى فعلى المؤمن أن يرضى بقضاء ال تعالى وإن كان‬ ‫ظاهره ضارا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حسن تدبير ال تعالى لوليائه بما ظاهره عذاب ولكن في باطنه رحمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مراعاة صلح الباء في إصلح حال البناء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بهذه الية استدل من قال من الفقهاء بأنّ المسكين أقلّ فقرا من الفقير لنّ من ملك سفينة ل‬ ‫يعتبر فقيرا‪ ،‬وردّ هذا بأنّ أصحاب السفينة كانوا سبعة أفراد‪ ،‬وخمسة منهم زمنى ورثوا السفينة‬ ‫من أبيهم وبذا هم فقراء مساكين‪.‬‬ ‫‪ 2‬أعيبها‪ :‬أي أجعلها ذات عيب‪ ،‬يقال‪ :‬عبت الشيء فعاب أي‪ :‬صار ذا عيب فهو معيب‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون الوراء على حقيقته أي‪ :‬خلفهم‪ ،‬وإذا رجعوا أخذ السفينة منهم‪ ،‬وجائز أن يكون‬ ‫وراء بمعنى أمام‪ ،‬ويؤيده قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير‪{ :‬وكان أمامهم ملِك}‪.‬‬ ‫‪ 4‬قيل‪ :‬الملك هو هدد بن بدد‪ ،‬واسم الغلم المقتول‪ :‬جيسور‪.‬‬ ‫‪ 5‬وفسّر أيضا‪ :‬يجشمهما ويحملهما على الرهق وهو الجهل والمعنى‪ :‬أنه يحملهما حبه على الغلو‬ ‫فيه فيطغيان ويكفران‪.‬‬ ‫‪ 6‬الرحم والرحمة بمعنى واحد قال الشاعر‪:‬‬ ‫وكيف بظلم جارية‬

‫ومنها اللّين والرّحم‬ ‫‪ 7‬قيل‪ :‬اسم الغلمين‪ :‬أصرم وصريم‪ ،‬وكان الكنز ذهبا وفضة لحديث الترمذي عن أبي الدرداء‪،‬‬ ‫وشاهده من اللغة فإنّ الكنز‪ :‬المال المدفون المدّخر‪ ،‬وجائز أن يكون مع المال كتاب فيه علم‪.‬‬ ‫‪ 8‬تسطع وتستطيع بمعنى‪..‬‬

‫( ‪)3/279‬‬ ‫‪ -4‬كل ما أتاه الخضر كان بوحي إلهي وليس هو مما يدعيه جُهال الناس ويسمون بالعلم اللّدنيّ‬ ‫وأضافوه إلى من يسمونهم الولياء‪ ،‬وقد يسمونه كشفا‪ ،‬ويؤكد بطلن هذا أن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم قال‪ :‬إن الخضر قال لموسى‪ :‬أنا على علم مما علمني ربي وأنت على علم مما علمك ال‬ ‫وإن علمي وعلمك إلى علم ال إلّ كما يأخذ الطائر بمنقاره من البحر‪.‬‬ ‫ض وَآتَيْنَاهُ مِن ُكلّ‬ ‫وَيَسْأَلُو َنكَ عَن ذِي ا ْلقَرْنَيْنِ ُقلْ سَأَتْلُو عَلَ ْيكُم مّ ْنهُ ِذكْرًا (‪ )83‬إِنّا َمكّنّا َلهُ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫حمِ َئ ٍة َووَجَدَ‬ ‫س َوجَدَهَا َتغْ ُربُ فِي عَيْنٍ َ‬ ‫شمْ ِ‬ ‫شيْءٍ سَبَبًا (‪ )84‬فَأَتْبَعَ سَبَبًا (‪ )85‬حَتّى ِإذَا بَلَغَ َمغْ ِربَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫س ْوفَ‬ ‫حسْنًا (‪ )86‬قَالَ َأمّا مَن ظََلمَ فَ َ‬ ‫عِندَهَا َقوْمًا قُلْنَا يَا ذَا ا ْلقَرْنَيْنِ ِإمّا أَن ُت َع ّذبَ وَِإمّا أَن تَتّخِذَ فِي ِهمْ ُ‬ ‫ل صَالِحًا فََلهُ جَزَاء ا ْلحُسْنَى‬ ‫ع ِم َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ُنعَذّبُهُ ُثمّ يُرَدّ إِلَى رَبّهِ فَ ُيعَذّ ُبهُ عَذَابًا ّنكْرًا (‪ )87‬وََأمّا مَنْ آمَ َ‬ ‫جدَهَا َتطْلُعُ عَلَى‬ ‫س وَ َ‬ ‫شمْ ِ‬ ‫وَسَ َنقُولُ لَهُ مِنْ َأمْرِنَا ُيسْرًا (‪ )88‬ثُمّ أَتْ َبعَ سَبَبًا (‪ )89‬حَتّى إِذَا بََلغَ مَطْلِعَ ال ّ‬ ‫ك َوقَدْ َأحَطْنَا ِبمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (‪ُ )91‬ثمّ أَتْبَعَ سَبَبًا (‪)92‬‬ ‫جعَل ّلهُم مّن دُو ِنهَا سِتْرًا (‪ )90‬كَذَِل َ‬ ‫َقوْمٍ لّمْ نَ ْ‬ ‫ن َوجَدَ مِن دُو ِنهِمَا َق ْومًا لّا َيكَادُونَ َي ْفقَهُونَ َقوْلًا (‪)93‬‬ ‫حَتّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السّدّيْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويسألونك ‪ :‬أي كفار قريش بتعليم يهود لهم‪.‬‬ ‫ذي القرنين ‪ :‬السكندر باني السكندرية المصرية الحميري أحد الملوك التبابعة وكان عبدا‬ ‫صالحا‪.‬‬

‫( ‪)3/280‬‬ ‫سأتلوا عليكم منه ذكرا ‪ :‬سأقص عليكم من حاله خيرا يحمل موعظة وعلما‪.‬‬ ‫مكنا له في الرض ‪ :‬بالحكم والتصرف في ممالكها‪.‬‬ ‫من كل شيء سببا‪ :‬أي يحتاج إليه سببا موصلً إلى مراده‪.‬‬ ‫فأتبع سببا‪ :‬أي فأتبع السبب سببا آخر حتى انتهى إلى مراده‪.‬‬ ‫تغرب في عين حمئة‪ :‬ذات حماة وهي الطين السود وغروبها إنما هو في نظر العين وإلّ‬ ‫فالشمس في السماء والبحر في الرض‪.‬‬

‫قوما‪ :‬أي كافرين‪.‬‬ ‫عذابا نكرا‪ :‬أي عظيما فظيعا‪.‬‬ ‫يسرا‪ :‬أي لينا من القول سهْل من العمل‪.‬‬ ‫مطلع الشمس‪ :‬أي مكانا تطلع منه‪.‬‬ ‫قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ‪ :‬القوم هم الزّنْج ولم يكن لهم يومئذ ثياب يلبسونها ول منازل‬ ‫يسكنونها وإنما لهم أسراب في الرض يدخلون فيها‪.‬‬ ‫كذلك ‪ :‬أي المر كما قلنا لك ووصفنا‪.‬‬ ‫بين السدين ‪ :‬السدان جبلن شمال شرق بلد الترك سد ذو القرنين ما بينهما فقيل فيهما سدان‪.‬‬ ‫قوما ل يكادون يفقهون قولً‪ :‬ل يفهمون كلم من يخاطبهم إلّ بشدة وبطء وهم يأجوج ومأجوج‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه قصة العبد الصالح ذي القرنين الحمْيَري التّبعي على الراجح من أقوال العلماء‪ ،‬وهو‬ ‫السكندر باني السكندرية المصرية‪ ،‬ولمر ما لقّب بذي القرنين ‪ ،1‬وكان قد تضمن سؤال قريش‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم بإيعاذ من يهود المدينة ذا القرنين إذ قالوا لقريش سلوه عن الروح‬ ‫ل فهو غير نبي فَ َروْا رأيكم فيه فكان‬ ‫وأصحاب الكهف وذي القرنين فإن أجابكم عنها فإنه نبي‪ ،‬وإ ّ‬ ‫الجواب عن الروح في سورة السراء وعن الفتية وذي القرنين في سورة الكهف هذه وقد تقدم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال هي‪ :‬عبدال أو السكندر أو عبّاس أو جابر‪ ،‬كما‬ ‫اختلفوا في تلقيبه بذي القرنين على عشرة أقوال أمثلها أنه ملك فارس والروم أو أنه كان له‬ ‫ضفيرتان من شعر رأسه فلقب لذلك بذي القرنين‪ ،‬واختلف في نبوته‪ ،‬والظاهر أنه كان نبيّا يوحى‬ ‫إليه وكان ملكا حاكما‪.‬‬

‫( ‪)3/281‬‬ ‫الحديث التفصيلي عن أصحاب الكهف في أول السورة وهذا بدء الحديث المتضمن للجابة عن‬ ‫الملك ذي القرنين عليه السلم قال تعالى‪{ :‬ويسألونك} يا نبينا {عن ذي القرنين قل} للسائلين من‬ ‫مشركي قريش {سأتلوا عليكم منه ‪ 1‬ذكرا} أي سأقرأ عليكم من أمره وشأنه العظيم ذكرا خبرا‬ ‫يحمل الموعظة والعلم والمعرفة‪ :‬وقوله تعالى‪{ :‬إنا مكنا له في الرض وآتيناه من كل شيء سببا}‬ ‫هذه بداية الحديث عنه فأخبر تعالى أنه مكن له في الرض بالملك والسلطان‪ ،‬وأعطاه من كل‬ ‫شيء يحتاج إليه في فتحه الرض ونشر العدل والخير فيها سببا يوصله إلى ذلك‪ ،‬وقوله {فأتبع‬ ‫سببا} ‪ 2‬حسب سنة ال في تكامل الشياء فمن صنع إبرة وتابع السباب التي توصل بها إلى صنع‬ ‫البرة فإنه يصنع المسلة‪ ،‬وهكذا تابعه بين أسباب الغزو والفتح والسير في الرض {حتى إذا بلغ‬

‫مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة} وهي على ساحل المحيط الطلنطي‪ ،‬وكونها تغرب‬ ‫فيها هو بحسب رأي العين‪ ،‬وإلّ فالشمس في السماء والعين الحمئة ‪ 3‬والمحيط إلى جنبها في‬ ‫الرض وقوله تعالى‪{ :‬ووجد عندها} أي عند تلك العين في ذلك القليم المغربي {قوما} أي كافرين‬ ‫غير مسلمين فأذن ال تعالى له في التحكم والتصرف فيهم إذ يسر له أسباب الغلبة عليهم وهو‬ ‫معنى قوله تعالى ‪{ :‬قلنا يا ذا القرنين} وقد يكون نبيا ويكون قوله ال تعالى هذا له وحيا وهو {إما‬ ‫أن تعذب} بالسر والقتل‪{ ،‬وإما أن تتخذ فيهم حسنا} وهذا بعد حربهم والتغلب عليهم فأجاب ذو‬ ‫القرنين ربه بما أخبر تعالى به‪{ :‬أما من ظلم ‪ }4‬أي بالشرك والكفر {فسوف نعذبه} بالقتل والسر‪،‬‬ ‫{ثم يرد إلى ربه} بعد موته {فيعذبه عذابا نكرا} أي فظيعا أليمًا‪{ .‬وأما من آمن وعمل صالحا} أي‬ ‫أسلم وحسن إسلمه {فله جزاء ‪ }5‬على إيمانه وصالح أعماله {الحسنى} أي الجنة في الخرة‬ ‫{وسنقول له من أمرنا يسرا} فل نغلظ له في‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬ذكرا} أي‪ :‬خيرا يتضمن ذكره‪.‬‬ ‫‪ 2‬أصل‪ :‬السبب‪ :‬الحبل واستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء‪ ،‬وأوتي ذو القرنين من كل شيء‬ ‫علما يتسبب به إلى ما يريد فتوصّل إلى فتح البلد وقهر العداء وقرىء فأتبع سببا بقطع الهمزة‬ ‫وقرأ أهل المدينة فاتّبع سببا بهمزة وصل وتشديد التاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ الجمهور‪( :‬حمئة) من الحماة أي كثيرة الحمأة وهي الطين السود وقرأ بعضهم حامية أي‪:‬‬ ‫حارة وجائز أن تكون حامية من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬قال لولئك القوم أمّا مَنْ ظلم‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 5‬قراءة أهل المدينة (فله جزاءُ الحسنى) برفع جزاء بدون تنوين والحسني مضاف إليه والخبر‬ ‫تقديره‪ :‬عند ال‪ .‬وقرأ غيرهم بنصب جزاء على التمييز أي‪ :‬فله الحسنى جزاء ًويجوز أن يكون‬ ‫منصوبا على المصدرية‪.‬‬

‫( ‪)3/282‬‬ ‫القول ول نكلفه ما يشق عليه ويرهقه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ثم أتبع سببا} أي ما تحصل عليه من القوة في فتح المغرب استخدمه في مواصلة‬ ‫الغزو والفتح في المشرق {حتى إذا بلغ مطلع الشمس ‪ 1‬وجدها تطلع على ‪ 2‬قوم} بدائيين لم‬ ‫تساعدهم الرض التي يعيشون عليها على التحضر فلذا هم ل يبنون الدور ول يلبسون الثياب‪،‬‬ ‫ولكن يسكنون الكهوف والمغارات والسراديب وهو ما دل عليه قوله تعالى‪{ :‬لم نجعل لهم من‬ ‫دونها} أي الشمس {سترا}‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬كذلك ‪ }3‬أي القول الذي قلنا والوصف الذي وصفنا لك‬ ‫من حال ذي القرنين {وقد أحطنا بما لديه} من قوة وأسباب مادية وروحية {خبرا} أي علما كاملً‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬ثم أتبع} أي ذو القرنين {سببا} أي واصل طريقه في الغزو والفتح {حتى إذا بلغ بين‬ ‫السدّين ‪ }4‬وهما جبلن بأقصى الشمال الشرقي للرض بنى ذو القرنين بينهما سدا عظيما حال به‬ ‫دون غزو يأجوج ومأجوج للقليم المجاور لهم‪ ،‬وهم القوم الذين قال تعالى عنهم {وجد من دونهما‬ ‫‪ 5‬قوما ل يكادون يفقهون قولً} فل يفهمون ما يقال لهم ويخاطبون به إلّ بشدة وبطء كبير‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة النبي محمد صلى ال عليه وسلم إذ هذا جواب آخر أسئلة قريش الثلثة‪ .‬قرأه‬ ‫عليهم قرآنا موحى به إليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬إتباع السبب السبب يصل به ذو الرأي والرادة إلى تحقيق ما هو كالمعجزات‪.‬‬ ‫‪ -3‬قول‪ :‬ذو القرنين‪{ :‬أما من ظلم‪ }....‬الخ يجب أن يكون مادة دستورية يحكم به الفراد‬ ‫والجماعات لصدقها وإجابتها وموافقتها لحكم ال تعالى ورضاه‪ ،‬ومن السف أن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المطلع‪ :‬يجوز فيه كسر الميم وفتحها مثل المنسك والمجزر والمسكن والمنبت هذه يجوز فيها‬ ‫وجهان الكسر والفتح في ميمها‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال صاحب النوير‪ :‬والظاهر أنه بلغ ساحل اليابان في حدود منشوريا أو كوريا شرقا‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون المعنى‪ :‬كذلك أمرهم كما قصصنا عليك وهو معنى ما في التفسير وجائز أن‬ ‫يكون كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها كذلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ حفص بفتح السين‪ ،‬وقرأ نافع بضمها‪ ،‬ونظير السد في الفتح والضم الضعف والقر والقر‪.‬‬ ‫‪ 5‬قوله‪ :‬من دونهما يعني أمام ا لدين ل خلفهما إذ خلفهما يأجوج ومأجوج‪.‬‬

‫( ‪)3/283‬‬ ‫يعكس هذا القول السديد والحكم الرشيد فيصبح أهل الظلم مكرمين لدى الحكومات‪ ،‬وأهل اليمان‬ ‫والستقامة مهانين!!‬ ‫‪ -4‬بيان وجود أمم بدائية إلّ عهد ما بعد ذي القرنين ل يلبسون ثيابا ول يسكنون سوى الكهوف‬ ‫والمغارات ويوجد في البلد الكينية إلى الن قبائل ل يرتدون الثياب‪ ،‬وإنما يضعون على فروجهم‬ ‫خيوط وسيور ل غير‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير أن هذا الملك الصالح قد ملك الرض فهو أحد أربعة ‪ 1‬حكموا الناس شرقا وغربا‪.‬‬ ‫ج َعلَ‬ ‫ج َعلُ َلكَ خَرْجًا عَلَى أَن َت ْ‬ ‫ج َومَأْجُوجَ ُمفْسِدُونَ فِي الْأَ ْرضِ َف َهلْ نَ ْ‬ ‫قَالُوا يَا ذَا ا ْلقَرْنَيْنِ إِنّ يَأْجُو َ‬ ‫ج َعلْ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْ َنهُمْ َر ْدمًا (‪)95‬‬ ‫سدّا (‪ )94‬قَالَ مَا َمكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي ِب ُق ّوةٍ َأ ْ‬ ‫بَيْنَنَا وَبَيْ َنهُمْ َ‬ ‫جعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي ُأفْ ِرغْ‬ ‫ل انفُخُوا حَتّى إِذَا َ‬ ‫حدِيدِ حَتّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصّ َدفَيْنِ قَا َ‬ ‫آتُونِي زُبَرَ الْ َ‬

‫حمَةٌ مّن رّبّي‬ ‫ظهَرُو ُه َومَا اسْتَطَاعُوا َلهُ َنقْبًا (‪ )97‬قَالَ هَذَا َر ْ‬ ‫سطَاعُوا أَن يَ ْ‬ ‫عَلَيْهِ ِقطْرًا (‪َ )96‬فمَا ا ْ‬ ‫ضهُمْ َي ْومَئِذٍ َيمُوجُ فِي َب ْعضٍ‬ ‫حقّا (‪ )98‬وَتَ َركْنَا َب ْع َ‬ ‫جعَلَهُ َدكّاء َوكَانَ وَعْدُ رَبّي َ‬ ‫فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّي َ‬ ‫جهَنّمَ َي ْومَئِذٍ لّ ْلكَافِرِينَ عَ ْرضًا (‪ )100‬الّذِينَ كَا َنتْ‬ ‫ج ْمعًا (‪ )99‬وَعَ َرضْنَا َ‬ ‫ج َمعْنَاهُمْ َ‬ ‫وَنُفِخَ فِي الصّورِ َف َ‬ ‫س ْمعًا (‪)101‬‬ ‫أَعْيُ ُنهُمْ فِي غِطَاء عَن ِذكْرِي َوكَانُوا لَا يَسْ َتطِيعُونَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هم ‪ :‬مسلمان وهما ذو القرنين وسليمان عليهما السلم‪ ،‬وكافران وهما‪ :‬النمرود وبختنصر‪ .‬كذا‬ ‫قيل وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)3/284‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يأجوج ومأجوج‪ :‬قبيلتان من أولد يافث بن نوح عليه السلم وال أعلم‪.‬‬ ‫نجعل لك خرجا‪ :‬أي جعلً مقابل العمل‪.‬‬ ‫سدا‪ :‬السد بالفتح والضم الحاجز المانع بين شيئين‪.‬‬ ‫ردما‪ :‬حاجزا حصينا وهو السد‪.‬‬ ‫زبر الحديد‪ :‬جمع زبرة قطعة من حديد على قدر الحجرة التي يبنى بها‪.‬‬ ‫بين الصدفين‪ :‬أي صدف الجبلين أي جانبهما‪.‬‬ ‫قطرا‪ :‬القطر النحاس المذاب‪.‬‬ ‫فما استطاعوا أن يظهروه‪ :‬أي عجزوا عن الظهور فوقه لعلوه وملسته‪.‬‬ ‫نقبا‪ :‬أي فتح ثغرة تحت تحته ليخرجوا معها‪.‬‬ ‫جعله دكا ‪ :‬أي ترابا مساويا للرض‪.‬‬ ‫وتركنا بعضهم‪ :‬أي يأجوج ومأجوج أي يذهبون ويجيئون في اضطراب كموج البحر‪.‬‬ ‫أعينهم في غطاء عن ذكري‪ :‬أي عن القرآن ل يفتحون أعينهم فيما تقرأه عليهم بغضا له أو أعين‬ ‫قلوبهم وهي البصائر فهي في أكنة ل تبصر الحق ول تعرفه‪.‬‬ ‫ل يستطيعون سمعا ‪ :‬لبغضهم للحق والداعي إليه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في حديث ذي القرنين إذ شكا إليه سكان المنطقة الشمالية الشرقية من الرض بما‬ ‫أخبر تعالى به عنهم إذ قال‪{ :‬قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ‪ 1‬ومأجوج مفسدون في الرض} أي‬ ‫بالقتل والكل والتدمير والتخريب‪{ ،‬فهل نجعل لك خرجا} أي أجرا‪{ 2‬على‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يأجوج ومأجوج‪ :‬اسمان أعجميان يهمزان ول يهمزان ولذا قرىء في السبع بهما وهما ابنا‬

‫يافث بن نوح عليه السلم ورد وصفهم أن صنفا منهم يفرش أحدهم أذنه ويلتحف بالخرى‪ ،‬ول‬ ‫ل أكلوه‪ ،‬ومن مات منهم أكلوه مقدّمتهم بالشام‬ ‫يمرون بفيل ول وحش ول جمل ول خنزير إ ّ‬ ‫وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية‪ ،‬وذلك يوم يفتح سدهم ويهدم‪ ،‬وخروجهم‬ ‫من أشراط الساعة الكبرى‪.‬‬ ‫‪ 2‬الخرج والخراج‪ :‬لغتان‪ ،‬وقيل الخرج‪ :‬ما يعطى تطوعا والخراج‪ :‬ما يلزم عطاؤه والمراد به‬ ‫هنا الجر مقابل العمل المطلوب من إقامة السدّ‪.‬‬

‫( ‪)3/285‬‬ ‫أن تجعل بيننا وبينهم سدا} أي حاجزا قويا ل يصلون معه إلينا‪ .‬فأجابهم ذو القرنين بما أخبر ال‬ ‫تعالى به في قوله‪{ :‬قال ما مكني فيه ربي} من المال القوة والسلطان {خير} أي من جعلكم‬ ‫وخرجكم {فأعينوني ‪ 1‬بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما‪ }2‬أي أي سدا قويا وحاجزا مانعا {آتوني زبر‬ ‫الحديد} أي قطع الحديد كل قطعة كالّلِبنة المضروبة‪ ،‬فجاءوا به إليه فأخذ يضع الحجارة وزبر‬ ‫الحديد ويبْني حتى ارتفع البناء فساوى بين الصدفين جانبي الجبلين‪ ،‬وقال لهم {انفحوا} أي النار‬ ‫على الحديد {حتى إذا جعله نارا} قال آتوني بالنحاس المذاب أفرغ عليه ‪ 3‬قطرا فأتوه به فأفرغ‬ ‫عليه من القطر ما جعله كأنه صفيحة واحدة من نحاس {فما استطاعوا} أي يأجوج ومأجوج {أن‬ ‫يظهروه} أي يعلوا فوقه‪{ ،‬وما استطاعوا له نقبا} أي خرقا فلما نظر إليه وهو جبل شامخ وحصن‬ ‫حصين قال هذا من رحمة ربي أي من أثر رحمة ربي عليّ وعلى الناس وأردف قائلً {فإذا جاء‬ ‫وعد ربي} وهو خروج يأجوج ومأجوج عند قرب الساعة {جعله دكا} أي ترابا مساويا للرض‪،‬‬ ‫{وكان وعد ربي حقا} وهذا مما وعد به وأنه كائن ل محالة قال تعالى‪{ :‬وتركنا بعضهم يومئذ‬ ‫يموج في بعض} أي مختلطين مضطربين إنسهم ‪ 4‬وجنهم {ونفخ في الصور} نفخة البعث‬ ‫{فجمعناهم} للحساب والجزاء {جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} حقيقيا يشاهدونها فيه‬ ‫من قرب‪ ،‬ثم ذكر ذنب الكافرين وعلة عرضهم على النار فقال‪ :‬وقوله الحق‪{ :‬الذين كانت أعينهم‬ ‫في غطاء عن ذكري} أي أعين قلوبهم وهي البصائر فلذا هم ل ينظرون في آيات ال الكونية‬ ‫فيستدلون بها على وجود ال ووجوب عبادته وتوحيده فيها‪ ،‬ول في آيات ال القرآنية فيهتدون بها‬ ‫إلى أنه ل إله إلّ ال ويعبدونه بما تضمنته اليات القرآنية‪{ ،‬وكانوا ل يستطيعون سمعا} للحق‬ ‫ولما يدعوا إليه رسل ال من الهدى والمعروف‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬القوة‪ :‬الرجال والمال‪.‬‬ ‫‪ 2‬الردم أعظم من السدّ‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون المراد بالقطر النحاس المذاب وهذا الظاهر‪ ،‬وجائز أن يكون الحديد المذاب‬

‫والثالث‪ :‬أنه الصفر والرابع أنه الرصاص‪ .‬روى أحمد عن النبي صلى ال عليه وسلم ما خلصته‬ ‫أنّ يأجوج ومأجوج يحفران يوميا السدّ حتى إذا كادوا يخرقونه يقولون غدا نتم حفره وإذا جاء‬ ‫الغد حفروا ولم يقولوا إن شاء ال حتى إذا جاء وعد ال قالوا‪ :‬إن شاء ال ففتح لهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يكون المراد بمن يموج بعضهم في بعض‪ :‬يأجوج ومأجوج وجائز أن يكون النس‬ ‫والجن وذلك يوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)3/286‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الجعالة للقيام بالمهام من العمال‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة التبرع بالجهد الذاتي والعقلي‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التعاون على ما هو خير‪ ،‬أو دفع للشر‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير وجود أمة يأجوج ومأجوج‪ ،‬وأن خروجهم من أشراط الساعة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫جهَنّمَ لِ ْلكَافِرِينَ نُزُلًا (‪ُ )102‬قلْ‬ ‫خذُوا عِبَادِي مِن دُونِي َأوْلِيَاء إِنّا أَعْ َتدْنَا َ‬ ‫سبَ الّذِينَ َكفَرُوا أَن يَتّ ِ‬ ‫حِ‬ ‫َأفَ َ‬ ‫سعْ ُي ُهمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ َيحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ يُحْسِنُونَ‬ ‫عمَالًا (‪ )103‬الّذِينَ ضَلّ َ‬ ‫َهلْ نُنَبّ ُئكُمْ بِالَْأخْسَرِينَ أَ ْ‬ ‫عمَاُل ُهمْ فَلَا ُنقِيمُ َلهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَزْنًا‬ ‫طتْ أَ ْ‬ ‫صُ ْنعًا (‪ )104‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِه ْم وَِلقَائِهِ فَحَ ِب َ‬ ‫خذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُ ُزوًا (‪)106‬‬ ‫جهَنّمُ ِبمَا َكفَرُوا وَاتّ َ‬ ‫(‪ )105‬ذَِلكَ جَزَاؤُ ُهمْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفحسب الذين كفروا ‪ :‬الستفهام للتقريع والتوبيخ‪.‬‬ ‫أن يتخذوا عبادي ‪ :‬كالملئكة وعيسى بن مريم والعزير وغيرهم‪.‬‬ ‫أولياء‪ :‬أربابا يعبدوهم بأنواع من العبادات‪.‬‬ ‫نزل‪ :‬النزل‪ :‬ما يعد للضيف من قرى وهو طعامه وشرابه ومنامه‪.‬‬ ‫ضل سعيهم‪ :‬أي بطل عملهم وفسد عليهم فلم ينتفعوا به‪.‬‬ ‫يحسنون صنعا‪ :‬أي بعمل يعمل يجازون عليه بالخير وحسن الجزاء‪.‬‬ ‫وآيات ربهم‪ :‬أي بالقرآن وما فيه من دلئل التوحيد والحكام الشرعية‪.‬‬ ‫ولقائه‪ :‬أي كفروا بالبعث والجزاء‪.‬‬ ‫وزنا ‪ :‬أي ل نجعل لهم قدرا ول قيمة بل نزدريهم ونذلهم‪.‬‬

‫( ‪)3/287‬‬

‫ذلك‪ :‬أي أولئك جزاؤهم جهنم وأطلق لفظ ذلك بدل أولئك‪ ،‬لنهم بكفرهم وهبوط أعمالهم أصبحوا‬ ‫غثاء كغثاء السيل ل خير فيه ول وزن له يستحسن أن يشار إليه بذلك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ينكر تعالى على المشركين شركهم ويوبخهم مقرعا لهم على ظنهم أن اتخاذهم ‪ 1‬عِبا َدهُ من دونه‬ ‫أولياء يعبدونهم كالملئكة حيث عبدهم بعض العرب والمسيح حيث عبده النصارى‪ ،‬والعزير حيث‬ ‫عبده بعض اليهود‪ ،‬ل يغضبه تعالى ول يعاقبهم عليه‪ .‬وكيف ل يغضبه ول يعاقبهم عليه وقد أعد‬ ‫جهنم للكافرين نزلً أي دار ضيافة لهم فيها طعامهم وفيها شرابهم وفيها فراشهم كما قال تعالى‬ ‫{لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )102‬وهي قوله تعالى‬ ‫{أفحسب ‪ 2‬الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ‪ 3‬إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزل}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪ )103‬يخبر تعالى بأسلوب الستفهام للتشويق للخبر فيقول {قل هل‬ ‫ننبئكم} أيها المؤمنون {بالخسرين أعمالً} إنهم {الذين ضل سعيهم ‪ 4‬في الحياة الدنيا وهم يحسبون‬ ‫أنهم يحسنون صنعا} أي عملً‪ ،‬ويعرفهم فيقول {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم} فلم يؤمنوا بها‪،‬‬ ‫وبلقاء ربهم فلم يعملوا العمل الذي يرضيه عنهم ويسعدهم في وهو الدين الصحيح والعمل الصالح‬ ‫الذي شرعه ال لعباده المؤمنين به يتقربون به إليه‪ .‬فلذلك حبطت أعمالهم لنها شرك وكفر وشر‬ ‫وفساد‪{ ،‬فل نقيم لهم يوم القيامة وزنا‪ }5‬إذ ل قيمة لهم ول لعمالهم الشركية الفاسدة الباطلة فإن‬ ‫أحدهم ل يزن جناح بعوضة لخفته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما إنهم الشياطين‪ .‬وهو صحيح إذ الشياطين هم الذين زينوا لهم‬ ‫عبادة الملئكة والنبياء والولياء والصنام ودعوهم إلى عبادتهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرىء‪( :‬أفحسب) بإسكان السين وضم الباء أي‪ .‬أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء؟‬ ‫‪ 3‬جواب الستفهام محذوف تقديره‪ :‬كل بل هم أعداء يتبرؤن منهم وجائز أن يكون‪ :‬ول أغضب‬ ‫ول أعاقبهم‪ ،‬وكل المعنيين يراد‪.‬‬ ‫‪ 4‬يدخل في هذا كل من المشركين واليهود والنصارى والحرورية والمراءون بأعمالهم‪ ،‬وكل من‬ ‫يعمل العمال‪ ،‬وهو يظن أنه محسن وقد حبطت أعماله لفساد اعتقاده ولمراءاته أو لعمله بما‬ ‫شرع ال كأنواع البدع المكفرّة‪.‬‬ ‫‪ 5‬روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إنه‬ ‫ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة ل يزن عند ال جناح بعوضة وقال‪ :‬اقرأوا إن شئتم‪{ :‬فل‬ ‫نقيم لهم يوم القيامة وزنا}‪.‬‬

‫( ‪)3/288‬‬

‫وأخيرا أعلن تعالى عن حكمه فيهم وعليهم فقال {ذلك ‪ }1‬أي المذكور من غثاء الخلق {جزاؤهم‬ ‫جهنم} وعلل للحكم فقال ‪{ :‬بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا} أي بسبب كفرهم واستهزائهم‬ ‫بآيات ربهم وبرسله فكان الحكم عادلً‪ ،‬والجزاء موافقا والحمد ل رب العالمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير شرك من يتخذ الملئكة أو النبياء أو الولياء آلهة يعبدوهم تحت شعار التقرب إلى ال‬ ‫تعالى والستشفاع بهم والتوسل إلى ال تعالى بحبهم والتقرب إليهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير هلك أصحاب الهواء الذين يعبدون ال تعالى بغير ما شرع ويتوسلون إليه بغير ما‬ ‫جعله وسيلة لرضاه وجنته‪ .‬كالخوارج والرهبان من النصارى والمبتدعة الروافض والسماعيلية‪،‬‬ ‫والنصيرية والدروز ومن إليهم من غلة المبتدعة في العقائد والعبادات والحكام الشرعية‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل قيمة ول ثقل ول وزن لعمل ل يوافق رضا ال تعالى وقبوله له‪ ،‬كما ل وزن عند ال‬ ‫تعالى لصاحبه‪ ،‬وإن مات خوفا من ال أو شوقا إليه‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ كَا َنتْ َل ُهمْ جَنّاتُ ا ْلفِرْ َدوْسِ نُزُلًا (‪ )107‬خَاِلدِينَ فِيهَا لَا يَ ْبغُونَ‬ ‫إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫حوَلًا (‪ )108‬قُل ّلوْ كَانَ الْبَحْرُ ِمدَادًا ّلكَِلمَاتِ رَبّي لَ َنفِدَ الْ َبحْرُ قَ ْبلَ أَن تَنفَدَ كَِلمَاتُ رَبّي وََلوْ‬ ‫عَ ْنهَا ِ‬ ‫جِئْنَا ِبمِثِْلهِ مَدَدًا (‪ُ )109‬قلْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجائز أن تكون الشارة بذلك إلى ترك الوزن وخسة القدر والخبر‪ :‬جزاؤهم جهنم‪ .‬و (جهنم)‬ ‫بدل من (جزاؤهم) بدل مطابقا فيه زيادة توكيد‪.‬‬

‫( ‪)3/289‬‬ ‫عمَلًا صَالِحًا وَلَا‬ ‫حدٌ َفمَن كَانَ يَرْجُو ِلقَاء رَبّهِ فَلْ َي ْعمَلْ َ‬ ‫إِ ّنمَا أَنَا بَشَرٌ مّثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَا ِ‬ ‫حدًا (‪)110‬‬ ‫يُشْ ِركْ ِبعِبَا َدةِ رَبّهِ أَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كانت لهم ‪ :‬أي جزاء إيمانهم وعملهم الصالح‪.‬‬ ‫الفردوس نزلً ‪ :‬هو وسط الجنة وأعلها ونزلً منزل إكرام وإنعام‪.‬‬ ‫ل منها لنها ل خير منها أبدا‪.‬‬ ‫ل يبغون عنها حول‪ :‬أي ل يطلبون تحو ً‬ ‫لو كان البحر‪ :‬أي ماؤه مدادا‪.‬‬ ‫قبل أن تنفد كلمات ربي‪ :‬أي قبل أن تفرغ‪.‬‬ ‫لنفد البحر ‪ :‬أي ولم تنفد هي أي لم تفرغ‪.‬‬ ‫يرجو لقاء ربه‪ :‬يأمل وينتظر البعث والجزاء يوم القيامة حيث يلقى ربه تعالى‪.‬‬

‫ول يشرك بعبادة ربه أحدا ‪ :‬أي ل يرائي بعمله أحدا ول يشرك في عبادة ال تعالى غيره تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعدما ذكر تعالى جزاء أهل الشرك والهواء وأنه جهنم ناسب ذكر جزاء أهل اليمان والتقوى‬ ‫التي هي عمل الصالحات واجتناب المحرمات فقال‪{ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي‬ ‫صدقوا ال ورسوله وآمنوا بلقاء ال‪ ،‬ووعده لوليائه‪ ،‬ووعيده لعدائه من أهل الشرك‬ ‫والمعاصي‪ ،‬وعملوا الصالحات فأدوا الفرائض والواجبات وسارعوا في النوافل والخيرات هؤلء‬ ‫{كانت لهم} في علم ال وحكمه {جنات الفردوس ‪ }1‬أي بساتين الفردوس منزل ينزلونه ودار‬ ‫كرامة يكرمون فيها وينعمون‪ ،‬والفردوس أعلى الجنة وأوسطها قال رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم واصفا لها ومرغبا فيها وقد ارتادها وانتهى إلى مستوى فوقها ليلة السراء والمعراج قال‪:‬‬ ‫"إن سألتم ال فاسألوه الفردوس فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬ومنه تفجر أنهار الجنة" ‪ ،‬كما في الصحيح ‪ ،2‬وقوله تعالى {خالدين فيها ل يبغون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى الشيخان من حديث أبي موسى عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬جنان الفردوس‬ ‫أربع‪ :‬ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما‪ ،‬وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما‬ ‫وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلّ رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"‪.‬‬ ‫‪ 2‬وروى البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫أنه قال‪" :‬الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والرض‪ ،‬الفردوس أعلها‪ ،‬ومنها‬ ‫تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم ال تعالى فاسألوه الفردوس"‪.‬‬

‫( ‪)3/290‬‬ ‫عنها حول} أي ماكثين فيها أبدا ل يطلبون متحولً عنها إذ نعيمهما ل يمل وسعادتها ل تنقص‪،‬‬ ‫وصفْوها ل يكدر وسرورها ل ينغض بموت ول بمرض ول نصب ول تعب جعلني ال ومن قال‬ ‫آمين من أهلها‪ .‬آمين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قل لو كان البحر مدادا ‪ 1‬لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد‬ ‫كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} تضمنت هذه الية ردا على اليهود الذين لما نزل قول ال تعالى‬ ‫{وما أوتيتم من العلم إلّ قليلً} في الرد عليهم لما سألوا عن الروح بواسطة وفد قريش إليهم‪.‬‬ ‫فقالوا‪ :‬أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فأنزل ال تعالى قل لو كان البحر مدادا الية ردا عليهم‬ ‫وإبطالً لمزاعمهم فأعلمهم وأعلم كل من يدعي العلم الذي ما فوقه علم بأنه لو كان ماء البحر‬ ‫مدادا وكان كل غصن وعود في أشجار الدنيا كلها قلما‪ ،‬وكتب بهما لنفد ماء البحر وأغصان‬ ‫الشجر ولم تنفد كلمات ربي التي تحمل العلوم والمعارف اللهية وتدل عليها وتهدي إليها فسبحان‬ ‫ال وبحمده‪ ،‬سبحانه ال العظيم سبحان ال الذي انتهى إليه علم كل شيء وهو على كل شيء‬

‫قدير‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قل إنما أنا بشر ‪ 2‬مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد}‪ .‬يأمر تعالى رسوله‬ ‫بأن يقول للمشركين الذين يطلبون منه المعجزات كالتي أوتى موسى وعيسى‪ :‬إنما أنا بشر مثلكم‬ ‫ل أقدر على ما ل تقدرون عليه أنتم‪ ،‬والفرق بيننا هو أنه يوحى إلي المر من ربي وأنتم ل‬ ‫يوحى إليكم يوحى إليّ أنما إلهكم أي معبودكم الحق وربكم الصدق هو إله واحد ال ربكم ورب‬ ‫آبائكم الولين‪ .‬وقوله {فمن ‪ 3‬كان يرجو ‪ }4‬أي يأمل وينتظر {لقاء ربه} خوفا منه وطمعا فيه‬ ‫{فليعمل عملً صالحا} وهو مؤمن موقن‪{ ،‬ول يشرك بعبادة ‪ 5‬ربه أحدا} فإن الشرك محبط للعمل‬ ‫مبطل له‪ ،‬وبهذا يكون رجاءه صادقا وانتظاره صالحا صائبا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المداد في أوّل الية والمداد في آخرها بمعنى واحد واشتقاقها ل يختلف‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما علّم ال تعالى رسوله التواضع لئل يزهى على خلقه فأمره أن‬ ‫يقرّ على نفسه بأنّه آدميٌ كغيره إلّ أنه أكرم بالوحي‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي في سبب نزول هذه الية ما يلي‪ :‬أتى جندب بن زهير الغامدي رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال إني أعمل ل تعالى فإذا اطلع عليه سرّني فقال رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ :‬إن ال طيّب ل يقبل إلّ طيّبا ول يقبل ما ررئي فيه‪ .‬فنزلت هذه الية‪.‬‬ ‫‪ 4‬فسر {يرجو} بمعنى‪ :‬يأمل وبمعنى يخاف وكلهما مطلوب الخوف من ال ومن عذاب الخرة‬ ‫والمل في فضل ال وإحسانه وثوابه في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ 5‬فسّر سعيد بن جبير رحمه ال {ول يشرك} بأن ل يرائي‪ .‬وهو صحيح ولفظ الشرك أعم من‬ ‫الرياء‪.‬‬

‫( ‪)3/291‬‬ ‫هداية اليات‬‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أفضل الجنان وهو الفردوس العلى‪.‬‬ ‫‪ -3‬علم ال غير متناهي لن كلماته غير متناهية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير صفة الكلم ل تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير بشرية النبي صلى ال عليه وسلم وأنه ليس روحا ول نورا فحسب كما يقول الغلة‬ ‫الباطنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير التوحيد والتنديد بالشرك‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقرير أن الرياء شرك لما ورد أن الية نزلت في بيان حكم المرء يجاهد ‪ 1‬يريد وجه ال‬

‫ويرغب أن يرى مكانه بين الناس‪ ،‬يصلى ويصوم ويحب أن يثنى عليه بذلك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس وطاووس‪ :‬جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال إني أحب الجهاد‬ ‫في سبيل ال وأحب أن يُرى مكاني فنزلت هذه الية وجائز تعدد النزول من أجل أن يجاب السائل‬ ‫بنفس الية التي كانت جوابا لسؤال مماثل‪.‬‬

‫( ‪)3/292‬‬ ‫سورة مريم‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة مريم‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ثمان وتسعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫خفِيّا (‪ )3‬قَالَ َربّ إِنّي وَهَنَ‬ ‫حمَةِ رَ ّبكَ عَبْ َدهُ َزكَرِيّا (‪ِ )2‬إذْ نَادَى رَبّهُ نِدَاء َ‬ ‫كهيعص(‪ِ )1‬ذكْرُ رَ ْ‬ ‫خ ْفتُ ا ْل َموَاِليَ مِن وَرَائِي‬ ‫شقِيّا (‪ )4‬وَإِنّي ِ‬ ‫ظمُ مِنّي وَاشْ َت َعلَ الرّ ْأسُ شَيْبًا وَلَمْ َأكُن بِدُعَا ِئكَ َربّ َ‬ ‫ا ْلعَ ْ‬ ‫جعَلْهُ َربّ َرضِيّا‬ ‫ك وَلِيّا (‪ )5‬يَرِثُنِي وَيَ ِرثُ مِنْ آلِ َي ْعقُوبَ وَا ْ‬ ‫َوكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا َف َهبْ لِي مِن لّدُن َ‬ ‫سمِيّا (‪)7‬‬ ‫جعَل لّهُ مِن قَ ْبلُ َ‬ ‫سمُهُ َيحْيَى َلمْ َن ْ‬ ‫(‪ )6‬يَا َزكَرِيّا إِنّا نُبَشّ ُركَ ِبغُلمٍ ا ْ‬

‫( ‪)3/292‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫َكهَ َيعَص ‪ :1‬هذه من الحروف المقطعة تكتب كهيعص وتُقرأ كاف‪ ،‬هاء يا عين صاد‪ .‬ومذهب‬ ‫السلف أن يقال فيها‪ :‬ال أعلم بمراده بذلك‪.‬‬ ‫ذكر رحمة ربك ‪ :‬أي هذا ذكر رحمة ربك‪.‬‬ ‫نادى ربه‪ :‬أي قال‪ :‬يا رب ليسأله الولد‪.‬‬ ‫نداءً خفيا‪ :‬أي سر بعدا عن الرياء‪.‬‬ ‫وهن العظم مني ‪ :‬أي رق وضعف لكبر سني‪.‬‬ ‫واشتعل الرأس شيبا‪ :‬أي انتشر الشيب ثما شعر رأسي انتشار النار في الحطب‪.‬‬ ‫ولم أكن بدعائك رب شقيا‪ :‬أي إنك لم تخيبني فيما دعوتك فيه قبل‪ ،‬فل تخيبني اليوم فيما أدعوك‬ ‫فيه‪.‬‬

‫وإني خفت الموالي ‪ :‬أي خشيت بني عمي أن يضيعوا الدين بعد موتي‪.‬‬ ‫إمرأتي عاقرا‪ :‬ل تلد واسمها أشاع فهي أخت حنة أم مريم‪.‬‬ ‫فهب لي من لدنك وليا ‪ :‬أي ارزقي من عندك ولدا‪.‬‬ ‫ويرث من آل يعقوب‪ :‬أي جدي يعقوب العلم والنبوة‪.‬‬ ‫واجعله رب رضيا ‪ :‬أي مرضيا عندك‪.‬‬ ‫سميا‪ :‬أي مسمى يحيى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫أما قوله تعالى‪َ { :‬كهَيَعص ‪ } 2‬فإن هذا من الحروف المقطعة والراجح أنها من المتشابه الذي نؤمن‬ ‫به ونفوض فهم معناه لمنزله سبحانه وتعالى فنقول‪{ :‬كهيعص } أل أعلم بمراده به‪.‬‬ ‫وأما قوله تعالى‪{ :‬ذكر ‪ 3‬رحمة ربك عبده زكريا} فإن معناه‪ :‬مما تتلو ‪ 4‬عليك في هذا القرآن يا‬ ‫نبينا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال إن الكاف من كافٍ والهاء من هادٍ والياء من‬ ‫حكيم والعين من عليم والصاد من صادق‪ .‬وعن قتادة أنه اسم من أسماء القرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬هو اسم‬ ‫للسورة وقيل‪ :‬هي اسم ال العظم‪ ،‬وكان علي يقول‪ :‬يا كهيعص اغفر لي‪.‬‬ ‫‪ 2‬كهيعص‪ :‬هذه حروف هجاء مكتوبة بمسمياتها مقروءة بأسمائها‪.‬‬ ‫‪{ 3‬ذكر} خبر مبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هذا ذكر رحمة ربك وعبده‪ :‬منصوب بالمصدر الذي هو‬ ‫ذكر‪.‬‬ ‫‪ 4‬بناء على أن ذكر رحمة ربك‪ :‬خبر والمبتدأ محذوف فإنه يصح تقديره‪ .‬هذا ذكر وذكر رحمة‬ ‫ربك‪ ،‬وهذا الذي نتلوه عليك ذكر رحمة ربك‪.‬‬

‫( ‪)3/293‬‬ ‫فيكون دليلً على نبوتك ذكر رحمة ربك التي رحم بها عبده زكريا حيث كبرت سنه‪ ،‬وامرأته‬ ‫عاقر ل يولد لها ورغب في الولد لمصلحة الدعوة السلمية إذ ل يوجد من يخلفه فيها إذا مات‬ ‫نظرا إلى أن الموجود من بني عمه ومواليه ليس بينهم كفؤ لذلك بل هم دعاة إلى السوء فنادى ‪1‬‬ ‫ربه نداء خفيا قائلً‪{ :‬رب إني وهن العظم مني} أي رق وضعف‪{ ،‬واشتعل الرأس شيبا} أي شاب‬ ‫شعر رأسي لكبر سني‪{ ،‬ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي في يوم من اليام بمعنى أنك عودتني‬ ‫الستجابة لما أدعوك له ولم تحرمني استجابة دعائي فأشقى به دون الحصول على رغبتي‪.‬‬ ‫{وإني} يا ربي قد {خفت ‪ 2‬الموالي} أن يضيعوا هذه الدعوة دعوة الحق التي هي عبادتك بما‬ ‫شرعت وحدك ل شريك لك‪ ،‬وذلك بعد موتي {فهب لي من لدنك} أي من عندك تفضلً به علي إذ‬

‫السباب غير متوفرة للولد‪ :‬المرأة عاقر وأنا شيخ كبير هرم‪{ ،‬وليا} أي ولدا يلي أمر هذه الدعوة‬ ‫بعد وفاتي فيرثني فيها {ويرث ‪ 3‬من آل يعقوب} جدي ما تركوه بعدهم من دعوة أبيهم إبراهيم‬ ‫وهي الحنيفية عبادة ال وحده ل شريك له {واجعله رب رضيا} أي واجعل الولد الذي تهبني يا‬ ‫ربي {رضيا} أي عبدا صالحا ترضاه لحمل رسالة الدعوة إليك‪ ،‬فأجابه الرب تبارك وتعالى بما‬ ‫في قوله‪{ :‬يا زكريا ‪ 4‬إنا نبشرك بغلم اسمه يحيى ‪ ،5‬لم نجعل له من قبل سميا} أي من سمي‬ ‫باسمه يحيى قط‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم بإخباره بهذا الذي أخبر به عن زكريا عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحباب السرية في الدعاء لنه أقرب إلى الستجابة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬النداء هنا‪ :‬الدعاء والرغبة إلى ال تعالى‪ ،‬وفيه استحباب دعاء السرّ والمناجاة الخفية‪ ،‬وقد أسرّ‬ ‫مالك القنوت وجهر به الشافعي لن الرسول صلى ال عليه وسلم جهر به‪.‬‬ ‫‪ 2‬الموالي هنا‪ :‬القارب وبنوا العم والعصبة الذين يلونه في النسب لنّ العرب تسمّي بني العم‬ ‫موالي قال شاعرهم‪ :‬مهل بني عمّنا مهل موالينا ل تنبشوا بيننا ما كان مدفونا‬ ‫‪ 3‬المراد من الرث هو‪ :‬إرثه في دعوته لنّ مواليه كانوا مهملين للدّين والدعوة فخاف ضياع‬ ‫ذلك فسأل ربه ولدا يقوم بذلك‪ ،‬أمّا المال فإنّ النبياء ل يورثون وما يتركونه فهو صدقة‪.‬‬ ‫‪ 4‬في الكلم حذف تقديره‪ :‬فاستجاب ال دعاءه فقال‪ :‬يا زكريا‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 5‬تضمنت هذه البشرى ثلثة أمور‪ :‬أحدها‪ :‬إجابة دعائه وهي كرامة‪ .‬الثاني‪ :‬إعطاؤه الولد وهو‬ ‫قوّة له‪ ،‬والثالث‪ :‬إفراده بتسمية لم يسمّ بها أحد قبله‪ ،‬قيل في قوله‪{ :‬من قبل} إشارة إلى أنه‬ ‫سيخلف بعده من هو أشرف اسما وذاتا وحالً وهو محمد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫( ‪)3/294‬‬ ‫‪ -3‬وجود العقم في بعض النساء‪.‬‬ ‫‪ -4‬قدرة ال تعالى فوق السباب وإن شاء تعالى أوقف السباب وأعطى بدونها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير مبدأ أن النبياء ل يورثون فيما يخلفون من المال كالشاه والبعير ‪ 1‬وإنما يورثهم ال‬ ‫أولدهم في النبوة والعلم والحكمة‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ أَنّى َيكُونُ لِي غُل ٌم َوكَا َنتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا َوقَدْ بََل ْغتُ مِنَ ا ْلكِبَرِ عِتِيّا (‪ )8‬قَالَ كَذَِلكَ قَالَ‬ ‫جعَل لّي آ َيةً قَالَ آيَ ُتكَ أَل ُتكَلّمَ‬ ‫ل وَلَمْ َتكُ شَيْئًا (‪ )9‬قَالَ َربّ ا ْ‬ ‫ن َوقَدْ خََلقْ ُتكَ مِن قَ ْب ُ‬ ‫رَ ّبكَ ُهوَ عََليّ هَيّ ٌ‬ ‫سوِيّا (‪ )10‬فَخَرَجَ عَلَى َق ْومِهِ مِنَ ا ْل ِمحْرَابِ فََأوْحَى ِإلَ ْيهِمْ أَن سَبّحُوا ُبكْ َر ًة وَعَشِيّا (‬ ‫النّاسَ ثَلثَ لَيَالٍ َ‬

‫حكْمَ صَبِيّا (‪ )12‬وَحَنَانًا مّن لّدُنّا وَ َزكَا ًة َوكَانَ َتقِيّا (‪)13‬‬ ‫‪ )11‬يَا يَحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِب ُق ّوةٍ وَآتَيْنَاهُ الْ ُ‬ ‫عصِيّا (‪ )14‬وَسَلمٌ عَلَيْهِ َيوْمَ وُلِ َد وَ َيوْمَ َيمُوتُ وَ َيوْمَ يُ ْب َعثُ حَيّا (‪)15‬‬ ‫وَبَرّا ِبوَالِدَيْ ِه وََلمْ َيكُن جَبّارًا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫جهَةٍ يكون لي ولد‪.‬‬ ‫أنى يكون لي غلم؟ ‪ :‬أي ن أي وجهٍ وَ ِ‬ ‫عتيا ‪ :‬أي يبست مفاصي وعظامي‪.‬‬ ‫آية ‪ :‬أي علمة تدلني على حمل امرأتي‪.‬‬ ‫سويا ‪ :‬أي حال كونك سويّ الخَلّقِ ما بك عليه خرس‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬والدينار والدرهم‪.‬‬

‫( ‪)3/295‬‬ ‫من المحراب ‪ :1‬المصلى الذي يصلى فيه وهو المسجد‪.‬‬ ‫فأوحى إليهم‪ :‬أومأ إليهم وأشار عليهم‪.‬‬ ‫وآتيناه الحكم صبيا‪ :‬الحكم والحكمة بمعنى واحد وهما الفقه في الدين ومعرفة أسرار الشرع‪.‬‬ ‫وحنانا من لدنا ‪ :‬أي عطفا على الناس موهوبا له من عندنا‪.‬‬ ‫وزكاة ‪ :‬أي طهارة من الذنوب والثام‪.‬‬ ‫جبارا عصيا‪ :‬أي متعاليا ل يقبل الحق عصيا ل يطيع أمر ال عز وجل وأمر والديه‪.‬‬ ‫وسلم عليه ‪ :‬أي أمان له من الشيطان أن يمسه بسوء يوم يولد‪ ،‬وأمان له من فتاني القبر يوم‬ ‫يموت‪ ،‬وأمان له من الفزع الكبر يوم يبعث حيا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في ذكر رحمة ال عبده زكريا إنه لما بشره ربه تعالى بيحيى قال‪ :‬ما أخبر‬ ‫به تعالى عنه في قوله‪{ :‬قال رب أنى يكون لي غلم وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر‬ ‫عتيا ‪ }2‬أي من أي وجه وجهة يأتيني الولد أمن إمرأة غير امرأتي‪ ،‬أم منها ولكن تهبني قوة على‬ ‫مباضعتها ‪ 3‬وتجعل رحمها قادرة على العلوق ‪ ،4‬لني كما تعلم يا ربي قد بلغت من الكبر حدا‬ ‫بس فيه عظمي ومفاصلي وهو العتى كما أن امرأتي عاقر ل يولد لها‪ .‬فأجابه الرب تبارك وتعالى‬ ‫بما في قوله عز وجل‪{ :‬قال كذلك} أي المر كما قلت يا زكريا‪ ،‬ولكن {قال ربك هو على هين}‬ ‫أي إعطاؤك الولد على ما أنت عليه من الضعف والكبر وامرأتك من العقر سهل يسير ل صعوبة‬ ‫فيه ويدلك على ذلك أني {قد خلقتك من ‪ 5‬قبل ولم تك شيئا}‪ ،‬فكما قدر ربك على خلقك ولم تك‬ ‫شيئا فهو قادر على هبتك الولد على ضعفك وعقر امرأتك وهنا طالب زكريا ربه بأن يجعل له‬ ‫علمة تدله على وقت حمل امرأته بالولد فقال ما أخبر به تعالى في قوله‪{ :‬قال رب اجعل لي آية‬

‫قال آيتك أل تكلم الناس ثلث ليال سويا} فأعطاه تعالى علمة على وقت حمل امرأته بالولد وهي‬ ‫أنه يصبح يوم بداية الحمل ل يقدر على الكلم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المحراب‪ :‬مكان مرتفع‪ ،‬ومن هنا كره مالك أن يصلي المام في مكان أرفع من المكان الذي‬ ‫يصلي فيه الناس وراءه خشية الكبر عليه‪ ،‬والكبر من كبائر الذنوب ولم يكره أحمد رحمه ال‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع (عُتيا) بضم أوله كما‪ :‬بُكيّا وصليّا‪ ،‬وبكسرها قرأ حفص‪ ،‬والعتي‪ :‬هو قحول العظم‬ ‫ويبوسته‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬جماعها من إدخال البضع في البضع‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬علوق النطفة في الرحم‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬فخلق الولد كخلقك‪.‬‬

‫( ‪)3/296‬‬ ‫وهو سوي البدن ما به خرس ول مرض يمنعه من الكلم‪{ ،‬فخرج على قومه من المحراب} أي‬ ‫المصلى الذي يصلي فيه {فأوحى إليهم} أي أومأ وأشار ‪ 1‬إليهم {أن سبحوا ‪ 2‬بكرة وعشيا‪ }3‬أي‬ ‫اذكروا ال في هذين الوقتين بالصلة والتسبيح‪ .‬وهنا علم بحمل امرأته إذ إمتناعه عن الكلم مع‬ ‫سلمة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬يا يحيى خذ الكتاب بقوة} هذا قول ال‬ ‫تعالى للغلم بعد بلوغه ثلث سنين أمره ال تعالى أن يتعلم التوراة ويعمل بها بقوة جد وحزم‬ ‫وقوله {وآتيناه الحكم ‪ 4‬صبيا} أي وهبناه الفقه في الكتاب ومعرفة أسرار الشرع وهو صبي لم‬ ‫يبلغ سن الحتلم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وحنانا‪ 5‬من لدنا وزكاة وكان تقيا} أي ورحمة منا به ومحبة له‬ ‫آتيناه الحكم صبيا كما أنه عليه السلم كان ذا حنان على أبويه وغيرهما من المسلمين وقوله‬ ‫{وزكاة} أي طهارة من الذنوب باستعمال بدنه في طاعة ربه عز وجل {وكان تقيا} أي خائفا من‬ ‫ربه فل يعصه بترك فريضة ول يفعل حرام‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وبرا بوالديه} أي محسنا بهما مطيعا لهما ل يؤذيهما أدنى أذى وقوله {ولم يكن‬ ‫جبارا عصيا} أي لم يكن عليه السلم مستكبرا ول ظالما‪ ،‬ول متمردا عاصيا لربه ول لبويه‬ ‫وقوله‪{ :‬وسلم عليه يوم ‪ 6‬ولد} أي أمان له من الشيطان يوم ولد‪ ،‬وأمان له من فتانى القبر يوم‬ ‫يموت‪ ،‬وأمان له من الفزع الكبر يوم يبعث حيا‪ ،‬فسبحان ال ما أعظم فضله وأجزل عطاءه على‬ ‫أوليائه‪ ،‬اللهم أمنا كما أمنته فإنك ذو فضل عظيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬طلب معرفة السبب الذي يتأتى به الفعل غير قادح في صاحبه فسؤال زكريا عن الوجه الذي‬ ‫يأتي به الولد‪ ،‬كسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أو كتب إليهم كتابة‪.‬‬ ‫‪ 2‬إذ كان يأمرهم بالصلة بكرة وعشيا فلما حملت امرأته أمرهم بالصلة بالشارة لنه لم يقدر‬ ‫على الكلم إذ جعل ال تعالى عجزه عن الكلم علمة الحمل لمرأته‪.‬‬ ‫‪ 3‬بكرة وعشيا ظرفان في الصباح والمساء‪.‬‬ ‫‪ 4‬يروى أنه قال له الولد‪ :‬هيا بنا نلعب فقال لهم‪ :‬ما للعب خلقت‪ ،‬فهذا مما أوتيه من الحكم‬ ‫صبيا‪.‬‬ ‫‪ 5‬الحنان‪ :‬التعطف والترحم وأصله من حنين الناقة إلى فصيلها‪ ،‬ويقال‪ :‬حنانك وحنانيك وهما‬ ‫بمعنى واحد‪ .‬قال طرفة‪:‬‬ ‫أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا‬ ‫حنانيك بعض الشر أهو من بعض‬ ‫‪ 6‬وجائز أن يكون المراد بالسلم هنا‪ :‬التحية منه تعالى وهي أشرف من غيرها‪.‬‬

‫( ‪)3/297‬‬ ‫‪ -2‬جواز طلب العلمات الدالة على الشيء للمعرفة‪.‬‬ ‫‪ -3‬آية عجيبة أن يصبح زكريا ل يتكلم فيفهم غيره بالشارة فقط‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل التسبيح في الصباح والمساء‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب أخذ القرآن بجد وحزم قراءة وحفظا وعملً بما فيه‪.‬‬ ‫‪ -6‬صدق قول أهل العلم من حفظ القرآن في سن ما قبل البلوغ فقد أوتي الحكم صبيا‪.‬‬ ‫‪ -7‬وجوب البر بالوالدين ورحمتهما والحنان عليهما والتواضع لهما‪.‬‬ ‫وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ مَرْ َيمَ إِذِ انتَبَ َذتْ مِنْ أَهِْلهَا َمكَانًا شَ ْرقِيّا (‪ )16‬فَاتّخَ َذتْ مِن دُو ِنهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا‬ ‫حمَن مِنكَ إِن كُنتَ َتقِيّا (‪ )18‬قَالَ إِ ّنمَا‬ ‫سوِيّا (‪ )17‬قَاَلتْ إِنّي أَعُوذُ بِالرّ ْ‬ ‫إِلَ ْيهَا رُوحَنَا فَ َتمَ ّثلَ َلهَا بَشَرًا َ‬ ‫سسْنِي بَشَ ٌر وَلَمْ َأكُ‬ ‫أَنَا رَسُولُ رَ ّبكِ ل َهبَ َلكِ غُلمًا َزكِيّا (‪ )19‬قَاَلتْ أَنّى َيكُونُ لِي غُل ٌم وَلَمْ َيمْ َ‬ ‫حمَةً مّنّا َوكَانَ َأمْرًا ّم ْقضِيّا (‬ ‫س وَرَ ْ‬ ‫جعَلَهُ آيَةً لِلنّا ِ‬ ‫ن وَلِنَ ْ‬ ‫َبغِيّا (‪ )20‬قَالَ كَذَِلكِ قَالَ رَ ّبكِ ُهوَ عََليّ هَيّ ٌ‬ ‫‪)21‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واذكر في الكتاب ‪:‬أي القرآن مريم أي خبرها وقصتها‪.‬‬ ‫مريم ‪ :‬هي بنت عمران والدة عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫إذ انتبذت ‪ :‬أي حين اعتزلت أهلها باتخاذها مكانا خاصا تخلو فيه بنفسها‪.‬‬ ‫شرقيا ‪ :‬أي شرق الدار التي بها أهلها‪.‬‬ ‫حجابا ‪ :‬أي ساترا يسترها عن أهلها وذويها‪.‬‬ ‫روحنا ‪ :‬جبريل عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)3/298‬‬ ‫بشرا سويا‪ :‬أي تام الخلق حتى ل تفزع ول تروع منه‪.‬‬ ‫ل بإيمانك وتقواك ل فابتعد عنى ول تؤذني‪.‬‬ ‫إن كنت تقيا ‪ :‬أي عام ً‬ ‫غلما زكيا‪ :‬ولدا طاهرا لم يتلوث بذنب قط‪.‬‬ ‫ولم يمسسني بشر ‪ :‬أي لم أتزوج‪.‬‬ ‫ولم أك بغيّا‪ :‬أي زانية‪.‬‬ ‫قال كذلك ‪ :‬أي المر كذلك وهو خلق غلم منك من غير أب‪.‬‬ ‫هو على هين ‪ :‬ما هو إلّ أن ينفخ رسولنا في كم درعك حتى يكون الولد‪.‬‬ ‫ولنجعله آية للناس ‪ :‬أي على عظيم قدرتنا‪.‬‬ ‫ورحمة منا‪ :‬أي وليكون الولد رحمة بمن آمن به واتبع ما جاء به‪.‬‬ ‫أمرا مفضيا‪ :‬أي حكم ال به وفرغ منه فهو كائن حتما ل محالة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪.:‬‬ ‫هذه بداية قصة مريم عليها السلم إذ قال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم {واذكر في الكتاب}‬ ‫أي القرآن الكريم {مريم} أي نبأها وخبرها ليكون ذلك دليلً على نبوتك وصدقك في رسالتك‬ ‫وقوله {إذ انتبذت} أي اعتزلت {من أهلها} هذا بداية القصة وقوله {مكانا شرقيا} أي موضعا شرقي‬ ‫دار قومها وشرق المسجد‪ ،‬ولذا اتخذ النصارى المشرق قبلة لهم في صلتهم ول حجة لهم في‬ ‫ل البتداع وإلّ فقبلة كل مصلي ل الكعبة بيت ال الحرام قوله تعالى‪{ :‬فاتخذت من دونهم}‬ ‫ذلك إ ّ‬ ‫أي من دون أهلها {حجابا} ساترا لها عن أعينهم ‪ ،1‬ولما فعلت ذلك أرسل ال تعالى إليها جبريل‬ ‫في صورة بشر سوي الخلقة معتد لها‪ ،‬فدخل عليها فقالت ما قص ال تعالى في كتابه {إني أعوذ‬ ‫بالرحمن منك إن كنت تقيا} أي أحتمي بالرحمن الذي يرحم الضعيفات مثلي إن كنت مؤمنا تقيا‬ ‫فاذهب عني ول تروعني أو تمسني بسوء‪ .‬فقال لها جبريل عليه السلم ما أخبر تعالى به وهو‬ ‫{قال إنما أنا رسول ربك لهب ‪ 2‬لك غلما زكيا} أي طاهرا ل يتلوث بذنب قط‪ .‬فأجابت بما‬ ‫أخبر تعالى عنها في قوله‪{ :‬أنى يكون لي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬استترت عن أهلها لتغتسل من حيضتها وتمتشط‪ ،‬وذلك لكمال حيائها‪.‬‬

‫‪ 2‬قرأ ورش عن نافع‪( :‬ليهب) بالياء بغير همزة‪ ،‬وقرأ غيره‪( :‬لهب) بالهمزة فعلى قراءة نافع‬ ‫المعنى‪ :‬أرسلني ليهب لك‪ ،‬وعلى قراءة غيره أرسلني يقول لك أرسلت رسولي إليك لهب لك‪.‬‬

‫( ‪)3/299‬‬ ‫غلم} أي من أي وجه يأتيني الولد‪{ ،‬ولم يمسسني بشر} أي وأنا لم أتزوج‪{ ،‬ولم أك بغيا ‪ }1‬أي‬ ‫ولم أكزانية‪،‬فأجابها جبريل بما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬قال كذلك} أي المر كما قلت ولكن ربك‬ ‫قال‪{ :‬هو علي هين} أي خلقه بدون أب من نكاح أو سفاح‪ ،‬لنه هين علينا من جهة‪{ ،‬ولنجعله ‪2‬‬ ‫آية للناس} دالة على قدرتنا على خلق آدم بدون أب ول أم‪ ،‬والبعث الخر من جهة أخرى‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى {رحمة منا وكان أمرا مقضيا‪ }3‬أي ولنجعل الغلم المبشر به رحمة منا لكل من آمن به‬ ‫واتبع طريقته في اليمان والستقامة وكان هذا الخلق للغلم وهبته لك أمرا مقضيا أي حكم ال‬ ‫فيه وقضى به فهو كائن ل محالة ونفخ جبريل في جيب قميصها فسرت النفخة في جسمها فحملت‬ ‫به كما سيأتي بيانه في اليات التالية‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان شرف مريم وكرامتها على ربها‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة العفة والحياء‪.‬‬ ‫‪ -3‬كون الملئكة يتشكلون كما أذن ال تعالى لهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية التعوذ بال من كل ما يخاف من إنسان أو جان‪.‬‬ ‫ه – التقوى ‪ 4‬مانعة من فعل الذى بالناس أو إدخال الضرر عليهم‪.‬‬ ‫‪ -6‬خلق عيسى آية مبصرة تتجلى فيها قدرة ال تعالى على الخلق بدأ وإعادة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لم تقل بغيّة لنه وصف يغلب على النساء فقلما تقول العرب رجل بغي فجرى بغيا مجرى‬ ‫حائض وعاقر‪ ،‬وقيل هو فعيل بمعنى فاعل والوّل أولى‪.‬‬ ‫‪{ 2‬ولنجعله} متعلق بمحذوف تقديره‪ :‬ونخلقه لنجعله‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬مقدرا في اللوح المحفوظ كتاب المقادير العام‪.‬‬ ‫‪ 4‬بخلف الفجور فإنه مصدر كل ضرّ وشرّ‪.‬‬

‫( ‪)3/300‬‬

‫حمَلَتْهُ فَانتَبَ َذتْ بِهِ َمكَانًا َقصِيّا (‪ )22‬فَأَجَاءهَا ا ْلمَخَاضُ ِإلَى جِ ْذعِ النّخْلَةِ قَاَلتْ يَا لَيْتَنِي ِمتّ قَ ْبلَ هَذَا‬ ‫فَ َ‬ ‫ج َعلَ رَ ّبكِ تَحْ َتكِ سَرِيّا (‪ )24‬وَهُزّي إِلَ ْيكِ‬ ‫َوكُنتُ نَسْيًا مّنسِيّا (‪ )23‬فَنَادَاهَا مِن تَحْ ِتهَا أَل تَحْزَنِي َقدْ َ‬ ‫حدًا‬ ‫ج ْذعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَ ْيكِ رُطَبًا جَنِيّا (‪َ )25‬فكُلِي وَاشْرَبِي َوقَرّي عَيْنًا فَِإمّا تَرَيِنّ مِنَ الْ َبشَرِ أَ َ‬ ‫بِ ِ‬ ‫ص ْومًا فَلَنْ ُأكَلّمَ الْ َيوْمَ إِنسِيّا (‪)26‬‬ ‫ن َ‬ ‫حمَ ِ‬ ‫َفقُولِي إِنّي َنذَ ْرتُ لِلرّ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فانتبذت به ‪ :‬فاعتزلت به‪.‬‬ ‫مكانا قصيا‪ :‬أي بعيدا من أهلها‪.‬‬ ‫فأجاءها المخاض‪ :‬أي ألجأها الطلق واضطرها وجع الولدة‪.‬‬ ‫إلى جذع النخلة‪ :‬لتعتمد عليها وهي تعاني من آلم الولدة‪.‬‬ ‫نسيا منسيا‪ :‬أي شيئا متروكا ل يعرف ول يذكر‪.‬‬ ‫فناداها من تحتها‪ :‬أي عيسى عليه السلم بعدما وضعته‪.‬‬ ‫تحتك سريا‪ :‬أي نهرا يقال له سري‪.‬‬ ‫رطبا جنيا ‪ :‬الرطب الجني‪ :‬ما طاب وصلح للجتناء‪.‬‬ ‫فكلي وأشربي‪ :‬أي كل من الرطب واشربي من السري‪.‬‬ ‫وقري عينا ‪ :‬أي وطيبي نفسا وافرحي بولدتك إياي ول تحزني‪.‬‬ ‫نذرت للرحمن صوما‪ :‬أي إمساكا عن الكلم وصمتا‪.‬‬

‫( ‪)3/301‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في قصة مريم إنه بعد أن بشرها جبريل بالولد وقال لها وكان أمرا مقضيا‬ ‫ونفخ في كم درْعها أو جيب قميصها فحملته ‪ 1‬فورا {وانتبذت به مكانا قصيا} أي فاعتزلت به في‬ ‫مكان بعيد ‪{ 2‬فأجاءها المخاض ‪ }3‬أي ألجأها وجع النفاس {إلى جذع النخلة} لتعتمد عليه وهي‬ ‫تعاني من آلم الطلق وأوجاعه‪ ،‬ولما وضعته قالت متأسفة متحسرة ما أخبر تعالى به‪{ :‬قالت يا‬ ‫ليتني ‪ 4‬مت قبل هذا} أي الوقت الذي‪ .‬أصبحت فيه أم ولد‪{ ،‬وكنت نسيا منسيا‪ }5‬أي شيئا متروكا‬ ‫ل يذكر ول يعرف وهنا {فنادها} عيسى ‪ 6‬عليه السلم {من تحتها ألّ تحزني} يحملها على الصبر‬ ‫والعزاء وقوله تعالى‪{ :‬قد جعل ربك تحتك سريا} أي نهر ماء يقال له سري‪{ ،‬وهزىء إليك بجذع‬ ‫النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي} أي كلي من الرطب واشربي من ماء النهر‪{ ،‬وقري‬ ‫عينا} أي طيبي نفسا وافرحي بولدك‪{ ،‬فإما ترين من البشر أحدا} أي فسألك عن حالك أو عن‬ ‫ولدك فل تكلميه واكتفي بقولك {إني نذرت للرحمن صوما} أي صمتا {فلن أكلم اليوم إنسيا} هذا‬ ‫كله من قول عيسى لها أنطقه ال كرامة لها ليذهب عنها حزنها وألمها النفسي من جراء الولدة‬

‫وهي بكر لم تتزوج‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬ما هو إلّ أن حملت فوضعت في الحال‪ .‬قال القرطبي‪ :‬هذا‬ ‫هو الظاهر لنّ ال تعالى ذكر النتباذ عقب الحمل‪{ :‬فحملته فانتبذت به} والفاء للترتيب والتعقيب‪.‬‬ ‫‪ 2‬انتحت بالحمل إلى مكان بعيد قال ابن عباس‪ :‬إلى أقصى الوادي وادي بيت لحم بينه وبين‬ ‫إيلياء أربعة أميال وإنما بعدت فرارا من تعيير قومها بالولدة من غير أب‪.‬‬ ‫‪ 3‬يقال‪ :‬جاء به وأجاءه إلى موضع كذا‪ :‬اضطره وألجأه‪.‬‬ ‫‪ 4‬تمني الموت ل يجوز لحديث‪" :‬لّ يتمنّين أحدكم الموت لضرّ نزل به" الحديث وتمنّته مريم‬ ‫عليها السلم ل لصالح نفسها ولكن ل تعالى‪ ،‬وذلك أنها خافت أن يظنّ بها الشرّ في دينها و ُتعَيّر‬ ‫فتفتن بذلك‪ ،‬وهذا ل‪ ،‬وثانيا خافت أن يقع بعض الناس في البهتان والنسبة إلى الزنى فيهلكون‪.‬‬ ‫وهذا أيضا ل ل لها‪.‬‬ ‫‪ 5‬النسي‪ :‬الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ول يُتألم لفقده كالوتد والحبل ونحوهما‪ ،‬ويجمع‬ ‫النسي على أنساء قال الكميت رضي ال عنه‪:‬‬ ‫أتجعلنا جسرا لكب قضاعة‬ ‫ولست بنسي في معدّ ول دخل‬ ‫والنسي أيضا‪ :‬خرق الحيض التي ترمى بدمها من الحيض‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع (مِن) بكسر الميم حرف جر‪ ،‬وقرأ حفص مَن بفتحها‪ ،‬اسم موصول والمراد‬ ‫بالموصول عيسى عليه السلم ناداها قبل أن ترضعه من تحتها تعجيل للمسرة والبشرى لها به‬ ‫فأنْ في أل تحزني تفسيرية لنّ النداء قول‪.‬‬

‫( ‪)3/302‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬من مظاهر قدرة ال تعالى حملها ووضعها في خلل ساعة من نهار‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات كرامات ال لوليائه إذ أكرم ال تعالى مريم بنطق عيسى ساعة وضعه فأرشدها‬ ‫وبشرها وأذهب عنها اللم والحزن‪ ،‬وأثمر لها النخلة فأرطبت وأجرى لها النهر بعد يبسه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير نظام السباب التي في مكنة النسان القيام بها فإن ال تعالى قد أثمر لمريم النخلة إذ‬ ‫هذا ل يمكنها القيام به ثم أمرها أن تحرك النخلة من جذعها ليتساقط عليها الرطب ‪ 1‬الجني إذ هذا‬ ‫في استطاعتها‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية النذر إلّ أنه بالمتناع ‪ 2‬عن الكلم منسوخ في السلم‪.‬‬

‫ختَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ‬ ‫حمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْ َيمُ َلقَدْ جِ ْئتِ شَيْئًا فَرِيّا (‪ )27‬يَا ُأ ْ‬ ‫فَأَ َتتْ ِبهِ َق ْو َمهَا َت ْ‬ ‫سوْ ٍء َومَا كَا َنتْ ُأ ّمكِ َبغِيّا (‪ )28‬فََأشَا َرتْ ِإلَيْهِ قَالُوا كَ ْيفَ ُنكَلّمُ مَن كَانَ فِي ا ْل َمهْ ِد صَبِيّا (‪ )29‬قَالَ‬ ‫َ‬ ‫جعَلَنِي مُبَا َركًا أَيْنَ مَا كُنتُ وََأ ْوصَانِي بِالصّلةِ‬ ‫جعَلَنِي نَبِيّا (‪ )30‬وَ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫إِنّي عَبْدُ اللّهِ آتَا ِنيَ ا ْلكِتَا َ‬ ‫شقِيّا (‪ )32‬وَالسّلمُ عََليّ َيوْ َم وُلِدتّ‬ ‫جعَلْنِي جَبّارًا َ‬ ‫وَال ّزكَاةِ مَا ُد ْمتُ حَيّا (‪ )31‬وَبَرّا ِبوَالِدَتِي وَلَمْ يَ ْ‬ ‫ت وَ َيوْمَ أُ ْب َعثُ حَيّا (‪)33‬‬ ‫وَ َيوْمَ َأمُو ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قالت العلماء‪ :‬أكل الرطب للنفساء من أنفع الغذية لها نظرا إلى أنّ ال تعالى اختاره لمريم‬ ‫عليها السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قولها { إني نذرت للرحمن صوما} فسر الصوم بالصمت كما في التفسير وأولى من هذا أن‬ ‫يكون صوم النذر في دينهم مستلزما للصمت وعدم الكلم‪ ،‬والسياق دلّ عليه ظاهر فيه‪ ،‬وما زال‬ ‫النصارى يعتبرون الصمت عبادة فيصمتون دقائق على أرواح موتاهم ونسخ السلم هذا كما في‬ ‫الصحيح حيث أمر من نذر أن ل يتكلم أن يتكلم‪ ،‬ومن سنن الهدى في السلم المتناع عن الكلم‬ ‫القبيح في الصيام لحديث الصحيح ‪" :‬إذا كان صومٍ أحدكم فل يرفث ول يجهل فإن امرئ قاتله أو‬ ‫شاتمه فليقل إني صائم" وهو كقول مريم‪{ :‬فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلّم اليوم إنسيا}‪.‬‬

‫( ‪)3/303‬‬ ‫شرح الكلمات‪.:‬‬ ‫قأتت به ‪ :‬أي بولدها عيسى عليه وعليها السلم‪.‬‬ ‫جئت شيئا فريا‪ : 1‬أي عظيما حيث أتيت بولد من غير أب‪.‬‬ ‫يا أخت هارون‪ :‬أي يا أخت الرجل الصالح هارون‪.‬‬ ‫امرأ سوء ‪ :‬أي رجلً يأتي الفواحش‪.‬‬ ‫فأشارت إليه‪ :‬أي إلى عيسى وهو في المهد‪.‬‬ ‫آتاني الكتاب‪ :‬أي النجيل باعتبار ما يكون مستقبلً‪.‬‬ ‫ي ومعي ينتفع الناس بي‪.‬‬ ‫مباركا أينما كنت‪ :‬أي حيثما وجدت كانت البركة ف ّ‬ ‫وبرا بوالدتي‪ :‬أي محسنا بها مطيعا لها ل ينالها مني أدنى أذى‪.‬‬ ‫جبارا شقيا ‪ :‬ظالما متعاليا ول عاصيا لربي خارجا عن طاعته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في قصة مريم مع قومها‪ :‬إنها بعد أن تماثلت للشفاء حملت ولدها وأتت به‬ ‫قومها وَما ان رأوهما حتى قال قائلهم‪{ :‬يا مريم لقد جئت شيئا فريا} أي أمرا عظيما وهو إتيانك‬ ‫بولد من غير أب‪{ .‬يا أخت هارون ‪ }2‬نسبوها إلى عبد صالح يسمى هارون‪{ :‬ما كان أبوك}‬

‫عمران {امرأ سوء} يأتي الفواحش {وما كانت أمك} "حنة" {بغيا} أي زانية فكيف حصل لك هذا‬ ‫وأنت بنت البيت الطاهر والسرة الشريفة‪ .‬وهنا أشارت إلى عيسى الرضيع في قماطته أي قالت‬ ‫لهم سلوه يخبركم الخبر وينبئكم بالحق‪ ،‬لنها علمت أنه يتكلم لما سبق أن ناداها ساعة وضعه من‬ ‫تحتها وقال لها ما ذكر تعالى في اليات السابقة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬فريّا)‪ :‬أي‪ :‬مختلقا مفتعلً من الفتراء الذي هو الكذب يقال‪ :‬فرى وأفرى‪ :‬كذب ومن كراماتها‬ ‫أن امرأة مدّت لها يدها لتضرّبها أصيبت بالشلل الفوري فحملت كذلك وقالت لها‪ :‬أخرى ما أراك‬ ‫إلّ زنيت فأخرسها ال فورا فصارت ل تتكلم ومن ثم ألنوا لها الكلم واحترموها‪.‬‬ ‫‪ 2‬من الجائز أن يكون لمريم أخ صالح من أبيها أو من أبويها نسبوها إليه ومن الجائز أن تنسب‬ ‫إلى هارون الرسول عليه السلم كقول العرب يا أخا تميم ويا أخا العرب‪ ،‬وما في التفسير إجمال‬ ‫يشمل الكلّ فتأمّل‪ ،‬وفي الية دليل على جواز التسمية بالنبياء والصالحين‪ ،‬ول خلف في ذلك‪.‬‬

‫( ‪)3/304‬‬ ‫فردوا عليها مستخفين بها منكرين عليها متعجبين منها‪{ :‬كيف نكلم من كان ‪ 1‬في المهد صبيا؟}‬ ‫فأنطق ال عيسى الرضيع فأجابهم بما أخبر تعالى عنه في قوله‪{ :‬قال إني عبد ‪ 2‬ال آتاني الكتاب‬ ‫وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا وبرا‪ 3‬بوالدتي ولم‬ ‫يجعلني جبارا شقيا} ‪ 4‬فأجابهم بكل ما كتب ال وأنطقه به‪ ،‬وكان عيسى كما أخبر عن نفسه لم‬ ‫ينقص من ذلك شيئا كان عبدا ل وأنزل عليه النجيل ونبأه وأرسله إلى بني إسرائيل وكان مباركا‬ ‫يشفي المرضى ويحيي الموتى بإذن ال تنال البركة من صحبته وخدمته واليمان به وبمحبته‬ ‫وكان مقيما للصلة مؤديا للزكاة طوال حياته وما كان ظالما ول متكبرا عاتيا ول جبارا عصيا‪.‬‬ ‫فعليه كما أخبر السلم أي المان التام يوم ولد فلم يقربه شيطان ويوم يموت فل يفتن في قبره‬ ‫ويوم يبعث حيا فل يحزنه الفزع الكبر‪ ،‬ويكون من المنين السعداء في دار السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم وعبودية عيسى ونبوته عليهما السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬آية نطق عيسى في المهد وإخباره بما أوله ال من الكمالت‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب بر الوالدين بالحسان بهما وطاعتهما والمعروف وكف الذى عنهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالتعالى والكبر والظلم والشقاوة التي هي التمرد والعصيان‪.‬‬ ‫حقّ الّذِي فِيهِ َيمْتَرُونَ (‪ )34‬مَا كَانَ لِلّهِ أَن يَتّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَا َنهُ إِذَا‬ ‫ذَِلكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ َق ْولَ الْ َ‬ ‫َقضَى َأمْرًا فَإِ ّنمَا َيقُولُ َلهُ كُن فَ َيكُونُ (‪ )35‬وَإِنّ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬كان‪ :‬هنا زائدة للتوكيد‪ ،‬ومن‪ :‬مبتدأ والخبر في المهد وصبيا‪ :‬حالي من الموصول‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬لما سمع كلمهم ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه وقال مشيرا بسبابته اليمنى‪{ :‬إني عبد‬ ‫ال} فكان أول ما نطق به العتراف بعبوديته ل تعالى‪ ،‬وفي هذا ردّ على الذين ألّهوه وعبدوه من‬ ‫دون ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 3‬البر‪ :‬بمعنى البار وخص بهذه الصفة لن قومهم قل فيهم البرور بالوالدين وكثر فيهم العقوق‬ ‫نظرا إلى فشو الباطل فيهم ورقة حبل الدين بينهم‪ ،‬والجبّار‪ :‬المتكبر على الناس الغليظ في‬ ‫معاملتهم‪ ،‬والشقي ضدّ السعيد‪.‬‬ ‫‪ 4‬لما قال ما قال في المهد‪ :‬إني عبد ال‪ ..‬إلى قوله‪{ :‬ويوم أبعث حيّا} لم يتكلم حتى بلغ سن‬ ‫التكلم‪.‬‬

‫( ‪)3/305‬‬ ‫شهَدِ َيوْمٍ‬ ‫فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مّسْ َتقِيمٌ (‪ )36‬فَاخْتََلفَ الحْزَابُ مِن بَيْ ِنهِمْ َفوَ ْيلٌ لّلّذِينَ َكفَرُوا مِن مّ ْ‬ ‫سمِعْ ِب ِه ْم وَأَ ْبصِرْ َيوْمَ يَأْتُونَنَا َلكِنِ الظّاِلمُونَ الْ َيوْمَ فِي ضَللٍ مّبِينٍ (‪ )38‬وَأَنذِرْ ُهمْ َيوْمَ‬ ‫عَظِيمٍ (‪ )37‬أَ ْ‬ ‫غفْلَ ٍة وَهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )39‬إِنّا نَحْنُ نَ ِرثُ ال ْرضَ َومَنْ عَلَ ْيهَا‬ ‫ي المْرُ وَهُمْ فِي َ‬ ‫ضَ‬ ‫حسْ َرةِ إِذْ ُق ِ‬ ‫الْ َ‬ ‫جعُونَ (‪)40‬‬ ‫وَإِلَيْنَا يُرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ذلك عيسى ابن مريم ‪ :‬أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو عيسى بن مريم‪.‬‬ ‫قول الحق‪ :‬أي وهو قول الحق الذي أخبر تعالى به‪.‬‬ ‫يمترون‪ :‬يشكون‪.‬‬ ‫ما كان لِله أن يتخذ من ولد‪ :‬أي ليس من شأن ال أن يتخذ ولدا وهو الذي يقول للشيء كن‬ ‫فيكون‪.‬‬ ‫سبحانه‪ :‬أي تنزيها له عن الولد والشريك والشبيه والنظير‪.‬‬ ‫صراط مستقيم ‪ :‬أي طريق مستقيم ل يضل سالكه‪.‬‬ ‫فاختلف الحزاب‪ :‬أي في شأن عيسى فقال اليهود هو ساحر وابن زنا‪ ،‬وقال النصارى هو ال‬ ‫وابن ال تعالى ال عما يصفون‪.‬‬ ‫من مشهد يوم عظيم ‪ :‬هو يوم القيامة‪.‬‬ ‫أسمع بهم وأبصر‪ :‬أي ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة عند معاينة العذاب‪.‬‬ ‫وأنذرهم يوم الحسرة‪ :‬أي خوفهم بما يقع في يوم القيامة من الحسرة والندامة وذلك عندما‬

‫يشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها وهم ورثوا منازل أهل الجنة في النار فتعظم الحسرة‬ ‫ويشتد الندم‪.‬‬

‫( ‪)3/306‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن قص ال تعالى قصة مريم من ساعة أن اتخذت من دون أهلها حجابا معتزلة أهلها منقطعة‬ ‫إلى ربها إلى أن أشارت إلى عيسى وهو في مهده فتكلم فقال‪ :‬إني عبد ال‪ ،‬فبين تعالى أن جبريل‬ ‫بشرها‪ ،‬وأنه نفخ في كم درعها فحملت بعيسى وأنه ولد في ساعة من حمله وأنها وضعته تحت‬ ‫جذع النخلة وأنه ناداها من تحتها‪ :‬أن ل تحزني‪ ،‬وأرشدها إلى القول الذي تقول لقومها إذا سألوها‬ ‫عن ولدتها المولود بدون أب‪ ،‬وهو أن تشير إليه تطلب منهم أن يسألوه وسألوه فعل فأجاب بأنه‬ ‫عبد ال وأنه آتاه الكتاب وجعله نبيا ومباركا وأوصاه بالصلة والزكاة ما دام حيا وأنه بر بوالدته‪،‬‬ ‫ولم يكن جبارا شقيا فأشار تعالى إلى هذا بقوله في هذه الية (‪{ )34‬ذلك} أي هذا الذي بينت لكم‬ ‫صفته وأخبرتكم خبره هو {عيسى ابن مريم}‪ ،‬وما أخبرتكم به هو {قول ‪ 1‬الحق الذي فيه يمترون}‬ ‫أي يشكون إذ قال اليهود في عيسى أنه ابن زنا وانه ساحر وقال النصارى هو ال وابن ال وثالث‬ ‫ثلثة حسب فرقهم وطوائفهم المتعددة وقوله تعالى‪{ :‬ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه} ينفي‬ ‫تعالى عنه اتخاذ الولد وكيف يصح ذلك له أو ينبغي وهو الغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما‬ ‫عداه‪ ،‬وأنه يقول للشيء كن فيكون فعيسى عليه السلم كان بكلمه ال تعالى له كن فكان وهو‬ ‫معنى قوله تعالى {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ‪ .}2‬وقد نزه تعالى نفسه عن الولد‬ ‫والشريك والشبيه والنظير‪ ،‬والفتقار والحاجة إلى مخلوقاته بقوله‪ :‬سبحانه أي تنزيها له عن‬ ‫صفات المحدثين وقوله تعالى‪{ :‬وأن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ‪ }3‬هذا من قول ‪4‬‬ ‫عيسى عليه السلم لبني إسرائيل أخبرهم أنه عبد ال وليس بابن ل ول بإله مع ال وأخبرهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور برفع قول وقرأ عاصم بنصبها‪ ،‬فأما الرفع فهو خبر ثانٍ عن اسم الشارة أو‬ ‫وصف لعيسىأ و بدل منه‪ ،‬وأمّا النصب فعلى الحال من اسم الشارة‪.‬‬ ‫‪ 2‬في هذا ردّ على النصارى القائلين بأن المكوّن بأمر التكوين من غير سبب معتاد ل يكون إلّ‬ ‫ابن ال تعالى فبيّنت الية أن أصول الموجودات كلها كانت بأمر التكوين فهل يقال فيها أبناء ال؟!‬ ‫والجواب قطعا ل‪ ،‬وعليه فقد بطل قولهم‪ :‬عيسى ابن ال لنّه كان بكلمة التكوين‪.‬‬ ‫‪ 3‬جملة‪{ :‬هذا صراط مستقيم} تذييل وفذلكة لما سبق من الكلم وإشارة إلى مضمون ما تقدّم على‬ ‫اختلف وجوهه‪ ،‬في تقرير الحق وإبطال الباطل‪.‬‬

‫‪ 4‬نعم الظاهر أنه من قول عيسى عليه السلم‪ ،‬والجمل قبله من قوله تعالى‪{ :‬ذلك عيسى بن‬ ‫مريم} اعتراض بين قول عيسى الوّل‪ { :‬إني عبد ال} وبين قوله {وإن ال ربّي وربكم}‪.‬‬

‫( ‪)3/307‬‬ ‫أن ال تعالى هو ربه وربهم فليعبدوه جميعا بما شرع لهم ول يعبدون معه غيره إذ ل إله لهم إلّ‬ ‫هو سبحانه وتعالى‪ ،‬وأعلمهم أن هذا العتقاد الحق والعبادة بما شرع ال هو الطريق المفضي‬ ‫بسالكه إلى السعادة ومن تنكب عنه وسلك طريق الشرك والضلل أفضى به إلى الخسران وقوله‬ ‫تعالى في الية (‪{ )37‬فاختلف الحزاب من بينهم ‪ }1‬أي في شأن عيسى فمن قائل هو ال‪ ،‬ومن‬ ‫قائل هو ابن ال ومن قائل هو وأمه الهين من دون ال والقائلون بهذه المقالت كفروا بها فتوعدهم‬ ‫ال تعالى بالعذاب الليم فقال {فويل للذين كفروا} بنسبَتِهم الولد والشريك ل‪ ،‬والويل واد في جهنم‬ ‫فهم إذا داخلوها ل محالة‪ ،‬وقوله {من مشهد يوم عظيم} يعني به يوم القيامة وهو يوم ذو أهوال‬ ‫وشدائد ل يقادر قدرها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )38‬أسمع ‪ 2‬بهم وأبصر يوم يأتوننا} يخبر تعالى أن هؤلء المتعامين‬ ‫اليوم عن الحق ل يريدون أن يبصروا آثاره الدالة عليه فيؤمنوا ويوحدوا ويعبدوا‪ ،‬والمتصاممين‬ ‫عن سماع الحجج والبراهين وتوحيد ال وتنزيهه عن الشريك والولد هؤلء يوم يقدمون عليه‬ ‫تعالى في عرصات القيامة يصبحون أقوى ما يكون أبصارا وسمعا‪ ،‬ولكن حين ل ينفعهم سمع ول‬ ‫بصر‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين} يخبر تعالى أن أهل الشرك والكفر‬ ‫وهم الظالمون في ضلل مبين أي عن طريق الهدى وهو سبب عدم إبصارهم للحق وسماعهم‬ ‫لحججه التي جاءت بها رسل ال ونزلت بها كتبه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في آية (‪{ )39‬وأنذرهم يوم الحسرة ‪ 3‬إذ قضي المر وهم في غفلة وهم ل يؤمنون}‬ ‫يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بأن ينذر الكفار والمشركين أي يخوفهم عاقبة‬ ‫شركهم وكفرهم وضللهم يوم القيامة حيث تشتد فيه الحسرة وتعظم الندامة وذلك عندما يتوارث‬ ‫الموحدون مع المشركين فالموحدون يرثون منازل المشركين في الجنة‪ ،‬والمشركون يرثون منازل‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬من)‪ :‬زائدة واختلف الحزاب‪ ،‬وجهه‪ :‬أن اليهود قادحون والنصارى مادحون‪ ،‬فاليهود قالوا‪:‬‬ ‫ساحر وابن زنية‪ ،‬والنصارى فرقة‪ :‬قالت هو ال وأخرى قالت‪ :‬ابن ال‪ ،‬وثالثة قالت‪ :‬ثالث ثلثة‪،‬‬ ‫وهذه الفرق هي الملكانية‪ ،‬واليعقوبية‪ ،‬والنسطورية ثم تشعبت وأشهرها الن‪ :‬الملكائية أي‬ ‫الكاثوليك واليعقويية‪ :‬أي أرثذوكس والعتراضية أي‪ :‬البروتستانت‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا الكلم ظاهر أنه أمر لحمل السامع على التعجب من حال المذكورين‪ ،‬ومعناه الخبر أي‪ :‬ل‬ ‫أحد أسمع منهم ول أبصر يوم يقفون في عرصات القيامة‪ ،‬ويشاهدون النار ويسمعون زفيرها‪.‬‬

‫‪ 3‬روي في مسند أحمد وفي الصحيحين أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إذا دخل أهل الجنة‬ ‫الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت‪ ،‬كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال‪ :‬يا أهل الجنة‬ ‫هل تعرفون هذا؟ قال فيشرئبون وينظرونه ويقولون‪ :‬نعم هذا الموت‪ .‬قال‪ :‬فيقال‪ :‬يا أهل النار هل‬ ‫تعرفون هذا؟ قال‪ :‬فيشرئبون وينظرون ويقولون‪ :‬نعم هذا الموت‪ .‬قال‪ :‬فيؤمر به فيذبح‪ .‬قال‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬يا أهل الجنة خلود بل موت‪ ،‬ويا أهل النار خلود بل موت‪ ،‬ثمّ قرأ رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ {:‬وأنذرهم يوم الحسرة ‪ }..‬الية ‪.‬‬

‫( ‪)3/308‬‬ ‫الموحدين في النار‪ ،‬وعندما يؤتى بالموت في صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار‪ ،‬وينادي منادٍ يا‬ ‫أهل الجنة خلود فل موت؟ ويا أهل النار خلود فل موت عندها تشتد الحسرة ويعظم الندم هذا‬ ‫معنى قوله تعالى {أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي المر وهم في غفلة} عما حكم عليهم به من‬ ‫الخلود في نار جهنم {وهم ل يؤمنون} بالبعث ول بما يتم فيه من نعيم مقيم وعذاب أليم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬إنا نحن ‪ 1‬نرث الرض ومن عليها‪ ،‬وإلينا يرجعون} يخبر تعالى عن نفسه بأنه الوارث‬ ‫للرض ومن عليها ومعنى هذا أنه حكم بفناء‪ ،‬هذه المخلوقات وأن يوما سيأتي يفنى فيه كل من‬ ‫عليها‪ ،‬والجميع سيرجعون إليه ويقفون بين يديه ويحاسبهم بما كتبت أيديهم ويجزيهم به‪ ،‬ولذا فل‬ ‫تحزن أيها الرسول وامض في دعوتك تبلغ عن ربك ول يضرك تكذيب المكذبين ول شرك‬ ‫المشركين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫هن هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن عيسى عبد ال ورسوله‪ ،‬وليس كما قال اليهود‪ ،‬ول كما قالت النصارى‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحالة اتخاذ ال الولد وهو الذي يقول للشيء كن فيكون‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد على لسان عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬الخبار بما عليه النصارى من خلف في شأن عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان سبب الحسرة يوم القيامة وهو الكفر بال والشرك به‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير فناء الدنيا‪ ،‬ورجوع الناس إلى ربهم بعد بعثهم وهو تقرير لعقيدة البعث والجزاء التي‬ ‫تعالجها السور المكية في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫سمَ ُع وَل‬ ‫ل لبِيهِ يَا أَ َبتِ ِلمَ َتعْبُدُ مَا ل َي ْ‬ ‫ن صِدّيقًا نّبِيّا (‪ )41‬إِذْ قَا َ‬ ‫وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ إبراهيم إِنّهُ كَا َ‬ ‫يُ ْبصِرُ وَل ُيغْنِي عَنكَ شَيْئًا (‪ )42‬يَا أَ َبتِ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هذه الجملة ذيّل بها الكلم السابق فتمت به القصة وضمير(نحن) للتأكيد والرض‪ :‬المراد بها ما‬ ‫فيها من غير العقلء (ومن عليها) المراد بهم العقلء وهم البشر‪.‬‬

‫( ‪)3/309‬‬ ‫سوِيّا (‪ )43‬يَا أَ َبتِ ل َتعْبُدِ الشّيْطَانَ إِنّ‬ ‫ك صِرَاطًا َ‬ ‫إِنّي قَدْ جَاءنِي مِنَ ا ْلعِلْمِ مَا َلمْ يَأْ ِتكَ فَاتّ ِبعْنِي أَهْ ِد َ‬ ‫حمَن فَ َتكُونَ لِلشّ ْيطَانِ‬ ‫سكَ عَذَابٌ مّنَ الرّ ْ‬ ‫عصِيّا (‪ )44‬يَا أَ َبتِ إِنّي َأخَافُ أَن َيمَ ّ‬ ‫حمَنِ َ‬ ‫الشّ ْيطَانَ كَانَ لِلرّ ْ‬ ‫وَلِيّا (‪)45‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اذكر في الكتاب‪ :‬أي في القرآن‪.‬‬ ‫إنه كان صديقا‪ :‬أي كثير الصدق بالغ الحد العلى فيه‪.‬‬ ‫يا أبت‪ :‬يا أبي وهو آزر‪.‬‬ ‫صراطا سويا‪ :‬أي طريقا مستقيما ل اعوجاج فيه يفضي بك إلى الجنة‪.‬‬ ‫ل تعبد الشيطان‪ :‬أي ل تطعه في دعوته إياك إلى عبادة الصنام‪.‬‬ ‫عصيا‪ :‬أي عاصيا ل تعالى فاسقا عن أمره‪.‬‬ ‫فتكون للشيطان وليا‪ :‬أي قريبا منه قرينا له فيها أي النار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصة إبراهيم الخليل عليه السلم مع والده آزر عليه لعائن الرحمن قال تعالى لرسوله‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم {واذكر} يا نبينا {في الكتاب} أي القرآن الكريم {إبراهيم} خليلنا {إنه‬ ‫كان صديقا} أي صادقا في أقواله وأعماله بالغا مستوى عظيما في الصدق {نبيا} من أنبيائنا فهو‬ ‫جدير بالذكر في القرآن ليكون قدوة صالحة للمؤمنين‪ .‬واذكره {إذ قال لبيه} آزر {يا أبت ‪ 1‬لم‬ ‫تعبد} أي تسأله بالدعاء والتقرب بأنواع القربات ما ل يسمع ول يبصر من الصنام أي ل يبصرك‬ ‫ول يسمعك {ول يغني عنك شيئا} ل يدفع عنك ضرا ول يجلب لك نفعا فأي حاجة لك إلى عبادته‬ ‫{يا أبت إني قد جاءني من العلم ‪ }2‬أي من قبل ربي تعالى {ما لم يأتك} أنت {فاتبعني} فيما أعتقده‬ ‫وأعمله وأدعو إليه {أهدك صراطا ‪ 3‬سويا} أي مستقيما يفضي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للنكار أي‪ :‬ليّ شيء تعبد‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬من اليقين والمعرفة بال وبما يكون بعد الموت وأنّ من عبد غير ال يعذّب أبدا‪.‬‬ ‫‪ 3‬أرشدك إلى دين قيّم فيه نجاتك وسعادتك‪.‬‬

‫( ‪)3/310‬‬

‫بك إلى السعادة والنجاة‪{ ،‬يا أبت ل تعبد الشيطان } أي بطاعته فيما يدعوك إليه من عبادة غير ال‬ ‫تعالى من هذه الصنام التي ل تضر ول تنفع لنها ل تسمع ول تبصر ول تعطي ول تمنع‪{ ،‬إن‬ ‫الشيطان كان للرحمن عصيا‪ }1‬أي عاصيا أمره فأبى طاعته وفسق عن أمره‪{ .‬يا أبت إني أخاف‬ ‫أن يمسك عذاب من الرحمن ‪ }2‬إن أنت بقيت على شركك وكفرك ولم تتب منهما حتى مت‬ ‫فيمسك عذاب من الرحمن {فتكون} أي بذلك {للشيطان وليا} أي قريبا منه قرينا له في جهنم فتهلك‬ ‫وتخسر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بالدعوة إليه‪.‬‬ ‫!‪ -‬كمال إبراهيم بذكره في الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن عبادة غير ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬عبادة الوثان والصنام وكل عبادة لغير ال تعتبر عبادة للشيطان لنه المر بها والداعي‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫ك وَا ْهجُرْنِي مَلِيّا(‪ )46‬قَالَ سَلمٌ عَلَ ْيكَ‬ ‫جمَ ّن َ‬ ‫غبٌ أَنتَ عَنْ آِلهَتِي يَا إبراهيم لَئِن لّمْ تَنتَهِ لرْ ُ‬ ‫قَالَ أَرَا ِ‬ ‫عسَى أَل‬ ‫حفِيّا (‪ )47‬وَأَعْتَزُِلكُمْ َومَا َتدْعُونَ مِن دُونِ اللّ ِه وََأدْعُو رَبّي َ‬ ‫سَأَسْ َت ْغفِرُ َلكَ رَبّي إِنّهُ كَانَ بِي َ‬ ‫ق وَ َيعْقُوبَ َوكُل‬ ‫حَ‬ ‫شقِيّا (‪ )48‬فََلمّا اعْتَزََل ُه ْم َومَا َيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَهَبْنَا لَهُ ِإسْ َ‬ ‫َأكُونَ ِبدُعَاء رَبّي َ‬ ‫صدْقٍ عَلِيّا (‪)50‬‬ ‫ن ِ‬ ‫جعَلْنَا َل ُهمْ لِسَا َ‬ ‫حمَتِنَا وَ َ‬ ‫جعَلْنَا نَبِيّا(‪َ )49‬ووَهَبْنَا َلهُم مّن رّ ْ‬ ‫َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة تعليلية للنهي عن عبادة الشيطان واتباع وسوسته وما يدعو إليه من الشرك‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬إني أخاف أن تموت على الكفر فيمسك العذاب الليم‪.‬‬

‫( ‪)3/311‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لئن لم تنته ‪ :‬أي عن التعرض لها وعيبها‪.‬‬ ‫لرجمنك‪ :‬بالحجارة أو بالقول القبيح فاحذرني‪.‬‬ ‫واهجرني مليا ‪ :1‬أي سليما من عقوبتي‪.‬‬ ‫سلم عليك‪ :.‬أي أمنةٌ مني لك أن أعاودك فيما كرهت مني‪.‬‬ ‫إنه كان بي حفيا ‪ :‬أي لطيفا بي مكرما لي يجيبني لما أدعوه له‪.‬‬ ‫عسى أل أكون بدعاء ربي شقيا ‪ :‬بل يجيب دعائي ويعطني مسألتي‪.‬‬

‫فلما اعتزلهم ‪ :‬بأن هاجر إلى أرض القدس وتركهم‪.‬‬ ‫وهبنا له اسحق ويعقوب ‪ :‬أي وهبنا له ولدين يأنس بهما مجازاة منا له على هجرته قومه‪.‬‬ ‫ووهبنا لهم من رحمتنا ‪ :‬خيرا كثيرا المال والولد بعد النبوة والعلم‪.‬‬ ‫لسان صدق عليا‪ :‬أي رفيعا بأن يُثنى عليهم ويذكرون بأطيب الخصال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في قصة إبراهيم مع أبيه آزار إنه بعد تلك الدعوة الرحيمة باللفاظ الطيبة الكريمة‬ ‫التي وجهها إبراهيم لبيه آزر ليؤمن ويوحد فينجو ويسعد قال آزر رادا عليه بعبارات خالية من‬ ‫الرحمة والدب بل ملؤها الغلظة والفظاظة والوعيد والتهديد وهي ما أخبر به تعالى عنه في قوله‪:‬‬ ‫في الية (‪{ )46‬قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} أي أكاره لها تعيبها‪{ ،‬لئن لم تنته} أي عن‬ ‫التعرض لها بأي سوء ‪{ 2‬لرجمنك} بأبشع اللفاظ وأقبحها‪{ ،‬واهجرني مليا ‪ }3‬أي وابعد عني ما‬ ‫دمت معافى سليم البدن سويه قبل أن ينالك مني ما تكره‪ .‬كان هذا رد آزر الكافر المشرك‪ .‬فيما‬ ‫أجاب إبراهيم المؤمن الموحد أجاب بما أخبر تعالى به عنه في قوله في آية (‪{ )47‬قال سلم ‪4‬‬ ‫عليك ‪ }5‬أي أمان لك مني يا أبتاه فل أعاودك‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬واهجرني مليا} أي‪ :‬اتركني وشأني وابعد عنّي طويل تسلم من عقوبتي‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬كعيبها وشتمها‪.‬‬ ‫‪ 3‬وقيل في معناه‪ :‬اجتنبني سالما قبل أن تصيبك عقوبتي‪ ،‬وقيل‪ :‬اهجرني طويل‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا يسمى سلم المتاركة‪ ،‬وليس هو بالتحية وهل يجوز بدء الكافر بالسلم؟ في المسألة خلف‪،‬‬ ‫والراجح‪ :‬جواز السلم إذا كان لغرض سليم ككونه جارا لك أو رفيقا أو مصاحبا لك في عمل أو‬ ‫لك إليه حاجة وما إلى ذلك إذ سلم الرسول صلى ال عليه وسلم على جماعة فيهم مشركون كما‬ ‫في الصحيح‪ ،‬وأمّا حديث‪" :‬لّ تبدأوا اليهود والنصارى بالسلم" فهو إذا لم يكن هناك غرض‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫‪( 5‬سلم)‪ :‬نكرة وصح البتداء بها لما فيها من معنى التخصيص فقاربت لذلك المعرفة وصحّ‬ ‫البتداء بها‪ .‬وعليك الخبر‪.‬‬

‫( ‪)3/312‬‬ ‫فيما كرهت مني قط وسأقابل إساءتك بإحسان {سأستغفر لك ربي} أي أطلب منه أن يهديك لليمان‬ ‫والتوحيد فتتوب فيغفر لك {إنه كان} سبحانه وتعالى {بي حفيا} لطيفا بي مكرما لي ل يخيبني فيما‬ ‫أدعوه فيه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى حكاية عن قيل إبراهيم‪{ :‬وأعتزلكم وما تدعون من دودن ال} أي أذهب بعيدا عنكم‬

‫تاركا لكم ولما تعبدون من دون ال من أصنام وأوثان‪{ ،‬وأدعو ربي عسى إلّ أكون بدعاء ربي‬ ‫شقيا ‪ }1‬أي رجائي في ربي كبير أن ل أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الصنام‪ .‬قال تعالى‬ ‫مخبرا عنه فلما حقق ما واعدهم به من هجرته لديارهم إلى ديار القدس تاركا أباه وأهله وداره‬ ‫كافأناه بأحسن حيث أعطيناه ولدين يأنس بهما في وحشته وهما إسحق ويعقوب وكل منهما جعلناه‬ ‫نبيا رسولً‪ ،‬ووهبنا لجميعهم وهم ثلثة الوالد إبراهيم وولداه اسحق ويعقوب بن اسحق عليهم‬ ‫السلم من رحمتنا الخير العظيم من المال والولدّ والرزق الحسن هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فلما‬ ‫اعتزلهم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحق ويعقوب} وهو ابن ولده إسحق {وكل جعلنا نبيا‬ ‫ووهبنا لهم من رحمتنا}‪ .‬وقوله تعالى عنهم {وجعلنا لهم لسان صدق عليا} هذا إنعام آخر مقابل‬ ‫الهجرة في سبيل ال حيث جعل ال تعالى لهم لسان الصدق في الخرة فسائر أهل الديان اللهية‬ ‫يثنون على إبراهيم وذريته بأطيب الثناء وأحسنه وهو لسان الصدق العلي الرفيع الذي حظى به‬ ‫إبراهيم وولديه إكراما من ال تعالى وإنعاما عليهم جزاء صدق إبراهيم وصبره وبالتالي هجرته‬ ‫للصنام وعابديها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الفرق بين ما يخرج من فم المؤمن الموحد من طيب القول وسلمة اللفظ ولين الجانب‬ ‫والكلم‪ ،‬وبين ما يخرج من فم الكافر المشرك من سوء القول وقبح اللفظ وقسوة الجانب وفظاظة‬ ‫الكلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية سلم المتاركة والموادعة وهو أن يقال للسيء من الناس سلم عليك وهو ل يريد‬ ‫__________‬ ‫ل وولدا يتقوى بهم حتى ل يستوحش بالعتزال‪ ،‬وفي‬ ‫‪ 1‬أراد بهذا الدعاء أن يهب ال تعالى له أه ً‬ ‫قوله تعالى {فلما اعتزلهم} وهنا له دليل يرجح هذا القول‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)3/313‬‬ ‫بذلك تحيته ولكن تركه وما هو فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الهجرة وبيان فضلها وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة كانت في الرض‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترغيب في حسن الحدوثة بأن يكون للمرء حسن ثناء بين الناس لما يقدم من جميل وما‬ ‫يورث من خير وإفضال‪.‬‬ ‫وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ مُوسَى إِنّهُ كَانَ مُخَْلصًا َوكَانَ رَسُول نّبِيّا (‪ )51‬وَنَادَيْنَاهُ مِن جَا ِنبِ الطّورِ ال ْيمَنِ‬ ‫حمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّا (‪)53‬‬ ‫َوقَرّبْنَاهُ َنجِيّا (‪َ )52‬ووَهَبْنَا لَهُ مِن رّ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫واذكر في الكتاب‪ :‬أي في القرآن تشريفا وتعظيما‪.‬‬ ‫موسى ‪ :‬أي ابن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلم‪.‬‬ ‫مخلصا ‪ :‬أي مختارا مصطفى على قراءة فتح اللم "مخلَصا" وموحدا لربه مفردا إياه بعبادته بالغا‬ ‫في ذلك أعلى المقامات على قراءة كسر اللم‪.‬‬ ‫جانب الطور‪ :‬الطور جبل بسيناء بين مدين ومصر‪.‬‬ ‫وقربناه نجيا‪ :‬أي أدنيناه إدناء تشريف وتكريم مناجيا لنا مكلما من قبلنا‪.‬‬ ‫أخاه هارون نبيا ‪ :‬إذ سأل ربه لخيه الرسالة فأعطاه فنبّأهُ وأرسله معه إلى فرعون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا موجز قصة موسى عليه السلم قال تعالى في ذلك وهو يخاطب نبيه محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم {واذكر} في هذه السلسلة الذهبية من عباد ال الصالحين أهل التوحيد واليقين موسى ابن‬ ‫عمران انه جدير بالذكر في القرآن وعلة ذلك في قوله تعالى‪{ :‬إنه كان مخلصا} أي مختارا‬ ‫مصطفى للبلغ عنا عبادنا ما خلقناهم لجله وهو ذكرنا وشكرنا ذكرنا بألسنتهم وقلوبهم وشكرهم‬ ‫لنا بجوارحهم وذلك بعبادتنا وحدنا دون مَن سوانا‪ ،‬وكان موسى كذلك‪ ،‬وقول تعالى‪{ :‬وكان‬ ‫رسولً نبيا} أي ومن افضالنا عليه وإكرامنا له أن جعلناه نبيا رسولً نبأناه‬

‫( ‪)3/314‬‬ ‫وأرسلناه إلى فرعون وملئه‪{ ،‬وناديناه}‪ 1‬وهو في طريقه من مدين إلى مصر في جانب الطور‬ ‫اليمن ‪ 2‬حيث نبأناه وأرسلناه وبذلك {وقربناه نجيا} فصار يناجينا فنُسمعه كلمنا ونسمع ‪ 3‬كلمه‬ ‫وأعظم بهذا التكريم من تكريم‪ ،‬وقوله‪{ :‬ووهبنا له من ‪ 4‬رحمتنا أخاه هارون نبيا} هذا إنعام آخر‬ ‫من ال تعالى على موسى النبي إذ سأل ربه أن يرسل معه أخاه هارون إلى فرعون فبرحمة من‬ ‫ال تعالى استجاب له ونبأ هارون وأرسله معه رسولً وما كان هذا إلّ برحمة خاصة إذ النبوة ل‬ ‫تطلب ول يتوصل إليها بالجتهاد والعبادة ول بالدعاء والصراعة إذ هي هبة إلهية خاصة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة الخلص‪ ،‬وهو إرادة ال تعالى بالعبادة ظاهرا وباطنا‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات صفة الكلم والمناجاة ل تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إكرام ال تعالى وإنعامه على موسى إذ أعطاه ما لم يعط أحدا من العالمين باستجابة‬ ‫دعائه بأن جعل أخاه هارون رسولً نبيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن كل رسول نبيا والعكس ل أي ليس كل نبي رسولً‪.‬‬ ‫ن صَا ِدقَ ا ْلوَعْ ِد َوكَانَ رَسُول نّبِيّا (‪َ )54‬وكَانَ يَ ْأمُرُ أَهْلَهُ بِالصّلةِ‬ ‫سمَاعِيلَ إِنّهُ كَا َ‬ ‫وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ ِإ ْ‬

‫ن صِدّيقًا نّبِيّا (‪ )56‬وَ َر َفعْنَاهُ‬ ‫وَال ّزكَاةِ َوكَانَ عِندَ رَبّهِ مَ ْرضِيّا (‪ )55‬وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَا َ‬ ‫َمكَانًا عَلِيّا (‪ُ )57‬أوْلَ ِئكَ الّذِينَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬كان هذا الكلم والمناجاة ليلة الجمعة‪ .‬ذكره القرطبي‪.‬‬ ‫‪ 2‬هو بالنسبة إلى يمين موسى عليه السلم أما الجبل فل يمين له ول شمال "ابن جرير الطبري"‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬من غير وحي بل كفاحا وجها لوجه ل واسطة‪.‬‬ ‫‪ 4‬وذلك حين سأل ربه قائلً‪{ :‬واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي} الية‪.‬‬

‫( ‪)3/315‬‬ ‫ل َو ِممّنْ‬ ‫ح َومِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِي َم وَإِسْرَائِي َ‬ ‫حمَلْنَا مَعَ نُو ٍ‬ ‫أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَ ْيهِم مّنَ النّبِيّينَ مِن ذُرّيّةِ آدَ َم َو ِممّنْ َ‬ ‫حمَن خَرّوا سُجّدًا وَ ُبكِيّا (‪)58‬‬ ‫هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُ الرّ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واذكر في الكتاب إسماعيل‪ :‬أي اذكر في القرآن تشريفا وتعظيما إسماعيل بن إبراهيم الخليل‬ ‫عليهما السلم‪.‬‬ ‫صادق الوعد‪ :‬لم يخلف وعد قط‪.‬‬ ‫بالصلة والزكاة‪ :‬أي بإقامة الصلة ليتاء الزكاة‪.‬‬ ‫مرضيا‪ :‬أي رضى ال تعالى قوله وعمله ليقينه وإخلصه‪.‬‬ ‫إدريس ‪ :‬هو جد أبي نوح عليه السلم‪.‬‬ ‫ورفعناه مكانا عليا‪ :‬إلى السماء الرابعة‪.‬‬ ‫إسرائيل ‪ :‬أي يعقوب بن اسحق بن إبراهيم عليهم السلم‪.‬‬ ‫وممن هدينا واجتبينا ‪ :‬أي من جملة من هديناهم لطريقنا واجتبيناهم بنبوتنا‪.‬‬ ‫إذا تتلى عليهم آيات الرحمن‪ :‬أي تقرأ عليهم وهم يستمعون إليها‪.‬‬ ‫سجدا وبكيا ‪ :‬جمع ساجد وباك أي ساجدين وهم يبكون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم كما ذكرت من ذكرت من مريم وابنها وإبراهيم‬ ‫وموسى اذكر كذلك إسماعيل ‪ 1‬فإنه {كان صادق الوعد}‪ 2‬لم يخلف وعدا قط وكان ينتظر‬ ‫الموعود الليالي حتى يجىء وهو قائم في مكانه ينتظره‪{ ،‬وكان رسولً نبيا} نبأه تعالى بمكة‬ ‫المكرمة إذ عاش بها وأرسله إلى قبيلة جرهم العربية ومنها تزوج وأنجب وكان من ذريته محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وقوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هو إسماعيل بن إبراهيم والذي أمّه هاجر عليهما السلم ول التفات إلى قول من قال‪ :‬إنه‬ ‫إسماعيل بن حزقيل الذي بعثه ال إلى قوم فسلخوا جلد رأسه‪ ..‬الخ كما في القرطبي‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية دليل على وجوب صدق الوعد وفي الحديث‪" :‬إنّ الخُلف من آيات النفاق" ‪ .‬وقد انتظر‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم ثلثة أيام وهو مقيم في مكان ينتظر من واعده اللقاء فيه وذلك قبل‬ ‫بعثته صلى ال عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي‪ ،‬والرجل هو‪ :‬أبو الحمساء وقال له‪ :‬يا فتى‬ ‫لقد شققت عليّ أنا هنا منذ ثلث أنتظرك !!‬

‫( ‪)3/316‬‬ ‫{وكان يأمر أهله بالصلة والزكاة} المراد من الهل أسرته وقومه من قبيلة جرهم والمراد من‬ ‫الصلة إقامتها ومن الزكاة أداؤها‪ ،‬وهذا مما أعلى شأنه ورفع قدره فاستحق ذكره في القرآن‬ ‫العظيم‪ ،‬وقوله‪{ :‬كان عند ربه مرضيا} موجب آخر لكرامه والنعام عليه بذكره في القرآن‬ ‫الكريم في سلسلة النبياء والمرسلين‪ ،‬ومعنى {كان عند ربه مرضيا} أي أقواله وأفعاله كلها كانت‬ ‫مقبولة مرضية فكان بذلك هو مرضيا من ‪ 1‬قبل ربه عز وجل‪ .‬وقوله تعالى {واذكر في الكتاب‬ ‫إدريس ‪ }2‬وهو جد أبي نوح واستوجب الذكر في القرآن لنه {كان صديقا} كثير الصدق مبالغا‬ ‫فيه حتى إنه لم يجر على لسانه كذب قط‪ ،‬وصديقا في أفعاله وما يأتيه فلم يعرف غير الصدق في‬ ‫قول ول عمل وكان نبيا من أنبياء ال‪ ،‬وقوله {ورفعناه مكانا عليا} إلى السماء الرابعة ‪ 3‬في حياته‬ ‫كما رفع تعالى عيسى ورفع محمد إلى ما فوق السماء السابعة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬أولئك الذين أنعم ال‬ ‫عليهم من النبيين من ذرية آدم} كإدريس ‪{ ،4‬وممن حملنا مع نوح} أي في الفلك كإبراهيم‪{ ،‬ومن‬ ‫ذرية إبراهيم} كإسحاق وإسماعيل‪{ ،‬واسرائيل} أي ومن ذرية إسرائيل كموسى وهارون وداود‬ ‫وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى‪{ ،‬وممن هدينا} لمعرفتنا وطريقنا الموصل إلى رضانا وذلك‬ ‫بعبادتنا والخلص لنا فيها {واجتبينا} لوحينا وحمل رسالتنا‪ .‬وقوله {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن‬ ‫خروا سجدا وبكيا‪ }5‬أي أولئك الذين هديناهم واجتبينا من اجتبينا منهم‪ .‬والجتباء الختيار‬ ‫والصطفاء بأخذ الصفوة {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن} الحاملة للعظات والعبر والدلئل والحجج‬ ‫{خروا سجدا} ل ربهم {وبكيا} عما يرون من التقصير أو التفريط في جنب ربهم جل وعظم‬ ‫سلطانه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬إن إسماعيل عليه السلم لم يعد شيئا إلّ وفىّ به وهو صحيح يقتضيه ظاهر الية الكريمة‪،‬‬ ‫وقد قيل العِدة دَين‪ ،‬وفي الثر‪ :‬وأي المؤمن واجب‪ .‬والوأي‪ .‬الوعد‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫متى يقل حرّ لصاحب حاجة‬ ‫نعم يقضها والحر للرأي ضامن‬

‫وقال مالك‪ :‬إذا سأل الرجل الرجل شيئا فوعده ثم بدا له عدم إنجاز ما وعد ل شيء عليه ول‬ ‫يقضي عليه بذلك لنّ العدة بخير من باب الحسان وليس على المحسنين من سبيل‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬إنّ إدريس هو أوّل من خط بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وأنزل ال تعالى‬ ‫عليه ثلثين صحيفة كما في حديث أبي ذر‪.‬‬ ‫‪ 3‬كما في حديث المعراج في رواية مسلم وجاء فيه‪" :‬لما عرج بي إلى السماء أتيت على إدريس‬ ‫في السماء الرابعة"‪.‬‬ ‫‪ 4‬فنال ادريس الشرف بالقرب من آدم‪ ،‬ونال إبراهيم الشرف بالقرب من نوح ونال إسماعيل‬ ‫الشرف واسحق ويعقوب بالقرب من إبراهيم عليهم السلم أجمعين‪.‬‬ ‫ى وبكيّا‪ ،‬ويكون البكي جمع باكٍ نحو‪ :‬قعود‪،‬‬ ‫‪ 5‬البكيّ‪ :‬مصدر من مصادر بكى يبكي بكاء وبُك ً‬ ‫وقاعد وسجود جمع ساجد وأصل بكي‪ :‬بكوي على وزن فعول فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء‪.‬‬

‫( ‪)3/317‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة إذ الذي نبأ هؤلء وأرسلهم ل ينكر عليه أن ينبىء محمدا ويرسله‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة المر بالصلة والزكاة‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة الوفاء بالوعد والصدق في القول والعمل‪.‬‬ ‫‪ -4‬سنية السجود لمن تل هذه الية أو تليت وهو يستمع إليها ‪{ .‬خروا سجدا وبكيا}‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة البكاء حال السجود فقد كان عمر إذا تل هذه الية سجد ثم يقول هذا السجود فأين‬ ‫البكيّ يعني البكاء‪.‬‬ ‫سوْفَ يَ ْل َقوْنَ غَيّا (‪ )59‬إِل مَن تَابَ‬ ‫ش َهوَاتِ َف َ‬ ‫فَخََلفَ مِن َبعْدِ ِهمْ خَ ْلفٌ َأضَاعُوا الصّل َة وَاتّ َبعُوا ال ّ‬ ‫حمَنُ‬ ‫ل صَالِحًا فَُأوْلَ ِئكَ َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّ َة وَل يُظَْلمُونَ شَيْئًا (‪ )60‬جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدَ الرّ ْ‬ ‫عمِ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وَآمَ َ‬ ‫س َمعُونَ فِيهَا َل ْغوًا إِل سَلمًا وََلهُمْ رِ ْز ُق ُهمْ فِيهَا ُبكْ َرةً‬ ‫عِبَا َدهُ بِا ْلغَ ْيبِ إِنّهُ كَانَ وَعْ ُدهُ مَأْتِيّا (‪ )61‬ل يَ ْ‬ ‫وَعَشِيّا (‪ )62‬تِ ْلكَ ا ْلجَنّةُ الّتِي نُو ِرثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ َتقِيّا (‪)63‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫خلف ‪ : 1‬أي عقب سوء‪.‬‬ ‫أضاعوا الصلة ‪ :‬أهملوها فتركوها فكانوا بذلك كافرين‪.‬‬ ‫اتبعوا الشهوات‪ :‬انغمسوا في الذنوب والمعاصي كالزنا وشرب الخمر‪.‬‬ ‫يلقون غيا ‪ :‬أي واديا في جهنم يلقون فيه‪.‬‬ ‫ول يظلمون شيئا ‪ :‬أي ل ينقصون من ثواب حسناتهم‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬الخلف‪ :‬بإسكان اللم خلف سوء وبفتحها خلف خير وصلح‪.‬‬

‫( ‪)3/318‬‬ ‫جنات عدن‪ :‬أي إقامة دائمة‪.‬‬ ‫بالغيب‪ :‬أي وعدهم بها وهي غائبة عن أعينهم لغيابهم عنها إذ هي في السماء وهم في الرض‪.‬‬ ‫مأتيا ‪ :‬أي موعوده وهو ما يعد به عباده آتيا ل محالة‪.‬‬ ‫لغوا‪ :‬أي فضل الكلم وهو ما ل فائدة فيه‪.‬‬ ‫بكرة وعشيا ‪ :‬أي بقدرهما في الدنيا وإلّ فالجنة ليس فيها شمس فيكون فيها نهار وليل‪.‬‬ ‫من كان تقيا‪ :‬أي من كان في الحياة الدنيا تقيا لم يترك الفرائض ولم يغش المحارم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬فخلف من بعدهم خلف} مخبر تعالى عن أولئك الصالحين ممن اجتبى وهدى من‬ ‫النبيين وذرياتهم‪ ،‬انه خلف من بعدهم خلف سوء كان من شأنهم أنهم {أضاعوا ‪ 1‬الصلة} فمنهم‬ ‫من أخرها عن أوقاتها ومنهم من تركها {واتبعوا الشهوات ‪ }2‬فانغمسوا في حمأة الرذائل فشربوا‬ ‫الخمور وشهدوا الزور وأكلوا الحرام ولهوا ولعبوا وزنوا وفجروا‪ ،‬بعد ذهاب أولئك الصالحين‬ ‫كما هو حال النصارى واليهود اليوم وحتى كثير من المسلمين‪ ،‬فهؤلء الخلف السوء يخبر تعالى‬ ‫أنهم {فسوف يلقون غيا} بعد دخولهم نار جهنم‪ .‬والغي‪ :‬ورد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬ ‫بئر في جهنم وعن ابن مسعود أنه واد في جهنم ‪ ،3‬والكل صحيح إذ البئر توجد في الوادي وكثيرا‬ ‫ما توجد البار في الودية‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إلّ من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ول يظلمون شيئا} أي لكن‬ ‫من تاب من هذا الخلف السوء وآمن أي حقق إيمانه وعمل صالحا فأدى الفرائض‪ .‬وترك غشيان‬ ‫المحارم‪ .‬فأولئك أي فهؤلء التائبون المنيبون {يدخلون الجنة} مع سلفهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يراد بهذا الخلف السيء كل من أضاع الصلة بتركها أو بعدم إقامتها بإخلله‬ ‫بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها‪ ،‬واتبع الشهوات من أهل الكتاب ومن المسلمين‪.‬‬ ‫‪ 2‬اتباع الشهوات لزم لضاعة الصلة لقول عمر‪ :‬مَن أضاعها فهو لما سواها أضيع‪ ،‬ولنّ اقام‬ ‫الصلة ينهى عن الفحشاء والمنكر‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬غيّ‪ :‬واد في جهنم وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعدّ ال‬ ‫تعالى ذلك الوادي للزاني المصرّ على الزنى ولشارب الخمر المدمن عليه ولكل الربا ل ينزع‬ ‫عنه‪ ،‬ولهل العقوق ولشاهد الزور ولمرأة أدخلت على زوجها ولدا ليس منه‪.‬‬

‫( ‪)3/319‬‬ ‫الصالح‪{ ،‬ول يظلمون شيئا} أي ول ينقصون ول يبخسون شيئا من ثواب أعمالهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬جنات عدن} أي بساتين إقامة أبدية {التي وعد الرحمن عباده بالغيب} أي وعدهم‬ ‫بها وهي غائبة عنهم لم يروها لنها في السماء وهم في الرض‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬إنه كان وعده مأتيا} أي كونهم ما رأوها غير ضار لن ما وعد به الرحمن ل يتخلف أبدا‬ ‫لبد من الحصول عليه ومعنى مأتيا يأتيه صاحبه قطعا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )62‬ل يسمعون فيها لغوا} يخبر تعالى أن أولئك التائبين الذين آمنوا‬ ‫وعملوا الصالحات ودخلوا الجنة ل يسمعون فيها أي في الجنة لغوا وهو الباطل من القول وما ل‬ ‫خير فيه من الكلم اللهم إلّ السلم فإنهم يتلقونه من الملئكة فيسمعونه منهم وهو من النعيم‬ ‫الروحاني في الجنة دار النعيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} أي ولهم طعامهم فيها وهو ما تشتهيه أنفسهم من‬ ‫لذيذ الطعام والشراب {بكرة وعشيا} أي في وقت الغداة في الدنيا وفي وقت العشي في الدنيا إذ ل‬ ‫ليل في الجنة ول نهار ‪ 1‬وإنما هي أنوار وجائز إذا وصل وقت الغداء أو العشاء تغير النوار من‬ ‫لون إلى آخر أو تغلق البواب وترخى الستائر ويكون ذلك علمة على وقت الغداء والعشاء‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬تلك الجنة ‪ }2‬آية (‪ )63‬يشير تعالى إلى الجنة دار السلم تلك الجنة العالية {التي‬ ‫نورث من عبادنا من كان تقيا} منهم‪ ،‬أما الفاجر فإن منزلته فيها نورثها المتقي كما أن منزل التقي‬ ‫في النار نورثه فاجرا من الفجار‪ ،‬إذ هذا معنى التوارث‪ :‬هذا يرث هذا وذاك يرث ذا‪ ،‬إذ ما من‬ ‫إنسان إلّ وله منزلة في الجنة ومنزل في النار فمن آمن وعمل صالحا دخل الجنة ونزل في‬ ‫منزلته‪ ،‬ومن كفر وأشرك وعمل سوءا دخل النار ونزل في منزله فيها‪ ،‬ويورث ال تعالى التقياء‬ ‫منازل الفجار التي كانت لهم في الجنة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ليس في الجنة ليل ول نهار وإنما هم في نور أبدا‬ ‫وإنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب وإغلق البواب‪ ،‬ويعرفون مقدار النهار‬ ‫برفع الحجب وفتح البواب"‪ .‬ذكره أبو الفرج ابن الجوزي‪ ،‬والمهدوي وغيرهما (القرطبي)‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة مستأنفة‪ ،‬واسم الشارة فيها للتنوبه بها وبعلو مقامها وعظم الكرامة فيها لهل التقوى‪.‬‬

‫( ‪)3/320‬‬

‫هداية اليات‪.‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بخلف السوء وهو من يضيع الصلة ويتبع الشهوات‪.‬‬ ‫‪ -2‬الوعيد الشديد لمن ينغمس في الشهوات ويترك الصلة فيموت على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬باب التوبة مفتوح والتوبة مقبولة من كل من أرادها وتاب‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان نعيم الجنة دار المتقين البرار‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير مبدأ التوارث بين أهل الجنة وأهل النار‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان أن ورثة الجنة هم التقياء‪ ،‬وأن ورثة النار هم الفجار‪.‬‬ ‫ك َومَا كَانَ رَ ّبكَ َنسِيّا (‪َ )64‬ربّ‬ ‫َومَا نَتَنَ ّزلُ إِل بَِأمْرِ رَ ّبكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا َومَا خَ ْلفَنَا َومَا بَيْنَ ذَِل َ‬ ‫سمِيّا (‪)65‬‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فَاعْ ُب ْد ُه وَاصْطَبِرْ ِلعِبَادَ ِتهِ َهلْ َتعْلَمُ َلهُ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬ ‫ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما تتنزل‪ :‬التنزل النزول وقتا بعد وقت‪.‬‬ ‫إلّ بأمر ربك‪ :‬أي إلّ بإذنه لنا في النزول على من يشاء‪.‬‬ ‫له ما بين أيدينا‪ :‬أي مما هو مستقبل من أمر الخرة‪.‬‬ ‫وما خلفنا‪ :‬أي ما مضى من الدنيا‪.‬‬ ‫وما بين ذلك‪ :‬مما لم يمض من الدنيا إلى يوم القيامة أي له علم ذلك كله‪.‬‬ ‫وما كان ربك نسيا‪ :‬أي ذا نسيان فإنه تعالى ل ينسى فكيف ينساك ويتركك؟‪.‬‬ ‫رب السموات والرض ‪ :‬أي مالكهما والمتصرف فيهما‪.‬‬ ‫واصطبر لعبادته‪ :‬أي اصبر وتحمل الصبر في عبادته حتى الموت‪.‬‬ ‫هل تعلم له سميا‪ :‬أي ل سميّ له ول مثل ول نظير فهو ال أحد‪ ،‬لم يكن له كفوا أحد‪.‬‬

‫( ‪)3/321‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫لنزول هاتين اليتين سبب وهو ما روى واستفاض أن الوحي تأخر عن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫والذي يأتي بالوحي جبريل عليه السلم فلما جاء بعد بطءٍ قال له النبي صلى ال عليه وسلم ما‬ ‫يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فأنزل ال تعالى قوله‪ :‬جوابا لسؤال النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪{ :‬وما نتنزل ‪ }1‬أي نحن الملئكة وقتا بعد وقت على من يشاء ربنا {إلّ بأمر ربك} أيها الرسول‬ ‫أي إلّ بإذنه لنا فليس لحد منا أن ينزل من سماء إلى سماء أو إلى أرض إلّ بإذن ربنا عز وجل‪،‬‬ ‫{له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك} أي له أمر وعلم ما بين أيدينا أي ما أمامنا من أمور‬ ‫الخرة وما خلفنا أي مما مضى من الدنيا علما وتدبيرا‪ ،‬وما بين ذلك إلى يوم القيامة علما‬

‫وتدبيرا‪ ،‬وما كان ربك عز وجل يا رسول ال ناسيا ‪ 2‬لك ول تاركا فإنه تعالى لم يكن النسيان‬ ‫وصفا له فينسى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬رب السموات والرض وما بينهما} يخبر تعالى رسوله بأنه تعالى مالك السموات‬ ‫والرض وما بينهما والمتصرف فيهما فكل شيء له وبيده وفي قبضته وعليه {فاعبده} أيها‬ ‫الرسول بما أمرك بعبادته به {واصطبر لعبادته ‪ }3‬أي تحمل لها المشاق‪ ،‬فإنه ل إله إلّ هو‪ ،‬فـ {‬ ‫ل والجواب ل‪ :‬إذا فاعبده وحده وتحمل في سبيل ذلك ما‬ ‫هل تعلم له سميا ‪ }4‬أي نظيرا أو مثي ً‬ ‫استطعت تحمله‪ .‬فإنه ل معبود بحق إلّ هو إذ كل ما عداه مربوب له خاضع لحكمه وتدبيره فيه‪.‬‬ ‫هداية اليتين‬ ‫من هداية اليتين ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير سلطان ال على كل الخلق وعلمه بكل الحلق وقدرته على كل ذلك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لجبريل عليه السلم‪" :‬ما يمنعك أن تزورنا‬ ‫أكثر مما تزورنا فنزلت‪{ :‬وما نتنزّل إلّ بأمر ربك} الية‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬أبطأ الملك على رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم ث ّم أتاه فقال‪ :‬ما الذي أبطأك؟ قال‪ :‬كيف نأتيكم وأنتم ل تقصّون أظفاركم‬ ‫ول تأخذون من شواربكم ول تنقون رواجبكم ول تستاكون‪ .‬قال مجاهد‪ :‬فنزلت الية في هذا‬ ‫والمراد بالمعيب عليهم‪ :‬بعض المؤمنين ل رسول ال صلى ال عليه وسلم فحاشاه أن يكون معيبا‬ ‫وهو على أكمل الحوال‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا تفسير لقوله تعالى‪{ :‬وما كان ربك نسيّا} أي‪ :‬ناسيا إذا شاء أن يرسل إليك أرسل‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬لطاعته‪ ،‬واللم بمعنى‪ :‬على أي‪ :‬على طاعته‪ ،‬ول تحزن لتأخّر الوحي عنك‪ ،‬وأصل‬ ‫اصطبر‪ :‬اصتبر فقلبت التاء طاءً تخفيفا في النطق‪.‬‬ ‫‪ 4‬ولذا إجماع أهل السلم من عهد آدم أنه ل يجوز أن يسمى مخلوق باسم ال عزّ وجل "ال"‪.‬‬

‫( ‪)3/322‬‬ ‫‪ -2‬استحالة النسيان على ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير ربوبية ال تعالى للعالمين‪ ،‬وبذلك وجبت له اللوهية على سائر العالمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب عبادة ال تعالى ووجوب الصبر عليها حتى الموت‪.‬‬ ‫‪ -5‬نفي التشبيه والمثل والنظير ل إذ هو ال أحد لم يكن له كفوا أحد‪.‬‬ ‫س ْوفَ أُخْرَجُ حَيّا (‪َ )66‬أوَل يَ ْذكُرُ النسَانُ أَنّا خََلقْنَاهُ مِن قَ ْبلُ وَلَمْ َيكُ‬ ‫وَيَقُولُ النسَانُ أَئِذَا مَا ِمتّ لَ َ‬ ‫جهَنّمَ جِثِيّا (‪ )68‬ثُمّ لَنَنزِعَنّ مِن ُكلّ‬ ‫ح ْولَ َ‬ ‫حضِرَ ّنهُمْ َ‬ ‫حشُرَ ّنهُ ْم وَالشّيَاطِينَ ثُمّ لَنُ ْ‬ ‫شَيْئًا (‪َ )67‬فوَرَ ّبكَ لَنَ ْ‬ ‫حمَنِ عِتِيّا (‪ُ )69‬ثمّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالّذِينَ ُهمْ َأوْلَى ِبهَا صِلِيّا (‪ )70‬وَإِن مّنكُمْ‬ ‫شدّ عَلَى الرّ ْ‬ ‫شِيعَةٍ أَ ّي ُهمْ أَ َ‬

‫إِل وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَ ّبكَ حَ ْتمًا ّم ْقضِيّا (‪ )71‬ثُمّ نُ َنجّي الّذِينَ ا ّتقَوا وّنَذَرُ الظّاِلمِينَ فِيهَا جِثِيّا (‪)72‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويقول النسان ‪ :‬أي الكافر بلقاء ال تعالى‪.‬‬ ‫ولم يك شيئا‪ :‬أي قبل خلقه فل ذات له ول اسم ول صفة‪.‬‬ ‫جثيا‪ :‬أي جاثمين على ركبهم في ذل وخوف وحزن‪.‬‬ ‫من كل شيعة‪ :‬أي طائفة تعاونت على الباطل وتشيع بعضها لبعض فيه‪.‬‬ ‫عتيا‪ :‬أي تكبرا عن عبادته وظلما لعباده‪.‬‬ ‫أولى بها صليا‪ :‬أي أحق بها اصطلء واحتراقا وتعذيبا في النار‪.‬‬ ‫إلّ واردها‪ :‬أي مارا بها إن وقع بها هلك‪ ،‬وإن مر ولم يقع نجا‪.‬‬ ‫حتما مقضيا ‪ :‬أي أمرا قضى به ال تعالى وحكم به وحتّمه فهو كائن لبد‪.‬‬ ‫فيها جثيا‪ :‬أي في النار جاثمين على ركبهم بضهم إلى بعض‪.‬‬

‫( ‪)3/323‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫اليات في سياق تقرير عقيدة البعث والجزاء يقول تعالى وقوله الحق‪{ :‬ويقول النسان} أي المنكر‬ ‫للبعث والدار الخرة وقد يكون القائل أُبي بن خلف أو العاص بن وائل وقد يكون غيرهما إذ هذه‬ ‫قولة كل من ل يؤمن بالخرة يقول‪{ :‬أ إذا مت لسوف ‪ 1‬أخرج حيا} يقول هذا استنكارا وتكذيبا‬ ‫قال تعالى‪ :‬رادا على هذا النسان قولته الكافرة {أو ل يذكر ‪ 2‬النسان} أي المنكر للبعث الخر‬ ‫{أنا خلقناه من ‪ 3‬قبل ولم يك شيئا} أيكذب بالبعث وينكره ول يذكر خلقنا له من قبل‪ ،‬ولم يك شيئا‪.‬‬ ‫أليس الذي قدر على خلقه قبل أن يكون شيئا قادرا على إعادة خلقه مرة أخرى أليست العادة‬ ‫أهون من الخلق الول واليجاد من العدم‪ ،‬ثم يقسم ال تبارك وتعالى لرسوله على أنه معيدهم كما‬ ‫كانوا ويحشرهم جميعا مع شياطينهم الذين يضلونهم ثم يحضرنهم حول جهنم جثيا على ركبهم‬ ‫أذلء صاغرين‪ .‬هذا معنى قوله تعالى في الية (‪{ )68‬فوربك لنحشرنهم ‪ 4‬والشياطين ثم‬ ‫لنحضرنهم حول جهنم جثيا}‪.‬‬ ‫وقوده تعالى‪{ :‬ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا} يخبر تعالى بعد حشرهم إلى‬ ‫ساحة فصل القضاء أحياء مع الشياطين الذين كانوا يضلونهم‪ ،‬يحضرهم حول جهنم جثيا‪ ،‬ثم يأخذ‬ ‫تعالى من كل طائفة من تلك الطوائف التي أحضرت حول جهنم وهي جاثية تنتظر حكم ال تعالى‬ ‫فيها أيهم كان أشد على الرحمن عتيا أي تمردا عن طاعته وتكبرا عن اليمان به وبرسوله ووعده‬ ‫ووعيده وهو معنى قوله تعالى في الية (‪{ )69‬ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن‬ ‫عتيا} وقوله تعالى‪{ :‬ثم لنحن أعلم بالذين هم‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬اللم في‪( :‬لسوف) للتأكيد والستفهام‪( :‬أ إذا)‪ :‬للنكار‪ ،‬واللم‪ :‬لم البتداء جاء بها المتكلم‬ ‫لتأكيد إنكاره للبعث بعد الموت والخروج من قبره حيّا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للنكار على منكر البعث‪ ،‬والتعجب من عقليته وعمى قلبه من عدم النظر في عدم‬ ‫أصل خلقه فإنه لو أبصر وزالت غفلته لما أنكر البعث فالذي خلقه اليوم يخلقه غدا ول عجب‪.‬‬ ‫‪ 3‬قبل كبعد‪ :‬ملزمة للضافة فإذا حذف المضاف بنيت على الضم‪ ،‬والمضاف المحذوف هنا‬ ‫تقديره‪ :‬من قبل كونه شيئا يذكر في الوجود وقد أوجده الن ولعدمه غدا ويحييه بعد موته يوم‬ ‫يريد ذلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬الفاء‪ :‬للتفريع‪ ،‬والضمير في‪( :‬لنحشرنهم) عائد على جنس النسان المكذّب بالبعث الخر‪،‬‬ ‫والمشرك بال المصر على ذلك‪ ،‬وذكر حشو الشياطين معهم تحقيرا لشأنهم حيث يحشرون مع‬ ‫أخس الخلق وأحطه ثمّ أشار إلى أنّ شركهم وكفرهم كان بتزيين الشياطين لهم ذلك‪ ،‬والجثي‪ :‬جمع‬ ‫ث مثل‪ :‬قاعد وقعود‪ ،‬فجثي‪ :‬أصلها جثوي قلبت الواو ياء‪ ،‬وأدغمت‪ ،‬والجاثي هو البارك على‬ ‫جا ٍ‬ ‫ركبتيه عجزا عن القيام‪.‬‬

‫( ‪)3/324‬‬ ‫أولى بها صليا} يخبر تعالى بعلمه بالذين هم أجدر وأحق بالصطلء بعذاب النار‪ ،‬وسوف يدخلهم‬ ‫النار قبل غيرهم ثم يدخل باقيهم بعد ذلك وهو معنى قوله عزّ وجلّ‪{ :‬ثم لنحن أعلم بالذين هم‬ ‫أولى بها صليا}‪.1‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وإن منكم إلّ واردها كان على ربك حتما مقضيا} ‪ ،‬فإنه يخبر عز وجل عن حكمٍ حكم به‬ ‫وقضاء قضى به وهو أنه ما من واحد منا معشر بني آدم إلّ وارد جهنم وبيان ذلك كما جاء في‬ ‫الحديث أن الصراط جسر يمد على ظهر جهنم والناس يمرون فوقه فالمؤمنون يمرون ول‬ ‫يسقطون في النار والكافرون يمرون فيسقطون في جهنم‪ .‬وهو معنى قوله في الية (‪{ )72‬ثم‬ ‫ننجي الذين اتقوا ‪ }2‬أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه بترك واجب ول بارتكاب محرم { ونذر‬ ‫الظالمين } بالتكبر والكفر وغشيان الكبائر من الذنوب {فيها جثيا} أي ونترك الظالمين فيها أي‬ ‫جهنم جاثمين على ركبهم يعانون أشد أنواع العذاب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بالحشر والحضار حول جهنم والمرور على الصراط‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تقرير معتقد الصراط في العبور عليه إلى الجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقديم رؤساء الضلل وأئمة الكفر إلى جهنم قبل التباع الضالين‪.‬‬

‫‪ -4‬تقرير حتمية المرور على الصراط‪.‬‬ ‫‪ - 5‬بيان نجاة التقياء‪ ،‬وهلك الفاجرين الظالمين بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال‪ :‬صلى يصلى صُليّا كمضى يمضي مُضيا وهوى يهوي هويّا‪ ،‬وصِليّا بكسر الصاد‪ :‬قراءة‬ ‫حفص‪ ،‬وبضمها‪ :‬قراءة نافع‪ ،‬وهو مصدر صلي النار كرضي وهو مصدر سماعي بوزن فعول‪،‬‬ ‫قلبت فيه الواو ياء وأدغمت في الياء فصار صليّا كما تقدّم في جثيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬حاول صاحب التحرير أن يردّ مذهب الجمهور في ورود المؤمنين على الصراط كسائر الخلق‬ ‫ثمّ ينجي ال الذين اتقوا حيث يجتازونه بسلم ويقع فيه الكافرون فل يخرجون وما هناك حاجة‬ ‫إلى ردّ مذهب الجمهور من أئمة السلم إذ حديث الصراط والمرور به ثابت قطعيّا ففي صحيح‬ ‫مسلم‪" :‬ثم يضرب الجسر على جهنم‪ ،‬وتحل الشفاعة فيقولون‪ :‬اللهم سلم سلم قيل‪ :‬يا رسول ال‪:‬‬ ‫وما الجسر؟ قال‪ :‬دحض مزلّة فيه خطاطيف وكلليب وحسك تكون فيها شويكة يقال لها‪:‬‬ ‫السعدان‪ ،‬فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناجٍ‬ ‫مسلّم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم‪ ،‬وبهذا الصراط‪ ..‬فسّر السلف الورود على جهنم‪،‬‬ ‫ولم يقولوا بلزم الورود وهو الدخول‪ ،‬إذ قد يَرد المرء على الحوض ويقف على طرفه ول يدخل‬ ‫فيه وورد وصحّ قول الرسول صلى ال عليه وسلم فيمن مات له ثلثة ولد لم يبلغوا الحنث ل‬ ‫تمسه النار إلّ تحلة القسم" وهو الورود على متن جهنم نظرا إلى الية {وإن منكم إلّ واردها}‪.‬‬

‫( ‪)3/325‬‬ ‫حسَنُ نَدِيّا (‪)73‬‬ ‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا َأيّ ا ْلفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مّقَامًا وَأَ ْ‬ ‫حمَنُ‬ ‫َوكَمْ أَهَْلكْنَا قَبَْلهُم مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (‪ُ )74‬قلْ مَن كَانَ فِي الضّللَةِ فَلْ َيمْدُدْ لَهُ الرّ ْ‬ ‫مَدّا حَتّى إِذَا رََأوْا مَا يُوعَدُونَ ِإمّا ا ْل َعذَابَ وَِإمّا السّاعَةَ َفسَ َيعَْلمُونَ مَنْ ُهوَ شَرّ ّمكَانًا وََأضْ َعفُ جُندًا (‬ ‫‪ )75‬وَيَزِيدُ اللّهُ الّذِينَ اهْتَ َدوْا ُهدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَ ّبكَ َثوَابًا وَخَيْرٌ مّ َردّا (‪)76‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫آياتنا بينات‪ :‬أي آيات القرآن البينات الدلئل الواضحات الحجج‪.‬‬ ‫خير مقاما‪ :‬نحن أم أنتم والمقام المنزل ومحل القامة والمراد هنا المنزلة‪.‬‬ ‫وأحسن نديا‪ :‬أي ناديا وهو مجتمع الكرام ومحل المشورة وتبادل الراء‪.‬‬ ‫أحسن أثاثا ورئيا ‪ :‬أي مال ومتاعا ومنظرا‪.‬‬ ‫إما العذاب وإما الساعة‪ :‬أي بالقتل والسر وأما الساعة القيامة المشتملة على نار جهنم‪.‬‬ ‫من هو شر مكانا‪ :‬أي منزلة‪.‬‬ ‫وأضعف جندا‪ :‬أي أقل أعوانا‪.‬‬

‫وخير مردا‪ :‬أي ما يرد إليه ويرجع وهو نعيم الجنة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في تقرير النبوة والتوحيد والبعث الخر يقول تعالى {وإذا تتلى ‪ 1‬عليهم آياتنا ‪2‬‬ ‫بينات} أي وإذا قرئت على كفار قريش المنكرين للتوحيد والنبوة المحمدية والبعث والجزاء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المراد بهم الكفار الذين سبق ذكرهم في اليات قبل هذه إذا قرئت عليهم اليات تعزّزوا بالدنيا‬ ‫وقالوا فما بالنا إن كنا على باطل أكثر أموالً وأعز نفرا وقصدهم إدخال الشبهة على المستضعفين‬ ‫من المؤمنين‬ ‫‪( 2‬بينات) حال مؤكدة‪.‬‬

‫( ‪)3/326‬‬ ‫يوم القيامة إذا قرأ عليهم رسول ال أو أحد المؤمنين من أصحابه بعض اليات من القرآن البينات‬ ‫في معانيها ودلئلها على التوحيد والنبوة والبعث {قال الذين ‪ 1‬كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير‬ ‫مقاما وأحسن نديا} ‪ ،‬وقولهم هذا هو رد فعل ل غير‪ ،‬إذ أنهم لما يسمعون اليات تحمل الوعد‬ ‫للمؤمنين والوعيد للكافرين مثلهم ل يجدون ما يخففون به ألم نفوسهم فيقولون هذا الذي أخبر‬ ‫تعالى به عنهم {أي الفريقين} أي فريق المؤمنين أو فريق الكافرين خير مقاما أي منزلً ومسكنا‬ ‫وأحسن نديا أي ناديا ومجتمعا يجتمع فيه‪ ،‬لنهم يقارنون بين منازل فقراء المؤمنين ودار الرقم‬ ‫بن أبي الرقم التي يجتمع فيها الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنون وبين دور ومنازل أبي‬ ‫سفيان وأغنياء مكة ونادي قريش وهو مجلس شوراهم فرد تعالى عليهم بقوله‪{ :‬وكم أهلكنا قبلهم‬ ‫من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا‪ }2‬أي ل ينبغي أن يغرهم هذا الذي يتبجحون به ويتطاولون فإنه ل‬ ‫يدوم لهم ما داموا يحاربون دعوة الحق والقائمين عليها فكم من أهل قرون أهلكناهم لما ظلموا‬ ‫وكانوا أحسن من هؤلء مالً ومتاعا ومناظرحسنة جميلة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قل من كان في الضللة فليمدد له الرحمن مدا} أي اذكر لهم سنتنا في عبادنا يا‬ ‫رسولنا وهى أن من كان في ضللة الشرك والظلم والمكابرة والعناد فإن سنة الرحمن فيه أن يمد‬ ‫له بمعنى يمهله ويملي له استدراجا حتى إذا انتهوا إلى ما حدد لهم من زمن يؤخذون فيه بالعذاب‬ ‫جزاء كفرهم وظلمهم وعنادهم وهو إما عذاب دنيوي بالقتل والسر ونحوهما أو عذاب الخرة‬ ‫بقيام الساعة حيث يحشرون إلى جهنم عميا وبكما وصما جزاء التعالي والتبجح بالكلم وهو معنى‬ ‫قوله تعالى ‪{ :‬حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون ‪ 3‬من هو شر مكانا‬ ‫وأضعف جندا} أي شر منزلة وأقل ناصرا أهم الكافرون أم المؤمنون‪ ،‬ولكن حين ل ينفع العلم‪ .‬إذ‬ ‫التدارك أصبح غير ممكن وإنما هي‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬الذين كفروا كالنضر بن الحارث وأبي جهل والمؤمنون هم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫كعمار وبلل وصهيب‪.‬‬ ‫‪ 2‬الثاث‪ :‬متاع البيت من فرش وغيرها مما هو جديد‪ ،‬فإن استعمل قيل فيه‪ .:‬الخرثى قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫تقادم العهد من أم الوليد بنا‬ ‫دهرا وصار أثاث البيت خرثيا‬ ‫الرئي‪ :‬المنظر الحسن‪ .‬وفيه قراءات خمس أشهرها قراءة الجمهور ورئيا بالهمزة‪ ،‬وقراءة نافع‬ ‫ريّا بدون همزة واشتقاقه من الرؤية أي‪ :‬المنظر‪ ،‬ومن الريّ ضد العطش‪ ،‬إذ الريّان هو المنعم ذو‬ ‫الحال الحسنة‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية ردّ على قولهم‪ { :‬أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا} أي سوف تنكشف الحقائق في‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬ويعلمون يقينا من هو الفضل حالً والحسن مآلً‪.‬‬

‫( ‪)3/327‬‬ ‫الحسرة والندامة ل غير‪.‬‬ ‫وقوله تعال‪{ :‬ويزيد ال الذين اهتدوا هدى ‪ }1‬أي إذا كان تلوة اليات البينات تحمل المشركين‬ ‫على العناد والمكابرة وذلك لظلمة كفرهم فيزدادون كفرا وعنادا فإن المؤمنين المهتدين يزدادون‬ ‫بها هداية لنها تحمل لهم الهدى في كل جملة وكلمة منها وهم لشراق نفوسهم باليمان يرون ما‬ ‫تحمل اليات من الدلئل والحجج والبراهين فيزداد إيمانهم وتزداد هدايتهم في السير في طريق‬ ‫السعادة والكمال بأداء الفرائض واجتناب المناهي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬والباقيات ‪ 2‬الصالحات خير عند ربك} أيها الرسول {ثوابا وخير مردّا} في هذه‬ ‫الية تسلية للرسول والمؤمنين بأن ما يتبجح به المشركون من المال والمتاع وحسن الحال ل‬ ‫يساوى شيئا أمام اليمان وصالح العمال لن المال فانٍ‪ ،‬والصالحات باقية فثواب الباقيات‬ ‫الصالحات من العبادات والطاعات خير من كل متاع الدنيا وخير مردا أي مردودا على صاحبها‬ ‫إذ هو الجنة دار السلم والتكريم والنعام‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الكشف عن نفسيات الكافرين وهي العتزاز بالمال والقوة إذا اعتز المؤمنون باليمان‬ ‫وثمراته في الدنيا والخرة من حسن العاقبة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان سنة ال تعالى في امهال الظلمة والملء لهم استدراجا لهم حتى يهلكوا خاسرين‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان سنة ال تعالى في زيادة إيمان المؤمنين عند سماع القرآن الكريم‪ ،‬أو مشاهدة أخذ ال‬ ‫تعالى للظالمين‪.‬‬ ‫ل ال وال أكبر ول‬ ‫‪ -4‬بيان فضيلة الباقيات الصالحات ومنها‪ :‬سبحان ال والحمد ل ول إله إ ّ‬ ‫حول ول قوة إل بال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وفي الية وجه آخر مشرق صالح وهو‪ :‬أن ال تعالى يمدّ لهل الضللة في ضللتهم‪ ،‬ويزيد‬ ‫لهل الهداية في هدايتهم إذ قال‪{ :‬من كان في الضللة فليمدد له الرحمن مدّا}‪ .‬وقال‪{ :‬ويزيد ال‬ ‫الذين اهتدوا هدىً} وما في التفسير صالح ومشرق أيضا‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬العمال الصالحة التي يعمل العبد إيمانا وإحسانا كالصلة والصيام والصدقات والجهاد‬ ‫وذكر ال ثوابها لهلها المدّخر لهم عند ال تعالى خير من أعمال أهل الكفر والشرك والظلم إذ‬ ‫هي ذاهبة هباء منثورا فيم يتعزّز الكافرون؟‬

‫( ‪)3/328‬‬ ‫ع ْهدًا (‬ ‫حمَنِ َ‬ ‫َأفَرَأَ ْيتَ الّذِي َكفَرَ بِآيَاتِنَا َوقَالَ لوتَيَنّ مَال َووَلَدًا (‪ )77‬أَاطّلَعَ ا ْلغَ ْيبَ َأمِ اتّخَذَ عِندَ الرّ ْ‬ ‫ل وَ َنمُدّ لَهُ مِنَ ا ْلعَذَابِ مَدّا (‪ )79‬وَنَرِثُهُ مَا َيقُولُ وَيَأْتِينَا فَ ْردًا (‪)80‬‬ ‫‪ )78‬كَل سَ َنكْ ُتبُ مَا َيقُو ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الذي كفر بآياتنا‪ :‬هو العاص بن وائل‪.‬‬ ‫لوتين مال وولدا‪ :‬يريد في الخرة‪.‬‬ ‫أطلع الغيب ‪ :‬أي فعرف أنه يعطى مالً وولدا يوم القيامة‪.‬‬ ‫كل‪ :‬ردع ورد فإنه لم يطلع الغيب ولم يكن له عند ال عهدا‪.‬‬ ‫ونمد له من العذاب مدا ‪ :‬أي نضاعف له العذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫ونرثه ما يقول ‪ :‬أي نسلبه ما تبجح به من المال والولد ويبعث فردا ليس معه مال ول ولد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم معجبا له {أفرأيت ‪ 1‬الذي كفر بآياتنا} أي كذب بالوحي وما‬ ‫يدعوا له من التوحيد والبعث والجزاء وترك الشرك والمعاصي‪ .‬وهو العاص بن وائل المسمى‬ ‫أبو عمرو بن العاص‪{ .‬وقال لوتين مالً وولدا} قال هذا لخباب بن الرت حينما طالبه بدين له‬ ‫عليه فأبى أن يعطيه استصغارا له لنه قيّن "حدادا" وقال له ل أعطيكه حتى تكفر بمحمد فقال له‬ ‫خباب وال ما أكفر بمحمد صلى ال عليه وسلم حتى تموت ثُم تبعث فقال له العاص إذا أنا ِمتّ ثم‬ ‫بُعثت كما تقول ثم جئتني ولي مال وولد قضيتك دينك فأكذبه ال تعالى ورد عليه قوله بقوله عز‬ ‫وجل‪{ :‬أطلع الغيب ‪ }2‬فعرف أن له يوم القيامة مالً وولدا‪{ .‬أم اتخذ عند‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬الئمة ومن بينهم مسلم في صحيحه على أن هذه الية نزلت في الخباب والعاص بن وائل إذ‬ ‫كان لخباب دَين على العاص فطالبه فأجابه بما خلصته في التفسير أعله‪.‬‬ ‫‪{ 2‬أطلع الغيب} قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬أنظر في اللوح المحفوظ‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬أعلِم‬ ‫الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم ل؟‬

‫( ‪)3/329‬‬ ‫الرحمن عهدا} بذلك بأن سيعطيه مال وولدا يوم القيامة {كل ‪ }1‬لم يطلع على الغيب ولم يكن له‬ ‫عند الرحمن عهدا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬سنكتب ما يقول} من الكذب والفتراء ونحاسبه به ونضاعف له‬ ‫العذاب به العذاب وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬ونمد له من العذاب مدا} ‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ونرثه ‪ 2‬ما‬ ‫يقول ويأتينا فردا} أي ونسلبه ما يقول من المال والولد حيث يموت ويترك ذلك أو ينصر رسوله‬ ‫على قومه فيسلبهم المال والولد‪ .‬ويأتينا في عرصات القيامة للحساب فردا ل مال معه ول ولد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الكشف عن نفسيات الكافرين لسيما إذا كانوا أقوياء بمال أو ولد أو سلطان فإنهم يعيشون‬ ‫على الغطرسة منه والستعلء وتجاهل الفقراء واحتقارهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث والحساب والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬مضاعفة العذاب على الكافرين الظالمين لظلمهم بعد كفرهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير معنى آية‪ :‬إنا نحن نرث الرض ومن عليها وإلينا يرجعون‪.‬‬ ‫وَاتّخَذُوا مِن دُونِ اللّهِ آِلهَةً لّ َيكُونُوا َلهُمْ عِزّا (‪ )81‬كَل سَ َيكْفُرُونَ ِبعِبَادَ ِتهِ ْم وَ َيكُونُونَ عَلَ ْي ِه ْم ضِدّا (‬ ‫علَ ْيهِمْ إِ ّنمَا َنعُدّ َلهُمْ عَدّا‬ ‫جلْ َ‬ ‫‪ )82‬أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشّيَاطِينَ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ َتؤُزّهُمْ أَزّا (‪ )83‬فَل َت ْع َ‬ ‫جهَنّ َم وِرْدًا (‪ )86‬ل‬ ‫ن َوفْدًا (‪ )85‬وَنَسُوقُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ إِلَى َ‬ ‫حمَ ِ‬ ‫(‪َ )84‬يوْمَ َنحْشُرُ ا ْلمُ ّتقِينَ إِلَى الرّ ْ‬ ‫عهْدًا (‪)87‬‬ ‫حمَنِ َ‬ ‫خذَ عِندَ الرّ ْ‬ ‫شفَاعَةَ إِل مَنِ اتّ َ‬ ‫َيمِْلكُونَ ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كل‪ :‬ردّ عليه أي‪ :‬لم يكن له ذلك‪ .‬أي ‪ :‬لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عند الرحمن عهدا‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقيل‪ :‬نحرمه ما تمناه في الخرة من مال وولد إذ قال‪ :‬لوتين مالً وولدا ورد تعالى عليه قوله‬ ‫بقوله‪{ :‬اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا}‪.‬‬

‫( ‪)3/330‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ليكونوا لهم عزا ‪ :‬أي منعة لهم وقوة يشفعون لهم عند ال حتى ل يعذبوا‪.‬‬ ‫سيكفرون بعبادتهم‪ :‬أي يوم القيامة يجحدون أنهم كانوا يعبدونهم‪.‬‬ ‫ضدا‪ :1‬أي أعداء لهم وأعوانا عليهم‪.‬‬ ‫تؤزهم أزا‪ :‬أي تزعجهم إزعاجا وتحركهم حراكا شديدا نحو الشهوات والمعاصي‪.‬‬ ‫وفدا ‪ :‬أي راكبين على النّجُب تحوطهم الملئكة حتى ينتهوا إلى ربهم فيكرمهم‪.‬‬ ‫إلى جهنم وردا ‪ :‬أي يساق المجرمون كما تساق البهائم مشاة عطاشا‪.‬‬ ‫عهدا‪ :‬هو شهادة أن ل إله إلّ ال محمد رسول ال ول حول ول قوة إلّ بال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى منددا بالمشركين فيقول‪{ :‬واتخذوا من دون ال آلهة} أي معبودات من الصنام‬ ‫فعبدوها بأنواع من العبادات‪{ ،‬ليكونوا لهم }‪ -‬في نظرهم الفاسد‪{ -‬عزا‪ }2‬أي شفعاء لهم عندنا‬ ‫يعزون بواسطتهم ول يُهانون‪{ ،‬كل}‪ 3‬أي ليس المر كما يظنون {سيكفرون بعبادتهم} وذلك يوم‬ ‫القيامة حيث ينكرون أنهم أمروهم بعبادتهم‪{ ،‬ويكونون عليهم ضدا} أي خصوما‪ ،‬ومن ذلك قولهم‬ ‫‪{ 4‬وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون}‪ .‬وقولهم‪{ .‬بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )83‬ألم تر ‪ 5‬أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا}‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الضدّ‪ :‬ما يخالف ضده في الماهية أو المعاملة‪ ،‬ومن هذا تسمية العدو ض ّد لن معاملته تخالف‬ ‫معاملة نظيره‪ ،‬ويكون ضدّ في معنى المصدرعاملوه معاملة المصدر فل يثني ول يجمع ول‬ ‫يؤنث‪.‬‬ ‫‪ 2‬العزّ‪ :‬ضد الذلّ‪ ،‬وأطلق العزّ هنا وأريد به سببه وهو الشفعاء والعوان إذ بهم تحصل العزة‬ ‫وتكون المنعة‪.‬‬ ‫‪{ 3‬كل}‪ :‬جائز أن تكون نافية بمعنى‪ :‬ل وليس وجائز أن تكون بمعنى‪ :‬حقا أي‪ :‬حقا سيكفرون‬ ‫بعبادتهم‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬فيما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} فها هم قد وقفوا ضدّهم‬ ‫بتكذيبهم إياههم‪ .‬ورأى بعض أهل التفسير أنّ من الجائز أن تكون الية مبشرة بنصر الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم وأن يوما سيأتي يكفر المشركون بآلهتهم وذلك بعد إسلمهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الستفهام للتقرير وفيه معنى التعجب أي‪ :‬كيف لم تَرَ ذلك والمر واضح لوجود آثاره يشاهدها‬ ‫كل أحد‪ .‬وأرسلنا بمعنى سلطناهم أو خلّيناهم يفعلون بهم ما أرادوا من الغواء والفتنة‪.‬‬

‫( ‪)3/331‬‬

‫يقول تعالى لرسوله ألم ينته إلى علمك يا رسولنا أنا أرسلّنا الشياطين أي شياطين الجن والنس‬ ‫على الكافرين بنا وبآياتنا ورسولنا ولقائنا تؤزهم أزا أي تحركهم بشدة نحو الشهوات والجرائم‬ ‫والمفاسد‪ ،‬وتزعجهم إلى ذلك بالغراء إزعاجا كبيرا‪ .‬أي فل تعجب من حال مسارعتهم إلى الشر‬ ‫والفساد ول تعجل عليهم بمطالبتنا بهلكهم إنما نعد لهم كل أعمالهم ونحصيها عليهم حتى أنفاسهم‬ ‫ونحاسبهم على كل ذلك ونجزيهم به‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فل تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا‬ ‫‪.}1‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )85‬يوم نحشر المتقين} أي أذكر يا رسولنا يوم نحشر المتقين {إلى‬ ‫الرحمن وفدا}‪ .‬والمتقون هم أهل اليمان بال وطاعته وتوحيده ومحبته وخشيته وطاعة رسوله‬ ‫ومحبته وفدا أي راكبين على النجائب من النوق عليها رِحال الذهب إلى الرحمن إلى جوار‬ ‫الرحمن عز وجل في دار المتقين الجنة دار البرار والسلم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا}‪ :‬أي ونسوق المجرمين على أنفسهم بالشرك‬ ‫والمعاصي مشاة على أرجلهم عطاشا يُساقون سوق البهائم إلى جهنم وبئس ‪ 2‬الورد المورود‬ ‫جهنم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {ل يملكون الشفاعة إلّ من ‪ 3‬اتخذ عند الرحمن عهدا} ‪ 4‬أخبر تعالى أن المشركين‬ ‫المجرمين على أنفسهم بالشرك والمعاصي فدسوها ل يملكون الشفاعة يوم القيامة ل يشفع بعضهم‬ ‫في بعض كالمتقين ول يشفع لهم أحد أبدا لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا باليمان به وبطاعته‬ ‫بأداء الفرائض وترك المحرمات يملك إن شاء ال الشفاعة بأن يشفعه ال في غيره إكراما له أو‬ ‫يشفع فيه غيره إكراما للشافع أيضا وإنعاما على المشفوع له‪ .‬كما أن أهل ل إله إلّ ال محمد‬ ‫رسول ال المتبرئين من حولهم وقوتهم إلى ال الراجين رجهم يملكون الشفاعة إن دخلوا النار‬ ‫بذنوبهم فيخرجون منها بشفاعة من أراد ال أن يشفعه فيهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬ل تطالب بهلكهم الفوري فإنا نعدّ لهم اليام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء آجالهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬يطلق لفظ الورد على الماشية عندما تساق إلى الماء لترده‪ ،‬ويطلق على السير إلى الماء أيضا‬ ‫كما يطلق على الماء المورود ومنه قوله تعالى‪{ :‬وبئس الورد المورود}‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستثناء منقطع‪ ،‬والمنقطع هو‪ :‬استثناء الشيء من غير جنسه‪ ،‬ولذا يؤتى بعده بلكن كما هو‬ ‫في التفسير أي‪ :‬لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يشفع‪.‬‬ ‫‪ 4‬من لهم عهد بالشفاعة حيث عهد ال تعالى إليهم بذلك هم الملئكة والنبياء والشهداء أيضا‬ ‫بدليل السنة الصحيحة‪ ،‬وفسّر ابن عباس رضي ال عنهما العهد أيضا بشهادة أن ل إله إلّ ال‬ ‫محمد رسول ال والقيام بحقها مع التبرؤ من الحول والقوة ل تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/332‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬براءة سائر المعبودات من دون ال من عابديها يوم القيامة خزيا لهم وإحقاقا للعذاب عليهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل عجب مما يشاهد من مسارعة الكافرين إلى الشر والفساد والشهوات لوجود شياطين‬ ‫تحركهم بعنف إلى ذلك وتدفعهم إليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل ينبغي طلب العذاب العاجل لهل الظلم لنهم كلما ازدادوا ظلما ازداد عذابهم شدة يوم‬ ‫القيامة إذ كل شيء محصىً عليهم حتى أنفاسهم محاسبون عليه ومجزيون به‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان كرامة المتقين‪ ،‬ومهانة المجرمين‪.‬‬ ‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ ال ْرضُ‬ ‫ن وَلَدًا (‪َ )88‬لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا ِإدّا (‪َ )89‬تكَادُ ال ّ‬ ‫حمَ ُ‬ ‫َوقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْ‬ ‫خ َذ وَلَدًا (‪ )92‬إِن ُكلّ‬ ‫حمَنِ أَن يَتّ ِ‬ ‫حمَنِ وَلَدًا (‪َ )91‬ومَا يَن َبغِي لِلرّ ْ‬ ‫عوْا لِلرّ ْ‬ ‫وَتَخِرّ ا ْلجِبَالُ هَدّا (‪ )90‬أَن دَ َ‬ ‫حصَاهُ ْم وَعَدّ ُهمْ عَدّا (‪َ )94‬وكُّلهُمْ آتِيهِ‬ ‫حمَنِ عَ ْبدًا (‪َ )93‬لقَدْ َأ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِل آتِي الرّ ْ‬ ‫مَن فِي ال ّ‬ ‫َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فَرْدًا (‪)95‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ‪ :‬أي قال العرب الملئكة بنات ال وقال النصارى عيسى ابن ال‪.‬‬ ‫جئتم شيئا إدا ‪ :‬أي منكرا عظيما‪.‬‬ ‫يتفطرن ‪ :‬يتشققن من عظم هذا القول وشدة قبحه‪.‬‬ ‫وتخر الجبال هدا ‪ :‬أي تسقط وتتهدم وتنهدم‪.‬‬ ‫أن دعوا للرحمن ولدا ‪ :‬أي من أجل إدعائهم أن للرحمن عز وجل ولدا‪.‬‬

‫( ‪)3/333‬‬ ‫ول ينبغي ‪ :‬أي ل يصلح ول يليق به ذلك لنه رب كل شيء ومليكه‪.‬‬ ‫إل آتى الرحمن عبدا ‪ :‬أي خاضعا منقادا كائنا من كان‪.‬‬ ‫فردا‪ :‬أي ليس معه شيء ل مال ول سلطان ول ناصر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في ذكر مقولت أهل الشرك والجهل والرد عليها من قبل الحق تبارك وتعالى قال‬ ‫تعالى مخبرا عنهم‪{ :‬وقالوا} أي أولئك الكافرون {اتخذ الرحمن ولدا} ‪ 1‬إذ قالت بعض القبائل‬ ‫العربية الملئكة بنات ال‪ ،‬وقالت اليهود عزير بن ال وقالت النصارى المسيح بن ال‪ .‬يقول‬ ‫تعالى لهم بعد أن ذكر قولهم {لقد جئتم شيئا إدا‪ }2‬أي أتيتم بشيء منكر عظيم‪{ ،‬تكاد ‪ 3‬السموات‬ ‫يتفطرن منه} أي يتشققن منه لقبح هذا القول وسوئه‪{ ،‬وتنشق الرض وتخر الجبال ‪ 4‬هدا} أي‬

‫تسقط لعظم هذا القول لنه مغضب للجبار عزّ وجلّ ولو ل حلمه ورحمته لمس الكون كله عذاب‬ ‫أليم‪ .‬وقوله‪{ :‬أن دعوا للرحمن ولدا‪ }5‬أي أن نسبوا للرحمن ولدا‪{ ،‬وما ينبغي للرحمن} أي ل‬ ‫يصلح له ول يليق بجلله وكماله الولد‪ ،‬لن الولد نتيجة شهوة بهيمية عارمة تدفع الذكر إلى إتيان‬ ‫النثى فيكون بإذن ال الولد‪ ،‬وال عز وجل منزه عن مشابهته لمخلوقاته وكيف يشبههم وهو‬ ‫خالقهم وموجدهم من العدم؟‬ ‫وقوله تعالى {إن كل من ‪ 6‬في السموات والرض إل آتى الرحمن عبدا} هذا برهان على بطلن‬ ‫قولة الكافرين الجاهلين‪ ،‬إذ الذي ما من أحد في السموات أو في الرض من ملئكة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرىء‪( :‬وُلدا) بضم الواو وسكون اللم‪ ،‬وقراءة الجمهور (ولدا) بفتح الواو واللم وهما لغتان‬ ‫مثل‪ :‬العُرب والعَرب‪ .‬والعُجم والعَجم قال الشاعر‪:‬‬ ‫ولقد رأيت معاشرا‬ ‫قد ثمّروا مال ووُلدا‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫مهل فداءً لك القوام كلهم‬ ‫وما أثمر من مال ومن وَلَد‬ ‫ففي البيت الول شاهد وُلد بسكون اللم وفي الثاني شاهد لفتحها مع ضم الواو في الول وفتحا‬ ‫في الثاني‪.‬‬ ‫‪ 2‬الد والدة‪ :‬الداهية والمر الفظيع‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬الدّ‪ :‬المنكر العظيم‪.‬‬ ‫‪( 3‬تكاد) بالتاء قراءة العامة‪ ،‬وقرأ نافع بالياء (يكاد)‪.‬‬ ‫‪ 4‬الهدّ‪ :‬الهدم بصوت شديد‪ ،‬والهدّة‪ :‬صوت وقع الحائط ونحوه‪.‬‬ ‫‪ 5‬روى البخاري عن النبي صلى ال عليه وسلم قوله‪" :‬يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬كذبني ابن آدم‬ ‫ولم يكن له ذلك‪ ،‬وشتمني ولم يكن له ذلك‪ .‬فأمّا تكذيبه إياي فقوله‪ :‬ليس يعيدني كما بدأني‪ ،‬وليس‬ ‫أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته‪ .‬وأمّا شتمه إيّاي‪ :‬فقوله‪ :‬اتخذ ال ولدا وأنا الحد الصمد لم يلد‬ ‫ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‪.‬‬ ‫‪( 6‬إنْ) نافية بمعنى ما‪ .‬في الية دليل على عدم جواز ملك الوالد للولد ول الولد للوالد‪ ،‬وفي‬ ‫الحديث الصحيح‪" :‬ل‪ ..‬ولد والدا إل أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه"‪ .‬فإذا لم يملك الب ابنه فلن‬ ‫ل يملك البن أباه من باب أولى‪.‬‬

‫( ‪)3/334‬‬

‫وإنس وجن إلّ آتى الرحمن عبدا خاضعا ذليلً منقادا يوم القيامة كيف يعقل اتخاذه ولدا‪ ،1‬إذ الولد‬ ‫يطلب للحاجة إليه‪ ،‬والغنى عن كل خلقه ها هي حاجته إلى عبد من عباده يقول هذا ولدي اللهم إنا‬ ‫نبرؤا إليك مما يقوله الجاهلون بك الضالون عن طريق هدايتك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لقد أحصاهم وعدهم عدأعدا} أي علمهم واحدا واحدا فلو كان بينهم إله معه أو ولد‬ ‫له لعلمه‪ ،‬فهذا برهان آخر على بطلن تلك الدعوة الجاهلية الباطلة الفاسدة وقوله‪{ :‬وكلهم آتيه يوم‬ ‫القيامة فردا} هذا رد على أولئك الذين يدعون أنهم إن بعثوا يكون لهم المال والولد والشفيع‬ ‫والنصير‪ .‬فأخبر تعالى أنه ما من أحد إلّ ويأتيه يوم القيامة فردا ليس معه شافع ول ناصر‪ ،‬ول‬ ‫مال ول سلطان‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عظم الكذب على ال بنسبة الولد أو الشريك إليه أو القول عليه بدون علم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن كل المخلوقات من أجلّها إلى أحقرها ليس فيها غير عبد ل فنسبة النسان أو الجان‬ ‫أو الملك إلى ال تعالى هي عبد لرب مالك قاهر عزيز حكيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إحاطة ال بخلقه ومعرفته لعددهم فل يغيب عن علمه أحد منهم‪ ،‬ول يتخلف عن موقف‬ ‫القيامة فرد منهم إذ الكل يأتي ال تعالى يوم القيامة فردا‪.‬‬ ‫ن وُدّا (‪ )96‬فَإِ ّنمَا يَسّرْنَاهُ بِِلسَا ِنكَ لِتُبَشّرَ بِهِ‬ ‫حمَ ُ‬ ‫ج َعلُ َل ُهمُ الرّ ْ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ سَ َي ْ‬ ‫إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫سمَعُ َلهُمْ‬ ‫ا ْلمُ ّتقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ َق ْومًا لّدّا (‪َ )97‬وكَمْ َأهَْلكْنَا قَبَْلهُم مّن قَرْنٍ َهلْ ُتحِسّ مِ ْنهُم مّنْ أَحَدٍ َأوْ تَ ْ‬ ‫ِركْزًا (‪)98‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أحمد في المسند أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل أحد أصبر على أذى يسمعه من‬ ‫ال أن يشرك به ويجعل له ولد وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين‪ :‬وفي‬ ‫لفظ إ "نهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم‪.‬‬

‫( ‪)3/335‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ودا ‪ :‬أي حبا فيعيشون متحابين فيما بينهم ويحبهم ربهم تعالى‪.‬‬ ‫فإنما يسرناه بلسانك‪ :‬أي يسرنا القرآن أي قراءته وفهمه بلغتك العربية‪.‬‬ ‫قوما لدا‪ :‬أي ألداء شديدوا الخصومة والجدل بالباطل وهم كفار قريش‪.‬‬ ‫وكم أهلكنا‪ :‬أي كثيرا من أهل القرون من قبلهم أهلكناهم‪.‬‬ ‫هل تحس منهم من أحد‪ :‬أي هل تجد منهم أحدا‪.‬‬

‫أو تسمح لهم ركزا‪ :‬أي صوتا خفيا والجواب ل لن الستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أن الذين آمنوا بال وبرسوله وبوعد ال ووعيده فتخلوا عن الشرك والكفر وعملوا‬ ‫الصالحات وهي أداء الفرائض وكثير من النوافل هؤلء يخبر تعالى أنه سيجعل لهم في قلوب‬ ‫عباده المؤمنين محبة ‪ 1‬وودا وقد فعل سبحانه وتعالى فأهل اليمان والعمل الصالح متحابون‬ ‫متوادون‪ ،‬وهذا التوادد بينهم ثمرة لحب ال تعالى لهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فإنما يسرناه} أي هذا القرآن‬ ‫الذي كذب به المشركون سهلنا قراءته عليك إذ أنزلناه بلسانك {لتبشر به المتقين} من عبادنا‬ ‫المؤمنين وهم الذين اتقوا عذاب ال باليمان وصالح العمال بعد ترك الشرك والمعاصي‪{ ،‬وتنذر‬ ‫به قوما لدا} ‪ 2‬وهم كفار قريش وكانوا ألداء أشداء في الجدل والخصومة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وكم‬ ‫أهلكنا قبلهم ‪ 3‬من قرن} أي وكثيرا من أهل القرون السابقة لقومك أهلكناهم لما كذبوا رسلنا‬ ‫وحاربوا دعوتنا فـ {هل تحس ‪ 4‬منهم من أحد} فتراه بعينك أو تمسه بيدك‪{ ،‬أو تسمع ‪ 5‬لهم‬ ‫ركزا} أي صوتا خفيا اللهم ل فهل يذكر هذا قومك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إنّ ال تعالى إذا‬ ‫أحبّ عبدا دعا جبريل عليه السلم فقال‪ :‬إني أحب فلنا فأحبّه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء‬ ‫فيقول‪ :‬إن ال يحب فلنا فأحبوه فيحبه أهل السماء‪ -‬قال‪ :‬ثم يوضع له القبول في الرض وإذا‬ ‫أبغض عبدا دعا جبريل عليه السلم وقال‪ :‬إني أبغض فلنا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في‬ ‫أهل السماء إن ال يبغض فلنا فأبغضوه قال‪ :‬فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الرض"‪.‬‬ ‫‪ُ( 2‬لدًّا)‪ :‬جمع اللد‪ ،‬وهو‪ :‬الشديد الخصومة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬ألدّ الخصام} وقال الشاعر‪:‬‬ ‫أبيت نجيا للهموم كأنني‬ ‫أخاصم أقواما ذوي جدل لدّا‬ ‫‪ 3‬في الية تهديد وتخويف لهل مكة المصرين على الكفر والشرك والتكذيب‪ .‬وكم‪ :‬خبرية‪،‬‬ ‫والقرن‪ :‬الجيل والمة‪ .‬ويطلق على الزمان الذي تعيش فيه المة وشاع إطلقه على المائة سنة‪.‬‬ ‫‪ 4‬والحساس‪ :‬الشراك بالحس‪ .‬والستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 5‬قيل‪ :‬الرّكز‪ :‬ما ل يفهم من صوت أو حركة‪.‬‬

‫( ‪)3/336‬‬ ‫فيتعظوا فيتوبوا إلى ربهم باليمان به وبرسوله ولقائه ويتركوا الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬

‫‪ -1‬أعظم بشرى تحملها الية الولى وهي حب ال وأوليائه لمن آمن وعمل صالحا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كون القرآن ميسرا أن نزل بلغة النبي صلى ال عليه وسلم من أجل البشارة لهل‬ ‫اليمان والعمل الصالح والنذارة لهل الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -3‬إنذار العتاة والطغاة من الناس أن يحل بهم ما حل بمن قبلهم من هلك ودمار والواقع شاهد‬ ‫أين أهل القرون الولى؟‬

‫( ‪)3/337‬‬ ‫سورة طه‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة طه‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها مائة وخمس وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شقَى(‪ )2‬إِل تَ ْذكِ َرةً ّلمَن َيخْشَى (‪ )3‬تَنزِيل ّممّنْ خَلَقَ ال ْرضَ‬ ‫طه (‪ )1‬مَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لِتَ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ َومَا‬ ‫علَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى (‪َ )5‬لهُ مَا فِي ال ّ‬ ‫حمَنُ َ‬ ‫سمَاوَاتِ ا ْلعُلَى (‪ )4‬الرّ ْ‬ ‫وَال ّ‬ ‫خفَى (‪ )7‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ َلهُ‬ ‫جهَرْ بِا ْلقَ ْولِ فَإِنّهُ َيعَْلمُ السّ ّر وََأ ْ‬ ‫حتَ الثّرَى (‪ )6‬وَإِن َت ْ‬ ‫بَيْ َن ُهمَا َومَا َت ْ‬ ‫سمَاء ا ْلحُسْنَى (‪)8‬‬ ‫ال ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫طه ‪ :‬أي يا رجل‪.‬‬ ‫إل تذكرة ‪ :‬أي يتذكر بالقرآن من يخشى عقاب ال عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)3/337‬‬ ‫على العرش استوى‪ :‬أي ارتفع عليه وعل‪.‬‬ ‫وما تحت الثرى‪ :‬الثرى التراب الندي يريد ما هو أسفل الرضين السبع‪.‬‬ ‫وأخفى‪ :‬أي من السر‪ ،‬وهو ما علمه ال وقدر وجوده وهو كائن ولكن لم يكن بعد‪.‬‬ ‫الحسنى ‪ :‬الحسنى مؤنث الحسن المفضل على الحسن‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {طه}‪ 1‬لفظ طه جائز أن يكون من الحروف المقطعة‪ ،‬وجائز أن يكون معناه يا رجل ‪2‬‬ ‫ورجح المر ابن جرير لوجوده في لغة العرب طه بمعنى يا رجل وعلى هذا فمعنى الكلم يا‬

‫رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ردا على النضر بن الحارث الذي قال إن محمدا شقي بهذا‬ ‫القرآن الذي أنزل عليه لما فيه من التكاليف فنفى الحق عزّ وجلّ ذلك وقال {ما أنزلنا عليك القرآن‬ ‫لتشقى إلّ تذكرة لمن يخشى} وإنما أنزلناه ليكون ‪ 3‬تذكرة ذكرى يذكر بها من يخشى ربه فيقبل‬ ‫على طاعته متحملً في سبيل ذلك كل ما قد يلقي في طريقه من أذى قومه المشركين بال‬ ‫الكافرين بكتابه والمكذبين لرسوله‪ ،‬وقوله‪{ :‬تنزيلً‪ 4‬ممن خلق الرض والسموات العلى} أي هذا‬ ‫القرآن الذي مما أنزلناه لتشقى به ولكن تذكرة لمن يخشى نُزّل تنزيلً من ال الذي خلق الرض‬ ‫والسموات العلى‪{ :‬الرحمن ‪ 5‬على العرش استوى} أي رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما الذي‬ ‫استوى على عرشه استواءً يليق به يدبر أمر مخلوقاته‪ ،‬الذي {له ‪ 6‬ما في السموات وما في‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نزلت (طه) تبل إسلم عمر رضي ال عنه لما روي‪ :‬أنه دخل على بيت ختنه سعيد بن زيد‬ ‫فوجده يقرأها مع زوجه فاطمة بنت الخطاب أخت عمر رضي ال عنهم أجمعين فطلبها فلم يُعطها‬ ‫حتى اغتسل فلمّا قرأها لن قلبه ورق للسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬إن طه بمعنى‪ :‬يا رجل لغة معروفة في عكل حتى إنك إذا ناديت المرء بيا رجل لم يجبك‬ ‫حتى تقول‪ :‬طه وأنشد الطبري في هذا قول الشاعر‪:‬‬ ‫دعوت بطه في القتال فلم يجب‬ ‫فخفت عليه أن يكون مزيلً‬ ‫‪3‬التذكرة‪ :‬خطور المنسي بالذهن لنّ التوحيد مستقر في الفطرة والشراك مناف لها فسماع‬ ‫القرآن كقراءته يثير كامن التوحيد في فطرة النسان‪.‬‬ ‫‪( 4‬تنزيل) حال من القرآن‪ ،‬المراد منها التنويه بشأن القرآن والعلن عن خطره‪.‬‬ ‫‪( 5‬الرحمن) يجوز أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف أي‪ :‬هو الرحمن جل جلله‪ .‬ويجوز أن تكون‬ ‫مبتدأ واختير اسم الرحمن لن المشركين ينكرون اسم الرحمن جهلً منهم وعنادا‪.‬‬ ‫‪ 6‬تقديم الجار والمجرور‪ :‬مؤذن بالحصر‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬إذ ليس لحد ملك السموات والرض وما‬ ‫فيهما وما بينهما وما تحت الثرى سواه عزّ وجلّ‪.‬‬

‫( ‪)3/338‬‬ ‫الرض وما بينهما وما تحت الثرى ‪ }1‬من الرضين السبع‪ .‬وقوله {وإن تجهر بالقول} أيها‬ ‫الرسول أو تُسِر {فإنه يعلم السر وأخفى ‪ } 2‬من السر؛ وهو ما قدره ال وهو واقع في وقته المحدد‬ ‫له فعلمه تعالى ولم يعلمه النسان بعد‪ .‬وقوله‪{ :‬ال ل إله إلّ هو} أي ال المعبود بحق الذي ل‬ ‫معبود بحق سواه {له السماء الحسنى} التي ل تكون إلّ له‪ ،‬ول تكون لغيره من مخلوقاته‪ .‬وهكذا‬ ‫عرّف تعالى عباده به ليعرفوه فيخافونه ويحبونه فيؤمنون به ويطيعونه فيكملون على ذلك‬

‫ويسعدون فلله الحمد وله المنة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبطال نظرية أن التكاليف الشرعية شاقة ومرهقة للعبد‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة الوحي وإثبات النبوة المحمدية‪،‬‬ ‫‪ -3‬تقرير الصفات اللهية كالستواء ووجوب اليمان بها بدون تأويل أو تعطيل أو تشبيه بر بل‬ ‫اثباتها على الوجه الذي يليق بصاحبها عزّ وجلّ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير ربوبية ال لكل شيء‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير التوحيد وإثبات أسماء ال تعالى الحسنى وصفاته العلى‪.‬‬ ‫ستُ نَارًا ّلعَلّي آتِيكُم مّ ْنهَا ِبقَبَسٍ‬ ‫وَ َهلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (‪ِ )9‬إذْ رَأَى نَارًا َفقَالَ لهْلِهِ ا ْمكُثُوا إِنّي آنَ ْ‬ ‫جدُ عَلَى النّارِ ُهدًى (‪ )10‬فََلمّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (‪ )11‬إِنّي أَنَا رَ ّبكَ فَاخْلَعْ َنعْلَ ْيكَ إِ ّنكَ بِا ْلوَادِ‬ ‫َأوْ أَ ِ‬ ‫طوًى (‪ )12‬وَأَنَا اخْتَرْ ُتكَ فَاسْ َتمِعْ ِلمَا يُوحَى (‪ )13‬إِنّنِي أَنَا اللّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا‬ ‫ا ْل ُمقَدّسِ ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ما تحت الثرى‪ :‬هو باطن الرض كله‪.‬‬ ‫‪ 2‬وجائز أن يكون أخفى السر‪ :‬حديث النفس إذ هو أخفى من السر إذ السر ينطق به‪ ،‬وخاطر‬ ‫النفس ل ينطق به‪.‬‬

‫( ‪)3/339‬‬ ‫سعَى (‪)15‬‬ ‫خفِيهَا لِ ُتجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا تَ ْ‬ ‫فَاعْبُدْنِي وََأقِمِ الصّلةَ لِ ِذكْرِي (‪ )14‬إِنّ السّاعَةَ ءاَتِيَةٌ َأكَادُ ُأ ْ‬ ‫فَل َيصُدّ ّنكَ عَ ْنهَا مَنْ ل ُي ْؤمِنُ ِبهَا وَاتّبَعَ َهوَاهُ فَتَرْدَى (‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل أتاك‪ :‬قد أتاك فالستفهام للتحقيق‪..‬‬ ‫حديث موسى‪ :‬أي خبره وموسى هو ابن عمران نبي بني إسرائيل‬ ‫إذ رأى نارا ‪ :‬أي حين رؤيته نارا‪.‬‬ ‫لهله ‪ :‬زوجته بنت شعيب ومن معها من خادم أو ولد‪.‬‬ ‫آنست نارا‪ :‬أي أبصرتها من بعد‪.‬‬ ‫بقبس ‪ : 1‬القبس عود في رأسه نار‪.‬‬ ‫على النار هدى‪ :‬أي ما يهديني الطريق وقد ضل الطريق إلى مصر‪.‬‬ ‫فلما أتاها ‪ :‬أي النار وكانت في شجرة من العوسج ونحوه تتللؤ نورا ل نارا‪.‬‬ ‫نودي يا موسى ‪ :‬أي ناداه ربه قائلً له يا موسى‪!....‬‬

‫المقدس طوى ‪ :2‬طوى اسم للوادي المقدس المطهر‪.‬‬ ‫اخترتك‪ :‬من قومك لحمل رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل‪.‬‬ ‫فاستمع لما يوحى‪ :‬أي إليك وهو قوله تعالى‪{ :‬إنني أنا ال ل إله إلّ أنا}‪.‬‬ ‫لذكري ‪ :‬أي لجل أن تذكرني فيها‪.‬‬ ‫أكاد أخفيها ‪ :3‬أي أبالغ في اخفائها حتى ل يعلم وقت مجيئها أحد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬القبس والمقباس يقال‪ :‬قبست منه نارا أقبس قبسا فقبسنى أي‪ :‬أعطاني منه قبسا بتحريك السين‬ ‫مفتوحة‪ ،‬واقتبست منه علما لن العلم نور‪ ،‬من مادة النار التي هي الضياء والشراق‪.‬‬ ‫‪ 2‬طوى بالكسر وبالضم أشهر وبه قراءة عامة القراء‪ ،‬وهو اسم للوادي وفي لفظه ما يشير إلى‬ ‫أنه مكان فيه ضيق كالثوب المطوي أو لن موسى طواه سيرا‪.‬‬ ‫‪ 3‬لما كانت الساعة مخفية الوقوع أثار قوله تعالى {أكاد أخفيها} تساؤلت كثيرة أقربها إلى الواقع‬ ‫ثلثة‪ .‬الول‪ :‬إخفاء الحديث عنها لن الحديث عنها ل يزيد المعاندين من منكري البعث إلّ عنادا‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬أنّ كاد زائدة والتقدير‪ :‬أنّ الساعة آتية أخفيها‪ ،‬والثالث‪ :‬أن أخفيها بمعنى‪ :‬أزيل خفاءها‬ ‫بأن أظهرها فتكون الهمزة للسلب نحو أعجم الكتاب‪ :‬أزال عجمته وأشكى زيدا‪ :‬إذا أزال شكواه‪.‬‬

‫( ‪)3/340‬‬ ‫بما تسعى ‪ :‬أي سعيها في الخير أو في الشر‪.‬‬ ‫فتردى ‪ :‬أي تهلك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في تقرير التوحيد ففي نهاية الية السابقة (‪ )8‬كان قوله تعالى {ال ل إله إلّ‬ ‫هو له السماء الحسنى} تقريرا للتوحيد وإثباتا له وفي هذه الية (‪ )9‬يقرره تعالى عن طريق‬ ‫ل هو أي ل معبود‬ ‫الخبار عن موسى‪ ،‬وأن أول ما أوحاه إليه من كلمه كان إخباره بأنه ل إله إ ّ‬ ‫غيره وأمره بعبادته‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬وهل أتاك ‪ }1‬أي يا نبينا {حديث موسى ‪ 2‬إذ رأى نارا}‪ ،‬وكان‬ ‫في ليلة مظلمة شاتية وزنده الذي معه لم يقدح له نارا {فقال لهله} أي زوجته ومن معها وقد‬ ‫ضلوا طريقهم لظلمة الليل‪{ ،‬امكثوا} أي ابقوا هنا فقد آنست نارا أي أبصرتها {لعلي آتيكم منها‬ ‫بقبس} فنوقد به نارا تصطلون بها أي تستدفئون بها‪{ ،‬أو أجد على النار هدى} أي أجد حولها ما‬ ‫يهدينا طريقنا الذي ضللناه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فلما أتاها} أي أتى النار ووصل إليها وكانت شجرة ‪ 3‬تتللؤ نورا {نودي يا موسى}‬ ‫أي ناداه ربه تعالى قائلً يا موسى {إني ‪ 4‬أنا ربك } أي خالقك ورازقك ومدبر أمرك {فاخلع‬ ‫نعليك إنك بالواد المقدس طوى} وذلك من أجل أن يتبرك بملمسة الوادي المقدس بقدميه‪ .‬وقوله‬

‫تعالى {وأنا أخترتك} أي لحمل رسالتي إلى من أرسلك إليهم‪{ .‬فاستمع لما يوحى ‪ }5‬أي إليك وهو‪:‬‬ ‫{إنني أنا ال ل إله إلّ أنا} أي أنا ال المعبود بحق ول معبود بحق غيري وعليه فاعبدني وحدي‪،‬‬ ‫{وأقم الصلة لذكري ‪ ، }6‬أي لجل أن تذكرني فيها وبسببها‪ .‬فلذا من لم يصل لم يذكر ال تعالى‬ ‫وكان بذلك كافرا لربه تعالى‪ .‬وقوله {إن الساعة آتية ‪ }7‬أي ان الساعة التي يقوم فيها الناس أحياء‬ ‫من قبورهم للحساب والجزاء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الستفهام أريد به التشويق لما يلقى لعظيم فائدته‪ ،‬وهل هنا بمعنى قد المفيدة للتحقيق هي‬ ‫كما في قوله‪{ :‬هل أتى على النسان حين من الدهر} أي قد أتى‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحديث‪ :‬الخبر‪ ،‬ويجمع على غير قياس‪ :‬أحاديث‪ ،‬وقيل‪ :‬واحده أحدوثة واستغنوا به عن جمع‬ ‫فعلء لن فعيل يجمع على فعلء‪ .‬كرحيم ورحماء وسعيد وسعداء وهو اسم للكلم الذي يحكى به‬ ‫أمر قد حدث في الخارج‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل‪ :‬هي شجرة عنّاب‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ حمزة وحده‪ ،‬وانّا اخترناك بضمير العظمة‪.‬‬ ‫‪ 5‬في هذه الية إشارة إلى أن التعارف بين المتلقين حسن فقد عرفه تعالى بنفسه في أوّل لقاء‬ ‫معه‪ ،‬روى أنه وقف على حجر واستند على حجر ووضع يمينه على شماله‪ ،‬وألقى ذقنه على‬ ‫صدره وهذه حالة الستماع المطلوبة من صاحبها‪.‬‬ ‫‪ 6‬استدل مالك على أن من نام عن صلة أو نسيها فإنه يصليها مستدل بقوله تعالى‪{ :‬وأقم الصلة‬ ‫لذكري} أي‪ :‬لول وقت ذكرك لها والسنة صريحة في هذا إذ قال صلى ال عليه وسلم "من نام‬ ‫عن صلة أو نسيها فليصلها متى ذكرها فل كفارة لها إلّ ذاك"‬ ‫‪ 7‬الساعة علم بالغلبة على ساعة البعث والحساب‪.‬‬

‫( ‪)3/341‬‬ ‫آتية ل محالة‪ .‬من أجل مجازاة العبادّ على أعمالهم وسعيهم طوال أعمارهم من خير وشر‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫{أكاد أخفيها} أي أبالغ في إخفائها حتى أكاد أخفيها عن نفسي‪ .‬وذلك لحكمة أن يعمل الناس ما‬ ‫يعملون وهم ل يدرون متى يموتون ول متى يبعثون فتكون أعمالهم بإراداتهم ل إكراه عليهم فيها‬ ‫فيكون الجزاء على أعمالهم عادل‪ ،‬وقوله‪{ :‬فل يصدنك عنها من ل يؤمن بها فتردى} ينهى تعالى‬ ‫موسى أن يَقبل صدّ صادٍ من المنكرين للبعث متبعي الهوى عن اليمان بالبعث والجزاء والتزود‬ ‫بالعمال الصالحة لذلك اليوم العظيم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون‪ ،‬فإن من‬ ‫ل يؤمن بها ول يتزود لها يردى أي يهلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة لمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد وإثباته‪ ،‬وأن الدعوة إلى ل إله إلّ ال دعوة كافة الرسل‪.‬‬ ‫‪ -3‬إثبات صفة الكلم ل تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية التبرك بما جعله ال تعالى مباركا‪ ،‬والتبرك التماس البركة حسب بيان الرسول‬ ‫وتعليمه‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب إقام الصلة وبيان علة ذلك وهو ذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان الحكمة في إخفاء الساعة مع وجوب إتيانها وحتميته‪.‬‬ ‫علَى غَ َنمِي وَِليَ فِيهَا‬ ‫عصَايَ أَ َت َوكّأُ عَلَ ْيهَا وَأَهُشّ ِبهَا َ‬ ‫َومَا تِ ْلكَ بِ َيمِي ِنكَ يَا مُوسَى (‪ )17‬قَالَ ِهيَ َ‬ ‫خفْ‬ ‫سعَى (‪ )20‬قَالَ خُذْهَا وَل تَ َ‬ ‫مَآ ِربُ ُأخْرَى (‪ )18‬قَالَ أَ ْل ِقهَا يَا مُوسَى (‪ )19‬فَأَ ْلقَاهَا فَإِذَا ِهيَ حَيّةٌ َت ْ‬ ‫حكَ تَخْرُجْ بَ ْيضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً ُأخْرَى (‬ ‫ضمُمْ َي َدكَ إِلَى جَنَا ِ‬ ‫سَ ُنعِي ُدهَا سِيرَ َتهَا الولىَ (‪ )21‬وَا ْ‬ ‫‪ )22‬لِنُرِ َيكَ‬

‫( ‪)3/342‬‬ ‫طغَى (‪)24‬‬ ‫عوْنَ إِنّهُ َ‬ ‫مِنْ آيَاتِنَا ا ْلكُبْرَى (‪ )23‬اذْ َهبْ إِلَى فِرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما تلك بيمينك يا موسى‪ :‬الستفهام للتقرير ليرتب عليه المعجزة وهي انقلبها حية‪.‬‬ ‫أتوكأ عليها‪ :‬أي أعتمد عليها‪.‬‬ ‫وأهش بها على غنمي ‪ :‬أخبط بها ورق الشجر فيتساقط فتأكله الغنم‪.‬‬ ‫ولي فيها مآرب أخرى ‪ :‬أي حاجات أخرى كحمل الزاد بتعليقه فيها ثم حمله على عاتقه‪ ،‬وقتل‬ ‫الهوام‪.‬‬ ‫حية تسعى ‪ :‬أي ثعبان عظيم‪ ،‬تمشي على بطنها بسرعة كالثعبان الصغير المسمى بالجان‪.‬‬ ‫سيرتها الولى ‪ :‬أي إلى حالتها الولى قبل أن تنقلب حيّة‪.‬‬ ‫إلى جناحك‪ :‬أي إلى جنبك اليسر تحت العضد إلى البط‪.‬‬ ‫بيضاء من غير سوء‪ :‬أي من غير برص تضيء كشعاع الشمس‪.‬‬ ‫اذهب إلى فرعون‪ :‬أي رسولً إليه‪.‬‬ ‫إنه طغى‪ :.‬تجاوز الحد في الكفر حتى ادعى اللوهية‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم مع موسى وربه تعالى إذ سأله الرب تعالى وهو أعلم به وبما عنده قائلً‪:‬‬ ‫{وما تلك بيمينك يا موسى ‪1‬؟} يسأله ليقرر بأن ما بيده عصا من خشب يابسة‪ ،‬فإذا تحولت إلى‬

‫حية تسعى علم أنها آية له أعطاه إياها ربه ذو القدرة الباهرة ليرسله إلى فرعون وملئه‪ .‬وأجاب‬ ‫موسى ربه قائلً‪{ :‬هي عصاي أتوكأ عليها وأهش ‪ 2‬بها على غنمي } يريد يخبّط بها الشجر‬ ‫اليابس فيتساقط الورق فتأكله الغنم {ولي فيها مآرب ‪ }3‬أي حاجات‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة معطوفة على الجمل قبلها‪ ،‬وهي استفهامية أي‪ :‬وما التي بيمينك؟ والمقصود تقرير‬ ‫المر حتى يقول موسى‪ :‬هي عصاي‪.‬‬ ‫‪ 2‬في هذه الية دليل على جواز إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه‪ .‬وفي الحديث وقد سئل عن ماء‬ ‫البحر فقال‪" :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته" فزاد جملة‪" :‬الحل ميتته" وقوله للتي سألته قائلة‪ :‬ألهذا‬ ‫حج؟ قال ‪ :‬نعم ولك أجر" فزاد "ولك أجر" وفي البخاري‪ :‬باب من أجاب السائل بأكثر مما سأل‪.‬‬ ‫‪ 3‬الواحد‪ :‬مأربة مثلثة الراء‪.‬‬

‫( ‪)3/343‬‬ ‫{أخرى ‪ }1‬كحمل الزاد والماء يعلقه بها ويضعه على عاتقه كعادة الرعاة وقد يقتل بها الهوام‬ ‫الضارة كالعقرب والحية‪ .‬فقال له ربه عز وجل {ألقها يا موسى فألقاها} من يده {فإذا هي حية‬ ‫تسعى ‪ }2‬أي ثعبان عظيم تمشي على بطنها كالثعبان الصغير المسمى بالجان فخاف موسى منها‬ ‫وولى هاربا فقال له الرب تعالى‪{ :‬خذها ول تخف سنعيدها سيرتها الولى ‪ }3‬أي نعيدها عصا‬ ‫كما كانت قبل تحولها إلى حية وفعل أخذها فإذا هي عصاه التي كانت بيمينه‪ .‬ثم أمره تعالى‬ ‫بقوله‪{ :‬واضمم يدك} أي اليمنى {إلى جناحك ‪ }4‬اليسر {تحرج بيضاء من غير سوء} أي برص‬ ‫وفعل فضم يده تحت عضده إلى إبطه تم استخرجها فإذا هي تتللؤ كأنها فلقة قمر‪ ،‬أو كأنها الثلج‬ ‫بياضا أو أشد‪ ،‬وقوله تعالى {آية أخرى} أي آية لك دالة على رسالتك أخرى إذ الولى هي انقلب‬ ‫العصا إلى حية تسعى كأنها جان‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬لنريك من آياتنا الكبرى} أي حولنا لك العصا‬ ‫حية وجعلنا يدك تخرج بيضاء من أجل أن نريك من دلئل قدرتنا وعظيم سلطاننا‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{إذهب إلى فرعون إنه طغى} لما أراه من عجائب قدرته أمره أن يذهب إلى فرعون رسولً إليه‬ ‫يأمره بعبادة ال وحده وأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرج بهم إلى أرض المعاد بالشام وقوله {إنه‬ ‫طغى} أي تجاوز قدره‪ ،‬وتعدى حده كبشر إذ أصبح يدعي الربوبية واللوهية إذ فقال‪{ :‬أنا ربكم‬ ‫العلى} وقال‪{ :‬ما علمت لكم من إله غيري } ‪ ،‬فأي طغيان أكبر من هذا الطغيان‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبغ الرسول محمد صلى ال عليه وسلم إذ مثل هذه الخبار ل تصح إلّ ممن يوحى‬ ‫إليه‪.‬‬

‫‪ -2‬استحباب تناول الشياء غير المستقذرة باليمين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬مشروعية حمل العصا ‪.5‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أطنب موسى في الجواب طلبا لمزيد النس بالوقوف بين يدي ربّه يناجيه ويوحي إليه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحية‪ :‬اسم لصنف من الحنش مسموم إذا عض بنابيه قتل المعضوض‪.‬‬ ‫‪ 3‬السيرة في الصل‪ :‬هيئة السير ونقلت إلى العادة والطبيعة‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجناح‪ :‬العضد وما تحته من البط فهو مع اليد كجناح الطائر‪.‬‬ ‫‪ 5‬كان خطاء العرب يحملونها في أثناء الخطاب يشيرون بها‪ ،‬وكره هذا الشعوبيون من غير‬ ‫العرب وهم محجوجون بفعل الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وللّعصا فوائد كثيرة آخر فوائدها أنها‬ ‫تذكر بالسفر إلى الخرة‪.‬‬

‫( ‪)3/344‬‬ ‫‪ -4‬سنة رعي الغنم للنبياء‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية التدريب على السلح قبل استعماله في المعارك‪.‬‬ ‫‪ -6‬آية موسى في انقلب العصا حية وخروج اليد بيضاء كأنها الثلج أو شعاع شمس‪.‬‬ ‫‪ -7‬بيان الطغيان‪ :‬وهو ادعاء العبد ما ليس له كاللوهية ونحوها‪.‬‬ ‫عقْ َدةً مّن لّسَانِي (‪َ )27‬ي ْف َقهُوا َقوْلِي‬ ‫قَالَ َربّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (‪ )25‬وَيَسّرْ لِي َأمْرِي (‪ )26‬وَاحُْللْ ُ‬ ‫جعَل لّي وَزِيرًا مّنْ أَهْلِي (‪ )29‬هَارُونَ أَخِي (‪ )30‬اشْ ُددْ بِهِ أَزْرِي (‪ )31‬وَأَشْ ِر ْكهُ فِي‬ ‫(‪ )28‬وَا ْ‬ ‫حكَ كَثِيرًا (‪ )33‬وَنَ ْذكُ َركَ كَثِيرًا (‪ )34‬إِ ّنكَ كُنتَ بِنَا َبصِيرًا (‪)35‬‬ ‫َأمْرِي (‪َ )32‬كيْ ُنسَبّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اشرح لي صدري ‪ :‬أي وسعه لي لتحمل الرسالة‪.‬‬ ‫ويسر لي أمري‪ :‬أي سهله حتى أقوى على القيام به‪.‬‬ ‫واحلل عقدة من لساني ‪ :1‬أي حبسة حتى أُفهم من أُخاطب‪.‬‬ ‫اشدد به أزري ‪ :‬أي قوي به ظهري‪.‬‬ ‫وأشركه في أمري‪ :‬أي اجعله نبيا كما نبأتني ‪.2‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في حديث موسى عليه السلم مع ربه سبحانه وتعالى إنه بعد أن أمر ال‬ ‫تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون ليدعوه إلى عبادة ال وحده وإرسال بني إسرائيل مع موسى‬ ‫ليذهب به إلى أرض القدس قال موسى عليه السلم لربه تعالى {اشرح لي صدري} لتحمل أعباء‬ ‫الرسالة {ويسر لي أمري} أي سهل مهمتي عليّ وارزقني العون‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬أصل العقدة‪ :‬موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر وهي فُعلة كغرفة وشرفة أطلقت‬ ‫على عسر النطق بالكلم أو ببعض الحروف ويقال‪ :‬حُبسة فشبه موسى حبسة لسانه بالعقدة في‬ ‫الحبل ونحوه‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال‪ :‬ما برّ أخ أخاه كما برّ موسى أخاه هارون إذ طلب له أشرف مطلب الرسالة والنبوة‪.‬‬

‫( ‪)3/345‬‬ ‫عليها فإنها صعبة شاقة‪{ .‬واحلل عقدة من لساني } تلك العقدة التي نشأت بسبب الجمرة التي ألقاها‬ ‫في فمه بتدبير ال عزّ وجلّ حيث عزم فرعون على قتله لما وضعه في حجره يلعبه فأخذ موسى‬ ‫بلحية فرعون ونتفها فغضب فقالت له آسية إنه ل يعقل لصغر سنه وقالت له تختبره بوضع‬ ‫جواهر في طبق وجمر في طست ونقدمهما له فإن أخذ الجواهر فهو عاقل ودونك افعل به ما‬ ‫شئت‪ ،‬وإن أخذ الجمر فهو غير عاقل فل تحفل به ول تغتم لفعله‪ ،‬وقدم لموسى الطبق والطست‬ ‫فمد يده إلى الطست بتدبير ال فأخذ جمرة فكانت سبب هذه العقدة فسأل موسى ربه أن يحلها من‬ ‫لسانه ليفصح إذا خاطب فرعون ويبين فيفُهم قوله‪ ،‬وبذلك يؤدي رسالته‪ .‬هذا معنى قوله‪{ :‬واحلل‬ ‫عقدة من لسان يفقهوا قولي}‪.1‬‬ ‫وقوله تعالى فيما أخبر عن موسى {واجعل لي وزيرا‪ 2‬من أهلي هارون أخي} أي طلب من ال‬ ‫تعالى أن يجعل له من أخيه هارون معينا على تبليغ الرسالة وتحمل أعبائها‪ .‬وقوله‪{ :‬اشدد به‬ ‫أزري ‪ }3‬أي قو به ظهري‪ .‬وقوله‪{ :‬وأشركه في أمري} وذلك بتنبئته وإرساله ليكون هارون نبيا‬ ‫رسولً‪ .‬وعلل موسى عليه الصلة والسلم لطلبه هذا بقوله‪{ :‬كي نسبحك ‪ 4‬كثيرا ونذكرك‬ ‫كثيرا} ‪ ،‬وقوله {إنك كنت بنا بصيرا} أي أنك كنت ذا بصر بنا ل يخفى عليك شيء من أمرنا‬ ‫وهذا من موسى توسل إلى ال تعالى في قبول دعائه وما طلبه من ربه توسل إليه بعلمه تعالى به‬ ‫وبأخيه وبحالهما‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب اللجأ إلى ال تعالى في كل ما يهم العبد‪.‬‬ ‫‪ 2‬مشروعية الخذ بالُهبة والستعداد لما يعتزم العبد القيام به‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة التسبيح والذكر‪ ،‬والتوسل بأسماء ال وصفاته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في هل انحلّت تلك العقدة أو لم تنحل‪ ،‬والصحيح أنها انحلّت إجابة ال تعالى لدعوة‬ ‫موسى إذ قال‪{ :‬قد أجيبت دعوتكما} وأما قول فرعون‪ :‬ول يكاد يبين فهو تكرار لما سبق ولجل‬

‫النتقاص من كمال موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الوزير‪ :‬المؤزار كالكيل للمؤاكل‪ ،‬وفي حديث النسائي‪" :‬من ولي منكم عملً فأراد ال به خيرا‬ ‫جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه"‪.‬‬ ‫‪ 3‬الزر‪ :‬الظهر من موضع الحقوين‪ ،‬والزر‪ :‬القوة أيضا وآزره أي‪ :‬قواه‪ ،‬وقيل‪ :‬الزر العون‪،‬‬ ‫ومنه قول أبي طالب‪.‬‬ ‫أليس أبونا هاشم شدّ أزره‬ ‫وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب‬ ‫‪ 4‬في هذه الية دليل على فضل التسبيح والذكر إذ لول أن موسى علم حب ال تعالى لهما لما‬ ‫توسل بهما لقضاء حاجته‪.‬‬

‫( ‪)3/346‬‬ ‫سؤَْلكَ يَا مُوسَى (‪ )36‬وََلقَدْ مَنَنّا عَلَ ْيكَ مَ ّرةً ُأخْرَى (‪ )37‬إِذْ َأوْحَيْنَا إِلَى ُأ ّمكَ مَا يُوحَى‬ ‫قَالَ َقدْ أُوتِيتَ ُ‬ ‫خ ْذهُ عَ ُدوّ لّي وَعَ ُدوّ لّ ُه وَأَ ْلقَ ْيتُ‬ ‫حلِ يَأْ ُ‬ ‫(‪ )38‬أَنِ اقْ ِذفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْ ِذفِيهِ فِي الْيَمّ فَلْيُ ْلقِهِ الْيَمّ بِالسّا ِ‬ ‫عَلَ ْيكَ مَحَبّةً مّنّي وَلِ ُتصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (‪ )39‬إِذْ َت ْمشِي ُأخْ ُتكَ فَ َتقُولُ َهلْ أَ ُدّلكُمْ عَلَى مَن َي ْكفُلُهُ‬ ‫ن َوقَتَ ْلتَ َنفْسًا فَنَجّيْنَاكَ مِنَ ا ْلغَمّ َوفَتَنّاكَ فُتُونًا فَلَبِ ْثتَ سِنِينَ‬ ‫جعْنَاكَ إِلَى ُأ ّمكَ َكيْ َتقَرّ عَيْ ُنهَا وَل َتحْزَ َ‬ ‫فَرَ َ‬ ‫فِي َأ ْهلِ مَدْيَنَ ثُمّ جِ ْئتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (‪ )40‬وَاصْطَ َنعْ ُتكَ لِ َنفْسِي (‪)41‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قد أوتيت سؤلك ‪ : 1‬أي مسؤولك من انشراح صدرك وتيسير أمرك وانحلل عقدة لسانك‪ ،‬وتنبئة‬ ‫أخيك‪.‬‬ ‫ولقد مننا عليك مرة أخرى‪ :‬أي أنعمنا عليك مع مرة أخرى قبل هذه‪.‬‬ ‫مما يوحى‪ :‬أي في شأنك وهو قوله‪ :‬أن اقذفيه الخ‪.‬‬ ‫في التابوت ‪ :‬أي الصندوق‪.‬‬ ‫فاقذفيه في اليم‪ :‬أي في نهر النيل‪.‬‬ ‫ولتصنع على عيني ‪ :2‬تربى بمرأى مني ومحبة وإرادة‪.‬‬ ‫على من يكفله ‪ :‬ليكمل له رضاعه‪.‬‬ ‫وقتلت نفسا ‪ :‬هو القبطي الذي قتلته بمصر وهو في بيت فرعون‪.‬‬ ‫فنجيناك من الغم‪ :-‬إذ استغفرتنا فغفرنا لك وأئتمروا بك ليقتلوك فنجيناك منهم‪.‬‬ ‫وفتناك فتونا ‪:‬أي اختبرناك اختبارا وابتليناك ابتلء عظيما‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬سؤل بمعنى مسؤول كخبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول‪.‬‬ ‫‪ 2‬الصنع هنا‪ :‬بمعنى التربية والتنمية‪.‬‬

‫( ‪)3/347‬‬ ‫جئت على قدر ‪ : 1‬أي جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون‪.‬‬ ‫واصطنعتك لنفسي‪ :‬أي أنعمت عليك بتلك النعم اجتباءً منا لك لتحمل رسالتنا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في حديث موسى مع ربه تعالى فقد تقدم أن موسى عليه السلم سأل ربه أمورا‬ ‫لتكون عونا له على حمل رسالته فأجابه تعالى بقوله‪ :‬في هذه الية (‪{ )36‬قال قد أوتيت سؤلك يا‬ ‫موسى} أي قد أعطيت ما طلبت‪{ ،‬ولقد مننا عليك مرة أخرى} أي قبل هذه الطلبات وهي أنه لما‬ ‫أمر فرعون بذبح أبناء بني إسرائيل ‪{ :2‬إذ أوحينا ‪ 3‬إلى أمك أن اقذفيه في التابوت} أي في‬ ‫الصدوق ‪{ 4‬فاقذفيه في اليم} أي نهر النيل {فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو ‪ 5‬له} فهذه‬ ‫النجاة نعمة‪ ،‬ونعمة أخرى تضمنها قوله تعالى‪{ :‬وألقيت عليك محبة مني} أي أضفيت عليك‬ ‫محبتي فأصبح من يراك يحبك‪ ،‬ونعمة أخرى وهي‪ :‬من أجل أن تُربّى وتغذى على مرأى مني‬ ‫وإرادة لي أرجعتك بتدبيري إلى أمك لترضعك وتقر عينها ول تحزن على فراقك‪ ،‬وهو ما تضمنه‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إذ تمشي أختك ‪ }6‬فتقول‪{ :‬هل أدلكم على من يكفله } لكم أي لرضاعه وتربيته‪.‬‬ ‫{فرجعناك إلى أمك كي تقرعينها ول تحزن}‪ ،‬ونعمة أخرى وهي أعظم إنجاؤنا لك من الغم الكبير‬ ‫بعد قتلك النفس وائتمار آل فرعون على قتلك {فنجيناك من الغم} من القتل وغفرنا لك خطيئة‬ ‫القتل‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وفتناك فتونا} ‪ 7‬أي ابتليناك ابتلءً عظيما وها هي ذي خلصته في الرقام‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬حمل أمك بك في السنة التي يقتل فيها أطفال بني إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ -2‬إلقاء أُمك بك في اليم‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحريم المراضع عليك حتى رجعت إلى أمك‪.‬‬ ‫‪ -4‬أخذك بلحية فرعون وهمه بقتلك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫نال الخلفة أو كانت له قدرا‬ ‫كما أتى موسى ربه على قدر‬ ‫‪ 2‬أوحى ال تعالى إلى أم موسى‪{ :‬أن اقذفيه‪ }..‬الية‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا إلهام لها أو منام إذ لم تكن نبيّة إجماعا‪.‬‬

‫‪ 4‬الساحل‪ :‬الشاطىء‪ ،‬وهو ساحل معهود وهو الذي يقصده آل فرعون للسباحة‪ .‬واللم في‬ ‫(فليلقه) لم التكوين اللهي‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذا العدو‪ :‬فرعون عدو ال تعالى وعدو موسى وبني إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ 6‬أخت موسى تسمى مريم بنت عمران‪.‬‬ ‫‪ 7‬الفتون‪ :‬مصدر كالدخول والخروج وهو كالفتنة‪ ،‬وهي اضطراب حال المرء في مدة حياته‪.‬‬

‫( ‪)3/348‬‬ ‫‪ -5‬قتلك القبطي وائتمار آل فرعون بقتلك‪.‬‬ ‫‪ -6‬إقامتك في مدين وما عانيت من آلم الغربة‪.‬‬ ‫‪ - 7‬ضللك الطريق بأهلك وما أصابك من الخوف والتعب‪.‬‬ ‫هذه بعض ما يدخل تحت قوله تعالى‪ :‬وفتناك فتونا وقوله {فلبثت سنين في أهل مدين ‪ }1‬ترعى‬ ‫غنم شعيب عشرا من السنين {ثم جئت} من مدين إلى طور سينا {على قدر} منا مقدر ووعد محدد‬ ‫ما كنت تعلمه حتى لقيته‪ .‬واصطنعتك لنفسي أي خلقتك وربيتك وابتليتك واتيت بك على موعد‬ ‫قدّرْته لك لُحمّلك عبء الرسالة إلى فرعون وبني إسرائيل‪ :‬إلى فرعون لتدعوه إلى عبادتنا‬ ‫وإرسال بني إسرائيل معك إلى أرض المعاد‪ .‬وإلى بني إسرائيل لهدايتهم وإصلحهم وإعدادهم‬ ‫للسعاد والكمال في الدارين إن هم آمنوا واستقاموا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر لطف ال تعالى وحسن تدبيره في خلقه‪.‬‬ ‫‪ -2‬مظاهر إكرام ال تعالى ولطفه بعبده ورسوله موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬آية حب ال تعالى لموسى‪ ،‬وأثر ذلك في حب الناس له‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم بإخباره في كتابه بمثل هذه الحداث في قصص موسى‬ ‫عليه السلم‪.‬‬ ‫طغَى (‪َ )43‬فقُول َلهُ َقوْل‬ ‫عوْنَ إِنّهُ َ‬ ‫ت وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَل تَنِيَا فِي ِذكْرِي (‪ )42‬اذْهَبَا إِلَى فِرْ َ‬ ‫اذْ َهبْ أَن َ‬ ‫طغَى (‪ )45‬قَالَ ل َتخَافَا‬ ‫خشَى (‪ )44‬قَال رَبّنَا إِنّنَا نَخَافُ أَن َيفْرُطَ عَلَيْنَا َأوْ أَن يَ ْ‬ ‫لّيّنًا ّلعَلّهُ يَ َت َذكّرُ َأوْ يَ ْ‬ ‫سلْ َمعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‬ ‫س َم ُع وَأَرَى (‪ )46‬فَأْتِيَاهُ َفقُول إِنّا َرسُول رَ ّبكَ فَأَرْ ِ‬ ‫إِنّنِي َم َعكُمَا أَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬مدين أحد أبناء إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وأهل مدين‪ :‬أي ‪ :‬البلد التي سميت باسم ابن إبراهيم هم‬ ‫قوم شعيب‪ ،‬والبلد على ساحل البحر الحمر جنوب العقبة‪.‬‬

‫( ‪)3/349‬‬ ‫حيَ إِلَيْنَا أَنّ ا ْل َعذَابَ‬ ‫ك وَالسّلمُ عَلَى مَنِ اتّبَعَ ا ْل ُهدَى (‪ )47‬إِنّا قَدْ أُو ِ‬ ‫وَل ُتعَذّ ْب ُهمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مّن رّ ّب َ‬ ‫عَلَى مَن كَ ّذبَ وَتَوَلّى (‪)48‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بآياتي‪ :‬أي بالمعجزات التي آتيتك كالعصا واليد وغيرها‪.‬‬ ‫ول تنيا في ذكري ‪ :‬أي ل تفترا ول تقصرا في ذكري فإنه سر الحياة وعونكما على أداء‬ ‫رسالتكما‪.‬‬ ‫إنه طغى ‪ :‬تجاوز قدره بادعائه اللوهية والربوبية‪.‬‬ ‫قول لينا ‪ :‬أي خاليا من الغلظة والعنف‪.‬‬ ‫لعله يتذكر ‪ :‬أي فيما تقولن فيهتدي إلى معرفتنا فيخشانا فيؤمن ويسلم ويرسل معكما بني‬ ‫إسرائيل‪.‬‬ ‫يفرط علينا ‪ :‬أي يعجل بعقوبتنا قبل أن ندعو‪ ،‬ونبين له‪.‬‬ ‫أو أن يطغى‪ :‬أي يزداد طغيانا وظلما‪.‬‬ ‫أسمع وأرى ‪ :‬أي اسمع ما تقولنه وما يقال لكما‪ ،‬وأرى ما تعملن وما يعمل لكما‪.‬‬ ‫فأرسل معنا بني إسرائيل ‪ :‬أي لنذهب بهم إلى أرض المعاد أرض أبيهم إبراهيم‪.‬‬ ‫بآية‪ :‬أي معجزة تدل على صدقنا في دعوتنا وأنا رسولً ربك حقا وصدقا‪.‬‬ ‫والسلم على من اتبع الهدى ‪ :‬أي النجاة من العذاب في الدارين لمن آمن واتقى‪ ،‬إذ الهدى إيمانٌ‬ ‫وتقوى‪.‬‬ ‫من كذب وتولى ‪ :‬أي كذب بالحق ودعوته وأعرض عنهما فلم يقبلهما‪.‬‬ ‫معنى اليات‬ ‫مازال السياق الكريم في الحديث عن موسى مع ربه تبارك وتعالى فقد أخبره تعالى في‬

‫( ‪)3/350‬‬ ‫الية السابقة أنه صنعه لنفسه‪ ،‬فأمره في هذه الية بالذهاب مع أخيه هارون مزودين بآيات ال‬ ‫وهي حججه التي أعطاهما من العصا واليد البيضاء‪ ،‬ونهاهما عن التواني في ذكر ال بأن يضعفا‬ ‫في ذكر وعده ووعيده فيقصرا في الدعوة إليه تعالى فقال ‪{ :‬اذهب أنت وأخوك بآياتي ‪ 1‬ول تنيا‬ ‫في ذكرى ‪ }2‬وبين لهما إلى من يذهبا وعلة ذلك فقال‪{ :‬إذهبا إلى فرعون إنه طغى} أي تجاوز‬ ‫قدره وتعدى حده من إنسان يعبد ال إلى إنسان كفار ادعى أنه رب وإله‪ ،‬وعلمهما اسلوب الدعوة‬

‫فقال لهما‪{ :‬فقول له قولً لينا} أي خاليا من الغلظة والجفا وسوء اللقاء وعلل لذلك فقال {لعله‬ ‫يتذكر أو يخشى ‪ }3‬أي رجاء أن يتذكر‪ ،‬معاني كلمكما وما تدعوانه إليه فيراجع نفسه فيؤمن‬ ‫ويهتدي ‪ 4‬أو يخشى العذاب إن بقى على كفره وظلمه فيسلم لكما بني إسرائيل ويرسلهم معكما‪،‬‬ ‫فأبدى موسى وأخو هارون تخوفا فقال ما أخبر تعالى به عنهما في قوله‪ :‬فقال {إنا نخاف أن‬ ‫يفرط علينا} أي يعجل بعقوبتنا بالضرب أو القتل‪{ ،‬أو أن يطغى ‪ }5‬أي يزداد طغيانا وظلما‪.‬‬ ‫فطمأنهما ربهما عز وجل بأنه معهما بنصره وتأييده وهدايته إلى كل ما فيه عزهما فقال لهما‪{ :‬ل‬ ‫تخافا} أي من فرعون وملئه‪{ :‬إنني معكما أسمع وأرى} اسمع ما تقولن لفرعون وما يقول لكما‪.‬‬ ‫وأرى ما تعملن من عمل وما يعمل فرعون وإني أنصركما عليه فأحق عملكما وأبطل عمله‪.‬‬ ‫فأتياه إذا ول تترددا فقول أي لفرعون {إنا رسولً ربك} أي إليك {فأرسل معنا بني إسرائيل }‬ ‫لنخرج بهما حيث أمر ال‪{ ،‬ول تعذبهم} بقتل رجالهم واستحياء نسائهم واستعمالهم في أسوء‬ ‫العمال وأحطها‪{ ،‬قد جئناك بآية من ‪ 6‬ربك} أي بحجة من ربك دالة على أنا رسول ربك إليك‬ ‫وأنه يأمرك بالعدل والتوحيد‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يروى أن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬اليات التسع‪ .‬وهذا باعتبار ما يكون وإلّ فما‬ ‫حصل هو آية العصا واليد ل غير‪.‬‬ ‫‪ 2‬ول تنيا؛ أي‪ :‬ول تضعفا‪ .‬يقال‪ :‬وني يني ونىً أي‪ :‬ضعف في العمل‪ .‬أي‪ :‬ل تني أنت وأبلغ‬ ‫هارون أن ل يني‪.‬‬ ‫‪ 3‬لعل‪ :‬حرف ترج ولكن هي هنا بالنسبة إلى موسى وهارون معناه‪ :‬لعل رجاءكما وطمعكما‪.‬‬ ‫فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر‪.‬‬ ‫‪ 4‬لقد تذكر فرعون وخشي وذلك ساعة غرقه ولم ينفعه ذلك إذ قال‪ :‬آمنت أنه ل إله إلّ الذي‬ ‫آمنت به بنو إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ 5‬قوله تعالى‪{ :‬قال ربنا إنا نخاف} الخ هذه بداية كلم موسى وهارون بعد أن انتهى كلم موسى‬ ‫مع ربه وحده‪ .‬قبل أن يصل إلى مصر‪ ،‬ومعنى‪ :‬يفرط يبادر بعقوبتهما ويعجلها‪ ،‬يقال‪ :‬فرط منه‬ ‫أمر أي‪ :‬بدر‪ ،‬وأفرط‪ :‬أسرف وفرط‪ :‬ترك وأضاع‪ ،‬وفي الية دليل عدم المؤاخذة بالخوف مما‬ ‫من شأنه أن يخاف‪ ،‬ولكن ل يمنع من عبادة ال تعالى التي هي علّة الخلق والوجود‪.‬‬ ‫‪ 6‬هي اليد والعصا‪.‬‬

‫( ‪)3/351‬‬ ‫وينهاك عن الظلم والكفر ومنع بني إسرائيل من الخروج إلى أرض المعاد معنا‪{ .‬والسلم على‬ ‫من اتبع الهدى} أي واعلم يا فرعون أن المان والسلمة يحصلن لمن اتبع الهدى الذي جئناك‬

‫به‪ ،‬فاتبع الهدى تسلم ‪ ،1‬وإلّ فأنت عرصة للمخاوف والهلك والدمار وذلك لنه {قد أوحى إلينا}‬ ‫أي أوحى إلينا ربنا‪{ ،‬أن العذاب ‪ 2‬على من كذب} بالحق الذي جئناك به {وتولى} عنه فأعرض‬ ‫عنه ولم يقبله كبرياءً وعنادا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫ل وتركا‪.‬‬ ‫‪ -1‬عظم شأن الذكر بالقلب واللسان والجوارح أي بالطاعة فع ً‬ ‫‪ -2‬وجوب مراعاة الحكمة في دعوة الناس إلى ربهم ‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير معية ال تعالى مع أوليائه وصالح عباده بنصرهم وتأييدهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن السلمة من عذاب الدنيا والخرة هي من نصيب متبعي الهدى‪.‬‬ ‫‪ -5‬شرعية إتيان الظالم وأمره ونهيه والصبر على أذاه‪.‬‬ ‫‪ -6‬عدم المؤاخذة على الخوف حيث وجدت أسبابه‪.‬‬ ‫شيْءٍ خَ ْلقَهُ ُثمّ َهدَى (‪ )50‬قَالَ َفمَا بَالُ‬ ‫عطَى ُكلّ َ‬ ‫قَالَ َفمَن رّ ّب ُكمَا يَا مُوسَى (‪ )49‬قَالَ رَبّنَا الّذِي أَ ْ‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ‬ ‫ضلّ رَبّي وَل يَنسَى (‪ )52‬الّذِي َ‬ ‫ا ْلقُرُونِ الولَى (‪ )51‬قَالَ عِ ْل ُمهَا عِندَ رَبّي فِي كِتَابٍ ل َي ِ‬ ‫سمَاء مَاء فََأخْرَجْنَا ِبهِ أَ ْزوَاجًا مّن نّبَاتٍ شَتّى (‪)53‬‬ ‫ال ْرضَ َمهْدًا وَسََلكَ َلكُمْ فِيهَا سُبُل وَأَنزَلَ مِنَ ال ّ‬ ‫ك ليَاتٍ لوْلِي الّنهَى (‪ )54‬مِ ْنهَا خََلقْنَاكُ ْم َوفِيهَا ُنعِي ُدكُ ْم َومِ ْنهَا‬ ‫كُلُوا وَارْعَوْا أَ ْنعَا َمكُمْ إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫جكُمْ تَا َرةً ُأخْرَى (‪)55‬‬ ‫نُخْ ِر ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬والسلم هنا ليس سلم تحية‪.‬‬ ‫‪ 2‬قوله تعالى ‪ { :‬إن العذاب على من كذّب وتولّى} هذه أرجى أية للموحدين لنهم لم يكذّبوا ولم‬ ‫يتولوا‪.‬‬

‫( ‪)3/352‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أعطى كل شيء خلقه‪ :‬أي خلقه الذي هو عليه متميز به عن غيره‪.‬‬ ‫ثم هدى‪ :‬أي الحيوان منه إلى طلب مطعمه ومشربه ومسكنه ومنكحه‪.‬‬ ‫قال فما بال القرون الولى‪ :‬أي قال فرعون لموسى ليصرفه عن دلئه بالحجج حتى ل يفتضح‬ ‫فما بال القرون الولى كقوم نوح وعاد وثمود في عبادتهم الوثان؟‬ ‫قال علمها عند ربي‪ :‬أي لم علم أعمالهم وجزائهم عليها عند ربي دعنا من هذا فإنه ل يعنينا‪.‬‬ ‫في كتاب ل يضل ربي‪ :‬أي أعمال تلك المم في كتاب محفوظ عند ربي وسيجزيهم بأعمالهم إن‬ ‫ربي ل يخطىء ول ينسى فإن عذب أو أخر العذاب فإن ذلك لحكمة اقتضت منه ذلك‪.‬‬

‫مهادا وسلك لكم فيها سبلً ‪ :‬مهادا‪ ،‬فراشا وسلك‪ :‬سهل‪ ،‬وسبلً طرقا‪.‬‬ ‫أزواجا من نبات شتى ‪ :‬أزواجا‪ :‬أصنافا‪ :‬شتى‪ :‬مختلفة اللوان والطعوم‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات‪ :‬لدلئل واضحات على قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته‪.‬‬ ‫لولى النهى‪ :‬أي أصحاب العقول لن النُهية العقل وسمي نهية لنه ينهى صاحبه عن ارتكاب‬ ‫القبائح كالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫منها خلقناكم‪ :‬أي من الرض وفيها نعيدكم بعد الموت ومنها نخرجكم عند البعث يوم القيامة‪.‬‬ ‫تارة أخرى‪ :‬أي مرة أخرى إذ الولى كانت خلقا من طين الرض وهذه إخراجا من الرض‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫السياق الكريم في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلم وفرعون إذ وصل موسى وأخوه إلى‬ ‫عوَاهُ إلى ال تعالى ليؤمن به ويعبده وبأسلوب هادىء لين كما أمرهما ا ل تعالى‪ :‬فقال‬ ‫فرعون َودَ َ‬ ‫له‪{ :‬والسلم على من اتبع الهدى إنا قد أوحي علينا أن العذاب على من‬

‫( ‪)3/353‬‬ ‫كذب وتولى}؟ ولم يقول له ل سلم عليك‪ ،‬ول أنت مكذب ومعذب‪ ،‬وهنا قال لهما فرعون ما‬ ‫أخبر به تعالى في قوله‪{ :‬قال فمن ربكما يا موسى؟} أفرد اللعين موسى بالذكر لدلئه عليه بنعمة‬ ‫التربية في بيته ولنه الرسول الول فأجابه موسى بما أخبر تعالى به بقوله‪{ :‬ربنا الذي أعطى ‪1‬‬ ‫كل شيء خلقه ثم هدى ‪ }2‬أي كل مخلوق خلقه الذي هو عليه متميز به من شكل ولون وصفة‬ ‫وذات ثم هدى الحياء من مخلوقاته إلى طلب رزقها من طعام وشراب‪ ،‬وطلب بقائها بما سن لها‬ ‫وهداها إليه من طرق التناسل إبقاء لنواعها‪ .‬وهنا وقد أفحم موسى فرعون وقطع حجته بما ألهمه‬ ‫ال من علم وبيان قال فرعون صارفا موسى عن المقصود خشية الفضيحة من الهزيمة أمام ملئه‬ ‫قال‪{ :‬فما ‪ 3‬بال القرون الولى} أخبرنا عن قوم نوح وهود وصالح وقد كانوا يعبدون الوثان‪.‬‬ ‫وعرف موسى أن اللعين يريد صرفه عن الحقيقة فقال له ما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬علمها عند‬ ‫ربي في كتاب ‪ ،4‬ل يضل ربي ول ينسى ‪ }5‬فإن ما سألت عنه ل يعنينا فعلم حال تلك المم‬ ‫الخالية عند ربي في لوح محفوظ عنده وسيجزيها بعملها‪ ،‬وما عجل لها من العقوبة أو أخر إنما‬ ‫لحكمة يعلمها فإن ربي ل يخطىء ول ينسى وسيجزى كلً بكسبه‪ .‬ثم أخذ موسى يصف ربه‬ ‫ويعرفهم به وهي فرصة سنحت فقال {الذي جعل لكم الرص مهدا} أي فراشا مبسوطة للحياة‬ ‫عليها {وسلك لكم فيها سبل} أي سهل لكم للسير عليها طرقا تمكنكم من الوصول إلى حاجاتكم‬ ‫فوقها‪{ ،‬وأنزل من السماء ماء} وهو المطر المكون للنهار والمغذي الممد للبار‪ .‬هذا هو ربي‬ ‫وربكم فاعرفوه واعبدوه ول تعبدوا معه سواه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فأخرجنا ‪ 6‬به أزواجا من نبات‬ ‫شتى} أي بالمطر أزواجا أي أصنافا من نباتٍ شتى أي مختلفة اللوان والطعوم والروائح‬

‫والخصائص‪ .‬كان هذا من قول ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أعلمه عليه السلم بأنّ ربه تعالى يعرف بصفاته ل بذاته ول باسم يعرف به ولم يقل له موسى‪:‬‬ ‫إنه ال‪ ،‬لنّ السم العلم ل يهدي إلى معرفته تعالى كما تهدي إليه الصفات العُلى التي ل يقدر‬ ‫فرعون على جحدها وإنكارها‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس‪ :‬أعطى كل زوج من جنسه ثمّ هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه‪ .‬وقال‬ ‫مجاهد‪ :‬أعطى كل شيء صورته ولم يجعل خلق النسان في خلق البهائم‪ ،‬ول خلق البهائم في‬ ‫خلق النسان‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫وله في كل شيء خلقه‬ ‫وكذا ال ما شاء فعل‬ ‫‪3‬البال‪ :‬الحال أي‪ :‬ما حالها وما شأنها؟ فأعلمه موسى عليه السلم أن علمها عند ال أي‪ :‬إن ما‬ ‫سألت عنه من علم الغيب الذي استأثر ال به درن سواه‪.‬‬ ‫‪ 4‬في هذه الية دليل على مشروعية كتابة العلوم وتدوينها‪ ،‬حتى ل تنسى فتضيع وفي الحديث‬ ‫مشاهد آخر ففي صحيح مسلم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "لما قضى ال الخلق كتب في‬ ‫كتاب على نفسه فهو موضوع عنده‪ .‬إن رحمتي تغلب غضبي"‪.‬‬ ‫‪ 5‬الضلل‪ :‬الخطأ في العلم شبّه بخطإ الطريق‪ ،‬والنسيان‪ :‬عدم تذكر المر المعلوم في الذهن‪.‬‬ ‫‪ 6‬في الكلم التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم والخطاب تنويعا للسلوب وتحريكا‬ ‫للضمير الجامد‪.‬‬

‫( ‪)3/354‬‬ ‫تعالى تتميما لكلم موسى وتذكيرا لهل مكة المتجاهلين ل وحقه في التوحيد‪ .‬وقوله‪{ :‬كلوا‬ ‫وارعوا أنعامكم} أي مما ذكرنا لكم من أزواج النبات‪.‬وارعوا إبلكم وأغنامكم وسائر بهائمكم‬ ‫واشكروا لنا هذا النعام بعبادتنا وترك عبادة غيرنا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إن في ذلك ليات لولي‬ ‫النهى} أي إن في ذلك المذكور من إنزال المطر وإنبات النبات لتغذية النسان والحيوان لدللت‬ ‫على قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته وانه بذلك مستحق للعبادة دون سواه إلّ أن هذه الدلئل ل‬ ‫يعقلها إلّ أصحاب العقول وذوو النهى فهم الذي يستدلون بها علم معرفة ال ووجوب عبادته‬ ‫وترك عبادة غيره‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬منها} أي من الرض التي فيها حياة النبات والحيوان خلقناكم‬ ‫أي خلق أصلكم الول وهو آدم‪ ،‬وفيها نعيدكم بالموت فتقبرون فيها‪{ ،‬ومنها ‪ 1‬نخرجكم تارة‬ ‫أخرى ‪ }2‬أي مرة أخرى وذلك يوم القيامة إذ نبعثكم من قبوركم أحياء للحساب والجزاء بالنعيم‬ ‫المقيم أو العذاب المهين بحسب صفات نفوسكم فذو النفس الطاهرة ينعم وذو النفس الخبيثة من‬

‫الشرك والمعاصي يعذب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعين إجابة السائل ولتكن بالعلم الصحيح النافع‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مبدأ من حسن ‪ 3‬إسلم المرء تركه ما ل يعنيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تنزه الرب تعالى عن الخطأ والنسيان‪.‬‬ ‫‪ -4‬الستدلل باليات الكونية على الخالق عز وجل وقدرته وألوهيته‪.‬‬ ‫‪ -5‬احترام العقول وتقديرها لنها تعقل ‪ 4‬صاحبها دون الباطل والشر‪.‬‬ ‫‪ -6‬تسمية العقل نهية لنه ينهى صاحبه عن القبائح‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بمناسبة ذكر دلئل وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة للوهيته دون سواه ذكّرهم بعقيدة‬ ‫البعث والجزاء مستدلً عليها بقدرة ال تعالى وعلمه‪.‬‬ ‫‪ 2‬تجمع التارة على تارات كالمرة على المرّات‪ ،‬والتارة‪ :‬اسم جامد غير مشتق‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا حديث الصحيح‪" :‬من حسن إسلم المرء تركه مال يعنيه"‪.‬‬ ‫ل أو مآلً‪.‬‬ ‫‪ 4‬تعقل‪ :‬أي‪ :‬تحجزه أو تصرفه عما يضرّ حا ً‬

‫( ‪)3/355‬‬ ‫ب وَأَبَى (‪ )56‬قَالَ أَجِئْتَنَا لِ ُتخْرِجَنَا مِنْ أَ ْرضِنَا بِسِحْ ِركَ يَا مُوسَى (‪)57‬‬ ‫وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُّلهَا َفكَ ّذ َ‬ ‫سوًى (‪ )58‬قَالَ‬ ‫ن وَل أَنتَ َمكَانًا ُ‬ ‫خِلفُهُ نَحْ ُ‬ ‫ج َعلْ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكَ َموْعِدًا ل نُ ْ‬ ‫سحْرٍ مّثْلِهِ فَا ْ‬ ‫فَلَنَأْتِيَ ّنكَ بِ ِ‬ ‫جمَعَ كَيْ َدهُ ُثمّ أَتَى (‪)60‬‬ ‫عوْنُ َف َ‬ ‫ضحًى (‪ )59‬فَ َتوَلّى فِرْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫حشَرَ النّا ُ‬ ‫َموْعِ ُدكُمْ َيوْمُ الزّي َن ِة وَأَن يُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أريناه آياتنا كلها ‪ :‬أي أبصرناه حججنا وأدلتنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا موسى وهارون‬ ‫إليه كلها فرفضها وأبى أن يصدق بأنهما رسولين إليه من رب العالمين‪.‬‬ ‫من أرضنا‪ :‬أي أرض مصر التي فرعون ملك عليها‪.‬‬ ‫بسحرك يا موسى ‪ :‬يشير إلى العصا واليد البيضاء‪.‬‬ ‫صفٍ‪ ،‬صالحا للمباراة حيث يكون ساحة كبرى مكشوفة‬ ‫مكانا سوى‪ :‬أي مكان عدل بيننا وبينك و َن َ‬ ‫مستوية يرى ما فيها كل ناظر إليها‪.‬‬ ‫يوم الزينة‪ :‬أي يوم عيد يتزينون فيه ويقعدون عن العمل‪.‬‬ ‫وأن يحشر الناس ضحى‪ :‬أي وأن يؤتى بالناس من كل أنحاء البلد للنظر في المباراة‪.‬‬ ‫فتولى فرعون‪ :‬أي انصرف من مجلس الحوار بينه وبين موسى وهارون في كبرياء وإعراض‪.‬‬

‫فيجمع كيده‪ :‬أي ذوى كيده وقوته من السحرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في الحوار بين موسى وهارون من جهة وفرعون وملئه من جهة‬

‫( ‪)3/356‬‬ ‫أخرى فقال تعالى‪{ :‬ولقد أريناه} أي أرينا فرعون {آياتنا كلها} أي أدلتنا وحججنا ‪ 1‬على أن موسى‬ ‫وهارون رسولن من {قبلنا} أرسلناهما إليه‪ ،‬فكذب برسالتهما وأبى العتراف بهما‪ ،‬وقال ما أخبر‬ ‫تعالى به عنه‪{ :‬قال أجئتنا ‪ }2‬أي يا موسى {لتخرجنا من أرضنا} أي منازلنا وديارنا ومملكتنا‬ ‫{بسحرك} الذي انقلبت به عصاك حية تسعى‪{ ،‬فلنأتينك بسحر مثله‪ ،‬فاجعل بيننا وبينك موعدا}‬ ‫نتقابل فيه‪{ ،‬لّ نخلفه نحن ول أنت مكانا سوى}‪ 3‬عدلً بيننا وبينك يكون من العتدال والتساع‬ ‫بحيث كل من ينظر إليه يرى ما يجرى فيه من المباراة بيننا وبينك‪ .‬فأجاب موسى بما أخبر تعالى‬ ‫به عنه فقال ‪{ :‬موعدكم يوم الزينة} وهو يوم عيد للقباط يتجملون فيه ويقعدون عن العمل‪{ ،‬وأن‬ ‫يحشر الناس ضحى ‪ }4‬أي في يوم يجمع فيه الناس ضحى للتفرج في المباراة من كل أنحاء‬ ‫المملكة وهنا تولى فرعون بمعنى انصرف من مجلس المحاورة وكله كبر وعناد فجمع قواته من‬ ‫السحرة لنفاذ كيده في موسى وهارون‪ .‬وفي اليات التالية تظهر الحقيقة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان كبر فرعون وصلفه وطغيانه‪.‬‬ ‫‪ -2‬للسحر آثار وله مدارس يتعلم فيها ورجال يحذقونه ويعلمونه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية المبارزة والمباراة لظهار الحق وإبطال الباطل‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية اختيار المكان والزمان اللئق للقتال والمباراة ونحوهما‪.‬‬ ‫سحِ َتكُمْ ِبعَذَابٍ‬ ‫قَالَ َلهُم مّوسَى وَيَْلكُ ْم ل َتفْتَرُوا عَلَى اللّهِ َكذِبًا فَيُ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬الدالة على وجود ال تعالى ووجوب ألوهيته وعلى صحة نبوّة موسى وهارون‪.‬‬ ‫‪ 2‬لما رأى اليات وبهرته احتال في دفعها اللعين بدعواه أن موسى جاء ليخرج فرعون وقومه‬ ‫من بلدهم ليستقل بها دونهم‪ ،‬وهذا من الكذب السياسي الممقوت‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ حفص (سُوى) كطوى بضم السين‪ ،‬وقرأ نافع (سوى) بكسرها كطوى‪ ،‬والكسر أفصح‪ .‬أي‪:‬‬ ‫وسطا في المدينة ل يشق على من يأتيه‪.‬‬ ‫‪ 4‬اختار موسى اليوم والساعة‪ ،‬وهي‪ :‬الضحى لعلمه أنه سيغلب السحرة ويهزمون أمامه‪ ،‬فأحب‬ ‫أن يكون الوقت مناسبا الكثرة المتفرّجين ووضوح الرأي لهم في شباب النهار (الضحى)‪.‬‬

‫( ‪)3/357‬‬ ‫جوَى (‪ )62‬قَالُوا إِنْ َهذَانِ لَسَاحِرَانِ‬ ‫َوقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (‪ )61‬فَتَنَازَعُوا َأمْرَهُم بَيْ َنهُ ْم وَأَسَرّوا النّ ْ‬ ‫ج ِمعُوا كَ ْي َدكُمْ ثُمّ ائْتُوا‬ ‫ضكُم ِبسِحْرِ ِهمَا وَيَ ْذهَبَا بِطَرِيقَ ِتكُمُ ا ْلمُثْلَى (‪ )63‬فََأ ْ‬ ‫يُرِيدَانِ أَن يُخْ ِرجَاكُم مّنْ أَ ْر ِ‬ ‫ي وَِإمّا أَن ّنكُونَ َأ ّولَ مَنْ َأ ْلقَى (‬ ‫صَفّا َوقَدْ َأفْلَحَ الْ َيوْمَ مَنِ اسْ َتعْلَى (‪ )64‬قَالُوا يَا مُوسَى ِإمّا أَن تُ ْلقِ َ‬ ‫سعَى (‪)66‬‬ ‫‪ )65‬قَالَ َبلْ َأ ْلقُوا فَإِذَا حِبَاُلهُمْ وَعِصِ ّيهُمْ ُيخَ ّيلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِ ِهمْ أَ ّنهَا تَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويلكم‪ :‬دعاء عليهم معناه‪ :‬ألزمكم ال الويل وهو الهلك‪.‬‬ ‫فيسحتكم بعذاب‪ :‬أي يهلككم بعذاب من عنده‪.‬‬ ‫فتنازعوا أمرهم‪ :‬أي في شأن موسى وهارون أي هل هما رسولن أو ساحران‪.‬‬ ‫وأسروا النجوى‪ :‬وهي قولهم‪ :‬ان هذان لساحران يريدان الخ‪....‬‬ ‫بطريقتكم المثلى‪ :‬أي ويغلبا على طريقة قومكم وهما أشرافهم وساداتهم‪.‬‬ ‫فأجمعوا كيدكم ‪ :‬أي أحكموا أمر كيدكم حتى ل تختلفوا فيه‪.‬‬ ‫قد أفلح من استعلى‪ :‬أي قد فاز من غلب‪.‬‬ ‫إما أن تلقي‪ :‬أي عصاك‪.‬‬ ‫فخيل إليه أنها تسعى‪ :‬أي فخيل إلى موسى أنها حية تسعى‪ ،‬لنهم طلوها بالزئبق فلما ضربت‬ ‫الشمس عليها اضطربت واهتزت فخيل إلى موسى أنها تتحرك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلم والسحرة الذين جمعهم فرعون‬

‫( ‪)3/358‬‬ ‫للمباراة فأخبر تعالى عن موسى أنه قال لهم مخوفا إياهم علهم يتوبون‪{ :‬ويلكم ‪ 1‬ل تفتروا على‬ ‫ال كذبا} أي ل تتقولوا على ال فتنسبوا إليه ما هو كذب {فيسحتكم ‪ 2‬بعذاب} أي يهلككم بعذاب‬ ‫إبادة واستئصال‪{ ،‬وقد خاب من افترى} أي خسر من كذب على ال أو على الناس‪ .‬ولما سمعوا‬ ‫كلم موسى هذا اختلفوا فيما بينهم هل صاحب هذا الكلم ساحر أو هو كلم رسول من في‬ ‫السماء؟ وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله‪:‬‬ ‫{فتنازعوا ‪ 3‬أمرهم بينهم} وقوله {وأسروا النجوى} أي أخفوا ما تناجوا به بينهم وهو ما أخبر‬ ‫تعالى به في قوله‪{ :‬إن ‪4‬هذان لساحران} أي موسى وهارون {يريدان أن يخرجاكم من أرضكم}‬ ‫أي دياركم المصرية‪{ ،‬ويذهبا بطريقتكم المثلى ‪ }5‬أي باشرافكم وساداتكم من بني إسرائيل‬

‫وغيرهم فيتابعوهما على ما جاءا به ويدينون بدينهما‪ ،‬وعليه فأجمعوا أمركم حتى ل تختلفوا فيما‬ ‫بينكم‪{ ،‬ثم ائتوا صفا} واحدا متراصا‪{ ،‬وقد أفلح اليوم من استعلى} أي غلب‪ ،‬وهذا بعد أن اتفقوا‬ ‫على أسلوب المباراة قالوا بأمر فرعون‪{ :‬يا موسى إما أن تلقي} عصاك‪ ،‬وإما أن نلقي نحن‬ ‫فنكون أول من ألقى‪ .‬فقال لهم موسى‪{ :‬بل ألقوا}‪ ،‬فالقوا عندئذ {فإذا حبالهم وعصيهم} وكانت ألوفا‬ ‫فغطت الساحة وهي تتحرك وتضطرب لنها مطلية بالزئبق فلما سخنت بحر الشمس صارت‬ ‫تتحرك وتضطرب المر الذي خيل فيه لموسى أنها تسعى (باقي الحديث في اليات بعد)‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الويل‪ :‬الهلك وهو شبه مصدر‪ ،‬ونصبه إما على تقدير‪ :‬ألزمهم ال أو على النداء أي‪ :‬يا‬ ‫ويلهم‪ .‬كقوله‪{ :‬يا ويلنا من بعثنا)‪.‬‬ ‫‪ 2‬سحت وأسحت بمعنى‪ ،‬وأصله من استقصاء الشعر في إزالته قرأ أهل الكوفة‪( :‬فيُسحتكم) بضم‬ ‫الياء من أسحت‪ ،‬وقرا أهل الحجاز بفتح الياء من‪ :‬سحت قال الشاعر‪:‬‬ ‫وعض زمان يا ابن مروان لم يدع‬ ‫من المال إلّ مُسحتا أو مجلّفا‬ ‫والشاهد في‪ :‬مسحت من أسحت‪.‬‬ ‫‪ 3‬التنازع‪ :‬مشتق من جذب الدلو من البئر وجذب الثوب من الجسد والتنازع تفاعل إذ كل ذي‬ ‫رأي يريد نزع رأي صاحبه لرأيه لما يراه من الصواب‪.‬‬ ‫‪ 4‬قراءة الجمهور بكسر إنّ وتشديد النون‪ ،‬وبلغ الخلف في هذا الحرف أشدّه فبلغوا فيه إلى ستة‬ ‫تخريجات أمثلها‪ :‬أن (إن) حرف جواب بمعنى نعم قال الشاعر‪:‬‬ ‫ويقلن شيب عل‬ ‫ك وقد كبرت فقلت إنّه‬ ‫والشاهد في إنه جواب لما في البيت من كلم‪ ،‬والهاء في إنه هاء السكت‪ ،‬وشاهد آخر وهو‪ :‬أنّ‬ ‫ن وراكبها‪ .‬لما قال العرابي‪ :‬لعن ال ناقة‬ ‫عبدال بن الزبير قال لعرابي استجداه فلم يعطه‪ :‬إ ّ‬ ‫حملتني إليك‪ .‬فقوله‪ :‬إن‪ :‬أي‪ :‬نعم وراكبها أي‪ :‬ملعون كذلك‪.‬‬ ‫‪ 5‬المثلى‪ :‬مؤنث‪ :‬المثل‪ ،‬من المثالية التي هي حسن الحال‪ .‬أراد فرعون إثارة الحمية في قومه‬ ‫ليدافعوا عن عاداتهم وشرائعهم وأخلقهم‪.‬‬

‫( ‪)3/359‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة الكذب على ال تعالى‪ ،‬وإنه ذنب عظيم يسبب دمار الكاذب وخسرانه‪.‬‬

‫‪ -2‬من مكر النسان وخداعه ‪ 1‬أن يحول القضية الدينية البحتة إلى سياسة خوفا من التأثير على‬ ‫النفوس فتؤمن وتهتدي إلى الحق‪.‬‬ ‫‪ -3‬معية ال تعالى لموسى وهارون تجلت في تصرفات موسى إذ الذن لهم باللقاء أول من‬ ‫الحكمة وذلك أن الذي يبقى في نفوس المتفرجين والنظارة هو المشهد الخير والكلمة الخيرة التي‬ ‫تقال لسيما في موقف كهذا‪.‬‬ ‫سعَى (‪ )66‬فََأوْجَسَ فِي َنفْسِهِ خِيفَةً‬ ‫عصِ ّيهُمْ ُيخَ ّيلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِ ِهمْ أَ ّنهَا تَ ْ‬ ‫قَالَ َبلْ أَ ْلقُوا فَإِذَا حِبَاُلهُ ْم وَ ِ‬ ‫خفْ إِ ّنكَ أَنتَ العْلَى (‪ )68‬وَأَلْقِ مَا فِي َيمِي ِنكَ تَ ْلقَفْ مَا صَ َنعُوا إِ ّنمَا صَ َنعُوا‬ ‫مّوسَى (‪ )67‬قُلْنَا ل َت َ‬ ‫ن َومُوسَى (‬ ‫سجّدًا قَالُوا آمَنّا بِ َربّ هَارُو َ‬ ‫كَيْدُ سَاحِ ٍر وَل ُيفْلِحُ السّاحِرُ حَ ْيثُ أَتَى (‪ )69‬فَأُ ْلقِيَ السّحَ َرةُ ُ‬ ‫طعَنّ أَيْدِ َيكُمْ وَأَرْجَُلكُم مّنْ‬ ‫‪ )70‬قَالَ آمَنتُمْ َلهُ قَ ْبلَ أَنْ آذَنَ َلكُمْ إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ الّذِي عَّل َمكُمُ السّحْرَ فَل َق ّ‬ ‫شدّ عَذَابًا وَأَ ْبقَى (‪)71‬‬ ‫ل وَلَ َتعَْلمُنّ أَيّنَا أَ َ‬ ‫خِ‬ ‫ف وَلصَلّبَ ّنكُمْ فِي جُذُوعِ النّ ْ‬ ‫خِل ٍ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فأوجس في نفسه خيفة‪ :‬أي أحس بالخوف في نفسه‪.‬‬ ‫أنت العلى ‪ :‬أي الغالب المنتصر‪.‬‬ ‫تلقف ‪ :‬أي تبتلع بسرعة ما صنع السحرة من تلك الحبال والعصي ‪.‬‬ ‫كيد ساحر ‪ :‬أي كيد ساحر ل بقاء له ول ثبات‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المراد به النسان الذي ل يؤمن بال ولقائه ول يتحلى بالصبر والتقوى‪.‬‬

‫( ‪)3/360‬‬ ‫ل يفلح الساحر‪ :‬أي ل يفوز بمطلوبة حيثما كان‪.‬‬ ‫فألقي السحرة سجدا‪ :‬أي ألقوا بأنفسهم ورؤوسهم على الرض ساجدين‪.‬‬ ‫إنه لكبيركم ‪ :‬أي لمعلمكم الذي علمكم السحر‪.‬‬ ‫من خلف ‪ :‬أي يد يمنى مع رجل يسرى‪.‬‬ ‫في جذوع النخل‪ :‬أي على أخشاب النخل‪.‬‬ ‫أينا أشد عذابا وأبقى‪ :‬يعني نفسه‪ -‬لعنه ال‪ -‬ورب مرسى اشد عذابا وأدومه على مخالفته‬ ‫وعصيانه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في الحديث عن المباراة التي بين موسى عليه السلم وسحرة فرعون إنه لما ألقى‬ ‫السحرة حبالهم وعصيهم وتحركت واضطربت ومتلت بها الساحة شعر موسى بخوف في نفسه‬ ‫فأوحى إليه ربه تعالى في نفس اللحظة‪{ :‬ل تخف إنك أنت العلى} أي الغالب القاهر لهم‪.‬‬

‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )67‬فأوجس ‪ 1‬في نفسه خيفة موسى والثانية (‪{ )68‬قلنا ل تخف‬ ‫إنك أنت العلى} وقوله تعالى‪{ :‬وألق ما في يمنيك ‪ 2‬تلقف ما صنعوا} أي تبتلع بسرعة وعلل‬ ‫لذلك فقال‪{ :‬إنما صنعوا كيد ساحر ‪ }3‬أي هو مكر وخدعة من ساحر {ول يفلح الساحر حيث أتى}‬ ‫أي ل يفوز الساحر بما أراد ول يظفر به أبدا لنه مجرد تخيلت يريها غيره‪ .‬وليس لها حقيقة‬ ‫ثابتة ل تتحول ولما شاهد السحرة ابتلع العصا لكل حبالهم وعصيتهم عرفوا أن ما جاء به‬ ‫موسى ليس سحرا وإنما هو معجزة سماوية ألقوا بأنفسهم على الرض ساجدين ل رب العالمين‬ ‫لما بهر نفوسهم من عظمة المعجزة وقالوا في وضوح {آمنا برب هارون وموسى}‪ .‬وهنا صاح‬ ‫فرعون مزمجرا مهددا ليتلفى في نظره شر الهزيمة فقال‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬أوجس)‪ :‬أي أحس ووجد أي‪ :‬خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي العصا‪.‬‬ ‫‪ 2‬لم يقل له‪ :‬ألق العصا لن فيها إكبارا لشأن العصا وأنها بحق قادرة على إبطال باطل السحرة‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ الجمهور‪{ :‬كيد ساحر} وقرأ بعضهم‪{ :‬كيد سحر} بكسر السين أي‪ :‬كيد ذي سحر‪ ،‬وكيد‪:‬‬ ‫خبر مرفوع‪ ،‬والمبتدأ‪ :‬ما الموصولية في قوله‪{ :‬إن ما صنعوا} وصنعوا‪ :‬صلتها‪ ،‬وكيد‪ :‬الخبر‪.‬‬ ‫وقرىء بنصب كيد على أنّ ما كافة‪ .‬وكيد معمول لصنعوا‪.‬‬

‫( ‪)3/361‬‬ ‫للسحرة {آمنتم له قبل أن آذن لكم } بذلك {إنه لكبيركم ‪ }1‬أي معلمكم العظيم {الذي علمكم السحر}‬ ‫فتواطأتم معه على الهزيمة‪{ .‬فلقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف} تعذيبا وتنكيلً فاقطع يمين‬ ‫أحدكم مع يسرى رجليه‪ ،‬أو العكس {ولصلبنكم ‪ 2‬في جذوع النخل} أي لشدنكم على أخشاب‬ ‫النخل واترككم معلقين عبرة ونكالً لغيركم {ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى} أي أدومه‪ :‬رب موسى‬ ‫الذي آمنتم به أو أنا "فرعون عليه لعائن ال" هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الشعور بالخوف والحساس به عند معاينة أسبابه ل يقدح في اليمان‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أم ما يظهر السحرة من تحويل الشيء إلى آخر إنما هو مجرد تخييل ل حقيقة له‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة السحر لنه تزوير وخداع‪.‬‬ ‫‪ -4‬قوة تأثير المعجزة في نفس السحرة لما ظهر لهم من الفرق بين الية والسحر‪.‬‬ ‫‪ -5‬شجاعة المؤمن ل يرهبها خوف بقتل ول بصلب‪.‬‬ ‫قَالُوا لَن ّنؤْثِ َركَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَا ْقضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِ ّنمَا َت ْقضِي هَ ِذهِ الْحَيَاةَ‬ ‫خطَايَانَا َومَا َأكْرَهْتَنَا عَلَ ْيهِ مِنَ السّحْ ِر وَاللّهُ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى (‪)73‬‬ ‫الدّنْيَا (‪ )72‬إِنّا آمَنّا بِرَبّنَا لِ َي ْغفِرَ لَنَا َ‬ ‫ع ِملَ‬ ‫جهَنّمَ ل َيمُوتُ فِيهَا وَل يَحْيى (‪َ )74‬ومَنْ يَأْتِهِ ُم ْؤمِنًا قَدْ َ‬ ‫إِنّهُ مَن يَ ْأتِ رَبّهُ مُجْ ِرمًا فَإِنّ لَهُ َ‬

‫عدْنٍ‬ ‫الصّالِحَاتِ فَُأوْلَ ِئكَ َلهُمُ الدّرَجَاتُ ا ْلعُلَى (‪ )75‬جَنّاتُ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أراد فرعون بقوله هذا التشبيه على الناس والتمويه حتى ل يتبعوا السحرة فيؤمنوا كإيمانهم ل‬ ‫أنّ موسى استاذهم في السحر وأنه أحذق منهم له وأعلم منهم به‪.‬‬ ‫‪ 2‬حروف الجر تتناوب‪ ،‬والفاء هنا‪( :‬في جذع النخل) بمعنى ‪ :‬على‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة‬ ‫فل عطست شيبان إلّ بأجدعا‬

‫( ‪)3/362‬‬ ‫تَجْرِي مِن َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َوذَِلكَ جَزَاء مَن تَ َزكّى (‪)76‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لن نؤثرك ‪ :‬أي لن نفضلك ونختارك‪.‬‬ ‫والذي فطرنا‪ :‬أي خلقنا ولم نكن شيئا‪.‬‬ ‫فاقض ما أنت قاض‪ :‬أي اصنع ما قلت إنك تصنعه بنا‪.‬‬ ‫وال خير وأبقى ‪ :‬أي خير منك ثوابا إذا أطيع وأبقى منك عذابا إذا عصى‪.‬‬ ‫مجرما‪ :‬مجرما أي على نفسه مفسدا لها بآثار الشرك والكفر والمعاصي‪.‬‬ ‫جزاء من تزكى‪ :‬أي ثواب من تتطهر من آثار الشرك والمعاصي وذلك باليمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق مع فرعون والسحرة المؤمنين انه لما هددهم فرعون بالقتل والصلب على جذوع‬ ‫النخل ليمانهم بال وكفرهم به وهو الطاغوت قالوا له ما أخبر تعالى به عنهم في هذه الية (‪)72‬‬ ‫{قالوا لن نؤثرك } يا فرعون {على ما جاءنا من البينات} الدلئل والحجج القاطعة على أن رب ‪1‬‬ ‫موسى وهارون هو الرب الحق الذي تجب عبادته وطاعته فلن نختارك على الذي خلقنا فنؤمن بك‬ ‫ونكفر به لن يكون هذا أبدا واقض ما أنت عازم على قضائه علينا من القتل والصلب‪{ .‬إنما‬ ‫تقضى هذه الحياة الدنيا} في هذه الحياة الدنيا لما لك من السلطان فيها أما الخرة فسوف يقضى‬ ‫عليك فيها بالخلد في العذاب المهين‪.‬‬ ‫وأكدوا إيمانهم في غير خوف ول وجل فقالوا‪{ :‬إنا آمنا بربنا} أي خالقنا ورازقنا ومدبر أمرنا‬ ‫{ليغفر لنا خطايانا} أي ذنوبنا‪{ ،‬وما أكرهتنا عليه من السحر} أي من تعلمه والعمل به‪ ،‬ونحن ل‬ ‫نريد ذلك ول شك أن فرعون كان قد ألزمهم بتعلم السحر والعمل به من أجل محاربة موسى‬ ‫وهارون لما رأى من معجزة العصا واليد‪ .‬وقولهم {وال خير وأبقى}‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬روي أن آسيا امرأة فرعون لما بدأت المباراة قالت لهم‪ :‬أخبروني عمّن يغلب فأخبرت أن‬ ‫موسى وهارون غلبا فقالت‪ :‬آمنت بربّ موسى وهرون‪ .‬فأمر فرعون بأعظم صخرة فإذا أصرّت‬ ‫على قولها قألقوها عليها فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة بعد أن قالت‬ ‫{ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} وخرجت‬ ‫روحها فألقيت عليها الصخرة وهي جسد ل روح فيها استجاب ال لها عليها السلم‪.‬‬

‫( ‪)3/363‬‬ ‫أي خير ثوابا وجزاء حسنا لمن آمن به وعمل صالحا‪ ،‬وأبقى عذابا لمن كفر به وبآمن بغيره‬ ‫وعصاه‪ .‬هذا ما دلت عليه اليتان (‪ )72‬و (‪.)73‬‬ ‫أما الية الثالثة (‪ )74‬وهي قوله تعالى‪{ :‬إنه من يأت ربه مجرما‪ }1‬أي على نفسه بإفسادها‬ ‫بالشرك والمعاصي {فإن له ‪ 2‬جهنم ل يموت فيها ‪ }3‬فيستريح من العذاب فيها‪{ ،‬ول يحيى} حياة‬ ‫يسعد فيها‪.‬‬ ‫وقولهم {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات} أي مؤمنا به كافرا بالطاغوت قد عمل بشرائعه فأدى‬ ‫الفرائض واجتنب المناهي { فأولئك ‪ 4‬هم} جزاء إيمانهم وعملهم الصالح {الدرجات العلى جنات‬ ‫عدن} أي في جنات عدن {تجري من تحتها النهار خالدين فيها} ل يموتون ول يخرجون منها‪،‬‬ ‫{وذلك جزاء من تزكى} أي تتطهر باليمان وصالح العمال بعد تخليه عن الشرك والخطايا‬ ‫والذنوب‪ .‬ل شك أن هذا العلم الذي عليه السحرة كان قد حصل لهم من طريق دعوة موسى‬ ‫وهارون إذ أقاموا بينهم زمنا طويلً‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل يؤثر الكفر على اليمان والباطل على الحق والخرافة على الدين الصحيح إلّ أحمق جاهل‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مبدأ أن عذاب الدنيا يتحمل ويصبر عليه بالنظر إلى عذاب الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الكراه نوعان‪ :‬ما كان بالضرب الذي ل يطاق يغفر لصاحبه وما كان لمجرد تهديد ومطالبة‬ ‫فإنه ل يغفر إلّ بالتوبة الصادقة وإكراه السحرة كان من النوع الخر‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان جزاء كل من الكفر والمعاصي‪ ،‬واليمان والعمل الصالح في الدار الخرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المجرم‪ :‬فاعل الجريمة‪ ،‬وهي المعصية‪ ،‬والفعل الخبيث‪ ،‬والمجرم في اصطلح القرآن‪ :‬الكافر‬ ‫غالبا‪.‬‬ ‫‪ 2‬اللم في‪ :‬له جهنم لم الستحقاق أي‪ :‬هو صائر إليها ل محالة‪.‬‬ ‫‪ 3‬ل يموت فيها ول يحيى‪ ،‬لن عذابها متجدد فيها فل هو ميّت لنه يحس بالعذاب ول هو حي‬

‫لنه في حالة الموت أهون منها‪ ،‬وهذا كقول عباس بن مرداس‪:‬‬ ‫وقد كنت في الحرب ذا ُتدْرَءٍ‬ ‫فلم أُعط شيئا ولم أمنع‬ ‫‪{ 4‬فأولئك‪ }..‬الية أوتي باسم الشارة إلى أنهم أحياء بهذا النعيم في جنات ويؤكده قوله {ذلك‬ ‫جزاء من تزكى}‪.‬‬

‫( ‪)3/364‬‬ ‫وَلَقَدْ َأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ ِبعِبَادِي فَاضْرِبْ َلهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَ َبسًا ل َتخَافُ دَ َركًا وَل‬ ‫عوْنُ َق ْومَ ُه َومَا‬ ‫عوْنُ ِبجُنُو ِدهِ َفغَشِ َيهُم مّنَ الْيَمّ مَا غَشِ َي ُهمْ (‪ )78‬وََأضَلّ فِرْ َ‬ ‫خشَى (‪ )77‬فَأَتْ َب َعهُمْ فِرْ َ‬ ‫تَ ْ‬ ‫هَدَى (‪ )79‬يَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مّنْ عَ ُد ّوكُمْ وَوَاعَدْنَا ُكمْ جَا ِنبَ الطّورِ ال ْيمَنَ وَنَزّلْنَا عَلَ ْي ُكمُ‬ ‫غضَبِي َومَن َيحِْللْ‬ ‫حلّ عَلَ ْيكُمْ َ‬ ‫ط َغوْا فِيهِ فَ َي ِ‬ ‫ن وَالسّ ْلوَى (‪ )80‬كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَل تَ ْ‬ ‫ا ْلمَ ّ‬ ‫ع ِملَ صَاِلحًا ثُمّ اهْتَدَى (‪)82‬‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ب وَآمَ َ‬ ‫غضَبِي َفقَدْ َهوَى (‪ )81‬وَإِنّي َل َغفّارٌ ّلمَن تَا َ‬ ‫عَلَيْهِ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أن أسر بعبادي‪ :‬أي سر ليلً من أرض مصر‪.‬‬ ‫طريقا في البحر يبسا‪ :‬طريقا في وسط البحر يابسا ل ماء فيه‪.‬‬ ‫ل تخاف دركا ‪ :‬أي ل تخش أن يدركك فرعون‪ ،‬ول تخشى غرقا‪.‬‬ ‫فغشيهم من اليم‪ :‬أي فغطاهم من ماء البحر ما غطاهم حتى غرقوا فيه‪.‬‬ ‫وأضل فرعون قومه‪ :‬أي بدعائهم إلى اليمان به والكفر بال رب العالمين‪.‬‬ ‫وما هدى‪ :‬أي لم يهدهم كما وعدهم بقوله‪{ :‬وما أهديكم إلّ سبيل الرشاد}‪.‬‬ ‫جانب الطور اليمن‪ :‬أي لجل إعطاء موسى التوراة التي فيها نظام حياتهم دينا ودنيا‪.‬‬ ‫المن والسلوى‪ :‬المن‪ :‬شيء أبيض كالثلج‪ ،‬والسلوى طائر يقال له السماني ‪.1‬‬ ‫ول تطغوا فيه‪ :‬أي بالسراف فيه‪ ،‬وعدم شكر ال تعالى عليه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬السّمانى‪ :‬بضم السين‪ ،‬وفتح النون ممدودة‪ ،‬والجمع سمانيات والواحدة سماناة كمناجاة‪ :‬نوع من‬ ‫الطيور‪.‬‬

‫( ‪)3/365‬‬ ‫ثم اهتدى‪ :‬أي بالستقامة على اليمان والتوحيد والعمل الصالح حتى الموت‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫إنه بعد الجدال الطويل والخصومة الشديدة التي دامت زمنا غير قصير وأبى فيها فرعون وقومه‬ ‫قبول الحق والذعان له أوحى تعالى إلى موسى عليه السلم بما أخبر به في قوله عز وجل‪:‬‬ ‫{ولقد أوحينا إلى موسى} وبأي شيء أوحى إليه‪ .‬بالسرى ببني إسرائيل وهو قوله تعالى {ولقد‬ ‫أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } قوله {فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا} ‪ 1‬أي اجعل لهم‬ ‫طريقا في وسط البحر‪ ،‬وذلك حاصل بعد ضربه البحر بالعصي فانفلق البحر فرقتين والطريق‬ ‫وسطه يابسا ل ماء فيه حتى اجتاز بنو إسرائيل البحر‪ ،‬ولما تابعهم فرعون ودخل البحر بجنوده‬ ‫أطبق ال تعالى عليهم البحر فأغرقهم أجمعين‪ ،‬بعد أن نجى موسى وبني إسرائيل‪ ،‬وهو معنى‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬فأتبعهم ‪ 2‬فرعون بجنوده فغشيهم من اليم} أي من ماء البحر {ما غشيهم ‪ }3‬أي‬ ‫الشيء العظيم من مياه البحر‪ .‬وقوله لموسى {ل تخاف ‪ 4‬دركا ول تخشى} أي ل تخاف أن‬ ‫يدركك فرعون من ورائك ول تخشى غرقا في البحر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وأضل فرعون قومه وما هدى ‪ }5‬إخبار منه تعالى أن فرعون أضل أتباعه حيث‬ ‫حرمهم من اليمان بالحق وإتباع طريقه‪ ،‬ودعاهم إلى الكفر بالحق وتجنب طريقه فاتبعوه على‬ ‫ذلك فضلوا وما اهتدوا‪ ،‬وكان يزعم أنه ما يهديهم إلّ سبيل الرشاد وكذب‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم} أي فرعون‪{ ،‬وواعدناكم جانب الطور‬ ‫اليمن} أي مع نبينا موسى لنزال التوراة لهدايتكم وحكمهم بشرائعها‪ ،‬وأنزلنا عليكم المن‬ ‫والسلوى غذاء لكم في التيه‪{ ،‬كلوا من طيبات ما رزقناكم } أي قلنا لكم‪ :‬كلوا من طيبات ما‬ ‫رزقناكم من حلل الطعام والشراب‪{ ،‬ول تطغوا فيه } بترك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اليبس‪ :‬محرّك الياء والباء‪ ،‬وتسكن الباء أيضا‪ :‬وصف بمعنى اليابس وأصله مصدركالقدم‪،‬‬ ‫والعدم بفتح العين وضمها‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرىء‪( :‬فأتبعهم) وبالياء في بجنوده للمصاحبة فهي بمعنى مع أي مع جنوده‪.‬‬ ‫‪ 3‬ما غشهم في هذا تهويل عظيم لما غشيهم من الماء الذي غمرهم وغطّاهم بحيث يستحيل النجاة‬ ‫معه‪.‬‬ ‫‪{ 4‬دركا} أي‪ :‬لحاقا بك وبمن معك من بني إسرائيل‪.‬‬ ‫‪{ 5‬وما هدى}‪ :‬توكيد لقوله‪{ :‬فأضل قومه} لن الهدى ضد الضلل فما دام قد أضلهم فإنه ما‬ ‫هداهم كقوله‪{ :‬أموات غير أحياء} وكقول الشاعر‪:‬‬ ‫إما ترينا حفاة ل نعال لنا‬ ‫إنا كذلك ما نحفى وننتعل‬ ‫وفي الية‪ :‬التهكم بفرعون إذ قال لهم‪ :‬وما أهديكم إلّ سبيل الرشاد‪.‬‬

‫( ‪)3/366‬‬

‫الحلل إلى الحرام وبالسراف في تناوله وبعدم شكر ال تعالى‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬فيحل عليكم‬ ‫غضبي} أي أن أنتم طغيتم فيه‪{ .‬ومن يحلل عليه غضبي} أي ومن يجب عليه غضبي {فقد هوى}‬ ‫أي في قعر جهنم وهلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{ :‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ‪ }1‬يعدهم تعالى بأن يغفر لمن‬ ‫تاب منهم ومن غيرهم فآمن وعمل صالحا أي أدى الفرائض واجتنب المناهي ثم استمر على ذلك‬ ‫ملزما له حتى مات‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا القصص ل يقصه إلّ بوحي إليه إذ ل سبيل إلى معرفته إلّ‬ ‫من طريق الوحي اللهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬آية انفلق البحر ووجود طريق يابس فيه لبني إسرائيل حتى اجتازوه دالة على جود ال تعالى‬ ‫وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -3‬تذكير اليهود المعاصرين للدعوة السلمية بإنعام ال تعالى على سلفهم لعلهم يشكرون‬ ‫فيتوبون فيسلمون‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحريم السراف والظلم‪ ،‬وكفر النعم‪.‬‬ ‫‪ -5‬الغضب صفة ل تعالى كما يليق ذلك بجلله وكماله ل كصفات المحدثين‪.‬‬ ‫عجََلكَ عَن َق ْو ِمكَ يَا مُوسَى (‪ )83‬قَالَ ُهمْ أُولء عَلَى أَثَرِي وَعَجِ ْلتُ إِلَ ْيكَ َربّ لِتَ ْرضَى (‪)84‬‬ ‫َومَا أَ ْ‬ ‫سفًا قَالَ‬ ‫غضْبَانَ أَ ِ‬ ‫ك وََأضَّلهُمُ السّامِ ِريّ (‪ )85‬فَ َرجَعَ مُوسَى إِلَى َق ْومِهِ َ‬ ‫قَالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا َق ْو َمكَ مِن َبعْ ِد َ‬ ‫يَا َقوْمِ أََلمْ َيعِ ْدكُمْ رَ ّب ُك ْم وَعْدًا حَسَنًا َأ َفطَالَ عَلَ ْيكُمُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ثم اهتدى بأن لزم طريق الهداية حتى مات على ذلك أما من تاب وعمل صالحا ثم ضل بعد‬ ‫ذلك ومات على ضللة‪ ،‬فل يناله هذا الوعد ففي قوله ‪{ :‬ثم اهتدى} احتراس ممن يتوب ثم يعود‬ ‫فيموت على غير هداية‪.‬‬

‫( ‪)3/367‬‬ ‫ضبٌ مّن رّ ّبكُمْ فَأَخَْلفْتُم ّموْعِدِي (‪ )86‬قَالُوا مَا َأخَْلفْنَا َموْعِ َدكَ ِبمَ ْلكِنَا‬ ‫غ َ‬ ‫علَ ْيكُمْ َ‬ ‫حلّ َ‬ ‫ا ْل َعهْدُ َأمْ أَرَدتّمْ أَن َي ِ‬ ‫سدًا لَهُ‬ ‫حمّلْنَا َأوْزَارًا مّن زِينَةِ ا ْلقَوْمِ فَقَ َذفْنَاهَا َفكَذَِلكَ أَ ْلقَى السّامِ ِريّ (‪ )87‬فَأَخْرَجَ َل ُهمْ عِجْل جَ َ‬ ‫وََلكِنّا ُ‬ ‫سيَ (‪َ )88‬أفَل يَ َروْنَ أَل يَرْجِعُ إِلَ ْيهِمْ َقوْل وَل َيمِْلكُ َلهُ ْم ضَرّا‬ ‫خوَارٌ َفقَالُوا هَذَا إَِل ُهكُ ْم وَإِلَهُ مُوسَى فَنَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وَل َن ْفعًا (‪)89‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما أعجلك‪ :‬أي شيء جعلك تترك قومك وتأتي قبلهم‪.‬‬ ‫هم على أثري‪ :‬أي آتون بعدي وليسوا ببعيدين مني‪.‬‬ ‫وعجلت إليك ربي لترضى‪ :‬أي استعجلت المجىء إليك طلبا لرضاك عني‪.‬‬ ‫قد فتنا قومك‪ :‬أي ابتليناهم أي بعبادة العجل‪.‬‬ ‫وأضلهم السامري ‪ :‬أي عن الهدى الذي هو السلم إلى الشرك وعبادة غير الرب تعالى‪.‬‬ ‫غضبان أسفا ‪ :‬أي شديد الغضب والحزن‪.‬‬ ‫وعدا حسنا‪ :‬أي بأن يعطيكم التوراة فيها نظام حياتكم وشريعة ربكم لتكملوا عليها وتسعدوا‪.‬‬ ‫أفطال عليكم العهد‪ :‬أي مدة الموعد وهي ثلثون يوما قبل أن يكملها ال تعالى أربعين يوما‪.‬‬ ‫فأخلفتم موعدي ‪ :‬بترككم المجيء بعدي‪.‬‬ ‫بملكنا ‪ :1‬أي بأمرنا وطاقنا‪ ،‬ولكن غلب علينا الهوى فلم نقدر على انجاز الوعد بالسير وراءك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ميم ملكنا مثلثة تفتح وتضم وتكسر والمعنى واحد كما في التفسير أي‪ :‬لم يكن ذلك بإرادتنا‬ ‫واختيارنا‪.‬‬

‫( ‪)3/368‬‬ ‫أوزارا‪ :‬أي أحمالً من حلي نساء القباط وثيابهن‪.‬‬ ‫فقذفناها‪ :‬أي القيناها في الحفرة بأمر هارون عليه السلم‪.‬‬ ‫ألقى السامري ‪ :‬السامري هو موسى بن ظفر من قبيلة سامرة ‪ 1‬السرائيلية‪ ،‬وما ألقاه هو التراب‬ ‫الذي أخذه من تحت حافر فرس جبريل ألقاه أي قذفه على الحلي‪.‬‬ ‫عجلً جسدا ‪ :‬أي ذا جثة‪.‬‬ ‫له خوار‪ :‬الخوار صوت البقر‪.‬‬ ‫فنسي‪ :‬أي موسى ربه هنا وذهب يطلبه‪.‬‬ ‫أل يرجع إليهم قولً‪ :‬أنه ل يكلمهم إذا كلموه لعدم نطقه بغير الخوار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن نجى ال تعالى بني إسرائيل من فرعون وملئه حيث اجتاز بهم موسى البحر وأغرق ال‬ ‫فرعون وجنوده أخبرهم موسى أن ربه تعالى قد أمره أن يأتيه ببني إسرائيل وهم في طريقهم إلى‬ ‫أرض المعاد إلى جبل الطور ليؤتيهم التوراة فيها شريعتهم ونظام حياتهم دنيا ودينا وأنه واعدهم‬ ‫جانب الطور اليمن‪ ،‬واستعجل ‪ 2‬موسى في المسير إلى الموعد فاستخلف أخاه هارون على بني‬ ‫إسرائيل ليسير بهم وراء موسى ببطء حتى يلحقوا به عند جبل الطور‪ ،‬وحدث أن بني إسرائيل‬

‫فتنهم السامري بصنع العجل ودعوتهم إلى عبادته وترك المسير وراء موسى عليه السلم فقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وما أعجلك عن قومك يا موسى} هو سؤال من ال تعالى لموسى ليخبره بما جرى لقومه‬ ‫بعده وهو ل يدري فلما قال تعالى لموسى‪{ :‬وما أعجلك} عن المجيء وحدك دون بني إسرائيل‬ ‫مع ان المر أنك تأتي معهم أجاب موسى بقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نفى بعضهم أن تكون هناك قبيلة من بني إسرائيل تدعى السامرة وإنما السامرة أمة من سكان‬ ‫فلسطين في جهة نابلس قبل أن تكون فلسطين لبني إسرائيل‪ ،‬ثم امتزجوا ببني إسرائيل لما دخلوها‬ ‫واتبعوا معهم شريعة موسى‪ ،‬وبما أن السامري كان في مصر جائز أن يكون من قرية بمصر‬ ‫تسمى سامرة‪ ،‬والمراد من هذا أن السامري لم يكن من بني إسرائيل أصلً ومحتدا ثم بمرور‬ ‫اليام وجدت طائفة من بني إسرائيل تدعى السامرية‪ ،‬وهي عبارة عن طريقة ضالة تنتمي إلى‬ ‫شريعة التوراة وهي منحرفة فنشأت عن فتنة السامري الولى كالطرق المنحرفة لدى المسلمين‪.‬‬ ‫‪ 2‬لهذا الستعجال لمه ربّه وعتب عليه في قوله‪{ :‬وما أعجلك من قومك يا موسى) حتى تركتهم‬ ‫وجئتنا وحدك‪ ،‬وقد ترتب على هذا الستعجال شر كبير باتخاذ بني إسرائيل عجلً عبدوه دون ال‬ ‫تعالى‪ ،‬ولذا قيل‪ :‬تأن ففي العجلة الندامة وفي التأني السلمة‪.‬‬

‫( ‪)3/369‬‬ ‫{هم أولء على أثري ‪ }1‬آتون بعدي‪ ،‬وعجلت المجئ إليك لترضى عني‪ .‬هنا أخبره تعالى بما‬ ‫حدث لقومه فقال عز وجل‪{ :‬إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري} أي بصنع العجل لهم‬ ‫ودعوتهم إلى عبادته بحجة انه الرب تعالى وأن موسى لم يهتد إليه‪ .‬ولما انتهت المناجاة وأعطى‬ ‫ال تعالى موسى اللواح التي فيه التوراة {فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا} أي حزينا إلى‬ ‫قومه فقال لهم بما أخبر تعالى عنه بقوله‪{ :‬قال يا قوم ‪ 2‬ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا} فذكرهم بوعد‬ ‫ال تعالى لهم بإنجائهم من آل فرعون وإكرامهم بالملك والسيادة موبخا لهم على خطيئتهم بتخلفهم‬ ‫عن السير وراءه وانشغالهم بعبادة العجل والخلفات الشديدة بينهم‪ ،‬وقوله {أفطال عليكم ‪ 3‬العهد}‬ ‫أي لم يطل فالمدة هي ثلثون يوما فلم تكتمل حتى فتنتم وعبدتم غير ال تعالى‪ ،‬قوله {أم أردتم أن‬ ‫‪ 4‬يحل عليكم غضب من ربكم} أي بل أردتم بصنيعكم الفاسد أن يجب عليكم غضب من ربكم‬ ‫فحل بكم‪{ ،‬فأخلفتم موعدي ‪ }5‬بعكوفكم على عبادة العجل وترككم السير على أثرى لحضور موعد‬ ‫الرب تعالى الذي واعدكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} هذا ما قاله قوم موسى كالمعتذرين به إليه فزعموا‬ ‫أنهم ما قدروا على عدم اخلف الموعد لغلبة الهوى عليهم فلم يطيقوا السير وراءه مع وجود‬ ‫العجل وما ضللهم به السامري من أنه هو إلههم وأن موسى أخطأ الطريق إليه‪ .‬هذا معنى قولهم‪:‬‬

‫{ما أخلفنا موعدك بملكنا} أي بأمرنا وقدرتنا إذ كنا مغلوبين على أمرنا‪ .‬وقولهم‪{ :‬ولكنا حملنا ‪6‬‬ ‫أوزارا من زينة القوم فقذفناها} هذا بيان لوجه الفتنة وسببها وهي أنهم لما كانوا خارجين من‬ ‫مصر استعار نساؤهم حليا من نساء القبط بدعوى عيد لهم‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أثري‪ ،‬وإثري‪ :‬لغتان‪ ،‬والثر‪ :‬ما يتركه الماشي على الرض من علمات قدم أو حافر أو‬ ‫خف‪ ،‬والمعنى‪ :‬هم سائرون على مواضع أقدامي وقرىء (إثري) بكسر الهمزة والجمهور قرؤا‬ ‫بالفتح‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا ابتداء كلم يحمل اللوم والعتاب والتأديب حيث جمع موسى بني إسرائيل وفيهم هارون‬ ‫وخاطبهم قائلً‪ :‬يا قوم‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام تابع للستفهام الول‪ :‬ألم يعدكم‪ ،‬وهو للتقرير والنكار معا‪.‬‬ ‫‪{ 4‬أم} بمعنى‪ :‬بل والستفهام بعدها إنكاري أي‪ :‬أنكر عليهم إرادتهم حلول غضب ال عليهم‬ ‫بسبب شركهم بعبادة العجل‪.‬‬ ‫‪ 5‬المراد من موعده إياهم‪ :‬هو ما عهد به إليهم بأن يلزموا طاعة هارون ويسيروا معه بدون‬ ‫تأخر حتى يلحقوا به في جبل الطور فأخلفوا ذلك فعصوا هارون وعكفوا على عبادة العجل‬ ‫وتركوا السير على إثره كما طلب منهم‪.‬‬ ‫‪ 6‬الوزار‪ :‬جمع وزر‪ ،‬وهو الحمل الثقيل والمراد بها‪ :‬الحلي الذي استعاره نساؤهم من جاراتهن‬ ‫القبطيات بمصر بقصد الفرار به للنفع الخاص‪ ،‬وخافوا تلشي الحلي فرأوا أن يصوغوه في قطع‬ ‫كبيرة يحفظ بها من الضياع‪.‬‬

‫( ‪)3/370‬‬ ‫وأصبحوا خارجين مع موسى في طريقهم إلى القدس‪ ،‬وتم إنجاؤهم وإغراق فرعون ولما نزلوا‬ ‫بالساحل استعجل موسى موعد ربه وتركهم تحت إمرة هارون أخيه على أن يواصلوا سيرهم‬ ‫وراء موسى إلى جبل الطور غير أن موسى الملقب بالسامري استغل الفرصة وقال لنساء بني‬ ‫إسرائيل هذا الحلى الذي عندكن ل يحل َلكُنّ أخذه إذ هي ودائع كيف تستحلونها وحفر لهم حفرة‬ ‫وقال ألقوها فيها وأوقد فيها النار لتحترق ول ينتفع بها بعد‪ ،‬هذا ما دل عليه قولهم {ولكنا حملنا‬ ‫أوزارا من زينة القوم} أي قوم فرعون فقذفناها أي في الحفرة التي أمر بها السامري وقوله‬ ‫تعالى‪{ ،‬فكذلك ألقى السامري ‪ }1‬هو من جملة قول بني إسرائيل لموسى فكما ألقينا الحلي في‬ ‫الحفرة ألقى السامري ما معه من التراب الذي أخذه من تحت حافر فرس جبريل‪ ،‬فصنع السامري‬ ‫العجل فأخرجه لهم عجلً جسدا‪ 2‬له خوار أي صوت فقال بعضهم لبعض هذا إلهكم وإله موسى‬ ‫الذي ذهب إلى موعده فنسي ‪ 3‬وضل الطريق إليه فاعبدوه حتى يأتي موسى‪ .‬قال تعالى موبخا‬

‫إياهم {أفل يرون أل يرجع إليهم قولً} إذا كلموه‪{ ،‬ول يملك لهم ضرا ول نفعا} فكيف يعقلون أنه‬ ‫إله وهو ل يجيبهم إذا سألوه‪ ،‬ول يُعطيهم إذا طلبوه‪ ،‬ول ينصرهم إذا استنصروه ولكنه الجهل‬ ‫والضلل وإتباع الهوى‪ .‬والعياذ بالته تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذم العجلة وبيان آثارها الضّارة فاستعجال موسى الموعد وتركه قومه وراءه كان سببا في أمر‬ ‫عظيم وهو عبادة العجل وما تترب عليها من آثار جسام‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية طلب رضا ال تعالى ولكن بما يحب أن يتقرب به إليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الغضب ل تعالى والحزن على ترك عبادته بمخالفة أمره ونهيه‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية استعارة الحلي للنساء والزينة‪ ،‬وحرمة جحدها وأخذها بالباطل‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب استعمال العقل واستخدام الفكر للتمييز بين الحق والباطل‪ ،‬والخير والشر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬فمثل قذفنا الزينة في النار لصوغها قذف السامري‪ ،‬وقالوا هذا اعتذارا منهم لموسى عليه‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجسد‪ :‬الجسم ذو العضاء وسواء كان حيا أو ميتا‪ ،‬والتعبير بأخرج الشارة إلى أن السامري‬ ‫صنع العجل بحيلة مستورة خفية حتى أتمّه ثمّ أظهره أي‪ :‬أخرجه ظاهرا لنا‪.‬‬ ‫‪ 3‬إطلق النسيان على الضلل والغفلة والترك شائع وسائغ في اللغة‪.‬‬

‫( ‪)3/371‬‬ ‫حمَنُ فَاتّ ِبعُونِي وَأَطِيعُوا َأمْرِي (‪)90‬‬ ‫وَلَقَدْ قَالَ َل ُهمْ هَارُونُ مِن قَ ْبلُ يَا َقوْمِ إِ ّنمَا فُتِنتُم بِ ِه وَإِنّ رَ ّبكُمُ الرّ ْ‬ ‫قَالُوا لَن نّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتّى يَ ْرجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (‪ )91‬قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَ َن َعكَ إِذْ رَأَيْ َتهُ ْم ضَلّوا‬ ‫(‪ )92‬أَل تَتّ ِبعَنِ َأ َف َعصَيْتَ َأمْرِي (‪ )93‬قَالَ يَا ابْنَ أُمّ ل تَ ْأخُذْ ِبلِحْيَتِي وَل بِرَ ْأسِي إِنّي خَشِيتُ أَن‬ ‫َتقُولَ فَ ّر ْقتَ بَيْنَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ وَلَمْ تَ ْر ُقبْ َقوْلِي (‪)94‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فتنتم به‪ :‬أي ابتليتم به أي بالعجل‪.‬‬ ‫لن نبرح عليه عاكفين‪ :‬أي لن نزال عاكفين على عبادته‪.‬‬ ‫إذ رأيتهم ضلوا‪ :‬أي بعبادة العجل واتخاذه إلها من دون ال تعالى‪.‬‬ ‫ل تأخذ بلحيتي‪ :‬حيث أخذ موسى من شدة غضبه بلحية أخيه وشعر رأسه يجره إليه يعذله ويلوم‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ولم ترقب قولي‪ :‬أي ولم تنتظر قولي فيما رأيته في ذلك‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في الحوار الذي دار بين موسى وقومه بعد رجوعه إليهم من المناجاة فقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ولقد قال لهم هارون من قبل} أي من قبل رجوع موسى قال لهم أثناء عبادتهم العجل يا قوم إن‬ ‫العجل ليس إلهكم ول إله موسى وإنما هو فتنة فتنتم به ليرى ال تعالى صبركم على عبادته‬ ‫ولزوم طاعة رسوله‪ ،‬وليرى خلف ذلك فيجزى كلً بما يستحق وقال لهم‪{ :‬وإن ربكم الرحمن}‬ ‫الذي شاهدتم آثار رحمته في حياتكم كلها فاذكروها‬

‫( ‪)3/372‬‬ ‫{فاتبعوني} في عبادة ال وحده وترك عبادة غيره {وأطيعوا أمري ‪ }1‬فإني خليفة موسى الرسول‬ ‫فيكم فأجاب القوم الضالون بما أخبر تعالى عنهم بقوله‪{ :‬قالوا لن نبرح عليه عاكفين} أي لن نزول‬ ‫عن عبادته والعكوف حوله {حتى يرجع إلينا موسى ‪ }2‬ولما سمع موسى من قومه ما سمع التفت‬ ‫ل لئما {يا هرون ما منعك ‪ 3‬إذ رأيتهم ضلوا} أي بعبادة العجل {أل‬ ‫إلى هارون قائلً معاتبا عاذ ً‬ ‫تتبعني } أي بمن معك من المسلمين وتترك المشركين‪{ ،‬أفعصيت ‪ 4‬أمري} ‪ ،‬ومن شدة الوجد‬ ‫وقوة اللوم والعذل أخذ بشعر رأس أخيه بيمينه وأخذ بلحيته بيساره وجره إليه وهو يعاتبه ويلوم‬ ‫عليه فقال هارون‪{ :‬يا ابن أم ل تأخذ بلحيتي ول برأسي} إن لي عذرا في عدم متابعتك وهو إني‬ ‫خشيت إن أنا أتيتك ببعض قومك وهم المسلمون وتركت بعضا آخر وهم عباد العجل {أن تقول‬ ‫فرقت بين بني إسرائيل} وذلك ل يرضيك‪{ .‬ولم ترقب قولي} أي ولم تنظر قولي فيما رأيت قي‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬معصية الرسول تؤدي إلى فتنة العاص في دينه ودنياه‪.‬‬ ‫‪ -2‬جواز العذل والعتاب للحبيب عند تقصيره فيما عهد به إليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز العتذار لمن اتهم بالتقصير وان حقا‪.‬‬ ‫‪ -4‬قد يخطىء المجتهد في اجتهاده وقد يصيب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬ل أمر السامر أو‪ :‬فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل فعصوه‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي أنّه لما قالوا هذه المقالة اعتزلهم هارون في اثنى عشر ألفا من الذين لم يعبدوا العجل فلما‬ ‫رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال‪ :‬هذا صوت الفتنة فلما رأى‬ ‫هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله وقال‪ :‬يا هارون‪ ...‬الية‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام إنكاري إذ أنكر عليه عدم متابعته لما شاهد القوم يعبدون العجل إذ كان المفروض أن‬

‫يتركهم ويلحق بموسى يخبره‪.‬‬ ‫‪ 4‬أمره هو قوله له عند مغادرة بني إسرائيل إلى جبل الطور‪{ ،‬اخلفني في قومي وأصلح ول تتبع‬ ‫سبيل المفسدين} فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة‬ ‫أمره وهذا دليل على واجب المر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغييره ومفارقة أهله‪ ،‬وأن‬ ‫المقيم بينهم لسيما إذا كان راضيا حكمه كحكمهم‪ ،‬وفي هذه الية دليل على بدعة الصوفية بدعة‬ ‫الرقص والتواجد‪ ،‬وأنها موروثة عن هؤلء السامريين عَبَدة العجل والعياذ بال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/373‬‬ ‫قَالَ َفمَا خَطْ ُبكَ يَا سَامِ ِريّ (‪ )95‬قَالَ َبصُرْتُ ِبمَا َلمْ يَ ْبصُرُوا ِبهِ َفقَ َبضْتُ قَ ْبضَةً مّنْ أَثَرِ الرّسُولِ‬ ‫سوَّلتْ لِي َنفْسِي (‪ )96‬قَالَ فَا ْذ َهبْ فَإِنّ َلكَ فِي ا ْلحَيَاةِ أَن َتقُولَ ل مِسَاسَ وَإِنّ َلكَ‬ ‫فَنَبَذْ ُتهَا َوكَذَِلكَ َ‬ ‫سفًا (‪)97‬‬ ‫سفَنّهُ فِي الْيَمّ نَ ْ‬ ‫َموْعِدًا لّنْ ُتخَْلفَ ُه وَانظُرْ إِلَى إَِل ِهكَ الّذِي ظَ ْلتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لّ ُنحَ ّرقَنّهُ ُثمّ لَنَن ِ‬ ‫شيْءٍ عِ ْلمًا (‪) 98‬‬ ‫إِ ّنمَا إَِل ُهكُمُ اللّهُ الّذِي ل إَِلهَ إِل ُه َو وَسِعَ ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فما خطبك ‪ :‬أي ما شأنك وما هذا المر العظيم الذي صدر منك‪.‬‬ ‫بصرت بما لم يبصروا به ‪ :‬أي علمت من طريق البصار والنظر ما لم يعلموا به لنهم لم يروه‪.‬‬ ‫قبضة من أثر الرسول ‪ :‬أي قبضت قبضة من تراب أثر حافر فرس الرسول جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫فنبذتها‪ :‬أي ألقيتها وطرحتها على الحلى المصنوع عجلً‪.‬‬ ‫سولت لي نفسي‪ :‬أي زينت لي هذا العمل الذي هو صنع العجل‪.‬‬ ‫أن تقول ل مساس‪ :‬أي اذهب تائها في الرض طول حياتك وأنت تقول ل مساس أي ل يمسني‬ ‫أحد ول أمسه لما يحصل من الضرر العظيم لمن تمسه أو يمسك‪.‬‬ ‫إلهك‪ :‬أي العجل‪.‬‬ ‫ظلت‪ :‬أي ظللت طوال الوقت عاكفا عليه‪.‬‬ ‫في اليم نسفا‪ :‬أي في البحر ننسفه بعد إحراقه وجعله كالنشارة نسفا‪.‬‬ ‫إنما إلهكم ال‪ :‬أي ل معبود لكم إلّ ال الذي ل إله إلّ هو‪.‬‬

‫( ‪)3/374‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في الحوار بين موسى وقومه فبعد لومه أخاه وعذله له التفت إلى السامري المنافق‬ ‫إذ هو من عُبّاد البقر وأظهر السلم في بني إسرائيل‪ ،‬ولما اتيحت له الفرصة عاد إلى عبادة‬

‫البقر فصنع العجل وعبده ودعا إلى عبادته فقال له‪ :‬في غضب {فما خطبك يا سامري} أي ما‬ ‫شأنك وما الذي دعاك إلى فعلك القبيح الشنيع هذا فقال السامري كالمعتذر {بصرت بما لم يبصروا‬ ‫به } أي علمت ما لم يعلمه قومك {فقبضت قبضة من أثر} حافر فرس {الرسول ‪ 1‬فنبذتها} في‬ ‫الحلي المصنوع عجلً فخار كما تخور البقر‪{ .‬وكذلك سولت لي نفسي} ذلك أي زينته لي وحسنته‬ ‫ففعلته‪ ،‬وهنا أجابه موسى عليه السلم بما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬قال فاذهب ‪ 2‬فإن لك في‬ ‫الحياة أن تقول ل مساس ‪ }3‬أي لك مدة حياتك أن تقول لمن أراد أن يقربك ل مساس أي ل‬ ‫تمسني ول أمسك لتتيه طول عمرك في البرية مع السباع والحيوان عقوبة لك على جر يمتك‪ ،‬ول‬ ‫شك أن فراره من الناس وفرار الناس منه ل يكون مجرد أنه ل يرقب في ذلك‪ ،‬بل لعله قيل إنها‬ ‫حمّا معا أي أصابتهما الحمى معا كأنه اسلك كهربائية مكشوفة من مسها‬ ‫الحمى فإذا مس أحد ُ‬ ‫تكهرب منها‪ .‬وقوله له ‪{ :‬وإن لك موعدا لن تخلفه} ‪ ،‬أي ذاك النفي والطرد عذاب الدنيا‪ ،‬وإن لك‬ ‫عذابا آخر يوم القيامة في موعد لن تخلفه أبدا فهو آت وواقع ل محالة‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬أي موسى للسامري‪{ :‬وانظر إلى إلهك} المزعوم {الذي ظلت ‪ 4‬عليه عاكفا} تعبده ل‬ ‫تفارقه‪ ،‬وال {لنحرقنه ثمّ لننسفنه ‪ 5‬في اليم نسفا} وفعلً حرقه ثم جعله كالنشارة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الرسول هنا‪ :‬جبريل عليه السلم قاله جمهور المفسرين‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن السامري فتنه ال تعالى‬ ‫فأراه جبريل راكبا فرسا فوطىء حافر الفرس مكانا فإذا هو مخضرّ بالنبات‪ ،‬فعلم السامري أن‬ ‫أثر فرس جبريل إذا ألقي على جماد صار حيا‪ ،‬فقبض من تراب وطئه حافر الفرس واحتفظ به‬ ‫إلى اليوم‪ ،‬ولما صنع العجل ألقاه عليه فصار له خوار كالعجل الحيوان‪.‬‬ ‫‪ 2‬نفاه موسى عن قومه‪ ،‬وأمر بني إسرائيل أل يخالطوه ول يقربوه ول يكلموه عقوبة له‪ .‬قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫تميم كرهط السامري وقوله‬ ‫أل ل تريد السامري مِساسا‬ ‫هذه المسألة أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وألّ يخالطوا وقد فعل النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم ذلك بالذين تخلفوا عن غزوة تبوك‪.‬‬ ‫‪( 3‬ل مساس)‪ :‬المساس مصدر ماسه يماسه ومساسا‪ .‬ول‪ :‬نافية للجنس ومساس‪ :‬اسمها مبني‬ ‫على الفتح‪.‬‬ ‫‪ 4‬ظلت‪ :‬أي‪ :‬دمت وأقمت عليه عاكفا أي‪ :‬ملزما وأصل ظلت‪ :‬ظللت قال الشاعر‪:‬‬ ‫خل أنّ العتاق من المطايا‬ ‫حسْن به فهن إليه شوس‬ ‫أَ‬ ‫فأحسن أصله‪ :‬أحسسن حذفت إحدى السينين كما حذفت إحدى اللمين‪.‬‬ ‫‪ 5‬النسف‪ :‬نقض الشيء ليذهب به الريح‪ ،‬وهو‪ :‬التذرية‪ ،‬والمنسف آلة ينسف بها الشيء‪،‬‬

‫والنسافة‪ :‬ما يسقط منه‪.‬‬

‫( ‪)3/375‬‬ ‫وذره في البحر تذرية حتى ل يعثر له على أثر‪ ،‬ثم قال لولئك الذين عبدوا العجل المغرر بهم‬ ‫المضللين‪{ :‬إنما إلهكم} الحق الذي تجب له العبادة والطاعة {ال الذي ل إله إلّ هو ‪ 1‬وسع كل‬ ‫شيء علما} أي وسع علمه كل شيء فهو عليم بكل شيء وقديرعلى كل شيء وما عداه فليس له‬ ‫ذلك وما لم يكن ذا قدرة على شيء وعلم بكل شيء فكيف يُعبد ويُطاع‪..‬؟!‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الستنطاق للمتهم والستجواب له‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما سولت النفس لحد ول زينت له شيئا إلّ تورط فيه إن هو عمل بما سولته له‪.‬‬ ‫‪ -3‬قد يجمع ال تعالى للعبد ذي الذنب العظيم بين عذاب الدنيا وعذاب الخرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية هجران المبتدع ونفيه وطرده فل يسمح لحد بالتصال به والقرب منه‪.‬‬ ‫‪ -5‬كسر الصنام والوثان والصور وآلت اللهو والباطل الصارفة عن عباد ال تعالى‪.‬‬ ‫ح ِملُ‬ ‫علَ ْيكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ َوقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لّدُنّا ِذكْرًا (‪ )99‬مَنْ أَعْ َرضَ عَ ْنهُ فَإِنّهُ َي ْ‬ ‫كَذَِلكَ َن ُقصّ َ‬ ‫حمْل (‪َ )101‬يوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ‬ ‫َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وِزْرًا (‪ )100‬خَالِدِينَ فِي ِه وَسَاء َل ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ِ‬ ‫وَنَحْشُرُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ َي ْومَئِذٍ زُ ْرقًا (‪ )102‬يَ َتخَافَتُونَ بَيْ َنهُمْ إِن لّبِثْ ُتمْ إِل عَشْرًا (‪ )103‬نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا‬ ‫َيقُولُونَ إِذْ َيقُولُ َأمْثَُلهُمْ طَرِيقَةً إِن لّبِثْتُمْ إِل َي ْومًا (‪)104‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذلك ‪ :‬أي كما قصصنا عليك هذه القصة قصة موسى وفرعون و موسى وبني إسرائيل نقص‬ ‫عليك من أبناء الرسل‪.‬‬ ‫من لدنا ذكرا ‪ :‬أي قرآنا وهو القرآن الكريم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ل العجل الذهبي الذي سولت نفس السامري الخبيثة صنعه‪.‬‬

‫( ‪)3/376‬‬ ‫من أعرض عنه‪ :‬أي لم يؤمن به ولم يقرأه ولم يعمل به‪.‬‬ ‫ل ثقيلً من الثام‪.‬‬ ‫وزرا‪ :‬أي حم ً‬ ‫يوم ينفخ في الصور‪ :‬أي النفخة الثانية وهي نفخة البعث‪ ،‬والصور هو القرن‪.‬‬

‫زرقا‪ :‬أي عيونهم زرق ووجوههم سود آية أنهم أصحاب الجحيم‪.‬‬ ‫يتخافتون بينهم‪ :‬أي يخفضون أصواتهم يتسارون بينهم من شدة الهول‪.‬‬ ‫أمثلهم طريقة ‪ :‬أي أعدلهم رأيا في ذلك‪ ،‬وهذا كله لعظم الموقف وشدة الهول والفزع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد نهاية الحديث بين موسى وفرعون‪ ،‬وبين موسى وبني إسرائيل قال تعالى لرسوله محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم {كذلك نقص ‪ 1‬عليك} أي قصصنا عليك ما قصصنا من نبأ موسى وفرعون وخبر‬ ‫موسى وبني إسرائيل نقص عليك {من أنباء ما قد سبق} أي أحداث المم السابقة ليكون ذلك آية‬ ‫نبوتك ووحينا إليك‪ ،‬وعبرة وذكرى للمؤمنين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وقد آتيناك من لدنا ذكرا‪ }2‬أي وتد‬ ‫أعطيناك تفضل منا ذكرا وهو القرآن العظيم يذكر به العبد ربه ويهتدي به إلى سبيل النجاة‬ ‫والسعادة‪ ،‬وقوله {من أعرض عنه} أي عن القرآن فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه {فإنه يحمل يوم‬ ‫القيامة وزرا} أي إثما عظيما لنه لم يعمل صالحا وكل عمله كان سيئا لكفره وعدم إيمانه‪،‬‬ ‫{خالدين فيه} أي في ذلك الوزر في النار‪ ،‬وقوله {وساء لهم يوم القيامة حملً} أي قبح ذلك الحمل‬ ‫حملً يوم القيامة إذ صاحبه ل ينجو من العذاب بل يطرح معه في جهنم يخلد فيها وقوله {يوم‬ ‫ينفخ في الصور ونحشر المجرمين} أي المكذبين بالدين الحق العاملين بالشرك والمعاصي {يومئذ}‬ ‫أي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية {زرقا}‪ 3‬أي العين مع اسوداد الوجوه وقوله‪{ :‬يتخافتون‬ ‫بينهم} أي يتهامسون بينهم يسأل بعضهم بعضا كم لبثتم في الدنيا وفي القبور فيقول البعض‪ { :‬إن‬ ‫لبثتم ‪ 4‬إلّ عشرا} أي ما لبثتم إلّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الكاف من كذلك في محل نصب لنها بمعنى مثل‪ :‬نعت لمصدر محذوف تقديره‪ :‬نقص عليك‬ ‫قصصا من أنباء ما قد سبق مثل ما قصصنا عليك هذا القصص‪.‬‬ ‫‪ 2‬ويطلق الذكر على الشرف أيضا‪ ،‬وعلى ما يذكر به ال تعالى من قول والمراد به هنا القرآن‬ ‫الكريم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الزّرَق‪ :‬خلف ال َكحَل‪ ،‬والعرب تتشاءم بزرق العيون وتذمه وسبب هذه الزرقة هو شدة‬ ‫العطش‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬في الدنيا أو في القبور‪.‬‬

‫( ‪)3/377‬‬ ‫عشر ليال‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬نحن أعلم ‪ 1‬بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة} أي أعد لهم رأيا {إن‬ ‫لبثتم إلّ يوما} ‪ ،‬وهذا التقال للزمن الطويل سببه هول القيامة وعظم ما يشاهدون فيها من ألوان‬ ‫الفزع والعذاب‪.‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم يقص تعالى عليه أنباء ما قد سبق بعد قصه عليه أنباء‬ ‫موسى وفرعون بالحق‪ ،‬وإيتائه القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ -2‬كون القرآن ذكرا للذاكرين لما يحمل من الحجج والدلئل والبراهين‪.‬‬ ‫‪ -3‬سوء حال المجرمين يوم القيامة‪ ،‬الذين أعرضوا عن القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ -4‬عظم أهوال يوم القيامة حتى يتقال معها المرء مدة الحياة الدنيا التي هي آلف العوام‪.‬‬ ‫ص ْفصَفًا (‪ )106‬ل تَرَى فِيهَا‬ ‫سفًا (‪ )105‬فَ َيذَرُهَا قَاعًا َ‬ ‫س ُفهَا رَبّي نَ ْ‬ ‫وَيَسْأَلُو َنكَ عَنِ الْجِبَالِ َف ُقلْ يَن ِ‬ ‫سمَعُ إِل‬ ‫حمَنِ فَل تَ ْ‬ ‫صوَاتُ لِلرّ ْ‬ ‫شعَت ال ْ‬ ‫خَ‬ ‫عوَجَ لَ ُه وَ َ‬ ‫عيَ ل ِ‬ ‫عوَجًا وَل َأمْتًا (‪َ )107‬ي ْومَئِذٍ يَتّ ِبعُونَ الدّا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن وَ َرضِيَ لَهُ َقوْل (‪َ )109‬يعَْلمُ مَا بَيْنَ‬ ‫حمَ ُ‬ ‫شفَاعَةُ إِل مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّ ْ‬ ‫َهمْسًا (‪َ )108‬ي ْومَئِذٍ ل تَنفَعُ ال ّ‬ ‫ح َملَ ظُ ْلمًا‬ ‫حيّ ا ْلقَيّو ِم َوقَدْ خَابَ مَنْ َ‬ ‫أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَل ُيحِيطُونَ بِهِ عِ ْلمًا (‪ )110‬وَعَ َنتِ ا ْلوُجُوهُ لِ ْل َ‬ ‫ضمًا (‪)112‬‬ ‫ت وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَل َيخَافُ ظُ ْلمًا وَل َه ْ‬ ‫(‪َ )111‬ومَن َي ْع َملْ مِنَ الصّالِحَا ِ‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬نحن أعلم بما يقولون}‪ :‬جملة معترضة قول الولين ‪ { :‬إن لبثتم إل عشرا} نظروا فيه إلى أن‬ ‫تغير الجسام يتم في عشرة أيام‪ ،‬والذي قال يوما نظر إلى أن الجسام ما تغيّرت إذ قد أعيدت‬ ‫كما كانت‪.‬‬

‫( ‪)3/378‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يسألونك عن الجبال ‪ :‬أي المشركون عن الجبال كيف تكون يوم القيامة‪.‬‬ ‫فقل ينسفها ربي نسفا‪ :‬أي يفتتها ثم تذروها الرياح فتكون هباء منبثا‪.‬‬ ‫قاعا صفصفا‪ :‬أي مستويا‪.‬‬ ‫عوجا ول أمتا‪ :‬أي ل ترى فيها انخفاضا ول ارتفاعا‪.‬‬ ‫الداعي ‪ :.‬أي إلى المحشر يدعوهم إليه للعرض على الرب تعالى‪.‬‬ ‫ل الهمس وهو صوت القدام الخفي‪.‬‬ ‫وخشعت الصوات‪ :‬أي سكنت فل يسمع إ ّ‬ ‫ورضي له قول‪ :‬بأن قال ل إله إلّ ال من قلبه صادقا‪.‬‬ ‫ول يحيطون به علما ‪ :‬ال تعالى ما بين أيدي الناس وما خلفهم‪ ،‬وهم ل يحيطون به علما‪.‬‬ ‫وعنت الوجوه للحي القيوم‪ :‬أي ذلت وخضعت للرب الحي الذي ل يموت‪.‬‬ ‫من حمل ظلما‪ :‬أي جاء يوم القيامة يحمل أوزار الظلم وهو الشرك‪.‬‬ ‫ظلما ول هضما ‪ :‬أي ل يخاف ظلما بأن يزاد في سيئاته ول هضما بأن ينقص من حسناته‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله‪{ :‬ويسألونك} أي المشركين من قومك المكذبين بالبعث والجزاء {عن الجبال}‬ ‫عن مصيرها يوم القيامة فقل ‪ 1‬له‪{ :‬ينسفها ربي نسفا‪ 2‬فيذرها ‪ 3‬قاعا صفصفا ل ترى فيها عوجا‬ ‫ول أمتا} ‪ 4‬أي أجبهم بأن ال تعالى يفتتها ثم ينسفها فتكون هباء منبثا‪ ،‬فيترك أماكنها قاعا‬ ‫صفصفا أي أرضا مستوية ل ترى فيها عوجا ول أمتا أي ل انخفاضا ول ارتفاعا‪ .‬وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي كل سؤال في القرآن أجيب بقل إلّ هذا فبـ‪ :‬فقل لن المعنى إن سألوك فقل‬ ‫فتضمن الكلم معنى الشرط‪ ،‬وهو يقترن بالفاء دائما‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن العرابي وغيره يقلعها قلعا من أصولها ثم يصيرها رملً يسيل سيلً ثم يصيرها‬ ‫كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا أو هكذا ثم كالهباء المنثور‪.‬‬ ‫‪( 3‬فيذرها)‪ :‬أي‪ :‬يذر مواضعها قاعا صفصفا‪ ،‬القاع‪ :‬الرض الملساء ل نبات فيها‪ ،‬ول بناء‬ ‫عليها وهي مستو‪ ،‬وجمع القاع‪ :‬أقواع وقيعان‪.‬‬ ‫‪ 4‬المت‪ :‬المكان المرتفع كالنبك‪ ،‬وهو التل الصغير‪ ،‬والعوج‪ :‬الوهدة وهي النخفاض كالعوج في‬ ‫الشيء أي‪ :‬ليس في الرض انخفاض ول ارتفاع بل هي مستوية‪.‬‬

‫( ‪)3/379‬‬ ‫{يومئذ يتبعون الداعي ل عوج له وخشعت الصوات للرحمن فل تسمع إلّ همسا} أي يوم تقوم‬ ‫القيامة فيُنشرون يدعوهم الداعي هلموا إلى أرض المحشر فل يميلون عن صوته يمن ًة ول يُسرة‬ ‫وهو معنى ل عوج له‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وخشعت الصوات للرحمن } أي ذلت وسكنت {فل تسمع‬ ‫إلّ همسا} وهو صوت خفي كأصوات خفاف البل إذا مشت وقوله تعالى‪{ :‬يومئذ ل تنفع الشفاعة‬ ‫عنده‪ ،‬إلّ من أذن له الرحمن ورضى له قولً} أي يُخبر تعالى أنهم يوم جمعهم للمحشر لفصل‬ ‫القضاء ل تنفع شفاعة أحد أحدا إلّ من أذن له الرحمن في الشفاعة‪ ،‬ورضى له قولً أي وكان‬ ‫المشفوع فيه من أهل التوحيد أهل ل إله إلّ ال وقوله {يعلم مابين أيديهم وما خلفهم‪ ،‬ول يحيطون‬ ‫به علما} أي يعلم ما بين أيدي أهل المحشر أي ما يسيحكم به عليهم من جنة أو نار‪ ،‬وما خلفهم‬ ‫مما تركوه من أعمال في الدنيا‪ ،‬وهم ل يحيطون به عز وجل علما‪ ،‬فلذا سيكون الجزاء عادلً‬ ‫رحيما‪ ،‬وقوله‪{ :‬وعنت ‪ 1‬الوجوه للحي القيوم ‪ }2‬أي ذلت وخضعت كما يعنو بوجهه السير‪،‬‬ ‫والحي القيوم هو ال جل جلله وقوله تعالى‪{ :‬وقد خاب} أي خسر {من حمل ظلما} أل وهو‬ ‫الشرك والعياذ بال وقوله تعالى‪{ :‬ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن} والحال أنه مؤمن بال‬ ‫وملئكته وكتبه ورسوله واليوم الخر والبعث الخر ‪ 3‬فهذا ل يخاف ظلما بالزيادة في سيّئاته‪،‬‬ ‫ول هضما بنقص من حسناته‪ ،‬وهي عدالة ال تعالى تتجلى في موقف الحساب والجزاء‪.‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان جهل المشركين في سؤالهم عن الجبال‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مبدأ البعث الخر‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل شفاعة لغير أهل التوحيد فل يشفع مشرك‪ ،‬ول يُشفع لمشرك‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان خيبة المشركين وفوز الموحدين يوم القيامة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ومنه قيل للسير عانٍ‪ ،‬قال أمية بن الصلت‪:‬‬ ‫مليك على عرش السماء مهيمن‬ ‫لعزّته تعنو الوجوه وتسجد‬ ‫‪ 2‬القيوم‪ :‬أي‪ :‬القائم بتدبير الخلق‪ ،‬والقائم على كل نفس بما كسبت‪.‬‬ ‫‪ 3‬والقدر خيره وشرّه‪.‬‬

‫( ‪)3/380‬‬ ‫ح ِدثُ َل ُهمْ ِذكْرًا (‪ )113‬فَ َتعَالَى‬ ‫َوكَذَِلكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا َوصَرّفْنَا فِيهِ مِنَ ا ْلوَعِيدِ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ َأوْ يُ ْ‬ ‫ك وَحْيُ ُه َوقُل ّربّ زِدْنِي عِ ْلمًا (‪ )114‬وََلقَدْ‬ ‫جلْ بِا ْلقُرْآنِ مِن قَ ْبلِ أَن ُيقْضَى إِلَ ْي َ‬ ‫ق وَل َت ْع َ‬ ‫حّ‬ ‫اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬ ‫ي وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَ ْزمًا (‪)115‬‬ ‫سَ‬ ‫عهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَ ْبلُ فَنَ ِ‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وكذلك أنزلنا ‪ :‬أي مثل ذلك النزال أنزلنا قرآنا عربيا أي بلغة العرب ليفهموه‪.‬‬ ‫وصرفنا فيه من الوعيد‪ :‬أي من أنولع الوعيد‪ ،‬وفنون العذاب الدنيوي والخروي‪.‬‬ ‫أو يحدث لهم ذكرا‪ :‬أي بهلك المم السابقة فيتعظون فيتوبون ويسلمون‪.‬‬ ‫فتعالى ال الملك الحق‪ .‬أي عما يقول المفترون ويشرك المشركون‪.‬‬ ‫ول تعجل بالقرآن‪ :‬أي بقرءاته‪.‬‬ ‫من قبل أن يقضى إليك وحيه ‪ :‬أي من قبل أن يفرغ جبريل من قراءته عليك‪.‬‬ ‫عهدنا إلى آدم‪ :‬أي وصيناه أن ل يأكل من الشجرة‪.‬‬ ‫فنسي ‪ :‬أي عهدنا وتركه‪.‬‬ ‫ولم نجد له عزما ‪ :‬أي حزما وصبرا عما نهيناه عنه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى {وكذلك ‪ 1‬أنزلناه قرآنا عربيا} أي ومثل ما أنزلنا من تلك اليات المشتملة‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هذه الجملة معطوفة على جملة‪ :‬كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق إذ الغرض واحد وهو‬ ‫التنويه بشأن القرآن وتقرير الوحي له صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/381‬‬ ‫على الوعد والوعيد أنزلنا القرآن بلغة العرب ليفهموه ويهتدوا به {وصرفنا فيه ‪ 1‬من الوعيد} أي‬ ‫بينا فيه من أنواع الوعيد وكررنا فنون العذاب الدنيوي والخروى لعل قومك أيها الرسول يتقون‬ ‫ما كان سببا في إهلك المم السابقة وهو الشرك والتكذيب والمعاصي {أو يحدث لهم ‪ 2‬ذكرا} أي‬ ‫يوجد لهم ذكرا في أنفسهم فيتعظون فيتوبون من الشرك والتكذيب للرسول ويطيعون ربهم‬ ‫فيكملون ويسعدون هذا ما دلت عليه الية الولى (‪.)113‬‬ ‫وأما الية الثانية وهي قوله تعالى {فتعالى ال الملك الحق} فإن ال تعالى يخبر عن علوه عن سائر‬ ‫خلقه وملكه لهم وتصرفه فيهم وقهره لهم‪َ ،‬ومِن َث ّم فهو منزّه عن الشريك والولد وعن كل نقص‬ ‫يصفه به المفترون الكذابون‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ول تعجل ‪ 3‬بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } يُعلّم تعالى رسوله كيفية تلقي القرآن‬ ‫عن جبريل عليه السلم فيرشده إلى أنه ل ينبغي أن يستعجل في قراءة اليات ول في إملئها‬ ‫على أصحابها ول في الحكم بها حتى يفرغ جبريل من قراءتها كاملة عليه وبيان مراد ال تعالى‬ ‫منها في إنزالها عليه‪ .‬وطلب إليه أن يسأله المزيد من العلم بقوله‪{ :‬وقل رب زدني علما}‪ ،‬وفيه‬ ‫إشعار بأنّه دائما في حاجة إلى المزيد‪ ،‬ولذا فل يستعجل ولكن يتريث ويتمهل‪ ،‬وهذا علماء أمته‬ ‫أحوج إليه منه صلى ال عليه وسلم فالستعجال في الفُتيا وفي إصدار الحكم كثيرا ما يخطىء‬ ‫صاحبهما‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولقد ‪ 4‬عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ‪ 5‬ولم نجد له عزما ‪ }6‬يقول تعالى مخبرا‬ ‫رسوله والمؤمنين ولقد وصينا آدم من قبل هذه المم التي أمرناها ونهيناها فلم يطع أكثرها‬ ‫وصيناه بأن ل يطيع عدوه إبليس وأن ل يأكل من الشجرة فترك وصيتنا ناسيا لها غير مبال بها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬التصريف‪ :‬التنويع والتفنين‪ ،‬والوعيد هنا للتهديد‪.‬‬ ‫‪ 2‬لعله يحدث لهم ذكرا‪ :‬فيه بيان أنهم قبل نزول القرآن وسماعه لم يكونوا يذكرون ال في توحيده‬ ‫ول في وعده ووعيده ول في شرعه وأحكامه‪.‬‬ ‫‪ 3‬عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬كان الني صلى ال عليه وسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن‬ ‫يفرغ من الوحي حرصا منه صلى ال عليه وسلم على الحفظ وشفقة على القرآن مخافة النسيان‬ ‫فنهاه تعالى عن ذلك فأنزل‪{ :‬ول تعجل بالقرآن} وقال الحسن نزلت هذه الية في رجل لطَم وجه‬ ‫امرأته فجاءت إلى النبي صلى ال عليه وسلم تطلب القصاص فجعل النبي صلى ال عليه وسلم‬

‫لها القصاص فنزل‪{ :‬الرجال قوّامون على النساء} وأبى ال ذلك‪ .‬ولهذا قال له ‪{ :‬وقل رب زدني‬ ‫علما} وفي هذه الجملة الخيرة إشارة إلى أن حرصه في حفظ القرآن محمود‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن زيد‪ :‬نسي ما عهد ال إليه في ذلك‪ ،‬ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس‪.‬‬ ‫‪ 5‬العهد المنسي هو ما جاء في قوله تعالى‪{ :‬فقلنا يا آدم إنّ هذا عدو لك ولزوجك فل يخرجنّكما‬ ‫من الجنة} من هذه ا السورة‪.‬‬ ‫‪ 6‬فسر العزم بالصبر والثبات أمام الغراء‪.‬‬

‫( ‪)3/382‬‬ ‫وأطاع عدوه وأكل من الشجرة‪ ،‬ولم نجد له عزما بل ضعف أمام الغراء والتزيين فلم يحفظ‬ ‫العهد ولم يصبر على الطاعة‪ ،‬فكيف إذا بغير آدم من سائر ذرياته فلذا ينبغي أن ل تأسى ول‬ ‫تحزن على عدم إيمان قوعك بك واستجابتهم لدعوتك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الحكمة من إنزال القرآن باللسان العربي وتصريف الوعيد فيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات علو ال تعالى وقهره لعباده وملكه لهم وتنزهه عن الولد والشريك وكل نقص يصفه به‬ ‫المبطلون‪.‬‬ ‫‪ -3‬استحباب التريث والتأني في قراءة القرآن وتفسيره وإصدار الحكم والفتيا منه‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترغيب في طلب العلم والمزيد من التحصيل العلمي وإشعار النفس بالجهل والحاجة إلى‬ ‫العلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬التسلية بنسيان آدم وضعف قلبه أمام الغراء الشيطاني‪.‬‬ ‫جكَ‬ ‫ع ُدوّ ّلكَ وَلِزَوْ ِ‬ ‫جدُوا لدَمَ َفسَجَدُوا إِل إِبْلِيسَ أَبَى (‪َ )116‬فقُلْنَا يَا آ َدمُ إِنّ هَذَا َ‬ ‫وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ‬ ‫ظمَأُ فِيهَا‬ ‫شقَى (‪ )117‬إِنّ َلكَ أَل تَجُوعَ فِيهَا وَل َتعْرَى (‪ )118‬وَأَ ّنكَ ل تَ ْ‬ ‫فَل يُخْ ِرجَ ّن ُكمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَ ْ‬ ‫سوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَا آ َدمُ َهلْ أَ ُدّلكَ عَلَى شَجَ َرةِ ا ْلخُلْدِ َومُ ْلكٍ ل يَبْلَى (‬ ‫وَل َتضْحَى (‪َ )119‬فوَ ْ‬ ‫عصَى آدَمُ رَبّهُ‬ ‫صفَانِ عَلَ ْي ِهمَا مِن وَ َرقِ الْجَنّ ِة وَ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ط ِفقَا يَ ْ‬ ‫سوْآ ُت ُهمَا وَ َ‬ ‫‪ )120‬فََأكَل مِ ْنهَا فَبَ َدتْ َل ُهمَا َ‬ ‫َف َغوَى (‪ )121‬ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَ ْي ِه وَهَدَى (‪)122‬‬

‫( ‪)3/383‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذ قلنا للملئكة ‪ :‬أي اذكر قولنا للعظة والعتبار‪.‬‬

‫إلّ إبليس أبى‪ :‬أي امتنع من السجود لكبر في نفسه إذ هو ليس من الملئكة وإنما هو أبو الجان‬ ‫كان مع الملئكة يعبد ال معهم‪.‬‬ ‫عدو لك ولزوجك ‪ :‬أي حواء ومعنى عدو أنه ل يحب لكما الخير بل يريد لكما الشر‪.‬‬ ‫فتشقى‪ :‬أي بالعمل في الرض إذ تزرع وتحصد وتطحن وتخبز حتى تتغذى‪.‬‬ ‫ل تظمأ فيها ول تضحى‪ :‬أي ل تعطش و ل يصيبك حر شمس الضحى المؤلم في الرض‪.‬‬ ‫شجرة الخلد ‪ :‬أي التي يخلد من أكل منها‪.‬‬ ‫وملك ل يبلى ‪ :‬أي ل يفنى ول يبيد ولزم ذلك الخلود‪.‬‬ ‫فبدت لهما سوءاتهما‪ :‬أي ظهر لكل منهما قُ ُبلَ صاحبه ودُبُ َرهُ فاستاءا لذلك‪.‬‬ ‫وطفقا يخصفان‪ :‬أي أخذا وجعل يلزقان ورق الشجر عليهما سترا لسوءاتهما‪.‬‬ ‫فغوى‪ :‬أي بالكل من الشجرة المنهي عنها‪.‬‬ ‫فاجتباه ربه فتاب عليه ‪ :‬أي اختاره لوليته فهداه للتوبة فتاب ليكون عبدا صالحا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى ضعف آدم عليه السلم حيث عهد ال إليه بعدم طاعة إبليس حتى ل يخرجه هو‬ ‫وزوجه من الجنة‪ ،‬وأن آدم نسي العهد فأكل من الشجرة ناسب ذكر قصة آدم بتمامها ليكون هو‬ ‫عظة للمتقين وهدى للمؤمنين فقال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم واذكر {وإذ قلنا‬ ‫للملئكة اسجدوا لدم} وسجودهم عبادة ل تعالى وتحية لدم لشرفه وعلمه‪ .‬فامتثلت الملئكة أمر‬ ‫ال {فسجدوا} كلهم أجمعون {إلّ إبليس أبى} أن يسجد لما داخله من الكبر ولنه لم يكن من‬ ‫الملئكة بل كان من الجن إلّ أنه كان يتعبد ال تعالى مع الملئكة في السماء‪ .‬هذا ما دلت عليه‬ ‫الية الولى (‪.)116‬‬ ‫وقوله تعالى {فقلنا يا آدم} أي بعد أن تكبرّ إبليس عن السجود لدم نصحنا آدم وقلنا له {إن هذا}‬ ‫أي إبليس {عدو لك ولزوجك فل يخرجنكما من الجنة فتشقى} أي فل تطيعانه‬

‫( ‪)3/384‬‬ ‫فإن ‪ 1‬طاعته تكون سبب إخراجكما من الجنة ومتى خرجتما منها شقيتما‪ ،‬ووجه الخطاب إلى آدم‬ ‫في قوله تعالى‪ :‬فتشقى لن المراد من الشقاء هنا العمل كالزرع والحصاد وغيرهما مما هو‬ ‫ضروري للعيش خارج الجنة والزوج هو المسئول عن إعاشة ‪ 2‬زوجته فهو الذي يشقى دونها‪،‬‬ ‫وقوله تعالى لدم {إن لك أل تجوع فيها} أي في الجنة {ول تعرى}‪{ ،‬وإنك ل تضمأ فيها} أي ل‬ ‫تعطش {ول تضحى ‪ }3‬أي ل تتعرض لحر شمس ضحى كما هي في الرض والخطاب وإن كان‬ ‫لدم فحواء تابعة له بحكم رئاسة الزوج على زوجته‪ ،‬ومن الدب خطاب الرجل دون امرأته إذ‬ ‫هي تابعة له وقوله تعالى‪{ :‬فوسوس إليه الشيطان} أي ناداه من طريق الوسوسة‪{ .‬يا آدم هل أدلك‬

‫على شجرة الخلد ‪ 4‬وملك ل يبلى} فقبل منه ذلك آدم واستجاب لوسوسته فأكلت حواء أولً ثم أكل‬ ‫آدم وهو قوله تعالى {فأكل منها} فترتب على ذلك انكشاف سوءاتهما لهما بذهاب النور الساتر‬ ‫لهما بسبب المعصية ل تعالى وقوله تعالى {فطفقا يخصفان عليهما} من ورق الشجر أي فأخذا‬ ‫يشدان ورق الشجر على عوراتهما سترا لهما لن منظر العورة يسوء الدمي ولذلك سميت‬ ‫العورة سوءة وهكذا عصى آدم ربه باستجابته لوسواس عدوه وأكله من الشجرة‪ ،‬فبذلك ‪ 5‬غوى‪،‬‬ ‫إل أن ربه تعالى اجتباه أي نبيا وقربه وليا {فتاب ‪ 6‬عليه وهدى} وهداه للعمل بطاعته ليكون من‬ ‫جملة أصفيائه وصالح عباده‪ .‬والحمد ل ذي النعام والفضال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫ل بالوحي اللهي‪.‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بذكر مثل هذا القصص الذي ل يعلم إ ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا مبدأ‪ :‬أنّ نفقة الزوجة على زوجها‪ .‬وأن النفقة الواجبة محصورة في الطعام والشراب‬ ‫والكسوة والسكن‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال الحسن‪ :‬المراد بالشقاء‪ :‬شقاء الدنيا ل يرى ابن آدم فيها إلّ ناصبا‪.‬‬ ‫‪ 3‬يقال‪ :‬ضحيت للشمس ضحاءً‪ :‬برزت‪ ،‬وضحَيت بفتح الحاء مثله والمضارع أضحى‪ ،‬والمر‬ ‫إضح‪ ،‬ومنه قول عمر في عرفة لرجل لزم الخيمة إضحَ لمن جئت له‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى أبو داود واحمد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب في‬ ‫ظلها مائة عام ما يقطعها وهي شجرة الخلد"‪.‬‬ ‫‪ 5‬كان هذا قبل النبوة‪ ،‬ومن أذنب مرّة واحدة ل يقال له مذنب ول غاو ولسيما بعد التوبة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ثبت في الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬حاجّ موسى آدم فقال له‪ :‬أنت الذي‬ ‫أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم يا موسى أنت الذي اصطفاك برسالته وبكلمه‬ ‫أتلومني على أمر كتبه ال عليّ قبل أن يخلقني قال رسول ال صلى ال عليه وسلم فحجّ آدم‬ ‫موسى"‪.‬‬

‫( ‪)3/385‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عداوة إبليس لبني آدم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الجنة ل نصب فيها ول تعب‪ ،‬وإنما ذلك في الرض‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من أخطار الستجابة لوسوسة إبليس فإنها تُرْدى صاحبها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ضعف المرأة وقلة عزمها فقد أكلت قبل آدم فسهلت عليه المعصية‪.‬‬ ‫‪ -6‬كون المرأة تابعة للرجل وليس لها أن تستقل بحال من الحوال‪.‬‬

‫‪ -7‬حرمة كشف العورات ووجوب سترها‪.‬‬ ‫‪ -8‬إثبات نبوة آدم وتوبة ال عليه وقبولها منه وهدايته إلى العمل بمحابه وترك مكارهه‪.‬‬ ‫ل وَل‬ ‫ضّ‬ ‫ع ُدوّ فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُم مّنّي هُدًى َفمَنِ اتّ َبعَ هُدَايَ فَل َي ِ‬ ‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬ ‫جمِيعًا َب ْع ُ‬ ‫قَالَ اهْبِطَا مِ ْنهَا َ‬ ‫عمَى (‪ )124‬قَالَ‬ ‫شقَى (‪َ )123‬ومَنْ أَعْ َرضَ عَن ِذكْرِي فَإِنّ لَهُ َمعِيشَ ًة ضَنكًا وَنَحْشُ ُرهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَ ْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫عمَى َوقَدْ كُنتُ َبصِيرًا (‪ )125‬قَالَ كَذَِلكَ أَتَ ْتكَ آيَاتُنَا فَنَسِي َتهَا َوكَذَِلكَ الْ َيوْمَ تُنسَى (‬ ‫َربّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَ ْ‬ ‫ف وَلَمْ ُي ْؤمِن بِآيَاتِ رَبّ ِه وََلعَذَابُ الخِ َرةِ أَشَ ّد وَأَ ْبقَى (‪)127‬‬ ‫‪َ )126‬وكَذَِلكَ َنجْزِي مَنْ أَسْ َر َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قال اهبطا منها جميعا ‪ :‬أي آدم وحواء من الجنة وإبليس سبق أن أبلس وهبط‪.‬‬ ‫بعضكم لبعض عدو ‪ :‬أي آدم وحواء وذريتهما عدو لبليس وذريته‪ ،‬وإبليس وذريته عدو لدم‬ ‫وحواء وذريتهما‪.‬‬ ‫فإما يأتينكم مني هدى ‪ :‬أي فإن يأتيكم مني هدى وهو كتاب ورسول‪.‬‬ ‫فمن اتبع هداي ‪ :‬أي الذي أرسلت به رسولي وهو القرآن‪.‬‬

‫( ‪)3/386‬‬ ‫فل يضل ‪ :‬أي في الدنيا‪.‬‬ ‫ول يشقى ‪ :‬في الخرة‪.‬‬ ‫ومن أعرض عن ذكري ‪ :‬أي عن القرآن فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه‪.‬‬ ‫معيشة ضنكا‪ :‬أي ضيّقة تضيق بها نفسه ور يسعد بها ولو كانت واسعة‪.‬‬ ‫أعمى ‪ :‬أي أعمى البصر ل يبصر‪.‬‬ ‫وقد كنت بصيرا ‪ :‬أي ذا بصر في الدنيا وعند البعث‪.‬‬ ‫قال كذلك ‪ :‬أي المر كذلك أتتك آياتنا فنسيتها فكما نسيتها تنسى في جهنم‪.‬‬ ‫وكذلك نجزي من أسرف ‪ :‬أي وكذلك الجزاء الذي جازينا به من نسي آياتنا نجزي من أسرف‬ ‫في المعاصي ولم يقف عند حد‪ ،‬و لم يؤمن بآيات ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫أشد وأبقى ‪ :‬أي أشد من عذاب الدنيا وأدوم فل ينقضي ول ينتهي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في قصة آدم إنه لما أكل آدم وحواء من الشجرة وبدت لهما سوءاتهما‬ ‫وعاتبهما ربهما بقوله في آية غير هذه {ألم أنهكما ‪ 1‬عن تلكم الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما‬ ‫عدو مبين} وأنزل على آدم كلمة التوبة ‪ 2‬فقالها مع زوجه فتاب ال عليهما لما تم كل ذلك قال‬ ‫{اهبطا ‪ 3‬منها} أي من الجنة {جميعا} إذ إبليس العدو قد اُبْلِس من قبل وطُرد من الجنة فهبطوا‬ ‫جميعا‪ .‬وقوله‪{ :‬فإمّا يأتينكم مني هدىً} أي بيان عبادتي تحمله كتبي وتبينه رسلي‪{ ،‬فمن اتبع‬

‫هداي } فآمن به وعمل بما فيه { فل يضل} في حياته {ول يشقى ‪ }4‬في آخرته‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هي قوله تعالى‪{ :‬قال ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} من‬ ‫سورة العراف وأخبر تعالى عنها في سورة البقرة في قوله تعالى‪{ :‬فتلقى آدم من ربه كلمات‬ ‫فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}‪.‬‬ ‫‪ 2‬الية من سورة العراف‪.‬‬ ‫‪ 3‬الخطاب لدم وإبليس وحواء تابعة لزوجها بقرينة‪{ :‬بعضكم لبعض عدو}‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬ضمن ال تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألّ يضل في‬ ‫الدنيا ول يشقى في الخرة وتل هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)3/387‬‬ ‫{ومن أعرض عن ذكري} أي فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه {فإن له} أي جزاءً منا له {معيشة‬ ‫ضنكا‪ }1‬أي ضيقة تضيق بها نفسه فلم يشعر بالغبطة والسعادة وإن اتسع رزقه كما يضيق عليه‬ ‫قبره ويشقى فيه طيلة حياة البرزخ‪ ،‬ويحشر يوم القيامة أعمى ل حجة له ول بصر يبصر به‪ .‬وقد‬ ‫يعجب لحاله ويسأل ربه {لم حشرتني أعمى وقد كنت} في الدنيا وفي البعث {بصيرا} فيجيبه ربه‬ ‫تعالى بقوله‪{ :‬كذلك} أي المر كذلك كنت بصيرا وأصبحت أعمى لنك {أتتك آياتنا} تحملها كتبنا‬ ‫وتبينها رسلنا {فنسيتها} أي تركتها ولم تلتفت إليها معرضا عنها فاليوم تترك في جهنم منسيا كذلك‬ ‫وقوله تعالى في الية الخرة (‪{ )127‬وكذلك نجزي من أسرف} في معاصينا فلم يقف عند حد‬ ‫ولم يؤمن بآيات ربه فنجعل له معيشة ضنكا في حياته الدنيا وفي البرزخ {ولعذاب الخرة أشد}‪2‬‬ ‫من عذاب الدنيا {وأبقى} أي أدوم حيث ل ينقضي ول ينتهي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عداوة الشيطان للنسان‪.‬‬ ‫عدَة ال تعالى لمن آمن بالقرآن وعمل بما فيه أن ل يضل في حياته ول يشقى في آخرته‪.‬‬ ‫‪ِ -2‬‬ ‫‪ -3‬بيان جزاء من أعرض عن القرآن في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالسراف في الذنوب والمعاصي مع الكفر بآيات ال‪ ،‬وبيان جزاء ذلك‪.‬‬ ‫ت لوْلِي الّنهَى (‬ ‫َأفَلَمْ َي ْهدِ َلهُمْ َكمْ أَهَْلكْنَا قَبَْلهُم مّنَ ا ْلقُرُونِ َيمْشُونَ فِي مَسَاكِ ِنهِمْ إِنّ فِي َذِلكَ ليَا ٍ‬ ‫سمّى (‪ )129‬فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ وَسَبّحْ‬ ‫جلٌ مُ َ‬ ‫‪ )128‬وََلوْل كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِن رّ ّبكَ َلكَانَ لِزَامًا وَأَ َ‬ ‫ح وَأَطْرَافَ ال ّنهَارِ َلعَّلكَ تَ ْرضَى (‬ ‫س َوقَ ْبلَ غُرُو ِبهَا َومِنْ آنَاء اللّ ْيلِ فَسَبّ ْ‬ ‫شمْ ِ‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ قَ ْبلَ طُلُوعِ ال ّ‬ ‫بِ َ‬ ‫‪ )130‬وَل‬

‫__________‬ ‫‪{ 1‬ضنكا} أي‪ :‬ضيّقا‪ ،‬يقال‪ :‬منزل ضنك وعيش ضنك‪ ،‬يستوي في الواحد والجمع والمذكر‬ ‫والمؤنث قال عنترة‪.‬‬ ‫إن يُلحقوا أكرر وإن يستلحموا‬ ‫أشدد وإن يُلفوا بضنك أنزل‬ ‫‪ 2‬أي ‪ :‬من المعيشة الضنك‪.‬‬

‫( ‪)3/388‬‬ ‫َتمُدّنّ عَيْنَ ْيكَ إِلَى مَا مَ ّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجًا مّ ْنهُمْ زَهْ َرةَ الْحَيَاةِ الدّنيَا لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه وَرِ ْزقُ رَ ّبكَ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى (‬ ‫ك وَا ْلعَاقِبَةُ لِل ّتقْوَى (‪)132‬‬ ‫علَ ْيهَا ل َنسْأَُلكَ رِ ْزقًا نّحْنُ نَرْ ُز ُق َ‬ ‫‪ )131‬وَ ْأمُرْ أَهَْلكَ بِالصّلةِ وَاصْطَبِرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفلم يهد لهم‪ :‬أي أفلم يُبَيّنْ لهم‪.‬‬ ‫من القرون‪ :‬أي من أهل القرون‪.‬‬ ‫ليات لولى النهى‪ :‬أي أصحاب العقول الراجحة إذ النهية العقل‪.‬‬ ‫ولو ل كلمة سبقت‪ :‬أي بتأخير العذاب عنهم‪.‬‬ ‫لكان لزاما‪ :‬أي العذاب لزما ل يتأخر عنهم بحال‪.‬‬ ‫ما يقولون‪ :‬من كلمات الكفر‪ ،‬ومن مطالبتهم باليات‪.‬‬ ‫ومن آناء الليل‪ :‬أي ساعات الليل واحدها إِ ْنيٌ أو إِ ْنوٌ‪.‬‬ ‫لعلك ترضى ‪ :‬أي رجاء أن تثاب الثواب الحسن الذي ترضى به‪.‬‬ ‫إلى ما متعنا به أزواجا منهم ‪ :‬أي رجالً منهم ‪ 1‬من الكافرين‪.‬‬ ‫زهرة الحياة الدنيا‪ :‬أي زينة الحياة الدنيا وقيل فيها زهرة لنها سرعان ما تذبل وتذوى‪.‬‬ ‫لنفتنهم فيه ‪ :‬أي لنبتليهم في ذلك أيشكرون أم يكفرون‪.‬‬ ‫والعاقبة للتقوى ‪ :‬العاقبة الحميدة في الدنيا والخرة لهل التقوى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذكر قصة آدم عليه السلم وما تضمنته من هداية اليات قال تعالى {أفلم يهد} لهل مكة‬ ‫غفَلوا فلم يهد لهم أي يتبين {كم أهلكنا قبلهم من القرون} أي إهلكنا للعديد‬ ‫المكذبين المشركين أي أَ َ‬ ‫من أهل القرون الذين هم يمشون في مساكنهم ذاهبين جائين‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أزواجا‪ :‬رجالً ونساءً لنّ الرجل زوج والمرأة زوج والتعبير بلفظ أزواج لجل الدللة على‬ ‫العائلت والبيوت أي‪ :‬إلى ما متّعناهم به من مال وبنين‪.‬‬

‫( ‪)3/389‬‬ ‫كثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات أهلكناهم بكفرهم ومعاصيهم فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا فينجوا‬ ‫ويسعدوا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إن في ذلك} المذكور من الهلك للقرون الولى {ليات} أي دلئل‬ ‫واضحة على وجوب اليمان بال ورسوله وطاعتهما‪{ ،‬لولى النهى} أي لصحاب العقول أما‬ ‫الذين ل عقول لهم لنهم عطلوها فلم يفكروا بها فل يكون في ذلك آيات لهم‪ .‬وقوله تعالى {ولو ل‬ ‫كلمة سبقت ‪ 1‬من ربك} بأن ل تموت نفس حتى تستوفي أجلها‪ ،‬وأجل مسمن عند ال في كتاب‬ ‫المقادير ل يتبدل ول يتغير لكان عذابهم لزما لهم لما هم عليه من الكفر والشرك والعصيان‪.‬‬ ‫وعليه {فاصبر} يا رسولنا {على ما يقولون } من أنك ساحر وشاعر وكاذب وكاهن من كلمات‬ ‫الكفر‪ ،‬واستعن على ذلك بالصلة ذات الذكر والتسبيح {قبل طلوع الشمس} وهو صلة الصبح‬ ‫{وقبل غروبها} وهو صلة العصر {ومن آناء الليل} أي ساعات الليل وهما صلتا المغرب‬ ‫والعشاء‪{ ،‬وأطراف النهار} وهو صلة الظهر لنها تقع بين طرفي النهار أي نصفه الول ونصفه‬ ‫الثاني ‪ 2‬وذلك عند زوال الشمس‪ ،‬لعلك بذلك ترضى بثواب ال تعالى لك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {ول تمدن عينيك} أي ل تتطلع ناظرا {إلى ما متعنا به أزواجا منهم} أشكالً في‬ ‫عقائدهم وأخلقهم وسلوكهم {زهرة ‪ 3‬الحياة الدنيا} أي من زينة الحياة الدنيا {لنفتنهم فيه} أي‬ ‫لنختبرهم في ذلك الذي متعناهم به من زينة الحياة الدنيا وقوله تعالى‪{ :‬ورزق ربك} أي ما لك‬ ‫عند ال من أجز ومثوبة خير وأبقي ‪ 4‬خيرا في نوعه وأبقى في مدته‪ ،‬واختيار الباقي على الفاني‬ ‫مطلب العقلء‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وأمر أهلك ‪ 5‬بالصلة واصطبر عليها} أي من أزواجك وبناتك وأتباعك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فيه تقديم وتأخير‪ ،‬الصل‪ :‬ولو ل كلمة سبقت وأجل مسبق لكان لزاما‪ .‬أي لكان العذاب لزما‬ ‫لهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬العتمة‪ .‬واحد الناء‪ :‬أنيٌ وإنى وأنى‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال مجاهد‪ :‬الغنياء منهم‪ ،‬وبهذا يشمل النساء والرجال إذ كل منهما زوج فرجح هذا أنّ‬ ‫أزواجا‪ :‬مفعول به‪ ،‬ول يتنافى هذا مع ما في التفسير لن قولنا‪ :‬أشكالً في عقولهم وأخلقهم‬ ‫وسلوكهم يعني‪ :‬منطقا الرجال الزواج‪.‬‬ ‫‪{ 4‬زهرة} منصوب على الحال من الموصول‪ .‬والزهرة‪ :‬واحدة الزهور وهو نور الشجر والمراد‬ ‫هنا‪ :‬الزينة المعجبة المبهرة في النساء والبنين والنعام والبساتين والجنان‪.‬‬ ‫ل مؤمن يجب عليه أن‬ ‫‪ 5‬الخطاب للرسول صلى ال عليه وسلم وجميع أمّته تابعة له في ذلك فك ّ‬ ‫يقيم الصلة وأن يأمر أهله بذلك ويصبر‪ .‬روي أنه لما نزلت هذه الية كان صلى ال عليه وسلم‬

‫"يذهب إلى بنته فاطمة كل صباح وقت الصلة" وكان عمر رضي ال عنه يوقظ أهل داره لصلة‬ ‫الليل ويصلي وهو يتمثل بالية‪ :‬وكان عروة بن الزبير إذا رأى شيئا من أخبار السلطين‬ ‫وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقرأ‪{ :‬ول تمدّن عينك‪ } ..‬الية‪.‬‬

‫( ‪)3/390‬‬ ‫المؤمنين بالصلة ففيها الملذ وفيها الشفاء من آلم الحاجة والخصاصية واصطبر عليها واحمل‬ ‫نفسك على الصبر على إقامتها‪ .‬وقوله {ل نسألك رزقا} أي ل نكلفك مالً َتعْطِيناه ولكن تكلف‬ ‫صلة فأدها على أكمل وجوهها‪{ .‬نحن نرزقك} أي رزقك علينا‪{ ،‬والعاقبة للتقوى} أي العاقبة‬ ‫الحميدة في الدنيا والخرة لهل التقوى من عبادنا وهم الذين يخشوننا فيؤدون ما أوجبنا عليهم‬ ‫ويجتنبون ما حرمنا عليهم رهبة منا ورغبة فينا‪ .‬هؤلء لهم أحسن العواقب ينتهون إليها نصر في‬ ‫الدنيا وسعادة في الخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير مبدأ العاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضيلة العقل وشرف صاحبه وانتفاعه به‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الصبر على دعوة ال والستعانة على ذلك بالصلة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أوقات الصلوات الخمس والحصول على رضى النفس بثوابها‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب عدم تعلق النفس بما عند أهل الكفر من مال ومتاع لنهم ممتحنون به‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب الرضا بما قسم ال للعبد من رزق انتظارا لرزق الخرة الخالد الباقي‪.‬‬ ‫‪ -7‬وجوب المر بالصلة بين الهل والولد والمسلمين والصبر على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -8‬فضل التقوى وكرامة أصحابها وفوزهم بحسن العاقبة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -9‬إقام الصلة بين أفراد السرة المسلمة ييسر ال تعالى به أسباب الرزق‪ ،‬وتوسعته عليهم‪.‬‬ ‫ف الولَى (‪ )133‬وََلوْ أَنّا أَهَْلكْنَاهُم‬ ‫ح ِ‬ ‫َوقَالُوا َلوْل يَأْتِينَا بِآيَةٍ مّن رّبّهِ َأوَلَمْ تَأْ ِتهِم بَيّنَةُ مَا فِي الصّ ُ‬ ‫ل وَنَخْزَى (‪ُ )134‬قلْ‬ ‫ِبعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ َلقَالُوا رَبّنَا َلوْل أَرْسَ ْلتَ إِلَيْنَا َرسُول فَنَتّبِعَ آيَا ِتكَ مِن قَ ْبلِ أَن نّ ِذ ّ‬ ‫ي َومَنِ اهْتَدَى (‪)135‬‬ ‫س ِو ّ‬ ‫ُكلّ مّتَرَ ّبصٌ فَتَرَ ّبصُوا فَسَ َتعَْلمُونَ مَنْ َأصْحَابُ الصّرَاطِ ال ّ‬

‫( ‪)3/391‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لول ‪ :1‬أي هَلّ فهي أداة تحضيض وحث على وقوع ما يذكر بعدها‪.‬‬

‫بآية من ربه‪ :‬أي معجزة تدل على صدقه في نبوته ورسالته‪.‬‬ ‫بينة ما في الصحف الولى ‪ :‬أي المشتمل عليها القرآن العظيم من أنباء المم الماضية وهلكهم‬ ‫بتكذيبهم لرسلهم‪.‬‬ ‫من قبله‪ :‬من قبل إرسالنا رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم وإنزالنا كتابنا القرآن‪.‬‬ ‫من قبل أن نذل ونخزى‪ :‬أي من قبل أن يصيبنا الذل والخزي يوم القيامة في جهنم‪.‬‬ ‫متربص‪ :‬أي منتظر ما يؤول إليه المر‪.‬‬ ‫فستعلمون ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫الصراط السوي ‪ :‬أي الدين الصحيح وهو السلم‪.‬‬ ‫ومن اهتدى ‪ :‬أي ممن ضل نحن أم أنتم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق مع المشركين طلبا لهدايتهم فقال تعالى مخبرا عن أولئك المشركين الذين متع ال‬ ‫رجالً منهم بزهرة الحياة الدنيا أنهم أصروا على الشرك والتكذيب {وقالوا لول ‪ 2‬يأتينا بآية} أي‬ ‫هل يأتينا محمد بمعجزة كالتي أتى بها صالح وموسى وعيسى بن مريم تدل على صدقه في نبوته‬ ‫ورسالته إلينا‪ .‬فقال تعالى رادا عليهم قولتهم الباطلة‪{ :‬أو لم تأتهم بَيّنة ما في ‪ 3‬الصحف الولى؟}‬ ‫أيطالبون باليات وقد جاءتهم بينة ما في الصحف الولى بواسطة القرآن الكريم فعرفوا ما حل‬ ‫بالمم التي طالبت باليات ولما جاءتهم اليات كذبوا بها فأهلكهم ال‪ .‬بتكذيبهم ‪ 4‬فما يؤمن هؤلء‬ ‫المشركين المطالبين باليات أنها لو جاءتهم ما آمنوا بها فأهلكوا كما‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لول‪ :‬أداة تحضيض وجملة‪{ :‬أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الولى} حالية أي‪ :‬قالوا ذلك‪،‬‬ ‫والحال أنها أتتهم بيّنة ما في الصحف الولى‪ ،‬فالستفهام إنكاري‪ ،‬والبينة‪ :‬الحجة‪ ،‬والصحف‪.‬‬ ‫كتب النبياء السابقين كقوله تعالى‪{ :‬إنّ هذا لفي الصحف الولى صحف إبراهيم وموسى}‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬لول يأتينا محمد بآية توجب العلم الضروري أو بآية ظاهرة كناقة صالح وعصا موسى أو‬ ‫هلّ يأتينا باليات التي نقترحها كتحويل جبال مكة‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه البيّنة هي محمد صلى ال عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم‪ ،‬محمد أميّ ل يقرأ ول يكتب‪،‬‬ ‫وقد جاء بما لم يأت به غيره من العلوم والمعارف والقرآن الكريم حوى علوم الولين وقصصهم‪،‬‬ ‫وكل علم نافع في الحياتين فأيّة آية أعظم من هذه الية‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬أو لم يكفهم أنا أنزلنا‬ ‫عليك كتابا يتلى عليهم}؟!‬ ‫‪ 4‬قال القرطبي‪ :‬فما يؤمنهم إن أتتهم اليات أن يكون حالهم كحال أولئك‪.‬‬

‫( ‪)3/392‬‬

‫أهلك المكذبين من قبلهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )134‬ولو أنا أهلكناهم ‪ 1‬بعذاب من قبله} أي من قبل إرسالنا محمد‬ ‫وإنزالنا الكتاب عليه لقالوا للرب تعالى إذا وقفوا بين يديه‪{ :‬ربنا لول أرسلت إلينا رسولً فنتبع‬ ‫آياتك } فيما تدعونا إليه من التوحيد واليمان والعمل الصالح وذلك من قبل أن نذل هذا الذل‬ ‫ونخزى هذا الخزي في نار جهنم‪ .‬فإن كان هذا قولهم ل محالة فلم ل يؤمنون ويتبعون آيات ال‬ ‫فيعملون بما جاء فيها من الهدى قبل حلول العذاب بهم؟ وفي الية الخيرة قال تعالى لرسوله بعد‬ ‫هذا الرشاد الذي أرشدهم إليه {قل كل متربص ‪ }2‬أي كل منا متربص أي منتظر ما يؤول إليه‬ ‫المر {فتربصوا} ‪ ،‬فسيعلمون في نهاية المر وعندما توقفون في عرصات القيامة {من} هم‬ ‫{أصحاب الصراط السوي ‪ }3‬الذي ل اعوجاج فيه وهو السلم الدين الحق‪{ ،‬ومن اهتدى} إلى‬ ‫سبيل النجاة والسعادة ممن ضل ذلك فخسر وهلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬المطالبة باليات سنة متبعة للمم والشعوب عندما تعرض عن الحق وتتنكر للعقل وهدايته‪.‬‬ ‫‪ -2‬الذلة والخزي تصيب أهل النار يوم القيامة لما فرطوا فيه من اليمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫‪ -3‬في الية إشادة إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‪" :‬يحتج به على ال يوم القيامة‬ ‫ثلثة‪ :‬الهالك في الفترة‪ ،‬والمغلوب على عقله‪ ،‬والصبي الصغير‪ ،‬فيقول المغلوب على عقله لم‬ ‫تجعل لي عقل انتفع به‪ ،‬ويقول الهالك في الفترة لم يأتني رسول ول نبي ولو أتاني لك رسول أو‬ ‫نبي لكنت أطوع خلقك إليك‪ ،‬وقرأ صلى ال عليه وسلم {لول أرسلت إلينا رسولً} ويقول الصبي‬ ‫الصغير كنت صغيرا ل أعقل‪ .‬قال فترفع لهم نار ويقال لهم‪ِ :‬ردُوها قال فَيَرِدُها من كان في علم‬ ‫ال أنه سعيد‪ ،‬ويتلكأ عنها من كان في علم ال أنه شقي فيقول إياي عصيتم فكيف برسلي لو‬ ‫أتتكم"‪ .‬رواه ابن جرير عند تفسير هذه الية {ربنا لو ل أرسلت إلينا رسولً}‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الية دليل على أن اليمان بوحدانية ال تعالى مما يقتضيه العقل وتوجبه الفطرة لول حجب‬ ‫الضللت وإغواء الشياطين للناس‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا جواب عن قولهم‪{ :‬لول يأتينا بآية من ربّه} وما بينهما اعتراض والتربّص‪ :‬النتظار‪.‬‬ ‫‪ 3‬بمعنى المُسْتَوي وهو مأخوذ من التسوية‪.‬‬

‫( ‪)3/393‬‬ ‫سورة النبياء‬ ‫‪...‬‬

‫الجزء السابع عشر‬ ‫سورة النبياء‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها مائة واثنتا عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫غفْلَةٍ ّمعْرِضُونَ(‪ )1‬مَا يَأْتِيهِم مّن ِذكْرٍ مّن رّ ّبهِم مّحْ َدثٍ إِل اسْ َت َمعُوهُ‬ ‫اقْتَ َربَ لِلنّاسِ حِسَا ُبهُ ْم وَ ُهمْ فِي َ‬ ‫جوَى الّذِينَ ظََلمُواْ َهلْ َهذَا إِل بَشَرٌ مّثُْل ُكمْ َأفَتَأْتُونَ السّحْرَ‬ ‫وَهُمْ يَ ْلعَبُونَ(‪ )2‬لهِيَةً قُلُو ُبهُ ْم وَأَسَرّواْ النّ ْ‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪َ )4‬بلْ قَالُواْ‬ ‫سمَاء وَال ْرضِ وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫وَأَنتُمْ تُ ْبصِرُونَ (‪ )3‬قَالَ رَبّي َيعْلَمُ ا ْل َق ْولَ فِي ال ّ‬ ‫سلَ الوّلُونَ (‪ )5‬مَا آمَ َنتْ قَبَْلهُم مّن قَرْيَةٍ‬ ‫ضغَاثُ َأحْلمٍ َبلِ افْتَرَاهُ َبلْ ُهوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ َكمَا أُ ْر ِ‬ ‫َأ ْ‬ ‫أَهَْلكْنَاهَا َأ َف ُهمْ ُي ْؤمِنُونَ (‪)6‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اقترب ‪ 1‬للناس حسابهم ‪ :‬أي قرب زمن حسابهم وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫وهم في غفلة ‪ :‬أي عما هم صائرون إليه‬ ‫معرضون‪ :‬أي عن التأهب ليوم الحساب بصالح العمال بعد ترك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال عبدال بن مسعود رضي ال عنه‪ :‬الكهف ومريم وطه والنبياء من العتاق الول وهن من‬ ‫تلدي‪ :‬يريد من أوّل ما حفظ كالمال التليد‪.‬‬

‫( ‪)3/394‬‬ ‫الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫من ذكر من ربهم محدث‪ :‬أي من قرآن نازل من ربهم محدث جديد النزول‪.‬‬ ‫وهم يلعبون‪ :‬أي ساخرين مستهزئين‪.‬‬ ‫لهية قلوبهم‪ :‬مشغولة عنه بما ل يغني من الباطل والشر والفساد‪.‬‬ ‫واسروا النجوى‪ :.‬أي أخفوا مناجاتهم بينهم‪.‬‬ ‫أضغاث أحلم‪ :‬أي أخلط رآها في المنام‪.‬‬ ‫بل افتراه‪ :‬أي اختلقه وكذبه ولم يوح إليه‪.‬‬ ‫أفهم يؤمنون‪ :‬أي ل يؤمنون فالستفهام للنفي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى فيقول وقوله الحق‪{ :‬اقترب للناس ‪ 1‬حسابهم} أي دنا وقرب وقت حسابهم على‬ ‫أعمالهم خيرها وشرها {وهم في ‪ 2‬غفلة} عما ينتظرهم من حساب وجزاء {معرضون} عما‬

‫يدعون إليه من التأهب ليوم الحساب بترك الشرك والمعاصي والتزود باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ما يأتيهم من ذكر ‪ 3‬من ربهم محدث ‪ }4‬أي ما ينزل ال من قرآن يعظهم به‬ ‫ويذكرهم بما فيه {إل استمعوه وهم يلعبون} أي استعموه وهم هازئون ساخرون لعبون غير‬ ‫متدبرين له ول متفكرين فيه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬لهية قلوبهم} أي مشغولة عنه منصرفة عما تحمل‬ ‫اليات المحدثة النزول من هدى ونور‪{ ،‬وأسروا النجوى الذين ظلموا ‪ }5‬وهم المشركون قالوا في‬ ‫تناجيهم بينهم‪{ :‬هل هذا إل بشر مثلكم} أي ما محمد إل إنسان مثلكم فكيف تؤمنون به وتتابعونه‬ ‫على ما جاء‪ .‬به‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لفظ الناس‪ :‬عام وإن أريد به أهل مكة بدليل السياق في اليات بعد‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة حالية أي‪ :‬اقترب للناس حسابهم والحال أنّهم في غفلة معرضون‪.‬‬ ‫‪ 3‬محدث‪ :‬أي‪ :‬في نزوله وقراءة جبريل له على النبي صلى ال عليه وسلم إذ كان ينزل آية آية‬ ‫وسورة سورة وجائز أن يكون الذكر الرسول صلى ال عليه وسلم لقرينة اليات كقوله‪{ :‬هل هذا‬ ‫إل بشر مثلكم} وقوله‪{ :‬قد أنزل ال إليكم ذكرا رسولً‪ }..‬فرسول بدل‪ ،‬ق قوله‪( :‬ذكرا) وقوله (إل‬ ‫استمعوه) ي‪ :‬الرسول وهم يلعبون‪ .‬قاله الحسن بن الفضل‪.‬‬ ‫‪ 4‬لهية‪ :‬ساهية معرضة عن ذكر ال تعالى‪ .‬يقال‪ :‬لهيت عن الشيء إذا تركته وسهرت عنه‪،‬‬ ‫وهو نعت تقدّم عن السم فنصب على الحال نحو‪( :‬خاشعة أبصارهم)‪( ،‬ودانية عليهم ظللها)‬ ‫وكقول كثير عزّة‪:‬‬ ‫لعزة موحشا طلل‬ ‫خَللُ‬ ‫يلوح كأنه ِ‬ ‫‪{ 5‬الذين ظلموا} بدل من واو الجماعة في‪{ :‬وأسروا النجوى}‪.‬‬

‫( ‪)3/395‬‬ ‫إنه ما هو إل ساحر {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} مالكم أين ذهبت عقولكم؟ قال تعالى لرسوله‪:‬‬ ‫{قل ربي ‪ 1‬يعلم القول في السماء والرض وهو السميع‪ } ...‬لقوال عباده {العليم} بأعمالهم فهو‬ ‫تعالى سميع لما تقولون من الكذب عليم بصدقي وحقيقة ما أدعوكم إليه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬بل قالوا} أي أولئك المتناجون الظالمون {أضغاث أحلم} أي قالوا في القرآن يأتيهم‬ ‫من ربهم محدث لهم؛ ليهتدوا به قالوا فيه أضغاث أي أخلط رؤيا منامية وليس بكلم ال ووحيه‪،‬‬ ‫{بل افتراه} انتقلوا من قول إلى آخر لحيرتهم {بل هو شاعر} أي صلى ال عليه وسلم وما يقوله‬ ‫ليس من جنس الشعر الذي هو ذكر أشياء ل واقع لها ول حقيقة‪ .‬وقوله تعالى عنه‪{ :‬فليأتنا بآية‬ ‫كما أرسل الولون} أي إن كان رسولً كما يدعي وليس بشاعر ول ساحر فليأتنا بآية أي معجزة‬

‫كآية صالح أو موسى أو عيسى كما أرسل بها النبياء الولون‪ .‬قال تعالى‪{ :‬ما آمنت قبلهم من ‪2‬‬ ‫قرية} أي أهل قرية { أهلكناها} بالعذاب لما جاءتها الية فكذبت أفهم ‪ 3‬يؤمنون أي ل يؤمنون إذ‬ ‫شأنهم شأن غيرهم‪ ،‬فلذا ل معنى لعطائهم الية من أجل اليمان ونحن نعلم أنهم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬قرب الساعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان عليه المشركون من غفلة ولهو وإعراض‪ ،‬والناس اليوم أكثر منهم في ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حيرة المشركين إزاء الوحي اللهي والنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬المعجزات لم تكن يوما سببا في هداية الناس بل كانت سبب إهلكهم إذ هذا طبع النسان إذا‬ ‫لم يرد اليمان والهداية فإنه ل يهتدي ولو جاءته كل آية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع والجمهور‪{ :‬قل ربي} بصيغة المر‪ ،‬وقرأ حفص ومن وافقه (قال) بصيغة الماضي‪.‬‬ ‫‪{ 2‬من}‪ :‬زائدة لتقوية الكلم وتوكيد النفي المستفاد من حرف (ما)‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للنكار أي‪ :‬إنكار إيمانهم لو جاءتهم الية أي‪ :‬فهم ل يؤمنون‪.‬‬

‫( ‪)3/396‬‬ ‫جعَلْنَاهُمْ‬ ‫َومَا أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ إِل رِجَال نّوحِي إِلَ ْيهِمْ فَاسْأَلُواْ أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِن كُنتُمْ ل َتعَْلمُونَ (‪َ )7‬ومَا َ‬ ‫عدَ فَأَنجَيْنَا ُه ْم َومَن نّشَاء وَأَ ْهَلكْنَا‬ ‫ص َدقْنَاهُمُ ا ْلوَ ْ‬ ‫طعَا َم َومَا كَانُوا خَالِدِينَ (‪ )8‬ثُ ّم َ‬ ‫جسَدًا ل يَ ْأكُلُونَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪َ )9‬لقَدْ أَنزَلْنَا إِلَ ْي ُكمْ كِتَابًا فِيهِ ِذكْ ُركُمْ َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قبلك ‪ :‬يا محمد‪.‬‬ ‫أهل الذكر ‪ :‬أي الكتاب الول وهم أهل الكتاب‪.‬‬ ‫جسدا‪ :‬أي أجسادا آدمية‪.‬‬ ‫الوعد‪ :‬أي الذي واعدناهم‪.‬‬ ‫المسرفين‪ :‬أي في الظلم والشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫كتابا‪ :‬هو القرآن العظيم‪.‬‬ ‫فيه ذكركم ‪ :‬أي ما تذكرون به ربكم وما تذكرون به من الشرف بين الناس‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ل ويأكل‬ ‫ح ْولَ لِمَ يكون الرسول بشرا‪ ،‬ولِمَ يكون رسو ً‬ ‫كانت مطالب قريش من اعتراضاتهم تدور َ‬ ‫الطعام لم ل يكون له كنز أو جنة يأكل منها‪ ،‬لم ل يأتينا بآية كما أرسل بها الولون‪ ،‬وهكذا‪ .‬قال‬

‫قتادة قال أهل مكة للنبي صلى ال عليه وسلم "وإذا كان ما تقوله حقا ويسرك أن نؤمن فحول لنا‬ ‫الصفا ذهبا‪ ،‬فأتاه جبريل فقال إن شئت كان الذي سألك قومك‪ ،‬ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم‬ ‫ينظروا "أي ينزل بهم العذاب فورا" وإن شئت استأنيت بقومك‪ ،‬قال بل استأني بقومي فأنزل ال‬ ‫{ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون}‪.‬‬

‫( ‪)3/397‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وما أرسلنا قبلك ‪ }1‬يا رسولنا {إل رجالً نوحي} ما نريد إبلغه عبادنا من أمرنا‬ ‫ونهينا‪{ .‬فاسألوا أهل الذكر ‪ 2‬إن كنتم ل تعلمون} أي فليسأل قومك أهل الكتاب من قبلهم وهم‬ ‫أحبار اليهود ورهبان النصارى إن كانوا ل يعلمون فإنهم يعلمون أن الرسل من قبلهم لم يكونوا‬ ‫إل بشرا‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬وما جعلناهم} أي الرسل {جسدا ‪ }3‬أي أجسادا ملئكية أو بشرية ل يأكل‬ ‫أصحابها الطعام بل جعلناهم أجسادا آدمية تفتقر في بقاء حياتها إلى الطعام والشراب ‪ 4‬فلم‬ ‫يعترض هؤلء المشركون على كون الرسول بشرا يأكل الطعام ويمشي في السواق؟ وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬ثم صدقناهم} أي أولئك الرسل {الوعد}‪ 5‬الذي وعدناهم وهو أنا إذا آتينا أقوامهم ما طالبوا‬ ‫به من المعجزات ثم كذبوا ولم يؤمنوا أهلكناهم {فأنجيناهم ومن نشاء} أي أنجينا رسلنا ومن آمن‬ ‫بهم واتبعهم‪ ،‬وأهلكنا المكذبين المسرفين في الكفر والعناد والشرك والشر والباطل‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفل تعقلون؟} يقول تعالى لولئك المشركين‬ ‫المطالبين باليات التي قد تكون سبب هلكهم ودمارهم {لقد أنزلنا إليكم} لهدايتكم وإصلحكم ثم‬ ‫إسعادكم {كتابا} عظيم الشأن {فيه ذكركم} ‪ 6‬أي ما تذكرون به وتتعظون فتهتدون إلى سبيل‬ ‫سلمتكم وسعادتكم‪ ،‬فيه ذكركم بين المم والشعوب لنه نزل بلغتكم الناس لكم فيه تبع وهو شرف‬ ‫أي شرف لكم‪ .‬أتشتطون في المكايدة والعناد فل تعقلون‪ ،‬ما هو خير لكم مما هو شر لكم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا ردّ على المشركين إذ قالوا‪{ :‬هل هذا إل بشر مثلكم} وتأنيس للنبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫حتى ل يضيق بما يقولون‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون أهل الذكر أي‪ :‬الكتاب الوّل هم اليهود والنصارى إذ كان أهل مكة يسألون‬ ‫يهود المدينة وجائز أن يكون القرآن وهم المؤمنون ولذا قال عليّ وهو صادق‪ :‬نحن أهل الذكر‪.‬‬ ‫أي‪ :‬فليناظروا المؤمنين كعلي وأبي بكر الصديق وبلل‪ .‬وفي الية دليل على وجوب تقليد العامة‬ ‫العلماء إذ هم أهل الذكر ووجوب العمل بما يفتونهم به ويعلمونهم به‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجسد‪ :‬الجسم ل حياة فيه كالجثة‪ .‬وفي العبارة تهكم بالمشركين لسخف عقولهم إذ أنكروا على‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم أكل الطعام فقالوا‪{ :‬ما لهذا الرسول يأكل الطعام} وهل يعقل وجود‬ ‫أجسام بشرية تستغني عن الكل والشرب؟‬

‫‪ 4‬ولذا هم يموتون ول يخلدون وهذه حقيقة الدمي‪.‬‬ ‫‪ 5‬الوعد‪ :‬منصوب على نزع الخافض أي‪ :‬صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم‪ ،‬وهو وعدهم‬ ‫بنصرهم وإهلك أعدائهم‪.‬‬ ‫‪{ 6‬فيه ذكركم}‪ :‬أي‪ :‬فيه ذكر أمر دينكم وأحكام شرعكم وبيان ما تصيرون إليه من ثواب أو‬ ‫عقاب وفيه ذكر مكارم أخلقكم ومحاسن أعمالكم‪.‬‬

‫( ‪)3/398‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير مبدأ أن الرسل ل يكونون إل بشرا ذكورا ل إناثا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعين سؤال أهل العلم في كل ما ل يعلم إل من طريقهم‪ ،‬من أمور ا الدين والخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم السراف في كل شيء وهو كالغلو في الشرك والظلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬القرآن ذكر يذكر به ال تعالى لما فيه من دلئل التوحيد وموعظة لما فيه من قصص الولين‬ ‫وشرف أي شرف لمن آمن به وعمل بما فيه من شرائع وآداب وأخلق‪.‬‬ ‫حسّوا بَأْسَنَا ِإذَا هُم مّ ْنهَا‬ ‫صمْنَا مِن قَرْ َيةٍ كَا َنتْ ظَاِلمَ ًة وَأَنشَأْنَا َبعْدَهَا َق ْومًا آخَرِينَ (‪ )11‬فََلمّا أَ َ‬ ‫َوكَمْ َق َ‬ ‫جعُوا إِلَى مَا أُتْ ِرفْتُمْ فِي ِه َومَسَاكِ ِنكُمْ َلعَّلكُمْ تُسْأَلُونَ (‪ )13‬قَالُوا يَا‬ ‫يَ ْر ُكضُونَ (‪ )12‬ل تَ ْر ُكضُوا وَارْ ِ‬ ‫حصِيدًا خَامِدِينَ (‪)15‬‬ ‫جعَلْنَا ُهمْ َ‬ ‫عوَاهُمْ حَتّى َ‬ ‫وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪َ )14‬فمَا زَالَت تّ ْلكَ دَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وكم قصمنا ‪ :‬أي وكثيرا من أهل القرى قصمناهم بإهلكهم وتفتيت أجسامهم‪.‬‬ ‫كانت ظالمة‪ :‬أي كان أهلها ظالمين‪.‬‬ ‫يركضون ‪ :‬أي فارين هاربين‪.‬‬ ‫إلى ما أترفتم فيه ‪ :‬أي من وافر الطعام والشراب والمسكن والمركب‪.‬‬ ‫تسألون ‪ :‬أي عن شيء من دنياكم على عادتكم‪.‬‬ ‫تلك دعواهم ‪ :‬أي دعوتهم التي يرددونها وهي‪ { :‬يا ويلنا إنا كنا ظالمين}‪.‬‬ ‫حصيدا خامدين ‪ :‬أي لم يبق منهم قائم فهم كالزرع المحصود خامدين ل حراك لهم كالنار إذا‬ ‫أُخمدت‪.‬‬

‫( ‪)3/399‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى منذرا قريشا أن يحل بها ما حل بغيرها ممن أصروا على التكذيب والعناد {وكم‬ ‫قصمنا} أي أهلكنا وأبدنا إبادة كاملة {من قرية ‪ }1‬أي أهل قرية {كانت ظالمة} أي كان أهلها‬ ‫ظالمين بالشرك والمعاصي والمكابرة والعناد‪{ ،‬وأنشأنا بعدها قوما آخرين} هم خير من أولئك‬ ‫الهالكين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فلما أحسوا ‪ 2‬بأسنا إذا هم منها يركضون} أي فلما أحسّ أولئك الظالمون‬ ‫{بأسنا} أي شعروا به وأدركوه بحواسهم بأسماعهم وأبصارهم {إذ هم منها} من تلك القرية‬ ‫يركضون هاربين فرارا من الموت‪ .‬والملئكة تقول لهم توبيخا لهم وتقريعا‪ :‬ل تركضوا هاربين‬ ‫{وارجعوا إلى ما أُترفتم فيه} ُن ِعمْتُم فيه من وافِرِ الطعام والشراب والكساء والمسكن والمركب‬ ‫{لعلكم تسألون} على العادة عن شيء من أموركم وأمور دنياكم ‪ ،3‬فكان جوابهم ما أخبر تعالى به‬ ‫عنهم ‪{ :‬قالوا يا ويلنا} أي يا هلكنا أحضر هذا أو آن حضورك إنا كنا ظالمين أنفسنا بالشرك‬ ‫والمعاصي والتكذيب والعناد‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فما زالت تلك دعواهم} أي ما زال قولهم {يا ويلنا إنا‬ ‫كنا ظالمين} تلك دعوتهم ‪ 4‬التي يرددونها {حتى جعلناهم حصيدا‪ 5‬خامدين} أي مُجتثين من‬ ‫أصولهم ساقطين في الرض خامدين ل حراك لهم كالنار إذا أُخمدت فلم يبق لها لهيب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالظلم وأعلى درجاته الشرك بال‪.‬‬ ‫‪ -2‬جواز الستهزاء بالمشرك الظالم إذا حل به العذاب تقريعا له وتوبيخا‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل تنفع التوبة عند معاينة العذاب لو طلبها الهالكون‪.‬‬ ‫‪ -4‬شدة الهول ورؤية العذاب قد تفقد صاحبها رشده وصوابه فيهْذِ ُر ول يدري ما يقول‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬هذه القرى هي مدائن كانت باليمن‪ ،‬والعموم ظاهر في السياق ول داعي إلى حصره في‬ ‫مدائن اليمن بل هو شامل عادا وثمود وأهل مدين والمؤتفكات‪ ،‬والقصم‪ :‬الكسر يقال‪ :‬قصم ظهر‬ ‫فلن‪ :‬إذا كسره‪.‬‬ ‫‪ 2‬الحساس‪ :‬الدراك بالحس فيكون برؤية ما يزعجهم أو سماع أصوات مؤذنة بالهلك‬ ‫كالصواعق والرياح‪.‬‬ ‫‪ 3‬وهذا استهزاء بهم وتهكم وتقريع وتوبيخ لهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬الكلمة التي يكررونها وهي‪ :‬يا ويلنا إنا كنا ظالمين حتى هلكوا عن آخرهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الحصد‪ :‬جزّ الزرع والنبات بالمنجل ل باليد‪ ،‬وشاع إطلق الحصيد على الزرع المحصود‪،‬‬ ‫والخامد الذي ل حراك له من خمدت النار إذا زال لهيبها‪.‬‬

‫( ‪)3/400‬‬

‫خذَ َل ْهوًا لتّخَذْنَاهُ مِن لّدُنّا إِن كُنّا‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا لعِبِينَ (‪َ )16‬لوْ أَرَدْنَا أَن نّتّ ِ‬ ‫سمَاء وَال ْر َ‬ ‫َومَا خََلقْنَا ال ّ‬ ‫ق وََلكُمُ ا ْلوَ ْيلُ ِممّا َتصِفُونَ (‪)18‬‬ ‫طلِ فَيَ ْد َمغُهُ فَِإذَا ُهوَ زَا ِه ٌ‬ ‫فَاعِلِينَ (‪َ )17‬بلْ َنقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلَى الْبَا ِ‬ ‫ض َومَنْ عِن َدهُ ل يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَ ِت ِه وَل َيسْتَحْسِرُونَ (‪)19‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬ ‫وَلَهُ مَن فِي ال ّ‬ ‫يُسَبّحُونَ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ ل َيفْتُرُونَ (‪)20‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لعبين‪ :‬أي عابثين ل مقصد حَسَن لنا في ذلك‪.‬‬ ‫لهوا ‪ :‬أي زوجة وولدا‪.‬‬ ‫من لدنا‪ .‬أي من عندنا من الحور العين أو الملئكة‪.‬‬ ‫بل نقذف بالحق ‪ :‬أي نرمي بالحق على الباطل‪.‬‬ ‫فيدمغه‪ :‬أي يشج رأسه حتى تبلغ الشجة دماغه فيهلك‪.‬‬ ‫فإذا هو زاهق ‪ :‬أي ذاهب ُمضْمحِل‪.‬‬ ‫ولكم الويل مما تصفون‪ :‬أي ولكم العذاب الشديد من أجل وصفكم الكاذب للديان بأن له زوجة‬ ‫وولدا وللرسول بأنه ساحر ومفترٍ‪.‬‬ ‫وله من في السموات والرض‪ :‬خلقا وملكا وتدبيرا ل شريك له في ذلك‪.‬‬ ‫ول يستحسرون ‪ :‬أي ل يعيون ول يتعبون فيتركون التسبيح‪.‬‬ ‫ل يفترون‪ :‬عن التسبيح لنه منهم كالنفس منا ل يتعب أحدنا من التنفس ول يشغله عنه شيء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫كونه تعالى يهلك المم الظالمة بالشرك والمعاصي دليل أنه لم يخلق النسان والحياة‬

‫( ‪)3/401‬‬ ‫لعبا وعبثا بل خلق النسان وخلق الحياة ليذكر ويشكر فمن أعرض عن ذكره وترك شكره أذاقه‬ ‫بأساءه في الدنيا والخرة وهذا ما دلت عليه الية السابقة وقررته الية وهي قوله تعالى‪{ :‬وما‬ ‫خلقنا السماء والرض وما بينهما لعبين ‪ }1‬أي عابثين ل قصد حسن لنا بل خلقناهما بالحق وهو‬ ‫وجوب عبادتنا بالذكر والشكر لنا وقوله تعالى‪{ :‬لو أردنا ‪ 2‬أن نتخذ لهوا} أي صاحبة أو ولدا كما‬ ‫للُ‬ ‫يقول المبطلون من العرب القائلون بأن ال أصهر إلى الجن فأنجب الملئكة وكما يقول ضُ ّ‬ ‫النصارى أن ال اتخذ مريم زوجة فولدت له عيسى البن‪ ،‬تعالى ال عما يأفكون فرد تعالى هذا‬ ‫الباطل بالمعقول من القول فقال لو أردنا أن نتخذ لهوا نتلهى به من صاحبة وولد لتخذنا من لدنا‬ ‫من الحور العين والملئكة ولكنا لم نرد ذلك ول ينبغي لنا إنا نملك كل من في السموات ومن في‬ ‫الرض عبيدا لنا فكيف يعقل اتخاذ مملوك لنا ولدا ومملوكة زوجة والناس العجزة الفقراء ل‬

‫يجيزون ذلك فالرجل ل يجعل مملوكته زوجة له ول عبده ولدا بحال من الحوال وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ‪ 3‬فإذا هو زاهق} فتلك الباطيل والترهات تنزل حجج القرآن‬ ‫عليها فتدمغها فإذا هي ذاهبة مضمحلة ل يبقى منها شيء {ولكم الويل} أيها الكاذبون مما تصفون‬ ‫ال بالزوجة والولد والشريك والرسول بالسحر والشعر والكهانة والكذب العذاب لزم لكم من أجل‬ ‫كذبكم وافترائكم على ربكم ورسوله‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬وله من في السموات والرض} برهان آخر‬ ‫على بطلن دعوى أن له تعالى زوجة وولدا فالذي يملك من في السموات ومن في الرض غنى‬ ‫عن الصاحبة والولد إذ الكل له ملكا وتصرفا‪ .‬وقوله‪{ :‬ومن عنده ل يستكبرون عن عبادته ول‬ ‫يستحسرون ‪ }4‬برهان آخر {يسبحون الليل والنهار ول‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ينفي تعالى أن يكون خلق السموات والرض وما بينهما وما في السموات وما في الرض من‬ ‫عجائب المخلوقات وبدائع الصناعات وما بين السماء والرض من السحب والمطار ورياح‬ ‫وأجواء الفضاء ينفي أن يكون هذا الخلق العظيم لعبا‪ :‬أي‪ :‬لهوا وعبثا بل خلق ما خلق لعظم‬ ‫حكمة وأسماها وهي أن يعبد بذكره وشكره‪ ،‬فلذا من كفر به تعالى فترك ذكره وشكره كان من‬ ‫شر خلقه واستوجب العذاب البدي الذي ل يخرج منه ول يموت فيه ول يحيى‪.‬‬ ‫‪ 2‬الية ردّ على افتراءات المبطلين جهلة البشر الذين نسبوا ل تعالى الصاحبة والولد بغير علم‬ ‫من عقل ول نقل‪.‬‬ ‫‪ 3‬الدمغ‪ :‬شج الرأس حتى تبلغ الشجة الدماغ‪ ،‬والباطل هو الشيطان والحق؟ القرآن‪ ،‬في قول‬ ‫مجاهد إذ قال كل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان‪.‬‬ ‫‪ 4‬ل يستحسرون أي‪ :‬ل يعيون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع من العياء والتعب يقال‪:‬‬ ‫حسر البعير يحسر حسورا‪ :‬أعيا وكلّ واستحسر وتحسر مثله‪.‬‬

‫( ‪)3/402‬‬ ‫يفترون} أي فكيف يفتقر إلى الزوجة والولد‪ ،‬ومن عنده من الملئكة وهم ل يحصون عدا يعبدونه‬ ‫ل يستكبرون عن عبادته ول يملون منها ول يتعبون من القيام بها‪ ،‬يسبحونه الليل والنهار‪ ،‬والدهر‬ ‫كله {ل يفترون} أي ل يسأمون فيتركون التسبيح فترة بعد فترة للستراحة‪ ،‬إنهم في تسبيحهم‬ ‫وعدم سآمتهم منه وعدم انشغالهم عنه كالدميين في تنفسهم وطرف أعينهم هل يشغل عن التنفس‬ ‫شاغل أو عن طرف العين آخر وهل يسأم النسان من ذلك والجواب ل‪ ،‬فكذلك الملئكة يسبحون‬ ‫الليل والنهار ول يفترون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تنزه الرب تعالى عن اللهو واللعب والصاحبة والولد‪.‬‬ ‫‪ -2‬حجج القرآن هي الحق متى رمى بها الباطل دمغته فذهب واضحمل‪.‬‬ ‫‪ -3‬إقامة البراهين العقلية على إبطال الباطل أمر محمود‪ ،‬وقد يكون ل بد منه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان غنى ال المطلق عن كل مخلوقاته‪.‬‬ ‫‪ 5‬بيان حال الملئكة في عبادتهم وتسبيحهم ل تعالى‪.‬‬ ‫أَمِ اتّخَذُوا آِلهَةً مّنَ ال ْرضِ هُمْ يُنشِرُونَ (‪َ )21‬لوْ كَانَ فِي ِهمَا آِلهَةٌ إِل اللّهُ َلفَسَدَتَا َفسُبْحَانَ اللّهِ َربّ‬ ‫عمّا َي ْف َعلُ وَ ُهمْ يُسْأَلُونَ (‪َ )23‬أمِ اتّخَذُوا مِن دُونِهِ آِلهَةً ُقلْ هَاتُوا‬ ‫صفُونَ (‪ )22‬ل يُسَْألُ َ‬ ‫عمّا َي ِ‬ ‫ا ْلعَرْشِ َ‬ ‫ي وَ ِذكْرُ مَن قَبْلِي َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َيعَْلمُونَ ا ْلحَقّ َفهُم ّمعْرِضُونَ (‪َ )24‬ومَا‬ ‫بُرْهَا َنكُمْ هَذَا ِذكْرُ مَن ّمعِ َ‬ ‫أَرْسَلْنَا مِن قَبِْلكَ مِن رّسُولٍ إِل نُوحِي إِلَيْهِ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا فَاعْبُدُونِ (‪)25‬‬

‫( ‪)3/403‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أم اتخذوا آلهة من الرض ‪ :‬أيْ من معادنها كالذهب والفضة والنحاس والحجر‪.‬‬ ‫هم ينشرون‪ :‬أي يحيون الموات إذ ل يكون إلها حقا إل من يحيي الموتى‪.‬‬ ‫لو كان فيهما‪ :‬أي في السموات والرض‪.‬‬ ‫لفسدتا‪ :‬أي السموات والرض لن تعدد اللهة يقتضى التنازع عادة وهو يقضي بفساد النظام‪.‬‬ ‫فسبحان ال ‪ :‬أي تنزيه ل عما ل يليق بحلله وكماله‪.‬‬ ‫رب العرش ‪ :‬أي خالقه ومالكه والمختص به‪.‬‬ ‫عما يصفون ‪ :‬أي ال تعالى من صفات النقص كالزوجة والولد والشريك‪.‬‬ ‫ل يسأل عما يفعل ‪ :‬إذ هو الملك المتصرف‪ ،‬وغيره يسأل عن فعله لعجزه وجهله وكونه مربوبا‪.‬‬ ‫قل هاتوا برهانكم ‪ :‬أي على ما اتخذتم من دونه من آلهة ول برهان لهم على ذلك فهم كاذبون‪.‬‬ ‫هذا ذكر من معي ‪ :‬أي القرآن ذكر أمتي‪.‬‬ ‫وذكر من قبلي‪ :‬أي التوراة والنجيل وغيرهما من كتب ال الكل يشهد أنه ل إله إل ال‪.‬‬ ‫ل يعلمون الحق‪ :‬أي توحيد ال ووجوبه على العباد فلذا هم معرضون‪.‬‬ ‫فاعبدون‪ :‬أي وحدوني في العبادة فل تعبدوا معي غيري إذ ل يستحق العبادة سواي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يوبخ تعالى المشركين على شركهم فيقول {أم اتخذوا ‪ 1‬آلهة من الرض} أي من أحجارها‬ ‫ومعادنها آلهة {هم ينشرون} أي يحيون الموتى والجواب كل إنهم ل يحيون والذي ل يحيي‬ ‫الموتى ل يستحق اللوهية بحال من الحوال‪ .‬هذا ما دل عليه قوله‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الستفهام هنا للجحد والنكار أي‪ :‬لم يتخذوا آلهة تقدر على الحياء في وصف اللهة من‬ ‫الرض تهكّم بعابديها ظاهر وتأنيب عجيب‪.‬‬

‫( ‪)3/404‬‬ ‫تعالى‪{ :‬أم اتخذوا آلهة من الرض هم ينتشرون} وفي الية الثانية (‪ )21‬يبطل تعالى دعواهم في‬ ‫اتخاذ آلهة مع ال فيقول‪{ .‬لو كان فيهما ‪ }1‬أي في السموات والرض آلهة غير ال تعالى لفسدتا‬ ‫لن تعدد الهة يقتضى التنازع ‪ 2‬والتمانع هذا يريد أن يخلق كذا و هذا ل يريده هذا يريد أن‬ ‫يعطى كذا وذاك ل يريده فيختل نظام الحياة وتفسد‪ ،‬ومن هنا كان انتظام الحياة هذه القرون العديدة‬ ‫دال على وحدة الخالق الواجب الوجود الذي تجب له العبادة وحده دون من سواه‪ ،‬فلذا نزه تعالى‬ ‫نفسه عن الشريك وما يصفه به المبطلون من الزوجة والولد فقال ‪{ :‬فسبحان ‪ 3‬ال رب العرش‬ ‫عما يصفون} وقرر ألوهيته وربوبيته المطلقة بقوله‪{ :‬ل يسأل ‪ 4‬عما يفعل وهم يُسئلون} فالذي‬ ‫يفعل ول يُسأل لعلمه وقدرته وملكه هو الله الحق والذي يسأل عن عمله لم فعلت ولم تركت‬ ‫ويحاسب عليه ويجزى به لن يكون إل عبدا مربوبا‪ ،‬وقوله في توبيخ آخر للمشركين‪ :‬أم اتخذوا‬ ‫من ‪ 5‬دونه عز وجل آلهة يعبدونها؟ قل لهم يا رسولنا هاتوا برهانكم على صدق دعواكم في أنها‬ ‫آلهة‪ ،‬ومن أين لهم البرهان على احقاق الباطل؟ وقوله تعالى‪{ :‬هذا ذكر ‪ 6‬من معي} أي من‬ ‫المؤمنين وهو القرآن الكريم به يذكرون ال ويعبدونه وبه يتعظون {وذكر من قبلي} أي التوراة‬ ‫والنجيل هل في واحد منها ما يثبت وجود آلهة مع ال تعالى‪ .‬والجواب ل‪ .‬إذا فما هي حجة‬ ‫هؤلء المشركين على صحة دعواهم‪ ،‬والحقيقة أن المشركين جهلة ل يعرفون منطقا ول برهانا‬ ‫فلذا هم ُمعْ ِرضُون وهذا ما دل عليه قوله تعالى ‪{:‬بل أكثرهم ل يعلمون الحق ‪ 7‬فهم معرضون}‬ ‫فليسوا أهلً لمعرفة الدلة والبراهين لجلهلهم فلذا هم معرضون عن قبول التوحيد وتقرير أدلته‬ ‫وحججه وبراهينه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة مقررة لما أنكره تعالى على المشركين من اتخاذهم آلهة من الرض مبيّنة وجه‬ ‫النكار شارحة له أي‪ :‬يستحيل أن يوجد آلهة حق مع ال تعالى‪ .‬والبرهان مذكور في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا ما يسمى بدليل أو برهان التمانع وأنه وإن كان فيه ما يرده إل أنه في الجملة دليل مسكت‬ ‫للخصم مقنع لذي العقول‪.‬‬ ‫‪ 3‬إظهار اسم الجللة في مكان الضمار كان لتربية المهابة منه عزّ وجل إذ كان المفروض أن‬ ‫يقوله سبحانه‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن جريج ‪ :‬ل يسأله الخلق عن قضائه فيهم وهو يسألهم عن أعمالهم لنهم عبيده وبهذا‬ ‫انهدّ معتقد المشركين والقدريين معا إذ ل يسأل عمال يفعل وغيره يسأل فالذي يسأل ويحاسب‬

‫ويجزي لن يكون إلها أبدا‪.‬‬ ‫‪( 5‬أم) بمعنى‪ :‬بل والستفهام التعبجي أي‪ :‬بل اتخذوا من دون ال آلهة يا للعجب فليأتوا إذا‬ ‫ببرهان عقلي على صحة دعواهم ومن أين لهم إذا أفل يتوبون‪.‬‬ ‫‪ 6‬زيادة على إقامة بطلن الشرك بشهادة القرآن كتاب ال وشهادة الكتب السابقة وفيها التهديد‬ ‫والوعيد للمشركين‪.‬‬ ‫‪ 7‬قرأ الحق بالرفع ابن محيسن والحسن على تقدير هذا هو الحق وقرأ الجمهور بالنصب مفعول‬ ‫أي‪ :‬ل يعلمون الحق الذي هو القرآن العظيم فهم ل يتأملونه فحججه وبراهينه على إبطال الشرك‬ ‫ظاهرة‪.‬‬

‫( ‪)3/405‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وها أرسلنا من قبلك ‪ 1‬من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون} فلو كان‬ ‫المشركون يعلمون هذا لما أشركوا وجادلوا عن الشرك‪ ،‬ولكنهم جهلة مغررون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬من أخص صفات الله أن يخلق ويرزق ويحيى ويميت فإن لم يكن كذلك فليس بإله‪.‬‬ ‫‪ -2‬وحدة النظام دالة على وحدة المنظم‪ ،‬ووحدة الوجود دالة على وحدة الموجد وهذا برهان‬ ‫التمانع الذي يقرر منطقيا وجود ال ووجوب عبادة وحده‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل برهان على الشرك أبدا‪ ،‬ول يصح في الذهن وجود دليل على صحة عبادة غير ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬القرآن والتوراة وكل كتب ال متضافرة على تقرير توحيد ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير توحيد ال تعالى وإبطال الشرك والتنديد بالمشركين‪.‬‬ ‫ن وَلَدًا سُبْحَا َنهُ َبلْ عِبَادٌ ّمكْ َرمُونَ (‪ )26‬ل يَسْ ِبقُونَهُ بِا ْلقَ ْولِ وَهُم بَِأمْ ِرهِ َي ْعمَلُونَ (‬ ‫حمَ ُ‬ ‫َوقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْ‬ ‫شفِقُونَ (‪)28‬‬ ‫ش َفعُونَ إِل ِلمَنِ ارْ َتضَى وَهُم مّنْ خَشْيَ ِتهِ مُ ْ‬ ‫‪َ )27‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ وَل يَ ْ‬ ‫جهَنّمَ َكذَِلكَ نَجْزِي الظّاِلمِينَ (‪)29‬‬ ‫َومَن َي ُقلْ مِ ْنهُمْ إِنّي إِلَهٌ مّن دُونِهِ فَذَِلكَ َنجْزِيهِ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا برهان آخر على إبطال الشرك إذ عامة الرسل جاءت بالتوحيد بل إله إل ال‪ ،‬فكيف يصح‬ ‫إذا إقرار الشرك والعمل به‪ ،‬والية كآية النمل ‪{ :‬ولقد بعثنا في كل أمّة رسول أن اعبدوا ال‬ ‫واجتنبوا الطاغوت}‪.‬‬

‫( ‪)3/406‬‬

‫شرح الكلمات‬ ‫ولدا ‪ :‬أي من الملئكة حيث قالوا الملئكة بنات ال‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬ ‫سبحانه‪ :‬تنزيه له تعالى عن اتخاذ الولد‪.‬‬ ‫ب ل عباد ومكرمون ‪ :‬هم الملئكة‪ ،‬ومن كان عبدا ل يكون ابنا ول بنتا‪.‬‬ ‫ل يسبقونه بالقول‪ :‬أي ل يقولون حتى يقول هو وهذا شأن العبد ل يتقدم سيده بشيء‪.‬‬ ‫وهم بأمره يعملون‪ :‬أي فهم مطيعون متأدبون ل يعملون إل بإذنه لهم‪.‬‬ ‫ول يشفعون إلّ لمن ارتضى‪ :‬أي إلّ لمن رضي تعالى أن يشفع له‪.‬‬ ‫مشفقون‪ :‬أي خائفون‪.‬‬ ‫من دونه ‪ :‬أي من دون ال كإبليس عليه لعائن ال‪.‬‬ ‫كذلك نجزي الظالمين‪ :‬أي لنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن أبطلت اليات السابقة الشرك ونددت بالمشركين جاءت هذه اليات في إبطال باطل آخر‬ ‫للمشركين وهو نسبتهم الولد ل تعالى فقال تعالى عنهم و {قالوا ‪ 1‬اتخذ الرحمن ولدا} وهو زعمهم‬ ‫أن الملئكة بنات ال فنزه تعالى نفسه عن هذا النقص فقال {سبحانه} وأبطل دعواهم وأضرب‬ ‫عنها فقال {بل عباد مكرمون ‪ }2‬أي فمن نسبوهم ل بنات له هم عباد له مكرمون عنده ووصفهم‬ ‫تعالى قوله‪{ :‬ل يسبقونه بالقول} فهم لكمال عبوديتهم ل يقولون حتى يقول هو سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫وهم يعملون بأمره فل يقولون ول يعملون إل بعد إذنه لهم‪ ،‬وأخبر تعالى أته يعلم ما بين أيديهم ‪3‬‬ ‫وما خلفهم فعلمه عز وجل محيط بهم ول يشفعون لحد من خلقه إل لمن ارتضى أن يشفع ‪ 4‬له‬ ‫فقال تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬هذه الية نزلت في خزاعة حيث قالوا‪ :‬الملئكة بنات ال تعالى وكانوا يعبدونهم يرجونا‬ ‫شفاعتهم‪ ،‬وفريتهم قائمة على أن ال تعالى أصهر إلى سروات الجنّ فأنجب الملئكة‪ .‬تعالى ال‬ ‫علوا كبيرا‪.‬‬ ‫‪{ 2‬بل عباد مكرمون} أي‪ :‬بل هم عباد مكرمون‪ ،‬فعباد‪ :‬خبر لمبتدأ محذوف ومكرمون‪ :‬نعت‬ ‫للخبر‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬يعلم ما عملوا وما هم عاملون كما يعلم ما بين أيديهم من‬ ‫الخرة وما خلفهم من الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن عباس‪ :‬هم أهل شهادة أن ل إله إل ال‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هم كل من رضي ال عنه‪ .‬وهو‬ ‫أعم من الوّل‪ ،‬وأخص أيضا باعتبار جهتين‪.‬‬

‫( ‪)3/407‬‬

‫{ول يشفعون إل لمن ارتضى} وزيادة على ذلك أنهم {من خشيته مشفقون} خائفون‪ ،‬وعلى فرض‬ ‫أن أحدا منهم قال إني إله من ‪ 1‬دون ال فإن ال تعالى يجزيه بذلك القول جهنم وكذلك الجزاء‬ ‫نجزي الظالمين أي أنفسهم بالشرك والمعاصي‪ ،‬وبهذا بطلت فرية المشركين في جعلهم الملئكة‬ ‫بنات ل وفي عبادتهم ليشفعوا لهم عنده تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبطال نسبة الولد إلى ال تعالى من قبل المشركين وكذا اليهود والنصارى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كمال عبودية الملئكة ل تعالى وكمال أدبهم وطاعتهم لربهم سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن دعوى المشركين في شفاعة الملئكة لهم‪ ،‬إذ الملئكة ل يشفعون إل لمن رضى ال‬ ‫تعالى أن يشفعوا له‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير وجود شفاعة يوم القيامة ولكن بشروطها وهي أن يكون الشافع قد أذن له بالشفاعة‪،‬‬ ‫وأن يكون المشفوع له من أهل التوحيد فأهل الشرك ل تنفعهم شفاعة الشافعين‪.‬‬ ‫حيّ‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫جعَلْنَا مِنَ ا ْلمَاء ُكلّ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ كَانَتَا رَ ْتقًا َففَ َتقْنَا ُهمَا وَ َ‬ ‫َأوَلَمْ يَرَ الّذِينَ َكفَرُوا أَنّ ال ّ‬ ‫جعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُل َلعَّل ُهمْ َيهْتَدُونَ‬ ‫سيَ أَن َتمِيدَ ِب ِه ْم وَ َ‬ ‫جعَلْنَا فِي ال ْرضِ َروَا ِ‬ ‫َأفَل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )30‬وَ َ‬ ‫حفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَا ِتهَا ُمعْ ِرضُونَ (‪ )32‬وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ‬ ‫س ْقفًا مّ ْ‬ ‫سمَاء َ‬ ‫جعَلْنَا ال ّ‬ ‫(‪ )31‬وَ َ‬ ‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ فِي فََلكٍ يَسْ َبحُونَ (‪)33‬‬ ‫شمْ َ‬ ‫وَال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية دليل على أن الملئكة وإن أكرموا بالعصمة فهم متعبدون وليسوا مضطرين إلى‬ ‫العبادة اضطرارا بل شأنهم شأن المعصومين من الرسل يعبدون تعبّدا ل اضطرارا‪.‬‬

‫( ‪)3/408‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كانتا رتقا‪ :‬أي كتلة واحدة منسدة ل انفتاح فيها‪.‬‬ ‫ففتقناهما‪ :‬أي جعلنا السماء سبع سموات والرض سبع أرضين‪.‬‬ ‫رواسي‪ :‬أي جبالً ثابتة‪.‬‬ ‫أن تميد بهم ‪ : :‬أي تتحرك فتميل بهم‪.‬‬ ‫فجاجا سبلً ‪ :‬أي طرقا واسعة يسلكونها تصل بهم إلى حيث يريدون‪.‬‬ ‫لعلهم يهتدون ‪ :‬إلى مقاصدهم في أسفارهم‪.‬‬ ‫وهم عن آياتها‪ :‬من الشمس والقمر والليل والنهار معرضون‪.‬‬

‫كل في فلك يسبحون ‪ :‬الفلك كل شيء دائر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ووجوب تنزيه ال تعالى عن صفات النقص والعجز فقال‬ ‫تعالى‪{ :‬أو لم ‪ 1‬ير الذين كفروا} أي الكافرون بتوحيد ال وقدرته وعلمه ووجوب عبادته إلى‬ ‫مظاهر قدرته وعلمه وحكمته في هذه المخلوقات العلوية والسفلية فالسموات والرض كانتا كتلة‬ ‫واحدة من سديم فخلق ال تعالى منها السموات والرضين كما أن السماء تتفتق بإذنه تعالى عن‬ ‫المطار‪ ،‬والرض تتفتق عن النباتات المختلفة اللوان والروائح والطعوم والمنافع‪ ،‬وأن كل شيء‬ ‫حيّ في هذه الرض من إنسان وحيوان ونبات هو من الماء أليست هذه كلها دالة على وجود ال‬ ‫ووجوب عبادته وتوحيده فيها؟‬ ‫فما للناس ل يؤمنون؟ هذا ما دل عليه قوله تعالى في الية الولى (‪{ )30‬أو لم ير الذين كفروا أن‬ ‫السموات والرض كانتا رتقا ‪ 2‬ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفل يؤمنون؟} وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وجعلنا في الرض رواسي} أي جبالً‪ 3‬ثواتب كيل تميد أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور {أو لم ير} بالواو بعد همزة الستفهام‪ ،‬وقرأ بعض‪{ :‬ألم ير} بدون واو‪ ،‬بمعنى‬ ‫يعلم‪.‬‬ ‫‪{ 2‬رتقا}‪ :‬الرتق‪ :‬السدّ ضد الفتق‪ ،‬يقال‪ :‬رتقت الفتق ارتقه فارتتق‪ .‬أي‪ :‬التأم‪ ،‬ومنه‪ :‬امرأة رتقاء‬ ‫أي‪ :‬منضمة الفرج غير مفتوق‪ ،‬والمراد أن السموات والرض كانت شيئا واحدا ملتزقتين ففصل‬ ‫ال بينهما وما في التفسير إشارة إلى ما اختارهُ ابن جرير الطبري وهو‪ :‬أن السماء كانت رتقا ل‬ ‫تمطر والرض كانت رتقا ل تنبت‪ ،‬ففتق السماء بالمطر والرض بالنبات والية دالة على‬ ‫الوجهين والوجهان صحيحان‪.‬‬ ‫‪{ 3‬جعلنا} بمعنى‪ :‬خلقنا‪ ،‬وهذا اللفظ صالح للدللة على أنّ كل شيء في هذه المخلوقات من‬ ‫الحيوان والنبات خلق من الماء‪ ،‬والنار‪ :‬أن حيا ة هذه المخلوفات تحفظ بالماء‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬كل‬ ‫شيء خلق من الماء"‪ .‬ذكره القرطبي رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/409‬‬ ‫تتحرك وتضطرب بسكانها‪{ ،‬وجعلنا فيها} أي في الرض {فجاجا سبلً} أي طرقا سابلة للسير‬ ‫فيها {لعلهم ‪ 1‬يهتدون} أي كي يهتدوا إلى مقاصدهم في أسفارهم‪ ،‬وقول‪{ :‬وجعلنا السماء سقفا‪2‬‬ ‫محفوظا} من السقوط ومن الشياطين‪ .‬وقوله‪{ :‬وهم عن آياتها} من الشمس والقمر والليل والنهار‬ ‫إذ هذه آيات قائمة بها {معرضون} أي ل يفكرون فيها فيهتدوا إلى معرفة الحق عز وجل ومعرفة‬ ‫ما يجب له من العبادة والتوحيد فيها‪ ،‬وقوله‪{ :‬وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس ‪ 3‬والقمر كل‬

‫في فلك يسبحون ‪ }4‬أي كل من الشمس والقمر في فلك خاص به يسبح الدهر كله‪ ،‬والفلك عبارة‬ ‫عن في دائرة كفلكة المغزل يدور فيها الكوكب من شمس وقمر ونجم يسبح فيها ل يخرج عنها إذ‬ ‫لو خرج يحصل الدمار الشامل للعوالم كلها‪ ،‬سبحان العليم الحكيم‪ ،‬هذه كلها مظاهر القدرة والعلم‬ ‫والحكمة اللهية وهي موجبة للتوحيد مقررة له‪ ،‬ولكن المشركين عنها معرضون ل يفكرون ول‬ ‫يهتدون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده واليمان به وطاعته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان الحكمة من خلق الجبال الراوسي‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان دقة النظام اللهي‪ ،‬وعظيم العلم والحكمة له سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬إعراض أكثر الناس عن آيات ال في الفاق كإعراضهم عن آياته القرآنية هو سبب جهلهم‬ ‫وشركهم وشرهم وفسادهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬رجاء أن يهتدوا في سيرهم إلى ما يرومون من الديار والبلد‪ ،‬ورجاء أن يهتدوا بذلك إلى‬ ‫اليمان بال وتوحيده‪.‬‬ ‫‪ 2‬سميت السماء سقفا لنها مرفوعة فوق الرض مظلمة لها كالسقف على النار‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه كلها منن ال تعالى على عباده وآيات قدرته وعلمه وحكمته وكلها موجبة لليمان به‬ ‫وعبادته وتوحيده وإعراض الناس عن النظر والتدبر هو الذي حرمهم هداية ال تعالى‪.‬‬ ‫‪{ 4‬كل في فلك يسبحون}‪ :‬هذه جملة مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لمن سمع اليات‪ ،‬فتساءل عن‬ ‫الشمس والقمر وعن باقي الجرام السماوية قائلً‪ :‬كيف ل يقع بينها تصادم ول يتخلّف بعضها‬ ‫فيحدث خلل في الكون والحياة فأجيب بقوله تعالى‪{ :‬كل في فلك يسبحون‪.}...‬‬

‫( ‪)3/410‬‬ ‫جعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبِْلكَ الْخُ ْلدَ َأفَإِن ّمتّ َفهُمُ ا ْلخَالِدُونَ (‪ُ )34‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ‬ ‫َومَا َ‬ ‫خذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا أَهَذَا الّذِي يَ ْذكُرُ‬ ‫جعُونَ (‪ )35‬وَإِذَا رَآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِن يَتّ ِ‬ ‫وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْ َ‬ ‫جلٍ سَأُرِي ُكمْ آيَاتِي فَل تَسْ َت ْعجِلُونِ (‬ ‫حمَنِ ُهمْ كَافِرُونَ (‪ )36‬خُلِقَ النسَانُ مِنْ عَ َ‬ ‫آِلهَ َتكُ ْم وَهُم بِ ِذكْرِ الرّ ْ‬ ‫‪ )37‬وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪)38‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الخلد‪ :‬أي البقاء في الدنيا‪.‬‬ ‫ذائقة الموت ‪ :‬أي مرارة مفارقة الجسد‪.‬‬

‫ونبلوكم‪ :‬أي نختبركم‪.‬‬ ‫بالشر والخير‪ :‬فالشر كالفقر والمرض‪ ،‬والخير كالغنى والصحة‪.‬‬ ‫فتنة‪ :‬أي لجل الفتنة لننظر أتصبرون وتشكرون أم تجزعون وتكفرون‪.‬‬ ‫إن يتخذونك إل هزوا ‪ :‬أي ما يتخذونك إل هزوا أي مهزوءا بك‪.‬‬ ‫يذكر آلهتكم ‪ :‬أي يعيبها‪.‬‬ ‫بذكر الرحمن هم كافرون ‪ :‬حيث أنكروا اسم الرحمن ل تعالى وقالوا‪ :‬ما الرحمن؟‬ ‫خلق النسان من عجل ‪ :‬حيث خلق ال آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل‪ ،‬فورث‬ ‫بنوه طبع العجلة عنه‪.‬‬ ‫سأوريكم آياتي‪ :‬أي سأريكم ما حملته آياتي من وعيد لكم بالعذاب في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫( ‪)3/411‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫كأنّ المشركين قالوا شامتين إن محمدا سيموت‪ ،‬وقالوا نتربص به ريب المنون فأخبر تعالى أنه لم‬ ‫يجعل لبشر من قبل نبيّه ول من بعده الخلد حتى يخلد هو صلى ال عليه وسلم كل نفس ذائقة‬ ‫الموت‪ ،‬ولكن إن مات رسوله فهل المشركون يخلدون والجواب ل‪ ،‬إذا فل وجه للشماتة بالموت‬ ‫لو كانوا يعقلون‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪{ )34‬وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن ّمتّ‬ ‫فهم ‪ 1‬الخالدون} وقوله تعالى‪{ :‬كل نفس ذائقة الموت ‪ }2‬أي كل نفس منفوسة ذائقة مرارة الموت‬ ‫بمفارقة الروح للبدن‪ ،‬والحكمة في ذلك أن يتلقى العبد بعد الموت جزاء عمله خيرا كان أو شرا‪،‬‬ ‫دل عليه قوله بعد‪{ :‬ونبلوكم بالشر والخير} من غِنى وفقر ومرض وصحة وشدة ورخاء {فتنة}‬ ‫أي لجل فتنتكم أي اختباركم ليرى الصابر الشاكر والجزِع الكافر‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإلينا ترجعون}‬ ‫أي بعد الموت للحساب والجزاء على كسبكم خيره وشره‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إل هزوا} يخبر تعالى رسوله بأن المشركين إذا‬ ‫رأوه ما يتخذونه إل هزوا وذلك لجهلهم بمقامه وعدم معرفتهم فضله عليهم وهو حامل الهدى لهم‪،‬‬ ‫وبين وجه استهزائهم به صلى ال عليه وسلم بقوله ‪{ :‬أهذا الذي يذكر آلهتكم} أي بعيبها‬ ‫وانتقاصها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وهم بذكر الرحمن ‪ 3‬هم كافرون} أي عجبا لهم يتألمون لذكر ألهتم بسوء‬ ‫وهي محط السوء فعلً‪ ،‬ول يتألمون لكفرهم بالرحمن ربهم سبحانه وتعالى حتى إنهم أنكروا أن‬ ‫يكون اسم الرحمن اسما ل تعالى وقالوا ل رحمن إل رحمن اليمامة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬خلق النسان ‪ 4‬من عجل} قال تعالى هذا لما استعجل المشركون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام مقدّر أي‪ :‬أفهم الخالدون؟ وهو للنفي والنكار كقول الشاعر‪:‬‬

‫رفوني وقالوا يا خويلد ل تُرع‬ ‫فقلت وأنكسرت الوجوه هم هم‬ ‫أي‪ :‬أهم؟ ومعنى رفوني سكّنوني يقال رفاه إذا سكنه‪.‬‬ ‫‪ 2‬يروى أن المام الشافعي رحمه ال تعالى قد استشهد بالبيتين التيين‪:‬‬ ‫تمنى رجال أن أموت وإن أمت‬ ‫فتلك سبيل لست فيها بأوحد‬ ‫فقل للذي يبغي خلف الذي مضى‬ ‫تهيأ لخرى مثلها فكأن قد‬ ‫‪3‬عجبا لجهلهم وسوء فهمهم يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم يجحدون إلهية الرحمن إنّ هذا‬ ‫لغاية الجهل والغرور‪.‬‬ ‫‪ 4‬إنّ طبع النسان العجلة إنه يستعجل الشياء وإن كان فيها مضرته‪ ،‬ولفظ النسان جائز أن ل‬ ‫يكون المراد به جنس النسان أو آدم عليه السلم قال سعيد بن جبير لما دخل الروح في عين آدم‬ ‫نظر في ثمار الجنة‪ ،‬فلما دخل جوفه اشتهى الطعام فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلن‬ ‫إلى ثمار الجنة‪ ،‬فذلك قوله تعالى {خلق النسان من عجل}‪.‬‬

‫( ‪)3/412‬‬ ‫العذاب وقالوا للرسول والمؤمنين‪{ :‬متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} فأخبر تعالى أن الستعجال ‪1‬‬ ‫من طبع النسان الذي خلق عليه‪ ،‬وأخبرهم أنه سيريهم آياته فيهم بإنزال العذاب بهم وأراهم ذلك‬ ‫في بدر الكبرى وذلك في قوله {سأريكم آياتي فل تستعجلون} أي‪ .‬فل داعي إلى الستعجال وقوله‬ ‫تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أخبر تعالى عن قيلهم للرسول والمؤمنين وهم‬ ‫يستعجلون العذاب‪ :‬متى هذا الرعد إن كنتم صادقين؟ وهذا عائد إلى ما فطر عليه النسان من‬ ‫العجلة من جهة‪ ،‬وإلى جهلهم وكفرهم من جهة أخرى وإلّ فالعاقل ل يطالب بالعذاب بل يطالب‬ ‫بالرحمة والخير‪ ،‬ل بالعذاب والشر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫هن هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبطال ما شاع من أن الخضر حيي مخلد ل يموت لنفيه تعالى ذلك عن كل البشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان العلة من وجود خير وشر في هذه الحياة الدنيا وهي الختبار‪.‬‬ ‫‪ 3‬بيان ما كان عليه المشركون من الستهزاء بالرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حقيقة أن النسان مطبوع على العجلة فلذا من غير طبعه بالتربية فأصبح ذا أناة وتؤدة‬ ‫كان من أكمل الناس وأشرفهم‪.‬‬

‫ظهُورِهِ ْم وَل هُمْ يُنصَرُونَ (‪)39‬‬ ‫َلوْ َيعْلَمُ الّذِينَ َكفَرُوا حِينَ ل َيكُفّونَ عَن وُجُو ِههِمُ النّا َر وَل عَن ُ‬ ‫سلٍ مّن قَبِْلكَ‬ ‫َبلْ تَأْتِيهِم َبغْتَةً فَتَ ْبهَ ُتهُمْ فَل َيسْتَطِيعُونَ رَدّهَا وَل ُهمْ يُنظَرُونَ (‪ )40‬وََلقَدِ اسْ ُتهْ ِزئَ بِ ُر ُ‬ ‫ل وَال ّنهَارِ مِنَ‬ ‫فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِ ْنهُم مّا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْ ِزؤُون (‪ُ )41‬قلْ مَن َيكَْل ُؤكُم بِاللّ ْي ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬العجلة‪ :‬السرعة‪ ،‬قيل‪ :‬إن ضعف صفة الصبر في النسان من مقتضى التفكير في المحبة‬ ‫والكراهة‪ ،‬فإذ فكر في شيء محبوب استعجل حصوله‪ ،‬وإذا فكر في شيء مكروه استعجل إزالته‪،‬‬ ‫ومن هنا كان عجول‪.‬‬

‫( ‪)3/413‬‬ ‫حمَنِ َبلْ ُهمْ عَن ِذكْرِ رَ ّبهِم ّمعْ ِرضُونَ (‪َ )42‬أمْ َلهُمْ آِلهَةٌ َتمْ َن ُعهُم مّن دُونِنَا ل َيسْتَطِيعُونَ َنصْرَ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫صحَبُونَ (‪)43‬‬ ‫سهِ ْم وَل هُم مّنّا ُي ْ‬ ‫أَنفُ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل يكفون‪ :‬أي ل يمنعون ول يدفعون النار عن وجوههم‪.‬‬ ‫بل تأتيهم بغتة ‪ :‬أي تأتيهم القيامة بغتة أي فجأة‪.‬‬ ‫فتبهتهم‪ :‬أي تُحيرهم‪.‬‬ ‫ول هم ينظرون‪ :‬أي يمهلون ليتوبوا‪.‬‬ ‫وحاق بهم‪ :‬أي نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون‪.‬‬ ‫من يكلؤكم‪ :‬أي من يحفظكم ويحرسكم‪.‬‬ ‫من الرحمن‪ :‬أي من عذابه إن أراد إنزاله بكم‪.‬‬ ‫بل هم عن ذكر ربهم معرضون‪ :‬أي هم عن القرآن معرضون فل يستمعون إليه ول يفكرون فيه‪.‬‬ ‫ول هم منا يصحبون ‪ :‬أي ل يجدون من يجيرهم من عذابنا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى {لو ‪ 1‬يعلم الذين كفروا} المستعجلون بالعذاب المطالبون به حين أي الوقت الذي يُلقون‬ ‫فيه في جهنم والنار تأكل وجوههم وظهورهم‪ ،‬ول يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم منها ول هم‬ ‫ينصرون بمن يدفع العذاب عنهم لو علموا هذا وأيقنوا به لما طالبوا بالعذاب ول استعجلوا يومه‬ ‫وهو يوم القيامة‪ ،‬هذا ما دل عليه قوله تعالى‪{ :‬لو يعلم الذين ‪ 2‬كفروا حين ‪ 3‬ل يكفون عن‬ ‫وجوههم النار ول عن ظهورهم ول هم ينصرون} وقوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جواب لو‪ :‬محذوف تقديره‪ :‬لما استعجلوا أي‪ :‬لو عرف هؤلء المستعجلون وقت ل تزول فيه‬ ‫النار عن وجوههم وعن ظهورهم لما استعجلوا العذاب‪.‬‬

‫‪ 2‬جواب لو‪ :‬محذوف كما تقدم آنفا‪ ،‬والغرض من حذفه تحويل جنسه فتذهب نفس السامع كل‬ ‫مذهب‪ .‬وجملة‪{ :‬لو يعلمون ‪ }..‬الخ مستأنفة استئنافا بيانيا‪.‬‬ ‫‪{ 3‬حين} اسم زمان منصرف منصوب على المفعولية ل على الظرفية أي‪ :‬لو علموا وقته وأيقنوا‬ ‫بحصوله لما كذّبوا به‪.‬‬

‫( ‪)3/414‬‬ ‫{بل تأتيهم ‪ 1‬بغتة فتبهتهم فل يستطيعون ردها ول هم ينظرون} أي أن القيامة ل تأتيهم على علم‬ ‫منهم بوقتها وساعتها فيمكنهم بذلك التوبة‪ ،‬وإنما تأتيهم {بغتة} أي فجأة {فتبهتهم} أي فتحيرهم {فل‬ ‫يستطيعون ردها‪ ،‬ول هم ينظرون} أي يمهلون ليتوبوا من الشرك والمعاصي فينجوا من عذاب‬ ‫النار‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به‬ ‫يستهزءون} وهو العذاب هذا القول للرسول صلى ال عليه وسلم تعزية له وتسلية ليصبر على ما‬ ‫يلقيه من استهزاء قريش به واستعجالهم العذاب‪ ،‬إذ حصل مثله للرسل قبله فصبروا حتى نزل‬ ‫العذاب بالمستهزئين بالرسل عليهم السلم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قل من ‪ 2‬يكلؤكم بالليل والنهار من‬ ‫الرحمن} يأمر تعالى رسوله أن يقول للمطالبين بالعذاب المستعجلين له‪{ :‬من يكلؤكم بالليل‬ ‫والنهار} أي من يجيركم من الرحمن إن أراد أن يعذبكم‪ ،‬إنه ل أحد يقدر على ذلك إذا فلم ل‬ ‫تتوبون إليه باليمان والتوحيد والطاعة له ولرسوله‪ ،‬وقوله‪ { :‬بل هم عن ذكر ربهم معرضون}‬ ‫إن علة عدم استجابتهم للحق هي إعراضهم عن القرآن الكريم وتدبر آياته وتفهم معانيه‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} ينكر تعالى أن يكون للمشركين آلهة تمنعهم من عذاب ال متى نزل‬ ‫بهم ويقرر أن آلهتهم ل تستطيع نصرهم {ول ‪ 3‬هم منا يصحبون} أي وليس هناك من يجيرهم من‬ ‫عذاب ال من آلهتهم ول من غيرها فل يقدر أحد على إجارتهم من عذاب ال متى حل بهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن الساعة ل تأتي إل بغتة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم بما كان عليه الرسل من قبله وما ل قوه من أُممهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬بل}‪ :‬للضراب النتقالي من تهويل ما أعدّ لهم إلى التهديد بأن ذلك يحلّ بهم بغتة (أي فجأة)‪.‬‬ ‫‪ 2‬يكلكم‪ :‬أي يحرسكم ويحفظكم إذ الكلءة‪ :‬الحفظ والحراسة يقال‪ :‬كله ال كلءة أي‪ :‬حفظه‬ ‫وحرسه ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫إنّ سليمى وال يكلها‬

‫ضنّت بشيء ما كان يرزؤها‬ ‫والستفهام في‪ :‬من يكلكم‪ :‬للنفي‪.‬‬ ‫‪ 3‬فسر يصحبون بيمنعون‪ ،‬ويجارون قال الشاعر‪:‬‬ ‫ينادي بأعلى صوته متعوذا‬ ‫ليصحب منها والرماح دواني‬

‫( ‪)3/415‬‬ ‫‪ -4‬بيان عجز الهة المشركين عن نصرتهم بدفع العذاب عنهم متى حل بهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن علة إصرار المشركين على الشرك والكفر هو عدم إقبالهم على تدبر القرآن الكريم‬ ‫وتفكرهم في آياته وما تحمله من هدى ونور‪.‬‬ ‫صهَا مِنْ أَطْرَا ِفهَا‬ ‫َبلْ مَ ّتعْنَا َهؤُلء وَآبَاءهُمْ حَتّى طَالَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْل ُعمُرُ َأفَل يَ َروْنَ أَنّا نَأْتِي ال ْرضَ نَن ُق ُ‬ ‫سمَعُ الصّمّ الدّعَاء ِإذَا مَا يُنذَرُونَ (‪ )45‬وَلَئِن‬ ‫حيِ وَل يَ ْ‬ ‫َأ َفهُمُ ا ْلغَالِبُونَ (‪ُ )44‬قلْ إِ ّنمَا أُنذِ ُركُم بِا ْلوَ ْ‬ ‫سطَ لِ َيوْمِ‬ ‫حةٌ مّنْ عَذَابِ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪ )46‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِ ْ‬ ‫مّسّ ْتهُمْ َنفْ َ‬ ‫ا ْلقِيَامَةِ فَل تُظَْلمُ َنفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْ َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َو َكفَى بِنَا حَاسِبِينَ (‪) 47‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫متعنا هؤلء وآباءهم ‪ :‬أي بما أنعمنا عليهم من الخيرات‪.‬‬ ‫حتى طال عليهم العمر ‪ :‬فانغرّوا بذلك‪.‬‬ ‫ننقصها من أطرافها ‪ :‬أي بالفتح على النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه المؤمنين‪.‬‬ ‫إنما أنذركم بالوحي‪ :‬أي بأخبار ال تعالى التي يوحيها إلى وليس هناك شيء من عندي‪.‬‬ ‫نفحة ‪ :‬أي وقعة من عذاب خفيفة‪.‬‬ ‫يا ويلنا إنا كنا ظالمين ‪ :‬أي يقولون يا ويلنا أي يا هلكنا‪.‬‬ ‫إنا كنا ظالمين ‪ :‬أي بالشرك والتكذيب للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/416‬‬ ‫الموازين القسط‪ :‬أي العادلة‪.‬‬ ‫فل تظلم نفس شيئا‪ :‬ل حسنة ول بزيادة معصية‪.‬‬ ‫مثقال حبة ‪ :‬أي زنة حبة من خردل‪.‬‬ ‫وكفى بنا حاسبين‪ :‬أي محصين لكل شيء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫مازال السياق في إبطال دعاوي المشركين فقال تعالى ‪{ :‬بل متعنا ‪ 1‬هؤلء} بما أنعمنا عليهم هم‬ ‫وآباؤهم فظنوا أن آلهتهم هي الحافظة لهم بل ال هو الحافظ حتى طال عليهم العمر ‪ 2‬فانغروا‬ ‫بذلك ‪{ .‬أفل يرون أنا نأتي الرض} أرض الجزيرة بلدهم {ننقصها من أطرافها} بدخول أهلها‬ ‫في السلم بلدا بعد بلد‪{ .‬أفهم ‪ 3‬الغالبون}؟ ال هو الغالب حيث مكن لرسوله والمؤمنين وفتح‬ ‫عليهم‪ ،‬ثم أمر رسوله أن يقول لهم أيها المكذبون إنما أنذركم العذاب وأخوفكم من عاقبة شرككم‬ ‫بالوحي اللهي ل من تلقاء نفسي‪ ،‬وقوله تعالي‪{ :‬ول يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون } فالصم‬ ‫لحبهم الباطل الذي هم عليه ل يسمعون الدعاء إذا ما ينذرون وفي الخبر حبك الشيء يعمي ويصم‬ ‫فحبهم للشرك وآلهته جعلهم ل يسمعون فاستوى إنذارهم وعدمه وقوله تعالى‪{ :‬ولئن ‪ 4‬مَسّتهُمْ‬ ‫نفحة من عذاب ربك} أي وقعة خفيفة من العذاب لصاحوا يدعون بالويل على أنفسهم قائلين {يا‬ ‫ويلنا إنا كنا ظالمين ‪ }5‬فكيف بهم إذا وضعت الموازين العدل ليوم القيامة حيث ل تظلم نفسر شيئا‬ ‫وإن قل وإن كان مثقال حبة من حسنة أو سيئة آتينا بها ووزناها {وكفى بنا حاسبين ‪ }6‬أي‬ ‫محصين لعمال العباد لعلمنا المحيط بكل شيء وقدرتنا التي ل يعجزها شيء‪ ..‬أل فلنتق ال أيها‬ ‫العقلء!!‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬يريد أهل مكة‪ .‬أي‪ :‬بسطنا لهم ولبائهم نعيمها‪.‬‬ ‫‪{ 2‬طال عليهم العمر} أي‪ :‬في النعمة فظنوا أنها ل تزول عنهم؟ فانغروا وأعرضوا عن تدبرّ‬ ‫حجج ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ 3‬المس‪ :‬اتصال بظاهر الجسم‪ ،‬والنفحة‪ :‬المرّة من النفح في العطية‪ ،‬يقال‪ :‬نفحه بشيء إذا أعطاه‪.‬‬ ‫وما في التفسير مغن عن هذا‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا اعتراف منهم في حين ل ينفع العتراف‪.‬‬ ‫‪ 5‬قيل‪ :‬يجوز أن يكون لكل عامل ميزان خاص به فتكثر الموازين كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫ملك تقوم الحادثات لعدله‬ ‫فلكل حادثة لها ميزان‬ ‫‪ 6‬ضمير الجمع في {حاسبين}‪ :‬مراعى فيه ضمير العظمة‪ ،‬وهو منصوب على الحال أو التمييز‬ ‫لكفى‪.‬‬

‫( ‪)3/417‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬طول العمر والرزق الواسع كثيرا ما يُسبب الغرور لصاحبه‪.‬‬

‫‪ -2‬حب الشيء يعمي صاحبه حتى ل يرى إل ما أحبه ويصمه بحيث ل يسمع إل ما أحبه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان ضعف النسان وأن أدنى عذاب ينزل به ل يتحمله ويصرخ داعيا يا هلكاه‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير البعث والحساب والجزاء‪.‬‬ ‫شوْنَ رَ ّبهُم بِا ْلغَ ْيبِ وَهُم مّنَ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ا ْلفُ ْرقَانَ َوضِيَاء وَ ِذكْرًا لّ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )48‬الّذِينَ يَخْ َ‬ ‫شفِقُونَ (‪ )49‬وَهَذَا ِذكْرٌ مّبَا َركٌ أَنزَلْنَاهُ َأفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (‪)50‬‬ ‫عةِ مُ ْ‬ ‫السّا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الفرقان ‪ :‬التوراة لنها فارقة بين الحق والباطل كالقرآن‪.‬‬ ‫وضياء ‪ :‬أي يهدي إلى الحق في العقائد والشرائع‪.‬‬ ‫وذكرا ‪ :‬أي موعظة‪.‬‬ ‫يخشون ربهم بالغيب‪ :‬أي يخافون ربهم وهم ل يرونه في الدنيا فل يعصونه بترك واجب ول‬ ‫بفعل حرام‪.‬‬ ‫وهم من الساعة مشفقون‪ :‬أي وهم من أهوال يوم القيامة وعذابه خائفون‪.‬‬ ‫وهذا ذكر مبارك ‪ :‬أي القرآن الكريم تنال بركته قارئه والعامل به‪.‬‬ ‫أفأنتم له منكرون‪ :‬الستفهام للتوبيخ يوبخ تعالى من أنكر أن القرآن كتاب ال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أنه آتى موسى وهارون الفرقان ‪ 1‬أي الحق الذي فرق بين حق موسى وهارون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وفسر الفرقان بالتوراة أيضا وهو حق أيضا وجائز أن يكون النصر‪ ،‬إذ معنى الفرقان‪ :‬أنه ما‬ ‫يفرّق به بين الحق والباطل بالقول أو العمل‪.‬‬

‫( ‪)3/418‬‬ ‫وبين باطل فرعون‪ ،‬كما فرق بين التوحيد والشرك يوم بدر يوم الفرقان وآتاهما التوراة ضياء‬ ‫يستضاء بها في معرفة الحلل والحرام والشرائع والحكام وذكرا أي موعظة للمتقين‪ ،‬ووصف‬ ‫المتقين بصفتين‪ :‬الولى أنهم يخشون ربهم أي يخافونه بالغيب ‪ 1‬أي وهم ل يرونه والثانية‪ :‬أنهم‬ ‫مشفقون ‪ 2‬من الساعة أي مما يقع فيها من أهوال وعذاب وقوله تعالى‪{ :‬وهذا ذكر مبارك} يشير‬ ‫إلى القرآن الكريم ويصفه بالبركة فبركته ل ترفع فكل من قرأه وعمل بما فيه نالته بركته قراءة‬ ‫الحرف الواحد منه بعشر حسنات ل تنقضى عجائبه ول تكتنه أسراره ول تكتشف كل حقائقه‪،‬‬ ‫هدى لمن استهدى‪ ،‬وشفاء لمن استشفى وقوله تعالى‪{ :‬أفأنتم له منكرون ‪ }3‬يوبخ به العرب الذين‬ ‫آمنوا بكتاب اليهود إذ كانوا يسألونهم عما في كتابهم‪ ،‬وكفروا بالقرآن الذي هو كتابهم فيه ذكرهم‬ ‫وشرفهم‪.‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إظهار منة ال تعالى على موسى وقومه ومحمد وأمته بإنزال التوراة على موسى والقرآن‬ ‫على محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬بيان صفات المتقين وهم الذين يخشون ربهم بالغيب فل يعصونه بترك واجب ول بفعل محرم‪:‬‬ ‫وهم دائما في اشفاق وخوف من يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الشادة بالقرآن الكريم حيث أنزله تعالى مباركا‪.‬‬ ‫‪ -4‬توبيخ وتقريع من يكفر بالقرآن وينكر ما فيه من الهدى والنور‪.‬‬ ‫ل لبِي ِه َو َق ْومِهِ مَا َه ِذهِ ال ّتمَاثِيلُ الّتِي أَن ُتمْ‬ ‫ل َوكُنّا بِه عَاِلمِينَ (‪ )51‬إِذْ قَا َ‬ ‫ش َدهُ مِن قَ ْب ُ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُ ْ‬ ‫َلهَا عَا ِكفُونَ (‪ )52‬قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا َلهَا عَا ِبدِينَ (‪)53‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي ‪{ :‬بالغيب} أي‪ :‬غائبين لنهم لم يروا ال تعالى بل عرفوا بالنظر والستدلل أنّ‬ ‫لهم ربّا قادرا يجازي على العمال فهم يخشونه في سرائرهم وخلواتهم التي يغيبون فيها عن‬ ‫الناس‪ ،‬والباء في ‪{ :‬بالغيب} بمعنى الفاء أي ‪ :‬يخشونه تعالى في الغيب‪.‬‬ ‫‪ 2‬الشفاق‪ :‬هو رجاء حادث مخوف‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للتعجب والتوبيخ‪.‬‬

‫( ‪)3/419‬‬ ‫حقّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللعِبِينَ (‪ )55‬قَالَ‬ ‫قَالَ َلقَدْ كُنتُمْ أَن ُت ْم وَآبَا ُؤكُمْ فِي ضَللٍ مّبِينٍ (‪ )54‬قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْ َ‬ ‫ن وَأَنَا عَلَى ذَِلكُم مّنَ الشّاهِدِينَ (‪ )56‬وَتَاللّهِ لكِيدَنّ‬ ‫ت وَالرْضِ الّذِي فَطَرَهُ ّ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫بَل رّ ّبكُمْ َربّ ال ّ‬ ‫جعُونَ (‪)58‬‬ ‫جعََلهُمْ جُذَاذًا إِل كَبِيرًا ّلهُمْ َلعَّلهُمْ إِلَيْهِ يَ ْر ِ‬ ‫َأصْنَا َمكُم َبعْدَ أَن ُتوَلّوا مُدْبِرِينَ (‪َ )57‬ف َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫رشده‪ :‬أي هداه بمعرفة ربّه واليمان به ووجوب ط ‪3‬اعته والتقرب إليه‪.‬‬ ‫التماثيل ‪ :‬جمع تمثال وهو الصورة المصنوعة على شبه إنسان أو حيوان‪.‬‬ ‫التي أنتم لها عاكفون ‪ :‬أي مقبلون عليها ملزمون لها تعبدا‪.‬‬ ‫أم أنت من اللعبين ‪ :‬أي الهازلين غير الجادين فيما يقولون أو يفعلون‪.‬‬ ‫ربكم رب السموات‪ :‬أي المستحق للعبادة مالك السموات والرض‪.‬‬ ‫الذي فطرهن‪ :‬أي أنشأهن خلقا وإيجادا على غير مثال سابق‪.‬‬ ‫لكيدن أصنامكم‪ :‬أي لحتالن على كسر أصنامكم وتحطيمها‪.‬‬ ‫جذاذا‪ :‬فتاتا وقطعا صغيرة‪.‬‬

‫إل كبيرا لهم‪ :‬إل أكبر صنم لهم فإنه لم يكسره‪.‬‬ ‫لعلهم إليه يرجعون ‪ :‬كي يرجعوا إليه فيؤمنوا بال ويوحّدوه بعد أن يظهر لهم عجز آلهتهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫على ذكر ما منّ به تعالى على موسى وهارون ومحمد صلى ال عليه وسلم من إيتائه إياهم‬ ‫التوراة والقرآن ذكر أنه امتن قبل ذلك على إبراهيم فآتاه رشده في صباه فعرفه به وبجلله‬ ‫وكماله ووجوب‬

‫( ‪)3/420‬‬ ‫اليمان به تعالى وعبادته وحده‪ ،‬وإن عبادة من سواه باطلة‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ولقد آتينا إبراهيم رشده‬ ‫من ‪ 1‬قبل} وقوله‪{ :‬وكنا به عالمين ‪ }2‬أي بأهليته للدعوة والقيام بها لما علمناه {إذ قال} أي في‬ ‫الوقت الذي قال لبيه أي آزر‪ ،‬وقومه منكرا عليهم عبادة غير ال {ما هذه ‪ 3‬التماثيل التي أنتم لها‬ ‫عاكفون} أي مقبلون عليها ملزمون لها فأجابوه بما أخبر تعالى به عنهم في قوله‪{ :‬قالوا وجدنا‬ ‫آباءنا لها عابدين} فأعلنوا عن جهلهم إذ لم يذكروا برهانا على صحة أو فائدة عبادتها واكتفوا‬ ‫بالتقليد العمى وشأنهم في هذا شأن سائر من يعبد غير ال تعالى فإنه ل برهان له على صحة‬ ‫عبادة من يعبد إل التقليد لمن رآه يعبده‪.‬‬ ‫فرد عليهم إبراهيم بما أخبر تعالى عنه في قوله {قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم} أي الذين قلدتموهم في‬ ‫عبادة الصنام {في ضلل} أي عن الهدى الذي يجب أن تكونوا عليه {مبين} ل يحتاج إلى إقامة‬ ‫دليل عليه‪ ،‬وردوا على إبراهيم قوله هذا فقالوا بما أخبر تعالى به عنهم {قالوا أجئتنا بالحق ‪ }4‬أي‬ ‫فيما قلت لنا من أنّا وآباءنا في ضلل مبين {أم أنت من اللعبين} أي في قولك الذي قلت لنا فلم‬ ‫تكن جادا فيما تقول وإنما أنت لعب ل غير ورد إبراهيم عليهم بما أخبر تعالى به عنه في قوله‪:‬‬ ‫{قال بل ‪ 5‬ربكم رب السموات والرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين} أي ليس ربكم‬ ‫تلك التماثيل بل ربكم الحق الذي يستحق عبادتكم الذي فطر السموات والرض فأنشأهن خلقا‬ ‫عجيبا من غير مثال سابق وأنا على كون ربكم رب السموات والرض من الشاهدين إذ ل رب‬ ‫لكم غيره‪ ،‬ول إله حق لكم سواه‪{ .‬وتال} قسما به تعالى {لكيدن أصنامكم} أي لحتالن ‪ 6‬عليها‬ ‫فأكسرها {بعد أن تولوا مدبرين ‪ }7‬أي بعد أن ترجعوا عنها وتتركوها وحدها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون من قبل موسى وهارون وجائز أن يكون من قبل النبوة والوحي إليه والرشد‪:‬‬ ‫الصلح‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬باهليته ليتاء الرشد وصالح للنبوة‪ ،‬وجائز أن يكون عالمين به في الوقت الذي قال لبيه‬ ‫وقومه‪{ :‬ما هذه التماثيل} والظرف متعلق باذكر‪.‬‬

‫‪ 3‬ظاهر السؤال أنه سؤال استعلم فلذا أجابوه بحسبه فقالوا‪{ :‬وجدنا آباءنا لها عابدين}‪ ،‬وضمّن‬ ‫(عاكفون) معنى العبادة فعُدّي باللم‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام للستعلم أي‪ :‬جئتنا بالحق في اعتقادك أم أنت مازح فيما تقول؟‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬لست بلعب ول مازح {بل ربكم ربّ السموات ‪ }..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 6‬أقسم لهم بال على أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان وإنما سيكيد أصنامهم فيكسرها وذلك لوثوقه‬ ‫بربه تعالى‪ ،‬ولتوطينه نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن دين ال والتاء في تال تختص‬ ‫بالقسم بال وحده‪ ،‬والواو تختص بكل اسم ظاهر والباء بكل مضمر ومظهر‪.‬‬ ‫‪ { 7‬مدبرين} حال مؤكدة لعاملها‪.‬‬

‫( ‪)3/421‬‬ ‫وفعلً لما خرجوا إلى عيد لهم يقضون يوما خارج المدينة أتى تلك التماثيل فكسرها فجعلها قطعا‬ ‫متناثرة هنا وهناك إل صنما كبيرا لهم تركه ‪{ 1‬لعلهم إليه يرجعون} أي يرجعون إلى إبراهيم‬ ‫فيعبدون معه ربّه سبحانه وتعالى عندما يتبيّن لهم بطلن عبادة الصنام لنها لم تستطع أن تدفع‬ ‫عن نفسها فكيف تدفع عن غيرها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر إنعام ال وإكرامه لمن أصطفى من عباده‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير النبوة والتوحيد‪ ،‬والتنديد بالشرك والمشركين‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم التقليد وأنه ليس بدليل ول برهان للمقلد على ما يعتقد أو يفعل‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الشهادة وفضلها في مواطن تعز فيها ويحتاج إليها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تغيير المنكر باليد لمن قدر عليه مقدم على تغييره باللسان والجمع بينهما أفضل‪.‬‬ ‫س ِمعْنَا فَتًى يَ ْذكُرُهُمْ ُيقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (‪)60‬‬ ‫قَالُوا مَن َف َعلَ َهذَا بِآِلهَتِنَا إِنّهُ َلمِنَ الظّاِلمِينَ (‪ )59‬قَالُوا َ‬ ‫ش َهدُونَ (‪ )61‬قَالُوا أَأَنتَ َفعَ ْلتَ َهذَا بِآِلهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (‪)62‬‬ ‫قَالُوا فَأْتُوا ِبهِ عَلَى أَعْيُنِ النّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬ ‫سهِمْ َفقَالُوا إِ ّنكُمْ أَن ُتمُ‬ ‫جعُوا إِلَى أَنفُ ِ‬ ‫طقُونَ (‪ )63‬فَرَ َ‬ ‫قَالَ َبلْ َفعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسَْألُوهُمْ إِن كَانُوا يَن ِ‬ ‫طقُونَ (‪)65‬‬ ‫سهِمْ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا َهؤُلء يَن ِ‬ ‫الظّاِلمُونَ (‪ُ )64‬ثمّ ُنكِسُوا عَلَى ُرؤُو ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بآلهتنا ‪ :‬أي بأصنامهم التي سموها آلهة لنهم يعبدونها ويؤلهونها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تركه لم يكسره وعلّق الفأس في عنقه‪ .‬وقوله‪{ :‬لعلهم إليه يرجعون} ‪ :‬جائز أن يكون المراد‬ ‫بالرجوع إلى الصنم في تكسيرها‪ ،‬وما في التفسير أولى وأصوب‪.‬‬

‫( ‪)3/422‬‬ ‫فتى يذكرهم ‪ :‬أي بالعيب والنتقاص‪.‬‬ ‫على أعين الناس ‪ :‬أي ظاهرا يرونه بأعينهم‪.‬‬ ‫يشهدون ‪ :‬أي عليه بأنه الذي كسر اللهة‪ ،‬ويشهدون العقوبة التي ننزلها به‪.‬‬ ‫أأنت فعلت هذا‪ :‬هذه صيغة الستنطاق والستجواب‪.‬‬ ‫بل فعله كبيرهم هذا ‪ :‬أشار إلى إصبعه نحو الصنم الكبير الذي علق به الفأس قائلً بل فعله‬ ‫كبيرهم هذا َووَرّى بإصبعه تحاشيا للكذب‪.‬‬ ‫يرجعوا إلى أنفسهم‪ :‬أي بعد التفكر والتأمل حكموا على أنفسهم بالظلم لعبادتهم مال ينطق‪.‬‬ ‫نكسوا على رؤوسهم ‪ :‬أي بعد اعترافهم بالحق رجعوا إلى إقرار الباطل فكانوا كمن نكس فجعل‬ ‫رأسه أسفل ورجله أعلى‪.‬‬ ‫ما هؤلء ينطقون‪ :‬فكيف تطلب منا أن نسألهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم فيما دار بين إبراهيم الخليل وقومه من حوار حول العقيدة انه لما استغل‬ ‫إبراهيم فرصة خروج القوم إلى عيدهم خارج البلد ودخل البهو فكسر اللهة فجعلها قطعا متناثرة‬ ‫وعلق الفأس بكبير اللهة المزعومة وعظيمها وخرج فلما جاء المساء وعادوا إلى البلد ذهبوا إلى‬ ‫اللهة المزعومة لخذ الطعام الموضوع بين يديها لتباركه في زعمهم واعتقادهم الباطل وجدوها‬ ‫مهشمة مكسرة صاحوا قائلين‪{ :‬من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} فأجاب بعضهم بعضا قائلً‪:‬‬ ‫{سمعنا ‪ 1‬فتى يذكرهم} أي شابا يذكر اللهة بعيب وازدراء‪ ،‬واسمه إبراهيم‪ ،‬وهنا قالوا إذا {فأتوا‬ ‫به على أعين ‪ 2‬الناس} لنشاهده ونحقق معه فإذا ثبت أنه هو عاقبناه وتشهد الناس عقوبته فيكون‬ ‫ذلك نكالً لغيره‪ ،‬وجاءوا به عليه السلم وأخذوا في استنطاقه فقالوا ما أخبر تعالى به عنهم‪:‬‬ ‫{أأنت فعلت هذا}‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون إبراهيم لما قال‪ :‬متوعدا أصنامهم {تال لكيدن أصنامكن} كان هناك من سمعه‬ ‫من ضعفة القوم أو سمعه من سمعه يعيب اللهة قبل أن يتوعدها بالكسر‪.‬‬ ‫‪ 2‬في هذا دليل على أنه كان ل يؤاخذ أحد بدعوى أحد قد ل تثبت بل لبد من التحري حتى تثبت‬ ‫أو ل تثبت كما هو في شرعنا السلمي‪.‬‬

‫( ‪)3/423‬‬

‫أي التكسير والتحطيم {يا إبراهيم}؟ فأجابهم بما أخبر تعالى به عنه بقوله‪{ :‬قال بل فعله ‪ 1‬كبيرهم‬ ‫هذا} يشير بإصبعه إلى كبير اللهة تورية‪{ ،‬فاسألوهم إن كانوا ينطقون} تقريعا لهم وتوبيخا وهنا‬ ‫رجعوا إلى أنفسهم باللئمة فقالوا‪{ :‬إنكم أنتم الظالمون} أي حيث تألهون مال ينطق ول يجيب ول‬ ‫يدفع عن نفسه فكيف عن غيره‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ثم نكسو على رؤوسهم ‪ }2‬أي قلبهم ال رأسا على‬ ‫عقب فبعد أن عرفوا الحق ولموا على أنفسهم عادوا إلى الجدال بالباطل فقالوا‪{ :‬لقد علمت} أي‬ ‫يا إبراهيم ما {هؤلء ينطقون } فكيف تطلب منا أن نسألهم وأنت تعلم أنهم ل ينطقون‪ .‬كما أن‬ ‫اعترافهم بعدم نطق اللهة المدعاة إنتكاس منهم إذ اعترفوا ببطلن تلك اللهة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الظلم معروف لدى البشر كلهم ومنكر بينهم ولول ظلمة النفوس لما أقروه بينهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬إقامة البينة على الدعاوي أمر مقرر في عرف الناس وجاءت به الشرائع من قبل‪.‬‬ ‫‪ -3‬أسلوب المحاكمة يعتمد على الستنطاق والستجواب أول‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية التورية خشية القول بالكذب ‪.3‬‬ ‫قَالَ َأفَ َتعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا ل يَن َف ُعكُمْ شَيْئًا وَل َيضُ ّركُمْ (‪ُ )66‬أفّ ّلكُمْ وَِلمَا َتعْ ُبدُونَ مِن دُونِ اللّهِ‬ ‫َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪ )67‬قَالُوا حَ ّرقُو ُه وَانصُرُوا آِلهَ َتكُمْ إِن كُن ُتمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله‪{ :‬بل فعله كبيرهم هذا} قاله من أجل أن يقولوا‪ :‬إنهم ل ينطقون ول ينفعون ول يضرّون‬ ‫فيقول لهم‪ :‬فلم تعبدونهم إذا؟! فتقوم له الحجة عليهم من أنفسهم ولذا يجوز فرض الباطل مع‬ ‫الخصم حتى يرجع إلى الحق من ذات نفسه فإنه أقطع للشبهة وأقرب في الحجة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬أدركهم الشقاء فعادوا إلى كفرهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الكذب‪ :‬هو الخبار بما يخالف الواقع‪ ،‬والتورية‪ :‬أن يقول أو يفعل شيئا ويوري بغيره تجنبا‬ ‫للكذب‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬لم يكذب إبراهيم النبي في شيء قط إل في ثلث‪ :‬قوله‪ :‬إني‬ ‫سقيم‪ ،‬وقوله لسارة‪ :‬أختي‪ ،‬وقوله‪ :‬بل فعله كبيرهم" وهي في الواقع معاريض وليست بالكذب‬ ‫الصريح‪ ،‬وكانت في ذات ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/424‬‬ ‫جعَلْنَاهُمُ‬ ‫فَاعِلِينَ (‪ )68‬قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (‪ )69‬وَأَرَادُوا بِهِ كَ ْيدًا فَ َ‬ ‫حقَ‬ ‫الخْسَرِينَ (‪ )70‬وَنَجّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الرْضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا لِ ْلعَاَلمِينَ (‪َ )71‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْ َ‬ ‫جعَلْنَا صَالِحِينَ (‪)72‬‬ ‫وَ َيعْقُوبَ نَافَِل ًة َوكُل َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫مال ينفعكم شيئا‪ :‬أي آلهة ل تنفعكم شيئا ول تضركم إن أرادت ضركم‪.‬‬ ‫أفٍ لكم‪ :‬أي قبحا لكم ولما تعبدون من دون ال‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬حرقوه‪ :‬أي أحرقوه بالنار انتصارا للهتكم التي كسرها‪.‬‬ ‫بردا وسلما‪ :‬أي على إبراهيم فكانت كذلك فلم يحرق منه غير وثاقه "الحبل الذي وثق به"‪.‬‬ ‫كيدا‪ :‬وهو تحريقه بالنار للتخلص منه‪.‬‬ ‫فجعلناهم الخسرين‪ :‬حيث خرج من النار ولم تحرقه ونجا من قبضتهم وذهب كيدهم ولم يحصلوا‬ ‫على شيء‪.‬‬ ‫ونجيناه ولوطا‪ :‬أي ابن أخيه هارون‪.‬‬ ‫التي باركنا فيها‪ :‬وهي أرض الشام‪.‬‬ ‫ويعقوب نافلة‪ :‬زيادة على طلبه الولد فطلب ولدا فأعطاه ما طلب وزاده آخر‪.‬‬ ‫وكلً جعلنا صالحين ‪ :‬أي وجعلنا كل واحد منهم صالحا من الصالحين الذين يؤدون حقوق ال‬ ‫كاملة وحقوق الناس كذلك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أن إبراهيم عليه السلم قال لقومه منكرا عليهم عبادة ألهتهم {أفتعبدون ‪1‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للنكار والتوبيخ والتقريع‪.‬‬

‫( ‪)3/425‬‬ ‫من دون ال مال ينفعكم شيئا ول يضركم} أي أتعبدون آلهة دون ال علمتم أنها ل تنفعكم شيئا ول‬ ‫تضركم ول تنطق إذا استنطقت ول تجيب إذا سئلت {ُأفٍ لكم ولما تعبدون من دون ال} أي قبحا‬ ‫لكم ولتلك التماثيل التي تعبدون من دون ال الخالق الرازق الضار النافع {أفل تعقلون ‪ }1‬قبح‬ ‫عبادتها وباطل تأليهها وير جماد ل تسمع ول تنطق ول تنفع ول تضر وهنا أجابوا ‪ 2‬بما أخبر‬ ‫تعالى به عنهم فقالوا‪{ :‬حرقوه ‪ }3‬أي أحرقوا إبراهيم بالنار {وانصروا آلهتكم} التي أهانها وكسرها‬ ‫{إن كنتم فاعلين} أي مريدين نصرتها حقا وصدقا‪ .‬ونفذوا ما أجمعوا عليه وجمعوا الحطب‬ ‫وأججوا النار في بنيان خاص وألقوه فيه بواسطة منجنيق لقوة لهبها وشدة حرها ‪ 4‬وقال تعالى‬ ‫للنار ما أخبر به في قوله‪{ :‬قلنا يا نار كوني بردا وسلما على إبراهيم} فكانت كما طلب منها ولم‬ ‫تحرق غير وثاقه الحبل الذي شدت به يداه‪ ،‬ورجله ولو لم يقل وسلما لكان من الجائز أن تنقلب‬ ‫النار جبلً من ثلج ويهلك به إبراهيم عليه السلم‪ .‬روى أن والد إبراهيم لما رأى إبراهيم لم تحرقه‬ ‫النار وهو يتفصد عرقا قال‪ :‬نعم الرب ربك يا إبراهيم! وقوله تعالى‪{ :‬وأرادوا به كيدا فجعلناهم‬ ‫الخسرين} أي أرادوا بإبراهيم مكرا وهو إحراقه بالنار فخيّب ال مسعاهم وأنجى عبده وخليله من‬

‫النار وأحبط عليهم ما كانوا يأملون فخسروا في كل أعمالهم التي أرادوا بها إهلك إبراهيم‪ ،‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬ونجيناه ولوطا}‪ 5‬أي ونجينا إبراهيم وابن أخيه هاران وهو لوط {إلى الرض التي باركنا‬ ‫‪ 6‬فيها للعالمين} وهي أرض الشام فنزل إبراهيم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتوبيخ والتأنيب‪.‬‬ ‫‪ 2‬بعد إن أعيتهم الحجة وانقطعوا ببيان اللسان لذوا إلى قوة السنان‪ ،‬وهذا شأن النسان إذا كتب‬ ‫عليه الخسران‪ ،‬والعياذ بالرحمن‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي عن ابن عمر رضي ال عنهما ومجاهد وابن جريج‪ :‬أنّ الذي قال حرّقوه‪ :‬رجل من‬ ‫الكراد من بادية فارس واسمه هيزرُ وخسف ال به الرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‪:‬‬ ‫وقيل‪ :‬إن القائل‪ :‬ملكهم نمرود‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي أنهم جمعوا الحطب في مدة شهر كامل ولما ألقوه في النار عرض له جبريل عليه السلم‬ ‫فقال‪ :‬يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال‪ :‬أمّا إليك فل‪ ،‬حسبي ال ونعم الوكيل‪ .‬وقال عليّ وابن عباس‬ ‫رضي ال عنهم لو لم يتبع بردها سلما لمات إبراهيم من بردها ولم تبق دابة في المنطقة إلّ‬ ‫أطفأت عن إبراهيم النار إلّ الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فلذا أمر الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫بقتلها وسمّاها الفويسقة‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه النجاة ثانية‪ .‬الولى كانت من النار وهذه من ديار الكفار‪ ،‬إذ هاجر من أرض الكلدانيين‬ ‫إلى أرض فلسطين‪ ،‬وهي بلد الكنعانيين يومئذٍ‪ ،‬وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة في تاريخ‬ ‫السلم‪ ،‬إذ خرج إبراهيم وابن أخيه لوط بن هاران وزوجه وابنة عمه سارة عليهم السلم‪،‬‬ ‫ونصب لوط على المفعول معه‪ ،‬وضمّن فعل نجيناه معنى الخراج فعدي بإلى‪.‬‬ ‫‪ 6‬قيل لها مباركة لكثرة خصبها وأنهارها وثمارها ولنها معادن النبياء والبركة ثبوت الخير‪،‬‬ ‫ومنه برك البعير‪ .‬إذا لزم مكانه ولم يبرحه‪.‬‬

‫( ‪)3/426‬‬ ‫بفلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة وهي قرى قوم لوط التي بعد دمارها استحالت إلى بحيرة غير‬ ‫صالحة للحياة فيها وقوله‪{ :‬باركنا فيها للعالمين} أي بارك في أرزاقها بكثرة الشجار والنهار‬ ‫والثمار لكل من ينزل بها من الناس كافرهم ومؤمنهم لقوله‪ { :‬للعالمين} وقوله تعالى‪{ :‬ووهبنا له}‬ ‫أي لبراهيم اسحق حيث سأل ال تعالى الولد‪ ،‬وزاده يعقوب نافلة ‪ 1‬وقوله‪{ :‬وكل جعلنا صالحين}‬ ‫أي وجعلنا كل واحد منهم من الصالحين الذين يعبدون ال بما شرع لهم فأدوا حقوق الربّ تعالى‬ ‫كاملة‪ ،‬وأدوا حقوق الناس كاملة وهذا نهاية الصلح‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان قوة حجة إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ومتانة أسلوبه في دعوته ‪ 2‬وذلك مما آتاه ربّه‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية توبيخ أهل الباطل وتأنيبهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬آية إبطال مفعول النار فلم تحرق إبراهيم إل وثاقه لما أراد ال تعالى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬قوة التوكل على ال كانت سبب تلك المعجزة إذ قال إبراهيم حسبي ال ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫فقال ال تعالى للنار‪{ :‬كوني بردا وسلما على إبراهيم} فكانت‪ ،‬وكفاه ما أهمه بصدق توكله عليه‪،‬‬ ‫ويؤثر أن جبريل عرض له قبل أن يقع في النار فقال هل لك يا إبراهيم من حاجة؟ فقال إبراهيم‪:‬‬ ‫أمّا إليك فل‪ ،‬حسبي ال ونعم الوكيل‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين‪.‬‬ ‫‪ -6‬خروج إبراهيم من أرض العراق إلى أرض الشام كانت أول هجرة في سبيل ال في التاريخ‪.‬‬ ‫ت وَِإقَامَ الصّل ِة وَإِيتَاء ال ّزكَاةِ َوكَانُوا لَنَا‬ ‫جعَلْنَاهُمْ أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا وََأوْحَيْنَا إِلَ ْي ِهمْ ِف ْعلَ الْخَيْرَا ِ‬ ‫وَ َ‬ ‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا وَنَجّيْنَاهُ مِنَ‬ ‫عَابِدِينَ (‪ )73‬وَلُوطًا آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نافلة‪ :‬منصوب على الحال وصاحبها‪ :‬اسحق ويعقوب والنافلة الزيادة غير الموعودة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال تعالى ‪{ :‬وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} من سورة النعام‪.‬‬

‫( ‪)3/427‬‬ ‫حمَتِنَا إِنّهُ مِنَ‬ ‫سقِينَ (‪ )74‬وَأَ ْدخَلْنَاهُ فِي رَ ْ‬ ‫سوْءٍ فَا ِ‬ ‫ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَانَت ّت ْع َملُ ا ْلخَبَا ِئثَ إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْمَ َ‬ ‫الصّالِحِينَ (‪ )75‬وَنُوحًا ِإذْ نَادَى مِن قَ ْبلُ فَاسْ َتجَبْنَا لَهُ فَنَجّيْنَا ُه وَأَهَْلهُ مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْلعَظِيمِ (‪)76‬‬ ‫ج َمعِينَ (‪)77‬‬ ‫سوْءٍ فَأَغْ َرقْنَا ُهمْ أَ ْ‬ ‫وَ َنصَرْنَاهُ مِنَ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا إِ ّن ُهمْ كَانُوا َقوْمَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أئمة‪ :‬أي يقتدى بهم في الخير‪.‬‬ ‫يهدون بأمرنا‪ :‬أي يرشدون الناس ويعلمونهم ما به كمالهم ونجاتهم وسعادتهم بإذن ال تعالى لهم‬ ‫بذلك حيث جعلهم رسلً مبلغين‪.‬‬ ‫وكانوا لنا عابدين‪ :‬أي خاشعين مطيعين قائمين بأمرنا‪.‬‬ ‫ولوطا آتيناه حكما وعلما ‪ :‬أي أعطينا لوطا حكما أي فصل بين الخصوم وفقها في الدين وكل هذا‬ ‫يدخل تحت النبوة والرسالة وقد نبأه وأرسله‪.‬‬ ‫تعمل الخبائث‪ :‬كاللواط وغيره من المفاسد‪.‬‬ ‫فاسقين‪ :‬أي عصاة متمردين عن الشرع تاركين للعمل به‪.‬‬ ‫ونوحا إذ نادى من قبل ‪ :‬أي واذكر نوحا إذ دعا ربّه على قومه الكفرة‪.‬‬

‫من الكرب العظيم‪ :‬أي من الغرق الناتج عن الطوفان الذي عم سطح الرض‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر أفضال ال تعالى على إبراهيم وولده فقال تعالى‪{ :‬وجعلناهم} أي‬ ‫إبراهيم واسحق ويعقوب أئمة هداة يقتدى بهم في الخير ويهدون الناس إلى‬

‫( ‪)3/428‬‬ ‫دين ال تعالى الحق بتكليف ال تعالى لهم بذلك حيث نبأهم وأرسلهم‪ .‬وهو معنى قوله تعالى‪:‬‬ ‫{وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}‪ 1‬وقوله‪{ :‬وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلة وإيتاء الزكاة}‬ ‫أي أوحينا إليهم بأن يفعلوا الخيرات جمع خير وهو كل نافع غير ضار فيه مرضاة ل تعالى‬ ‫وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وكانوا لنا عابدين} أي امتثلوا أمرنا فيما أمرناهم به‬ ‫وكانوا لنا مطعين خاشعين وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الحوال وقوله تعالى‪{ :‬ولوطا‬ ‫آتيناه ‪ 2‬حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث ‪ 3‬إنهم كانوا قوم سوء فاسقين}‬ ‫أي وكما آتينا إبراهيم وولديه ما آتيناهم من الفضال والنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق آتينا‬ ‫لوطا وقد خرج مهاجرا مع عمه إبراهيم آتيناه أيضا حكما وعلما ونبوة ورسالة متضمنة حسن‬ ‫الحكم والقضاء وأسرار الشرع والفقه في الدين‪ ،‬هذه منّة وأخرى أنّا نجيناه من القرية التي كانت‬ ‫تعمل الخبائث وأهلكنا أهلها لنهم كانوا قوم سوء ل يصدر عنهم إل ما يسوء إلى الخلق فاسقين‬ ‫عن أمرنا خارجين عن طاعتنا‪ ،‬وقوله‪{ :‬وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين} وهذا إنعام آخر‬ ‫أعظم وهو إدخاله في سلك المرحومين برحمة ال الخاصة لنه من عباد ال الصالحين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ونوحا} أي واذكر يا رسولنا في سلك هؤلء الصالحين عبدنا ورسولنا نوحا الوقت‬ ‫الذي نادى ربه من قبل إبراهيم ‪ 4‬فقال إني مغلوبٌ فانتصر‪{ ،‬فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب‬ ‫‪ 5‬العظيم} حيث نجاه تعالى وأهله إل امرأته وولده كنعان فإنهما لم يكونا من أهله لكفرهما‬ ‫وظلمهما فكانا من المغرقين‪ .‬وقوله‪{ :‬ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} أي ونصرناه بإنجائنا‬ ‫له منهم فلم يمسوه بسوء‪ ،‬وأغرقناهم أجمعين لنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين ‪.6‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجائز أن يكون معنى {بأمرنا}‪ :‬أي‪ :‬بما أنزلنا عليهم بوحينا من المر والنهي كأنه قال‪ :‬بكتابنا‬ ‫وما بيّنا فيه من التشريع المحقق للخذين به سعادة الدنيا والخرة والئمة جمع إمام وهو الرئيس‬ ‫الذي يقتدى به في الخير ل في الشر‪.‬‬ ‫‪{ 2‬ولوطا}‪ :‬منصوب على الشتغال أي‪ :‬وآتينا لوطا آتيناه‪ .‬والحكم‪ :‬الحكمة وهو النبوة والعلم علم‬ ‫الشريعة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الخبائث‪ :‬جمع خبيثة وهي الفعلة الشنيعة‪ ،‬ومن خبائثهم‪ :‬اللواط‪ ،‬والتضارط في الندية وحذف‬

‫الحصى‪ ،‬والتحريش بين الديك والكلب‪ .‬والقرية هي سدوم وعمورة‪ ،‬وما حولهما إذ كانت سبع‬ ‫مدن قلب جبريل منها ستة وأبقى واحدة للوط وعياله وهي‪ :‬زغر من كورة فلسطين‪.‬‬ ‫‪ 4‬من قبل إبراهيم ولوط عليهما السلم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الكرب‪ :‬هو الغّم الشديد وهو هنا‪ :‬الطرفان‪.‬‬ ‫‪ 6‬السوء‪ :‬بفتح السين مصدر‪ :‬القبيح المكروه من القول والفعل وبضم السين اسم مصدر وهو أعم‬ ‫من السوء بفتح السين‪.‬‬

‫( ‪)3/429‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل الدعوة إلى ال تعالى وشرف القائمين بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل إقام الصلة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات‪.‬‬ ‫‪ -3‬ثناء ال تعالى على أوليائه وصالحي عباده بعبادتهم‪ ،‬وخشوعهم له‪.‬‬ ‫‪ -4‬الخبث إذا كثر في المة استوجبت الهلك والدمار‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنديد بالفسق والتحذير من عواقبه فإنها مدمرة والعياذ بال‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير النبوة المحمدية وتأكيدها إذ مثل هذا القصص ل يتأتى إل لمن يوحى إليه‪.‬‬ ‫ح ْك ِمهِمْ شَا ِهدِينَ (‪)78‬‬ ‫شتْ فِيهِ غَنَمُ ا ْلقَوْ ِم َوكُنّا ِل ُ‬ ‫ح ُكمَانِ فِي الْحَ ْرثِ ِإذْ َنفَ َ‬ ‫وَدَاوُو َد وَسُلَ ْيمَانَ إِذْ يَ ْ‬ ‫ن وَالطّيْ َر َوكُنّا فَاعِلِينَ (‬ ‫ح ْكمًا وَعِ ْلمًا وَسَخّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ا ْلجِبَالَ يُسَبّحْ َ‬ ‫َففَ ّهمْنَاهَا سُلَ ْيمَانَ َوكُل آتَيْنَا ُ‬ ‫سكُمْ َف َهلْ أَن ُتمْ شَاكِرُونَ (‪ )80‬وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ‬ ‫حصِ َنكُم مّن بَأْ ِ‬ ‫‪ )79‬وَعَّلمْنَاهُ صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ ّلكُمْ لِ ُت ْ‬ ‫شيْءٍ عَاِلمِينَ(‪َ )81‬ومِنَ الشّيَاطِينِ مَن‬ ‫عَاصِفَةً َتجْرِي بَِأمْ ِرهِ إِلَى ال ْرضِ الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا َوكُنّا ِب ُكلّ َ‬ ‫ك َوكُنّا َلهُمْ حَافِظِينَ (‪)82‬‬ ‫عمَل دُونَ ذَِل َ‬ ‫َيغُوصُونَ لَ ُه وَ َي ْعمَلُونَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في الحرث ‪ :‬أي في الكرم الذي رعته الماشية ليل‪.‬‬ ‫نفشت فيه ‪ : 1‬أي رعته ليلً بدون راع‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬النفش ‪ :‬الرعي ليل والهمل‪ :‬الرعي بالنهار‪.‬‬

‫( ‪)3/430‬‬

‫شاهدين‪ :‬أي حاضرين صدور حكمهم في القضية ل يخفى علينا شيء من ذلك‪.‬‬ ‫ففهمناها‪ :‬أي القضية التي جرى فيها الحكم‪.‬‬ ‫وكلً آتينا حكما وعلما‪ :‬أي كلً من داود وولده سليمان أعطيناه حكما أي النبوة وعلما بأحكام ال‬ ‫وفقهها‪.‬‬ ‫يسبحن ‪ :‬أي معه إذا سبح‪.‬‬ ‫وكنا فاعلين‪ :‬أي لما هو أغرب وأعجب من تسبيح الجبال والطير فل تعجبوا‪.‬‬ ‫صنعة لبوس لكم ‪ :‬هي الدروع وهي من لباس الحرب‪.‬‬ ‫لتحصنكم‪ :‬أي تقيكم وتحفظكم من ضرب السيوف وطعن الرماح‪.‬‬ ‫فهل أنتم شاكرون‪ :‬أي اشكروا فالستفهام معناه المر هنا‪.‬‬ ‫إلى الرض التي باركنا‪ :‬أي أرض الشام‪.‬‬ ‫يغوصون ‪ :‬أي في أعماق البحر لستخراج الجواهر‪.‬‬ ‫ويعملون عملً دون ذلك ‪ :‬أي دون الغوص كالبناء وغيره وبعض الصناعات‪.‬‬ ‫وكنا لهم حافظين‪ :‬أي لعمالهم حتى ل يفسدوها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالت ال تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫تقرير لنبوة نبيه محمد صلى ال عليه وسلم التي كذبت بها قريش فقال تعالى‪{ :‬وداود وسليمان}‬ ‫أي واذكر يا نبينا داود وسليمان {إذ يحكمان في الحرث} أي اذكرهما في الوقت الذي كانا يحكمان‬ ‫في الحرث الذي {نفشت فيه غنم القوم} أي رعت فيه ليلً بدون راع فأكلته وأتلفته {وكنا لحكمهم‬ ‫شاهدين} حاضرين ل يخفى علينا ما حكم به كل منهما‪ ،‬إذ حكم داود بأن يأخذ صاحب الحرث‬ ‫الماشية مقابل ما أتلفته لن المتلف يعادل قيمة الغنم التي أتلفته‪ ،‬وحكم سليمان بأن يأخذ صاحب‬ ‫الماشية الزرع يقوم عليه حتى يعود كما كان‪ ،‬ويأخذ صاحب الحرث الماشية يستغل صوفها ولبنها‬ ‫وسخالها فإذا‬

‫( ‪)3/431‬‬ ‫ردت إليه كرومه كما كانت أخذها ورد الماشية لصاحبها لم ينقص منها شيء هذا الحكم أخبر‬ ‫تعالى أنه فهم فيه سليمان وهو أعدل من الول وهو قوله تعالى‪{ :‬ففهمناها ‪ }1‬أي الحكومة أو‬ ‫القضية أو الفتيا سليمان‪ ،‬ولم يعاتب داود على حكمه‪ ،‬وقال‪{ :‬وكلً آتينا ‪ 2‬حكما وعلما} تلفيا لما‬ ‫قد يظن بعضهم أن داود دون ولده في العلم والحكم‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير} هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه‬ ‫السلم وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها‬

‫فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت‪ ،‬وقوله‪{ :‬وكنا فاعلين} أي لما هو أعجب من تسخير‬ ‫الجبال والطير تسبح مع سليمان لنا ل يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في‬ ‫حينه‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وعلمناه} أي داود {صنعة لبوس ‪ 3‬لكم} وهي الدورع السابغة التي تقي‬ ‫لبسها طعن الرماح وضرب السيوف بإذن ال تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى {لتحصنكم من‬ ‫بأسكم ‪{ }4‬فهل أنتم ‪ 5‬شاكرون؟ } أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد ال‬ ‫تعالى والعتراف بإنعامه‪ ،‬وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده‪ ،‬وقوله‬ ‫{ولسليمان} أي وسخرنا لسليمان {الريح عاصفة} شديدة السرعة {تجري بأمره إلى الرض التي‬ ‫باركنا فيها} إذْ يخرج غازيا أول النهار وفي آخره تعود به الريح تحمل بساطه الذي هو كأكبر‬ ‫سفينة حربية اليوم إلى الرض التي بارك ال وهي أرض الشام‪ .‬وقوله‪{ :‬وكنا بكل شيء عالمين}‬ ‫يخبر تعالى أنه كان وما زال عليما بكل شيء ما ظهر للناس وما غاب عنهم فكل أحداث الكون‬ ‫تتم حسب علم ال وإذنه وتقديره وحكمته فلذا وجبت له الطاعة واستحق اللوهة والعبادة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يروى أن سليمان كان على باب المحكمة فإذا خرج الخصمان سألهما بم قضى بينكما نبي ال‬ ‫داود؟ فقال‪ :‬قضى بالغنم لصاحب الحرث فقال‪ :‬لعل الحكم غير هذا انصرفا معي فأتى أباه فقال‪:‬‬ ‫يا نبي ال إنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع فقال وما هو؟ فقال‪ :‬ينبغي أن‬ ‫تدفع الغنم إلى صاحب الحرث إلى آخر ما هو في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف هل كان حكمهما بوحي أو باجتهاد فإن كان بوحي فهو نسخ للحكم الول بالثاني‪ ،‬وإن‬ ‫كان باجتهاد وهو ما عليه الجمهور‪ ،‬ولم يخطى داود ولكن الحكم الذي ألهمه سليمان كان أرفق‬ ‫بالطرفين‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا مع إلنة الحديد له فقال تعالى في سورة سبأ‪{ :‬وألنا له الحديد أن اعمل سابغات} واللبوس‬ ‫في العربية‪ :‬سلح الحرب من سيف ورمح ودرع وغيرها واللبوس أيضا‪ :‬كل ما يلبس قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫إلبس لكل حالة لبوسها‬ ‫إمّا نعيمها وإما بؤسها‬ ‫‪ 4‬قرأ حفص‪{ :‬لتحصنكم} بالتاء أي‪ :‬الدروع‪ ،‬وقرأ نافع {ليحصنكم}‪ :‬أي‪ :‬اللبوس وقرأ ورش‬ ‫لنُحصنكم بالنون‪ ،‬والحصان‪ :‬الوقاية والحماية وفي الية دليل على وجوب الصناعة على الكفاية‪.‬‬ ‫‪ 5‬الستفهام هنا للمر بالشكر‪.‬‬

‫( ‪)3/432‬‬

‫وقوله‪{ :‬ومن الشياطين من يغوصون ‪ 1‬له} أي وسخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له‬ ‫في أعماق البحار لستخراج الجواهر‪{ ،‬ويعملون عمل دون ذلك} كالبناء وصنع التماثيل‬ ‫والمحاريب والجفان وغير ذلك‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وكنا لهم حافظين} أي وكنا لعمال أولئك العاملين‬ ‫من الجن حافظين لها عالمين بها حتى ل يفسدوها بعد عملها مكرا منهم أو خديعة فقد روى أنهم‬ ‫كانوا يعملون ثم يفسدون ما عملوه حتى ل ينتفع به‪ .‬هذا كله من إنعام ال تعالى على داود‬ ‫وسليمان وغيره كثير فسبحان ذي النعام والفضال إله الحق ورب العالمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اللت‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب نصب القضاة للحكم بين الناس‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حكم الماشية ترعى في حرث الناس وإن كان شرعنا على خلف شرع من سبقنا فالحكم‬ ‫عندنا إن رعت الماشية ليلً قوم المتلف على صاحب الماشية ودفعه لصاحب الزرع‪ ،‬وإن رعت‬ ‫نهارا فل شيء لصاحب الزرع لن عليه أن يحفظ زرعه من أن ترعى فيه مواشي الناس لحديث‬ ‫العجماء جبار وحديث ناقة البراء بن عازب‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل التسبيح‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب صنع آلة الحرب وإعدادها للجهاد في سبيل ال‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب شكر ال تعالى على كل نعمة تستجد للعبد‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان تسخير ال تعالى الجن لسليمان يعملون له أشياء‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقرير نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم إذ من أرسل هؤلء الرسل وأنعم عليهم بما أنعم ل‬ ‫يستنكر عليه إرسال محمد رسولً وقد أرسل من قبله رسلً‪.‬‬ ‫‪ -8‬كل ما يحدث في الكون من أحداث يحدث بعلم ال تعالى وتقديره ولحكمة تقضيه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الغوص‪ :‬النزول تحت الماء‪ ،‬والغوّاص‪ :‬الذي يغوص لستخراج اللليء وفعله يقال له‪:‬‬ ‫الغواصة على وزن حياكة (مهنة)‪.‬‬

‫( ‪)3/433‬‬ ‫شفْنَا مَا بِهِ مِن‬ ‫حمِينَ (‪ )83‬فَاسْ َتجَبْنَا لَهُ َفكَ َ‬ ‫وَأَيّوبَ إِذْ نَادَى رَبّهُ أَنّي َمسّ ِنيَ الضّ ّر وَأَنتَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬ ‫س وَذَا‬ ‫سمَاعِيلَ وَإِدْرِي َ‬ ‫حمَةً مّنْ عِندِنَا وَ ِذكْرَى لِ ْلعَا ِبدِينَ (‪ )84‬وَإِ ْ‬ ‫ضُ ّر وَآتَيْنَاهُ أَهَْل ُه َومِثَْلهُم ّم َعهُمْ رَ ْ‬ ‫حمَتِنَا إِ ّنهُم مّنَ الصّاِلحِينَ (‪)86‬‬ ‫خلْنَاهُمْ فِي َر ْ‬ ‫ا ْل ِكفْلِ ُكلّ مّنَ الصّابِرِينَ (‪ )85‬وَأَدْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأيوب‪ :‬أي واذكر أيوب‪.‬‬

‫إذ نادى ربه‪ :‬أي دعاه لما ابتلى بفقد ماله وولده ومرض جسده‪.‬‬ ‫مسني الضر‪ :‬هو ما ضر بجسمه أو ماله أو ولده‪.‬‬ ‫وذكر ى للعابدين ‪ :‬أي عظة للعابدين‪ ،‬ليصبروا فيثابوا‪.‬‬ ‫وأدخلناهم في رحمتنا‪ :‬بأن نبأناهم فانخرطوا في سلك النبياء إنهم من الصالحين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالت ال تعالى وإنعامه على من شاء من عباده الصالحين‬ ‫فقوله تعالى في الية الولى (‪{ )83‬وأيوب} أي واذكر عبدنا في شكره وصبره وسرعة َأوْبِتَه‪،‬‬ ‫وقد ابتليناه بالعافية والمال والولد‪ ،‬فشكر وابتليناه بالمرض وذهاب المال والهل والولد فصبر‪.‬‬ ‫أذكره {إذ نادى ربه} أي داعيا ضارعا بعد بلوغ البلء متتهاه ربّ‬

‫( ‪)3/434‬‬ ‫أي يا رب {إني مسني ‪ 1‬الضر وأنت أرحم الراحمين} {فاستجبنا له} دعاءه {فكشفنا ما به من ضر‬ ‫وآتيناه أهله} من زوجة وولد {ومثلهم معهم} أي ضاعف له ما أخذه منه بالبتلء بعد الصبر وأما‬ ‫المال فقد ذكر النبي صلى ال عليه وسلم أنه أنزل عليه رَجْلً من جَرَادٍ من ذهب فكان أيوب‬ ‫يحثو في ثوبه حثيثا فقال له ربّه في ذلك فقال من ذا لذي يستغنى عن بركتك يا رب‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬رحمة من عندنا} أي رحمناه رحمة خاصة‪ ،‬وجعلنا قصته ذكرى وموعظة للعابدين لنا لما‬ ‫نبتليهم بالسراء والضراء فيشكرون ويصبرون ائتساء بعبدنا أيوب {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه‬ ‫أواب}‪.2‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ‪ }3‬أي واذكر في عداد المصطفين من أهل الصبر‬ ‫والشكر إسماعيل بن إبراهيم الخليل‪ ،‬وإدريس وهو اخنوخ وذا الكفل {كل من الصابرين} على‬ ‫عبادتنا الشاكرين لنعمائنا‪ ،‬وأدخلناهم في رحمتنا فنبأنا منهم من نبأنا وأنعمنا عليهم وأكرمناهم‬ ‫بجوارنا إنهم من الصالحين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬علو مقام الصبر ومثله الشكر فالول على البأساء والثاني على النعماء‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة الدعاء وهو باب الستجابة وطريقها من ألهمه ألهم الستجابة‪.‬‬ ‫‪ -3‬في سير الصالحين مواعظ وفي قصص الماضيين عبر‪.‬‬ ‫‪ -4‬من ابتلى بفقد مال أو أهل أو ولد فصبر كان له من ال الخلف وما يقال عند المصيبة "إنا ل‬ ‫وإنا إليه لراجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا مِنها"‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هل قول أيوب‪{ :‬ربّ إني مسني الضرّ} يتنافى مع الصبر؟ والجواب‪ :‬هذه المسألة ذكر‬ ‫القرطبي في تفسيره نحوا من ستة عشر قولً‪ ،‬والصحيح أن هذا ل ينافي الصبر لنه دعاء‪،‬‬ ‫والدليل هو قوله تعالى‪{ :‬فاستجببنا له} ولم يكن شكوى لنّ الستجابة تأتي بعد الدعاء ل الشتكاء‪،‬‬ ‫قال الجنيد‪ :‬عرّفه فاقة السؤال ليمنّ عليه بكرم النوال‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في مدة مرضه‪ ،‬أصح ما قيل فيها أنها ثماني عشرة سنة وهذا مروي عن النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 3‬اختلف في ذي الكفل من هو؟ وأرجح القوال ما رواه أبو موسى رضي ال عنه عن النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬إن ذا الكفل لم يكن نبيّا ولكنه كان عبدا صالحا فتكفل بعمل رجل‬ ‫صالح عند موته وكان يصلي ل كل يوم مائة صلة فأحسن ال الثناء عليه"‪.‬‬

‫( ‪)3/435‬‬ ‫وَذَا النّونِ إِذ ذّ َهبَ ُمغَاضِبًا فَظَنّ أَن لّن ّنقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ أَن ل إِلَهَ إِل أَنتَ سُبْحَا َنكَ‬ ‫إِنّي كُنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ (‪ )87‬فَاسْ َتجَبْنَا لَ ُه وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلغَ ّم َوكَذَِلكَ نُنجِي ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪ )88‬وَ َزكَرِيّا إِذْ‬ ‫نَادَى رَبّهُ َربّ ل َتذَرْنِي فَ ْردًا وَأَنتَ خَيْرُ ا ْلوَارِثِينَ (‪ )89‬فَاسْتَجَبْنَا َل ُه َووَهَبْنَا لَهُ َيحْيَى وََأصْلَحْنَا لَهُ‬ ‫شعِينَ (‪ )90‬وَالّتِي‬ ‫ت وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا َوكَانُوا لَنَا خَا ِ‬ ‫َزوْجَهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَا ِ‬ ‫جعَلْنَاهَا وَابْ َنهَا آ َيةً لّ ْلعَاَلمِينَ (‪) 91‬‬ ‫جهَا فَ َنفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا وَ َ‬ ‫حصَ َنتْ فَرْ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وذا النون ‪ :‬هو يونس بن متّى عليه السلم وأُضيف إلى النون الذي هو الحوت في قوله تعالى‬ ‫{ول تكن كصاحب الحوت} لن حوتة كبيرة ابتعلته‪.‬‬ ‫إذ ذهب مغاضبا‪ :‬أي لربه تعالى حيث لم يرجع إلى قومه لما بلغه أن ال رفع عنهم العذاب‪.‬‬ ‫فظن أن لن نقدر عليه‪ :‬أي أن لن نحبسه ونضيق عليه في بطن الحوت من أجل مغاضبته‪.‬‬ ‫في الظلمات ‪ :‬ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل‪.‬‬ ‫ونجيناه من الغم ‪ :‬أي الكرب الذي أصابه وهو في بطن الحوت‪.‬‬ ‫ل تذرني فردا‪ :‬أي بل ولد يرث عني النبوة والعلم والحكمة بقرينة ويرث‬

‫( ‪)3/436‬‬ ‫من آل يعقوب‪.‬‬ ‫رغبا ورهبا‪ :‬أي طمعا فينا ورهبا منا أي خوفا ورجاءا‪.‬‬ ‫أحصنت فرجها‪ :‬أي صانته وحفظته من الفاحشة‪.‬‬

‫من روحنا‪ :‬أي جبريل حيث نفخ في كم درعها عليها السلم‪.‬‬ ‫آية للعالمين‪ :‬أي علمة على قدرة ال تعالى ووجوب عبادته بذكره وشكره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر افضال ال تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده فقال تعالى‪{ :‬وذا‬ ‫النون} أي واذكر ذا النون أي يونس بن متّى {إذ ذهب مغاضبا‪ }1‬لربه تعالى حيث لم يصبر على‬ ‫بقائه مع قومه يدعوهم إلى توحيد ال وعبادته وطاعته وطاعة رسوله فسأل لهم العذاب‪ ،‬ولما‬ ‫تابوا ورفع عنهم العذاب بتوبتهم وعلم بذلك فلم يرجع إليهم فكان هذا منه مغاضبة لربه تعالى‬ ‫وقوله تعالى عنه‪{ :‬فظن أن لن نقدر عليه} أي ظن يونس عليه السلم أن ال تعالى ل يحبسه في‬ ‫بطن الحوت‪ ،‬ل يضيق عليه وهو حسن ظن منه في ربه سبحانه وتعالى؟ ولكن لمغاضبته ربه‬ ‫بعدم العودة إلى قومه بعد أن رفع عنهم العذاب أصابه ربّه تطهيرا له من أمر المخالفة الخفيفة‬ ‫بأن ألقاه في ظلمات ثلث‪ ،‬ظلمة الحوت والبحر والليل ثم ألهمه الدعاء الذي به النجاة فكان يسبح‬ ‫في الظلمات الثلث {ل إله إلّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ‪ }2‬فاستجاب ال تعالى له وهو‬ ‫معنى قوله‪{ :‬وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن ل إله إلّ‬ ‫أنت سبحانك إني ‪ 3‬كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم} الذي أصابه من وجوده في‬ ‫ظلمات محبوسا ل أنيس ول طعام ول شراب مع غم نفسه من جراء عدم عودته إلى قومه وقد‬ ‫أنجاهم ال من العذاب‪ .‬وهو سبب المصيبة‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪{ :‬مغاضبا لربه} أي‪ :‬لجل ربه تعالى حيث عصاه قومه فكان غضبه ل تعالى وهو تأويل‬ ‫حسن إذ يقال‪ :‬فلن غضب ل‪ .‬أي‪ :‬لجله‪ .‬وجائز أن يكون مغاضبا لقومه إذ ردوا دعوته ولم‬ ‫يستجيبوا له‪.‬‬ ‫‪{ 2‬من الظالمين} حيث ترك مداومة قومه والصبر عليهم أو في الخروج من غير إذن له فنزّه ربّه‬ ‫عن الظلم ونسبه إلى نفسه اعترافا واستحقاقا‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى أبو داود أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "دعاء ذي النون في بطن الحوت‪ :‬ل إله إل‬ ‫أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪ .‬لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلّ استجيب له"‪.‬‬

‫( ‪)3/437‬‬ ‫{وكذلك ننجي المؤمنين ‪ }1‬مما قد يحل بهم من البلء وقوله تعالى‪{ :‬وزكريا} أي اذكر يا رسولنا‬ ‫زكريا في الوقت الذي نادى ربه داعيا ضارعا قائلً‪{ :‬ربّ} أي يا رب {ل تذرني فردا} أي ل‬ ‫تتركني فردا ل ولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتى ل‬ ‫تنقطع منهم النبوة والصلح وقوله‪{ :‬وأنت خير الوارثين} ذكر هذا اللفظ توسلً به إلى ربه‬

‫ليستجيب له دعاءه واستجاب له والحمد ل‪ .‬فوهبه يحيى وأصلح له زوْجه بأن جعلها ولودا بعد‬ ‫العقر حسنة الخلق والخُلق‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إنهم كانوا يسارعون} أي زكريا ويحيى ووالدته كانوا‬ ‫يسارعون في الطاعات والقربات أي في فعلها والمبادرة إليها‪ .‬وقوله‪{ :‬ويدعوننا رغبا‪ 2‬ورهبا‪}3‬‬ ‫هذا ثناء عليهم أيضا إذ كانوا يدعون ال رغبة في رحمته ورهبة وخوفا من عذابه وقوله‪{ :‬وكانوا‬ ‫لنا خاشعين} أي مطيعين ذليلين متواضعين وهم يعبدون ربهم بأنواع العبادات‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬والتي أحصنت فرجها ‪ 4‬فنفخنا فيها من روحنا ‪ }5‬أي واذكر يا نبينا تلك المؤمنة‬ ‫التي أحصنت فرجها أي منعته مما حرم ال تعالى عليها وهي مريم بننت عمران اذكرها في عداد‬ ‫من أنعمنا عليهم وأكرمناهم وفضلناهم على كثير من عبادنا الصالحين‪ ،‬حيث نفخنا فيها من روحنا‬ ‫إذ أمرنا جبريل روح القدس ينفخ في كم درعها فسرت النفخة إلى فرجها فحبلت وولدت في ساعة‬ ‫من نهار‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وجعلناها وابنها} أي عيسى كلمة ال وروحه {آية} أي ‪ 6‬علمة كبرى‬ ‫على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا وإنعامنا وواجب عبادتنا وتوحيدنا فيها حيث ل يعبد غيرنا‬ ‫{للعالمين} أي للناس أجمعين‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ ابن عامر‪{ :‬نجيّ} بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الماضي وإضمار المصدر‬ ‫أي‪ :‬وكذلك نجيّ النجاء المؤمنين كما يقال‪ :‬ضرب زيدا بمعنى‪ :‬ضرب الضرب زيدا‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬الرغب‪ :‬الدعاء ببطون الكف إلى السماء‪ ،‬والرهب‪ :‬رفع ظهورهما‪ .‬روى الترمذي عن‬ ‫عمر رضي ال عنهما‪ .‬قال‪" :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح‬ ‫بهما وجهه " وروى الترمذي أيضا عن أنس رضي ال عنه أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫"إذا سألتم ال فأسالوه ببطون أكفكم ول تسألوه بظهورهما وامسحوا بهما وجوهكم"‪ .‬وعن ابن‬ ‫عباس‪ :‬إن رفع اليدين حذاء الصدر هو الدعاء ورفعهما حتى يجاوز بهما الرأس‪ :‬فهو البتهال‪.‬‬ ‫‪{ 3‬رغبا ورهبا} يصح نصبهما على المصدرية وعلى الحال‪ ،‬وعلى المفعول لجله‪.‬‬ ‫‪{ 4‬أحصنت فرجها}‪ :‬أي‪ :‬عفّت فامتنعت عن الفاحشة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المراد من فرجها فرج القميص‪:‬‬ ‫أي لم تعلق بثيابها ريبة أي‪ :‬أنها طاهرة الثواب وفروج القميص أربعة‪ :‬الكمان والعلى‬ ‫والسفل‪ ،‬قال السهيلي‪ :‬هذا من لطيف الكناية لن القرآن ألطف إشارة وأنزه عبارة‪.‬‬ ‫‪ 5‬إضافة الروح إلى ال تعالى‪ :‬إضافة تشريف كبيت ال‪ ،‬وقيل فيه‪ :‬روح ال لنه مبعوث من‬ ‫قبله سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ 6‬آية اسم جنس فمريم آية‪ ،‬وعيسى عليه السلم آية‪.‬‬

‫( ‪)3/438‬‬

‫يستدلون بها على ما ذكرنا آنفا من وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة دعوة ذي النون‪{ :‬ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} ‪ .‬إذ ورد أنه ما دعا‬ ‫بها مؤمن إل استجيب له‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وكذلك ننجي المؤمنين} يقوي هذا الخبر‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحباب سؤال الولد لغرض صالح ل من أجل الزينة واللهو به فقط‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن الزوجة الصالحة من حسنة الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة المسارعة في الخيرات والدعاء برغبة ورهبة والخشوع في العبادات وخاصة في‬ ‫الصلة والدعاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة العفة والحصان للفرج‪.‬‬ ‫‪ -6‬كون مريم وابنها آية لن مريم ولدت من غير فحل‪ ،‬ولن عيسى كان كذلك وكلم الناس في‬ ‫المهد‪ ،‬وكان يحيى الموتى بإذن ال تعالى‪.‬‬ ‫جعُونَ (‪)93‬‬ ‫طعُوا َأمْرَهُم بَيْ َنهُمْ ُكلّ إِلَيْنَا رَا ِ‬ ‫إِنّ َه ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وَأَنَا رَ ّبكُمْ فَاعْبُدُونِ (‪ )92‬وَتَقَ ّ‬ ‫سعْيِ ِه وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ (‪ )94‬وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ‬ ‫َفمَن َي ْعمَلْ مِنَ الصّاِلحَاتِ وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَل ُكفْرَانَ ِل َ‬ ‫سلُونَ (‪)96‬‬ ‫ج وَهُم مّن ُكلّ حَ َدبٍ يَن ِ‬ ‫حتْ يَ ْأجُوجُ َومَأْجُو ُ‬ ‫جعُونَ (‪ )95‬حَتّى ِإذَا فُتِ َ‬ ‫أَهَْلكْنَاهَا أَ ّن ُهمْ ل يَرْ ِ‬

‫( ‪)3/439‬‬ ‫غفْلَةٍ مّنْ َهذَا َبلْ كُنّا‬ ‫خصَةٌ أَ ْبصَارُ الّذِينَ َكفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي َ‬ ‫حقّ فَإِذَا ِهيَ شَا ِ‬ ‫وَاقْتَ َربَ ا ْلوَعْدُ الْ َ‬ ‫ظَاِلمِينَ (‪)97‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن هذه أمتكم‪ :‬أي ملتكم وهي السلم ملة واحدة من عهد آدم إلى العهد المحمدي إذ دين النبياء‬ ‫واحد وهو عبادة ال تعالى وحده بما يشرع لهم‪.‬‬ ‫وأنا ربكم فاعبدون ‪ :‬أنا إلهكم الحق حيث خلقتكم ورزقتكم فل تنبغي العبادة إل لي فاعبدون ول‬ ‫تعبدوا معي غيري‪.‬‬ ‫وتقطعوا أمرهم بينهم‪ :‬أي وتفرقوا في دينهم فأصبح لكل فرقة دين كاليهودية والنصرانية‬ ‫والمجوسية والوثنيات وما أكثرها‪.‬‬ ‫كل إلينا راجعون‪ :‬أي كل فرقة من تلك الفرق التي قطعت السلم راجعة إلينا وسوف نجزيها‬ ‫بكسبها‪.‬‬ ‫فل كفران لسعيه ‪ :‬أي ل نكران ول جحود لعمله بل سوف يجزى به وافيا‪.‬‬

‫وإنا له كاتبون ‪ :‬إذ الكرام الكاتبون يكتبون أعمال العباد خيرها وشرها‪.‬‬ ‫وحرام ‪ :‬أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا‪.‬‬ ‫يأجوج ومأجوج ‪ :‬قبيلتان موجودتان وراء سدهما الذي سيفتح عند قرب الساعة‪.‬‬ ‫حدب‪ :‬أي مرتفع من الرض‪.‬‬ ‫ينسلون ‪ :‬أي يسرعون المشي‪.‬‬ ‫الوعد الحق ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬ ‫في غفلة من هذا‪ :‬أي من يوم القيامة وما فيه من أحداث‪.‬‬

‫( ‪)3/440‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذكر أولئك النبياء وما أكرمهم ال تعالى به من افضالت وما كانوا عليه من كمالت قال‬ ‫تعالى مخاطبا الناس كلهم‪{ :‬إن هذه أمتكم}‪ 1‬أي ملتكم {أمة واحدة} أي ملة واحد من عهد أول‬ ‫الرسل إلى خاتمهم وهو السلم القائم على الخلص ل في العبادة والخلوص من الشرك وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وتقطعوا ‪ 2‬أمرهم بينهم} ينعي تعالى على الناس تقطعيهم السلم إلى ملل شتى كاليهودية‬ ‫والنصرانية وغيرهما‪ ،‬وتمزيقه إلى طوائف ونحل‪ ،‬وقوله‪{ :‬وكل إلينا راجعون} إخبار منه تعالى‬ ‫أنهم راجعون إليه ل محالة بعد موتهم وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون ومن ذلك تقطيعهم للدين‬ ‫السلمي وتمزيقهم له فذهبت كل فرقة بقطعة منه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فمن ‪ 3‬يعمل من الصالحات}‬ ‫والحال أنه مؤمن‪ ،‬والمراد من الصالحات ما شرعه ال تعالى من عبادات قلبية وقولية وفعلية {فل‬ ‫كفران لسعيه} أي لعمله فل يجحد ول ينكر بل يراه ويجزى به كاملً‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإنا له‬ ‫كاتبون} يريد أن الملئكة تكتب أعماله الصالحة بأمرنا ونجزيه بها أيضا أحسن جزاء وهذا وعد‬ ‫من ال تعالى لهل اليمان والعمل الصالح جعلنا ال منهم وحشرنا في زمرتهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وحرام ‪ 4‬على قرية أهلكناها أنهم ل يرجعون} يخبر تعالى أنه ممتنع امتناعا كاملً‬ ‫أن يهلك أمة بذنوبها في الدنيا ثم يردها إلى الحياة في الدنيا‪ ،‬وهذا بناء على أن {ل} مزيدة لتقوية‬ ‫الكلم ويحتمل الكلم معنى آخر وهي ممتنع على أهل قرية قضى ال تعالى بعذابهم في الدنيا أو‬ ‫في الخرة أنهم يرجعون إلى اليمان والطاعة بالتوبة الصادقة وذلك بعد أن كذبوا وعاندوا‬ ‫وظلموا وفسقوا فطبع على قلوبهم فهم ل يرجعون إلى التوبة بحال‪ ،‬ومعنى ثالث وهو حرام على‬ ‫أهل قرية أهلكهم ال بذنوبهم فأبادهم إنهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور‪{ :‬إن هذه أمتكم} برفع أمتكم على الخبرية ونصب أمّة واحدة على الحال‪،‬‬ ‫والرصف‪ .‬وقرأ بعض‪{ :‬أمتكم أمةٌ واحدة} بالرفع فيهما‪.‬‬

‫‪ 2‬تفرقوا في الدين واختلفوا فيه‪.‬‬ ‫‪{ 3‬من الصالحات} من للتبعيض إذ من غير الممكن أن يعمل العبد كل الصالحات ويأتي بكل‬ ‫الطاعات‪ ،‬وقوله {وهو مؤمن} وموحد أيضا فإن الشرك محبط للعمل‪.‬‬ ‫‪ 4‬في حرام قراءات ووجوه منها‪{ :‬حرام} وهي قراءة الجمهور وحِرم مثل حِل وحلل‪ .‬وحرم‬ ‫كمرض‪ ،‬وحرُم كشرف‪ ،‬وحرّم‪ :‬كضرب‪ ،‬وحرّم كبدّل‪ ،‬وحرم كعلم مشددة اللم وحَرم كفرح‬ ‫وحُرم كقفل تسع قراءات‪.‬‬

‫( ‪)3/441‬‬ ‫ل يرجعون إلى ال تعالى يوم القيامة بل يرجعون للحساب والجزاء فهذه المعاني كلها صحيحة‪،‬‬ ‫والمعنى الخير ل تكلف فيه بكون {ل} صلة بل هي نافية ويرجح ‪ 1‬المعنى الخير قوله تعالى‪:‬‬ ‫{حتى إذا فتحت يأجوج ‪ 2‬ومأجوج} فهو بيان لطريق رجوعهم إلى ال تعالى وذلك يوم القيامة‬ ‫وبدايته بظهور علماته الكبرى ومنها انكسار سد يأجوج ومأجوج وتدفقهم في الرض يخربون‬ ‫ويدمرون {وهم من كل حدب ‪ }3‬وصوب {ينسلون} مسرعين‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬واقترب ‪ 4‬الوعد‬ ‫الحق} وهو يوم الدين والحساب والجزاء وقوله‪{ :‬فإذا هي شاخصة ‪ 5‬أبصار الذين كفروا} وذلك‬ ‫بعد قيامهم من قبورهم وحشرهم إلى أرض المحشر وهم يقولون في تأسف وتحسر {يا ويلنا} أي‬ ‫يا هلكنا {قد كنا في غفلة} أي في دار الدنيا {بل كنا ظالمين} فاعترفوا بذنبهم حيث ل ينفعهم‬ ‫العتراف إذ ل توبة تقبل يومئذ‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وحدة الدين وكون السلم هو دين البشرية كافة لنه قائم على أساس توحيد ال تعالى في‬ ‫عبادته التي شرعها ليعبد بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما حدث للبشرية من تمزيق الدين بينها بحسب الهواء والطماع والغراض‪.‬‬ ‫‪ -3‬وعد ال لهل اليمان والعمل الصالح بالجزاء الحسن وهو الجنة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬شاهد أن ل‪ :‬نافية وليست بصلة‪ ،‬ولكون لفظ الحرام معناه الوجوب قول الخنساء‪:‬‬ ‫وإنّ حراما ل أرى الدهر باكيا‬ ‫على شجوه إل بكيت على صخر‬ ‫تريد أخاها صخرا‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الكلم حذف تقديره‪ :‬حتى إذا فتع سد يأجوج ومأجوج‪ ،‬مثل‪ :‬واسأل القرية‪ .‬أي أهل القرية‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحدب‪ :‬ما انقطع من الرض‪ ،‬والجمع حداب مأخوذ من حدبة الظهر‪ ،‬قال عنترة‪:‬‬

‫فما رعشت يداي ول ازدهاني‬ ‫تواترهم إليّ من الحداب‬ ‫و (ينسلون) يخرجون مسرعين‪ ،‬قال امرؤ القيس‪ :‬فسلي ثيابي من ثيابك تنسل‪.‬‬ ‫وقال النابغة‪ :‬عسلن الذئب أمسى قاربا‬ ‫برد الليل عليه فنَسلَ‬ ‫أي أسرع‪.‬‬ ‫‪ 4‬قل‪ :‬الواو زائدة مقحمة‪ ،‬والمعنى‪ :‬حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق‪ .‬فاقترب‪:‬‬ ‫جواب إذا والواو مقحمة‪ ،‬ومثله‪ :‬وتلّه للجبين‪ ،‬وناديناه أي‪ :‬للجبين ناديناه‪ ،‬وأجاز بعضهم أن يكون‬ ‫جواب إذا‪ :‬فإذا هي شاخصة ويكون اقترب الوعد الحق‪ :‬معطوفا‪.‬‬ ‫‪ 5‬هي‪ :‬ضمير البصار‪ ،‬والبصار بعدها‪ :‬تفسير لها كأنه قال‪ :‬فإذا أبصار الذين كفروا قد‬ ‫شخصت عند مجيىء الوعد‪.‬‬

‫( ‪)3/442‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حقيقة وهي إذا َقضِي بهلك أمة تعذرت عليها التوبة‪ ،‬وأن أمة يهلكها ال تعالى ل‬ ‫تعود إلى الحياة الدنيا بحال وإن البشرية عائدة إلى ربها فممتنع عدم عودة الناس إلى ربهم‪ ،‬وذلك‬ ‫لحسابهم وجزائهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫جهَنّمَ أَنتُمْ َلهَا وَارِدُونَ (‪َ )98‬لوْ كَانَ َهؤُلء آِلهَةً مّا وَرَدُوهَا‬ ‫صبُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ َ‬ ‫س َمعُونَ (‪ )100‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َلهُم مّنّا‬ ‫َوكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )99‬لهُمْ فِيهَا َزفِي ٌر وَ ُهمْ فِيهَا ل َي ْ‬ ‫سهُمْ خَالِدُونَ (‬ ‫سهَا وَهُمْ فِي مَا اشْ َت َهتْ أَنفُ ُ‬ ‫س َمعُونَ حَسِي َ‬ ‫حسْنَى ُأوْلَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ (‪ )101‬ل يَ ْ‬ ‫الْ ُ‬ ‫طوِي‬ ‫‪ )102‬ل َيحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَ َزعُ الكْبَ ُر وَتَتََلقّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ هَذَا َي ْو ُمكُمُ الّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (‪َ )103‬يوْمَ َن ْ‬ ‫جلّ لِ ْلكُ ُتبِ َكمَا َبدَأْنَا َأ ّولَ خَلْقٍ ّنعِي ُد ُه وَعْدًا عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ(‪)104‬‬ ‫طيّ السّ ِ‬ ‫سمَاء كَ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما تعبدون من دون ال ‪ :‬أي من الوثان والصنام‪.‬‬ ‫حصب جهنم‪ :‬أي ما توقد به جهنم‪.‬‬ ‫لو كان هؤلء آلهة‪ :‬أي الوثان التي يعبدها المشركون من قريش‪.‬‬ ‫ما وردوها ‪ :‬أي لحالوا بين عابديهم ودخول النار لنهم آلهة قادرون على ذلك ولكنهم ليسوا آلهة‬ ‫حف فلذا ل يمنعون عابديهم‬

‫( ‪)3/443‬‬

‫من دخول النار‪.‬‬ ‫وكل فيها خالدون ‪ :‬أي العابدون من الناس والمعبودون من الشياطين والوثان‪.‬‬ ‫لهم فيها زفير‪ :‬أي لهل النار فيها أنين وتنفس شديد وهو الزفير‪.‬‬ ‫سبقت لهم منا الحسنى ‪ :‬أي كتب ال تعالى أزلً أنهم أهل الجنة‪.‬‬ ‫س صوتها‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫حسيسها‪ :‬أي ِ‬ ‫ل يحزنهم الفزع الكبر ‪ :‬أي عند النفخة الثانية نفخة البعث فإنهم يقومون من قبورهم آمنين غير‬ ‫خائفين‪.‬‬ ‫كطي السجل للكتب ‪ :‬أي يطوي الجبار سبحانه وتعالى السماء طيّ الورقة لتدخل في الظرف‪.‬‬ ‫كما بدأنا أول خلق نعيده‪ :‬أي يعيد ال الخلئق كما بدأهم أول مرة فيبعث الناس من قبورهم حفاة‬ ‫عراة غرل‪ ،‬كما ولدوا لم ينقص منهم شيء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى للمشركين الذين بدأت السورة الكريمة بالحديث عنهم‪ ،‬وهم مشركوا قريش يقول لهم‬ ‫مُوعدا‪{ :‬إنكم وما تعبدون ‪ 1‬من دون ال} من أصنام وأوثان {حصب ‪ 2‬جهنم} أي ستكونون أنتم‬ ‫وما تعبدون من أصنام وقودا لجهنم التي أنتم واردوها ل محالة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬لو كان هؤلء‬ ‫آلهة} لو كان هؤلء التماثيل من الحجار التي يعبدها المشركون لو كانوا آلهة حقا ما ورد النار‬ ‫عابدوها لنهم يخلصونهم منها ولما ورد النار المشركون ودخلوها دل ذلك على أن آلهتهم كانت‬ ‫آلهة باطلة ل تستحق العبادة بحال‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬كل فيها خالدون} أي المعبودات الباطلة‬ ‫وعابدوها الكل في جهنم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله {ما تعبدون} فيه دليل على وجود العموم في اللفاظ‪ ،.‬فإن ابن الزبعرى لمّا نزلت هذه‬ ‫الية أتت به قريش وقالت له‪ :‬انظر محمدا شتم آلهتنا‪ ،‬فقال‪ :‬لو حضرت لرددت عليه‪ ،‬قالوا‪ :‬وما‬ ‫كنت تقول له؟ قال‪ :‬كنت أقول له‪ :‬هذا المسيح تعبده النصارى واليهود تعبد عزيرا‪ ،‬أفهما من‬ ‫حصب جهنم؟‪ .‬فعجبت من مقالته ورأوا أن محمدا قد خُصم‪ .‬فأنزل ال تعالى {إن الذين سبقت لهم‬ ‫منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون}‪ .‬فدّل قوله تعالى وما تعبدون على العموم وخصه ال تعالى بهذه‬ ‫الية {إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون}‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ الجمهور حصب بالصاد‪ ،‬وقرأ علي وعائشة رضي ال عنهما بالطاء أي حطب‪ .‬والحصب‬ ‫أعَمّ‪ ،‬إذ كل ما هُيجت به النار وأوقدت به فهو حصب‪.‬‬

‫( ‪)3/444‬‬

‫خالدون‪ .‬وقوله‪{ :‬لهم فيها زفير ‪ 1‬وهم فيها ل يسمعون} يخبر تعالى أن للمشركين في النار زفيرا‬ ‫وهو النين الشديد من شدة العذاب وأنهم فيها ل يسمعون لكثرة النين وشدة الصوات وفظاعة‬ ‫ألوان العذاب وقوله تعالى ‪{ :‬إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون‪ ،‬ل يسمعون‬ ‫حسيسها‪ ،‬وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} نزلت هذه الية ردا على ابن الزّ َيعْري عندما قال إن‬ ‫كان ما يقوله محمد حقا بأننا وآلهتنا في جهنم فإن الملئكة معنا في جهنم لننا نعبدهم‪ ،‬وأن عيسى‬ ‫والعزير في جهنم لن اليهود عبدوا العزيز والنصارى عبدوا المسيح‪ .‬فأخبر تعالى أن من عبد‬ ‫بغير رضاه بذلك وكان يعبدنا ويتقرب إلينا بالطاعات فهو ممن سبقت لهم هنا الحسنى بأنهم من‬ ‫أهل الجنة هؤلء عنها أي عن جهنم مبعدون {ل يسمعون حسيسها} أي حس صوتها وهم في‬ ‫الجنة ولهم فيها ما يشتهون خالدون‪ ،‬ل يحزنهم الفزع ‪ 2‬الكبر عند قيامهم من قبورهم بل هم‬ ‫آمنون {تتلقاهم الملئكة} عند القيام من قبورهم بالتحية والتهنئة قائلة لهم‪{ :‬هذا يومكم الذي كنتم‬ ‫توعدون} وقوله تعالى‪{ :‬يوم نطوي السماء} أي يتم لهم ذلك يوم يطوي الجبار جل جلله السماء‬ ‫بيمينه {كطي ‪ 3‬السجل} أي الصحيفة للكتب‪ .‬وذلك يوم القيامة حيث تبدل الرض غير الرض‬ ‫والسموات غير السموات‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬كما بدأنا أول خلق نعيده} أي يعيد النسان كما بدأ خلقه‬ ‫فيخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرل ‪ .4‬وقوله‪{ :‬وعدا علينا إنا كنا فاعلين} أي وعدنا بإعادة‬ ‫الخلق بعد فنائهم وبلهم وعدا‪ ،‬إنا كنا فاعلين فأنجزنا ما وعدنا‪ ،‬وإنا على ذلك لقادرون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الزفير َنفَسٌ يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغم‪ ،‬وهو هنا من أحوال‬ ‫المشركين ل الصنام‪.‬‬ ‫‪ 2‬ل يُحزنهم بضم الياء من أحزنه‪ ،‬وبفتحها من حزنه قراءتان سبعيتان‪ ،‬والفزع الكبر‪ :‬أهوال‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار‪.‬‬ ‫‪ 3‬السجل‪ :‬الكاتب يكتب الصحيفة ثم يطويها عند انتهاء كتابتها‪ .‬هذا المعنى أوضح مما في‬ ‫التفسير‪.‬‬ ‫‪ 4‬الغرل‪ :‬جمع أغرل وهو من لم يختتن فتقطع منه غلفة ذكره‪ ،‬وأول من يكسى إبراهيم كما في‬ ‫صحيح مسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/445‬‬

‫‪ -2‬من عبد من دون ال بأمره أو برضاه سيكون ومن عبده وقودا لجهنم ومن لم يأمر ولم يرض‬ ‫فل يدخل النار مع من عبده بل العابد له وحده في النار‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان عظمة ال وقدرته إذ يطوي السماء بيمينه‪ ،‬والرض في قبضته يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بعث الناس حفاة عراة غرل لم ينزع منهم شيء ول غلفة الذكر إنجاز ال وعده في قوله‪:‬‬ ‫{كما بدأكم تعودون} فسبحان الواحد القهار العزيز الجبار‪.‬‬ ‫وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِن َبعْدِ ال ّذكْرِ أَنّ ال ْرضَ يَرِ ُثهَا عِبَا ِديَ الصّالِحُونَ (‪ )105‬إِنّ فِي َهذَا لَبَلغًا‬ ‫حمَةً لّ ْلعَاَلمِينَ (‪ُ )107‬قلْ إِ ّنمَا يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إِلَهٌ‬ ‫ّلقَوْمٍ عَابِدِينَ (‪َ )106‬ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِل رَ ْ‬ ‫سوَاء وَإِنْ أَدْرِي َأقَرِيبٌ أَم َبعِيدٌ مّا‬ ‫وَاحِدٌ َفهَلْ أَنتُم مّسِْلمُونَ (‪ )108‬فَإِن َتوَّلوْا َف ُقلْ آذَن ُتكُمْ عَلَى َ‬ ‫جهْرَ مِنَ ا ْل َق ْولِ وَ َيعْلَمُ مَا َتكْ ُتمُونَ (‪ )110‬وَإِنْ َأدْرِي َلعَلّهُ فِتْنَةٌ ّلكُ ْم َومَتَاعٌ‬ ‫تُوعَدُونَ (‪ )109‬إِنّهُ َيعْلَمُ الْ َ‬ ‫صفُونَ (‪)112‬‬ ‫علَى مَا َت ِ‬ ‫حمَنُ ا ْلمُسْ َتعَانُ َ‬ ‫حكُم بِا ْلحَقّ وَرَبّنَا الرّ ْ‬ ‫إِلَى حِينٍ (‪ )111‬قَالَ َربّ ا ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد كتبنا في الزبور‪ :‬أي في الكتب التي أنزلنا كصحف إبراهيم والتوراة والنجيل والقرآن‪.‬‬ ‫من بعد الذكر ‪ :‬أي من بعد أن كتبنا ذلك في الذكر الذي هو اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫( ‪)3/446‬‬ ‫إن الرض ‪ : 1‬أي أرض الجنة‪.‬‬ ‫عبادي الصالحون‪ :‬هم أهل اليمان والعمل الصالح من سائر المم من أتباع الرسل عامة‪.‬‬ ‫إن في هذا لبلغا‪ :‬أي إن في القران لبلغا أي لكفاية وبلغة لدخول الجنة فكل من آمن به وعمل‬ ‫بما فيه دخل الجنة‪.‬‬ ‫لقوم عابدين ‪ :‬أي مطيعين ال ورسوله‪.‬‬ ‫رحمة للعالمين ‪ :‬أي النس والجن فالمؤمنون المتقون يدخلون الجنة والكافرون ينجون من عذاب‬ ‫الستئصال والبادة الذي كان يصيب المم السابقة‪.‬‬ ‫فهل أنتم مسلمون‪ :‬أي أسلموا فالستفهام للمر‪.‬‬ ‫وان أدرى‪ :‬أي ما أدري‪.‬‬ ‫فتنة لكم ‪ :‬أي اختبار لكم‪.‬‬ ‫على ما تصفون ‪ :‬من الكذب من أن النبي ساحر‪ ،‬وأن ال اتخذ ولدا وأن القرآن شعر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بوعده الكريم الذي كتبه في كتبه المنزلة بعد كتابته في الذكر الذي‬ ‫هو كتاب المقادير المسمى باللوح المحفوظ أن أرض الجنة يرثها عباده الصالحون هذا ما دلت‬ ‫عليه الية الولى (‪ )155‬وقوله تعالى‪{ :‬إن في هذا لبلغا لقوم عابدين ‪ }2‬أي في هذا القرآن‬

‫العظيم لبلغا لمن كان من العابدين ل بأداء فرائضه واجتناب نواهيه لكفاية في الوصول به إلى‬ ‫بغيته وهي رضوان ال والجنة وقوله تعالى {وما أرسلناك إلّ رحمة للعالمين} يخبر تعالى أنّه ما‬ ‫أرسل رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم إل رحمة للعالمين ‪3‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الرض‪ :‬الرض المقدسة‪ ،‬وقال مرة أنها أرض الكفار ترثها أمة محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬العابدون قال أبو هريرة وسفيان الثوري هم أهل الصلوات الخمس‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال ابن زيد‪ :‬المؤمنون خاصة‪ ،‬والعموم أولى وأصح من الخصوص‪.‬‬

‫( ‪)3/447‬‬ ‫إنسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمنون بإتباعه يدخلون رحمة ال وهي الجنة والكافرون يأمنون‬ ‫من عذاب البادة والستئصال في الدنيا ذلك العذاب الذي كان ينزل بالمم والشعوب عندما‬ ‫يكذبون رسلهم وقوله تعالى {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ‪ }1‬يأمر‬ ‫تعالى رسوله أن يقول لقومه ولمن يبلغهم خطابه إن الذي يوحى إلى هو أن إلهكم إله واحد أي‬ ‫معبودكم الحق واحد وهو ال تعالى ليس غيره وعليه {فهل أنتم مسلمون} أي أسلموا له قلوبكم‬ ‫ووجوهكم فاعبدوه ول تعبدوا معه سواه فبلغهم يا رسولنا هذا {فإن تولوا} أي أعرضوا عن هذا‬ ‫الطلب ولم يقبلوه {فقل آذنتكم} أي اعلمتكم {على سواء} أنا وأنتم انه ل تلقي بيننا فأنا حرب‬ ‫ي وقوله تعالى‪{ :‬وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} أي وقل لهم يا‬ ‫عليكم وأنتم حرب عل ّ‬ ‫رسولنا‪ :‬إني ما أدرى أقريب ما توعدون من العذاب أم بعيد فالعذاب كا ئن ل محالة ما لم تسلموا‬ ‫إل أني ل أعلم وقته‪ .‬وفي الية وعيد واضح وتهديد شديد وقوله‪{ :‬إنه يعلم الجهر من القول ويعلم‬ ‫ما تكتمون} أي يعلم طعنكم العلني‪ ،‬في السلم وكتابه ونبيه‪ ،‬كما يعلم ما تكتمونه في نفوسكم من‬ ‫ن وفي هذا إنذار لهم وتهديد‪ ،‬وهم مستحقون لذلك‪.‬‬ ‫عداوتي وبغضي وما تخفون من إحَ ٍ‬ ‫وقوله‪{ :‬وإن أدري} أي وما أدرى {لعله ‪ }2‬أي تأخير العذاب عنكم بعد استحقاقكم له يحرِ بكم‬ ‫للسلم ونبيه {فتنة لكم} أي اختبار لعلكم تتوبون فيرفع عنكم العذاب أو هو متاع لكم بالحياة إلى‬ ‫آجالكم‪ ،‬ثم تعذبون بعد موتكم‪ .‬فهذا علمه إلى ربي هو يعلمه‪ ،‬وبهذا أمرني بأن أقوله لكم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬قال رب احكم بالحق} وفي قراءة ُقلْ رب احكم بالحق أي قال الرسول بعد أمر ال تعالى‬ ‫بذلك يا رب احكم بيني وبين قومي المكذبين لي المحاربين لدعوتك وعبادك المؤمنين بالحق وذلك‬ ‫بنصري عليهم أو بإنزال نقمتك بهم‪ ،‬وقوله‪{ :‬وربنا الرحمان المستعان على ما تصفون ‪ }3‬أي‬ ‫وربنا الرحمن عز‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الستفهام معناه المر أي أسلموا كقوله تعالى {فهل أنتم منتهون} ؟ أي انتهوا‪.‬‬ ‫‪ 2‬لعله أي المهال والتأخير‪.‬‬ ‫‪ 3‬تصفون قرأ الجمهور تصفون بالتاء‪ ،‬وقرأ بعض يصفون بالياء‪.‬‬

‫( ‪)3/448‬‬ ‫وجلّ هو الذي يستعان به على إبطال باطلكم أيها المشركون حيث جعلتم ل ولدا‪ ،‬وشركاء‪،‬‬ ‫ووصفتم رسوله بالسحر والكذب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬المؤمنون المتقون وهم الصالحون هم ورثة الجنة دار النعيم المقيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬في القرآن الكريم البُلغة الكافية لمن آمن به وعمل بما فيه بتحقيق ما يصبو إليه من سعادة‬ ‫الدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان فضل النبي صلى ال عليه وسلم وكرامته على ربه حيث جعله رحمة للعالمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب المفاصلة بين أهل الشرك وأهل التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -5‬طلب الستعانة بال على كل ما يواجه العبد من صعاب وأتعاب‬

‫( ‪)3/449‬‬ ‫سورة الحج‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الحج‬ ‫مكية ومدنية‬ ‫وآياتها ‪ 1‬ثمان وسبعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫عمّا‬ ‫ضعَةٍ َ‬ ‫شيْءٌ عَظِيمٌ(‪َ )1‬يوْمَ تَ َروْ َنهَا َتذْ َهلُ ُكلّ مُ ْر ِ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬ ‫عذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ‬ ‫سكَارَى وََلكِنّ َ‬ ‫سكَارَى َومَا هُم ِب ُ‬ ‫حمَْلهَا وَتَرَى النّاسَ ُ‬ ‫ح ْملٍ َ‬ ‫ض َعتْ وَ َتضَعُ ُكلّ ذَاتِ َ‬ ‫أَ ْر َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر القرطبي عن الغزنوي أنه قال‪ :‬سورة الحج من أعاجيب سورة القرآن‪ .‬نزلت ليلً ونهارا‬ ‫سفرا وحصرا مكيّا ومدينّا سليما وحربيّا ناسخا ومنسوخا محكما ومتشابها‪.‬‬

‫( ‪)3/449‬‬ ‫علَيْهِ أَنّهُ مَن َتوَلهُ‬ ‫(‪َ )2‬ومِنَ النّاسِ مَن ُيجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَيَتّبِعُ ُكلّ شَ ْيطَانٍ مّرِيدٍ (‪ )3‬كُ ِتبَ َ‬ ‫سعِيرِ (‪)4‬‬ ‫فَأَنّهُ ُيضِلّ ُه وَ َيهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اتقوا ربكم‪ :‬أي عذاب ربكم وذلك باليمان والتقوى‪.‬‬ ‫إن زلزلة الساعة‪ :‬أي زلزلة الرض عند مجىء الساعة‪.‬‬ ‫تذهل كل موضعة‪ :‬أي من شدة الهول والخوف تنسى رضيعها وتغفل عنه‪.‬‬ ‫وتضع كل ذات حمل حملها ‪ :‬أي تسقط الحوامل ما في بطونهن من الخوف والفزع‪.‬‬ ‫سكارى وما هم بسكارى ‪ :‬أي ذاهلون فاقدون رشدهم وصوابهم كالسكارى وما هم بسكارى‪.‬‬ ‫يجادل في ال بغير علم‪ :.‬أي يقول إن الملئكة بنات ال وإن ال ل يحيي الموتى‪.‬‬ ‫شيطان مريد‪ :‬أي متجرد من كل خير ل خير فيه البتة‪.‬‬ ‫كتب عليه أنه من توله‪ :‬فرض فيه أن من توله أي اتبعه يضله عن الحق‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك البيان اللهي في سورة النبياء وما عرض تعالى من أدلة الهداية وما بين من سبل النجاة‬ ‫نادى تعالى بالخطاب العام الذي يشمل العرب والعجم والكافر والمؤمن إنذارا وتحذيرا فقال في‬ ‫فاتحة هذه السورة سورة الحج المكية المدنية لوجود أي كثير فيها نزل في مكة وآخر نزل‬ ‫بالمدينة‪{ :‬يا أيها الناس اتقوا ‪ 1‬ربكم} أي خافوا عذابهُ‪ ،‬وذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى الترمذي وصححه عن عمران بن خصين رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫لما نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله‪{ :‬شديد} قال‪ :‬أنزلت‬ ‫عليه في سفر‪ :‬فقال‪:‬أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال‪" :‬ذاك يوم يقول ال لدم‪:‬‬ ‫ب وما بعث النار؟ قال‪ :‬تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى‬ ‫ابعث بعث النار قال يا ر ّ‬ ‫الجنة‪ .‬قال‪ :‬فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬قاربوا وسدّدوا فإنه لم‬ ‫تكن نبوة قط إلّ كان بين يديها جاهلية قال‪ :‬فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلّ أخذ من‬ ‫المنافقين‪ ،‬وما مثلكم والمم إل كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال‪:‬‬ ‫إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبّروا ثم قال‪ :‬إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبّروا‬ ‫ثمّ قال‪ :‬إني لرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبّروا‪ .‬قال‪ :‬ل أدري قال الثلثين أم ل"‪ .‬الرقمة‪:‬‬ ‫الهنة الناتئة في ذراع الدابة والشامة‪ :‬علمة تخالف البدن الذي هي فيه‪.‬‬

‫( ‪)3/450‬‬

‫بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه فآمنوا به وبرسوله وأطيعوها في المر والنهي وبذلك تقوا‬ ‫أنفسكم من العذاب وقوله‪{ :‬إن زلزلة الساعة شيء عظيم} فكيف بالعذاب الذي يقع فيها لهل الكفر‬ ‫والمعاصي‪ ،‬إن زلزلة لها تتم قبل قيامها ‪ 1‬تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت أي تنسى فيها‬ ‫الم ولدها‪{ ،‬وتضع كل ذات حمل حملها} فتسقط من شدة الفزع لتلك الزلزلة المؤذنة بخراب‬ ‫الكون وفناء العوالم ويرى الناس فيها سكارى أي فاقدين لعقولهم وما هم بسكارى بشرب سكر‬ ‫{ولكن عذاب ال شديد} فخافوه لظهور أماراته ووجود بوادره‪.‬‬ ‫هذا ما دلت عليه اليتان (‪ )1‬و (‪ )2‬وأما الية الثالثة فينعى تعالى على النضر بن الحارث وأمثاله‬ ‫ممن يجادلون في ال بغير علم فينسبون ل الولد والبنت ويزعمون أنه ما أرسل محمدا رسولً‪،‬‬ ‫وأنه ل يحيي الموتى بعد فناء الجسام وتفتتها فقال تعالى‪{ :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير‬ ‫علم} بجلل ال وكماله ولشرائعه وأحكامه وسننه في خلقه‪{ ،‬ويتبع} أي في جداله وما يقوله من‬ ‫الكذب والباطل {كل شيطان مريد} أي متجرد من الحق والخير‪{ ،‬كتب ‪ 2‬عليه} أي على ذلك‬ ‫الشيطان في قضاء ال أن من توله بالطاعة والتباع فإنه يضله عن الحق ويهديه بذلك إلى عذاب‬ ‫السعير في النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوالهما وأهوالهما‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الجدال بالباطل لدحاض الحق وإبطاله‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الكلم في ذات ال وصفاته بغير علم من وحي إلهي أو كلم نبوي صحيح‪.‬‬ ‫‪ -4‬موالة الشياطين وأتباعهم يفضى بالموالي المتابع لهم إلى جهنم وعذاب السعير‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الذي عليه أكثر أهل التفسير أن هذه الزلزلة تتم بنفخة الفناء بقرينة الحمل والوضع وحديث‬ ‫الترمذي الصحيح دال على أنها بعد البعث‪ ،‬والجمع بينهما‪ :‬صحيح أول ل مانع من أن يقع هذا‬ ‫وذاك وهو كذلك والقرآن حمّال الوجوه‪ ،‬فهذا الهول العظيم سيقع حتما في النفخة الولى‪ ،‬وفي‬ ‫ساحة فصل القضاء‪ ،‬وأمّا موضوع الحمل والوضع فكائن أيضا في عرصات القيامة إذ الناس‬ ‫يبعثون على ما ماتوا عليه فالحامل تبعث حامل والمرضع تبعث ترضع أيضا‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال قتادة ومجاهد‪ :‬من تولى الشيطان فإنه يضله‪.‬‬

‫( ‪)3/451‬‬

‫طفَةٍ ثُمّ مِنْ عََلقَةٍ ثُمّ مِن‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَ ْيبٍ مّنَ الْ َب ْعثِ فَإِنّا خََلقْنَاكُم مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّ ْ‬ ‫طفْل‬ ‫ج ُكمْ ِ‬ ‫سمّى ثُمّ ُنخْرِ ُ‬ ‫جلٍ مّ َ‬ ‫ضغَةٍ مّخَّلقَ ٍة وَغَيْرِ مُخَّلقَةٍ لّنُبَيّنَ َلكُ ْم وَ ُنقِرّ فِي الرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَ َ‬ ‫ّم ْ‬ ‫ثُمّ لِتَبُْلغُوا َأشُ ّدكُ ْم َومِنكُم مّن يُ َت َوفّى َومِنكُم مّن يُرَدّ إِلَى أَ ْر َذلِ ا ْل ُعمُرِ ِلكَيْل َيعَْلمَ مِن َبعْدِ عِ ْلمٍ شيئا‬ ‫ت وَأَنبَ َتتْ مِن ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ (‪ )5‬ذَِلكَ بِأَنّ‬ ‫ت وَرَ َب ْ‬ ‫علَ ْيهَا ا ْلمَاء اهْتَ ّز ْ‬ ‫وَتَرَى ال ْرضَ هَامِ َدةً فَإِذَا أَنزَلْنَا َ‬ ‫عةَ آتِيَةٌ ل رَ ْيبَ فِيهَا وَأَنّ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )6‬وَأَنّ السّا َ‬ ‫ق وَأَنّهُ ُيحْيِي ا ْل َموْتَى وَأَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫حّ‬ ‫اللّهَ ُهوَ الْ َ‬ ‫اللّهَ يَ ْب َعثُ مَن فِي ا ْلقُبُورِ (‪)7‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في ريب من البعث ‪ :‬الريب الشك مع اضطراب النفس وحيرتها‪ ،‬والبعث الحياة بعد الموت‪.‬‬ ‫من نطفة ‪ :‬قطرة المنّي التي يفرزها الزوجان‪.‬‬ ‫علقة‪ :‬أي قطعة دم متجمد تتحول إليه النطفة في خلل أربعين يوما‪.‬‬ ‫مضغة ‪ :‬أي قطعة لحم قدر ما يمضغ المرء تتحول العلقة إليها بعد أربعين يوما‪.‬‬ ‫وغير مخلقة ‪ :‬أي مصورة خلقا تاما‪ ،‬مخلقة وغير مخلقة هي السقط يسقط‬

‫( ‪)3/452‬‬ ‫قبل تمام خلقه‪.‬‬ ‫لنبين لكم‪ :‬أي قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم بابتداء خلقكم كيف يكون‪.‬‬ ‫ونقر في الرحام ما نشاء ‪ :‬أي ونبقي في الرحم من نريد له الحياة والبقاء إلى نهاية مدة الحمل ثم‬ ‫نخرجه طفلً سويا‪.‬‬ ‫لتبلغوا أشدكم‪ :‬أي كمالي أبدانكم وتمام عقولكم‪.‬‬ ‫إلى أرذل العمر‪ :‬أي سن الشيخوخة والهرم فيخرف‪.‬‬ ‫لكيل يعلم من بعد علم شيئا‪ :‬أي فيصير كالطفل في معارفه إذ ينسى كل علم علمه‪.‬‬ ‫هامدة‪ :‬خامدة ل حراك لها ميتة‪.‬‬ ‫اهتزت وربت‪ :‬أي تحركت بالنبات وارتفعت تربتها وأنبتت‪.‬‬ ‫زوج بهيج‪ :‬أي من كل نوع من أنواع النباتات جميل المنظر حسنه‪.‬‬ ‫ذلك بأن ال هو الحق ‪ :‬أي الله الحق الذي ل إله سواه‪ ،‬فعبادة ال حق وعبادة غير ال باطل‪.‬‬ ‫وأن الساعة آتية ‪ :‬أي القيامة ‪.‬‬ ‫بعث من في القبور ‪ :‬أي يحييهم ويخرجهم من قبورهم أحياء كما كانوا قبل موتهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى بعض أحوال القيامة وأهوالها‪ ،‬وكان الكفر بالبعث الخر هو العائق عن الستجابة‬ ‫للطاعة وفعل الخير نادى تعالى الناس مرة أخرى ليعرض عليهم أدلة البعث العقلية لعلهم يؤمنون‬

‫فقال‪{ :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} أي في شك وحيرة وقلق نفسى من شأن بعث‬ ‫الناس أحياء من قبورهم بعد موتهم وفنائهم لجل حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم التي عملوها‬ ‫في دار الدنيا فإليكم ما يزيل شككم ويقطع حيرتكم في هذه القضية العقدية وهو أن ال تعالى قد‬ ‫خلقكم ‪ 1‬من تراب أي خلق‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا دليل قاطع وهو دليل البداءة الولى فمن قدر على البداءة قادر عقلً على العادة وهي‬ ‫أهون عليه‪.‬‬

‫( ‪)3/453‬‬ ‫أصلكم وهو أبوكم آدم من تراب وبل شك‪ ،‬ثم خلقكم أنتم من نطفة ‪ 1‬أي ماء الرجل وماء المرأة‬ ‫وبل شك‪ ،‬ثم من علقة ‪ 2‬بعد تحول النطفة إليها ثم من مضغة ‪ 3‬بعد تحول العلقة إليها وهذا بل‬ ‫شك أيضا‪ ،‬ثم المضغة إن شاء ال تحويلها إلى طفل خلقها وجعلها طفلً‪ ،‬وإن لم يشأ ذلك لم‬ ‫يخلقها وأسقطها من الرحم ‪ 4‬كما هو معروف ومشاهد‪ ،‬وفعل ال ذلك من أجل أن يبين لكم قدرته‬ ‫وعلمه وحسن تدبيره لترهبوه وتعظموه وتحبوه وتطيعوه وقوله‪{ :‬ونقر في الرحام ما نشاء إلى‬ ‫أجل مسمى ثم نخرجكم طفلً‪ }5‬أي ونقر تلك المضغة المخلقة في الرحم إلى أجل مسمى وهو‬ ‫ميعاد ولدة الولد وانتهاء حمله ونخرجكم طفلً أي أطفالً صغارا ل علم لكم ول حلم‪ ،‬ثم ننميكم‬ ‫ونربيكم بما تعلمون من سننا في ذلك {ثم لتبغلوا أشدكم} أي تمام نماء أبدانكم وعقولكم {ومنكم من‬ ‫يتوفى} قبل بلوغه أشده لن الحكمة اللهية اقتضت وفاته ومنكم من يعيش ول يموت حتى يرد‬ ‫إلى أرذل العمر فيهرم ويخرف ويصبح كالطفل ل يعلم بعد علم كان له قبل هرمه شيئا هذا دليل‬ ‫البعث وهو دليل عقلي منطقي وبرهان قوي على حياة الناس بعد موتهم إذ الذي خلقهم من تراب‬ ‫ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة يوجب العقل قدرته على إحيائهم بعد موتهم‪ ،‬إذ ليست‬ ‫العادة بأصعب من البداية‪ .‬ودليل عقلي آخر هو ما تضمنه قوله تعالى‪{ :‬وترى الرض} أيها‬ ‫النسان {هامدة} خامدة ميتة ل حراك فيها ول حياة فإذا أنزل ال تعالى عليها الماء من السماء‬ ‫{اهتزت} أي تحركت {وربت} أي ارتفعت وانتفخت تربتها وأخرجت من النباتات المختلفة اللوان‬ ‫والطعوم والروائح {من كل زوج بهيج} جميل المنظر حسنه‪ ،‬أليس وجود تربة صالحة كوجود‬ ‫رحم صالحة وماء المطر كماء الفحل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬النطفة‪ :‬المني‪ ،‬وسمي نطفة لقلّته‪.‬‬ ‫‪ 2‬العلقة‪ :‬الدم الجامد‪ ،‬والعلق‪ :‬الدم العبيطُ أي‪ :‬الطري‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه الطوار أربعة أشهر‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬وفي العشر بعد الربعة أشهر ينفخ فيه الروح‪ ،‬فذلك‬

‫عدّة الوفاة منها أربعة أشهر وعشر‪ ،‬وفي الصحيح عن عبدال ابن مسعود رضي ال عنه قال‪:‬‬ ‫جمَع خلقه في بطن‬ ‫حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو الصادق المصدوق‪" :‬إن أحدكم ل ُي ُ‬ ‫أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل ال‬ ‫الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات‪ ..‬رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬لسقط أقدّمه بين يدي‬ ‫ب إليّ من ألف فارس أخلّفه ورائي"‪.‬‬ ‫أح ّ‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬فخرج كل واحد منكم طفل‪ ،‬ويطلق الطفل على الولد من يوم انفصاله إلى البلوغ وولد كل‬ ‫وحشية يقال له طفل ويوصف به مفردا كالمصدر فيقال‪ :‬جارية طفل وجاريتان طفل‪ ،‬وجوار‬ ‫طفل‪ ،‬وغلم طفل وغلمان طفل‪ ،‬ويجمع الطفل على أطفال‪ ،‬وأطفلت المرأة‪ :‬صارت ذات طفل‪.‬‬

‫( ‪)3/454‬‬ ‫وتخلق النطفة في الرحم كتخلق البذرة في التربة وخروج الزرع حيا ناميا كخروج الولد حيا ناميا‬ ‫وهكذا إلى حصاد الزرع وموت النسان فهذان دليلن عقليان على صحة البعث الخر وأنه كائن‬ ‫ل محالة وفوق ذلك كله إخبار الخالق وإعلمه خلقه بأنه سيعيدهم بعد موتهم فهل من العقل‬ ‫والمنطق أو الذوق أن نقول له ل فإنك ل تقدر على ذلك قولة كهذه قذرة عفنة ل يود أن يسمعها‬ ‫عقلء الناس وأشرافهم‪ .‬ولما ضرب تعالى هذين المثالين أو ساق هذين الدليلين على قدرته وعلمه‬ ‫وحكمته المقتضية لعادة الناس أحياء بعد الموت والفناء للحساب والجزاء قال وقوله الحق {ذلك‬ ‫بأن ال هو الحق ‪ }1‬أي الرب الحق والله المعبود الحق‪ ،‬وما عداه فباطل {وأنه يحيي ‪ 2‬الموتى‬ ‫وأنه على كل شيء قدير‪ ،‬وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور} ومن شك‬ ‫فليراجع الدليلين السابقين في تدبر وتعقل فإنه يسلم ل تعالى ما أخبر به عن نفسه في قوله ذلك‬ ‫{بأن ال هو الحق} الخ‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث الخر والجزاء على العمال يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ 2‬بيان تطور خلق النسان ودللته على قدرة ال وعلمه وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -3‬الستدلل على الغائب بالحاضر المحسوس وهذا من شأن العقلء فإن المعادلت الحسابية‬ ‫والجبرية قائمة على مثل ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة التوحيد وهي أنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لما ذكر تعالى افتقار الموجودات إليه وتسخيرها على وفق اقتداره في قوله {يا أيها الناس} إلى‬

‫قوله‪{ :‬بهيج} قال ذلك إشارة إلى ما تقدم من أطوار خلق النسان وفنائه وإحياء الرض بعد موتها‬ ‫وانشقاق النبات منها أي‪ :‬ذلك حصل بسبب أنّ ال هو الله الحق دون غيره‪.‬‬ ‫‪ 2‬ومن براهين ألوهيته الحقة دون من سواه أنه يحيى الموتى وأنه على كل ما يريده قدير وأنه‬ ‫موجد الدنيا والخرة وسيفني هذه في ساعة آتية ل محالة‪ ،‬وسيبعث الناس من القبور للحياة الثانية‬ ‫فيخلدون فيها منهم شقي ومنهم سعيد‪.‬‬

‫( ‪)3/455‬‬ ‫ضلّ عَن سَبِيلِ‬ ‫طفِهِ لِ ُي ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫َومِنَ النّاسِ مَن يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَل ُهدًى وَل كِتَابٍ مّنِيرٍ (‪ )8‬ثَا ِنيَ ِ‬ ‫ك وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ‬ ‫عذَابَ الْحَرِيقِ (‪ )9‬ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ يَدَا َ‬ ‫ي وَنُذِيقُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬ ‫اللّهِ لَهُ فِي الدّنْيَا خِ ْز ٌ‬ ‫طمَأَنّ ِب ِه وَإِنْ َأصَابَتْهُ‬ ‫بِظَلمٍ لّ ْلعَبِيدِ (‪َ )10‬ومِنَ النّاسِ مَن َيعْ ُبدُ اللّهَ عَلَى حَ ْرفٍ فَإِنْ َأصَابَهُ خَيْرٌ ا ْ‬ ‫خسِرَ الدّنْيَا وَالخِ َرةَ ذَِلكَ ُهوَ ا ْلخُسْرَانُ ا ْلمُبِينُ (‪ )11‬يَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫فِتْنَ ٌة انقََلبَ عَلَى َو ْ‬ ‫ل َيضُ ّر ُه َومَا ل يَن َفعُهُ ذَِلكَ ُهوَ الضّللُ الْ َبعِيدُ (‪َ )12‬يدْعُو َلمَن ضَ ّرهُ َأقْ َربُ مِن ّن ْفعِهِ لَبِئْسَ ا ْل َموْلَى‬ ‫وَلَبِئْسَ ا ْلعَشِيرُ (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يجادل في ال ‪ :‬أي في شأن ال تعالى فينسب إلى ال تعالى ما هو منه براء كالشريك والولد‬ ‫والعجز عن إحياء الموتى‪ ،‬وهذا المجادل هو أبو جهل‪.‬‬ ‫بغير علم‪ :‬أي بدون علم من ال ورسوله‪.‬‬ ‫ول كتاب منير‪ :‬أي ول كتاب من كتب ال ذي نور يكشف الحقائق ويقرر الحق ويبطل الباطل‪.‬‬ ‫ثاني عطفه ‪ :‬أي لوى عنقه تكبرا‪ ،‬لن العطف الجانب من النسان‪.‬‬ ‫له في الدنيا خزي‪ :‬وقد أذاقه ال تعالى يوم بدر إذ ذبح هناك واحتز رأسه‪.‬‬ ‫بظلم للعبيد‪ :‬أي بذي ظلم للعبيد فيعذبهم بغير ظلم منهم لنفسهم‪.‬‬ ‫يعبد ال على حرف‪ :‬أي على شك في السلم هل هو حق أو باطل وذلك لجهلهم به‬

‫( ‪)3/456‬‬ ‫وأغلب هؤلء أعراب البادية‪.‬‬ ‫اطمأن به‪ :‬أي سكنت نفسه إلى السلم ورضي به‪.‬‬ ‫وإن أصابته فتنة ‪ :‬أي ابتلء بنقص مال أو مرض في جسم ونحوه‪.‬‬ ‫إنقلب على وجهه‪ :‬أي رجع عن السلم إلى ما كان عليه من الكفر الجاهلي‪.‬‬ ‫مال يضره ول ينفعه ‪ :‬أي صنما ل يضره إن لم يعبده‪ ،‬ول ينفعه إن عَبَدَه‪..‬‬

‫لبئس المولى ‪ :‬أي قبح هذا الناصر من ناصر‪.‬‬ ‫ولبئس العشير‪ :‬أي المعاشر وهو الصاحب الملزم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم} هذه شخصية ثانية معطوفة على الولى‬ ‫التي تضمنها قوله تعالى‪{ :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ويتبع كل شيطان مريد} وهي‬ ‫شخصية النضر بن الحارث أحد رؤساء الفتنة في مكة‪ ،‬وهذِه الشخصية هي فرعون هذه المة‬ ‫عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل يخبر تعالى عنه فيقول‪{ :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير‬ ‫علم ول هدى ول كتاب منير ‪ }1‬بل يجادل بالجهل وما أقبح جدال الجهل والجهّال ويجادل في ال‬ ‫عز وجل يا للعجب أفيريد ان يثبت ل تعالى الولد والبنت والعجز والشركاء والشفعاء‪ ،‬ول علم‬ ‫من وحي عنده‪ ،‬ول من كتاب إلهي موحى به إلى أحد أنبيائه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ثاني عطفه} وصف‬ ‫له في حال مشيه وهو يجر رداءه مصعرا خده مائلً إلى أحد جنبيه كبرا وغرورا‪ ،‬وجداله ل‬ ‫لطلب الهدى أو لمجرد حب النتصار للنفس بل ليضل غيره عن سبيل ال تعالى الذي هو السلم‬ ‫حتى ل يدخلوا فيه فيكملوا ويسعدوا عليه في الحياتين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬له في الدنيا خزي ‪ }2‬أي‬ ‫ذل وهوان وقد ناله حيث قتل في بدر شر قتلة فقد احتز رأسه وفصل عن جثته ونال منه الذين‬ ‫كان يسخر منهم ويعذبهم من ضعفة المؤمنين‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق}‬ ‫وقد أذاقه ذلك بمجرد أن قتل فروحه في النار ويوم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نير بيّن الحجة قويها‪ ،‬والمراد من الكتاب‪ :‬كتب الشرائع مثل‪ :‬التوراة والنجيل من الكتب‬ ‫الولى والقرآن آخرها نزول‪.‬‬ ‫‪ 2‬في هذه الية إخبار بغيب فكان كما أخبر تعالى فإن كلّ من أبي جهل والنضر بن الحارث قد‬ ‫أذلهما ال وأخذهما ببدر‪ ،‬فأبو جهل قتل وأخذ رأسه‪ ،‬والنضر قتل صبرا‪ ،‬والية قطعا نزلت بمكة‬ ‫فهي من معجزات القرآن الكريم‪.‬‬

‫( ‪)3/457‬‬ ‫القيامة‪ .‬يدخلها بجمسه وروحه وقوله تعالى‪{ :‬ذلك بما قدمت يداك} أي يقال له يوم القيامة ذلك‬ ‫الخزي والهوان وعذاب الحريق بما قدمت يداك من الشرك والظلم والمعاصي‪{ ،‬وأن ال ليس‬ ‫بظلم للعبيد}‪ ،‬وأنت منهم وال ما ظلمك بل ظلمت نفسك‪ ،‬وال متنزه عن الظلم لكمال قدرته‬ ‫وغناه وقوله تعالى‪{ :‬ومن الناس ‪ 1‬من يعبد ال على حرف ‪ }2‬أي على شك هذه شخصية ثالثة‬ ‫عطفت على سابقتيها وهي شخصية بعض العراب كانوا يدخلون في السلم ل عن علم واقتناع‬ ‫بل عن شك وطمع وهو معنى على حرف فإن أصابهم خير من مال وصحة وعافية اطمأنوا إلى‬

‫السلم وسكنت نفوسهم واستمروا عليه‪ ،‬وإن أصابتهم فتنة أي اختبار في نفس أو مال أو ولد‬ ‫انقلبوا على وجوههم أي ارتدوا عن السلم ورجعوا عنه فخسروا بذلك الدنيا والخرة فل الدنيا‬ ‫حصلوا عليها ول الخرة فازوا فيها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ذلك هو الخسران المبين} أي البين الواضح إذ‬ ‫لو بقوا على السلم لفازوا بالخرة‪ ،‬ولخلف ال عليهم ما فقدوه من مال أو نفس‪ ،‬وقوله تعالى‬ ‫{يدعو من دون ال} أي ذلك المنقلب على وجهه المرتد يدعوا {مال يضره} أي صنما ل يضره لو‬ ‫ترك عبادته {وما ل ينفعه} إن عبده وقوله تعالى‪{ :‬ذلك هو الضلل البعيد} أي دعاء وعبادة مال‬ ‫يضر ول ينفع ضلل عن الهدى والخير والنجاح والربح وبعيدٌ أيضا قد ل يرجع صاحبه ول‬ ‫يهتدي‪ .‬وقوله ‪{ :‬يدعو ‪ 3‬لمن ضره أقرب من نفعه} أي يدعو ذلك المرتد عن التوحيد إلى الشرك‬ ‫من ضره يوم القيامة أقرب من نفعه فقد يتبرأ منه ويحشر معه في جهنم ليكونا معا وقودا لها‪ .‬قال‬ ‫تعالى‪{ :‬لبئس المولى ولبئس ‪ 4‬العشير} المعاشر والصاحب الملزم فذم تعالى وقبح ما كان‬ ‫المشركون يؤملون فيهم ويرجون شفاعتهم ‪ 5‬يوم القيامة‪.،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الية نزلت بالمدينة النبوية فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله‬ ‫تعالى‪{ :‬ومن الناس من يعبد ال على حرف} قال‪ :‬كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته‬ ‫غلما ونتجت خيله قال‪ :‬هذا دين صالح‪ ،‬وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال‪ :‬هذا دين سوء‪.‬‬ ‫‪ 2‬حرف كل شيء‪ :‬طرفه وجانبه والية تمثيل لحال المتردد في عمله‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬في الخرة لنه بعبادته دخل النار ولم ير منه نفعا أصل وإنما قال‪( :‬ضرّه أقرب من نفعه)‬ ‫ى أو في ضلل مبين) ومعنى الكلم‪ :‬القسم والتأخير أي‪:‬‬ ‫ترفيعا للكلم نحو‪( :‬إنا أو إياكم لعلى هد ً‬ ‫يدعو وال من ضرّه أقرب من نفعه‪ ،‬والمدعو هو الوثن الذي عبده من دون ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجمل تحمل الذم والتقبيح للصنام التي يدعوها المركون فإنها شر الموالي وشر العشير‪،‬‬ ‫لن شأن الولي جلب النفع لموله وشأن العشير جلب الخير لعشيره فإذا كان العكس كانا شر‬ ‫الموالي والعشراء‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال تعالى من سورة يونس‪{ :‬ويعبدون من دون ال مال ينفعهم ول يضرهم ويقولون هؤلء‬ ‫شفعاؤنا عند ال}‪{ ،‬وقالوا ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى} وهذا منهم على فرض إن بعثوا‬ ‫أحياء يوم القيامة أو يرجون شفاعتهم في الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)3/458‬‬ ‫تنفيرا لهم من الشرك وعبادة غيره سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬قبح جدال الجاهل فيما ليس له به علم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم الكبر والخيلء وسواء من كافر أو من مؤمن‪.‬‬ ‫‪ -3‬عدم جدوى عِبَاَد ٍة صاحبُها شاك في نفعها غير مؤمن بوجوبها ومشروعيتها‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل يصح دين مع الشك‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ إِنّ اللّهَ َي ْف َعلُ مَا يُرِيدُ‬ ‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬ ‫طعْ فَلْيَنظُرْ‬ ‫سمَاء ثُمّ لِ َيقْ َ‬ ‫(‪ )14‬مَن كَانَ يَظُنّ أَن لّن يَنصُ َرهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ فَلْ َيمْ ُددْ بِسَ َببٍ إِلَى ال ّ‬ ‫َهلْ يُذْهِبَنّ كَيْ ُدهُ مَا َيغِيظُ (‪َ )15‬وكَذَِلكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَأَنّ اللّهَ َي ْهدِي مَن يُرِيدُ (‪ )16‬إِنّ الّذِينَ‬ ‫س وَالّذِينَ أَشْ َركُوا إِنّ اللّهَ َي ْفصِلُ بَيْ َنهُمْ َي ْومَ‬ ‫آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئِينَ وَال ّنصَارَى وَا ْلمَجُو َ‬ ‫شهِيدٌ (‪)17‬‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وعملوا الصالحات ‪ :‬أي الفرائض والنوافل وأفعال الخير‪.‬‬ ‫يفعل ما يريد ‪ :‬من إكرام المطيع وإهانة العاصي وغير ذلك من رحمة المؤمن وعذاب الكافر‪.‬‬ ‫أن لن ينصره ال ‪ :‬أي محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/459‬‬ ‫فليمدد بسبب ‪ :‬أي بحبل‪.‬‬ ‫إلى السماء‪ :‬أي سقف بينه وليختنق غيظا‪.‬‬ ‫هل يذهبن كيده ‪ :‬أي في عدم نصرة النبي صلى ال عليه وسلم الذي يغيظه‪.‬‬ ‫وكذلك أنزلناه‪ :‬أي ومثل إنزالنا تلك اليات السابقة أنزلنا القرآن‪.‬‬ ‫هادوا‪ :‬أي اليهود‪.‬‬ ‫والصابئين‪ :‬فرقة من النصارى‪.‬‬ ‫والمجوس‪ :‬عبدة النار والكواكب‪.‬‬ ‫على كل شيء شهيد‪ :‬أي عالم به حافظ له‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعدما ذكر تعالى جزاء الكافرين والمترددين بين الكفر واليمان أخبر أنه تعالى يدخل الذين آمنوا‬ ‫به وبرسوله ولقاء ربهم ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض التي افترضها ال عليهم‬ ‫والنوافل التي رغبهم فيها يدخلهم جزاء لهم على إيمانهم وصالح أعمالهم جنات تجري من تحتها‬ ‫النهار وقوله تعالى‪{ :‬إن ال يفعل ما يريد ‪ }1‬ومن ذلك تعذيبه من كفر به وعصاه ورحمة من‬ ‫آمن به وأطاعه وقوله تعالى‪{ :‬من ‪ 2‬كان يظن أن لن ينصره ال } أي من كان يظن أن ال ل‬

‫ينصر رسوله ودينه وعباده المؤمنين فلذا هو يتردد ولم يؤمن ولم ينخرط في سلك المسلمين كبني‬ ‫أسد وغطفان فإنا نرشده إلى ما يذهب عنه غيظه حيث يسوءه نصر ال تعالى لرسوله وكتابه‬ ‫ودينه وعباده المؤمنين وهو أن يأتي بحبل وليربطه بخشبة في سقف بيته ويشده على عنقه ثم‬ ‫ليقطع الحبل ‪ ،3‬وينظر بعد هذه العملية النتحارية هل كيده ‪ 4‬هذا يذهب عنه الذي يغيظه؟‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة الكريمة هي تذييل لكلّ ما تقدم لقوله‪{ :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم}‬ ‫ومتضمنة تعليلً إجماليا لختلف الناس في الخير والشر ولما يلقون من جزاء كذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬الظاهر أن هذا فريق ثالث غير الفريقين المتقدمين وهما‪ :‬فريق من يجادل في ال بغير علم‬ ‫وفريق من يعبد ال على حرف وهذا الفريق الثالث قد يكون من اليهود والمنافقين وبعض‬ ‫المشركين الذين كانوا يغتاظون لنتصار النبي صلى ال عليه وسلم لنهم ل يودّون ذلك ول كانوا‬ ‫يرون انتصاره صلى ال عليه وسلم كائنا فكلما رأوا نصرا له ازداد غمهم واشتد كربهم لن‬ ‫انتصاره يحزنهم ويخيفهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ الجمهور‪{ :‬ليقطع} بسكون اللم لوجود ثم العاطفة وقرأ بعضٌ {ليقطع} بكسر اللم لن ثم‬ ‫ليست كالفاء والواو العاطفتين لنها مركبة من ثلثة أحرف‪.‬‬ ‫‪{ 4‬هل يذهبن كيده ما يغيظ} الستفهام إنكاري‪ ،‬وما‪ :‬مصدرية أي‪ :‬هل يذهبن كيده غيظه‪.‬‬

‫( ‪)3/460‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وكذلك أنزلناه آيات بينات} أي ومثل ذلك النزال لليات التي تقدمت في بيان قدرة‬ ‫ال وعلمه في الخلق وإحياء الرض وإعادة الحياة بعد الفناء أنزلنا القرآن آيات واضحات تحمل‬ ‫الهدى والخير لمن آمن بها وعمل بما فيها من شرائع وأحكام وقوله تعالى ‪{ :‬وأن ال يهدي من‬ ‫ل وعملً‪.‬‬ ‫يريد} أي هدايته بأن يوفقه للنظر والتفكر فيعرف الحق فيطلبه ويأخذ به عقيدة وقو ً‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إن الذين آمنوا ‪ }1‬وهم المسلمون {والذين هادوا} وهم اليهود {والصابئين} وهم فرقة‬ ‫من النصارى يقرأون الزبور ويعبدون الكواكب {والنصارى} وهم عبدة الصليب {والمجوس} وهم‬ ‫عبدة النار ‪ 2‬والكواكب {والذين أشركوا} وهم عبدة الوثان هؤلء جميعا سيحكم ‪ 3‬ال بينهم يوم‬ ‫القيامة فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل أهل تلك الملل الباطلة النار هذا هو الفصل الحق فالديان‬ ‫ستة دين واحد للرحمن وخمسة للشيطان فأهل دين الرحمن يدخلهم في رحمته‪ ،‬وأهل دين الشيطان‬ ‫يدخلهم النار مع الشيطان وقوله‪{ :‬إن ال على كل شيء شهيد} أي عالم بكل شيء ل يخفى عليه‬ ‫شيء وسيجزى كل عامل بما عمل‪ ،‬ول يهلك على ال إل هالك فقد أنزل كتابه وبعث رسوله‬ ‫ورغب ورهب وواعد وأوعد والناس يختارون ما قدر لهم أو عليهم وسبحان ال العظيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬كل الديان هي من وحي الشيطان وأهلها خاسرون إل السلم فهو دين ال الحق وأهله هم‬ ‫الفائزون‪ ،‬أهله هم القائمون عليه عقيدة وعبادة وحكما وقضاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن ال ناصر دينه‪ ،‬ومكرم أهله‪ ،‬ومن غاظه ذلك ولم يرضه فليختنق‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير إرادة ال ومشيئته فهو تعالى يفعل ما يشاء ويهدي من يريد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الية نزلت كالفذلكة لما سبق فقررت الصراع الدائر بين الحق والباطل وسمت‬ ‫المتصارعين بألقابهم وأعلمتهم أنّ الحكم فيهم مؤجل إلى يوم القيامة وسيكون عادلً لعلم ال تعالى‬ ‫بهم وحفظه لعمالهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬لذا فهم يثبتون إلهين إلها للخير وإلها للشر وهم أهل فارس‪ ،‬وأقدم النحل المجوسية أسسها ملك‬ ‫فارسي قديم في التاريخ يدعى (كبومرث)‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا تفسير لقوله تعالى في الية‪{ :‬إن ال يفصل بينهم} إذ الفصل هو الحكم‪.‬‬

‫( ‪)3/461‬‬ ‫س وَا ْل َقمَ ُر وَالنّجُو ُم وَا ْلجِبَالُ‬ ‫شمْ ُ‬ ‫ض وَال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَن فِي الرْ ِ‬ ‫جدُ لَهُ مَن فِي ال ّ‬ ‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَسْ ُ‬ ‫ب َومَن ُيهِنِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِن ّمكْرِمٍ إِنّ اللّهَ‬ ‫وَالشّجَرُ وَال ّدوَابّ َوكَثِيرٌ مّنَ النّاسِ َوكَثِيرٌ حَقّ عَلَ ْيهِ ا ْلعَذَا ُ‬ ‫َي ْفعَلُ مَا يَشَاء (‪)18‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر‪ :‬أي ألم تر بقلبك فتعلم‪.‬‬ ‫يسجد له ‪ :‬أي يخضع ويذل له بوضع وجهه على الرض بين يدي الرب تعالى‪.‬‬ ‫من في السموات‪ :‬من الملئكة‪.‬‬ ‫والدواب‪ :‬من سائر الحيوانات التي تدب على الرض‪.‬‬ ‫حق عليه العذاب‪ :‬وجب عليه العذاب فل بد هو واقع به‪.‬‬ ‫ومن يهن ال ‪ :‬أي يُشقهِ في عذاب مهين‪.‬‬ ‫فماله من مكرم‪ :‬أي ليس له من مكرم أي مسعد ليسعده‪ ،‬وقد أشقاه ال‪.‬‬ ‫معنى الية الكريمة‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم‪{ :‬ألم تر}‪ 1‬أيها الرسول بقلبك فتعلم {أن ال ‪ 2‬يسجد له‬ ‫من في السموات} من الملئكة {ومن في الرض} من الجن والدواب { والشمس والقمر والنجوم‬ ‫والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} وهم المؤمنون المطيعون وكثير أي من الناس حق‬

‫عليهم العذاب أي وجب لهم العذاب وثبت‪ ،‬فهو ل يسجد سجود عبادة وقربة لنا أما سجود‬ ‫الخضوع فظللهم تسجد ‪ 3‬لنا بالصباح والمساء‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ومن يهن ال فماله من مكرم} أي‬ ‫ومن أراد ال إشقاءه وعذابه فما له من مكرم يكرمه بِ َرفْع‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬هذه رؤية القلب أي‪ :‬ألم تر بقلبك‪ ،‬وعقلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬قد استعمل السجود في هذه الية‪ .‬في حقيقته ومجازه‪.‬‬ ‫‪ 3‬وكذلك خضوعهم لحكام ال تعالى فيهم ومجاري أقداره عزّ وجلّ عليهم من صحة ومرض‬ ‫ى وفقر وحياة وموت‪.‬‬ ‫وغن ً‬

‫( ‪)3/462‬‬ ‫العذاب عنه واسعاده في دار السعادة وقوله‪{ :‬إن ال يفعل ما يشاء}‪ 1‬فمن شاء أهانه ومن شاء‬ ‫أكرمه فالخلق خلقه وهو المتصرف فيهم مطلق التصرف فمن شاء أعزه‪ ،‬ومن شاء أذله فعلى‬ ‫عباده أن يرجعوا إليه بالتوبة سائلين رحمته مشفقين من عذابه فهذا أنجى لهم من عذابه وأقرب‬ ‫إلى رحمته‪.‬‬ ‫هداية الية الكريمة‬ ‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال وألوهيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬سجود المخلوقات بحسب ذواتها‪ ،‬وما أراد ال تعالى منها‪.‬‬ ‫‪ -3‬كل شيء خاضع ل إل النسان فأكثر أفراده عصاة له متمردون عليه وبذلك استوجبوا العذاب‬ ‫المهين‪.‬‬ ‫‪ -4‬التالي لهذه الية والمستمع لتلوته يسن لهم أن يسجدوا ل تعالى إذا بلغوا قوله تعالى‪{ :‬إن ال‬ ‫يفعل ما يشاء}‪.‬‬ ‫سهِمُ‬ ‫صبّ مِن َفوْقِ ُرؤُو ِ‬ ‫ط َعتْ َلهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارٍ ُي َ‬ ‫صمُوا فِي رَ ّبهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُوا قُ ّ‬ ‫صمَانِ اخْ َت َ‬ ‫خ ْ‬ ‫هَذَانِ َ‬ ‫صهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُو ِنهِ ْم وَا ْلجُلُودُ (‪ )20‬وََلهُم ّمقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (‪ )21‬كُّلمَا أَرَادُوا أَن‬ ‫حمِيمُ (‪ُ )19‬ي ْ‬ ‫الْ َ‬ ‫عمِلُوا‬ ‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫غمّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ (‪ )22‬إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬ ‫يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ َ‬ ‫سهُمْ فِيهَا‬ ‫ب وَُلؤُْلؤًا وَلِبَا ُ‬ ‫الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ ُيحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ َأسَاوِرَ مِن ذَ َه ٍ‬ ‫حمِيدِ (‪)24‬‬ ‫ل وَهُدُوا ِإلَى صِرَاطِ الْ َ‬ ‫حَرِيرٌ (‪ )23‬وَ ُهدُوا إِلَى الطّ ّيبِ مِنَ ا ْل َقوْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة تعليلية لما سبق من أحكام ل تعالى بالكرام والهانة بحسب الطاعة والعصيان‪.‬‬

‫( ‪)3/463‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫خصمان‪ :‬خصم مؤمن وخصم كافر كل واحد يريد أن يخصم صاحبه‪.‬‬ ‫اختصموا في ربهم‪ :‬أي في دينه‪.‬‬ ‫قطعت لهم ثياب‪ :‬أي فصلت لهم ثياب على قدر أجسامهم‪.‬‬ ‫يصهر به ما في بطونهم‪ :‬أي يذاب بالحميم وهو الماء الحار من شحوم وغيرها‪.‬‬ ‫مقامع من حديد‪ :‬جمع مقمعة وهى آلة من حديد كالمجن‪.‬‬ ‫وذوقوا عذاب الحريق‪ :‬أي يقال لهم توبيخا وتقريعا‪ :‬ذوقوا عذاب النار‪.‬‬ ‫ولؤلؤا‪ :‬أي أساور من لؤلؤ محلة بالذهب‪.‬‬ ‫إلى الطيب من القول ‪ :‬هو شهادة أن ل إله إل ال‪.‬‬ ‫إلى صراط الحميد ‪ :‬أي إلى السلم إذ هو طريق ال الموصل إلى رضاه وجنته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬هذان خصمان ‪ }1‬الخصم الول المسلمون والثاني أهل الشرك والكفر {اختصموا في‬ ‫ربهم} أي في دينه تعالى كل خصم يدعي أنه على الدين الحق‪ ،‬وماتوا على ذلك وفصل ال تعالى‬ ‫بينهم يوم القيامة {فالذين كفروا} وهم أهل الدين الباطل ادخلوا النار وفصلت ‪ 2‬لهم ثياب من نار‬ ‫{يصب من فوق رؤوسهم الحميم} أي الماء الحار المنتهي في الحرارة‪{ ،‬يصهر ‪ 3‬به ما في‬ ‫بطونهم والجلود} من لحم وشحم‪{ ،‬ولهم مقامع من حديد} يضربون بها و {كلما أرادوا أن يخرجوا‬ ‫منها} أي من النار بسبب ما ينالهم من غم عظيم {أعيدوا فيها} أي تجبرهم الزبانية على العودة‬ ‫إليها ولم تمكنهم من الخروج‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى مسلم عن قبس بن عبادة رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت أبا ذ ّر يقسم قسما‪" :‬إن هذان‬ ‫خصمان اختصموا في ربهم} أنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر وهم‪ :‬حمزة وعلي وعبيدة بن‬ ‫الحارث رضي ال عنهم‪ ،‬وعتبة وشيبة أبناء ربيعة والوليد ابن عتبة‪ ،‬وقال عليّ رضي ال عنه‬ ‫إني لوّل من يجثو للخصومة بين يدي ال تعالى يوم القيامة‪ .‬يريد قصته في المبارزة هذه‪،‬‬ ‫وعموم الية يشمل الخصومة بين أهل السلم وأهل الكتاب‪ ،‬كما يشمل خصومة الجنة والنار‬ ‫لحديث مسلم "احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلها الجبارون والمتكبرون‪ ،‬وقالت هذه يدخلها‬ ‫الضعفاء والمساكين فقال ال تعالى لهذه‪ :‬أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه‪ :‬أنت رحمتي‬ ‫أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها"‪.‬‬ ‫‪ 2‬قطعت‪ :‬فصلت أي‪ :‬تقطّع لهم في الخرة ثياب من نار‪ ،‬وذكر بلفظ الماضي لنّ ما كان من‬

‫أخبار الخرة فالموعود منه كالواقع المحقق‪ ،‬كما قال تعالى {وإذ قال ال يا عيسى بن مريم أأنت‬ ‫قلت للناس ‪ }..‬أي‪ :‬يقول ال وجائز أن يكون قد أعدّت لهم تلك الثياب ليلبسوها يوم القيامة وهذا‬ ‫أولى‪ .‬وتلك الثياب من النحاس المذاب وهي السرابيل المذكورة ني سورة إبراهيم من قطران‪.‬‬ ‫‪ 3‬الصّهر‪ :‬إذابة الشحم والصهارة‪ :‬ما ذاب منه‪.‬‬

‫( ‪)3/464‬‬ ‫منها‪ ،‬ويقولون لهم‪{ :‬وذوقوا عذاب الحريق} أي ل تخرجوا منها وذوقوا عذاب الحريق‪ .‬فهذا‬ ‫جزاء الخصم الكافر‪ ،‬وأما الخصم المؤمن فهذا جزاؤه وهو في قوله تعالى‪{ :‬إن ال يدخل الذين‬ ‫آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا‬ ‫‪ }1‬أي أساور ‪ 2‬من لؤلؤ محلة بالذهب {ولباسهم فيها} أي في الجنة {حرير ‪ }3‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{وهدوا إلى الطيب من القول} في الدنيا وهو ل إله إل ال وسائر الذكار والتسابيح وكل كلم‬ ‫طيب‪{ ،‬وهدوا إلى صراط الحميد} وهذا الطريق الموصل إلى رضا ربهم وهو السلم‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫بتوفيق ربهم الذي آمنوا له وبرسوله وأطاعوه بفعل محابه وترك مساخطه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات حقيقة هي أن المؤمن خصم الكافر والكافر خصم المؤمن في كل زمان ومكان حيث إن‬ ‫الية نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث هذا الخصم المؤمن‪ ،‬وعتبة بن ربيعة وشيبة بن‬ ‫ربيعة والوليد بن عتبة وهذا الخصم الكافر وذلك أنهم تقاتلوا يوم بدر بالمبارزة ونصر ال الخصم‬ ‫المؤمن على الكافر‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جزاء كل من الكافرين والمؤمنين في الدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الخرة وما للناس فيها‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان الطيب من القول وهو كلمة التوحيد وذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان صراط الحميد وهو السلم جعلنا ال من أهله‪.‬‬ ‫سوَاء ا ْلعَا ِكفُ فِيهِ‬ ‫جعَلْنَاهُ لِلنّاسِ َ‬ ‫جدِ الْحَرَامِ الّذِي َ‬ ‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَ َيصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَا ْلمَسْ ِ‬ ‫ظلْمٍ ُن ِذقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)25‬‬ ‫وَالْبَا ِد َومَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِ ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نصب على تقدير‪ :‬ويحلّون لؤلؤا‪.‬‬ ‫ل وفي يده ثلثة أسورة‪ .‬سوار من ذهب‪ ،‬وسوار من‬ ‫‪ 2‬قالت العلماء‪ :‬ليس أحد من أهل الجنة إ ّ‬ ‫لؤلؤ وسوار من فضة‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من لبس الحرير في الدنيا لم‬

‫يلبسه في الخرة‪ ،‬وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو" وصحّ قوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫"من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمها في الخرة"‪.‬‬

‫( ‪)3/465‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كفروا‪ :‬جحدوا توحيد ال وكذّبوا رسوله وما جاءهم به من عند ربهم‪.‬‬ ‫ويصدون عن سبيل ال ‪ :‬يمنعون الناس من السلم‪ ،‬ويصرفونهم عنه‪.‬‬ ‫والمسجد الحرام‪ :‬مكة المكرمة والمسجد الحرام ضمنها ‪.1‬‬ ‫العاكف ‪ :‬المقيم بمكة للتعبد في المسجد الحرام‪.‬‬ ‫والباد ‪ :‬الطاريء عن مكة النازح إليها‪.‬‬ ‫بإلحاد بظلم‪ :‬أي إلحادا أي ميلً عن الحق مُلتبسا بظلم لنفسه أو لغيره‪.‬‬ ‫معنى الية الكريمة‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إن الذين كفروا ويصدون ‪ 2‬عن سبيل ال} هذه الية الكريمة تحمل تهديدا ووعيدا‬ ‫شديدا لكل من كفر بتوحيد ال وكذب رسوله وما جاء به من الهدى والدين الحق وصدّ عن سبيل‬ ‫ال أي صرف الناس عن الدخول في السلم‪ ،‬وعن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت‬ ‫والقامة بمكة للتعبد في المسجد الحرام والية وإن تناولت المشركين الذين صدوا رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة عام الحديبية فإنها عامة في كل من كفر وص ّد إلى‬ ‫يوم القيامة وقوله تعالى‪{ :‬الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والبادِ} هو وصف للمسجد الحرام‬ ‫إذ جعله ال تعالى موضع تنسّك لكل من أتاه وأقام به أو يأتيه للعبادة ثم يخرج منه‪ ،‬فالعاكف أي‬ ‫المقيم فيه كالبادي الطارىء القدوم إليه هم سواء في حق القامة في مكة ‪ 3‬والمسجد الحرام‬ ‫للتعبد‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} أي يرد بمعنى يعتزم الميل عن الحق فيه بظلم يرتكبه‬ ‫كالشرك وسائر الذنوب والمعاصي القاصرة على الفاعل أو المتعدية إلى غيره‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{نذقه من ‪ 4‬عذاب أليم} هذا جزاء من كفر وصد عن سبيل ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا من باب إطلق الجزء وإرادة الكل وهو شائع لغة شائع تعبيرا‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬وهم يصدّون‪ ،‬وقيل الواو مزيدة أي‪ :‬إن الذين كفروا يصدّون‪ ،‬وهذا ضعيف والصحيح أن‬ ‫خبر إن محذوف تقديره‪ :‬خسروا وهلكوا ول يصح أن يكون نذقه لنه مجزوم‪.‬‬ ‫‪ 3‬كان في الصدر الول أبواب دور مكة مفتوحة لكل من يريد النزول بها حاجا أو معتمرا حتى‬ ‫سرق منزل أحدهم فاتخذ له بابا فأنكر عليه عمر ذلك فقال الرجل‪ :‬إنما اتخذت الباب لحفظ لهم‬

‫متاعهم فتركه عمر فاتخذ الناس من يومئذ البواب‪.‬‬ ‫قال مالك‪ .‬دور مكة ليست كالمسجد بل لهم أن يمنعوا من النزول بها من شاءوا‪.‬‬ ‫‪( 4‬نذقه) جواب مَن‪ :‬الشرطية في قوله‪{ :‬ومن يرد فيه بإلحاد}‪.‬‬

‫( ‪)3/466‬‬ ‫والمسجد الحرام ومن أراد فيه إلحادا‪ 1‬بظلم لنفسه ‪ 2‬أو لغيره‪.‬‬ ‫هداية الية الكريمة‬ ‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالكفر والصدّ عن سبيل ال والمسجد الحرام والظلم فيه والوعيد الشديد لفاعل ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬مكة بلد ال وحرمه من حق كل مسلم أن يقيم بها للتعبد والتنسك ما لم يظلم وينتهك حرمة‬ ‫الحرم بالذنوب والمعاصي‪ ،‬وخاصة الشرك والظلم والضلل‪.‬‬ ‫‪ -3‬عظيم شأن الحرم حيث يؤاخذ فيه على مجرد العزم على الفعل ولو لم يفعل‪.‬‬ ‫ن وَا ْلقَا ِئمِينَ وَال ّركّعِ‬ ‫طهّرْ بَيْ ِتيَ لِلطّا ِئفِي َ‬ ‫وَإِذْ َبوّأْنَا لبْرَاهِيمَ َمكَانَ الْبَ ْيتِ أَن ل ُتشْ ِركْ بِي شَيْئًا وَ َ‬ ‫عمِيقٍ (‪)27‬‬ ‫ل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن ُكلّ فَجّ َ‬ ‫السّجُودِ (‪ )26‬وَأَذّن فِي النّاسِ بِا ْلحَجّ يَأْتُوكَ رِجَال وَعَلَى ُك ّ‬ ‫سمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ ّمعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَ َز َقهُم مّن َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ َفكُلُوا مِ ْنهَا‬ ‫شهَدُوا مَنَافِعَ َلهُ ْم وَيَ ْذكُرُوا ا ْ‬ ‫لِيَ ْ‬ ‫ط ّوفُوا بِالْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ (‪)29‬‬ ‫ط ِعمُوا الْبَائِسَ ا ْل َفقِيرَ (‪ُ )28‬ثمّ لْ َي ْقضُوا َتفَ َثهُ ْم وَلْيُوفُوا ُنذُورَهُ ْم وَلْيَ ّ‬ ‫وَأَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الباء ‪ :‬في بإلحاد‪ :‬الجماع على أنها صلة لتقوية الكلم لشيوع مثلها في كلم العرب والصل‪:‬‬ ‫ومن يرد فيه إلحادا قال الشاعر‪:‬‬ ‫نحن بنو جعدة أصحاب الفلج‬ ‫نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج‬ ‫‪ 2‬ل يؤاخذ المؤمن بالنية السيئة في أي بلد كان إلّ بمكة المكرمة لهذه الية‪.‬‬

‫( ‪)3/467‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذ بوأنا لبراهيم‪ :‬أي أذكر يا رسولنا إذ بوأنا‪ :‬أي أنزلنا إبراهيم بمكة مبينين له مكان البيت‪.‬‬ ‫أن ل تشرك بي ‪ 1‬شيئا‪ :‬أي ووصيناه بأن ل تشرك بي شيئا من الشرك والشركاء‪.‬‬ ‫وطهر بيتي ‪ :‬ونظف بيتي من أقذار الشرك وأنجاس المشركين‪.‬‬ ‫وأذن في الناس بالحج‪ :‬أعلن في الناس بأعلى صوتك‪.‬‬

‫رجالً وعلى كل ضامر ‪ :‬مشاة وركبانا على ضوامر البل‪.‬‬ ‫فج عميق ‪ :‬طريق واسع بعيد الغور في قارات الرض‪.‬‬ ‫في أيام معلومات‪ :‬هي أيام التشريق‪.‬‬ ‫بهيمة النعام ‪ :‬أي البل والبقر والغنم إذ ل يصح الهدى إل منها‪.‬‬ ‫البائس الفقير ‪ :‬أي الشديد الفقر‪.‬‬ ‫ليقضوا تفثهم ‪ :‬أي ليزيلوا أوساخهم المترتبة على مدة الحرام‪.‬‬ ‫وليوفوا نذورهم‪ :‬أي بأن يذبحوا وينحروا ما نذروه ل من هدايا وضحايا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ل وزورا‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وإذ بوأنا لبراهيم ‪ }2‬أي اذكر يا رسولنا لقومك المنتسبين إلى إبراهيم باط ً‬ ‫حيث كان موحدا وهم مشركون اذكر لهم كيف بوأه ربّه مكان البيت لِيَبْنِيه ويرفع بناءه وكيف‬ ‫عهد ال إليه ووصاه بأن يطهره من القذار الحسية كالنجاسات من دماء وأوساخ والمعنوية‬ ‫كالشرك والمعاصي وسائر الذنوب وذلك من أجل الطائفين به والقائمين في الصلة والراكعين‬ ‫والساجدين فيه إذ الرّكع جمع راكع والسجد جمع ساجد حتى ل يتأذوا بأي أذى معنوي أو حسيّ‬ ‫وهم حول بيت ربهم وفي بلده وحرمه‪ ،‬ليذكر قومك هذا وهم قد نصبوا حول البيت التماثيل‬ ‫والصنام‪ ،‬ويحاربون كل من يقول ل إله إل ال وقد صدوك وأصحابك عن المسجد الحرام‬ ‫ومنعوك من الطواف بالبيت العتيق‪ ،‬فأين يذهب‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬أن}‪ :‬الصحيح أنها تفسيرية والقول أو ما في معناه‪ :‬مقدر فيها نحو وقلنا أو وصينا أو عهدنا‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال‪ :‬بوأه كذا وبوأ له كذا فاللم مزيدة لتقوية الكلم كما يقال مكنته من كذا‪ ،‬ومكنت له كذا‪،‬‬ ‫ومعنى بوأنا لبراهيم أي‪ :‬أريناه أصله‪ .‬وكان قد درس بطول العهد وأنزلناه فيه‪.‬‬

‫( ‪)3/468‬‬ ‫بعقولهم عندما يدعون أنهم على دين إبراهيم وإسماعيل‪ .‬هذا ما دل عليه قوله تعالى‪{ :‬وإذ بوأنا‬ ‫لبراهيم مكان البيت أن ل تشرك بني شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وأذن في الناس بالحج ‪ }1‬أي وعهدنا إليه آمرين إياه أن يؤذن في الناس بأن ينادي‬ ‫معلنا معلما‪ :‬أيها الناس ‪ 2‬إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه ففعل ذلك فأسمع ال صوته من شاء من‬ ‫ل ول الحمد والمنة‪.‬‬ ‫عباده ممن كتب لهم أزل أن يحُجوا وسهل طريقهم وحجوا فع ً‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يأتوك رجالً} أي عليك النداء وعلينا البلغ فنادِ {يأتوك رجالً} أي مشاة {وعلى‬ ‫كل ضامر} من النوق المهازيل {يأتين من كل فج عميق} أي طريق بعيد في أغوار الرض‬ ‫وأبعادها كالندلس غربا وأندونيسيا شرقا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ليشهدوا منافع لهم} أي يأتوك ليشهدوا‬

‫منافع لهم دينيّة كمغفرة ذنوبهم واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم‪ ،‬وتعلم دينهم من علمائهم‪،‬‬ ‫ودنيويّة كربح تجارة ببيع وشراء وعرض سلع وأنواع صناعات‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ويذكروا اسم ال}‬ ‫شاكرين ل تعالى إنعامه عليهم وإفضاله وذلك في أيام الحج كلها من العشر الول من ذي الحجة‬ ‫إلى نهاية أيام التشريق بالصلة والذكر والدعاء‪ ،‬كما يذكروا اسم ال على ما رزقهم من بهيمة‬ ‫النعام عند نحر البل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم ال وال أكبر ‪ 3‬قوله‬ ‫تعالى‪{ :‬فكلوا منها} أي من بهيمة النعام التي نحرتموها أو ذبحتموها ‪ 4‬تقربا إلينا كهدى التمتع أو‬ ‫التطوع‪{ ،‬واطعموا البائس الفقير} وهو من اشتد به الفقر وقوله تعالى‪{ :‬ثم ليقضوا تفثهم} بإزالة‬ ‫الشعث والوسخ الذي لزمهم طيلة مدة الحرام‪ .‬وقوله‪{ :‬وليوفوا نذورهم} أن من كان منهم قد نذر‬ ‫هديا بذبحه في الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر أن ينحره أو يذبحه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وقرىء‪{ :‬وآذن} بمعنى‪ :‬أعلم‪{ ،‬وأذّن}‪ :‬قراءة الجمهور وهي أولى‪ ،‬والذان‪ :‬العلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي عن ابن عباس وابن جير‪ :‬لما فرغ إبراهيم عليه السلم من بناء البيت‪ ،‬وقيل له‪ :‬أذن في‬ ‫الناس بالحج قال له يا ربّ‪ :‬وما يبلغ صوتي؟ قال‪ :‬أذّن وعليّ البلغ فصعد إبراهيم خليل ال جبل‬ ‫أبي قبيس وصاح يا أيها الناس إن ال قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من‬ ‫عذاب النار فحجوا فأجابه من كان في أصلب الرجال وأرحام النساء‪ :‬لبيك اللهم لبيك فمن أجاب‬ ‫يومئذ حجّ على قدر الجابة إن أجاب مرّة فمرة وإن أجاب مرتين فمرتين وجرت التلبية على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬السنة في ذبح الضحية أن تكون بعد صلة العيد‪ ،‬ومن ذبح قبل ذلك أعاد لقوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪" :‬من ذبح قبل الصلة فتلك شاة لحم" ويستحب في ذبح الضحية والهدي أن يقول بعد‬ ‫التسمية الواجبة‪ :‬اللهم منك ولك‪.‬‬ ‫‪ 4‬المشهور وعليه الكثر أنّ أيام النحر ثلثة وهي‪ :‬أيام التشريق الثلثة بعد يوم العيد‪.‬‬

‫( ‪)3/469‬‬ ‫بالحرم‪ .‬وقوله‪{ :‬وليطوفوا بالبيت العتيق} أي وليطوفوا طواف الفاضة وهو ركن الحج ول يصح‬ ‫إل بعد الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة صباح العيد عيد الضحى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب بناء البيت وإعلئه كلما سقط وتهدم ووجوب تطهيره من كل ما يؤذي الطائفين‬ ‫والعاكفين في المسجد الحرام من الشرك والمعاصي وسائر الذنوب ومن القذار كالبوال والدماء‬ ‫ونحوها‪.‬‬

‫‪ -2‬مشروعية فتح مكاتب للدعاية للحج‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز التجار أثناء إقامته في الحج‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب شكر ال تعالى وذكره‪.‬‬ ‫‪ -5‬جواز الكل من الهدي ومن ذبائح التطوع بل استحبابه‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب الحلق أو التقصير بعد رمي جمرة العقبة‪.‬‬ ‫‪ -7‬وجوب الوفاء بالنذور الشرعية ‪ 1‬أما النذور للولياء فهي شرك ول يجوز الوفاء بها‪.‬‬ ‫‪ -8‬تقرير طواف الفاضة ‪ 2‬وبيان زمنه وهو بعد الوقوف بعرفة وعي جمرة العقبة‪.‬‬ ‫ك َومَن ُيعَظّمْ حُ ُرمَاتِ اللّهِ َف ُهوَ خَيْرٌ لّهُ عِندَ رَبّهِ وَأُحِّلتْ َلكُمُ ال ْنعَامُ إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فَاجْتَنِبُوا‬ ‫ذَِل َ‬ ‫ن الوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا َق ْولَ الزّورِ (‪ )30‬حُ َنفَاء لِلّهِ غَيْرَ مُشْ ِركِينَ ِب ِه َومَن ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفكَأَ ّنمَا‬ ‫جسَ مِ َ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫شعَائِرَ‬ ‫ك َومَن ُي َعظّمْ َ‬ ‫سحِيقٍ (‪ )31‬ذَِل َ‬ ‫طفُهُ الطّيْرُ َأوْ َت ْهوِي ِبهِ الرّيحُ فِي َمكَانٍ َ‬ ‫سمَاء فَ َتخْ َ‬ ‫خَرّ مِنَ ال ّ‬ ‫اللّهِ فَإِ ّنهَا مِن َت ْقوَى ا ْلقُلُوبِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لقوله صلى ال عليه وسلم ل وفاء لنذر في معصية ال‪ ،‬وقال ومن نذر أن يطيع ال فليطعه‪،‬‬ ‫ومن نذر أن يعصيه فل يعصه‪.‬‬ ‫‪ 2‬أما طواف القدوم فواجب عند مالك وطواف الوداع سنة مؤكدة ويسقط بالعذر عند أكثر أهل‬ ‫العلم‪ ،‬لسقوطه عن الحائض إجماعا‪ ،‬ومن أهل العلم من يرى طواف القدوم سنة ليس بواجب‪.‬‬

‫( ‪)3/470‬‬ ‫سمّى ُثمّ مَحِّلهَا إِلَى الْبَ ْيتِ ا ْلعَتِيقِ (‪)33‬‬ ‫جلٍ مّ َ‬ ‫(‪َ )32‬لكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ِإلَى َأ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ذلك‪ :‬أي المر هذا مثل قول المتكلم هذا أي ما ذكرت‪ ..‬وكذا وكذا‪..‬‬ ‫حرمات ال ‪ :‬جمع حرمة ما حرّم ال إنتهاكه من قول أو فعل‪.‬‬ ‫فهو خير له عند ربه ‪ :‬أي خير في الخرة لمن يعظم حرمات ال فل ينتهكها‪.‬‬ ‫إل ما يتلى عليكم ‪ :‬أي تحريمه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ال به‪.‬‬ ‫فاجتنبوا الرجس‪ :‬أي اجتنبوا عبادة الوان‪.‬‬ ‫واجتنبوا قول الزور ‪ :‬وهو الكذب وأعظم الكذب ما كان على ال تعالى ‪ 1‬والشرك وشهادة‬ ‫الزور‪.‬‬ ‫حنفاء ل ‪ :‬موحدين له مائلين عن كل دين إلى السلم‪.‬‬ ‫خرّ من السماء ‪ :‬أي سقط‪.‬‬ ‫فتخطفه الطير‪ :‬أي تأخذه بسرعة‪.‬‬

‫شعائر ال ‪ :‬أعلم دينه وهي هنا البُدْن بأن تختار الحسنة السمينة منها‪.‬‬ ‫فإنها من تقوى القلوب ‪ :‬أي تعظيمها ناشىء من تقوى قلوبهم‪.‬‬ ‫لكم فيها منافع‪ :‬منها ركوبها والحمل عليها بما ل يضرها وشرب لبنها‪.‬‬ ‫إلى أجل مسمى‪ :‬أي وقت معين وهو نحرها بالحرم أيام التشريق‪.‬‬ ‫ثم محلها إلى البيت العتيق ‪ :‬أي عند البيت العتيق وهو مكة والحرم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في مناسك الحج قوله تعالى {ذلك} أي المر ذاك الذي علمتم من قضاء التفث أي‬ ‫إزالة شعر الرأس وقص الشارب وقلم الظافر ولباس الثياب ونحر وذبح الهدايا والضحايا‪{ ،‬ومن‬ ‫يعظم} منكم {حرمات ال} فل ينتهكها {فهو خير له} أي ذلك التعظيم لها باحترامها وعدم انتهاكها‬ ‫خير له عند ربّه يوم يلقاه وقوله تعالى‪{ :‬وأحلت لكم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وكذلك الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم لقوله‪" :‬من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده‬ ‫من النار"‪.‬‬

‫( ‪)3/471‬‬ ‫النعام} أي البل والبقر والغنم أحل ال تعالى لكم أكلها‪ ،‬والنتفاع بها وقوله تعالى‪{ :‬إل ما يتلى‬ ‫عليكم} تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والنعام‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى ‪{ :‬حرمت عليكم‬ ‫الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ال به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل‬ ‫السبع إل ما ذكيّتُمْ وما ذبح على النصب} وقوله‪{ :‬فاجتنبوا الرجس ‪ 1‬من الوثان} أي اجتنبوا‬ ‫عبادة الوثان فإنها رجس فل تقربوها بالعبادة ول بغيرها غضبا ل وعدم رضا بها وبعبادتها‪،‬‬ ‫وقوله‪{ :‬واجتنبوا قول الزور} وهو الكذب مطلقا وشهادة الزور وأعظم الكذب ما كان على ال‬ ‫بوصفه بما هو منزه عنه أو بنسبه شيء إليه كالولد والشريك وهو عنه منزه‪ ،‬أو وصفه بالعجز أو‬ ‫بأي نقص وقوله {خنفاء ‪ 2‬ل غير مشركين} أي موحدين ل تعالى في ذاته وصفاته وعباداته‬ ‫مائلين عن كل الديان إلى دينه السلم‪ ،‬غير مشركين به أي شيء من الشرك أو الشركاء وقوله‬ ‫تعالى ‪{ :‬ومن يشرك بال} إلها آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي ل تعالى فحاله‬ ‫في خسرانه وهلكه هلك من خرّ من السماء أي سقط منها بعدما رفع إليها {فتخطفه الطير} أي‬ ‫تأخذه بسرعة وتمزقه أشلء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور‪ ،‬أو تهوى به الريح في‬ ‫مكان سحيق بعيد فل يعثر عليه أبدا فهو بين أمرين إما اختطاف الطير له أو هوى الريح به فهو‬ ‫خاسر هالك هذا شأن من يشرك بال تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء‬ ‫الروحي بسلمة فطرته وطيب نفسه فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بال وقوله تعالى‪{ :‬ذلك ومن‬

‫يعظم ‪ 3‬شعائر ال فإنها من تقوى ‪ 4‬القلوب} أي المر ذلك من تعظيم حرمات ال واجتناب قول‬ ‫الزور والشرك وبيان خسران المشرك ومن يعظم شعائر ال وهي أعلم دينه من سائر المناسك‬ ‫وبخاصة البدن التي تهدى للحرم وتعظيمها باستحسانها واستسماتها ناشىء عن تقوى القلوب فمن‬ ‫عظمها طاعة ل تعالى وتقربا إليه دل ذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الرجس‪ :‬الشيء القذر‪ ،‬والوثن‪ :‬التمثال من خشب أو حديد وغيرهما ومن‪ :‬كونها لبتداء الغاية‬ ‫أولى ليعم المر اجتناب كل رجس في اعتقاد أو قول أو عمل إذ كل النجاس محرّمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬لفظ‪ :‬حنفاء‪ :‬من الضداد يقع على الستقامة والميل معا‪ ،‬ومعناها مائلين عن الشرك إلى‬ ‫التوحيد‪ ،‬وعن الديان إلى السلم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الشعائر‪ :‬جمع شريعة‪ .‬وهو كل شيء ل تعالى فيه أمر أشعر عباده به وأعلمهم‪ ،‬والشعار‪:‬‬ ‫العلمة‪ ،‬ومنه شعار الحرب وإشعار‪ :‬البدنة لتعلم أنها مهداة للحرم‪ ،‬فشعائر ال‪ :‬أعلم دينه لسيما‬ ‫المناسك وما يتعلّق بها‪.‬‬ ‫‪ 4‬أضيفت التقوى إلى القلوب لنّ حقيقة التقوى في القلب‪ ،‬والتقوى من الخوف والخوف في القلب‬ ‫ويشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬التقوى ها هنا" وأشار إلى صدره ثلث مرات‪.‬‬

‫( ‪)3/472‬‬ ‫على تقوى قلبه لربه تعالى والرسول يشير إلى صدره ويقول التقوى ها هنا التقوى ها هنا ثلث‬ ‫مرات وقوله تعالى‪{ :‬لكم فيها منافع إلى أجل مسمى} أي أذن ال تعالى للمؤمنين أن ينتفعوا‬ ‫بالهدايا وهم سائقوها إلى الحرم بأن يركبوها ‪ 1‬ويحملوا عليها ما ل يضرها ويشربوا من ألبانها‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ثم محلها إلى البيت ‪ 2‬العتيق} أي محلها عند البيت العتيق وهو الحرم حيث تنحر‬ ‫إن كان مما ينحر أو تذبح إن كان مما يذبح‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تعظيم حرمات ال لما فيها من الخير العظيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير حلّيّة بهيمة النعام بشرط ذكر اسم ا!ته عند ذبحها أو نحرها‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة قول الزور وشهادة الزور وفي الثر عدلت ‪ 3‬شهادة الزور الشرك بال‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب ترك عبادة الوثان ووجوب البعد عنها وترك كل ما يمت إليها بصلة‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان عقوبة الشرك وخسران المشرك‪.‬‬ ‫‪ -6‬تعظيم شعائر ال وخاصة البدن من تقوى قلوب أصحابها‪.‬‬ ‫‪ -7‬جواز النتفاع بالبدن الهدايا بركوبها وشرب لبنها والحمل عليها إلى غاية نحرها بالحرم‪.‬‬

‫سكًا لِ َي ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَى مَا رَ َز َقهُم مّن َبهِيمَةِ ال ْنعَامِ فَإَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فََلهُ‬ ‫جعَلْنَا مَن َ‬ ‫وَِلكُلّ ُأمّةٍ َ‬ ‫أَسِْلمُوا وَبَشّرِ ا ْل ُمخْبِتِينَ (‪ )34‬الّذِينَ إِذَا ُذكِرَ اللّ ُه َوجَِلتْ قُلُو ُبهُمْ وَالصّابِرِينَ عَلَى مَا َأصَا َبهُمْ‬ ‫وَا ْلمُقِيمِي الصّلةِ َو ِممّا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الصحيح أنّ رجلً يسوق بدنه فقال له النبي صلى ال عليه وسلم "اركبها فقال الرجل إنها‬ ‫بدنة قال‪ :‬اركبها قال‪ :‬إنها بدنة‪ ،‬وفي الثالثة قال له صلى ال عليه وسلم‪ :‬اركبها ويلك"‬ ‫‪ 2‬إن كان الهدي في الحج فمحلّه بعد رمي جمرة العقبة ول ينحر أو يذبح قبله‪ ،‬وإن كان في غير‬ ‫الحج‪ ،‬وإنما هدي مهدى إلى الحرم فمحلّه مكة حيث يطعمه فقراؤها وفقراء الحرم كله‪.‬‬ ‫‪ 3‬وفي الصحيح ‪":‬إن أكبر الكبائر الشرك بال وعقوق الوالدين وشهادة الزور ‪ " ..‬الحديث‪.‬‬

‫( ‪)3/473‬‬ ‫شعَائِرِ اللّهِ َلكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَا ْذكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَ ْيهَا‬ ‫جعَلْنَاهَا َلكُم مّن َ‬ ‫رَ َزقْنَاهُمْ يُن ِفقُونَ (‪ )35‬وَالْ ُبدْنَ َ‬ ‫شكُرُونَ‬ ‫ط ِعمُوا ا ْلقَانِ َع وَا ْل ُمعْتَرّ كَذَِلكَ سَخّرْنَاهَا َلكُمْ َلعَّلكُمْ َت ْ‬ ‫صوَافّ فَإِذَا وَجَ َبتْ جُنُو ُبهَا َفكُلُوا مِ ْنهَا وََأ ْ‬ ‫َ‬ ‫سخّرَهَا َلكُمْ لِ ُتكَبّرُوا اللّهَ عَلَى‬ ‫(‪ )36‬لَن يَنَالَ اللّهَ لُحُو ُمهَا وَل ِدمَاؤُهَا وََلكِن يَنَاُلهُ ال ّت ْقوَى مِنكُمْ َكذَِلكَ َ‬ ‫مَا هَدَا ُك ْم وَبَشّرِ ا ْل ُمحْسِنِينَ (‪)37‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫منسكا ‪ :‬أي ذبائح من بهيمة النعام يتقربون بها إلى ال تعالى‪ ،‬ومكان الذبح يقال له منسك‪.‬‬ ‫فله أسلموا‪ :‬أي انقادوا ظاهرا وباطنا لمره ونهيه‪.‬‬ ‫وبشر المخبتين‪ :‬أي المطيعين المتواضعين الخاشعين‪.‬‬ ‫وجلت قلوبهم ‪ :‬أي خافت من ال تعالى أن تكون قصّرتْ في طاعته‪.‬‬ ‫والبدن ‪ :‬جمع بدنة وهى ما يساق للحرم من إبل وبقر ليذبح تقربا إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫م ن شعائر ال‪ :‬أي من أعلم دينه‪ ،‬ومظاهر عبادته‪.‬‬ ‫صوآف ‪ :‬جمع صافة وهي القائمة على ثلث معقولة اليد اليسرى‪.‬‬ ‫فإذا وجبت جنوبها‪ :‬أي بعد أن تسقط على جنوبها على الرض ل روح فيها‪.‬‬ ‫القانع والمعتر ‪ :‬القانع ‪ 1‬السائل والمعتر الذي يتعرض للرجل ول يسأله حياء وعفة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬القانع‪ :‬من الضداد يطلق على ذي القناعة وعلى من ل قناعة له فهو يسأل‪ ،‬إلّ أن الفعل‬ ‫الماضي لذي القناعة مكسور العين فعل كعلم‪ ،‬وفعل‪ :‬من ل قناعة له فهو يسأل فعل‪ :‬بفتح العين‬ ‫كنصح ينصح‪.‬‬

‫( ‪)3/474‬‬ ‫كذلك سخرناها‪ :‬أي مثل هذا‪ .‬التسخير سخرناها لكم لتركبوا عليها وتحملوا وتحلبوا‪.‬‬ ‫لعلكم تشكرون ‪ :‬أي لجل أن تشكروا ال تعالى بحمده وطاعته‪.‬‬ ‫لن ينال ال لحومها‪ :‬أي ل يرفع إلى ال لحم ول دم‪ ،‬ولكن تقواه بفعل ما أمر به وترك ما نهى‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫لتكبروا ال على ما هداكم ‪ :‬أي تقولون ال أكبر بعد الصلوات الخمس أيام التشريق شركا له على‬ ‫هدايته إياكم‪.‬‬ ‫وبشر المحسنين ‪ :‬أي الذين يريدون بالعبادة وجه ال تعالى وحده ويؤدونها على الوجه المشروع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين فقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ولكل أمة جعلنا منسكا} أي ولكل أمة من المم السابقة من أهل اليمان والسلم جعلنا لهم مكان‬ ‫نسك يتعبدوننا فيه ومنسكا‪ 1‬أي ذبح قربان ليتقربوا به إلينا‪ ،‬وقوله‪{ :‬ليذكروا اسم ال على ما‬ ‫رزقهم من بهيمة النعام} أي شرعنا لهم عبادة ذبح القربان لحكمة‪ :‬وهو أن يذكروا اسمنا على‬ ‫ذبح ما يذبحون ونحر ما ينحرون بأن يقولوا بسم ال وال أكبر‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فإلهكم إله واحد}‬ ‫أي فمعبودكم أيها الناس معبود واحد {فله أسلموا} وجوهكم وخصوه بعبادتكم ثم قال لرسوله محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم {وبشر المخبتين} برضواننا ودخول دار كرامتنا ووصف المخبتين معرفا بهم‬ ‫الذين تنالهم البشرى على لسان رسول ال فقال {الذين إذا ذكر ال} لهم أو بينهم {وجلت قلوبهم}‬ ‫أي خافت شعورا بالتقصير في طاعته وعدم أداء شكره والغفلة عن ذكره {والصابرين على ما‬ ‫أصابهم} من البلء فل يجزعون ول يتسخطون ولكن يقولون إنا ل وإنا إليه راجعون‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال‪ :‬نسك ينسك نُسكا‪ :‬إذا ذبح ذبح تقرّب ل تعالى‪ ،‬والذبيحة تسمى نسيكة وجمعها‪ :‬نسك‪،‬‬ ‫ومنها قوله تعالى‪{ :‬أو صدقة أو نسك} والنسك‪ :‬الطاعة ل‪ ،‬وهي عبادته‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪ :‬تنسّك‬ ‫فلن‪ :‬أي تعبد فهو ناسك ومتنسك‪ ،‬والمنسك بفتح السين وكسرها موضع العبادة‪ ،‬ومنه مناسك‬ ‫الحج وهي الماكن التي تؤدى فيها الشعائر كعرفات ومزدلفة ومنى ومكة‪.‬‬

‫( ‪)3/475‬‬ ‫{والمقيمي} الصلة ‪ 1‬أي بأدائها في أوقاتها في بيوت ال مع عباده المؤمنين ومع كامل شرائطها‬ ‫وأركانها وسننها {ومما رزقناهم ينفقون} مما قل أو كثر ينفقون في مرضاة ربهم شكر ال على ما‬

‫آتاهم وتسليما بما شرع لهم وفرض عليهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬والبدن ‪ 2‬جعلناها لكم من شعائر ال} أي البل والبقر مما يُهدى إلى الحرم جعلنا‬ ‫ذلكم من شعائر ديننا ومظاهر عبادتنا‪{ ،‬لكم فيها خير} عظيم وأجر كبير عند ربكم يوم تلقوه إذ ما‬ ‫تقرب متقرب يوم عيد الضحى بأفضل من دم يهرقه في سبيل ال وعليه {فاذكروا اسم ال عليها}‬ ‫أي قولوا بسم ال وال أكبر عند نحرها‪ ،‬وقوله‪{ :‬صوآف ‪ }3‬أي قائمة على ثلثة معقولة اليد‬ ‫اليسرى‪ ،‬فإذا نحرتموها ووجبت أي سقطت على جنوبها فوق الرض ميتة {فكلوا منها وأطعموا‬ ‫القانع ‪ }4‬الذي يسألكم {والمعتر} الذي يتعرض لكم ول يسألكم حياءا‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬سخرناها لكم}‬ ‫أي مثل ذلك التسخير الذي سخرناها لكم فتركبوا وتحلبوا وتذبحوا وتأكلوا سخرناها لكم من أجل‬ ‫أن تشكرونا بالطاعة والذكر‪ .‬وقوله تعالى في آخر آية في هذا السياق وهي (‪ )37‬قوله‪{ :‬لن ‪5‬‬ ‫ينال ال لحومها ول دماؤها} أي لن يرفع إليه لحم ول دم ولن يبلغ الرضا منه‪ ،‬ولكن التقوى‬ ‫بالخلص وفعل الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه هذا الذي يرفع إليه ويبلغ مبلغ الرضا‬ ‫منه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور بكسر التاء من الصلة على الضافة‪ ،‬وقرأ أبو عمرو‪( :‬الصلة) بفتحها على‬ ‫توهم النون‪ ،‬وأنّ حذفها كان للتخفيف لطول السم‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬ ‫الحافظو عورة العشيرة ل‬ ‫يأتيهم من ورائنا نَطف‬ ‫النطف‪ :‬التلطخ بالعيب والتهام بريبة أو فجور‪.‬‬ ‫‪ 2‬البدن‪ :‬بضم الباء والدال‪ ،‬والبُدن‪ :‬بضم الباء وإسكان الدال لغة فصيحة وقرأ الجمهور‪( :‬والبدن)‬ ‫بإسكان الدال واحدها بدنة كثمرة وثمر‪ ،‬وخشبة وخشب وسميت بدنة لنها تبدن‪ ،‬والبدانة‪ :‬السمن‪،‬‬ ‫وتطلق على البقر على الصحيح فمن نذرها أجزأته البقرة‪ ،‬وهي كالبعير تجزىء عن سبعة في‬ ‫هدي التمتع والقرآن‪.‬‬ ‫‪ 3‬أصل هذا اللفظ مأخوذ من صفن الفرس إذا وقف على ثلثة أرجل‪ ،‬ورفع الرابعة ومنها‪ :‬تنحر‬ ‫البل بعد أن توقف على ثلثة وتعقد اليد اليسرى منها‪ ،‬وقرىء (صوافي) و(صوافٍ) من الصفاء‬ ‫الذي هو الخلوص ل تعالى أي‪ :‬خالصة له عزّ وجلّ‪.‬‬ ‫‪ 4‬القانع‪ :‬اسم فاعل من قنع يقنع فهو قانع‪ :‬إذا سأل وتذلل في السؤال‪ :‬أما القانع بمعنى‪ :‬ذي‬ ‫القناعة ففعله قنع بكسر النون قناعة‪ :‬إذا اكتفى بما عنده ولم يسأل قال مالك‪ :‬أحسن ما سمعت أن‬ ‫القانع‪ :‬الفقير‪ ،‬والمعتر‪ ،‬الزائر وهو موافق في المعنى لما تقدم‪ ،‬ويؤيد هذا قراءة الحسن‪:‬‬ ‫(والمعتري) وهو الذي يتعرض لك ويأتك بدون علم منك‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬لن يصعد إليه‪ .‬أي اللحم والدم‪ ،‬ولكن الذي يصل إليه التقوى‬ ‫منكم وما أريد به وجهه‪.‬‬

‫( ‪)3/476‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬كذلك سخرها لكم} أي كذلك التسخير الذي سخرها لكم لعلّة أن تكبروا ال على ما‬ ‫هداكم إليه من اليمان والسلم فتكبروا ال عند نحر البدن وذبح الذبائح وعند أداء المناسك‬ ‫وعقب الصلوات الخمس أيام التشريق‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وبشر المحسنين} أمر ال تعالى رسوله‬ ‫والمبلغ عنه محمدا صلى ال عليه وسلم أن يبشر باسمه المحسنين الذين أحسنوا اليمان والسلم‬ ‫فوحدوا ال وعبدوه بما شرع وعلى نحو ما شرع متبعين في ذلك هدى رسوله وسنة نبيه صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذبح القربان مشروع في سائر الديان اللهية وهو دليل على أنه ل إله إل ال إذ وحدة‬ ‫التشريع تدل على وحدة المشرع‪.‬‬ ‫وسر مشروعية ذبح القربان هو أن يذكر ال تعالى‪ ،‬ولذا وجب ذكر اسم ال عند ذبح ما يذبح‬ ‫ونحر ما ينحر بلفظ بسم ال وال أكبر‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعريف المخبتين أهل البشارة السارة برضوان ال وجواره الكريم‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب ذكر اسم ال على بهيمة النعام‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان كيفية نحر البدن‪ ،‬وحرمة الخذ منها قبل موتها وخروج روحها‪.‬‬ ‫‪ -5‬الندب إلى الكل من الهدايا ووجوب إطعام الفقراء والمساكين منها‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب شكر ال على كل إنعام‪.‬‬ ‫‪ -7‬مشروعية التكبير عند أداء المناسك كرمي الجمار وذبح ما يذبح وبعد الصلوات الخمس أيام‬ ‫التشريق‪.‬‬ ‫‪ -8‬فضيلة الحسان وفوز المحسنين ببشرى على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫خوّانٍ َكفُورٍ (‪ )38‬أُذِنَ لِلّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّنهُمْ ظُِلمُوا‬ ‫حبّ ُكلّ َ‬ ‫إِنّ اللّهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬ ‫وَإِنّ اللّهَ عَلَى َنصْرِ ِهمْ‬

‫( ‪)3/477‬‬ ‫حقّ إِل أَن َيقُولُوا رَبّنَا اللّ ُه وََلوْل َدفْعُ اللّهِ النّاسَ‬ ‫َلقَدِيرٌ (‪ )39‬الّذِينَ أُخْ ِرجُوا مِن دِيَارِ ِهمْ ِبغَيْرِ َ‬ ‫صوَامِ ُع وَبِيَ ٌع َوصََلوَاتٌ َومَسَاجِدُ ُي ْذكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ‬ ‫ضهُم بِ َب ْعضٍ ّلهُ ّد َمتْ َ‬ ‫َب ْع َ‬ ‫مَن يَنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َلقَ ِويّ عَزِيزٌ (‪ )40‬الّذِينَ إِن ّمكّنّاهُمْ فِي ال ْرضِ َأقَامُوا الصّل َة وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ‬

‫وََأمَرُوا بِا ْل َمعْرُوفِ وَ َن َهوْا عَنِ ا ْلمُنكَ ِر وَلِلّهِ عَاقِ َب ُة المُورِ (‪) 41‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يدافع ‪ :‬قُرِىء يدفع أي غوائل المشركين وما يكيدون به المؤمنين‪.‬‬ ‫خوان ‪ :‬كثير الخيانة لمانته وعهوده‪.‬‬ ‫كفور‪ :‬أي جحود لربه وكتابه ورسوله ونعمه عليه‪.‬‬ ‫بأنهم ظلموا ‪ :‬أي بسبب ظلم المشركين لهم‪.‬‬ ‫بغير حق‪ :‬أي استوجب إخراجهم من ديارهم‪.‬‬ ‫إل أن يقولوا ربنا ال‪ :‬أي إل قولهم‪ :‬ربنا ال وال حق‪ ،‬وهل قول الحق يُسَوغ إخراج قائله؟‬ ‫صوامع وبيع‪ :‬معابد الرهبان وكنائس النصارى‪.‬‬ ‫وصلوات‪ :‬معابد اليهود‪ ،‬باللغة العبرية مفردها صلوثا‪.‬‬ ‫ومساجد‪ :‬أي بيوت الصلة للمسلمين‪.‬‬ ‫من ينصره ‪ :‬أي ينصر في ينه وعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫قوي عزيز‪ :‬قادر على ما يريد عزيز ل يمانع فيما يريد‪.‬‬ ‫إن مكناهم في الرض‪ :‬أي نصرناهم على عدوهم ومكنا لهم في البلد بأن جعلنا السلطة بأيديهم‪.‬‬

‫( ‪)3/478‬‬ ‫ول عاقبة المور ‪ :‬أي آخر أمور الخلق مردها إلى ال تعالى الذي يثيب ويُعاقب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم قوله تعالى‪{ :‬إن ‪ 1‬ال يدافع عن ‪ 2‬الذين‬ ‫آمنوا} أي يدفع عنهم غوائل المشركين ويحميهم من كيدهم ومكرهم‪ .‬وقوله‪{ :‬إن ال ل يجب كل‬ ‫خوّان كفور ‪ }3‬تعليل وهم المشركين الذين صدوا رسول ال والمؤمنين عن المسجد الحرام وهم‬ ‫الخائنون لماناتهم وعهودهم الكافرون بربهم ورسوله وكتابه وبما جاء به‪ ،‬ولما كان ل يحبهم فهو‬ ‫عليهم‪ ،‬وليس لهم‪ .‬ومقابله أنه يحب كل مؤمن صادق في إيمانه محافظ على أماناته وعهوده مطيع‬ ‫لربه‪ ،‬ومن أحبّهُ دافع عنه وحماه من أعدائه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أُذن للذين يقاتلون} باسم للفاعل أي القادرين على القتال ويقاتلون باسم المفعول‬ ‫وهما قراءتان أي قاتلهم المشركون هؤلء أذن ‪ 4‬ال تعالى لهم في قتال أعدائهم المشركين بعدما‬ ‫كانوا ممنوعين من ذلك لحكمة يعلمها ربهم‪ ،‬وهذه أول آية في القرآن تحمل طابع الحرب بالذن‬ ‫فيه للمؤمنين‪ ،‬وقوله‪{ :‬وإن ال على نصرهم لقدير} طمأنهم على أنه معهم بتأييده ونصره وهو‬ ‫القدير على ذلك وقوله تعالى‪{ :‬الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} أي بدون موجب لخراجهم‬ ‫اللهم إل قولهم ‪ :5‬ربنا ال وهذا حق وليس بموجب لخراجهم من ديارهم وطردهم من منازلهم‬

‫وبلدهم هذه الجملة بيان لمقتضى الذن لهم بالقتال‪ ،‬ونصرة ال تعالى لهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ولول‬ ‫دفع ال الناس بعضهم ‪ 6‬ببعض} أي يدفع بأهل الحق أهل الباطل لول هذا لتغلب أهل الباطل‬ ‫و{لهدمت‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أن هذه الية‪{ :‬إن ال يدافع‪ }..‬نزلت بسبب أن المؤمنين بمكة لما كثر اضطهاد المشركين‬ ‫لهم فكر بعضهم في اغتيال الكفار‪ ،‬والحتيال عليهم والغدر بهم فأنزل ال تعالى هذه الية إلى‬ ‫قوله‪{ :‬كفور}‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ الجمهور‪{ :‬يدافع} وقرأ بعضهم‪{ :‬يدفع}‪.‬‬ ‫‪ 3‬الخوّان‪ :‬كثير الخيانة‪ ،‬وهي الغدر‪ ،‬والغدر من شر الصفات‪ ،‬فقد صحّ "أن ال تعالى ينصب يوم‬ ‫القيامة للغادر لواءً عند أسته بقدر غدرته‪ :‬يقال هذه غدرة فلن بن فلن"!!‬ ‫‪ 4‬هذه الية نزلت بالمدينة بعد هجرة الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين إليها وفيها إذن‬ ‫بقتال المشركين بعد المنع الوّل فهي أول آية بالذن بالقتال بعدما كان غير مأذون فيه كما تقدم‪.‬‬ ‫‪ 5‬قوله‪{ :‬إلّ أن قالوا ربنا ال ‪ ".}.‬الستثناء منقطع أي‪ :‬لكن لقولهم ربنا ال أي‪ :‬وحده ل ربّ لنا‬ ‫سواه استمرّت مدة السلم ثلث عشرة سنة‪ ،‬وفي السنة الولى من الهجرة أذن ال تعالى للمؤمنين‬ ‫بقتال المشركين إذ قد أعذر ال تعالى إليهم‪.‬‬ ‫‪ 6‬في الية دليل على أن أمر الجهاد متقدم في المم قبل هذه المّة وبه صلحت الرائع وعبد الناس‬ ‫ربّهم‪ ،‬واستقامت أمورهم وصلحت أحوالهم‪.‬‬

‫( ‪)3/479‬‬ ‫صوامع وبيع ‪ 1‬وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا} وهذا تعليل أيضا وبيان لحكمة المر‬ ‫بالقتال أي لول أن ال تعالى يدفع بأهل اليمان أهل الكفر لتغلب أهل الكفر وهدموا المعابد ولم‬ ‫يسمحوا للمؤمنين أن يعبدوا ال‪ -‬وفي شرح الكلمات بيان للمعابد المذكورة فليرجع إليها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي} أي قدير {عزيز} غالب فمن أراد نصرتة‬ ‫َنصَرهُ ولو اجتمع عليه من بأقطار الرض‪ ،‬والذي يريد ال نصرته هو الذي يقاتل من أجل ال‬ ‫بأن يُعبد في الرض ول يُعبد معه سواه فذلك وجه نصر ال فليعلم وقوله {الذين إن مكناهم ‪ }2‬أي‬ ‫وطأنا لهم في الرض وملكناهم بعد قهر أعدائهم المشركين فحكموا وسادوا أقاموا الصلة على‬ ‫الوجه المطلوب منهم‪ ،‬وآتوا الزكاة المفروضة في أموالهم‪ ،‬وأمروا بالمعروف أي بالسلم‬ ‫والدخول فيه وإقامته‪ ،‬ونهوا عن المنكر وهو الشرك والكفر ومعاصِي ال ورسوله هؤلء الحقون‬ ‫بنصر ال تعالى لهم لنهم يقاتلون لنصرة ال عز وجل‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ول عاقبة المور} يخبر‬ ‫تعالى بأن مرد كل أمر إليه تعالى يحكم فيه بما هو الحق والعدل فيثيب على العمل الصالح‬

‫ويعاقب على العمل الفاسد‪ ،‬وذلك يوم القيامة‪ ،‬وعليه فليراقب ال وليُتق في السر والعلن وليُتوكل‬ ‫عليه‪ ،‬وليُنب إليه‪ ،‬فإن مرد كل أمر إليه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وعد ال الصادق بالدفاع عن المؤمنين الصادقين في إيمانهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬كره ال تعالى لهل الكفر والخيانة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية القتال لعلء كلمة ال بأن يعبد وحده ول يضطهد أولياؤه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان سر الذن بالجهاد ونصرة ال لوليائه الذين يقاتلون من أجله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية دليل على أنه ل يجوز لنا هدم معابد اليهود والنصارى‪ ،‬وإنما يمنعون من زيادة البناء‬ ‫حتى ل يكون ذلك إذنا بالبقاء على الكفر وهو حرام‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه عامة في هذه المة وليست خاصة بالخلفاء الراشدين الربعة ول بالصحابة والتابعين بل‬ ‫هي عامة فيمن مكن ال تعالى لهم في الرض فسوّدهم وحكّمهم وجب عليهم أن يقوموا بفعل ما‬ ‫ذكر في هذه الية من إقام الصلة وإيتاء الزكاة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫( ‪)3/480‬‬ ‫‪ -5‬بيان أسس الدولة التي ورثّ ال أهلها البلد وملكهم فيها وهي‪:‬‬ ‫إقام الصلة – إيتاء الزكاة – المر بالمعروف‪ -‬النهي عن المنكر‪.‬‬ ‫ح وَعَا ٌد وَ َثمُودُ (‪َ )42‬و َقوْمُ إِبْرَاهِيمَ َوقَوْمُ لُوطٍ (‪ )43‬وََأصْحَابُ‬ ‫وَإِن ُيكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُو ٍ‬ ‫خذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪َ )44‬فكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَ ْهَلكْنَاهَا‬ ‫ن َوكُ ّذبَ مُوسَى فََأمْلَ ْيتُ لِ ْلكَافِرِينَ ُثمّ أَ َ‬ ‫مَدْيَ َ‬ ‫شهَا وَبِئْرٍ ّمعَطَّل ٍة َو َقصْرٍ مّشِيدٍ (‪َ )45‬أفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ‬ ‫علَى عُرُو ِ‬ ‫وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ َف ِهيَ خَاوِيَةٌ َ‬ ‫س َمعُونَ ِبهَا فَإِ ّنهَا ل َت ْعمَى الا ْبصَا ُر وََلكِن َت ْعمَى ا ْلقُلُوبُ الّتِي‬ ‫فَ َتكُونَ َل ُهمْ قُلُوبٌ َي ْعقِلُونَ ِبهَا َأوْ آذَانٌ يَ ْ‬ ‫فِي الصّدُورِ (‪)46‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن يكذبوك ‪ :‬أي إن يكذبك قوم فقد كذبت قبلهم قوم نوح إذا فل تأس إذ لست وحدك المكذب‪.‬‬ ‫وأصحاب مدين‪ :‬هم قوم شعيب عليه السلم‪.‬‬ ‫وكذب موسى ‪ :‬أي كذبه فرعون وآله القباط‪.‬‬ ‫فأمليت للكافرين‪ :‬أي أمهلتهم فلم أُعجل العقوبة لهم‪.‬‬ ‫ثم أخذتهم ‪ :‬أي بالعذاب المستأصل لهم‪.‬‬ ‫فكيف كان نكير‪ :‬أي كيف كان إنكاري عليهم تكذيبهم وكفرهم أكان واقعا موقعه؟ نعم إذ الستفهام‬

‫للتقرير‪.‬‬ ‫فهي خاوية على عروشها‪ :‬أي ساقطة على سقوفها‪.‬‬

‫( ‪)3/481‬‬ ‫بئر معطلة‪ :‬أي متروكة ل يستخرج منها ماء لموت أهلها‪.‬‬ ‫وقصر مشيد‪ :‬مرتفع مجصص بالجص‪.‬‬ ‫فإنها ل تعمى البصار‪ :‬أي فإنها أي القصة ل تعمى البصار فإن الخلل ليس في أبصارهم ولكن‬ ‫في قلوبهم حيث أعماها الهوى وأفسدتها الشهوة والتقليد لهل الجهل والضلل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في دعوة قريش إلى اليمان والتوحيد وإن تخللته إرشادات للمؤمنين فإنه لما‬ ‫أذن للمؤمنين بقتال المشركين بين مقتضيات هذا الذن وضمن النصرة لهم وأعلم أن عاقبة‬ ‫المور إليه ل إلى غيره وسوف يقضي بالحق والعدل بين عباده يوم يلقونه‪ .‬قال لرسوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم مسليا له عن تكذيب المشركين له‪{ :‬وإن يكذبوك ‪ }1‬أيها الرسول فيما جئت به من‬ ‫التوحيد والرسالة والبعث والجزاء يوم القيامة فل تأس ول تحزن {فقد كذبت قبلهم} أي قبل‬ ‫مُكذّبيك من قريش والعرب واليهود {قوم نوح وعاد} قوم هود {وثمود} قوم صالح {وقوم إبراهيم‬ ‫وقوم لوط‪ ،‬وأصحاب مدين‪ ،‬وكُذّب موسى} أيضا مع ما آتيناه من اليات البينات‪ ،‬وكانت سنتي‬ ‫فيهم أني أمليت لهم أي مددت لهم في الزمن وأرخيت لهم الرسن حتى إذا بلغوا غاية الكفر والعناد‬ ‫والظلم والستبداد وحقت عليهم كلمة العذاب أخذتهم أخذ العزيز المقتدر {فكيف كان نكير ‪ }2‬أي‬ ‫إنكاري عليهم؟ كان وربّك واقعا موقعه‪ ،‬وليس المذكورون أخذت فقط‪{ ..‬فكأين من قرية} عظيمة‬ ‫غانية برجالها ومالها وسلطانها {أهلكناها وهي ظالمة} أي ضالعة في الظلم أي الشرك والتكذيب‬ ‫{فهي خاوية على عروشها ‪ }3‬أي ساقطة على سقوفها‪ ،‬وكم من بئر ماء ‪ 4‬عذب كانت سقيا لهم‬ ‫فهي الن معطلة‪ ،‬وكم من قصر مشيد أي رفيع مشيد بِالجص إذ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الية في تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وتعزيته من جرّاء ما يلقي من قومه من أنواع‬ ‫التكذيب والعناد والجحود‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬تغييري ما كانوا فيه من النعم بالعذاب والهلك‪ .‬والنكار والنكير‪ :‬تغيير المنكر‪.‬‬ ‫‪ 3‬العروش‪ :‬جمع عرش وهو السقف‪ .‬والمعنى‪ :‬إن جدرانها فوق سقفها‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع‪{ :‬وبير} بدون همزة تخفيفا‪.‬‬

‫( ‪)3/482‬‬

‫مات أهله وتركوه ‪ 1‬هذا ما تضمنته اليات الربع (‪ )45 ،44 ،43 ،42‬أما الية الخيرة من هذا‬ ‫السياق فالحق عز وجل يقول ‪{ 2‬أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان‬ ‫يسمعون بها} حاثا المكذبين من كفار قريش والعرب على السير في البلد ليقفوا على آثار‬ ‫الهالكين فلعل ذلك يكسبهم حياة جديدة في تفكيرهم ونظرهم فتكون لهم قلوب حية واعية يعقلون‬ ‫بها خطابنا إليهم ونحن ندعوهم إلى نجاتهم وسعادتهم أو تكون لهم آذان يسمعون بها نداء النصح‬ ‫والخير الذي نوجهه إليهم بواسطة كتابنا ورسولنا‪ ،‬وما لهم من عيون مبصرة بدون قلوب واعية‬ ‫وآذان صاغية فإن ذلك غير نافع {فإنها ل ‪ 3‬تعمى البصار‪ ،‬ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‬ ‫‪ .}4‬وهذا حاصل القول أل فليسيروا لعلهم يكسبون عبرا وعظات تحصي قلوبهم وسائر حواسهم‬ ‫المتبلدة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تكذيب الرسل والدعاة إلى الحق والخير سنة مطردة في البشر لها عواملها من أبرزها التقليد‬ ‫والمحافظة على المنافع المادية‪ ،‬وظلمات القلب الناشئة عن الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬مظاهر قدرة ال تعالى في إهلك المم والشعوب الظالمة بعد المهال لهم والعذار‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية طلب العبر وتصيدها من آثار الهالكين‪.‬‬ ‫‪ -4‬العبرة بالبصيرة القلبية ل بالبصر فكم من أعمى هو أبصر للحقائق وطرق النجاة من ذي‬ ‫بصر حاد حديد‪ .‬ومن هنا كان المفروض على العبد أن يحافظ على بصيرته أكثر من المحافظة‬ ‫على عينيه‪ ،‬وذلك بأن يتجنب مدمرات القلوب من الكذب والترهات والخرافات‪ ،‬والكبر والعجب‬ ‫والحب والبغض في غير ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬وقصر مشيد} أي‪ :‬مبني بالشيد وهو الجص أي‪ :‬مثلها معطّل‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتعجيب من حالهم وهم في غيهم وجهلهم‪.‬‬ ‫‪{ 3‬فإنها‪ }..‬أي‪ :‬الحال أو القصة ل تعمى البصار‪ :‬قال ابن عباس رضي ال عنهما ومقاتل لما‬ ‫نزلت‪{ :‬ومن كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى} سأل ابن أم مكتوم النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم قائلً‪ :‬أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الخرة أعمى فنزلت هذه الية‪{ :‬فإنها ل تعمى البصار‬ ‫ن العقل في القلب‪ ،‬ول منافاة بين من‬ ‫ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} الية صريحة في أ ّ‬ ‫يرى ذلك في المخ إذ ارتباط كبير بين المخ والقلب في حصول الوعي والدراك للنسان‪.‬‬ ‫‪ 4‬ذكر الصدور ظرفا للقلوب للتأكيد إذا القلوب ل تكون إل في الصدور فهو كقوله تعالى ‪{ :‬ول‬ ‫طائر يطير بجناحيه‪" }..‬وكقولهم رأيت بعيني"‪.‬‬

‫( ‪)3/483‬‬ ‫خِلفَ اللّ ُه وَعْ َد ُه وَإِنّ َي ْومًا عِندَ رَ ّبكَ كَأَ ْلفِ سَ َنةٍ ّممّا َتعُدّونَ (‪َ )47‬وكَأَيّن‬ ‫ب وَلَن يُ ْ‬ ‫وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬ ‫مّن قَرْيَةٍ َأمْلَ ْيتُ َلهَا وَ ِهيَ ظَاِلمَةٌ ثُمّ َأخَذْ ُتهَا وَإَِليّ ا ْل َمصِيرُ (‪ُ )48‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّنمَا أَنَا َلكُمْ َنذِيرٌ‬ ‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َلهُم ّم ْغفِرَ ٌة وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪ )50‬وَالّذِينَ َ‬ ‫مّبِينٌ (‪ )49‬فَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫ُمعَاجِزِينَ ُأوْلَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ (‪)51‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يستعجلونك بالعذاب‪ :‬أي يطالبونك مستعجلينك بما حذّرتهم منه من عذاب ال‪.‬‬ ‫كألف سنة مما تعدون‪ :‬أي من أيام الدنيا ذات الربع والعشرين ساعة‪.‬‬ ‫وكأين من قرية ‪ :‬أي وكثير من القرى أي العواصم والحواضر الجامعة لكل أسباب الحضارة‪.‬‬ ‫أمليت لها‪ :‬أي أمهلتها فمددت أيام حياتها ولم استعجلها بالعذاب‪.‬‬ ‫نذير مبين‪ :‬منذر أي مخوف عاقبة الكفر والظلم بيّنُ النذارة‪.‬‬ ‫لهم مغفرة ورزق كريم ‪ :‬أي ستر لذنوبهم ورزق حسن في الجنة‪.‬‬ ‫سعوا في آياتنا معاجزين ‪ :‬أي عملوا بجد واجتهاد في شأن إبعاد الناس عن اليمان بآياتنا وما‬ ‫تحمله من دعوة إلى التوحيد وترك الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في إرشاد الرسول صلى ال عليه وسلم وتوجيهه في دعوته إلى الصبر‬ ‫والتحمل فيقول له‪{ :‬ويستعجلونك بالعذاب ‪ }1‬أي يستعجلك المشركون من قومك بالعذاب الذي‬ ‫خوفتهم به وحذرتهم منه‪{ ،‬ولن يخلف ال وعده} وقد وعدهم فهو واقع بهم ل بد وقد‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬نزلت في النضر بن الحارث ورفقائه إذ كانوا يستعجلون العذاب ويطالبون رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم بإنزاله تحديا منهم وعنادا‪ ،‬وفيهم نزل‪{ :‬سأل سائل بعذاب واقع}‪{ .‬إذ قالوا‬ ‫اللهم إن كان هذا هو الحق‪ }..‬الية‪.‬‬

‫( ‪)3/484‬‬ ‫تم ذلك في بدر وقوله تعالى‪{ :‬وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} فلذا تعالى ل يستعجل‬ ‫وهم يستعجلون فيوم ال بألف سنة‪ ،‬وأيامهم بأربع وعشرين ساعة فإذا حدد تعالى لعذابهم يوما‬ ‫معناه أن العذاب ل ينزل بهم إل بعد ألف سنة‪ ،‬ونصف يوم بخمسمائة سنة‪ ،‬وربع يوم بمائتين‬ ‫وخمسين سنة وهكذا فلذا يستعجل النسان ويستبطىء‪ ،‬وال عز وجل ينجز وعده في الوقت الذي‬

‫حدده فل يستخفه استعجال المجرمين العذاب ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى‪{ :‬ولو ل أجل مسمى‬ ‫لجاءهم العذاب} من سورة العنكبوت هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )47‬وقوله تعالى‪{ :‬وكأين من‬ ‫قرية} أي مدينة كبرى {أمليت لها} أي أمهلتها وزدت لها في أيام بقائها والحال أنها ظالمة بالشرك‬ ‫والمعاصي ثم بعد ذلك الملء والمهال أخذتها {وإليّ المصير} أي مصير كل شيء ومرده إلي‬ ‫فل إله غيري ول رب سواي فل معنى لستعجال هؤلء المشركين العذاب فإنهم عذبوا في الدنيا‬ ‫أو لم يعذبوا فإن مصيرهم إلى ال تعالى وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون الجزاء العادل في دار‬ ‫الشقاء والعذاب البدي وقوله تعالى‪{ :‬قل يا أيها الناس ‪ 1‬إنما أنا لكم نذير مبين} ‪ ،‬فلست بإله ول‬ ‫رب بيدي عذابكم إن عصيتموني وإنعامكم إن أطعتموني‪ ،‬وإنما أنا عبد مأمور بأن أنذر عصاة‬ ‫الرب بعذابه‪ ،‬وابشر أهل طاعته برحمته‪ ،‬وهو معنى الية (‪ 2 )50‬فالذين آمنوا وعملوا‬ ‫الصالحات ولزمه أنهم تركوا الشرك والمعاصي لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم عند ربهم وهو‬ ‫الجنة دار النعيم {والذين سعوا في آياتنا معاجزين ‪ }3‬أي عملوا جادين مسرعين في صرف الناس‬ ‫عن آيات ال حتى ل يؤمنوا بها ويعملوا بما فيها من هدي ونور معاجزين ل يظنون أنهم‬ ‫يعجزونه وال غالب على أمره ناصر دينه وأوليائه‪ ،‬أولئك البعداء في الشر والشرك أصحاب‬ ‫الجحيم الملزمون لها أبد البدين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬النداء لهل مكة خاصة وللبشريّة عامة إذ هو صلى ال عليه وسلم رسول ال إلى الناس كافة‬ ‫والنذير‪ :‬المخوف‪ .‬عقوبة الشرك والشر والفساد‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬ظانين أنهم يعجزوننا فلم نقو عليهم ولم نقدر على أخذهم لنهم مكذّبون بالبعث الخر وما‬ ‫فيه من حساب وجزاء على الكسب في هذه الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ومما يزيد تفسير هذه الية وضوحا قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬مثلي ومثل ما بعثني ال به‬ ‫كمثل رجل أتى قومه فقال‪ :‬يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنجاء النجاء‬ ‫فأطاعته طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم‪ ،‬وكذبت طائفة فهم فأصبحوا مكانهم‬ ‫فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم‪ ،‬فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به‪ ،‬ومثل من‬ ‫عصاني وكذب بما جئت به من الحق"‪.‬‬

‫( ‪)3/485‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬العجلة من طبع النسان ولكن استعجال ال ورسوله بالعذاب حمق وطيش وضلل وكفر‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما عند ال في الملكوت العلى يختلف تماما عما في هذا الملكوت السلفي‪.‬‬

‫‪ -3‬عاقبة الظلم وخيمة وفي الخبر الظلم يترك الديار بلقع أي خرابا خالية‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان مهمة الرسل وهي البلغ مع النذار والتبشير ليس غير‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان مصير المؤمنين والكافرين يوم القيامة‪.‬‬ ‫ل وَل نَ ِبيّ إِل إِذَا َتمَنّى أَ ْلقَى الشّ ْيطَانُ فِي ُأمْنِيّتِهِ فَيَنسَخُ اللّهُ مَا يُ ْلقِي‬ ‫َومَا أَ ْرسَلْنَا مِن قَبِْلكَ مِن رّسُو ٍ‬ ‫ج َعلَ مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لّلّذِينَ فِي قُلُو ِبهِم‬ ‫حكِيمٌ (‪ )52‬لِيَ ْ‬ ‫علِيمٌ َ‬ ‫حكِمُ اللّهُ آيَاتِ ِه وَاللّهُ َ‬ ‫الشّ ْيطَانُ ثُمّ ُي ْ‬ ‫حقّ مِن‬ ‫شقَاقٍ َبعِيدٍ (‪ )53‬وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ أَنّهُ الْ َ‬ ‫مّ َرضٌ وَا ْلقَاسِيَةِ قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلفِي ِ‬ ‫رّ ّبكَ فَ ُي ْؤمِنُوا بِهِ فَتُخْ ِبتَ لَهُ قُلُو ُبهُ ْم وَإِنّ اللّهَ َلهَادِ الّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ (‪ )54‬وَل يَزَالُ‬ ‫عقِيمٍ (‪ )55‬ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ لّلّهِ‬ ‫عذَابُ َيوْمٍ َ‬ ‫عةُ َبغْتَةً َأوْ يَأْتِ َيهُمْ َ‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا فِي مِرْ َيةٍ مّنْهُ حَتّى تَأْتِ َي ُهمُ السّا َ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪ )56‬وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا‬ ‫حكُمُ بَيْ َنهُمْ فَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫فَُأوْلَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ ّمهِينٌ (‪)57‬‬

‫( ‪)3/486‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫من رسول ول نبي‪ :‬الرسول ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بابلغه‪ .‬والنبي مقرر‬ ‫لشرع من قبله‪.‬‬ ‫تمنى في أمنيته‪ :‬أي قرأ في أمنيته‪ ،‬أي في قراءته‪.‬‬ ‫ثم يُحكم ال آياته ‪ :‬أي بعد إزالة ما ألقاه الشيطان في القراءة بحُكم ال آياته أي يثبتها‪.‬‬ ‫فتنة للذين في قلوبهم مرض ‪ :‬أي اختبارا للذين في قلوبهم مرض الشرك والشك‪.‬‬ ‫والقاسية قلوبهم ‪ :‬هم المشركون‪.‬‬ ‫فتخبت له قلوبهم‪ :‬أي تتطامن وتخشع له قلوبهم‪.‬‬ ‫في مرية منه‪ :‬أي في شك منه وريب من القرآن‪.‬‬ ‫عذاب يوم عقيم‪ :‬هو عذاب يوم بدر إذ كان يوما عقيما ل خير فيه‪.‬‬ ‫في جنات النعيم ‪ :‬أي جنات ذات نعيم ل يبلغ الوصف مداه‪.‬‬ ‫فلهم عذاب مهين‪ :‬أي يهان فيه صاحبه فهو عذاب جثماني نفساني‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد التسلية الولى للنبي صلى ال عليه وسلم التي تضمنها قوله تعالى‪{ :‬وإن يكذبوك فقد كذبت‬ ‫قبلهم قوم نوح‪ ..‬الخ} ذكر تعالى تسلية ثانية وهي أنه صلى ال عليه وسلم كان يقرأ حول الكعبة‬ ‫في صلته سورة النجم والمشركون حول الكعبة يسمعون فلما بلغ قوله تعالى‪{ :‬أفرأيتم اللت‬ ‫والعزى‪ ،‬ومناة الثالثة الخرى} ألقى الشيطان في مسامع المشركين الكلمات التالية‪" :‬تلك الغرانيق‬ ‫العل‪ ،‬وإن شفاعتهن لترتجى" ففرح المشركون بما سمعوا ظنا منهم أن النبي صلى ال عليه وسلم‬

‫قرأها وأن ال أنزلها فلما سجد في آخر السورة سجدوا معه إل رجلً‪ 1‬كبيرا لم يقدر على السجود‬ ‫فأخذ حثية من تراب وسجد عليها وشاع أن محمدا قد اصطلح مع قومه حتى رجع المهاجرون من‬ ‫الحبشة فكرب لذلك رسول ال وحزن فأنزل ال تعالى هذه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الرجل‪ ،‬روى البخاري أنه أمية بن خلف‪ ،‬وقيل هو أبو أحيحة سعيد بن العاص وقيل‪ :‬هو‬ ‫الوليد بن المغيرة‪ .‬وال أعلم بأيهم كان‪.‬‬

‫( ‪)3/487‬‬ ‫الية تسلية له فقال‪{ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ‪ }1‬ذي رسالة يبلغها ول نبيّ مقرر لرسالة‬ ‫نبي قبله {إل إذا تمنى} أي قرأ {ألقى للشيطان في أمنيته ‪ }2‬أي في قراءته {فينسخ ال} أي يزيل‬ ‫ويبطل {ما يلقي الشيطان} ‪ 3‬من كلمات في قلوب الكافرين أوليائه {ثم يُحكم ال آياته} بعد إزالة ما‬ ‫قاله الشيطان فيثبتها فل تقبل زيادة ول نقصانا‪ ،‬وال عليم بخلقه وأحوالهم وأعمالهم ل يخفى عليه‬ ‫شيء من ذلك حكيم في تدبيره وشرعه هذه سنته تعالى في رسله وأنبيائه‪ .‬فل تأس يا رسول ال‬ ‫ول تحزن ثم بين تعالى الحكمة في هذه السنة فقال‪{ :‬ليجعل ما يلقى للشياطن} أي من كلمات في‬ ‫قراءة النبي أو الرسول {فتنة للذين في قلوبهم مرض} الشك والنفاق {والقاسية قلوبهم} وهم‬ ‫المشركون ومعنى فتنة هنا محنة يزدادون بها ضللً على ضللهم وبُعدا عن الحق فوق بعدهم إذ‬ ‫ما يلقى الشيطان في قلوب أوليائه إل للفتنة أي زيادة في الكفر والضلل‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإن‬ ‫الظالمين لفي شقاق بعيد} هو إخبار منه تعالى عن حال المشركين بأنهم في خلف ل ورسوله‪،‬‬ ‫بعيدون فيما يعتقدونه وما يعملونه وما يقولونه‪ ،.‬وما يتصورونه مخالف تمام المخالفة لما يأمر‬ ‫تعالى به ويدعوهم إليه من العتقاد والقول والعمل والتصور والدراك‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وليعلم‬ ‫الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} هذا جزء العلة التي تضمنتها‬ ‫سنة ال في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي فالجزء الول تضمنه قوله تعالى‪{ :‬ليجعل‬ ‫ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} وهذا هو الجزء الثاني أي {وليعلم‬ ‫الذين أوتوا العلم} بال وآياته وتدبيره {أنه الحق من ربك} أي ذلك اللقاء والنسخ وإحكام‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في هذه الية دليل على أن هناك فرقا بين النبي والرسول لذكر الرسول في الية ثم النبي‪{ :‬وما‬ ‫أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي} والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة‪ :‬أن كل رسول نبي‬ ‫إذ ل يرسل حتى يوحى إليه وينبّأ وليس كل نبي رسولً إذ ينبئه ال تعالى بما شاء ول يرسله‪،‬‬ ‫وجاء في حديث أبي ذر "إنّ عدد الرسل ثلثمائة وثلثة عشر رسولً أولهم آدم وآخرهم محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وأن عدد النبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي جمّ غفير"‬

‫‪ 2‬قال سليمان بن حرب إنّ (في) هنا هي بمعنى عند أي‪ :‬ألقى الشيطان عند قراءته ألقى في‬ ‫قلوب المشركين‪ .‬ولـ (في) بمعنى عند نظير هو قوله تعالى { ولبثت فينا من عمرك سنين } أي‪:‬‬ ‫عندنا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ما روي من خبر في قصة الغرانيق كله ضعيف ولم يثبت فيها حديث صحيح قط‪ ،‬والذي ثبت‬ ‫في الصحيح هو قراءة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لسورة النجم وسجوده وسجود المشركين‬ ‫معه والذي عصم منه صلى ال عليه وسلم وهو المعصوم أن ينطق بكلمة‪ :‬تلك الغرانيق العل‪..‬‬ ‫الخ وإنما نطق بها الشيطان وأسمعها المشركين للفتنة كما في التفسير المثبت فيه رأي ابن جرير‬ ‫إمام المفسّرين رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/488‬‬ ‫اليات بعده ‪{ 1‬فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم} أي تطمئن وتسكن عنده وتخشع فيزدادون هدى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وإن ال لهاد ‪ 2‬الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} هذا إخبار منه تعالى عن فعله مع‬ ‫أوليائه المؤمنين به المتقين له وأنه هاديهم في حياتهم وفي كل أحوالهم إلى صراط مستقيم يفضي‬ ‫بهم إلى رضاه وجنته‪ ،‬وذلك بحمايتهم من الشيطان وتوفيقهم وإعانتهم على طاعة الرحمن سبحانه‬ ‫وتعالى‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ول يزال الذين كفروا في مرية منه ‪ }3‬أي من القرآن هل هو كلم ال هل‬ ‫هو حق هل إتباعه نافع وتستمر هذه المرية والشك بأولئك القساة القلوب أصحاب الشقاق البعيد‬ ‫{حتى تأتيهم الساعة بغتة} أي فجأة وهي القيامة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ‪ }4‬أي ل خير فيه لهم‬ ‫وهو يوم بدر وقد تم لهم ذلك وعندها زالت ريبتهم وعلموا أنه الحق حيث ل ينفع العلم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬الملك ‪ 5‬يومئذ ل} أي يوم تأتي الساعة يتمحض الملك ل وحده فل يملك معه أحد‬ ‫فهو الحاكم العدل الحق يحكم بين عباده بما ذكر في الية وهو أن الذين آمنوا به وبرسوله وبما‬ ‫جاء به وعملوا الصالحات من فرائض ونوافل بعد تخليهم عن الشرك والمعاصي يدخلهم‪ .‬جنات‬ ‫النعيم‪ ،‬والذين كفروا به وبرسوله وبما جاء به‪ ،‬وكذبوا بآيات ال المتضمنة شرائعه وبيان طاعاته‬ ‫فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعملوا العكس وهو السيئات فأولئك البعداء في الحطة والخسة‬ ‫لهم عذاب مهين يكسر أنوفهم ذلة لهم ومهانة لنفسهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي للفتنة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الفتنة يهلك فيها مرضى القلوب وقساتها‪ ،‬ويخرج منها المؤمنون أكثر يقينا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله تعالى‪{ :‬وليعلم الذين أوتوا العلم} جائز أن يكونوا من المؤمنين ومن أهل الكتاب‪.‬‬

‫‪ 2‬ومثبتهم على الهداية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ومن الدين ومن كل ما جاء به النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬وعذاب يوم القيامة عذاب عظيم باعتبار أنه يوم ل ليلة له فهذا وجه العقم لنّ العقيم هو الذي‬ ‫ل يخلّف ولدا‪ ،‬ولما ذكر عذاب يوم القيامة تعيّن أن يكون هو يوم بدر ومعنى عقمه‪ :‬أنه ل خير‬ ‫فيه للمشركين ولم يحصلوا منه على فائدة‪.‬‬ ‫‪ 5‬قالوا‪ :‬الملك هو اتساع المقدور لمن له تدبير المور‪ ،‬وقيل في الية إشارة إلى يوم بدر وهو‬ ‫بعيد ول داعي إليه‪ ،‬ودللة الية تنفيه‪.‬‬

‫( ‪)3/489‬‬ ‫وأعظم هدىً‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حكم ال تعالى بين عباده يوم القيامة بإكرام أهل اليمان والتقوى وإهانة أهل الشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -4‬ظهور مصداق ما أخبر به تعالى عن مجرمي قريش فقد استمروا على ريبهم حتى هلكوا في‬ ‫بدر‪.‬‬ ‫حسَنًا وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ خَيْرُ‬ ‫وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ُثمّ قُتِلُوا َأوْ مَاتُوا لَيَرْ ُزقَ ّنهُمُ اللّهُ رِ ْزقًا َ‬ ‫ك َومَنْ عَا َقبَ ِبمِ ْثلِ مَا عُو ِقبَ‬ ‫ضوْنَ ُه وَإِنّ اللّهَ َلعَلِيمٌ حَلِيمٌ (‪ )59‬ذَِل َ‬ ‫الرّا ِزقِينَ (‪ )58‬لَيُ ْدخِلَ ّنهُم مّدْخَل يَ ْر َ‬ ‫غفُورٌ (‪ )60‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ‬ ‫بِهِ ُثمّ ُب ِغيَ عَلَ ْيهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ إِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬ ‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‪ )61‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ُهوَ‬ ‫ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَأَنّ اللّهَ َ‬ ‫ل وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ (‪)62‬‬ ‫طُ‬ ‫الْبَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والذين هاجروا‪ :‬أي هجروا ديار الكفر وذهبوا إلى دار اليمان المدينة المنورة‪.‬‬ ‫في سبيل ال ‪ :‬أي هجروا ديارهم ل لدنيا ولكن ليعبدوا ال وينصروا دينه وأولياءه‪.‬‬ ‫ليرزقنهم رزقا حسنا‪ :‬أي في الجنة إذ أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة‪.‬‬

‫( ‪)3/490‬‬ ‫ليدخلنهم مدخل يرضونه ‪ :‬أي الجنة يوم القيامة‪.‬‬ ‫ذلك ‪ :‬أي المر ذلك المذكور فاذكروه ول تنسوه‪.‬‬ ‫ثم بغى عليه ‪ :‬أي ظُلم بعد أن عاقب عدوه بمثل ما ظلم به‪.‬‬ ‫يولج الليل في النهار‪ :‬أي يدخل جزءا من الليل في النهار والعكس بحسب فصول السنة كما أنه‬

‫يوميا يدخل الليل في النهار إذا جاء النهار ويدخل النهار في الليل إذا جاء الليل‪.‬‬ ‫بأن ال هو الحق ‪ :‬أي الله الحق الذي تجب عبادته دون سواه‪.‬‬ ‫من دونه‪ :‬أي من أصنام وأوثان وغيرها هو الباطل بعينه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في بيان حكم ال تعالى بين عباده فذكر تعالى ما حكم به لهل اليمان‬ ‫والعمل الصالح وما حكم به لهل الكفر والتكذيب‪ ،‬وذكر هنا ما حكم به لهل الهجرة والجهاد‬ ‫فقال عز وجل‪{ :‬والذين هاجروا ‪ 1‬في سبيل ال} أي خرجوا من ديارهم لجل طاعة ال ونصرة‬ ‫دينه {ثم قتلوا} من قبل أعداء ال المشركين {أو ماتوا} حتف أنوفهم بدون قتل {ليرزقنهم ال رزقا‬ ‫حسنا} في الجنة إذ أرواحهم في حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في‬ ‫العرش {ليدخلنهم} يوم القيامة {مدخلً‪ 2‬يرضونه} وهو الجنة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وإن ال لهو خير‬ ‫الرازقين} أي لخير من يرزق فما رزقهم به هو خير رزق وأطيبه وأوسعه‪ .‬وقوله ‪{ :‬وإن ال‬ ‫لعليم حليم} عليم بعباده وبأعمالهم الظاهرة والباطنة حليم يعفو ويصفح عن بعض زلت عباده‬ ‫المؤمنين فيغفرها ويسترها عليهم إذ ل يخلو العبد من ذنب إل من عصمهم ال من أنبيائه ورسله‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬نزلت هذه الية في عثمان بن مظعون وأبي سلمة بن عبد السد رضي ال عنهما إذ ماتا‬ ‫بالمدينة مريضين فقال بعض الناس‪ :‬من مات في سبيل ال أفضل ممن مات حتف أنفه‪ .‬كأنه يعني‬ ‫عثمان وعبدال فنزلت هذه الية مسوّية بين المجاهد والمهاجر‪ ،‬ومن شواهد فضل المهاجر ما‬ ‫روي‪ :‬أن فضالة بن عبيد صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم كان برودس أميرا على الرباع‬ ‫فجيىء بجنازتي رجلين أحدهما قتل والخر متوفى فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حضرته‬ ‫فقال‪ :‬أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اقرأوا‬ ‫قول ال تعالى‪{ :‬والذين هاجروا ‪ }..‬الية‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع‪{ :‬مدخل} بفتح الميم على أنه اسم مكان من دخل المجرّد‪ ،‬وقرأ غيره مُدخل بضم‬ ‫الميم‪ :‬اسم مكان أيضا من أدخله يدخله الرباعي مدخل‪.‬‬

‫( ‪)3/491‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ذلك ومن عاقب ‪ }1‬أي المر ذلك الذي بينت لكم‪{ ،‬ومن عاقب بمثل ما عوقب به}‬ ‫أي ومن أخذ من ظالمه بقدر ما أخذ منه قصاصا‪ ،‬ثم المعاقب ظلم بعد ذلك من عاقبه فإن المظلوم‬ ‫أولً وآخرا تعهد ال تعالى بنصره‪ ،‬وقوله‪{ :‬إن ال لعفو غفور} فيه إشارة إلى ترغيب المؤمن في‬ ‫العفو عن أخيه إذا ظلمه فإن العفو خير من المعاقبة وهذا كقوله تعالى ‪{ 2‬وجزاء سيئة سيئة مثلها‬ ‫فمن عفا وأصلح فأجره على ال إنه ل يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من‬

‫سبيل} وقوله‪{ :‬ذلك بأن ال يولج الليل والنهار ويولج النهار في الليل وأن ال سميع بصير} أي أن‬ ‫القادر على إدخال الليل في النهار والنهار في الليل بحيث إذ جاء أحدهما غاب الخر‪ ،‬وإذا قصر‬ ‫أحدهما طال الخر والسميع لقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم قادر على نصرة من بُغي‬ ‫عليه من أوليائه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ذلك بأن ال هو الحق} أي المعبود الحق المستحق للعبادة‪ ،‬وإن ما‬ ‫يدعون من دونه من أصنام وأوثان هو الباطل أي ذلك المذكور من قدرة ال وعلمه ونصرة‬ ‫أوليائه كان لن ال هو الله الحق وأن ما يعبدون من دونه من آلهة هو الباطل‪ ،‬وأن ال هو‬ ‫العلي على خلقه القاهر لهم المتكبر عليهم الكبير العظيم الذي ليس شيء أعظم منه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل الهجرة في سبيل ال حتى إنها تعدل ‪ 3‬الجهاد في سبيل ال‪.‬‬ ‫‪ -2‬جواز المعاقبة بشرط المماثلة‪ ،‬والعفو أولى من المعاقبة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مظاهر الربوبية من العلم والقدرة الموجبة لعبادة ال تعالى وحده وبطلن عبادة غبره‪.‬‬ ‫‪ -4‬إثبات صفات ال تعالى‪ :‬العلم والحلم والمغفرة والسمع والبصر والعفو والعلو على الخلق‬ ‫والعظمة الموجبة لعبادته وترك عبادة من سواه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذلك‪ :‬في محل رفع على الخبرية‪ ،‬والمبتدأ مقدّر كما في التفسير‪ .‬أي‪ :‬المر ذلك الذي قصصنا‬ ‫عليك والية نزلت في حادثة خاصة قاتل فيها المسلمون في الشهر الحرام فحزنوا لذلك‪ ،‬وكان‬ ‫قتالهم اضطراريا لن المشركين هم البادئون‪.‬‬ ‫‪ 2‬الية من سورة الشورى‪.‬‬ ‫‪ 3‬والرباط‪ :‬كالهجرة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬فقد روي عن سلمان الفارسي أنه مرّ برجال مرابطين على حصن‬ ‫ببلد الروم‪ .‬وطال حصارهم للحصن‪ ،‬وإقامتهم عليه فقال لهم‪ :‬سمعت رسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم يقول‪" :‬من مات مرابطا أجرى ال تعالى عليه مثل ذلك الجر وأجرى عليه الرزق وأمن‬ ‫من الفتانين" واقرأوا إن شئتم‪{ :‬والذين هاجروا} الية‪.‬‬

‫( ‪)3/492‬‬ ‫خضَ ّرةً إِنّ اللّهَ َلطِيفٌ خَبِيرٌ (‪َ )63‬لهُ مَا فِي‬ ‫سمَاء مَاء فَ ُتصْبِحُ الرْضُ مُ ْ‬ ‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَن َزلَ مِنَ ال ّ‬ ‫سخّرَ َلكُم مّا فِي‬ ‫حمِيدُ (‪ )64‬أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫علَى ال ْرضِ إِل بِإِذْنِهِ إِنّ اللّهَ‬ ‫سمَاء أَن َتقَعَ َ‬ ‫سكُ ال ّ‬ ‫ال ْرضِ وَا ْلفُ ْلكَ تَجْرِي فِي الْ َبحْرِ بَِأمْ ِرهِ وَ ُيمْ ِ‬ ‫بِالنّاسِ لَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ (‪ )65‬وَ ُهوَ الّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ ُيحْيِيكُمْ إِنّ النسَانَ َل َكفُورٌ (‪)66‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫ألم تر‪ :‬أي آلم تعلم‪.‬‬ ‫مخضرة‪ :‬أي بالعشب والكل والنبات‪.‬‬ ‫الغني الحميد‪ :‬الغني عن كل ما سواه المحمود في أرضه وسمائه‪.‬‬ ‫سخر لكم ما في الرض‪ :‬أي سهل لكم تملكه والتصرف فيه والنتفاع به‪.‬‬ ‫أحياكم‪ :‬أي أوجدكم أحياء بعدما كنتم عدما‪.‬‬ ‫لكفور ‪ :‬أي كثير الكفر والجحود لربّه ونعمه عليه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر القدرة والعلم والحكمة قال تعالى‪{ :‬ألم تر ‪}1‬‬ ‫يا رسولنا {أن ال أنزل من السماء ‪ 2‬ماءا} أي مطرا فتصبح الرض بعد‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬ألم تر} الخطاب صالح لكل متأهل للرؤية من ذوي العقول‪ ،‬والستفهام للحض على الرؤية فهو‬ ‫كالمر والفاء للتفريع إذ يتفرّع عن نزول المطر‪ :‬صيرورة الرض مخضرّة بالنبات‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا انتقال إلى التذكير بمظاهر قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده وشكره بطاعته‬ ‫وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم بعد اليمان به حق اليمان وتصديقه بكل ما جاء به ويدعو‬ ‫إليه‪.‬‬

‫( ‪)3/493‬‬ ‫نزول المطر عليها مخضرة بالعشب والنباتات والزروع‪ ،‬وقوله‪{ :‬إن ال لطيف ‪ }1‬بعباده {خبير}‬ ‫بما يصلحهم ويضرهم وينفعهم‪.‬‬ ‫و وقوله‪{ :‬له ما في السموات وما في الرض} أي خلقا وملكا وتصرفا‪{ ،‬وإن ال لهو الغني} عن‬ ‫خلقه {الحميد} أي المحمود في الرض والسماء بجميل صنعه وعظيم إنعامه وقوله تعالى‪{ :‬ألم تر‬ ‫أن ال سخر لكم ‪ 2‬ما في الرض} من الدواب والبهائم على اختلفها {والفلك} أي وسخر لكم‬ ‫الفلك أي السفن {تجري في البحر بأمره} أي بإذنه وتسخيره‪{ ،‬ويمسك السماء ‪ 3‬أن تقع على‬ ‫الرض} أي كيل تقع على الرض {إل بإذنه} أي ل تقع إل إذا أذن لها في ذلك وقوله‪{ :‬إن ال‬ ‫بالناس لرؤوف رحيم} من مظاهر رأفته ورحمته بهم تلك الرحمة المتجلية في كل جانب من‬ ‫جوانب حياتهم في حملهم في ارضاعهم في غذائهم في نومهم في يقظتهم في تحصيل أرزاقهم في‬ ‫عفوه عن زلتهم في عدم تعجيل العقوبة لهم بعد استحقاقهم لها في إرسال الرسل في إنزال الكتب‬ ‫فسبحان ال والحمد ل ول إله إل ال وال أكبر‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وهو الذي أحياكم} بالنشاء‬ ‫واليجاد من العدم‪ ،‬ثم يميتكم عند انتهاء آجالكم {ثم يحييكم} ويبعثكم ليجزيكم بكسبكم كل هذه النعم‬ ‫يكفرها النسان فيترك ذكر ربه وشكره ويذكر غيره ويشكر سواه‪ ،‬فهذه المظاهر لقدرة الرب‬

‫وعلمه وحكمته وتلك اللء والنعم الظاهرة والباطنة توجب اليمان بال وتحتم عبادته وتوحيده‬ ‫وذكره وشكره‪ ،‬وتجعل عبادة غيره سُخفا وضللً عقليا ل يُقادر قدره ول يُعرف مداه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بذكر مقتضياته من القدرة والنعمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات صفات ال تعالى‪ :‬اللطيف الخبير الغني الحميد الرؤوف الرحيم المحيي المميت‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لطيف في تدبيره للخلقة خبير في صنعه‪ ..‬وهاتان الصفتان متجليتان في تدبيره تعالى للكون‬ ‫وصنعه فيه‪.‬‬ ‫‪ 2‬التسخير‪ :‬معناه‪ :‬التذليل للشيء حتى يصبح طوع المسخّر له وهو هنا بمعناه‪ ،‬ويعني‪ :‬تسهيل‬ ‫النتفاع فيما هو خارج عن قدرة النسان بإرسال الرياح ونزول المطار‪.‬‬ ‫‪ 3‬وجائز أن يراد بالسماء‪ :‬ماؤها أي‪ :‬المطر كقول الشاعر‪:‬‬ ‫إذا نزل السماء بأرض قوم‬ ‫رعيناه وإن كانوا غضابا‬

‫( ‪)3/494‬‬ ‫‪ -3‬بيان إنعام ال وإفضاله على خلقه‪.‬‬ ‫‪ -4‬مظاهر قدرة ال تعالى في إمساك السماء أن تقع على الرض‪ ،‬وفي الحياء والماتة والبعث‪.‬‬ ‫سكُوهُ فَل يُنَازِعُ ّنكَ فِي المْ ِر وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ إِ ّنكَ َلعَلَى هُدًى مّسْ َتقِيمٍ (‬ ‫سكًا هُمْ نَا ِ‬ ‫جعَلْنَا مَن َ‬ ‫ِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬ ‫حكُمُ بَيْ َن ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ‬ ‫علَمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪ )68‬اللّهُ يَ ْ‬ ‫‪ )67‬وَإِن جَادَلُوكَ َف ُقلِ اللّهُ أَ ْ‬ ‫سمَاء وَال ْرضِ إِنّ ذَِلكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ‬ ‫تَخْتَِلفُونَ (‪ )69‬أَلَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬ ‫يَسِيرٌ (‪ )70‬وَ َيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا َلمْ يُنَ ّزلْ بِهِ سُ ْلطَانًا َومَا لَيْسَ َلهُم بِهِ عِ ْل ٌم َومَا لِلظّاِلمِينَ مِن‬ ‫ّنصِيرٍ (‪ )71‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ َتعْ ِرفُ فِي وُجُوهِ الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمُنكَرَ َيكَادُونَ َيسْطُونَ‬ ‫بِالّذِينَ يَتْلُونَ عَلَ ْي ِهمْ آيَاتِنَا ُقلْ َأفَأُنَبّ ُئكُم بِشَرّ مّن َذِلكُمُ النّا ُر وَعَ َدهَا اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‬ ‫‪) 72‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫جعلنا منسكا ‪ :‬أي مكانا يتعبدون فيه بالذبائح أو غيرها‪.‬‬ ‫فل ينازعنك‪ :‬أي ل ينبغي أن ينازعوك‪.‬‬ ‫هدىً مستقيم‪ :‬أي دين مستقيم هو السلم دين ال الحق‪.‬‬

‫في كتاب‪ :‬هو اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫ما لم ينزل به سلطانا‪ :‬أي حجة وبرهانا‪.‬‬

‫( ‪)3/495‬‬ ‫المنكر ‪ :‬أي النكار الدال عليه عبوس الوجه وتقطيبه‪.‬‬ ‫يسطون ‪ :‬يبطشون‪.‬‬ ‫بشر من ذلكم ‪ :‬هو النار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في بيان هداية ال تعالى لرسوله والمؤمنين ودعوة المشركين إلى ذلك قال‬ ‫تعالى ‪{ :‬ولكل أمة جعلنا ‪ 1‬منسكا} أي ولكل أمة من المم التي مضت والحاضرة أيضا جعلنا لهم‬ ‫منسكا أي مكانا يتنسكون فيه ويتعبدون {هم ‪ 2‬ناسكوه} أي الن‪ ،‬فل تلتفت إلى ما يقوله هؤلء‬ ‫المشركون‪ ،‬ول تقبل منهم منازعة في أمر واضح ل يقبل الجدل‪ ،‬وذلك أن المشركين انتقدوا‬ ‫ذبائح الهدى والضحايا أيام التشريق‪ ،‬واعترضوا على تحريم الميتة وقالوا كيف تأكلون ما تذبحون‬ ‫ول تأكلون ما ذبح ال بيمينه وقوله تعالى لرسوله‪{ :‬وادع إلى ربك} أي أعرض عن هذا الجدل‬ ‫الفارغ وادع إلى توحيد ربك وعبادته {إنك لعلى هدى مستقيم} أي طريق قاصد هاد إلى السعاد‬ ‫والكمال وهو السلم وقوله‪{ :‬وإن جادلوك ‪ }3‬في بيان بعض المناسك والنسك فاتركهم فإنهم‬ ‫جهلة ل يعلمون وقل‪{ :‬ال أعلم بما تعملون} أي وسيجزيكم بذلك حسنة وسيئة {وال يحكم بينكم}‬ ‫أي يقضي بينكم أيها المشركون فيما كنتم فيه تختلفون وعندها تعرفون المحق من المبطل منا‬ ‫وذلك يوم القيامة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ألم تعلم أن ال يعلم ‪ 4‬ما في السماء والرض} بلى إن ال يعلم كل ما في السموات‬ ‫والرض من جليل ودقيق وجليّ وخفي وكيف ل وهو اللطيف الخبير {إن ذلك في كتاب} وهو‬ ‫اللوح المحفوظ فكيف يجهل أو ينسى‪ ،‬و {إن ذلك} أي كتبه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬سبق مثل هذا النزاع بين المؤمنين والمشركين في التذكية عند قول ال تعالى من سورة النعام‪:‬‬ ‫{ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه} وقوله تعالى‪{ :‬فل ينازعنك} معناه‪ :‬أترك منازعتهم‬ ‫وأعرض عنهم ول تلتفت إليهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬سبق مثل هذه الية في أوّل السورة وهو دال على أنّه ل إله إل ال إذ وحدة التشريع تدل على‬ ‫ل ول تنتقض‪.‬‬ ‫وحدة المشرع عق ً‬ ‫‪ 3‬في الية الكريمة أسلوب المتاركة إذا لم تنفع المجادلة لعدم استعداد الخصم لقبول الحق أو تعذر‬ ‫معرفته له‪.‬‬

‫‪ 4‬الستفهام تقريري بالنسبة للرسول صلى ال عليه وسلم والجملة تحمل التسلية له صلى ال عليه‬ ‫وسلم والتخفيف مما يلقي من جدال المشركين وعنادهم‪.‬‬

‫( ‪)3/496‬‬ ‫وحفظه في كتاب المقادير {على ال يسير ‪ }1‬أي هين سهل‪ ،‬لنه تعالى على كل شيء قدير‪ .‬هذا‬ ‫ما دلت عليه اليات الربع (‪ )70 ،69 ،68 ،67‬وقوله تعالى‪{ :‬ويعبدون من دون ال ما لم ينزل‬ ‫به سلطانا} أي ويعبد أولئك المشركون المجادلون في بعض المناسك أصناما لم ينزل ال تعالى في‬ ‫حجّة ول برهانا بل ما هو إل إفك افتروه‪ ،‬ليس لهم به علم ول لبائهم‪ ،‬وسوف‬ ‫جواز عبادتها ُ‬ ‫يحاسبون على هذا الفك ويجزون به في ساعة ل يجدون فيها وليا ول نصيرا إذ هم ظالمون‬ ‫بشركهم بال آلهة مفتراة ويوم القيامة ما للظالمين من نصير‪ .‬هذا ما دلت عليه الية (‪ )71‬وأما‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } يخبر تعالى عن أولئك المشركين المجادلين بالباطل‬ ‫أنهم إذا قرأ عليهم أحد المؤمنين آيات ال وهى بينات في مدلوها تهدي إلى الحق وإلى طريق‬ ‫مستقيم {تعرف} يا رسولنا {في وجوه الذين كفروا المنكر ‪ }2‬أي تتغير وجوههم ويظهر عليها‬ ‫النكار على التالي عليهم اليات {يكادون يسطون ‪ }3‬أي يبطشون ويقعون بمن يتلون عليهم آيات‬ ‫ال لهدايتهم وصلحهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قل أفأُنبئكم ‪ 4‬بشرٍ من ذلكم} أي قل لهم يا رسولنا أفأنبكم بشر من ذلك الذي‬ ‫تكرهون وهو من يتلون عليكم آيات ال أنه النار التي وعدها ال الذين كفروا أي من أمثالكم‪،‬‬ ‫وبئس المصير تصيرون إليه النار إن لم تتوبوا من شرككم وكفركم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير حقيقة وهي أن كل أمة من المم بعث ال فيها رسولً وشرع لها عبادات تعبده بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحسان ترك الجدال في البدهيات والعراض عن ما فيها‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير علم ال تعالى بكل خفي وجلي وصغير وكبير في السموات والرض‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬الفصل بين المختلفين ككتابة كل كائن في كتاب المقادير كل ذلك على ال يسير إذ هو‬ ‫تعالى ل يعجزه شيء‪ ،‬ويقول للشيء كن فيكون‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬الغضب والعبوس‪.‬‬ ‫‪ 3‬السطو‪ :‬شدة البطش يقال‪ :‬سطا به يسطو‪ :‬إذا بطش وسواء كان ذلك بسب وشتم أو ضرب‪،‬‬ ‫وسطا عليه‪ :‬إذا عله ضربا وشتما‪.‬‬ ‫‪{ 4‬أفأنبّكم} الهمزة داخلة على محذوف أي‪ :‬أتكرهون سماع القرآن ومن يقرأه فأنا أنبّئكم بشر من‬

‫ذلك الذي تأذّيتم به وكرهتموه؟ وقوله‪{ :‬النار وعدها ال الذين كفروا} الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا‬ ‫كأنهم قالوا‪ :‬نبئنا فقال‪ :‬النار‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)3/497‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير الكتاب الحاوي لذلك وهو اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان شدة بغض المشركين للموحدين إذا دعوهم إلى التوحيد وذكروهم باليات‪.‬‬ ‫‪ -6‬مشروعية إغاظة الظالم بما يغيظه من القول الحق‪.‬‬ ‫س ضُ ِربَ مَ َثلٌ فَاسْ َت ِمعُوا لَهُ إِنّ الّذِينَ َتدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لَن يَخُْلقُوا ذُبَابًا وََلوِ اجْ َت َمعُوا‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّا ُ‬ ‫حقّ‬ ‫ب وَا ْلمَطْلُوبُ (‪ )73‬مَا قَدَرُوا اللّهَ َ‬ ‫ض ُعفَ الطّاِل ُ‬ ‫لَ ُه وَإِن َيسْلُ ْبهُمُ الذّبَابُ شَيْئًا ل يَسْتَنقِذُوهُ مِنْ ُه َ‬ ‫سمِيعٌ َبصِيرٌ (‬ ‫طفِي مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ رُسُل َومِنَ النّاسِ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫قَدْ ِرهِ إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ (‪ )74‬اللّهُ َيصْ َ‬ ‫ج ُع المُورُ (‪)76‬‬ ‫‪َ )75‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ضرب مثل‪ :‬أي جعل مثل هو ما تضمنه قوله تعالى‪{ :‬إن الذين تدعون‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫لن يخلقوا ذبابا‪ :‬أي لن يستطيعوا خلق ذبابة وهي أحقر الحيوانات تتخلق من العفونات‪.‬‬ ‫ولو اجتمعوا‪ :‬أي على خلقه فإنهم ل يقدرون‪ ،‬فكيف إذا لم يجتمعوا فهم أعجز ‪.‬‬ ‫ل يستنقذوه منه‪ :‬أي ل يستردوه منه وذلك لعجزهم‪.‬‬ ‫ضعف الطالب والمطلوب ‪ :‬أي العابد والمعبود‪.‬‬ ‫ما قدروا ال حق قدره‪ :‬أي ما عظم المشركون ال تعالى حق قدره أي عظمته‪.‬‬ ‫يصطفي من الملئكة رسلً ‪ :‬أي يجتبي ويختار كجبريل‪.‬‬ ‫ومن الناس‪ :‬كمحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/498‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين يقول تعالى‪{ :‬يا أيها‬ ‫الناس ضرب ‪ 1‬مثل فاستمعوا له} أي يا أيها المشركون بال آلهة أصناما ضرب للهتكم في‬ ‫حقارتها وضعفها وقلة نفعها مثل رائع فاستمعوا له‪ .‬وبينه بقوله‪{ :‬إن الذين تدعون من دون ال }‬ ‫من أوثان وأصنام {لن يخلقوا ذبابا‪ }2‬وهو أحقر حيوان وأخبثه أي اجتمعوا واتحدوا متعاونين على‬ ‫خلقه‪ ،‬أو لم يجتمعوا له فإنهم ل يقدرون على خلقه وشيء آخر وهو إن يسلب الذباب الحقير شيئا‬ ‫من طيب آلهتكم التي تضمّخونها به‪ ،‬ل تستطيع آلهتكم أن تسترده منه فما أضعفها إذا وما أحقرها‬

‫إذا كان الذباب أقدر منها وأعز وأمنع‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ضعف الطالب والمطلوب ‪ }3‬أي ضعف الصنم والذباب معا كما ضعف العابد‬ ‫المشرك والمعبود الصنم {إن ال لقويٌ عزيز} أي قوي قادر على كل شيء عزيز غالب ل يمانع‬ ‫في أمر يريده فكيف ساغ للمشركين أن يؤلهوا غيره ويعبدونه معه ويجعلونه له مثلً‪ .‬هذا ما دلت‬ ‫عليه اليتان الولى (‪ )73‬والثانية (‪ )74‬وقوله تعالى‪{ :‬ال يصطفي ‪ 4‬من الملئكة رسلً ومن‬ ‫الناس} هذا رد على المشركين عندما قالوا‪{ :‬أ أنزل عليه الذكر من بيننا} وقالوا‪{ :‬أبعث ال بشرا‬ ‫رسولً} فأخبر تعالى أنه يصطفي أي يختار من الملئكة رسلً كما اختار جبرائيل وميكائيل‪ ،‬ومن‬ ‫الناس كما أختار نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى ال عليه وسلم ‪{ ،‬إن ال سميع ‪}5‬‬ ‫لقوال عباده طيبها وخبيثها {بصير} بأعمالهم صالحها وفاسدها وعلمه بخلقه وبصره بأحوالهم‬ ‫وحاجاتهم اقتضى أن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ضرب المثل‪ :‬هو ذكره وبيانه‪ ،‬واستعير الضرب للقول والذكر تشبيها بوضع الشيء بشدّة‪،‬‬ ‫وهو تعبير شائع في اللغة العربية‪ ،‬والمثل هنا تشبيه تمثيلي‪ ،‬إذ هو تشبيه أصنامهم في عجزها‬ ‫وحقارتها بالذباب في عجزه وحقارته وضمنه النكار الشديد عليهم في تشبيه أصنامهم بال عز‬ ‫وجل إذ عبدوها بعبادته وألهوها تأليهه عز وجل‪.‬‬ ‫‪ 2‬الذباب‪ :‬اسم واحد للذكر والنثى والجمع والقليل‪ :‬أذبة والكثر ذبان والواحدة ذبابة‪ ،‬ول يقال‬ ‫ذبّانة بالتشديد وكسر الذال‪ ،‬والمذّبة‪ :‬آلة لذب الذّبان وذباب السيف‪ :‬طرفه الذي يضرب به‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل‪ :‬الطالب‪ :‬اللهة‪ ،‬والمطلوب‪ :‬الذباب‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬وجائز أن يكون الطالب‪ :‬عابد‬ ‫الصنم‪ ،‬والمطلوب‪ :‬الصنم‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا‪ ،‬والخبار بجملة يصطفي بدل‪ :‬نصطفي لفادة الختصاص أي‪:‬‬ ‫هنا الصطفاء خاص به تعالى لعظيم علمه وحكمته‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجملة تعليلية‪ ،‬وجملة يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم‪ ،‬مقررة لها وتفيد الدعوة إلى مراقبة ال عزّ‬ ‫وجلّ‪.‬‬

‫( ‪)3/499‬‬ ‫ل وقوله‪{ :‬يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما بين أيدي رسله من الملئكة‬ ‫يصطفي منهم رس ً‬ ‫ومن الناس وما خلفهم ماضيا ومستقبلً إذ علمه أحاط بكل شيء فلذا حق له أن يختار لرسالته‬ ‫من يشاء فكيف يصح العتراض عليه لول سفه المشركين وجهالتهم وقوله تعالى‪{ :‬وإلى ال‬ ‫ترجع المور} هذا تقرير لما تضمنته الجملة السابقة من أن ل الحق المطلق في إرسال الرسل من‬ ‫الملئكة أو من الناس ول اعتراض عليه في ذلك إذ مرد المور كلها إليه بدءا ونهاية إذ هو ربّ‬

‫كل شيء ومليكه ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالشرك وبطلنه وبيان سفه المشركين‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما قدر ال حق قدره من سوى به أحقر مخلوقاته وجعل له من عباده جزءا وشبها ومثلً‪.‬‬ ‫‪ -4‬إثبات الرسالت ‪ 1‬للملئكة وللناس معا‪.‬‬ ‫‪ -5‬ذكر صفات الجلل والكمال ل تعالى المقتضية لربوبيته والموجبة للوهيته وهى القوة‬ ‫والعزة‪ ،‬والسمع والبصر لكل شيء وبكل شيء والعلم بكل شيء‪.‬‬ ‫جدُوا وَاعْ ُبدُوا رَ ّبكُ ْم وَا ْفعَلُوا الْخَيْرَ َلعَّل ُكمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )77‬وَجَا ِهدُوا فِي‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْر َكعُوا وَاسْ ُ‬ ‫سمّاكُمُ‬ ‫ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلّةَ أَبِي ُكمْ إِبْرَاهِيمَ ُهوَ َ‬ ‫جهَا ِدهِ ُهوَ اجْتَبَاكُمْ َومَا َ‬ ‫اللّهِ حَقّ ِ‬ ‫علَى النّاسِ فََأقِيمُوا الصّلةَ‬ ‫شهَدَاء َ‬ ‫شهِيدًا عَلَ ْيكُ ْم وَ َتكُونُوا ُ‬ ‫ل َوفِي َهذَا لِ َيكُونَ الرّسُولُ َ‬ ‫ا ْلمُسْلِمينَ مِن قَ ْب ُ‬ ‫وَآتُوا ال ّزكَاةَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في العبارة بعض الخفاء‪ ،‬والمقصود هو أنّ ال يصطفي من الملئكة مثل جبريل وميكائيل‬ ‫فيرسلهم إلى من يصطفي من الناس وهم النبياء‪ ،‬وفي الية رد على المعترضين على الوحي‬ ‫اللهي لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/500‬‬ ‫صمُوا بِاللّهِ ُهوَ َموْلكُمْ فَ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ (‪)78‬‬ ‫وَاعْ َت ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واعبدوا ربكم‪ :‬أي أطيعوه في أمره ونهيه في تعظيم هو غاية التعظيم وذل له هو غاية الذل‪.‬‬ ‫وافعلوا الخير‪ :‬أي من كل ما انتدبكم ال لفعله ورغبكم فيه من صالح القوال والعمال‪.‬‬ ‫لعلكم تفلحون ‪ :‬أي كي تفوزوا بالنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫حق جهاده‪ :‬أي الجهاد الحق الذي شرعه ال تعالى وأمر به وهو جهاد الكفار والشيطان والنفس‬ ‫والهوى‪.‬‬ ‫اجتباكم‪ :‬أي اختاركم لحمل دعوة ال إلى الناس كافة‪.‬‬ ‫من حرج ‪ :‬أي من ضيق وتكليف ل يطاق‪.‬‬ ‫ملة أبيكم‪ :‬أي الزموا ملة أبيكم إبراهيم وهي عبادة ال وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫وفي هذا ‪ :‬أي القرآن‪.‬‬

‫اعتصموا بال‪ :‬أي تمسكوا بدينه وثقوا في نصرته وحسن مثوبته‪.‬‬ ‫ونعم النصير‪ :‬أي هو تعالى نعم النصير أي الناصر لكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلثة‪ :‬التوحيد والنبوة والبعث والجزاء‪ ،‬نادى الربّ تبارك وتعالى‬ ‫المسلمين بعنوان اليمان فقال ‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا} أي يا من آمنتم بال ربا وبمحمد رسولً‬ ‫وبالسلم في دينا‪{ ،‬اركعوا واسجدوا ‪ }1‬أمرهم بإقام الصلة {واعبدوا ربكم} أي أطيعوه فيما‬ ‫أمركم به وفيما نهاكم عنه معظمين له غاية التعظيم خاشعين له غاية الخشوع {وافعلوا الخير} من‬ ‫كل ما انتدبكم ال إليه ورغبكم فيه من أنواع البر وضروب العبادات {لعلكم تفلحون} أي لتتأهلوا‬ ‫بذلك للفلح الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار‪.‬‬ ‫__________‬ ‫ص الركوع والسجود من بين أركان الصلة لنهما أشرف أجزائها وأدل على خضوع العبد‬ ‫‪1‬خ ّ‬ ‫لربّه وذلته له‪.‬‬

‫( ‪)3/501‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وجاهدوا ‪ 1‬في ال حق جهاده ‪ }2‬أي أمرهم أيضا بأمر هام وهو جهاد الكفار حتى ل‬ ‫تكون فتنة ويكون الدين كله ل ومعنى حق جهاده أي كما ينبغي الجهاد من استفراغ الجهد والطاقة‬ ‫كلها نفسا ومالً ودعوة وقوله‪{ :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج} هذه مِنّة ذكّر بها تعالى‬ ‫المؤمنين حتى يشكروا ال بفعل ما أمرهم به أي لم يضيق عليكم فيما أمركم به بل وسع فجعل‬ ‫التوبة لكل ذنب‪ ،‬وجعل الكفارة لبعض الذنوب‪ ،‬ورخص للمسافر والمريض في قصر الصلة‬ ‫والصيام‪ ،‬ولمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله في التيمُم‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ملة أبيكم إبراهيم ‪ }3‬أي الزموا ملة أبيكم وقوله‪{ :‬هو سماكم المسلمين} أي ال جل جلله‬ ‫هو الذي سماهم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن وهو معنى قوله ‪{ :‬هو سماكم ‪ 4‬المسلمين‬ ‫من قبل وفي هذا} أي القرآن وقوله‪{ :‬ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} أي‬ ‫اجتباكم أيها المؤمنون لدينه السلمي وسماكم المسلمين ليكون الرسول شهيدا عليكم يوم القيامة‬ ‫بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجمعين أنهم قد بلغوا أممهم‬ ‫ما أرسلوا به إليهم وعليه فاشكروا هذا النعام والكرام ل تعالى {فأقيموا ‪ 5‬الصلة وآتوا الزكاة‬ ‫واعتصموا بال} أي تمسكوا بشرعه عقيدة وعبادة وخلقا وأدبا وقضاءا وحكما‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬هو‬ ‫مولكم} أي سيدكم ومالك أمركم {فنعم المولى} هو سبحانه وتعالى {ونعم النصير} أي الناصر لكم‬ ‫ما دمتم أولياءه تعيشون على اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هذا من ذكر العام بعد الخاص‪ ،‬والعبادة‪ :‬الطاعة ولكن مع غاية التعظيم والحبّ للمطاع‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجهاد هنا‪ :‬قتال الكفار المعتدين والمانعين لدعوة ال وصد الناس عنها والعلّة فيه إكمال البشر‬ ‫وإسعادهم بالسلم ل تعالى و{في} في قوله {في ال}‪ :‬تعليلية أي‪ :‬لجل ال أي‪ :‬لعلء كلمة ال‬ ‫تعالى‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال"‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا كقوله تعالى‪{ :‬اتقوا ال حق تقاته} فإنه مخصوص بالستطاعة وقوله بعد‪{ :‬وما جعل عليكم‬ ‫صصٌ له أيضا‪ ،‬ويدخل في المر بالجهاد هنا‪ :‬جهاد النفس والشيطان‪،‬‬ ‫في الدين من حرج} مخ ّ‬ ‫وكلمة الحق عند من ينكرها لحديث "كلمة عدل عند سلطان جائر"‪.‬‬ ‫‪ 4‬الملّة‪ :‬الدين والشريعة ونصب‪{ :‬ملة}‪ :‬بإلزموا ونحوه‪ ،‬والخطاب للعرب إذ إبراهيم أبو العرب‬ ‫المستعربة قاطبة‪ ،‬وهو أيضا أبو أهل الكتاب وأبّ كل موحد أبوّة تشريف وإتباع وتعظيم‪.‬‬ ‫‪ 5‬قوله تعالى {فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة} بعد ذكر المنن إشارة صريحة إلى وجوب شكر ال‬ ‫تعالى على نعمه‪ ،‬وما شكر ال تعالى من لم يقم الصلة ويؤت الزكاة كما أن من لم يتمسك بدين‬ ‫ال كافر غير شاكر‪.‬‬

‫( ‪)3/502‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة الصلة وشرف العبادة وفعل الخير‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية السجود عند تلوة هذه الية {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}‪ِ.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الجهاد في سبيل ال وهو جهاد الكفار‪ ،‬وان ل تأخذ المؤمن في ال لومة لئم‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة ‪ 1‬هذه المة المسلمة حيث أعطيت ثلثا لم يعطها إل نبي كان يقال للنبي عليه السلم‬ ‫اذهب فليس عليك حرج فقال ال لهذه المة‪{ :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج} ‪ ،‬وكان يقال‬ ‫للنبي عليه السلم أنت شهيد على قومك وقال ال‪{ :‬لتكونوا شهداء على الناس} وكان يقال للنبي‬ ‫سل تعطه وقال ال لهذه المة‪{ :‬ادعوني استجب لكم} دل على هذا قوله تعالى‪{ :‬هو اجتباكم وما‬ ‫جعل عليكم في الدين من حرج}‪.‬‬ ‫‪ -5‬فرضية الصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والتمسك بالشريعة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر هذا ابن جرير الطبري رواية عن معمر وقتادة‪.‬‬

‫( ‪)3/503‬‬

‫سورة المؤمنون‬ ‫‪...‬‬ ‫الجزء الثامن عشر‬ ‫سورة المؤمنون‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها مائة وثماني عشرة آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شعُونَ (‪ )2‬وَالّذِينَ ُهمْ عَنِ الّل ْغوِ ُمعْ ِرضُونَ (‪)3‬‬ ‫قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُمؤْمِنُونَ(‪ )1‬الّذِينَ ُهمْ فِي صَل ِتهِمْ خَا ِ‬ ‫جهِ ْم أوْ مَا مََل َكتْ‬ ‫ج ِهمْ حَا ِفظُونَ (‪ )5‬إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬ ‫وَالّذِينَ ُهمْ لِل ّزكَاةِ فَاعِلُونَ (‪ )4‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬ ‫أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )6‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاء ذَِلكَ فَُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )7‬وَالّذِينَ هُمْ لمَانَا ِتهِمْ‬ ‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ ُهمْ عَلَى صََلوَا ِتهِمْ يُحَا ِفظُونَ (‪ُ )9‬أوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلوَارِثُونَ (‪ )10‬الّذِينَ‬ ‫وَ َ‬ ‫يَرِثُونَ ا ْلفِرْ َدوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قد أفلح المؤمنون‪ :‬أي فاز قطعا بالنجاة من النار ودخول الجنة المؤمنون‪.‬‬ ‫في صلتهم خاشعون‪ :‬أي ساكنون متطامنون ل يلتفتون بعين ول قلب وهم بين يدي ربهم‪.‬‬ ‫عن اللغو معرضون ‪ :‬اللغو كل ما ل رِضىً فيه ل من قول وعمل وتفكير‪ ،‬معرضون أي‬ ‫منصرفون عنه‪.‬‬ ‫للزكاة فاعلون ‪ :‬أي مؤدون‪.‬‬ ‫لفروجهم حافظون‪ :‬أي صائنون لها عن النظر إليها ل يكشفونها وعن إتيان الفاحشة‪.‬‬ ‫أو ملكت إيمانهم ‪ :‬من الجواري والسّراري إن وجدن‪.‬‬

‫( ‪)3/504‬‬ ‫فمن ابتغى وراء ذلك ‪ :‬أي طلب ما دون زوجته وجاريته المملوكة شرعيا‪.‬‬ ‫فأولئك هم العادون‪ :‬أي الظالمون المعتدون على حدود الشرع‪.‬‬ ‫راعون‪ :‬أي حافظون لماناتهم وعهودهم‪.‬‬ ‫الفردوس ‪ :1‬أعلى درجة في الجنة في أعلى جنة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬قد أفلح المؤمنون}‪ 2‬يخبر تعالى وهو الصادق الوعد بفلح المؤمنين وقد بين تعالى‬ ‫في آية آل عمران معنى الفلح وهو الفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة ووصف هؤلء‬ ‫المؤمنين المفلحين بصفات من جمعها متصفا بها فقد ثبت له الفلح وأصبح من الوارثين الذين‬

‫يرثون الفردوس يخلدون فيها وتلك الصفات هي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬الخشوع في الصلة بأن يسكن فيها المصلي فل يلتفت فيها برأسه ول بطرفه ول بقلبه مع‬ ‫رقة قلب ودموع عين وهذه أكمل حالت الخشوع في الصلة‪ ،‬ودونها أن يطمئن ول يلتفت برأسه‬ ‫ول بعينه و ل بقلبه في أكثرها‪ .‬هذه الصفة تضمنها قوله تعالى‪{ :‬الذين هم في صلتهم خاشعون}‬ ‫‪.3‬‬ ‫(‪ )2‬إعراضهم عن اللغو وهو كل قول وعمل وفكر لم يكن فيه ال تعالى إذن به ول رضى فيه‬ ‫ومعنى إعراضهم عنه‪ :‬انصرافهم عنه وعدم التفاتهم إليه‪ ،‬وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى ‪:‬‬ ‫{والذين هم عن اللغو معرضون}‪.‬‬ ‫(‪ )3‬فعلهم الزكاة أي أداؤهم لفريضة الزكاة الواجبة من أموالهم الناطقة كالمواشي والصامتة‬ ‫كالنقدين والحبوب والثمار‪ ،‬وفعلهم لكل ما يزكي النفس من الصالحات وقد تضمن هذه الصفة‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬والذين هم للزكاة فاعلون }‪.‬‬ ‫(‪ )4‬حفظ فروجهم من كشفها ومن وطء غير الزوج أو الجارية المملوكة بوجه شرعي وقد تضمن‬ ‫هذه الصفة قوله تعالى‪{ :‬والذين هم لفروجهم حافظون إلّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم‬ ‫غاير ملومين} في إتيان أزواجهم وما ملكت أيمانهم‪ ،‬ولكن اللوم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أخرج مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬فإذا سألتم ال فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة‬ ‫وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة"‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى أحمد والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب قوله‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم إذا نزل عليه الوحي نسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه‬ ‫وقال‪ :‬اللهم زدنا ول تنقصنا وأكرمنا ول تهنا وأعطنا ول تحرمنا وآثرنا ول تؤثر علينا وارض‬ ‫عنا وأرضنا ثم قال‪ :‬لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة‪{ :‬قد فلح المؤمنون} حتى‬ ‫ختم العشر‪.‬‬ ‫‪ 3‬كان السلف الصالح إذا قام أحدهم في صلته يهاب الرحمن أن يمدّ بصره إلى شيء وأن يحدث‬ ‫نفسه بشيء من الدنيا‪ ،‬وأبصر النبي صلى ال عليه وسلم رجل يعبث بلحيته في الصلة فقال‪" :‬لو‬ ‫خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" والجمهور على أن الخشوع في الصلة أحد فرائضها‪.‬‬

‫( ‪)3/505‬‬ ‫والعقوبة على من طلب هذا المطلب من غير زوجه وجاريته {فأولئك هم العادون} أي الظالمون‬ ‫المعتدون حيث تجاوزوا ما أحل ال لهم إلى ما حرم عليهم‪.‬‬ ‫(‪ )5‬مراعاة المانات والعهود بمعنى محافظتهم على ما ائتمنوا عليه من قول أو عمل ومن ذلك‬

‫سائر التكاليف الشرعية حتى الغسل من الجنابة فإنه من المانة وعلى عهودهم وسائر عقودهم‬ ‫الخاصة والعامة فل خيانة ول نكث ول خُلْف وقد تضمن هذا قوله تعالى‪{ :‬والذين هم لماناتهم‬ ‫وعهدهم راعون} أي حافظون‪.‬‬ ‫(‪ )6‬المحافظة على الصلوات الخمس بأدائها في أوقاتها المحددة لها فل يقدمونها ول يؤخرونها‬ ‫مع المحافظة على شروطها من طهارة الخبث وطهارة الحدث وإتمام ركوعها وسجودها‬ ‫واستكمال أكثر سننها وآدابها وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى‪{ :‬والذين هم على صلتهم‬ ‫يحافظون} ‪.‬‬ ‫فهذه ست صفات إجمالً وسبع صفات تفصيلً فمن اتصف بها كمل إيمانه وصدق عليه اسم‬ ‫المؤمن وكان من المفلحين الوارثين للفردوس العلى جعلنا ال تعالى منهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪.‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الخشوع في الصلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحريم نكاح المتعة لن المتمتع منها ليست زوجة لنها ل ترث ول تورث بخلف الزوجة‬ ‫فإنها لها الربع والثمن‪ ،‬ولزوجها النصف والربع‪ ،‬لن نكاح المتعة هو النكاح إلى أجل معين قد‬ ‫يكون شهرا أو أكثر أو أقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحريم العادة السرية وهي نكاح اليد وسحاق المرأة لن ذلك ليس بنكاح زوجة ول جارية‬ ‫مملوكة‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب أداء الزكاة ووجوب حفظ المانات ووجوب الوفاء بالعهود ووجوب المحافظة على‬ ‫الصلوات‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير حكم التوارث بين أهل الجنة وأهل النار فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار وأهل النار‬ ‫يرثون منازل أهل الجنة اللهم اجعلنا من الوارثين الذين يرثون الفردوس‪.‬‬ ‫طفَةً فِي قَرَارٍ ّمكِينٍ (‪ُ )13‬ثمّ‬ ‫جعَلْنَاهُ ُن ْ‬ ‫وَلَقَدْ خََلقْنَا النسَانَ مِن سُلَلةٍ مّن طِينٍ (‪ُ )12‬ثمّ َ‬

‫( ‪)3/506‬‬ ‫حمًا ُثمّ أَنشَأْنَاهُ خَ ْلقًا‬ ‫سوْنَا ا ْلعِظَامَ لَ ْ‬ ‫عظَامًا َفكَ َ‬ ‫ضغَةَ ِ‬ ‫ضغَةً فَخََلقْنَا ا ْل ُم ْ‬ ‫طفَةَ عََلقَةً فَخََلقْنَا ا ْلعََلقَةَ ُم ْ‬ ‫خََلقْنَا النّ ْ‬ ‫آخَرَ فَتَبَا َركَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَاِلقِينَ (‪ )14‬ثُمّ إِ ّن ُكمْ َبعْدَ ذَِلكَ َلمَيّتُونَ (‪ُ )15‬ثمّ إِ ّنكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ تُ ْبعَثُونَ (‬ ‫‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫من سللة‪ :‬السللة ما يستل من الشيء والمراد بها هنا ما استل من الطين لخلق آدم‪.‬‬ ‫نطفة في قرار مكين ‪ :‬النطفة قطرة الماء أي المني الذي يفرزه الفحل‪ ،‬والقرار المكين الرحم‬

‫المصون‪.‬‬ ‫العلقة‪ :‬الدم المتجمد الذي يعلق بالصبع لو حاول أحد أن يرفعه بإصبعه كمح البيض ‪.1‬‬ ‫والمضغة ‪ :‬قطعة لحم قدر ما يمضغ الكل‪.‬‬ ‫خلقا آخر ‪ :‬أي غير تلك المضغة إذ بعد نفخ الروح فيها صارت إنسانا‪.‬‬ ‫أحسن الخالقين ‪ :‬أي الصانعين فال يصنع والناس يصنعون وال أحسن الصانعين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪.:‬‬ ‫يخبر تعالى عن خلقه النسان آدم وذريته وفي ذلك تتجلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته والتي‬ ‫أوجبت عبادته وطاعته ومحبته وتعظيمه وتقديره فقال‪{ :‬ولقد خلقنا النسان}‪ 2‬يعني آدم عليه‬ ‫السلم {من سللة من طين} أي من خلصة طين جمعه فأصبح كالحمإ المسنون فاستل منه‬ ‫خلصته ومنها خلق آدم ونفخ فيه من روحه فكان بشرا سويا ول الحمد والمنة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة معطوفة على جملة‪{ :‬قد أفلح} فهي من عطف جملة ابتدائية على مثلها‪ :‬وهي‬ ‫كعطف قصة على أخرى‪ ،‬وهذا شروع في الستدلل على التوحيد والبعث والجزاء بمظاهر‬ ‫القدرة والعلم والحكمة‪ ،‬وهي مقتضية لعقيدة كل من التوحيد والبعث الخر حيث أنكرهما وكذّب‬ ‫بهما المشركون‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون المراد بالنسان آدم‪ ،‬وأن يكون أحد ذريته إذ السللة‪ :‬الشيء المستل أي‪:‬‬ ‫المنتزع من غيره فالطينة مستلة من مادة الطين‪.‬‬ ‫والمنيّ مستل كذلك من مادة ما يفرزه جهاز الهضم من الغذاء حين يصير دما‪ ،‬وهذه السللة‬ ‫مخرجة من الطين لنها من الغذية‪ ،‬والغذية أصلها من الرض وقوله تعالى‪{ :‬ثم جعلناه نطفة‬ ‫في قرار مكين} هذا طور آخر للخلق وهو طور اختلط السللتين في الرحم‪ ،‬وسميت النطفة‬ ‫نطفة‪ :‬لنها تنطف أي‪ :‬تقطر في الرحم في قناة معروفة وهي القرار المكين‪.‬‬

‫( ‪)3/507‬‬ ‫قوله‪{ :‬ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } أي ثم جعلنا النسان الذي هو ولد آدم نطفة من صُ ْلبِ آدم‬ ‫{في قرار مكين} هو رحم حواء {ثم خلقنا النطفة} المنحدرة من صلب آدم {علقة} أي قطعة دم‬ ‫جامدة تعلق بالصبع لو حاول النسان أن يرفعها بإصبعه‪{ ،‬خلقنا العلقة مضغة} وهي قطعة لحم‬ ‫قدر ما يمضغ الكل‪{ ،‬فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام ‪ 1‬لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ‪ }2‬أي‬ ‫إنسانا آخر غير آدم الب‪ ،‬وهكذا خلق ال عز وجل آدم وذريته‪{ ،‬فتبارك ال أحسن الخالقين}‪.‬‬ ‫وقد يصدق هذا على كون النسان هو خلصة عناصر شتى استحالت إلى نطفة الفحل ثم‬ ‫استحالت إلى علقة فمضغة فنفخ فيها الروح فصارت إنسانا آخر بعد أن كانت جمادا ل روح فيها‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬فتبارك ال أحسن الخالقين} فأثنى ال تعالى على نفسه بما هو أهله أي تعاظم أحسن‬ ‫الصانعين‪ ،‬إذ ل خالق إلّ هو ويطلق لفظ الخلق على الصناعة فحسن التعبير بلفظ أحسن الخالقين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{ :‬ثم إنكم بعد ذلك لميتون} أي بعد خلقنا لكم تعيشون المدة التي حددناها لكم ثم‬ ‫تموتون‪{ ،‬ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} أحياء للحساب والجزاء لتحيوا حياة أبدية ل يعقبها موت ول‬ ‫فناء ول بلء‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان خلق النسان والطوار التي يمر بها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مآل النسان بعد خلقه‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها الملحدة والمشركون‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وقد أثبت علم الجنة والشريح أن النطفة في طورها الثاني تعلق بجدار الرحم طيلة طورها‬ ‫الثاني فهي بمعنى عالقة ول منافاة بين كونها علقة وعالقة‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الحديث الصحيح‪" :‬إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة‪ ،‬ثم يكون علقة‬ ‫مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ‪ }..‬الحديث فإذا نفخ فيه‬ ‫الروح تهيأ للحياة والنماء وإليه الشارة بقوله تعالى‪{ :‬ثم أنشأناه خلقا آخر} وروي أن يهود‬ ‫يزعمون أن العزل هو الموؤدة الصغرى‪ ،‬وأن عليّا رد هذا وقال‪ :‬ل تكون موؤودة حتى تمر‬ ‫عليها التارات السبع أي‪ :‬الطوار التي في هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)3/508‬‬ ‫سكَنّاهُ‬ ‫سمَاء مَاء ِبقَدَرٍ فَأَ ْ‬ ‫ق َومَا كُنّا عَنِ الْخَ ْلقِ غَافِلِينَ (‪ )17‬وَأَنزَلْنَا مِنَ ال ّ‬ ‫وَلَقَدْ خََلقْنَا َف ْو َقكُمْ سَبْعَ طَرَا ِئ َ‬ ‫ض وَإِنّا عَلَى ذَهَابٍ ِبهِ َلقَادِرُونَ (‪ )18‬فَأَنشَأْنَا َلكُم ِبهِ جَنّاتٍ مّن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ّلكُمْ فِيهَا‬ ‫فِي ال ْر ِ‬ ‫ن َوصِبْغٍ لّلكِلِينَ (‪)20‬‬ ‫َفوَاكِهُ كَثِي َرةٌ َومِنْهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )19‬وَشَجَ َرةً َتخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَن ُبتُ بِالدّهْ ِ‬ ‫وَإِنّ َلكُمْ فِي ال ْنعَامِ َلعِبْ َرةً نّسقِيكُم ّممّا فِي بُطُو ِنهَا وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِي َر ٌة َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪)21‬‬ ‫حمَلُونَ (‪)22‬‬ ‫وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سبع طرائق ‪ :‬أي سبع سموات كل سماء يقال لها طريقة لن بعضها مطروق فوق بعض‪.‬‬ ‫ماء بقدر‪ :‬أي بمقدار معين ل يزيد ول ينقص‪.‬‬ ‫من طور سيناء ‪ :‬جبل يقال له جبل طور سيناء‪.‬‬

‫تنبت بالدهن‪ :‬أي تنبت بثمر فيه الدهن وهو الزيت‪.‬‬ ‫وصبغ للكلين‪ :‬أي يغمس الكل فيه اللقمة ويأكلها‪.‬‬ ‫في النعام لعبرة‪ :‬النعام البل والبقر والغنم والعبرة فيها تحصل لمن تأمل خلقها ومنافعها‪.‬‬ ‫مما في بطونها‪ :‬أي من اللبن‪.‬‬ ‫منافع كثيرة ‪ :‬كالوبر والصوف واللبن والركوب‪.‬‬ ‫ومنها تأكلون ‪ :‬أي من لحومها‪.‬‬ ‫تحملون‪ :‬أي تركبون البل في البر وتركبون السفن في البحر‪.‬‬

‫( ‪)3/509‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في ذكر نعمه ‪ 1‬تعالى على النسان لعل هذا النسان يذكر فيشكر فقال تعالى ‪:‬‬ ‫{ولقد خلقنا فوقكم سبع ‪ 2‬طرائق} أي سموات سماء فوق سماء أي طريقة فوق طريقة وطبقا فوق‬ ‫طبق وقوله تعالى‪{ :‬وما كنا عن الخلق غافلين} أي ولم نكن غافلين عن خلقنا وبذلك انتظم الكون‬ ‫والحياة‪ ،‬وإلّ لخرب كل شيء وفسد وقوله تعالى‪{ :‬وأنزلنا من السماء ماءً بقدر} هو ماء المطر‬ ‫أي بكميات على قدر الحاجة وقوله {فأسكناه في الرض ‪ 3‬وإنا على ذهاب به لقادرون‪ ،‬فأنشأنا‬ ‫لكم به جنات} أي أوجدنا لكم به بساتين من نخيل وأعناب {لكم فيها} أي في تلك البساتين {فواكه ‪4‬‬ ‫كثيرة ومنها تأكلون} أي ومن تلك الفواكه تأكلون وذكر النخيل والعنب دون غيرهما لوجودهما‬ ‫بين العرب فهم يعرفونهما أكثر من غيرهما فالنخيل بالمدينة والعنب بالطائف‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وشجرة ‪ 5‬تخرج من طور سيناء} أي وأنبت لكم به شجرة الزيتون وهي {تنبت بالدهن ‪6‬‬ ‫وصبغ للكلين} فبزيتها يدهن ويؤتدم فتصبغ اللقمة به وتؤكل‪ .‬وقوله‪{ :‬وإن لكم في النعام لعبرة}‬ ‫فتأملوها في خلقها وحياتها ومنافعها تعبرون بها إلى اليمان والتوحيد والطاعة‪ .‬وقوله‪{ :‬نسقيكم ‪7‬‬ ‫مما في بطونها} من ألبان تخرج من بين فرث ودم‪ ،‬وقوله‪{ :‬ولكم فيها منافع كثيرة} كصوفها‬ ‫ووبرها ولبنها وأكل لحومها‪ .‬وقوله ‪{ :‬وعليها وعلى الفلك تحملون} وعلى بعضها كالبل تحملون‬ ‫في البر وعلى السفن في البحر‪ .‬أفل تشكرون ل هذه النعم فتذكروه وتشكروه أليست هذه النعم‬ ‫موجبة لشكر المنعم بها فيُعبد ويوحد في عبادته؟‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وفي ذكر أدلة التوحيد إذ تقدم الستدلل على التوحيد بخلق النسان وهذا استدلل بخلق العدالة‬ ‫العلوية‪.‬‬ ‫‪ 2‬الطرائق‪ :‬جمع طريقة‪ ،‬وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث فهل المراد بها هنا طرق الملئكة أو‬ ‫طرق سير الكواكب وهو سمتها وما تجري فيه أو هي السبع السموات‪ ،‬ومعنى طرائق‪ :‬أن‬

‫بعضها فوق بعض من قولهم طارق بين ثوبين جعل أحدهما فوق الثاني‪ ،‬ويكون المعنى طباقا‬ ‫وهذا هو الراجح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫‪{ 3‬أسكناه في الرض} منه ما هو ظاهر كماء الودية‪ ،‬والنهار‪ ،‬ومنه ما هو باطن‪ ،‬وهو المياه‬ ‫الجوفية‪ ،‬وإن ال تعالى على ذهابه من ظاهر الرض كباطنها قدير‪ ،‬ويومها تهلك البشرية‪ ،‬وهذه‬ ‫الية كقوله‪{ :‬قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين}‪.‬‬ ‫‪ 4‬جمع فاكهة وهي‪ :‬ما يؤكل تفكّها بآكله أي‪ :‬تلذّذا بطعمه من غير قصد القوت‪ ،‬وما يؤكل لجل‬ ‫الطعام يقال له‪ :‬طعام ول يقال له فاكهة‪.‬‬ ‫‪ 5‬وشجرة‪ :‬معطوفة على جنات أي‪ :‬وأخرجنا لكم به شجرة‪.‬‬ ‫‪ 6‬الباء في {بالدهن} للمصاحبة نحو‪ :‬خرج زيد بسلمة أي‪ :‬مصحوبا بسلمة‪.‬‬ ‫‪ 7‬قرىء {نسقيكم} بضم النون من أسقاه‪ ،‬وبفتحها من سقاه كذا‪.‬‬

‫( ‪)3/510‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان قدرة ال تعالى وعظمته في خلق السموات طرائق وعدم غفلته عن سائر خلقه فسار كل‬ ‫شيء لما خلق له فثبت الكون وانتظمت الحياة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان افضال ال تعالى في إنزال الماء بقدر وإسكانه في الرض وعدم إذهابه مما يوجب‬ ‫الشكر ل تعالى على عباده‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان منافع الزيت حيث ‪ 1‬هو للدهن والئتدام والستصباح‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل ال على العباد في خلق النعام والسفن للنتفاع بالنعام في جوانب كثيرة منها‪ ،‬وفي‬ ‫السفن للركوب عليها وحمل السلع والبضائع من إقليم إلى إقليم‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب شكر ال تعالى على إنعامه وذلك باليمان به وعبادته وتوحيده فيها‪.‬‬ ‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ َأفَل تَ ّتقُونَ (‪َ )23‬فقَالَ ا ْلمَل‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا مِن َق ْومِهِ مَا هَذَا إِل َبشَرٌ مّثُْلكُمْ يُرِيدُ أَن يَ َت َفضّلَ عَلَ ْيكُمْ وََلوْ شَاء اللّهُ لن َزلَ مَل ِئكَةً مّا‬ ‫جلٌ بِهِ جِنّةٌ فَتَرَ ّبصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ (‪ )25‬قَالَ َربّ‬ ‫س ِمعْنَا ِبهَذَا فِي آبَائِنَا الوّلِينَ (‪ )24‬إِنْ ُهوَ إِل َر ُ‬ ‫َ‬ ‫انصُرْنِي ِبمَا َكذّبُونِ (‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اعبدوا ال ‪ :‬أي وحدوه بالعبادة إذ ليس لكم من إله غيره‪.‬‬ ‫أفل تتقون ‪ :‬أي أتعبدون معه غيره فل تخافون غضبه وعقابه‪.‬‬ ‫المل ‪ :‬أي أعيان البلد وكبراء القوم‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية إشارة إلى أن شجر الزيتون أول ما وجد على الرض وُجد بطور سيناء ثم تناقله‬ ‫الناس من إقليم إلى آخر‪ ،‬فقوله {تخرج من طور سيناء} إعلم بأول منبت لها‪.‬‬

‫( ‪)3/511‬‬ ‫ما هذا إلّ بشر مثلكم ‪ :‬أي ما نوح إلّ بشر مثلكم فكيف تطيعونه بقبول ما يدعوكم إليه‪.‬‬ ‫أن يتفضل عليكم ‪ :‬أي يسودكم ويصبح آمرا ناهيا بينكم‪.‬‬ ‫ولو شاء ال لنزل ملئكة‪ :‬أي لو شاء ال إرسال رسول لنزل ملئكة رسل‪.‬‬ ‫رجل به جنة ‪ :‬أي مصاب بمس من جنون‪.‬‬ ‫فتربصوا به حتى حين‪ :‬أي فل تسمعوا له ول تطيعوه وانتظروا به هلكه أو شفاءه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا السياق بداية عدة قصص ذكرت على إثر قصة بدأ خلق النسان الول آدم عليه السلم فقال‬ ‫تعالى‪{ :‬ولقد أرسلنا نوحا} ‪ 1‬أي قبلك يا رسولنا فكذبوه كما كذبك قومك وإليك قصته إذ قال يا‬ ‫قوم اعبدوا ال أي وحدوه في العبادة‪ ،‬ول تعبدوا معه عيره {مالكم من إله غيره ‪ }2‬أي إذ ليس لكم‬ ‫من إله غيره يستحق عبادتكم‪ .‬وقوله‪{ :‬أفل تتقون} أي أتعبدون معه غيره أفل تخافون غضبه‬ ‫عليكم ثم عقابه لكم؟‪.‬‬ ‫فأجابه قومه المشركون بما أخبر تعالى به عنهم في قوله‪{ :‬فقال المل الذين كفروا من قومه} أي‬ ‫فرد عليه قوله أشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم من أغنياء وأعيان ممن كفروا من قومه {ما هذا}‬ ‫أي نوح {إلّ بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم} أي يسود ‪ 3‬ويشرف فادعى أنه رسول ال إليكم‪.‬‬ ‫{ولو شاء ال} أي أن ل نعبد معه سواه {لنزل ملئكة} تخبرنا بذلك {ما سمعنا بهذا} أي بالذي‬ ‫جاء به نوح ودعا إليه من ترك عبادة آلهتنا {قي آبائنا الولين} أي لم يقل به أحد من أجدادنا‬ ‫السابقين {إن هو إلّ رجل به جنة} أي ما نوح إلّ رجل به مس من جنون‪ ،‬وإلّ لما قال هذا الذي‬ ‫يقول من تسفيهنا وتسفيه آبائنا {فتربصوا ‪ 4‬به حتى حين} أي انتظروا به أجله حتى يموت‪ ،‬ول‬ ‫تتركوا دينكم لجله وهنا وبعد قرون طويلة بلغت ألف سنة إلّ خمسين شكا نوح إلى ربه وطلب‬ ‫النصر منه فقال ما أخبر تعالى به عنه {قال ربّ انصرني ‪ 5‬بما كذبون} أي أهلكهم بسبب تكذيبهم‬ ‫إياي وانصرني عليهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فوائد سرد القصص كثيرة منها‪ :‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر مما‬ ‫يلقى من قومه‪ ،‬ومنها‪ :‬العظة والعتبار بما جرى من أحداث‪ ،‬ومنها تقرير التوحيد وإثبات النبوة‬ ‫المحمدية واللم في‪{ :‬ولقد أرسلنا} موطئة للقسم أي‪ :‬وعزّتنا لقد أرسلنا نوحا‪.‬‬

‫‪ 2‬قرأ الجمهور بجرّ {إله} ورفع {غيره} وقرأ بعضهم‪ :‬بجر {غيره} لنه نعت لله المجرور‬ ‫بحرف الجر الزائد ورفع {غيره} هو على المحل إذ محل {إله} الرفع وإنما منع منه حرف الجر‬ ‫الزائد‪.‬‬ ‫‪ 3‬قولهم‪ :‬هذا ناتج عن نفسياتهم المتهالكة على حب الرئاسة والشر الموهوم‪.‬‬ ‫‪ 4‬التربص‪ :‬التوقف على عمل يراد عمله‪ ،‬والتريث فيه لما قد يغني عنه‪.‬‬ ‫‪{ 5‬قال ربّ انصرني} هذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لنها واقعة جوابا لسؤال مقدّر تقديره‪ :‬لما‬ ‫كذب قومه ماذا فعل؟ والجواب‪ :‬دعا عليهم‪{ :‬قال ربّ انصرني}‪.‬‬

‫( ‪)3/512‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات النبوة المحمدية بذكر أخبار الغيب التي ل تعلم إلّ من طريق الوحي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد بذكر دعوة الرسل أقوامهم إليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سنة من سنن البشر وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان كيف يرد الظالمون دعوة الحق بإتهام الدعاة بما هم براء منه كالجنون وغيره من‬ ‫التهامات كالعمالة لفلن والتملق لفلن‪.‬‬ ‫فََأوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ ا ْلفُ ْلكَ بِأَعْيُنِنَا َووَحْيِنَا فَإِذَا جَاء َأمْرُنَا َوفَارَ التّنّورُ فَاسُْلكْ فِيهَا مِن ُكلّ َز ْوجَيْنِ‬ ‫ن وَأَهَْلكَ إِل مَن سَ َبقَ عَلَيْهِ ا ْلقَ ْولُ مِ ْنهُ ْم وَل ُتخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظََلمُوا إِ ّنهُم ّمغْ َرقُونَ (‪ )27‬فَإِذَا‬ ‫اثْنَيْ ِ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي َنجّانَا مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪َ )28‬وقُل ّربّ‬ ‫اسْ َتوَ ْيتَ أَنتَ َومَن ّم َعكَ عَلَى ا ْلفُ ْلكِ َف ُقلِ الْ َ‬ ‫ت وَإِن كُنّا َلمُبْتَلِينَ ( ‪)30‬‬ ‫ك ليَا ٍ‬ ‫أَنزِلْنِي مُنزَل مّبَا َركًا وَأَنتَ خَيْرُ ا ْلمُنزِلِينَ (‪ )29‬إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فأوحينا إليه أن أصنع ‪ :‬أي أعلمناه بطريق سريع خفي أي اصنع الفلك‪.‬‬ ‫بأعيننا ووحيينا ‪ :‬أي بمرأى منا ومنظر‪ ،‬وبتعليمنا إياك صنعها‪.‬‬ ‫وفار التنور ‪ :‬تنور الخباز فار منه الماء آية بداية الطوفان‪.‬‬ ‫فاسلك فيها ‪ :‬أي أدخل في السفينة‪.‬‬ ‫وأهلك ‪ :‬أولدك ونساءك‪.‬‬ ‫ول تخاطبني في الذين ظلموا ‪ :‬أي ل تكلمني في شأن الظالمين فإني حكمت بإغراقهم‪.‬‬ ‫وقل رب ‪ :‬أي وادعني قائلً يا رب أنزلني منزلً مباركا من الرض‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات ‪ :‬أي لدلئل وعبر‪.‬‬

‫( ‪)3/513‬‬ ‫وإن كنا لمبتلين‪ :‬أي لمختبرين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في ذكر قصة نوح عليه السلم مع قومه فقد جاء في اليات السابقة أن نوحا‬ ‫عليه السلم دعا ربه مستنصرا إياه لينصره على قومه الذين كذبوه قائلً‪{ :‬رب انصرني ‪ 1‬بما‬ ‫كذبون} فاستجاب ال تعالى دعاءه فأوحى إليه أي أعلمه بطريق الوحي الخاص {أن اصنع الفلك}‬ ‫أي السفينة {بأعيننا ووحينا} أي بمرأى منا ومنظر وبتعليمنا إياك وجعل له علمة على بداية‬ ‫هلك القوم أن يفور التنور تنور طبخ الخبز بالماء وأمره إذا راى تلك العلمة أن يدخل في‬ ‫السفينة من كل زوج أي ذكر وأنثى اثنين من سائر الحيوانات التي أمكنه ذلك منه وأن يركب فيها‬ ‫أيضا أهله من زوجة وولد إلّ من قضى ال بهلكه ونهاه أن يكلمه في شأن الظالمين لنهم‬ ‫مغرقون قطعا‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى (‪{ )27‬فأوحينا إليه أن أصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا‬ ‫جاء أمرنا} أي بإهلك الظالمين المشركين {وفار التنور‪ ،‬فاسلك فيها} أي في السفينة {من كل‬ ‫زوجين ‪ 2‬اثنين ‪ ،3‬وأهلك} أي أزواجك وأولدك {إلّ من سبق عليه القول منهم} أي بإهلكهم‬ ‫كامرأته‪{ ،‬ول تخاطبني في الذين ‪ 4‬ظلموا} أي ل تسألني عنهم فإني مهلكهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فإذا استويت ‪ 5‬أنت ومن معك على الفلك} أي إذا ركبت واستقررْت على متن‬ ‫السفينة أنت ومن معك من المؤمنين فاحمدنا فقل الحمد ل الذي نجانا من القوم الظالمين ‪ 6‬وادعنا‬ ‫ضارعا إلينا قائلً {رب أنزلني منزلً مباركا‪ }7‬أي من الرض‪ ،‬وَأَثْن علينا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الباء سببية في موضع الحال من النصر المأخوذ في فعل الدعاء‪ ،‬وجملة {أن اصنع} جملة‬ ‫مفسرة لجملة‪{ :‬أوحينا} لنّ الوحي فيه معنى القول دون حروفه‪ ،‬فأن تفسيرية قطعا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الزوج‪ :‬اسم لكل شيء له شيء آخر متصل به بحيث يجعله شفعا في حالة ما‪ ،‬والمراد به هنا‪:‬‬ ‫أزواج الحيوانات لحفظ نوعها حتى ل تنقرض بالطوفان‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ حفص {من كلّ} بتنوين كل‪ ،‬وقرأ نافع وغيره بل تنوين أي‪ :‬بإضافة اثنين إلى كل‪ ،‬وتنوين‬ ‫كل تنوين عوض أي‪ :‬من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬في شأنهم فإنهم قد قضى بإهلكهم ول رادٌ لقضائه تعالى‪.‬‬ ‫‪ 5‬استويت‪ :‬أي علوت فوقها واستقررت فيها‪ ،‬وحرف الجر {على} مؤذن بالستقرار والتمكن منه‪.‬‬ ‫‪ 6‬الظالمين‪ :‬أي المشركين‪ ،‬لن الظلم هو الشرك‪ ،‬والتنجية‪ :‬النجاء من شرهم وأذاهم وشركهم‬ ‫وكفرهم‪.‬‬

‫‪ 7‬المنزل بضم الميم‪ :‬وفتح الزاي‪ :‬مصدر الذي هو النزال‪ ،‬وبفتح الميم وكسر الزاي هو مكان‬ ‫النزول أي‪ :‬أنزلني موضعا مباركا‪ ،‬والمنزل بفتح الميم والزاي معا‪ :‬مصدر نزل نزول ومنزلً‪.‬‬

‫( ‪)3/514‬‬ ‫خيرا فقل {وأنت خير المنزلين}‪ ،1‬وقوله تعالى‪{ :‬إن في ذلك ليات} أي المذكور من قصة نوح‬ ‫لدلئل على قدرة ال وعلمه ورحمته وحكمته ووجوب اليمان به وتوحيده في عبادته‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{وإن كنا لمبتلين} أي مختبرين عبادنا بالخير والشر ليرى الكافر من المؤمن‪ ،‬والمطيع من‬ ‫العاصي ويتم الجزاء حسب ذلك إظهارا للعدالة اللهية والرحمة الربانية‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات الوحي اللهي وتقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير حادثة الطوفان المعروفة لدى المؤرخين‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان عاقبة الظلم وأنه هلك الظالمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬سنية قول بسم ال والحمد ل سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين‪ ،‬وإنا إلى ربنا‬ ‫لمنقلبون عند ركوب الدابة أو السفينة ونحوها كالسيارة والطيارة‪.‬‬ ‫‪ -5‬استحباب الدعاء وسؤال ال تعالى ما العبد في حاجة إليه من خير الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان سر ذكر قصة نوح وهو ما فيها من العظات والعبر‪.‬‬ ‫ثُمّ أَنشَأْنَا مِن َبعْدِ ِهمْ قَرْنًا آخَرِينَ (‪ )31‬فَأَ ْرسَلْنَا فِيهِمْ رَسُول مِ ْنهُمْ أَنِ اعْ ُبدُوا اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إَِلهٍ‬ ‫غَيْ ُرهُ َأفَل تَ ّتقُونَ (‪َ )32‬وقَالَ ا ْلمَل مِن َق ْومِهِ الّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِِلقَاء الخِ َر ِة وَأَتْ َرفْنَاهُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ‬ ‫طعْتُم َبشَرًا‬ ‫الدّنْيَا مَا هَذَا إِل َبشَرٌ مّثُْلكُمْ يَ ْأ ُكلُ ِممّا تَ ْأكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْ َربُ ِممّا َتشْرَبُونَ (‪ )33‬وَلَئِنْ َأ َ‬ ‫مِثَْلكُمْ إِ ّنكُمْ إِذًا لّخَاسِرُونَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الية تعليم للمؤمنين إذا ركبوا أو نزلوا أن يدعوا بهذا الدعاء بل حتى إذا دخلوا بيوتهم‬ ‫وسلموا فقد كان عليّ رضي ال عنه إذا دخل المسجد دعا بهذا الدعاء ‪{ :‬ربّ أنزلني ‪ }..‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)3/515‬‬ ‫(‪ )34‬أَ َيعِ ُدكُمْ أَ ّنكُمْ ِإذَا مِتّ ْم َوكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَ ّنكُم مّخْرَجُونَ (‪ )35‬هَ ْيهَاتَ هَ ْيهَاتَ ِلمَا تُوعَدُونَ (‬ ‫جلٌ افْتَرَى عَلَى‬ ‫‪ )36‬إِنْ ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ وَنَحْيَا َومَا نَحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ (‪ )37‬إِنْ ُهوَ إِل رَ ُ‬ ‫اللّهِ َكذِبًا َومَا نَحْنُ َلهُ ِب ُم ْؤمِنِينَ (‪)38‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ثم أنشأنا من بعدهم قَرْنا آخرين‪ :‬أي خلقنا من بعد قوم نوح الهالكين قوما آخرين هم عاد قوم‬ ‫هود‪.‬‬ ‫رسولً منهم‪ :‬هو هود عليه السلم‪.‬‬ ‫أن اعبدوا ال ما لكم من إله غيره ‪ :‬أي قولوا ل إله إلّ ال فاعبدوا ال وحده‪.‬‬ ‫وأترفناهم‪ :‬أي أنعمنا عليهم بالمال وسعة العيش‪.‬‬ ‫أنكم مخرجون‪ :‬أي أحياء من قبوركم بعد موتكم‪.‬‬ ‫هيهات هيهات‪ :‬أي َبعُدَ ُبعْدا كبيرا وقوعُ ما يعدكم‪.‬‬ ‫إن هي إلّ حياتنا الدنيا ‪ :‬أي ما هي إلّ حياتنا الدنيا وليس وراءها حياة أخرى‪.‬‬ ‫إن هو إلّ رجل‪ :‬أي ما هو إلّ رجلٌ افترى على ال كذبا أي كذب على ال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصة هود عليه السلم بعد قصة نوح عليه السلم أيضا فقال تعالى‪{ :‬ثم أنشأنا من‬ ‫بعدهم} أي خلقنا وأوجدنا من بعد قوم نوح الهالكين قوما آخرين هم ‪ 1‬عاد قوم هود {فأرسلنا فيهم‬ ‫ل منهم} هو هود عليه السلم بأن قال لهم‪{ :‬أن اعبدوا ال ما‬ ‫‪ 2‬رسو ً‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وقيل هم قوم صالح بقرينة قوله تعالى‪{ :‬فأخذتهم الصيحة} وهي التي أهلك ال تعالى بها ثمود‬ ‫قوم صالح إذ قال تعالى‪{ :‬فأخذتهم الصيحة مصبحين} من سورة الحجر‪ .‬ورشح هذا لنّ فيها‬ ‫العبرة أكثر لوجود آثارهم في ديارهم شمال الحجاز إلّ أن ذكر عاد بعد قوم نوح هو الوارد في‬ ‫كل قصص القرآن وبترجيح الزمان إذ عاد أوّل أمّة أهلكت بعد قوم نوح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قوله‪{ :‬فيهم} بدل إليهم‪ :‬لن هودا أو صالحا كان المرسل من أهل البلد وفردا من أفرادهم فل‬ ‫يحسن أن يقال‪ :‬إلى إلّ إذا كان خارجا عنهم ليس من أفرادهم‪ ،‬وذلك كما في أهل سدوم‪ ،‬ونينوي‬ ‫والقبط فجاء التعبير بإلى نحو‪{ :‬إلى فرعون وملئه}‪.‬‬

‫( ‪)3/516‬‬ ‫لكم من إله غيره} أي اعبدوا ال بطاعته وإفراده بالعبادة إذ ل يوجد لكم إله غير ال تصح عبادته‬ ‫إذ الخالق لكم الرازق ال وحده فغيره ل يستحق العبادة بحال من الحوال وقوله ‪{ :‬أفل تتقون}‬ ‫يحثهم على الخوف من ال ويأمرهم به قبل أن تنزل بهم عقوبته‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وقال المل من قومه الذين كفروا} أي وقال أعيان البلد وأشرافها من قوم هود‬ ‫ممن كفروا بال ورسوله وكذبوا بالبعث والجزاء في الدار الخرة وقد أترفهم ‪ 1‬ال تعالى‪ :‬بالمال‬ ‫وسعة الرزق فأسرفوا في الملذ والشهوات‪ :‬قالوا‪ :‬وماذا قالوا؟‪ :‬قالوا ما أخبرنا تعالى به عنهم‬

‫بقوله‪{ :‬ما هذا إلّ بشر مثلكم} أي ما هذا الرسول إلّ بشر مثلكم {يأكل مما تأكلون منه} من أنواع‬ ‫الطعام {ويشرب مما تشربون} من ألوان الشراب ‪ 2‬أي فل فرق بينكم وبينه فكيف ترضون‬ ‫بسيادته عليكم يأمركم وينهاكم‪ .‬وقالو‪{ :‬ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون} أي خاسرون‬ ‫حياتكم ومكانتكم‪ ،‬وقالوا {أيعدكم ‪ 3‬أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما} أي فنيتم وصرتم ترابا {أنكم‬ ‫مُخْرجِون} أي أحياء من قبوركم‪ .‬وقالوا‪{ :‬هيهات ‪ 4‬هيهات} أي َبعُد ُبعْدا كبيرا ما يعدكم به هود‬ ‫إنهاما {هي إلّ حياتنا الدنيا} أي {نموت ونحيا} جيل ‪ 5‬يموت وجيل يحيا {وما نحن بمبعوثين}‬ ‫وقالوا‪{ :‬إن هو إلّ رجل أفترى ‪ 6‬على ال كذبا} أي اختلق الكذب على ال وقال عنه أنه يبعثكم‬ ‫ويحاسبكم ويجزيكم بكسبكم‪{ .‬وقالوا ما نحن بمبعوثين} هذه مقالتهم ذكرها تعالى عنهم وهي‬ ‫مصرحة بكفرهم وتكذيبهم وإلحادهم وما سيقوله هود عليه السلم سيأتي في اليات بعد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في إرسال الرسل‪ ،‬وما تبتدىء به دعوتهم وهول إله إلّ ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬وسعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا‪ ،‬وصاروا يؤتون بالترفة وهي كالتحفة‪ ،‬يقال‪ :‬أترفه‬ ‫المال‪ :‬إذا أبطره وأفسده‪.‬‬ ‫‪ 2‬في قولهم‪ :‬يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون‪ .‬هذه الجملة وإن كانت تعليل لبشرية الرسول‬ ‫فإنها دالة على أنهم حقا مترفون منعّمون في ملذ الكل والشرب كأنّه ل هم لهم إلّ ذاك‪ ،‬كما‬ ‫قيل‪ :‬من أحب شيئا أكثر من ذكره كما هي مجالس المترفين اليوم جل لحاديثهم حول الكل‬ ‫والشرب ونحوهما‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للتعجيب‪ ،‬والكلم انتقال من تكذيبهم بكونه رسولً إليهم إلى التكذيب بما أرسل به من‬ ‫الدين الحق‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجمهور من النّحاة واللغويين‪ :‬أن هيهات اسم فعل ماضٍ بمعنى َبعُدَ وهي مبنية على الفتح‬ ‫والكسر أيضا ول تُقال إلّ مكررة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫فهيهات هيهات العقيق وأهله‬ ‫هيهات خلّ بالعقيق نواصله‬ ‫‪ 5‬إن قيل‪ :‬كيف قالوا‪ :‬نموت ونحيا وهم منكرون للبعث؟ قيل في الجواب‪ :‬إما أن يكون مرادهم‬ ‫نكون نطفا ميتة ثم نحيا‪ ،‬وإما أن يكون في الكلم تقديم وتأخير أي‪ :‬نحيا فيها ونموت نحو‬ ‫{واسجدي واركعي} وإما بموت الباء وحياة البناء‪.‬‬ ‫‪ 6‬الفتراء‪ :‬الكذب الذي ل شبهة فيه للمخبر‪ ،‬وهو الختلق‪.‬‬

‫( ‪)3/517‬‬

‫‪ -2‬أهل الكفر ل يصدر عنهم إل ما هو شر وباطل لفساد قلوبهم‪.‬‬ ‫حذَرْ بالقتصاد‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترب سِبب كثيرا من المفاسد والشرور‪ ،‬ولهذا يجب أن يُ ْ‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثباتها وهي ما ينكره الملحدة هروبا من الستقامة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تُكأة عامة المشركين وهي كيف يكون الرسول رجلً من البشر‪ ،‬دفعا للحق وعدم قبوله‪.‬‬ ‫حقّ‬ ‫عمّا قَلِيلٍ لَ ُيصْ ِبحُنّ نَا ِدمِينَ (‪ )40‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّيْحَةُ بِالْ َ‬ ‫قَالَ َربّ انصُرْنِي ِبمَا كَذّبُونِ (‪ )39‬قَالَ َ‬ ‫جعَلْنَا ُهمْ غُثَاء فَ ُب ْعدًا لّ ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ُ )41‬ثمّ أَنشَأْنَا مِن َب ْعدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (‪ )42‬مَا َتسْبِقُ مِنْ ُأمّةٍ‬ ‫فَ َ‬ ‫ضهُم‬ ‫أَجََلهَا َومَا يَسْتَ ْأخِرُونَ (‪ )43‬ثُمّ أَ ْرسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ُكلّ مَا جَاء ُأمّةً رّسُوُلهَا كَذّبُوهُ فَأَتْ َبعْنَا َب ْع َ‬ ‫جعَلْنَاهُمْ َأحَادِيثَ فَ ُبعْدًا ّلقَوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪)44‬‬ ‫َب ْعضًا َو َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عما قليل‪ :‬أي عن قليل من الزمن‪.‬‬ ‫ليصبحن نادمين‪ :‬ليصيرن نادمين على كفرهم وتكذيبهم‪.‬‬ ‫فأخذتهم الصيحة ‪ :‬أي صيحة العذاب والهلك‪.‬‬ ‫فجعلناهم غثاء ‪ :‬كغثاء السيل وهو ما يجمعه الوادي من العيدان والنبات اليابس‪.‬‬ ‫فبعدا‪ :‬أي هلكا لهم‪.‬ا‬ ‫ثم أنشأنا‪ :‬أي أوجدنا من بعدهم أهل قرون آخرين كقوم صالح وإبراهيم ولوط وشعيب‪.‬‬ ‫تترا ‪ :‬أي يتبع بعضها بعضا الواحدة عقب الخرى‪.‬‬ ‫وجعلناهم أحاديث‪ :‬أي أهلكناهم وتركناهم قصصا تقص وأخبارا تتناقل‪.‬‬

‫( ‪)3/518‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا ما قال هود ‪ 1‬عليه السلم بعد الذي ذكر تعالى من أقوال قومه الكافرين {قال رب} أي يا رب‬ ‫{انصرني بما كذبون ‪ }2‬أي بسبب تكذبيهم لي وردهم دعوتي وإصرارهم على الكفر بك وعبادة‬ ‫غيرك فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله‪{ :‬عما قليل ليصبحن نادمين} أي بعد قليل من الوقت‬ ‫وعزتنا وجللنا ليصبحن نادمين أي ليصيرن نادمين على كفرهم بي وإشراكهم في عبادتي‬ ‫وتكذيبهم إياك ولم يمض إلّ قليل زمن حتى أخذتهم الصيحة صيحة الهلك ضمن ريح صرصر‬ ‫في أيام نحسات فإذا هم غثاء كغثاء السيل ل حياة فيهم ول فائدة ترجى منهم {فبعدا للقوم‬ ‫الظالمين} أي هلكا للظالمين بالشرك والتكذيب والمعاصي وقوله تعالى‪{ :‬ثم أنشأنا من بعدهم‬ ‫قرونا آخرين ‪ }3‬أي ثم أوجدنا بعد إهلكنا عادا أهل قرون آخرين كقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم‬ ‫لوط وقوم شعيب‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون} أي إن كل أمة حكمنا‬

‫بهلكها ل يمكنها أن تسبق أجلها أي وقتها المحدود لها فتتقدمه كما ل يمكنها أن تتأخر عنه بحال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ثم أرسلنا رسلنا تترا ‪ }4‬أي يتبع بعضها بعضا {كلما جاء أمة رسولها كذبوه فاتبعنا‬ ‫بعضهم بعضا} أي في الهلك فكلما كذبت أمة رسولها ورفضت التوبة إلى ال والنابة إليه‬ ‫أهلكها‪ ،‬وقوله تعالى {وجعلناهم أحاديث ‪ }5‬أي لمن بعدهم يذكرون أحوالهم ويروون أخبارهم‬ ‫{فبعدا} أي هلكا منا {لقوم ل يؤمنون} في هذا تهديد قوي لقريش المصرة على الشرك والتكذيب‬ ‫والعناد‪ .‬وقد مضت فيهم سنة ال فأهلك المجرمين منها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬دَرَج الجمهور من المفسرين على أن القصص المذكور هنا كما هو في سائر السور هو قصص‬ ‫هود عليه السلم‪ ،‬وذهب ابن جرير وبعضٌ آخر إلى أنه قصة صالح لقرينة {فأخذتهم الصيحة}‬ ‫وقال الجمهور‪ :‬يمكن أن تكون الصيحة ضمن عواصف الريح العقيم التي أرسلها تعالى على عاد‬ ‫قوم هود فأخذتهم فهلكوا بها والرياح عصفت بهم فمزقت وشتتت شملهم وتركتهم كأعجاز نخل‬ ‫خاوية ثم تفتتوا وصاروا كالغثاء وهذا الجمع أحسن‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الكلم حذف اقتضاه اليجاز غير المخل وهو‪ :‬فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم ثم أنشأنا‪.‬‬ ‫‪ 3‬من في قوله {من أمة} صلة زيدت لتقوية النفي وتوكيده‪ ،‬والصل ما تسبق أمّة‪.‬‬ ‫‪{ 4‬تترى} على وزن فعلى كدعوى وسلوى‪ ،‬واللف فيه للتأنيث‪ ،‬وأصله وترى من الوتر‪ ،‬الذي‬ ‫هو الفرد أبدلت الواو تاء كما أبدلت في تراث من الورث‪ ،‬وتجاه من الوجه‪ ،‬ول يقال‪ :‬تترى إلّ‬ ‫إذا كان هناك تعاقب وانقطاع‪ ،‬وقرىء منونا تترىً‪ ،‬وهو منصوب على الحال في القراءتين معا‪.‬‬ ‫‪ 5‬جمع أحدوثة وهو ما يتحدّث به كأعاجيب جمع أعجوبة‪ ،‬وعي ما يتعجب منه‪ ،‬ومثل هذا‬ ‫التعبير‪ :‬أحاديث‪ :‬ل يقال في الخير وإنما يقال في الشر ل غير لقوله تعالى‪{ :‬فجعلناهم أحاديث‬ ‫ومزّقناهم كلّ ممزق} رقد يقال في الخير إذا كان مقيّدا بذكره نحو قول ابن دريد‪:‬‬ ‫إنما المرء حديث بعده‬ ‫فكن حديثا حسنا لمن وعى‬

‫( ‪)3/519‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬استجابة ال دعوة المظلومين من عباده لسيما إن كانوا عبادا صالحين‪.‬‬ ‫‪ -2‬الجال للفراد أو المم ل تتقدم ول تتأخر سنة من سنن ال تعالى في خلقه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير حقيقة تاريخية علمية وهي أن المم السابقة كلها هلكت بتكذيبها وكفرها ولم ينج منها‬ ‫ل المؤمنون مع رسولهم‪.‬‬ ‫عند نزول العذاب بها إ ّ‬

‫‪ -4‬كرامة هذه المة المحمدية أن ال تعالى ل يهلكها هلكا عاما بل تبقى بقاء الحياة تقوم بها‬ ‫الحجة ل تعالى على المم والشعوب المعاصرة لها طيلة الحياة‪.‬‬ ‫عوْنَ َومَلَئِهِ فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا‬ ‫ثُمّ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُ ْلطَانٍ مّبِينٍ (‪ )45‬إِلَى فِرْ َ‬ ‫َق ْومًا عَالِينَ (‪َ )46‬فقَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا َو َق ْو ُمهُمَا لَنَا عَا ِبدُونَ (‪َ )47‬فكَذّبُو ُهمَا َفكَانُوا مِنَ‬ ‫جعَلْنَا ابْنَ مَرْيَ َم وَُأمّهُ آيَ ًة وَآوَيْنَا ُهمَا‬ ‫ا ْل ُمهَْلكِينَ (‪ )48‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ (‪ )49‬وَ َ‬ ‫إِلَى رَ ْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِينٍ (‪) 50‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بآياتنا وسلطان مبين ‪ :‬اليات هي التسع اليات وهي الحجة والسلطان المبين‪.‬‬ ‫وكانوا قوما عالين ‪ :‬أي علوا أهل تلك البلد قهرا واستبدادا وتحكما‪.‬‬ ‫وقومهما لنا عابدون ‪ :‬أي مطيعون ذليلون نستخدمهم فيما نشاء وكيف نشاء‪.‬‬ ‫ولقد آتينا موسى الكتاب ‪ :‬أي التوراة‪.‬‬ ‫وجعلنا ابن مريم ‪ :‬أي عيسى حجة وبرهانا على وجود ال وقدرته وعلمه ووجوب توحيده‪.‬‬ ‫إلى ربوة ذات قرار ومعين ‪ :‬إلى مكان مرتفع ذي استقرار وفيه ماء جار عذب وفواكه وخضر‪.‬‬

‫( ‪)3/520‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر نبذ من قصص الولين للعظة والعتبار‪ ،‬ولقامة الحجة على‬ ‫مشركي قريش فقال تعالى‪{ :‬ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين} أي بعد تلك‬ ‫المم الخالية أرسلنا موسى بن عمران وأخاه هارون بسلطان مبين أي بحجج وبراهين بينة دالة‬ ‫على صدق موسى وما يدعو إليه من عبادة ال وتوحيده فيها والخروج ببني إسرائيل إلى الرض‬ ‫المباركة أرض الشام إلى فرعون ملك مصر يومئذ وملئه من أشراف قومه وعليتهم فاستكبروا‬ ‫عن قبول دعوة الحق وكانوا عالين على أهل تلك البلد فاهرين لها مستبدين بها وقالوا ردا على‬ ‫دعوة موسى وهارون ما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا‬ ‫عابدون} أي خاضعون مطيعون‪ .‬هكذا أعلنوا متعجبين من دعوة موسى وهارون إلى اليمان‬ ‫برسالتهما فقالوا‪ :‬أنؤمن لبشر من مثلنا أي كيف يكون هذا أنتبع رجلين مثلنا فنصبح نأتمر‬ ‫بأمرهما وننتهي بنهيهما وكيف يتم ذلك وقومهما يعنون بني إسرائيل لنا عابدون‪ .‬أي خاضعون لنا‬ ‫ومطيعون لمرنا ونهينا‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فكذبوهما}‪ ،‬فيما دعواهما إليه من اليمان والتوحيد وإرسال‬ ‫بني إسرائيل معهما إلى أرض الميعاد فترتب على تكذيبهم لرسولي ال موسى وهارون هلكهم‬ ‫فكانوا من المهلكين حيث أغرقهم ال أجمعين‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ولقد آتينا موسى ‪ 1‬الكتاب لعلهم‬ ‫يهتدون}‪ ،‬ويخبر تعالى أنه بعد إهلك فرعون ونجاة بني إسرائيل آتى موسى التوراة من أجل‬

‫هداية بني إسرائيل عليها لنها تحمل النور والهدى‪ .‬هذه أيادي ال على خلقه وآياته فيهم فسبحانه‬ ‫من إله عزيز رحيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وجعلنا ابن مريم ‪ 2‬وأمه } أي جعل عيسى ووالدته مريم {آية} حيث خلق عيسى‬ ‫من غير أب فهي آية دالة على قدرة ال وعلمه ورحمته وحكمته وهذه موجبة اليمان به وعبادته‬ ‫وتوحيده والتوكل عليه والنابة والتوبة إليه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وآويناهما إلى ربوة ذات قرار وَمعين‬ ‫‪ }3‬أي أنزلنا مريم وولدها بعد اضطهاد اليهود لهما ربوة ‪ 4‬عالية صالحة للستقرار عليها بها‬ ‫فاكهة وماء عذب جار إكرام ال تعالى له ولوالدته فسبحان المنعم على عباده المكرم لوليائه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬خصّ موسى بإيتائه الكتاب دون هارون لنّ هارون يوم إعطاء موسى الكتاب {التوراة} كان‬ ‫مع قومه‪ ،‬وموسى كان وحده في الطور للمناجاة‪.‬‬ ‫‪ 2‬أدمج أمّه في الذكر لتسفيه اليهود في قولهم في مريم بهتانا عظيما‪.‬‬ ‫‪ 3‬الربوة‪ :‬المكان المرتفع من الرض‪ ،‬وهي مثلثة الراء تضم وتفتح وتكسر‪ ،‬وهي بفلسطين أو‬ ‫مدينة الرملة وهي من أرض فلسطين‪.‬‬ ‫‪ 4‬المعين‪ :‬هو الماء الجاري على ظهر الرض ظاهر للعيون‪.‬‬

‫( ‪)3/521‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة كل من موسى وأخيه هارون عليهما السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالستكبار‪ ،‬وأنه علة مانعة من قبول الحق‪.‬‬ ‫‪ -3‬مظاهر قدرة ال وعلمه ورحمته في إرسال الرسل باليات وفي إهلك المكذبين‪.‬‬ ‫‪ -4‬آية ولدة عيسى من غير أب مقررة قدرة ال تعالى على إحياء الموتى‪ ،‬وبعث الناس من‬ ‫قبورهم للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫عمَلُوا صَاِلحًا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪ )51‬وَإِنّ هَ ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّةً‬ ‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَا ْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬ ‫طعُوا َأمْرَهُم بَيْ َنهُمْ زُبُرًا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ فَرِحُونَ (‪ )53‬فَذَرْ ُهمْ‬ ‫وَاحِ َد ًة وَأَنَا رَ ّب ُكمْ فَا ّتقُونِ (‪ )52‬فَ َتقَ ّ‬ ‫غمْرَ ِتهِمْ حَتّى حِينٍ (‪ )54‬أَ َيحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُم ِبهِ مِن مّالٍ وَبَنِينَ (‪ُ )55‬نسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْخَيْرَاتِ‬ ‫فِي َ‬ ‫شعُرُونَ (‪)56‬‬ ‫بَل ل َي ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كلوا من الطيبات ‪ :‬أي من الحلل‪.‬‬ ‫واعلموا صالحا ‪ :‬أي بأداء الفرائض وكثير من النوافل‪.‬‬

‫وإن هذا أمتكم ‪ :‬أي ملتكم السلمية‪.‬‬ ‫فاتقون ‪ :‬أي بامتثال أمري واجتناب نهيي‪.‬‬ ‫فتقطعوا أمرهم ‪ :‬أي اختلفوا في دينهم فأصبحوا طوائف هذه يهودية وتلك نصرانية‪.‬‬ ‫في غمرتهم ‪ :‬أي في ضللتهم‪.‬‬ ‫نسارع لهم ‪ :‬أي نعجل‪.‬‬ ‫بل ل يشعرون ‪ :‬أن ذلك استدراج منا لهم‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫بعد أن أكرم ال تعالى عيسى وَوالدته بما أكرمهما به من إيوائهما إلى ربوة ذات قرار ومعين‬

‫( ‪)3/522‬‬ ‫خاطب ‪ 1‬عيسى عبده ورسوله قائلً‪{ :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} أي الحلل فكان عيسى‬ ‫عليه السلم يأكل من غزل أمه إذ كانت تغزل الصوف بأجرة فكانا يأكلن من ذلك أكل من‬ ‫الطيب كما أمرهما ال تعالى وقوله‪{ :‬واعملوا صالحا} كلوا من الحلل واعملوا صالحا بأداء‬ ‫الفرائض والكثار من النوافل‪ ،‬وقوله‪{ :‬إني بما تعملون عليم} فيه وعد بأن ال تعالى سيثيبهم على‬ ‫ما يعلمون من الصالحات‪ .‬وقوله‪{ :‬وأن ‪ 2‬هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} أعلمهم أن‬ ‫ملتهم وهي الدين السلمي دين واحد فل ينبغي الختلف فيه وأعلمهم أيضا أنه ربهم أي مالك‬ ‫أمرهم والحاكم عليهم فليبتغوه بفعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه‪ ،‬لينجوا من عذابه ويظفروا‬ ‫برحمته ودخول جنته‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فتقطعوا أمرهم بينهم ‪ }3‬أي دينهم {زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} أي فرقوا‬ ‫دينهم فرقا فذهبت كل فرقة بقطعة منه وقسموا الكتاب إلى كتب فهذه يهودية وهذه نصرانية‬ ‫واليهودية فرق والنصرانية فرق والنجيل أصبح أناجيل متعددة وصارت كل جماعة فرحة بما‬ ‫عندها مسرورة به ل ترى الحق إلّ فيه‪{ ..‬كل حزب بما لديهم فرحون} وهنا أمر ال رسوله أن‬ ‫يتركهم في غمرة ضللتهم إلى حين أن ينزل بهم ما قضى به الرب تعالى على أهل الختلف في‬ ‫دينه {فذرهم في غمرتهم حتى حين} إذ قال له في سورة النعام {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا‬ ‫شيعا‪ ،‬لست منهم في شيء} وفيه من التهديد ما فيه‪ .‬وهذا الذي نعاه تعالى على تلك المم قد‬ ‫وقعت فيه أمة السلم فاختلفوا في دينهم مذاهب وطرقا عديدة‪ ،‬وياللسف وقد حلت بهم المحن‬ ‫ونزل بهم البلء نتيجة ذلك الخلف‪ .‬وقوله‪{ :‬أيحسبون أنما نمدهم ‪ 4‬به من مال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في هذا الخطاب هل هو لعيسى عليه السلم نظرا لسياق الحديث أو هو لمحمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم أو هو عام لكل الرسل‪ ،‬أي‪ :‬ما من رسول إلّ وأمره بما في هذا السياق‪ ،‬وأمّة كل‬

‫رسول تابعة له‪ ،‬وما دامت العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب في مثل هذا فل داعي إلى‬ ‫الترجيح وعدمه ويشهد للعموم قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬يا أيها الناس إن ال طيّب‬ ‫ل يقل إلّ طيبا‪ ،‬وإن ال أمر المرسلين بما أمر به المؤمنين فقال‪ :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيات‬ ‫واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء‬ ‫يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك"‬ ‫والشاهد في قوله صلى ال عليه وسلم "بما أمر به المرسلين"‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرىء‪{ :‬وانّ} بكسر إن على القطع أي‪ :‬البتداء وعلى تقدير قول أو قلنا لهم‪{ :‬إن هذه}‪ ..‬الخ‬ ‫وقرىء بفتحها‪ ،‬وهي قراءة الكثرين على تقدير واعلموا {أن هذه أمتكم}‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬كأن هذه الية تنظر إلى قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أل إن أهل الكتاب قبلكم افترقوا على اثنتين‬ ‫وسبعين ملّة وإن هذه المة ستفترق على ثلث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة‬ ‫وهي الجماعة" الحديث أخرجه أبو داود ورواه الترمذي وزاد‪" :‬قالوا‪ :‬ومن هي يا رسول ال؟‬ ‫قال‪ :‬ما أنا عليه وأصحابي" وقوله ‪{ :‬ملة} فيه دليل على أن الختلف في الفروع غير مقصود‬ ‫وإنما المقصود هو ما كان في أصول الدين وقواعده‪.‬‬ ‫‪{ 4‬إنما}‪ :‬ما‪ :‬موصولة بمعنى الذي أي‪ :‬أيحبسبون يا رسولنا إن الذي نعطيهم في الدنيا من مال‬ ‫وولد هو ثواب لهم على شركهم وكفرهم إنما هو استدراج وإملء ليس إسراعا في الخيرات‬ ‫ن فقيل‪ :‬إنه محذوف وتقدير الكلم‪ :‬إنما نسارع لهم به في الخيرات‪ ،‬والستفهام‬ ‫واختلف في خبر إ ّ‬ ‫في أيحسبون‪ :‬إنكاري‪.‬‬

‫( ‪)3/523‬‬ ‫وبنين} مع اختلفهم وانحرافهم مسارعة لهم منا في الخيرات ‪ 1‬ل بل ذلك استدراج لهم ليهلكوا‬ ‫ولكنهم ل يشعرون بذلك‪ .‬لشدة غفلتهم واستيلء غمرة الضللة عليهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الكل من الحلل‪ ،‬ووجوب الشكر بالطاعة ل ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬السلم دين البشرية جمعاء ول يحل الختلف فيه بل يجب التمسك به وترك ما سواه‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الختلف في الدين وأنه سبب الكوارث والفتن والمحن‪.‬‬ ‫‪ -4‬إذا انحرفت المة عن دين ال‪ ،‬ثم رزقت المال وسعة العيش كان ذلك استدراجا لها‪ ،‬ولم يكن‬ ‫إكراما من ال لها دالً على رضى ربها عنها بل ما هو إلّ فتنة ليس غير‪.‬‬ ‫ش ِفقُونَ (‪ )57‬وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )58‬وَالّذِينَ هُم بِرَ ّبهِمْ‬ ‫إِنّ الّذِينَ هُم مّنْ خَشْ َيةِ رَ ّبهِم مّ ْ‬ ‫جعُونَ (‪ُ )60‬أوْلَ ِئكَ‬ ‫جلَةٌ أَ ّنهُمْ إِلَى رَ ّب ِهمْ رَا ِ‬ ‫ل ُيشْ ِركُونَ (‪ )59‬وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آتَوا ّوقُلُو ُبهُ ْم وَ ِ‬

‫س َعهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِا ْلحَقّ‬ ‫ت وَهُمْ َلهَا سَا ِبقُونَ (‪ )61‬وَل ُنكَّلفُ َنفْسًا إِل وُ ْ‬ ‫يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَا ِ‬ ‫ظَلمُونَ (‪)62‬‬ ‫وَهُمْ ل يُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫مشفقون ‪ :‬أي خائفون ‪.‬‬ ‫ل يشركون ‪ :‬أي بعبادته أحدا‪.‬‬ ‫يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ‪ :‬أي خائفون أن ل يقبل منهم ذلك‪.‬‬ ‫أنهم إلى ربهم راجعون ‪ :‬أي لنهم إلى ربهم راجعون فيحاسبهم ويسألهم ويجزيهم‪.‬‬ ‫وهم لها سابقون ‪ :‬أي بإذن ال وفي علمه‪.‬‬ ‫ل وسعها ‪ :‬إل طاقتها وما تقدر عليه‪.‬‬ ‫ول نكلف نفسا إ ّ‬ ‫ولدينا كتاب ينطق بالحق ‪ :‬وهو ما كتبه الكرام الكاتبون فإنه ناطق بالحق‪.‬‬ ‫وهم ل يظلمون ‪ :‬أي ينقض حسنة من حسناتهم ول بزيادة سيئة على سيآتهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الخيرات ‪ :‬جمع خير وهو من الجموع النادرة مثل‪ :‬سرادقات جمع سرداق‪.‬‬

‫( ‪)3/524‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى حال الذين فرقوا دينهم فذهبت كل فرقة منهم بكتاب ومذهب ولقب ونعى عليهم‬ ‫ذلك التفرق وأمر رسوله أن يتركهم في غمرة خلفاتهم و يدعهم إلى حين يلقون جزاءهم عاجلً‬ ‫أو آجلً‪ :‬أثنى تبارك وتعالى على عباده المؤمنين من أهل الخشية‪ ،‬فقال وقوله الحق‪{ :‬إن الذين‬ ‫هم من خشية ربهم مشفقون} أي من عذابه خائفون من الوقوف بين يديه فهذه صفة لهم وآخرى‬ ‫{والذين هم بآيات ربهم يؤمنون} أي بحجج ال تعالى التي تضمنتها آياته يؤمنون أي يوقنون‬ ‫وثالثة‪{ :‬والذين هم بريهم ل يشركون} أي في ذاته ول صفاته ول عباداته فيعبدونه بما شرع لهم‬ ‫موحدينه في ذلك ورابعة‪{ :‬والذين ‪ 1‬يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم ‪ 2‬راجعون}‪ .‬أي‬ ‫يؤتون ‪ 3‬الزكاة وسائر الحقوق والواجبات وقلوبهم خائفة من ربهم أن يكونوا قد قصروا فيما‬ ‫أوجب عليهم وخائفة أن ل يقبل منهم عملهم‪ ،‬وذلك ناجم لهم من قوة إيمانهم برجوعهم إلى ربهم‬ ‫ووقوفهم بين يديه ومساءلته لهم‪ :‬لم قدمت؟ لم أخرت؟ وقوله تعالى‪{ :‬أولئك يسارعون ‪ 4‬في‬ ‫الخيرات وهم لها سابقون} في هذا بشرى لهم إذ أخبر تعالى أنهم يسارعون في الخيرات‪ ،‬وأنهم‬ ‫سبق ذلك لهم في الزل فهنيئا لهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ول نكلف نفسا إلّ وسعها} فيه قبول عذر من‬ ‫بذل جهده في المسارعة في الخيرات ولم يلحق بغيره أعذره ربه فإنه ل خوف عليه ما دام قد بذل‬ ‫جهده إذ هو تعالى {ل يكلف نفسا إلّ وسعها} أي طاقتها وما يتسع له جهده‪.‬‬

‫وقوله‪{ :‬ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم ل يظلمون} فيه وع ّد لولئك المسارعين بالخيرات بأنّ‬ ‫أعمالهم مكتوبة لهم في كتاب ينطق بالحق ل يخفى حسنة من حسناتهم ويستوفونها كاملة وفيه‬ ‫وعيد لهل الشرك والمعاصي بأن أعمالهم محصاة عليهم قد ضمها كتاب صادق وسوف يجزون‬ ‫ل بما كانوا يكسبون‪.‬‬ ‫بها وهم ل يظلمون فل تكتب عليهم سيئة لم يعملوها قط ول يجزون إ ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روى الترمذي عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬ ‫هذه الية‪{ :‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال‪" :‬ل يا‬ ‫بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون أل يقبل منهم‪ ،‬أولئك الذين‬ ‫يسارعون في الخيرات"‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬لنهم‪ :‬أو من أجل أنهم إلى ربهم راجعون‪ .‬وفي هذه الية إشارة إلى أن العبرة بما يختم به‬ ‫للعبد‪ ،‬وفي البخاري‪" :‬وإنما العمال بالخواتيم"‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرىء‪{ :‬يأتون} من التيان‪ ،‬ول يختلف المعنى إذ هم يأتون العمال الصالحة ويفعلونها‪،‬‬ ‫وقلوبهم خائفة‪ .‬كما يعطون ما يعطون من الزكاة والنفقات وقلوبهم وجلة أو يعطون الملئكة‬ ‫أعمالهم التي يكتبونها وقلوبهم وجلة‪.‬‬ ‫‪{ 4‬يسارعون في الخيرات} أي‪ :‬في الطاعات كي ينالوا بها أعلى الدرجات والغرفات ولم يقل‬ ‫يسارعون إلى الخيرات إذ هم في الخيرات لم يخرجوا من دائرتها أبدا فهم فيها يسارعون‪ .‬في‬ ‫الية إشارة إلى أن الصلة في أول وقتها أفضل‪ ،‬وهكذا السبق في كل خير قبل الغير خير‪.‬‬

‫( ‪)3/525‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫هن هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة الخشية واليمان والتوحيد والتواضع والمراقبة ل تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بشرى ال تعالى لهل اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير قاعدة رفع الحرج في الدين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير كتابة أعمال العباد وإحصاء أعمالهم ومجازاتهم العادلة‪.‬‬ ‫عمَالٌ مِن دُونِ ذَِلكَ هُمْ َلهَا عَامِلُونَ (‪ )63‬حَتّى إِذَا َأخَذْنَا‬ ‫غمْ َرةٍ مّنْ َهذَا وََلهُمْ أَ ْ‬ ‫َبلْ قُلُو ُبهُمْ فِي َ‬ ‫مُتْ َرفِيهِم بِا ْلعَذَابِ ِإذَا ُهمْ يَجْأَرُونَ (‪ )64‬ل تَجْأَرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنكُم مّنّا ل تُنصَرُونَ (‪َ )65‬قدْ كَا َنتْ آيَاتِي‬ ‫عقَا ِبكُمْ تَن ِكصُونَ (‪ )66‬مُسْ َتكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا َتهْجُرُونَ (‪َ )67‬أفَلَمْ َيدّبّرُوا‬ ‫تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ َفكُنتُمْ عَلَى أَ ْ‬ ‫ا ْل َقوْلَ أَمْ جَاءهُم مّا َلمْ يَ ْأتِ آبَاءهُ ُم الوّلِينَ (‪ )68‬أَمْ لَمْ َيعْ ِرفُوا رَسُوَلهُمْ َفهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (‪ )69‬أَمْ‬ ‫حقّ كَارِهُونَ (‪) 70‬‬ ‫ق وََأكْثَرُهُمْ لِلْ َ‬ ‫حّ‬ ‫َيقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ َبلْ جَاءهُم بِالْ َ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في غمرة من هذا ‪ :‬أي جهالة من القرآن وعمى‪.‬‬ ‫ولهم أعمال من دون ذلك ‪ :‬أي من دون أعمال المؤمنين التي هي الخشية واليمان باليات‬ ‫والتوحيد والمراقبة‪.‬‬ ‫هم لها عاملون ‪ :‬أي سيعملونها لتكون سبب نهايتهم حيث يأخذهم ال تعالى بها‪.‬‬ ‫إ ذا هم يجأرون ‪ :‬أي يصرخون بأعلى أصواتهم ضاجيّن مستغيثين ممّا حلّ بهم من العذاب‪.‬‬ ‫تنكصون ‪ :‬أي ترجعون على أعقابكم كراهة سماع القرآن‪.‬‬

‫( ‪)3/526‬‬ ‫مستكبرين به ‪ :‬أي بالحرم أي كانوا يقولون‪ :‬ل يظهر علينا فيه أحد لنّا أهل الحرم‪.‬‬ ‫سامرا تهجرون‪ :‬أي تسمرون بالحرم ليل هاجرين الحق وسماعه على قراءة فتح التاء وعلى‬ ‫قراءة ضمها تهجرون أي تقولوا الهجر من القول كالفحش والقبح‪.‬‬ ‫رسولهم ‪ :‬أي محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫به جنّة‪ :‬أي مجنون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫{بل قلوبهم في غمرة من هذا} أي ليس المر كما يحب فهؤلء المشركون أنّا نمدهم بالمال‬ ‫مسارعة منا لهم في الخيرات لرضانا عنهم ل بل إن قلوبهم في غمرة وعمى من القرآن‪{ ،‬ولهم‬ ‫أعمال من دون ذلك ‪ }1‬أي دون عمل المؤمنين‪{ .‬هم لها عاملون} حتى تنتهي بمترفيهم إلى‬ ‫هلكهم ودمارهم وقوله تعالى ‪{ :‬حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون} أي استمرت‬ ‫العمال الشركية الجرامية حتى أخذ ال تعالى مترفيهم في بدر بعذاب القتل والسر {إذا هم‬ ‫يجأرون ‪ }2‬يضجون بالصراخ مستغيثين‪ ،‬وال تعالى يقول لهم‪{ :‬ل تجأروا اليوم إنكم منا ل‬ ‫تنصرون} وذكر تعالى لهم ما كانوا عليه من التكذيب والستكبار وقول الهجر موبخا إياهم {قد‬ ‫كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ‪ }3‬هروبا من سماعها حال كونكم {مستكبرين‬ ‫به} أي بالحرم زاعمين أنكم أهل الحرم‪ ،‬وأن أحدا ل يظهر عليكم فيه لنكم أهله وقوله‪ { :‬سامرا‪4‬‬ ‫تهجرون} أي تسمرون بالليل تهجرون بذلك سماع الحق ودعوة الحق التي تُتلى بها عليكم آيات‬ ‫ال‪ .‬وقد قرىء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عن ابن عباس رضي ال عنهما دون ذلك أي‪ :‬دون الشرك من كبائر الذنوب هم عاملوها ل‬ ‫محالة إذ كتبت عليهم ليدخلوا بها النار‪ ،‬وما كان دون عمل المؤمنين قطعا هو الشرك والمعاصي‪،‬‬ ‫فل منافاة بين ما في التفسير وما روي عن ابن عباس‪.‬‬

‫‪ 2‬الجؤار‪ :‬كالخوار يقال‪ :‬خار الثور يخأر‪ :‬إذا صاح‪ ،‬وجأر الرجل بالدعاء‪ :‬تضرع به‪ ،‬قال‬ ‫قتادة‪ :‬يصرخون بالتوبة فل تقبل منهم‪ ،‬وجأروا كذلك يوم أصابهم القحط والجدب فجاعوا حتى‬ ‫كادوا يهلكون بدعوة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪{ 3‬تنكصون}‪ :‬ترجعون وراءكم‪ ،‬وأصله الرجوع إلى الوراء القهقري‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫زعموا أنهم على سبل النجا‬ ‫ِة وإنما نكصوا على العقاب‬ ‫‪ 4‬سامرا معناه سمّارا أي‪ :‬جماعة تتحدّثون بالليل‪ ،‬والسمر مأخوذ من السّمر الذي هو ظل القمر‪،‬‬ ‫سمّارا}‬ ‫ومنه سمرة اللون وكانوا يتحدثون حول الكعبة في سمرة القمر فسمي التحدّث به‪ ،‬وقرى { ُ‬ ‫جمع سامر‪ .‬يقال‪ :‬جاء من السامر يريد‪ :‬من القوم الذين يسمرون‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬كراهة النوم قبل‬ ‫العشاء‪ ،‬والحديث أي السمر بعدها‪ ،‬وروي أن عمر رضي ال عنه كان يضرب الناس على‬ ‫الحديث بعد العشاء ويقول‪ :‬أسمرا أول الليل ونوما آخره؟!!‬

‫( ‪)3/527‬‬ ‫تُهجرون بضم التاء وكسر الجيم أي تقولون أثناء سمركم في الليل الهجر من القول كالكفر وقول‬ ‫الفحش وما ل خير فيه من الكلم‪ ،‬وكانوا كذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أفلم يدبروا ‪ 1‬القول} الذي يسمعونه من نبينا محمد صلى ال عليه وسلم فيعرفوا أنه‬ ‫حق وخير وأنه فيه صلحهم {أم جاءهم ‪ }2‬من الدين والشرع {ما لم يأت أباءهم الولين} فقد‬ ‫جاءت رسل ونزلت كتب وهم يعرفون ذلك‪ .‬أم لم يعرفوا رسولهم محمدا صلى ال عليه وسلم فهم‬ ‫له منكرون إنهم يعرفونه بصدقه وطهارته وكماله منذ نشأته وصباه إلى يوم أن دعاهم إلى ال {أم‬ ‫يقولون به جنّة} أي جنون وأين الجنون من رجل ينطق بالحكمة ويعمل بها ويدعو إليها {بل‬ ‫جاءهم بالحق وأكثرهم ‪ 3‬للحق كارهون} ‪ ،‬وهذا هو سرّ إعراضهم واستكبارهم إنه كراهيتهم‬ ‫للحق لطول ما ألفوا الباطل وعاشوا عليه‪ ،‬وهذه سنة البشر في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬غمرة الجهل والتعصب وعمى التقليد هي سبب إعراض الناس عن الحق ومعارضتهم له‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل تنفع التوبة عند معاينة العذاب أو نزوله‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان الذنوب التي أخذ بها مترفو مكة ببدر وهي هروبهم من سماع القرآن ونكوصهم عند‬ ‫ل وضللً واجتماعهم‬ ‫سماعه على أعقابهم حتى ل يسمعوه واستكبارهم بالحرم واعتزارهم به جه ً‬ ‫في الليالي الطوال يسمرون على اللهو وقول الباطل هاجرين سماع القرآن وما يدعو إليه من هدى‬ ‫وخير‪.‬‬

‫ض َومَن فِيهِنّ َبلْ أَتَيْنَاهُم بِ ِذكْ ِرهِمْ َفهُمْ عَن ِذكْرِهِم‬ ‫سمَاوَاتُ وَال ْر ُ‬ ‫س َدتِ ال ّ‬ ‫حقّ أَ ْهوَاءهُمْ َلفَ َ‬ ‫وََلوِ اتّ َبعَ الْ َ‬ ‫ّمعْ ِرضُونَ (‪ )71‬أَمْ َتسْأَُلهُمْ خَرْجًا َفخَرَاجُ رَ ّبكَ خَيْ ٌر وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪ )72‬وَإِ ّنكَ لَ َتدْعُوهُمْ إِلَى‬ ‫صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ (‪)73‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وقيل‪ :‬القول‪ :‬القرآن‪ :‬وسمي قولً لنهم خوطبوا به‪ ،‬والستفهام إنكاري يحمل التقريع والتأنيب‪.‬‬ ‫‪{ 2‬أم جاءهم} الخ ‪ ..‬أي‪ :‬فأنكروه وأعرضوا عنه‪ .‬وقيل‪ :‬أم بمعنى بل النتقالية بل جاءهم مال‬ ‫عهد لبائهم به فلذا أنكروه وتركوا التديّن به‪ ،‬والفاء في ‪ :‬أفلم يدّبروا‪ :‬للتفريع إذ هذا الكلم‬ ‫متفرع عما سبقه‪ ،‬والتدبر معناه إعمال النظر العقلي في دللت الدلئل على ما نصبت له‪ ،‬وأصله‬ ‫النظر في دبر المر أي‪ :‬فيما ل يظهر منه للمتأمل بادئ ذي بدء‪.‬‬ ‫‪ 3‬في قوله { بل أكثرهم} احتراس عرف في القرآن حتى ل ينقض ببعض الفراد وهو من اعجاز‬ ‫القرآن وبالغ كماله في البلغة والبيان‪.‬‬

‫( ‪)3/528‬‬ ‫شفْنَا مَا ِبهِم مّن ضُرّ‬ ‫حمْنَا ُه ْم َوكَ َ‬ ‫وَإِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (‪ )74‬وََلوْ رَ ِ‬ ‫طغْيَا ِن ِهمْ َي ْع َمهُونَ (‪ )75‬وََلقَدْ َأخَذْنَاهُم بِا ْلعَذَابِ َفمَا اسْ َتكَانُوا لِرَ ّب ِه ْم َومَا يَ َتضَرّعُونَ (‪)76‬‬ ‫لّلَجّوا فِي ُ‬ ‫شدِيدٍ ِإذَا ُهمْ فِيهِ مُبِْلسُونَ (‪)77‬‬ ‫حَتّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَ ْيهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لو اتبع الحق أهواءهم‪ :‬أي ما يهوونه ويشتهونه‪.‬‬ ‫أتيناهم بذكرهم‪ :‬أي بالقرآن العظيم الذي بذكرهم فيه يذكرون ويُذكرون‪.‬‬ ‫ل مقابل إبلغك لهم دعوة ربهم‪.‬‬ ‫أم تسألهم خرجا ‪ :‬أي ما ً‬ ‫فخراج ربك خير ‪ :‬أي ما يرزقكه ال خير وهو خير الرازقين‪.‬‬ ‫إلى صراط مستقيم ‪ :‬أي إلى السلم‪.‬‬ ‫عن الصراط لناكبون ‪ :‬أي عن السلم أي متنكبونه جاعلوه على منكب أي جانب عادلون عنه‪.‬‬ ‫للجوّا في طغيانهم يعمهون‪ :‬لتمادوا في طغيانهم مصرين عليه‪.‬‬ ‫فما استكانوا ‪ :‬أي ما ذلوا ول خضعوا‪.‬‬ ‫إذا هم فيه مبلسون ‪ :‬أي آيسون قنطون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد واليمان بالبعث والجزاء فقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ولو اتبع ‪ 1‬الحق أهواءهم لفسدت السموات والرض ومن فيهن} هذا كلم مستأنف لبيان حقائق‬ ‫أخرى منها أن هؤلء المشركين لو اتبع الحقّ النازل من عند ال والذي يمثله القرآن أهواءهم أي‬

‫ما يهوونه ويشتهونه فكان يوافقهم عليه لدى ذلك إلى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في المراد بالحق فقيل‪ :‬هو ال تعالى قاله مجاهد و غيره‪ ،‬وقيل معناه ولو اتبع صاحب‬ ‫الحق‪ ،‬وقيل‪ :‬هو مجاز أي‪ :‬لو وافق الحق أهواءهم فجعل موافقته إتباعا‪ ،‬وما في التفسير أظهر‪،‬‬ ‫وقد استظهره ابن جرير الطبري‪.‬‬

‫( ‪)3/529‬‬ ‫فساد الكون كله علويه ‪ 1‬وسفليه‪ ،‬وذلك لنهم أهل باطل ل يرون إلّ الباطل ويصبح سيرهم‬ ‫معاكسا للحق فيؤدي حتما إلى خراب الكون وقوله تعالى‪{ :‬بل أتيناهم بذكرهم} أي جئناهم بذكرهم‬ ‫الذي هو القرآن الكريم إذ به يذكرون وبه يُذكرون لنه سبب شرفهم‪ ،‬وقوله‪{ :‬فهم عن ذكرهم‬ ‫معرضون}‪ ،‬فهم لسوء حالهم وفساد قلوبهم معرضون عما به يذكرون ويذكرون ‪ ،2‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ أم تسألهم خرْجا} أي ‪ 3‬أجرا ومالً {فخراج ربّك خير} أي ثواب ربّك الذي يثيبك به خير وهو‬ ‫تعالى خير الرازقين وحاشا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يسألهم عن التبليغ أجرا وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} أي إلى السلم طريق السعادة والكمال في الدنيا‬ ‫والخرة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وإن الذين ل يؤمنون بالخرة عن الصراط ‪ 4‬لناكبون} أي علة تنكبّهم أي‬ ‫ابتعادهم عن السلم هو عدم إيمانهم بالخرة‪ ،‬وهو كذلك فالقلب الذي ل يعمره اليمان بلقاء ال‬ ‫والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف ول يؤمل منه ذلك لعلة كفره بالخرة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولو ‪ 5‬رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون} يخبر تعالى أنه‬ ‫لو رحم أولئك المشركين المكذبين بالخرة‪ ،‬وكشف ما بهم من ضر أصابهم من قحط وجدب‬ ‫وجوع ومرض ل يشكرون ال‪ ،‬بل يتمادون في عتوهم وضللهم وظلمهم يعمهون حيارى‬ ‫يترددون‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ولقد أخذناهم ‪ 6‬بالعذاب} وهي سنوات الجدب و القحط بدعوة الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم وما أصابهم من قتل وجراحات وهزائم في بدر‪ .‬وقوله‪{ :‬فما استكانوا ‪7‬‬ ‫لربهم وما يتضرعون} فما ذلوا لربهم وما دعوه ول تضرعوا إليه بل بقوا على طغيانهم في‬ ‫ضللهم ومرد هذا ظلمة النفوس الناتجة عن الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} وهو معركة بدر وما أصاب‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وما في الكون العلوي من الملئكة‪ ،‬والسفلي من الجن والنس‪ ،‬وإلى هذا الشارة ِبمَنْ في قوله‪:‬‬ ‫{ومن فيهن}‪.‬‬ ‫ي للمفعول‪.‬‬ ‫‪ 2‬الولى يذكرون بفتح الياء‪ ،‬مبنى للفاعل‪ ،‬والثانية يذكرون بضم الياء مبن ٌ‬ ‫‪ 3‬قرىء خراجا أيضا والمعنى واحد‪ ،‬والمعنى‪ :‬أتسألهم رزقا فرزق ربك خير‪ ،‬وقيل‪ :‬الخرج‪:‬‬

‫الجعل والخراج‪ :‬العطاء‪ ،‬والخرج‪ :‬المصدر‪ ،‬والخراج‪ :‬السم‪.‬‬ ‫‪ 4‬الصراط في اللغة‪ :‬الطريق‪ ،‬يسمي الدين طريقا لنه طريق إلى الجنة والناكب‪ :‬العادل عن‬ ‫الشيء المعرض عنه‪ ،‬وهو مشتق من المنكب وهو جانب الكتف‪.‬‬ ‫‪{ 5‬ولو رحمناهم} معطوف على جملة‪{ :‬حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } وما بينهما‪ :‬اعتراض‬ ‫باستدلل عليهم وتنديم لهم وقطع لمعاذيرهم أي‪ :‬أنهم ليسوا بحيث لو استجاب ال جؤارهم‬ ‫{دعاءهم} عند نزول العذاب بهم وكشفه عنهم لعادوا إلى ما كانوا فيه من الغمرة والشرك‬ ‫والعمال السيئة‪ .‬وهذا كقوله‪{ :‬إنا كاشفوا العذاب قليل إنكم عائدون}‪.‬‬ ‫‪ 6‬هذا استدلل على مضمون ما في قوله‪{ :‬ولو رحمناهم} الخ‪ ،‬و{ال} في العذاب للعهد أي‪:‬‬ ‫بالعذاب المذكور آنفا في قوله‪{ :‬حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب}‪.‬‬ ‫‪ 7‬الستكانة‪ :‬مصدر بمعنى الخضوع‪ ،‬مشتقة من السكون‪ ،‬لن الذي يخضع يقطع الحركة أمام من‬ ‫يخضع له‪.‬‬

‫( ‪)3/530‬‬ ‫المشركين من القتل {إذا هم فيه مبلسون ‪ }1‬أي آيسون من كل خير حزنون قنطون وذلك لظلمة‬ ‫نفوسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫هن هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬خطر إتباع الهوى وما يفضي إليه من الهلك والخسران‪.‬‬ ‫‪ -2‬الصراط المستقيم الموصل إلى السعادة والكمال هو السلم ل غير‪.‬‬ ‫‪ -3‬التكذيب بيوم القيامة وما يتم فيه من حساب وجزاء هو الباعث على كل شر والمانع من كل‬ ‫خير‪.‬‬ ‫‪ -4‬من آثار ظلمة النفس نتيجة الكفر اليأس والقنوط والتمادي في الشر والفساد‪.‬‬ ‫شكُرُونَ (‪ )78‬وَ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي ال ْرضِ‬ ‫سمْ َع وَالبْصَا َر وَالفْئِ َدةَ قَلِيل مّا تَ ْ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي أَنشَأَ َلكُمُ ال ّ‬ ‫ل وَال ّنهَارِ َأفَل َت ْعقِلُونَ (‪َ )80‬بلْ‬ ‫ت وَلَهُ اخْتِلفُ اللّ ْي ِ‬ ‫وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ (‪ )79‬وَ ُهوَ الّذِي ُيحْيِي وَ ُيمِي ُ‬ ‫عدْنَا‬ ‫ل الوّلُونَ (‪ )81‬قَالُوا أَ ِئذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )82‬لقَ ْد وُ ِ‬ ‫قَالُوا مِ ْثلَ مَا قَا َ‬ ‫ن وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَ ْبلُ إِنْ َهذَا إِل أَسَاطِي ُر الوّلِينَ (‪)83‬‬ ‫نَحْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أنشأ لكم السمع ‪ :‬أي خلق وأوجد لكم السماع والبصار‪.‬‬ ‫والفئدة ‪ :‬جمع فؤاد وهو القلب‪.‬‬ ‫قليل ما تشكرون ‪ :‬أي ما تشكرون إلّ قليلً‪.‬‬

‫ذرأكم ‪ :‬أي خلقكم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البلس‪ :‬شدة اليأس من النجاة‪ ،‬وجائز أن يكون العذاب الذي أبلسهم عذاب القحط والمجاعة‬ ‫التي أصابتهم‪ ،‬وجائز أن يكون عذاب يوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)3/531‬‬ ‫وإليه تحشرون‪ :‬أي تجمعون إليه بعد إحيائكم وخروجكم من قبوركم‪.‬‬ ‫وله اختلف الليل والنهار ‪ :‬أي إليه تعالى إيجاد الليل والنهار وظلمة الليل وضياء النهار‪.‬‬ ‫أفل تعقلون ‪ :‬فتعرفوا أن ال هو المعبود الحق إذ هو الرب الحق‪.‬‬ ‫إلّ أساطير الولين‪ :‬أي ما تقولون من البعث والحياة الثانية ما هو إلّ حكايات وأساطير وأخبار‬ ‫الولين‪ ،‬والساطير جمع أسطورة أي حكاية مسطرة مكتوبة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الخر إلى اليمان به بعرض الدلة العقلية عليهم‬ ‫لعلهم يؤمنون فقال تعالى لهم‪{ :‬وهو الذي أنشأ لكم ‪ 1‬السمع ‪ 2‬والبصار والفئدة} أي ال الذي‬ ‫خلق لكم أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم قادر على إحيائكم بعد موتكم وحشركم إليه تعالى ليحاسبكم‬ ‫ويجزيكم‪ ،‬وقوله‪{ :‬قليلً ما تشكرون ‪ }3‬يوبخهم تعالى على كفرانهم نعمه عليهم‪ ،‬إذ أوجد لهم‬ ‫أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم يحمدوه على ذلك ولم يشكروه باليمان به وبطاعته‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{وهو الذي ذرأكم في الرض} أي خلقكم في الرض‪{ ،‬وإليه تحشرون} إذ الذي قدر على خلقكم‬ ‫في الرض قادر على خلقكم في أرض أخرى بعد أن يميتكم ويحشركم أي يجمعكم إليه ليحاسبكم‬ ‫ويجزيكم‪ .‬وقوله‪{ :‬وهو الذي يحيى ‪ 4‬ويميت} أي يحيي النطفة بجعلها مضغة لحم ثم ينفخ فيها‬ ‫الروح فتكون بشرا‪ ،‬ويميتكم بعد انقضاء آجالكم أليس هذا قادرا على إحيائكم بعد موتكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وله اختلف ‪ 5‬الليل والنهار أفل تعقلون} أي ول تعالى اختلف الليل والنهار‬ ‫بإيجادهما وتعاقبهما وإدخال أحدهما في الخر أفل تعقلون ‪ 6‬أن من هذه قدرته وتصاريفه في‬ ‫خلقه قادر على بعثكم بعد إماتتكم وقوله تعالى‪{ :‬بل قالوا مثل ‪ 7‬ما قال الولون} أي بدل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الكلم اللهي‪ ،‬استدلل وامتنان فقد عرّفهم بكمال قدرته وعظيم مننه‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون لهم شكر قليل‪ ،‬وجائز أن يكون ل شكر لهم البتة‪ ،‬وإنما هو من باب الحتراس‬ ‫كيل ينقض الخبر‪ .‬بأدنى شكر منهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬جمع البصار والفئدة باعتبار تعدد الفراد‪ ،‬ووحد السمع لنه مصدر فجرى على الصل‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه بعض مظاهر القدرة اللهية الموجبة لعبادته وحده‪ ،‬والموجبة لتصديقه فيما واعد به‬

‫وأوعد‪ ،‬من نعيم الخرة وعذابها‪.‬‬ ‫‪{ 5‬وله اختلف الليل والنهار} هذه اللم‪ :‬لم الختصاص إذ ل قدرة لكائن سواه على اختلف‬ ‫الليل والنهار بالطول والقصر‪ ،‬والضياء والظلم‪ ،‬وما يجري فيهما من تصاريف الكائنات على‬ ‫اختلفها وتنوعها‪.‬‬ ‫‪ 6‬الستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم تعقلهم وفهمهم لدلئل التوحيد والبعث والجزاء‪ ،‬والفاء‪:‬‬ ‫للتفريع إذ هذا الكلم متفرع على ما تقدم من الدلة في السياق‪.‬‬ ‫‪ 7‬في هذا التفات من الخطاب إلى الغيبة لنّ الكلم انتقل من التقريع إلى حكاية ضللهم‪ ،‬وبل‪:‬‬ ‫للضراب البطالي أي‪ :‬أبطل كونهم يعقلون مع إثبات إنكارهم للبعث مع علّة النكار وهي‪:‬‬ ‫تقليدهم لبائهم‪.‬‬

‫( ‪)3/532‬‬ ‫أن يؤمنوا باليوم الخر لِما َدلّ عليه من هذه الدلة التي ل يردها عاقل ول ينكرها عقل عادوا‬ ‫فقالوا قولة المنكرين من المم قبلهم‪{ :‬قالوا ‪ 1‬إذا متنا وكنا ترابا أءنا لمبعثون} وهو إنكار صريح‬ ‫منهم للعبث الخر‪ .‬وقالوا أيضا ما أخبر تعالى عنهم‪ ،‬وهم يعلنون تكذيبهم ل تعالى ورسوله‪{ :‬لقد‬ ‫وعدنا نحن وأباؤنا هذا من ‪ 2‬قبل إن هذا إلّ أساطير الولين} أي لقد وعد هذا آباؤنا من قبل ولم‬ ‫يحصل ما هذا الذي يقال إلّ أساطير أي حكايات سطرها الولون في كتبهم فهي تروى ويتناقلها‬ ‫الناس ول حقيقة لها ول وجود‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الشكر ل تعالى بطاعته على نعمه ومن بينها نعمة السمع والبصر والقلب‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بما تضمنت اليات من الدلة العديدة على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬سوء التقليد وآثاره في السلوك النساني بحيث ينكر المقلد عقله‪.‬‬ ‫ض َومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )84‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَل تَ َذكّرُونَ (‪ُ )85‬قلْ مَن ّربّ‬ ‫قُل ّلمَنِ الرْ ُ‬ ‫سمَاوَاتِ السّبْعِ وَرَبّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )86‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ َأفَل تَ ّتقُونَ (‪ُ )87‬قلْ مَن بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ‬ ‫ال ّ‬ ‫سحَرُونَ (‪)89‬‬ ‫شيْ ٍء وَ ُهوَ يُجِي ُر وَل يُجَارُ عَلَ ْيهِ إِن كُنتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )88‬سَ َيقُولُونَ لِلّهِ ُقلْ فَأَنّى تُ ْ‬ ‫ُكلّ َ‬ ‫خذَ اللّهُ مِن وَلَ ٍد َومَا كَانَ َمعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لّذَ َهبَ ُكلّ إِلَهٍ‬ ‫ق وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )90‬مَا اتّ َ‬ ‫حّ‬ ‫َبلْ أَتَيْنَاهُم بِالْ َ‬ ‫صفُونَ (‪ )91‬عَالِمِ‬ ‫عمّا َي ِ‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ سُبْحَانَ اللّهِ َ‬ ‫ق وََلعَل َب ْع ُ‬ ‫ِبمَا خََل َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور بهمزتين ‪ :‬الولى‪ .‬همزة الستفهام‪ ،‬والثانية‪ :‬همزة إذ الشرطية وكذلك مع {إنا‬ ‫لمبعوثون} إلّ نافعا وأبا عمرو فقد قرءا بهمزة واحدة اكتفاء بهمزة الستفهام الولى‪ :‬الدالة على‬

‫الشرط عن همزة الجواب‪ .‬والستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 2‬من قبل محمد صلى ال عليه وسلم وجملة‪" :‬إن هذه لساطير الولين جملة مستأنفة استئنافا‬ ‫بيانيا جوابا لمن قال‪ :‬كيف رد الولون والخرون على هذا القول؟‬

‫( ‪)3/533‬‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ (‪)92‬‬ ‫شهَا َدةِ فَ َتعَالَى َ‬ ‫ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل أفل تذكرون‪ :‬فتعلمون أن من له الرض ومن فيها خلقا وملكا قادر على البعث وأنه ل إله إلّ‬ ‫هو‪.‬‬ ‫قل أفل تتقون‪ :‬أي كيف ل تتقونه باليمان به وتوحيده وتصديقه في البعث والجزاء‪.‬‬ ‫من بيده ملكوت كل شيء ‪ :‬أي ملك كل شيء يتصرف فيه كيف يشاء‪.‬‬ ‫وهو يجير ول يجار عليه‪ :‬يحفظ ويحمي من يشاء ول يُحمى عليه ويحفظ من أراده بسوء‪.‬‬ ‫فأنى تسحرون‪ :‬أي كيف تخدعون وتصرفون عن الحق‪.‬‬ ‫بل أتيناهم بالحق ‪ :‬أي بما هو الحق والصدق في التوحيد والنبوة والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫ولعل بعضهم على بعض ‪ :‬أي قهرا وسلطانا‪.‬‬ ‫عما يصفون‪ :‬أي من الكذب كزعمهم أن ل ولدا وأن له شريكا وأنه غير قادر على البعث‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد واليمان بالبعث والجزاء فقال تعالى لرسوله‬ ‫قل ‪ 1‬لهؤلء المشركين المنكرين للبعث والجزاء {لمن الرض ومن فيها} من المخلوقات {إن كنتم‬ ‫تعلمون} من هي له فسموه‪ .‬ولما لم يكن لهم من بُدّ أن يقولوا {ل} أخبر تعالى أنهم سيقولون ل‪.‬‬ ‫إذا قل لهم‪{ :‬أفل تذكرون ‪ }2‬فتعلموا أن من له الرض ومن فيها خلقا وملكا وتصرفا ل يصلح أن‬ ‫يكون له شريك من عباده‪ ،‬وهو رب كل شيء ومليكه‪ .‬وقوله‪{ :‬قل من رب السموات السبع ورب‬ ‫العرش العظيم} أي سَ ْلهُمْ من هو رب السموات السبع وربّ العرش العظيم‪ .‬الذي أحاط بالملكوت‬ ‫كله‪ ،‬أي من هو خالق السموات السبع‪ ،‬ومن فيهن ومن خالق العرش العظيم ومالك ذلك كله‬ ‫والمتصرف فيه‪ ،‬ولما لم يكن من جواب سوى ال أخبر تعالى أنهم سيقولون ل أي خالقها وهي ل‬ ‫ملكا وتدبيرا وتصريفا إذا قل لهم يا رسولنا {أفل تتقون} أي ال وأنتم تنكرون عليه قدرته في‬ ‫إحياء الناس بعد موتهم وتجعلون له أندادا تعبدونها معه ‪ ،3‬أما تخافون عقابه أما‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قل يا رسولنا جوابا لهم عما قالوه‪{ :‬لمن الرض‪ }..‬الخ‪.‬‬

‫‪ 2‬أي‪ :‬تتعظون فتعلموا‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬وتجعلون ل البنات وأنتم تكرهون ذلك لنفسكم فكيف ترضونه لربكم؟‬

‫( ‪)3/534‬‬ ‫تخشون عذابه وقوله تعالى‪{ :‬قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول يجار عليه ‪ }1‬أي سلهم‬ ‫يا رسولنا فقل لهم من بيده ملكوت كل شيء أي ملك كل شيء وخزائنه؟ وهو يجير من يشاء أي‬ ‫يحمي ويحفظ من يشاء فل يستطيع أحد أن يمسه بسوء ول يجار عليه‪ ،‬أي ول يستطيع أحد أن‬ ‫يجير أي يحمي ويحفظ عليه أحدا أراده بسوء وقوله‪{ :‬إن كنتم تعلمون} أي إن كنتم تعلمون أحدا‬ ‫غي ال بيده ملكوت‪ .‬كل شيء ويجير ول يجار عليه فاذكروه‪ ،‬ولما لم يكن لهم أن يقولوا غير‬ ‫ال‪ ،‬أخبر تعالى أنهم سيقولون ال أي ‪ 2‬هو الذي بيده ملكوت كل شيء وهي ل خلقا وملكا‬ ‫وتصرفا إذا قل لهم {فأنى تسحرون؟} أي كيف تخدعون فتصرفون عن الحق فتعبدون غير الخالق‬ ‫الرازق‪ ،‬وتنكرون على الخالق إحياء الموات وبعثهم وهو الذي أحياهم أولً ثم أماتهم ثانيا فكيف‬ ‫ينكر عليه إحياءهم مرة أخرى وقوله تعالى‪{ :‬بل أتيناهم بالحق} ‪ 3‬أي ليس المر كما يتوهمون‬ ‫ويخيل إليهم بل أتيناهم بذكرهم الذي هو القرآن به يذكرون لنه ذكرى وذكر‪ ،‬وبه يذكرون لنه‬ ‫شرف لهم وإنهم لكاذبون في كل ما يدعون ويقولون‪{ .‬ما ‪ 4‬اتخذ ال من ولد} ول بنت‪{ ،‬وما كان‬ ‫معه من إله} ول ينبغي ذلك‪ ،‬والدليل المنطقي العقلي الذي ل يرد هو أنه لو كان مع ال إله آخر‬ ‫لقاسمه الملك وذهب كل إله بما خلق‪ ،‬ولحارب بعضهم بعضا وعل بعضهم على بعض غلبة‬ ‫وقهرا وقوله تعالى‪{ :‬سبحان ال} تنزيها ل تعالى عما يصفه به الواصفون من صفات العجز‬ ‫كاتخاذ الولد والشريك‪ ،‬والعجز عن البعث‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬عالم الغيب ‪ 5‬والشهادة} أي ما ظهر‬ ‫وما بطن‪ ،‬وما غاب وما حضر فلو كان معه آلهة أخرى لعرفهم وأخبر عنهم ولكن هيهات هيهات‬ ‫أن يكون مع ال إله آخر وهو الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء {فتعالى عما يشركون}‪6‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الملكوت‪ :‬من صفات المبالغة كالجبروت‪ ،‬والرهبوت‪ ،‬والمراد‪ :‬ملك كل شيء‪ ،‬وهذا كله‬ ‫احتجاج على العرب لنهم مقرّون بال ربّا‪ ،‬والستفهام فيه وفي الذي قبله‪ :‬تقريري لنهم مقرّون‬ ‫أن ال هو ربّ السموات وأنه الذي بيده ملكوت كل شيء‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ أبو عمرو‪{ :‬سيقولون ال} في الموضعين الخيرين‪ ،‬ول خلف في الموضع الول لنه‬ ‫سؤال بـ لمن المَلك؟ ومن قرأ في الخيرين بلفظ‪ :‬ال فلنّ السؤال بغير اللم فجاء الجواب على‬ ‫لفظه‪ .‬ومن أجاب بـ ال‪ ،‬فإنه راعى المعنى إذ رب السموات‪ :‬مالكها فهي له وملكوت كل شيء‬ ‫ل‪.‬‬ ‫‪{ 3‬بل أتيناهم بالحق}‪ :‬إضراب لبطال كونهم مسحورين‪ .‬أي‪ :‬ليس المر كما يخيّل إليهم‪ ،‬وإنما‬

‫أتيناهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون‪ ،‬فهذه علّة إعراضهم وعدم قبولهم لدعوة الحق‪ ،‬وقولهم فيه‬ ‫{إن هذا إلّ أساطير الولين}‪.‬‬ ‫‪ 4‬نفى عنه تعالى اتخاذ الولد كما نفى أن يكون له شريك في اللوهية بالبرهان العقلي وهو‪ :‬أنه‬ ‫لو كان معه آلهة لقتسموا الكون وذهب كل إله بما خلق‪ ،‬وقد يحارب بعضهم بعضا ويعلو من‬ ‫يغلب ولم يكن من مظاهر هذا شيء البتة فثبتت النتيجة وهي المذكورة أول‪{ :‬ما اتخذ ال من ولد‬ ‫وما كان معه من اله}‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذا من جملة أدلة نفي الشريك له تعالى إذ العالم بكل شيء كيف يكون له شريك ول يعرفه‪،‬‬ ‫وقرأ حفص عالِم بالجر على أنه نعت لسم الجللة في قوله {سبحان ال} ‪ ،‬وقرأ نافع بالرفع على‬ ‫أنه خبر لمحذوف أي‪ :‬هو عالم‪.‬‬ ‫‪{ 6‬عما يشركون} ما مصدرية‪ ،‬والمعنى‪ :‬تعالى عن إشراكهم‪ .‬أي‪ :‬هو منزه عن أن يكون له‬ ‫شريك‪.‬‬

‫( ‪)3/535‬‬ ‫علوا كبيرا وتنزه تنزها عظيما‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية توبيخ المتغافل المتجاهل وتأنيب المتعامي عن الحق وهو قادر على رؤيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير ربوبية ال تعالى وألوهيته‪.‬‬ ‫‪ -3‬تنزيه ال تعالى عن الصاحبة والولد وإبطال ترهات المفترين‪.‬‬ ‫‪ -4‬الستدلل العقلي ومشروعيته والعمل به لحقاق الحق وإبطال الباطل‪.‬‬ ‫جعَلْنِي فِي ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪ )94‬وَإِنّا عَلَى أَن نّرِ َيكَ‬ ‫قُل ّربّ ِإمّا تُرِيَنّي مَا يُوعَدُونَ (‪َ )93‬ربّ فَل تَ ْ‬ ‫صفُونَ (‪َ )96‬وقُل ّربّ أَعُوذُ‬ ‫مَا َنعِدُ ُهمْ َلقَادِرُونَ (‪ )95‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعَْلمُ ِبمَا َي ِ‬ ‫حدَهُمُ ا ْل َموْتُ‬ ‫حضُرُونِ (‪ )98‬حَتّى ِإذَا جَاء أَ َ‬ ‫ِبكَ مِنْ َهمَزَاتِ الشّيَاطِينِ (‪ )97‬وَأَعُوذُ ِبكَ َربّ أَن يَ ْ‬ ‫ل صَالِحًا فِيمَا تَ َر ْكتُ كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا َومِن وَرَا ِئهِم بَرْزَخٌ‬ ‫ع َم ُ‬ ‫جعُونِ (‪َ )99‬لعَلّي أَ ْ‬ ‫قَالَ َربّ ا ْر ِ‬ ‫إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ (‪)100‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إما تريني ما يوعدون ‪ :‬أي إن تُريني من العذاب‪.‬‬ ‫ادفع بالتي هي أحسن ‪ :‬أي ادفع بالخصلة التي هي أحسن وذلك كالصفح والعراض عنهم‪.‬‬ ‫من همزات الشياطين ‪ :‬أي من وساوسهم التي تخطر بالقلب فتكاد تفسده‪.‬‬ ‫أن يحضرون ‪ :‬أي في أموري حتى ل يفسدوها علي‪.‬‬

‫( ‪)3/536‬‬ ‫جاء أحدهم الموت ‪ :‬أي رأى علماته ورآه‪.‬‬ ‫برزخ‪ :‬أي حاجز يمنع وهو مدة الحياة الدنيا‪ ،‬وإن عاد بالبعث فل عمل يقبل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫في هذا السياق تهديد للمشركين الذين لم ينتفعوا بتلك التوجيهات التي تقدمت في اليات قبل هذه‪،‬‬ ‫فأمر ال تعالى رسوله أن يدعوه ويضرع إليه إن هو أبقاه حتى يحين هلك قومه‪ ،‬أن ل يهلكه‬ ‫معهم فقال‪{ :‬قل رب إما تريني ‪ }1‬أي أن تريني {ما يوعدون} أي من العذاب‪{ ،‬رب فل تجعلني‬ ‫في القوم الظالمين} أي أخرجني منهم وأبعدني عنهم حتى ل أهلك معهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإنا على‬ ‫أن نريك ‪ 2‬ما نعدهم لقادرون} يخبر تعالى رسوله بأنه قادر على إنزال العذاب الذي وعد به‬ ‫المشركين إذا لم يتوبوا قبل حلوله بهم‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ادفع بالتي ‪ 3‬في أحسن} هذا قبل أمره بقتالهم‪ :‬أمره بأن يدفع ما يقولونه له في الكفر‬ ‫والتكذيب بالخُلّة والخصلة التي هي أحسن وذلك كالصفح والعراض عنهم وعدم اللتفات إليهم‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬نحن أعلم بما يصفون} أي من قولهم ل شريك وله ولد‪ ،‬وأنه ما أرسل محمدا رسولً‪،‬‬ ‫وأنه ل بعث ول حياة ول نشور يوم القيامة وقوله‪{ :‬وقل رب أعوذ بك من همزات ‪ 4‬الشياطين‪،‬‬ ‫وأعوذ بك رب أن يحضرون} لما علمه الحتراز والتحصّن من المشركين بالصفح والعراض‬ ‫أمره أن يتحصن من الشياطين بالستعاذة بال تعالى فأمره أن يقول {رب} أي يا رب {أعوذ ‪5‬‬ ‫بك} أي استجير بك من همزات الشياطين أي وساوسهم حتى ل يفتنوني عن ديني وأعوذ بك أن‬ ‫يحضروا أمري فيفسدوه على‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬حتى إذا جاء أحدهم الموت} أي إذا حضر أحد أولئك المشركين الموت‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أصل إما‪ :‬إن ما‪ ،‬إن شرطية‪ ،‬وما‪ :‬صلة لتقوية الشرط‪ ،‬وجواب الشرط فل تجعلني مع القوم‬ ‫الظالمين‪ ،‬علمه ربه هذا الدعاء ليدعو به‪ .‬أي‪ :‬إذا أردت بهم عقوبة فأخرجني عنهم وأبعدني‬ ‫عنهم‪ .‬وفي الية تهديد عظيم للمشركين‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة تحمل وعيدا آخر مؤكدا للول الذي تضمنته جملة {ربّ إما تريني ما يوعدون}‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا بالنسبة إلى المة فهو محكم باق‪ ،‬وهو الصفح وعدم المؤاخذة فيما بينهم وأمّا بالنسبة‬ ‫للمشركين والكافرين‪ ،‬فهو موادعة لهم ل غير إلى أن يؤمر بقتالهم‪ ،‬وقد أمر به فيما بعد‪.‬‬ ‫‪ 4‬جمع همزة‪ ،‬والهمزة في اللغة النخس والدفع‪ ،‬يقال‪ :‬همزه ونخسه ودفعه‪ ،‬قال الليث‪ :‬الهمز‪:‬‬ ‫كلم من وراء القفا‪ ،‬واللمز‪ :‬مواجهة والشيطان يوسوس بوساوسه في صدر ابن آدم‪ ،‬الهمس لغة‪:‬‬ ‫الكلم الخفي يقال‪ :‬همس في أذنه بكذا‪ :‬أسرّ به إليه‪.‬‬

‫‪ 5‬هذا التعوذ‪ ،‬وإن خوطب به الرسول صلى ال عليه وسلم فهو لمته معه معه بل هي أحوج منه‬ ‫إليه‪ ،‬وهمزات الشيطان‪ :‬هي سورات الغضب التي ل يملك النسان بها نفسه وقد شكا خالد بن‬ ‫الوليد للنبي صلى ال عليه وسلم أن كان يؤرق من الليل فأمره أن يقول‪" :‬أعوذ بكلمات ال التامة‬ ‫من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون"‪.‬‬

‫( ‪)3/537‬‬ ‫أي رأى ملك الموت وأعوانه وقد حضروا لقبض روحه {قال رب ارجعون ‪ }1‬أي أخروا موتي‬ ‫كي أعمل صالحا فيما تركت العمل فيه بالصلح‪ ،‬وفيما ضيعت من واجبات قال تعالى ردا عليه‬ ‫{كل}‪ 2‬أي ل رجوع أبدا‪{ ،‬إنها كلمة هو قائلها} ل فائدة منها ول نفع فيها‪{ ،‬ومن ورائهم برزخ}‬ ‫أي حاجز مانع من العودة إلى الحياة وهو أيام الدنيا كلها حتى إذا انقضت عادوا إلى الحياة‪ ،‬ولكن‬ ‫ليست حياة عمل وإصلح ولكنها حياة حساب وجزاء هذا معنى قوله‪{ :‬ومن ورائهم برزخ إلى‬ ‫يوم يبعثون}‪.3‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الدعاء والترغيب فيه وإنه لذو جدوى للمؤمن‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحباب دفع السيء من القول أو الفعل بالصفح والعراض عن صاحبه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الستعاذة بال تعالى من وساوس الشياطين ومن حضورهم أمر العبد الهام حتى ل‬ ‫يفسدوه عليه بالخواطر السيئة‪.‬‬ ‫‪ -4‬موعظة المؤمن بحال من يتمنى العمل الصالح عند الموت فل يُمكن منه فيموت بندمه‬ ‫وحسرته ويلقى جزاء تفريطه حرمانا وخسرانا في الدار الخرة‪.‬‬ ‫فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَل أَنسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَتَسَاءلُونَ (‪َ )101‬فمَن َثقُلَتْ َموَازِينُهُ فَُأوْلَ ِئكَ ُهمُ‬ ‫جهَنّمَ خَالِدُونَ (‪ )103‬تَ ْلفَحُ‬ ‫سهُمْ فِي َ‬ ‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ فَُأوْلَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَنفُ َ‬ ‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )102‬ومَنْ َ‬ ‫وُجُو َههُمُ النّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (‪)104‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬ربّ ارجعون} هذا تمنّ للحياة الدنيا بعد ذهابها‪ ،‬وهيهات هيهات أن تعود !! وقوله ‪:‬‬ ‫{ارجعون} ‪ :‬خاطب الربّ تعالى بضمير التعظيم وتعظيم المخاطب شائع في كلم العرب‪.‬‬ ‫‪ 2‬كل ‪ :‬ردع للسامع ليعلم يقينا إبطال ما يطلبه الكافر من الرجوع‪.‬‬ ‫‪ 3‬البرزخ ‪ :‬هو ما بين الدنيا والخرة إذ كل ما حجز بين شيئين قيل فيه ‪:‬برزخ‪.‬‬

‫( ‪)3/538‬‬

‫ش ْقوَتُنَا َوكُنّا َق ْومًا ضَالّينَ‬ ‫علَ ْيكُمْ َفكُنتُم ِبهَا ُت َكذّبُونَ (‪ )105‬قَالُوا رَبّنَا غَلَ َبتْ عَلَيْنَا ِ‬ ‫أَلَمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى َ‬ ‫(‪ )106‬رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ (‪)107‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في الصور‪ :‬أي في القرن المعبر عنه بالبوق نفخة القيام من القبور للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫المفلحون ‪ :‬أي الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫تلفح وجوههم النار ‪ :‬أي تحرقها‪.‬‬ ‫وهم فيها كالحون‪ :‬الكالح من أحرقت النار جلدة وجهه وشفتيه فظهرت أسنانه‪.‬‬ ‫ألم تكن آياتي تتلى عليكم ‪ :‬أي يوبخون ويذكرون بالماضي ليحصل لهم الندم والمراد باليات‬ ‫آيات القرآن‪.‬‬ ‫غلبت علينا شقوتنا‪ :‬أي الشقاوة الزلية أي تكتب على العبد في كتاب المقادير قبل وجوده‪.‬‬ ‫أخرجنا منها فإن عدنا ‪ :‬أي من النار فإن عدنا إلى الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء والدعوة إلى ذلك وعرض الدلة‬ ‫وتبيينها وتنويعها‪ ،‬إذ ل يمكن استقامة إنسان قي تفكيره وخلقه وسلوكه على مناهج الحق والخبر‬ ‫إلّ إذا آمن إيمانا راسخا بوجود ال تعالى ووجوب طاعته وتوحيده في عباداته‪ ،‬وبالواسطة في‬ ‫ذلك وهو الوحي والنبي الموحي إليه‪ ،‬وبالبعث الخر الذي هو دور الحصاد لما زرع النسان في‬ ‫هذه الحياة من خير وشر فقوله تعالى‪{ :‬فإذا نفخ ‪ 1‬في الصور فل أنساب ‪ 2‬بينهم يومئذ ول‬ ‫يتساءلون} هذا عرض لما يجرى في الخرة فيخبر تعالى أنه إذا نفخ إسرافيل بإذن ال في الصور‬ ‫الذي هو القرن أي كقرن الشاة لقوله تعالى‪{ :‬فإذا نقر في الناقور فذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه النفخة الثانية‪ ،‬وهي نفخة البعث‪ ،‬والحشر والتي قبلها هي نفخة الفناء‪ ،‬والتي بعد نفخة‬ ‫الصعق‪ ،‬والخيرة نفخة الحساب والجزاء‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬ل يفتخرون بالنساب في الخرة كما يفتخرون بها في الدنيا‪،‬‬ ‫ول يتساءلون فيها كما يتساءلون في الدنيا‪ :‬من أي قبيلة أنت ول من أي نسب ول يتعارفون لهول‬ ‫ما أذهلهم!!‬

‫( ‪)3/539‬‬ ‫يومئذ يوم عسير} فلشدة الهول وعظيم الفزع لم يبق نسب ‪ 1‬يراعى أو يلتفت إليه بل كل واحد‬ ‫همه نفسه فقط‪ ،‬ول يسأل حميم حميما وسألت عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم قالت‪ :‬هل تذكرون أهليكم يا رسول ال يوم القيامة فقال أما عند ثلثة فل‪ :‬إذا تطايرت‬ ‫الصحف‪ ،‬وإذا وضع الميزان وإذا نصب الصراط ومعنى هذا الحديث واضح والشاهد منه ظاهر‬ ‫وهو أنهم ل يتساءلون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} أي من رجحت كفة حسناته على كفة‬ ‫سيئآته أفلح أي نجا من النار وأدخل الجنة ومَن خفت موازينه بأن حصل العكس فقد خسر وَأبعد‬ ‫عن الجنة وأدخل النار وهذا معنى قوله تعالى {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم‬ ‫في جهنم خالدون‪ ،‬تلفح ‪ 2‬وجوههم النار وهم فيها كالحون ‪ }3‬أي تحرق وجوههم النار فيكلحون‬ ‫باحتراق شفاههم وتظهر أسنانهم وهو أبشع منظر وأسوأه وقوله تعالى‪{ :‬ألم تكن ‪ 4‬آياتي تتلى‬ ‫عليكم فكنتم بها تكذبون؟} هذا يقال لهم تأنيبا وتوبيخا وهم في جهنم وهو عذاب نفساني مع العذاب‬ ‫الجثماني {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} أما كان رسلنا يتلون عليكم آياتنا {فكنتم بها تكذبون} بأقوالكم‬ ‫وأعمالكم أو بأعمالكم دون أقوالكم فلم تحرموا ما حرم ال ولم تؤدوا ما أوجب ال‪ ،‬ولم تنتهوا عما‬ ‫نهاكم عنه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ‪ }5‬هذا جوابهم كالمعتذرين بأن شقاءهم‬ ‫كان بقضاء وقدر فلذا حيل بينهم وبين اليمان والعمل الصالح‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وكنا قوما ضالين }‬ ‫هذا قولهم أيضا وهو اعتراف صريح بأنهم كانوا ضالين‪ .‬ثم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم بقوله‪:‬‬ ‫{ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} هذا دعاؤهم وهم في جهنم يسْألون رجهم أن يردهم إلى‬ ‫الدنيا ليؤمنوا ويستقيموا ‪ 6‬على صراط ال المستقيم الذي هو السلم وسوف ينتظرون جواب ال‬ ‫تعالى ألف سنة وهو ما تضمنته اليات التالية‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد ما يخصص هذا العموم وهو قوله صلى ال عليه وسلم "كل سبب ونسب فإنه منقطع يوم‬ ‫القيامة إلّ سببي ونسبي" رواه الطبراني فإنه إن صح يكون مخصصا لعموم الية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫‪{ 2‬تلفح} وتنفح بمعنى واحد لقوله تعالى‪{ :‬ولن مستهم نفحة من عذاب ربك} إلّ أن تلفح أبلغ من‬ ‫تنفح وأشد‪.‬‬ ‫‪ 3‬الكلوح‪ :‬تكشر في عبوس‪ ،‬والكالح الذي تشمّرت شفتاه وبدت أسنانه قال ابن مسعود‪ :‬أرأيت‬ ‫الرأس المشتط بالنار وقد بدت أسنانه وقلصت شفتاه‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام للتقريع والتأنيب‪ ،‬والتذكير بما يزيد في حسرتهم وعظيم محنتهم وبلئهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ ابن مسعود وبها قرأ الكوفيون إلّ حفصا شقاوتنا وقرأ الجمهور شقوتنا‪.‬‬ ‫‪ 6‬وما يستقيمون لو ردوا لعلم ال تعالى بهم إذ قال عز وجل‪{ :‬ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه‪،‬‬ ‫وإنهم لكاذبون}‪.‬‬

‫( ‪)3/540‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء من خلل عرض أحداثها في هذه اليات‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن وزن العمال يوم القيامة حق وإنكاره بدعة مكفرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن إسرافيل ينفخ في الصور وإنكار ذلك وتأويله بلفظ الصور كما فعل المراغي عند‬ ‫تفسيره هذه الية مع السف بدعة من البدع المنكرة ولذا نبهت عليها هنا حتى ل يغتر بها‬ ‫المؤمنون‪.‬‬ ‫‪ -4‬العتذار بالقدر ل ينفع صاحبه‪ ،‬إذ القدر مستور فل ينظر إليه والعبد مأمور فليؤتمر بأمر ال‬ ‫ورسوله ولينته بنهيهما ما دام العبد قادرا على ذلك فإن عجز فهو معذور‪.‬‬ ‫حمْنَا‬ ‫سؤُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ (‪ )108‬إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا وَا ْر َ‬ ‫قَالَ اخْ َ‬ ‫حكُونَ (‪)110‬‬ ‫س ْوكُمْ ِذكْرِي َوكُنتُم مّ ْنهُمْ َتضْ َ‬ ‫حمِينَ (‪ )109‬فَاتّخَذْ ُتمُوهُمْ سِخْرِيّا حَتّى أَن َ‬ ‫وَأَنتَ خَيْرُ الرّا ِ‬ ‫إِنّي جَزَيْ ُتهُمُ الْ َيوْمَ ِبمَا صَبَرُوا أَ ّنهُمْ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪)111‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إخسأوا ‪ :‬أي أبعدوا في النار أذلء مخزيين‪.‬‬ ‫فريق من عبادي ‪ :‬هم المؤمنون المتقون‪.‬‬ ‫فاتخذتموهم سخريا ‪ :‬أي جعلتموهم محط سخريتكم واستهزائكم‪.‬‬ ‫بما صبروا ‪ :‬أي على اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫هم الفائزون ‪ :‬أي الناجون من النار المنعمون في الجنة‪.‬‬

‫( ‪)3/541‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬قال اخسأوا فيها ول تكلمون ‪ }1‬هذا جواب سؤالهم المتقدم حيث قالوا‪{ :‬ربنا أخرجنا‬ ‫منها فإن عدنا فإنا ظالمون ‪ }2‬وعلل تعالى لحكمه فيهم بالبعاد في جهنم أذلء مخزيين يقوله‪{ :‬إنه‬ ‫كان فريق من عبادي} وهو فريق المؤمنين المتقين ‪ 3‬يقولون {ربنا آمنا فاغفر لنا} ذنوبنا {وارحمنا‬ ‫وأنت خير الراحمين} أي يعبدوننا ويتقربون إلينا ويتوسلون بإيمانهم وصالح إعمالهم ويسألوننا‬ ‫المغفرة والرحمة وكنتم أنتم تضحكون من عبادتهم ودعائهم وضراعتهم إلينا وتسخرون منهم ‪4‬‬ ‫إني جزيتهم اليوم بصبرهم على طاعتنا مع ما يلقون منكم من اضطهاد وسخرية‪{ .‬أنهم ‪ 5‬هم‬ ‫الفائزون} برضواني في جناتي ل غيرهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬بيان مدى حسرة أهل النار لما يجابون بكلمة‪{ :‬اخسأوا فيها ول تكلمون}‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة التضرع إلى ال تعالى ودعائه والتوسل إليه باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة السخرية بالمسلم والستهزاء به والضحك منه‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة الصبر ولذا ورد أن منزلة الصبر هن اليمان كمنزلة الرأس من الجسد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬ابعدوا في جهنم كما يقال لكلب‪ :‬اخسأ أي‪ :‬أبعد‪ ،‬يقال‪ :‬خسأ الكلب وأخساه لزم ومتعدّ‪.‬‬ ‫يروي عن ابن المبارك عن عبدال بن عمرو بن العاص قال‪ :‬إن أهل جهنم يدعون مالكا فل‬ ‫يجيبهم أربعين عاما ثمّ يرد عليهم {إنكم ماكثون} والصحيح أنه يجيبهم بعد ألف سنة‪ ،‬وعندها‬ ‫ينقطع رجاؤهم ودعاؤهم ويقبل بعضهم على بعض فيتنابحون كالكلب وقد أطبقت عليهم النار‪.‬‬ ‫‪ 2‬الظلم‪ :‬وضح الشي في غير موضعه وعابد غير ال تعالى واضع العبادة في غير موضعها فلذا‬ ‫هو ظالم‪ .‬والشرك‪ :‬ظلم عظيم‪.‬‬ ‫‪ 3‬كبلل وصهيب وعمّار وخباب من فقراء المسلمين الذين كان أبو جهل وأصحابه يهزؤون بهم‬ ‫ويسخرون منهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬في الية دليل على حرمة السخرية بالمسلم والستهزاء به‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرىء بفتح الهمزة أي‪ :‬لنهم هم الفائزون وقرىء بكسرها على البتداء‪.‬‬

‫( ‪)3/542‬‬ ‫قَالَ َكمْ لَبِثْتُمْ فِي ال ْرضِ عَ َددَ سِنِينَ (‪ )112‬قَالُوا لَبِثْنَا َي ْومًا َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ فَاسَْألْ ا ْلعَادّينَ (‪ )113‬قَالَ‬ ‫جعُونَ (‬ ‫إِن لّبِثْتُمْ إِل قَلِيل ّلوْ أَ ّنكُمْ كُنتُمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )114‬أ َفحَسِبْ ُتمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُرْ َ‬ ‫حقّ ل إِلَهَ إِل ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ (‪َ )116‬ومَن َي ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ‬ ‫‪ )115‬فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬ ‫غفِ ْر وَارْحَمْ وَأَنتَ‬ ‫حسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ (‪َ )117‬وقُل ّربّ ا ْ‬ ‫ل بُ ْرهَانَ لَهُ ِبهِ فَإِ ّنمَا ِ‬ ‫حمِينَ (‪)118‬‬ ‫خَيْرُ الرّا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كم لبثتم في الرض ‪ :‬أي كم سنة لبثتموها في الرض أحيا ًء وأمواتا في قبوركم؟‪.‬‬ ‫فاسأل العادين‪ :‬يريدون الملئكة التي كانت تعد‪ ،‬وهم الكرام الكاتبون أو من يعد أما نحن فلم‬ ‫نعرف‪.‬‬ ‫خلقتم عبثا‪ :‬أي ل لحكمة بل لمجرد العيش واللعب كل‪.‬‬ ‫فتعالى ال الملك الحق ‪ :‬أي تنزه ال عن العبث‪.‬‬ ‫ل برهان له ‪ :‬الجملة صفة لـ "إلها آخر" ل مفهوم لها إذ ل يوجد برهان ول حجة على صحة‬ ‫عبادة غير ال تعالى إذ الخلق كله مربوب ل مملوك له‪.‬‬

‫حسابه عند ربه‪ :‬أي مجازاته عند ربه هو الذي يجازيه بشركه به ودعاء غيره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم ومع أهل النار المنكرين للبعث والتوحيد بقوله تعالى‪{ :‬قال كم‬

‫( ‪)3/543‬‬ ‫لبثتم في الرض عدد سنين؟} هذا سؤال طرح عليهم أي سألهم ربهم وهو أعلم بلبثهم كم لبثتم من‬ ‫سنة في الدنيا مدة حياتكم فيها ومدة لبثكم أمواتا في قبوركم؟ فأجابوا قائلين {لبثنا يوما أو بعض ‪1‬‬ ‫يوم فاسأل ‪ 2‬العادين} أي من كان يعد من الملئكة أو من غيرهم‪ ،‬وهذا الضطراب منهم عائد‬ ‫ل وثانيا أهوال الموقف وصعوبة الحال وآلم العذاب‬ ‫إلى نكرانهم للبعث وكفرهم في الدنيا به أو ً‬ ‫جعلتهم ل يعرفون أما أهل اليمان فقد جاء في سورة الروم أنهم يجيبون إجابة صحيحة إذ قال‬ ‫تعالى‪{ :‬ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين‬ ‫أوتوا العلم واليمان لقد لبثتم في كتاب ال إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم ل تعلمون}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إن لبثتم إلّ قليلً لو أنكم كنتم تعلمون ‪ }3‬هذا بالنظر إلى ما تقدم من عمر الدنيا‪،‬‬ ‫فمدة حياتهم وموتهم إلى بعثهم ما هي إلّ قليل وقوله تعالى‪{ :‬أفحسبتم ‪ 4‬أنما خلقناكم ‪ 5‬عبثا وأنكم‬ ‫إلينا ل ترجعون}‪ ،‬هذا منه تعالى توبيخ لهم وتأنيب على إنكارهم للبعث أنكر تعالى عليهم حسبانهم‬ ‫وظنهم أنهم لم يحلقوا للعبادة وإنما خلقوا للكل والشرب والنكاح كما هم ظن كل الكافرين وأنهم‬ ‫ل يبعثون ول يحاسبون ول يجزون بأعمالهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فتعالى ‪ 6‬ال الملك الحق} أي عن‬ ‫العبث وعن كل ما ل يليق بجلله وكماله وقوله‪{ :‬ل إله إلّ هو رب العرش الكريم} أي ل معبود‬ ‫بحق إلّ هو {رب العرش الكريم} أي مالك العرش الكريم ووصف العرش بالكرم سائغ كوصفه‬ ‫بالعظيم والعرش سرير الملك وهو كريم لما فيه من الخير وعظيم إذ هو أعظم من الكرسي‬ ‫والكرسي وسع السموات والرض‪ ،‬ولم ل يكون العرش كريما وعظيما ومالكه جل جلله هو‬ ‫مصدر كل كرم وخير وعظمة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا السؤال موجه للمشركين في عرصات القيامة‪ ،‬والسؤال عن ليثهم في قبورهم وجائز أن‬ ‫يكون عن مدة حياتهم في الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬أنساهم شدة العذاب مدة مكثهم في قبورهم‪ ،‬وقيل‪ :‬استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي‬ ‫القبور ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا بالنظر إلى الدار الخرة ل يعتبر شيئا يذكر‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي بضعف أن ابن مسعود م ّر بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه‪{ :‬أفحسبتم} الية إلى {رحيم} فبرأ‬ ‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ماذا قرأت في أذنه؟ فأخبره فقال رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم والذي نفسي بيده لو أن رجلً موقنا قرأها على جبل لزال"‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬مهملين كما خلق البهائم ل ثواب لها ول عقاب عليها كقوله تعالى {أيحسب النسان أن‬ ‫يترك سدى}‪.‬‬ ‫‪{ 6‬فتعالى ال}‪ :‬أي تنزه وتقدس ال الملك الحق عن الولد والشركاء والنداد‪ ،‬وعن أن يخلق‬ ‫شيئا عبثا أو سفها‪.‬‬

‫( ‪)3/544‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له} أي ومن يعبد مع ال إلها آخر بالدعاء أو‬ ‫الخوف أو الرجاء أو النذر والذبح‪ ،‬وقوله‪ :‬ل برهان له أي ل حجة له ول سلطان على جواز‬ ‫عبادة ما عبده‪ ،‬ومن أين يكون له الحجة والبرهان على عبادة غير ال وال رب كل شيء ومليكه‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فإنما حسابه عند ربه} أي ال تعالى ربه يتولى حسابه ويجزيه بحسب عمله‬ ‫وسيخسر خسرانا مبينا لنه كافر والكافرون ل يفلحون أبدا فل نجاة من النار ول دخول للجنة بل‬ ‫حسبهم جهنم وبئس المهاد‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وقل رب اغفر وارحم ‪ }1‬أي أمر ال تعالى رسوله أن‬ ‫يدعو بهذا الدعاء‪ :‬رب اغفر لي وارحمني واغفر لسائر المؤمنين وارحمهم أجمعين أنت خير‬ ‫الغافرين والراحمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عظم هول يوم القيامة وشدة الفزع فيه فليتق ذلك باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫‪ -2‬تنزه ال تعالى عن العبث واللهو واللعب‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬كفر وشرك من يدعو مع ال إلها آخر‪.‬‬ ‫‪ -5‬الحكم بخسران الكافرين وعدم فلحهم‪.‬‬ ‫‪ -6‬استحباب الدعاء بالمغفرة والرحمة للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نظرت إلى حذف المفعول في‪ :‬اغفر وارحم فانقدح في نفسي أن لجذفه سرا وهو ‪ :‬أن يكون‬ ‫عاما في المؤمنين والمؤمنات لقوله تعالى‪{ :‬واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}‪.‬‬

‫( ‪)3/545‬‬

‫سورة النور‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النور ‪1‬‬ ‫مدنية‬ ‫وآياتها أربع وستون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سُو َرةٌ أَنزَلْنَاهَا َوفَ َرضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ ّلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ(‪ )1‬الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا ُكلّ‬ ‫وَاحِدٍ مّ ْن ُهمَا مِئَةَ جَ ْل َدةٍ وَل تَ ْأخُ ْذكُم ِب ِهمَا رَ ْأ َفةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِن كُنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ‬ ‫حهَا إِل‬ ‫عذَا َب ُهمَا طَا ِئفَةٌ مّنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )2‬الزّانِي ل يَنكِحُ إل زَانِيَةً َأوْ ُمشْ ِركَ ًة وَالزّانِيَةُ ل يَنكِ ُ‬ ‫شهَدْ َ‬ ‫وَلْيَ ْ‬ ‫ك وَحُرّمَ ذَِلكَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)3‬‬ ‫زَانٍ َأوْ مُشْ ِر ٌ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سورة أنزلناها‪ :‬أي هذه سورة أنزلناها‪.‬‬ ‫وفرضناها ‪ :‬أي فرضنا ما فيها من أحكام‪.‬‬ ‫وأنزلنا فيها آيات بينات ‪ :‬أي وأنزلنا ضمنها آيات أي حججا واضحات تهدي إلى الحق وإلى‬ ‫صراط مستقيم‪.‬‬ ‫لعلكم تذكرون ‪ :‬أي تتعظون فتعملون بما في السورة من أحكام‪.‬‬ ‫الزانية‪ :‬من أفضت إلى رجل بغير نكاح شرعي وهي غير محصنة‪.‬‬ ‫مائة جلدة‪ :‬أي ضربة على جلد ظهره‪.‬‬ ‫رأفة‪ :‬شفقة ورحمة‪.‬‬ ‫وليشهد عذابهما ‪ :‬أي اقامة الحد عليهما‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أن عمر رضي ال عنه‪ :‬كتب يوما إلى أهل الكوفة‪ .‬علّموا نساءكم سورة النور‪ .‬كما‬ ‫روي عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬ل تنزلوا النساء الغرف ول تعلموهن الكتابة‬ ‫وعلموهن سورة النور‪ ،‬والغزل‪.‬‬

‫( ‪)3/546‬‬ ‫طائفة ‪ :‬أي عدد ل يقل عن ثلثة أنفار من المسلمين والربعة أولى من الثلثة‪.‬‬ ‫الزاني ل ينكح إل زانية ‪ :‬أي إل زانية مثله أو مشركة أي ل يقع وطء إلّ على مثله ‪.1‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬سورة أنزلناها} أي هذه سورة من كتاب ال أنزلناها أي على عبدنا ورسولنا محمد‬

‫صلى ال عليه وسلم {وفرضناها} أي وفرضنا ما اشتملت عليه من أحكام على أمة السلم‪،‬‬ ‫وقوله‪{ :‬لعلكم تذكرون} أي تتعظون فتعملون بما حوته هذه السورة من أوامر ونواه وآداب‬ ‫وأخلق وقوله تعالى‪{ :‬الزانية ‪ 2‬والزاني فاجلدوا كل ‪ 3‬واحد منهما مائة جلدة} أي من زنت برجل‬ ‫منكم أيها المسلمون وهما بكران حُرّان غير محصنين ول مملوكين فاجلدوا كل واحد منهما مائة‬ ‫جلدة بعصا ل تشين جارحة ول تكسر عضوا أي جلدا غير مبرح‪ ،‬وزادت السنة تغريب سنة‪،‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ول تأخذكم بهما رأفة في دين ال}‪ ،‬أي ل تشفقوا عليهما فتعطلوا حَدّ ال تعالى‬ ‫وتحرموهما من التطهير بهذا الحد لن الحدود كفارة لصحابها‪ ،‬وقوله‪{ :‬إن كنتم تؤمنون بال‬ ‫واليوم الخر} أي فأقيموا عليهما الحد وقوله‪{ :‬وليشهد عذابهما} أي إقامة الحد {طائفة من‬ ‫المؤمنين} أي ثلثة أنفار فأكثر وأربعة أولى لن شهادة الزنا تثبت بأربعة شهداء وكلما كثر العدد‬ ‫كان أولى وأفضل‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة} أي ل يطأ إل مثله من الزواني أو مشركة ل‬ ‫دين لها‪ ،‬والزانية أيضا ل يطأها إل زانٍ مثلها أو مشرك {وحرم ذلك على المؤمنين} أي حرم ال‬ ‫الزنا على المؤمنين والمؤمنات ولزم هذا أن ل نزوج زانيا من عفيفة إل بعد توبته ‪ ،4‬ول نزوج‬ ‫زانية من عفيف إل بعد توبتها ‪.5‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬إل مثل الواطىء يريد الزاني بالزانية والمشرك بالمشركة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ الجمهور برفع الزانية وقرأ‪ :‬عيسى الثقفي بالنصب وهو أوجه عند سيبويه لنه نحو‪ :‬زيدا‬ ‫أضربه‪ ،‬وتقدير الرفع‪ :‬مما يتلى عليكم الزانية والزاني‪ .‬على تقديم الخبر‪ ،‬وقدمت الزانية لنّ‬ ‫الزنى في النساء أعر وأقبح وأضر للحمل‪ ،‬وال‪ :‬في الزانية والزاني‪ :‬للجنس ليعم سائر الزناة‪،‬‬ ‫على مرور العصر واليام‪.‬‬ ‫‪ 3‬ل خلف في أن الذي يقوم بإقامة هذا الحد هو المام أو نائبه والسادة في العبيد‪ ،‬وأن السوط‬ ‫يكون بين اللين والشدة وسطا بينهما‪ ،‬ول يتعدى هذا الحد إل أن يجرؤ الناس على الجرائم ويكثر‬ ‫الشر والفساد فيعزرون بما يردعهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬قيل‪ :‬إن هذه الية منسوخة بآية‪{ :‬وأنكحوا اليامى منكم والصالحين من عبادكم وإماتكم} وما‬ ‫في التفسير أولى وأظهر وبه العمل‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجمهور على أن من زنى بامرأة يجوز له أن يتزوجها بعد استبرائها بحيضة وإذا زنت امرأة‬ ‫الرجل أو زنى هو ل يفسد نكاحهما‪.‬‬

‫( ‪)3/547‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حكم الزانية والزاني البكرين الحرين وهو جلد مائة وتغريب عام وأما الثيبان فالرحم إن‬ ‫كانا حرين أو جلد خمسين ‪ 1‬جلدة لكل واحد منهما إن كانا غير حرين‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب إقامة هذا الحد أمام طائفة من المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل يحل تزويج الزاني إل بعد توبته‪ ،‬ول الزانية إل بعد توبتها‪.‬‬ ‫شهَا َدةً‬ ‫جلْ َد ًة وَل َتقْبَلُوا َلهُمْ َ‬ ‫شهَدَاء فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِينَ َ‬ ‫حصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْ َبعَةِ ُ‬ ‫وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬ ‫غفُورٌ رّحِيمٌ (‪)5‬‬ ‫ك وََأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬ ‫سقُونَ (‪ )4‬إِل الّذِينَ تَابُوا مِن َب ْعدِ ذَِل َ‬ ‫أَبَدًا وَُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يرمون ‪ :‬أي يقذفون‪.‬‬ ‫المحصنات ‪ :‬أي العفيفات والرجال هنا كالنساء‪.‬‬ ‫فاجلدوهم‪ :‬أي حدا عليهم واجبا‪.‬‬ ‫ول تقبلوا لهم شهادة أبدا ‪ :‬لسقوط عدالتهم بالقذف للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬ ‫إل الذين تابوا‪ :‬فإنهم بعد توبتهم يعود إليهم اعتبارهم وتصح شهادتهم‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫بعد بيان حكم الزناة بين تعالى حكم القذف فقال‪{ :‬والذين يرمون المحصنات ‪ }2‬أي والذين يرمون‬ ‫المؤمنين والمؤمنات بالفاحشة وهي الزنا واللواط بأن يقول فلن زان أو لئط‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لقوله تعالى من سورة النساء {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}‬ ‫والمراد به‪ :‬الماء والعبيد مثلهن‪ ،‬ولما كان الموت ل ينصّف فعلم أنه الجلد خمسين جلدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬خص النساء بهذا وإن كان الرجال يشاركونهن في الحكم لنّ القذف فيهن أشنع وأنكر‬ ‫للنفوس ومن حيث هو هوى الرجال‪.‬‬

‫( ‪)3/548‬‬ ‫فيقذفه بهذه الكلمة ‪ 1‬الخبيثة فإن عليه أن يحضر شهودا أربعة يشهدون أمام الحاكم على صحة ما‬ ‫رمى به أخاه المؤمن فإن لم يأت بالربعة شهود أقيم عليه الحد المذكور في الية‪ :‬وهو جلد‬ ‫ثمانين جلدة على ظهره وتسقط عدالته حتى يتوب وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬والذين يرمون‬ ‫المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلد ًة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم‬ ‫الفاسقون} أي عن طاعة ال ورسوله {إل الذين تابوا هن بعد ذلك وأصلحوا} بأن كذبوا أنفسهم‬ ‫بأنهم ما رأوا الفاحشة وقوله‪{ :‬فإن ال غفور} فيغفر لهم بعد التوبة {رحيم} بهم يرحمهم ول‬

‫يعذبهم بهذا الذنب العظيم بعدما تابوا منه‪.‬‬ ‫هداية اليتين‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حد القذف وهو جلد ثمانين جلدة لمن قذف مؤمنا أو مؤمنة بالفاحشة وكان المقذوف بالغا‬ ‫عاقلً مسلما‪ 2‬عفيفا أي لم يعرف بالفاحشة قبل رميه بها ‪.3‬‬ ‫‪ -2‬سقوط عدالة القاذف إل أن يتوب فإنه تعود إليه عدالته‪.‬‬ ‫‪ -3‬قبول توبة ‪ 4‬التائب إن كانت توبته صادقة نصوحا‪.‬‬ ‫شهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ‬ ‫شهَا َدةُ َأحَ ِدهِمْ أَرْبَعُ َ‬ ‫س ُهمْ فَ َ‬ ‫شهَدَاء إِل أَنفُ ُ‬ ‫جهُمْ وَلَمْ َيكُن ّلهُمْ ُ‬ ‫وَالّذِينَ يَ ْرمُونَ أَ ْزوَا َ‬ ‫الصّا ِدقِينَ (‪)6‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في التعريض هل يوجب الحد أو ل؟ فمالك يرى إيجابه إذا حصلت المعرة بالتعريض‬ ‫وإل فل وأخذ التعريض من آية‪{ :‬إنك لنت الحليم الرشيد} قاله قوم شعيب لنبيهم شعيب عليه‬ ‫السلم تعريضا به لً مدحا له ومن أمثلة التعريض قول الشاعر‪:‬‬ ‫دع المكارم ل ترحل لبغيتها‬ ‫واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‬ ‫شبهه بالنساء‪.‬‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫قبيلة ل يغدرون بذمة‬ ‫ول يظلمون الناس حبّة خردل‬ ‫اتهم القبيلة بالضعف وهو من أحوال النساء‪.‬‬ ‫‪ 2‬للقذف شروط تسعة‪ :‬العقل والبلوغ وهما للقاذف والمقذوف سواء إذ هما شرط التكليف‪،‬‬ ‫وشرطان في الشيء المقذوف به وهما أن يكون القذف بوطىء يوجب الحد وهو الزنى واللواط أو‬ ‫بنفيه من أبيه وخمسة في المقذوف وهي‪ :‬العقل والبلوغ كما تقدّم والسلم والحرية والعفة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجمهور على أنه ل حد على من قذف كتابيا ذكرا أو أنثى والجماع على عدم إقامة الحد على‬ ‫من قذف كافرا لنه ل يُحَرمُ الزنى فكيف يحد على من قذف به؟‪.‬‬ ‫‪ 4‬إن شهد أربعة وأقيم الحد على المقذوف ثم أقرّ أحد الشهود بأنه كان كاذبا فإن لولياء الدم بين‬ ‫قتله وبين العفو عنه وبين أخذ ربع الدية منه‪ .‬هذا مذهب مالك وبه قال أحمد رحمهما ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/549‬‬

‫شهَادَاتٍ‬ ‫شهَدَ أَرْبَعَ َ‬ ‫ن وَيَدْرَأُ (‪ )7‬عَ ْنهَا ا ْل َعذَابَ أَنْ تَ ْ‬ ‫سةُ أَنّ‪َ 1‬لعْ َنتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ا ْلكَاذِبِي َ‬ ‫وَالْخَامِ َ‬ ‫ضلُ‬ ‫غضَبَ اللّهِ عَلَ ْيهَا إِن كَانَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )9‬وََلوْل َف ْ‬ ‫بِاللّهِ إِنّهُ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )8‬وَا ْلخَامِسَةَ أَنّ َ‬ ‫حكِيمٌ (‪)10‬‬ ‫حمَتُ ُه وَأَنّ اللّهَ َتوّابٌ َ‬ ‫علَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬ ‫اللّهِ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يرمون أزواجهم ‪ :‬أي يقذفونهن بالزنا كأن يقول زنت أو الحمل الذي في بطنها ليس منه‪.‬‬ ‫إنه لمن الصادقين‪ :‬أي فيما رماها به من الزنى‪.‬‬ ‫والخامسة‪ :‬أي والشهادة الخامسة‪.‬‬ ‫ويدرأ عنها العذاب ‪ :‬أي يدفع عنها حد القذف وهو هنا الرجم حتى الموت‪.‬‬ ‫أن تشهد أربع شهادات ‪ :‬أي شهادتها أربع شهادات‪.‬‬ ‫والخامسة‪ :‬هي قولها غضب ال عليها إن كان من الصادقين‪.‬‬ ‫ولول فضل ال عليكم‪ :‬أي لفضح القاذف أو المقذوف ببيان كذب أحدهما‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد بيان حكم حد القذف ‪ 2‬العام ذكر تعالى حكم القذف الخاص وهو قذف الرجل زوجته فقال‬ ‫تعالى‪{ :‬والذين يرمون ‪ 3‬أزواجهم} أي بالفاحشة {ولم يكن لهم شهداء ‪ }4‬أي من يشهد معهم إل‬ ‫أنفسهم أي إل القاذف وحده فالذي يقوم مقام الربعة شهود هو أن يشهد أربع ‪ 5‬شهادات قائلً‪:‬‬ ‫أشهد ‪ 6‬بال لقد رأيتها تزني أو زنت أو هذا الولد أو الحمل ليس لي ويلتعن فيقول في الخامسة‬ ‫{لعنة ال عليه إن كان من الكاذبين} أي فيما رمى به زوجته‪ .‬وهنا يعرض على الزوجة أن تقر‬ ‫بما رماها به زوجها ويقام عليها حد القذف وهو هنا الرجم‪ ،‬أو تشهد أربع شهادات بال أنها ما‬ ‫زنت‪ ،‬والخامسة تدعو على نفسها بغضب ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور بتشديد {أنّ لعنة ال عليه} {وأنّ غضب ال عليها} بلفظ المصدر في {أن غضب‬ ‫ال} وتقدر باء الجر قبل أن لنها هي التي اقتضت فتح أنّ‪ ،‬وقرأ نافع بتخفيف نون أن في‬ ‫الموضعين وغضب بصيغة الماضي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ويعرف باللعان‪ :‬لن كل من الزوجين يلعن نفسه إن كان كذبا‪.‬‬ ‫‪ 3‬نزلت هذه اليات في قضية عويمر العجلني مع زوجته خولة بنت عاصم أو قيس‪ .‬فقد جاء‬ ‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪:‬يا رسول ال أرأيت رجل وجد مع امرأته رجل أيقتله‬ ‫فيقتلونه أم كيف يفعل؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬قد أنزل ال فيك وفي صاحبتك"‬ ‫فاذهب فأت بها فأتى بها وتلعنا وكانت هذه الحادثة في شعبان سنة تسع عقب القفول من غزوة‬ ‫تبوك‪.‬‬ ‫‪ 4‬حذف متعلق شهداء لظهوره من السياق أي‪ :‬شهداء على ما ادعوه مما رموا به أزواجهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬قامت الربع شهادات مقام أربعة شهود الذين لبد منهم في القذف بالفاحشة خاصة فشهادة القتل‬

‫والسرقة وغيرها يكتفى بشاهدين وفي القذف لبد من أربعة شهود‪.‬‬ ‫‪ 6‬سميت اليمان هنا شهادة لنها أقيمت مقام الشهود وأصبحت بدلً عنها‪.‬‬

‫( ‪)3/550‬‬ ‫فتقول {أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين} فيما رماها به‪ ،‬وبذلك درأت عنها العذاب الذي‬ ‫هو الحد ويفرق بينهما فل يجتمعان أبدا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ولول فضل ال ‪ 1‬عليكم ورحمته} جواب‬ ‫لول محذوف تقديره لعاجلكم بالعقوبة ولفضح أحد الكاذبين‪ :‬ولكن ال تواب رحيم فستر عليكم‬ ‫ليتوب من يتوب منكم ورحمكم بهذا التشريع العادل الرحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حكم قذف الرجل امرأته ولم يكن له أربعة شهود يشهدون معه على ما رمى به زوجته‬ ‫وهو اللعان‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كيفية اللعان‪ ،‬وأنه موجب لقامة الحد‪ ،‬إن لم ترد الزوجة الدعوى بأربع شهادات والدعاء‬ ‫عليها في الخامسة وقولها {أن غضب ال عليها إن كان من الصادقين}‪.‬‬ ‫‪ -3‬في مشروعية اللعان مظهر من مظاهر حسن التشريع السلمي وكماله وأن مثله لن يكون إل‬ ‫بوحي إلهي وفيه إشارة إلى تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫عصْبَةٌ مّنكُمْ ل تَحْسَبُوهُ شَرّا ّلكُم َبلْ ُهوَ خَيْرٌ ّلكُمْ ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مّ ْنهُم مّا‬ ‫إِنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِال ْفكِ ُ‬ ‫س ِمعْ ُتمُوهُ ظَنّ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ‬ ‫سبَ مِنَ الثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى كِبْ َرهُ مِ ْنهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪َ )11‬لوْل ِإذْ َ‬ ‫اكْتَ َ‬ ‫شهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا‬ ‫سهِمْ خَيْرًا َوقَالُوا هَذَا ِإ ْفكٌ مّبِينٌ (‪َ )12‬لوْل جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْ َب َعةِ ُ‬ ‫وَا ْل ُمؤْمِنَاتُ بِأَنفُ ِ‬ ‫حمَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ‬ ‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْي ُك ْم وَرَ ْ‬ ‫شهَدَاء فَُأوْلَ ِئكَ عِندَ اللّهِ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪ )13‬وََلوْل َف ْ‬ ‫بِال ّ‬ ‫عظِيمٌ (‪)14‬‬ ‫سكُمْ فِي مَا َأ َفضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ َ‬ ‫َلمَ ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا تذييل لما مرّ من الحكام العظيمة الدالة على تفضل ال على عباده المؤمنين بأفضل تشريع‬ ‫وأحسن حل لخطر مشكلة اجتماعية‪.‬‬

‫( ‪)3/551‬‬ ‫عظِيمٌ (‪)15‬‬ ‫حسَبُونَهُ هَيّنًا وَ ُهوَ عِندَ اللّهِ َ‬ ‫علْ ٌم وَتَ ْ‬ ‫إِذْ تََل ّقوْنَهُ بِأَ ْلسِنَ ِتكُ ْم وَ َتقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِهكُم مّا لَيْسَ َلكُم بِهِ ِ‬ ‫ظكُمُ اللّهُ أَن‬ ‫س ِمعْ ُتمُوهُ قُلْتُم مّا َيكُونُ لَنَا أَن نّ َتكَلّمَ ِب َهذَا سُ ْبحَا َنكَ هَذَا ُبهْتَانٌ عَظِيمٌ (‪َ )16‬يعِ ُ‬ ‫وََلوْل إِذْ َ‬ ‫حكِيمٌ (‪)18‬‬ ‫َتعُودُوا ِلمِثْلِهِ أَ َبدًا إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ (‪ )17‬وَيُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمُ اليَاتِ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بالفك عصبة‪ :‬الفك الكذب المقلوب وهو أسوأ الكذب‪ ،‬والعصبة الجماعة‪.‬‬ ‫شرا لكم بل هو خير‪ :‬الشر ما غلب ضرره على نفعه‪ ،‬والخير ما غلب نفعه على ضرره‪.،‬‬ ‫لكم ‪ :‬والشر المحض النار يوم القيامة والخير المحض الجنة دار البرار‪.‬‬ ‫والذي تولى كبره‪ :‬أي معظمه وهو ابن أبي كبير المنافقين‪.‬‬ ‫لول‪ :‬أداة تحضيض وحث بمعنى هلّ‪.‬‬ ‫فيما أفضتم فيه‪ :‬أي فيما تحدثتم بتوسع وعدم تحفظ‪.‬‬ ‫إذ تلقونه‪ :‬أي تتلقونه أي يتلقاه بعضكم من بعض‪.‬‬ ‫وتحسبونه هينا‪ :‬أي من صغائر الذنوب و هو عند ال من كبائرها لنه عرض مؤمنة هي زوج‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫سبحانك‪ :‬كلمة تقال عند التعجب والمراد بها تنزيه ال تعالى عما ل يليق به‪.‬‬ ‫بهتان عظيم‪ :‬البهتان الكذب الذي يحيّر من قيل فيه‪.‬‬ ‫يعظكم ال‪ :‬أي ينهاكم نهيا مقرونا بالوعيد حتى ل تعودوا لمثله أبدا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن ذكر تعالى حكم القذف العام والخاص ذكر حادثة الفك التي هلك فيها خلق ل يحصون‬ ‫عدا إذ طائفة الشيعة الروافض ما زالوا يهلكون فيها جيلً بعد جيل إلى اليوم إذ وَ ّرثَ فيهم‬ ‫رؤوساء الفتنة الذين اقتطعوا من السلم وأمته جزءا كبيرا أسمو شيعة آل البيت تضليلً وتغريرا‬ ‫فأخرجوهم من السلم باسم السلم وأوردهم النار باسم‬

‫( ‪)3/552‬‬ ‫الخوف من النار فكذبوا ال ورسوله وسبوا زوج رسول ال واتهموها بالفاحشة وأهانوا أباها‬ ‫ولوثوا شرف زوجها صلى ال عليه وسلم بنسبة زوجه إلى الفاحشة‪.‬‬ ‫وخلصة الحادثة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أن فرض الحجاب على النساء المؤمنات‬ ‫خرج إلى غزوة تدعى غزوة بني المصطلق أو المريسيع‪ ،‬ولما كان عائدا منها وقارب المدينة‬ ‫النبوية نزل ليلً وارتحل‪ ،‬ولما كان الرجال يرحلون النساء على الهوادج وجدوا هودج عائشة‬ ‫رضي ال عنها فظنوها فيه فوضعوه على البعير وساقوه ضمن الجيش ظانين أن عائشة فيه‪ ،‬وما‬ ‫هي فيه‪ ،‬لنها ذكرت عقدا لها قد سقط منها في مكان تبرزت فيه فعادت تلتمس عقدها فوجدت‬ ‫الجيش قد رحل فجلست في مكانها لعلهم إذا افتقدوها رجعوا إليها ومازالت جالسة تنظر حتى جاء‬ ‫صفوان بن معطل السلمي رضي ال عنه وكان الرسول صلى ال عليه وسلم قد عينه في الساقة‬ ‫وهم جماعة يمشون وراء الجيش بعيدا عنه حتى إذا تأخر شخص أو ترك متاع أوضاع شيء‬

‫يأخذونه ويصلون به إلى المعسكر فنظر فرآها من بعيد فأخذ يسترجع أي يقول إنا ل و إنا إليه‬ ‫راجعون آسفا لتخلف عائشة عن الركب قالت رضي ال عنها فتجلببت بثيابي وغطيت وجهي‬ ‫وجاء فأناخ راحلته فركبتها وقادها بي حتى انتهينا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬ ‫المعسكر‪ ،‬وما إن رآني ابن أبي لعنة ال عليه حتى قال وال ما نجت منه ول نجا منها‪ ،‬وروج‬ ‫للفتنة فاستجاب له ثلثة أنفار فرددوا ما قال وهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة‪ ،‬وحمنة بنت‬ ‫جحش‪{ ،‬والذي تولى كبره} هو ابن أبي المنافق وتورط آخرون ولكن هؤلء الربعة هم الذين‬ ‫أشاعوا وراجت الفتنة في المدينة واضطربت لها نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ونفوس‬ ‫أصحابه وآل بيته فأنزل ال هذه اليات في براءة أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها وبراءة‬ ‫صفوان رضي ال عنه‪ ،‬ومن خلل شرح اليات تتضح جوانب القصة‪.‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إن الذين ‪ 1‬جاءوا بالفك عصبة منكم ‪ }2‬أي إن الذين جاءوا بهذا الكذب المقلوب إذ‬ ‫المفروض أن يكون الطهر والعفاف لكل من أم المؤمنين وصفوان بدل الرمي بالفاحشة القبيحة‬ ‫فقلبوا القضية فلذا كان كذبهم إفكا وقوله‪{ :‬عصبة} أي جماعة ل يقل عادة عددهم على عشرة‬ ‫أنفار إل أن الذين روجوا الفتنة وتورطوا فيها حقيقة وأقيم عليهم الحد أربعة ابن أبي وهو الذي‬ ‫تولى كبره منهم وتوعده ال بالعذاب العظيم لنه منافق كافر‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا كلم مستأنف استئنافا ابتدائيا‪ ،‬والفك‪ :‬الكذب الخال‪ .‬الذي ل شبهة فيه يفاجأ به المرء‬ ‫فيبهته فيصير بهتانا وهو مشتق من الفك بفتح الهمزة وهو القلب ومن صوره أن يقال في‬ ‫الصادق كاذب والطاهر خبيث ونحو ذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬عصبة‪ :‬خبر إنّ‪ ،‬والعصبة‪ :‬الجماعة يتعصب بعضهم لبعض‪.‬‬

‫( ‪)3/553‬‬ ‫مات على كفره ونفاقه‪ ،‬ومسطح بن أثاثة‪ ،‬وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب رضي ال‬ ‫عنها وحسان بن ثابت رضي ال عنه‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ل تحسبوه شرا لكم} لما نالكم من هم وغم‬ ‫وكرب من جرائه {بل هو خير لكم} لما كان له من العاقبة الحسنة وما نالكم من الجر العظيم من‬ ‫أجل عظم المصاب وشدة الفتنة وقوله تعالى‪{ :‬لكل امرىء منهم ما اكتسب من الثم} على قدر ما‬ ‫قال وروج وسيجزي به إن لم يتب ال تعالى عليه و يعفو عنه‪ .‬وقوله‪{ :‬والذي تولى كبره ‪ 1‬منهم‬ ‫له عذاب عظيم} وهو عبد ال بن أبي بن سلول رئيس المنافقين عليه لعنة ال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لول إذ سمعتموه ‪ 2‬ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين}‬ ‫هذا شروع في عتاب القوم وتأديبهم وتعليم المسلمين وتربيتهم فقال عز وجل‪{ :‬لول} أي هل وهي‬ ‫للحض والحث على فعل الشيء إذ سمعتم قول الفك ظننتم بأنفسكم خيرا إذ المؤمنون والمؤمنات‬

‫كنفس واحدة‪ ،‬وقلتم لن يكون هذا وإنما هو إفك مبين أي ظاهر ل يقبل ول يقر عليه هكذا كان‬ ‫الواجب عليكم ولكنكم ما فعلتم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لول جاءوا ‪ 3‬عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند ال هم الكاذبون}‬ ‫أي كان المفروض فيكم أيها المؤمنون أنكم تقولون هذا لمن جاء بالفك فإنهم ل يأتون بشاهد‬ ‫فضلً عن أربعة وبذلك تسجلون عليهم لعنة الكذب في حكم ال‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ولول فضل ‪ 4‬ال‬ ‫عليكم ورحمته في الدنيا والخرة لمسكم في ما أفضتم ‪ 5‬فيه عذاب عظيم} هذه منة من ال تحمل‬ ‫أيضا عتابا واضحا إذ بولوغكم في عرض أم المؤمنين‪ ،‬وما كان لكم أن تفعلوا ذلك قد استوجبتم‬ ‫العذاب لول فضل ال عليكم ورحمته لمسكم العذاب العظيم‪ .‬وقوله‪{ :‬إذ تلقونه بألسنتكم} أي يتلقاه‬ ‫بعضكم من بعض‪{ ،‬وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم} وهذا عتاب وتأديب‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{وتحسبونه هينا} أي ليس بذنب كبير ول تبعة فيه {وهو عند ال عظيم} ‪ ،‬وكيف وهو يمس‬ ‫عرض رسول ال وعائشة والصديق وآل البيت أجمعين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الكِير‪ :‬بكسر الكاف قراءة الجمهور ومعناه‪ :‬أشد الشيء ومعظمه‪ ،‬وقرىء كُبره بضم الكاف‪.‬‬ ‫‪ 2‬كلم مستأنف مسوق لتوبيخ العصبة وفيه تربية للمسلمين وإرشاد لهم لما ينبغي أن يكونوا عليه‬ ‫من الداب‪.‬‬ ‫‪ 3‬لول‪ :‬هذه مثل سابقتها حرف تحريض‪.‬‬ ‫‪ 4‬لول هذه حرف امتناع لوجود‪ ،‬امتنع مس العذاب لوجود فضل ال ورحمته‪.‬‬ ‫‪ 5‬الفاضة في القول‪ :‬التوسع فيه مشتقة من إفاضة الماء على العضو‪.‬‬

‫( ‪)3/554‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولول إذ سمعتموه ‪ 1‬قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا} إذ هذه مما ل يصح لمؤمن أن‬ ‫يقول فيه لخطره وعظم شأنه‪ .‬وقلتم متعجبين من مثله كيف يقع {سبحانك } أي يا رب {هذا} أي‬ ‫الفك {بهتان عظيم} بهتوا به أم المؤمنين وصفوان‪.‬‬ ‫وقولي‪ { :‬يعظكم ‪ 2‬ال} أي ينهاكم ال مخوفا لكم بذكر العقوبة الشديدة {أن تعودوا لمثله أبدا} أي‬ ‫طول الحياة فإياكم إياكم إن كنتم مؤمنين حقا وصدقا فل تعودوا لمثله أبدا‪ .‬وقوله‪{ :‬ويبين ال لكم‬ ‫اليات} التي تحمل الهدى والنور لترشدوا وتكملوا وال عليم بخلقه وأعمالهم وأحوالهم حكيم فيما‬ ‫يشرع لهم من أمر ونهي‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬قضاء ال تعالى للمؤمن كله خير له‪.‬‬

‫‪ -2‬بشاعة الفك وعظيم جرمه‪.‬‬ ‫‪ -3‬العقوبة على قدر الجرم كبرا وصغرا قلة وكثرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬واجب المؤمن أن ل يصدق من يرمي مؤمنا بفاحشة‪ ،‬وأن يقول له هل تستطيع أن تأتي‬ ‫بأربعة شهداء على قولك فإن قال ل قال له إذا أنت عند ال من الكاذبين‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة القول بدون علم والخوض في ذلك‪.‬‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ وَاللّهُ َيعْلَ ُم وَأَن ُتمْ‬ ‫حشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُوا َلهُمْ َ‬ ‫إِنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أَن َتشِيعَ ا ْلفَا ِ‬ ‫حمَتُ ُه وَأَنّ اللّه َرؤُوفٌ رَحِيمٌ (‪ )20‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل‬ ‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْي ُك ْم وَرَ ْ‬ ‫ل َتعَْلمُونَ(‪ )19‬وََلوْل َف ْ‬ ‫ضلُ‬ ‫طوَاتِ الشّ ْيطَانِ فَإِنّهُ يَ ْأمُرُ بِا ْلفَحْشَاء وَا ْلمُنكَ ِر وََلوْل َف ْ‬ ‫ن َومَن يَتّبِعْ خُ ُ‬ ‫طوَاتِ الشّيْطَا ِ‬ ‫تَتّ ِبعُوا خُ ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لول هنا بمعنى‪ :‬هل وهي للتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال مالك‪ :‬من سبّ أبا بكر وعمر أدّب ومن سبّ عائشة كفر لن عائشة برأها ال تعالى فمن‬ ‫سبهّا بغير الفاحشة أدّب ومن سبّها بالفاحشة كفر لنه كذّب ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/555‬‬ ‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )21‬وَل‬ ‫حدٍ أَبَدًا وََلكِنّ اللّهَ يُ َزكّي مَن يَشَاء وَاللّهُ َ‬ ‫حمَتُهُ مَا َزكَا مِنكُم مّنْ أَ َ‬ ‫علَ ْيكُ ْم وَرَ ْ‬ ‫اللّهِ َ‬ ‫ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬ ‫سعَةِ أَن ُيؤْتُوا ُأوْلِي ا ْلقُرْبَى وَا ْلمَسَاكِي َ‬ ‫ضلِ مِنكُ ْم وَال ّ‬ ‫يَأْ َتلِ ُأوْلُوا ا ْل َف ْ‬ ‫غفُورٌ رّحِيمٌ (‪)22‬‬ ‫وَلْ َيعْفُوا وَلْ َيصْفَحُوا أَل تُحِبّونَ أَن َيغْفِرَ اللّهُ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أن تشيع الفاحشة ‪ :‬أي تعم المجتمع وتنتشر فيه والفاحشة هي الزنا‪.‬‬ ‫ولو ل فضل ال عليكم ورحمته‪ :‬جواب لول محذوف تقديره‪ :‬لعاجلكم بالعقوبة أيها العصبة‪.‬‬ ‫خطوات الشيطان‪ :‬نزغاته ووساوسه‪.‬‬ ‫ما زكى منكم من أحد أبدا‪ :‬أي ما طهر ظاهره وباطنه وهي خلو النفس من دنس الثم‪.‬‬ ‫ول يأتل أولوا الفضل منكم‪ :‬أي ول يحلف صاحب الفضل منكم وهو أبو بكر الصديق رضي ال‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫والسعة ‪ :‬أي سعة الرزق والفضل والحسان إلى الغير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في عتاب المؤمنين الذين خاضوا في الفك فقوله تعالى‪{ :‬إن الذين يحبون ‪ 1‬أن‬ ‫تشيع الفاحشة} أي تنتشر وتشتهر {في الذين آمنوا} أي في المؤمنين {لهم عذاب أليم في الدنيا}‬ ‫بإقامة حد القذف عليهم وإسقاط عدالتهم وفي الخرة إن لم يتوبوا بإدخالهم نار جهنم‪ ،‬وكفى بهذا‬ ‫الوعد زاجرا ورادعا وقوله تعالى‪{ :‬وال يعلم وأنتم ل تعلمون} أي ما يترتب على حب إشاعة‬

‫الفاحشة بين المؤمنين من الثار السيئة فلذا توعد من يحبها بالعذاب الليم في الدارين‪ ،‬وأوجب رد‬ ‫المور إليه تعالى وعدم العتراض على ما يشرع وذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أنه صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬أ "يما رجل شد عضد امرىء من الناس في خصومة ل‬ ‫علم له بها فهو في سخط ال حتى ينزع‪ ،‬وأيما رجل قال شفاعة دون حد من حدود ال أن يقام فقد‬ ‫عائد ال وأقدم على سخطه وعليه لعنة ال تتتابع إلى يوم القيامة‪ ،‬وأيما رجل أشاع على رجل‬ ‫مسلم كلمة وهو منها بريء أن يشقيه بها في الدنيا كان حقا على ال أن يرميه بها في النار‪ ،‬ثم‬ ‫تل مصداقه من كتاب ال‪{ :‬إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة} الية‪.‬‬

‫( ‪)3/556‬‬ ‫لعلمه المحيط بكل شيء وجهلنا لكل شيء إل ما علمناه فأزال به جهلنا وقوله‪{ :‬ولول فضل ال‬ ‫عليكم ورحمته وأن ال رؤوف رحيم} لهلكتم ‪ 1‬بجهلكم وسوء عملكم‪ .‬ولكن لما أحاطكم ال به من‬ ‫فضل لم تستوجبوه إل برأفته بكم ورحمته لكم عفا عنكم ولم يعاقبكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا ‪ 2‬خطوات الشيطان} أي يا من صدقتم ال ورسوله ل‬ ‫تتبعوا خطوات الشيطان فإنه عدوكم فكيف تمشون وراءه وتتبعونه فيما يزين لكم من قبيح‬ ‫المعاصي وسيء القوال والعمال فإن من يتبع خطوات الشيطان ل يلبث أن يصبح شيطانا يأمر‬ ‫بالفحشاء والمنكر‪ ،‬ففاصلوا هذا العدو‪ ،‬واتركوا الجري وراءه فإنه ل يأمر بخير قط فاحذروا‬ ‫وسواسه وقاوموا نزغاته بالستعاذة بال السميع العليم فإنه ل ينجكم منه إل هو سبحانه وتعالى‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا} وهذه منة أخرى وهي‬ ‫أنه لول فضل ‪ 3‬ال على المؤمنين ورحمته بحفظهم ودفع الشيطان عنهم ما كان ليطهر منهم أحد‪،‬‬ ‫وذلك لضعفهم واستعدادهم الفطري للستجابة لعدوهم‪ ،‬فعلى الذين شعروا بكمالهم؛ لنهم نجوا مما‬ ‫وقع فيه عصبة الفك من الثم أن يستغفروا لخوانهم وأن يقللوا من لومهم وعتابهم‪ ،‬فإنه لول‬ ‫فضله عليهم ورحمته بهم لوقعوا فيما وقع فيه اخوانهم‪ ،‬فليحمدوا ال الذي نجاهم وليتطامنوا‬ ‫تواضعا ال وشكرا له‪ .‬وقوله‪{ :‬ولكن ال يزكي من يشاء وال سميع عليم} أي فمن شاء ال‬ ‫تزكيته زكاه وعليه فليلجأ إليه وليطلب التزكية منه‪ ،‬وهو تعالى يزكي من كان أهلً للتزكية‪ ،‬ومن‬ ‫ل فل‪ ،‬لنه السميع لقوال عباده والعليم بأعمالهم ونياتهم وأحوالهم وهي حال تقتضي التضرع‬ ‫إليه والتذلل وقوله تعالى‪{ :‬ول يأتل أولو الفضل ‪ 4‬منكم والسعة ‪ 5‬أن يؤتوا أولى القربى‬ ‫والمساكين والمهاجرين في سبيل ال‪ ،‬وليعفوا وليصفحوا} هذه الية نزلت في أبي بكر الصديق‬ ‫لما منع مسطح بن أثاثة‬ ‫__________‬

‫‪{ 1‬لهلكتم} هو جواب لول المحذوف والسر في حذفه أن تذهب النفس كل مذهب ممكن في تقديره‬ ‫بحسب المقام والسياق‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية إشارة أفصح من عبارة وهي‪ :‬أنّ الظنون السيئة وحب الفاحشة وحب إشاعتها بين‬ ‫المؤمنين كل هذا من وساوس الشيطان وتزيينه للناس للفتنة والفساد‪.‬‬ ‫‪ 3‬لول هنا‪ :‬حرف امتناع لوجود امتنع عدم التزكية لوجود فضل ال تعالى ورحمته‪ ،‬والجملة‬ ‫سيقت للمتنان على المؤمنين ليشكروا‪.‬‬ ‫‪ 4‬روي في الصحيح أن ال تبارك وتعالى لما أنزل‪{ :‬إنّ الذين جاءوا بالفك عصبة منكم} العشر‬ ‫آيات‪ ،‬قال أبو بكر‪ ،‬وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره وال ل أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي‬ ‫قال في عائشة فأنزل ال تعالى {ول يأتل أولوا الفضل منكم} إلى قوله {أل تحبون أن يغفر ال‬ ‫لكم} فقال أبو بكر‪ :‬وال إني لحب أن يغفر ال لي‪ .‬فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬ل أنزعها منه أبدا‪ .‬قال ابن المبارك‪ .‬هذه أرجى آية في كتاب ال‪.‬‬ ‫‪ 5‬الفضل‪ :‬الزيادة وهي ضد النقص‪ .‬والسعة‪ :‬الغنى والئتلء‪ :‬الحلف مأخوذ من اللية التي هي‬ ‫الحلف‪.‬‬

‫( ‪)3/557‬‬ ‫وهو ابن خالته‪ ،‬وكان رجلً فقيرا من المهاجرين ووقع في الفك فغضب عليه أبو بكر وحلف أن‬ ‫يمنعه ما كان يرفده به من طعام وشراب‪ ،‬فأنزل الذي تعالى هذه الية ول يأتل أي ول يحلف‬ ‫أصحاب الفضل والحسان والسعة في الرزق والمعاش أن يؤتوا أولى القربى أي أن يعطوا‬ ‫أصحاب القرابة‪ ،‬والمساكين والمهاجرين في سبيل ال كمسطح‪ ،‬وليعفوا أي وعليهم أن يعفوا عما‬ ‫صدر من أولئك القرباء من الفقراء والمهاجرين‪ ،‬وليصفحوا أي يعرضوا عما قالوه فل يذكروه‬ ‫لهم ول يذكرونهم به فإنه يحزنهم و يسوءهم ولسيما وقد تابوا وأقيم الحد عليهم وقوله تعالى‪{ :‬أل‬ ‫تحبون أن يغفر ‪ 1‬ال لكم؟} فقال أبو بكر بلى وال أحب أن يغفر ال لي فعندها صفح وعفا وسأل‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن يمينه فقال كفر عن يمينك ورد الذي كنت تعطيه لمسطح‪.‬‬ ‫وتقرر بذلك أن من حلف يمينا على شيء فرأى غيره خيرا منه كفر عن يمينه وأتى الذي هو‬ ‫خير‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وال غفور رحيم} فهذا إخبار منه تعالى أنه ذو المغفرة والرحمة وهما من صفاته‬ ‫الثابتة له وفي هذا الخبر تطميع للعباد لن يرجوا مغفرة ال ورحمته وذلك بالتوبة الصادقة‬ ‫والطلب الحثيث المتواصل لن ال تعالى ل يغفر لمن ل يستغفره‪ ،‬ول يرحم من ل يرجو ويطلب‬ ‫رحمته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬لقبح فاحشة الزنى وضع ال تعالى لمقاومتها أمورا منها وضع حد شرعي لها‪ ،‬ومنع تزويج‬ ‫الزاني من عفيفة أو عفيفة من زانٍ إل بعد التوبة‪ ،‬ومنها شهود عدد من المسلمين إقامة الحد‬ ‫ومنها حد القذف ومنها اللعان بين الزوجين‪ ،‬ومنها حرمة ظن السوء بالمؤمنين‪ ،‬ومنها حرمة حب‬ ‫ظهور الفاحشة وإشاعتها في المؤمنين‪ .‬ومنها وجوب الستئذان عند دخول البيوت المسكونة‪،‬‬ ‫ومنها وجوب غض البصر وحرمة النظر إلى الجنبية‪ ،‬ومنها احتجاب المؤمنة عن الرجال‬ ‫الجانب ومنها حرمة حركة ما كضرب الرض بالرجل لظهار الزينة‪ .‬ومنها وجوب تزويج‬ ‫العزاب والمساعدة على ذلك حتى في العبيد بشروطها‪ .‬ومنها وجوب استئذان الطفال إذا بلغوا‬ ‫الحلم‪ ،‬وهذه وغيرها كلها أسباب واقية من أخطر فاحشة وهي الزنى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬أل تحبّون}‪ :‬الستفهام للنكار وهو مستعمل في التحضيض والحث على السعي تحصيل‬ ‫للمغفرة بالعفو والصفح‪.‬‬

‫( ‪)3/558‬‬ ‫‪ -2‬حرمة إتباع الشيطان فيما يزينه من الباطل والسوء والفحشاء والمنكر‪.‬‬ ‫‪ -3‬متابعة الشيطان والجري وراءه في كل ما يدعو إليه يؤدي بالعبد أن يصبح شيطانا يأمر‬ ‫بالفحشاء والمنكر‪.‬‬ ‫‪ -4‬على من حفظهم ال من الوقوع في السوء أن يتطامنوا ول يشعروا بالكبر فإن عصمتهم من‬ ‫ال تعالى ل من أنفسهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬من حلف على شيء ل يفعله أو يفعله ورأى أن غيره خيرٌ منه كفر عن يمينه وفعل الذي هو‬ ‫خير‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب العفو والصفح على ذوي المروءات وإقالة عثرتهم إن هم تابوا وأصلحوا‪.‬‬ ‫عظِيمٌ (‪)23‬‬ ‫حصَنَاتِ ا ْلغَافِلتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ُلعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ وََلهُمْ عَذَابٌ َ‬ ‫إِنّ الّذِينَ يَ ْرمُونَ ا ْلمُ ْ‬ ‫حقّ‬ ‫ش َهدُ عَلَ ْيهِمْ أَ ْلسِنَ ُتهُ ْم وَأَيْدِي ِه ْم وَأَرْجُُلهُم ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪َ )24‬ي ْومَئِذٍ ُي َوفّيهِمُ اللّهُ دِي َنهُمُ الْ َ‬ ‫َيوْمَ تَ ْ‬ ‫ت وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ‬ ‫وَ َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ ا ْلمُبِينُ (‪ )25‬ا ْلخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَا ِ‬ ‫وَالطّيّبُونَ لِلطّيّبَاتِ ُأوْلَ ِئكَ مُبَرّءُونَ ِممّا َيقُولُونَ َلهُم ّمغْفِ َر ٌة وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يرمون المحصنات‪ :‬أي العفيفات بالزنى‪.‬‬ ‫ا لغافلت ‪ :‬أي عن الفواحش بحيث لم يقع في قلوبهن فعلها‪.‬‬ ‫المؤمنات‪ :‬أي بال ورسوله ووعد ال ووعيده‪.‬‬

‫يعملون ‪ :‬أي من قول أو عمل‪.‬‬ ‫يوفيهم ال دينهم الحق‪ :‬أي يجازيهم جزاءهم الواجب عليهم‪.‬‬ ‫الخبيثات ‪ :‬الخبيثات من النساء والكلمات‪.‬‬

‫( ‪)3/559‬‬ ‫للخبيثين ‪ :‬للخبيثين من الرجال‪.‬‬ ‫والطيبات‪ :‬من النساء والكلمات‪.‬‬ ‫للطيبين ‪ :‬أي من الرجال‪.‬‬ ‫أولئك مبرءون مما يقولون ‪ :‬أي صفوان بن المعطل وعائشة رضي ال عنهما أي مبرءون مما‬ ‫قاله عصبة الفك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إن الذين يرمون ‪ 1‬المحصنات ‪ 2‬الغافلت ‪ 3‬المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة} هذه‬ ‫الية وإن تناولت ابتداءً عبدال بن أبي فإنها عامة في كل من يقذف مؤمنة محصنة أي عفيفة‬ ‫غافلة لسلمة صدرها من الفواحش ل تخطر ببالها { لعنوا} أي أبعدوا من الرحمة اللهية {في‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬ولهم عذاب عظيم} في الدنيا بإقامة الحد عليهم وفي الخرة بعذاب النار‪ ،‬وذلك‬ ‫{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} من سوء الفعال وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{يومئذ ‪ 4‬يوفيهم ال دينهم الحق} أي يتم ذلك يوم يوفيهم ال دينهم الحق أي جزاءهم الواجب‬ ‫عليهم ويعلمون حينئذ أن ال هو الحق ‪ 5‬المبين أي الله الحق الواجب اليمان به والطاعة له‬ ‫والعبودية الكاملة له ل لغيره‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{:‬الخبيثات للخبيثين ‪ }6‬أي الخبيثات من النساء ‪ 7‬والكلمات للخبيثين من الرجال كابن‬ ‫أبي‪{ ،‬والخبيثون للخبيثات} أي والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والكلمات وقوله‪:‬‬ ‫{والطيبات للطيبين} أي والطيبات من النساء والكلمات للطيبين من الرجال كالنبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم وعائشة رضي ال عنها وقوله‪{ :‬والطيبون للطيبات} أي والطيبون من الرجال للطيبات من‬ ‫النساء والكلمات تأكيد للخبر السابق وقوله تعالى‪{ :‬أولئك مبرءون مما‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة مستأنفة كجملة‪{ :‬إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا‪ }..‬وكلتا الجملتين‬ ‫تفصيل للموعظة في قوله تعالى‪{ :‬يعظكم ال أن ل تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجماع على أن حكم المحصنين من الرجال كالمحصنات من النساء في القذف بل فرق قياسا‬ ‫واستدلل وحكما وقضاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬الغافلت‪ :‬هن اللتي ل علم لهن بما رمين به وذلك لسلمة صدورهن و بُعدهن ‪-‬بحكم‬

‫إيمانهنّ‪ -‬عن مواطن الرِيب‪.‬‬ ‫‪ 4‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا‪.‬‬ ‫‪ 5‬لوصف ال تعالى بالحق له معنيان جليلن‪ .‬الوّل‪ :‬أنه بمعنى‪ :‬الثابت الحق لنّ وجوده واجب‬ ‫فذاته حق إذ لم يسبق عليها عدم ول انتفاء فل يقبل إمكان العدم‪ .‬والثاني‪ :‬أنه تعالى ذو الحق‬ ‫الواجب له على عباده و هو عبادته وحده دون سواه‪.‬‬ ‫‪ 6‬البتداء بذكر الخبيثات لنّ الغرض من الكلم الستدلل على براءة عائشة أم المؤمنين واللم‬ ‫في للخبيثين‪ :‬للستحقاق‪.‬‬ ‫‪ 7‬المراد من الخبث والطيب‪ :‬الصفات النفسية‪ .‬الفواحش‪ :‬صفات خبث والفضائل صفات طهر‪.‬‬

‫( ‪)3/560‬‬ ‫يقولون} أولئك إشارة إلى صفوان بن المعطل وعائشة رضي ال عنها‪ ،‬ومبرءون أي من قالة‬ ‫السوء التي قالها أبي ومن أذاعها معه‪ .‬وقوله‪{ :‬لهم مغفرة ورزق كريم} هذه بشرى لهم بالجنة‬ ‫مقابل ما نالهم من ألم الفك الذي جاءت به العصبة المتقدم ذكرها إذ أخبر تعالى أن لهم مغفرة‬ ‫لذنوبهم التي ل يخلو منها مؤمن وهو الستر عنها ومحوها ورزقا كريما في الجنة‪ .‬وبهذه تمت‬ ‫براءة أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها والحمد ل أولً وآخرا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫هن هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عظم ذنب قذف المحصنات الغافلت المؤمنات وقد عده رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬ ‫السبع الموبقات‪ ،‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير الحساب وما يتم فيه من استنطاق واستجواب‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد بأنه ل إله إل ال‪.‬‬ ‫‪ -4‬استحقاق الخبث أهله‪ .‬فالخبيث هو الذي يناسبه القول الخبيث والفعل الخبيث‪.‬‬ ‫‪ -5‬استحقاق الطيب أهله‪ .‬فالطيب هو الذي يناسبه القول الطيب والفعل الطيب‪.‬‬ ‫‪ -6‬براءة أم المؤمنين وصفوان مما رماهما به أهل الفك‪.‬‬ ‫‪ -7‬بشارة أم المؤمنين وصفوان بالجنة بعد مغفرة ذنوبهما‪.‬‬ ‫سّلمُوا عَلَى أَ ْهِلهَا ذَِلكُمْ خَيْرٌ ّلكُمْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْدخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُو ِتكُمْ حَتّى تَسْتَأْ ِنسُوا وَتُ َ‬ ‫جعُوا‬ ‫حدًا فَل تَ ْدخُلُوهَا حَتّى ُيؤْذَنَ َلكُ ْم وَإِن قِيلَ َلكُمُ ا ْر ِ‬ ‫َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ (‪ )27‬فَإِن لّمْ َتجِدُوا فِيهَا أَ َ‬ ‫سكُونَةٍ‬ ‫جعُوا ُهوَ أَ ْزكَى َلكُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪)28‬لّيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَن َتدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ َم ْ‬ ‫فَارْ ِ‬ ‫ن َومَا َتكْ ُتمُونَ (‪)29‬‬ ‫فِيهَا مَتَاعٌ ّل ُك ْم وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا تُبْدُو َ‬

‫( ‪)3/561‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫آمنوا ‪ :‬أي صدقوا ال ورسوله فيما أخبرا به من الغيب والشرع‪.‬‬ ‫تستأنسوا‪ :‬أي تستأذنوا إذ الستئذان من عمل النسان والدخول بدونه من عمل الحيوان الوحشي‪.‬‬ ‫وتسلموا على أهلها‪ :‬أي تقولوا السلم عليكم أأدخل ثلثا‪.‬‬ ‫تذكرون ‪:‬أي تذكرون أنكم مؤمنون‪ ،‬وأن ال أمركم بالستئذان‪.‬‬ ‫أزكى لكم ‪ :‬أي أطهر وأبعد عن الريبة والثم‪.‬‬ ‫ليس عليكم جناح‪ :‬أي إثم ول حرج‪.‬‬ ‫فيها متاع لكم‪ :‬أي ما تتمتعون به كالنزول بها أو شراء حاجة منها‪.‬‬ ‫ما تبدون‪ :‬أي ما تظهرونه‪.‬‬ ‫وما تكتمون‪ :‬أي ما تخفونه إذا فراقبه تعالى ول تضمروا ما ل يرضي فإنه يعلمه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫نظرا إلى خطر الرمي بالفاحشة وفعلها وحرمة ذلك كان المناسب هنا ذكر وسيلة من وسائل‬ ‫الوقاية من الوقوع في مثل ذلك ففرض ال تعالى على المؤمنين الستئذان فقال‪{ :‬يا أيها الذين‬ ‫آمنوا ل تدخلوا بيوتا‪ 1‬غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} أي يا من آمنتم بال ربا‬ ‫وبالسلم دينا وبمحمد رسولً ل تدخلوا بيوتا على أهلها حتى تسلموا عليهم قائلين السلم ‪ 2‬عليكم‬ ‫وتستأذنوا قائلين أندخل ثلث مرات فإن أذن لكم بالدخول دخلتم وإن قيل لكم ارجعوا أي لم يأذنوا‬ ‫لكم لحاجة عندهم فارجعوا وعبر عن الستئذان بالستئناس لمرين أولها أن لفظ الستئناس ‪3‬‬ ‫وارد في لغة العرب بمعنى الستئذان وثانيهما‪ :‬أن الستئذان من خصائص النسان الناطق وعدمه‬ ‫من خصائص الحيوان المتوحش إذ يدخل على المنزل بدون إذن إذ ذاك ليس من خصائصه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في سب نزول هذه الية أن امرأة من النصار قالت‪ :‬يا رسول ال‪ :‬إني أكون في بيتي‬ ‫على حال ل أحب أن يراني عليها أحد ل والد ول ولد فيأتي الب فيدخل علي وإنه ل يزال يدخل‬ ‫عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت الية فقال أبو بكر يا رسول ال‬ ‫أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها مساكن؟ فأنزل ال تعالى‪{ :‬ليس عليكم جناح‬ ‫أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة‪ }..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬صح أن رجلً دخل على النبي صلى ال عليه وسلم فقال له النبي صلى ال عليه وسلم "ارجع‬ ‫فقل السلم عليكم" وقال‪" :‬من لم يبدأ بالسلم فل تأذنوا له"‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستئناس‪ ،‬معناه طلب النس لهل البيت حتى تزول الوحشة والكراهة لك بالستئذان‪.‬‬

‫( ‪)3/562‬‬ ‫وقوله {ذلكم خير لكم} أي الستئذان خير لكم أي من عدمه لما فيه من الوقاية من الوقوع في الثم‬ ‫وقوله‪{ :‬لعلكم تذكرون} أي تذكرون أنكم مؤمنون وأن ال تعالى أمركم بالستئذان حتى ل يحصل‬ ‫لكم ما يضركم وبذلك يزداد إيمانكم وتسموا أرواحكم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فإن لم تجدوا فيها أحدا} أي‬ ‫في البيوت يأذن لكم أي بالدخول فل تدخلوها وقوله تعالى‪{ :‬وإن قيل لكم ارجعوا} لمرٍ اقتضى‬ ‫ذلك {فارجعوا} وأنتم راضون غير ساخطين‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬هو أزكى لكم} أي أطهر لنفوسكم‬ ‫وأكثر عائدة خير عليكم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وال بما تعملون ‪ 1‬عليم} أي مطلع على أحوالكم فتشريعه‬ ‫لكم الستئذان واقع موقعه إذا فأطيعوه فيه وفي غيره تكملوا وتسعدوا‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم} هذه رخصة منه تعالى‬ ‫لعباده المؤمنين بأن ل يستأذنوا عند دخولهم بيوتا غير مسكونة أي ليس فيها نساء من زوجات‬ ‫وسريات يحرم النظر إليهن وذلك كالدكاكين والفنادق وما إلى ذلك فللعبد أن يدخل لقضاء حاجاته‬ ‫المعبر عنها بالمتاع بدون استئذان لنها مفتوحة للعموم من أصحاب الغراض والحاجات أما‬ ‫السلم فسنة على من دخل على دكان أو فندق فليقل السلم عليكم والذي يسقط هو الستئذان أي‬ ‫طلب الذن ل غير‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وال يعلم ما تبدون وما تكتمون} أي يعلم ما تظهرون من أقوالكم وأعمالكم وما‬ ‫تخفون إذا فراقبوه تعالى في أوامره ونواهيه وافعلوا المأمور واتركوا المنهي تكملوا وتسعدوا في‬ ‫الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ 1‬مشروعية الستئذان ‪ 2‬ووجوبه على كل من أراد أن يدخل بيتا مسكونا غير بيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬الرخصة في عدم الستئذان من دخول البيوت والمحلت غير المسكونة للعبد فيها غرض‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في الصحيح ما يجعل الستئذان متأكدا فوق المشروعية إذ أن رجل اطلع في جحر في‬ ‫باب رسول ال صلى ال عليه وسلم ومع رسول ال صلى ال عليه وسلم مِدرا يرجّل به رأسه‬ ‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل ال‬ ‫الذن من أجل البصر" وفي الية توعد ظاهر لهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على‬ ‫غفلة‪.‬‬ ‫‪ 2‬وإذا قيل له مَن؟ فل يقل أنا بل يقول فلن ابن فلن لحديث الشيخين وغيرهما عن جابر رضي‬

‫ال عنه قال‪" :‬استأذنت على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬من هذا؟ فقالت أنا فقال النبي‬ ‫صلى ال عليه ‪ :‬أنا أنا كأنه كره ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)3/563‬‬ ‫‪ -3‬من آداب الستئذان أن يقف بجانب الباب فل يعترضه‪ ,‬وأن يرفع صوته بقدر الحاجة وأن‬ ‫يقرع الباب قرعا خفيفا وأن يقول السلم عليكم أأدخل ثلث مرات‪.‬‬ ‫‪-4‬في كل طاعة خير وبركة وإن كانت كلمة طيبة‪.‬‬ ‫ج ُهمْ ذَِلكَ أَ ْزكَى َلهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ (‬ ‫حفَظُوا فُرُو َ‬ ‫قُل لّ ْل ُمؤْمِنِينَ َي ُغضّوا مِنْ أَ ْبصَارِهِ ْم وَيَ ْ‬ ‫ظهَرَ مِ ْنهَا‬ ‫ن وَل يُ ْبدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل مَا َ‬ ‫جهُ ّ‬ ‫حفَظْنَ فُرُو َ‬ ‫ن وَيَ ْ‬ ‫‪َ )30‬وقُل لّ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغضُضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِ ّ‬ ‫ن وَل يُبْدِينَ زِينَ َتهُنّ إِل لِ ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ آبَا ِئهِنّ َأوْ آبَاء ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ‬ ‫خمُرِهِنّ عَلَى جُيُو ِبهِ ّ‬ ‫وَلْ َيضْرِبْنَ ِب ُ‬ ‫خوَا ِتهِنّ َأوْ نِسَا ِئهِنّ َأوْ مَا مََل َكتْ‬ ‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َ‬ ‫خوَا ِنهِنّ َأوْ بَنِي إِ ْ‬ ‫أَبْنَا ِئهِنّ َأوْ أَبْنَاء ُبعُولَ ِتهِنّ َأوْ إِ ْ‬ ‫عوْرَاتِ النّسَاء‬ ‫ظهَرُوا عَلَى َ‬ ‫طفْلِ الّذِينَ لَمْ َي ْ‬ ‫أَ ْيمَا ُنهُنّ َأوِ التّا ِبعِينَ غَيْرِ ُأوْلِي الرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ َأوِ ال ّ‬ ‫جمِيعًا أَ ّيهَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َلعَّلكُمْ‬ ‫ن وَتُوبُوا إِلَى اللّهِ َ‬ ‫خفِينَ مِن زِينَ ِتهِ ّ‬ ‫وَل َيضْرِبْنَ بِأَ ْرجُِلهِنّ لِ ُيعْلَمَ مَا ُي ْ‬ ‫ُتفْلِحُونَ (‪)31‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يغضوا من أبصارهم ‪ : 1‬أي يغضوا من أبصارهم حتى ل ينظروا إلى نساء ل يحل لهم أن‬ ‫ينظروا إليهن‪.‬‬ ‫ويحفظوا فروجهم ‪ :‬أي يصونونها من النظر إليها ومن إتيان الفاحشة الزنى واللواط‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بدأ بالمر بغض البصر قبل المر بحفظ الفرج لن البصر رائد للقلب كما أنّ الحمّى رائد‬ ‫الموت‪ .‬أخذ هذا المعنى شاعر فقال‪:‬‬ ‫ألم تر أن العين للقلب رائد‬ ‫فما تألف العينان فالقلب آلف‬

‫( ‪)3/564‬‬ ‫أزكى لهم ‪ :‬أي أكثر تزكية لنفوسهم من فعل المندوبات والمستحبات‪.‬‬ ‫ول يبدين زينتهن ‪ :‬أي مواضع الزينة الساقين حيث يوضع الخلخال‪ ،‬وكالكفين والذراعين حيث‬ ‫الساور والخواتم والحناء والرأس حيث الشعر والقراط في الذنين والتزجيج في الحاجبين‬ ‫والكحل في العينين والعنق والصدر حيث السخاب والقلئد‪.‬‬

‫إل ما ظهر منها ‪ :‬أي بالضرورة دون اختيار وذلك كالكفين لتناول شيئا والعين الواحدة أو‬ ‫الثنتين للنظر بهما‪ ،‬والثياب الظاهرة كالخمار والعجار والعباءة‪.‬‬ ‫بخمرهن على جيوبهن ‪ :‬أي ولتضرب المرأة المسلمة الحرة بخمارها على جيوب أي فتحات‬ ‫الثياب في الصدر وغيره حتى ل يبدو شيء من جسمها‪.‬‬ ‫إل لبعولتهن ‪ :‬البعل الزوج والجمع بعول‪.‬‬ ‫أو نسائهن ‪ :‬أي المسلمات فيخرج الذميات فل تتكشف المسلمة أمامهن‪.‬‬ ‫أو ما ملكت أيمانهن‪ :‬أي العبيد والجواري فللمسلمة أن تكشف وجهها لخادمها المملوك‪.‬‬ ‫أو التابعين غير أولي الربة ‪ :‬أي التابعين لهل البيت يطعمونهم ويسكنونهم ممن ل حاجة لهم‬ ‫إلى النساء‪.‬‬ ‫أو الطفل‪ :‬أي الطفال الصغار قبل التمييز والبلوغ‪.‬‬ ‫لم يظهروا على عورات النساء ‪ :‬أي لم يبلغوا سنا تدعوهم إلى الطلع على عورات النساء‬ ‫للتلذذ بهن‪.‬‬ ‫ليعلم ما يخفين من زينتهن ‪ :‬أي الخلخل في الرجلين‪.‬‬ ‫تفلحون‪ :‬أي تفوزون بالنجاة من العار والنار‪ ،‬وبالظفر بالطهر والشرف وعالي الغرف في دار‬ ‫النعيم‪.‬‬

‫( ‪)3/565‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سبق أن ذكرنا أنه لقبح وفساد الزنى وسوء أثره على النفس والحياة البشرية وضع الشارع عدة‬ ‫أسباب واقية من الوقوع فيه ومنها المر بغض البصر للرجال والنساء فقوله تعالى‪{ :‬قل للمؤمنين‬ ‫يغضوا ‪ 1‬فن أبصارهم ويحفظوا فروجهم} أي مُرْ يا رسولنا المؤمنين بأن يغضوا من ‪ 2‬أبصارهم‬ ‫أي بأن يخفضوا أجفانهم على أعينهم حتى ل ينظروا إلى الجنبيات عنهم من النساء ويحفظوا‬ ‫فروجهم عن النظر إليها فل يكشفوها لحد إل ما كان من الزوج لزوجه فل حرج وعدم النظر‬ ‫أولى وأطيب‪ ،‬وقوله‪{ :‬ذلك أزكى لهم} أي أطهر لنفوسهم من نوافل العبادات‪ ،‬وقوله‪{ :‬إن ال‬ ‫خبير بما يصنعون} فليراقبوه تعالى في ذلك المأمور به من غض البصر وحفظ الفرج إنه يعلم‬ ‫خائنة العين وما تخفي الصدور‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ‪ }3‬إذ شأنهن شأن الرجال في كل ما أمر به‬ ‫الرجال من غض البصر وحفظ الفرج وقوله تعالى‪{ :‬ول يبدين زينتهن} أي مُرْهُن بغض البصر‬ ‫وحفظ الفرج وعدم إظهار الزينة {إل ما ظهر منها} مما ل يمكنها ستره وإخفاؤه كالكفين عند‬ ‫تناول شيء أو إعطائه أو العينين تنظر بهما وإن كان في اليد خاتم وحناء وفي العينين كحل‬

‫وكالثياب الظاهرة من خمار على الرأس وعباءة تستر الجسم فهذا معفو عنه إذ ل يمكنها ستره‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وليضربن بخمرهن على جيوبهن} كانت المرأة تضع خمارها على رأسها مسبلً‬ ‫على كتفيها فأمرت أن تضرب به على فتحات درعها حتى تستر العنق والصدر سترا كاملً‬ ‫وقوله‪{ :‬ول يبدين زينتهن ‪ }4‬أعاد اللفظ ليرتب عليه ما بعده من المحارم الذي يباح للمؤمنة أن‬ ‫تبدي زينتها إليهم وهم الزوج‪ ،‬والب والجد وان عل وأب الزوج وإن عل وابنها لن سفل وأبناء‬ ‫الزوج وإن نزلوا‪ ،‬والخ لب أو الشقيق أو لم وأبناؤه وأن نزلوا‪ ،‬وابن الخ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬غض البصر واحترام النساء بعدم النظر إليهن معروف في الجاهلية وهذا عنترة بن شداد يقول‪:‬‬ ‫وأغض طرفي ما بدت لي جارتي‬ ‫حتى يواري جارتي مأواها؟‬ ‫لم يذكر ال تعالى ما يغض البصر من أجله للعلم به وهو‪ :‬وجود النساء الجنبيات‪ ،‬وكذا ما يحفظ‬ ‫منه الفرج‪ ،‬وهو‪ :‬النظر إليه والزنى واللواط‪.‬‬ ‫‪{ 2‬من} جائز أن تكون زائدة في يغضوا أبصارهم‪ ،‬وجائز أن تكون للتبعيض لجواز النظر إلى‬ ‫المحارم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ورد في المر بغض البصر في السنة قوله صلى ال عليه وسلم "إياكم والجلوس في الطرقات‬ ‫فقالوا يا رسول ال ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال‪ :‬فإذا أبيتم إل المجلس فأعطوا الطريق‬ ‫حقه قالوا‪ :‬وما حق الطريق يا رسول ال؟ قال‪ :‬غض البصر وكف الذى ورد السلم‪ ،‬والمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر" وقال لعلي رضي ال عنه "ل تتبع النظرة النظرة فإنما لك الولى‬ ‫وليست لك الثانية"‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن عطية‪ :‬ويظهر لي بحكم ألفاظ الية‪ :‬أن المرأة مأمورة بأن ل تُبدي وأن تجتهد في‬ ‫الخفاء لكل ما هو زينة‪ ،‬ووقع الستثناء فيما يظهر لحكم ضرورة حركة فيما لبد منه‪ ،‬أو‬ ‫إصلح شأن ونحو ذلك فيما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو‬ ‫عنه‪.‬‬

‫( ‪)3/566‬‬ ‫وان نزل وسواء كان لب أو لم أو شقيق‪ ،‬وابن الخت شقيقة أو لب أو لم‪ .‬والمرأة المسلمة‬ ‫من نساء المؤمنات‪ ،‬وعبدها المملوك لها دون شريك لها فيه والتابع لهل بيتها من شيخ هرم‬ ‫أصابه الخرف‪ ،‬وعنين ومعتوه وطفل صغير لم يميز دون البلوغ ممن ل حاجة لهم في النساء‬ ‫لعدم الشهوة عندهم لكبر ومرض وصغر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} نهى تعالى المؤمنات أن يضربن‬

‫الرض بأرجلهن التي فيها الخلخل لكي يعلم أنها ذات زينة في رجلها‪ ،‬فل يحل لها ذلك ولو لم‬ ‫تقصد إظهار زينتها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} أمر تعالى المؤمنين والمؤمنات‬ ‫بالتوبة وهي ترك ما من شأنه أن يغضب ال تعالى‪ ،‬وفعل ما وجب فعله ومن ذلك غض البصر‬ ‫وحفظ الفرج واللتزام بالعفة والستر والتنزه عن الثم صغيره وكبيره وبذلك يتأهل المؤمنون‬ ‫للفلح الذي هو الفوز بالنجاة من المرهوب والظفر بالمحبوب المرغوب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب غض البصر وحفظ الفرج ‪.1‬‬ ‫‪ -2‬وجوب ستر المرأة زينتها ومواضع ذلك ما عدا ما يتعذر ستره للضرورة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان المحارم الذين للمرأة المؤمنة أن تبدي زينتها عندهم بل حرج‪.‬‬ ‫‪-4‬الرخصة في إظهار الزينة للهرم المخرف من الرجال والمعتوه والطفل الصغير الذي لم يعرف‬ ‫عن عورات النساء شيئا‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة ضرب ذات الخلخل الرض برجلها حتى ل يعلم ما تخفي من زينتها‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب التوبة من كل ذنب وعلى الفور للحصول على الفلح العاجل والجل‪.‬‬ ‫وَأَنكِحُوا اليَامَى مِنكُ ْم وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَا ِدكُ ْم وَِإمَا ِئكُمْ إِن َيكُونُوا ُفقَرَاء ُيغْ ِنهِمُ اللّهُ مِن َفضْلِ ِه وَاللّهُ‬ ‫وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪)32‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجوب غض البصر عن النظر إلى المحارم والعورات ويستحب ستر العورة عن الزوج‪،‬‬ ‫لحديث عائشة‪" :‬ما رأيت ذلك منه‪ ،‬ول رأى ذلك مني" كما يستحب ستر العورة مطلقا عن ال‬ ‫وملئكته لقوله صلى ال عليه وسلم "فال أحق أن يستحي منه من الناس‪ :‬لمن قال له‪ :‬الرجل‬ ‫يكون خاليا‪".‬‬

‫( ‪)3/567‬‬ ‫وَلْيَسْ َت ْعفِفِ الّذِينَ ل َيجِدُونَ ِنكَاحًا حَتّى ُيغْنِ َيهُمْ اللّهُ مِن َفضْلِ ِه وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ ا ْلكِتَابَ ِممّا مََل َكتْ‬ ‫أَ ْيمَا ُنكُمْ َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَِلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مّن مّالِ اللّهِ الّذِي آتَاكُمْ وَل ُتكْرِهُوا فَتَيَا ِتكُمْ عَلَى‬ ‫غفُورٌ‬ ‫حصّنًا لّتَبْ َتغُوا عَ َرضَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َومَن ُيكْرِههّنّ فَإِنّ اللّهَ مِن َب ْعدِ ِإكْرَا ِههِنّ َ‬ ‫الْ ِبغَاء إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬ ‫ظةً لّ ْلمُ ّتقِينَ (‪)34‬‬ ‫رّحِيمٌ (‪ )33‬وََلقَدْ أَنزَلْنَا إِلَ ْيكُمْ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ َومَثَل مّنَ الّذِينَ خََلوْا مِن قَبِْل ُك ْم َومَوْعِ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأنكحوا اليامى منكم ‪ :‬أي زوجوا من ل زوجة له من رجالكم ومن ل زوج لها من نسائكم‪.‬‬

‫والصالحين من عبادكم وإمائكم‪ :‬أي وزوجوا أيضا القادرين والقادرات على أعباء الزواج من‬ ‫عبيدكم وإمائكم‪.‬‬ ‫إن يكونوا فقراء يغنهم ال من فضله ‪ :‬أي إن يكن اليامى فقراء فل يمنعكم ذلك من تزويجهم فإن‬ ‫ال يغنهم‪.‬‬ ‫إن ال واسع عليم ‪ :‬أي واسع الفضل عليم بحاجة العبد وخلته فيسدها تكرما‪.‬‬ ‫وليستعفف‪ :‬أي وليطلب عفة نفسه بالصبر والصيام‪.‬‬ ‫يبتغون الكتاب ‪ :‬أي يطلبون المكاتبة من المماليك‪.‬‬ ‫إن علمتم فيهم خيرا‪ :‬أي قدرة على السداد و الستقلل عنكم‪.‬‬ ‫وآتوهم من مال ال ‪ :‬أي أعينوهم بثمن نجم من نجوم المكاتبة من الزكاة وغيرها‪.‬‬ ‫على البغاء إن أردن تحصنا ‪ :‬أي الزنى تحصنا أي تعففا و تحفظا من فاحشة الزنا‪.‬‬

‫( ‪)3/568‬‬ ‫عرض الحياة الدنيا ‪ :‬أي المال‪.‬‬ ‫ومن يكرههن ‪ :‬أي على البغاء "الزنى"‪.‬‬ ‫مبينات ‪ :‬للحكام موضحة لما يطلب منكم فعله وتركه‪.‬‬ ‫ومثلً من الذين خلوا من قبلكم‪ :‬أي قبلكم‪ :‬أي قصصا من أخبار الولين كقصة يوسف وقصة‬ ‫مريم وهما شبيهتان بحادثة الفك‪.‬‬ ‫وموعظة ‪ :‬الموعظة ما يتعظ به العبد فيسلك سبيل النجاة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في ذكر السباب الواقية من وقوع الفاحشة فأمر تعالى في الية الولى من هذا‬ ‫السياق (‪ )32‬أمر جماعة المسلمين أن يزوجوا اليامى من رجالهم ونسائهم بالمساعدة على ذلك‬ ‫والعانة عليه حتى ل يبقى في البلد أو القرية عزبّ إل نادرا ول فرق بين البكر والثيب في ذلك‬ ‫فقال تعالى‪{ :‬وأنكحوا ‪ }1‬والمر للرشاد {اليامى} جمع أيّم وهو من ل زوج له من رجل أو‬ ‫امرأة بكرا كان أو ثيبا‪{ ،‬منكم} أي من جماعات المسلمين ل من غيرهم كأهل الذمة من الكافرين‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬والصالحين من عبادكم ‪ 2‬وإمائكم} أي وزوجوا القادرين على مؤونة الزواج وتبعاته‪،‬‬ ‫وتكاليفه من مماليككم وقوله‪{ :‬إن يكونوا فقراء} غير موسرين ل يمنعكم ذلك من تزويجهم فقد‬ ‫تكفل ال بغناهم بعد تزويجهم بقوله‪{ :‬يغنهم ‪ 3‬ال من فضله وال واسع عليم} أي واسع الفضل‬ ‫عليم بحاجة المحتاجين وأمر تعالى في هذه الية من ل يجد نكاحا لنعدام الزوج أو الزوجة مؤقتا‬ ‫أو انعدام مؤونة الزواج من مهر ووليمة أن يستعفف أي يعف نفسه بالصبر والصيام والصلة‬ ‫حتى ل يتطلع إلى الحرام فيهلك فقال تعالى‪{ :‬وليستعفف الذين ل يجدون نكاحا‪ 4‬حتى يغنيهم ال‬

‫من فضله وال واسع عليم} أي واسع الفضل مطلق الغنى عليم بحال عباده وحاجة المحتاجين‬ ‫منهم وقوله تعالى‪{ :‬والذين يبتغون الكتاب} هذه مسألة ثالثة تضمنتها هذه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الخطاب للولياء ولجماعة المسلمين إن عجز الولياء أي‪ :‬زوّجوا من ل زوج له منكم فإنه‬ ‫طريق التعفف‪ ،‬والطهر والتكافل الجتماعي‪ .‬والنكاح تجرى عليه الحكام الخمسة إذ يكون واجبا‬ ‫على من خاف العنت وقدر على مؤونته‪ ،‬ويسن لمن لم يخف العنت وقدر على مؤونته ويحرم‬ ‫على من لم يخف العنت ول مؤونة لديه‪ .‬ويكره لمن لم يخف العنت ويشغله عن طاعة ال تعالى‬ ‫ويباح لمن ل رغبة له فيه وهو قادر عليه‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في هل للسيّد أن يكره عبده أو أمته على التزوّج والذي يبدوان الكراه يشرع مع خوف‬ ‫الضرر فإن لم يكن ضرر فل إكراه‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية دليل على تزوج الفقير بل قال عمر‪ :‬عجبا لفقير لم يطلب الغنى بالزواج لقول ال‬ ‫تعالى‪{ :‬إن يكونوا فقراء يغنهم ال}‪.‬‬ ‫ط ْولَ نكاح فحذف المضاف‪ ،‬وفي الحديث الذي رواه النسائي "ثلثة كلهم حق على‬ ‫‪ 4‬نكاحا‪ :‬أي َ‬ ‫ال عز وجل عونهم‪ :‬المجاهد في سبيل ال والناكح الذي يريد العفاف‪ ،‬والمكاتب الذي يريد‬ ‫الداء"‪.‬‬

‫( ‪)3/569‬‬ ‫الية وهي إذا كان للمسلم عبد وطلب منه أن يكاتبه وكان أهل للتحرر بأن يقدر على تسديد مال‬ ‫المكاتبة‪ .‬ويستطيع أن يستقل بنفسه فعلى مالكه أن يكاتبه‪ ،‬وأن يعينه على ذلك بإسقاط نجم من‬ ‫نجوم الكتابة‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ‪ 1‬إن‬ ‫علمتم فيهم خيرا‪ 2‬وآتوهم من مال ال الذي آتاكم} وقوله تعالى‪{ :‬ول تكرهوا فتياتكم على البغاء}‬ ‫أي على الزنا وهي مسألة رابعة تضمنتها هذه الية وهي أن جاريتين كانتا لعبد ال بن أبي بن‬ ‫سلول المنافق يقال لهما معاذة ومسيكة قد أسلمتا فأمرهما بالزنا لتكسبا له بفرجيهما كما هي عادة‬ ‫أهل الجاهلية قبل السلم فشكتا ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى‪{ :‬ول‬ ‫تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} أي لجل مال قليل‬ ‫يعرض لكم ويزول عنكم بسرعة‪ .‬وقوله‪{ :‬ومن يكرهن فإن ال من بعد إكراههن غفور رحيم} أي‬ ‫لهن رحيم بهن لن المكره ل إثم عليه فيما يقول ول فيما يفعل فامتنع المنافق من ذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )34‬ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} أي ولقد أنزلنا إليكم أيها‬ ‫المسلمون آيات أي قرآنيّة مبينات أي موضحات للشرائع والحكام والداب فاعملوا بها تكملوا في‬ ‫حياتكم وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم‪ .‬وقوله‪{:‬ومثلً من الذين خلوا من قبلكم} أي قصصا من‬

‫أخبار الولين كقصة يوسف ومريم عليهما السلم وهما شبيهتان بحادثة الفك وقوله‪{ :‬وموعظة‬ ‫للمتقين} وهي ما تضمنته اليات من الوعيد والوعد والترغيب والترهيب وكونها للمتقين بحسب‬ ‫الواقع وهو أن المتقين هم الذين ينتفعون بالمواعظ دون الكافرين والفاجرين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬انتداب المسلمين حاكمين ومحكومين للمساعدة على تزويج اليامى من المسلمين أحرارا‬ ‫وعبيدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الستعفاف على من لم يجد نكاحا والصبر حتى ييسر ال أمره‪.‬‬ ‫‪ -3‬عدة ال للفقير إذا تزوج بالغنى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ل تكون المكاتبة إل على أنجم متعددة فل تصح ناجزة ول على نجم واحد‪.‬‬ ‫‪{ 2‬خيرا} أي‪ :‬صلحا وتقوى وقدرة على الداء‪.‬‬

‫( ‪)3/570‬‬ ‫‪ -4‬تعين مكاتبة العبد إذا توفّرت فيه شروط المكاتبة‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة الزنا بالكراه أو بالختيار ومنع ذلك بإقامة الحدود‪.‬‬ ‫‪ -6‬صيغة المكاتبة أن يقول السيد للعبد لقد كاتبتك على ثلثة آلف دينار منجمة أي مقسطة على‬ ‫ستة نجوم تدفع في كل شهر نجما أي قسطا‪ .‬على أنك إذا وفيتها في آجالها فأنت حر‪ ،‬وعليه‬ ‫أشهدنا وحرر بتاريخ كذا وكذا‪.‬‬ ‫‪ -7‬بيان فضل سورة النور لما احتوته من أحكام في غاية الهمية‪.‬‬ ‫شكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ ا ْل ِمصْبَاحُ فِي ُزجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَ ّنهَا‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ مَ َثلُ نُو ِرهِ َكمِ ْ‬ ‫اللّهُ نُورُ ال ّ‬ ‫َك ْوكَبٌ دُ ّريّ يُوقَدُ مِن شَجَ َرةٍ مّبَا َركَةٍ زَيْتُونِ ٍة ل شَ ْرقِيّ ٍة وَل غَرْبِيّةٍ َيكَادُ زَيْ ُتهَا ُيضِي ُء وََلوْ لَمْ َتمْسَسْهُ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‬ ‫س وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫نَارٌ نّورٌ عَلَى نُورٍ َي ْهدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَن َيشَاء وَ َيضْ ِربُ اللّ ُه المْثَالَ لِلنّا ِ‬ ‫لل‬ ‫س ُمهُ يُسَبّحُ َلهُ فِيهَا بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ (‪ )36‬رِجَا ٌ‬ ‫‪ )35‬فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُ ْرفَ َع وَيُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬ ‫تُ ْلهِيهِمْ ِتجَا َرةٌ وَل بَيْعٌ عَن ِذكْرِ اللّ ِه وَِإقَامِ الصّل ِة وَإِيتَاء ال ّزكَاةِ َيخَافُونَ َي ْومًا تَ َتقَّلبُ فِيهِ ا ْلقُلُوبُ‬ ‫عمِلُوا وَيَزِيدَهُم مّن َفضْلِهِ وَاللّهُ يَرْ ُزقُ مَن يَشَاء ِبغَيْرِ‬ ‫وَالبْصَارُ (‪ )37‬لِيَجْزِ َي ُهمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا َ‬ ‫حسَابٍ (‪)38‬‬ ‫ِ‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫ال نور السموات‪ :‬أي منورهما فلوله لما كان نور في السموات ول في‬

‫( ‪)3/571‬‬ ‫الرض‪ ،‬وال تعالى نورٌ‪ 1‬وحجابه النور‪.‬‬ ‫مثل نوره ‪ :‬أي في قلب عبده المؤمن‪.‬‬ ‫كمشكاة ‪:‬أي كوة‪.‬‬ ‫كوكب دري ‪ :‬أي مضىء اضاءة الدر الوهاج‪.‬‬ ‫نور على نور ‪ :‬أي نور النار على نور الزيت‪.‬‬ ‫يهدى ال لنوره ‪ :‬أي لليمان به والعمل بطاعته من يشاء له ذلك لعلمه برغبته وصدق نيته‪.‬‬ ‫ويضرب ال المثال ‪ :‬أي ويجعل ال المثال للناس من أجل أن يفهموا عنه ويعقلوا ما يدعوهم‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫في بيوت أذن ال أن ترفع‪ :‬هي المساجد ورفعها إعلء شأنها من بناء وطهارة وصيانة‪.‬‬ ‫يوما تتقلب ‪ 2‬فيه القلوب والبصار ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬ ‫يرزق من يشاء بغير حساب‪ :‬أي بل عَدّ ول كيل ول وزن وهذا شأن العطاء إن كان كثيرا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬ال نور ‪ 3‬السموات والرض} يخبر تعالى أنه لوله لما كان في الكون نور ول‬ ‫هداية في السموات ول في الرض فهو تعالى منورهما فكتابه نور ورسوله نور أي يهتدي بهما‬ ‫في ظلمات الحياة كما يهتدي بالنور الحسي وال ذاته نور وحجابه نور فكل نور حسي أو معنوي‬ ‫ال خالقه وموهبه وهادٍ إليه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬مثل نوره كمشكاة} أي كوة في جدار {فيها مصباح المصباح في زجاجة} من بلور‪،‬‬ ‫{الزجاجة} في صفائها وصقالتها مشرقة {كأنها كوكب دري} والكوكب الدري هو المضيء‬ ‫المشرق كأنه درة بيضاء صافية‪ ،‬وقوله‪{ :‬يوقد من شجرة مباركة} أي وزيت‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الحديث الصحيح‪" :‬اللهم أنت نور السموات والرض" وفي آخر صحيح وقد سئل صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ :‬هل رأيت ربّك؟ فقال "نور أنّى أراه" وفي آخر "رأيت نورا"‪.‬‬ ‫‪ 2‬تتقلب قلوب الكافرين من الجحد والتكذيب إلى التصديق واليقين وقلوب المؤمنين بين الخوف‬ ‫والرجاء‪ ،‬وأما تقلب البصار‪ :‬فإنها بالنظر هنا وهناك لشّدة الخوف وعظم الهول‪ .‬هذه قلوب‬ ‫المؤمنين أما قلوب الكافرين فمن الكحل إلى الزرق والعمى بعد البصار‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال ابن عباس‪{ :‬ال نور السموات والرض} يقول‪ :‬هادي أهل السموات والرض‪.‬‬

‫( ‪)3/572‬‬

‫المصباح من شجرة مباركة وهي الزيتونة والزيتونة ل شرقية ول غربية في موقعها من البستان‬ ‫ل ترى الشمس إل في الصباح‪ ،‬ول غربية ل ترى الشمس إل في المساء بل هي وسط البستان‬ ‫تصيبها الشمس في كامل النهار فلذا كان زيتها في غاية الجودة يكاد يشتعل لصفائه‪ ،‬ولو لم تمسه‬ ‫نار‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬نور على نور ‪ }1‬أي نور النار على نور الزيت وقوله تعالى‪{ :‬يهدي ال‬ ‫لنوره من يشاء} يخبر تعالى أنه يهدي لنوره الذي هو اليمان والسلم والحسان من يشاء من‬ ‫عباده ممن علم أنهم يرغبون في الهداية ويطلبونها ويكملون ويسعدون عليها‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ويضرب ‪ 2‬ال المثال للناس وال بكل شيء عليم} يخبر تعالى‪ :‬أنه يضرب المثال‬ ‫للناس كهذا المثل الذي ضربه ‪ 3‬لليمان وقلب عبده المؤمن وأنه عليم بالعباد وأحوال القلوب‪،‬‬ ‫ومن هو أهل للهداية ومن ليس لها بأهل‪ ،‬إذ هو بكل شيء عليم‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬في بيوت ‪ 4‬أذن ال أن ترفع} أي المصباح في بيوت أذن ال أي أمر َو َوصّى أن ترفع‬ ‫حسا ومعنى وهي المساجد فتطهر من النجاسات ومن اللغو فيها وكلم الدنيا ‪ 5‬وتصان وتحفظ من‬ ‫كل ما يخل بمقامها الرفيع لنها بيوت ال تعالى‪ ،‬وقوله ‪{ :‬ويذكر فيها اسمه} أي بالذان والقامة‬ ‫والصلة والتسبيح والدعاء وقراءة القرآن‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬يسبح له فيها} أي ل في تلك البيوت‬ ‫{ بالغدو} أي بالصباح {والصال ‪ }6‬أي المساء {رجال} مؤمنون صادقون أبرار متقون {ل تلهيهم‬ ‫تجارة ول بيع} أي ل شراء ول بيع {عن ذكر ال} فقلوبهم ذاكرة غير غافلة وألسنتهم ذاكرة غير‬ ‫لهية ول لغية {وإقام الصلة وإتياء الزكاة} أي ل تلهيهم دنياهم عن آخرتهم فهم يقيمون الصلة‬ ‫ويؤتون الزكاة‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار} أي من شدة الخوف وعظم الفزع والهول وهو‬ ‫يوم القيامة وقوله تعالى‪{ :‬ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله}‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة إلى ضوء الزيت فهو لذلك نور‬ ‫على نور‪ ،‬واختلطت هذه النوار في المشكاة فصارت كأنور ما تكون فكذلك براهين ال تعالى‬ ‫واضحة وهي‪ :‬برهان بعد برهان‪ .‬والجملة مستأنفة أي‪ :‬هذا المذكور هو نور على نور‪.‬‬ ‫‪ 2‬قوله تعالى‪{ :‬يهدي ال لنوره من يشاء} إلى قوله‪ { :‬عليم} هي ثلث جمل معترضة أو تذييل‬ ‫لما سبق من الكلم‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال ابن عباس هذا مثل نور ال وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن‬ ‫تمسّه النار فان مستّه النار أزداد ضوءه كذلك قلب المؤمن‪ ،‬يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم‬ ‫ى ونورا على نور‪.‬‬ ‫فإذا جاء العلم زاده هدىً على هد ً‬ ‫‪ 4‬كون {في بيوت} متعلقا بقول {مصباح} أولى وأوضح من تعلقه بيسبح له وإن قيل‪ :‬كيف يعود‬ ‫إلى المصباح‪ ،‬وهو واحد والبيوت جمع؟ قيل‪ :‬هذا كقوله‪{ :‬وجعل فيهن نورا} وهو في سماء‬ ‫واحدة ل في كل سماء وإنما هو تلوين للخطاب‪.‬‬

‫‪ 5‬لقول الرسول صلى ال عليه وسلم للذي أنشد الضالة‪" :‬ل وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت‬ ‫له" يريد الصلة والذكر وقراءة القرآن وتعلّم العلم‪.‬‬ ‫‪ 6‬الصال‪ :‬جمع أصيل وهو المساء‪.‬‬

‫( ‪)3/573‬‬ ‫أي إنهم فعلوا ما فعلوا من التسبيح وإقام الصلة وإيتاء الزكاة معرضين عن كل ما يشغلهم عن‬ ‫عبادة ربهم فتأهلوا بذلك للثواب العظيم ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله فوق ما‬ ‫استحقوه بأعمالهم وتقواهم لربهم‪ ،‬وال يرزق من يشاء بغير حساب وذلك لعظيم فضله وسابق‬ ‫رحمته فيعطي بدون عد ول كيل ول وزن وذلك لعظم العطاء وكثرته‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬كل خير وكل نور وكل هداية مصدرها ال تعالى فهو الذي يطلب منه ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان والفهوم‪.‬‬ ‫‪ -3‬الشارة إلى أن ملة السلم ل يهودية ول نصرانية‪ ،‬ل اشتراكية ول رأسمالية‪ .‬بل هي الملة‬ ‫الحنيفية من دان بها هدى ومن كفرها ضل‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تعظيم بيوت ال تعالى "المساجد" بتطهيرها ‪ 1‬ورفع بنيانها وإخلئها إل من ذكر ال‬ ‫والصلة وطلب العلم فيها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ثناء ال تعالى على من ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة‪.‬‬ ‫ج ْدهُ شَيْئًا َووَجَدَ اللّهَ‬ ‫ظمْآنُ مَاء حَتّى ِإذَا جَاءهُ لَمْ يَ ِ‬ ‫حسَبُهُ ال ّ‬ ‫عمَاُل ُهمْ كَسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ يَ ْ‬ ‫وَالّذِينَ َكفَرُوا أَ ْ‬ ‫جيّ َيغْشَاهُ َموْجٌ مّن َف ْوقِهِ َموْجٌ‬ ‫حسَابَ ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ (‪َ )39‬أوْ َكظُُلمَاتٍ فِي بَحْرٍ لّ ّ‬ ‫عِن َدهُ َف َوفّاهُ ِ‬ ‫ج َعلِ اللّهُ لَهُ نُورًا‬ ‫ضهَا َفوْقَ َب ْعضٍ ِإذَا َأخْرَجَ يَ َدهُ َلمْ َيكَدْ يَرَاهَا َومَن لّمْ َي ْ‬ ‫سحَابٌ ظُُلمَاتٌ َب ْع ُ‬ ‫مّن َف ْوقِهِ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ وَالطّيْ ُر صَافّاتٍ ُكلّ َقدْ‬ ‫َفمَا لَهُ مِن نّورٍ (‪ )40‬أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ َلهُ مَن فِي ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أوّل من أنار مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم تميم الداري‪ ,‬إذ أتى بقناديل من الشام فعلّقها‬ ‫في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأسرجها فرآها الرسول صلى ال عليه وسلم فدعا‬ ‫بقوله صلى ال عليه وسلم "نورت السلم نوّر ال عليك في الدنيا والخرة"‪.‬‬

‫( ‪)3/574‬‬

‫ت وَال ْرضِ وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫عَلِ َم صَلتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ ِبمَا َيفْعَلُونَ (‪ )41‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫(‪)42‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كسراب بقيعة‪ :‬السراب شعاع أبيض يرى في نصف النهار وكأنه ماء‪ ،‬والقيعة جمع قاع وهو ما‬ ‫انبسط من الرض‪.‬‬ ‫الظمآن ‪ :‬لعطشان‪.‬‬ ‫بحر لجي‪ :‬أي ذو لجج واللجة معظم الماء وغزيره كما هي الحال في المحيطات‪.‬‬ ‫يغشاه موج‪ :‬يعلوه ويغطيه موج آخر‪.‬‬ ‫يسبح له‪ :‬ينزه ويقدس بألفاظ التسبيح والتقديس كسبحان ال ونحوه والصلة من التسبيح‪.‬‬ ‫صافات‪ :‬باسطات أجنحتها‪.‬‬ ‫قد علم صلته‪ :‬أي كل من في السموات والرض قد علم ال صلته وتسبيحه كما أن كل مسبح‬ ‫ومصل قد علم صلة وتسبيح نفسه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬والذين كفروا أعمالهم كسراب ‪ }1‬لما بين تعالى حال المؤمنين وأنه تعالى وفاهم‬ ‫أجرهم بأحسن مما كانوا يعملون وزادهم من فضله ذكر هنا حال الكافرين وهو أن أعمالهم في‬ ‫خسرانها وعدم النتفاع بها كسراب وهو شعاع أبيض يرى في نصف النهار وكأنه ماء {بقيعة}‬ ‫أي بقاع من الرض وهو الرض المنبسطة‪{ .‬يحسبه الظمّآن ماء} أي يظنه العطشان ماء وما هو‬ ‫بماء ولكنه سراب خادع {حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} لنه سراب ل غير‪ .‬فيا للخيبة‪ ،‬خيبة ظمآن‬ ‫يقتله العطش فرأى سرابا فجرى وراءه يظنه ماء فإذا به لم يجد الماء‪ ،‬ووجد الحق تبارك وتعالى‬ ‫فحاسبه على كل أعماله وهي في جملتها أعمال إجرام وشر وفساد فوفاه إياها فخسر خسرانا‬ ‫مبينا‪{ ،‬وال سريع الحساب} فما هي إل لحظات والكافر في سواء الجحيم‪ .‬هذا مَ َثلٌ تضمنته الية‬ ‫الولى (‪ )39‬ومثل آخر تضمنته الية الثانية(‪)40‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬سمي السراب سرابا‪ :‬لنه يسرب كالماء في جريانه‪ ،‬والسراب يلتصق بالرض‪ ،‬والل‬ ‫كالسراب إلّ أنه يكون كالماء ولكنه مرتفع بين السماء ولرض قال الشاعر‪:‬‬ ‫وكنت كمهريق الذي في سقائه‬ ‫لرقراق آل فوق رابية صَلدٍ‬

‫( ‪)3/575‬‬

‫وهو مثل مضروب لضلل الكافر وحيرته في حياته وما يعيش عليه من ظلمة الكفر وظلمة العمل‬ ‫السيء والعتقاد الباطل وظلمة الجهل بربه وما يريده منه‪ ،‬وما أعده له قال تعالى‪{ :‬أو كظلمات‬ ‫‪ 1‬في بحر ‪ 2‬لجي} أي ذي لجج من الماء {يغشاه} أي يعلوه {موج من فوقه موج} أي من فوق‬ ‫الموج موج آخر {من فوقه سحاب} والسحاب عادة مظلم فهي {ظلمات بعضها فوق بعض إذا‬ ‫أخرج يده لم يكد يراها} لشدة الظلمة هذه حال الكافر في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وهي ناتجة عن‬ ‫إعراضه عن ذكر ربه وتوغله في الشر والفساد وقوله تعالى‪{ :‬ومن ‪ 3‬لم يجعل ال له نورا فما له‬ ‫من نور} أعلم تعالى عباده أن النور له وبيده فمن لم يطلبه منه حرمه وعاش في الظلمات والعياذ‬ ‫بال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ألم تر أن ال يسبح له من في السموات والرض والطير صافات} أي ألم ينته إلى‬ ‫علمك يا رسولنا أن ال تعالى يسبح له من في السموات من الملئكة والرض أي ومن ‪ 4‬في‬ ‫الرض بلسان القال والحال معا والطير ‪ 5‬صافات أي باسطات أجنحتها تسبح ال تعالى بمعنى‬ ‫تنزهه بألفاظ التنزيه كسبحان ال‪ .‬فإن امتنع المشركون أهل الظلمات من اليمان بال وعبادته‬ ‫وتوحيده فيها فإن ال تعالى يسبح له الخلق كله علويه وسفليه فالكافر وإن لم يسبح بلسانه فحاله ‪6‬‬ ‫تسبح فخلقه وتركيبه وأقواله وأعماله كلها تسبح ال خالقه فهي شاهدة على قدرة ال وعلمه‬ ‫وحكمته وأنه ل إله إل هو ول رب سواه وقوله تعالى‪{ :‬كل} أي ممن في السموات والرض‬ ‫والطير قد علم ال صلته وتسبيحه كما أن كلً منهم قد علم صلته ل تعالى وتسبيحه له {وال‬ ‫عليم بما يفعلون} أي وال عليم بأفعال عباده‪ ،‬ويجزيهم بها وهو على ذلك قدير إذ له ملك‬ ‫السموات والرض وإليه المصير أي مصير كل شيء إليه تعالى فهو الذي يحكم فيه بحكمه‬ ‫العادل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال الجرجاني الية الولى في ذكر أعمال الكفار‪ ،‬والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على‬ ‫العمال لن الكفر أيضا من أعمالهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬المراد بالظلمات‪ :‬أعمال الكفار‪ ،‬وبالبحر اللجي‪ :‬قلب الكافر‪ ،‬وبالموج فوق الموج‪ :‬ما‬ ‫يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة‪ ،‬وبالسحاب‪ :‬الرين والختم والطبع على قلبه‪ ،‬ولذا قال أبي‬ ‫بن كعب‪ :‬الكافر يتقلب في خمس من الظلمات كلمه ظلمة‪ ،‬وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه‬ ‫ظلمة ومصيره يوم القيامة إلى ظلمة النار‪.‬‬ ‫‪ 3‬قيل‪ :‬هذه الية نزلت في شيبة بن ربيعة أو في ربيعة نفسه إذ كلهما ترهّب وطلب الدين في‬ ‫الجاهلية ولما جاء السلم كفرا به ولم يدخل فيه وماتا كافرين‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬من الجن والنس‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرىء {والطير} بالرفع عطفا على من‪ .‬وقرىء بالنصب على نحو‪ :‬قمت وزيدا أي معه وهو‬ ‫أجود من الرفع ولو قلت قمت أنا وزيد لكان الرفع أجود‪.‬‬

‫‪ 6‬تسبيح الحال هو ما يُرى من علم ال تعالى وقدرته في آثار الصنعة في المخلوقات فالخالق‬ ‫المدبر وحده ل يكون إلّ إلها واحدا ل شريك له‪.‬‬

‫( ‪)3/576‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني البعيدة إلى الذهان‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان خسران الكافرين في أعمالهم وحياتهم كلها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حال الكافرين في هذه الدنيا وأنهم يعيشون في ظلمات الجهل والكفر والظلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حقيقة وهي أن من لم يجعل ال له نورا في قلبه لن يكن له نور في حياته كلها‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن الكون كله يسبح ال كقوله تعالى‪{ :‬يسبح له ما في السموات وما في الرض} وقوله‪:‬‬ ‫{وإن من شيء إل يسبح بحمده}‪.‬‬ ‫جعَلُهُ ُركَامًا فَتَرَى ا ْلوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِللِ ِه وَيُنَ ّزلُ مِنَ‬ ‫سحَابًا ثُمّ ُيؤَّلفُ بَيْنَهُ ُثمّ َي ْ‬ ‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي َ‬ ‫سمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَ ُيصِيبُ بِهِ مَن َيشَاء وَ َيصْ ِرفُهُ عَن مّن َيشَاء َيكَادُ سَنَا بَ ْرقِهِ َيذْ َهبُ‬ ‫ال ّ‬ ‫بِال ْبصَارِ (‪ُ )43‬يقَّلبُ اللّهُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َر ًة لوْلِي ال ْبصَارِ (‪ )44‬وَاللّهُ خََلقَ ُكلّ دَابّةٍ‬ ‫ن َومِ ْنهُم مّن َيمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ‬ ‫مِن مّاء َفمِ ْنهُم مّن َيمْشِي عَلَى بَطْ ِن ِه َومِ ْنهُم مّن َيمْشِي عَلَى رِجْلَيْ ِ‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪َ )45‬لقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَاللّهُ َيهْدِي مَن يَشَاء‬ ‫يَخُْلقُ اللّهُ مَا يَشَاء إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫إِلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ (‪)46‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫يزجي سحابا‪ :‬أي يسوق برفق ويسر‪.‬‬ ‫ثم يؤلف بينه ‪:‬أي يجمع بين أجزائه وقطعه‪.‬‬ ‫ثم يجعله ركاما ‪ :‬أي متراكما بعضه فوق بعض‪.‬‬ ‫الودق ‪ :‬أي المطر‪.‬‬

‫( ‪)3/577‬‬ ‫يخرج من خلله ‪:‬أي من فرجه ومخارجه‪.‬‬ ‫من جبال فيها من برد ‪:‬أي من جبال من برد في السماء والبرد حجارة بيضاء كالثلج‪.‬‬ ‫فيصيب به من يشاء ‪ :‬أي فيصيب بالبرد من يشاء‪.‬‬ ‫سنا برقه ‪:‬أي لمعانه‬

‫يذهب بالبصار ‪ :‬أي النظرة إلَيهَ‬ ‫لعبرة ‪ :‬أي دللة على وجود ال تعالى وقدرته و علمه ووجوب توحيده‪.‬‬ ‫كل دابة من ماء ‪ :‬أي حيوان من نطفة‪.‬‬ ‫على بطنه ‪ :‬كالحيات والهوام‪.‬‬ ‫على رجلين ‪:‬كالنسان والطير‪.‬‬ ‫على أربع ‪:‬أي كالنعام والبهائم‪.‬‬ ‫إلى صراط مستقيم ‪ :‬أي إلى السلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في عرض مظاهر القدرة والعلم والحكمة اللهية وهي الموجبة ل تعالى العبادة‬ ‫دون سواه فقال تعالى‪{ :‬ألم تر أن ال يزجي سحابا} أي ألم ينته إلى علمك يا رسولنا أن ال يزجي‬ ‫‪ 1‬سحابا أي يسوقه برفق وسهولة {ثم يؤلف} أي يجمع بين أجزائه فيجعله ركاما‪ 2‬أي متراكمًا‬ ‫بعضه على بعض {فترى الودق ‪ }3‬أي المطر {يخرج من خلله} أي من فتوقه وشقوقه‪ .‬والخلل‬ ‫جمع خلل كجبال جمع جبل وهو الفتوق بين أجزاء السحاب وهو مظهر من مظاهر القدرة والعلم‪.‬‬ ‫وقوله ‪{ :‬وينزل من السماء من جبال فيها من برد} أي ينزل بردا من جبال البرد المتراكمة في‬ ‫السماء فيصيب بذلك البرد من يشاء فيهلك به زرعه أو ماشيته‪ ،‬ويصرفه عمن يشاء من عباده فل‬ ‫يصيبه شيء من ذلك وهذا مظهر آخر من مظاهر‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر تعالى من حججه وبراهينه على ألوهيته شيئا آخر وهو‪ :‬سوق السحاب وتكوين المطر‬ ‫وإنزاله‪ ،‬وإزجاء السحاب‪ ،‬سوقه يقال‪ :‬البقرة ازجت ولدها‪ :‬إذا ساقته أمامها‪.‬‬ ‫‪ 2‬يقال‪ :‬ركمه يركمه ركما‪ ،‬إذا جمعه وألقى بعضه على بعض‪ ،‬والركام المتراكم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الودق‪ :‬إنه البرق‪ ،‬وكونه المطر‪ :‬أولى ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫فل مزنة ودقت ودقها‬ ‫ول أرض أبقل إبقالها‬

‫( ‪)3/578‬‬ ‫القدرة واللطف اللهي وقوله ‪{ .‬يكاد سنا برقه ‪ }1‬أي يقرب لمعان البرق الذي هو سناه يذهب‬ ‫بالبصار التي تنظر إليه أي يخطفها بشدة لمعانه‪.‬‬ ‫وقوله تعالما {يقلب ال الليل والنهار} بأن يظهر هذا ويخفي هذا فإذا ظهر النهار اختفى الليل‪ ،‬وإذا‬ ‫ظهر الليل اختفى النهار فيقلب أحدهما على الخر فيخفيه ويستره به وقوله‪{ :‬إن في ذلك لعبرة‬ ‫لولى البصار} أي إن في إنزال البرد ولمعان البرق وتقليب الليل والنهار لعظة عظيمة لولى‬

‫البصائر تهديهم إلى اليمان بال وجلله وكماله فيعبدونه ويوحدونه محبين له معظمين راجعين‬ ‫خائفين إن هذه ثمرة الهداية هذا ما دلت عليه اليتان الولى (‪ )43‬والثانية (‪ )44‬أما الية (‪)45‬‬ ‫فقد اشتملت على أعظم مظهر من مظاهر القدرة اللهية فقال تعالى‪{ :‬وال خالق كل دابة ‪ }2‬أي‬ ‫من إنسان وحيوان {من ماء ‪ }3‬أي نطفة من نطف النسان والحيوان‪{ ،‬فمنهم من يمشي على‬ ‫بطنه} كالحيات والثعابين والسماك‪{ ،‬ومنهم من يمشي على رجلين}كالنسان والطير‪{ ،‬ومنهم من‬ ‫يمشي على أربع} كالنعام والبهائم‪ ،‬وقوله‪{ :‬يخلق ال ما يشاء} إذْ بعض الحيوانات لها أكثر من‬ ‫أربع وقوله‪{ :‬إن ال على كل شيء ‪ 4‬قدير} أي على فعل وإيجاد ما يريده قدير ل يعجزه شيء‬ ‫فأين ال الخالق العليم الحكيم من تلك الصنام والوثان التي يؤلهها الجاهلون من أهل الشرك‬ ‫والكفر؟‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لقد أنزلنا آيات مبينات} أي واضحات لجل هداية العباد إلى طريق سعادتهم‬ ‫وكمالهم وهي هذه اليات التي اشتملت عليها سورة النور وغيرها من آيات القرآن الكريم فمن‬ ‫آمن بها ونظر فيها وأخذ بما تدعو إليه من الهدى اهتدى‪ ،‬ومن أعرض عنها فضل وشقى فل‬ ‫يلومن إل نفسه‪{ ،‬وال يهدي من يشاء} هدايته ممن رغب في الهداية وطلبها وسلك لها مسالكها‬ ‫{إلى صراط مستقيم} أل وهو السلم طريق الكمال والسعادة في الحياتين اللهم اجعلنا من أهله‬ ‫إنك قدير‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬السنا مصدر‪ :‬لمعان البرق والسّناء‪ ،‬ممدود‪ :‬الرّفعة قال‪ :‬ابن دريد‪:‬‬ ‫زال السنا عن ناظري‬ ‫وزال عن شرف السناء‬ ‫فالسّنا الول‪ :‬الرفعة والثاني‪ :‬ضوء البرق‪ ،‬وجملة‪{ :‬يكاد سنا برقه} وصف لـ‪( :‬سحابا)‪.‬‬ ‫‪ 2‬فخرج الملئكة والجن إذ الملئكة خلقوا من نور والجن من النار‪.‬‬ ‫‪ 3‬تنكير ماء‪ :‬لرادة النوعية تنبيها على اختلف صفات الماء لكل نوع من الدواب‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة ذكرت تذييل وتعليلً‪.‬‬

‫( ‪)3/579‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته وهي موجبات اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كيفية نزول المطر والبرد‪.‬‬ ‫‪ -3‬مظاهر لطف ال بعباده في صرف البرد عن الزرع والماشية وبعض عباده‪.‬‬

‫‪ -4‬مظاهر القدرة والعلم في تقليب الليل والنهار على بعضهما بعضا‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أصناف المخلوقات في مشيها على الرض بعد خلقها من ماء وهو مظهر العلم والقدرة‪.‬‬ ‫‪ -6‬امتنان ال تعالى على العباد بإنزاله اليات المبينات للهدى وطريق السعادة والكمال‪.‬‬ ‫ك َومَا ُأوْلَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)47‬‬ ‫طعْنَا ُثمّ يَ َتوَلّى فَرِيقٌ مّ ْنهُم مّن َب ْعدِ ذَِل َ‬ ‫ل وَأَ َ‬ ‫وَيَقُولُونَ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالرّسُو ِ‬ ‫حكُمَ بَيْ َن ُهمْ إِذَا فَرِيقٌ مّ ْنهُم ّمعْ ِرضُونَ (‪ )48‬وَإِن َيكُن ّلهُمُ ا ْلحَقّ يَأْتُوا‬ ‫وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِ َي ْ‬ ‫إِلَيْهِ ُمذْعِنِينَ (‪َ )49‬أفِي قُلُو ِبهِم مّ َرضٌ َأمِ ارْتَابُوا َأمْ يَخَافُونَ أَن َيحِيفَ اللّهُ عَلَ ْي ِه ْم وَرَسُولُهُ َبلْ ُأوْلَ ِئكَ‬ ‫س ِمعْنَا‬ ‫حكُمَ بَيْ َنهُمْ أَن َيقُولُوا َ‬ ‫هُمُ الظّاِلمُونَ (‪ )50‬إِ ّنمَا كَانَ َق ْولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ لِ َي ْ‬ ‫طعِ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَيَخْشَ اللّ َه وَيَ ّتقْهِ‪ 1‬فَُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ‬ ‫طعْنَا وَُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪َ )51‬ومَن يُ ِ‬ ‫وَأَ َ‬ ‫(‪)52‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ حفص‪{ :‬ويتّقه } بإسكان القاف على نيّة الجزم لن مَن‪ :‬شرطية جازمة‪ ،‬وكسرها الباقون‪:‬‬ ‫لن جزم المعتل بحذف آخره وأسكن الهاء بعضٌ واختلس كسرتها قالون عن نافع‪ ،‬وأشبع الكسرة‬ ‫الباقون‪.‬‬

‫( ‪)3/580‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويقولون ‪ :‬أي المنافقون‪.‬‬ ‫آمنا بال وبالرسول ‪ :‬أي صدقنا بتوحيد ال وبنبوة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ثم يتول فريق منهم ‪ :‬أي يعرض‪.‬‬ ‫إذا فريق منهم معرضون‪ :‬أي عن المجيء إلى الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫مذعنين‪ :‬أي مسرعين منقادين مطيعين‪.‬‬ ‫في قلوبهم مرض ‪:‬أي كفر ونفاق وشرك‪.‬‬ ‫أم ارتابوا ‪ :‬أي بل شكوا في نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫أن يحيف ال عليهم ورسوله ‪ :‬أي في الحكم فيظلموا فيه‪.‬‬ ‫إنما كان قول المؤمنين ‪ :‬هو قولهم سمعنا وأطعنا أي سمعا و طاعة‪.‬‬ ‫المفلحون ‪ :‬أي الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد عرض تلك المظاهر لقدرة ال وعلمه وحكمته والموجبة لليمان بال ورسوله‪ ,‬وما عند ال‬ ‫من نعيم مقيم‪ ,‬وما لديه من عذاب مهين فاهتدى عليها من شاء ال هدايته وأعرض عنها من كتب‬ ‫ال شقاوته من المنافقين الذين أخبر تعالى عنهم بقوله ‪{:‬ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا} أي‬

‫صدقنا بال رباّ وإلها وبمحمد نبيا و رسولً‪ ,‬وأطعناهما ‪{ 1‬ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك} أي‬ ‫من بعد تصريحهم باليمان والطاعة يقولون معرضين بقلوبهم عن اليمان بال وآياته ورسوله‪,‬‬ ‫{وما أولئك بالمؤمنين} فأكذبهم ال في دعوة إيمانهم هذا ما دلت عليه الية الولى (‪)47‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وإذا دعوا إلى ال ورسوله ‪ 2‬ليحكم ‪ 3‬بينهم} أي في قضية من قضايا دنياهم‪{ ,‬إذا فريق‬ ‫منهم معرضون} أي فاجأك فريق منهم بالعراض عن التحاكم إلى الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫وقوله‪{ :‬وإن يكن لهم الحق} أي وإن يكن لهم في الخصومة التي بينهم وبين غيرهم {يأتوا إليه}‬ ‫أي إلى رسول ال {مذعنين} أي منقادين طائعين أي لعلمهم أن الرسول يقضي بينهم بالحق‬ ‫وسوف يأخذون حقهم وافيا وقوله تعالى‪ { :‬أفي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قولهم ‪ ,‬هذا قول باطل إنهم ما آمنوا ول أطاعوا وإنما هو قول المنافقين وال شهد إنهم‬ ‫لكاذبون‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬إن هذه الية نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي كانت بينهما أرض فقال اليهودي‪:‬‬ ‫هيا نتحاكم إلى محمد صلى ال عليه وسلم وقال بشر المنافق ل إن محمدا يحيف علينا فلنحتكم إلى‬ ‫كعب بن الشرف اليهودي فنزلت‪.‬‬ ‫‪ 3‬لم يقل ليحكما لن الذي يحكم بينهما هو الرسول صلى ال عيه وسلم وإنما قدم اسم ال تعظيما‬ ‫ولن مادة الحكم من ال والرسول صلى ال عليه وسلم مبيّن ومنفّذ ل غير‪.‬‬

‫( ‪)3/581‬‬ ‫قلوبهم ‪ 1‬مرض} أي بل في قلوبهم مرض الكفر والنفاق‪{ .‬أم ارتابوا} أي بل ارتابوا أي شكوا في‬ ‫نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم {أم يخافون أن يحيف ال عليهم ورسوله} ل‪ ،‬ل‪{ ،‬بل أولئك‬ ‫هم الظالمون}‪ ،‬ولما كانوا ظالمين يخافون حكم ال ورسوله فيهم لنه عادل فيأخذ منهم ما ليس‬ ‫لهم ويعطيه لمن هو لهم من خصومهم وقوله تعالى‪{ :‬إنما كان قول المؤمنين} أي الصادقين في‬ ‫إيمانهم {إذا دعوا ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} أي لم يكن للمؤمنين الصادقين‬ ‫من قول يقولونه إذا دعوا إلى كتاب ال ورسوله ليحكم بينهم إل قولهم‪ :‬سمعنا وأطعنا فيجيبون‬ ‫الدعوة ويسلمون بالحق قال تعالى في الثناء عليهم {وأولئك هم المفلحون} أي الناجحون في دنياهم‬ ‫وآخرتهم دون غيرهم من أهل النفاق‪ .‬وقوله تعالى‪ :‬في الية الكريمة الخيرة (‪{ )52‬ومن يطع‬ ‫ال ورسوله ‪ }2‬أي فيما يأمران به وينهيان عنه‪{ ،‬ويخش ال} أي يخافه في السر والعلن‪{ ،‬ويتقه}‬ ‫أي يتق مخالفته فل يقصر في واجب ول يغشى محرما‪{ ،‬فأولئك هم الفائزون} فقصر الفوز عليهم‬ ‫أي هم المنون من عذاب ال يوم القيامة المنعمون في جنات النعيم مع النبيين والصديقين‬ ‫والشهداء والصالحين‪ .‬اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم إنك ربنا وربهم‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪ -2‬من دعي إلى الكتاب والسنة فأعرض فهو منافق معلوم النفاق‪.‬‬ ‫‪ -3‬اتخاذ قوانين وضعية للتحاكم إليها دون كتاب ال وسنة رسوله آية الكفر والنفاق‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل طاعة ال ورسوله وتقوى ال عز وجل وأن أهلها هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول‬ ‫الجنان‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتوبيخ والذم وهو أبلغ في التوبيخ وأشد في الذم من مجرّد الخبار كما في المدح‬ ‫أيضا أبلغ وأشد فيه‪ ،‬وشاهده قول جرير في المدح‪:‬‬ ‫ألستم خير من ركب المطايا‬ ‫وأندى العالمين بطون راح‬ ‫‪2‬حكي أنّ رجلً من دهاقين الروم أسلم فقيل له هل لسلمك سبب؟ قال‪ :‬نعم إني قد قرأت التوراة‬ ‫والزبور والنجيل وكثيرا من كتب النبياء فسمعت أسيرا يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما‬ ‫كتب في الكتب المتقدمة فعلمت أنه من عند ال فأسلمت‪ .‬وقيل له ما هي؟ قال‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬ومن‬ ‫يطع ال} في الفرائض {ورسوله} في السنن {ويخشى ال} فيما مضى من عمره {ويتقه} فيما بقي‬ ‫من عمره {فأولئك هم الفائزون} والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة‪ .‬فقال عمر قال النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪" :‬أوتيت جوامع الكلم"‪.‬‬

‫( ‪)3/582‬‬ ‫سمُوا طَاعَةٌ ّمعْرُوفَةٌ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا‬ ‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِنْ َأمَرْ َتهُمْ لَ َيخْرُجُنّ قُل ل ُتقْ ِ‬ ‫سمُوا بِاللّهِ َ‬ ‫وََأقْ َ‬ ‫حمّلْ ُت ْم وَإِن‬ ‫ح ّملَ وَعَلَ ْيكُم مّا ُ‬ ‫َت ْعمَلُونَ (‪ُ )53‬قلْ َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُولَ فَإِن َتوَلّوا فَإِ ّنمَا عَلَيْهِ مَا ُ‬ ‫عمِلُوا‬ ‫تُطِيعُوهُ َتهْتَدُوا َومَا عَلَى الرّسُولِ إِل الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )54‬وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنكُ ْم وَ َ‬ ‫الصّالِحَاتِ لَيَسْ َتخِْلفَ ّنهُم فِي ال ْرضِ َكمَا اسْ َتخَْلفَ الّذِينَ مِن قَبِْلهِ ْم وَلَ ُي َمكّنَنّ َلهُمْ دِي َن ُهمُ الّذِي ارْ َتضَى‬ ‫خ ْو ِفهِمْ َأمْنًا َيعْبُدُونَنِي ل ُيشْ ِركُونَ بِي شَيْئًا َومَن َكفَرَ َبعْدَ ذَِلكَ فَُأوْلَ ِئكَ هُمُ‬ ‫َلهُ ْم وَلَيُبَدّلَ ّنهُم مّن َبعْدِ َ‬ ‫سقُونَ (‪)55‬‬ ‫ا ْلفَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأقسموا بال جهد أيمانهم ‪ :‬أي حلفوا بال بالغين غاية الجهد في حلفهم‪.‬‬ ‫لئن أمرتهم ‪ :‬أي بالخروج إلى الجهاد‪.‬‬ ‫طاعة معروفة ‪ :‬أي طاعة معروفة للنبي فيما يأمركم وينهاكم خير من إقسامكم بال‪.‬‬

‫فإن تولوا ‪ :‬أي فإن تتولوا أي تعرضوا عن الطاعة‪.‬‬ ‫عليه ما حمل ‪ :‬أي من إبلغ الرسالة وبيانها بالقول والعمل‪.‬‬ ‫وعليكم ما حملتم ‪ :‬أي من وجوب قبول الشرع والعمل به عقيدة وعبادة وحكما‪.‬‬ ‫وإن تطيعوه تهتدوا ‪ :‬أي و إن تطيعوا الرسول في أمره ونهيه وإرشاده تهتدوا إلى خيركم‪.‬‬ ‫ليستخلفنهم ‪ :‬أي يجعلهم خلفاء لغيرهم فيها بأن يُدِيلَ من أهلها فيسودون فيها ويحكمون‪.‬‬

‫( ‪)3/583‬‬ ‫وليمكنن لهم دينهم ‪ :‬أي بأن يظهر السلم على سائر الديان ويحفظه من الزوال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في ذكر أحوال المنافقين فأخبر تعالى عنهم بقوله‪{ :‬وأقسموا ال جهد ‪1‬‬ ‫أيمانهم} أي أقسموا للرسول مبالغين في ذلك حتى بلغوا غاية الجهد قائلين لئن أمرتنا بالخروج إلى‬ ‫الجهاد لنخرجن معكم‪ .‬وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم‪{ :‬ل تقسموا ‪ }2‬أي ما هناك حاجة إلى‬ ‫الحلف وتأكيده‪ ،‬وإنما هي طاعة منكم معروفة لنا تغنيكم عن اليمان وقوله تعالى‪{ :‬إن ال خبير ‪3‬‬ ‫بما تعملون} تأنيب لهم وتأديب حيث أخبرهم تعالى بأنه مطلع على أسرارهم وما يقولونه‬ ‫ويعملونه في الخفاء ضد الرسول والمؤمنين ثم أمر تعالى رسوله أن يقول لهم‪ :‬أطيعوا ال‬ ‫وأطيعوا الرسول في كل ما يأمران به وينهيان عنه‪{ ،‬فإن تولوا ‪ }4‬أي تعرضوا عن الطاعة‬ ‫وترفضوها‪ ،‬فإنما على الرسول ما حمل من البلغ والبيان‪ ،‬وعليكم ما حملتم من وجوب النقياد‬ ‫والطاعة‪ ،‬ومن أخل بواجبه الذي أنيط به فسوف يلقى جزاءه وافيا عند ربه وقوله تعالى‪{ :‬وإن‬ ‫تطيعوه تهتدوا} هذه الجملة عظيمة الشأن جليلة القدر للمؤمن أن يحلف بال ول يحنث على أن من‬ ‫أطاع رسول ال في أمره ونهيه لن يضل أبدا ولن يشقى فالهداية إلى كل خير كامنة في طاعة‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وما على الرسول إل البلغ المبين} أي ليس على الرسول هداية القلوب‪ ،‬وإنما‬ ‫ضلّ وهَلَك‪.‬‬ ‫عليه البلغ المبين ل غير فل تلحق الرسول تبعة هن عصى فَ َ‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )55‬وعد ‪ 5‬ال الذين آمنوا منكم} أي صدقوا ال والرسول {وعملوا‬ ‫الصالحات} فأقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‪ ،‬وعدهم بأن‬ ‫يستخلفهم في الرض أي يجعلهم خلفاء حاكمين في أهلها‪ ،‬سائدين سكانها استخلفا كاستخلف‬ ‫الذين من قبلهم من بني إسرائيل حيث أجلى الكنعانيين والعمالقة من أرض القدس وورثها بني‬ ‫إسرائيل وقول‪{ :‬وليمكنن لهمم دينهم الذي ارتضى لهم} وهو السلم‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬جهد أيمانهم} أي‪ :‬طاقة ما قدروا أن يحلفوا‪ .‬والجهد‪ :‬بفتح الهاء‪ :‬منتهى الطاقة وهو‪ :‬منصوب‬

‫إمّا على الحال من أقسموا‪ .‬أر على المفعول المطلق أي‪ :‬جهدوا أيمانهم جهدا‪.‬‬ ‫‪ 2‬هنا تم الكلم‪ ،‬ثم استئنف على تقدير‪ :‬طاعة معروفة أولى من أيمانكم هذه المبالغين فيها‪.‬‬ ‫‪ 3‬جملة تذيلية تحمل التهديد لهم إذ هم كاذبون في أيمانهم وغير صادقين في أقوالهم وأعمالهم‪.‬‬ ‫‪{ 4‬فإن تولوا}‪ :‬أصله‪ :‬تتولوا حذفت التاء الولى تخفيفا‪ .‬وهو حذف شائع وسائغ‪.‬‬ ‫‪ 5‬قال مالك‪ :‬هذه الية نزلت في أبي بكر وعمر رضي ال عنهما‪ ،‬وقيل‪ :‬هذه الية تضمنت‬ ‫خلفة أبي بكر و عمر وعثمان وعلي رضي ال عنهم أجمعين وهو كذلك وصدق ذلك قوله صلى‬ ‫ال عليه وسلم "الخلفة بعدي ثلثون سنة" وفي الية دليل نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫وصحة دينه‪ ،‬إذ تضمنت الية إخبارا بالغيب فكان كما أخبر تعالى به‪.‬‬

‫( ‪)3/584‬‬ ‫فيظهره على الدين كله ويحفظه من التغيير والتبديل والزوال إلى قرب الساعة وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{وليبدلنهم من ‪ 1‬بعد خوفهم أمنا} إذ نزلت هذه الية والمسلمون خائفون بالمدينة ل يقدر أحدهم أن‬ ‫ينام وسيفه بعيد عنه من شدة الخوف من الكافرين والمنافقين وتألب الحزاب عليهم ولقد أنجز‬ ‫تعالى لهم ما وعدهم فاستخلفهم وأمكن لهم وبدلهم بعد خوفهم أمنا فلله الحمد والمنة‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬يعبدونني ‪ 2‬ل يشركون بي شيئا} هذا ثناء عليهم‪ ،‬وتعليل لما وهبهم وأعطاهم يعبدونه ل‬ ‫يشركون به شيئا وقد فعلوا ومازال بقاياهم من الصالحين إلى اليوم يعبدون ال وحده ول يشركون‬ ‫به شيئا اللهم اجعلنا منهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ومن كفر بعد ذلك فأولئك ‪ 3‬هم الفاسقون} وعيد وتهديد‬ ‫لمن كفر بعد ذلك النعام العظيم والعطاء الجزيل فأولئك هم الفاسقون عن أمر ال الخارجون عن‬ ‫طاعته المستوجبون لعذاب ال ونقمته‪ .‬عياذا بال ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية القسام بال تعالى وحرمة الحلف بغيره تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم الثقة في المنافقين لخلوهم من موجب الصدق في القول والعمل وهو اليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬طاعة رسول ال موجبة للهداية لما فيه من سعادة الدارين ومعصيته موجبة للضلل‬ ‫والخسران‪.‬‬ ‫‪ -4‬صدق وعد ال تعالى لهل اليمان وصالح العمال من أصحاب رسول ال‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب الشكر على النعم بعبادة ال تعالى وحده بما شرع من أنواع العبادات‪.‬‬ ‫‪ -6‬الوعيد الشديد لمن أنعم ال عليه بنعمة أمن ورخاء وسيادة وكرامة فكفر تلك النعم ولم‬ ‫يشكرها فعرضها للزوال‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬فان قيل‪ :‬وأين المن وقد قتل عمر وعثمان وعلي غيلة؟ فالجواب‪ :‬ليس المن مانعا من الموت‬ ‫فالموت حتم مع المن ومع الخوف لنها آجال محدودة ل تزيد ول تنقص‪:‬‬ ‫ومن لم يمت بالسيف مات بغيره‬ ‫تعددت السباب والموت واحد‬ ‫وأخرج مسلم قوله صلى ال عليه وسلم "وال ليتمن هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى‬ ‫حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة يصح أن تكون حالً أي‪ :‬في حال عبادتهم ال تعالى بالخلص والعلم‪ .‬وجائز أن تكون‬ ‫مستأنفة تحمل الثناء عليهم بعبادة ربهم تعالى وحده‪.‬‬ ‫‪ 3‬المراد بالكفر‪ :‬كفران النعم‪ ،‬وقد حصل هذا بعد القرون المفضلة حيث فسدت العقائد وتمزقت‬ ‫الروابط‪ ،‬وأهمل الدين‪ ،‬وسلب ال ما أعطى‪ ،‬وفي هذا دليل آخر على صحة القرون والنبوة‬ ‫والسلم إذ هذه أخبار غيب تمت كما أعلنت‪.‬‬

‫( ‪)3/585‬‬ ‫حمُونَ (‪ )56‬ل تَحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا‬ ‫وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَا َة وَأَطِيعُوا الرّسُولَ َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬ ‫ُمعْجِزِينَ فِي ال ْرضِ َومَ ْأوَاهُمُ النّا ُر وَلَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)57‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأقيموا الصلة‪ :‬أي أدوها أداءا كاملً تاما مراعين فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها حتى‬ ‫تثمر الزكاة والطهر في نفوسكم‪.‬‬ ‫وآتوا الزكاة ‪ :‬أي المفروضة من المال الصامت كالذهب والفضة والحرث والناطق كالنعام من‬ ‫إبل وبقر وغنم‪.‬‬ ‫وأطيعوا الرسول‪ :‬أي محمدا صلى ال عليه وسلم في أمره ونهيه والخذ بإرشاده وتوجيهه‪.‬‬ ‫لعلكم ترحمون ‪ :‬أي رجاء أن يرحمكم ربكم في دنياكم وآخرتكم فل يعذبكم فيهما‪.‬‬ ‫معجزين في الرض ‪ :‬أي معجزين ال تعالى بحيث ل يدركهم ول ينزل بهم نقمته وعذابه‪.‬‬ ‫ولبئس المصير‪ :‬أي النار إذ هي المأوى الذي يأوون إليه ويصيرون إليه‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫يأمر تعالى عباده المؤمنين من أصحاب الرسول الكريم بإقام الصلة و إيتاء الزكاة وطاعة‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم في أمره ونهيه وإرشاده وتوجيهه وذلك رجاء أن يرحموا في‬ ‫الدارين‪ ،‬ول يعذبوا فيهما‪ .‬وهذا وإن كان موجها ابتداءً إلى أصحاب الرسول فإنه عام بعد ذلك‬ ‫فيشمل كل مؤمن ومؤمنة في الحياة وقوله {ل تحسبن ‪ 1‬الذين كفروا معجزين ‪ 2‬في الرض} هذا‬ ‫خطاب للرسول صلى ال عليه وسلم ينهاه ربه تعالى أن يظن أن الذين كفروا مهما كانت قوتهم‬

‫سيفوتون ال تعالى ويهربون مما أراد بهم من خزي وعذاب‪ ،‬ل‪ ،‬ل بل سيخزيهم ويذلهم ويسلط‬ ‫عليهم‪ ،‬وقد فعل {ومأواهم النار} يوم القيامة {ولبئس المصير} نار جهنم يصيرون إليها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الية تحمل تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم وقرئت بالتاء‪ ( :‬تحسبن) خطاب للنبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم ولكل ذي أهلية من أصحابه والمؤمنين والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا وقرئت الية‪:‬‬ ‫(ول يحسبن) بالياء وهى قراءة ضعيفة إذ حسب هنا لمعنى ظن ولم يذكر لها إل مفعول واحدا‬ ‫وهي تنصب مفعولين‪.‬‬ ‫‪ 2‬المعجز‪ :‬الذي يعجز غيره أي‪ :‬يجعله عاجزا عن غلبه‪ ،‬والرض في الية هي أرض الدنيا‬ ‫هذه‪.‬‬

‫( ‪)3/586‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫هن هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب إقام الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صلى ال عليه وسلم للحصول على رحمة‬ ‫ال تعالى في الدنيا والخرة في الدنيا بالنصر والتمكين والمن والسيادة وفي الخرة بدخول‬ ‫الجنة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عجز الكافرين وأنهم لن يفوتوا ال تعالى مهما كانت‪ ،‬قوتهم وسينزل بهم نقمته ويحل‬ ‫عليهم عذابه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مصير أهل الكفر وأنه النار والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَ ْأذِنكُمُ الّذِينَ مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُ ْم وَالّذِينَ َلمْ يَبُْلغُوا الْحُُلمَ مِنكُمْ ثَلثَ مَرّاتٍ مِن قَ ْبلِ‬ ‫عوْرَاتٍ ّلكُمْ لَيْسَ‬ ‫ظهِي َرةِ َومِن َبعْدِ صَلةِ ا ْلعِشَاء ثَلثُ َ‬ ‫ضعُونَ ثِيَا َبكُم مّنَ ال ّ‬ ‫صَلةِ ا ْلفَجْ ِر وَحِينَ َت َ‬ ‫ت وَاللّهُ‬ ‫ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ اليَا ِ‬ ‫علَ ْيكُم َب ْع ُ‬ ‫طوّافُونَ َ‬ ‫عَلَ ْيكُ ْم وَل عَلَ ْيهِمْ جُنَاحٌ َبعْدَهُنّ َ‬ ‫طفَالُ مِنكُمُ ا ْلحُلُمَ فَلْ َيسْتَأْذِنُوا َكمَا اسْتَ ْأذَنَ الّذِينَ مِن قَبِْلهِمْ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ‬ ‫حكِيمٌ (‪ )58‬وَإِذَا بَلَغَ ال ْ‬ ‫عَلِيمٌ َ‬ ‫حكِيمٌ (‪ )59‬وَا ْل َقوَاعِدُ مِنَ النّسَاء اللتِي ل يَرْجُونَ ِنكَاحًا فَلَ ْيسَ عَلَ ْيهِنّ جُنَاحٌ أَن‬ ‫َلكُمْ آيَاتِ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬ ‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)60‬‬ ‫ن وَاللّهُ َ‬ ‫ضعْنَ ثِيَا َبهُنّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتٍ بِزِينَ ٍة وَأَن َيسْ َتعْ ِففْنَ خَيْرٌ ّلهُ ّ‬ ‫َي َ‬

‫( ‪)3/587‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫ليستأذنكم‪ :‬أي ليطلب الذن منكم في الدخول عليكم‪.‬‬

‫ملكت أيمانكم ‪ :‬من عبيد وإماء‪.‬‬ ‫لم يبلغوا الحلم منكم ‪ :‬أي سن التكليف وهو وقت الحتلم خمسة عشر سنة فما فوق‪.‬‬ ‫تضعون ثيابكم‪ :‬أي وقت القيلولة للستراحة والنوم‪.‬‬ ‫ثلث عورات لكم ‪ :‬العورة ما يستحي من كشفه‪ ،‬وهذه الوقات الثلثة ينكشف فيها النسان في‬ ‫فراشه فكانت بذلك ثلث عورات‪.‬‬ ‫بعدهن‪ :‬أي بعد الوقات الثلثة المذكورة‪.‬‬ ‫طوافون عليكم ‪ :‬أي للخدمة‪.‬‬ ‫بعضكم على بعض‪ :‬أي بعضكم طائف على بعض‪.‬‬ ‫فليستأذنوا ‪ :‬أي في جميع الوقات لنهم أصبحوا رجالً مكلفين‪.‬‬ ‫والقواعد من النساء‪ :‬أي اللتي قعدن عن الحيض والولدة لكبر سنهن‪.‬‬ ‫أن يضعن ثيابهن‪ :‬كالجلباب والعباءة والقناع والخمار‪.‬‬ ‫غير متبرجات بزينة ‪ :‬أي غير مظهرات زينة خفية كقلدة وسوار وخلخال‪.‬‬ ‫وأن يستعففن خير لهن‪ :‬بأن ل يضعن ثيابهن خير لهن من الخذ بالرخصة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا}‪ 1‬روى في نزول هذه الية أن النبي صلى ال عليه وسلم بعث‬ ‫غلما من النصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب يدعوه له فوجده نائمًا في وقت الظهيرة‬ ‫فدق الباب ودخل فاستيقظ عمر فانكشف منه شيء فقال عندها عمر وددت أن ال نهى أبناءنا‬ ‫ونساءنا وخدمنا أن ل يدخلوا علينا في هذه الساعة إل بإذن‪ ،‬ثم انطلق إلى رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم فوجد هذه الية قد أنزلت فخر ساجدا شكرا ل تعالى‪.‬‬ ‫فقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذي آمنوا} هو نداء لكل المؤمنين في كل عصورهم وديارهم‪ .‬وقوله‬ ‫{ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم ‪ 2‬والذين لم يبلغوا الحلم منكم} أي علموا أطفالكم وخدمكم الستئذان‬ ‫عليكم في هذه الوقات الثلثة وأمروهم بذلك‪ .‬وقوله‪{ :‬ثلث مرات} هي المبينة في قوله‪{ :‬من‬ ‫قبل صلة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬إن الية منسوخة وقيل‪ :‬هي للندب أو هي واجبة إذ كانوا ل أبواب لغرفهم والصحيح أنها‬ ‫محكمة وأن الستئذان من هؤلء المذكورين واجب وسواء كان العبد وغدا أو ذا منظر حسن‪.‬‬ ‫‪{ 2‬ملكت أيمانكم} هم العبيد والذكر والنثى في هذا سواء‪.‬‬

‫( ‪)3/588‬‬

‫الفجر} وهي ساعات النوم من الليل‪{ ،‬وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} وهي القيلولة‪{ ،‬ومن بعد‬ ‫صلة العشاء ‪ }1‬وهي بداية نوم الليل‪ .‬وقوله‪{ :‬ثلث عورات لكم}‪ 2‬أي هي منطقة انكشاف‬ ‫العورة فيها فأطلق عليها اسم العورة والعورة ما يستحي من كشفه وقوله ‪{ :‬ليس عليكم ول‬ ‫عليهم} أي ول على الطفال والخدم {جناح بعدهن} أي بعد المرات الثلث وقوله‪{ :‬طوافون‬ ‫عليكم} أي يدخلون ويخرجون عليكم للخدمة‪.‬‬ ‫{بعضكم على بعض} أي بعضكم يدخل على بعض للخدمة فل غنى عنه فلذا فل حرج عليكم في‬ ‫غير الوقات الثلثة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬كذلك يبين ال لكم اليات} أي كهذا التبيين الذي بين لكم حكم الستئذان يبين ال لكم‬ ‫اليات المتضمنة للشرائع والحكام والداب فله الحمد وله المنة وقوله‪{ :‬وال عليم} أي بخلقه وما‬ ‫يحتاجون إليه في إكمالهم وإسعادهم {حكيم} فيما يشرع لهم ويفرض عليهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )59‬وإذا بلغ الطفال منكم الحلم} أي إذا بلغ الطفل سن الحتلم‬ ‫وهو البلوغ واحتلم فعليه أن ل يدخل على غير محارمه إل بعد الستئذان كما يفعل ذلك الرجال‬ ‫من قبله إذ قد أصبح بالبلوغ الذي علمته الحتلم أو بلوغ خمس عشرة سنة فأكثر أصبح رجلً‬ ‫تماما فعليه أن ل يدخل بيت أحد إل بعد أن يستأذن هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وإذا بلغ الطفال منكم‬ ‫الحلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} وهم الرجال وقوله تعالى ‪{ :‬كذلك يبين ال لكم آياته}‬ ‫أي المتضمنة لحكامه وشرائعه {وال عليم} بخلقه وما يصلح لهم {حكيم} في شرعه وهذه حال‬ ‫توجب طاعته تعالى فيما يأمر به وينهى عنه وقوله تعالى‪{ :‬والقواعد ‪ 3‬من النساء اللتي ل‬ ‫يرجون ‪ 4‬نكاحا‪ }5‬أي والتي قعدت عن الحيض والولدة لكبر سنها بحيث أصبحت ل ترجو نكاحا‬ ‫ول يرجى منها ذلك فهذه ليس عليها إثم ول حرج في أن تضع خمارها من فوق رأسها‪ ،‬أو‬ ‫عباءتها من فوق ثيابها التي على‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يكره تسمية العشاء بالعتمة‪ .‬روى مسلم أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل تغلبنكم العراب‬ ‫على اسم صلتكم أل إنها العشاء وهم معتّمون بالبل وفي رواية فإنها في كتاب ال العشاء وإنها‬ ‫أي العراب تعتم بحلب البل وفي الصحيح "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف‬ ‫الليل"‪.‬‬ ‫‪ 2‬العورة‪ :‬في الصل الخلل والنقص ثم أطلقت على ما يكره انكشافه والنظر إليه‪.‬‬ ‫‪ 3‬المراد أنّ الطفال إذا بلغوا الحلم تغيّر حكمهم في الستئذان فأصبحوا كالرجال في الستئذان‬ ‫على دخول بيوت الغير كما تقدم في آية الستئذان {يا أيها الذين آمنوا إذا دخلتم بيوتا ‪ }..‬الية‪.‬‬ ‫‪ 4‬القواعد‪ :‬جمع قاعد بدون تاء وهي‪ :‬اليسة من الحيض والحمل‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه الجملة متضمنة وصفا كاشفا للقواعد وليس قيدا‪.‬‬

‫( ‪)3/589‬‬ ‫جسمها حال كونها غير متبرجة ‪ 1‬أي مظهرة زينة لها كخضاب اليدين والساور في المعصمين‬ ‫والخلخل في الرجلين‪ ،‬أو أحمر الشفتين‪ ،‬وما إلى ذلك مما هو زينة يجب ستره وقوله تعالي‪:‬‬ ‫{وأن يستعففن خير لهن} أي ومن لزمت خمارها وعجارها ولم تظهر للجانب كاشفة وجهها‬ ‫ل ومآلً‪ ،‬وحسبها أن يختار ال لها فما اختاره لها لن يكون إل خيرا في‬ ‫ومحاسنها خير لها حا ً‬ ‫الدنيا والخرة فعلى المؤمنات أن يخترن ما اختار ال لهن‪ .‬وقوله‪{ :‬وال سميع عليم} أي سميع‬ ‫لقوال عباده عليم بأعمالهم وأحوالهم فليتق فيطاع ول يعصى‪ ،‬ويذكر فل ينسى‪ ،‬ويشكر فل‬ ‫يكفر‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تعليم الباء والسادة والطفال والخدم الستئذان عليهم في الوقات الثلثة المذكورة‬ ‫والمعبر عنها بالعورات‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب استئذان الولد إذا احتلموا الستئذان على من يريدون الدخول عليه في بيته لنهم‬ ‫ل مكلفين‪.‬‬ ‫أصبحوا رجا ً‬ ‫‪ -3‬بيان رخصة كشف الوجه لمن بلغت سنا ل تحيض فيها ول تلد للرجال الجانب ولو أبقت‬ ‫على سترها واحتجابها لكان خيرا لها كما قال تعالى‪{ :‬وأن يستعففن خير لهن}‪.‬‬ ‫سكُمْ أَن‬ ‫ج وَل عَلَى أَنفُ ِ‬ ‫ج وَل عَلَى العْرَجِ حَرَجٌ وَل عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬ ‫عمَى حَرَ ٌ‬ ‫لَيْسَ عَلَى ال ْ‬ ‫خوَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ‬ ‫خوَا ِنكُمْ َأوْ بُيُوتِ َأ َ‬ ‫تَ ْأكُلُوا مِن بُيُو ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ آبَا ِئ ُكمْ َأوْ بُيُوتِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ إِ ْ‬ ‫خوَاِلكُمْ َأوْ بُيُوتِ خَال ِتكُمْ َأوْ مَا مََلكْتُم ّمفَاتِحَهُ َأ ْو صَدِي ِقكُمْ لَ ْيسَ‬ ‫عمّا ِتكُمْ َأوْ بُيُوتِ َأ ْ‬ ‫عمَا ِمكُمْ َأوْ بُيُوتِ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَن تَ ْأكُلُوا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد وعيد شديد للمتبرجات فقد روى مسلم أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬صنفان من أهل‬ ‫النار لم أرهما‪ :‬قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلت‬ ‫مائلت رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة ل يدخلن الجنة ول يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من‬ ‫مسيرة كذا وكذا‪" ..‬‬

‫( ‪)3/590‬‬

‫سكُمْ تَحِيّةً مّنْ عِندِ اللّهِ مُبَا َركَةً طَيّبَةً َكذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ‬ ‫جمِيعًا َأوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَّلمُوا عَلَى أَنفُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َلكُمُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُون (‪)61‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الحرج ‪ :‬الضيق والمراد به هنا الثم أي ل إثم على المذكورين في مؤاكلة غيرهم‪.‬‬ ‫أو ما ملكتم مفاتحه‪ :‬أي مما هو تحت تصرفكم بالصالة أو بالوكالة كوكالة على بستان أو ماشية‪.‬‬ ‫أو صديقكم ‪ :‬أي من صدقكم الود وصدقتموه‪.‬‬ ‫جميعا أو أشتاتا ‪ :‬أي مجتمعين من على الطعام أو متفرقين‪.‬‬ ‫من عند ال‪ :‬لنه هو الذي شرعها وأمر بها‪ ،‬وما كان من عند ال فهو خير عظيم‪.‬‬ ‫طيبة ‪ :‬أي تطيب بها نفس المسلم عليه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في هداية المؤمنين وبيان ما يكملهم ويسعدهم ففي هذه الية الكريمة‪ .‬رفع تعالى‬ ‫عنهم حرجا عظيما كانوا قد شعروا به فآلمهم وهو أنهم قد رأوا أن الكل مع ذوي العاهات وهم‬ ‫العميان والعرجان والمرضي وأهل الزمانة قد يترتب عليه أن يأكلوا ما ل يحل لهم أكله لن‬ ‫أصحاب هذه العاهات ل يأكلون كما يأكل الصحاء كما وكيفا وال يقول‪{ :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم‬ ‫بالباطل} كما أن أصحاب العاهات قد تحرجوا أيضا من مؤاكلة الصحاء معهم خوفا أن يكونوا‬ ‫يتقذرونهم فآلمهم ذلك فأنزل ال تعالى هذه الية فرفع الحرج عن الجميع الصحاء وأصحاب‬ ‫العاهات فقال تعالى‪{ :‬ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على المريض حرج‬ ‫ول على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ‪ 1‬أو بيوت آبائكم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لم تذكر بيوت البناء لن بيوتهم داخلة في بيوت الباء للحديث "أنت ومالك لبيك" والحديث‬ ‫وإن ضعف فما هو إل شاهد فقط وإل فمعلوم بالضرورة أن الولد عادة وعرفا يكونون في‬ ‫بيوت آبائهم ولذا لم يذكروا‪.‬‬

‫( ‪)3/591‬‬ ‫أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم‪ ،‬أو بيوت‬ ‫أخوالكم أو بيوت خالتكم أو ما ملكتم مفاتحه} بوكالة وغيرها‪{ ،‬أو صديقكم ‪ }1‬وهو من صدقكم‬ ‫المودة وصدقتموه فيها مادام الرضا حاصلً‪ ،‬وان لم يحضروا ول استئذان ‪ 2‬وإن حضروا‪ .‬ورفع‬ ‫تعالى عنهم حرجا آخر وهو أن منهم من كان يتحرج في الكل وحده‪ ،‬ويرى أنه ل يأكل إل مع‬ ‫غيره وقد يوجد من يتحرج أيضا في الكل الجماعي خشية أن يؤذي الكل معه فرفع تعالى ذلك‬ ‫كله بقوله‪{ :‬وليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا} أي مجتمعين ‪ 3‬على قطعة واحدة ‪{ 4‬أو أشتاتا}‬

‫أي متفرقين كل يأكل وحده متى بدا له ذلك وهذا كله ناجم عن تقواهم ل تعالى وخوفهم من‬ ‫معاصيه إذ قد حرم عليهم أكل أموالهم بينهم بالباطل في قوله‪{ :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فإذا دخلتم ‪ 5‬بيوتا فسلموا على أنفسكم} فأرشدهم إلى ما يجلب محبتهم وصفاء‬ ‫نفوسهم ويدخل السرور عليهم وهو أن من دخل بيتا من البيوت بيته كان أو بيت غيره عليه أن‬ ‫يسلم على أهل البيت قائلً السلم عليكم‪ ،‬وإن كان البيت ما به أحد أو كان مسجدا قال‪ :‬السلم‬ ‫علينا وعلى عباد ال الصالحين وقوله‪{ :‬تحية من عند ال} إذ هو تعالى الذي أمر بها وأرشد إليها‬ ‫وقوله {مباركة} أي ذات بركة تعود على الجميع وكونها طيبة أن نفوس المسلم عليهم تطيب بها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬كذلك يبين ال لكم اليات لعلكم تعقلون} أي كذلك البيان الذي بين لكم من الحكام‬ ‫والداب يبين ال لكم اليات الحاملة للشرائع والحكام رجاء أن تفهموا عن ال تعالى شرائعه‬ ‫وأحكامه فتعملوا بها فتكملوا و تسعدوا عليها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الذن العام في الكل مع ذوي العاهات بل تحرج من الفريقين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬الصديق أوكد من القرابة أي‪ :‬أقوى صلة وقال‪ :‬أل ترى استغائة‬ ‫الجهنميين‪{ :‬فما لنا من شافعين ول صديق حميم}‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن العربي رحمه ال تعالى قولً حسنا في هذا الحكم قال‪ :‬أباح لنا الكل من جهة النسب‬ ‫من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولً‪ ،‬فإذا كان محرزا دونهم لم يكن لهم أخذه‪ ،‬ول يجوز أن‬ ‫يجاوزوا إلى الدخار‪ ،‬ول إلى ما ليس بمأكول إن كان غير محرز عنهم إلّ بإذنهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ل ينبغي أن يُفهم من كلمة مجتمعين أفهم رجال أجانب مع نساء أجنبيات بل هم محارم لبعضهم‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا يشمل النهد ووليمة العرس وغيرها والنهد هو أن يكون القوم في سفر فيجمعون الطعام من‬ ‫بضهم بعضا ويخلطونه ويأكلونه مجتمعين فهو جائز مباح‪.‬‬ ‫‪ 5‬ورد كيفية الدخول إلى المنزل وهو أن يقول‪" :‬اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج باسم‬ ‫ال ولجنا وباسم ال خرجنا وعلى ال ربنا توكلنا‪ ،‬ثم يسلّم على أهله " (في صحيح مسلم)‪.‬‬

‫( ‪)3/592‬‬ ‫‪ -2‬الذن في الكل من بيوت من ذكر في الية من القارب والصدقاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز الكل الجماعي والنفرادي بل تحرج‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية التحية عند الدخول على البيوت وأن فيها خيرا وفضلً‪.‬‬

‫إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَإِذَا كَانُوا َمعَهُ عَلَى َأمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى َيسْتَأْذِنُوهُ إِنّ‬ ‫الّذِينَ َيسْتَأْذِنُو َنكَ ُأوْلَ ِئكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُوِلهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِ َب ْعضِ شَأْ ِنهِمْ فَ ْأذَن ّلمَن شِ ْئتَ‬ ‫ضكُم‬ ‫جعَلُوا دُعَاء الرّسُولِ بَيْ َن ُكمْ كَدُعَاء َب ْع ِ‬ ‫غفُورٌ رّحِيمٌ (‪ )62‬ل َت ْ‬ ‫مِ ْنهُ ْم وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُمُ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫َب ْعضًا َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُمْ ِلوَاذًا فَلْ َيحْذَرِ الّذِينَ يُخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ أَن ُتصِي َبهُمْ فِتْ َنةٌ َأوْ‬ ‫جعُونَ‬ ‫ت وَال ْرضِ َقدْ َيعْلَمُ مَا أَن ُتمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ُيصِي َبهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )63‬أَل إِنّ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)64‬‬ ‫عمِلُوا وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫إِلَيْهِ فَيُنَبّ ُئهُم ِبمَا َ‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫أمر جامع‪ :‬كخطبة الجمعة ونحوها مما يجب حضوره كاجتماع لمر هام كحرب ونحوها‪.‬‬ ‫يستأذنوه‪ :‬أي يطلبوا منه صلى ال عليه وسلم الذن‪.‬‬ ‫لبعض شأنهم‪ :‬أي لبعض أمورهم الخاصة بهم‪.‬‬ ‫دعاء الرسول ‪ :‬أي نداءه فل ينادي بيا محمد ولكن بيا نبي ال ورسول ال‪.‬‬ ‫كدعاء بعضكم بعضا‪ :‬أي كما ينادي بعضكم بعضا بيا عمر ويا سعيد مثلً‪.‬‬ ‫يتسللون منكم لواذا‪ :‬أي ينسلون واحدا بعد واحد يستر بعضهم بعضا حتى يخرجوا خفية‪.‬‬

‫( ‪)3/593‬‬ ‫أن تصيبهم فتنة ‪ :‬أي زيغ في قلوبهم فيكفروا‪.‬‬ ‫قد يعلم ما أنتم عليه‪ :‬أي من اليمان والنفاق‪ ،‬وإرادة الخير أو إرادة الشر‪ .‬وقد هنا للتأكيد عوملت‬ ‫معاملة رب إذ هي للتقليل وتكون للتكثير أحيانا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أن المؤمنين الكاملين في إيمانهم هم الذين آمنوا بال ورسوله محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم وإذا كانوا معه صلى ال عليه وسلم في أمر جامع يتطلب حضورهم كالجمعة واجتماعات‬ ‫الحروب‪ ،‬لم يذهبوا حتى يستأذنوه صلى ال عليه وسلم ويأذن لهم هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬إنما ‪1‬‬ ‫المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بال ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم‬ ‫بأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ال إن ال غفور رحيم} في هذا تعليم للرسول والمؤمنين‬ ‫وتعريض بالمنافقين‪ .‬فقد أخبر تعالى أن الذين يستأذنون النبي هم المؤمنون بال ورسوله‪ ،‬ومقابله‬ ‫أن الذين ل يستأذنون ويخرجون بدون إذن هم ل يؤمنون بال ورسوله وهم المنافقون حقا‪ ،‬وأمر‬ ‫رسول ال إذا استأذنه المؤمنون لبعض شأنهم أن يأذن لمن شاء منهم ممن ل أهمية لحضوره كما‬ ‫أمره أن يستغفر ال لهم لما قد يكون غير عذر شرعي يبيح لهم الستئذان وطمعهم في المغفرة‬ ‫بقوله إن ال غفور رحيم‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم ‪ 2‬بعضا} هذا يحتمل أمورا كلها حق‬ ‫الول أن يحاذر المؤمنون إغضاب رسول ال بمخالفته فإنه إن دعا عليهم هلكوا لن دعاء‬ ‫الرسول ل يرد فليس هو كدعاء غيره‪ ،‬والثاني أن ل يدعوا الرسول باسمه يا محمد ويا أحمد بل‬ ‫عليهم أن يقولوا يا نبي ال و يا رسول ال‪ ،‬والثالث أن ل يغلظوا في العبارة بل عليهم أن يلينوا‬ ‫اللفظ ويرققوا العبارة إكبارا وتعظيما لرسول ال صلى ال عليه وسلم هذا ما تضمنه قوله تعالى‪:‬‬ ‫{ل تجعلوا دعاء الرسول الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}‬ ‫وقوله‪{ :‬قد يعلم ال الذين يتسللون منكم لواذا} أعلمهم تعالى أنه يعلم قطعا أولئك المنافقين الذين‬ ‫يكونون في أمر جامع مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فيتسللون واحدا بعد آخر بدون أن‬ ‫يستأذنوا متلوذين في هروبهم من المجلس يستر بعضهم بعضا‪ ،‬وفي هذا تهديد بالغ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إنما‪ :‬أداة حصر‪ ،‬وهي هنا كذلك‪ ،‬فالمعنى أنه ل يتم ول يكمل إيمان مَنْ آمن بال ورسوله إلّ‬ ‫إذا كان من الرسول في سامعا غير معنّت‪ ,‬فل يناقض للرسول في قول ول عمل أبدا‪.‬‬ ‫‪ 2‬يريد‪ :‬ل يصيحوا به من بعيد يا أبا القاسم‪ ،‬بل يعظّموه‪ ،‬شاهده من سورة الحجرات‪{ :‬إنّ الدين‬ ‫ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ل يعقلون}‪.‬‬

‫( ‪)3/594‬‬ ‫الخطورة لولئك المنافقين‪ .‬وقوله‪{ :‬فليحذر ‪ 1‬الذين يخالفون عن أمر ‪ }2‬أي أمر رسول ال وهذا‬ ‫عام للمؤمنين والمنافقين وإلى يوم القيامة فليحذروا أن تصيبهم فتنة وهي زيغ في قلوبهم فيموتوا‬ ‫كافرين‪ ،‬أو يصيبهم عذاب أليم في الدنيا والعذاب ألوان وصنوف‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أل إن ل ما في السموات والرض} أي خلقا وملكما وعبيدا يتصرف كيف يشاء‬ ‫ويحكم ما يريد أل فَليتقّ الُ عز وجل في رسوله فل يخالف أمره ول يعصي في نهيه فإن ال لم‬ ‫يرسل رسولً إل ليطاع بإذنه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قد يعلم ما انتم عليه} إخبار يحمل التهديد والوعيد أيضا فما عليه الناس من أقوال‬ ‫ظاهرة وباطنة معلومة ل تعالى‪ ،‬ويوم يرجعون إلى ال بعد موتهم فينبئهم بما عملوا من خير‬ ‫وشر ويجزيهم به الجزاء الوفى‪{ ،‬وال بكل شيء عليم} فليحذر أن يخالف رسوله أو يعصي‬ ‫وليتق في أمره ونهيه فإن نقمته صعبة وعذابه شديد‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الستئذان من إمام المسلمين إذا كان المر جامعا‪ .‬وللمام أن يأذن لمن شاء ويترك‬ ‫من يشاء حسب المصلحة العامة‪.‬‬

‫‪ -2‬وجوب تعظيم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحرمة إساءة الدب معه حيا وميتا‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب طاعة رسول ال وحرمة مخالفة أمره ونهيه‪.‬‬ ‫‪ -4‬المتجرىء على الستهانة بسنة الرسول صلى ال عليه وسلم يُخشى عليه أن يموت على سوء‬ ‫الخاتمة والعياذ بال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬دلت الية على أن المر للوجوب‪ ،‬وتوجيهه أنّ ال تعالى قد حذّر من مخالفة أمره وتوعّد‬ ‫بالعقاب عليها بقوله‪{ :‬أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬إن {عن} في قوله‪{ :‬يخالفون عن أمره} زائدة‪ ،‬والتقدير‪ :‬يخالفون أمره وقيل‪ :‬ليست زائدة‬ ‫إذ المعنى‪ :‬يخالفون بعد أمره فعن بمعنى‪ :‬عند وهذا كقوله تعالى‪{ :‬ففسق عن أمر ربّه} أي‪ :‬بعد‬ ‫أمر ربّه إياه بأن يسجد لدم‪.‬‬

‫( ‪)3/595‬‬ ‫سورة الفرقان‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الفرقان‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها سبع ‪ 1‬وسبعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ‬ ‫تَبَا َركَ الّذِي نَ ّزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ عَلَى عَبْ ِدهِ لِ َيكُونَ لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرًا (‪ )1‬الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫شيْءٍ فَقَدّ َرهُ َتقْدِيرًا (‪ )2‬وَاتّخَذُوا مِن دُونِهِ‬ ‫وَلَمْ يَتّخِ ْذ وَلَدًا وَلَمْ َيكُن لّهُ شَرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْلكِ وَخَلَقَ ُكلّ َ‬ ‫سهِ ْم ضَرّا وَل َن ْفعًا وَل َيمِْلكُونَ َموْتًا وَل حَيَاةً‬ ‫ن لنفُ ِ‬ ‫ن وَل َيمِْلكُو َ‬ ‫آِلهَةً ل َيخُْلقُونَ شَيْئًا وَهُمْ ُيخَْلقُو َ‬ ‫وَل نُشُورًا (‪)3‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫تبارك‪ :‬أي تكاثرت بركته وعمت الخلئق كلها‪.‬‬ ‫الذي نزل الفرقان‪ :‬أي ال الذي نزل القرآن فارقا بين الحق والباطل‪.‬‬ ‫على عبده ‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ليكون للعالمين نذيرا‪ :‬أي ليكون محمد صلى ال عليه وسلم نذيرا للعالمين من النس والجن أي‬ ‫مخوفا لهم من عقاب ال وعذابه إن كفروا به ولم يعبدوه ويوحدوه‪.‬‬ ‫فقدره تقديرا ‪ :‬أي سواه تسوية قائمة على أساس ل اعوجاج فيه ول زيادة ول نقص عما تقتضيه‬ ‫الحكمة والمصلحة‪.‬‬

‫ضرا ول نفعا‪ :‬أي ل دفع ضر ول جلب نفع‪.‬‬ ‫موتا ول حياة ول نشورا ‪ :‬أي ل يقدرون على إماتة أحد ول إحيائه ول بعثا للموات‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من الجائز أن يكون فيها بعض اليات مدنيا إل أن أسلوبها ومحتواها ظاهر في أنه مكيّ وهو‬ ‫الصحيح‪ ،‬وسميت بالفرقان لذكر لفظ الفرقان فيها ثلث مرات‪.‬‬

‫( ‪)3/596‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يثني الرب تبارك ‪ 1‬وتعالى على نفسه بأنه عَظُم خيره وعمت بركته المخلوقات كلها الذي نزل‬ ‫الفرقان الكتاب العظيم الذي فرق به بين الحق والباطل والتوحيد والشرك والعدل والظلم أنزله‬ ‫على عبده ورسوله محمد صلى ال وسلم ليكون ‪ 2‬للعالمين النس والجن نذيرا ينذرهم عواقب‬ ‫الكفر والشرك والظلم والشر والفساد وهي عقاب ال وعذابه في الدنيا والخرة وقوله‪{ :‬الذي له‬ ‫ملك السموات والرض} خلقا وملكا وعبيدا وهو ثناء بعد ثناء وقوله‪{ :‬ولم يتخذ ولدا ولم يكن له‬ ‫شريك في الملك وخلق كل شيء ‪ 3‬فقدره تقديرا} وهو ثناء آخر عظيم أثنى تبارك وتعالى فيه‬ ‫على نفسه بالملك والقدرة والخلق والعلم والحكمة وقوله‪{ :‬واتخذوا من ‪ 4‬دونه آلهة} أصناما {ل‬ ‫يخلقون شيئا وهو يخلقون ول يملكون لنفسهم} فضلً عن غيرهم من عابديهم {ضّرا ول نفعا} أي‬ ‫دفع ض ٍر ول جلب نفع‪ ،‬ول يملكون موتا لحد ول حياة لخر ول نشورا‪ 5‬للناس يوم القيامة‪.‬‬ ‫أليس هذا موضع تعجب واستغراب أمع ال الذي عمت بركته الكوان وأنزل الفرقان ملك ما في‬ ‫السموات والرض تنزه عن الولد والشريك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا‪ ،‬وخلق كل شيء فقدره‬ ‫تقديرا يتخذون من دونه آلهة أصناما ل تدفع عن نفسها ضرا ول نجلب لها نفعا ول تملك موتا‬ ‫ول حياة ول نشورا فسبحان ال أين يذهب بعقول الناس‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر ربوبية ال تعالى الموجبة للوهيته وهو إفاضة الخير على الخلق والملك والقدرة‬ ‫والعلم والحكمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالشرك والمشركين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬للفظ تبارك دللت كلها حق‪ ،‬منها‪ :‬تقدس‪ ،‬وتعالى‪ ،‬ودام وثبت إنعامه‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬ل يقال‪:‬‬ ‫متبارك ول مبارك لنه يوقف في أسمائه تعالى وصفاته على ما ورد عنه في كتابه وعلى لسان‬ ‫رسوله قال الطّرمّاح‪:‬‬

‫تباركت ل معطٍ لشيء منعته‬ ‫وليس لما أعطيت يا ربّ مانع ‪{ 2‬ليكون} أي‪ :‬من نزل عليه القرآن وهو محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم للعالمين نذيرا في الية دليل على عموم رسالته صلى ال عليه وسلم ولم يكن هذا لغيره إل‬ ‫نوحا بعد الطوفان‪ ،‬فقد عمّت رسالته النس‪.‬‬ ‫‪ 3‬فيه ردّ على المجوس والثنوية القائلين‪ :‬هناك خالقان خالق للظلمة وخالق للنور أو خالق للخير‬ ‫وخالق للشر‪ ،‬وهو رأي عفن وجهل مظلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬في هذه الجملة تعجب من اتخاذ المشركين آلهة دونه تعالى وهي جمادات ل حياة فيها ول تملك‬ ‫نفعا ول ضرا‪.‬‬ ‫‪ 5‬النشور‪ :‬الحياء بعد الموت قال العشى‪:‬‬ ‫حتى يقول الناس مما رأوا‬ ‫يا عجبا للميّت الناشر‬

‫( ‪)3/597‬‬ ‫‪ – 3‬تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ هَذَا إِل ِإ ْفكٌ افْتَرَا ُه وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ َقوْمٌ آخَرُونَ َفقَدْ جَاؤُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا (‪)4‬‬ ‫َوقَالُوا َأسَاطِي ُر الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَيْهِ ُبكْ َرةً وََأصِيل (‪ُ )5‬قلْ أَنزَلَهُ الّذِي َيعْلَمُ السّرّ فِي‬ ‫طعَا َم وَ َيمْشِي فِي‬ ‫غفُورًا رّحِيمًا (‪َ )6‬وقَالُوا مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأ ُكلُ ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِنّهُ كَانَ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫سوَاقِ َلوْل أُن ِزلَ إِلَيْهِ مََلكٌ فَ َيكُونَ َمعَهُ نَذِيرًا (‪َ )7‬أوْ يُ ْلقَى إِلَ ْيهِ كَنزٌ َأوْ َتكُونُ َلهُ جَنّةٌ يَ ْأ ُكلُ مِ ْنهَا‬ ‫ال ْ‬ ‫ك المْثَالَ َفضَلّوا فَل‬ ‫ف ضَرَبُوا َل َ‬ ‫سحُورًا(‪ )8‬انظُرْ كَيْ َ‬ ‫َوقَالَ الظّاِلمُونَ إِن تَتّ ِبعُونَ إِل َرجُل مّ ْ‬ ‫يَسْ َتطِيعُونَ سَبِيل (‪)9‬‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫إفك افتراه ‪ :‬أي ما القرآن إل كذبا افتراه محمد وليس هو بكلم ال تعالى هكذا قالوا‪.‬‬ ‫ظلمًا وزورا ‪ :‬أي فرد ال عليهم قولهم بقوله فقد جاءوا ظلمًا حيث جعلوا الكلم المعجز الهادي‬ ‫إلى السعاد والكمال البشري إفكا مختلقا وزورا بنسبة ما هو برىء منه إليه‪.‬‬ ‫اكتتبها ‪ :‬أي طلب كتابتها له فكتبت له‪.‬‬

‫( ‪)3/598‬‬ ‫يعلم السر ‪:‬أي ما يسره أهل السماء والرض وها يخفونه في نفوسهم‪.‬‬ ‫أو يلقى إليه كنز ‪:‬أي من السماء فينفق منه ول يحتاج معه إلى الضرب في السواق‪.‬‬

‫جنة يأكل منها ‪ :‬بستان فيه ما يغنيه من أنواع الحبوب والثمار‪.‬‬ ‫رجلً مسحورا ‪ :‬مخدوعا مغلوبا على عقله‪.‬‬ ‫ضربوا لك المثال ‪ :‬أي بالسحر والجنون والشعر والكهانة والكذب وما إلى ذلك‪.‬‬ ‫فضلوا فل يستطيعون سبيلً‪ :‬فضلوا الطريق الحق وهو أنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‬ ‫فل يهتدون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى عن أولئك المشركين الحمقى الذين اتخذوا من دون ال رب العالمين آلهة أصناما ل‬ ‫تضر ول تنفع أنهم زيادة على سفههم في اتخاذ الحجار آلهة يعبدونها قالوا في القرآن الكريم‬ ‫والفرقان العظيم ما هو إل إفك أي كذب اختلقه محمد وأعانه عليه قوم ‪ 1‬آخرون يعنون اليهود‬ ‫ساعدوه على التيان بالقرآن‪ .‬فقد جاءوا بهذا القول الكذب الممقوت ظلما وزورا ظلما لنهم جعلوا‬ ‫القرآن المعجز الحامل للهدى والنور جعلوه كذبا وجعلوا البريء من الكذب والذي لم يكذب قط‬ ‫كاذبا فكان قولهم فيه زورا وباطلً‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وقالوا أساطير ‪ 2‬الولين اكتتبها فهي تملى عليه‬ ‫بكرة وأصيل} هذه الية نزلت ردا على شيطان قريش النضر بن الحارث إذ كان يأتي الحيرة‬ ‫ويتعلم أخبار ملوك فارس ورستم‪ .‬وإذا حدث محمد صلى ال عليه وسلم قومه محذرا إياهم أن‬ ‫يصيبهم ما أصاب المم قبلهم فإذا قام صلى ال عليه وسلم من المجلس جاء هو فجلس وقال‬ ‫تعالوا أقص عليكم إني أحسن حديثا من محمد‪ ،‬ويقول إن ما يقوله محمد هو من أكاذيب القصاص‬ ‫وأساطيرهم التي سطروها في كتبهم فهو يحدث بها وهي تملى عليه أي يمليها عليه غيره صباحا‬ ‫ومساءا فرد تعالى هذه الفرية بقوله لرسوله‪{ :‬قل ‪ 3‬أنزله} أي القرآن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪{ :‬قوم آخرون} هم‪ :‬أبو فكيهة مولى بن الحضرمي وعدّاس‬ ‫وجبر‪ ،‬وكان هؤلء الثلثة من أهل الكتاب‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة ردّ على من زعم من المشركين أنّ محمداَ يتلقى القرآن من أهل الكتاب وذكر السرّ‬ ‫دون الجهر لنّ من علم السر فهو بالجهر أعلم وأمرٌ آخر‪ :‬لو كان القرآن مأخوذا عن أهل الكتاب‬ ‫لما كان فيه زيادة عمّا عندهم في حين أنّ فيه من العلوم والمعارف مال يخطر حتى على البال‬ ‫ولو لم يكن كذلك لقدروا على التيان بسورة من مثله‪.‬‬ ‫‪ 3‬الساطير‪ :‬جمع أسطورة كأحاديث جمع أحدوثة‪ .‬وقال بعضهم إنها جمع أسطار كأقوال‬ ‫وأقاويل‪{ :‬تُملى} أصلها‪ :‬تُملل فأبدلت اللم الخيرة ياء من التضعيف‪.‬‬

‫( ‪)3/599‬‬

‫{الذي يعلم السر في السموات والرض} أي سر ما يسره أهل السموات وأهل الرض فهو علم‬ ‫الغيب المطلع على الضمائر العالم بالسرائر‪ ،‬ولول أن رحمته سبقت غضبه لهلك من كفر به‬ ‫وأشرك به سواه {إنه كان غفورا رحيما} يستر زلت من تاب إليه ويرحمه مهما كانت ذنوبه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وقالوا‪ :‬ما لهذا ‪ 1‬الرسول يأكل الطعام ويمشي في السواق لول ‪ 2‬أنزل إليه ملك‬ ‫فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إل رجلً‬ ‫مسحورا} هذه كلمات رؤوساء قريش وزعمائها لما عرضوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫أن يترك دعوته إلى ربه مقابل ما يشاء من ملك أو مال أو نساء أو جاه فرفض كل ذلك فقالوا له‬ ‫إذا فخذ لنفسك لماذا وأنت رسول ال تأكل الطعام وتمشي في السواق ‪ 3‬تطلب العيش مثلنا فسل‬ ‫ربك ينزل إليك ملكا فيكون معك نذيرا أو يلقي إليك بكنز من ذهب وفضة تعيش بها أغنى الناس‪،‬‬ ‫أو يجعل لك جنة من نخيل وعنب‪ ،‬أو يجعل لك قصورا من ذهب تتميز بها عن الناس وتمتاز‬ ‫فيعرف قدرك وتسود قومك وقوله تعالما‪{ :‬وقال الظالمون ‪ }4‬أي للمؤمنين من أصحاب الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم إن تتبعون إل رجلً مسحورا أي أنكم بإتباعكم محمدا فيما جاء به ويدعو‬ ‫إليه ما تتبعون إل رجلً مسحورً‪ ،‬أي مخدوعا مغلوبا على عقله ل يدري ما يقول ول ما يفعل أي‬ ‫فاتركوه ول تفارقوا ما عليه آباؤكم وقومكم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬انظر كيف ضربوا ‪ 5‬لك المثال‬ ‫فضلوا فل يستطيعون سبيلً} أي انظر يا رسولنا إلى هؤلء المشركين المفتونين كيف شبهوا لك‬ ‫الشباه وضربوا لك المثال الباطلة فقالوا فيك مرة هو ساحر‪ ،‬وشاعر وكاهن ومجنون فضاعوا‬ ‫في هذه التخرصات وضلوا طريق الحق فل يرجى لهم هداية بعد‪ ،‬وذلك لبعد ضللهم فل يقدرون‬ ‫على الرجوع إلى الحق وهو معنى قوله‪{ :‬فل يستطيعون سبيلً}‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتعجب‪ ،‬وجملة‪{ :‬يأكل الطعام} جملة حالية‪ ،‬وقولهم‪{ :‬هذا الرسول} من باب المجاراة‬ ‫وإلّ فهم مكذّبون برسالته‪.‬‬ ‫‪ 2‬لول‪ :‬حرف تحضيض استعملت هنا في التعجيز أي‪ :‬لول أنزل عليه ملك لتبعناه وإنهم‬ ‫كاذبون‪.‬‬ ‫‪{ 3‬السواق} جمع سوق‪ ،‬وسميت السوق سوقا لقيام الناس فيها على ساق للبيع والشراء وورد‬ ‫ذكرها في الكتاب والسنة والعمل فيها مباح وكان الرسول يأتيها يدعو أهلها إلى السلم وورد‬ ‫أنها شرّ البقاع والمساجد خيرها وهي مقابلة‪ ،‬وورد أنه من قال فيها رافعا بها صوته‪ " :‬ل إله إل‬ ‫ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي ل يموت بيده الخير واليه‬ ‫المصير وهو على كل شيء قدير كتب له ألف ألف حسنة‪".‬‬ ‫‪ 4‬هذا القائل هو‪ :‬عبدال بن الزبعري أيّام جاهلتيه إذ أسلم فيما بعد وحسن إسلمه‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه الجملة تعجبية وهي إخبار منه تعالى عن حال المشركين إذ ضلوا في تلفيق المطاعن‬

‫والبحث عن التهم لدفع الحق وإبطاله فعجزوا وتاهوا في طرق طلبهم ما يبطلون به دعوة ال‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/600‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‬ ‫‪ -1‬بيان ما قابل به المشركون دعوة التوحيد من جلب كل قول وباطل ليصدوا عن سبيل ال‬ ‫ومازال هذا دأب المشركين إزاء دعوة التوحيد إلى اليوم وإلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير الوحي اللهي والنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حيرة المشركين إزاء دعوة الحق وضربهم المثال الواهية الرخيصة للصّدّ عن سبيل‬ ‫ال‪ ،‬وقد باءت كل محاولتهم بالفشل والخيبة المرة‪.‬‬ ‫جعَل ّلكَ ُقصُورًا (‬ ‫ج َعلَ َلكَ خَيْرًا مّن ذَِلكَ جَنّاتٍ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر وَيَ ْ‬ ‫تَبَا َركَ الّذِي إِن شَاء َ‬ ‫س ِمعُوا َلهَا‬ ‫سعِيرًا (‪ِ )11‬إذَا رَأَ ْتهُم مّن ّمكَانٍ َبعِيدٍ َ‬ ‫ع ِة وَأَعْتَدْنَا ِلمَن كَ ّذبَ بِالسّاعَةِ َ‬ ‫‪َ )10‬بلْ كَذّبُوا بِالسّا َ‬ ‫عوْا هُنَاِلكَ ثُبُورًا (‪ )13‬ل تَدْعُوا الْ َيوْمَ‬ ‫َتغَيّظًا وَ َزفِيرًا (‪ )12‬وَإِذَا أُ ْلقُوا مِ ْنهَا َمكَانًا ضَ ّيقًا ُمقَرّنِينَ دَ َ‬ ‫ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (‪ُ )14‬قلْ أَذَِلكَ خَيْرٌ أَمْ جَنّةُ الْخُ ْلدِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ كَا َنتْ َلهُمْ‬ ‫سؤُول (‪)16‬‬ ‫جَزَاء َو َمصِيرًا (‪َ )15‬ل ُهمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَاِلدِينَ كَانَ عَلَى رَ ّبكَ وَعْدًا مَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تبارك ‪ :‬أي تقدس وكثر خيره وعمت بركته‪.‬‬ ‫خيرا من ذلك ‪ :‬أي الذي اقترحه المشركون عليك‪.‬‬ ‫ويجعل لك قصورا ‪ :‬أي كثيرة ل قصرا وحدا كما قال المشركون‪.‬‬ ‫بل كذبوا بالساعة ‪ :‬أي لم يكن المانع لهم من اليمان كونك تأكل الطعام وتمشي في‬

‫( ‪)3/601‬‬ ‫السواق بل تكذيبهم بالبعث والجزاء هو السبب في ذلك‪.‬‬ ‫تغيظا وزفيرا ‪ :‬أي صوتا مزعجا من‪ .‬نغيظها على أصحابها المشركين بال الكافرين به‪.‬‬ ‫مقرنين‪ :‬أي مقرونة أيديهم مع أعناقهم في الصفاد‪.‬‬ ‫دعوا هنالك ثبورا ‪ :‬أي نادوا يا ثبورنا أي يا هلكنا إذ الثبور الهلك‪.‬‬ ‫كانت لهم جزاءً و مصيرا ‪ :‬أي ثوابا على إيمانهم وتقواهم‪ ،‬ومصيرا صاروا إليها ل يفارقونها‪.‬‬ ‫وعدا مسؤل ‪ :‬أي مطالبا به إذ المؤمنون يطالبون به قائلين ربنا وآتنا ما وعدتنا والملئكة تقول‬

‫ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في الرد على مقترحات المشركين على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ‬ ‫قالوا لول أنزل إليه ملك‪ ،‬أو يلقى إليه كنزٌ وتكون له جنة يأكل منها فقال تعالى‪ :‬لرسوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم {تبارك ‪ 1‬الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك} أي الذي اقترحوه وقالوا خذ لنفسك من‬ ‫ربك بعد أن رفضت طلبهم بترك دعوتك والتخلي عن رسالتك {جنات تجري من تحتها النهار}‬ ‫أي من خلل أشجارها وقصورها ‪{ 2‬ويجعل لك قصورا} ل قصرا‪ 3‬واحدا كما قالوا‪ ،‬ولكنه لم‬ ‫يشأ ذلك لك من هذه الدار لنها دار عمل ليست دار جزاء وراحة ونعيم فربك قادر على أن يجعل‬ ‫لك ذلك ولكنه لم يشأه والخير فيما يشاءه فاصبر فإن المشركين لم يكن المانع لهم من اليمان هو‬ ‫كونك بشرا تأكل الطعام وتمشي في السواق‪ ،‬أو أن ال تعالى لم ينزل إليك ملكا بل المانع هو‬ ‫تكذيبهم بالساعة فعلة كفرهم وعنادهم هي عدم إيمانهم بالبعث والجزاء فلو آمنوا بالحياة الثانية‬ ‫لطلبوا كل سبب ينجي في عذابها ويحصل نعيمها {بل كذبوا ‪ 4‬بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة‬ ‫‪ }5‬أي القيامة {سعيرا} أي نارا مستعرة أو هي دركة من دركات النار تسمى سعيرا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬إن شاء جعل لك خيرا من ذاك الذي اقترحه المشركون عليك وأن معنى لو الشرطية‬ ‫وجواب الشرط محذوف‪ .‬أي‪ :‬لجعل ولكن لم يشأ ذلك لنه غير لئق بمقامك في هذه الدار وهو‬ ‫لك في الخرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرىء {ويجعل} بالرفع على الستئناف‪ ،‬وقراءة الكثر بالجزم على محل الشرط‪ :‬إن شاء جعل‬ ‫لك‪.‬‬ ‫‪ 3‬القصر في اللغة‪ :‬كل بناء رفيع عالٍ حصين‪ .‬وأما البيت فقد يكون من لبن وطين وقد يكون من‬ ‫شعر‪.‬‬ ‫‪ 4‬بل‪ :‬هنا للضراب والنتقال‪.‬إضراب على جواب اقتراحهم‪ ،‬وانتقال إلى ذكر علة كفرهم‬ ‫وعنادهم واقتراحهم ما اقترحوه‪ ،‬وهو تكذيبهم بالبعث الخر‪ ،‬إذ هو سبب عنادهم وكفرهم‬ ‫وفسادهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬الساعة‪ :‬اسم غلب على عالم الخلود‪ .‬تسمية باسم مبدئه وهو ساعة البعث‪.‬‬

‫( ‪)3/602‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إذا رأتهم ‪ 1‬من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} هذا وصف للسعير وهو أنها‬ ‫إذا رأت أهلها من ذوي الشرك والظلم والفساد من مكان بعيد تغيظت عليهم تغيظا وزفرت زفيرا‬ ‫مزعجا فيسمعونه فترتعد له فرائصهم‪{ .‬وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين} مشدودة أيديهم إلى‬

‫أعناقهم بالصفاد {دعوا هنالك} أ ي نادوا بأعلى أصواتهم يا ثبوراه أي يا هلكاه أحضر فهذا‬ ‫وقت حضورك‪ :‬فيقال لهم‪ :‬خزيا وتبكيتا وتحسيرا‪{ :‬ل تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا‬ ‫كثيرا}‪ ،‬فهذا أوآن هلككم و خزيكم وعذابكم وهنا يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫{قل} لولئك المشركين المكذبين بالبعث والجزاء‪{ :‬أذلك} أي المذكور من السعير واللقاء فيها‬ ‫مقرونة اليدي بالعناق وهم يصرخون يدعون بالهلك {خير أم ‪ 2‬جنة الخلد التي وعد المتقون}‬ ‫أي التي وعد ال تعالى بها عباده الذين اتقوا عذابه باليمان به وبرسوله وبطاعة ال ورسوله‬ ‫قطعا جنة الخلد خير ول مناسبة بينها وبين السعير‪ ،‬وإنما هو‬ ‫التذكير ل غير وقوله‪{ :‬كانت لهم} أي جنة الخلد كانت لهل اليمان والتقوى {جزاء} أي ثوابا‪،‬‬ ‫{ومصيرا} يصيرون إليه ل يفارقونه وقوله تعالى‪{ :‬لهم فيها ما يشاءون} أي فيها من أنواع‬ ‫المطاعم والمشارب والملبس والمساكن وقوله‪{ :‬خالدين}‪ .‬أي فيها ل يموتون ول يخرجون‪،‬‬ ‫وقوله‪{ :‬كان على ربك وعدا مسئولً} أي تفضل ربك أيها الرسول بها فوعد بها عباده المتقين‬ ‫وعدا يسألونه إياه فينجزه لهم فهم يقولون‪{ :‬ربنا وآتنا ما وعدتنا على‬ ‫رسلك}‪{ ،‬والملئكة تقول ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم‬ ‫وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم}‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن مرد كفر الكافرين وظلم الظالمين وفساد المفسدين إلى تكذيبهم بالبعث والجزاء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم فقد ورد مرفوعا أنّ النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫قال‪" :‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا‪ .‬قيل يا رسول ال ولها عينان؟ قال‪ :‬أما‬ ‫سمعتم ال عز وجل يقول‪{ :‬إذا رأتهم من كان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا} يخرج عنق من‬ ‫النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول‪ :‬وكلت بكل من جعل مع ال إلها آخر" ‪ .‬الحديث‬ ‫صححه ابن العربي في القبس‪.‬‬ ‫‪ 2‬إن قيل‪ :‬كيف قال‪{ :‬أذلك خير} ول خير في النار؟ قيل‪ :‬هذا من باب قول العرب‪ :‬الشقاء أحبّ‬ ‫إليك أم السعادة؟ وقد علم أنّ السعادة أحب إليه‪ .‬قال حسان‪:‬‬ ‫أتهجوه ولست له بكفىء‬ ‫فشركما لخيركما الفداء‬ ‫وقطعا الرسول صلى ال عليه وسلم ل شرّ فيه البتة‪.‬‬

‫( ‪)3/603‬‬

‫في الدار الخرة فإن من آمن بالبعث الخر سارع إلى الطاعة والستقامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث الخر بوصف بعض ما يتم فيه من الجزاء بالنار والجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل التقوى وأنها ملك المر فمن آمن واتقى فقد استوجب الدرجات العلى جعلنا ال تعالى‬ ‫من أهل التقوى والدرجات العلى‪.‬‬ ‫وَ َيوْمَ يَحْشُ ُرهُ ْم َومَا َيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَ َيقُولُ أَأَن ُتمْ َأضْلَلْتُمْ عِبَادِي َهؤُلء أَمْ هُ ْم ضَلّوا السّبِيلَ (‬ ‫خذَ مِن دُو ِنكَ مِنْ َأوْلِيَاء وََلكِن مّ ّتعْ َتهُ ْم وَآبَاءهُمْ حَتّى َنسُوا‬ ‫‪ )17‬قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ مَا كَانَ يَن َبغِي لَنَا أَن نّتّ ِ‬ ‫ن صَ ْرفًا وَل َنصْرًا َومَن َيظْلِم‬ ‫ال ّذكْ َر َوكَانُوا َق ْومًا بُورًا (‪َ )18‬فقَدْ َكذّبُوكُم ِبمَا َتقُولُونَ َفمَا تَسْتَطِيعُو َ‬ ‫طعَا َم وَ َيمْشُونَ فِي‬ ‫مّنكُمْ نُ ِذ ْقهُ عَذَابًا كَبِيرًا (‪ )19‬وَما أَرْسَلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ إِل إِ ّنهُمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬ ‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ فِتْنَةً أَ َتصْبِرُونَ َوكَانَ رَ ّبكَ َبصِيرًا (‪)20‬‬ ‫جعَلْنَا َب ْع َ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫سوَا ِ‬ ‫ال ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يحشرهم ‪:‬أي يجمعهم‬ ‫وما يعبدون من دون ال ‪:‬من الملئكة والنبياء والولياء والجن‪.‬‬ ‫أم هم ضلوا السبيل ‪ :‬أي طريق الحق بأنفسهم بدون دعوتكم إياهم إلى ذلك‪.‬‬ ‫سبحانك ‪:‬أي تنزيها لك عما ل يليق بجللك وكمالك‪.‬‬ ‫ولكن متعتهم ‪:‬أي بأن أطلت أعمارهم ووسعت عليهم أرزاقهم‪.‬‬ ‫وكانوا قوما بورا ‪ :‬أي هلكى‪ ,‬إذ البوار الهلك‪.‬‬ ‫ومن يظلم منكم ‪:‬أي ومن يشرك منكم أيها الناس‪.‬‬

‫( ‪)3/604‬‬ ‫وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ‪ :‬أي بليّة فالغني مبتلَى بالفقير‪ ،‬والصحي بالمريض‪ ،‬والشريف‬ ‫بالوضيع فالفقير يقول ما لي ل أكون كالغني والمريض يقول مالي ل أكون كالصحيح‪ ،‬والوضيع‬ ‫يقول ما لي ل أكون كالشريف مثلً‪.‬‬ ‫أتصبرون ‪ :‬أي اصبروا على ما تسمعون ِممّن ابتليتم بهم‪ ،‬إذ الستفهام للمر هنا‪.‬‬ ‫وكان ربك بصيرا‪ :‬أي بمن يصبر وبمن يجزع ول يصبر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر لها في القيامة إذ إنكار هذه‬ ‫العقيدة هو سبب كل شر وفساد في الرض فقوله تعالى‪{ :‬ويوم يحشرهم ‪ 1‬وما يعبدون من دون‬ ‫ال} أي اذكر يا رسولنا يوم يحشر ال المشركين وما كانوا يعبدونهم من دوننا كالملئكة والمسيح‬ ‫والولياء والجن‪{ .‬فيقول} لمن كانوا يعبدونهم {أآنتم ‪ 2‬أضللتم عبادي هؤلء أم هم ضلوا السبيل؟}‬ ‫أي ما أضللتموهم ولكنهم ضلوا طريق الحق بأنفسهم فلم يهتدوا إلى عبادتي وحدي دون سواي‪.‬‬

‫فيقول المعبودون {سبحانك} أي تنزيها لك وتقديسا عن كل ما ل يليق بجللك وكمالك {ما كان‬ ‫ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ‪ }3‬أي ل يصح منا اتخاذ أولياء من دونك فندعو عبادك‬ ‫إلى عبادتهم فنضلهم بذلك‪{ ،‬ولكن متعتهم} يا ربنا {وآباءهم} من قبلهم بطول العمار وسعة‬ ‫الرزاق فانغمسوا في الشهوات والملذ {حتى نسوا الذكر ‪ }4‬أي نسوا ذكرك وعبادتك وما جاءتهم‬ ‫به رسلك فكانوا بذلك قوما بوراُ أي هلكى خاسرين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فقد ‪ 5‬كذبوكم بما تقولون ‪ }6‬يقول تعالى للمشركين فقد كذبكم من كنتم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور‪{ :‬نحشرهم} بالنون للعظمة‪ ،‬و {يقول} بالياء وهو التفات من التكلم إلى الغيبة‬ ‫حسن‪ .‬وقرأ حفص وغيره بالياء في {يحشرهم} و {يقول} معا وقرأ بعضٌ بالنون فيهما معا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام تقريري للستنطاق والستشهاد‪.‬‬ ‫‪ 3‬الولياء جمع ولي بمعنى التابع فإن الولي يرادف المولى فيصدق على كل طرفي الولء أي‪:‬‬ ‫على السيد والعبد‪ ،‬والناصر والمنصور والمراد هنا من الولي‪ :‬التابع‪.‬‬ ‫‪ 4‬قيل‪ :‬الذكر‪ :‬القرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬الشكر على الحسان‪ ،‬وما في التفسير أشمل‪.‬‬ ‫‪ 5‬الفاء الفصيحة إذّ أفصحت على جواب شرط محذوف تقديره‪:‬‬ ‫إن قلتم هؤلء آلهتنا حقد كذبوكم بما تقولون‪ ،‬وقد جاء التصريح بما يدل على القول المحذوف في‬ ‫قول عباس بن الحنف‪.‬‬ ‫قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا‬ ‫ثم القفول فقد جئنا خراسانا‬ ‫‪ 6‬قرأ الجمهور بالباء وقرأ حفص بالتاء‪{ :‬تقولون}‪.‬‬

‫( ‪)3/605‬‬ ‫تشركون به‪ ،‬فقامت الحجة عليكم فأنتم الن ل تستطيعون صرفا للعذاب عنكم ول نصرا أي ول‬ ‫تجدون من ينصركم فيمنع العذاب عنكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا} هذا خطاب عام لسائر الناس يقول تعالى للناس‬ ‫ومن يشرك منكم بي أي يعبد غيري نذقه أي يوم القيامة عذابا كبيرا وقوله تعالى‪{ :‬وما أرسلنا‬ ‫قبلك} أي يا رسولنا {من المرسلين إل إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في السواق ‪ }1‬إذا فل تهتم‬ ‫بقول المشركين {ما لهذا الرسول يأكل الطعام} ول تحفل به فإنهم يعرفون ذلك ولكنهم يكابرون‬ ‫ويجاحدون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ‪ }2‬أي هذه سنتنا في خلقنا نبتلي بعضهم ببعض فنبتلي‬ ‫المؤمن بالكافر والغني بالفقير والصحيح بالمريض والشريف بالوضيع‪ ،‬وننظر من يصبر ومن‬

‫يجزع ونجزي الصابرين بما يستحقون والجزعين كذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أتصبرون} هذا الستفهام معناه المر أي اصبروا إذا ول تجزعوا أيها المؤمنون‬ ‫من أذى المشركين والكافرين لكم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وكان ربك بصيرا} أي وكان ربك أيها الرسول‬ ‫بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع فاصبر ول تجزع فإنها دار الفتنة والمتحان وإنما يوفى‬ ‫الصابرون أجرهم بغير حساب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬يا لهول الموقف إذا سئل المعبودون عمن عبدوهم‪ ،‬والمظلومون عمن ظلموهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬براءة الملئكة والنبياء والولياء من عبادة من عبدوهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬خطورة طول العمر وسعة الرزق إذ غالبا ما ينسى العبد بهما ربه ولقاءه‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير أن الدنيا دار ابتلء فعلى أولى الحزم أن يعرفوا هذا ويخلصوا منها بالصبر والتحمل‬ ‫في ذات ال حتى يخرجوا منها ولو كفافا ل لهم ول عليهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أخرج مسلم قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أحب البلد إلى ال مساجدها و أبغض البلد إلى ال‬ ‫أسواقها"‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة تذييلية الغرض منها التسلية للرسول صلى عليه وسلم والمؤمنين من أجل ما يلقون‬ ‫من عناد المشركين وأذاهم‪ .‬والستفهام في‪{ :‬أتصبرون} معناه الحث على الصبر والمر به نحو‬ ‫قوله‪{ :‬فهل أنتم منتهون}‪.‬‬ ‫أي‪ :‬عما حرّم من الخمر والميسر‪.‬‬

‫( ‪)3/606‬‬ ‫الجزء التاسع عشر‬ ‫سهِ ْم وَعَ َتوْ‬ ‫علَيْنَا ا ْلمَل ِئكَةُ َأوْ نَرَى رَبّنَا َلقَدِ اسْ َتكْبَرُوا فِي أَنفُ ِ‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ ل يَرْجُونَ ِلقَاءنَا َلوْل أُن ِزلَ َ‬ ‫حجُورًا (‪)22‬‬ ‫حجْرًا مّ ْ‬ ‫ن وَيَقُولُونَ ِ‬ ‫عُ ُتوّا كَبِيرًا (‪َ )21‬يوْمَ يَ َروْنَ ا ْلمَل ِئكَةَ ل بُشْرَى َي ْومَئِذٍ لّ ْل ُمجْ ِرمِي َ‬ ‫جعَلْنَاهُ هَبَاء مّنثُورًا (‪َ )23‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َي ْومَئِذٍ خَيْرٌ مّسْ َتقَرّا‬ ‫ع َملٍ َف َ‬ ‫عمِلُوا مِنْ َ‬ ‫َوقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬ ‫وَأَحْسَنُ َمقِيل (‪)24‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل يرجون لقاءنا‪ :‬أي المكذبون بالبعث إذ لقاء العبد ربه يكون يوم القيامة‪.‬‬ ‫لول أنزل علينا الملئكة ‪ :‬أي هلّ أنزلت علينا ملئكة تشهد لك بأنك رسول ال‪.‬‬

‫أو نرى ربنا ‪ :‬أي فيخبرنا بأنك رسوله وأن علينا أن نؤمن بك‪.‬‬ ‫استكبروا في أنفسهم‪ :‬أي في شأن أنفسهم ورأوا أنهم أكبر شيء وأعظمه غرورا منهم‪.‬‬ ‫وعتوا عتوا كبيرا‪ :‬أي طغوا طغيانا كبيرا حتى طالبوا بنزول الملئكة ورؤية الرب تعالى‪.‬‬ ‫ويقولون حجرا محجورا‪ :‬أي تقول لهم الملئكة حراما محرما عليكم البشرى‪.‬‬ ‫وقدمنا إلى ما عملوا‪ :‬أي عمدنا إلى أعمالهم الفاسدة التي لم تكن على علم وإخلص‪.‬‬ ‫هباء منثورا ‪ :‬الهباء ما يرى من غبار في شعاع الشمس الداخل من الكوى‪.‬‬ ‫وأحسن مقيلً‪ :‬المقيل مكان الستراحة في نصف النهار في أيام الحر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في ذكر أقوال المشركين من قريش فقال تعالى {وقال الذين ل‬

‫( ‪)3/607‬‬ ‫يرجون لقاءنا ‪ }1‬وهم المكذبون بالبعث المنكرون للحياة الثانية بكل ما فيها من نعيم وعذاب {لول‬ ‫أنزل علينا الملئكة} أي هل أنزل ال علينا الملئكة تشهد لمحمد بالنبوة {أو نرى ‪ 2‬ربنا} فيخبرنا‬ ‫بأن محمدا رسوله وأن علينا أن نؤمن به وبما جاء به ودعا إليه‪ .‬قال تعالى {لقد استكبروا في‬ ‫أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا‪ }3‬أي وعزتنا وجللنا لقد استكبر هؤلء المشركون المكذبون بالبعث في‬ ‫شأن أنفسهم ورأوا أنهم شيء كبير وعتوا أي طغوا طغيانا كبيرا في قولهم هذا الذي ل داعي إليه‬ ‫إل الشعور بالكبر‪ ،‬والطغيان النفسي الكبير‪ ،‬وقوله {يوم يرون الملئكة} أي الذين يطالبون‬ ‫بنزولهم عليهم‪ ،‬وذلك يوم القيامة‪ .‬ل بشرى يومئذ للمجرمين أي الذين أجرموا على أنفسهم‬ ‫فأفسدوها بالشرك والظلم الفساد‪{ :‬ويقولون} أي وتقول لهم الملئكة {حجرا محجورا} أي حراما‪4‬‬ ‫محرما عليكم البشرى بل هي للمؤمنين المتقين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وقدمنا ‪ 5‬إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء ‪ 6‬منثورا} أي وعمدنا إلى أعمالهم‬ ‫التي لم تقم على مبدأ اليمان والخلص والموافقة للشرع فصيرناها هباءً منثورا كالغبار الذي‬ ‫يرى في ضوء الشمس الداخل مع كوة أو نافذة ل يقبض باليد ول يلمس بالصابع لدقته وتفرقه‬ ‫فكذلك أعمالهم ل ينتفعون منها بشيء لبطلنها وعدم العتراف بها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {أصحاب الجنة} أي أهلها الذين تأهلوا لها باليمان والتقوى يومئذ أي يوم القيامة‬ ‫الذي كذب به المكذبون خير مستقرا أي مكان استقرار وإقامة وأحسن مقيل ‪7‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬لقاءنا} أي‪ :‬ل يخافون لقاءنا ول يأملونه ول يبالون به‪ ،‬وهذا كلّه ناتج عن تكذيبهم بالبعث‬ ‫والدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬لما كانت الحياة الدنيا حياة ابتلء امتنع أن يعطيهم ما طلبوا إذ لو أراهم ال تعالى نفسه أو‬

‫أراهم ملئكته لمنوا وبطل حينئذ التكليف الذي أقام تعالى عليه الحساب والجزاء مع أن رؤية ال‬ ‫ل يقدرون عليها لكن على فرض لو أقدرهم ال عليها‪.‬‬ ‫‪ 3‬العتو‪ :‬أشد الكفر و أفحش الظلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬حراما محرما أن يدخل الجنة إلّ من شهد أن ل إله إل ال وأقام شرائع ال‪ ،‬وكذلك الحال يوم‬ ‫القيامة ل بشرى يومئذ للمجرمين‪:‬‬ ‫ومن شواهد أن حجرا بمعنى محرما وحراما قول المتلمس‪:‬‬ ‫حنّت إلى النخلة القصوى فقلت لها‬ ‫حِجر حرام إل تلك الدهاريس‬ ‫الدهاريس‪ :‬الدراهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬قدمنا‪ :‬عمدنا قال الشاعر‪:‬‬ ‫وقدم الخوارج والضلل‬ ‫إلى عباد ربهم فقالوا‬ ‫إن دماءكم لنا حلل‬ ‫‪ 6‬تصغر هباء‪ :‬هبيٌ وواحده‪ :‬هبأة‪ ،‬وهمز في هباء للتقاء الساكنين وجمع هباة‪ :‬أهباء‪.‬‬ ‫‪ 7‬المقيل‪ :‬الذي يؤوى إليه في وقت القيلولة للستراحة فيه وفي الحديث‪" :‬قيلوا فإنّ الشياطين ل‬ ‫تقيل" وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم قيل له ما أطول هذا اليوم فقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬‬ ‫والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلة المكتوبة يصليها في‬ ‫الدنيا"‪.‬‬

‫( ‪)3/608‬‬ ‫أي مكان استراحة من العناء في نصف النهار أي خير وأحسن من أهل النار المشركين المكذبين‬ ‫وفي هذا التعبير إشارة إلى أن الحساب قد ينقضي في نصف يوم الحساب وذلك أن ال سريع‬ ‫الحساب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما كان عليه غلة المشركين من قريش من كبر وعتو وطغيان‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات رؤية الملئكة عند قبض الروح‪ ،‬ويوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬نفي البشرى عن المجرمين وإثباتها للمؤمنين المتقين‪.‬‬ ‫‪ -4‬حبوط عمل المشركين وبطلنه حيث ل ينتفعون بشيء منه البتة‪.‬‬ ‫‪ -5‬انتهاء حساب المؤمنين قبل نصف يوم الحساب الذي مقداره خمسون ألف سنة‪.‬‬

‫ن َوكَانَ َي ْومًا عَلَى‬ ‫حمَ ِ‬ ‫حقّ لِلرّ ْ‬ ‫سمَاء بِا ْل َغمَا ِم وَنُ ّزلَ ا ْلمَل ِئكَةُ تَنزِيل (‪ )25‬ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَئِذٍ الْ َ‬ ‫شقّقُ ال ّ‬ ‫وَ َيوْمَ تَ َ‬ ‫ا ْلكَافِرِينَ عَسِيرًا (‪ )26‬وَ َيوْمَ َي َعضّ الظّالِمُ عَلَى َيدَيْهِ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَ ْذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيل (‪)27‬‬ ‫خذْ فُلنًا خَلِيل (‪َ )28‬لقَدْ َأضَلّنِي عَنِ ال ّذكْرِ َب ْعدَ إِذْ جَاءنِي َوكَانَ الشّ ْيطَانُ‬ ‫يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي َلمْ أَتّ ِ‬ ‫لِلنسَانِ خَذُول (‪)29‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بالغمام ‪ :‬أي عن الغمام وهو سحاب أبيض رقيق كالذي كان لبني إسرائيل في التيه‪.‬‬ ‫الملك ‪ :‬أي الملك الحق ل ولم يبق لملوك الرض ومالكيها ملك في شيء ول لشيء‪.‬‬ ‫على الكافرين عسيرا ‪ :‬أي صعبا شديدا‪.‬‬ ‫يعض الظالم على يديه ‪ :‬أي ندما و أسفا على ما فرط في جنب ال‪.‬‬

‫( ‪)3/609‬‬ ‫سبيل ‪ :‬أي طريقا إلى النجاة باليمان والطاعة‪.‬‬ ‫لم أتخذ فلنا خليلً‪ :‬أي أبي بن خلف خليلً صديقا ودودا‪.‬‬ ‫لقد أضلني عن الذكر ‪ :‬أي عن القرآن وما يدعو إليه من اليمان والتوحيد والعمل الصالح‪.‬‬ ‫وكان الشيطان‪ :‬شيطان الجن وشيطان النس معا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرضي مظاهر القيامة وبيان أحوال المكذبين بها فقال تعالى {ويوم} أي‬ ‫اذكر {يوم تشقق ‪ 1‬السماء ‪ 2‬بالغمام} أي عن الغمام ونُزّل الملئكة تنزيلً وذلك لمجيء الرب‬ ‫تبارك وتعالى لفصل القضاء‪ .‬وقوله تعالى {الملك يومئذ الحق ‪ }3‬أي الثابت للرحمن عز وجل ل‬ ‫لغيره من ملوك الدنيا ومالكيها‪ ،‬وكان ذلك اليوم يوما على الكافرين ‪ 4‬عسيرا ل يطاق ول يحتمل‬ ‫ما فيه من العذاب والهوال وقوله {يوم يعض الظالم على يديه} أي المشرك الكافر بيان لعسر‬ ‫اليوم وشدته حيث يعض الظالم على يديه تندما وتحسرا وأسفا على تفريطه في الدنيا في اليمان‬ ‫وصالح العمال‪ ..‬يقول يا ليتني أي متمنيا‪{ :‬اتخذت مع الرسول ‪ 5‬سبيل} أي طريقا إلى النجاة‬ ‫من هول هذا اليوم وذلك باليمان والتقوى‪ .‬وينادي مرة أخرى قائلً {يا ويلتا} أي يا هلكتي‬ ‫احضري فهذا وقت حضورك‪ ،‬ويتمنى مرة أخرى فيقول {يا ليتني لم اتخذ ‪ 6‬فلنا خليلً} وهو‬ ‫شيطان من النس أو الجن كان قد صافاه وواله في الدنيا فغرر به وأضله عن الهدى‪ .‬فقال في‬ ‫تحسر {لقد أضلني عن الذكر} أي القران بعد إذ جاءني من ربي بواسطة الرسول وفيه هداي‬ ‫__________‬ ‫شقَق} بتشديد الشين والقاف‪ ،‬وقرأ حفص‪{ :‬تشقق} بتخفيف الشين وأصلها تتشقق فمن‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع {ت َ‬ ‫حذف إحدى التائين للتخفيف قرأ بتخفيف الشين ومن أدغم التاء في الشين شدّدها‪.‬‬

‫‪ 2‬الباء‪ :‬بمعنى عن نحو‪ :‬رميت بالقوس وعن القوس‪ ،‬والغمام‪ :‬سحاب أبيض رقيق مثل الضباب‬ ‫هو الذي قال تعالى فيه‪{ :‬هل أن ينظرون إلّ أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام}‪.‬‬ ‫‪ 3‬الحق‪ :‬نعت للملك‪ .‬المبتدأ والخبر‪ :‬الجار والمجرور‪ ،‬والجملة تتضمن إبطال أي ملك لحد‬ ‫سوى الرحمن عز وجل إذ هو الملك الحق والمالك الحق‪.‬‬ ‫‪ 4‬مفهوم الخطاب انه على المؤمنين غير عسير فهو إذا يسير وهو كذلك‪.‬‬ ‫‪ 5‬أهل التفسير على أن هذا الظالم هو عقبة بن أبي معيط وأنّ خليله أميّة بن خلف‪ ،‬فعقبة قتله‬ ‫علي في أسرى بدر وأمية قتله رسول ال صلى ال عليه وسلم فكان هذا من دلئل النبوة‪ .‬لنه‬ ‫أخبر عنهما بهذا فقُتل كافرين إلى النار‪.‬‬ ‫‪ 6‬هذا هو عقبة بن أبي معيط وفلن هو‪ :‬أمية بن خلف‪ .‬في الية دليل على وجوب البعد عن‬ ‫قرناء السوء‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك‬ ‫ونافخ الكير فحامل المسك إنا أن يحذيك وإمّا أن تبتاع منه وإما أن نجد ريحا طيبة ونافخ الكير‬ ‫إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة " رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/610‬‬ ‫وبه هدايتي‪ ،‬قال تعالى {وكان الشيطان للنسان خذولً‪ }1‬أي يورطه ثم يتخلى عنه ويتركه في‬ ‫غير موضع وموطن‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر البعث والجزاء وبذكر أحوالها وبعض أهوالها‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات مجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تندم الظلمة وتحسرهم على ما فاتهم من اليمان والطاعة ل ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان سوء عاقبة موالة شياطين النس والجن وطاعتهم في معصية ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير مبدأ أن العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب إذ عقبة بن أبي معيط هو الذي أطاع‬ ‫أبي بن خلف حيث آمن‪ ،‬ثم لمه أُبى بن خلف فارتد عن السلم فهو المتندم المتحسر القائل {يا‬ ‫ليتني لم أتخذ فلنا خليلً لقد أضلني عن الذكر‪}...‬‬ ‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نَ ِبيّ عَ ُدوّا مّنَ‬ ‫خذُوا هَذَا ا ْلقُرْآنَ َمهْجُورًا (‪َ )30‬وكَذَِلكَ َ‬ ‫َوقَالَ الرّسُولُ يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّ َ‬ ‫جمَْل ًة وَاحِ َدةً‬ ‫ن َو َكفَى بِرَ ّبكَ هَادِيًا وَ َنصِيرًا (‪َ )31‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل نُ ّزلَ عَلَيْهِ ا ْلقُرْآنُ ُ‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمِي َ‬ ‫كَذَِلكَ لِنُثَ ّبتَ بِهِ ُفؤَا َدكَ وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيل (‪ )32‬وَل يَأْتُو َنكَ ِبمَ َثلٍ إِل جِئْنَاكَ بِا ْلحَقّ وَأَحْسَنَ َتفْسِيرًا (‪)33‬‬ ‫ضلّ سَبِيل (‪)34‬‬ ‫جهَنّمَ ُأوْلَ ِئكَ شَرّ ّمكَانًا وََأ َ‬ ‫الّذِينَ ُيحْشَرُونَ عَلَى وُجُو ِههِمْ إِلَى َ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الخذول‪ :‬كثير الخذلن‪ ,‬وخذله‪ :‬إذا ترك نصرته وهو قادر عليها فالخذل والخذلن‪ :‬معناهما‪:‬‬ ‫ترك نصر المستنجد مع القدرة على نصره‪.‬‬

‫( ‪)3/611‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫مهجورا ‪ :‬أي شيئا متروكا ل يلفت إليه‪.‬‬ ‫هاديا ونصيرا‪ :‬أي هاديا لك إلى طريق الفوز والنجاح وناصرا لك على كل أعدائك‪.‬‬ ‫جملة واحدة‪ :‬أي كما نزلت التوراة والنجيل والزبور دفعة واحدة فل تجزئة ول تفريق‪.‬‬ ‫لنثبت به فؤادك ‪ :‬أي نقوي قلبك لتتحمل أعباء الرسالة وإبلغها‪.‬‬ ‫ورتلناه ترتيلً‪ :‬أي أنزلناه شيئا فشيئا آيات بعد آيات وسورة بعد أخرى ليتيسر فهمه وحفظه‪.‬‬ ‫شر مكانا‪ :‬أي ينزلونه وهو جهنم والعياذ بال منها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرض أحوال البعث الخر الذي أنكره المشركون وكذبوا فقال تعالى‬ ‫{وقال الرسول ‪ 1‬يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} هذه شكوى الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم بقومه إلى ربه ليأخذهم بذلك‪ .‬وهجرهم للقرآن تركهم سماعه وتفهمه والعمل بما فيه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وكذلك ‪ 2‬جعلنا لكلى نبي عدوا من المجرمين} أي وكما جعلنا لك أيها الرسول‬ ‫أعداء لك من مجرمي قومك جعلنا لكل نبي قبلك عدوا من مجرمي قومه‪ ،‬إذا فاصبر وتحمل حتى‬ ‫تبلغ رسالتك وتؤدي أمانتك‪ ،‬وال هاديك إلى سبيل نجاحك وناصرك على أعدائك‪ .‬وهذا معنى‬ ‫قوله تعالى {وكفى بربك هاديا ونصيرا}‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وقال الذين كفروا لول نزل عليه القرآن‬ ‫جملة واحدة} أي وقال المكذبون بالبعث المنكرون للنبوة المحمدية المشركون بال آلهة من‬ ‫الصنام هل نزل عليه القرآن مرة واحدة مع بعضه بعضا ل مفرقا آيات وسورا أي كما نزلت‬ ‫التوراة جملة واحدة والنجيل والزبور وهذا من باب التعنت منهم والقتراحات التي ل معنى لها‬ ‫إذ هذا ليس من شأنهم ول مما يحق لهم الخوض فيه‪ ،‬ولكنه الكفر والعناد‪ .‬ولما كان هذا مما قد‬ ‫يؤلم الرسول صلى ال عليه وسلم رد تعالى عليهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الرسول‪ :‬هو محمد صلى ال عليه وسلم يشكو المشركين من قومه إلى ربه تعالى يوم القيامة‬ ‫لتحق عليهم كلمة العذاب‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة تحمل العزاء للنبي صلى ال عليه وسلم والتسلية من جراء ما يجد من قومه‬ ‫المكذبين المعادين المحاربين‪ ،‬ومعنى الية‪ :‬وكما جعلنا لك عدوا من قومك وهو أبو جهل جعلنا‬ ‫لكل نبي عدوا‪.‬‬

‫( ‪)3/612‬‬ ‫بقوله {(كذلك ‪ }1‬أي أنزلناه كذلك منجما ومفرقا لحكمة عالية وهي تقوية قلبك وتثبيته لنه كالغيث‬ ‫كلما أنزل أحيا موات الرض وازدهرت به ونزوله مرة بعد مرة أنفع من نزول المطر دفعة‬ ‫واحدة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ورتلناه ترتيل} أي أنزله مرتلً أي شيئا فشيئا ليتيسر حفظه وفهمه والعمل‬ ‫به‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {ول يأتونك ‪ 2‬بمثل إل جئناك بالحق وأحسن ‪ 3‬تفسيرا} هذا بيان الحكمة في نزول‬ ‫القرآن مفرقا ل جملة واحدة وهو أنهم كلما جاءوا بمثل أو عرض شبهة ينزل القرآن الكريم‬ ‫بإبطال دعواهم وتفنيد كذبهم‪ ،‬وإلغاء شبهتهم‪ ،‬وإحقاق الحق في ذلك وبأحسن تفسير لما اشتبه‬ ‫عليهم واضطربت نفوسهم فيه وقوله تعالى {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر‬ ‫مكانا وأضل سبيلً‪ }4‬أي أولئك المنكرون للبعث المقترحون نزول القرآن جملة واحدة هم الذين‬ ‫يحشرون على وجوههم تسحبهم الملئكة على وجوههم إلى جهنم لنهم مجرمون بالشرك‬ ‫والتكذيب والكفر والعناد‪ .‬أولئك البعداء شر مكانا يوم القيامة‪ ،‬وأضل سبيلً في الدنيا‪ ،‬إذ مكانهم‬ ‫جهنم‪ ،‬وسبيلهم الغواية والضللة والعياذ بال من ذلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬شهادة الرسول صلى ال عليه وسلم على من هجروا القرآن الكريم فلم يسمعوه ولم يتفهموه‬ ‫ولم يعملوا به‪ ،‬وشكواه إياهم إلى ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان سنة ال في العباد وهي أنه ما من نبي ول هاد ول منذر إل وله عدو من الناس وذلك‬ ‫لتعارض الحق مع الباطل‪ ،‬فينجم عن ذلك عداء لزم من أهل الباطل لهل الحق‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان الحكمة في نزول القرآن منجما شيئا فشيئا مفرقا‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن المجرمين‪ .‬يحشرون على وجوههم ل على أرجلهم إلى جهنم إهانة لهم وتعذيبا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون كذلك من كلم المشركين‪ :‬أي‪ :‬لول نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أي‪:‬‬ ‫كالتوراة والنجيل فيتم الوقف على كذلك ثم يبتدئ {لنثبت به فؤادك} وما في التفسير أولى‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا كقولهم‪{ :‬إن هذا غلّ إفك افتراه} وقولهم‪{ :‬أساطير الولين} وقولهم‪{ :‬ما لهذا الرسول يأكل‬ ‫الطعام ويمشي في السواق} وقولهم {إن تتبعون إلّ رجل مسحورا} وقولهم‪{ :‬لول نزل عليه‬ ‫القرآن جملة واحدة} كل هذا الذي قالوه رد عليهم وأبطله بالحجج القوية فأسكتهم وأبطل دعاويهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬بما يقطع حجتهم ويلقمهم الحجر فل يستطيعون الرد أو القول‪.‬‬ ‫‪{ 4‬سبيل} منصوب على التمييز المحول عن فاعل‪ ،‬أي‪ :‬ضلّت سبيلهم‪.‬‬

‫( ‪)3/613‬‬ ‫ن وَزِيرًا (‪َ )35‬فقُلْنَا اذْهَبَا ِإلَى ا ْل َقوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا‬ ‫جعَلْنَا َمعَهُ َأخَاهُ هَارُو َ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ وَ َ‬ ‫جعَلْنَاهُمْ لِلنّاسِ آ َي ًة وَأَعْتَدْنَا‬ ‫سلَ أَغْ َرقْنَاهُ ْم َو َ‬ ‫بِآيَاتِنَا فَ َدمّرْنَا ُهمْ تَ ْدمِيرًا (‪َ )36‬و َقوْمَ نُوحٍ ّلمّا كَذّبُوا الرّ ُ‬ ‫س َوقُرُونًا بَيْنَ ذَِلكَ كَثِيرًا (‪َ )38‬وكُل ضَرَبْنَا‬ ‫عذَابًا أَلِيمًا (‪ )37‬وَعَادًا وَ َثمُو َد وََأصْحَابَ الرّ ّ‬ ‫لِلظّاِلمِينَ َ‬ ‫سوْءِ َأفَلَمْ َيكُونُوا‬ ‫لَ ُه المْثَالَ َوكُل تَبّرْنَا تَتْبِيرًا (‪ )39‬وََلقَدْ أَ َتوْا عَلَى ا ْلقَرْيَةِ الّتِي ُأمْطِ َرتْ مَطَرَ ال ّ‬ ‫يَ َروْ َنهَا َبلْ كَانُوا ل يَرْجُونَ نُشُورًا (‪)40‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ا لكتاب ‪ :‬أي التوراة‪.‬‬ ‫وزيرا‪ :‬أي يشد أزره ويقويه ويتحمل معه أعباء الدعوة‪.‬‬ ‫إلى القوم الذين كذبوا‪ :‬هم فرعون وآله‪.‬‬ ‫لما كذبوا الرسل ‪ :‬أي نوحا عليه السلم‪.‬‬ ‫و جعلناهم للناس آية ‪ :‬أي علمة على قدرتنا في إهلك وتدمير الظالمين وعبرة للمعتبرين‪.‬‬ ‫و عادا وثمود ‪ :‬أي اذكر قوم عاد وثمود إلخ‪..‬‬ ‫وأصحاب الرس ‪ :‬الرس بئر رس فيها قوم نبيهم‪ ،‬أي رموه فيها ودسوه في التراب‪.‬‬ ‫وقرونا بين ذلك كثيرا ‪ :‬أي ودمرنا بين من ذكرنا من المم قرونا كثيرا‪.‬‬ ‫تبرنا تتبيرا ‪ :‬أي دمرناهم تدميرا‪.‬‬ ‫التي أمطرت مطر السوء ‪ :‬هي سدوم قرية قوم لوط‪.‬‬ ‫ل يرجون نشورا ‪ :‬أي ل يؤمنون بالبعث والجزاء الخر‪.‬‬

‫( ‪)3/614‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ولقد آتينا مرسى الكتاب} هذا شروع في عرض أمم كذبت رسلها وردت دعوة الحق‬ ‫التي جاءوا بها فأهلكهم ال تعالى ليكون هذا عظة للمشركين لعلهم يتعظون فقال تعالى وعزتنا لقد‬ ‫آتينا موسى بن عمران الكتاب الذي هو التوراة {وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا} أي معينا‪ ،‬فقلنا‬ ‫أي لهما {اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} وهم فرعون ‪ 1‬ومله فأتوهم فكذبوهما فدمرناهم ‪2‬‬ ‫تدميرا كاملً حيث أغرقوا في البحر‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وقوم نوح} أي اذكر قوم نوح أيضا فإنهم لما‬ ‫كذبوا الرسل ‪ 3‬أي كذبوا نوحا ومن كذب رسولً فكأنما كذب عامة الرسل أغرقناهم بالطوفان‬ ‫وجعلناهم للناس بعدهم آية أي عبرة للمعتبرين وقوله {وأعتدنا} أي وهيأنا ‪ 4‬للظالمين في الخرة‬

‫عذابا أليما أي موجعا زيادة على هلك الدنيا‪ ،‬وقوله {وعادا وثمود وأصحاب الرس ‪ }5‬أي أهلكنا‬ ‫الجميع ودمرناهم تدميرا لما كذبوا رسلنا وردوا دعوتنا‪ ،‬وقرونا أي وأهلكنا قرونا بين ذلك الذي‬ ‫ذكرنا كثيرا‪.‬‬ ‫وقوله {وكلً ضربنا له المثال} أي إقامة للحجة عليهم فما أهلكناهم إل بعد النذار والعذار لهم‪.‬‬ ‫وقوله {وكلً تبرنا تبتيرا} أي أهلكناهم إهلكا لتكذيبهم رسلنا وردهم دعوتنا‪ .‬وقوله‪{ :‬ولقد ‪ 6‬أتوا‬ ‫على القرية التي أمطرت مطر السوء} أي ولقد مر أي كفار قريش على القرية التي أمطرت مطر‬ ‫السوء أي الحجارة وهي قرى قوم لوط سدوم وعمورة وغيرهما فأهلكهم لتكذيبهم رسولهم و‬ ‫إيتانهم الفاحشة وقوله تعالى {أفلم يكونوا يرونها} في سفرهم إلى الشام وفلسطين‪ .‬فيعتبروا بها‬ ‫فيؤمنوا وهو استفهام تقريري وإذ كانوا يمرون بها ولكنهم لم يعتبروا لعلة وهي أنهم ل يؤمنون‬ ‫بالبعث الخر وهو معنى قوله تعالى {بل كانوا ل يرجون نشورا‪ }7‬فالذي ل يرجو أن يبعث‬ ‫ويحاسب ويجزى ل يؤمن ول يستقيم أبدا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فرعون وهامان والقبط‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية حذف وهو‪ :‬ما قدرناه في التفسير أي فكذبوهما فدمرناهم تدميرا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ذكر الجنس وهو الرسل والمراد نوح وحده لنه لم يكن في ذلك الوقت رسول إليهم إلّ نوح‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫‪ 4‬وجائز أن يكون معنى الية‪ :‬هذه سبيلي في كل ظالم آخذه في الدنيا بالدمار والهلك‪.‬‬ ‫‪ 5‬الرس‪ :‬في اللغة البئر تكون غير مطوية والجمع رساس قال الشاعر‪:‬‬ ‫تنابلة يحفرون الرسّاسا‬ ‫يريد آبار المعادن‪.‬‬ ‫‪ 6‬اقتران الخبر بلم القسم لفادة معنى التعجب من عدم اعتبارهم‪.‬‬ ‫‪ 7‬النشور‪ :‬مصدر نشر الميت‪ :‬أحياه قال الشاعر‪:‬‬ ‫يالبكر أنشروا لي كليبا‬ ‫يالبكر أين أين الفرار‬

‫( ‪)3/615‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في إهلك المم بعد النذار والعذار إليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عاقبة المكذبين وما حل بهم من دمار وعذاب‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان علة تكذيب قريش للرسول صلى ال عليه وسلم وما جاء به وهي تكذيبهم بالبعث‬ ‫والجزاء فلهذا لم تنفعهم المواعظ ولم تؤثر فيهم العبر‪.‬‬ ‫وَإِذَا رََأ ْوكَ إِن يَتّخِذُو َنكَ إِل هُ ُزوًا أَهَذَا الّذِي َب َعثَ اللّهُ رَسُول (‪ )41‬إِن كَادَ لَ ُيضِلّنَا عَنْ آِلهَتِنَا َلوْل‬ ‫خذَ إَِلهَهُ‬ ‫ضلّ سَبِيل (‪ )42‬أَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّ َ‬ ‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ حِينَ يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ مَنْ َأ َ‬ ‫أَن صَبَرْنَا عَلَ ْيهَا وَ َ‬ ‫س َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ إِنْ ُهمْ إِل كَال ْنعَامِ َبلْ‬ ‫سبُ أَنّ َأكْثَرَهُمْ يَ ْ‬ ‫حَ‬ ‫َهوَاهُ َأفَأَنتَ َتكُونُ عَلَ ْي ِه َوكِيل (‪َ )43‬أمْ تَ ْ‬ ‫ضلّ سَبِيل (‪)44‬‬ ‫هُمْ َأ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن يتخذونك‪ :‬أي ما يتخذونك‪.‬‬ ‫إل هزوا ‪ :‬أي مهزوءا به‪.‬‬ ‫أهذا الدي بعث ال رسولً‪ :‬أي في دعواه ل أنهم معترفون برسالته والستفهام للتهكم والحتقار‪.‬‬ ‫إن كاد ليضلنا عن آلهتنا‪ :‬أي قارب أن يصرفنا عن آلهتنا‪.‬‬ ‫لول أن صبرنا عليها‪ :‬أي لصرفنا عتها‪.‬‬ ‫أرأيت من اتخذ إلهه هواه ‪ :‬أي أخبرني عمن جعل هواه معبوده فأطاع هواه‪ .‬فهل تقدر على‬ ‫هدايته‪.‬‬

‫( ‪)3/616‬‬ ‫إن هم إل كالنعام ‪ :‬أي ما هم إل كالنعام في عدم الوعي والدراك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وإذا رأوك إن يتخذونك إل هزوا} يخبر تعالي رسوله عن أولئك ‪ 1‬المشركين‬ ‫المكذبين بالبعث أنهم إذا رأوه في مجلس أو طريق ما يتخذونه إل هزوا أي مهزوءا به احتقارا‬ ‫وازدراءً له فيقولون فيما بينهم‪ { ،‬أهذا الذي بعث ال ‪ 2‬رسولً} وهو استفهام احتقار وازدراء‬ ‫لنهم ل يعتقدون أنه رسول ال ويقولون {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} أي يصرفنا عن عبادة آلهتنا‬ ‫لول أن صبرنا وثبتنا على عبادتها‪ .‬وهذا القول منهم ناتج عن ظلمة الكفر والتكذيب بالبعث وقوله‬ ‫تعالى {وسوف يعلمون حين يرون العذاب} في الدنيا أو في الخرة أي عندما يعاينون العذاب‬ ‫يعرفون من كان أضل سبيل هم أم الرسول والمؤمنون‪ ،‬وفي هذا تهديد ووعيد بقرب عذابهم وقد‬ ‫حل بهم في بدر فذلوا وأسروا وقتلوا وتبين لهم أنهم أضل سبيلً من النبيّ وأصحابه‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫لرسوله وهو يسليه ويخفف عنه آلم إعراض المشركين عن دعوته {أرأيت ‪ 3‬من اتخذ إلهه هواه}‬ ‫أخبرني عمن جعل معبوده هواه فل يعبد غيره فكلما اشتهى شيئا فعله بل عقل ول روية ول فكر‬ ‫فقد يكون لحدهم حجر يعبده فإذا رأى حجرا أحسن منه عبده وترك الول فهذا لم يعبد إل هواه‬ ‫وشهوته فهل مثل هذا النسان الهابط إلى مستوى دون البهائم تقدر على هدايته يا رسولنا؟ {أفأنت‬

‫تكون عليه وكيلً} أي حفيظا تتولى هدايته أم أنك ل تقدر فاتركه لنا يمضي فيه حكمنا‪.‬‬ ‫وقوله {أم تحسب} أيها الرسول أن أكثر هؤلء المشركين يسمعون ‪ 4‬ما يقال لهم ويعقلون ما‬ ‫يطلب منهم إن هم إل ‪ 5‬كالنعام فقط بل هم أضل ‪ 6‬سبيلً من النعام إذ النعام‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جواب { إذا رأوك} قوله‪{ :‬إن يتخذونك إلّ هزوا}‪.‬‬ ‫‪{ 2‬رسول} منصوب على الحال‪ ،‬والعائد محذوف تقديره‪ ،‬بعثه ال حال كونه رسول‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للتعجيب أي‪ :‬عجب ال تعالى رسوله من حال المشركين أي‪ :‬من إضمارهم الشرك و‬ ‫إصرارهم عليه مع إصرارهم أن ال تعالى خالقهم ورازقهم ثم يعمد أحدهم إلى حجر يعبده‪ .‬قال‬ ‫ابن عباس‪ :‬الهوى إنه يعبد من دون ال ثم تل هذه الية ‪{ :‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} وقد كان‬ ‫الرجل منهم إذا هوى شيئا عبده حتى إنه ليعبد الحجر أياما ثم يرى غيره فيترك الول ويعبد‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي‪ :‬سماع قبول أو يتفكرون فيما تقول فيعقلونه‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لنها في جواب سؤال لن ما تقدمها في إنكار سمعهم يثير في‬ ‫النفس سؤالً عن نفي سماعهم وفهمهم فأجيب {إن هم إلّ كالنعام)‪.‬‬ ‫‪ 6‬هم أضل من النعام لن البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلن ذلك بخلف‬ ‫هؤلء المشركين‪.‬‬

‫( ‪)3/617‬‬ ‫تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلف ذلك فجهلوا ربهم الحق ولم‬ ‫يستجيبوا لنداء رسوله إليهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما كان الرسول صلى ال عليه وسلم يلقي في سبيل الدعوة من سخرية به واستهزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬يتجاهل النسان الضال الحق وينكره حتى إذا عاين العذاب عرف ما كان ينكر‪ ،‬وآمن بما‬ ‫كان يكفر‪.‬‬ ‫‪ -3‬هداية النسان ممكنة حتى إذا كفر بعقله وآمن بشهوته وعبد هواه تعذرت هدايته وأصبح‬ ‫أضل من الحيوان وأكثر خسرانا منه‪.‬‬ ‫شمْسَ عَلَيْهِ دَلِيل (‪ )45‬ثُمّ قَ َبضْنَاهُ‬ ‫جعَلْنَا ال ّ‬ ‫جعَلَهُ سَاكِنًا ثُمّ َ‬ ‫ل وََلوْ شَاء لَ َ‬ ‫ظّ‬ ‫أَلَمْ تَرَ إِلَى رَ ّبكَ كَيْفَ مَدّ ال ّ‬ ‫ج َعلَ ال ّنهَارَ نُشُورًا (‪)47‬‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِبَاسًا وَال ّنوْمَ سُبَاتًا وَ َ‬ ‫إِلَيْنَا قَ ْبضًا يَسِيرًا (‪ )46‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬ ‫طهُورًا (‪ )48‬لِنُحْ ِييَ بِهِ بَلْ َدةً‬ ‫سمَاء مَاء َ‬ ‫حمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ال ّ‬ ‫سلَ الرّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ َي َديْ رَ ْ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي أَرْ َ‬

‫سيّ كَثِيرًا (‪) 49‬‬ ‫سقِيَهُ ِممّا خََلقْنَا أَ ْنعَامًا وَأَنَا ِ‬ ‫مّيْتًا وَنُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر إلى ربك كيف مد الظل‪ :‬أي ألم تنظر إلى صنيع ربك في الظل كيف بسطه‪.‬‬ ‫ولو شاء ال لجعله ساكنا ‪ :‬أي ثابتا على حاله في الطول والمتداد ول يقصر ول يطول‬ ‫ثم جعلنا الشمس عليه دليل ‪ :‬أي علمة على وجوده إذ لول الشمس لما عرف الظل‪.‬‬

‫( ‪)3/618‬‬ ‫ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ‪ :‬أي أزلناه بضوء الشمس على مهل جزءا فجزءا حتى ينتهي‪.‬‬ ‫ثم جعلنا الليل لباسا ‪ :‬أي يستركم بظلمه كما يستركم اللباس‪.‬‬ ‫والنوم سباتا ‪ :‬أي راحة لبدانكم من عناء عمل النهار‪.‬‬ ‫وجعل النهار نشورا ‪:‬أي حياة إذ النوم بالليل كالموت والنتشار بالنهار كالبعث‪.‬‬ ‫بشرا بين يدي رحمته ‪ :‬أي مبشرة بالمطر قبل نزوله‪ ,‬والمطر هو الرحمة‪.‬‬ ‫ماء طهورا ‪ :‬أي تتطهرون به من الحداث والوساخ‪.‬‬ ‫لنحيي به بلدة ميتا ‪ :‬أي بالزروع والنباتات المختلفة‪.‬‬ ‫أنعاما وأناسي كثيرا ‪ :‬أي حيوانا وأناسا كثيرين‪.‬‬ ‫ولقد صرفناه بينهم‪ :‬أي المطر فينزل بأرض قوم ول ينزل بأخرى لحكم عالية‪.‬‬ ‫ليذكروا ‪ :‬أي يذكروا فضل ال عليهم فيشكروا فيؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫فأبى أكثر الناس إل كفورا ‪ :‬أي فلم يذكروا وأبى أكثرهم إل كفورا جحودا للنعمة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ألم تر إلى ‪ 1‬ربك كيف مد الظل}‪ 2‬هذا شروع في ذكر مجموعة من أدلة التوحيد‬ ‫وهي مظاهر لربوبية ال تعالى المقتضية للوهيته فأولً الظل وهو المشاهد من وقت السفار إلى‬ ‫طلوع الشمس وقد مده الخالق عز وجل أي بسطه في الكون‪ ,‬ثم تطلع الشمس فتأخذ في زواله‬ ‫وانكماشه شيئا فشيئا‪ ,‬ولو شاء ال تعالى لجعله ساكنا ل يبارح ول يغادر ولكنه حسب مصلحة‬ ‫عباده جعله يتقاصر ويقبض حتى تقف الشمس في كبد السماء فيستقر ثم لما تدحض الشمس مائلة‬ ‫إلى الغروب يفيء أي يرجع شيئا فشيئا فيطول تدريجيا لتعرف به ساعات النهار و أوقات‬ ‫الصلوات حتى يبلغ من الطول حدا كبيرا كما كان في أول النهار ثم يقبض قبضا يسيرا خفيا‬ ‫سريعا حين تغرب الشمس ويغشاه ظلم الليل‪ .‬هذه آية من آيات قدرة ال و علمه وحكمته‬ ‫ورحمته بعباده تجلت في الظل الذي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن تكون الرؤية هنا بصرية وعلمية‪ ،‬معا إذ بالعين يشاهد الظل وزواله وبالقلب يعلم ذلك‬

‫كذلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬الظل بالغداء والفيء بالعشي قال الشاعر‪:‬‬ ‫فل الظل من برد الضحا نستطيعه‬ ‫ول الفيء من برد العشي نذوق‬

‫( ‪)3/619‬‬ ‫قال تعالى فيه {ألم تر} أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلله {كيف مد الظل‪ ،‬ولو شاء‬ ‫لجعله ساكنا} ينتقل‪{ ،‬ثم جعلنا الشمس عليه دليلً} إذ بضوءها يعرف‪ ،‬فلول الشمس لما عرف‬ ‫الظل وقوله تعالى {ثم قبضناه إلينا قبضاه يسيرا } حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض‬ ‫الظل نهائيا ويحل محله الظلم الحالك‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬في الليل والنهار قال تعالى‪{ :‬وهو الذي جعل لكم الليل لباسا‪ }1‬أي ساترا يستركم بظلمه‬ ‫كما تستركم الثياب {والنوم ‪ 2‬سباتا} أي وجعل النوم قطعا للعمل فتحصل به راحة البدان {وجعل‬ ‫النهار نشورا‪ }3‬أي حياة بعد وفاة النوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالسباب والسنن‬ ‫التي وضع ال تعالى لذلك‪.‬‬ ‫وثالثا‪ :‬إرسال الرياح للقاح السحب للمطار لحياء الرض بعد موتها بالقحط والجدب قال تعالى‪:‬‬ ‫{وهو الذي أرسل الرياح ‪ }4‬هو ل غيره من اللهة الباطلة {أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}‬ ‫أي مبشرات بالمطر متقدمة عليه وهو الرحمة‪ .‬وهي بين يديه فمن يفعل هذا غير ال؟ اللهم إنه ل‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫ورابعا‪ :‬إنزال الماء الطهور العذب الفرات للتطهير به وشرب الحيوان والنسان قال تعالى{وأنزلنا‬ ‫ل وبقرا وغنما {وأناسي‬ ‫من السماء ماء طهورا‪ 5‬لنحي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما أي إب ً‬ ‫كثيرا} أي أناسا كثيرين وهم الدميون ففي خلق الماء وإنزاله وإيجاد حاجة في الحيوان والنسان‬ ‫إليه ثم هدايتهم لتناوله وشربه كل هذا آيات الربوبية الموجبة لتوحيد ال تعالى‪.‬‬ ‫وخامسا‪ :‬تصريف المطر بين الناس فيمطر في أرض ول يمطر في أخرى حسب لحكمة اللهية‬ ‫والتربية الربانية‪ .‬قال تعالى‪{ :‬ولقد صرفناه بينهم ‪ }6‬أي بين الناس كما‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن العربي ظنّ بعض الجهال أن كون الليل لباسا يجزىء من صلى فيه عاريا وهو ل‬ ‫يجزىء ولو أجزأ لجزأ من أغلق باب غرفته وصلى عريانا‪.‬‬ ‫‪ 2‬أصل السبت‪ :‬القطع والتمدد فهو بانقطاع البدن عن العمل تحصل له الراحة لذا قيل للنوم سبات‬ ‫لنه بالتمدد يكون‪ ،‬وفي التمدد معنى الراحة‪.‬‬ ‫‪ 3‬كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا أصبح يقول‪" :‬الحمد ل الذي أحياني بعدما أماتني وإليه‬

‫النشور"‪.‬‬ ‫‪ 4‬قيل‪ :‬إن تكوين الرياح سببه التقاء حرارة جانب من الجر ببرودة جانب آخر تنشأ السحب‪.‬‬ ‫‪ 5‬أكثر الفقهاء على أن الماء الطهور غير الطاهر فالطهور‪ :‬هو الذي تزال به الحداث بخلف‬ ‫الطاهر فلذا كل طهور طاهر وليس كل طاهر طهورا‪.‬‬ ‫‪ 6‬وجائز أن يراد بقوله {صرفناه بينهم} القرآن الكريم إذ جرى ذكره أول السورة وفي أثنائها‬ ‫أيضا‪.‬‬

‫( ‪)3/620‬‬ ‫هو مشاهد إقليم يسقى وآخر يحرم‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬فأبى أكثر الناس إل كفورا‪ }1‬أي جحودا لنعام‬ ‫ال عليهم وربوبيته عليهم وألوهيته لهم‪ .‬وهو أمر يقتضى التعجب والستغراب‪ .‬هذه مظاهر‬ ‫الربويية المقتضية لللوهية‪{ ،‬فأبى أكثر الناس إل كفورا} والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عرض الدلة الحسية على وجوب عبادة ال تعالى وتوحيده فيها ووجوب اليمان بالبعث‬ ‫والجزاء الذي أنكره المشركون فضلوا ضللً بعيدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فائدة الظل إذ به تعرف ساعات النهار وبه يعرف وقت صلة الظهر والعصر فوقت‬ ‫الظهر من بداية الفيء‪ ،‬أي زيادة الظل بعد توقفه من النقصان عند وقوف الشمس في كبد السماء‪،‬‬ ‫ووقت العصر من زيادة الظل مثله بمعنى إذا دخل الظهر والظل أربعة أقدام أو ثلثة أو أقل أو‬ ‫أكثر فإذا زاد مثله دخل وقت العصر فإن زالت الشمس على أربعة أقدام فالعصر يدخل عندما‬ ‫يكون الظل ثمانية أقدام و إن زالت الشمس على ثلثة أقدام فالعصر على ستة أقدام وهكذا‪.‬‬ ‫‪ -3‬الماء الطهور وهو الباقي على أصل ‪ 2‬خلقته فلم يخالطه شيء يغير طعمه أو لونه أو ريحه‪.‬‬ ‫وبه ترفع الحداث وتغسل النجاسات‪ ،‬ويحرم منعه عمن احتاج إليه من شرب أو طهارة‪.‬‬ ‫وَلَقَدْ صَ ّرفْنَاهُ بَيْ َن ُهمْ لِيَ ّذكّرُوا فَأَبَى َأكْثَرُ النّاسِ إِل ُكفُورًا (‪ )50‬وََلوْ شِئْنَا لَ َبعَثْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ َنذِيرًا (‬ ‫طعِ ا ْلكَافِرِينَ‬ ‫‪ )51‬فَل تُ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال عكرمة‪ :‬هو قولهم في النواء‪ :‬مطرنا بنوء كذا‪ ،‬وأيّده النحاس وقال‪ :‬ل نعلم خلفا أن‬ ‫الكفر هنا هو قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا روى الربيع بن صبيح قال‪ :‬مُطر الناس على عهد‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة فلما أصبحوا قال النبي صلى ال عليه وسلم "أصبح‬ ‫الناس فيها رجلين‪ :‬شاكرا وكافرا فأما الشاكر فيحمد ال تعالى على سقياه وغياثه‪ .‬وأما الكافر‬ ‫فيقول مطرنا بنوء كذا وكذا"‪.‬‬

‫‪ 2‬أحكام المياه‪ -1 :‬قليل الماء ينجسه قليل النجاسة وكثيره ل ينجسه‪ -2 .‬الماء طهور ما بقي‬ ‫على أصل خلقته فإن خالطه ما غيّر أحد أوصافه‪ :‬الريح واللون والطعم سلبت طهوريته‪-3 .‬‬ ‫الماء المتغيّر بطول المكث طهور‪-4 .‬كره بعض أهل العلم الوضوء بسؤر النصراني‪ ،‬وقد توضأ‬ ‫عمر من بيت نصرانية وقال لها‪ :‬اسلمي تسلمي فكشف عن رأسها وإذا به مثل الثغامة وقالت‪:‬‬ ‫عجوز كبيرة وإنما أموت الن فقال عمر‪ :‬اللهم أشهد خرجه الدار قطني ‪ -5‬سؤر الكلب ل‬ ‫يتوضأ به ويغسل الناء سبعا‪ -6 .‬ما مات في الماء مما ل دم له كالحشرات ل يسلب طهورية‬ ‫الماء‪ -7 .‬سؤر الهر طاهر لحديث أبي قتادة‪.‬‬

‫( ‪)3/621‬‬ ‫ج َعلَ‬ ‫ج َو َ‬ ‫ت وَهَذَا مِلْحٌ أُجَا ٌ‬ ‫جهَادًا كَبِيرًا (‪ )52‬وَ ُهوَ الّذِي مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ َهذَا عَ ْذبٌ فُرَا ٌ‬ ‫وَجَا ِهدْهُم ِبهِ ِ‬ ‫صهْرًا َوكَانَ‬ ‫جعَلَهُ َنسَبًا َو ِ‬ ‫حجُورًا (‪ )53‬وَ ُهوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ ا ْلمَاء بَشَرًا َف َ‬ ‫حجْرًا مّ ْ‬ ‫بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخًا وَ ِ‬ ‫ظهِيرًا (‬ ‫رَ ّبكَ قَدِيرًا (‪ )54‬وَ َيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا ل يَن َفعُهُمْ وَل َيضُرّهُمْ َوكَانَ ا ْلكَافِرُ عَلَى رَبّهِ َ‬ ‫‪َ )55‬ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِل مُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪)56‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لبعثنا في كل قرية نذيرا‪ :‬أي رسولً ينذر أهلها عواقب الشرك والكفر‪.‬‬ ‫وجاهدهم به جهادا كبيرا‪ :‬أي بالقرآن جهادا كبيرا تبلغ فيه أقصى غاية جهدك‪.‬‬ ‫مرج البحرين ‪ :‬أي خلط بينهما وفي نفس الوقت منع الماء الملح أن يفسد الماء العذب‪.‬‬ ‫وجعل بينهما برزخا ‪ :‬أي حاجزا بين الملح منهما والعذب‪.‬‬ ‫وحجرا محجورا‪ :‬أي وجعل بينهما سدا مانعا فل يحلو الملح‪ ،‬ول يملح العذب‪.‬‬ ‫خلق من الماء بشرا‪ :‬أي خلق من الماء النسان والمراد من الماء النطفة‪.‬‬ ‫فجعله نسبا وصهرا‪ :‬أي ذكرا وأنثى أي نسبا ينسب إليه‪ ،‬وصهرا يصهر إليه أي يتزوج منه‪.‬‬ ‫ما ل يضرهم ول ينفعهم ‪ :‬أي أصناما ل تضر ول تنفع‪.‬‬ ‫وكان الكافر على ربه ظهيرا‪ :‬أي معينا للشيطان على معصية الرحمن‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تعداد مظاهر الربوبية المستلزمة للتوحيد قال تعالى {ولو شئنا لبعثنا في كل‬ ‫قرية نذيرا} أي في كل مدينة نذيرا أي رسولً يندر الناس عواقب الشرك والكفر‪,‬‬

‫( ‪)3/622‬‬

‫ولكنا لم نشأ لحكمة اقتضتها ربوبيننا وهي أن تكون أيها الرسول أفضل الرسل وأعظم منزلة‬ ‫وأكثرهم ثوابا فحبوناك بهذا الفضل فكنت رسول كل القرى أبيضها وأسودها فأصبر وتحمل‪،‬‬ ‫واذكر شرف منزلتك {فل تطع الكافرين} في أي أمر أرادوه منك {وجاهدهم} به أي بالقرآن وكله‬ ‫حجج وبينات جهادا كبيرا تبلغ فيه أقصى ‪ 1‬جهدك‪ .‬بعد هذه الجملة العتراضية من الكلم اللهي‬ ‫قال تعالى مواصلً ذكر مظاهر ربوبيته تعالى على خلقه‪.‬‬ ‫{وهو الذي مرج البحرين} الملح والعذب أي أرسلهما مع بعضهما بعضا {هذا عذب فرات} أي‬ ‫حلو {سائغ شرابه‪ ،‬وهذا ملح ‪ 2‬أجاج} أي ل يشرب {وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا} أي‬ ‫ساترا مانعا من اختلط العذب بالملح مع وجودهما في مكان واحد‪ ،‬فل يبغي هذا على هذا بأن‬ ‫يعذب الملح أو يملح العذب‪ .‬وقوله تعالى {وهو الذي خلق من الماء بشرا} أي من المني ونطفته‬ ‫خلق النسان وجعله ذكرا وأنثى وهو معنى قوله {نسبا وصهرا‪ }3‬أي ذوي نسب ينسب إليهم وهم‬ ‫الذكور‪ ،‬وذوات صهر يصاهر بهن وهن الناث‪ .‬وقوله تعالى {وكان ربك قديرا} أي على فعل ما‬ ‫يريده من الخلق واليجاد أو التحويل والتبديل‪ ،‬والسلب والعطاء هذه مظاهر الربوبية المقتضية‬ ‫لعبادته وتوحيده والمشركون يعبدون من دونه أصناما ل تنفعهم إن عبدوها‪ ،‬ول تضرهم إن لم‬ ‫يعبدوها وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم فيعبدون الشيطان إذ هو الذي زين لهم عبادة الصنام وبذلك‬ ‫كان الكافر على ربه ظهيرا إذ بعبادته للشيطان يعينه على معصية الرب تبارك وتعالى وهو معنى‬ ‫قوله تعالى‪ ،‬ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم وكان الكافر على ربه ظهيرا أي‬ ‫معينا للشيطان على الرحمن والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وما أرسلناك إل مبشرا ونذيرا} يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك لغير بشارة‬ ‫المؤمنين بالجنة ونذارة الكافرين بالنار أما هداية القلوب فهي إلينا من شئنا هدايته‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ول يخالطه فتور‪ ،‬وقيل الجهاد بالسيف ويرده أن السورة مكية ولم يجر للسيف ذكر فكيف‬ ‫يكون المراد‪ ،‬وقيل‪ :‬بالسلم وهو أولى من السيف والقرآن اصح‪ ،‬وهو قول ابن عباس رضي ال‬ ‫عنهما‪.‬‬ ‫‪ 2‬الملح يوصف به الماء‪ ،‬ول يقال مالح إلّ نادرا والجاج ما كان ملحا مرا والعذب‪ .‬الحلو‬ ‫والفرات‪ :‬زائد الحلوة‪ ،‬والبرزخ‪ :‬الحاجز المانع والحرام المحرم أن يعذب الملح أو يملح العذب‪.‬‬ ‫‪ 3‬صهر الرجل‪ :‬قريب زوجته وأصهاره‪ :‬أقارب زوجته‪ .‬وختن الرجل من تزوج قريبته‪،‬‬ ‫وأختانه‪ :‬أقارب من زوّجه قريبته‪ ،‬والحم والجمع أحماء أقرباء زوج المرأء‪ ,‬والصهر والنسب‪:‬‬ ‫معنيان َي ُعمّان كل قربى تكون بين آدميين‪ ،‬قال ابن العربي النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر‬ ‫والنثى على وجه الشرع وما في التفسير أوضح لنه كقوله تعالى‪{ :‬إنا خلقناكم من ذكر وأنثى}‪.‬‬

‫( ‪)3/623‬‬

‫اهتدى ومن لم نشأها ضل‪ .‬إل أن ال يهدي ويضل حسب سنن له قد مر ذكرها مرات ‪.1‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الشارة إلى الحكمة في عدم تعدد الرسل في زمن البعثة المحمدية والكتفاء بالرسول محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة طاعة الكافرين في أمور الدين والشرع‪.‬‬ ‫‪ -3‬من الجهاد جهاد الكفار والملحدة بالحجج القرآنية واليات التنزيلية‪.‬‬ ‫‪ -4‬مظاهر العلم والقدرة اللهية في عدم اختلط البحرين مع وجودهما في مكان واحد‪ .‬وفي خلق‬ ‫ال تعالى النسان من ماء وجعله ذكرا وأنثى للتناسل وحفظ النوع‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنديد بالمشركين والكافرين المعينين للشيطان على الرحمن‪.‬‬ ‫حيّ الّذِي ل‬ ‫خذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيل (‪ )57‬وَ َت َو ّكلْ عَلَى ا ْل َ‬ ‫ُقلْ مَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِل مَن شَاء أَن يَتّ ِ‬ ‫ت وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫حمْ ِد ِه َو َكفَى بِهِ ِبذُنُوبِ عِبَا ِدهِ خَبِيرًا (‪ )58‬الّذِي خََلقَ ال ّ‬ ‫ت وَسَبّحْ ِب َ‬ ‫َيمُو ُ‬ ‫حمَنِ‬ ‫جدُوا لِلرّ ْ‬ ‫حمَنُ فَاسَْألْ ِبهِ خَبِيرًا (‪ )59‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ اسْ ُ‬ ‫فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ الرّ ْ‬ ‫سمَاء بُرُوجًا‬ ‫ج َعلَ فِي ال ّ‬ ‫سجُدُ ِلمَا تَ ْأمُرُنَا وَزَادَهُمْ ُنفُورًا (‪ )60‬تَبَا َركَ الّذِي َ‬ ‫حمَنُ أَنَ ْ‬ ‫قَالُوا َومَا الرّ ْ‬ ‫ل وَال ّنهَارَ خِ ْلفَةً ّلمَنْ أَرَادَ أَن َي ّذكّرَ َأوْ‬ ‫ج َعلَ اللّ ْي َ‬ ‫ج َعلَ فِيهَا سِرَاجًا َوقَمَرًا مّنِيرًا (‪ )61‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬ ‫وَ َ‬ ‫شكُورًا (‪)62‬‬ ‫أَرَادَ ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من سنن ال تعالى في الهداية والضلل‪ ,‬أن من طلب الهداية ورغب فيها وسألها من ربه‬ ‫تعالى ولزم الطلب هداه ال‪ ,‬ومن رغب عن الهداية وطلب الغواية وسلك مسالكها مفضل لها‬ ‫على الهداية وأصر على ذلك أضله ال والعياذ بال‪.‬‬

‫( ‪)3/624‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عليه من أجر‪ :‬أي على البلغ من أجر اتقاضاه منكم‪.‬‬ ‫سبيل‪ :‬أي طريقا يصل به إلى مرضاته والفوز بجواره‪ ،‬وذلك بإنفاق ماله في سبيل ال‪.‬‬ ‫وسبح بحمده ‪ :‬أي قل سبحان ال وبحمده‪.‬‬ ‫في ستة أيام‪ :‬أي من أيام الدنيا التي قدرها وهي الحد‪ ...‬والجمعة‪.‬‬ ‫ثم استوى على العرش ‪ :‬العرش سرير الملك والستواء معلوم والكيف مجهول واليمان به‬ ‫واجب‪.‬‬

‫فاسأل به خبيرا‪ :‬أي أيها النسان إسأل خبيرا بعرش الرحمن ينبئك فإنه عظيم‪.‬‬ ‫وزادهم نفورا ‪ :‬أي القول لهم اسجدوا للرحمن زادهم نفورا من اليمان‪.‬‬ ‫جعل في السماء بروجا‪ :‬هي إثنا عشر برجا انظر تفصيلها في معنى اليات‪.‬‬ ‫سراجا‪ :‬أي شمسا‪.‬‬ ‫خلفة‪ :‬أي يخلف كل منهما الخر كما هو مشاهد‪.‬‬ ‫أن يذكر‪ :‬أي ما فاته في أحدهما فيفعله في الخر‪.‬‬ ‫أو أراد شكورا‪ :‬أي شكرا لنعم ربه عليه فيهما بالصيام والصلة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد هذا العرض العظيم لمظاهر الربوبية الموجبة لللوهية أمر ال تعالى رسوله أن يقول‬ ‫للمشركين ما أسألكم على هذا البيان الذي بينت لكم ما تعرفون به إلهكم الحق فتعبدونه وتكملون‬ ‫على عبادته وتسعدون أجرا أي مالً‪ ،‬لكن من شاء أن ينفق من ماله في وجوه البر والخير يتقرب‬ ‫به إلى ربه فله ذلك ليتخذ ‪ 1‬بنفقته في سبيل ال طريقا إلى رضا ربه عنه ورحمته له‪.‬‬ ‫وقوله {وتوكل ‪ 2‬على الحي الذي ل يموت} يأمر تعالى رسوله أن يمضي في طريق‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجائز أن يكون {اتخذ إلى ربه سبيل} بإتباع ديني أي‪ :‬السلم حتى ينال كرامة الدنيا والخرة‬ ‫والنفاق في سبيل ال تعالى داخل فيه‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬ ‫‪ 2‬التوكل معناه‪ :‬اعتماد القلب على ال تعالى في كل المور مع إتيان السباب المشروعة للبلوغ‬ ‫إلى المطلوب مما هو خير ومعروف و أمر إدراك المطلوب إلى ال تعالى مع الرضا بما يتم من‬ ‫ربح أو خلفه ونجاح وغيره‪.‬‬

‫( ‪)3/625‬‬ ‫دعوته مبلغا عن ربه داعيا إليه متوكلً عليه أي مفوضا أمره إليه إذ هو الحي الذي ل يموت‬ ‫وغيره يموت‪ ،‬وأمره أن يستعين على دعوته وصبره عليها بالتسبيح فقال {وسبح بحمده} أي قل‬ ‫سبحان ال وبحمده‪ ،‬وسبحانك اللهم وبحمدك وهو أمر بالذكر والصلة وسائر العبادات فإنها العون‬ ‫الكبير للعبد على الثبات والصّبر‪ .‬وقوله تعالى {وكفى به بذنوب عباده خبيرا} أي فل تكرب لهم‬ ‫ول تحزن عليهم من أجل كفرهم وتكذيبهم وشركهم فإن ربك عالم بذنوبهم محص عليهم أعمالهم‬ ‫وسيجزيهم بها في عاجل أمرهم أو آجله‪ .‬ثم أثنى تبارك وتعالى على نفسه بقوله {الذي خلق‬ ‫السموات والرض وما بينهما ‪ 1‬في ستة أيام} مقدرة بأيام الدنيا أولها الحد وآخرها الجمعة‪ ،‬ثم‬ ‫استوى على العرش العظيم استواء يليق بجلله وكماله‪{ .‬الرحمن} الذي عمًت رحمته العالمين‬ ‫{فاسأل به خبيرا} أي فاسأل يا محمد ‪ 2‬بالرحمن خبيرا بخلقه فإنه خالق كل شيء والعليم بكل‬

‫شيء فهو وحده العليم بعظمة عرشه وسعة ملكه وجلل وكمال نفسه ل إله إل هو ول رب سواه‬ ‫وقوله {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} أي وإذا قال لهم الرسول أيها المشركون اسجدوا للرحمن‬ ‫ول تسجدوا لسواه من المخلوقات‪ .‬قالوا منكرين متجاهلين {ما الرحمن ‪3‬؟} أنسجد لما تأمرنا أي‬ ‫أتريد أن تفرض علينا طاعتك {وزادهم} هذا القول {نفورا}‪ ،‬أي بعدا واستنكارا للحق والعياذ بال‬ ‫تعالى‪ .‬وقوله تعالى {تبارك الذي جعل في السماء بروجا} أي تقدس وتنزه أن يكون له شريك في‬ ‫خلقه أو في عبادته الذي بعظمته جعل في السماء بروجا وهي منازل الكواكب السبعة السيارة فلذا‬ ‫سميت بروجا جمع برج وهو القصر الكبير وتعرف هذه البروج الثنا عشر بالحمل والثور‬ ‫والجوزاء والسرطان والسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت‪.‬‬ ‫والكواكب السبعة السيارة هي‪ :‬المريخ‪ ،‬والزهرة وعطارد‪ ،‬والقمر‪ ،‬والشمس‪ ،‬والمشتري‪ ،‬وزحل‪.‬‬ ‫فهذه الكواكب تنزل في البروج كالقصور لها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال {بينهما} ولم يقل بينهن لنه أراد الصنفين أو النوعين أو الشيئين وهو أخص من كلمة‬ ‫بينهن وأخف على اللسان والمقصود ظاهر بكل من العبارتين جمع أو تثنية‪.‬‬ ‫‪ 2‬رجح بعضهم أن الباء هنا بمعنى عن أي‪ :‬اسأل عن الرحمن خبيرا واستشهد بقول الشاعر‪:‬‬ ‫فإن سألوني بالنساء فإنني‬ ‫خبير بأدواء النساء طبيب‬ ‫فقوله بالنساء أي‪ :‬عن النساء‪ .‬ورأي ابن كثير أن المسؤول هنا هو الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫لنه أعرف الخلق بالخالق وبعزته وعظمته جل جلله‪.‬‬ ‫‪ 3‬إنهم بجهلهم أنكروا اسم الرحمن ل‪ ,‬وقالوا‪ :‬يأمر بعبادة إله واحد وهو يدعو ال ويدعو الرحمن‬ ‫فأنزل ال تعالى‪{ :‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله السماء الحسنى} السراء‪.‬‬

‫( ‪)3/626‬‬ ‫وقوله تعالى {وجعل فيها سراجا} هو الشمس {وقمرا منيرا}‪ 1‬هو القمر أي تعاظم وتقدس الذي‬ ‫جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وقوله {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة‬ ‫‪ }2‬أي يخلف بعضهما بعضا فل يجتمعان أبدا وفي ذلك من المصالح والفوائد مال يقادر قدره‬ ‫ومن ذلك أن من نسي عملً بالنهار يذكره في الليل فيعمله‪ ،‬ومن نسي عملً بالليل يذكره بالنهار‬ ‫فيعمله ‪ ,3‬وهو معنى قوله {لمن أراد أن يذكر} وقوله {أو أراد شكورا} فإن الليل والنهار ظرفان‬ ‫للعبادة الصيام بالنهار والقيام بالليل فمن أراد أن يشكر ال تعالى على نعصه فقد وهبنا له فرصة‬ ‫لذلك وهو الليل للتهجد والقيام والنهار للجهاد والصيام‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬دعوة ال ينبغي أن ل يأخذ الداعي عليها أجرا ممن يدعوهم ‪ 4‬إلى ال تعالى ومن أراد أن‬ ‫يتطوع من نفسه فينفق في سبيل ال فذلك له‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب التوكل على ال فإنه الحي الذى ل يموت وغيره يموت‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب التسبيح والذكر والعبادة وهذه هي زاد العبد وعدته وعونه‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية السجود عند قوله تعالى وزادهم نفورا للقارىء والمستمع ‪.5‬‬ ‫‪ -5‬صفة استواء الرحمن على عرشه فيجب اليمان بها على ما يليق بجلل ال وكماله‬ ‫ويحرم تأويلها بالستيلء والقهر ونحوهما‪.‬‬ ‫‪ -6‬الترغيب في الذكر والشكر‪ ،‬واغتنام الفرص للعبادة والطاعة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرىء فى الشاذ قُمرا بضم القاف وإسكان الميم وصاحب القراءة هو عصمة الذي يروي‬ ‫القراءات قال فيه أحمد بن حنبل‪ :‬ل تكتبوا عنه وقد أولع أبو حاتم بالرواية عنه مع السف‪.‬‬ ‫‪ 2‬الخلفة‪ :‬كل شيء بعد شيء ومنه قيل لليل والنهار خلفة لن كل منهما يخلف الثاني إذا ذهب‬ ‫ومنه قيل لورق النبات الذي يخلف الورق الول خلفة ومنه قول زهير بن أبي سلمى‪:‬‬ ‫بها العين والرام يمشين خلفة‬ ‫وأطلؤهن ينهض من كل مجثم‬ ‫خلفة‪ :‬هذه تذهب وتلك تأتي‪ .‬والعين‪ :‬جمع عيناء وأعين‪ :‬واسعات العيون والمراد بقر الوحش‬ ‫والطلء‪ :‬جمع طل‪ :‬ولد البقرة وولد الظبية الصغير‪ ،‬والمجثم‪ :‬موضع الجثوم‪ :‬أي المقام‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى مسلم عن عمر رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "من نام عن‬ ‫حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما لمن صلة الفجر وصلة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"‪.‬‬ ‫‪ 4‬لو أعطي الداعي إلى ال تعالى من أوقاف وقفت لهذا الغرض أو أعطي من بيت المال ما يسد‬ ‫به خلته ويقضي به حاجته فأخذ فل حرج‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه السجدة من عزائم السجدات فل ينبغي أن يتركها القارىء ول المستمع‪.‬‬

‫( ‪)3/627‬‬ ‫حمَنِ الّذِينَ َي ْمشُونَ عَلَى ال ْرضِ َهوْنًا وَإِذَا خَاطَ َب ُهمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلمًا (‪ )63‬وَالّذِينَ‬ ‫وَعِبَادُ الرّ ْ‬ ‫عذَا َبهَا كَانَ‬ ‫جهَنّمَ إِنّ َ‬ ‫سجّدًا َوقِيَامًا (‪ )64‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا اصْ ِرفْ عَنّا عَذَابَ َ‬ ‫يَبِيتُونَ لِرَ ّبهِمْ ُ‬ ‫غَرَامًا (‪ )65‬إِ ّنهَا سَاءتْ ُمسْ َتقَرّا َو ُمقَامًا (‪ )66‬وَالّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْ ِرفُوا وَلَمْ َيقْتُرُوا َوكَانَ بَيْنَ‬ ‫ق وَل‬ ‫حّ‬ ‫ذَِلكَ َقوَامًا (‪ )67‬وَالّذِينَ ل يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَ َر وَل َيقْتُلُونَ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِل بِالْ َ‬ ‫عفْ َلهُ ا ْلعَذَابُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَ َيخْلُدْ فِيهِ ُمهَانًا (‪ )69‬إِل‬ ‫يَزْنُونَ َومَن َي ْف َعلْ ذَِلكَ يَلْقَ أَثَامًا (‪ُ )68‬يضَا َ‬

‫غفُورًا رّحِيمًا (‪)70‬‬ ‫حسَنَاتٍ َوكَانَ اللّهُ َ‬ ‫عمَل صَالِحًا فَُأوْلَ ِئكَ يُبَ ّدلُ اللّهُ سَيّئَا ِت ِهمْ َ‬ ‫عمِلَ َ‬ ‫مَن تَابَ وَآمَنَ وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يمشون على الرض هونا ‪ :‬في سكينة ووقار‪.‬‬ ‫وإذا خاطبهم الجاهلون‪ :‬أي بما يكرهون من القوال‪.‬‬ ‫قالوا سلما‪ :‬أي قولً يسلمون به من الثم‪ ،‬ويسمى هذا سلم ‪ 1‬المتاركة‪.‬‬ ‫سجدا وقياما ‪ :‬أي يصلون بالليل سجدا جمع ساجد‪.‬‬ ‫إن عذابها كان غراما‪ :‬أي عذاب جهنم كان لزما ل يفارق صاحبه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬سلم المتاركة‪ :‬هو أن يقول قولً يسلم به من أذى الجاهل وذلك بأن يدفعه بالتي هي أحسن من‬ ‫الكلمات‪.‬‬

‫( ‪)3/628‬‬ ‫إنها ساءت مستقرا ومقاما‪ :‬أي بئست مستقرا وموضع إقامة واستقرار‪.‬‬ ‫لم يسرفوا ولم يقتروا‪ :‬أي لم يبذروا ولم يضيقوا‪.‬‬ ‫وكان بين ذلك قواما‪ :‬أي بين السراف والتقتير وسطا‪.‬‬ ‫التي حرم ال‪ :‬وهي كل نفس آدمية إل نفس الكافر المحارب‪.‬‬ ‫إل بالحق‪ :‬وهو واحد من ثلث‪ :‬كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل ظلم وعدوان‪.‬‬ ‫يلق أثاما‪ :‬أي عقوبة شديدة‪.‬‬ ‫يبدل ال سيئاتهم حسنات‪ :‬بأن يمحو بالتربة سوابق معاصيهم‪ ،‬ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أنكر المشركون الرحمن {قالوا وما الرحمن} وأبوا أن يسجدوا للرحمن‪ ،‬وقالوا أن محمدا ينهانا‬ ‫عن الشرك وهو يدعو مع ال الرحمن فيقول يا ال يا رحمن‪ ،‬ناسب لتجاهلهم هذا السم الرحمن‬ ‫أن يذكر لهم صفات عباد الرحمن ليعرفوا الرحمن بعباده على حد "خيركم من إذا رُؤي ذُكر ال"‬ ‫فقال تعالى {وعباد الرحمن ‪ }1‬ووصفهم بثمان صفات وأخبر عنهم بما أعده لهم من كرامة يوم‬ ‫القيامة‪ .‬الولى في قوله {الذين يمشون على الرض هونا‪ }2‬أي ليسوا جبابرة متكبرين‪ ،‬ول‬ ‫عصاة مفسدين ولكن يمشون متواضعين عليهم السكينة والوقار‪{ ،‬وإذا خاطبهم الجاهلون} أي‬ ‫السفهاء بما يكرهون من القول قالوا قولً يسلمون ‪ 3‬به من الثم فلم يردوا السيئة بالسيئة ولكن‬ ‫بالحسنة‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬في قوله {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} أي يقضون ليلهم بين السجود‬ ‫__________‬

‫‪{ 1‬وعباد الرحمن} مبتدأ والخبر‪ :‬إن أريد بهم أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم خاصة‬ ‫فالخبر‪{ :‬الذين يمشون} وما بعده نعوت لهم وصفات‪ ،‬وإن أريد بهم عامة المؤمنين فالخبر‪{ :‬أولئك‬ ‫يجزون الغرفة} والصلت الثمانية‪ :‬صفات ونعوت لهم‪ .‬وهذا الراجح‪.‬‬ ‫‪ 2‬الهون‪ :‬اللين والرفق‪ ،‬والمشي الهون‪ :‬هو الذي ليس فيه ضرب بالقدام وخفق النعال فهو غير‬ ‫مشي المتكبرين المعجبين بنفوسهم‪ ،‬وعباد الرحمن يمشون وعليهم السكينة والوقار وفى الحديث‪:‬‬ ‫"أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس باليضاع وهو السير مثل الخبب" إن الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم كان إذا زال زال تقلعا ويخطو تكفؤا ويمشي هونا ذريع المشية كأنما ينحط من صبب‪،‬‬ ‫قيل‪ :‬نعم هو كما وصف فالتقلع معناه رفع الرجل بقوة حتى ل يمشي مشية المتمسكن الذليل‬ ‫والذريع‪ ،‬الواسع الخطا ومعناه أنه كان يرفع رجله بسرعة ويوسع خطوه كأنما ينحط من صبب‬ ‫فأين هذا الهون المحمدي في المشي من الختيال والتمايل إعجابا بالنفس وضرب الرض كأنما‬ ‫يريد أن يخرقها بنعله‪ .‬وال تعالى قال‪{ :‬ول تمش في الرض مرحا} والمرح‪ :‬هو مشيُ الخيلء‪،‬‬ ‫والفجر‪ ،‬وقال‪{ :‬إنك لن تخرق الرض} أي بضربك إياها برجليك بشدة‪{ .‬ولن تبلغ الجبال طول}‬ ‫مهما حاولت العلو والرتفاع‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا كقوله تعالى‪{ :‬وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا سلم عليكم ل نبتغي الجاهلين}‪.‬‬

‫( ‪)3/629‬‬ ‫والقيام يصفون أقدامهم ويذرفون دموعهم على خدودهم خوفا من عذاب ربهم‪.‬‬ ‫والثالثة‪ :‬في قوله {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم} إنهم لقوة يقينهم كأنهم شاعرون‬ ‫بلهب جهنم يدنو من وجوههم فقالوا {ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} أي‬ ‫مُلحا لزما ل يفارق صاحبه‪{ ،‬إنها ساءت} أي جهنم {مستقرا ومقام} أي بئست موضع إقامة‬ ‫واستقرار‪.‬‬ ‫والرابعة‪ :‬في قوله {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} في إنفاقهم فيتجاوزوا الحد المطلوب منهم‪ ،‬ولم‬ ‫يقتروا فيقصروا في الواجب عليهم وكان إنفاقهم بين السراف والتقتير قواما أي عدلً وسطا‪.‬‬ ‫والخامسة‪{ :‬والذين ل يدعون مع ال إلها آخر} أي ل يسألون غير ربهم قضاء حوائجهم كما ل‬ ‫يشركون بعبادة ربهم أحدا {ول يقتلون النفس التي حرم ال} قتلها وهي كل نفس آدمية ما عدا‬ ‫نفس الكافر المحارب فإنها مباحة القتل غير محرمة‪{ .‬إل بالحق} وهو واحدة من ثلث خصال‬ ‫بينها الرسول صلى ال عليه وسلم في حديث الصحيحين "ل يحل دم امرىء مسلم إل بإحدى‬ ‫ثلث‪ :‬الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" {ول يزنون} أي ل يرتكبون‬ ‫فاحشة الزنا والزنا نكاح على غير شرط النكاح المباح وقوله تعالى {ومن يفعل ذلك} هذا كلم‬ ‫معترض بين صفات عباد الرحمن‪ .‬أي ومن يفعل ذلك المذكور من‪ ،‬الشرك بدعاء غير الرب أو‬

‫قتل النفس بغير حق‪ ،‬أو زنا {يلق اثاما}‪ 1‬أي عقابا {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه} أ‬ ‫ي في العذاب {مهانا} مخزيا ذليلً‪ ،‬وقوله تعالى {إل من تاب} من الشرك وآمن بال وبلقائه‬ ‫وبرسوله وما جاء به من الدين الحق {وعمل صالحا} من إقامة الصلة وإيتاء الزكاة وصيام‬ ‫رمضان وحج بيت ال الحرام {فأولئك} المذكورون أي التائبون {يبدل ال سيئاتهم حسنات} أي‬ ‫يمحو سيآتهم بتوبتهم ويكتب لهم مكانها صالحات أعمالهم وطاعاتهم بعد توبتهم {وكان ال غفورا‬ ‫رحيما} ذا مغفرة للتائبين من عباده ذا رحمة بهم فل يعذبهم بعد توبته عليهم‪ ،‬وقوله {ومن تاب}‬ ‫من غير هؤلء المذكورين أي رجع إلى ال تعالى بعد غشيانه الذنوب‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الثام‪ :‬قيل فيه إنه واد في جهنم‪ :‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫لقيت المهالك في حربنا‬ ‫وبعد المهالك نلقي أثاما‬ ‫وقيل الثام‪ :‬العقاب كما في التفسير وشاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫جزى ال ابن عروة حيث أمسى‬ ‫عقوقا والعقوق له أثام‬ ‫أي‪ :‬جزاء وعقوبة‪.‬‬

‫( ‪)3/630‬‬ ‫{وعمل صالحا} بعد توبته {فإنه يتوب إلى ال متابا} أي يرجع إليه تعالى مرجعا مرضيا حسنا‬ ‫فيكرمه وينعمه في دار كرامته‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان صفات عباد الرحمن الذين بهم يعرف الرحمن عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة التواضع والسكينة في المشي ء والوقار‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة رد السيئة بالحسنة والقول السليم من الثم‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة قيام ‪ 1‬الليل والخوف من عذاب النار‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة العتدال والقصد في ‪ 2‬النفقة وهي حسنة بين السيئتين‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة الشرك وقتل النفس ‪ 3‬والزنى وأنها أمهات الكبائر‪.‬‬ ‫‪ -7‬التوبة تجب ‪ 4‬ما قبلها‪ .‬والندب إلى التوبة وأنها مقبولة مالم يغرغر‪.‬‬ ‫ش َهدُونَ الزّورَ وَِإذَا مَرّوا بِالّل ْغوِ‬ ‫ع ِملَ صَالِحًا فَإِنّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتَابًا (‪ )71‬وَالّذِينَ ل يَ ْ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫َومَن تَا َ‬ ‫عمْيَانًا (‪ )73‬وَالّذِينَ‬ ‫صمّا وَ ُ‬ ‫مَرّوا كِرَامًا (‪ )72‬وَالّذِينَ إِذَا ُذكّرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ لَمْ يَخِرّوا عَلَ ْيهَا ُ‬

‫َيقُولُونَ رَبّنَا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أنشد بعضهم البيات التالية في صفة أولياء ال جعلنا ال منهم‪ :‬فقال‪:‬‬ ‫ل قوم أخلصوا في حبه‬ ‫فرضي بهم واختصهم خدّاما‬ ‫قوم إذا جن الظلم عليهم‬ ‫باتوا هنالك سجدا وقياما‬ ‫خمص البطون من التعفف ضمرا‬ ‫ل يعرفون سوى الحلل طعاما‬ ‫‪ 2‬روي أن عبد الملك بن مروان سأل بنته فاطمة وهي تحت ابن أخيه عمر بن عبدالعزيز وقد‬ ‫زارهما بالمدينة فقال لها كيف نفقتكم؟ فقالت‪ :‬الحسنة بين السيئتين‪ .‬تعني قول ال تعالى {والذين‬ ‫إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} وقيل‪ :‬المسؤول زوجها عمر وهو الذي أجاب وال أعلم وفي‬ ‫الحديث‪{ :‬إن من السرف أن تأكل كل ما تشتهي}‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى مسلم أن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قلت يا رسول ال‪ :‬أي الذنب أكبر عند‬ ‫ال؟ قال‪" :‬أن تجعل ل ندا وهو خلقك قال ثم أي؟ قال‪ :‬أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال ثم‬ ‫أي‪ :‬قال‪ :‬أن تزاني حليلة جارك" فأنزل ال تصديقها {الذين ل يدعون مع ال إله آخرا} إلى {ول‬ ‫يزنون}‪.‬‬ ‫‪ 4‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬اتق ال حيثما كنت وأتتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق‬ ‫حسن" والشاهد‪{ :‬إن الحسنات يذهبن السيئات}‪.‬‬

‫( ‪)3/631‬‬ ‫جعَلْنَا ِل ْلمُتّقِينَ ِإمَامًا (‪ُ )74‬أوْلَ ِئكَ يُجْ َزوْنَ ا ْلغُ ْرفَةَ ِبمَا‬ ‫ن وَا ْ‬ ‫َهبْ لَنَا مِنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُ ّرةَ أَعْيُ ٍ‬ ‫صَبَرُوا وَيَُل ّقوْنَ فِيهَا َتحِيّ ًة وَسَلمًا (‪ )75‬خَالِدِينَ فِيهَا حَسُ َنتْ مُسْ َتقَرّا َومُقَامًا (‪ُ )76‬قلْ مَا َيعْبَأُ ِبكُمْ‬ ‫سوْفَ َيكُونُ لِزَامًا (‪)77‬‬ ‫رَبّي َلوْل دُعَا ُؤكُمْ َفقَدْ َكذّبْتُمْ َف َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل يشهدون الزور‪ :‬أي ل يحضرون مجالسه ول يشهدون بالكذب والباطل‪.‬‬ ‫وإذا مروا باللغو‪ :‬أي بالكلم السيء القبيح وكل مال خير فيه‪.‬‬ ‫مروا كراما‪ :‬أي معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن سماعه أو المشاركة‪ ،‬فيه‪.‬‬ ‫و إذا ذكروا بآيات ربهم‪ :‬أي إذا وعظوا بآيات القرآن‪.‬‬ ‫لم يخروا عليها صما وعميانا‪ :‬أي لم يطأطئوا رؤوسهم حال سماعها عميا ل يبصرون ول صما‬

‫ل يسمعون بل يصغون يسمعون ويعون ما تدعو إليه ويبصرون ما تعرضه‪.‬‬ ‫قرة أعين‪ :‬أي ما تقر به أعيننا وهو أن تراهم ‪ 1‬مطيعين لك يعبدونك وحدك‪.‬‬ ‫واجعلنا للمتقين إماما‪ :‬أي من عبادك الذين يتقون سخطك بطاعتك قدوة يقتدون بنا في الخير‪.‬‬ ‫يجزون الغرفة ‪ :‬أي الدرجة العليا في الجنة‪.‬‬ ‫بما صبروا‪ :‬أي على طاعتك بامتثال المر واجتناب النهي‪.‬‬ ‫حسنت مستقرا ًومقاما‪ :‬أي صلحت وطابت مستقرا لهم أي موضع استقرار‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬أعيننا‪.‬‬

‫( ‪)3/632‬‬ ‫وإقامة‪.‬‬ ‫ما يعبأ بكم ربي‪ :‬أي ما يكثرث ول يعتد بكم ول يبالي‪.‬‬ ‫لول دعاؤكم ‪ :‬إياه‪ ،‬ودعاؤه إياكم لعبادته بذكره وشكره‪.‬‬ ‫فسوف يكون لزاما‪ :‬أي العذاب لزما أي لزما لكم في بدر ويوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر صفات عباد الرحمن الذي تجاهله المشركون وقالوا‪ :‬وما الرحمن‬ ‫فها هي ذي صفات عباده دالة عليه وعلى جلله وكماله‪ ،‬وقد مضى ذكر خمس صفات‪:‬‬ ‫والسادسة‪ :‬في قوله تعالى {والذين ل يشهدون الزور}‪ 1‬الزور هو الباطل والكذب وعباد الرحمن‬ ‫ل يحضرون مجالسه ول يقولونه ول يشهدونه ول ينطقون به {وإذا مروا باللغو}‪ 2‬وهو كل عمل‬ ‫وقول ل خير فيه {مروا ‪ 3‬كراما} أي مكرمين أنفسهم من التلوث به‪،‬بالوقوع فيه‪.‬‬ ‫والسابعة‪ :‬في قوله تعال {والذين إذا ذكروا بآيات ربهم} أي إذا ذكرهم أحد بآيات القرآن كتاب‬ ‫ربهم عز وجل لم يحنوا رؤوسهم عليها صما حتى ل يسمعوا مواعظها ول عميانا حتى ل‬ ‫يشاهدوا آثار آياتها بل يحنون رؤوسهم سامعين لها واعين لما تقوله وتدعو إليه مبصرين آثارها‬ ‫مشاهدين وقائعها متأثرين بها‪.‬‬ ‫والثامنة‪ :‬في قوله تعالى {والذين يقولون} أي في دعائهم {ربنا هب لنا} أي أعطنا {من أزواجنا‬ ‫وذرياتنا قرة أعين ‪ }4‬أي ما تقر به أعيننا وذلك بأن نراهم يتعلمون الهدى ويعملون به طلبا‬ ‫لمرضاتك يا ربنا {واجعلنا للمتقين} من عبادك الذين يتقون سخطك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل في الزور‪ :‬إنه كل باطل زور وزخرف وأعظمه الشرك وتعظيم النداد وقال ابن عباس‪:‬‬ ‫إنه أعياد المشركين وقال عكرمة‪ :‬اللعب كان في الجاهلية يسمى الزور‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬الغناء‪:‬‬

‫ويطلق اليوم على التصوير والصور إذ هو الزور والكذب قطعا‪ .‬والحكم في شاهد الزور أن يجلد‬ ‫أربعين جلدة ويسخم وجهه ويحلق رأسه ويطاف به في السوق بهذا حكم عمر رضي ال عنه‪.‬‬ ‫وتسخيم الوجه أن يسود بالفحم‪.‬‬ ‫‪ 2‬اللغو‪ :‬كل سقط من قول أو فعل فيدخل فيه الغناء واللهو وذكر النساء وغير ذلك من المنكر‪،‬‬ ‫وقال بعضهم اللغو كل قول أو عمل لم يحقق لك درهما لمعاشك ول حسنة لمعادك‪.‬‬ ‫‪ 3‬كراما‪ :‬أي معرضين منكرين ل يرضونه ول يمالئون عليه ول يجالسون أهله‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرة العين مأخوذ من القرّ وهو البرد إذ دموع الفرح باردة و دموع الحزن حارة قال الشاعر‪:‬‬ ‫فكم تسخنت بالمس عين قريرة‬ ‫وقوت عيون دمعها اليوم ساكب‬ ‫ومن ثم قالوا في الدعاء‪ :‬اقر ال عينك أي‪ :‬أفرحك‪.‬‬

‫( ‪)3/633‬‬ ‫بطاعتك بفعل أمرك وأمر رسولك واجتناب نهيك ونهي رسولك {واجعلنا للمتقين إماما} ‪ 1‬أي‬ ‫قدوة صالحة يقتدون بنا في الخير يا ربنا‪ .‬قال تعالى مخبرا عنهم بما أنعم به عليهم‪{ :‬أولئك} أي‬ ‫السامون أنفسا العالون أرواحا {يجزون الغرفة} وهي الدرجة العليا في الجنة {بما صبروا} على‬ ‫طاعة مولهم‪ ،‬وما يلحقهم من أذى في ذات ربهم {ويلقون فيها} أي تتلقاهم الملئكة بالتهاني‬ ‫والتحيات {تحية وسلما} أي بالدعاء بالحياة السعيدة والسلمة من الفات إذ هي حياة بل ممات‪،‬‬ ‫وسعادة بل منغصات‪ .‬وقوله تعالى {خالدين فيها} أي في تلك الغرفة في أعلى الجنة {حسنت‬ ‫مستقرا} أي طابت موضع إقامة واستقرار‪ .‬إلى هنا انتهى الحديث عن صفات عباد الرحمن وبيان‬ ‫جزائهم عند ربهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قل ما يعبأ بكم ربي لول دعاؤكم} أي قل يا رسولنا لولئك‬ ‫المشركين المنكرين للرحمن {ما يعبأ بكم ربي } أي ما يكترث لكم أو يبالي بكم {لول دعاؤكم }‬ ‫إياه أي عبادة من ‪ 2‬يعبده منكم إذ الدعاء هو العبادة ما أبالي بكم ول أكترث لكم‪ .‬أما وقد كذبتم‬ ‫بي وبرسولي فلم تعبدوني ولم توحدوني وإذا {فسوف يكون} العذاب ‪{ 3‬لزاما} وقد أذقتموه يوم‬ ‫بدر‪ ،‬وسوف يلزمهم في قبورهم إلى نشورهم‪ ،‬وسوف يلحقهم حتى مستقرهم في جهنم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة شهود الزور ‪ 4‬حرمة شهادته‪.‬‬ ‫ل كان أو قولً‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة العراض عن اللغو فع ً‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وحّد إماما ولم يجمعه {أئمة} لن المام مصدر كالقيام والصيام أم القوم يؤمهم فهو إمام لهم‪،‬‬

‫والمصدر يطلق فيدل على الواحد والجمع وجائز أن يراد أئمة كقول الرجل أميرنا هؤلء ومنه‬ ‫قول الشاعر‪:‬‬ ‫يا عاذلتي ل تزدن ملمتي‬ ‫إن العواذل لسن لي بأمير‬ ‫‪ 2‬إذ كانوا يدعونه تعالى في حال الشدة وعلى هذا فالمصدر مضاف إلى الفاعل و {إياه} معمول‬ ‫للدعاء‪ ..‬المصدر‪ ،‬وجائز أن يكون معناه لول دعاؤه إياكم لعبادته بذكره وشكره فيكون المصدر‬ ‫الذي هو الدعاء مضافا إلى مفعوله وجواب لول محذوف تقديره لم يعبأ بكم‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال الطبري‪ :‬معناه عذابا دائما لزما‪ .‬وقيل‪ :‬فقد كذبتم فسوف يكون تكذيبكم لزاما لكم أي‪:‬‬ ‫جزاؤه وهو العذاب لهم والمعنى واحد وهو لزوم العذاب لهم من اجل تكذيبهم الذي منعهم من‬ ‫تزكية نفوسهم باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫‪ 4‬وفي الصحيح‪ " :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بال وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال‬ ‫أل وقول الزور أل وشهادة الزور فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت"‪.‬‬

‫( ‪)3/634‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة تدبر القرآن وحسن الستماع لتلوته والتعاظ بمواعظه والعمل بهدايته‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة علو الهمة وسمو الروح وطلب الكمال والقدوة في الخير‪.‬‬ ‫‪ -5‬ل قيمة للنسان وهو أشرف الحيوانات لول عبادته ال عز وجل فإذا لم يعبده كان شر الخليقة‬ ‫‪.1‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى‪{ :‬أولئك هم شر البرية} وهم الكفار من أهل الكتاب والمشركون‪( .‬من سورة‬ ‫البينة)‪.‬‬

‫( ‪)3/635‬‬ ‫سورة الشعراء‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الشعراء‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها مائتان وسبع وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫سكَ أَل َيكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ (‪ )3‬إِن نّشَأْ نُنَ ّزلْ عَلَ ْيهِم‬ ‫طسم(‪ )1‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪َ )2‬لعَّلكَ بَاخِعٌ ّنفْ َ‬ ‫ح َدثٍ إِل كَانُوا‬ ‫حمَنِ مُ ْ‬ ‫ضعِينَ (‪َ )4‬ومَا يَأْتِيهِم مّن ِذكْرٍ مّنَ الرّ ْ‬ ‫سمَاء آيَةً َفظَّلتْ أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا خَا ِ‬ ‫مّن ال ّ‬ ‫عَنْهُ ُمعْ ِرضِينَ (‪َ )5‬فقَدْ َكذّبُوا َفسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُون (‪َ )6‬أوََلمْ يَ َروْا إِلَى الرْضِ كَمْ‬ ‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُم ّم ْؤمِنِينَ (‪ )8‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ‬ ‫أَنبَتْنَا فِيهَا مِن ُكلّ َزوْجٍ كَرِيمٍ (‪ )7‬إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)9‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫طسم‪ :‬ال أعلم بمراده بذلك‪.‬‬ ‫الكتاب المبين‪ :‬أي القرآن المبين للحق من الباطل‬ ‫باخع نفسك‪ :‬أي قاتلها من الغم‪.‬‬ ‫أل يكونوا مؤمنين‪ :‬أي من أجل عدم إيمانهم بك‪.‬‬ ‫آية‪ :‬أي نخوفهم بها‪.‬‬ ‫من ذكر‪ :‬أي من قرآن‪.‬‬ ‫معرضين ‪ :‬أي غير ملتفتتين إليه‪.‬‬ ‫زوج كريم‪ :‬أي صنف حسن‪.‬‬ ‫العزيز ‪:‬الغالب على أمره و مراده‪.‬‬ ‫الرحيم ‪ :‬بالمؤمنين من عباده‪.‬‬

‫( ‪)3/636‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫طسم هذه أحد الحروف المقطعة تكتب طسم‪ ،‬وتقرأ طا سين ميم بإدغام النون من سين في الميم‬ ‫الولى من ميم وال أعلم بمراده منها‪ .‬وفيها إشارة إلى أن القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف‬ ‫وعجز العرب عن تأليف مثله بل سورة واحدة من مثله دال قطعا على أنه كلم ال ووحيه إلى‬ ‫رسوله صلى ال عليه وسلم وقوله {تلك آيات الكتاب ‪ }1‬أي اليات المؤلفة من مثل هذه الحروف‬ ‫هي آيات الكتاب أي القرآن المبين للحق أي المبين للحق من الباطل والهدى من الضلل‪،‬‬ ‫والشرائع والحكام‪ .‬وقوله تعالى {لعلك باخع نفسك} أي قاتلها ومهلكها {أل يكونوا مؤمنين} أي إن‬ ‫لم يؤمن بك وبما جئت به قومك‪ ،‬فأشفق على نفسك يا رسولنا ول تعرضها للغم القاتل فإنه ليس‬ ‫عليك هدايتهم وإنما عليك البلغ وقد بلغت‪ ،‬إنا لو أردنا هدايتهم بالقسر والقهر لما عجزنا عن ذلك‬ ‫{ إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم ‪ 2‬لها خاضعين} أي إنا لقادرون على أن ننزل‬ ‫عليهم من السماء آية كرفع جبل أو إنزال كوكب أو رؤية ملك فظلت أي فتظل طوال النهار‬ ‫أعناقهم خاضعة‪ ،‬تحتها تتوقع في كل لحظة نزولها عليهم فتهلكهما فيؤمنوا حينئذ إيمان قسر‬

‫وإكراه ومثله ل ينفع صاحبه فل يزكي نفسه ول يطهر روحه لنه غير إرادي له ول اختياري‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن ‪ 3‬محدث} أي وما يأتي قومك المكذبين لك من‬ ‫موعظة قرآنية وحجج وبراهين تنزيلية تدل على صدقك وصحة دعوتك ممّا يحدثه ال إليك‬ ‫ويوحي به إليك لتذكرهم به إل أعرضوا فل يستمعون إليه ول يفكرون فيه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فقد كذبوا به}‪ 4‬يخبر تعالى رسوله بأن قومه قد كذبوا بما أتاهم من ربهم من ذكر‬ ‫محدث وعليه {فسيأتيهم أنباء} أي أخبار {ما كانوا به يستهزئون} وهو عذاب ال تعالى الذي كذبوا‬ ‫برسوله ووحيه وجحدوا توحيده وأنكروا طاعته وفي الية وعيد شديد وهم عرضة له في أية‬ ‫لحظة إن لم يتوبوا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬تلك آيات الكتاب} قال القرطبي رفع على إضمار مبتدأ أي‪ :‬هذه تلك‪ ..‬الخ وما في التفسير‬ ‫أولى أي‪ :‬هي آيات الكتاب‪.‬‬ ‫‪ 2‬لنهم إذا ذلت أعناقهم ذلوا ول داعي إلى أن يقال‪ :‬أعناقهم‪ :‬كبراؤهم ورؤساؤهم وإن ساغ لغة‪،‬‬ ‫إذ المراد أن ينزل عليهم آية تخضعهم وتذلهم رؤساء ومرؤوسين‪ ،‬والعناق جمع عنق بضم العين‬ ‫والنون وهو الرقبة ولما كانت العناق هي مظهر الخضوع أسند الخضوع إليها ومقتضى ظاهر‬ ‫الكلم هو فضلوا لها خاضعين بأعناقهم‪ ،‬وعدل عنه إلى إسناد الخضوع إلى العناق لنه يحمل‬ ‫الشارة إلى خضوع رؤسائهم الحاملين على الكفر والعناد وهذا من بليغ الكلم وبديعه‪.‬‬ ‫‪{ 3‬محدث} أي‪ :‬مستجد متكرر بعضه يعقب بعضا ويؤيده‪.‬‬ ‫‪{ 4‬فقد كذبوا} الفاء هي الفصيحة أفصحت عن تكذيبهم الناتج عن إعراضهم والفاء في فسيأتيهم‬ ‫للتعقيب والنباء جمع نبأ وهو الخبر ذو الشأن‪ ,‬والجملة تحمل التهديد والوعيد الشديد‪.‬‬

‫( ‪)3/637‬‬ ‫وقوله تعالى {أولم ‪ 1‬يروا إلى الرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم} إن كانت علة هذا‬ ‫التكذيب من هؤلء المشركين هي إنكارهم للبعث والجزاء وهو كذلك فلم ل ينظرون إلى الرض‬ ‫الميتة بالقحط ينزل ال تعالى عليها ماء من السماء فتحيا به بعد موتها فينبت ال فيها من كل زوج‬ ‫أي صنف من أصناف النباتات كريم أي حسن‪ .‬أليس في ذلك آية على قدرة ال تعالى على إحياء‬ ‫الموتى وبعثهم من قبورهم وحشرهم للحساب والجزاء‪ ،‬فلم ل ينظرون؟ {إن في ذلك لية} أي‬ ‫علمة واضحة للمشركين على صحة البعث والجزاء‪ .‬ففي إحياء الرض بعد موتها دليل على‬ ‫إحياء الناس بعد موتهم‪ .‬وقوله تعالى {وما كان أكثرهم مؤمنين ‪ }2‬يخبر تعالى أن فيما ذكر من‬ ‫إنباته أصناف النباتات الحسنة آية على البعث والحياة الثانية ولكن قضى ال أزلً أن أكثر هؤلء‬ ‫المشركين ل يؤمنون وقوله {وإن ربك لهو العزيز الرحيم ‪ }3‬يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال‬

‫عليه وسلم {وإن ربك لهو العزيز} أي الغالب على أمره المنتقم من أعدائه {الرحيم} بأوليائه‬ ‫فاصبر لحكمه وتوكل عليه وواصل دعوتك في غير غم ول هم ول حزن وإن العاقبة للمؤمنين‬ ‫بك المتبعين لك ‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن القرآن الكريم معجز لنه مؤلف من مثل طا سين ميم ولم يستطع أحد أن يؤلف مثله‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان الرسول صلى ال عليه وسلم يناله من الغم والحزن وتكذيب قومه له‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن إيمان المكره ل ينفعه‪ ،‬ولذا لم يكره ال تعالى الكفار على اليمان بواسطة اليات‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من عاقبة التكذيب بآيات ال وعدم الكتراث بها‪.‬‬ ‫‪ -5‬في إحياء الرض بالماء وإنبات النباتات المختلفة فيها دليل على البعث الخر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام إنكاري والهمزة داخلة على محذوف والواو عاطفة عليه نحو‪ :‬اعملوا ولم يروا‪.‬‬ ‫الرؤية‪ :‬معناها النظر بالعين‪ ،‬ولذا عدّي الفعل بإلى‪ .‬والزوج‪ :‬النوع‪ ،‬والكريم‪ :‬النفيس في نوعه‬ ‫وكم‪ :‬للتكثير ومن للتبعيض‪.‬‬ ‫‪ 2‬المراد ممن نفى اليمان عن أكثرهم هم‪ :‬أكابر مجرمي مكة إذ أكثرهم مات كافرا أما غيرهم‬ ‫فندر من لم يؤمن منهم إذ دخلوا في دين ال بعد الفتح أفواجا‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجملة تعليلية تضمنت التذكير بعزّة ال تعالى ورحمته فذوا العزة قادر على أن ينزل عذابه‬ ‫بأعدائه وذو الرحمة قادر على رحمة أوليائه كما أن هناك إشارة إلى أن تخلف العذاب اقتضته‬ ‫رحمته سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫( ‪)3/638‬‬ ‫عوْنَ أَل يَ ّتقُونَ (‪ )11‬قَالَ َربّ إِنّي‬ ‫وَإِذْ نَادَى رَ ّبكَ مُوسَى أَنِ ا ْئتِ ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪َ )10‬قوْمَ فِرْ َ‬ ‫عَليّ‬ ‫سلْ إِلَى هَارُونَ (‪ )13‬وََلهُمْ َ‬ ‫طلِقُ ِلسَانِي فَأَ ْر ِ‬ ‫صدْرِي وَل يَن َ‬ ‫ق َ‬ ‫أَخَافُ أَن ُي َكذّبُونِ (‪ )12‬وَ َيضِي ُ‬ ‫عوْنَ َفقُول إِنّا‬ ‫ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن َيقْتُلُونِ (‪ )14‬قَالَ كَل فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنّا َم َعكُم مّسْ َت ِمعُونَ (‪ )15‬فَأْتِيَا فِرْ َ‬ ‫سلْ َمعَنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)17‬‬ ‫رَسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )16‬أَنْ أَرْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذ نادى ربك‪ :‬أي اذكر لقومك يا رسولنا إذ نادى ربك موسى‪.‬‬ ‫أن ائت‪ :‬أي بأن ائت القوم الظالمين‪.‬‬ ‫أل يتقون‪ :‬أل يخافون ال ربهم ورب آبائهم الولين ما لهم ما دهاهم؟‬ ‫ويضيق صدري ‪ :‬أي من تكذيبهم لي‪.‬‬

‫ول ينطلق لساني‪ :‬أي للعقدة التي به‪.‬‬ ‫فأرسل إلى هرون‪ :‬أي إلى أخي هرون ليكون معي في إبلع رسالتي‪.‬‬ ‫ولهم عليّ ذنب‪ :‬أي ذنب القبطي الذي قتله موسى قبل خروجه إلى مدين‪.‬‬ ‫قال كل ‪ :‬أي قال ال تعالى له كل أي ل يقتلونك‪.‬‬ ‫فاذهبا‪ :‬أنت وهرون‪.‬‬ ‫إنا رسول رب العالمين ‪ :‬أي إليك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وإذ نادى ربك موسى} هذا بداية سلسة من القصص بدئت بقصه موسى وختمت‬ ‫بقصة شعيب وقصها على المشركين ليشاهدوا أحداثها ويعرفوا نتائجها‬

‫( ‪)3/639‬‬ ‫وهي دمار المكذبين وهلكهم مهما كانت قوتهم وطالت أعمارهم قال تعالى في خطاب رسوله‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم {وإذ نادى ربك موسى} أي اذكر إذ نادي ربك موسى في ليلة باردة‬ ‫شاتية بالواد اليمن من البقعة المباركة من الشجرة {أن ائت ‪ 1‬القوم الظالمين قوم ‪ 2‬فرعون} إذ‬ ‫ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك وظلموا بني إسرائيل باضطهادهم وتعذيبهم {أل يتقون} أي قل لهم‬ ‫أل تتقون أي يأمرهم بتقوى ربهم باليمان به وتوحيده وترك ظلم عباده فالستفهام معناه المر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {قال رب إني أخاف أن يكذبون} أي قال موسى بعد تكليفه رب إني أخاف أن يكذبون‬ ‫‪ 3‬فيما أخبرهم به وأدعوهم إليه‪{ ،‬ويضيق صدري ‪ }4‬لذلك {ول ينطلق لساني} للعقدة التي به‪،‬‬ ‫وعليه {فأرسل إلى هرون} أي جبريل يبلغه أن يكون معي معينا لي على إبلع رسالتي‪ ،‬وقوله‬ ‫{ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} هذا قول موسى عليه السلم لربه تعالى شكا إليه خوفه من‬ ‫قتلهم له بالنفس ‪ 5‬التي قتلها أيام كان بمصر قبل خروجه إلى مدين فأجابه الرب تعالى {كل ‪ }6‬أي‬ ‫لن يقتلوك‪ .‬وأمرهما بالسير إلى فرعون فقال {فاذهبا بآياتنا} وهي العصا واليد {إنا معكم‬ ‫مستمعون} أي فبلغاه ما أمرتكما ببلغه وإنا معكم مستمعون لما تقولن ولما يقال لكما {فأتيا‬ ‫فرعون فقول له} عند وصولكما إليه {إنا رسول ‪ 7‬رب العالمين} أي نحمل رسالة منه مفادها أن‬ ‫ترسل معنا ‪ 8‬بني إسرائيل لنخرج بهم إلى أرض الشام التي وعد ال بها بني إسرائيل هذا ما قاله‬ ‫موسى وهرون رسول رب العالمين أما جواب فرعون ففي اليات التالية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬أن) تفسيرية لنها واقعة بعد النداء وهو قول‪.‬‬ ‫‪ 2‬قوم فرعون‪ :‬بدل من الظالمين‪.‬‬ ‫‪{ 3‬أن يكذبون}‪ :‬الصل‪ :‬أن يكذبوني فحذفت النون الولى للناصب وهو أن فصارت يكذبونني ثم‬

‫حذفت ياء الضمير لدللة الكسرة عليها فصارت {يكذبون}‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ الجمهور يضيق صدري ول ينطلق لساني بالرفع للفعلين معا على الستئناف وقرىء‬ ‫بنصبهما لغير الجمهور‪.‬‬ ‫‪ 5‬المراد بالنفس‪ :‬نفس القبطي واسمه فاثور‪.‬‬ ‫‪{ 6‬كل} للردع والزجر عن هذا الظن‪.‬‬ ‫‪ 7‬لم يقل‪ :‬رسول إما لن رسول بمعنى رسالة إنّا ذو رسالة رب العالمين وإما لن الرسول‬ ‫بمعنى الجمع كالمصادر نحو‪ .‬هذا عدوي وهؤلء عدوي‪ ،‬والعرب تقول‪ :‬هذان رسولي وهؤلء‬ ‫رسولي‪.‬‬ ‫‪ 8‬قيل‪ :‬أقام بنو إسرائيل في مصر أربعمائة سنة وكانوا يوم خرجوا منها ستمائة ألف‪.‬‬

‫( ‪)3/640‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات صفة الكلم ل تعالى بندائه موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل بأس بإبداء التخوف عند القدام على المر الصعب ول يقدح في اليمان ول في التوكل‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية طلب العون والمساعدة من المسئولين إذا كلفوا المرء بما يصعب‪.‬‬ ‫عمُ ِركَ سِنِينَ (‪َ )18‬و َفعَلْتَ َفعْلَ َتكَ الّتِي َفعَ ْلتَ وَأَنتَ مِنَ‬ ‫قَالَ أَلَمْ نُرَ ّبكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِ ْثتَ فِينَا مِنْ ُ‬ ‫ح ْكمًا‬ ‫خفْ ُتكُمْ َفوَ َهبَ لِي رَبّي ُ‬ ‫ا ْلكَافِرِينَ (‪ )19‬قَالَ َفعَلْ ُتهَا ِإذًا وَأَنَا مِنَ الضّالّينَ (‪َ )20‬ففَرَ ْرتُ مِنكُمْ َلمّا ِ‬ ‫جعَلَنِي مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )21‬وَتِ ْلكَ ِن ْعمَةٌ َتمُّنهَا عََليّ أَنْ عَبّدتّ بَنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)22‬‬ ‫وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قال ‪ :‬أي قال فرعون ردا على كلم موسى في السياق السابق‪.‬‬ ‫ألم نريك فينا وليدا ‪ :‬أي في منازلنا وليدً أي صغيرا قريبا من أيام الولدة‪.‬‬ ‫ولبثت فينا من عمرك سنين ‪:‬أي أقمت بيننا قرابة ثلثين سنة وكان موسى يدعى ابن فرعون‬ ‫لجهل الناس به ورؤيتهم له في قصره يلبس ملبسه ويركب مراكبه‪.‬‬ ‫وفعلت فعلتك التي فعلت ‪ :‬أي قتلت الرجل القبطي‪.‬‬ ‫و أنت من الكافرين ‪ :‬أي الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الستعباد‪.‬‬ ‫و أنا من الضالين‪ :‬إذ لم يكن عندي يومئذ من علم ربي ورسالته ما عندي الن‪.‬‬ ‫أن عبدت بني إسرائيل ‪ :‬أي هل تعبيدك لبني إسرائيل يعد نعمة فتمن بها علي؟‬

‫( ‪)3/641‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق والحوار الدائر بين موسى عليه السلم وفرعون عليه لعائن الرحمن فرد فرعون‬ ‫على موسى بما أخبر تعالى به عنه في قوله {قال ألم نربك ‪ 1‬فينا وليدا} أي أتذكر معترفا أنا‬ ‫ربيناك وليدا أي صغيرا وأنت في حال الرضاع {ولبثت فينا} أي في قصرنا مع السرة المالكة‬ ‫{سنين} ثلثين سنة قضيتها من عمرك في ديارنا {وفعلت فعلتك(‪ })2‬أي الشنعاء {التي فعلت}‬ ‫وهي قتل موسى القبطي {وأنت من الكافرين} أي لنعمنا عليك الجاحد بها‪ ،‬كان هذا رد فرعون‬ ‫فلنستمع إلى رد موسى عليه السلم كما أخبر به ال تعالى عنه في قوله‪{ :‬قال فعلتها إذا} أي‬ ‫يومئذٍ {وأنا من الضالين} أي الجاهلين لنه لم يكن قد علمني ربي ما علّمني الن وما أوحى إليّ‬ ‫ول أرسلني إليكم ‪ 2‬رسولً {ففرت ‪ 3‬منكم لما خفتكم} من أجل قتلي النفس التي قتلت وأنا من‬ ‫الجاهلين {فوهب لي ربي حكما} أي علما نافعا يحكمني دون فعل ما ل ينبغي فعله {وجعلني من‬ ‫المرسلين ‪ }4‬أي من أنبيائه ورسله إلى خلقه ثم قال له ردا على ما امتن به فرعون بقوله ‪{ :‬ألم‬ ‫نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين} فقال {وتلك ‪ 5‬نعمة ‪ }6‬أي أو تلك نعمة تمنها علي‬ ‫وهي {أن عبدت بني إسرائيل} أي استعبدتهم أي اتخذتهم عبيدا لك يخدمونك تستعملهم كما تشاء‬ ‫كالعبيد لك ولم تستعبدني أنا لتخاذك إياي ولدا حسب زعمك فأين النعمة التي تمنها علي يا‬ ‫فرعون‪ ،‬نترك رد فرعون إلى اليات التالية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتقرير ومعناه المنّ على موسى والحتقار له‪.‬‬ ‫‪ 2‬الفعلة‪ :‬المرة وبالكسر‪ :‬الهيئة وقرأ الجمهور {فَعلتك} وهي المرة من الفعل‪ ،‬وشاهد الفعلة‬ ‫بالكسر للهيئة قول الشاعر‪:‬‬ ‫كأن مشيتها من بيت جارتها‬ ‫مَرّ السحابة ل ريث ول عجل‬ ‫يذكره بقتله القبطي تخويفا له وتهديدا‪.‬‬ ‫‪ 3‬كان خروج موسى من مصر إلى أن عاد إليها أحد عشر عاما إل أشهرا‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي فررت منكم إلى أرض مدين‪.‬‬ ‫‪ 5‬بناء على أنه قضى ثلثين سنة في مصر وأحد عشر عاما خارجها فقد نبيء على رأس‬ ‫الربعين وهي سنة ال تعالى في الرسل‪.‬‬ ‫‪ 6‬حرف الستفهام مقدر أي‪ :‬أو تلك كما هو في التفسير والستفهام إنكاري أي ينكر موسى على‬ ‫فرعون أن يكون استعباد بني إسرائيل نعمة تعدّ عليهم وهذا التقدير أولى من قول‪" :‬إن موسى‬ ‫اعترف لفرعون بنعمة التربية من حيث استعبد غيره وتركه هو لم يتعبده" ومن اعترض بأن‬ ‫همزة الستفهام ل تحذف إذا لم يكن في الكلم أم الدالة عليها محجوج بشواهد كثيرة منها قول‬

‫الشاعر‪:‬‬ ‫لم أنس يوم الرحيل وقفتها‬ ‫وجفنها من دموعها شرق‬ ‫وقولها والركاب واقفة‬ ‫تركتني هكذا وتنطلق‬ ‫والشاهد في قوله‪ :‬تركتني إذ الصل‪ :‬أتركتني فحذفت همزة الستفهام مع عدم (أم)‪.‬‬

‫( ‪)3/642‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‬ ‫‪ -1‬قبح جريمة القتل عند كافة الناس مؤمنهم وكافرهم وهو أمر فطري‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جواز التذكير بالحسان لمن أنكره ولكن ل على سبيل المتنان فإنه محبط للعمل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جواز إطلق لفظ الضلل على الجهل كما قال تعالى {ووجدك ضالً} كما قال موسى {وأنا‬ ‫من الضالين} أي الجاهلين قبل أن يعلمني ربي‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الفرار من الخوف إذا لم يكن في البلد قضاء عادل‪ ،‬وإل لما جاز الهرب من وجه‬ ‫العدالة‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إن كُنتُم مّوقِنِينَ (‪)24‬‬ ‫ن َومَا َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )23‬قَالَ َربّ ال ّ‬ ‫عوْ ُ‬ ‫قَالَ فِرْ َ‬ ‫سلَ‬ ‫حوْلَهُ أَل تَسْ َت ِمعُونَ (‪ )25‬قَالَ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئكُ ُم الوّلِينَ (‪ )26‬قَالَ إِنّ رَسُوَلكُمُ الّذِي أُرْ ِ‬ ‫قَالَ ِلمَنْ َ‬ ‫خ ْذتَ‬ ‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِن كُنتُمْ َت ْعقِلُونَ (‪ )28‬قَالَ لَئِنِ اتّ َ‬ ‫إِلَ ْيكُمْ َل َمجْنُونٌ (‪ )27‬قَالَ َربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬ ‫شيْءٍ مّبِينٍ (‪ )30‬قَالَ فَ ْأتِ ِبهِ إِن كُنتَ‬ ‫سجُونِينَ (‪ )29‬قَالَ َأوََلوْ جِئْ ُتكَ ِب َ‬ ‫جعَلَ ّنكَ مِنَ ا ْلمَ ْ‬ ‫إَِلهًا غَيْرِي ل ْ‬ ‫مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪)31‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما رب العالمين‪ :‬أي الذي قلت إنك لرسوله من أي جنس هو؟‬ ‫رب السموات والرض وما بينهما‪ :‬أي خالق ومالك السموات والرض وما بينهما‪.‬‬ ‫إن كنتم موقنين‪ :‬بأن السموات والرض وما بينهما من سائر المخلوقات مخلوقة قائمة فخالقها‬ ‫ومالكها هو رب العالمين‪.‬‬ ‫لمن حوله ‪ :‬أي من أشراف قومه ورجال دولته‪.‬‬ ‫أل تستمعون‪ :‬أي جوابه الذي لم يطابق السؤال في نظره‪.‬‬

‫( ‪)3/643‬‬

‫أو لو جئتك بشي مبين‪ :‬أي أتسجنني ولو جئتك ببرهان وحجة على رسالتي‪.‬‬ ‫فأت به إن كنت من الصادقين‪ :‬أي فأت بهذا الشيء المبين إن كنت من الصادقين فيما تقول‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلم وفرعون عليه لعائن الرحمن لما‬ ‫قال موسى {إني في رسول رب العالمين}في أول لحوار قال فرعون مستفسرا في عناد و مكابرة‬ ‫{وما رب ‪ 1‬العالمين} أي أيّ شيء هو أو من أي جنس من أجناس المخلوقات فأجابه موسى بما‬ ‫أخبر تعالى به عنه {قال رب ‪ 2‬السموات والرض وما بينهما} إي خالق السموات والرض‬ ‫وخالق ما بينهما‪ .‬ومالك ذلك كله‪ ،‬إن كنتم موقنين بأن كل مخلوق ل بد له من خالق خلقه‪ ،‬وهو‬ ‫أمر ل تنكره العقول‪ .‬وهنا قال فرعون في استخفاف وكبرياء لمن حوله من رجال دولته وأشراف‬ ‫قومه‪{ :‬أل تستمعون ‪ }3‬كأن ما قاله موسى أمر عجب أو مستنكر فعرف موسى ذلك فقال {ربكم‬ ‫ورب آبائكم الولين} أي خالقكم وخالق آبائكم الولين الكل مربوب له خاضع لحكمه وتصرفه‪.‬‬ ‫وهوا اغتاظ فرعون فقال {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} أراد أن ينال من موسى لنه‬ ‫أغاظه بقوله {ربكم ورب آبائكم الولين} فرد موسى أيضا قائلً {رب المشرق والمغرب وما‬ ‫بينهما} أي رب الكون كله {إن كنتم تعقلون} أي ما تخاطبون به ويقال لكم وفي هذا الجواب ما‬ ‫يتقطع له قلب فرعون فلذا رد بما أخبر به تعالى عنه في قوله {قال لئن اتخذت إلها غيري} أي‬ ‫ربا سواي {لجعلنك من المسجونين} أي لسجننك وأجعلك في قعر تحت الرض مع المسجونين‪.‬‬ ‫فرد موسى عليه السلم قائل { أو لو جئتك بشيء ‪ 4‬مبين} أي أتسجنني ولو‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لما غُلب فرعون في جداله لموسى استفهم بقوله‪{ :‬فما رب العالمين} وهو استفهام عن جنس‬ ‫ولم يستفهم عن رب العالمين تجاهلً منه ومكابرة فقال‪{ :‬وما رب العالمين} وكان المطلوب أن‬ ‫يقول‪ :‬ومن ربّ العالمين؟ ولكته العلو والتكبر‪.‬‬ ‫‪ 2‬لما علم موسى جهل فرعون وتجاهله أجابه بما يلقمه الحجر ويبطل دعواه في أن الربوبية‬ ‫تكون لبشر أو حجر فقال‪{ :‬رب السموات ‪ }...‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 3‬استفهم اللعين استفهام تعجّب وتهكم مستخفا بجواب موسى قائل {أل تسمعون} أي إلى قول هذا‬ ‫الذي زعم إبطال عقيدتكم وعقيدة آبائكم ولذا أجاب موسى بتقرير جوابه الول وهو مفحم مبطل‬ ‫لدعوى ربوبية فرعون ‪.‬‬ ‫‪ 4‬في جواب موسى عليه السلم هذا تلطف بفرعون وطمع في إيمانه لما بهره به من الردود‬ ‫المحكمة والجابات المفحمة‪.‬‬

‫( ‪)3/644‬‬

‫جئت بحجة بينة وبرهان ساطع على صدقي فيما قلت وأدعوكم إليه؟ وهنا قال فرعون ما أخبر‬ ‫تعالى به {قال فأت به إن كنت من الصادقين} أي فيما تدعي وتقول‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير الربوبية المقتضية لللوهية من طريق هذا الحوار ليسمع ذلك المشركون‪ ،‬وليعلموا أنهم‬ ‫مسبوقون بالشرك والكفر وأنهم ضالون‪.‬‬ ‫‪ -2‬سنة أهل الباطل أنهم يفجرون في الخصومة وفي الحديث "وإذا خاصم فجر"‪. 1‬‬ ‫‪ -3‬أهل الكبر والعلو في الرض إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد واستخدام القوة‪.‬‬ ‫حوْلَهُ‬ ‫عصَاهُ فَإِذَا ِهيَ ُثعْبَانٌ مّبِينٌ (‪ )32‬وَنَ َزعَ يَ َدهُ فَِإذَا ِهيَ بَ ْيضَاء لِلنّاظِرِينَ (‪ )33‬قَالَ لِ ْلمَل َ‬ ‫فَأَ ْلقَى َ‬ ‫ضكُم ِبسِحْ ِرهِ َفمَاذَا تَ ْأمُرُونَ (‪ )35‬قَالُوا أَ ْرجِهِ‬ ‫جكُم مّنْ أَ ْر ِ‬ ‫إِنّ َهذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (‪ )34‬يُرِيدُ أَن يُخْ ِر َ‬ ‫جمِعَ السّحَ َرةُ ِلمِيقَاتِ َيوْمٍ‬ ‫سحّارٍ عَلِيمٍ (‪ )37‬فَ ُ‬ ‫وَأَخَا ُه وَا ْب َعثْ فِي ا ْل َمدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪ )36‬يَأْتُوكَ ِب ُكلّ َ‬ ‫ّمعْلُومٍ (‪َ )38‬وقِيلَ لِلنّاسِ َهلْ أَنتُم مّجْ َت ِمعُونَ (‪َ )39‬لعَلّنَا نَتّ ِبعُ السّحَ َرةَ إِن كَانُوا ُهمُ ا ْلغَالِبِينَ (‪)40‬‬ ‫فََلمّا جَاء السّحَ َرةُ قَالُوا ِلفِرْعَوْنَ أَئِنّ لَنَا لجْرًا إِن كُنّا َنحْنُ ا ْلغَالِبِينَ (‪ )41‬قَالَ َنعَ ْم وَإِ ّنكُمْ إِذًا ّلمِنَ‬ ‫ا ْل ُمقَرّبِينَ (‪)42‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نّص الحديث الشريف كما هو في الصحيح ‪":‬أربع مَنْ كُنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه‬ ‫خصلة منهن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا ائتمن خان و إذا‬ ‫حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر"‪.‬‬

‫( ‪)3/645‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ثعبان مبين‪ :‬أي ثعبان ظاهر أنه ثعبان ل شك‪.‬‬ ‫ونزع يده‪ :‬أي أخرجها من جيبه بعد أن أدخلها فيه‪.‬‬ ‫لساحر عليم‪ :‬أي متفوق في علم السحر‪.‬‬ ‫أرجه وأخاه‪ :‬أي أخرّ أمرهما‪.‬‬ ‫حاشرين‪ :‬أي جامعين للسحرة‪.‬‬ ‫سحار عليم‪ :‬أي متفوق في الفن أكثر من موسى‪.‬‬ ‫يوم معلوم‪ :‬هو ضحى يوم الزينة عندهم‪.‬‬ ‫هل أنتم مجتمعون‪ :‬أي اجتمعوا كي نتبع السحرة على دينهم إن كانوا هم الغالبين‪.‬‬ ‫وإنكم إذا لمن المقربين‪ :‬أي لكم الجر وهو الجعل الذي جعل لهم وزادهم مزية القرب منه‪.‬‬

‫معنى اليات‬ ‫ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلم وفرعون عليه لعائن الرحمن لقد‬ ‫تقدم في السياق أن فرعون طالب موسى بالتيان بالية أي الحجة على صدق دعواه وهاهو ذا‬ ‫موسى عليه السلم يلقي عصاه أمام فرعون وملئه فإذا هي ثعبان ظاهر ل شك فيه‪ ،‬وأخرج يده‬ ‫من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين ل يشك في بياضها وأنه بياض خارق للعادة هذا ما دلت عليه‬ ‫اليتان الولى (‪ )32‬والثانية (‪{ )33‬فألقى عصاه فإذا هي ثعبان ‪ 1‬مبين‪ ،‬ونزع يده فإذا هي ‪2‬‬ ‫بيضاء للناظرين} واعترف فرعون بأن ما شاهده من العصا واليد أمر خارق للعادة ولكنه راوغ‬ ‫فقال {إن هذا} أي موسى {لساحر عليم} أي ذو خبرة بالسحر وتفوق فيه قال هذا للمل حوله كما‬ ‫قال تعالى عنه {قال للمل حوله إن هذا لساحر عليم} وقوله تعالى عنه {يريد أن يخرجكم من‬ ‫أرضكم بسحره} قال فرعون هذا تهيجا للمل ليثوروا ضد موسى عليه السلم وهذا من المكر‬ ‫السياسي إذ جعل القضية‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الثعبان‪ :‬الحية الضخمة الطويلة‪:،‬و {مبين} بمعنى بيّن ل خفاء فيه ول غموض {ونزع يده} أي‬ ‫أخرجها من قميصه بسرعة إذ هذا ما يدل عليه لفظ النزع‪ ,‬ولم يذكر المنزع منه لدللة اللفظ عليه‬ ‫أي‪ :‬من جيب قميصه‪.‬‬ ‫‪ 2‬إذا‪ :‬هي الفجائية ومعنى‪{ :‬للناظرين} أي‪ :‬مما يقصده الناظرون لما فيه من العجب وكان جلد‬ ‫موسى أسمر وكانت اليد بيضاء فكان ذلك آية أخرى‪.‬‬

‫( ‪)3/646‬‬ ‫سياسية بحتة وأن موسى يريد الستيلء على الحكم والبلد ويطرد أهلها منها بواسطة السحر‪،‬‬ ‫وقال لهم كالمستشير لهم {فماذا تأمرون؟} فأشاروا عليه بما أخبر تعالى به عنهم {قالوا أرجه‬ ‫وأخاه} أي أخر أمرهما {وابعث في المدائن} أي مدن المملكة رجالً {حاشرين} أي جامعين‬ ‫{يأتوك} أيها الملك {بكل سحار ‪ 1‬عليم} أي ذو خبرة في السحر متفوقة‪ ،‬وفعلً أخذ بمشورة رجاله‬ ‫{فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} أي لموعد معلوم وهو ضحى يوم العيد عندهم واستحثوا الناس‬ ‫على الحضور من كافة أنحاء البلد وهو ما أخبر تعالى به في قوله {قالوا أرجه وأخاه وابعث في‬ ‫المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم} فجمع ‪ 2‬السحرة لميقات يوم معلوم‪ ،‬وقيل للناس هل أنتم‬ ‫مجتمعون لعلنا نتبع السحرة} فنبقى على ديننا ول نتبع موسى وأخاه على دينهما الجديد {إن كانوا}‬ ‫أي السحرة {هم الغالبين} وهذا من باب الستحثاث والتحريض على اللتفات حول فرعون‬ ‫وملئه‪ .‬وقوله تعالى {فلما جاء السحرة} أي من كافة أنحاء البلد قالوا لفرعون ما أخبر تعالى به‬ ‫عنهم {أئن لنا لجرا‪ }3‬أي جعلً {إن كنا نحن الغالبين؟} فأجابهم فرعون قائلً {نعم وإنكم إذا لمن‬

‫‪ 4‬المقربين} أي زيادة على الجر مكافأة أخرى وهي أن تكونوا من المقربين لدينا‪ ،‬وفي هذا‬ ‫إغراء كبير لهم على أن يبذلوا أقصى جهدهم في النتصار على موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات المعجزات للنبياء كمعجزة العصا واليد لموسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية استشارة المير رجاله في المور ذات البال‪.‬‬ ‫‪ -3‬ثبوت السحر وأنه فن من فنون المعرفة وإن كان تعلمه وتعليمه محرمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬إعطاء المكافأة للفائزين في المباراة وغيرها ومن ذلك السباق في السلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬سحار} فيه وصف ثابت دال على تعاطيه للمهنة ورسوخه فيها كنجار وخياط وبناء والوصف‬ ‫بعليم‪ :‬فيه الحث على التيان بالمهرة من السحرة لعظم الموقف‪.‬‬ ‫‪ 2‬دلت الفاء على الفورية واللم كذلك في الميقات أي‪ :‬لول الوقت كقوله‪{ :‬الصلة لوقتها} أي‪:‬‬ ‫في أول وقتها‪ ،‬وقوله {للناس} المراد بالناس أهل بلده‪ ،‬والستفهام في {هل أنتم مجتمعون}‬ ‫للستحثاث على الجتماع‪.‬‬ ‫‪ 3‬سؤال السحرة الجر إدلل بخبرتهم والتذكير بالحاجة إليهم لعلمهم بأن فرعون حريص على‬ ‫غلبهم لموسى‪ ،‬وخافوا أيضا أن يستخدمهم فرعون بدون أجر لن الحال حال التعبئة العامة للدفاع‬ ‫عن المعتقدات وأهلها فلذا شرطوا أجرهم قبل الشروع في العمل‪.‬‬ ‫‪{ 4‬إذا} أي‪ :‬إذا كنتم فعل غالبين إنّ لكم لجرا عظيما‪.‬‬

‫( ‪)3/647‬‬ ‫عوْنَ إِنّا لَنَحْنُ‬ ‫عصِ ّيهُ ْم َوقَالُوا ِبعِ ّزةِ فِرْ َ‬ ‫قالَ َلهُم مّوسَى أَ ْلقُوا مَا أَنتُم مّ ْلقُونَ (‪ )43‬فَأَ ْلقَوْا حِبَاَلهُ ْم وَ ِ‬ ‫عصَاهُ فَِإذَا ِهيَ تَ ْل َقفُ مَا يَ ْأ ِفكُونَ (‪ )45‬فَأُ ْلقِيَ السّحَ َرةُ سَاجِدِينَ (‪)46‬‬ ‫ا ْلغَالِبُونَ (‪ )44‬فَأَ ْلقَى مُوسَى َ‬ ‫قَالُوا آمَنّا بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )47‬ربّ مُوسَى وَهَارُونَ (‪ )48‬قَالَ آمَنتُمْ َلهُ قَ ْبلَ أَنْ آذَنَ َلكُمْ إِنّهُ َلكَبِي ُركُمُ‬ ‫ج َمعِينَ (‪)49‬‬ ‫ف وَلصَلّبَ ّنكُمْ أَ ْ‬ ‫طعَنّ أَ ْيدِ َيكُ ْم وَأَرْجَُلكُم مّنْ خِل ٍ‬ ‫ن لقَ ّ‬ ‫س ْوفَ َتعَْلمُو َ‬ ‫الّذِي عَّل َمكُمُ السّحْرَ فَلَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألقوا ما أنتم ملقون ‪ :‬أمرهم باللقاء توسلً إلى ظهور الحق‪.‬‬ ‫ما يأفكون‪ :‬أي ما يقلبونه بتمويههم من أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى‪.‬‬ ‫رب موسى وهرون ‪ :‬أي لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا ل يأتي بواسطة السحر‪.‬‬ ‫من خلف‪ :‬أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى‪.‬‬ ‫ولصلبنكم أجمعين ‪ :‬أي لشدنكم بعد قطع أيديكم وأرجلكم من خلف على الخشاب‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلم وفرعون عليه لعائن الرحمن إنه بعد‬ ‫إرجاء السحرة فرعون وسؤالهم له‪ :‬هل لهم من أجر على مباراتهم موسى إن هم غلبوا وبعد أن‬ ‫طمأنهم فرعون على الجر والجائزة قال لهم موسى {ألقوا ‪ 1‬ما أنتم ملقون} من الحبال والعصي‬ ‫في الميدان {فألقوا حبالهم وعصيهم} وأقسموا بعزة فرعون إنهم هم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جاء في سورة العراف أن السحرة عرضوا على موسى أن يلقى عصاه أو يلقوا حبالهم‬ ‫وعصيهم وهنا قال لهم موسى عليه السلم {ألقوا} بناء على عرضهم ذلك‪.‬‬

‫( ‪)3/648‬‬ ‫الغالبون وفعلً انقلبت الساحة كلها حيات وثعابين حتى أوجس موسى في نفسه خيفة فأوحى إليه‬ ‫ربه تعالى أن ألق عصاك فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون‪ .‬هذا معنى قوله تعالى في هذا السياق‬ ‫{فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة ‪ 1‬فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي‬ ‫تلقف ما يأفكون} ‪ 2‬ومعنى تلقف ما يأفكون أي تبتلع في جوفها من طريق فمها كل ما أفكه أي‬ ‫كذبه وافتراه السحرة بسحرهم من انقلب الحبال والعصي حيات وثعابين‪ ،‬وقوله تعالى {وألقي‬ ‫السحرة ساجدين} أي أنهم لندهاشهم وما بهرهم من الحق ألقوا بأنفسهم على الرض ساجدين ل‬ ‫تعالى مؤمنين به‪ ،‬فسئلوا عن حالهم تلك فقالوا {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وهنا‬ ‫خاف فرعون تفلت الزمام من يده وأن يؤمن الناس بموسى وهرون ويكفروا به فقال للسحرة‪:‬‬ ‫{آمنتم به قبل أن آذن لكم} بذلك أي كيف تؤمنون بدون إذني؟ على أنه يملك ذلك منهم وهي مجرد‬ ‫مناورة مكشوفة‪ ،‬ثم قال لهم {إنه} أي موسى {لكبيركم الذي علمكم السحر} أي انه لما كان أستاذكم‬ ‫تواطأتم معه على الغلب فأظهرتم أنه غلبكم‪ ،‬تمويها وتضليلً للجماهير‪ ..‬ثم تهددهم قائلً {فلسوف‬ ‫تعلمون ‪ }3‬عقوبتي لكم على هذا التواطؤ وهي {لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف} أي أقطع من‬ ‫الواحد منكم يده اليمنى ورجله اليسرى {ولصلبنكم أجمعين} فل أبقي منكم أحدا إل أشده على‬ ‫خشبة حتى يموت مصلوبا‪ ،‬هل فعل فرعون ما توعد به؟ ال أعلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪-1‬لم يبادر موسى بإلقاء عصاه أولً لن المسألة مسألة علم ل مسألة حرب ففي الحرب تنفع‬ ‫المبادرة بافتكاك زمام المعركة‪ ،‬وأما في العلم فيحسن تقديم الخصم‪ ،‬فإذا أظهر ما عنده كر عليه‬ ‫بالحجج والبراهين فأبطله وظهر الحق وانتصر على الباطل‪ ،‬هذا السلوب الذي اتبع موسى بإلهام‬ ‫من ربه تعالى‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬يبدو أن الباء في قولهم {بعزة فرعون} هي كالباء في بسم ال للستعانة والتبرك ل للقسم وهذا‬ ‫أولى بالمقام من الحلف على شيء ل يملكه المرء وتكون جملة‪{ :‬إنا لنحن الغالبون} مستأنفة‬ ‫استئنافا بيانيا وليست جواب قسم إلّ أنها حملت معنى القسم بما فيه من المؤكدات كأنهم قالوا إنا‬ ‫وربنا لغالبون‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع {تلقف} بتشديد القاف‪ ،‬والصل‪ :‬تتلقف فحذفت إحدى التائين تخفيفا‪ ،‬وقرأ حفص‬ ‫{تلقف} بتخفيف القاف من‪ :‬لقف الشيء يلقفه لقفا‪ :‬إذ أخذه بسرعة‪.‬‬ ‫‪ 3‬اللم للقسم‪ .‬وبم يقسم فرعون؟ يقسم بحسب عادته في إيمانه ففد يقسم بعزّته‪.‬‬

‫( ‪)3/649‬‬ ‫‪ -2‬مظهر من مظاهر الهداية اللهية هداية السحرة إذ هم في أول النهار سحرة كفرة وفي آخره‬ ‫مؤمنون بررة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما سلكه فرعون مع السحرة كله من باب المناورات السياسية الفاشلة‪.‬‬ ‫خطَايَانَا أَن كُنّا َأ ّولَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‬ ‫طمَعُ أَن َي ْغفِرَ لَنَا رَبّنَا َ‬ ‫قَالُوا ل ضَيْرَ إِنّا إِلَى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ (‪ )50‬إِنّا َن ْ‬ ‫عوْنُ فِي ا ْلمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (‬ ‫سلَ فِرْ َ‬ ‫‪ )51‬وََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ ِبعِبَادِي إِ ّنكُم مّتّ َبعُونَ (‪ )52‬فَأَ ْر َ‬ ‫جمِيعٌ حَاذِرُونَ (‪)56‬‬ ‫‪ )53‬إِنّ َهؤُلء لَشِ ْر ِذمَةٌ قَلِيلُونَ (‪ )54‬وَإِ ّنهُمْ لَنَا َلغَائِظُونَ (‪ )55‬وَإِنّا لَ َ‬ ‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (‪)59‬‬ ‫ت وَعُيُونٍ (‪َ )57‬وكُنُوزٍ َومَقَامٍ كَرِيمٍ (‪ )58‬كَذَِل َ‬ ‫فَأَخْ َرجْنَاهُم مّن جَنّا ٍ‬ ‫فَأَتْ َبعُوهُم مّشْ ِرقِينَ (‪)60‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل ضير‪ :‬أي ل ضرر علينا‪.‬‬ ‫لمنقلبون‪ :‬أي راجعون بعد الموت وذلك يسر ول يضر‪.‬‬ ‫أن كنا أول المؤمنين ‪ :‬أي رجوا أن يكفر ال عنهم سيئاتهم لنهم سبقوا باليمان‪.‬‬ ‫ل والمراد من العباد بنو إسرائيل‪.‬‬ ‫أن أسر بعبادي‪ :‬السري المشي لي ً‬ ‫إنكم متبعون‪ :‬أي من قبل فرعون وجيوشه‪.‬‬ ‫لشرذمة‪ :‬أي طائفة من الناس‪.‬‬ ‫لغائظون‪ :‬أي فاعلون ما يغيظنا ويغضبنا‪.‬‬ ‫حذرون‪ :‬أي متيقظون مستعدون‪.‬‬ ‫ومقام كريم ‪ :‬أي مجلس حسن كان للمراء والوزراء‪.‬‬ ‫كذلك ‪ :‬أي كان إخراجنا كذلك أي على تلك الصورة‪.‬‬ ‫مشرقين ‪ :‬أي وقت شروق الشمس‪.‬‬

‫( ‪)3/650‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {قالوا ل ضير ‪ }1‬هذا قول السحرة لفرعون بعد أن هددهم وتوعدهم {قالوا ل ضير}‬ ‫أي ل ضرر علينا بتقطيعك أيدينا وأرجلنا وتصليبك إيانا {إنا إلى ‪ 2‬ربنا منقلبون} أي راجعون إن‬ ‫كل الذي تفعله معنا إنك تعجل برجوعنا إلى ربنا وذاك أحب شيء إلينا‪.‬‬ ‫وقالوا {إنا نطمع ‪ 3‬أن يغفر لنا ربنا خطايانا} أي ذنوبنا {إن كنا أول المؤمنين} في هذه البلد برب‬ ‫العالمين رب موسى وهرون‪.‬‬ ‫بعد هذا النتصار العظيم الذي تم لموسى وهرون أوحى تعالى إلى موسى {أن أسر ‪ 4‬بعبادي} أي‬ ‫امش بهم ليلً {إنكم متبعون} أي من قبل فرعون وجنوده‪ .‬وعلم فرعون بعزم موسى على الخروج‬ ‫ببني إسرائيل فأرسل في المدائن ‪ 5‬وكانت به مآت المدن حاشرين من الرجال أي جامعين وكأنها‬ ‫تعبئة عامة‪ .‬يقولون محرضين {إن هؤلء ‪ }6‬أي موسى و بني إسرائيل {َلشِرْذِمةٌ} أي طائفة‬ ‫أفرادها قليلون {إنهم لنا لغائظون} أي ‪ 7‬لفاعلون ما ويغضبنا {وإنا} أي حكومة وشعبا {لجميع‬ ‫حذرون} أي متيقظون مستعدون فهلم إلى ملحقتهم وردهم إلى الطاعة‪.‬وعجل تعالى بالمسرة في‬ ‫هذا الخبر فقال تعالى {فأخرجناهم} أي آل فرعون {من جنات وعيون وكنوز} أي كنوز الذهب‬ ‫والفضة التي كانت مدفونة تحت التراب‪ ,‬إذ الطمس كان على العملة فسدت وأما مخزون الذهب‬ ‫والفضة فما زال تحت الرض‪ ،‬إذ الكنز يطلق على المدفون تحت الرض وإن كان شرعا هو‬ ‫الكنز ما لم تؤد زكاته سواء كان تحت الرض أو فوقها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {كذلك} أي إخراجنا لهم كان كذلك‪{ ،‬وأورثناها ‪ }8‬أي تلك النعم بني إسرائيل أي بعد‬ ‫هلك فرعون وجنوده أجمعين‪ .‬وقوله تعالى {فأتبعوهم مشرفين} أي فاتبع آل فرعون بنى إسرائيل‬ ‫أَ ْنفُسَهم في وقت شروق الشمس ليردوهم ويحولوا بينهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الضير‪ :‬مرادف الضرّ يقال‪ :‬ضاره يضيره بمعنى ضرّه يضره سواء‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة تعليلية لنفيهم الضرر عليهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬لفظ الطمع يطلق ويراد به الظنّ الضعيف غالبا ويراد به الظن القوي أيضا كقول إبراهيم عليه‬ ‫السلم‪{ :‬والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع {أن اسر} بهمزة وصل إذ هو من سَرى يسري وحركت النون للتقاء الساكنين‪ .‬وقرأ‬ ‫عاصم‪{ :‬أن أسرِ} بسكون أن وقطع همزة أسر لنّه من أسرى‪ ،‬وأسرى وسرى بمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ 5‬المدائن جمع مدينة وهي البلد العظيم‪.‬‬ ‫‪ 6‬الشارة بهؤلء فيه إيماء بتحقير شأن بني إسرائيل‪ ,‬والشرذمة الطائفة القليلة العدد‪.‬‬

‫‪ 7‬الغيظ‪ :‬أشد الغضب‪ ,‬وغائظون‪ :‬اسم فاعل من‪ :‬غاظه بمعنى أغاظه أي‪ :‬أغضبه أش ّد الغضب‪.‬‬ ‫‪ 8‬يرى بعضهم أن ال أورث بني إسرائيل نعما نظير ما كان لفرعون وقومه بدليل آية الدخان‪:‬‬ ‫{وأورثناها قوما آخرين} وبدليل أن بني إسرائيل ما رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها وال‬ ‫أعلم‪.‬‬

‫( ‪)3/651‬‬ ‫وبين الخروج من البلد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬قوة اليمان مصدر شجاعة خارقة للعادة بحيث يفرح المؤمن بالموت لنه يوصله إلى ربه‪.‬‬ ‫‪ -2‬حسن الرجاء في ال والطمع في رحمته‪ ،‬وفضل السبقية في الخير‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التعبئة العامة واستعمال أسلوب خاص في الحرب يهديء من مخاوف المة حكومة‬ ‫وشعبا‪.‬‬ ‫‪ -4‬دمار الظالمين وهلك المسرفين في الكفر والشر والفساد‪.‬‬ ‫صحَابُ مُوسَى إِنّا َل ُمدْ َركُونَ (‪ )61‬قَالَ كَل إِنّ َم ِعيَ رَبّي سَ َيهْدِينِ (‪)62‬‬ ‫ج ْمعَانِ قَالَ َأ ْ‬ ‫فََلمّا تَرَاءى ا ْل َ‬ ‫طوْدِ ا ْلعَظِيمِ (‪ )63‬وَأَزَْلفْنَا َثمّ‬ ‫فََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب ّب َعصَاكَ الْ َبحْرَ فَانفَلَقَ َفكَانَ ُكلّ فِرْقٍ كَال ّ‬ ‫ك ليَةً‬ ‫ج َمعِينَ (‪ )65‬ثُمّ أَغْ َرقْنَا الخَرِينَ (‪ )66‬إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫الخَرِينَ (‪ )64‬وَأَنجَيْنَا مُوسَى َومَن ّمعَهُ أَ ْ‬ ‫َومَا كَانَ َأكْثَ ُرهُم ّم ْؤمِنِينَ (‪ )67‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ ( ‪)68‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فلما تراءى الجمعان‪ :‬أي رأى بعضهما بعضا لتقاربهما والجمعان جمع بني إسرائيل وجمع‬ ‫فرعون‪.‬‬ ‫إنا لمدركون‪ :‬أي قال أصحاب موسى من بني إسرائيل إنا لمدركون أي سيلحقنا فرعون وجنده‪.‬‬ ‫قال كل ‪ :‬أي قال موسى عليه السلم كل أي لن يدركونا ولن يلحقوا بنا‪.‬‬ ‫فانفلق ‪ :‬أي انشق‪.‬‬ ‫فكان كل فرق كالطود ‪ :‬أي شق أي الجزء المنفرق والطود‪ :‬الجبل‪.‬‬ ‫وأزلفنا ثم الخرين ‪ :‬أي قربنا هنا لك الخرين أي فرعون وجنده‪.‬‬

‫( ‪)3/652‬‬

‫إن في ذلك لية‪ :‬أي عظة وعبرة توجب اليمان برب العالمين برب موسى وهرون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا آخر قصة موسى عليه السلم مع فرعون قال تعالى في بيان نهاية الظالمين وفوز المؤمنين‬ ‫{فلما تراءى ‪ 1‬الجمعان} جمع موسى وجمع فرعون وتقاربا بحيث رأى بعضهما بعضا {قال‬ ‫أصحاب موسى} أي بنو إسرائيل {إنا لمدركون } أي خافوا لما رأوا جيوش فرعون تتقدم نحوهم‬ ‫صاحوا {إنا لمدركون} فطمأنهم موسى بقوله {كل ‪ }2‬أي لن تدركوا‪ ،‬وعلل ذلك بقوله {إن معي‬ ‫ربي سيهدين} إلى طريق نجاتي قال تعالى {فأوحينا إلى موسى أن اضرب} أي اضرب بعصاك‬ ‫ل لمر ربه فانفلق البحر فرقتين كل فرقة ‪ 3‬منه كالجبل العظيم {وأزلفنا ‪ }4‬أي‬ ‫البحر فضرب امتثا ً‬ ‫قربنا {ثم الخرين} أي أدنينا هناك الخرين وهم فرعون وجيوشه {وأنجينا موسى ومن معه} أي‬ ‫من بني إسرائيل {أجمعين} {ثم أغرقنا الخرين} المعادين لبني إسرائيل وهم فرعون وجنده‪ .‬قوله‬ ‫تعالى {إن في ذلك} المذكور هن إهلك فرعون وإنجاء موسى‪ ،‬بني إسرائيل {لية} أي علمة‬ ‫واضحة بارزة لربوبية ال وألوهيته وقدرته وعلمه ورحمته وهي عبرة وعظة أيضا للمعتبرين‪،‬‬ ‫وما كان أكثر قومك ‪ 5‬يا محمد مؤمنين مع موجب اليمان ومقتضيه لنه سبق في علم ال أنهم ل‬ ‫يؤمنون‪.‬‬ ‫وقوله {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي وإن ربك يا محمد لهو الغالب على أمره الذي ل يمانع‬ ‫في شيء يريده ول يحال بين مراده الرحيم بعباده فاصبر على دعوته وتوكل عليه فإنه ناصرك‬ ‫ومذل أعدائك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الترائي‪ :‬تفاعل إذ هو من الجانبين كل جانب رأى الثاني‪.‬‬ ‫‪ 2‬ردع موسى عليه السلم بقوله كل الظانين أن فرعون مدركهم وعلل لعدم إدراك فرعون بقوله‪:‬‬ ‫{إن معي ربي سيهدين} أي‪ :‬سيبين لي سبيل النجاة فنسلكه فننجوا بإذن ال‪.‬‬ ‫‪{ 3‬الفرق}‪ :‬القسم من الشيء المنفلق‪ ،‬وعليه فالفرقة‪ :‬القسمة من البحر التي كانت كالجبل العظيم‪.‬‬ ‫ولذا قال ابن عباس‪ :‬صار البحر اثنى عشر طريقا لكل سبط طريق أي‪ :‬لكل قبيلة من قبائل بني‬ ‫إسرائيل طريق خاص بها فالبحر انقسم قسمين كان ما بين جانبيه كالفج العظيم‪ ،‬وفي ذلك الفج‬ ‫كانت طريق بني إسرائيل‪.‬‬ ‫‪{ 4‬أزلفنا} أي جمعنا وقربنا فرعون ومله لغراقهم وإهلكهم وسميت مزدلفة ليلة جمع‪:‬‬ ‫لزدلفها‪ :‬أي لقربها من منى أو عرفات وسميت ليلة جمع لجتماع الحجاج فيها‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫وكل يوم مضى أو ليلة سلفت‬ ‫فيها النفوس إلى الجال تزدلف‬ ‫‪ 5‬القرطبي رحمه ال تعالى رد الضمير في قوله تعالى‪{ :‬وما كان أكثرهم مؤمنين} إلى فرعون‬ ‫وملئه فقال‪ :‬لنه مل يؤمن من قوم فرعون إل مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وابنته آسيا امرأة‬

‫فرعون‪ ...‬الخ في حين أن أكثر المفسرين على أن الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وهو وجه‬ ‫العبرة من السياق‪.‬‬

‫( ‪)3/653‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ظهور آثار الستعباد في بني إسرائيل متجلية في خوفهم مع مشاهدة اليات‪.‬‬ ‫‪ -2‬ثبوت صفة المعية اللهية في قول موسى {إن معي ربي} إذ قال له عند إرساله {إنني معكما}‪.‬‬ ‫‪ -3‬ثبوت الوحي اللهي‪.‬‬ ‫‪ -4‬آية انفلق البحر من أعظم اليات‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم بقصة مثل هذا القصص الذي ل يتأتى إل بوحي‬ ‫خاص‪.‬‬ ‫ظلّ َلهَا‬ ‫ل لبِي ِه َو َق ْومِهِ مَا َتعْبُدُونَ (‪ )70‬قَالُوا َنعْبُدُ َأصْنَامًا فَنَ َ‬ ‫وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (‪ )69‬إِذْ قَا َ‬ ‫جدْنَا‬ ‫ل وَ َ‬ ‫س َمعُو َنكُمْ ِإذْ تَدْعُونَ (‪َ )72‬أوْ يَن َفعُو َنكُمْ َأوْ َيضُرّونَ (‪ )73‬قَالُوا َب ْ‬ ‫عَا ِكفِينَ (‪ )71‬قَالَ َهلْ يَ ْ‬ ‫ع ُدوّ‬ ‫آبَاءنَا كَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ (‪ )74‬قَالَ َأفَرَأَيْتُم مّا كُنتُمْ َتعْبُدُونَ (‪ )75‬أَن ُت ْم وَآبَا ُؤكُ ُم القْ َدمُونَ (‪ )76‬فَإِ ّنهُمْ َ‬ ‫سقِينِ (‪ )79‬وَإِذَا‬ ‫ط ِعمُنِي وَيَ ْ‬ ‫لّي إِل َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )77‬الّذِي خََلقَنِي َف ُهوَ َيهْدِينِ (‪ )78‬وَالّذِي ُهوَ يُ ْ‬ ‫طمَعُ أَن َي ْغفِرَ لِي خَطِيئَتِي َيوْمَ‬ ‫شفِينِ (‪ )80‬وَالّذِي ُيمِيتُنِي ثُمّ ُيحْيِينِ (‪ )81‬وَالّذِي َأ ْ‬ ‫مَ ِرضْتُ َف ُهوَ يَ ْ‬ ‫الدّينِ (‪)82‬‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫واتل عليهم نبأ إبراهيم ‪ :‬أي اقرأ يا رسولنا على قومك خبر إبراهيم وشأنه العظيم‪.‬‬ ‫لبيه وقومه ‪ :‬أي آزر والبابليين‪.‬‬

‫( ‪)3/654‬‬ ‫فنظل لها عاكفين ‪ :‬أي فنقيم أكثر النهار عاكفين على عبادتها‪.‬‬ ‫قالوا بل وجدنا ‪ :‬أي ل تسمع ول تنفع ول تضر بل وجدنا آباءنا لها عابدين فنحن تبع لهم‪.‬‬ ‫فإنهم عدو لي ‪ :‬أي أعداء لي يوم القيامة إذا أنا عبدتهم لنهم يتبرءون من عابديهم‪.‬‬ ‫إل رب العالمين‪ :‬فإن من يعبده ل يتبرأ منه يوم القيامة بل ينجيه من النار ويكرمه بالجنة‪.‬‬ ‫فهو يهدين‪ :‬أي إلى ما ينجيني من العذاب ويسعدني في دنياي وأخراي‪.‬‬ ‫والذي يميتني ثم يحيين‪ :‬أي يميتني عند انتهاء أجلي‪ ،‬ثم يحييني ليوم الدين‪.‬‬

‫يوم الدين‪ :‬أي يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة والبعث الخر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا بداية قصص إبراهيم عليه السلم والقصد منه عرض حياة إبراهيم الدعوية على مسامع‬ ‫قريش قوم محمد صلى ال وعليه وسلم علهم يتعظون بها فيؤمنوا ويوحدوا فيسلموا ويسلموا من‬ ‫خزي الدنيا وعذاب الخرة قال تعالى {واتل عليهم نبأ إبراهيم ‪ }1‬أي اقرأ على قومك من قريش‬ ‫خبر إبراهيم في الوقت الذي قال لبيه وقومه {ما تعبدون} مستفهما إياهم ليرد على جوابهم وهو‬ ‫أسلوب حكيم في الدعوة والتعليم يسألهم ويجيبهم بناء على مقتضى سؤالهم فيكون ذلك أدعى للفهم‬ ‫وقبول الحق‪{ :‬قالوا نعبد أصناما} أي في صور تماثيل {فنظل لها عاكفين ‪ }2‬فنقيم أكثر النهار‬ ‫عاكفين حولها نتقرب إليها ونتبرك بها خاشعين خاضعين عندها‪ .‬ولما سمع جوابهم وقد صدقوا‬ ‫فيه قال لهم {هل ‪ 3‬يسمعونكم إذ تدعون} أي إذ تدعونها {أو ينفعونكم } إن طلبتم منهم منفعة {أو‬ ‫يضرون} إن طلبتم منهم أن يضروا أحدا تريدون ضره أنتم؟ فأجابوا قائلين في كل ذلك ل‪ ،‬ل‪،‬‬ ‫ل‪ .‬وإنما وجدنا آباءنا كذلك‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬نبأ إبراهيم} قصته مع قومه والهمزة الثانية تخفف وهو أجود من تحقيقها‪ .‬نبأ إبراهيم أو نبأ‬ ‫إبراهيم‪ ،‬والمقصود من تلوة هذه القصة طلب هداية قريش إلى الحق بإسماعهم أخبار الولين‬ ‫ومشاهدة ما دار من جدال بين الرسل وأممهم‪.‬‬ ‫‪{ 2‬فنظل} هذا اللفظ يدل أنهم يقضون فترة طويلة من النهار عاكفين حولها لعبادتها وأما في الليل‬ ‫فيعبدون الكواكب لمشاهدتها والتماثيل إنما هي صور لها فإذا غابت عبدوا صورها بالنهار‪.‬‬ ‫‪ 3‬أراد أي إبراهيم بقوله‪{ :‬هل يسمعونكم} فتح باب المجادلة ليصل إلى إقناعهم إن شاء ال ذاك‪,‬‬ ‫وليست هذه أول محاجة بل حاجه إبراهيم أباه على انفراد وحاجه هذه المرة مع قومه ول شك أن‬ ‫الحجاج دام سنوات فما ذكر هنا غير ما ذكر في الصافات والنبياء ومريم‪.‬‬

‫( ‪)3/655‬‬ ‫يفعلون ففعلنا مثلهم اقتداءً بهم واتباعا لطريقتهم‪ ،‬وهنا صارحهم إبراهيم بما يريد أن يفهموه عنه‬ ‫فقال {أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم القدمون} الذين هم أجدادكم الذين ورث عنهم آباؤكم‬ ‫هذا الشرك والباطل {فإنهم عدو لي} أي أعداء لي وذلك يوم القيامة إن أنا عبدتهم معكم‪ ،‬لن كل‬ ‫مَنْ عُبد من دون ال يتبرأ يوم القيامة ممن عبده ويعلن عداوته له طلبا لنجاة نفسه من عذاب ال‪.‬‬ ‫وقوله {إل رب العالمين} فإنه ل يكون عدوا لمن عبده بل يكون ودودا له رحيما به‪ .‬أل فاعبدوه يا‬ ‫قوم واتركوا عبادة من يكون عدوا لكم يوم القيامة!!‬ ‫ثم أخذ إبراهيم يذكر ربه ويثني عليه ويمجده تعريفا به وتذكيرا لولئك الجهلة المشركين فقال‬

‫{الذي خلقني فهو ‪ 1‬يهدين} أي إلى طريق نجاتي وكمالي وسعادتي وذلك ببيانه لي محابه لتيها‪،‬‬ ‫ومساخطه لتجنبها‪{ ،‬والذي هو يطعمني ويسقين} أي يغذوني بأنواع الطعمة ويسقيني بما خلق‬ ‫ويسر لي من أنواع الشربة من ماء ولبن وعسل‪{ ،‬وإذا مرضت} بأن اعتل جسمي وسقم فهول‬ ‫غيره يشفيني‪{ ،‬والذي يميتني } يوم يريد إماتتي عند انتهاء ما حدد لي من أجل تنتهي به حياتي‪،‬‬ ‫ثم يحييني يوم البعث والنشور‪{ ،‬والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي ‪ }2‬أي يسترها ويمحو أثرها‬ ‫من نفسي يوم الدين أي يوم الجزاء والحساب على عمل النسان في هذه الدار إذ هي دار عمل‬ ‫والخرة دار جزاء‪.‬‬ ‫وإذا قيل ما المراد من الخطيئة التي ذكر إبراهيم لنفسه؟ فالجواب إنها الكذبات الثلث التي كانت‬ ‫لبراهيم طوال حياته الولى قوله {إني سقيم} والثانية {بل فعله كبيرهم هذا} والثالثة قولي للطاغية‬ ‫إنه أخي ول تقولي إنه زوجي‪ ،‬هذه الكذبات التي كانت لبراهيم فهو خائف منها ويوم القيامة لما‬ ‫تطلب منه البشرية الشفاعة عند ربها يذكر هذه الكذبات ويقول إنما أنا من وراء وراء فاذهبوا إلى‬ ‫موسى‪.‬‬ ‫أل فليتعظ المؤمنون الذين كذبهم ل يعد كثرة!!‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حذفت الياء في (يهدين) و (يسقين) و(يشفين) و (يحيين) لن الحذف في رؤوس الي حسن‬ ‫لتتفق كلهما‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت يا رسول ال إن ابن جدعان كان في الجاهلية‬ ‫يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ "قال‪ :‬ل إنّه لم يقل يوما ربّ اغفر لي خطيئتي يوم‬ ‫الدين"‪.‬‬

‫( ‪)3/656‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بذكر هذا القصص‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد بالحوار الذي دار بين إبراهيم إمام الموحدين وقومه المشركين‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن كل من عبد معبود غير ال تعالى سيكون له عدوا لدودا يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن العكوف على الضرحة والتمرغ في تربتها وطلب الشفاء منها شرك‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان السلوب الحكيم في الدعوة إلى ال تعالى من طريق السؤال والجواب‪.‬‬ ‫جعَلْنِي‬ ‫ن صِ ْدقٍ فِي الخِرِينَ (‪ )84‬وَا ْ‬ ‫جعَل لّي لِسَا َ‬ ‫حقْنِي بِالصّاِلحِينَ (‪ )83‬وَا ْ‬ ‫ح ْكمًا وَأَلْ ِ‬ ‫َربّ َهبْ لِي ُ‬ ‫غفِ ْر لبِي إِنّهُ كَانَ مِنَ الضّالّينَ (‪ )86‬وَل ُتخْزِنِي َي ْومَ يُ ْبعَثُونَ (‪)87‬‬ ‫مِن وَرَثَةِ جَنّةِ ال ّنعِيمِ (‪ )85‬وَا ْ‬

‫سلِيمٍ (‪ )89‬وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪)90‬‬ ‫َيوْمَ ل يَنفَعُ مَالٌ وَل بَنُونَ (‪ )88‬إِل مَنْ أَتَى اللّهَ ِبقَلْبٍ َ‬ ‫وَبُرّ َزتِ ا ْلجَحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ (‪َ )91‬وقِيلَ َل ُهمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ َتعْ ُبدُونَ (‪ )92‬مِن دُونِ اللّهِ َهلْ يَنصُرُو َنكُمْ َأوْ‬ ‫يَن َتصِرُونَ (‪)93‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫رب هب لي حكما ‪ :‬أي يا رب أعطني من فضلك حكما أي علما نافعا وارزقني العمل به‪.‬‬ ‫وألحقني بالصالحين ‪ :‬لعمل عملهم في الدنيا وأكون معهم في الدار الخرة‪.‬‬ ‫واجعل لي لسان صدق في الخرين ‪ :‬أي اجعل لي ذكرا حسنا أذكر به فيمن يأتي بعدي‪.‬‬ ‫واغفر لبي ‪ :‬كان هذا منه قبل أن يتبين له أنه عدو ل‪.‬‬ ‫ول تخزني يوم يبعثون ‪ :‬أي ل تفضحني‪.‬‬ ‫بقلب سليم ‪ :‬أي من الشرك والنفاق‪.‬‬ ‫وأزلفت الجنة ‪ :‬أي أدنيت وقربت للمتقين‪.‬‬

‫( ‪)3/657‬‬ ‫وبرزت الجحيم للغاوين‪ :‬أي أظهرت وجليت للغاوين‬ ‫هل ينصرونكم ‪ :‬أي بِ َدفْع العذاب عنكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا آخر قصص إبراهيم وخاتمته لما ذكر إبراهيم قومه ووعظهم رفع يديه إلى ربه يسأله‬ ‫ويتضرع إليه فقال {رب هب لي حكما} أي علما نافعا يمنعني من فعل ما يسخطك عني ويدفعني‬ ‫إلى فعل ما يرضيك عني‪{ ،‬وألحقني بالصالحين} في أعمالهم الخيرية في الدنيا وبمرافقتهم في‬ ‫الجنة ‪{ 1‬واجعل لي لسان ‪ 2‬صدق في الخرين} أي اجعل لي ذكرا حسنا أذكر به فيمن يأتي من‬ ‫عبادك المؤمنين‪{ ،‬واجعلني ‪ 3‬من ورثة جنة النعيم} الذين يرثونها باليمان والتقوى بعد فضلك‬ ‫عليهم ورحمتك بهم‪{ ،‬واغفر لبي إنه كان من الضالين} أي الجاهلين بك وبمحابك ومكارهك فما‬ ‫عبدوك ول تقربوا إليك‪ .‬وكان هذا من إبراهيم قبل العلم بأن أباه عدو ل حيث سبق له ذلك أزلً‪،‬‬ ‫إذ قد تبرأ منه بعد أن علم ذلك وقوله {ول تخزني} أي ل تذلني {يوم يبعثون} أي من قبورهم‬ ‫للحساب والجزاء على أعمالهم {يوم ل ينفع مال ول بنون} وهو يوم القيامة {إل من أتى ال بقلب‬ ‫‪ 4‬سليم} أي لكن من أتى ال أي جاءه يوم القيامة وقلبه سليم من الشرك والنفاق فهذا ينفعه عمله‬ ‫الصالح لخلوه مما يحبطه وهو الشرك والكفر الظاهر والباطن وقوله تعالى {وأزلفت الجنة} أي‬ ‫قربت وأدنيت للمتقين ال ربهم فلم يشركوا به في عبادته ولم يجاهروا بمعاصيه‪{ ،‬وبرزت الجحيم‬ ‫‪ }5‬أي أظهرت وارتفعت {للغاوين} أي أهل الغواية والضللة في الدنيا من المشركين والمسرفين‬ ‫في الجرام والشر والفساد {وقيل لهم} أي سئلوا في عرصات القيامة {أين ما كنتم تعبدون من‬

‫دون ال }؟ أروناهم {هل ينصرونكم} مما أنتم فيه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وفي أعالي الدرجات‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقد استجاب ال تعالى له حيث اجتمع أهل الديان على الثناء عليه والنتساب إلى ملته وإن‬ ‫كانوا مبطلين لما خالطهم من الشرك وها هي ذي أمة السلم ل تُصلي صلة إلّ وتصلي عليه‬ ‫وعلى آله فهذا ذكر حسن خالد وثناء عطر باق قال مالك‪ :‬ل بأس أن يحب المرء أن يثني عليه‬ ‫صالحا ويُرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه ال تعالى لهذه الية وغيرها نحو‪{ :‬سيجعل‬ ‫لهم الرحمن ودا} {وألقيت عليك محبة مني}‪.‬‬ ‫‪ 3‬في هذا ردّ على من زعم أنه ل يسأل ال جنة ول يستجيره من النار‪.‬‬ ‫‪ 4‬السليم من الشك والشرك وأمراض الكبر والحسد والعجب والغل ولنه إذا سلم القلب سلمت‬ ‫الجوارح لحديث‪" :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد‬ ‫كله أل وهي القلب" من الصحيح‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬تظهر جهنم لهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن كما يستشعر أهل الجنة‬ ‫المسرة والفرح قبل دخولها‪ .‬إذ الجنة تزلف والجحيم تبرز‪ ,‬وهذا في عرصات القيامة‪.‬‬

‫( ‪)3/658‬‬ ‫فيدفعون عنكم العذاب‪{ ،‬أو ينتصرون} لنفسهم فيدفعون عنها العذاب إن كانوا من أهل النار لنهم‬ ‫رضوا بأن يعبدوا ودعوا الناس إلى عبادتهم كالشياطين والمجرمين من النس والجن‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان أن الجنة تورث ويذكر تعالى سبب إرثها وهو التقوى في قوله {تلك الجنة ‪ 1‬لتي نورث‬ ‫من عبادنا من كان تقيا}‬ ‫‪ -2‬مشروعية الستغفار للوالدين إن ماتا على التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن النتفاع يوم القيامة بغير اليمان والعمل الصالح بعد فضل ال ورحمته‪.‬‬ ‫‪ -4‬الترغيب في التقوى والتحذير من الغواية‪.‬‬ ‫صمُونَ (‪ )96‬تَاللّهِ‬ ‫ج َمعُونَ (‪ )95‬قَالُوا وَ ُهمْ فِيهَا يَخْ َت ِ‬ ‫َفكُ ْبكِبُوا فِيهَا ُه ْم وَا ْلغَاوُونَ (‪ )94‬وَجُنُودُ إِبْلِيسَ َأ ْ‬ ‫سوّيكُم بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )98‬ومَا َأضَلّنَا إِل ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪َ )99‬فمَا‬ ‫إِن كُنّا َلفِي ضَللٍ مّبِينٍ (‪ )97‬إِذْ ُن َ‬ ‫حمِيمٍ (‪ )101‬فََلوْ أَنّ لَنَا كَ ّرةً فَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )102‬إِنّ فِي‬ ‫لَنَا مِن شَا ِفعِينَ (‪ )100‬وَل صَدِيقٍ َ‬ ‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُم ّم ْؤمِنِينَ (‪ )103‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)104‬‬ ‫ذَِل َ‬ ‫شرح الكلمات‬

‫فكبكبوا فيها ‪:‬أي ألقوا على وجوههم في جهنم ودحرجوا فيها حتى انتهوا إلى قعرها‪.‬‬ ‫والغاوون ‪:‬جمع غاوٍ وهو الفاسد القلب المدنس الروح من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وجنود إبليس ‪:‬أي أتباعه وأنصاره وأعوانه من النس والجن‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لية من سورة مريم عليها السلم‪.‬‬

‫( ‪)3/659‬‬ ‫إذ نسويكم برب العالمين ‪ :‬أي في العبادة فعبدناكم كما يعبد ال جل جلله‪.‬‬ ‫ول صديق حميم ‪ :‬أي يهمه أمرنا وتنفعنا صداقته نحتمى به من أن نعذب‪.‬‬ ‫فلو أن لنا كرة ‪ :‬أي رجعة إلى الدنيا لنؤمن ونوحد ونعبد ربنا بما شرع لنا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {فكبكبوا}‪ 1‬ب عد ذلك الستفهام التوبيخي التقريعي الذي تقدم في قوله تعالى {وقيل‬ ‫لهم أين ما كنتم تعبدون من دون ال هل ينصرونكم أو ينتصرون}؟ وفشلوا في الجواب ولم‬ ‫يجيدوه إذ هو غير ممكن فأخبر تعالى عنهم بأنهم كبكبوا في جهنم ‪ -‬أي كبوا على وجوههم‬ ‫ودحرجوا فيها هم والغاوون جمع غاوٍ أي فاسد العقيدة والعمل وجنود إبليس أجمعون من أتباع‬ ‫الشيطان وأعوانه من دعاة الشرك و المعاصي والجريمة في الرض من النس والجن قوله تعالى‬ ‫{قالوا وهم ‪ 2‬فيها يختصمون} أي وهم في جهنم يختصمون كل واحد يحمل الثاني التبعة‬ ‫والمسؤولية فقال المشركون لمن أشركوا بهم {تال إن كنا لفي ضلل مبين} أي ظاهر بين ل‬ ‫يختلف فيه‪ ،‬وذلك {إذ نسويكم برب العالمين} عز وجل فنعبدكم معه‪{ ،‬وما أضلنا إل المجرمون}‬ ‫وهم دعاة الشرك والشر والضلل الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها‪ ،‬وأجرموا علينا فأفسدوا‬ ‫نفوسنا بالشرك والمعاصي‪ ،‬وقوله تعالى {فما لنا من شافعين ول صديق حميم} هذا قولهم أيضا‬ ‫قرروا فيه حقيقة أخرى وهي أنه ليس لهم في هذا اليوم من شافعين يشفعون لهم عند ال تعالى ل‬ ‫من الملئكة ول من النس والجن إذ ل شفاعة تنفع من مات على الشرك والكفر‪ ،‬وقولهم ول‬ ‫صديق حميم أي وليس لنا أي من صديق حميم تنفعنا صداقته ووليته‪.‬‬ ‫وقالوا متمنين بعد اليأس من وجود شافعين {فلو أنّ لنا كرة ‪ }4‬أي رجعة إلى دار الدنيا {فنكون من‬ ‫المؤمنين} فنؤمن ونوحد ونتبع الرسل‪ .‬وهذا آخر ما أخبر تعالى به عنهم من كلمهم في‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬كبكبوا} أي‪ :‬كبوا فيها كبا بعد كب لنّ كبكبوا مضاعف‪ :‬كبوا بالتكرير نحو‪ :‬كفكف الدمع أي‪:‬‬ ‫كفّه مرة بعد مرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬من الجائز أن يكون هذا من كلم إبراهيم إلّ أن كونه من كلم ال تعالى موعظة لمة محمد‬

‫صلى ال عليه وسلم أولى وقد استظهره ابن عطية رحمه ال تعالى وجملة {وهم فيها يختصمون}‬ ‫حالية‪ ،‬وجملة تال الخ مقول القول‪.‬‬ ‫‪( 3‬إذ) ظرفية وليست تعليلية أي‪ :‬الوقت الذي كنا نسويكم برب العالمين‪ ،‬وهذا الكلم منهم كلم‬ ‫متندم حزن على ما فاته وصدر منه كقول أبي بكر وقد أمسك بلسانه وقال له‪ :‬أنت أوردتني‬ ‫الموارد وكقوله‪ :‬يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شرّ تسلم‪.‬‬ ‫‪{ 4‬لو} حرف تمن وأصلها‪ :‬لو الشرطية لكنها تنوسي منها معنى الشرط إذ المراد‪ :‬لو رجعنا إلى‬ ‫الدنيا لمنا وعملنا صالحا ولما لم يقصد تعليق المتناع على المتناع تمحضت لو للتمني‪.‬‬

‫( ‪)3/660‬‬ ‫جهنم‬ ‫وقوله تعالى {إن في ‪ 1‬ذلك} أي المذكور من كبكبة المشركين والغاوين وجنود إبليس أجمعين في‬ ‫جهنم وخصومتهم فيها وما قالوا وتمنوه وحرمانهم من الشفاعة وخلودهم في النار {لية} أي لعبرة‬ ‫لمن يعتبر بغيره‪{ ،‬وما كان أكثرهم مؤمنين} و لم يكن أكثر قومك يا رسولنا مؤمنين وإل لنتفعوا‬ ‫بهذه العبر فآمنوا ووحدوا وأسلموا {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي الغالب على أمره يفعل ما‬ ‫يشاء ويحكم ما يريد الرحيم بعباده إن أنابوا إليه وأخلصوا العبادة له يكرمهم في جواره في جنات‬ ‫النعيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن دعاة الزنى والربا والخرافة والشركيات من الناس هم من جند إبليس‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن المجرمين هم الذين أفسدوا نفوسهم ونفوس غيرهم بدعوتهم إلى الضلل وحملهم‬ ‫على المعاصي‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن الشفاعة لن تكون لمن مات على الشرك والكفر‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل تنفع العبر والمواعظ واليات في هداية قوم كتب ال أزلً شقاءهم وعلم منهم أنهم ل‬ ‫يؤمنون فكتب ذلك عليهم‪.‬‬ ‫كَذّ َبتْ َقوْمُ نُوحٍ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )105‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُهمْ نُوحٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )106‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬ ‫‪ )107‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )108‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬ ‫‪ )109‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪ )110‬قَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ َلكَ وَاتّ َبعَكَ الرْذَلُونَ (‪ )111‬قَالَ َومَا عِ ْلمِي ِبمَا‬ ‫شعُرُونَ (‪َ )113‬ومَا أَنَا بِطَا ِردِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)114‬‬ ‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )112‬إِنْ حِسَا ُب ُهمْ إِل عَلَى رَبّي َلوْ تَ ْ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬هذا تكرر ثالث لهذه الجملة تعدادا على المشركين وتسجيلً لتصميمهم على الشرك والتكذيب‬ ‫بالنبوة والبعث‪.‬‬

‫( ‪)3/661‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت قوم نوح المرسلين ‪ :‬قوم نوح المة التي بعث فيها‪ ،‬والمراد من المرسلين نوح عليه السلم‬ ‫أخوهم نوح ‪ :‬أي في النسب‪.‬‬ ‫أل تتقون‪ :‬أي اتقوا ال ربكم فل تعصوه بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫رسول أمين‪ :‬أي على مما أمرني ربي بإبلغه إليكم‪.‬‬ ‫من أجر‪ :‬أي ل أسألكم على إبلغ رسالة ال أجرة مقابل البلغ‪.‬‬ ‫أنؤمن لك واتبعك الرذلون‪ :‬أي كيف نتبعك على ما تدعونا إليه وقد اتبعك أراذل الناس أي‬ ‫سفلتهم وأهل الخسة فيهم‪.‬‬ ‫إن حسابهم إل على ربي‪ :‬أي ما حسابهم إل على ربي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصص نوح عليه السلم فقال تعالى {كذبت قوم نوح ‪ }1‬أي بما جاءهم به نوح من‬ ‫المر بالتوحيد وترك الشرك {إذ قال لهم أخوهم} أي في النسب ‪{ 2‬نوح أل تتقون} أي عقاب ال‬ ‫وأنتم تشركون به‪ ،‬وتكذبون رسوله {إني لكم رسول أمين} على ما أبلغكم من وحي ال تعالى‬ ‫فاتقوا ال بترك الشرك وأطيعوني فيما أدعوكم إليه وآمركم به {وما أسألكم عليه من أجر} أ ي‬ ‫على البلغ من أجر أتقاضاه منكم مقابل ما أبلغكم من رسالة ربكم‪{ .‬إن أجرى إل على ال} إذ هو‬ ‫الذي كلفني {فاتقوا ال} أي خافوا عقابه أن يحل بكم وأنتم تكفرون به وتكذبون برسوله وأطيعون‬ ‫فيما آمركم به وأنهاكم عنه‪ .‬بعد هذا الذي أمرهم به وكرره عليهم من تقوى ال وطاعة لرسوله‬ ‫كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله‪{ :‬قالوا أنؤمن لك} أي أنصدقك ونتابعك على ما جئت‬ ‫به من الدين {واتبعك الرذلون ‪ }3‬أي سفلة الناس وأخساؤهم؟‪.‬‬ ‫فأجابهم نوح بقوله {وما علمي بما كانوا يعملون } فيما يعملونه بعيدين عني من‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬كذبت قوم نوح} أنّث الفعل إرادة جماعة قوم نوح ونظيره‪{ :‬قالت العراب}‪.‬‬ ‫‪ 2‬وأخوّة مجانسة أو هو من باب قول العرب‪ :‬يا أخا بني تميم‪ :‬يريدون‪ :‬يا واحدا منهم‪ ،‬قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫ل يسألون أخاهم حين يندبهم‬ ‫في النائبات على ما قال برهانا‬

‫‪ 3‬جمع التكسير‪{ :‬أراذل} والنثى‪ :‬الرذلى والجمع‪ :‬الرّذل‪ ،‬وجملة‪{ :‬واتبعك} حالية‪ ،‬وفيها إضمار‬ ‫قد أي‪ :‬وقد اتبعك‪.‬‬

‫( ‪)3/662‬‬ ‫الباطن أو الظاهر أنا ل أعلمه ول أسأل عنه ول أحاسب عليه‪{ ،‬إن حسابهم ‪ 1‬إل على ربي} هو‬ ‫الذي يحاسبهم ويجزيهم لو تشعرون بهذه الحقيقة لما عبتموهم لي وحملتموني مسئولية عملهم {وما‬ ‫أنا بطارد المؤمنين ‪ }2‬أي من حولي‪{ ،‬إن أنا إل نذير ‪ 3‬مبين} فلست بجبار ول ذي سلطان فأطرد‬ ‫الناس وظيفتي أنى أنذر الناس عاقبة الكفر والمعاصي ليقلعوا عن ذلك فينجوا من عذاب ال‬ ‫ويسلموا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن من كذب رسولً فكأنما كذب كل الرسل وذلك باعتبار أن دعوتهم واحدة وهي أن‬ ‫ُيعْبَ َد ال وحده بما شرع للناس من عبادات تطهرهم وتزكيهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات أخوة النسب‪ ،‬ول تعارض بينها وبين أخوة الدين‪.‬‬ ‫‪ -3‬عدم جواز أخذ أجرة على دعوة ال تعالى‪ .‬ووجوب إبلغها مجانا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب التقوى ل تعالى‪ ،‬وطاعة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬ل يجوز طرد الفقراء من مجالس العلم ليجلس مجالسهم الغنياء وأهل الجاه‪.‬‬ ‫إِنْ أَنَا إِل نَذِيرٌ مّبِينٌ (‪ )115‬قَالُوا لَئِن لّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمَرْجُومِينَ (‪ )116‬قَالَ َربّ إِنّ‬ ‫َق ْومِي كَذّبُونِ (‪ )117‬فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْ َنهُمْ فَ ْتحًا وَنَجّنِي َومَن ّمعِي مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )118‬فَأَنجَيْنَا ُه َومَن‬ ‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُم‬ ‫ّمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْل َمشْحُونِ (‪ُ )119‬ثمّ أَغْ َرقْنَا َبعْدُ الْبَاقِينَ (‪ )120‬إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫ّم ْؤمِنِينَ (‪ )121‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)122‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل لسفيان‪ :‬إنّ امرأة زنت وقتلت ولدها وهي مسلمة هل يقطع لها بالنار؟ فقال‪" :‬إن حسابهم‬ ‫إل على ربي لو تشعرون}‪.‬‬ ‫‪ 2‬ظاهر الكلم أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء من المؤمنين كما فعلت قريش‪.‬‬ ‫‪ 3‬جملة ‪{ :‬إن أنا إل نذير} استئناف في معنى التعليل لعدم طردهم والقصر في الجملة إضافي‬ ‫قصر موصوف على صفة‪.‬‬

‫( ‪)3/663‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لئن لم تنته ‪:‬أي عن دعِِوتنا إلى ترك آلهتنا وعبادة إلهك وحده‪.‬‬ ‫من المرجومين ‪:‬أي المقتولين رجما بالحجارة‪.‬‬ ‫فافتح بيني وبينهم فتحا ‪:‬أي أحكم بيني وبينهم حكما بأن تهلكهم وتنجيني ومن معي من المؤمنين‪.‬‬ ‫في الفلك المشحون ‪ : 1‬أي المملوء بالركاب وأزواج المخلوقات الخرى‪.‬‬ ‫بعد الباقين ‪ :‬أي بعد إنجائنا نوحا والمؤمنين بركوبهم في السفينة أغرقنا الكافرين إذ إغراقهم كان‬ ‫بعد نجاة المؤمنين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق في الحوار الدائر بين نوح وقومه إنه لما دعاهم إلى التوحيد وكرر عليهم الدعوة‬ ‫وأفحمهم في مواطن كثيرة وأعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد فقالوا ما أخبر تعالى به‬ ‫عنهم في قوله {قالوا لئن لم تنته يا نوح} أي قسما بآلهتنا لئن لم تنته يا نوح من تسفيهنا وسب‬ ‫آلهتنا ومطالبتنا بترك عبادتها {لتكونن من المرجومين ‪ }2‬أي لنقتلنك رميا بالحجارة‪ .‬وهنا وبعد‬ ‫دعوة دامت ألف سنة إل خمسين عاما رفع نوح شكواه إلى ال قائل‪{ :‬رب إن قومي ‪ 3‬كذبون‬ ‫فافتح بيني وبينهم فتحاْ} أي أحكم بيننا وافصل في قضية وجودنا مع بعضنا بعضا فأهلكهم‬ ‫{ونجني ومن معي من المؤمنين} قال تعالى {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون} أي المملوء‬ ‫بأنواع الحيوانات {ثم أغرقنا ‪ 4‬بعد الباقين} أي بعد إنجائنا نوحا ومن معه من المؤمنين بأن ركبوا‬ ‫في الفلك وما زال الماء يرتفع النازل من السماء والنابع من الرض حتى غرق كل من على‬ ‫الرض والجبال ولم ينج أحد إل نوح وأصحاب السفينة‪ ،‬قال تعالى {إن في ذلك} أي المذكور من‬ ‫الصراع الذي دار بين التوحيد والشرك وفي عاقبة التوحيد وهي نجاة أهله والشرك وهي دمار‬ ‫أهله {لية} أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الشحن‪ :‬ملء السفينة بالناس والدواب وغيرهم ولم يقل‪ :‬المشحونة بل قال‪{ .‬المشحون} لنه هنا‬ ‫واحد ل جمع‪.‬‬ ‫‪ 2‬كل لفظ {رجم} في القران معناه القتل رميا بالحجارة إل قوله‪{ :‬لئن لم تنته لرجمنك} فإنه‬ ‫بمعنى لسبنّك وأشتمنّك‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذه الجملة قالها تمهيدا للدعاء عليهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬ثم‪ :‬للتراخي الرتبي في الخبار لن إغراق أمة كاملة أعظم دللة على عظيم القدرة من إنجاء‬ ‫طائفة من الناس‪.‬‬

‫( ‪)3/664‬‬

‫عبرة ‪ .1‬ولكن أهل مكة لم يعتبروا {وما كان أكثرهم مؤمنين ‪ }2‬لما سبق في علم ال تعالى من‬ ‫عدم إيمانهم إذا فل تحزن عليهم‪{ .‬وإن ربك} أيها الرسول الكريم لهو ل غيره العزيز الغالب‬ ‫الرحيم بمن تاب من عباده فإنه ل يعذبه بل يرحمه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة أن الظلمة والطغاة إذا أعيتهم الحجج يلجأون إلى القوة‪.‬‬ ‫‪ -2‬جواز الستنصار بال تعالى وطلب الفتح بين المظلوم والظالمين‪.‬‬ ‫‪ -3‬سرعة استجابة ال تعالى لعبده نوح وذلك لصبره قرونا طويلة فلما انتهى صبره ورفع شكاته‬ ‫إلى ربه أجابه فورا فأنجاه وأهلك أعداءه‪.‬‬ ‫كَذّ َبتْ عَادٌ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )123‬إذْ قَالَ َلهُمْ َأخُوهُمْ هُودٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )124‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‪)125‬‬ ‫فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ (‪َ )126‬ومَا أَسْأَُل ُكمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)127‬‬ ‫أَتَبْنُونَ ِب ُكلّ رِيعٍ آيَةً َتعْبَثُونَ (‪ )128‬وَتَتّخِذُونَ َمصَانِعَ َلعَّلكُمْ تَخُْلدُونَ (‪ )129‬وَإِذَا َبطَشْتُم بَطَشْ ُتمْ‬ ‫جَبّارِينَ (‪ )130‬فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ (‪) 131‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت عاد‪ :‬عاد اسم أبي القبيلة وسميت القبيلة به‪.‬‬ ‫أخوهم هود‪ :‬أخوهم في النسب‪.‬‬ ‫فاتقوا ال‪ :‬أي خافوا عقابه فل تشركوا به شيئا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجه العبرة أن ال تعالى أنجى الموحدين وأهلك المشركين بعد أن أبلغ نوح رسالته بصبر‬ ‫واحتساب ل نظير لهما إذ دعا وبلغ وأوذي وصبر و صابر ألف سنة إل خمسين عاما‪.‬‬ ‫‪ 2‬سبق أن ذكرت أن المراد بمن أكثرهم ل يؤمنون هم أكابر مجرمي مكة وعلى رأسهم‬ ‫المستهزئون وهدا من إطلق العام وإرادة الخاص لن الذين آمنوا وأسلموا أكثر ممن ماتوا على‬ ‫الكفر أو نفي اليمان مقيد بزمن معين ل يتعداه‪.‬‬

‫( ‪)3/665‬‬ ‫أتبنون بكل ريع‪ :‬أي مكان عال مرتفع‪.‬‬ ‫آية ‪ :‬أي قصرا مشيدا عاليا مرتفعا‪.‬‬ ‫تعبثون ‪ :‬أي ببنيانكم حيث تبنون مال تسكنون‪.‬‬ ‫وتتخذون مصانع‪ :‬أي حصونا منيعة وقصورا رفيعة‪.‬‬ ‫لعلكم تخلدون ‪ :‬أي كأنكم تأملون الخلود في الرض وترجونه‪.‬‬

‫و إذا بطشتم ‪ :‬أي أخذتم أحدا سطوتم عليه بعنف وشدة‪.‬‬ ‫جبارين ‪ :‬أي عتاة متسلطين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصص هود عليه السلم يقول تعالى {كذبت عاد ‪ }1‬أي قبيلة عاد {المرسلين} أي رسول‬ ‫ال هودا‪{ ،‬إذ قال لهم أخوهم هود أل تتقون ‪ }2‬أي أل تتقون عقاب ال بترككم الشرك والمعاصي‬ ‫بمعنى اتقوا ال ربكم فل تشركوا به‪ ،‬وقوله {إني لكم رسول أمين} يخبرهم بأنه رسول ال إليهم‬ ‫يبلغهم عن ال أمر ونهيه وأنه أمين على ذلك فل يزيد ول ينقص فيما أمره ربه بإبلغه إليهم‪،‬‬ ‫وعليه {فاتقوا ‪ 3‬ال وأطيعون} أي بوصفي رسول ال إليكم فإن طاعتي واجبة عليكم حتى أبلغكم‬ ‫ما أرسلت به إليكم‪.‬‬ ‫وقوله {وما أسألكم عليه من أجر} أي على إبلغ رسالتي إليكم من أجر أي من أي أجر كان‪ .‬ولو‬ ‫قل {إن أجري} أي ما أجري إل على رب العالمين سبحانه وتعالى إذ هو الذي أرسلني وكلفني‬ ‫فهو الذي أرجو أن يثيبني على حمل رسالتي إليكم وإبلغها إياكم‪ .‬وعليه فاتقوا ال أي خافوا‬ ‫عقابه بترك الشرك به والمعاصي وأطيعوني بقبول ما أبلغكم به لتكملوا وتسعدوا‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬أتبنون بكل ريع ‪ 4‬آية تعبثون} ينكر هود على قومه إنهماكهم في الدنيا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جملة مستأنفة استئناف انتقال لعرض الحداث التاريخية تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫وموعظة وذكرى لغيره‪ ،‬وعاد بمعنى القبيلة فلذا أنّث الفعل معها‪ ،‬وكانت منازل عاد وديارهم ما‬ ‫بين عُمان وحضر موت شرقا وغربا ومتغلغلة في الشمال إلى الرمال وهي الحقاف‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام معناه المر والحض على التقوى التي هي خوف من ال تعالى يحمل على اليمان به‬ ‫وعبادته وترك عبادة ما سواه‪.‬‬ ‫‪ 3‬الفاء‪ :‬للتفريع فالجملة متفرعة عن جملة (إني لكم رسول أمين) أي‪:‬فينادى إني رسول أمين‬ ‫فاتبعوا ما أقول لكم {واتقوا ال وأطيعون} وحذفت الياء من‪{ ،‬فاتقون} مراعاة لرؤوس الي‪.‬‬ ‫‪ 4‬الرّيع‪ :‬المكان المرتفع أو الطريق الفج بين الجبيلين‪ ،‬والية العلمة‪ :‬الدالة على الطريق‬ ‫ن المعماري‪.‬‬ ‫والمراد‪ :‬بناء عالٍ هو آية في الف ّ‬

‫( ‪)3/666‬‬ ‫وانشغالهم بما ل يعني وإعراضهم عما يعنيهم فيقول لهم كالمنكر عليهم أتبنون بكل ريع أي مكان‬ ‫عال مرتفع آية أي قصرا مشيدا آية في ارتفاعه وعلوه‪ .‬تعبثون حيث ل تسكنون فيما تبنون فهو‬ ‫لمجرد اللهو والعبث وقوله {وتتخذون مصانع} وهي مبان عالية كالحصون أو خزانات الماء أو‬ ‫الحصون {لعلكم تخلدون ‪ }1‬أي كيما تخلدون‪ ،‬وما أنتم بخالدين‪ ،‬وإنما مقامكم فيها قليل‪ .‬وقوله‬

‫{وإذا بطشتم ‪ 2‬بطشتم جبارين} أي إذا سطوتم على أحد تسطون عليه سطو العتاة الجبارين‬ ‫فتأخذون بعنف ‪ 3‬وشدة بل رحمة ول رفق {فاتقوا ال} يا قوم فخافوا عقابه وأليم عذابه‪،‬‬ ‫{وأطيعون} فيما أدعوكم إليه وأبلغكموه عن ربي فإن ذلك خير لكم من العراض والتمادي في‬ ‫الباطل‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‬ ‫‪ -1‬المر بالتقوى من النصح للمأمور بها‪ ،‬لن النجاة والفوز ل يتمان للعبد إل عليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الرسل أمناء على ما يحملون وما يبلغون الناس‪.‬‬ ‫‪-3‬حرمة أخذ الجرة على بيان الشرع والدعوة إلى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬ينبغي للعبد أن ل يسرف فيبني مال يسكن ويد خرما ل يأكل‪.‬‬ ‫‪ -5‬استنكار العنف والشدة في الخذ وعند المؤاخذة‪.‬‬ ‫ت وَعُيُونٍ (‪ )134‬إِنّي‬ ‫وَاتّقُوا الّذِي َأمَ ّدكُم ِبمَا َتعَْلمُونَ (‪َ )132‬أ َم ّدكُم بِأَ ْنعَا ٍم وَبَنِينَ (‪ )133‬وَجَنّا ٍ‬ ‫ظتَ أَمْ َلمْ َتكُن مّنَ ا ْلوَاعِظِينَ (‪)136‬‬ ‫سوَاء عَلَيْنَا َأوَعَ ْ‬ ‫عظِيمٍ (‪ )135‬قَالُوا َ‬ ‫أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬ ‫ك ليَ ًة َومَا‬ ‫ق الوّلِينَ (‪َ )137‬ومَا َنحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ (‪َ )138‬فكَذّبُوهُ فَأَهَْلكْنَاهُمْ إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫إِنْ َهذَا إِل خُُل ُ‬ ‫كَانَ َأكْثَرُهُم ّم ْؤمِنِينَ (‪ )139‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)140‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الجمل الثلثة تبنون وتتخدرون ولعلكم تلخدون توبيخ لهم على هذا السلوك وإنكار عليهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬البطش‪ :‬السطوة والخذ بعنف‪ ،‬والجبار‪ :‬القتال في غير حق والمتسلط العاتي‪.‬‬ ‫‪ 3‬ويدل على قوتهم وشدّتهم قولهم ‪{ :‬من أشدّ منا قوة} من سورة فصّلت وكان العرب ينسبون‬ ‫الشيء القوي إلى عاد فيقولون‪ :‬هذا عادي‪.‬‬

‫( ‪)3/667‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أمدكم‪ :‬أي أعطاكم منعما عليكم‪.‬‬ ‫بأنعام‪ :‬هي البل والبقر والغنم‪.‬‬ ‫عذاب يوم عظيم ‪ :‬هو يوم هلكهم في الدنيا ويوم بعثهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫س واء علينا‪ :‬أي مستوٍ عندنا وعظك وعدمه فأنا ل نطيعك‪.‬‬ ‫إن هذا إل خلق الولين ‪ : 1‬أي ما هذا الذي تعظنا فيه من البناء وغيره إل دأب وعادة الولين‬ ‫فنحن على طريقتهم‪ ،‬وما نحن بمعذبين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫ما زال السياق الكريم في الحوار الذي دار بين نبي ال هود عليه السلم وبين قومه المشركين إذ‬ ‫أمرهم بالتقوى وبطاعته وأمرهم أيضا بتقوى ال الذي أمدهم أي أنعم عليهم بما يعلمونه من أنواع‬ ‫النعم فإن طاعة المنعم شكر له على إنعامه ومعصيته كفر لنعامه فقال { واتقوا الذي أمدكم بما‬ ‫تعلمون ‪ }2‬وبين ذلك بقوله {أمدكم بأنعام} أي مواشي من إبل وبقر وغنم {وبنين} أي أولد ذكور‬ ‫و إناث وجنات أي بساتين {وعيون} لسقيها وسقيكم وتطهيركم ‪ ،3‬ثم قال لهم في إشفاق عليهم‬ ‫{إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } إن أنتم أصررتم على الشرك والمعاصي وقد يكون عذابا في‬ ‫الدنيا وعذابا في الخرة‪ ،‬وقد عذبوا في الدنيا بإهلكهم ويعذبون في الخرة لنهم ماتوا كفارا‬ ‫مشركين عصا ة مجرمين‪ ،‬كان هذا ما وعظهم به نبيهم هود عليه السلم‪ ،‬وكان ردهم على‬ ‫وعظه ما أخبر تعالى به في قوله {قالوا سواء علينا أو عظمت أم لم تكن من الواعظين} أي مستوٍ‬ ‫عندنا وعظك أي تخويفك وتذكيرك وعدمه فما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك‪ ،‬وما نحن لك‬ ‫بمؤمنين وقالوا {إن هذا} الذي نحن عليه من البناء والشادة وعبادة آلهتنا {إل خلق الولين ‪ }4‬أي‬ ‫دأب وعادة من سبقنا من الناس‪ ،‬وما نحن بمعذبين عليه قال تعالى مخبرا عن نتيجة ذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور (خُلق) بضم كل من الخاء واللم وهو بمعنى السجية المتمكنة في النفس الباعثة‬ ‫على عمل ما يناسبها ويقال له‪ :‬القوى النفسية وقرا غير الجمهور (خَلق) بفتح الخاء وسكون اللم‬ ‫وهر بمعنى الختلق والكذب أي‪ :‬ما تقوله لنا إنما هو كذب واختلق‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬من الخيرات ثم فسرها بقوله‪{ :‬أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون}‪.‬‬ ‫‪ 3‬فهو الذي يحب أن يعبد فيذكر ويُشكر ول يكفر‪.‬‬ ‫‪ 4‬اختلف في تحديد معنى قولهم‪{ :‬إن هذا إل خلق الولين} بفتح الخاء وإسكان اللم أي‪ :‬اختلقهم‬ ‫وكذبهم ومن قرأ (خُلُق) بضم الخاء واللم معناه عاداتهم لن الخلق يطلق على الدين والطبع‬ ‫والمروءة‪ ،‬وما في التفسير أولى بتوجيه الية‪.‬‬

‫( ‪)3/668‬‬ ‫الحوار وتلك الدعوة التي قام بها نبي ال هود {فكذبوه} أي كذبوا هودا فيما جاءهم به ودعاهم إليه‬ ‫وحذرهم منه‪{ ،‬فأهلكناهم ‪ }1‬أي بتكذيبهم وإعراضهم {إن في ذلك} الهلك للمكذبين عبرة لقومك‬ ‫يا محمد لو كانوا يعتبرون {وما كان أكثرهم مؤمنين} لما سبق في علم ال من عدم إيمانهم فلذا لم‬ ‫تنفعهم المواعظ والعبر‪ ،‬وإن ربك لهو العزيز الرحيم فقد أخذ الجبابرة العتاة فأنزل بهم نقمته‬ ‫وأذاقهم مر عذابه‪ ،‬ورحم أولياءه فأنجاهم وأهلك أعداءهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تنويع أسلوب الدعوة وتذكير الجاحدين بما هو محسوس لديهم مرأي لهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬التخويف من عذاب ال والتحذير من عاقبة عصيانه من أساليب الدعوة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سنة الناس في التقليد وإتباع آبائهم وإن كانوا ضللً جاهلين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التوحيد والنبوة والبعث إذ هو المقصود من هذا القصص‪.‬‬ ‫كَذّ َبتْ َثمُودُ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )141‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ أَخُو ُه ْم صَالِحٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )142‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬ ‫‪ )143‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )144‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬ ‫خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ (‬ ‫ت وَعُيُونٍ (‪)147‬وَزُرُوعٍ وَنَ ْ‬ ‫‪ )145‬أَتُتْ َركُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (‪ )146‬فِي جَنّا ٍ‬ ‫‪ )148‬وَتَنْحِتُونَ مِنَ ا ْلجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (‪ )149‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪ )150‬وَل ُتطِيعُوا َأمْرَ‬ ‫ض وَل ُيصِْلحُونَ (‪)152‬‬ ‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )151‬الّذِينَ ُيفْسِدُونَ فِي ال ْر ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي ‪ :‬بريح صرصر سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ‪( .‬من سورة الحاقة)‪.‬‬

‫( ‪)3/669‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت ثمود المرسلين‪ :‬أي كذبت قبيلة ثمود نبيّها صالحا‪.‬‬ ‫فيما هاهنا آمنين ‪ :‬أي من الخيرات والنعم غير خائفين من أحد‪.‬‬ ‫طلعها هضيم ‪ :‬أي طلع النخلة لين ناعم ما دام في كُفرّاه أي غطاؤه الذي عليه‪.‬‬ ‫وتنحتون من الجبال بيوتا‪ :‬أي تنجرون بآلت النحت الصخور في الجبل وتتخذون منها بيوتا‪.‬‬ ‫فرهين‪ :‬أي حذقين من جهة وبطرين متكبرين مغترين بصنيعكم من جهة أخرى‪.‬‬ ‫وأطيعون‪ :‬أي فيما أمرتكم به‪.‬‬ ‫المسرفين ‪ :‬أي في الشر والفساد بالكفر والعناد‪.‬‬ ‫الذين يفسدون في الرض ‪ :‬أي بارتكاب الذنوب العظام فيها‪.‬‬ ‫ول يصلحون فيها‪ :‬أي بفعل الطاعات والقربات‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا بداية قصص نبي ال صالح عليه السلم قال تعالى {كذبت ‪ 1‬ثمود المرسلين} أي جحدت قبيلة‬ ‫ثمود ما جاءها به رسولها صالح‪{ ،‬إذ قال لهم أخوهم} في النسب ل في الدين إذ هو مؤمن وهم‬ ‫كافرون {أل تتقون ‪ }2‬أي يحضهم على التقوى ويأمرهم بها لن فيها نجاتهم والمراد من التقوى‬ ‫اتقاء عذاب ال باليمان به وتوحيده وطاعته وطاعة رسوله‬ ‫وقوله {إني لكم رسول أمين} يعلمهم بأنه مرسل من قبل ال تعالى إليهم أمين على رسالة ال وما‬ ‫تحمله من العلم والبيان والهدى إليهم‪{ .‬فاتقوا ال وأطيعون} كرر المر بالتقوى وبطاعته إذ هما‬

‫معظم رسالته ومَتَى حقّقها المرسل إليهم اهتدوا وأفلحوا {وما أسألكم عليه من أجر} أبعد تهمة‬ ‫المادة لما قد يقال أنه يريد مالً فأخبرهم في صراحة أنه ل يطلب على إبلغهم دعوة ربهم أجرا‬ ‫من أحد إل من ال رب العالمين إذ هو الذي يثيب ويجزي العاملين له وفي دائرة طاعته وقوله‬ ‫فيما أخبر تعالى به عنه {أتتركون ‪ 3‬فيما ههنا} بين‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ثمود‪ :‬أمّة تسكن بالحجر شمال الحجاز‪ ،‬وتعرف اليوم بمدائن صالح والمراد من المرسلين‪ :‬نبي‬ ‫ال صالح عليه السلم‪ ،‬وتكذيبها به معتبر تكذيبا لكل الرسل‪ ،‬لن دعوة الرسل واحدة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للنكار أي‪ :‬ينكر عليهم عدم تقواهم ويحضهم عليها‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام إنكاري توبيخي وفيه حضهم على الشكر إذ ما هم فيه من النعمة يقتضي ذلك‪.‬‬

‫( ‪)3/670‬‬ ‫أيديكم من الخيرات {آمنين} غير خائفين‪ ،‬وبين ما أشار إليه بقوله فيما ها هنا فقال {في جنات} أي‬ ‫بساتين ومزارع بمدائنهم وهي إلى الن قائمة { وعيون وزروع‪ ،‬ونخل طلعها ‪ 1‬هضيم} أي لين‬ ‫ناعم ما دام في كفراه أي غلفه {وتنحتون من الجبال بيوتا} لما خولكم ال من قوة ومعرفة بفن‬ ‫النحت حتى أصبحتم تتخذون من الجبال الصم بيوتا تسكنونها شتاء فتقيكم البرد‪ .‬وقوله {فرهين}‬ ‫هذا حال من قوله {وتنحتون من الجبال } ومعنى {فرهين ‪ }2‬حذقين فن النحت وبطرين متكبرين‬ ‫مغترين بقوتكم وصناعتكم‪ ،‬إذا {فاتقوا ال} يا قوم بترك الشرك والمعاصي {وأطيعون} فيما آمركم‬ ‫به وأنهاكم عنه وأدعوكم إليه {ول تطيعوا أمر المسرفين ‪ }3‬أي على أنفسهم بارتكاب الكبائر‬ ‫وغشيان الذنوب‪{ .‬الذين يفسدون في الرض} أي بمعاصي ال ورسوله فيها {ول يصلحون} أي‬ ‫جمعوا بين الفساد والفساد‪ ،‬وترك الصلح والصلح‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬دعوة الرسل واحدة ولذا التكذيب برسول يعتبر تكذيبا بكل الرسل‪.‬‬ ‫‪ -2‬المانة شعار كل الرسل والدعاة الصادقين الصالحين في كل المم والعصور‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التذكير بالنعم ليذكر المنعم فيُحب ويطاع‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من طاعة المسرفين في الذنوب والمعاصي لوخامة عاقبة طاعتهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير أن الفساد في الرض يكون بارتكاب المعاصي فيها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الطلع‪ :‬وعاء كنصل السيف بباطنه شماريخ القنو ويسمى هذا الطلع بالكم بكسر الكاف ويقال‬ ‫له‪ :‬الطلع لنه يطلع من قلب النخلة وبعد أيام من طلوعه ينفلق من نفسه ويؤبر وبعد قليل يصبح‬

‫بلحا فبُسرا فُرطبا فتمرا وذكر النخل يقال له‪ :‬فحال بضم الفاء وتشديد الحاء مفتوحة والجمع‬ ‫فحاحيل‪.‬‬ ‫‪{ 2‬فرهين} قراءة الجمهور‪ ،‬وقرىء {فارهين} مشتق من الفراهة التي هي الحذق والكياسة أي‪:‬‬ ‫عارفين حذقين بنحت البهوت من الجبال‪.‬‬ ‫‪ 3‬يريد رؤساءهم في الضللة ممن يحثونهم على الشرك والفساد في البلد بارتكاب الذنوب‬ ‫والثام‪.‬‬

‫( ‪)3/671‬‬ ‫قَالُوا إِ ّنمَا أَنتَ مِنَ ا ْلمُسَحّرِينَ (‪ )153‬مَا أَنتَ إِل بَشَرٌ مّثْلُنَا فَ ْأتِ بِآ َيةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪)154‬‬ ‫عذَابُ َيوْمٍ عَظِيمٍ‬ ‫خ َذكُمْ َ‬ ‫ب وََلكُمْ شِ ْربُ َيوْمٍ ّمعْلُومٍ (‪ )155‬وَل َتمَسّوهَا ِبسُوءٍ فَيَأْ ُ‬ ‫قَالَ هَ ِذهِ نَاقَةٌ ّلهَا شِ ْر ٌ‬ ‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُم ّم ْؤمِنِينَ‬ ‫خذَهُمُ ا ْلعَذَابُ إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫(‪َ )156‬ف َعقَرُوهَا فََأصْبَحُوا نَا ِدمِينَ (‪ )157‬فَأَ َ‬ ‫(‪ )158‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)159‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنما أنت من المسحرين ‪ :‬الذين سحروا وبُولغ في سحرهم حتى غلب عقولهم‪.‬‬ ‫فأت بآية إن كنت من الصادقين ‪ :‬إن كنت من الصادقين في أنك رسول فأتنا بآية تدل على ذلك‪.‬‬ ‫لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ‪:‬أي لها يوم تشرب فيه من العين ولكم يوم آخر معلوم‪.‬‬ ‫فعقروها فأصبحوا نادمين ‪ :‬أي فلم يؤمنوا فقتلوها فأصبحوا نادمين لما شاهدوا العذاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في الحوار الذي دار بين صالح عليه السلم وقومه ثمود فلما ذكرهم ووعظهم‬ ‫ردوا عليه بما أخبر تعالى عنهم في قوله {قالوا إنما أنت من المسحرين ‪ }1‬أي الذين سحروا‬ ‫وبُولغ في سحرهم حتى غلب على عقولهم فهم ل يعرفون ما يقولون {ما أنت إل بشر مثلنا} تأكل‬ ‫الطعام وتشرب الشراب فل أنت رب ول ملك فنخضع لك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وقيل‪{ :‬من المسحرين} أي‪ :‬من المعللين بالطعام والشراب مأخوذ من السحر وهو‪ :‬الرئة يعنون‬ ‫أنه بشر له رئة يأكل ويشرب كسائر الناس فل يفضلهم وشاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫أرانا موضعين لمر غيب‬ ‫ونسحر بالطعام وبالشراب‬ ‫موضعين مسرعين إلى الموت وما فلي التفسير أولى وأظهر‪.‬‬

‫( ‪)3/672‬‬

‫ونطيعك {فأت بآية}‪ 1‬علمة قوية ودللة صادقة تدل على أنك رسول ال حقا وأنت من الرسل‬ ‫الصادقين‪ ،‬فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به عنه في قوله‪{ :‬قال هذه ناقة} أي عظيمة الخلقة سأل‬ ‫ربه آية فأعطاه هذه الناقة فما زال قائما يصلي ويدعو وهم يشاهدون حتى أنفلق الجبل وخرجت‬ ‫منه هذه الناقة الية العظيمة فقال {هذه ناقة لها شرب ‪ }2‬أي حظ ونصيب من ماء البلد تشربه‬ ‫وحدها ل يرد معها أحد ولكم أنتم شرب يوم معلوم لكم تردونه وحدكم‪{ .‬ول تمسوها بسوء}‬ ‫وحذرهم أن يمسوها بسوء ل بضرب ول بقتل ول بمنع من شرب‪ ،‬فإنه يأخذكم عذاب يوم عظيم‬ ‫قال تعالى {فعقروها} أي فكذبوه وعصوه وعقروها بأن ضربوها في يديها ورجلها فبركت‬ ‫وقتلوها‪ .‬فلما عقروها قال لهم صالح {تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب}‬ ‫فأصبحوا بذلك نادمين ‪ 3‬ففي صبيحة اليوم الثالث أخذتهم الصيحة مع شروق الشمس فاهلكوا‬ ‫أجمعين ونجى ال تعالى صالحا ومن معه من المؤمنين {إن في ذلك لية} أي علمة كبرى على‬ ‫قدرة ال تعالى وعلمه وأنه واجب اللوهية {وما كان أكثرهم ‪ 4‬مؤمنين} ‪ 5‬مع وضوح الدلة لنه‬ ‫لم يسبق لهم إيمان في قضاء ال وقدره {وإن ربك} أيها الرسول لهو وحده العزيز الغالب الذي ل‬ ‫يغالب الرحيم بأوليائه وصالحي عباده‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن السحر من عمل الناس وأنه معلوم لهم معمول به منذ القدم‪.‬‬ ‫‪ -2‬سنة الناس في المطالبة باليات عند دعوتهم إلى الدين الحق‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجود اليات ل يستلزم بالضرورة إيمان المطالبين بل أكثرهم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫‪ -4‬الندم من التوبة ولكن ل ينفع ندم ول توبة عند معاينة العذاب أو أماراته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما قالوا‪ .‬إن كنت صادقا فادع ال يخرج لنا من هذا الجبل ناقة‬ ‫حمراء عشراء فتضع ونحن ننُظر وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنا فدعا وفعل ال‬ ‫ذلك‪ .‬فقال‪{ ,‬هذه ناقة ‪ }...‬الخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬الشرب بكسر الشين وسكون الراء‪ :‬النوبة في الماء للناقة يوما تشرب فيه ل يزاحمونها فيه‬ ‫بأنعامهم وأنفسهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬إن قيل‪ :‬لم ما ينفع الندم وهو توبة فالجواب التوبة تنفع قبل ظهور علمات الموت والعذاب أما‬ ‫بعد ظهور ذلك فل توبة تقبل وفي الحديث‪" :‬إن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"‪.‬‬ ‫‪ 4‬كان‪ :‬مزيدة لتقوية الكلم‪ ،‬والعبارة جائز أن يراد بها قوم صالح إذ لم يؤمن منهم إل القليل‪،‬‬ ‫وأن يراد بها كفار مكة إذ أكثر المكابرين ما آمن ومات كافرا أو ما آمن في تلك الفترة ثم آمن‬ ‫بعد الفتح‪.‬‬

‫‪ 5‬قيل‪ :‬ما آمن معه إلّ ألفان وثمانمائة رجل وامرأة وأن قومه كانوا اثني عشر ألف قبيل كل قبيل‬ ‫نحو‪ :‬اثنى عشر ألفا من سوى النساء والذرية وكان قوم عاد مثلهم ثلث مرات‪ .‬ذكر هذا القرطبي‬ ‫في تفسيره ولم يعزه لحد‪.‬‬

‫( ‪)3/673‬‬ ‫كَذّ َبتْ َقوْمُ لُوطٍ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ِ )160‬إذْ قَالَ َلهُمْ َأخُوهُمْ لُوطٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )161‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬ ‫‪ )162‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )163‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬ ‫جكُم َبلْ أَنتُمْ َقوْمٌ‬ ‫‪ )164‬أَتَأْتُونَ ال ّذكْرَانَ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )165‬وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ َلكُمْ رَ ّبكُمْ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬ ‫عَادُونَ (‪)166‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫قوم لوط‪ :‬هم سكان مدن سدوم وعمورية وقرى أخرى ولوط هو نبي ال لوط بن هاران ابن أخي‬ ‫إبراهيم‪.‬‬ ‫أخوهم لوط‪ :‬هذه أخوة بلد ‪ 1‬وسكنى ل أخوة نسب ول دين‪.‬‬ ‫إني لكم رسول أمين ‪ :‬أي إني مرسل إليكم ل إلى غيركم أمين في إبلغكم رسالتي فل أنقص ول‬ ‫أزيد‪.‬‬ ‫فاتقوا ال ‪ :‬باليمان به وعبادته وحده وترك معاصيه‪.‬‬ ‫وما أسألكم عليه ‪ :‬أي على البلغ من أجرة مقابل إرشادكم وتعليمكم‪.‬‬ ‫أتأتون الذكران من العالمين ‪ :‬أي أتأتون الفاحشة من الرجال وتتركون النساء‪.‬‬ ‫بل أنتم قوم عادون ‪ :‬أي معتدون ظالمون متجاوزون الحد في السراف في الشر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصص لوط مع قومه أصحاب المؤتفكات قال تعالى {كذبت قوم لوط المرسلين} أي‬ ‫كذبوا لوطا الرسول وتكذيبه يعتبر تكذيبا لكافة الرسل لن دعوة ال واحدة كذبوه لما دعاهم إلى‬ ‫عبادة ال تعالى وحده وترك الفواحش والظلم والشر والفساد إذ قال لهم أخوهم لوط هذه أخوة‬ ‫الوطن ل غير إذ لوط بابلي الموطن ودينه السلم وأبوه هاران‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬أخوة مواطنة كما يقال اليوم‪.‬‬

‫( ‪)3/674‬‬

‫أخو إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وإنما لما أرسل لوط إلى أهل هذه البلد وسكن معهم قيل لهم أخوهم‬ ‫بحكم المعاشرة والمواطنة الحاصلة {أل تتقون ‪ }1‬يأمرهم بتقوى ال ويحضهم عليها لنهم قائمون‬ ‫على عظائم الذنوب فخاف عليهم الهلك فدعاهم إلى أسباب النجاة وهي تقوى ال تعالى بطاعته‬ ‫وترك معاصيه‪ .‬وقال لهم {إني لكم رسول أمين ‪ }2‬فل تشكوا في رسالتي وأطيعون‪ ،‬وإني غير‬ ‫سائلكم أجرا على تبليغ رسالتي إليكم إن أجري آخذه من رب العالمين الذي حملني هذه الرسالة‬ ‫وأمرني بإبلغكم إياها وهنا أنكر عليهم أعظم منكر فقال موبخا مقرعا {أتأتون ‪ 3‬الذكران من‬ ‫العالمين} فترتكبون الفاحشة معهم {وتذرون} أي تتركون ما خلق ال لكم من أزواجكم {بل أنتم قوم‬ ‫عادون ‪ }4‬أي متجاوزون الحدود ‪ 5‬التي رسمها الشرع والعقل والدمية‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬جواز إطلق أخوة الوطن دون الدين والنسب‪.‬‬ ‫‪ -2‬المانة من مستلزمات الرسالة‪ ،‬إذ كل رسول يقول {إني لكم رسول أمين}‪.‬‬ ‫‪ -3‬سبيل نجاة الفرد والجماعة في تقوى ال تعالى وطاعة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب إنكار المنكر وتقبيحه على فاعله لعله يرعوي‪.‬‬ ‫‪ -5‬أكبر فاحشة وقعت في الرض هي فاحشة اللواط‪ .‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫قَالُوا لَئِن لّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُخْرَجِينَ (‪ )167‬قَالَ إِنّي ِل َعمَِلكُم مّنَ ا ْلقَالِينَ (‪َ )168‬ربّ‬ ‫ج َمعِينَ (‪)170‬‬ ‫نَجّنِي وَأَهْلِي ِممّا َي ْعمَلُونَ (‪ )169‬فَنَجّيْنَا ُه وَأَهَْلهُ أَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للحض على التقوى وهو متضمن النكار والتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ 2‬جملة‪{ :‬إني لكم رسول أمين} تعليلية لمره إيّاهم بالتقوى والطاعة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للنكار والتوبيخ إذ كانوا يعملون الفاحشة مع الغرباء إذا نزلوا ديارهم بصورة عامة‬ ‫ومع بعضهم بعضا بصورة خاصة‪.‬‬ ‫‪ 4‬بل‪ :‬للنتقال من الوعظ إلى التنديد وتسجيل أكبر العدوان عليهم إذ الجملة السمية {أنتم قوم‬ ‫عادون} مبالغة في تحقيق نسبة العدوان إليهم وفي الخبار بالجملة‪{ :‬قوم عادون} إعلم بأن‬ ‫العدوان أصبح سجية فيهم وطبعا لهم‪.‬‬ ‫‪ 5‬العادى‪ :‬من تجاوز حد الحق إلى الباطل‪ ,‬والحلل إلى الحرام‪ ،‬فالقوم فد أحلّ ال لهم فروج‬ ‫نسائهم بالنكاح الشرعي وحرم عليهم إتيان الرجال في أدبارهم فتجاوزوا الحلل إلى الحرام فكانوا‬ ‫بذلك عادين‪.‬‬

‫( ‪)3/675‬‬

‫إِل عَجُوزًا فِي ا ْلغَابِرِينَ (‪ُ )171‬ثمّ َدمّرْنَا الخَرِينَ (‪ )172‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِم مّطَرًا فَسَاء َمطَرُ‬ ‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُم ّم ْؤمِنِينَ (‪ )174‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‬ ‫ا ْلمُنذَرِينَ (‪ )173‬إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫‪)175‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لئن لم تنته‪ :‬أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة‪.‬‬ ‫من المخرجين ‪ :‬أي من بلدنا وطردك من ديارنا‪.‬‬ ‫لعملكم من القالين‪ :‬أي المبغضين له البغض الشديد‪.‬‬ ‫رب نجني وأهلي مما يعملون‪ :‬أي من عقوبة وعذاب ما يعملونه من الفواحش‪.‬‬ ‫فنجيناه وأهله‪ :‬أي نجينا لوطا الذي دعانا وأهله وهم امرأته المؤمنة وابنتاه‪.‬‬ ‫إل عجوزا في الغابرين‪ :‬أي فإنا لم ننجها إذ حكمنا بإهلكها مع الظالمين فتركناها معهم حتى‬ ‫هلكت بينهم لنها كانت كافرة وراضية بعمل القوم‪.‬‬ ‫وأمطرنا عليهم مطرا ‪ :‬أي أنزل عليهم حجارة من السماء فأمطروا بها بعد قلب البلد عاليها‬ ‫سافلها‪.‬‬ ‫فساء مطر المنذرين ‪ :‬أي فقبح مطر المنذرين ولم يمتثلوا فما كفوا عن الشر والفساد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق فيما دار بين نبي ال لوط وقومه المجرمين فإنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم‬ ‫ونهاهم وسمعوا ذلك كله منه أجابوا بما أخبر تعالى به عنهم {قالوا لئن ‪ 1‬لم تنته يا لوط} أي عن‬ ‫إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة {لتكونن من المخرجين} أي نخرجك من بلدنا ونطردك من‬ ‫بيننا ول تبقى ساعة واحدة عندنا إنتبه يا رجل‪ .،‬فأجابهم لوط‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في الجملة إقسام دلّت عليه اللم وشك أنهم يحلفون بآلهتهم الباطلة والجملة متضمنة تهديدا‬ ‫وإيعادا بالبعاد والخراج من البلد‪.‬‬

‫( ‪)3/676‬‬ ‫الرسول عليه السلم بقوله {إني لعملكم من القالين ‪ }1‬أي إني لعملكم الفاحشة من المبغضين أشد‬ ‫البغض‪ ،‬ثم التفت إلى ربه داعيا ضارعا فقال {رب نجني وأهلي مما يعملون} وهذا بعد أن أقام‬ ‫يدعوهم ويتحمل سنين عديدة فلم يجد بدا من الفزع إلى ربه ليخلصه منهم فقال {ربي نجني‬ ‫‪,‬وأهلي} من عقوبة وعذاب ما يعملونه من إتيان الفاحشة من العالمين قال تعالى {فنجيناه وأهله}‬ ‫وهم امرأته المسلمة وابنتاه المسلمتان طبعا إل عجوزا وهي امرأته الكافرة المتواطئة مع الظلمة‬ ‫الراضية بالفعلة الشنعاء كانت في جملة الغابرين ‪ 2‬أي المتروكين بعد خروج لوط من البلد لتهلك‬

‫مع الهالكين قال تعالى {ثم دمرنا الخرين} أي بعد أن أنجينا لوطا وأهله أجمعين باستثناء العجوز‬ ‫الكافرة دمرنا أي أهلكنا الخرين {وأمطر عليهم مطرا فساء مطر المنذرين} إنه بعد قلب البلد‬ ‫سافلها على عاليها أمطر عليهم مطر حجارة من السماء لتصيب من كان خارج المدن المأفوكة‬ ‫المقلوبة‪.‬‬ ‫قوله تعالى {إن في ذلك لية} أي في هذا الذي ذكرنا من إهلك المكذبين والمسرفين الظالمين آية‬ ‫وعلمة كبرى لمن يسمع ويرى {وما كان أكثرهم مؤمنين ‪ }3‬لما سبق في علم ال تعالى أنهم ل‬ ‫يؤمنون فسبحان ال العظيم‪ .‬وقوله {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وإن ربك يا رسولنا هو ل غيره‬ ‫العزيز الغالب القاهر لكل الظلمة والمسرفين الرحيم بأوليائه وعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التهديد بالنفي سنة بشرية قديمة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬القلى‪ :‬البغض يقال‪ :‬قليته أقليه قلى وقلءً قال الشاعر‪:‬‬ ‫عليك السلم ل مللت قريبة‬ ‫ومالك عندي أن نأيت قلء‬ ‫أي قلى‪.‬‬ ‫‪ 2‬فعل (غُبر) يطلق على البقاء والذهاب كالجون‪ :‬يطلق على البيض والسود قال الشاعر‪:‬‬ ‫فما وني محمد منذ أن غفر‬ ‫له الله ما مضى وما غبر‬ ‫أي‪ :‬ما بقي‪.‬‬ ‫والغبار‪ :‬بقيات اللبان‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫ل تكسع السول بأغبارها‬ ‫إنك ل تدري من الناتج‬ ‫يقال كسع الناقة‪ :‬ترك في ضرعها بقية من اللبن‪ ،‬وبعده البيت التالي‪:‬‬ ‫واحلب لضيافك ألبانها‬ ‫فإن شر اللبن الوالج‬ ‫‪ 3‬إذ لم يؤمن إل إحدى نسائه وابنتاه‪.‬‬

‫( ‪)3/677‬‬

‫‪ -2‬وجوب بغض الشر والفساد في أي صورة من صورهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬استجابة دعوة المظلوم لسيما إن كان من الصالحين‪.‬‬ ‫‪ -4‬توقع العذاب إذا انتشر الشر وعظم الظلم والفساد‪.‬‬ ‫‪ -5‬اليات مهما كانت عظيمة ل تستلزم اليمان والطاعة‪.‬‬ ‫‪ -6‬من لم يسبق له اليمان ل يؤمن ولو جلب عليه كل آية‪.‬‬ ‫‪ -7‬مظاهر قدرة ال وعلمه ورحمته‪.‬‬ ‫شعَ ْيبٌ أَل تَ ّتقُونَ (‪ )177‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ (‬ ‫كَ ّذبَ َأصْحَابُ ال ْيكَةِ ا ْلمُرْسَلِينَ (‪ )176‬إِذْ قَالَ َل ُهمْ ُ‬ ‫‪ )178‬فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪َ )179‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ إِنْ َأجْ ِريَ إِل عَلَى َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‬ ‫سطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ (‪ )182‬وَل‬ ‫ل وَل َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُخْسِرِينَ (‪ )181‬وَزِنُوا بِا ْلقِ ْ‬ ‫‪َ )180‬أ ْوفُوا ا ْلكَ ْي َ‬ ‫خسُوا النّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَل َتعْ َثوْا فِي ال ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪ )183‬وَا ّتقُوا الّذِي خََل َقكُ ْم وَالْجِبِلّ َة الوّلِينَ (‬ ‫تَبْ َ‬ ‫‪)184‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أصحاب اليكة‪ :‬أي الغيضة وهي الشجر الملتف‪.‬‬ ‫إذ قال لهم شعيب‪ :‬النبي المرسل شعيب عليه السلم‪.‬‬ ‫أوفوا الكيل‪ :‬أي أتموه‪.‬‬ ‫ول تكونوا من المخسرين‪ :‬الذين ينقصون الكيل والوزن‪.‬‬ ‫بالقسطاس المستقيم‪ :‬أي الميزان السوي المعتدل‪.‬‬ ‫ول تبخسوا الناس أشياءهم‪ :‬أي ل تنقصوهم من حقوقهم شيئا‪.‬‬ ‫ول تعثوا في الرض مفسدين ‪ :‬أي بالقتل والسلب والنهب‪.‬‬ ‫والجبلة الولين ‪ :‬أي والخليقة أي الناس من قبلكم‪.‬‬

‫( ‪)3/678‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصص شعيب عليه السلم مع أصحاب اليكة واليكة الشجر الملتف كشجر الدوم وهذه‬ ‫الغيضة قريبة من مدينة مدين وشعيب أرسل لهما معا وفي سورة هود {وإلى مدين أخاهم شعيبا}‬ ‫لنه منهم ومن مدينتهم فقيل له أخوهم‪ ،‬وأما أصحاب اليكة جماعة من بادية مدين كانت لهم أيكة‬ ‫من الشجر يعبدونها تحت أي عنوان كعبدة الشجار والحجار في كل زمان ومكان‪ ،‬فبعث ال‬ ‫تعالى إليهم شعيبا فدعاهم إلى عبادة ال وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه وهو قوله تعالى {كذب‬ ‫أصحاب ‪ 1‬اليكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ‪ 2‬أل تتقون ‪ }3‬أي اتقوا ال وخافوا عقابه {إني لكم‬ ‫رسول أمين} فاتقوا ال بعبادته وترك عبادة ما سواه وأطيعون أهدكم إلى ما فيه كمالكم وسعادتكم‬

‫{وما أسألكم عليه} أي على بلغ رسالة ربي إليكم أجرا أي جزاء وأجرة {إن أجري} أي ما‬ ‫أجري إل على رب العالمين‪ .‬وأمرهم بترك أشهر معصية كانت شائعة بينهم وهي تطفيف الكيل‬ ‫والوزن فقال لهم {أوفوا الكيل} أي أتموها ول تنقصوها {ول تكونوا من المخسرين} أي الذين‬ ‫ينقصون الكيل والوزن {وزنوا} أي إذا وزنتم {بالقسطاس المستقيم} أي بالميزان العادل‪{ ،‬ول‬ ‫تبخسوا الناس أشياءهم ‪ }4‬أي ل تنقصوهم من حقوقهم شيئا فما يساوي دينارا ل تعطوا فيه نصف‬ ‫ل ومن أجرته اليومية عشرون ل تعطوه عشرة‬ ‫دينار وما يساوي عشرة ل تأخذوه بخمسة مث ً‬ ‫مثلً‪{ ،‬ول تعثوا في الرض مفسدين} أي ول تفسدوا في البلد بأي نوع من الفساد كالقتل والسلب‬ ‫ومنع الحقوق وارتكاب المعاصي والذنوب {واتقوا الذي خلقكم} أي ال فخافوا عقابه {والجبلة ‪5‬‬ ‫الولين } أي وخلق الخليقة من قبلكم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اليكة و ليكة بمعنى واحد كمكة وبكة‪ ،‬وقيل‪ :‬اليكة‪ :‬الشجر الملتف أي الغليظة وليكة‪ :‬وهي‬ ‫قراءة نافع‪ .‬اسم للبلدة ومنعها من الصرف ومن قرأ اليكة صرفها‪ ،‬والراجح أنها بمعنى واحد‪،‬‬ ‫وعدم الصرف لنعدام ال ل غير‪.‬‬ ‫‪ 2‬لم يقل‪ :‬أخاهم شعيبا‪ :‬لنه ل قرابة بينهم بخلف أهل مدين فهو من أهلها فلذا قال تعالى‪{ :‬وإلى‬ ‫مدين أخاهم شعيبا} وأصحاب اليكة أي بادية وهي الشجر الملتف فلذا يقال له الغيضة وكان من‬ ‫شجر الدوم وهو المقل والسدر وثماره النبق‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للحض على التقوى والنكار عليهم عبادة غير ال تعالى‪ .‬وجملة {إني لكم رسول‬ ‫أمين} تعليلية لمره إياهم بالتقوى وفي {لكم} إشارة إلى أن رسالته إليهم عارضة وكانت بعد‬ ‫رسالته إلى أهل مدين‪ ،‬فلعلهم أنكروا أن يكون أرسل إليهم فلذا قال‪{ :‬إني لكم رسول أمين} وفي‬ ‫آية الحجر قال تعالى {وإنهما لبإمام مبين} والتثنية في إنهما إشارة إلى أصحاب اليكة وإلى أهل‬ ‫مدين‪ ،‬ولما جاء العذاب أخذ الكل لن ذنبهم واحد وقرب المنازل والديار‪.‬‬ ‫‪ 4‬الظاهر من السياق أن ذنب أصحاب اليكة وأهل مدين كان واحدا الشرك والتطفيف والبخس‬ ‫للناس فلذا أدمج خطابهم فصاروا فيه أمة واحدة‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجبلة‪ :‬الخلقة وأريد بها المخلوقات ولذا قال‪{ :‬الولى} أي‪ :‬وذوى الجبلة الولى والمعنى و‬ ‫خلق المم من قبلكم‪.‬‬

‫( ‪)3/679‬‬ ‫اتقوه بترك الشرك والمعاصي تنجوا من عذابه‪ ،‬وتظفروا برضاه وإنعامه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬المر بالتقوى فريضة كل داع إلى ال تعالى وسنة الدعاة والهداة إذ طاعة ال واجبة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل يصح لداع إلى ال أن يطلب أجره ممن يدعوهم فإن ذلك ينفرهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة التطفيف فيهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة بخس الناس حقوقهم ونقصها بأي حال من الحوال‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة الفساد في الرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب‪.‬‬ ‫قَالُوا إِ ّنمَا أَنتَ مِنَ ا ْلمُسَحّرِينَ (‪َ )185‬ومَا أَنتَ إِل بَشَرٌ مّثْلُنَا وَإِن نّظُ ّنكَ َلمِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪)186‬‬ ‫سمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ (‪ )187‬قَالَ رَبّي أَعَْلمُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)188‬‬ ‫سفًا مّنَ ال ّ‬ ‫سقِطْ عَلَيْنَا ِك َ‬ ‫فَأَ ْ‬ ‫ك ليَ ًة َومَا كَانَ َأكْثَرُهُم‬ ‫عظِيمٍ (‪ )189‬إِنّ فِي ذَِل َ‬ ‫عذَابُ َيوْمِ الظّلّةِ إِنّهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬ ‫َفكَذّبُوهُ فَأَخَ َذهُمْ َ‬ ‫ّم ْؤمِنِينَ (‪ )190‬وَإِنّ رَ ّبكَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)191‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنما أنت من المسحرين‪ :‬أي ممن يأكلون الطعام ويشربون فلست بملك تطاع‪.‬‬ ‫وإن نظنك لمن الكاذبين‪ :‬أي وما نحسبك إل واحدا من الكاذبين‪.‬‬ ‫فأسقط علينا كسفا‪ :‬أي قطعا من السماء تهلكنا بها إن كنت من الصادقين فيما تقول‪.‬‬ ‫عذاب يوم الظلة‪ :‬أي السحابة التي أظلتهم ثم التهبت عليهم نارا‪.‬‬ ‫إن في ذلك لية ‪ :‬أي لعبرة وعلمة عبرة لمن يعتبر وعلمة دالة على صدق الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)3/680‬‬ ‫معنى ا ليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في قصص شعيب عليه السلم مع أصحاب اليكة وأهل مدين إنه لما‬ ‫ذكرهم ووعظهم وأمرهم كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله {قالوا إنما أنت} أي يا‬ ‫شعيب {من المسحرين} الذي غلب السحر على عقولهم فل يدرون ما يفعلون وما ل يقولون ‪ 1‬كما‬ ‫أنك بشر مثلنا تأكل الطعام وتشرب الشراب فما أنت بملك من الملئكة حتى نطيعك‪{ ،‬وإن نظنك}‬ ‫‪ 2‬أي وما نظنك إل من الكاذبين من الناس {فأسقط علينا كسفا}‪ 3‬أي قطعا من السماء تهلكنا بها‬ ‫{إن كنت من الصادقين} في دعوى أنك رسول من ال إلينا‪ .‬فأجابهم قائلً بما ذكر تعالى {قال‬ ‫ربي أعلم بما تعملون} ولزم ذلك أنه سيجازيكم بعملكم قال تعالى {فكذبوه} في كل ما جاءهم به‬ ‫واستوجبوا لذلك العذاب {فأخذهم عذاب يوم ‪ 4‬الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم} فقد أنزل ال تعالى‬ ‫عليهم حرا شديدا التهب منه الجو أو كاد فلجأوا إلى المنازل والكهوف والسراديب تحت الرض‬ ‫فلم تغن عنهم شيئا‪ ،‬ثم ارتفعت في سماء بلدهم سحابة فذهب إليها بعضهم فوجدها روحا وبردا‬ ‫وطيبا فنادى الناس أن هلموا فجاءوا فلما اجتمعوا تحتها كلهم انقلبت نارا فأحرقتهم ورجفت بهم‬

‫الرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم‪.‬‬ ‫قال تعالى {إن في ذلك لية} ‪ 5‬أي علمة لقومك يا محمد على قدرتنا وعلمنا ووجوب عبادتنا‬ ‫وتصديق رسولنا ولكن أكثرهم ل يؤمنون لما سبق في علمنا أنهم ل يؤمنون‪ ،‬وإن ربك يا محمد‬ ‫لهو العزيز أي الغالب على أمره الرحيم بمن تاب من عباده‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في قولنا‪ :‬كما أنك‪ ...‬الخ دمج للقولين الذين قيل في تفسير‪{ :‬إنك لمن المسحرين} إذ كل منهما‬ ‫جائز‪ ،‬والقرآن حمال الوجوه‪.‬‬ ‫‪ 2‬إطلق الظنّ على اليقين شائع كقوله تعالى‪{ :‬الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم}‪.‬‬ ‫‪{ 3‬كسفا} بكسر الكاف وسكون السين قراءة عامة القراء ما عدا حفصا فقد قرأ {كسفا} بتحريك‬ ‫السين جمع كِسف بسكونها‪ ،‬والكسف‪ :‬القطحة والجمع‪ :‬كِسف‪.‬‬ ‫‪{ 4‬الظلة} السحابة التي تظلل من تحتها وهي سحابة عظيمة أظلت مساحة كبيرة لما فرّوا إليها‬ ‫أظلتهم ثم أرسلت عليهم الصواعق فأحرقتهم وكانت من جنس ما طلبوه وهو‪ :‬الكسف من السماء‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬في ذلك المذكور من عذاب يوم الظلة آية لكفار قريش إذ حالهم كحال أصحاب اليكة‬ ‫وأهل مدين في الشرك والتطفيف في الكيل والوزن‪.‬‬

‫( ‪)3/681‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‬ ‫‪ -1‬هذا آخر سبع قصص ذكرت بإيجاز تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم وتهديدا للمشركين‬ ‫المكذبين‪.‬‬ ‫‪ -2‬دعوة الرسل واحدة وأسلوبهم يكاد يكون واحدا‪ :‬المر بتقوى ال وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫‪ -3‬سنة تعلل الناس بأن الرسول ل ينبغي أن يكون بشرا فلذا هم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫‪ -4‬المطالبة باليات تكاد تكون سنة مطردة‪ ،‬وقل من يؤمن عليها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير التوحيد والنبوة والبعث وهي ثمرة كل قصة تقص في هذا القرآن العظيم‪.‬‬ ‫وَإِنّهُ لَتَنزِيلُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )192‬نَ َزلَ بِهِ الرّوحُ المِينُ (‪ )193‬عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنذِرِينَ (‬ ‫‪ )194‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مّبِينٍ (‪ )195‬وَإِنّهُ َلفِي زُبُ ِر الوّلِينَ (‪َ )196‬أوََلمْ َيكُن ّلهُمْ آيَةً أَن َيعَْلمَهُ عَُلمَاء‬ ‫جمِينَ (‪َ )198‬فقَرََأهُ عَلَ ْيهِم مّا كَانُوا بِهِ ُمؤْمِنِينَ (‬ ‫بَنِي إِسْرَائِيلَ (‪ )197‬وََلوْ نَزّلْنَاهُ عَلَى َب ْعضِ العْ َ‬ ‫‪َ )199‬كذَِلكَ سََلكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪ )200‬ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ (‪)201‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن لتنزيل رب العالمين‪ :‬أي القرآن الكريم تنزيل رب العالمين‪.‬‬

‫الروح المين ‪ :‬جبريل عليه السلم أمين على وحي ال تعالى‪.‬‬ ‫وإنه لفي زبر الولين‪ :‬أي كتب الولين‪ ،‬واحد الزبر‪ :‬زبرة وكصفحة وصحف‪.‬‬ ‫أولم يكن لهم آية ‪ :‬أي علمة ودليلً علم بني إسرائيل به‪.‬‬ ‫على بعض العجمين‪ :‬العجمي من ل يقدر على التكلم بالعربية‪.‬‬ ‫كذلك سلكناه‪ :‬أي التكذيب في قلوب المجرمين من كفار مكة‪.‬‬

‫( ‪)3/682‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد أنكر كفار مكة أن يكون القرآن وحيا أوحاه ال تعالى وبذلك أنكروا أن يكون محمد رسول‬ ‫ال‪ ،‬ومن هنا ردوا عليه كل ما جاءهم به من التوحيد وغيره‪ ،‬فإيراد هذا القصص يتلوه محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وهو ل يقرأ ول يكتب دال دللة قطعية على أنه وحي إلهي أوحاه إلى محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وهو بذلك رسوله‪ .‬فقوله تعالى {وإنه} أي القرآن الذي كذب به المشركون‬ ‫{تنزيل رب العالمين نزل به ‪ 1‬الروح المين} جبريل عليه السلم {على ‪ 2‬قلبك} أي الرسول لن‬ ‫القلب هو الذي يتلقى الوحي إذ هو محط الدراك والوعي والحفظ‪ ،‬وقوله {لتكون من المنذرين}‬ ‫هو علة لنزول القرآن عليه وبه كان من الرسل المنذرين‪ .‬وقوله {وإنه لفي زبر الولين} أي‬ ‫القرآن مذكور في الكتب اللهية التي سبقته كالتوراة ‪ 3‬والنجيل‪ .‬وقوله تعالى {أو لم يكن لهم} أي‬ ‫لكفار قريش {آية} أي علمة على أن القرآن وحي ال وكتابه وأن محمدا عبدال ورسوله {أن‬ ‫يعلمه علماء بنى إسرائيل} أي علم بني إسرائيل به كعبد ال بن سلم فقد قال وال إني لعلم أن‬ ‫محمدا رسول أكثر مما أعلم أن فلنا ولدي‪ ،‬لن ولدي في المكان أن تكون أمه قد خانتني أما‬ ‫محمد فل يمكن أن يكون غير رسول ال وفيهم قال تعالى {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ومن‬ ‫عرف محمدا رسولً عرف القرآن وحيا إلهيا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {ولو نزلناه على بعض العجمين ‪ }4‬أي وبلسان عربي مبين فكان ذلك آية‪ ،‬وقرأه‬ ‫عليهم العجمي‪ ،‬ما كانوا به مؤمنين‪ .‬أي من أجل النفة والحمية إذ يقولون أعجمي وعربي؟‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬كذلك سلكناه} أي التكذيب وعدم اليمان {في قلوب‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع وحفص وغيرهما {نزل} بالتخفيف‪ ،‬و{الروح} مرفوع على الفاعلية وقرأ بعض {نزّل}‬ ‫بالتضعيف و {الروح} منصوب على المفعولية والفاعل هو ال جل جلله‪ ،‬والباء في (به)‬ ‫للمصاحبة‪.‬‬ ‫‪( 2‬على)‪ :‬حرف استعلء وكون القرآن نزل به جبريل على قلب الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫دال على تمكن وصول الوحي واستقراره في القلب‪ .‬نحو‪{ :‬على هدى من ربهم} وقد روى‬

‫البخاري في صفة الوحي فقال عن عائشة‪ :‬إن الحارث بن هشام سأل رسول ال فقال‪ :‬يا رسول‬ ‫ال كيف يأتيك الوحي فقال رسول ال‪" :‬أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت‬ ‫عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجل فيكلمني فأعي ما يقول"‪.‬‬ ‫‪ 3‬جاء في التوراة قال لي الرب {أي لموسى} أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلمي‬ ‫في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به‪ .‬فالمراد من إخوة بني إسرائيل هم العرب‪ .‬وفي النجيل‪ :‬وأنا‬ ‫أطلب من الب فيعطيكم معزيا (أي رسولً) آخر لمكث معكم إلى البد وهو يعلمكم كل شيء‬ ‫ويذكركم بكل ما قلته لكم‪.‬‬ ‫‪ 4‬وكذلك لو أنزله على أعجمي بلغته لعتذروا بأنهم ل يفهمون عنه‪ ،‬والمراد من العجمي‪ :‬هو‬ ‫من ل يحسن اللغة العربية وإن كان عربيا‪ ،‬والعجمي من أصله عجمي ولو أجاد اللغة العربية‪.‬‬

‫( ‪)3/683‬‬ ‫المجرمين} أي كما سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين لو قرأ القرآن عليهم أعجمي سلكناه أي‬ ‫التكذيب في قلوب المجرمين إن قرأه عليهم محمد صلى ال عليه وسلم والعلة في ذلك هي أن‬ ‫الجرام على النفس بارتكاب عظائم الذنوب من شأنه أن يحول بين النفس وقبول الحق لما ران‬ ‫عليها من الذنوب وأحاط بها من الخطايا‪ .‬وقوله {ل يؤمنون به} تأكيد لنفي اليمان حتى يروا‬ ‫العذاب الليم أي يستمر تكذيبهم بالقرآن والمنزل عليه حتى يروا العذاب الموجع‪ ،‬وحينئذ ل‬ ‫ينفعهم إيمانهم ول هم ينظرون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير معتقد الوحي اللهي والنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن جبريل هو الذي كان ينزل بالوحي القرآني على النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير النبوة المحمدية وأن محمدا من المنذرين‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن القرآن مذكور في الكتب ‪ 1‬السابقة بشهادة علماء هل الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -5‬إذا تراكمت آثار الذنوب والجرائم على النفس حجبتها عن التوبة ومنعتها من اليمان‪.‬‬ ‫شعُرُونَ (‪ )202‬فَ َيقُولُوا َهلْ َنحْنُ مُنظَرُونَ (‪َ )203‬أفَ ِبعَذَابِنَا َيسْ َتعْجِلُونَ (‪)204‬‬ ‫فَيَأْتِ َيهُم َبغْتَ ًة وَ ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫َأفَرَأَ ْيتَ إِن مّ ّتعْنَاهُمْ سِنِينَ (‪ُ )205‬ثمّ جَاءهُم مّا كَانُوا يُوعَدُونَ (‪ )206‬مَا أَغْنَى عَ ْنهُم مّا كَانُوا‬ ‫ُيمَ ّتعُونَ (‪َ )207‬ومَا أَهَْلكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِل َلهَا مُنذِرُونَ (‪ِ )208‬ذكْرَى َومَا كُنّا ظَاِلمِينَ (‪َ )209‬ومَا‬ ‫س ْمعِ َل َمعْزُولُونَ (‬ ‫تَنَزَّلتْ بِهِ الشّيَاطِينُ (‪َ )210‬ومَا يَن َبغِي َلهُمْ َومَا َيسْتَطِيعُونَ (‪ )211‬إِ ّن ُهمْ عَنِ ال ّ‬ ‫‪)212‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬ومذكور من نزل عليه وهو محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم لقامته له فيهم كما تقدم في‬ ‫المثلين المذكورين أحدهما من التوراة والثاني من النجيل‪.‬‬

‫( ‪)3/684‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل نحن منظرون ‪ :‬أي ممهلون لنؤمن‪ .‬والجواب قطعا‪ :‬ل ل‪..‬‬ ‫أفرأيت‪ :‬أي أخبرني‪.‬‬ ‫إن متعناهم سنين‪ :‬أي أبقينا على حياتهم يأكلون ويشربون وينكحون‪.‬‬ ‫ما كانوا يوعدون ‪ :‬أي من العذاب‪.‬‬ ‫ما أغنى عنهم‪ :‬أي أي شيء أغنى عنهم ذلك التمتع الطويل ل بدفع العذاب ول بتخفيفه‪.‬‬ ‫إل لها منذرون ‪ :‬أي رسل ينذرون أهلها عاقبة الكفر والشرك‪.‬‬ ‫ذكرى‪ :‬أي عظة‪.‬‬ ‫وما تنزلت به الشياطين‪ :‬أي ل يتأتى لهم ول يصلح لهم أن يتنزلوا به‪.‬‬ ‫وما يستطيعون ‪ :‬أي ل يقدرون‪.‬‬ ‫إنهم عن السمع ‪ :‬أي لكلم الملئكة لمعزولون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير النبوة المحمدية واثبات الوحي‪ .‬لقد جاء في السياق أن المجرمين‬ ‫ل يؤمنون بهذا القرآن حتى يروا العذاب الليم‪ .‬فيأتيهم بغتة أي فجأة وهم ل يشعرون أي ل‬ ‫يعلمون به حتى يفاجئهم‪ .‬فيقولون حينئذ‪{ :‬هل نحن منظرون} أي يتمنون ‪ 1‬به أن لو يمهلوا حتى‬ ‫يؤمنوا ويصلحوا ما أفسدوا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {أفبعذابنا يستعجلون} عندما قالوا للرسول {لن نؤمن لك حتى تننزل علينا كسفا من‬ ‫السماء} أي قطعا‪ ،‬أحُمق هم أم مجانين يستعجلون عذاب ال الذي إن جاءهم كان فيه حتفهم‬ ‫أجمعين؟ ثم قال لرسوله‪{ :‬أفرأيت} يا رسولنا {إن متعناهم سنين} بأن أطلنا أعمارهم ووسعنا في‬ ‫أرزاقهم فعاشوا سنين عديدة ثم جاءهم عذابنا أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر القرطبي أن عمر بن عبدالعزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ‪{ :‬أفرأيت إن متعناهم‬ ‫سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون} ويقول‪:‬‬ ‫نهارك يا مغرور سهو وغفلة‬ ‫وليلك نوم والردى لك لزم‬ ‫فل أنت في اليقاظ يقظان حازم‬

‫ول أنت في النوم بناج فسالم‬ ‫تسر بما يفنى وتفرح بالمنى‬ ‫كما سرّ باللذات في النوم حالهم‬ ‫وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه‬ ‫كذلك في الدنيا تعيش البهائم‬

‫( ‪)3/685‬‬ ‫أخبرني هل يغني ذلك التمتع عنهم شيئا؟ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون أي لم يغن عنهم شيئا ل‬ ‫بدفع العذاب ول بتأخيره ول بتخفيفه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وما أهلكنا من قرية ‪ }1‬كتلك القرى التي مر ذكرها في هذه السورة {إل لها‬ ‫منذرون} أي كان لها رسل ينذرون أهلها عقاب ال إن أصروا على الشرك والكفر والشر‬ ‫والفساد‪ .‬وقوله {وذكرى ‪ }2‬أي عظة لعلهم يتعظون‪ .‬وقوله {وما كنا ظالمين} في إهلك من أهلكنا‬ ‫بعد أن أنذرنا‪.‬‬ ‫ونزل ردا على المشركين المجرمين الذين قالوا إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد كما‬ ‫يأتون للكهان بأخبار السماء‪{ .‬وما تنزلت به الشياطين ‪ }3‬كما يزعم المكذبون {وما ينبغي لهم} أي‬ ‫للشياطين أي ل يصلح لهم ول يتأتى منهم ذلك لنهم معزولون عن السماع‪ ،‬أي سماع كلم‬ ‫الملئكة إذ أرصد ال تعالى شهبا حالت بينهم وبين السماع ومن السماع فلذا دعوى المشركين‬ ‫باطلة من أساسها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن المجرمين إذا شاهدوا العذاب تمنوا التوبة ول يمكنون منها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن استعجال عذاب ال حمق ونزغ في الرأي وفساد في العقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن طول العمر وسعة الرزق ل يغنيان عن صاحبها شيئا من عذاب ال إذا نزل به‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان سنة ال تعالى في أنه ل يهلك أمة إل بعد النذار والبيان‪.‬‬ ‫‪ -5‬إبطال مزاعم المشركين في أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان‪ ،‬وأن الشياطين تتنزل به‬ ‫خ ِفضْ‬ ‫ك القْرَبِينَ (‪ )214‬وَا ْ‬ ‫فَل تَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُمعَذّبِينَ (‪ )213‬وَأَنذِرْ عَشِيرَ َت َ‬ ‫ص ْوكَ َف ُقلْ إِنّي‬ ‫ع َ‬ ‫حكَ ِلمَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )215‬فَإِنْ َ‬ ‫جَنَا َ‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬من قرية} من‪ :‬صلة أي زائدة لتقوية الكلم وتأكيده لن زيادة المبنى تزيد في المعنى كذا‬ ‫يقال‪.‬‬

‫‪ 2‬ذكرى‪ :‬يسمع إعرابها حالً ومصدرا وخبرا‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ محمد بن السميع وما تتنزلت به الشياطون وردّ عليه ولم يقبل منه ولحلة نظر إلى أن‬ ‫الشيطان مشتق من شاط يشيط‪ ,‬والصواب أنه من شطن ل من شاط‪.‬‬

‫( ‪)3/686‬‬ ‫بَرِيءٌ ّممّا َت ْعمَلُونَ (‪ )216‬وَ َتوَ ّكلْ عَلَى ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ (‪ )217‬الّذِي يَرَاكَ حِينَ َتقُومُ (‪ )218‬وَتَقَلّ َبكَ‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪)220‬‬ ‫جدِينَ (‪ )219‬إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬ ‫فِي السّا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فل تدع مع ال إلها آخر‪ :‬أي ل تعبد مع ال إلها آخر‪ ،‬لن الدعاء هو العبادة‪.‬‬ ‫وأنذر عشيرتك القربين ‪ :‬وهم بنو هاشم وبنو عبد لمطلب‪.‬‬ ‫و خفض جناحك‪ :‬أي ألن جانبك‪.‬‬ ‫فإن عصوك‪ :‬أي أبوا قبول دعوتك إلى التوحيد‪ ،‬ورفضوا ما تدعوهم إليه‪.‬‬ ‫فقل إني بريء مما تعملون‪ :‬أي من عبادة غير ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫الذي يراك حين تقوم ‪ :‬أي إلى الصلة فتصلي متهجدا بالليل وحدك‪.‬‬ ‫وتقلبك في الساجدين ‪ :‬أي ويرى تقلبك مع المصلين راكعا ساجدا قائما‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش قوم محمد صلى ال عليه وسلم فقوله تعالى {فل تدع‬ ‫مع ‪ 1‬ل إلها آخر فتكون من المعذبين} فيه إيحاء وإشارة واضحة بأنه تعريض بالمشركين الذين‬ ‫يدعون آلهة أصناما وهي دعوة توقظهم من نومتهم إنه إذا كان رسول ال ينهى عن عبادة غير‬ ‫ال وإل يعذب مع المعذبين فغيره من باب أولى فكأن الكلم جرى على حد إياك أعني واسمعي يا‬ ‫جارة!! وقوله تعالى {وأنذر عشيرتك ‪ 2‬القربين} أمر من ال لرسوله أن يخص أولً بإنذاره‬ ‫قرابته لنهم أولى بطلب النجاة لهم من العذاب‪ ،‬وقد امتثل الرسول أمر ربه فقد ورد في الصحاح‬ ‫عن أبي هريرة رضي ال عنه أنه لما أنزل عليه {وأنذر ‪3‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إن الخطاب وإن كان في السياق ما يدل على أنه موجه إلى النبي صلى ال عليه وسلم فإنه‬ ‫صالح لكل من يسمعه‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة معطوفة على التي قبلها وهي‪{ ,‬فل تدع مع ال إلها آخر} إذ نهاه عن الشرك وأمره أن‬ ‫يُنذر أقرباءه منه لنه ل فلح معه‪.‬‬ ‫‪ 3‬في هذه الية دليل على أن القرب في النساب مع البعد في السباب و دليل على جواز صلة‬ ‫المؤمن الكافر لرشاده ونصحه‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم "إنّ لكم رحما سأبلّها ببللها"‪.‬‬

‫( ‪)3/687‬‬ ‫عشيرتك القربين} قال "يا معشر ‪ 1‬قريش اشتروا أنفسكم من ال " يعني باليمان والعمل الصالح‬ ‫بعد التخلي عن الشرك والمعاصي " فإني ل أغني عنكم من ال شيئا‪ ،‬يا بني عبدالمطلب ل أغني‬ ‫عنكم من ال أي من عذابه شيًء‪ ,‬يا عباس بن عبدالمطلب ‪,‬ل أغني عنك من ال شيئا‪ ،‬يا صفية‬ ‫عمة رسول ال ل أغني عنك من ال شيئا‪ ،‬يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ل أغني‬ ‫عنك من ال شيئا ً‪.‬‬ ‫وقولي تعالى {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} أمره أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يعطف‬ ‫عليهم ويُطايبهم ليرسخ اليمان في قلوبهم ويسلموا من غائلة الردة فيما لو عوملوا بالقسوة والشدة‬ ‫وهم في بداية الطريق إلى ال تعالى وقوله تعالى {فإن عصوك} أي من أمرت بدعوتهم إلى توحيد‬ ‫ال وعبادته وخلع النداد والتخلي عن عبادتها {فقل إني بريء مما تعملون} أي من عبادة غير ال‬ ‫تعالى وغير راض بذلك منكم ول موافق عليه لنه شرك حرام وباطل مذموم‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{وتوكل على ‪ 2‬العزيز} أي الغالب القاهر الذي ل يمانع في شيء يريده الرحيم بالمؤمنين من‬ ‫عباده‪ ،‬والمر بالتوكل هنا ضروري لنه أمره بالبراءة من الشرك والمشركين وهي حال تقتضي‬ ‫عداوته والكيد له بل ومحاربته ومن هنا وجب التوكل ‪ 3‬على ال والعتماد عليه‪ ،‬وإل فل طاقة له‬ ‫بحرب قوم وهو فرد واحد وقوله {الذي يراك حين تقوم} أي في صلتك وحدك {وتقلبك في‬ ‫الساجدين ‪ }4‬ويرى تقلبك قائما وراكعا وساجدا مع المصلين من المؤمنين‪ ،‬بمعنى أنه معك يسمع‬ ‫ويرى فتوكل عليه ول تخف غيره وامض في دعوتك ومفاصلتك للمشركين‪ .‬وقوله {إنه هو‬ ‫السميع العليم} تقرير لتلك المعية الخاصة إذ السميع لكل صوت والعليم بكل حركة وسكون يحق‬ ‫للعبد التوكل عليه وتفويض المر إليه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد‪ ،‬وحرمة دعاء غير ال تعالى من سائر مخلوقاته لنه الشرك الحرام‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬رواه مسلم وغيره بألفاظ فيها بعض الختلف‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع {فتوكل} بالفاء وقرأ غيره بالواو‪ ،‬وكل الحرفين عاطف فالفاء عاطفة على قوله‪{ :‬فقل‬ ‫إني بريء مما تعملون} وهي للتفريع أيضا والواو عاطفة على جواب الشرط وهو {إني بريء‬ ‫مما تعملون}‪.‬‬ ‫‪ 3‬التوكل‪ :‬تفويض المرء أمره إلى من يكفيه مهمه وما دام ل كافي إل ال وجب إذا التوكل عليه‬

‫عز وجل‪.‬‬ ‫‪ 4‬في الية دليل على مشروعية صلة الجماعة وتأكدها واضح‪.‬‬

‫( ‪)3/688‬‬ ‫‪ -2‬من مات يدعو غير ال فهو معذب ل محالة مع المعذبين‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير قاعدة البدء بالقارب في كل شيء لنهم ألصق بقريبهم من غيرهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية لين الجانب والتواضع للمؤمنين لسيما الحديثو عهد بالسلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب البراءة من الشرك وأهله‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب التوكل على ال والقيام بما أوجبه ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -7‬فضل قيام الليل وصلة الجماعة لما يحصل للعب من معية ال تعالى‪.‬‬ ‫سمْ َع وََأكْثَرُ ُهمْ‬ ‫َهلْ أُنَبّ ُئكُمْ عَلَى مَن تَنَ ّزلُ الشّيَاطِينُ (‪ )221‬تَنَ ّزلُ عَلَى ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ (‪ )222‬يُ ْلقُونَ ال ّ‬ ‫ل وَادٍ َيهِيمُونَ (‪ )225‬وَأَ ّنهُمْ‬ ‫شعَرَاء يَتّ ِب ُعهُمُ ا ْلغَاوُونَ (‪ )224‬أََلمْ تَرَ أَ ّن ُهمْ فِي ُك ّ‬ ‫كَاذِبُونَ (‪ )223‬وَال ّ‬ ‫ت وَ َذكَرُوا اللّهَ كَثِيرًا وَان َتصَرُوا مِن‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫َيقُولُونَ مَا ل َيفْعَلُونَ (‪ )226‬إِل الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫َبعْدِ مَا ظُِلمُوا وَسَ َيعَْلمُ الّذِينَ ظََلمُوا َأيّ مُنقََلبٍ يَنقَلِبُونَ (‪)227‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫أنبئكم‪ :‬أي أخبركم‪.‬‬ ‫أفاك أثيم‪ :‬أي كذاب يقلب الكذب فيكون إفكا أثيم غارق في الثام‪.‬‬ ‫يلقون السمع‪ :‬أي يلقون أسماعهم ويصغون أشد الصغاء للشياطين فيتلقون منهم مما أكثره كذب‬ ‫وباطل‪.‬‬ ‫الغاوون‪ :‬جمع غاو‪ :‬الضال عن الهدى الفاسد القلب والنية‪.‬‬ ‫في كل واد ‪ :‬أي من أودية الكلم وفنونه‪.‬‬ ‫يهيمون ‪:‬أي يمضون في كل شعب وواد من الكلم مدحا أو ذما كان صدقا ً أو كذبا‪.‬‬ ‫يقولون ما ل يفعلون ‪ :‬أي يقولون فعلنا وهم لم يفعلوا‪.‬‬ ‫وانتصروا من بعد ما ظلموا‪ :‬أي قالوا الشعر انتصارا ً للحق بأن ردوا على من هجا المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)3/689‬‬ ‫أي منقلب ينقلبون ‪ :‬أي مرجع يرجعون بعد الموت وهو دار البوار جهنم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ادعى المبطلون من مشركي قريش أن الرسول يتلقى من الشياطين كما تتلقى الكهان منهم رد‬

‫تعالى عليهم بقوله {هل أنبئكم ‪ 1‬على من تنزل الشياطين؟} وأجاب عن السؤال قائلً {تنزل على‬ ‫كل أفاك} كذاب يقلب الكذب قلبا فيقول في الظالم عادل‪ ،‬وفي الخبيث طيب‪ ،‬وفي الفاسد صالح‪،‬‬ ‫{أثيم} أي كثير الثام إذ لم يترك جريمة إل يقارفها ول سيئة إل يجترحها حتى يغرق في الثم‬ ‫فهذا الذي تتحد معه الشياطين وتلفي إليه بما تسمعه من السماء لكونه مثلها في ظلمة النفس وخبث‬ ‫الروح‪ ،‬وأما محمد صلى ال عليه وسلم فهو أبعد الناس عن الكذب والثم فلم يجرب عليه كذب‬ ‫قط ولم يعرف منه ذنب أبدا فكيف تتحد معه الشياطين وتخبره وتلقي إليه بخبر السماء؟ وبهذا‬ ‫بطلت التهمة وقوله {يلقون ‪ 2‬السمع وأكثرهم ‪ 3‬كاذبون} أي إن الشياطين قبل أن يحال بينهم وبين‬ ‫استراق السمع بإرصاد الشهب لهم كانوا يلقون أسماعهم للحصول على الخبر وأكثرهم كاذبون‬ ‫حيث يخلطون مع الكلمة التي سمعوها مائة كلمة كلها كذب منهم ويلقون ذلك الكذب إلى إخوانهم‬ ‫في الكفر والخبث من كهنة الناس‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {والشعراء يتبعهم الغاوون} أي أهل الغواية والضلل هم الذين يتبعون الشعراء‬ ‫فيروون لهم وينقلون عنهم‪ ،‬ويصدقونهم فيما يقولون‪ .‬والدليل على ذلك {أنهم} أي الشعراء {في‬ ‫كل واد} من أودية الكلم وفنونه {يهيمون} على وجوههم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الستفهام صوري واختير له هل لفادتها التحقيق كقد وهو يحمل التعريض بأنّ المستفهم‬ ‫عنه مما يسوءهم فلذا استفهموا في هذا السؤال {هل أنبئكم}؟‬ ‫‪ 2‬وجائز أن يكون من يلقون السمع‪ :‬الكهان‪ ،‬إذ هم يلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتنزل‬ ‫عليهم شياطينهم بالخبر وذلك من إفكهم‪ ،‬وعليه فجملة‪{ :‬يلقون السمع} صفة {لكل أفاك أثيم} وما‬ ‫في التفسير عليه الكثيرون وكل المعنيين وارد وصحيح‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬أكثر هؤلء الفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين فبعضهم ل يتلقى شيئا‬ ‫وإنما يدعي ذلك‪ ،‬والبعض يتلقى قليلً فيزيد عليه أضعافه‪ ،‬وفي الصحيح أن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم سئل عن الكهان فقال‪" :‬ليسوا بشيء قيل‪ :‬يا رسول ال فإنهم يحدثون يكون حقا ً فقال‪ :‬تلك‬ ‫الكلمة من الحق يخطفها المجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة‬ ‫كذبة"‪.‬‬

‫( ‪)3/690‬‬ ‫ماضين في قولهم فيمدحون ويذمون‪ ،‬يهجون‪ ،‬ويفخرون‪ ،‬ويدعون أنهم فعلوا كذا وكذا وما فعلوا‬ ‫فهل محمد صلى ال عليه وسلم الذي اتهمتموه بأنه شاعر وما يقوله من جنس الشعر أتباعه ‪1‬‬ ‫غاوون انظروا إليهم واسألوا عنهم فإنهم أهدى الناس وأبرهم فعلً وأصدقهم حديثا وأبعدهم عن‬ ‫الريبة‪ ،‬فلو كان محمد شاعرا وما لكان أتباعه الغاوين فبذا بطلت الدعوى من أساسها‪.‬‬

‫وقوله {إل الذين ‪ 2‬آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا ال كثيرا وانتصروا من بعدما ظلموا} إنه لما‬ ‫ذم الشعراء‪ ،‬استثنى منهم أمثال‪ :‬عبدال بن رواحة وحسان بن ثابت ممن آمنوا وعملوا الصالحات‬ ‫وانتصروا يردون هجاء المشركين لرسول ال صلى ال عليه وسلم وينافحون عن السلم وأهله‬ ‫بشعرهم الصادق النقي الطاهر الوفي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وسيعلم الذين ظلموا} رسول ال باتهامه بالكهانة مرة وبالشعر مرة أخرى وظلموا‬ ‫الوحي اللهي بوصفه بما هو بعيد عنه من الكهانة والشعر { أي منقلب ينقلبون} أي أي مرجع‬ ‫يرجعون إليه‪ ،‬إنه النار وبئس القرار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبطال فرية المشركين من أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان‪.‬‬ ‫‪ -2‬إبطال أن الرسول صلى ال عليه وسلم كاهن وشاعر‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الشياطين تتحد مع ذوي الرواح الخبيثة بالفك والثام‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الشعراء المبطلين أتباعهم في كل زمان ومكان الغاوون الضالون‪.‬‬ ‫‪ -5‬جواز نظم الشعر وقوله في تقرير علم أو تسجيل ‪ 3‬حكمة‪ ،‬أو انتصار ‪ 4‬للسلم والمسلمين‬ ‫بالرد على من يهجوا السلم والمسلمين‪.‬‬ ‫‪ -6‬التحذير من عاقبة الظلم فإنها وخيمة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من كان أتباعه غاوين ل يكون هو إلّ غاويا بل أشد غواية‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية دليل على جواز دراية الشعر الحسن فقد روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‬ ‫يوما لعمر بن الشريد‪ :‬هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هيه‪ ،‬فأنشدته‬ ‫بيتا فقال‪ :‬هيه‪ ،‬حتى أنشدته مائة بيت‪.‬‬ ‫‪ 3‬روى عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه‪ :‬مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر؟ فقال‪:‬‬ ‫ل كلما ً ل يخالف سائر الكلم إل في القوافي فحسنه حسن وقبيحه‬ ‫ويلك يالكع‪ :‬وهل الشعر إ ّ‬ ‫قبيح‪.‬‬ ‫‪ 4‬من شعر نصرة الحق قول عبد ال بن رواحة رضي ال عنه والرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫يمشي بين يديه وذلك يوم الفتح‪:‬‬ ‫خلو بني الكفار عن سبيله‬ ‫اليوم نضربكم عن تنزيله‬ ‫ضربا يزيل الهام عن مقبله‬ ‫ويذهل الخليل عن خليله‬ ‫ومنه قول حسان‪:‬‬

‫هجوت محمدا فأجبت عنه‬ ‫وعند ال في ذاك الجزاء‬ ‫أتشتمه ولست له بكفء‬ ‫فشركما لخيركما الفداء‬ ‫فإن أبي ووالدتي وعرضي‬ ‫عرض محمد منكم وقاء‬ ‫لساني صارم ل عيب فيه‬ ‫وبحري ل تكدره الدّلءُ‬

‫( ‪)3/691‬‬ ‫المجلد الرابع‬ ‫سورة النمل‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة النمل‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ثلث وتسعون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫ى وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)2‬الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّل َة وَ ُيؤْتُونَ‬ ‫ن َوكِتَابٍ مُبِينٍ(‪)1‬هُد ً‬ ‫طس تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫عمَاَلهُمْ َفهُمْ َي ْع َمهُونَ(‪)4‬‬ ‫ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ(‪ )3‬إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َرةِ زَيّنّا َلهُمْ أَ ْ‬ ‫أُولَ ِئكَ الّذِينَ َل ُهمْ سُوءُ ا ْل َعذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِ َرةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ(‪)5‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫طس‪ :‬هذا أحد الحروف المقطّعة‪ ،‬يقرأ‪ :‬طا‪ .‬سين‪.‬‬ ‫تلك‪ :‬أي اليات المؤلفة من هذه الحروف آيات القرآن‪.‬‬ ‫هدى وبشرى‪ :‬أي أعلم هداية للصراط المستقيم‪ ،‬وبشارة للمهتدين‪.‬‬ ‫زيّنا لهم أعمالهم ‪ :‬أي حببناها إليهم حسب سنتنا فيمن ل يؤمن بالبعث والجزاء‪.‬‬ ‫فهم يعمهون‪ :‬في ضلل بعيد وحيرة ل تنتهي‪.‬‬ ‫لهم سوء العذاب‪:‬أي في الدنيا بالسر والقتل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {طس} لقد سبق أن ذكرنا أن السلف كانوا يقولون في مثل هذه الحروف المقطعة‪ :‬ال‬ ‫أعلم بمراده بذلك‪ ،‬وهذه أسلم‪ ،‬وذكرنا أن هناك فائدة قد تقتنص من‬

‫( ‪)4/4‬‬ ‫الشارة بتلك أو بذلك‪ ،‬وهي أن القرآن المعجز الذي تحدى به مُنَزله عز وجل النس والجن قد‬ ‫تألف من مثل هذه الحروف العربية فألفوا أيها العرب مثله سورة فأكثر فإن عجزتم فآمنوا أنه‬ ‫كلم ال ووحيه واعملوا بما فيه ويدعو إليه‪.‬‬ ‫وقوله { تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلقُرْآنِ (‪ })1‬أي المؤلفة من مثل هذه الحروف آيات القرآن { َوكِتَابٍ مُبِينٍ (‪})2‬‬ ‫أي مبين لكل ما يحتاج إلى بيانه من الحق والشرع في كل شؤون الحياة‪.‬‬ ‫وقوله {هُدىً وَبُشْرَى(‪ )3‬لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ} أي هادٍ إلى الصراط المستقيم الذي يفضي بسالكه إلى السعادة‬ ‫والكمال في الدارين‪{ ،‬وَبُشْرَى } أي بشارة عظمى للمؤمنين أي بال ولقائه والرسول وما جاء به‪،‬‬ ‫{الّذِينَ(‪ُ )4‬يقِيمُونَ الصّلةَ } بأدائها في أوقاتها في بيوت ال تعالى مستوفاة الشروط والركان‬ ‫والواجبات والسنن والداب { وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ} عند وجوبها عليهم {وَ ُهمْ بِالْآخِ َرةِ} أي بالدار الخرة‬ ‫{ ُهمْ يُوقِنُونَ} بوجودها والمصير إليها‪ ،‬وبما فيها من حساب وجزاء‪.‬‬ ‫عمَاَلهُمْ} أي حببناها‬ ‫وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َرةِ} أي بالبعث والجزاء {زَيّنّا َلهُمْ أَ ْ‬ ‫إليهم حتى يأتوها وهي أعمال شر وفساد‪ ،‬وذلك حسب سنتنا فيمن أنكر البعث وأصبح ل يرهب‬ ‫حسابا ول يخاف عقابا انغمس في الرذائل والشهوات وأصبح ل يرعوي عن قبيح { َفهُمْ } لذلك‬ ‫{ َي ْع َمهُونَ} في سلوكهم يتخبطون ل يعرفون معروفا ول ينكرون منكرا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلهُمْ سُوءُ ا ْل َعذَابِ} أي في الدنيا بالسر والقتل‪ ،‬وهم في الخرة(‪ )5‬هم‬ ‫الكثر خسارا من سائر أهل النار أي أشد عذابا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬عرّف الكتاب ونكّر القرآن وهما في معنى المعرفة كما يقال‪ :‬فلن رجل عاقل‪ ،‬وفلن الرجل‬ ‫العاقل‪ ،‬والكتاب هو القرآن فجُمع له صفتان تفخيما وتعظيما فهو قرآن وهو كتاب‪ ،‬والكتاب‪ :‬علم‬ ‫على القرآن بالغلبة‪ ،‬والقرآن علم بالنقل‪.‬‬ ‫‪( -2‬مبين) إن كان من أبان اللزم فهو بمعنى بان أي‪ :‬فهو ظاهر واضح بيّن في نفسه وفي هذا‬ ‫تنويه وتشريف له‪ ،‬وإن كان من أبان المتعدي فهو مبيّن لما أريد منه من أركان العقيدة وأنواع‬ ‫العبادات وأحكام الشريعة وآدابها‪.‬‬ ‫‪ -3‬هدى وبشرى‪ :‬حال‪ ،‬والعراب مقدر أشار إلى القرآن حال كونه هاديا ومبشرا للمؤمنين به‬ ‫العاملين بما فيه من الشرائع والحكام والداب والخلق‪.‬‬ ‫‪ -4‬الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة الموصول وصلته وما عطف عليه نعت للمؤمنين وصفٌ‬ ‫لهم بما تضمنه لفظ الهدى‪ ،‬وجملة‪{ :‬وهم بالخرة هم يوقنون} معطوفة على صلة الموصول فهي‬ ‫نعت ثانٍ للمؤمنين الذين هدوا بالقرآن‪.‬‬

‫‪ -5‬قوله تعالى‪{ :‬إن الذين ل يؤمنون بالخرة} هذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لنها واقعة موقع‬ ‫جواب عن سؤال تقديرهُ‪ :‬إذا كان القرآن هاديا ومبشرا فما للذين ل يؤمنون بالخرة لم يهتدوا؟‬ ‫فالجواب‪ :‬إن الذين ل يؤمنون بالخرة زيّن ال لهم أعمالهم لذا فهم ل يهتدون‪ ،‬وتزيين العمال‬ ‫قائم على سنة من سنن ال تعالى وهي أنّ من رفض الحق وآثر الباطل عليه وأصرّ على اختيار‬ ‫الباطل يحرم الهداية فل يقبلها ممن جاءه بها كالقرآن والرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/5‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إعجاز القرآن إذ آياته مؤلفة من مثل طس‪ ،‬وحم وعجز العرب عن تأليف مثله‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كون القرآن‪ ،‬هدى وبشرى للمؤمنين الملتزمين بمتطلبات اليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬إنكار البعث والدار الخرة يجعل صاحبه شر الخليقة وأسوأ حال من الكلب والخنازير‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب قتال الملحدة وأخذهم أسرا وقتلً حتى يؤمنوا بال ولقائه لنهم خطر على أنفسهم‬ ‫وعلى البشرية سواء‪.‬‬ ‫ستُ نَارا سَآتِيكُمْ مِ ْنهَا بِخَبَرٍ‬ ‫حكِيمٍ عَلِيمٍ (‪ )6‬إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهِْلهِ إِنّي آنَ ْ‬ ‫وَإِ ّنكَ لَتَُلقّى ا ْلقُرْآنَ مِنْ َلدُنْ َ‬ ‫حوَْلهَا‬ ‫شهَابٍ قَ َبسٍ َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ (‪ )7‬فََلمّا جَاءَهَا نُو ِديَ أَنْ بُو ِركَ مَنْ فِي النّا ِر َومَنْ َ‬ ‫َأوْ آتِيكُمْ ِب ِ‬ ‫عصَاكَ فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ‬ ‫حكِيمُ(‪ )9‬وَأَ ْلقِ َ‬ ‫وَسُبْحَانَ اللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )8‬يَا مُوسَى إِنّهُ أَنَا اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫خفْ إِنّي ل َيخَافُ َل َديّ ا ْلمُرْسَلُونَ(‪ )10‬إِلّا مَنْ ظَلَمَ‬ ‫ن وَلّى مُدْبِرا وَلَمْ ُيعَ ّقبْ يَا مُوسَى ل َت َ‬ ‫كَأَ ّنهَا جَا ّ‬ ‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪)11‬‬ ‫ثُمّ َب ّدلَ حُسْنا َبعْدَ سُوءٍ فَإِنّي َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإنك لتلقى ‪ :‬أي تلقنه وتحفظه وتعلمه‪.‬‬ ‫من لدن حكيم ‪ :‬أي من عند حكيم عليم هو ال جل جلله‪.‬‬ ‫آنست نارا ‪ :‬أي أبصرت نارا من بعد حصل لي بها بعض النس‪.‬‬ ‫سآتيكم منه بخبر ‪ :‬أي عن الطريق حيث ضلوا طريقهم إلى مصر في الصحرا‪.‬‬ ‫بشهاب قبس ‪ :‬أي بشعلة نار مقبوسة أي مأخوذة من أصلها‪.‬‬

‫( ‪)4/6‬‬ ‫لعلكم تصطلون ‪ :‬أي تستدفئون‪.‬‬ ‫أن بورك من في النار ‪ :‬أي بارك ال جل جلله من في النار وهو موسى عليه السلم إذ هو في‬

‫البقعة المباركة التي نادى ال تعالى موسى منها‪.‬‬ ‫وسبحان ال رب العالمين ‪ :‬أي نزه الرب تعالى نفسه عما ل يليق بجلله وكماله من صفات‬ ‫المحدثين‪.‬‬ ‫يا موسى إنه أنا ال ‪ :‬أي الحال والشأن أنا ال العزيز الحكيم الذي ناداك وباركك‪.‬‬ ‫تهتز كأنه جان ‪ :‬أي تتحرك بسرعة كأنها حية خفيفة السرعة‪.‬‬ ‫ولم يعقب ‪ :‬أي ولم يرجع إليها خوفا وفزعا منها‪.‬‬ ‫ثم بدل حسنا بعد سوء‪ :‬أي تاب فعمل صالحا بعد الذي حصل منه من السوء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حكِيمٍ عَلِيمٍ}‬ ‫ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى { وَإِ ّنكَ لَتَُلقّى(‪ )1‬ا ْلقُرْآنَ مِن َلدُنْ َ‬ ‫يخبر تعالى رسوله بأنّه يلقّن القرآن ويحفظه ويعلمه من لدن حكيم في تدبيره عليم بخلقه وهو ال‬ ‫جل جلله وعظم سلطانه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {إِذْ قَالَ مُوسَى} اذكر لمنكري الوحي والمكذبين بنبوتك إذ قال موسى إلى آخر‬ ‫الحديث‪ ،‬هل مثل هذا يكون بغير التلقي من ال تعالى‪ .‬والجواب‪ :‬ل إذا فأنت رسول ال حقا‬ ‫ستُ(‪ )2‬نَارا} أي أبصرتها مستأنسا بها‪.‬‬ ‫وصدقا {ِإذْ قَالَ مُوسَى لِأَهِْلهِ} امرأته وأولده {إِنّي آنَ ْ‬ ‫شهَابٍ(‪ )3‬قَبَسٍ َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ (‪ })4‬أي تستدفئون إذ كانوا في ليلة‬ ‫{سَآتِي ُكمْ مِ ْنهَا بِخَبَرٍ َأوْ آتِيكُمْ بِ ِ‬ ‫شاتية باردة وقد ضلوا طريقهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال القرطبي‪ :‬هذه الية بسط وتمهيد لما يريد أن يسوق من القاصيص وما في ذلك من‬ ‫لطائف حكمته ودقائق علمه وهو كما قال‪.‬‬ ‫‪{ -2‬إني آنست نارا } أي‪ :‬أبصرتها من بعد قال الشاعر‪:‬‬ ‫آنست نبأة وأفرز عنها القناص عصرا وقد دنا المساءُ‬ ‫‪ -3‬قرأ عاصم { بشهاب قبس} بتنوين شهاب‪ ،‬وقرأ نافع {بشهاب} بل تنوين مضاف إلى قبس‪،‬‬ ‫والضافة للنوع كثوب خَزّ وخاتم فضة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الصطلء‪ :‬الستدفاء من البرد‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫النار فاكهة الشتاء فمن يرد أكل الفواكه شاتيا فليصطل‬

‫( ‪)4/7‬‬ ‫وقوله تعالى‪ { :‬فََلمّا جَاءَهَا} أي النار { نُو ِديَ (‪ })1‬أي ناداه ربه تعالى قائل‪{ :‬أَنْ بُو ِركَ مَنْ فِي‬ ‫حوَْلهَا} أي تقدس من في النار التي هي نور ال جل جلله‪ .‬وهو موسى عليه السلم‬ ‫النّا ِر َومَنْ َ‬ ‫ومن حولها من أرض القدس والشام‪ ،‬وال أعلم بمراده من كلمه وإنا لنستغفره ونتوب إليه إن لم‬

‫نوفق لمعرفة مراده من كلمه وخطابه فاغفر اللهم ذنبنا وارحم عجزنا وضعفنا إنك غفور رحيم‪،‬‬ ‫وقوله تعالى { َوسُبْحَانَ اللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} نزه تعالى نفسه عما ل يليق بجلله وكماله وقوله {يَا‬ ‫حكِيمُ} أي الذي يناديك هو ال ذو اللوهية على خلقه العزيز الغالب‬ ‫مُوسَى إِنّهُ أَنَا اللّهُ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫الذي ل يحال بينه وبين مراده الحكيم في قضائه وتدبيره وتصريف ملكه‪ .‬بعد أن عرفه بنفسه‬ ‫عصَاكَ} فألقاها‬ ‫وأذهب عنه روع نفسه‪ ،‬أمره أن يلقي العصا تمرينا له على استعمالها فقال {وَأَلْقِ َ‬ ‫ن وَلّى(‪ )2‬مُدْبِرا} أي رجع‬ ‫فاهتزت كأنها جان أي حية خفيفة السرعة {فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا جَا ّ‬ ‫القهقرى فزعا وخوفا { وَلَمْ ُيعَ ّقبْ } أي لم يرجع إليها خوفا منها فناداه ربه تعالى {يَا مُوسَى(‪ )3‬ل‬ ‫خفْ} من حية ول من غيرها {إِنّي ل َيخَافُ(‪ )4‬لَ َديّ ا ْلمُ ْرسَلُونَ} {ِإلّا(‪ )5‬مَنْ ظََلمَ} أي نفسه‬ ‫تَ َ‬ ‫باقتراف ذنب من الذنوب فهذا يخاف لكن إن هو تاب بعد الذنب ففعل حسنات بعد السيئات فإنه ل‬ ‫يخاف لني غفور رحيم فأغفر له وأرحمه‪ .‬طمأن تعالى نفس موسى بهذا لن موسى كان شاعرا‬ ‫بأنه أذنب بقتل القبطي قبل نبوته ورسالته‪ ،‬وإن كان القتل خطأ إل أنه تجب فيه الكفارة عتق رقبة‬ ‫أو صيام شهرين متتابعين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية السفر بالهل والولد وجواز خطأ الطريق حتى على النبياء والذكياء‪.‬‬ ‫‪ -3‬قيومية الرجل على النساء والطفال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬عن وهب بن منبه قال‪ :‬فلما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة‬ ‫خضراء شديدة الخضرة يقال لها‪ :‬العُليق فعجب منها ‪ { ...‬ونودي أن بورك من في النار ومن‬ ‫حولها}‬ ‫‪ -2‬أي‪ :‬خائفا على عادة البشر‪.‬‬ ‫‪ -3‬الستثناء منقطع أي‪ :‬لكن يخاف من ظلم‪ ،‬ومن ظلم ثم تاب فل يخاف أيضا فإن ال غفور‬ ‫رحيم‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا مقول قول أي‪ :‬يا موسى ل تخف‪.‬‬ ‫‪ -5‬الجملة تعليل للنهي في قوله‪{ :‬يا موسى ل تخف}‪.‬‬

‫( ‪)4/8‬‬ ‫‪ -1‬تجلي الرب تعالى لموسى في البعقة المباركة ومناجاته وتدريبه على العصا والسلح الذي‬ ‫يقاوم به فرعون ومله فيما بعد‪.‬‬

‫‪ -2‬الظلم يسبب الخوف والعقوبة إل من تاب منه وأصلح فإن ال غفور رحيم‪.‬‬ ‫ن َوقَ ْومِهِ إِ ّن ُهمْ كَانُوا‬ ‫عوْ َ‬ ‫سعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْ َ‬ ‫خلْ َي َدكَ فِي جَيْ ِبكَ تَخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِ ْ‬ ‫وَأَدْ ِ‬ ‫حدُوا ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا‬ ‫سحْرٌ مُبِينٌ(‪ )13‬وَجَ َ‬ ‫سقِينَ(‪ )12‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ آيَاتُنَا مُ ْبصِ َرةً قَالُوا َهذَا ِ‬ ‫َقوْما فَا ِ‬ ‫سهُمْ ظُلْما وَعُُلوّا فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‪)14‬‬ ‫أَ ْنفُ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في جيبك ‪ :‬أي جيب ثوبك‪.‬‬ ‫من غير سوء ‪ :‬أي برص ونحوه بل هو (البياض) شعاع‪.‬‬ ‫في تسع آيات ‪ :‬أي ضمن تسع آيات مرسلً بها إلى فرعون‪.‬‬ ‫مبصرة ‪ :‬مضيئة واضحة مشرقة‪.‬‬ ‫وجحدوا بها ‪ :‬أي لم يقروا ولم يعترفوا بها‪.‬‬ ‫واستيقنتها أنفسهم ‪ :‬أي أيقنوا أنها من عند ال‪.‬‬ ‫ظلما وعلوا ‪ :‬أي ردوها لنهم ظالمون مستكبرون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم مع موسى في حضرة ربه عز وجل بجانب الطور إنه لما أمره بإلقاء‬ ‫العصا فألقاها فاهتزت وفزع موسى لذلك فولى مدبرا ولم يعقب خائفا فطمأنه ربه تعالى بأنه ل‬ ‫خلْ(‪ )1‬يَ َدكَ فِي جَيْ ِبكَ} أي في جيب‬ ‫يخاف لديه المرسلون أمره أن يدخل يده في جيبه فقال {وَأَ ْد ِ‬ ‫القميص {تَخْرُجْ(‪ )2‬بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي من غير برص بل هو‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا الكلم معطوف على قوله‪( :‬وألق عصاك) وما بينهما اعتراض‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه آية أخرى غير الولى‪.‬‬

‫( ‪)4/9‬‬ ‫بياض إشراق يكاد يذهب بالبصار {فِي ِتسْعِ(‪ )1‬آيَاتٍ} أي ضمن تسع آيات مرسلً بها إلى‬ ‫سقِينَ} أي خارجين عن‬ ‫فرعون وقومه‪ ،‬وبين تعالى علة ذلك الرسال فقال‪{ :‬إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِ‬ ‫العتدال إلى الغلو والسراف في الشر والفساد وقوله تعالى‪{ :‬فََلمّا جَاءَ ْت ُهمْ(‪ )2‬آيَاتُنَا} يحملها‬ ‫موسى مبصرة مضيئة واضحة دالة على صدق موسى في دعوته‪ ،‬رفضوها فلم يؤمنوا بها‪ ،‬و‬ ‫سحْرٌ مُبِينٌ}‪ ،‬أي الذي جاء به موسى من اليات هو سحر بين ل شك فيه قال تعالى‬ ‫{قَالُوا َهذَا ِ‬ ‫سهُمْ} أي جحدوا باليات وكذبوا وتيقنتها أنفسهم أنها آيات من عند ال‬ ‫جحَدُوا ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَ ْنفُ ُ‬ ‫{وَ َ‬ ‫دالة على رسالة موسى وصدق دعوته في المطالبة ببني إسرائيل وقوله ظلما وعلوا أي حملهم‬ ‫على التكذيب والنكار مع العلم هو ظلمهم واستكبارهم فإنهم ظالمون مستكبرون‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬

‫{فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ(‪ )3‬كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمفْسِدِينَ} أي انظر يا رسولنا محمدا صلى ال عليه وسلم كيف كان‬ ‫عاقبة المفسدين وهي إهلكهم ودمارهم أجمعين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬آية اليد هي إحدى اليات التسع التي أوتي موسى عليه السلم دليل على وجود اليات التي‬ ‫كان ال تعالى يؤيد بها رسله فمن أنكرها فقد كفر‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالفسق واستحقاق أهله العذاب في الدارين‪.‬‬ ‫‪ -3‬الكبر والعلو في الرض صاحبهما يجحد الحق ول يقر به وهو يعلم أنه حق‪.‬‬ ‫‪ -4‬عاقبة الفساد في الرض بالمعاصي سوءى‪ ،‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي َفضّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)15‬‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُ َد وَسُلَ ْيمَانَ عِلْما َوقَال الْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬التسع آيات هي‪ :‬العصا‪ ،‬واليد‪ ،‬والطوفان‪ ،‬والجراد والقمل‪ ،‬والضفادع والدم‪ ،‬والقحط‪،‬‬ ‫وانفلق البحر‪ ،‬وهو من أعظمها‪.‬‬ ‫‪{ -2‬فلما جاءتهم} الخ أوجز بقية القصة وانتقل إلى العبرة بتكذيب فرعون وقومه باليات ليعتبر‬ ‫بذلك كفار قريش المكذبون بآيات ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -3‬الخطاب لغير معيّن ويجوز أن يكون للنبي صلى ال عليه وسلم تسلية له وحملً له على‬ ‫الصبر من تكذيب قومه له وإصرارهم على الكفر به‪.‬‬

‫( ‪)4/10‬‬ ‫شيْءٍ إِنّ َهذَا َل ُهوَ‬ ‫َووَرِثَ سُلَ ْيمَانُ دَاوُ َد َوقَالَ يَا أَ ّيهَا النّاسُ عُّلمْنَا مَ ْنطِقَ الطّيْ ِر وَأُوتِينَا مِنْ ُكلّ َ‬ ‫ن وَالْأِنْسِ وَالطّيْرِ َفهُمْ يُوزَعُونَ(‪ )17‬حَتّى ِإذَا‬ ‫ا ْل َفضْلُ ا ْلمُبِينُ(‪ )16‬وَحُشِرَ لِسُلَ ْيمَانَ جُنُو ُدهُ مِنَ الْجِ ّ‬ ‫ن وَجُنُو ُد ُه وَ ُه ْم ل‬ ‫طمَ ّنكُمْ سُلَ ْيمَا ُ‬ ‫أَ َتوْا عَلَى وَادِ ال ّن ْملِ قَاَلتْ َنمْلَةٌ يَا أَ ّيهَا ال ّن ْملُ ادْخُلُوا مَسَاكِ َنكُمْ ل َيحْ ِ‬ ‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َعمْتَ عََليّ‬ ‫شعُرُونَ (‪ )18‬فَتَبَسّمَ ضَاحِكا مِنْ َقوِْلهَا َوقَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫حمَ ِتكَ فِي عِبَا ِدكَ الصّالِحِينَ (‪)19‬‬ ‫ل صَالِحا تَ ْرضَاهُ وََأدْخِلْنِي بِرَ ْ‬ ‫ع َم َ‬ ‫ي وَأَنْ أَ ْ‬ ‫وَعَلَى وَالِ َد ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫علمنا ‪ :‬هو علم ما لم يكن لغيرهم كمعرفة لغة الطير إلى جانب علم الشرع كالقضاء ونحوه‪.‬‬ ‫وقال الحمد ل ‪ :‬أي شكرا له‪.‬‬ ‫على كثير من عباده المؤمنين‪ :‬أي بالنبوة وتسخير الجن والنس والشياطين‪.‬‬ ‫وورث سليمان داوود‪ :‬أي ورث أباه بعد موته في النبوة والملك والعلم دون باقي أولده‪.‬‬ ‫علمنا منطق الطير ‪ :‬أي فهم أصوات الطير وما تقوله إذا صفرت‪.‬‬

‫وأوتينا من كل شيء ‪ :‬أوتيه غيرنا من النبياء والملوك‪.‬‬ ‫وحشر لسليمان ‪ :‬أي جمع له جنوده من الجن والنس والطير في مسير له‪.‬‬ ‫فهم يوزعون ‪ :‬أي يساقون ويرد أولهم إلى آخرهم ليسيروا في نظام‪.‬‬ ‫ل يحطمنكم سليمان ‪ :‬أي ل يكسرنكم ويقتلنكم‪.‬‬ ‫وهم ل يشعرون ‪ :‬أي بكم‪.‬‬

‫( ‪)4/11‬‬ ‫أوزعني أن أشكر ‪ :‬أي ألهمني ووفقني لن أشكر نعمتك التي أنعمت علي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا بداية قصص داوود وسليمان عليهما السلم ذكر بعد أن أخبر تعالى أنه يلقن رسوله محمدا‬ ‫ويعلمه من لدنه وهو العليم الحكيم ودلل على ذلك بموجز قصة موسى عليه السلم ثم ذكر دليلً‬ ‫آخر وهو قصة داوود وسليمان‪ ،‬فقال تعالى {َلقَدْ آتَيْنَا} أي أعطينا داوود وسليمان {عِلْما} أي الوالد‬ ‫والولد علما خاصا كمعرفة منطقة الطير وصنع الدروع وإلنة الحديد زيادة على علم الشرع‬ ‫حمْدُ لِلّهِ} أي الشكر ل‬ ‫حمْدُ لِلّهِ} أي شكرا ربهما بقولهما {ا ْل َ‬ ‫والقضاء(‪ ،)1‬وقوله تعالى { َوقَال ا ْل َ‬ ‫الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين بما آتاهما من الخصائص والفواضل‪ .‬هذا ما دلت عليه‬ ‫الية الولى (‪ )14‬وأما الية الثانية (‪ )15‬فقد أخبر تعالى فيها أن سليمان ورث أباه داوود وحده‬ ‫دون باقي أولده(‪ )2‬وذلك في النبوة والملك‪ ،‬ل في الدرهم والدينار والشاة والبعير‪ ،‬لن النبياء ل‬ ‫عّلمْنَا‬ ‫يورثون فما يتركونه هو صدقة(‪.)3‬كما أخبر أن سليمان قال في الناس(‪{ )4‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ُ‬ ‫طقَ (‪)5‬الطّيْر} فما يصفر طير إل علم ما يقوله في صفيره‪ ،‬وأوتينا من كل شيء أوتيه غيرنا‬ ‫مَنْ ِ‬ ‫ضلُ ا ْلمُبِينُ} أي فضل ال تعالى البين الظاهر‪.‬‬ ‫من النبوة والملك والعلم والحكمة {إِنّ َهذَا َل ُهوَ ا ْلفَ ْ‬ ‫س وَالطّيْر َفهُمْ يُوزَعُونَ}‬ ‫ن وَالْأِنْ ِ‬ ‫وقوله تعالى { َوحُشِرَ ِلسُلَ ْيمَانَ جُنُودُه} أي جمع له جنوده {مِنَ الْجِ ّ‬ ‫هو إخبار عن مسير كان لسليمان مع جنده { َفهُمْ يُوزَعُونَ} أي جنوده توزع تساق بانتظام‪ .‬بحيث‬ ‫ل يتقدم بعضها بعضا فيرد دائما أولها إلى آخرها محافظة على النظام في السير‪ ،‬وما زالوا‬ ‫سائرين كذلك حتى أتوا على واد النمل بالشام فقالت نملة من النمل {يَا أَ ّيهَا ال ّن ْملُ ا ْدخُلُوا مَسَاكِ َنكُمْ‬ ‫شعُرُونَ} قالت هذا‬ ‫ن وَجُنُو ُد ُه وَ ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫طمَ ّن ُكمْ سُلَ ْيمَا ُ‬ ‫ل َيحْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وآتى داود الزبور وفي الية دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمة‬ ‫العلم من أجّل النعم وأجزل القسم‪ ،‬وأن من أوتيه فقد أوتي فضل على كثير من المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -2‬قيل‪ :‬إنّ داود كان له تسعة عشر ولدا فورث سليمان من بينهم نبوّته وملكه ولو كان وارثة‬ ‫مال لكان جميع أولده فيه سواء والزمن بين سليمان ونبينا كان قرابة ألف وثمانمائة سنة‪.‬‬

‫‪ -3‬قوله صلى ال عليه وسلم "نحن معشر النبياء ل نورث ما تركناه فهو صدقة" حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪ -4‬أي في بني إسرائيل قال هذا على جهة الشكر لنعم ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬مما يؤثر عن سليمان عليه السلم في معرفة منطق الطير‪( :‬لدوا للموت وابنوا للخراب)‬ ‫"لورشان" نوع من الحمام البري أكدر (ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا‬ ‫خلقوا) "لفاختة" نوع من الحمام البري له طوق (من ل يرحم ل يرحم) "لهدهد" (استغفروا ال يا‬ ‫مذنبين) "لصرد" (قدموا خيرا تجدوه) "لخطافة" (اللهم العن العشار) "للغراب" (كل شيء هالك إل‬ ‫وجهه) "للحدأة" (من سكت سلم) "للقطاة" (ويل لمن الدنيا همه) "للقطاة" (سبحان ربي القدوس)‬ ‫"للضفدع" (اذكروا ال يا غافلين) "للديك"‪.‬‬

‫( ‪)4/12‬‬ ‫رحمة وشفقة على بنات جنسها تعلم البشر الرحمة والشفقة والنصح لبني جنسهم لو كانو يعلمون‪،‬‬ ‫واعتذرت لسليمان وجنده بقولها وهم ل يشعرون بكم وإل لما داسوكم ومشوا عليكم حتى ل‬ ‫يحطمونكم‪ .‬وما إن سمعها سليمان وفهم كلمها(‪ )1‬حتى تبسم ضاحكا من قولها { َوقَالَ َربّ} أي يا‬ ‫ع َملَ صَالِحا‬ ‫ي وَأَنْ أَ ْ‬ ‫ي وَعَلَى وَالِ َد ّ‬ ‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ(‪ )3‬الّتِي أَ ْن َع ْمتَ عََل ّ‬ ‫رب {َأوْزِعْنِي(‪ })2‬ألهمني {أَنْ أَ ْ‬ ‫حمَ ِتكَ فِي عِبَا ِدكَ الصّالِحِينَ} أي في‬ ‫تَ ْرضَاهُ} أي يسر لي عملً صالحا ترضاه مني‪{ ،‬وََأدْخِلْنِي بِ َر ْ‬ ‫جملتهم في دار السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الشكر على النعم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وراثة سليمان لداوود لم تكن في المال لن النبياء ل يورثون وإنما كانت في النبوة والملك‪.‬‬ ‫‪ -3‬آية تعليم ال تعالى سليمان منطق الطير وتسخير الجن والشياطين له‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل النمل على كثير من المخلوقات ظهر في نصح النملة لخواتها وشفقتها عليهن‪.‬‬ ‫‪ -5‬ذكاء النمل وفطنته مما أضحك سليمان متعجبا منه‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب الشكر عند مشاهدة النعمة ورؤية الفضل من ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا الحديث ل يتأتى له إل بالوحي اللهي‪.‬‬ ‫شدِيدا َأ ْو لَذْ َبحَنّهُ‬ ‫عذَابا َ‬ ‫وَتَ َفقّدَ الطّيْرَ َفقَالَ مَا ِليَ ل أَرَى ا ْلهُدْ ُهدَ أَمْ كَانَ مِنَ ا ْلغَائِبِينَ(‪ )20‬لُعَذّبَنّهُ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قد اختلف في هل كان سليمان يعلم غير منطق الطير من سائر الحيوان‪ ،‬والذي عليه‬ ‫الكثرون أنه كان يعلم أصوات سائر الحيوانات ومن ذلك النمل‪ ،‬قال ابن العربي‪ :‬من قال إنه ل‬ ‫يعلم إل منطق الطير فنقصان عظيم‪ ،‬وقد اتفق الناس على أنه كان يفهم كلم من ل يتكلم من‬

‫النبات فكان الشجر يقول له‪ :‬أنا شجر كذا أنفع من كذا وأضر من كذا فما ظنك بالحيوان؟‬ ‫‪ -2‬الوزع‪ :‬الكف عما ل يراد‪ ،‬والوازع‪ :‬الذي يكف غيره عما ل ينبغي‪ ،‬وفعله‪ :‬وزع يزع‬ ‫وزعا‪ ،‬فإذا زيدت فيه همزة السلب فقيل‪ :‬أوزع أي‪ :‬أزال الوزع الذي هو الكف‪ ،‬فقوله في الية‪:‬‬ ‫{ فهم يوزعون} أي يكفون أفراد القوات عن التقدم والتأخر حتى يكون السير منتظما ‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{أوزعني أن أشكر نعمتك} أي‪ :‬أبعد عني ما يمنعني من شكرك على نعمك‪ .‬فصار أوزعني‬ ‫كألهمني وأغرني‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال تعالى‪{ :‬لئن شكرتم لزيدنكم} وقال بعضهم‪ :‬النعمة وحشيّة قيدوها بالشكر فإنها إذا شكرت‬ ‫قرّت وإذا كفرت فرّت‪ ،‬وقال آخر‪ :‬من لم يشكر النعمة فقد عرضها لزوالها ومن شكرها فقد قيّدها‬ ‫بعقالها‪.‬‬

‫( ‪)4/13‬‬ ‫طتُ ِبمَا لَمْ ُتحِطْ ِب ِه وَجِئْ ُتكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫َأوْ لَيَأْتِيَنّي ِبسُلْطَانٍ مُبِينٍ(‪َ )21‬ف َم َكثَ غَيْرَ َبعِيدٍ َفقَالَ أَ َ‬ ‫جدْ ُتهَا َو َقوْ َمهَا‬ ‫عظِيمٌ(‪ )23‬وَ َ‬ ‫شيْ ٍء وََلهَا عَرْشٌ َ‬ ‫ج ْدتُ امْرََأةً َتمِْل ُكهُ ْم وَأُوتِيَتْ مِنْ ُكلّ َ‬ ‫َيقِينٍ(‪ )22‬إِنّي وَ َ‬ ‫عمَاَلهُمْ َفصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ َفهُمْ ل َيهْتَدُونَ(‪)24‬‬ ‫شمْسِ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَزَيّنَ َل ُهمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬ ‫سجُدُونَ لِل ّ‬ ‫يَ ْ‬ ‫خفُونَ َومَا ُتعْلِنُونَ(‪ )25‬اللّ ُه ل‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ وَ َيعْلَمُ مَا ُت ْ‬ ‫خبْءَ فِي ال ّ‬ ‫سجُدُوا لِلّهِ الّذِي ُيخْرِجُ ا ْل َ‬ ‫أَلّا يَ ْ‬ ‫إِلَهَ ِإلّا ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلعَظِيمِ(‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وتفقد الطير ‪ :‬أي تعهدها ونظر فيها‪.‬‬ ‫مالي ل أرى الهدهد ‪ :‬أعرض لي ما منعني من رؤيته أم كان من الغائبين؟‬ ‫لعذبنه عذابا شديدا‪ :‬أي بنف ريشه ورميه في الشمس فل يمتنع من الهوام‪.‬‬ ‫بسلطان مبين ‪ :‬أي بحجة واضحة على عذره في غيبته‪.‬‬ ‫فمكث غير بعيد ‪ :‬أي قليل من الزمن وجاء سليمان متواضعا‪.‬‬ ‫أحطت بما لم تحط به ‪ :‬أي اطلعت على ما لم تطلع عليه‪.‬‬ ‫وجئتك من سبأ ‪ :‬سبأ قبيلة من قبائل اليمن‪.‬‬ ‫إني وجدت امرأة ‪ :‬هي بلقيس الملكة‪.‬‬ ‫ولها عرش عظيم ‪ :‬أي سرير كبير‪.‬‬ ‫فصدهم عن السبيل ‪ :‬أي طريق الحق والهدى‪.‬‬ ‫أل يسجدوا ل ‪ :‬أصلها أن يسجدوا أي فهم ل يهتدون أن يسجدوا ل‪.‬‬ ‫وزيدت فيها "ل" وأدغمت فيها النون فصارت أل نظيرها لئل‬ ‫يعلم أهل الكتاب من آخر سورة الحديد‪.‬‬

‫( ‪)4/14‬‬ ‫يخرج الخبء في السموات والرض‪ :‬أي المخبوء في السموات من المطار والرض من النبات‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في قصص سليمان عليه السلم قوله تعالى {وَ َتفَقّدَ الطّيْرَ(‪ })1‬أي تفقد‬ ‫سليمان جنده من الطير طالبا الهدهد لمر عنّ له أي ظهر وهو يتهيأ لرحلة هامة‪ ،‬فلم يجده فقال‬ ‫ما أخبر تعالى به عنه‪{ :‬مَا ِليَ ل أَرَى ا ْل ُهدْهُدَ(‪ })2‬ألعارض عرض لي فلم أره‪{ ،‬أَمْ(‪ )3‬كَانَ مِنَ‬ ‫ا ْلغَائِبِينَ} أي بل كان من الغائبين‪{ ،‬لَأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا} بأن ينتف ريشه ويتركه للهوام تأكله فل‬ ‫يمتنع منها {َأوْ لََأذْبَحَنّهُ} بقطع حلقومه‪َ{ ،‬أوْ لَيَأْتِيَنّي بِسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة واضحة على سبب‬ ‫غيبته‪ .‬قوله تعالى الية (‪َ { )21‬ف َم َكثَ} أي الهدهد {غَيْرَ(‪َ )4‬بعِيدٍ} أي زمنا قليل‪ ،‬وجاء فقال في‬ ‫طتُ ِبمَا لَمْ ُتحِطْ بِهِ} أي اطلعت على ما لم تطلع‬ ‫ح ْ‬ ‫تواضع رافعا عنقه مرخيا ذنبه وجناحيه { أَ َ‬ ‫عليه { وَجِئْ ُتكَ مِنْ سَبَأٍ(‪ )5‬بِنَبَأٍ َيقِينٍ} وسبأ قبيلة من قبائل اليمن‪ ،‬والنبأ اليقين الخبر الصادق الذي‬ ‫ل شك فيه‪ .‬وأخذ يبين محتوى الخبر فقال { إِنّي وَجَ ْدتُ امْرََأةً} هي بلقيس { َتمِْل ُكهُ ْم وَأُوتِ َيتْ مِنْ ُكلّ‬ ‫عظِيمٌ} أي سرير ملكها الذي تجلس عليه‬ ‫شيْءٍ} من أسباب القوة ومظاهر الملك‪{ ،‬وََلهَا عَرْشٌ َ‬ ‫َ‬ ‫شمْسِ مِنْ دُونِ‬ ‫سجُدُونَ لِل ّ‬ ‫جدْ ُتهَا َو َقوْ َمهَا يَ ْ‬ ‫وصفه بالعظمة لنه مرصع بالجواهر والذهب‪ ،‬وقوله {وَ َ‬ ‫اللّهِ} أخبر أول عن أحوالهم الدنيوية وأخبر ثانيا عن أحوالهم الدينية وقوله {وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ‬ ‫عمَاَلهُمْ} أي الباطلة الشركية { َفصَدّ ُهمْ} بذلك {عَنِ السّبِيلِ} أي سبيل الهدى والحق فهم لذلك ل‬ ‫أَ ْ‬ ‫يهتدون لن يسجدوا(‪ )6‬ل الذي يخرج الخبء(‪ )7‬أي المخبوء فهو‬ ‫__________‬ ‫‪( -1‬تفقد) بمعنى بحث عن الفقد أي‪ :‬عدم الوجود أو بحث عن سبب عدم الوجود‪.‬‬ ‫‪ -2‬من خواص الهدهد أنه يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الرض فإذا رفرف على‬ ‫موضع عُلم أن به ماء‪ ،‬ونهى النبي صلى ال عليه وسلم عن قتله مع ثلثة وهي‪( :‬الضفدع‪،‬‬ ‫والنحل‪ ،‬والصرد) خرجه أبو داود وصححه‪ .‬ونهى عن قتل النمل إل أن يضّر ول يقدر على‬ ‫دفعه إل بالقتل‪.‬‬ ‫‪( -3‬أم) هي المنقطعة التي بمعنى‪ :‬بل‪ ،‬ول تخلو من معنى الستفهام إذ التقدير‪ :‬بل أكان من‬ ‫الغائبين‪.‬‬ ‫‪ -4‬أي‪ :‬مكث في غيابه زمنا غير بعيد أو في مكان غير بعيد‪.‬‬ ‫‪ -5‬اسم رجل و‪ :‬غبشمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان‪ ،‬لقب بسبأ لنه أول من سبى في‬ ‫غزوه‪ ،‬وأطلق هنا سبأ على ديار قبيلة سبأ لن من ابتدائية أي لبتداء المكنة غالبا‪.‬‬ ‫‪ { -6‬أل يسجدوا} أصلها أن ل يسجدوا فأدغمت أن في ل النافية فصارت أل‪ ،‬والمضارع‬

‫منصوب بأن المدغمة في ل‪ ،‬ولذا تعيّن تقدير لم جر يتعلق بـ {فصدهم عن السبيل} أي‪ :‬زيّن‬ ‫لهم الشيطان أعمالهم فصدهم لجل أن ل يسجدوا‪ .‬وما في التفسير من التقدير أوضح أيضا‪.‬‬ ‫‪ -7‬الخبء‪ :‬مصدر خبأ الشيء‪ :‬إذا أخفاه‪ ،‬أطلق على اسم المفعول أي‪ :‬المخبوء من اجل المبالغة‬ ‫في الخفاء‪.‬‬

‫( ‪)4/15‬‬ ‫من إطلق المصدر وإرادة اسم المفعول في السموات من أمطار والرض من نباتات‪ ،‬ويعلم‬ ‫سبحانه وتعالى ما يخفون في نفوسهم‪ ،‬وما يعلنون عنه بألسنتهم ال ل إله إل هو رب العرش‬ ‫العظيم‪ .‬وصف الرب تعالى بالعرش العظيم ليقابل وصف بلقيس به‪ ،‬وأين عرش مخلوقة وإن‬ ‫كانت ملكة بنت ملك هو شراحيل من عرش ال الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية استعراض الجيوش وتفقد أحوال الرعية‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية التعزير لمن خالف أمر السلطان بل عذر شرعي‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية اتخاذ طائرات الستكشاف ودراسة جغرافية العالم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحقيق قول الرسول صلى ال عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة إذ لم يلبثوا أن غلب‬ ‫عليهم سليمان‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن هناك من كانوا يعبدون الشمس إذ سجودهم لها عبادة‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان أن الحق بالعبادة هو ال الذي ل إله إل هو رب العرش العظيم‪.‬‬ ‫‪ -7‬مشروعية السجود لمن تل هذه الية أو استمع إلى تلوتها‪{ :‬اللّهُ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ َربّ ا ْلعَرْشِ‬ ‫ا ْلعَظِيمِ}‪.‬‬ ‫قَالَ سَنَنْظُرُ َأصَ َد ْقتَ أَمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ )27‬اذْ َهبْ ِبكِتَابِي هَذَا فَأَ ْلقِهْ ِإلَ ْيهِمْ ثُمّ َتوَلّ عَ ْنهُمْ فَا ْنظُرْ‬ ‫سمِ اللّهِ‬ ‫ن وَإِنّهُ بِ ْ‬ ‫جعُونَ(‪ )28:‬قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ إِنّي أُ ْلقِيَ إَِليّ كِتَابٌ كَرِيمٌ(‪ )29‬إِنّهُ مِنْ سُلَ ْيمَا َ‬ ‫مَاذَا يَ ْر ِ‬ ‫سِلمِينَ(‪)31‬‬ ‫ي وَأْتُونِي مُ ْ‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ(‪)30‬أَلّا َتعْلُوا عََل ّ‬ ‫الرّ ْ‬

‫( ‪)4/16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين‪ :‬أي بعد اختبارنا لك‪.‬‬ ‫فألقه إليهم‪ :‬أي إلى رجال القصر وهم في مجلس الحكم‪.‬‬

‫ثم تول عنهم ‪ :‬أي تنح جانبا متواريا مستترا عنهم‪.‬‬ ‫فانظر ماذا يرجعون ‪ :‬أي ماذا يقوله بعضهم لبعض في شأن الكتاب‪.‬‬ ‫يا أيها المل ‪ :‬أي يا أشراف البلد وأعيانها وأهل الحل والعقد فيها‪.‬‬ ‫ألقي إلي كتاب كريم ‪ :‬أي ألقاه في حجرها الهدهد‪.‬‬ ‫أل تعلوا علي ‪ :‬أي ل تتكبروا انقيادا للنفس والهوى‪.‬‬ ‫وائتوني مسلمين ‪ :‬أي منقادين خاضعين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫{ قَالَ سَنَ ْنظُرُ(‪ })1‬أي قال سليمان للهدهد بعد أن أدلى الهدد بحجته(‪ )2‬على غيبته سننظر‬ ‫باختبارنا لك {َأصَ َد ْقتَ} فيما ادعيت وقلت { أَمْ كُ ْنتَ(‪)3‬مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ} أي من جملتهم‪ .‬وبدأ اختباره‬ ‫فكتب كتابا وختمه وقال له {اذْ َهبْ ِبكِتَابِي(‪ )4‬هَذَا فَأَ ْلقِهْ إِلَ ْيهِمْ ُثمّ َت َولّ عَ ْن ُهمْ} أي تنح جانبا مختفيا‬ ‫جعُونَ} من القول في شأن الكتاب أي ما يقول بعضهم لبعض في شأنه‪،‬‬ ‫عنهم {فَا ْنظُرْ مَاذَا يَرْ ِ‬ ‫وفعلً ذهب الهدهد بالكتاب ودخل القصر من كوة فيه وألقى الكتاب في حجر الملكة بلقيس‬ ‫فارتاعت له وقرأته ثم قالت {يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ} مخاطبة أشراف قومها {إِنّي أُ ْل ِقيَ إَِليّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}‬ ‫وصفته بالكرم لما حواه من عبارات كريمة‪ ،‬ولنه مختوم وختم الكتاب كرمه ونصّ الكتاب‬ ‫كالتالي [من عبد ال سليمان بن داوود إلى‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬من الجائز أن يكون سليمان قد خشي أن يكون الكلم الذي سمعه من الهدهد ألقى به الشيطان‬ ‫على الهدهد ليضلل سليمان ويفتنه بالبحث عن مملكة موهومة‪ ،‬فلذا قال عليه السلم {سننظر‬ ‫أصدقت أم كنت من الكاذبين}‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الية دليل على أن الحاكم يجب عليه أن يقبل عذر المواطن ويدرأ العقوبة عنه بظاهر‬ ‫حاله وباطن عذره‪ ،‬وفي الصحيح‪" :‬ليس أحد أحبّ إليه العذر من ال من أجل ذلك أنزل الكتب‬ ‫وأرسل الرسل" وللحاكم أن يمتحن المواطن المعتذر حتى يعرف عذره‪.‬‬ ‫‪ { -3‬أم كنت} بمعنى‪ :‬أنت‬ ‫‪ -4‬في الية دليل على وجوب إرسال الكتب إلى المشركين ودعوتهم إلى السلم وتبليغهم دعوة‬ ‫ال عز وجل‪ ،‬وقد كتب النبي صلى ال عليه وسلم إلى قيصر وكسرى والمقوقس وغيرهم‪.‬‬

‫( ‪)4/17‬‬ ‫بلقيس ملكة سبأ بسم ال الرحمن الرحيم السلم على من ابتع الهدى أما بعد فل تعلوا علي‬ ‫وائتوني مسلمين]‪.‬‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‪ ،‬أَلّا َتعْلُوا‬ ‫ن وَإِنّهُ ِبسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫ومضمونه ما ذكرته الملكة بقولها‪{ :‬إِنّهُ مِنْ(‪ )1‬سُلَ ْيمَا َ‬

‫ي وَأْتُونِي مُسِْلمِينَ} ومعنى إنه من سليمان أي صادر منه وأنه مكتوب مرسل بسم ال الرحمن‬ ‫عََل ّ‬ ‫الرحيم أي بإذنه وشرعه أل تعلوا علي أي ل تتكبروا على الحق فإني بسم ال أطلبكم وأئتوني‬ ‫مسلمين أي خاضعين منقادين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الختبار وإجراء التحقيق مع المتهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية استخدام السلطان أفراد رعيته لكفاية المستخدم‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية إرسال العيون للتعرف على أحوال العدو وما يدور عنده‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية كتابة بسم ال الرحمن الرحيم في الرسائل والكتب الهامة(‪ )2‬ذات البال لدللتها‬ ‫على توحيد ال‬ ‫تعالى وأنه رحمن رحيم‪ ،‬وأن الكاتب يكتب بإذن ال تعالى له بذلك‪.‬‬ ‫شهَدُونِ(‪ )32‬قَالُوا َنحْنُ أُولُو ُق ّوةٍ‬ ‫طعَةً َأمْرا حَتّى تَ ْ‬ ‫قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ َأفْتُونِي فِي َأمْرِي مَا كُ ْنتُ قَا ِ‬ ‫وَأُولُو بَأْسٍ شَدِي ٍد وَالَْأمْرُ إِلَ ْيكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَ ْأمُرِينَ(‪ )33‬قَاَلتْ إِنّ ا ْلمُلُوكَ ِإذَا َدخَلُوا قَرْيَةً َأ ْفسَدُوهَا‬ ‫جعُ ا ْلمُرْسَلُونَ(‬ ‫جعَلُوا أَعِ ّزةَ أَهِْلهَا َأذِلّ ًة َوكَذَِلكَ َي ْفعَلُونَ(‪ )34‬وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَ ْيهِمْ ِبهَدِيّةٍ فَنَاظِ َرةٌ ِبمَ يَرْ ِ‬ ‫وَ َ‬ ‫‪)35‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال القرطبي‪ :‬الحسن اليوم بأن يقدّم في الكتاب اسم المكتوب إليه قبل إسم الكاتب لن البداية‬ ‫باسمه تعد استخفافا بالمكتوب إليه وتكبرا عليه‪ ،‬ومراده أن يكتب الكاتب هكذا إلى حضرة فلن‬ ‫‪ ...‬من فلن ‪ ...‬وتقديم اسم الكاتب هو ما عليه السلف الصالح‪.‬‬ ‫‪ -2‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه كان يرى رد الكتاب واجبا كرد السلم ول يسقط‬ ‫إل من عذر ل سيما إذا سلّم صاحب الكتاب فإن ردّ السلم واجب بل خلف‪.‬‬

‫( ‪)4/18‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفتوني في أمري‪ :‬بينوا لي فيه وجه الصواب‪ ،‬وما هو الواجب اتخاذه إزاءه‪.‬‬ ‫ما كنت قاطعة أمرا ‪ :‬أي قاضيته‪.‬‬ ‫حتى تشهدون ‪ :‬أي تحضروني وتبدوا رأيكم فيه‪.‬‬ ‫وأولوا بأس شديد ‪ :‬أي أصحاب قوة هائلة مادية وأصحاب بأس شديد في الحروب‪.‬‬ ‫إذا دخلوا قرية ‪ :‬أي مدينة وعاصمة ملك‪.‬‬ ‫أفسدوها ‪ :‬أي خربوها إذا دخلوها عنوة بدون مصالحة‪.‬‬

‫وكذلك يفعلون ‪ :‬أي وكالذي ذكرت لكم يفعل مرسلو هذا الكتاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم عن حديث قصر الملكة بلقيس وها هي ذي تقول لرجال دولتها ما حكاه‬ ‫تعالى عنها بقوله {قَاَلتْ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ َأفْتُونِي(‪ )1‬فِي َأمْرِي} أي أشيروا علي بما ترونه صالحا { مَا‬ ‫شهَدُونِ} أي تحضروني وتبدوا فيه وجهة‬ ‫طعَةً(‪َ )2‬أمْرا} أي قاضية باتّةً فيه {حَتّى(‪ )3‬تَ ْ‬ ‫كُ ْنتُ قَا ِ‬ ‫نظركم‪ .‬فأجابها رجالها بما أخبر تعالى به عنهم { قَالُوا َنحْنُ أُولُو ُق ّوةٍ } عسكرية من سلح وعتاد‬ ‫وخبرة { وَأُولُو بَأْسٍ(‪ )4‬شَدِيدٍ} عند خوضنا المعارك {وَالَْأمْرُ إِلَ ْيكِ فَانْظُرِي(‪ )5‬مَاذَا تَ ْأمُرِينَ} به‬ ‫فأمري ننفّذ إنا طوع يديك‪.‬‬ ‫فأجابتهم بما حكاه ال تعالى عنها {قَاَلتْ إِنّ ا ْلمُلُوكَ إِذَا َدخَلُوا قَرْيَةً} أي مدينة عنوة بدون صلح‪.‬‬ ‫جعَلُوا أَعِ ّزةَ أَهِْلهَا أَ ِذلّةً} بضربهم وإهانتهم‬ ‫سدُوهَا} أي خربوا معالمها وبدلوا وغيروا فيها‪َ { ،‬و َ‬ ‫{َأفْ َ‬ ‫وخلعهم من مناصبهم‪َ { .‬وكَ َذِلكَ} أصحاب هذا الكتاب { َي ْفعَلُونَ} {وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَ ْيهِمْ ِبهَدِيّةٍ فَنَاظِ َرةٌ(‬ ‫جعُ ا ْلمُرْسَلُونَ} أي الذين نرسلهم من‬ ‫‪ِ )6‬بمَ يَرْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الفتاء‪ :‬الخبار بالفتوى وهي‪ :‬إزالة مشكل يعرض‪ ،‬والمر‪ :‬الحال المهم وإ ضافته إلى‬ ‫نفسها‪ ،‬لنها المخاطبة في كتاب سليمان‪ ،‬ولنها المضطلعة بشؤون الدولة ولذا يقال للحاكم وعالم‬ ‫ي المر‪.‬‬ ‫الدين‪ :‬ول ّ‬ ‫‪ { -2‬قاطعة أمرا} عاملة عمل ل تردد فيه بالعزم على أن تجيب به سليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬حذفت ياء المتكلم منه تخفيفا‪ ،‬وحذفت نون الرفع للناصب وبقيت نون الوقاية والمراد من‬ ‫شهودهم‪ :‬موافقتهم لها على ما تعزم عليه إزء الكتاب‪.‬‬ ‫‪ -4‬البأس‪ :‬الشدة على العدو‪ ،‬ومنه { وحين البأس} أي‪ :‬في مواقع القتال في جوابهم هذا تصريح‬ ‫بأنهم مستعدون للحرب دفاعا عن مملكتهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬فوّضوا المر إليها لثقتهم بأصالة رأيها وخبرتها السياسية‪.‬‬ ‫‪ -6‬دبرت أن تتفادى الحرب بطريقة المصانعة والتزلف إلى سليمان بالهدية مصحوبة بكتاب‬ ‫ووفد‪ ،‬وعلى ضوء عودة الوفد تتصرف في المر‪.‬‬

‫( ‪)4/19‬‬ ‫قبول الهدية ورفضها وعلى ضوء ذلك نتصرف فإنهم إن قبلوا الهدية المالية فهم أصحاب دنيا‪،‬‬ ‫وإن رفضوها فهم أصحاب دين‪ ،‬وعندها نتخذ ما يلزم حيالهم‪ ،‬ول شك أن هذه الهدية كانت فاخرة‬ ‫وثمينة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير مبدأ الشورى في الحكم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية إبداء الرأي بصدق ونزاهة ثم ترك المر لهله‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية إعداد العدة وتوفير السلح وتدرب الرجال على حمله واستعماله‪.‬‬ ‫‪ -4‬دخول العدو المحارب الغالب البلد عنوة ذو خطورة فلذا يتلفى المر بالمصالحة‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان حسن سياسة الملكة بلقيس وفطنتها وذكائها ولذا ورثت عرش أبيها‪.‬‬ ‫فََلمّا جَاءَ سُلَ ْيمَانَ قَالَ أَ ُتمِدّونَنِ ِبمَالٍ َفمَا آتَا ِنيَ اللّهُ خَيْرٌ ِممّا آتَا ُكمْ َبلْ أَنْتُمْ ِب َهدِيّ ِتكُمْ َتفْرَحُونَ(‪)36‬‬ ‫جعْ إِلَ ْيهِمْ فَلَنَأْتِيَ ّن ُهمْ بِجُنُودٍ ل قِ َبلَ َلهُمْ ِبهَا وَلَ ُنخْرِجَ ّنهُمْ مِ ْنهَا أَذِلّةً وَهُ ْم صَاغِرُونَ(‪ )37‬قَالَ يَا أَ ّيهَا‬ ‫ارْ ِ‬ ‫عفْرِيتٌ مِنَ ا ْلجِنّ أَنَا آتِيكَ ِبهِ قَ ْبلَ أَنْ‬ ‫شهَا قَ ْبلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ(‪ )38‬قَالَ ِ‬ ‫ا ْلمَلَأُ أَ ّيكُمْ يَأْتِينِي ِبعَرْ ِ‬ ‫َتقُومَ مِنْ َمقَا ِمكَ وَإِنّي عَلَ ْيهِ َلقَ ِويّ َأمِينٌ(‪ )39‬قَالَ الّذِي عِ ْن َدهُ عِلْمٌ مِنَ ا ْلكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَ ْبلَ أَنْ يَرْ َتدّ‬ ‫شكَرَ فَإِ ّنمَا‬ ‫شكُرُ َأمْ َأ ْكفُرُ َومَنْ َ‬ ‫ضلِ رَبّي لِيَبُْلوَنِي أَأَ ْ‬ ‫إِلَ ْيكَ طَ ْر ُفكَ فََلمّا رَآهُ مُسْ َتقِرّا عِنْ َدهُ قَالَ َهذَا مِنْ َف ْ‬ ‫شكُرُ لِ َنفْسِ ِه َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ رَبّي غَ ِنيّ كَرِيمٌ (‪)40‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فلما جاء سليمان ‪ :‬أي رسول الملكة يحمل الهدية ومعه أتباعه‪.‬‬

‫( ‪)4/20‬‬ ‫فما آتاني ال خير مما آتاكم ‪ :‬إنه أعطاني النبوة والملك وذلك خير مما أعطاكم من المال فقط‪.‬‬ ‫بهديتكم(‪ )1‬تفرحون ‪ :‬لحبكم للدنيا ورغتبكم في زخارفها‪.‬‬ ‫ارجع إليهم ‪ :‬أي بما أتيت به من الهدية‪.‬‬ ‫بجنود ل قبل لهم بها ‪ :‬أي ل طاقة لهم بقتالها‪.‬‬ ‫ولنخرجنهم منها ‪ :‬أي من مدينتهم سبأ المسماة باسم رجل يقال له سبأ‪.‬‬ ‫أذلة وهم صاغرون ‪ :‬أي إن لم يأتوني مسلمين أي منقادين خاضعين‪.‬‬ ‫قبل أن يأتوني مسلمين ‪ :‬فإنّ لي أخذه قبل مجيئهم مسلمين ل بعده‪.‬‬ ‫قال عفريب من الجن ‪ :‬أي جني قوي إذ القوي الشديد من الجن يقال له عفريت‪.‬‬ ‫قبل أن تقوم من مقامك ‪ :‬أي من مجلس قضائك وهو من الصبح إلى الظهر‪.‬‬ ‫وإني عليه لقوي أمين ‪ :‬أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجواهر وغيرها‪.‬‬ ‫وقال الذي عنده علم من الكتاب ‪ :‬أي سليمان عليه السلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم مع سليمان وملكة سبأ إنه لما بعثت بهديتها تختبر بها سليمان هل هو رجل‬ ‫دنيا يقبل المال أو رجل دين‪ ،‬لتتصرف على ضوء ما تعرف من اتجاه سليمان عليه السلم‪ ،‬فلما‬

‫جاء سليمان‪ ،‬جاءه سفير الملكة ومعه رجال يحملون الهدية قال لهم ما أخبر تعالى به عنهم في‬ ‫قوله‪{ :‬قَالَ أَ ُتمِدّونَنِ(‪ِ )2‬بمَالٍ؟ َفمَا آتَا ِنيَ اللّهُ خَيْرٌ ِممّا آتَاكُمْ } آتاني النبوة والعلم والحكم والملك‬ ‫فهو خير مما آتاكم من المال { َبلْ أَنْتُمْ ِبهَدِيّ ِتكُمْ(‪َ )3‬تفْرَحُونَ} وذلك لحبكم الدنيا ورغبتكم في‬ ‫زخارفها‪ .‬وقال لرسول الملكة {ا ْرجِعْ إِلَ ْي ِهمْ} أي بما أتيت به من الهدية‪ ،‬وعلمهم أنهم إن لم يأتوا‬ ‫إلي مسلمين { فَلَنَأْتِيَ ّن ُهمْ بِجُنُودٍ ل قِ َبلَ َلهُمْ ِبهَا(‪ })4‬أي ل قدرة لهم على قتالهم‪{ ،‬وَلَ ُنخْرِجَ ّن ُهمْ مِ ْنهَا}‬ ‫أي من مدينتهم سبأ {َأذِلّ ًة وَ ُه ْم صَاغِرُونَ} أي خاضعون منقادون‪ .‬ثم قال سليمان عليه السلم‬ ‫لشراف دولته‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الهدية‪ :‬منها ما هو حرام ومنها ما هو مكروه ومنها ما هو مباح أو مندوب‪ ،‬فالهدية الحرام‪:‬‬ ‫التي تُهدى للحكام والقضاة ليحكموا لصاحبها والهدية المكروهة‪ :‬هدية الكافر والهدية المباحة أو‬ ‫المندوب إليها‪ :‬هدية المؤمن لخيه المؤمن للمودة والحب‪ ،‬لحديث مالك وفيه‪ :‬قال رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء" الشحناء العدواة‬ ‫والبغضاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬أي‪ :‬أتزيدونني إلى ما تشاهدونه من أموالي‪ ،‬والستفهام للنكار وقرأ الجمهور‪{ :‬أتمدونني }‬ ‫بنونين‪ .‬وقرأ بعضٌ بنون واحدة مشددة‪.‬‬ ‫‪( -3‬بل) للضراب النتقالي من النكار عليهم إلى ردّ هديتهم إليهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬الضمير في (بها) عائد على الجنود والضمير في (منها) عائد إلى مدينتهم وهي مأرب أو سبأ‬ ‫على مراحل قليلة من صنعاء‪.‬‬

‫( ‪)4/21‬‬ ‫شهَا قَ ْبلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسِْلمِينَ} فإني ل آخذه إل قبل‬ ‫وأعيان بلده {أَ ّيهَا ا ْلمَلُ(‪ )1‬أَ ّيكُمْ يَأْتِينِي ِبعَرْ ِ‬ ‫مجيئهم مسلمين ل بعده‪ .‬فنطق عفريت من الجن قائلً بما أخبر تعالى عنه به {أَنَا آتِيكَ ِبهِ قَ ْبلَ أَنْ‬ ‫َتقُومَ مِنْ َمقَا ِمكَ } أي مجلس قضائك والذي ينتهي عادة بنصف النهار‪{ ،‬وَإِنّي عَلَيْهِ َل َق ِويّ َأمِينٌ} أي‬ ‫قادر على حمله والتيان به في هذا الوقت الذي حددت لكم وأمين على ما فيه من جواهر وذهب‬ ‫ل يضيع منه شيء‪ .‬وهنا {قَالَ الّذِي عِ ْن َدهُ عِلْمٌ مِنَ ا ْلكِتَابِ(‪ })2‬وهو سليمان عليه السلم {أَنَا آتِيكَ‬ ‫بِهِ قَ ْبلَ أَنْ يَرْ َتدّ إِلَ ْيكَ طَ ْر ُفكَ} فافتح عينيك وانظر فل يعود إليك طرفك إل والعرش بين يديك‪،‬‬ ‫وسأل ربه باسمه العظم الذي ما دعي به إل أجاب وإذا العرش بين يديه {فََلمّا رَآهُ مُسْ َتقِرّا} بين‬ ‫شكُرُ}‬ ‫ضلِ رَبّي} أي علي فلم يكن لي به يد أبدا {لِيَبُْلوَنِي} بذلك { أََأ ْ‬ ‫يديه لهج قائل {قَالَ َهذَا مِنْ َف ْ‬ ‫شكَرَ (‪ })3‬فلنفسه أي عائد الشكر يعود عليه بحفظ النعمة ونمائها‬ ‫نعمته علي {َأمْ َأ ْكفُرُها} { َومَنْ َ‬ ‫{ َومَنْ َكفَرَ} أي النعمة {فَإِنّ رَبّي غَ ِنيّ كَرِيمٌ} أي عن شكره وليس مفتقرا إليه‪ ،‬كريم قد يكرم‬

‫الكافر للنعمة فل يسلبها كلها منه أو يبقيها له على كفره‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬أهل الخرة ل يفرحون بالدنيا‪ ،‬وأهل الدنيا ل يفرحون بالخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬استعمال أسلوب الرهاب والتخويف مع القدرة على إنفاذه مع العدو أليق‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن سليمان كان يستخدم الجن وأنهم يخدمونه في أصعب المور‪.‬‬ ‫‪ -4‬استجابة ال تعالى لسليمان فأحضر له العرش من مسافة شهرين أي من اليمن إلى الشام قبل‬ ‫ارتداد طرف‬ ‫الناظر إذا فتح عينه ينظر‪.‬‬ ‫ضلِ رَبّي} والجهال يقولون بثورتنا‬ ‫‪ -5‬وجوب رد الفضل إلى أهله فسليمان قال { َهذَا مِنْ َف ْ‬ ‫الخلقة‪ ،‬وأبطالنا‬ ‫البواسل‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب الشكر‪ ،‬وعائدته تعود على الشاكر فقط‪ ،‬ولكرم ال تعالى قد ل يسلب النعمة فور عدم‬ ‫شكرها‬ ‫وذلك لحلمه تعالى وكرمه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا استئناف ابتدائي أي‪ :‬كلم غير مرتبط بما سبقه بنوع من الرتباط قريب‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال القرطبي‪" :‬جمهور المفسرين‪ :‬أن الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن بريخا وقيل‪:‬‬ ‫هو سليمان عليه السلم‪ ،‬بقرينة قوله‪ :‬هذا من فضل ربي‪ ،‬قال ابن عطية وقالت فرقة وهو سليمان‬ ‫عليه السلم‪ .‬والمخاطبة في هذا التأويل للعفريب لما قال أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك‪،‬‬ ‫وكأن سليمان استبطأ ذلك فقال له على وجه التحقير أنا آتيك به ‪ ...‬الخ‪ .‬قيل‪ :‬يا حي يا قيوم‪ :‬هو‬ ‫السم العظم‪.‬‬ ‫‪ -3‬الشكر‪ :‬قيد النعمة الموجودة وبه تنال النعمة المفقودة‪.‬‬

‫( ‪)4/22‬‬ ‫ن ل َيهْ َتدُونَ(‪ )41‬فََلمّا جَا َءتْ قِيلَ أَ َهكَذَا‬ ‫شهَا نَنْظُرْ أَ َتهْ َتدِي أَمْ َتكُونُ مِنَ الّذِي َ‬ ‫قَالَ َنكّرُوا َلهَا عَ ْر َ‬ ‫شكِ قَاَلتْ كَأَنّهُ ُه َو وَأُوتِينَا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبِْلهَا َوكُنّا مُسِْلمِينَ(‪َ )42‬وصَدّهَا مَا كَا َنتْ َتعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ‬ ‫عَرْ ُ‬ ‫ش َفتْ عَنْ سَاقَ ْيهَا‬ ‫إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ(‪ )43‬قِيلَ َلهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فََلمّا رَأَتْهُ حَسِبَ ْتهُ ُلجّ ًة َوكَ َ‬ ‫سَل ْمتُ مَعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ‬ ‫قَالَ إِنّ ُه صَرْحٌ ُممَرّدٌ مِنْ َقوَارِيرَ قَاَلتْ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي وَأَ ْ‬ ‫ا ْلعَاَلمِينَ(‪)44‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قال نكروا لها عرشها ‪ :‬أي غيروا هيأته وشكله حتى ل يعرف إل بصعوبة‪.‬‬ ‫أتهتدي‪ :‬أي إلى معرفته‪.‬‬ ‫أهكذا عرشك ‪ :‬شبهوا عليها إذ لو قالوا هذا عرشك لقالت نعم‪.‬‬ ‫قالت كأنه هو ‪ :‬فشبّهت عليه فقالت كأنه هو‪.‬‬ ‫وصدها ما كانت تعبد من دون ال ‪ :‬أي صرفها عن عبادة ال مع علمها وذكائها ما كانت تعبد‬ ‫من دون ال‪.‬‬ ‫ادخلي الصرح ‪ :‬أي بهو الصرح إذ الصرح القصر العالي وفي بهوه بركة ماء كبيرة مغطاة‬ ‫بسقف زجاجي يرى وكأنه ماء‪.‬‬ ‫فكشفت عن ساقيها ‪ :‬ظانة أنها تدخل ماء تمشي عليه فرفعت ثيابها‪.‬‬ ‫حسبته لجة ‪ :‬أي من ماء غمر يجري‪.‬‬ ‫صرح ممرد من قوارير ‪ :‬أي مملس من زجاج‪.‬‬

‫( ‪)4/23‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم فيما دار من أحاديث بين سليمان عليه السلم وبلقيس ملكة سبأ لقد خرجت‬ ‫هي في موكبها الملكي بعد أن أحتاطت لعرشها أيّما احتياط‪ .‬إل أن العرش وصل قبلها بدعوة‬ ‫الذي عنده علم من الكتاب‪ ،‬وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة أو‬ ‫الضعف(‪ )1‬فأمر رجاله أن يغيروا عرشها بزيادة ونقصان فيه حتى ل يعرف إل بصعوبة كما‬ ‫قال عليه السلم {نَ ْنظُرْ أَ َتهْتَدِي} إلى معرفته { أَمْ َتكُونُ مِنَ الّذِينَ ل َيهْ َتدُونَ} لضعف عقولهم‪ .‬فلما‬ ‫شكِ} فشبهوا عليها في التغيير وفي التعبير‪ ،‬إذ المفروض أن‬ ‫جاءت {فََلمّا جَا َءتْ قِيلَ َأ َهكَذَا(‪ )2‬عَ ْر ُ‬ ‫يقال لها هذا عرشك ومن هنا فطنت لتشبيههم {فقَالَتْ كَأَنّهُ ُهوَ} إذ لو قالت‪ :‬هو لقالوا كيف يكون‬ ‫هو والمسافة مسيرة شهرين ولو قالت ليس هو لقيل لها كيف تجهلين سريرك فكانت ذات ذكاء‬ ‫ودهاء ومن هنا قال سليمان لما أعجب بذكائها {وَأُوتِينَا ا ْلعِلْمَ(‪ )3‬مِنْ قَبِْلهَا َوكُنّا مُسِْلمِينَ} فحمد ال‬ ‫صدّهَا مَا كَا َنتْ َتعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ} اتباعا لقومها إذ‬ ‫وأثنى عليه ضمن العبارة التي قالها‪ .‬وقوله { َو َ‬ ‫كانوا يعبدون الشمس من دون ال‪{ .‬إِ ّنهَا كَا َنتْ مِنْ َقوْمٍ كَافِرِينَ} فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها‬ ‫وهو ما كان عليه قومها‪ ،‬وجلس سليمان في بهو صرحه وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة فيها‬ ‫أسماك كثيرة وللماء موج‪ ،‬وسقف البركة مملس من زجاج‪ ،‬ومع سليمان جنوده من النس والجن‬ ‫يحوطون به ويحفون من كل جانب وأمرت أن تدخل الصرح(‪ )4‬لن سليمان الملك يدعوها { فََلمّا‬ ‫ش َفتْ(‪ )5‬عَنْ سَاقَ ْيهَا} فقال لها سليمان {إِنّ ُه صَرْحٌ ُممَرّدٌ } أي مملّس‬ ‫رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجّةً } ماء { َوكَ َ‬

‫{مِنْ َقوَارِيرَ} زجاجية وهنا وقد بهرها الموقف وعرفت أنها كانت ضالة وظالمة نطقت قائلة { َربّ‬ ‫سَل ْمتُ مَعَ سُلَ ْيمَانَ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} وبهذا أصبحت مسلمة صالحة‪ .‬ولم يذكر‬ ‫إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي وَأَ ْ‬ ‫القرآن عنها بعد شيئا‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قيل إن الجن قالوا لسليمان‪ :‬إنها ضعيفة العقل فلذا أمر بتنكير عرشها ليختبر عقلها‪ ،‬وقالوا‬ ‫له‪ :‬إن رجلها كرجل حمار فلذا امتحنها بدخول بهو الصرح لتكشف عن ساقها فيعرف ما قالت‬ ‫الجن عنها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستفهام للتقرير مع الختبار وهو المقصود‪.‬‬ ‫‪ -3‬اختلف هل قول‪ { :‬وأوتينا العلم} من قول سليمان أو أحد رجالته أو هو من قول بلقيس‪،‬‬ ‫والراجح أنه من قول سليمان عليه السلم‪.‬‬ ‫‪( -4‬الصرح) البناء العالي‪ :‬تقدم أن الجن هم الذين قالوا لسليمان إن رجل بلقيس رجل حمار‬ ‫وطلبوا اختبارها وهم الذين صنعوا بركة الماء في بهو الصرح‪.‬‬ ‫‪ -5‬ذكر القرطبي هنا حكايات أكثرها منقول عن أهل الكتاب منها‪ :‬أن الجن أول من صنعوا‬ ‫النورة لزالة شعر الجسم‪ ،‬وأن سليمان عليه السلم أول من صنع الحمامات‪ ،‬وهذا يرفع إلى النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم وذكر قولين أحدهما أن سليمان نزوج بلقيس وآخر‪ :‬لم يتزوجها‪.‬‬

‫( ‪)4/24‬‬ ‫فلنسكت عما سكت عنه القرآن‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬جواز اختبار الفراد إذا أريد إسناد أمر لهم لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حصافة عقل بلقيس ولذا أسلمت ظهر ذلك في قولها {كأنه هو}‬ ‫‪ -3‬مضار التقليد وما يترتب عليه من التنكير للعقل والمنطق‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة كشف المرأة ساقيها حتى لو كانت كافرة فكيف بها إذا كانت مسلمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة الئتساء بالصالحين كما ائتست بلقيس بسليمان في قولها {وأسلمت مع سليمان ل رب‬ ‫العالمين}‪.‬‬ ‫صمُونَ(‪ )45‬قَالَ يَا َقوْمِ ِلمَ‬ ‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى َثمُودَ َأخَاهُمْ صَالِحا أَنِ اعْ ُبدُوا اللّهَ فَإِذَا ُهمْ فَرِيقَانِ يَخْ َت ِ‬ ‫ك وَ ِبمَنْ َم َعكَ‬ ‫حمُونَ(‪ )46‬قَالُوا اطّيّرْنَا ِب َ‬ ‫تَسْ َتعْجِلُونَ بِالسّيّئَةِ قَ ْبلَ ا ْلحَسَنَةِ َلوْل تَسْ َت ْغفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬ ‫سعَةُ رَ ْهطٍ ُيفْسِدُونَ فِي الْأَ ْرضِ‬ ‫قَالَ طَائِ ُركُمْ عِ ْندَ اللّهِ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ ُتفْتَنُونَ(‪َ )47‬وكَانَ فِي ا ْلمَدِينَةِ تِ ْ‬ ‫ش ِهدْنَا َمهِْلكَ أَهْلِ ِه وَإِنّا‬ ‫سمُوا بِاللّهِ لَنُبَيّتَنّ ُه وَأَهْلَهُ ثُمّ لَ َنقُولَنّ ِلوَلِيّهِ مَا َ‬ ‫وَل ُيصْلِحُونَ(‪ )48‬قَالُوا َتقَا َ‬

‫َلصَا ِدقُونَ(‪)49‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أن اعبدوا ال‪ :‬أي بأن اعبدوا ال‪.‬‬ ‫فريقان يختصمون ‪ :‬أي طائفتان مؤمنة موحدة وكافرة مشركة يختصمون‪.‬‬ ‫تستعجلون بالسيئة ‪ :‬أي تطالبون بالعذاب قبل الرحمة‪.‬‬

‫( ‪)4/25‬‬ ‫لول تستغفرون ال ‪ :‬أي هل تطلبون المغفرة من ربكم بتوبتكم إليه‪.‬‬ ‫قالوا اطيرنا بك ‪ :‬أي تشاءمنا بك وبمن معك من المؤمنين‪.‬‬ ‫قال طائركم عند ال ‪ :‬أي ما زجرتم من الطير لما يصيبكم من المكاره عند ال علمه‪.‬‬ ‫بل أنتم قوم تفتنون ‪ :‬أي تختبرون بالخير والشر‪.‬‬ ‫تسعة رهط ‪ :‬أي تسعة رجال ظلمة‪.‬‬ ‫تقاسموا بال ‪ :‬أي تحالفوا بال أي طلب كل واحد من الثاني أن يحلف له‪.‬‬ ‫لنبيتنه وأهله ‪ :‬أي لنقتلنه والمؤمنين به ليل‪.‬‬ ‫ما شهدنا مهلك أهله‪ :‬أي ما حضرنا قتله ول قتل أهله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وََلقَدْ أَرْسَلْنَا} هذا بداية قصص صالح عليه السلم مع قومه ثمود لما ذكر تعالى‬ ‫قصص سليمان مع بلقيس ذكر قصص صالح مع ثمود وذلك تقريرا لنبوة رسوله محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم ووضع المشركين من قريش أمام أحداث تاريخية تمثل حالهم مع نبيهم لعلهم يذكرون‬ ‫فيؤمنوا قال تعالى {وََلقَدْ أَرْسَلْنَا ِإلَى َثمُودَ} أي قبيلة ثمود {أَخَاهُمْ} أي في النسب {صَالِحا أَنِ‬ ‫صمُونَ (‪})1‬‬ ‫اعْبُدُوا} أي قال لهم اعبدوا ال أي وحدوه {فَِإذَا هُمْ فَرِيقَانِ} موحدون ومشركون {يَخْ َت ِ‬ ‫فريق يدعو إلى عبادة ال وحده وفريق يدعو إلى عبادة الوثان مع ال وشأن التعارض أن يحدث‬ ‫التخاصم كل فريق يريد أن يخصم الفريق الخر‪ .‬وطالبوا صالحا باليات { َوقَالُوا ائتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا}‬ ‫أي من العذاب {إِنْ كُ ْنتَ مِنْ الصَا ِدقِينَ} في أنك رسول إلينا مثل الرسل فرد عليهم وقال { يَا َقوْمِ‬ ‫حسَنَةِ} فالمفروض أن تطالبوا بالحسنة التي‬ ‫لِمَ َتسْ َتعْجِلُونَ(‪ )2‬بِالسّيّئَةِ} أي تطالبونني بعذابكم {قَ ْبلَ الْ َ‬ ‫هي الرحمة ل السيئة التي هي العذاب‪ .‬إن كفركم ومعاصيكم هي سبيل عذابكم‪ ،‬كما أن إيمانكم‬ ‫وطاعتكم هي سبيل نجاتكم وسعادتكم فبادروا باليمان والطاعة طلبا لحسنة الدنيا والخرة‪ .‬إنكم‬ ‫بكفركم ومعاصيكم تستعجلون عذابكم {َلوْل (‪ } )3‬أي هل‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬من الخصومة ما قصه ال تعالى في سورة العراف في قوله‪ {:‬أتعلمون أن صالحا مرسلٌ من‬

‫ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون}‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستفهام إنكاري‪ ،‬و(السيئة كالحسنة) صفة لمحذوف‪ ،‬والتقدير لم تستعجلون بالحال السيئة‬ ‫قبل الحال الحسنة؟‬ ‫‪( -3‬هل) أداة تحضيض حضهم نبيهم على التوبة بالستغفار والقلع عن الشرك والمعاصي‬ ‫رجاء أن يرحمهم ال تعالى فل يعذبهم في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫( ‪)4/26‬‬ ‫حمُونَ} أي كي ترحموا‪ .‬بعد هذا الوعظ‬ ‫{تَسْ َت ْغفِرُونَ اللّهَ} بترككم الشرك والمعاصي {َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬ ‫ك وَ ِبمَنْ َم َعكَ} أي‬ ‫والرشاد كان جواب القوم ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {قَالُوا اطّيّرْنَا(‪ِ )1‬ب َ‬ ‫تشاءمنا بك وبأتباعك المؤمنين لك‪ ،‬فرد عليهم بقوله { طَائِ ُركُمْ عِنْدَ اللّهِ} أي ما زجرتم من الطير‬ ‫لما يصيبكم من المكاره عند ال علمه وهو كائن ل محالة‪ ،‬وليست القضية تشاؤما ول تيامنا { َبلْ‬ ‫سعَةُ رَ ْهطٍ} أي مدينة الحجر حجر ثمود تسعة‬ ‫أَنْتُمْ َقوْمٌ ُتفْتَنُونَ} وقوله تعالى { َوكَانَ فِي ا ْلمَدِينَةِ ِت ْ‬ ‫رجال { ُيفْسِدُونَ فِي الْأَ ْرضِ(‪ })2‬بالكفر والمعاصي {وَل ُيصْلِحُونَ} وهم الذين تمالؤوا على عقر‬ ‫الناقة ومن بينهم ُقدَار بن سالف الذي تولى عقر الناقة‪ .‬هؤلء التسعة نفر قالوا لبعضهم بعضا في‬ ‫سمُوا بِاللّهِ} أي ليقسم كل واحد منكم قائل وال {لَنُبَيّتَنّهُ} أي صالحا {وَأَهْلَهُ} أي‬ ‫اجتماع خاص { َتقَا َ‬ ‫أتباعه‪ ،‬أي لنأتينهم ليل فنقتلهم‪ ،‬ثم في الصباح {لَ َنقُولَنّ ِلوَلِيّهِ} أي لولي دم صالح من أقربائه‪ ،‬وال‬ ‫ش ِهدْنَا َمهِْلكَ أَهْلِهِ} ول مهلكه {وَإِنّا َلصَا ِدقُونَ} فيما نقسم عليه من أنّا لم نشهد مهلك صالح ول‬ ‫{مَا َ‬ ‫مهلك أصحابه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير حقيقة أن الصراع بين الحق والباطل ل ينتهي إل بانتهاء الباطل‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة التشاؤم والتيامن كذلك‪ ،‬ولم يجز الشارع إل التفاؤل ل غير‪.‬‬ ‫‪ -4‬العمل بمعاصي ال تعالى هو الفساد في الرض‪ ،‬والعمل بطاعته هو الصلح في الرض‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير أن المشركين يؤمنون بال ولذا يحلفون به‪ ،‬ولم يدخلهم ذلك في السلم لشركهم في‬ ‫عبادة ال تعالى‬ ‫غيره من مخلوقاته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬كانت العرب أكثر الناس تطيرا {واطيرنا} في الية أصلها‪ :‬تطيّرنا فقلبت التاء طاء لقرب‬ ‫مخرجها من الطاء وأدغمت في الطاء‪ ،‬وجيء بهمزة الوصل للتوصل إلى النطق بالساكن‪،‬‬

‫والتطير معناه‪ :‬التشاؤم وهو مأخوذ من الطير تطير يمينا أو شمال فيتيمنون بذلك أو يتشاءمون‪.‬‬ ‫‪ -2‬الرض‪ :‬أرض ثمود وأل فيها‪ :‬للعهد والرهط‪ :‬العدد من الثلثة إلى العشر كالنفر ومن بين‬ ‫هؤلء‪ :‬قُدار بن سالف‪ :‬عاقر الناقة‪.‬‬

‫( ‪)4/27‬‬ ‫شعُرُونَ (‪ )50‬فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ َمكْرِهِمْ أَنّا َدمّرْنَا ُهمْ‬ ‫َو َمكَرُوا َمكْرا َو َمكَرْنَا َمكْرا وَ ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫ج َمعِينَ(‪ )51‬فَتِ ْلكَ بُيُو ُتهُمْ خَاوِيَةً ِبمَا ظََلمُوا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآيَةً ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ )52‬وَأَنْجَيْنَا‬ ‫َوقَ ْو َمهُمْ َأ ْ‬ ‫الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ(‪)53‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومكروا مكرا ‪ :‬أي دبروا طريقة خفية لقتل صالح والمؤمنين‪.‬‬ ‫ومكرنا مكرا ‪ :‬أي ودبرنا طريقة خفية لنجاة صالح والمؤمنين وإهلك الظالمين‪.‬‬ ‫وهم ل يشعرون ‪ :‬بأنا ندبر لهم طريق هلكهم‪.‬‬ ‫بيوتهم خاوية ‪ :‬أي فارغة ليس فيها أحد‪.‬‬ ‫بما ظلموا ‪ :‬أي بسبب ظلمهم وهو الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫لية ‪ :‬أي عبرة‪.‬‬ ‫وأنجينا الذين آمنوا ‪ :‬أي صالحا والمؤمنين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َو َمكَرُوا َمكْرا}( ‪ )1‬هذا نهاية قصص صالح مع ثمود تقدم أن تسعة رهط من قوم‬ ‫صالح تقاسموا على تبييت صالح والمؤمنين وقتلهم ليل ليحولوا في نظرهم دون وقوع العذاب‬ ‫الذي واعدهم به صالح وأنه نازل بهم بعد ثلثة أيام‪ ،‬وهذا مكرهم وطريقة تنفيذه أنهم أتوا صالحا‬ ‫وهو يصلي في مسجد له تحت الجبل فسقطت عليهم صخرة من الجبل فأهلتكهم أجمعين وهكذا‬ ‫مكر ال بهم وهم ل يشعرون به‪ ،‬ثم أهلك ال القوم كلهم‬ ‫__________‬ ‫‪-1‬أُكد كلّ من مكر ال تعالى ومكرهم بالمصدر إشارة إلى تعظيم كل من المكرين والمكر‪ :‬التبيّت‬ ‫الخفي لرادة السوء بالممكور به فعاملهم ال تعالى بما عزموا على فعله مع صالح وأهله‪.‬‬

‫( ‪)4/28‬‬ ‫بالصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين‪ .‬وهو معنى قوله تعالى {فَا ْنظُرْ(‪ )1‬كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ َمكْرِ ِهمْ}‬ ‫ج َمعِينَ} {فَتِ ْلكَ‬ ‫أي انظر يا رسولنا كيف كانت نهاية ذلك المكر وعاقبته {أَنّا َدمّرْنَا ُهمْ(‪َ )2‬و َق ْو َمهُمْ أَ ْ‬

‫ظَلمُوا} أي بسبب ظلمهم أنفسهم بالشرك وظلمهم صالحا والمؤمنين‪ .‬وقوله‬ ‫بُيُو ُتهُمْ(‪ )3‬خَاوِيَةً ِبمَا َ‬ ‫تعالى {إِنّ فِي ذَِلكَ لَآ َيةً} أي الهلك للرهط التسعة ولثمود قاطبة {لية} أي علمة على قدرة ال‬ ‫وعلمه وحسن تدبيره {ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ} إذ هم الذين يرون الية ويدركونها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَأَ ْنجَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ(‪ })4‬يريد صالحا والمؤمنين الذين آمنوا بال ربا‬ ‫وإلها وبصالح نبيا ورسولً‪ .‬وكانوا طوال حياتهم يتقون عقاب ال تعالى بطاعته وطاعة رسوله‬ ‫في المر والنهي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير قاعدة‪ { :‬وَل َيحِيقُ ا ْل َمكْرُ السّ ّيئُ إِلّا بِأَهِْلهِ}‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أن ديار الظالمين مآلها الخراب فالظلم يذر الديار بل قع‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن اليمان والتقوى هما سبب النجاة لن ولية ال للعبد تتم بهما‪.‬‬ ‫ش ْه َوةً مِنْ دُونِ‬ ‫ش َة وَأَنْتُمْ تُ ْبصِرُونَ(‪ )54‬أَإِ ّن ُكمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ َ‬ ‫وَلُوطا إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ أَتَأْتُونَ ا ْلفَاحِ َ‬ ‫جهَلُونَ (‪)55‬‬ ‫النّسَاءِ َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ َت ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولوطا ‪ :‬أي واذكر لقومك لوطا إذ قال لقومه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬النظر هنا‪ :‬قلبي ليس بصرياّ لعدم وجود الهلكى بين يدي الناظر‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرئ (إنا) بكسر الهمزة على الستئناف البياني‪ ،‬وقرئ‪( :‬أنا) بفتح الهمزة‪ ،‬فمن فتح الهمزة ل‬ ‫يحسن له الوقف على مكرهم‪ ،‬ومن كسر الهمزة جاز له الوقف على مكرهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيوتهم المنحوتة من الجبال ما زالت إلى اليوم‪ ،‬وقد وقفنا عليها وهي عجب في فن البناء‬ ‫والنحت‪.‬‬ ‫‪ -4‬زيادة كان في قوله‪ { :‬وكانوا يتقون} للدللة على أنهم كانوا متمكنين من التقوى التي هي فعل‬ ‫المأمور واجتناب الشرك المنهي عنه من اعتقاد وقول وعمل وصفة‪.‬‬

‫( ‪)4/29‬‬ ‫لقومه ‪ :‬هم سكان مدن عمورية وسدوم‪.‬‬ ‫الفاحشة ‪ :‬أي الخصلة القبيحة الشديدة القبح وهي اللواط‪.‬‬ ‫وأنتم تبصرون ‪ :‬أذ كانوا يأتونها في أنديتهم عيانا بل ستر ول حجاب‪.‬‬ ‫قوم تجهلون ‪ :‬أي قبح ما تأتون وما يترتب عليه من خزي وعذاب‪.‬‬ ‫معنى الياتين‪:‬‬

‫هذا بداية قصص لوط عليه السلم مع قومه اللوطيين فقال تعالى {وَلُوطا (‪ })1‬أي واذكر كما‬ ‫ذكرت صالحا وقومه اذكر لوطا {ِإذْ قَالَ ِلقَ ْومِهِ(‪ })2‬منكرا عليهم موبخا مؤنبا لهم على فعلتهم‬ ‫حشَ َة وَأَنْتُمْ تُ ْبصِرُونَ} أي قبحها وشناعتها ببصائركم وبأبصاركم حيث كانوا‬ ‫الشنعاء { أَتَأْتُونَ ا ْلفَا ِ‬ ‫ش ْه َوةً مِنْ دُونِ النّسَاءِ} أي ل‬ ‫يأتونها علنا وعيانا وهم ينظرون وقوله {أَإِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ(‪ )3‬الرّجَالَ َ‬ ‫للعفة والحصان ول للولد والنجاب بل لقضاء الشهوة البهيمية فشأنكم شأن البهائم ل غير‪ .‬وفي‬ ‫نفس الوقت آذيتم نساءكم حيث تركتم إتيانهن فهضمتم حقوقهن‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ أَنْتُمْ َقوْمٌ‬ ‫جهَلُونَ(‪ })4‬أي قال لهم لوط عليه السلم أي ما كان ذلك الشر والفساد منكم إل لنكم قوم سوء‬ ‫تَ ْ‬ ‫جهلة بما يجب عليكم لربكم من اليمان والطاعة وما يترتب على الكفر والعصيان من العقاب‬ ‫والعذاب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما كان عليه قوم لوط من الفساد والهبوط العقلي والخلقي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحريم فاحشة اللواط وأنها أقبح شيء وأن فاعلها أحط من البهائم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الجهل بال تعالى وما يجب له من الطاعة‪ ،‬وبما لديه من عذاب وما عنده من نعيم‬ ‫مقيم هو سبب كل‬ ‫شر في الرض وفساد‪ .‬ولذا كان الطريق إلى إصلح البشر هو‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي‪ :‬اذكر لوطا أو‪ :‬أرسلنا لوطا‪ ،‬الكل محتمل وجائز‪.‬‬ ‫‪ -2‬هم أهل سدوم وعمورية‪.‬‬ ‫‪ -3‬أعاد ذكرها لفرط قبحها وشناعتها‪ ،‬والستفهام للنكار والتقبيح لفعلتهم الشنعاء‪.‬‬ ‫‪{ -4‬تجهلون}‪ :‬إمّا أمر التحريم أو العقوبة‪ ،‬ووصفهم بالجهل‪ ،‬وهو اسم جامع لحوال أفن الرأي‬ ‫وقساوة القلب وعماه‪ ،‬ووصفهم في العراف بالسراف وذلك نظرا إلى تعدد مواقف الوعظ‬ ‫والرشاد‪.‬‬

‫( ‪)4/30‬‬ ‫تعريفهم بال تعالى حتى إذا عرفوه وآمنوا به أمكنهم أن يستقيموا في الحياة على منهج الصلح‬ ‫المهيء للسعادة والكمال‪.‬‬

‫( ‪)4/31‬‬

‫الجزء العشرون‬ ‫طهّرُون(‪ )56‬فَأَنْجَيْنَاهُ‬ ‫جوَابَ َق ْومِهِ إِلّا أَنْ قَالُوا َأخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّنهُمْ أُنَاسٌ يَ َت َ‬ ‫َفمَا كَانَ َ‬ ‫وَأَهْلَهُ إِلّا امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ ا ْلغَابِرِينَ(‪ )57‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ مَطَرا فَسَاءَ مَطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ(‪)58‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فما كان جواب قومه ‪ :‬أي لم يكن لهم من جواب إل قولهم أخرجوا‪.‬‬ ‫آل لوط ‪ :‬هم لوط عليه السلم وامرأته المؤمنة وابنتاه‪.‬‬ ‫من قريتكم ‪ :‬أي مدينتكم سَدوم‪.‬‬ ‫يتطهرون ‪ :‬أي يتنزهون عن القذار والوساخ‪.‬‬ ‫قدرناها من الغابرين ‪ :‬أي حكمنا عليها أن تكون من الهالكين‪.‬‬ ‫فساء مطر المنذرين ‪ :‬أي قبح مطر المنذرين من أهل الجرائم أنه حجارة من سجيل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بقية قصص لوط عليه السلم إنه بعد أن أنكر لوط عليه السلم على قومه فاحشة اللواط‬ ‫وأنّبَهم عليها‪ ،‬وقبّح فعلهم لها أجابوه مهددين له بالطرد والبعاد من القرية كما أخبر تعالى عن‬ ‫جوَابَ َق ْومِهِ} أي لم يكن لهم من جواب يردون به على لوط عليه السلم {إل‬ ‫ذلك بقوله‪َ { :‬فمَا كَانَ َ‬ ‫أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم} أي إل قولهم {إِلّا أَنْ قَالُوا َأخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَ ِتكُمْ}‪.‬‬ ‫طهّرُون}‪ .‬أي يتنزهون عن الفواحش‪ .‬قالوا هذا تهكما‪،‬‬ ‫وعللوا لقولهم هذا بقولهم {إِ ّن ُهمْ أُنَاسٌ(‪ )1‬يَ َت َ‬ ‫ل إقرارا منهم على أن الفاحشة قذر يجب التنزه عنه‪ .‬ولما بلغ بهم الحد إلى تهديد نبي ال لوط‬ ‫عليه السلم بالطرد والسخرية منه أهلكهم ال تعالى وأنجى لوطا وأهله إل إحدى امرأتيه وكانت‬ ‫عجوزا كافرة وهو معنى قوله تعالى في الية (‪{ )57‬فَأَ ْنجَيْنَا ُه وَأَهْلَهُ إِلّا امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ‬ ‫ا ْلغَابِرِينَ(‪ })2‬حكمنا ببقائها مع الكافرين لتهلك معهم‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪{ )58‬وََأ ْمطَرْنَا عَلَ ْيهِمْ‬ ‫مَطَرا} هو بيان لكيفية إهلك قوم لوط بأن‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي‪ :‬عن أدبار الرجال استهزاءً منهم‪ :‬قاله مجاهد‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬عابوهم وال بغير عيب بأنهم‬ ‫يتطهرون من أعمال السوء‪.‬‬ ‫‪{ -2‬من الغابرين} قال ابن كثير‪ :‬أي من الهالكين مع قومها لنها كانت ردءًا على دينهم وعلى‬ ‫طريقتهم في رضاها بأفعالهم القبيحة‪ ،‬فكانت تدل قومها على ضيفان لوط ليأتوا إليهم‪.‬‬

‫( ‪)4/32‬‬ ‫أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود فأهلكهم‪{ .‬فَسَاءَ مَطَرُ ا ْلمُنْذَرِينَ(‪ })1‬أي قبح هذا المطر من‬ ‫مطر المنذرين الذين كذبوا بما أنذروا به وأصروا على الكفر والمعاصي‪ .‬وهذا المطر كان بعد أن‬

‫جعل ال عاليَ بلدهم سافلها‪ ،‬أردف خسفها بمطرٍ من حجارة لتصيب من كان بعيدا عن المدُن‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة أن الظلمة إذا أعيتهم الحجج والبراهين يفزعون إلى القوة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان سنة أن المرء إذا أدْمن على قبح قول أو عمل يصبح غير قبيح عنده‪.‬‬ ‫‪ -3‬سنة إنجاء ال أولياءه وإهلكه أعداءه بعد إصرار المنذَرين على الكفر والمعاصي‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫طفَى آللّهُ خَيْرٌ َأمّا ُيشْ ِركُونَ(‪َ )59‬أمّنْ خََلقَ ال ّ‬ ‫حمْدُ لِلّ ِه وَسَلمٌ عَلَى عِبَا ِدهِ الّذِينَ اصْ َ‬ ‫ُقلِ الْ َ‬ ‫شجَرَهَا أَإَِلهٌ‬ ‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَا ِئقَ ذَاتَ َب ْهجَةٍ مَا كَانَ َلكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا َ‬ ‫وَالْأَ ْرضَ وَأَنْ َزلَ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫سيَ‬ ‫ج َعلَ َلهَا َروَا ِ‬ ‫ج َعلَ خِلَلهَا أَ ْنهَارا َو َ‬ ‫ج َعلَ الْأَ ْرضَ قَرَارا وَ َ‬ ‫مَعَ اللّهِ َبلْ هُمْ َقوْمٌ َيعْدِلُونَ(‪َ )60‬أمّنْ َ‬ ‫ج َعلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزا أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ َبلْ َأكْثَ ُرهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪َ )61‬أمّنْ ُيجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ ِإذَا دَعَاهُ‬ ‫وَ َ‬ ‫جعَُلكُمْ خَُلفَاءَ الْأَ ْرضِ أَإَِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلً مَا تَ َذكّرُونَ(‪َ )62‬أمّنْ َيهْدِيكُمْ فِي ظُُلمَاتِ‬ ‫شفُ السّو َء وَيَ ْ‬ ‫وَ َيكْ ِ‬ ‫سلُ الرّيَاحَ بُشْرا بَيْنَ َي َديْ‬ ‫الْبَ ّر وَالْبَحْرِ َومَنْ يُ ْر ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الذين قامت عليهم الحجة ووصل إليهم النذار فخالفوا الرسول وكذبوه وهمّوا بإخراجه من‬ ‫بينهم‪.‬‬

‫( ‪)4/33‬‬ ‫سمَاءِ‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ(‪َ )63‬أمّنْ يَبْدأُ ا ْلخَلْقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه َومَنْ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫حمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ َتعَالَى اللّهُ َ‬ ‫رَ ْ‬ ‫وَالْأَ ْرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ ُقلْ هَاتُوا بُرْهَا َن ُكمْ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪)64‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اصطفى ‪ :‬أي اختارهم لحمل رسالته وإبلغ دعوته‪.‬‬ ‫آل خير ‪ :‬أي لمن يعبده‪.‬‬ ‫حدائق ذات بهجة ‪ :‬أي بساتين ذات منظر حسن لخضرتها وأزهارها‪.‬‬ ‫يعدلون ‪ :‬أي بربهم غيره من الصنام والوثان‪.‬‬ ‫جعل الرض قرارا ‪ :‬أي قارة ثابتة ل تتحرك ول تضطرب بسكانها‪.‬‬ ‫وجعل خللها أنهارا ‪ :‬أي جعل النهار العذبة تتخللها للشرب والسقي‪.‬‬ ‫وجعل لها رواسي ‪ :‬أي جبالً أرساها بها حتى ل تتحرك ول تميل‪.‬‬ ‫بين البحرين حاجزا ‪ :‬أي فاصلً ل يختلط أحدهما بالخر‪.‬‬ ‫ويكشف السوء ‪ :‬أي الضر‪ ،‬المرض وغيره‪.‬‬ ‫قليل ما تذكرون ‪ :‬أي ما تتعظون إل قليل‪.‬‬

‫بُشرا بين يدي رحمته ‪ :‬أي مبشرة بين يدي المطر إذ الرياح تتقدم ثم باقي المطر‪.‬‬ ‫أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ‪ :‬أي يبدؤه في الرحام‪ ،‬ثم يعيده يوم القيامة‪.‬‬ ‫هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ‪ :‬أي حجتكم إن كنتم صادقين أن مع ال إلها آخر فعل ما ذكر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أخبر ال تعالى رسوله بإهلك المجرمين ونجاة المؤمنين أمر تعالى رسوله أن يحمده على‬ ‫ذلك تعليما له ولمته إذا تجددت لهم نعمة أن يحمدوا ال تعالى عليها ليكون ذلك من شكرها قال‬ ‫ح ْمدُ(‪ )1‬لِلّهِ} أي الوصف بالجميل ل استحقاقا‪.‬‬ ‫تعالى { ُقلِ الْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال بعضهم‪ :‬المأمور بالحمد هنا‪ :‬لوط عليه السلم ورد وهو الحق أن المأمور به هو رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/34‬‬ ‫طفَى(‪ })2‬ال لرسالته وإبلغ دعوته إلى عباده ليعبدوه فيكملوا‬ ‫صَ‬ ‫{وَسَلمٌ (‪ )1‬عَلَى عِبَا ِدهِ الّذِينَ ا ْ‬ ‫ويسعدوا على ذلك في الحياتين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬آللّهُ(‪)3‬خَيْرٌ َأمّا(‪)4‬يُشْ ِركُونَ} أي آ ال الخالق الرازق المدبر القوي المنتقم من‬ ‫أعدائه المكرم لوليائه؛ عبادته خير لمن يعبده بها أم عبادة من يشركون‪ .‬فقوله {َأمّنْ(‪ )5‬خَلَقَ‬ ‫سمَاءِ مَاءً} أي لحاجتكم إليه غسل وشربا وسقيا {فَأَنْبَتْنَا بِهِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ وَأَنْ َزلَ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫حدَائِقَ} أي بساتين محدقة بالجدران والحواجز {ذَاتَ َب ْهجَةٍ} أي حسن وجمال‪{ ،‬مَا كَانَ َلكُمْ أَنْ‬ ‫َ‬ ‫تُنْبِتُوا شَجَ َرهَا} أي لم يكن في استطاعتكم أن تنبتوا شجرها {أَإِلَهٌ (‪)6‬مَعَ اللّهِ} ل وال { َبلْ هُمْ َقوْمٌ‬ ‫ج َعلَ الْأَ ْرضَ‬ ‫َيعْدِلُونَ} أي يشركون بربهم أصناما ويسوّونها به في العبادات‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬أمّنْ َ‬ ‫ج َعلَ خِلَلهَا أَ ْنهَارا} أي‬ ‫قَرَارا(‪ })7‬أي قارة ثابتة ل تتحرك بسكانها ول تضطرب بهم فيهلكوا‪َ { .‬و َ‬ ‫ج َعلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ} العذب والملح {حَاجِزا}( ‪)8‬‬ ‫سيَ} أي جبالً تثبتها‪َ { ،‬و َ‬ ‫ج َعلَ َلهَا َروَا ِ‬ ‫فيما بينها‪{ .‬وَ َ‬ ‫حتى ل يختلط الملح بالعذب فيفسده‪.‬‬ ‫{أَإَِلهٌ مَعَ اللّهِ؟} والجواب‪ :‬ل وال { َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َيعَْلمُونَ} ولو علموا لما أشركوا‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أصل السلم‪ :‬السلمة والمن ثابتان لمن يسلم عليه عند ملقاته إذ قد يكون بينهما إحن فكان‬ ‫لفظ السلم كالعهد بالمان‪ ،‬وقيل‪ :‬السلم عليكم‪ :‬كانت تحية البشر في عهد آدم عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال بعضهم‪ :‬الذين اصطفوا هم أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقيل‪ :‬هم الصحابة ورد هذا‬ ‫بما هو الحق وهو (أن الذين اصطفوا) هم‪ :‬رسل ال عليهم السلم وفي الية تعليم أدب رفيع وهو‬ ‫أن من افتتح كلمه مذكرا أو واعظا أو معلما دارسا يفتتح كلمه بحمد ال والصلة والسلم على‬

‫رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪( -3‬آ ال) الستفهام تقريري وهو إلجاء المخاطب إلى القرار‪ ،‬وخير هنا‪ :‬ليست بمعنى أفضل‪،‬‬ ‫إذ ل خير البتة في آلهة المشركين وإنما من باب إيهام الخصم بأنه يعترف له بما يعتقده من خير‬ ‫في إلهه‪ ،‬حتى يصغي ويسمع ويتأمل عَلّه يهتدي أو هو مثل قول الشاعر‪:‬‬ ‫أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء‬ ‫‪( -4‬أمّا) أصلها‪ :‬أم المعادلة للهمزة وما‪ :‬الموصولية أدغمت فيها أم فصارت أمّا والعائد محذوف‬ ‫تقديره‪ :‬تشركونها‪ ،‬أي آلهتهم بال تعالى‪.‬‬ ‫‪( -5‬أم) المنقطعة بمعنى بل للضراب النتقالي من الستفهام التهكمي للستفهام التقريري أي‪:‬‬ ‫الذي خلق السموات وما عطف عليها خير وأحق بالعبادة‪.‬‬ ‫‪ -6‬هذا استئناف كالنتيجة للكلم قبلها لن إثبات الخلق والرزق ل تعالى بدليل ل يسعهم إل‬ ‫القرار به ينتج أنه ل إله معه‪ ،‬والستفهام إنكاري أي‪ :‬إنكار وجود إله مع ال الخالق الرازق‬ ‫والجواب‪ :‬ل إله مع ال‪.‬‬ ‫‪ -7‬القرار‪ :‬مصدر قرّ يقرّ قرارا الشيء‪ :‬إذا سكن وثبت‪ ،‬وصفت الرض بالقرار مبالغة في‬ ‫سكونها وثباتها حيث ل تتحرك ول تضطرب بأهلها على مدى الحياة في حين أنها سابحة في‬ ‫الفضاء متحركة في كل لحظة فسبحان ال العلي القدير العزيز الحكيم‪.‬‬ ‫‪ -8‬إنّ هذا الحاجز ليس جسما غير الماء إنما هو تفاوت الثقل النسبي لختلف أجزاء الماء‬ ‫المركب منها الماء المالح والماء العذب‪ ،‬فالحاجز حاجز من طعميهما وليس جسما آخر فاصل‬ ‫بينهما‪.‬‬

‫( ‪)4/35‬‬ ‫شفُ السّوءَ}‬ ‫بال مخلقوقاته‪ .‬وقوله تعالى {َأمّنْ يُجِيبُ ا ْل ُمضْطَرّ(‪ )1‬إِذَا دَعَاهُ} أي ليكشف ضره {وَ َي ْك ِ‬ ‫جعَُلكُمْ خَُلفَاءَ‬ ‫أي يبعده والسوء هو ما يسوء المرء من مرض وجوع وعطش وقحط وجدب‪{ .‬وَيَ ْ‬ ‫الْأَ ْرضِ} جعل جيلً يخلف جيلً وهكذا الموجود خلف لمن سلف وسيكون سلفا لمن خلف {أَإِلَهٌ(‪)2‬‬ ‫مَعَ اللّهِ} والجواب ل إله مع ال {قَلِيلً مَا َت َذكّرُونَ} أي ما تتعظون إل قليل بما تسمعون وترون‬ ‫من آيات ال‪.‬‬ ‫ظُلمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ} في الليل بالنجوم وفي النهار بالعلمات الدالة‬ ‫وقوله تعالى‪َ{ :‬أمّنْ َيهْدِيكُمْ فِي ُ‬ ‫حمَ ِتهِ} أي من يثير الرياح ويرسلها‬ ‫سلُ الرّيَاحَ بُشْرا بَيْنَ َي َديْ رَ ْ‬ ‫والهادية إلى مقاصدكم { َومَنْ يُ ْر ِ‬ ‫تتقدم المطر وتبشر به؟ ل أحد غير ال إذا ‪{ ..‬أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ}‪ .‬والجواب‪ :‬ل‪ ،‬ل ‪ ..‬ال وحده الله‬ ‫الحق وما عداه فباطل‪.‬‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ} نزه تعالى نفسه عن شرك المشركين أصناما ل تبدئ ول‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬تعَالَى اللّهُ َ‬

‫تعيد ول تخلق ول ترزق ول تعطي ول تمنع‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬أمّنْ يَبْدأُ الْخَ ْلقَ} أي نطفا في‬ ‫الرحام‪ ،‬ثم بعد حياته يميته‪ ،‬ثم يعيده وهو معنى { ُثمّ ُيعِي ُدهُ}‪.‬‬ ‫سمَاءِ} بالمطر {وَالْأَ ْرضِ} بالنبات‪ .‬والجواب‪ :‬ال إذا {أَإِلَهٌ مَعَ اللّهِ} والجواب‪:‬‬ ‫{ َومَنْ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫ل‪ ،‬ل وإن قلتم هناك آلهة مع ال { ُقلْ هَاتُوا بُ ْرهَا َنكُمْ} أي حججكم {إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ} أن غير ال‬ ‫يفعل شيئا مما ذكرفي هذا السياق الكريم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب حمد ال وشكره عند تجدد الشكر‪ ،‬والحمد ل رأس الشكر‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية السلم عند ذكر النبياء عليهم السلم فمن ذكر أحدهم قال عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالشرك والمشركين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التوحيد بأدلتة الباهرة العديدة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير البعث الخر وإثباتها بالستنباط من الدلة المذكورة‪.‬‬ ‫‪ -6‬ل يثبت الحكام إل بالدلة النقلية والعقلية‪.‬‬ ‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ(‪َ )65‬بلِ ادّا َركَ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ا ْلغَ ْيبَ إِلّا اللّ ُه َومَا يَ ْ‬ ‫ُقلْ ل َيعَْلمُ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫عِ ْل ُمهُمْ فِي الْآخِ َرةِ َبلْ هُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال ابن عباس‪ :‬المضطر هو‪ :‬ذو الضرورة المجهود‪ ،‬والضرورة هي‪ :‬الحال المحوجة إلى‬ ‫الشياء العسرة الحصول كالجوع والمرض والخوف ونحوهما من العزوبة وقلة ذات اليد‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستفهام توبيخي إنكاري أي‪ :‬إنكار أن يكون مع ال إله آخر لما قام على ذلك من الدلة‬ ‫والحجج المذكورة‪ ،‬وإله مرفوع بما تعلق به الظرف أو بإضمار يفعل ذلك أي‪ :‬أ إله مع ال يفعل‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/36‬‬ ‫عمُونَ(‪َ )66‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا أَإِذَا كُنّا تُرَابا وَآبَاؤُنَا أَإِنّا َلمُخْ َرجُونَ(‪)67‬‬ ‫شكّ مِ ْنهَا َبلْ هُمْ مِ ْنهَا َ‬ ‫فِي َ‬ ‫ن وَآبَاؤُنَا مِنْ قَ ْبلُ إِنْ هَذَا إِلّا أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ(‪ُ )68‬قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَانْظُرُوا‬ ‫َلقَ ْد وُعِدْنَا َهذَا َنحْ ُ‬ ‫كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪)69‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫من في السموات والرض ‪ :‬الملئكة والناس‪.‬‬ ‫الغيب إل ال ‪ :‬أي ما غاب عنهم ومن ذلك متى قيام الساعة إل ال فإنه يعلمه‪.‬‬ ‫أيّان يبعثون ‪ :‬أي متى يبعثون‪.‬‬

‫بل ادّارك علمهم في الخرة ‪ :‬أي تلحق وهو ما منهم أحد إل يظن فقط فل علم لهم بالخرة‬ ‫بالمرة‪.‬‬ ‫بل هم منها عمون ‪ :‬أي في عمى كامل ل يبصرون شيئا من حقائقها‪.‬‬ ‫أئنا لمخرجون ‪ :‬أي أحياء من قبورنا‪.‬‬ ‫لقد وعدنا هذا ‪ :‬أي البعث أحياء من القبور‪.‬‬ ‫أساطير الولين ‪ :‬أي أكاذيبهم التي سطروها في كتبهم‪.‬‬ ‫كيف كان عاقبة المجرمين ‪ :‬أي المكذبين بالبعث كانت دمارا وهلكا وديارهم الخاوية شاهدة‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ا ْلغَ ْيبَ إِلّا اللّهُ} لما سأل المشركون من قريش‬ ‫قوله تعالى‪ُ { :‬قلْ ل َيعَْلمُ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم عن الساعة أمره تعالى أن يجيبهم بهذا الجواب { ُقلْ ل َيعَْلمُ} الخ‪..‬‬ ‫سمَاوَاتِ} من الملئكة {وَالْأَ ْرضِ} من الناس‬ ‫والساعة من جملة الغيب بل هي أعظمه‪{ .‬مَنْ فِي ال ّ‬ ‫{إِلّا(‪ )1‬اللّهُ} أي لكن‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أخرج مسلم عن عائشة رضي ال عنها قولها‪ :‬من زعم أن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم‬ ‫على ال الفرية‪ ،‬وال تعالى يقول‪ { :‬قل ل يعلم من في السموات والرض الغيب إل ال} وذكر‬ ‫القرطبي ما خلصته‪ :‬أن منجما أتي به إلى الحجاج فاعتقله ثم أخذ حصيات فعدّها وقال للمنجّم‪:‬‬ ‫كم من حصيات في يدي فأخبره بعددها‪ ،‬ثم أخذ أخرى ولم يعدها وسأل المنجم عنها فلم يعرف‬ ‫عددها وكرر هذا ثلث مرات فلم يعرف المنجم فسأله كيف عرفت في الولى ولم تعرف في‬ ‫غيرها؟ قال‪ :‬لنك لما عددتها خرجت من الغيب فعلمتها أمّا الغيب فل يعلمه إل ال‪.‬‬

‫( ‪)4/37‬‬ ‫ال تعالى يعلم غيب السموات والرض أما غيره فل يعلم إل ما علمه ال علم الغيوب‪ .‬وقوله‬ ‫شعُرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ} أي وما يشعر أهل السموات وأهل الرض متى يبعث الموات‬ ‫تعالى‪َ { :‬ومَا َي ْ‬ ‫من قبورهم للحساب والجزاء وهذا كقوله تعالى في سورة العراف ‪َ {:‬يسْأَلو َنكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ ل تَأْتِي ُكمْ إِلّا‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫مُرْسَاهَا ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِنْدَ رَبّي ل ُيجَلّيهَا ِل َوقْ ِتهَا ِإلّا ُهوَ َثقَُلتْ فِي ال ّ‬ ‫َبغْتَةً}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬بلِ ادّا َركَ(‪ )1‬عِ ْل ُمهُمْ فِي الْآخِ َرةِ} قرئ { َبلْ أَدْ َركَ عِ ْل ُمهُمْ فِي الْآخِ َرةِ} أي بلغ حقيقته‬ ‫يوم القيامة إذ يصبح اليمان بها الذي كان غيبا شهادة ولكن ل ينفع صاحبه يومئذ‪ .‬وقرئ { َبلِ‬ ‫ادّا َركَ عِ ْل ُمهُمْ } أي علم المشركين بالخرة‪ .‬أي تلحق وأدرك بعضه بعضا وهو أنه ل علم لهم‬

‫عمُونَ(‪ })2‬أي ل‬ ‫شكّ مِ ْنهَا َبلْ هُمْ مِ ْنهَا َ‬ ‫بها بالمرة‪ .‬ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى‪َ { :‬بلْ ُهمْ فِي َ‬ ‫يرون شيئا من دلئلها‪ ،‬ول حقائقها بالمرة ويدل على هذا ما أخبر به تعالى عنهم من أنهم ل‬ ‫يؤمنون بالساعة بالمرة قي قوله { َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا أَإِذَا(‪ )3‬كُنّا تُرَابا وَآبَاؤُنَا أَإِنّا َل ُمخْرَجُونَ} أي‬ ‫من قبورنا أحياء‪ .‬والستفهام للنكار الشديد ويؤكدون إنكارهم هذا بقولهم‪:‬‬ ‫ن وَآبَاؤُنَا مِنْ قَ ْبلُ} أي من قبل أن يعدنا محمد‪{ .‬إِنْ َهذَا} أي الوعد بالبعث‬ ‫{َلقَ ْد وُعِدْنَا هَذَا َنحْ ُ‬ ‫والجزاء {إِلّا َأسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ} أي أكاذيبهم وحكاياتهم التي يسطرونها في الكتب ويقرأونها على‬ ‫الناس‪ .‬وقوله تعالى في آخر آية من هذا السياق (‪ُ { )69‬قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ} أي قل لهم يا‬ ‫رسولنا سيروا في الرض جنوبا أو شمال أو(‪ )4‬غربا {فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ} أي‬ ‫أهلكناهم لما كذبوا بالبعث كما كذبتم‪ ،‬فالقادر على خلقهم ثم إماتتهم قادر قطعا على بعثهم وإحيائهم‬ ‫لمحاسبتهم وجزائهم بكسبهم‪ .‬فالبعث إذا ضروري ل ينكره ذو عقل راجح أبدا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أصل‪( :‬ادّارك) تدارك فسكنت التاء وأدغمت في الدال وجلبت همزة الوصل فصارت‪ :‬ادّارك‪.‬‬ ‫‪( -2‬عمون) أصلها‪ :‬عميون‪ :‬حذفت الياء وضمت الميم تخفيفا‪ ،‬والمفرد عم‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع‪( :‬إذا كنا) بدون همزة استفهام‪ ،‬وبتسهيل همزة أينا‪ ،‬وقرأ حفص بهمزتين محققتين‬ ‫أإذا وإئنا‪.‬‬ ‫‪ -4‬جنوبا حيث ديار عاد‪ ،‬وشمال حيث ديار ثمود‪ ،‬وغربا حيث مدين والمؤتفكات‪.‬‬

‫( ‪)4/38‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حصر علم الغيب في الرب تبارك وتعالى‪ .‬فمن ادعى أنه يعلم ما في غد فقد كذب(‪.)1‬‬ ‫‪ -2‬تساوي علم أهل السماء والرض في الجهل بوقت الساعة‪.‬‬ ‫‪ -3‬المكذبون بيوم القيامة سيوقنون به في الخرة ولكن ل ينفعهم ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬إهلك ال المم المكذبة بالبعث بعد خلقهم ورزقهم دليل على قدرته تعالى على بعثهم لحسابهم‬ ‫وجزائهم‪.‬‬ ‫وَل َتحْزَنْ عَلَ ْيهِ ْم وَل َتكُنْ فِي ضَ ْيقٍ ِممّا َي ْمكُرُونَ(‪ )70‬وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‬ ‫ضلٍ عَلَى النّاسِ‬ ‫‪ُ )71‬قلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ رَ ِدفَ َلكُمْ َب ْعضُ الّذِي تَسْ َتعْجِلُونَ(‪ )72‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَذُو َف ْ‬ ‫ن صُدُورُ ُه ْم َومَا ُيعْلِنُونَ(‪َ )74‬ومَا مِنْ غَائِبَةٍ‬ ‫شكُرُونَ(‪ )73‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَ َيعْلَمُ مَا ُتكِ ّ‬ ‫وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل يَ ْ‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(‪)75‬‬ ‫فِي ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫ول تحزن عليهم الية ‪ :‬المراد به تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫مما يمكرون ‪ :‬أي بك إذ حاولوا قتله ولم يفلحوا‪.‬‬ ‫متى هذا الوعد ‪ :‬أي بعذابنا‪.‬‬ ‫بعض الذي تستعجلون ‪ :‬وقد حصل لهم في بدر‪.‬‬ ‫إن ال لذو فضل على الناس ‪ :‬أي في خلقهم ورزقهم وحفظهم وعدم إنزال العذاب بهم‪.‬‬ ‫ما تكن صدورهم ‪ :‬أي ما تخفيه وتستره صدروهم‪.‬‬ ‫وما من غائبة ‪ :‬أي ما من حادثة غائبة في السماء والرض إل في كتاب مبين هو اللوح المحفوظ‬ ‫مدونة فيه مكتوبة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬شاهده حديث مسلم عن عائشة رضي ال عنها وقد تقدم آنفا‪.‬‬

‫( ‪)4/39‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في دعوة المشركين إلى التوحيد واليمان بالنبوة والبعث الخر ولقد تقدم تقرير كل‬ ‫من عقيدة التوحيد بأدلة ل ترد‪ ،‬وكذا تقرير عقيدة البعث والجزاء ولكن المشركين ما زالوا‬ ‫يعارضون ويمانعون بل ويمكرون فلذا نهى ال تعالى رسوله عن الحزن على المشركين في عدم‬ ‫إيمانهم كما نهاه عن ضيق(‪ )1‬صدره مما يمكرون(‪ )2‬ويكيدون له ولدعوة الحق التي يدعو إليها‪.‬‬ ‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )70‬وأما الية الثانية والثالثة فإنه تعالى يخبر رسوله بما يقول‬ ‫أعداؤه ويلقنه الجواب‪ .‬فقال تعالى‪{ )71( :‬وَ َيقُولُونَ مَتَى(‪ )3‬هَذَا ا ْلوَعْدُ} ‪ -‬أي بالعذاب ‪{ -‬إِنْ كُنْتُمْ‬ ‫صَا ِدقِين} – فيما تقولون وتعدون‪ُ { -‬قلْ عَسَى أَنْ َيكُونَ رَ ِدفَ َلكُمْ َب ْعضُ الّذِي تَسْ َت ْعجِلُونَ} أي‬ ‫اقترب(‪ )4‬منكم ودنا وهو ما حصل لهم في بدر من السر والقتل هذا ما دلت عليه اليتان (‪71‬و‬ ‫ضلٍ عَلَى النّاسِ(‪ })5‬مؤمنهم وكافرهم إذ خلقهم ورزقهم‬ ‫‪ .)72‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَذُو َف ْ‬ ‫شكُرُونَ} فها هم أؤلء يستعجلون العذاب ويطالبون‬ ‫وعافاهم ولم يهلكهم بذنوبهم {وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫به ومع هذا يمهلهم لعلهم يتوبون‪ ،‬وهذا أعظم فضل‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ رَ ّبكَ لَ َيعْلَمُ مَا ُتكِنّ‬ ‫صُدُورُهُمْ(‪َ )6‬ومَا ُيعْلِنُونَ} أي ل يخفى عليه من أمرهم شيء وسيحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها‬ ‫وفي هذا تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم ووعيد لهم وتهديد وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا مِنْ غَائِ َبةٍ(‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}‪ .‬وهو اللوح المحفوظ أي إن علم ربك أحاط بكل شيء‬ ‫‪ )7‬فِي ال ّ‬ ‫ول يعزب عنه شيء وهذا مظهر من مظاهر العلم اللهي المستلزم للبعث والجزاء‪ ،‬إذ لو قل‬ ‫علمه بالخلق لكان من الجائز أن يترك بعضا ل يبعثهم ول يحاسبهم ول يجزيهم‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬الضيق‪ :‬بفتح الضاد وكسرها قرأه الجمهور بالفتح‪ ،‬وقرأ غيرهم بالكسر وحقيقة الضيق‪ :‬عدم‬ ‫اتساع المكان أو الوعاء لما يراد إدخاله فيه‪ ،‬والمراد به هنا الحالة الحرجة التي تعرض للنفس‬ ‫عند كراهية شيء فيحس بضيق في صدره‪.‬‬ ‫‪ -2‬ومن أعظم مكرهم به صلى ال عليه وسلم حكمهم الجائر بقتله في مكة لول أن ال أنجاه‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬الستفهام للنكار والستبعاد‪ ،‬والية نزلت في المستهزئين الذين هلكوا ببدر‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا تفسير لـ (ردف لكم) يقال‪ :‬ردفه وأردفه‪ :‬إذا تبعه كتبعه واتبعه وردفه وردف له بمعنى‬ ‫قال الشاعر‪:‬‬ ‫عاد السواد بياضا في مفارقه ل مرحبا ببياض الشيب إذا ردف‬ ‫والشاهد في ردف وأردف‪ :‬إذا تبع‪ ،‬وقال آخر‪:‬‬ ‫إذا الجوزاء أردفت الثريّا ظننت بآل فاطمة الظنونا‬ ‫‪ -5‬في إدرار الرزق وتأخير العقوبة‪.‬‬ ‫‪ -6‬قرئ‪ :‬تكّن من كنّ الشيء يكنّه إذا ستره‪ ،‬وقرأ الجهمور (تكن) من أكن الشيء إذا ستره‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫‪ -7‬قال الحسن‪ :‬الغائبة هنا‪ :‬القيامة‪ ،‬وهو حق ولكن اللفظ عام إذ هو يشمل كل غيب وهو ما‬ ‫غاب عن الخلق في الرض أو في السماء‪ ،‬فال تعالى يعلمه وكيف ل‪ ،‬وقد كتبه في كتاب‬ ‫المقادير والغائبة‪ :‬اسم للشيء الغائب والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى السمية كالتاء في الفاتحة‪،‬‬ ‫والعاقبة‪ ،‬والمراد ما غاب عن علم الناس‪ ،‬واشتقاقه من الغيب ضد الحضور‪.‬‬

‫( ‪)4/40‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم لنه يعاني شدة من ظلم المشركين وإعراضهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان تعنت المشركين وعنادهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحقق وعد ال للمشركين حيث نزل بهم بعض العذاب الذي يستعجلون‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان فضل ال تعالى على الناس مع ترك أكثرهم لشكره سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان إحاطة علم ال بكل شيء‪.‬‬ ‫‪ -6‬إثبات وتقرير كتاب المقادير‪ ،‬وهو اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫حمَةٌ‬ ‫ى وَرَ ْ‬ ‫إِنّ َهذَا ا ْلقُرْآنَ َي ُقصّ عَلَى بَنِي ِإسْرائيلَ َأكْثَرَ الّذِي ُهمْ فِيهِ َيخْتَِلفُونَ(‪ )76‬وَإِنّهُ َلهُد ً‬ ‫ح ْكمِهِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ(‪ )78‬فَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ إِ ّنكَ عَلَى‬ ‫لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )77‬إِنّ رَ ّبكَ َيقْضِي بَيْ َنهُمْ بِ ُ‬

‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ ِإذَا وَّلوْا مُدْبِرِينَ(‪َ )80‬ومَا أَ ْنتَ‬ ‫سمِعُ ا ْل َموْتَى وَل تُ ْ‬ ‫حقّ ا ْلمُبِينِ(‪ )79‬إِ ّنكَ ل تُ ْ‬ ‫الْ َ‬ ‫س ِمعُ إِلّا مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآياتِنَا َفهُمْ مُسِْلمُونَ(‪)81‬‬ ‫ن ضَللَ ِتهِمْ إِنْ تُ ْ‬ ‫ِبهَادِي ا ْل ُع ْميِ عَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يقص على بني إسرائيل ‪ :‬أي يذكر أثناء آياته كثيرا مما اختلف فيه بنو إسرائيل‪.‬‬ ‫لهدى ورحمة للمؤمنين ‪ :‬أي به تتم هداية المؤمنين ورحمتهم‪.‬‬ ‫يقضي بينهم بحكمه ‪ :‬أي يحكم بين بني إسرائيل بحكمه العادل‪.‬‬ ‫وهو العزيز العليم ‪ :‬الغالب على أمره‪ ،‬العليم بخلقه‪.‬‬ ‫فتوكل على ال ‪ :‬أي ثق فيه وفوّض أمرك إليه‪.‬‬ ‫إنّك ل تسمع الموتى ‪ :‬أي لو أردت أن تسمعهم لنهم موتى‪.‬‬

‫( ‪)4/41‬‬ ‫ول تسمع الصم الدعاء ‪ :‬أي ول تقدر على إسماع كلمك الصم الذين فقدوا حاسة السمع‪.‬‬ ‫إذا ولوا مدبرين ‪ :‬أي إذا رجعوا مدبرين عنك غير ملتفتين إليك‪.‬‬ ‫إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا‪ :‬أي ما تسمع إل من يؤمن بآيات ال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إِنّ(‪ )1‬هَذَا ا ْلقُرْآنَ} الكريم الذي أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم { َي ُقصّ عَلَى‬ ‫بَنِي إِسْرائيلَ} المعاصرين لنزوله {َأكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَِلفُونَ} كاختلفهم في عيسى عليه السلم‬ ‫ووالدته إذ غل فيهما البعض وأفرطوا فألهّوهما وفرط فيهما البعض فقالوا في عيسى ساحر‪ ،‬وفي‬ ‫مريم عاهرة لعنهم ال‪ ،‬وكاختلفهم في صفات ال تعالى وفي حقيقة المعاد‪ ،‬وكاختلفهم في مسائل‬ ‫ح َمةٌ} أي وإن القرآن الكريم لهدى‪ ،‬أي‬ ‫شرعية وأخرى تاريخية‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّهُ َلهُدىً(‪ )2‬وَرَ ْ‬ ‫لهادٍ لمن آمن به إلى سبيل السلم ورحمة شاملة {لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ}( ‪ )3‬به‪ ،‬العاملين بما فيه من الشرائع‬ ‫والداب والخلق‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ رَ ّبكَ} أي أيها الرسول { َي ْقضِي بَيْ َنهُمْ} أي بين الناس من‬ ‫وثنيين وأهل كتاب يوم القيامة بحكمه(‪ )4‬العادل الرحيم‪{ ،‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ} الغالب الذي ينفذ حكمه‬ ‫فيمن حكم له أو عليه {ا ْلعَلِيمُ} بالمحقين من المبطلين من عباده فلذا يكون حكمه أعدل وأرحم ولذا‬ ‫{فَ َت َو ّكلْ عَلَى(‪ )5‬اللّهِ} أيها الرسول بالثقة فيه وتفويض أمرك إليه فإنه كافيك‪ .‬وقوله‪{ :‬إِ ّنكَ عَلَى‬ ‫حقّ ا ْلمُبِينِ} أي إنك يا رسولنا على الدين الحق الذي هو السلم وخصومك على الباطل فالعاقبة‬ ‫الْ َ‬ ‫سمِعُ ا ْل َموْتَى} والكفار موتى بعدم وجود روح‬ ‫الحسنى لك‪ ،‬ل محالة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِ ّنكَ ل تُ ْ‬ ‫اليمان في أجسامهم والميت‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا الكلم مستأنف استئنافا بيانيا إذ هو جواب لكل شاك في توحيد ال وفي البعث الخر وفي‬

‫نبوة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم فمن قال‪ :‬كيف يكون ل إله إل ال وكيف يكون البعث‬ ‫وكيف يكون محمد رسولً؟ فالجواب‪ :‬أن هذا القرآن العظيم أكبر برهان وأعظم دليل على صدق‬ ‫تلك القضايا الثلث‪ :‬التوحيد‪ ،‬والبعث‪ ،‬والنبوة‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذا التوكيد بإن في المواطن الثلثة‪( :‬إن هذا القرآن) و(إنه لهدى) (إن ربك يقضي) تطلبه‬ ‫البتداء من جهة وشأن الخبار من جهة أخرى‪ .‬لن عادة النسان إذا أخبر بخبر ذي شأن يتساءل‬ ‫في نفسه عن صحته وعدمها فيتعين التأكيد له‪.‬‬ ‫ص المؤمنون بالذكر دون الكافرين لنهم هم المنتفعون به‪.‬‬ ‫‪ -3‬خ ّ‬ ‫‪ -4‬جائز أن يكون المراد من الحكم‪ :‬الحكمة‪ ،‬أي‪ :‬يحكم بينهم بالحكمة التي تضع كل شيء في‬ ‫موضعه فل يحدث حيف ول جور‪ .‬وإطلق الحكم على الحكمة كثير في القرآن منه‪( :‬وآتيناه‬ ‫الحكم صبيا) ويجوز أن يكون الحكم على ظاهره أو يحكم بينهم بحكمه المعروف بالعدل والنزاهة‬ ‫من الحيف والجور والخطأ‪.‬‬ ‫‪ -5‬الفاء تفريعية أي‪ :‬فبناء على عزة ال وعلمه فتوكل عليه ول تخف فإنه لعزته وعلمه ل‬ ‫يضيعك ول يهمل شأنك‪.‬‬

‫( ‪)4/42‬‬ ‫سمِعُ الصّمّ} أي‬ ‫ل يسمع فلذا ل تقدر على إسماع هؤلء الكافرين الموات(‪ ،)1‬كما أنك {وَل ُت ْ‬ ‫الفاقدين لحاسة السمع {الدّعَاءَ} أي دعاءك {ِإذَا وَّلوْا مُدْبِرِينَ} أي إذا رجعوا مدبرين غير ملتفتين‬ ‫ن ضَللَ ِتهِمْ} التي يعيشون عليها فهوّن على نفسك ول تكرب ول‬ ‫إليك ‪َ { .‬ومَا أَ ْنتَ ِبهَادِي ا ْل ُع ْميِ عَ ْ‬ ‫سمِعُ إِلّا مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآياتِنَا} أي ما تسمع إسماع تفهم وقبول إل المؤمنين بآيات ال‪َ { ,‬فهُمْ‬ ‫تحزن {إِنْ تُ ْ‬ ‫مُسِْلمُونَ} أي فهم من أجل إيمانهم مسلمون أي منقادون خاضعون لشرع ال وأحكامه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬شرف القرآن وفضله‪.‬‬ ‫‪ -2‬لن ينتهي خلف اليهود والنصارى إل بالسلم فإذا أسلموا اهتدوا للحق وانتهى كل خلف‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬كل خلف بين الناس اليوم سيحكم ال تعالى بين أهله يوم القيامة بحكمه العادل ويوفي كل ما‬ ‫له أو عليه وهو العزيز العليم‪.‬‬ ‫‪ -4‬الكفار أموات لخلو أبدانهم من روح اليمان فلذا هم ل يسمعون الهدى ول يبصرون اليات‬ ‫مهما كانت واضحات‪.‬‬ ‫فعلى داعيهم أن يعرف هذا فيهم وليصبر على دعوتهم ودعاويهم‪.‬‬

‫وَإِذَا َوقَعَ ا ْل َق ْولُ عَلَ ْي ِهمْ أَخْ َرجْنَا َلهُمْ دَابّةً مِنَ الْأَ ْرضِ ُتكَّل ُمهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا ل يُوقِنُونَ(‪)82‬‬ ‫وَ َيوْمَ نَحْشُرُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َفوْجا ِممّنْ ُيكَ ّذبُ بِآياتِنَا َفهُمْ يُوزَعُونَ(‪ )83‬حَتّى ِإذَا جَاءُوا قَالَ َأ َكذّبْتُمْ‬ ‫بِآياتِي وََلمْ تُحِيطُوا ِبهَا عِلْما َأمّاذَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ(‪)84‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬احتجت عائشة رضي ال عنها بهذه الية على عدم إسماع النبي صلى ال عليه وسلم موتى‬ ‫بدر لما قيل لها في ذلك وردّ عليها قولها إذ استعملت القياس العقلي مع وجود النص ول قياس مع‬ ‫النص فقد صحّ أنه صلى ال عليه وسلم ناداهم وهم في القليب وقال لهم (أيسركم أنكم أطعتم ال‬ ‫ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا‪ .‬فقيل‪ :‬يا رسول ال‪:‬‬ ‫ما تكلم من أجساد ل أرواح لها؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع‬ ‫لما أقول منهم) قال قتادة‪ :‬أحياهم ال حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما وقد‬ ‫خصصت هذه الية بسماع أهل القبور‪ .‬سلم من سلّم عليهم‪.‬‬

‫( ‪)4/43‬‬ ‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ‬ ‫جعَلْنَا اللّ ْيلَ لِيَ ْ‬ ‫طقُونَ(‪ )85‬أََلمْ يَ َروْا أَنّا َ‬ ‫َووَقَعَ ا ْلقَ ْولُ عَلَ ْيهِمْ ِبمَا ظََلمُوا َف ُه ْم ل يَ ْن ِ‬ ‫مُ ْبصِرا إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪)86‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقع القول عليهم ‪ :‬أي حق عليهم العذاب‪.‬‬ ‫دابة من الرض ‪ :‬حيوان يدب على الرض لم يرد وصفها في حديث صحيح يعول عليه ويقال‬ ‫به(‪.)1‬‬ ‫تكلم الناس ‪ :‬بلسان يفهمونه لنها آية من اليات‪.‬‬ ‫أن الناس كانوا بآياتنا ل يوقنون‪ :‬أي بسب أن الناس أصبحوا ل يؤمنو بآيات ال وشرائعه أي‬ ‫كفروا فيبلون بهذه الدابة‪.‬‬ ‫ويوم نحشر ‪ :‬أي اذكر يوم نحشر أي نجمع‪.‬‬ ‫من كل أمة فوجا‪ :‬أي طائفة وهم الرؤساء المتبوعون في الدنيا‪.‬‬ ‫فهم يوزعون ‪ :‬أي يجمعون برد أولهم على آخرهم‪.‬‬ ‫حتى إذا جاءوا ‪ :‬أي الموقف مكان الحساب‪.‬‬ ‫وقع القول عليهم‪ :‬أي حق عليهم العذاب‪.‬‬ ‫بما ظلموا ‪ :‬أي بسبب الظلم الذي هو شركهم بال تعالى‪.‬‬ ‫فهم ل ينطقون ‪ :‬أي ل حجة لهم‪.‬‬ ‫والنهار مبصرا ‪ :‬أي يبصر فيه من أجل التصرف في العمال‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَإِذَا َوقَعَ ا ْلقَ ْولُ عَلَ ْيهِمْ} أي حق العذاب على الكافرين حيث لم يبق في‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬مثل تلك الحاديث‪ :‬حديث حذافة ونصه‪ :‬كما رواه أبو داود الطيالسي قال‪( :‬ذكر رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم الدابة فقال لها ثلث خرجات من الدهر فتخرج في أقصى البادية ول يدخل‬ ‫ذكرها القرية ‪ -‬مكة‪ -‬ثم تكمن زمانا ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشوا ذكرها في البادية‬ ‫ويدخل ذكرها القرية يعني مكة‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم بينا الناس في أعظم‬ ‫المساجد على ال حرمة خيرها وأكرمها على ال المسجد الحرام لم يرعهم إل وهي ترغو بين‬ ‫الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى ومعا وثبتت عصابة من‬ ‫المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا ال فبدأت بهم فجلت وجوهم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري‪،‬‬ ‫وولت في الرض ل يدركها طالب ول ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليعوذ منها بالصلة‬ ‫فتأتيه من خلفه فتقول‪ :‬يا فلن الن تصلى فتقبل عليه فتسمُه في وجهه ثم تنطلق فتميّز الكافر من‬ ‫المؤمن)‪.‬‬

‫( ‪)4/44‬‬ ‫الرض من يأمر بمعروف ول من ينهى عن منكر {أَخْ َرجْنَا َلهُمْ} لفتنتهم {دَابّةً مِنَ الْأَ ْرضِ} أي‬ ‫حيوان أرضي ليس بسماوي { ُتكَّل ُمهُمْ} أي بلسان يفهمونه‪ { ،‬أَنّ النّاسَ(‪ )1‬كَانُوا بِآياتِنَا ل يُوقِنُونَ}‬ ‫هذه علة تكليمهم وهي بأن الناس كفروا وما أصبحو يوقنون بآيات ال وشرائعه فيخرج ال تعالى‬ ‫حكَمٍ منها‪ :‬أن بها يتميز المؤمن من الكافر‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيوْمَ َنحْشُرُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ‬ ‫هذه الدابة لِ ِ‬ ‫حشُرُ مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ} من المم البشرية { َفوْجا} أي جماعة { ِممّنْ‬ ‫َفوْجا} أي واذكر يا رسولنا { َي ْومَ نَ ْ‬ ‫ُيكَ ّذبُ بِآياتِنَا َفهُمْ يُوزَعُونَ} بأن يرد أولهم على آخرهم لينتظم سيرهم {حَتّى إِذَا جَاءُوا} الموقف‬ ‫موضع الحساب يقول ال تعالى لهم‪َ{ :‬أكَذّبْ ُتمْ بِآياتِي} وما اشتملت عليه من أدلة وحجج وشرائع‬ ‫وأحكام { َولَمْ ُتحِيطُوا ِبهَا عِلْما}‪ ،‬وهذا تقريع لهم وتوبيخ‪ .‬إذ كون النسان لم يحط علما بشيء ل‬ ‫يجوز له أن يكذب به لمجرد أنه ما عرفه‪ .‬وقوله‪َ{ :‬أمّاذَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} أي ما الذي كنتم تعملون‬ ‫في آياتي من تصديق وتكذيب‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬و َوقَعَ ا ْلقَ ْولُ عَلَ ْيهِمْ} أي وجب العذاب { ِبمَا ظََلمُوا} أي‬ ‫طقُونَ}‪ .‬أي بعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم لنهم ظَلَمةٌ مشركون‪.‬‬ ‫بسبب ظلمهم(‪َ { )2‬فهُمْ ل يَ ْن ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَلَمْ(‪ )3‬يَ َروْا} أي ألم يبصر أولئك المشركون المكذبون بالبعث والجزاء أن ال‬ ‫سكُنُوا فِيهِ} وسكونهم هو موتهم على فرشهم بالنوم فيه {وَال ّنهَارَ} أي وجعل‬ ‫تعالى جعل {اللّ ْيلَ لِيَ ْ‬ ‫{ال ّنهَارَ مُ ْبصِرا} أي يبصر فيه لينصرفوا فيه بالعمل لحياتهم‪ ،‬فنوم الليل شبيه بالموت وانبعاث‬ ‫النهار شبيه بالحياة‪ ،‬فهي عملية موت وحياة متكررة طوال الدهر فكيف ينكر العقلء البعث الخر‬

‫وله صورة متكررة طوال الحياة‪ ،‬ولذا قال تعالى‪{ :‬إِنّ فِي َذِلكَ} أي في ذلك العمل المتكرر للموت‬ ‫والحياة كل يوم وليلة {لَآياتٍ} أي براهين وحجج قاطعة على وجود بعث وحياة بعد هذا الموت‬ ‫والحياة‪ .‬وخص المؤمنون بالذكر وبالحصول على البرهان المطلوب من عملية الليل والنهار لن‬ ‫المؤمنين أحياء يسمعون ويبصرون ويفكرون والكافرين أموات والميت ل يسمع ول يبصر ول‬ ‫يعي ول يفكر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع بكسر إنّ‪ ،‬والجملة تعليلية لما قبلها‪ ،‬وقرأ حفص بفتحها على تقدير حرف جرّ قبلها‬ ‫بأن أو لن للسببية أو التعليل‪.‬‬ ‫‪ -2‬أي‪ :‬بشركهم إذ الشرك أعظم أنواع الظلم وهو الموجب لدخول النار والخلود فيها‪.‬‬ ‫‪ -3‬الستفهام هنا للتعجب من حالهم كيف ل يبصرون آيات ال في الكون فتهديهم إلى توحيد ال‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/45‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تأكيد آية الدابة والتي تخرج من صدع من الصفا وقد وجد الصدع الن فيما يبدو وهي‬ ‫النفاق التي فتحت‬ ‫في جبل الصفا وأصبحت طرقا عظيمة للحجاج‪ ،‬وعما قريب تخرج‪ ،‬وذلك يوم ل يبقى من يأمر‬ ‫بالمعروف ول من ينهى عن المنكر فيحق العذاب على الكافرين‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر وصف لها‪.‬‬ ‫‪ -3‬ويل لرؤساء الضللة والشر والشرك والباطل إذ يؤتى بهم ويسألون‪.‬‬ ‫‪ -4‬في آية الليل والنهار ما يدل بوضوح على عقيدة البعث الخر والحساب والجزاء‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ َومَنْ فِي الَ ْرضِ ِإلّا مَنْ شَاءَ اللّ ُه َو ُكلّ أَ َت ْوهُ‬ ‫وَ َيوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ َففَزِعَ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫شيْءٍ إِنّهُ‬ ‫ب صُنْعَ اللّهِ الّذِي أَ ْتقَنَ ُكلّ َ‬ ‫حسَ ُبهَا جَا ِم َدةً وَ ِهيَ َتمُرّ مَرّ السّحَا ِ‬ ‫دَاخِرِينَ(‪ )87‬وَتَرَى الْجِبَالَ تَ ْ‬ ‫خَبِيرٌ ِبمَا َت ْفعَلُونَ(‪ )88‬مَنْ جَاءَ بِا ْلحَسَ َنةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا وَهُمْ مِنْ فَ َزعٍ َي ْومَئِذٍ آمِنُونَ(‪َ )89‬ومَنْ جَاءَ‬ ‫بِالسّيّئَةِ َفكُ ّبتْ وُجُو ُه ُهمْ فِي النّارِ َهلْ تُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪)90‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويوم ينفخ في الصور ‪ :‬أي يوم ينفخ إسرافيل في البوق نفخة الفزع والفناء والقيام من القبور‪.‬‬ ‫وكل أتوه داخرين ‪ :‬أي وكل من أهل السماء والرض أتوا ال عز وجل داخرين أي أذلء‬ ‫صاغرين‪.‬‬

‫وترى الجبال تحسبها جامدة ‪ :‬أي تظنها في نظر العين جامدة‪.‬‬ ‫وهي تمر مرّ السحاب ‪ :‬وذلك لسرعة تسييرها‪.‬‬

‫( ‪)4/46‬‬ ‫من جاء بالحسنة ‪ :‬وهي اليمان والتوحيد وسائر الصالحات‪.‬‬ ‫فله خير منها ‪ :‬أي الجنة‪.‬‬ ‫ومن جاء بالسيئة ‪ :‬أي الشرك والمعاصي فله النار يكب وجهه فيها‪.‬‬ ‫وهم من فزع يومئذ آمنون ‪ :‬أي أصحاب حسنات التوحيد والعمل الصالح آمنون من فزع هول‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫ومن جاء بالسئية فكبت ‪ :‬أي جاء بالسيئة كالشرك وأكل الربا‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬فكبت وجوههم في‬ ‫النار والعياذ بال أي ألقوا فيها على وجوههم‪.‬‬ ‫هل تجزون إل ما كنتم تعملون‪ :‬أي ما تجزون إل بعملكم‪ ،‬ول تجزون بعمل غيركم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر أحداث القيامة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي هي الباعث على‬ ‫الستقامة في الحياة‪ .‬فقال تعالى {وَ َيوْمَ(‪ )1‬يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ} أي ونفخ إسرافيل بإذن ربه في‬ ‫ت َومَنْ فِي الْأَ ْرضِ إِلّا مَنْ شَاءَ اللّهُ}‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫الصور الذي هو القرن أو البوق { َففَزِعَ(‪ )2‬مَنْ فِي ال ّ‬ ‫وهي نفخة الفزع فتفزع لها الخلئق إل من استثنى ال تعالى وهم الشهداء فل يفزعون وهي نفخة‬ ‫الفناء أيضا إذ بها يفنى كل شيء‪ ،‬وقوله تعالى { َو ُكلّ أَ َت ْوهُ(‪ })3‬أي أتوا ال تعالى {دَاخِرِينَ} أي‬ ‫حسَ ُبهَا جَا ِم َدةً} أي‬ ‫صاغرين ذليلين أتوه إلى المحشر وساحة فصل القضاء وقوله {وَتَرَى الْجِبَالَ تَ ْ‬ ‫شيْءٍ} أي أوثق‬ ‫ل تتحرك وهي في نفس الواقع تسير(‪ )4‬سير السحاب {صُنْعَ اللّهِ الّذِي أَ ْتقَنَ ُكلّ َ‬ ‫صنعه(‪ )5‬وأحكمه {إِنّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْفعَلُونَ} وسيجزيكم أيها الناس بحسب علمه {مَنْ جَاءَ بِا ْلحَسَنَةِ}‬ ‫وهي اليمان والعمل الصالح {فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا} أل وهي الجنة { َومَنْ جَاءَ بِالسّيّئَةِ} وهي الشرك‬ ‫ت وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ} فذلك‬ ‫والمعاصي { َفكُ ّب ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬العامل في الظرف محذوف للعلم به أي‪ :‬واذكر يوم ينفخ في الصور‪ ،‬والنافخ هو إسرافيل‬ ‫عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬للفزع معنيان‪ ،‬كلهما صالح لدللة هذا اللفظ عليه‪ ،‬الول‪ :‬الفزع‪ :‬بمعنى السراع‪ :‬لنداء‬ ‫الداعي‪ ،‬والثاني الخوف والهلع‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ حفص (وكل أتوه) بالفعل الماضي‪ ،‬وقرأ نافع (آتوه) باسم الفاعل أي‪ :‬آتون إليه جمع آت‪.‬‬ ‫‪ -4‬قيل‪ :‬إن قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) هو خطاب للنبي‬

‫صلى ال عليه وسلم خاصة أطلعه ال فيه على سر من أسرار الكون ولم يبح به لعجز الناس عن‬ ‫إداركه في ذلك الزمن وحقيقته‪ :‬أن الرض تدور حول الشمس دورة في كل يوم وليلة‪ ،‬ودروتها‬ ‫هي تسير معها الجبال فيها قطعا فيرى المرء الجبال يحسبها جامدة وهي تمر مع الرض مر‬ ‫السحاب والمرور غير السير فالسير يوم الفناء أما المرور يقال‪ :‬م ّر بفلن يحمله معه ول يقال‬ ‫سار به‪ .‬ورشح ها المعنى قوله بعدُ‪ { :‬صنع ال الذي أتقن كل شيء}‪.‬‬ ‫‪ -5‬الصنع مصدر صنع الشيء يصنعه صنعا‪.‬‬

‫( ‪)4/47‬‬ ‫جزاء من جاء بالسيئة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬هلْ تُجْ َزوْنَ(‪ )1‬إِلّا مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} أي ل تجزون إل ما كنتم تعملونه في الدنيا من‬ ‫خير وشر وقد تم الجزاء بمقتضى ذلك فقوم دخلوا الجنة وآخرون كبت وجوههم في النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيد البعث والجزاء بذكر أحداثها مفصلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كيفية خراب العوالم وفناء الكوان‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الشهداء حيث ل يحزنهم الفزع الكبر وهم آمنون‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير مبدأ الجزاء وهو الحسنة والسيئة‪ ،‬حسنة التوحيد وسيئة الشرك‪.‬‬ ‫شيْ ٍء وَُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ(‪)91‬‬ ‫إِ ّنمَا ُأمِ ْرتُ أَنْ أَعْبُدَ َربّ هَ ِذهِ الْبَ ْل َدةِ الّذِي حَ ّر َمهَا وَلَهُ ُكلّ َ‬ ‫ضلّ َف ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ(‪َ )92‬و ُقلِ‬ ‫ن َ‬ ‫وَأَنْ أَتُْلوَ ا ْلقُرْآنَ َفمَنِ اهْ َتدَى فَإِ ّنمَا َيهْ َتدِي لِ َنفْسِ ِه َومَ ْ‬ ‫عمّا َت ْعمَلُونَ(‪)93‬‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَ َتعْ ِرفُو َنهَا َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬ ‫الْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هذه البلدة ‪ :‬أي مكة المكرمة والضافة للتشريف‪.‬‬ ‫الذي حرمها ‪ :‬أي ال الذي حرم مكة فل يختلى خلها ول ينفّر صيدها ول يقاتل فيها‪.‬‬ ‫من المسلمين ‪ :‬المؤمنين المنقادين له ظاهرا وباطنا وهم أشرف الخلق‪.‬‬ ‫وأن أتلو القرآن ‪ :‬أي أمرني أن أقرأ القرآن إنذارا وتعليما وتعبّدا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الستفهام للنفي كما في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)4/48‬‬

‫سيريكم آياته ‪ :‬أي مدلول آيات الوعيد فيعرفون ذلك وقد أراهموه في بدر وسيرونه عند الموت‪.‬‬ ‫وما ربك بغافل عما يعملون ‪ :‬أي وما ربك أيها الرسول بغافل عما يعمل الناس وسيجزيهم‬ ‫بعملهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إنه بعد ذلك العرض الهائل لحداث القيامة والذي المفروض فيه أن يؤمن كل من شاهده ولكن‬ ‫القوم ما آمن أكثرهم ومن هنا ناسب بيان موقف الرسول صلى ال عليه وسلم وهو أنه عبد مأمور‬ ‫بعبادة ربه ل غير‪ ،‬ربه الذي هو رب هذه البلدة الذي(‪ )1‬حرمها فل يقاتل فيها ول يصاد صيدها‬ ‫ول يختلى خلها ول تلتقط لقطتها إل لمن يعرفها‪ ،‬وله كل شيء خلقا وملكا وتصرفا فليس لغيره‬ ‫معه شيء في العوالم كلها علويّها وسلفيّها وقوله‪َ { :‬وُأمِ ْرتُ أَنْ َأكُونَ مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ} أي وأمرني‬ ‫ربي أكون في جملة المسلمين أي المنقادين ل والخاضعين له وهم صالحو عباده من النبياء‬ ‫والمرسيلين‪ .‬وقوله‪{ :‬وَأَنْ أَتُْلوَ ا ْلقُرْآنَ} أي وأمرني أن أتلو القرآن تلوةَ إنذارٍ وتعليم وتعبدا وتقربا‬ ‫إليه تعالى وبعد تلوتي فمن اهتدى عليها فعرف طريق الهدى وسلكه فنتائج الهداية وعائدها عائد‬ ‫عليه هو الذي ينتفع بها‪ .‬ومن ضل فلم يقبل الهدى وأقام على ضللته فليس علي هدايته لن ربي‬ ‫قال لي قل لمن ضل {إِ ّنمَا أَنَا مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ} ل من واهبي اليمان والهداية إنما يهب الهداية ويمن‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ} وأمرني أن أحمده على كل ما وهبني من نعم ل تعد‬ ‫بها ال الذي بيده كل شيء { َو ُقلِ الْ َ‬ ‫ول تحصى ومن أجلّها إكرامه لي بالرسالة التي شرفني بها على سائر الناس فالحمد ل والمنة له‬ ‫وقوله {سَيُرِي ُكمْ آيَاتِه(‪ ِ)2‬فَ َتعْ ِرفُونَهَا} أي وأعلم هؤلء المشركين أن ال ربي سيريكم آياته في‬ ‫مستقبل أيامكم وقد أراهم أول آية في بدر وثاني آية في الفتح وآخر آية عند الموت يوم تضرب‬ ‫عمّا‬ ‫الملئكة وجوههم وأدبارهم وتقول لهم "ذوقوا عذاب الحريق" وقوله تعالى { َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬ ‫َت ْعمَلُونَ(‪ })3‬أي وما ربك الذي أكرمك وفضلك أيها الرسول {بغافل عما تعملون} أيها الناس‬ ‫مؤمنين وكافرين وصالحين وفاسدين وسيجزي كلً بعمله وذلك يوم ترجعون إليه ففي الية وعد‬ ‫ووعيد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ ابن عباس رضي ال عنهما‪ { :‬رب هذه البلدة التي حرّمها} نعتا للبلدة‪ .‬وقرأ الجمهور‬ ‫الذي وهو في موضع نصب نعت لـ رب‬ ‫‪ -2‬أي‪ :‬في أنفسكم وفي غيركم كما قال تعالى‪{ :‬سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم} من سورة‬ ‫فصلت‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع وحفص والجمهور بتاء الخطاب‪ ،‬وقرأ غيرهم بياء الغيبة‪.‬‬

‫( ‪)4/49‬‬

‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان وظيفة الرسول صلى ال عليه وسلم وأنها عبادة ال والسلم له ‪ ،‬وتلوة القرآن إنذار ا‬ ‫وإعذارا وتعليما وتعبدا به وتقربا إلى منزله عز وجل ‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان وتقرير حرمة مكة المكرمة والحرم ‪.‬‬ ‫‪-3‬الندب إلى حمد ال تعالى على نعمة الظاهرةوالباطنة ول سيما عند تجدد النعمة وعند ذكرها ‪.‬‬ ‫‪-4‬بيان أن عوائد الكسب عائد على الكاسب خيرا كانت أو شرا ‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان معجزة القرآن الكريم إذ ما علم به المشركين أنهم سيرونها قد رأوه فعلً وهو غيب ‪،‬‬ ‫فظهر كما أخبر ‪.‬‬

‫( ‪)4/50‬‬ ‫سورة القصص‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة القصص‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ثمان وثمانون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حقّ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪)3‬‬ ‫عوْنَ بِالْ َ‬ ‫طسم (‪ )1‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ(‪ )2‬نَتْلُو عَلَ ْيكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى َوفِرْ َ‬ ‫ض ِعفُ طَا ِئفَةً مِ ْنهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءَهُ ْم وَيَسْ َتحْيِي‬ ‫ج َعلَ َأهَْلهَا شِيَعا يَسْ َت ْ‬ ‫عوْنَ عَل فِي الْأَ ْرضِ وَ َ‬ ‫إِنّ فِرْ َ‬ ‫جعََلهُمْ أَ ِئمّةً‬ ‫ضعِفُوا فِي الْأَ ْرضِ وَنَ ْ‬ ‫نِسَا َءهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‪ )4‬وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬ ‫جعََلهُمُ ا ْلوَارِثِينَ(‪)5‬‬ ‫وَنَ ْ‬

‫( ‪)4/50‬‬ ‫ن وَجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيحْذَرُونَ(‪)6‬‬ ‫ن وَهَامَا َ‬ ‫عوْ َ‬ ‫وَ ُن َمكّنَ َل ُهمْ فِي الْأَ ْرضِ وَنُ ِريَ فِرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫طسم‪ :‬هذه إحدى الحروف المقطعة تكتب طسم وتقرأ‪ :‬طا‪ ،‬سينْ‪ ،‬ميمْ‪.‬‬ ‫تلك ‪ :‬أي اليات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات القرآن الكريم‪.‬‬ ‫نتلو عليك ‪ :‬أي نقرأ عليك قاصين شيئا من نبأ موسى وفرعون أي من خبرهما‪.‬‬ ‫لقوم يؤمنون ‪ :‬أي لجل المؤمنين ليزدادوا إيمانا ويوقنوا بالنصر وحسن العاقبة‪.‬‬ ‫عل في الرض ‪ :‬أي تكبر وظلم فادعى الربوبية وظلم بني إسرائيل ظلما فظيعا‪.‬‬

‫شيعا‪ :‬أي طوائف بعضهم عدوّ لبعض من باب فرّق تسدْ‪.‬‬ ‫ويستحيي نساءهم ‪ :‬أي يبقي على النساء ل يذبح البنات لنه ل يخاف منهن ويذبح الولد لخوفه‬ ‫مستقبل على ملكه منهم‪.‬‬ ‫ونريد أن نمن ‪ :‬أي ننعم على الذين استضعفوا فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين‪.‬‬ ‫ما كانوا يحذرون ‪ :‬من المولود الذي يولد في بني إسرائيل ويذهب بملكهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫{طسم}‪ :‬هذا اللفظ ال أعلم بمراده منه‪ ،‬وقد أفاد فائدتين عظيمتين الولى هي إعجاز القرآن‬ ‫الموجب لليمان به وبمنزلة من أنزل عليه القرآن وهو محمد صلى ال عليه وسلم وذلك أن هذا‬ ‫القرآن الذي أعجز العرب أن يأتوا بسورة مثله قد تألف من مثل هذه الحروف المقطعة فدل ذلك‬ ‫على أنه كلم ال ووحيه‪.‬‬ ‫والثانية أنه لما خاف المشركون من تأثير القرآن على نفوس السامعين له وأمروا باجتناب سماعه‬ ‫واستعملوا وسائل شتى لمنع الناس في مكة من سماعه كانت هذه الحروف تضطرهم إلى السماع‬ ‫لغرابتها عندهم فإذا قرأ القارئ طسم وجد أحدهم نفسه مضطرا إلى السماع‪ ،‬فإذا ألقى سمعه نفذ‬ ‫القرآن إلى قلبه فاهتدى به إن شاء ال تعالى له الهداية كما حصل لكثيرين منهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ} أي هذه آيات الكتاب المبين أي القرآن المبين‬

‫( ‪)4/51‬‬ ‫للهدى من الضلل والخير من الشر والحق من الباطل‪ ،‬وقوله {نَتْلُو عَلَ ْيكَ مِنْ(‪ )1‬نَبَأِ مُوسَى‬ ‫َوفِرْعَوْنَ بِا ْلحَقّ} أي نقرأ قاصين عليك أيها الرسول شيئا من نبأ موسى وفرعون أي من خبر‬ ‫موسى(‪ )2‬وفرعون وقوله {لِلقَوْمٍ(‪ُ )3‬ي ْؤمِنُونَ} باعتبارهم أنهم هم الذين ينتفعون بما يسمعون في‬ ‫حياتهم ولنهم في ظرف صعب يحتاجون معه إلى سماع مثل هذا القصص ليثبتوا على إيمانهم‬ ‫حتى ينصرهم ال كما نصر الذين من قبلهم بعد ضعف كان أشد من ضعفهم وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ‬ ‫عوْنَ‬ ‫عوْنَ ‪ }..‬إلى آخر الية هذا بيان لما أخبر أنه يقصه للمؤمنين‪ ،‬يخبر تعالى فيقول‪{ :‬إِنّ فِرْ َ‬ ‫فِرْ َ‬ ‫‪ }..‬إلى آخر الية إن فرعون الحاكم المصري المسمى بالوليد بن الريان الطاغية المدعي الربوبية‬ ‫واللوهية {عَل فِي الْأَ ْرضِ} أي أرض البلد المصرية ومعنى عل طغى وتكبر وتسلط(‪ )4‬وقوله‬ ‫ج َعلَ أَهَْلهَا} أي أهل تلك البلد المصرية {شِيَعا} أي طوائف فرق بينها إبقاءً على ملكه على‬ ‫{وَ َ‬ ‫ض ِعفُ طَا ِئفَةً} من‬ ‫قاعدة فرق تَسُدْ المذهب السياسي القائم الن في بلد الكفر والظلم وقوله {يَسْ َت ْ‬ ‫تلك الطوائف وهي طائفة بني إسرائيل وكيفية استضعافهم أنه يذبح أبناءهم ساعة ولدتهم‬ ‫{وَيَسْ َتحْيِي ِنسَاءَ ُهمْ} أي بناتهم ليكبرن للخدمة وتذبيح الولد سببه أن كهانه وسياسييه أعلموه أن‬ ‫ملكه مهدد بوجود بني إسرائيل أقوياء كثر في البلد فاستعمل طريقة تقليلهم والحد من كثرتهم‬

‫بذبح الولد الذكور منهم وإبقاء الناث منهم وهي سياسة تشبه تحديد النسل اليوم التي يستعملها‬ ‫الهالكون اليوم وهم ل يشعرون‪.‬‬ ‫وقوله {إِنّهُ كَانَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ} هذا تعليل لعلو فرعون وطغيانه فذكر أن سبب ذلك الذي يرتكبه من‬ ‫سدِينَ} أي في الرض بارتكاب الجرائم العظام التي ل‬ ‫السياسة العمياء الظالمة أنه {مِنَ ا ْلمُفْ ِ‬ ‫توصف‪.‬‬ ‫جعََلهُمْ أَ ِئمّةً} أي {نَتْلُو عَلَ ْيكَ مِنْ‬ ‫ض وَنَ ْ‬ ‫ض ِعفُوا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَنُرِيدُ أَنْ َنمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْ ُت ْ‬ ‫عوْنَ} أي من بعض خبرهما أنا نريد أي أردنا أن نمن على الذين استضعفوا في‬ ‫نَبَأِ مُوسَى َوفِرْ َ‬ ‫الرض أرض مصر وهم بنو إسرائيل‪ ،‬نمُنّ عليهم بإيمانهم وتخليصهم من حكم فرعون وتسلطه‬ ‫جعََلهُمُ ا ْلوَارِثِينَ} لحكم البلد وسياستها بعد إهلك فرعون وجنوده وهو‬ ‫ونجعلهم قادة في الخير {وَ َن ْ‬ ‫معنى قوله‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬مفعول (نتلوا) محذوف تقديره نتلوا عليك كلما من نبأ موسى‪.‬‬ ‫‪ -2‬وقارون أيضا حيث ذكر خبره في آخر هذه السورة‪.‬‬ ‫‪ -3‬اللم في (القوم) للتعليل أي‪ :‬نتلو عليك لجل قوم يؤمنون‪.‬‬ ‫‪ -4‬وحسبه أن ادعى اللوهية والربوبية وأنه ابن الشمس‪.‬‬

‫( ‪)4/52‬‬ ‫عوْنَ} أي من جملة ما نتلو عليك أنا أردنا أن‬ ‫{ وَ ُن َمكّنَ َلهُمْ فِي الْأَ ْرضِ(‪ .})1‬وقوله {وَنُ ِريَ(‪ )2‬فِرْ َ‬ ‫ن وَجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْ(‪ })3‬أي من بني إسرائيل ما كانوا يحذرونه من مولود يولد‬ ‫ن وَهَامَا َ‬ ‫عوْ َ‬ ‫{نُ ِريَ فِرْ َ‬ ‫في بني إسرائيل فيذهب بملك فرعون وذلك بما سيذكر تعالى من أسباب وترتيبات هي عجب!‬ ‫تبتدئ من قوله تعالى {وََأوْحَيْنَا إِلَى ُأمّ مُوسَى‪.}...‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير إعجاز القرآن الذي هو آية أنه كتاب ال حقاًَ‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير النبوة المحمدية بهذا الوحي اللهي‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الظلم والستطالة على الناس والفساد في الرض‪.‬‬ ‫‪ -4‬المؤمنون هم الذين ينتفعون بما يتلى عليهم لحياة قلوبهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير قاعدة ل حذر مع القدر‪.‬‬ ‫‪ -6‬تحريم تحديد النسل بإلزام المواطن بأن ل يزيد على عدد معين من الطفال‪.‬‬ ‫خ ْفتِ عَلَيْهِ فَأَ ْلقِيهِ فِي الْ َي ّم وَل َتخَافِي وَل تَحْزَنِي إِنّا رَادّوهُ‬ ‫ضعِيهِ فَِإذَا ِ‬ ‫وََأوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَ ْر ِ‬

‫ن وَهَامَانَ‬ ‫عوْ َ‬ ‫عوْنَ لِ َيكُونَ َلهُمْ عَ ُدوّا وَحَزَنا إِنّ فِرْ َ‬ ‫ك وَجَاعِلُوهُ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )7‬فَالْ َتقَطَهُ آلُ فِرْ َ‬ ‫إِلَ ْي ِ‬ ‫عوْنَ قُ ّرتُ عَيْنٍ لِي وََلكَ ل َتقْتُلُوهُ عَسَى‬ ‫وَجُنُودَ ُهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ(‪َ )8‬وقَاَلتِ امْرََأتُ فِرْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المراد من الرض أرض الشام حيث ورّثهم أرض الكنعانيين وهم الذين كانوا يعرفون‬ ‫بالجبابرة‪ .‬أما أرض مصر فإن بني إسرائيل لم يرجعوا إليها بعد أن خرجوا منها هكذا يرى‬ ‫بعضهم وأكثر المفسرين أن بني إسرائيل عادوا إلى أرض مصر وملكوها وسادوا أهلها‪ ،‬وال‬ ‫أعلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرأ الجمهور (ونري) بنون العظمة والتكلم‪ ،‬وقرأ بعضٌ (ويرى) بياء الغيبة أي‪ :‬ويرى‬ ‫فرعون وجنوده‪.‬‬ ‫‪ -3‬الجنود‪ :‬جمع جند‪ ،‬والجند لفظ دال على جمع ول واحد له ومعناه‪ :‬الجماعة من الناس تجتمع‬ ‫على أمر تتبعه‪.‬‬

‫( ‪)4/53‬‬ ‫شعُرُونَ(‪ )9‬وََأصْبَحَ ُفؤَادُ ُأمّ مُوسَى فَارِغا إِنْ كَا َدتْ لَتُبْدِي ِبهِ َلوْل‬ ‫أَنْ يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَتّخِ َذ ُه وَلَدا وَهُمْ ل يَ ْ‬ ‫ب وَهُمْ ل‬ ‫أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْ ِبهَا لِ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪َ )10‬وقَاَلتْ لُِأخْتِهِ ُقصّيهِ فَ َبصُرَتْ بِهِ عَنْ جُ ُن ٍ‬ ‫شعُرُونَ(‪)11‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأوحينا إلى أم موسى ‪ :‬أعلمناها أن ترضع ولدها الرضعات الولى التي ل بد منها ثم تضعه في‬ ‫تابوت ثم تلقيه في اليم‪.‬‬ ‫في اليم‪ :‬أي في البحر وهو نهر النيل‪.‬‬ ‫ول تخافي ول تحزني‪ :‬أي ل تخافي أن يهلك ول تحزني على فراقه‪ ،‬إنا رادوه إليك‪.‬‬ ‫فالتقطه آل فرعون ‪ :‬أي أعوانه ورجاله‪.‬‬ ‫ليكون لهم عدوا وحزنا ‪ :‬أي في عاقبة المر‪ ،‬فاللم للعاقبة والصيرورة‪.‬‬ ‫قرة عين لي ولك ‪ :‬أي تقر به عيني وعينك فنفرح به ونسر‪.‬‬ ‫وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ‪ :‬أي من كل شيء إل منه عليه السلم أي ل تفكر في شيء إل فيه‪.‬‬ ‫إن كادت لتبدي به ‪ :‬أي قاربت بأن تصرخ بأنه ولدها وتظهر ذلك‪.‬‬ ‫وقالت لخته قصيه‪ :‬أي اتبعي أثره حتى تعرفي أين هو‪.‬‬ ‫فبصرت به عن جنب ‪ :‬أي لحظته وهي مختفية تتبعه من مكان بعيد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه بداية قصة موسى مع فرعون وهو طفل رضيع إلى نهاية هلك فرعون في ظرف طويل بلغ‬

‫عشرات السنين‪ .‬بدأ تعالى بقوله تعالى‪{ :‬وََأ ْوحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى(‪ })1‬أي أعلمناها من طريق اللقاء‬ ‫خ ْفتِ عَلَ ْيهِ} آل فرعون الذين يقتلون مواليد بني إسرائيل الذكور في‬ ‫ضعِيهِ فَإِذَا ِ‬ ‫في القلب {أَنْ أَ ْر ِ‬ ‫هذه السنة {فَأَ ْلقِيهِ فِي الْيَمّ} أي بعد أن تجعليه في تابوت أي صندوق‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬اختلف هل كان هذا الوحي إلهاما أو كان مناما أو أتاها ملك؟ والقرب أنها أتاها ملك مع‬ ‫الجماع أنها لم تكن نبية وإنما أرسل إليها الملك فكلمها على نحو تكليم الملك للقرع والبرص‬ ‫والعمى في حديث الصحيحين‪ ،‬ولم يعرف لها اسم على الصحيح‪ ،‬وقال السهلي اسمها يارخت‪.‬‬

‫( ‪)4/54‬‬ ‫خشب مطلي بالقار‪{ ،‬وَل َتخَافِي} عليه الهلك {وَل تَحْزَنِي} على فراقك له {إِنّا رَادّوهُ إِلَ ْيكِ(‪})1‬‬ ‫علُوهُ مِنَ ا ْلمُ ْرسَلِينَ} نرسله إلى عدوكم فرعون وملئه‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَالْ َتقَطَهُ آلُ‬ ‫لترضعيه {وَجَا ِ‬ ‫طهُ آلُ‬ ‫عوْنَ} أي فعلت ما أمرها ال تعالى به بأن جعلته في تابوت وألقته في اليم أي النيل {فَالْ َتقَ َ‬ ‫فِرْ َ‬ ‫عوْنَ} حيث وجدوه لقطة فأخذوه وأعطوه لسية بنت مزاحم عليها السلم امرأة فرعون‪ .‬وقوله‬ ‫فِرْ َ‬ ‫ع ُدوّا وَحَزَنا} هذا باعتبار ما يؤول إليه المر فهم ما التقطوه لذلك لكن شاء‬ ‫تعالى‪{ :‬لِ َيكُونَ َلهُمْ(‪َ )2‬‬ ‫ع ُدوّا َوحَزَنا}( ‪ )3‬فعاداهم وأحزنهم‪.‬‬ ‫ال ذلك فكان لهم { َ‬ ‫عوْنَ وَهَامَانَ َوجُنُودَ ُهمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} أي آثمين بالكفر والظلم ولذا يكون‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ فِرْ َ‬ ‫عوْنَ قُ ّرتُ عَيْنٍ لِي وََلكَ ل َتقْتُلُوهُ} قالت‬ ‫موسى لهم عدوا وحزنا‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقَاَلتِ امْرََأتُ فِرْ َ‬ ‫هذا حين همّ فرعون بقتله لما نتف موسى لحيته وهو رضيع تعلق به فأخذ شعرات من لحيته‬ ‫فتشاءم فرعون وأمر بقتله فاعتذرت آسية له فقالت هو {قُ ّرتُ عَيْنٍ لِي وََلكَ ل َتقْتُلُوهُ} فقال فرعون‬ ‫قرة عين لك أما أنا فل وقولها {عَسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا} في حياتنا بالخدمة ونحوها {َأوْ نَتّخِ َذهُ وَلَدا} وذلك‬ ‫بالتبني وهذا الذي حصل‪ ،‬فكان موسى إلى الثلثين من عمره يعرف بابن فرعون وقوله {وَهُمْ ل‬ ‫شعُرُونَ} أي بما سيكون من أمره وأن هلك فرعون وجنوده سيكون على يده‪.‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََأصْبَحَ ُفؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغا} أي من أي شيء إل من موسى وذلك بعد أن ألقته‬ ‫في اليم‪.‬‬ ‫وقوله {إِنْ كَا َدتْ لَتُ ْبدِي بِهِ} أي لتصرخ بأنه ولدها وتظهر ذلك من شدة الحزن لكن ال تعالى ربط‬ ‫على قلبها فصبرت لتكون بذلك من المؤمنين بوعد ال تعالى لها بأن يرده إليها ويجعله من‬ ‫المرسلين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وقَاَلتْ لُِأخْتِهِ ُقصّيهِ(‪ })4‬أي تتبعي أثره وذلك عندما ألقته في اليم وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬حكى الصمعي أنه سمع جارية أعرابية تنشد وتقول‪:‬‬

‫أستغفر ال لذنبي كله‬ ‫قبّلتُ إنسانا بغير حِلّه‬ ‫مثل الغزال ناعما في دّلهِ‬ ‫فانتصف الليل ولم أصله‬ ‫فقلت لها‪ :‬قاتلك ال ما أفصحك! فقالت‪ :‬أو يعدّ هذا فصاحة مع قوله تعالى‪{ :‬وأوحينا إلى أم‬ ‫موسى} إلى {إنا رادوه إليك} أي‪ :‬جمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه اللم تسمى لم العاقبة والصيرورة على حد قول الشاعر‪:‬‬ ‫وللمنايا تُربي كل مرضعة‬ ‫ودورنا لخراب الدهر نبنيها‬ ‫سقَم‬ ‫‪ -3‬الحزن‪ :‬محرّك الوسط كالحزن بإسكانها وضم الحاء مثل الرَشَد والرُشْد والعَدَم والعُدْم وال َ‬ ‫سقْم لغات‪.‬‬ ‫وال ُ‬ ‫‪ -4‬اسمها مريم بنت عمران فاتحدت معها مريم أم عيسى في اسمها واسم أبيها عليهم السلم‬ ‫وقيل اسمها كندم في رواية مرفوعة ضعيفة‪.‬‬

‫( ‪)4/55‬‬ ‫{فَ َبصُ َرتْ بِهِ عَنْ جُ ُنبٍ(‪ })1‬أي رأته من بعد فكانت تمشي على شاطئ النهر وتلحقه النظر من‬ ‫بعد حتى رأته انتهى إلى فرع الماء الذي دخل إلى قصر فرعون فعلمت أنه قد دخل القصر‪.‬‬ ‫شعُرُونَ} أي ل يشعرون أنها أخته لما كانت تلحقه النظر وتتعرف إليه‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫من بعد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان تدبير ال تعالى لولياء وصالحي عباده وتجلى ذلك في الوحي إلى أم موسى بإرضاعه‬ ‫وإلقائه في البحر‬ ‫والتقاط آل فرعون له ليتربى في بيت الملك عزيزا مكرما‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان سوء الخطيئة وآثارها السيئة وعواقبها المدمرة وتجلى ذلك فيما حل بفرعون وهامان‬ ‫وجنودهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة الرجاء تجلت في قول آسية "قرة عين لي ولك" فقال فرعون‪ :‬أما لي فل‪ .‬فكان موسى‬ ‫قرة عين لسية ولم‬ ‫يكن لفرعون‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان عاطفة المومة حيث أصبح فؤاد أم موسى فارغا إل من موسى‪.‬‬

‫‪ -5‬بيان عناية ال بأوليائه حيث ربط على قلب أم موسى فصبرت ولم تبده لهم وتقول هو ولدي‬ ‫ليمضي وعد ال‬ ‫تعالى كما أخبرها‪ .‬والحمد له رب العالمين‪.‬‬ ‫وَحَ ّرمْنَا عَلَيْهِ ا ْلمَرَاضِعَ مِنْ قَ ْبلُ َفقَاَلتْ َهلْ أَدُّل ُكمْ عَلَى أَ ْهلِ بَ ْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ َل ُك ْم وَهُمْ َلهُ نَاصِحُونَ(‪)12‬‬ ‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪)13‬‬ ‫حّ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫ن وَلِ َتعْلَمَ أَ ّ‬ ‫فَرَدَدْنَاهُ إِلَى ُأمّهِ َكيْ َتقَرّ عَيْ ُنهَا وَل تَحْزَ َ‬ ‫خلَ ا ْلمَدِينَةَ عَلَى حِينِ‬ ‫حسِنِينَ(‪ )14‬وَ َد َ‬ ‫حكْما وَعِلْما َوكَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫ش ّد ُه وَاسْ َتوَى آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫وََلمّا َبلَغَ أَ ُ‬ ‫ع ُد ّوهِ‬ ‫جدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ َيقْتَتِلنِ َهذَا مِنْ شِيعَ ِت ِه وَهَذَا مِنْ َ‬ ‫غفْلَةٍ مِنْ أَهِْلهَا َفوَ َ‬ ‫َ‬ ‫__________‬ ‫‪( -1‬عن جنب) أي‪ :‬من مكان جنب أي‪ :‬جانب وناحية قال قتادة‪ :‬تنظر إليه بناحية كأنها ل تريده‪.‬‬

‫( ‪)4/56‬‬ ‫ع َملِ‬ ‫فَاسْ َتغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَ ُد ّوهِ َف َوكَ َزهُ مُوسَى َف َقضَى عَلَ ْيهِ قَالَ هَذَا مِنْ َ‬ ‫غفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ‬ ‫ع ُدوّ ُمضِلّ مُبِينٌ(‪ )15‬قَالَ َربّ إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي فَا ْ‬ ‫الشّ ْيطَانِ إِنّهُ َ‬ ‫الرّحِيمُ(‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وحرمنا عليه المراضع ‪ :‬أي منعناه من قبول ثدي أية مرضعة‪.‬‬ ‫من قبل ‪ :‬أي من قبل رده إلى أمه‪.‬‬ ‫فقالت هل أدلكم على ‪ :‬أي قالت أخت موسى‪.‬‬ ‫أهل بيت يكفلونه لكم ‪ :‬يضمونه إليهم‪ ،‬يرضعونه ويربونه لكم‪.‬‬ ‫وهم له ناصحون ‪ :‬أي لموسى ناصحون‪ ،‬فلما قالوا لها إذا كنت أنت تعريفينه‪ ،‬قالت ل‪ ،‬إنما أعني‬ ‫أنهم ناصحون للملك ل للولد‪.‬‬ ‫فرددناه إلى أمه‪ :‬أي رددنا موسى إلى أمه أي قبلوا اقتراح أخته‪.‬‬ ‫ولتعلم أن وعد ال حق ‪ :‬إذ أوحى إليها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين‪.‬‬ ‫ولكن أكثرهم ل يعلمون ‪ :‬أي أكثر الناس ل يعلمون وعد ال لم موسى ول يعلمون أن الفتاة أخته‬ ‫وأن أمها أمه‪.‬‬ ‫ولما بلغ أشده واستوى ‪ :‬أي ثلثين سنة من عمره فانتهى شبابه وكمل عقله‪.‬‬ ‫آتيناه حكما وعلما ‪ :‬أي وهبناه الحكمة من القول والعمل والعلم بالدين السلمي الذي كان عليه‬ ‫بنو إسرائيل وهذا قبل أن ينبأ ويرسل‪.‬‬ ‫ودخل المدينة ‪ :‬مدينة فرعون وهي مُ ْنفُ بعد أن غاب عنها مدة‪.‬‬ ‫على حين غفلة من أهلها‪ :‬لن الوقت كان وقت القيلولة‪.‬‬

‫هذا من شيعته‪ :‬أي على دينه السلمي‪.‬‬ ‫وهذا من عدوه‪ :‬على دين فرعون والقباط‪.‬‬ ‫هذا من عمل الشيطان ‪ :‬أي هذا الفعل من عمل الشيطان لنه المهيج غضبي‪.‬‬ ‫إنه عدو مضل مبين ‪ :‬أي الشيطان عدو لبن آدم مضل له عن الهدى‪ ،‬مبين ظاهر الضلل‪.‬‬

‫( ‪)4/57‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون‪ :‬إنه بعد أن التقط آل فرعون موسى من النيل وهو‬ ‫رضيع قدموا له المراضع فرفضهن مرضعة بعد أخرى‪ ،‬فاحتار آل فرعون لحبهم لموسى لن ال‬ ‫تعالى ألقى عليه محبة منه فما رآه أحد إل أحبه وهذا معنى قوله تعالى في الية (‪{ )12‬وَحَ ّرمْنَا(‬ ‫علَى َأ ْهلِ بَ ْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ‬ ‫‪ )1‬عَلَ ْيهِ ا ْلمَرَاضِعَ مِنْ قَ ْبلُ} أي قبل رده إلى أمه‪ .‬وقوله‪َ { :‬فقَاَلتْ َهلْ أَدُّلكُمْ َ‬ ‫صحُونَ} هذه أخته وقد أمرتها أمها أن تقص آثار موسى وتتبع أخباره فلما علمت أن‬ ‫َلكُ ْم وَ ُهمْ لَهُ نَا ِ‬ ‫أخاها لم يقبل المراضع وأن القصر في قلق من جراء عدم رضاع موسى تقدمت وقالت ما أخبر‬ ‫ال تعالى به عنها في قوله‪َ { :‬فقَاَلتْ َهلْ أَدُّلكُمْ عَلَى َأ ْهلِ بَ ْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ َلكُمْ} ويرضعونه ويحفظونه‬ ‫حتى تنتهي مدة رضاعته {وَ ُهمْ لَهُ نَاصِحُونَ (‪ })2‬وهنا ارتابوا في أمرها واستنطقوها واتهموها‬ ‫بأنها تعرفه فقالت‪ :‬ل أعرفه‪ ،‬إنما عنيت {وهم له ناصحون} أن أهل هذا البيت ناصحون للملك‬ ‫وهنا استجابوا لها فأتت به أمه فما إن رآها حتى رمى نفسه عليها وأخذ ثديها يمتصه فقالوا لها‪:‬‬ ‫ما سر قبوله هذه المرأة فأجابت‪ :‬بأنها طيبة الريح طيبة اللبن فأذنوا لها في إرضاعه في بيتها‬ ‫فعادت به وهو معنى قوله تعالى {فَرَدَدْنَاهُ(‪ )3‬إِلَى ُأمّهِ َكيْ َتقَرّ عَيْ ُنهَا وَل تَحْزَنَ} أي تفرح وتسر‬ ‫حقّ} إذ وعدها بأنه راده إليها‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وََلكِنّ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫ول تحزن على فراقه‪{ ،‬وَلِ َتعْلَمَ أَ ّ‬ ‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ} أي لكن أكثر الناس ل يعلمون أنها أمه ول أن ال وعدها بأن يرده إليها‪.‬‬ ‫حكْما‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلمّا بََلغَ} أي موسى {َأشُ ّدهُ(‪ })4‬أي اكتمال شبابه وهو ثلثين سنة‪{ .‬آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫وَعِلْما} أي حكمة وهي الصابة في المور {وَعِلْما} فقها في الدين السلمي الذي كان عليه بنو‬ ‫إسرائيل‪ .‬وقوله تعالى { َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْلمُحْسِنِينَ} أي كما جزينا(‪ )5‬أم موسى وولدها موسى‬ ‫نجزي المحسنين وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا التحريم ليس التحريم الشرعي وإنما هو بمعنى المنع فقط لعدم تكليف الطفل وشاهده قول‬ ‫امرئ القيس‪:‬‬ ‫جالت لتصرعني فقلت لها اقصري‬ ‫إني امرؤ صرعي عليك حرام‬

‫والمراضع‪ :‬جمع مرضع بدون تاء إذ ليس في الذكور من يرضع فيفرق بينهما بالتاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬الجملة في محل نصب حالية‪.‬‬ ‫‪ -3‬الفاء للعطف التفريع‪ ،‬إذ قوله تعالى‪( :‬فرددناه إلى أمه) متفرع من قوله (هل أدلكم على أهل‬ ‫بيت) إلى قوله (ناصحون)‪.‬‬ ‫‪ -4‬قال مالك وربيعة شيخه‪ :‬الشد‪ :‬الحلم لقوله تعالى‪( :‬حتى إذا بلغوا النكاح) وهو أول الشد‬ ‫وأقصاه أربع وثلثون سنة‪ .‬واستوى‪ :‬أي‪ :‬بلغ أربعين سنة‪.‬‬ ‫‪ -5‬جزاها على استسلمها لمر ربها وصبرها على فراق ولدها إذ ألقته في اليم وعلى تصديقها‬ ‫بوعد ربها‪ ،‬ومما جزاها به رده ولدها إليها مصحوبا بالتحف والطرف وهي آمنة ووهب ولدها‬ ‫الحكمة والعلم والنبوة‪.‬‬

‫( ‪)4/58‬‬ ‫خلَ ا ْل َمدِينَةَ} أي موسى دخل مدينة مُ ْنفُ(‪ )1‬التي هي مدينة فرعون وكان غائبا فترة‪.‬‬ ‫تعالى‪َ { :‬ودَ َ‬ ‫غفْلَةٍ مِنْ أَهِْلهَا} لن الوقت كان وقت القيلولة { َفوَجَدَ فِيهَا َرجُلَيْنِ َيقْتَتِلنِ هَذَا مِنْ‬ ‫{عَلَى حِينِ َ‬ ‫شِيعَتِهِ} على دين موسى وبني إسرايئل وهو السلم {وَ َهذَا مِنْ عَ ُد ّوهِ} لنه على دين فرعون‬ ‫والقباط وهو الكفر‪{ .‬فَاسْ َتغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ َف َقضَى عَلَ ْيهِ} أي طلب غوثه على الذي من عدوه‬ ‫{ َف َوكَ َزهُ مُوسَى} أي ضربه بجمع كفه { َف َوكَ َزهُ مُوسَى} أي فقلته ودفنه في الرمال‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ضلّ مُبِينٌ} أي هذا قول موسى عليه السلم اعترف بأن‬ ‫ع ُدوّ ُم ِ‬ ‫ع َملِ الشّيْطَانِ إِنّهُ َ‬ ‫{قَالَ َهذَا مِنْ َ‬ ‫ع ُدوّ} للنسان‬ ‫ع َملِ الشّيْطَانِ إِنّهُ َ‬ ‫ضربه القبطي كان من تهيج الشيطان لغضبه فقال‪{ :‬هَذَا مِنْ َ‬ ‫ضلّ} له عن طريق الخير والهدى {مُبِينٌ} أي ظاهر العداوة للنسان والضلل‪.‬‬ ‫{ ُم ِ‬ ‫غفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ} أي دعا موسى‬ ‫ظَل ْمتُ َنفْسِي فَا ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬قَالَ َربّ إِنّي َ‬ ‫غفِرْ لِي}‬ ‫ل فقال‪َ { :‬ربّ} أي يا رب {إِنّي ظََل ْمتُ َنفْسِي} أي بقتلي القبطي {فَا ْ‬ ‫ربه معترفا بخطئه أ ّو ً‬ ‫هذا الخطأ‪ ،‬فاستجاب ال تعالى وغفر له‪ ،‬إنه تعالى هو الغفور لذنوب عباده التأئبين له الرحيم بهم‬ ‫فل يعذبهم بذنب تابوا منه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حسن تدبير ال تعالى في منع موسى من سائر المرضعات حتى يرده إلى أمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حسن رد الفتاة على التهمة التي وجهت إليها وذلك من ولية ال لها وتوفيقه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن وعد ال حق‪ ،‬وأنه تعالى ل يخلف الوعد ول الميعاد‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان إنعام ال على موسى بالحكمة والعلم قبل النبوة والرسالة‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية إغاثة الملهوف ونصرة(‪ )2‬المظلوم‪.‬‬

‫‪ -6‬وجوب التوبة بعد الوقوع في الزلل‪ ،‬وأول التوبة العتراف بالذنب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وقيل‪ :‬منفيس‪ :‬قاعدة مصر الشمالية‪ ،‬وقوله‪( :‬ودخل المدينة) هذا عطف جزء القصة على‬ ‫جزئها السابق وهو من قوله‪( :‬وأوحينا إلى أم موسى) وأين كان موسى؟ قطعا كان غائبا عن‬ ‫المدينة لمر من المور اقتضى غيابه‪.‬‬ ‫‪ -2‬لن نصر المظلوم دِين في الملل كلها وفرض في جميع الشرائع‪.‬‬

‫( ‪)4/59‬‬ ‫ظهِيرا لِ ْل ُمجْ ِرمِينَ(‪ )17‬فََأصْبَحَ فِي ا ْلمَدِي َنةِ خَائِفا يَتَ َر ّقبُ فَإِذَا‬ ‫قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْن َع ْمتَ عََليّ فَلَنْ َأكُونَ َ‬ ‫خهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِ ّنكَ َل َغ ِويّ مُبِينٌ(‪ )18‬فََلمّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ‬ ‫الّذِي اسْتَ ْنصَ َرهُ بِالَْأمْسِ يَسْ َتصْرِ ُ‬ ‫ع ُدوّ َل ُهمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ َتقْتُلَنِي َكمَا قَتَ ْلتَ َنفْسا بِالَْأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلّا أَنْ َتكُونَ‬ ‫بِالّذِي ُهوَ َ‬ ‫سعَى قَالَ‬ ‫جلٌ مِنْ َأ ْقصَى ا ْل َمدِينَةِ َي ْ‬ ‫ض َومَا تُرِيدُ أَنْ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُمصْلِحِينَ(‪ )19‬وَجَاءَ َر ُ‬ ‫جَبّارا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫يَا مُوسَى إِنّ ا ْلمَلَأَ يَأْ َتمِرُونَ ِبكَ لِ َيقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي َلكَ مِنَ النّاصِحِينَ(‪ )20‬فَخَرَجَ مِ ْنهَا خَائِفا‬ ‫يَتَ َر ّقبُ قَالَ َربّ َنجّنِي مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ(‪)21‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بما أنعمت علي ‪ :‬بإنعامك علي بمغفرة ذنبي‪.‬‬ ‫فلن أكون ظهيرا للمجرمين ‪ :‬أي معينا لهل الجرام‪.‬‬ ‫خائفا يترقب ‪ :‬ماذا يحدث من خير أو غيره بعد القتل‪.‬‬ ‫استنصره بالمس ‪ :‬أي طلب نصرته فنصره‪.‬‬ ‫يستصرخه ‪ :‬أي يستغيث به على قبطي آخر‪.‬‬ ‫إنك لغوي مبي ‪ :‬أي لذو غواية وضلل ظاهر‪.‬‬ ‫أن يبطش بالذي هو عدو لهما ‪ :‬أي أن يأخذ الذي هو عدو لموسى والقبطي معا‪.‬‬ ‫إن تريد إل أن تكون جبارا ‪ :‬أي ما تريد إل أن تكون جبارا تضرب وتقتل ول تبالي بالعواقب‪.‬‬ ‫من المصلحين ‪ :‬أي الذين يصلحون بين الناس إذا اختلفوا أو تخاصموا‪.‬‬

‫( ‪)4/60‬‬ ‫وجاء رجل من أقصى المدينة ‪ :‬أي مؤمن آل فرعون أتى من أبعد نواحي المدينة‪.‬‬ ‫إن المل يأتمرون بك ‪ :‬أي يتشاورون ويطلب بعضهم أمر بعض ليقتلوك‪.‬‬ ‫فاخرج إني لك من الناصحين ‪ :‬أي اخرج من هذه البلد إلى أخرى‪.‬‬

‫فخرج منها خائفا يترقب ‪ :‬خائف من القتل يترقب ما يحدث له‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم في الية قبل هذه أن موسى عليه السلم قد قتل قبطيا بطريق الخطأ وأنه اعترف لربه‬ ‫تعالى بخطإه واستغفره‪ ،‬وأن ال تعالى غفر له وأعلمه بذلك بما شاء (‪)1‬من وسائط‪ .‬ولما علم‬ ‫ل ومن ذلك أن يعتزل‬ ‫ظهِيرا لِ ْل ُمجْ ِرمِينَ} مستقب ً‬ ‫موسى بمغفرة ال تعالى له عاهده بأن ل يكون { َ‬ ‫فرعون وملئه لنهم ظالمون مجرمون فقال‪:‬‬ ‫{ َربّ ِبمَا أَ ْن َع ْمتَ عََليّ} أي بمغفرتك لي خطإي(‪ )2‬وذلك بالنظر إلى إنعامك علي بالمغفرة أعاهدك‬ ‫ظهِيرا لِ ْلمُجْ ِرمِينَ(‪ })3‬هذا ما دلت عليه الية (‪ )17‬أي الولى في هذا السياق وهي‬ ‫أن ل أكون { َ‬ ‫ظهِيرا ِل ْلمُجْ ِرمِينَ} وقوله تعالى‪{ :‬فََأصْبَحَ فِي‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬قَالَ َربّ ِبمَا أَ ْن َعمْتَ عََليّ فَلَنْ َأكُونَ َ‬ ‫ا ْلمَدِينَةِ خَائِفا يَتَ َر ّقبُ} أي فأصبح موسى في مدينة (منف) عاصمة المملكة الفرعونية {خَائِفا} مما‬ ‫قد يترتب على قتله القبطي {يَتَ َر ّقبُ} الحداث ماذا تسفر عنه؟ {فَإِذَا الّذِي اسْتَ ْنصَ َرهُ بِالَْأمْسِ} وهو‬ ‫خهُ} أي يستغيثه بأعلى صوته فنظر إليه موسى‬ ‫السرائيلي الذي طلب نصرته أمس { يَسْ َتصْرِ ُ‬ ‫وأقبل عليه ليخلصه قائلً‪{ :‬إِ ّنكَ َل َغ ِويّ مُبِينٌ} أي لذو غواية بينة والغواية الفساد في الخلق والدين‬ ‫ع ُدوّ َل ُهمَا}‬ ‫لنك أمس قاتلت واليوم تقاتل أيضا‪ { .‬فََلمّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ} أي موسى {بِالّذِي ُهوَ َ‬ ‫وهو القبطي قال السرائيلي {أَتُرِيدُ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يرى بعضهم أن موسى لم يعلم بمغفرة ال تعالى له لنه لم يكن قد نُبّئ بعد وجعل جملة‬ ‫(فغفر له) معترضة وقوله‪( :‬بما أنعمت عليّ) بالهداية والحكمة والعلم ل بالمغفرة لنه لم يعلم بها‪.‬‬ ‫وما في التفسير أظهر وأولى بالسياق‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن قتل موسى للقبطي كان قطعا خطأ‪ ،‬روى مسلم عن سالم بن عبد ال أنه قال‪ :‬يا أهل‬ ‫العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة لما سمعت أبي عبد ال بن عمر يقول‪ :‬سمعت‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إن الفتنة تجيء من ها هنا و أومأ بيده نحو المشرق – من‬ ‫حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض‪ ،‬وإنما قتل موسى الذي قتل من آل‬ ‫فرعون خطأ فقال ال عز وجل‪( :‬وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا)‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال ابن عباس‪ :‬لم يستثن فابتلي من ثاني يوم‪ .‬هذا إن قلنا‪ :‬إن كلمه كان خبرا ل دُعاءً إذ‬ ‫الدعاء ل يجوز الستثناء فيه ل يقال‪ :‬ارحمني إن شئت‪.‬‬

‫( ‪)4/61‬‬ ‫أَنْ َتقْتُلَنِي َكمَا قَتَ ْلتَ َنفْسا بِالَْأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلّا أَنْ َتكُونَ جَبّارا فِي الْأَ ْرضِ} أي تضرب وتقبل كما‬ ‫تشاء ول تخاف عقوبة ذلك { َومَا تُرِيدُ أَنْ َتكُونَ مِنَ ا ْل ُمصْلِحِينَ} الذين يصلحون بين المتخاصمين‬

‫قال السرائيلي هذا لنه جبان خاف من هجمة موسى ظانا أنه يريده هو لما قدم له من القول {إِ ّنكَ‬ ‫َل َغ ِويّ مُبِينٌ} فلما سمع القبطي ما قال مقاتله السرائيلي نقلها إلى القصر وكان من عماله فاجتمع‬ ‫رجال القصر برئاسة فرعون يتداولون القضية وينظرون إلى ظروفها ونتائجها وما يترتب عليها‬ ‫وكان من جملة رجال المؤتمر مؤمن آل فرعون(‪( )1‬حزقيل) وكان مؤمنا يكتم إيمانه فأتى موسى‬ ‫سرا ليخبره بما يتم حياله وينصح له بالخروج من البلد وهو ما جاء في قوله تعالى في الية (‬ ‫جلٌ مِنْ َأ ْقصَى ا ْلمَدِي َنةِ} من أبعدها فإن قصر الملك كان في طرف‬ ‫‪ )20‬من هذا السياق {وَجَاءَ رَ ُ‬ ‫سعَى } فمشى بسرعة وجدّ وانتهى إلى موسى فقال {يَا‬ ‫المدينة وهي مدينة فرعون (مُ ْنفُ) {يَ ْ‬ ‫صحِينَ} قال تعالى‪{ :‬فَخَرَجَ مِ ْنهَا} أي‬ ‫مُوسَى إِنّ ا ْلمَلَأَ يَأْ َتمِرُونَ ِبكَ لِ َيقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي َلكَ مِنَ النّا ِ‬ ‫من بلد فرعون {خَائِفا يَتَ َر ّقبُ} خائفا من القتل يترقب الطلب وماذا سيحدث له من نجاة أو خلفه‬ ‫ودعا ربه عز وجل قائل‪:‬‬ ‫{ َربّ نَجّنِي مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ} أي من فرعون وملئه أولً ومن كل ظالم ثانيا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬شكر النعم‪ ،‬فموسى لما غفر ال له شكره بأن تعهد له أن ل يقف إلى جنب مجرم(‪ )2‬أبدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬سوء صحبة الحمق الغوي فإن السرائيلي لغوايته وحمقه هو الذي سبب متاعب موسى‪.‬‬ ‫‪ -3‬لزوم إبلغ الدولة عن أهل الفساد والشر في البلد لحمايتها‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب النصح وبذل النصيحة فمؤمن آل فرعون يعلم سلمة موسى من العيب ومن الجريمة‬ ‫فتعين له أن‬ ‫ينصح موسى بمغادرة البلد لينجو إن شاء ال وليس هذا من باب خيانة البلد والدولة‪ ،‬لن‬ ‫موسى من أهل الكمال وما حدث عنه كان من باب الخطأ فرفده ومد إليه اليد إنقاذا من موت‬ ‫متعين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وقيل‪ :‬اسمه شمعان‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬ل يعرف شمعان بالشين إل مؤمن آل فرعون‪ ،‬قال‬ ‫الثعلبي‪ :‬كان ابن عم فرعون‪.‬‬ ‫‪ -2‬روي عن عطاء‪ ،‬قيل له‪ :‬إن أخا لي يأخذ بقلمه وإنما يحسب ما يدخل وما يخرج وله عيال‬ ‫ولو ترك ذلك لحتاج وأدان فقال‪ :‬من الرأس؟ قال‪ :‬خالد بن عبد ال القسري‪ :‬قال‪ :‬أما تقرأ ما‬ ‫قال العبد الصالح‪( :‬رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) وقال عطاء‪ :‬فل يحل لحد‬ ‫أن يعين ظالما ول يكتب له ول يصحبه‪ ،‬وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين‪،‬‬ ‫وفي الحديث‪" :‬ينادي مناد يوم القيامة‪ :‬أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لق لهم‬ ‫دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى بهم في جهنم" لق الدواة‪ :‬أصلحها‪.‬‬

‫( ‪)4/62‬‬ ‫‪ -1‬الخوف الطبيعي ل يلم عليه فموسى عليه السلم قد خاف(‪ )1‬خوفا أدى به إلى اللتجاء إلى‬ ‫ربه بالدعاء‬ ‫فدعاه واستجاب له ول الحمد والمنة‪.‬‬ ‫جدَ عَلَيْهِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سوَاءَ السّبِيلِ(‪ )22‬وََلمّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَ َ‬ ‫عسَى رَبّي أَنْ َي ْهدِيَنِي َ‬ ‫وََلمّا َت َوجّهَ تِ ْلقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ َ‬ ‫صدِرَ‬ ‫سقِي حَتّى ُي ْ‬ ‫خطْ ُب ُكمَا قَالَتَا ل نَ ْ‬ ‫جدَ مِنْ دُو ِنهِمُ امْرَأَتَيْنِ َتذُودَانِ قَالَ مَا َ‬ ‫سقُونَ َووَ َ‬ ‫ُأمّةً مِنَ النّاسِ يَ ْ‬ ‫ظلّ َفقَالَ َربّ إِنّي ِلمَا أَنْزَ ْلتَ إَِليّ مِنْ خَيْرٍ‬ ‫سقَى َل ُهمَا ثُمّ َتوَلّى إِلَى ال ّ‬ ‫الرّعَا ُء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(‪َ )23‬ف َ‬ ‫سقَيْتَ لَنَا‬ ‫حدَا ُهمَا َتمْشِي عَلَى اسْ ِتحْيَاءٍ قَاَلتْ إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِ َيجْزِ َيكَ أَجْرَ مَا َ‬ ‫َفقِيرٌ(‪َ )24‬فجَاءَتْهُ إِ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولما توجه تلقاء مدين ‪ :‬أقبل بوجهه جهة مدين التي هي مدينة شعيب‪.‬‬ ‫عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ‪ :‬أرجو ربي أن يهديني وسط الطريق حتى ل أضل فأهلك‬ ‫فاستجاب ال له وهداه إلى سواء السبيل ووصل مدين‪.‬‬ ‫ولما ورد ماء مدين ‪ :‬انتهى إلى بئر يسقى منها أهل مدين‪.‬‬ ‫يسقون ‪ :‬أي مواشيهم من بقر وإبل وغنم‪.‬‬ ‫تذودان ‪ :‬أي أغنامهما منعا لهما من الماء حتى تخلو الساحة لهما خوف الختلط بالرجال‬ ‫الجانب لغير ضرورة‪.‬‬ ‫قال ما خطبكما ‪ :‬قال موسى للمرأتين اللتين تذودان ما خطبكما أي ما شأنكما‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬من قوله‪( :‬فأصبح في المدينة خائفا يترقب)‪.‬‬

‫( ‪)4/63‬‬ ‫حتى يصدر الرعاء ‪ :‬ل نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء ويبقى لنا الماء وحدنا‪.‬‬ ‫ثم تولى إلى الظل ‪ :‬أي بعد أن سقى لهما رجع إلى ظل الشجرة التي كان جالسا تحتها‪.‬‬ ‫لما أنزلت علي من خير فقير‪ :‬أي من طعام(‪ )1‬محتاج إليه لشدة جوعه عليه السلم‪.‬‬ ‫تمشي على استحياء ‪ :‬أي واضعة كم درعها على وجهها حياء منه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في شأن موسى عليه السلم بعد حادثة القتل والنصح له بمغادرة بلد مصر إلى‬ ‫بلد(‪ )2‬مدين مدينة شعيب عليه السلم قال تعالى مخبرا عنه‪{ :‬وََلمّا َتوَجّهَ تِ ْلقَاءَ َمدْيَنَ} أي ولما‬

‫توجه موسى عمل بنصيحة مؤمن آل فرعون تلقاء مدين أي نحوها وجهتها ولم يكن له علم‬ ‫سوَاءَ السّبِيلِ}‬ ‫بالطريق الصحراوي والمسافة مسيرة ثمانية أيام قال‪{ :‬عَسَى رَبّي أَنْ َيهْدِيَنِي(‪َ )3‬‬ ‫أي ترجّى ربه سبحانه وتعالى أن يهديه الطريق السوي حتى ل يضل فيهلك‪ ،‬واستجاب ال له‬ ‫فهداه الطريق حتى وصل إلى بلد مدين وقوله تعالى في الية الثانية من هذا السياق (‪{ )23‬وََلمّا‬ ‫سقُونَ} أي وحين(‪ )4‬ورد ماء مدين وهو بئر يسقي منها الناس مواشيهم {وَجَدَ‬ ‫وَرَدَ مَاءَ َمدْيَنَ يَ ْ‬ ‫عَلَيْهِ} أي على الماء {ُأمّةً مِنَ النّاسِ} أي جماعة كبيرة يسقون أنعامهم ومواشيهم { َووَجَدَ مِنْ دُو ِنهِمُ‬ ‫امْرَأَتَيْنِ} وهما بنتا شعيب عليه السلم { َتذُودَانِ} أي تمنعان ماشيتهما من الختلط بمواشي الناس‪.‬‬ ‫ل وإنما حالهما دعاه إلى سؤالهما لنه رأى الناس يسقون مواشيهم ويصدرون فوجا‬ ‫فسألهما ل تطف ً‬ ‫بعد فوج والمرأتان قائمتان على ماشيتهما تذودانها عن الحوض حتى ل تختلط ول تشرب فسألهما‬ ‫سقِي حَتّى ُيصْدِرَ الرّعَاءُ} لضعفنا‬ ‫خطْ ُب ُكمَا} أي ما شأنكما فأجابتاه قائلتين‪{ :‬ل نَ ْ‬ ‫لذلك قائلً‪{ :‬مَا َ‬ ‫وعدم رغبتنا في الختلط بالرجال { َوأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ل يقوى على سقي هذه الماشية بنفسه فنحن‬ ‫نسقيها ولكن بعد ما يصدر الرعاء ويبقى في الحوض ماء‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬من طعام تفسير لقوله من خير‪ ،‬ومحتاج تفسير لقوله‪( :‬فقير)‪.‬‬ ‫‪ -2‬لن بها العبد الصالح شعيب‪ ،‬وقيل‪ :‬لجل النسب الذي بينه وبينهم لن مدين من ولد إبراهيم‪،‬‬ ‫وموسى ومن ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬روي أن ال تعالى بعث إليه ملكا راكبا فرسا فقال‪ :‬اتبعني فاتبعه فهداه إلى الطريق وكان ملك‬ ‫مدين لغير فرعون‪.‬‬ ‫‪ -4‬أي‪ :‬بلغها ووصل إليها ومنه قول زهير‪:‬‬ ‫فلما وردن الماء زرقا جمامه‬ ‫وضعن عصي الحاضر المتخيّم‬

‫( ‪)4/64‬‬ ‫ظلّ َفقِيرٌ} الذي كان جالسا تحته وهو‬ ‫نسقي به‪ ،‬فلما عذرهما سقى لهما ماشيتهما { ُثمّ َتوَلّى ِإلَى ال ّ‬ ‫ظل شجرة وهو شجر صحراوي معروف يقال السمر‪ ،‬ولما تولى إلى الظل سأل ربه الطعام لشدة‬ ‫جوعه إذ خرج من مصر بل زاد ول دليل ولول حسن(‪ )1‬ظنه في ربه لما خرج هذا الخروج‬ ‫فقال‪َ { :‬ربّ إِنّي ِلمَا أَنْزَ ْلتَ إَِليّ مِنْ خَيْرٍ} أي(‪ )2‬طعام { َفقِيرٌ} أي محتاج إليه شدة الحتياج‪ .‬وفي‬ ‫أقرب ساعة وصلت البنتان إلى والدهما فسألهما عن سبب عودتهما بسرعة فأخبرتاه‪ ،‬فقال‬ ‫سقَيْتَ لَنَا} وهو معنى قوله تعالى‬ ‫لحداهما اذهبي إليه وقولي له‪{ :‬إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِ َيكَ أَجْرَ مَا َ‬ ‫{ َفجَاءَتْهُ ِإحْدَا ُهمَا} استجابة ال له { َتمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} واضعة كم درعها على وجهها حياء‪ .‬وقد‬

‫قال فيها عمر رضي ال عنه إنها ليست سلفعا(‪ )3‬من النساء خرّاجة ولّجة‪ ،‬وبلغت الرسالة‬ ‫المختصرة وكأنها برقية ونصها ما أخبر ال تعالى به في قوله‪{ :‬إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِ َيكَ َأجْرَ مَا‬ ‫سقَ ْيتَ لَنَا}!! وقد ورد أنها لما كانت تمشي أمامه تدله على الطريق هبت الريح فكشفت ساقيها قال‬ ‫َ‬ ‫لها موسى‪ :‬امشي ورائي ودليني على الطريق بحصى ترميها نحو الطريق وهذا الذي دلها على‬ ‫أمانته لما وصفته لبيها بأنه { َق ِويّ َأمِينٌ} كما سيأتي فيما بعد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب حسن الظن بال تعالى وقوة الرجاء فيه عز وجل والتوكل عليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل الحياء وشرف المؤمنات اللئي يتعففن عن الختلط بالرجال‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مروءة موسى في سقيه للمرأتين‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل الدعاء وسؤال ال تعالى ما العبد في حاجة إليه‪.‬‬ ‫‪ -5‬ستر الوجه عن الجانب سنة المؤمنات من عهد قديم وليس كما يقول المبطلون هو عادة‬ ‫جاهلية‪ ،‬فبنتا‬ ‫شعيب نشأتا في دار النبوة والطهر والعفاف وغطت إحداهما وجهها عن موسى حيا ًء وتقوى‪.‬‬ ‫ج ْوتَ مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ(‪ )25‬قَاَلتْ ِإحْدَا ُهمَا‬ ‫خفْ نَ َ‬ ‫فََلمّا جَا َءهُ َوقَصّ عَلَ ْيهِ ا ْل َقصَصَ قَالَ ل تَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وتوكله على ربه عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬لفظ الخير يطلق عدة إطلقات فقد أطلق على الطعام كما هنا وأطلق على العبادة كما في‬ ‫قوله‪( :‬فعل الخيرات) وعلى القوة في قوله (أهم خير أم قوم تبع) وعلى المال في قوله (وإنه لحبّ‬ ‫الخير لشديد)‪.‬‬ ‫‪ -3‬السلفع من النساء‪ :‬الجريئة على الرجال‪.‬‬

‫( ‪)4/65‬‬ ‫حدَى ابْنَ َتيّ‬ ‫حكَ إِ ْ‬ ‫يَا أَ َبتِ اسْتَ ْأجِ ْرهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَ ْأجَ ْرتَ ا ْلقَ ِويّ الَْأمِينُ(‪ )26‬قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُ ْن ِك َ‬ ‫جدُنِي‬ ‫علَ ْيكَ سَتَ ِ‬ ‫ك َومَا أُرِيدُ أَنْ َأشُقّ َ‬ ‫هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَ ْأجُرَنِي َثمَا ِنيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَ ْت َم ْمتَ عَشْرا َفمِنْ عِ ْن ِد َ‬ ‫ي وَاللّهُ‬ ‫إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ(‪ )27‬قَالَ ذَِلكَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ أَ ّيمَا الْأَجَلَيْنِ َقضَ ْيتُ فَل عُ ْدوَانَ عََل ّ‬ ‫عَلَى مَا َنقُولُ َوكِيلٌ(‪)28‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقص عليه القصص ‪ :‬أخبره بشأنه كله من قتله القبطي وطلب السلطة له ونصح المؤمن له‬ ‫بمغادرة البلد ووصوله إلى ماء مدين‪.‬‬

‫ل تخف نجوت من القوم الظالمين ‪ :‬أي من فرعون وملئه إذ ل سلطان لهم على بلد مدين‪.‬‬ ‫يا أبت استأجره ‪ :‬أي اتخذه أجيرا يرعى لنا الغنم بدلنا‪.‬‬ ‫القوي المين ‪ :‬ذكرت له كفاءته وهي القوة البدنية والمانة‪.‬‬ ‫على أن تأجرني ثماني حجج ‪ :‬أي ثماني سنوات إذ الحجة عام والجمع حجج‪.‬‬ ‫فإن أتممت عشرا فمن عندك ‪ :‬أي جعلت الثمانية عشرا فرغبت عشرا فهذا من كرمك‪.‬‬ ‫قال ستجدني إن شاء ال من الصالحين‪ :‬أي الذين يوفون ول ينقضون ول ينقصون‪.‬‬ ‫ذلك بيني وبينك ‪ :‬أنا أفي بشرطي وأنت تفي بشرطك‪.‬‬ ‫أيما الجلين قضيت ‪ :‬أي الجلين الثمانية أو العشرة أتممت‪.‬‬ ‫فل عدوان علي ‪ :‬وذلك بطلب الزيادة فوق الثمانية أو فوق العشرة‪.‬‬

‫( ‪)4/66‬‬ ‫وال على ما نقول وكيل ‪ :‬أي وكيل وحفيظ أي أشهد ال على العقد بشطريه أي النكاح ورعي‬ ‫الغنم وبذلك تم العقد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ما تم بين موسى وابنتي شعيب من السقي لهما ومجيء إحداهما تبلغه‬ ‫صصَ(‬ ‫علَيْهِ ا ْل َق َ‬ ‫رسالة والدها ومشيه معها وقوله تعالى {فََلمّا جَا َءهُ} أي جاء موسى شعيبا { َو َقصّ َ‬ ‫‪ })1‬أي أخبره بشأنه كله من قتله القبطبي خطأ وطلب السلطات له ونصح مؤمن آل فرعون له‬ ‫ج ْوتَ مِنَ ا ْلقَوْمِ‬ ‫خفْ َن َ‬ ‫بالخروج من البلد‪ ،‬ووصوله إلى ماء مدين قال له شعيب عندئد {ل َت َ‬ ‫الظّاِلمِينَ} يعني فرعون وحكومته وهذا ما يعرف الن باللجوء السياسي فأمنه على نفسه لن‬ ‫فرعون ل سلطان له على(‪ )2‬هذه البلد‪.‬‬ ‫وقال له شعيب‪ :‬اجلس تعش معنا فقال موسى أخاف أن يكون عوضا عما سقيت لبنتيك ما‬ ‫شيتهما وإني لمن أهل بيت ل يطلبون على عمل الخير عوضا فقال له شعيب ل ليس هذا بأجر‬ ‫على سقيك وإنما عادتنا أن نقري الضيف ونطعم الطعام فأكل ولم ير بذلك بأسا‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{قَاَلتْ ِإحْدَا ُهمَا يَا أَ َبتِ اسْتَأْجِ ْرهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَ ْرتَ ا ْل َق ِويّ الَْأمِينُ} يروى أنها لما قالت {إِنّ خَيْرَ(‬ ‫‪ )3‬مَنِ اسْتَأْجَ ْرتَ ا ْل َق ِويّ الَْأمِينُ} أثارت حفيظته بهذه الكلمة فسألها‪ :‬كيف علمت ذلك فذكرت له‬ ‫عن القوة في سقيه(‪ )4‬لهما وعن المانة في عض بصره عن النظر إليها‪ ،‬فصدقها شعيب وقال‬ ‫حكَ} أي أزوجك {ِإحْدَى ابْنَ َتيّ هَاتَيْنِ}( ‪ { )5‬عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي َثمَا ِنيَ(‪)6‬‬ ‫لموسى‪{ :‬إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُ ْنكِ َ‬ ‫عشْرا َفمِنْ عِنْ ِدكَ} أي إحسانا منك‬ ‫حجَجٍ} أي سنين جمع حجة وهي(‪ )7‬السنة وقوله {فَإِنْ أَ ْت َم ْمتَ َ‬ ‫ِ‬ ‫وكرما‪َ { ،‬ومَا أُرِيدُ أَنْ َأشُقّ عَلَ ْيكَ} بطلب العشرة‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬التعريف في‪( :‬القصص) عوضا عن المضاف إليه أو هي للعهد أي‪ :‬القصص المذكور آنفا‪.‬‬ ‫‪ -2‬إذ السلطان للكنعانيين وهم أهل بأس وشدة ونجدة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الجملة تعليلية لجملة الشارة عليه بالستئجار‪.‬‬ ‫‪ -4‬قال بعض أهل العلم‪ :‬وضفته بالقوة لنه زاحم الرعاء وغلبهم وهم يزدحمون على الماء حتى‬ ‫سقى‪ ،‬وقيل كانت على البئر صخرة ل يرفعها إل العدد من الناس فرفعها موسى وحده‪.‬‬ ‫‪ -5‬الشارة إلى المرأتين اللتين سقى لهما سواء كانتا حاضرتين في المجلس أو ذهن موسى‪.‬‬ ‫‪ -6‬هذا جمع عقد النكاح مع عقد الجارة‪ .‬والمشهور من عند الفقهاء أن الشرط المقارن لعقد‬ ‫النكاح إن كان مما ينافي عقد النكاح فهو باطل ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده ويلغى الشرط‬ ‫المنافي للنكاح‪ ،‬وأما الشرط غير المنافي للنكاح فهو جائز ول حرج فيه لقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫في الصحيح‪" :‬أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج"‪.‬‬ ‫‪ -7‬مشتقة من اسم الحج‪ ،‬لن الحج يقع كل سنة‪ ،‬وموسم الحج يقع في آخر شهر من السنة‪.‬‬

‫( ‪)4/67‬‬ ‫{سَ َتجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ} أي الذين يوفون بعهودهم قال موسى ردا على كلمه {ذَِلكَ‬ ‫بَيْنِي وَبَيْ َنكَ} أنا عليّ أن أفي بما اشترطت عليّ وأنت عليك أن تفي بما اشترطت لي على نفسك‬ ‫{أَ ّيمَا الَْأجَلَيْنِ(‪ })1‬الثمانية أو العشرة { َقضَ ْيتُ} أي وفيت وأديت {فَل عُ ْدوَانَ عََليّ} أي بطلب‬ ‫الزيادة على الثمانية ول على العشرة‪ .‬فقال شعيب‪ :‬نعم {وَاللّهُ عَلَى مَا َنقُولُ َوكِيلٌ} فأشهد ال‬ ‫تعالى على صحة(‪ )2‬العقد وبذلك أصبح موسى زوجا لبنة شعيب التي عيّنها له والغالب أنها‬ ‫الكبرى التي شهدت له بالمانة والقوة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تجلى كرم شعيب ومروءةه وشهامته في تطمين موسى وإكرامه وإيوائه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الكفاءة شرط في العمل ول أفضل من القوة وهي القدرة البدنية والعلمية والمانة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية عرض الرجل ابنته على من يرى صدقه وأمانته ليزوجه بها‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية إشهاد ال تعالى على العقود بمثل {وَاللّهُ عَلَى مَا َنقُولُ َوكِيلٌ}‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة موسى عليه السلم بإيجار نفسه على شبع بطنه وإحصان فرجه‪.‬‬ ‫ستُ نَارا‬ ‫ل وَسَارَ بَِأهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَا ِنبِ الطّورِ نَارا قَالَ لِأَهِْلهِ ا ْمكُثُوا إِنّي آنَ ْ‬ ‫جَ‬ ‫فََلمّا َقضَى مُوسَى الْأَ َ‬ ‫طئِ ا ْلوَادِ‬ ‫ج ْذ َوةٍ مِنَ النّارِ َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ(‪ )29‬فََلمّا أَتَاهَا نُو ِديَ مِنْ شَا ِ‬ ‫َلعَلّي آتِيكُمْ مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ َأوْ َ‬ ‫عصَاكَ‬ ‫الْأَ ْيمَنِ فِي الْ ُب ْقعَةِ ا ْلمُبَا َركَةِ مِنَ الشّجَ َرةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنّي أَنَا اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )30‬وَأَنْ أَ ْلقِ َ‬ ‫فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ كَأَ ّنهَا‬

‫__________‬ ‫‪( -1‬أيما) أي‪ :‬اسم موصول مبهم وهو منصوب بـ (قضيت) وزيدت بعده (ما) لتأكيد الكلم‪،‬‬ ‫ولتصير أيّ شبيهة باسم الشرط ولذا أجيب بجملة (فل عدوان علي) وهي مقرونة بالفاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬اكتفى شعيب وموسى بإشهاد ال تعالى فهل يصح في السلم بدون إشهاد؟ الجمهور على‬ ‫عدم صحته بل ل بد من الشهاد عليه وهو كذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/68‬‬ ‫خفْ إِ ّنكَ مِنَ الْآمِنِينَ(‪ )31‬اسُْلكْ يَ َدكَ فِي جَيْ ِبكَ‬ ‫ن وَلّى مُدْبِرا وََلمْ ُي َعقّبْ يَا مُوسَى َأقْ ِبلْ وَل تَ َ‬ ‫جَا ّ‬ ‫عوْنَ‬ ‫حكَ مِنَ الرّ ْهبِ فَذَا ِنكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَ ّبكَ إِلَى فِرْ َ‬ ‫ضمُمْ إِلَ ْيكَ جَنَا َ‬ ‫تَخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُو ٍء وَا ْ‬ ‫سقِينَ(‪)32‬‬ ‫َومَلَِأهِ إِ ّن ُهمْ كَانُوا َقوْما فَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قضى موسى الجل ‪ :‬أتم المدة المتفق عليها وهي ثمان أو عشر سنوات‪.‬‬ ‫آنس ‪ :‬أبصر‪.‬‬ ‫أوجذوة من النار ‪ :‬عود غليظ في رأسه نار‪.‬‬ ‫لعلكم تصطلون ‪ :‬أي تستدفئون‪.‬‬ ‫نودي ‪ :‬أي ناداه ال تعالى بقوله يا موسى إني أنا ال رب العالمين‪.‬‬ ‫في البقعة المباركة ‪ :‬قطعة الرض التي عليها الشجرة الكائنة بشاطئ الوادي‪.‬‬ ‫تهتز كأنها جان ‪ :‬تضطرب وتتحرك بسرعة كأنها حية من حيات البيوت‪.‬‬ ‫ولى مدبرا ولم يعقب ‪ :‬رجع هاربا ولم يعقب لخوفه وفزعه منها‪.‬‬ ‫اسلك يدك في جيبك ‪ :‬أدخلها في جيب قميصك‪.‬‬ ‫من غير سوء ‪ :‬أي عيب كبرص ونحوه‪.‬‬ ‫واضمم إليك جناحك من الرهب ‪ :‬اضمم يدك بأن تضعها على صدرك ليذهب روعك‪.‬‬ ‫فذانك برهانان ‪ :‬أي آيتان من ربك على صدق رسالتك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في قصص موسى وهو في طريقه بتدبير ال تعالى إلى مصر‪ ،‬إنه لما‬

‫( ‪)4/69‬‬ ‫قضى الجل الذي تعاقد عليه مع صهره شعيب وقد أتم خير الجلين وأوفاهما وهو العشر حجج‬ ‫قفل(‪ )1‬ماشيا بأهله زوجته وولده في طريقه إلى مصر لزيارة والدته وإخوته حدث أن ضل‬

‫الطريق ليل‪ ،‬وكان الفصل شتاء والبرد شديد فإذا به يأنس {مِنْ جَا ِنبِ الطّورٍِ} أي جبل الطور‬ ‫ستُ} أي أبصرت {نَارا} سأذهب إليها {َلعَلّي آتِيكُمْ مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ}‬ ‫{نَارا} فقال لهله امكثوا هنا {إِنّي آ َن ْ‬ ‫إذ قد أجد عندها من يدلنا على الطريق أو آتيكم بجذوة(‪ )2‬من النار أي خشبة في رأسها نار‬ ‫مشتعلة {َلعَّلكُمْ َتصْطَلُونَ} أي من أجل اصطلئكم بها أي استدفائكم بها‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية (‬ ‫طئِ‬ ‫‪ )29‬وقوله تعالى في الية الثانية {فََلمّا أَتَاهَا} أي أتى النار {نُو ِديَ} أي ناداه مناد {مِنْ(‪ )3‬شَا ِ‬ ‫ا ْلوَادِ الْأَ ْيمَنِ(‪ )4‬فِي الْ ُبقْعَةِ ا ْلمُبَا َركَةِ مِنَ الشّجَ َرةِ أَنْ يَا مُوسَى} أي ناداه ربه {يَا مُوسَى إِنّي أَنَا اللّهُ‬ ‫عصَاكَ} فألقاها فاهتزت واضطربت وتحركت بسرعة {كَأَ ّنهَا جَانّ} أي‬ ‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} { وَأَنْ أَلْقِ َ‬ ‫حية عظيمة من الحيات المعروفة بالجنّان {وَلّى مُدْبِرا وَلَمْ ُي َع ّقبْ} أي فزع منها فرجع من الفزع‬ ‫إلى الوراء {وََلمْ ُي َعقّبْ} أي ولم يرجع إليها من الرعب‪ ،‬فقال له ربه تعالى {َأقْ ِبلْ} أي على العصا‬ ‫خفْ إِ ّنكَ مِنَ الْآمِنِينَ} أي الذي آمنهم ربهم فل يخافون شيئا‪.‬‬ ‫{وَل تَ َ‬ ‫وقال له بعد أن رجع {اسُْلكْ َي َدكَ فِي جَيْ ِبكَ تَخْرُجْ بَ ْيضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي أدخل يدك في جيب‬ ‫قميصك وهو الشق الذي يدخل معه الرأس في الثوب ليلبس وقوله { َتخْرُجْ } أي اليد { بَ ْيضَاءَ}‬ ‫حكَ} أي يدك مع العضد إلى صدرك‬ ‫ضمُمْ إِلَ ْيكَ جَنَا َ‬ ‫كالنور {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي برص أو نحوه { وَا ْ‬ ‫{مِنَ الرّ ْهبِ(‪ })5‬أي الخوف فإن يذهب عنك بحيث تعود يدك عادية ل نور فيها كما كانت من قبل‬ ‫إدخالها في جيبك أول‪.‬‬ ‫ثم قال تعالى له‪{ :‬فَذَا ِنكَ (‪ })6‬أي العصا واليد البيضاء‪{ .‬بُرْهَانَانِ مِنْ رَ ّبكَ} أي آيتان‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يقال‪ :‬قفل راجعا أي‪ :‬من سفره إلى أهله‪ :‬والقافلة ‪ :‬الجماعة العائدة من السفر‪ :‬ويقال لها‬ ‫القافلة وهي في بدء سفرها تفاؤل بالعودة السليمة لها وموسى عليه السلم قفل من رحلته إلى‬ ‫بلده‪.‬‬ ‫‪ -2‬الجذوة مثلثة الجيم ضما وفتحا وكسرا‪ :‬الجمرة الملتهبة‪ ،‬والجمع جذا مثلثة الجيم أيضا‪.‬‬ ‫‪( -3‬من) ابتدائية وكذا من الشجرة إذ من الشجرة بدل اشتمال من قوله (من شاطئ الوادي)‬ ‫وشاطئ الوادي وشطه جانبه‪ ،‬والجمع‪ :‬شطآن وشواطئ‪.‬‬ ‫‪( -4‬اليمن) أي‪ :‬عن يمين موسى‪ ،‬والبعقة والجمع بقع‪ :‬المكان من الرض وإن فتحت باؤها‬ ‫جمعت على بقاع كجفنة وجفان وأما بالضم فهي كغرفة وغرف‪ ،‬و (من الشجرة) أي‪ :‬من‬ ‫ناحيتها‪ ،‬وهل الشجرة من سمر أو عليق‪( :‬عوسج) ال أعلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬قرأ الجمهور‪( :‬الرهب) بفتح الراء والهاء وقرأ بعضٌ بضم الراء وسكون الهاء‪( :‬الرّهب)‬ ‫وقرأ عاصم بفتح الراء وسكون الهاء (الرّهب) ‪.‬‬ ‫‪( -6‬فذانك) بتخفيف النون لغة قريش وبتشديدها مع مدها وتخفيفها مع مدها (فذانيك) لغة هذيل‪.‬‬

‫( ‪)4/70‬‬

‫تدلن على رسالتك المرسل بها إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين خارجين عن طاعة ال‬ ‫حيث كفروا به وعبدو غيره وظلموا عباده‪ ،‬لتدعوهم إلى اليمان بال وعبادته وإرسال بني‬ ‫إسرائيل معك لتذهب بهم إلى أرض المعاد أي فلسطين وما حولها من أرض الشام‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬النبياء أوفياء فموسى قضى أوفى الجلين وأتمها وهو العشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية السفر بالهل وقد يحصل للمرء أنه يضل الطريق أو يحتاج إلى شيء ويصبر‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل تلك البقعة التي كلم ال تعالى فيها موسى عليه السلم وهي من جبل الطور‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية حمل العصا ل سيما للمسافر وراعي ماشية أو سائقها‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية التدريب على السلح قبل استعماله‪.‬‬ ‫‪ -6‬ل يلم على الخوف الطبيعي‪.‬‬ ‫‪ -7‬آية العصا واليد‪.‬‬ ‫‪ -8‬من خاف‪ ،‬وضع يده على صدره زال خوفه إن شاء ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -9‬التنديد بالفسق وأهله‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ إِنّي قَتَ ْلتُ مِ ْنهُمْ َنفْسا فََأخَافُ أَنْ َيقْتُلُونِ(‪ )33‬وَأَخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي لِسَانا فَأَرْسِ ْلهُ‬ ‫ج َعلُ َل ُكمَا سُ ْلطَانا فَل‬ ‫ك وَنَ ْ‬ ‫عضُ َدكَ بَِأخِي َ‬ ‫َمعِيَ ِردْءا ُيصَ ّدقُنِي إِنّي أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ(‪ )34‬قَالَ سَ َنشُدّ َ‬ ‫َيصِلُونَ ِإلَ ْي ُكمَا بِآياتِنَا أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ(‪ )35‬فََلمّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا َهذَا‬ ‫س ِمعْنَا ِبهَذَا فِي آبَائِنَا الَْأوّلِينَ(‪َ )36‬وقَالَ‬ ‫سحْرٌ ُمفْتَرىً َومَا َ‬ ‫إِلّا ِ‬

‫( ‪)4/71‬‬ ‫مُوسَى رَبّي أَعَْلمُ ِبمَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى مِنْ عِ ْن ِدهِ َومَنْ َتكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ(‪)37‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إني قتلت منهم نفسا ‪ :‬أي نفس القبطي الذي قتله خطأ قبل هجرته من مصر‪.‬‬ ‫أفصح مني لسان‪ :‬اي أبين مني قول‪.‬‬ ‫ردءا ‪ :‬أي معينا لي‪.‬‬ ‫سنشد عضدك بأخيك ‪ :‬أي ندعمك به ونقويك بأخيك هارون‪.‬‬ ‫ونجعل لكما سلطانا‪ :‬أي حجة قوية يكون لكما بها الغلب‪.‬‬ ‫فل يصلون إليكما ‪ :‬أي بسوء‪.‬‬ ‫بآياتنا ‪ :‬أي اذهبا بآياتنا‪.‬‬

‫فلما جاءهم موسى بآياتنا‪ :‬أي العصا واليد وغيرهما من اليات التسع‪.‬‬ ‫بيناتٍ ‪ :‬أي واضحات‪.‬‬ ‫سحر مفترى ‪ :‬أي مختلق مكذوب‪.‬‬ ‫عاقبة الدار‪ :‬أي العاقبة المحمودة في الدار الخرة‪.‬‬ ‫إنه ل يفلح الظالمون ‪ :‬أي المشركون الكافرون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما كلف ال تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون وحمله رسالته إليه قال موسى كالمشترط لنفسه‬ ‫{قََالَ َربّ إِنّي قَتَ ْلتُ مِ ْنهُمْ َنفْسا} يريد نفس القبطي الذي قتله خطأ أيام كان شابا بمصر {فَأَخَافُ أَنْ‬ ‫َيقْتُلُونِ} أي يقتلوني به إن لم أبين لهم وأفهمهم حجتي {وََأخِي هَارُونُ ُهوَ َأ ْفصَحُ مِنّي ِلسَانا} أي‬ ‫ل وأكثر إفهاما لفرعون وملئه (فَأَرْسِ ْلهُ َمعِيَ ِردْءا(‪ })1‬أي عونا { ُيصَ ّدقُنِي} أي(‪)2‬‬ ‫أبين مني قو ً‬ ‫يلخص قولي ويحرره لهم فيكون ذلك تصديقا منه لي‪ ،‬ل مجرد أني إذا قلت قال صدق موسى‪.‬‬ ‫ض َدكَ‬ ‫ع ُ‬ ‫وقوله {إِنّي أَخَافُ أَنْ ُي َكذّبُونِ} فيما جئتهم به‪ .‬فأجابه الرب تعالى قائل {سَ َنشُدّ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع (ردا) منونا غير مهموز‪ .‬وقرأ حفص (ردءا) مهموزا‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرأ نافع (يصدقني) بالجزم لنه في جواب الطلب الذي هو‪( :‬فأرسله معي) وقرأ حفص‬ ‫بالرفع (يصدقني) على أن الجملة حال من الهاء في (أرسله)‪.‬‬

‫( ‪)4/72‬‬ ‫ج َعلُ َل ُكمَا سُ ْلطَانا} أي برهانا وحجة قوية يكون لكما الغلب بذلك‪.‬‬ ‫بِأَخِيكَ} أي نقويك به ونعينك {وَنَ ْ‬ ‫وقوله {فَل َيصِلُونَ إِلَ ْي ُكمَا} أي بسوء أبدا وقوله {بِآياتِنَا(‪ })1‬أي اذهبا بآياتنا أو يكون لفظ بآياتنا‬ ‫متصل بسلطانا أي سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا بآياتنا {أَنْ ُتمَا َومَنِ اتّ َب َع ُكمَا ا ْلغَالِبُونَ}‬ ‫وعلى هذا فل نحتاج إلى تقدير فاذهبا وقوله تعالى {فََلمّا جَا َءهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا} العصا واليد‬ ‫سحْرٌ‬ ‫وغيرهما {بَيّنَاتٍ} أي واضحات {قَالُوا مَا هَذَا} أي الذي جاء به موسى من اليات {إِلّا ِ‬ ‫س ِمعْنَا ِبهَذَا} أي الذي جئت به يا موسى في {فِي آبَائِنَا‬ ‫ُمفْتَرىً(‪ })2‬أي مكذوب مختلق { َومَا َ‬ ‫الَْأوّلِينَ} أي في أيامهم وعلى عهدهم‪ .‬وهنا رد موسى على فرعون بأحسن رد وهو ما أخبر تعالى‬ ‫به عنه بقوله‪َ { :‬وقَالَ مُوسَى(‪ )3‬رَبّي أَعَْلمُ ِبمَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى مِنْ عِ ْن ِدهِ} أي من عند الرب تعالى‬ ‫{ َومَنْ َتكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ} أي العاقبة المحمودة يوم القيامة(‪ .)4‬ولم يقل له اسكت يا ضال يا‬ ‫كافر إنك من أهل النار بل تلطف معه غاية اللطف امتثال لمر ال تعالى في قوله { َفقُول لَهُ َق ْولً‬ ‫خشَى} وقوله {إِنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ} أي الكافرون والمشركون بربهم هذا من‬ ‫لَيّنا َلعَلّهُ يَ َت َذكّرُ َأوْ يَ ْ‬ ‫جملة قول موسى لفرعون الذي تلطف فيه وألنه غاية اللين‪.‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن القصاص كان معروفا معمول به عند أقدم المم‪ ،‬وجاءت الحضارة الغربية فأنكرته‬ ‫فتجرأ الناس على‬ ‫سفك الدماء وإزهاق الرواح بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية ولذلك صح أن تسمى‬ ‫الخسارة البشرية بدل الحضارة الغربية‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية طلب العون عند التكليف بما يشق ويصعب من المسؤولين المكلفين‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التلطف في خطاب الجبابرة وإلنة القول لهم‪ ،‬بل هو مشروع مع كل من يدعى إلى‬ ‫الحق من أجل‬ ‫أن يتفهم القول ول يفلق عليه بالغلظ له‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى ‪( :‬بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) يجوز أن يكون (بآياتنا) متعلقا بمحذوف‬ ‫تقديره‪ :‬اذهبا بآياتنا‪ .‬ويجوز أن يتعلق بنجعل لكما سلطانا بآياتنا فتكون رهتبهم منكما آية ويجوز‬ ‫أن يتعلق بـ (ل يصلون إليكما) أي‪ :‬يصرفون عنكما صرفا بسبب آياتنا كقول الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪( :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر) ويجوز تعلقيها بـ (الغالبون) أي‪ :‬بآياتنا‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذا شأن المحجوج المغلوب إذا أعيته الحجة يفزع إلى التلفيق والتهامات الباطلة دفعا‬ ‫للمعرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬كان مقتضى الكلم في سياق الحوار أن يقال‪ :‬قال موسى بدون واو العطف إل أنه خولف هنا‬ ‫وأتي بالواو‪( :‬وقال موسى) وهي قراءة الجمهور والمقصود منها هو ذكر التوازن بين حجة‬ ‫فرعون وحجة موسى ليظهر للسامع التفاوت بينهما بخلف لو حذفت الواو كما قرأ ابن كثير فإنها‬ ‫مجرد حكاية قول موسى عليه السلم فليس فيها ما يلفت النظر‪.‬‬ ‫‪( -4‬عاقبة الدار) قد يفهم منها فرعون‪ :‬ما ينتهي إليه الخصام مع موسى إذا كان ل يؤمن بالمعاد‬ ‫وإن كان يؤمن بالمعاد فالمر واضح‪.‬‬

‫( ‪)4/73‬‬ ‫ج َعلْ لِي‬ ‫عوْنُ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فََأ ْوقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطّينِ فَا ْ‬ ‫َوقَالَ فِرْ َ‬ ‫صَرْحا َلعَلّي أَطّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي لَأَظُنّهُ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ(‪ )38‬وَاسْ َتكْبَرَ ُهوَ َوجُنُو ُدهُ فِي الْأَ ْرضِ‬ ‫خذْنَا ُه وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ‬ ‫جعُونَ(‪ )39‬فَأَ َ‬ ‫ق وَظَنّوا أَ ّنهُمْ إِلَيْنَا ل يُرْ َ‬ ‫حّ‬ ‫ِبغَيْرِ الْ َ‬ ‫جعَلْنَا ُهمْ أَ ِئمّةً َيدْعُونَ ِإلَى النّارِ وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ل يُ ْنصَرُونَ(‪ )41‬وَأَتْ َبعْنَاهُمْ فِي‬ ‫عَاقِبَةُ الظّاِلمِينَ(‪ )40‬وَ َ‬ ‫هَ ِذهِ الدّنْيَا َلعْنَةً وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ هُمْ مِنَ ا ْلمَقْبُوحِينَ(‪ )42‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ مِنْ َبعْدِ مَا أَهَْلكْنَا‬

‫حمَةً َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ(‪)43‬‬ ‫س وَهُدىً وَرَ ْ‬ ‫ا ْلقُرُونَ الْأُولَى َبصَائِرَ لِلنّا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما علمت لكم من إله غيري ‪ :‬أي ربا يطاع ويذل له ويعظم غيري لعنة ال عليه ما أكذبه‪.‬‬ ‫يا هامان‪ :‬أحد وزراء فرعون‪ ،‬لعله وزير الصناعة أو العمل والعمال‪.‬‬ ‫فأوقد لي يا هامان على الطين‪ :‬أي اطبخ لي الجُرْ وهو اللبن المشوي‪.‬‬ ‫فاجعل لي صرحا ‪ :‬أي بناء عاليا‪ ،‬قصرا أو غيره‪.‬‬ ‫لعلي أطلع إلى إله موسى ‪ :‬أي أقف عليه وأنظر إليه‪.‬‬

‫( ‪)4/74‬‬ ‫وإني لظنه من الكاذبين ‪ :‬أي موسى في ادعائه أن له إلها غيري‪.‬‬ ‫فنبذناهم في اليم ‪ :‬أي طرحناهم في البحر غرقى هالكين‪.‬‬ ‫وجعلناهم أئمة ‪ :‬أي رؤساء يقتدى بهم في الباطل‪.‬‬ ‫يدعون إلى النار‪ :‬أي إلى الكفر والشرك والمعاصي الموجبة للنار‪.‬‬ ‫في هذه الدنيا لعنة ‪ :‬أي خزيا وبعدا عن الخير‪.‬‬ ‫هم من المقبوحين‪ :‬أي المبعدين من كل خير المشوّهي الخلقة‪.‬‬ ‫القرون الولى ‪ :‬قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم‪.‬‬ ‫بصائر للناس ‪ :‬أي فيه من النور ما يهدي كما تهدي البصار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عوْنُ} إن فرعون لما سمع كلم موسى عليه السلم المصدق بكلم هارون‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬وقَالَ فِرْ َ‬ ‫عليه السلم وكان الكلم في غاية اللين‪ ،‬مؤثرا خاف فرعون من الهزيمة‪ ،‬ناور وراوغ فقال في‬ ‫الحاضرين { مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ(‪ )1‬مِنْ إَِلهٍ غَيْرِي} أي كما ادعى موسى ولكن سأبحث وأتعرف على‬ ‫الحقيقة إن كان هناك إله آخر غيري‪ ،‬فنادى وزيره هامان وأمره أن يعد اللبن المشوي لنه قوي‬ ‫ويقوم ببناء صرح عال يصل إلى عنان السماء ليبحث بنفسه عن إله موسى إن كان حسب دعواه‬ ‫وإني لظن موسى كاذبا في دعوى وجود إله له ولكم غيري هذا معنى قوله تعالى في الية‬ ‫عوْنُ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَأُ مَا عَِل ْمتُ َلكُمْ مِنْ إَِلهٍ غَيْرِي فََأ ْوقِدْ لِي(‪ )2‬يَا هَامَانُ عَلَى‬ ‫الولى (‪َ { )38‬وقَالَ فِرْ َ‬ ‫ج َعلْ لِي صَرْحا َلعَلّي أَطِّلعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي لََأظُنّهُ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ}(‪ .)3‬يعني في ادعائه‬ ‫الطّينِ فَا ْ‬ ‫أن هناك إلها آخر غيري‪.‬‬ ‫قوله تعالى ‪{ :‬وَاسْ َتكْبَرَ ُه َو وَجُنُو ُدهُ فِي الْأَ ْرضِ} أي أرض مصر { ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ (‪ })4‬الذي يحق‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬كان بين قوله‪ :‬ما علمت لكم من إله غيري وبين قوله أنا‬

‫ربكم العلى أربعون سنة‪ ،‬وكذب عدو ال بل علم أن له ربا هو خالقه وخالق قومه‪.‬‬ ‫‪ -2‬كنّى عن البناء بمقدماته‪ ،‬وفعلً دارت رحى العمل على أشد ما تكون وفرعون يعلم أنه مجرد‬ ‫تمويه على العامة وشغل لذهانهم عن معرفة الحق الذي دعا إليه موسى‪ :‬وهل بنى الصرح؟‬ ‫روي أنه قبل أن يتم سقط فقتل خلقا كثيرا من العمال والبنائين‪ ،‬ولعل في قوله تعالى‪( :‬وما كيد‬ ‫فرعون إل في تباب) من سورة المؤمن‪ ،‬إشارة إلى سقوطه وهلك القائمين ببنائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬نسب موسى إلى جماعة الكذب وهو يعلم أنه صادق تمويها على الرعية‪ ،‬ودفعا للحق الذي‬ ‫بهره نوره فما أطاقه فهو يبحث عن المخرج‪.‬‬ ‫‪( -4‬بغير الحق) أي‪ :‬الموجب لهم الستكبار ول يوجد حق يوجب الستكبار قط‪.‬‬

‫( ‪)4/75‬‬ ‫جعُونَ(‪ } )1‬أي كذبوا بالبعث الخر‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فََأخَذْنَاهُ(‪)2‬‬ ‫لهم الستكبار { َوظَنّوا أَ ّنهُمْ إِلَيْنَا ل يُ ْر َ‬ ‫وَجُنُو َدهُ} أي بسبب استكبارهم وكفرهم وتكذيبهم بآيات ال {فَنَ َبذْنَاهُمْ فِي الْ َيمّ(‪ })3‬أي في البحر‬ ‫وقال لرسوله صلى ال عليه وسلم {فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الظّاِلمِينَ} إنها كانت وبالً عليهم‬ ‫جعَلْنَا ُهمْ أَ ِئمّةً َيدْعُونَ إِلَى النّارِ} أي وجعلنا فرعون ومله أئمة في‬ ‫وخسارا لهم‪ .‬وقوله تعالى { وَ َ‬ ‫الكفر تقتدي بهم العتاة والطغاة في كل زمان ومكان {يدعون إلى النار} بالكفر والشرك والمعاصي‬ ‫وهي موجبات النار‪{ .‬وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ل يُ ْنصَرُونَ} بل يضاعف لهم العذاب ويخذلون ويهانون لن‬ ‫من دعا إلى سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ل ينقص من أوزارهم شيء‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَأَتْ َبعْنَا ُهمْ } أي آل فرعون {فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا َلعْنَةً} انتهت بهم إلى الغرق الكامل‬ ‫والخسران التام‪{ ،‬وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ هُمْ مِنَ ا ْلمَقْبُوحِينَ(‪ })4‬أي المبعدين من رحمة ال الثاوين في جهنم‬ ‫ولبئس مثوى المتكبرين وقوله تعالى {وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ} أي التوراة وذلك بعد إهلك‬ ‫الظالمين وقوله {مِنْ َبعْدِ مَا أَ ْهَلكْنَا ا ْلقُرُونَ الْأُولَى} أي قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم‬ ‫إبراهيم وقوله { َبصَائِرَ} أي الكتاب بما يحمل من الهدى والنور { َبصَائِرَ} أي ضياء للناس من بني‬ ‫حمَةً} أي‬ ‫ى وَ َر ْ‬ ‫إسرائيل يبصرون على ضوءه كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم {وَهُد ً‬ ‫وبيانا لهم ورحمة لمن يعمل به منهم‪ .‬وقوله {لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ} أي وجود الكتاب بصائر‬ ‫وهدى ورحمة بين أيديهم حال تدعوهم إلى أن يتذكّروا دائما نعم ال عليهم فيشكرونه باليمان به‬ ‫وبرسله وبطاعته وطاعة رسله عليهم السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن فرعون كان على علم بأنه عبد مربوب ل وأن ال هو رب العالمين‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير صفة العلو والستكبار لفرعون وأنه كان من العالين‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان كيف تكون عاقبة الظلمة دمارا وفسادا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يطلق الظن ويراد به اليقين ويكون على بابه وهو هنا كفر ولو كان على بابه لن الشك في‬ ‫العقائد كفر‪.‬‬ ‫‪ -2‬قيل من هلك مع فرعون من جند كانوا مليونا وستمائة ألف‪.‬‬ ‫‪ -3‬ناحية بحر القلزم في موضع منه يقال له بطن عُريرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬المشوّهي الخلقة المسودي الوجوه زرق العيون فما أقبحهم وما أقبح ما كانوا يصنعون!! يقال‪:‬‬ ‫قبحه وقبحه مشددا ومخففا أي‪ :‬نحاه من كل خير‪ ،‬أو جعله قبيحا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫أل قبّح ال البراجم كلها‬ ‫وقبح يربوعا وقبح دارما‬

‫( ‪)4/76‬‬ ‫‪ -1‬دعاة الدعارة والخنا والضلل والشرك أئمة أهل النار يدعون إليها وهم ل يشعرون‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على بني إسرائيل بإنزال التوراة فيهم كتابا كله بصائر وهدى ورحمة‪.‬‬ ‫َومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ ا ْلغَرْبِيّ ِإذْ َقضَيْنَا إِلَى مُوسَى الَْأمْ َر َومَا كُ ْنتَ مِنَ الشّا ِهدِينَ(‪ )44‬وََلكِنّا أَنْشَأْنَا قُرُونا‬ ‫سلِينَ(‪َ )45‬ومَا‬ ‫علَ ْيهِمْ آيَاتِنَا وََلكِنّا كُنّا مُرْ ِ‬ ‫فَتَطَا َولَ عَلَ ْيهِمُ ا ْل ُعمُ ُر َومَا كُ ْنتَ ثَاوِيا فِي أَ ْهلِ مَدْيَنَ تَتْلُو َ‬ ‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ لِتُ ْنذِرَ َقوْما مَا أَتَاهُمْ مِنْ َنذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ‬ ‫كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ الطّورِ ِإذْ نَادَيْنَا وََلكِنْ َر ْ‬ ‫يَتَ َذكّرُونَ(‪ )46‬وََلوْل أَنْ ُتصِي َبهُمْ ُمصِيبَةٌ ِبمَا َق ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ فَ َيقُولُوا رَبّنَا َلوْل أَ ْرسَ ْلتَ إِلَيْنَا رَسُولً‬ ‫ك وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)47‬‬ ‫فَنَتّبِعَ آيَا ِت َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما كنت بجانب الغربي ‪ :‬أي لم تكن يا رسولنا حاضرا بالجانب الغربي من موسى‪.‬‬ ‫إذا قضينا إلى موسى المر ‪ :‬أي بالرسالة إلى فرعون وقومه‪.‬‬ ‫وما كنت من الشاهدين ‪ :‬حتى تعلمه وتخبر به‪.‬‬ ‫ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر‪ :‬أي غير أننا أنشأنا بعد موسى أمما طالت أعمارهم فنسوا‬ ‫العهود وأندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولً وأوحينا إليك خبر موسى وغيره‪.‬‬ ‫وما كنت ثاويا في أهل مدين ‪ :‬أي ولم تكن يا رسولنا مقيما في أهل مدين فتعرف قصتهم‪.‬‬

‫( ‪)4/77‬‬

‫وما كنت بجانب الطور إذ نادينا‪ :‬أي لم تكن بجانب الطور أي جبل الطور إذ نادينا موسى‬ ‫وأوحينا إليه ما أوحينا حتى تخبر بذلك‪.‬‬ ‫ما أتاهم من نذير من قبلك ‪ :‬أي أهل مكة والعرب كافة‪.‬‬ ‫ولول أن تصيبهم مصيبة الخ ‪ :‬لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسول‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حمَةً َلعَّلهُمْ‬ ‫س وَهُدىً وَرَ ْ‬ ‫بعد انتهاء قصص موسى مع فرعون وإنزال التوراة { َبصَائِرَ لِلنّا ِ‬ ‫يَتَ َذكّرُونَ} وكان القصص كله شاهدا على نبوة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم خاطب ال‬ ‫تعالى رسوله فقال‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ} أي حاضرا { ِبجَا ِنبِ ا ْلغَرْ ِبيّ} أي بالجبل الغربي من موسى {ِإذْ‬ ‫َقضَيْنَا إِلَى مُوسَى الَْأمْرَ(‪ })1‬بإرساله رسولً إلى فرعون وملئه { َومَا كُ ْنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ}‬ ‫الحاضرين إذا فكيف علمت هذا وتتحدث به لول أنك رسول حق؟!‬ ‫وقوله‪{ :‬وََلكِنّا أَنْشَأْنَا(‪ )2‬قُرُونا} أي أمما بعد موسى {فَتَطَا َولَ عَلَ ْيهِمُ ا ْل ُعمُرُ} أي طالت بهم الحياة‬ ‫وامتدت فنسوا العهود واندرست العلوم الشرعية وانقطع الوحي فجئنا بك رسولً وأوحينا إليك‬ ‫علَ ْيهِمْ آيَاتِنَا} فكيف‬ ‫خبر موسى وغيره وقوله‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ ثَاوِيا} أي مقيما {فِي أَ ْهلِ مَدْيَنَ تَتْلُو َ‬ ‫عرفت حديثهم وعرفت إقامة موسى بينهم عشر سنين لول أنك رسول حق يوحى إليك نبأ الولين‬ ‫وهو معنى قوله تعالى {وََلكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ} فأرسلناك رسولً وأوحينا إليك أخبار الغابرين‪.‬‬ ‫وقوله ‪َ {:‬ومَا كُ ْنتَ ِبجَا ِنبِ الطّورِ} أي جبل الطور {إِذْ نَادَيْنَا} موسى وأمرناه بما أمرناه وأخبرناه‬ ‫بما أخبرنا به‪ ،‬فيكف عرفت ذلك وأخبرت به لول أنك رسول حق يوحى إليك‪ .‬وقوله تعالى ‪{:‬‬ ‫حمَةً مِنْ(‪ )3‬رَ ّبكَ} أي أرسلنا رحمة من ربك للعالمين {لِتُ ْنذِرَ َقوْما مَا أَتَاهُمْ‬ ‫وََلكِنْ َر ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬إذ كلفّناه أمرنا ونهيناه وألزمناه عهدنا‪.‬‬ ‫‪( -2‬ولكنا أنشأنا) الخ وجه هذا الستدراك أن المشركين لما تعجبوا من رسالة محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم حين لم يسبقها رسالة إلى آبائهم فأعلمهم أن ال تعالى أرسل موسى بعد فترة من‬ ‫الرسل كذلك ولكن لطول الزمن ومضي القرون نسوا رسالة موسى عليه السلم حتى قالوا‪ :‬ما‬ ‫سمعنا بهذا في الملة الخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬أي‪ :‬ما كان علمك بذلك لحضورك ولكن كان علمك رحمة من ربك فرحمة‪ :‬منصوب في‬ ‫الية على تقدير كون محذوف أي‪ :‬كان علمك رحمة‪ .‬ويصح النصب على المفعول المطلق أي‪:‬‬ ‫ولكن رحمناك رحمة فعلمناك ذلك بواسطة إيحائنا إليك‪.‬‬

‫( ‪)4/78‬‬

‫مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ} وهم أهل مكة والعرب أجمعون {َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ} أي كي يتعظوا فيؤمنوا‬ ‫ويهتدوا فينجوا ويسعدوا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْل أَنْ ُتصِي َبهُمْ ُمصِيبَةٌ(‪ })1‬أي عقوبة { ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِهمْ} أي من الشرك‬ ‫ك وَ َنكُونَ‬ ‫والمعاصي {فَ َيقُولُوا رَبّنَا َلوْل أَرْسَ ْلتَ إِلَيْنَا رَسُولً} أي هل أرسلت إلينا رسولً {فَنَتّبِعَ آيَا ِت َ‬ ‫مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} أي لول قولهم هذا لعاجلناهم(‪ )2‬بالعذاب ولما أرسلناك إليهم رسولً إذا فمالهم ل‬ ‫يؤمنون ويشكرون؟؟!‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بأقوى الدلة العقلية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بعثة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم جاءت في أوانها واشتداد الحاجة إليها‪.‬‬ ‫‪ -3‬البعثة المحمدية كانت عبارة عن رحمة إلهية رحم ال بها العالمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬جواب {لول} في قوله {وََلوْل أَنْ ُتصِي َبهُمْ ُمصِيبَةٌ}‪ .‬محذوف وقد ذكرناه وهو لعاجلناهم‬ ‫بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم ورسول‪.‬‬ ‫حقّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا َلوْل أُو ِتيَ مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ مُوسَى َأوَلَمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ‬ ‫فََلمّا جَاءَهُمُ الْ َ‬ ‫قَ ْبلُ قَالُوا سِحْرَانِ َتظَاهَرَا َوقَالُوا إِنّا ِب ُكلّ كَافِرُونَ(‪ُ )48‬قلْ فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُهوَ أَ ْهدَى مِ ْن ُهمَا‬ ‫ضلّ ِممّنِ اتّبَعَ‬ ‫أَتّ ِبعْهُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ(‪ )49‬فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا َلكَ فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يَتّ ِبعُونَ أَ ْهوَاءَ ُه ْم َومَنْ َأ َ‬ ‫َهوَاهُ ِبغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‪ )50‬وََلقَدْ َوصّلْنَا َل ُهمُ ا ْل َقوْلَ َلعَّلهُمْ‬ ‫يَتَ َذكّرُونَ(‪)51‬‬ ‫__________‬ ‫‪( -1‬لول) هنا حرف امتناع لوجود‪ ،‬امتنع إنزال العذاب بهم لوجود قولهم (لول أرسلت إلينا‬ ‫رسولً فنتبع آياتك) أما لول الثانية فهي أداة تحضيض‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الية معنى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسول)‪.‬‬

‫( ‪)4/79‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فلما جاء هم الحق من عندنا ‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم رسول مبينا‪.‬‬ ‫قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى ‪ :‬أي هل أعطي مثل ما أعطي موسى من اليات المعجزات‬ ‫من العصا واليد أو كتابا جملة واحدة كالتورة‪.‬‬ ‫أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ‪ :‬أي كيف يطالبونك بأن تؤتى مثل ما أوتي موسى وقد‬ ‫كفروا بما أوتي موسى من قبل لما أخبرهم اليهود أنهم يجدون نعت محمد في التوراة كفروا بهذا‬

‫الخبر ولم يقبلوه‪.‬‬ ‫وقالوا سحران تظاهرا ‪ :‬أي التوراة والقرآن كلهما سحر ظاهر بعضهما بعضا أي قواه‪.‬‬ ‫فإن لم يستجيبوا لك ‪ :‬أي بالتيان بالكتاب الذي هو أهدى من التوراة والقرآن‪.‬‬ ‫فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ‪ :‬في كفرهم ليس غير‪ ،‬فل عقل ول كتاب منير‪.‬‬ ‫ومن أضل ممن اتبع هواه ‪ :‬أي ل أضل منه قط‪.‬‬ ‫ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون‪ :‬أي بأخبار الولين وما أحللنا بهم من نقمتنا لما كذبوا رسلنا‬ ‫وأنكروا توحيدنا {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما قرر تعالى نبوة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم بأدلته التي ل أقوى منها ول أوضح وبين‬ ‫حاجة العالم إليها ل سيما العرب وذكر أنه لول كراهة وقولهم‪َ{ :‬لوْل أَ ْرسَ ْلتَ إِلَيْنَا رَسُولً فَنَتّبِعَ‬ ‫ك وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ} لما أرسل(‪ )1‬إليهم رسوله‪ .‬ذكر هنا ما واجه به المشركون تلك‬ ‫آيَا ِت َ‬ ‫الرحمة المهداة فقال عنهم {فََلمّا جَاءَ ُهمُ(‪ )2‬ا ْلحَقّ مِنْ عِنْدِنَا} أي محمد النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫قالوا‪َ{ :‬لوْل أُوتِيَ مِ ْثلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} أي من اليات كالعصا واليد البيضاء حتى نؤمن به‬ ‫ونصدق رسالته قال‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬ولخذهم بالعذاب جزاء كفرهم وشركهم وفسادهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه الفاء هي الفصيحة أفصحت عن جواب طلب متقدم وهو قول المشركين‪ .‬لول أرسلت إلينا‬ ‫رسولً أي‪ :‬هلّ أرسلت إلينا رسولً مطالبين بذلك بإلحاح‪.‬‬

‫( ‪)4/80‬‬ ‫سحْرَانِ َتظَاهَرَا}( ‪ .)1‬وقالوا‪{ :‬إِنّا ِب ُكلّ‬ ‫تعالى‪َ{ :‬أوَلَمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أُو ِتيَ مُوسَى مِنْ قَ ْبلُ قَالُوا ِ‬ ‫كَافِرُونَ} وذلك أن قريشا لما كثر المؤمنون وهالهم الموقف بعثوا إلى يهود المدينة يسألونهم‬ ‫بوصفهم أهل الكتاب الول عن مدى صدق محمد صلى ال عليه وسلم فيما يقوله فأجابهم اليهود‬ ‫بأنهم يجدون نعوت النبي المي في التوراة وأنه رسول حق وليس بكذاب ول دجال فما كان من‬ ‫المشركين من قريش إل أن أعلنو كفرهم بالتوراة وقالوا‪ :‬التوراة والقرآن {سِحْرَانِ(‪ })2‬تعاونا فل‬ ‫نؤمن بهما ول نصدق من جاء بهما وقرئ {سَاحِرَانِ} أي موسى ومحمد عليهما السلم فل نؤمن‬ ‫بهما‪.‬‬ ‫سحْرَانِ تَظَاهَرَا َوقَالُوا إِنّا ِب ُكلّ‬ ‫هذا معنى قوله تعالى {َأوََلمْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أُو ِتيَ مُوسَى مِنْ قَ ْبلُ قَالُوا ِ‬ ‫كَافِرُونَ} أي بكل منهما كافرون‪.‬‬ ‫فكيف ل يخجلون اليوم ويطالبون محمدا أن يعطى مثل الذي أعطي موسى من اليات يا للعجب‬

‫أين يذهب بعقول المشركين؟!!‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} أي قل يا رسولنا لهؤلء المشركين الذين كفروا‬ ‫بالتوراة والقرآن {فَأْتُوا ِبكِتَابٍ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ} أنزله بعلمه يكون أكثر هداية من التوراة والقرآن ‪..‬‬ ‫أتبعه! {إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ} في دعواكم بأن الفرقان والتوراة سحران تظاهرا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَإِنْ لَمْ َيسْتَجِيبُوا َلكَ} بالتيان بكتاب من عند ال تعالى هو أهدى من الفرقان‬ ‫والتوراة ومن أين لهم بذلك ‪ ..‬إنه المستحيل! إذا فاعلم أنهم إنما يتبعون أهواءهم فيما يقولون‬ ‫ضلّ ِممّنِ اتّبَعَ َهوَاهُ ِبغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ} ؟! اللهم إنه ل‬ ‫ويدعون فل عقل ول نقل عندهم { َومَنْ َأ َ‬ ‫أضل منه‪ .‬والنتيجة أنه ل أضل من هؤلء المشركين من قريش وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي‬ ‫ا ْل َقوْمَ(‪ )3‬الظّاِلمِينَ} هذا بيان لسنة ال تعالى في الظالمين الذين أكثروا من الظلم وتوغلوا فيه عقيدة‬ ‫بالشرك وعمل بالمعاصي فإنه يحرمهم الهداية فل يهتدون أبدا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ(‪َ )4‬وصّلْنَا َلهُمُ ا ْل َقوْلَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ} أي لقد وصلنا لهؤلء المشركين‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي‪ :‬موسى ومحمد تعاونا على السحر‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرأ نافع (ساحران تظاهرا) وقرأ حفص‪( :‬سحران) إخبار بالمصدر‪.‬‬ ‫‪ -3‬المراد بالظالمين‪ :‬الكاملون في الظلم وهو ظلم النفس وظلم الناس وظلم الشرك وهو‬ ‫أعظمها‪( .‬إن الشرك لظلم عظيم) وكذا إتيان الفواحش‪.‬‬ ‫‪ -4‬التوصيل مبالغة في الوصل وهو‪ :‬ضمّ شيء إلى شيء وربطه به‪ ،‬والقول القرآن ألفاظه‬ ‫وصل بعضها ببعض إذ نزل منجما كلما نزل آي وصل بالخر حتى اكتمل‪ ،‬ووصلت معانيه‬ ‫بعضها ببعض بإحكام وإتقان لم يُعهد في كتاب غيره وصل وعده بوعيده وترغيبه بترهيبه‪.‬‬

‫( ‪)4/81‬‬ ‫من قومك يا رسولنا أي وصلنا لهم القول بأخبار الماضين‪ ،‬وما أحللنا بهم من بأسنا ونقمنا وعظيم‬ ‫عقوباتنا لما كفروا كما كفر هؤلء وكذبوا بما كذّب به هؤلء وصلنا لهم القول مبينا واضحا‬ ‫موصول أوله بآخره رجاء أن يتذكروا فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويرحموا بدخول‬ ‫الجنة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان تناقض المشركين وكل من يبتع الهوى ويترك الهدى اللهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان تحدي المشركين بالتيان بكتاب من عند ال وعجزهم عن ذلك فبان بذلك أنهم يتبعون‬ ‫أهواءهم وأنه ل أضل منهم اليوم‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان سنة ال في حرمان المتوغلين في الظلم من الهداية اللهية‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن ال عز وجل وصل القول لهل مكة مفصلً مبينا لهدايتهم فله الحمد وله المنة وعلى‬ ‫الكافرين اللعنة في جهنم‪.‬‬ ‫حقّ مِنْ رَبّنَا‬ ‫الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ُهمْ بِهِ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )52‬وَإِذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ قَالُوا آمَنّا ِبهِ إِنّهُ الْ َ‬ ‫حسَنَةِ السّيّئَةَ‬ ‫إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ ُمسِْلمِينَ(‪ )53‬أُولَ ِئكَ ُيؤْ َتوْنَ أَجْرَ ُهمْ مَرّتَيْنِ ِبمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْ َ‬ ‫عمَاُلكُمْ سَلمٌ‬ ‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬ ‫س ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا عَنْ ُه َوقَالُوا لَنَا أَ ْ‬ ‫َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ(‪ )54‬وَإِذَا َ‬ ‫عَلَ ْيكُمْ ل نَبْ َتغِي الْجَا ِهلِينَ(‪)55‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الذين آتيناهم الكتاب من قبله ‪ :‬أي التوراة والنجيل من قبل القرآن الكريم‪.‬‬ ‫وإذا يتلى عليهم‪ :‬أي القرآن‬ ‫إنا كنا من قبله مسلمين ‪ :‬أي منقادين ل مطيعن لمره ونهيه‪.‬‬

‫( ‪)4/82‬‬ ‫أجرهم مرتين ‪ :‬أي يضاعف لهم الثواب لنهم آمنوا بموسى وعيسى وآمنوا بمحمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫ويدرءون بالحسنة السئية‪ :‬أي يدفعون بالحسنة من القول أو الفعل السيئة منهما‪.‬‬ ‫وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه‪ :‬أي الكلم اللغي الذي ل يقبل ول يقر عليه لنه ل يحقق درهما‬ ‫للمعاش ول حسنة للمعاد‪.‬‬ ‫سلم عليكم‪ :‬هذا سلم المتاركة أي قالوا قول يسلمون به‪.‬‬ ‫ل نبتغي الجاهلين ‪ :‬أي ل نطلب صحبة أهل الجهل لما فيها من الذى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إن قوله تعالى‪{ :‬وََلقَ ْد َوصّلْنَا َلهُمُ ا ْل َق ْولَ} يشمل أيضا اليهود والنصارى من أهل الكتاب إذ هم‬ ‫كالعرب فيما بين لهم من أخبار الماضين وفصل من أنباء إهلك المم السابقة وما أنزل من بأساء‬ ‫وعذاب بالمكذبين‪ ،‬إذ الجميع مطالبون باليمان العمل الصالح والتخلي عن الشرك والكفر‬ ‫والمعاصي للنجاة والسعادة فذكر تعالى هنا أن فريقا من أهل الكتاب يؤمنون بالنبي محمد لنه‬ ‫الحق من ربهم‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ(‪ )1‬ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ ُهمْ بِهِ ُي ْؤمِنُونَ} {وَِإذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ}‬ ‫أي القرآن {قَالُوا آمَنّا بِهِ إِنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل نزول(‪ )2‬القرآن {مُسِْلمِينَ}‬ ‫أي موحدين منقادين نعبد ال بما شرع على لسان موسى وعيسى عليهما السلم هذه الية تعني‬ ‫مجموعة من آمن من أهل الكتاب على عهد رسول ال ونزول القرآن منهم عبد ال بن سلم‬ ‫وسلمان الفارسي وغيرهما‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُيؤْ َتوْنَ أَجْ َرهُمْ(‪ )3‬مَرّتَيْنِ} أي مضاعفا لنهم‬

‫آمنوا برسولهم وعملوا بما جاء به من الحق وآمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم وما جاء به من‬ ‫حسَنَةِ} وهي الصفح والعفو {السّيّئَةَ} وهي الذى من‬ ‫الهدى وقوله {وَيَدْ َرأُونَ(‪ } )4‬أي يدفعون {بِالْ َ‬ ‫سب وشتم‪ .‬وقوله { َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ(‪ })5‬أي‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬ذكر عدة أقوال في هؤلء الذين نزلت فيهم هذه الية منها وهو أقربها لن السورة مكية أنها‬ ‫نزلت في النجاشي وأصحابه إذ وجّه باثني عشر رجل فجلسوا إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫وكان أبو جهل وأصحابه قريبا منهم فآمنوا بالنبي صلى ال عليه وسلم فلما قاموا من عنده تبعهم‬ ‫أبو جهل ومن معه فقال لهم‪ :‬خيبكم ال من ركب وقبّحكم من وفد لم تلبثوا أن صدّقتموه وما رأينا‬ ‫ركبا أحمق منكم ول أجهل‪ .‬فقالوا‪ :‬سلم عليكم لم نأل أنفسنا رشدا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ومن قبل محمد صلى ال عليه وسلم كذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬ثبت في الصحيح "أن ثلثة يؤتون أجرهم مرتين‪ ،‬رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدّقه فله أجران وعبد مملوك أدى حق ال عز وجل‬ ‫وحق سيده فله أجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدّبها فأحسن أدبها ثم عتقها‬ ‫وتزوجها فله أجران" قال الشعبي‪ :‬خذ هذا الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا‬ ‫إلى المدينة‪.‬‬ ‫‪ -4‬شاهده حديث معاذ‪" :‬اتق ال حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق‬ ‫حسن"‪.‬‬ ‫‪ -5‬هذا النفاق عام في المال والعلم والجاه إذ كل ذلك من رزق ال والكل ينفق منه في سبيل‬ ‫ال‪.‬‬

‫( ‪)4/83‬‬ ‫أي يتصدقون بفضول أموالهم حيث تنبغي الصدقة‪.‬‬ ‫س ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا عَنْهُ} أي إذا سمع أولئك المؤمنون من أهل الكتابين اللغو من‬ ‫وقوله {وَإِذَا َ‬ ‫عمَالُنَا} أي نتائجها‬ ‫سفهاء الناس أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه ول إلى قائله وأجابو قائلين {لَنَا أَ ْ‬ ‫عمَاُلكُمْ} حيث تجزون بها {سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ} أي اتركونا‪ ،‬إنا ل نبتغي(‪ )1‬محبة‬ ‫حيث نجزى بها {وََلكُمْ أَ ْ‬ ‫الجاهلين‪ ،‬لما في ذلك من الذى والضرر الناتج عن سلوك أهل الجهل بال تعالى ومحابه‬ ‫ومكارهه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل أهل الكتاب إذا آمنوا بالنبي المي وكتابه وأسلموا ل رب العالمين‪.‬‬

‫‪ -2‬فضيلة من يدرء بالحسنة السيئة‪ ،‬وينفق مما رزقه ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة من يعرض عن اللغو وأهل الجهالت‪ ،‬ويقول ما يسلم به من القول‪ ،‬وهذه إحدى‬ ‫صفات عباد الرحمن {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما} أي قول يسلمون به‪ .‬وهذا السلم ليس‬ ‫سلم تحية وإنما هو سلم متاركة‪.‬‬ ‫ت وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ(‪َ )56‬وقَالُوا إِنْ نَتّبِعِ ا ْلهُدَى‬ ‫إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ أَحْبَ ْب َ‬ ‫شيْءٍ رِزْقا مِنْ لَدُنّا وََلكِنّ‬ ‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا َأوَلَمْ ُن َمكّنْ َل ُهمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إِلَ ْيهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬ ‫َم َعكَ نُ َتخَ ّ‬ ‫سكَنْ مِنْ َب ْعدِهِمْ إِلّا‬ ‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪َ )57‬وكَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْ َيةٍ بَطِ َرتْ َمعِيشَ َتهَا فَتِ ْلكَ مَسَاكِ ُنهُمْ لَمْ تُ ْ‬ ‫ل َوكُنّا َنحْنُ ا ْلوَارِثِينَ(‪َ )58‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ ُمهِْلكَ‬ ‫قَلِي ً‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي‪ :‬ل نطلبهم للجدال والمراجعة والمشاتمة والمخاصمة‪.‬‬

‫( ‪)4/84‬‬ ‫ا ْلقُرَى حَتّى يَ ْب َعثَ فِي ُأ ّمهَا رَسُولً يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا َومَا كُنّا ُمهِْلكِي ا ْلقُرَى إِلّا وَأَهُْلهَا ظَاِلمُونَ(‪)59‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنك لتهدي من أحببت ‪ :‬أي هدايته كأبي طالب بأن يسلم ويحسن إسلمه‪.‬‬ ‫وقالوا ‪ :‬أي مشركوا قريش‪.‬‬ ‫إن نتبع الهدى معك ‪ :‬أي إن نتبعك على ما جئت به وندعوا إليه وهو السلم‪.‬‬ ‫نتخطف من أرضنا ‪ :‬أي تتجرأ علينا قبائل العرب ويأخذوننا‪.‬‬ ‫يجبى إليه ثمرات كل شيء‪ :‬أي يحمل ويساق إليه ثمارت كل شيء من كل ناحية‪.‬‬ ‫رزقا من لدنا ‪ :‬أي رزقا لكم من عندنا يا أهل الحرم بمكة‪.‬‬ ‫بطرت معيشتها ‪ :‬أي كفرت نعمة ال عليها فأسرفت في الذنوب وطغت في المعاصي‪.‬‬ ‫يبعث في أمها رسول‪ :‬أي في أعظم مدنها‪ .‬وهي العاصمة‪.‬‬ ‫إل وأهلها ظالمون‪ :‬بالتكذيب للرسول والصرار على الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬إِ ّنكَ ل ‪ ...‬بِا ْل ُمهْتَدِينَ } هذه الية نزلت في شأن(‪ )1‬أبي طالب عم الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم إذ كان النبي صلى ال عليه وسلم يرغب في إسلمه لما له من سالفة في الوقوف إلى‬ ‫جنب النبي صلى ال عليه وسلم يحيمه ويدافع عنه فلما حضرته الوفاة زاره النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم وعرض عليه الشهادتين فكان يقول له‪ :‬ياعم قل ل إله إل ال كلمة أحاج لك بها عند ال يوم‬ ‫القيامة وكان حوله عواده من كفار قريش‪ ،‬ومشايخها فكانوا ينهونه عن ذلك حتى قالوا له‪ :‬أترغب‬ ‫عن دين آبائك؟ أترغب عن ملة عبد المطلب أبيك حتى قال هو على ملة عبد المطلب ومات‪ .‬فقال‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم لستغفرن لك مالم أُنْهَ عن ذلك فنهاه ال فلم يستغفر له بعد ونزلت هذه‬ ‫الية كالعزاء له صلى ال عليه وسلم فقال تعالى ‪{ :‬إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ َأحْبَ ْبتَ} هدايته يا نبينا {وََلكِنّ‬ ‫اللّهَ َي ْهدِي مَنْ يَشَاءُ} هدايته لعلمه أنه يطلب الهداية ول يرغب عنها كما رغب عنها أبو طالب‬ ‫وأبو لهب وغيرهما‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬روى البخاري سبب نزول هذه الية وأنها نزلت في أبي طالب عم الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/85‬‬ ‫{وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ} أي بالذين سبق في علمه تعالى أنهم يهتدون‪.‬‬ ‫طفْ مِنْ أَ ْرضِنَا} هذا اعتذار اعتذر به بعض رجالت(‪)1‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ نَتّبِعِ ا ْل ُهدَى َم َعكَ نُ َتخَ ّ‬ ‫قريش فقالوا نحن نعرف أن ما جئت به حق ولكننا نخشى إن آمنا بك واتبعناك يتألب علينا العرب‬ ‫ويرموننا عن قوس واحد ونصبح نتخطف من قبل المغيرين كما هو حاصل لغيرنا‪ ،‬وبذلك نحرم‬ ‫هذا المن والرخاء وتسوء أحوالنا‪ ،‬لهذا نعتذر عن متابعتك فيما جئت به وأنت تدعوا إليه من‬ ‫الكفر بآلهتنا وهدمها والتخلي عنها‪ .‬فقال تعالى في الرد على هذا العتذار الساقط البارد {َأوََلمْ‬ ‫شيْءٍ رِزْقا مِنْ َلدُنّا} أي لم يوطئ لهم أرض بلد‬ ‫ُن َمكّنْ(‪َ )2‬لهُمْ حَرَما آمِنا ُيجْبَى(‪ )3‬إِلَيْهِ َثمَرَاتُ ُكلّ َ‬ ‫حرمناه فل يسفك فيه دم‪ ،‬ول يصاد فيه صيد‪ ،‬ول يؤخذ فيه أحد بجريرة‪ ،‬أليس هذا كافيا في أن‬ ‫يعلموا أن الذي جعل لهم حرما آمنا قادر على أن يؤمنهم إذا آمنوا وأسلموا‪ ،‬ومن باب أولى‪.‬‬ ‫{وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪ })4‬فهذه علة إصرارهم على الشرك والكفر‪ .‬إنها الجهل بال تعالى‬ ‫وعظمته وعلمه وحكمته‪ .‬ومعنى يجبى أو تجبى إليه ثمرات كل شيء أي يحمل إليه ويساق من‬ ‫أنحاء البلد ثمرات كل شيء من أنواع الرزاق وكان ذلك رزقا منه تعالى لهل الحرم‪ .‬أفل‬ ‫يشكرون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وكَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} أي وكثيرا من أهل القرى أهلكناهم { َبطِ َرتْ َمعِيشَ َتهَا(‪ })5‬لما‬ ‫بطروا عيشهم فلم يشكروا نعمة ال عليهم فأسرفوا في الظلم والمعاصي فأهلكناهم {فَتِ ْلكَ مَسَاكِ ُنهُمْ}‬ ‫سكَنْ مِنْ َب ْعدِهِمْ إِلّا قَلِيلً} (‪ )6‬كديار عاد وثمود والمؤتفكات ‪َ { .‬وكُنّا َنحْنُ‬ ‫أي ديارهم {لَمْ تُ ْ‬ ‫ا ْلوَارِثِينَ} لها‪ ،‬فلم نورثها غيرهم وتركناها خاوية خالية لم تسكن‪ .‬أما يذكرون هذا فيعلموا بذلك‬ ‫قدرتنا فيتقوا فينا ويتوكلوا علينا ويؤمنوا ويوحدوا ويستقيموا على منهج الحق الذي جئت يا‬ ‫رسولنا به‪.‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬ومَا كَانَ رَ ّبكَ} يا أيها الرسول { ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى} أي أهل المدن والحواضر {حَتّى يَ ْب َعثَ فِي‬ ‫ُأ ّمهَا رَسُولً} كما بعثك في أم القرى مكة {يَتْلُو(‪ )7‬عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا} أي لم يكن‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬من القائلين هذا القول من قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي وكان ها‬ ‫القول من تعللتهم فأجاب تعالى عما اعتل به هؤلء فقال‪( :‬أو لم نمكن لهم حرما آمنا‪ )..‬الخ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستفهام للنكار عليهم أن يكون ال تعالى لم يمّكن لهم حرما آمنا‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع تجبى بالتاء‪ ،‬وقرأ حفص بالياء‪ ،‬والجبي‪ :‬الجمع‪ ،‬والجلب‪ ،‬ومنه جباية الزكاة أي‬ ‫جمع أموالها‪ ،‬وجابية الحوض ما يجمع فيها الماء من البئر‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا الستدراك لذكر علة تجاهلهم حماية ال تعالى لهم بتمكين الحرم لهم فهم فيه آمنون‬ ‫مطعمون أل وهي الجهل فهو علتهم الحاملة لهم على الصرار على الشرك‪.‬‬ ‫‪ -5‬بطرت‪ :‬جهلت شكر معيشتها‪.‬‬ ‫‪( - 6‬إل قليل) أي‪ :‬كالمسافرين الذين يمرون بها وينزلون بها ساعا ويغادرون‪.‬‬ ‫‪ -7‬الجملة في محل نصب صفة لـ (رسول)‪.‬‬

‫( ‪)4/86‬‬ ‫من سنة ال تعالى هذا بل ل يهلك أمة حتى يبعث في أم بلدها رسولً يتلو عليهم آيات ال المبينة‬ ‫للحق من الباطل والخير من الشر وجزاء ذلك وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمهِْلكِي ا ْلقُرَى إِلّا وَأَهُْلهَا(‪)1‬‬ ‫ظَاِلمُونَ} أي ولم يكن من سنة ال تعالى في عباده أن يهلك القرى إل بعد ظلم أهلها‪.‬‬ ‫فللهلك شرطان‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أن يبعث الرسول يتلو آياته فيكذب ويكفر به وبما جاء به‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن يظلم أهل القرى ويعتدوا وذلك بإظهار الباطل والمنكر وإشاعة الشر والفساد في البلد‬ ‫وهذا من عدل ال تعالى ورحمته بعباده إنه لرحم بهم من أنفسهم‪ ،‬وكيف ومن أسمائه وصفاته‬ ‫الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير مبدأ ل هادي إل ال‪ .‬الهداية المنفية هي إنارة قلب العبد وتوفيق العبد لليمان وعمل‬ ‫الصالحات‪ ،‬وترك الشرك والمعاصي‪ .‬والهداية المثبة‪ ،‬يقول ال تعالى وإنك لتهدي إلى صراط‬ ‫مستقيم‪ .‬تلك هداية الدعوة والوعظ والرشاد‪ ،‬ومنه {وَِل ُكلّ َقوْمٍ هَادٍ} أي يدعوهم إلى الهدى‪.‬‬ ‫‪ -2‬مظاهر قدرة ال وعلمه ورحمته وحكمته فيما ألقاه في قلوب العرب المشركين الجاهليين من‬ ‫تعظيم الحرم وأهله ليهيء بذلك لسكان حرمه أمنا وعيشا كما قال تعالى {فَلْ َيعْبُدُوا َربّ َهذَا الْبَ ْيتِ‬ ‫خوْفٍ} قريش (‪.)4-2‬‬ ‫ع وَآمَ َنهُمْ مِنْ َ‬ ‫ط َع َمهُمْ مِنْ جُو ٍ‬ ‫الّذِي َأ ْ‬ ‫‪ -3‬من رحمة ال وعدله أن ل يهلك أمة من المم إل إذا توفر لهلكها شرطان ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يبعث فيهم رسول يتلو عليهم آيات ال تحمل الهدى والنور‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يظلم أهلها بالتكذيب للرسول والكفر بما جاء به والصرار على الكفر والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -4‬التاريخ يعيد نفسه كما يقولون فما اعتذر به المشركون عن قبول السلم بحجة تألب العرب‬ ‫عليهم وتعطيل تجارتهم يعتذر به اليوم كثير من المسؤولين فعطلوا الحدود وجاروا الغرب في‬ ‫فصل الدين عن الدولة وأباحوا كبائر الثم كالربا وشرب الخمور وترك الصلة حتى ل يقال عنهم‬ ‫إنهم رجعيون متزمتون فيمنعوهم المعونات ويحاصرونهم اقتصاديا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي‪ :‬إل بعد أن ظلموا بالشرك والمعاصي بارتكاب عظائم الذنوب وكبائر الثام‪ ،‬وذلك لتنزه‬ ‫الرب تبارك وتعالى عن الظلم‪.‬‬

‫( ‪)4/87‬‬ ‫شيْءٍ َفمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَزِينَ ُتهَا َومَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى َأفَل َتعْقِلُونَ (‪َ )60‬أ َفمَنْ‬ ‫َومَا أُوتِي ُتمْ مِنْ َ‬ ‫حضَرِينَ(‪)61‬‬ ‫وَعَدْنَا ُه وَعْدا حَسَنا َف ُه َو لقِيهِ َكمَنْ مَ ّتعْنَاهُ مَتَاعَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ ُهوَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مِنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما أوتيتم من شيء ‪ :‬أي وما أعطاكم ال من مال أو متاع‪.‬‬ ‫فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ‪ :‬فهو ما تتمتعون به وتتزينون ثم يزول ويفنى‪.‬‬ ‫وما عند ال خير وأبقى ‪ :‬أي وما عند ال من ثواب وهو الجنة خير وأبقى‪.‬‬ ‫أفل تعقلون ‪ :‬لن من يؤثر القليل الفاني على الكثير الباقي ل عقل له‪.‬‬ ‫وعدا حسنا ‪ :‬أي الجنة‪.‬‬ ‫فهو لقيه ‪ :‬أي مصيبه وحاصل عليه وظافر به ل محالة‪.‬‬ ‫من المحضرين‪ :‬أي في نار جهنم‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫لقد سبق في هذا السياق أن المشركين اعتذروا عن السلم بعذر مادي بحت وهو وجود عداوة‬ ‫بينهم وبين سائر العرب‪ .‬يترتب عليها حروب وتعطل التجارة إلى غير ذلك‪ .‬فقوله تعالى هنا { َومَا‬ ‫شيْءٍ(‪َ )2‬فمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا} وهو خطاب لهم ولكل من يؤثر الحياة الدنيا على‬ ‫أُوتِيتُمْ(‪ )1‬مِنْ َ‬ ‫الخرة فيستحل المحرمات ويعطل الحكام ويضيع الفرائض والواجبات لتعارضها في نظره مع‬ ‫شيْءٍ} أي من مال ومتاع وإن كثر‬ ‫جمع المال والتمتع بالحياة الدنيا‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا أُوتِيتُمْ مِنْ َ‬ ‫{ َفمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أي فهو متاع الحياة الدنيا {وَزِينَ ُتهَا} أي تتمتعون وتتزينون به أياما أو أعواما‬ ‫ثم ينفد ويزول‪ ،‬أو تموتون عنه وتتركونه { َومَا عِنْدَ اللّهِ}‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬في هذه الية الكريمة تذكرة لقريش التي آثرت الدنيا على الخرة فردت السلم مخافة أن‬ ‫يؤثر على حياتها القتصادية والمنية في تصورها الهابط المتهالك وهي أيضا تذكرة لكل الذين‬ ‫يؤثرون الحياة الدنيا على الخرة‪.‬‬ ‫‪( - 2‬من) بيانية فقوله‪( :‬من شيء) بيان لما في قوله‪( :‬وما أوتيتم) والمتاع ما يتمتع به زمنا ثم‬ ‫يزول‪ ،‬والزينة تطلق على ما يحسن الجسام‪.‬‬

‫( ‪)4/88‬‬ ‫من نعيم الجنة {خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى} خير في نوعه وأبقى في مدته‪ ،‬فالول رديء وتصحبه المنغصات‬ ‫ويعقبه الكدر‪ ،‬والثاني جيد صالح خال من المنغصات والكدورات وباق ل يبلى ول يفنى ول‬ ‫يزول ول يموت صاحبه ويخلفه وراءه‪َ{ .‬أفَل َتعْقِلُونَ} يا من تؤثرون الفاني على الباقي والرديء‬ ‫حسَنا} وهو المؤمن‬ ‫على الجيد والخبيث على الطيب‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬أ َفمَنْ(‪ )1‬وَعَدْنَا ُه وَعْدا َ‬ ‫حسَنا} وهو الجنة دار السلم { َف ُهوَ(‪)2‬‬ ‫الصادق في إيمانه المؤكد له بصالح عمله‪{ ،‬وَعَدْنَا ُه وَعْدا َ‬ ‫لقِيهِ} أي لق موعده بإذن ال بمجرد أن يلفظ أنفاسه وتعرج إلى السماء روحه‪َ { .‬كمَنْ مَ ّتعْنَاهُ‬ ‫حضَرِينَ} في جهنم‬ ‫مَتَاعَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا} فهو يأكل ويشرب وينكح كالبهائم {ثُمّ ُهوَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ مِنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫في دار العذاب والهوان‪ ،‬والجواب‪ :‬ل يستويان أبدا وشتان ما بينهما‪ ،‬فالول وهو المؤمن الصالح‬ ‫الموعود بدار السلم ل يقارن بالكافر المتهالك على الدنيا ثم يتركها فجأة ويجد نفسه مع أهل‬ ‫الكفر والجرام في عذاب وهون ل يفارقه ول يخرج منه أبدا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فائدة العقل أن يعقل صاحبه دون ما يضره‪ ،‬ويبعثه على ما ينفعه فإن لم يعقله دون ما يضره‬ ‫ولم يبعثه على ما ينفعه فل وجود له‪ ،‬ووجوده كعدمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل الخرة على الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -3‬وعد ال للمؤمن بالجنة خير مما يؤتاه من مال ومتاع وزينة في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْولُ رَبّنَا َهؤُلءِ‬ ‫عمُونَ (‪ )62‬قَالَ الّذِينَ َ‬ ‫وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْ ُتمْ تَزْ ُ‬ ‫غوَيْنَا تَبَرّأْنَا إِلَ ْيكَ مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ(‪)63‬‬ ‫غوَيْنَا ُهمْ َكمَا َ‬ ‫غوَيْنَا أَ ْ‬ ‫الّذِينَ أَ ْ‬ ‫عوْهُمْ فََلمْ يَسْ َتجِيبُوا‬ ‫َوقِيلَ ادْعُوا شُ َركَا َءكُمْ َفدَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام إنكاري ينكر فيه تعالى التسوية فضل عن المفاضلة بين مؤمن وعده ربه النعيم‬ ‫المقيم في الخرة وكافر متعه اليوم بمتع زائلة فانية عما قريب تنتهي وتزول ويؤول أمره إلى دار‬

‫الشقاء والعذاب البدي وهي دار البوار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جملة (فهو لقيه) معترضة بين طرفي المقابلة في المفاضلة‪.‬‬

‫( ‪)4/89‬‬ ‫َلهُ ْم وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ َلوْ أَ ّنهُمْ كَانُوا َيهْ َتدُونَ (‪ )64‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَ َيقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪َ )65‬ف َعمِ َيتْ‬ ‫ع ِملَ صَالِحا َفعَسَى أَنْ َيكُونَ مِنَ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ب وَآمَ َ‬ ‫عَلَ ْيهِمُ الْأَنْبَاءُ َي ْومَئِذٍ َفهُمْ ل يَتَسَاءَلُون(‪ )66‬فََأمّا مَنْ تَا َ‬ ‫ا ْل ُمفْلِحِينَ(‪)67‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويوم يناديهم ‪ :‬أي الرب سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫كنتم تزعمون ‪ :‬أي أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي‪.‬‬ ‫حق عليهم القول ‪ :‬أي بالعذاب في النار وهم أئمة الضلل‪.‬‬ ‫أغويناهم ‪ :‬أي فغووا ولم نكرههم على الغي‪.‬‬ ‫تبرأنا إليك‪ :‬أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم‪.‬‬ ‫وقيل ادعوا شركاءكم ‪ :‬نادوهم ليخلصوكم مما أنتم فيه‪.‬‬ ‫لو أنهم كانوا يهتدون ‪ :‬أي لما رأوا العذاب ودّوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين‪.‬‬ ‫ويوم يناديهم ‪ :‬أي ال تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫فعميت عليهم النباء ‪ :‬أي فخفيت عليهم النباء التي يمكنهم أن يحتجوا بها‪.‬‬ ‫فهم ل يتساءلون ‪ :‬أي انقطعوا عن الكلم‪.‬‬ ‫فأما من تاب وآمن ‪ :‬أي آمن بال ورسوله وتاب من الشرك‪.‬‬ ‫وعمل صالحا ‪ :‬أدى الفرائض والواجبات‪.‬‬ ‫فعسى أن يكون من المفلحين‪ :‬أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة‪ ،‬وعسى من ال تعالى ل‬ ‫تفيد مجرد الرجاء بل هي لتحقق الموعود به‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله واذكر يوم ينادي(‪ )1‬ربك هؤلء المشركين وقد ماتوا على شركهم فيقول لهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بعد تقرير النبوة انتقل الكلم إلى تقرير ركني العقيدة‪ :‬التوحيد والبعث‪ ،‬فيوم معمول‬ ‫لمحذوف تقديره‪ :‬اذكر يا رسولنا يوم ينادي الجبار أولئك المحضرين في جهنم يناديهم للتوبيخ‬ ‫والتقريع‪.‬‬

‫( ‪)4/90‬‬

‫عمُونَ} أي أنهم شركائي هذا سؤال تقريع وتأنيب والتقريع والتأنيب‬ ‫{أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْ ُ‬ ‫حقّ‬ ‫ضرب من العذاب الروحي الذي هو أشد من العذاب الجثماني‪ .‬وقوله تعالى {قَالَ الّذِينَ(‪َ )1‬‬ ‫عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ} أي نطق الرؤساء من أئمة الضلل وهم الذين حق عليهم العذاب في نار جهنم {رَبّنَا(‬ ‫غوَيْنَا(‪ })3‬أي ما أكرهناهم على الغواية‪{ ،‬تَبَرّأْنَا(‬ ‫غوَيْنَاهُمْ} فغووا { َكمَا َ‬ ‫غوَيْنَا} {أَ ْ‬ ‫‪َ )2‬هؤُلءِ الّذِينَ أَ ْ‬ ‫‪ )4‬إِلَ ْيكَ} أي منهم‪{ .‬مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ} بل كانوا يعبدون أهواءهم ل غير‪ .‬وقوله‪َ { :‬وقِيلَ ادْعُوا‬ ‫شُ َركَا َءكُمْ} يقال للمشركين تهكّما بهم واستهزاء‪{ ،‬ادْعُوا شُ َركَا َءكُمْ} أي لينصروكم ويخلصوكم مما‬ ‫أنتم فيه من الذل والهوان‪.‬‬ ‫عوْهُمْ} بالفعل نادوا {فَلَمْ َيسْتَجِيبُوا َلهُمْ} إذ ل يقدر واحد من النس أو الجن أن يقول‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬فدَ َ‬ ‫هذا كان يعبدني‪ ،‬بل كل معبود يتبرأ ممن عبده كما قالوا في الية قبل ذي تبرأنا إليك أي منهم ما‬ ‫كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقوله تعالى‪{ :‬وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ} بأعينهم فاشتدت حسرتهم‬ ‫وودوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ} أي ربهم قائل‪{ :‬مَاذَا‬ ‫أَجَبْ ُتمُ ا ْلمُرْسَلِينَ} ؟ أخبرونا كيف كان موقفكم مع من أرسلنا إليكم؟ هل آمنتم بهم واتبعتموهم أم‬ ‫كذبتموهم وحاربتموهم قال تعالى‪َ { :‬ف َعمِ َيتْ(‪ )5‬عَلَ ْي ِهمُ الْأَنْبَاءُ َي ْومَئِذٍ} أي فخفيت عليهم الخبار التي‬ ‫يمكنهم أن يحتجوا بها فلم يجدوا حجة واحدة ولذا { َف ُهمْ ل يَتَسَاءَلُون} أي ل يسأل بعضهم بعضا‬ ‫لنه سقط في أيديهم وعلموا أنهم صالوا الجحيم ل محالة‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬فََأمّا مَنْ تَابَ(‪ })6‬من‬ ‫هؤلء المشركين اليوم من الشرك وآمن بال ولقائه ورسوله وعمل صالحا فأدى الفرائض‬ ‫والواجبات { َفعَسَى أَنْ َيكُونَ مِنَ ا ْل ُمفْلِحِينَ} أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة‪ ،‬فهذه دعوة‬ ‫سخية لكل مشرك وكافر وفاسق أن يتخلى عن الباطل المتلبس به ويؤمن اليمان الصحيح ويعمل‬ ‫صالحا بأداء الفرائص فإنه ينجو من النار ويدخل الجنة دار البرار فهل من تائب؟!‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لم تعطف جملة‪( :‬قال الذين) بالواو أو بالفاء لنها في صورة حوار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا النداء المراد به الستعطاف والسترحام‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي‪ :‬أضللناهم كما كنا ضالين‪ ،‬وذلك أنهم دعوهم إلى عبادتهم فعبدوهم‪ ،‬ولذا قال قتادة‪:‬‬ ‫هؤلء هم الشياطين‪ ،‬وقيل‪ :‬هم الرؤساء‪ ،‬والكل صحيح‪.‬‬ ‫‪( - 4‬تبرأنا) أي‪ :‬تبرأ الشياطين والرؤساء ممن عبدوهم أو عبدوا غير ال بدعوتهم وتزينيهم‪،‬‬ ‫وأنكروا أنهم كانوا يعبدونهم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬خفيت النباء على جميع المسؤولين فسكتوا كلهم إذ لم يروا جوابا ينفع في هذا الموقف‬ ‫الرهيب‪.‬‬ ‫‪ - 6‬هذه الفاء الفصيحة كأن سائلً قال بعد أن عرف حال المشركين في النار‪ :‬وما حال غيرهم يا‬

‫ترى؟ فأجيب بأن من تاب من الشرك وعمل صالحا بأداء الفرائض ففلحه العظيم واجب له‬ ‫متأكد‪.‬‬

‫( ‪)4/91‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالشرك والمشركين‪.‬‬ ‫‪ -2‬براءة الرؤساء في الضلل من المرؤوسين‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الغواية وهي الضلل‪ ،‬والنغماس في الذنوب والثام‪.‬‬ ‫‪ -4‬خذلن المعبودين عابديهم يوم القيامة وتبرؤهم منهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬باب التوبة مفتوح لكل عبد مهما كانت ذنوبه ول يهلك على ال إل هالك‪.‬‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ(‪ )68‬وَرَ ّبكَ َيعَْلمُ‬ ‫وَرَ ّبكَ َيخْلُقُ مَا يَشَا ُء وَ َيخْتَارُ مَا كَانَ َلهُمُ ا ْلخِيَ َرةُ سُ ْبحَانَ اللّ ِه وَ َتعَالَى َ‬ ‫ح ْكمُ‬ ‫ح ْمدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِ َرةِ وَلَهُ الْ ُ‬ ‫ن صُدُورُهُ ْم َومَا ُيعْلِنُونَ(‪ )69‬وَ ُهوَ اللّهُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ َلهُ الْ َ‬ ‫مَا ُتكِ ّ‬ ‫جعُونَ(‪)70‬‬ ‫وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يخلق ما يشاء ‪ :‬أي من خلقه‪.‬‬ ‫ويختار‪ :‬أي من يشاء لنبوته وطاعته‪.‬‬ ‫ما كان لهم‪ :‬أي للمشركين‪.‬‬ ‫الخيرة ‪ :‬أي الختيار في شيء‪.‬‬ ‫سبحان ال‪ :‬أي تنزيها ل عن الشرك‪.‬‬ ‫يعلم ما تكن صدورهم ‪ :‬أي ما تسر وتخفي من الكفر وغيره‪.‬‬ ‫له الحمد في الولى‪ :‬أي في الدنيا لنه مولى كل نعمة‪.‬‬ ‫وفي الخرة ‪ :‬أي في الجنة‪.‬‬ ‫وله الحكم ‪ :‬أي القضاء النافذ‪.‬‬ ‫وإليه ترجعون ‪ :‬بعد النشور وذلك يوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)4/92‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم في اليات قبل هذه التنديد بالشرك وتوبيخ المشركين وتحديهم بدعاء شركائهم ليخلصوهم‬

‫مما هم فيه من العذاب‪ ،‬وكان شركهم باختيارهم الخاص وإرادتهم الحرة إذ تبرأ منهم من‬ ‫اختاروهم آلهة مع ال فعبدوهم معه‪ .‬وفي هذه الية يكشف تعالى عن خطئهم في الختيار‪ ،‬وذلك‬ ‫من وجهين‪ :‬الول أنه ل حق لهم في الختيار‪ .‬إذ الختيار لخالق المخلوقات فيختار منها ما يشاء‬ ‫ق ول َيخْلُقُ فكيف يصح منه اختيار‪ .‬والثاني بحكم أنهم مخلوقون‬ ‫لنبوته أو طاعته أما الذي يُخَْل ُ‬ ‫مربوبون ل تعالى وهم يعلمون هذا إذ لو سألهم أحد‪ :‬من خلقكم؟ لقالوا‪ :‬ال؛ كان المفروض فيهم‬ ‫والمطلوب منهم أن يطلبوا من ال تعالى خالقهم أن يختار لهم ما يعبدون ويبين لهم كيف يعبدون‪،‬‬ ‫إذ هو مولهم الحق ول مولى لهم سواه أما أن يركبوا رؤوسهم ويختاروا بأنفسهم ما يعبدون فهذا‬ ‫ظلم منهم كبير استوجبوا به اللوم في الدنيا والعذاب في الخرة‪ .‬قال تعالى‪{ )68( :‬وَرَ ّبكَ َيخْلُقُ مَا‬ ‫يَشَاءُ} ‪ ..‬أي وربك يا محمد يخلق ما يشاء ممن يريد خلقهم ويختار(‪ )1‬من يشاء لما يشاء ممن‬ ‫يشاء من عباده لما يشاء من كمال أو نقصان‪ .‬أما عبيده فليس لهم حق الختيار وإنما عليهم السمع‬ ‫والطاعة قال تعالى‪{ :‬مَا كَانَ َل ُهمُ الْخِيَ َرةُ(‪ })2‬أي حق الختيار بل الذي يختاره ال هو الذي يجب‬ ‫أن يختاره العبد‪ .‬وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يدعو ويقول‪" :‬اللهم خرْ لي واختر لي" وكان‬ ‫يعلم أصحابه دعاء الستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن‪ ،‬ويحضهم على أن يختاروا في المر‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ} نزه تعالى نفسه عن شرك‬ ‫الواحد سبع مرات‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬سُ ْبحَانَ اللّ ِه وَ َتعَالَى َ‬ ‫ن صُدُورُ ُه ْم َومَا ُيعْلِنُونَ} وهذا برهان أن‬ ‫المشركين وباطل المبطلين وقوله {وَرَ ّبكَ َيعْلَمُ مَا ُتكِ ّ‬ ‫الخيرة له(‪ )3‬وليس لغيره إذ الذي يعلم الظواهر والبواطن والبدايات والنهايات قبل البدء والمنتهى‬ ‫صاحب هذا العلم هو الذي يختار‪ .‬أما الذي ل يعلم ما يكنه أخوه في صدره بل ول ما يظهره آخر‬ ‫إلى جنبه أي ل يعلم عاقبته فكيف يصح منه الختيار أو تكون له خيرة في شيء‪ .‬وفوق ذلك أنه‬ ‫سبحانه وتعالى { َو ُهوَ اللّهُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي المعبود الذي ل معبود بحق سواه الذي له الحمد‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قيل نزلت ردا على الوليد بن المغيرة حين قال‪ :‬لول نزل هذا القرآن على رجل من القريتين‬ ‫عظيم‪ .‬كما هي ردّ على اختيارهم الشركاء ليشفعوا لهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جائز أن يكون (ما) موصولً مفعول به لفعل‪ :‬يختار‪ ،‬والعائد محذوف أي‪ :‬ويختار الذي لهم‬ ‫فيه خير‪ ،‬كما أن الخلق من خصائصه‪ ،‬إذ قال (وربك يخلق ما يشاء) فكذلك الختيار له دون‬ ‫غيره‪ ،‬وجائر أن يكون الوقف التام على (ويختار)‪ ،‬وجملة (ما كان لهم الخيرة) مستأنفة لغرض‬ ‫تأكيد القصر على ال تعالى هو الخالق وحده وهو الذي يختار وحده وليس لحد من الخلقِ الخلقُ‬ ‫والختيار‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الخيرة‪ :‬اسم مصدر الختيار كالطيرة اسم مصدر التطير ول نظير لهذه الصيغة في السماء‬ ‫(والطيرة والخيرة)‪.‬‬

‫( ‪)4/93‬‬

‫في الدنيا إذ كل ما في الدنيا هو خلقه وفضله وإنعامه‪ ،‬وله الحمد في الخرة‪ ،‬يحمده أهل الجنة إذ‬ ‫قالوا الحمد ل الذي أذهب عنا الحزن بل الحياة الدنيا كالخرة‪ .‬تختم بالحمد ل‪ .‬قال تعالى‬ ‫جعُونَ} أي وله الحكم‬ ‫حكْ ُم وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫{وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد ل رب العالمين} {وَلَهُ الْ ُ‬ ‫جعُونَ} فكما أن الحكم خاص به فكذلك الرجوع إليه‪ ،‬ويوم‬ ‫والقضاء في الدنيا والخرة {وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬ ‫يرجعون إليه يحكم بينهم بحكمه وهو العزيز العليم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير مبدأ "ليس من حق العبد أن يختار إل ما اختاره ال له"‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعين طلب الختيار في المر كله من ال تعالى بقول العبد "اللهم خر لي واختر لي"‪.‬‬ ‫‪ -3‬تأكيد سنة الستخارة وهي إذا همّ العبد بالمر يصلي ركعتين في وقت ل تكره فيه صلة‬ ‫النافلة‪ ،‬ثم يدعو بدعاء الستخارة كما ورد في الصحيح وهو "اللهم إني أستخيرك بعلمك‬ ‫وأستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ول أقدر‪ ،‬وتعلم ول أعلم وأنت علم‬ ‫الغيوب‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر خير لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله‬ ‫فاقدره لي ويسره لي‪ ،‬ثم بارك لي فيه‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر شر لي في ديني ودنياي‬ ‫وفي عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه‪ ،‬واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به"‪.‬‬ ‫ويسمي حاجته التي هم بها من سفر أو زواج أو بناء أو تجارة أو غراسة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التوحيد وإبطال التنديد‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب حمد ال وشكره على كل حال وذلك لتجدد النعمة في كل آن‪.‬‬ ‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْي ُكمُ اللّ ْيلَ سَ ْرمَدا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ ِبضِيَاءٍ َأفَل‬ ‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َ‬ ‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ سَ ْرمَدا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ‬ ‫س َمعُونَ(‪ُ )71‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬ ‫تَ ْ‬ ‫سكُنُوا فِي ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ لِ َت ْ‬ ‫حمَ ِتهِ َ‬ ‫سكُنُونَ فِيهِ َأفَل تُ ْبصِرُونَ(‪َ )72‬ومِنْ رَ ْ‬ ‫بِلَ ْيلٍ تَ ْ‬ ‫شكُرُونَ‬ ‫َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬

‫( ‪)4/94‬‬ ‫شهِيدا َفقُلْنَا‬ ‫عمُونَ(‪ )74‬وَنَزَعْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬ ‫(‪ )73‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُ َركَا ِئيَ الّذِينَ كُنْ ُتمْ تَزْ ُ‬ ‫ضلّ عَ ْنهُمْ ما كَانُوا َيفْتَرُونَ(‪)75‬‬ ‫حقّ لِلّ ِه َو َ‬ ‫هَاتُوا بُرْهَا َنكُمْ َفعَِلمُوا أَنّ الْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أرأيتم ‪ :‬أي أخبروني‬ ‫ل واحدا متصلً ل يعقبه نهار‪.‬‬ ‫سرمدا ‪ :‬أي دائما‪ ،‬لي ً‬

‫بضياء ‪ :‬أي ضوء كضوء النهار‪.‬‬ ‫بليل تسكنون فيه ‪ :‬أي تنامون فتسكن جوارحكم فتستريح من تعب الحياة‪.‬‬ ‫لتسكنوا فيه ‪ :‬أي في الليل‪.‬‬ ‫ولتبتغوا من فضله ‪ :‬أي تطلبوا الرزق من فضل ال في النهار‪.‬‬ ‫ولعلكم تشكرون ‪ :‬أي كي تشكروا ربكم بطاعته كالصلة والصيام والصدقة‪.‬‬ ‫ونزعنا من كل أمة شهيداَ ‪ :‬أي أحضرنا من كل أمة من يشهد عليها وهو نبيها عليه السلم‪.‬‬ ‫فقلنا هاتوا برهانكم ‪ :‬أي حججكم على صحة الشرك الذي أنذرتكم رسلنا عواقبه فما قبلتم النذارة‬ ‫ول البشارة‪.‬‬ ‫فعلموا أن الحق ل‪ :‬أي تبين أن العبادة والدين الحق ل ل لسواه‪.‬‬ ‫وضل عنهم ما كانوا يفترون ‪ :‬أي وغاب عنهم ما كانوا يكذبونه من القوال الباطلة التي كانوا‬ ‫يردون بها على الرسل عليهم السلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد وهو حول أنداد ل تعالى من مخلوقاته‬ ‫فقال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قل لهؤلء المشركين الذين جعلوا ل أندادا وهو‬

‫( ‪)4/95‬‬ ‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ اللّ ْيلَ سَ ْرمَدا}‬ ‫خالقهم ورازقهم ومدبر أمر حياتهم {أَرَأَيْتُمْ (‪ })1‬أي أخبروني {إِنْ َ‬ ‫ل واحدا متصل ل يعقبه نهارٌ {إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَامَةِ} أخبروني هل هناك {إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ‬ ‫أي(‪ )2‬دائما لي ً‬ ‫يَأْتِيكُمْ ِبضِيَاءٍ(‪ })3‬كضياء النهار‪ ،‬والجواب‪ :‬ل أحد وإذا فكيف تشركون به أصناما‪َ{ .‬أفَل‬ ‫ج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ ال ّنهَارَ سَ ْرمَداً} أي دائما متصلً‬ ‫س َمعُونَ} ما يقال لكم‪ .‬وقل لهم أيضا { أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َ‬ ‫تَ ْ‬ ‫ل يخلفه ليل أبدا {إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ} إلى انقراض هذا الكون وانتهاء هذه الحياة وقيام الناس لربهم‬ ‫سكُنُونَ فِيهِ} فتخلدون‬ ‫من قبورهم يوم القيامة {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ} أي أيّ إله غير ال {يَأْتِي ُكمْ بِلَ ْيلٍ تَ ْ‬ ‫إلى الراحة بالنوم والسكون وعدم الحركة فيه‪ ،‬وإذا قلتم ل أحد يأتينا بليل نسكن فيه إذا فما لكم ل‬ ‫تبصرون هذه اليات ول تسمعون ما تحمله من الدلة والحجج القواطع القاضية بأنه ل إله إل‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ وَال ّنهَارَ} إذ ليس واجبا‬ ‫حمَتِهِ(‪َ )4‬‬ ‫ال‪ ،‬ول معبود بحق سواه‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومِنْ رَ ْ‬ ‫عليه ذلك وإنما هو فضل منه ورحمة فالليل تسكنون فيه والنهار تتحركون فتبتغون رزقكم من‬ ‫فضل ال‪ ،‬وبذلك تهيّؤون للشكر إذا أكلتم أو شربتم أو ركبتم أو نزلتم قلتم الحمد ل‪ ،‬والحمد ل‬ ‫رأس الشكر‪ ،‬كما أن الليل والنهار ظرف للعبادة التي هي الشكر‪ ،‬فالعبادات ل تقع إل في الليل‬ ‫والنهار‪ ،‬فالصيام في النهار والقيام بالليل والصلة والصدقات فيهما‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ}‬ ‫أي اذكر يا رسولنا لهم تنبيها وتعليما يوم يناديهم الرب تبارك وتعالى فيقول لهم‪{ :‬أَيْنَ شُ َركَائِيَ‬

‫عمُونَ} أنهم شركاء لي فعبدتموهم‪ ،‬وهل يرجى أن يجيبوا ل‪ ،‬ل‪ ،‬وإنما هذا السؤال‬ ‫الّذِينَ كُنْ ُتمْ تَزْ ُ‬ ‫ونظائره هو سؤال تبكيت وتأنيب وتوبيخ وهو نوع من العذاب النفسي الذي هو أشد من العذاب‬ ‫شهِيدا} أي واذكر لهم هذا الموقف من مواقف‬ ‫الجسمي‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَنَزَعْنَا(‪ )5‬مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬ ‫شهِيدا} يشهد عليها وهو‬ ‫القيامة الصعبة {وَنَزَعْنَا} أي أحضرنا {مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬حقق الهمزة من (أرأيتم) حفص‪ ،‬وخففها ورش فقلبها ألفا تخفيفا (أرايتم)‪.‬‬ ‫‪( - 2‬سرمدا) أي‪ :‬دائما‪ .‬قال طرفة بن العبد‪:‬‬ ‫ي بغمّة‬ ‫لعمرك ما أمري عل ّ‬ ‫نهاري ول ليلي عليّ بسرمد‬ ‫‪ - 3‬أي‪ :‬بنهار تبصرون فيه معايشكم ويصلح فيه ثماركم ونباتاتكم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فيه تصريح بأن الليل بما يحصل فيه من سكون وراحة للبدان والعقول من الهم والتفكير‪،‬‬ ‫والنهار بما يحصل فيه من عمل ونشاط للكسب وتحصيل الزرق نعمة ال على العباد اقتضتها‬ ‫رحمته بهم فله الحمد وله المنة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أعيد هذا الموقف مرة أخرى ليذكر فيه حالً لم تذكر في الول وهي‪ :‬إشهاد النبياء على‬ ‫أممهم‪ ،‬وفي هذا تقرير للنبوة المحمدية إذ هذه الية كآية (وجئنا بك على هؤلء شهيدا)‪.‬‬

‫( ‪)4/96‬‬ ‫نبيها‪ ،‬ويشهد الرسول أنه بلغ ونصح وأنذر‪ ،‬ويقال لهم‪{ :‬هَاتُوا(‪ )1‬بُ ْرهَا َنكُمْ} على صحة ما كنتم‬ ‫تعبدون وتدعون‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬فعَِلمُوا أَنّ ا ْلحَقّ لِلّهِ} أي تبين لهم أن الحق ل أي أن الدين الحق ل‬ ‫فهو المستحق لتأليه المؤلهين وطاعة المطيعين وقربات المتقربين ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إشارة علمية إلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج‪ ،‬وأن البصار يكون مع الضوء‪،‬‬ ‫ول يتم مع‬ ‫الظلم بحال من الحوال‪.‬‬ ‫‪ -2‬البرهنة القوية على وجوب توحيد ال إذ ل رب يدبر الكون سواه‪.‬‬ ‫‪ -3‬كون النهار والليل ظرفان للسكون وطلب العيش هما من رحمة ال تعالى أمر يقتضي شكر‬ ‫ال تعالى بحمده والعتراف بنعمته وطاعته بصرف النعمة فيما يرضيه ول يسخطه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أهوال القيامة‪ ،‬بذكر بعض المواقف الصعبة فيها‪.‬‬ ‫‪ -5‬إذا كان يوم القيامة بطل كل كذب وقول ولم يبق إل قول الحق والصدق‪.‬‬

‫إِنّ قَارُونَ كَانَ مِنْ َقوْمِ مُوسَى فَ َبغَى عَلَ ْيهِ ْم وَآتَيْنَاهُ مِنَ ا ْلكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِا ْل ُعصْبَةِ أُولِي‬ ‫حبّ ا ْلفَرِحِينَ(‪)76‬‬ ‫ا ْل ُقوّةِ ِإذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ ل َتفْرَحْ إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬ ‫ك وَل تَبْغِ‬ ‫وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِ َرةَ وَل تَنْسَ َنصِي َبكَ مِنَ الدّنْيَا وَأَحْسِنْ َكمَا َأحْسَنَ اللّهُ إِلَ ْي َ‬ ‫حبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‪ )77‬قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِ ْلمٍ عِنْدِي َأوََلمْ َيعْلَمْ أَنّ اللّهَ‬ ‫ا ْلفَسَادَ فِي الْأَ ْرضِ إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬ ‫جمْعا‬ ‫شدّ مِنْهُ ُق ّو ًة وََأكْثَرُ َ‬ ‫قَدْ َأهَْلكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ ا ْلقُرُونِ مَنْ ُهوَ أَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬هاتوا) أحضروا‪ ،‬والمر مستعمل هنا للتعجيز إذ هم عاجزون عن التيان بأدنى حجة عن‬ ‫صحة شركهم وكفرهم بلقاء ربهم‪ ،‬فعاب عليهم ما كانوا يكذبونه من الدعاءات الفارغة من أن‬ ‫أصنامهم تشفع لهم‪.‬‬

‫( ‪)4/97‬‬ ‫وَل يُسَْألُ عَنْ ذُنُو ِبهِمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪)78‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن قارون كان من قوم موسى ‪ :‬أي ابن عم موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫فبغى عليهم ‪ :‬أي ظلمهم واستطال عليهم‪.‬‬ ‫ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة ‪ :‬أي أعطاه ال من المال ما يثقل عن الجماعة حمل مفاتح خزائنه‪.‬‬ ‫ل تفرح إن ال ل يحب الفرحين ‪ :‬أي ل تفرح فرح البطر والشر‪.‬‬ ‫وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة‪ :‬أي اطلب في المال الذي أوتيته الدار الخرة بفعل الخيرات‪.‬‬ ‫على علم عندي ‪ :‬أي لعلم ال تعالى بأني أهل لذلك‪.‬‬ ‫وأكثر جمعا‪ :‬أي للمال‪.‬‬ ‫ول يسأل عن ذنوبهم المجرمون ‪ :‬أي لعلم ال تعالى بهم فيدخلون النار بدون حساب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا بداية(‪ )1‬قصص قارون الباغي‪ ،‬وهو قارون ابن يصهر بن قا َهثْ بن لوى بن يعقوب بن‬ ‫إسحاق بن إبراهيم عليه السلم‪ .‬فهو ابن عم موسى بن عمران وابن خالته أيضا وكان يلقب‬ ‫المنور لحسن صورته‪ ،‬ونافق كما نافق السامري المطرود‪ .‬قال تعالى في ذكر خبره {إِنّ قَارُونَ(‬ ‫‪ )2‬كَانَ مِنْ َقوْمِ مُوسَى} أي إسرائيلي ابن عم موسى بن عمران الرسول‪{ .‬فَ َبغَى عَلَ ْي ِهمْ} أي على‬ ‫بني إسرائيل أي ظلمهم وطغى عليهم‪ ،‬ولعل فرعون كان قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل‬ ‫حهُ لَتَنُوءُ(‪)3‬‬ ‫فأطغته وملك أموالً كثيرة ففرته وألهته‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬وَآتَيْنَاهُ مِنَ ا ْلكُنُوزِ مَا إِنّ مَفَاتِ َ‬ ‫بِا ْل ُعصْبَةِ(‪ )4‬أُولِي ا ْل ُق ّوةِ }‪ .‬وهذا الخبر اللهي دليل على ما كان للطاغية‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬هذا استئناف ابتدائي لذكر قصة لها مغزاها ونتائجها من الموعظة والذكرى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ومغزى هذا القصص أول‪ :‬تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا ل يقصه غير من يوحى إليه‬ ‫بحال‪ .‬ثانيا‪ :‬تضمن القصص الرد على المعجبين بالمال ومتاع الحياة الدنيا وبيان نهايتهم المؤلمة‪،‬‬ ‫وثالثا‪ :‬عرض مشابه لموقف أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم مع أغنياء مكة وهم يتطاولون‬ ‫عليهم بالمال والجاه‪ .‬كما كان قارون مع ضعفة بني إسرائيل وفي ذلك عظة للمؤمنين وذكرى‬ ‫للكافرين‪.‬‬ ‫‪( - 3‬ما عن مفاتحه) الكثرون على أن (ما) موصول‪ ،‬وصلتها جملة‪( :‬إن مفاتيحه) وأنكر بعض‬ ‫ن فقالوا‪( :‬ما) موصوفة وما بعدها في محل الصفة‪ ،‬والمفاتيح‪ :‬جمع‬ ‫أن تبتدئ الصلة بحرف إ ّ‬ ‫مفتاح بكسر الميم‪ :‬اسم آلة الفتح‪.‬‬ ‫‪( - 4‬تنوء) من ناء بالشيء ينوء ثقل عليه‪ ،‬والباء‪ :‬في (بالعصبة) للمصاحبة‪ ،‬وليست للسببية‪ ،‬إذ‬ ‫هي كما في قول امرؤ القيس‪:‬‬ ‫وأردف أعجازا وناء بكلكل‪.‬‬ ‫والعصبة الجماعة من الخمسة إلى العشرة فأكثر‪.‬‬

‫( ‪)4/98‬‬ ‫قارون من أموال بحيث أن المفاتح تثقل كاهل العصبة أي الجماعة من الرجال لو حملوها كلها‬ ‫وذلك لثقلها‪ .‬وقوله تعالى‪ِ{ :‬إذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ} أي من بني إسرائيل واعظين له مذكرين {ل َتفْرَحْ}‬ ‫حبّ ا ْلفَرِحِينَ} أي الشرين البطرين الذين يختالون‬ ‫أي بأموالك فرح الشر البطر‪{ .‬إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬ ‫ق منها‬ ‫ويتفاخرون ويتكبرون‪{ .‬وَابْتَغِ} اطلب {فِيمَا آتَاكَ اللّهُ} من أموال {الدّارَ الْآخِ َرةَ} بأن تصدّ ْ‬ ‫وأنفقْ في سبيل ال كبناء مسجد أو مدرسة أو ميتم أو ملجأ إلى غير ذلك من أوجه البر‬ ‫والحسان‪{ .‬وَل تَنْسَ َنصِي َبكَ(‪ )1‬مِنَ الدّنْيَا} فكل واشرب والبس واركب واسكن ولكن في غير‬ ‫إسراف ول مخيلة‪{ ،‬وََأحْسِنْ} عبادة ال تعالى وطاعته وأحسن إلى عباده بالقول والعمل { َكمَا‬ ‫حسَنَ} أي ال تعالى إليك {وَل تَبْغِ ا ْلفَسَادَ فِي(‪ )2‬الْأَ ْرضِ} بترك الفرائض وارتكاب المحرمات‪.‬‬ ‫أَ ْ‬ ‫حبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ} ومن لم يحبه ال أبغضه ومن أبغضه عذبه في الدنيا والخرة فبعد هذه‬ ‫{إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬ ‫الموعظة من قومه الصالحين أهل العلم والبصيرة ردّ هذا الطاغية قارون بما أخبر به تعالى عنه‬ ‫في قوله في الية (‪{ )78‬قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِ ْندِي} أي ل تهددوني ول تخوفوني بسلب مالي‬ ‫عني إن أنا لم أحْسن فإن هذا المال قد {أُوتِيتُهُ} أي آتانيه ال على علم منه(‪ )3‬بأني أهل له ولذا‬ ‫أعطاني وزاد عطائي وأكثره قال تعالى في الردّ عليه في زعمه هذا {َأوَلَمْ َيعَْلمْ} أي أيقول ما يقول‬ ‫جمْعا}‬ ‫شدّ مِنْهُ ُق ّو ًة وََأكْثَرُ َ‬ ‫من الزعم الكاذب ولم { َيعَْلمْ أَنّ اللّهَ قَدْ أَهَْلكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ ا ْلقُرُونِ مَنْ ُهوَ أَ َ‬ ‫‪ ،‬كعاد وثمود وقوم إبراهيم فلو كان كثرة المال دليل على حب ال ورضاه عن أهله‪ ،‬ما أهلك‬

‫ل وقوله تعالى‪{ :‬وَل يُسَْألُ(‪ )4‬عَنْ‬ ‫عادا وثمود وقوم نوح من قبل وكانوا أشد قوة وأكثر مال ورجا ً‬ ‫ذُنُو ِبهِمُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ} أي إذا أكثر العبد من الجرام بالشرك والمعاصي حق عليه كلمة العذاب وآن‬ ‫أوان عذابه ل يسأل عن ذنوبه بل يؤخذ فجأة كما أن هؤلء المجرمين سيدخلون النار بغير حساب‬ ‫فل يسألون ول يحاسبون‪ .‬قال تعالى‪ُ { :‬يعْ َرفُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ ِبسِيمَاهُمْ(‪ )5‬فَ ُيؤْخَذُ بِال ّنوَاصِي وَالَْأقْدَامِ}‬ ‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْل ُمجْ ِرمُونَ}(‪.)6‬‬ ‫أي ويرمون في جهنم ويقال لهم‪{ :‬هَ ِذهِ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أشار ابن عمر إلى هذا القول في قوله‪ :‬احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لخرتك كأنك‬ ‫تموت غدا‪ .‬ومن تأولها بالعمل للخرة فقط شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط‬ ‫‪ - 2‬الفساد في الرض يكون بفعل المعاصي الجامعة لترك الفرائض وإتيان الكبائر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وقال ابن زيد‪ :‬لعلم ال تعالى بفضلي ورضاه عني أي‪ :‬إني أوتيتها باستحقاقي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أي‪ :‬ل يسأل سؤال استعتاب ليتوب أما سؤال التقريع والتوبيخ فل مانع منه‪ ،‬وذلك كقوله‬ ‫تعالى‪( :‬ول يستعتبون) وقوله (وما هم بمعتبين)‪.‬‬ ‫‪( - 5‬سيماهم) إنهم سود الوجوه زرق العيون‪.‬‬ ‫‪ - 6‬المجرمون‪ :‬هم الذين أجرموا على أنفسهم أي‪ :‬خبّثوها بكثرة ما يرتكبون من الجرائم كالكفر‬ ‫والظلم وكبائر الذنوب‪ ،‬كالقتل ظلما وأكل الربا وتعاطي الخمور والزنى‪.‬‬

‫( ‪)4/99‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬المال والمنصب العالي عرضة لفساد المرء إل من رحم ال عز وجل وقليل ما هم‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الفرح بالمال والمارة إذا كان الفرح فرح بطر وفخر واعتزاز وكبر وخيلء‪.‬‬ ‫‪ -3‬من فضل ال على المة أن يوجد فيها عالمون ينصحون ويرشدون ويوجهون‪.‬‬ ‫‪ -4‬من الحزم للمرء أن يطلب من المال والجاه والمنصب أعلى الدرجات في الجنة‪.‬‬ ‫‪ -5‬حلّية الكل من الطيب والشرب من الطيب واللبس والركوب والسكن من غير إسراف ول‬ ‫خيلء ول كبر‪.‬‬ ‫‪ -6‬العافية والمال وعز السلطان يصاب صاحبها بالغترار إل من رحم ال‪.‬‬ ‫فَخَرَجَ عَلَى َق ْومِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا يَا لَ ْيتَ لَنَا مِ ْثلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنّهُ َلذُو‬ ‫حظّ عَظِيمٍ(‪)79‬‬ ‫َ‬ ‫ع ِملَ صَالِحا وَل يَُلقّاهَا إِلّا الصّابِرُونَ(‪)80‬‬ ‫ن وَ َ‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْ َم وَيَْلكُمْ َثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ ِلمَنْ آمَ َ‬

‫سفْنَا بِهِ وَبِدَا ِرهِ الْأَ ْرضَ َفمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِ َئةٍ يَ ْنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُنْ َتصِرِينَ(‪)81‬‬ ‫فَخَ َ‬ ‫سطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَ َيقْدِرُ َلوْل‬ ‫وََأصْبَحَ الّذِينَ َتمَ ّنوْا َمكَانَهُ بِالَْأمْسِ َيقُولُونَ وَ ْيكَأَنّ اللّهَ يَبْ ُ‬ ‫سفَ بِنَا وَ ْيكَأَنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ(‪)82‬‬ ‫أَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َلخَ َ‬

‫( ‪)4/100‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في زينته‪ :‬أي لباس العياد والحفلت الرسمية‪.‬‬ ‫يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ‪ :‬أي تمنوا لو أعطوا من المال والزينة ما أعطي قارون‪.‬‬ ‫إنه لذو حظ عظيم ‪ :‬أي إنه لذو بخت ونصيب وهبه ال إياه في كتاب المقادير‪.‬‬ ‫وقال الذين أوتوا العلم‪ :‬أي أعطوا العلم الديني بمعرفة ال والدار الخرة وموجبات السعادة‬ ‫والشقاء‪.‬‬ ‫ويلكم ‪ :‬أي حضر ويلكم وهلككم بتمنيكم المال وزخرف الدنيا‪.‬‬ ‫ثواب ال خير لمن آمن وعمل صالحا ‪ :‬أي ما عند ال من جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات‬ ‫وهو الجنة خير من حطام الدنيا الفاني‪.‬‬ ‫ول يلقاها إل الصابرون ‪ :‬أي ول يوفق لقول هذه الكلمة وهي ثواب ال خير لمن آمن وعمل‬ ‫صالحا إل الصابرون على اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫فخسفنا به وبداره الرض ‪ :‬أي أسخنا الرض من تحته فساخت به وبداره وكل من كان معه فيها‬ ‫من أهل البغي والجرام‪.‬‬ ‫تمنوا مكانه بالمس ‪ :‬أي الذين قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون فالمراد من المكان المكانة وما‬ ‫عليه قارون من المارة والزينة والمال والجاه‪.‬‬ ‫ويكأن ال يبسط ‪ :‬أي أعجبُ عالما أن ال يبسط الرزق لمن يشاء‪.‬‬ ‫ويقدر‪ :‬أي يضيّق‪.‬‬ ‫ويكأنه ل يفلح الكافرون ‪ :‬أي أعجب عالما أنه ل يفلح الكافرون أي أنهم ل يفوزون بالنجاة من‬ ‫النار ودخول الجنان كما يفوز المؤمنون‪.‬‬

‫( ‪)4/101‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في قصص قارون الباغي قال تعالى { َفخَرَجَ عَلَى َق ْومِهِ(‪ })1‬أي قارون في يوم عيد‬ ‫أو مناسبة خرج على قومه وهم يشاهدون موكبه {فِي زِينَتِهِ} الخاصة من الثياب والمراكب‪ .‬قوله‬

‫تعالى‪{ :‬قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا} أي من قوم موسى وهم المفتونون بالدنيا وزخرفها من‬ ‫أهل الغفلة عن الخرة وما أكثرهم اليوم وقبل وبعد اليوم قالوا ما أخبر ال به عنهم‪{ :‬يَا لَ ْيتَ لَنَا‬ ‫مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ قَارُونُ} تمنوا أن يكون لهم مثل الذي أوتي قارون من المال والزينة { إِنّهُ َلذُو حَظّ(‬ ‫عظِيمٍ} أي بخت ونصيب ورزق { َوقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ} أي الشرعي(‪ )3‬الديني العالمون‬ ‫‪َ )2‬‬ ‫بالدنيا والخرة‪ ،‬وأسباب السعادة والشقاء في كل منهما قالوا ما أخبر ال تعالى به عنهم في قوله‪:‬‬ ‫ل صَالِحا} ويحكم هلكتم إن كنتم تؤثرن هذا الفاني على الباقي‬ ‫عمِ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫{وَيَْلكُمْ َثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ ِلمَنْ آمَ َ‬ ‫ع ِملَ صَالِحا} ولزم ذلك أنه ترك‬ ‫ن وَ َ‬ ‫{ َثوَابُ اللّهِ} وهو الجنة خير من هذا الزخرف الفاني {ِلمَنْ آمَ َ‬ ‫الشرك والمعاصي‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل يَُلقّاهَا} أي(‪ )4‬هذه الجملة من الكلم‪َ { :‬ثوَابُ اللّهِ خَيْرٌ ِلمَنْ‬ ‫ل صَالِحا} في حياته بأداء الفرائض والنوافل وترك المحرمات والرذائل أي ل‬ ‫ع ِم َ‬ ‫آمَنَ} بربه {وَ َ‬ ‫يلقى هذه الكلمة {إِلّا الصّابِرُونَ} من أهل اليمان والتقوى هم الذين يلقنهم ال إياها فيقولونها‬ ‫سفْنَا بِهِ(‪ )5‬وَبِدَا ِرهِ الْأَ ْرضَ} يخبر‬ ‫الصفاء أرواحهم وزكاة أنفسهم وقوله تعالى في الية (‪َ { )81‬فخَ َ‬ ‫تعالى أنه خسف بقارون وبداره الرض انتقاما منه لكفره ونفاقه وبغيه وكبريائه‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{ َفمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} أي جماعة {يَ ْنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ} لما أراد ال خذلنه بخسف الرض به‬ ‫وبداره ومن فيها من أعوانه الظلمة والمجرمين‪َ { .‬ومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُنْ َتصِرِينَ} أي لنفسه فنجاها مما‬ ‫حل بها من الخسف في باطن الرض التي ما زال يتجلجل فيها إلى يوم القيامة‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{وََأصْبَحَ الّذِينَ َتمَ ّنوْا َمكَانَهُ بِالَْأمْسِ } (‪ )6‬يخبر تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لم تؤثر فيه موعظة واعظيه ولم ينتفع منها بشيء لظلمة نفسه وقساوة قلبه لما ران عليه من‬ ‫الذنوب فخرج مظهر الكبرياء والتحدي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الحظ‪ :‬القسم الذي يعطاه المقسوم له‪.‬‬ ‫‪ - 3‬في الية دليل قوي على أن الجهل بال وشرائعه ووعده ووعيده هو سبب كل شر وفساد في‬ ‫الرض‪ ،‬وأن العلم بذلك هو سبيل الصلح في الرض‪.‬‬ ‫‪( - 4‬يلقاها) الضمير عائد على ما دل عليه قولهم‪( :‬ويلكم ثواب ال خير لمن آمن وعمل صالحا)‬ ‫وهو هذه الموعظة‪ ،‬ول يلهمها وتلقى في روعه وينطق بها إل أهل الصبر على الطاعات وعن‬ ‫المعاصي فتصفو لذلك نفوسهم فيلهمون مثل هذه الموعظة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الفاء هنا‪ :‬للترتيب والتعقيب فقد خسف به يوم خروجه في زينته‪.‬‬ ‫‪ - 6‬أي‪ :‬تمنوا منزلته بين الناس‪ ،‬وهي منزلة المال والترف والجاه والرفعة ومعنى‪ :‬مكانه‪ :‬ما‬ ‫كان عليه من منزلة العلو والرفعة‪.‬‬

‫( ‪)4/102‬‬

‫عن الذين قالوا يوم خرج عليهم قارون في زينته يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون يخبر تعالى عنهم‬ ‫أنهم لما شاهدوا الخسف الذي حل بقارون وبدره قالوا ويكأن ال(‪ )1‬يبسط الرزق لمن يشاء أي‬ ‫نعجب عالمين‪ ،‬أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر(‪ )2‬أي على من يشاء فالبسط والقبض كله ل‬ ‫وبيد ال فما لنا ل نفزع إلى ال نطلب رضاه ول نتمنى ما تمنيناه وقد أصبح ذاهبا ل يرى بعين‬ ‫سفَ بِنَا وَ ْيكَأَنّهُ ل ُيفْلِحُ ا ْلكَافِرُونَ(‪ })3‬أي نعجب أيضا‬ ‫ول يلمس بيدين‪َ { ،‬لوْل أَنْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َلخَ َ‬ ‫عالمين بأنه ل يفلح الكافرون كقارون وهامان أي ل يفوز الكافرون ل بالنجاة من العذاب ول‬ ‫بدخول الجنان‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن الفتنة أسرع إلى قلوب الماديين أبناء الدنيا والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان موقف أهل العلم الديني وأنهم رشّد أي حكماء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن البغي يؤخذ به البغاة في الدنيا ويعذبون به في الخرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن وجود اليمان خير من عدمه وإن قل وأن ذا اليمان أقر على التوبة ممن ل إيمان‬ ‫له‪.‬‬ ‫ض وَل فَسَادا وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪)83‬‬ ‫جعَُلهَا لِلّذِينَ ل يُرِيدُونَ عُُلوّا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫تِ ْلكَ الدّارُ الْآخِ َرةُ َن ْ‬ ‫عمِلُوا السّيّئَاتِ إِلّا مَا كَانُوا‬ ‫حسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِ ْنهَا َومَنْ جَاءَ بِالسّيّ َئةِ فَل يُجْزَى الّذِينَ َ‬ ‫مَنْ جَاءَ بِالْ َ‬ ‫َي ْعمَلُونَ(‪)84‬‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬ويكأن ال) قيل‪ :‬ويكأن‪ :‬مركبة من وي وهو اسم فعل بمعنى أعجب وكاف الخطاب وأن‬ ‫الناصبة‪ ،‬ومعنى الكلم‪ :‬أعجب يا هذا من بسط الرزق لمن شاء‪ ،‬قال عنترة‪ ،‬والشاهد في قوله‪:‬‬ ‫ويك‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ولقد سقا نفسي وأبرأ سُقمها‬ ‫قيل الفوارس ويك عنتر أقدم‪.‬‬ ‫وذهب بعض إلى أن أصل ويك‪ :‬ويلك اعلم أنه كذا فحذفت اللم والفعل‪ ،‬فصارت ويك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي‪ :‬يضيق الرزق ول يوسعه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي‪ :‬لول أن من ال فعافانا مما ابتلى قارون به من المال والظلم والطغيان لحل بنا ما حل به‬ ‫من الخسف والخسران‪.‬‬

‫( ‪)4/103‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تلك الدار الخرة‪ :‬أي الجنة‪ ،‬دار البرار‪.‬‬ ‫ل يريدون علوا في الرض ‪ :‬أي بغيا ول استطالة على الناس‪.‬‬ ‫ول فسادا ‪ :‬أي ول يريدون فسادا بعمل المعاصي‪.‬‬ ‫والعاقبة‪ :‬أي المحمودة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫للمتقين‪ :‬الذين يتقون مساخط ال فل يعتقدون ول يقولون ول يعملون ما ل يرضى به ال تعالى‪.‬‬ ‫من جاء بالحسنة ‪ :‬أي يوم القيامة والحسنة‪ :‬أثر طاعة ال تعالى يجزى به المؤمن‪.‬‬ ‫فله خير منها ‪ :‬أي تضاعف له عشرة أضعاف‪.‬‬ ‫ومن جاء بالسيئة‪ :‬السيئة أثر معصية ال تعالى يعاقب به العبد إذا لم يعف ال تعالى عنه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم في السياق أن ثواب ال وهو الجنة خير لمن آمن وعمل صالحا فأشار إليه تعالى بقوله‬ ‫{تِ ْلكَ(‪ )1‬الدّارُ الْآخِ َرةُ} التي هي الجنة آخر دار يسكنها المتقون فل يخرجون منها‪ .‬نجعلها‪ ،‬هذا‬ ‫هو الخبر عن قوله تلك الدار الخرة فأخبر تعالى أنه يجعلها مأوى ومسكنا للذين ل يريدون علوّا(‬ ‫‪ )2‬في الرض ول فسادا‪ ،‬ل يريدون استطالة على الناس وتعاليا وتكبرا عليهم وبغيا‪ ،‬ول فسادا‬ ‫بارتكاب المعاصي كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَا ْلعَاقِبَةُ(‪ )3‬لِ ْلمُ ّتقِينَ} أي‬ ‫والعاقبة المحمودة في الدارين لهل اليمان والتقوى وهم المؤمنون الذين يتقون مساخط ال عز‬ ‫وجل‪ ،‬وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنهيات‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬مَنْ جَاءَ} أي يوم القيامة‬ ‫{بِا ْلحَسَنَةِ} وهي الطاعات ل ورسوله {فَلَهُ} جزاء مضاعفا الحسنة بعشر أمثالها وقد تُضاعف إلى‬ ‫أكثر بشرط أن ل تكون حسنة أعطيت له من حسنات ظالم في الدنيا فهذه ل تتضاعف‪ .‬إذ‬ ‫تضاعف الحسنة التي باشرها‪ ،‬كما‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الجملة ابتدائية وهو بدء مشوق‪ ،‬قرأ الفضل بن عياض هذه الية ثم قال‪ :‬ذهبت الماني ها‬ ‫هنا أي‪ :‬أماني الذين يزعمون أنه ل يضر مع اليمان شيء وأن المؤمنين كلهم ناجون من‬ ‫العقاب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روى سفيان بن عيينة أن عليا بن الحسين وهو راكب مرّ على مساكين يأكلون كسرا لهم‬ ‫فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فتل هذه الية‪( :‬تلك الدار الخرة ‪ )..‬إلى (فساداَ) ثم نزل وأكل‬ ‫معهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة تذييلية تقرر حقيقة أخرى وهي الشارة بالتقوى والعاقبة المحمودة في الدارين لهل‬ ‫التقوى‪.‬‬

‫( ‪)4/104‬‬

‫ل تضاعف حسنة من همّ بحسنة ولم يعملها فإنها تكتب له حسنة ول تضاعف لعدم مباشرته إياها‬ ‫وقوله { َومَنْ جَاءَ بِالسّيّئَةِ} أي يوم القيامة‪ .‬والسيئة أثر معصية ال تعالى ورسوله في نفسه {فَل‬ ‫يُجْزَى} إل مثلها أي ل تضاعف عليه وذلك لعدالة ال تعالى ورأفته بعباده‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى‬ ‫عمِلُوا السّيّئَاتِ} من الشرك والمعاصي {إِلّا مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} أي في الدنيا إذ هي‬ ‫{فَل ُيجْزَى الّذِينَ َ‬ ‫دار العمل والخرة دار الجزاء‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة التكبر والستطالة على الناس‪ ،‬والعمل بالمعاصي‪ ،‬وأنه الفساد في الرض‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل ال ورحمته وعدله بين عباده بمضاعفة الحسنات وعدم مضاعفة السيئات‪.‬‬ ‫‪ -3‬العاقبة الحسنى وهي الجنة لهل اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ لَرَا ّدكَ إِلَى َمعَادٍ ُقلْ رَبّي أَعَْلمُ مَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى َومَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ‬ ‫ظهِيرا لِ ْلكَافِرِينَ(‪86‬‬ ‫ح َمةً مِنْ رَ ّبكَ فَل َتكُونَنّ َ‬ ‫مُبِينٍ(‪َ )85‬ومَا كُ ْنتَ تَرْجُو أَنْ يُ ْلقَى إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابُ إِلّا رَ ْ‬ ‫ك وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ وَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪ )87‬وَل‬ ‫) وَل َيصُدّ ّنكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ َبعْدَ إِذْ أُنْزَِلتْ إِلَ ْي َ‬ ‫جعُونَ(‪)88‬‬ ‫ح ْك ُم وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬ ‫جهَهُ َلهُ الْ ُ‬ ‫شيْءٍ هَاِلكٌ ِإلّا وَ ْ‬ ‫تَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إِلَها آخَرَ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذي فرض عليك القرآن ‪ :‬أي ال الذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك قراءته والعمل بما‬ ‫فيه وتبليغه‪.‬‬ ‫لرادك إلى معاد ‪ :‬أي لمرجعك إلى مكة فاتحا إذ معاد الرجل بلده الذي يعود إليه‪.‬‬

‫( ‪)4/105‬‬ ‫وما كنت ترجو ‪ :‬أي تأمل أن ينزل عليك القرآن ويوحى به إليك‪.‬‬ ‫إل رحمة من ربك ‪ :‬لكن رحمة من ال وفضل أنزله عليك‪.‬‬ ‫فل تكونن ظهيرا ‪ :‬أي فمن شُكر هذه النعمة أل تكون معينا للكافرين‪.‬‬ ‫ول يصدنك ‪ :‬أي ل يصرفنك عن العمل بآيات ال بعد أن شرفك ال بإنزالها عليك‪.‬‬ ‫وادع إلى ربك ‪ :‬أي ادع الناس إلى اليمان بال وعبادته وترك الشرك به‪.‬‬ ‫ول تدع مع ال إلها آخر‪ :‬أي ل تعبد مع ال إلها آخر بدعائه والذبح والنذر له‪.‬‬ ‫كل شيء هالك ‪ :‬أي فان‪.‬‬ ‫إل وجهه ‪ :‬أي إل ال سبحانه وتعالى فل يهلك كما يهلك ما عداه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫تقدم في السياق الكريم الدعوة إلى أصول الدين الثلثة‪ :‬التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬والبعث والجزاء وهذه‬ ‫خاتمة ذلك في هذه السورة الكريمة فقال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِي(‪ )1‬فَ َرضَ عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ} أي أنزله عليك‬ ‫وفرض عليك تلوته وتبليغه والعمل بما فيه‪{ ،‬لَرَا ّدكَ} أي لمرجعك(‪{ )2‬إِلَى َمعَادٍ(‪ })3‬وهو العودة‬ ‫إلى مكة بعد خروجك منها واشتياقك إلى العودة إليها وإلى الجنة بعد وفاتك لنك دخلتها ليلة عُرج‬ ‫بك إلى السماء وفي هذا تقرير لنبوته صلى ال عليه وسلم بالوحي إليه‪ ،‬وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ رَبّي‬ ‫أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِا ْلهُدَى َومَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ} فإنه تعليم له صلى ال عليه وسلم بما يرد به على‬ ‫المشركين الذين اتهموه بأنه ضال في دعوته وخروجه عن دين آبائه وأجداده علّمه أن يقول لهم‬ ‫ربي أعلم بمن جاء بالهدى وهو أنا‪ ،‬رسول ال‪ ،‬ومن هو في ضلل مبين وهو أنتم أيها‬ ‫المشركون‪ .‬وقوله { َومَا كُ ْنتَ تَ ْرجُو أَنْ يُ ْلقَى إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابُ} أي وما كنت يا محمد تأمل أن ينزل‬ ‫حمَةً مِنْ(‪ )4‬رَ ّبكَ} أي لكن‬ ‫عليك القرآن‪ ،‬وذلك قبل بعثته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقوله { إِلّا رَ ْ‬ ‫رحمة ربك عليك اقتضت إنزاله عليك لتكون رسول ال للعالمين‪ ،‬وهي نعمة كبيرة وإفضال عظيم‬ ‫فاشكره بما يلي‪:‬‬ ‫ظهِيرا لِ ْلكَافِرِينَ} أي عونا لهم بحال من الحوال‪.‬‬ ‫(‪{ )1‬فَل َتكُونَنّ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ختمت هذه السورة المكية بخاتمة نزلت بالمدينة‪ ،‬وهي بشرى له صلى ل عليه وسلم بأن‬ ‫مرّدهُ إلى مكة فاتحا قاهرا غالبا وحقق ال تعالى له ذلك فبعد ثمان سنوات من هجرته ظهر‬ ‫مصداق هذه البشرى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مرجعك‪ :‬اسم فاعل من أرجعه الرباعي فهو مرجع له‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وفسر المعاد بالجنة لنه دخلها ليلة المعراج‪ ،‬وأخرج منها وبقيت نفسه ملتصقة بها فبشر بأن‬ ‫ال تعالى سيرده إليها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الستثناء منقطع لذا فسر بلكن‪.‬‬

‫( ‪)4/106‬‬ ‫(‪{ )2‬وَل َيصُدّ ّنكَ عَنْ آيَاتِ اللّهِ َب ْعدَ إِذْ أُنْزَِلتْ إِلَ ْيكَ} فتترك تلوتها وإبلغها والعمل بها‪.‬‬ ‫وفي هذا تقرير للنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫(‪{ )3‬وَا ْدعُ إِلَى رَ ّبكَ} ادع الناس إلى توحيد ربك والعمل بشرعه‪.‬‬ ‫(‪{ )4‬وَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ} أي فتتبرّأ منهم ول ترضى بشركهم وادعهم إلى خلفه وهو‬ ‫التوحيد‪.‬‬ ‫(‪{ )5‬وَل َت ْدعُ مَعَ اللّهِ إِلَها آخَرَ} أي ل تعبد مع ال إلها آخر ل بالدعاء ول بالنذر والذبح ول‬ ‫بتقديم أي قربان أو طاعة لغير ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وفي هذا تقرير للتوحيد وقوله {ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ}‬

‫تقرير للتوحيد بإبطال أن يكون هناك إله مع ال‪.‬‬ ‫جهَهُ (‪ })1‬يخبر تعالى أن كل عمل ل يراد به وجه ال فهو باطل‬ ‫شيْءٍ هَاِلكٌ ِإلّا وَ ْ‬ ‫وقوله { ُكلّ َ‬ ‫ن ولم يبق إل ال سبحانه وتعالى‬ ‫ذاهب بل مثوبة عليه‪ .‬كما أن كل شيء سوى ال عز وجل فا ٍ‬ ‫حكْمُ} أي القضاء العادل‬ ‫ل وَالِْأكْرَامِ} و {لَهُ الْ ُ‬ ‫كقوله { ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ وَيَبْقَى َوجْهُ رَ ّبكَ ذُو الْجَل ِ‬ ‫جعُونَ} أي بعد الموت للحساب والجزاء يوم بعثكم وحشركم إليه عز‬ ‫بين عباده وقوله {وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫وجل‪ ،‬وفي هذا تقرير للبعث والجزاء‪ .‬والحمد ل أولً وآخرا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬معجزة القرآن في وقوع الغيب بعد الخبار به وذلك حيث عاد الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫إلى مكة بعد الخروج منها‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية الملينة في الجدال والمناظرة أثناء الدعوة باستعمال أسلوب التشكيك‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة معاونة الكفار ومناصرتهم ل سيما ضد المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب الثبات والصبر على الدعوة حتى نجاحها ببلوغها الناس واستجابتهم لها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير التوحيد والبعث والنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -6‬فناء كل شيء إل ال تعالى إل ما ورد الدليل بعدم فنائه وعُدّ منه ثمانية نظّمها بعضهم بقوله‪:‬‬ ‫هي العرش والكرسي نار وجنة‬ ‫وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال مجاهد‪ :‬معناه إل هو‪ ،‬وقال سفيان‪ ،‬وأبو العالية‪ :‬إل ما أريد به وجهه أي‪ :‬ما يفعل من‬ ‫الطاعات لجله‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫استغفر ال ذنبا لست مُحصيه‬ ‫ربّ العباد إليه الوجه والعمل‬

‫( ‪)4/107‬‬ ‫سورة العنكبوت‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة العنكبوت‬ ‫مكية (‪)1‬‬ ‫وآياتها تسع وستون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬

‫سبَ النّاسُ أَنْ يُتْ َركُوا أَنْ َيقُولُوا آمَنّا وَهُمْ ل ُيفْتَنُونَ(‪ )2‬وََلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ فَلَ َيعَْلمَنّ‬ ‫حِ‬ ‫الم(‪ )1‬أَ َ‬ ‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ يَسْ ِبقُونَا سَاءَ مَا‬ ‫ن صَ َدقُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلكَاذِبِينَ(‪ )3‬أَمْ حَ ِ‬ ‫اللّهُ الّذِي َ‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪َ )5‬ومَنْ جَا َهدَ فَإِ ّنمَا‬ ‫ت وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫جلَ اللّهِ لَآ ٍ‬ ‫ح ُكمُونَ(‪ )4‬مَنْ كَانَ يَرْجُو ِلقَاءَ اللّهِ فَإِنّ َأ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُن َكفّرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِمْ‬ ‫يُجَا ِهدُ لِ َنفْسِهِ إِنّ اللّهَ َلغَنِيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )6‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫وَلَنَجْزِيَ ّنهُمْ َأحْسَنَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪)7‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الم‪ :‬هذه أحد الحروف المقطعة تكتب الم وتقرأ ألف لم ميم‪.‬‬ ‫وهم ل يفتنون‪ :‬أي ل يختبرون بما يتبين به حقيقة إيمانهم من التكاليف ومنها الصبر على الذى‪.‬‬ ‫ولقد فتنا الذين من قبلهم‪ :‬أي اختبرنا من قبلهم إذ هي سنة جارية في الناس‪.‬‬ ‫فليعلمن الذين صدقوا ‪ :‬أي في إيمانهم‪ ،‬وليعلمن الذين كذبوا فيه بما يظهر من أعمالهم‪.‬‬ ‫أن يسبقونا‪ :‬أي يفوتونا فل ننتقم منهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روي أن اليات الولى منها نزلت بالمدينة في شأن من كان من المسلمين بمكة‪ ،‬وقال علي‬ ‫بن أبي طال‪ :‬نزلت بين مكة ومدينة‪.‬‬

‫( ‪)4/108‬‬ ‫ساء ما يحكمون‪ :‬أي بئس الحكم هذا الذي يحكمون به‪ ،‬وهو حسبانهم أنهم يفوتون ال تعالى ولم‬ ‫يقدر على النتقام منهم‪.‬‬ ‫من كان يرجوا لقاء ال ‪ :‬أي من كان يؤمن بلقاء ال وينتظر وقوعه فليعلم أن أجله لت فليستعد‬ ‫له باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫ومن جاهد ‪ :‬أي بذل الجهد في حرب الكفار أو النفس‪.‬‬ ‫فإنما يجاهد لنفسه ‪ :‬أي منفعة الجهاد من الجر عائدة على نفسه‪.‬‬ ‫ولنجزينهم ‪ :‬أي ولنجزينهم على أعمالهم بأحسن عمل كانوا عملوه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫الم ‪ :‬ال أعلم بمراده به وهذا هو مذهب السلف في هذه الحروف وهو تفويض علمها إلى منزلها‬ ‫سبَ(‪ )1‬النّاسُ} أي أظن الناس {أَنْ َيقُولُوا آمَنّا} فيكتفى منهم بذلك {وَ ُه ْم ل‬ ‫عز وجل وقوله {َأحَ ِ‬ ‫ُيفْتَنُونَ} أي ل يختبرون بل ل بد من اختبار بالتكاليف الشاقة كالهجرة والجهاد والصلة والصيام‬ ‫والزكاة وترك الشهوات والصبر على الذى‪ .‬والية نزلت في مثل عمار بن ياسر وبلل وعياش‬ ‫فإنها عامة إذ العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬واللفظ عام هنا‪ ،‬لن اسم الجنس إذا دخلت‬ ‫عليه "أل" أفادت استغراق جميع أفراده‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ(‪ )2‬مِنْ قَبِْل ِهمْ} من المم‬

‫ن صَ َدقُوا} في‬ ‫السابقة فهي إذا سنة ماضية في الناس ل تتخلف‪ .‬وقوله تعالى {فَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِي َ‬ ‫إيمانهم أي يظهر ذلك(‪ )3‬ويعلمه مشاهدة بعد أن علمه قبل إخراجه إلى الوجود حيث قدر ذلك‬ ‫وكتبه في كتاب المقادير وذلك بتكليفهم وقيامهم بما كلفوا به من‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال مجاهد وغيره‪ :‬نزلت هذه الية مسلية للمعذبين بمكة المتخلفين عن الهجرة وهم‪ :‬سلمة‬ ‫بن هشام‪ ،‬وعياش بن ربيعة‪ ،‬والوليد بن الوليد‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬وياسر أبوه وسمية أمه إذ كانت‬ ‫صدورهم تضيق بالعذاب وربما استنكر أن يمكن ال الكفار من المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روى البخاري عن خباب بن الرت قال‪( :‬شكونا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬ ‫متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا له‪ :‬أل تستنصر لنا؟ أل تدعو لنا؟ فقال‪ :‬قد كان من قبلكم يؤخذ‬ ‫الرجل فيحفر له في الرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط‬ ‫بأمشاط الحديد لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه‪ ،‬وال ليتمنّ هذا المر حتى يسير الراكب‬ ‫من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون" وروى ابن‬ ‫ماجة عن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬قلت يا رسول ال أي الناس أشد بلء؟ قال‪" :‬النبياء ثم المثل‬ ‫فالمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلؤه وإن كان في دينه رقة‬ ‫ابتلى على حسب دينه فما يبرح البلء بالعبد حتى يتركه يمشى على الرض وما عليه خطيئة!!"‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وفي الحديث‪" :‬من أسر سريرة ألبسه ال رداءها" أي أظهرها عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/109‬‬ ‫شاق الفعال وشاق التروك‪ ،‬إذ الهجرة والجهاد والزكاة أفعال‪ ،‬وترك الربا والزنا والخمر تروك‬ ‫{وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلكَاذِبِينَ} حيث ادعوا اليمان ولما ابتلوا بالتكاليف لم يقوموا بها‪ ،‬فبان بذلك عدم صدقهم‬ ‫سبَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ أَنْ‬ ‫حِ‬ ‫وإنهم كاذبون في دعواهم أنهم مؤمنون‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬أمْ َ‬ ‫يَسْ ِبقُونَا(‪ })1‬أي أظن { َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ} من الشرك والمعاصي {أَنْ يَسْ ِبقُونَا} أي يفوتونا فلم نأخذهم‬ ‫ح ُكمُونَ} به لنفسهم أي قبح حكمهم هذا من حكم لفساده‪ ،‬إذ أقاموه على ظن‬ ‫بالعذاب‪{ .‬سَاءَ مَا َي ْ‬ ‫منهم أن ال تعالى ل يقدر عليهم وهو على كل شيء قدير وأنه ل يعلمهم وهو بكل شيء عليم‪.‬‬ ‫جلَ اللّهِ لَآتٍ} أي {مَنْ كَانَ} يؤمن ويؤمل لقاء ال‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬مَنْ كَانَ يَرْجُو ِلقَاءَ(‪ )2‬اللّهِ فَإِنّ َأ َ‬ ‫وذلك يوم القيامة فليعلم أن أجل ال المضروب لذلك لت قطعا وعليه فليستعد للقائه بما يناسبه‬ ‫وهو اليمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والعمل الفاسد‪ ،‬ومن هنا دعوى المرء أنه‬ ‫يرجو لقاء ربه ولم يعمل صالحا يثاب عليه‪ ،‬دعوى ل تصح قال تعالى في سورة الكهف {‪َ ..‬فمَنْ‬ ‫سمِيعُ‬ ‫ل صَالِحا وَل يُشْ ِركْ ِبعِبَا َدةِ رَبّهِ َأحَدا} (‪ )110‬وقوله {وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫عمَ ً‬ ‫كَانَ يَرْجُوا ِلقَاءَ رَبّهِ فَلْ َي ْع َملْ َ‬ ‫ا ْلعَلِيمُ} أي هو تعالى السميع لقوال عباده العليم بنياتهم وأعمالهم‪ ،‬فدعوى اليمان ظاهرة من العبد‬

‫أو باطنة ل قيمة لها ما لم يقم صاحبها الدليل عليها وذلك باليمان الجهاد للعدو(‪ )3‬الظاهر‬ ‫والباطن‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ جَا َهدَ فَإِ ّنمَا يُجَاهِدُ لِ َنفْسِهِ} أي منفعة هذه العبادة عائدة على العبد نفسه‬ ‫أما ال عز وجل فهو في غنى عن عمل عباده غنىً مطلقا وهذا ما دل عليه قوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ‬ ‫عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ} الملئكة والنس والجن وسائر المخلوقات إذ كل ما سوى ال تعالى عالم ويجمع‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُن َكفّرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِهمْ}‬ ‫على عوالم وعالمين(‪ .)4‬وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫هذا وعد من ال تعالى لمن آمن من عباده وذلك على إيمانه وصالح عمله فعلً وتركا بأنه يكفر‬ ‫عنه سيئاته التي عملها قبل السلم وبعده‪ .‬ومعنى يكفّرها عنهم يغطيها ويسترها ولم يطالبهم بها‬ ‫كأنهم لم يفعلوها‪ .‬وقوله {وَلَ َنجْزِيَ ّنهُمْ} أي على أعمالهم الصالحة {َأحْسَنَ} أي بأحسن عمل عملوه‬ ‫فتكون أعظم ما تكون مضاعفة‪ .‬وهذا من تكرمه على عباده الصالحين ليجزي بالحسنة أضعافها‬ ‫مئات المرات‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال ابن عباس‪ :‬المراد بهم‪ :‬الوليد بن المغيرة‪ ،‬وأبو جهل والسود بن العاص بن هشام وشيبة‬ ‫وعتبة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن وائل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال القرطبي‪ :‬أجمع أهل التفسير على أن المعنى من كان يخاف الموت فليعمل عمل صالحا‬ ‫فإنه ل بد أن يأتيه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المراد بجهاد العدو الظاهر الكفار والباطن النفسي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جمع ملحق بمذكر سالم نحو‪ :‬الحمد ل رب العالمين‪.‬‬

‫( ‪)4/110‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة أن اليمان يصدق بالعمال أو يكذب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إمكان التكليف بما يشق على النفس فعله أو تركه ولكن ليس بما ل يطاق‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحذير المغترين من العقوبة وإن تأخرت زمنا ما فإنها واقعة ل محالة‪.‬‬ ‫‪ -4‬ثمرة الجهاد عائدة على المجاهد نفسه‪ .‬فلذا ل ينبغي أن يمنها على ال تعالى بأن يقول فعلت‬ ‫وفعلت‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الوعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات بتكفير السيئات‬ ‫والجزاء الحسن وهذا يتم يوم البعث‪.‬‬ ‫ج ُعكُمْ‬ ‫ط ْع ُهمَا إَِليّ مَ ْر ِ‬ ‫َووَصّيْنَا الْإِنْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ حُسْنا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ ِبهِ عِلْمٌ فَل ُت ِ‬ ‫فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪)8‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَ ُندْخِلَ ّنهُمْ فِي الصّاِلحِينَ(‪َ )9‬ومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا‬ ‫وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫ج َعلَ فِتْ َنةَ النّاسِ َكعَذَابِ اللّ ِه وَلَئِنْ جَاءَ َنصْرٌ مِنْ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ إِنّا كُنّا َم َعكُمْ َأوَلَيْسَ اللّهُ‬ ‫أُو ِذيَ فِي اللّهِ َ‬ ‫بِأَعْلَمَ ِبمَا فِي صُدُورِ ا ْلعَاَلمِينَ(‪)10‬‬ ‫ح ِملْ‬ ‫وَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ(‪َ )11‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا اتّ ِبعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَ ْ‬ ‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُ ْم وَأَ ْثقَالً مَعَ‬ ‫شيْءٍ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(‪ )12‬وَلَيَ ْ‬ ‫خطَايَاكُ ْم َومَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَا ُهمْ مِنْ َ‬ ‫َ‬ ‫عمّا كَانُوا َيفْتَرُونَ(‪)13‬‬ ‫أَ ْثقَاِلهِ ْم وَلَيُسْأَلُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬

‫( ‪)4/111‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ووصينا النسان‪ :‬أي عهدنا إليه بطريق الوحي‪.‬‬ ‫بوالديه حسنا‪ :‬أي إيصاءً ذا حسن‪ ،‬وذلك ببرهما وعدم عقوقهما‪.‬‬ ‫وإن جاهداك ‪ :‬أي بذل الجهد في حملك على أن تشرك‪.‬‬ ‫لندخلنهم في الصالحين ‪ :‬أي لندخلنهم مدخلهم في الجنة‪.‬‬ ‫فتنة الناس‪ :‬أي أذاهم له‪.‬‬ ‫كعذاب ال ‪ :‬أي في الخوف منه فيطيعهم فينافق‪.‬‬ ‫إنا كنا معكم‪ :‬أي في اليمان وإنما أكرهنا على ما قلنا بألسنتنا‪.‬‬ ‫اتبعوا سبيلنا ‪ :‬أي ديننا وما نحن عليه‪.‬‬ ‫ولنحمل خطاياكم ‪ :‬أي ليكن منكم اتباع لسبيلنا وليكن منا حمل لخطاياكم‪ ،‬فالكلم خبر وليس‬ ‫إنشاء‪.‬‬ ‫وليحملن أثقالهم ‪ :‬أي أوزارهم‪ ،‬والوزار الذنوب‪.‬‬ ‫وأثقالً مع أثقالهم ‪ :‬أي من أجل قولهم للمؤمنين اتبعوا سبيلنا‪.‬‬ ‫عما كانوا يفترون ‪ :‬أي يكذبون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه اليات نزلت فى شأن(‪ )1‬سعد بن أبي وقاص لما أسلم قالت له أمه حمنة بنت أبي سفيان ما‬ ‫هذا الدين الذي أحدثت وال ل آكل ول أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتُعيّر بذلك‬ ‫أبد الدهر يقال يا قاتل أمه‪ ،‬ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال‪ :‬نزلت في أربع آيات فذكر قصته قال‪ :‬قالت أم‬ ‫سعد‪ :‬أليس ال قد أمرك بالبر؟ وال ل أطعم طعاما ول أشرب شراباَ حتى أموت أو تكفر‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)4/112‬‬ ‫تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت يوما آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد إليها وقال‪:‬‬ ‫يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فل‬ ‫تأكلي‪ ،‬فلما أيست منه أسلمت وأكلت وشربت فأنزل ال هذه الية { َو َوصّيْنَا الْإِنْسَانَ ِبوَاِلدَيْهِ حُسْنا}‬ ‫أي عهدنا إليه بواسطة الرسل إيصاءً ذا حسن وهو برهما بطاعتهما في المعروف وترك أذاهما‬ ‫ولو قل‪ ،‬وإيصال الخير بهما من كل ما هو خير قولً كان أو فعلً‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ جَاهَدَاكَ}‬ ‫أي بذل جهدهما في حملك على أن تشرك بي شيئا من الشرك أو الشركاء فل تطعهما كما فعل‬ ‫ج ُعكُمْ} أولدا ووالدين {فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا‬ ‫سعد بن أبي وقاص مع والدته في عدم إطاعتها‪ .‬وقوله {ِإَليّ مَ ْر ِ‬ ‫كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} وأجزيكم به فلذا قدموا طاعتي على طاعة الوالدين‪ ،‬فإني أنا الذي أحاسبكم وأجزيكم‬ ‫عمِلُوا‬ ‫بعملكم أنتم وإياهم على حد سواء‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا} أي بال ورسوله {وَ َ‬ ‫الصّالِحَاتِ} التي هي العبادات التي تعبّد ال تعالى بها عباده المؤمنين‪ ،‬فشرعها لهم وبينها رسوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم كالذكر وقراءة القرآن والصلة والصيام والصدقات والجهاد والحج وما إلى‬ ‫ذلك‪ .‬هؤلء الذين جمعوا بين اليمان الحق والعمل الصالح الخالي من الشرك والرياء‪ .‬يقسم ال‬ ‫تعالى أنه يدخلهم في مدخل الصالحين وهم النبياء والولياء في الجنة دار السلم‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ َومِنَ النّاسِ(‪ )1‬مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ} الية هذه نزلت في أناس كانوا بمكة وآمنوا وأعلنوا عن‬ ‫إيمانهم فاضطهدهم المشركون فكانوا ينافقون فأخبر تعالى عنهم بقوله‪{ :‬مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا‬ ‫ج َعلَ فِتْ َنةَ النّاسِ} أي أذاهم له وتعذيبهم إياه { َك َعذَابِ‬ ‫أُو ِذيَ فِي اللّهِ} أي آذاه المشركون نافق وارتد { َ‬ ‫اللّهِ} يوم القيامة فوافق المشركين على الكفر‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلَئِنْ جَاءَ َنصْرٌ مِنْ رَ ّبكَ لَ َيقُولُنّ إِنّا‬ ‫كُنّا َم َعكُمْ} أي على اليمان وإنما كنا مكرهين وهذه نزلت فيمن خرجوا من مكة إلى بدر مع‬ ‫المشركين لما انهزم المشركون وانتصر المسلمون وأسروا قالوا {إِنّا كُنّا َم َعكُمْ} أي على اليمان‬ ‫فرد ال تعالى دعواهم بقوله {َأوَلَيْسَ(‪ )2‬اللّهُ بِأَعْلَمَ ِبمَا فِي صُدُورِ ا ْلعَاَلمِينَ} أي الناس‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وَلَ َيعَْلمَنّ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ} تقرير لما سبق في الية قبل وليترتب عليه‬ ‫الجزاء على اليمان وعلى النفاق‪ .‬فعلمه تعالى يستلزم الجزاء العادل فأهل اليمان يجزيهم بالنعيم‬ ‫المقيم وأهل النفاق يجزيهم بالعذاب المهين‪ .‬أولئك في دار السلم وهؤلء في دار البوار‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا اتّ ِبعُوا سَبِيلَنَا} أي ديننا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال الضحاك هذه الية نزلت في ناس من المنافقين في مكة كانوا يؤمنون فإذا أوذوا رجعوا‬ ‫إلى الشرك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام للتقرير فلذا يجاب ببلى‪.‬‬

‫( ‪)4/113‬‬ ‫ح ِملْ(‪ )1‬خَطَايَا ُكمْ} قال رؤساء قريش لبعض المؤمنين اتركوا سبيل محمد ودينه‬ ‫وما نحن عليه {وَلْنَ ْ‬ ‫واتبعوا سبيلنا وديننا‪ ،‬وإن كان هناك بعث وجزاء كما يقول محمد صلى ال عليه وسلم‪ -‬نحن‬ ‫مستعدون أن نتحمل خطاياكم ونجازى بها دونكم فأكذبهم ال تعالى بقوله‪َ { :‬ومَا هُمْ ِبحَامِلِينَ مِنْ‬ ‫شيْءٍ} و {إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ} في قولهم ولنحمل خطاياكم‪ .‬وقال تعالى مقسما بعزته‬ ‫خطَايَاهُمْ مِنْ َ‬ ‫َ‬ ‫حمِلُنّ أَ ْثقَاَلهُمْ} أي أوزارهم {وَأَ ْثقَالً مَعَ أَ ْثقَاِلهِمْ} أي أوزارا أي ذنوبا مع أوزارهم التي‬ ‫وجلله‪{ :‬وَلَ َي ْ‬ ‫عمّا كَانُوا َيفْتَرُونَ} أي يكذبون من‬ ‫هي ذنوبهم وذلك من أجل ما قالوا لهم‪{ .‬وَلَ ُيسْأَلُنّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َ‬ ‫أنهم يحملون خطايا المؤمنين يوم القيامة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب بر الوالدين في المعروف وعدم طاعتهما فيما هو منكر كالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬بشرى المؤمنين العاملين للصالحات بإدخالهم الجنة مع النبيين والصديقين‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم النفاق وكفر المنافقين وإن ادعوا اليمان فما هم بمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان ما كان عليه غلة الكفر في مكة من العتو والطغيان‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير مبدأ من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها كما في الحديث الصحيح(‪. )2‬‬ ‫خمْسِينَ عَاما فََأخَ َذهُمُ الطّوفَانُ وَهُمْ ظَاِلمُونَ(‬ ‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ فَلَ ِبثَ فِيهِمْ أَ ْلفَ سَنَةٍ إِلّا َ‬ ‫جعَلْنَاهَا آيَةً لِ ْلعَاَلمِينَ(‪)15‬‬ ‫سفِينَةِ وَ َ‬ ‫‪ )14‬فَأَنْجَيْنَا ُه وََأصْحَابَ ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جزم الفعل (ولنحمل) على المر‪ ،‬قال الفراء والزجاج‪ :‬هو في تأويل الشرط والجزاء أي‪:‬‬ ‫إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم‪ ،‬كما قال مدثار بن شيبان الضمري‪:‬‬ ‫تقول خليلتي لما اشتكينا‬ ‫سيدركنا بنو القرم الهجان‬ ‫فقلت ادعي وادع فإن أندى‬ ‫لصوت أن ينادى داعيان‬ ‫أي‪ :‬إن دعوت دعوت‪.‬‬ ‫‪ - 2‬نص الحديث كما هو في الصحيح‪" :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من اتبعه‬ ‫إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا‪ ،‬ومن دعا إلى ضللة كان عليه من الثم مثل‬ ‫آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير ينقص من آثامهم شيئا" وفي الصحيح أيضا "ما قتلت نفس‬ ‫ظلما إل كان على ابن آدم الول كفل من دمها لنه أول من سن القتل"‪.‬‬

‫( ‪)4/114‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد أرسلنا نوحا ‪ :‬أي نوحا بن َلمْك بن مُ َتوَشْلخْ بن إدريس من ولد شيث بن آدم‪ ،‬بينه وبين آدم‬ ‫ألف سنة‪.‬‬ ‫فلبث فيهم ألف سنة إل خمسين عاما‪ :‬أي فمكث فيهم يدعوهم إلى ال تعالى تسعمائة وخمسين‬ ‫سنة‪.‬‬ ‫فأخذهم الطوفان ‪ :‬أي الماء الكثير الذي طاف بهم وعلهم فأغرقهم‪.‬‬ ‫وهم ظالمون ‪ :‬أي مشركون‪.‬‬ ‫وجعلناها آية للعالمين ‪ :‬أي عبرة للناس يعتبرون بها فل يشركون ول يعصون‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى ما كان يلقيه رسوله والمؤمنون من مشركي قريش ذكر تعالى نوحا وإبراهيم‬ ‫وكلهما قد عانى ولقى ما لم يلقه محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه ليكون ذلك تسلية لهم‬ ‫وتخفيفا عنهم فقال تعالى‪ { :‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ(‪ })1‬وقوم نوح يومئذ هم البشرية جمعاء‪.‬‬ ‫إذ لم يكن غيرهم {فَلَ ِبثَ فِيهِمْ} أي مكث يدعوهم إلى عبادة ال تعالى وتوحيده فيها وترك الصنام‬ ‫الخمسة التي كانت لهم وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر‪ ،‬وكان هؤلء الخمسة رجال‬ ‫صالحين فلما ماتوا بنوا على قبورهم ووضعوا لهم تماثيل بحجة أنها تذكرهم بال فيرغبوا في‬ ‫الطاعة والعمل الصالح ثم زين لهم الشيطان عبادتهم فعبدوهم فبعث ال تعالى إليهم نوحا رسول‬ ‫خمْسِينَ عَاما} يدعوهم فلم‬ ‫فدعاهم إلى عبادة ال وترك عبادة هؤلء {فَلَ ِبثَ فِيهِمْ أَ ْلفَ(‪ )2‬سَنَةٍ إِلّا َ‬ ‫يستجيبوا له { َفدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ} فاستجاب ال له فأنجاه وأصحاب السفينة وهم‬ ‫المؤمنون وهلك في الطوفان زوجته وولده كنعان وسائر البشر إل نوحا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى أنس رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬أول نبي أرسل واختلف‬ ‫في سني عمره‪ :‬فروي عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬لما بعث ال نوحا إلى قومه‬ ‫وبعثه وهو ابن لخمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إل خمسين عاما‪ ،‬وبقي بعد الطوفان‬ ‫خمسين ومائتي سنة فلما أتاه ملك الموت قال‪ :‬يا نوح يا أكبر النبياء ويا طويل العمر ويا مجاب‬ ‫الدعوة كيف رأيت الدنيا؟ قال مثل رجل بنى له بيتا له بابان فدخل من واحد وخرج من الخر"‪.‬‬ ‫‪ - 2‬العدول عن السنة إلى العام حتى ل يحصل تكرار في لفظ السنة وهو من بلغة الكلم‪.‬‬

‫( ‪)4/115‬‬

‫ومن معه في السفينة‪ ،‬وكانوا قرابة الثمانين نسمة‪ ،‬وخلف نوحا ثلثة أول هم سام وهو أبو العرب‬ ‫وفارس والروم وهم الجنس السامي وحام وهو أبو القبط والسودان والبربر ويافث وهو أبو الترك‬ ‫ن وَهُمْ(‪ )1‬ظَاِلمُونَ} أي‬ ‫والصقالبة ويأجوج ومأجوج‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فَأَخَ َذهُمُ الطّوفَا ُ‬ ‫سفِينَةِ(‪ })2‬ومن بين ما فيها أبناؤه الثلثة سام وحام ويافث‬ ‫لنفسهم بالشرك‪َ{ .‬أَ ْنجَيْنَا ُه وََأصْحَابَ ال ّ‬ ‫جعَلْنَاهَا آ َيةً(‪ )3‬لِ ْلعَاَلمِينَ} أي‬ ‫ومنهم عمر الكون بالبشر شرقا وغربا وشمال وجنوبا وقوله { وَ َ‬ ‫حادثة الطوفان ومنها السفينة ومكث تلك المدة الطويلة مع قلة المستجيبين {آيَةً} أي عبرة‬ ‫{لِ ْلعَاَلمِينَ} أي للناس ليعتبروا بها فل يعصوا رسلهم ول يشركون بربهم هذا إذا اعتبروا وقليل من‬ ‫يعتبر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في إرسال الرسل لهداية الخلق‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان قلة من استجاب لنوح مع المدة الطويلة فيكون هذا تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫والدعاة من بعد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إهلك ال تعالى للظالمين وإنجائه المؤمنين وهي عبرة للمعتبرين‪.‬‬ ‫وَإِبْرَاهِيمَ ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِهِ اعْ ُبدُوا اللّهَ وَاتّقُوهُ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ(‪)16‬‬ ‫إِ ّنمَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانا وَتَخُْلقُونَ ِإفْكا إِنّ الّذِينَ َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ل َيمِْلكُونَ َلكُمْ رِزْقا‬ ‫جعُونَ(‪ )17‬وَإِنْ ُتكَذّبُوا‬ ‫شكُرُوا َلهُ إِلَيْهِ تُرْ َ‬ ‫فَابْ َتغُوا عِ ْندَ اللّهِ الرّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَا ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الطوفان مأخوذ من أطاف بالشيء يطيف وهو كطاف يطوف طوفا وطوفانا قال النحاس‬ ‫يقال‪ :‬لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬في البخاري أن قتادة قال‪ :‬بقيت السفينة على الجودي حتى نظرتها أوائل هذه المة‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫إنها دامت إلى أوائل الدولة العباسية ثم غمرتها الثلوج‪ ،‬وكان الجودي الذي رست فوقه قرب‬ ‫(باقردي) وهي قرية من جزيرة بن عمر بالموصل شرقي دجلة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الضمير في‪( :‬وجعلناها) عائد إلى السفينة‪ ،‬وما في التفسير أعم وأشمل‪.‬‬

‫( ‪)4/116‬‬ ‫َفقَدْ كَ ّذبَ ُأمَمٌ مِنْ قَبِْل ُك ْم َومَا عَلَى الرّسُولِ إِلّا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ(‪)18‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإبراهيم‪ :‬أي واذكر إبراهيم على قراءة النصب لبراهيم‪ ،‬وعلى قراءة الرفع‪ :‬ومن المرسلين‬ ‫إبراهيم‪.‬‬

‫اعبدوا ال واتقوه ‪ :‬أي آمنوا به ووحدوه في عبادته واتقوا أن تشركوا به وتعصوه‪.‬‬ ‫أوثانا‪ :‬أي أصناما وأحجارا وصورا وتماثيل‪.‬‬ ‫وتخلقون إفكا‪ :‬أي تختلقون الكذب فتقولون في الصنام والوثان آلهة وتعبدونها‪.‬‬ ‫فابتغوا عند الرزق ‪ :‬أي اطلبوا الرزق من ال الخلق العليم ل من الصنام والتماثيل المصنوعة‬ ‫المنحوتة بأيدي الرجال بالمعاول والفؤوس‪.‬‬ ‫واعبدوه‪ :‬أي باليمان به وتوحيده واشكروه بطاعته‪.‬‬ ‫وإن تكذبوا‪ :‬أي يا أهل مكة بعد هذا الذي عرضنا عليكم من اليات والعبر فقد كذب أمم من‬ ‫قبلكم‪.‬‬ ‫وما على الرسول ‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إل البلغ المبين ‪ :‬وقد بلغ وبين فبرئت ذمته وأنتم المكذبون ستحل بكم نقمة ال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا القصص معطوف على قصص نوح لتسلية الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين ولتذكير‬ ‫قريش بأنها في إصرارها على الشرك والتكذيب للرسول صلى ال عليه وسلم صائرة إلى ما‬ ‫صار إليه المكذبون من قبل إن لم تتب إلى ال وترجع إليه باليمان والطاعة وترك الشرك‬ ‫والمعاصي قال تعالى‪{ :‬وَإِبْرَاهِيمَ} أي(‪ )1‬واذكر يا رسولنا إبراهيم خليلنا {إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ} البابليين‬ ‫ومن بينهم والده آزرْ يا قوم {اعْبُدُوا اللّهَ} أي بتوحيده في عبادته {وَا ّتقُوهُ} بترك الشرك والعصيان‬ ‫وإل حلت بكم عقوبته ونزل بكم عذابه وقوله {ذَِل ُكمْ خَيْرٌ َلكُمْ} أي اليمان والتوحيد والطاعة خير‬ ‫لكم من الكفر والشرك والعصيان‪ .‬إذ الول يجلب الخير والثاني يجلب الشر {إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ}‬ ‫الخير‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ويجوز أن يكون منصوبا بـ (أنجينا) معطوفا على الهاء‪.‬‬

‫( ‪)4/117‬‬ ‫والشر وتفرقون بينهما وقوله عليه السلم {إِ ّنمَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانا وَتَخُْلقُونَ ِإفْكا} يخبرهم‬ ‫معرفا لهم بخطئهم فيقول {إِ ّنمَا َتعْبُدُونَ(‪ )1‬مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانا} أي أصناما(‪ )2‬وتماثيل وعبادة‬ ‫الصنام والوثان عبادة باطلة ل تجلب لكم نفعا ول تدفع عنكم ضرا‪ .‬إن الذي يجب أن يعبد‬ ‫الخالق الرازق الضار النافع المحيي المميت السميع البصير‪ .‬أما الوثان فل شيء في عبادتها إل‬ ‫الضلل واتباع الهوى‪ .‬وقوله لهم {وَتَخُْلقُونَ ِإفْكا} أي وتصنعون كذبا تختلقونه اختلقا عندما‬ ‫تقولون في التماثيل والصنام إنها آلهة‪ .‬وقوله عليه السلم لقومه {إِنّ الّذِينَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ‬ ‫ل َيمِْلكُونَ َلكُمْ رِزْقا} يخبرهم عليه السلم معرفا لهم بحقيقة هم عنها غافلون وهي أن الذين‬

‫يعبدونهم من دون ال ل يملكون لهم رزقا لنهم ل يقدرون على ذلك فما الفائدة إذا من عبادتهم‬ ‫وما الحاجة الداعية إليها لول الغفلة والجهل‪ ،‬ولما أبطل لهم عبادة الصنام أرشدهم إلى عبادة ال‬ ‫الواحد القهار فقال {فَابْ َتغُوا عِنْدَ اللّهِ الرّ ْزقَ} إن كنتم عبدتم الصنام لذلك فإن ال هو الرزاق ذو‬ ‫القوة المتين فاطلبوا عنده الرزق فإنه مالكه والقادر على إعطائه {وَاعْبُدُوهُ} باليمان به وبرسوله‬ ‫جعُونَ} ذكّرهم بعلة غفلتهم‬ ‫شكُرُوا َلهُ(‪ })3‬يرزقكم ويحفظ عليكم الرزق وقوله {إِلَيْهِ تُرْ َ‬ ‫وبتوحيده {وَا ْ‬ ‫ومصدر جهلهم وهي كفرهم بالبعث فأعلمهم أنهم إليه تعالى ل إلى غيره يرجعون‪ .‬إذا فليتعرفوا‬ ‫إليه ويعبدوه طلبا لرضاه وإكرامهم يوم يلقونه‪ .‬وقوله تعالى {وَإِنْ ُت َكذّبُوا} أي يا أهل مكة رسولنا‬ ‫وتنكروا وحينا وتكفروا بلقائنا فلستم وحدكم في ذلك { َفقَدْ كَ ّذبَ ُأمَمٌ مِنْ قَبِْلكُمْ} قوم نوح وعاد‬ ‫وفرعون وقوم إبراهيم وأصحاب مدين وغيرهم { َومَا عَلَى الرّسُولِ(‪ })4‬أي رسولنا محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم {إِلّا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ} وقد بلغكم وأنتم الن بين خيارين ل ثالث لهما‪ :‬الول أن تتعظوا‬ ‫بما أسمعناكم وأريناكم من آياتنا فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا فتكملوا وتسعدوا وإما أن(‪ )5‬تبقوا على‬ ‫إصراركم على الشرك والكفر العصيان فسوف يحل بكم ما حل بأمثالكم‪ ،‬إذ كفاركم ليسو بخير من‬ ‫كفار أولئكم الذين انتقم ال منهم وأذاقهم سوء العذاب‪ .‬هذا ما دلت عليه الية (‪ )18‬وهي معترضة‬ ‫بين اليات التي اشتملت على قصص‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إنما‪ :‬ما‪ :‬كافة أوثانا منصوب بـ (تعبدون)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال أبو عبيدة‪ :‬الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما اتخذ من حصى أو‬ ‫حجارة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬سلك إبراهيم في دعوة قومه هذه سبيل الستدلل بالنعم الحسية لن إثباتها أقرب إلى أذهان‬ ‫العوام‪ ،‬وعدى الشكر باللم لما تفيده اللم من الختصاص أي‪ :‬الستحقاق‪.‬‬ ‫‪ - 4‬القصد من هذه الجملة‪( :‬وما على الرسول إل البلغ المبين) إعلم المخاطبين بأن تكذيبهم ل‬ ‫يلحقه منه ما فيه نكاية به أو تشف منه‪ ،‬فإن كان من خطاب ال تعالى لقريش فالمراد من الرسول‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإن كان من كلم إبراهيم فالمراد به إبراهيم نفسه سلك فيه مسلك‬ ‫الظهار في مقام الضمار تنويعا للسلوب‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أي‪ :‬والثاني‪ :‬أن تبقوا على إصراركم أعني الخيار الثاني بعد الول‪.‬‬

‫( ‪)4/118‬‬ ‫إبراهيم عليه السلم‪ .‬وسر العتراض هو وجود فرصة في سياق الكلم قد تلفت أنظار القوم‬ ‫وتأخذهم بقلوبهم إذ اليات كلها مسوقة لهدايتهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب عبادة ال وتقواه طلبا للنجاة من الخسران في الدارين‪.‬‬ ‫‪ -2‬بطلن عبادة غير ال عن طريق الدلة العقلية‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما عبد الناس الوثان إل من جهلهم وفقرهم فلذا يجب أن يعلموا أن ال هو ربهم المستحق‬ ‫لعبادتهم وأن ال تعالى هو الذي يسد فقرهم ويرزقهم ومن عداه ل يملك ذلك لهم‬ ‫‪ -4‬وجوب شكر ال تعالى بحمده والثناء عليه وبطاعته وصرف النعم فيما من أجله أنعم بها على‬ ‫عبده‪.‬‬ ‫‪ -5‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وتأنيب المشركين من أهل مكة‪.‬‬ ‫خلْقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ(‪ُ )19‬قلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ‬ ‫َأوَلَمْ يَ َروْا كَ ْيفَ يُبْ ِدئُ اللّهُ الْ َ‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ(‪ُ )20‬يعَ ّذبُ مَنْ‬ ‫علَى ُكلّ َ‬ ‫شئُ النّشَْأةَ الْآخِ َرةَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫فَانْظُرُوا كَ ْيفَ بَدَأَ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ اللّهُ يُنْ ِ‬ ‫سمَا ِء َومَا َلكُمْ مِنْ‬ ‫ض وَل فِي ال ّ‬ ‫يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ َيشَا ُء وَإِلَيْهِ ُتقْلَبُونَ(‪َ )21‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫حمَتِي وَأُولَ ِئكَ‬ ‫ن وَِليّ وَل َنصِيرٍ(‪ )22‬وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِ اللّهِ وَلِقَائِهِ أُولَ ِئكَ يَئِسُوا مِنْ َر ْ‬ ‫دُونِ اللّهِ مِ ْ‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪)23‬‬ ‫َلهُمْ َ‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫أو لم يروا ‪ :‬أي ينظروا بأبصارهم فيعلموا بقلوبهم‪.‬‬

‫( ‪)4/119‬‬ ‫يبدئ ال الخلق ‪ :‬أي كيف يخلق المخلوق ابتداء‪.‬‬ ‫ثم يعيده ‪ :‬أي ثم هو تعالى يعيده بعد بدئه وإفنائه يعيده لن العادة أهون من البدء وقد بدأ وأفنى‬ ‫فهو بالضرورة قادر على العادة‪.‬‬ ‫إن ذلك ‪ :‬أي أن الخلق الول والثاني هو العادة‪.‬‬ ‫على ال يسير ‪ :‬أي سهل ل صعوبة فيه‪ ،‬فكيف إذًا ينكر المشركون البعث‪.‬‬ ‫قل سيروا في الرض‪ :‬أي قل يا رسولنا لقومك المكذبين بالبعث سيروا في الرض فانظروا كيف‬ ‫بدأ ال الخلق وأنشأه‪ ،‬تستدلون بذلك على قدرته على البعث الخر‪.‬‬ ‫ثم ال ينشئ النشأة الخرة‪ :‬أي يحيي الناس بعد موتهم وهو البعث الخر الذي أنكره الجاهلون‪.‬‬ ‫وإليه تقلبون‪ :‬أي ترجعون إليه ل إلى غيره أحياء كما كنتم فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم‪ ،‬الحسنة‬ ‫بخير منها والسيئة بمثلها جزاء عادل‪.‬‬ ‫وما أنتم بمعجزين في الرض ول في السماء ‪ :‬أي بغالبين ول فائتين بالهروب فإن ال غالبكم‪.‬‬ ‫وما لكم من دون ال من ولي ول نصير‪ :‬ليس لكم من ولي يتولكم ول نصير ينصركم من ال‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫يئسوا من رحمتي ‪ :‬أي من دخول الجنة لنهم كافرون أعظم كفر وهو التكذيب بالقرآن والبعث‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير أصول الدين التوحيد والنبوة البعث وقد قررت اليات السابقة أصلي‬ ‫التوحيد والنبوة المحمدية وفي هذه اليات تقرير الصل الثالث وهو البعث والجزاء في‬

‫( ‪)4/120‬‬ ‫الدار الخرة‪ .‬قال‪َ{ :‬أوَلَمْ يَ َروْا(‪ })1‬أي أولئك المنكرون للبعث‪ ،‬أيكذبون؟ ولم ينظروا كيف يبدئ‬ ‫ال الخلق أي خلق النسان‪ ،‬فإن ذلك دال على إعادته متى أراد ال الخالق ذلك‪ ،‬ثم هو تعالى‬ ‫يعيده متى شاء‪{ ،‬إِنّ َذِلكَ} أي الخلق والعادة بعد الفناء والبلى {عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ} سهل ل يتعذر‬ ‫عليه أبدا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ(‪ )2‬سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ} أي قل يا رسولنا للمكذبين بالبعث الخر {سِيرُوا فِي‬ ‫الْأَ ْرضِ} شرقا وغربا {فَانْظُرُوا كَ ْيفَ بَدَأَ الْخَ ْلقَ} تعالى خلق تلك المخلوقات التي تشاهدونها من‬ ‫أرض‪ ،‬وسماء‪ ،‬وأنهار‪ ،‬وأشجار‪ ،‬وحيوان‪ ،‬وإنسان‪ ،‬إنها كلها كانت عدما فأنشأها ال تعالى ثم هو‬ ‫شئُ النّشَْأةَ الْآخِ َرةَ(‪ })3‬وذلك بأن يعيد حياة النسان ليحاسبه على كسبه في الدنيا‬ ‫سيفنيها {ثُمّ اللّهُ يُ ْن ِ‬ ‫شيْءٍ(‪ )4‬قَدِيرٌ} إذا فل يستنكر عليه إعادة الناس أحياء‬ ‫علَى ُكلّ َ‬ ‫ويجزيه به خيرا أو شرا‪{ ،‬إِنّ اللّهَ َ‬ ‫بعد نهاية هذه الحياة الدنيا ليحاسبهم ويجزيهم بما كانوا يعملون‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬يعَ ّذبُ مَنْ يَشَاءُ‬ ‫وَيَرْحَمُ مَنْ َيشَاءُ} هذه فائدة وحكمة البعث الخرة وهي المجازاة على العمل في هذه الحياة فيعذب‬ ‫أهل الكفر به وبرسوله والذين لم يزكوا أنفسهم باليمان وصالح العمال فيدخلهم في جهنم دار‬ ‫الشقاء والعذاب ويرحم أهل اليمان والتقوى الذين زكوا أنفسهم باليمان والصالحات‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{وَإِلَيْهِ ُتقْلَبُونَ} أي إلى ال ربكم ترجعون بعد الموت والفناء وإنشاء النشأة الخرة وقوله { َومَا أَنْ ُتمْ‬ ‫سمَاءِ} بل أنتم مقهورون له خاضعون لسلطانه‬ ‫ض وَل فِي ال ّ‬ ‫ِب ُمعْجِزِينَ(‪ })5‬أي ال تعالى {فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫ل يمكنكم من الهروب منه ول الخلص بحال من الحوال‪ .‬وليس لكم من دونه تعالى ولي‬ ‫يتولكم فيدفع عنكم العذاب ول نصير ينصركم فل تُغلبون ول تعذبون وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ‬ ‫َكفَرُوا بِآياتِ اللّهِ} التي جاءت بها‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام للنكار والتوبيخ لهم على عدم استعمال عقولهم إذ ينكرون البعث وأمامهم صور‬ ‫منه دالة عليه فهو يبدئ الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا ويخلق المرء ثم يميته بعد أن يخلق‬ ‫منه ولدا ويخلق من الولد ولدا‪ ،‬وهكذا تتكرر عملية البعث أمامهم فما لهم ل يرونها؟!‬ ‫‪ - 2‬هذا المر للرشاد والتوجيه والنصح لو كانوا يعقلون‪.‬‬

‫‪ - 3‬أظهر اسم الجللة بعد تقديم ذكر ضميره في قوله‪( :‬كيف بدأ الخلق) ليحرك ضمائرهم باسم‬ ‫الجللة ويدفع بنفوسهم إلى التسليم بالنشأة الخرة بعد التسليم بالنشأة الولى وهي بدء الخلق‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الجملة تذييلية أعلن فيها عن قدرة ال الذي ل يعجزه شيء أراده‪ :‬البدء كالعادة سواء‪.‬‬ ‫‪ - 5‬المعجزة‪ :‬هو الذي يجعل غيره عاجزا عن فعل ما وهو هنا كناية عن الغلبة والنقلب‪ ،‬قرر‬ ‫بهذه الجملة عجزهم التام في الرض التي هم يسكنونها‪ ،‬وحتى في السماء لو فرض أنهم يرقونها‬ ‫وما هم بأهل لذلك كما قال العشى‪:‬‬ ‫فلو كنت في جبّ ثمانين قامة‬ ‫ورقيت أسباب السماء بسلّم‪.‬‬

‫( ‪)4/121‬‬ ‫رسله {وَِلقَائِهِ} وهو البعث الخر الموجب للوقوف بين يدي ال للسؤال والحساب والجزاء هذا إن‬ ‫كان للعبد ما يحاسب عليه من الخير‪ ،‬أما إن لم يكن له حسنات فإنه يلقى في جهنم بل حساب ول‬ ‫وزن إذ ليس له من الصالحات ما يوزن له ويحاسب به‪ ،‬ولذا قال تعالى‪{ :‬أولئك} أي المكذبون‬ ‫حمَتِي} إذ تكذيبهم بالقرآن مانع من اليمان والعمل‬ ‫بآيات(‪ )1‬ال ولقائه { أُولَ ِئكَ يَئِسُوا مِنْ(‪ )2‬رَ ْ‬ ‫الصالح وتكذيبهم بيوم القيامة مانع لهم أن يتخلوا عن الشرك والمعاصي‪ ،‬أو يعملوا صالحا من‬ ‫الصالحات لتكذيبهم بالجزاء‪ ،‬فهم يائسون من الجنة‪{ .‬وَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي موجع وهو‬ ‫عذاب النار في جهنم والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب استعمال العقل للستدلل على الغائب بالحاضر وعلى المعدوم بالموجود‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء وذكر أدلتها التفصيلية‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عجز النسان التام وأنه ل مهرب له من ال تعالى ربه ومالكه وهي حال تستدعي‬ ‫الفرار إلى ال اليوم‬ ‫باليمان والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -4‬إنذار المكذبين بأنهم إن ماتوا على التكذيب بالبعث ل يدخلون الجنة بحال‪ ،‬وسيعذبون في نار‬ ‫جهنم أشد‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫جوَابَ َق ْومِهِ إِلّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ حَ ّرقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ‬ ‫َفمَا كَانَ َ‬ ‫ُي ْؤمِنُونَ(‪َ )24‬وقَالَ إِ ّنمَا اتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانا َموَ ّدةَ بَيْ ِنكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ‬ ‫ضكُمْ َبعْضا َومَ ْأوَاكُمُ النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(‪)25‬‬ ‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬ ‫َب ْع ُ‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬المراد بآيات ال‪ :‬القرآن الكريم‪ :‬المشتمل على الدلة البراهين والحجج الدالة على قدرة ال‬ ‫وعلمه وحكمته والمفصلة لنواع عباداته‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أخبر عن يأسهم بالفعل الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه وإن كان المعنى أنهم سييأسون من‬ ‫رحمة ال التي هي الجنة ل محالة‪.‬‬

‫( ‪)4/122‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فما كان جواب قومه‪ :‬أي قوم إبراهيم عليه السلم‪.‬‬ ‫إل أن قالوا اقتلوه‪ :‬أي إل قولهم اقتلوه أو حرقوه‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات ‪ :‬أي في كون النار لم تحرق الخليل ويخرج منها سالما‪.‬‬ ‫لقوم يؤمنون ‪ :‬لن المؤمنين هم الذين ينتفعون باليات لحياة قلوبهم‪.‬‬ ‫أوثانا مودة بينكم ‪ :‬أي اتخذتم أوثانكم آلهة تتوادون من أجل عبادتها وتتحابون لذلك‪.‬‬ ‫في الحياة الدنيا ‪ :‬أي هذا التوادد والتحاب على اللهة في الحياة الدنيا فقط أما الخرة فل‪.‬‬ ‫يكفر بعضكم ببعض ‪ :‬أي يكفر المتبوعون بأتباعهم ويتبرأون منهم‪.‬‬ ‫ويلعن بعضكم بعضا ‪ :‬يلعن التباع القادة الذين اتبعوهم في الباطل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في قصص(‪ )1‬إبراهيم الخليل عليه السلم فإنه لما أفحمهم بالحجة وبين لهم باطلهم‬ ‫وكشف لهم عن جهلهم وضللهم لجأوا كعادة الطغاة من أهل الكفر والباطل إلى التهديد بالقوة‬ ‫جوَابَ َق ْومِهِ} فما كان جوابهم أي عما سمعوا من‬ ‫فقالوا ما أخبر به تعالى عنهم‪ :‬أي { َفمَا كَانَ َ‬ ‫الحجج والبراهين على بطلن الشرك وصحة التوحيد {إِلّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ حَ ّرقُوهُ(‪ })2‬أي إل‬ ‫قولهم اقتلوا إبراهيم بالسيف ونحوه أو حرقوه بالنار‪ ،‬ونفذوا جريمتهم بالفعل وأوقدوا النار وألقوه‬ ‫علَى إِبْرَاهِيمَ} فكانت كما أمرت‬ ‫فيها‪ ،‬وقال ال جل جلله للنار {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدا وَسَلما َ‬ ‫وخرج إبراهيم سالما لم تحرق النار سوى كتافه الذي شدّ به يداه ورجله‪ .‬وهو ما دل عليه قوله‬ ‫تعالى {فَأَنْجَاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ} وقوله تعالى {إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ} أي في كون النار لم‬ ‫تحرق إبراهيم فيتخلف طبعها وتصبح بردا وسلما على إبراهيم فلم تحرقه‪( ،‬آيات) أي دلئل‬ ‫قدرة ال تعالى ورحمته وحكمته ولكن تلك اليات ل ينتفع بها غير المؤمنين‪ ،‬لنهم أموات ل‬ ‫يسمعون ول يبصرون ول يعقلون‪ .‬أما المؤمنون فهم أحياء فينتفعون بما يسمعون ويبصرون لن‬ ‫اليمان بمثابة‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬عاد السياق الكريم إلى الحديث عن قصة إبراهيم بعد تلك الجمل العتراضية التي تخللت‬ ‫القصة بقصد إثارة شعور قريش وتحريك ضمائرها رجاء أن تطلب الهداية فتحصل عليها إذ هي‬ ‫المقصودة من سوق القصة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ثم اتفقوا على تحريقه ونفذوا ما اتفقوا عليه فألقوه في النار ونجاه ال فله الحمد وله المنة‪.‬‬

‫( ‪)4/123‬‬ ‫الروح في البدن فإن وجد في القلب حيي الجسم وإن فارقه فالجسم ميت فل العين تبصر الحداث‬ ‫ول الذن تسمع اليات‪ .‬وقوله‪َ { :‬وقَالَ إِ ّنمَا اتّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانا َموَ ّدةَ(‪ )1‬بَيْ ِنكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ‬ ‫الدّنْيَا(‪ })2‬هذا من جملة قول إبراهيم لقومه وهو يعظهم ويرشدهم فأخبرهم بحقيقة يتجاهلونها وهي‬ ‫أنهم ما اتخذوا تلك الوثان آلهة يعبدونها إل لجل التعارف عليها والتوادد والتحاب من أجلها‪،‬‬ ‫فيقيمون العياد لها ويجتمعون حولها فيأكلون ويشربون ل أنهم حقيقة يعتقدون أنها آلهة وهي‬ ‫أحجار نحتوها بأيديهم ونصبوها تماثيل في سوح دورهم وأمام منازلهم و { َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ} أي في‬ ‫ضكُمْ َبعْضا} أي‬ ‫ض وَيَ ْلعَنُ(‪َ )3‬ب ْع ُ‬ ‫ضكُمْ بِ َب ْع ٍ‬ ‫الخرة فالعكس هو الذي سيحدث لهم حيث { َي ْكفُرُ َب ْع ُ‬ ‫يكفر المتبوعون وهم الرؤساء بمن اتبعوهم وهم التباع من الدهماء وعوام الناس‪{ ،‬ويلعن بعضكم‬ ‫بعضا} كل من التباع والمتبوعين يطلب بعد الخر عنه‪ ،‬وعدم العتراف به وذلك عند معاينة‬ ‫العذاب ولم تبق تلك الروابط والصلت التي كانت لهم في هذه الحياة!! وقوله‪َ { :‬ومَ ْأوَاكُمُ النّارُ(‪})4‬‬ ‫أي ومقركم الذي يؤويكم جميعا فتستقرون فيه هو النار { َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ} بعد أن أذلكم ال‬ ‫الذي أشركتم به أوثانا‪ ،‬فجعلتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن الظلمة سنتهم أنهم إذا أعيتهم الحجج يلجأون إلى استعمال القوة‪.‬‬ ‫‪ -2‬في عدم إحراق النار دليل على أن ال تعالى قادر على إبطال السنن إذا شاء ذلك‪ ،‬ومن هنا‬ ‫تكون الكرامات‬ ‫والمعجزات إذ هي خوارق للعادات‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الخرافيين في اجتماعهم على البدع لم يكن ذلك عن علم بنفع البدعة وإنما لعنصر‬ ‫التوادد والتعارف‬ ‫والتلقي على الكل والشرب كما قال إبراهيم لقومه {إِ ّنمَا اتّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانا َموَ ّدةَ بَيْ ِن ُكمْ‬ ‫فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا}‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ نافع (مودةً) بالتنوين منصوبا‪ ،‬وقرأ حفص بدون تنوين منصوبا مضافا إلى الظرف‪،‬‬

‫وقرأ ابن كثير وغيره (مو ّدةُ) بالرفع مضاف إلى (ببينكم) على أنه خبر إن وما‪ :‬اسمها‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال القرطبي‪ :‬معنى الية‪ :‬جعلتم الوثان تتحابون عليها في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قال القرطبي‪ :‬تتبرأ الوثان من عبادها‪ ،‬والرؤساء من السفلة كما قال ال عز وجل‪:‬‬ ‫(الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قيل‪ :‬يحشرون في النار الرؤساء والتباع والوثان كقوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون‬ ‫ال حصب جهنم) وقوله (وقودها الناس والحجارة) وهي الوثان كانت تعبد من دون ال عز‬ ‫وجل‪.‬‬

‫( ‪)4/124‬‬ ‫ق وَ َيعْقُوبَ‬ ‫حكِيمُ(‪َ )26‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَا َ‬ ‫فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ َوقَالَ إِنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى رَبّي إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫ب وَآتَيْنَاهُ َأجْ َرهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الْآخِ َرةِ َلمِنَ الصّالِحِينَ(‪)27‬‬ ‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَا َ‬ ‫وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فآمن له لوط‪ :‬أي آمن بإبراهيم لوط وهو ابن أخيه هاران ولم يؤمن من قومه سواه‪.‬‬ ‫مهاجر إلى ربي‪ :‬أي إلى حيث أعبد ربي فل أفتن في ديني‪.‬‬ ‫ووهبنا له إسحاق ويعقوب‪ :‬أي هاجر لجلنا فأكرمناه في دار هجرته فوهبنا له ذرية هم إسحاق‬ ‫البن ويعقوب الحفيد‪.‬‬ ‫في ذريته النبوة والكتاب‪ :‬فكل النبياء بعده من ذريته وكل الكتب التي أنزلت بعده فهي في ذريته‪.‬‬ ‫وآتيناه أجره في الدنيا‪ :‬وذلك بالرزق الحسن والثناء الحسن على ألسنة كافة الناس من أهل الديان‬ ‫اللهية‪.‬‬ ‫وإنه في الخرة من الصالحين‪ :‬أي هو أحدهم‪ ،‬فيكرم كما يكرمون بالدرجات العل‪ ،‬والصالحون‬ ‫هم أنبياء ال ورسله وأولياؤه وصالحو عباده‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا آخر قصص إبراهيم الخليل في هذا السياق الكريم فأخبر تعالى أن إبراهيم بعد الجهاد الطويل‬ ‫في الدعوة إلى عبادة الرحمن الرحيم لم يؤمن له ولم يتابعه على الحق الذي دعا إليه إل لوط بن‬ ‫ط َوقَالَ} أي إبراهيم {إِنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى(‪ )1‬رَبّي} فترك بلد‬ ‫هاران أخيه فقال تعالى‪{ :‬فَآمَنَ لَهُ لُو ٌ‬ ‫قومه من(‪ )2‬سواد العراق وارتحل إلى أرض الشام فأكرمه ال تعالى جزاء‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المهاجرة‪ :‬مفاعلة من الهجر الذي هو الترك لما كان ملزما له‪ .‬وحرف إلى الصل فيه‬ ‫النتهاء‪ ،‬وهي هنا أفادت التعليل‪ :‬أي لجل ربي إذ هو الذي أمره بها من أجل أن يعبده في دار‬ ‫هجرته هو وأهله‪.‬‬

‫‪ - 2‬من قرية كوثا من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام‪ ،‬ومعه ابن أخيه لوط بن تارخ‪،‬‬ ‫وامرأته سارة‪ ،‬وهو أول من هاجر في سبيل ال وأول من هاجر من أمة محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم في سبيل ال تعالى‪ :‬عثمان بن عفان مع زوجته رقية بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫إلى أرض الحبشة‪.‬‬

‫( ‪)4/125‬‬ ‫هجرته إلى ربه عز وجل بما أخبر به في هذا السياق حيث قال‪َ { :‬ووَهَبْنَا لَهُ ِإسْحَاقَ(‪ )1‬وَ َي ْعقُوبَ‬ ‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَابَ} وهبه أي أعطاه ولده إسحاق بن سارة وولد إسحاق وهو يعقوب‪،‬‬ ‫وَ َ‬ ‫وجعل كافة النبياء من ذريته وجعل الكتاب فيهم أيضا فالتوراة أنزلت على موسى‪ ،‬والزبور على‬ ‫داود‪ ،‬والنجيل على عيسى وهم من ذرية إبراهيم‪ ،‬والقرآن الكريم أنزل على محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم وهو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وقول إبراهيم هو كما قال‪{ :‬إِنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى رَبّي}‬ ‫حكِيمُ} الذي‬ ‫حكِيمُ} أي الغالب القاهر {ا ْل َ‬ ‫وصف ربه بالعزة والحكمة‪ .‬فقال‪{ :‬إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ(‪ )2‬ا ْل َ‬ ‫وضع كل شيء في موضعه‪ ،‬ودلئل العزة أن أنجى إبراهيم من أيدي الظلمة الطغاة ومن مظاهر‬ ‫الحكمة أن نقله من أرض ل خير فيها إلى أرض كلها خير وأكرمه فيها بما ذكره في قوله‬ ‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِ النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَابَ} وقوله تعالى‪{ :‬وَآتَيْنَاهُ َأجْ َرهُ فِي‬ ‫ق وَ َي ْعقُوبَ وَ َ‬ ‫{ َووَهَبْنَا لَهُ إِسْحَا َ‬ ‫الدّنْيَا} حيث رزقه أطيب الرزاق في دار هجرته ورزقه الثناء الحسن من كل أهل الديان اللهية‬ ‫كاليهودية والنصرانية‪ ،‬والسلم وهو خاتم الديان هذا في الدنيا وأما في الخرة فإنه من‬ ‫الصالحين ذوي الدرجات العل والمنازل العالية في مواكب النبيين والصديقين والشهداء‬ ‫والصالحين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حصيلة دعوة إبراهيم كذا سنة وأنها كانت إيمان واحد بها وهو لوط عليه السلم وفي‬ ‫هذا تسلية‬ ‫للرسول الكريم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إكرام ال تعالى لمن يهاجر إليه ويترك أهله وداره‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان ما أكرم ال تعالى به إبراهيم من خير الدنيا والخرة جزاء صبره على دعوة ال تعالى‪.‬‬ ‫حشَةَ مَا سَ َبقَكُمْ ِبهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )28‬أَإِ ّن ُكمْ لَتَأْتُونَ‬ ‫وَلُوطا إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ إِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ ا ْلفَا ِ‬ ‫ل وَتَأْتُونَ‬ ‫طعُونَ السّبِي َ‬ ‫ل وَ َتقْ َ‬ ‫الرّجَا َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه الهبة كان قبلها هبة إسماعيل إذ ولد قبل إسحاق عليهم السلم‪.‬‬

‫‪ - 2‬هذه الجملة واقعة موقع التعليل لمضمون جملة (إني مهاجر إلى ربي) لن من كان عزيزا‬ ‫يعتز به جاره‪ ،‬ومن كان حكيما ل يأمر بغير ما هو خير للمأمور الممتثل لمره‪.‬‬

‫( ‪)4/126‬‬ ‫جوَابَ َق ْومِهِ إِلّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا ِبعَذَابِ اللّهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ(‪ )29‬قَالَ‬ ‫فِي نَادِيكُمُ ا ْلمُ ْنكَرَ َفمَا كَانَ َ‬ ‫َربّ ا ْنصُرْنِي عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‪)30‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولوطا إذ قال لقومه‪ :‬أي اذكر إذ قال لوط بن هاران لقومه أهل سدوم‪.‬‬ ‫أئنكم لتأتون الفاحشة‪ :‬أي الخصلة القبيحة وهي إتيان الذكران في أدبارهم‪.‬‬ ‫ما سبقكم بها من أحد‪ :‬أي لم تعرف البشرية قبل قوم لوط إتيان الذكران في أدبارهم‪.‬‬ ‫وتقطعون السبيل‪ :‬أي باعتدائكم على المارة في السبيل فامتنع الناس من المرور خوفاَ منكم‪.‬‬ ‫وتأتون في ناديكم المنكر ‪ :‬أي مجالس أحاديثكم تأتون المنكر كالضراط وحل الزار والفاحشة أي‬ ‫اللواط‪.‬‬ ‫فما كان جواب قومه‪ :‬أي إل قولهم ائتنا بعذاب ال إن كنت من الصادقين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا بداية قصص لوط عليه السلم مع قومه أهل سدوم وعمورية والغرض من سياقه تقرير النبوة‬ ‫المحمدية إذ مثل هذه القصص ل يتم لحد إل من طريق الوحي‪ ،‬وتسلية الرسول من أجل ما‬ ‫يلقي من عناد المشركين ومطالبتهم باليات والعذاب قال تعالى‪ :‬واذكر يا رسولنا لقومك(‪)1‬‬ ‫شةَ} وهي الفعلة القبيحة ويزيدها قبحا أن الناس قبل قوم لوط‬ ‫لوطا {إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ إِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ ا ْلفَاحِ َ‬ ‫لم تحدث فيهم هذه الخصلة ولم يعرفها أحد من العالمين‪ ،‬ثم يواصل لوط إنكاره وتشنيعه عليهم‬ ‫طعُونَ السّبِيلَ} وذلك أنهم كانوا يعتدون على‬ ‫فيقول‪{ :‬أَإِ ّنكُمْ(‪ )2‬لَتَأْتُونَ الرّجَالَ} أي في أدبارهم {وَ َتقْ َ‬ ‫المارة بعمل الفاحشة معهم قسرا وبسلب أموالهم وبذلك امتنع الناس من المرور فانقطعت السبيل‪،‬‬ ‫كما أنهم بإتيانهم الذكران عطلوا النسل‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬لوطا) منصوب إمّا على تقدير اذكر كما في التفسير أو على تقدير وأرسلنا أو أنجينا كما‬ ‫تقدم في قوله تعالى‪( :‬وإبراهيم‪)..‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام للنكار والتوبيخ والتقريع على جريمتهم التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين‪.‬‬

‫( ‪)4/127‬‬

‫بقطع سبيل الولدة‪ ،‬وزاد لوط في تأنيبهم والنكار عليهم والتوبيخ لهم فقال {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ‬ ‫ا ْلمُ ْنكَرَ} والنادي محل اجتماعهم وتحدثهم وإتيان المنكر فيه كان بارتكاب الفاحشة مع بعضهم‬ ‫بعضا‪ ،‬وبالتضارط فيه‪ ،‬وحل الزار‪ ،‬والقذف بالحصى وما إلى ذلك(‪ )1‬مما يؤثر عنهم من سوء‬ ‫جوَابَ َق ْومِهِ} بعد أن أنّبهم ووبخهم ناهيا لهم عن مثل هذه الفواحش‬ ‫وقبح‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬فمَا كَانَ َ‬ ‫{إِلّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا(‪ِ )2‬ب َعذَابِ اللّهِ إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ} أي ما كان جوابهم إل المطالبة بعذاب‬ ‫ال‪ ،‬وهذه طريقة الغلة المفسدين والظلمة المتكبرين‪ ،‬إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى القوة‬ ‫سدِينَ(‪ })3‬أي لما‬ ‫يستعملونها أو يطالبون بها‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي عَلَى ا ْلقَوْمِ ا ْلمُفْ ِ‬ ‫طالبوه بالعذاب‪ ،‬وقد أعياه أمرهم لجأ إلى ربه يطلب نصره على قومه الذين كانوا شر قوم وجدوا‬ ‫على وجه الرض واستجاب ال تعالى له ونصره وسيأتي بيان ذلك في اليات بعد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بذكر قصص ل يتم إل عن طريق الوحي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم من أجل ما يعاني من المشركين من كفر وعناد ومطالبة‬ ‫بالعذاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬قبح الفاحشة وحرمتها وأسوأها فاحشة اللواط‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب إقامة الحد على اللوطيّ الفاعل والمفعول لن ال تعالى سماها فاحشة وسمى الزنا‬ ‫فاحشة ووضع حدا‬ ‫للزنى فاللوطية تقاس عليه‪ ،‬وقد صرحت السنة بذلك فل حاجة إلى القياس‪.‬‬ ‫‪ -5‬التحذير من العبث والباطل قول أو عملً وخاصة في الندية والمجتمعات‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬من ذلك‪ :‬أنهم كانوا يناطحون بين الكباش ويناقرون بين الديوك‪ ،‬والصفير وتطريف‬ ‫الصابيع بالحناء وفرقتها‪ ،‬ويقذفون أهل الطريق ويسخرون منهم‪ ،‬روى هذا الترمذي وحسنّه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم قطعا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الفساد في الرض‪ :‬هو العمل بمعاصي ال ورسوله صلى ال عليه وسلم فكل عامل‬ ‫بالمعاصي فهو مفسد في الرض‪ ،‬إذ فعل المعاصي يورث الفقر والخوف وهما شر ما يُتقى‪.‬‬

‫( ‪)4/128‬‬ ‫سلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنّا ُمهِْلكُو أَ ْهلِ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ إِنّ أَهَْلهَا كَانُوا ظَاِلمِينَ(‪)31‬‬ ‫وََلمّا جَا َءتْ رُ ُ‬ ‫قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَنْ فِيهَا لَنُ َنجّيَنّ ُه وَأَهَْلهُ إِلّا امْرَأَ َتهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ(‪ )32‬وََلمّا‬ ‫ف وَل تَحْزَنْ إِنّا مُ َنجّوكَ وَأَ ْهَلكَ إِلّا‬ ‫خ ْ‬ ‫أَنْ جَا َءتْ رُسُلُنَا لُوطا سِيءَ ِبهِ ْم َوضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعا َوقَالُوا ل تَ َ‬

‫سمَاءِ ِبمَا كَانُوا‬ ‫امْرَأَ َتكَ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ(‪ )33‬إِنّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ ِرجْزا مِنَ ال ّ‬ ‫سقُونَ(‪ )34‬وََلقَدْ تَ َركْنَا مِ ْنهَا آيَةً بَيّ َنةً ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ(‪)35‬‬ ‫َيفْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بالبشرى ‪ :‬أي إسحاق ويعقوب بعده‪.‬‬ ‫هذه القرية‪ :‬أي قرية لوط وهي سدوم‪.‬‬ ‫قالوا نحن أعلم بمن فيها ‪ :‬أي قالت الرسل نحن أعلم بمن فيها‪.‬‬ ‫كانت من الغابرين ‪ :‬أي كانت في علم ال وحكمه من الباقين في العذاب‪.‬‬ ‫سيء بهم ‪ :‬أي حصلت لهم مساءة وغم بسبب مخافة أن يقصدهم قومه بسوء‪.‬‬ ‫وضاق بهم ذرعا‪ :‬أي عجز عن احتمال المر لخوفه من قومه أن ينالوا ضيفه بسوء‪.‬‬ ‫رجزا‪ :‬أي عذابا من السماء‪.‬‬ ‫بما كانوا يفسقون‪ :‬أي بسبب فسقهم وهو إتيان الفاحشة‪.‬‬

‫( ‪)4/129‬‬ ‫ولقد تركنا منها آية‪ :‬أي تركنا من قرية سدوم التي دمرناها آية بينة وهي خرابها ودمارها‬ ‫وتحولها إلى بحر ميت ل حياة فيه‪.‬‬ ‫لقوم يعقلون‪ :‬أي يعلمون السباب والنتائج إذا تدبروا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في قصص لوط عليه السلم‪ ،‬إنه بعد أن ذكرهم وخوفهم عذاب ال قالوا كعادة‬ ‫المكذبين الهالكين فائتتنا بعذاب ال إن كنت من الصادقين وأنه عليه السلم استنصر ربه تعالى‬ ‫عليهم‪ ،‬واستجاب ال تعالى له وفي هذه الية بيان ذلك بكيفيته‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وََلمّا(‪ )1‬جَا َءتْ رُسُلُنَا‬ ‫إِبْرَاهِيمَ} الخليل عم لوط {بِالْ ُبشْرَى(‪ })2‬التي هي ولدة ولدٍ له هو إسحاق ومن بعده يعقوب ولد‬ ‫سحَاقَ َومِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ َي ْعقُوبَ}‪{ .‬قَالُوا} أي‬ ‫إسحاق عليه السلم كما قال تعالى‪{ :‬فَ َبشّرْنَاهَا بِإِ ْ‬ ‫قالت الملئكة لبراهيم {إِنّا ُمهِْلكُو َأ ْهلِ هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ} يريدون قرية قوم لوط وهي سدوم وعللوا لذلك‬ ‫بقولهم {إِنّ أَهَْلهَا(‪ )3‬كَانُوا ظَاِلمِينَ} أي لنفسهم بغشيان الذنوب وإتيان الفواحش‪ ،‬ولغيرهم إذ كانوا‬ ‫يقطعون السبيل وهنا قال لهم إبراهيم‪{ :‬إِنّ فِيهَا لُوطا} ليس من الظالمين بل هو من عباد ال‬ ‫الصالحين فأجابته الملئكة فقالوا‪{ :‬قَالُوا َنحْنُ أَعْلَمُ ِبمَنْ فِيهَا} منك يا إبراهيم‪{ .‬لَنُ َنجّيَنّهُ(‪ )4‬وَأَهْلَهُ}‬ ‫من الهلك {إِلّا امْرَأَ َتهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ} وذلك لطول عمرها فسوف تهلك معهم لكفرها‬ ‫وممالتها للظالمين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وََلمّا أَنْ جَا َءتْ رُسُلُنَا لُوطا} أي ولما وصلت الملئكة لوطا‬ ‫قادمين من عند إبراهيم من فلسطين {سِيءَ ِب ِه ْم َوضَاقَ ِبهِمْ ذَرْعا} أي استاء بهم وأصابه غم وهم‬ ‫خوفا من قومه أن يسيئوا إليهم‪ ،‬وهم ضيوفه نازلون عليه ولما رأت ذلك الملئكة منه طمأنوه بما‬

‫خفْ} أي علينا {وَل تَحْزَنْ} على من سيهلك من أهلك مع‬ ‫أخبر به تعالى في قوله‪َ { :‬وقَالُوا ل َت َ‬ ‫قومك الظالمين‪{ .‬إِنّا مُ َنجّوكَ} من العذاب أنت وأهلك أي زوجتك المؤمنة وبنتيك‪{ ،‬إِلّا امْرَأَ َتكَ} أي‬ ‫العجوز الظالمة فإنها {مِنَ ا ْلغَابِرِينَ} الذين طالت أعمارهم وستهلك مع الهالكين‪ .‬وقوله تعالى في‬ ‫سمَاءِ‬ ‫الية (‪{ :)34‬إِنّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَ ْهلِ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ ِرجْزا مِنَ ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬لما) حرق وجود لوجود نحو‪ :‬لما جاء الحق ذهب الباطل‪ .‬وهي أداة تدل على التوقيت كما‬ ‫هي ظرف ملزم للضافة إلى جملة بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬البشرى‪ :‬اسم للبشارة التي هي‪ :‬إخبار بما يسرّ المخبر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة تعليلية لما تقدمها من الهلك‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ الجمهور نافع وحفص‪( :‬لمنجّوك) بتشديد الجيم‪ ،‬وقرأ ابن كثير (منجوك) بتخفيفها من‪:‬‬ ‫أنجاه ينجيه‪ ،‬ونجي وأنجى بمعنى‪.‬‬

‫( ‪)4/130‬‬ ‫سقُونَ} أي أخبرت الملئكة لوطا بما هم فاعلون لقومه وهو قولهم {إِنّا مُنْزِلُونَ عَلَى‬ ‫ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ‬ ‫أَ ْهلِ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ} أي مدينة سدوم { ِرجْزا} أي عذاباَ من السماء وهي الحجارة بسبب فسقهم بإتيان‬ ‫الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ تَ َركْنَا مِ ْنهَا} أي من تلك القرية‬ ‫{آيَةً بَيّنَةً} (‪ ،)1‬أي عظة وعبرة‪ ،‬وعلمة واضحة على قدرتنا على إهلك الظالمين والفاسقين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ِ{ :‬لقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ} إذ هم الذين يتدبرون في المور ويستخلصون أسبابها وعواملها‬ ‫ونتائجها وآثارها أما غير العقلء فل حظ لهم في ذلك ول نصيب فهم كالبهائم التي تنساق إلى‬ ‫المجزرة وهي ل تدري وفي هذا تعريض بمشركي مكة وما هم عليه من الحماقة والغفلة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حلم إبراهيم ورحمته تجليا في دفاعه عن لوط وأهله‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مبدأ‪ :‬من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه‪ ،‬حيث العلقة الزوجية بين لوط وامرأته‬ ‫العجوز لم تنفعها‬ ‫وهلكت لنها كانت مع الظالمين بقلبها وسلوكها‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الضيافة وتأكدها في السلم لحديث الصحيح "من كان يؤمن بال واليوم الخر‬ ‫فليكرم ضيفه"‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالفسق عن طاعة ال وهو سبب هلك المم والشعوب‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة العقل إذا استعمله صاحبه في التعرف إلى الحق والباطل والخير والشر‪.‬‬

‫سدِينَ(‬ ‫شعَيْبا َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُوا اللّ َه وَارْجُوا الْ َيوْمَ الْآخِرَ وَل َتعْ َثوْا فِي الْأَ ْرضِ مُفْ ِ‬ ‫وَإِلَى َمدْيَنَ أَخَاهُمْ ُ‬ ‫جفَةُ فََأصْبَحُوا فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ(‪)37‬‬ ‫خذَ ْتهُمُ الرّ ْ‬ ‫‪َ )36‬فكَذّبُوهُ فَأَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المعنى‪ :‬ولقد تركنا من القرية آثارا دالة عليها‪ ،‬وهي بقايا القرية المغمورة بماء بحيرة لوط‬ ‫تلوح من تحت المياه‪ ،‬مع بقايا لون الكبريت والمعادن التي رجمت بها قريتهم‪.‬‬

‫( ‪)4/131‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإلى مدين ‪ :‬أي وأرسلنا إلى قبيلة مَدْيَن‪ ،‬ومدين أبو القبيلة فسميت باسمه‪.‬‬ ‫أخاهم شعيبا ‪ :‬أي أخاهم في النسب‪.‬‬ ‫اعبدوا ال ‪ :‬أي اعبدوه ووحدوه ول تشركوا به شيئا‪.‬‬ ‫وارجوا اليوم الخر ‪ :‬أي آمنوا به وتوقعوا مجيئه وما يحدث فيه‪.‬‬ ‫ول تعثوا في الرض مفسدين ‪ :‬أي ول تعيثوا في الرض فسادا بأن تنشروا فيها الفساد وهو‬ ‫العمل بالمعاصي فيها‪.‬‬ ‫فأخذتهم الرجفة ‪ :‬الهزة العنيفة والزلزلة الشديدة‪.‬‬ ‫في دارهم جاثمين ‪ :‬لصقين بالرض أمواتا ل يتحركون‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫هذا موجز لقصة(‪ )1‬شعيب عليه السلم مع قومه أهل مدين‪ ،‬والعبرة منه إهلك تلك المة لما‬ ‫كذبت رسولها واستمرت على الشرك والمعاصي لعل قريشا تعتبر بما أصاب هذه المة من هلك‬ ‫ودمار من أجل تكذيبها لرسولها وعصيانها لربها قال تعالى {وَإِلَى(‪ )2‬مَدْيَنَ} أي وأرسلنا إلى‬ ‫شعَيْبا} وهو نبيّ عربي فلما انتهى إليهم برسالته قال {يَا َقوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ} أي وحدوه‬ ‫مدين {أَخَا ُهمْ ُ‬ ‫في عبادته وأطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه من التطفيف في الكيل والوزن‪{ ،‬وَا ْرجُوا(‪ )3‬الْ َي ْومَ‬ ‫الْآخِرَ}‪ ،‬أي آمنوا بيوم القيامة وتوقعوا دائما مجيئه وخافوا ما فيه من أهوال وأحوال فإن ذلك‬ ‫سدِينَ} وذلك أنهم ينقصون الكيل‬ ‫يساعدكم على التقوى وقوله‪{ :‬وَل َتعْ َثوْا(‪ )4‬فِي الْأَ ْرضِ مُفْ ِ‬ ‫والوزن ويبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الرض بالمعاصي‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬فكَذّبُوهُ} أي‬ ‫جفَةُ} أي رجفة‬ ‫خذَ ْتهُمُ(‪ )5‬الرّ ْ‬ ‫كذب أصحاب مدين نبيهم شعيبا فيما أخبرهم به ودعاهم إليه {فَأَ َ‬ ‫الهلك من تحتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين على الركب‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه القصة معطوفة على سابقاتها‪ :‬قصة نوح وإبراهيم ولوط عليهم السلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إن طلبت المناسبة بين قصة لوط وقصة أصحاب مدين فإنها في كون مدين من أبناء إبراهيم‬

‫وكون لوط من السرة البراهيمية وأوضح من هذا السبب قرب الديار من بعضها‪ ،‬فمدين غير‬ ‫بعيدة من قرى لوط‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أمره إيّاهم برجاء اليوم الخر دال على أنهم ما كانوا يؤمنون باليوم الخر أو ذكرهم به‬ ‫لغفلتهم عنه بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬العثو‪ :‬بالواو كالدنو والعثي بالياء كالعصي‪ :‬أشد الفساد‪ ،‬وفعله‪ :‬عثا يعثوا‪ ،‬وعثي كرضي‬ ‫يعثى كيرضى بمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الفاء للسببية‪( ،‬والرجفة) الزلزال الشديد الذي ترجف منه الرض والقلوب وكانت هذه‬ ‫الزلزل مصحوبة بصيحة شديدة انخلعت منها القلوب‪.‬‬

‫( ‪)4/132‬‬ ‫هلكى وما ظلمهم ال ولكن كانوا هم الظالمين‪.‬‬ ‫هداية اليتين‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد والنبوة والبعث الخر‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الفساد في الرض وذلك بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان نقمة ال تعالى على المكذبين والظالمين والفاسقين‪.‬‬ ‫عمَاَلهُمْ َفصَدّ ُهمْ عَنِ السّبِيلِ َوكَانُوا‬ ‫وَعَادا وَ َثمُو َد َوقَدْ تَبَيّنَ َلكُمْ مِنْ مَسَاكِ ِنهِ ْم وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬ ‫ض َومَا‬ ‫عوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَ ُهمْ مُوسَى بِالْبَيّنَاتِ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫مُسْتَ ْبصِرِينَ(‪َ )38‬وقَارُونَ َوفِرْ َ‬ ‫كَانُوا سَا ِبقِينَ(‪َ )39‬فكُلّا َأخَذْنَا ِبذَنْبِهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِ حَاصِبا َومِ ْنهُمْ مَنْ َأخَذَتْهُ الصّيْحَةُ َومِنْهُمْ‬ ‫سهُمْ َيظِْلمُونَ(‪)40‬‬ ‫ض َومِ ْنهُمْ مَنْ أَغْ َرقْنَا َومَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫سفْنَا ِبهِ الْأَ ْر َ‬ ‫خَ‬ ‫مَنْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وعادا وثمود ‪ :‬أي وأهلكنا عادا القبيلة وثمود القبيلة كذلك‪.‬‬ ‫وقد تبين لكم من مساكنهم ‪ :‬أي تبين لكم إهلكهم من مساكنهم الخالية منهم بالحجر شمال الحجاز‬ ‫والشجر جنوب اليمن‪.‬‬ ‫عن السبيل ‪ :‬أي سبيل الهدى والحق التي بينها لهم رسلهم‪.‬‬ ‫كانوا مستبصرين ‪ :‬أي ذوي بصائر لما علمتهم رسلهم‪.‬‬ ‫وقارون وفرعون وهامان ‪ :‬أي وأهلكنا قارون بالخسف وفرعون وهامان بالغرق‪.‬‬

‫( ‪)4/133‬‬

‫فاستكبروا ‪ :‬أي عن عبادة ال تعالى وطاعة رسله‪.‬‬ ‫وما كانوا سابقين ‪ :‬أي فائتين عذاب ال أي فارين منه‪ ،‬بل أدركهم‪.‬‬ ‫فكلً أخذنا بذنبه ‪ :‬أي فكل واحد من المذكورين أخذناه بذنبه ولم يفلت منا‪.‬‬ ‫فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ‪ :‬أي ريحا شديدة‪ ،‬كعاد‪.‬‬ ‫ومنهم من أخذته الصيحة ‪ :‬أي ثمود‪.‬‬ ‫ومنهم من خسفنا به الرض ‪ :‬أي كقارون‪.‬‬ ‫ومنهم من أغرقنا ‪ :‬أي كقوم نوح وفرعون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى في اليات قبل ذي(‪ )1‬إهلكه لقوم لوط وقوم شعيب وقوم نوح من قبل لما ردوا‬ ‫دعوته وكذبوا رسله ذكر بقية القوام الذين كذبوا بآيات ال ورسله فأهلكهم‪ ،‬فقال عز وجل‪:‬‬ ‫{وَعَادا وَ َثمُودَ(‪ })2‬أي وأهلكنا كذلك عادا قوم هود‪ ،‬وثمود قوم صالح! وقوله تعالى‪{ :‬قَدْ تَبَيّنَ(‪)3‬‬ ‫َلكُمْ مِنْ مَسَاكِ ِنهِمْ} أي وقد تبين لكم يا معشر كفار مكة ومشركي قريش من مساكنهم بالحجر(‪)4‬‬ ‫والشجر(‪ )5‬من حضرموت ما يؤكد لكم إهلكنا لهم‪ ،‬إذ مساكنهم الخاوية دالة على ذلك دللة‬ ‫عمَاَلهُمْ} أي وقد زين لهم الشيطان أعمالهم من الشرك‬ ‫عين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَزَيّنَ َلهُمُ الشّ ْيطَانُ أَ ْ‬ ‫والشر والظلم والفساد وصدهم بذلك التزيين عن السبيل‪ ،‬سبيل اليمان والتقوى المورثة للسعادة‬ ‫في الدنيا والخرة‪ .‬وقوله‪َ { :‬وكَانُوا مُسْتَ ْبصِرِينَ(‪ })6‬أي ذوي بصائر أي معرفة بالحق والباطل‬ ‫والخير والشر لما علمتهم الرسل ولكن آثروا أهواءهم على عقولهم فهلكوا‪ .‬وما ظلمهم ال ولكن‬ ‫عوْنَ وَهَامَانَ} أي أهلكنا قارون السرائيلي ابن عم‬ ‫ن َوفِرْ َ‬ ‫كانوا هم الظالمين‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقَارُو َ‬ ‫موسى عليه السلم‪ ،‬أهلكناه ببغيه وكفره‪ ،‬فخسفنا به الرض وبداره أيضا‪ ،‬وفرعون وهامان‬ ‫أغرقناهما في اليم بكفرهما وطغيانهما‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وجه المناسبة ظاهر بين هده اليات وسابقتها وهي إتمام ذكر كل من قص تعالى في كتابه‬ ‫قصصهم مفصلة في العراف وهود والشعراء والنمل والقصص‪ ،‬فذكر بإيجاز من لم يذكرهم في‬ ‫هذا العرض من هذه السورة‪ ،‬فذكر عادا وثمود وقارون وفرعون هامان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وعادا جائز أن يكون منصوبا بفعل مقدر‪ ،‬وأهلكنا عادا أو اذكر عادا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة حالية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬مدائن صالح‪.‬‬ ‫‪ - 5‬منازل عاد‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الستبصار‪ :‬البصارة بالمور‪ ،‬والسين والتاء للتأكيد كالستحباب بمعنى الحب‪ ،‬والمراد أنهم‬ ‫أهل بصائر ومعرفة بالمور لما لهم من عقول صالحة للنظر والدراك‪ ،‬وما في التفسير وجه‬ ‫أحسن من هذا‪.‬‬

‫( ‪)4/134‬‬ ‫وظلمهما واستعلئهما وذلك بعدما جاءهم موسى بالبينات من اليات والحجج الواضحات التي لم‬ ‫تبق لهم عذرا في التخلف عن اليمان التقوى ولكن {فَاسْ َتكْبَرُوا(‪ )1‬فِي الْأَ ْرضِ }‪ ،‬أرض مصر‬ ‫وديارها فرفضوا اليمان والتقوى { َومَا كَانُوا سَا ِبقِينَ} ول فائتين فأحلّ ال تعالى بهم نقمته وأنزل‬ ‫بهم بأسه الذي ل يرد عن القوم الظالمين‪ .‬ثم في الية الربعين من هذا السياق بين تعالى أنواع‬ ‫العذاب الذي أهلك به هؤلء القوام‪ ،‬فقال‪َ { :‬فكُلّا (‪ })2‬أي فكل واحد من هؤلء المكذبين {َأخَذْنَا‬ ‫خذَتْهُ الصّيْحَةُ} كثمود‬ ‫بِذَنْبِهِ َفمِ ْنهُمْ(‪ )3‬مَنْ أَ ْرسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبا} أي ريحا شديدة كعاد‪َ { .‬ومِ ْنهُمْ مَنْ أَ َ‬ ‫سفْنَا بِهِ الْأَ ْرضَ} كقارون { َومِ ْنهُمْ مَنْ أَغْ َرقْنَا} كفرعون‪ ،‬وقوله تعالى { َومَا كَانَ اللّهُ‬ ‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ خَ َ‬ ‫سهُمْ‬ ‫لِيَظِْل َمهُمْ} أي لم يكن من شأن ال تعالى الظلم فيظلمهم‪{ ،‬وََلكِنْ كَانُوا} أي أولئك القوام {أَ ْنفُ َ‬ ‫يَظِْلمُونَ} بالشرك والكفر والتكذيب والمعاصي فأهلكوها بذلك‪ ،‬فكانوا هم الظالمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن الشيطان هو سبب هلك القوام وذلك بتزيينه لهم الشر والقبيح كالشرك والباطل‬ ‫والشر والفساد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الستكبار كالظلم عاقبتهما الهلك والخسران‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن ال تعالى ما أهلك أمة حتى يبين لها ما يجب أن تتقيه(‪ )4‬من أسباب الهلك والدمار‬ ‫فإذا أبت إل ذاك‬ ‫أوردها ال موارده‪.‬‬ ‫مَ َثلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَاءَ َكمَ َثلِ ا ْلعَ ْنكَبُوتِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إن فرعون وهامان وقارون شأنهم شأن أبي جهل والعاص بن وائل والنضر بن الحارث ما‬ ‫حملهم على الكفر والعناد إل الستكبار في البلد‪.‬‬ ‫‪( - 2‬فكل)‪ :‬الفاء للتفريع على ما سبق‪ :‬قوله تعالى‪( :‬وعادا) إذ التنوين عوضٌ عن كلمة أي‪:‬‬ ‫فكل واحد ممن ذُكروا من عاد إلى قارون أخذ ال أي‪ :‬أهلك بذنبه‪ ،‬ولم يظلمهم ال تعالى بإهلكه‬ ‫إيّاهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الفاء للتفريع إذ هذا التفصيل بعد الفاء متفرع عن ذلك الجمال المذكور في قوله‪( :‬فكلً‬ ‫أخذنا بذنبه)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬شاهده في قول ال تعالى من سورة التوبة‪( :‬وما كان ال ليضل قوما حتى يبين لهم ما‬ ‫يتقون) والضلل سبيل الهلك وطريقه‪.‬‬

‫( ‪)4/135‬‬ ‫خ َذتْ بَيْتا وَإِنّ َأوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَ ْيتُ ا ْلعَ ْنكَبُوتِ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ(‪ )41‬إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا َيدْعُونَ مِنْ‬ ‫اتّ َ‬ ‫س َومَا َي ْعقُِلهَا إِلّا ا ْلعَاِلمُونَ(‪)43‬‬ ‫حكِيمُ(‪ )42‬وَتِ ْلكَ الَْأمْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّا ِ‬ ‫شيْ ٍء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫دُونِهِ مِنْ َ‬ ‫حيَ إِلَ ْيكَ مِنَ ا ْلكِتَابِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ بِا ْلحَقّ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآيَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )44‬ا ْتلُ مَا أُو ِ‬ ‫خََلقَ اللّهُ ال ّ‬ ‫وََأقِمِ الصّلةَ إِنّ الصّلةَ تَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ وََل ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَ ُر وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا َتصْ َنعُونَ(‪)45‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫مثل الذين اتخذوا من دون ال أولياء ‪ :‬أي صفة وحال الذين اتخذوا أصناما يرجون نفعها‪.‬‬ ‫كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ‪ :‬أي لنفسها تأوي إليه‪.‬‬ ‫أوهن البيوت ‪ :‬أي أضعف البيوت وأقلها جدوى‪.‬‬ ‫يعلم ما يدعون من دونه من شيء ‪ :‬أي من الوثان والصنام وغيرها‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪ :‬أي الغالب على أمره الحكيم في تدبير أمور خلقه‪.‬‬ ‫وما يعقلها إل العالمون ‪ :‬أي العالمون بال وآياته وأحكام شرعه وأسراره‪.‬‬ ‫خلق ال السموات والرض بالحق ‪ :‬أي من أجل أن يعبد ل للهو ول لباطل‪.‬‬ ‫أتل ما أوحي إليك من الكتاب ‪ :‬اقرأ يا رسولنا ما أنزل إليك من القرآن‪.‬‬ ‫وأقم الصلة ‪ :‬بأدائها مقامة مراعى فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها‪.‬‬ ‫تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪ :‬أي الصلة بما توجد من نور في قلب العبد يصبح به ل يقدر على‬ ‫فعل فاحشة ول إتيان منكر‪.‬‬ ‫ولذكر ال أكبر ‪ :‬أي ذكر ال عبده أكبر من ذكر العبد ربه كما أن ذكر‬

‫( ‪)4/136‬‬ ‫ال أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلة وغيرها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن ذكر تعالى نقمته على أعدائه الذين كفروا به وأشركوا غيره في عبادته وكذبوا رسله وكان‬ ‫ذلك تنبيها وتعليما للمشركين والكافرين المعاصرين لنزول القرآن لعلهم يستجيبون للدعوة‬ ‫المحمدية فيؤمنوا ويوحدوا ويسلموا فيسلموا من العذاب والخسران‪ .‬ذكر هنا في هذه اليات مثلً‬ ‫لعبادة الوثان في عدم نفعها لعابديها والقصد هو تقرير التوحيد‪ ،‬وإبطال الشرك العائق عن كمال‬ ‫النسان وسعادته وقال تعالى‪{ :‬مَ َثلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ} أي شركاء وهي الصنام والوثان‬ ‫خ َذتْ بَيْتا} لتأوي إليه‬ ‫يعبدونها راجين نفعها وشفاعتها لهم عند ال تعالى { َكمَ َثلِ ا ْلعَ ْنكَبُوتِ(‪ )1‬اتّ َ‬

‫قصد وقايتها مما تخاف من جراء برد أو اعتداء حشرة عليها‪{ ،‬وَإِنّ َأوْهَنَ(‪ )2‬الْبُيُوتِ لَبَ ْيتُ‬ ‫ا ْلعَ ْنكَبُوتِ} والحال أن أوهن البيوت أي أضعفها وأحقرها شأنا وأقلها مناعة هو بيت العنكبوت‬ ‫فهذه حال المشركين الذين اتخذوا من دون ال {َأوْلِيَاءَ} أي أصناما يرجون النفع‪ ،‬ودفع الضر بها‬ ‫فهم واهمون في ذلك غالطون‪ ،‬مخطئون‪ ،‬إنه ل ينفع ول يضر إل ال فليعبدوه وحده وليتركوا ما‬ ‫سواه‪ .‬وقوله‪َ{ :‬لوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} أي لو كان المشركون يعلمون أن حالهم في عبادتهم غير ال في‬ ‫عدم النتفاع بها كحال العنكبوت في عدم النتفاع ببيتها الواهي لما رضوا بعبادة غير ال وتركوا‬ ‫عبادة ال الذي بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ‬ ‫شيْءٍ} فيه تهديد للمشركين المصرين على الشرك بأنه ل يخفى عليه ما هم عليه من‬ ‫دُونِهِ مِنْ َ‬ ‫حكِيمُ} في‬ ‫دعاء غيره‪ ،‬ولو شاء لهلكهم كما أهلك من قبلهم {وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ} الغالب على أمره {الْ َ‬ ‫تدبير خلقه ولذا يعجل العقوبة لمن يعجل لحكمة ويؤخرها عنه لحكمة فل يغتر المشركون بتأخير‬ ‫العذاب‪ ،‬ول يستدلون به على رضا ال تعالى بعبادتهم‪ ،‬وكيف يرضاها وقد أهلك أمما بها وأنزل‬ ‫كتابه وبعث رسوله لبطالها والقضاء عليها وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬العنكبوت‪ :‬صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل وهي ثلثة أصناف‪ :‬منها صنف يسمى‬ ‫ليث العنكبوت‪ ،‬وهو الذي يفترس الذباب وكلها تتخذ لنفسها نسيجا تنسجه من لعابها يكون خيوطا‬ ‫مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران‪ ،‬وتتخذ في وسط تلك الخيوط جانبا أغلظ وأكثر‬ ‫خيوطا فتحتجب فيه ويسمى بيتا لشبهه بالخيمة لنه منسوج ومشدود من أطرافه فهو كبيت الشعر‪،‬‬ ‫وجملة (اتخذت بيتاَ) حال من العنكبوت ويصغّر على العنيكبوت ويجمع على عناكب‪.‬‬ ‫‪( - 2‬وإن أوهن البيوت ‪ )..‬هذه الجملة معترضة مبيّنة لوجه الشبه وتجري هذه الجملة مجرى‬ ‫المثل يضرب للشيء إذا قلّت فائدته وجدواه‪.‬‬

‫( ‪)4/137‬‬ ‫تعالى‪{ :‬وَتِ ْلكَ الَْأمْثَالُ(‪َ )1‬نضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ} أي وهذه المثال نضربها للناس لجل إيقاظهم‬ ‫وتبصيرهم وهدايتهم‪َ { ،‬ومَا َي ْعقُِلهَا إِلّا ا ْلعَاِلمُونَ} أي وما يدرك مغزاها وما تهدف إليه من التنفير‬ ‫من الشرك العائق عن كل كمال وإسعاد في الدارين {إِلّا ا ْلعَاِلمُونَ(‪ })2‬أي بال وشرائعه وأسرار‬ ‫حقّ} إخبار بأنه تعالى‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫كلمه وما تهدي إليه آياته‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬خَلَقَ اللّهُ ال ّ‬ ‫هو الذي خلق السموات والرض وهي مظاهر قدرته وعلمه وحكمته موجبة لعبادته بتعظيمه‬ ‫وطاعته ومحبته والنابة إليه والخوف منه‪ .‬وخلقهما بالحق ل بالباطل وذلك من أجل أن يذكر‬ ‫فيهما ويشكر فمن كفر به فترك ذكره وشكره كان كمن عبث بالسموات والرض وأفسدها‪ ،‬لذا‬ ‫يعذب نظرا إلى عظم جرمه عذابا دائما أبدا‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآيَةً ِل ْل ُمؤْمِنِينَ} أي إن في خلق‬

‫السموات(‪ )3‬والرض بالحق {لَآيَةً} أي علمة بارزة على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته‪،‬‬ ‫وهذه موجبات ألوهيته على سائر عباده فهو الله الحق الذي ل رب غيره ول إله سواه‪ .‬وبعد هذا‬ ‫حيَ إِلَ ْيكَ مِنَ ا ْلكِتَابِ}‬ ‫البيان والبرهان لم يبق عذر لمعتذر‪ ،‬وعليه فـ {ا ْتلُ(‪ })4‬أيها الرسول {مَا أُو ِ‬ ‫تعليما وتذكيرا وتعبدا وتقربا {وََأ ِقمِ الصّلةَ} طرفي النهار وزلفا من الليل فإن في ذلك عونا كبيرا‬ ‫لك على الصبر والثبات وزادا عظيما لرحلتك إلى الملكوت العلى‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ الصّلةَ‬ ‫تَ ْنهَى(‪ )5‬عَنِ ا ْلفَحْشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ} تعليل للمر بإقام الصلة فإن الصلة بما توجده من إشراقات‬ ‫النفس والقلب والعقل حال تحول بين العبد وبين التلوث بقاذورات الفواحش ومفاسد المنكر وذلك‬ ‫يفيد إقامتها ل مجرد أدائها والتيان بها‪ .‬وإقامة الصلة تتمثل في الخلص فيها ل تعالى أولً ثم‬ ‫بطهارة القلب من اللتفات إلى غير الرب تعالى أثناء أدائها ثانيا‪ ،‬ثم بأدائها في أوقاتها المحددة لها‬ ‫وفي المساجد بيوت ال‪ ،‬ومع جماعة المسلمين عباد ال وأوليائه‪ ،‬ثم بمراعاة أركانها من قراءة‬ ‫الفاتحة والركوع والطمأنينة فيه والعتدال والطمأنينة فيه‪ ،‬والسجود على الجبهة والنف‬ ‫والطمأنينة فيه‪ ،‬وآخر أركانها الخشوع وهو السكون ولين القلب وذرف الدمع‪ .‬هذه هي الصلة‬ ‫التي‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬وتلك المثال) مبتدأ والخبر‪ :‬جملة (نضربها للناس)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬العالم من عقل عن ال فعمل بطاعته واجتنب سخطه"‪.‬‬ ‫‪ - 3‬لفظ السموات والرض‪ :‬يشمل ذاتهما والموجودات المظروفة فيهما‪.‬‬ ‫‪ - 4‬المراد من‪( :‬اتل)‪ :‬مدوامة تلوة ما أوحي إليه وهو القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬قيل لبن عطية‪ :‬إن حمادا وابن جريج والكلبي يقولون‪ :‬الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر‬ ‫ما دام العبد فيها‪ .‬قال‪ :‬هذه عجمة أي‪ :‬نسبهم إلى قلة الفهم وهو كذلك للحديث وهو قوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪" :‬من لم تنهه صلته عن الفحشاء والمنكر فل صلة له" وقال له أحد الصحابة‪ :‬إن‬ ‫فلنا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق‪ .‬فقال‪ :‬سينهاه ما تقول‪ .‬يعني صلته‪.‬‬

‫( ‪)4/138‬‬ ‫توجد طاقة النور التي تحول دون النغماس في الشهوات والذنوب وإتيان الفاحشة وارتكاب‬ ‫المنكر‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وََل ِذكْرُ اللّهِ َأكْبَرُ} أي أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من إقامة الصلة‬ ‫لن الصلة أثناء أدائها مانعة عاصمة لكن إذا خرج منها‪ ،‬قد يضعف تأثيرها‪ ،‬أما ذكر ال بالقلب‬ ‫واللسان في كل الحيان فهو عاصم مانع من الوقوع في الفحشاء والمنكر وفي اللفظ معنى آخر‬ ‫وهو أن ذكر ال للعبد في الملكوت العلى أكبر من ذكر العبد للرب في ملكوت الرض ويدل‬ ‫عليه قوله "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي‪ ،‬ومن ذكرني في ملٍ‪ ،‬ذكرته في مل خير منه"‬

‫كما في الحديث الصحيح‪ .‬وقطعا وال لذكر الرب العبد الضعيف أكبر من ذكر العبد الضعيف‬ ‫الرب العظيم‪ .‬اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين للئك‪ .‬وقوله‪{ :‬وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا َتصْ َنعُونَ(‪ })1‬فيه‬ ‫وعد ووعيد‪ ،‬فإن علمه يترتب عليه الجزاء فمن كان يصنع المعروف جزاه به‪ ،‬ومن كان يصنع‬ ‫السوء جزاه به‪ .‬اللهم ارزقنا صنائع المعروف وأبعد عنا صنائع السوء آمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني للفهام‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد وإبطال التنديد‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل العلماء على غيرهم‪ ،‬العلماء بال‪ ،‬بصفاته وأسمائه وآياته‪ ،‬وشرائعه‪ ،‬وأسرارها‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تلوة القرآن‪ ،‬وإقامة الصلة‪ ،‬وذكر ال‪ ،‬إذ هي غذاء الروح وزاد العروج إلى‬ ‫الملكوت العلى‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان فائدة إقام الصلة وتلوة القرآن وذكر ال تعالى بالقلب واللسان‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في الية وازع المراقبة‪ ،‬وعليه فتلوة القرآن وإقام الصلة وذكر ال تعالى ومراقبته‪ .‬هذه‬ ‫الربعة تمثّل سبيل السلم إلى دار السلم من سلكه نجا ومن تنكّبه هلك‪ ،‬والعياذ بال العليم‬ ‫الحكيم‪.‬‬

‫( ‪)4/139‬‬ ‫الجزء الحادي والعشرون‬ ‫وَل ُتجَادِلُوا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ إِلّا بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ إِلّا الّذِينَ ظََلمُوا مِ ْنهُ ْم َوقُولُوا آمَنّا بِالّذِي أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا‬ ‫وَأُنْ ِزلَ إِلَ ْي ُك ْم وَإَِلهُنَا وَإَِل ُهكُ ْم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسِْلمُونَ(‪َ )46‬وكَذَِلكَ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ فَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ‬ ‫جحَدُ بِآياتِنَا إِلّا ا ْلكَافِرُونَ(‪َ )47‬ومَا كُ ْنتَ تَتْلُو مِنْ‬ ‫ا ْلكِتَابَ ُي ْؤمِنُونَ بِ ِه َومِنْ َهؤُلءِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِ ِه َومَا يَ ْ‬ ‫صدُورِ الّذِينَ‬ ‫ب وَل َتخُطّهُ بِ َيمِي ِنكَ إِذا لرْتَابَ ا ْلمُبْطِلُونَ(‪َ )48‬بلْ ُهوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي ُ‬ ‫قَبْلِهِ مِنْ كِتَا ٍ‬ ‫جحَدُ بِآياتِنَا إِلّا الظّاِلمُونَ(‪)49‬‬ ‫أُوتُوا ا ْلعِلْ َم َومَا يَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ول تجادلوا أهل الكتاب ‪ :‬أي ل تحاجوا ول تناظروا اليهود ول النصارى‪.‬‬ ‫إل بالتي هي أحسن ‪ :‬أي إل بالمجادلة التي هي أحسن وهي الدعوة إلى ال بآياته والتنبيه على‬ ‫حججه‪.‬‬ ‫إل الذين ظلموا منهم ‪ :‬أي الذين لم يدخلوا في ذمة المسلمين بدفع الجزية وبقوا حربا على‬ ‫المسلمين‪.‬‬

‫وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ‪ :‬أي وكإنزالنا الكتاب على من قبلك من الرسل أنزلنا إليك الكتاب‪.‬‬ ‫فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به‪ :‬أي كعبد ال بن سلم وإخوانه الذين آمنوا بالرسول وكتابه‪.‬‬ ‫ومن هؤلء من يؤمن به ‪ :‬أي من هؤلء المشركين من يؤمن به وفعل آمن به كثيرون‪.‬‬

‫( ‪)4/140‬‬ ‫ي ل تقرأ ول تكتب‪.‬‬ ‫ول تخطه بيمينك ‪ :‬أي تكتب بيدك لنك أم ّ‬ ‫لرتاب المبطلون ‪ :‬أي لشك اليهود في نبوتك ونزول القرآن إليك‪.‬‬ ‫بل هو آيات بينات ‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم نعوته وصفاته آيات بينات في التوراة‬ ‫والنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب‪.‬‬ ‫وما يحجد بآياتنا إل الظالمون‪ :‬أي وما يجحد بآيات ال الحاملة لنعوت الرسول المي وصفاته إل‬ ‫الذين ظلموا أنفسهم بكتمان الحق والستمرار على الباطل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَل(‪ )1‬تُجَادِلُوا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} هذا تعليم للرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‬ ‫يأخذون به مستقبل عندما يتصلون بأهل الكتاب ويحتكون بهم فقال عز وجل مخاطبا الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم والمؤمنين من أمته {وَل ُتجَادِلُوا(‪َ )2‬أ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} الذين هم اليهود والنصارى‬ ‫حسَنُ} أي إل بالمجادلة‬ ‫فنهاهم عن مجادلتهم وهي خصامهم ومحاجتهم ومناظرتهم {إِلّا بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬ ‫التي هي أحسن(‪ )3‬وذلك بدعوتهم إلى ال تعالى ليؤمنوا برسوله ويدخلوا في دينه السلم والتنبيه‬ ‫على حجج ال وأدلة وحيه وكتابه‪ .‬وقوله {ِإلّا الّذِينَ ظََلمُوا مِْنهُمْ} وهم الذين لم يدخلوا في ذمة‬ ‫المسلمين ولم يؤدوا الجزية وناصبوا للمسلمين الحرب والعداء فهؤلء ل يجادلون ولكن يحكّم فيهم‬ ‫السيف فيقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقوله تعالى‪َ { :‬وقُولُوا آمَنّا بِالّذِي أُنْ ِزلَ‬ ‫ح ٌد وَنَحْنُ َلهُ مُسِْلمُونَ}‪ .‬هذا تعليم آخر للمؤمنين وهو‪ :‬إن أخبرهم‬ ‫إِلَيْنَا وَأُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُ ْم وَإَِلهُنَا وَإَِل ُهكُ ْم وَا ِ‬ ‫أهل الكتاب بشيء ل يوجد في السلم ما يثبته ول ما ينفيه وادّعوا أنه في كتابهم في هذه الحال‬ ‫فقولوا ما أرشدنا ال تعالى إلى قوله وهو‪{ :‬آمَنّا بِالّذِي أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا}‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر القرطبي الخلف في هل هذه الية منسوخة أو محكمة‪ ،‬ورجّح قول مجاهد وهي أنها‬ ‫محكمة‪ ،‬وما في التفسير على هذا وهو الصواب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجدال والمجادلة مصدران لجادل‪ ،‬والمراد بالمجادلة‪ :‬إقامة الدليل على رأي اختلف فيه‬ ‫صاحبه مع غيره‪ .‬والجدل‪ :‬شدة الخصومة وهو مأخوذ من الجدل الذي هو الفتل للحبل ونحوه إذا‬ ‫قواه‪ ،‬والمجادل يقوي رأيه بما يراه ويورده من حجج‪.‬‬

‫‪ - 3‬وجه المجادلة بالحسنى لهل الكتاب لنهم أهل علم متأهلون للفهم وقبول الحق متى اتضح‬ ‫لهم بخلف جهّال المشركين فإن تهجين عبادتهم وتفضيع طريقتهم قد يكون أنجع فيهم‪.‬‬

‫( ‪)4/141‬‬ ‫إلى آخر الية حتى ل نكون قد كذّبنا بحق ول آمنا بباطل‪ ،‬وفي البخاري أن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم قال‪" :‬ل تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم(‪ ،)1‬وقولوا {آمَنّا بِالّذِي أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا وَأُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ‬ ‫وَإَِلهُنَا وَإَِل ُهكُمْ وَاحِ ٌد وَ َنحْنُ لَهُ ُمسِْلمُونَ}‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َو َكذَِلكَ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} أي وكإنزال الكتب السابقة على رسل سبقوا كموسى‬ ‫وداود وعيسى عليهم السلم أنزلنا إليك أنت يا محمد الكتاب أي القرآن وقوله تعالى‪{ :‬فَالّذِينَ‬ ‫حدُ بِآياتِنَا إِلّا ا ْلكَافِرُونَ}‪ .‬فهذا إخبار‬ ‫آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ َومِنْ َهؤُلءِ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِ ِه َومَا َيجْ َ‬ ‫بغيب فكما علّم ال تعالى المؤمنين كيف يكونون مع أهل الكتاب عندما يتصلون بهم ويعيشون‬ ‫معهم في المدينة وغيرها أخبر أن الذين آتاهم الكتاب أي التوراة والنجيل وهم الراسخون في‬ ‫العلم يؤمنون أي بالقرآن وقد آمن عبد ال بن سلم وكثير من أحبار أهل الكتاب‪ ،‬وآمن من‬ ‫حدُ بِآياتِنَا إِلّا ا ْلكَافِرُونَ} فهو كما‬ ‫المشركين كثيرون فكان المر كما أخبر‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َيجْ َ‬ ‫أخبر ل يجحد باليات القرآنية ويكذب بها إل كافر مظلم النفس خبيثها وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا كُ ْنتَ‬ ‫ب وَل َتخُطّهُ بِ َيمِي ِنكَ} هو كما قال عز وجل لم يكن رسول ال صلى ال عليه‬ ‫تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَا ٍ‬ ‫ي فلو‬ ‫وسلم يقرأ قبل القرآن أي كتاب‪ ،‬ول كان يخط بيمينه أيّ كتاب لنه أميّ ل يقرأ ول يكتب أ ْ‬ ‫كان قبل نزول القرآن عليه يقرأ ويكتب لكان للمبطلين(‪ )2‬مجال للشك في صحة دعوى النبوة‬ ‫المحمدية ونزول القرآن عليه‪ ،‬ولكن لم يكن قبل القرآن يقرأ أي كتاب‪ ،‬ولم يكن يخط بيمينه أي‬ ‫خط ول كتاب فلم يبق إذا للمشركين ما يحتجون به أبدا‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬بلْ ُهوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي‬ ‫صُدُورِ(‪ )3‬الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ} أي بل الرسول ونعوته وصفاته ومنها وصف المية آيات في التوراة‬ ‫جحَدُ بِآياتِنَا}‬ ‫والنجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب‪ ..‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا يَ ْ‬ ‫في التوراة والنجيل والقرآن {ِإلّا الظّاِلمُونَ} أنفسهم(‪ )4‬من الماديين اليهود والنصارى الذين‬ ‫يأكلون ويَترأسُون على حساب الحق والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬تفرد به البخاري رحمه ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال مجاهد‪" :‬كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صلى ال عليه وسلم ل يخط ول‬ ‫يقرأ فنزلت هذه الية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي‪ :‬ليس هو كما يقول المبطلون من أنه سحر أو شعر ولكنه علمات ودلئل يعرف بها دين‬ ‫ال وأحكامه وكذلك في صدور الذين أوتوا العلم‪ ،‬وهم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬

‫والمؤمنون به‪ ،‬وهذا ل ينافي مع ما في التفسير‪ ،‬إذ الوجهان صحيحان‪ ،‬وقال كعب في صفة هذه‬ ‫المة‪ :‬إنهم حكماء علماء وهم في الفقه أنبياء‪.‬‬ ‫‪ - 4‬والمشركون كاليهود والنصارى في هذا أي‪ :‬الجحود باليات‪.‬‬

‫( ‪)4/142‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية مجادلة أهل الكتاب من أهل ال ّذمّة بالتي هي أحسن‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة سؤال أهل الكتاب لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تسألوا أهل الكتاب(‪ )1‬عن شيء‬ ‫فإنهم لن يهدوكم‬ ‫وقد ضلوا‪ ،‬إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل"‪.‬‬ ‫منع تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم إذا أخبروا بشيء ووجوب قول‪{ :‬آمَنّا بِالّذِي أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا وَأُنْ ِزلَ‬ ‫ح ٌد وَنَحْنُ َلهُ مُسِْلمُونَ}‪.‬‬ ‫إِلَ ْيكُ ْم وَإَِلهُنَا وَإَِل ُهكُ ْم وَا ِ‬ ‫‪ -3‬إخبار القرآن بالغيب قبل وقوعه فيقع كما أخبر فيكون ذلك آية على أنه من وحي ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير صفة المية في النبي صلى ال عليه وسلم كما هي في الكتب السابقة‪.‬‬ ‫َوقَالُوا َلوْل أُنْ ِزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبّهِ ُقلْ إِ ّنمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّ ِه وَإِ ّنمَا أَنَا َنذِيرٌ مُبِينٌ(‪َ )50‬أوَلَمْ َي ْك ِفهِمْ‬ ‫حمَ ًة وَ ِذكْرَى ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪ُ )51‬قلْ كَفَى بِاللّهِ بَيْنِي‬ ‫أَنّا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَ َر ْ‬ ‫طلِ َو َكفَرُوا بِاللّهِ أُولَ ِئكَ ُهمُ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ وَالّذِينَ آمَنُوا بِالْبَا ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫شهِيدا َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬ ‫وَبَيْ َنكُمْ َ‬ ‫الْخَاسِرُونَ(‪)52‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لول أنزل عليه آيات ‪ :‬أي قال كفار قريش هلّ أنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح‪،‬‬ ‫وعصا موسى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬رواه ابن جرير عن عبد ال بن مسعود قال‪" :‬ل تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن‬ ‫يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إل وفي‬ ‫قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال‪.‬‬

‫( ‪)4/143‬‬

‫قل إنما اليات عند ال ‪ :‬أي قل يا رسولنا اليات عند ال ينزلها متى شاء‪.‬‬ ‫أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب ‪ :‬أي أو لم يكفهم فيما طلبوا من اليات إنزالنا الكتاب عليك‪.‬‬ ‫إن في ذلك لرحمة وذكرى ‪ :‬أي في القرآن رحمة وموعظة للمؤمنين فهو خير من ناقة صالح‪.‬‬ ‫والذين آمنوا بالباطل ‪ :‬وهو ما يعبد من دون ال‪.‬‬ ‫وكفروا بال ‪ :‬وهو الله الحق‪.‬‬ ‫أولئك هم الخاسرون ‪ :‬أي حيث استبدلوا الكفر باليمان‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية فقوله تعالى‪َ { :‬وقَالُوا} أي أهل مكة {َلوْل أُنْ ِزلَ عَلَ ْيهِ‬ ‫آيَاتٌ(‪ )1‬مِنْ رَبّهِ} أي هلّ أنزل على محمد آيات من ربّه كناقة صالح وعصا موسى ومائدة‬ ‫عيسى إذ هذا الذي يعنون باليات أي معجزات خارقة للعادة‪ .‬قال تعالى لرسوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم قل يا رسولنا لقومك المطالبين باليات دليل على صدق نبوتك قل لهم‪ :‬أولً‪ :‬اليات التي‬ ‫تطالبون بها هي عند ال وليست عندي فهو تعالى ينزلها متى شاء وعلى من شاء‪ .‬وثانيا‪{ :‬وَإِ ّنمَا‬ ‫أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي وظيفتي التي أقوم بها هي إنذار أهل الظلم من عاقبة ظلمهم وهي عذاب النار‬ ‫فلذا ل معنى بمطالبتي باليات‪ .‬وثالثا‪ :‬أو لم يكفهم(‪ )2‬آية أن ال تعالى أنزل عليّ كتابه فأنا أتلوه‬ ‫ي ل يقرأ ول يكتب تُتلى آياته تحمل الهدى‬ ‫عليكم صباح مساء فأي آية أعظم من كتاب من أم ّ‬ ‫والنور وهو في الوقت نفسه رحمة وذكرى أي موعظة لقوم يؤمنون فهي معجزة ثابتة قائمة باقية‬ ‫يجد فيها المؤمنون الرحمة فيتراحمون بها ويجدون فيها الموعظة فهم يتعظون بها‪ ،‬فأين هذا من‬ ‫معجزة تبقى ساعة ثم تذهب وتروح كمائدة عيسى أو عصا موسى‪ .‬ورابعا‪ :‬شهادة ال برسالتي‬ ‫كافية ل يطلب معها دليل آخر على نبوتي ورسالتي‪ ،‬فقد قال لي ربي‪ُ { :‬قلْ كَفَى بِاللّهِ بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ ابن كثير وحمزة‪( :‬آية) بالفراد‪ ،‬وقرأ الجمهور ونافع وحفص بالجمع (آيات)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أخرج الدارمي في سننه أن النبي صلى ال عليه وسلم أتُي بكتف فيه كتاب فقال‪" :‬كفى بقوم‬ ‫ثلثة‪ :‬أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل‬ ‫ال تعالى هذه الية‪( :‬أو لم يكفهم)‪.‬‬

‫( ‪)4/144‬‬ ‫شهِيدا(‪ })1‬ربي الذي يعلم ما في السموات والرض من كل غيب ومن ذلك علمه بأني رسوله‬ ‫َ‬ ‫فشهد لي بذلك بإنزاله عليّ هذا الكتاب وأخيرا وبعد هذا البيان يقول تعالى {وَالّذِينَ آمَنُوا(‪)2‬‬ ‫طلِ} وهو تأليه المخلوقات من دون ال { َو َكفَرُوا} بألوهية ال الحق {أُولَ ِئكَ} البعداء في الفساد‬ ‫بِالْبَا ِ‬ ‫العقلي وسوء الفهم {هُمُ الْخَاسِرُونَ} في صفتهم حين اشتروا الكفر باليمان واستبدلوا الضللة‬

‫بالهدى‪.‬‬ ‫هذا ما دلت عليه اليات الثلث فلتعد تلوتها بالتأنّي والتدبر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بالدلة القاطعة التي ل تُرد‪ ،‬وهي أربع كما ذكر آنفا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أكبر معجزة لثبات النبوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم وهي نزول القرآن الكريم‬ ‫عليه وفي ذلك قال‬ ‫عليه الصلة والسلم كما في البخاري(‪" :)3‬ما من نبي إل أوتي ما على مثله آمن البشر‪ ،‬وكان‬ ‫الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إليّ فأنا أرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"‪.‬‬ ‫‪ -3‬القرآن الكريم رحمة وذكرى أي عبرة للمؤمنين به وبمن نزل عليه‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير خسران المشركين في الدارين لستبدالهم الباطل بالحق والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫شعُرُونَ(‪)53‬‬ ‫س ّمىً َلجَا َءهُمُ ا ْل َعذَابُ وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَ ًة وَهُمْ ل َي ْ‬ ‫جلٌ مُ َ‬ ‫ب وََلوْل َأ َ‬ ‫وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬ ‫حتِ‬ ‫جهَنّمَ َل ُمحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ(‪َ )54‬يوْمَ َيغْشَاهُمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ َت ْ‬ ‫يَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَابِ وَإِنّ َ‬ ‫أَرْجُِل ِه ْم وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ(‪)55‬‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬شهيدا) أي‪ :‬يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أني رسول وأن هذا كتابه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال يحيى بن سلم‪ :‬الباطل هنا‪ :‬إبليس وهو شامل لبليس ولعبادة الوثان وما في التفسير‬ ‫أعم‪ ،‬إذ اللفظ يشمل عبادة غير ال مطلقا وهو الباطل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أخرجه ابن كثير بهذا اللفظ‪" :‬وما من النبياء من نبي إل قد أعطي من اليات ما مثله آمن‬ ‫عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"‬ ‫وقال‪ :‬أخرجاه من حديث الليث‪.‬‬

‫( ‪)4/145‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويستعجلونك بالعذاب ‪ :‬أي يطلبون منك تعجيل العذاب لهم‪.‬‬ ‫ولول أجل مسمى ‪ :‬أي وقت محدد للعذاب ل يتقدمه ول يتأخر عنه لجاءهم‪.‬‬ ‫وليأتينهم بغتة ‪ :‬فجأة من حيث ل يخطر لهم على بال‪.‬‬ ‫وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ‪ :‬أي من كل جانب وهم فيها وذلك يوم يغشاهم‪.‬‬ ‫يوم يغشاهم العذاب ‪ :‬أي من فوقهم ومن تحت أرجلهم‪.‬‬ ‫ذوقوا ما كنتم تعملون ‪ :‬أي ويقول لهم الجبار ذوقوا ما كنتم تعملون أي من الشرك والمعاصي‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم في اليات القريبة أن المكذبين بالرسالة المحمدية طالبوا بالعذاب تحديا منهم للرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬ائتنا بالعذاب إن كنت من الصادقين في أنك نبي ورسول إلينا وفي‬ ‫هذه الية يعجّب تعالى رسوله أي يحملُه على التعجب من حمق المشركين وطيشهم وضللهم إذ‬ ‫س ّمىً(‪ })2‬للعذاب أي وقت محدد‬ ‫جلٌ مُ َ‬ ‫ب وََلوْل َأ َ‬ ‫يطالبون بالعذاب فيقول له {وَيَسْ َت ْعجِلُو َنكَ(‪ )1‬بِا ْلعَذَا ِ‬ ‫له ل يتقدمه ول يتأخره {لَجَاءَهُمُ ا ْلعَذَابُ} ثم أخبر تعالى رسوله مؤكدا خبره فقال‪{ :‬وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ} أي‬ ‫شعُرُونَ} بوقت مجيئه‪ ،‬ثم كرر تعالى حمل رسوله على التعجب‬ ‫العذاب { َبغْ َتةً} ل محالة {وَ ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫من سخف المشركين الذي ل يطيقون لسعة عقرب ول نهشة أفعى يطالبون بالعذاب فقال‬ ‫جهَنّمَ َلمُحِيطَةٌ بِا ْلكَافِرِينَ} ل محالة كقوله {أَتَى َأمْرُ اللّهِ} { َيوْمَ َيغْشَاهُمُ‬ ‫ب وَإِنّ َ‬ ‫{يَسْ َت ْعجِلُو َنكَ(‪ )3‬بِا ْلعَذَا ِ‬ ‫حتِ أَرْجُِل ِهمْ} وجهنم محيطة بهم‬ ‫ا ْلعَذَابُ} أي يغطيهم ويغمرهم فيكون {مِنْ َف ْو ِقهِمْ(‪َ )4‬ومِنْ َت ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬من بين المطالبين بالعذاب‪ :‬أبو جهل‪ ،‬والنضر بن الحارث إذ قال (اللهم إن كان هذا هو‬ ‫الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل‬ ‫يوم الحساب وفيهم نزل‪( :‬سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ‪.)...‬‬ ‫‪ - 2‬المعنى‪ :‬لول الجل المعيّن لحلول العذاب بهم لجاءهم العذاب عاجلً لن كفرهم يستحق‬ ‫تعجيل عقابهم‪ ،‬ولكن ال أراد تأخيره لحكم يعلمها منها‪ :‬إمهالهم ليؤمن من يؤمن منهم‪ ،‬ومنها‬ ‫ليعلموا أن ال ل يستفزّه استعجالهم ومنه إظهار رحمته بعباده وحلمه عليهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬حكى استعجالهم العذاب بصيغة المضارع لستحضار حال استعجالهم لفادة التعجب منها‬ ‫كما في قوله تعالى‪( :‬يجادلنا في قوم لوط)‪.‬‬ ‫‪( - 4‬من فوقهم) حال مؤكدة‪ ،‬إذ غشيان العذاب ل يكون إل من فوق‪ ،‬وقوله (ومن تحتهم)‬ ‫احتراس عمّا قد يوهمه الغشيان من الفوقية خاصة‪.‬‬

‫( ‪)4/146‬‬ ‫ويقول(‪ )1‬الجبار تبارك وتعالى موبخا لهم {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية التعجب إذا وجدت أسبابه الحاملة عليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مدى حمق وجهل وسفه الكافرين والمشركين بخاصة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن تأخير العذاب لم تكن عن عجز وإنما هو لنظام(‪ )2‬دقيق إذ كل له أجل محدد ل يتقدم‬ ‫ول يتأخر‪.‬‬

‫سعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْ ُبدُونِ(‪ُ )56‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ ثُمّ إِلَيْنَا‬ ‫يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ أَ ْرضِي وَا ِ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ مِنَ الْجَنّةِ غُرَفا تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ‬ ‫جعُونَ(‪ )57‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫تُرْ َ‬ ‫خَاِلدِينَ فِيهَا ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ(‪ )58‬الّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ(‪َ )59‬وكَأَيّنْ مِنْ دَابّ ٍة ل‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪)60‬‬ ‫ح ِملُ رِ ْز َقهَا اللّهُ يَرْ ُز ُقهَا وَإِيّاكُمْ وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫تَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن أرضي واسعة ‪ :‬أي هاجروا من بلد لم تتمكنوا من العبادة فيها فإن أرض ال واسعة‪.‬‬ ‫فإياي فاعبدون ‪ :‬فاعبدوني وحدي ول تعبدوا معي غيري كما يريد منكم المشركون‪.‬‬ ‫كل نفس ذائقة الموت ‪ :‬أي ل يمنعنكم الخوف من الموت أل تهاجروا في سبيل ال فإن الموت ل‬ ‫بد منه للمهاجر ولمن ترك الهجرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ بعضهم (ونقول) بنون التكلم والتعظيم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وحكم عالية تقدم بعضها إزاء رقم (‪ )2‬في الصفحة السابقة‪.‬‬

‫( ‪)4/147‬‬ ‫ثم إلينا ترجعون ‪ :‬أي بعد موتكم ترجعون إلى ال فمن مات في سبيل مرضاته أكرمه وأسعده‪،‬‬ ‫ومن مات في معصيته أذاقه عذابه‪.‬‬ ‫لنبوئنهم ‪ :‬أي لننزلنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها النهار‪.‬‬ ‫الذين صبروا ‪ :‬أي صبروا على اليمان والهجرة متوكلين على ال تعالى‪.‬‬ ‫وكأين من دابة ل تحمل رزقها ‪ :‬أي ل تطيق جمعه ول حمله لضعفها‪ ،‬وال يرزقها فل عذر لمن‬ ‫ترك الهجرة خوفا من الجوع والخصاصة‪.‬‬ ‫وهو السميع العليم ‪ :‬أي السميع لقوال عباده العليم بنياتهم وأحوالهم وأعمالهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ل شك أنه بعد ذلك التأنيب اللهي للمشركين وتهديدهم بالعذاب وتوعدهم بعذاب جهنم وتوبيخهم‬ ‫فيها على شركهم وباطلهم ل شك أن رد الفعل من المشركين هو الضغط على المؤمنين‬ ‫المستضعفين في مكة فأرشدهم ال تعالى إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ليتمكنوا من عبادة ال‬ ‫تعالى‪ ،‬فناداهم بقوله عز وجل‪{ :‬يَا عِبَا ِديَ(‪ )1‬الّذِينَ آمَنُوا} أي بي وبرسولي ولقائي {إِنّ أَ ْرضِي‬ ‫سعَةٌ} فهاجروا فيها‪ ،‬ول ترضوا بالبقاء مع الكفر تهانون وتلزمون بعبادة غيري من آلهة‬ ‫وَا ِ‬ ‫المشركين‪{ ،‬فَإِيّايَ فَاعْ ُبدُونِ} ل تعبدوا معي غيري‪ .‬وعليه فهاجروا في سبيل مرضاتي ول تخشوا‬ ‫موتا ول فقرا فإن كل نفس ذائقة الموت هاجر صاحبها أو لم يهاجر { ُكلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ}‬ ‫جعُونَ(‪ ، })2‬ل محالة فمن رجع إلينا وهو مؤمن مطيع منفذ لوامرنا مجتنب‬ ‫وقوله‪{ :‬ثُمّ إِلَيْنَا تُرْ َ‬

‫نواهينا أسعدناه‪ ،‬من رجع إلينا وهو كافر بنا عاص لنا مهمل أوامرنا مرتكب نواهينا أشقيناه‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ لَنُ َبوّئَ ّنهُمْ مِنَ ا ْلجَنّةِ غُرَفا(‪ })3‬أي لننزلنهم من الجنة‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫دار السعاد {غُرَفا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي هذه الية نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة وهو كذلك‬ ‫إل أنها عامة في كل من منع من عبادة ال تعالى في أرض عليه أن يهاجر إلى أخرى يعبد ال‬ ‫تعالى فيها إذ العبادة هي علّة خلقه ووجوده لقوله تعالى (وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ الجمهور‪( :‬ترجعون) وقرأ البعض بالياء (يرجعون)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وروى مسلم‪" :‬أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري‬ ‫الغابر في الفق من المشرق أو من المغرب لتفاضل ما بينهم‪ ،‬وقيل له صلى ال عليه وسلم تلك‬ ‫منازل النبياء ل يبلغها غيرهم! قال‪ :‬بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بال وصدقوا المرسلين"‪.‬‬

‫( ‪)4/148‬‬ ‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا} أي ل يخرجون منها ول يموتون فيها‪ .‬هذا بيان لمن مات‬ ‫وهو مؤمن عامل بالصالحات ومنها الهجرة في سبيل ال‪ .‬وقوله { ِنعْمَ أَجْرُ ا ْلعَامِلِينَ} أي ذلك‬ ‫النزال في الغرف في الجنان هو السعاد المترتب على اليمان والهجرة والعمل الصالح فاليمان‬ ‫والهجرة والعمل الصالح عملٌ والجنة وما فيها من النعيم أجرة ذلك العمل‪ .‬وأثنى ال تعالى على‬ ‫ن صَبَرُوا} أي على اليمان والهجرة‬ ‫الجنة فقال ‪ِ { :‬نعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ} ووصفهم بقوله {الّذِي َ‬ ‫والطاعة {وَعَلَى رَ ّب ِهمْ يَ َت َوكّلُونَ} فخرجوا من ديارهم تاركين أموالهم ل يحملون معهم زادا كل ذلك‬ ‫ح ِملُ رِ ْز َقهَا} لضعفها وعجزها أي وكثير‬ ‫توكل على ربهم وقوله تعالى‪َ { :‬وكَأَيّنْ(‪ )1‬مِنْ دَابّةٍ ل َت ْ‬ ‫من الدواب من النسان والحيوان مَن يعجز حتى عن حمل طعامه أو شرابه لضعفه وال عز‬ ‫وجل يرزقه بما يسخر له من أسباب وما يهيئ له من فرص فيطعم ويشرب كالقوياء والقادرين‪،‬‬ ‫وعليه فل يمنعنكم عن الهجرة مخافة الفاقة والفقر فال تعالى تكفل برزقكم ورزق سائر مخلوقاته‪.‬‬ ‫سمِيعُ} لقوالكم {ا ْلعَلِيمُ(‪ })2‬ببواطنكم وظواهركم وأعمالكم وأحوالكم فارهبوه ول ترهبوا‬ ‫{وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫سواه فإن في طاعته السعادة والكمال وفي معصيته الشقاء والخسران‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل عذر لحد في ترك عبادة ال وتوحيده فيها لنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر‬ ‫إلى بلد آخر‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل معنى للخوف من الموت إذا وجب العمل كالهجرة والجهاد لن الموت حق ول بد منه‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان جزاء أهل الصبر والتوكل من أهل اليمان والهجرة والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل يمنعن المؤمن من الهجرة خوفه من الجوع في دار هجرته إذ تكفل ال برزقه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وكأين‪ :‬أصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه وصار فيها معنى كم‪ ،‬والتقدير‪ :‬أي كشيء كثير‬ ‫من العدد من دابة قال ابن عباس‪ :‬الدواب هي كل ما دبّ من الحيوان فكله ل يحمل رزقه ول‬ ‫يدخر إل ابن آدم والنمل والفأر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وهو السميع لدعائكم العليم بما في نفوسكم من إخلص ل تعالى في أعمالكم وتوكلكم‬ ‫ورجائكم من الرزق‪.‬‬

‫( ‪)4/149‬‬ ‫س وَا ْلقَمَرَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ(‪ )61‬اللّهُ‬ ‫شمْ َ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ وَ َ‬ ‫وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪ )62‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ نَ ّزلَ مِنَ‬ ‫سطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَ َيقْدِرُ لَهُ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬ ‫يَبْ ُ‬ ‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َي ْعقِلُونَ(‪)63‬‬ ‫سمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا ِبهِ الْأَ ْرضَ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتهَا لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ ا ْل َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ب وَإِنّ الدّارَ الْآخِ َرةَ َل ِهيَ ا ْلحَ َيوَانُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ(‪) 64‬‬ ‫َومَا هَ ِذهِ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا َل ْه ٌو وََلعِ ٌ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولئن سألتهم ‪ :‬أي المشركين‪.‬‬ ‫وسخر الشمس والقمر ‪ :‬أي ذللهما يسيران الدهر كله ل يملن ول يفتران‪.‬‬ ‫فأنى يؤفكون ‪ :‬أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته لهم‪ .‬وهو أن الخالق المدبر هو الله‬ ‫الحق الذي يجب توحيده في عبادته‪.‬‬ ‫ال يبسط الرزق لمن يشاء ‪ :‬أي يوسّع الرزق على من يشاء من عباده امتحانا للعبد هل يشكر ل‬ ‫أو يكفر نعمه‪.‬‬ ‫ويقدر له ‪ :‬أي ويضيق عليه ابتلء ليرى هل يصبر أو يسخط‪.‬‬ ‫ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الرض بعد موتها ليقولن ال‪ :‬إذا كيف يشركون به‬ ‫أصناما ل تنفع ول تضر؟‬ ‫قل الحمد ل ‪ :‬أي قل لهم الحمد ل على ثبوت الحجة عليكم‪.‬‬ ‫بل أكثرهم ل يعقلون ‪ :‬أي إنهم متناقضون في فهمهم وجوابهم‪.‬‬

‫( ‪)4/150‬‬

‫وما هذه الحياة الدنيا إل لهو ولعب‪ :‬أي بالنظر إلى العمل لها والعيش فيها فهي لهو يتلهى بها‬ ‫النسان ولعب يخرج منه بل طائل ول فائدة‪.‬‬ ‫وإن الدار الخرة لهي الحيوان ‪ :‬أي الحياة الكاملة الخالدة‪ ،‬ولذا العمل لها أفضل من العمل للدنيا‪.‬‬ ‫لو كانوا يعلمون ‪ :‬أي لو علم المشركون هذا لما آثروا الدنيا الفانية على الخرة الباقية‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك وتذكير المشركين لعلّهم يوحدون‪ .‬يقول تعالى‬ ‫لرسوله صلى ال عليه وسلم {وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ} أي لئن سألت هؤلء المشركين الذين يؤذون المؤمنين‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ} أي من‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ويضطهدونهم من أجل توحيدهم ل تعالى لو سألتهم {مَنْ خََلقَ ال ّ‬ ‫أوجدهما من العدم‪ ،‬ومن سخر الشمس والقمر في فلكيهما يسيران الحياة كلها ليجيبُنّك قائلين ال‪.‬‬ ‫{فَأَنّى(‪ُ )1‬ي ْؤ َفكُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته إنها حال تستدعي التعجب وقوله‬ ‫تعالى ‪{:‬اللّهُ يَ ْبسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَيَقْدِرُ لَهُ} هذا مظهر من مظاهر الحكمة اللهية‬ ‫والتدبير الحكيم وهو موجب له اللوهية نافٍ لها عما سواه‪ .‬فهذا يبسط الرزق له فيوسّع عليه في‬ ‫طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه‪ ،‬وهذا يضيق عليه في ذلك لماذا؟! والجواب‪ :‬إنه يوسع‬ ‫امتحانا للعبد هل يشكر أو يكفر‪ ،‬ويضيق ابتلءًا للعبد هل يصبر أو يسخط‪ .‬ولذا فل حجة‬ ‫للمشركين في(‪ )2‬غناهم وفقر المؤمنين فالغنى ل يدل على رضا ال على العبد ول على سخطه‪.‬‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ} تقرير‬ ‫والفقر كذلك ل يدل على سخط ول على رضا‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ(‪َ )3‬‬ ‫لحكمته ورحمته وعدله وتدبيره فهو يوسع لحكمة ويضيق لحكمة لعلمه بعباده وما يصلحهم وما‬ ‫يفسدهم إذ من الناس من يصلحه الغنى‪ ،‬ومنهم من يصلحه الفقر‪ ،‬والفساد كذلك وقوله تعالى‪:‬‬ ‫سمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا ِبهِ الْأَ ْرضَ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتهَا} أي ولئن سألت يا رسولنا‬ ‫{وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ مَنْ نَ ّزلَ مِنَ ال ّ‬ ‫هؤلء المشركين فقلت من نزل من السماء‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام للنكار والتعجب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬نزلت الية ردا على المشركين الذين عيّروا المؤمنين بالفقر وقالوا لهم‪ :‬لو كنتم على الحق‬ ‫لم تكونوا فقراء‪ ،‬وهذا تمويه منهم إذ في الكافرين فقراء أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذه الجملة تذييلية لفادة أن ذلك كله جار على حكمة ل ُيطّلع عليها‪.‬‬

‫( ‪)4/151‬‬ ‫ماء المطر فأحيا به الرض بعد موتها بالقحط والجدب لجابوك قائلين‪ :‬ال إذا قل لهم‪ :‬الحمد(‪)1‬‬ ‫ل على اعترافكم بالحق لو أنكم تعملون بمقتضاه فما دام ال هو الذي ينزل الماء ويحيي الرض‬ ‫بعد موتها فالعبادة إذا ل تنبغي إل له فلم إذا تعبدون معه آلهة أخرى ل تنزل ماء ول تحيي أرضا‬

‫ول غيرها‪َ { ،‬بلْ َأكْثَرُهُمْ ل َي ْعقِلُونَ} إذ لو عقلوا ما أشركوا بربهم أحجارا وأصناما ول ما تناقضوا‬ ‫هذا التناقض في أقوالهم وأفعالهم يعترفون بال ربا خالقا رازقا مدبرا ويعكفون على الصنام‬ ‫يستغيثون بها ويدعونها ويعادون بل ويحاربون من ينهاهم عن ذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َه ِذهِ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا} أي التي أعمت الناس عن الخرة وصرفتهم عن التزود لها‬ ‫ما هي {إِلّا َل ْهوٌ وََل ِعبٌ(‪ })2‬إذ يتشاغل بها الكافر ويعمل لها الليل والنهار ثم يموت ويخرج منها‬ ‫صفر اليدين كالطفال يلعبون طوال النهار ثم يعودون بل شيء سوى ما نالهم من التعب فالواجب‬ ‫أن تحول إلى عمل صالح مثمر يتزود به العبد إلى آخرته إذ الخرة هي الحيوان أي الحياة‬ ‫الكاملة الخالدة فلها يعمل العاملون‪ ،‬وفي عملها يتنافس المتنافسون‪ .‬وهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ‬ ‫الدّارَ الْآخِ َرةَ} أي الدار الخرة {َل ِهيَ ا ْلحَ َيوَانُ}(‪ )3‬أي الحياة التي يجب أن نعمل لها لبقائها‬ ‫وخيريّتها‪ ،‬وقوله‪َ{ :‬لوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} أي نعم إذ لو علموا أن الخرة خير لما أقبلوا على الدنيا‬ ‫وأعرضوا عن الخرة‪ ،‬ولكن جهلهم هو سبب إعراضهم‪ ،‬فدواؤهم العلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التعجب من تناقض المشركين الذين يؤمنون بربوبية ال ويجحدون ألوهيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حقيقة وهي أن الغنى والفقر ل يدلن على رضا الرب ول على سخطه‪ ،‬وإنما يدلن‬ ‫على علم ال‬ ‫وحكمته وحسن تدبيره‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حقارة الدنيا وتفاهتها وعظمة الخرة وعلو قيمتها‪ .‬فلذا أحمق الناس وأشدهم سفاهة من‬ ‫يعمى عن‬ ‫الخرة ويكفر بها ويبصر الدنيا ويؤمن بها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬الحمد ل) أي‪ :‬على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته على كل شيء أراده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اللهو‪ :‬ما يلهو به الناس أي‪ :‬يشتغلون به عن المور المكدّرة أو يعمرون به أوقاتهم الخالية‬ ‫عن العمال‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الحيوان‪ :‬يقع على كل شيء حي‪ ،‬وحيوان‪ :‬عين في الجنة‪ ،‬وقيل‪ :‬أصل الحيوان حييان‬ ‫فأبدلت إحداهما واوا لجتماع المثلين‪.‬‬

‫( ‪)4/152‬‬ ‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ فََلمّا َنجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ ُيشْ ِركُونَ(‪)65‬‬ ‫فَإِذَا َركِبُوا فِي ا ْلفُ ْلكِ دَ َ‬ ‫طفُ النّاسُ‬ ‫خّ‬ ‫جعَلْنَا حَرَما آمِنا وَيُتَ َ‬ ‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ(‪َ )66‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َ‬ ‫لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَاهُ ْم وَلِيَ َتمَ ّتعُوا فَ َ‬

‫ن وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َي ْكفُرُونَ(‪)67‬‬ ‫طلِ ُي ْؤمِنُو َ‬ ‫حوِْلهِمْ َأفَبِالْبَا ِ‬ ‫مِنْ َ‬ ‫جهَنّمَ مَثْوىً لِ ْلكَافِرِينَ(‪)68‬‬ ‫حقّ َلمّا جَا َءهُ أَلَيْسَ فِي َ‬ ‫علَى اللّهِ كَذِبا َأوْ َك ّذبَ بِالْ َ‬ ‫َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ‬ ‫وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَ َن ْهدِيَ ّنهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ َلمَعَ ا ْلمُحْسِنِينَ(‪)69‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في الفلك ‪ :‬أي في السفينة‪.‬‬ ‫مخلصين له الدين ‪ :‬أي دعوا ال وحده فلم يذكروا معه غيره من اللهة‪.‬‬ ‫إذا هم يشركون ‪ :‬أي يفاجئونك بالشرك وهو دعاء غير ال تعالى‪.‬‬ ‫ليكفروا بما آتيناهم ‪ :‬أي بنعمة النجاء من الغرق وغيرها من النعم‪.‬‬ ‫فسوف يعلمون ‪ :‬أي سوف يعلمون عاقبة كفرهم إذا ألقوا في جهنم‪.‬‬ ‫ويتخطف الناس من حولهم ‪ :‬أي يسبون ويقتلون في ديار جزيرتهم‪.‬‬ ‫أفبالباطل يؤمنون ‪ :‬أي بالصنام وهي الباطل‪ ،‬ينكر تعالى عليهم ذلك‪.‬‬ ‫والذين جاهدوا فينا ‪ :‬أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلقهم ثم‬ ‫بقتال أعداء ال من أهل الكفر المحاربين للسلم والمسلمين‪.‬‬ ‫لنهدينهم سبلنا ‪ :‬أي لنوفقنّهم إلى معرفة ما يوصل إلى محبتنا ورضانا ونعينهم على تحصيله‪.‬‬

‫( ‪)4/153‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية‬ ‫ال تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السموات والرض وسخر الشمس والقمر لقالوا ال ولو سئلوا‬ ‫عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الرض بعد موتها لقالوا ال‪ .‬ومع هذا هم يشركون بال آلهة‬ ‫أوثانا‪ ،‬وكما يعترفون بربوبية ال ثم يشركون به الصنام‪ ،‬فإنهم إذا ركبوا في الفلك أي في سفينة‬ ‫من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا ال تعالى { ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ } أي‬ ‫الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق‪{ .‬فََلمّا نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ} ونزلوا سالمين من‬ ‫الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبية ال‬ ‫تعالى ثم بالشراك به‪ .‬ومردّ هذا إلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة‪ .‬هذا ما دلت‬ ‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ فََلمّا‬ ‫عليه الية الولى من هذا السياق وهي قوله {فَإِذَا َركِبُوا فِي ا ْلفُ ْلكِ دَ َ‬ ‫نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ ِإذَا ُهمْ يُشْ ِركُونَ} (‪.)1‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ :)66‬لِ َي ْكفُرُوا(‪ِ )2‬بمَا آتَيْنَا ُهمْ} أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من‬ ‫الغرق ونزولهم في البر كان كأنه من أجل أن يكفروا بنعمة ال تعالى بإنجائهم من الغرق‪ ،‬إذ لو‬ ‫لم يكفروها لستمروا على الخلص ل بدعائه وعبادته وحده دون اللهة التي تركوها عند حلول‬

‫الشدة ومعاينة البلء‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلِيَ َتمَ ّتعُوا} قرئ بسكون اللم ورجّح ابن جرير هذه القراءة‬ ‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ} عاقبة‬ ‫فيكون المعنى‪ :‬وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم ال من متاع الحياة الدنيا {فَ َ‬ ‫ذلك بعد موتهم وهي عذاب الخرة‪ ،‬والمر حينئ ٍذ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد‪.‬‬ ‫أما على قراءة جر اللم ولِيتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا أي أخلصوا في الشدة‬ ‫وأشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أوتوا في الحياة‪ ،‬ولم يكن ذلك بنافعهم ول بمغن عنهم‬ ‫من ال شيئا فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلء وشقاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي‪ :‬يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانا‪ .‬وقيل‪ :‬إشراكهم أن يقول قائلهم لول‬ ‫ال والرئيس والملح لغرقنا‪ ،‬وهو كمال قال‪ ،‬وإنما هو عند المسلمين من الشرك الصغر ل‬ ‫الكبر كقول الرجل‪ :‬لول الطبيب لمات فلن‪ ،‬ولول الكلب لسرقنا‪.‬‬ ‫‪( - 2‬ليكفروا) هذه اللم هي لم كي‪ ،‬والظاهر أنها للعاقبة وما يؤول إليه المر‪ ،‬وقيل هي لم‬ ‫المر‪ ،‬وإن كانت كذلك فهو للتهديد والوعيد‪ ،‬ويقوّي هذا الوجه قراءة من قرأها من القراء السبعة‬ ‫بسكون اللم (وليتمتعوا)‪.‬‬

‫( ‪)4/154‬‬ ‫طفُ(‪ )2‬النّاسُ مِنْ‬ ‫جعَلْنَا حَرَما(‪ )1‬آمِنا وَيُتَخَ ّ‬ ‫وقوله تعالى في الية الثالثة (‪َ{ )67‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َ‬ ‫حوِْلهِمْ} أي ألم ير أولئك المشركون الكافرون بنعمة ال في النجاء من الغرق نعمة أخرى وهي‬ ‫َ‬ ‫أن جعل ال تعالى لهم حرما آمنا يسكنونه آمنين من غارات العداء وحروب الظالمين المعتدين‪،‬‬ ‫ل يعتدى عليهم في حرمهم ول يظلمون في حين أن الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم‬ ‫وأوساطها يتخطفون فتشّن عليهم الغارات ويقتلون ويؤسرون في كل وقت وحين‪ ،‬أليست هذه نعمة‬ ‫من أعظم النعم تستوجب شكرهم ل تعالى بعبادته وترك عبادة من سواه‪ .‬ولذا قال تعالى عاتبا‬ ‫طلِ ُي ْؤمِنُونَ(‪ })3‬أي بالشرك وعبادة الصنام يصدقون ويعترفون‬ ‫عليهم منددا بسلوكهم {َأفَبِالْبَا ِ‬ ‫{وَبِ ِن ْعمَةِ اللّهِ َي ْكفُرُونَ} أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فل يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها‪ .‬وقوله‬ ‫ظلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َأوْ كَ ّذبَ بِا ْلحَقّ َلمّا جَا َءهُ}‬ ‫تعالى في الية الرابعة (‪َ { )68‬ومَنْ أَ ْ‬ ‫وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الولى في كذبهم على ال بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ‬ ‫شركاء ل زاعمين أنها تشفع لهم عند ال عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به‬ ‫رسول ال وهو الدين السلمي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول صلى ال عليه‬ ‫جهَنّمَ مَثْوىً(‪ )4‬لِ ْلكَافِرِينَ} ؟‬ ‫وسلم‪ .‬وبعد هذا التسجيل لكبر ظلم عليهم قال تعالى‪{ :‬أَلَيْسَ فِي َ‬ ‫والستفهام للتقرير أي إن في جهنم مثوى أي مسكنا للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون‬ ‫وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم‪.‬‬

‫وقوله تعالى في الية الخامسة (‪{ )69‬وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا(‪ )5‬لَ َنهْدِيَ ّنهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ َلمَعَ(‪)6‬‬ ‫حسِنِينَ} في هذه الية بشرى سارة ووعد صدق كريم‪ ،‬وذلك أن من جاهد في سبيل ال أي طلبا‬ ‫ا ْلمُ ْ‬ ‫لمرضاة ال بالعمل على إعلء كلمته بأن يعبد ول يعبد معه سواه فقاتل‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هو مكة والحرم حولها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الخطف‪ :‬الخذ بسرعة‪ .‬قال الضحاك يتخطف الناس من حولهم‪ :‬أي يقتل بعضهم بعضا‬ ‫ويسبي بعضهم بعضا فذكرهم ال تعالى بهذه النعمة لعلهم يذعنون له بالطاعة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الستفهام للنكار والتعجب أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 4‬المثوى المستقر الدائم‪ ،‬والمثوى كالمأوى وزنا ومعنى والستفهام هنا للتقرير‪.‬‬ ‫‪ - 5‬جاهدوا الكفار والفساق والشيطان والنفس أمّا جهاد الكفار فلم يؤذن فيه في الوقت الذي نزلت‬ ‫فيه هذه الية إل أنه ل مانع أن ينزل الحكم قبل أن يشرع العمل‪ .‬ولكنه منتظر‪ ،‬وأما جهاد النفس‬ ‫فهو لزم ل يفارق وكذا جهاد الشيطان عليه لعائن ال‪.‬‬ ‫‪ - 6‬المعيّة هنا‪ :‬معيّة إعانة وتسديد ونصرة على العداء المحاربين من الكفار والشياطين‬ ‫والنفس‪.‬‬

‫( ‪)4/155‬‬ ‫المشركين يوم يؤذن له في قتالهم يهديه ال تعالى أي يوفقه إلى سبيل النجاة من المرهوب والفوز‬ ‫بالمحبوب‪ ،‬وكل من جاهد في ذات ال نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإن هذه البشرى تناله وهذا‬ ‫الوعد ينجز له وذلك أن ال مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده على من جاهدهم في سبيل ال‪،‬‬ ‫والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم‬ ‫وطهارة أرواحهم‪ .‬اللهم اجعلنا منهم وآتنا ما وعدتهم إنك جواد كريم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن مشركي العرب لم يكونوا ملحدة ل يؤمنون بال تعالى وتقرير أنهم كانوا موحدين‬ ‫توحيد الربوبية مشركين في توحيد اللوهية أي العبادة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إيقاظ ضمائر المشركين بتنبيههم بنعم ال تعالى عليهم لعلهم يشكرون‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل ظلم أعظم من ظلم من افترى على ال الكذب‪ ،‬وكذّب بالحق لما جاءه وانتهى إليه وعرفه‬ ‫فانصرف عنه مؤثرا دنياه متبعا لهواه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بشرى ال لمن جاهد المشركين وجاهد نفسه والهوى والشياطين بالهداية إلى سبيل الفوز‬ ‫والنجاة في الحياة الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -5‬فضل الحسان وهو إخلص العبادة ل تعالى وأداؤها متقنة مجوّدة كما شرعها ال تعالى‪،‬‬ ‫وبيان هذا الفضل للحسان بكون ال تعالى مع المحسنين بنصرهم وتأييدهم والنعام عليهم‬ ‫وإكرامهم في جواره الكريم‪.‬‬

‫( ‪)4/156‬‬ ‫سورة الروم‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الروم‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ستون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ض وَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِب ِهمْ سَ َيغْلِبُونَ(‪ )3‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الَْأمْرُ‬ ‫الم (‪ )1‬غُلِ َبتِ الرّومُ(‪ )2‬فِي أَدْنَى الْأَ ْر ِ‬ ‫مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ َبعْدُ وَيَ ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ(‪ )4‬بِ َنصْرِ اللّهِ يَ ْنصُرُ مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ(‪)5‬‬ ‫وَعْدَ اللّ ِه ل ُيخِْلفُ اللّهُ وَعْ َد ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ(‪َ )6‬يعَْلمُونَ ظَاهِرا مِنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ‬ ‫عَنِ الْآخِ َرةِ هُمْ غَافِلُونَ(‪)7‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الم ‪ :‬هذه أحد الحروف المقطعة تكتب الم‪ ،‬وتقرأ ألف‪ ،‬لم‪ ،‬ميم‪.‬‬ ‫غلبت الروم ‪ :‬أي غلبت فارس الروم‪.‬‬ ‫الروم ‪ :‬اسم رجل هو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم سميّت به قبيلة لنه جدها‪.‬‬ ‫في أدنى الرض ‪ :‬أي أقرب أرض الروم إلى فارس وهي أرضٌ يقال لها الجزيرة "بين دجلة‬ ‫والفرات"‪.‬‬ ‫وهم من بعد غلبهم سيغلبون ‪ :‬أي وهم أي الروم من بعد غلب فارس لهم سيغلبونها‪.‬‬ ‫في بضع سنين ‪ :‬أي في فترة ما بين الثلث سنوات إلى تسع سنين‪.‬‬ ‫ل المر من قبل ومن بعد ‪ :‬أي المر في ذلك أي في غلب فارس أول ثم في غلب الروم أخيرا‬ ‫ل وحده إذ ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن‪.‬‬

‫( ‪)4/157‬‬ ‫ويومئذ يفرح المؤمنون ‪ :‬أي ويوم تغلب الروم فارسا يفرح المؤمنون بنصر أهل الكتاب على‬ ‫المشركين عبدة النار‪ ،‬وبنصرهم هم على المشركين في بدر‪.‬‬

‫وعد ال ‪ :‬أي وعدهم ال تعالى وعدا وأنجزه لهم‪.‬‬ ‫ل يخلف ال وعده ‪ :‬أي ليس من شأن ال خلف الوعد وذلك لكمال قدرته وعلمه‪.‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون ‪ :‬كمال ال في قدرته وعلمه المستلزم لنجاز وعده‪.‬‬ ‫يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ‪ :‬أي ل يعلمون حقائق اليمان وأسرار الشرع وإنما يعلمون ما‬ ‫ظهر من الحياة الدنيا كطلب المعاش من تجارة وزراعة وصناعة‪.‬‬ ‫وهم عن الخرة هم غافلون ‪ :‬أي عن الحياة الخرة‪ ،‬وما فيها من نعيم وجحيم وما يؤدي إلى ذلك‬ ‫من عقائد وأفعال وتروك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬الم}‪ :‬أحسن أوجه التفسير لمثل هذه الحروف القول بأن ال أعلم بمراده به‪ ،‬مع‬ ‫الشارة إلى أنه أفاد فائدتين الولى أن هذا القرآن المؤلف من مثل هذه الحروف المقطعة قد‬ ‫أعجز العرب على تأليف مثله فدل على أنه وحي من ال وتنزيله‪ ،‬وأن من نزل عليه نبي ال‬ ‫ورسوله وأن ما يحمل من تشريع هو حاجة البشرية ول تصلح ول تكمل ول تسعد إل به وعليه‪،‬‬ ‫والثانية أنها لما كان المشركون يمنعون من سماع القرآن مخافة تأثيره على المستمع له جاء تعالى‬ ‫بمثل هذه الفواتح للعديد من سور كتابه فكانت تضطرهم إلى الستماع إليه لن هذه الحروف لم‬ ‫تكن معهودة في مخاطبتهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬غُلِ َبتِ الرّومُ}(‪ :)1‬أي غَلَبت فارس الروم في {فِي َأدْنَى الْأَ ْرضِ} أي(‪ )2‬أرض‬ ‫الشام القرب إلى بلد فارس وذلك في أرض الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا الخبر المقصود منه لزم الفائدة‪ ،‬إذ يعلم ال ذلك‪ ،‬وإنما المراد نحن نعلم ذلك فل يهنئكم‬ ‫أيها المشركون ذلك ول تتطاولوا به على رسولنا وأوليائنا فإنا نعلم أنهم سيغلبون من غلبهم في‬ ‫بضع سينين ل يعد الغلب في مثله غلبا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اختلف في أدنى الرض هل هذا الدناء إلى أرض الروم أو إلى أرض الفرس كما في‬ ‫التفسير أو أدنى الرض إلى أرض الروم أو إلى أرض العرب‪ ،‬وهذا الخلف سببه الخلف في‬ ‫تحديد موقع المعركة فإن كانت بالجزيرة فأدنى الرض هو بالنسبة إلى أرض فارس وإن كانت‬ ‫الوقعة بالردن فهي أقرب إلى أرض الروم وإن كانت الوقعة بأذرعات جنوب الشام فهي أقرب‬ ‫إلى ديار العرب الحجاز وما حوله والراجح الول كما في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)4/158‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وَهُمْ مِنْ َب ْعدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ} أي وهم من بعد غلب فارس الروم ستغلب الروم فارسا‬ ‫وقوله‪{ :‬فِي ِبضْعِ سِنِينَ} أي في فترة زمانية ما بين الثلث سنوات إلى تسع سنوات وقوله { لِلّهِ‬

‫الَْأمْرُ مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ(‪َ )1‬بعْدُ} أي المر في ذلك ل تعالى من قبل الغلب ومن بعده إذ هو المتصرف‬ ‫في خلقه‪ .‬وقوله {وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِ َنصْرِ اللّهِ} أي(‪ )2‬يوم يغلب الروم فارسا يفرح‬ ‫المؤمنون بانتصار الروم على فارس لن الروم أهل كتاب وفارسا مشركون يعبدون النار‪ ،‬كما‬ ‫يفرح المؤمنون أيضا بانتصارهم على المشركين في بدر إذ كان الوقت الذي انتصرت فيه الروم‬ ‫هو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر‪ .‬وهذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل‬ ‫وقوعه فكان كما أخبر فأكد بذلك أن السلم وكتابه ورسوله حق‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬يَ ْنصُرُ مَنْ يَشَاءُ‬ ‫وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ} أي ينصر تعالى من يشاء نصره من عباده وقد شاء نصر المؤمنين والروم‬ ‫فنصرهم في وقت واحد منجزا بذلك وعده الذي واعد به منذ بضع سنين(‪ ،)3‬وهو العزيز أي‬ ‫الغالب على أمره القادر على إنجاز وعده الرحيم بأوليائه وصالحي عباده‪ .‬وقوله ولكن { َيعَْلمُونَ‬ ‫ظَاهِرا مِنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا (‪ })4‬كتدبير ال وقدرته وعزته وفوائد شرعه وأسرار دينه‪ .‬ولكن يعلمون‬ ‫ظاهرا من الحياة الدنيا كتدبير معايشهم من زراعة وصناعة وتجارة‪ ،‬وفي نفس الوقت هم عن‬ ‫الحياة الخرة غافلون عما يجب عليهم فعله وتركه ليسعدوا فيها بالنجاة من النار وسكنان الجنان‬ ‫في جوار الرحمن سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قبل‪ ،‬وبعد‪ :‬مبنيان على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه أي‪ :‬من قبل الغلب وبعده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما في قوله ال عز وجل‪( :‬الم غلبت الروم في أدنى الرض)‬ ‫قال‪ :‬كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لنهم وإياهم أهل أوثان‪ ،‬وكان‬ ‫المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لنهم أهل كتاب‪ ،‬وذكر أن أبا بكر راهن قريشا في‬ ‫كلم طويل‪ ،‬وقال الترمذي فيه حديث حسن صحيح غريب نقله القرطبي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وقيل كان النصر يوم صلح الحديبية لن صلح الحديبية كان في واقع المر نصرا للمؤمنين‪،‬‬ ‫وما في التفسير أصح لحديث الترمذي وقد حسنه وصححه وقال فيه غريب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال الحسن بلغ – وال‪ -‬من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ول يحسن أن‬ ‫يصلي وفي هذا قال بعضهم شعرا‪:‬‬ ‫ومن البلية أن ترى لك صاحبا‬ ‫في صورة الرجل السميع البصير‬ ‫فطنٍ بكل مصيبة في ماله‬ ‫وإذا يصاب بدينه لم يشعر‬

‫( ‪)4/159‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير صحة السلم وأنه الدين الحق بصدق ما يخبر به كتابه من الغيوب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن أهل الكتاب من يهود ونصارى أقرب إلى المسلمين من المشركين والملحدة من‬ ‫بلشفة شيوعيين ل يؤمنون بال واليوم الخر‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن أكثر الناس ل يعلمون ما يسعدهم في الخرة ويكملهم من العقائد الصحيحة والشرائع‬ ‫الحكيمة الرحيمة التي ل يكمل النسان ول يسعد إل عليها‪ ،‬ويعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا‬ ‫كتدبير المعاش من زراعة وصناعة وتجارة‪ ،‬أما عن سر الحياة الدنيا ولماذا كانت فهم ل يعلمون‬ ‫شيئا كما هم عن الحياة الخرة غافلون بالمرة فل يبحثون عما يسعد فيها ول عما يشقي‪ .‬والعياذ‬ ‫بال تعالى من الغفلة عن دار البقاء في السعادة أو الشقاء‪.‬‬ ‫ى وَإِنّ‬ ‫س ّم ً‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫ق وَأَ َ‬ ‫حّ‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِلّا بِالْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬ ‫سهِمْ مَا خَلَقَ اللّهُ ال ّ‬ ‫َأوَلَمْ يَ َت َفكّرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫كَثِيرا مِنَ النّاسِ بِِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ َلكَافِرُونَ(‪َ )8‬أوَلَمْ َيسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ‬ ‫عمَرُوهَا وَجَاءَ ْت ُهمْ رُسُُل ُهمْ‬ ‫عمَرُوهَا َأكْثَرَ ِممّا َ‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّو ًة وَأَثَارُوا الْأَ ْرضَ وَ َ‬ ‫مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا أَ َ‬ ‫سهُمْ َيظِْلمُون(‪ )9‬ثُمّ كَانَ عَاقِ َبةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوأَى‬ ‫بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫أَنْ كَذّبُوا بِآياتِ اللّ ِه َوكَانُوا ِبهَا يَسْ َتهْزِئُونَ(‪)10‬‬

‫( ‪)4/160‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في أنفسهم ‪ :‬أي كيف خُلقوا ولم يكونوا شيئا‪ ،‬ثم كيف أصبحوا رجال‪.‬‬ ‫إل بالحق ‪ :‬أي لم يخلق ال السموات والرض وما بينهما إل بالحق الذي هو العدل‪.‬‬ ‫وأجل مسمى ‪ :‬وهو نهاية هذه الحياة لتكون الحياة الثانية حياة الجزاء العادل‪.‬‬ ‫بلقاء ربهم لكافرون ‪ :‬أي بالبعث والوقوف بين يدي ال ليسألهم ويحاسبهم ويجزيهم‪.‬‬ ‫وأثاروا الرض ‪ :‬قلبوها للحرث والغرس والنشاء والتعمير‪.‬‬ ‫وعمروها ‪ :‬أي عمروا الرض عمارة أكثر مما عمرها هؤلء المشركون‪.‬‬ ‫وجاءت رسلهم بالبينات ‪ :‬أي بالدلئل والحجج والبراهين من المعجزات وغيرها‪.‬‬ ‫ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ‪ :‬أي بتكذيبهم وشركهم ومعاصيهم فعرضوا أنفسهم للهلك‪.‬‬ ‫أساءوا السوأى ‪ :‬أي بالتكذيب والشرك والمعاصي والسوءى هي الحالة السوأ‪.‬‬ ‫أن كذبوا بآيات ال ‪ :‬أي بتكذيبهم آيات ال القرآنية واستهزائهم بها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الخر إلى اليمان به من طريق ذكر الدلة‬

‫سهِمْ(‪ })1‬أي أينكرون البعث‬ ‫العقلية التي تحملها اليات القرآنية فقوله تعالى {َأوَلَمْ يَ َت َفكّرُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫ل كهولً وشيوخا ثم‬ ‫ولم يتفكروا في أنفسهم كيف كانوا عدما ثم وجدوا أطفالً ثم شبابا ثم رجا ً‬ ‫يموتون أليس القادر على خلقهم وتربيتهم ثم إماتتهم قادر على بعثهم وحسابهم ومجازاتهم على‬ ‫كسبهم في هذه الحياة الدنيا وقوله تعالى {مَا خَلَقَ اللّهُ‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬في أنفسهم) ظرف للتفكر‪ ،‬وليس مفعول لفعل يتفكروا لنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق‬ ‫أنفسهم بل في خلق السموات والرض وما بينهما‪.‬‬

‫( ‪)4/161‬‬ ‫س ّمىً} أي لم يخلقهما عبثا بل خلقهما ليذكر‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِلّا بِا ْلحَقّ(‪ )1‬وَأَ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ويُشكر‪ ،‬ثم إذا تم الجل المحدد لهما أفناهما ثم بعث عباده ليحاسبهم هل ذكروا وشكروا أو تركوا‬ ‫ونسوا وكفروا ثم يجزيهم بحسب إيمانهم وطاعتهم أو كفرهم وعصيانهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَإِنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ بِِلقَاءِ رَ ّبهِمْ َلكَافِرُونَ} يخبر تعالى أنه مع ظهور الدلة وقوة‬ ‫الحجج على صحة عقيدة البعث والجزاء فإن كثيرا من الناس كافرون بالبعث والجزاء وقوله‬ ‫تعالى في الية (‪َ{ )9‬أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ} أي أيكذّب‬ ‫أولئك المشركون بالبعث والجزاء ولم يسيروا في الرض شمالً وجنوبا(‪ )2‬فينظروا كيف كان‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً وَأَثَارُوا الْأَ ْرضَ} بالنشاء والتعمير‬ ‫عاقبة الذين من قبلهم هلكا ودمارا‪{ ،‬كَانُوا أَ َ‬ ‫عمَرَها هؤلء‪{ ،‬وَجَاءَ ْتهُمْ(‪ُ )3‬رسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ}‪،‬‬ ‫عمَرُوهَا} عمارة أكثر مما َ‬ ‫والزراعة والفلحة {وَ َ‬ ‫ولما أهلكهم لم يكن ظالما لهم بل كانوا هم الظالمين لنفسهم‪ .‬أليس في هذا دليل على حكمة ال‬ ‫وعلمه وقدرته فكيف ينكر عليه بعثه لعباده يوم القيامة لحسابهم ومجازاتهم؟‬ ‫وقوله تعالى {ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ َأسَاءُوا} أي العمال فلم يصلحوها حيث كذّبوا برسل ال‬ ‫وشرائعه‪ .‬وقوله‪{ :‬السّوأَى(‪ })4‬أي عاقبة الذين أساءوا السوأى أي العاقبة السوأى وهو خسرانهم‬ ‫وهلكهم‪ ،‬وقوله {أَنْ كَذّبُوا بِآياتِ اللّهِ} أي من أجل أنهم كذبوا بآيات ال { َوكَانُوا ِبهَا َيسْ َتهْزِئُونَ}‬ ‫وأصروا على ذلك ولم يتوبوا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الدلة العقلية المثبتة لها‪.‬‬ ‫‪ -2‬كفر أكثر الناس(‪ )5‬بالبعث مع كثرة الدلة وقوتها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جائز أن يكون (إل بالحق) معناه‪ :‬إل للحق أو لقامة الحق أو بالحكمة وما في التفسير أولى‬

‫وكل ما ذكر يشمله ويدل عليه‪ .‬والجل المسمى‪ :‬المراد به أن كل المخلوقات حدد لها أجل فنائها‪،‬‬ ‫وهذا التقرير للفناء مستلزم للحياة الخرة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬فينظروا بأبصارهم وبصائرهم فلمّا كذبوا أهلكهم ال وما كان ظالما لهم بل هم الظالمون‬ ‫لنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي‪ :‬بالمعجزات والحكام الشرعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬السوءى‪ :‬تأنيث السوأ‪ ،‬كالحسنى تأنيث الحسن‪ ،‬والسوأ‪ :‬القبح من الفعال والقوال‬ ‫والمعتقدات‪ ،‬وجائز أن يكون المراد بالسوءى هنا جهنم كما أن المراد بالحسنى الجنة في قوله‬ ‫تعالى (للذين أحسنوا الحسنى) أي الجنة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬العلة أنهم ل يفكرون أي‪ :‬ل يعملون خواطرهم في النظر والتأمل هذا هو سر عدم إيمانهم إذ‬ ‫لو نسب المفكرون إلى غيرهم لما كانت النسبة واحدا إلى مليون‪:‬‬ ‫ولم أر كالرجال تفاوتا لدى الفكر حتى عدّ ألف بواحد‬

‫( ‪)4/162‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية السير في الرض للعتبار مع اشتراط عدم حصول إثم في ذلك بترك واجب أو‬ ‫بفعل محرم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جزاء ال العادل في أن عاقبة الساءة السوأى(‪.)1‬‬ ‫‪ -3‬كفر الستهزاء بالشرع وأحكامه والقرآن وآياته‪.‬‬ ‫جعُونَ(‪ )11‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ يُ ْبلِسُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ(‪ )12‬وَلَمْ َيكُنْ َلهُمْ‬ ‫اللّهُ يَبْدأُ ا ْلخَلْقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ ُثمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫عةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَ ّرقُونَ(‪ )14‬فََأمّا‬ ‫شفَعَا ُء َوكَانُوا بِشُ َركَا ِئهِمْ كَافِرِينَ(‪ )13‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬ ‫مِنْ شُ َركَا ِئهِمْ ُ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َف ُهمْ فِي َر ْوضَةٍ ُيحْبَرُونَ(‪ )15‬وََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآياتِنَا وَِلقَاءِ‬ ‫الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫حضَرُونَ(‪)16‬‬ ‫الْآخِ َرةِ فَأُولَ ِئكَ فِي ا ْلعَذَابِ مُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ثم إليه ترجعون ‪ :‬أي بعد إعادة الخلق وبعث الناس‪.‬‬ ‫يبلس المجرمون ‪ :‬أي ييأسون من النجاة وتنقطع حجتهم فل يتكلمون‪.‬‬ ‫وكانوا بشركائهم كافرين‪ :‬أي يتبرءون منهم ول يعترفون بهم‪.‬‬ ‫يتفرقون ‪ :‬أي ينقسمون إلى سعداء أصحاب الجنة وأشقياء أصحاب النار‪.‬‬ ‫في روضة يحبرون ‪ :‬أي في روضة من رياض الجنة يسرون ويفرحون‪.‬‬ ‫في العذاب محضرون ‪ :‬أي مدخلون فيه ل يخرجون منه‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬أي‪ :‬عاقبة الشرك والمعاصي وهما السوء والساءة عاقبتهما السوءى أي‪ :‬أشد العقوبات‬ ‫وأنكاها في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫( ‪)4/163‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الدلة وعرض صور حية صادقة لما‬ ‫جعُونَ} إعلن واضح‬ ‫يتم بعد البعث من جزاء‪ ،‬فقوله تعالى {اللّهُ يَبْدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِي ُدهُ ثُمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ‬ ‫صريح قاطع للشك مزيل للّبس بأن ال رب السموات والرض وما بينهما هو الذي بدأ الخلق‬ ‫فخلق ما شاء ثم يميته ثم يعيده‪ ،‬وإليه ل إلى غيره ترجع الخليقة كلها راضية أو ساخطة محبّة أو‬ ‫كارهة‪ ،‬هكذا قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء مدلّلً عليها بأقوى دليل وهو وجوده تعالى وقدرته‬ ‫التي ل تحد وعلمه الذي أحاط بكل شيء وحكمته التي ل يخلوا منها عمل‪ ،‬فقال {اللّهُ يَبْدأُ الْخَ ْلقَ‬ ‫جعُونَ}‪.‬‬ ‫ثُمّ ُيعِي ُدهُ ثُمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫عةُ يُبْلِسُ(‪ )1‬ا ْلمُجْ ِرمُونَ} هذا عرض‬ ‫وقوله عز وجل في الية الثانية عشر (‪{ )12‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬ ‫لما بعد البعث فذكر أنه لماّ تقوم الساعة ويبعث الناس يبلس المجرمون أي ييأسون من الرحمة‬ ‫ش َفعَاءُ} أي‬ ‫وينقطعون عن الكلم لعدم وجود حجة يحتجون بها‪ .‬وقوله {وََلمْ َيكُنْ َلهُمْ مِنْ شُ َركَا ِئهِمْ ُ‬ ‫ولم يكن لهم من يشفع لهم من شركائهم الذين عبدوهم بحجة أنهم يشفعون لهم عند ال‪ ،‬فأيسوا من‬ ‫شفاعتهم وكفروا بهم أيضا أي أنكروا أنهم كانوا يعبدونهم خوفا من زيادة العذاب‪ .‬هذه حال‬ ‫المجرمين الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي‪ ،‬الحامل عليها تكذيبهم بآيات ال ولقائه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َي ْومَئِذٍ يَ َتفَ ّرقُونَ} هذا عرض آخر يخبر تعالى أنه إذا قامت الساعة‬ ‫تفرق الناس على أنفسهم فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير‪ ،‬وبين ذلك مقرونا بعلله فقال‪:‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي صدّقوا بال ربّا وإلها وبمحمد رسولً وبالسلم دينا‬ ‫{فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا(‪ )2‬وَ َ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي عبدوا ال تعالى بما شرع لهم‬ ‫ل دين يقبل غيره وبالبعث والجزاء حقا‪{ .‬وَ َ‬ ‫من العبادات إذ الصالحات هي المشروع من الطاعات القولية والفعلية فهؤلء المؤمنون‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يقال أبلس يبلس إبلسا‪ :‬إذا سكت متحيرا وانقطعت حجته وأيس أن تكون له حجّة‪ ،‬قال‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫يا صاح هل تعرف رسما مكرسا‬ ‫قال نعم أعرفه وأبلسا‬ ‫والمكرس‪ :‬الذي بعرت فيه البل وبولت فركب بعضها بعضا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قيل في‪( :‬فأما) أن معناها‪ :‬دع ما كنا فيه وخذ في غيره‪ ،‬وقيل معناها‪ :‬مهما كنا في شيء‬

‫فخذ في غير ما كنا فيه‪ ،‬والمعنى متقارب‪ ،‬والحقيقة أنها أداة شرط وتفصيل‪ ،‬تفصيل لما أجمل في‬ ‫الكلم السابق عليها وشرط ولذا قرن جوابها بالفاء‪.‬‬

‫( ‪)4/164‬‬ ‫العاملون للصالحات { َفهُمْ فِي َر ْوضَةٍ (‪ })1‬من رياض الجنة {يُحْبَرُونَ(‪ })2‬أي يسرون ويفرحون‬ ‫بما لقوه من الرضوان والنعيم المقيم‪ ،‬وذلك بفضل ال تعالى عليهم وبما هداهم إليه من اليمان‪،‬‬ ‫وما وفقهم إليه من عمل الصالحات‪ .‬وقوله‪{ :‬وََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآياتِنَا وَِلقَاءِ الْآخِ َرةِ فَأُولَ ِئكَ‬ ‫حضَرُونَ} فقد أخبر عن جزائهم مقرونا بعلة ذلك الجزاء وهو كفرهم بتوحيد ال‬ ‫فِي ا ْلعَذَابِ مُ ْ‬ ‫تعالى‪ ،‬والتكذيب باليات القرآنية وما تحمله من حجج وشرائع وأحكام‪ ،‬وبلقاء الخرة وهو لقاء‬ ‫ال تعالى بعد البعث للحساب والجزاء‪ ،‬فجزاؤهم أن يحضروا في العذاب دائما وأبدا ل يغيبون‬ ‫عنه‪ ،‬ول يفتر عنهم‪ ،‬وهم فيه خالدون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الدلة وعرض مشاهد القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة أن ل شفاعة لمشرك ول كافر يوم القيامة‪ ،‬وبطلن ما يعتقده المبطلون من وجود‬ ‫من يشفع‬ ‫لهل الشرك والكفر‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير مبدأ السعادة والشقاء يوم القيامة فأهل اليمان والتقوى في روضة يحبرون‪ ،‬وأهل‬ ‫الشرك والمعاصي في العذاب محضرون‪.‬‬ ‫ض وَعَشِيّا وَحِينَ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫حمْدُ فِي ال ّ‬ ‫ن وَحِينَ ُتصْ ِبحُونَ(‪ )17‬وَلَهُ الْ َ‬ ‫فَسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ ُتمْسُو َ‬ ‫حيّ وَيُحْيِي الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا َوكَذَِلكَ‬ ‫ت وَيُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬ ‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ‬ ‫ظهِرُونَ(‪ )18‬يُخْرِجُ الْ َ‬ ‫تُ ْ‬ ‫تُخْ َرجُونَ(‪َ )19‬ومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ ِإذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الروضة‪ :‬كل أرض ذات أشجار وماء وأزهار قال العشى‪:‬‬ ‫وما روضة من رياض الحزن معشبة‬ ‫خضراء جاد عليها مسبل هطل‬ ‫يضاحك الشمس منها كوكب شرق‬ ‫مؤزر بعميم النبت مكتهل‬ ‫‪( - 2‬يحبرون)‪ :‬ينعمون ويكرمون ويسرون بالحبور والسرور وأثر النعيم يقال‪ :‬فلن حسن‬ ‫السبر والحبر‪ ،‬وفي الحديث " يخرج رجل من النار ذهب حبره وسبره"‪.‬‬

‫( ‪)4/165‬‬ ‫حمَةً‬ ‫ج َعلَ بَيْ َن ُكمْ َموَ ّد ًة وَرَ ْ‬ ‫سكُنُوا ِإلَ ْيهَا وَ َ‬ ‫س ُكمْ أَ ْزوَاجا لِ َت ْ‬ ‫تَنْتَشِرُونَ(‪َ )20‬ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خََلقَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ(‪)21‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فسبحان ال ‪ :‬أي سبحوا ال أي صلوا‪.‬‬ ‫حين تمسون ‪ :‬أي تدخلون في المساء وفي هذا الوقت صلة المغرب وصلة العشاء‪.‬‬ ‫وحين تصبحون ‪ :‬أي تدخلون في الصباح وفيه صلة الصبح‪.‬‬ ‫وله الحمد في السموات والرض ‪ :‬أي وهو المحمود دون سواه في السموات والرض‪.‬‬ ‫وعشيا ‪ :‬أي حين تدخلون في العشي وفيه صلة الظهر‪.‬‬ ‫يخرج الحي من الميت ‪ :‬أي يخرج النسان الحي من النطفة وهي ميتة‪.‬‬ ‫ويخرج الميت من الحي ‪ :‬أي يخرج النطفة من النسان الحي والبيضة الميتة من الدجاجة الحيّة‪.‬‬ ‫ويحيى الرض بعد موتها ‪ :‬أي يحييها بالمطر فتحيا بالنبات بعدما كانت يابسة ميتة‪.‬‬ ‫وكذلك تخرجون ‪ :‬أي من قبوركم أحياء بعدما كنتم ميتين‪.‬‬ ‫ومن آياته ‪ :‬أي ومن أدلة قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لبعثكم بعد موتكم‪.‬‬ ‫أن خلقكم من تراب ‪ :‬أي خلقه إياكم من تراب‪ ،‬وذلك بخلق آدم الب الول‪.‬‬ ‫تنتشرون ‪ :‬أي في الرض بشرا تعمرونها‪.‬‬ ‫لتسكنوا إليها ‪ :‬أي لتسكن نفوسكم إلى بعضكم بعضا بحكم التجانس في البشرية‪.‬‬ ‫وجعل بينكم مودة ‪ :‬أي محبة ورحمة أي شفقة إذ كل من الزوجين يحب الخر ويرحمه‪.‬‬

‫( ‪)4/166‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله سبحانه وتعالى في هذا السياق‪{ :‬فَسُبْحَانَ(‪ )1‬اللّهِ ‪ }..........‬الية‪ .‬لما بين تعالى بدء الخلق‬ ‫ونهايته باستقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا عمل يستوجب تنزيهه تعالى عما‬ ‫ل يليق بجلله وكماله كما يستلزم حمده‪ ،‬ولما كانت الصلوات الخمس تشتمل على ذلك أمر‬ ‫ي فقال تعالى‪{ :‬فَسُ ْبحَانَ(‪ )2‬اللّهِ} أي سبحوا ال {حِينَ‬ ‫بإقامتها في المساء والصباح والظهيرة والعش ّ‬ ‫ُتمْسُونَ} أي تدخلون في المساء وهي صلة المغرب والعشاء { َوحِينَ ُتصْبِحُونَ} أي تدخلون في‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ} يخبر تعالى أن له‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫حمْدُ فِي ال ّ‬ ‫الصباح وهي صلة الصبح‪ .‬وقوله تعالى {وَلَهُ الْ َ‬ ‫عشِيّاً(‪ })3‬معطوف على قوله‬ ‫الحمد مستحقا لها دون سائر خلقه في السموات والرض‪ .‬وقوله {وَ َ‬

‫ظهِرُونَ} أي وسبحوه حين‬ ‫{حِينَ ُتصْبِحُونَ} أي وسبحوه في العشي‪ .‬وهي صلة العصر {وَحِينَ ُت ْ‬ ‫تدخلون في الظهيرة وهي صلة الظهر‪.‬‬ ‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ(‪ })4‬أي ومن مظاهر الجلل والكمال الموجبة لحمده وطاعته‬ ‫وقوله تعالى {يُخْرِجُ ا ْل َ‬ ‫والمقتضية لقدرته على بعث عباده ومحاسبتهم ومجازاتهم أنه يخرج الحي كالنسان من النطفة‬ ‫حيّ} كالنطفة من النسان والبيضة‬ ‫والطير من البيضة والمؤمن من الكافر {وَ ُيخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ الْ َ‬ ‫من الدجاجة وسائر الطيور التي تبيض‪ .‬وقوله {وَ ُيحْيِي الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا} أي ومن مظاهر‬ ‫وجوده وقدرته وعلمه ورحمته أيضا أنه يحيى الرض بالمطر بعد موتها بالجدب والقحط فإذا هي‬ ‫رابية تهتز بأنواع النباتات والزروع وقوله { َوكَذَِلكَ ُتخْرَجُونَ(‪ })5‬أي وكإخراج الحي من الميت‬ ‫والميت من الحي وكإحيائه الرض‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في هذه الية الكريمة‪( :‬فسبحان ال) يأمر ال تعالى عباده المؤمنين بعبادته في الوقات‬ ‫المذكورة في الية‪ ،‬وأعظم العبادات الصلة لنها مشتملة على ذكره وشكره‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذه الفاء للتفريع إذ هذا المر متفرع عما قبله إذ بيّن تعالى أن اليمان والعمل الصالح منج‬ ‫لصاحبه فبناء على ذلك فأقيموا الصلة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العشي والعشية من صلة العصر إلى غروب الشمس حسب دللة الية لتدخل صلة العصر‬ ‫والمساء‪ :‬تدخل فيه صلة المغرب والعشاء والصبح في الصباح والظهر في الظهيرة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬كون النطفة تحمل حيوانات منوية ل يتنافى مع إطلق الموت عليها إذ المراد من الموت‬ ‫الذي يوصف به الشيء كما وصفت الرض بالموت إذا يبست ولم يكن بها بنات‪ ،‬وحبة البر‬ ‫والشعير بالموت إذ الحياة تحدث للرض بعد نزول المطر عليها والحبة بعد تفاعلها مع التربة‬ ‫الثرية وكذا النطفة تحمل مادة الحياة كالرض والحبة ول تظهر فيها إل بعد تفاعلها الخاص في‬ ‫الرحم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬في هذا دليل على مشروعية القياس وصحته‪ ،‬وجه القياس في الية هو قياس المعاد على‬ ‫الخلق الول واليجاد‪.‬‬

‫( ‪)4/167‬‬ ‫بعد موتها‪ :‬يحييكم ويخرجكم من قبوركم للحساب والجزاء إذ القادر على الول قادر على الثاني‪.‬‬ ‫ول فرق‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ ِإذَا أَنْ ُتمْ بَشَرٌ تَنْ َتشِرُونَ} أي ومن آياته الدالة على‬ ‫وجوده وعلمه وقدرته المستوجبة لعبادته وحده والمقررة لقدرته على البعث والجزاء خَ ْلقُه للبشرية‬ ‫من تراب(‪ )1‬إذ خلق أباها الول آدم عليه السلم من تراب‪ ،‬وخلق حواء زوجه من ضلعه ثم‬

‫خلق باقي البشرية بطريقة التناسل‪ .‬فإذا هي كما قال سبحانه وتعالى‪ :‬بشر ينتشرون(‪ )2‬في‬ ‫الرض متفرقين في أقطارها يعمرونها بإذنه تعالى‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خََلقَ َلكُمْ مِنْ‬ ‫سكُنُوا(‪ )3‬إِلَ ْيهَا} أي ومن آياته أي حججه وأدلته الدالة على وجوده وعلمه‬ ‫سكُمْ أَ ْزوَاجا لِتَ ْ‬ ‫أَ ْنفُ ِ‬ ‫ورحمته المستوجبة لعبادته وتوحيده فيها والدالة أيضا على قدرته على البعث والجزاء خلقه لكم‬ ‫أيها الناس من أنفسكم أي من جنسكم الدمي أزواجا أي زوجات لتسكنوا إليها بعامل التجانس‪ ،‬إذ‬ ‫حمَةً} أي‬ ‫ج َعلَ بَيْ َنكُمْ َموَ ّد ًة وَرَ ْ‬ ‫كل جنس من المخلوقات يطمئن إلى جنسه ويسكن إليه‪ ،‬وقوله { َو َ‬ ‫جعل بين الزوجين مودة أي محبة ورحمة أي شفقة إل إذا ظلم أحدهما الخر فإن تلك المودة‬ ‫وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ}‬ ‫أي دلئل وحجج واضحة {ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ} باستعمال عقولهم في النظر والفكر فإنهم يجدون تلك‬ ‫الدلة على قدرة ال وعلمه ورحمته وكلها مقتضية لتوحيد ال ومحبته وطاعته بفعل محابه وترك‬ ‫مساخطه‪ ،‬مع تقرير عقيدة البعث والجزء التي أنكرها المجرمون المكذبون‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ووجه آخر للخلق من تراب وهو أن النطف التي هي أصل خلق النسان بعد البوين آدم‬ ‫وحواء قد تكونت من الغذاء‪ ،‬وأن الغذاء قد تكون من نبات الرض‪ ،‬وأن نبات الرض مشتمل‬ ‫على الجزاء الترابية التي أنبتته فبهذا كان تكوين النسان من تراب فكان آية وأمر آخر هو أن‬ ‫التراب بارد يابس‪ ،‬وهو طبع الموت وطبع الحياة الحرارة والرطوبة‪ ،‬فمن ذلك البارد اليابس ينشأ‬ ‫المخلوق الحي الرطب فسبحان الخلق العليم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬النتشار الظهور والتفرق هنا وهناك في البلد والقطار تعملون سامعين مبصرين منكم‬ ‫الصالح ومنكم خلفه وهو الفاسد‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ضمن لتسكنوا لتميلوا لذا عدي باللم وفي الية دليل على عدم تزوج الدمي بغير الدمية‬ ‫كالجنية إذ ل يحصل النس إل بالجنس والية تومئ إلى أن أول ارتفاق الرجل بالمرأة سكونه‬ ‫إليها مما فيه من غليان القوة وذلك أن الختانين إذا التقيا هيجا ماء الصلب فإذا نزل حصل السكون‬ ‫ووقف الهيجان كما هو معروف‪.‬‬

‫( ‪)4/168‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تنزيه ال عن كل ما ل يليق بجلله وكماله‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب حمد ال على آلئه وإنعامه‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب إقام الصلة‪.‬‬

‫‪ -4‬بيان أوقات الصلوات الخمس(‪.)1‬‬ ‫‪ -5‬بيان مظاهر قدرة ال تعالى وعلمه ورحمته المقتضية لتوحيده والمقررة لعقيدة البعث‬ ‫والجزاء‪.‬‬ ‫ض وَاخْتِلفُ أَ ْلسِنَ ِتكُ ْم وَأَ ْلوَا ِنكُمْ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل ْلعَاِلمِينَ(‪)22‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫َومِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ال ّ‬ ‫س َمعُونَ(‪َ )23‬ومِنْ‬ ‫َومِنْ آيَاتِهِ مَنَا ُمكُمْ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَا ِر وَابْ ِتغَا ُؤكُمْ مِنْ َفضْلِهِ إِنّ فِي َذِلكَ لَآياتٍ ِلقَوْمٍ َي ْ‬ ‫سمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا إِنّ فِي ذَِلكَ‬ ‫طمَعا وَيُنَ ّزلُ مِنَ ال ّ‬ ‫خوْفا وَ َ‬ ‫آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَ ْرقَ َ‬ ‫ع َوةً مِنَ الْأَ ْرضِ‬ ‫سمَا ُء وَالْأَ ْرضُ بَِأمْ ِرهِ ُثمّ إِذَا دَعَاكُمْ دَ ْ‬ ‫لَآياتٍ ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ(‪َ )24‬ومِنْ آيَا ِتهِ أَنْ َتقُومَ ال ّ‬ ‫إِذَا أَنْتُمْ َتخْرُجُونَ(‪)25‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روي عن ابن عباس أنه سئل هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم‪ :‬وقرأ هذه الية‬ ‫ومنها أخذ المام الشافعي أوقات الصلوات الخمس وأخذها مالك من آية السراء (أقم الصلة‬ ‫لدلوك الشمس) الية‪.‬‬

‫( ‪)4/169‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن آياته ‪ :‬أي حججه وبراهينه الدالة على قدرته على البعث والجزاء‪.‬‬ ‫واختلف ألسنتكم ‪ :‬أي لغاتكم من عربية وعجمية والعجمية بينها اختلف كثير‪.‬‬ ‫وألوانكم ‪ :‬أي من أبيض وأصفر وأحمر وأسود والكل أبناء رجل واحد وامرأة واحدة‪.‬‬ ‫للعالمين ‪ :‬أي للعقلء على قراءة للعالمين(‪ )1‬بفتح اللم‪ ،‬ولولي العلم على قراءة كسر اللم‪.‬‬ ‫وابتغاؤكم من فضله ‪ :‬أي طلبكم الرزق بإحضار أسبابه من زراعة وتجارة وصناعة وعمل‪.‬‬ ‫لقوم يسمعون ‪ :‬أي سماع تدبر وفهم وإدراك ل مجرد سماع الصوات‪.‬‬ ‫يريكم البرق خوفا وطمعا ‪ :‬أي إراءته إياكم البرق خوفا من الصواعق والطوفان وطمعا في‬ ‫المطر‪.‬‬ ‫أن تقوم السماء والرض بأمره ‪ :‬أي قيام السماء والرض على ما هما عليه منذ نشأتهما بقدرته‬ ‫وتدبيره‪.‬‬ ‫دعوة من الرض ‪ :‬أي دعوة واحدة ل تتكرر وهي نفخة إسرافيل‪.‬‬ ‫إذا أنتم تخرجون ‪ :‬أي من قبوركم أحياء للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بذكر الدلة والبراهين العقلية فقوله‬ ‫تعالى‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ} أي حججه الدالة على قدرته على البعث والجزاء وعلى وجوب توحيده {خَ ْلقُ‬

‫ق بمعنى إيجاد السموات والرض وما فيهما وما بينهما من أكبر الدلة‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ} فخل ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫وأقواها على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته وكلها موجبة لتوحيده ومثبتة لقدرته على البعث‬ ‫والجزاء‪ ،‬مقررة له‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَاخْتِلفُ(‪ )2‬أَلْسِنَ ِت ُكمْ} أي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بالفتح قرأ نافع وبالكسر قرأ حفص ولكل منهما متابع على ما قرأ والمعنى واحد إذ ل يكون‬ ‫العالم عالما بدون عقل فكل عالم عاقل والعاقل يهديه عقله إلى أن يعلم فيعلم أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال القرطبي اللسان في الفم وفيه اختلف اللغات من العربية والعجمية والتركية والرومية‬ ‫واختلف اللوان في الصورة من البياض والسواد والحمرة فل تكاد ترى أحدا إل وأنت تفرق‬ ‫بينه وبين الخر وليس هذه الشياء من فعل النطفة ول من فعل البوين‪ ،‬فل بد من فاعل فعلم أن‬ ‫الفاعل هو ال تعالى فهذا من أدل دليل على البارئ سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/170‬‬ ‫لغاتكم من عربية وعجمية ولهجاتكم بحيث لكل ناطق لهجة تخصه يتميز بها إذا سمع صوته‬ ‫عرف بها من بين بليين البشر‪{ ،‬وََأ ْلوَا ِنكُمْ} واختلف ألوانكم أيها البشر من أبيض إلى أسود ومن‬ ‫أحمر إلى أصفر مع اختلف الملمح والسمات بحيث ل يوجد اثنان من مليين البشر ل يختلف‬ ‫بعضهما عن بعض حتى ل يتميز أحدهما عن الخر إن في هذا وذاك {لَآياتٍ لِ ْلعَاِلمِينَ} أي لحججا‬ ‫ظاهرة وبراهين قاطعة بعضها للعالمين(‪ )1‬وذلك البياض والسواد وبعضها للعلماء كاختلف‬ ‫اللهجات وملمح الوجوه والسمات المميزة الدقيقة والكل أدلة على قدرة ال وعلمه ووجوب عبادته‬ ‫وتوحيده في ذلك مع تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫وقوله { َومِنْ آيَاتِهِ مَنَا ُمكُمْ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَارِ وَابْ ِتغَا ُؤكُمْ مِنْ َفضْلِهِ} أي ومن آياته الدالة على قدرته على‬ ‫البعث والجزاء منامكم بالليل فالنوم(‪ )2‬كالموت والنتشار في النهار لطلب الرزق كالبعث بعد‬ ‫الموت فهذه عملية للبعث بعد الموت تتكرر كل يوم وليلة في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وقوله {إِنّ فِي ذَِلكَ‬ ‫س َمعُونَ} أي في ذلك المذكور من النوم والنتشار لطلب الرزق لدلئل وحجج على‬ ‫لَآياتٍ ِلقَوْمٍ َي ْ‬ ‫قدرة ال على البعث لقوم يسمعون(‪ )3‬نداء الحق والعقل يدعوهم إلى اليمان بالبعث والجزاء‬ ‫فيؤمنون فيصبحون يعملون للقاء ربهم ويستجيبون لكل من يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه ويتقربوا‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫طمَعا } أي ومن حججه‬ ‫خوْفا(‪ )4‬وَ َ‬ ‫وقوله تعالى في الية الثالثة (‪َ { )24‬ومِنْ آيَا ِتهِ يُرِيكُمُ الْبَ ْرقَ َ‬ ‫تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضيات توحيده واليمان بلقائه إراءته(‬ ‫‪)5‬إياكم أيها الناس البرق خوفا للمسافرين من المطار الغزيرة ومن الصواعق‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬ذكر العالمين والعلماء في التفسير إشارة إلى القراءتين إذ قرأ نافع والجمهور للعالمين بفتح‬ ‫اللم وقرأ حفص بكسر العين للعالمين وهم العلماء‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المنام مصدر ميمي وهو من العراض ل من الذوات وأمره عجيب إذ لو قيل لنسان نم‬ ‫ولك مكافأة أعظم مكافأة ل يقدر على أن ينام إل على سنة النوم وهو السترخاء والضطجاع‬ ‫وإغماض العينين فترة حتى ينام‪ ،‬ولو شاء ال ما نام كما لو شاء ما هب من نومه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬اختيار لفظ السماع مع آية النوم فيه إشارة إلى أن النائم يفقد السماع حال نومه بدون إرادته‬ ‫ول اختياره‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جائز أن يكون الخوف للمسافر والطمع للمقيم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬التعبير بالمصدر "إراءته" إشارة إلى أن من أهل التفسير من يقول إن "أن" المصدرية محذوفة‬ ‫نحو قول الشاعر‪:‬‬ ‫أل أيها اللئمي احضر الوغى‬ ‫وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي‬ ‫إذ التقدير أن احضر فحذف أن‪ ،‬ويصح أن يكون المعنى ومن آياته أنه يريكم فحذف أن واسمها‬ ‫وبقي الخبر وهو جملة يريكم والكل واسع وجائز‪.‬‬

‫( ‪)4/171‬‬ ‫الشديدة أن تصيبهم‪ ،‬وطمعا في المطر الذي تحيا به مزارعكم وتنبت به أرضكم فيتوفر لكم أسباب‬ ‫سمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا} أي ومن آياته تنزيله تعالى‬ ‫رزقكم‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَيُنَ ّزلُ مِنَ ال ّ‬ ‫من السماء ماءً هو المطر فيحيى به الرض بالنباتات والزروع بعد أن كانت ميتة ل حياة فيها ل‬ ‫زرع ول نبت إن في ذلك المذكور من إنزال الماء وإحياء الرض بعد إراءته عباده البرق خوفا‬ ‫وطمعا ليات دلئل وحجج على قدرته على البعث والجزاء ولكن يرى تلك الدلئل ويعقل ويفهم‬ ‫تلك الحجج قوم يعقلون أي لهم عقول سليمة يستعملونها في النظر والستدلل فيفهمون ويؤمنون‪.‬‬ ‫سمَا ُء وَالْأَ ْرضُ بَِأمْ ِرهِ} أي ومن آياته تعالى الدالة على قدرته‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ َتقُومَ ال ّ‬ ‫وعلمه وحكمته والموجبة لتوحيده والمقررة لنبوة نبيه ولقائه للحساب والجزاء قيام السماء‬ ‫والرض منذ خلقهما فل السماء تسقط‪ ،‬ول أرض تغور فهما قائمتان منذ خلقهما بأمره تعالى‬ ‫أليس في ذلك أكبر دليل على قدرة ال تعالى على بعث الناس بعد موتهم أحياء لحسابهم على‬ ‫كسبهم ومجازاتهم‪.‬‬ ‫ع َوةً مِنَ الْأَ ْرضِ إِذَا أَنْتُمْ(‪ )1‬تَخْ ُرجُونَ} أي أقام السماء والرض‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ثُمّ ِإذَا دَعَا ُكمْ دَ ْ‬ ‫للحياة الدنيا يحيى فيهما ويميت حتى تنتهي المدة المحددة للحياة فيهلك الكل ويفنيه {ثم إذا دعاكم‬ ‫دعوة} بنفخ إسرافيل في الصور {ِإذَا أَنْتُمْ َتخْرُجُونَ} من الرض استجابة لتلك الدعوة‪ ،‬وذلك‬

‫للحساب والجزاء العادل على العمل في هذه الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحده وترك عبادة من‬ ‫سواه‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية طلب الرزق بالمشي في الرض واستعمال الوسائل المشروعة لذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن الذين ينتفعون بأسماعهم وعقولهم هم أهل حياة اليمان إذ اليمان روح متى دخلت‬ ‫جسما حيي‬ ‫وأصبح صاحبه يسمع ويبصر ويفكر ويعقل‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الصلح البشري بعد عقيدة اليمان بال رباّ‬ ‫وإلها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إذ الولى شرطية والثانية فجائية سادة مسد فاء الجواب وصيغة الدعاء كما ذكرها القرطبي‪:‬‬ ‫يا أهل القبور قوموا فل تبقى نسمة من الوليين والخرين إل قامت تنظر كقوله تعالى {فإذا هم‬ ‫قيام ينظرون}‪.‬‬

‫( ‪)4/172‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُكلّ لَهُ قَانِتُونَ(‪ )26‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدأُ ا ْلخَ ْلقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ عَلَيْهِ‬ ‫وَلَهُ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫سكُمْ َهلْ‬ ‫حكِيمُ(‪ )27‬ضَ َربَ َل ُكمْ مَثَلً مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫وَلَهُ ا ْلمَ َثلُ الْأَعْلَى فِي ال ّ‬ ‫سكُمْ َكذَِلكَ‬ ‫سوَاءٌ َتخَافُو َنهُمْ كَخِيفَ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫َلكُمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَا ُكمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ َ‬ ‫ضلّ اللّهُ‬ ‫علْمٍ َفمَنْ َيهْدِي مَنْ َأ َ‬ ‫صلُ الْآياتِ ِل َقوْمٍ َيعْقِلُونَ(‪َ )28‬بلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا َأ ْهوَاءَهُمْ ِبغَيْرِ ِ‬ ‫ُنفَ ّ‬ ‫َومَا َل ُهمْ مِنْ نَاصِرِينَ(‪)29‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وله من في السموات والرض ‪ :‬أي خلقا وملكا وتصرفا وعبيدا‪.‬‬ ‫كل له قانتون(‪ : )1‬أي كل من في السموات والرض من الملئكة والنس والجن منقادون له‬ ‫تجري عليهم أحكامه كما أرادها فل يتعطل منها حكم‪.‬‬ ‫وهو أهون عليه ‪ :‬أي أيسر وأسهل نظرا إلى أن العادة أسهل من البداية‪.‬‬ ‫وله المثل العلى ‪ :‬أي الوصف العلى في كل كمال فصفاته كلها عليا ومنها الوحدانية‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪ :‬أي الغالب على أمره الحكيم في قضائه وتصرفه‪.‬‬ ‫ضرب لكم مثل ‪ :‬أي جعل لكم مثل‪.‬‬

‫من أنفسكم ‪ :‬أي منتزعا من أموالكم وما تعرفونه من أنفسكم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬القنوت الطاعة وهي النقياد والخلئق كلها منقادة مطيعة لما أراد ال منها فل يتخلف قضاؤه‬ ‫تعالى وحكمه فيها بحال من الحوال‪.‬‬

‫( ‪)4/173‬‬ ‫كخيفتكم أنفسكم ‪ :‬أي تخوفكم من بعضكم بعضا أيها الحرار‪.‬‬ ‫نفصل اليات ‪ :‬أي نبينها بتنويع السلوب وإيراد الحجج وضرب المثال‪.‬‬ ‫بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم ‪ :‬أي ليس المر قصورا في البيان حتى لم يؤمن المشركون وإنما‬ ‫العلة اتباع المشركين لهوائهم وتجاهل عقولهم‪.‬‬ ‫فمن يهدي من أضل ال؟ ‪ :‬أي ل أحد فالستفهام للنفي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير قدرة ال تعالى على البعث الذي أنكره المشركون بذكر الدلة‬ ‫العقلية وتصريف اليات فقال تعالى { َولَهُ} أي ل المحيي المميت الوارث الباعث سبحانه وتعالى‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ} أي من ملئكة وجان وإنسان فهو خلقهم وهو يملكهم ويتصرف‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫{مَنْ فِي ال ّ‬ ‫فيهم‪ .‬وقوله‪ُ { :‬كلّ لَهُ قَانِتُونَ(‪ })1‬أي مطيعون منقادون فالملئكة ل يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما‬ ‫يؤمرون‪ ،‬والجن والنس منقادون لما أراده منهم من حياة وموت ونشور وأما عصيانهم في‬ ‫العبادات فهو غير مقصود لنه التكليف الذي هو علة الحياة كلها ومع هذا فهم منفذون باختيارهم‬ ‫وإرادتهم الحرة ما كتبه عليهم أزل وال أكبر ول الحمد وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُهوَ الّذِي(‪ )2‬يَبْدأُ الْخَ ْلقَ‬ ‫ثُمّ ُيعِي ُدهُ} أي هو ال الذي يبدأ خلق ما أراد خلقه في كل يوم وساعة من غير شيء ويهبه الحياة‬ ‫ثم يسلبها منه في آجال سماها ثم يعيده يوم القيامة أحب الناس أم كرهوا‪ .‬وقوله {وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ(‪)3‬‬ ‫عَلَيْهِ} أي العادة أيسر وأسهل عليه فليس على ال شيء صعب ول شاق ول عزيز ممتنع‪ ،‬وإنما‬ ‫خرج الخطاب على أسلوب المتعجبين من إعادة الخلق بعد فنائه فأعلمهم أن المتعارف عليه عندهم‬ ‫أن العادة أسهل من البداءة ليفهموا ويقتنعوا‪ ،‬وإل فل شيء صعب على ال تعالى ول شاق ول‬ ‫علَى فِي‬ ‫عسير‪ ،‬إذ هو يقول للشيء متى أراده كن فيكون‪ .‬وقوله تعالى {وَلَهُ ا ْلمَ َثلُ(‪ )4‬الْأَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر القرطبي لتفسير كلمة (قانتون) تفاسير عدة عن السلف منها مطيعون طاعة انقياد‪،‬‬ ‫مقرون بالعبودية إما قالة وإما دللة مصلون قائمون يوم القيامة مخلصون‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال القرطبي‪ :‬أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولدته وأما إعادته فإحياؤه بعد الموت في‬ ‫النفخة الثانية للبعث فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليل على ما يخفى من إعادته استدلل بالشاهد‬

‫على الغائب‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أهون بمعنى هين‪ ،‬لقوله تعالى وكان ذلك على ال يسيرا‪ ،‬والعرب تطلق أفعل على فاعل‬ ‫قال الشاعر‪:‬‬ ‫إن الذي شمل السماء بنى لنا‬ ‫بيتا دعائمه أعز وأطول‬ ‫‪ - 4‬أي ثبت له واستحق الشأن التم الذي ل يقاس بشؤون الناس المتعارفة وإنما بقصد التقريب‬ ‫لفهامكم والعلى العظم البالغ نهاية العظمة والقوة‪.‬‬

‫( ‪)4/174‬‬ ‫حكِيمُ} وله أي ل سبحانه وتعالى الوصف الكمل في السموات‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫ال ّ‬ ‫والرض وهو اللوهية والوحدانية فهو الرب الذي ل إله إل هو المعبود في السماء والرض ل‬ ‫إله إل هو فيهما ول رب غيره لهما وهو العزيز الغالب المنتقم ممن كفر به وعصاه الحكيم في‬ ‫سكُمْ} أي جعل لكم مثل‬ ‫تدبيره وتصريفه لشؤون خلقه‪ .‬وقوله تعالى {ضَ َربَ َلكُمْ مَثَلً(‪ )1‬مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫مأخوذا منتزعا من أنفسكم(‪ )2‬وهو‪َ { :‬هلْ َلكُمْ مِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ شُ َركَاءَ فِي مَا رَ َزقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ‬ ‫سوَاءٌ} أي أنه ليس لكم من مماليككم وعبيدكم شريك منهم يشارككم في أموالكم إذ ل ترضون‬ ‫فِيهِ َ‬ ‫بذلك ول تقرونه أبدا‪ ،‬إذا فكذلك ال تعالى ل يرضى أن يكون من عبيده من هو شريك له في‬ ‫س ُكمْ} أي تخافون عبيدكم كما‬ ‫عبادته التي خلق كل شيء من أجلها‪ ..‬وقوله {تَخَافُو َنهُمْ كَخِيفَ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫تخافون بعضكم بعضا أيها الحرار‪ ،‬أي ل يكون هذا منكم ول ترضون به إذا فال – وله المثل‬ ‫العلى‪ -‬كذلك ل يرضى أبدا أن يكون مخلوق من مخلوقاته ملكا كان أو نبيا أو وثنا أو صنما‬ ‫صلُ الْآياتِ} أي نبيّنها بتنويع الساليب وضرب المثال‬ ‫شريكا له في عباداته‪ .‬وقوله‪َ { :‬كذَِلكَ ُنفَ ّ‬ ‫{ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ} إذ هم الذين يفهمون معاني الكلم وما يراد من أخباره وقصصه وأمثاله وأوامره‬ ‫ونواهيه‪ .‬وقوله تعالى { َبلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظََلمُوا أَ ْهوَاءَهُمْ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ} أي ليس المر قصورا في الدلة‬ ‫ول عدم وضوح في الحجج وإنما الظالمون اتبعوا أهواءهم أي ما يهوونه ويشتهونه بغير علمٍ من‬ ‫نفعه وجدواه لهم فضلوا لذلك‪ .‬فمن يهديهم‪ ،‬وقد أضلهم ال حسب سنته في الضلل‪ .‬وهو معنى‬ ‫ضلّ اللّهُ}؟ أي ل أحد وقوله { َومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي يهدونهم بعد‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬فمَنْ َيهْدِي مَنْ َأ َ‬ ‫أن أضلهم ال‪ ،‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والتوحيد بذكر الدلة وضرب المثال وتفصيل اليات‪.‬‬ ‫‪ -2‬تفرّد الرب تعالى بالمثل العلى في كل جلل وكمال‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬ضرب المثل إيقاعه ووضعه‪ ،‬واللم في لكم للتعليل أي لجلكم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬من في قوله مثلً من أنفسكم للبتداء وفي قوله من أنفسكم للتبعيض وفي قوله من شركاء‬ ‫زائدة‪ .‬قال قتادة هذا مثل ضربه ال تعالى للمشركين والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه‬ ‫في ماله ونفسه مثله فإن لم ترضوا بهذا لنفسكم فكيف جعلتم ل شركاء‪.‬‬

‫( ‪)4/175‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الفهام‪.‬‬ ‫‪ -2‬عظم فائدة المثل "ضرب لكم مثل من أنفسكم الية" حتى قال بعضهم(‪َ )1‬فهْمُ هذا المثل أفضل‬ ‫من حفظ كذا مسألة فقهية‪.‬‬ ‫‪ -3‬علة ضلل الناس(‪ )2‬اتباعهم لهوائهم بغير علم وبانصرافهم عن الهدى بالسترسال في اتباع‬ ‫الهوى‪.‬‬ ‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفا فِطْ َرتَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا ل تَبْدِيلَ ِلخَلْقِ اللّهِ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّ ُم وََلكِنّ‬ ‫فََأقِ ْم وَ ْ‬ ‫َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ(‪ )30‬مُنِيبِينَ إِلَ ْي ِه وَا ّتقُو ُه وََأقِيمُوا الصّلةَ وَل َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪ )31‬مِنَ‬ ‫الّذِينَ فَ ّرقُوا دِي َنهُ ْم َوكَانُوا شِيَعا ُكلّ حِ ْزبٍ ِبمَا لَدَ ْي ِهمْ فَرِحُونَ(‪)32‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فأقم وجهك للدين حنيفا ‪ :‬أي سدد وجهك يا رسولنا للدين السلمي بحيث ل تنظر إل إليه‪.‬‬ ‫حنيفا ‪ :‬أي مائل عن سائر الديان إليه‪ ،‬وهو بمعنى مقبل عليه‪.‬‬ ‫فطرة ال ‪ :‬أي صنعة ال التي صنع عليها النسان وهي قابليته لليمان بال تعالى‪.‬‬ ‫ل تبديل لخلق ال ‪ :‬أي ل تعملوا على تغيير تلك القابلية لليمان والتوحيد فالجملة خبرية لفظا‬ ‫إنشائية معنى‪.‬‬ ‫الدين القيم ‪ :‬أي المستقيم الذي ل يضل الخذ به‪.‬‬ ‫منيبين إليه ‪ :‬أي راجعين إليه تعالى بفعل محابه وترك مكارهه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المراد به القرطبي إذ قال عند تفسير هذه الية‪" :‬وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان‬ ‫كامل في الفقه لن جميع العبادات البدنية ل تصح إل بتصحيح هذه المسألة في القلب‪ ،‬فافهم ذلك"‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لما أقام عليهم الحجة ذكر تعالى أنهم يعبدون الصنام باتباع أهوائهم وتقليد آبائهم وأسلفهم‪.‬‬

‫( ‪)4/176‬‬

‫وكانوا شيعا ‪ :‬أي طوائف وأحزابا كل فرقة فرحة بما هي عليه من حق وباطل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما قرر تعالى عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بالدلة وضمن ذلك عقيدة النبوة وإثباتها للنبي صلى‬ ‫ج َهكَ لِلدّينِ حَنِيفا} (‪ )2‬أي أنصبوا‬ ‫ال عليه وسلم أمر رسوله والمؤمنون تبع له فقال {فََأ ِقمْ(‪ )1‬وَ ْ‬ ‫وجوهكم أيها الرسول والمؤمنون للدين الحق دين السلم القائم على مبدأ التوحيد والعمل الصالح‪،‬‬ ‫فل تلتفتوا إلى غيره من الديان المنحرفة الباطلة‪ .‬وقوله {فِطْ َرتَ(‪ )3‬اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا}‬ ‫أي أقيموا وجوهكم للدين الحق الذي فطر ال النسان عليه تلك الفطرة التي هي خلق النسان‬ ‫قابلً لليمان والتوحيد‪ .‬وقوله‪{ :‬ل تَ ْبدِيلَ ِلخَ ْلقِ اللّهِ} أي ل تبدلوا تلك الخلقة ول تغيروها بل نموها‬ ‫وأبرزوها بالتربية حتى ينشأ الطفل على اليمان والتوحيد‪ .‬فالجملة خبرية لفظا وإنشائية معنى‬ ‫نحو فهل أنتم منتهون فهي بمعنى انتهوا وهي أبلغ من انتهوا فكذا‪ :‬ل تبديل أبلغ من ل تبدلوا‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ} (‪ )4‬أي لزوم ما فطر عليه المرء من اليمان بال وتوحيده‪ ..‬وإبراز ذلك‬ ‫في الواقع باليمان بال وبما أمر باليمان به من أركان اليمان وبعبادة ال تعالى وهي طاعته‬ ‫بفعل ما يأمر به وينهى عنه مخلصا له ذلك ل يشاركه فيه غيره من سائر مخلوقاته هو الدين القيم‬ ‫الذي يجب أن يكون عليه النسان وقوله‪{ :‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ(‪ })5‬يخبر تعالى بأن ما‬ ‫قرره من الدين القيم كما بيّنه في اليات أكثر الناس ل يعلمونه ول يعرفونه وهو كما أخبر‬ ‫سبحانه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬فأقم وجهك‪ :‬هذا الفاء هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن جواب سؤال مقدر تقديره هنا‬ ‫إذا علمت أحوال المعرضين عن الحق بعد ظهور دلئله فأقم وجهك والمراد من المر دوام إقامة‬ ‫الوجه والستمرار عليه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬حنيفا منصوب على الحال أي حال كونك معتدلً مائلً عن جميع الديان المنحرفة الباطلة‬ ‫إلى دين ال الحق الذي لم يبدل ولم يغيّر وهو السلم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬فطرة‪ :‬جائز أن يكون منصوبا على المفعولية المطلقة أي فطر ال تعالى النسان على ذلك‬ ‫فطرة‪ ،‬وجائز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به أي وابتع فطرة ال والتقدير‪ :‬فأقم وجهك للدين‬ ‫حنيفا واتبع فطرة ال‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قيّم كهيّن ولين مفيد قوة التصاف بمصدره أي الدين البالغ قوة القيام أي الستقامة والبعد‬ ‫عن العوجاج‪ .‬يقال عود مستقيم وقيّم من تشبيه المعقول بالمحسوس‪.‬‬ ‫‪ - 5‬في الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه يقول الرسول صلى ال عليه وسلم مقررا حقيقة‬ ‫أن السلم هو دين الفطرة يقول‪" :‬ما من مولود يولد إل على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه‬ ‫أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول فطرة ال التي‬

‫فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك الدين القيم ‪" ..‬الجمعاء أي جامعة لعضائها ل نقص فيها‬ ‫والجدعاء التي يجدع أي يقطع منها عضو كالذيل أو الذن‪.‬‬

‫( ‪)4/177‬‬ ‫وتعالى‪ .‬وقوله {مُنِيبِينَ(‪ )1‬إِلَ ْيهِ} أي أقيموا وجوهكم للدين القيم حال كونكم راجعين إليه تعالى‬ ‫تائبين إليه من كل دين غير هذا الدين‪ ،‬ومن كل طاعة غير طاعته تعالى بفعل الوامر واجتناب‬ ‫النواهي‪ .‬وقوله‪{ :‬وَا ّتقُوهُ} أي خافوه تعالى إذ عذابه شديد فل تتركوا دينه لي دين ول طاعته لي‬ ‫مطاع غير ال تعالى ورسوله وقوله‪{ :‬وََأقِيمُوا الصّلةَ} أي حافظوا عليها في أوقاتها وأدوها كما‬ ‫شرعها كمّية وكيفيّة فإنها سقيا اليمان ومُنمية الخشية والمحبة ل تعالى‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل‬ ‫َتكُونُوا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ مِنَ الّذِينَ فَ ّرقُوا(‪ )2‬دِي َنهُ ْم َوكَانُوا شِيَعا} ينهى تعالى المؤمنين من أهل الدين‬ ‫القيم الذي هو السلم أن يكونوا من المشركين في شيء من ضروب الشرك عقيدة وقول وعمل‪.‬‬ ‫فكل ملة غير ملة السلم أهلها مشركون كافرون سواء كانوا مجوسا أو يهودا أو نصارى أو بوذة‬ ‫أو هندوكا أو بلشفة شيوعيين إذ جميعهم فرقوا دينهم الذي يجب أن يكونوا عليه وهو دين الفطرة‬ ‫وهو السلم وكانوا شيعا أي فرقا وأحزابا كل فرقة تنتصر لما هي عليه وتنحزب له‪ .‬فأصبح كل‬ ‫حزب منهم بما لديهم من دين فرحين به ظنا منهم أنه الدين الحق وهو الباطل قطعا‪ ،‬لنه ليس‬ ‫دين الفطرة التي فطر ال عليها النسان وهو السلم القائم على توحيد ال تعالى وعبادته بما‬ ‫شرع لعباده أن يعبدوه به ليكملوا على ذلك ويسعدوا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب القبال على ال تعالى بعبادته والخلص له فيها‪.‬‬ ‫‪ -2‬السلم هو دين ال الذي خلق النسان متأهل له ول يقبل منه دين غيره‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب النابة إلى ال تعالى والرجوع إليه في كل حال‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تقوى ال عز وجل وإقام الصلة‪.‬‬ ‫‪ -5‬البراءة من الشرك والمشركين‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة الفتراق في الدين السلمي ووجوب التحاد فيه عقيدة وعبادة وقضاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬شاهد النابة بمعنى التوبة في قول الشاعر‪:‬‬ ‫فإن تابوا فإن بني سليم‬ ‫وقومهم هوازن قد أنابوا‬ ‫ومنيبين حال من أقم وجهك وجمع لن المة مخاطبة معه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ - 2‬قرأ الجمهور فرقوا وقرأ حمزة والكسائي فارقوا‪ ،‬والشيع جمع شيعة وهي الجماعة التي‬ ‫تتشايع أي توافق وتجمع عليه والحزب الجماعة الذين رأيهم ونزعتهم واحدة‪.‬‬

‫( ‪)4/178‬‬ ‫حمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ بِرَ ّبهِمْ‬ ‫عوْا رَ ّبهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ُثمّ إِذَا أَذَا َقهُمْ مِ ْنهُ رَ ْ‬ ‫س ضُرّ دَ َ‬ ‫وَإِذَا مَسّ النّا َ‬ ‫سوْفَ َتعَْلمُونَ(‪َ )34‬أمْ أَنْزَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ سُ ْلطَانا َف ُهوَ يَ َتكَلّمُ‬ ‫يُشْ ِركُونَ(‪ )33‬لِ َي ْكفُرُوا ِبمَا آتَيْنَا ُهمْ فَ َتمَ ّتعُوا َف َ‬ ‫حمَةً فَ ِرحُوا ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّئَةٌ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيهِمْ‬ ‫ِبمَا كَانُوا ِبهِ يُشْ ِركُونَ(‪ )35‬وَإِذَا َأ َذقْنَا النّاسَ َر ْ‬ ‫إِذَا هُمْ َيقْنَطُونَ(‪)36‬‬ ‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَقْدِرُ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪)37‬‬ ‫َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ يَبْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذا مس الناس ضر ‪ :‬أي إذا مس المشركين ضرّ أي شدة من مرض أو فقر أو قحط‪.‬‬ ‫منيبين إليه ‪ :‬أي راجعين إليه بالضراعة والدعاء إليه تعالى دون غيره‪.‬‬ ‫رحمة ‪ :‬بكشفِ ضر أو إنزال غيث وإصابة رخاء وسعة رزق‪.‬‬ ‫يشركون ‪ :‬أي بربهم فيعبدون معه غيره بالذبح لللهة والنذر وغيره‪.‬‬ ‫ليكفروا بما آتيناهم ‪ :‬أي ليكون شكرهم ل كفرا بنعمه والعياذ بال‪.‬‬ ‫أم أنزلنا عليهم سلطانا ‪ :‬أي حجة من كتاب وغيره ينطق بشركهم ويقرره لهم ويأمرهم به‪.‬‬ ‫بما قدمت أيديهم ‪ :‬أي بذنوبهم وخروجهم عن سنن ال تعالى في نظام الحياة‪.‬‬ ‫إذا هم يقنطون ‪ :‬أي ييأسون من الفرج بزوال الشدة‪.‬‬ ‫يبسط الرزق لمن يشاء ‪ :‬أي يوسعه امتحانا له‪.‬‬ ‫ويقدر ‪ :‬أي يضيق الرزق على من يشاء ابتلء‪.‬‬

‫( ‪)4/179‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أمر تعالى رسوله والمؤمنين بإقامة الدين ونهاهم أن يكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم‬ ‫وكانوا شيعا أخبر تعالى عن المشركين أنهم إذا مسهم الضر وهو المرض والشدة كالقحط والغلء‬ ‫ونحوها دعوا ربهم تعالى منيبين إليه أي راجعين إليه بالدعاء والضراعة ل يدعون غيره‪ .‬وهو‬ ‫حمَةً}‬ ‫عوْا(‪ )1‬رَ ّبهُمْ مُنِيبِينَ إِلَ ْيهِ} وقوله‪ُ { :‬ثمّ ِإذَا أَذَا َق ُهمْ مِنْهُ َر ْ‬ ‫س ضُرّ دَ َ‬ ‫قوله تعالى {وَإِذَا مَسّ النّا َ‬ ‫أصابهم برحمة من عنده وهي الصحة والرخاء والخصب ونحوه {إِذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ} أي كثير {بِرَ ّب ِهمْ‬ ‫يُشْ ِركُونَ} فيعبدون الصنام والوثان بأنواع العبادات‪ ،‬وقوله {لِ َي ْكفُرُوا(‪ِ )2‬بمَا آتَيْنَا ُهمْ} أي أشركوا‬

‫بال بعد إنعامه عليهم ليكفروا بما آتاهم من نعمة كشف الضر عنهم إذا {فَ َتمَ ّتعُوا(‪ })3‬أيها‬ ‫الكافرون بما خولكم ال من نعمة فسوف تعلمون عاقبة كفركم لنعم ال وشرككم به يوم تردون‬ ‫عليه حفاة عراة ل وليّ لكم من دونه تعالى ول نصير‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ أَنْزَلْنَا(‪ )4‬عَلَ ْيهِمْ سُلْطَانا َف ُهوَ يَ َتكَلّمُ ِبمَا كَانُوا ِبهِ يُشْ ِركُونَ} أي ما الذي شجعهم‬ ‫على الشرك وجعلهم يصرون عليه حتى إذا تركوه ساعة الشدة عادوا إليه ساعة الرخاء أأنزلنا‬ ‫عليهم سلطانا أي حجة من كتاب ونحوه فهو ينطق بشركهم ويقرره لهم ويأمرهم به اللهم ل‪ ،‬ل‪،‬‬ ‫ح َمةً فَرِحُوا ِبهَا} هذه حال أهل الشرك‬ ‫وإنما هو الجهل والتقليد والعناد وقوله {وَِإذَا أَ َذقْنَا النّاسَ رَ ْ‬ ‫والكفر والجهل من الناس إذا أذاقهم ال رحمة من خصب ورخاء وصحة فرحوا بها فرح البطر‬ ‫والشر {وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ} من جدب وقحط ومرض وفقر‪ِ { ،‬بمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِهمْ} من الذنوب‬ ‫والمعاصي ومنها مخالفة سنن ال في الكون {ِإذَا ُهمْ َيقْنَطُونَ(‪ })5‬أي ييأسون من الفرج وذلك‬ ‫لكفرهم بال وجهلهم بأسمائه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الضر بالضم الضاد سوء الحال في البدن أو العيش أو المال وهذه الجملة الخبرية تحمل‬ ‫السامع على التعجب من حال المشركين كيف يخلصون ل تعالى الدعاء في الشدة ويشركون به‬ ‫في الرخاء يا للعجب!!‬ ‫‪ - 2‬هذه لم التعليل في ظاهرها ولكنها آلت لمعنى العاقبة في واقعها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المر للتهديد والتوعد على كفران النعم واستبدال شكرها بالكفر بالمنعم عز وجل الشرك به‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أم أنزلنا‪ :‬أم للضراب النتقالي فهي بمعنى بل‪ ،‬وحرف الستفهام مقدر أي أنزلنا عليهم‬ ‫الخ‪ .‬وهو إنكاري أن ال تعالى لم ينزل عليهم حجة تبيح لهم الشرك وتقرره‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هذه الصفة وإن كان المراد بها المشركون فإنها قد يتصف بها بعض المؤمنين فتجد أحدهم‬ ‫يصاب بالبطر عند حلول النعم ويترك الشكر ويقنط عند حلول النقم والشدة وينسى الدعاء‬ ‫والتضرع إلى ال تعالى فهو كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫كحمار السوء إن أعلفته‬ ‫رمح الناس وإن جاع نهق‬

‫( ‪)4/180‬‬ ‫وصفاته‪.‬‬ ‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَقْدِرُ} أي ألم يروا بأعينهم أن ال يبسط‬ ‫وقوله تعالى {َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ يَبْ ُ‬ ‫الرزق أي يوسعه لمن يشاء امتحانا له أيشكر أم يكفر‪{ ،‬وَ َيقْدِرُ} أي يضيق الرزق على من يشاء‬ ‫ابتلء أيصبر أم يضجر ويسخط‪ .‬إذ لو كانت لهم عيون يبصرون بها وقلوب يفقهون بها لما أيسوا‬

‫من رحمة ال وفرجه ول ما قنطوا‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ فِي ذَِلكَ} أي المذكور من تدبير ال في خلقه‬ ‫بالعطاء والمنع {لَآياتٍ} أي حججا ودلئل تدل المؤمنين على قدرة ال ولطفه ورحمته وحكمته‬ ‫في تدبير ملكه وملكوته فسبحانه من إله عظيم ورب غفور رحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان جهل المشركين وضلل عقولهم بما ذكر تعالى من صفاتهم وأحوالهم‪.‬‬ ‫‪ --2‬بيان تهديد ال تعالى للمصرين على الشرك والكفر بعذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حال أهل الشرك والجهل في فرحهم بالنعمة فرح البطر والشر ويأسهم وقنوطهم عند‬ ‫نزول البلء بهم والشدة‪.‬‬ ‫‪ -4‬مظهر حكمة ال وتدبيره في الرزق توسعة وتقديرا وإدراك ذلك خاص بالمؤمنين لنهم أحياء‬ ‫يبصرون ويفهمون بخلف الكافرين فهم أموات ل إبصار ول إدراك لهم‪.‬‬ ‫ن وَابْنَ السّبِيلِ ذَِلكَ خَيْرٌ لِلّذِينَ يُرِيدُونَ َوجْهَ اللّ ِه وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(‬ ‫سكِي َ‬ ‫حقّ ُه وَا ْلمِ ْ‬ ‫فَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬ ‫جهَ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫‪َ )38‬ومَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْ ُبوَ فِي َأ ْموَالِ النّاسِ فَل يَرْبُو عِنْدَ اللّ ِه َومَا آتَيْ ُتمْ مِنْ َزكَاةٍ تُرِيدُو َ‬ ‫ض ِعفُونَ(‪ )39‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ ثُمّ رَ َز َقكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ َهلْ مِنْ‬ ‫اللّهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُم ْ‬

‫( ‪)4/181‬‬ ‫عمّا ُيشْ ِركُونَ(‪)40‬‬ ‫شيْءٍ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬ ‫شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ َي ْف َعلُ مِنْ ذَِلكُمْ مِنْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فآت ذا القربى ‪ :‬أي أعط ذا القرابة حقه من البر والصلة‪.‬‬ ‫والمسكين ‪ :‬أي المعدوم الذي ل مال له أعطه حقه في الطعام والشراب والكساء‪.‬‬ ‫وابن السبيل ‪ :‬أي أعط ابن السبيل أي المسافر حقه في اليواء والطعام‪.‬‬ ‫ذلك خير ‪ :‬أي ذلك النفاق خير من عدمه للذين يريدون وجه ال تعالى إذ يثيبهم ربهم أحسن‬ ‫ثواب‪.‬‬ ‫وما آتيتم من ربا ‪ :‬أي من هدية أو هبة وسميت ربا لنهم يقصدون بها زيادة أموالهم‪.‬‬ ‫ليربو في أموال الناس ‪ :‬أي ليكثر بسبب ما يرده عليكم مَن أهديتموه القليل ليرد عليك الكثير‪.‬‬ ‫فل يربوا عند ال ‪ :‬أي ل يباركه ال ول يضاعف أجره‪.‬‬ ‫فأولئك هم المضعفون ‪ :‬أي الذين يؤتون أموالهم صدقة يريدون بها وجه ال فهؤلء الذين‬ ‫يضاعف لهم الجر أضعافا مضاعفة‪.‬‬ ‫هل من شركائكم ‪ :‬أي من أصنامكم التي تعبدونها‪.‬‬ ‫من يفعل من ذلكم من شيء‪ :‬والجواب ل أحد‪ ،‬إذا بطلت ألوهيتها وحرمت عبادتها‪.‬‬

‫سبحانه وتعالى عما يشركون ‪ :‬أي تنزه الرب عن الشرك وتعالى عن المشركين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما بيّن تعالى في الية السابقة لهذه أنه يبسط الرزق لمن يشاء امتحانا ويقدر على من يشاء ابتلء‬ ‫أمر رسوله وأمته التابعة له بإيتاء ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل‪ ،‬إذ منع‬

‫( ‪)4/182‬‬ ‫الحقوق الواجبة ل يزيد في سعة الرزق ول في تضييقه‪ ،‬إذ توسعة الرزق وتضييقه مرده إلى‬ ‫حقّهُ(‪ })1‬أي من البر‬ ‫تدبير ال تعالى الحكيم العليم هذا ما دل عليه قوله تعالى {فَآتِ ذَا ا ْلقُرْبَى َ‬ ‫سكِينَ} وهو من ل يملك قوته {وَابْنَ السّبِيلِ} وهو المسافر ينزل البلد ل يعرف فيها‬ ‫والصلة {وَا ْلمِ ْ‬ ‫جهَ اللّهِ} أي‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫أحدا‪ ،‬وحقهما‪ :‬إيواؤهما وإطعامهما وكسوتهما وقوله تعالى { َذِلكَ خَيْرٌ لِلّذِينَ يُرِيدُو َ‬ ‫ل ومآلً للذين يريدون وجه ال تعالى وما عنده من ثواب‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫ذلك اليتاء من الحقوق خير حا ً‬ ‫{وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُفِْلحُونَ} أي الفائزون بالنجاة من العذاب في الدنيا والخرة‪ ،‬وبدخول الجنة يوم‬ ‫القيامة وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْ ُبوَ فِي َأ ْموَالِ النّاسِ فَل يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ} أي وما أعطيتم‬ ‫من هبات وهدايا تريدون بها أن يُردّ عليكم بأكثر مما أعطيتم فهذا العطاء ل يربو عند ال ول‬ ‫يضاعف أجره بل ول يؤجر عليه وقوله‪َ { :‬ومَا آتَيْ ُتمْ مِنْ َزكَاةٍ} أي صدقات تريدون بها وجه ال‬ ‫ض ِعفُونَ}‬ ‫ليرضى عنكم ويغفر لكم ويرحمكم‪{ ،‬فَأُولَ ِئكَ} هؤلء الذين ينفقون ابتغاء وجه ال {هُمُ ا ْل ُم ْ‬ ‫أي الذين يضاعف لهم الجر والثواب‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ(‪ )2‬ثُمّ رَ َز َق ُكمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ ُيحْيِيكُمْ} يخبر تعالى المشركين من عباده‬ ‫موبخا لهم على شركهم مقرعا‪ :‬ال ل غيره هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا ثم رزقكم بما تنموا‬ ‫به أجسادكم وتحفظ به حياتكم من أنواع الغذية ثم يميتكم عند نهاية آجالكم‪ ،‬ثم يحييكم يوم القيامة‬ ‫للحساب والجزاء على الكسب في هذه الدنيا ثم يقول لهم { َهلْ(‪ )3‬مِنْ شُ َركَا ِئكُمْ مَنْ َي ْفعَلُ مِنْ َذِلكُمْ}‬ ‫شيْءٍ}؟ والجواب‪ :‬ل وإذا فلم تعبدونهم من دون‬ ‫المذكور من الخلق والرزق الماتة والحياء {مِنْ َ‬ ‫ال‪ ،‬فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون‪ .‬ثم نزه تعالى نفسه عن الشرك‪ ،‬وتعالى عن المشركين‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ(‪})4‬‬ ‫فقال {سُبْحَا َن ُه وَ َتعَالَى َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الخطاب وإن كان موجها للنبي صلى ال عليه وسلم فأمته تابعة له في هذا كله وابن السبيل‬ ‫إن استضاف مؤمنا وجب عليه ضيافته لقوله صلى ال عليه وسلم "من كان يؤمن بال واليوم‬ ‫الخر فليكرم ضيفه" في الصحيح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬استئناف لتقرير عقيدة التوحيد وإبطال التنديد والتوبيخ والتقريع على الشرك الذي هو أعظم‬ ‫أنواع الظلم وصاحبه أحط الناس قدرا وأفسدهم ذوقا وعقل‪.‬‬

‫‪ - 3‬الستفهام إنكاري مشوب بالنفي لقرينة من المؤكدة لنفي الجنس والشارة في قوله من ذلكم‬ ‫إلى ما ذلك من الخلق والرزق والماتة والحياء‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ الجمهور بالياء وقرأ غيرهم بتاء الخطاب بدون التفات من الغيبة إلى الخطاب‪.‬‬

‫( ‪)4/183‬‬ ‫من هداية اليات‬ ‫هداية اليات‬ ‫‪ -1‬وجوب إعطاء ذوي القربى حقوقهم من البر والصلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب كفاية الفقراء وأبناء السبيل في المجتمع السلمي‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز هدية الثواب(‪ )1‬الدنيوي كأن يهدي رجل شيئا يريد أن يرد عليه أكثر منه ولكن ل‬ ‫ثواب فيه في الخرة‪ ،‬وتسمى هذه الهدية‪ :‬هدية الثواب وهي للرسول محرمة لقوله تعالى له ‪{:‬وَل‬ ‫َتمْنُنْ تَسْ َتكْثِرُ}‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان مضاعفة الصدقات التي يراد بها وجه ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬إبطال الشرك والتنديد بالمشركين وبيان جهلهم وضلل عقولهم‪.‬‬ ‫جعُونَ(‪)41‬‬ ‫عمِلُوا َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬ ‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَ ّر وَالْبَحْرِ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِي النّاسِ لِ ُيذِي َقهُمْ َب ْعضَ الّذِي َ‬ ‫َ‬ ‫ُقلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَ ْبلُ كَانَ َأكْثَرُ ُهمْ مُشْ ِركِينَ(‪ )42‬فََأقِمْ‬ ‫ج َهكَ لِلدّينِ ا ْلقَيّمِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َي ْو ٌم ل مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ َي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ(‪ )43‬مَنْ َكفَرَ َفعَلَيْهِ‬ ‫وَ ْ‬ ‫سهِمْ َي ْمهَدُونَ(‪)44‬‬ ‫ع ِملَ صَالِحا فَلِأَ ْنفُ ِ‬ ‫ُكفْرُ ُه َومَنْ َ‬ ‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ(‪)45‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْ َفضْلِهِ إِنّهُ ل يُ ِ‬ ‫لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الهبة ثلثة أنواع الول هبة يريد بها صاحبها وجه ال تعالى كأن يهب عبدا صالحا هبة‬ ‫إكراما له وإسعادا فهذه جائزة ويثيب عليها ال تعالى والثانية هبة يريد بها صاحبها رد أكثر منها‬ ‫كأن يهدي فقير لغني أو مأمور لمير فهذه ثوابها ما يعطيه له من أهداه ول أجر له عند ال‪ .‬وله‬ ‫أن يطالب من أهداه للثواب ولم يثيبه والثالثة الصدقات تعطى للفقراء فهي هبة ل وال يثيب عليها‬ ‫إن خلت من الرياء فإذا شابها رياء فل ثواب فيها‪.‬‬

‫( ‪)4/184‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ظهر الفساد في البر والبحر ‪ :‬أي ظهرت المعاصي في البر والبحر وتبعها الشر والفساد‪.‬‬

‫بما كسبت أيدي الناس ‪ :‬أي بسبب ما كسبته أيدي الناس من ظلم واعتداء‪.‬‬ ‫ليذيقهم بعض الذي عملوا ‪ :‬أي تم ذلك وحصل ليذيقهم ال العذاب ببعض ذنوبهم‪.‬‬ ‫لعلهم يرجعون ‪ :‬كي يرجعوا عن المعاصي إلى الطاعة والستقامة‪.‬‬ ‫قل سيروا في الرض ‪ :‬أي قل يا رسولنا لهل مكة المكذبين بك والمشركين بال سيروا‪.‬‬ ‫عاقبة الذين من قبل ‪ :‬أي كيف كانت نهاية تكذيبهم لرسلهم وشركهم بربهم إنّها هلكهم‪.‬‬ ‫فأقم وجهك للدين القيم ‪ :‬أي استقم على طاعة ربك عابدا له مبلغا عنه منفذا لحكامه‪.‬‬ ‫ل مرد له من ال ‪ :‬أي ل يرده ال تعالى لنه قضى بإتيانه وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫يصدعون ‪ :‬أي يتفرقون فرقتين‪.‬‬ ‫يمهدون ‪ :‬أي يوطئون ويفرشون لنفسهم في منازل الجنة بإيمانهم وصالح أعمالهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫تقدم في السياق الكريم إبطال الشرك بالدليل العقلي إل أن المشركين مصرون على الشرك وبذلك‬ ‫سيحصل فساد في الرض ل محالة فأخبر تعالى عنه بقوله في هذه الية الكريمة (‪ )41‬فقال‬ ‫ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ} أي انتشرت المعاصي في البر(‪ )1‬والبحر وفي الجو اليوم فعُبد غير‬ ‫{َ‬ ‫ال واستبيحت محارمه وأوذي الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم وذلك نتيجة العراض عن‬ ‫دين ال وإهمال شرائعه وعدم تنفيذ أحكامه‪ .‬وقوله { ِبمَا َكسَ َبتْ أَيْدِي النّاسِ} أي بظلمهم وكفرهم‬ ‫وفسقهم وفجورهم‪ .‬وقوله‪ :‬ليذيقهم بعض الذي عملوا أي فما يصيبهم من جدب وقحط وغلء‬ ‫عمِلُوا} من الشرك والمعاصي ل بكل‬ ‫وحروب وفتن إنما أصابهم ال به {لِيُذِي َقهُمْ(‪َ )2‬ب ْعضَ الّذِي َ‬ ‫ما فعلوا إذ لو أصابهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر للفساد في البر والبحر تأويلت وما في التفسير أصحها وأولها بفهم الية الكريمة‬ ‫وأنفعها لهل القرآن المتدبرين به العاملين بما فيه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ الجمهور ليذيقهم بالياء وقرأ البعض بالنون‪.‬‬

‫( ‪)4/185‬‬ ‫بكل ذنوبهم لنهى حياتهم على وجودهم(‪ ،)1‬ولكنه الرحمن الرحيم بعباده اللطيف بهم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى { ُقلْ سِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَ ْبلُ} قل يا رسولنا لكفار قريش‬ ‫المكذبين لك المشركين بربهم‪ :‬سيروا في الرض شمالً أو جنوبا أو غربا فانظروا بأعينكم كيف‬ ‫كان عاقبة الذين كذبوا رسلهم وكفروا بربهم من قبلكم إنها كانت دمارا وهلكا فهل ترضون أن‬ ‫تكونوا مثلهم‪ .‬وقوله {كَانَ َأكْثَرُهُمْ ُمشْ ِركِينَ} أي كان أكثر أولئك القوام الهالكين مشركين فالشرك‬ ‫ج َهكَ لِلدّينِ ا ْلقَيّمِ} أي‬ ‫والتكذيب الذي أنتم عليه هو سبب هلكهم وخسرانهم وقوله تعالى‪{ :‬فََأقِ ْم َو ْ‬

‫استقم يا رسولنا أنت والمؤمنون معك على الدين السلمي إذ ل دين يقبل سواه فاعتقدوا عقائده‬ ‫وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه وتأدبوا بآدابه وتخلقوا بأخلقه وأقيموا حدوده وأحلوا حلله‬ ‫وحرموا حرامه وادعوا إليه وعلموه الناس أجمعين‪ ،‬واصبروا على ذلك فإن العاقبة للمتقين‬ ‫وقوله‪{ :‬مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْ ٌم ل مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّهِ} أي افعلوا ذاك الذي أمرتكم به قبل مجيء يوم‬ ‫القيامة حيث لم يكن عمل وإنما جزاء‪ ،‬وقوله {ل مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّهِ} أي إنه ل يرده ال إذا جاء‬ ‫ميعاده لنه قضى بإتيانه ل محالة من أجل الجزاء على العمل في الدنيا‪ .‬وقوله { َي ْومَئِذٍ َيصّدّعُونَ}‬ ‫أي يوم يأتي اليوم الذي ل مرد له يصدعون أي يتفرقون فرقتين(‪ )2‬كما يتصدع الجدار فرقتين‬ ‫فريق في الجنة وفريق في النار‪ .‬وقوله‪{ :‬مَنْ َكفَرَ َفعَلَيْهِ ُكفْ ُرهُ} أي من كفر اليوم فعائد كفره عليه‬ ‫س ِهمْ َي ْمهَدُونَ} أي يوطئون فرشهم في الجنة(‪ )3‬إذ‬ ‫ع ِملَ صَالِحا} أي اليوم {فَلِأَ ْنفُ ِ‬ ‫يوم القيامة‪َ { ،‬ومَنْ َ‬ ‫عمِلُوا‬ ‫عائدة عملهم الصالح تعود عليهم ل على غيرهم‪ ،‬وقوله {لِيَجْ ِزيَ(‪ )4‬الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫الصّالِحَاتِ مِنْ َفضْلِهِ} أي يصدعون فرقتين من أجل أن يجزي ال تعالى أولياءه المؤمنين العاملين‬ ‫للصالحات من فضله إذ أعمالهم حسبها أنها زكّت نفوسهم فتأهلوا لدخول الجنة أما النعيم المقيم‬ ‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ} هذه جملة علة لجملة محذوفة إذ‬ ‫فيها فهو من فضل ال فقط‪ .‬وقوله {إِنّهُ(‪ )5‬ل يُ ِ‬ ‫التقدير‪ :‬ويجزي الكافرين بعدله وهو سوء العذاب لنه ل يحب الكافرين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬شاهد قوله تعالى‪ :‬ولو يؤاخذ ال الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن‬ ‫يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن ال كان بعباده بصيرا (فاطر)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫وكنا كندماني جذيمة حقبة‬ ‫من الدهر حتى قيل لن يتصدعا‬ ‫جذيمة البرشي كان ملكا ونديماه هما مالك وعقيل نادماه أربعين سنة ثم ماتوا وندماني في البيت‬ ‫تثنية ندمان‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شاهده قوله تعالى من سورة الشورى (وتُنذر يوم الجمع ل ريب فيه فريق في الجنة وفريق‬ ‫في السعير)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬اللم لم التعليل وهو واضح في التفسير‪.‬‬ ‫‪ - 5‬علة الحذف طلب اليجاز مع ظهور المعنى بدللة السياق عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/186‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬ظهور الفساد بالجدب والغلء أو بالحرب والمراض يسبقه حسب سنة ال تعالى في ظهور‬ ‫الفساد في العقائد بالشرك‪ ،‬وفي العمال بالفسق والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الستقامة على الدين السلمي عقيدة وعبادة وقضاءًَ وحكما‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثه ووقائعه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن ال تعالى يحب المتقين ويكره الكافرين‪.‬‬ ‫حمَتِ ِه وَلِتَجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ بَِأمْ ِر ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضِْلهِ‬ ‫ت وَلِيُذِي َقكُمْ مِنْ َر ْ‬ ‫سلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَا ٍ‬ ‫َومِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْ ِ‬ ‫شكُرُونَ(‪ )46‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ ُرسُلً إِلَى َق ْومِهِمْ َفجَاءُو ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ فَانْ َتقَمْنَا مِنَ الّذِينَ‬ ‫وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬ ‫حقّا عَلَيْنَا َنصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)47‬‬ ‫أَجْ َرمُوا َوكَانَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن آياته أن يرسل الرياح ‪ :‬أي ومن حججه الدالة على قدرته على البعث والجزاء والموجبة‬ ‫لعبادته وحده‪.‬‬ ‫مبشرات ‪ :‬أي تبشر العباد بالمطر وقربه‪.‬‬ ‫وليذيقكم من رحمته ‪ :‬أي بالغيث والخصب والرخاء وسعة الرزق‪.‬‬ ‫ولتبتغوا من فضله ‪ :‬أي لتطلبوا الرزق من فضله الواسع بواسطة التجارة في البحر‪.‬‬ ‫ولعلكم تشكرون ‪ :‬أي كي تشكروا هذه النعم فتؤمنوا وتوحّدوا ربكم‪.‬‬ ‫رسلً إلى قومهم ‪ :‬أي كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلم‪.‬‬ ‫فجاءوهم بالبينات ‪ :‬أي بالحجج والمعجزات‪.‬‬ ‫الذين أجرموا ‪ :‬أي أفسدوا نفوسهم فخبثوها بآثار الشرك والمعاصي‪.‬‬

‫( ‪)4/187‬‬ ‫حقا علينا نصر المؤمنين ‪ :‬أي ونصر المؤمنين أحققناه حقا وأوجبناه علينا فهو كائن ل محالة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير ألوهية ال تعالى وعدله ورحمته‪ ،‬فقال تعالى { َومِنْ آيَاتِهِ} أي‬ ‫ومن آياتنا الدالة على ألوهيتنا وعدلنا في خلقنا ورحمتنا بعبادنا إرسالنا الرياح مبشرات(‪ )1‬عبادنا‬ ‫بقرب المطر الذي به حياة البلد والعباد فإرسال الرياح أمر ل يقدر عليه إل ال‪ ،‬وتدبير يقصر‬ ‫حمَتِهِ} أي بإنزال المطر المترتب‬ ‫دونه كل تدبير ورحمة تعلوا كل رحمة‪ .‬وقوله‪{ :‬وَلِ ُيذِيقَكُمْ مِنْ رَ ْ‬ ‫عليه الخصب والرخاء‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَلِ َتجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ} أي السفن في البحر إذ الرياح كانت قبل اكتشاف‬ ‫البخار هي المسيرة للسفن في البحر صغيرها وكبيرها‪ .‬وقوله {بَِأمْ ِرهِ}( ‪ )2‬أي بإذنه وإرادته‬ ‫وتدبيره الحكيم‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِهِ} أي لتطلبوا الرزق بالتجارة في البحر من إقليم إلى‬ ‫شكُرُونَ} أي فعل ال تعالى بكم ذلك فسخره‬ ‫آخر تحملون البضائع لبيعها وشرائها وقوله‪{ :‬وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬

‫لكم وأقدركم عليه رجاء أن تشكروا ربكم باليمان به وبطاعته وتوحيده في عبادته‪ .‬فهل أنتم يا‬ ‫عباد ال شاكرون؟‪ ،‬وقوله‪{ :‬وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ} يا رسولنا { ُرسُلً إِلَى َق ْومِهِمْ} كنوح وهود‬ ‫وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلم فجاءوا أقوامهم بالبينات والحجج النيرات كما جئت‬ ‫أنت قومك فكذبت تلك القوام رسلهم {فَانْ َت َقمْنَا مِنَ الّذِينَ أَجْ َرمُوا} فأهلكناهم‪ ،‬ونجينا الذين آمنوا‬ ‫حقّا(‪ )3‬عَلَيْنَا َنصْرُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ} أل فليعتبر قريش بهذا وإل فستحل بها نقمة ال فيهلك ال‬ ‫{ َوكَانَ َ‬ ‫المجرمين وينجي رسوله والمؤمنين كما هي سنته في الولين والحمد ل رب العالمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير الربوبية ل المستلزمة للوهيته بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة والعدل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قيل في الرياح مبشرات لنها تتقدم المطر فهي كالمبشرة بمجيئه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال بأمره لن الرياح قد تهب ول تكون مواتية فيتعين إرساء السفن والحتيال على حبسها إذ‬ ‫ربما عصفت بها الرياح فأغرقتها فمن هنا قال بأمره وإل فالرياح وحدها لن تغرق السفن وتعوقها‬ ‫عند السير‪.‬‬ ‫‪ - 3‬حقا هذه الكلمة من صيغ اللتزام يقال فلن محفوف بكذا أي لزم له شاهده في قول‬ ‫العشى‪:‬‬ ‫لمحفوفة أن تستجيبي لصوته‬ ‫حقا خبر كان مقدم على اسمها وهو نصر المؤمنين ول التفات إلى من رأى الوقف على (حقا)‪.‬‬

‫( ‪)4/188‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن ال تعالى ينعم عباده من أجل أن يشكروه بعبادته وتوحيده فيها فإذا كفروا تلك النعم‬ ‫ولم يشكروا ال تعالى عليها عذبهم بما يشاء وكيف يشاء ومتى يشاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن ال منتقم من المجرمين وإن طال الزمن‪ ،‬وناصر المؤمنين كذلك‪.‬‬ ‫جعَلُهُ ِكسَفا فَتَرَى ا ْلوَ ْدقَ‬ ‫سمَاءِ كَ ْيفَ يَشَا ُء وَيَ ْ‬ ‫طهُ فِي ال ّ‬ ‫سلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا فَيَبْسُ ُ‬ ‫اللّهُ الّذِي يُرْ ِ‬ ‫يَخْرُجُ مِنْ خِللِهِ فَِإذَا َأصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ إِذَا ُهمْ يَسْتَ ْبشِرُونَ(‪ )48‬وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ‬ ‫ح َمتِ اللّهِ كَ ْيفَ ُيحْيِي الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا إِنّ‬ ‫يُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ قَبْلِهِ َلمُبْلِسِينَ(‪ )49‬فَانْظُرْ ِإلَى آثَارِ رَ ْ‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ(‪ )50‬وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحا فَرََأ ْوهُ ُمصْفَرّا َلظَلّوا مِنْ َبعْ ِدهِ‬ ‫ذَِلكَ َل ُمحْيِي ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ ِإذَا وَّلوْا ُمدْبِرِينَ(‪َ )52‬ومَا أَ ْنتَ ِبهَادِ‬ ‫سمِعُ ا ْل َموْتَى وَل تُ ْ‬ ‫ك ل ُت ْ‬ ‫َي ْكفُرُونَ(‪ )51‬فَإِ ّن َ‬ ‫سمِعُ إِلّا مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآياتِنَا َفهُمْ مُسِْلمُونَ(‪)53‬‬ ‫ن ضَللَ ِتهِمْ إِنْ تُ ْ‬ ‫ا ْل ُع ْميِ عَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫فتثير سحابا ‪ :‬أي تحركه وتهيجه فيسير وينتشر‪.‬‬ ‫ويجعله كسفا ‪ :‬أي قطعا متفرقة في السماء هنا وهناك‪.‬‬ ‫فترى الودق ‪ :‬أي المطر يخرج من خلل السحاب‪.‬‬ ‫إذا هم يستبشرون ‪ :‬أي فرحون بالمطر النازل لسقياهم‪.‬‬ ‫لمبلسين ‪ :‬أي قنطين آيسين من إنزاله عليهم‪.‬‬ ‫إن ذلك لمحيى الموتى ‪ :‬أي القادر على إنزال المطر وإحياء الرض بعد موتها قادر على إحياء‬ ‫الموتى وهو ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/189‬‬ ‫فرأوه مصفرا ‪ :‬أي رأوا النبات والزرع مصفرا للجائحة التي أصابته وهي ريح الدبور المحرقة‪.‬‬ ‫لظلوا من بعده يكفرون ‪ :‬أي أقاموا بعد هلك زرعهم ونباتهم يكفرون نعم ال عليهم السابقة‪.‬‬ ‫إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا‪ :‬أي ما تسمع إل المؤمنين بآيات ال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر قدرة ال تعالى في الكون قال‬ ‫سلُ الرّيَاحَ(‪ })1‬أي ينشئها ويبعث بها من أماكن وجودها فتثير تلك الرياح‬ ‫تعالى‪{ :‬اللّهُ الّذِي يُرْ ِ‬ ‫سحابا أي تزعجه وتحركه فيبسطه تعالى في السماء كيف يشاء من كثافة وخفة وكثرة وقلة‪،‬‬ ‫جعَُلهُ كِسَفا(‪ })2‬أي قطعا فترى أيها الرائي الودق أي المطر يخرج من خلله أي من بين‬ ‫{وَيَ ْ‬ ‫أجزاء السحاب‪ .‬وقوله {فَإِذَا َأصَابَ بِهِ} أي بالمطر {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ} أي المصابون بالمطر في‬ ‫أرضهم‪ِ{ .‬إذَا ُهمْ يَسْتَ ْبشِرُونَ} أي يفرحون‪ { .‬وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ} أي المطر {مِنْ‬ ‫ح َمتِ اللّهِ} أي فانظر‬ ‫قَبْلِهِ َلمُبِْلسِينَ(‪ })3‬أي مكتئبين حزينين قانطين وقوله تعالى {فَا ْنظُرْ إِلَى آثَارِ َر ْ‬ ‫يا رسولنا إلى آثار رحمة ال أي إلى آثار المطر كيف ترى الرض قد اخضرت بعد يبس وحييت‬ ‫بعد موت‪ .‬فإذا رأيت ذلك علمت أن الذي أحيا الرض بعد موتها قادر على أن يحيي الموتى من‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ} تعليل لعظم قدرته وأنه قادر على‬ ‫قبورهم وذلك يوم القيامة وقوله { َو ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫إحياء الموتى وعلى فعل كل شيء أراده‪ .‬وقوله {وَلَئِنْ أَ ْرسَلْنَا رِيحا} أي وعزتنا وجللنا لئن‬ ‫أرسلنا ريحا فيه إعصارٌ فيه نار فأحرقت تلك النباتات وأيبسها فرآها أولئك الذين هم بالمس‬ ‫فرحون فرح بطر بالغيث { َي ْكفُرُونَ} بربهم أي يقولون‪ :‬ما هو كفر من ألفاظ السخط وعدم الرضا‬ ‫وذلك لجهلهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬استئناف مبدوء باسم ال العظم الدال على قدرته وواسع علمه فهو الذي يرسل الرياح‬ ‫وينزل من السماء ماء ويحيى به الرض هو ال الرب القادر على إحياء الناس بعد موتهم‬

‫والمستحق لعبادتهم دون سواه والرياح قرأ بها الجمهور وقرأ بعض الريح بالفراد ومما عرف‬ ‫بالعادة أن الرياح للمطار والريح للدمار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الكِسَف‪ :‬جمع كسفة أي قطعة والمراد أن ال تعالى يرسل الرياح فتثير السحاب ويكون عاما‬ ‫مجلل للسماء كافة ويكون منه قطعا قطعا لحكمة تتطلب ذلك والكسف بكسر الكاف وسكون السين‬ ‫كالكسف بكسر الكاف وفتح السين كلهما جمع كسفه كسدره وسدر وقرئ من خَلله وجائز أن‬ ‫يكون جمع خلل أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وفسر بآيسيين أي قانطين أزلين كما في الحديث أي في ضيق وشدّه وفُسر بئسين والكل‬ ‫صحيح‪.‬‬

‫( ‪)4/190‬‬ ‫سمِعُ الصّمّ الدّعَاءَ(‪ )1‬إِذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ } أي‬ ‫سمِعُ ا ْل َموْتَى وَل ُت ْ‬ ‫وكفرهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فَإِ ّنكَ ل تُ ْ‬ ‫إنك يا رسولنا ل تقدر على هداية هؤلء الكافرين لنهم صم ل يسمعون وعمي ل يبصرون لما‬ ‫ران على قلوبهم من الذنوب فعطل حواسهم وأنت بحكم بشريتك وقدرتك المحدودة ل تستطيع‬ ‫إسماع الموتى كلمك فيفقهوه ويعملوا به كما ل تستطيع إسماع الصم نداءك إذا هم ولّوا مدبرين‬ ‫إذ لو كانوا مقبلين عليك قد تفهمهم ولو بالشارة أما إذا ولّوا مدبرين عنك فل يمكن إسماعهم‪ .‬إذا‬ ‫سمِعُ إِلّا مَنْ ُي ْؤمِنُ بِآياتِنَا َفهُمْ مُسِْلمُونَ} أي إنك ما‬ ‫فهون على نفسك ول تحزن عليهم‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنْ تُ ْ‬ ‫تسمع سماع قبول وانقياد وإدراك إلّ من يؤمن بآياتنا أي إل المؤمنين الذين آمنوا بآيات ال‬ ‫وعرفوا حججه فآمنوا به ووحدوه فهم مسلمون أي منقادون خاضعون مطيعون فهؤلء في إمكانك‬ ‫إسماعهم وهدايتهم بإذن ال إلى ما يكملهم ويسعدهم في الدارين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الدلة والحجج العقلية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كيفية إنشاء السحاب ونزول المطر وهو مظهر من مظاهر القدرة والعلم اللهي‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حال الكافر في أيام الرخاء وأيام الشدة فهو في الشدة يقنط وفي الرخاء يكفر‪ ،‬وذلك لفساد‬ ‫قلبه بالجهل بال تعالى وآياته‪.‬‬ ‫‪ -4‬الستدلل بالمحسوس الحاضر على المحسوس الغيبي‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن الكفار أموات‪ ،‬ولذا هم ل يسمعون ول يبصرون وأن المؤمنين أحياء لنهم يسمعون‬ ‫ويبصرون‪ ،‬إذ الحياة لها آثارها في الجسم الحي والموت كذلك‪.‬‬ ‫ضعْفا وَشَيْبَةً يَخُْلقُ مَا‬ ‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّو ٍة َ‬ ‫ض ْعفٍ ُق ّوةً ثُمّ َ‬ ‫ج َعلَ مِنْ َبعْ ِد َ‬ ‫ضعْفٍ ثُمّ َ‬ ‫اللّهُ الّذِي خََلقَكُمْ مِنْ َ‬ ‫يَشَاءُ وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلقَدِيرُ(‪)54‬‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي‪ :‬أي وضحت الحجج يا محمد لكنهم للفهم تقليد السلف في الكفر ماتت قلوبهم‬ ‫وعميت بصائرهم فل يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم وقرأ الجمهور تسمع بالتاء وقرأ ابن كثير يسمع‬ ‫ورفع الصم على أنه فاعل وقرأ الجمهور هادي وقرأ ابن كثير تهدي‪.‬‬

‫( ‪)4/191‬‬ ‫عةٍ كَذَِلكَ كَانُوا ُي ْؤ َفكُونَ(‪َ )55‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا‬ ‫سمُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَا َ‬ ‫وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ ُيقْ ِ‬ ‫ا ْلعِلْ َم وَالْأِيمَانَ َلقَدْ لَبِثْ ُتمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ َفهَذَا َيوْمُ الْ َب ْعثِ وََلكِ ّنكُمْ كُنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ(‪)56‬‬ ‫فَ َي ْومَئِ ٍذ ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ ظََلمُوا َم ْعذِرَ ُتهُ ْم وَل هُمْ ُيسْ َتعْتَبُونَ(‪)57‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ال الذي خلقكم من ضعف ‪ :‬أي من نطفة وهي ماء مهين‪.‬‬ ‫ثم جعل من بعد ضعف قوة ‪ :‬أي من بعد ضعف الطفولة قوة الشباب‪.‬‬ ‫ثم جعل من بعد قوة ضعفا ‪ :‬أي من بعد قوة الشباب والكهولة ضعف الكبر والشيب‬ ‫وشيبة ‪ :‬أي والهرم‪.‬‬ ‫كذلك كانوا يؤفكون ‪ :‬أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث كانوا يصرفون في الدنيا عن‬ ‫اليمان بالبعث والجزاء في الخرة فانصرافهم عن الحق في الدنيا سبب لهم عدم معرفتهم لمدة‬ ‫لبثهم في قبورهم‪.‬‬ ‫ل ينفع الذين ظلموا معذرتهم ‪ :‬أي في إنكارهم للبعث والجزاء‪.‬‬ ‫ول هم يستعتبون ‪ :‬أي ل يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي ال تعالى باليمان‬ ‫والعمل الصالح‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى { اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ(‪ })1‬وحده‬ ‫ض ْعفٍ(‪ })2‬أي من ماء مهين وهي النطفة ثم جعل من بعد ضعف أي ضعف الطفولة‬ ‫ن َ‬ ‫{مِ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا الستئناف كسابقه الستدلل به على قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته وعظيم تدبيره في‬ ‫خلقه وهي موجبة التوحيد له والنبوة لرسوله والبعث لعباده ليحاسبهم ويجزيهم برحمته وعدله‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ نافع والجمهور من ضعف بضم الضاد في اللفاظ الثلثة في هذه الية وهي لغة‬ ‫الحجاز‪ ،‬وقرأ حفص بالفتح وهي لغة تميم ومن ابتدائية أي ابتدأ خلقكم من ضعف وهي النطفة‬ ‫ول أضعف منها‪.‬‬

‫( ‪)4/192‬‬ ‫ضعْفا} أي ضعف الكبر‬ ‫ج َعلَ مِنْ َبعْدِ ُق ّوةٍ} أي قوة الشباب والكهولة { َ‬ ‫{ ُق ّوةً} وهي قوة الشباب { ُثمّ َ‬ ‫{وَشَيْبَةً(‪ })1‬أي الهرم وقوله تعالى {يَخُْلقُ مَا يَشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ} بخلقه {ا ْلقَدِيرُ} على ما يشاء ويريده‬ ‫فهو تعالى قادر على إحياء الموات وبعثهم‪ ،‬إذ القادر على إيجادهم من العدم قادر على بعثهم من‬ ‫عةُ} أي القيامة { ُيقْسِمُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ} أي يحلف المجرمون من‬ ‫الرّمم‪ .‬وقوله تعالى {وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬ ‫عةٍ(‪ })2‬أي لم يلبثوا في قبورهم إل ساعة من زمن‪.‬‬ ‫أهل الشرك والمعاصي {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَا َ‬ ‫وقوله تعالى { َكذَِلكَ كَانُوا ُي ْؤ َفكُونَ(‪ })3‬أي كما صرفوا عن معرفة الصدق في اللبث في القبر كانوا‬ ‫يصرفون في الدنيا عن اليمان بال تعالى ولقائه‪ ،‬والصارف لهم ظلمة نفوسهم بسبب الشرك‬ ‫والمعاصي‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْل َم وَالْأِيمَانَ َلقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ} أي في كتاب‬ ‫المقادير {إِلَى َيوْمِ الْ َب ْعثِ} وهو يوم القيامة { َفهَذَا َي ْومُ الْ َب ْعثِ وََلكِنّكُمْ كُنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ} لعدم إيمانكم‬ ‫بال وبآياته والكتاب الذي أنزله‪.‬‬ ‫وقوله {فَ َي ْومَئِذٍ} أي يوم إذ يأتي يوم البعث {ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ ظََلمُوا َمعْذِرَ ُت ُهمْ} أي عن شركهم وكفرهم‬ ‫بلقاء ربهم‪{ ،‬وَل ُهمْ يُسْ َتعْتَبُونَ} أي ل يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي ال تعالى من‬ ‫اليمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الدلة العقلية التي ل ترد بحال‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أطوار خلق النسان من نطفة إلى شيخوخة وهرم‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل العلم واليمان وأهلهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن معذرة الظالمين ل تقبل منهم‪ ،‬ول يستعتبون فيرضون ال تعالى فيرضى عنهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الشيبة اسم مصدر الشيب وعطف الشيبة على الضعف إشارة إلى عدم وجود قوة بعدها وإنما‬ ‫يأتي الفناء كما قيل الشيب نذير الموت وهو كذلك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روي أن أم حبيبة زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت اللهم أمتعني بزوجي رسول ال‬ ‫وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم لقد سألت ال تعالى لجال‬ ‫مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سليه أن يعيذك من عذاب جهنم وعذاب القبر في الصحيح‪.‬‬ ‫‪ - 3‬يقال أفك الرجل إذا صرف عن الصدق والخير‪ .‬وأرض مأفوكة ممنوعة من المطر‪.‬‬

‫( ‪)4/193‬‬

‫ل وَلَئِنْ جِئْ َتهُمْ بِآيَةٍ لَ َيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ أَنْ ُتمْ إِلّا‬ ‫وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا ا ْلقُرْآنِ مِنْ ُكلّ مَ َث ٍ‬ ‫ق وَل‬ ‫حّ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫مُبْطِلُونَ(‪ )58‬كَذَِلكَ َيطْبَعُ اللّهُ عَلَى قُلُوبِ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ(‪ )59‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬ ‫خفّنّكَ الّذِينَ ل يُوقِنُونَ(‪)60‬‬ ‫يَسْ َت ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد ضربنا للناس ‪ :‬أي جعلنا للناس‪.‬‬ ‫من كل مثل ‪ :‬أي من كل صفة مستغربة تلفت النتباه وتحرك الضمير كالمثال لعلهم يذكرون‬ ‫فيؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫ولئن جئتهم بآية ‪ :‬أي ولئن أتيت هؤلء المشركين بكل حجة خارقة‪.‬‬ ‫إن أنتم إل مبطلون ‪ :‬أي ما أنتم أيها الرسول والمؤمنون إل مبطلون فيما تقولون وتدعون إليه من‬ ‫اليمان بآيات ال ولقائه‪.‬‬ ‫الذين ل يعلمون ‪ :‬أي ما أنزل ال على رسوله وما أوحاه إليه من اليات البينات‪.‬‬ ‫فاصبر إن وعد ال حق ‪ :‬أي اصبر يا رسولنا على أذاهم فإن العاقبة لك إذ وعدك ربك بها ووعد‬ ‫ال حق‪.‬‬ ‫ول يستخفنك الذين ل يوقنون‪ :‬أي ل يحملنك هؤلء المشركون المكذبون بلقاء ال على الخفة‬ ‫والطيش فتترك دعوتك إلى ربك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد إيراد العديد من الدلة وسوق الكثير من الحجج وعرض مشاهد القيامة في اليات السابقة‬ ‫تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي أنكرها المشركون من قريش قال تعالى‪{ :‬وََلقَ ْد ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي‬ ‫هَذَا ا ْلقُرْآنِ مِنْ ُكلّ مَ َثلٍ(‪ })1‬أي جعلنا للناس في هذا القرآن من أساليب‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي‪ :‬أي من كل مثل يدلهم على ما يحتاجون إليه وينبههم على التوحيد وصدق‬ ‫الرسل‪.‬‬

‫( ‪)4/194‬‬ ‫الكلم وضروب التشبيه‪ ،‬وعرض الحداث بصورة مثيرة للدهشة موقظة للحس‪ ،‬ومنبهة للضمير‪،‬‬ ‫كل ذلك لعلهم يذكرون فيؤمنوا فيهتدوا للحق فينجوا ويسعدوا‪ ،‬ولكن أكثرهم لم ينتفعوا بذلك‪،‬‬ ‫{وَلَئِنْ جِئْ َتهُمْ بِآيَةٍ(‪ })1‬أي بحجة من معجزة وغيرها تدل على صدقك وصحة دعوتك وما جئت به‬ ‫{لَ َيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا} أي منهم(‪{ .)2‬إِنْ أَنْ ُتمْ} أي ما أنتم أيها الرسول والمؤمنون {إِلّا مُبْطِلُونَ} أي‬ ‫من أهل الباطل فيما تقولون وتدعون إليه من الدين الحق والبعث الخر‪ .‬وقوله {كَذَِلكَ َيطْبَعُ اللّهُ‬ ‫عَلَى قُلُوبِ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ} أي كذلك الطبع على قلوب الكافرين الذين لو جئتهم بكل آية لم‬

‫يؤمنوا عليها لما ران على قلوبهم وما ختم به عليها‪ ،‬يطبع ال على قلوب الذين يعلمون(‪ ،)3‬إذ‬ ‫ظلمة الجهل كظلمة الشرك والكفر تحجب القلوب عن الفهم والدراك فل يحصل إيمان ول‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ} يأمر تعالى رسوله أن يلتزم بالصبر على‬ ‫استجابة لدعوة الحق وقوله {فَاصْبِرْ إِ ّ‬ ‫دعوته والثبات عليها في وجه هذا الكفر العنيد‪ ،‬حتى ينصره ال تعالى إذ واعده بالنصر في غير‬ ‫خفّ ّنكَ(‪ )4‬الّذِينَ ل يُوقِنُونَ(‪ })5‬أي‬ ‫ما آية ووعد ال حق فهو ناجز ل يتخلف‪ .‬وقوله‪{ :‬وَل يَسْتَ ِ‬ ‫اصبر ول يحملنك عناد المشركين وإصرارهم على الكفر والتكذيب على الخفة والطيش‬ ‫والستجهال بترك الحلم والصبر‪ .‬والمراد بالذين ل يوقنون كل من ل يؤمن بال ولقائه إيمانا‬ ‫يقينيا إذ هذا الصنف من الناس هو الذي يستفز النسان ويحمله على أن يخرج عن اللياقة والدب‬ ‫والعياذ بال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬اعذار ال تعالى إلى الناس بما ساقه تعالى في كتابه من أدلة اليمان وحجج الهدى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أي كآيات موسى من فلق البحر والعصا أو آيات عيسى كإحياء الموتى وإبراء الكمه‬ ‫والبرص‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي من الناس لقوله ولقد ضربنا للناس وهو لفظ عام يشمل الكافر والمؤمن‪.‬‬ ‫‪ - 3‬في هذه الية إنذار خطير للجهال وتنديد بالجهل‪ ،‬إذ أهله ل يفهمون عن ال ول يهتدون إلى‬ ‫سبل الخير وطريق السعادة والكمال ولذا أوجب الرسول صلى ال عليه وسلم طلب العلم على كل‬ ‫مسلم في قوله "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وما أصاب المسلمين ما أصابهم من خوف‬ ‫وهون ودون إل نتيجة لجهلهم بربهم ومحابه ومكارهه وضروب عباداته وكيفيات أدائها لتزكوا‬ ‫بها نفوسهم وتطهر أرواحهم وقلوبهم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬وفسر بيستفزنك الذين في محل رفع فاعل وبعض العرب يعربونه إعراب جمع المذكر‬ ‫السالم فيقولون اللذون رفعا والذين نصبا وجرا قال الشاعر‪:‬‬ ‫نحن اللذون صبحوا الصباح‬ ‫يوم النخيل غارة ملحاحا‬ ‫‪ - 5‬الستخفاف‪ :‬طلب خفة الشيء بفقد ثقله ورصانته فيغضب ويترك العمل‪ .‬والذين ل يؤمنون‬ ‫هم المشركون كالنضر بن الحارث وأبي جهل والمراد بنفي اليقين عنهم‪ :‬اليقين بالمور البديهيات‬ ‫اليقينية للناس لكون ال تعالى خلق كل شيء ورب كل شيء‪ ،‬وقدرته على كل شيء إذ هذه‬ ‫يقينيات لدى عامة الناس‪.‬‬

‫( ‪)4/195‬‬

‫‪ -2‬أسوأ أحوال النسان عندما يطبع على قلبه لكثرة ذنوبه فيصبح ل يفهم ول يعقل شيئا وفي‬ ‫الخبر حبك الشيء يعمي ويصم‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الصبر والتزام الحلم والناة مهما جهل الجاهلون‪.‬‬

‫( ‪)4/196‬‬ ‫سورة لقمان‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة لقمان‬ ‫مكية(‪)1‬‬ ‫وآياتها أربع وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حمَةً لِ ْلمُحْسِنِينَ(‪)3‬‬ ‫ى وَرَ ْ‬ ‫حكِيمِ(‪ )2‬هُد ً‬ ‫الم(‪ )1‬تِ ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ ا ْل َ‬ ‫الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالْآخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ(‪ )4‬أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّبهِمْ‬ ‫وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(‪)5‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الم ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب الم‪ ،‬وتقرأ ألف لم ميم‪.‬‬ ‫تلك ‪ :‬أي اليات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب الحكيم‪.‬‬ ‫الحكيم ‪ :‬أي المحكم الذي ل نسخ يطرأ عليه بعد تمام نزوله‪ ،‬ول خلل فيه‪ ،‬وهو الحكيم الذي‬ ‫يضع كل شيء في موضعه فل خلط ول خبط فيما يحمل من هدى وتشريع‪.‬‬ ‫هدى ورحمة ‪ :‬أي هو هدى يهتدي به ورحمة يرحم بها‪.‬‬ ‫للمحسنين ‪ :‬أي الذين يراقبون ال تعالى في كل شؤونهم إذ هم الذين يجدون الهدى والرحمة في‬ ‫القرآن الكريم أما غيرهم من أهل الشرك والمعاصي فل يجدون ذلك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال قتادة‪ :‬غير آيتين أولهما ولو أن ما في الرض من شجرة أقلم وقال ابن عباس غير‬ ‫ثلث آيات أولهن‪ :‬ولو أن ما في الرض من الخ‪..‬‬

‫( ‪)4/196‬‬

‫أولئك ‪ :‬أي المحسنون الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويوقنون بالخرة‪.‬‬ ‫على هدى من ربهم ‪ :‬أي على هداية من ال تعالى فل يضلون ول يجهلون معها أبدا‪.‬‬ ‫المفلحون ‪ :‬أي الفائزون بالنجاة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب محبوب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬الم} أحسن ما يفسر به مثل هذه الحروف المقطعة قول‪ :‬ال أعلم بمراده به وقد‬ ‫أفادت هذه الحروف فائدة عظيمة‪ ،‬وذلك من جهتين الولى أنه لما كان المشركون يمنعون من‬ ‫سماع القرآن خشية التأثير به فيهتدي إلى الحق من يحصل له ذلك‪ ،‬وقالوا‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا ل‬ ‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ} كانت هذه الحروف بنغمها الخاص ومدودها العجيبة‬ ‫س َمعُوا ِلهَذَا ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫تَ ْ‬ ‫تضطر المشرك إلى الصغاء والستماع فحصل ضد مقصودهم وكفى بهذه فائدة‪ .‬والثانية أنهم لما‬ ‫ادعوا أن القرآن سحر وكهانة وشعر وأساطير الولين كأنما قيل لهم هذا القرآن الذي ادعيتم فيه‬ ‫كذا وكذا قد تألف من هذه الحروف ص‪ ،‬ن‪ ،‬ق‪ ،‬يس‪ ،‬طس‪ ،‬الم‪ ،‬فألفوا سورة مثله وأتوا بها للناس‬ ‫فيصبح لكم ما تدعون فإن عجزتم فسلموا أنه كلم ال أنزله على عبده ورسوله محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم فآمنوا ووحدوا واستقيموا على ذلك تعزوا وتكرموا وتكملوا وتسعدوا‪.‬‬ ‫حكِيمِ} أي هذه اليات هي آيات القرآن الكريم الموصوف بالحكمة‬ ‫وقوله‪{ :‬تِ ْلكَ آيَاتُ(‪ )1‬ا ْلكِتَابِ ا ْل َ‬ ‫إذ هو ل يخلط ول يغلط ول يخبط بل يضع كل شيء في موضعه اللئق به في كل ما قاله فيه‬ ‫وحكم به‪ ،‬وأخبر عنه أو به من سائر المعارف والعلوم التي حواها كما هو حكيم بمعنى محكم ل‬ ‫نسخ يطرأ عليه بعد تمامه كما طرأ على الكتب السابقة‪ ،‬ومحكم أيضا بمعنى ل خلل فيه‪ ،‬ول‬ ‫تناقض بين أخباره وأحكامه على كثرتها وتنوع أسبابها ومقتضيات نزولها‪ ،‬وقوله‪{ :‬هُدىً(‪)2‬‬ ‫حمَةً لِ ْل ُمحْسِنِينَ(‪ })3‬أي هو بيان هداية ورحمة تنال المحسنين وهم الذين أحسنوا عبادتهم لربهم‬ ‫وَرَ ْ‬ ‫فخلصوها من الشرك والرياء وأتوا بها على‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬تلك في محل رفع مبتدأ وآيات الكتاب الخبر‪.‬‬ ‫ ‪ 2‬هدى ورحمة نصباَ على الحال على حد هذه ناقة ال لكم آية وقرئ هدًى ورحمة بالرفع على‬‫أن هدى خبر ثان ورحمة معطوف عليه وهي قراءة حمزة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وجائز أن يكون المحسنين الفاعلين للحسنات والمحسنين إلى غيرهم كالوالدين وذي القربى‬ ‫واليتامى والمساكين ومن ذكروا في آية الحقوق العشرة من سورة النساء { واعبدوا ال ول‬ ‫تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} الخ‪...‬‬

‫( ‪)4/197‬‬

‫الوجه المرضي ل تعالى وهو ما بينه رسوله صلى ال عليه وسلم من كيفيات العبادات وبيان‬ ‫فعلها وأدائها عليه‪ .‬وقوله {الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي‬ ‫المحسنين الذين يقيمون الصلة أي يؤدون الصلوات الخمس مراعى فيها شروطها مستوفاة‬ ‫أركانها وسننها الواجبة منها والمستحبة‪ ،‬ويؤتون الزكاة أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة‬ ‫كالذهب والفضة أو ال ُعمَل القائمة مقامهما والحرث من تمر وزيتون‪ ،‬وحبوب مقتاة مدخرة‬ ‫والناطقة من إبل وبقر وغنم وذلك إن حال الحول في الذهب والفضة والعمل وفي بهيمة النعام‬ ‫أما الحرث والغرس فيوم حصاده وجداده‪ .‬وقوله‪{ :‬وَ ُهمْ بِالْآخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي والحال هم‬ ‫موقنون بما أعده ال من ثواب وجزاء على الحسان واليمان والسلم الذي دلت عليه صفاتهم‬ ‫في هذا السياق الكريم وقوله‪{ :‬أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ} يخبر تعالى عن‬ ‫المحسنين أصحاب الصفات الكريمة من إقام الصلة وإيتاء الزكاة واليمان باليوم الخر واليقان‬ ‫بثواب ال تعالى فيه إنهم على هدى أي طريق مستقيم وهو السلم هداهم ال تعالى إليه ومكنهم‬ ‫من السير عليه وبذلك أصبحوا من المفلحين الذين يفوزون بالنجاة من النار‪ ،‬وبدخول الجنة دار‬ ‫البرار‪ .‬اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم إنك برّ كريم تواب رحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إعجاز القرآن حيث ألف من مثل آلم‪ ،‬وص‪ ،‬وطس‪ ،‬ولم يستطع خصومه تحديه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان معنى الحكيم وفضل الحكمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن القرآن بيان للهدى المنجي المسعد ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل الصلة والزكاة واليقين‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان مبنى الدين‪ :‬وهو اليمان والسلم والحسان(‪.)1‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬شاهد هذا حديث جبريل في مسلم‪ :‬إذ سأل النبي صلى ال عليه وسلم عن اليمان والسلم‬ ‫والحسان فدل ذلك على أن مبنى الدين السلمي هذه الثلثة (اليمان والسلم والحسان)‪.‬‬

‫( ‪)4/198‬‬ ‫خذَهَا هُزُوا أُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ‬ ‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَيَتّ ِ‬ ‫َومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ لِ ُي ِ‬ ‫ُمهِين(‪)6(ٌ)1‬‬ ‫س َم ْعهَا كَأَنّ فِي ُأذُنَيْ ِه َوقْرا فَبَشّ ْرهُ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ(‪)7‬‬ ‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّى مُسْ َتكْبِرا كَأَنْ لَمْ يَ ْ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ جَنّاتُ ال ّنعِيمِ(‪)8‬‬ ‫إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫ع َمدٍ تَ َروْ َنهَا وَأَلْقَى فِي‬ ‫سمَاوَاتِ ِبغَيْرِ َ‬ ‫حكِيمُ(‪ )9‬خَلَقَ ال ّ‬ ‫حقّا وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬ ‫خَاِلدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ َ‬

‫سمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ‬ ‫سيَ أَنْ َتمِيدَ ِب ُك ْم وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّ ٍة وَأَنْزَلْنَا مِنَ ال ّ‬ ‫الْأَ ْرضِ َروَا ِ‬ ‫كَرِيمٍ(‪ )10‬هَذَا خَ ْلقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خََلقَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ َبلِ الظّاِلمُونَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن الناس ‪ :‬أي ومن بعض الناس إنسان هو النضر بن الحارث بن كلدة حليف قريش‪.‬‬ ‫لهو الحديث ‪ :‬أي الحديث الملهي عن الخير والمعروف وهو الغناء‪.‬‬ ‫ليضل عن سبيل ال ‪ :‬أي ليصرف الناس عن السلم ويبعدهم عنه فيضلوا‪.‬‬ ‫ويتخذها هزوا ‪ :‬أي ويتخذ السلم وشرائعه وكتابه هزوا أي مهزوءا به مسخورا منه‪.‬‬ ‫ولّى مستكبرا ‪ :‬أي رجع في كبرياء ولم يستمع إليها كفرا وعنادا وكبرا كأن لم يسمعها‪.‬‬ ‫في أذنيه وقرا ‪ :‬أي ثقل يمنع من السماع كالصمم‪.‬‬ ‫بغير عمدٍ ترونها ‪ :‬أي بدون عمد مرئية لكم ترفعها حتى ل تقع على الرض‪.‬‬ ‫رواسي ‪ :‬أي جبال راسية في الرض بها ترسو الرض أي تثبت حتى ل تميل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا عطف على جملة (تلك آيات الكتاب الحكيم) كأنما قال كانت تلك حال الكتاب الحكيم‬ ‫وهي حال تدعو إلى كل كمال وإن من الناس معرضين عنه يؤثرون لهو الحديث ففي الخبار‬ ‫تعجب من حال هذا النسان الذي يعرض عن الهدى إلى الضلل وعن الخير إلى الشر‬

‫( ‪)4/199‬‬ ‫وبث فيها من كل دابة ‪ :‬أي وخلق ونشر فيها من صنوف الدواب وهي كل ما يدب في الرض‪.‬‬ ‫من كل زوج كريم ‪ :‬أي من كل صنف من النباتات جميل نافع ل ضرر فيه‪.‬‬ ‫هذا خلق ال ‪ :‬أي المذكور مخلوقة ل تعالى إذ هو الخالق لكل شيء‪.‬‬ ‫من دونه ‪ :‬أي من اللهة المزعومة التي يعبدها الجاهلون‪.‬‬ ‫بل الظالمون ‪ :‬أي المشركون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى عباده المحسنين وأثنى عليهم بخير وبشرهم بالفلح والفوز المبين ذكر صنفا آخر‬ ‫ضلّ(‬ ‫على النقيض من الصنف الول الكريم فقال‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ(‪ )1‬مَنْ يَشْتَرِي َل ْهوَ ا ْلحَدِيثِ(‪ )2‬لِ ُي ِ‬ ‫‪ )3‬عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ} أي ومن بعض الناس إنسان هو النضر بن الحارث الكلدي حليف‬ ‫قريش يشتري لهو الحديث أي الغناء إذ كان يشتري الجواري المغنيات ويفتح ناديا للهو والمجون‬ ‫ويدعوا الناس إلى ذلك ليصرفهم عن السلم حتى ل يجلسوا إلى نبيّه ول يقرأوا كتابه بغير علم‬ ‫منه بعاقبة صنيعه وما يكسبه من خزي وعار وعذاب النار‪ .‬وقوله {وَيَتّخِذَهَا(‪ )4‬هُزُوا} أي يتخذ‬ ‫سبيل ال التي هي السلم هزوا أي شيئا مهزوءا به مسخورا منه بما في ذلك الرسول والمؤمنون‬

‫عذَابٌ ُمهِين} أي‬ ‫واليات الكلّ يهزأ به ويسخر منه لجهله وظلمة نفسه‪ .‬قال تعالى {أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬ ‫أولئك البعداء وهم كل من يشتري الغناء يغني به نساء ورجال أو آلت ممن اتخذوا السلم‬ ‫وشرائعه هزوا وسخرية ليصدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل ال الموصلة إلى رضاه ومحبته‬ ‫وجنته‪ .‬أولئك‪ :‬مَن تلك صفتهم لهم عذاب مهين بكسر أنوفهم وبذلهم يوم القيامة وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬معنى الكلم من الناس – يا للعجب‪ -‬من يشغله لهو الحديث والولوع به عن الهتداء بآيات‬ ‫الكتاب الحكيم‪ ،‬هذه الية إحدى ثلث آيات في القرآن الكريم تحرم الغناء والولى آية بني‬ ‫إسرائيل وهي قوله تعالى (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) والثانية آية النجم‪( :‬وأنتم‬ ‫سامدون) قال ابن عباس هو الغناء بالحميرية يقال أسمدنا أي غنّي لنا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لهو الحديث هو الغناء‪ ،‬صح أن ابن مسعود رضي ال عنه سئل عن لهو الحديث فقال بال‬ ‫الذي ل إله إل هو ثلث مرات إنه الغناء وقال ابن جرير الطبري قد أجمع علماء المصار على‬ ‫كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد ال العنبري وقد قال الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم عليكم بالسواد العظم‪ ،‬ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرأ الجمهور ليضل بضم الياء أي ليضل غيره فهو إذا ضال مضل وقرأ ابن كثير ليضل‬ ‫بفتح الياء أي ليزداد ضلل على ضلل‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ نافع بالرفع عطفا على يشتري وقرأ حفص بالفتح عطفا على ليضل‪.‬‬

‫( ‪)4/200‬‬ ‫س َم ْعهَا كَأَنّ فِي أُذُنَ ْي ِه َوقْرا} أي إذا قرئت على هذا الصنف من‬ ‫آيَاتُنَا وَلّى(‪ )1‬مُسْ َتكْبِرا كَأَنْ لَمْ َي ْ‬ ‫الناس آيات ال لتذكيره وهدايته رجع مستكبرا كأن لم يسمعها تتلى عليه وهي حالة من أقبح‬ ‫الحالت لدللتها على خبث هذا الصنف من الناس وكبرهم‪ .‬وقوله {كَأَنّ فِي ُأذُنَيْ ِه َوقْرا}( ‪ )2‬كأن‬ ‫به صمم ل يسمع القول وهنا عجّل ال له بما يحزنه ويخزيه فقال لرسوله محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم {فَبَشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ} والتبشير بما يضر ول يسر يحمل معه التهكم وهذا النوع من الناس‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َلهُمْ جَنّاتُ ال ّنعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا} هذا‬ ‫مستحق لذلك وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫صنف آخر مقابل لما قبله وهم أهل اليمان والعمل الصالح بشرهم ربهم بجنات النعيم والخلود‬ ‫حقّا} أي(‪ )3‬وعدهم بذلك وعدا صادقا ل يخلف وأحقه لهم حقا ل يسقط‪.‬‬ ‫فيها وقوله {وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫{وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ} أي الغالب الذي ل يحال بينه وبين مراده الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه‪.‬‬ ‫عمَدٍ تَ َروْ َنهَا(‪ })4‬أي من مظاهر قدرته وعزته وحكمته خلقُه السموات‬ ‫سمَاوَاتِ ِبغَيْرِ َ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬ ‫وقوله { َ‬ ‫ورفعها بغير عمد مرئية لكم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن هناك أعمدة غير مرئية وهي سنة‬

‫نظام الجاذبية التي خلقها بقدرته وجعل الجرام السماوية متماسكة بها‪ .‬وقوله‪{ :‬وَأَ ْلقَى فِي الْأَ ْرضِ‬ ‫سيَ} أي من مظاهر قدرته وحكمته إلقاء الجبال الرواسي على الرض لتحفظ توازنها حتى ل‬ ‫َروَا ِ‬ ‫تميل بأهلها فيفسد ويسقط ما عليها وتنعدم الحياة عليها وهو معنى {أَنْ َتمِيدَ(‪ِ )5‬ب ُكمْ} أي تميل‪،‬‬ ‫وإذا مالت تصدع كل ما عليها وخرب وقوله‪{ :‬وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّةٍ} وهذا مظهر من مظاهر‬ ‫القدرة والعلم والحكمة الموجبة لليمان بال ولقائه والمستلزمة لتوحيده تعالى في عبادته‪ ،‬فسائر‬ ‫أنواع الدواب على كثرتها واختلفها ال الذي خلقها وفرقها في الرض تعمرها وتزينها‪ .‬وقوله‬ ‫سمَاءِ مَاءً} وهو ماء المطر {فَأنْ َبتَ بِهِ مِنْ ُكلّ َزوْجٍ كَرِيمٍ} أي صنف من أصناف‬ ‫{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ ال ّ‬ ‫الزروع والنباتات مما‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬ولى) هذا تمثل للعراض عن آيات ال التي تتلى عليه ومستكبرا حال مُبينة وأن إعراضه‬ ‫كان ل عن إهمال أو تفريط وإنما كان عن كبر كأن لم يسمعها تكرار التشبيه لفائدة الخبار بأنه‬ ‫مرة لم يسمعها مع وجود حاسة السمع وأخرى مع عدم وجودها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ نافع أذنيه بإسكان الذال تخفيفا وقرأ الجمهور أذنيه بتحريك الذال مضمومة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬انتصاب وعد ال على المفعول المطلق وانتصاب حقا على الحال‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ترونها في محل جر نعت لعم ٍد ومعنى هذا أن هناك عمدا غير مرئية ويجوز أن تكون في‬ ‫محل نصب على الحال من السموات‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أي كراهية أن تميد بكم أي تميل أو لئل تميد والكل جائز‪.‬‬

‫( ‪)4/201‬‬ ‫هو نافع وصالح للنسان هذا المذكور مظهر من مظاهر القدرة اللهية والعلم والحكمة الربانية‬ ‫الموجبة لليمان بال وآياته ولقائه وتوحيده في عباداته ومن هنا قال تعالى‪{ :‬هَذَا(‪ )1‬خَ ْلقُ اللّهِ} أي‬ ‫كل ما ذكر من المخلوقات في اليات هو مخلوق ل وال وحده خالقه فأروني أيها المشركون‬ ‫المكذبون ما ذا خلق الذين تعبدونهم من دونه من سائر المخلوقات يتحداهم بذلك‪ .‬فعجزوا‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى { َبلِ(‪ )2‬الظّاِلمُونَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ} أي إنهم عبدوا غير ال وكذبوا بلقاء ال ل عن علم‬ ‫لديهم أو شبهه كانت لهم بل الظالمون وهم المشركون في ضلل مبين فهم تائهون في أودية‬ ‫الضلل حيارى بجهلهم في حياتهم فدواؤهم العلم واليمان فمتى آمنوا وعلموا لم يبق مجال‬ ‫لكفرهم وشركهم وعنادهم فلهذا فصّل تعالى اليات وعرض الدلة والحجج عرضا عجيبا لعلهم‬ ‫يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا فيكملوا ويسعدوا فضلً منه ورحمة‪ .‬وهو العزيز الرحيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬حرمة غناء النساء للرجال الجانب‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة شراء الغاني في الشرطة والسطوانات التي بها غناء العواهر والخليعين من‬ ‫الرجال‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة حفلت الرقص والغناء الشائعة اليوم في العالم كافره ومسلمه‪.‬‬ ‫‪ -4‬دعوة ال تقوم على دعامتي الترهيب والترغيب والبشارة والنذارة‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان شتّى مظاهر القدرة والعلم والعز والحكمة الموجب لليمان والتوحيد‪.‬‬ ‫‪ -6‬ل قصور في الدلة والحجج اللهية وإنما ضلل العقول بالشرك والمعاصي هو المانع من‬ ‫الهتداء‪ .‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫شكُرْ فَإِ ّنمَا‬ ‫شكُرْ لِلّ ِه َومَنْ يَ ْ‬ ‫ح ْكمَةَ أَنِ ا ْ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا ُل ْقمَانَ الْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬خلق ال بمعنى مخلوقه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬بل للضراب النتقالي من المجادلة إلى تسجيل ضللهم وهو اعتقادهم إلهية الصنام كما‬ ‫يقول لمناظر دع عنك هذا وانتقل إلى كذا‪.‬‬

‫( ‪)4/202‬‬ ‫حمِيدٌ(‪ )12‬وَإِذْ قَالَ ُل ْقمَانُ لِبْنِهِ وَ ُهوَ َي ِعظُهُ يَا بُ َنيّ ل تُشْ ِركْ‬ ‫شكُرُ لِ َنفْسِ ِه َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ن َو ِفصَالُهُ فِي‬ ‫حمَلَ ْتهُ ُأمّ ُه وَهْنا عَلَى وَهْ ٍ‬ ‫عظِيمٌ(‪َ )13‬و َوصّيْنَا الِْإنْسَانَ ِبوَالِدَ ْيهِ َ‬ ‫بِاللّهِ إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْمٌ َ‬ ‫شكُرْ لِي وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ(‪)14‬‬ ‫عَامَيْنِ أَنِ ا ْ‬ ‫ط ْع ُهمَا َوصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفا‬ ‫علْمٌ فَل ُت ِ‬ ‫وَإِنْ جَا َهدَاكَ(‪ )1‬عَلَى أَنْ ُتشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ ِ‬ ‫ج ُعكُمْ فَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ(‪)15‬‬ ‫وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إَِليّ ثُمّ إَِليّ مَ ْر ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد آتينا لقمان الحكمة ‪ :‬أي أعطينا لقمان(‪ )2‬القاضي‪ :‬أي الفقه في الدين والعقل والصابة في‬ ‫المور‪.‬‬ ‫أن اشكر ل ‪ :‬أي اشكر ل ما أنعم عليك بطاعته وذكره‪.‬‬ ‫لبنه وهو يعظه ‪ :‬أي ابنه ثاران وهو يعظه أي يأمره وينهاه مرغبا له مرهبا‪.‬‬ ‫ووصينا النسان ‪ :‬أي عهدنا إليه ببرهما وهو كف الذى عنهما والحسان إليهما وطاعتهما في‬ ‫المعروف‪.‬‬ ‫وهنا على وهن ‪ :‬أي ضعفا على ضعف وشدة على شدة وهي الحمل والولدة والرضاع‪.‬‬ ‫وفصاله في عامين ‪ :‬أي مدة رضاعه تنتهي في عامين‪ ،‬وبذلك يفصل عن‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬هذه الية‪{ :‬وإن جاهداك} والتي قبلها {ووصينا النسان} نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص‬ ‫لما أسلم وإن أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت أل تأكل حتى يكفر سع ٌد أو تموت جوعا‬ ‫وعطشا حتى يعير بها مدى الحياة (يا قاتل أمه) إل أنها لما أيأسها سعد أسلمت وأكلت وشربت‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هو لقمان بن باعوراء بن ناصور بن تارح وهو آزر أبو إبراهيم كذا نسبه ابن إسحاق وقال‬ ‫السهيلي هو لقمان بن عتفاد بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة‪ ،‬قال وهب كان ابن أخت أيوب أو‬ ‫ابن خالته عاش ألف سنة وأدركه داود عليه السلم وكان رجلً حكيما ولم يكن نبيا ومن حكمه‬ ‫قوله إن القلب واللسان إذا طابا فليس شيء أطيب منهما وإذا خبثا فليس شيء أخبث منهما وقوله‬ ‫وقد قيل له أي الناس شر؟ قال الذي ل يبالي أن رآه الناس مسيئا وقوله الصمت حكمة وقليل‬ ‫فاعله‪.‬‬

‫( ‪)4/203‬‬ ‫الرضاع‬ ‫وإن جاهداك ‪ :‬أي بذل جهدهما في حملك على الشرك‪.‬‬ ‫وصاحبهما في الدنيا معروفا ‪ :‬أي واصحبهما في حياتهما بالمعروف وهو البر والحسان وكف‬ ‫الذى والطاعة في غير معصية ال‪.‬‬ ‫من أناب إليّ ‪ :‬رجع إليّ بتوحيدي وطاعتي وطاعة رسولي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين وهذه القصة اللقمانية اللطيفة‬ ‫ح ْكمَةَ} أي أعطينا عبدنا لقمان الحكمة وهي الفقه في‬ ‫مشوقة لذلك قال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ آتَيْنَا ُل ْقمَانَ ا ْل ِ‬ ‫الدين والصابة في المور ورأسها مخافة ال تعالى بذكره وشكره الذي هو طاعته في عبادته‬ ‫شكُرْ لِلّهِ} أي وقلنا له اشكر ال خالقك ما أنعم به عليك بصرف‬ ‫وتوحيده فيها‪ .‬وقوله‪{ :‬أَنِ(‪ )1‬ا ْ‬ ‫شكُرُ لِ َنفْسِهِ} أي‬ ‫شكُرْ فَإِ ّنمَا يَ ْ‬ ‫تلك النعم فيما يرضيه عنك ول يسخطه عليك‪ .‬وقوله تعالى { َومَنْ َي ْ‬ ‫ومن شكر ال بطاته فإن ثمرة الشكر وعائدته للشاكر نفسه بحفظ النعمة والزيادة فيها أما ال فإنه‬ ‫غني بذاته محمود بفعاله فل يفتقر إلى خلقه في شيء إذ هم الفقراء إليه سبحانه وتعالى‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪ { :‬وَإِذْ قَالَ ُل ْقمَانُ} أي واذكر يا رسولنا لهؤلء المشركين قول لقمان لبنه وأخص الناس به‬ ‫وهو ينهاه عن الشرك الذي نهيتكم أنا عنه فغضبتم وأصررتم عليه عنادا ومكابرة فقال له‪ :‬بما‬ ‫ظهُ} أي يأمره وينهاه مرغبا له في‬ ‫ن لِبْنِهِ(‪ )2‬وَ ُهوَ َيعِ ُ‬ ‫أخبر به تعالى عنه في قوله‪{ :‬وَإِذْ قَالَ ُل ْقمَا ُ‬ ‫الخير مرهبا له من الشر‪{ :‬يَا بُ َنيّ ل تُشْ ِركْ بِاللّهِ} أي في عبادته أحدا‪ .‬وعلل لنهيه ليكون أوقع في‬ ‫نفسه فقال‪{ :‬إِنّ الشّ ْركَ َلظُلْمٌ(‪ )3‬عَظِيمٌ} والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ويترتب عليه‬ ‫الفساد والخسران الكبير‪ ،‬وعبادة غير ال وضع لها في غير موضعها إذ العبادة حق ال على‬

‫عباده‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وجائز أن تكون أن التفسيرية أي مفسرة للفظ الحكمة بأنها الشكر ل تعالى وهي أقوال ألقيت‬ ‫إليه بإلهام ففي الحكمة معنى القول دون حروفه‪ .‬كما فسرت (حاجة) في قول الشاعر لنها بمعنى‬ ‫القول‪:‬‬ ‫إن تحمل حاجة لي خف محملها‬ ‫تستوجبا منه عندي بها ويدا‬ ‫أن تقرآن على أسماء ويحكما‬ ‫مني السلم وأن ل تخبرا أحدا‬ ‫‪ - 2‬قيل كان اسم ابنه ثاران وقيل مشكم وقيل أنعم وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روى مسلم " أنه لما نزلت (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لبنه‪{ :‬يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم}‪.‬‬

‫( ‪)4/204‬‬ ‫مقابل خلقهم ورزقهم وكلءتهم في حياتهم وحفظهم وقوله تعالى‪َ { :‬و َوصّيْنَا الِْإنْسَانَ(‪ِ )1‬بوَالِدَيْهِ} أي‬ ‫عهدنا إلى النسان آمرين إياه ببرّ والديه أي أمه وأبيه‪ ،‬وبرّهما بذل المعروف لهما وكف الذى‬ ‫حمَلَتْهُ} أي النسان {ُأمّهُ} أي والدته {وَهْنا‬ ‫عنهما وطاعتهما(‪ )2‬في المعروف‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬‬ ‫عَلَى(‪ )3‬وَهْنٍ} أي ضعفا على ضعف وشدة على أخرى وهي آلم وأتعاب الحمل والطلق والولدة‬ ‫والرضاع فلهذا تأكد برّها فوق بر الوالد مرتين لحديث الصحيح‪" :‬من أحق الناس بحسن‬ ‫صحبتي؟ قال أمك‪ ،‬قال ثم من؟ قال أمك‪ ،‬قال ثم من؟ قال أمك‪ ،‬قال ثم من؟ قال‪ :‬أبوك" وقوله‬ ‫{ َو ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي فطام الولد من الرضاع في عامين فأول الرضاع ساعة الولدة وآخره‬ ‫شكُرْ لِي وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ‬ ‫تمام الحولين ويجوز فصله عن الرضاع خلل العامين‪ ،‬وقوله‪{ :‬أَنِ ا ْ‬ ‫ا ْل َمصِيرُ} هذا الموصى به وهو أن يشكر ل تعالى وذلك بطاعته تعالى فيما يأمره به وينهاه عنه‪،‬‬ ‫وذكره بقلبه ولسانه وقوله {وَِلوَاِلدَ ْيكَ} إذ هما قدما معروفا وجميل فوجب شكرهما‪ ،‬وذلك ببرهما‬ ‫وصلتهما وطاعتهما في غير معصية ال ورسوله‪ ،‬لن طاعة ال كشكره قبل طاعة الوالدين‬ ‫وشكرهما وقوله {إَِليّ ا ْل َمصِيرُ} أي الرجوع بعد الموت وهذه الجملة مؤكدة لواجب شكر ال تعالى‬ ‫وبر الوالدين لما تحمله من الترغيب والترهيب فالمطيع إذا رجع إلى ال أكرمه والعاصي أهانه‪.‬‬ ‫وما دام الرجوع إليه تعالى حتميّا فطاعته بشكره وشكر الوالدين متأكدة متعيّنة‪ .‬وقوله تعالى {وَإِنْ‬ ‫ط ْع ُهمَا َوصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفا} أي وإن‬ ‫جَا َهدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِ ْلمٌ فَل تُ ِ‬

‫جاهداك أيها النسان والداك وبذل جهدهما في حملك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم وهو‬ ‫عامة الشركاء إذ ما هناك من يصح إشراكه في عبادة ال قط‪ .‬فل تطعهما في ذلك أبدا‪،‬‬ ‫{ َوصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا(‪ })4‬أي في الحياة بالمعروف وهو برهما وصلتهما وطاعتهما في غير‬ ‫معصية ال تعالى ورسوله‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَاتّ ِبعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إَِليّ} أي اتبع طريق من أناب إليّ‬ ‫بتوحيدي وعبادتي والدعوة إليّ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الراجح أن هاتين اليتين وقعتا اعتراضا بين كلم لقمان الول والثاني وأنهما نزلتا في شأن‬ ‫والدة سعد بن أبي وقاص وللعتراض فائدة وهي التنويع في السلوب لذهاب السآمة وتجديد‬ ‫نشاط الذهن للحفظ والفهم وجائز أن يكون ل اعتراض واليتان من كلم لقمان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روي أن الحسن قال لو منعت والدة ولدها من شهود صلة العشاء شفقة عليه فل يطعها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الوهن بإسكان الهاء مصدر وهن يهن من باب ضرب ووهن بفتح والواو والهاء من باب‬ ‫وجل يوجل وجل‪ .‬والمعنى أي وهنا واقعا على وهن كقولهم (عودا على بدء) أي رجع عودا على‬ ‫بدء‪.‬‬ ‫‪ - 4‬نعت لمصدر محذوف تقديره مصاحبا معروفا‪ .‬وفي الية دليل على جواز بر الم الكافرة أو‬ ‫الب لحديث أسماء إذ قالت يا رسول ال إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال نعم‪،‬‬ ‫ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العزى ووالدة عائشة هي أم رمان قديمة السلم‪.‬‬

‫( ‪)4/205‬‬ ‫وهو رسول(‪ )1‬ال صلى ال عليه وسلم والية نزلت في سعد بن أبي وقاص حيث أمرته أمه أن‬ ‫يكفر بمحمد صلى ال عليه وسلم ودينه وذلك قبل إسلمها وبذلت جهدا كبيرا في مراودة ابنها‬ ‫ج ُعكُمْ} أي جميعا فأنبئكم بما كنتم تعملون وأجزيكم بعملكم‬ ‫سعد رضي ال عنهما وقوله {إَِليّ مَرْ ِ‬ ‫الخير بالخير والشر بالشر فاتقوني بطاعتي وتوحيدي والنابة إليّ في كل أموركم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد والتنديد بالشرك‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان الحكمة وهي شكر(‪ )2‬ال تعالى بطاعته وذكره إذ ل يشكر إل عاقل فقيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الوعظ والرشاد للكبير والصغير والقريب والبعيد‪.‬‬ ‫‪ -4‬التهويل في شأن الشرك وإنه لظلم عظيم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان مدة الرضاع وهي في خلل العامين ل تزيد‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب بر الوالدين وصلتهما‪.‬‬

‫‪ -7‬تقرير مبدأ ل طاعة لمخلوق(‪ )3‬في معصية الخالق بعدم طاعة الوالدين في غير المعروف‪.‬‬ ‫‪ -8‬وجوب اتباع سبيل المؤمنين من أهل السنة والجماعة وحرمة اتباع سبيل أهل البدع‬ ‫والضللة‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ َأوْ فِي الْأَ ْرضِ يَ ْأتِ‬ ‫صخْ َرةٍ َأوْ فِي ال ّ‬ ‫يَا بُ َنيّ إِ ّنهَا إِنْ َتكُ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْ َدلٍ فَ َتكُنْ فِي َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الية عامة في سائر المؤمنين فعلى كل مؤمن اتباع الصالحين في كل زمان ومكان والقتداء‬ ‫بهم وعليه مجانبة أهل الضلل والفسق والعصيان وعدم اتباعهم في باطلهم وضللهم وفسقهم‬ ‫وعصيانهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روي أن سفيان بن عيينة قال من صلى الصلوات الخمس فقد شكر ال تعالى ومن دعا‬ ‫لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما‪.‬‬ ‫‪ - 3‬صح الحديث بلفظ "إنما الطاعة في المعروف" وبلفظ "ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق"‪.‬‬

‫( ‪)4/206‬‬ ‫ِبهَا اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(‪ )16‬يَا بُ َنيّ َأ ِقمِ الصّل َة وَ ْأمُرْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَاصْبِرْ عَلَى‬ ‫س وَل َتمْشِ فِي الْأَ ْرضِ مَرَحا إِنّ‬ ‫صعّرْ خَ ّدكَ لِلنّا ِ‬ ‫مَا َأصَا َبكَ إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْزمِ الُْأمُورِ(‪ )17‬وَل ُت َ‬ ‫صوَاتِ‬ ‫ضضْ مِنْ صَوْ ِتكَ إِنّ أَ ْنكَرَ الَْأ ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫ك وَا ْ‬ ‫حبّ ُكلّ ُمخْتَالٍ َفخُورٍ(‪ )18‬وَا ْقصِدْ فِي مَشْ ِي َ‬ ‫اللّهَ ل ُي ِ‬ ‫حمِيرِ(‪)19‬‬ ‫صوْتُ ا ْل َ‬ ‫َل َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنها إن تك مثقال حبة ‪ :‬أي توجد زنة حبة من خردل‪.‬‬ ‫فتكن في صخرة ‪ :‬أي في داخل صخرة من الصخور ل يعلمها أحد‪.‬‬ ‫لطيف خبير ‪ :‬أي لطيف باستخراج الحبة خبير بموضعها حيث كانت‪.‬‬ ‫وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ‪ :‬أي مر الناس بطاعة ال تعالى‪ ،‬انههم عن معصيته‪.‬‬ ‫من عزم المور ‪ :‬مما أمر ال به عزما ل رخصة فيه‪.‬‬ ‫ول تصعّر خدك للناس ‪ :‬أي ول تعرض بوجهك عمن تكلمه تكبرا‪.‬‬ ‫مرحا ‪ :‬أي مختال تمشي خيلء‪.‬‬ ‫مختال فخور ‪ :‬أي متبختر فخور كثير الفخر مما أعطاه ال ول يشكر‪.‬‬ ‫واقصد في مشيك ‪ :‬أي إتئد ول تعجل في مشيتك ول تستكبر‪.‬‬ ‫واغضض من صوتك ‪ :‬أي اخفض صوتك وهو القتصاد في الصوت‪.‬‬ ‫إن أنكر الصوات ‪ :‬أي أقبح الصوات وأشدها نكارة عند الناس لن أوله زفير وآخره شهيق‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫ما زال السياق الكريم في قصص لقمان عليه السلم فقال تعالى مخبرا عن لقمان بقوله لبنه‬ ‫ثاران {يَا بُ َنيّ(‪ )1‬إِ ّنهَا إِنْ َتكُ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ مِنْ (‪)2‬خَ ْر َدلٍ} أي إن تك زنة حبة من خردل من‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬تكرير النداء حكمته تجديد نشاط السامع وقرأ نافع مثقال بالرفع على أنه فاعل تك وكان التي‬ ‫مضارعها تك تامة وقرأ حفص مثقال بالفتح على أن كان ناقصة ومثقال خبرها وقوله إنها أي‬ ‫القصة أو الحالة المسؤول عنها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روي أن ثاران بن لقمان قال لبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث ل يراني أحد كيف يقابلها‬ ‫ال؟ فقال لقمان يا بني إنها إن تك مثقال حبة الخ‪ ..‬فما زال ابنه يضطرب حتى مات قاله مقاتل‬ ‫رحمه ال‪.‬‬

‫( ‪)4/207‬‬ ‫سمَاوَاتِ َأوْ فِي الْأَ ْرضِ يَ ْأتِ ِبهَا اللّهُ}‬ ‫خير أو شر من حسنة أو سيئة {فَ َتكُنْ فِي صَخْ َرةٍ(‪َ )1‬أوْ فِي ال ّ‬ ‫ويحاسب عليها ويجزي بها‪{ ،‬إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ} أي باستخراجها {خَبِيرٌ} بموضعها وعليه فاعمل‬ ‫الصالحات واجتنب السيئات وثق في جزاء ال العادل الرحيم هذا ما دلت عليه الية الولى (‪)16‬‬ ‫أما الية الثانية (‪ )17‬فقد تضمنت أمر ولده بإقام الصلة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫والصبر على الذى في ذلك فقال له ما أخبر تعالى به عنه في قوله‪{ :‬يَا بُ َنيّ َأقِمِ الصّلةَ} أي أدها‬ ‫بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها‪{ ،‬وَ ْأمُرْ بِا ْل َمعْرُوفِ} بطاعة ال تعالى فيما أوجب على عباده‬ ‫{وَانْهَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ} أي عما حرم ال تعالى على عباده من اعتقاد أو قول أو عمل‪{ .‬وَاصْبِرْ عَلَى مَا‬ ‫َأصَا َبكَ} من أذى ممن تأمرهم وتنهاهم‪ ،‬وقوله {إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْزمِ الُْأمُورِ} أي إن إقام الصلة‬ ‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الذى في ذات ال من المور الواجبة التي‬ ‫خ ّدكَ لِلنّاسِ(‪ })2‬هذا مما قاله لقمان لبنه‬ ‫صعّرْ َ‬ ‫هي عزائم وليست برخص‪ .‬وقوله تعالى {وَل ُت َ‬ ‫نهاه فيه عن خصال ذميمة محرمة وهي التكبر على الناس بأن يخاطبهم وهو معرض عنهم‬ ‫بوجهه لو عنقه(‪ ،)3‬وهي مشية المرح والختيال والتبختر‪ ،‬والفخر بالنعم مع عدم شكرها وقوله‬ ‫حبّ ُكلّ مُخْتَالٍ(‪ )4‬فَخُورٍ} هذا مما قاله لقمان لبنه لما نهاه عن التكبر‬ ‫تعالى {إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬ ‫والختيال والفخر أخبره أن ال تعالى ل يحب من هذه حاله حتى يتجنبها ولده الذي يعظه بها‬ ‫صدْ فِي(‪ )5‬مَشْ ِيكَ} أي امش متئدا في غير عجلة ول إسراع إذ‬ ‫وبغيرها وقوله في الية (‪{ )19‬وَا ْق ِ‬ ‫صوْ ِتكَ} أمره أن يقتصد في صوته أيضا فل‬ ‫ن َ‬ ‫ضضْ مِ ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫القتصاد ضد السراف‪ .‬وقوله‪{ :‬وَا ْ‬ ‫يرفع صوته إل بقدر الحاجة‪ .‬كالمقتصد ل يخرج درهمه إل عند الحاجة وبقدرها وقوله {إِنّ أَ ْنكَرَ‬ ‫حمِيرِ} ذكر هذه الجملة لينفره من رفع صوته بغير حاجة فذكر له أن أقبح‬ ‫ص ْوتُ الْ َ‬ ‫صوَاتِ َل َ‬ ‫الَْأ ْ‬ ‫ل مرتفع وأوله زفير وآخره‬ ‫الصوات صوت الحمير(‪ )6‬لنه عا ٍ‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬قيل إن الصخرة تكون تحت الرض السابعة لنها ليست في السماء ول في الرض‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الصعر الميل ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫وكنا إذا الجبار صعر خده‬ ‫أقمنا له من ميله فتقوم‬ ‫والصعر كالصّيد داء يصيب البل فتلوى منه أعناقها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شاهده في الحديث الصحيح‪" :‬ل تباغضوا ول تدابروا ول تحاسدوا وكونوا عباد ال إخوانا‪.‬‬ ‫ول يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث ليال"‪ ،‬فقوله ول تدابروا يشمل تصعير الوجه أي ميله‪.‬‬ ‫‪ - 4‬المختال ذو الخيلء قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من جر ثوبه خيلء ل ينظر ال إليه يوم‬ ‫القيامة" والفخور هو الذي يعدد ما أعطي ول يشكر ال تعالى (قاله مجاهد)‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ما روي أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا مشي أسرع فإنما أريد به السرعة المرتفعة‬ ‫عن دبيب المتماوت المظهر للمسكنة والذلة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬بالحمار يضرب المثل في البلدة وينهى عن رفع الصوت لغير حاجة حتى ل يكون صوت‬ ‫المتكلم كصوت الحمار الممقوت والحمار إذا نهق فإنه رأى شيطانا كما في الحديث‪ ،‬وركبه النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم تواضعا‪ ،‬وقيل نهيق الحمار دعاء عن الظلمة‪.‬‬

‫( ‪)4/208‬‬ ‫شهيق‪ .‬هذا آخر ما قص تعالى من نبأ لقمان العبد الصالح عليه السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب مراقبة ال تعالى وعدم الستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت وصغرت‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب إقام الصلة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يلحق المر‬ ‫والناهي من أذى‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة التكبر والختيال في المشي ووجوب القصد في المشي والصوت فل يسرع ول يرفع‬ ‫صوته إل على قدر الحاجة‪.‬‬ ‫ض وَأَسْبَغَ عَلَ ْيكُمْ ِن َعمَهُ ظَاهِ َر ًة وَبَاطِ َنةً‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫أَ لَمْ تَ َروْا أَنّ اللّهَ سَخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬ ‫ى وَل كِتَابٍ مُنِيرٍ(‪ )20‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ اتّ ِبعُوا مَا أَنْ َزلَ‬ ‫َومِنَ النّاسِ مَنْ يُجَا ِدلُ فِي اللّهِ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَل هُد ً‬ ‫سعِيرِ(‪)21‬‬ ‫اللّهُ قَالُوا َبلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَ ْيهِ آبَاءَنَا َأوََلوْ كَانَ الشّ ْيطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تروا ‪ :‬أي ألم تعلموا أيها الناس‪.‬‬

‫سخر لكم ما في السموات ‪ :‬أي من شمس وقمر وكواكب ورياح وأمطار لمنافعكم‪.‬‬ ‫وما في الرض ‪ :‬أي من أشجار وأنهار وجبال وبحار وغيرها‪.‬‬ ‫وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة ‪ :‬أي أوسع وأتم عليكم نعمه ظاهرة وهي الصحة وكمال الخلق تسوية‬ ‫العضاء‪.‬‬ ‫وباطنة ‪ :‬أي المعرفة والعقل‪.‬‬ ‫من يجادل في ال ‪ :‬أي يخاصم في توحيد ال منكرا له مكذبا به‪.‬‬ ‫بغير علم ‪ :‬أي بدون علم عنده من وحي ول هو مستفاد من دليل عقلي‪.‬‬ ‫ول هدى ول كتاب منير ‪ :‬أي سنة من سنن الرسل‪ ،‬ول كتاب إلهي منير واضح بيّن‪.‬‬

‫( ‪)4/209‬‬ ‫أو لو كان الشيطان ‪ :‬أي أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعو آباءهم إلى موجب عذاب السعير من‬ ‫الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عاد السياق بعد نهاية قصة لقمان إلى خطاب المشركين لهدايتهم فقال تعالى {أََلمْ تَ َروْا} أيها الناس‬ ‫الكافرون بال وقدرته ورحمته أي ألم تعلموا بمشاهدتكم {أَنّ اللّهَ سَخّرَ َلكُمْ}( ‪ )1‬أي من أجلكم {مَا‬ ‫سمَاوَاتِ} من شمس وقمر وكواكب ومطر‪ ،‬وسخر لكم ما في الرض من أشجار وأنهار‬ ‫فِي ال ّ‬ ‫وجبال ووهاد وبحار وشتى الحيوانات ومختلف المعادن كل ذلك لمنافعكم في مطاعمكم ومشاربكم‬ ‫وكل شؤون حياتكم‪{ ،‬وَأَسْبَغَ عَلَ ْيكُمْ ِن َعمَهُ(‪ })2‬أي أوسعها وأتمها نعم اليجاد ونعم المداد حال‬ ‫كونها ظاهرة كحسن(‪ )3‬الصورة وتناسب العضاء وكمال الخلق‪ ،‬وباطنة كالعقل والدراك والعلم‬ ‫والمعرفة وغير ذلك مما ل يحصى ول يعد‪ ،‬وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها‪ ،‬ومع هذا البيان‬ ‫والنعام والستدلل على الخالق بالخلق وعلى المنعم بالنعم فإن ناسا يجادلوا في(‪ )4‬توحيد ال‬ ‫وأسمائه وصفاته ووجوب طاعته وطاعة رسوله بغير علم من وحي ول استدلل من عقل‪ ،‬ول‬ ‫كتاب منير واضح بين يحتجون به ويجادلون بأدلته‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَِإذَا قِيلَ َلهُمُ}( ‪ )5‬أي لولئك المجادلين في ال بالجهل والباطل {اتّ ِبعُوا مَا أَنْ َزلَ اللّهُ}‬ ‫أي على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم من هدى‪ ،‬قالوا ل‪ ،‬بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من‬ ‫عقائد وثنية وتقاليد جاهلية‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬أوََلوْ كَانَ الشّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} أي أيتبعون آباءهم ولو كان‬ ‫سعِيرِ} أي النار المستعرة الملتهبة والجواب ل‪ ،‬ولكن اتبعوهم‬ ‫الشيطان يدعو آباءهم {إِلَى عَذَابِ ال ّ‬ ‫فسوف يردون معهم النار وئس الورد المورود‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر نعم ال الموجبة لشكره بعبادته وحده وترك عبادة من سواه‪.‬‬

‫‪ - 2‬قرأ نافع وحفص نعمه بالجمع وقرأ آخرون بالفراد نعمته وهي دالة على الجمع لنها اسم‬ ‫جنس دال على متعدد بدليل قوله تعالى وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬عن ابن عباس أن النعم الظاهرة السلم وما حسن من الخلق والباطنة ما ستر على العبد من‬ ‫سيء العمل وقيل النعم الظاهرة الصحة وكمال الخلق والباطنة المعرفة والعقل‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قوله تعالى ومن الناس من يجادل في ال بغير علم أي بغير حجة نزلت في يهودي جاء إلى‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم فقال يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو فجاءت صاعقة‬ ‫فأخذته قاله مجاهد‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هذا عام في اليهودي السائل وفي المشركين الذين طالما سألوا وجادلوا النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم بجهلهم وتقليد آبائهم وهم من أجهل الناس‪.‬‬

‫( ‪)4/210‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعيين الستدلل بالخلق على الخالق وبالنعمة على المنعم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب ذكر النعم وشكرها ل تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الجدل بالجهل ودون علم‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة التقليد في الباطل والشر والفساد كتقليد بعض المسلمين اليوم للكفار في عاداتهم‬ ‫وأخلقهم ومظاهر حياتهم‪.‬‬ ‫سكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُثْقَى وَإِلَى اللّهِ عَاقِبَةُ الُْأمُورِ(‪)22‬‬ ‫جهَهُ إِلَى اللّهِ وَ ُهوَ ُمحْسِنٌ َفقَدِ اسْ َتمْ َ‬ ‫َومَنْ ُيسْلِ ْم َو ْ‬ ‫عمِلُوا إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ(‪ُ )23‬نمَ ّت ُعهُمْ‬ ‫ج ُع ُهمْ فَنُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬ ‫َومَنْ َكفَرَ فَل يَحْزُ ْنكَ ُكفْ ُرهُ إِلَيْنَا مَرْ ِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ ُقلِ‬ ‫عذَابٍ غَلِيظٍ(‪ )24‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫ضطَرّهُمْ إِلَى َ‬ ‫قَلِيلً ثُمّ َن ْ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعَْلمُونَ(‪)25‬‬ ‫الْ َ‬ ‫حمِيدُ(‪)26‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن يسلم وجهه إلى ال ‪ :‬أي أقبل على طاعته مخلصا له العبادة ل يلتفت إلى غيره من سائر‬ ‫خلقه‪.‬‬ ‫وهو محسن ‪ :‬أي والحال أنه محسن في طاعته إخلصا واتباعا‪.‬‬ ‫فقد استمسك بالعروة الوثقى ‪ :‬أي تعلق بأوثق ما يتعلق به فل يخاف انقطاعه بحال‪.‬‬ ‫وإلى ال عاقبة المور ‪ :‬أي مرجع كل المور إلى ال سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫نمتعهم قليلً ‪ :‬أي متاعا في هذه الدنيا قليلً أي إلى نهاية آجالهم‪.‬‬ ‫ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ‪ :‬أي ثم نلجئهم في الخرة إلى عذاب النار والغليظ‪:‬‬

‫( ‪)4/211‬‬ ‫الثقيل‪.‬‬ ‫قل الحمد ل ‪ :‬أي احمد ال على ظهور الحجة بأن تقول الحمد ل‪.‬‬ ‫ل يعلمون ‪ :‬أي من يستحق الحمد والشكر ومن ل يستحق لجهلهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد إقامة الحجة على المشركين في عبادتهم غير ال وتقليدهم لبائهم في الشرك والشر والفساد‬ ‫جهَهُ إِلَى اللّهِ}( ‪ )1‬أي يقبل بوجهه‬ ‫قال تعالى مرغبا في النجاة داعيا إلى الصلح‪َ { :‬ومَنْ يُسْلِمْ وَ ْ‬ ‫وقلبه على ربه يعبده متذلل له خاضعا لمره ونهيه‪َ { .‬و ُهوَ ُمحْسِنٌ} أي والحال أنه محسن في‬ ‫سكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُ ْثقَى} أي قد أخذ‬ ‫عبادته إخلصا فيها ل‪ ،‬واتباعا في أدائها لرسول ال { َفقَدِ اسْ َتمْ َ‬ ‫بالطرف الوثق فل يخاف انقطاعا أبدا وقوله تعالى‪{ :‬وَإِلَى اللّهِ عَاقِ َبةُ الُْأمُورِ} يخبر تعالى أن مردّ‬ ‫المور كلها ل تعالى يقضي فيها بما يشاء فليفوّض العبد أموره كلها ل إذ هي عائدة إليه فيتخذ‬ ‫بذلك له يدا عند ربه‪ ،‬وقوله لرسوله‪َ { :‬ومَنْ َكفَرَ فَل َيحْزُ ْنكَ(‪ُ )2‬كفْ ُرهُ} أي أسلم وجهك لربك‬ ‫وفوض أمرك إليه متوكل عليه ومن كفر من الناس فل يحزنك كفره أي فل تكترث به ول تحزن‬ ‫عمِلُوا} في هذا الدار‬ ‫ج ُعهُمْ} أي فإن مردهم إلينا بعد موتهم ونشورهم {فَنُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬ ‫عليه {إِلَيْنَا مَرْ ِ‬ ‫من سوء وشر ونجزيهم به‪{ .‬إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ(‪ })3‬أي بما تكنه وتخفيه من اعتقادات‬ ‫ونيّات وبذلك يكون الحساب دقيقا والجزاء عادلً‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬نمَ ّت ُعهُمْ(‪ )4‬قَلِيلً} أي نمهل هؤلء‬ ‫المشركين فل نعاجلهم بالعقوبة فيتمتعون مدة آجالهم وهو متاع قليل { ُثمّ َنضْطَرّ ُهمْ} بعد موتهم‬ ‫ونشرهم {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي نلجئهم إلجاءً إلى عذاب غليظ ثقيل ل يحتمل ول يطاق وهو عذاب‬ ‫النار‪ .‬نعوذ بال منها ومن كل عمل يؤدي إليها وقوله تعالى في الية (‪{ )25‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ لَ َيقُولُنّ اللّهُ} أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلء المشركين قائلً لهم‪ :‬من خلق‬ ‫ال ّ‬ ‫السموات والرض لبادروك‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أسلم وسلّم بمعنى‪ ،‬إل أن التضعيف للتكثير وعدي باللم نحو قول أسلمت وجهي ل‪ ،‬وعدي‬ ‫مرة بإلى قال القرطبي معناه مع اللم أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما أي ل خالصا له‬ ‫ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه والمراد‬ ‫التوكل عليه والتفويض إليه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ نافع يحزنك بضم الياء وكسر الزاي يُحزنك وقرأ حفص يحزنك بفتح الياء وضم الزاي‬

‫يَحزنك فالولى مضارع أحزنه يحزنه كأعلم يعلمه والثاني مضارع حزنه كنصره ينصره‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة تعليلية لما سبقها من أحكام‪.‬‬ ‫ل يقول ما الذي يترتب على علمه تعالى‬ ‫‪ - 4‬جملة نمتعهم قليلً مستأنفة استئنافا بيانيا كأن سائ ً‬ ‫بذات الصدور فالجواب إنه يمتعهم قليل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ‪.‬‬

‫( ‪)4/212‬‬ ‫بالجواب قائلين ال إذا قل الحمد ل على إقامة الحجة عليكم باعترافكم‪ ،‬وما دام ال هو الخالق‬ ‫الرازق كيف يعبد غيره أو يعبد معه سواه أين عقول القوم؟ وقوله { َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َيعَْلمُونَ} أي ل‬ ‫يعلمون موجب الحمد ول مقتضاه‪ ،‬ول من يستحق الحمد ومن ل يستحقه لنهم جهلة ل يعلمون‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ} أي خلقا وملكا وعبيدا ولذا فهو غني عن‬ ‫شيئا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫المشركين وعبادتهم فل تحزن عليكم ول تبال بهم عبدوا أو لم يعبدوا {إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ} عن كل‬ ‫حمِيدُ} أي المحمود بعظيم فعله وجميل صنعه‪.‬‬ ‫ما سواه {ا ْل َ‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان نجاة أهل ل إله إل ال وهم الذين عبدوا ال وحده بما شرع لهم على لسان رسوله محمد‬ ‫صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن المشركين من العرب موحدون في الربوبية مشركون في العبادة كما هو حال كثير‬ ‫من الناس اليوم‬ ‫يعتقدون أن ال رب كل شيء ول ربّ سواه ويذبحون وينذرون ويحلفون بغيره‪ ،‬ويخافون غيره‬ ‫ويرهبون سواه‪ .‬والعياذ بال‪.‬‬ ‫شجَ َرةٍ َأقْلمٌ وَالْبَحْرُ َيمُ ّدهُ مِنْ َب ْع ِدهِ سَ ْبعَةُ أَ ْبحُرٍ مَا َنفِ َدتْ كَِلمَاتُ اللّهِ إِنّ اللّهَ‬ ‫وََلوْ أَ ّنمَا فِي الْأَ ْرضِ مِنْ َ‬ ‫سمِيعٌ َبصِيرٌ(‪)28‬‬ ‫ح َدةٍ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫س وَا ِ‬ ‫حكِيمٌ(‪ )27‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِلّا كَ َنفْ ٍ‬ ‫عَزِيزٌ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولو أن ما في الرض ‪ :‬أي من شجرة‪.‬‬ ‫أقلم ‪ :‬أي يكتب بها‪.‬‬ ‫والبحر ‪ :‬أي المحيط‬ ‫يمده سبعة أبحر ‪ :‬أي تمده‬ ‫ما نفدت كلمات ال ‪ :‬أي ما انتهت ول نقصت‪.‬‬

‫( ‪)4/213‬‬ ‫إن ال عزيز حكيم ‪ :‬أي عزيز في انتقامه غالب ما أراده حكيم في تدبير خلقه‪.‬‬ ‫ما خلقكم ول بعثكم ‪ :‬أي ما خلقكم ابتداء ول بعثكم من قبوركم إعادة لكم إل كخلق وبعث نفس‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وََلوْ أَ ّنمَا(‪ )1‬فِي الْأَ ْرضِ مِنْ شَجَ َرةٍ(‪َ )2‬أقْلمٌ} أي لو أن شجر الرض كله قطعت‬ ‫أغصانه شجرة شجرة حتى لم تبق شجرة وبريت أقلما‪ ،‬والبحر المحيط صار مدادا ومن ورائه‬ ‫سبعة أبحر أخرى تحولت إلى مداد وتمُد البحر الول وكتب بتلك القلم وذلك المداد كلمات ال‬ ‫لنفد البحر والقلم ولم تنفد كلمات ال‪ ،‬وذلك لن القلم والبحر متناهية وكلمات ال غير متناهية‬ ‫فعلم ال وكلمه كذاته وصفاته ل تتناهي بحال‪ ،‬نزلت هذه الية ردا على اليهود لما قيل لهم { َومَا‬ ‫أُوتِيتُمْ مِنَ ا ْلعِ ْلمِ إِلّا قَلِيلً} قالوا وكيف هذا وقد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء‪ .‬كما نزل رداّ‬ ‫على أبي بن خلف قوله تعالى‪{ :‬مَا خَ ْلقُكُمْ(‪ )3‬وَل َبعْ ُثكُمْ إِلّا كَ َنفْسٍ(‪ )4‬وَاحِ َدةٍ} إذ قال للنبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم كيف يخلقنا ال خلقا جديدا في يوم واحد ليحاسبنا ويجزينا‪ ،‬ونحن خلقنا أطورا وفي‬ ‫قرون عديدة فأنزل ال تعالى قوله {مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ} إل كخلق وبعث نفس واحدة {إِنّ اللّهَ‬ ‫سمِيعٌ َبصِيرٌ(‪ })5‬فما يسمع المخلوقات ول يشغله صوت عن صوت‪ ،‬ويبصرهم ول تحجبه ذات‬ ‫َ‬ ‫عن ذات كذلك هو يبعثهم في وقت واحد ولو أراد خلقهم جملة واحدة لخلقهم لنه يقول للشيء كن‬ ‫فيكون‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سعة علم ال تعالى وأنه تعالى متكلم وكلماته ل تنفد بحال من الحوال‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن ما أوتيه النسان من علوم ومعارف ما هو بشيء إلى علم ال تعالى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قيل في سبب هذه الية المدنية على رأي ابن عباس رضي ال عنهما أن اليهود قالوا‪ :‬يا‬ ‫محمد كيف عنينا بهذا القول (وما أوتيتم من العلم إل قليل) ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلم ال‬ ‫وأحكامه وعندك أنها تبيان كل شيء‪ .‬فقال الرسول صلى ال عليه وسلم التوراة قليل من كثير‬ ‫ونزلت هذه الية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬من شجرة من بيانية وفي التعبير بـ لو‪ :‬دللة على أن مضمون الكلم افتراضي‪ ،‬ولكن لو‬ ‫كان المفترض لما يخرج عما أخبر تعالى به وهو نفاد القلم والمداد وبقاء كلم ال تعالى لن‬ ‫المراد من الكلمات كلم ال تعالى‪.‬‬

‫‪ -3‬في الية إيجاز بالحذف إذ التقدير ما خلقكم إل كخلق نفس واحدة ول بعثكم إل كبعث نفس‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ما خلقكم فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب‪.‬‬ ‫‪ - 5‬جملة إن ال سميع بصير صالحة لن تكون تعليلية أو استئنافية بيانية‪.‬‬

‫( ‪)4/214‬‬ ‫‪ -1‬بيان قدرة ال تعالى وأنها ل تحد ول يعجزها شيء‪.‬‬ ‫‪ -2‬إثبات صفات ال كالعزة والحكمة والسمع والبصر‪.‬‬ ‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ َيجْرِي إِلَى‬ ‫شمْ َ‬ ‫ل وَسَخّرَ ال ّ‬ ‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِ‬ ‫طلُ‬ ‫ى وَأَنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ(‪ )29‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَا ِ‬ ‫س ّم ً‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫أَ َ‬ ‫وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ(‪ )30‬أََلمْ تَرَ أَنّ ا ْلفُ ْلكَ َتجْرِي فِي الْبَحْرِ بِ ِن ْع َمتِ اللّهِ لِيُرِ َيكُمْ مِنْ آيَا ِتهِ إِنّ فِي‬ ‫عوُا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ فََلمّا‬ ‫غشِ َيهُمْ َموْجٌ كَالظَّللِ دَ َ‬ ‫شكُورٍ(‪ )31‬وَإِذَا َ‬ ‫ل صَبّارٍ َ‬ ‫ذَِلكَ لَآياتٍ ِل ُك ّ‬ ‫جحَدُ بِآياتِنَا إِلّا ُكلّ خَتّارٍ َكفُورٍ(‪)32‬‬ ‫نَجّا ُهمْ إِلَى الْبَرّ َفمِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومَا يَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ألم تر ‪ :‬أي ألم تعلم أيها المخاطب‪.‬‬ ‫أن ال يولج الليل في النهار ‪ :‬أي يدخل جزءا منه في النهار‪ ،‬ويدخل جزاء من النهار في الليل‬ ‫بحسب الفصول‪.‬‬ ‫وسخر الشمس والقمر ‪ :‬يسبحان في فلكيهما الدهر كله ل تكلن إلى يوم القيامة وهو الجل‬ ‫المسمى لهما‪.‬‬ ‫ذلك بأن ال هو الحق ‪ :‬أي ذلك المذكور من اليلج والتسخير بسبب أن ال هو الله الحق‪.‬‬ ‫وأن ما يدعون من دونه الباطل ‪ :‬أي وأن ما يدعون من دونه من آلهة هي الباطل‪.‬‬ ‫بنعمت ال ‪ :‬أي بإفضاله على العباد وإحسانه إليهم حيث هيأ أسباب جريها‪.‬‬

‫( ‪)4/215‬‬ ‫لكل صبار شكور ‪ :‬أي صبار عن المعاصي شكور للنعم‪.‬‬ ‫وإذا غشيهم موج ‪ :‬أي علهم وغطاهم من فوقهم‪.‬‬ ‫كالظلل ‪ :‬أي كالجبال التي تظلل من تحتها‪.‬‬ ‫فمنهم مقتصد ‪ :‬أي بين الكفر واليمان بمعنى معتدل في ذلك ما آمن ول كفر‪.‬‬ ‫كل ختار كفور ‪ :‬أي غدار كفور لنعم ال تعالى‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال الشرك والكفر قال تعالى {أَلَمْ تَرَ(‪ })1‬أي ألم تعلم أيها‬ ‫النبي أن ال ذا اللوهية على غيره {أَنّ اللّهَ يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ} بإدخال جزء منه في النهار‬ ‫{وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ} أي بإدخال جزء منه في الليل وذلك بحسب الفصول السنوية { َوسَخّرَ‬ ‫س وَا ْل َقمَرَ}( ‪ )2‬يسبحان في فلكيهما لمنافع الناس إلى أجل مسمى أي إلى وقت محدد معين‬ ‫شمْ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫عنده سبحانه وتعالى وهو يوم القيامة‪ ،‬وأن ال تعالى بما تعملون خبير‪ ،‬ل يخفى عليه شيء من‬ ‫أعمالكم صالحها وفاسدها وسيجزيكم بها وقوله {ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلحَقّ} أي ذلك اليلج لليل في‬ ‫النهار والنهار في الليل وتسخير الشمس والقمر‪ ،‬وعلم ال تعالى بأعمال العباد ومجازاتهم عليها‬ ‫قاطع لكل شك بأن ال هو إله الحق‪ ،‬وأن ما يدعون من دونه من أوثان هو الباطل(‪ ،)3‬وقاطع‬ ‫بأن ال تعالى ذا اللوهية الحقة هو العلي الكبير أي ذو العلو المطلق الكبير الذي ليس شيء أكبر‬ ‫منه إذ هو رب كل شيء ومالكه والقاهر له والمتحكم فيه ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ} يا محمد {أَنّ ا ْلفُ ْلكَ} أي السفن { َتجْرِي فِي الْبَحْرِ بِ ِن ْع َمتِ اللّهِ} تعالى على‬ ‫خلقه حيث يسّر لها أسباب سيرها وجريها في البحر وهي تحمل السلع والبضائع‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ألم تر‪ :‬الستفهام تقريري بالنسبة إلى الرسول صلى ال عليه وسلم وهو إنكاري بالنسبة إلى‬ ‫غيره ينكر على أهل الغفلة غفلتهم وأهل العراض عن النظر إعراضهم إذ لو نظروا وفكروا‬ ‫لهتدوا إلى توحيد ال وبعثه عباده للحساب والجزاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال القرطبي‪ :‬ذللهما بالطلوع والفول تقديرا للجال‪ ،‬وإتماما للمنافع والية في تقرير‬ ‫التوحيد بذكر مظاهر علم ال وقدرته وحكمته‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جائز أن يكون المراد بالباطل الشيطان إذ هو الذي زين عبادة الصنام والوثان وأمرهم بها‬ ‫فلذا أطلق لفظ الباطل عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/216‬‬ ‫والقوات من إقليم إلى إقليم وهي نعم كثيرة‪ .‬سخر ذلك لكم ليريكم(‪ )1‬من آياته الدالة على‬ ‫ربوبيته وألوهيته وهي كثيرة تتجلى في كل جزء من هذا الكون‪ .‬وقوله {إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ} أي‬ ‫علمات ودلئل على قدرة ال ورحمته وحكمته وهي موجبات عبادته وتوحيده فيها‪ ،‬وقوله {ِل ُكلّ‬ ‫شكُورٍ} أي فيها عبر لكل عبد صبور على الطاعات صبور عن المعاصي صبور عما‬ ‫صَبّارٍ(‪َ )2‬‬ ‫تجري به القدار شكور لنعم ال تعالى جليلها وصغيرها أما غير الصبور الشكور فإنه ل يجد فيها‬ ‫عبرة ول عظة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا غَشِ َي ُهمْ َموْجٌ كَالظَّللِ(‪ })3‬أي إذا غشي المشركين موج وهم على ظهر السفينة‬

‫عوُا اللّهَ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ} أي دعوا ال وحده ولم يذكروا آلهتهم‪ .‬فلما نجاهم بفضله‬ ‫فخافوا {دَ َ‬ ‫{إِلَى الْبَرّ} فلم يغرقوا { َفمِ ْنهُمْ مُقْ َتصِدٌ(‪ })4‬أي في إيمانه وكفره ل يُغالي في كفره ول يعلن عن‬ ‫جحَدُ (‪)5‬بِآياتِنَا} القرآنية والكونية وهي مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته‬ ‫إيمانه‪ .‬وقوله { َومَا يَ ْ‬ ‫ورحمته الموجبة للوهيته {ِإلّا ُكلّ خَتّارٍ(‪ })6‬أي غدار بالعهود { َكفُورٍ} للنعم ل خير فيه البتّة‬ ‫والعياذ بال تعالى من أهل الغدر والكفر‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد وإبطال الشرك بذكر الدلة المستفادة من مظاهر قدرة ال وعلمه ورحمته‬ ‫وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة الصبر والشكر والجمع بينهما خير من افتراقهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن المشركين أيام نزول القرآن كانوا يوحدون في الشدة ويشركون في الرخاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬من آياته من للتبعيض من بعض آياته ما يشاهدون به مظاهر قدرة ال ولطفه ورحمته‪ .‬قال‬ ‫الحسن مفتاح البحار السفن ومفتاح الرض الطرق ومفتاح السماء الدعاء‪.‬‬ ‫‪ - 2‬صبار صيغة مبالغة كثير الصبر وشكور كذلك كثير الشكر قال بعضهم صبار لقضائه‪،‬‬ ‫شكور على نعمائه وما في التفسير أعم وأشمل‪ .‬روي أن اليمان نصفان نصفه صبر ونصفه‬ ‫شكر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الظلل جمع ظلة وهو ما أظل من سحاب وجبال وغيرها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فسر هذا اللفظ بعدة تفسيرات منها موف بما عاهد ال عليه في البحر قال الحسن مؤمن‬ ‫متمسك بالتوحيد والطاعة‪ ،‬وقال مجاهد مقتصد في القول مضمر للكفر وقيل في الكلم حذف‬ ‫والمعنى فمنهم مقتصد ومنهم كافر ودل على المحذوف قوله‪( :‬وما يجحد بآياتنا إل كل ختار‬ ‫كفور)‪ .‬وما في التفسير أشمل وأسلم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬قال القرطبي جحد اليات إنكار أعيانها والجحد باليات إنكار دلئلها‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الختر الغدر وجحود الفضل وفعله ختر كضرب يختر قال عمرو بن معد يكرب‪:‬‬ ‫فإنك لو رأيت أبا عمير‬ ‫ملت يديك من غدر وختر‬ ‫وقال العشى‪:‬‬ ‫بالبلق الفردي من تيماء منزلة‬ ‫حصن حصين وجار غير ختار‬

‫( ‪)4/217‬‬

‫‪ -4‬شر الناس الختّار أي الغدار الكفور‪.‬‬ ‫‪ -5‬ذم الختر وهو أسوأ الغدر وذم الكفر بالنعم اللهية‪.‬‬ ‫ن وَالِ ِدهِ شَيْئا‬ ‫ن وََل ِدهِ وَل َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَ ْ‬ ‫شوْا َيوْما ل َيجْزِي وَالِدٌ عَ ْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُ ْم وَاخْ َ‬ ‫عةِ‬ ‫حقّ فَل َتغُرّ ّنكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَل َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ(‪ )33‬إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫إِ ّ‬ ‫سبُ غَدا َومَا تَدْرِي َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ‬ ‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْأَ ْرحَا ِم َومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬ ‫وَيُنَ ّزلُ ا ْلغَ ْي َ‬ ‫َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(‪)34‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اتقوا ربكم ‪ :‬أي خافوه فآمنوا به واعبدوه وحده تنجوا من عذابه‪.‬‬ ‫واخشوا يوما ‪ :‬أي خافوا يوم الحساب وما يجري فيه‪.‬‬ ‫ل يجزي والد عن ولده ‪ :‬أي ل يغني والد فيه عن ولده شيئا‪.‬‬ ‫إن وعد ال حق ‪ :‬أي وعد ال بالحساب والجزاء حق ثابت ل محالة هو كائن‪.‬‬ ‫ل تغرنكم الحياة الدنيا ‪ :‬أي فل تغتروا بالحياة الدنيا فإنها زائلة فأسلموا تسلموا‪.‬‬ ‫ول يغرنكم بال الغرور ‪ :‬أي الشيطان يغتنم حلم ال عليكم وإمهاله لكم فيجسركم على المعاصي‬ ‫ويسوفكم في التوبة‪.‬‬ ‫وينزل الغيث ‪ :‬أي المطر‪.‬‬ ‫ويعلم ما في الرحام ‪ :‬أي من ذكر أو أنثى ول يعلم ذلك سواه‪.‬‬ ‫ماذا تكسب غدا ‪ :‬أي من خير أو شر وال يعلمه‪.‬‬

‫( ‪)4/218‬‬ ‫معنى اليتين الكريمتين‪:‬‬ ‫هذا نداء عام لكل البشر يدعوهم فيه ربهم تعالى ناصحا لهم بأن يتقوه باليمان به وبعبادته وحده‬ ‫ل شريك له وأن يخشوا يوما عظيما فيه من الهوال والعظائم ما ل يقادر قدره بحيث ل يجزي‬ ‫فيه والد(‪ )1‬عن ولده ول مولود(‪ )2‬هو جاز عن والده شيئا إذ كل واحد ل يريد إل نجاة نفسه‬ ‫فيقول نفسي نفسي وهذا لشدة الهول يوم ل يغني أحد عن أحد شيئا ولو كان أقرب قريب‪ ،‬وهو‬ ‫يوم آت ل محالة حيث وعد ال به الناس ووعد ال حق وال ل يخلف الميعاد‪ ،‬ويقول لهم بناء‬ ‫على ذلك {فَل َتغُرّ ّن ُكمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا} بملذها وزخارفها وطول العمر فيها‪{ ،‬وَل َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ‬ ‫ا ْلغَرُورُ} ذي الحلم والكرم {ا ْلغَرُورُ(‪ })3‬أي الشيطان من النس أو الجن يحملكم على تأخير التوبة‬ ‫ومزاولة أنواع المعاصي بتزيينها لكم وترغيبكم فيها فانتبهوا فإن الموت ل بد منه وقد يأتي فجأة‬ ‫فالتوبة التوبة يا عباد ال هذه نصيحة الرب تبارك وتعالى لعباده فهل من مستجيب؟ هذا ما دلت‬

‫عليه الية الولى (‪)33‬‬ ‫أما الية الثانية (‪ )34‬فال جل جلله يخبر عباده بأنه استقل بعلم الساعة متى(‪ )4‬تأتي والقيامة‬ ‫متى تقوم وليس لحد أن يعلم ذلك كائنا من كان وهذه حال تتطلب من العبد أن يعجل التوبة ول‬ ‫يؤخرها‪ ،‬كما أستقل تعالى بعلم وقت نزول المطر في يوم أو ليلة أو ساعة من ليل أو نهار‪ ،‬ويعلم‬ ‫ما في الرحام أرحام الناث من ذكر أو أنثى أو أبيض أو أحمر أو أسود ومن طول وقصر ومن‬ ‫إيمان أو كفر ول يعلم ذلك سواه ويعلم ما يكسب كل إنسان في غده من خير أو شر أو غنى أو‬ ‫فقر‪ ،‬ويعلم أين تموت كل نفس من بقاع الرض وديارها ول‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬فإن قيل لقد ثبت بالسنة ما ظاهره خلف هذا فقد قال صلى ال عليه وسلم "من مات له ثلثة‬ ‫من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إل تحلة القسم "‪ ،‬وقال "من ابتلي بشيء من هذه البنات‬ ‫فأحسن إليهن كن له حجابا من النار" فالجواب أن المراد بالية أن الولد ل يحمل ذنب والده وأن‬ ‫الوالد ل يحمل ذنب ولده‪ ،‬وأما موت الولد فأجر المصيبة مع الصبر والحتساب هو الذي منع‬ ‫الوالد من دخول النار كما أن تربية البنات والحسان إليهن جعل ال تعالى جزاءه النجاة من النار‬ ‫فليس في الحديث أن الولد يجزي عن والده ول الوالد يجزي عن ولده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ول مولود‪ :‬مبتدأ وهو ضمير فصل والخبر جاز مرفوع بضمة مقدرة على حرف العلة‬ ‫المحذوف للتخفيف‪ ،‬وذكر الولد والوالد لنهما أشد شفقة على بعضهما ورحمة وحميّة من‬ ‫غيرهما‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الغرور بالفتح (الفعول) من أمثلة المبالغة أي كثير التغرير بالنسان وهو الشيطان عليه‬ ‫لعائن الرحمن والغرور الخداع بما ظاهره حسن وباطنه ضرر‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال مقاتل هذه الية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة أتى‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم فقال إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد؟ وبلدنا جدبة فأخبرني متى‬ ‫ينزل الغيث؟ ولقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني‬ ‫ماذا أعمل غدا؟ وأخبرني متى تقوم الساعة؟ فأنزل ال تعالى الية‪.‬‬ ‫‪ – 5‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إذا أراد ال تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له‬ ‫إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها ثم قرأ الرسول صلى ال عليه وسلم إن ال عنده علم الساعة الخ‬ ‫الية‪.‬‬

‫( ‪)4/219‬‬ ‫يعلم ذلك إل ال ولذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "مفاتح(‪ )1‬الغيب خمسة وقرأ‪ { :‬إِنّ اللّهَ‬ ‫سبُ غَدا َومَا تَدْرِي‬ ‫ع ِة وَيُنَ ّزلُ ا ْلغَ ْيثَ وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْأَ ْرحَا ِم َومَا تَدْرِي َنفْسٌ مَاذَا َتكْ ِ‬ ‫عِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬

‫َنفْسٌ بَِأيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}" في الصحيح‪.‬‬ ‫وقوله إن ال عليم أي بكل شيء وليس بهؤلء الخمسة فقط خبير بكل شيء من دقيق أو جليل من‬ ‫ذوات وصفات وأحوال وببواطن المور كظواهرها وبهذا وجب أن يعبد وحده بما شرع من أنواع‬ ‫العبادات التي هي سلّم النجاح ومرقى الكمال والسعاد في الدارين‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تقوى ال عز وجل باليمان به وتوحيده في عبادته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الغترار بالحياة الدنيا‪ ،‬والتحذير من الشيطان أي من اتباعه والغترار بما يزينه‬ ‫ويحسنه من‬ ‫المعاصي‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان مفاتح(‪ )2‬الغيب الخمسة واختصاص الرب تعالى بمعرفتها‪.‬‬ ‫‪ -5‬كل مدع لمعرفة الغيب من الجن والنس فهو طاغوت يجب لعنه ومعاداته‪.‬‬ ‫‪ -6‬ما ادّعي اليوم من أنه بواسطة اللت الحديثة قد عرف ما في رحم المرأة فهذه المعرفة ليست‬ ‫داخلة في قوله‬ ‫تعالى {ويعلم ما في الرحام} لنها بمثابة من فتح البطن ونظر ما فيه فقال هو كذا وذلك لوجود‬ ‫أشعة عاكسة أما المنفي عن كل أحد إل ال أن يقول المرء‪ :‬إن في بطن امرأة فلن ذكرا أو أنثى‬ ‫ول يقرب منها ول يجرّبها في ولدتها السابقة‪ ،‬ول يحاول أن يعرف ما في بطنها بأية محاولة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪" :‬مفاتح الغيب خمس ثم قرأ (إن ال عنده علم الساعة) الية وفي رواية أبي هريرة "خمس‬ ‫ل يعلمهن إل ال" وعلة تسميتها مفاتح الغيب أنها من أمور الناس المغيبة عنهم فإذا وقعت كان‬ ‫وقوعها كفتح مغلق بمفتاح فالنسان قد يعرف متى يصلي متى يسافر متى يتزوج أما هذه الخمسة‬ ‫فل علم له بها أبدا حتى يفتح ال بابها ويظهرها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المفاتح جمع مفتح آلة الفتح والمعنى أن هذه المور الخمسة وهي متعلقة بالنسان ل يظهرها‬ ‫إلى الوجود ول يفتح مغلقها الغيبي إل ال جل جلله إذ بيده مفاتحها‪.‬‬

‫( ‪)4/220‬‬ ‫سورة السجدة‬ ‫‪...‬‬

‫سورة السجدة‬ ‫مكية(‪)1‬‬ ‫وآياتها ثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ‬ ‫الم(‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ ل رَ ْيبَ فِيهِ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )2‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ َبلْ ُهوَ الْ َ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ َومَا‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫لِتُنْذِرَ َقوْما مَا أَتَا ُهمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ(‪ )3‬اللّهُ الّذِي خََلقَ ال ّ‬ ‫شفِيعٍ َأفَل تَتَ َذكّرُونَ(‪)4‬‬ ‫ي وَل َ‬ ‫بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ مَا َلكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِ ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الم ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب آلم‪ ،‬ويقرأ ألف لم ميم‪.‬‬ ‫ل ريب فيه ‪ :‬أي ل شك في أنه نزل من رب العالمين‪.‬‬ ‫أم يقولون افتراه ‪ :‬أي بل أيقولون أي المشركون اختلقه وكذبه‪.‬‬ ‫قوما ما أتاهم من نذير ‪ :‬أي من زمن بعيد وهم قريش والعرب‪.‬‬ ‫لعلهم يهتدون ‪ :‬أي بعد ضللهم إلى الحق الذي هو دين السلم‪.‬‬ ‫في ستة أيام ‪ :‬هي الحد والثنين والثلثاء والربعاء والخميس والجمعة‪.‬‬ ‫ثم استوى على العرش ‪ :‬استوى على عرشه يدير أمر خلقه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وتسمى سورة الم السجدة‪ ،‬وتنزيل السجدة وفي الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم كان‬ ‫يصلى بها الصبح يوم الجمعة يقرأ في الركعة الولى بالفاتحة والسجدة والثانية بالفاتحة وسورة‬ ‫النسان كما ورد أنه كان يقرأها مع سورة الملك عند النوم وفي كل منهما ثلثون آية‪.‬‬

‫( ‪)4/221‬‬ ‫ي يتولكم ول شفيع يشفع لكم‪.‬‬ ‫من ولي ول شفيع ‪ :‬أي ليس لكم أيها المشركون من دون ال ول ّ‬ ‫أفل تتذكرون ‪ :‬أي أفل تتعظون بما تسمعون فتؤمنوا وتوحدوا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {الم} هذه الحروف المقطعة في فواتح عدة سور السلم أن ل تؤول ويكتفى فيها بقول‬ ‫ال أعلم بمراده بها‪ .‬وقد اخترنا من أقاويل المفسرين أنها أفادت فائدتين‪ :‬الولى أنه لما كان‬ ‫المشركون من قريش في مكة يمنعون من سماع القرآن مخافة أن يتأثر به السامع به فيؤمن‬ ‫ويوحد فكانت هذه الحروف تستهويهم بنغمها الخاص فيستمعون فينجذبون ويؤمن من شاء ال‬ ‫إيمانه وهدايته والثانية بقرينة ذكر الكتاب بعدها غالبا‪ :‬أن هذا القرآن الكريم قد تألف من مثل هذه‬ ‫الحرف الم‪ ،‬طس‪ ،‬حم‪ ،‬ق‪ ،‬فألفوا أيها المكذبون سورة من مثله وإل فاعلموا أنه تنزيل من ال رب‬

‫العالمين فلما عجزوا قامت عليهم الحجة ولم يبق شك في أنه تنزيل ال وكتابه أنزله على نبيه‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم وقوله تعالى‪{ :‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ(‪ })1‬أي القرآن الكريم {ل رَ ْيبَ فِيهِ} أي ل‬ ‫شك(‪ )2‬في أنه من رب العالمين على محمد صلى ل عليه وسلم وليس بشعر ول بسجع كهان‪،‬‬ ‫ول أساطير الولين وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ(‪َ )3‬يقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي بل يقولون افتراه محمد واختلقه وأتى‬ ‫به من تلقاء نفسه اللهم ل إنه لم يفتره { َبلْ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ} أي جاءك من ربك وحيا أوحاه‬ ‫إليك‪{ ،‬لِتُ ْنذِرَ َقوْما مَا أَتَاهُمْ(‪ )4‬مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبِْلكَ} وهم مشركوا العرب لتنذرهم بأس ال وعذابه‬ ‫إن بقوا على شركهم وكفرهم‪ ،‬وقوله {َلعَّلهُمْ َيهْتَدُونَ} أي رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا فيهتدوا إلى‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا}‬ ‫ت وَالْأَ ْر َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ ال ّ‬ ‫الحق بعد ضللهم فينجوا ويكملوا ويسعدوا وقوله‪{ :‬اللّهُ الّذِي َ‬ ‫أي من مخلوقات {فِي سِتّةِ أَيّامٍ} من مثل أيام الدنيا أولها الحد وآخرها الجمعة ولذا كانت الجمعة‬ ‫من أفضل اليام {ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ} عرشه(‪ )5‬سبحانه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬تنزيل مرفوع بالبتداء والخبر ل ريب فيه‪ ،‬أو خبر على تقدير مبتدأ أي هذا تنزيل أو المتلو‬ ‫عليك تنزيل الكتاب‪ ،‬ويكون ل ريب فيه محل نصب على الحال‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ل ريب فيه لما اشتمل من العجاز العلمي حيث عجز النس والجن على أن يأتوا بمثله‬ ‫وعجز فصحاء العرب على التيان بسورة مثل سوره‪ .‬ولما عرف به صاحبه الذي نزل عليه‬ ‫وجاء به وهو محمد صلى ال عليه وسلم من الصدق الكامل حيث لم يكذب قط وقد أخبر أنه‬ ‫تنزيل ال رب العالمين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أم هذه هي المنقطعة ولذا قدرت ببل والستفهام في التفسير‪ ،‬وصيغة المضارع (يقولون)‬ ‫لستحضار الحالة الماضية إثارة للتعجب في نفس السامع‪.‬‬ ‫‪ - 4‬النذير المعلم المخوف بعواقب الشرك والمعاصي والفساد والشر‪ ،‬والقوم الجماعة العظيمة‬ ‫الذين يجمعهم أمر يكون كالقوام لهم من نسب أو وطن أو غرض تجمعوا من أجله والمراد بهم‬ ‫عامة العرب في كل ديارهم شمال وجنوبا وشرقا وغربا إذ فقدوا العلم اللهي منذ قرون عدة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬سئل مالك رحمه ال تعالى عن الستواء فقال‪ :‬الستواء معلوم والكيف مجهول واليمان به‬ ‫واجب والسؤال عنه بدعة‪.‬‬

‫( ‪)4/222‬‬ ‫وتعالى استوى استواء يليق به يدبر أمر مخلوقاته‪ .‬ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما‬ ‫وهو الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل وهو الله الحق الذي ل إله غيره ول رب سواه ما للعرب‬ ‫ول للبشرية كلها من إله غيره‪ ،‬وليس لها من غيره من ولي يتولها بالنصر والنجاء إن أراد ال‬ ‫خذلنها وإهلكها‪ ،‬وليس لها شفيع(‪ )1‬يشفع لها عنده إذا أراد النتقام منها لشركها وشرها‬

‫وفسادها وقوله‪َ{ :‬أفَل تَتَ َذكّرُونَ} فتعلموا أيها العرب المشركون أنه ل إله لكم إل ال فتعبدوه‬ ‫وتوحدوه فتنجوا من عذابه وتكملوا وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزل ال ووحيه أوحاه إلى رسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬إبطال ما كان المشركون يقولون في القرآن بأنه شعر وسجع كهان وأساطير الولين‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان الحكمة من إنزال القرآن على النبي صلى ال عليه وسلم وهو النذار‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان الزمان الذي خلق ال فيه السموات والرض وما بينهما‪.‬‬ ‫‪ -5‬إثبات صفة الستواء على العرش ل تعالى‪.‬‬ ‫ي ول شفيع فما عليها إل أن‬ ‫‪ -6‬تقرير أنه ما للبشرية من إله إل ال وأنه ليس لها من دونه من ول ّ‬ ‫تؤمن بال وتعبده فتكمل وتسعد على عبادته‪.‬‬ ‫سمَاءِ إِلَى الْأَ ْرضِ ُثمّ َيعْرُجُ إِلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َأ ْلفَ سَنَةٍ ِممّا َتعُدّونَ(‪ )5‬ذَِلكَ‬ ‫يُدَبّرُ الَْأمْرَ مِنَ ال ّ‬ ‫شهَا َدةِ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ(‪)6‬‬ ‫عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬ ‫ج َعلَ نَسَْلهُ مِنْ سُلَلةٍ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ(‬ ‫شيْءٍ خََلقَ ُه وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ(‪ُ )7‬ثمّ َ‬ ‫الّذِي َأحْسَنَ ُكلّ َ‬ ‫‪)8‬‬ ‫سوّاهُ وَ َنفَخَ فِيهِ‬ ‫ثُمّ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في نفي الشفيع رد على قول بعضهم أن آلهتهم تشفع لهم عند ال على تقدير أنهم يبعثون يوم‬ ‫القيامة إذ قالوا‪ :‬هؤلء شفعاؤنا عند ال أو في قضاء حوائجهم في الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)4/223‬‬ ‫شكُرُونَ(‪)9‬‬ ‫سمْ َع وَالْأَ ْبصَا َر وَالَْأفْئِ َدةَ قَلِيلً مَا تَ ْ‬ ‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ‬ ‫مِنْ رُوحِ ِه َو َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يدبر المر من السماء إلى الرض ‪ :‬أي أمر المخلوقات طوال الحياة‪.‬‬ ‫ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ‪ :‬أي يوم القيامة حيث تنتهي هذه الحياة وسائر شؤونها‪.‬‬ ‫ألف سنة مما تعدون ‪ :‬أي من أيام الدنيا‪.‬‬ ‫عالم الغيب والشهادة ‪ :‬أي ما غاب عن الناس ولم يروه وما شاهدوه ورأوه‪.‬‬ ‫بدأ خلق النسان من طين ‪ :‬أي بدأ خلق آدم عليه السلم من طين‪.‬‬ ‫من سللة من ماء مهين ‪ :‬أي ذرية آدم من علقة من ماء النطفة‪.‬‬ ‫ثم سواه ونفخ فيه من روحه ‪ :‬أي سوى الجنين في بطن أمه ونفخ فيه الروح فكان حيا كما سوى‬

‫آدم أيضا ونفخ فيه من روحه فكان حيا‪.‬‬ ‫والفئدة ‪ :‬أي القلوب‪.‬‬ ‫قليل ما تشكرون ‪ :‬أي ما تشكرون ال على نعمة اليجاد والمداد إل شكرا قليل ل يوازي قدر‬ ‫النعمة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة‬ ‫سمَاءِ} حيث العرش وكتاب‬ ‫والحكمة اللهية‪ ،‬فقوله تعالى {يُدَبّرُ الَْأمْرَ} أي أمر المخلوقات {مِنَ ال ّ‬ ‫المقادير {إِلَى الْأَ ْرضِ} حيث تتم الحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع‪ ،‬والغنى والفقر‬ ‫والحرب والسلم‪ ،‬والعز والذل فال تعالى من فوق عرشه يدبر أمر الخلئق كلها في عوالمها‬ ‫المختلفة‪ ،‬وقوله ثم يعرج أي المر إليه في يوم كان مقداره ألف(‪ )1‬سنة مما يعد الناس اليوم من‬ ‫أيام هذه الدنيا‪ .‬ومعنى { َيعْرُجُ إِلَ ْيهِ} في يوم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ورد في سورة الحج قوله تعالى {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وفي هذه الية‬ ‫{ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} وفي سورة المعارج {تعرج الملئكة‬ ‫والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}‪ ،‬وقد كثرت أقوال أهل التفسير في تحديد هذه‬ ‫اليام حتى قال ابن عباس أيام سماها ال سبحانه وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما ل أعلم‬ ‫وأحسن ما يقال فيها أن اليوم الذي ذكر في سورة الحج هو عبارة عن الزمان وتقديره عند ال‬ ‫وأن يوم سورة المعارج هو يوم القيامة يوم الحساب وأن هذا اليوم هو آخر أيام الدنيا حيث ينتهي‬ ‫التدبير والتصرف لنقضاء الحياة وهو كما ذكر تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/224‬‬ ‫القيامة أي يرد إليه حيث عم الكون الفناء ولم يبق ما يدبر في هذه الرض لفنائها وفناء كل ما‬ ‫شهَا َدةِ} أي ما غاب عن الناس وما حضر فشاهدوه أي‬ ‫كان عليها‪ .‬وقوله {ذَِلكَ(‪ )1‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬ ‫العالم بكل شيء وقوله {ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ}‪ :‬أي الغالب على مراده من خلقه الرحيم بالمؤمنين من‬ ‫شيْءٍ خََلقَهُ}( ‪ )2‬أي أحسن خلق كل مخلوق خلقه أي جوّد خلقه‬ ‫عباده‪ ،‬وقوله {الّذِي َأحْسَنَ ُكلّ َ‬ ‫خلْقَ الْأِ ْنسَانِ مِنْ طِينٍ} أي وبدأ خلق آدم من طين وهو النسان الول‪،‬‬ ‫وأتقنه وحسنه‪ .‬وقوله {وَ َبدَأَ َ‬ ‫ج َعلَ نَسَْلهُ} أي نسل النسان {مِنْ سُلَلةٍ} وهي العلقة {مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ(‪ })3‬وهو النطفة‪ ،‬وقوله‬ ‫{ ُثمّ َ‬ ‫سوّا ُه وَ َنفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} أي سوّى آدم ونفخ فيه من روحه‪ ،‬كما سوّى النسان في رحم أمه‬ ‫{ ُثمّ َ‬ ‫سمْ َع وَالْأَ ْبصَا َر وَالَْأفْئِ َدةَ}‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬ ‫أي سوى خلقه ثم نفخ فيه من روحه فكان إنسانا حيا‪ ،‬وقوله {وَ َ‬ ‫أي القلوب أي لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا لحاجتكم إلى ذلك لن حياتكم تتطلب منكم مثل ذلك ومع‬

‫شكُرُونَ(‪ })4‬أي ل تشكرون إل قليلً‪.‬‬ ‫هذه النعم الجليلة {قَلِيلً مَا تَ ْ‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان جلل ال وعظمته في تدبيره أمر الخلئق‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان صفات ال تعالى من العلم والعزة والرحمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان كيفية خلق النسان ومادة خلقه‪.‬‬ ‫‪ -4‬شكر العباد ‪ -‬إن شكروا – ل يوازي نعم ال تعالى عليهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب شكر النعم بالعتراف بها وذكرها وحمد ال تعالى عليها وصرفها في مرضاته‪.‬‬ ‫جدِيدٍ َبلْ ُهمْ بِِلقَاءِ رَ ّبهِمْ كَافِرُونَ(‪ُ )10‬قلْ يَ َت َوفّاكُمْ مََلكُ‬ ‫َوقَالُوا أَِإذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَ ْرضِ أَإِنّا َلفِي خَ ْلقٍ َ‬ ‫جعُونَ(‪)11‬‬ ‫ا ْل َم ْوتِ الّذِي ُوكّلَ ِبكُمْ ثُمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذلك اسم إشارة عائد إلى اسم الجللة أي ذلك الرب العظيم والله الحكيم الذي خلق السموات‬ ‫وما بينهما المدبر للملكوت المتصرف في الموجودات هو عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم‬ ‫المستحق للعبادة والمحبة والخوف دون غيره من سائر المخلوقات‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ نافع وحفص خلقه بصيغة الماضي وقرأ بعضٌ خلقه بإسكان اللم على أنه مصدر خلق‬ ‫يخلق خلقا وهو بدل اشتمال من كل شيء ومعنى أحسن أتقن وأحكم قال عكرمة‪ :‬ليست أست‬ ‫القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المهين الممتهن الذي ل يعبأ به‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جائز أن يكون المراد عدم شكرهم مطلقا فهو كناية عن العدم توبيخا لهم وتأنيبا‪.‬‬

‫( ‪)4/225‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أئذا ضللنا في الرض ‪ :‬أي غبنا فيها حيث فنينا وصرنا ترابا‪.‬‬ ‫أئنا لفي خلق جديد ‪ :‬أي أنعود خلقا جديدا بعد فنائنا واختلطنا بالتراب‪.‬‬ ‫بل هم بلقاء ربهم كافرون ‪ :‬أي لم يقف المر عند استبعادهم للبعث بل تعداه إلى كفرهم بلقاء‬ ‫ربهم‪ ،‬وهو الذي جعلهم ينكرون البعث‪.‬‬ ‫قل يتوفاكم ملك الموت ‪ :‬أي يقبض أرواحكم ملك الموت المكلف بقبض الرواح‪.‬‬ ‫ثم إلى ربكم ترجعون ‪ :‬أي بعد الموت‪ ،‬وما دمتم ل تمنعون أنفسكم من الموت سوف ل تمنعونها‬ ‫من الحياة فرجوعكم حتمي ل محالة‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬

‫ما زال السياق في تقرير أصول العقيدة فأخبر تعالى عن منكري البعث فقال { َوقَالُوا(‪ })1‬أي‬ ‫منكروا البعث الخر {أَإِذَا ضَلَلْنَا(‪ )2‬فِي الْأَ ْرضِ} أي غبنا فيها بحيث صرنا ترابا فيها {أَإِنّا َلفِي‬ ‫جدِيدٍ} أي لعائدون في خلق جديد‪ .‬وهذا منهم إنكار للبعث واستبعاد له‪ ،‬فقال تعالى مخبرا‬ ‫خَ ْلقٍ َ‬ ‫عن علة إنكارهم للبعث وهي أنهم بلقاء(‪ )3‬ربهم كافرون إذ لو كانوا يؤمنون بلقاء ال الذي‬ ‫وعدهم به لما أنكروا البعث والحياة لذلك‪ ،‬وقوله تعالى { ُقلْ يَ َت َوفّاكُمْ} أي قل يا رسولنا لهؤلء‬ ‫المنكرين للبعث ولقاء الرب تعالى‪ :‬يتوفاكم عند نهاية آجالكم { َمَلكُ ا ْل َموْتِ(‪ })4‬الذي وكله ربّه‬ ‫بقبض أرواحكم‪{ ،‬الّذِي ُوكّلَ ِبكُمْ} بعد ذلك وما دمتم ل تدفعون الموت عن أنفسكم فكيف تدفعون‬ ‫الحياة عندما يريدها ال منكم؟ وهل دفعتموها عندما كنتم عدما فأوجدكم ال وأحياكم‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الجملة استئناف لحكاية عقيدتهم في إنكار البعث والجزاء ليعلل لها بالعلة المناسبة ثم يقرر‬ ‫عقيدة البعث التي أنكروها وتعجبوا من حقيقتها بما هو لزم لها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام للتعجب والستبعاد‪ ،‬والضلل الدخول في الرض والغياب فيها إذ كل ما غاب في‬ ‫شيء ولم يظهر له وجود يقال ضل فيه كما يضل الماء في اللبن والميت في القبر قال الحارث‬ ‫الغساني شعرا‪:‬‬ ‫فآب مضلوه بعين جلية‬ ‫وغودر وبالجولن حزم ونائل‬ ‫(مضلوه أي مغيبوه)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬بل هم بلقاء ربهم كافرون‪ ،‬بل للضراب عن كلمهم أي ليس إنكارهم البعث لستبعاده‬ ‫واستحالته لوجود الدلة الواضحة على إمكانه بل وجوبه وإنما الباعث لهم على التكذيب به هو‬ ‫كفرهم التقليدي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬لم يرد اسم ملك الموت في القرآن غير أن أهل السنة على أسمه عزرائيل بمعنى عبد ال‪.‬‬

‫( ‪)4/226‬‬ ‫‪ -2‬الذنب الذي هو سبب كل ذنب هو الكفر بلقاء ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن لقبض الرواح ملكا وله أعوان من الملئكة وأن الرض جعلت لملك الموت‬ ‫كالطست بين يديه يتناول منها ما يشاء‪.‬‬ ‫ل صَالِحا إِنّا‬ ‫جعْنَا َن ْعمَ ْ‬ ‫س ِمعْنَا فَا ْر ِ‬ ‫سهِمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬ ‫وََلوْ تَرَى ِإذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو ُرؤُو ِ‬

‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ‬ ‫حقّ ا ْل َقوْلُ مِنّي لََأمْلَأَنّ َ‬ ‫مُوقِنُونَ(‪ )12‬وََلوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ هُدَاهَا وََلكِنْ َ‬ ‫ج َمعِينَ(‪ )13‬فَذُوقُوا ِبمَا نَسِيتُمْ ِلقَاءَ َي ْومِكُمْ هَذَا إِنّا نَسِينَاكُ ْم َوذُوقُوا عَذَابَ الْخُ ْلدِ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ(‬ ‫أَ ْ‬ ‫‪)14‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إذ المجرمون ‪ :‬أي المشركون المكذبون بلقاء ربهم‪.‬‬ ‫ناكسوا رؤوسهم ‪ :‬أي مطأطئوها من الحياء والذل والخزي‪.‬‬ ‫ربنا أبصرنا ‪ :‬أي ما كنا ننكر من البعث‪.‬‬ ‫وسمعنا ‪ :‬أي تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا‪.‬‬ ‫فارجعنا ‪ :‬أي إلى دار الدنيا‪.‬‬ ‫لتينا كل نفس هداها ‪ :‬أي لو أردنا هداية الناس قسرا بدون اختيار منهم لفعلنا‪.‬‬ ‫ولكن حق القول مني ‪ :‬أي وجب وهو لملن جهنم من الجِنة والناس أجمعين‪.‬‬ ‫إنا نسيناكم ‪ :‬أي تركناكم في العذاب‪.‬‬ ‫عذاب الخلد ‪ :‬أي العذاب الخالد الدائم‪.‬‬ ‫بما كنتم تعملون ‪ :‬من سيئات الكفر والتكذيب والشر والشرك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها وما يجري للمكذبين‬

‫( ‪)4/227‬‬ ‫بها في الدار الخرة قال تعالى {وََلوْ تَرَى(‪ })1‬يا رسولنا { إِذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ} وهم الذين أجرموا على‬ ‫سهِمْ} أي‬ ‫أنفسهم فدنسوها بالشرك والمعاصي الحامل عليها التكذيب بلقاء ال‪{ ،‬نَا ِكسُو ُرؤُو ِ‬ ‫مطأطئوها خافضوها عند ربهم من الحياء والخزي الذي أصابهم عند البعث‪ .‬لرأيت أمرا فظيعا ل‬ ‫س ِمعْنَا} هذا قول الجرمين وهم عند ربهم أي يا ربنا لقد‬ ‫نظير له‪ .‬وقوله تعالى {رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا(‪ )2‬وَ َ‬ ‫أبصرنا ما كنا نكذب به من البعث والجزاء وسمعنا منك أي تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في‬ ‫جعْنَا} أي إلى دار الدنيا { َن ْع َملْ(‪ )3‬صَالِحا} أي عمل صالحا {إِنّا مُوقِنُونَ} أي الن ولم‬ ‫الدنيا‪{ .‬فَارْ ِ‬ ‫يبق في نفوسنا شك بأنك الله الحق‪ ،‬وبأن لقاءك حق‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ شِئْنَا(‪ )4‬لَآتَيْنَا ُكلّ َنفْسٍ‬ ‫هُدَاهَا} وذلك لما طالب المجرمون بالعودة إلى الدنيا ليعملوا صالحا فأخبر تعالى أنه ما هناك‬ ‫حاجة إلى ردهم إلى الدنيا ليؤمنوا ويعملوا الصالحات‪ ،‬إذ لو شاء هدايتهم لهداهم قسرا منهم بدون‬ ‫اختيارهم‪ ،‬ولكن سبق أن قضى بدخولهم جهنم فلبد هم داخلوها وهو معنى قوله‪{ :‬وََلكِنْ حَقّ‬ ‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ} أي الجن {وَالنّاسِ‬ ‫ا ْل َقوْلُ مِنّي} أي وجب العذاب لهم وهو معنى قوله {لََأمْلَأَنّ َ‬ ‫ج َمعِينَ} أي من كفار ومجرمي الجن والنس معا‪.‬‬ ‫أَ ْ‬

‫وقوله {فَذُوقُوا} أي العذاب الخزي { ِبمَا نَسِيتُمْ(‪ })5‬أي بسبب نسيانكم {ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ هَذَا} فلم تؤمنوا‬ ‫عذَابَ الْخُ ْلدِ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} من‬ ‫ولم تعملوا صالحا إنا نسيناكم وتركناكم في العذاب‪َ { .‬وذُوقُوا(‪َ )6‬‬ ‫الشرك والمعاصي هذا يقال لهم وهم في جهنم تبكيتا لهم وتقريعا زيادة في عذابهم‪ ،‬والعياذ بال‬ ‫من عذاب النار‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الخطاب للرسول صلى ال عليه وسلم لشرفه وأمته تابعة له والمعنى ولو ترى يا محمد‬ ‫منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب العجاب من ذلتهم وخزيهم وندامتهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا مقول قول محذوف بعد ناكسو رؤوسهم يقولون أو قائلين ربنا الخ‬ ‫‪ - 3‬هذا كقولهم في آية‪{ :‬أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل}‪.‬‬ ‫‪ - 4‬هذه الجمل اعتراضية بين قوله أبصرنا وقوله فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا وقوله ولو‬ ‫شئنا لتينا الخ‪ .‬رد عليهم حيث طلبوا العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫‪ - 5‬النسيان يكون بمعناه الصلي وهو عدم ورود الشيء بالخاطر النفسي ويكون بترك الشيء‬ ‫وعدم اللتفات إليه مع ذكره في النفس والخر أولى بالية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬قد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما لحساسها به كإحساسها بذوق‬ ‫المطعوم قال الشاعر‪:‬‬ ‫فذق هجرها إن كنت تزعم أنها‬ ‫فساد أل يا ربّما كذب الزعم‬ ‫فأطلق الذوق على الهجر وهو غير مطعوم ولكنه محسوس بالنفس‪.‬‬

‫( ‪)4/228‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالجرام والمجرمين وبيان حالهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عدم نفع اليمان عند معاينة العذاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حكم ال في امتلء جهنم من كل من مجرمي النس والجن‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حكم السببية فالعمال سبب للجزاء خيرا كان أو شرا‪.‬‬ ‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم وَهُمْ ل َيسْ َتكْبِرُونَ(‪)15‬‬ ‫سجّدا وَسَبّحُوا بِ َ‬ ‫إِ ّنمَا ُي ْؤمِنُ بِآياتِنَا الّذِينَ ِإذَا ُذكّرُوا ِبهَا خَرّوا ُ‬ ‫طمَعا َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ(‪ )16‬فَل َتعَْلمُ َنفْسٌ‬ ‫خوْفا وَ َ‬ ‫تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬ ‫خ ِفيَ َلهُمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪)17‬‬ ‫مَا أُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫إذا ذكروا بها ‪ :‬أي وعظوا بما فيها من أمر ونهي ووعد ووعيد‪.‬‬ ‫خروا سجدا ‪ :‬وقعوا على الرض ساجدين بوضع جباههم وأنوفهم على الرض‪.‬‬ ‫وسبحوا بحمد ربهم ‪ :‬أي نزهوه وقدسوه وهم ساجدون يقولون سبحان ربي العلى‪.‬‬ ‫وهم ل يستكبرون ‪ :‬أي عن عبادة ربهم في كل أحايينهم بل يأتونها خاشعين متذللين‪.‬‬ ‫تتجافى جنوبهم ‪ :‬أي تتباعد عن الفرش من أجل قيامهم للصلة في جوف الليل‪.‬‬ ‫خوفا وطعما ‪ :‬أي يسألونه النجاة من النار‪ ،‬ودخول الجنة‪.‬‬

‫( ‪)4/229‬‬ ‫ما أخفي لهم من قرة أعين ‪ :‬أي ل تعلم نفس ما أخفى ال تعالى لهم وادخر لهم عنده من النعيم‬ ‫الذي تقر به أعينهم أي تسر به وتفرح‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وهم المكذبون بآيات ال ولقائه ذكر جزاء المؤمنين وهم الذين‬ ‫آمنوا بآيات ال ولقائه ذكرهم بأجمل صفاتهم فقال‪{ :‬إِ ّنمَا ُي ْؤمِنُ(‪ )1‬بِآياتِنَا} حق اليمان {الّذِينَ إِذَا‬ ‫سجّدا} أي وقعوا‬ ‫ُذكّرُوا ِبهَا} أي قرئت عليهم وكانت من اليات التي فيها السجدات {خَرّوا(‪ُ )2‬‬ ‫حمْدِ رَ ّبهِمْ} أي نزهوه‬ ‫على الرض ساجدين بوضع جباهم وأنوفهم على التراب‪َ { ،‬وسَبّحُوا ِب َ‬ ‫وقدسوه أثناء سجودهم بقولهم سبحان ربي العلى‪ ،‬والحال أنهم ل يستكبرون عن عبادة ال مطلقا‬ ‫بل يأتونها متذللين خاشعين‪.‬‬ ‫جعِ} هذه بعض صفاتهم أيضا وهي أنهم يباعدون جنوبهم‬ ‫وقوله {تَتَجَافَى(‪ )3‬جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَا ِ‬ ‫طمَعا} أي في حال صلتهم وفي‬ ‫خوْفا وَ َ‬ ‫عن فرشهم في الليل لصلة التهجد‪ .‬وقوله { َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬ ‫غيرها وهو دعاء تميّز بخوفهم من عذاب ربهم وطمعهم في رحمته فهم يسألون ربهم النجاة من‬ ‫النار ودخول الجنة‪ .‬وقوله { َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ} هذا وصف آخر لهم وهو أنهم يتصدقون‬ ‫بفضول أموالهم زيادة على أداء الزكاة كتهجدهم بالليل زيادة على الصلوات الخمس‪.‬‬ ‫خفِيَ(‪َ )5‬ل ُهمْ مِنْ قُ ّرةِ أَعْيُنٍ} يخبر تعالى عن جزائهم عنده‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَل َتعْلَمُ(‪َ )4‬نفْسٌ مَا ُأ ْ‬ ‫فيقول‪ :‬فل تعلم نفس ما خبّأ ال تعالى لهم من النعيم المقيم الذي تقر به أعينهم أي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في اليات تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم عما يجده من إعراض المشركين المكذبين‬ ‫بالبعث والجزاء في الدار الخرة والقائلين‪ :‬أم يقولون افتراه فأعلمه إنما يؤمن مَن ذكرهم‬ ‫بصفاتهم‪ ،‬والقصر إضافي والمراد من اليات آيات القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الخرور الهوي من علو إلى أسفل والسجود وضع الجبهة على الرض إرادة التعظيم‬ ‫والخضوع‪.‬‬

‫‪ - 3‬الجملة حال من الموصول والتجافي التباعد والمتاركة‪ ،‬والمضاجع جمع مضجع الفراش‬ ‫والجنب جمع جَنب‪ ،‬والمراد تباعدهم عن فرشهم لقيام الليل‪ ،‬ومن صلى العشاء في جماعة‬ ‫والصبح في جماعة تناوله الوصف‪ ،‬وشاهد التجافي قول عبد بن رواحة رضي ال عنه بمدح‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم فيقول‪:‬‬ ‫وفينا رسول ال يتلو كتابه‬ ‫إذا انشق معروف من الصبح ساطع‬ ‫يبيت يجافي جنبه عن فراشه إ‬ ‫ذا استثقلت بالمشركين المضاجع‬ ‫‪ - 4‬هذا كقول الرجل‪ :‬هذا ل يعلمه إل ال‪ ،‬وقرة العين كناية عن السرور وعظيم الفرح‪.‬‬ ‫‪ - 5‬قرأ الجمهور ما أخفي بصيغة الماضي المجهول‪ ،‬وقرأ غيرهم أخفي بالمضارع المعلوم‪.‬‬

‫( ‪)4/230‬‬ ‫تُسر وتفرح وقوله {جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} أي جزاهم بذلك النعيم بعملهم الخيري السلمي الذي‬ ‫كانوا في الدنيا يعملونه وقد ذكر بعضه في اليات قبل كالصلة والصدقات‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة التسبيح في الصلة وهو سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي العلى في‬ ‫السجود‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم الستكبار وأهله ومدح التواضع ل وأهله‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة قيام الليل وهو المعروف بالتهجد(‪ )1‬والدعاء خوفا وطمعا‪.‬‬ ‫‪ -4‬بشرى المؤمنين الصادقين من ذوي الصفات المذكورة في اليات وهو أنه تعالى [ أعد لهم ما‬ ‫ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر كما جاء في الحديث أعددت لعبادي‬ ‫الصالحين ما ل عين(‪ )2‬رأت] الخ‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ جَنّاتُ‬ ‫َأ َفمَنْ كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَنْ كَانَ فَاسِقا ل يَسْ َتوُونَ(‪َ )18‬أمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫سقُوا َفمَ ْأوَا ُهمُ النّارُ كُّلمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا‬ ‫ا ْلمَ ْأوَى نُ ُزلً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪ )19‬وََأمّا الّذِينَ فَ َ‬ ‫أُعِيدُوا فِيهَا َوقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْتُمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ(‪ )20‬وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْلعَذَابِ الْأَدْنَى‬ ‫جعُون(‪َ )21‬ومَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ ُذكّرَ بِآياتِ رَبّهِ ُثمّ‬ ‫دُونَ ا ْلعَذَابِ الَْأكْبَرِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى الترمذي بسند صحيح عن معاذ بن جبل قال‪ :‬قلت يا رسول ال أخبرني بعمل يدخلني‬ ‫الجنة ويباعدني عن النار‪ ،‬قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره ال عليه‪ ،‬تعبد ال‬

‫ل تشرك به شيئا وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت‪ ،‬ثم قال أل أدلك على‬ ‫أبواب الخير‪ ،‬الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار وصلة الرجل في جوف‬ ‫الليل‪ ،‬ثم تل {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} الية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬في الصحيح قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "قال ال تعالى‪ :‬أعددت لعبادي الصالحين‬ ‫ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر"‪.‬‬

‫( ‪)4/231‬‬ ‫أَعْ َرضَ عَ ْنهَا إِنّا مِنَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُنْ َت ِقمُونَ(‪)22‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفمن كان مؤمنا ‪ :‬أي مصدقا بال ورسوله ولقاء ربه‪.‬‬ ‫كمن كان فاسقا ‪ :‬أي كافرا ل يستوون‪.‬‬ ‫جنات المأوى نزلً ‪ :‬النزل ما يعد للضيف من قرى‪.‬‬ ‫من العذاب الدنى ‪ :‬أي عذاب الدنيا من مصاب القحط والجدب والقتل والسر‪.‬‬ ‫العذاب الكبر ‪ :‬هو عذاب الخرة في نار جهنم‪.‬‬ ‫لعلهم يرجعون ‪ :‬أي يصيبهم بالمصائب في الدنيا رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ‪ :‬ل أحد أظلم منه أبدا‪.‬‬ ‫إنا من المجرمين منتقمون ‪ :‬أي من المشركين أي بتعذيبهم أشد أنواع العذاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {َأ َفمَنْ(‪ )1‬كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَنْ كَانَ فَاسِقا} أي كافرا ينفي تعالى استواء الكافر مع المؤمن‬ ‫فلذا بعد الستفهام النكاري أجاب بقوله تعالى‪{ :‬ل يَسْ َتوُونَ} ثم بين تعالى جزاء الفريقين وبذلك‬ ‫تأكد بُعد ما بينهما فقال {َأمّا الّذِينَ آمَنُوا} بال ربّا وإلها وبمحمد نبيا ورسول وبالسلم شرعا‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} بأداء الفرائض والنوافل في الغالب بعد اجتناب الشرك والمحارم {فََلهُمْ‬ ‫ودينا {وَ َ‬ ‫جَنّاتُ ا ْلمَ ْأوَى نُ ُزلً(‪ })2‬أي ضيافة لهم { ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} وأما الذين فسقوا عن أمر ال فلم‬ ‫يوحدوا ولم يطيعوا فعاشوا على الشرك والمعاصي حتى ماتوا { َفمَ ْأوَا ُهمُ(‪ )3‬النّارُ} أي مقرهم‬ ‫ومحل مثواهم وإقامتهم ل يخرجون {كُّلمَا أَرَادُوا} أي هموا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها من قبل‬ ‫الزبانية تدفعهم عن أبوابها‪َ { ،‬وقِيلَ َلهُمْ} إذلل لهم وإهانة {ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الّذِي كُنْتُمْ ِبهِ ُتكَذّبُونَ}‬ ‫جدِيدٍ}‪.‬‬ ‫إذ كانوا مكذبين بالبعث والجزاء وقالوا {أَِإذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَ ْرضِ أَإِنّا َلفِي خَلْقٍ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام إنكاري وفيه معنى التعجب والمراد بالفاسق هنا الكافر لمقابلة المؤمن وفسقه بترك‬ ‫عبادة ربه وعبادة الوثان والصنام‪.‬‬

‫‪ - 2‬النزل بضمتين مشتق من النزول وهو ما يعد للضيف النازل بك من قرى وهو الطعام‬ ‫والشراب والفراش‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المأوى مكان اليواء أي الرجوع إليه والستقرار فيه‪.‬‬

‫( ‪)4/232‬‬ ‫وقوله تعالى { وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنَ ا ْلعَذَابِ الَْأدْنَى} وهو عذاب الدنيا بالقحط والغلء والقتل والسر {دُونَ‬ ‫جعُون} يخبر تعالى أنه فاعل ذلك بكفار قريش‬ ‫ا ْلعَذَابِ الَْأكْبَرِ} وهو عذاب يوم القيامة {َلعَّل ُهمْ(‪ )1‬يَ ْر ِ‬ ‫لعلهم يتوبون إلى اليمان والتوحيد فينجوا من العذاب وينعموا في الجنة وفعلً قد تاب منهم‬ ‫كثيرون وقوله { َومَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ ُذكّرَ بِآياتِ رَبّهِ ُثمّ أَعْ َرضَ(‪ )2‬عَ ْنهَا} أي وعظ بها وخوّف كما‬ ‫كان الرسول صلى ال عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن وكان بعضهم يعرض عنها فل يسمعها‬ ‫ويرجع وهو مستكبر والعياذ بال فمثل هؤلء ل أحد أشد منهم ظلما وقوله تعالى {إِنّا مِنَ(‪)3‬‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُنْ َت ِقمُونَ} يخبر تعالى أنه ل محالة منتقم من أهل الجرام وهم أهل الشرك والمعاصي‪،‬‬ ‫وورد عن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر ثلثة أصناف من أهل الجرام الخاص وهم‪:‬‬ ‫‪ )1‬من اعتقد "عقد" لواء في غير حق أي حمل راية الحرب على المسلمين وهو مبطل غير محق‪.‬‬ ‫‪ )2‬من عق والديه أي آذاهما بالضرب ونحوه ومنعهما برهما ولم يطعهما في معروف‪.‬‬ ‫‪ )3‬من مشى مع ظالم ينصره رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي ال عنه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان خطأ من يسوي بين المؤمن والكافر والبار والفاجر والمطيع والفاسق‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جزاء كل من المؤمنين والفاسقين‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن ال تعالى كان يأخذ قريشا بألوان من(‪ )4‬المصائب لعلهم يتوبون‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أنه ل أظلم ممن ذكر بآيات ال فيعرض عنها مستكبرا جاحدا معاندا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الجملة استئنافها بياني جوابا لمن قال لم يذيقهم العذاب الدنى وهو عذاب الدنيا! دون العذاب‬ ‫الكبر؟ فكان الجواب‪ :‬لعلهم يرجعون وهو تعليل للحكم السابق‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عطف العراض على التذكير باليات بثُم للدللة على التراخي بين زمن التذكير والعراض‬ ‫كقول الشاعر‪:‬‬ ‫ل يكشف الغماد إل ابن حره‬ ‫يرى غمرات الموت ثم يزورها‬ ‫‪ - 3‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا فهو جواب لمن تساءل عن جزاء صاحب العراض بعد‬

‫التذكير باليات وهو قوله تعالى إنا من المجرمين منتقمون‪.‬‬ ‫‪ - 4‬من ذلك سنوات الجدب التي أكلوا فيها العهن وأصبح أحدهم يرى السماء وكأنها دخان من‬ ‫شدة الجوع‪.‬‬

‫( ‪)4/233‬‬ ‫جعَلْنَا مِ ْنهُمْ‬ ‫جعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي ِإسْرائيلَ(‪ )23‬وَ َ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَل َتكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَائِهِ وَ َ‬ ‫صلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا‬ ‫أَ ِئمّةً َيهْدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا َوكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ(‪ )24‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ َي ْف ِ‬ ‫كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ(‪َ )25‬أوَلَمْ َيهْدِ َلهُمْ كَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ َيمْشُونَ فِي مَسَاكِ ِنهِمْ إِنّ فِي‬ ‫س َمعُونَ(‪)26‬‬ ‫ذَِلكَ لَآياتٍ َأفَل َي ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد آتينا موسى الكتاب ‪ :‬أي أنزلنا عليه التوراة‪.‬‬ ‫فل تكن في مرية من لقائه ‪ :‬أي فل تشك في لقائك بموسى عليه السلم ليلة السراء والمعراج‪.‬‬ ‫وجعلناه هدى لبني إسرائيل ‪ :‬أي جعلنا الكتاب "التوراة" هدى أي هاديا لبني إسرائيل‪.‬‬ ‫وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ‪ :‬أي وجعلنا من بني إسرائيل أئمة أي قادة هداة يهدون الناس‬ ‫بأمرنا لهم بذلك وإذننا به‪.‬‬ ‫وكانوا بآياتنا يوقنون ‪ :‬أي وكان أولئك الهداة يوقنون بآيات ربهم وحججه على عباده وما تحمله‬ ‫اليات من وعد ووعيد‪.‬‬ ‫إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة ‪ :‬أي بين النبياء وأممهم وبين المؤمنين والكافرين‬ ‫والمشركين والموحدين‪.‬‬ ‫فيما كانوا فيه يختلفون ‪ :‬من أمور الدين‪.‬‬ ‫أو لم يهد لهم ‪ :‬أي أغفلوا ولم يتبيّن‪.‬‬ ‫كم أهلكنا من قبلهم من القرون ‪ :‬أي إهلكنا لكثير من أهل القرون من قبلهم بكفرهم وشركهم‬ ‫وتكذيبهم لرسلهم‪.‬‬

‫( ‪)4/234‬‬ ‫يمشون في مساكنهم ‪ :‬أي يمرون ماشين بديارهم وهي في طريقهم إلى الشام كمدائن صالح‬ ‫وبحيرة لوط ونحوهما‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات ‪ :‬أي دلئل وعلمات على قدرة ال تعالى وأليم عقابه‪.‬‬ ‫أفل يسمعون ‪ :‬أي أصمّوا فل يسمعوا هذه المواعظ والحجج‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى(‪ )1‬ا ْلكِتَابَ} أي أعطينا موسى بن عمران أحد أنبياء بني إسرائيل‬ ‫الكتاب الكبير وهو التوراة‪ .‬إذا فلم ينكر عليك المشركون أن يؤتيك ربك القرآن كما آتى موسى‬ ‫التوراة‪ ،‬وفي هذا تقرير لصل من أصول العقيدة وهي الوحي والنبوة المحمدية‪ .‬وقوله {فَل َتكُنْ‬ ‫فِي مِرْ َيةٍ مِنْ ِلقَائِهِ(‪ })2‬أي فل تكن يا محمد في شك(‪ )3‬من لقائك موسى ليلة السراء والمعراج‬ ‫فقد لقيه وطلب إليه أن يراجع ربّه في شأن الصلة فراجع حتى أصبح خمسا بعد أن كانت خمسين‬ ‫جعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ} أي الكتاب أو موسى كلهما كان هاديا لبني إسرائيل إلى‬ ‫وقوله {وَ َ‬ ‫جعَلْنَا مِ ْنهُمْ أَ ِئمّةً} أي قادة هداة يهدون الناس إلى ربهم‬ ‫سبيل السلم والصراط المستقيم‪ .‬وقوله { َو َ‬ ‫فيؤمنون به ويعبدونه وحده فيكملون على ذلك ويسعدون وذلك بأمره تعالى لهم بذلك‪ .‬وقوله {َلمّا‬ ‫صَبَرُوا} أي عن أذى أقوامهم(‪َ { ،)4‬وكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} الحاملة لمرنا ونهينا‪ ،‬ووعدنا ووعيدنا‬ ‫{يُوقِنُونَ} أي تأهلوا لحمل رسالة الدعوة بشيئين‪ :‬الصبر على الذى واليقين التام بصحة ما يدعون‬ ‫إليه ونفعه ونجاعته وقوله تعالى {إِنّ رَ ّبكَ(‪ُ )5‬هوَ َي ْفصِلُ بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ}‬ ‫يخبر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بأنه سبحانه وتعالى الذي يفصل بين المختلفين من‬ ‫النبياء وأممهم‪ ،‬وبين الموحدين والمشركين والسنيين والبدعيين فيحكم بإسعاد أهل الحق وإشقاء‬ ‫أهل الباطل وفي الية تسلية للرسول وتخفيف عليه مما يجد في نفسه من خلف قومه له‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا الخبار استطراد المراد به تسلية النبي صلى ال عليه وسلم والفاء في قوله فل تكن‬ ‫للتفريع‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وجائز أن يكون المعنى فل تكن في شك من أنك لقيته ليلة السراء والمعراج وقيل فل تكن‬ ‫في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول وقيل فل تكن في شك من أنه سيلقاك من الذى والتكذيب‬ ‫ما لقيه موسى‪ ،‬وما في التفسير هو الحق‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المرية‪ :‬الشك والتردد والمقصود من النهي التثبيت كقوله {فل تك في مرية مما يعبد هؤلء}‬ ‫وليس النهي لطلب ترك الشك إذ لم يكن شك قط‪.‬‬ ‫‪ - 4‬لما صبروا لما بمعنى حين صبروا عن أذى أقوامهم‪ ،‬وقرأ خلف الجمهور لما صبروا أي‬ ‫لجل صبرهم جعلناهم أئمة‪ ،‬فما مصدرية واللم قبلها لم التعليل‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هو ضمير فصل ومعنى يفصل يقضي ويحكم‪.‬‬

‫( ‪)4/235‬‬ ‫وقوله {َأوَلَمْ َي ْهدِ َلهُمْ َكمْ أَهَْلكْنَا مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ} أي أعموا(‪ )1‬فلم يبيّن لهم إهلكنا لمم كثيرة‬ ‫{ َيمْشُونَ فِي مَسَاكِ ِنهِمْ(‪ })2‬مارّين بهم في أسفارهم إلى الشام كمدائن صالح‪ ،‬وبلد مدين‪ ،‬وبحيرة‬

‫لوط إنا قادرون على إهلكهم إن أصروا على الشرك والتكذيب كما أهلكنا القرون من قبلهم‪.‬‬ ‫وقوله {إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ} أي في إهلكنا أهل القرون الولى لما أشركوا وكذبوا دللت وحججا‬ ‫س َمعُونَ(‪ })3‬أي‬ ‫وبراهين على قدرة ال وشدة انتقامه ممن كفر به وكذب رسوله وقوله {َأفَل يَ ْ‬ ‫أصموا فل يسمعون هذه المواعظ التي تتلى عليهم فيتوبوا من الشرك والتكذيب فينجوا ويسعدوا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية وتأكيد قصة السراء والمعراج‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكتاب والسنة كلهما هاد للعباد إن طلبوا الهداية فيهما‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان ما تنال به المامة في الدين‪ .‬وهو الصبر وصحة اليقين‪.‬‬ ‫‪ -4‬كل خلف كان في هذه الحياة سينتهي بحكم ال تعالى فيه يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -5‬في إهلك ال تعالى للقرون السابقة أكبر واعظ لمن له قلب وسمع وبصيرة‪.‬‬ ‫س ُهمْ َأفَل‬ ‫َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّا َنسُوقُ ا ْلمَاءَ إِلَى الْأَ ْرضِ الْجُرُزِ فَ ُنخْرِجُ بِهِ زَرْعا تَ ْأ ُكلُ مِنْهُ أَ ْنعَا ُمهُ ْم وَأَنْفُ ُ‬ ‫يُ ْبصِرُونَ(‪ )27‬وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلفَتْحُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪ُ )28‬قلْ َيوْمَ ا ْلفَتْحِ ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ كَفَرُوا‬ ‫إِيمَا ُنهُ ْم وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ(‪ )29‬فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ وَانْتَظِرْ إِ ّنهُمْ مُنْ َتظِرُونَ(‪)30‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا بناء على أن همزة الستفهام داخلة على محذوف والستفهام للنكار عليهم عدم رؤيتهم‬ ‫مصارع الهالكين من قبلهم وهي واضحة بينة فضمن يهد معنى يبين فلذا عدي باللم ومثله (أو لم‬ ‫يهد للذين يرثون الرض من بعد أهلها) آية العراف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جملة يمشون في محل نصب على الحال‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الستفهام تقريري مشوب بالتوبيخ واختير لفظ يسمعون لن أخبار المم الهالكة كانت شائعة‬ ‫مستفيضة بينهم فلم ل يسمعون سماع اتعاظ واعتبار‪.‬‬

‫( ‪)4/236‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أو لم يروا أنا نسوق الماء‪ :‬أي أغفلوا ولم يروا سوقنا للماء للنبات والخصاب فيدلهم ذلك على‬ ‫قدرتنا‪.‬‬ ‫إلى الرض الجرز ‪ :‬أي اليابسة التي ل نبات فيها‪.‬‬ ‫تأكل منه أنعامهم ‪ :‬أي مواشيهم من إبل وبقر وغنم‪.‬‬ ‫أفل يبصرون ‪ :‬أي أعموا فل يبصرون أن القادر على إحياء الرض بعد موتها قادر على البعث‪.‬‬ ‫متى هذا الفتح ‪ :‬أي الفصل والحكم بيننا وبينكم يستعجلون العذاب‪.‬‬

‫ول هم ينظرون ‪ :‬أي ول هم يمهلون للتوبة أو العتذار‪.‬‬ ‫وانتظر إنهم منتظرون ‪ :‬أي وانتظر يا رسولنا ما سيحل بهم من عذاب إن لم يتوبوا فإنهم‬ ‫منتظرون بك موتا أو قتلً ليستريحوا منك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الصلح الجتماعي فيقول تعالى‬ ‫{َأوَلَمْ يَ َروْا} أي أغفل أولئك المكذبون بالبعث والحياة الثانية ولم يروا {أَنّا نَسُوقُ ا ْلمَاءَ}( ‪ )1‬ماء‬ ‫المطار أو النهار {إِلَى الْأَ ْرضِ ا ْلجُرُزِ(‪ })2‬اليابسة التي ما بها من نبات فنخرج بذلك الماء الذي‬ ‫سقناه إليها بتدابيرنا الخاصة {فَنُخْرِجُ ِبهِ زَرْعا تَ ْأ ُكلُ مِنْهُ أَ ْنعَا ُمهُمْ} وهي إبلهم وأبقارهم وأغنامهم‬ ‫سهُمْ} فالنعام تأكل الشعير والذرة وهم يأكلون البر والفول ونحوه {َأفَل يُ ْبصِرُونَ} أي أعموا‬ ‫{وَأَ ْنفُ ُ‬ ‫فل يبصرون آثار قدرة ال على إحياء الموتى بعد الفناء والبلى كإحياء الرض الجرز فيؤمنوا‬ ‫بالبعث الخر وعليه يستقيموا في عقائدهم وكل سلوكهم‪ .‬وقوله {وَ َيقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلفَتْحُ(‪ )3‬إِنْ‬ ‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ} حكى تعالى عنهم ما يقولونه للمؤمنين لما يخوفونهم بعذاب ال يقولون لهم متى هذا‬ ‫الفتح أي الحكم والفصل يستعجلون لخفة أحلمهم وعدم إيمانهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الرؤية هنا بصرية واختير المضارع نسوق لستحضار الصورة العجيبة الدالة على قدرة ال‬ ‫تعالى ولطفه بعباده ورحمته بهم‪ ،‬وسوق الماء هو بسوق السحاب‪ ،‬والسوق هو إزجاء الماشي من‬ ‫ورائه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجرز وصف للرض التي انقطع نبتها‪ ،‬وهو مشتق من الجرز وهو انقطاع النبت والحشيش‬ ‫إما بسبب يبس الرض أو بالرعي‪ ،‬والجرز القطع ولذا سمي السيف القاطع جُرازا قال الشاعر‬ ‫يصف أسنان ناقته‪:‬‬ ‫تنحّى على الشوك جُرازا مقضبا‬ ‫والهرم تدريه إذراءً عجبا‬ ‫‪ - 3‬الفتح‪ :‬النصر والقضاء كانوا إذا قال لهم المؤمنون سيحكم ال بيننا وبينكم يوم القيامة فيثيب‬ ‫المؤمن ويعاقب الكافر يقولون لهم مستهزئين ساخرين متى هذا الفتح أو الحكم‪.‬‬

‫( ‪)4/237‬‬ ‫وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم‪ .‬فقال { ُقلْ َيوْمَ ا ْلفَتْحِ(‪ )1‬ل يَ ْنفَعُ الّذِينَ َكفَرُوا إِيمَا ُنهُمْ} أي إذا‬ ‫جاء يوم الفتح بيننا وبينكم ل ينفع نفسا كافرة إيمانها عند رؤية العذاب {وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ} أي‬ ‫يؤخرون ويمهلون ليؤمنوا ويستغفروا فيتاب عليهم ويغفر لهم إذ سنة ال أن من عاين العذاب ل‬ ‫تقبل توبته‪ .‬وقوله تعالى {فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ} أي فأعرض يا رسولنا عن هؤلء المكذبين {وَانْتَظِرْ }(‬

‫‪ )2‬ما سينزل بهم من عذاب {إِ ّنهُمْ(‪ )3‬مُنْ َتظِرُونَ} ما قد يصيبك من مرض أو موت أو قتل‬ ‫ليستريحوا منك في نظرهم‪ .‬كما هم منتظرون أيضا عذاب ال عاجل أو آجل‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الدلة المقررة لها‪.‬‬ ‫‪ -2‬استعجال الكافرين العذاب دال على جهلهم وطيشهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن التوبة ل تقبل عند معاينة العذاب أو مشاهدة ملك الموت ساعة الحتضار‪.‬‬

‫( ‪)4/238‬‬ ‫سورة الحزاب‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الحزاب‬ ‫مدنية‬ ‫وآياتها ثلث وسبعون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حكِيما(‪ )1‬وَاتّبِعْ مَا يُوحَى‬ ‫ن وَا ْلمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ‬ ‫طعِ ا ْلكَافِرِي َ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَل تُ ِ‬ ‫إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا(‪)2‬‬ ‫وَ َتوَ ّكلْ عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلً(‪)3‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا إجابة لهم ورد عليهم والفتح جائز أن يكون فتح مكة أو يوم بدر أو يوم القيامة إذ هو‬ ‫اليوم الذي يحكم ال تعالى فيه بين عباده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬النتظار الترقب مشتق من النظر كأنه مضارع أنظره فانتظر وحذف مفعول "انتظر" للتهويل‬ ‫أي انتظر أياما يكون لك النصر فيها‪ ،‬ويكون الخسران لعدائك فيها‪ ،‬وفي المر بالنتظار إيماء‬ ‫بالبشرى للمؤمنين والوعيد للكافرين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جملة إنهم منتظرون تعليل للمر بالنتظار‪.‬‬

‫( ‪)4/238‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اتق ال ‪ :‬أي دم على تقواه بامتثالك أوامره واجتنابك نواهيه‪.‬‬

‫ول تطع الكافرين ‪ :‬أي المشركين فيما يقترحون عليك‪.‬‬ ‫والمنافقين ‪ :‬أي الذين يظهرون اليمان ويبطنون الكفر بما يخوفونك به‪.‬‬ ‫إن ال كان عليما حكيما ‪ :‬أي عليما بخلقه ظاهرا وباطنا حكيما في تدبيره وصنعه‪.‬‬ ‫واتبع ما يوحى إليك من ربك ‪ :‬أي تقيد بما يشرع لك من ربك ول تلتفت إلى ما يقوله خصومك‬ ‫لك من اقتراحات أو تهديدات‪.‬‬ ‫وتوكل على ال ‪ :‬أي فوض أمرك إليه وامض في ما أمرك به غير مبال بشيء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد واصل المشركون اقتراحاتهم التي بدأوها بمكة حتى المدينة وهي عروض المصالحة بينه‬ ‫وبينهم بالتخلي عن بعض(‪ )1‬دينه أو بطرد بعض أصحابه‪ ،‬والمنافقون قاموا بدورهم في المدينة‬ ‫بتهديده صلى ال عليه وسلم بالقتل غيلة إن لم يكف عن ذكر آلهة المشركين في هذا الظرف‬ ‫بالذات نزل قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ(‪ })2‬ناداه ربه تعالى بعنوان النبوة تقريرا لها وتشريفا له ولم‬ ‫يناده باسمه العلم كما نادى موسى وعيسى وغيرهما بأسمائهم فقال {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَل‬ ‫حكِيما} أي اتق ال فخفه فل تقبل اقتراح‬ ‫تُطِعِ(‪ )3‬ا ْلكَافِرِينَ(‪ )4‬وَا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ‬ ‫المشركين‪ ،‬ول ترهب تهديد المنافقين بقتلك إن ال كان وما يزال عليما بكل خلقه وما يحدثون من‬ ‫تصرفات ظاهرة أو باطنة حكيما في تدبيره وتصريفه أمور‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا من قوله تعالى في سورة السراء {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري‬ ‫علينا غيره‪ ،‬وإذا لتخذوك خليل ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل}‪.‬‬ ‫‪ - 2‬نداؤه تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم بعنوان النبوة تشريف له وتقرير لنبوته وناداه بعنوان‬ ‫الرسالة في موضعين من كتابه وذلك في سورة المائدة‪ .‬وأمره أن يخبر البشرية كلها بأنه رسول‬ ‫ال إليهم وحدث عنه فوصفه بالرسالة "محمد رسول ال" ولم يناده باسمه العلم لشهرته وعدم‬ ‫الحاجة إليه وحتى ل يدعي أحد أنه هو المعني بهذا السم وله صلى ال عليه وسلم خمسة أسماء‬ ‫كما جاء ذلك في حديث الموطأ‪ :‬لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو ال‬ ‫بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي‪ ،‬وأنا العاقب‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الطاعة‪ :‬العمل بما يأمر به الغير أو يشير به لجل تحقيق غرض له صالحا كان أو فاسدا‪.‬‬ ‫‪ - 4‬سبب نزول هذه الية أن وفدا جاء من مكة بعد غزوة أحد برئاسة أبي سفيان واجتمعوا بعد‬ ‫أن أمّن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخولهم المدينة بعدد من المنافقين على رأسهم ابن أبي‬ ‫ومعتب بن قشير وطعمة بن أبيرق فسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يترك ذكر آلهة‬ ‫قريش كخطوة في المصالحة فغضب المسلمون وهمّ عمر بقتلهم فنزلت هذه الية‪{ :‬ول تطع‬ ‫الكافرين والمنافقين}‪.‬‬

‫( ‪)4/239‬‬ ‫خلقه وعباده فهو تعالى لعلمه وحكمته ل يخذلك ول يتركك‪ ،‬ول يمكن أعداءك وأعداءه منك بحال‬ ‫وقوله {وَاتّبِعْ مَا يُوحَى إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ} من تشريعات خاصة وعامة ول تترك منها صغيرة ول‬ ‫كبيرة إذ هي طريق فوزك وسلّم نجاحك أنت وأمتك تابعة لك في كل ذلك‪ ،‬وقوله {إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا‬ ‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} هذه الجملة تعليلية تحمل الوعد والوعيد إذ علم ال بأعمال العباد صالحها وفاسدها‬ ‫يستلزم الجزاء عليها فمتى كانت صالحة كان الجزاء حسنا وفي هذا وعده ومتى كانت فاسدة كان‬ ‫الجزاء سوءا وفي هذا الوعيد‪ .‬وقوله {وَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّ ِه َوكَفَى بِاللّ ِه َوكِيلً} أمر تعالى رسوله وأمته‬ ‫تابعة له أن يتوكل على ال في أمره ويمضي في طريقه منفذا أحكام ربه غير مبالٍ بالكافرين ول‬ ‫بالمنافقين‪ ،‬وأعلمه ضمنا أنه كافيه متى توكل عليه وكفى بال كافيا ووكيل حافظا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تقوى ال بفعل المأمور به وترك المنهي عنه‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة طاعة الكافرين والمنافقين فيما تقترحون أو يهددون من أجله‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب اتباع الكتاب والسنة والتوكل على ال والمضي في ذلك بل خوف ول وجل‪.‬‬ ‫ج َعلَ‬ ‫جكُمُ اللّائِي ُتظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َومَا َ‬ ‫ج َعلَ أَ ْزوَا َ‬ ‫ج ْوفِ ِه َومَا َ‬ ‫جلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي َ‬ ‫ج َعلَ اللّهُ لِرَ ُ‬ ‫مَا َ‬ ‫ق وَ ُهوَ َيهْدِي السّبِيلَ(‪ )4‬ادْعُوهُمْ لِآبَا ِئ ِهمْ ُهوَ‬ ‫حّ‬ ‫أَدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َء ُكمْ ذَِل ُكمْ َقوُْلكُمْ بَِأ ْفوَا ِهكُ ْم وَاللّهُ َيقُولُ الْ َ‬ ‫ن َو َموَالِيكُ ْم وَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا َأخْطَأْتُمْ بِهِ‬ ‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّي ِ‬ ‫سطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ َلمْ َتعَْلمُوا آبَاءَ ُهمْ فَإِ ْ‬ ‫َأقْ َ‬ ‫غفُورا َرحِيما(‪)5‬‬ ‫وََلكِنْ مَا َت َعمّ َدتْ قُلُو ُبكُ ْم َوكَانَ اللّهُ َ‬

‫( ‪)4/240‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما جعل ال لرجل من قلبين في جوفه ‪ :‬أي لم يخلق ال رجل بقلبين كما ادعى بعض المشركين‪.‬‬ ‫تظاهرون منهن أمهاتكم ‪ :‬يقول الرجل لمرأته‪ :‬أنت عليّ كظهر أمي‪.‬‬ ‫وما جعل أدعياءكم أبناءكم ‪ :‬أي ولم يجعل الدعيّ ابنا لمن ادعاه‪.‬‬ ‫ذلكم قولكم بأفواهكم ‪ :‬أي مجرد قول باللسان لحقيقة له فى الخارج فلم تكن المرأة أما ول الدعي‬ ‫ابنا‪.‬‬ ‫هو أقسط عند ال ‪ :‬أي أعدل‪.‬‬ ‫فإخوانكم في الدين ومواليكم ‪ :‬أي أخوة السلم وبنو عمكم فمن لم يعرف أبوه فقولوا له‪ :‬يا أخي‬

‫أو ابن عمي‪.‬‬ ‫ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ‪ :‬أي ل حرج ول إثم في الخطأ‪ ،‬فمن قال للدعي خطأ يا ابن‬ ‫فلن فل إثم عليه‪.‬‬ ‫ولكن ما تعمدت قلوبكم ‪ :‬أي الثم والحرج في التعمد بأن ينسب الدعي لمن ادعاه‪.‬‬ ‫وكان ال غفورا رحيما ‪ :‬ولذا لم يؤاخذكم بالخطأ ولكن بالتعمد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما كان القلب محط العقل والدراك كان وجود قلبين في جوف رجل واحد يحدث تعارضا يؤدي‬ ‫إلى الفساد في حياة النسان ذي القلبين لم يجعل ال تعالى لرجل قلبين في جوفه كما ادعى بعض‬ ‫أهل مكة أن أبا معمر جميل بن معمر الفهري كان له قلبان لما شاهدوا من ذكائة ولباقته وحذقه‬ ‫وغره ذلك فقال إن لي قلبين أعقل بهما أفضل من عقل محمد صلى ال عليه وسلم فكانت الية‬ ‫ج ْوفِهِ} وفيه إشارة إلى أنه ل يجمع‬ ‫جلٍ(‪ )1‬مِنْ قَلْبَيْنِ(‪ )2‬فِي َ‬ ‫ج َعلَ اللّهُ لِرَ ُ‬ ‫ردا عليه قال تعالى {مَا َ‬ ‫بين حب ال تعالى وحب أعدائه وطاعة ال وطاعة‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يروى أنه لما انهزمت قريش يوم بدر رأى أبو سفيان جميل بن معمر المدعي أن له قلبين‬ ‫رآه منهزما وإحدى نعليه في رجله والخر في يده‪ ،‬فسأله أبو سفيان ما حال الناس؟ قال انهزموا‬ ‫فقال له ما بال أحد نعليك في يدك والخرى في رجلك؟ قال‪ :‬ما شعرت فانفضح في دعواه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬القلب بضعة لحم صغيرة على هيئة (صنوبرة) خلقها ال تعالى في الدمي وجعلها محل‬ ‫للعلم‪ ،‬وهو بين لمتين لمة من الملك ولمة من الشيطان‪ ،‬وهو محل العلم ومحل الخطرات‬ ‫والوساوس ومحل الصدق واليقين ومحل الشك والكذب‪ ،‬ومحل النزعاج والطمأنينة فسبحان ال‬ ‫الخلق العليم‪.‬‬

‫( ‪)4/241‬‬ ‫جكُمُ اللّائِي تُظَاهِرُونَ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ} أي لم يجعل ال تعالى المرأة‬ ‫ج َعلَ أَ ْزوَا َ‬ ‫أعدائه‪ ،‬وقوله { َومَا َ‬ ‫المظاهر منها أما لمن ظاهر منها كأن يقول لها أنت عليّ كظهر أمي وكان أهل الجاهلية يعدون‬ ‫الظهار محرّما للزوجة كالم فأبطل ال تعالى ذلك وبيّن حكمه في سورة المجادلة‪ ،‬وأن من ظاهر‬ ‫من امرأته يجب عليه كفارة‪ :‬عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا‪.‬‬ ‫ج َعلَ أَدْعِيَا َء ُكمْ(‪ )1‬أَبْنَا َءكُمْ} أي لم يجعل ال الدعيّ ابنا إذ كانوا في الجاهلية وفي‬ ‫وقوله تعالى { َومَا َ‬ ‫صدر السلم يطلقون على المتبنى ابنا فيترتب على ذلك كامل حقوق البنوة من حرمة التزوج‬ ‫بامرأته إن طلقها أو مات عنها‪ ،‬وقوله {ذَِلكُمْ َقوُْلكُمْ بَِأ ْفوَا ِهكُمْ} أي ما هو إل نطق بالفم ول حقيقة‬ ‫في الخارج له إذ قول الرجل للدعيّ أنت ولدي لم يصيّره ولده وقول الزوج لزوجته أنت كأمي لم‬

‫تكن أما له‪ .‬قوله تعالى {وَاللّهُ َيقُولُ ا ْلحَقّ} فل يطلق على المظاهر منها لفظ أم‪ ،‬ول على الدعيّ‬ ‫لفظ ابن‪{ ،‬وَ ُهوَ َي ْهدِي السّبِيلَ} أي القوم والرشد سبحانه ل إله إل هو‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪ )5‬من هذا السياق {ادْعُو ُهمْ لِآبَا ِئهِمْ} أي ادعوا الدعياء لبائهم أي انسبوهم‬ ‫لهم يا فلن بن فلن‪ .‬فإن دعوتهم إلى آبائهم أقسط وأعدل في حكم ال وشرعه‪{ .‬فَإِنْ َلمْ َتعَْلمُوا‬ ‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ} فادعوهم باسم الخوة السلمية فقولوا هذا أخي في السلم { َو َموَالِيكُمْ}‬ ‫آبَا َءهُمْ فَِإ ْ‬ ‫أي بنو عمكم فادعوهم بذلك فقولوا يا ابن عمي وإن كان الدعي ممن حررتموه فقولوا له مولي‬ ‫خطَأْتُمْ بِهِ}( ‪ )2‬من قول أحدكم للدعي يا ابن فلن لمن‬ ‫{وَلَيْسَ عَلَ ْي ُكمْ جُنَاحٌ} أي إثم أو حرج {فِيمَا أَ ْ‬ ‫ادعاه خطأ لسان بدون قصد‪ ،‬أو ظنا منكم أنه ابنه وهو في الواقع ليس ابنه ولكن الثم في التعمد‬ ‫غفُورا رَحِيما} أي غفورا لمن تاب رحيما لم يعاجل بالعقوبة‬ ‫والقصد المعتمد‪ ،‬وقوله { َوكَانَ اللّهُ َ‬ ‫من عصى لعله يتوب ويرجع‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه الية نزلت في شأن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ تبناه‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل البعثة النبوية‪ ،‬إذ كان عبدا رقيقا لخديجة فأهدته لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ولما جاء أبوه وعرفه طلبه فخيره رسول ال بين الذهاب مع والده والبقاء‬ ‫معه فاختار العبودية على الحرية فتبناه رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصبح من يومئذ يعرف‬ ‫بزيد بن محمد حتى نزلت هذه الية فأبطلت التبني ففي هذا نسخ للسنة بالكتاب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أخذ عطاء وكثير من العلماء من السلف أخذوا من هذه الية أنه ل مؤاخذة مع الخطأ من‬ ‫ذلك إذا حلف المرء أل يسلم على فلن فسلم عليه وهو ل يظن أنه هو فإنه ل يحنث‪ ،‬أو حلف أن‬ ‫ل يفارق غريمه حتى يقضيه دينه فأعطاه دراهم فوجدها زيوفا ل يحنث‪ ،‬وروى البخاري من‬ ‫ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام‪ ،‬كما روي "ليس من رجل ادعى‬ ‫لغير أبيه وهو يعلم إل كفر"‪.‬‬

‫( ‪)4/242‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبطال التحريم بالظهار الذي كان في الجاهلية‪.‬‬ ‫‪ -2‬إبطال عادة التبني‪ ،‬وما يترتب عليها من حرمة نكاح امرأة المتبنىّ‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب دعاء الدعي المتبنّى بأبيه إن عرف ولو كان حمارا‪.‬‬ ‫‪ -4‬إن لم يعرف للمدعى أب دعي بعنوان الخوة السلمية‪ ،‬أو العمومة أو المولوية‪.‬‬ ‫‪ -5‬رفع الحرج والثم في الخطأ عموما وفيما نزلت فيه الية الكريمة خصوصا وهو دعاء الدعي‬

‫باسم مدعيه سبق لسان بدون قصد‪ ،‬أو بقصد لنه يرى أنه ابنه وهو ليس ابنه‪.‬‬ ‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ‬ ‫سهِ ْم وَأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَا ُتهُ ْم وَأُولُو الْأَ ْرحَامِ َب ْع ُ‬ ‫النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫ن وَا ْل ُمهَاجِرِينَ إِلّا أَنْ َت ْفعَلُوا إِلَى َأوْلِيَا ِئكُمْ َمعْرُوفا كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ مَسْطُورا(‪)6‬‬ ‫اللّهِ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬ ‫خذْنَا مِ ْنهُمْ‬ ‫ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَأَ َ‬ ‫وَإِذْ َأخَذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُ ْم َومِ ْنكَ َومِنْ نُو ٍ‬ ‫مِيثَاقا غَلِيظا(‪ )7‬لِيَسَْألَ الصّا ِدقِينَ عَنْ صِ ْد ِقهِ ْم وَأَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا أَلِيما(‪)8‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ‪ :‬أي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه ويطلب منهم هو أحق به من‬ ‫أنفسهم‪.‬‬ ‫وأزواجه أمهاتهم ‪ :‬في الحرمة وسواء من طلقت أو مات عنها منهن رضي ال عنهن‪.‬‬

‫( ‪)4/243‬‬ ‫وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض ‪ :‬أي في التوارث من المهاجرين والمتعاقدين المتحالفين‪.‬‬ ‫إل أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ‪ :‬بأن توصوا لهم وصيّة جائزة وهي الثلث فأقل‪.‬‬ ‫كان ذلك في الكتاب مسطورا ‪ :‬أي عدم التوارث باليمان والهجرة والحلف مكتوب في اللوح‬ ‫المحفوظ‪.‬‬ ‫وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ‪ :‬أي اذكر لقومك أخذنا من النبيين ميثاقهم على أن يعبدوا ال وحده‬ ‫ويدعوا إلى عبادته‪.‬‬ ‫ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم‪ :‬أي وأخذنا بخاصة منك ومن نوح وإبراهيم‬ ‫وموسى وعيسى بن مريم‪ ،‬وقدم محمد صلى ال عليه وسلم في الذكر تشريفا وتعظيما له‪.‬‬ ‫وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ‪ :‬أي شديدا والميثاق‪ :‬العهد المؤكد باليمين‪.‬‬ ‫ليسأل الصادقين عن صدقهم ‪ :‬أي أخذ الميثاق من أجل أن يسأل الصادقين وهم النبياء عن‬ ‫صدقهم في تبليغ الرسالة تبكيتا للكافرين بهم‪.‬‬ ‫وأعدّ للكافرين عذابا أليما ‪ :‬أي فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين عذابا أليما أي موجعا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أبطل ال تعالى عادة التبني وكان النبي صلى ال عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة الكلبي‬ ‫فكان يعرف بزيد بن محمد صلى ال عليه وسلم وأصبح بذلك يدعى زيد بن حارثة مولى رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم أعلم تعالى كافة المؤمنين أن نبيه محمد صلى ال عليه وسلم أولى‬ ‫بالمؤمنين من أنفسهم‪ ،‬وأزواجه أمهاتهم(‪ )1‬في الحرمة فل تحل امرأة النبي لحد بعده صلى ال‬ ‫سهِمْ}‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬ومعنى أن {النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )2‬مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬هذه المومة إنما هي في حرمة النكاح والبر والتعظيم والجلل أما في الرث فل كما أنه ل‬ ‫تبيح النظر إليهن والخلوة بهن كالمهات فلذا ضرب ال الحجاب عليهن قال‪ :‬وإذا سألتموهن متاعا‬ ‫فاسألوهن من وراء حجاب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬صح أنه صلى ال عليه وسلم ل يصلي على ميت ترك دينا ولم يترك سدادا فلما فتح ال‬ ‫عليه‪ ،‬قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مال فلي‬ ‫ورثته وقال أيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا موله‪ ،‬فأكد صلى ال عليه وسلم بالفعل والقول هذه‬ ‫الحقيقة‪.‬‬

‫( ‪)4/244‬‬ ‫أي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه ويطلبه منهم هو أحق به من أنفسهم‪ ،‬وبذلك أعطى ال تعالى‬ ‫رسوله من الرفعة وعلو الشأن ما لم يعط أحدا غيره جزاء له على صبره على ما أخذ منه من‬ ‫بنوّة زيد رضي ال عنه الذي كان يدعى بزيد بن محمد فأصبح يعرف بزيد بن حارثة‪.‬‬ ‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ(‪ })1‬يريد في الرث فأبطل تعالى بهذه الية‬ ‫وقوله تعالى {وَأُولُو الْأَ ْرحَامِ َب ْع ُ‬ ‫التوارث باليمان والهجرة والحلف الذي كان في صدر السلم وأصبح التوارث بالنسب‬ ‫سطُوراً} التوارث بالرحام أي‬ ‫والمصاهرة والولء ل غير‪ .‬وقوله {كَانَ ذَِلكَ فِي ا ْلكِتَابِ مَ ْ‬ ‫بالقرابات مكتوب في اللوح المحفوظ وقوله {إِلّا أَنْ َت ْفعَلُوا إِلَى َأوْلِيَا ِئكُمْ َمعْرُوفا} أي إل أن توصوا‬ ‫بوصيّة جائزة وهي الثلث لحد من المؤمنين والمهاجرين ومن حالفتم فل بأس فهي جائزة ول‬ ‫حرمة(‪ )2‬فيها‪ ،‬وقوله {كَانَ ذَِلكَ} أي المذكور من التوارث بالقرابات ل غير وجواز الوصية‬ ‫بالثلث لمن أبطل إرثهم باليمان والهجرة والمؤاخاة‪ ،‬في اللوح المحفوظ وهو كتاب المقادير‬ ‫خذْنَا مِنَ النّبِيّينَ(‪)3‬‬ ‫مسطورا أي مكتوبا مسطرا فل يحل تبديله ول تغييره‪ .‬وقوله تعالى {وَإِذْ أَ َ‬ ‫مِيثَا َقهُمْ} أي اذكر يا رسولنا لقومك أخذنا الميثاق وهو العهد المؤكد باليمين من النبيين عامة بأن‬ ‫يعبدوا ال وحده ويدعوا أممهم إلى ذلك‪ ،‬ومن أولي العزم من الرسل خاصة وهم أنت يا محمد‪،‬‬ ‫ونوح(‪ )4‬وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وقوله { َوأَخَذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا} أعيد اللفظ تكرارا‬ ‫لتقريره‪ ،‬وليرتب عليه قوله {لِيَسَْألَ} تعالى يوم القيامة {الصّا ِدقِينَ}( ‪ )5‬وهم النبياء {عَنْ صِ ْد ِقهِمْ}‬ ‫عدّ لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا أَلِيما}‬ ‫في تبليغ رسالتهم تقريعا لممهم الذين كفروا وكذبوا‪ .‬فأثاب المؤمنين {وَأَ َ‬ ‫أي موجعا وهو عذاب النار‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أولى ببعض متعلق بالمؤمنين أي أولو الرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين‬ ‫والمهاجرين وذلك في كتاب ال المتضمن لشرعه وهو القرآن والمتضمن لقضائه وقدره وهو‬ ‫اللوح المحفوظ فبطل التوارث بالسلم والهجرة والمعاقدة والتحالف وثبت بالولء والنسب‬

‫والمصاهرة ل غير‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اختلف في الوصية للكافر من يهودي أو نصراني والراجح أنها إن كانت مودة له ومحبة‬ ‫فإنها ل تجوز إذ مودتهم محرمة وإن كانت لمعنى آخر كإحسان قدمه الكتابي لمسلم فرأى أن‬ ‫يكافئه عليه فأوصى له بشيء إذا مات فل حرج‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قال القرطبي‪ :‬أي عهدهم على الوفاء بما حملوا وأن يبشروا بعضهم ببعض ويصدق بعضهم‬ ‫بعضا وما في التفسير شامل لهذا ولغيره مما ذكر فيه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬خص هؤلء بالذكر تعظيما لهم وتشريفا ولنهم أصحاب شرائع وكتب وأولوا العزم من‬ ‫الرسل‪.‬‬ ‫‪ - 5‬جائز أن يراد بالصادقين النبياء عن تبلغيهم ووفائهم بما عهد إليهم وهذا هو الرجح وجائز‬ ‫أن يسأل النبياء عما أجابهم به أقوامهم من طاعة وإيمان أو كفر وعصيان‪ ،‬والحقيقة أن كل من‬ ‫الرسل والمرسل إليهم يسألهم تعالى‪ ،‬فقد جاء في العراف قوله تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم‬ ‫ولنسألن المرسلين)‪.‬‬

‫( ‪)4/245‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تقديم ما يريده الرسول من المؤمن على ما يريده المؤمن لنفسه‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة نكاح أزواج النبي صلى ال عليه وسلم وأنهن أمهات المؤمنين وهو صلى ال عليه‬ ‫وسلم كالب لهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن التوارث بالمؤاخاة والهجرة والتحالف الذي كان في صدر السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬جواز الوصية لغير الوارث بالثلث فأقل‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب توحيد ال تعالى في عبادته ودعوة الناس إلى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير التوحيد بأخذ الميثاق به على كافة النبياء والمرسلين‪.‬‬ ‫سلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحا وَجُنُودا َلمْ تَ َروْهَا‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ جَاءَ ْتكُمْ جُنُودٌ فَأَرْ َ‬ ‫غتِ الْأَ ْبصَا ُر وَبََل َغتِ‬ ‫س َفلَ مِ ْنكُ ْم وَإِذْ زَا َ‬ ‫َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا(‪ )9‬إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ َف ْو ِقكُ ْم َومِنْ أَ ْ‬ ‫ن وَزُلْزِلُوا زِلْزَالً شَدِيدا(‪ )11‬وَإِذْ‬ ‫ا ْلقُلُوبُ ا ْلحَنَاجِ َر وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا(‪ )10‬هُنَاِلكَ ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬ ‫ن وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورا(‪ )12‬وَإِذْ قَاَلتْ طَا ِئفَةٌ‬ ‫َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬ ‫عوْ َر ٌة َومَا ِهيَ‬ ‫جعُوا وَيَسْتَ ْأذِنُ فَرِيقٌ مِ ْنهُمُ النّ ِبيّ َيقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا َ‬ ‫ب ل ُمقَامَ َلكُمْ فَا ْر ِ‬ ‫مِ ْنهُمْ يَا أَ ْهلَ يَثْ ِر َ‬ ‫ِب َعوْ َرةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارا(‪ )13‬وََلوْ ُدخَِلتْ عَلَ ْيهِمْ مِنْ َأ ْقطَارِهَا ُثمّ سُئِلُوا ا ْلفِتْنَةَ لَآ َتوْهَا َومَا تَلَبّثُوا‬ ‫ِبهَا إِلّا يَسِيرا(‪)14‬‬

‫( ‪)4/246‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اذكروا نعمة ال عليكم ‪ :‬أي اذكروا نعمة ال أي دفاعنا عنكم لتشكروا ذلك‪.‬‬ ‫جنود ‪ :‬أي جنود المشركين المتحزبين‪.‬‬ ‫ريحا وجنودا لم تروها ‪ :‬هي جنود الملئكة والريح ريح الصبا وهي التي تهب من شرق‪.‬‬ ‫بما تعملون بصيرا ‪ :‬أي بصيرا بأعمالكم من حفر الخندق والستعدادات للمعركة‪.‬‬ ‫إذ جاءوكم من فوقكم ‪ :‬أي بنو أسد وغطفان أتوا من قبل نجد من شرق المدينة‪.‬‬ ‫ومن أسفل منكم ‪ :‬أي من غرب وهم قريش وكنانة‪.‬‬ ‫وإذ زاغت البصار ‪ :‬أي مالت عن كل شيء إل عن العدو تنظر إليه من شدة الفزع‪.‬‬ ‫وبلغت القلوب الحناجر ‪ :‬أي منتهى الحلقوم من شدة الخوف‪.‬‬ ‫وتظنون بال الظنون (‪ : )1‬أي المختلفة من نصر وهزيمة‪ ،‬ونجاة وهلك‪.‬‬ ‫هنالك ابتلي المؤمنون ‪ :‬أي ثم في الخندق وساحة المعركة أختبر المؤمنون‪.‬‬ ‫وزلزلوا زلزالً شديدا ‪ :‬أي حركوا حراكا قويا من شدة الفزع‪.‬‬ ‫والذين في قلوبهم مرض ‪ :‬أي شيء من النفاق لضعف عقيدتهم‪.‬‬ ‫ما وعدنا ال ورسوله إل غرورا ‪ :‬أي ما وعدنا من النصر ما هو إل غرورا وباطل‪.‬‬ ‫يا أهل يثرب ل مقام لكم ‪ :‬أي يا أهل المدينة ل مقام لكم حول الخندق فارجعوا إلى دياركم‪.‬‬ ‫إن بيوتنا عورة ‪ :‬أي غير حصينة‪.‬‬ ‫إن يريدون إل فرارا ‪ :‬أي من القتال إذ بيوتهم حصينة‪.‬‬ ‫ولو دخلت عليهم ‪ :‬أي المدينة أي دخلها العدو الغازي‪.‬‬ ‫ثم سئلوا الفتنة ‪ :‬أي ثم طلب إليهم الردة إلى الشرك لتوها أي أعطوها وفعلوها‪.‬‬ ‫وما تلبثوا بها إل يسيرا ‪ :‬أي ما تريثوا ول تمهلوا بل أسرعوا الجابة وارتدوا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ الجمهور الظنونا جمع ظن بألف بعد النون زيدت هذه النون لرعاية الفواصل في الوقف‬ ‫لن الفواصل مثل السجاع‪ .‬ومن القراء من أثبتها وقفا وحذفها وصلً والكل جائز ومثلها في هذه‬ ‫السورة وأطعنا الرسول‪ ،‬وأضلونا السبيل‪.‬‬

‫( ‪)4/247‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ إِذْ جَاءَ ْت ُكمْ(‪ )1‬جُنُودٌ} اليات هذه قصة‬ ‫غزوة(‪ )2‬الخندق أو الحزاب قصها تبارك وتعالى على المؤمنين في معرض التذكير بنعمه تعالى‬ ‫عليهم ليشكروا بالنقياد والطاعة ل ورسوله وقبول كل ما يشرع لهم لكمالهم وإسعادهم في‬ ‫الحياتين فقال تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي يا من آمنتم بال ربا وإلها وبمحمد نبيا ورسولً‬ ‫وبالسلم دينيا وشرعا {ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ} المتمثلة في دفع أكبر خطر قد حاق بكم وهو‬ ‫اجتماع جيوش عدة على غزوكم في عقر داركم وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة‬ ‫من اليهود ألبهم عليهم وحزّب أحزابهم حيي بن أخطب النضري يريد النتقام من الرسول‬ ‫والمؤمنين إذ أجلوهم عن المدينة وأخرجوهم منها فالتحقوا بيهود خيبر وتيما‪ ،‬ولما بلغ النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم خبرهم أمر(‪ )3‬بحفر الخندق تحت سفح جبل سلع غربي المدينة‪ ،‬وذلك بإشارة‬ ‫سلمان الفارسي رضي ال عنه إذ كانت له خبرة حربية علمها من ديار قومه فارس‪.‬‬ ‫وتم حفر الخندق في خلل شهر من الزمن وكان صلى ال عليه وسلم يعطي لكل عشرة أنفار‬ ‫أربعين ذراعا أي عشرين مترا‪ ،‬وما إن فرغوا من حفره حتى نزلت جيوش المشركين وكانوا‬ ‫قرابة اثني عشر ألفا ولما رأوا الرسول والمسلمين وراء الخندق تحت جبل سلع قالوا هذه مكيدة لم‬ ‫تكن العرب تعرفها فتناوشوا بالنبال ورمى عمرو عبد ود القرشي بفرسه في الخندق فقتله علي‬ ‫رضي ال عنه ودام الحصار والمناوشة وكانت اليام والليالي باردة والمجاعة ضاربة أطنابها‬ ‫قرابة الشهر‪ .‬وتفصيل الحداث للقصة فيما ذكره تعالى فيما يلي‪:‬‬ ‫فقوله تعالى {إِذْ جَاءَ ْتكُمْ جُنُودٌ} هي جنود المشركين من قريش ومن بني أسد وغطفان {فَأَ ْرسَلْنَا‬ ‫عَلَ ْيهِمْ رِيحا وَجُنُودا َلمْ تَ َروْهَا} لما(‪ )4‬جاءتكم جنود المشركين وحاصروكم في‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إذ ظرف للزمان الماضي متعلق (بنعمة) لما فيها من النعام أي اذكروا ما أنعم ال عليكم‬ ‫وقت مجيء جنود العدو إليكم لقتالكم فهزمهم ال جل جلله بما شاء من وسائط‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اختلف في السنة التي كان فيها غزوة الحزاب فقال قوم كانت سنة خمس وقال آخرون‬ ‫كانت سنة أربع وكانت في شوال‪ ،‬وسميت بغزوة الحزاب لتحزب المشركين على قتال الرسول‬ ‫والمؤمنين فصاروا حزبا واحدا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال لما كان يوم الحزاب وخندق رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير‬ ‫الشعر فرأيته يرتجز بكلمات ابن رواحة يقول‪:‬‬ ‫اللهم لول أنت ما هدينا‬ ‫ول تصدقنا ول صلينا‬ ‫فأنزلن سكينة علينا‬

‫وثبت القدام إن لقينا‬ ‫‪ - 4‬هي جنود الملئكة الذين كانوا يلقون الرعب في قلوب المشركين حتى تخاذلوا وقرروا‬ ‫العودة إلى بلدهم‪.‬‬

‫( ‪)4/248‬‬ ‫سفح السلع أرسلنا عليهم ريحا وهي ريح الصبا المباركة التي قال فيها رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم نصرت بالصبا(‪ )1‬وأهلكت عاد بالدبور وهي الريح الغربية‪ .‬وفعلت بهم الصبا الفاعيل‬ ‫حيث لم تبق لهم نارا إل أطفأتها ول قدرا على الثافي إل أراقته‪ ،‬ول خيمة ول فسطاطا إل‬ ‫أسقطته وأزالته حتى اضطروا إلى الرحيل وقوله {وَجُنُودا لَمْ تَ َروْهَا} وهم الملئكة فأصابتهم‬ ‫بالفزع والرعب المر الذي أفقدهم كل رشدهم وصوابهم ورجعوا يجرون أذيال الخيبة والحمد ل‬ ‫وقوله تعالى { َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا} أي بكل أعمالكم من حفر الخندق والمشادات‬ ‫والمناورات وما قاله وعمله المنافقون لم يغب عليه تعالى شيء وسيجزيكم به المحسن بالحسان‬ ‫والمسيء بالساءة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِذْ جَاءُوكُمْ} أي المشركون {مِنْ َف ْو ِقكُمْ} أي من الشرق وهم غطفان بقيادة عيينة بن‬ ‫س َفلَ مِ ْنكُمْ} وهم قريش وكنانة أي من الجنوب الغربي وهذا تحديد لساحة‬ ‫حصن وأسد { َومِنْ أَ ْ‬ ‫غتِ الْأَ ْبصَارُ} أي مالت عن كل شيء فلم تبق تنظر إل إلى القوات‬ ‫المعركة‪ ،‬وقوله {وَإِذْ زَا َ‬ ‫الغازية من شدة الخوف‪ { ،‬وَبََلغَتِ ا ْلقُلُوبُ ا ْلحَنَاجِرَ} أي ارتفعت بارتفاع الرئتين فبلغت منتهى‬ ‫الحلقوم(‪ .)2‬وقوله {وَ َتظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ} المختلفة من نصر وهزيمة وسلمة وعطب‪ ،‬وهذا‬ ‫تصوير للحال أبدع تصوير وهو كما ذكر تعالى حرفيّا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {هُنَاِلكَ} أي في ذلك المكان والزمان الذي حدق العدو بكم {ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ} أي‬ ‫اختبرهم ربهم ليرى الثابت على إيمانه الذي ل تزعزعه الشدائد والفتن من السريع النهزام‬ ‫شدِيدا} أي أُزعجوا‬ ‫والتحول لضعف عقيدته وقلة عزمه وصبره‪ .‬وقوله تعالى {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالً َ‬ ‫وحرّكوا حراكا شديدا لعوامل قوة العدو وكثرة جنوده‪ ،‬وضعف المؤمنين وقلة عددهم‪ ،‬وعامل‬ ‫المجاعة والحصار‪ ،‬والبرد الشديد وما أظهره المنافقون من تخاذل وما كشفت عنه الحال من‬ ‫نقض بني قريظة عهدهم وانضمامهم إلى الحزاب وقوله تعالى‪{ :‬وَإِذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُون(‪ )َ 3‬وَالّذِينَ‬ ‫فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ} أي النفاق لضعف إيمانهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الحزاب انطلقي لنصرة النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫وقالت الشمال إن محوة ل تسري بالليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وهي الريح‬ ‫الشرقية‪( ،‬محوة) من أسماء ريح الشمال لنها تمحو السحاب‪.‬‬

‫‪ - 2‬وقيل هذا من باب المبالغة على إضمار كادت أي ارتفعت من أماكنها لشدة الخوف حتى‬ ‫كادت تبلغ الحناجر جمع حنجرة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫إذا ما غضبنا غضبة مضرية‬ ‫هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما‬ ‫أي كادت تقطر‪ ،‬والحنجرة والحنجور حرف الحلق أي طرفه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬من بين القائلين طعمة بن أبيرق ومعتب بن قشير وجماعة قالوا يوم الخندق كيف يعدنا كنوز‬ ‫كسرى وقيصر ول يستطيع أحد منا أن يتبرز‪.‬‬

‫( ‪)4/249‬‬ ‫{مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ} أي من النصر {ِإلّا غُرُورا} أي باطل‪ :‬وذلك أنهم لما كانوا يحفرون‬ ‫الخندق واستعصت عليهم صخرة فأبت أن تنكسر فدعي لها الرسول صلى ل عليه وسلم فضربها‬ ‫بالمعول ضربة(‪ )1‬تصدعت لها وبرق منها بريقٌ أضاء الساحة كلها فكبر رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم وكبر المسلمون‪ ،‬ثم ضربها ثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لبتي‬ ‫المدينة فكبر رسول ال صلى ال عليه وسلم تكبير الفتح وكبر المسلمون وضرب ثالثة فكسرها‬ ‫وبرقت لها برقة كسابقتيها وكبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وكبر المسلمون ثم أخذ رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم بيد سلمان فرقى من الخندق فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول ال لقد‬ ‫رأيت شيئا ما رأيته قط فالتفت رسول ال إلى القوم فقال هل رأيتم ما رأى سلمان؟ قالوا نعم يا‬ ‫رسول ال فأعلمهم أنه على ضوء ذلك البريق رأى قصور مدائن كسرى كأنياب الكلب وإن‬ ‫جبريل أخبرني أن أمتي ظاهرة عليها كما رأيت في الضربة الثانية القصور الحمراء من أرض‬ ‫الروم وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها‪ ،‬ورأيت في الثالثة قصور صنعاء وأخبرني جبريل‬ ‫أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا أبشروا أبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد ل موعود صدق‪.‬‬ ‫فلما طال الحصار واشتدت الزمة واستبد الخوف بالرجال قال المنافقون وضعفاء اليمان {مَا‬ ‫وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورا} إذ قال معتب(‪ )2‬بن قشير يعدنا محمد بفتح فارس والروم وأحدنا‬ ‫ل يقدر أن يتبرز فرقا وخوفا ما هذا الوعد إل وعد غرور!!‬ ‫وقوله {وَإِذْ قَاَلتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ(‪ })3‬أي من المنافقين؛ وهو أُويس بن قيظي أحد رؤساء المنافقين {يَا‬ ‫أَ ْهلَ يَثْ ِربَ(‪ })4‬أي المدينة قبل أن يبطل الرسول هذا السم لها ويسميها بالمدينة {ل ُمقَامَ َلكُمْ} أي‬ ‫جعُوا} إلى منازلكم داخل المدينة بحجة أنه ل فائدة في البقاء هنا‬ ‫في سفح سلع عند الخندق {فَارْ ِ‬ ‫دون قتال‪ ،‬وما قال ذلك إل فرارا من القتال وهروبا من المواجهة‪ ،‬وقوله تعالى {وَيَسْتَ ْأذِنُ فَرِيقٌ‬ ‫مِ ْنهُمُ النّ ِبيّ} أي يطلبون الذن بالعودة إلى منازلهم بالمدينة بدعوى أن بيوتهم عورة أي مكشوفة‬ ‫أمام العدو وهم ل يأمنون عليها‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬تقدم أنه من رواية النسائي "النهر"‬ ‫‪ - 2‬لفظ الطائفة يطلق على الواحد فأكثر والمعنى أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس الذي يقول‬ ‫فيه لشماخ‪:‬‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬ ‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫‪ - 3‬يثرب هي المدينة وسماها النبي صلى ال عليه وسلم طيبة وطابة قال السهيلي سمى العرب‬ ‫في الجاهلية المدينة يثرب‪ ،‬لن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عميل بن قهلئيل بن‬ ‫عوض بن عملق بن لوذ بن آم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ نافع والجمهور ل مقام بفتح الميم وهو اسم لمكان القيام‪ ،‬وقرأ حفص بضم الميم المقام‬ ‫وهو اسم لمحل القامة‪.‬‬

‫( ‪)4/250‬‬ ‫وأكذبهم ال تعالى في قولهم فقال { َومَا ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارا} أي ما يريدون بهذا‬ ‫علَ ْيهِمْ}‬ ‫العتذار إل الفرار من وجه العدو‪ ،‬وقال تعالى فيهم ومن أصدق من ال قيلً‪{ :‬وََلوْ ُدخَِلتْ َ‬ ‫المدينة {مِنْ َأ ْقطَارِهَا} أي من جميع نواحيها من شرق وغرب وشمال وجنوب(‪ُ { )1‬ثمّ سُئِلُوا ا ْلفِتْنَةَ}‬ ‫أي طلب منهم العدو الغازي الذي حل عليهم المدينة الردة أي العودة إلى الشرك {لَآ َتوْهَا} أعطوها‬ ‫فورا { َومَا تَلَبّثُوا ِبهَا إِلّا يَسِيرا} حتى يرتدوا عن السلم ويصبحوا كما كانوا مشركين والعياذ بال‬ ‫من النفاق والمنافقين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية التذكير بالنعم ليشكرها المذكّرون بها فتزداد طاعتهم ل ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬عرض غزوة الحزاب أو الخندق عرضا صادقا ل أمثل منه في عرض الحداث للعبرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن غزوة الخندق كانت من أشد الغزوات وأكثرها ألما وتعبا على المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن حسن الظن بال ممدوح‪ ،‬وأن سوء الظن به تعالى كفر ونفاق‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان مواقف المنافقين الداعية إلى الهزيمة ليكون ذلك درسا للمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير النبوة المحمدية بإخبار الغيب التي أخبر بها رسول ال فكانت كما أخبر من فتح فارس‬ ‫والروم واليمن‪.‬‬ ‫سؤُولً(‪ُ )15‬قلْ لَنْ يَ ْن َف َعكُمُ ا ْلفِرَارُ‬ ‫عهْدُ اللّهِ مَ ْ‬ ‫وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَ ْبلُ ل ُيوَلّونَ الْأَدْبَا َر َوكَانَ َ‬ ‫إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ ا ْل َموْتِ َأوِ ا ْلقَ ْتلِ وَإِذا ل ُتمَ ّتعُونَ إِلّا قَلِيلً(‪)16‬‬

‫جدُونَ َل ُهمْ مِنْ دُونِ‬ ‫حمَ ًة وَل يَ ِ‬ ‫صمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ ِب ُكمْ سُوءا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ َر ْ‬ ‫ُقلْ مَنْ ذَا الّذِي َي ْع ِ‬ ‫اللّ ِه وَلِيّا وَل َنصِيرا(‪ )17‬قَدْ َيعَْلمُ اللّهُ ا ْل ُم َعوّقِينَ مِ ْنكُ ْم وَا ْلقَائِلِينَ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ثم العطف بها هنا للترتيب الرّتبي‪ ،‬إذ كان مقتضى الظاهر أن يكون العطف بالواو‪ ،‬لن‬ ‫المذكور بعد حرف العطف داخل في فعل الشرط ووارد عليه جوابها فعدل عن الواو إلى ثم لجل‬ ‫التنبيه على أن ما بعد ثم أهم من الذي قبلها أي أنهم مع ذلك يأتون الفتنة‪.‬‬

‫( ‪)4/251‬‬ ‫خ ْوفُ رَأَيْ َت ُهمْ يَنْظُرُونَ‬ ‫شحّةً عَلَ ْي ُكمْ فَإِذَا جَاءَ ا ْل َ‬ ‫خوَا ِنهِمْ هَلُمّ ِإلَيْنَا وَل يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلّا قَلِيلً(‪ )18‬أَ ِ‬ ‫لِإِ ْ‬ ‫شحّةً عَلَى‬ ‫سَلقُوكُمْ بِأَ ْلسِنَةٍ حِدَادٍ أَ ِ‬ ‫خوْفُ َ‬ ‫إِلَ ْيكَ تَدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالّذِي ُيغْشَى عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َموْتِ فَإِذَا ذَ َهبَ ا ْل َ‬ ‫عمَاَل ُه ْم َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرا(‪)19‬‬ ‫الْخَيْرِ أُولَ ِئكَ َلمْ ُي ْؤمِنُوا فََأحْبَطَ اللّهُ أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل ‪ :‬أي من قبل غزوة الخندق وذلك يوم أحد قالوا‪ :‬وال لئن أشهدنا‬ ‫ال قتال لنقاتلن ول نولي الدبار‪.‬‬ ‫وكان عهد ال مسئول ‪ :‬أي صاحب العهد عن الوفاء به‪.‬‬ ‫ل وتموتون‪.‬‬ ‫وإذا ل تمتعون إل قليلً ‪ :‬أي وإذا فررتم من القتال فإنكم ل تمتعون بالحياة إل قلي ً‬ ‫من ذا الذي يعصمكم من ال ‪ :‬أي من يجيركم ويحفظكم من ال‪.‬‬ ‫إن أراد بكم سوءاً ‪ :‬أي عذابا تستاءون له وتكربون‪.‬‬ ‫قد يعلم ال المعوقين منكم ‪ :‬أي المثبطين عن القتال المفشلين إخوانهم عنه حتى ل يقاتلوا مع‬ ‫رسول ال والمؤمنين‪.‬‬ ‫هلم إلينا ‪ :‬أي تعالوا إلينا ول تخرجوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ول يأتون البأس إل قليلً ‪ :‬أي ول يشهدون القتال إل قليلً دفعا عن أنفسهم تهمة النفاق‪.‬‬ ‫أشحة عليكم ‪ :‬أي بخلء ل ينفقون على مشاريعكم الخيرية كنفقة الجهاد وعلى الفقراء‪.‬‬ ‫تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت‪ :‬أي تدور أعينهم من شدة الخوف لجبنهم كالمحتضر‬ ‫الذي يغشى عليه أي يغمى عليه من آلم سكرات الموت‪.‬‬ ‫سلقوكم بألسنة حداد ‪ :‬أي آذوكم بألسنة ذربة حادة كأنها الحديد وذلك بكثرة‬

‫( ‪)4/252‬‬

‫كلمهم وتبجحهم بالقوال دون الفعال‪.‬‬ ‫أشحة على الخير ‪ :‬أي بخلء بالخير ل يعطونه ول يفعلونه بل ول يقولونه حتى القول‪.‬‬ ‫أولئك لم يؤمنوا ‪ :‬أي إنهم لم يؤمنوا اليمان الصحيح فلذا هم جبناء عند اللقاء بخلء عند العطاء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرض أحداث غزوة الحزاب فقوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ كَانُوا عَا َهدُوا(‪ )1‬اللّهَ‬ ‫مِنْ قَ ْبلُ ل ُيوَلّونَ الْأَدْبَارَ} أي لقد عاهد أولئك المنافقون ال من قبل غزوة الحزاب وذلك يوم‬ ‫فروا من غزوة أحد إذ كانت قبل غزوة الحزاب بقرابة السنتين فقالوا وال لئن أشهدنا ال قتالً‬ ‫عهْدُ‬ ‫لنقاتلن ول نوليّ(‪ )2‬الدبار‪ ،‬فذكرهم ال بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ثم نكثوه‪َ { ،‬وكَانَ َ‬ ‫سؤُولً(‪ })3‬أي يسأل عنه صاحبه ويؤاخذ به‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ لَنْ يَ ْن َف َعكُمُ ا ْلفِرَارُ إِنْ فَرَرْ ُتمْ‬ ‫اللّهِ َم ْ‬ ‫مِنَ ا ْل َم ْوتِ َأوِ ا ْلقَ ْتلِ} أي قل لهم يا رسولنا إنه لن ينفعكم الفرار أي الهروب من الموت أو القتل‬ ‫لن الجال محددة ومن لم يمت بالسيف مات بغيره فل معنى للفرار من القتال إذا وجب وقوله‬ ‫{وَإِذا ل ُتمَ ّتعُونَ إِلّا قَلِيلً} أي وإذا فررتم من القتال فإنكم ل تمتعون بالحياة إل قليل من الزمن ثم‬ ‫تموتون عند نهاية أعماركم وهي فترة قليلة‪ ،‬فالفرار ل يطيل أعماركم والقتال ل ينقصها‪ ،‬وقوله‬ ‫حمَةً} أي قل لهم يا‬ ‫ص ُمكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ ِب ُكمْ سُوءا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ(‪ )4‬رَ ْ‬ ‫تعالى { ُقلْ مَنْ ذَا الّذِي َي ْع ِ‬ ‫رسولنا تبكيتا لهم وتأنيبا وتعليما أيضا‪ :‬من(‪ )5‬ذا الذي يعصمكم أي يجيركم ويحفظكم من ال {إِنْ‬ ‫ح َمةً} أي سلمة وخيرا فليس‬ ‫أَرَادَ ِب ُكمْ سُوءا} أي ما يسوءكم من بلء وقتل ونحوه {َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ رَ ْ‬ ‫هناك من يحول دون وصول ذلك إليكم لن ال تعالى يجير ول يجار عليه وقوله تعالى {وَل‬ ‫جدُونَ َلهُمْ مِنْ‬ ‫يَ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر بعضهم أن هؤلء هم بنو حارثة وبنو سلمة إذ هموا بالرجوع يوم أحد‪ ،‬وقيل هم من‬ ‫فاتتهم وقعة بدر فقالوا لئن أشهدنا ال قتالً لنقاتلن وما في التفسير أرجح لدللة السياق عليه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المراد بعهد ال كل عه يعاهد عليه العبد ربه فإنه يجب عليه الوفاء به وإن تركه سئل عنه‬ ‫وحوسب به يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الدبار جمع دبر والمراد به الظهر فالدبار الظهور وتولية الدبار كناية عن الفرار‪.‬‬ ‫‪ - 4‬في الكلم محذوف تقديره أو يجرمكم إن أراد بكم رحمة وهذا يعرف بدللة القتضاء إيجازا‬ ‫للكلم كقول الراعي‪:‬‬ ‫إذا ما الغانيات برزن يوما‬ ‫وزججن الحواجب والعيونا‬ ‫أي وكحلن العيون‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الستفهام للنفي أي ل أحد يعصمهم مما أراد ال تعالى بهم‪.‬‬

‫( ‪)4/253‬‬ ‫دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَل َنصِيرا(‪ })1‬أي ول يجد المخالفون لمر ال العصاة له ولرسوله من دون ال‬ ‫وليا يتولهم فيدفع عنهم ما أراد ال بهم من سوء‪ ،‬ول نصيرا ينصرهم إذا أراد ال إذللهم‬ ‫وخذلنهم لسوء أفعالهم‪ ،‬وقوله تعالى في الية (‪ )18‬في هذا السياق { َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ(‪ )2‬ا ْل ُم َع ّوقِينَ‬ ‫مِ ْنكُمْ} أخبرهم تعالى بأنه قد علم المعوقين أي المثبطين عن القتال والمخذلين بما يقولونه سرا في‬ ‫صفوف المؤمنين كالطابور الخامس في الحروب وهم أناس يذكرون في الخفاء عظمة العدو‬ ‫خوَا ِنهِمْ َهلُمّ إِلَيْنَا} أي تعالوا إلينا إلى‬ ‫وقوته ويرهبون منه ويخذلون عن قتاله‪ .‬وقوله {وَا ْلقَائِلِينَ لِإِ ْ‬ ‫المدينة واتركوا محمدا وأصحابه يموتون وحدهم فإنهم ل يزيدون عن أكلة جزور‪ .‬وقوله {وَل‬ ‫يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلّا قَلِيلً} أي ل يشهد القتال ويحضره أولئك المنافقون المثبطون والذين قالوا إن بيوتنا‬ ‫عورة إل قليلً إذ يتخلفون في أكثر الغزوات وإن حضروا مرة قتالً فإنما هم يدفعون به معرة‬ ‫التخلف ودفعا لتهمة النفاق التي لصقت بهم‪.‬‬ ‫شحّةً عَلَ ْيكُمْ}( ‪ )3‬وصفهم بالبخل بعد وصفهم بالجبن وهما شر صفات المرء أي‬ ‫وقوله تعالى {أَ ِ‬ ‫الجبن والبخل أشحة عليكم أي بخلء ل ينفقون معكم ول على الجهاد ول على الفقراء والمحتاجين‬ ‫خ ْوفُ(‪ })4‬أي بسبب هجوم العدو {رَأَيْ َتهُمْ} أيها الرسول {يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ}‬ ‫وقوله تعالى {فَإِذَا جَاءَ ا ْل َ‬ ‫لئذين بك { َتدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ} من الخوف {كَالّذِي ُيغْشَى عَلَ ْيهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ} وهو المحتضر يغمى عليه‬ ‫لما يعاني من سكرات الموت وهذا تصوير هائل لمدى ما عليه المنافقون من الجبن والخوف وعلة‬ ‫هذا هو الكفر وعدم اليمان بالقدر والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫خوْفُ} أي راحت أسبابه بانتهاء الحرب {سََلقُوكُمْ بِأَ ْلسِنَةٍ} أي سلقكم أولئك‬ ‫وقوله {فَإِذَا ذَ َهبَ ا ْل َ‬ ‫الجبناء عند اللقاء أي ضربوكم بألسنة ذربة حادة كالحديد بالمطالبة بالغنيمة أو بالتبجح الكاذب‬ ‫بأنهم فعلوا وفعلوا‪ .‬وهذا حالهم إلى اليوم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المراد بالولي من يتولى نفعهم والنصير من يتولى نصرهم في الحرب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قد تفيد التحقيق فهي مؤكدة لمضمون الجملة لتطلب المقام ذلك لوجود شك لدى المخاطبين‪،‬‬ ‫والمعوقين جمع معوق وهو من يكثر منه العوق وهو المنع من العمل والحيلولة دونه والصيغة‬ ‫صيغة مبالغة نحو طوّف وغلّف وسمّع‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أشحة جمع شحيح والقياس أشحاء لكنهم عدلوا عنه فقالوا أشحة والضمير في عليكم يعود‬ ‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‪ ،‬والشح البخل بما في الوسع اعطاؤه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الخوف هنا توقع القتال من الجيشين‪.‬‬

‫( ‪)4/254‬‬

‫شحّةً عَلَى ا ْلخَيْرِ} أي بخلء على مشاريع الخير وما ينفق في سبيل ال فل ينفقون لنهم‬ ‫وقوله {أَ ِ‬ ‫ل يؤمنون بالخلف ول بالثواب والجر وذلك لكفرهم بال ولقائه‪ .‬ولذا قال تعالى {أُولَ ِئكَ لَمْ‬ ‫عمَاَلهُمْ} أي أبطلها‬ ‫ُي ْؤمِنُوا(‪ })1‬فسجل عليهم وصف الكفر ورتب عليه نتائجه وقوله {فَأَحْ َبطَ اللّهُ أَ ْ‬ ‫فل يثابون عليها لنها أعمال مشرك وأعمال المشرك باطلة‪ ،‬وقوله { َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا}‬ ‫أي إبطال أعمالهم وتخييبهم فيها وحرمانهم من جزائها يسير على ال ليس بالعسير‪ .‬ولذ هو واقع‬ ‫كما أخبر تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الوفاء بالعهد إذ نقض العهد من علمات النفاق‪.‬‬ ‫‪ -2‬ترك الجهاد خوفا من القتل عمل غير صالح إذ القتال ل ينقص العمر وتركه ل يزيد فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬الشح والجبن من صفات المنافقين وهما شر الصفات في النسان‪.‬‬ ‫‪ -4‬الثرثرة وكثرة الكلم والتبجح بالقوال من صفات أهل الجبن والنفاق‪.‬‬ ‫‪ -5‬الكفر محبط للعمال‪.‬‬ ‫حسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَ ْأتِ الَْأحْزَابُ َيوَدّوا َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫حسَنَةٌ ِلمَنْ كَانَ‬ ‫س َوةٌ َ‬ ‫أَنْبَا ِئكُ ْم وََلوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلّا قَلِيلً(‪َ )20‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُ ْ‬ ‫يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الْآخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرا(‪ )21‬وََلمّا رَأى ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا َهذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ‬ ‫ل صَ َدقُوا مَا‬ ‫وَرَسُولُ ُه َوصَدَقَ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه َومَا زَادَهُمْ إِلّا إِيمَانا وَتَسْلِيما(‪ )22‬مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِرجَا ٌ‬ ‫عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ َفمِ ْنهُمْ مَنْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أولئك أصحاب تلك الصفات الذميمة الصادرة عن قلوب لم يخالطها بشاشة اليمان فلذا أحبط‬ ‫ال أعمالهم لنها لم تكن ثمرة إيمان صحيح فلذا هي فاسدة ل تزكي النفس ول يستحق صاحبها‬ ‫أجرا‪.‬‬

‫( ‪)4/255‬‬ ‫َقضَى َنحْبَ ُه َومِ ْنهُمْ مَنْ يَنْ َتظِ ُر َومَا َبدّلُوا تَبْدِيلً(‪ )23‬لِ َيجْ ِزيَ اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِبصِ ْد ِقهِمْ وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ‬ ‫ظهِمْ َلمْ يَنَالُوا‬ ‫غفُورا َرحِيما(‪ )24‬وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا ِبغَ ْي ِ‬ ‫إِنْ شَاءَ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْي ِهمْ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬ ‫ل َوكَانَ اللّهُ َقوِيّا عَزِيزا(‪)25‬‬ ‫خَيْرا َو َكفَى اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ا ْلقِتَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يحسبون الحزاب لم يذهبوا ‪ :‬أي يحسب أولئك المنافقون الجبناء الحزاب وهم قريش وغطفان‪.‬‬

‫لم يذهبوا ‪ :‬أي لم يعودوا إلى بلدهم خائبين‪.‬‬ ‫وإن يأت الحزاب ‪ :‬أي مرة أخرى فرضا‪.‬‬ ‫يودوا لو أنهم بادون في العراب‪ :‬أي من جبنهم وخوفهم يتمنون أن لو كانوا في البادية مع‬ ‫سكانها‪.‬‬ ‫يسالون عن أبنائكم ‪ :‬أي إذا كانوا في البادية لو عاد الحزاب يسألون عن أنبائكم أي أخباركم هل‬ ‫أنهزمتم أو انتصرتم‪.‬‬ ‫ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إل قليلً ‪ :‬أي ولو كانوا بينكم في الحاضرة ما قاتلوا معكم إل قليلً‪.‬‬ ‫أسوة حسنة ‪ :‬أي قدوة صالحة تقتدون به صلى ال عليه وسلم في القتال والثبات في مواطنه‪.‬‬ ‫هذا ما وعدنا ال ورسوله ‪ :‬من البتلء والنصر‪.‬‬ ‫وصدق ال ورسوله ‪ :‬في الوعد الذي وعد به‪.‬‬ ‫وما زادهم إل إيمانا وتسليما ‪ :‬أي تصديقا بوعد ال وتسليما لمر ال‪.‬‬ ‫صدقوا ما عاهدوا ال عليه ‪ :‬أي وفوا بوعدهم‪.‬‬ ‫فمنهم من قضى نحبه ‪ :‬أي وفى بنذره فقاتل حتى استشهد‪.‬‬ ‫ومنهم من ينتظر ‪ :‬أي مازال يخوض المعارك مع رسول ال وهو ينتظر‬

‫( ‪)4/256‬‬ ‫القتل في سبيل ال‪.‬‬ ‫وما بدلوا تبديلً ‪ :‬أي في عهدهم بخلف المنافقين فقد نكثوا عهدهم‪.‬‬ ‫ورد ال الذين كفروا بغيظهم ‪ :‬أي ورد ال الحزاب خائبين لم يظفروا بالمؤمنين‪.‬‬ ‫وكفى ال المؤمنين القتال ‪ :‬أي بالريح والملئكة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حسَبُونَ الْأَحْزَابَ َلمْ يَذْهَبُوا} أي‬ ‫ما زال السياق في سرد أحداث غزوة الحزاب فقوله تعالى {يَ ْ‬ ‫يحسب أولئك المنافقون الجبناء الذين قالوا إن بيوتنا عورة وقالوا لخوانهم هلم إلينا أي اتركوا‬ ‫محمدا في الواجهة وحده إنهم لجبنهم ظنوا أن الحزاب لم يعودوا إلى بلدهم مع أنهم قد رحلوا‬ ‫وهذا منتهى الجبن والخوف وقوله تعالى {وَإِنْ يَ ْأتِ الَْأحْزَابُ} أي مرة أخرى على فرض وتقدير‬ ‫{ َيوَدّوا} يومئذ {َلوْ أَ ّنهُمْ بَادُونَ(‪ )1‬فِي الْأَعْرَابِ} أي خارج المدينة لشدة خوفهم من الحزاب‬ ‫الغزاة‪ ،‬وقوله تعالى {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَا ِئكُمْ(‪ })2‬أي أخباركم هل ظفر بكم الحزاب أو ل‪{ ،‬وََلوْ كَانُوا‬ ‫فِيكُمْ} أي بينكم ولم يكونوا في البادية {مَا قَاتَلُوا إِلّا قَلِيلً} وذلك لجبنهم وعدم إيمانهم بفائدة القتال‬ ‫لكفرهم بلقاء ال تعالى وما عنده من ثواب وعقاب هذا ما تضمنته الية الولى (‪)20‬‬ ‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ ِلمَنْ كَانَ يَرْجُو(‪)4‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪َ{ )21‬لقَدْ كَانَ َل ُكمْ فِي(‪ )3‬رَسُولِ اللّهِ ُأ ْ‬

‫اللّ َه وَالْ َيوْمَ الْآخِ َر وَ َذكَرَ اللّهَ كَثِيرا} أي‪ :‬لقد كان لكم أيها المسلمون أي‪ :‬من مؤمنين صادقين‬ ‫ومنافقين كاذبين في رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم أسوة حسنة أي قدوة صالحة فاقتدوا به‬ ‫في جهاده وصبره وثباته‪ ،‬فقد جاع حتى شد بطنه بعصابة وقاتل حتى شج وجهه وكسرت رباعيته‬ ‫ومات عمه وحفر الخندق بيديه وثبت في سفح سلع أمام العدو قرابة شهر فأتسوا به في الصبر‬ ‫والجهاد والثبات إن كنتم ترجون ال أي تنظرون ما عنده من خير في مستقبل أيامكم في الدنيا‬ ‫والخرة وترجون اليوم الخر أي ترتقبونه وما فيه من سعادة‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرئ لو أنهم بُ ّدىً جمع بادٍ كغازٍ وغزّى‪ ،‬يقال بدا فلن يبدوا إذا خرج إلى البادية وهي‬ ‫البداوة والبداوة بالكسر والفتح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي هل هلك محمد وأصحابه‪ ،‬أم غلب أبو سفيان وأحزابه؟ أي يودون لو أنهم بادون سائلون‬ ‫عن أنبائكم من غير مشاهدة قتال لفرط جبنهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذه الية تحمل عتابا شديدا للمتخلفين عن القتال والسوة بضم الهمزة قراءة عاصم وبالكسر‬ ‫قراءة الجمهور وهي اسم لما يؤتسى به أي يقتدى‪ :‬ويعمل مثل عمله وجمع السوة أُسى وإسى‪.‬‬ ‫‪ - 4‬اختلف في التساء برسول ال صلى ال عليه وسلم هل هو على اليجاب أو الندب أو هو‬ ‫على اليجاب‪ .‬حتى يقوم الدليل على الستحباب أو هو على العكس‪ ،‬والصواب أنه فيما هو واجب‬ ‫واجب وفيما هو مستحب مستحب‪.‬‬

‫( ‪)4/257‬‬ ‫وشقاء‪ ،‬ونعيم مقيم أو جحيم وعذاب أليم‪ .‬وتذكرون ال تعالى كثيرا في كل حالتكم وأوقاتكم‪،‬‬ ‫فاقتدوا بنبيكم فإن القتداء به واجب ل يسقط إل عن عجز وال المستعان‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثالثة في هذا السياق (‪{ )22‬وََلمّا رَأى ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الَْأحْزَابَ} أي لما رأى‬ ‫عدَنَا اللّهُ(‪ )1‬وَرَسُولُهُ‬ ‫المؤمنون الصادقون جيوش الحزاب وقد أحاطب بهم {قَالُوا هَذَا مَا وَ َ‬ ‫َوصَدَقَ اللّ ُه وَرَسُولُهُ} بخلف ما قاله المنافقون حيث قالوا {مَا وَعَدَنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورا}‬ ‫وقوله { َومَا زَادَ ُهمْ} أي رؤيتهم للحزاب على كثرتهم {إِلّا إِيمَانا} بصادق وعد ال {وَتَسْلِيما}‬ ‫لقضائه وحكمه‪ ،‬وهذا ثناء عطر على المؤمنين الصادقين من ربهم عز وجل‪ .‬وقوله تعالى {مِنَ‬ ‫ل صَ َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ} هذا ثناء آخر على بعض المؤمنين الذين لما تخلفوا‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِرجَا ٌ‬ ‫عن بدر فتأسفوا ولما حصل انهزام لهم في أحد عاهدوا ال لئن أشهدهم ال قتال مع رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ليقاتلن حتى الستشهاد فأخبر تعالى عنهم بقوله فمنهم من قضى نحبه أي‬ ‫وفى بنذره فقاتل حتى استشهد ومنهم من ينتظر القتل في سبيل ال‪ ،‬وقوله تعالى { َومَا بَدّلُوا تَ ْبدِيلً(‬ ‫‪ })2‬أدنى تبديل في موقفهم فثبتوا على عهدهم بخلف المعوقين من المنافقين فإنهم بدلوا وغيروا‬

‫ما عاهدوا ال عليه وقوله تعالى {لِيَجْ ِزيَ(‪ )3‬اللّهُ الصّا ِدقِينَ ِبصِ ْد ِقهِمْ} أي أجرى تعالى تلك‬ ‫الحداث فكانت كما قدرها في كتاب المقادير‪ ،‬ليجزي الصادقين بصدقهم فيكرمهم وينعمهم في‬ ‫جواره ويعذب المنافقين بناره إن شاء ذلك فيميتهم قبل توبتهم‪ ،‬أو يتوب عليهم فيؤمنوا ويوحدوا‬ ‫ويدخلوا الجنة مع المؤمنين الصادقين وهو معنى قوله {وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ إِنْ شَاءَ} ذلك لهم قضاء‬ ‫غفُورا َرحِيما } إخبار منه تعالى عن‬ ‫وقدرا أو يتوب عليهم فيتوبوا فل يعذبوا‪ ،‬وقوله {إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬ ‫نفسه بأنه كان ذا ستر على ذنوب التائبين من عباده رحيما بهم فل يعاقبهم بعد توبتهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المراد من الوعد الذي ذكروه هو ما تضمنته آية البقرة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} الية أي‬ ‫قوله أل إن نصر ال قريب كما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أخبرهم بقدوم الحزاب‬ ‫عليهم وأن ال ناصرهم عليهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬في هذه الجملة تعريض بالمنافقين الذين عاهدوا ال ل يولون الدبار ثم ولوا راجعين وعادوا‬ ‫إلى بيوتهم تاركين الرسول والمؤمنين في المواجهة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة تعليلية أي ثم الذي تم من الوفاء والغدر والصبر والجزع والهزيمة والنصر لعلة أن‬ ‫يجزي ال الصادقين بما يناسب صدقهم وهو المغفرة ويجزي المنافقين بما يناسب نفاقهم‪.‬‬

‫( ‪)4/258‬‬ ‫وقوله تعالى في آخر هذا السياق (‪{ )25‬وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ َكفَرُوا(‪ })1‬وهم قريش وكنانة وأسد‬ ‫وغطفان ردهم بغيظهم أي بكربهم وغمهم حيث لم يظفروا بالرسول والمؤمنين ولم يحققوا شيئا‬ ‫مما أمّلوا تحقيقه‪ ،‬وكفى ال المؤمنين القتال حيث سلط على الحزاب الريح والملئكة فانهزموا‬ ‫وفروا عائدين إلى ديارهم لم ينالوا خيرا‪ .‬وكان ال قويا على إيجاد ما يريد إيجاده عزيزا أي‬ ‫غالبا على أمره ل يمتنع منه شيء أراده‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن الكفر والنفاق صاحبهما ل يفارقه الجبن والخور والشح والبخل‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الئتساء برسول ال في كل ما يطيقه العبد المسلم ويقدر عليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬ثناء ال تعالى على المؤمنين الصادقين لمواقفهم المشرفة ووفائهم بعهودهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬ذم النهزاميين الناكثين لعهودهم الجبناء من المنافقين وضعاف اليمان‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان الحكمة في غزوة الحزاب‪ ،‬ليجزي ال الصادقين ‪ .....‬الخ‪.‬‬ ‫عبَ فَرِيقا َتقْتُلُونَ‬ ‫ن صَيَاصِيهِ ْم َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬ ‫وَأَنْ َزلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِ ْ‬ ‫ضهُ ْم وَدِيَارَ ُه ْم وََأ ْموَاَلهُمْ وَأَرْضا َلمْ تَطَأُوهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ‬ ‫وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا(‪ )26‬وََأوْرَ َثكُمْ أَ ْر َ‬

‫شيْءٍ قَدِيرا(‪)27‬‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ظاهروهم ‪ :‬أي ناصروهم ووقفوا وراءهم يشدون أزرهم‪.‬‬ ‫من صياصيهم ‪ :‬أي من حصونهم والصياصي جمع صيصيّة وهي كل ما يمتنع به‪.‬‬ ‫وقذف في قلوبهم الرعب ‪ :‬أي ألقى الخوف في نفوسهم فخافوا‪.‬‬ ‫وأرضا لم تطأوها ‪ :‬أي لم تطأوها بعد وهي خيبر إذ فتحت بعد غزوة الخندق‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روي عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت في قوله تعالى {ورد ال الذين كفروا بغيظهم}‬ ‫قالت‪ :‬أبو سفيان بن حرب وعيينة بن بدر‪.‬‬

‫( ‪)4/259‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَأَنْ َزلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ(‪ )1‬مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} هذا شروع في ذكر غزوة بني قريظة إذ‬ ‫كانت بعيد غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة في آخر شهر ذي القعدة وخلصة الحديث‬ ‫عن هذه الغزوة أنه لما ذهب الحزاب وعاد الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنون إلى المدينة‬ ‫وكان بنو قريظة قد نقضوا عهدهم وانضموا إلى الحزاب من المشركين عونا لهم على رسول ال‬ ‫والمؤمنين فلما ذهب الحزاب وانصرف الرسول والمؤمنون من الخندق إلى المدينة فما راع‬ ‫الناس إل ومنادي رسول ال صلى ال عليه وسلم ينادي إلى بني قريظة فل يصلين أحدكم العصر‬ ‫إل ببني قريظة وهي على أميال من المدينة وذلك أن جبريل أتى النبي صلى ال عليه وسلم ظهر‬ ‫ذلك اليوم فقال يا رسول ال وضعت السلح إن يأمرك بالسير إلى بني قريظة فقام رسول ال‬ ‫وأمر مناديا أن ينادي بالذهاب إلى بني قريظة وذهب رسول ال والمسلمون فحاصروهم قرابة‬ ‫خمس وعشرين ليلة وجهدهم الحصار وقذف ال في قلوبهم الرعب فقال لهم رسول ال أتنزلون‬ ‫على حكمي فأبوا فقال أتنزلون على حكم سعد بن معاذ(‪)2‬؟ فقالوا نعم فحكمه فيهم فحكم بأن يقتل‬ ‫الرجال وتسبى الذراري والنساء وتقسم الموال‪ ،‬فقال الرسول صلى ال عليه وسلم مقررا للحكم‬ ‫لقد حكمت فيهم بحكم ال من فوق سبع السموات‪ .‬فحبسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم في دار‬ ‫بنت الحارث من نساء بني النجار وخرج إلى سوق المدينة فحفر فيها خندقا ثم جيء بهم وفيهم‬ ‫ب الحزاب وكعب بن أسيد رئيس بني قريظة‪ ،‬وأمر عليا والزبير‬ ‫حيي بن أخطب الذي حز ّ‬ ‫بضرب أعناقهم وطرحهم في ذلك الخندق‪.‬‬ ‫وبذلك انتهى الوجود اليهودي المعادي بالمدينة النبوية‪ .‬والحمد ل‪.‬‬ ‫فقوله تعالى {وَأَنْ َزلَ} أي ال تعالى بقدرته {الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} أي ظاهروا الحزاب‬

‫ن صَيَاصِيهِمْ(‪ })3‬أي أنزلهم من‬ ‫وكانوا عونا لهم على الرسول والمؤمنين وهم يهود بني قريظة {مِ ْ‬ ‫عبَ} ولذا‬ ‫حصونهم الممتنعين بها‪َ { ،‬وقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المظاهرون بفتح الهاء هم قريش وكنانة وغطفان والمظاهرون لهم هم بنو قريظة من أهل‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كان سعد رضي ال عنه قد أصابه سهم في غزوة الخندق فوضعه رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم في خيمة بالمسجد ليتمكن من زيارته وكان رضي ال عنه لما أصابه السهم دعا ال تعالى‪:‬‬ ‫اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها وإن كنت أنهيت الحرب بيننا وبينهم‬ ‫فافجرها‪ ،‬ول تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب ال تعالى له وحكمه رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم فيهم فحكم عليهم بأن يقتل مقاتليهم وتسبى نساؤهم وذراريهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الصياصي واحدها صيصة‪ ،‬والمراد حصونهم التي يتمنعون بها‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫فجئت إليه والرماح تنوشه‬ ‫كوقع الصياصي في النسيج الممدد‬ ‫والصيصة‪ :‬شوكة الحائك وصياصي البقر قرونها لنها تتمنع بها‪.‬‬

‫( ‪)4/260‬‬ ‫قبلوا التحكيم فحكم فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم سيد الوس سعد بن معاذ رضي ال عنه‬ ‫فحكم فيهم بقتل المقاتلة من الرجال وسبي النساء والذراري وهو معنى قوله تعالى {فَرِيقا َتقْتُلُونَ}‬ ‫ضهُمْ} الزراعية‬ ‫وهم الرجال {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا} وهم النساء والطفال‪ ،‬وقوله { َوَأوْرَ َثكُمْ أَ ْر َ‬ ‫{وَدِيَارَ ُهمْ} السكنية {وََأ ْموَاَلهُمْ} الصامتة والناطقة وقوله { َوأَرْضا لَمْ َتطَأُوهَا} أي أورثكم أرضا لم‬ ‫تطئوها بعد وهي أرض خيبر(‪ )1‬حيث غزاهم رسول ال في السنة السادسة بعد صلح الحديبية‬ ‫شيْءٍ قَدِيرا} تذييل المراد به تقرير ما أخبر تعالى به(‬ ‫وفتحها ال عليهم وقوله { َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫‪ )2‬من نصر أوليائه وهزيمة أعدائه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عاقبة الغدر فإن بني قريظة لما غدرت برسول ال انتقم منها فسلط عليها رسوله‬ ‫والمؤمنين فأبادوهم عن‬ ‫آخرهم ولم يبق إل الذين ل ذنب لهم وهم النساء والطفال‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان صادق وعد ال إذ أورث المسلمين أرضا لم يكونوا قد وطئوها وهي خيبر والشام‬ ‫والعراق وفارس‬

‫وبلد أخرى كبيرة وكثيرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن قدرة ال ل تحد أبدا فهو تعالى على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫حكُنّ سَرَاحا‬ ‫ن وَأُسَرّ ْ‬ ‫جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا فَ َتعَالَيْنَ ُأمَ ّت ْعكُ ّ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬ ‫عظِيما(‬ ‫عدّ لِ ْل ُمحْسِنَاتِ مِ ْنكُنّ أَجْرا َ‬ ‫جمِيلً(‪ )28‬وَإِنْ كُنْتُنّ تُرِدْنَ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَالدّارَ الْآخِ َرةَ فَإِنّ اللّهَ أَ َ‬ ‫َ‬ ‫‪)29‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وقال مقاتل هي خيبر إذ لم يكونوا قد نالوها بعد فوعدهم ال إياها وقال الحسن فارس‬ ‫والروم‪ ،‬وقال عكرمة كل أرض تفتح إلى يوم القيامة والكل صالح ومقبول‪ ،‬وما في التفسير أقرب‬ ‫لنها أرض اليهود فالسياق ساعد على أنها أرض خيبر‪ ،‬وقال صاحب التحرير إنها أرض بني‬ ‫النضير لنهم ما فتحوها عنوة فلم تطأها حوافر الخيل ول أقدام البطال‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وفيه اليحاء ببشرى فتوحات تعقب هذا الفتح‪.‬‬

‫( ‪)4/261‬‬ ‫ض ْعفَيْنِ َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرا(‬ ‫عفْ َلهَا ا ْلعَذَابُ ِ‬ ‫حشَةٍ مُبَيّنَةٍ ُيضَا َ‬ ‫يَا نِسَاءَ النّ ِبيّ مَنْ يَ ْأتِ مِ ْنكُنّ ِبفَا ِ‬ ‫‪)30‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل لزوجك ‪ :‬أي اللئي هن تحته يومئذ وهن تسع طلبن منه التوسعة في النفقة عليهن ولم يكن‬ ‫عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يوسع به عليهن‪.‬‬ ‫فتعالين ‪ :‬أي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان يومئذ قد اعتزلهن شهرا‪.‬‬ ‫أمتعكن ‪ :‬أي متعة الطلق المشروعة على قدر حال المطلق سعة وضيقا‪.‬‬ ‫أسرحكن سراحا جميل ‪ :‬أي أطلقكن طلقا من غير إضرار بكن‪.‬‬ ‫تردن ال ورسوله والدار الخرة ‪ :‬أي تردن رضا ال ورسوله والجنة‪.‬‬ ‫فإن ال أعد للمحسنات ‪ :‬أي عشرة النبي صلى ال عليه وسلم زيادة على الحسان العام‪.‬‬ ‫بفاحشة مبينة ‪ :‬أي بنشوز وسوء خلق يتأذى به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫يضاعف لها العذاب ضعفين ‪ :‬أي مرتين على عذاب غيرهن ممن آذين أزواجهن‪.‬‬ ‫وكان ذلك على ال يسيرا ‪ :‬أي مضاعفة العذاب يسيرة هينة على ال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شاء ال تعالى أن يجتمع نساء الرسول صلى ال عليه وسلم لما رأين نساء النصار والمهاجرين‬ ‫قد وُسّع عليهن في النفقة لوجود يسر وسعة رزق بين أهل المدينة‪ ،‬أن يطالبن بالتوسعة في النفقة‬ ‫عليهن أسوة بغيرهن وكن يومئذ تسعا وهن عائشة بنت أبي بكر‪ ،‬وحفصة بنت عمر‪ ،‬وأم حبيبة‬

‫بنت أبي سفيان‪ ،‬وسودة بنت زمعة‪ ،‬وأم سلمة بنت أمية‪ ،‬وزينب بنت جحش‪ ،‬وميمونة بنت‬ ‫الحارث الهللية‪ ،‬وجورية بنت الحارث المصطلقية‪ ،‬وصفيّة بنت حيي بن أخطب النضريّة فأبلغت‬ ‫عائشة ذلك رسول ال صلى‬

‫( ‪)4/262‬‬ ‫ال عليه وسلم فتأثر لذلك‪ ،‬لعدم القدرة على ما طُلب منه وقعد في مشربة له واعتزلهن شهرا‬ ‫جكَ إِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ(‪)1‬‬ ‫كامل حتى أنزل ال تعالى آية التخيير وهي هذه {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬ ‫الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَ َتهَا} من لذيذ الطعام والشراب وجميل الثياب وحلي الزينة ووافر ذلك كله فتعالين‬ ‫حكُنّ} أي أطلّقكن(‪)2‬‬ ‫إلى مقام الرسول الرفيع {ُأمَ ّت ْعكُنّ} المتعة المشروعة في الطلق { َوأُسَرّ ْ‬ ‫جمِيلً} أي ل إضرار معه‪{ ،‬وَإِنْ كُنْتُنّ تُ ِردْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ} أي رضاهما {وَالدّارَ الْآخِ َرةَ}‬ ‫{سَرَاحا َ‬ ‫عدّ} أي هيأ وأحضر {ِل ْلمُحْسِنَاتِ} طاعة ال ورسوله {مِ ْنكُنّ َأجْرا عَظِيما} وهو‬ ‫أي الجنة {فَإِنّ اللّهَ أَ َ‬ ‫المقامات العالية في حضرة النبي صلى ال عليه وسلم في دار السلم‪.‬‬ ‫جكَ} وبدأ بعائشة(‪ )3‬فقال لها‪:‬‬ ‫وخيرهن صلى ال عليه وسلم امتثال لمر ال في قوله { ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬ ‫إني أريد أن أذكر لك أمرا فل تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك أي تطلبين أمرهما في ذلك‬ ‫وقرأ عليها الية فاختارت ال ورسوله والدار الخرة‪ ،‬وتتابعن على ذلك فما اختارت منهنّ امرأة‬ ‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ‬ ‫غير ال ورسوله والدار الخرة فأكرمهن ال لذلك وأنزل على رسوله‪{ :‬ل َي ِ‬ ‫شيْءٍ‬ ‫حسْ ُنهُنّ إِلّا مَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫عجَ َبكَ ُ‬ ‫وَل أَنْ تَ َب ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَاجٍ وََلوْ أَ ْ‬ ‫َرقِيبا}‬ ‫حشَةٍ مُبَيّنَةٍ} أي بخصلة قبيحة ظاهرة كسوء‬ ‫وقوله تعالى {يَا نِسَاءَ(‪ )4‬النّ ِبيّ مَنْ يَ ْأتِ مِ ْنكُنّ ِبفَا ِ‬ ‫ض ْعفَيْنِ} يوم القيامة لن‬ ‫ب ِ‬ ‫عفْ َلهَا ا ْلعَذَا ُ‬ ‫عشرة النبي صلى ال عليه وسلم فإن ال تعالى { ُيضَا َ‬ ‫أذيّة رسول ال صلى ال عليه وسلم من أبواب الكفر والعياذ بال تعالى { َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ‬ ‫يَسِيرا} أي وكان تضعيف العذاب على من أتت بفاحشة(‪ )5‬مبينة شيئا يسيرا على ال ل يعجزه‬ ‫حتى ل يفعله وهذا لمرين الول لن أذيّة الرسول من أبواب الكفر والثاني لعلو مقامهن وشرفهن‬ ‫فإن ذا الشرف والمنزلة العالية يستقبح منه القبيح أكثر مما يستقبح من غيره‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬عامة أهل السنة والجماعة على أن الرجل إذا خير زوجته فاختارت الطلق كان طلقا أما‬ ‫إذا خيرها فاختارت عدم الطلق فليس عليها شيء ول يقع طلق ما دامت لم تختره واختارت‬ ‫عدمه وهو البقاء‪.‬‬ ‫‪ - 2‬معنى إرادة الحياة الدنيا إيثارك ما في الحياة الدنيا من متع وترف على الشتغال بالطاعات‬ ‫والزهد في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الساحرة الخلبة‪.‬‬

‫‪ - 3‬نص الحديث‪" :‬يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أل تتعجلي فيه حتى تستشيري‬ ‫أبويك‪ ،‬قالت‪ :‬وما هو يا رسول ال؟ فتلى عليها الية‪ .‬قالت أفيك يا رسول ال أستشيري أبوي؟!‬ ‫بل أختار ال ورسوله والدار الخرة"‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ناداهن ال تعالى بعنوان نساء النبي إعلن عن شرفهن وكمالهن بعد أن اخترن ال ورسوله‬ ‫والدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬إذا أطلق لفظ الفاحشة معرفا بأل فهو الزنى‪ ،‬وإذا ورد نكرة فهو المعصية كما في هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)4/263‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية تخيير الزوجات فإن اخترن الطلق تطلّقن وإن لم تخترنه فل يقع الطلق‪.‬‬ ‫‪ -2‬كمال أزواج النبي صلى ال عليه وسلم حيث اخترن ال ورسوله والدار الخرة عن الدنيا‬ ‫وزينتها‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية المتعة بعد الطلق وهي أن تعطى المرأة شيئا من المال بحسب غنى المطلق وفقره‬ ‫لقوله تعالى {عَلَى المُوسِعِ قَدَ ُر ُه وَعَلَى ال ُمْقْتِرِ َقدَ ُرهُ}‬ ‫‪ -4‬وجوب الحسان العام والخاص‪ ،‬الخاص بالزوج والزوجة والعام في طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن سيئة العالم الشريف أسوأ من سيئة الجاهل الوضيع‪ .‬ولذا قالوا سيئات البرار حسنات‬ ‫المقربين كمثل من المثال السائرة للعظة والعتبار‪.‬‬

‫( ‪)4/264‬‬ ‫الجزء الثاني والعشرون‬ ‫ن وَأَعْتَدْنَا َلهَا رِزْقا كَرِيما(‪ )31‬يَا‬ ‫َومَنْ َيقْ ُنتْ مِ ْنكُنّ لِلّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ َت ْع َملْ صَالِحا ُنؤْ ِتهَا أَجْ َرهَا مَرّتَيْ ِ‬ ‫طمَعَ الّذِي فِي قَلْ ِبهِ مَ َرضٌ َوقُلْنَ‬ ‫ضعْنَ بِا ْل َق ْولِ فَ َي ْ‬ ‫خ َ‬ ‫حدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ ا ّتقَيْتُنّ فَل تَ ْ‬ ‫نِسَاءَ النّ ِبيّ لَسْتُنّ كَأَ َ‬ ‫َقوْلً َمعْرُوفا(‪َ )32‬وقَرْنَ فِي بُيُو ِتكُنّ وَل تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الْأُولَى وََأ ِقمْنَ الصّلةَ وَآتِينَ ال ّزكَاةَ‬ ‫طهِيرا(‪ )33‬وَا ْذكُرْنَ‬ ‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬ ‫طعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ وَيُ َ‬ ‫وَأَ ِ‬ ‫ح ْكمَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ َلطِيفا خَبِيرا(ا ‪)34‬‬ ‫مَا يُتْلَى فِي بُيُو ِتكُنّ مِنْ آيَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن يقنت منكن ل ورسوله ‪ :‬أي ومن يطع منكن ال ورسوله‪.‬‬ ‫نؤتها أجرها مرتين ‪ :‬أي نضاعف لها أجر عملها الصالح حتى يكون ضعف عمل امرأة أخرى‬

‫من غير نساء النبي‪.‬‬ ‫وأعتدنا لها رزقا كريما ‪ :‬أي في الجنة‪.‬‬ ‫يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ‪ :‬أي لستن في الفضل كجماعات النساء‪.‬‬ ‫إن اتقيتن ‪ :‬بل أنتن أشرف وأفضل بشرط تقواكن ل‪.‬‬ ‫فل تخضعن بالقول ‪ :‬أي نظرا لشرفكن فل ترققن العبارة‪.‬‬ ‫فيطمع الذي في قلبه مرض ‪ :‬أي مرض النفاق أو مرض الشهوة‪.‬‬ ‫وقلن قول معروفا ‪ :‬أي جرت العادة أن يقال بصوت خشن ل رقة فيه‪.‬‬ ‫وقرن في بيوتكن ‪ :‬أي أقررن في بيوتكن ول تخرجن منها إل لحاجة‪.‬‬

‫( ‪)4/265‬‬ ‫ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى ‪ :‬أي ول تتزين وتخرجن متبخترات متغنجات كفعل نساء‬ ‫الجاهلية الولى قبل السلم‪.‬‬ ‫إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس‪ :‬أي إنما أمركّن بما أمركن به من العفة والحجاب ولزوم‬ ‫البيوت ليطهركن من الدناس والرذائل‪.‬‬ ‫واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال الحكمة ‪ :‬أي الكتاب والسنة لتشكرن ال على ذلك‬ ‫بطاعته وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم مع أزواج النبي أمهات المؤمنين فبعد أن اخترن ال ورسوله والدار الخرة‬ ‫عن الحياة الدنيا وزينتها أصبحن ذوات رفعة وشأن عند ال تعالى‪ ،‬وعند رسوله والمؤمنين‪.‬‬ ‫فأخبرهن الرب تبارك وتعالى بقوله‪َ { :‬ومَنْ َيقْنُتْ مِ ْنكُنّ لِلّ ِه وَرَسُوِلهِ} أي تطع ال بفعل الوامر‬ ‫وترك النواهي وتطع رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم فل تعص له أمرا ول تسيء إليه في‬ ‫عشرة‪ ،‬وتعمل صالحا من النوافل والخيرات نؤتها أجرها مرتين أي نضاعف لها أجر عملها‬ ‫فيكون ضعف أجر عاملة أخرى من النساء غير أزواج الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{وَأَعْتَدْنَا(‪َ )1‬لهَا رِزْقا كَرِيما} أي في الجنة فهذه بشارة بالحنة لنساء النبي أمهات المؤمنين التسع‬ ‫اللئي نزلت هذه اليات في شانهن‪.‬‬ ‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )31‬وقوله تعالى‪{ :‬يَا نِسَاءَ النّ ِبيّ(‪ )2‬لَسْتُنّ كََأحَدٍ مِنَ النّسَاءِ إِنِ‬ ‫ا ّتقَيْتُنّ (‪ })3‬أي يا زوجات النبي أمهات المؤمنين إنّكن لستن كجماعات النساء إن شرفكن أعظم‬ ‫ومقامكم أسمى وكيف وأنتن أمهات المؤمنين وزوجات خاتم النبيين فاعرفن قدركن بزيادة الطاعة‬ ‫ل ولرسوله‪ ،‬وقوله إن اتقيتن أي إن هذا الشرف حصل لكن بتقواكن ل فلزمن التقوى إنكن‬ ‫ضعْنَ(‪ )4‬بِا ْل َقوْلِ} أي ل‬ ‫خ َ‬ ‫بدون تقوى ل شيء يذكر شأنكن شأن سائر النساء‪ .‬وبناء عليه {فَل َت ْ‬

‫طمَعَ الّذِي فِي‬ ‫تليّن الكلمات وترققن الصوت إذا تكلمتن مع الجانب من الرجال‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فَ َي ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬التاء في أعتدنا بدل عن أحد الدالين من أعد لقرب مخرجيهما وقصد التخفيف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أعيد خطابهن من قبل ال تعالى كما أعيد نداؤهن تشريفا لهن وإظهارا للهتمام بالخبر‪.‬‬ ‫وأحد بمعنى واحد قلبت همزته واوا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذا الشرط معتبر في التقوى‪ ،‬إذ بين لهن أن هذا الشرف وهذه البشرى بالجنة إنما كانت‬ ‫بشرط التقوى والتقوى اجتناب وامتثال‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال ابن عباس‪ :‬المرأة تندب إذا خاطبت الجانب إلى الغلظة في القول من غير رفع صوت‬ ‫فإن المرأة مأمورة بخفض الكلم‪.‬‬

‫( ‪)4/266‬‬ ‫قَلْبِهِ مَ َرضٌ} نفاق مع شهوة عارمة تجعله يتلذذ بالخطاب وقوله‪َ { :‬وقُلْنَ َق ْولً َمعْرُوفا} وهو ما‬ ‫يؤدي المعنى المطلوب بدون زيادة ألفاظ وكلمات ل حاجة إليها‪ .‬وقوله‪َ { :‬وقَرْنَ(‪ )1‬فِي بُيُو ِتكُنّ}‬ ‫أي اقررن فيها بمعنى أثبتن فيها ول تخرجن إل لحاجة ل بد منها وقوله‪{ :‬وَل تَبَرّجْنَ} أي إذا‬ ‫خرجتن لحاجة {تَبَرّجَ ا ْلجَاهِلِيّةِ الْأُولَى} أي قبل السلم إذ كانت المرأة تتجمل وتخرج متبخترة‬ ‫متكسرة متغنجة في مشيتها وصوتها تفتن الرجال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََأ ِقمْنَ الصّلةَ} بأدائها مستوفاة الشروط والركان والواجبات في أوقاتها مع‬ ‫طعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ} بفعل المر واجتناب النهي‪ .‬أمرهن بقواعد‬ ‫الخشوع فيها {وَآتِينَ ال ّزكَا َة وَأَ ِ‬ ‫طهِيرا}‬ ‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬ ‫ت وَيُ َ‬ ‫السلم وأهم دعائمه‪ .‬وقوله‪{ :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ الْبَ ْي ِ‬ ‫أي إنما أمرناكن(‪ )2‬ونهيناكن إرادة إذهاب الدنس والثم إبقاءً على طهركن يا أهل البيت النبوي‪.‬‬ ‫طهِيرا} أي كامل تاما من كل ما يؤثم ويدسى النفس ويدنسها‪ .‬وقوله‬ ‫طهّ َركُمْ تَ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُي َ‬ ‫ح ْكمَةِ} من الكتاب والسنة وهذا أمر لهن على‬ ‫تعالى {وَا ْذكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُو ِتكُنّ مِنْ آيَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ‬ ‫جهة والموعظة وتعدد النعمة‪.‬‬ ‫وقوله {إِنّ اللّهَ كَانَ َلطِيفا} أي بكم يا أهل البيت خبيرا بأحوالكم فثقوا به وفوضوا المر إليه‪.‬‬ ‫والمراد من أهل البيت هنا أزواج النبي صلى ال عليه وسلم(‪ )3‬وفاطمة وابناها الحسن والحسين‬ ‫وعليّ الصهر الكريم رضي ال عن آل بيت رسول ال أجمعين وعن صحابته أكتعين(‪ )4‬أتبعين‬ ‫أيصعين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل شرف إل بالتقوى‪ .‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان فضل نساء النبي وشرفهن‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ نافع وحفص وقرن بفتح القاف من قرر كعلم يقرر والمر اقررن فحذفت الراء الولى‬ ‫تخفيفا وألغيت حركتها على القاف‪ ،‬فسقطت همز الوصل لعدم الحاجة إليها عندما تحركت القاف‬ ‫الساكنة فصارت وقرن‪ ،‬وقرأ الجمهور بكسر القاف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المعنى العام للية‪ :‬ما يريد ال لكُن مما أمركن به ونهاكن عنه إل عصمتكن من النقائص‬ ‫وتحليتكن بالكمالت ودوام ذلك لكن فلم يرد بكن مقتا ول نكاية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬من جهل الرافضة وما وضع لهم من قواعد في دينهم لخراجهم من السلم وإبعادهم عن‬ ‫جماعة المسلمين قصرهم هذه الية على علي وفاطمة والحسين دون أزواج النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم مع أن الخطاب في الية لزواج النبي صلى ال عليه وسلم وحديث الكساء ل ينافي إدخال‬ ‫سائر نساء النبي في أهل بيته إذ ليس فيه صيغة من صيغ القصر المعروفة في لغة القرآن ونصه‬ ‫في صحيح مسلم عن عائشة قالت "خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل‬ ‫فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫"إ{نما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}"‪.‬‬

‫( ‪)4/267‬‬ ‫‪ -1‬حرمة ترقيق المرأة صوتها وتليين عباراتها إذا تكلمت مع أجنبي‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب بقاء النساء في منازلهن ول يخرجن إل من حاجة ل بد منها‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة التبرج وهي أن تتزين المرأة وتخرج بادية المحاسن متبخترة في مشيتها‪.‬‬ ‫‪ -4‬على المسلم أن يذكر ما شرفه ال به من اليمان والسلم ليترفع عن الدنايا والرذائل‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن الحكمة هي السنة النبوية الصحيحة‪.‬‬ ‫‪ -6‬الشارة إلى وجود جاهلية ثانية وقد ظهرت منذ نصف قرن وهي تبرج النساء بالكشف عن‬ ‫الرأس والصدور‬ ‫والسيقان وحتى الفخاذ‪.‬‬ ‫ن وَالصّا ِدقَاتِ‬ ‫ت وَالصّا ِدقِي َ‬ ‫ن وَا ْلقَانِتَا ِ‬ ‫ت وَا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَا ْلقَانِتِي َ‬ ‫ن وَا ْلمُسِْلمَا ِ‬ ‫إِنّ ا ْلمُسِْلمِي َ‬ ‫ن وَالصّا ِئمَاتِ‬ ‫ن وَا ْلمُ َتصَ ّدقَاتِ وَالصّا ِئمِي َ‬ ‫ت وَا ْلمُ َتصَ ّدقِي َ‬ ‫شعَا ِ‬ ‫شعِينَ وَالْخَا ِ‬ ‫ت وَالْخَا ِ‬ ‫وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَا ِ‬ ‫ت وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيرا وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ًة وَأَجْرا عَظِيما(‬ ‫جهُ ْم وَالْحَا ِفظَا ِ‬ ‫وَالْحَافِظِينَ فُرُو َ‬ ‫‪ )35‬شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المسلمين والمسلمات ‪ :‬إن الذين أسلموا ل وجوههم فانقادوا ل ظاهرا وباطنا والمسلمات‬ ‫أيضا‪.‬‬

‫والمؤمنين والمؤمنات ‪ :‬أي المصدقين بال ربا وإلها والنبي محمد نبيا ورسول والسلم دينا‬ ‫وشرعا والمصدقات‪.‬‬ ‫والقانتين والقانتات ‪ :‬أي المطيعين ل ورسوله من الرجال والمطيعات من النساء‪.‬‬ ‫والصادقين والصادقات ‪ :‬أي الصادقين في أقوالهم وأفعالهم والصادقات‪.‬‬ ‫والصابرين والصابرات ‪ :‬أي الحابسين نفوسهم على الطاعات فل يتركوها وعن المعاصي فل‬ ‫يقربوها وعلى البلء فل يسخطوه ول يشتكوا ال إلى عباده والحابسات‪.‬‬

‫( ‪)4/268‬‬ ‫الخاشعين والخاشعات ‪ :‬أي المتذللين ل المخبتين له والخاشعات من النساء كذلك‪.‬‬ ‫والمتصدقين والمتصدقات ‪ :‬أي المؤدين الزكاة والفضل من أموالهم عند الحاجة إليه والمؤديات‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫والحافظين فروجهم ‪ :‬أي عن الحرام والحافظات كذلك إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‬ ‫بالنسبة للرجال أما النساء فالحافظات فروجهن إل على أزواجهن فقط‪.‬‬ ‫والذاكرين ال كثيرا والذاكرات‪ :‬أي باللسن والقلوب فعلى أقل التقدير يذكرون ال ثلثمائة مرة في‬ ‫اليوم والليلة زيادة على ذكر ال في الصلوات الخمس‪.‬‬ ‫أعد ال لهم مغفرة ‪ :‬أي لذنوبهم وذنوبهن‪.‬‬ ‫وأجرا عظيما ‪ :‬أي الجنة دار البرار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه الية وإن نزلت جوابا عن تساءل بعض أزواج النبي صلى ال عليه وسلم إذ قلن للنبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ :‬ما لنا ل نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فأنزل(‪ )1‬ال تعالى هذه ا لية‬ ‫المباركة إن المسلمين والمسلمات‪ ،‬فإن مناسبتها لما قبلها ظاهرة وهي أنه لما أثنى على آل البيت‬ ‫بخير فإن نفوس المسلمين والمسلمات تتشوق لخير لهم كالذي حصل لل البيت الطاهرين فذكر‬ ‫تعالى أن المسلمين(‪ )2‬والمسلمات الذين انقادوا لوامر ال ورسوله وأسلموا وجوههم ل فل‬ ‫يلتفتون إلى غيره‪ ،‬كالمؤمنين والمؤمنات بال ربا وإلها ومحمد نبيا ورسولً والسلم دينا وشرعا‪،‬‬ ‫كالقانتين أي المطيعين ل رسوله والمطيعات في السراء والضراء والمنشط والمكره في حدود‬ ‫الطاقة البشرية‪ ،‬كالصادقين في أقوالهم وأفعالهم والصادقات كالصابرين أي الحابسين نفوسهم على‬ ‫الطاعات فعلً‪ ،‬وعن المحرمات تركا‪ ،‬وعلى البلء رضا وتسليما والصابرات كالخاشعين في‬ ‫صلتهم وسائر طاعاتهم والخاشعات ل تعالى كالمتصدقين بأداء زكاة أموالهم وبفضولها عند‬ ‫الحاجة إليها والمتصدقات كالصائمين رمضان والنوافل كعاشوراء والصائمات‪ ،‬كالحافظين‬ ‫فروجهم عما حرم ال تعالى عليهم من المناكح وعن‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى الترمذي عن أم عمارة النصارية أنها أتت النبي صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬ما أرى‬ ‫كل شيء إل للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت الية‪ ،‬وروى أحمد والنسائي وابن‬ ‫جرير عن أم سلمة أنها قالت قلت ما لنا ل نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فنزلت‪.‬‬ ‫‪ - 2‬بدئ بذكر السلم لنه علم على الملة المحمدية وهو يعم اليمان وعمل الجوارح ثم ذكر‬ ‫اليمان لنه كالطاقة المحركة والدافعة إلى القول الحق والطاعة ل ورسوله‪.‬‬

‫( ‪)4/269‬‬ ‫كشفها لغير الزواج والحافظات(‪ ،)1‬كالذاكرين ال كثيرا بالليل(‪ )2‬والنهار ذكر القلب واللسان‬ ‫والذاكرات(‪ )3‬الكل الجميع أعد ال تعالى لهم مغفرة لذنوبهم إذ كانت لهم ذنوب‪ ،‬وأجرا عظيما أي‬ ‫جزاء عظيما على طاعاتهم بعد إيمانهم وهو الجنة دار السلم جعلنا ال منهم ومن أهل الجنة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بشرى المسلمين والمسلمات بمغفرة ذنوبهم ودخول الجنة إن اتصفوا بتلك الصفات المذكورة‬ ‫في هذه الية وهي عشر صفات أولها السلم وآخرها ذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل الصفات المذكورة إذ كانت سببا في دخول الجنة بعد مغفرة الذنوب‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير مبدأ التساوي بين الرجال والنساء في العمل والجزاء في العمل الذي كلف ال تعالى به‬ ‫النساء والرجال معا وأما ما خص به الرجال أو النساء فهو على خصوصيته للرجال نصيب مما‬ ‫اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وال يقول الحق ويهدي السبيل‪.‬‬ ‫ن وَل ُم ْؤمِنَةٍ ِإذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرا أَنْ َيكُونَ َلهُمُ ا ْلخِيَ َرةُ مِنْ َأمْرِهِ ْم َومَنْ َي ْعصِ‬ ‫َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِ ٍ‬ ‫سكْ عَلَ ْيكَ‬ ‫علَيْ ِه وَأَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِ َأمْ ِ‬ ‫ضلّ ضَللً مُبِينا(‪ )36‬وَإِذْ َتقُولُ لِلّذِي أَ ْن َعمَ اللّهُ َ‬ ‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ َفقَ ْد َ‬ ‫حقّ أَنْ َتخْشَاهُ فََلمّا َقضَى‬ ‫س وَاللّهُ أَ َ‬ ‫سكَ مَا اللّهُ مُبْدِي ِه وَ َتخْشَى النّا َ‬ ‫خفِي فِي َنفْ ِ‬ ‫ك وَاتّقِ اللّ َه وَتُ ْ‬ ‫جَ‬ ‫َزوْ َ‬ ‫زَيْدٌ مِ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا ِل َكيْ ل َيكُونَ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬حذف من الخر لدللة الول والمحذوف فروجهن‪ ،‬ولن ذكر فروج النساء غير لئق ذكره‬ ‫وسماعه لما عرف به أهل هذه الملة من عدم الرضا بذكر النساء لصيانتهن عن البتذال والمهانة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وحذف المقابل في الذاكرات طلبا لليجاز غير المخل لن الذكر الخر مع ذكر الول مع‬ ‫العلم به إطناب ل داعي له قال الشاعر‪:‬‬ ‫و َكمْتا مدمّاة كأن متونها‬ ‫جرى فوقها واستشعرت لون مذْهب‬

‫‪ - 3‬قال مجاهد‪ :‬ل يكون العبد ذاكرا ل تعالى كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا‪ ،‬وقال‬ ‫أبو سعيد الخدري "من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كانا من الذاكرين ال كثيرا‬ ‫والذاكرات‪.‬‬

‫( ‪)4/270‬‬ ‫ن وَطَرا َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ َمفْعُولً(‪ )37‬مَا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ حَرَجٍ‬ ‫ضوْا مِ ْنهُ ّ‬ ‫أَ ْزوَاجِ أَدْعِيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ‬ ‫ل َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ قَدَرا َمقْدُورا(‪ )38‬الّذِينَ يُبَّلغُونَ‬ ‫فِيمَا فَ َرضَ اللّهُ َلهُ سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْب ُ‬ ‫حمّدٌ أَبَا َأحَدٍ مِنْ‬ ‫حسِيبا(‪ )39‬مَا كَانَ ُم َ‬ ‫شوْنَ َأحَدا إِلّا اللّ َه َو َكفَى بِاللّهِ َ‬ ‫شوْنَ ُه وَل َيخْ َ‬ ‫خَ‬ ‫رِسَالتِ اللّ ِه وَيَ ْ‬ ‫شيْءٍ عَلِيما(‪)40‬‬ ‫ن َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫رِجَاِل ُك ْم وََلكِنْ َرسُولَ اللّ ِه وَخَا َتمَ النّبِيّي َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما كان لمؤمن ول مؤمنة ‪ :‬أي ل ينبغي ول يصلح لمؤمن ول مؤمنة‪.‬‬ ‫أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ‪ :‬أي حق الختيار فيما حكم ال ورسوله فيه بالجواز أو المنع‪.‬‬ ‫فقد ضل ضلل مبينا ‪ :‬أي أخطأ طريق النجاة والفلح خطأً واضحا‪.‬‬ ‫أنعم ال عليه وأنعمت عليه ‪ :‬أي أنعم ال عليه بالسلم‪ ،‬وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن‬ ‫حارثة‪.‬‬ ‫واتق ال ‪ :‬أي في أمر زوجتك فل تحاول طلقها‪.‬‬ ‫وتخفي في نفسك ما ال مبديه‪ :‬أي وتخفي في نفسك وهو علمك بأنك إذا طلق زيد زينب زوجكها‬ ‫ال إبطالً لما عليه الناس من حرمة الزواج من امرأة المتبنّى‪.‬‬ ‫ما ال مبديه ‪ :‬أي مظهره حتما وهو زواج الرسول من زينب بعد طلقها‪.‬‬ ‫وتخشى الناس ‪ :‬أي يقولون تزوج محمد مطلقة موله زيد‪.‬‬ ‫وال أحق أن تخشاه ‪ :‬وهو الذي أراد لك ذلك الزواج‪.‬‬ ‫فلما قضى زيد منها وطرا ‪ :‬أي حاجته منها ولم يبق له رغبة فيها لتعاليها عليه بشرف نسبها‬ ‫ومحتد آبائها‪.‬‬

‫( ‪)4/271‬‬ ‫زوجناكها ‪ :‬إذ تولى ال عقد نكاحها فدخل النبي صلى ال عليه وسلم عليها بدون إذن من أحدٍ‬ ‫وذلك سنة خمس وأُشبع الناس لحما وخبزا في وليمة عرسها‪.‬‬ ‫كيل ل يكون على المؤمنين حرج‪ :‬أي إثم في تزوجهم من مطلقات أدعيائهم‪.‬‬ ‫وكان أمر ال مفعول ‪ :‬أي وما قدره ال في اللوح المحفوظ ل بد كائن‪.‬‬

‫ول يخشون أحدا إل ال ‪ :‬أي يفعلون ما أذن لهم فيه ربهم ول يبالون بقول الناس‪.‬‬ ‫وكفى بال حسيبا ‪ :‬أي حافظا لعمال عباده ومحاسبا لهم عليها يوم الحساب‪.‬‬ ‫ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ‪ :‬أي لم يكن أبا لزيد ول لغيره من الرجال إذ مات أطفاله‬ ‫الذكور وهم صغار‪.‬‬ ‫وخاتم النبيين ‪ :‬أي لم يجيء نبي بعده إذ لو جاء نبي بعده لكان ولده أهل للنبوة كما كان أولد‬ ‫إبراهيم ويعقوب‪ ،‬وداود مثل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ن وَل ُمؤْمِنَةٍ(‪ })1‬اليات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُمؤْمِ ٍ‬ ‫الكلبي مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم بزينب بنت جحش بنت عمة النبي أميمة بنت عبد‬ ‫ج َعلَ أَدْعِيَا َءكُمْ أَبْنَا َء ُكمْ} وقوله {ادْعُوهُمْ لِآبَا ِئهِمْ}‬ ‫المطلب إنه لما أبطل ال التبني وحرمه بقوله { َومَا َ‬ ‫تبع ذلك أن ل يرث الدعي ممن ادعاه‪ ،‬وأن ل تحرم مطلقته على من تبنّاه وادعاه وهكذا بطلت‬ ‫الحكام التي كانت لزمة للتبني‪ ،‬وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي‬ ‫اعتادت هذه الحكام في الجاهلية وصدر السلم أن تتقبلها وتذعن لها بعد ليال بسهولة فأراد ال‬ ‫تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لموله زيد‪ ،‬واستجابت زينت‬ ‫للخطبة فهما منها أنها مخطوبة لرسول ال لتكون أما للمؤمنين ولكن تبين لها بعد ليال أنها‬ ‫مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول ال وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون‬ ‫هذا لن تتزوج شريفة مولى من موالي الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد ال بن جحش‪.‬‬ ‫فنزلت هذه الية { َومَا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى قتادة وابن عباس رضي ال عنهما ومجاهد في سبب نزول هذه الية أن النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم خطب زينب بنت جحش وكانت بنت عمته خطبها لموله زيد بن حارثة فظنت أن‬ ‫الخطبة له صلى ال عليه وسلم فلما تبين أنها لموله زيد كرهت وأبت وامتنعت فنزلت الية‪.‬‬ ‫فأذعنت وقبلت‪.‬‬

‫( ‪)4/272‬‬ ‫كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ(‪ )1‬وَل ُم ْؤمِنَةٍ ِإذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرا أَنْ َيكُونَ َل ُهمُ الْخِيَ َرةُ(‪ )2‬مِنْ َأمْرِهِمْ} الية‬ ‫فما كان منها إل أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فإن‬ ‫زينب لم تخف شرفها على زيد وأصبحت تترفع عليه المر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من‬ ‫هذا الزواج فأخذ يستشير رسول ال موله ويستأذنه في طلقها والرسول يأبى عليه وذلك علما‬ ‫منه أنه إذا طلقها سيزوجه ال بها إنهاءً لقضية جعل أحكام الدعي كأحكام الولد من الصلب فكان‬

‫يقول له‪ :‬اتق ال يا زيد ل تطلق بغير ضرورة ول حاجة إلى الطلق واصبر على ما تجده من‬ ‫امرأتك‪ ،‬وهنا عاتب رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ربّه عز وجل إذ قال له‪{ :‬وَِإذْ(‪َ )3‬تقُولُ } أي‬ ‫سكْ(‪ )4‬عَلَ ْيكَ‬ ‫علَيْهِ} بأن عتقته {َأمْ ِ‬ ‫اذكر إذ تقول {لِلّذِي أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَ ْيهِ} أي بنعمة السلم‪{ ،‬وَأَ ْن َع ْمتَ َ‬ ‫سكَ} وهو أمر زواجك منها‪{ ،‬مَا اللّهُ مُبْدِيهِ} أي مظهره ل‬ ‫خفِي(‪ )5‬فِي َنفْ ِ‬ ‫ك وَاتّقِ اللّ َه وَتُ ْ‬ ‫جَ‬ ‫َزوْ َ‬ ‫خشَاهُ}‬ ‫محالة من ذلك {وَ َتخْشَى(‪ )6‬النّاسَ} أن يقولوا محمد تزوج امرأة ابنه زيد‪{ ،‬وَاللّهُ َأحَقّ أَنْ تَ ْ‬ ‫وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلقها وانقضاء عدتها هدما وقضاءً على الحكام التي جعلت‬ ‫الدعي كابن الصّلب‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬فَلمّا َقضَى زَيْدٌ مِ ْنهَا َوطَرا} أي حاجته منها بالزواج بها وطلقها { َزوّجْنَا َكهَا(‪ })7‬إذ‬ ‫تولينا عقد نكاحها منك دون حاجة إلى ولي ول إلى شهود ول إلى مهر أو صداق وذلك من أجل‬ ‫أن ل يكون على المؤمنين حرج أي إثم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ مَ ْفعُولً} أي وما قضى به ال واقع ل محالة وقوله تعالى‪{ :‬مَا كَانَ عَلَى النّ ِبيّ مِنْ‬ ‫حَرَجٍ فِيمَا فَ َرضَ اللّهُ لَهُ} أي من إثم أو تضييق في قول أو فعل شيء افترضه ال تعالى عليه‬ ‫وألزمه به سنة ال في الذين خلوا من قبل من النبياء‪ ،‬وكان أمر ال أي مقضيه قدرا مقدورا أي‬ ‫شوْنَ أَحَدا إِلّا اللّهَ} أي‬ ‫خَ‬ ‫شوْنَ ُه وَل يَ ْ‬ ‫واقعا نافذا ل محالة‪ .‬وقوله‪{ :‬الّذِينَ يُ َبّلغُونَ ِرسَالتِ اللّ ِه وَيَخْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه الصيغة هي لنفي الحال والشأن فهي أبلغ من صيغ النهي أي أن مثل هذا القول والعمل‬ ‫مما ل يكون ول ينبغي أن يكون نحو قوله تعالى‪( :‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطأً) وفي‬ ‫الية دليل على أن الكفاءة تعتبر في الديان ل في النساب بل هي نص في هذا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الخيرة اسم مصدر من تخيّر ومثلها الطيرة من تطير ولم يسمع على هذا الوزن غيرهما‪،‬‬ ‫ووقع لفظ مؤمن ومؤمنة نكرة في سياق النفي فأفادتا العموم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روى الترمذي عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪" :‬لو كان رسول ال كاتما شيئا من‬ ‫الوحي لكتم هذه الية (وإذ تقول للذي أنعم ال عليه) الية وكذا قالت في آية عبس وتولى وهو‬ ‫كما قالت رضي ال عنها وأرضاها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جاء زيد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل!‬ ‫وإني أريد أن أطلقها فقال له‪{ :‬أمسك عليك زوجك واتق ال} الية‪.‬‬ ‫‪ - 5‬إن قيل كيف يأمر زيدا بعدم طلق زينب وهو يعلم أنه سيطلقها ويزوجه ال تعالى بها؟‬ ‫الجواب ل حرج في هذا أل ترى أن ال يأمر العبد باليمان والسلم وهو يعلم أنه ل يؤمن‪ ،‬لن‬ ‫المر لقامة الحجة ومعرفة العاقبة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ما كان يخشاه هو إرجاف المنافقين واليهود قولهم‪ :‬أينهى عن نكاح زوجة البن ويتزوج‬ ‫زوجة ابنه زيد‪.‬‬ ‫‪ - 7‬وري أن زينب كانت تقول لرسول ال صلى ال عليه وسلم إني لدل عليك بثلث! ما من‬

‫نسائك امرأة تدل بهن‪ :‬أن جدي وجدك واحد‪ ،‬وأن ال أنكحك إياي من السماء‪ ،‬وأن السفير في‬ ‫ذلك جبريل‪.‬‬

‫( ‪)4/273‬‬ ‫هؤلء النبياء السابقون طريقتهم التي سنها ال لهم هي أنهم ينفذون أمر ال ول يلتفتون إلى الناس‬ ‫ويقولون ما يقولون‪ ،‬ويخشون ربهم فيما فرض عليهم ول يخشون غيره‪ ،‬وكفى بال حسيبا أي‬ ‫حمّدٌ أَبَا‬ ‫حافظا لعمال عباده ومحاسبا عليها ومجازٍ بها‪ ،‬وقوله تعالى في ختام السياق {مَا كَانَ مُ َ‬ ‫حدٍ مِنْ رِجَاِل ُكمْ} ل زيد ول غيره إذ لم يكن له ولد ذكر قد بلغ الحلم إذ مات الجميع صغارا وهم‬ ‫أَ َ‬ ‫أربعة ثلثة من خديجة وهم القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وهو من مارية القبطية‪ ،‬فلذا‪ ،‬ل‬ ‫يحرم عليه أن يتزوج مطلقة زيد لنه ليس ابنه وإن كان يدعى زيد بن محمد قبل إنهاء التبني‬ ‫وأحكامه ولكن رسول ال وخاتم النبيين فل نبي بعده فلو كان له ولد ذكر رجلً لكان يكون نبيا‬ ‫وسولً كما كان أولد إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود‪ ،‬ولما أراد ال أن يختم الرسالت برسالته لم‬ ‫يأذن ببقاء أحد من أولد نبيه بل توفاهم صغارا‪ ،‬أما البنات فكبرن فتزوجن وأنجبن ومتن حال‬ ‫شيْءٍ عَلِيما} فما أخبر به‬ ‫حياته إل فاطمة فقد ماتت بعده بستة أشهر وقوله تعالى‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫هو الحق وما حكم به هو العدل وما شرعه هو الخير فسلموا ل في قضائه وحكمه فإن ذلك خير‬ ‫وأنفع‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن المؤمن الحق ل خيرة عنده في أمر يقضي فيه ال ورسوله بالجواز أو المنع‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن من يعص ال ورسوله يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضللة‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز عتاب ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان شدة حياء الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان إكرام ال لزيد بأن جعل اسمه يقرأ على ألسنة المؤمنين إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان إفضال ال على زينب لما سلمت أمرها ل وتركت ما اختارته لما اختاره ال ورسوله‬ ‫فجعلها زوجة لرسول ال وتولى عقد نكاحها في السماء فكانت تفاخر نساءها بذلك‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقرير حديث ما ترك عبد شيئا ل إل عوضه ال خيرا منه‪.‬‬ ‫‪ -8‬إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية‪.‬‬ ‫‪ -9‬تقرير نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم وكونه خاتم النبياء فل نبي بعده‪.‬‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرا كَثِيرا(‪ )41‬وَسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً وََأصِيلً(‪ُ )42‬هوَ الّذِي ُيصَلّي عَلَ ْيكُمْ‬ ‫جكُمْ‬ ‫َومَلئِكَتُهُ لِيُخْ ِر َ‬

‫( ‪)4/274‬‬ ‫مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َوكَانَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ َرحِيما(‪ )43‬تَحِيّ ُت ُهمْ َيوْمَ يَ ْل َقوْنَهُ سَلمٌ وَأَعَدّ َلهُمْ َأجْرا كَرِيما(‬ ‫‪ )44‬شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ‪ :‬أي يا من آمنتم بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد رسولً‪.‬‬ ‫اذكروا ال ذكرا كثيرا ً ‪ :‬أي بقلوبكم وألسنتكم‪.‬‬ ‫وسبحوه بكرة وأصيلً ‪ :‬أي نزهوه بقول سبحان ال وبحمده صباحا ومساء‪.‬‬ ‫هو الذي يصلي عليكم ‪ :‬أي يرحمكم‪.‬‬ ‫و ملئكته ‪ :‬أي يستغفرون لكم‪.‬‬ ‫ليخرجكم من الظلمات ‪ :‬أي يرحمكم ليديم إخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور اليمان‪.‬‬ ‫تحيتهم يوم يلقونه سلم ‪ :‬أي سلم فالملئكة تسلم عليهم‪.‬‬ ‫وأعد لهم أجرا كريما ‪ :‬أي وهيأ لهم أجرا كريما وهو الجنة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم‪،‬‬ ‫ويحفظون به من عدوهم وهو ذكر ال فقال تعالى لهم {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ(‪ )1‬آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللّهَ ِذكْرا‬ ‫كَثِيراً} ل أحد له ول حصر إذ هو الطاقة التي تساعد على الحياة الروحية‪ ،‬وسبحوه(‪ )2‬بكرة‬ ‫وأصيلً بصلة الصبح صلة العصر‪ .‬وبقول سبحان ال والحمد ل وال أكبر دبر كل صلة من‬ ‫الصلوات الخمس‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬هوَ الّذِي ُيصَلّي(‪ )3‬عَلَ ْي ُك ْم َومَل ِئكَتُهُ} وصلته تعالى عليهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما لم يعذر واحد في ترك ذكر ال إل من غلب عليه عقله‬ ‫وورد في فضل الذكر قوله صلى ال عليه وسلم "أل أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم‬ ‫وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا‬ ‫أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا وما هو يا رسول ال قال ذكر ال عز وجل‪ -‬وقوله وقد جاءه‬ ‫أعرابيان فقال أحدهما يا رسول ال أي الناس خير؟ قال‪ :‬من طال عمره وحسن عمله وقال الخر‬ ‫إن شرائع السلم قد كثرت عليّ فمرني بأمر أتشبث به‪ .‬فقال صلى ال عليه وسلم ل يزال لسانك‬ ‫رطبا بذكر ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬يجوز أن يراد بالتسبيح صلوات النوافل‪ ،‬وجائز أن يكون التسبيح نحو سبحان ال وبحمده إذ‬ ‫ورد عنه صلى ال عليه وسلم وصح من قال سبحان ال وبحمده مائة مرة غفر له ما تقدم من‬ ‫ذنبه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الصلة الدعاء والذكر بخير وهي من ال تعالى ثناؤه على العبد بين الملئكة قاله البخاري‬

‫وقيل صلة ال تعالى على العبد الرحمة ويكون على النبي الثناء عليه وعلى غير النبي الرحمة‬ ‫وهذا أولى‪ ،‬ول منافاة بين القولين لقوله تعالى‪( :‬فاذكروني أذكركم)‪ .‬وهي من الملئكة دعاء‬ ‫واستغفار لقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين‬ ‫آمنوا الية من سورة المؤمن‪.‬‬

‫( ‪)4/275‬‬ ‫رحمته لهم‪ ،‬وصلة ملئكته الستغفار لهم وقوله ليخرجكم من الظلمات أي من ظلمات الكفر‬ ‫والمعاصي إلى نور اليمان والطاعات‪ .‬فصلته تعالى وصلة ملئكته هو سبب الخراج من‬ ‫الظلمات إلى النور‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وكَانَ بِا ْل ُمؤْمِنِينَ َرحِيما} وهذه علوة أخرى زيادة على الكرام‬ ‫الول وهو الصلة عليهم وإنه بالمؤمنين عامة رحيم فل يعذبهم ول يشقيهم‪ .‬وقوله {تَحِيّ ُت ُهمْ َيوْمَ‬ ‫يَ ْلقَوْنَه(‪ ُ)1‬سَلمٌ} أي وتحيتهم يوم القيامة في دار السلمِ السلمُ إذ الملئكة يدخلون عليهم من كل‬ ‫باب قائلين سلم عليكم أي أمان وأمنة لكم فل خوف ول حزن‪ .‬وقوله {وَأَعَدّ َل ُهمْ أَجْرا كَرِيما} أي‬ ‫هيأ لهم وأحضر أجرا كريما وهي الجنة‪ .‬فسبحان ال ما أكرمه وسبحان ال ما أسعد المؤمنين‪ .‬فيا‬ ‫لفضيلة اليمان وطاعة الرحمن طلب منهم أن يذكروه كثيرا وأن يسبحوه بكرة وأصيلً وأعطاهم‬ ‫ما ل يقادر قدره فسبحان ال ما أكرم ال‪ .‬والحمد ل‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب ذكر ال تعالى كثيرا ليل نهار ووجوب تسبيحه صباح مساء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل ال على المؤمنين بصلته عليهم وصلة ملئكته ورحمته لهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث بذكر بعض ما يتم فيها من سلم الملئكة على أهل الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بشرى المؤمنين الصادقين بالجنة‪.‬‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ شَاهِدا َومُبَشّرا وَنَذِيرا(‪ )45‬وَدَاعِيا إِلَى اللّهِ بِِإذْنِ ِه وَسِرَاجا مُنِيرا(‪)46‬‬ ‫ن وَا ْلمُنَا ِفقِينَ َو َدعْ َأذَا ُه ْم وَ َتوَ ّكلْ‬ ‫وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ بِأَنّ َلهُمْ مِنَ اللّهِ َفضْلً كَبِيرا(‪ )47‬وَل ُتطِعِ ا ْلكَافِرِي َ‬ ‫عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلً(‪)48‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ورد أن ملك الموت ل يقبض روح المؤمن إل سلم عليه وروي عن البراء بن عازب في‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬تحيتهم يوم يقلونه سلم } قال فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه‪ ،‬ول‬ ‫يقبض روحه حتى يسلم عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/276‬‬

‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫شاهدا ‪ :‬أي على من أرسلناك إليهم ‪.‬‬ ‫ومبشرا ‪ :‬أي من آمن وعمل صالحا بالجنة ‪.‬‬ ‫ونذيرا ‪ :‬أي لمن كفر وأشرك بالنار ‪.‬‬ ‫وداعيا إلى ال بإذنه ‪ :‬أي وداعيا إلى اليمان بال وتوحيده وطاعته بأمره تعالى ‪.‬‬ ‫وسراجا منيرا ‪ :‬أي جعلك كالسراج المنير يهتدي به من أراد الهداية إلى سبيل الفلح‪.‬‬ ‫ول تطع الكافرين والمنافقين ‪ :‬أي فيما يخالف أمر ربك وما شرعه لك ولمتك‪.‬‬ ‫ودع أذاهم ‪ :‬أي اترك أذاهم فل تقابله بأذى آخر حتى تُأمر فيهم بأمر‪.‬‬ ‫وتوكل على ال ‪ :‬أي فوض أمرك إليه فإنه يكفيك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا نداء خاص بعد ذلك النداء العام فالول كان للمؤمنين والرسول إمامهم على رأسهم‪ .‬وهذا نداء‬ ‫خاص لمزيد تكريم الرسول وتشريفه وتكليفه أيضا فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ} محمد صلى ال‬ ‫عليه وسلم {إِنّا أَرْسَلْنَاكَ(‪ })1‬حال كونك شاهدا على(‪ )2‬من أرسلناك إليهم يوم القيامة تشهد على‬ ‫من أجاب دعوتك ومن لم يجبها‪ ،‬ومبشرا لمن استجاب لك فآمن وعمل صالحا بالجنة‪ ،‬ونذيرا لمن‬ ‫أعرض فلم يؤمن ولم يعمل خيرا بعذاب النار‪ ،‬وداعيا إلى ال تعالى عباده إليه ليؤمنوا به‬ ‫ويوحدوه ويطيعوه بأمره تعالى لك بذلك‪ ،‬وسراجا(‪ )3‬منيرا يهتدي بك من أراد الهداية إلى سبيل‬ ‫السعادة والكمال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َبشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ })4‬أي أنظر بعد دعوتك إياهم‪ ،‬وبشر المؤمنين منهم أي الذين‬ ‫استجابوا لك وآمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم من ال فضل كبيرا أل وهو مغفرة ذنوبهم‬ ‫وإدخالهم الجنة دار النعيم المقيم والسلم والتام‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل تُطِعِ ا ْلكَافِرِينَ وَا ْلمُنَافِقِينَ} فيما‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي‪ :‬هذه الية فيها تأنيس للنبي صلى ال عليه وللمؤمنين وتكريم لجميعهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال قتادة شاهدا على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر المم بتبليغ أنبيائهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ورد في الصحيح والموطأ ومسلم أن للرسول صلى ال عليه وسلم خمسة أسماء وهي محمد‬ ‫وأحمد والماحي والحاشر والعاقب وهل شاهد ومبشر ونذير ورؤوف ورحيم أسماء؟ الظاهر أنها‬ ‫صفات ومن عدها أسماء فقد ذكر ابن العربي في أحكامه أن له صلى ال عليه وسلم سبعة وستين‬ ‫اسما‪.‬‬ ‫‪ - 4‬عن عكرمة وابن عباس رضي ال عنهما لما نزلت {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا‬ ‫ونذيرا} وقد كان أمر عليا ومعاذا رضي ال عنهما أن يسيرا إلى اليمين فقال انطلقا فبشرا ول‬ ‫تنفرا ويسرا ول تعسرا إنه قد أنزل إنه قد أنزل عليّ (يا أيها النبي) الية‪.‬‬

‫( ‪)4/277‬‬ ‫يقترحون عليك من أمور تتنافى مع دعوتك ورسالتك‪ ،‬ودع أذاهم أي اترك أذيتهم واصبر عليهم‬ ‫حتى يأمرك ربك بما تقوم به نحوهم‪ ،‬وتوكل على ال في أمرك كله‪ ،‬فإنه يكفيك وكفى بال وكيلً‬ ‫أي حافظا وعاصما يعصمك من الناس‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الكمال المحمدي الذي وهبه إياه ربه تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية الدعوة إلى ال إذا كان الداعي متأهل بالعلم والحلم وهما الذن‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة طاعة الكافرين والمنافقين والفجرة والظالمين فيما يتنافى مع مرضاة ال تعالى‪.‬‬ ‫ع ّدةٍ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا َنكَحْتُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َت َمسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ ِ‬ ‫جمِيلً (‪)49‬‬ ‫ن وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا َ‬ ‫َتعْتَدّو َنهَا َفمَ ّتعُوهُ ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ‪ :‬أي من صدقوا بال ورسوله وكتابه وشرعه‪.‬‬ ‫إذا نكحتم المؤمنات (‪ : )1‬أي إذا عقدتم عليهن ولم تبنوا بهن‪.‬‬ ‫من قبل أن تمسوهن ‪ :‬أي من قبل الخلوة بهن ووطئهن‪.‬‬ ‫فما لكم عليهن من عدة ‪ :‬أي ليس لكم مطالبتهن بالعدة إذ العدة على المدخول بها‪.‬‬ ‫فمتعوهن ‪ :‬أي أعطوهن شيئا من المال يتمتعن به جبْرا لخاطرهن‪.‬‬ ‫وسرّحوهن سراحا جميل ‪ :‬أي اتركوهن يذهبن إلى أهليهن من غير إضرار بهن‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ينادي ال تعالى عباده المؤمنين المسلمين فيقول لهم معلما مشرعا لهم‪{ :‬إِذَا َنكَحْتُمُ(‪)2‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بمناسبة طلق زيد لزينب أم المؤمنين رضي ال تعالى عنها وقد خطبها رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم وزوجه ربه بها وله الحمد ناسب ذكر حكم المطلقة قبل البناء وأنها ل عدة عليها‪ ،‬وأنه‬ ‫ل مهر لها ولكن لها المتعة إن لم يكن قد سمى لها مهرا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬النكاح حقيقة في الوطء ويطلق ويراد به العقد كما في هذه الية الكريمة ولم يرد في القرآن‬ ‫الكريم النكاح إل والمراد منه العقد‪ ،‬لنه في معنى الوطء‪ ،‬وهذا من أدب القرآن حيث يكنى عن‬ ‫الوطء بمثل المباشرة والملمسة والقربان والتغشي والتيان‪.‬‬

‫( ‪)4/278‬‬

‫ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ} أي عقدتم عليهن‪ُ { ،‬ثمّ طَّلقْتُمُوهُنّ(‪ )1‬مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َتمَسّوهُنّ} أي من قبل الدخول عليهن‬ ‫الذي يتم بالخلوة في الفراش‪َ { ،‬فمَا َل ُكمْ عَلَ ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َتعْ َتدّو َنهَا} تعتدونها عليهن ل بالقراء ول‬ ‫بالشهود إذ العدة لمعرفة ما في الرحم وغير المدخول بها معلومة أن رحمها خالية‪ ،‬فإن سميتم لهن‬ ‫مهرا فلهن نصف المسمّى والمتعة على سبيل الستحباب‪ ،‬وإن لم تسموا لهن مهرا فليس لهن غير‬ ‫جمِيلً} أي‬ ‫المتعة وهي هنا واجبة لهن بحسب يسار المطلّق وإعساره وقوله‪َ { :‬وسَرّحُوهُنّ سَرَاحا َ‬ ‫خلوا سبيلهن يذهبن إلى ذويهن من غير إضرار بهن ول أذى تلحقونه بهن‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬جواز الطلق قبل البناء‪.‬‬ ‫‪ -2‬ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق‪.‬‬ ‫‪ -3‬المطلقة قبل البناء إن سمى(‪ )2‬لها صداق فلها نصفه‪ ،‬وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة‬ ‫واجبة يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة أذية المطلقة بأي أذى‪ ،‬ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية المتعة لكل مطلقة‪.‬‬ ‫ن َومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ‬ ‫جكَ اللّاتِي آتَ ْيتَ أُجُورَهُ ّ‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِنّا َأحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬ ‫عمّا ِتكَ‬ ‫ك وَبَنَاتِ َ‬ ‫ع ّم َ‬ ‫وَبَنَاتِ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬استدل بعض العلماء بقوله تعالى {ثم طلقتموهن} لما في ثم من المهلة على أن الطلق ل‬ ‫يكون إل بعد بالنكاح أي العقد‪ ،‬وأن من طلق امرأة قبل البناء عليها طلقه لغ ل عبرة به‪ ،‬وإن‬ ‫عينها فإنه ل يلزمه هذا مذهب نحو من ثلثين صحابيا وتابعيا وإماما سمى البخاري منهم اثنين‬ ‫وسبعين وفي الحديث "ل طلق قبل النكاح" وقال الجمهور إن عينها تطلق إن لم يعينها فل طلق‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬استدل الظاهرية بهذه الية على أن من طلق طلقا رجعيا ثم راجع قبل أن تنقضي العدة ثم‬ ‫طلقها قبل أن يمسها أنه ليس عليها أن تتم عدتها وليس عليها عدة أخرى قياسا على المطلقة قبل‬ ‫البناء والجمهور على أنها تستقبل عدة أخرى وعليه مالك وجمهور فقهاء مكة والكوفة الكوفة‬ ‫والمدينة‪.‬‬

‫( ‪)4/279‬‬ ‫سهَا لِلنّ ِبيّ إِنْ أَرَادَ النّ ِبيّ‬ ‫ن وَهَ َبتْ َنفْ َ‬ ‫ك وَامْرََأةً ُم ْؤمِنَةً إِ ْ‬ ‫ك وَبَنَاتِ خَال ِتكَ اللّاتِي هَاجَرْنَ َم َع َ‬ ‫وَبَنَاتِ خَاِل َ‬ ‫ج ِه ْم َومَا مََل َكتْ‬ ‫حهَا خَاِلصَةً َلكَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َقدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِ‬ ‫أَنْ يَسْتَ ْن ِك َ‬

‫غفُورا َرحِيما(‪)50‬‬ ‫ج َوكَانَ اللّهُ َ‬ ‫أَ ْيمَا ُنهُمْ ِلكَيْل َيكُونَ عَلَ ْيكَ حَرَ ٌ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫آتيت أجورهن ‪ :‬أي أعطيت مهورهن‪.‬‬ ‫مما أفاء ال عليك ‪ :‬أي مما يسبى كصفية وجويرية‪.‬‬ ‫اللتي هاجرن معك ‪ :‬أي بخلف من لم تهاجر وبقيت في دار الكفر‪.‬‬ ‫وهبت نفسها للنبي ‪ :‬أي وأراد النبي أن يتزوجها بغير صداق‪.‬‬ ‫خالصة لك من دون المؤمنين ‪ :‬أي بدون صداق‪.‬‬ ‫قد علمنا ما فرضنا عليهم ‪ :‬أي على المؤمنين‬ ‫في أزواجهم ‪ :‬أي من الحكام كأن ل يزيدوا على الربع‪ ،‬وأن ل يتزوجوا إل بولي ومهر‬ ‫وشهود‪.‬‬ ‫وما ملكت أيمانهم ‪ :‬أي بشراء ونحوه وأن تكون المملوكة كتابية‪ ،‬وأن تستبرأ قبل الوطء‪.‬‬ ‫لكيل يكون عليك حرج ‪ :‬أي ضيق في النكاح‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا النداء الكريم لرسول رب العالمين يحمل لرسول ال صلى ال عليه وسلم إجازة ربانية تخفف‬ ‫عنه أتعابه التي يعانيها صلى ال عليه وسلم لقد علم ال ما يعاني رسوله وما يعالج من أمور‬ ‫الدين والدنيا فمنّ عليه بالتخفيف‬

‫( ‪)4/280‬‬ ‫جكَ اللّاتِي آتَ ْيتَ ُأجُورَهُنّ} أي‬ ‫ورفع الحرج فقال ممتنا عليه {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ(‪ )1‬إِنّا أَحْلَلْنَا َلكَ أَ ْزوَا َ‬ ‫مهورهن وأحللنا لك { َومَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ ِممّا َأفَاءَ اللّهُ عَلَ ْيكَ} من سبايا الجهاد كصفية بنت حبيب‬ ‫ك وَبَنَاتِ خَال ِتكَ اللّاتِي‬ ‫عمّا ِتكَ وَبَنَاتِ خَاِل َ‬ ‫ع ّمكَ(‪ )2‬وَبَنَاتِ َ‬ ‫وجويرية بنت الحارث‪{ ،‬وَبَنَاتِ َ‬ ‫هَاجَرْنَ(‪َ )3‬م َعكَ} من مكة إلى المدينة‪.‬‬ ‫ل لك‪ ،‬وامرأة مؤمنة ل كافرة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر وأراد‬ ‫أما اللتي لم تهاجرن فل تح ّ‬ ‫النبي أن يستنكحها حال كون هذه الواهبة خالصة لك دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة‬ ‫نفسها بدون مهر لم تحل له بل ل بد من المهر والولي والشهود‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {قَدْ عَِلمْنَا مَا فَ َرضْنَا عَلَ ْيهِمْ} أي على المؤمنين في أزواجهم من أحكام كأن ل يزيد‬ ‫الرجل على الربع‪ ،‬وأن ل يتزوج إل بولي ومهر وشهود‪ ،‬والمملوكة ل بد أن تكون كتابية أو‬ ‫مسلمة‪ ،‬وأن ل يطأها قبل الستبراء بحيضة قد علمنا كل هذا وأحللنا لك ما أحللنا خصوصية لك‬ ‫دون المؤمنين وذلك تخفيفا عليك لكيل يكون عليك حرج أي ضيق ومشقة وكان ال غفورا لك‬ ‫ولمن تاب من المؤمنين رحيما بك وبالمؤمنين‪.‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ال تعالى لنبيه(‪ )4‬في التخفيف عليه رحمة به فأباح له أكثر من أربع‪ ،‬وقصر‬ ‫المؤمنين على أربع أباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ول ولي ولم يبح ذلك للمؤمنين‬ ‫فل بد من مهر وولي وشهود‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير أحكام النكاح للمؤمنين وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ول بتشديد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سعة رحمة ال ومغفرته لعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه الية من المتقدم في التلوة المتأخر في النزول ونظيرها آيتي الوفاة في البقرة على رأي‬ ‫الجمهور‪ .‬إذ مضمون هذه الية التوسعة على الرسول صلى ال عيه وسلم أكراما له لما تحمله‬ ‫من نكاح زينب ثم قصره في اليات بعد على من تحته من النساء إكراما لهن أيضا وذلك في قوله‬ ‫ل يحل لك النساء من بعد‪ .‬ثم لم يقبض حتى رفع ال عنه الحظر إكراما وإعلءً من شأنه إذ قالت‬ ‫عائشة‪ .‬مات رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أحل له النساء‪.‬‬ ‫‪ - 2‬واحد العم والخال وجمع العمات والخالت لن العم والخال استعمل استعمال أسماء الجناس‬ ‫الدالة على متعدد واللفظ موحد كالنسان واللفظ واحد وهو دال على كل إنسان من بني آدم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المعية هنا "معك" هي الشتراك في الهجرة ل في الصحبة إذ أحل له من هاجرت سواء‬ ‫كانت في رفقته أو في رفقة أخرى‪ .‬ولم يهاجر في رفقته امرأة قط‪.‬‬ ‫‪ - 4‬من جملة خصائصه صلى ال عليه وسلم أن فرض عليه أمورا لم تفرض على المة كقيام‬ ‫الليل مثلً وأباح له أمورا لم تبح للمة كنكاح الواهبة بدون مهر‪ ،‬وحرم عليه أمورا لم تحرم على‬ ‫المة كحرمة الصدقة ذكر هذه الخصائص القرطبي في تفسيره عند تفسير هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)4/281‬‬ ‫علَ ْيكَ ذَِلكَ َأدْنَى‬ ‫ن وَتُ ْؤوِي إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَاءُ َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَل جُنَاحَ َ‬ ‫تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬ ‫ن وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَانَ اللّهُ عَلِيما‬ ‫ن وَيَ ْرضَيْنَ ِبمَا آتَيْ َتهُنّ كُّلهُ ّ‬ ‫ن وَل َيحْزَ ّ‬ ‫أَنْ َتقَرّ أَعْيُ ُنهُ ّ‬ ‫حسْ ُنهُنّ إِلّا مَا مََل َكتْ‬ ‫عجَ َبكَ ُ‬ ‫ج وََلوْ أَ ْ‬ ‫حلّ َلكَ النّسَاءُ مِنْ َب ْع ُد وَل أَنْ تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ‬ ‫حَلِيما(‪ )51‬ل َي ِ‬ ‫شيْءٍ َرقِيبا(‪)52‬‬ ‫َيمِي ُنكَ َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ترجي من تشاء منهن ‪ :‬أي تؤخر من نسائك‪.‬‬ ‫وتؤوي إليك من تشاء ‪ :‬أي وتضم إليك من نسائك من تشاء فتأتيها‪.‬‬ ‫ومن ابتغيت ‪ :‬أي طلبت‪.‬‬

‫ممن عزلت ‪ :‬أي من القسمة‪.‬‬ ‫فل جناح عليك ‪ :‬أي ل حرج عليك في طلبها وضمها إليك خيّره ربه في ذلك بعد أن كان القسم‬ ‫واجبا عليه‪.‬‬ ‫ذلك أدنى أن تقر أعينهن ‪ :‬أي ذلك التخيير لك في إيواء من تشاء وترك من تشاء أقرب إلى أن‬ ‫تقر أعينهن ول يحزن‪.‬‬ ‫ويرضين بما آتيتهن ‪ :‬أي مما أنت مخير فيه من القسم وتركه‪ ،‬والعزل واليواء‪.‬‬ ‫وال يعلم ما في قلوبكم ‪ :‬أي من حب النساء – أيها الفحول – والميل إلى بعض دون بعض وإنما‬ ‫خير ال تعالى رسوله تيسيرا عليه لعظم مهامه‪.‬‬ ‫وكان ال عليما حليما ‪ :‬أي عليما بضعف خلقه حليماً عليهم ل يعاجل بالعقوبة ويقبل التوبة‪.‬‬ ‫ل يحل لك النساء من بعد‪ :‬أي ل يجوز لك أن تتزوج بعد هؤلء التسعة اللتي اخترنك إكراما‬ ‫لهن وتخفيفا عنك‪.‬‬

‫( ‪)4/282‬‬ ‫ول أن تبدل بهن من أزواج ‪ :‬أي بأن تطلق منهن وتتزوج أخرى بدل المطلقة ل‪ .‬ل‪.‬‬ ‫ولو أعجبك حسنهن ‪ :‬ما ينبغي أن تطلق من هؤلء التسع وتتزوج من أعجبك حسنها‪.‬‬ ‫إل ما ملكت يمينك ‪ :‬أي فالمر في ذلك واسع فل حرج عليك في التسري بالمملوكة‪ ،‬وقد تسرى‬ ‫صلى ال عليه وسلم بمارية المهداة إليه من قبل ملك مصر وولدت له إبراهيم ومات في سن‬ ‫الرضاعة عليه السلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في شأن التيسير على رسول ال صلى ال عليه وسلم والتخفيف فقد تقدم أنه‬ ‫أحل له النساء يتزوج من شاء مما ذكر له وخصه بالواهبة نفسها يتزوجها بدون مهر ول ولي‬ ‫وفي هذه الية الكريمة (‪{ )51‬تُرْجِي(‪ )1‬مَنْ َتشَاءُ مِ ْنهُنّ} الية وسع ال تعالى عليه بأن أذن له في‬ ‫أن يعتزل وطء من يشاء‪ ،‬وأن يرجئ من يشاء‪ ،‬وأن يؤوي إليه ويضم من يشاء وأن يطلب من‬ ‫اعتزلها إن شاء فل حرج عليه في كل ذلك‪ ،‬ومع هذا فكان يقسم بين نسائه‪ ،‬ويقول اللهم هذا‬ ‫قسمي فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك اللهم إل ما كان من سودة رضي ال عنها فإنها‬ ‫ن وَ ُتؤْوِي‬ ‫وهبت ليلتها لعائشة رضي ال عنها‪ .‬هذا ما دلت عليه قوله تعالى‪{ :‬تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِ ْنهُ ّ‬ ‫إِلَ ْيكَ مَنْ تَشَا ُء َومَنِ ابْ َتغَ ْيتَ ِممّنْ عَزَ ْلتَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكَ(‪ })2‬وقوله ذلك أدنى أي ذلك التخيير لك‬ ‫في شأن نسائك أقرب أن تقر أعينهن أي يفرحن بك‪ ،‬ول يحزن عليك‪ ،‬ويرضين بما تتفضل به‬ ‫عليهن من إيواء ومباشرة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا فِي قُلُو ِبكُمْ} أي أيها الناس من الرغبة في المخالطة‪ ،‬وميل الرجل إلى‬

‫بعض نسائه دون بعض‪ ،‬وإنما خير ال رسوله هذا التخيير تيسيرا عليه وتخفيفا لما له من مهام ل‬ ‫يطمع فيها عظماء الرجال ولو كان في القوة والتحمل كالجبال أو الجمال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َوكَانَ اللّهُ عَلِيما} أي بخلقه وحاجاتهم‪ .‬حليما عليهم ل يعاجل العقوبة ويقبل ممن تاب‬ ‫التوبة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ترجي بدون همزة وترجئ مهموز لغتان فصيحتان من أرجى وأرجأ المر إذا أخره والية‬ ‫تحمل التوسعة والتخفيف عنه صلى ال عليه وسلم فأسقط عنه واجب القسم بين أزواجه ومع هذا‬ ‫فكان يقسم‪ .‬لن الية تفيد التخيير والذن ل غير‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجناح الميل يقال جنحت السفينة إذا مالت إلى الرض أي ل ميل عليك بلوم أو توبيخ أو‬ ‫عتاب‪ .‬في الية وجوب القسمة بين الزوجات والعدل بينهن فيعطي لكل زوجة يوما وليلة فيقيم‬ ‫عندها في يومها ولو كانت مريضة أو نفساء أو حائضا وإن مرض هو فكذلك إل أن يأذن له‬ ‫بالتمريض عند إحداهن كما استأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم بأن يمرض في بيت عائشة‬ ‫رضي ال عنها فأذن له في ذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/283‬‬ ‫حلّ َلكَ(‪ )1‬النّسَاءُ مِنْ َبعْدُ} أي ل يحل لك يا رسولنا النساء بعد‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )52‬ل يَ ِ‬ ‫هؤلء التسع اللئي خيرتهن فاخترن ال واخترنك وأنت رسوله واخترن الدار الخرة فاعترافا‬ ‫بمقامهن قصرك ال عليهن بعد الن فل تطلب امرأة أخرى ببدل أو بغير بدل‪ ،‬ومعنى ببدل‪ :‬أن‬ ‫ج وََلوْ‬ ‫يطلق منهن واحدة أو أكثر ويتزوج بدلها‪ .‬وهو معنى قوله تعالى {وَل أَنْ تَبَ ّدلَ ِبهِنّ مِنْ أَ ْزوَا ٍ‬ ‫أَعْجَ َبكَ حُسْ ُنهُنّ} وقوله {إِلّا مَا مََل َكتْ َيمِي ُنكَ} أي فل بأس بأن تتسرى بالجارية تملكها وقد تسرى‬ ‫بمارية القبطية التي أهداها له المقوقس ملك مصر مع بغلة بيضاء تسمى الدّلدُل وهي أول بغلة‬ ‫تدخل الحجاز‪ ،‬وقد أنجبت مارية إبراهيم ولد رسول ال صلى ال عليه وسلم وتوفي في أيام‬ ‫إرضاعه عليه وعلى والده ألف ألف سلم‪.‬‬ ‫شيْءٍ َرقِيبا} أي حفيظا عليما فخافوه وراقبوه ول تطلبوا رضا‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫غيره برضاه فإنه إلهكم الذي ل إله لكم سواه به حياتكم وإليه مرجعكم بعد مماتكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ال تعالى لرسوله بالتيسير والتسهيل عليه لكثرة مهامه‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما خير ال فيه رسوله ل يصح لحد من المسلمين اللهم إل أن يقول الرجل للمرأة كبيرة السن‬ ‫أو المريضة أي فلنة إني أريد أن أتزوج أحصّن نفسي وأنت كما تعلمين عاجزة فإن شئت‬

‫طلقتك‪ ،‬وإن شئت تنازلت عن ليلتك فإن اختارت البقاء مع التنازل عن حقها في الفراش فل بأس‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬في تدبير ال لرسوله وزوجاته من الفوائد والمصالح ما ل يقادر قدره‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير مبدأ (ما ترك أحد شيئا ل إل عوضه ال خيرا منه) تجلّى هذا في اختيار نساء رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم ل ورسوله والدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب مراقبة ال تعالى وعدم التفكير في الخروج عن طاعته بحال من الحوال‪.‬‬ ‫[تنبيه هام]‬ ‫إذْنُ ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم بالزواج بأكثر من أربع كان لحكم عالية‪ ،‬وكيف‬ ‫والمشرع هو ال العليم الحكيم من تلك الحكم العالية ما يلي‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬اختلف في أحكام هذه الية ونسخها بالكتاب أو السنة والراجح أنها منسوخة بآية ترجي من‬ ‫تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ورجح بعضهم نسخها بالسنة إذ قالت عائشة‪ :‬ما مات رسول ال‬ ‫صلى ال عليه حتى أحل له النساء‪.‬‬

‫( ‪)4/284‬‬ ‫(‪ )1‬اقتضاء التشريع الخاص بالنساء ومنه ما ل يطلع عليه إل الزوجان تعدّد الزوجات ليروين‬ ‫الحكام الخاصة‬ ‫بالنساء‪ ،‬ولصحة الرواية وقبولها في المة تعدد الطرق وكثرة الروايات‪.‬‬ ‫(‪ )2‬تطلّب الدعوة السلمية في أيامها الولى مناصرين لها أقوياء ول أفضل من أصهار الرجل‬ ‫الداعي فإنهم بحكم‬ ‫العرف يقفون إلى جنب صهرهم محقا أو مبطلً كان‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أن المؤمنين ل أحب إليهم من مصاهرة نبي ال ليظفروا بالدخول عليه في بيته والخلوة به‬ ‫وما أعزها‪ .‬فأي‬ ‫المؤمنين من ل يرغب أن تكون أمه أو أخته أو بنته أما لكل المؤمنين إني وال ل أحب إليّ من‬ ‫أن أكون أنا وزوجتي وسائر أولدي خدما في بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلذا وسع ال‬ ‫على رسوله ليتسع على القل للرامل وربات الشرف حتى ل يدنس شرفهن‪.‬‬ ‫(‪ )4‬قد يحتاج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكافأة بعض من أحسن إليه ولم يجد ما يكافئه‬ ‫به ويراه راغبا في مصاهرته فيجيبه لذلك ومن هذا زواجه بكل من عائشة بنت الصديق وحفصة‬ ‫بنت الفاروق رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬ ‫(‪ )5‬قد زوجه ربه بزينب وهو كاره لذلك يتهرب منه خشية قالة الناس وما كانوا يعدونه منكرا‬

‫وهو التزوج‬ ‫بامرأة الدعي المتبنى بعد طلقها أو موت زوجها هذه بعض الحكم التي اقتضت الذن لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم في التزوج أكثر من أربع مع عامل آخر مهم وهو قدرة رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم على العدل والكفاية المر الذي لن يكون لغيره أبدا‪.‬‬ ‫طعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَا ُه وََلكِنْ إِذَا‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْدخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِلّا أَنْ ُيؤْذَنَ َلكُمْ إِلَى َ‬ ‫ط ِعمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَل ُمسْتَأْنِسِينَ ِلحَدِيثٍ إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ ُيؤْذِي النّ ِبيّ فَيَسْ َتحْيِي مِ ْنكُمْ‬ ‫دُعِي ُتمْ فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َ‬ ‫طهَرُ ِلقُلُو ِبكُمْ‬ ‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ َذِلكُمْ َأ ْ‬ ‫ق وَإِذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ مَتَاعا فَاسْأَلوهُنّ مِ ْ‬ ‫حّ‬ ‫وَاللّهُ ل يَسْ َتحْيِي مِنَ الْ َ‬ ‫جهُ مِنْ َبعْ ِدهِ أَبَدا إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ عِنْدَ‬ ‫ن َومَا كَانَ َلكُمْ أَنْ ُت ْؤذُوا َرسُولَ اللّ ِه وَل أَنْ تَ ْنكِحُوا أَ ْزوَا َ‬ ‫َوقُلُوبِهِ ّ‬ ‫عظِيما(‪ )53‬إِنْ‬ ‫اللّهِ َ‬

‫( ‪)4/285‬‬ ‫شيْءٍ عَلِيما(‪)54‬‬ ‫خفُوهُ فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ‬ ‫تُبْدُوا شَيْئا َأوْ ُت ْ‬ ‫ن وَل‬ ‫خوَا ِتهِ ّ‬ ‫ن وَل أَبْنَاءِ أَ َ‬ ‫خوَا ِنهِ ّ‬ ‫ن وَل أَبْنَاءِ إِ ْ‬ ‫خوَا ِنهِ ّ‬ ‫ن وَل ِإ ْ‬ ‫ن وَل أَبْنَا ِئهِ ّ‬ ‫ل جُنَاحَ عَلَ ْيهِنّ فِي آبَا ِئهِ ّ‬ ‫شهِيدا(‪)55‬‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫ن وَا ّتقِينَ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ن وَل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنهُ ّ‬ ‫نِسَا ِئهِ ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ‪ :‬أي من صدقوا بال ووعده ووعيده وبالرسول وما جاء به‪.‬‬ ‫إل أن يؤذن لكم ‪ :‬أي في الدخول بأن يدعوكم إلى طعام‪.‬‬ ‫غير ناظرين إناه ‪ :‬أي غير منتظرين وقت نضجه أي فل تدخلوا قبل وقت إحضار الطعام وتقدم‬ ‫المدعوين إليه بأن يستغل أحدكم الذن بالدعوة إلى الطعام فيأتي قبل الوقت ويجلس في البيت‬ ‫فيضايق رسول ال صلى ال عليه وسلم وأهله‪.‬‬ ‫فإذا طعمتم فانتشروا ‪ :‬أي إذا أكلتم الطعام وفرغتم فانتشروا عائدين إلى بيوتكم أو أعمالكم ول‬ ‫يبق منكم أحد‪.‬‬ ‫ول مستأنسين لحديث ‪ :‬أي ول تمكثوا مستأنسين لحديث بعضكم بعضا‪.‬‬ ‫إن ذلكم كان يؤذي النبي ‪ :‬أي ذلكم المكث في بيوت النبي كان يؤذي النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫فيستحيي منكم ‪ :‬أي أن يخرجكم‪.‬‬ ‫وال ل يستحيي من الحق ‪ :‬أن يقوله ويأمر به ولذا أمركم أن تخرجوا‪.‬‬ ‫من وراء حجاب ‪ :‬أي ستر كباب ورداء و نحوه‪.‬‬ ‫أطهر لقلوبكم وقلوبهن ‪ :‬أي من الخواطر الفاسدة‪.‬‬ ‫إن ذلك كان عند ال عظيما ‪ :‬أي إن أذاكم لرسول ال كان عند ال ذنبا عظيما‪.‬‬ ‫إن تبدوا شيئا أو تخفوه ‪ :‬أي إن تظهروا رغبة في نكاح أزواج الرسول بعد وفاته أو تخفوه في‬

‫نفوسكم فسيجزيكم ال به شر الجزاء‪.‬‬ ‫ل جناح عليهن في آبائهن الخ ‪ :‬أي ل حرج على نساء الرسول في أن يظهرن لمحارمهن‬ ‫المذكورين في الية‪.‬‬

‫( ‪)4/286‬‬ ‫ول نسائهن ‪ :‬أي المؤمنات أما الكافرات فل‪.‬‬ ‫ول ما ملكت أيمانهن ‪ :‬أي من الماء والعبيد في أن يرونهن ويكلمونهن من دون حجاب‪.‬‬ ‫واتقين ال ‪ :‬أي يا نساء النبي فيما أمرتن به من الحجاب وغيره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما بين تعالى لرسوله ما ينبغي له مراعاته من شأن أزواجه أمهات المؤمنين بين تعالى بهذه الية‬ ‫(‪ )54‬ما يجب على المؤمنين مراعاته أيضا نحو أزواج النبي أمهاتهم فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‬ ‫حقا وصدقا {ل تَ ْدخُلُوا بُيُوتَ النّ ِبيّ إِلّا أَنْ ُيؤْذَنَ َلكُمْ} بالدخول إلى طعام تطعمونه غير(‪ )1‬ناظرين‬ ‫إناه أي وقته‪ ،‬وذلك أن هذه الية والمعروفة بآية الحجاب نزلت في شأن نفر من أصحاب رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم لما أكلوا طعام الوليمة التي أقامها رسول ال لما زوجه ال بزينب بنت‬ ‫جحش رضي ال عنها‪ ،‬وكان الحجاب ما فرض بعد على النساء مكثوا بعد انصراف الناس‬ ‫يتحدثون فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم وخرج أمامهم لعلهم يخرجون فما خرجوا وتردد‬ ‫رسول ال على البيت فيدخل ويخرج رجاء أن يخرجوا معه فلم يخرجوا واستحى صلى ال عليه‬ ‫وسلم أن يقول لهم هيا فاخرجوا‪ .‬فانزل ال تعالى هذه الية فقوله تعالى غير ناظرين إناه(‪ )2‬يعني‬ ‫ذلك النفر ومن يريد أن يفعل فعلهم فإذا وجه إليه أخوه استدعاء لحضور وليمة بعد الظهر مثل‬ ‫أتى المنزل من قبل الظهر يضايق أهل المنزل فهذا معنى غير ناظرين إناه أي وقته لن النى هو‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫وقوله ولكن إذا دعيتم فادخلوا أي فل تدخلوا بدون دعوة أو إذن فإذا طعمتم أي فرغتم من الكل‬ ‫فانصرفوا منتشرين في الرض فهذا إلى بيته وهذا إلى بيت ربه وهذا إلى عمله‪ .‬وقوله‪{ :‬وَل‬ ‫مُسْتَأْنِسِينَ ِلحَدِيثٍ} أي ل تمكثوا بعد الطعام يحدث بعضكم بعضا مستأنسين بالحديث‪ .‬حرم تعالى‬ ‫هذا عليكم أيها المؤمنون لنه يؤذي رسوله‪ .‬وإن كان الرسول لكمال أخلقه ل يأمركم بالخروج‬ ‫حياءً منكم فال ل يستحي من الحق فلذا أمركم بالخروج بعد الطعام‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬غير ناظرين إناه غير منصوب على الحال والية تضمنت الدب في حال الجلوس والطعام‬ ‫كما تضمنت مشروعية الحجاب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي غير منتظرين وقت نضجه‪ ،‬وإناه مقصور‪ ،‬وفيه لغات إني بكسر الهمزة وأني بفتح‬

‫الهمزة والنون وأنا بفتح الهمزة والمد قال الحطيئة‪:‬‬ ‫وأخرت العشاء إلى سهيل‬ ‫أو الشعرى فطال بي الناء‬ ‫والفعل أنى يأنى أنى إذ حان وأدرك وفرغ‪.‬‬

‫( ‪)4/287‬‬ ‫مراعاة لمقام رسوله محمد ال صلى ال عليه وسلم وقوله تعالى‪{ :‬وَإِذَا سَأَلْ ُتمُوهُنّ(‪ )1‬مَتَاعاً} أي‬ ‫طلبتم شيئا من المتعة التي توجد في البيت كإناء ونحوه فاسألوهن من وراء حجاب أي باب‬ ‫طهَرُ ِلقُلُو ِبكُمْ} أنتم أيها الرجال‬ ‫وستر نحوهما ل مواجهة لحرمة النظر إليهن‪ .‬وقوله {ذَِلكُمْ أَ ْ‬ ‫وقلوبهن أيتها المهات أطهر أي من خواطر السوء الفاسدة التي ل يخلو منها قلب النسان إذا‬ ‫خاطب فحلٌ أنثى أو خاطبت امرأة فحلً من الرجال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ َل ُكمْ} أي ما ينبغي ول يصح أن تؤذوا رسول ال أي أذى ول أن تنكحوا‬ ‫أزواجه من بعده أي ول أن تتزوجوا بعد وفاته نساءه فإنهن محرمات على الرجال تحريم المهات‬ ‫تحريما مؤبدا ل يحل بحال‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ(‪ )2‬ذَِلكُمْ} أي المذكور من المن أذى رسول ال‬ ‫والزواج من بعده بنسائه كان عند ال أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنبا عظيما ل يقادر قدره ول‬ ‫يعرف مدى جزائه وعقوبته إل ال‪.‬‬ ‫خفُوهُ} أي‬ ‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )53‬وقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا شَيْئا} أي تظهروه {َأوْ تُ ْ‬ ‫تستروه يريد من الرغبة في الزواج من نساء الرسول بعد موته صلى ال عليه وسلم فإن ال كان‬ ‫بكل شيء عليما وسيجزيكم بتلك الرغبة التي أظهرتموها أو أخفيتموها في نفوسكم شرّ الجزاء‬ ‫وأسوه‪ .‬فاتقوا ال وعظموا ما عظم من حرمات رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬هذا ما دلت عليه‬ ‫الية (‪.)54‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪ )55‬ل جناح عليهن(‪ )3‬أي ل تضييق ول حرج ول إثم على نساء‬ ‫المؤمنات من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين في أن يظهرن‬ ‫وجوههن ويكلمن بدون حجاب أي وجها لوجه آباءهن الب والجد وإن عل‪ ،‬وأبناءهن البن وابن‬ ‫البن وإن نزل وابن البنت كذلك وإن نزل‪ .‬وإخوانهن وأبناء إخوانهن وإن نزلوا وأبناء أخواتهن‬ ‫وإن نزلوا‪ ،‬ومماليكهن من إماء وعبيد‪.‬‬ ‫شهِيدا} أمر من ال لنساء النبي ونساء‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫وقوله تعالى {وَا ّتقِينَ(‪ )4‬اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫المؤمنين بتقوى ال فيما نهاهن عنه وحرمه عليهن من إبداء الوجه للجانب غير المحارم‬ ‫المذكورين في‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬روى أبو داود عن أنس بن مالك قال عمر‪ :‬وافقت ربي في أربع الحديث وفيه قلت يا رسول‬ ‫ال لو ضرب الحجاب على نسائك يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل ال عز وجل وإذا سألتموهن‬ ‫الية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روي أن رجل من المنافقين لما تزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أم سلمة وحفصة بعد‬ ‫خنيس بن حذافة قال‪ :‬فما بال محمد يتزوج نساءنا وال لو قد مات لجلنا السهام على نسائه فأنزل‬ ‫ال تعالى هذه الية‪ ،‬فحرم ال نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم المهات وقال صلى ال‬ ‫عليه زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الخرة وهذه علة من علل التحريم أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روي أنه لما نزلت آية الحجاب تساءل الباء والقارب‪ :‬هل نحن أيضا ل نكلمهن إل من‬ ‫وراء حجاب؟ فنزلت هذه الية ل جناح عليهن في آبائهن الخ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬لما ذكر تعالى الرخصة للمحارم أمر النساء بتقواه تعالى فأمرهن بذلك حتى ل يتجاوزن من‬ ‫أذن لهن بالنظر إليهم في المحارم إلى غيرهم وذلك لقلة تحفظ النساء وكثرة استرسالهن‪.‬‬

‫( ‪)4/288‬‬ ‫الية وتذكيرهم بشهود ال تعالى لكل شيء وإطلعه على كل شيء ليكون ذلك مساعدا على‬ ‫التقوى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما ينبغي للمؤمنين أن يلتزموه من الداب في الستئذان والدخول على البيوت لحاجة‬ ‫الطعام ونحوه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان كمال الرسول صلى ال عليه وسلم في خلقه في أنه ليستحي أن يقول لضيفه أخرج من‬ ‫البيت فقد انتهى الطعام‪.‬‬ ‫‪ -3‬وصف ال تعالى نفسه بأنه ل يستحي من الحق أن يقوله ويأمره به عباده‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية مخاطبة الجنبية من وراء حجاب ستر ونحوه‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة أذية رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنها جريمة كبرى ل تعادل بأخرى‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان أن النسان ل يخلو من خواطر السوء إذا كلم المرأة ونظر إليها‪.‬‬ ‫‪ -7‬حرمة نكاح أزواج الرسول بعد موته وحرمة الخاطر يخطر بذلك‪.‬‬ ‫‪ -8‬بيان المحارم الذين للمسلمة أن تكشف وجهها أمامهم وتخاطبهم بدون حجاب‪.‬‬ ‫‪ -9‬المر بالتقوى ووعيد ال لمن ل يتقيه في محارمه‪.‬‬ ‫إِنّ اللّ َه َومَلئِكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْ ِه وَسَّلمُوا َتسْلِيما(‪ )56‬إِنّ الّذِينَ‬ ‫عذَابا ُمهِينا(‪ )57‬وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ‬ ‫ُيؤْذُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ َلعَ َنهُمُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالْآخِ َرةِ وَأَعَدّ َلهُمْ َ‬

‫جكَ‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ِبغَيْرِ مَا اكْ َتسَبُوا فَقَدِ احْ َتمَلُوا ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا(‪ )58‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬ ‫ن َوكَانَ اللّهُ‬ ‫وَبَنَا ِتكَ وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَ ْيهِنّ مِنْ جَلبِي ِبهِنّ ذَِلكَ َأدْنَى أَنْ ُيعْ َرفْنَ فَل ُيؤْذَيْ َ‬ ‫غفُورا َرحِيما(‪)59‬‬ ‫َ‬

‫( ‪)4/289‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يصلون على النبي ‪ :‬صلة ال على النبي هي ثناؤه ورضوانه عليه‪ ،‬وصلة الملئكة دعاء‬ ‫واستغفار له‪ ،‬وصلة العباد عليه تشريف وتعظيم لشأنه‪.‬‬ ‫صلوا عليه وسلموا تسليما ‪ :‬أي قولوا‪ :‬اللهم صل محمد وسلم تسليما‪.‬‬ ‫يؤذون ال ورسوله ‪ :‬أي بسب أو شتم أو طعن أو نقد‪.‬‬ ‫يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ‪ :‬أي يرمونهم بأمور يوجهونها تهما باطلة لم يكتسبوا‬ ‫منها شيئا‪.‬‬ ‫فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ‪ :‬أي تحملوا كذبا وذنبا بينا ظاهرا‪.‬‬ ‫يدنين عليهن من جلبيبهن ‪ :‬أي يرخين على وجوههن الجلباب حتى ل يبدو من المرأة إل عين‬ ‫واحدة تنظر بها الطريق إذا خرجت لحاجة‪.‬‬ ‫ذلك أدنى أن يعرفن ‪ :‬أي ذلك الدناء من طرف الجلباب على الوجه أقرب‪.‬‬ ‫فل يؤذين ‪ :‬أي يعرفن أنهن حرائر فل يتعرض لهن المنافقون بالذى‪.‬‬ ‫وكان ال غفورا رحيما ‪ :‬أي غفورا لمن تاب من ذنبه رحيما به بقبول توبته وعدم تعذيبه بذنب‬ ‫تاب منه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى في اليات السابقة ما يجب على المؤمنين من تعظيم نبيّهم واحترامه حيا وميتا‬ ‫أعلن في هذه الية (‪ )56‬عن شرف نبيّه الذي ل يدانيه شرف وعن رفعته التي ل تدانيها رفعة‬ ‫فأخبر أنه هو سبحانه وتعالى يصلي عليه وأن ملئكته كذلك يصلون(‪ )1‬عليه وأمر المؤمنين كافة‬ ‫أن يصلوا عليه فقال‪{ :‬إِنّ اللّ َه َومَل ِئكَتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى النّ ِبيّ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَّلمُوا‬ ‫تَسْلِيما} فكان واجبا على كل مؤمن ومؤمنة أن يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ولو مرة في‬ ‫العمر يقول‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬اختلف في الضمير في يصلون على من يعود والصحيح أنه عائد على ال تعالى والملئكة‬ ‫معا ول حرج لنه قول ال تعالى ول أن يرفع من يشاء من عباده لجمع ضمير الملئكة مع‬ ‫ضميره‪ ،‬وليس هذا من باب ومن يعصهما الذي أنكره رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ ذاك من‬

‫قول الخطيب وهذا قول ال تعالى وليس من حقنا أن نعترض على ال تعالى وروي أن ابن عباس‬ ‫قرأ الملئكة بالرفع أي يصلون وعليه فانفصل الضمير وأصبح خاصا بال تعالى وهو وجه وما‬ ‫تقدم أولى لقراءة الكافة بالنصب‪.‬‬

‫( ‪)4/290‬‬ ‫ال صل على محمد وسلم تسليما‪ .‬وقد بينت السنة أنواعا من صيغ الصلة والسلم على الرسول‬ ‫أعظمها أجرا الصلة البراهيمية(‪ )1‬وهي واجبة في التشهد الخير من كل صلة(‪ )2‬فريضة أو‬ ‫نافلة‪ ،‬وتستحب استحبابا مؤكدا عند ذكره(‪ )3‬صلى ال عليه وسلم وفي مواطن أخرى‪ .‬هذا ما‬ ‫دلت عليه الية الولى (‪ )56‬أما الية الثانية (‪ )57‬فقد أخبر تعالى عباده أن الذين يؤذون ال‬ ‫بالكذب(‪ )4‬عليه أو انتقاصه بوصفه بالعجز أو نسبة الولد إليه أو الشريك وما إلى ذلك من تصوير‬ ‫الحيوان إذ الخلق اختص به ال فل خالق إل هو فل تجوز محاكاته في الخلق‪ ،‬ويؤذون(‪ )5‬رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم بسب أو شتم أو انتقاص أو تعرض له أو لل بيته أو أمته أو سنته أو‬ ‫دينه هؤلء لعنهم ال في الدنيا والخرة أي طردهم من رحمته‪ ،‬وأعد لهم أي هيأ وأحضر لهم‬ ‫عذابا مهينا لهم يذوقونه بعد موتهم ويوم يبعثهم يوم القيامة‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الثالثة (‪)58‬‬ ‫أما الية الرابعة (‪ )59‬فإنه لما كان المؤمنات يخرجن بالليل لقضاء الحاجة البشرية إذ لم يكن لهم‬ ‫مراحيض في البيوت وكان بعض سفهاء المنافقين يتعرضون لهن بالغمز والكلمة السفيهة وهم‬ ‫يقصدون على عادتهم الماء ل الحرائر فتأذى بذلك المؤمنات وشكون إلى أزواجهن ما يلقين من‬ ‫ك وَبَنَا ِتكَ(‪)6‬‬ ‫جَ‬ ‫تعرض بعض المنافقين لهن فأنزل ال تعالى هذه الية {يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ُقلْ لِأَ ْزوَا ِ‬ ‫علَ ْيهِنّ مِنْ جَلبِي ِبهِنّ} والجلباب هو الملءة أو العباءة تكون فوق الدرع‬ ‫وَنِسَاءِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ يُدْنِينَ َ‬ ‫السابغ الطويل‪ ،‬أي مُرْهُنّ بأن يدنين طرف الملءة على الوجه حتى ل يبقى إل عين واحدة ترى‬ ‫بها الطريق‪ ،‬وبذلك يعرفن أنه حرائر عفيفات فل يؤذيهن بالتعرض لهن أولئك المنافقون السفهاء‬ ‫غفُورا َرحِيما} أخبر عباده أنه تعالى كان وما زال‬ ‫عليهم لعائن ال‪ .‬وقوله تعالى { َوكَانَ اللّهُ َ‬ ‫غفورا لمن تاب من عباده رحيما به فل يعذبه بعد توبته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬صيغة الصلة البراهيمية هي‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على‬ ‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على‬ ‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬ ‫‪ - 2‬غير ضار أن يقول المالكية الصلة سنة مؤكدة في التشهد الخير إذ السنة المؤكدة عند‬ ‫المالكية هي الواجب عند الشافعي وأحمد وإذا فل فرق‪.‬‬ ‫‪ - 3‬من هذه المواطن بدء الدعاء وختمه وافتتاح الخطبة بعد حمد ال والثناء عليه ويوم الجمعة‬

‫وليلتها ورد في فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم أحاديث منها‪ ،‬حديث مسلم‪" :‬من‬ ‫صلى عليّ مرة صلى ال بها عشرا" وروى النسائي أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج عليهم‬ ‫يوما والبشر يرى في وجهه فقالوا إنا لنرى البشر في وجهك فقال‪ :‬أتاني الملك فقال‪" :‬يا محمد إن‬ ‫ربك يقول أما يرضيك أنه ل يصلي عليك أحد إل صليت عليه عشرا"‪.‬‬ ‫‪ - 4‬روى البخاري في صحيحه قال قال ال تعالى‪" :‬كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم‬ ‫يكن له ذلك" ‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة "يقول ال تبارك وتعالى يؤذيني ابن آدم يقول يا‬ ‫خيبة الدهر فل يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإن شئت قبضتهما"‪.‬‬ ‫‪ - 5‬من أفظع أنواع الذى الذي تعرض له رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه كان يوما يصلى‬ ‫حول الكعبة فجاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور ووضعه على ظهره بين كتفيه الشريفتين‬ ‫فجاءت فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقته بعيدا عن ظهر أبيها ونالت من المشركين وانصرفت‬ ‫فرضي ال عنها وأرضاها‪.‬‬ ‫‪ - 6‬تقدم ذكر أزواجه صلى ال عليه وسلم وأما بناته ففاطمة الزهراء وزينب ورقية وأم كلثوم‪.‬‬

‫( ‪)4/291‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان شرف الرسول صلى ال عليه وسلم ووجوب الصلة والسلم عليه في التشهد الخير في‬ ‫الصلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما يتعرض له من يؤذي ال ورسوله من غضب وعذاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مقدار ما يتحمله من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بالقول فينسب إليهم ما لم يقولوا أو لم‬ ‫يفعلوا ويؤذيهم بالفعل بضرب جسم أو أخذ مال أو انتهاك عرض‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تغطية المؤمنة وجهها إذا خرجت لحاجتها إل ما كان من عين ترى بها الطريق‪،‬‬ ‫واليوم بوجود القمشة الرقيقة ل حاجة إلى إبداء العين إذ تسبل قماشا على وجهها فيستر وجهها‬ ‫وترى معه الطريق واضحا والحمد ل‪.‬‬ ‫جفُونَ فِي ا ْلمَدِينَةِ لَ ُنغْرِيَ ّنكَ ِب ِهمْ ثُ ّم ل‬ ‫لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ وَا ْلمُرْ ِ‬ ‫يُجَاوِرُو َنكَ فِيهَا إِلّا قَلِيلً (‪ )60‬مَ ْلعُونِينَ أَيْ َنمَا ُث ِقفُوا ُأخِذُوا َوقُتّلُوا َتقْتِيلً(‪ )61‬سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا‬ ‫مِنْ قَ ْبلُ وَلَنْ َتجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَ ْبدِيلً(‪)62‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لئن لم ينته المنافقون ‪ :‬أي عن نفاقهم وهو إظهار اليمان وإخفاء الكفر‪.‬‬ ‫والذين في قلوبهم مرض ‪ :‬أي مرض حب الفجور وشهوة الزنا‪.‬‬

‫والمرجفون في المدينة ‪ :‬أي الذين يأتون بالخبار الكاذبة لتحريك النفوس وزعزعتها كقولهم‬ ‫العدو على مقربة من المدينة أو السرية الفلنية قتل أفرادها وما إلى ذلك‪.‬‬ ‫لنغرينك بهم ‪ :‬أي لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم‪.‬‬ ‫ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ‪ :‬أي في المدينة إل قليلً من اليام ثم يخرجوا منها أو يهلكوا‪.‬‬

‫( ‪)4/292‬‬ ‫ملعونين ‪ :‬أي مبعدين عن الرحمة‪.‬‬ ‫أينما ثقفوا أخذوا ‪ :‬أينما أخذوا أسروا وقتلوا تقتيلً‪.‬‬ ‫سنة ال في الذين خلوا من قبل‪ :‬أي سن ال هذه السنة في المم الماضية أينما ثقف المنافقون‬ ‫والمرجفون أخذوا وقتلوا تقتيلً‪.‬‬ ‫ولن تجد لسنة ال تبديلً ‪ :‬أي منه تعالى إذ هي ليست أحكاما يطرأ عليها التبديل والتغيير بل هي‬ ‫سر التشريع وحكمته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم أن بعض النسوة اشتكين ما يلقينه من تعرض المنافقين لهن عند خروجهن ليلً لقضاء‬ ‫الحاجة‪ ،‬وأن ال تعالى أمر نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلبيبهن وعلة ذلك أن يعرفن‬ ‫أنهن حرائر فل يتعرض لهن المنافقون وكان ذلك إجراءً وقائيا ل بد منه‪ ،‬ثم أقسم الجبار بقوله‬ ‫{لَئِنْ َلمْ يَنْتَهِ ا ْلمُنَافِقُونَ(‪ })1‬أي وعزتي وجللي لئن لم ينته هؤلء المنافقون من نفاقهم وأعمالهم‬ ‫الستفزازية والذين في قلوبهم مرض الشهوة وحب الفجور والمرجفون الذين يكذبون الكاذيب‬ ‫المرجفة أي المحركة للنفوس كقولهم‪ :‬العدو زاحف على المدينة والسرية الفلنية انهزمت أو قتل‬ ‫أكثر أفرادها لئن لم ينته هؤلء لنغرينك(‪ )2‬بهم أي لنحرشنّك بهم ثم لنسلطنّك عليهم‪ .‬ثم ل‬ ‫يجاورونك فيها أي في المدينة إل قليلً‪ ،‬ثم يخرجوا منها أو يهلكوا ملعونين أي يخرجون ملعونين‬ ‫أي مطرودين من الرحمة اللهية التي تصيب سكان المدينة النبوية‪ ،‬وحينئذ أينما ثقفوا أي وجدوا‬ ‫وتمكن منهم أخذوا أي أسرى وقتلوا تقتيلً حتى ل يبقى منهم أحد‪.‬‬ ‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪{ )60‬لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ ا ْلمُنَا ِفقُونَ‪ }..‬والثانية (‪{ )61‬مَ ْلعُونِينَ ‪ }...‬الخ‪.‬‬ ‫أما الية الثالثة (‪{ )62‬سُنّةَ اللّهِ(‪ )3‬فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَ ْبلُ} أي لقد سن ال تعالى هذا سنةً في‬ ‫المنافقين من أنهم إذا لم ينتهوا يلعنون ثم يسلط عليهم من يأخذهم ويقتلهم تقتيلً‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَلَنْ(‪)4‬‬ ‫جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَ ْبدِيلً} يخبر تعالى أن ما كان من قبل السنن كالطعام‬ ‫تَ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يرى الكثيرون أن الصفات الثلث لجنس واحد وهم المنافقون قد اجتمعت فيهم هذه الصفات‬ ‫الثلث والواو مقحمة وليست للعطف وشاهده قول الشاعر‪:‬‬

‫إلى الملك القرم وابن الهمام‬ ‫وليث الكتيبة في المزدحم‬ ‫فهو رجل واحد بثلث صفات‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لنغرينك اللم للقسم أي وعزتنا وجللنا لنغرينك‪.‬‬ ‫‪ - 3‬سنة منصوب على المصدر أي سن ال تعالى ذلك سنة ثم أضيف المصدر إلى فاعله‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الجملة تذييلية المراد بها تأكيد العذاب الحائق بالمنافقين وأتباعهم إن لم ينتهوا أو لم يتوبوا‬ ‫والمعنى لن تجد لسنن ال مع الذين خلوا من قبل ول مع الحاضرين ول مع التين تبديلً‪.‬‬

‫( ‪)4/293‬‬ ‫يشبع والماء يروي والنار تحرق والحديد يقطع ل يبدله تعالى بل يبقى كذلك لنه مبني على أساس‬ ‫الحكم التشريعية‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالمنافقين وتهديدهم بإمضاء سنة ال تعالى فيهم إذا لم يتوبوا‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية إبعاد أهل الفساد من المدن السلمية أو يتوبوا بترك الفساد والفساد‪ ،‬وخاصة‬ ‫المدينة النبوية الشريفة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان ما كان من الشياء من قبل السنن ل يتبدل بتبدل الحوال والظروف بل يبقى كما هو ل‬ ‫يبدله ال تعالى ول يغيره‪.‬‬ ‫عةَ َتكُونُ قَرِيبا(‪ )63‬إِنّ اللّهَ‬ ‫عةِ ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِنْدَ اللّ ِه َومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّا َ‬ ‫يَسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّا َ‬ ‫ن وَلِيّا وَل َنصِيرا(‪َ )65‬يوْمَ ُتقَلّبُ‬ ‫سعِيرا(‪ )64‬خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدا ل َيجِدُو َ‬ ‫ن وَأَعَدّ َل ُهمْ َ‬ ‫َلعَنَ ا ْلكَافِرِي َ‬ ‫طعْنَا سَادَتَنَا‬ ‫طعْنَا الرّسُول(‪َ )66‬وقَالُوا رَبّنَا إِنّا أَ َ‬ ‫طعْنَا اللّ َه وَأَ َ‬ ‫وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَ َ‬ ‫ضعْفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَابِ وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنا كَبِيرا(‪)68‬‬ ‫َوكُبَرَاءَنَا فََأضَلّونَا السّبِيل(‪ )67‬رَبّنَا آ ِت ِه ْم ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يسألك الناس عن الساعة‪ :‬أي يهود المدينة كما سأله أهل مكة فاليهود سألوه امتحانا والمشركون‬ ‫سألوه تكذيبا بها واستعجالً لها‪.‬‬ ‫قل إنما علمها عند ال ‪ :‬أي أجب السائلين قائل إنما علمها عند ربي خاصة فلم يعلمها غيره‪.‬‬ ‫وما يدريك ‪ :‬أي ل أحد يدريك أيها الرسول أي يخبرك بها إذ علمها ل وحده‪.‬‬

‫( ‪)4/294‬‬

‫لعل الساعة تكون قريبا ‪ :‬أي وما يشعرك أن الساعة قد تكون قريبة القيام‪.‬‬ ‫وأعد لهم سعيرا ‪ :‬أي نارا متسعرة‪.‬‬ ‫خالدين فيها ‪ :‬أي مقدرا خلودهم فيها إذ الخلود يكون بعد دخولهم فيها‪.‬‬ ‫تقلب وجوههم في النار ‪ :‬أي تصرف من جهة إلى جهة كاللحم عند شيّه يقلب في النار‪.‬‬ ‫يا ليتنا أطعنا ال ‪ :‬أي يتمنون بأقوالهم لو أنهم أطاعوا ال وأطاعوا الرسول‪.‬‬ ‫وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا‪ :‬هذا قول التباع يشكون إلى ال سادتهم ورؤساءهم‪.‬‬ ‫فأضلونا السبيل ‪ :‬أي طريق الهدى الموصل إلى رضا ال عز وجل بطاعته‪.‬‬ ‫آتهم ضعفين من العذاب ‪ :‬أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا لنهم أضلونا‪.‬‬ ‫والعنهم لعنا كبيرا ‪ :‬أي أخزهم خزيا متعدد المرات في عذاب جهنم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَسْأَُلكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ(‪ })1‬أي ميقات مجيئها السائلون مشركون وأهل الكتاب‬ ‫فالمشركون يسألون عنها استبعادا لها فسؤالهم سؤال استهزاء واليهود يسألون امتحانا للرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأمره تعالى أن يجيب السائلين بجواب واحد أل وهو إنما علمها عند ال‪،‬‬ ‫أي انحصر علمها في ال تعالى إذ أخفى ال تعالى أمرها عن الملئكة والمقربين منهم والنبياء‬ ‫والمرسلين منهم كذلك فضل عن غيرهم فل يعلم وقت مجيئها إل هو سبحان وتعالى‪ .‬وقوله‬ ‫عةَ َتكُونُ قَرِيبا} أي وما‬ ‫تعالى‪َ { :‬ومَا ُيدْرِيكَ} أي ل أحد يعلمك بها أيها الرسول‪ ،‬وقوله {َل َعلّ السّا َ‬ ‫يشعرك يا رسولنا لعل الساعة تكون قريبة القيام وهي كذلك قال تعالى {اقْتَ َربَ لِلنّاسِ حِسَا ُب ُهمْ}‬ ‫وقال { اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ} فأعلم بالقرب ولم يعلم بالوقت لحكم عالية منها استمرار الحياة كما(‪)2‬‬ ‫هي حتى آخر ساعة‪.‬‬ ‫سعِيرا} المكذبين بالساعة المنكرين لرسالتك‬ ‫ن وَأَعَدّ َلهُمْ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ َلعَنَ ا ْلكَافِرِي َ‬ ‫الجاحدين بنبوتك لعنهم فطردهم من رحمته وأعد لهم نارا مستعرة في جهنم خالدين فيها إذا‬ ‫دخلوها لم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬شاهد قرب الساعة في السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬بعثت أنا والساعة‬ ‫كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى"‪ .‬وحذفت التاء من قريبا ذهابا بالساعة إلى اليوم كما حذفت‬ ‫من قريب في قوله تعالى (إن رحمة ال قريب من المحسنين) ذهابا بالرحمة إلى العفو‪.‬‬ ‫‪ - 2‬من الحكم العالية لخفاء الساعة أن يكون العبد مستعدا لها باليمان وصالح العمال في كل‬ ‫وقت وكذلك ساعة الفرد وهي الموت‪.‬‬

‫( ‪)4/295‬‬

‫ن وَلِيّا} أي يتولهم فيدفع عنهم {وَل َنصِيرا} أي ينصرهم ويخلصهم‬ ‫يخرجوا منها أبدا {ل َيجِدُو َ‬ ‫ب وُجُو ُههُمْ فِي النّارِ}( ‪ )1‬تصرف من جهة إلى جهة كما‬ ‫من محنتهم في جهنم‪ .‬وقوله { َيوْمَ ُتقَّل ُ‬ ‫يقلب اللحم عند شيه يقولون عند ذلك يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا الرسول يتحسرون متمنين لو أنهم‬ ‫أطاعوا ال وأطاعوا الرسول في الدنيا ولم يكونوا عصوا ال والرسول‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقَالُوا رَبّنَا‬ ‫طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا}( ‪ )2‬هذه شكوى منهم واعتذارا وأنى لهم أن تقبل شكواهم وينفعهم‬ ‫إِنّا َأ َ‬ ‫اعتذارهم‪ .‬أطعناهم فيما كانوا يأمروننا به من الكفر والشرك وفعل الشر فأضلونا السبيل أي‬ ‫طريق الهدى فعشنا ضالين ومتنا كافرين وحشرنا مع المجرمين {رَبّنَا} أي يا ربنا آتهم ضعفين‬ ‫من العذاب أي ضاعف يا ربنا لسادتنا وكبرائنا الذين أضلونا ضاعف لهم العذاب فعذبهم ضعفي‬ ‫عذابنا‪ ،‬والعنهم أي واخزهم في العذاب خزيا كبيرا يتوالى(‪ )3‬عليهم دائما وأبدا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن علم الساعة استأثر ال به فل يعلم وقت مجيئها غيره‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الساعة قريبة القيام‪ ،‬ول منافاة بين قربها وعدم علم قيامها‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوال الكافرين فيها‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن طاعة السادة والكبراء في معاصي ال ورسوله يعود بالوبال على فاعليه‪.‬‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا َوكَانَ عِ ْندَ اللّ ِه َوجِيها(‪)69‬‬ ‫عمَاَل ُك ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُ ْم َومَنْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه َوقُولُوا َق ْولً سَدِيدا(‪ُ )70‬يصْلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫علَى ال ّ‬ ‫يُطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما(‪ )71‬إِنّا عَ َرضْنَا الَْأمَانَةَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وجائز أن تقلب الوجوه أيضا من لفح النار من السوداد إلى الخضرار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرئ ساداتنا بكسر التاء جمع سيد‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الضعف بكسر الضاد العدد المماثل للمعدود فالربعة ضعف الثنين وقرئ كثيرا وكبيرا‬ ‫وكثيرا يناسب قولهم ضعفين‪.‬‬

‫( ‪)4/296‬‬ ‫جهُولً(‪)72‬‬ ‫حمََلهَا الْأِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوما َ‬ ‫ش َفقْنَ مِ ْنهَا َو َ‬ ‫حمِلْ َنهَا وَأَ ْ‬ ‫وَالْأَ ْرضِ وَا ْلجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَ ْ‬ ‫ت وَيَتُوبَ اللّهُ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ‬ ‫ن وَا ْلمُشْ ِركَا ِ‬ ‫ت وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬ ‫لِ ُيعَ ّذبَ اللّهُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَا ِفقَا ِ‬ ‫غفُورا رَحِيما(‪)73‬‬ ‫َوكَانَ اللّهُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ‪ :‬أي يا من صدقوا بال ورسوله ولقاء ال وما جاء به رسول ال‪.‬‬

‫ل تكونوا كالذين آذوا موسى ‪ :‬أي ل تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه‬ ‫بقولهم إنه ما يمنعه من الغتسال معنا إل أنه آدر‪.‬‬ ‫فبرأه ال مما قالوا ‪ :‬أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين‪.‬‬ ‫وكان عند ال وجيها ‪ :‬أي ذا جاهٍ عظيم عند ال فل يخيّب له مسعى ول يرد له مطلبا‪.‬‬ ‫وقولوا قول سديدا ‪ :‬أي صدقا صائبا‪.‬‬ ‫يصلح لكم أعمالكم ‪ :‬أي الدينية والدنيوية إذ على الصدق والموافقة للشرع نجاح العمال والفوز‬ ‫بثمارها‪.‬‬ ‫فقد فاز فوزا عظيما ‪ :‬أي نال غاية مطلوبه وهو النجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫إنا عرضنا المانة ‪ :‬أي ما ائتمن عليه النسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه‬ ‫من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل‪.‬‬ ‫فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ‪ :‬أي رفضن اللتزام بها وخفن عاقبة تضييعها‪.‬‬ ‫وحملها النسان ‪ :‬أي آدم وذريته‪.‬‬ ‫إنه كان ظلوما جهولً ‪ :‬أي لنه كان ظلوما أي كثير الظلم لنفسه جهولً بالعواقب‪.‬‬

‫( ‪)4/297‬‬ ‫ليعذب ال المنافقين ‪ :‬أي وتحملها النسان قضاء وقدرا ليرتب ال تعالى على ذلك عذاب المنافقين‬ ‫والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات فيغفر لهم ويرحمهم‬ ‫وكان ال غفورا رحيما‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى ينادي ال تعالى مؤمني هذه المة‬ ‫ناهيا لهم عن أذى نبيهم بأدنى أذى‪ ،‬وأن ل يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير‬ ‫موطن ومن ذلك ما ذكره صلى ال عليه وسلم عنه في قوله من رواية مسلم(‪" )1‬أن بني إسرائيل‬ ‫كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض‪ ،‬وكان موسى يغتسل وحده فقالوا‪ :‬ما منعه أن‬ ‫يغتسل معنا إل أنه آدر‪ ،‬فذهب يوما يغتسل فوضع ثوبه(‪ )2‬على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر‬ ‫يهرب بالثوب فيجري موسى وراءه حتى وقف به على جمع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به‬ ‫أدرة ول برص كما قالوا فهذا معنى فبرأه ال مما قالوا‪ ،‬وكان عند ال وجيها أي ذا جاه عظيم‪.‬‬ ‫ومما حصل لرسول ال صلى ال عليه وسلم من أذى أذاه في اتهام زوجه بالفاحشة من قبل‬ ‫أصحاب الفك وقول بعضهم له وقد قسم مال هذه قسمة ما أريد به وجه ال‪.‬‬ ‫وقول بعضهم أعدل فينا يا رسول ال فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟‬ ‫وكان يقول يرحم ال موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر!! هذا ما دلت عليه الية الولى (‪)69‬‬

‫أما الية الثانية (‪ )70‬فقد نادى تعالى عباده المؤمنين الذين نهاهم عن أذية نبيهم وأن ل يكونوا في‬ ‫ذلك كقوم موسى بن عمران ناداهم ليأمرهم بأمرين الول بتقواه عز وجل إذ قال {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬ ‫آمَنُوا} أي صدقوا ال ورسوله‪{ .‬ا ّتقُوا اللّهَ} أي خافوا عقابه‪ .‬فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه‪.‬‬ ‫والثاني بالتزام القول الحق الصائب(‪ )3‬السديد‪ ،‬ورتب على المرين صلح أعمالهم ومغفرة‬ ‫ذنوبهم إذ قول الحق والتزام الصدق مما يجعل القوال والعمال مثمرة نافعة‪ ،‬فتثمر زكاة النفس‬ ‫طعِ اللّ َه وَرَسُوَلهُ} في المر والنهي فقد فاز‬ ‫وطهارة الروح‪ .‬ثم أخبرهم مبشرا إياهم بقوله‪َ { :‬ومَنْ يُ ِ‬ ‫فوزا عظيما وهي سعادة الدارين‪ :‬النجاة من كل مخوف والظفر بكل محبوب مرغوب ومن‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬رواه البخاري بمعناه أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال أهل العلم في وضع موسى ثوبه على الحجر ودخوله الماء عريانا دليل على جواز مثل‬ ‫هذا الصنيع وهو كذلك‪ ،‬وهذا الجواز ل يتنافى الستحباب إذ التستر مستحب بل خلف‪.‬‬ ‫‪ - 3‬القول السديد هو ل إله إل ال وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه‪ ،‬وهو ما أريد‬ ‫به وجه ال دون سواه فالقول السديد الصائب يشمل كل هذا الذي ذكر‪.‬‬

‫( ‪)4/298‬‬ ‫عمَاَلكُمْ وَ َيغْفِرْ َلكُمْ‬ ‫ذلك النجاة من النار ودخول الجنة‪ .‬هذا ما تضمنته قوله تعالى { ُيصْلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬ ‫طعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما} وقوله تعالى‪{ :‬إِنّا عَ َرضْنَا الَْأمَانَةَ} يخبر تعالى‬ ‫ذُنُو َبكُ ْم َومَنْ يُ ِ‬ ‫منبها محذرا فيقول‪{ :‬إِنّا عَ َرضْنَا الَْأمَانَةَ}( ‪ )1‬وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما ائتمن‬ ‫عليه النسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه عرض المانة على السموات‬ ‫والرض والجبال بعد أن خلق ال لها عقلً ونطقا ففهمت الخطاب وردت الجواب فأبت تحملها‬ ‫بثوابها وأشفقت وخافت من تبعتها‪ ،‬وعرضت على النسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب‬ ‫لنه كان ظلوما لنفسه يوردها موارد السوء جهولً بعواقب المور‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الرابعة‬ ‫حمِلْ َنهَا‬ ‫ض وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ َي ْ‬ ‫ت وَالْأَ ْر ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫(‪ )72‬وهي قوله تعالى {إِنّا عَ َرضْنَا الَْأمَانَةَ عَلَى ال ّ‬ ‫جهُولً} ‪ .‬وقوله تعالى { لِ ُيعَ ّذبَ(‪ )3‬اللّهُ ا ْلمُنَافِقِينَ‬ ‫حمََلهَا الْأِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوما(‪َ )2‬‬ ‫شفَقْنَ مِ ْنهَا وَ َ‬ ‫وَأَ ْ‬ ‫ن وَا ْلمُشْ ِركَاتِ} أي بتبعة النفاق والشرك‪ ،‬ويتوب ال على المؤمنين‬ ‫وَا ْلمُنَافِقَاتِ(‪ )4‬وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬ ‫ض المانة وقبولُ آدم لها ليؤول المر إلى أن يكفر بعض أفراد النسان‬ ‫والمؤمنات أي تمّ عر ُ‬ ‫فيعذبوا بكفرهم الذي نجم عن تضييع المانة‪ ،‬ويؤمن بعض آخر فيفرط بعض التفريط ويتوب ال‬ ‫عليه فيغفر له ويدخله الجنة وكان ال غفورا رحيما ومن آثار ذلك أن تاب ال على المؤمنين‬ ‫والمؤمنات وغفر لهم ورحمهم بإدخالهم الجنة فسبحان ال المدبر الحكيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تقوى ال عز وجل بفعل الوامر واجتناب المناهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬صلح العمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس‪ ،‬وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق في‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى معمر عن الحسن أن المانة عرضت على السموات والرض والجبال قالت وما فيها؟‬ ‫قيل لها إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فقالت ل قال مجاهد فلما خلق ال آدم عرضها‬ ‫عليه قال وما هي؟ قال إن أحسنت أجرتُك وإن أسأت عذبتك قال فقد تحملتها يا رب‪ .‬قال مجاهد‬ ‫فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إل قدر ما بين الظهر والعصر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬فكان النسان فريقين فريق ظلوم وفريق راشد عالم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ليعذب اللم متعلقة بحمل أي حملها ليعذب العاصي ويثاب المطيع فهي لم التعليل وتعذيبهم‬ ‫نتيجة إضاعتهم المانة‪ ،‬ورحمة المؤمنين والمؤمنات نتيجة محافظتهم على المانة برعايتهم لها‬ ‫وسر ذلك أن التكاليف عملها يزكي النفس ويطهرها فتتأهل للجنة‪ ،‬وعدم عملها بتركها يسبب خبث‬ ‫النفس وهو يؤهل للنار وعذابها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ذكر المنافقات والمشركات لن المقام كمقام الشهاد يتطلب ذكر الشاهد إقامة للحجة وإظهارا‬ ‫للعدالة ولن الجزاء العادل يتطلب التنصيص على من يقضى له أو عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/299‬‬ ‫القول والعمل وهو القول السديد المنافي للكذب والنحراف في القول والعمل‬ ‫‪ -3‬طاعة ال ورسوله سبيل الفوز والفلح في الدين‬ ‫‪ -4‬وجوب رعاية المانة وأدائها ‪ ،‬ولم يخل احد من أمانة‬ ‫‪ -5‬وصف النسان بالظلم والجهل وبالكفر والمهانة والضعف ف آيات أخرى يستلزم طلب علج‬ ‫لهذه الصفات وعلجها جاء مبينا في سورة المعارج في قوله { إِل ا ْل ُمصَلّينَ } إلي قوله { وَالّذِينَ‬ ‫هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ }‬

‫( ‪)4/300‬‬ ‫سورة سبأ‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة سبأ(‪)1‬‬ ‫مكية‬

‫وآياتها أربع وخمسون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حكِيمُ ا ْلخَبِيرُ(‪)1‬‬ ‫حمْدُ فِي الْآخِ َر ِة وَ ُهوَ ا ْل َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ وَلَهُ ا ْل َ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬ ‫الْ َ‬ ‫سمَا ِء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ الرّحِيمُ ا ْل َغفُورُ(‬ ‫ض َومَا يَخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنْ ِزلُ مِنَ ال ّ‬ ‫َيعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫‪)2‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الحمد ل ‪ :‬أي الوصف بالجميل واجب ل مستحق له‪.‬‬ ‫الذي له ما في السموات وما في الرض ‪ :‬أي خلقا وملكا وتصريفا وتدبيرا‪.‬‬ ‫وله الحمد في الخرة ‪ :‬أي يحمده فيها أولياؤه وهم في رياض الجنان‪ ،‬كما له الحمد في الدنيا‪.‬‬ ‫وهو الحكيم الخبير ‪ :‬أي الحكيم في أفعاله الخبير بأحوال عباده‪.‬‬ ‫يعلم ما يلج في الرض ‪ :‬أي ما يدخل فيها من مطر وأموات وكنوز‪.‬‬ ‫وما يخرج منها ‪ :‬أي من نبات وعيون ومعادن‪.‬‬ ‫وما ينزل من السماء ‪ :‬أي من ملئكة وأمطار وأرزاق ونحوها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه السورة "الحمد ل" هي إحدى خمس سور مفتتحة بالحمد ل وهن كلهن مكيات أولهن‬ ‫الفاتحة وآخرهن فاطر‪.‬‬

‫( ‪)4/300‬‬ ‫وما يعرج فيها ‪ :‬أي وما يصعد فيها من ملئكة وأعمال العباد وأرواحهم بعد الموت‪.‬‬ ‫وهو الرحيم الغفور ‪ :‬أي الرحيم بالمؤمنين الغفور للتائبين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى عباده بأن له الحمد(‪ )1‬والشكر الكاملين التامين‪ ،‬دون سائر خلقه‪ ،‬فل يُحمد على‬ ‫الحقيقة إل هو أما مخلوقاته فكل ما يحمد له هو من عطاء ال تعالى لها وإفاضته عليها فل‬ ‫يستحق الحمد على الحقيقة إل ال‪ ،‬كما أخبر تعالى بموجب حمده وشكره وهو أن له ما في‬ ‫السموات وما في الرض خلقا وملكا وتدبيرا وتصريفا وليس لحد سواه من ذلك شيء هذا في‬ ‫حمْدُ فِي الْآخِ َرةِ} إذ يكرم أولياءه فينزلهم دار السلم فيحمدونه على ذلك { َوقَالُوا‬ ‫الدنيا‪َ { ،‬ولَهُ(‪ )2‬ا ْل َ‬ ‫حكِيمُ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي صَ َدقَنَا وَعْ َد ُه وََأوْرَثَنَا الْأَ ْرضَ نَتَ َبوّأُ مِنَ ا ْلجَنّةِ حَ ْيثُ نَشَاءُ} وقوله تعالى { َو ُهوَ الْ َ‬ ‫الْ َ‬ ‫الْخَبِيرُ} في تصريف أمور عباده وسائر مخلوقاته وتدبيرها الخبير بأحوالها العليم بصفاتها‬ ‫الظاهرة والباطنة‪.‬‬ ‫وقوله { َيعْلَمُ مَا َيلِجُ} أي ما يدخل(‪ )3‬في الرض من مطر وكنوز وأموات‪َ { ،‬ومَا يَخْرُجُ مِ ْنهَا} أي‬

‫من الرض من نبات ومعادن ومياه‪ ،‬وما ينزل من السماء من أمطار وملئكة وأرزاق(‪َ { ،)4‬ومَا‬ ‫َيعْرُجُ فِيهَا} أي يصعد من ملئكة وأعمال العباد‪ .‬وهو مع هذه القدرة والجلل والكمال هو وحده‬ ‫الرحيم بعباده المؤمنين الغفور للتائبين‪ .‬بهذه الصفات الثابتة للذات اللهية وهي صفات جلل‬ ‫وجمال كمال استحق الرب تعالى العبادة دون سواه فكل تأليه لغيره هو باطل ومنكر وزور يجب‬ ‫تركه والتخلي عنه‪ ،‬والتنديد بفاعله حتى يتركه ويتخلى عنه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب حمد ال تعالى(‪ )5‬وشكره بالقلب واللسان والجوارح والركان‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الحمد الكامل والثناء الشامل كله ل‪ ،‬إذ النعم كلها منه وله الحمد في الولى لنه المالك وله‬ ‫الحمد في الخرة كذلك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجملة عطف على الصلة أي والذي له الحمد في الخرة‪ ،‬وفيها إشارة إلى أنه مالك المر‬ ‫في الخرة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الذي يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها يعلم من باب أولى ما يدب على سطحها وما‬ ‫يزحف فوقها والذي يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج فيها يعلم من باب أولى ما يجول في‬ ‫أرجائها ويعلم سير كواكبها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬وكذا من الثلوج والبرد والصواعق‪.‬‬ ‫‪ - 5‬حمده تعالى نفسه دليل على أنه محب الحمد‪ .‬ولذا كان الحمد رأس الشكر وشاهده قول‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم ما من أحد أحب إليه الحمد من ال تعالى حتى إنه حمد نفسه‪.‬‬

‫( ‪)4/301‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الحمد ل يصح إل مع مقتضيه من الجلل والجمال‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل يحمد في الخرة إل ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان علم ال تعالى بالظواهر والبواطن في كل خلقه‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير توحيد ال تعالى في ربوبيته وألوهيته‪.‬‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل تَأْتِينَا السّاعَةُ ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ ل َيعْ ُزبُ عَ ْنهُ مِ ْثقَالُ ذَ ّرةٍ فِي‬ ‫صغَرُ مِنْ َذِلكَ وَل َأكْبَرُ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(‪)3‬‬ ‫ض وَل َأ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ وَل فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫ال ّ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(‪)4‬‬ ‫لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫عذَابٌ مِنْ ِرجْزٍ أَلِيمٌ(‪)5‬‬ ‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬ ‫وَالّذِينَ َ‬ ‫حمِيدِ(‪)6‬‬ ‫وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ الّذِي أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَقّ وَ َيهْدِي إِلَى صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل تأتينا الساعة ‪ :‬أي القيامة‪.‬‬ ‫ل يعزب عنه ‪ :‬أي ل يغيب عنه‪.‬‬ ‫مثقال ذرة ‪ :‬أي وزن ذرة‪ :‬أصغر نملة‪.‬‬

‫( ‪)4/302‬‬ ‫ول أصغر من ذلك ول أكبر ‪ :‬أصغر من الذرة ول أكبر منها‪.‬‬ ‫إل في كتاب مبين ‪ :‬أي موجود في اللوح المحفوظ مكتوب فيه‪.‬‬ ‫ليجزي الذين ‪ :‬أي أثبته في اللوح المحفوظ ليحاسب به ويجزي صاحبه‪.‬‬ ‫والذين سعوا في آياتنا ‪ :‬أي عملوا على إبطالها وسعوا في ذلك جهدهم‪.‬‬ ‫معاجزين ‪ :‬أي مغالبين لنا ظانين عجزنا عنهم‪ ,‬وأنهم يفوتوننا فل نبعثهم ول نحاسبهم ول‬ ‫نجزيهم‪.‬‬ ‫عذاب من رجز أليم ‪ :‬أي عذاب من أقبح العذاب وأسوأه ‪.‬‬ ‫ويرى الذين أوتوا العلم ‪ :‬أي ويعلم الذين أوتوا العلم وهم علماء أهل الكتاب كعبد ال ابن سلم‬ ‫وأصحابه‪.‬‬ ‫الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ‪ :‬أي القرآن هو الحق الموحى به من ال تعالى‪.‬‬ ‫ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ‪ :‬أي القرآن يهدي إلى صراط ال الموصل إلى رضاه وجواره‬ ‫الكريم وهو السلم ‪ .‬والعزيز ذو العزة والحميد المحمود‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫بعد ما قررت اليات السابقة توحيد ال في ربوبيته وألوهيته ذكر تعالى في هذه اليات تقرير‬ ‫عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى مخبرا بما قاله منكروا البعث والجزاء ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ(‪َ )1‬كفَرُوا‬ ‫ل تَأْتِينَا السّاعَةُ}( ‪ )2‬وهو إنكار منهم للبعث إذ الساعة هي ساعة الفناء والبعث بعدها‪ ،‬وأمر‬ ‫رسوله أن يقول لهم‪{ :‬بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ} أي أقسم لهم بال تعالى ربه ورب كل شيء لتأتينهم‬ ‫أحبوا أم كرهوا ثم أثنى الرب تبارك وتعالى على نفسه بصفة العلم إذ البعث يتوقف على العلم كما‬ ‫يتوقف على القدرة والقدرة حاصلة‪ ،‬إذ خلقهم ورزقهم ويميتهم‪ .‬فذكر تعالى أنه عالم الغيب وهو(‬ ‫‪ )3‬كل ما غاب في السموات وفي الرض‪ .‬وأخبر أنه ل يعزب أي ل يغيب عن علمه مثقال ذرة‬ ‫أي(‪ )4‬وزن ذرة في السموات ول في الرض‪ ،‬ول أصغر من الذرة ول أكبر أيضا إل في كتاب‬ ‫مبين أي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روي أن أبا سفيان هو الذي قال هذه المقالة حيث قال لخوانه من أهل الكفر بمكة واللت‬

‫والعزى ل تأتينا الساعة أبدا ول نبعث فأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليه دعواه بقوله (قل بلى‬ ‫وربي لتبعثن) الية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الساعة علم بالغلبة في القرآن على يوم القيامة وساعة النشر والحشر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرأ نافع وعنه ورش عالم بالرفع على البتداء وقرأ حفص بالخفض نعت لسم الجللة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال القرطبي مثقال ذرة أي قدر نملة صغيرة‪.‬‬

‫( ‪)4/303‬‬ ‫بين وهو اللوح المحفوظ الذي كتب ال فيه كل أحداث العالم فل حركة ول سكون وقع أو يقع في‬ ‫الكون إل وله صورته ووقته في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫هذا ما تضمنته الية الثالثة وقوله تعالى في الية (‪ )4‬ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي‬ ‫إذ الحكمة من كتابة الحداث صغيرها وكبيرها ومن البعث الخر هي ليجزي تعالى الذين آمنوا‬ ‫أي صدقوا ال رسوله وعملوا الصالحات وهي أداء الفرائض والسنن بما ذكر من جزائهم في‬ ‫س َعوْا‬ ‫قوله‪{ :‬أُولَ ِئكَ َلهُمْ َمغْفِ َرةٌ} أي لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في الجنة وقوله في الية (‪{ )5‬وَالّذِينَ َ‬ ‫فِي آيَاتِنَا} بين فيه جزاء الكافرين بعد أن بين جزاء المؤمنين ذلك الجزاء الذي هو حكمة وعلة‬ ‫س َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ(‪ })1‬أي والذين‬ ‫البعث وكتابة العمال في اللوح المحفوظ فقال‪{ :‬وَالّذِينَ َ‬ ‫عملوا جهدهم في إبطال آيات ال إذ قالوا فيها أنها من كلم الكهان وأنها شعر وأساطير الولين‬ ‫حتى ل يؤمنوا ول يوحدوا أولئك البعداء في الخسّة والنحطاط لهم جزاء‪ ،‬عذاب من رجز أليم(‬ ‫‪ )2‬والرجز سيء العذاب وأشده ومعنى أليم أي ذي ألم وإيجاع شديد‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬في الية (‪{ )6‬وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ} ‪ ،‬أي ويعلم علماء أهل الكتاب كعبد ال(‪)3‬‬ ‫بن سلم وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب‪ .‬الذي أنزل إليك من ربك وهو القرآن الكريم هو الحق‬ ‫ويهدي إلى صراط العزيز الحميد‪ ،‬وعلم أهل الكتاب بأن القرآن حقّ ناتج عن موافقته لما في‬ ‫كتاب ال التوراة من عقيدة القدر وكتابة العمال دقيقها وجليلها في اللوح المحفوظ ليجزي بها ال‬ ‫تعالى المؤمنين والكافرين يوم القيامة‪.‬‬ ‫هذا ما دلت عليه الية (‪ )6‬والخيرة وهي قوله تعالى‪{ :‬وَيَرَى} أي وليعلم {الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ الّذِي‬ ‫حمِيدِ} وهو السلم‪.‬‬ ‫ق وَ َيهْدِي إِلَى صِرَاطِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬ ‫أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُهوَ ا ْلحَ ّ‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير توحيد اللوهية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر وكتابة العمال والحداث في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫‪ -3‬طلب شهادة أهل الكتاب على صحة السلم والحصول عليها لموافقة التوراة للقرآن‪.‬‬

‫‪ -4‬تقرير النبوة إذ القرآن فرع نبوة الرسول صلى ال عليه وسلم ودليلها المقرر لها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي أي في إبطال أدلتنا والتكذيب بآياتنا وما في التفسير أشمل وأوضح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ نافع بجر أليم نعت لرجز وقرأ حفص برفع أليم نعت لعذاب المرفوع‪.‬‬ ‫‪ - 3‬على هذا التفسير أن الية مدنية كما قال بعضهم حيث استثناها من آيات السورة وجائز أن‬ ‫يراد بالذين أوتوا العلم أبو بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب والصحاب رضوان ال عليهم إذ‬ ‫هم من أولي العلم‪.‬‬

‫( ‪)4/304‬‬ ‫جدِيدٍ(‪َ )7‬أفْتَرَى‬ ‫جلٍ يُنَبّ ُئ ُكمْ إِذَا مُ ّزقْ ُتمْ ُكلّ ُممَزّقٍ إِ ّنكُمْ َلفِي خَ ْلقٍ َ‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ َندُّلكُمْ عَلَى رَ ُ‬ ‫ب وَالضّللِ الْ َبعِيدِ(‪َ )8‬أفََلمْ يَ َروْا إِلَى‬ ‫عَلَى اللّهِ َكذِبا أَمْ ِبهِ جِنّةٌ َبلِ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َرةِ فِي ا ْلعَذَا ِ‬ ‫سقِطْ عَلَ ْيهِمْ كِسَفا مِنَ‬ ‫سفْ ِبهِمُ الْأَ ْرضَ َأوْ ُن ْ‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِنْ نَشَأْ َنخْ ِ‬ ‫مَا بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫سمَاءِ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآيَةً ِل ُكلّ عَ ْبدٍ مُنِيبٍ(‪)9‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقال الذين كفروا ‪ :‬أي قال بعضهم لبعض على جهة التعجيب‪.‬‬ ‫هل ندلكم على رجل ‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إذا مزقتم كل ممزق ‪ :‬أي قطعتم كل التقطيع‪.‬‬ ‫إنكم لفي خلق جديد ‪ :‬أي تبعثون خلقا جديدا لم ينقص منكم شيء‪.‬‬ ‫أم به جنة ‪ :‬أي جنون تخيل له بذلك‪.‬‬ ‫بل الذين ل يؤمنون بالخرة في العذاب والضلل البعيد‪ :‬أي ليس المر كما يقول المشركون من‬ ‫افتراء الرسول أو جنونه بل المر الثابت والواقع أن الذين ل يؤمنون بالخرة في العذاب في‬ ‫الخرة والضلل البعيد في الدنيا‪.‬‬ ‫أفلم يروا ‪ :‬أي ينظروا‪.‬‬ ‫إلى ما بين أيديهم وما خلفهم‪ :‬أي من أمامهم وورائهم وفوقهم وتحتهم إذ هم محاطون من كل جهة‬ ‫من السماء والرض‪.‬‬ ‫أو نسقط عليهم كسفا‪ :‬أي قطعا جمع كسفة أي قطعة‪.‬‬ ‫إن في ذلك لية ‪ :‬أي علمة واضحة ودليلً قاطعا على قدرة ال عليهم‪.‬‬

‫( ‪)4/305‬‬

‫لكل عبد منيب‪ :‬أي لكل مؤمن منيب إلى ربّه رجّاع إليه في أمره كله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء إنه لما قررها تعالى في اليات قبل أورد هنا ما‬ ‫يتقاوله المشركون بينهم في تهكم واستهزاء واستبعاد للحياة الخرة‪ .‬فقال تعالى حاكيا قولهم‪:‬‬ ‫جلٍ}‬ ‫{ َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا} وهم مشركو مكة أي بعضهم لبعض متعجبين { َهلْ َندُّلكُمْ(‪ )1‬عَلَى َر ُ‬ ‫يعنون محمدا صلى ال عليه وسلم {يُنَبّ ُئكُمْ} أي يخبركم بأنكم إذا متم وتمزقت لحومكم وتكسرت‬ ‫عظامكم وذهبتم في الرض ترابا تبعثون في خلق جديد بعد أن مزقتم كل ممزق(‪ )2‬أي كل‬ ‫التمزيق فلم يبق لكم شيء متصل ببعضه بعضا‪َ{ .‬أفْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا} أي(‪ )3‬محمد فكذب على‬ ‫ال هذا القول وزوره عنه وادعى أنه أخبره بوجود بعث جديد للناس بعد موتهم لحسابهم‬ ‫وجزائهم؟! أم به جنة أي مس من جنون فهي تخيل له صور البعث وما يجري فيه وهو يخبر به‬ ‫ويدعو إلى اليمان به؟ وهنا رد ال تعالى عليهم كذبهم وباطلهم فقال { َبلِ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ(‪)4‬‬ ‫بِالْآخِ َرةِ فِي ا ْلعَذَابِ وَالضّللِ الْ َبعِيدِ} أي ليس المر كما يقولون من أن النبي افترى على ال كذبا‪،‬‬ ‫أو به جنون فتخيل له بالبعث وإنما المر الثابت والواقع المقطوع به أن الذين ل يؤمنون بالخرة‬ ‫في العذاب يوم القيامة وفي الضلل البعيد اليوم في الدنيا وشؤمهم أتاهم من تكذيبهم بالخرة‪.‬‬ ‫ثم قال تعالى مهددا لهم لعلهم يرتدعون عن التهجم والتهكم بالنبي صلى ال عليه وسلم {َأفََلمْ يَ َروْا}‬ ‫أي أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم(‪ )5‬وما خلفهم من السماء والرض أفلم ينظروا كيف هم‬ ‫محاطون من فوقهم ومن تحتهم ومن أمامهم ومن ورائهم أي الرض تحتهم والسماء فوقهم {إِنْ‬ ‫سقِطْ عَلَ ْي ِهمْ(‪ )6‬كِسَفا} أي قطعا من السماء فتهلكهم‬ ‫سفْ ِبهِمُ الْأَ ْرضَ} فيعودون فيها { َأوْ نُ ْ‬ ‫نَشَأْ َنخْ ِ‬ ‫عن آخرهم فل يجدون مهربا والجواب ل‪ ،‬لنهم مهما جروْا هاربين ل تزال السماء فوقهم‬ ‫والرض تحتهم وال قاهر لهم متى شاء خسف بهم أو أسقط السماء عليهم‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ فِي‬ ‫ذَِلكَ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام مستعمل في العرض مثل‪( :‬فقل هل لك إلى أن تزكى) أي يعرض عليه ما هو‬ ‫صالح له‪ .‬والستفهام في الية وإن كان للعرض فهو مكنى به عن التعجب أي هل ندلكم على‬ ‫أعجوبة وهي رجل ينبئكم بهذا النبأ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬التمزق والتفرق والتشتيت‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذه الجملة (افترى) صفة ثابتة لرجل والصفة والصفة الولى هي قوله ينبئكم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬في الجملة إدماج يصف به حالهم في الخرة مع وصف حالهم في الدنيا إذ أخبر أنهم في‬ ‫الخرة في العذاب وفي الدنيا في الضلل البعيد‪.‬‬ ‫‪ - 5‬المراد بما بين أيديهم هو ما يستقبله النسان من الكائنات السماوية والرضية‪ ،‬وبما خلفهم‬

‫وهو ما وراء النسان من الكائنات الرضية والسماوية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬قرأ نافع كسفا بسكون السين وقرأ حفص بفتحها‪.‬‬

‫( ‪)4/306‬‬ ‫لَآيَةً ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} أي إن في ذلك المذكور من إحاطة السماء والرض وقدرة ال على خسف‬ ‫من شاء خسف الرض بهم وإسقاط كسف من السماء على من شاء ذلك لهم آية وعلمة بارزة‬ ‫على قدرة ال على إهلك من شاء ممن كفر بال وبرسوله وكذبوا بلقائه‪ .‬وكون المذكور آية لكل‬ ‫عبد منيب دون غيره لن المنيب هو الرجاع إلى ربه كلما أذنب آب لخشيته من ربه فالخائف‬ ‫الخاشي هو الذي يجد الية واضحة أمامه في إحاطة الرض والسماء بالنسان وقدرة ال على‬ ‫خسف الرض به وإسقاط السماء كسفا عليه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما كان المشركون عليه من استهزاء وتكذيب وسخرية بالنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث وأن المكذبين به محكوم عليهم بالعذاب فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬لفت النظار إلى قدرة ال تعالى المحيطة بالنسان ليخشى ال تعالى ويرهبه فيؤمن به ويعبده‬ ‫ويوحده‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل النابة إلى ال وشرف المنيب‪ .‬والنابة الرجوع إلى التوبة بعد الذنب والمعصية‪،‬‬ ‫والمنيب الذي رجع في كل شيء إلى ربه تعالى‪.‬‬ ‫ع َملْ سَا ِبغَاتٍ َوقَدّرْ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنّا َفضْلً يَا جِبَالُ َأوّبِي َمعَ ُه وَالطّيْ َر وَأَلَنّا َلهُ ا ْلحَدِيدَ(‪ )10‬أَنِ ا ْ‬ ‫شهْرٌ‬ ‫حهَا َ‬ ‫شهْ ٌر وَ َروَا ُ‬ ‫غ ُدوّهَا َ‬ ‫عمَلُوا صَالِحا إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪ )11‬وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ ُ‬ ‫فِي السّرْ ِد وَا ْ‬ ‫وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ا ْلقِطْ ِر َومِنَ الْجِنّ مَنْ َي ْعمَلُ بَيْنَ َيدَيْهِ بِِإذْنِ رَبّ ِه َومَنْ يَ ِزغْ مِ ْنهُمْ عَنْ َأمْرِنَا ُن ِذقْهُ مِنْ‬ ‫جوَابِ َوقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ‬ ‫جفَانٍ كَالْ َ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫سعِيرِ(‪َ )12‬ي ْعمَلُونَ لَهُ مَا َيشَاءُ مِنْ َمحَارِيبَ وَ َتمَاثِي َ‬ ‫عَذَابِ ال ّ‬ ‫شكْرا َوقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ‬ ‫عمَلُوا آلَ دَاوُدَ ُ‬ ‫اْ‬

‫( ‪)4/307‬‬ ‫شكُورُ(‪ )13‬فََلمّا َقضَيْنَا عَلَيْهِ ا ْل َم ْوتَ مَا دَّلهُمْ عَلَى َموْتِهِ إِلّا دَابّةُ الْأَ ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِنْسَأَتَهُ فََلمّا خَرّ‬ ‫ال ّ‬ ‫تَبَيّ َنتِ الْجِنّ أَنْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ مَا لَبِثُوا فِي ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ(‪)14‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد آتينا داود منا فضلً ‪ :‬أي نبوة وملكا‪.‬‬

‫يا جبال أوّبي معه ‪ :‬أي وقلنا يا جبال أوّبي معه أي رجّعي بالتسبيح‪.‬‬ ‫والطير ‪ :‬أي والطير تسبح أيضا معه‪.‬‬ ‫وألنا له الحديد ‪ :‬أي جعلناه له في اللين كالعجينة يعجنها كما يشاء‪.‬‬ ‫أن اعمل سابغات ‪ :‬أي دروعا طويلة تستر المقاتل وتقيه ضربة السيف‪.‬‬ ‫وقدر في السرد ‪ :‬أي اجعل المسمار مناسبا للحلقة‪ ،‬فل يكن غليظا ول دقيقا‪ ،‬أي اجعل المسامير‬ ‫مقدرة على قدر الحلق لما يترتب على عدم المناسبة من فساد الدروع وعدم النتفاع بها‪.‬‬ ‫ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ‪ :‬أي وسخرنا لسليمان الريح غدوها أي سيرها من‬ ‫الغداة إلى منتصف النهار مسيرة شهر ورواحها شهر من منتصف النهار إلى الليل شهر كذلك أي‬ ‫مسافة شهر‪.‬‬ ‫وأسلنا له عين القطر ‪ :‬أي وأسلنا له عين النحاس‪.‬‬ ‫ومن يزغ منهم ‪ :‬أي ومن يعدل عن طاعة سليمان فلم يطعه نذقه من عذاب السعير‪.‬‬ ‫من محاريب ‪ :‬جمع محراب المقصورة تكون إلى جوار المسجد للتعبد فيها‪.‬‬ ‫وجفان كالجواب ‪ :‬أي وقصاع في الكبر كالحياض التي حول البار يجبى إليها الماء‪.‬‬ ‫وقدور راسيات ‪ :‬أي وقدور كبار على الثافي لكبرها ل تحول‪.‬‬

‫( ‪)4/308‬‬ ‫إل دابة الرض ‪ :‬أي الرضة‪.‬‬ ‫تأكل منسأته ‪ :‬أي عصاه بلغة الحبشة‪.‬‬ ‫فلما خرّ ‪ :‬أي سقط على الرض ميتا‪.‬‬ ‫تبيّنت الجن ‪ :‬أي انكشف لها فعرفت‪.‬‬ ‫في العذاب المهين‪ :‬وهو خدمة سليمان في العمال الشاقة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يذكر تعالى في هذا السياق الكريم مظاهر قدرته وإنعامه على عباده المؤمنين ترغيبا لهم في‬ ‫طاعته وترهيبا من معصيته فيقول‪{ :‬وََلقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنّا(‪َ )1‬فضْلً} وهو النبوة والزبور "كتاب"‬ ‫والملك‪ .‬وقلنا للجبال {َأوّبِي} مع سليمان أي ارجعي صوت تسبيحه(‪ )2‬والطير أمرناها كذلك فكان‬ ‫حدِيدَ(‬ ‫إذا سبح ردد تسبيحه الجبال والطير‪ .‬وهذا تسخير ل يقدر عليه إل ال‪ .‬وقوله‪{ :‬وَأَلَنّا َلهُ الْ َ‬ ‫‪ })3‬وهذا امتنان آخر وهو تسخير الحديد له وتليينه حتى لكأنه عجينة يتصرف فيها كما شاء‪،‬‬ ‫وقلنا له اعمل دروعا طويلة سابغات تستتر بها في الحروب‪َ { ،‬و َقدّرْ فِي السّرْدِ(‪ })4‬وقوله‬ ‫عمَلُوا صَالِحا(‪ })5‬أي اعملوا بطاعتي وترك معصيتي فأدوا الفرائض والواجبات واتركوا الثم‬ ‫{وَا ْ‬ ‫والمحرمات‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} فيه وعد ووعيد إذ العلم بالعمال يستلزم الثواب‬

‫عليها إن كانت صالحة والعقاب عليها إن كانت فاسدة‪.‬‬ ‫شهْرٌ}‬ ‫حهَا َ‬ ‫شهْرٌ وَرَوَا ُ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِلسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ} أي سخرنا لسليمان بن داود الريح {غُ ُدوّهَا َ‬ ‫أي تقطع مسافة شهر في الصباح‪ ،‬وأخرى في المساء أي من منتصف النهار إلى الليل فتقطع‬ ‫مسيرة شهرين في يوم واحد‪ ،‬وذلك أنه كان لسليمان مركب من خشب يحمل فيه الرجال والعتاد‬ ‫وترفعه الجان من الرض فإذا ارتفعت جاءت عاصفة فتحملها ثم تتحول إلى رخاء فيوجه سليمان‬ ‫السفينة حيث شاء بكل ما تحمله وينزل بها كسفينة فضاء تماما‪ .‬وقوله تعالى {وََأسَلْنَا لَهُ عَيْنَ‬ ‫ا ْلقِطْرِ} وهو النحاس فكما ألن لداود الحديد للصناعة أجرى لسليمان عين النحاس لصناعته‬ ‫فيصنع ما شاء من آلت وأدوات النحاس‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بين تعالى بهذه الية أن إرسال نبيه محمد صلى ال عليه وسلم لم يكن أمرا خارقا للعادة ول‬ ‫منافيا لمقتضيات العقول إذ أرسل من قبله رسلً وآتى داود من النعام ما قرر به رسالته وأثبت‬ ‫به نبوته وكذا ولده سليمان عليهما السلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬والطير منصوب بالعطف على المنادى "يا جبال" لن المعطوف المعرف على المنادى يجوز‬ ‫نصبه ورفعه والنصب أولى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الحديد تراب معدني إذا صهر بالنار امتزج بعضه ببعض ولن وأمكن تطريقه وتشكيله فإذا‬ ‫برد تصلب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قدر الشيء جعله على قدر معيّن والسرد هو تركيب حلقها ومساميرها بصورة متناسبة‬ ‫بحيث ل يعظم المسمار فيغلق الحلقة‪ ،‬ول يرق فل تمسكه‪.‬‬ ‫‪ - 5‬لمّا عدد عليه نعمه أمره بشكره وهو العمل الصالح الشامل للحمد والشكر والطاعة والصبر‪.‬‬

‫( ‪)4/309‬‬ ‫وقوله تعالى { َومِنَ ا ْلجِنّ} أي وسخرنا من الجن من يعمل بين يديه أي أمامه وتحت رقابته يعمل‬ ‫له ما يريد عمله من أمور الدنيا‪ .‬وذلك بإذن ربه تعالى القادر على تسخير ما يشاء لمن يشاء‪.‬‬ ‫وقوله { َومَنْ يَ ِزغْ مِ ْنهُمْ} أي ومن يعدل من الجن {عَنْ َأمْرِنَا} أي عما أمرناهم بعمله وكلفناهم به‬ ‫سعِيرِ} وذلك يوم القيامة(‪ .)1‬وقوله { َي ْعمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ} بيان لما في قوله {مَنْ‬ ‫{ ُن ِذقْهُ مِنْ عَذَابِ ال ّ‬ ‫َي ْع َملُ بَيْنَ َيدَيْهِ} من محاريب قصور أو بيوت تكون ملصقة للمسجد للتعبد فيها‪ ،‬وتماثيل أي‬ ‫صور من نحاس أو خشب إذ لم تكن محرمة في شريعتهم وجفان جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة‬ ‫تتسع لعشرة من الكلة‪ ،‬كالجواب أي في الكبر والجابية(‪ )2‬حوض يفرغ فيه ماء البئر ثم يسقى به‬ ‫الزرع أو قدور راسيات أي ويعملون له قدورا ضخمة ل تتحول بل تبقى دائما موضوعة على‬ ‫الثافي ويطبخ فيها وهي في مكانها وذلك لكبرها ومعنى راسيات ثابتات على الثافي‪.‬‬

‫عمَلُوا} أي قلنا لهم اعملوا آل داود شكرا أي اعملوا الصالحات شكرًا ل تعالى على‬ ‫وقوله تعالى {ا ْ‬ ‫هذا الفضال والنعام أي أقيموا الصلة وآتوا الزكاة وأطيعوا ربكم في أمره ونهيه يكن ذلك منكم‬ ‫شكرا ل على نعمه‪ .‬روي أنه لما أمروا بهذا المر قال داود عليه السلم لله أيكم يكفيني النهار‬ ‫فإني أكفيكم الليل فصلوا ل شكرا فما شئت أن ترى في مسجدهم راكعا أو ساجدا في أية ساعة‬ ‫من ليل أو نهار إل رأيت‪ .‬ويكفي شاهدا أن سليمان مات وهو قائم يصلي في المحراب‪ .‬وقوله‬ ‫شكُورُ} هذا إخبار بواقع وصدق ال العظيم الشاكرون ل على نعمه قليل‬ ‫تعالى { َوقَلِيلٌ مِنْ عِبَا ِديَ ال ّ‬ ‫وفي كل زمان ومكان وذلك لستيلء الغفلة على القلوب من جهة ولجهل الناس بربهم وإنعامه من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪{ )14‬فََلمّا َقضَيْنَا عَلَيْهِ ا ْل َموْتَ} أي توفيناه‪ :‬ما دلهم على موته إل دابة في‬ ‫الرض الرضة المعروفة تأكل منسأته فلما أكلتها خر على الرض‪ ،‬وذلك أنه سأل ربه أن يعمي‬ ‫خبر موته عن الجن‪ ،‬حتى يعلم الناس أن الجن ل يعلمون الغيب كما هم يدعون‪ ،‬فمات وهو متكئ‬ ‫على عصاه يصلي في محرابه‪ ،‬والجن يعملون ل يدرون بموته فلما مضت مدة من الزمن وأكلت‬ ‫الرضة المنسأة وخر سليمان على الرض علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا بموت‬ ‫سليمان ولما أقاموا مدة طويلة في الخدمة والعمل الشاق وهم ل يدرون‪ .‬هذا معنى‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وجائز أن يكون هناك ملك بيده سوط من نار أو شهاب يضرب به الشيطان إن عصى‬ ‫سليمان كما روي عن السلف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫تروح على آل المحلق جفنة‬ ‫كجابية الشيخ العراقي تفهق‬ ‫أي لمتلئها‪.‬‬

‫( ‪)4/310‬‬ ‫قوله تعالى {فََلمّا َقضَيْنَا عَلَيْهِ ا ْل َموْتَ مَا دَّل ُهمْ عَلَى َموْتِهِ إِلّا دَابّةُ الْأَ ْرضِ تَ ْأ ُكلُ مِنْسَأَتَهُ فََلمّا خَرّ‬ ‫تَبَيّ َنتِ الْجِنّ أَنْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ ا ْلغَ ْيبَ} ‪-‬كما يدعي بعضهم‪{ -‬مَا لَبِثُوا فِي ا ْل َعذَابِ ا ْل ُمهِينِ} أي‬ ‫الذي كان سليمان يصبه عليهم لعصيانهم وتمردهم على الطاعة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ال تعالى لل داود وما وهب داود وسليمان من اليات‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة صنع السلح وآلت الحرب لغرض الجهاد في سبيل ال‪.‬‬

‫‪ -3‬مركبة سليمان سبقت صنع الطائرات الحالية بآلف السنين‪.‬‬ ‫‪ -4‬شرع من قبلنا شرع لنا إل ما خصه الدليل كتحريم الصور(‪ )1‬والتماثيل علينا ولم تحرم‬ ‫عندهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب الشكر على النعم‪ ،‬وأهم ما يكون به الشكر الصلة والكثار منها‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير أن علم الغيب ل وحده‪.‬‬ ‫شكُرُوا لَهُ بَ ْل َدةٌ طَيّ َبةٌ‬ ‫شمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَ ّب ُك ْم وَا ْ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫سكَ ِنهِمْ آيَةٌ جَنّتَانِ عَنْ َيمِي ٍ‬ ‫َلقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَ ْ‬ ‫خ ْمطٍ‬ ‫غفُورٌ(‪ )15‬فَأَعْ َرضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ سَ ْيلَ ا ْلعَرِمِ وَبَدّلْنَاهُمْ بِجَنّتَ ْيهِمْ جَنّتَيْنِ َذوَاتَيْ ُأ ُكلٍ َ‬ ‫وَ َربّ َ‬ ‫جعَلْنَا بَيْ َنهُمْ‬ ‫شيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(‪ )16‬ذَِلكَ جَزَيْنَاهُمْ ِبمَا كَفَرُوا وَ َهلْ نُجَازِي إِلّا ا ْلكَفُورَ(‪ )17‬وَ َ‬ ‫وَأَ ْثلٍ وَ َ‬ ‫وَبَيْنَ ا ْلقُرَى الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِ َر ًة َوقَدّرْنَا فِيهَا السّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَاِليَ وَأَيّاما آمِنِينَ(‪)18‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم المصورين ولم يستثن فقال إن أصحاب هذه الصور‬ ‫يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم‪ .‬وفي البخاري أشد الناس عذابا يوم القيامة‬ ‫المصورون‪ .‬وحديث الموطأ‪ .‬إل ما كان رقما في الثوب فهو وإن خص جميع الصور فإن حديث‬ ‫عائشة رضي ال عنها دل على كراهيته إذ قال لها أخرجيه عني فهتكته والرخصة في لعب‬ ‫البنات لما في الصحيح على شرط أن ل تكون كأشباه التماثيل‪.‬‬

‫( ‪)4/311‬‬ ‫جعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ َومَ ّزقْنَا ُهمْ ُكلّ ُممَزّقٍ إِنّ فِي ذَِلكَ‬ ‫سهُمْ َف َ‬ ‫سفَارِنَا وَظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫عدْ بَيْنَ أَ ْ‬ ‫َفقَالُوا رَبّنَا بَا ِ‬ ‫شكُورٍ(‪)19‬‬ ‫لَآياتٍ ِل ُكلّ صَبّارٍ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لقد كان لسبأ في مسكنهم ‪ :‬أي لقد كان لقبيلة سبأ اليمانية في مسكنهم‪.‬‬ ‫آية ‪ :‬أي علمة على قدرة ال وهي جنتان عن يمين وشمال‪.‬‬ ‫بلدة طيبة ورب غفور ‪ :‬أي طيبة المناخ بعيدة عن الوباء وأسبابها‪ ،‬وال رب غفور‪.‬‬ ‫فاعرضوا ‪ :‬أي عن شكر ال وعبادته‪.‬‬ ‫سيل العرم ‪ :‬أي سد السيل العرم‪.‬‬ ‫ذواتي أكل خمط وأثل ‪ :‬أي صاحبتي أكل مرّ وبشع وشجر الثل‪.‬‬ ‫ذلك ‪ :‬أي التبديل جزيناهم بكفرهم‪.‬‬ ‫القرى التي باركنا فيها ‪ :‬هي قرى الشام المبارك فيها‪.‬‬ ‫قرى ظاهرة ‪ :‬أي متواصلة من اليمن إلى الشام‪.‬‬ ‫وقدرنا فيها السير ‪ :‬أي المسافات بينها مقدرة بحيث يقيلون في قرية ويبيتون في أخرى‪.‬‬

‫وجعلناهم أحاديث ‪ :‬أي لمن جاء بعدهم أي أهلكناهم ولم يبق منهم إل ذكرهم متداول بين الناس‪.‬‬ ‫ومزقناهم كل ممزق ‪ :‬أي فرقناهم في البلد كل التفرق‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات ‪ :‬أي في ذلك المذكور من النعم وسلبها لعبرا‪.‬‬ ‫لكل صبّار شكور ‪ :‬أي صبار على الطاعات وعن المعاصي شكور على النعم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى إنعامه على آل داود وشكرهم له وأخبر أنه قليل من عباده من يشكر إنعامه عليه‬ ‫ذكر أولد سبأ وأنه أنعم عليهم بنعم عظيمة وأنهم ما شكروها فأنزل بهم نقمته وسلبهم نعمته‬

‫( ‪)4/312‬‬ ‫شمَالٍ} أي‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫سكَ ِنهِمْ(‪ )1‬آيَةٌ جَنّتَانِ عَنْ َيمِي ٍ‬ ‫وذلك جزاء لكل كفور‪ .‬فقال تعالى {َلقَدْ كَانَ ِلسَبَأٍ فِي مَ ْ‬ ‫لقد كان لولد سبأ وهم الزد والشعريون وحميروكندة ومذحج وأنمار‪ ،‬ومن أنمار جنعم وبجيلة‬ ‫ومن أولد سبأ أربعة سكنوا في الشام وهم لخم وجدام وغسان‪ ،‬وعاملة وأبوهم سبأ هو سبأ بن‬ ‫يشجب بن يعرب بن قحطان‪ .‬وقوله تعالى {في مسكنهم} أي في مساكنهم {آيَةٌ} أي علمة على‬ ‫قدرة ال وإفضاله على(‪ )2‬عباده وهي جنتان عن يمين وشمال الوادي أي جنتان عن يمين الوادي‬ ‫وأخرى عن شماله كلها فواكه وخضر‪ ،‬تسقى بماء سد مأرب‪ُ { .‬كلُوا مِنْ رِ ْزقِ رَ ّبكُمْ} أي قلنا لهم‬ ‫شكُرُوا لَهُ} أي هذا النعام باليمان به وبرسله وطاعته وطاعة رسله‪.‬‬ ‫كلوا من رزق ربكم {وَا ْ‬ ‫وقوله {بَلْ َدةٌ طَيّبَةٌ} أي هذه بلدة طيبة وهي صنعاء اليمن مناخها طيب وتربتها طيبة ل يوجد بها‬ ‫غفُورٌ(‪ })3‬يغفر ذنوبكم متى أذببتم وتبتم‬ ‫وباء ول هوام ول حشرات كالعقارب ونحوها‪{ ،‬وَ َربّ َ‬ ‫واستغفرتم‪ .‬ولكن أبطرتْهم هذه النعم فكفروها ولم يشكروها كما قال تعالى {فَأَعْ َرضُوا} بأن كذبوا‬ ‫رسل ال إليهم وعصوا ال ورسله فانتقم ال منهم لعراضهم وعدم شكرهم كما هي سنته في‬ ‫علَ ْيهِمْ سَ ْيلَ ا ْلعَ ِرمِ} وذلك بأن خرب السد‪ ،‬وذهبت المياه وماتت الشجار‬ ‫عباده‪ .‬قال تعالى {فَأَرْسَلْنَا َ‬ ‫خمْطٍ} أي مرّ بشع وهو‬ ‫وأمْحلَت الرض‪ ،‬وتبدلت قال تعالى {وَبَدّلْنَا ُهمْ ِبجَنّتَ ْيهِمْ جَنّتَيْنِ َذوَا َتيْ ُأ ُكلٍ َ‬ ‫شجر الراك وأثل وهو الطرفاء‪ ،‬وشيء من سدر قليل‪ .‬هذا جزاء من أعرض عن ذكر ال وفسق‬ ‫عن أمره وخرج عن طاعته‪ .‬قال تعالى {ذَِلكَ} أي الجزاء {جَزَيْنَاهُمْ ِبمَا َكفَرُوا} بسبب كفرهم‬ ‫وقوله‪{ :‬وَ َهلْ نُجَازِي إِلّا ا ْلكَفُورَ(‪ })4‬أي وهل نجازي بمثل هذا الجزاء وهو تحويل النعمة إلى‬ ‫نقمة غير الكفور‪.‬‬ ‫جعَلْنَا بَيْ َنهُمْ(‪ )5‬وَبَيْنَ ا ْلقُرَى الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا} وهي مدن الشام {قُرىً ظَاهِ َرةً} أي‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬و َ‬ ‫مدنا ظاهرة على المرتفعات من الرض‪ ،‬وذلك من صنعاء عاصمتهم إلى الشام قرابة أربعة آلف‬ ‫وسبعمائة قرية أي مدينة‪ ،‬وقوله { َوقَدّرْنَا فِيهَا السّيْرَ} أي يجعل المسافات بين كل مدينة ومدينة‬ ‫متقاربة بحيث يخرج المسافر بل زاد من ماء أو طعام فل يقيل إل في مدينة ويخرج بعد‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ نافع مساكنهم بالجمع وقرأ حفص بالفراد مسكنهم وجمعه مساكن‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إذ لو اجتمعت البشرية كلها على إخراج شجرة من خشبة يابسة لما استطاعت فكيف بأنواع‬ ‫النوار وألوانه واختلف طعومه وروائحه وأزهاره‪.‬‬ ‫‪ - 3‬في الية إشارة إلى أن الذنب ملزم للنسان ل يعصم منه إل من أراد ال عصمته كأنبيائه‪،‬‬ ‫ولذا أعلمهم أن المنعم بهذه النعم رب غفور يغفر ذنب عباده إذا تابوا إليه فدعاهم بهذا إلى التوبة‬ ‫وأن الذنب مع التوبة ل يسبب الهلك العام أو سلب النعم ما دام هناك توبة تعقب الذنب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ حفص وهل نجازي بنون العظمة والبناء للفاعل والكفور مفعول به منصوب وقرأ نافع‬ ‫والجمهور وهل يجازى بياء الغيبة مضمومة والفعل مبني للمفعول والكفور نائب فاعل والمعنى ما‬ ‫يجازى ذلك الجزاء إل الكفور أي الشديد الكفر عظيمه‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هذه الية والتي بعدها ذكرتا تتميما للقصة‪.‬‬

‫( ‪)4/313‬‬ ‫القيلولة فل ينام إل في مدينة أخرى حتى يصل إلى الشام أو إلى المدينة التي يريد‪ .‬وهذا كان لهم‬ ‫ي وَأَيّاما آمِنِينَ} أي وقلنا لهم سيروا بين تلك‬ ‫قبل هدم السد وتفرقهم وقولهم تعالى‪{ :‬سِيرُوا فِيهَا لَيَاِل َ‬ ‫المدن الليالي واليام ذوات العدد آمنين من كل ما يخاف‪ .‬وما كان منهم إل أنهم بطروا النعمة‬ ‫وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم‪ .‬أي حملهم بطر النعمة على أن سألوا ربهم بلسان‬ ‫حالهم وقالهم أن يباعد بين(‪ )1‬مسافات أسفارهم بإزالة تلك المدن حتى يحملوا الزاد ويركبوا‬ ‫الخيول ويذوقوا طعم التعب هذا في الواقع هو حسد من الغنياء للفقراء الذين ل طاقة لهم على‬ ‫سهُمْ} إذ بإعراضهم‬ ‫السفر في المسافات البعيدة بدون زاد ول رواحل(‪ .)2‬قال تعالى { َوظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫وحسدهم وبطرهم النعمة كانوا قد ظلموا أنفسهم فعُرّضوا لعذاب الحرمان في الدنيا وعذاب النار‬ ‫جعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي لمن بعدهم يروون أخبارهم ويقصون قصصهم‬ ‫في الخرة‪ ،‬وقوله تعالى { َف َ‬ ‫بعد أن هلكوا وبادوا‪ .‬وقوله تعالى { َومَ ّزقْنَاهُمْ ُكلّ ُممَزّقٍ} أي فرقناهم في البلد كل تفريق بحيث‬ ‫ل يرجى لهم عود اتصال أبدا فذهب الوس والخزرج إلى يثرب "المدينة النبوية" وهم النصار‪،‬‬ ‫وذهب غسان إلى(‪ )3‬الشام‪ ،‬والزد إلى عُمان‪ ،‬وخزاعة إلى تهامة وأصبحوا مضرب المثل يقال‪:‬‬ ‫ذهبوا شذر مذر‪ .‬وتفرقوا أيادي سبأ‪ ،‬أي مذاهب سبأ وطرقها‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ}‬ ‫أي إن في إنعام ال على أبناء سبأ ثم نقمته عليهم لما بطروا النعمة وكفروا الطاعة لعبرا يعتبر‬ ‫شكُورٍ} أي كثير الشكر على النعم‪ .‬اللهم‬ ‫ل وعن المعاصي تركا‪َ { ،‬‬ ‫بها كل صبور على الطاعات فع ً‬ ‫اجعلنا لك من الشاكرين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من العراض عن دين ال فإنه متى حصل لمة نزلت بها النقم وسلبها ال النعم‪ .‬وكم‬ ‫هذه الحال مشاهدة هنا وهناك ل بين المم والشعوب فحسب بل حتى بين الفراد‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من كفر النعم بالسراف فيها وصرفها في غير مرضاة ال واهبها عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -3‬خطر الحسد وأنه داء ل دواء له‪ ،‬والعياذ بال يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة الصبر والشكر وعلو شأن الصبور الشكور‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قوله تعالى وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا قرأ الجمهور باعد فعل أمر من باعَد يباعِد وقرأ‬ ‫بعض ب ّع ْد فعل أمر من بعّد يبعّد على وزن جدّد‪ ،‬وقرأ بعض آخر باعَد فعلً ماضيا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قيل أن المسافة التي يقطعونها بين تلك المدن آمنين من الجوع والخوف مسيرة أربعة أشهر‬ ‫ذهابا وإيابا وحالهم كحال بني إسرائيل كما قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الرض حيث‬ ‫ملوا أكل اللحم والعسل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قال الشعبي فلحقت الوس والخزرج (النصار) بيثرب (المدينة) وغسان وجذام ولخم بالشام‬ ‫والزد بعمان وخزاعة بتهامة‪ .‬فكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول‪ .‬تفرقوا أيدي سبأ‪ ،‬وأيادي‬ ‫سبأ أي مذاهب سبأ وطرقها‪.‬‬

‫( ‪)4/314‬‬ ‫وَلَقَدْ صَدّقَ عَلَ ْي ِهمْ إِبْلِيسُ ظَنّهُ فَاتّ َبعُوهُ إِلّا فَرِيقا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)20‬‬ ‫ك وَرَ ّبكَ عَلَى ُكلّ‬ ‫شّ‬ ‫َومَا كَانَ َلهُ عَلَ ْيهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلّا لِ َنعْلَمَ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِالْآخِ َرةِ ِممّنْ ُهوَ مِ ْنهَا فِي َ‬ ‫ت وَل فِي‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫عمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ ل َيمِْلكُونَ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ فِي ال ّ‬ ‫حفِيظٌ(‪ُ )21‬قلِ ادْعُوا الّذِينَ زَ َ‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫َ‬ ‫شفَاعَةُ عِنْ َدهُ إِلّا ِلمَنْ أَذِنَ َلهُ‬ ‫ظهِيرٍ(‪ )22‬وَل تَ ْنفَعُ ال ّ‬ ‫ك َومَا لَهُ مِ ْنهُمْ مِنْ َ‬ ‫ض َومَا َلهُمْ فِي ِهمَا مِنْ شِ ْر ٍ‬ ‫الْأَ ْر ِ‬ ‫ق وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرُ(‪)23‬‬ ‫حَتّى إِذَا فُ ّزعَ عَنْ قُلُو ِبهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَ ّبكُمْ قَالُوا ا ْلحَ ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ‪ :‬أي صدق ظن إبليس فيهم أنه يستطيع إغواءهم‪.‬‬ ‫فاتبعوه ‪ :‬في الكفر والضلل والضلل‪.‬‬ ‫إل فريقا منهم ‪ :‬أي من بني آدم وهم المؤمنون المسلمون فإنهم لم يتبعوه وخاب ظنه فيهم زاده ال‬ ‫خيبة إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫وما كان له عليهم من سلطان‪ :‬أي ولم يكن لبليس من تسليط منا عليهم ل بعصا ول سيف وإنما‬ ‫هو التزيين والغراء بالشهوات‪.‬‬ ‫إل لنعلم من يؤمن بالخرة ممن هو منها في شك ‪ :‬أي لكن أذنّا له في إغوائهم ‪ -‬إن استطاع –‬

‫بالتزيين والغراء لنعلم علم ظهور من يؤمن ويعمل صالحا ممن يكفر ويعمل سوءا‪.‬‬ ‫وربك على كل شيء حفيظ ‪ :‬أي وربك يا محمد على كل شيء حفيظ وسيجزي الناس بما كسبوا‪.‬‬

‫( ‪)4/315‬‬ ‫قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال‪ :‬أي أنهم شركاء ل في ألوهيته‪.‬‬ ‫ل يملكون مثقال ذرة في السموات ول في الرض ‪ :‬أي ملكا استقلليا ل يشاركهم ال فيه‪.‬‬ ‫وما لهم فيهما من شرك ‪ :‬أي وليس لهم من شركة في السموات ول في الرض‪.‬‬ ‫وما له منهم من ظهير ‪ :‬أي وليس ل تعالى من شركائكم الذين تدعونهم من معين على شيء‪.‬‬ ‫ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن أذن له‪ :‬أي ول تنفع الشفاعة أحدا عنده حتى إذا يأذن هو له بها‪.‬‬ ‫حتى إذا فزع عن قلوبهم ‪ :‬أي ذهب الفزع والخوف عنهم بسماع كلم الرب تعالى‪.‬‬ ‫قالوا ماذا قال ربكم؟ ‪ :‬أي قال بعضهم لبعض استبشارا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق أي في‬ ‫الشفاعة‪.‬‬ ‫وهو العلي الكبير ‪ :‬العلي فوق كل شيء علوّ ذات وقهر وهو الكبير المتعالي الذي كل شيء‬ ‫دونه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى ما حدث لسبأ من تقلبات وكان عامل ذلك هو تزيين الشيطان وإغواؤه أخبر تعالى‬ ‫صدّقَ عَلَ ْي ِهمْ(‪ )1‬إِبْلِيسُ ظَنّهُ} أي فيهم لما علم ضعفهم أمام‬ ‫عن حال الناس كل الناس فقال {وََلقَ ْد َ‬ ‫الشهوات فاستعمل تزيينها كسلح لحربهم {فَاتّ َبعُوهُ} فيما دعاهم إليه من الشرك والسراف‬ ‫والمعاصي {إِلّا فَرِيقا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين أسلموا ل وجوههم‬ ‫وهم عباد ال الذين ليس للشيطان عليهم سبيل لغوائهم فإنهم لم يتبعوه‪ .‬هذا ما دلت عليه الية (‬ ‫‪ )20‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ َلهُ} أي للشيطان {عَلَ ْيهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلّا لِ َنعْلَمَ مَنْ ُي ْؤمِنُ بِالْآخِ َرةِ ِممّنْ‬ ‫شكّ} أي قوة مادية ول معنوية من حجج وبراهين‪ ،‬وإنما أذن له في التحريش‬ ‫ُهوَ مِ ْنهَا فِي َ‬ ‫والوسواس والتزيين وهذا الذن لعلة وهي ظهور حال الناس ليعلم من(‪ )2‬يؤمن بالخرة وما فيها‬ ‫من جنات ونيران‪ ،‬وقد حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات فالمؤمنون بالخرة يتحملون مشاق‬ ‫التكاليف فينهضون بها ويتجنبون الشهوات فينجون من النار ويدخلون الجنة‪ ،‬والذين ل يؤمنون‬ ‫بالخرة ل ينهضون بواجب ول يتجنبون حراما فيخسرون أنفسهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ نافع والجمهور صدق بتخفيف الدال وقرأ حفص صدّق بالتضعيف والجملة يبدوا أنها‬ ‫معطوفة على قوله تعالى‪{ :‬وقال الذين كفروا هل ندلكم} وهو قول كفار مكة وما بين هذه اليات‬ ‫وتلك اعتراض للعظة والعتبار والمقصود من هذه الية تنبيه المؤمنين إلى مكايد الشيطان وسوء‬

‫عاقبة من يتبعه حتى يلعنوه ول يتبعوه‪ .‬قال الحسن لما أهبط آدم وحواء عليهما السلم من الجنة‬ ‫إلى الرض وهبط إبليس قال إبليس أما إذا أصبت من البوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف‬ ‫فكان ذلك ظنا من إبليس فأنزل ال تعالى لقد صدق عليهم إبليس ظنه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي علم الشهادة والظهور الذي يتم به الثواب والعقاب فأما علم الغيب فقد علمه تبارك‬ ‫وتعالى‪( ،‬إل لنعلم) الخ‪ ..‬جواب لقوله وما كان له عليهم من سلطان‪.‬‬

‫( ‪)4/316‬‬ ‫حفِيظٌ} فهو‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين‪ .‬وقوله تعالى {وَرَ ّبكَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫يحصي أعمال عباده من خير وشر ويحاسبهم عليها ويجزيهم بها‪.‬‬ ‫عمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ} أي قل يا رسولنا بعد هذا العرض والبيان‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلِ ادْعُوا(‪ )1‬الّذِينَ زَ َ‬ ‫الشافي الذي تقدم في هذا السياق للمشركين من قومك ما دمتم مصرين على الشرك بحجة أن‬ ‫شركاءكم ينفعون ويضرون وأنهم يشفعون لكم يوم تبعثون ادعوهم غير أن الحقيقة التي يجب أن‬ ‫تسمعوها وتعلموها ‪ -‬وأنتم بعد ذلك وما ترون وتهوون‪ -‬هي أن الذين تدعونهم من دون ال‬ ‫وجعلتموهم ل شركاء ل يملكون مثقال ذرة أي وزن ذرة في السموات ول في الرض ل‬ ‫يملكونها استقللً ول يملكونها شركة مع ال المالك الحق‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى { ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ‬ ‫ت وَل فِي الْأَ ْرضِ} { َومَا َل ُهمْ فِي ِهمَا} أي في‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫عمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ ل َيمِْلكُونَ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ فِي ال ّ‬ ‫زَ َ‬ ‫السموات والرض من شرك بمعنى شركة ولو بأدنى نسبة‪ .‬وشيء آخر وهو أن شركاءكم الذين‬ ‫تدعونهم ليس ل تعالى منهم من ظهير أي معين حتى ل يقال بحكم حاجة الرب إليه ندعوه فيشفع‬ ‫لنا عنده‪ .‬وشيء آخر وهو أن الشفاعة عند ال ل تتم لحد ول تحصل له إل إذا رضي ال تعالى‬ ‫بالشفاعة لمن أريد أن الشفاعة له‪ ،‬وبعد أن يأذن أيضا لمن أراد أن يشفع‪ .‬فلم يبق إذا أي طمع في‬ ‫شفاعة آلهتكم لكم ل في الدنيا ول في الخرة إذا فكيف تصح عبادتهم وهم ل يملكون مثقال ذرة‬ ‫في السموات ول في الرض ول يشفعون لحد في الدنيا ول الخرة‪ .‬وقوله تعالى {حَتّى إِذَا فُ ّزعَ‬ ‫عَنْ قُلُو ِبهِمْ} إلى آخره بيان لكيفية الشفاعة يوم القيامة وهي أن الشافع المأذون له في الشفاعة‬ ‫عندما يسأل ال تعالى فيجيبه الرب تعالى فيصاب بخوف وفزع شديد {حَتّى ِإذَا فُ ّزعَ عَنْ قُلُو ِبهِمْ}‬ ‫أي زال ذلك الفزع والخوف قالوا لبعضهم(‪ )2‬البعض ماذا قال ربكم؟ فيقولون مستبشرين قالوا‪:‬‬ ‫الحق أي أذن لنا في الشفاعة وهو العلي الكبير أي العلي فوق خلقه بذاته وقهره وسلطانه الكبير‬ ‫الذي ليس كمثله شيء سبحانه ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن إبليس صدق ظنّه في بني آدم وأنهم سيتبعونه ويغويهم‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا المر للتحدي والتوبيخ وهو خطاب للمشركين المؤلهين الصنام بعد ما ساق من دلئل‬ ‫التوحيد فيما عرفوا من حياة داود وسليمان وأهل سبأ أمر رسوله أن يتحداهم ويوبخهم على‬ ‫شركهم وباطلهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الظاهر أن من طلبوا الشفاعة لما أذن ال تعالى لهم وأصابهم الفزع والخوف فلما ذهب ذلك‬ ‫من قلوبهم سألوا الملئكة عما قال ال تعالى فتجيبهم الملئكة قال الحق أي قبل شفاعتكم‪.‬‬

‫( ‪)4/317‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد وأنه ل إله إل ال ول يستحق العبادة سواه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان بطلن دعاء غير ال إذ المدعو كائنا من كان ل يملك مثقال ذرة في الكون ل بالستقلل‬ ‫ول بالشركة‪ ،‬وليس ل تعالى من ظهير أي ول معينين يمكن التوسل بهم‪ ،‬وأخيرا والشفاعة ل تتم‬ ‫إل بإذنه ولمن رضي له بها‪ .‬ولذلك بطل دعاء غير ال ومن دعا غير ال من ملك أو نبي أو وليّ‬ ‫أو غيرهم فقد ضل الطريق وأشرك بال في أعظم عبادة وهي الدعاء‪ ،‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ ُقلِ اللّ ُه وَإِنّا َأوْ إِيّاكُمْ َلعَلَى هُدىً َأوْ فِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪)24‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ُقلْ مَنْ يَرْ ُز ُق ُكمْ مِنَ ال ّ‬ ‫ق وَ ُهوَ‬ ‫جمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ثُمّ َيفْتَحُ بَيْنَنَا بِا ْلحَ ّ‬ ‫عمّا َت ْعمَلُون(‪ُ )25‬قلْ يَ ْ‬ ‫عمّا أَجْ َرمْنَا وَل ُنسَْألُ َ‬ ‫ُقلْ ل ُتسْأَلونَ َ‬ ‫حكِيمُ(‪َ )27‬ومَا‬ ‫حقْتُمْ بِهِ شُ َركَاءَ كَلّا َبلْ ُهوَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫ا ْلفَتّاحُ ا ْلعَلِيمُ(‪ُ )26‬قلْ أَرُونِيَ الّذِينَ أَلْ َ‬ ‫أَرْسَلْنَاكَ إِلّا كَافّةً لِلنّاسِ َبشِيرا وَنَذِيرا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ(‪ )28‬وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ‬ ‫ع ًة وَل َتسْ َتقْ ِدمُونَ(‪)30‬‬ ‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪ُ )29‬قلْ َلكُمْ مِيعَادُ َيوْمٍ ل تَسْتَ ْأخِرُونَ عَ ْنهُ سَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل من يرزقكم من السموات والرض ‪ :‬من السموات بإنزال المطر ومن الرض بإنبات الزروع‪.‬‬ ‫قل ال ‪ :‬أي إن لم يجيبوا فأجب أنت فقل ال‪ ،‬إذ ل جواب عندهم سواه‪.‬‬ ‫وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين‪ :‬وأخبرهم بأنكم أنتم أيها المشركون أو إيانا لعلى هدى‬ ‫أو في ضلل مبين‪ ،‬وقطعا فالموحدون هم الذين على هدى‬

‫( ‪)4/318‬‬ ‫والمشركون هم في الضلل المبين‪ ،‬وإنما شككهم تلطفا بهم لعلهم يفكرون فيهتدون‪.‬‬ ‫قل ل تسألون عما أجرمنا ‪ :‬أي إنكم ل تسألون عن ذنوبنا‪.‬‬ ‫ول نسأل عما تعملون‪ :‬أي ول نسأل نحن عما تعملون‪ .‬وهذا تلطفا بهم أيضا ليراجعوا أمرهم‪،‬‬ ‫ول يحملهم الكلم على العناد‪.‬‬

‫قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق ‪ :‬أي قل لهم سيجمع بيننا ربنا يوم القيامة ويفصل بيننا‬ ‫بالحق وهذا أيضا تلطف بهم وهو الحق‪.‬‬ ‫قل أروني الذين ألحقتم به شركاء ‪ :‬أي قل لهؤلء المشركين أروني شركاءكم الذين عبدتموهم مع‬ ‫ال فإن أروه إياهم أصناما ل تسمع ول تبصر قامت الحجة عليهم‪ .‬وقال لهم أتعبدون ما تنحتون‬ ‫وتتركون ال الذي خلقكم وما تعملون؟!‪.‬‬ ‫كل بل هو ال العزيز الحكيم‪ :‬كل‪ :‬لن تكون الصنام أهل للعبادة بل المعبود الحق الواجب العبادة‬ ‫هو ال العزيز الحكيم‪.‬‬ ‫كافة للناس ‪ :‬أي لجميع الناس أي عربهم وعجمهم‪.‬‬ ‫بشيرا ونذيرا ‪ :‬بشيرا للمؤمنين بالجنة‪ ،‬ونذيرا للكافرين بعذاب النار‪.‬‬ ‫قل لكم ميعاد يوم ‪ :‬هو يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تبكيت المشركين وإقامة الحجج عليهم بتقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ}‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫للرسول صلى ال عليه وسلم سل قومك مبكتا لهم‪ُ { :‬قلْ مَنْ(‪ )1‬يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫بإنزال المطار وإرسال الرياح لواقح وإنبات النباتات والزروع والثمار وتوفير الحيوان للحم‬ ‫واللبن ومشتقاته؟ وإن تلعثموا في الجواب أو ترددوا خوف الهزيمة العقلية فأجب أنت قائلً ال‪ .‬إذ‬ ‫ليس من جواب عندهم سواه‪.‬‬ ‫وقوله {وَإِنّا َأوْ إِيّاكُمْ َلعَلَى هُدىً(‪َ )2‬أوْ فِي ضَللٍ مُبِينٍ} هذا أسلوب التشكيك وحكمته التلطف‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لما أبطل بتلك الحجج آلهة المشركين حيث دعاؤها ل يجدي نفعا للداعين لنهم ل يملكون‬ ‫مثقال ذرة في السموات ول في الرض ول شفاعتها تنفع عابديها قرّر بهذه اليات استحقاق ال‬ ‫تعالى للعبادة دون غيره‪ ،‬واستعمل أسلوب الجدل لقامة الحجة على الخصم فقال‪ :‬قل من يرزقكم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وإياكم معطوف على محل اسم إن المنصوب والجملة معطوفة على الستفهام "قل من‬ ‫يرزقكم الخ" وهذا يقال له أسلوب المنصف وهو أن ل يذكر المجادل لمن يجادله ما يغيظه أو يثير‬ ‫حفيظته رجاء هدايته إلى الحق‪.‬‬

‫( ‪)4/319‬‬ ‫بالخصم المعاند حتى ل يلج في العناد ول يفكر في المر الذي يجادل فيه‪ ،‬وإلّ فالرسول‬ ‫والمؤمنون هم الذين على هدى‪ ،‬والمشركون هم الذين في ضلل مبين وهو أمر مسلم لدى طرفي‬ ‫عمّا َت ْعمَلُون} وهذا أيضا من باب‬ ‫عمّا(‪ )1‬أَجْ َرمْنَا وَل نُسَْألُ َ‬ ‫النزاع‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ ل تُسْأَلونَ َ‬ ‫التلطف مع الخصم المعاند لتهدأ عاصفة عناده ويراجع نفسه عله يثوب إلى رشده ويعود إلى‬

‫عمّا َت ْعمَلُون} هو حق فإنهم ل يسألون عن ذنوب الرسول والمؤمنين‪،‬‬ ‫صوابه‪ ،‬فقوله‪{ :‬ل ُنسَْألُ َ‬ ‫ولكن الرسول والمؤمنين ل ذنب لهم وإنما هو من باب التلطف في الخطاب‪ ،‬وأما المشركون فإن‬ ‫لهم أعمالً من الشرك والباطل سيجزون بها والرسول والمؤمنون قطعا ل يسألون عنها ول‬ ‫جمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا} أي يوم القيامة {ثُمّ َيفْتَحُ‬ ‫يؤاخذون بها ما داموا قد بلغوا ونصحوا‪ .‬وقوله‪ُ { :‬قلْ َي ْ‬ ‫ق وَ ُهوَ ا ْلفَتّاحُ} أي الحاكم العليم بأحوال خلقه فأحكامه ستكون‬ ‫حّ‬ ‫بَيْنَنَا} أي يحكم ويفصل بيننا {بِالْ َ‬ ‫عادلة لعلمه بما يحكم فيه ظاهرا وباطنا‪ .‬وفي هذا جذب لهم بلطف وبدون عنف ليقروا بالبعث‬ ‫حقْتُمْ بِهِ شُ َركَاءَ} أي قل يا رسولنا لهؤلء‬ ‫الخر الذي ينكرونه بشدة‪ .‬وقوله { ُقلْ أَرُو ِنيَ(‪ )2‬الّذِينَ أَ ْل َ‬ ‫المشركين أوروني آلهتكم التي أشركتموها بال وألحقتموها به وقلتم في تلبيتكم‪ :‬لبيك اللهم لبيك‬ ‫لبيك ل شريك لك‪ .‬إل شريكا تملكه وما ملك‪ .‬وهكذا يتحداهم رسول ال بإذن ال أن يروه شركاء‬ ‫ل حقيقة يسمعون ويبصرون وينفعون ويضرون ولما كان من غير الممكن التيان بهم غير‬ ‫حكِيمُ}‬ ‫أصنام وتماثيل زجرهم بعنف لعلهم يستفيقون من غفلتهم فقال‪{ :‬كَلّا‪َ ،‬بلْ ُهوَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫أي ليست تلك الصنام بآلهة تعبد مع ال بل المعبود الحق الواجب العبادة هو ال رب العالمين‬ ‫وإله الولين والخرين {ا ْلعَزِيزُ} أي الغالب على أمره ومراده الحكيم في تدبير خلقه وشؤون‬ ‫عباده‪.‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَاكَ(‪ )3‬إِلّا كَافّةً لِلنّاسِ(‪ )4‬بَشِيرا وَنَذِيرا} أي لم نرسلك يا رسولنا لمهمة غير‬ ‫البشارة والنذارة فلذا ل يحزنك إعراضهم وعدم استجابتهم فبشر من آمن بك واتبعك فيما جئت‬ ‫به‪ ،‬وأنذر من كفر بك ولم يتابعك على الهدى الذي تدعو إليه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا أيضا من الباب الول وهو حمل الخصم على عدم اللجاج في الخصومة ليبقى قادرا على‬ ‫الفهم وقبول الحق متى ظهر له ولح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المر هنا للتعجيز لقامة الحجة عند ثبوت عجز المخاصم‪ ،‬ولما ثبت عجزهم زجرهم بكلمة‬ ‫كل وردعهم بها‪ ،‬وحملهم على العتراف ببطلن آلهتهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ولما تقرر مبدأ التوحيد عطف عليه تقرير النبوة المحمدية فقال وما أرسلناك‪ .‬وبذلك ثبتت‬ ‫رسالته‪.‬‬ ‫‪ - 4‬في الكلم تقديم وتأخير إذ الصل وما أرسلناك إل للناس كافة أي عامة‪.‬‬

‫( ‪)4/320‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ(‪ })1‬فيه تعزية للرسول أيضا إذ الواقع أن أكثر الناس ل‬ ‫يعلمون إذ لو علموا لما ترددوا في عبادة ال وتوحيده والتقرب إليه طمعا فيما عنده وخوفا مما‬ ‫لديه‪ .‬وقوله‪{ :‬وَ َيقُولُونَ} أي أهل مكة من منكري البعث والجزاء {مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ(‪ })2‬أي العذاب‬

‫الذي تهددنا به وتخوفنا بنزوله بنا إن كنتم أيها المؤمنون صادقين فيما تقولون لنا وتعدونا به‪.‬‬ ‫وهنا أمر ال تعالى رسوله أن يرد على استهزائهم وتكذيبهم بقوله‪ُ { :‬قلْ َلكُمْ مِيعَادُ(‪ })3‬يوم معيّن‬ ‫عندنا محدد ل تستأخرون عنه ساعة لو طلبتم ذلك لتتوبوا وتستغفروا ول تستقدمون أخرى لو‬ ‫طلبتم تعجيله إذ المر مبرم محك ٌم ل يقبل النقص ول الزيادة ول التبديل ول التغيير‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية التلطف مع الخصم فسحا له في مجال التفكير لعله يثوب إلى رشده‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء وتنويع السلوب الدعوي في ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة النبوة المحمدية‪ ،‬وعموم رسالة النبي صلى ال عليه وسلم إلى الناس كافة‪.‬‬ ‫‪ -4‬يوم القيامة مقرر الساعة واليوم فل يصح تقديمه ول تأخيره بحال‪.‬‬ ‫ن وَل بِالّذِي بَيْنَ يَدَ ْي ِه وََلوْ تَرَى ِإذِ الظّاِلمُونَ َم ْوقُوفُونَ عِ ْندَ‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ ِبهَذَا ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َلوْل أَنْتُمْ َلكُنّا ُم ْؤمِنِينَ(‬ ‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ ا ْل َقوْلَ َيقُولُ الّذِينَ اسْ ُت ْ‬ ‫رَ ّبهِمْ يَ ْرجِعُ َب ْع ُ‬ ‫صدَدْنَاكُمْ عَنِ ا ْلهُدَى َبعْدَ ِإذْ جَا َءكُمْ َبلْ كُنْتُمْ‬ ‫ن َ‬ ‫ضعِفُوا أَنَحْ ُ‬ ‫‪ )31‬قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا لِلّذِينَ اسْ ُت ْ‬ ‫مُجْ ِرمِينَ(‪)32‬‬ ‫َوقَالَ الّذِينَ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إذ كانوا يوم نزول هذه الية أكثرية والمؤمنون أقلية وحتى اليوم أكثر الناس ل يعلمون‬ ‫جلل ال وجماله وأسماءه وصفاته وما عنده وما لديه‪ ،‬ول محابه ول مكارهه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام للستبعاد مشوبا بالتعجب من كثرة سؤالهم عن هذا الوعد‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الميعاد مصدر ميمي وهو الوقت المعين لحدوث الشيء وهو هنا إما يوم القيامة أو حضور‬ ‫الموت وجائز أن يكون يوم هلكهم وهو يوم بدر وإضافته بيانية‪.‬‬

‫( ‪)4/321‬‬ ‫ج َعلَ َلهُ أَنْدَادا وَأَسَرّوا‬ ‫ل وَال ّنهَارِ إِذْ تَ ْأمُرُونَنَا أَنْ َن ْكفُرَ بِاللّ ِه وَ َن ْ‬ ‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َبلْ َمكْرُ اللّ ْي ِ‬ ‫اسْ ُت ْ‬ ‫جعَلْنَا الْأَغْللَ فِي أَعْنَاقِ الّذِينَ َكفَرُوا َهلْ يُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‬ ‫ب وَ َ‬ ‫النّدَا َمةَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَا َ‬ ‫‪)33‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ول بالذي بين يديه ‪ :‬أي من الكتب السابقة وهي التوراة والنجيل‪.‬‬ ‫يرجع بعضهم إلى بعض القول‪ :‬أي يقول التباع كذا ويرد عليهم المتبوعون بكذا وهو المبيّن في‬ ‫اليات‪.‬‬

‫أنحن صددناكم عن الهدى‪ :‬أي ينكر المستكبرون وهم المتبوعون أن يكونوا صدوا التابعين لهم‬ ‫عن الهدى بعد إذ جاءهم بواسطة رسوله‪.‬‬ ‫بل كنتم مجرمين‪ :‬أي ظلمة فاسدين مفسدين‪.‬‬ ‫بل مكر الليل والنهار ‪ :‬أي ليس المر كما ادعيتم بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي جعلنا‬ ‫نكفر بال‪.‬‬ ‫ونجعل له أندادا ‪ :‬أي شركاء نعبدهم معه فننادّه بهم‪.‬‬ ‫وأسروا الندامة ‪ :‬أي أخفوها إذ ل فائدة منها أو أظهروها أي أظهروا الندم إذ أسروا الندامة له‬ ‫معنيان أخفى وأظهر‪.‬‬ ‫وجعلنا الغلل في أعناق‪ :‬أي وجعلنا الغلل جمع غل حديدة تجعل في عنق المجرم‪.‬‬ ‫هل يجزون إل ما كانوا يعملون‪ :‬أي ما يجزون إل ما كانوا يعملون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والبعث والجزاء فيخبر تعالى فيقول‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا}‬ ‫أي من مشركي مكة قالوا للرسول والمؤمنين لن نؤمن(‪ )1‬بهذا القرآن الذي أنزل على محمد‪ ،‬ول‬ ‫بالذي أنزل على من تقدمه من النبياء كالتوراة والنحيل‪ ،‬وذلك لما احتج عليهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬القائل هذا أبو جهل بن هشام وذلك أن المشركين سألوا أهل الكتاب من اليهود فلما أعلموهم‬ ‫بما يوافق ما يقول الرسول ويدعوا إليه من التوحيد والبعث والجزاء والرسالة قالوا‪ :‬لن نؤمن بهذا‬ ‫القرآن ول بالذي بين يديه أي من التوراة والنجيل‪.‬‬

‫( ‪)4/322‬‬ ‫بتقرير التوراة والنجيل للتوحيد والنبوات والبعث والجزاء قالوا لن نؤمن بالجميع عنادا ومكابرة‬ ‫وجحودا وظلما‪ .‬ولزم هذا أنهم ظلمة معاندون ومن باب دعوتهم إلى الهدى ستعرض اليات لهم‬ ‫حالهم يوم القيامة فيقول تعالى لرسوله وهم يستمعون {وََلوْ تَرَى}( ‪ )1‬يا رسولنا {ِإذِ الظّاِلمُونَ‬ ‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ ا ْل َق ْولَ} أي يتحاورون متلومين‪ .‬يقول الذين‬ ‫َم ْوقُوفُونَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ يَرْجِعُ َب ْع ُ‬ ‫استضعفوا وهم الفقراء المرءوسين الذين كانوا أتباعا لكبرائهم وأغنيائهم‪ ،‬يقولون للذين استكبروا‬ ‫عليهم في الدنيا‪ :‬لول أنتم أي صرفتمونا عن اليمان واتباع الرسول لكنا مؤمنين فيرد عليهم‬ ‫ض ِعفُوا أَ َنحْنُ (‪)2‬صَ َددْنَاكُمْ‬ ‫الكبراء بما أخبر تعالى عنهم في قوله‪{ :‬قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا لِلّذِينَ اسْ ُت ْ‬ ‫عَنِ ا ْلهُدَى َب ْعدَ إِذْ جَا َءكُمْ} أي ما صددناكم أبدا بل كنتم مجرمين أي أصحاب إجرام وفساد ويرد‬ ‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا َبلْ‬ ‫عليهم المستضعفون قائلين بما أخبر تعالى به عنهم { َوقَالَ الّذِينَ اسْ ُت ْ‬ ‫ل وَال ّنهَارِ(‪ })4‬أي بل مكركم(‪ )5‬بنا في الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بال ونجعل‬ ‫َمكْرُ(‪ )3‬اللّ ْي ِ‬

‫جعَلْنَا الْأَغْللَ‬ ‫له أندادا‪ .‬قال تعالى {وَأَسَرّوا النّدَامَةَ(‪ })6‬أي أخفوها لما رأوا العذاب‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬و َ‬ ‫فِي أَعْنَاقِ الّذِينَ َكفَرُوا} أي شدت أيديهم إلى أعناقهم بالغلل وهي جمع غل حديدة يشد بها‬ ‫المجرم‪ ،‬ثم أدخلوا الجحيم إذ كانوا في موقف خارج جهنم‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬هلْ(‪ )7‬يُجْ َزوْنَ إِلّا مَا‬ ‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ} أي ما يجزون إل ما كانوا يعملون فالجزاء بحسب العمل إن كان خيرا فخيرٌ وإن‬ ‫كان شراّ فشرّ‪ ،‬وكانت أعمالهم كلها شرّا وظلما وباطلً‪.‬‬ ‫هذا وجواب لول في أول السياق محذوف يقدر بمثل‪ :‬لرأيت أمرا فظيعا واكتفي بالعرض لوقفهم‬ ‫عن ذكره فإنه أتم وأشمل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جواب لو محذوف أي لرأيت أمرا فظيعا هائلً مدهشا ومحيرا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام إنكاري‪ .‬أنكر عليهم قولهم إنهم صدوا عن اليمان‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المكر في اللغة الحتيال والخديعة يقال مكر به يمكر فهو ماكر ومكار‪.‬‬ ‫‪ - 4‬مكر الليل والنهار الضافة بمعنى في‪.‬‬ ‫‪ - 5‬مكرٌ مبتدأ والخبر محذوف تقديره ضدنا وهو جملة فعلية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الضمير في أسروا عائد على الجميع المستضعفين والمستكبرين والمعنى أنهم لما انكشف لهم‬ ‫العذاب المعد والمهيأ لهم وذلك عقب المحاورة التي دارت بينهم‪ ،‬فعلموا أن حوارهم لبعضهم غير‬ ‫نافع لهم أسروا الندامة أي أخفوها لعدم جدواها‪.‬‬ ‫‪ - 7‬الستفهام إنكاري بقرينة الستثناء بعده أي ما يجزون إل ما كانوا يعملون أي من الشرك‬ ‫والظلم والشر والفساد إذ الجزاء من جنس العمل هو العدل المطلوب‪.‬‬

‫( ‪)4/323‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تشابه الظلمة والمجرمين فالعرب المشركون كانوا يركنون إلى أهل الكتاب يحتجون بما‬ ‫عندهم على الرسول والمؤمنين‪ ،‬ولما وجدوا التوراة والنجيل يقرران عقيدة البعث والجزاء‬ ‫والنبوة تبرأوا منهما وقالوا لن نؤمن بهذا القرآن ول بالتوراة والنحيل‪.‬‬ ‫واليهود كانوا يحتجون بالتوراة على المسلمين ولما وجدوا التوراة تقرر ما يقرره القرآن تركوا‬ ‫الحتجاج بالتوراة وأخذوا يحتجون بالسحر كما تقدم في البقرة في قوله تعالى {وََلمّا جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ‬ ‫ظهُورِ ِهمْ كَأَ ّنهُ ْم ل‬ ‫مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ كِتَابَ اللّ ِه وَرَاءَ ُ‬ ‫َيعَْلمُونَ‪ ،‬وَاتّ َبعُوا مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُ عَلَى مُ ْلكِ سُلَ ْيمَانَ}‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض كامل لموقف من مواقف يوم القيامة‪ ،‬ومشهد من مشاهده‪.‬‬

‫‪ -3‬بطلن احتجاج الناس بعمل العلماء أو الحكماء وأشراف الناس إذا كان غير موافق لشرع ال‬ ‫تعالى وما جاء به رسله من الحق والدين الصحيح‪.‬‬ ‫َومَا أَ ْرسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ َنذِيرٍ إِلّا قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ(‪َ )34‬وقَالُوا َنحْنُ َأكْثَرُ‬ ‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَقْدِرُ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ‬ ‫ل وََأوْلدا َومَا َنحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ(‪ُ )35‬قلْ إِنّ رَبّي يَبْ ُ‬ ‫َأ ْموَا ً‬ ‫ل صَالِحا‬ ‫عمِ َ‬ ‫ل َيعَْلمُونَ(‪َ )36‬ومَا َأ ْموَاُلكُمْ وَل َأوْل ُدكُمْ بِالّتِي ُتقَرّ ُبكُمْ عِنْدَنَا زُ ْلفَى إِلّا مَنْ آمَنَ وَ َ‬ ‫س َعوْنَ فِي آيَاتِنَا‬ ‫عمِلُوا وَ ُهمْ فِي ا ْلغُ ُرفَاتِ آمِنُونَ(‪ )37‬وَالّذِينَ يَ ْ‬ ‫ض ْعفِ ِبمَا َ‬ ‫فَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ جَزَاءُ ال ّ‬ ‫حضَرُونَ(‪ُ )38‬قلْ إِنّ رَبّي يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِد ِه وَيَقْدِرُ‬ ‫ُمعَاجِزِينَ أُولَ ِئكَ فِي ا ْلعَذَابِ مُ ْ‬ ‫شيْءٍ َف ُهوَ يُخِْلفُ ُه وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ(‪)39‬‬ ‫لَ ُه َومَا أَ ْن َفقْتُمْ مِنْ َ‬

‫( ‪)4/324‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إل قال مترفوها ‪ :‬أي رؤساؤها المنعمون فيها من أهل المال والجاه‪.‬‬ ‫ل وأولدا ‪ :‬أي من المؤمنين‪.‬‬ ‫نحن أكثر أموا ً‬ ‫يبسط الرزق لمن يشاء ‪ :‬امتحانا أيشكر العبد أم يكفر‪.‬‬ ‫ويقدر ‪ :‬أي يضيق ابتلء أيصبر المرء أم يسخط‪.‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ :‬أي الحكمة في التوسعة على البعض والتضييق على البعض‪.‬‬ ‫تقربكم عندنا زلفى ‪ :‬أي قربى بمعنى تقريبا‪.‬‬ ‫إل من آمن وعمل صالحا ‪ :‬أي لكن من آمن وعمل صالحا هو الذي تقربه تقريبا‪.‬‬ ‫وهم في الغرفات آمنون ‪ :‬أي من المرض والموت وكل مكروه‪.‬‬ ‫والذين سعوا في آياتنا‪ :‬أي عملوا على إبطال القرآن واليمان به وتحكيمه‪.‬‬ ‫معاجزين ‪ :‬أي مقدرين عجزنا وأنهم يفوتوننا فلم نعاقبهم‪.‬‬ ‫وما أنفقتم من شيء ‪ :‬أي من مال في الخير‪.‬‬ ‫وهو خير الرازقين ‪ :‬أي المعطين الزرق‪ .‬أما خلق الرزق فهو ل تعالى وحده‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وما أرسلنا في قرية من نذير} هذا شروع في تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫ببيان حال من سبق من المم وما واجهت به رسلها فقال تعالى { َومَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} أي مدينة‬ ‫من المدن {مِنْ نَذِيرٍ إِلّا قَالَ مُتْ َرفُوهَا(‪ })1‬أي أهل المال والثروة المتنعمون بألوان المطاعم‬ ‫والمشارب والملبس والمراكب‪ .‬قالوا لرسل ال {إِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ} فردوا بذلك دعوتهم‪.‬‬ ‫ل وََأوْلدا} فاعتزوا بقوتهم‪َ { ،‬ومَا َنحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ} كذبوا بالبعث والجزاء كما‬ ‫{ َوقَالُوا نَحْنُ َأكْثَرُ َأ ْموَا ً‬ ‫أن كلمهم مشعر بأنهم مغترون بأن ما أعطاهم ال من مال وولد كان لرضاه عنهم وعدم سخطه‬

‫سطُ(‪ )2‬الرّ ْزقَ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ َيقْدِرُ} أي قل يا نبينا لولئك‬ ‫عليهم‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ إِنّ رَبّي يَبْ ُ‬ ‫المغترين بأن ما لديهم من مال وولد ناجم عن رضا ال عنهم قل لهم إن ربي جل جلله يبسط‬ ‫الرزق لمن يشاء امتحانا له ل لرضى عنه ول لبغض له‪ ،‬كما أنه يضيق الرزق على من يشاء‬ ‫س ل َيعَْلمُونَ(‪ })3‬ومن بينهم مشركو قريش ل‬ ‫ابتلء له ل لبغضه ول لمحبته‪{ ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬ ‫يعلمون أن بسط الرزق‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المترفون الذين أعطاهم ال الترف وهو النعيم وسعة العيش في الدنيا وفي بناء المترفون‬ ‫للمجهول تعريض وتذكير لهم بالمنعم تعالى علهم يذكرون فيشكرون‪.‬‬ ‫‪ - 2‬بسط الرزق تيسيره وتكثيره مأخوذ من بسط الثوب وهو نشره ليتسع لصاحبه وتقدير الرزق‬ ‫معناه إعطاؤه مقدّرا‪ ،‬ويقابله ما يعطى بغير حساب‪.‬‬ ‫‪ - 3‬مفعول ل يعلمون محذوف وقد ذكر في التفسير وهو أنهم ل يعلمون الحكمة في بسط الرزق‬ ‫وتضييقه‪.‬‬

‫( ‪)4/325‬‬ ‫كتضييقه عائد إلى تربية الناس بالسراء والضراء امتحانا وابتلء‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َأ ْموَاُلكُ ْم وَل‬ ‫َأوْل ُدكُمْ بِالّتِي ُتقَرّ ُبكُمْ عِنْدَنَا زُ ْلفَى} يخبر تعالى المشركين المغترين بالمال والولد يقول لهم وما‬ ‫أموالكم ول أولدكم بالحال التي تقربكم منا وتجعلنا نرضى عنكم وندنيكم منا زلفى أي قربى‪{ .‬إِلّا‬ ‫ع ِملَ صَالِحا} أي لكن من فعلوا الوجبات والمندوبات {فَأُولَ ِئكَ} أي المذكورون لهم جزاء‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مَنْ آمَ َ‬ ‫الضعف(‪ ،)1‬أي جزاء تضاعف لهم حسناتهم فيه‪ ،‬الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة‪ ،‬وذلك بسبب‬ ‫عملهم الصالحات { َوهُمْ فِي ا ْلغُ ُرفَاتِ} أي غرفات الجنة آمنون من الموت ومن كل مكروه‬ ‫ومنغص لسعادتهم‪.‬‬ ‫س َعوْنَ فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ} يخبر تعالى أن الذين يعملون بجد وحرص في‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ يَ ْ‬ ‫إبطال آياتنا وإطفاء نور هدايتنا في كتابنا وقلوب عبادنا المؤمنين ويظنون أنهم معجزون لنا أي‬ ‫فائتون ل ندركهم ول نعاقبهم هؤلء المغرورون في العذاب محضرون أي كأنك بهم وهم‬ ‫محضرون في جهنم يعذبون فيها أبدا‪.‬‬ ‫فقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ إِنّ رَبّي} أي قل يا رسولنا مرة أخرى تقريرا لهذه الحقيقة العلمية التي خفيت‬ ‫على الناس وجهلها قومك وهي أن ال يبسط الرزق لمن يشاء امتحانا ل حبا فيه ول بغضا له‪.‬‬ ‫وإنما امتحانا له هل يشكر أو يكفر فإن شكر زدناه وأكرمناه وإن كفر سلبناه ما أعطيناه وعذبناه‪،‬‬ ‫{وَ َيقْدِرُ لَهُ} أي لمن يشاء من عباده ابتلءً له ل بغضا له ول حبا فيه‪ .‬وإنما لننظر هل يصبر على‬ ‫شيْءٍ َف ُهوَ‬ ‫البتلء أو يسخط ويضجر فنزيد في بلئه وشقائه‪ ..‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا أَ ْن َفقْتُمْ(‪ )2‬مِنْ َ‬

‫يُخِْلفُ ُه وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ} في هذا دعوة إلى النفاق في سبيل ال وتشجيع عليه بإعلم الناس أن‬ ‫النفاق ل ينقص المال والبخل به ل يزيده فإن التوسعة كالتضييق لحكمة فل البخل يزيد في المال‬ ‫ول النفاق في سبيل ال ينقص منه‪ .‬وختم هذا بوعده الصادق وهو أن من أنفق في سبيل ال شيئا‬ ‫أخلفه ال عليه وهو تعالى خير من قيل إنه يرزق ووصف به‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال في المم والشعوب وأنهم ما أتاهم من رسول إل كفر به الغنياء والكبراء‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان اغترار المترفين بما آتاهم ال من مال وولد ظانين أن ذلك من رضا ال تعالى عليهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الضعف بمعنى المضاعف المكرر مرة وأكثر حتى يبلغ أضعافا مضاعفة إلى سبعمائة‬ ‫ضعف هي سنة النفاق في الجهاد‪.‬‬ ‫‪ - 2‬من في قوله "من شيء" بيانية وجملة فهو يخلفه جواب الشرط وجملة وهو خير الرازقين‬ ‫تذييل للكلم يحمل معنى الترغيب في النفاق في سبيل ال وفي الحديث الصحيح " يا ابن آدم أنفق‬ ‫أُنفق عليك"‪ ،‬و "ما من يوم تطلع فيه الشمس إل وملكان ينزلن يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا‬ ‫ويقول الخر اللهم أعط ممسكا تلفا " في الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)4/326‬‬ ‫‪ -3‬بيان الحكمة في التوسعة على بعض والتضييق على بعض‪ ،‬وأنها المتحان والبتلء فل تدل‬ ‫ب ال ول‬ ‫على ح ّ‬ ‫على بغضه للعبد‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان ما يقرب إلى ال ويدني منه وهو اليمان والعمل الصالح ومن ذلك النفاق في سبيل ال‬ ‫ل كثرة المال‬ ‫والولد كما يظن المغرورون المفتنون بالمال والولد‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان حكم ال فيمن يحارب السلم ويريد إبطاله وأنه محضر في جهنم ل محالة‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان وعد ال تعالى بالخلف لكل من أنفق في سبيله مالً‪.‬‬ ‫جمِيعا ثُمّ َيقُولُ لِ ْلمَل ِئكَةِ أَ َهؤُلءِ إِيّاكُمْ كَانُوا َيعْبُدُونَ(‪ )40‬قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ أَ ْنتَ وَلِيّنَا مِنْ‬ ‫وَ َيوْمَ يَحْشُ ُرهُمْ َ‬ ‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ َنفْعا وَل‬ ‫دُو ِنهِمْ َبلْ كَانُوا َيعْبُدُونَ ا ْلجِنّ َأكْثَرُهُمْ ِب ِهمْ ُم ْؤمِنُونَ(‪ )41‬فَالْ َيوْمَ ل َيمِْلكُ َب ْع ُ‬ ‫عذَابَ النّارِ الّتِي كُنْتُمْ ِبهَا ُت َكذّبُونَ(‪)42‬‬ ‫ضَرّا وَنَقُولُ ِللّذِينَ ظََلمُوا ذُوقُوا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويوم يحشرهم جميعا ‪ :‬أي اذكر يوم نحشرهم جميعا أي جميع المشركين‪.‬‬

‫أهؤلء إياكم كانوا يعبدون؟ ‪ :‬أي يقول تعالى هذا للملئكة تقريعا للمشركين وتوبيخا لهم‪.‬‬ ‫قالوا سبحانك ‪ :‬أي قالت الملئكة سبحانك أي تقديسا لك عن الشرك وتنزيها‪.‬‬ ‫أنت ولينا من دونهم ‪ :‬أي ل موالة بيننا وبينهم أي يتبرأوا منهم‪.‬‬ ‫بل كانوا يعبدون الجن‪ :‬أي الشياطين التي كانت تتمثل لهم فيحسبونها ملئكة فيطيعونها فتلك‬ ‫عبادتهم لها‪.‬‬ ‫فاليوم ل يملك بعضكم لبعض ‪ :‬أي ل يملك المعبودون للعابدين‪.‬‬ ‫نفعا ول ضرا ‪ :‬أي ل يملكون نفعهم فينفعونهم ول ضرهم فيضرونهم‪.‬‬ ‫ونقول للذين ظلموا ‪ :‬أي أشركوا غير ال في عبادته من الملئكة والنبياء والولياء والصالحين‪.‬‬

‫( ‪)4/327‬‬ ‫عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ‪ :‬أي كنتم في الدنيا تكذبون بالبعث والجزاء وهو الجنة أو النار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء والتوحيد‪ .‬قال تعالى لرسوله صلى ال عليه‬ ‫جمِيعا} فلم نبق منهم أحدا‪ ،‬ثم نقول للملئكة وهم‬ ‫حشُرُهُمْ(‪ })1‬أي المشركين { َ‬ ‫وسلم واذكر {وَ َيوْمَ يَ ْ‬ ‫أمامهم تقريعا للمشركين وتأنيبا‪{ :‬أَ َهؤُلءِ إِيّاكُمْ كَانُوا َيعْبُدُونَ(‪ })2‬فتتبرأ الملئكة من ذلك وينزهون‬ ‫ت وَلِيّنَا مِنْ دُو ِنهِمْ}‬ ‫ال تعالى عن الشرك فيقولون‪{ :‬سُبْحَا َنكَ} أي تنزيها لك عن الشرك وتقديسا {أَ ْن َ‬ ‫أما هم فل ولية بيننا وبينهم { َبلْ كَانُوا َيعْبُدُونَ الْجِنّ(‪ })3‬أي الشياطين {َأكْثَرُهُمْ ِبهِمْ ُم ْؤمِنُونَ} أي‬ ‫مصدقون فأطاعوهم في عبادة الصنام وعصوك وعصوا رسلك فلم يعبدوك ولم يطيعوا رسلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {فَالْ َيوْمَ ل َيمِْلكُ َب ْعضُكُمْ لِ َب ْعضٍ َنفْعا وَل ضَرّا} أي يقال لهم هذا القول تيئيسا وإبلسا‬ ‫أي قطعا لرجائهم في أن يشفعوا لهم‪ .‬وقوله تعالى {وَ َنقُولُ لِلّذِينَ ظََلمُوا} وهم المشركون {ذُوقُوا‬ ‫عَذَابَ النّارِ الّتِي كُنْ ُتمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ} أي كنتم تكذبون بها في الدنيا فذوقوا اليوم عذابها‪ .‬والعياذ بال‬ ‫من عذاب النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض أحوالها‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن من كانوا يعبدون الملئكة والنبياء والصالحين كانوا يعبدون الشياطين إذ هي التي زينت‬ ‫لهم الشرك‪ .‬أما الملئكة والنبياء والولياء فلم يرضوا بذلك منهم فضلً عن أن يأمروهم به‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان توبيخ أهل النار بتكذيبهم في الدنيا بالخرة وكفرهم بوجود نار يعذبون بها يوم القيامة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا الكلم متصل بما قبله وهو قوله تعالى ولو ترى إذ الظالمون موقوفون إذ السياق كله في‬

‫تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض أحوال أهل النار وما يجري لهم من أمور‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا كقوله تعالى {وإذ قال ال يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من‬ ‫دون ال؟} وهو سؤال تقريع وتوبيخ ل للمسئول ولكن لعابديه من النس والجن‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روي أن بني مُليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن ويزعمون أن الجن تتراءى لهم وأنهم‬ ‫الملئكة وأنهم بنات ال‪ ،‬وهو قوله تعالى في سورة الصافات "وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا"‪.‬‬

‫( ‪)4/328‬‬ ‫عمّا كَانَ َيعْبُدُ آبَا ُؤكُ ْم َوقَالُوا مَا‬ ‫جلٌ يُرِيدُ أَنْ َيصُ ّد ُكمْ َ‬ ‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلّا َر ُ‬ ‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ إِنْ َهذَا إِلّا سِحْرٌ مُبِينٌ(‪َ )43‬ومَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ‬ ‫هَذَا إِلّا ِإ ْفكٌ ُمفْتَرىً َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلْ َ‬ ‫كُ ُتبٍ َيدْرُسُو َنهَا َومَا أَرْسَلْنَا إِلَ ْي ِهمْ قَبَْلكَ مِنْ نَذِيرٍ(‪َ )44‬وكَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِ ْم َومَا بََلغُوا ِمعْشَارَ مَا‬ ‫ح َدةٍ أَنْ َتقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى َوفُرَادَى ُثمّ‬ ‫ظكُمْ ِبوَا ِ‬ ‫عُ‬ ‫آتَيْنَا ُهمْ َفكَذّبُوا رُسُلِي َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ(‪ُ )45‬قلْ إِ ّنمَا أَ ِ‬ ‫تَ َت َفكّرُوا مَا ِبصَاحِ ِبكُمْ مِنْ جِنّةٍ إِنْ ُهوَ إِلّا َنذِيرٌ َلكُمْ بَيْنَ يَ َديْ عَذَابٍ شَدِيدٍ(‪)46‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫آياتنا بيّنات ‪ :‬أي آيات القرآن الكريم واضحات ظاهرة المعنى بينة الدللة‪.‬‬ ‫قالوا ما هذا إل رجل ‪ :‬أي ما محمد إل رجل من الرجال‪.‬‬ ‫يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ‪ :‬أي يريد أن يصرفكم عن عبادتكم للهتكم التي كان يعبدها‬ ‫آباؤكم من قبل‪.‬‬ ‫إل إفك مفترى ‪ :‬أي إل كذب مختلق مزور‪.‬‬ ‫وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم‪ :‬أي قالوا للقرآن لما جاءهم به محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إن هذا إل سحر مبين ‪ :‬أي ما هذا أي القرآن إل سحر مبين أي محمد ساحر والقرآن سحر‪.‬‬ ‫من كتب يدرسونها ‪ :‬أي يقرأونها فأباحت لهم الشرك وأذنت لهم فيه‪.‬‬ ‫وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ‪ :‬أي ولم نرسل إليهم قبلك من رسول فدعاهم إلى الشرك‪.‬‬ ‫وما بلغوا معشار ما آتيناهم ‪ :‬أي ولم يبلغ أولئك المم الذين أهلكناهم معشار ما آتينا هؤلء من‬ ‫الحجج والبينات‪.‬‬

‫( ‪)4/329‬‬ ‫فكيف كان نكير ‪ :‬أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة إل هلك والجواب كان واقعا موقعه لم‬ ‫يخطئه بحال‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫ما زال السياق في عرض مواقف المشركين المخزية والتنديد بهم والوعيد الشديد لهم‪ .‬قال تعالى‬ ‫{وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ} أي مشركي قريش وكفارها {آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ} أي يتلوها رسولنا واضحات الدللة‬ ‫بينات المعاني فيما تدعوا إليه من الحق وتندد به من الباطل‪ .‬كان جوابهم أن قالوا‪ :‬ما هذا إل‬ ‫رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم‪ .‬أي ما محمد إل رجل أي ليس بملك يريد أن يصدكم‬ ‫أي يصرفكم عما كان يعبد آباؤكم من الوثان والحجار‪ .‬فسبحان ال أين يذهب بعقول المشركين‬ ‫أما يخجلون لما يقولون عما كان يعبد آباؤكم من الصنام والوثان‪ ،‬إنه يصدهم حقا عن عبادة‬ ‫الوثان ولكن إلى عبادة الرحمن‪ .‬وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله { َوقَالُوا مَا هَذَا إِلّا‬ ‫ِإ ْفكٌ(‪ })1‬أو كذب {افْتَرَاهُ} أي اختلقه وتخرصه من نفسه أي قالوا في القرآن وما يحمل من تشريع‬ ‫وهدى ونور قالوا فيه إنه كذبه محمد صلى ال عليه وسلم سبحان ال ما أشد سخف هؤلء‬ ‫حقّ َلمّا جَاءَهُمْ إِنْ‬ ‫المشركين‪ .‬وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله { َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلْ َ‬ ‫سحْرٌ مُبِينٌ} أي قالوا في الرسول وما جاءهم به من الدعوة إلى التوحيد والصلح {إِنْ‬ ‫هَذَا إِلّا ِ‬ ‫هَذَا} أي ما هذا إل سحر مبين‪ ،‬وذلك لما رأوا من تأثير الرسول والقرآن في نفوسهم إذ كان‬ ‫يحرك نفوسهم ويهزها هزا‪.‬‬ ‫بعد هذا العرض لمواقف المشركين قال تعالى‪َ { :‬ومَا آتَيْنَاهُمْ(‪ })2‬أي مشركي قريش {مِنْ كُ ُتبٍ‬ ‫يَدْرُسُو َنهَا} أي أصروا على الشرك وما أعطيناهم من كتب يقرأونها فوجدوا فيها الذن بالشرك أو‬ ‫مشروعيته فتمسكوا به‪َ { ،‬ومَا أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيهِمْ قَبَْلكَ مِنْ نَذِيرٍ} أي رسول فأجاز لهم الشرك أو سنه لهم‬ ‫فهم على سنته‪ ،‬اللهم ل ذا ول ذاك‪ .‬فكيف إذا هذا الصرار على الشرك وهو باطل لم ينزل به‬ ‫كتاب ولم يبعث به رسول(‪.)3‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وكَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ(‪ })4‬أي من المم البائدة { َومَا بََلغُوا} أي ولم يبلغ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ما هذا يعنون القرآن الكريم وكذا قولهم إن هذا إل سحر فإنهم يعنون القرآن الكريم أيضا‬ ‫وإن بمعنى ما النافية والسناد بعدها دال عليها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجملة حالية من ضمير قالوا ما هذا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي أنه ليس لهم ما يتثبتون به من أقل دليل وأدنى شبهة كما هي الحال عند أهل الكتاب إذ‬ ‫قالوا عندنا كتابنا وجاءتنا رسلنا أما المشركون فليس لهم من ذلك شيء‪.‬‬ ‫‪ - 4‬في الية تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم في تكذيبهم له صلى ال عليه وسلم وتهديد لهم‪.‬‬ ‫التسلية في قوله "كذب الذين من قبلهم" والتهديد في "فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" والفاء للتفريع‬ ‫أي في قوله فكذبوا رسلي‪.‬‬

‫( ‪)4/330‬‬

‫هؤلء من القوة معشار(‪ )1‬ما كان لولئك القوام الهالكين‪ ،‬ومع ذلك أهلكناهم‪ ،‬فكيف كان نكيري‬ ‫أي كيف كان إنكاري عليهم الشرك وتكذيب رسلي كان بإبادتهم واستئصالهم‪ .‬أما يخاف هؤلء‬ ‫الضعفاء أن تحل بهم عقوبتنا فنهلكهم عن آخرهم كما أهلكنا من قبلهم ولما لم يرد ال إبادتهم بعد‬ ‫أن استوجبوها بالتكذيب لرسوله والصرار على الشرك والكفر قال لرسوله قل لهم {إِ ّنمَا(‪)2‬‬ ‫ظ ُكمْ ِبوَاحِ َدةٍ} أي بخصلة واحدة وهي أن تقوموا ل متجردين من الهوى والتعصب {مَثْنَى}‪ ،‬أي‬ ‫أَعِ ُ‬ ‫اثنين اثنين‪َ { ،‬وفُرَادَى} أي واحدا واحدا‪ ،‬ثم تتفكروا في حياة محمد صلى ال عليه وسلم ومواقفه‬ ‫الخيّرة معكم وبعده عن كل أذى وشر وفساد فإنكم تعلمون يقينا أنه ما بصاحبكم محمد من جنّة‬ ‫عذَابٍ شَدِيدٍ} ‪ ،‬أي ما هو صلى ال عليه وسلم إل نذير‬ ‫ول جنون {إِنْ ُهوَ إِلّا نَذِيرٌ َلكُمْ بَيْنَ يَ َديْ َ‬ ‫لكم أمام عذاب شديد قد ينزل بكم وهو مشفق عليكم في ذلك خائف ل يريده لكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكري‪.‬‬ ‫‪ -2‬ضعف كفار قريش وتشددهم وعتوهم إذا قيسوا بالمم السابقة فإنهم ل يملكون من القوة نسبة‬ ‫واحد إلى‬ ‫ألف إذ المعشار هو عشر عشر العشر(‪.)3‬‬ ‫‪ -3‬تقرير النبوة المحمدية وإثباتها وذلك ينفي الجِنّة عنه صلى ال عليه وسلم وإثبات أنه نذير‪.‬‬ ‫شهِيدٌ(‪ُ )47‬قلْ إِنّ رَبّي‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫ُقلْ مَا سَأَلْ ُتكُمْ مِنْ َأجْرٍ َف ُهوَ َلكُمْ إِنْ َأجْ ِريَ إِلّا عَلَى اللّ ِه وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ن ضَلَ ْلتُ فَإِ ّنمَا‬ ‫طلُ َومَا ُيعِيدُ(‪ُ )49‬قلْ إِ ْ‬ ‫ق َومَا يُبْ ِدئُ الْبَا ِ‬ ‫حّ‬ ‫َيقْ ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلّامُ ا ْلغُيُوبِ(‪ُ )48‬قلْ جَاءَ الْ َ‬ ‫ضلّ عَلَى َنفْسِي وَإِنِ اهْتَدَ ْيتُ فَ ِبمَا يُوحِي إَِليّ رَبّي إِنّهُ‬ ‫َأ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المعشار العشر إذ هو الجزء العاشر كالمرباع الذي يعطى لقائد الكتيبة من الغنائم وهو‬ ‫ربعها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا انتقال من حكاية أقوال المشركين والرد عليهم إلى دعوتهم للنصاف في النظر والتأمل‬ ‫في الحقائق ليتضح لهم خطأهم وهذا من باب العذار لهم في المجادلة ليهلك من يهلك عن بينة‬ ‫ويحيى من يحي عن بينة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قال القرطبي‪ :‬وقيل المعشار هو عشر العشير‪ ،‬والعشير هو عشر العشر فيكون جزاء من‬ ‫ألف جزء قال الماوردي وهو أظهر لن المراد به المبالغة في التقليل وما فسرت به الية في‬ ‫التفسير أرجح وأوضح‪ ،‬وإن أريد به ما أتى ال هذه المة من العلم والبيان فهذا المعنى صحيح‬ ‫غير أنه ل يتلءم مع سياق اليات‪.‬‬

‫( ‪)4/331‬‬

‫سمِيعٌ قَرِيبٌ(‪ )50‬وََلوْ تَرَى ِإذْ فَزِعُوا فَل َف ْوتَ وَُأخِذُوا مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ(‪َ )51‬وقَالُوا آمَنّا ِب ِه وَأَنّى‬ ‫َ‬ ‫ل وَ َيقْ ِذفُونَ بِا ْلغَ ْيبِ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ(‪ )53‬وَحِيلَ‬ ‫َلهُمُ التّنَاوُشُ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ(‪َ )52‬وقَدْ َكفَرُوا بِهِ مِنْ قَ ْب ُ‬ ‫شكّ مُرِيبٍ(‪)54‬‬ ‫عهِمْ مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا فِي َ‬ ‫بَيْ َنهُ ْم وَبَيْنَ مَا يَشْ َتهُونَ َكمَا ُف ِعلَ بَِأشْيَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل إن ربي يقذف بالحق ‪ :‬أي يلقي بالوحي الحق إلى أنبيائه‪ .‬ويقذف الباطل بالحق أيضا فيدمغه‪.‬‬ ‫وما يبدئ الباطل وما يعيد ‪ :‬أي وما يبدئ الباطل الذي هو الكفر‪ ،‬وما يعيد أي إنه ل أثر له‪.‬‬ ‫فإنما أضل على نفسي ‪ :‬أي إثم ضللي على نفسي ل يحاسب ول يعاقب به غيري‪.‬‬ ‫إنه سميع قريب ‪ :‬أي سميع لما أقول لكم قريب غير بعيد فل يتعذر عليه مجازاة أحد من خلقه‪.‬‬ ‫إذ فزعوا فل فوت ‪ :‬أي إذ فزعوا للبعث أي خافوا ونفروا فل فوت لهم منا بل هم في قبضتنا‪.‬‬ ‫وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ‪ :‬أي لما شاهدوا العذاب قالوا آمنا بالقرآن وكيف لهم ذلك وهم‬ ‫بعيدون إنهم في الخرة واليمان في الدنيا‪( .‬التناوش) التناول من مكان بعيد‪.‬‬ ‫كما فعل بأشياعهم من قبل ‪ :‬أي فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم من أمم الكفر والباطل‪.‬‬ ‫في شك مريب ‪ :‬أي في شك بالغ من نفوسهم فأصبحوا به مضطربين ل يطمئنون إلى شيء أبدا‪.‬‬

‫( ‪)4/332‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما لج المشركون في الخصومة والعناد ودعاهم ال تعالى إلى أمثل حل وهو أن يقوموا ل‬ ‫متجردين ل تعالى من الهوى والتعصب يقوموا اثنين اثنين أو واحدا واحدا لن الجماعة من شأنها‬ ‫أن تختلف مع الراء ثم يتفكروا في حياة الرسول وما دعاهم إليه من الهدى والحق فإنكم تعلمون‬ ‫أنه ليس كما اتهمتموه بالجنون وإنما هو نذير لكم بين يدي عذاب شديد يخاف وقوعه بكم ونزوله‬ ‫عليكم هنا أمره تعالى أن يقول لهم وكوني نذيرا لكم مما أخاف عليكم ل أسألكم على إنذاري لكم‬ ‫شهِيدٌ} أي مطلع عليّ عالم بصدقي ويجزيني‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫أجرا(‪{ )1‬إِنْ أَجْ ِريَ إِلّا عَلَى اللّ ِه وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫حقّ} أي‬ ‫على إنذاري لكم إذ كلفني به فقمت به طاعة له‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ إِنّ رَبّي َيقْ ِذفُ(‪ )2‬بِالْ َ‬ ‫قل لهم يا رسولنا إن ربي يقذف بالحق أي يلقي بالوحي على من يشاء من عباده {عَلّامُ(‪)3‬‬ ‫ا ْلغُيُوبِ} أي وهو علم الغيوب يعلم من هو أهل للوحي إليه والرسال فيوحي إليه ويرسله كما‬ ‫طلُ َومَا ُيعِيدُ}‬ ‫ق َومَا يُبْ ِدئُ الْبَا ِ‬ ‫حّ‬ ‫أوحى إليّ وأرسلني إليكم نذيرا وبشيرا‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ جَاءَ الْ َ‬ ‫أي قل لهم يا رسولنا جاء الحق وهو السلم الدين الحق‪ ،‬فلم يبق للباطل الذي هو الشرك والكفر‬ ‫مكان ول مجال‪ ،‬وما يبدئ الباطل وما يعيد؟ أي أنه كما ل يبدئ ل يعيد فهو ذاهب ل أثر له أبدا‬ ‫ضلّ عَلَى َنفْسِي} أي أعلمهم بأنك إن ضللت فيما أنت قائم عليه‬ ‫ن ضَلَ ْلتُ فَإِ ّنمَا َأ ِ‬ ‫وقوله‪ُ { :‬قلْ(‪ )4‬إِ ْ‬

‫تدعوا إليه فإنما عائد ضللك عليك ل عليهم‪ ،‬وإن اهتديت فهدايتك بفضل ما يوحي إليك ربك من‬ ‫سمِيعٌ قَرِيبٌ} سميع لقوالك وأقوال غيرك غير بعيد فيتعذر عليه مجازاة عباده‬ ‫الهدى والنور {إِنّهُ َ‬ ‫صاحب الحسان بالحسان وصاحب السوء بالسوء‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وَلوْ تَرَى ِإذْ فَزِعُوا فَل َف ْوتَ‬ ‫وَأُخِذُوا مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ} أي لرأيت أمرا فظيعا يقول تعالى لرسوله ولو ترى(‪ )5‬إذ فزع‬ ‫المشركون في ساحات فصل القضاء يوم القيامة فزعوا من شدة الهول والخوف وقد أخذوا من‬ ‫مكان قريب وألقوا في جهنم لرأيت أمرا فظيعا في غاية الفظاعة‪ .‬وقوله {فَل َفوْتَ}‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أي جُعلً على تبليغ الرسالة فإن سألتكموه فهو لكم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جائز أن يكون المعنى يقذف الباطل بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق كذا روي عن ابن عباس‬ ‫وقال قتادة بالحق أي بالوحي وعنه أن الحق القرآن والكل صحيح وما في التفسير أقرب وأوضح‪.‬‬ ‫‪ - 3‬علّم مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو علّم الغيوب والغيوب جمع غيب وقرأ‬ ‫الجمهور بضم الغين وكسرها بعضهم كبيوت إذ يجوز لها الضم والكسر والية فيها معنى (ال‬ ‫أعلم حيث يجعل رسالته) وفيها رد على المعترضين على الوحي إلى محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬لما أفحمهم في اليات السابقة وقطع طريق الستدلل عليهم وتركهم في غيهم حيارى أمر‬ ‫رسوله أن يقول لهم تاركا جدالهم لعدم الفائدة منه بعد وضوح الحق (إن ضللت) الية فعل هذا‬ ‫إنهاءً لجدل عقيم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الخطاب للرسول صلى ال عليه وسلم ولكل ذي أهلية وجواب لو محذوف كأن اللفظ ل يقدر‬ ‫على تصويره على حقيقته لفظاعته وهو كذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/333‬‬ ‫لهم ل يفوتون ال تعالى ول يهربون من قبضته‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقَالُوا آمَنّا بِهِ(‪ })1‬أي قالوا بعد‬ ‫ما بعثوا وفزعوا من هول القيامة قالوا آمنا به أي بال وكتابه ولقائه ورسوله‪ ،‬قال تعالى {وَأَنّى‬ ‫َلهُمُ(‪ )2‬التّنَاوُشُ} أي التناول لليمان من مكان بعيد إذ هم في الخرة واليمان كان في الدنيا فكيف‬ ‫يتناولونه بهذه السهولة ويقبل منهم وينجون من العذاب هذا بعيد جدا ولن يكون أبدا وقد كفروا به‬ ‫من قبل أي ل سيما وأنهم قد عرض عليهم اليمان وهم قادرون عليه فرفضوه فكيف يمكنون منه‬ ‫الن‪ .‬وقوله {وَ َيقْ ِذفُونَ بِا ْلغَ ْيبِ(‪ )3‬مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ} أي وها هم اليوم في الدنيا يقذفون بالغيب محمدا‬ ‫صلى ال عليه وسلم بقواصم الظهر مرة يقولون كاذب ومرة ساحر ومرة شاعر وأخرى مجنون‬ ‫وكل هذا رجما بالغيب ل شبهة لهم فيه ول أدنى ريبة تدعوهم إليه وأخيرا قال تعالى‪َ { :‬وحِيلَ‬ ‫بَيْ َنهُ ْم وَبَيْنَ مَا يَشْ َتهُونَ} وهو اليمان الموجب للنجاة كما فعل بأشياعهم(‪ )4‬أي أشباههم وأنصارهم‬ ‫من أهل الكفر والتكذيب لما جاءهم العذاب قالوا آمنا ولم ينفعهم إيمانهم وأهلكوا فألقوا في الجحيم‪،‬‬

‫شكّ مُرِيبٍ} أي مشركو قريش وكفارها أخبر تعالى أنهم كانوا في الدنيا‬ ‫وقوله {إِ ّنهُمْ(‪ )5‬كَانُوا فِي َ‬ ‫في شك من توحيدنا ونبينا ولقائنا مريب أي موقع لهم في الريب والضطراب فلم يؤمنوا فماتوا‬ ‫على الكفر والشرك وهذا جزاء من يموت على الشرك والكفر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬دعوة ال تعالى ينبغي أن ل يأخذ الداعي عليها أجرا‪ ،‬ويحتسب أجره على ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان صدق ال تعالى في قوله جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد إذ ما هو إلّ سنيّات‬ ‫والسلم ضارب‬ ‫بجرانه في الجزيرة فل دين فيها إل السلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬اليمان الضطراري ل ينفع صاحبه كإيمان من رأى العذاب‪.‬‬ ‫‪ -4‬الشك كفر ول إيمان مع رؤية العذاب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬صالح أن يكون الضمير للوعيد أو ليوم البعث أو النبي صلى ال عليه وسلم أو القرآن إذ‬ ‫الكل واجب اليمان وقد كفروا بالكل وكذبوا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أنى استفهام عن المكان وهو مستعمل هنا للنكار والتناوش التناول السهل وأكثر وروده في‬ ‫شرب البل شربا خفيفا من الحوض ونحوه قال الشاعر‪:‬‬ ‫باتت تنوش الحوض نوشا من عل‬ ‫نوشا به تقطع أجواز الفل‬ ‫أي تتناول الماء من أعله ول تغوص مشافرها فيه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬القذف الرمي باليد من بعد ويستعار للقول بدون تروّ ول دليل وهو كقولهم في الصنام هم‬ ‫شفعاؤنا عند ال وكتكذيبهم بالبعث والتوحيد والنبوة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الشياع المتشابهون في النحلة وإن كانوا سالفين وأصل المشايعة المتابعة في العمل‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هذه الجملة تعليلية لكل ما سبق في تكذيبهم وعنادهم وجهلهم وضللهم إذ الشك وعد اليقين‬ ‫هو الذي يوقع صاحبه في أودية الضلل والباطل‪.‬‬

‫( ‪)4/334‬‬ ‫سورة فاطر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة فاطر‬ ‫مكية‬

‫وآياتها خمس وأربعون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫ث وَرُبَاعَ يَزِيدُ‬ ‫حةٍ مَثْنَى وَثُل َ‬ ‫علِ ا ْلمَل ِئكَةِ ُرسُلً أُولِي َأجْنِ َ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ جَا ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ فَاطِرِ ال ّ‬ ‫الْ َ‬ ‫سكَ َلهَا َومَا‬ ‫حمَةٍ فَل ُممْ ِ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪ )1‬مَا َيفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ َر ْ‬ ‫فِي الْخَ ْلقِ مَا يَشَاءُ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫حكِيمُ(‪ )2‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ َهلْ‬ ‫سلَ لَهُ مِنْ َب ْع ِد ِه وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫سكْ فَل مُرْ ِ‬ ‫ُيمْ ِ‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ(‪)3‬‬ ‫مِنْ خَاِلقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الحمد ل ‪ :‬أي قولوا الحمد ل فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد‪.‬‬ ‫فاطر السموات والرض ‪ :‬أي خالقهما على غير مثال سابق‪.‬‬ ‫جاعل الملئكة رسل ‪ :‬أي جعل منهم رسل إلى النبياء كجبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫أولي أجنحة ‪ :‬أي ذوي أجنحة جمع جناح كجناح الطير‪.‬‬ ‫يزيد في الخلق ما يشاء ‪ :‬أي يزيد على الثلثة ما يشاء فإن لجبريل ستمائة جناح‪.‬‬ ‫وما يمسك ‪ :‬أي ال من الرحمة فل أحد يرسلها غيره سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪ :‬أي الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه‪.‬‬ ‫اذكروا نعمة ال عليكم ‪ :‬أي اذكروا نعمه تعالى عليكم في خلقكم ورزقكم وتأمينكم في حرمكم‪.‬‬ ‫هل من خالق غير ال ‪ :‬أي ل خالق لكم غير ال ول رازق لكم يرزقكم‪.‬‬ ‫من السماء والرض ‪ :‬أي بإنزال المطر من السماء وإنبات الزروع في الرض‪.‬‬

‫( ‪)4/335‬‬ ‫ل إله إل هو ‪ :‬أي ل معبود بحق إل هو إذا فاعبدوه ووحدوه‪.‬‬ ‫فأنى تؤفكون ‪ :‬أي كيف تصرفون عن توحيده مع اعترافكم بأنه وحده الخالق الرازق‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ} أي الشكر الكامل والحمد التام ل استحقاقا‪،‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫حمْدُ لِلّهِ فَاطِرِ(‪ )1‬ال ّ‬ ‫قوله تعالى {ا ْل َ‬ ‫والكلم خرج مخرج الخبر ومعناه النشاء أي قولوا الحمد ل‪ .‬واشكروه كما هو أيضا إخبار منه‬ ‫تعالى بأن الحمد له ول مستحقه غيره ومقتضى حمده فطره السموات والرض أي خلقه لهما على‬ ‫غير مثال سابق ول نموذج حاكاه في خلقهما‪ .‬وجعله الملئكة(‪ )2‬رسلً إلى النبياء وإلى من‬ ‫يشاء من عباده باللهام والرؤيا الصالحة‪ .‬وقوله {أُولِي أَجْ ِنحَةٍ} صفة للملئكة أي أصحاب أجنحة‬ ‫خلْقِ} أي‬ ‫مثنى أي اثنين اثنين‪ ،‬وثلث أي ثلثة ثلثة‪ ،‬ورباع أي أربعة أربعة‪ .‬وقوله {يَزِيدُ فِي الْ َ‬ ‫خلق الجنحة ما يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلم ستمائة جناح كما أخبر بذلك رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم في الصحاح ويزيد في خلق(‪ )3‬ما يشاء من مخلوقاته وهو على كل شيء قدير‪.‬‬

‫سكَ َلهَا} يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء‬ ‫حمَةٍ(‪ )4‬فَل ُممْ ِ‬ ‫وقوله تعالى {مَا َيفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَ ْ‬ ‫بيده فما يفتح للناس من أرزاق وخيرات وبركات ل يمكن لحد من خلقه أن يمسكها دونه وما‬ ‫يمسك من ذلك فل يستطيع أحد من خلقه أن يرسله‪ ،‬وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده‬ ‫فل مانع لما أعطى ول راد لما قضى الحكيم في صنعه وتدبير خلقه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ‬ ‫ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ} هذا نداؤه تعالى لهل مكة من قريش يأمرهم(‪ )5‬بعده بأن يذكروا نعمه‬ ‫تعالى عليهم حيث خلقهم ووسع أرزاقهم وجعل لهم حرما آمنا والناس يتخطفون من‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يصح في فاطر الجر على النعت والرفع على القطع أي هو فاطر والنصب على المدح أي‬ ‫أمدح فاطر‪ ،‬والفطر‪ :‬الشق يقال فطرته فانفطر وتفطر‪ ،‬وفطر ناب البعير إذا شق اللحم وطلع‪،‬‬ ‫والفاطر‪ :‬الخالق‪ ،‬قال ابن عباس كنت ل أدري ما "فاطر السموات والرض" حتى أتاني أعرابيان‬ ‫يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي أنا ابتدأتها والمراد بالسموات والرض العالم كله‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المراد بالملئكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزائيل "وملك الموت" وما شاء ال‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جائز أن يكون في ملحة العين والحسن في النف والحلوة في الفم‪ ،‬وفي الصوت الحسن‬ ‫والشعر الحسن والحظ الحسن كل هذا مذكور وداخل في العبارة فإنها عامة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬لفظ الرحمة نكرة دال على الكثرة والشيوع فهو يتناول كل ما هو رحمة من النبوة والعلم إلى‬ ‫المطر والرزق إلى النصر والفوز‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أي بعد أن ناداهم أمرهم بأن يذكروا نعمه عليهم إذ نداء المأمور يلفت نظره ويحضر حواسه‬ ‫لستقبال ما يلقى إليه ويؤمر به أو يحذر منه‪.‬‬

‫( ‪)4/336‬‬ ‫حولهم خائفون يأمرهم بذكر نعمه لنهم إذا ذكروها شكروها باليمان به وتوحيده‪ .‬وقوله { َهلْ مِنْ‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ} والجواب ل أحد إذ ل خالق إل هو ول رازق سواه‬ ‫خَاِلقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫فهو الذي خلقهم ومن السماء والرض رزقهم‪ .‬السماء تمطر والرض تنبت بأمره‪ .‬إذا فل إله إل‬ ‫هو أي ل معبود بحق إل هو فكيف تصرفون عن الحق بعد معرفته إن حالكم لعجب‪.‬‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ ل إِلَهَ ِإلّا ُهوَ‬ ‫هذا ما دل عليه قوله تعالى { َهلْ مِنْ خَاِلقٍ غَيْرُ(‪ )1‬اللّهِ يَرْ ُز ُقكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ}‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب حمد ال تعالى وشكره على إنعامه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير الرسالة والنبوة لمحمد صلى ال عليه وسلم بإخباره أنه جاعل الملئكة رسلً‪.‬‬

‫‪ -3‬وجوب اللجوء إلى ال تعالى في طلب الخير ودفع الضر فإنه بيده خزائن كل شيء‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب ذكر النعم ليكون ذلك حافزا على شكرها بطاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير التوحيد بالدلة العقلية التي ل ترد‪.‬‬ ‫‪ -6‬العجب من حال المشركين يقرون بانفراد ال تعالى بخلقهم ورزقهم ويعبدون معه غيره‪.‬‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ‬ ‫ك وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَعُ الُْأمُورُ(‪ )4‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّ‬ ‫سلٌ مِنْ قَبِْل َ‬ ‫وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّ َبتْ رُ ُ‬ ‫خذُوهُ عَ ُدوّا إِ ّنمَا يَدْعُو‬ ‫فَل َتغُرّ ّنكُمُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا وَل َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ(‪ )5‬إِنّ الشّيْطَانَ َل ُكمْ عَ ُدوّ فَاتّ ِ‬ ‫عمِلُوا‬ ‫شدِي ٌد وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫سعِيرِ(‪ )6‬الّذِينَ َكفَرُوا َل ُهمْ عَذَابٌ َ‬ ‫صحَابِ ال ّ‬ ‫حِزْ َبهُ لِ َيكُونُوا مِنْ َأ ْ‬ ‫الصّالِحَاتِ َلهُمْ َمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(‪)7‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرئ غير ال بالجر وقرأ الجمهور بالرفع على محل خالق المرفوع محلً في الية دليل على‬ ‫أن الخير والشر كلهما من خلق ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/337‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن يكذبوك ‪ :‬أي يا رسولنا فيما جئت به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء ولم يؤمنوا بك‪.‬‬ ‫فقد كذبت رسل من قبلك ‪ :‬أي فلست وحدك كذبت إذا فل تأس ول تحزن واصبر كما صبر مَن‬ ‫قبلك‪.‬‬ ‫وإلى ال ترجع المور ‪ :‬وسوف يجزي المكذبين بتكذيبهم والصابرين بصبرهم‪.‬‬ ‫ول يغرنكم بال الغرور ‪ :‬أي ول يغرنكم بال أي في حلمه وإمهاله الغرور أي الشيطان‪.‬‬ ‫فاتخذوه عدوا ‪ :‬أي فل تطيعوه ول تقبلوا ما يغركم به وأطيعوا ربكم عز وجل‪.‬‬ ‫إنما يدعوا حزبه ‪ :‬أي أتباعه في الباطل والكفر والشر والفساد‪.‬‬ ‫ليكونوا من أصحاب السعير‪ :‬أي ليؤول أمرهم إلى أن يكونوا من أصحاب النار المستعرة‪.‬‬ ‫لهم مغفرة وأجر كبير ‪ :‬أي لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير في الجنة وذلك ليمانهم وعملهم‬ ‫الصالحات‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أقام تعالى الحجة على المشركين في اليات السابقة قال لرسوله صلى ال عليه وسلم {وَإِنْ‬ ‫ُيكَذّبُوكَ(‪ })1‬بعدما أقمت عليهم الحجة فلست وحدك المكذّب فقد كذبت قبلك رسل كثيرون جاءوا‬ ‫جعُ(‪ )2‬الُْأمُورُ} وسوف‬ ‫أقوامهم بالبينات والزبر وصبروا إذا فاصبر كما صبروا {وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬ ‫يقضي بينك وبينهم بالحق فينصرك في الدنيا ويخذلهم‪ ،‬ويرحمك في الخرة ويعذبهم‪.‬‬ ‫حقّ} أي يا أهل مكة وكل مغرور من الناس بالحياة الدنيا اعلموا‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫وقوله {يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِ ّ‬

‫أن وعد ال بالبعث والجزاء حق فل تغرنكم الحياة الدنيا بطول أعماركم وصحة أبدانكم وسعة‬ ‫أرزاقكم‪ ،‬فإن ذلك زائل عنكم ل محالة {وَل َيغُرّ ّنكُمْ بِاللّهِ} أي حلمه وإمهاله {ا ْلغَرُورُ(‪ })3‬وهو‬ ‫الشيطان حيث يتخذ من حلم ال تعالى عليكم وإمهاله لكم طريقا إلى إغوائكم وإفسادكم بما يحملكم‬ ‫عليه من تأخير التوبة والصرار على المعاصي‪ ،‬والستمرار عليها {إِنّ الشّيْطَانَ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في هذه الية تعزية ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم وتسليته له بالتأسي بمن قبله من‬ ‫الرسل وتكذيب أممهم لهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ الجمهور ترجع بضم التاء وقرأ بعض بفتحها والكل صحيح ومآل المعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الغرور بالضم مصدر غره يغره غرورا‪ ،‬وبالفتح الشيطان وهو المراد هنا وصيغته من‬ ‫صيغ المبالغة "فعول" إذ هو كثير الغرور يأتيهم من حيث حلم ال وإمهاله فيصرفهم عن الحق‬ ‫مغررا إياهم بأنهم لو كانوا على باطل لهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم‪ ،‬ويسوّف آخرين بحلم ال‬ ‫فيصرفهم عن التوبة‪.‬‬

‫( ‪)4/338‬‬ ‫ع ُدوّ (‪ })1‬بالغ العداوة ظاهرها فاتخذوه أنتم عدوا كذلك فل تطيعوه ول تستجيبوا لندائه‪{ ،‬إِ ّنمَا‬ ‫َلكُمْ َ‬ ‫سعِيرِ} أي النار المستعرة‪ ،‬إنه يريد أن تكونوا معه‬ ‫يَدْعُو حِزْ َبهُ} أي أتباعه {لِ َيكُونُوا مِنْ َأصْحَابِ ال ّ‬ ‫عذَابٌ شَدِيدٌ} أي في‬ ‫في الجحيم‪ .‬إذ هو محكوم عليه بها أزلً وقوله تعالى‪{ :‬الّذِينَ َكفَرُوا(‪َ )2‬لهُمْ َ‬ ‫الخرة‪ ،‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات {َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ} أي لذنوبهم {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هو الجنة وما فيها‬ ‫من النعيم المقيم‪ .‬هذا حكم ال في عباده وقراره فيهم‪ :‬وهم فريقان مؤمن صالح وكافر فاسد ولكل‬ ‫جزاء عادل‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم ويدخل فيها كل دعاة الحق إذا كذّبوا وأوذوا فعليهم أن‬ ‫يصبروا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث والجزاء المتضمن له وعد ال الحق‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الغترار بالدنيا أي من طول العمر وسعة الرزق سلمة البدن‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من الشيطان ووجوب العتراف بعداوته‪ ،‬ومعاملته معاملة العدو فل يقبل كلمه ول‬ ‫يستجاب لندائه ول يخدع بتزيينه للقبيح والشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان جزاء أولياء الرحمن أعداء الشيطان‪ ،‬وجزاء أعداء الرحمن أولياء الشيطان‪.‬‬ ‫سكَ‬ ‫ضلّ مَنْ َيشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَل تَذْ َهبْ َنفْ ُ‬ ‫حسَنا فَإِنّ اللّهَ ُي ِ‬ ‫عمَلِهِ فَرَآهُ َ‬ ‫َأ َفمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ َ‬

‫سقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ‬ ‫سحَابا فَ ُ‬ ‫سلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ َ‬ ‫عَلَ ْيهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ(‪ )8‬وَاللّهُ الّذِي أَ ْر َ‬ ‫جمِيعا‬ ‫مَ ّيتٍ فََأحْيَيْنَا بِهِ الْأَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا َكذَِلكَ النّشُورُ(‪ )9‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ ا ْلعِ ّزةَ فَلِلّهِ ا ْلعِ ّزةُ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يكفي في إثبات عداوته أنه أخرج أبوينا من الجنة‪ ،‬وأنه تعهد بإضللهم وإغوائهم كقوله‬ ‫لغوينهم أجمعين وقوله ولضلنهم ولمنينهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الذين كفروا‪ :‬الجملة مستأنفة بيانيا لنه بعد التحذير من طاعة الشيطان يلوح في الذهان‬ ‫سؤال‪ :‬ما جزاء من أطاع الشيطان وما جزاء من عصاه؟ فالجواب الذين كفروا لهم عذاب شديد‬ ‫والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ويرى بعضهم أنها ابتدائية ذكرت فذلكة لما‬ ‫تقدم من الكلم‪.‬‬

‫( ‪)4/339‬‬ ‫عذَابٌ شَدِي ٌد َو َمكْرُ‬ ‫ب وَا ْل َعمَلُ الصّالِحُ يَ ْر َفعُ ُه وَالّذِينَ َي ْمكُرُونَ السّيّئَاتِ َلهُمْ َ‬ ‫صعَدُ ا ْلكَلِمُ الطّ ّي ُ‬ ‫إِلَيْهِ َي ْ‬ ‫ح ِملُ مِنْ أُنْثَى وَل‬ ‫جعََلكُمْ أَ ْزوَاجا َومَا َت ْ‬ ‫طفَةٍ ثُمّ َ‬ ‫أُولَ ِئكَ ُهوَ يَبُورُ(‪ )10‬وَاللّهُ خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ ُن ْ‬ ‫عمُ ِرهِ ِإلّا فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ(‪)11‬‬ ‫َتضَعُ إِلّا ِبعِ ْلمِ ِه َومَا ُي َعمّرُ مِنْ ُم َعمّرٍ وَل يُ ْن َقصُ مِنْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفمن زين له سوء عمله ‪ :‬أي قبيح عمله من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫فرآه حسنا ‪ :‬أي رآه حسنا زينا ل قبح فيه‪.‬‬ ‫فل تذهب نفسك عليهم ‪ :‬أي على أولئك الذين زين لهم الشيطان قبيح أعمالهم‪.‬‬ ‫حسرات ‪ :‬أي ل تهلك نفسك بالتحسر عليهم لكفرهم‪.‬‬ ‫إن ال عليم بما يصنعون ‪ :‬وسيجزيهم بصنيعهم الباطل‪.‬‬ ‫فتثير سحابا ‪ :‬أي تزعجه وتحركه بشدة فيجتمع ويسير‪.‬‬ ‫فسقناه إلى بلد ميت ‪ :‬أي ل نبات فيه‪.‬‬ ‫فأحيينا به الرض ‪ :‬أي بالنبات والعشب والكل والزرع‪.‬‬ ‫كذلك النشور ‪ :‬أي البعث والحياة الثانية‪.‬‬ ‫فلله العزة جميعا ‪ :‬أي فليطلب العزة بطاعة ال فإنها ل تنال إل بذلك‪.‬‬ ‫إليه يصعد الكلم الطيب ‪ :‬أي إلى ال تعالى يصعد الكلم الطيب وهو سبحان ال والحمد ل وال‬ ‫أكبر‪.‬‬ ‫والعمل الصالح يرفعه ‪ :‬أي أداء الفرائض وفعل النوافل يرفع إلى ال الكلم الطيب‪.‬‬ ‫يمكرون السيئات ‪ :‬أي يعملونها ويكسبونها‪.‬‬ ‫مكر أولئك هو يبور ‪ :‬أي عملهم هو الذي يفسد ويبطل‪.‬‬

‫خلقكم من تراب ‪ :‬أي أصلكم وهو آدم‪.‬‬ ‫ثم من نطفة ‪ :‬أي من ماء الرجل وماء المرأة وذلك كل ذرّية آدم‪.‬‬

‫( ‪)4/340‬‬ ‫ثم جعلكم أزواجا ‪ :‬أي ذكرا وأنثى‪.‬‬ ‫وما تحمل من أنثى ‪ :‬أي ما تحمل من جنين ول تضعه إل بإذنه‪.‬‬ ‫وما يعمر من معمر ‪ :‬أي وما يطول من عمر ذي عمر طويل إل في كتاب‪.‬‬ ‫ول ينقص من عمره‪ :‬أي بأن يجعل أقل وأقصر من العمر الطويل إل في كتاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقوية روح الرسول صلى ال عليه وسلم والشد من عزمه أمام تقلبات‬ ‫حسَنا(‪ })2‬أي أفمن‬ ‫عمَلِهِ فَرَآهُ َ‬ ‫المشركين وعنادهم ومكرهم فقال تعالى‪َ{ :‬أ َفمَنْ(‪ )1‬زُيّنَ لَهُ سُوءُ َ‬ ‫زين له الشيطان ونفسه وهواه قبيح عمله وهو الشرك والمعاصي فرآه حسنا كمن هداه ال فهو‬ ‫ضلّ‬ ‫على نور من ربه يرى الحسنة حسنة والسيئة سيئة والجواب‪ :‬ل‪ ،‬ل‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فَإِنّ اللّهَ ُي ِ‬ ‫مَنْ يَشَاءُ وَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ} يضل بعدله وحسب سنته في الضلل من يشاء من عباده‪ ،‬ويهدي‬ ‫بفضله من يشاء هدايته إذا فل تذهب(‪ )3‬نفسك أيها الرسول على عدم هدايتهم حسرات فتهلك‬ ‫نفسك تحسّرا على عدم هدايتهم‪ .‬وقوله {إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ } فلذا ل داعي إلى الحزن‬ ‫والغمّ ما دام ال تعالى وهو ربهم قد أحصى أعمالهم وسيجزيهم بها وقوله تعالى {وَاللّهُ الّذِي‬ ‫سقْنَاهُ إِلَى َبلَدٍ مَ ّيتٍ}(‪ )4‬أي ل نبات ول زرع به‬ ‫سلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا} أي تزعجه وتحركه‪{ .‬فَ ُ‬ ‫أَرْ َ‬ ‫{فََأحْيَيْنَا بِهِ الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا كَ َذِلكَ النّشُورُ} أي كما أن ال تعالى ينزل من السماء ماء فيحيي به‬ ‫الرض بعد موتها كذلك يحيى الموتى إذ بعد فناء العالم ينزل ال تعالى من تحت العرش ماء‬ ‫جبُ الذَنّب فيتم خلقه‪ ،‬ثم يرسل ال تعالى الرواح فتدخل كل‬ ‫فينبت النسان من عظم يقال له ع ُ‬ ‫روح في جسدها فل تخطئ روح جسدها‪ .‬هكذا كما تتم عملية إحياء الرض بالنبات تتم عملية‬ ‫إحياء الموات ويساقون إلى المحشر ويجزى كل نفس بما كسبت وال سريع الحساب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الهمزة للستفهام النكاري والفاء للتفريع فالجملة متفرعة عما سبقها من قوله تعالى {إنما‬ ‫يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} والمزين الشيطان والمزين له سوء عمله (من)‬ ‫الموصولية وهي من ألفاظ العموم تتناول من قيل إن الية نزلت فيه وهو أبو جهل ثم هي صادقة‬ ‫على كل من زين له الشيطان الشرك والشر والفساد فرآها حسنة‪( ،‬ومن) مبتدأ والخبر محذوف قد‬ ‫يقدر فل تذهب نفسك عليهم حسرات وقد يقدر كمن هداه ال كما في التفسير وقد يقدر بغير ما‬ ‫ذكر‪.‬‬

‫‪ - 2‬ذكر القرطبي لهل العلم أقوال فيمن زين له سوء عمله وفي عمله الذي زين له قيل إنهم‬ ‫اليهود والنصارى والمجوس‪ ،‬وسوء عمله معاداة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقيل إنهم‬ ‫الخوارج وسوء عمله تحريف التأويل وقيل الشيطان وعمله الغراء وقيل كفار قريش وهو‬ ‫الظاهر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرأ الجمهور فل تذهب نفسك بفتح التاء ورفع السين من نفسك وقرئ بضم التاء ونصب‬ ‫نفسك على أنها مفعول به‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الراجح من القوال لغة أن ميت مشددة وميت مخفف ل فرق بينهما وشاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫ليس من مات واستراح بميت‬ ‫إنما الميت ميت الحياء‪.‬‬

‫( ‪)4/341‬‬ ‫جمِيعا} فليطلبها من ال تعالى بطاعته وطاعة رسوله‬ ‫وقوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ا ْلعِ ّزةَ فَلِلّهِ ا ْلعِ ّزةُ َ‬ ‫فإن العزة ل جميعا فالعزيز من أعزه ال والذليل من أذله‪ ،‬إنهم كانوا يطلبون العزة بالصنام‬ ‫فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها أما الذي ل يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد‬ ‫صعَدُ ا ْلكَلِمُ الطّ ّيبُ} أي إلى ال يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح‬ ‫الشيء ل يعطيه‪ .‬وقوله {إِلَ ْيهِ َي ْ‬ ‫يرفعه إلى ال تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه ل يرفع إلى ال تعالى ول يثيب عليه‪ ،‬وقد ندد‬ ‫ال تعالى بالذين يقولون ول يعملون فقال {كَبُرَ َمقْتا عِ ْندَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا ل َت ْفعَلُونَ}‪ .‬وقوله‬ ‫عذَابٌ شَدِيدٌ} هذا جزاؤهم‪،‬‬ ‫{وَالّذِينَ َي ْمكُرُونَ السّيّئَاتِ} أي يعملونها وهي الشرك والمعاصي {َلهُمْ َ‬ ‫{ َو َمكْرُ(‪ )1‬أُولَ ِئكَ ُهوَ يَبُورُ} أي ومكر الذين يعملون السيئات {هو يبور} أي يفسد ويبطل‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَاللّهُ خََلقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم‪ ،‬ثم خلقنا نحن ذريتة من‬ ‫جعََلكُمْ أَ ْزوَاجا} أي ذكرا وأنثى‪ .‬هذه مظاهر القدرة اللهية‬ ‫نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة‪ُ { ،‬ثمّ َ‬ ‫ح ِملُ(‪ )2‬مِنْ أُنْثَى وَل َتضَعُ إِلّا‬ ‫الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء‪ ،‬وقوله { َومَا تَ ْ‬ ‫ِبعِ ْلمِ ِه َومَا ُي َعمّرُ مِنْ ُم َعمّرٍ} أي يزاد في عمره‪ ،‬ول ينقص من عمره فل يزاد فيه إل في كتاب‬ ‫وهو كتاب المقادير‪ .‬هذا مظهر من مظاهر العلم‪ ،‬وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى‬ ‫وبعث الناس للحساب والجزاء‪ .‬ولذا قال تعالى {إِنّ ذَِلكَ} أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده‬ ‫في كتاب المقادير على ال يسير أي سهل ل صعوبة فيه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من اتباع الهوى والستجابة للشيطان فإن ذلك يؤدي بالعبد إلى أن يصبح يرى‬ ‫العمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية ال فل يهتدي أبدا وهذا ينتج عن الدمان على‬

‫المعاصي والذنوب‪.‬‬ ‫‪ -2‬عملية إحياء الرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المكر‪ :‬تدبير إلحاق الضرر بالغير في خفية‪ .‬والمراد هنا أن الذين يمكرون بالرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم والمؤمنين مكرهم يذهب سدى ول يفلحون فيه كما أن الية تشير إلى أن كل من‬ ‫يمكر مكر السوء فإن عاقبة مكره تعود عليه وبالً وخسرانا كقوله تعالى ول يحيق المكر السيء‬ ‫إل بأهله‪.‬‬ ‫‪ - 2‬فما يكون حمل ول وضع أي ولدة إل بعلمه‪ ،‬فل يخرج شيء عن تدبيره وحكمته وما يعمر‬ ‫سماه معمرا باعتبار ما هو صائر إليه وفي الحديث الصحيح‪" :‬من أحب أن يسط له في رزقه‬ ‫وينسأ له في أثره أي أجله فليصل رحمه‪".‬‬

‫( ‪)4/342‬‬ ‫‪ -1‬مطلب العزة مطلب غال‪ ،‬وهو طاعة ال ورسوله ول يعز أحد عزاّ حقيقيا بدون طاعة ال‬ ‫ورسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬علم ال المتجلي في الخلق والتدبير يضاف إليه قدرته تعالى التي ل يعجزها شيء بهما يتم‬ ‫الخلق والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء وتقرير كتاب المقادير وهو اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫ج َومِنْ ُكلّ تَ ْأكُلُونَ لَحْما طَرِيّا‬ ‫ع ْذبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَاُب ُه وَهَذَا مِلْحٌ أُجَا ٌ‬ ‫َومَا َيسْ َتوِي الْبَحْرَانِ هَذَا َ‬ ‫شكُرُونَ(‪ )12‬يُولِجُ‬ ‫وَتَسْتَخْ ِرجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُو َنهَا وَتَرَى ا ْلفُلْكَ فِيهِ َموَاخِرَ لِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬ ‫سمّىً ذَِلكُمُ اللّهُ‬ ‫جلٍ ُم َ‬ ‫س وَا ْل َقمَرَ ُكلّ َيجْرِي لَِأ َ‬ ‫شمْ َ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْي ِ‬ ‫س َمعُوا دُعَا َء ُكمْ‬ ‫طمِيرٍ(‪ )13‬إِنْ تَدْعُو ُهمْ ل يَ ْ‬ ‫ك وَالّذِينَ َتدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا َيمِْلكُونَ مِنْ قِ ْ‬ ‫رَ ّبكُمْ َلهُ ا ْلمُ ْل ُ‬ ‫س ِمعُوا مَا اسْتَجَابُوا َلكُمْ وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُونَ بِشِ ْر ِككُ ْم وَل يُنَبّ ُئكَ مِ ْثلُ خَبِيرٍ(‪)14‬‬ ‫وََلوْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫عذب فرات ‪ :‬أي شديد العذوبة‪.‬‬ ‫وهذا ملح أجاج ‪ :‬أي شديد الملوحة‪.‬‬ ‫ومن كل تأكلون ‪ :‬أي ومن كل منهما‪.‬‬ ‫لحما طريا ‪ :‬أي السمك‪.‬‬ ‫حلية تلبسونها ‪ :‬أي اللؤلؤ والمرجان‪.‬‬

‫( ‪)4/343‬‬

‫مواخر ‪ :‬أي تمخر الماء وتشقه عند جريانها في البحر‪.‬‬ ‫لتبتغوا من فضله ‪ :‬أي لتطلبوا الرزق بالتجارة من فضل ال تعالى‪.‬‬ ‫ولعلكم تشكرون ‪ :‬أي رجاء أن تشكروا ال تعالى على ما رزقكم‪.‬‬ ‫يولج الليل في النهار ‪ :‬أي يدخل الليل في النهار فيزيد‪.‬‬ ‫ويولج النهار في الليل ‪ :‬أي يدخل النهار في الليل فيزيد‪.‬‬ ‫وسخر الشمس والقمر ‪ :‬أي ذللهما‪.‬‬ ‫كل يجري لجل مسمى ‪ :‬أي في فلكه إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫والذين تدعون ‪ :‬أي تعبدون بالدعاء وغيره من العبادات وهم الصنام‪.‬‬ ‫ما يملكون من قطمير ‪ :‬أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة‪.‬‬ ‫ولو سمعوا ‪ :‬أي فرضا ما استجابوا لكم‪.‬‬ ‫يكفرون بشرككم ‪ :‬أي يتبرأون منكم ومن عبادتكم إياهم‪.‬‬ ‫ول ينبئك مثل خبير ‪ :‬أي ل ينبئك أي بأحوال الدارين مثلي فإني خبير بذلك عليم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة ال وعمله وحكمة تدبيره لخلقه وهي مظاهر موجبة‬ ‫ل العبادة وحد دون غيره‪ ،‬ومقتضية للبعث الذي أنكره المشركون قال تعالى { َومَا َيسْ َتوِي‬ ‫ع ْذبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ(‪ )1‬شَرَابُهُ} أي ماؤه عذب شديد العذوبة {وَهَذَا‬ ‫الْبَحْرَانِ} أي ل يتعادلن‪َ { .‬هذَا َ‬ ‫مِلْحٌ(‪ُ )2‬أجَاجٌ} أي ماؤه شديد الملوحة لمرارته مع ملوحته‪ ،‬فهل يستوي الحق والباطل هل تستوي‬ ‫عبادة الصنام مع عبادة الرحمن؟ والجواب ل‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومِنْ ُكلّ تَ ْأكُلُونَ} أي ومن كل من‬ ‫البحرين العذب والملح تأكلون لحما طريا وهو السمك {وَتَسْ َتخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْ َبسُو َنهَا} أي اللؤلؤ‬ ‫والمرجان‪ .‬وهي حلية يتحلى بها النساء للرجال‪ ،‬وقوله {وَتَرَى ا ْلفُلْكَ فِيهِ َموَاخِرَ} أي وترى أيها‬ ‫السامع لهذا الخطاب {ا ْلفُ ْلكَ} أي السفن مواخر في البحر تمخر عباب البحر وتشق ماءه غادية‬ ‫رائحة تحمل الرجال والموال‪ ،‬سخرها وسخر البحر {لِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِهِ} أي الرزق بالتجارة‪،‬‬ ‫شكُرُونَ} أي سخر لكم البحر لتبتغوا من فضله ورجاء أن تشكروا‪ .‬لم يقل لتشكروا كما‬ ‫{وََلعَّلكُمْ َت ْ‬ ‫قال‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬معنى سائغ شرابه أن شربه ل يكلف النفس كراهة وهو مشتق من الساغة وهو استطاعة‬ ‫ابتلع المشروب دون غصة قال الشاعر‪:‬‬ ‫فساغ لي الشراب وكنت قبل‬ ‫أكاد أغص بالماء الفرات‬

‫‪ - 2‬المالح من الطعام والشراب‪ :‬هو الذي يجعل فيه الملح والملح بكسر الميم وسكون اللم‬ ‫الشيء الموصوف بالملوحة بذاته ل بإلقاء الملح فيه والجاج الشديد الملوحة‪.‬‬

‫( ‪)4/344‬‬ ‫لتبتغوا لن البتغاء حاصل من كل راكب‪ ،‬وأما الشكر فليس كذلك بل من الناس من يشكر ومنهم‬ ‫من ل يشكر‪ ،‬ولذا جاء بأداة الرجاء وهي لعل وقوله {يُولِجُ اللّ ْيلَ(‪ )1‬فِي ال ّنهَارِ} أي يدخل جزءا‬ ‫من الليل في النهار فيطول‪ ،‬ويقصر الليل {وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ} أي يدخل جزءا منه في الليل‬ ‫فيطول كما أنه يدخل النهار في الليل‪ ،‬والليل في النهار بالكلية فإنه إذا جاء أحدهما ذهب الخر‬ ‫ويشهد له قوله {وَآ َيةٌ َلهُمُ اللّ ْيلُ َنسْلَخُ مِنْهُ ال ّنهَارَ} ولزمه والنهار نسلخ منه الليل‪ ،‬فإذا الليل ليل‬ ‫والنهار نهار‪.‬‬ ‫س وَا ْل َقمَرَ} أي ذللهما فهما يسيران الدهر كله بل كلل ول ملل لصالح العباد إذ‬ ‫شمْ َ‬ ‫وقوله {وَسَخّرَ ال ّ‬ ‫بهما كان الليل والنهار‪ ،‬وبهما تعرف السنون والحساب وقوله { ُكلّ َيجْرِي} أي كل منهما يجري‬ ‫س ّمىً} أي إلى وقت محدود وهو يوم القيامة‪ .‬ولما عرف تعالى نفسه بمظاهر القدرة قدرته‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫{لَِأ َ‬ ‫وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته قال للناس {ذَِلكُمُ(‪ )2‬اللّهُ رَ ّبكُمْ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ} أي بعد أن أقام الحجة‬ ‫وأظهر الدليل لم يبق إل العلن عن الحقيقة التي ينكر لها الكافرون فأعلنها بقوله {ذَِلكُمُ} ذو‬ ‫الصفات العظام والجلل والكرام هو ال ربكم الذي ل رب لكم سواه له الملك‪ ،‬وليس لغيره فل‬ ‫يصح طلب شيء من غيره‪ ،‬إذ الملك كله ل وحده‪ ،‬وأما الذين تدعون من دونه أي تعبدونهم من‬ ‫دونه وهي الصنام والوثان وغيرها من الملئكة والنبياء والولياء فإنهم ل يملكون من قطمير‬ ‫فضلً عن غيره تمرة فما فوقها لن الذي ل يملك قطميرا – وهو القشرة الرقيقة على النواة(‪-)3‬‬ ‫ل يملك بعيرا‪.‬‬ ‫س َمعُوا دُعَا َءكُمْ} نعم ل يسمعون لنهم جمادات وأصنام من حجارة فكيف‬ ‫وقوله {إِنْ َتدْعُوهُمْ ل يَ ْ‬ ‫يسمعون وعلى فرض لو أنهم سمعوا ما استجابوا لداعيهم لعدم قدرتهم على الستجابة‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى {وَ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُونَ بِشِ ْر ِككُمْ} فهم إذا محنة لكم في الدنيا تنحتونهم وتحمونهم وتعبدونهم‬ ‫ويوم القيامة يكونون أعداء لكم وخصوما فيتبرءون من شرككم إياهم في عبادة ال‪ ،‬فتقوم عليكم‬ ‫الحجة بسببهم فما الحاجة إذا إلى الصرار على عبادتهم وحمايتهم والدفاع عنهم‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{وَل يُنَبّ ُئكَ} أيها السامع {مِ ْثلُ خَبِيرٍ}( ‪ )4‬وهو ال تعالى فالخبير أصدق من ينبئ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا استدلل بمظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة بما في العالم العلوي بعد الستدلل بما‬ ‫ي العالم السفلي من ذلك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا استئناف موقعه موقع النتيجة من الدلة السابقة وهي أدلة مفصلة في غاية القوة‬

‫والوضوح‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جاء في القرآن ذكر النقير والقطمير والفتيل واضطربت أقوال أهل اللغة في تحديدها‬ ‫والصحيح‪ :‬أن النقير النقرة في وسط النواة‪ ،‬وأن الفتيل الخيط البيض في وسط النواة‪ ،‬وأن‬ ‫القطمير اللفافة البيضاء على النواة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬خبير صفة مشبهة مشتقة من خبر بضم الباء فلن المر إذا علمه علما ل شك فيه وأجريت‬ ‫هذه الجملة مجرى المثل يقال (ول ينبئك مثل خبير)‪.‬‬

‫( ‪)4/345‬‬ ‫وأصح من يقول فال هو العليم الخبير وما أخبر به عن اللهة في الدنيا والخرة في الدنيا عن‬ ‫عجزها وعدم غناها وفي الخرة عن براءتها وكفرها بعبادة عابديها‪ .‬فهو الحق الذي ل مرية فيه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال المستلزمة للوهيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة وبها تقرر ربوبيته تعالى وألوهيته لعباده‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر يوم القيامة وبراءة اللهة من عابديها‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان عجز اللهة عن نفع عابديها في الدنيا وفي الخرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير صفات الكمال ل تعالى من الملك والقدرة والعلم‪ ،‬والخبرة التامة الكاملة وبكل شيء‪.‬‬ ‫حمِيدُ(‪ )15‬إِنْ يَشَأْ يُذْهِ ْبكُمْ وَيَأْتِ ِبخَلْقٍ جَدِيدٍ(‬ ‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ أَنْتُمُ ا ْل ُفقَرَاءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬ ‫‪)16‬‬ ‫ح َملْ مِ ْنهُ‬ ‫حمِْلهَا ل ُي ْ‬ ‫َومَا ذَِلكَ عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ(‪ )17‬وَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَ ْدعُ مُ ْثقَلَةٌ إِلَى ِ‬ ‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْيبِ وََأقَامُوا الصّلةَ َومَنْ تَ َزكّى فَإِ ّنمَا‬ ‫شيْ ٌء وََلوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِ ّنمَا تُ ْنذِرُ الّذِينَ َيخْ َ‬ ‫َ‬ ‫س ِه وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ (‪)18‬‬ ‫يَتَ َزكّى لِ َنفْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أنتم الفقراء إلى ال ‪ :‬أي المحتاجون إليه في كل حال‪.‬‬ ‫وال هو الغني الحميد ‪ :‬أي الغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه‪ ،‬المحمود بأفعاله وأقواله‬ ‫وحسن تدبيره فكل الخلئق تحمده لحاجتها إليه وغناه عنها‪.‬‬ ‫ويأت بخلق جديد ‪ :‬أي بدل عنكم‪.‬‬

‫( ‪)4/346‬‬

‫وما ذلك على ال بعزيز ‪ :‬أي بشديد ممتنع بل هو سهل جائز الوقوع‪.‬‬ ‫ول تزر وازرة وزر أخرى ‪ :‬أي في حكم ال وقضائه بين عباده أن النفس المذنبة الحاملة لذنبها‬ ‫ل تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها‪.‬‬ ‫وإن تدع مثقلة ‪ :‬أي بأوزارها حتى لم تقدر على المشي أو الحركة‪.‬‬ ‫ل يحمل منه شيء ‪ :‬أي ل تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو‬ ‫أباها أو أمها فضل عن غيرهم‪ ،‬بهذا حكم ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫يخشون ربهم بالغيب ‪ :‬أي لنهم ما رأوه بأعينهم‪.‬‬ ‫ومن تزكى ‪ :‬أي طهّر نفسه من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫فإنما يتزكى لنفسه ‪ :‬أي صلحه واستقامته على دين ال ثمرتهما عائدة عليه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد تلك الدلة والحجج التي سيقت في اليات السابقة وكلها مقررة ربوبية ال تعالى وألوهيته‬ ‫وموجبة توحيده وعبادته نادى تعالى الناس بقوله {يأَ ّيهَا النّاسُ} ليعلمهم بأنه وإن خلقهم لعبادته‬ ‫وأمرهم بها وتوعد بأليم العذاب لمن تركها ولم يكن ذلك لفقر منه إليها ول لحاجة به إليهم فقال‬ ‫حمِيدُ} إن عبادة الناس لربهم تعود عليهم‬ ‫{يأَ ّيهَا النّاسُ أَنْتُمُ ا ْل ُفقَرَاءُ(‪ )1‬إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬ ‫فيكملون عليها في أخلقهم وأرواحهم ويسعدون عليها في دنياهم وآخرتهم أما ال جل جلله فل‬ ‫حمِيدُ} أي المحمود بنعمه فكل‬ ‫تنفعه طاعة ول تضره معصية‪ .‬وهو الغني عن كل ما سواه {الْ َ‬ ‫نعمة بالعباد موجبة له الحمد والشكر‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنْ يَشَأْ يُذْهِ ْبكُمْ وَيَأْتِ(‪ِ )2‬بخَلْقٍ جَدِيدٍ } وهذا دليل‬ ‫غناه؛ وافتقارهم كما هو دليل قدرته وعلمه‪ ،‬وقوله‪َ { :‬ومَا ذَِلكَ عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ} أي إذهابهم‬ ‫والتيان بخلق جديد غيرهم ليس بالمر العزيز الممتنع ول بالصعب المتعذر بل هو اليسير السهل‬ ‫عليه تعالى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في قوله تعالى أنتم الفقراء قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الفقر على الناس وهو‬ ‫قصر إضافي بالنسبة إلى ال تعالى أي أنتم المفتقرون إلى ال وليس هو بمفتقر إليكم ووصفه‬ ‫تعالى نفسه بالحميد إشعار بأن غناه مقترن بجوده فهو يحمد لما يسديه من المعروف إلى عباده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجملة بيانية فيه مبينة لغناه وموجب حمده والثناء عليه ببيان قدرته على إهلك الموجود من‬ ‫عباده والتيان بخلق جديد غيرهم ومن كان هكذا هو الغني الحق والمحمود الحق فلله الحمد وله‬ ‫المنة‪.‬‬

‫( ‪)4/347‬‬

‫وقوله تعالى {وَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى}( ‪ )1‬هذا مظهر عدالته تعالى فهو مع قدرته وقهره‬ ‫لعباده ذو عدل فيهم فل يؤاخذ بغير جرم‪ ،‬ول يحمل وزر نفس نفسا أخرى لم تذنب ولم تزر بل‬ ‫كل نفس تؤخذ بذنبها إن كانت مذنبة هذه عدالته تتجلى لعباده يوم يعرضون عليه في يوم كله‬ ‫شيْ ٌء وََلوْ‬ ‫ح َملْ مِنْهُ َ‬ ‫حمِْلهَا ل ُي ْ‬ ‫هول وفزع يدل عليه قوله {وَإِنْ َت ْدعُ مُ ْثقَلَةٌ(‪ })2‬أي بذنوبها {إِلَى ِ‬ ‫شوْنَ رَ ّب ُهمْ‬ ‫خَ‬ ‫كَانَ}( ‪ )3‬من تدعوه {ذَا قُرْبَى} كالولد(‪ )4‬والبنت‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِ ّنمَا تُ ْنذِرُ الّذِينَ(‪ )5‬يَ ْ‬ ‫بِا ْلغَ ْيبِ وََأقَامُوا الصّلةَ} أي إنما تنذر يا رسولنا ويقبل إنذارك وينتفع به من يخشون ربهم‬ ‫ويخافون عذابه بالغيب وأقاموا الصلة‪ ،‬أما غيرهم من أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم ل يقبلون‬ ‫إنذارك ول ينتفعون به لظلمة جهلهم وكفرهم وقساوة قلوبهم‪ ،‬ومع هذا فأنذر ول عليك في ذلك‬ ‫شيء فإن من تزكى باليمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي فإنما يتزكى لنفسه ل لك‬ ‫ول لنا‪ ،‬ومن أبى فعليه إباؤه‪ ،‬وإلينا مصير الكل وسنجزي كلً بما كسب من خير وشر‪ .‬هذا ما‬ ‫ب وََأقَامُوا الصّلةَ َومَنْ تَ َزكّى فَإِ ّنمَا‬ ‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْي ِ‬ ‫دل عليه قوله تعالى‪{ :‬إِ ّنمَا تُنْذِرُ الّذِينَ َيخْ َ‬ ‫س ِه وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ}(‪)6‬‬ ‫يَتَ َزكّى لِ َنفْ ِ‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فقر العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وإزالة فقرهم وسد حاجتهم يكون باللجوء إليه‬ ‫والطراح بين يديه يعبدونه ويسألونه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عدالة ال تعالى يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان صعوبة الموقف في عرصات القيامة ل سيما عند وضع الميزان ووزن العمال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وازرة صفة لمحذوف أي نفس وازرة وكذا وإن تدع مثقلة أي نفس مثقلة وتزر أصلها توزر‬ ‫فحذت الواو تخفيفا إذ الفعل وزر يوزر فحذفت الواو كما حذفت وعد يعد ووزن يزن‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وإن تدع مثقلة أي أحدا إلى حملها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي المدعو ذا قربى‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال الفضيل بن عياض هي المرأة تلقى ولدها فتقول يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء‪ ،‬ألم‬ ‫يكن ثدي لك سقاء ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول بلى يا أماه فتقول يا بني قد أثقلتني ذنوبي‬ ‫فاحمل عني منها ذنبا واحدا‪ ،‬فيقول إليك عني يا أماه فإني بذنبي عنك مشغول‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الجملة مستأنفة بيانيا لن الحال تستدعي سؤالً وهو لِم لَمْ يتأثر المشركون بالنذار فالجواب‬ ‫إنما يقبل النذارة ويستجيب للمنذر أهل اليمان والخشية ل تعالى لنهم أحياء وأما الكافرون فهم‬ ‫أموات وهل يستجيب غير الحي؟ وفي الية دليل على قوة تأثير الصلة في تزكية النفوس‬ ‫وتطهير الرواح‪.‬‬ ‫‪ - 6‬هذه الجملة تذييل للجملة المذيل بها قبلها وهي قوله تعالى‪{ :‬ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه}‬

‫وهي تفيد تقرير البعث والجزاء وهما مما ينكر المشركون كما يفيد التسلية للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم والتهديد للكافرين أيضا فإن من صار إلى ال أخذه بذنبه‪.‬‬

‫( ‪)4/348‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن النذار والتخويف من عذاب ال ل ينتفع به غير المؤمنين الصالحين‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير حقيقة وهي أن من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها‪.‬‬ ‫ل وَل ا ْلحَرُورُ (‪َ )21‬ومَا‬ ‫ظّ‬ ‫عمَى وَالْ َبصِيرُ(‪ )19‬وَل الظُّلمَاتُ وَل النّورُ(‪ )20‬وَل ال ّ‬ ‫َومَا َيسْ َتوِي الْأَ ْ‬ ‫سمِعٍ مَنْ فِي ا ْلقُبُورِ(‪ )22‬إِنْ أَ ْنتَ إِلّا‬ ‫سمِعُ مَنْ َيشَا ُء َومَا أَ ْنتَ ِبمُ ْ‬ ‫يَسْ َتوِي الْأَحْيَا ُء وَل الَْأ ْموَاتُ إِنّ اللّهَ يُ ْ‬ ‫نَذِيرٌ (‪ )23‬إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِا ْلحَقّ َبشِيرا وَنَذِيرا وَإِنْ مِنْ ُأمّةٍ إِلّا خَل فِيهَا َنذِيرٌ(‪ )24‬وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ َفقَدْ‬ ‫خ ْذتُ الّذِينَ َكفَرُوا‬ ‫ت وَبِالزّبُ ِر وَبِا ْلكِتَابِ ا ْلمُنِيرِ(‪ُ )25‬ثمّ أَ َ‬ ‫كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ جَاءَ ْتهُمْ ُرسُُلهُمْ بِالْبَيّنَا ِ‬ ‫َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ(‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما يستوي العمى والبصير ‪ :‬أي ل يستويان فكذلك الكافر والمؤمن ل يستويان‪.‬‬ ‫ول الظلمات ول النور ‪ :‬أي ل يستويان فكذلك الكفر واليمان ل يستويان‪.‬‬ ‫ول الظل ول الحرور ‪ :‬أي ل يستويان فكذلك الجنة والنار ل يستويان‪.‬‬ ‫وما يستوي الحياء ول الموات ‪ :‬فكذلك ل يستوي المؤمنون والكافرون‪.‬‬ ‫وما أنت بمسمع من في القبور ‪ :‬أي فكذلك ل تسمع الكفار فإنهم كالموات‪.‬‬

‫( ‪)4/349‬‬ ‫إن أنت إل نذير ‪ :‬ما أنت إل منذر فل تملك أكثر من النذار‪.‬‬ ‫إنا أرسلناك بالحق ‪ :‬أي بالدين الحق والهدى والكتاب‪.‬‬ ‫وإن من أمة إل خل فيها نذير ‪ :‬أي سلف فيها نبي ينذرها‪.‬‬ ‫جاءتهم رسلهم بالبينات ‪ :‬أي بالحجج والدلة الواضحة‪.‬‬ ‫وبالزبر والكتاب المنير ‪ :‬أي وبالصحف كصحف إبراهيم وبالكتاب المنير كالتوراة والنجيل‪.‬‬ ‫فكيف كان نكير ‪ :‬أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة والهلك والجواب هو واقع موقعه‬ ‫والحمد ل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما تقدم في السياق الكريم أن إنذار الرسول صلى ال عليه وسلم ل ينتفع به إل المؤمن المقيم‬

‫ل للكافر والمؤمن وأنهما ل‬ ‫للصلة وأن الكافر المكذب الجاحد ل ينتفع به ذكر تعالى هنا مث ً‬ ‫عمَى وَالْ َبصِيرُ(‪ })1‬فالعمى الكافر والبصير المؤمن وهما ل‬ ‫يستويان فقال { َومَا َيسْ َتوِي الْأَ ْ‬ ‫يستويان في عقل ول شرع {وَل الظُّلمَاتُ(‪ )2‬وَل النّورُ} أي ول يستوي الظلمات ول النور كما ل‬ ‫يستوي الكفر واليمان ول الظل ول الحرور(‪ ،)3‬فبرودة الجو‪ ،‬ل تستوي مع حرارته فكذلك‬ ‫الجنة ل تستوي مع النار‪ ،‬وقوله {وما يستوي الحياء ول أموات} أي ول المؤمنون مع الكافرين‬ ‫سمِعٍ مَنْ فِي ا ْلقُبُورِ}( ‪ )4‬هذا شروع في‬ ‫سمِعُ مَنْ يَشَا ُء َومَا أَ ْنتَ ِبمُ ْ‬ ‫كذلك وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ يُ ْ‬ ‫تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم من أجل ما يجد في نفسه من إعراض قومه وعدم استجابتهم‬ ‫لدعوته‪ ،‬فأخبره ربه بأنه تعالى قادر على أن يسمع من يشاء إسماعه وذلك لقدرته على خلقه أما‬ ‫أنت أيها الرسول فإنك ل تسمع الموات وإنما تسمع الحياء‪ ،‬والكفار شأنهم شأن الموات في‬ ‫القبور فل تقدر على إسماعهم‪ .‬ول يحزنك ذلك فإنك ما أنت إل نذير‪ ،‬والنذير ينذر ول يُسأل‬ ‫عمن أجابه ومن لم يجبه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِا ْلحَقّ بَشِيرا وَنَذِيرا} بهذا الخبر يقرر تعالى رسالة رسوله محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم وأنه أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا لمن آمن به واتبع هداه بالجنة‪ ،‬ونذيرا لمن‬ ‫كفر به وعصاه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي الكافر والمؤمن والعالم والجاهل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قيل ل زائدة في كل من قوله تعالى ول الظل ول الحرور ول الموات واختلف في أيهما‬ ‫يكون بالليل وأيهما يكون بالنهار الحرور أو السموم وفي حديث الرسول صلى ال عليه وسلم بيان‬ ‫ذلك وأن كلهما يقع في النهار كما يقع في الليل إذ قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬فما تجدون من الحر‬ ‫فمن سمومها وشدة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قال قطرب أحد أعلم اللغة‪ :‬الحرور‪ :‬الحر والظل البرد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ الجمهور بتنوين بمسمعٍ بكسرة واحدة والمراد بمن في القبور الكفار حيث أمات الكفر‬ ‫قلوبهم أي كما ل تسمع من مات فإنك ل تسمع من مات قلبه بالجهل وظلمة الكفر‪.‬‬

‫( ‪)4/350‬‬ ‫بالنار‪ .‬وقوله {وَإِنْ مِنْ ُأمّةٍ إِلّا خَل فِيهَا َنذِيرٌ}( ‪ ،)1‬يخبر تعالى أن رسوله محمدا ليس الرسول‬ ‫الوحيد الذي أرسل في أمة بل إنه ما من أمة من المم إل مضى فيها نذير‪ ،‬فل يكون إرساله‬ ‫عجبا لكفار قريش إذ هذه سنة ال تعالى في عباده يرسل إليهم من يهديهم إلى نجاتهم وسعادتهم ثم‬ ‫قال لرسوله صلى ال عليه وسلم معزيا له مسليا {وَإِنْ ُيكَذّبُوكَ} فلم(‪ )2‬يكونوا أول من كذب فقد‬ ‫كذب الذين من قبلهم {جَاءَ ْتهُمْ رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ وَبِالزّبُ ِر وَبِا ْلكِتَابِ ا ْلمُنِيرِ} أي جاءتهم رسلهم بالحجج‬

‫القواطع والبراهين السواطع‪ ،‬والمعجزات الخوارق‪ ،‬وبالصحف والكتب المنيرة لسبيل الهداية‬ ‫وطريق النجاة والفلح‪ .‬ومنهم من آمن ومنهم من كذب وكفر بعد إمهال وإنظار دلّ عليه العطف‬ ‫بثم أخذ الذين كفروا بعذاب ملئم لكفر الكافرين‪َ { .‬فكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ(‪ })3‬أي فكيف كان إنكاري‬ ‫عليهم بالعقوبة الشديدة والهلك التام إنه كان واقعا موقعه‪ ،‬موافيا لطالبه بكفره وعناده‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال للكشف عن الحال وزيادة البيان‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكفار عمى ل بصيرة لهم‪ ،‬وأموات ل حياة فيهم‪ ،‬والدليل عدم انتفاعهم بحياتهم ول بأسماعهم‬ ‫ول أبصارهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير نبوة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وتأكيد رسالته‪.‬‬ ‫‪ -4‬تسلية الدعاة ليتدرّعوا بالصبر ويلتزموا الثبات‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان سنة ال في المكذبين الكافرين وهي أخذهم عند حلول أجلهم‪.‬‬ ‫خشَى اللّهَ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْلعَُلمَاءُ‬ ‫ب وَالْأَ ْنعَامِ مُخْتَِلفٌ أَ ْلوَانُهُ كَذَِلكَ إِ ّنمَا يَ ْ‬ ‫س وَال ّدوَا ّ‬ ‫َومِنَ النّا ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أي سلف فيها نبي قال ابن جرير إل العرب‪ .‬إذا أراد أنه لم يخل فيهم نذير مطلقا فهذا غير‬ ‫صحيح إذ بعث فيهم إسماعيل وتبع وغيرهما وإن أراد في الزمن القريب فهذا صحيح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬في اليات تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم ظاهرة تطلبها المقام حيث أصر المشركون على‬ ‫تكذيبه وعدم اليمان بما جاءهم به من الهدى والدين الحق‪.‬‬ ‫‪ - 3‬استفهام مستعمل في التعجب من حالهم مفرع بالفاء على قوله أخذت الذين كفروا والنكير‬ ‫اسم لشدة النكار وهو هنا كناية عن شدة العقاب لن النكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر‬ ‫بالعقاب وحذفت ياء المتكلم في نكيري تخفيفا ولرعاية الفواصل في الوقف‪.‬‬

‫( ‪)4/351‬‬ ‫غفُورٌ(‪ )28‬إِنّ الّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللّ ِه وََأقَامُوا الصّلةَ وَأَ ْن َفقُوا ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ سِرّا‬ ‫إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬ ‫شكُورٌ(‪)30‬‬ ‫غفُورٌ َ‬ ‫وَعَلنِيَةً يَرْجُونَ ِتجَا َرةً لَنْ تَبُورَ(‪ )29‬لِ ُي َوفّ َيهُمْ أُجُورَ ُه ْم وَيَزِيدَ ُهمْ مِنْ َفضْلِهِ إِنّهُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ثمرات مختلفا ألوانها ‪ :‬أي كأحمر وأخضر وأصفر وأزرق وغيره‪.‬‬ ‫ومن الجبال جدد ‪ :‬أي طرق في الجبال إذ الجدة الطريق ومنه جادة الطريق‪.‬‬ ‫بيض وحمر مختلف ألوانه ‪ :‬أي طرق وخطط في الجبال ذات ألوان كالجبال أيضا‪.‬‬ ‫وغرابيب سود (‪ : )1‬منها البيض والصفر والسود الغربيب‪.‬‬

‫ومن الناس والدواب والنعام ‪ :‬فمنها أبيض وهذا أحمر وهذا أسود‪.‬‬ ‫مختلف ألوانه كذلك ‪ :‬أي كاختلف الثمار والجبال والطرق فيها‪.‬‬ ‫إنما يخشى ال من عباده العلماء ‪ :‬أي العالمين بجلله وكماله‪ ،‬إذ الخشية متوقفة على معرفة‬ ‫المخشيّ‪.‬‬ ‫يتلون كتاب ال ‪ :‬أي يقرأونه تعبدا به‪.‬‬ ‫تجارة لن تبور ‪ :‬أي لن تهلك ولن تضيع بدون ثواب عليها‪.‬‬ ‫غفور شكور ‪ :‬أي غفور لذنوب عباده التائبين شكور لعمالهم الصالحة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سمَاءِ(‪ )2‬مَاءً} في بيان تفاوت المخلوقات واختلفاتها‬ ‫هذا السياق الكريم {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬ ‫فمن مؤمن إلى كافر‪ ،‬ومن صالح إلى فاسد ومن أبيض إلى أحمر أو أسود وابتدأه تعالى بخطاب‬ ‫رسوله مقررا له بقوله {أَلَمْ تَرَ} أي ألم تبصر بعينك أن ال أنزل من السماء ماء فأخرجنا به‬ ‫ثمرات مختلفا ألوانها ما بين تمر أصفر وآخر أحمر‪ ،‬وآخر أسود وهذا واضح في التمر‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الغربيب‪ :‬الشديد السواد ففي الكلم تقديم وتأخير إذ المعنى ومن الجبال سود غرابيب إذ‬ ‫العرب تقول للسود شديد السواد كلون الغراب أسود غربيب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬من هداية هذه الية الشارة الواضحة إلى وجود اختلف بشري جبلّي فطري كما هو في‬ ‫سائر الكائنات الرضية‪ ،‬وفي النباتات والحيوانات وحتى الجبال والمعادن ومن عرف عليه هان‬ ‫عليه اختلف الناس ولم يحزن له ولم يهتم ويكرب‪.‬‬

‫( ‪)4/352‬‬ ‫والعنب والفواكه والخضر‪ ،‬ومن الجبال كذلك‪ .‬فإن فيها جدد(‪ )1‬أي خطط حمراء وصفراء‬ ‫وبيضاء وسوداء والجبال نفسها كذلك‪ ،‬ومن الناس والدواب والنعام ففي جميعها البيض والسود‬ ‫والحمر والصفر كما في جدد الجبال نفسها وكما في الثمار‪ .‬ولما كان هذا ل يدركه إل‬ ‫المفكرون ول يجني منه العبرة إل العالمون قال تعالى {إِ ّنمَا َيخْشَى(‪ )2‬اللّهَ مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْلعَُلمَاءُ}‬ ‫وأهل مكة جهال ل يفكرون ول يهتدون فل غرابة إذا لم يخشوا ال تعالى ولم يوحدوه وذلك‬ ‫لجهلهم وعدم تفكيرهم‪.‬‬ ‫غفُورٌ}( ‪ )3‬كشف عن حقيقة ينبغي أن يعرفها‬ ‫وقوله تعالى في ختام هذا السياق‪{ :‬إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬ ‫أهل مكة المصرون على الكفر والتكذيب وهي أن ال قادر على أخذهم والبطش بهم فإنه عزيز ل‬ ‫يمانع فيما يريده وغفور لذنوب التائبين من عباده ومهما كانت ذنوبهم أل فليتب أهل مكة فإن‬ ‫توبتهم خير لهم من إصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب إذ في التوبة نجاة‪ ،‬وفي الصرار‬

‫هلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللّهِ(‪ })4‬وهم المؤمنون {وََأقَامُوا الصّلةَ} أدوها أداء وافيا ل‬ ‫نقص فيه {وَأَ ْنفَقُوا ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلنِيَةً} الزكاة والصدقات بحسب الحوال والظروف سرا‬ ‫أحيانا وعلنية أخرى‪ .‬يخبر تعالى عنهم بعدما وصفهم بما شرفهم به من صفات أنهم يرجون‬ ‫تجارة لن تبور أي لن تهلك ولن تخسر وذلك يوم القيامة وقوله {لِ ُي َوفّ َيهُمْ ُأجُورَهُمْ(‪ )5‬وَيَزِيدَ ُهمْ مِنْ‬ ‫شكُورٌ} أي هداهم لذلك ووفقهم إليه تعالى ليوفهم أجورهم ويزيدهم من فضله‪.‬‬ ‫غفُورٌ َ‬ ‫َفضْلِهِ إِنّهُ َ‬ ‫وعلة ذلك أنه غفور لعباده المؤمنين التائبين فيغفر ذنوبهم ويدخلهم جنته شكور لطاعاتهم وصالح‬ ‫أعمالهم فلذا يضاعف لهم أجورهم ويزيدهم من فضله وله الحمد المنة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الجدد جمع جدّة وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬في الجملة قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الخشية على العلماء دون الجهلة وبهذا‬ ‫عل شأن العلماء وعظم قدرهم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن فضل العالم على العابد‬ ‫كفضلي على أدناكم ثم تل إنما يخشى ال من عباده العلماء والمراد بالعلماء العالمون بال أي‬ ‫بأسمائه وصفاته ومحابه ومكارهه وما عنده من نعيم لوليائه وما لديه من عذاب لعدائه‪ ،‬وآية‬ ‫العالم الخشية ل والمحبة له تعالى فمن لم يخش ال تعالى فليس بعالم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة تذييلية مشعرة بغنى ال تعالى عن عباده قدير على أخذهم متى أراد بهم ذلك‪ ،‬ذو‬ ‫مغفرة لهم متى تابوا إليه وطلبوا مرضاته ولو عرف المشركون هذا ما أصروا على الشرك‬ ‫ولكنهم ل يعلمون‪.‬‬ ‫‪ - 4‬لما أثنى على العلماء بما وصفهم به من الخشية وكان في الكلم إيجاز أوضحه بهذه الجملة‬ ‫فقال إن الذين يتلون كتاب ال‪ ،‬وما تل كتاب ال غير مؤمن عالم ول أقام الصلة وأنفق سرا‬ ‫وعلنية إل ذو خشية ومحبة بعدما وصفهم وحدهم بشرهم بقوله يرجون تجارة لن تبور‪.‬‬ ‫‪ - 5‬التوفية جعل الشيء وافيا أي تاما ل نقيصة فيه ول غبن‪.‬‬

‫( ‪)4/353‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر القدرة والعلم اللهي في اختلف اللوان والطباع والذوات‪.‬‬ ‫‪ -2‬العلم سبيل الخشية فمن ل علم له بال فل خشية له إنما يخشى ال من عباده العلماء‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل تلوة القرآن الكريم وإقام الصلة وإيتاء الزكاة والصدقات‪.‬‬ ‫‪ -4‬في وصف ال تعالى بالغفور والشكور ترغيب للمذنبين أن يتوبوا‪ ،‬وللعاملين أن يزيدوا‪.‬‬

‫حقّ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ إِنّ اللّهَ ِبعِبَا ِدهِ َلخَبِيرٌ َبصِيرٌ(‪ )31‬ثُمّ‬ ‫وَالّذِي َأوْحَيْنَا ِإلَ ْيكَ مِنَ ا ْلكِتَابِ ُهوَ الْ َ‬ ‫طفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا َفمِ ْنهُمْ ظَالِمٌ لِ َنفْسِهِ َومِنْهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومِ ْنهُمْ سَا ِبقٌ بِا ْلخَيْرَاتِ‬ ‫صَ‬ ‫َأوْرَثْنَا ا ْلكِتَابَ الّذِينَ ا ْ‬ ‫عدْنٍ يَ ْدخُلُو َنهَا ُيحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ َذ َهبٍ وَُلؤْلُؤا‬ ‫بِإِذْنِ اللّهِ َذِلكَ ُهوَ ا ْل َفضْلُ ا ْلكَبِيرُ(‪ )32‬جَنّاتُ َ‬ ‫شكُورٌ(‪ )34‬الّذِي‬ ‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي أَذْ َهبَ عَنّا الْحَزَنَ إِنّ رَبّنَا َل َغفُورٌ َ‬ ‫سهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ(‪َ )33‬وقَالُوا الْ َ‬ ‫وَلِبَا ُ‬ ‫ب وَل َيمَسّنَا فِيهَا ُلغُوبٌ(‪)35‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫أَحَلّنَا دَارَ ا ْل ُمقَامَةِ مِنْ َفضْلِهِ ل َيمَسّنَا فِيهَا َن َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫من الكتاب ‪ :‬أي القرآن الكريم‪.‬‬ ‫مصدقا لما بين يديه ‪ :‬أي من الكتب السابقة كالتوراة والنجيل‪.‬‬ ‫ثم أورثنا الكتاب ‪ :‬أي الكتب التي سبقت القرآن إذ محصلها في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫الذين اصطفينا ‪ :‬أي اخترنا المؤمنين من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/354‬‬ ‫فمنهم ظالم لنفسه ‪ :‬بارتكاب الذنوب‪.‬‬ ‫ومنهم مقتصد ‪ :‬مؤد للفرائض مجتنب للكبائر‪.‬‬ ‫ومنهم سابق بالخيرات ‪ :‬مؤد للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر‪.‬‬ ‫بإذن ال ‪ :‬أي بتوفيقه وهدايته‪.‬‬ ‫ذلك ‪ :‬أي إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير‪.‬‬ ‫ولؤلؤا ‪ :‬أي أساور من لؤلؤ مرصع بالذهب‪.‬‬ ‫أحلنا دار المقامة ‪ :‬أي القامة وهي جنات عدن‪.‬‬ ‫ل يمسنا فيها نصب ‪ :‬أي تعب‪.‬‬ ‫ول يمسنا فيها لغوب‪ :‬أي إعياء من التعب‪ ،‬وذلك لعدم التكليف فيها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حقّ} أي الواجب عليك‬ ‫قوله تعالى {وَالّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ مِنَ ا ْلكِتَابِ(‪ })1‬أي القرآن الكريم هو {الْ َ‬ ‫وعلى أمتك العمل به ل ما سبقه من الكتب كالتوراة والنجيل‪ُ { ،‬مصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ} أي أمامه‬ ‫من الكتب السابقة‪ ،‬وقوله {إِنّ اللّهَ ِبعِبَا ِدهِ لَخَبِيرٌ َبصِيرٌ(‪ })2‬فهو تعالى يعلم أن الكتب السابقة لم‬ ‫تصبح تحمل هداية ال لعباده لما داخلها من التحريف والتغيير فلذا مع علمه بحاجة البشرية إلى‬ ‫وحي سليم يقدم إليها فتكمل وتسعد عليه متى آمنت به وأخذته نورا تمشي به في حياتها المادية‬ ‫هذه أرسلك وأوحى إليك هذا الكتاب الكريم وأوجب عليك وعلى أمتك العمل به‪.‬‬ ‫طفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} يخبر تعالى أنه أورث أمة السلم‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ثُمّ َأوْرَثْنَا ا ْلكِتَابَ(‪ )3‬الّذِينَ اصْ َ‬ ‫الكتاب السابق إذ كل ما في التوراة والنجيل من حق وهدى قد حواه القرآن الكريم فأمة القرآن قد‬

‫ورّثها ال تعالى كل الكتاب الول‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬فمِ ْن ُهمْ ظَاِلمٌ لِ َنفْسِهِ(‪ })4‬بالتقصير في العمل‬ ‫وارتكاب بعض الكبائر‪َ { ،‬ومِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِدٌ} وهو المؤدي للفرائض المجتنب للكبائر‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في الية الشادة بالكتاب الذي يتلوه المؤمنون فيثابون ويزادون لنه الكتاب الحق الخالي من‬ ‫الزيادة والنقص المصدق لما تقدمه من الكتب اللهية السابقة وضمن هذا يقرر النبوة المحمدية‬ ‫وإثباتها والشادة بصاحبها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الخبير‪ :‬العالم بدقائق المور المعقولة والمحسوسة والظاهرة والخفية وصاحب هذه الصفة‬ ‫هو الذي يجب أن يعبد ويتقى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬حاول كثير من المفسرين البعد عن الحقيقة التي تضمنتها هذه الية وهي أن الية في أمة‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم إذ هي التي قال ال تعالى فيها هو اجتباكم والجتباء كالصطفاء‬ ‫والظالم لنفسه ل يكون الكافر ول المنافق وإنما هو المؤمن يغشى بعض الكبائر وما في التفسير‬ ‫هو الحق فتأمله‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فمنهم‪ :‬هذه الفاء التفريعية التفصيلية حيث فصل بها مجمل الذين أوتوا الكتاب والبداية‬ ‫بالظالمين لنفسهم إيماء إلى أنهم غير محرومين من جنات عدن دفعا لمن يتوهم أنهم لما كانوا‬ ‫ظالمين ل يدخلون الجنة‪.‬‬

‫( ‪)4/355‬‬ ‫{ َومِ ْنهُمْ سَا ِبقٌ بِا ْلخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللّهِ} وهو المؤدي للفرائض والنوافل المجتنب للكبائر والصغائر‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ذَِلكَ} أي اليراث للكتاب هو الفضل اللهي الكبير وهو {جَنّاتُ عَدْنٍ(‪َ )1‬يدْخُلُو َنهَا} يوم‬ ‫القيامة { ُيحَّلوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع سوار ما يجعل في اليد {مِنْ ذَ َهبٍ وَُلؤْلُؤا} أي أساور من‬ ‫لؤلؤ‪ ،‬ولباسهم فيها حرير‪.‬‬ ‫حمْدُ لِلّهِ(‪ )2‬الّذِي أَ ْذ َهبَ عَنّا الْحَزَنَ} أي كل الحزن فل حزن يصيبهم إذ ل موت‬ ‫وقوله‪َ { :‬وقَالُوا الْ َ‬ ‫في الجنة ول فراق ول خوف ول ه ّم ول كرب فمِن أين يأتي الحزن‪ .‬وقولهم {إِنّ رَبّنَا َلغَفُورٌ‬ ‫شكُورٌ} قالوا هذا لنه تعالى غفر للظالم وشكر للمقتصد عمله فأدخل الجميع الجنة فهو الغفور‬ ‫َ‬ ‫الشكور حقا حقا‪.‬‬ ‫وقولهم‪{ :‬الّذِي َأحَلّنَا دَارَ ا ْل ُمقَامَةِ} أي القامة من فضله هذا ثناء منهم على ال تعالى بإفضاله‬ ‫صبٌ} أي تعب {وَل َيمَسّنَا فِيهَا ُلغُوبٌ} أي إعياء من التعب وصف‬ ‫عليهم‪ ،‬وقولهم {ل َيمَسّنَا فِيهَا َن َ‬ ‫لدار السلم وهي الجنة الخالية من النصب واللغوب جعلنا ال من أهلها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬وجوب العمل بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآدابا وأخلقا وقضاء وحكما‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان شرف هذه المة‪ ،‬وأنه المرحومة فكل من دخل السلم بصدق وأدى الفرائض واجتنب‬ ‫المحارم فهو ناج‬ ‫فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بال شيئا فهو آئيل إلى دخول الجنة‬ ‫راجع إليها بإذن ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان نعيم أهل الجنة وحلية أهلها وهي الساور(‪ )3‬من الذهب واللؤلؤ‪.‬‬ ‫خ ّففُ عَ ْنهُمْ مِنْ‬ ‫جهَنّمَ ل ُيقْضَى عَلَ ْيهِمْ فَ َيمُوتُوا وَل يُ َ‬ ‫وَالّذِينَ َكفَرُوا َل ُهمْ نَارُ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جنات عدن بدل اشتمال من قوله ذلك الفضل الكبير‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لما دخلوا جنات عدن حمدوا ال تعالى وأثنوا عليه وإن قيل كيف دخل الظالم لنفسه الجنة‬ ‫وهو ظالم قلنا هذا الظلم ليس ظلما لربه بأن عبد غير ال ول هو ظلم لغيره وإنما ظلم لنفسه‬ ‫بارتكاب بعض الذنوب وهذا غير مانع من دخول الجنة إذ هو وارث بوصفه مؤمنا والجنة تورث‬ ‫والورثة يستوي فيهم البار مع العاق فل يمنع من الرث العاق بل يرث كالبار سواء بسواء‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ثبت في الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ‬ ‫الوضوء"‪.‬‬

‫( ‪)4/356‬‬ ‫ل صَالِحا غَيْرَ الّذِي كُنّا‬ ‫صطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَا َأخْرِجْنَا َن ْع َم ْ‬ ‫عَذَا ِبهَا كَ َذِلكَ نَجْزِي ُكلّ َكفُورٍ(‪ )36‬وَهُمْ َي ْ‬ ‫َن ْع َملُ َأوَلَمْ ُن َعمّ ْركُمْ مَا يَتَ َذكّرُ فِيهِ مَنْ تَ َذكّ َر وَجَا َء ُكمُ النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ(‪ )37‬إِنّ‬ ‫جعََل ُكمْ خَل ِئفَ فِي‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ(‪ُ )38‬هوَ الّذِي َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫اللّهَ عَالِمُ غَ ْيبِ ال ّ‬ ‫الْأَ ْرضِ َفمَنْ َكفَرَ َفعَلَيْهِ كُفْ ُر ُه وَل يَزِيدُ ا ْلكَافِرِينَ ُكفْرُهُمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ إِلّا مَقْتا وَل يَزِيدُ ا ْلكَافِرِينَ ُكفْرُهُمْ‬ ‫إِلّا خَسَارا(‪)39‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل يقضى عليهم ‪ :‬أي بالموت فيموتوا ويستريحوا‪.‬‬ ‫كذلك نجزي كل كفور ‪ :‬أي كذلك الجزاء نجزي كل كفور بنا وبآياتنا ولقائنا‪.‬‬ ‫وهم يصطرخون فيها ‪ :‬أي يصيحون بأعلى أصواتهم يطلبون الخروج منها‪.‬‬ ‫يقولون ‪ :‬أي في عويلهم وصراخهم ربنا أخرجنا أي منها نعمل صالحا‪.‬‬ ‫أو لم نعمركم ما يتذكر فيه‪ :‬أي وقتا يتذكر فيه من تذكر‪.‬‬ ‫وجاءكم النذير ‪ :‬أي الرسول فلم تجيبوا وأصررتم على الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫إنه عليم بذات الصدور ‪ :‬أي بما في القلوب من إصرار على الكفر ولو عاش الكافر طوال الحياة‪.‬‬

‫خلئف في الرض ‪ :‬يخلف بعضكم بعضا‪ .‬والخلئف جمع خليفة وهو من يخلف غيره‪.‬‬ ‫فعليه كفره ‪ :‬أي وبال كفره‪.‬‬ ‫إل مقتا ‪ :‬أي إل غضبا شديدا عليهم من ال عز وجل‪.‬‬ ‫إل خسارا ‪ :‬أي في الخرة إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعدما ذكر تعالى جزاء أهل اليمان والعمل الصالح ذكر جزاء أهل الكفر والمعاصي فقال‪:‬‬

‫( ‪)4/357‬‬ ‫جهَنّمَ} أي جزاء لهم {وَالّذِينَ َكفَرُوا(‪ })2‬أي‬ ‫{وَالّذِينَ كَفَرُوا(‪ })1‬أي بال وآياته ولقائه {َلهُمْ نَارُ َ‬ ‫بالموت فيموتوا حتى يستريحوا ول يخفف عنهم من عذابها ول طرفة عين‪ .‬وقوله {كَ َذِلكَ} أي‬ ‫الجزاء { َنجْزِي ُكلّ كَفُورٍ} أي مبالغ في الكفر مكثر منه‪ .‬وقوله‪{ :‬وَهُمْ َيصْطَرِخُونَ(‪ )3‬فِيهَا} أي‬ ‫في جهنم أي يصرخون بأعلى أصواتهم في بكاء وعويل يقولون‪{ :‬رَبّنَا َأخْرِجْنَا} أي من النار‬ ‫وردنا إلى الحياة الدنيا { َن ْع َملْ صَالِحا غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْعمَلُ} أي من الشرك والمعاصي‪ .‬فيقال لهم‪:‬‬ ‫{َأوَلَمْ ُن َعمّ ْركُمْ(‪ })4‬أي أتطلبون الخروج من النار لتعملوا صالحا ولم نعمركم أي نطل أعماركم‬ ‫بحيث يتذكر فيها من يريد أن يتذكر وجاءكم النذير(‪ )5‬فلم تجيبوه وأصررتم على الشرك‬ ‫والمعاصي‪ ،‬إذا فذوقوا عذاب النار { َفمَا لِلظّاِلمِينَ} أي الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي من‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ} أي كل‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫نصير ينصرهم فيخرجهم من النار‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ عَالِمُ غَ ْيبِ ال ّ‬ ‫ما غاب في السموات والرض {إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} ومن ذلك أنه عليم بما في قلوبكم وما‬ ‫كنتم مصرين عليه من الشرك والشر والفساد ولو عشتم الدهر كله‪.‬‬ ‫جعََلكُمْ خَل ِئفَ فِي الْأَ ْرضِ(‪ })6‬أي يخلف بعضكم بعضا وفي ذلك ما يمكّن‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬هوَ الّذِي َ‬ ‫من العظة والعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم ل تتعظون بهم وقد‬ ‫خلفتموهم وجئتم بعدهم إذا فل عذر لكم أبدا‪.‬‬ ‫وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه‪ ،‬ول يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم‬ ‫{إِلّا َمقْتا} أي بعدا عن الرحمة وبعضا شديدا‪{ ،‬وَل يَزِيدُ ا ْلكَافِرِينَ} أي المصرين على الكفر كفرهم‬ ‫{إِلّا خَسَارا} أي هلكا في الخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مُرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين‪.‬‬ ‫‪ -2‬العذار لمن بلّغه ال من العمر أربعين سنة‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬قال القرطبي لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا كقوله تعالى‪{ :‬ثم ل يموت فيها ول يحيا} من سورة العلى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬يصطرخون مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون‬ ‫من شدة ما أصابهم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الستفهام للتقريع والتوبيخ والواو عاطفة قول محذوفا تقديره يقولون ربنا أخرجنا ونقول ألم‬ ‫نعمركم والتعمير تطويل العمر‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هل النذير القرآن أو الرسول صلى ال عليه وسلم أو الشيب قال الشاعر‪:‬‬ ‫رأيت الشيب من نُذُر المنايا‬ ‫لصاحبه وحسبك من نذير‪.‬‬ ‫وما في التفسير أصح‪.‬‬ ‫‪ - 6‬أي خلفا بعد خلف وقرنا بعد قرن‪ ،‬والخلف هو التالي للمتقدم‪.‬‬

‫( ‪)4/358‬‬ ‫‪ -1‬الكافر يعذب أبدا لعلم ال تعالى به وأنه لو عاش آلف السنين ما أقلع عن كفره ول حاول أن‬ ‫يتوب منه فلذا يعذب أبدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬في كون البشرية أجيال جيل يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعبر بغيره‪.‬‬ ‫‪ -3‬الستمرار على الكفر ل يزيد صاحبه إل بعدا عن الرحمة ومقتا عند ال تعالى والمقت أشد‬ ‫الغضب‪.‬‬ ‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ شُ َركَا َءكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِنَ الْأَ ْرضِ َأمْ َلهُمْ شِ ْركٌ فِي‬ ‫ضهُمْ َبعْضا إِلّا غُرُورا(‪)40‬‬ ‫سمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابا َفهُمْ عَلَى بَيّ َنتٍ مِنْهُ َبلْ إِنْ َيعِدُ الظّاِلمُونَ َب ْع ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫حدٍ مِنْ َبعْ ِدهِ إِنّهُ كَانَ حَلِيما‬ ‫س َك ُهمَا مِنْ أَ َ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ أَنْ تَزُول وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ َأمْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫سكُ ال ّ‬ ‫إِنّ اللّهَ ُيمْ ِ‬ ‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ َنذِيرٌ لَ َيكُونُنّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الُْأمَمِ فََلمّا جَاءَ ُهمْ‬ ‫سمُوا بِاللّهِ َ‬ ‫غفُورا(‪ )41‬وََأقْ َ‬ ‫َ‬ ‫نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلّا ُنفُورا(‪ )42‬اسْ ِتكْبَارا فِي الْأَ ْرضِ َومَكْرَ السّ ّيئِ وَل يَحِيقُ ا ْل َمكْرُ السّ ّيئُ إِلّا بَِأهْلِهِ‬ ‫حوِيلً(‪) 43‬‬ ‫جدَ لِسُ ّنتِ اللّهِ تَ ْ‬ ‫ل وَلَنْ تَ ِ‬ ‫َف َهلْ يَ ْنظُرُونَ إِلّا سُ ّنتَ الَْأوّلِينَ فَلَنْ َتجِدَ لِسُ ّنتِ اللّهِ تَ ْبدِي ً‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل أرأيتم ‪ :‬أي أخبروني‬ ‫تدعون من دون ال ‪ :‬أي تعبدون من غير ال وهي الصنام‪.‬‬ ‫أروني ما ذا خلقوا ‪ :‬أي أخبروني ماذا خلقوا من الرض أي أيّ جزء منها خلقوه‪.‬‬ ‫أم لهم شرك ‪ :‬أي لهم شركة في خلق السموات‪.‬‬ ‫إل في غرورا ‪ :‬أي باطلً إذ قالوا إنها آلهتنا تشفع لنا عند ال يوم القيامة وتقربنا‬

‫( ‪)4/359‬‬ ‫إلى ال زلفى‪.‬‬ ‫يمسك السموات والرض أن تزول ‪ :‬أي يمنعهما من الزوال‪.‬‬ ‫إن أمسكهما من أحد من بعده ‪ :‬أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك‪.‬‬ ‫إنه كان حليما غفورا ‪ :‬أي حليما ل يعجل بالعقوبة غفورا لمن ندم واستغفر‪.‬‬ ‫لئن جاءهم نذير ‪ :‬أي رسول‪.‬‬ ‫من إحدى المم ‪ :‬أي اليهود والنصارى‪.‬‬ ‫فلماء جاءهم نذير ‪ :‬أي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ما زادهم إل نفورا ‪ :‬أي مجيئه إل تباعدا عن الهدى ونفرة منه‪.‬‬ ‫ومكر السيء ‪ :‬أي الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫ول يحيق المكر السيء ‪ :‬أي ول يحيط إل بأهله العاملين له‪.‬‬ ‫سنة الولين ‪ :‬أي سنة ال فيهم وهي تعذيبهم بكفرهم وإصرارهم عليه‪.‬‬ ‫ولن تجد لسنة ال تبديلً ‪ :‬أي فل يبدل العذاب بغيره‪.‬‬ ‫ولن تجد لسنة ال تحويلً‪ :‬أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم قل للمشركين من قومك‪ُ { :‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ شُ َركَا َءكُمُ(‪ )1‬الّذِينَ تَدْعُونَ} أي تعبدون من دون ال‬ ‫أخبروني‪ :‬ماذا خلقوا من الرض حتى استحقوا العبادة مع ال فعبدتموهم معه؟ أم لهم شرك(‪)2‬‬ ‫في السموات بأن خلقوا جزءا وملكوه بالشركة‪ .‬والجواب قطعا لم يخلقوا شيئا من الرض وليس‬ ‫لهم في خلق السموات شركة أيضا إذا فكيف عبدتموهم مع ال؟ وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ آتَيْنَا ُهمْ} أي أم‬ ‫آتينا هؤلء المشركين كتابا يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه فهم لذلك على بينة بصحة الشرك‪.‬‬ ‫والجواب ومن أين لهم هذا الكتاب الذي يبيح لهم الشرك؟ بل إن يعد(‪ )3‬الظالمون بعضهم بعضا‬ ‫{إِلّا غُرُورا} أي باطلً إذ الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا شروع في بطلن الشرك وتحقيق التوحيد بالسلوب العقلي والستفهام تقريري في قوله‬ ‫أرأيتم شركاءكم أروني أي أروني شيئا خلقوه من الرض‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الشرك اسم للنصيب المشترك به في ملك الشيء‪ ،‬والمعنى أ لهم شرك مع ال في ملك‬ ‫السموات وتصريف أحوالها كسير الكواكب وتعاقب الليل والنهار وتسخير الرياح وإنزال المطر‪.‬‬

‫‪ - 3‬إن نافية بمعنى "ما" بقرينة الستثناء والغرور الباطيل تغرو وهي قول السادة للسفلة إن هذه‬ ‫اللهة تنفعكم وتقربكم وتشفع لكم كما أن الشياطين توحي لهم بذلك من طريق الوسوسة‪.‬‬

‫( ‪)4/360‬‬ ‫وإنما هو أن الظالمين وهم المشركون ما يعد بعضهم بعضا وهو أن اللهة ستشفع لنا وتقربنا إلى‬ ‫ال زلفى إل غرورا وباطلً فالرؤساء غرّوا المرءوسين وكذبوا عليهم بأن اللهة تشفع لهم عند‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫سكُ(‪ )1‬ال ّ‬ ‫ال وتقربهم منه زلفى فلهذا عبدوها من دون ال وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ُيمْ ِ‬ ‫وَالْأَ ْرضَ أَنْ تَزُول} يخبر تعالى عن عظيم قدرته ولطفه بعباده‪ ،‬ورحمته بهم وهي أنه تعالى‬ ‫يمسك السموات السبع والرض أن تزول أي تتحول عن أماكنهما‪ ،‬إذ لو زالتا لخرب العالم في‬ ‫س َك ُهمَا مِنْ َأحَدٍ مِنْ َب ْع ِدهِ} أي ل يقدر على‬ ‫لحظات‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَلَئِنْ زَالَتَا} أي ولو زالتا {إِنْ(‪َ )2‬أ ْم َ‬ ‫ذلك إل هو سبحانه وتعالى‪ ،‬وقوله إن كان حليما غفورا إذ حلمه هو الذي غرّ الناس فعصوه‪ ،‬ولم‬ ‫يطيعوه‪ ،‬وأشركوا به ولم يوحدوه ومغفرته هي التي دعت الناس إلى التوبة إليه‪ ،‬والنابة إلى‬ ‫توحيده وعبادته‪.‬‬ ‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِنْ جَاءَ ُهمْ نَذِيرٌ‬ ‫سمُوا بِاللّهِ َ‬ ‫وقوله تعالى في الية الثالثة من هذا السياق (‪{ )42‬وََأقْ َ‬ ‫لَ َيكُونُنّ أَهْدَى مِنْ ِإحْدَى الُْأ َممِ} يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من اليام كانوا‬ ‫يحلفون بال جهد أيمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى‬ ‫أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى‪ .‬هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير(‪)3‬‬ ‫أي الرسول وهو محمد صلى ال عليه وسلم ما زادهم مجيئه {إِلّا ُنفُورا} أي بعدا عن الدين ونفرة‬ ‫منه‪ ،‬واستكبارا في الرض‪ ،‬ومكر السيء الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَل َيحِيقُ(‪ )4‬ا ْل َمكْرُ السّ ّيئُ إِلّا بِأَهِْلهِ} إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس وهي أن‬ ‫عاقبة المكر السيء تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب وقوله تعالى‪َ { :‬ف َهلْ يَنْظُرُونَ}‬ ‫أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيء وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين‪ .‬إل‬ ‫سنة الولين وهي إهلك الماكرين الظالمين {فَلَنْ َتجِدَ لِسُ ّنتِ اللّهِ} أيها(‪)5‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لما بين لهم عجز آلهتهم وعدم قدرتها على خلق شيء في السموات والرض بين لهم أن‬ ‫خالقها وممسكها هو ال فل يوجد شيء إل بإيجاده ول يبقى شيء إل بإبقائه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إن نافية بمعنى ما أي ما أمسكهما أحد سواه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذا كان منهم قبل البعثة النبوية فقد بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فلعنوا من كذب نبيه‬ ‫منهم وأقسموا بال جل اسمه لئن جاءهم نذير أي نبي ليكونن أهدى من إحدى المم يعني ممن‬ ‫كذب الرسل من أهل الكتاب وكانوا يتمنون أن يكون منهم رسول فلما جاءهم ما تمنوه نفروا عنه‬

‫ولم يؤمنوا به‪.‬‬ ‫‪ - 4‬حاق به‪ :‬أحاط والحوق الحاطة روي أن كعبا قال لبن عباس إني أجد في التوراة‪ :‬من حفر‬ ‫حفرة لخيه وقع فيها‪ .‬فقال ابن عباس فإني وجدت في القرآن ذلك قال وأين؟ قال اقرأ {ول يحيق‬ ‫المكر السيء إل بأهله} ومن أمثال العرب‪ :‬من حفر لخيه جبا وقع فيه منكبا" وجملة ل يحيق‬ ‫المكر السيء إل بأهله تذييل لما سبق وتحمل موعظة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬السنة الطريقة والجمع سنن‪.‬‬

‫( ‪)4/361‬‬ ‫حوِيلً} بأن يتحول‬ ‫جدَ لِسُ ّنتِ اللّهِ تَ ْ‬ ‫الرسول {تَ ْبدِيلً} بأن يتبدل العذاب بغيره بالرحمة مثل {وَلَنْ تَ ِ‬ ‫العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه إذا فليعاجل قومك الوقت بالتوبة وإل فهم عرضة لن‬ ‫تمضي فيهم سنة ال بعذابهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن المشركين ل دليل لهم على صحة الشرك ل من عقل ول من كتاب‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان قدرة ال ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السموات والرض عن الزوال‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان كذب المشركين‪ ،‬ورجوعهم عما كانوا يتقالونه بينهم من أنه لو أرسل إليهم رسول لكانوا‬ ‫أهدى من‬ ‫اليهود أو النصارى‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير حقيقة وهي أن المكر(‪ )1‬السيء عائد على أهله ل على غيرهم وفي هذا يُرى أن ثلثة‬ ‫على أهلها‬ ‫س ُكمْ} وقوله { َفمَنْ‬ ‫رواجع‪ ،‬وهي المكر السيء‪ ،‬والبغي‪ ،‬والنكث لقوله تعالى {إِ ّنمَا َبغْ ُيكُمْ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬ ‫َن َكثَ فَإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى َنفْسِهِ} وقوله {وَل َيحِيقُ ا ْل َمكْرُ السّ ّيئُ إِلّا بِأَهِْلهِ}‪.‬‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّو ًة َومَا كَانَ‬ ‫َأوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َوكَانُوا أَ َ‬ ‫خذُ اللّهُ‬ ‫ت وَل فِي الْأَ ْرضِ إِنّهُ كَانَ عَلِيما قَدِيرا(‪ )44‬وََلوْ ُيؤَا ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫شيْءٍ فِي ال ّ‬ ‫اللّهُ لِ ُيعْجِ َزهُ مِنْ َ‬ ‫س ّمىً فَإِذَا جَاءَ َأجَُلهُمْ فَإِنّ‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫ظهْرِهَا مِنْ دَابّ ٍة وََلكِنْ ُيؤَخّرُهُمْ إِلَى أَ َ‬ ‫النّاسَ ِبمَا كَسَبُوا مَا تَ َركَ عَلَى َ‬ ‫اللّهَ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ َبصِيرا(‪)45‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المكر إخفاء الذى وهو سيء لنه غدر وخديعة‪.‬‬

‫( ‪)4/362‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وكانوا أشد منهم قوة ‪ :‬أي وأهلكهم ال تعالى بتكذيبهم رسلهم‪.‬‬ ‫وما كان ال ليعجزه من شيء ‪ :‬أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه‪.‬‬ ‫إنه كان عليما قديرا ‪ :‬أي عليما بالشياء كلها قديرا عليها كلها‪.‬‬ ‫بما كسبوا ‪ :‬أي من الذنوب والمعاصي‪.‬‬ ‫ما ترك على ظهرها ‪ :‬أي ظهر الرض من دابة نسمة تدب على الرض وهي كل ذي روح‪.‬‬ ‫إلى أجل مسمى ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫فإن ال كان بعباده بصيرا ‪ :‬فيحاسبهم ويجزيهم بحسب كسبهم خيرا كان أو شرا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما هدد ال المشركين بإمضاء سنته فيهم وهي تعذيب وإهلك المكذبين إذا أصروا على التكذيب‬ ‫ولم يتوبوا‪ .‬قال {َأوَلَمْ يَسِيرُوا} أي المشركون المكذبون لرسولنا {فِي الْأَ ْرضِ} شمالً وجنوبا‬ ‫{فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ} كقوم صالح وقوم هود‪ ،‬إنها كانت دمارا وخسارا‬ ‫{ َوكَانُوا أَشَدّ مِ ْنهُمْ(‪ُ )1‬ق ّوةً} أي من هؤلء المشركين اليوم قوة وقوله تعالى { َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي ْعجِ َزهُ(‬ ‫سمَاوَاتِ وَل فِي الْأَ ْرضِ} أي لم يكن ليعجز ال شيء فيفوت ال ويهرب منه‬ ‫شيْءٍ فِي ال ّ‬ ‫‪ )2‬مِنْ َ‬ ‫ول يقدر عليه بل إنه غالب لكل شيء وقاهر له وقوله‪{ :‬إِنّهُ كَانَ عَلِيما قَدِيرا} تقرير لقدرته‬ ‫وعجز كل شيء أمامه‪ ،‬فإن العليم القدير ل يعجزه شيء بالختفاء والتستر‪ ،‬ول بالمقاومة‬ ‫والهرب‪.‬‬ ‫ظهْرِهَا مِنْ دَابّةٍ} وهي الية(‪)3‬‬ ‫خذُ اللّهُ النّاسَ ِبمَا كَسَبُوا مَا تَ َركَ عَلَى َ‬ ‫وقوله تعالى {وََلوْ ُيؤَا ِ‬ ‫الخيرة من هذا السياق (‪ )45‬أي ولو كان ال يؤاخذ الناس بذنوبهم فكل من أذنب ذنبا انتقم منه‬ ‫فأهلكه ما ترك على ظهر الرض من نسمة ذات روح تدب على وجه الرض‪ ،‬ولكنه تعالى‬ ‫س ّمىً}( ‪ )4‬أي معين الوقت محدده إن كان في الدنيا ففي الدنيا‪ ،‬وإن‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫يؤخر الظالمين {إِلَى َأ َ‬ ‫كان يوم القيامة ففي القيامة‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الجملة في محل نصب حالية أي كان عاقبتهم الضمحلل وكانوا أشد قوة من هؤلء فيكون‬ ‫استئصال هؤلء أقرب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي هبكم أنكم أقوى ممن كان قبلكم وأشد حيلة وتصرفا في الحياة فإن ال تعالى ل يعجزه‬ ‫شيء في الرض ول في السماء وذلك لعلمه وقدرته‪ ،‬إذا فل مهرب لكم منه إذا أراد إهلككم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قال ابن مسعود‪ ،‬يريد جميع الحيوان مما دبّ ودرج وقال قتادة وقد فعل ذلك زمن نوح عليه‬

‫السلم‪ :‬قال ابن جرير هنا الناس وحدهم وهو كذلك‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال مقاتل الجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ وقيل هو يوم القيامة ول منافاة‬ ‫بين القولين إذ يوم القيامة مكتوب في اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫( ‪)4/363‬‬ ‫{فَإِذَا جَاءَ أَجَُل ُهمْ(‪ )1‬فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبعِبَا ِدهِ َبصِيرا} يخبر بأنه إذا جاء أجل الظالمين فإنه تعالى بصير‬ ‫بهم ل يخفي عليه منهم أحد فيهلكهم ول يبقى منهم أحد لكامل علمه وعظيم قدرته‪ ،‬أل فليتق ال‬ ‫الظالمون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية السير في الرض للعبرة ل للتنزه واللهو واللعب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن ال ل يعجزه شيء وذلك لعلمه وقدرته وهي حال توجب الترهيب منه تعالى والنابة‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫ل ووقتا معينا ل يتم قبله فل معنى للستعجال بحال‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة استعجال العذاب فإن لكل شيء أج ً‬

‫( ‪)4/364‬‬ ‫سورة يس‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة يس(‪)2‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ثلث وثمانون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حكِيمِ(‪ )2‬إِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )3‬عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(‪ )4‬تَنْزِيلَ ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ(‪)5‬‬ ‫يس(‪ )1‬وَا ْلقُرْآنِ ا ْل َ‬ ‫جعَلْنَا‬ ‫حقّ ا ْل َق ْولُ عَلَى َأكْثَرِ ِهمْ َفهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ(‪ )7‬إِنّا َ‬ ‫لِتُنْذِرَ َقوْما مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ َفهُمْ غَافِلُونَ(‪َ )6‬لقَدْ َ‬ ‫فِي أَعْنَا ِق ِهمْ أَغْللً َفهِيَ إِلَى‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قوله فإن ال كان بعباده بصيرا هو كالجواب لمن قال وكيف يهلك كل من في الرض فيهم‬ ‫الصالحون والمؤمنون فقال إنه كان بعباده بصيرا فقد ينجي من ل يستحق الهلك ويهلك من‬ ‫يستحقه‪.‬‬

‫‪ - 2‬ورد في فضل هذه السورة حديث أبي داود عن معقل بن يسار عن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم أنه قال ‪ ":‬اقرأوا يس على موتاكم" ورود عن أبي الدرداء أو أم الدرداء عنه صلى ال عليه‬ ‫وسلم قال ‪":‬ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إل هون ال عليه‪ "،‬وأخرج الدارمي عن أبي هريرة‬ ‫عنه صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه ال غفر له في تلك الليلة"‬ ‫وخرجه الحافظ أبو نعيم أيضا‪.‬‬

‫( ‪)4/364‬‬ ‫سدّا فَأَغْشَيْنَا ُهمْ َفهُمْ ل يُ ْبصِرُونَ(‪)9‬‬ ‫جعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّا َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ َ‬ ‫الْأَ ْذقَانِ َف ُهمْ ُمقْمَحُونَ(‪ )8‬وَ َ‬ ‫حمَنَ‬ ‫شيَ الرّ ْ‬ ‫سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ أَأَنْذَرْ َتهُمْ أَمْ َلمْ تُنْذِرْ ُهمْ ل ُي ْؤمِنُونَ(‪ )10‬إِ ّنمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّبَعَ ال ّذكْرَ وَخَ ِ‬ ‫وَ َ‬ ‫شيْءٍ‬ ‫حيِ ا ْل َموْتَى وَ َنكْ ُتبُ مَا قَ ّدمُوا وَآثَارَ ُه ْم َوكُلّ َ‬ ‫بِا ْلغَ ْيبِ فَ َبشّ ْرهُ ِب َمغْفِ َر ٍة وَأَجْرٍ كَرِيمٍ(‪ )11‬إِنّا َنحْنُ نُ ْ‬ ‫حصَيْنَاهُ فِي ِإمَامٍ مُبِينٍ(‪)12‬‬ ‫أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يس ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا يس‪ ،‬ويقرأ هكذا ياسين وال أعلم بمراده به‪.‬‬ ‫والقرآن الحكيم ‪ :‬أي ذي الحكمة إذ وضع القرآن كل شيء في موضعه فهو لذلك حكيم ومحكم‬ ‫أيضا بعجيب النظم وبديع المعاني‪.‬‬ ‫إنك لمن المرسلين ‪ :‬أي يا محمد من جملة الرسل الذين أرسلناهم إلى أقوامهم‪.‬‬ ‫على صراط مستقيم ‪ :‬أي طريق مستقيم الذي هو السلم‪.‬‬ ‫تنزيل العزيز الرحيم ‪ :‬أي القرآن(‪ )1‬تنزيل العزيز في انتقامه ممن كفر به الرحيم بمن تاب إليه‪.‬‬ ‫ما أنذر آباؤهم ‪ :‬أي لم ينذر آباؤهم إذ لم يأتهم رسول من فترة طويلة‪.‬‬ ‫فهم غافلون ‪ :‬أي ل يدرون عاقبة ما هم فيه من الكفر والضلل‪ ،‬ول يعرفون ما ينجيهم من ذلك‬ ‫وهو اليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫لقد حق القول على أكثرهم‪ :‬أي وجب عليهم العذاب فلذا هم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫إنا جعلنا في أعناقهم أغلل ‪ :‬أي جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالغلل‪.‬‬ ‫فهي إلى الذقان ‪ :‬أي أيديهم مجموعة إلى أذقانهم‪ ،‬والذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين‪.‬‬ ‫فهم مقمحون ‪ :‬أي رافعو رؤوسهم ل يستطيعون خفضها‪ ،‬فلذا هم ل يكسبون بأيديهم خيرا‪ ،‬ول‬ ‫يذعنون برؤوسهم إلى حق‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا على قراءة أهل المدينة وهي رفع تنزيل‪ .‬أما على قراءة النصب فالتقدير أقرأ تنزيل‬ ‫العزيز الرحيم أو أمدح تنزيل‪.‬‬

‫( ‪)4/365‬‬ ‫فأغشيناهم فهم ل يبصرون ‪ :‬أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لذلك ل يبصرون‪.‬‬ ‫وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ل يؤمنون‪ :‬أي استوى إنذارك لهم وعدمه في عدم إيمانهم‪.‬‬ ‫من اتبع الذكر ‪ :‬القرآن‪.‬‬ ‫وأجر كريم ‪ :‬أي بالجنة دار النعيم والسلم‪.‬‬ ‫إنا نحن نحيي الموتى ‪ :‬أي نحن ربّ العزة نحيي الموتى للبعث والجزاء‪.‬‬ ‫ونكتب ما قدموا وآثارهم (‪ : )1‬أي ما عملوه من خير وشر لنحاسبهم‪ ،‬وآثارهم أي خطاهم إلى‬ ‫المساجد وما استن به أحد من بعدهم‪.‬‬ ‫في إمام مبين ‪ :‬أي في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حكِيمِ(‪ })3‬أي المحكم نظما ومعنىً وذي الحكمة الذي‬ ‫{يس} ال أعلم(‪ )2‬بمراده به {وَا ْلقُرْآنِ ا ْل َ‬ ‫يضع كل شيء في موضعه أقسم تعالى بالقرآن الحكيم على أن محمدا صلى ال عليه وسلم نبييّ‬ ‫حكِيمِ إِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} الذي هو السلم‪ .‬وقوله‬ ‫ورسولٌ فقال {وَا ْلقُرْآنِ الْ َ‬ ‫{تَنْزِيلَ(‪ )4‬ا ْلعَزِيزِ الرّحِيمِ} أي هذا القرآن هو تنزيل ال {ا ْلعَزِيزِ} في النتقام ممن كفر به وكذب‬ ‫رسوله {الرّحِيمِ} بأوليائه وصالحي عباده‪ .‬وقوله {لِتُ ْنذِرَ َقوْما مَا أُ ْنذِرَ آبَاؤُ ُهمْ} أي أرسلناك وأنزلنا‬ ‫إليك الكتاب لجل أن تنذر قوما ما أنذر آباؤهم من فترة طويلة وهم مشركو العرب إذ لم يأتهم‬ ‫رسول من بعد إسماعيل عليه السلم { َفهُمْ غَافِلُونَ} أي ل يدرون عاقبة ما هم عليه من الشرك‬ ‫والشر والفساد‪ ،‬ومعنى تنذرهم تخوفهم عذاب ال تعالى المترتب على الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫حقّ ا ْل َقوْلُ عَلَى َأكْثَرِ ِهمْ} أي أكثر خصوم النبي صلى ال عليه وسلم من كفار‬ ‫وقوله تعالى {َلقَدْ َ‬ ‫ج َمعِينَ}‬ ‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ أَ ْ‬ ‫قريش كأبي جهل حق عليهم القول الذي هو قوله تعالى {لََأمْلَأَنّ َ‬ ‫فوجب لهم العذاب فلذا هم ل يؤمنون إذ لو آمنوا لما عذبوا‪ ،‬وعدم إيمانهم لم يكن مفروضا عليهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وَهِم بعض فقال هذه الية نزلت بالمدينة في بني سلمة والصحيح أن السورة كلها مكي وليس‬ ‫فيها مدني وإنما قرأ صلى ال عليه وسلم هذه الية محتجا بها على بني سلمة لما أرادوا النزول‬ ‫قرب المسجد فقال لهم بني سلمة دياركم تكتب آثاركم‪ .‬وقرأ هذه الية‪ ،‬ونكتب ما قدموا وآثارهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كره مالك رحمه ال تعالى التسمية بيس وهو كذلك لعدم علمنا بالمراد منه وليس هو باسم‬ ‫للنبي صلى ال عليه وسلم إذ ذكر أسماءه الخمسة ولم يذكر بينها يس ول حجة في قول الرافضي‪:‬‬ ‫يا نفس ل تمحضي بالود جاهدة‬ ‫على المودة إل آل ياسين‬

‫‪ - 3‬والقرآن الواو للقسم والقرآن مقسم به وجواب القسم‪ :‬إنك لمن المرسلين وعلى صراط مستقيم‬ ‫خبر ثان لن‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ نافع والجمهور تنزيل بالرفع على أنه خبر محذوف المبتدأ أي هو تنزيل والضمير عائد‬ ‫على القرآن المقسم به وقرأ حفص تنزيل بالنصب على المصدرية أو على تقدير أعني أو أخص‬ ‫فيكون مدحا وإشادة بشأنه وهو أليق‪.‬‬

‫( ‪)4/366‬‬ ‫وإنما هو باختيارهم وحرية إرادتهم إذ لو كان جبرا لما استحقوا العذاب عليه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا‬ ‫جعَلْنَا فِي أَعْنَا ِقهِمْ أَغْللً َف ِهيَ} أي أيديهم {إِلَى الْأَ ْذقَانِ} مشدودة بالغلل { َفهُمْ ُم ْقمَحُونَ} أي رافعو‬ ‫َ‬ ‫رؤوسهم ل يستطيعون خفضها‪ ،‬وهذا تمثيل لحالهم في عدم مدّ أيديهم للنفاق في الخير‪ ،‬وعدم‬ ‫سدّا} وهذا تمثيل‬ ‫سدّا َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ َ‬ ‫جعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِي ِهمْ َ‬ ‫إذعان رؤوسهم لقبول الحق(‪ )1‬وقوله { َو َ‬ ‫آخر لحالهم وهي أنهم زينت لهم الحياة الدنيا فأصبحوا ل يرون غيرها فهو سد أمامهم مانع لهم‬ ‫من اليمان وترك الشرك والمعاصي‪ ،‬وصورت لهم الخرة بصورة باطلة مستحيلة الوقوع فكان‬ ‫ذلك سدا من خلفهم فهم لذلك ل يتوبون ول يذكرون لعدم خوفهم من عذاب الخرة وقوله تعالى‬ ‫{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} هذا مبالغة في إضللهم فجعل على أعينهم غشاوة من كره الرسول صلى ال عليه‬ ‫سوَاءٌ عَلَ ْي ِهمْ أَأَنْذَرْ َت ُهمْ(‪)2‬‬ ‫وسلم وبغض ما جاء به من فهم لذلك عمى ل يبصرون‪ .‬وقوله تعالى {وَ َ‬ ‫أَمْ َلمْ تُنْذِ ْرهُمْ ل ُي ْؤمِنُونَ} هذا إخبار منه تعالى بأن هذه المجموعة من خصوم الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم من أكابر مجرمي مكة استوى فيهم النذار النبوي وعدمه فهم ل يؤمنون فكأن ال‬ ‫تعالى يقول لرسوله إن هؤلء العتاة من خصومك إنذارك لهم ل ينفعهم فأنذر الذين ينفعهم إنذارك‬ ‫حمَنَ بِا ْلغَ ْيبِ}‬ ‫شيَ الرّ ْ‬ ‫ودع من سواهم وهو قوله تعالى {إِ ّنمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّبَعَ ال ّذكْرَ} أي القرآن { َوخَ ِ‬ ‫أي خافه فلم يعصه وهو ل يراه‪ ،‬كما لم يعصه عندما يخلو بنفسه ول يراه غيره فمثل هذا بشره‬ ‫بمغفرة منا لذنوبه وأجر كريم على صالح عمله وهو الجنة دار المتقين وقوله تعالى‪{ :‬إِنّا َنحْنُ‬ ‫حيِ ا ْل َموْتَى} أي للبعث والجزاء {وَ َنكْ ُتبُ مَا َق ّدمُوا} أي أولئك الموات أيام حياتهم من خير وشر‪،‬‬ ‫نُ ْ‬ ‫شيْءٍ} أي‬ ‫{وَآثَارَ ُهمْ} أي ونكتب آثارهم وهو ما استُن به(‪ )3‬من سننهم الحسنة أو السيئة‪َ { .‬و ُكلّ َ‬ ‫من أعمال العبادة وغيرها {فِي ِإمَامٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ‪ ،‬وسنجزي كلً بما عمل‪ .‬وفي هذا‬ ‫الخطاب تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وجائز أن يكون هذا بيان لحالهم في النار يوم القيامة ولكن ما في التفسير أولى وأحق‬ ‫والسياق يؤكده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أنذرتهم أصل الهمزة الستفهام ولكنها هنا للتسوية متمحضة لها‪.‬‬

‫‪ - 3‬شاهده حديث مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم "من سن في السلم سنة حسنة كان له‬ ‫أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في السلم‬ ‫سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" وكذا‬ ‫حديثه الخر‪ :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث من علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له‪،‬‬ ‫أو صدقة جارية من بعده‪.‬‬

‫( ‪)4/367‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية وتأكيد رسالته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان الحكمة من إرسال الرسول وإنزال الكتاب الكريم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الرسول محمدا صلى ال عليه وسلم بعث على فترة من الرسل‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن حب الدنيا والقبال عليها والعراض عن الخرة وعدم اللتفات إليها يضعان النسان‬ ‫بين حاجزين‬ ‫ل يستطيع تجاوزهما والتخلص منهما‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن الذنوب تقيد صاحبها وتحول بينه وبين فعل الخير أو قبول الحق‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان أن من سن سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده يجزى بها كما يجزى على عمله الذي‬ ‫باشره بيده‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن كل شيء في كتاب المقادير المعبر عنه بالمام‪ .‬ومعنى‬ ‫المبين أي أن ما كتب‬ ‫فيه بين واضح ل يجهل منه شيء‪.‬‬ ‫وَاضْرِبْ َلهُمْ مَثَلً َأصْحَابَ ا ْلقَرْيَةِ إِذْ جَا َءهَا ا ْلمُرْسَلُونَ(‪ )13‬إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَ ْي ِهمُ اثْنَيْنِ َفكَذّبُو ُهمَا َفعَزّزْنَا‬ ‫شيْءٍ إِنْ أَنْ ُتمْ‬ ‫حمَنُ مِنْ َ‬ ‫بِثَاِلثٍ َفقَالُوا إِنّا إِلَ ْي ُكمْ مُرْسَلُونَ(‪ )14‬قَالُوا مَا أَنْتُمْ ِإلّا بَشَرٌ مِثْلُنَا َومَا أَنْ َزلَ الرّ ْ‬ ‫سلُونَ(‪َ )16‬ومَا عَلَيْنَا إِلّا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ(‪ )17‬قَالُوا إِنّا‬ ‫إِلّا َتكْذِبُونَ(‪ )15‬قَالُوا رَبّنَا َيعْلَمُ إِنّا إِلَ ْيكُمْ َلمُرْ َ‬ ‫جمَ ّنكُ ْم وَلَ َيمَسّ ّنكُمْ مِنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )18‬قَالُوا طَائِ ُركُمْ َم َعكُمْ أَإِنْ ُذكّرْتُمْ َبلْ‬ ‫تَطَيّرْنَا ِب ُكمْ لَئِنْ َلمْ تَنْ َتهُوا لَنَرْ ُ‬ ‫أَنْتُمْ َقوْمٌ مُسْ ِرفُونَ(‪)19‬‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫واضرب لهم مثلً ‪ :‬أي واجعل لهم مثلً‪.‬‬ ‫أصحاب القرية ‪ :‬أي أنطاكية عاصمة بلد يقال لها العواصم بأرض الروم‪.‬‬

‫( ‪)4/368‬‬ ‫إذا جاءها المرسلون ‪ :‬أي رسل عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫فعززنا بثالث ‪ :‬أي قوينا أمر الرسولين ودعوتهما برسول ثالث وهو حبيب النجار‪.‬‬ ‫وما علينا إل البلغ المبين ‪ :‬أي التبليغ الظاهر البين بالدلة الواضحة وهي إبراء الكمه‬ ‫والبرص والمريض وإحياء الموتى‪.‬‬ ‫إنا تطيرنا بكم ‪ :‬أي تشاءمنا بكم وذلك لنقطاع المطر عنا بسببكم‪.‬‬ ‫قالوا طائركم معكم ‪ :‬أي شؤمكم معكم وهو كفركم بربكم‪.‬‬ ‫أئن ذكرتم ‪ :‬أ وعظتم وخوفتم تطيرتم وهذا توبيخ لهم‪.‬‬ ‫بل أنتم قوم مسرفون ‪ :‬أي متجاوزون للحد في الشرك والكفر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَاضْ ِربْ َل ُهمْ مَثَلً(‪ })1‬أي واضرب أيها الرسول لقومك المصرين على الشرك‬ ‫صحَابَ ا ْلقَرْيَةِ} فإن حالهم في التكذيب‬ ‫والتكذيب لك ولما جئتهم به من الهدى ودين الحق {مَثَلً َأ ْ‬ ‫والغلّو في الكفر والعناد كحال هؤلء‪ .‬إذ جاءها المرسلون وهم رسل عيسى(‪ )2‬عليه السلم إذ‬ ‫بعث برسولين ثم لما آذوهما بالضرب والسجن بعث بشمعون الصفي رأس الحواريين تعزيزا‬ ‫لموقفهما كما قال تعالى { َفكَذّبُو ُهمَا َفعَزّزْنَا بِثَاِلثٍ}( ‪ ،)3‬فقالوا لهل أنطاكية(‪{ )4‬إِنّا إِلَ ْيكُمْ مُرْسَلُونَ}‬ ‫من قبل عيسى عليه السلم ندعوكم إلى عبادة الرحمن وترك عبادة الوثان فـ {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلّا‬ ‫شيْءٍ إِنْ أَنْ ُتمْ إِلّا َتكْذِبُونَ} أي ما أنتم إل تكذبون علينا في دعواكم‬ ‫حمَنُ مِنْ َ‬ ‫بَشَرٌ مِثْلُنَا َومَا أَنْ َزلَ الرّ ْ‬ ‫سلُونَ} فواجهوا شك القوم فيهم بما يدفع الشك‬ ‫أنكم رسل إلينا فقال الرسل {رَبّنَا َيعْلَمُ إِنّا إِلَ ْيكُمْ َلمُرْ َ‬ ‫ن َومَا عَلَيْنَا‬ ‫من القسم وتأكيد الخبر بالجملة السمية ولم التوكيد فقالوا‪{ :‬رَبّنَا َيعْلَمُ إِنّا إِلَ ْي ُكمْ َلمُرْسَلُو َ‬ ‫إِلّا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ} أي البين الواضح فإن قبلتم ما دعوناكم إليه فذلك حظكم من الخير والنجاة وإن‬ ‫أبيتم فذلك حظكم من الهلك والخسار‪ .‬ورد أهل أنطاكية على الرسل قائلين‪{ :‬إِنّا َتطَيّرْنَا ِبكُمْ} أي‬ ‫تشاءمنا(‪ )5‬بكم حيث انقطع المطر بسببكم* فرد عليهم المرسلون بقولهم {طَائِ ُر ُكمْ َم َعكُمْ} أي‬ ‫شؤمكم في كفركم وتكذيبكم‪ ،‬ولذ حبس ال عنكم المطر‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬اضرب أي اجعل والمثل للتشبيه والمعنى اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شبها لهل‬ ‫مكة وإرسالك إليهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كان هذا بعد رفع عيسى إل أنه كان بإذن ال تعالى فلذا قال تعالى أرسلنا إليهم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرئ عززنا بالتخفيف والمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬كان أهل أنطاكيا من اليهود ومن اليونان‪.‬‬

‫‪ - 5‬وجائز أن يكون قد حدث بينهم تشاجر وتشاحن نتيجة قبول الدعوة من أفراد منهم فحصل‬ ‫بينهم شجار وخلف لم يألفوه فقالوا ما قالوا متشائمين‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬ل عدوى ول طيرة وإنما‬ ‫الطيرة على من تطير‪.‬‬ ‫* لئن لم تنتهوا من دعواكم بأنكم رسل إلينا بترك آلهتنا لنرجمنكم بالحجارة وليمسنكم منا عذاب‬ ‫أليم‪.‬‬

‫( ‪)4/369‬‬ ‫عليكم‪ .‬ثم قالوا لهم موبخين لهم‪{ :‬أَإِنْ ُذكّرْتُمْ(‪ })1‬أي وعظتم وخوّفتم بال لعلكم تتقون تطيرتم‪ .‬بل‬ ‫أنتم أيها القوم {مُسْ ِرفُونَ} أي متجاوزون الحد في الكفر والشرك والعدوان‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬استحسان ضرب المثل وهو تصوير حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما هنا في قصة حبيب‬ ‫بن النجار‪.‬‬ ‫‪ -2‬تشابه الكفار في التكذيب والصرار في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫‪ -3‬لجوء أهل الكفر بعد إقامة الحجة عليهم إلى التهديد والوعيد‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة التطير والتشاؤم في السلم‪.‬‬ ‫سعَى قَالَ يَا َقوْمِ اتّ ِبعُوا ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )20‬اتّ ِبعُوا مَنْ ل يَسْأَُل ُكمْ أَجْرا‬ ‫جلٌ يَ ْ‬ ‫وَجَاءَ مِنْ َأ ْقصَى ا ْلمَدِي َنةِ رَ ُ‬ ‫خذُ مِنْ دُونِهِ آِلهَةً إِنْ يُرِدْنِ‬ ‫جعُونَ(‪ )22‬أَأَتّ ِ‬ ‫وَهُمْ ُمهْتَدُونَ(‪َ )21‬ومَا ِليَ ل أَعْ ُبدُ الّذِي َفطَرَنِي وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫شفَاعَ ُتهُمْ شَيْئا وَل يُ ْنقِذُونِ(‪ )23‬إِنّي إِذا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪ )24‬إِنّي آمَ ْنتُ‬ ‫حمَنُ ِبضُرّ ل ُتغْنِ عَنّي َ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫جعَلَنِي‬ ‫غفَرَ لِي رَبّي وَ َ‬ ‫خلِ الْجَنّةَ قَالَ يَا لَ ْيتَ َق ْومِي َيعَْلمُونَ(‪ِ )26‬بمَا َ‬ ‫س َمعُونِ(‪ )25‬قِيلَ ا ْد ُ‬ ‫بِرَ ّبكُمْ فَا ْ‬ ‫مِنَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ (‪)27‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وجاء رجل ‪ :‬أي حبيب بن النجار صاحب يس(‪.)2‬‬ ‫من أقصى المدينة ‪ :‬أي من أقصا دور المدينة وهي أنطاكيا العاصمة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام إنكاري وبل للضراب النتقالي أضرب عن دعواهم لبطلنها وانتقل بهم إلى‬ ‫الحقيقة وهي إسرافهم في الشرك والشر والفساد‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ما جاء في التفسير من كون الرسل هم رسل عيسى عليه السلم‪ ،‬وأن القرية هي أنطاكية –‬ ‫هو ما عليه أكثر المفسرين مثل قتادة وابن جرير وغيرهما‪ ،‬إل أن ابن كثير رحمه ال تعالى‬ ‫رجّح أن الرسل رسل من ال تعالى‪ ،‬وأن القرية ليست أنطاكية‪ ،‬وحجته فيما رآه أن ال تعالى لم‬

‫يهلك أمة بعد نزول التوراة‪ ،‬وهذه القرية أهلك أهلها‪ .‬وهذه غفلة منه رحمه ال تعالى إذ أهلك ال‬ ‫أهل قرية كانت حاضرة البحر‪ ،‬ومسخ أهلها قردة وخنازير على عهد داود بعد نزول التوراة‬ ‫بقرن وإنما رفع هلك العامّة بعد بعثة النبي محمد نبي الرحمة صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/370‬‬ ‫يسعى ‪ :‬أي يشتد مسرعا لما بلغه أن أهل البلد عزموا على قتل رسل عيسى الثالثة‪.‬‬ ‫قال يا قوم اتبعوا المرسلين ‪ :‬أي رسل عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫اتبعوا من ل يسألكم أجرا ‪ :‬اتبعوا من ل يطلبكم أجرا على إبلغ دعوة الحق‪.‬‬ ‫وهم مهتدون ‪ :‬أي الرسل إنهم على هداية من ربهم ما هم بكذابين‪.‬‬ ‫فطرني ‪ :‬أي خلقني‪.‬‬ ‫إن يردن الرحمن بضر ‪ :‬أي بمرض ونحوه‪.‬‬ ‫ول ينقذون ‪ :‬أي مما أراد ال لي من ضر في جسمي وغيره‪.‬‬ ‫إني إذا لفي ضلل مبين ‪ :‬أي إن إذا اتخذت من دون ال آلهة أعبدها لفي ضلل مبين‪.‬‬ ‫إني آمنت بربكم فاسمعون ‪:‬أي صارح قومه بهذا القوم وقتلوه‪.‬‬ ‫قيل ادخل الجنة ‪ :‬قالت له الملئكة عند الموت ادخل الجنة‪.‬‬ ‫يا ليت قومي يعلمون ‪ :‬قال هذا لما شاهد مقعده في الجنة‪.‬‬ ‫بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ‪ :‬وهو اليمان والتوحيد والصبر على ذلك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في مَ َثلِ أصحاب القرية إنه بعد أن تعزز موقف الرسل الثلثة وأعطاهم ال من‬ ‫الكرامات ما أبرأوا به المرضى بل وأحيوا الموتى بإذن ال وأصبح لهم أتباع مؤمنون غضب‬ ‫رؤساء البلد وأرادوا أن يبطشوا بالرسل‪ ،‬وبلغ ذلك حبيب بن النجار وكان شيخا مؤمنا موحدا‬ ‫يسكن في طرف المدينة القصى فجاء يشتد سعيا على قدميه فأمر ونهى وصارح القوم بإيمانه‬ ‫سعَى(‪})1‬‬ ‫جلٌ يَ ْ‬ ‫وتوحيده فقتلوه رفسا بأرجلهم قال تعالى { َوجَاءَ مِنْ َأ ْقصَى ا ْلمَدِينَةِ} ‪ -‬أنطاكية‪{ -‬رَ ُ‬ ‫أي يمشي بسرعة لما بلغه من أن أهل البلد قد عزموا على قتل الرسل الثلثة وما إن وصل إلى‬ ‫الجماهير الهائجة حتى قال بأعلى صوته‪{ :‬يَا َقوْمِ اتّ ِبعُوا ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ })2‬وسأل الرسل هل طلبتم‬ ‫على إبلغكم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا الرجل هو حبيب بن النجار صاحب ياسين كما في الحديث والرجل كان مصابا بالجذام‬ ‫سنين وشفاه ال تعالى على يد رسل عيسى وبذلك آمن وأسلم وبفي في أرض أنطاكيا يعبد ال‬ ‫تعالى حتى بلغه َهمّ أهل المدينة بالبطش بالرسل جاء مسرعا لينقذ دعوتهم ويدعوا إلى ال تعالى‬

‫بما أخبر به تعالى في هذه اليات‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المراد بالمرسلين رسل عيسى الذين أرسلهم بالوصية إليهم إلى أنطاكيا من بينهم شمعون‬ ‫الذي عزز به الرسولين قبله‪.‬‬

‫( ‪)4/371‬‬ ‫دعوة عيسى أجرا قالوا ل‪ .‬فقال {اتّ ِبعُوا مَنْ ل يَسْأَُلكُمْ أَجْرا وَ ُهمْ ُمهْتَدُونَ} فاتبعوهم تهتدوا‬ ‫بهدايتهم‪ .‬وقال له القوم وأنت تعبد ال مثلهم ول تعبد آلهتنا؟ فقال‪َ { :‬ومَا ِليَ ل أَعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي}‬ ‫جعُونَ} أي بعد موتكم فيحاسبكم ويجزيكم‬ ‫أي وأيّ شيء يجعلني ل أعبده وهو خلقني {وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫بعملكم‪ .‬ثم اغتنم الفرصة ليدعوا إلى ربه فقال مستفهما {أَأَتّخِذُ مِنْ دُونِهِ آِلهَةً} أي أصناما وأوثانا‬ ‫ل ول ينقذون‬ ‫شفَاعَ ُتهُمْ شَيْئا}( ‪ )1‬وإن ق ّ‬ ‫حمَنُ ِبضُرّ ل ُتغْنِ عَنّي َ‬ ‫ل تسمع ول تبصر {إِنْ يُرِدْنِ الرّ ْ‬ ‫مما أراده بي من ضر ونحوه {إِنّي إِذا َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪ })2‬أي إني إذا أنا عبدت هذه الصنام‬ ‫التي ل تنفع ول تضر لفي ضلل مبين واضح ل يحتاج إلى دليل عليه‪ .‬ورفع صوته مبلغا {إِنّي‬ ‫س َمعُونِ} وهنا‬ ‫آمَ ْنتُ بِرَ ّبكُمْ} أي بخالقكم ورازقكم ومالك أمركم دون هذه الصنام والوثان {فَا ْ‬ ‫وثبوا عليه فقتلوه‪ .‬ولما قيل له ادخل الجنة ورأى نعيمها ذكر قومه ناصحا لهم فقال‪{ :‬يَا لَ ْيتَ‬ ‫جعَلَنِي مِنَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ(‪ })4‬أي يعلمون بما غفر له وجعله من‬ ‫غفَرَ لِي(‪ )3‬رَبّي وَ َ‬ ‫َق ْومِي َيعَْلمُونَ ِبمَا َ‬ ‫المكرمين وهو اليمان والتوحيد حتى يؤمنوا ويوحدوا فنصح قومه حيا وميتا وهذا شأن المسلم‬ ‫الحسن السلم والمؤمن الصادق اليمان ينصح ول يغش ويرشد ول يضل ومهما قالوا له وفيه‬ ‫ومهما عاملوه به من شدة وقسوة حتى الموت قتلً‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان كرامة حبيب بن النجار الذي نصح قومه حيا وميتا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما يلقي دعاة التوحيد والدين الحق في كل زمان ومكان من شدائد وأهوال‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب إبلغ دعوة الحق والتنديد بالشرك ومهما كان العذاب قاسيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬بشرى المؤمن عند الموت ل سيما الشهيد فإنه يرى الجنة رأي العين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إن يردن ول يغن ول ينقذون‪ ،‬فاسمعون حذفت منها كلها ياء المتكلم مراعاة للتخفيف‬ ‫ولظهورها وعدم اللبس مع حذفها‪ ،‬وجملة إن يردن في محل نصب نعت‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إن إذا لفي ضلل مبين الجملة جواب للستفهام النكاري في قوله أأتخذ من دونه آلهة أي‬ ‫إن اتخذت من دون ال آلهة إني في ضلل مبين‪.‬‬

‫‪ - 3‬بما غفر‪ :‬ما مصدرية تسبك بمصدر نحو بمغفرة ربي لي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬من المكرمين الملئكة والنبياء والشهداء والصالحين‪.‬‬

‫( ‪)4/372‬‬ ‫الجزء الثالث والعشرون‬ ‫سمَا ِء َومَا كُنّا مُنْزِلِينَ(‪ )28‬إِنْ كَا َنتْ إِلّا صَيْحَ ًة وَاحِ َدةً‬ ‫َومَا أَنْ َزلْنَا عَلَى َقوْمِهِ مِنْ َب ْع ِدهِ مِنْ جُ ْندٍ مِنَ ال ّ‬ ‫فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ(‪ )29‬يَا حَسْ َرةً عَلَى ا ْلعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ َرسُولٍ إِلّا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ(‪ )30‬أََلمْ‬ ‫حضَرُونَ(‬ ‫جمِيعٌ لَدَيْنَا ُم ْ‬ ‫جعُونَ(‪ )31‬وَإِنْ ُكلّ َلمّا َ‬ ‫يَ َروْا كَمْ أَهَْلكْنَا قَبَْل ُهمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ أَ ّن ُهمْ إِلَ ْيهِمْ ل يَ ْر ِ‬ ‫‪)32‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما أنزلنا على قومه ‪ :‬أي على قوم حبيب بن النجار وهم أهل أنطاكية‪.‬‬ ‫من بعده ‪ :‬أي من بعد موته‪.‬‬ ‫من جند من السماء ‪ :‬أي من الملئكة لهلكهم‪.‬‬ ‫وما كنا منزلين ‪ :‬أي الملئكة لهلك المم التي استوجبت الهلك‪.‬‬ ‫إن كانت إل صيحة واحدة ‪ :‬أي ما هي إل صيحة واحدة وهي صيحة جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫فإذا هم خامدون ‪ :‬أي ساكنون ل حراك لهم ميتون‪.‬‬ ‫يا حسرة على العباد ‪ :‬أي يا حسرة العباد هذا أوان حضوركِ فاحضري وهذا غاية التألم‪ .‬والعباد‬ ‫هم المكذبون للرسل الكافرون بتوحيد ال‪.‬‬ ‫ما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزئون‪ :‬هذا سبب التحسر عليهم‪.‬‬ ‫ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون ‪ :‬أي ألم ير أهل مكة المكذبون للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وإن كل لماّ جميع لدينا محضرون ‪ :‬أي وإن كل الخلئق إل لدينا محضرون يوم القيامة لحسابهم‬ ‫ومجازاتهم‪.‬‬

‫( ‪)4/373‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َومَا أَنْزَلْنَا عَلَى َق ْومِهِ} أي(‪ )1‬قوم حبيب بن النجار {مِنْ َبعْ ِدهِ} أي بعد موته {مِنْ جُ ْندٍ‬ ‫سمَاءِ} للنتقام من قومه الذين قتلوه لنه أنكر عليهم الشرك ودعاهم إلى التوحيد وما كنا‬ ‫مِنَ ال ّ‬ ‫منزلين إذ ل حاجة تدعو إلى ذلك‪ .‬إن كانت إل صيحة واحدة من جبريل(‪ )2‬عليه السلم فإذا هم‬ ‫خامدون أي هلكى ساكنون ميتون ل حراك لهم ول حياة فيهم وقوله تعالى {يَا حَسْ َرةً عَلَى ا ْلعِبَادِ}‬

‫أي يا حسرة العباد(‪ )3‬على أنفسهم احضري أيتها الحسرة(‪ )4‬هذا أوان حضورك {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ‬ ‫رَسُولٍ إِلّا كَانُوا بِهِ(‪َ )5‬يسْ َتهْزِئُونَ} هذا موجب الحسرة ومقتضاها وهو استهزاؤهم بالرسل‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى {أَلَمْ يَ َروْا} أي أهل مكة {كَمْ أَ ْهَلكْنَا قَبَْلهُمْ مِنَ ا ْلقُرُونِ} أي ألم يعلموا القرون الكثيرة التي‬ ‫جعُونَ} فيكون هذا هاديا‬ ‫أهلكناها قبلهم كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين‪{ ،‬أَ ّنهُمْ إِلَ ْي ِهمْ ل يَرْ ِ‬ ‫لهم واعظا فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويسعدوا‪ .‬وقوله تعالى { َوإِنْ ُكلّ}( ‪ )6‬أي من المم‬ ‫حضَرُونَ} أي إل لدينا محضرون لفصل القضاء‬ ‫جمِيعٌ لَدَيْنَا ُم ْ‬ ‫الهالكة وغيرها من سائر العباد {َلمّا َ‬ ‫يوم القيامة فينجو المؤمنون ويهلك الكافرون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر قدرة ال تعالى في إهلك أهل أنطاكية بصيحة واحدة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إبداء التحسر على العباد من أنفسهم إذ هم الظالمون المكذبون فالحسرة منهم وعليهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة الستهزاء بما هو من حرمات ال تعالى التي يجب تعظيمها‪.‬‬ ‫‪ -4‬طلب العبرة من أخبار الماضين وأحوالهم‪ ،‬والعاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير المعاد والحساب والجزاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا تابع لقصة حبيب بن النجار صاحب ياسين والجملة معطوفة على جملة قيل ادخل الجنة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كون جبريل هو الذي صاح فيهم وراد عند أهل التفسير فإن ثبت عن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم وجب اليمان به وإل فل يجب ول يلزم اليمان به إذ جائز أن يكون ملكا آخر غير جبريل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العباد جمع عبد من عباد ال تعالى والعبيد جمع عبد مملوك للناس‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الحسرة شدة الندم مشوبا بتلهف على نفع فائت‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الستثناء مفرغ من أحوال عامة من الضمير في "يأتيهم" أي ل يأتيهم رسول في حال من‬ ‫أحوالهم إل استهزأوا به‪.‬‬ ‫‪ - 6‬قرأ نافع وإن كل لما بتخفيف الميم وشددها حفص فعلى تخفيفها تكون إن مخففة من الثقيلة‬ ‫واللم هي اللم الفارغة وما مزيدة للتوكيد‪ .‬وإن قدرت ما نافية وجب تشديد لما إذ تكون بمثابة‬ ‫الستثناء أي وما كلهم إل محضرون لدينا‪.‬‬

‫( ‪)4/374‬‬ ‫جعَلْنَا فِيهَا جَنّاتٍ مِنْ َنخِيلٍ‬ ‫وَآيَةٌ َل ُهمُ الْأَ ْرضُ ا ْلمَيْتَةُ َأحْيَيْنَاهَا وََأخْرَجْنَا مِ ْنهَا حَبّا َفمِنْهُ يَ ْأكُلُونَ(‪ )33‬وَ َ‬ ‫شكُرُونَ(‪ )35‬سُ ْبحَانَ‬ ‫عمِلَتْهُ أَ ْيدِيهِمْ َأفَل َي ْ‬ ‫وَأَعْنَابٍ َوفَجّرْنَا فِيهَا مِنَ ا ْلعُيُونِ(‪ )34‬لِيَ ْأكُلُوا مِنْ َثمَ ِر ِه َومَا َ‬ ‫سهِ ْم َو ِممّا ل َيعَْلمُونَ(‪)36‬‬ ‫ض َومِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫الّذِي خَلَقَ الْأَ ْزوَاجَ كُّلهَا ِممّا تُنْ ِبتُ الْأَ ْر ُ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وآية لهم الرض الميتة ‪ :‬أي على صحة البعث ووجوده ل محالة‪.‬‬ ‫أحييناها ‪ :‬بإنزال المطر عليها فأصبحت حيّة بالنبات والزروع‪.‬‬ ‫وجعلنا فيها جنات ‪ :‬أي بساتين‪.‬‬ ‫وما عملته أيديهم ‪ :‬أي لم تصنعه أيديهم وإنما هو صنع ال وخلقه‪.‬‬ ‫أفل يشكرون ‪ :‬أي أفيرون هذه النعم ول يشكرونها إنه موقف مخز منهم‪.‬‬ ‫سبحان الذي خلق الزواج كلها‪ :‬أي تنزيها وتقديسا ل الذي خلق الصناف كلها‪.‬‬ ‫ومن أنفسهم ‪ :‬أي الذكور والناث‪.‬‬ ‫ومما ل يعلمون ‪ :‬من المخلوقات كالتي في السموات وتحت الراضين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما تقدم في اليات قبل هذه تقرير عقيدة البعث والجزاء في قوله وإن كل لما جميع لدينا‬ ‫محضرون ذكر هنا الدليل العقلي على صحة إمكان البعث فقال {وَآ َيةٌ َلهُمُ(‪ })1‬أي على صحة‬ ‫البعث الرضُ الميتة التي أصابها المحل فل نبات فيها ول زرع أحييناها بالمطر فأنبتت من كل‬ ‫زوج بهيج فهذه آية أي علمة كبرى وحجة واضحة على إمكان البعث إذ الخليقة تموت ولم يبق‬ ‫ل وَالِْأكْرَامِ} ثم ينزل ال تعالى ماء‬ ‫إل ال تعالى { ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ وَيَبْقَى َوجْهُ رَ ّبكَ ذُو الْجَل ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وآية لهم مبتدأ والخبر الرض الميتة‪ .‬قرأ نافع الميتة بتشديد الياء وسكنها حفص‪.‬‬

‫( ‪)4/375‬‬ ‫من تحت العرش فتحيا البشرية على طريقة الرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا بالنبات‪ .‬وهذه‬ ‫المرة تحيا البشرية إذ يركب خلقهم من عظم يقال له عجب الذنب هو في بطن الرض ل يتحلل‬ ‫ومنه يركب الخلق كما أخبر بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪ .‬هذا معنى قوله‬ ‫تعالى في الستدلل على البعث {وَآيَةٌ َلهُمُ الْأَ ْرضُ ا ْلمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِ ْنهَا حَبّا} أي حبّ البر‬ ‫جعَلْنَا فِيهَا} أي في الرض الميتة جنات أي بساتين من‬ ‫فمنه أي من ذلك يأكلون الخبز‪ :‬وقوله {وَ َ‬ ‫نخيل وأعناب‪ ،‬وفجرنا فيها من العيون أي عيون الماء‪ ،‬هذه مظاهر القدرة والعلم اللهي وكلها‬ ‫تشهد بصحة البعث وإمكانه وأن ال تعالى قادر عليه وعلى مثله‪ .‬وقوله تعالى {لِيَ ْأكُلُوا مِنْ َثمَ ِرهِ}‬ ‫عمِلَ ْتهُ أَيْدِيهِمْ} أي لم تخلقه ولم‬ ‫أي من ثمر المذكور(‪ )1‬من النخل والعنب وغيره‪ .‬وقوله { َومَا(‪َ )2‬‬ ‫تكونه أيديهم بل يد ال هي التي خلقته أفل يشكرون يوبخهم على عدم شكره تعالى على ما أنعم به‬ ‫عليهم من نعمة الغذاء‪ .‬وقوله تعالى {سُبْحَانَ الّذِي خََلقَ الْأَ ْزوَاجَ(‪ )3‬كُّلهَا} أي تنزيها وتقديسا ل‬ ‫سهِ ْم َو ِممّا ل َيعَْلمُونَ} يقدس ال تعالى نفسه‬ ‫ض َومِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫الذي خلق الزواج كلها { ِممّا تُنْ ِبتُ الْأَ ْر ُ‬

‫وينزهها عن العجز عن إعادة الخلق ويذكر بآيات القدرة والعلم وهي نظام الزوجية إذ كل‬ ‫المخلوقات أزواج أي أصناف من ذكر وأنثى فالنباتات على سائر اختلفها ذكر وأنثى والناس‬ ‫كذلك وما هو غائب عنا في السموات وفي بطن الرض أزواج كذلك ول وتْرَ أي ل فرد إل ال‬ ‫تعالى فقد تنزه عن صفات الخلئق‪ ،‬ومنها كان للحياة الدنيا نوع آخر هو لها كالزوج وهي الحياة‬ ‫الخرة فهذا دليل عقلي من أقوى الدلة على الحياة الثانية‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء التي هي القوة الدافعة للنسان على فعل الخيرات وترك الشرور‬ ‫المنكرات‪.‬‬ ‫‪ -2‬دليل نظام الزوجية وهو آية على أن القرآن وحي ال وكلمه إذ قرر القرآن نظام الزوجية‬ ‫قبل معرفة الناس‬ ‫لهذا النظام في الذرة وغيرها في القرن العشرين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الثمر بمنزلة الحب للسنبل وهو ما يغله النخل والعنب‪ ،‬وقرأ الجمهور بفتحتين‪ .‬وقرأه خلفهم‬ ‫بضمتين‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جائز أن يكون ما نافية أي ولم تعمله أيديهم وإنما ال جل جلله هو الذي أنبته وسخره لهم‬ ‫وجائز أن تكون ما موصولة أي والذي عملته أيديهم من أصناف الحلوات والطعمة وما يتخذونه‬ ‫كالخبز والجبن وما إلى ذلك وما في التفسير أرجح وأدل على نعم ال وقدرته وقرأ الجمهور ومما‬ ‫عملته بهاء الضمير وقرأ بعضٌ عملت بدونه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الزواج جمع زوج ويطلق على كل من الذكر والنثى‪ ،‬وعلى الصناف المختلفة فإن أريد‬ ‫بالزواج الذكر والنثى فمن ابتدائية في المواقع الثلثة وإن أريد بها الصناف فمن بيانية في‬ ‫المواطن الثلثة‪ :‬لقوله‪ :‬ومما ل يعلمون مقابل محذوف تقديره وما يعلمون وهذا من دللة‬ ‫الشارة‪.‬‬

‫( ‪)4/376‬‬ ‫‪ -1‬وجوب شكر ال تعالى باليمان وبطاعته وطاعة رسوله على نعمه ومنها اليجاد ونعمة‬ ‫المداد أي بالغذاء‬ ‫والماء والهواء‪.‬‬ ‫شمْسُ تَجْرِي ِلمُسْ َتقَرّ َلهَا ذَِلكَ َتقْدِيرُ‬ ‫وَآيَةٌ َل ُهمُ اللّ ْيلُ نَسْلَخُ مِ ْنهُ ال ّنهَارَ فَإِذَا هُمْ ُمظِْلمُونَ(‪ )37‬وَال ّ‬ ‫شمْسُ يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ‬ ‫ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ(‪ )38‬وَا ْل َقمَرَ قَدّرْنَاهُ مَنَا ِزلَ حَتّى عَادَ كَا ْلعُرْجُونِ ا ْلقَدِيمِ(‪ )39‬ل ال ّ‬

‫تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَا ِر َو ُكلّ فِي فََلكٍ َيسْبَحُونَ(‪)40‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ‪ :‬وآية لهم على إمكان البعث الليل نسلخ منه النهار أي نزيل‬ ‫النهار عن الليل فإذا هم مظلمون بالليل‪.‬‬ ‫لمستقر لها ‪ :‬أي مكان لها ل تتجاوزه‪.‬‬ ‫ذلك تقدير العزيز العليم ‪ :‬أي جريها في فلكها تقدير أي تقنين العزيز في ملكه العليم بكل خلقه‪.‬‬ ‫والقمر قدرناه منازل ‪ :‬وآية أخرى هي تقدير منازل القمر التي هي ثمان وعشرون منزلة‪.‬‬ ‫حتى عاد كالعرجون القديم‪ :‬أي حتى رجع كعود العذق الذي أصله في النخلة وآخره في الشماريخ‬ ‫وهو أصفر دقيق مقوس كالقمر لما يكون في آخر الشهر‪.‬‬ ‫ل الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر‪ :‬أي ل يصح للشمس ول يسهل عليها أن تدرك القمر‬ ‫فيجتمعان في الليل‪.‬‬ ‫ول الليل سابق النهار ‪ :‬أي بأن يأتي قبل انقضائه‪.‬‬ ‫وكل في فلك يسبحون ‪ :‬أي كل من الشمس والقمر والنجوم السيارة في فلك يسبحون أي يسيرون‬ ‫والفلك دائرة مستديرة كفلكة المغزل وهو مجرى النيرين والكواكب السيارة‪.‬‬

‫( ‪)4/377‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في البرهنة على إمكان البعث ووقوعه ل محالة فقال تعالى {وَآ َيةٌ َلهُمُ} أي علمة‬ ‫لهم أخرى على قدرة ال على البعث {اللّ ْيلُ َنسْلَخُ(‪ )1‬مِنْهُ ال ّنهَارَ} أي نفصل عنه النهار بمعنى‬ ‫نزيله عنه فإذا هم في الليل مظلمون أي داخلون في الظلم فهذه آية على قدرة ال على البعث‬ ‫شمْسُ َتجْرِي ِلمُسْ َتقَرّ(‪َ )2‬لهَا} أي تجري في فلكها منه تبتدئ سيرها وإليه ينتهي سيرها‬ ‫وقوله {وَال ّ‬ ‫وذلك مستقرها‪ ،‬ولها مستقر آخر وهو نهاية الحياة الدنيا‪ ،‬وإنها لتسجد كل يوم تحت(‪ )3‬العرش‬ ‫وتستأذن باستئناف دورانها فيؤذن لها كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم وكونها تحت العرش فل غرابة فيه فالكون كله تحت العرش وكونها تستأذن فيؤذن لها ل‬ ‫غرابة فيه إذا كانت النملة تدبر أمر حياتها بإذن ربها وتقول وتفكر وتعمل فالشمس أحرى بذلك‬ ‫وأنها تنطق بنطقها الخاص وتستأذن ويؤذن لها وقوله تعالى {ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ} أي الغالب على‬ ‫مراده العليم بكل خلقه‪ ،‬وتقدير سير الشمس في فلكها بالثانية وتقطع فيه مليين الميال أمر عجب‬ ‫ونظام سيرها طوال الحياة فل يختل بدقيقة ول يرتفع مستواها شبرا ول ينخفض شبرا يترتب‬ ‫على ذلك خراب العالم الرضي كل ذلك ل يقدر عليه إل ال‪ ،‬أليس المبدع هذا البداع في الخلق‬ ‫والتدبير قادر على إحياء من خلق وأمات؟ بلى‪ ،‬بلى إن ال على كل شيء قدير‪ .‬وقوله تعالى‬

‫{وَا ْل َقمَرَ َقدّرْنَاهُ(‪ )4‬مَنَا ِزلَ حَتّى عَادَ كَا ْلعُرْجُونِ ا ْلقَدِيمِ} هذه آية أخرى على إمكان البعث وحتميته‬ ‫والقمر كوكب منير يدور حول الرض ينتقل في منازله الثمانية والعشرين منزلة بدقة فائقة‬ ‫وحساب دقيق ليعرف بذلك سكان الرض عدد السنين والحساب إذ لوله لما عرف يوم ول أسبوع‬ ‫ول شهر ول سنة ول قرن‪ .‬فالقمر يبدأ هللً صغيرا ويأخذ في الظهور فيكبر بظهوره شيئا فشيئا‬ ‫حتى يصبح‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬السلخ الكشط والنزع كسلخ الشاة من جلدها فيبقى اللحم أبيض كذلك يسلخ تعالى النهار من‬ ‫الليل فيبقى الناس في ظلم حالك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جائز أن يكون في الكلم حذف أي وآية لهم الشمس تجري وجائز أن يكون الشمس مبتدأ‬ ‫وتجري الجملة خبر أي آية أخرى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬لمستقر لها جائز أن يكون اللم بمعنى إلى وجائز أن يكون اللم لم الصيرورة والمآل أي‬ ‫يصير أمرها فتؤول إلى مستقرها‪ ،‬والمستقر مكان الستقرار روى البخاري ومسلم أن النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم سأل أبا ذر حين غربت الشمس "أتدري أين تذهب" قال قلت ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‬ ‫فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فل يقبل منها وتستأذن‬ ‫فل يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع في مغربها فذلك قوله تعالى {والشمس تجري‬ ‫لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جائز أن يكون قدرنا له منازل أو قدرناه منازل وهي ثمانية وعشرون منزلً ينزل القمر كل‬ ‫ليلة بها بمنزل وهي‪ :‬السرطان‪ ،‬البطين‪ ،‬الثريا‪ ،‬الدبران‪ ،‬الهقعة‪ ،‬الهنعة‪ ،‬الذراع‪ ،‬النثرة‪ ،‬الطرف‪،‬‬ ‫الجبهة‪ ،‬الخراتان‪ ،‬الصرفة‪ ،‬العواء‪ ،‬السماك‪ ،‬الغفر‪ ،‬الزبانيان‪ ،‬الكليل‪ ،‬القلب‪ ،‬الشولة‪ ،‬النعائم‪،‬‬ ‫البلدة‪ ،‬سعد الذابح‪ ،‬سعد بلع‪ ،‬سعد السعود‪ ،‬سعد الخبية‪ ،‬الفرع المقدم‪ ،‬الفرع المؤخر‪ ،‬بطين‬ ‫الحوت‪ .‬فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها‪.‬‬

‫( ‪)4/378‬‬ ‫في نصف الشهر بدا ًر كاملً‪ ،‬ثم يأخذ في الفول والضمحلل بنظام عجب حتى يصبح في آخر‬ ‫الشهر كالعرجون القديم أي كعود العرجون الصفر دقيق مقوس كل ذلك لفائدة النسان الذي‬ ‫يعيش على سطح هذه الرض أليس هذا آية كبرى على قدرة ال العزيز العليم على إعادة الحياة‬ ‫شمْسُ(‪ )1‬يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَرَ} أي‬ ‫لحكمة الحساب والجزاء؟ بلى إنها لية كبرى فقوله {ل ال ّ‬ ‫ل يسهل على الشمس ول يصح منها أن تدرك القمر فيذهب نوره بل لكل سيره فل يلتقيان إل‬ ‫نادرا في جزء معين من الفق فيحصل خسوف القمر وكسوف الشمس‪ .‬وقوله {وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ‬ ‫ال ّنهَارِ} بل كل من الليل والنهار يسير في خط مرسوم ل يتعداه فلذا ل يسبق الليل النهار ول‬

‫النهار الليل فل يختلطان إل بدخول جزء من هذا في هذا وجزء من ذاك في ذا وهو معنى {يُولِجُ‬ ‫اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ} وقوله { َو ُكلّ فِي فََلكٍ يَسْ َبحُونَ (‪ })2‬أي كل واحد من‬ ‫الشمس والقمر والكواكب السيارة في فلك يسبحون فلذا ل يقع فيها خلط ول ارتطام(‪ )3‬بعضها‬ ‫ببعض إلى نهاية الحياة فيقع ذلك ويخرب الكون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إقامة الدلة القاطعة والبراهين الساطعة على إمكان البعث ووقوعه حتما‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذكر القرآن لمور الفلك التي لم يعرف عنها الناس اليوم إل جزء يسير آية عظمى على أنه‬ ‫وحي ال وأن من أوحي إليه هو رسول ال قطعا‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما ذكره القرآن عن الكون العلوي من الوضوح بحيث يعرفه الفلح والراعي كالعالم المتبحر‬ ‫والمي الذي ل يقرأ ول يكتب وذلك لتقوم الحجة على الناس إن هم لم يؤمنوا بال ولم يوحدوه في‬ ‫عبادته ويخلصوا له في طاعته وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫خَلقْنَا َل ُهمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَ ْركَبُونَ(‪ )42‬وَإِنْ نَشَأْ‬ ‫شحُونِ(‪ )41‬وَ َ‬ ‫حمَلْنَا ذُرّيّ َتهُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَ ْ‬ ‫وَآيَةٌ َل ُهمْ أَنّا َ‬ ‫ُنغْ ِر ْقهُمْ فَل صَرِيخَ َلهُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا لن سير القمر سريع وسير الشمس دونه فل تدركه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يقل تسبح لنه وصفها بوصف العقلء يسبحون‪ ،‬أي يجرون وجيء بضمير الجمع وهما‬ ‫اثنان الشمس والقمر ل غير لفادة تعميم هذا الحكم فيشمل الكواكب أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذا لما بين بينها من أبعاد ل يقادر قدرها ول يعرف مداها إل ال خالقها فلذا ل يدرك‬ ‫بعضها بعضا لشدة البعاد بين مداريها‪.‬‬

‫( ‪)4/379‬‬ ‫حمَةً مِنّا َومَتَاعا إِلَى حِينٍ(‪ )44‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ ا ّتقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ َومَا‬ ‫وَل ُهمْ يُ ْنقَذُونَ(‪ )43‬إِلّا رَ ْ‬ ‫حمُونَ(‪َ )45‬ومَا تَأْتِي ِهمْ مِنْ آ َيةٍ مِنْ آيَاتِ رَ ّبهِمْ إِلّا كَانُوا عَ ْنهَا ُمعْرِضِينَ(‪)46‬‬ ‫خَ ْل َفكُمْ َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وآية لهم ‪ :‬أي وعلمة لهم على قدرتنا على البعث‪.‬‬ ‫أنا حلمنا ذريتهم ‪ :‬أي ذريات قوم نوح الذين أهلكناهم بالطوفان‪ :‬نجينا ذريتهم لنهم مؤمنون‬ ‫موحدون وأغرقنا آباءهم لنهم مشركون‪.‬‬ ‫في الفلك المشحون‪ :‬أي في سفينة نوح المملوءة بالزواج من كل صنف‪.‬‬ ‫وخلقنا لهم من مثله ‪ :‬أي من مثل فلك نوح ما يركبون‪.‬‬

‫فل صريخ لهم ‪ :‬أي مغيث ينجيهم فيكف صراخهم‪.‬‬ ‫ومتاعا إلى حين ‪ :‬أي وتمتيعا لهم بالطعام والشراب إلى نهاية آجالهم‪.‬‬ ‫اتقوا ما بين أيديكم ‪ :‬أي من عذاب الدنيا أي باليمان والستقامة‪.‬‬ ‫وما خلفكم ‪ :‬من عذاب الخرة إذا أصررتم على الكفر والتكذيب‪.‬‬ ‫وما تأتيهم من آية ‪ :‬أي وما تأتيهم من آية أو من حجة من حجج القرآن وبينّة من بيناته الدالة‬ ‫على توحيد ال وصدق الرسول إل كانوا عنها معرضين غير ملتفتين إليها ول مبالين بها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في عرض اليات الكونية للدللة على البعث والتوحيد والنبوة فقال تعالى {وَآيَةٌ‬ ‫شحُونِ(‪ })1‬أي حملنا ذرية قوم نوح‬ ‫حمَلْنَا ذُرّيّ َتهُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَ ْ‬ ‫َلهُمْ} أي أخرى غير ما سبق {أَنّا َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ نافع ذرياتهم جمع ذرية وقرأ حفص بالفراد ذريتهم اسم جمع فهو بمعنى ذرياتهم‪ .‬لفظ‬ ‫الذرية وإن كان أساسا يطلق على الولد فإنه أطلق على الباء والجداد إذ الكل هم ذرية لدم‬ ‫عليه السلم والمشحون الموقر بما حمل فيه من سائر المخلوقات‪.‬‬

‫( ‪)4/380‬‬ ‫المؤمنين فأنجيناهم بإيمانهم وتوحيدهم وأغرقنا المشركين فهي آية واضحة عن رضا ال تعالى‬ ‫عن المؤمنين الموحدين وسخطه على الكافرين المشركين المكذبين إن في هذا النجاء للموحدين‬ ‫والغراق للمشركين آية وعبرة لو كان مشركو قريش في مكة يفقهون‪ .‬وقوله تعالى {وَخََلقْنَا َلهُمْ‬ ‫مِنْ مِثْلِهِ مَا يَ ْركَبُونَ} وهذه آية أخرى أيضا وهي أن ال أنجى الموحدين في فلك لم يسبق له مثيل‬ ‫ثم خلق لهم مثله ما يركبون إلى يوم القيامة ولو شاء عدم ذلك لما كان لهم فلك إلى يوم القيامة‬ ‫وآية أخرى {وَإِنْ َنشَأْ ُنغْ ِر ْقهُمْ فَل صَرِيخَ َلهُمْ} وهي قدرته تعالى على إغراق ركاب السفن‬ ‫حمَةً مِنّا(‪})2‬‬ ‫الكافرين وإن فعلنا لم يجدوا صارخا(‪ )1‬ول معينا يغيثهم وينجيهم من الغرق {إِلّا َر ْ‬ ‫ال إل رحمتنا فإنها تنالهم فتنديهم ليتمتعوا في حياتهم بما كانوا يتمتعون به إلى حين حضور‬ ‫حمُونَ(‪})3‬‬ ‫آجالهم المحدودة لهم‪ .‬وقوله تعالى {وَِإذَا قِيلَ َلهُمُ ا ّتقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِي ُك ْم َومَا خَ ْل َفكُمْ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬ ‫أي وإذا قيل لهؤلء المكذبين بآيات ال المعرضين عن دينه المشركين به اتقوا ما بين أيديكم من‬ ‫العذاب حيث موجبه قائم وهو كفركم وعنادكم‪ ،‬وما خلفكم من عذاب الخرة إذ مقتضيه موجود‬ ‫وهو الشرك والتكذيب رجاء أن ترحموا فل تعذبوا أعرضوا كأنهم لم يسمعوا‪ .‬وقوله { َومَا تَأْتِيهِمْ‬ ‫مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ} كلم ربهم القرآن الكريم تحمل الحجج والبراهين على صحة ما يدعون إليه من‬ ‫اليمان والتوحيد إل كانوا عنها معرضين تمام العراض كأن قلوبهم قُدت من حجر والعياذ بال‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل ال على البشرية في إنجاء ذرية قوم نوح الكافرين ومنهم كان البشر وإل لو أغرق‬ ‫ال الجميع المؤمنين الذرية والكافرين الباء لم يبق في الرض أحد‪.‬‬ ‫‪ -2‬حماية ال تعالى للعباد ورعايته لهم وإل لهلكوا أجمعين ولكن أين شكرهم؟‬ ‫‪ -3‬بيان إصرار كفار قريش وعنادهم المر الذي لم يسبق له مثيل‪.‬‬ ‫‪ -4‬الشارة بالمثلية في قوله {من مثله} إلى تنوع السفن من البوارج والغواصات والطربيدات‬ ‫الحربية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الصريخ هو الصارخ وهو المستغيث المستنجد تقول العرب جاءهم الصريخ أي المنكوب‬ ‫المستنجد لينقذوه وهو فعيل بمعنى فاعل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستثناء منقطع فهو بمعنى لكن لن الرحمة ليست من جنس المستثنى منه وهو الصريخ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة واقعة موقع التذيل وتحمل معنى التأكيد لما سبق من معنى وهو أنهم إذا دُعوا إلى‬ ‫التوحيد واليمان بالبعث والجزاء أعرضوا ولم يستجيبوا‪.‬‬

‫( ‪)4/381‬‬ ‫ط َعمَهُ إِنْ‬ ‫طعِمُ مَنْ َلوْ يَشَاءُ اللّهُ أَ ْ‬ ‫وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ أَ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا أَ ُن ْ‬ ‫حةً‬ ‫أَنْتُمْ ِإلّا فِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪ )47‬وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪ )48‬مَا يَ ْنظُرُونَ إِلّا صَيْ َ‬ ‫جعُونَ(‪ )50‬وَنُفِخَ فِي‬ ‫صمُونَ(‪ )49‬فَل َيسْتَطِيعُونَ َت ْوصِيَ ًة وَل إِلَى أَهِْل ِهمْ يَرْ ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫وَاحِ َدةً تَ ْأخُ ُذهُ ْم وَ ُهمْ يَ ِ‬ ‫الصّورِ فَِإذَا ُهمْ مِنَ الَْأجْدَاثِ إِلَى رَ ّبهِمْ يَ ْنسِلُونَ(‪ )51‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ َبعَثَنَا مِنْ مَ ْرقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ‬ ‫حضَرُونَ(‪)53‬‬ ‫جمِيعٌ لَدَيْنَا ُم ْ‬ ‫ح ًة وَاحِ َدةً فَإِذَا ُهمْ َ‬ ‫ن َوصَ َدقَ ا ْلمُرْسَلُونَ(‪ )52‬إِنْ كَا َنتْ إِلّا صَيْ َ‬ ‫حمَ ُ‬ ‫الرّ ْ‬ ‫فَالْ َيوْمَ ل تُظَْلمُ َنفْسٌ شَيْئا وَل تُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ(‪)54‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذا قيل لهم أنفقوا ‪ :‬أي وإذا قال فقراء المؤمنين في مكة للغنياء الكافرين أنفقوا علينا‪.‬‬ ‫مما رزقكم ال ‪ :‬أي من المال‪.‬‬ ‫أنطعم من لو يشاء ال أطعمه ‪ :‬أي قالوا للمؤمنين استهزاءً بهم أنطعم من لو يشاء ال أطعمه‪.‬‬ ‫إن أنتم إل في ضلل مبين ‪ :‬أي ما أنتم أيها الفقراء إل في ضلل مبين في اعتقادكم الذي أنتم‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫متى هذا الوعد ‪ :‬أي البعث الخر إن كنتم صادقين فيه‪.‬‬

‫ما ينظرون إل صيحة واحدة‪ :‬أي ما ينتظرون إل صيحة واحدة وهي نفخة إسرافيل‪.‬‬ ‫تأخذهم وهم يخصمون‪ :‬أي تأخذهم الصيحة وهم يتخاصمون في البيع والشراء والكل‬

‫( ‪)4/382‬‬ ‫والشرب إذ تأتيهم بغتة وهم ل يشعرون‪.‬‬ ‫فل يستطيعون توصية ‪ :‬أي فل يقدر أحدهم أن يوصي وصيّة‪.‬‬ ‫ول إلى أهلهم يرجعون ‪ :‬بل يهلكون في أماكنهم من السواق والمزارع والمصانع أو المقاهي‬ ‫والملهي‪.‬‬ ‫فإذا هم من الجداث ‪ :‬أي القبور إلى ربهم ينسلون أي يخرجون بسرعة‪.‬‬ ‫قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ‪ :‬أي قال الكفار‪ :‬من بعثنا من قبورنا؟‬ ‫هذا ما وعد الرحمن ‪ :‬أي هذا ما وعد به الرحمن وصدق المرسلون أي فيما أخبروا به‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ(‪ })1‬أي وإذا قيل لولئك المشركين المكذبين الملحدة والقائل هم‬ ‫المؤمنون فقد روي أن أبا بكر الصديق كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال يا أبا بكر‬ ‫أتزعم أن ال قادر على إطعام هؤلء؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فما باله ل يطعمهم؟ قال ابتلى قوما بالفقر‬ ‫وقوما بالغنى وأمر الفقراء بالصبر‪ ،‬وأمر الغنياء بالعطاء‪ ،‬فقال أبو جهل‪ ،‬وال يا أبا بكر إن‬ ‫أنت إل في ضلل مبين‪ .‬أتزعم أن ال قادر على إطعام هؤلء‪ ،‬وهو ل يطعمهم ثم تطعمهم أنت‬ ‫فنزلت هذه الية وبهذه الرواية اتضح معنى الية الكريمة {وإذا قيل لهم} أي للكفار {أَ ْنفِقُوا ِممّا‬ ‫طعِمُ مَنْ َلوْ‬ ‫رَ َز َقكُمُ اللّهُ} على المساكين {قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا} المرين لهم بالنفاق {أَ ُن ْ‬ ‫ط َعمَهُ} قالوا هذا استهزا ًء وكفرا {إِنْ أَنْ ُتمْ} أي ما أنتم أيها المسلمون {إِلّا فِي ضَللٍ‬ ‫يَشَاءُ اللّهُ َأ ْ‬ ‫مُبِينٍ} أي إل في ذهاب عن الحق وجور عن الرشد مبين لمن تأمله وتدبّر فيه‪.‬‬ ‫وقوله {وَ َيقُولُونَ مَتَى(‪ )2‬هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} أي ويقول أولئك الملحدة المكذبون بالبعث‬ ‫استهزاء واستعجالً‪ :‬متى هذا الوعد الذي تعدوننا به أيها المسلمون إن كنتم صادقين في دعواكم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬اختلف في من هذه قولته؟ وما في التفسير وأنها قولة أبي جهل لبي بكر أرجحها وأقربها‬ ‫إلى واقع الحال وألصق بالسياق ول مانع أن يقولها الزنادقة والملحدة والمستهزئون في كل زمان‬ ‫ومكان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام للستبعاد وهو مشوب بالسخرية والستخفاف لنه ناجم عن قلوب مظلمة من جراء‬ ‫الكفر واللحاد قال الشاعر‪:‬‬ ‫متى يأت هذا الموت ل يلف حاجة‬

‫لنفس إل قد قضيت قضاءها‪.‬‬ ‫والشاهد في الستخفاف‪.‬‬

‫( ‪)4/383‬‬ ‫ح َدةً} وهي نفخة إسرافيل في الصور وهي نفخة الفناء‬ ‫ح ًة وَا ِ‬ ‫قال تعالى {مَا يَنْظُرُونَ إِلّا صَيْ َ‬ ‫صمُونَ(‪ })1‬أي يختصمون في أسواقهم يبيعون ويشترون‪ ،‬وفي مجالسهم العامة‬ ‫خ ّ‬ ‫{ تَ ْأخُذُ ُه ْم وَهُمْ يَ ِ‬ ‫والخاصة إذ تأتيهم بغتة وهم ل يشعرون قال تعالى {فَل يَسْ َتطِيعُونَ َت ْوصِيَةً} يوصي بها أحدهم‬ ‫لبنه أو أخيه‪ ،‬ول إلى أهلهم أي منازلهم وأزواجهم وأولدهم يرجعون بل يصعقون في أماكنهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَ ُنفِخَ فِي الصّورِ} أي صور إسرفيل وهو قرن ويقال له البوق أيضا نفخة البعث من‬ ‫القبور أحياء فإذا هم من الجداث جمع جدث وهو القبر ينسلون(‪ )2‬أي ماشين مسرعين إلى ربهم‬ ‫لفصل القضاء والحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في هذه الحياة الدنيا من إيمان وكفر وإحسان وإساءة‬ ‫وعدل وظلم‪ .‬قالوا يا ويلنا أي نادوا ويلهم وهلكهم لما شاهدوا من أهوال الموقف {مَنْ َبعَثَنَا مِنْ‬ ‫سلُونَ} إذ وعدنا ال بلقائه‬ ‫حمَنُ َوصَدَقَ ا ْلمُرْ َ‬ ‫مَ ْرقَدِنَا(‪ })3‬وأجابهم المؤمنون بقولهم {هَذَا مَا وَعَدَ الرّ ْ‬ ‫جمِيعٌ َلدَيْنَا‬ ‫وأخبرنا الرسل به وبتفاصيله وقوله تعالى {إِنْ كَا َنتْ إِلّا صَيْحَ ًة وَاحِ َدةً فَإِذَا هُمْ َ‬ ‫حضَرُونَ} أي ما هي إل صحية واحدة لسرافيل فإذا الكل واقف بين يدي ال تعالى ليحاسب‬ ‫مُ ْ‬ ‫ويجزي قال تعالى {فَالْ َيوْمَ ل تُظَْلمُ َنفْسٌ شَيْئا} أي في هذا اليوم الذي وقفت الخليقة فيه بين يدي‬ ‫ربها ل تظلم نفس شيئا ل بنقص حسنة من حسناتها ول بزيادة سيئة على سيئاتها‪ .‬ول تجزون‬ ‫أيها العباد إل ما كنتم تعملون من خير وشر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان علو الكافرين وطغيانهم وسخريتهم واستهزائهم‪ ،‬وذلك لظلمة الكفر على قلوبهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مبادئها ونهاياتها‪.‬‬ ‫‪ -3‬الساعة ل تأتي إل بغتة‪.‬‬ ‫‪ -4‬النقلب الكوني الذي يحدث لعظمه اختلفت آراء أهل العلم في تحديد النفخات فيه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يخصمون بمعنى يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في أماكنهم وقد أدغمت التاء في‬ ‫الصاد فنتج عن ذلك قراءات أشهرها قراءة نافع يخصّمون بفتح الخاء وكسر الصاد مشددة وقرأ‬ ‫حفص يخصّمون بكسر الخاء والصاد المشددة وقرأ قالون يخصمون بسكون الخاء مع الختلس‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال ابن عباس وقتادة ينسلون يخرجون ومنه قول امرؤ القيس "فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي"‬ ‫ومنه قيل للولد نسل لنه يخرج من بطن أمه وقيل يسرعون‪ ،‬والنسلن والقسلن السراع في‬

‫السير ومنه مشية الذئب قال‪:‬‬ ‫عسلن الذئب أمسى قاربا‬ ‫برد الليل عليه فنسل‬ ‫‪ - 3‬جائز أن يكون هذا ما وعد الرحمن الخ من كلمهم لما يجدون أنفسهم واقفين أحياء قد‬ ‫خرجوا من قبورهم صرّحوا بالحقيقة التي كانوا يكذبون بها فاعترفوا قائلين‪ :‬هذا ما وعد الرحمن‬ ‫وصدق المرسلون‪ ،‬وجائز أن يقال لهم كما في التفسير‪ ،‬فإن قلنا بالقول الول ل يصح الوقف على‬ ‫من مرقدنا‪ ،‬وإن قلنا بالقول المثبت في التفسير صح الوقف ويصبح هذا ما وعد الرحمن كلما‬ ‫مستأنفا‪.‬‬

‫( ‪)4/384‬‬ ‫والظاهر أنها أربع الولى نفخة الفناء والثانية نفخة البعث والثالثة نفخة الفزع(‪ )1‬والصعق‬ ‫والرابعة نفخة القيام بين يدي رب العالمين‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير العدل اللهي يوم الحساب والجزاء ليطمئن كل عامل على أنه يجزى بعمله ل غير‪.‬‬ ‫جهُمْ فِي ظِللٍ عَلَى الْأَرَا ِئكِ مُ ّتكِئُونَ(‪)56‬‬ ‫ش ُغلٍ فَا ِكهُونَ(‪ )55‬هُمْ وَأَ ْزوَا ُ‬ ‫إِنّ َأصْحَابَ ا ْلجَنّةِ الْ َي ْومَ فِي ُ‬ ‫َلهُمْ فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وََلهُمْ مَا َيدّعُونَ (‪ )57‬سَلمٌ َقوْلً مِنْ َربّ رَحِيمٍ(‪)58‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫في شغل فاكهون ‪ :‬أي أهل الجنة في شغل عما فيه أهل النار من عذاب وشقاء‪ .‬وشغلهم الشاغل‬ ‫لهم هو النعيم المقيم في دار السلم‪.‬‬ ‫فاكهون‪ :‬أي ناعمون بالتلذذ بالنعم وذلك لطيب العيش‪.‬‬ ‫على الرائك ‪ :‬أي السِرة ذات الحجلة‪.‬‬ ‫ولهم ما يدعون ‪ :‬أي ما يتمنون ويطلبون‪.‬‬ ‫سلم قولً من رب رحيم‪ :‬أي سلم بالقول من رب رحيم أي يسلم عليهم ربهم سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما إن حضروا بين يدي ال سبحانه وتعالى للحساب والجزاء حتى أعلن عما يلي‪ :‬إن أصحاب‬ ‫الجنة اليوم(‪ )2‬في شغل فاكهون(‪ )3‬أي ناعمون بالتلذذ بألوان المطاعم والمشارب والحور العين‬ ‫إنهم وأزواجهم في ظلل الجنة على الرائك(‪ )4‬أي السرة ذات الحجلة متكئون‪ .‬لهم فيها أي في‬ ‫دار السلم فاكهة‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه النفخة مختلف فيها ودليلها حديث البخاري إذ فيه يقول الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫"فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ول أدري أرفع رأسه قبل أو كان‬

‫ممن استثنى ال تعالى"‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد‪ :‬شغلهم افتضاض العذارى وقيل شغلهم زيارة‬ ‫بعضهم بعضا‪ ،‬والشغل بضم الشين وسكون الغين ويجوز ضم الغين مع الشين‪.‬‬ ‫‪ -3‬فاكهون باللف وفكهون بدونه كفرحين لغتان وفسر بفرحين ومعجبين وبمسرورين والكل‬ ‫صحيح إذ هو من جملة النعيم الذي هم فيه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الرائك جمع أريكة كسفينة وسفائن قال الشاعر‪:‬‬ ‫كأن احمرار الورد فوق غصونه‬ ‫بوقت الضحى في روضه المتضاحك‬ ‫خدود عذارى قد خجلن من الحياء‬ ‫تهادين بالريحان فوق الرائك‬

‫( ‪)4/385‬‬ ‫من كل زوج ولون ونوع ولهم ما يدعون أي ما يتمنون ويطلبون‪ ،‬وأعظم من ذاك سلم الربّ‬ ‫تعالى عليهم(‪ )1‬سلم قولً من رب رحيم أي سلم من ال بالقول ل بغيره من أنواع السلمة‬ ‫والسلم‪ .‬فقد روى البغوي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ‬ ‫يسطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم السلم عليكم يا‬ ‫أهل الجنة‪ .‬فذلك قوله تعالى {سلم قول من رب رحيم } فينظرون إليه فل يلتفتون إلى شيء من‬ ‫النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير المعاد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان نعيم الجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬سلم ال تعالى على أهل الجنة ونظرهم إلى وجهه الكريم‪.‬‬ ‫ع ُدوّ‬ ‫عهَدْ إِلَ ْيكُمْ يَا بَنِي آ َدمَ أَنْ ل َتعْبُدُوا الشّيْطَانَ إِنّهُ َلكُمْ َ‬ ‫وَامْتَازُوا الْ َيوْمَ أَ ّيهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ(‪ )59‬أَلَمْ أَ ْ‬ ‫ضلّ مِ ْنكُمْ جِبِلّا كَثِيرا َأفََلمْ َتكُونُوا َت ْعقِلُونَ(‬ ‫مُبِينٌ(‪ )60‬وَأَنِ اعْ ُبدُونِي َهذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ(‪ )61‬وََلقَدْ َأ َ‬ ‫جهَنّمُ الّتِي كُنْ ُتمْ تُوعَدُونَ(‪ )63‬اصَْلوْهَا الْ َي ْومَ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْكفُرُونَ(‪ )64‬الْ َي ْومَ نَخْ ِتمُ عَلَى‬ ‫‪ )62‬هَ ِذهِ َ‬ ‫طمَسْنَا عَلَى أَعْيُ ِنهِمْ‬ ‫شهَدُ أَ ْرجُُلهُمْ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ(‪ )65‬وََلوْ َنشَاءُ َل َ‬ ‫َأ ْفوَا ِههِ ْم وَ ُتكَّلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَ ْ‬ ‫فَاسْتَ َبقُوا الصّرَاطَ فَأَنّى يُ ْبصِرُونَ(‪ )66‬وََلوْ نَشَاءُ َلمَسَخْنَاهُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬استئناف قطع من أن يعطف على ما قبله للهتمام بمضمونه وسلم مرفوع بالبتداء وهو‬

‫نكرة وتنكيره للتعظيم ولذا صح البتداء به وحذف الخبر لدللة المصدر وهو قولً عليه‪ ،‬والتقدير‬ ‫سلم يقال لهم قولً من ال تعالى‪ ،‬ومن ابتدائية‪ ،‬وتنوين رب للتعظيم‪.‬‬

‫( ‪)4/386‬‬ ‫جعُونَ(‪َ )67‬ومَنْ ُن َعمّ ْرهُ نُ َنكّسْهُ فِي ا ْلخَلْقِ َأفَل َيعْقِلُونَ(‬ ‫عَلَى َمكَانَ ِتهِمْ َفمَا اسْتَطَاعُوا ُمضِيّا وَل يَرْ ِ‬ ‫‪)68‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وامتازوا اليوم أيها المجرمون ‪ :‬أي انفردوا عن المؤمنين وانحازوا على جهة وسيروا أيها‬ ‫الصالحون إلى الجنة‪.‬‬ ‫ألم أعهد إليكم ‪ :‬أي ألم أوصكم بترك عبادة الشيطان وهي طاعته‪.‬‬ ‫وأن اعبدوني ‪ :‬أي وبأن تعبدوني وحدي وذلك في كتبي وعلى ألسنة رسلي‪.‬‬ ‫هذا صراط مستقيم ‪ :‬أي بترك عبادة الشيطان والقيام بطاعة الرحمن‪ .‬هو السلم الموصل إلى‬ ‫دار السلم‪.‬‬ ‫ولقد أضل منكم جبل كثيرا ‪ :‬أي ولقد أضل الشيطان منكم يا بني آدم خلقا كثيرا‪.‬‬ ‫أفلم تكونوا تعقلون ‪ :‬أي أطعتموه فلم تكونوا تعقلون عداوته لكم‪.‬‬ ‫هذه جهنم التي كنتم توعدون ‪ :‬أي تقول الملئكة هذه جهنم ‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫اليوم نختم على أفواههم (‪ : )1‬أي عندما يقولون‪ :‬وال ربنا ما كنا مشركين‪.‬‬ ‫ولو نشاء لطمسنا على أعينهم‪ :‬أي ولو أردنا طمس أعين هؤلء المشركين المجرمين لفعلنا‪ ،‬ولكنا‬ ‫لم نشأ ذلك رحمة منا‪.‬‬ ‫فاستبقوا الصراط ‪ :‬أي فابتدروا الطريق كعادتهم فكيف يبصرون‪.‬‬ ‫ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ‪ :‬أي بدلنا خلقهم حجارة أو قردة أو خنازير في أمكنتهم التي هم‬ ‫فيها فل يستطيعون مضيا ول يرجعون‪.‬‬ ‫ومن نعمره ننكسه في الخلق ‪ :‬أي ومن نطل عمره ننكسه في الخلق فيكون بعد قوته ضعيفا‬ ‫عاجزا‪.‬‬ ‫أفل يعقلون ‪ :‬أي أن القادر على ما ذكرنا لكم قادر على بعثكم بعد موتكم‪ .‬فتؤمنون وتوحدون‬ ‫فتنجون من العذاب وتسعدون‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى مسلم عن أنس بن مالك قال‪" :‬كنا عند النبي صلى ال عليه وسلم فضحك حتى بدت‬ ‫نواجذه ثم قال صلى ال عليه وسلم أتدرون مما أضحك؟ قلنا ال ورسوله أعلم قال صلى ال عليه‬ ‫وسلم من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول بلى فيقول ل أجير‬

‫عليّ إل شاهدا من نفسي فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا والكرام الكاتبين شهودا فيختم على‬ ‫فيه ويقال لركانه انطقي بعمله ثم يخلي بينه وبين الكلم فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت‬ ‫أناضل‪.‬‬

‫( ‪)4/387‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَامْتَازُوا(‪ )1‬الْ َيوْمَ أَ ّيهَا ا ْل ُمجْ ِرمُونَ} أي يأمر تعالى المجرمين وهم الذين أجرموا على‬ ‫أنفسهم بالشرك وارتكاب المعاصي فأسدوها يأمرهم بأن يتميّزوا عن المؤمنين فينفردوا وحدهم‬ ‫عهَدْ إِلَ ْيكُمْ}( ‪)2‬‬ ‫ويسار بأهل الجنة إلى الجنة‪ ،‬ثم يوبخ تعالى المجرمين أهل النار بقوله {َألَمْ أَ ْ‬ ‫موصيا إياكم على ألسنة رسلي وفي كتبي بأن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين‪ ،‬وبأن تعبدوني‬ ‫وحدي‪ ،‬ول تعبدوا الشيطان معي فتشركوه في عبادتي هذا صراط مستقيم أي ترك عبادة الشيطان‬ ‫والقيام بعبادة الرحمن هذا هو السلم الصراط المستقيم الذي ل ينتهي بالسالكين إل إلى باب دار‬ ‫ضلّ مِ ْنكُمْ جِبِلّا} أي خلقا كثيرا هذا من كلم ال الموبخ به للمجرمين‪ .‬وقوله‬ ‫السلم‪ .‬وقوله {وََلقَدْ َأ َ‬ ‫{َأفََلمْ َتكُونُوا َت ْعقِلُونَ(‪ })3‬وهذا تقريع وتوبيخ أيضا أي أطعتموه وهو عدوكم وعصيتموني وأنا‬ ‫ربكم فلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم‪ ،‬وواجب عبادتي عليكم لني خلقتكم ورزقتكم وكلتكم‬ ‫الليل والنهار إذا فهذه جهنم(‪ )4‬التي كنتم بها تكذبون اصلوها أي احترقوا بها بما كنتم تكفرون‬ ‫شهَدُ‬ ‫بال وآياته ولقائه وتكذبون رسله‪ .‬وقوله تعالى {الْ َيوْمَ نَخْ ِتمُ عَلَى َأ ْفوَا ِههِ ْم وَ ُتكَّلمُنَا أَيْدِي ِه ْم وَتَ ْ‬ ‫أَرْجُُل ُهمْ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ} هذا يحدث لما يعرضون على ربهم فيعرض عليهم أعمالهم فينكرون‬ ‫فعندئذ يختم ال على أفواههم فل يستطيعون الكلم وتنطق باقي جوارحهم وتشهد أرجلهم بما كانوا‬ ‫طمَسْنَا عَلَى أَعْيُ ِنهِمْ} فأعميناهم {فَاسْتَ َبقُوا الصّرَاطَ} أي ابتدروا‬ ‫يكسبون قوله تعالى {وََلوْ نَشَاءُ َل َ‬ ‫الطريق كعادتهم فأنى يبصرون الطريق وقد طمس على أعينهم فل مقلة فيها ول حاجب‪ ،‬ولكن‬ ‫علَى َمكَانَ ِتهِمْ(‪ })5‬أي ولو‬ ‫سخْنَاهُمْ َ‬ ‫ال لم يشأ ذلك لرحمته وحلمه على عباده‪ ،‬وقوله {وََلوْ نَشَاءُ َلمَ َ‬ ‫نشاء مسخ هؤلء المجرمين من المشركين لمسخناهم في أماكنهم من منازلهم فل يستطيعون مضيا‬ ‫في الطريق ول رجوع إلى خلف أي ل ذهابا ول إيابا‪ ،‬وقوله تعالى { َومَنْ ُن َعمّ ْرهُ نُ َنكّسْهُ(‪ )6‬فِي‬ ‫الْخَ ْلقِ َأفَل َي ْعقِلُونَ} فنرده رأسا على عقب‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يقال مازه فانماز وامتاز‪ ،‬وميره فتميّز وامتاز أمر من امتاز ويمتاز إذا انفرد عما كان‬ ‫مختلطا به‪ ،‬والمراد بذلك سوقهم إلى النار بعد أن دخل المؤمنون الجنة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام للتقرير والتوبيخ على إهمالهم وصيته تعالى إليهم بأن ل يعبدوا الشيطان‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قوله تعالى أفلم تكونوا تعقلون الستفهام للتقريع والتأنيب‪.‬‬

‫‪ - 4‬قوله تعالى {هذه جهنم التي كنتم توعدون} أي على ألسنة رسلي فكذبتم بها وواصلتم شرككم‬ ‫وكفركم‪{ .‬اصلوها اليوم} أي احترقوا بها {بما كنتم تكفرون} أي بسبب كفركم الذي دسّى نفوسكم‬ ‫وخبثها فحرمتم بذلك دار السلم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬المكانة تأنيث المكان على تأويله بالبقعة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬قرأ الجمهور ننكسه بفتح النون الولى وسكون الثانية مضارع نكس رأسه وقرأها عاصم‬ ‫نُنكسه بضم النون الولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة‪.‬‬

‫( ‪)4/388‬‬ ‫ب واكتهل فكذلك ننكسه في خلقه‬ ‫فكما كان طفلً ينموا شيئا فشيئا في قواه العقلية والبدنية حتى ش ّ‬ ‫فيأخذ يضعف(‪ )1‬في قواه العقلية والبدنية يوما فيوما حتى يصبح أضعف عقلً وبدنا منه وهو‬ ‫طفل‪ .‬وقوله أفل تعقلون أيها المكذبون المجرمون أن القادر على هذا وغيره وعلى كل شيء‬ ‫يريده قادر على أن يحييكم بعد موتكم ويبعثكم من قبوركم ويحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير المعاد وبيان مواقف منه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تأكيد عداوة الشيطان للنسان‪.‬‬ ‫‪ -3‬عجز النسان يوم القيامة عن كتمان شيء من سيء أعماله وفاسدها‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من عقوبة ال في الدنيا بالمسخ ونحوه‪.‬‬ ‫‪ -5‬مظاهر قدرة ال تعالى في رد النسان بعد القوة إلى حالة الضعف الولى‪.‬‬ ‫حقّ ا ْل َقوْلُ‬ ‫شعْ َر َومَا يَنْ َبغِي َلهُ إِنْ ُهوَ إِلّا ِذكْ ٌر َوقُرْآنٌ مُبِينٌ(‪ )69‬لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا وَيَ ِ‬ ‫َومَا عَّلمْنَاهُ ال ّ‬ ‫عمَِلتْ أَ ْيدِينَا أَ ْنعَاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ(‪ )71‬وَذَلّلْنَاهَا‬ ‫عَلَى ا ْلكَافِرِينَ(‪َ )70‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّا خََلقْنَا َلهُمْ ِممّا َ‬ ‫شكُرُونَ(‪ )73‬وَاتّخَذُوا مِنْ‬ ‫َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ(‪ )72‬وََلهُمْ فِيهَا مَنَافِ ُع َومَشَا ِربُ َأفَل يَ ْ‬ ‫حضَرُونَ(‪ )75‬فَل‬ ‫دُونِ اللّهِ آِلهَةً َلعَّلهُمْ يُ ْنصَرُونَ(‪ )74‬ل يَسْ َتطِيعُونَ َنصْرَهُ ْم وَهُمْ َلهُمْ جُنْدٌ ُم ْ‬ ‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ(‪)76‬‬ ‫يَحْزُ ْنكَ َقوُْلهُمْ إِنّا َنعْلَمُ مَا يُسِرّو َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال سفيان إذا بلغ المرء ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته قال الشاعر‪:‬‬ ‫من عاش أخلقت اليام جدته‬ ‫وخانه ثقتاه السمع والبصر‪.‬‬

‫( ‪)4/389‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما علمناه الشعر ‪ :‬أي وما علمنا رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم الشعر فما هو بشاعر‪.‬‬ ‫وما ينبغي له ‪ :‬أي وما يصلح له ول يصح منه‪.‬‬ ‫إن هو إل ذكر وقرآن مبين ‪ :‬أي ليس كما يقول المشركون من أن القرآن شعر ما هو أي القرآن‬ ‫الذي يقرأه محمد صلى ال عليه وسلم إل ذكر أي عظة وقرآن مبين ل يشك من يسمعه أنه ليس‬ ‫بشعر لما يظهر من الحقائق العلمية‪.‬‬ ‫لينذر من كان حيا ‪ :‬أي يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون‪.‬‬ ‫ويحق القول على الكافرين‪ :‬أي ويحق القول بالعذاب على الكافرين لنهم ميتون ل يقبلون النذارة‪.‬‬ ‫أنعاما فهم له مالكون ‪ :‬النعام هي البل والبقر والغنم‪.‬‬ ‫وذللناها لهم ‪ :‬أي سخرناها لهم وجعلناهم قاهرين لها يتصرفون فيها‪.‬‬ ‫فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ‪ :‬أي من بعضها يركبون وهي البل ومنها يأكلون أي ومن جميعها‬ ‫يأكلون‪.‬‬ ‫ولهم فيها منافع ومشارب ‪ :‬المنافع كالصوف والوبر والشعر‪ ،‬والمشارب اللبان‪.‬‬ ‫أفل يشكرون ‪ :‬أي يوبخهم على عدم شكرهم ال تعالى على هذه النعم باليمان والطاعة‪.‬‬ ‫واتخذوا من دون ال آلهة ‪ :‬أي أصناما يعبدونها زعما منهم أنها تنصرهم بشفاعتها لهم عند ال‪.‬‬ ‫ل يستطيعون نصرهم ‪ :‬أي ل تقدر تلك الصنام على نصرهم بدفع العذاب عنهم‪.‬‬ ‫وهم لهم جند محضرون ‪ :‬أي ل يقدرون على نصرتهم والحال أنهم أي المشركين جندٌ محضرون‬ ‫لتلك اللهة ينصرونها من أن يمسها أحد بسوء فبدل أن تنصرهم هم ينصرونها كجند معبئون‬ ‫لنصرتها‪.‬‬ ‫فل يحزنك قولهم ‪ :‬أي إنك لست مرسلً إنك شاعرٌ وكاهن ومفترٍ‪.‬‬ ‫إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون‪ :‬أي إنهم ما يقولون ذلك إل حسدا وهم يعلمون أنك رسول ال وما‬ ‫جئت به هو الحق وسوف نجزيهم بتكذيبهم لك وكفرهم بنا وبلقائنا وديننا الحق‪.‬‬

‫( ‪)4/390‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شعْرَ(‪ })1‬رد على المشركين الذين قالوا في القرآن شعر وفي الرسول‬ ‫قوله تعالى { َومَا عَّلمْنَاهُ ال ّ‬ ‫شعْرَ (‪َ )2‬ومَا يَنْ َبغِي لَهُ}‬ ‫ال شاعر فقال تعالى {وما علمناه} أي نبينا محمد صلى ال عليه وسلم {ال ّ‬ ‫أي ل يصح منه ول يصلح له‪{ .‬إِنْ ُهوَ إِلّا ِذكْرٌ} أي ما هو الذي يتلوه إل ذكر يذكر به ال وعظة‬ ‫يتعظ به المؤمنون { َوقُرْآنٌ مُبِينٌ} مبين للحق مظهر لمعالم الهدى أنزلناه على عبدنا ورسولنا لينذر‬

‫به من كان حيا أي القلب والضمير ليمانه وتقواه ل ويحق أي به القول وهو العذاب على‬ ‫الكافرين لنهم ل يهتدون به فيعيشون على الضلل ويموتون عليه فيجب لهم العذاب في الدار‬ ‫الخرة‪ .‬وقوله {َأوَلَمْ يَ َروْا} أي أعمي أولئك المشركون ولم يروا مظاهر قدرتنا وإحساننا الموجبة‬ ‫عمَِلتْ(‪ )3‬أَ ْيدِينَا أَ ْنعَاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ} يتصرفون فيها تصرف‬ ‫لعبادتنا وهي {أَنّا خََلقْنَا َلهُمْ ِممّا َ‬ ‫المالك في ملكه‪ ،‬والمراد بالنعام الماشية من إبل وبقر وغنم وقوله { وَذَلّلْنَاهَا َل ُهمْ} أي سخرناها‬ ‫لهم بحيث يركبون ويحلبون ويحملون وينحرون ويذبحون ويأكلون‪ ،‬ولول هذا التسخير لما قدروا‬ ‫عليها أبدا‪ .‬وقوله {وََل ُهمْ فِيهَا مَنَافِ ُع َومَشَا ِربُ} المنافع كالصوف والوبر والشعر والمشارب جمع‬ ‫شكُرُونَ} يوبخهم على أكل‬ ‫مشرب وهي اللبان في ضروعها يحلبون منها ويشربون‪ .‬وقوله {َأفَل يَ ْ‬ ‫خذُوا مِنْ‬ ‫النعم وعدم الشكر عليها‪ ،‬وشكر ال عليها هو اليمان به وتوحيده في عبادته‪ .‬وقوله {وَاتّ َ‬ ‫دُونِ اللّهِ آِلهَةً} أي اتخذ أولئك المشركون آلهة هي أصنامهم التي يعبدونها لعلهم ينصرون أي‬ ‫رجاء نصرتها لهم وذلك بشفاعتها لهم عند ال تعالى كما يزعمون‪ .‬قال تعالى في إبطال هذا‬ ‫الرجاء وقطعه عليهم {ل يَسْ َتطِيعُونَ َنصْرَ ُهمْ} لنهم أصنام ل تسمع ول تبصر ول تنفع ول تضر‬ ‫حضَرُونَ} أي والحال أن المشركين هم جند تلك الصنام محضرون عندها‬ ‫وقوله {وَهُمْ َلهُمْ جُ ْندٌ مُ ْ‬ ‫يدافعون عنها ويحمونها ويغضبون لها فكيف ينصرك من هو مفتقر إلى نصرتك‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{فَل َيحْزُ ْنكَ َقوُْلهُمْ(‪ })4‬أي ل تحزن لما يقول قومك من أنك لست مرسلً‪ ،‬وأنك شاعر‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬إنه صلى ال عليه وسلم مع أصالته في الدب الرفيع وكيف وهو قرشي مضري ل يحسن‬ ‫إنشاد بيت من الشعر حتى إنه أنشد يوما بيت طرفة فقال‪:‬‬ ‫ستبدي لك اليام ما كنت جاهلً‬ ‫ويأتيك من لم تزوده بالخبار‪.‬‬ ‫فقال أبو بكر وال إنك لرسول ال إذ عجز البيت هكذا‪ :‬ويأتيك بالخبار من لم تزود‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وما علمناه الشعر أي وما أوحينا إليه شعرا وما علمناه إياه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬مما عملت (ما) موصولة بمعنى الذي وحذف العائد وهو الضمير لطول السم أي عملته‪.‬‬ ‫وإن قلنا "ما" مصدرية فل حاجة إلى مراعاة العائد ول تقديره‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرئ يحزنك بضم الياء من أحزنه يحزنه وقرئ يحزنك بفتح الياء وضم الزاي‪ ،‬والنهي عن‬ ‫الحزن نهي عن أسبابه الموجبة له‪ ،‬إذ الحزن ل يملك النسان دفعه ولكن يستطيع تجنب مثيراته‬ ‫والمراد من هذا النهي تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم عما يواجهه به المشركون من أنه‬ ‫ساحر أو شاعر وما إلى ذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/391‬‬

‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ(‪ })1‬وسنجزيهم عن‬ ‫وساحر وكاهن إلى غير ذلك من أقاويلهم‪{ ،‬إِنّا َنعْلَمُ مَا يُسِرّو َ‬ ‫قولهم الباطل ونأخذهم بكذبهم وافترائهم عليك كما نحن نعلم أنهم ما قالوا الذي قالوا إل حسدا لك‪،‬‬ ‫وإل فهم يعلمون أنك رسول ال وما أنت بالساحر ول الشاعر ول المجنون‪ ،‬ولكن حملهم على ما‬ ‫يقولون الحسد والعناد والكبر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن ذكر وليس شعر كما يقول المبطلون‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحكمة من نزول القرآن هي أن ينذر به الرسول الحياء من أهل اليمان‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان خطأ الذين يقرأون القرآن على الموات ويتركون الحياء ل يقرأونه عليهم وعظا لهم‬ ‫وإرشادا وتعليما‬ ‫وتذكيرا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب ذكر النعم وشكرها بالعتراف بها‪ ،‬وصرفها في مرضاة واهبها وحمده عليها‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان سخف المشركين في عبادتهم أصناما يرجون نصرتها وهم جند معبأ لنصرتها من أن‬ ‫يمسها أحد بسوء‪.‬‬ ‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ‬ ‫ل وَنَ ِ‬ ‫خصِيمٌ مُبِينٌ(‪َ )77‬وضَ َربَ لَنَا مَثَ ً‬ ‫طفَةٍ فَإِذَا ُهوَ َ‬ ‫َأوَلَمْ يَرَ الْإِ ْنسَانُ أَنّا خََلقْنَاهُ مِنْ ُن ْ‬ ‫ج َعلَ‬ ‫يُحْيِي ا ْلعِظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ(‪ُ )78‬قلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا َأوّلَ مَ ّر ٍة وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(‪ )79‬الّذِي َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ ِبقَادِرٍ‬ ‫خضَرِ نَارا فَِإذَا أَنْتُمْ مِ ْنهُ تُوقِدُونَ(‪َ )80‬أوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬ ‫َلكُمْ مِنَ الشّجَرِ الْأَ ْ‬ ‫عَلَى أَنْ يَخُْلقَ مِثَْلهُمْ بَلَى وَ ُهوَ ا ْلخَلّاقُ ا ْلعَلِيمُ(‪)81‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جملة إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون جملة تذييلية المراد منها أمران تطمين الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم على كفاية ال تعالى له وأن كيدهم ل يضره وتهديد المشركين بإعلمهم أن ال‬ ‫مطلع على ما يمكرون وسيجزيهم به‪.‬‬

‫( ‪)4/392‬‬ ‫شيْ ٍء وَإِلَيْهِ‬ ‫إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ َيقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ(‪ )82‬فَسُ ْبحَانَ الّذِي بِ َي ِدهِ مََلكُوتُ ُكلّ َ‬ ‫جعُونَ(‪)83‬‬ ‫تُرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أولم ير النسان ‪ :‬أي المنكر للبعث كالعاص بن وائل السهمي‪ ،‬وأبيّ بن خلف‪.‬‬ ‫ل قويا‪.‬‬ ‫أنا خلقناه من نطفة ‪ :‬أي من منيّ إلى أن صيرناه رج ً‬ ‫فإذا هو خصيم مبين ‪ :‬أي شديد الخصومة بيّنها في نفي البعث‪.‬‬

‫وضرب لنا مثلً ‪ :‬أي في ذلك‪ ،‬إذ أخذ عظما وفته أمام رسول ال وقال أيحيى ربك هذا؟‬ ‫ونسي خلقه ‪ :‬أي وأنه مخلوق من ماء مهين وأصبح رجلً يخاصم فالقادر على الخلق الول قادر‬ ‫على الثاني‪.‬‬ ‫من يحيى العظام وهو رميم ‪ :‬أي وقد رمّت وبليت‪.‬‬ ‫من الشجر الخضر نارا ‪ :‬أي من شجر المرخ والعفار يحك أحدهما على الخر فتشتعل النار‪.‬‬ ‫بقادر على أن يخلق مثلهم‪ :‬أي مثل الناسي‪.‬‬ ‫بلى ‪ :‬أي قادر على ذلك إذ خلق السموات والرض أكبر من خلق الناس‪.‬‬ ‫إذا أراد شيئا ‪ :‬أي خلق شيء وإيجاده‪.‬‬ ‫بيده ملكوت ‪ :‬أي ملك كل شيء‪ ،‬زيدت التاء للمبالغة في كبر الملك واتساعه‪.‬‬ ‫وإليه ترجعون ‪ :‬أي تردون بعد الموت وذلك في الخرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء تلك العقيدة التي يتوقف عليها غالبا هداية‬ ‫النسان وإصلحه فقال تعالى ردّا على العاص بن وائل السهمي وأبي بن خلف حيث جاء إلى‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وفي يده عظم ففته وذراه وقال أتزعم يا محمد أن ال يبعث هذا؟‬ ‫فقال رسول ال‬

‫( ‪)4/393‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم نعم يميتك ثم يحييك ثم يحشرك إلى جهنم ونزلت هذه اليات {َأوَلَمْ يَرَ‬ ‫الْإِنْسَانُ(‪ })1‬أي أينكر البعث وهو يعلم أنا خلقناه من نطفة أي من ماء مهين وسويناه رجلً فإذا‬ ‫هو خصيم لنا أي مخاصم يرد علينا ويشرك بنا وينكر إحياءنا للموات وبعثهم يوم القيامة فكيف‬ ‫يعمى هذا العمى ويجهل هذا الجهل القبيح‪ ،‬إذ القادر على البدء قادر عقلً على العادة وهي أهون‬ ‫عليه‪ .‬وقوله { َوضَ َربَ لَنَا} أي هذا المنكر للبعث مثلً أي جعل لنا مثل وهو إنكاره علينا قدرتنا‬ ‫على البعث حيث جعل إعادتنا للخلق أمرا عجبا وغريبا إذ قال {مَنْ ُيحْيِي ا ْلعِظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ(‪})2‬‬ ‫أي قد رمّت وبليت‪ .‬ونسي خلقه من ماء حقير كيف جعله ال بشرا سويا يجادل ويخاصم فلو ذكر‬ ‫أصل نشأته لخجل أن ينكر إحياء العظام وهي بالية رميم؟ ولما قال من يحيي العظام وهي رميم؟‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { ُقلْ ُيحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا َأ ّولَ مَ ّرةٍ} وهذا هو القياس العقلي الجلي الواضح إذ بالبداهة‬ ‫أن من أوجد شيئا من العدم قادر على إيجاد مثله‪ .‬وقوله {وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَ ْلقٍ عَلِيمٌ} أي مخلوق عليم‬ ‫فالعلم والقدرة إذا اجتمعا كان من السهل إيجاد ما أُعدم بعد أن كان موجودا فأعدم ل سيما أن‬ ‫الموجد من العدم هو المخبر بالعادة وبقدرته عليها‪.‬‬ ‫خضَرِ نَارا فَإِذَا أَنْ ُتمْ مِنْهُ‬ ‫ج َعلَ َلكُمْ(‪ )3‬مِنَ الشّجَرِ الَْأ ْ‬ ‫هذا برهان قطعي وثاني برهان في قوله {الّذِي َ‬

‫ل وما هو بمستحيل‬ ‫ل عق ً‬ ‫تُوقِدُونَ} أي النار تشعلونها‪ ،‬ووجه الستدلل أن البعث لو كان مستحي ً‬ ‫بل هو واجب الوقوع لكان على ال غير مستحيل لن ال تعالى قد أوجد من المستحيل ممكنا وهو‬ ‫النار من الماء‪ ،‬إذ الشجر الخضر(‪ )4‬ماء سار في أغصان الشجرة‪ .‬ومع هذا يوجد منها النار‪،‬‬ ‫فكان هذا برهانا عقليا يسلم به العقلء ول ينازعون فيه أبدا‪ ،‬وبرهان ثالث وهو في قوله {َأوَلَيْسَ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ َيخْلُقَ مِثَْلهُمْ}؛؟ ووجه البرهنة فيه أننا ننظر إلى‬ ‫الّذِي خَلَقَ ال ّ‬ ‫السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الرض وما فيها كذلك وننظر إلى النسان فنجده‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬روي أيضا أن العاص بن وائل أتى النبي صلى ال عليه وسلم بعظم حائل فقال يا محمد أترى‬ ‫أن ال يحيي هذا بعد ما رمّ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم نعم ويبعثك ال ويدخلك النار فنزلت‬ ‫هذا الية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬يقال رمّ العظم يرم فهو رميم ورمام وقال رميم ولم يقل رميمة لنها معدولة عن فاعله نحو‬ ‫بغيا لم يقل بغيةً لنه معدول عن باغية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذا الكلم مستأنف ابتدائيا الغرض إقامة الحجة العقلية على صحة البعث وإمكانه وهو ما‬ ‫أنكره المشركون واستبعدوه فذكر لهم أن الذي يخرج من الماء الرطب البارد النار وهما ل‬ ‫يجتمعان‪ ،‬قادر على إخراج الضد من الضد وهو على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال القرطبي يعني بالية مع في المرخ والعفار وهي زنادة العرب التي يشعلون بها النار‪،‬‬ ‫ومن ذلك قولهم في كل شجر نار واستمجد الرمخ والعفار‪.‬‬

‫( ‪)4/394‬‬ ‫ل شيء إذا قوبل بالسموات والرض فنحكم بأن من خلق السموات والرض على عظمها قادر‬ ‫من باب أولى على خلق النسان مرة أخرى بعد موته وبله وفنائه‪ .‬ولذا أجاب تعالى عن سؤاله‬ ‫بنفسه فقال {بَلَى(‪ )1‬وَ ُهوَ الْخَلّاقُ ا ْلعَلِيمُ} أي الخلق لكل ما أراد خلقه العليم بكل مخلوقاته ل يخفى‬ ‫عليه شيء منها‪ ،‬وبرهان رابع في قوله {إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ ِإذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ َيقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ} ووجه‬ ‫الستدلل أن من كان شأنه في إيجاد ما أراد إيجاده أن يقول له كن فهو يكون ل يستنكر عليه‬ ‫عقلً أن يحيي الموات بكلمة كونوا أحياء فيكونون كما طلب منهم‪.‬‬ ‫وأخيرا ختم هذا الرد المقنع بتنزيه نفسه عن العجز فقال {فَسُ ْبحَانَ(‪ )2‬الّذِي بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ ُكلّ‬ ‫جعُونَ} أحببتم أم كرهتم أيها الدميون منكرين كنتم للبعث‬ ‫شيْءٍ}( ‪ )3‬أي ملك كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬ ‫َ‬ ‫أم مقرين به مؤمنين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بإيراد أربعة براهين قاطعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية استعمال العقليات في الحجج والمجادلة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تنزيه ال تعالى عن العجز والنقص وعن الشريك والولد وسائر النقائص‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن ال تعالى بيده وفي تصرفه وتحت قهره كل الملكوت فلذا ل يصح طلب شيء من‬ ‫غيره إذ هو المالك الحق وغيره ل ملك له‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بلى لنقص النفي أي بل هو قادر على أن يخلق مثلهم كقوله أليس ال بأحكم الحاكمين؟‬ ‫فالجواب بلى أي هو أحكم الحاكمين إبطال لما نفته ليس إذ هي حرف نفي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬فسبحان‪ :‬نزه ال سبحانه وتعالى نفسه عن الشرك والعجز‪ .‬والملكوت‪ ،‬والملكوتى‪ :‬بمعنى‬ ‫نحو جبروتي وجبروتى ورحموتي من الجبروت والرحموت والعرب تقول جبروتى خير من‬ ‫رحموتى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الملكوت مبالغة في الملك بكسر الميم من ذلك قولهم رهبوت خير من رحموت أي ليرهبك‬ ‫الناس خير من يرحموك لن مع الرهبة العزة ومع الرحمة الضعف والعجز‪.‬‬

‫( ‪)4/395‬‬ ‫سورة الصافات‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الصافات‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها مائة واثنتان وثمانون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫صفّا(‪ )1‬فَالزّاجِرَاتِ َزجْرا(‪ )2‬فَالتّالِيَاتِ ِذكْرا(‪ )3‬إِنّ إَِل َهكُمْ َلوَاحِدٌ(‪َ )4‬ربّ ال ّ‬ ‫ت َ‬ ‫وَالصّافّا ِ‬ ‫حفْظا مِنْ ُكلّ‬ ‫سمَاءَ الدّنْيَا بِزِينَةٍ ا ْل َكوَا ِكبِ(‪ )6‬وَ ِ‬ ‫وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا وَ َربّ ا ْلمَشَارِقِ(‪ )5‬إِنّا زَيّنّا ال ّ‬ ‫س ّمعُونَ إِلَى ا ْلمَلَأِ الْأَعْلَى وَ ُيقْ َذفُونَ مِنْ ُكلّ جَا ِنبٍ(‪ُ )8‬دحُورا وََلهُمْ عَذَابٌ‬ ‫شَ ْيطَانٍ مَارِدٍ(‪ )7‬ل يَ ّ‬ ‫شهَابٌ ثَا ِقبٌ(‪)10‬‬ ‫طفَةَ فَأَتْ َبعَهُ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫طفَ الْ َ‬ ‫خِ‬ ‫وَاصِبٌ(‪ )9‬إِلّا مَنْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الصافات صفا ‪ :‬أي الملئكة تصف أنفسها في الصلة وأجنحتها في الهواء‪.‬‬ ‫فالزاجرات زجرا‪ :‬أي الملئكة تزجر السحاب أي تسوقه حيث يأذن ال‪.‬‬ ‫فالتاليات ذكرا ‪ :‬أي فالجماعات التاليات(‪ )1‬للقرآن ذكرا‪.‬‬ ‫إن إلهكم لواحد ‪ :‬أي إن إلهكم المعبود الحق لكم أيها الناس لواحد‪.‬‬

‫رب السموات والرض وما بينهما‪ :‬أي هو رب السموات والرض وما بينهما أي خالقهما‬ ‫ومالكهما ومدبر المر فيهما‪.‬‬ ‫ورب المشارق ‪ :‬أي والمغارب وهي مشارق الشمس ومغاربها إذ للشمس كل يوم مشرق‬ ‫ومغرب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جائز أن تكون الجماعات التالية لكلم ال تعالى من الملئكة ومن البشر روى مسلم أنه‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال "فضلنا على الناس بثلث جعلت صفوفنا كصفوف الملئكة وجعلت لنا‬ ‫الرض كلها مسجدا وجعل لنا ترابها طهورا إذا لم نجد الماء"‪.‬‬

‫( ‪)4/396‬‬ ‫وحفظا من كل شيطان مارد ‪ :‬أي وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد خارج عن الطاعة‪.‬‬ ‫ل يسمعون إلى المل العلى ‪ :‬أي ل يستمعون إلى الملئكة في السموات العل‪.‬‬ ‫ويقذفون من كل جانب دحورا ‪ :‬أي يرمون بالشهب من كل جوانب السماء دحورا أي إبعادا لهم‪.‬‬ ‫عذاب واصب ‪ :‬أي دائم ل يفارقهم‪.‬‬ ‫إل من خطف الخطفة ‪ :‬أي اختطف الكلمة من الملئكة بسرعة وهرب‪.‬‬ ‫فأتبعه شهاب ثاقب ‪ :‬أي كوكب مضيء ثاقب يثقبه أو يحرقه أو يخلبه أي يفسده‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫صفّا} هذا قسم إلهي يؤكد به تعالى إلهيته على عباده فقد أقسم‬ ‫قوله تعالى {وَالصّافّاتِ(‪َ )1‬‬ ‫بالصافات والزاجرات والتاليات ذكرا أي قرآنا‪ ،‬وسواء قلنا أقسم بهذه المخلوقات إذ ل تعالى أن‬ ‫يقسم بما شاء من خلقه وإنما الممنوع أن يقسم العبد بغير ربه تعالى‪ .‬أو قلنا أقسم تعالى بنفسه أي‬ ‫ورب الصافات الخ فالقسم حاصل من أجل تقرير التوحيد‪ ،‬وهذا القسام جار على عرف البشر‬ ‫في أنهم إذا أخبروا بشيء يشكون في صحته فيؤكد لهم المخبر الخبر باليمين ليزيل الشك من‬ ‫نفوسهم‪ .‬وقوله {إِنّ إَِل َهكُمْ َلوَاحِدٌ}( ‪ )2‬هو المقسم عليه وهو أن إله البشرية كلها واحد وهو ال‬ ‫خالقها ورازقها وليس من إله غيره‪ ،‬وما عندها من آلهة فهي آلهة باطلة ويكفي في بطلنها أنها‬ ‫سمَاوَاتِ(‬ ‫أصنام وصور وتماثيل وصلبان ل تسمع ول تبصر‪ ،‬ول تنفع ول تضر‪ .‬وقوله { َربّ ال ّ‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا وَرَبّ ا ْلمَشَا ِرقِ} تدليل على وحدانية ال تعالى إذ هو خالق السموات‬ ‫‪ )3‬وَالْأَ ْر ِ‬ ‫والرض وما بينهما ومالكهما ومدبر المر فيهما‪ ،‬ورب المشارق أيضا والمغارب أي مشارق‬ ‫الشمس ومغاربها إذ كل يوم تشرق وتغرب في درجة معينة فالله الحق هو الخالق للعوالم‬ ‫والمدبر لها ل الذي ينحته الرجل بيده ويقول هو إلهي زورا وباطلً‪ .‬أل فليتحرر المشركون من‬ ‫سمَاءَ(‪ )4‬الدّنْيَا بِزِينَةٍ ا ْل َكوَاكِبِ(‪ })5‬هذه‬ ‫أسر الشيطان ويعبدوا الرحمن‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا زَيّنّا ال ّ‬

‫مظاهر القدرة والعلم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى مسلم وغيره عنه صلى ال عليه وسلم قال "أل تصفون كما تصف الملئكة عند ربهم؟‬ ‫قلنا وكيف تصف الملئكة عند ربهم؟ قال صلى ال عليه وسلم يتمون الصفوف المتقدمة‬ ‫ويتراصون في الصف‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا جواب القسم وهو المقسم عليه والصافات الملئكة تصف أجنحتها في السماء أو تصف‬ ‫للصلة كما يصف المؤمنون للصلة في الدنيا‪ ،‬وجائز أن يراد بالصافات صفوف المؤمنين في‬ ‫الصلة وفي الجهاد‪.‬‬ ‫‪ - 3‬رب السموات والرض خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو رب السموات الخ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬هذه الجملة بمثابة الدليل على ربوبية ال تعالى الموجبة لللهية له سبحانه وتعالى دون سواه‪.‬‬ ‫‪ - 5‬قرأ الجمهور بزينة الكواكب بإضافة زينة إلى الكواكب وقرأ حفص بتنوين زينة وجر‬ ‫الكواكب على البدلية ومنهم من نصب الكواكب على الختصاص والكواكب جمع كوكب وهي تلك‬ ‫الجرام الكريّة السماوية ومنها الثوابت ومنها السيارة وهي كل ما يرى في السماء ما عد الشمس‬ ‫والقمر وتسمى النجوم وهي تختلف في أحجامها‪.‬‬

‫( ‪)4/397‬‬ ‫والحكمة إنه وحده تعالى زين السماء الدنيا أي القريبة من الرض بزينة هي الكواكب المشرقة‬ ‫حفْظا(‪ )1‬مِنْ ُكلّ شَيْطَانٍ مَا ِردٍ} أي وحفظنا السماء حفظا تاما من كل شيطان‬ ‫المنيرة‪ .‬وقوله {وَ ِ‬ ‫س ّمعُونَ(‪ )2‬إِلَى ا ْلمَلَأِ الْأَعْلَى} أي ل يستمعون إلى الملئكة في‬ ‫عادٍ متمرد عن الطاعة‪ .‬وقوله {ل يَ ّ‬ ‫السماء حتى ل ينقلوا أخبار الغيب إلى أوليائهم من الكهان في الرض‪ .‬وقوله {وَ ُيقْ َذفُونَ مِنْ ُكلّ‬ ‫جَا ِنبٍ} أي ويرمى أولئك المردة من الشياطين من قبل الملئكة من كل جهة من جهات السماء‬ ‫عذَابٌ وَاصِبٌ(‪ })3‬لولئك المردة من الشياطين‬ ‫دحورا أي لدَحرهم وإبعادهم‪ .‬وقوله تعالى {وََلهُمْ َ‬ ‫شهَابٌ(‬ ‫طفَةَ} أي اختطف الكلمة بسرعة {فَأَتْ َبعَهُ ِ‬ ‫طفَ ا ْلخَ ْ‬ ‫عذاب واصب موجع دائم وقوله {إِلّا مَنْ خَ ِ‬ ‫حمِيت السماء‬ ‫‪ )4‬ثَا ِقبٌ} أي كوكب مضيء فثقبه فقتله أو أحرقه أو خبله أي أفسده‪ ،‬وبهذا ُ‬ ‫بالملئكة من دخول الشياطين إليها واستراق السمع‪ .‬والحمد ل‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن ال تعالى يقسم ببعض مخلوقاته إما تنويها بعظمتها المقرر ضمنا لعظمة خالقها وإما‬ ‫بيانا لفضلها وإما لفتا لنظر العباد إلى ما فيها من الفوائد‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد وأنه ل إله إل ال‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان الحكمة من وجود النجوم في السماء الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الشياطين حرموا من استراق السمع‪ ،‬ولم يبق مجال لكذب الشياطين على الناس بعد‬ ‫أن منعوا من استراق السمع(‪.)5‬‬ ‫شدّ خَلْقا َأمْ مَنْ خََلقْنَا إِنّا خََلقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ ل ِزبٍ(‪َ )11‬بلْ عَجِ ْبتَ‬ ‫فَاسْ َتفْ ِتهِمْ أَ ُهمْ أَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال أهل العلم النجوم لثلثة للهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكزينة للسماء بما فيها من‬ ‫أنوار وللحفظ من الشياطين أن يسترق السمع من الملئكة فمن طلبها لغيرها فقد أساء واعتدى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ الجمهور ل يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وقرأ حفص عن عاصم ل يسمعون‬ ‫بتشديد السين والميم مفتوحتين الصل ل يتسمعون من التسمع فقلبت التاء سينا وأدغمت في‬ ‫السين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الواصب‪ :‬الدائم يقال وصب يصب وصوبا إذا دام وهو عذاب الخرة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬يقال له في علم الهيئة النيزك وعن ابن عباس الشهاب ل يقتل ولكن يخترق ويخبل‪.‬‬ ‫‪ - 5‬صح في الحديث أن من الجائز أن ينجوا مسترق السمع من شهب الملئكة‪ ،‬ويلقي بالكلمة‬ ‫التي استرقها إلى الكاهن أو الساحر بعدما يضيف إليها تسعا وتسعين كلمة‪.‬‬

‫( ‪)4/398‬‬ ‫وَيَسْخَرُونَ(‪ )12‬وَإِذَا ُذكّرُوا ل َي ْذكُرُونَ(‪ )13‬وَإِذَا رََأوْا آيَةً يَسْ َتسْخِرُونَ(‪َ )14‬وقَالُوا إِنْ هَذَا إِلّا‬ ‫سحْرٌ مُبِينٌ(‪ )15‬أَِإذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا وَعِظَاما أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ(‪َ )16‬أوَآبَاؤُنَا الَْأوّلُونَ(‪ُ )17‬قلْ َنعَ ْم وَأَنْ ُتمْ‬ ‫ِ‬ ‫دَاخِرُونَ(‪)18‬‬ ‫صلِ‬ ‫ح َدةٌ فَإِذَا هُمْ يَ ْنظُرُونَ(‪َ )19‬وقَالُوا يَا وَيْلَنَا َهذَا َيوْمُ الدّينِ(‪ )20‬هَذَا َيوْمُ ا ْل َف ْ‬ ‫فَإِ ّنمَا ِهيَ زَجْ َر ٌة وَا ِ‬ ‫الّذِي كُنْ ُتمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ(‪)21‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فاستفتهم ‪ :‬أي استخبر كفار مكة تقريرا وتوبيخا‪.‬‬ ‫أهم أشد خلقا أم من خلقنا‪ :‬أي خلقهم في ذواتهم وإعادتهم بعد موتهم‪ ،‬أم من خلق تعالى من‬ ‫الملئكة والسموات والرض وما فيها من سائر المخلوقات‪.‬‬ ‫من طين لزب ‪ :‬أي يلصق باليد‪.‬‬ ‫بل عجبت ويسخرون ‪ :‬أي عجبت يا نبي ال من إنكارهم للبعث‪ ،‬وهم يسخرون من دعوتك إلى‬ ‫اليمان به‪.‬‬ ‫وإذا ذكّروا ل يذكرون‪ :‬أي وإذا وعظوا ل يتعظون‪.‬‬ ‫وإذا رأوا آية يستسخرون ‪ :‬أي إذا رأوا حجة من الحجج التي تحمل اليات القرآنية تقرر البعث‬

‫والتوحيد والنبوة يسخرون أي يستهزئون‪.‬‬ ‫قل نعم وأنتم داخرون ‪ :‬أي قل لهم يا رسولنا نعم تبعثون وأنتم صاغرون أذلء‪.‬‬ ‫فإنما هي زجرة واحدة ‪ :‬أي صيحة تزجرهم وهي نفخة إسرافيل في الصور النفخة الثانية‪.‬‬ ‫هذا يوم الدين ‪ :‬أي يوم الحساب والجزاء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والبعث والجزاء وقوله تعالى فاستفتهم(‪ )1‬أي استخبرهم‬ ‫واطلب جوابهم أي بقولك آنتم أشد خلقا أي في ذواتكم وفي إحيائكم بعد مماتكم أم من خلقه ال من‬ ‫الملئكة والسموات والرض وما فيهما وما بينهما؟ والجواب معلوم وهو أن خلق غيرهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬مأخوذ من استفتاء المفتي والفتيا هي إخبار عن أمر يخفى عن غير الخواص في غرض ما‬ ‫والستفهام هنا تقريري‪.‬‬

‫( ‪)4/399‬‬ ‫من العوالم أشد خلقا إذا فكيف ينكرون البعث بدعوى استحالة وجوده لصعوبته قال تعالى {إِنّا‬ ‫خََلقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ ل ِزبٍ} أي خلقنا أباهم آدم من طين لزب أي لصق يلصق باليد ثم خلقناهم‬ ‫بطريق التناسل أفيعجزنا إعادة خلقهم مرة أخرى والجواب ل‪ .‬ل وقوله تعالى { َبلْ(‪ )1‬عَجِ ْبتَ} أي‬ ‫سخَرُونَ} أي وهم يسخرون من‬ ‫من تكذيبهم بالبعث لوضوح الدلة على إمكانه ووجوب وجوده {وَيَ ْ‬ ‫ذلك أي يستهزئون من قولك بالبعث وإمكانه‪ .‬وقوله تعالى {وَِإذَا ُذكّرُوا} أي باليات لعلهم يذكرون‬ ‫فيؤمنون ويوحدون ل يذكرون لقساوة قلوبهم وظلمة ذنوبهم بالشرك والمعاصي‪ .‬وقوله {وَإِذَا رََأوْا‬ ‫سحْرٌ مُبِينٌ} أي ما هذا الذي جاء‬ ‫سخِرُونَ(‪ })2‬أي يسخرون ويستهزئون { َوقَالُوا إِنْ َهذَا إِلّا ِ‬ ‫آيَةً يَسْتَ ْ‬ ‫به محمد صلى ال عليه وسلم من القول والعمل إل سحر مبين أي بيّن ظاهر وهم في ذلك كاذبون‬ ‫قطعا للفرق بين السحر الذي هو تخيل باطل وبين الحق الثابت عقلً ووحيا من دقائق الشرع‬ ‫وأصول الدين من اليمان بال واليوم الخر وقوله {أَإِذَا مِتْنَا(‪َ )3‬وكُنّا تُرَابا وَعِظَاما أَإِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ}‬ ‫هذا قول المكذبين من المشركين يقولونه متعجبين مستبعدين للبعث قال تعالى ردّا عليهم قل يا‬ ‫رسولنا لهم { َنعَمْ} تبعثون أحياء {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} أي صاغرون ذليلون وأمر إعادتكم ل يتطلب‬ ‫أكثر من أن ينفخ إسرافيل في الصور فإذا أنتم أحياء تخرجون من قبوركم {فَإِ ّنمَا ِهيَ زَجْ َرةٌ} أي‬ ‫ح َدةٌ فَإِذَا ُهمْ} قيام {يَ ْنظُرُونَ} ويقولوا أي عند قيامهم من قبورهم {يَا وَيْلَنَا} أي هلكنا‬ ‫صحية {وَا ِ‬ ‫احضر هذا أوان حضورك أي يدعون على أنفسهم بالهلك لشدة ما شاهدوا من هول القيامة كقول‬ ‫أحدهم يا ليتها كانت القاضية‪ .‬وقولهم هذا يوم الدين اعتراف منهم بالبعث والجزاء ولكن في وقت‬ ‫ما هو بنافع لهم العتراف فيه أي هذا يوم الحساب والجزاء فيقال لهم {هَذَا َيوْمُ ا ْل َفصْلِ(‪ })4‬الذي‬

‫يفصل ال تعالى فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون فيحكم بينهم بالعدل‪ ،‬وقوله تعالى {الّذِي كُنْ ُتمْ‬ ‫بِهِ ُتكَذّبُونَ} فيه توبيخ لهم أي هذا يوم البعث الذي كنتم تكذبون به وتقولون مستبعدين له أئذا متنا‬ ‫وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعثون أو أباؤنا الولون أي وآباؤنا الولون أيضا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بل للضراب النتقالي من التقرير التوبخي إلى حالهم العجب قرأ الجمهور عجبت بفتح التاء‬ ‫والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وقرأ ابن مسعود بضم التاء ونسبة العجب إلى ال تعالى‬ ‫ليست كنسبته إلى خلقه كسائر صفاته تعالى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬سخريتهم هذه من محاجة النبي صلى ال عليه وسلم إذ أتاهم باليات القرآنية الحاملة للدلة‬ ‫العقلية وهم لجهلهم وعجزهم يدفعونها بالستسخار والنكار وهذا غاية الجهل والضلل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الستفهام إنكاري وجملة وأنتم داخرون في محل نصب على الحال‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جائز أن يكون { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} من قول ال تعالى والملئكة لهم‬ ‫وجائز أن يكون من قول بعضهم لبعض‪.‬‬

‫( ‪)4/400‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أصل خلق النسان وهو الطين اللزب أي اللصق باليد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان موقفين متضادين الرسول يعجب من كفر المشركين وتكذيبهم والمشركون يسخرون من‬ ‫دعوته إياهم إلى اليمان وعدم التكذيب بال ولقائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث وبيان طريقة وقوعه‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم النتفاع باليمان عند معانيه العذاب‪.‬‬ ‫جحِيمِ(‬ ‫جهُ ْم َومَا كَانُوا َيعْ ُبدُونَ(‪ )22‬مِنْ دُونِ اللّهِ فَا ْهدُوهُمْ ِإلَى صِرَاطِ الْ َ‬ ‫حشُرُوا الّذِينَ ظََلمُوا وَأَ ْزوَا َ‬ ‫اْ‬ ‫سؤُولُونَ(‪ )24‬مَا َل ُكمْ ل تَنَاصَرُونَ(‪َ )25‬بلْ هُمُ الْ َيوْمَ مُسْتَسِْلمُونَ(‪ )26‬وََأقْ َبلَ‬ ‫‪َ )23‬وقِفُوهُمْ إِ ّن ُهمْ مَ ْ‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَ َتسَاءَلُونَ(‪ )27‬قَالُوا إِ ّنكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْ َيمِينِ(‪ )28‬قَالُوا َبلْ لَمْ َتكُونُوا‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫ُم ْؤمِنِينَ(‪َ )29‬ومَا كَانَ لَنَا عَلَ ْيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ َبلْ كُنْتُمْ َقوْما طَاغِينَ(‪)30‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫احشروا الذين ظلموا ‪ :‬أي أنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وأزواجهم ‪ :‬أي قرناءهم من الشياطين‪.‬‬ ‫من دون ال ‪ :‬أي من غير ال من الوثان والصنام‪.‬‬ ‫فاهدوهم ‪ :‬أي دلوهم وسوقوهم‪- .‬‬

‫إلى صراط الجحيم ‪ :‬أي إلى طريق النار‪.‬‬ ‫وقفوهم إنهم مسؤولون ‪ :‬أي احبسوهم عند الصراط إنه مسؤولون عن جميع أقوالهم وأفعالهم‪.‬‬ ‫ما لكم ل تناصرون ‪ :‬أي ما لكم ل ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا توبيخا لهم‪.‬‬

‫( ‪)4/401‬‬ ‫إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ‪ :‬أي عن يمين أحدنا تزينون له الباطل وتحسنون له الشر فتأمرونه‬ ‫بالشرك وتنهونه عن التوحيد‪.‬‬ ‫قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ‪ :‬أي قال قرناؤهم من الجن ردّا عليهم بل لم تكونوا أساسا مؤمنين‪.‬‬ ‫وما كان لنا عليكم من سلطان ‪ :‬أي من حجة ول قوة على حملكم على الشرك والشر والباطل‪.‬‬ ‫بل كنتم قوما طاغين ‪ :‬أي بل كنتم طغاة ظلمة تعبدون غير ال تعالى وتجبرون الناس على ذلك‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في موقف عرصات القيامة إنهم بعد اعترافهم بأن هذا يوم الدين ورد ال تعالى‬ ‫عليهم بقوله {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} يقول الجبار عز وجل {احْشُرُوا الّذِينَ ظََلمُوا‬ ‫جهُمْ} أي‬ ‫جهُمْ} أي احشروا الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي(‪ ،)1‬وقوله {وَأَ ْزوَا َ‬ ‫وَأَ ْزوَا َ‬ ‫قرناؤهم(‪ )2‬من الجن { َومَا كَانُوا َيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ} من الصنام والوثان‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫جحِيمِ} يقول ال عز وجل فاهدوهم أي دلوهم إلى طريق النار‪ .‬ويقول‬ ‫{فَا ْهدُوهُمْ(‪ )3‬إِلَى صِرَاطِ الْ َ‬ ‫سؤُولُونَ} ثم يسألون {مَا َل ُكمْ ل تَنَاصَرُونَ(‪ })4‬أي ل ينصر بعضكم بعضا كما كنتم‬ ‫{ َو ِقفُو ُهمْ إِ ّنهُمْ مَ ْ‬ ‫في الدنيا‪ .‬كيف ينصر بعضهم بعضا في مثل هذا الموقف الرهيب بل هم اليوم مستسلمون أي‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَتَسَاءَلُونَ} أي أقبل التباع على المتبوعين‬ ‫منقادون ذليلون وقوله تعالى {وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬ ‫يتساءلون أي يتلومون كل يلقي بالمسؤولية على الخر‪ .‬فقال التباع من النس لقرنائهم من الجن‬ ‫ما أخبر تعالى به عنهم {إِ ّنكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْ َيمِينِ(‪ })5‬أي والشمال أي توسوسون لنا فتحسّنون‬ ‫لنا الشرك والشر بل تأمروننا به وتحضوننا عليه‪ .‬فرد عليهم قرناؤهم بما أخبر تعالى به عنهم‬ ‫{قَالُوا َبلْ لَمْ َتكُونُوا ُم ْؤمِنِينَ} أي ما كنتم مؤمنين فكفرناكم ول‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ظلموا بمعنى أشركوا لن الشرك أقبح أنواع الظلم شاهده قوله تعالى إن الشرك لظلم عظيم‬ ‫والمر في قوله (احشروا) ال عز وجل والمأمور الملئكة والمأمور بحشرهم المشركون‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وفسر أزواجهم أيضا بأشياعهم وقرنائهم وهم من الجن وما في التفسير أولى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي سوقوهم إلى النار والمأمور الملئكة كما تقدم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ما لكم ل تناصرون أي ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا ولستفهام للتقريع والتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬اضطرب أهل التفسير في تفسير تأتوننا عن اليمين وأقوالهم متضاربة فمنهم من قال تأتوننا‬

‫عن طريق الخير وتصدوننا عنها قاله قتادة‪ ،‬ومنهم من قال اليمين بمعنى القوة أي تمنعوننا بقوة‬ ‫وغلبة وقهر وهذا ينسجم مع السياق وما في التفسير شامل لهذه القوال إذ معناه إنكم تأتوننا من‬ ‫كل جهة تحاولون إغواءنا وإضللنا‪.‬‬

‫( ‪)4/402‬‬ ‫صالحين فأفسدناكم‪ ،‬ول موحدين فحملناكم على الشرك‪ .‬هذا أول وثانيا ما كان لنا عليكم من‬ ‫سلطان أي من حجج قوية أقنعناكم بها‪ ،‬ول قدرة لنا أرهقناكم بها فأتبعتمونا‪ ،‬بل كنتم قوما طاغين‬ ‫أي ظلمة متجاوزين الحد في السراف والظلم الشر‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان صور لموقف من مواقف القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الشباه في الكفر والفجور أو في الفسق تحشر مع بعضها بعضا‪.‬‬ ‫‪ -3‬عدم جدوى براءة العابدين من المعبودين واحتجاج التابعين على المتبوعين‪.‬‬ ‫غوَيْنَاكُمْ إِنّا كُنّا غَاوِينَ(‪ )32‬فَإِ ّنهُمْ َي ْومَئِذٍ فِي ا ْلعَذَابِ‬ ‫حقّ عَلَيْنَا َق ْولُ رَبّنَا إِنّا لَذَا ِئقُونَ(‪ )31‬فَأَ ْ‬ ‫فَ َ‬ ‫مُشْتَ ِركُونَ(‪ )33‬إِنّا كَذَِلكَ َن ْفعَلُ بِا ْلمُجْ ِرمِينَ(‪ )34‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ َلهُمْ ل إَِلهَ إِلّا اللّهُ يَسْ َتكْبِرُونَ(‪)35‬‬ ‫ق َوصَدّقَ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪)37‬‬ ‫حّ‬ ‫وَقُولُونَ أَإِنّا لَتَا ِركُو آِلهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ(‪َ )36‬بلْ جَاءَ بِالْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فحق علينا قول ربنا ‪ :‬أي وجب علينا العذاب‪.‬‬ ‫إنا لذائقون ‪ :‬أي العذاب نحن وأنتم ‪.‬‬ ‫فأغويناكم إنا كنا غاوين‪ :‬أي أضللناكم إنا كنا ضالين‪.‬‬ ‫فإنهم يومئذ ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫في العذاب مشتركون‪ :‬لنهم كانوا في الغواية مشركين‪.‬‬ ‫إنا كذلك نفعل بالمجرمين‪ :‬كما عذبنا هؤلء التابعين والمتبوعين نعذب التابعين والمتبوعين في كل‬ ‫ضلل وكفر وفساد‪.‬‬ ‫إنهم كانوا إذا قيل لهم ‪ :‬أي إن أولئك المشركين من عبدة الوثان إذا قال لهم الرسول‪.‬‬

‫( ‪)4/403‬‬ ‫ل إله إل ال يستكبرون‪ :‬أي قولوا ل إله إل ال ول تعبدوا إل ال يستكبرون ول يقولون ول‬ ‫يوحدون‪.‬‬

‫لشاعر مجنون ‪ :‬يعنون محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫بل جاء بالحق وصدق المرسلين ‪ :‬أي جاء بل إله إل ال وهو الحق الذي جاءت به الرسل وقد‬ ‫صدقهم فيما أخبروا به من قبله وهو التوحيد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم فيما ذكر تعالى من تساؤلت الظالمين وما قاله التباع للمتبوعين وما قاله‬ ‫حقّ عَلَيْنَا(‪َ )1‬ق ْولُ رَبّنَا إِنّا َلذَا ِئقُونَ} هذا قول المتبوعين لتباعهم‬ ‫المتبوعون للتباع فقوله تعالى {فَ َ‬ ‫قالوا لهم فبسبب غوايتنا وضللنا وجب علينا العذاب إنا وأنتم لذائقوه ل محالة‪ .‬وقالوا لهم أيضا‬ ‫معترفين بإغوائهم لهم فأغويناكم إنا كنا غاوين هذا قول الجن للنس قال تعالى {فَإِ ّن ُهمْ َي ْومَئِذٍ فِي‬ ‫ا ْلعَذَابِ مُشْتَ ِركُونَ} وذلك لشتراكهم في الشرك والشر والفساد وقوله تعالى {إِنّا كَذَِلكَ َن ْفعَلُ‬ ‫بِا ْلمُجْ ِرمِينَ} من سائر الصناف كالزناة وأكلة الربا وسافكي الدماء فنعذب الصنف مع صنفه وهذا‬ ‫عائد إلى قوله احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشياعهم وأضرابهم وقوله تعالى {إِ ّنهُمْ كَانُوا(‪)2‬‬ ‫إِذَا قِيلَ َل ُه ْم ل إِلَهَ إِلّا اللّهُ َيسْ َتكْبِرُونَ} يخبر تعالى عن مشركي قريش أنهم كانوا في الدنيا إذا قال‬ ‫لهم رسول ال أو أحد المؤمنين قولوا ل إله إل ال يستكبرون(‪ )3‬ويشمئزون ول يقولونها بل‬ ‫ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر(‪ )4‬مجنون يعنون النبي محمدا صلى ال عليه وسلم يصفون‬ ‫القرآن بالشعر ومحمدا صلى ال عليه وسلم تاليه وقارئه بالشعر ولما يدعوهم إليه من اليمان‬ ‫بالبعث والجزاء بالجنون والرسول في نظرهم مجنون‪ .‬فرد تعالى عليهم بقوله { َبلْ جَاءَ بِا ْلحَقّ(‪})5‬‬ ‫أي لم يكن رسولنا بشاعر ول مجنون بل جاء بالحق فأنكرتموه وكذبتم به تقليدا وعنادا فقلتم ما‬ ‫قلتم‪ .‬وإنما هو قد جاء بالحق الذي هو ل إله إل ال { َوصَدّقَ ا ْلمُرْسَلِينَ} الذين جاءوا قبله بكلمة ل‬ ‫إله إل ال والدعوة إليها والحياة والموت عليها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أي وجب علينا قول ربنا فكلنا ذائقوا العذاب شاهده قوله تعالى لملن جهنم من الجنة‬ ‫والناس أجمعين وقول الرسول صلى ال عليه وسلم "إن ال عز وجل كتب للنار أهل وللجنة أهل‬ ‫ل يزاد فيهم ول ينقص منهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إنهم كانوا‪ :‬هذه الجملة تعليلية للحكم السابق وهو بيان العلة منه وفي الكلم حذف تقديره أنهم‬ ‫كانوا إذا قيل لهم قولوا ل إله إل ال فحذف القول للعلم به‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شاهده حديث ابن أبي حاتم قوله صلى ال عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل‬ ‫إله إل ال فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إل بحقه وحسابه إلى ال" وهو في الصحيح بأوسع‬ ‫منه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أي لقول شاعر فحذف القول لظهوره‪.‬‬ ‫‪ - 5‬بل للضراب النتقالي عن قولهم‪ :‬شاعر مجنون الباطل وقد سبق الحق المبين وهو شهادة‬ ‫أل إله إل ال محمد رسول ال‪.‬‬

‫( ‪)4/404‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان هلك الضال ومن أضله والغاوي ومن أغواه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان يوجهه المشركون لرسول ال من التهم الباطلة ورد ال تعالى عليها‪.‬‬ ‫‪ -3‬التعظيم من شأن ل إله إل ال وأنها دعوة كل الرسل التي سبقت النبي محمدا صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير التوحيد والبعث والجزاء والنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫خَلصِينَ(‪)40‬‬ ‫إِ ّنكُمْ َلذَا ِئقُو ا ْل َعذَابِ الْأَلِيمِ(‪َ )38‬ومَا تُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪ )39‬إِلّا عِبَادَ اللّهِ ا ْلمُ ْ‬ ‫أُولَ ِئكَ َلهُمْ رِ ْزقٌ َمعْلُومٌ(‪َ )41‬فوَاكِ ُه وَهُمْ ُمكْ َرمُونَ(‪ )42‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ(‪ )43‬عَلَى سُرُرٍ مُ َتقَابِلِينَ(‬ ‫ل وَل هُمْ عَ ْنهَا‬ ‫غ ْو ٌ‬ ‫‪ )44‬يُطَافُ عَلَ ْيهِمْ ِبكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ(‪ )45‬بَ ْيضَاءَ لَ ّذةٍ لِلشّارِبِينَ(‪ )46‬ل فِيهَا َ‬ ‫يُنْ َزفُونَ(‪ )47‬وَعِنْ َدهُمْ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ عِينٌ(‪)48‬‬ ‫كَأَ ّنهُنّ بَ ْيضٌ َمكْنُونٌ(‪)49‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما تجزون إل ما كنتم تعملون ‪ :‬أي إل جزاء ما كنتم تعملونه من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫إل عباد ال المخلصين ‪ :‬أي لكن عباد ال المخلصين أي العبادة ل وحده فإنهم يجزون أعمالهم إذ‬ ‫الحسنة بعشر أمثالها وأكثر‪.‬‬ ‫لهم رزق معلوم ‪ :‬أي في الجنة بكرة وعشيا‪.‬‬ ‫فواكه ‪ :‬أي طعامهم وشرابهم فيها للتلذذ به كما يتلذذ بالفواكه فليس هو لحفظ أجسامهم حية كما‬ ‫في الدنيا‪.‬‬ ‫وهم فيها مكرمون ‪ :‬أي ل تلحقهم فيها إهانة بل يقال لم هنيئا بخلف أهل النار يقال لهم ذوقوا‬ ‫عذاب النار بما كنتم تعملون‪.‬‬

‫( ‪)4/405‬‬ ‫من معين ‪ :‬أي يجري على وجه الرض كعيون الماء الجارية على الرض‪.‬‬ ‫لذةٍ للشاربين ‪ :‬أي الخمرة موصوفة بأنها لذة للشاربين‪.‬‬ ‫ل فيها غول ‪ :‬أي ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم‪.‬‬ ‫ول هم عنها ينزفون ‪ :‬أي ل يسكرون عنها أي بسببها كما هي خمر الدنيا‪.‬‬

‫قاصرات الطرف ‪ :‬أي ل ينظرون إلى غير أزواجهن لحسنهم وجمالهم عندهن‪.‬‬ ‫عين ‪ :‬أي واسعات العين الواحدة عيناء‪.‬‬ ‫بيض مكنون ‪ :‬أي كأنهن بيض مكنون أي مستور ل يصله غبا ٌر ول غيره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِ ّنكُمْ لَذَا ِئقُو(‪ )1‬ا ْلعَذَابِ الْأَلِيم‪َ ،‬ومَا تُجْ َزوْنَ إِلّا مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } هذا يقال لهل النار‬ ‫وهم موقوفون يتساءلون ومن جملة ما يقال لهم عندئذ هذا القول فيخبرون بأنهم ذائقوا العذاب‬ ‫الليم الموجع‪ ،‬وأنهم ما يجزون إل بما كانوا يعملون فل يظلمون بالجزاء بل هو جزاء عادل‬ ‫السيئة بمثلها‪ .‬وهنا استثنى تعالى جزاء المؤمنين الذي استخلصهم لعبادته فعبدوه ووحدوه فإنهم‬ ‫يجزون بأكثر من أعمالهم فضل منه عليهم وإحسانا إليهم فالحسنة بعشر أمثالها وبأكثر إلى‬ ‫سبعمائة وأكثر‪ ،‬فقال {إِلّا عِبَادَ اللّهِ ا ْل ُمخَْلصِينَ} وبين تعالى بعض جزائهم فقال {أُولَ ِئكَ َلهُمْ رِ ْزقٌ‬ ‫َمعْلُومٌ} أي يأكلونه بكرة وعشيا(‪ ،)2‬وقوله { َفوَاكِهُ} (‪ )3‬فيه إشارة إلى أنهم ل يأكلون ول يشربون‬ ‫لحفظ أجسادهم من الموت والفناء‪ ،‬وإنما يأكلون ما يأكلون ويشربون ما يشربون تلذذا بذلك ل‬ ‫لدفع غائلة الجوع كما في الدنيا‪َ { .‬وهُمْ ُمكْ َرمُونَ} أي في الجنة حيث ل تلحقهم إهانة أبدا‪ ،‬وقوله‬ ‫في جنات النعيم أضاف الجنة إلى النعيم مبالغة في وصفها بالنعيم حتى جعل الجنة جنة النعيم‬ ‫فجعل للنعيم وهو النعيم جنة‪ ،‬وأخبر أنهم متكئون فيها على سرر متقابلين ينظر بعضهم إلى بعض‬ ‫وهم في جلسات تنعم‪ ،‬وأخبر عنهم أنهم في حال جلوسهم متقابلين يسقون بواسطة خدم من‬ ‫الملئكة خاص فقال { ُيطَافُ عَلَ ْي ِهمْ ِبكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ} أي من خمر تجري بها النهار كأنه عيون‬ ‫الماء‪ ،‬ووصف‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الصل لذائقون العذاب فحذفت النون تخفيفا وأضيف لذائقوا إلى العذاب فخفض ولو نصب‬ ‫لجاز كقول الشاعر‪:‬‬ ‫فألفيته غير مستعتب ول ذاكر ال إل قليلً‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إل عباد ال المخلصين‪ :‬الستثناء منقطع في معنى الستدراك وهو تعقيب الكلم بما يضاده‬ ‫أو يرفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه وهو الغالب في الستدراك قرأ الجمهور المخلصين باسم المفعول‬ ‫وقرأها غيرهم باسم الفاعل بكسر اللم والمراد بهم أمة محمد صلى ال عليه وسلم كما روي عن‬ ‫الشافعي قوله‪:‬‬ ‫ومما زادني شرفا وفخرا‬ ‫وكدت بأخمصي أطأ الثريا‬ ‫دخولي تحت قولك يا عبادي‬ ‫وأن أرسلت أحمد لي نبيا‬ ‫‪ - 3‬عطف بيان من رزق معلوم والمعنى أن طعامهم كله من الطعمة التي يتفكه بها ل مما‬

‫يؤكل للشبع‪.‬‬

‫( ‪)4/406‬‬ ‫الخمر بأنها بيضاء وأنها لذة عظيمة للشاربين لها‪ ،‬وأنها ل فيها غول وهو ما يغتال أبدانهم‬ ‫غ ْولٌ وَل ُهمْ عَ ْنهَا يُنْ َزفُونَ(‪ })1‬أي ل يسكرون بها فتذهب‬ ‫كالصداع ووجع البطن فقال {ل فِيهَا َ‬ ‫بعقولهم‪ .‬وقوله {وَعِنْ َدهُمْ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ عِينٌ} يعني أن لهم نساء هن أزواج لهم ومعنى‬ ‫قاصرات الطرف أي على أزواجهن فل ينظرن إلى غيرهم وذلك لحسنهم وجمالهم فل تنظر‬ ‫الواحدة منهن إل إلى زوجها‪ .‬وقوله {عِينٌ} أي واسعات العين {كَأَ ّنهُنّ بَ ْيضٌ (‪َ )2‬مكْنُونٌ} هذا‬ ‫وصف لنساء الجنة وأنهن بيض الجسام بياضا كبياض بيض النعام إذ هو أبيض مشرب بصفرة‬ ‫وهو من أحسن أنواع الجمال في النساء ومعنى { َمكْنُونٌ} مستور ل يناله غبار ول أي أذى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عدالة الحق تبارك وتعالى في أنه يجزي السيئة بمثلها ول يؤاخذ أحدا بغير كسبه في‬ ‫الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل ال تعالى إذ يجزي المؤمنين الحسنة بعشر أمثالها إلى أكثر من سبعمائة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث وبيان بعض ما يجري فيه من قول وعمل‪.‬‬ ‫‪ -4‬وصف نعيم أهل الجنة طعاما وشرابا وجلوسا واستمتاعا‪.‬‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَتَسَاءَلُونَ(‪ )50‬قَالَ قَا ِئلٌ مِ ْنهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ(‪َ )51‬يقُولُ أَإِ ّنكَ َلمِنَ‬ ‫فََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬ ‫ا ْل ُمصَ ّدقِينَ(‪ )52‬أَإِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا وَعِظَاما أَإِنّا َلمَدِينُونَ(‪ )53‬قَالَ َهلْ أَنْتُمْ ُمطِّلعُونَ(‪ )54‬فَاطّلَعَ‬ ‫جحِيمِ(‪ )55‬قَالَ تَاللّهِ إِنْ ِك ْدتَ لَتُرْدِينِ(‪ )56‬وََلوْل ِن ْعمَةُ رَبّي‬ ‫سوَاءِ الْ َ‬ ‫فَرَآهُ فِي َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ينزفون بالبناء للمجهول قراءة الجمهور من نزف الشارب فهو منزوف ونزيف شبهوا عقل‬ ‫الشارب بالدم يقال نزف دم الجريح أي أفرغ وأصله من نزف الرجل ماء البئر إذا نزحه ولم يبعد‬ ‫منه شيئا‪ .‬وقرأ البعض ينزفون من أنزف الرباعي الشارب إذا ذهب عقله بالسكر أي صار ذا‬ ‫نزف فالهمزة للصيرورة ل للتعدية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬العرب تشبه النساء بالبيض لصفائهن وبياضهن قال امرؤ القيس الشاعر الجاهلي‪:‬‬ ‫وبيضة خدر ل يرام خباؤها‬ ‫تمتعت من لهو بها غير معجل‬ ‫أطلق لفظ البيضة على المرأة‪.‬‬

‫( ‪)4/407‬‬ ‫حضَرِينَ(‪َ )57‬أ َفمَا نَحْنُ ِبمَيّتِينَ(‪ )58‬إِلّا َموْتَتَنَا الْأُولَى َومَا نَحْنُ ِب ُمعَذّبِينَ (‪ )59‬إِنّ هَذَا‬ ‫َلكُ ْنتُ مِنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫َل ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ(‪ِ )60‬لمِ ْثلِ هَذَا فَلْ َي ْع َملِ ا ْلعَامِلُونَ(‪)61‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فأقبل بعضهم على بعض ‪ :‬أي أقبل أهل الجنة‪.‬‬ ‫يتساءلون ‪ :‬عما مرّ بهم في الدنيا وما جرى لهم فيها‪.‬‬ ‫إني كان لي قرين ‪ :‬أي كان لي صاحب ينكر البعث الخر‪.‬‬ ‫يقول أئنك لمن المصدقين ‪ :‬أي يقول تبكيتا لي وتوبيخا أي بالبعث والجزاء‪.‬‬ ‫أئنا لمدينون ‪ :‬أي محاسبون ومجزيون بأعمالنا في الدنيا إنكارا وتكذيبا‪.‬‬ ‫هل أنتم مطلعون ‪ :‬أي معي إلى النار لننظر حاله وما هو فيه من العذاب‪.‬‬ ‫فاطلع فرآه في سواء الجحيم ‪ :‬أي في وسط النار‪.‬‬ ‫تال إن كدت لتردين ‪ :‬أي قال هذا تشميتا به‪ ،‬ومعنى تردين تهلكني‪.‬‬ ‫لكنت من المحضرين ‪ :‬أي المسوقين إلى جهنم المحضرين فيها‪.‬‬ ‫أفما نحن بميتين ‪ :‬أمخلدون فما نحن بميتين‪ ،‬والستفهام للتقرير أي نعم‪.‬‬ ‫إل موتتنا الولى ‪ :‬التي ماتوها في الدنيا‪.‬‬ ‫لمثل هذا فليعمل العاملون ‪ :‬أي لمثل هذا النعيم من الخلود في الجنة والنعم فيها فليعمل العاملون‬ ‫وذلك بكثرة الصالحات واجتناب السيئات‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في بيان نعيم أهل الجنة فقد قال بعضهم لبعض بعد أن جلسوا على السرر متقابلين‬ ‫يتجاذبون أطراف الحديث متذكرين ما مرّ بهم من أحداث في الحياة الدنيا فقال أحدهم إني كان لي‬ ‫في الدنيا قرين أي صاحب يقول لي استهزاء وإنكارا للبعث الخر {أَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْل ُمصَ ّدقِينَ} أي‬ ‫بالبعث والجزاء على العمال في الدنيا‪ .‬ويقول أيضا مستبعدا منكرا {أَإِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا وَعِظَاما‬ ‫أَإِنّا َلمَدِينُونَ} أي محاسبون ومجزيون‪ .‬ثم قال ذلك القائل لبعض‬

‫( ‪)4/408‬‬ ‫أهل مجلسه { َهلْ أَنْتُمْ(‪ )1‬مُطِّلعُونَ} أي معي على أهل النار لنرى صاحبي فيها ونسأله عن حاله‬ ‫فكأنهم أبوا عليه ذلك وأبوا أن يطلعوا أما هو فقد اطّلع فرآه في سواء الجحيم أي في وسطها(‪،)2‬‬ ‫وقال له ما أخبر به تعالى عنه في قوله {قَالَ تَاللّهِ} أي وال {إِنْ كِ ْدتَ(‪ )3‬لَتُ ْردِينِ} أي تهلكني لما‬

‫كنت تنكر عليّ اليمان بالبعث وتسخر مني وتشمت بي ليماني وعملي الصالح الذي كنت أرجو‬ ‫ثوابه وهو حاصل الن وقال أيضا {وََلوْل ِن ْعمَةُ رَبّي} عليّ بالعصمة والحفظ لكنت من المحضرين‬ ‫الن في جهنم معك‪ .‬ثم قال له {َأ َفمَا َنحْنُ ِبمَيّتِينَ إِلّا َموْتَتَنَا الْأُولَى} والستفهام تقريري فهو يقرره‬ ‫ليقول نعم(‪ )4‬مخلدون نحن في الجنة وأنتم في النار‪ .‬ثم قال إن هذا أي الخلود في دار النعيم {َل ُهوَ‬ ‫ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ} إذ كان نجاة من النار وهي أعظم مرهوب مخوف‪ ،‬ودخول للجنة دار السلم‬ ‫والنعيم المقيم‪ .‬قال تعالى {ِلمِ ْثلِ هَذَا} أي هذا الفوز العظيم بالنجاة من النار والخلود في دار‬ ‫البرار {فَلْ َي ْع َملِ ا ْلعَامِلُونَ} أي فليواصلوا عملهم وليخلصوا فيه ل رب العالمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عظمة ال تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم ويرى‬ ‫صورته ويتخاطب معه ويفهم بعضهم بعضا‪ ،‬والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين ويعدونهم متخلفين عقليا‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل موت في الخرة(‪ )5‬وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم‪.‬‬ ‫‪ -5‬الحث على كثرة العمال الصالحة‪ ،‬والبعد عن العمال الفاسدة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أورد البخاري إيرادات ل حاجة إليها منها‪ :‬قيل القرين هو من الشياطين‪ .‬وقرئ من‬ ‫المصدقين بتشديد الصاد والدال من التصدق بالمال‪ ،‬وجعل أنتم مطلعون أنه من قول ال تعالى أو‬ ‫قول ملك‪ .‬وما في التفسير هو الصواب ول داعي ليراد ما بخلفه إذ ل فائدة منه إل تذبذب‬ ‫الرأي واضطراب الفكر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال ابن مسعود رضي ال عنه يقال تعبت حتى انقطع سوائي أي وسطي وقال بعض‬ ‫العلماء‪ ،‬لول أن ال عرفه إياه لما عرفه إذ تغير حبره وسبره أي اللون والهيئة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إن كدت إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير ثان محذوف واللم في لتردين هي الدالة على‬ ‫أن إن ليست نافية ولذا تسمى باللم الفارقة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬وجائز أن يكون هذا القول موجها إلى أصحاب الرائك أهل النعيم بعد أن فرغ المؤمن من‬ ‫الحديث مع قرينه في سواء الجحيم قال لرفاقه في النعيم مقررا أفما نحن بميتين‪ ...‬الية‪ .‬والسياق‬ ‫يساعد على جواز هذا‪.‬‬ ‫‪ - 5‬قيل لحد الحكماء‪ :‬ما شر من الموت؟ قال الذي يتمنى فيه الموت وقال الشاعر‪:‬‬ ‫كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا‬ ‫وحسب المنايا أن يكن أمانيا‬ ‫وكون ل موت في الخرة صح فيه الحديث إذ يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ويذبح بين‬

‫الجنة والنار وينادي مناد يا أهل الجنة خلود ول موت ويا أهل النار خلود ول موت‪.‬‬

‫( ‪)4/409‬‬ ‫صلِ‬ ‫جعَلْنَاهَا فِتْ َنةً لِلظّاِلمِينَ(‪ )63‬إِ ّنهَا شَجَ َرةٌ َتخْرُجُ فِي َأ ْ‬ ‫أَذَِلكَ خَيْرٌ نُ ُزلً أَمْ شَجَ َرةُ ال ّزقّومِ(‪ )62‬إِنّا َ‬ ‫جحِيمِ(‪ )64‬طَ ْل ُعهَا كَأَنّهُ ُرؤُوسُ الشّيَاطِينِ(‪ )65‬فَإِ ّنهُمْ لَآكِلُونَ مِ ْنهَا َفمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ(‪ )66‬ثُمّ إِنّ‬ ‫الْ َ‬ ‫جحِيمِ(‪ )68‬إِ ّن ُهمْ أَ ْل َفوْا آبَاءَ ُه ْم ضَالّينَ(‪َ )69‬فهُمْ‬ ‫ج َع ُهمْ لَإِلَى الْ َ‬ ‫حمِيمٍ(‪ُ )67‬ثمّ إِنّ مَرْ ِ‬ ‫شوْبا مِنْ َ‬ ‫َلهُمْ عَلَ ْيهَا َل َ‬ ‫ضلّ قَبَْلهُمْ َأكْثَرُ الَْأوّلِينَ(‪ )71‬وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ(‪ )72‬فَا ْنظُرْ‬ ‫عَلَى آثَارِ ِهمْ ُيهْرَعُونَ(‪ )70‬وََلقَ ْد َ‬ ‫خَلصِينَ(‪)74‬‬ ‫كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْلمُنْذَرِينَ(‪ )73‬إِلّا عِبَادَ اللّهِ ا ْلمُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أذلك خير نزل ‪ :‬أي ذلك المذكور لهل الجنة خير نزلً وهو ما يعد للنازل من ضيف وغيره‪.‬‬ ‫أم شجرة الزقوم ‪ :‬المعدة لهل النار وهي من أخبث الشجر طعما ومرارة‪.‬‬ ‫إنا جعلناها فتنة للظالمين ‪ :‬أي امتحانا واختبارا لهم في الدنيا وعذابا لهم في الخرة‪.‬‬ ‫تخرج في أصل الجحيم ‪ :‬أي في قعر الجحيم وأغصانها في دركاتها‪.‬‬ ‫طلعها كأنه رؤوس الشياطين ‪ :‬أي ما يطلع من ثمرها أول كالحيات القبيحة المنظر‪.‬‬ ‫إن لهم عليها لشوبا من حميم ‪ :‬أي بعد أكلها يسقون ماء حميما فذلك الشوب أي الخلط‪.‬‬ ‫إنهم ألفوا آباءهم ‪ :‬أي وجدوا آباءهم‪.‬‬ ‫فهم على آثارهم يهرعون ‪ :‬أي يسرعون مندفعين إلى أتباعهم بدون فكر ول روية‪.‬‬ ‫ولقد أرسلنا فيهم منذرين ‪ :‬أي رسل منذرين لهم من العذاب‪.‬‬ ‫فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ‪ :‬إنها كانت عذابا أليما لصرارهم على الكفر‪.‬‬ ‫إل عباد ال المخلصين ‪ :‬فإنهم نجوا من العذاب ولم يهلكوا‪.‬‬

‫( ‪)4/410‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى ما أعد لهل اليمان به وطاعته وطاعة رسوله من النعيم المقيم في الجنة دار‬ ‫البرار قال أذلك(‪ )1‬المذكور من النعيم في الجنة خير نزل والنزل ما يعد(‪ )2‬من قرى للضيف‬ ‫النازل وغيره أم شجرة الزقوم‪ ،‬أي ثمرها وهو ثمر سمج مرّ قبيح المنظر‪ .‬ثم أخبر تعالى أنه‬ ‫جعلها فتنة للظالمين من كفار قريش إذ قالوا لما سمعوا بها كيف تنبت الشجرة في النار والنار‬ ‫صلِ‬ ‫شجَ َرةٌ تَخْرُجُ فِي َأ ْ‬ ‫تحرق الشجر‪ ،‬فكذبوا بها فكان ذلك فتنة لهم‪ .‬ثم وصفها تعالى بقوله {إِ ّنهَا َ‬ ‫جحِيمِ} أي في قعرها تمتد فروعها في دركات النار‪ .‬وقوله طلعها أي ما يطلع من ثمرها في قبح‬ ‫الْ َ‬

‫منظره {كَأَنّهُ ُرؤُوسُ(‪ )3‬الشّيَاطِينِ} لن العرب تضرب المثل بالشيطان في القبح كما أن هناك‬ ‫حيات يسمونها بالشيطان قبيحة المنظر وقوله فإنهم أي الظلمة المشركين لكلون منها أي من‬ ‫حمِيمٍ}‬ ‫شوْبا مِنْ َ‬ ‫شجرة(‪ )4‬الزقوم لشدة جوعهم فمالئون منها البطون أي بطونهم {ثُمّ إِنّ َلهُمْ عَلَ ْيهَا َل َ‬ ‫وذلك أنهم لما يأكلون يعطشون فيسقون من حميم فذلك الشوب من الحميم إذ الشوب الخلط‬ ‫جحِيمِ} أي مردهم إلى‬ ‫ج َع ُهمْ لَإِلَى الْ َ‬ ‫والمزج يُقال شاب اللبن بالماء أي خلطه به وقوله { ُثمّ إِنّ مَرْ ِ‬ ‫الجحيم بعدما يأكلون ويشربون في مجالس خاصة بالكل والشرب يردون إلى نار الجحيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {إِ ّنهُمْ أَ ْل َفوْا آبَا َءهُ ْم ضَالّينَ} أي وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى والرشاد { َفهُمْ‬ ‫عَلَى آثَارِ ِهمْ ُيهْرَعُونَ(‪ })5‬أي يهرولون مسرعين وراءهم يتبعونهم في الشرك والكفر والضلل‬ ‫ضلّ قَبَْلهُمْ َأكْثَرُ الَْأوّلِينَ} أي فليس هؤلء أول من ضل {وََلقَدْ أَرْسَلْنَا} أي في‬ ‫وقوله تعالى {وََلقَ ْد َ‬ ‫أولئك الضالين من القوام السالفين منذرين أي رسلً ينذرونهم فلم يؤمنوا فأهلكناهم فانظر كيف‬ ‫كانت عاقبة المنذرين إنها كانت هلكا ودمارا للكافرين‪ .‬وقوله تعالى {ِإلّا عِبَادَ اللّهِ ا ْل ُمخَْلصِينَ(‪})6‬‬ ‫استثناء منه تعالى لعباده المؤمنين الصالحين وهم الذين استخلصهم لعبادته بذكره وشكره فآمنوا‬ ‫وأطاعوا فإنه تعالى نجاهم وأهلك أعداءهم الكافرين المكذبين وفي الية تهديد ووعيد لكفار قريش‬ ‫بما ل مزيد عليه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أذلك خير‪ :‬مبتدأ وخبر ونزل تمييز‪ ،‬والمعنى أنعيم الجنة خير نزلً أم شجرة الزقوم خير‬ ‫نزل؟‬ ‫‪ - 2‬قرى الضيف هو ما يعد له من طعام وشراب وفراش ويسمى النزل بضم النون والزاي‬ ‫ويجوز تسكين الزاي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬مما تعارف عليه العرب أنهم يصورون كل قبيح (بصورة الشياطين) قال امرؤ القيس‪:‬‬ ‫أيقتلونني والمشرفي مضاجعي‬ ‫ومسنونة زرق كأنياب أغوالي‬ ‫انظر كيف صور سهامه المحددة بصورة أنياب الغوال ول يوجد أغوال في الواقع وإنما مجرد‬ ‫تصور وتقدير ل غير‪.‬‬ ‫‪ - 4‬هذا الطعام والشراب مقابل ما لهل الجنة من رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات‬ ‫النعيم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬الهراء السراع من شخص يستحثه بشيء على السراع والهرولة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الستثناء متصل لن المخلصين كانوا من جملة المنذرين فصدقوا المنذرين واتبعوهم وذلك‬ ‫باستخلص ال تعالى لهم لعبادته والدعوة إليه‪.‬‬

‫( ‪)4/411‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أحسن الساليب في الدعوة وهو الترهيب والترغيب‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث والجزاء بأسلوب العرض للحداث التي تتم في القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالتباع في الضلل للباء والجداد وأهل البلد‪.‬‬ ‫‪ -4‬إهلك ال تعالى للظالمين وإنجاؤه للمؤمنين عند الخذ بالذنوب في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫جعَلْنَا ذُرّيّتَهُ هُمُ‬ ‫وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَ ِنعْمَ ا ْلمُجِيبُونَ(‪ )75‬وَنَجّيْنَا ُه وَأَهْلَهُ مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْلعَظِيمِ(‪ )76‬وَ َ‬ ‫علَيْهِ فِي الْآخِرِينَ(‪ )78‬سَلمٌ عَلَى نُوحٍ فِي ا ْلعَاَلمِينَ(‪)79‬‬ ‫الْبَاقِينَ(‪ )77‬وَتَ َركْنَا َ‬ ‫حسِنِينَ(‪ )80‬إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ )81‬ثُمّ أَغْ َرقْنَا الْآخَرِينَ(‪)82‬‬ ‫إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد نادانا نوح ‪ :‬أي قال إني مغلوب فانتصر "من سورة القمر"‬ ‫فلنعم المجيبون ‪ :‬أي له إذ نجيناه وأهلكنا الكافرين من قومه‪.‬‬ ‫من الكرب العظيم ‪ :‬أي عذاب الغرق بالطوفان‪.‬‬ ‫وجعلنا ذريته هم الباقين ‪ :‬إذ عامة الناس كانوا من ذريته سام‪ ,‬وحام ويافث‪.‬‬ ‫وتركنا عليه في الخرين ‪ :‬أي أبقينا عليه ثناء حسنا عند سائر المم والشعوب‪.‬‬ ‫سلم على نوح في العالمين ‪ :‬أي سلم على نوح في العالمين أي في الناس أجمعين‪.‬‬ ‫إنا كذلك نجزي المحسنين ‪ :‬أي كما جزينا نوحا بالذكر الحسن والسلم في العالمين نجزي‬ ‫المحسنين‪.‬‬ ‫ثم أغرقنا الخرين ‪ :‬أي كفار قومه المشركين بعد إنجاء المؤمنين في السفينة‪.‬‬

‫( ‪)4/412‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫على إثر ذكره تعالى إهلك المنذرين وإنجائه المؤمنين من عباده المخلصين ذكر قصة تاريخية‬ ‫لذلك وهي نوح وقوه حيث أنذرنوح قومه ولما جاء العذاب أنجى ال عباده المخلصين وأهلك‬ ‫المكذبين المنذرين فقال تعالى في ذكر هذه القصة الموجزة {وََلقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} أي دعانا لنصرته‬ ‫من قومه فـ {قَالَ َربّ ا ْنصُرْنِي ِبمَا كَذّبُونِ} وقال {إَِنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ} {فَلَ ِنعْمَ ا ْلمُجِيبُونَ} نحن له‬ ‫{وَنَجّيْنَا ُه وَأَهَْلهُ} باستثناء امرأته وولده كنعان {مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْلعَظِيمِ} وهو عذاب الغرق‪ .‬وقوله‬ ‫جعَلْنَا ذُرّيّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} إلى يوم القيامة وهذا جزاء له على صبره في دعوته وإخلصه وصدقه‬ ‫{وَ َ‬ ‫فيها إذ كل الناس اليوم من أولده الثلثة وهم سام(‪ )1‬وهو أبو العرب والروم وفارس‪ ،‬وحام وهو‬

‫أبو السودان ويافث وهو أبو الترك والخزر وهم التتار ضيقوا العيون ولهذا سموا الخزر من خزر‬ ‫العين وهو ضيقها وصغرها‪ ،‬ويأجوج ومأجوج‪ ،‬وقوله {وَتَ َركْنَا عَلَ ْيهِ فِي الْآخِرِينَ}( ‪ )2‬أي في‬ ‫أجيال البشرية التي أتت بعده وهو الذكر الحسن الثناء العطر المعبر عنه بقوله تعالى {سَلمٌ عَلَى‬ ‫حسِنِينَ} أي كما جزينا نوحا ليمانه وصبره‬ ‫نُوحٍ فِي ا ْلعَاَلمِينَ} وقوله تعالى {إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫وتقواه وصدقه ونصحه وإخلصه نجزي المحسنين في إيمانهم وتقواهم وهذه بشرى للمؤمنين‬ ‫وقوله {إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ثناء عليه وبيان لعلة الكرام والنعام عليه‪ .‬ودعوة إلى اليمان‬ ‫بالترغيب فيه‪ ،‬وقوله { ُثمّ أَغْ َرقْنَا الْآخَرِينَ} أي أغرقناهم بالطوفان بكفرهم وشركهم وتكذيبهم بعد‬ ‫أن أنجينا المؤمنين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ال لوليائه‪ ،‬وإهانته لعدائه‪.‬‬ ‫‪ -2‬إجابة دعاء الصالحين ل سيما عندما يظلمون‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الحسان وحسن عاقبة أهله‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل اليمان وكرامة أهله عند ال في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬قول سلم على نوح في العالمين إذا قاله المؤمن حين يمسي(‪ )3‬أو يصبح يحفظه ال تعالى‬ ‫من‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬عن سعيد بن المسيب قال ولد نوح عليه السلم ثلثة‪ :‬سام ويافث وحام وولد كل واحد من‬ ‫هؤلء الثلث ثلثة فولد سام العرب وفارس والروم‪ ،‬وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج‬ ‫ومأجوج وولد حام القبط والسودان والبربر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما يُذكر بخير‪ ،‬قال مجاهد لسان صدق في النباء‪.‬‬ ‫‪ - 3‬وقال سعيد بن المسيب وبلغني انه من قال حين يمسي "سلم على نوح في العالمين لم تلدغه‬ ‫عقرب" ذكره أبو عمرو ابن عبد البر في التمهيد ونقله عنه القرطبي‪.‬‬

‫( ‪)4/413‬‬ ‫لسعة العقرب‪ .‬وأصح منه قول‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامة(‪ )1‬من شر ما خلق لصحة الحديث في‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وَإِنّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(‪ِ )83‬إذْ جَاءَ رَبّهُ ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ(‪ )84‬إِذْ قَالَ لِأَبِي ِه َو َقوْمِهِ مَاذَا َتعْبُدُونَ(‪)85‬‬ ‫أَِإفْكا آِلهَةً دُونَ اللّهِ تُرِيدُونَ(‪َ )86‬فمَا ظَّنكُمْ بِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )87‬فَ َنظَرَ نَظْ َرةً فِي النّجُومِ(‪َ )88‬فقَالَ‬ ‫طقُونَ(‬ ‫سقِيمٌ(‪ )89‬فَ َتوَّلوْا عَ ْنهُ مُدْبِرِينَ(‪ )90‬فَرَاغَ إِلَى آِلهَ ِت ِهمْ َفقَالَ أَل تَ ْأكُلُونَ(‪ )91‬مَا َل ُكمْ ل تَنْ ِ‬ ‫إِنّي َ‬

‫‪ )92‬فَرَاغَ عَلَ ْيهِ ْم ضَرْبا بِالْ َيمِينِ(‪ )93‬فََأقْبَلُوا إِلَيْهِ يَ ِزفّونَ(‪ )94‬قَالَ أَ َتعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(‪ )95‬وَاللّهُ‬ ‫خََل َقكُ ْم َومَا َت ْعمَلُونَ(‪)96‬‬ ‫سفَلِينَ(‪)98‬‬ ‫جعَلْنَاهُمُ الَْأ ْ‬ ‫قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانا فَأَ ْلقُوهُ فِي ا ْلجَحِيمِ(‪ )97‬فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدا َف َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن من شيعته لبراهيم ‪ :‬وإن من أشياع نوح على ملته ومنهاجه إبراهيم الخليل عليهما السلم‪.‬‬ ‫إذ جاء ربه بقلب سليم ‪ :‬أي أتى ربه بقلب سليم من الشرك والشك واللتفات إلى غير الرب‬ ‫سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫إذ قال لبيه وقومه ماذا تعبدون؟ ‪ :‬أي حين قال لبيه وقومه المشركين أي شيء تعبدون؟‬ ‫أئفكا آلهة دون ال تريدون؟ ‪ :‬أي كذبا هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير ال؟‬ ‫فما ظنكم برب العالمين ‪ :‬أي شيء هو؟ أترون أنه ل يسخط عليكم ول يعاقبكم فتعبدون‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روى مالك في الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من‬ ‫نزل منزل فليقل‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل"‪.‬‬

‫( ‪)4/414‬‬ ‫غيره وهو ربكم ورب العالمين‪.‬‬ ‫فنظر نظرة في النجوم ‪ :‬أي إيهاما لهم إذ كانوا يؤلهون النجوم‪.‬‬ ‫فقال إني سقيم ‪ :‬أي عليل أي ذو سقم وهو المرض والعلة‪.‬‬ ‫فتولوا عنه مدبرين ‪ :‬أي رجعوا إلى ما هم فيه وتركوه قابلين عذره‪.‬‬ ‫فراغ إلى آلهتهم ‪ :‬أي مال إليها خفية‪.‬‬ ‫فراغ عليهم ضربا باليمين ‪ :‬أي بقوة يمينه فكسرها بفأس وحطمها‪.‬‬ ‫فأقبلوا إليه يزفون‪ :‬أي يمشون بقوة وسرعة‪.‬‬ ‫ما تنحتون ‪ :‬من الحجارة والخشاب والمعادن كالذهب والفضة‪.‬‬ ‫وما تعملون ‪ :‬أي وخلق ما تعبدون من أصنام وكواكب‪.‬‬ ‫فقالوا ابنوا له بنيانا‪ :‬واملوه حطبا وأضرموا فيه النار فإذا التهب فألقوه فيه‪.‬‬ ‫فجعلناهم السفلين‪ :‬أي المقهورين الخائبين في كيدهم إذ نجّى ال إبراهيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى قصة نوح مقررا بها نصرة أوليائه وخذلن أعدائه ذكر قصة أخرى هي قصة‬ ‫إبراهيم وهي أكبر موعظة لكفار قريش لنهم ينتمون إلى إبراهيم ويدّعون أنهم على ملته وملة‬ ‫ولده إسماعيل فلذا أطال الحديث فيها فقال سبحانه تعالى {وَإِنّ مِنْ شِيعَتِهِ(‪ )1‬لَإِبْرَاهِيمَ} أي وإن من‬

‫أشياع نوح عليه الذين هم على ملته ومنهجه إبراهيم خليل الرحمن {إِذْ جَاءَ رَبّهُ ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ } أي‬ ‫إذ أتى(‪ )2‬ربّه بقلب سليم من الشرك والشك واللتفات إلى غير الرب تعالى في الوقت الذي قال‬ ‫لبيه وقومه ماذا تعبدون‪ ،‬منكرا عليهم عبادة الصنام فلو كان في قلبه أدنى التفاتة إلى غيره‬ ‫طمعا أو خوفا ما أمكنه أن يقول الذي قال بل كان في تلك الساعة سليم القلب ليس فيه نظر لغير‬ ‫ال تعالى وقوله {أَِإفْكا(‪ )3‬آِلهَةً دُونَ اللّهِ تُرِيدُونَ} أي أكذبا هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير ال‬ ‫حيث جعلتموها بكذبكم بألسنتكم آلهة وهي أحجار وأصنام‪ .‬وقوله {فَنَظَرَ َنظْ َرةً فِي النّجُومِ} وقد‬ ‫عبدتم الكذب دونه إذ آلهتكم ما هي إل كذب بحت‪ .‬أترون أن ال ل يسخط عليكم ول‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وقيل هاء الضمير عائد إلى محمد صلى ال عليه وسلم ليكون المعنى وإن من شيعة محمد‬ ‫إبراهيم وهو حقا من شيعته ولكن السياق يأباه بل المراد نوح عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قيل في مجيئه ربه بقلب سليم إما أن يكون عند دعائه إلى توحيده‪ ،‬أو عند إلقائه في النار‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الستفهام إنكاري إذ هو أنكر على قومه عبادة وتأليه غير ال تعالى‪ ،‬وقوله { فما ظنكم برب‬ ‫العالمين} استفهام متفرع عما قبله وهما للنكار الول والثاني‪ .‬فالول أنكر عليهم اتخاذهم آلهة‬ ‫دونه تعالى والثاني أنكر عليهم سوء ظنهم بال حتى عبدوا آلهة غيره‪.‬‬

‫( ‪)4/415‬‬ ‫سقِيمٌ} هنا كلم محذوف دل عليه المقام وهو أن‬ ‫يعاقبكم؟ وقوله {فَنَظَرَ نَظْ َرةً فِي النّجُومِ َفقَالَ إِنّي َ‬ ‫أهل البلد قد عزموا على الخروج إلى عيد لهم يقضونه خارج البلد‪ ،‬فعرضوا عليه الخروج معهم‬ ‫فاعتذر بقوله إني سقيم أي ذو سقم بعد أن نظر في النجوم موهما لهم أنه رأى ما دله على أنه‬ ‫سيصاب بسقم وهو مرض الطاعون وكان القوم منجمين ينظرون إلى النجوم فيدعون أنهم‬ ‫يعرفون بذلك الخير والشر الذي ينزل إلى الرض بواسطة الكواكب فأوهمهم بذلك فتركوه خوفا‬ ‫من عدوى الطاعون‪ ،‬أو تركوه قبولً لعذره(‪ )1‬هذا ما دل عليه قوله تعالى {فَنَظَرَ َنظْ َرةً فِي‬ ‫سقِيمٌ} {فَ َتوَّلوْا عَنْهُ} أي لذلك ورجعوا إلى أمورهم وما هم عازمون عليه من‬ ‫النّجُومِ َفقَالَ إِنّي َ‬ ‫الخروج إلى العيد خارج البلد وهو معنى فتولوا عنه مدبرين وهنا وقد خل له المكان الذي فيه‬ ‫اللهة من الحراس والعباد والزوار لللهة في بهوها الخاص فنفذ ما حلف على تنفيذه في مناظرة‬ ‫كانت بينه وبين بعضهم إذ قال {وَتَاللّهِ لََأكِيدَنّ َأصْنَا َمكُمْ َب ْعدَ أَنْ ُتوَلّوا مُدْبِرِينَ} وبدأ المهمة فقال‬ ‫لللهة وأنواع الطعمة أمامها تلك الطعمة من الحلويات وغيرها التي يتركها المشركون لتباركها‬ ‫اللهة ثم يأكلونها رجاء بركتها {أَل تَ ْأكُلُونَ} عارضا عليها الكل سخرية بها فلم تجبه ولم تأكل‬ ‫طقُونَ} ثم انهال عليها ضربا بفأس بيده اليمنى فكسرها وجعلها جذاذا أي‬ ‫فقال لها {مَا َلكُمْ ل تَنْ ِ‬ ‫قطعا متناثرة‪ .‬فلما رجعوا من عيدهم مساء وجاءوا بهو اللهة ليأخذوا الطعمة وجدوا اللهة‬

‫مكسرة {فََأقْبَلُوا إِلَ ْيهِ يَ ِزفّونَ} أي مسرعين بأن طلبوا من رجالهم إحضاره على الفور فأحضروه‬ ‫وأخذوا يحاكمونه فقال في دفاعه {قَالَ أَ َتعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أي بأيديكم من أصنام بعضها من حجر‬ ‫وبعض من خشب ومن فضة ومن ذهب أيضا‪{ ،‬وَاللّهُ خََل َقكُ ْم َومَا َت ْعمَلُونَ} من كل عمل من‬ ‫أعمالكم فلم ل تعبدونه‪ ،‬وتعبدون أصناما ل تنفع ول تضر‪ ،‬ولما غلبهم في الحجة وانهزموا أمامه‬ ‫أصدروا أمرهم بإحراقه بالنار فقالوا {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانا} أي فرنا عظيما واملوه حطبا وأضرموا فيه‬ ‫النار حتى إذا التهب فألقوه في جحيمه وهو معنى قوله تعالى {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانا فَأَ ْلقُوهُ فِي‬ ‫جحِيمِ} وقوله تعالى {فَأَرَادُوا} أي بإبراهيم {كَيْدا} أي شرا وذلك بعزمهم على إحراقه وتنفيذهم ما‬ ‫الْ َ‬ ‫سفَلِينَ} أي المتهورين المغلوبين إذ قال تعالى للنار {كوني بردا وسلما‬ ‫جعَلْنَاهُمُ الْأَ ْ‬ ‫عزموا عليه { َف َ‬ ‫على إبراهيم} فكانت فخرج منها إبراهيم ولم يحرق سوى كتافيه الذي في يديه ورجليه وخيب ال‬ ‫سعي المشركين وأذلهم أمام إبراهيم وأخزاهم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬شاهد هذا حديث الصحيح‪ :‬لم يكذب إبراهيم إل ثلثا اثنتين منهن في ذات ال عز وجل قوله‪:‬‬ ‫إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا‪ .‬وبينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة‬ ‫فسأله عن سارة فقال هي أختي الحديث‪.‬‬

‫( ‪)4/416‬‬ ‫جعَلْنَاهُمُ الَْأخْسَرِينَ(‪ })1‬وقد جمع ال تعالى لهم بين الخسران في كل ما‬ ‫وهو معنى قوله تعالى { َف َ‬ ‫أملوه من عملهم والذل الذي ما فارقهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬أصل الدين واحد فالسلم هو دين ال الذي تعبد به آدم فمن بعده إلى محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬كمال إبراهيم في سلمة قلبه من اللتفات إلى غير ال تعالى حتى إن جبريل قد عرض له‬ ‫وهو في طريقه إلى الجحيم الذي أعده له قومه فقال [هل لك حاجة يا إبراهيم فقال أما إليك فل]‪.‬‬ ‫‪ -3‬من أقبح الكذب ادعاء أن غير ال يعبد مع ال تبركا به أو طلبا لشفاعته‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تغيير المنكر عند القدرة عليه‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان ابتلء إبراهيم وأنه ألقي في النار فصبر‪ ،‬ولذا أكرمه ربه بما سيأتي في السياق بيانه‪.‬‬ ‫حلِيمٍ(‬ ‫َوقَالَ إِنّي ذَا ِهبٌ إِلَى رَبّي سَ َيهْدِينِ(‪َ )99‬ربّ َهبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ(‪ )100‬فَ َبشّرْنَاهُ ِبغُلمٍ َ‬ ‫حكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَ َبتِ‬ ‫س ْعيَ قَالَ يَا بُ َنيّ إِنّي أَرَى فِي ا ْلمَنَامِ أَنّي أَذْ َب ُ‬ ‫‪ )101‬فََلمّا بََلغَ َمعَهُ ال ّ‬ ‫ا ْف َعلْ مَا ُت ْؤمَرُ سَ َتجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ(‪ )102‬فََلمّا َأسَْلمَا وَتَلّهُ لِ ْلجَبِينِ(‪ )103‬وَنَادَيْنَاهُ أَنْ‬

‫حسِنِينَ(‪ )105‬إِنّ هَذَا َل ُهوَ الْبَلءُ ا ْلمُبِينُ(‬ ‫يَا إِبْرَاهِيمُ(‪َ )104‬ق ْد صَ ّد ْقتَ ال ّرؤْيا إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫‪َ )106‬وفَدَيْنَاهُ ِبذِبْحٍ عَظِيمٍ(‪ )107‬وَتَ َركْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ(‪ )108‬سَلمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ(‪َ )109‬كذَِلكَ‬ ‫نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ(‪ )110‬إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُمؤْمِنِينَ(‪ )111‬وَبَشّرْنَاهُ بِِإسْحَاقَ نَبِيّا مِنَ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه الجملة من سورة النبياء ذكرت هنا شاهدا مبينا لغاية كيدهم وهو خسرانهم فيما دبروا‬ ‫وفعلوا‪.‬‬

‫( ‪)4/417‬‬ ‫ن وَظَاِلمٌ لِ َنفْسِهِ مُبِينٌ(‪)113‬‬ ‫حسِ ٌ‬ ‫ق َومِنْ ذُرّيّ ِت ِهمَا مُ ْ‬ ‫علَيْ ِه وَعَلَى إِسْحَا َ‬ ‫الصّالِحِينَ(‪ )112‬وَبَا َركْنَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إني ذاهب إلى ربي سيهدين ‪ :‬أي إني مهاجر إلى ربي سيهدين إلى مكان أعبده فيه فل أمنع فيه‬ ‫من عبادته‪.‬‬ ‫رب هب لي من الصالحين ‪ :‬أي ولدا من الصالحين‪.‬‬ ‫بغلم حليم ‪ :‬أي ذي حلم وصبر كثير يولد له‪.‬‬ ‫فلما بلغ معه السعي ‪ :‬أي بلغ من العمر ما أصبح يقدر فيه على العمل كسبع سنين فأكثر‪.‬‬ ‫فانظر ماذا ترى ‪ :‬أي من الرأي الرشد‪.‬‬ ‫من الصابرين ‪ :‬أي على الذبح الذي أمرت به‪.‬‬ ‫فلما أسلما ‪ :‬أي خضعا لمر ال الولد والوالد وانقادا له‪.‬‬ ‫وتله للجبين ‪ :‬أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الرض ولكل إنسان جبينان أيمن‬ ‫وأيسر والجبهة بينهما‪.‬‬ ‫قد صدقت الرؤيا ‪ :‬أي بما عزمت عليه وفعلته من الخروج بالولد إلى منى وصرعه على الرض‬ ‫وإمرار السكين على حلقه‪.‬‬ ‫إن هذا لهو البلء المبين ‪ :‬أي المر بالذبح اختبار عظيم‪.‬‬ ‫وفديناه بذبح عظيم ‪ :‬أي كبش كبير‪.‬‬ ‫وتركنا عليه في الخرين ‪ :‬أي أبقينا عليه ذكرا حسنا فيمن جاء بعده من الناس‪.‬‬ ‫وباركنا عليه وعلى إسحاق ‪ :‬أي وباركنا عليه بتكثير ذريته وذرية إسحاق حتى أن عامة النبياء‬ ‫من ذريتهما‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في قصة إبراهيم الخليل إنه بعد أن ألقي به في النار وخرج بحمد ال سالما‬

‫( ‪)4/418‬‬ ‫قرر الهجرة وترك البلد‪ ،‬وقال { َوقَالَ إِنّي ذَا ِهبٌ إِلَى رَبّي سَ َي ْهدِينِ} أي إني ذاهب إلى حيث أذن‬ ‫لي ربي بالهجرة إليه حيث أتمكن من عبادته فذهب إلى بلد الشام ونزل أول بحران من الشام‪،‬‬ ‫وقوله سيهدين أي يثبتني بدوام هدايته لي‪ .‬ودعا ربه قائلً { َربّ َهبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ} أي‬ ‫ارزقني أولدا صالحين‪ .‬فاستجاب ال تعالى له وذلك أنه سافر في أرض القدس مع زوجته سارة‬ ‫وانتهى إلى مصر‪ ،‬وحدث أن وهب طاغية مصر جارية لسارة تسمى هاجر فوهبتها سارة‬ ‫لزوجها إبراهيم فتسراها فولدت له غلما هو إسماعيل وهو استجابة ال تعالى لبراهيم في دعائه‬ ‫عند هجرته { َربّ َهبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ} وهو قوله تعال {فَبَشّرْنَاهُ ِبغُلمٍ حَلِيمٍ}‪ .‬وقد أخذ سارة ما‬ ‫يأخذ النساء من الغيرة لما رأت جارية إبراهيم أنجبت له إسماعيل فأمر ال إبراهيم بأن يأخذها‬ ‫وطفلها إلى مكة إبعادا لها عن سارة ليقل تألمها‪ .‬وهناك بمكة رأى إبراهيم رؤيته ورؤيا النبياء‬ ‫س ْعيَ} كابن‬ ‫وحي وقال لسماعيل ما أخبر تعالى به في قوله {فَبَشّرْنَاهُ ِبغُلمٍ حَلِيمٍ فََلمّا بَلَغَ َمعَهُ ال ّ‬ ‫سبع سنين(‪ )1‬فأكثر بمعنى أصبح قادرا على العمل معه {قَالَ يَا بُ َنيّ إِنّي أَرَى فِي ا ْلمَنَامِ أَنّي‬ ‫حكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} أي استشاره ليرى رأيه في القبول أو الرفض فأجاب إسماعيل قائل {قَالَ‬ ‫أَذْ َب ُ‬ ‫جدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ} وفعل خرج به‬ ‫يَا أَ َبتِ ا ْف َعلْ مَا ُت ْؤمَرُ} أي ما يأمرك به ربك {سَتَ ِ‬ ‫إبراهيم من حول البيت إلى منى(‪ )2‬وانتهى إلى مكان تجاوز به مكان الجمرات الثلث وتله‬ ‫للجبين أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الرض وأخذ المدية ووضعها على رقبته‬ ‫والتفت لمر ما وإذا بكبش أملح والهاتف يقول اترك ذاك وخذ هذا فترك الولد وذبح الكبش‬ ‫وكانت آية‪ .‬وهو قوله تعالى { َوفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}‪ ،‬وقوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ َق ْد صَ ّد ْقتَ‬ ‫حسِنِينَ إِنّ َهذَا َل ُهوَ الْبَلءُ ا ْلمُبِينُ} أي الختبار البين وبذلك تأهل للخلة‬ ‫ال ّرؤْيا إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫وأصبح خليل الرحمن‪ ،‬وقوله تعالى { َوفَدَيْنَاهُ} أي إسماعيل { ِبذِبْحٍ عَظِيمٍ}( ‪ )3‬أي بكش عظيم‪ .‬هو‬ ‫الذي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه بلغ الثالثة عشرة من عمره وفي هذا أقوال ولهذا‬ ‫في التفسير قلنا سبع سنين فأكثر إذ بداية السعي من السابعة والبلوغ ينتهي إلى الخامسة عشر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قيل إن إبراهيم لما رأى الرؤيا كانت ليلة يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة فسمي اليوم يوم‬ ‫التروية إذ تروّى فيه ويوم التاسع عرف أن الرؤيا حق لذا سمي يوم عرفة ويوم العاشر خرج‬ ‫بإسماعيل ليذبحه فسمي يوم النحر لذلك وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬اختلف في أيهما الذبيح أهو إسماعيل أم إسحق والراجح انه إسماعيل لن الذبح كان في مكة‬ ‫ولم يكن في الشام لن إسماعيل عاش بمكة ولم يعش بالشام ولن هاجر كانت في مكة وسارة‬

‫كانت بالشام وبلغ الخلف حتى قال بعضهم نفوض فكان التفويض مذهبا ثالثا والذي أثار هذا‬ ‫الخلف هم أهل الكتاب يريدون سلب هذا الفضل عن النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفي‬ ‫البيات التية إشارة إلى ذلك‪:‬‬ ‫إن الذبيح هديتَ إسماعيل‬ ‫نطق الكتاب بذاك والتنزيل‬ ‫شرف به خص الله نبيا‬ ‫وأتى به التفسير والتأويل‬ ‫إن كنت أمّته فل تنكر له‬ ‫شرفا به قد خصه التفضيل‬

‫( ‪)4/419‬‬ ‫ذبحه إبراهيم وترك إسماعيل(‪ )1‬وقوله {وَتَ َركْنَا عَلَ ْيهِ فِي الْآخِرِينَ} أي أبقينا عليه ثناء عاطرا‬ ‫وذكر حسنا فيمن جاء بعده من المم والشعوب‪{ .‬سَلمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} أي سلم من ال على‬ ‫إبراهيم كذلك أي كذلك الجزاء الذي جزى به ال تعالى إبراهيم على إيمانه وهجرته وصبره‬ ‫وطاعته يجزي المحسنين وقوله {إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} وفي هذا ثناء عاطر على المؤمنين‪،‬‬ ‫سحَاقَ نَبِيّا مِنَ الصّالِحِينَ} وهذا يوم جاءه الضيف من الملئكة وهم في طريقهم‬ ‫وقوله {وَبَشّرْنَاهُ بِإِ ْ‬ ‫إلى المؤتفكات قرى قوم لوط‪ ،‬وذلك بعد أن بلغ من العمر عتيا وامرأته سارة كذلك إذ قالت ساعة‬ ‫عجُو ٌز وَهَذَا َبعْلِي شَيْخا} وعجبا لمن يقول إن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل‪،‬‬ ‫البشرى {أَأَلِ ُد وَأَنَا َ‬ ‫وقوله تعالى {وَبَا َركْنَا عَلَ ْي ِه وَعَلَى ِإسْحَاقَ} أي وباركنا عليه بتكثير ذريته وذرّية إسحاق حتى إن‬ ‫حسِنٌ}‬ ‫عامة النبياء من بعدهما من ذريّتهما‪ .‬وقوله تعالى { َومِنْ ذُرّيّ ِت ِهمَا} أي إبراهيم وإسحاق {مُ ْ‬ ‫أي مؤمن صالح { َوظَالِمٌ لِ َنفْسِهِ مُبِينٌ} بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل الهجرة في سبيل ال وأن أول هجرة كانت في الرض هي هجرة إبراهيم من العراق‬ ‫إلى الشام‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن الذبيح هو إسماعيل وليس هو إسحاق كما يقول البعض وكما يدعي اليهود‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل إبراهيم وعلو مقامه وكرامته عند ربه‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضل الحسان وجزاء المحسنين‪.‬‬ ‫وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ(‪ )114‬وَنَجّيْنَا ُهمَا َو َق ْو َمهُمَا مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْلعَظِيمِ(‪)115‬‬

‫وَ َنصَرْنَاهُمْ َفكَانُوا هُمُ ا ْلغَالِبِينَ(‪ )116‬وَآتَيْنَا ُهمَا ا ْلكِتَابَ ا ْلمُسْتَبِينَ(‪ )117‬وَهَدَيْنَا ُهمَا الصّرَاطَ‬ ‫ا ْلمُسْ َتقِيمَ(‪ )118‬وَتَ َركْنَا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ضعف القرطبي رواية الرجل الذي نادى رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلً يا ابن‬ ‫الذبيحين فضحك صلى ال عليه وسلم فل أرى وجها صحيحا لتضعيفها إذ صح أن الذبيح الول‬ ‫هو إسماعيل والثاني عبد ال الوالد إذ كل منهما ذبحه وال فداه ول الحمد والمنة‪.‬‬

‫( ‪)4/420‬‬ ‫حسِنِينَ(‪)121‬‬ ‫عَلَي ِهمَا فِي الْآخِرِينَ(‪ )119‬سَلمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ(‪ )120‬إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫إِ ّن ُهمَا مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)122‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد مننا على موسى وهارون ‪ :‬أي بالنبوة والرسالة‪.‬‬ ‫ونجيناهما وقومهما ‪ :‬أي بني إسرائيل‪.‬‬ ‫من الكرب العظيم ‪ :‬أي استعباد فرعون إياهم واضطهاده لهم‪.‬‬ ‫ونصرناهم ‪ :‬على فرعون وجنوده‪.‬‬ ‫الكتاب المستبين ‪ :‬أي التوراة الموضحة الحكام والشرائع‪.‬‬ ‫وهديناهما الصراط المستقيم ‪ :‬أي السلم ل رب العالمين‪.‬‬ ‫وتركنا عليهما في الخرين ‪ :‬أي أبقينا عليهما في الخرين ثناء حسنا‪.‬‬ ‫سلم على موسى وهارون ‪ :‬أي سلم منا على موسى هارون‪.‬‬ ‫إنا كذلك ‪ :‬أي كما جزيناهما نجزي المحسنين من عبادنا المؤمنين‪.‬‬ ‫إنهما من عبادنا المؤمنين ‪ :‬أي جزيناهما بما جزيناهما به ليمانهما‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر إفضال ال وإنعامه على من يشاء من عباده فبعد ذكر إنعامه على إبراهيم‬ ‫وولده إسحاق ذكر من ذريّتهما المحسنين موسى وهارون فقال تعالى {وََلقَدْ مَنَنّا عَلَى مُوسَى‬ ‫وَهَارُونَ} أي بالنبوة والرسالة(‪{ ،)1‬وَنَجّيْنَا ُهمَا َوقَ ْو َم ُهمَا} أي بني إسرائيل {مِنَ ا ْلكَ ْربِ ا ْل َعظِيمِ}‬ ‫الذي هو استعباد فرعون والقباط لهم واضطهادهم زمنا طويلً {وَ َنصَرْنَاهُمْ} أي على فرعون‬ ‫وملئه(‪َ { )2‬فكَانُوا ُهمُ ا ْلغَالِبِينَ} {وَآتَيْنَا ُهمَا(‪ })3‬أي أعطيناهما {ا ْلكِتَابَ ا ْلمُسْتَبِينَ} وهو التوراة‬ ‫الواضحة‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬كانت النبوة والرسالة منة لن موسى لم يكتسبها بعمل وهارون أعطيتها بدعوة أخيه موسى‬

‫فلم يكتسبها بأي جهد فهي إذا منة محضة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إذ خرج فرعون في جيش عرمرم قوامة مائة ألف من الفرسان فقط ثم نجى ال تعالى بني‬ ‫إسرائيل وأغرق فرعون وجنده أجمعين فكان نصرا عظيما لموسى على فرعون وملئه أجمعين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬موسى أوتي الكتاب أصالة وهارون بالتبعية لخيه موسى‪.‬‬

‫( ‪)4/421‬‬ ‫الحكام البين الشرائع ل خفاء فيها ول غموض‪{ .‬وَهَدَيْنَا ُهمَا الصّرَاطَ ا ْل ُمسْ َتقِيمَ} وهو الدين‬ ‫الصحيح الذي هو السلم دين ال الذي بعث به كافة رسله {وَتَ َركْنَا عَلَي ِهمَا فِي الْآخِرِينَ} أي‬ ‫علَى مُوسَى وَهَارُونَ} {إِنّا كَذَِلكَ‬ ‫وأبقينا عليهما الذكر الحسن والثناء العطر فيمن بعدهما {سَلمٌ َ‬ ‫نَجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ}( ‪ )1‬أي كما جزيناهما لحسانهما نجزي المحسنين {إِ ّن ُهمَا مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ}‬ ‫فيه بيان لعلة ما وهبهما من النعام والفضال وهو اليمان المقتضى للسلم والحسان‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إكرام ال تعالى لرسوليه موسى وهرون عليهما السلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إنعام ال تعالى على بني إسرائيل بإنجائهم من آل فرعون ونصرته لهم عليهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن السلم دين سائر النبياء وليس خاصا بأمة السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان فضل الحسان واليمان‪.‬‬ ‫ل وَتَذَرُونَ َأحْسَنَ‬ ‫وَإِنّ إِلْيَاسَ َلمِنَ ا ْلمُ ْرسَلِينَ(‪ِ )123‬إذْ قَالَ ِلقَ ْومِهِ أَل تَ ّتقُونَ(‪ )124‬أَتَدْعُونَ َبعْ ً‬ ‫حضَرُونَ(‪ )127‬إِلّا عِبَادَ اللّهِ‬ ‫الْخَاِلقِينَ(‪ )125‬اللّهَ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئ ُكمُ الَْأوّلِينَ(‪َ )126‬فكَذّبُوهُ فَإِ ّنهُمْ َلمُ ْ‬ ‫ا ْلمُخَْلصِينَ(‪ )128‬وَتَ َركْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ(‪ )129‬سَلمٌ عَلَى ِإلْ يَاسِينَ(‪ )130‬إِنّا كَذَِلكَ َنجْزِي‬ ‫حسِنِينَ(‪ )131‬إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)132‬‬ ‫ا ْلمُ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ { - 1‬إنا كذلك نجزي المحسنين} جملة تذييلية وإن كانت تحمل معنى التعليل والتوكيد‪،‬‬ ‫والمحسنون من أحسنوا طاعة ال فأطاعوه بما يحب من أفعال وتروك على نحو ما شرعه لهم‬ ‫وجملة إنهما من عبادنا المؤمنين تعليلية للنعام السابق‪.‬‬

‫( ‪)4/422‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن إلياس لمن المرسلين ‪ :‬إلياس هو أحد أنبياء بني إسرائيل من سبط هرون أرسله ال تعالى إلى‬

‫أهل مدينة بعلبك بالشام‪.‬‬ ‫أتدعون بعلً ‪ :‬أي صمنا يسمى بعل‪.‬‬ ‫وتذرون أحسن الخالقين ‪ :‬أي وتتركون عبادة ال أحسن الخالقين‪.‬‬ ‫فإنهم لمحضرون ‪ :‬أي في النار‪.‬‬ ‫إل عباد ال المخلصين ‪ :‬أي فإنهم نجوا من النار‪.‬‬ ‫وتركنا عليه في الخرين ‪ :‬أي أبقينا عليه في الخرين ذكرا حسنا‪.‬‬ ‫سلم على إل يا سين ‪ :‬أي سلم منا على إلياس‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر إنعام ال تعالى على بعض أنبيائه ورسله فقال تعالى {وَإِنّ إِلْيَاسَ َلمِنَ(‪)1‬‬ ‫ا ْلمُرْسَلِينَ} وهو من سبط هرون عليه السلم أحد أنبياء بني إسرائيل أخبر تعالى أنه من المرسلين(‬ ‫‪ )2‬أي اذكر إذ قال لقومه وهم أهل مدينة بعلبك وما حولها {أَل تَ ّتقُونَ} أي(‪ )3‬ال تعالى بعبادته‬ ‫وترك عبادة غيره‪ ،‬وهذا دليل على أنه رسول‪ .‬وقوله عليه السلم {أَتَدْعُونَ َبعْلً}( ‪ )4‬هذا إنكار‬ ‫منه لهم على عبادة صنم كبير لهم يسمونه بعل‪ ،‬أي كيف تعبدون أصناما بدعائه والعكوف عليه‬ ‫والذبح والنذر له‪ ،‬وتتركون عبادة ال أحسن الخالقين‪{ ،‬اللّهَ رَ ّبكُمْ(‪ )5‬وَ َربّ آبَا ِئكُمُ الَْأوّلِينَ}‪ .‬قال‬ ‫تعالى { َفكَذّبُوهُ} أي في أنه ل إله إل ال فـ {مَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} فاحضرو في جهنم فهم من‬ ‫المحضرين فيها‪ ،‬وقوله تعالى {إِلّا عِبَادَ اللّهِ ا ْلمُخَْلصِينَ} أي الموحدين فإنهم ليسوا في النار بل هم‬ ‫في الجنة‪ .‬وقوله تعالى {وَتَ َركْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} أي وأبقينا له ذكرا حسنا في الذين جاءوا من‬ ‫بعده من الناس‪ .‬وقوله تعالى {سَلمٌ} أي منا {عَلَى ِإلْ يَاسِينَ} {إِنّا َكذَِلكَ } أي كما جزينا إلياس‬ ‫حسِنِينَ} وقوله {إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} أي‬ ‫لحسانه في طاعتنا { َنجْزِي ا ْلمُ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قدم تعالى ذكر نوح وإبراهيم وموسى وكلهم رسل أصحاب شرائع وعقب عليهم بذكر ثلثة‬ ‫آخرين ليست لهم شرائع مستقلة وهم إلياس ولوط ويونس ويوسف واسم إلياس في كتب بني‬ ‫إسرائيل "إيليا"‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عد في جملة المرسلين لن ال تعالى أمره بتبليغ ملوك بني إسرائيل أن ال غضب عليهم من‬ ‫أجل عبادة الصنام‪ .‬فإطلق اسم الرسول عليه كإطلقه على اسم رسل عيسى عليه السلم في‬ ‫سورة يس‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أل تتقون الهمزة للستفهام النكاري ينكر عليهم عدم تقواهم ل‪ ،‬ول نافية وحذف مفعول‬ ‫يتقون للعلم به‪ .‬أي أل تتقون ال تعالى أو عذابه ونقمه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ نافع آل سين كآل محمد‪ ،‬وقرأ حفص إل بكسر الهمزة وسكون اللم‪ .‬واختلف هل إل‬ ‫ياسين معناه إلياس‪ ،‬أو معناه ذوو ياسين كآل بني فلن‪ ،‬والراجح أن المراد بآل ياسين أنصاره‪.‬‬ ‫نحو قول النبي صلى ال عليه وسلم آل محمد كل تقي‪.‬‬

‫‪ - 5‬قرأ نافع والكثرون ال بالرفع على البتداء‪ ،‬وقرأ حفص ال بالنصب على عطف البيان‬ ‫على أحسن الخالقين‪.‬‬

‫( ‪)4/423‬‬ ‫استحق تكريمنا والجزاء الحسن لنه من عبادنا المؤمنين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد‪ ،‬والتنديد بالشرك‪.‬‬ ‫‪ -2‬هلك المشركين(‪ )1‬ونجاة الموحدين يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الحسان ومجازاة أهله بحسن الجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل اليمان وأنه سبب كل خير وكمال‪.‬‬ ‫ج َمعِينَ(‪ )134‬إِلّا عَجُوزا فِي ا ْلغَابِرِينَ(‪ُ )135‬ثمّ‬ ‫سلِينَ(‪ )133‬إِذْ َنجّيْنَا ُه وَأَهْلَهُ أَ ْ‬ ‫وَإِنّ لُوطا َلمِنَ ا ْلمُرْ َ‬ ‫َدمّرْنَا الْآخَرِينَ(‪ )136‬وَإِ ّنكُمْ لَ َتمُرّونَ عَلَ ْي ِهمْ ُمصْبِحِينَ(‪ )137‬وَبِاللّ ْيلِ َأفَل َت ْعقِلُونَ(‪)138‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن لوطا لمن المرسلين ‪ :‬أي وإن لوطا وهو ابن هاران أخي إبراهيم الخليل لمن جملة الرسل‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫إذ نجيناه وأهله أجمعين ‪ :‬أي اذكر يا رسولنا ممن أنعمنا عليهم بالنبوة والرسالة لوطا إذ نجيناه‬ ‫وأهله أجمعين من عذاب مطر السوء‪.‬‬ ‫إل عجوزا في الغابرين ‪ :‬أي إل امرأته الكافرة هلكت في الغابرين أي الباقين في العذاب‪.‬‬ ‫ثم دمرنا الخرين ‪ :‬أي أهلكنا الخرين ممن عدا لوطا والمؤمنين معه‪.‬‬ ‫وإنكم لتمرون عليهم ‪ :‬أي في أسفاركم إلى فلسطين وغزة ومصر بالليل والنهار‪.‬‬ ‫أفل تعقلون ‪ :‬أي يا أهل مكة ما حل بهم فتعتبرون وتتعظون فتؤمنوا وتوحدوا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬سياق قصة إلياس فيها تذكير للرسول صلى ال عليه وسلم ولقريش أيضا إذ على الرسول أن‬ ‫يبلغ وليس عليه أن يأتي قومه بالعذاب ولو طالب به المدعوون فإن إلياس لم يعذب ال قومه في‬ ‫الدنيا وترك عذابهم إلى الخرة‪.‬‬

‫( ‪)4/424‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر إنعام ال تعالى على من اصطفى من عباده فقال تعالى {وَإِنّ لُوطا} وهو‬ ‫ابن هاران أخي إبراهيم(‪ )1‬عليهما السلم {َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ} أي لمن جملة رسلنا {إِذْ َنجّيْنَاهُ} أي‬ ‫عجُوزا فِي ا ْلغَابِرِينَ} وهي امرأته إذ‬ ‫اذكر إنعامنا عليه إذ نجيناه من العذاب وأهله أجمعين {إِلّا َ‬ ‫كانت مع الكافرين فبقيت معهم فهلكت بهلكهم‪ .‬وقوله تعالى { ُثمّ َدمّرْنَا الْآخَرِينَ} أي ممن عدا‬ ‫لوطا ومن آمن به من قومه‪ .‬وقوله { َوإِ ّنكُمْ(‪ )2‬لَ َتمُرّونَ عَلَ ْيهِمْ(‪ُ )3‬مصْبِحِينَ} هذا خطاب لهل مكة‬ ‫المشركين إذ كانوا يسافرون للتجارة إلى الشام وفلسطين ويمرون بالبحر الميت وهو مكان‬ ‫الهالكين من قوم لوط وأصبح بعد الخسف بحرا ميتا ل حياة فيه البتة‪ .‬وقوله {َأفَل َتعْقِلُونَ(‪})4‬‬ ‫توبيخ لهم وتقريع على عدم التفكر والتدبر إذ لو فكروا لعلموا أن ال تعالى أهلكهم لتكذيبهم‬ ‫برسولهم وكفرهم بما جاءهم به من الهدى والدين الحق‪ ،‬وقد كذب هؤلء فأي مانع يمنع من وقوع‬ ‫عذاب بهم كما وقع بقوم لوط من قبلهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة لوط ورسالته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان العبرة في إنجاء لوط والمؤمنين معه وإهلك الكافرين المكذبين به‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن ل شفاعة تنفع(‪ )5‬ولو كان الشافع أقرب قريب إل بعد أن يأذن ال للشافع وبعد‬ ‫رضائه(‪ )6‬عن المشفوع له‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب التفكر والتعقل في الحداث الكونية للهتداء بذلك إلى معرفة سنن ال تعالى في الكون‬ ‫والحياة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬يقال مر به ومر عليه بمعنى إل أن التمكن والمباشرة بالممرور به بعلى أكثر منه بالباء‬ ‫ومصبحين حال منصوب على الحالية بالياء والنون لنه جمع سلمة للمذكر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جيء بالمضارع في لتمرون لليقاظ والعتبار ل في حقيقة الخبار‪.‬‬ ‫‪ - 3‬خرج لوط مع عمه إبراهيم عليه السلم بعد حادثة إلقاء إبراهيم في النار ونجاته منها فآمن‬ ‫له لوط وخرج معه مهاجرا فأرسله ال تعالى إلى أصحاب المؤتفكات وهي قرى سدوم وعمورية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الستفهام للنكار والتقريع على جهالتهم وغفلتهم وعدم استعمال عقولهم للهتداء‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أخذا هذا الحكم من كون لوط عليه السلم لم يشفع لزوجه في النجاة من الهلك الذي أصاب‬ ‫المفسدين وذلك لكفرها وفسادها‪.‬‬ ‫ى فهو راض‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الرضاء‪ :‬السم من رضي‪ ،‬يرضى‪ ،‬رض ً‬

‫( ‪)4/425‬‬

‫حضِينَ(‬ ‫شحُونِ(‪ )140‬فَسَا َهمَ َفكَانَ مِنَ ا ْلمُ ْد َ‬ ‫وَإِنّ يُونُسَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )139‬إِذْ أَبَقَ إِلَى ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَ ْ‬ ‫‪ )141‬فَالْ َت َقمَهُ ا ْلحُوتُ وَ ُهوَ مُلِيمٌ(‪ )142‬فََلوْل أَنّهُ كَانَ مِنَ ا ْلمُسَبّحِينَ(‪ )143‬لَلَ ِبثَ فِي بَطْ ِنهِ إِلَى َيوْمِ‬ ‫شجَ َرةً مِنْ َيقْطِينٍ(‪ )146‬وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى‬ ‫سقِيمٌ(‪ )145‬وَأَنْبَتْنَا عَلَ ْيهِ َ‬ ‫يُ ْبعَثُونَ(‪ )144‬فَنَبَذْنَاهُ بِا ْلعَرَا ِء وَ ُهوَ َ‬ ‫مِائَةِ أَ ْلفٍ َأوْ يَزِيدُونَ(‪ )147‬فَآمَنُوا َفمَ ّتعْنَاهُمْ ِإلَى حِينٍ(‪)148‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن يونس لمن المرسلين ‪ :‬أي وإن يونس بن متى الملقب بذي النون لمن جملة المرسلين‪.‬‬ ‫إذ أبق إلى الفلك المشحون ‪ :‬أي إذ هرب إلى السفينة المملوءة بالركاب‪.‬‬ ‫فساهم فكان من المدحضين ‪ :‬أي اقترع مع ركاب السفينة فكان من المغلوبين‪.‬‬ ‫فالتقمه الحوت وهو مليم ‪ :‬أي ابتلعه الحوت وهو آت بما يلم عليه‪.‬‬ ‫للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ‪ :‬أي لكان بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫فنبذناه بالعراء ‪ :‬أي فألقيناه من بطن الحوت بالعراء أي بوجه الرض بالساحل‪.‬‬ ‫وهو سقيم ‪ :‬أي عليل كالفرخ المنتوف الريش‪.‬‬ ‫شجرة من يقطين ‪ :‬أي الدباء‪ :‬القرع‪.‬‬ ‫إلى مائة ألف أو يزيدون ‪ :‬أي أرسلناه إلى مائة ألف نسمة بل بزيدون بكذا ألف‪.‬‬ ‫فآمنوا فمتعناهم إلى حين ‪ :‬أي فآمن قومه عند معاينة أمارات العذاب فأبقاهم ال إلى آجالهم‪.‬‬

‫( ‪)4/426‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر من أنعم ال تعالى عليهم بما شاء من وجوه النعام‪ .‬فقال عز وجل عطفا‬ ‫سلِينَ} أي وإن عبدنا يونس بن متى ذا النون لمن جملة من مننّا‬ ‫عما سبق {وَإِنّ يُونُسَ َلمِنَ ا ْلمُرْ َ‬ ‫عليهم بالنبوة والرسالة‪ِ{ .‬إذْ أَبَقَ} أي في الوقت الذي هرب من قومه لما لم يؤمنوا به وواعدهم‬ ‫العذاب وتأخر عنهم فاستعجل فهرب من المدينة وهي نينوى(‪ )1‬من أرض الموصل بالعراق‪،‬‬ ‫فوصل الميناء فوجد سفينة مبحرة فركب وكانت حمولتها أكبر من طاقتها فوقفت في عرض البحر‬ ‫ل تتقدم ول تتأخر فرأى ربّان السفينة أنه ل بد من تقليل الشحنة وإلّ غرق الجميع‪ ،‬وشح كل‬ ‫راكب بنفسه فاقترعوا(‪ )2‬فكان يونس من المدحضين أي المغلوبين في القرعة فرموه في البحر‬ ‫فالتقمه حوته‪ ،‬وهو مليم أي فاعل ما يلم عليه من فراره من دعوة قومه إلى ال لما ضاق‬ ‫صدورهم ولم يطق البقاء معهم‪ .‬وهذا معنى قوله تعالى {ِإذْ أَ َبقَ(‪ )3‬إِلَى ا ْلفُ ْلكِ ا ْلمَشْحُونِ فَسَاهَمَ‬ ‫ت وَ ُهوَ مُلِيمٌ}(‪ .)5‬وقوله تعالى { فََلوْل أَنّهُ كَانَ مِنَ ا ْلمُسَبّحِينَ‬ ‫حضِينَ (‪ )4‬فَالْ َت َقمَهُ الْحُو ُ‬ ‫َفكَانَ مِنَ ا ْلمُ ْد َ‬ ‫لَلَ ِبثَ فِي َبطْنِهِ} أي بطن الحوت {إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ} أي يوم القيامة بأن يصير بطن الحوت قبرا له‬

‫أي فلول أن يونس كان من المسبحين أي المكثرين من الصلة والذكر والدعاء والتسبيح قبل‬ ‫البلء لما كان يُلهم قوله ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪ ،‬ولما كان يستجاب له ولذا‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "تعرف إلى ال في الرخاء يعرفك في الشدة" ‪ ،‬فإن صوت‬ ‫يونس سمع تحت العرش فعرفه بعض الملئكة فذكروا ذلك لربهم تعالى فأخبرهم أنه عبده يونس‪،‬‬ ‫وأنه كان من المكثرين الصلة والذكر والدعاء قبل البلء فلذا استجاب ال تعالى ونجاه من الغم‪،‬‬ ‫وهو معنى قوله تعالى {فَنَبَذْنَاهُ بِا ْلعَرَاءِ} أي بوجه الرض العارية من الشجر وكل ظل وهو‬ ‫كالفرخ المنتوف الريش نضج لحمه من حرارة جوف الحوت وأنبت تعالى عليه شجرة من يقطين‬ ‫أي قرع تظلله بأوراقها‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬نينوى كانت مدينة عظيمة من مدن الشوريين وكان بها مائة ألف أسير من بني إسرائيل‬ ‫أسرهم الشوريون فأرسل ال تعالى إليهم يونس من فلسطين‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اقترعوا هو معنى قوله تعالى فساهم والمساهمة مشتقة من السهام التي واحدها سهم كانوا‬ ‫يقترعون بالسهام وهي أعواد النبال وتسمى الزلم أيضا والفاء في فساهم للتقريع‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أبق يأبق إباقا العبد إذا فر من مالكه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬القتراع مشروع فقد فعله رسول ال صلى ال عليه وسلم في ثلثة مواطن منها القرعة بين‬ ‫نسائه إذا أراد السفر بواحدة منهن وشرع القتراع فيما إذا تساوت الحقوق والمصالح لجل دفع‬ ‫الضغائن كالستهام على من يلي أمر كذا من خلفة أو أذان أو الصف الول وما إلى ذلك من‬ ‫قسمة دار أو أرض‪.‬‬ ‫‪ - 5‬المليم اسم فاعل من ألم يليم إذا فعل ما يلومه عليه الناس فهو جعلهم لئمين له بفعله فهو‬ ‫ألمهم على نفسه‪.‬‬

‫( ‪)4/427‬‬ ‫الحريرية الناعمة والتي ل ينزل بساحتها الذباب‪ ،‬وسخر له أُروية "غزالة" فكانت تأتيه صباح‬ ‫مساء فتفشح عليه أي تفتح رجليها وتدني ضرعها منه فيرضع حتى يشبع إلى أن تماثل للشفاء‬ ‫وعاد إلى قومه فوجدهم مؤمنين لتوبة أحدثوها عند ظهور أمارات العذاب فتاب ال عليهم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى { َوأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَ ْلفٍ َأوْ يَزِيدُونَ(‪ })1‬أي أرسلناه إلى قومه وهم أهل نينوى وكان تعدادهم‬ ‫مائة ألف وزيادة كذا ألفا فآمنوا أي بال ربا وبالسلم دينا وبيونس نبيا ورسولً وتابوا بترك‬ ‫الشرك والكفر فجزيناهم على إيمانهم وتوبتهم بأن كشفنا عنهم العذاب الذي أظلهم‪ ،‬ومتعناهم أي‬ ‫أبقينا عليهم يتمتعون بالحياة إلى نهاية آجالهم المحدودة لهم في كتاب المقادير‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة يونس ورسالته وضمن ذلك تقرير رسالة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية الركوب في السفن البحرية‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية القتراع لفض النزاع في قسمة الشياء ونحوها‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل الصلة والذكر والدعاء والتسبيح(‪ )2‬وعظيم نفعها عند الوقوع في البلء‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير مبدأ "تعرف على ال في(‪ )3‬في الرخاء يعرفك في الشدة"‪.‬‬ ‫‪ -6‬بركة أكل اليقطين أي الدباء القرع إذ كان النبي صلى ال عليه وسلم يأكلها ويلتقطها من حافة‬ ‫القصعة‪.‬‬ ‫‪ -7‬فضل قوم يونس إذ آمنوا كلهم ولم تؤمن أمة بكاملها إل هم‪.‬‬ ‫خَلقْنَا ا ْلمَل ِئكَةَ إِنَاثا وَهُمْ شَاهِدُونَ(‪ )150‬أَل إِ ّنهُمْ مِنْ‬ ‫ت وََلهُمُ الْبَنُونَ(‪َ )149‬أمْ َ‬ ‫فَاسْ َتفْ ِتهِمْ أَلِرَ ّبكَ الْبَنَا ُ‬ ‫طفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ(‪)153‬‬ ‫ِإ ْف ِكهِمْ لَ َيقُولُونَ(‪ )151‬وَلَدَ اللّ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(‪َ )152‬أصْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أو بمعنى بل على قول الكوفيين واستشهدوا بقول جرير‪:‬‬ ‫ماذا ترى في عيال قد برمت بهم‬ ‫لم أحص عدتهم إل بعدّاد‬ ‫كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية‬ ‫لول رجاؤك قد قتلت أولدي‬ ‫‪ - 2‬روى أبو داود عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال دعاء ذي النون في بطن الحوت "ول إله إل‬ ‫أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" لم يدع به مسلم في شيء قط إل استجيب له‪.‬‬ ‫‪ - 3‬بعض حديث صحيح رواه مسلم وغيره‪.‬‬

‫( ‪)4/428‬‬ ‫ح ُكمُونَ(‪َ )154‬أفَل َت َذكّرُونَ(‪ )155‬أَمْ َلكُمْ سُ ْلطَانٌ مُبِينٌ(‪ )156‬فَأْتُوا ِبكِتَا ِبكُمْ إِنْ كُنْتُمْ‬ ‫مَا َلكُمْ كَ ْيفَ تَ ْ‬ ‫حضَرُونَ(‪ )158‬سُ ْبحَانَ اللّهِ‬ ‫جعَلُوا بَيْ َن ُه وَبَيْنَ الْجِنّةِ نَسَبا وََلقَدْ عَِل َمتِ ا ْلجِنّةُ إِ ّنهُمْ َلمُ ْ‬ ‫صَا ِدقِينَ(‪ )157‬وَ َ‬ ‫عمّا َيصِفُونَ(‪)159‬‬ ‫َ‬ ‫إِلّا عِبَادَ اللّهِ ا ْلمُخَْلصِينَ(‪)160‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فاستفتهم ‪ :‬أي استخبر كفار مكة توبيخا لهم وتقريعا‪.‬‬ ‫ولهم البنون ‪ :‬أي فيختصون بالفضل الشرف‪.‬‬ ‫ليقولون ولد ال ‪ :‬أي لقولهم الملئكة بنات ال‪.‬‬

‫أصطفى البنات ‪ :‬أي اختار البنات على البنين‪.‬‬ ‫أفل تذكرون ‪ :‬أي إن ال تعالى منزه عن الصاحبة والولد‪.‬‬ ‫أم لكم سلطان مبين ‪ :‬أي ألكم حجة واضحة على صحة ما تدعون‪.‬‬ ‫فأتوا بكتابكم ‪ :‬أي الذي تحتجون بما فيه‪ ،‬ومن أين لكم ذلك‪.‬‬ ‫وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ‪ :‬إذ قالوا الملئكة بنات ال‪.‬‬ ‫ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون‪ :‬أي في العذاب‪.‬‬ ‫سبحان ال عما يصفون ‪ :‬أي تنزيها ل تعالى عما يصفونه به من كون الملئكة بنات له‪.‬‬ ‫إل عباد ال المخلصين ‪ :‬أي فإنهم ينزهون ربهم ول يصفونه بالنقائص كهؤلء المشركين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد تقرير البعث والتوحيد والنبوة في السياق السابق بالدلة والحجج والبراهين القاطعة أراد تعالى‬ ‫إبطال فرية من أسوأ الفرى التي عرفتها ديار الجزيرة وهي قول(‪ )1‬بعضهم إن ال تعالى قد‬ ‫أصهر إلى الجن فأنجب الملئكة وهم بنات ال‪ ،‬وهذا ل شك أنه من إيحاء الشيطان لغواء‬ ‫النسان‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي في بيان من قال هذه القولة القذرة الفاسدة الباطلة قال‪ :‬ذلك جهينة وخزاعة‬ ‫وبني مليح وبني سلمة وعبد الدار زعموا أن الملئكة بنات ال‪.‬‬

‫( ‪)4/429‬‬ ‫ت وََلهُمُ‬ ‫وإضلله فقال تعالى لرسوله استفتهم أي استخبرهم موبخا لهم مقرّعا قائلً لهم {أَلِرَ ّبكَ الْبَنَا ُ‬ ‫الْبَنُونَ} أي أما تخجلون عندما تنسبون لكم السنى والشرف وهو البنون‪ ،‬وتجعلون ل الخس‬ ‫والدنى وهو البنات وقوله تعالى {أَمْ(‪ )1‬خََلقْنَا ا ْلمَل ِئكَةَ إِنَاثا وَهُمْ شَاهِدُونَ} أي حضروا يوم خلقنا‬ ‫الملئكة فعرفوا بذلك أنهم إناث‪ ،‬والجواب ل إنهم لم يشهدوا خلقهم إذا فلم يكذبون وقوله تعالى‬ ‫ن وَلَدَ اللّ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ} أي أل إن هؤلء المشركين الضالين من كذبهم‬ ‫{أَل إِ ّنهُمْ مِنْ ِإ ْف ِكهِمْ لَ َيقُولُو َ‬ ‫الذي عاشوا عليه واعتادوه يقولون ولد ال وذلك بقولهم الملئكة بنات ال‪ ،‬وإنهم ورب العزة‬ ‫طفَى(‪)2‬‬ ‫لكاذبون في قيلهم هذا الذي هو صورة لفكهم الذي يعيشون عليه‪ .‬وقوله تعالى {َأصْ َ‬ ‫الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} هذا توبيخ لهم وتقريع أصطفى أي هل ال اختار البنات على البنين فلذا جعلهم‬ ‫إناثا كما تزعمون‪ .‬مالكم كيف(‪ )3‬تحكمون هذا الحكم الباطل الفاسد‪ .‬أفل تذكرون(‪ )4‬فتذكروا أن‬ ‫ال منزه عن الصاحبة والولد أم لكم سلطان مبين أي ألكم حجة قوية تثبت دعواكم والحجة القوية‬ ‫تكون بوحي من ال في كتاب أنزله يخبر فيه بما تقولون إذا {فَأْتُوا ِبكِتَا ِبكُمْ} الذي فيه ما تدعون‬ ‫{إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} في زعمكم‪.‬‬

‫ومن أين لكم الكتاب‪ ،‬وقد كفرتم بكتابكم الذي نزل لهدايتكم وهو القرآن الكريم‪ .‬وهكذا أبطل ال‬ ‫جعَلُوا بَيْ َنهُ} أي بين ال تعالى {وَبَيْنَ الْجِنّةِ نَسَبا}( ‪)5‬‬ ‫هذه الفرية بأقوى الحجج‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬ ‫بقولهم أصهر ال تعالى إلى الجن فتزوج سروات الجن إذ سألهم أبو بكر‪ :‬من أمهات الملئكة‬ ‫حضَرُونَ(‪ })6‬أي في العذاب‪ ،‬فكيف‬ ‫فقالوا سروات الجن وقوله تعالى { َوَلقَدْ عَِل َمتِ الْجِنّةُ إِ ّنهُمْ َلمُ ْ‬ ‫يكون لهم نسب ويعذبهم ال بالنار‪ .‬فالنسيب يكرم نسيبه ل يعذبه بالنار‪ ،‬وبذلك بطلت هذه الفرية‬ ‫صفُونَ}‪.‬‬ ‫عمّا َي ِ‬ ‫الممقوتة‪ ،‬فنزه ال تعالى نفسه عن مثل هذه الترهات والباطيل فقال {سُبْحَانَ اللّهِ َ‬ ‫{إِلّا(‪ )7‬عِبَادَ اللّهِ ا ْل ُمخَْلصِينَ} أي فإنهم ل يصفون ربهم بمثل هذه النقائص التي هي من صفات‬ ‫العباد العجزة المفتقرين إلى الزوجة والولد أما رب كل شيء ومالكه وخالقه فل يقبل‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام للتوبيخ والتقريع والتأنيب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أصطفى‪ .‬الهمزة للستفهام وهمزة الوصل محذوفة والستفهام للنكار والتوبيخ والتقريع‬ ‫واصطفى بمعنى اختار البنات على البنين وقرأ الجمهور بهمزة القطع للستفهام وقرأ بعض بهمزة‬ ‫الوصل دون همزة القطع إل أنها منوية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ما لكم ما اسم استفهام عن ذات وهي مبتدأ ولكم خبر‪ ،‬والمعنى‪ :‬أي شيء حصل لكم؟‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أفل تذكرون قرأ نافع تذكرون بتشديد الدال والكاف معا إذ الصل تتذكرون فأدغمت إحدى‬ ‫التائين في الذال‪ .‬وقرأ حفص تذكرون بتخفيف الذال لحذف التاء الثانية والستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫‪ - 5‬النسب القرابة العمودية بالباء والمهات والفقية كالخوان والعمام والمعنى ذوي النسب ل‬ ‫تعالى وهو نسب البنوة لزعمهم أن الملئكة بنات ال تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬ ‫‪ - 6‬المحضرون المجلوبون للحضور‪ ،‬والمراد المحضرون للعقاب والعذاب‪.‬‬ ‫‪ - 7‬الستثناء منقطع وجائز أن يكون من الحضور للعقاب فإن عباد ال ل يحضرون للعقاب ول‬ ‫يعاقبون وجائز أن يكون منقطع من سبحان ال عما يصفون فإن عباد ال ل يصفون ال بالنقائص‬ ‫كما في التفسير وهو أولى من الول‪.‬‬

‫( ‪)4/430‬‬ ‫العقل أن ينسب إليه الصاحبة والولد‪ .‬فلذا عباد ال الذين استخلصهم لمعرفته واليمان به وعبادته‬ ‫ل يصفون ربهم جل جلله بصفات المحدثين من خلق ال‪ .‬ول يكون من المحضرين في النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبطال فرية بَني ملحان من العرب الذين زيّن لهم الشيطان فكرة الملئكة بنات ال‪ ،‬ووجود‬ ‫نسب بين ال تعالى وبين الجن‪.‬‬

‫‪ -2‬مشروعية دحض الباطل بأقوى الحجج وأصح البراهين‪.‬‬ ‫‪ -3‬الحجة القوى ما كانت من وحي ال في كتاب من كتبه التي أوحى بها إلى رسله‪.‬‬ ‫فَإِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ(‪ )161‬مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ ِبفَاتِنِينَ(‪ )162‬إِلّا مَنْ ُه َو صَالِ ا ْلجَحِيمِ(‪َ )163‬ومَا مِنّا إِلّا َلهُ‬ ‫َمقَامٌ َمعْلُومٌ(‪ )164‬وَإِنّا لَنَحْنُ الصّافّونَ(‪ )165‬وَإِنّا لَ َنحْنُ ا ْلمُسَبّحُونَ(‪ )166‬وَإِنْ كَانُوا لَ َيقُولُونَ(‪)167‬‬ ‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ(‬ ‫َلوْ أَنّ عِنْدَنَا ِذكْرا مِنَ الَْأوّلِينَ(‪َ )168‬لكُنّا عِبَادَ اللّهِ ا ْلمُخَْلصِينَ(‪َ )169‬ف َكفَرُوا ِبهِ فَ َ‬ ‫‪) 170‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما تعبدون ‪ :‬أي من الصنام‪.‬‬ ‫إل من هو صال الجحيم ‪ :‬أي مقدر له عذاب النار‪.‬‬ ‫إل له مقام معلوم ‪ :‬أي مكان في السماء يعبد ال تعالى فيه ل يتعداه‪.‬‬ ‫وإنا لنحن الصافون ‪ :‬أي أقدامنا في الصلة‪.‬‬ ‫وإنا لنحن المسبحون ‪ :‬أي المنزهون ال تعالى عما ل يليق به‪.‬‬ ‫لو أن عندنا ذكرا ‪ :‬أي كتابا من كتب المم السابقة‪.‬‬ ‫فكفروا به ‪ :‬أي بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن‪.‬‬ ‫فسوف يعلمون ‪ :‬أي عاقبة كفرهم إن لم يتوبوا فيؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬

‫( ‪)4/431‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في إبطال باطل المشركين فقد قال لهم تعالى {فَإِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ(‪ })1‬من أصنام‬ ‫أيها المشركون‪ .‬ما أنتم بمضلين أحدا إل أحدا هو صال(‪ )2‬الجحيم حيث كتبنا عليه ذلك في كتاب‬ ‫المقادير فهو ل بد عامل بما يوجب له النار فهذا قد يفتتن بكم وبعبادتكم فيضل بضللكم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى { َومَا مِنّا إِلّا لَهُ َمقَامٌ َمعْلُو ٌم وَإِنّا(‪ )3‬لَ َنحْنُ الصّافّونَ(‪ )4‬وَإِنّا لَنَحْنُ ا ْلمُسَبّحُونَ} هذا قول جبريل‬ ‫للنبي صلى ال عليه وسلم أخبره بأن الملئكة تصف في السماء للصلة كما يصف المؤمنون من‬ ‫الناس في الصلة‪ ،‬وأنهم من المسبحين ل الليل والنهار وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم بأنه‬ ‫ما من موضع شبر في السماء إل عليه ملك ساجد أو قائم وقوله تعالى {وَإِنْ كَانُوا لَ َيقُولُونَ(‪ })5‬أي‬ ‫مشركو العرب {َلوْ أَنّ عِنْدَنَا ِذكْرا مِنَ الَْأوّلِينَ} أي كتابا من كتب الولين كالتوراة والنجيل‪ ،‬لكنا‬ ‫عباد ال المخلصين أي لكنا عبادا ل تعالى نعبده ونوحده ول نشرك به أحدا‪ .‬فرد تعالى على‬ ‫قولهم هذا إذ هو مجرد تمنٍ كاذب بقوله فكفروا به أي فكفروا بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬إذا فسوف يعلمون عاقبة تكذيبهم إن لم يتوبوا وهو هلكهم وخسرانهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ من كتب ال عليه النار فسوف يصلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عبودية الملئكة وطاعتهم ل وأنهم ل يتجاوزون ما حد ال تعالى لهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الصفوف في الصلة وفضل تسويتها‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان كذب المشركين إذ كانوا يدعون أنهم لو أنزل عليهم كتابٌ كما أنزل على من قبلهم لكانوا‬ ‫عباد ال المخلصين أي الذين يعبدونه ويخلصون له العبادة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬جائز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي وجائز أن تكون مصدرية أي فإنكم وعبادتكم لهذه‬ ‫الصنام ما تفتنون على ال عبدا من عباده بإضلله أو إفساده إل عبدا قضى ال بعذابه فهو صال‬ ‫الجحيم‪ ،‬وفي الية رد على نفاة القدر‪ ،‬ومن أحسن ما قيل شعرا قول لبيد بن ربيعة‪:‬‬ ‫إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن ال ريثى والعجل‬ ‫أحمد ال فل ند له بيديه الخير ما شاء فعل‬ ‫من هداه سبيل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل‬ ‫‪ - 2‬الصل صالي الجحيم وحذفت الياء لعدم النطق بها لوجود همزة الوصل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذا من قول الملئكة‪ .‬قال مقاتل هذه اليات الثلث نزلت ورسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫عند سدرة المنتهى فتأخر جبريل فقال النبي صلى ال عليه وسلم أهنا تفارقني؟ فقال ما أستطيع أن‬ ‫أتقدم عن مكاني وأنزل ال تعالى حكاية عن قول الملئكة وما منا إل له مقام معلوم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج على أصحابه وهم في المسجد فقال أل‬ ‫تصفون كما تصف الملئكة عند ربها؟ فقالوا يا رسول ال كيف تصف الملئكة عند ربها؟ قال‬ ‫يتمون الصف الول ويتراصون في الصف‪.‬‬ ‫‪ - 5‬وإن كانوا ليقولون‪ :‬إن مخففة من الثقيلة واللم للبتداء وهي الفارقة بين المخففة والنافية‪.‬‬

‫( ‪)4/432‬‬ ‫وَلَقَدْ سَ َب َقتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )171‬إِ ّن ُهمْ َلهُمُ ا ْلمَ ْنصُورُونَ(‪ )172‬وَإِنّ جُ ْندَنَا َلهُمُ ا ْلغَالِبُونَ(‬ ‫جلُونَ(‪)176‬‬ ‫س ْوفَ يُ ْبصِرُونَ (‪َ )175‬أفَ ِب َعذَابِنَا يَسْ َتعْ ِ‬ ‫‪ )173‬فَ َت َولّ عَ ْنهُمْ حَتّى حِينٍ(‪ )174‬وَأَ ْبصِرْهُمْ فَ َ‬ ‫سوْفَ‬ ‫فَإِذَا نَ َزلَ بِسَاحَ ِتهِمْ َفسَا َء صَبَاحُ ا ْلمُنْذَرِينَ(‪ )177‬وَ َتوَلّ عَ ْنهُمْ حَتّى حِينٍ(‪ )178‬وَأَ ْبصِرْ َف َ‬ ‫حمْدُ‬ ‫عمّا َيصِفُونَ(‪ )180‬وَسَلمٌ عَلَى ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )181‬وَا ْل َ‬ ‫يُ ْبصِرُونَ(‪ )179‬سُ ْبحَانَ رَ ّبكَ َربّ ا ْلعِ ّزةِ َ‬ ‫لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )182‬شرح الكلمات‪:‬‬ ‫سبقت كلمتنا ‪ :‬هي قوله تعالى لغلبن أنا ورسولي‪.‬‬ ‫وإن جندنا لهم الغالبون ‪ :‬أي للكافرين بالحجة والنصرة‪.‬‬

‫فتول عنهم حتى حين ‪ :‬أي أعرض عنهم حتى تؤمر فيهم بالقتال‪.‬‬ ‫وأبصرهم ‪ :‬أي أنظرهم‪.‬‬ ‫فإذا نزل بساحتهم ‪ :‬أي العذاب‪.‬‬ ‫وتول عنهم ‪ :‬أي أعرض عنهم‪.‬‬ ‫سبحان ربك ‪ :‬أي تنزيها لربك يا محمد‪.‬‬ ‫عما يصفون ‪ :‬أي تنزيها له عما يصفه به هؤلء المشركون من الصاحبة والولد والشريك‪.‬‬ ‫وسلم على المرسلين ‪ :‬أي أمَنَةٌُ من ال لهم في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫والحمد ل رب العالمين ‪ :‬أي الثناء بالجميل خالص ل رب الثقلين النس والجن على نصر‬ ‫أوليائه وإهلك أعدائه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ختم السياق الول بتهديد الكافرين بقوله تعالى {فكفروا به فسوف يعلمون} أخبر تعالى‬

‫( ‪)4/433‬‬ ‫سلِينَ} وهي‬ ‫رسوله بما يطمئنه على نصر ال تعالى له فقال {وََلقَدْ سَ َب َقتْ كَِلمَتُنَا ِلعِبَادِنَا (‪)1‬ا ْلمُرْ َ‬ ‫قوله {إِ ّن ُهمْ َلهُمُ ا ْلمَ ْنصُورُونَ وَإِنّ جُنْدَنَا َلهُمُ ا ْلغَالِبُونَ} أي بالحجة والبرهان‪ ،‬وبالرمح(‪ )2‬والسنان‪.‬‬ ‫وقوله {فَ َت َولّ عَ ْن ُهمْ حَتّى حِينٍ} يأمر رسوله أن يعرض عن المشركين من قومه حتى حين يأمره‬ ‫فيهم بأمر(‪ ،)3‬أو ينزل بهم بلء أو بأسا وقوله {وَأَ ْبصِرْ ُهمْ} أي أنظرهم فسوف يبصرون ل محالة‬ ‫ما ينزل بهم من عذاب ال في الدنيا وفي الخرة‪ .‬وقوله تعالى {َأفَ ِبعَذَابِنَا يَسْ َتعْجِلُونَ} ينكر تعالى‬ ‫عليهم استعجالهم العذاب الدال على سفههم وخفة أحلمهم إذ ما يستعجل العذاب إل أحمق جاهل‬ ‫وعذاب من استعجلوا إنه عذاب ال!! قال تعالى {فَإِذَا نَ َزلَ بِسَاحَ ِت ِهمْ} أي بفناء دارهم {فَسَا َء صَبَاحُ‬ ‫ا ْلمُنْذَرِينَ} أي بئس صباحهم من صباح إنه صباح هلكهم ودمارهم ثم أمر تعالى مرة أخرى‬ ‫س ْوفَ‬ ‫ن وَأَ ْبصِرْ(‪ )4‬فَ َ‬ ‫رسوله أن يتول عنهم وينتظر ما يحل بهم فقال {وَ َت َولّ عَ ْن ُهمْ حَتّى حِي ٍ‬ ‫يُ ْبصِرُونَ} وفي الية من التهديد والوعيد لهؤلء المشركين ما ل يقادر قدره‪ .‬وأخيرا نزه تعالى‬ ‫نفسه عما يصفه به المشركون من الولد والشريك وسلّم على المرسلين‪ ،‬وحمد نفسه مشيرا إلى‬ ‫مقتضى الحمد وموجبه وهو كونه رب العالمين فقال {سُ ْبحَانَ(‪ )5‬رَ ّبكَ} يا محمد { َربّ ا ْلعِ ّزةِ}‬ ‫صفُونَ(‪ })6‬من الصاحبة والولد والشريك‪،‬‬ ‫عمّا َي ِ‬ ‫ومالكها يعز بها من يشاء ويذل من يشاء { َ‬ ‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} على نصره أولياءه وإهلكه‬ ‫علَى ا ْلمُ ْرسَلِينَ} وأنت منهم {وَا ْل َ‬ ‫{وَسَلمٌ} منا { َ‬ ‫أعداءه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬وعد ال تعالى لرسوله بالنصر وقد أنجزه ما وعده والحمد ل‪.‬‬ ‫صفُونَ وَسَلمٌ‬ ‫عمّا َي ِ‬ ‫‪ -3‬استحباب ختم الدعاء أو الكلم بقراءة جملة {سُ ْبحَانَ رَ ّبكَ َربّ ا ْلعِ ّزةِ(‪َ )7‬‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} لورود ذلك في السنة‪.‬‬ ‫ن وَالْ َ‬ ‫عَلَى ا ْلمُرْسَلِي َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جائز أن يكون المراد قوله تعالى {كتب ال لغلبن أنا ورسلي} الية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال الحسن‪" :‬لم يقتل من أصحاب الشرائع أحد قط"‪.‬‬ ‫‪ - 3‬كإذن له صلى ال عليه وسلم بجهادهم‪ ،‬وجائز أن يكون حتى يجيء أجلهم أو يأتي يوم بدر‬ ‫أو الفتح‪.‬‬ ‫‪ - 4‬كرر للتأكيد‪ ،‬وكذا وتول عنهم مكرر للتأكيد‪.‬‬ ‫‪ - 5‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى (سبحان ال) فقال هو تنزيه ال عن كل‬ ‫سوء‪.‬‬ ‫‪ - 6‬يصفون ال عز وجل بأن له صاحبة وله ولدا وشريكا‪.‬‬ ‫‪ - 7‬ذكر القرطبي أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يختم صلته غير مرة بقوله‪" :‬سبحان ربك‬ ‫رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد ل رب العالمين"‪.‬‬

‫( ‪)4/434‬‬ ‫سورة ص‬ ‫‪...‬‬ ‫سور ص‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ثمان وثمانون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫شقَاقٍ(‪ )2‬كَمْ َأهَْلكْنَا مِنْ قَبِْلهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَا َدوْا‬ ‫ص وَالْقُرْآنِ ذِي ال ّذكْرِ(‪َ )1‬بلِ الّذِينَ َكفَرُوا فِي عِ ّز ٍة وَ ِ‬ ‫ج َعلَ‬ ‫وَلتَ حِينَ مَنَاصٍ(‪ )3‬وَعَجِبُوا أَنْ جَا َءهُمْ مُ ْنذِرٌ مِ ْنهُ ْم َوقَالَ ا ْلكَافِرُونَ َهذَا سَاحِرٌ كَذّابٌ(‪َ )4‬أ َ‬ ‫عجَابٌ(‪ )5‬وَانْطََلقَ ا ْلمَلَأُ مِ ْنهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آِلهَ ِت ُكمْ إِنّ‬ ‫شيْءٌ ُ‬ ‫الْآِلهَةَ إِلَها وَاحِدا إِنّ هَذَا لَ َ‬ ‫س ِمعْنَا ِب َهذَا فِي ا ْلمِلّةِ الْآخِ َرةِ إِنْ َهذَا إِلّا اخْتِلقٌ(‪ )7‬أَأُنْ ِزلَ عَلَيْهِ ال ّذكْرُ مِنْ‬ ‫شيْءٌ يُرَادُ(‪ )6‬مَا َ‬ ‫هَذَا لَ َ‬ ‫ح َمةِ رَ ّبكَ ا ْلعَزِيزِ‬ ‫شكّ مِنْ ِذكْرِي َبلْ َلمّا يَذُوقُوا عَذَابِ(‪َ )8‬أمْ عِنْ َدهُمْ خَزَائِنُ رَ ْ‬ ‫بَيْنِنَا َبلْ هُمْ فِي َ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا فَلْيَرْ َتقُوا فِي الَْأسْبَابِ(‪ )10‬جُنْدٌ مَا هُنَاِلكَ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ا ْلوَهّابِ(‪ )9‬أَمْ َلهُمْ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫َمهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ(‪)11‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ص ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب ص ويقرأ صاد ال أعلم بمراده به‪.‬‬ ‫والقرآن ذي الذكر ‪ :‬أي أقسم بالقرآن ذي الذكر إذ به يذكر ال تعالى ما المر كما يقول هؤلء‬ ‫الكافرون من أن النبي ساحر وشاعر وكاذب‪.‬‬ ‫بل الذين كفروا في عزة وشقاق ‪ :‬أي أهل مكة في عزة نفس وشقاق مع النبي والمؤمنين وعداوة‬

‫( ‪)4/435‬‬ ‫فلذا قالوا في الرسول ما قالوا‪ ،‬وإل فهم يعلمون براءته مما قالوا فيه‪.‬‬ ‫وكم أهلكنا قبلهم من قرن ‪ :‬أي كثيرا من المم الماضية أهلكناهم‪.‬‬ ‫فنادوا ولت حين مناص ‪ :‬أي صرخوا واستغاثوا وليس الوقت وقت مهرب ول نجاة‪.‬‬ ‫وعجبوا ‪ :‬أي وما اعتبر بهم أهل مكة وعجبوا أن جاءهم منذر منهم محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫قالوا ساحر كذاب ‪ :‬أي لما يظهره من الخوارق ولما يسنده إلى ال تعالى من الرسال والنزال‪.‬‬ ‫أجعل اللهة إلها واحدا ‪ :‬أي لما قال لهم قولوا ل إله إل ال‪ ،‬فقالوا كيف يسع الخلئق إله واحد؟‬ ‫إن هذا لشيء عجاب ‪ :‬أي جعل اللهة إلها واحدا أمر عجيب‪.‬‬ ‫وانطلق المل منهم أن امشوا ‪ :‬أي خرجوا من بيت أبي طالب حيث كانوا مجتمعين بالنبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم وسمعوا منه قوله لهم قولوا ل إله إل ال‪.‬‬ ‫إن هذا لشيء يراد ‪ :‬أي إن هذا المذكور من التوحيد لمر يراد منا تنفيذه‪.‬‬ ‫في الملة الخرة ‪ :‬أي ملة عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫إن هذا إل اختلق ‪ :‬أي ما هذا إل كذب مختلق‪.‬‬ ‫أأنزل عليه الذكر من بيننا ‪ :‬أي كيف يكون ذلك وليس هو بأكبر منا ول أشرف‪.‬‬ ‫بل هم في شك من ذكري ‪ :‬أي بل هم في شك من القرآن والوحي ولذا قالوا في الرسول ما قالوا‪.‬‬ ‫بل لما يذوقوا عذاب ‪ :‬أي بل لم يذوقوا عذابي إذ لو ذاقوه لما كذبوا بل آمنوا ول ينفعهم إيمان‪.‬‬ ‫أم عندهم خزائن رحمة ربك ‪ :‬أي من النبوة وغيرها فيعطوا منها من شاءوا ويحرموا من شاءوا‪.‬‬ ‫أم لهم ملك السماوات والرض‪ :‬أي ليس لهم ذلك‪.‬‬ ‫فليرتقوا في السباب ‪ :‬أي الموصولة إلى السماء فيأتوا بالوحي فيخصوا به من شاءوا أو يمنعوا‬ ‫الوحي النازل على نبينا محمد صلى ال عليه وسلم وأنى لهم ذلك‪.‬‬ ‫جند ما هنالك مهزوم‪ :‬أي هم جند حقير في تكذيبهم لك مهزوم أمامك وفي بدر‪.‬‬ ‫من الحزاب ‪ :‬أي من المم الماضية التي تحزبت على رسلها وأهلكها ال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ص(‪ )1‬والقرآن ذي الذكر} أما ص فإنه أحد حروف الهجاء ومذهب السلف فيه أن‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ الجمهور ص بالسكون وقرأ الحسن وأبي بن كعب صاد بكسر الدال وبدون تنوين‪،‬‬ ‫وتوجيهها أنها من صادى يصادي إذا عارض نحو {فأنت له تصدى} أي تتعرض والمصادات‬ ‫المعارضة‪ ،‬والمعنى عارض القرآن بعملك وقابله به‪ ،‬فأعمل بأوامره وانته عن نواهيه أو اتله‬ ‫وتعرض لقراءته‪.‬‬

‫( ‪)4/436‬‬ ‫يقال ال أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي يجب اليمان به ويوكل أمر معناه إلى من أنزله‪،‬‬ ‫وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف قد أفادت فائدتين فليطلبهما من شاء من القراء الكرام من‬ ‫المفتتحة بمثل هذه الحروف نحو طس‪ ،‬ألم‪ .‬وأما قوله {وَا ْلقُرْآنِ} هو كتاب ال هذا المنزل على‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم و {ذِي ال ّذكْرِ} معناه(‪ )1‬التذكير إذ به يذكر ال تعالى والجملة قسم‬ ‫أقسم ال به فقال {وَا ْلقُرْآنِ ذِي ال ّذكْرِ} وجواب القسم محذوف تقديره(‪ )2‬ما المر كما يقول هؤلء‬ ‫المشركون من أن النبي محمدا صلى ال عليه وسلم ساحر وشاعر وكاذب { َبلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي‬ ‫شقَاقٍ} أي بل هم في عزة نفس وكبرياء وخلف وعداوة مع النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫عِ ّز ٍة وَ ِ‬ ‫والمؤمنين فحملهم ذلك على أن يقولوا في الرسول ما قالوا‪ ،‬وإل فهم يعلمون يقينا أن النبي محمدا‬ ‫صلى ال عليه وسلم أبعد الناس عن السحر والشعر والكذب والجنون‪ .‬وقوله تعالى {كَمْ أَهَْلكْنَا مِنْ‬ ‫قَبِْلهِمْ مِنْ قَرْنٍ} أي كثيرا من المم الماضية أهلكناها بتكذيبها لرسلها فلما جاءهم العذاب نادوا(‪)3‬‬ ‫صارخين مستغيثين {وَلتَ(‪ )4‬حِينَ مَنَاصٍ} أي ليست الساعة ساعة نجاة ول هرب‪ ،‬فلم ل يعتبر‬ ‫مشركو مكة بمثل هؤلء‪ .‬لم يعتبروا {وَعَجِبُوا أَنْ جَا َءهُمْ مُنْذِرٌ مِ ْنهُمْ} ينذرهم عذاب ال في الدنيا‬ ‫والخرة وهو محمد صلى ال عليه وسلم‪َ { .‬وقَالَ ا ْلكَافِرُونَ} أي لم يعتبروا وعجبوا وقالوا فيه‬ ‫شيْءٌ عُجَابٌ(‪ })5‬أي عجيب‬ ‫ج َعلَ الْآِل َهةَ إِلَها وَاحِدا إِنّ َهذَا لَ َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم {سَاحِرٌ كَذّابٌ}‪َ{ .‬أ َ‬ ‫أي كيف يسع العباد إله واحد إن هذا لمر يتعجب منه غاية العجب‪ ،‬لنهم قاسوا الغائب وهو ال‬ ‫تعالى على الشاهد وهو النسان الضعيف فوقعوا في أفحش خطأ وأقبحه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَا ْنطَلَقَ ا ْلمَلَأُ مِ ْنهُمْ} وهم يقولون لبعضهم بعضا امشوا واصبروا على آلهتكم {إِنّ هَذَا‬ ‫شيْءٌ يُرَادُ} أي منا إمضاؤه وتنفيذه‪ .‬قالوا هذا وما بعده من القول لما اجتمعوا بالرسول صلى ال‬ ‫لَ َ‬ ‫عليه وسلم في منزل عمه أبي طالب لمفاوضة الرسول في شأن دعوته فلما قال لهم الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم قولوا ل إله إل ال قاموا من المجلس وانطلقوا يمشون ويقولون ما أخبر تعالى به‬ ‫عنهم {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آِلهَ ِتكُمْ} أي على عبادتها فل تتخلوا عنها {إِنّ َهذَا} أي الدعوة إلى‬ ‫ل إله إل ال لشيء‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬في شرح هذه الكلمة عدة أوجه منها ذي الشرف أي من آمن به وعمل بما فيه كان شرفا له‬ ‫في الدارين كما أنه شريف في نفسه لعجازه‪ ،‬وقيل ذي الذكر أي فيه ذكر ما يحتاج إليه وقيل‬ ‫الموعظة وقيل فيه أسماء ال وتمجيده‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وذُكر لجواب القسم أمور منها ما في التفسير وهو أمثلها وقيل الجواب بل الذين كفروا وقيل‬ ‫الجواب إنه لمن عند ال تعالى أي القرآن المؤلف من حروف ص وغيره‪.‬‬ ‫‪ - 3‬النداء رفع الصوت ومنه الحديث "ألقه على بلل فإنه أندى منك صوتا" القرن المة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ولت هي ل النافية زيدت فيها التاء كما زيدت في رُبت وثمت وهي مشبهة بليس وهي‬ ‫مختصة بنفي أسماء الزمان والمناص النجاء والغوث وهو مصدر ميمي من نَاصَهُ إذا فاته‬ ‫والمعنى فنادوا مبتهلين في حال ليس فيها وقت نجاة وغوث‪.‬‬ ‫‪ - 5‬العجاب وصف الشيء الذي يتعجب منه كثيرا لن وزن فعال بضم أوله يدل على تمكن‬ ‫الوصف مثل طوال أو كرام‪.‬‬

‫( ‪)4/437‬‬ ‫كبير يراد منا إمضاؤه وتنفيذه لصالح غيرنا‪ .‬ما سمعنا بهذا أي بالتوحيد في الملة الخرة أي الدين‬ ‫الخير وهو ما جاء به عيسى بن مريم عليه السلم‪{ .‬إِنْ َهذَا إِلّا اخْتِلقٌ} أي ما هذا الذي يدعو‬ ‫إليه محمد إل كذب اختلقه لم ينزل عليه ولم يوح به إليه‪ .‬وواصلوا كلمهم قائلين‪{ :‬أَأُنْ ِزلَ عَلَيْهِ‬ ‫ال ّذكْرُ} أي القرآن {مِنْ بَيْنِنَا} وليس هو بأكبرنا سنا ول بأشرفنا نسبا‪ .‬فكيف يكون هذا؟ وقوله‬ ‫شكّ مِنْ ِذكْرِي} أي لم يكن بالقوم جهل بصدق محمد في قوله وسلمة عقله‪،‬‬ ‫تعالى { َبلْ هُمْ فِي َ‬ ‫وإنما حملهم على ذلك هو شكهم في القرآن وما ينزل به من الحق ويدعو إليه من الهدى‪ ،‬وهذا‬ ‫أولً وثانيا إنهم لما يذوقوا عذابي إذ لو ذاقوا عذاب ال على تكذيبهم ما كذبوا‪ ،‬وسوف يذوقونه‬ ‫ح َمةِ رَ ّبكَ ا ْلعَزِيزِ‬ ‫ولكن ل ينفعهم يومئذ تصديق ول إيمان‪ .‬وقوله تعالى {َأمْ عِنْ َدهُمْ خَزَائِنُ رَ ْ‬ ‫ا ْلوَهّابِ} أي بل أعندهم خزائن رحمة ربك يا رسولنا العزيز أي الغالب الوهاب أي الكثير العطاء‬ ‫من النبوة وغيرها وعندئذ لهم أن يعطوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولكن فهل لهم من خزائن‬ ‫ربك شيء والجواب ل إذا فلم ينكرون هبة ال لمحمد بالنبوة والوحي والرسالة‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ} أي بل لهم ملك السموات والرض وما بينهما؟ إذا‬ ‫وقوله تعالى {أَمْ َل ُهمْ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫كان هذا لهم { َفلْيَرْ َتقُوا فِي الْأَسْبَابِ} سببا بعد سبب حتى ينتهوا إلى السماء السابعة ويمنعوا الوحي‬ ‫النازل على محمد صلى ال عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى‪ .‬ومن أين لهم ذلك وهم الضعفاء‬ ‫الحقيرون إنهم كما قال تعالى فيهم {جُنْدٌ مَا هُنَاِلكَ َمهْزُومٌ(‪ )1‬مِنَ الْأَحْزَابِ} أي جند حقير من جملة‬ ‫أحزاب الباطل والشر مهزوم هنالك ببدر ويوم الفتح بإذن ال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل تعالى أن يقسم بما شاء بخلف العبد ل يقسم إل بربّه تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان عليه المشركون من كبرياء وعداء للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان جهل المشركين في استنكارهم لل إله إل ال محمد رسول ال‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحدي الرب تعالى للمشركين إظهارا لعجزهم ودعوته لهم إلى النزول إلى الحق وقبوله‪.‬‬ ‫‪ -5‬إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك‪.‬‬ ‫‪ -6‬ذم كلمة الحزاب ومدلولها إذ ل تأتي الحزاب بخير‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جند ما هنالك (ما) مزيدة للتأكيد أي تأكيد حقارة جند إن قيل التنكير للتحقير وإن كان‬ ‫للتعظيم فهي لتوكيده وهنالك إشارة إلى مكان بعيد‪ ،‬ومهزوم مقموع ذليل قد انقطعت حجتهم‬ ‫وذهبت قوتهم وفي الخطاب تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم بمعنى ل تحفل بهم ول تغتم لشأنهم‪.‬‬

‫( ‪)4/438‬‬ ‫ط وََأصْحَابُ لْأَ ْيكَةِ أُولَ ِئكَ‬ ‫عوْنُ ذُو الَْأوْتَادِ(‪ )12‬وَ َثمُو ُد َو َقوْمُ لُو ٍ‬ ‫ح وَعَا ٌد َوفِرْ َ‬ ‫كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُو ٍ‬ ‫ح ًة وَاحِ َدةً مَا َلهَا‬ ‫عقَابِ(‪َ )14‬ومَا يَنْظُرُ َهؤُلءِ إِلّا صَيْ َ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫سلَ فَ َ‬ ‫الْأَحْزَابُ(‪ )13‬إِنْ ُكلّ إِلّا كَ ّذبَ الرّ ُ‬ ‫حسَابِ(‪ )16‬اصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ وَا ْذكُرْ عَ ْبدَنَا‬ ‫جلْ لَنَا ِقطّنَا قَ ْبلَ َي ْومِ الْ ِ‬ ‫مِنْ َفوَاقٍ(‪َ )15‬وقَالُوا رَبّنَا عَ ّ‬ ‫ي وَالْأِشْرَاقِ(‪ )18‬وَالطّيْرَ مَحْشُو َرةً‬ ‫شّ‬ ‫سخّرْنَا ا ْلجِبَالَ َمعَهُ يُسَبّحْنَ بِا ْلعَ ِ‬ ‫دَاوُدَ ذَا الْأَ ْيدِ إِنّهُ َأوّابٌ(‪ )17‬إِنّا َ‬ ‫خطَابِ(‪)20‬‬ ‫صلَ الْ ِ‬ ‫ح ْكمَةَ َوفَ ْ‬ ‫شدَدْنَا مُ ْلكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْ ِ‬ ‫ُكلّ َلهُ َأوّابٌ(‪ )19‬وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت قبلهم ‪ :‬أي قبل هؤلء المشركين من قريش‪.‬‬ ‫وفرعون ذو الوتاد ‪ :‬أي صاحب أوتاد أربعة يشد إليها من أراد تعذيبه‪.‬‬ ‫وأصحاب اليكة ‪ :‬أي الغيضة وهم قوم شعيب‪.‬‬ ‫إن كل إل كذب الرسل ‪ :‬أي ما كل واحد منهم إل كذب الرسل ولم يصدقهم فيما دعوا إليه‪.‬‬ ‫فحق عقاب ‪ :‬أي وجبت عقوبتي عليهم‪.‬‬ ‫صحية واحدة ‪ :‬هي نفخة إسرافيل في الصور نفخة‪.‬‬ ‫مالها من فواق ‪ :‬أي ليس لها من فتور ول انقطاع حتى تهلك كل شيء‪.‬‬ ‫عجل لنا قطنا ‪ :‬أي صك أعمالنا لنرى ما أعدت لنا إذ القط الكتاب‪.‬‬ ‫ذا اليد ‪ :‬أي القوة والشدة في طاعة ال تعالى‪.‬‬ ‫إنه أواب ‪ :‬أي رجاع إلى ال في كل أموره‪.‬‬

‫بالعشي والشراق ‪ :‬أي بالمساء بعد العصر إلى الغروب والشراق من طلوع الشمس إلى ارتفاع‬ ‫الضحى‪.‬‬

‫( ‪)4/439‬‬ ‫والطير محشورة ‪ :‬أي والطيور مجموعة‪.‬‬ ‫وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب‪ :‬أي وأعطينا داود الحكمة‪ .‬وهي الصابة في المور والسداد فيها‬ ‫وفصل الخطاب‪ :‬الفقه(‪ )1‬في القضاء ومن ذلك البينة على المدّعي واليمين على من أنكر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫السياق الكريم في تسلية النبي صلى ال عليه وسلم وتهديد المشركين علهم يتوبون إلى ال‬ ‫عوْنُ ذُو‬ ‫ح وَعَا ٌد َوفِرْ َ‬ ‫ويرجعون قال تعالى { َكذّ َبتْ(‪ )2‬قَبَْلهُمْ} أي قبل قومك يا محمد { َقوْمُ نُو ٍ‬ ‫الَْأوْتَادِ} أي(‪ )3‬صاحب الوتاد التي كان يشد إليها من أراد تعذيبه ويعذبه عليها كأعواد المشانق‪،‬‬ ‫ط وََأصْحَابُ لْأَ ْيكَةِ} أي الغيضة وهي الشجر الملتف وهم قوم شعيب {أُولَ ِئكَ‬ ‫{وَ َثمُو ُد َو َقوْمُ لُو ٍ‬ ‫سلَ} أي ما كل واحدة منها إل كذبت‬ ‫الْأَحْزَابُ} أي الطوائف الكافرة الهالكة {إِنْ ُكلّ إِلّا كَ ّذبَ الرّ ُ‬ ‫عقَابِ} أي وجب عقابي لهم فعاقبتهم‪ ،‬وما ينظر هؤلء من قومك {إِلّا صَيْحَ ًة وَاحِ َدةً‬ ‫الرسل { َفحَقّ ِ‬ ‫مَا َلهَا مِنْ َفوَاقٍ} (‪ )4‬أي من فتور ول انقطاع حتى يهلك كل شيء ول يبقى إل وجه ال ذو‬ ‫حسَابِ} قالوا هذا لما نزل‬ ‫جلْ لَنَا ِقطّنَا(‪ )5‬قَ ْبلَ َيوْمِ الْ ِ‬ ‫الجلل والكرام‪ .‬وقوله تعالى { َوقَالُوا رَبّنَا عَ ّ‬ ‫{فأما من أوتي كتابه بيمنه} اليات من سورة الحاقة‪ .‬قال غلة الكافرين كأبي جهل وغيره‬ ‫استهزاءً‪ ،‬ربنا عجل لنا قطنا أي كتابنا لنرى ما فيه من حسنات وسيئات قبل يوم القيامة والحساب‬ ‫والجزاء وهم ل يؤمنون ببعث ول جزاء‪ ،‬وإنما قالوا هذا استهزاء وعنادا أو مكابرة فلذا قال‬ ‫علَى مَا َيقُولُونَ وَا ْذكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ(‪ })6‬أي القوة في دين(‪ )7‬ال {إِنّهُ‬ ‫تعالى لرسوله {اصْبِرْ َ‬ ‫َأوّابٌ} أي رجاع إلى ال تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬صورة من فصل الخطاب الذي هو الفقه والبصيرة في القضاء روي أن ابن أبي ليلى جلد‬ ‫ل فقالت له يا ابن الزانيين جلدها وهي قائمة في المسجد فبلغ ذلك أبا‬ ‫امرأة مجنونة قذفت رج ً‬ ‫حنيفة فقال أخطأ ابن أبي ليلى من ستة وجوه وهي‪ -1 :‬المجنون ل حد عليه لنه غير مكلف‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن كان القذف حقا ل تعالى فل يقام على القاذف إل حدا واحد كما هو مذهب أبي حنيفة‪-3 .‬‬ ‫أقام الحد بدون مطالبة المقذوف به‪ -4 .‬إنه والى بين الحدين والواجب أن يفرق بينهما‪ -5 .‬أنه‬ ‫حدها قائمة والمرأة تحد جالسة مستورة‪ -6 .‬أنه أقام الحد في المسجد والجماع أن الحدود ل تقام‬ ‫في المساجد‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مفعول كذبت محذوف سيدل عليه ما يأتي من قوله‪{ :‬إن كل إل كذب الرسل} فالمفعول‬

‫المحذوف هو الرسل والجملة بيان لسابقتها تحمل التسلية والعزاء للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جائز أن يكون المراد بالوتاد القوة والبطش أو الهرام لنها بناء راسخ في الرض كالوتاد‬ ‫جمع وتد بكسر التاء وهو عود غليظ له رأس مفلطح يدق في الرض ليشد به ظنب الخيمة أو‬ ‫حبالها قال الشاعر‪:‬‬ ‫والبيت ل يبنى إل على عمد‬ ‫ول عماد إذا لم تُرْسَ أوتاد‬ ‫‪ - 4‬الفواق اسم للزمن الذي بين الحلبتين والرضعتين إذ الحالب يجلب الناقة ثم يترك ولدها‬ ‫يرضعها حتى تدر اللبن ثم يبعده ويحلبها مرة ثانية فالفواق هو ما بين الحلبتين والرضعتين‪.‬‬ ‫‪ - 5‬القط‪ :‬هو القسط من الشيء ويطلق كما هنا على قطعة الورق أو ما يكتب عليه العطاء لحد‬ ‫يسمى بالصك‪.‬‬ ‫‪ - 6‬اليد ليست جمع يد إنما المراد بها القوة والشدة وهو مصدر آد يئيد أيدا‪ .‬إذا قوى واشتد‬ ‫ومنه التأييد الذي هو التقوية‪ .‬قال تعالى {فآواكم وأيدكم بنصره}‪.‬‬ ‫‪ - 7‬شاهده قوله صلى ال عليه وسلم "أحب الصلة إلى ال صلة داود وأحب الصيام إلى ال عز‬ ‫وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ول‬ ‫يفر إذا لقى وإنه كان أوابا" "في الصحيحين"‪.‬‬

‫( ‪)4/440‬‬ ‫اذكره لتتأسى به في صبره وقوته في الحق وقوله تعالى {إِنّا سَخّرْنَا} اليات بيان لنعام ال تعالى‬ ‫على داود لتعظم الرغبة في القتداء به‪ ،‬والرغبة إلى ال تعالى فيما لديه من إفضالت {إِنّا سَخّرْنَا‬ ‫شيّ وَالِْأشْرَاقِ(‪ })1‬أي إذا سبح داود في المساء من بعد العصر إلى‬ ‫الْجِبَالَ َمعَهُ ُيسَبّحْنَ بِا ْل َع ِ‬ ‫الغروب وفي الشراق وهو وقت الضحى سبحت الجبال معه أي رددت تسبيحه كرامة له والطير‬ ‫محشورة أي وسخرنا الطير محشورة أي مجموعة تردد التسبيح معه‪ ،‬وقوله { ُكلّ َلهُ َأوّابٌ} أي‬ ‫كل من الجبال والطير أواب أي رجاع يسبح ل تعالى‪ .‬وقوله { َوشَ َددْنَا مُ ْلكَهُ} أي وقوينا ملك داود‬ ‫ح ْكمَةَ} وهي النبوة والصابة في المور‬ ‫بمنحنا إياه كل أسباب القوة المادية والروحية‪{ .‬وَآتَيْنَاهُ الْ ِ‬ ‫خطَابِ} أي حسن القضاء والبصيرة فيه‪ ،‬والبيان الشافي‬ ‫صلَ الْ ِ‬ ‫والسداد فيها قول كان أو فعلً‪َ { .‬و َف ْ‬ ‫في كلمه‪ ،‬فبه اقتده يا رسولنا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداة اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر على أذى قريش وتكذيبها وعنادها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تهديد قريش إذا أصرت على التكذيب بأشد أنواع العقوبات‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان استهزاء المشركين واستخفافهم بأخبار ال تعالى وشرائعه‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية السوة والقتداء بالصالحين‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان آية تسخير ال تعالى الجبال والطير لداود تسبح ال تعالى معه‪.‬‬ ‫‪ -6‬حسن(‪ )2‬صوت داود في قراءته وتسبيحه‪.‬‬ ‫‪ -7‬مشروعية صلة الشراق والضحى‪.‬‬ ‫خفْ‬ ‫سوّرُوا ا ْل ِمحْرَابَ(‪ِ )21‬إذْ َدخَلُوا عَلَى دَاوُدَ َففَ ِزعَ مِ ْنهُمْ قَالُوا ل تَ َ‬ ‫صمِ إِذْ َت َ‬ ‫خ ْ‬ ‫وَ َهلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْ َ‬ ‫ططْ‬ ‫ق وَل تُشْ ِ‬ ‫حّ‬ ‫ح ُكمْ بَيْنَنَا بِالْ َ‬ ‫صمَانِ َبغَى َب ْعضُنَا عَلَى َب ْعضٍ فَا ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما كنت أمر بهذه الية بالعشي والشراق ول أدري ما هي‬ ‫حتى حدثتني أم هانئ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم‬ ‫صلى (الضحى) وقال‪" :‬يا أم هانئ هذه صلة الشراق ‪ .‬وروى البخاري عن أبي هريرة قال‬ ‫أوصاني خليلي بثلث خصال ل أدعهن حتى أموت صوم ثلثة أيام من كل شهر وصلة الضحى‬ ‫ونوم على وتر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شاهده قوله صلى ال عليه وسلم لبي موسى الشعري وقد سمعه يقرأ القرآن ويرتل بحسن‬ ‫صوت لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود‪ .‬والمزمار والمزمور الصوت الحسن وبه سميت آلة‬ ‫الزمر مزمارا‪.‬‬

‫( ‪)4/441‬‬ ‫ح َدةٌ َفقَالَ َأ ْكفِلْنِيهَا‬ ‫ج ٌة وَا ِ‬ ‫سعُونَ َنعْجَةً وَلِيَ َنعْ َ‬ ‫سوَاءِ الصّرَاطِ(‪ )22‬إِنّ هَذَا أَخِي لَهُ ِتسْ ٌع وَتِ ْ‬ ‫وَاهْدِنَا إِلَى َ‬ ‫سؤَالِ َنعْجَ ِتكَ ِإلَى ِنعَاجِ ِه وَإِنّ كَثِيرا مِنَ ا ْلخُلَطَاءِ لَيَ ْبغِي‬ ‫خطَابِ(‪ )23‬قَالَ َلقَدْ ظََل َمكَ بِ ُ‬ ‫وَعَزّنِي فِي الْ ِ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َوقَلِيلٌ مَا ُه ْم وَظَنّ دَاوُدُ أَ ّنمَا فَتَنّاهُ فَاسْ َت ْغفَرَ‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫ك وَإِنّ َلهُ عِنْدَنَا لَ ُز ْلفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(‪)25‬‬ ‫رَبّ ُه وَخَرّ رَاكِعا وَأَنَابَ(‪َ )24‬ف َغفَرْنَا َلهُ ذَِل َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل أتاك ‪ :‬الستفهام هنا للتعجب أي حمل المخاطب على التعجب‪.‬‬ ‫نبأ الخصم ‪ :‬أي خبر الخصم الغريب في بابه العجيب في واقعه‪.‬‬ ‫إذ تسوروا المحراب ‪ :‬أي محراب مسجده إذ منعوا من الدخول من الباب فقصدوا سوره ونزلوا‬ ‫من أعلى السور‪.‬‬ ‫بغى بعضنا على بعض ‪ :‬أي تعدّى بعضنا على بعض‪.‬‬ ‫فاحكم بيننا بالحق ول تشطط ‪ :‬أي احكم بالعدل ول تجر في حكمك‪.‬‬ ‫واهدنا إلى سواء الصراط ‪ :‬أي أرشدنا إلى العدل في قضيتنا هذه ول تمل بنا إلى غير الحق‪.‬‬

‫إن هذا أخي ‪ :‬أي على ديني في السلم‪.‬‬ ‫فقال أكفلنيها ‪ :‬أي اجعلني كافلها بمعنى تنازل لي عنها وملكنيها‪.‬‬ ‫وعزني في الخطاب ‪ :‬أي غلبني في الكلم الجدلي فأخذها مني‪.‬‬ ‫لقد ظلمك بسؤال نعجتك ‪ :‬أي بطلبه نعجتك وضمها إلى نعاجه‪.‬‬ ‫من الخلطاء ليبغي بعضهم ‪ :‬أي الشركاء يظلم بعضهم بعضا‪.‬‬ ‫وظن داود أنما فتناه ‪ :‬أي أيقن داود أنما فتنه ربه أي اختبره‪.‬‬ ‫فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ‪ :‬أي طلب المغفرة من ربه بقوله أستغفر ال وسقط ساجدا على‬ ‫الرض وأناب أي رجع تائبا إلى ربه‪.‬‬ ‫وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ‪ :‬أي وحسن مرجع عندنا وهي الجنة والدرجات العل فيها‪.‬‬

‫( ‪)4/442‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تسلية الرسول وحمله على الصبر على ما يعاني من كفار قريش من تطاول‬ ‫وأذى فقال له ربه تعالى { َهلْ أَتَاكَ} إلى آخر اليات‪ .‬وذلك أن داود(‪ )1‬عليه السلم ذكر مرة في‬ ‫نفسه ما أكرم ال تعالى به إبراهيم وإسحق ويعقوب من حسن الثناء الباقي لهم في الناس‪ ،‬فتمنى‬ ‫مثله فقيل له إنهم امتحنوا فصبروا فسأل أن يبتلى كالذي ابتلوا به ويعطى كالذي أعطوا إن هو‬ ‫صبر فاختبره ال تعالى بناء على رغبته فأرسل إليه ملكين(‪ )2‬في صورة رجلين فتسورا عليه‬ ‫المحراب كما يأتي تفصيله في اليات وهو قوله تعالى { َو َهلْ أَتَاكَ} يا رسولنا نبأ الخصم(‪ )3‬وهما‬ ‫ملكان في صورة رجلين‪ ،‬ولفظ الخصم يطلق على الواحد والكثر كالعدو فيقال هذا خصمي‬ ‫سوّرُوا(‪ )4‬ا ْلمِحْرَابَ} أي اطلعوا على‬ ‫وهؤلء خصمي‪ ،‬وهذا عدوي وهؤلء عدوي‪ .‬وقوله {إِذْ َت َ‬ ‫سور المنزل الذي هو المحراب في عرف بني إسرائيل ولم يدخلوا من الباب لن الحرس منعهم‬ ‫من ذلك‪ ،‬لن لداود وقتا ينقطع فيه للعبادة فل يسمح بمقابلة أحد وقوله {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ} وهو‬ ‫صمَانِ} أي نحن خصمان‬ ‫خ ْ‬ ‫خفْ َ‬ ‫في محرابه { َففَزِعَ مِ ْنهُمْ} أي ارتاع واضطرب نفسا {قَالُوا ل َت َ‬ ‫ق وَل‬ ‫حّ‬ ‫حكُمْ بَيْنَنَا بِالْ َ‬ ‫علَى َب ْعضٍ} أي اعتدى بعضنا على بعض جئنا نتحاكم إليك {فَا ْ‬ ‫{ َبغَى َب ْعضُنَا َ‬ ‫سوَاءِ الصّرَاطِ} أي إلى وسط(‪ )5‬الطريق فل تمل بنا‬ ‫شطِطْ} أي ول تجر في الحكم {وَاهْدِنَا إِلَى َ‬ ‫تُ ْ‬ ‫عن الحق‪ .‬ثم عرضا عليه القضية فقال أحدهما وهو المظلوم عارضا مظلمته {إِنّ هَذَا أَخِي} أي‬ ‫سعُونَ َن ْعجَ ًة وَِليَ َنعْجَ ٌة وَاحِ َدةٌ َفقَالَ َأكْفِلْنِيهَا} أي ملكنيها أضمها إلى نعاجي‪،‬‬ ‫في السلم {َلهُ تِسْعٌ وَتِ ْ‬ ‫{وَعَزّنِي فِي ا ْلخِطَابِ} أي وغلبني في الكلم والجدال وأخذها مني‪ .‬فقال داود على الفور وبدون‬ ‫سؤَالِ َن ْعجَ ِتكَ إِلَى ِنعَاجِهِ} وعلل لذلك بقوله {وَإِنّ كَثِيرا مِنَ‬ ‫أن يسمع من الخصم الثاني {َلقَدْ ظََل َمكَ ِب ُ‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ إِلّا الّذِينَ آمَنُوا‬ ‫الْخَُلطَاءِ} أي الشركاء في زرع أو ماشية أو تجارة {لَيَ ْبغِي َب ْع ُ‬

‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ} وهم أهل اليمان والتقوى فإنهم يسلمون من‬ ‫وَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر المفسرون هنا نقلً عن كتب بني إسرائيل عجائب وغرائب في قصة داود هذه من‬ ‫أبشعها أنه نظر من كوة المحراب فرأى امرأة تغتسل فأحبها وطلبها بأن أرسل زوجها إلى الجهاد‬ ‫ليموت قتيلً حتى يتزوج داود امرأته بعد موته أعرضنا عن هذه الباطيل منزهين نبي ال عن‬ ‫هذه الكاذيب الممجوجة التي ل يرتكبها أقل الناس إيمانا وشأنا كما نسبوا إلى يوسف ما نسبوا‪،‬‬ ‫رواية عن اليهود وهم أكذب خلق ال تعالى بعد أن لعنوا بظلمهم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ل خلف بين المفسرين أن الخصمين كانا ملكين‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫وخصم غضاب ينفضون لحاهم‬ ‫كنفض البراذين العراب المخاليا‬ ‫‪ - 4‬إذ ظرف للزمان الماضي متعلق بمحذوف تقديره‪ :‬تحاكم الخصم إذ تسوروا الخ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬سواء الصراط أي وسط الطريق وهذا كناية عن الحكم بالعدل عدم الجور عن الحق أي‬ ‫الميل كمن يميل إلى جانب الطريق‪.‬‬

‫( ‪)4/443‬‬ ‫مثل هذه العتداءات‪َ { ،‬وقَلِيلٌ مَا هُمْ} أي وهم قليل جدا‪ ،‬وهنا طار الملكان من بين يدي داود عرجا‬ ‫إلى السماء فعلم عندئذ أنما فتنه ربه كما رغب إليه وأنه لم يصبر حيث قضى بدون أن يسمع من‬ ‫الخصم الثاني فكانت زلة أرته أن ما ناله إبراهيم وإسحق ويعقوب من الكمال كان نتيجة ابتلء‬ ‫عظيم‪ ،‬وهنا استغفر داود ربه { َوخَرّ(‪ َ)1‬رَاكِعا وَأَنَابَ} يبكي ويطلب العفو وأناب إلى ربه في كل‬ ‫ك وَإِنّ لَهُ عِ ْندَنَا لَزُ ْلفَى} أي‬ ‫أمره كله‪ ،‬وذكر تعالى أنه قبل توبته وعفا عنه فقال تعالى { َف َغفَرْنَا لَهُ ذَِل َ‬ ‫لقربة عندنا { َوحُسْنَ مَآبٍ} أي مرجع وهو الدرجات العل في دار البرار‪ ،‬جعلنا ال تعالى من‬ ‫أهلها بفضله ورحمته‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬فائدة عرض مثل هذا القصص تقوية قلب الرسول صلى ال عليه وسلم وتثبيت فؤاده وحمله‬ ‫على الصبر‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير نبوة النبي صلى ال عليه وسلم إذ مثل هذا القصص ل يتأتى له قصه إل بوحي إلهي‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير جواز تشكل الملئكة في صورة(‪ )2‬بني آدم‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة إصدار القاضي أو الحاكم الحكم قبل أن يسمع الدعوى من الخصمين معا إذ هذا محل‬

‫الفتنة التي كانت لداود عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب التوبة عند الوقوع في الذنب‪.‬‬ ‫‪ -6‬مشروعية السجود(‪ )3‬عند قراءة هذه الية {وخرّ راكعا وأناب}‪.‬‬ ‫ق وَل تَتّبِعِ ا ْل َهوَى فَ ُيضِّلكَ عَنْ سَبِيلِ‬ ‫حكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِا ْلحَ ّ‬ ‫جعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَ ْرضِ فَا ْ‬ ‫يَا دَاوُدُ إِنّا َ‬ ‫اللّهِ إِنّ الّذِينَ َيضِلّونَ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أطلق الركوع وأريد به السجود وهو شائع كما في قوله الشاعر‪:‬‬ ‫فخر على وجهه راكعا‬ ‫وتاب إلى ال من كل ذنب‬ ‫‪ - 2‬وكثيرا ما كان جبريل يأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة‬ ‫الكلبي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬في البخاري قال ابن عباس قال صلى ال عليه وسلم ليست من عزائم القرآن وقد رأيت‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم يسجد فيها قال ابن العربي‪ :‬والذي عندي أنها ليست موضع سجود‬ ‫ولكن النبي صلى ال عليه وسلم سجد فيها فسجدنا بالقتداء به وقد صح عن النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم سجود الشكر‪ .‬ولما بشر بقتل أبي جهل قام فصلى ركعتين شكرا ل تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/444‬‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا‬ ‫سمَا َء وَالْأَ ْر َ‬ ‫خَلقْنَا ال ّ‬ ‫عذَابٌ شَدِيدٌ ِبمَا نَسُوا َيوْمَ الْحِسَابِ(‪َ )26‬ومَا َ‬ ‫عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َلهُمْ َ‬ ‫عمِلُوا‬ ‫ج َعلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫بَاطِلً ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ َكفَرُوا َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ(‪ )27‬أَمْ َن ْ‬ ‫ج َعلُ ا ْلمُ ّتقِينَ كَا ْلفُجّارِ(‪ )28‬كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَ ْيكَ مُبَا َركٌ لِ َيدّبّرُوا‬ ‫الصّالِحَاتِ كَا ْل ُمفْسِدِينَ فِي الْأَ ْرضِ أَمْ نَ ْ‬ ‫آيَاتِهِ وَلِيَتَ َذكّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ(‪)29‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا جعلناك خليفة ‪ :‬أي خلفت من سبقك تدبر أمر الناس بإذننا‪.‬‬ ‫ول تتبع الهوى ‪ :‬أي هوى النفس وهو ما تميل إليه مما تشتهيه‪.‬‬ ‫فيضلك عن سبيل ال ‪ :‬أي عن الطريق الموصل إلى رضوانه‪.‬‬ ‫إن الذين يضلون عن سبيل ال ‪ :‬يخطئون الطريق الموصل إلى رضوانه وهو اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫بما نسوا يوم الحساب ‪ :‬أي بنسيانهم يوم القيامة فلم يتقوا ال تعالى‪.‬‬ ‫باطلً ‪ :‬أي عبثا لغير حكمة مقصودة من ذلك الخلق‪.‬‬ ‫ذلك ظن الذين كفروا ‪ :‬أي ظن أن السموات والرض وما بينهما خلقت عبثا ل لحكمة مقصودة‬ ‫منها ظن الذين كفروا‪.‬‬

‫فويل للذين كفروا من النار ‪ :‬أي من واد في النار بعيد غوره كريه ريحه ل يطاق‪.‬‬ ‫مبارك ‪ :‬أي ل تفارقه البركة يجدها قارئه والعامل به والحاكم بما فيه‪.‬‬ ‫وليتذكر أولوا اللباب ‪ :‬أي ليتعظ به أصحاب العقول الراجحة‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر قصة داود للعظة والعتبار وتثبيت فؤاد النبي صلى ال عليه وسلم فقال‬ ‫تعالى {يَا دَا ُودُ(‪ })1‬أي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬افتتاح الخطاب بالنداء لسترعاء وعي المخاطب ليهتم بما سيقال له‪.‬‬

‫( ‪)4/445‬‬ ‫جعَلْنَاكَ خَلِيفَةً(‪ )1‬فِي الْأَ ْرضِ} خلفت من قبلك من‬ ‫وقلنا له أي بعد توبته وقبولها يا داود {إِنّا َ‬ ‫حكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِا ْلحَقّ} أي بالعدل الموافق لشرع ال ورضاه‪{ ،‬وَل تَتّبِعِ‬ ‫النبياء تدبر أمر الناس {فَا ْ‬ ‫ا ْل َهوَى} وهو ما تهواه نفسك دون ما شرع ال‪{ ،‬فَ ُيضِّلكَ(‪ } )2‬أي اتباع الهوى يضلك عن سبيل ال‬ ‫المفضي بالعباد إلى السعاد والكمال وذلك أن الحكام إذا كانت مطابقة للشريعة اللهية انتظمت‬ ‫بها مصالح العباد ونفعت العامة والخاصة أما إذا كانت على وفق الهوى وتحصيل مقاصد النفس‬ ‫للحاكم ل غير أفضت إلى تخريب العالم بوقوع الهرج والمرج بين الناس وفي ذلك هلك الحاكم‬ ‫والمحكومين‪ ،‬وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ َيضِلّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ} القائم على اليمان والتقوى وإقامة‬ ‫شدِيدٌ} في الدنيا والخرة { ِبمَا نَسُوا َيوْمَ ا ْلحِسَابِ(‪ })3‬أي بسبب‬ ‫الشرع والعدل هؤلء {َل ُهمْ عَذَابٌ َ‬ ‫نسيانهم ليوم القيامة فتركوا العمل له وهو اليمان والتقوى‪ ،‬التقوى التي هي فعل الوامر اللهية‬ ‫سمَاءَ‬ ‫واجتناب النواهي في العقيدة والقول والعمل‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪َ { )27‬ومَا خََلقْنَا ال ّ‬ ‫وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِلً} ينفي تعالى ما يظنه المشركون وهو أن خلق الكون لم يكن لحكمة‬ ‫اقتضت خلقه وإيجاده وهي أن يعبد ال تعالى بذكره وشكره المتمثل في اليمان والتقوى‪ .‬وقوله‬ ‫{ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ َكفَرُوا} أي ظن أن ال خلق السماء والرض وما بينهما ل لحكمة مقصودة وهي‬ ‫عبادة ال تعالى بما يشرع لعباده من العبادات القلبية والقولية والفعلية ظن الذين كفروا من كفار‬ ‫مكة وغيرهم‪ .‬ثم توعدهم تعالى على كفرهم وظنهم الخاطئ الذي نتج عنه كفرهم وعصيانهم فقال‬ ‫{ َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنَ النّارِ} أي ويل للذين كفروا من واد في جهنم بعيد الغور كريه الريح‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ كَا ْل ُمفْسِدِينَ فِي الْأَ ْرضِ أَمْ‬ ‫ج َعلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪َ{ )28‬أمْ نَ ْ‬ ‫ج َعلُ ا ْلمُ ّتقِينَ كَالْفُجّارِ} هذا أولً ردٌ لما زعمه المشركون من أنهم يعطون في الخرة من النعيم‬ ‫نَ ْ‬ ‫مثل ما يعطى المؤمنون‪ ,‬وثانيا ينفي تعالى أن يسوى بين من آمن به واتبع هداه فأطاعه في المر‬ ‫والنهي‪ ,‬وبين من أفسد في الرض بالشرك والمعاصي كما نفى أن يجعل المتقين الذين آمنوا‬

‫واتقوا فتركوا الشرك والمعاصي كالفجار الذين فجروا أي خرجوا عن طاعة ال ورسوله فلم‬ ‫يؤمنوا ولم يوحدوا فعاشوا كفارا فجارا وماتوا على ذلك‪ .‬أي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ل يقال يا خليفة ال إل لرسوله أما من عدا الرسل فإن الخليفة منهم هو خليفة لمن قبله وليس‬ ‫خليفة ل تعالى والصحابة قالوا لبي بكر خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الفاء هي السببية والمضارع بعدها منصوب وفي الية تحريم اتباع هوى النفس المسبب‬ ‫الخروج عن دائرة العدل والحق‪ .‬وفي الية دليل على أنه ل يجوز الحكم بعلم الحاكم بل بالبينة‬ ‫والشهود وقد أن النبي صلى ال عليه وسلم اشترى فرسا فجحده البائع فلم لم يحكم عليه بعلمه‬ ‫وقال ومن يشهد لي؟ فقام خزيمة فشهد فحكم عليه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬سمي يوم القيامة يوم الحساب لما يجري فيه من حساب الناس بما كسبوا من خير وشر‬ ‫وسمي يوم الدين للمجازاة التي تتم بعد الحساب‪ ،‬وسمي يوم الفصل للفصل بين الناس والحكم لهم‬ ‫فيما بينهم‪.‬‬

‫( ‪)4/446‬‬ ‫فحاشا ل رب العالمين وأعدل العادلين وأحكم الحاكمين أن يسوي بين أهل اليمان والتقوى وبين‬ ‫أهل الشرك والمعاصي بل ينعم الولين في دار النعيم‪ ،‬ويعذب الخرين في سواء الجحيم وقوله‬ ‫تعالى في الية (‪{ )29‬كِتَابٌ أَنْ َزلْنَاهُ} أي هذا كتاب مبارك أنزلناه على رسولنا(‪ )1‬ليدبروا آياته‬ ‫بمعنى يتأملوها ويترووها بعقولهم فيحصلوا على هداية القلوب والعقول فيؤمنوا بال ويعملوا‬ ‫بطاعته فينجوا ويسعدوا‪ .‬وليذكر أولوا(‪ )2‬اللباب أي وليتعظ بمواعظه وينزجر بزواجره أولو‬ ‫اللباب أي العقول السليمة ووصف الكتاب وهو القرآن بالبركة هو كما أخبر ال ل تفارق القرآن‬ ‫البركة وهي الخير الدائم فكل من قرأه متدبرا عرف الهدى ومن قرأه تقربا حصل على القرب‬ ‫وفاز به ومن قرأه حاكما عدل في حكمه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الحكم بالعدل على كل من حكم ول عدل في غير الشرع اللهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة اتباع الهوى لما يفضي إليه بالعبد إلى الهلك والخسار‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬إبطال ظن من يظن أن الحياة الدنيا خلقت عبثا وباطل‪.‬‬ ‫‪ -5‬تنزيه الرب تعالى عن العبث والظلم‪.‬‬ ‫‪ -6‬فضيلة العقول لمن استعملها في التدبر والتذكر‪.‬‬

‫‪ -7‬بركة(‪ )3‬القرآن ل تفارقه أبدا وما طلبها أحد إل وجدها‪.‬‬ ‫شيّ الصّافِنَاتُ الْجِيَادُ(‪َ )31‬فقَالَ‬ ‫َووَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَ ْيمَانَ ِنعْمَ ا ْلعَ ْبدُ إِنّهُ َأوّابٌ(‪ )30‬إِذْ عُ ِرضَ عَلَ ْيهِ بِا ْلعَ ِ‬ ‫طفِقَ مَسْحا بِالسّوقِ‬ ‫حبّ ا ْلخَيْرِ عَنْ ِذكْرِ رَبّي حَتّى َتوَا َرتْ بِا ْلحِجَابِ(‪ )32‬رُدّوهَا عََليّ َف َ‬ ‫إِنّي أَحْبَ ْبتُ ُ‬ ‫وَالْأَعْنَاقِ(‪)33‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ليدبروا أصلها ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال لقرب مخرجيهما‪.‬‬ ‫‪ - 2‬اللباب العقول والواحد لب ويجمع على ألبّ كما يجمع بؤس على أبؤس قال أبو طالب قلبي‬ ‫إليه مشرف اللب‪ ،‬والتذكر هو استحضار الذهن ما كان يعلمه كاستحضار ما هو منسي أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬بركة القرآن تتجلى في صرفها النفس عن السوء ودفعها إلى الخير وذلك لمن يقرأ القرآن‬ ‫موقنا به متدبرا له فإن له في كل حرف عشر حسنات مع ما يفيضه على روحه من نور المعرفة‬ ‫وحب الخرة‪.‬‬

‫( ‪)4/447‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ووهبنا لداود سليمان ‪ :‬أي ومن جملة هباتنا لداود الواب أن وهبنا له سليمان ابنه‪.‬‬ ‫نعم العبد إنه أواب ‪ :‬أي سليمان رجاع إلى ربه بالتوبة والنابة‪.‬‬ ‫الصافنات الجياد ‪ :‬أي الخيل الصافنات أي القائمة على ثلث الجياد أي السوابق‪.‬‬ ‫حب الخير ‪ :‬أي حب الخيل عن ذكر ربي وهي صلة العصر لنشغاله باستعراض الخيل للجهاد‪.‬‬ ‫حتى توارت بالحجاب ‪ :‬أي استترت الشمس في الفق وتغطت عن أعين الناظرين‪.‬‬ ‫ردوها علي ‪ :‬أي ردوا الخيل التي استعرضتها آنفا فشغلتني عن ذكر ربي‪.‬‬ ‫فطفق مسحا بالسوق ‪ :‬أي فأخذ يمسح بسوق تلك الخيل وأعناقها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر إفضال ال على داود(‪ )1‬حيث قال { َووَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَ ْيمَانَ ِنعْمَ ا ْلعَ ْبدُ} فذكر‬ ‫تعالى أنه وهبه سليمان وأثنى على سليمان بأنه نعم العبد ل‪ ،‬وعلل لتلك الفضلية بقوله {إِنّهُ‬ ‫َأوّابٌ(‪ })2‬أي كثير الوبة إلى ال تعالى‪ ،‬وهي الرجوع إلى ال بذكره واستغفاره عند الغفلة‬ ‫شيّ الصّافِنَاتُ(‪)4‬‬ ‫والنسيان العارض للعبد‪ ،‬وأشار تعالى إلى ذلك بقوله {إِذْ عُ ِرضَ(‪ )3‬عَلَيْهِ بِا ْل َع ِ‬ ‫الْجِيَادُ} أي الخيل القوية على السير التي إذا وقفت تأبى أن تقف على أربع كالحمير بل تقف على‬ ‫ثلث وترفع الرابعة‪ ،‬والجياد هي السريعة العدو‪ ،‬وهذا العرض كان استعراضا منه لها إعدادا‬ ‫لغزو أراده فاستعرض خيله فانشغل بذلك عن صلة العصر فلم يشعر إل وقد غربت الشمس وهو‬ ‫معنى قوله تعالى {حَتّى َتوَا َرتْ} أي استترت الشمس {بِا ْلحِجَابِ} أي بالفق الذي حجبها عن أعين‬

‫حبّ الْخَيْرِ} أي الخيل {عَنْ ِذكْرِ رَبّي} وصلى العصر‪ ،‬ثم‬ ‫الناظرين‪ .‬فندم لذلك وقال {إِنّي أَحْبَ ْبتُ ُ‬ ‫عاد إلى إكمال الستعراض فردها رجاله عليه فجعل يمسح بيده(‪ )5‬سوقها وأعناقها حتى أكمل‬ ‫استعراضها هذا وجه الوبة التي وصف بها سليمان عليه السلم في قوله تعالى {إِنّهُ َأوّابٌ}‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جملة نعم العبد في محل نصب على الحال والمخصوص بالمدح محذوف أي سليمان‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الجملة تعليلية لما سبقها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العارض هم سوّاس خيله‪ .‬والعرض هو المرار والحضار أمام الرائي والجياد جمع جواد‬ ‫وهو الفرس الشديد الحُضر‪ ،‬كما يقال للنسان جواد إذا كان كثير العطية غزيرها‪ .‬والجواد يجمع‬ ‫على أجواد وأجاود‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الصافنات صفة لموصوف محذوف وهو الخيل أو الفراس وهو الذي يقف على ثلث قوائم‬ ‫والواحدة صافنة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ذكر كثير من المفسرين أن قوله فطفق مسحا بالسوق والعناق أنه ذبحها وأطمعها الفقراء‬ ‫لنها ألهته عن الصلة وما في التفسير هو اختيار ابن جرير وهو الحق والصواب‪.‬‬

‫( ‪)4/448‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الولد الصالح هبة إلهية لوالده فليشكر ال تعالى من وهب ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬الثناء على العبد بالتوبة الفورية التي تعقب الذنب مباشرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز استعراض الحاكم القائد قواته تفقدا لها لما قد يحدثه فيها‪.‬‬ ‫‪ -4‬إطلق لفظ الخير على الخيل فيه تقرير أن الخيل إذا ربطت في سبيل ال كان طعامها‬ ‫وشرابها حسنات لمن ربطها في سبيل ال كما في الحديث الصحيح "الخيل لثلث ‪." ...‬‬ ‫‪ -5‬ربط الطائرات النفاثة في الحظائر اليوم والمدرعات وإعدادها للقتال في سبيل ال حل محل‬ ‫ربط الجياد من الخيل في سبيل ال‪.‬‬ ‫غفِرْ لِي وَ َهبْ لِي مُلْكا ل يَنْ َبغِي‬ ‫ن وَأَ ْلقَيْنَا عَلَى كُ ْرسِيّهِ جَسَدا ثُمّ أَنَابَ(‪ )34‬قَالَ َربّ ا ْ‬ ‫وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَ ْيمَا َ‬ ‫سخّرْنَا لَهُ الرّيحَ تَجْرِي بَِأمْ ِرهِ ُرخَاءً حَ ْيثُ َأصَابَ (‪)36‬‬ ‫حدٍ مِنْ َبعْدِي إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلوَهّابُ(‪ )35‬فَ َ‬ ‫لِأَ َ‬ ‫سكْ‬ ‫عطَاؤُنَا فَامْنُنْ َأوْ َأ ْم ِ‬ ‫صفَادِ(‪ )38‬هَذَا َ‬ ‫غوّاصٍ(‪ )37‬وَآخَرِينَ مُقَرّنِينَ فِي الَْأ ْ‬ ‫وَالشّيَاطِينَ ُكلّ بَنّا ٍء وَ َ‬ ‫حسَابٍ(‪ )39‬وَإِنّ َلهُ عِنْدَنَا لَ ُز ْلفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(‪)40‬‬ ‫ِبغَيْرِ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد فتنا سليمان ‪ :‬أي ابتليناه‪.‬‬

‫وألقينا على كرسيه جسدا ‪ :‬أي شق ولد ميت ل روح فيه‪.‬‬ ‫ثم أناب ‪ :‬أي رجع إلى ربه وتاب إليه من عدم استثنائه في يمينه‪.‬‬ ‫وهب لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي ‪ :‬أي أعطني ملكا ل يكون لسواي من الناس‪.‬‬ ‫فسخرنا له الريح ‪ :‬أي استجبنا له فسخرنا له الريح تجري بأمره‪.‬‬

‫( ‪)4/449‬‬ ‫رخاء حيث أصاب ‪ :‬أي لينة حيث أراد‪.‬‬ ‫والشياطين كل بناء وغواص ‪ :‬أي وسخرنا له الشياطين من الجن منهم البناء ومنهم الغواص في‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫مقرنين في الصفاد ‪ :‬أي مشدودين في الصفاد أيديهم إلى أعناقهم في السجون المظلمة وذلك إذا‬ ‫تمردوا وعصوا أمرا من أوامره‪.‬‬ ‫هذا عطاؤنا ‪ :‬أي وقلنا له هذا عطاؤنا‪.‬‬ ‫فامنن أو أمسك ‪ :‬أي أعط من شئت وما شئت وامنع كذلك‪.‬‬ ‫بغير حساب ‪ :‬أي منّا لك‪.‬‬ ‫وإن له عندنا لزلفى ‪ :‬أي وإن لسليمان عندنا لقربة يوم القيامة‪.‬‬ ‫وحسن مآب ‪ :‬أي مرجع في الجنة في الدرجات العل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر إنعام ال على آل داود فقد أخبر تعالى هنا عما منّ به على سليمان فأخبر‬ ‫تعالى أنه ابتله كما ابتلى أباه داود وتاب سليمان كما تاب داود ولم يسقط ذلك من علو منزلتهما‬ ‫سلَ ْيمَانَ(‪ })1‬أي ابتليناه‪ ،‬وذلك أنه كما أخبر‬ ‫وشرف مقامهما قال تعالى في الية (‪{ )34‬وََلقَدْ فَتَنّا ُ‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصحيح أنه قال لطأن الليلة مائة جارية(‪ )2‬تلد كل جارية‬ ‫ولدا يصبح فارسا يقاتل ي سبيل ال‪ ،‬ولم يقل إن شاء ال أي لم يستثن ووطئ نساءه في تلك الليلة‬ ‫فعوقب لعدم استثنائه فلم يلدن إل واحدة جاءت بولد مشلول بالشلل النصفي فلما وضعته أمه أتوا‬ ‫به إلى سليمان ووضعوه على كرسيه‪ .‬وهو معنى قوله تعالى {وَأَ ْلقَيْنَا عَلَى كُ ْرسِيّهِ جَسَدا ثُمّ أَنَابَ}‬ ‫غفِرْ لِي وَ َهبْ لِي مُلْكا ل يَنْ َبغِي(‪)3‬‬ ‫سليمان إلى ربه فاستغفر وتاب فتاب ال عليه وقال { َربّ ا ْ‬ ‫حدٍ مِنْ َبعْدِي} أي ل يكون مثله لسواي من الناس وتوسل إلى ال في قبول دعائه بقوله {إِ ّنكَ أَ ْنتَ‬ ‫لِأَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر المفسرون لهذه الفتنة عدة أمور وهي قصص أشبه بالخرافات السرائيلية أمثلها ما رواه‬ ‫سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪ :‬اختصم إلى سليمان فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة‬ ‫سليمان وكان يحبها فهوى أن يقع القضاء لهم ثم قضى بينهما بالحق فأصابه الذي أصابه عقوبة‬

‫لذلك الهوى وما في التفسير أصح وأقرب إلى تفسير اليات‪.‬‬ ‫‪ - 2‬نص الحديث عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم قال سليمان لطوفن‬ ‫الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل ال فقال له صاحبه قل إن شاء ال فلم‬ ‫يقل إن شاء ال فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إل امرأة واحدة جاءت بشق رجل وأيم الذي‬ ‫نفس محمد بيده لو قال إن شاء ال لجاهدوا في سبيل ال فرسانا أجمعون‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روى البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "إن عفريت من الجن تفلت عليّ البارحة‬ ‫ليقطع على صلتي فحماني ال تبارك وتعالى منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري‬ ‫المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه السلم {رب هب لي ملكا‬ ‫ل ينبغي لحد من بعدي إنك أنت الوهاب} فرددته خاسئا‪.‬‬

‫( ‪)4/450‬‬ ‫ا ْلوَهّابُ} فاستجاب ال تعالى له فسخر له الريح تجري بأمره حيث يريدها لنها تحمل بساطه أو‬ ‫سفينته الهوائية التي غدوها شهر ورواحها شهر رخاء أي ليّنة حيث أصاب أي أراد‪ ،‬كما سخر له‬ ‫شياطين الجن منهم البناء الذي يقوم بالبناء للدور والمصانع ومنهم الغواص في أعماق البحر‬ ‫لستخراج الللي‪ ،‬ومنهم من إذا عصاه وتمرد عليه جمع يديه إلى عنقه بصفد ووضعه تحت‬ ‫الرض‪ .‬هذا ما جاء في قول ال تعالى { َفسَخّرْنَا َلهُ الرّيحَ َتجْرِي بَِأمْ ِرهِ رُخَاءً حَ ْيثُ َأصَابَ‬ ‫صفَادِ(‪ })1‬وقوله تعالى {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ َأوْ‬ ‫ص وَآخَرِينَ ُمقَرّنِينَ فِي الَْأ ْ‬ ‫غوّا ٍ‬ ‫وَالشّيَاطِينَ ُكلّ بَنّا ٍء وَ َ‬ ‫حسَابٍ} أي أعطيناه ما طلب منا وقلنا له هذا عطاؤنا لك فامنن أي أعط ما شئت لمن‬ ‫سكْ ِبغَيْرِ ِ‬ ‫َأمْ ِ‬ ‫شئت وامنع ما شئت عمن شئت بغير حساب منا عليك‪ .‬وفوق هذا وإن لك عندنا يوم القيامة‬ ‫للقربة وحسن المرجع وهو قوله تعالى {وَإِنّ َلهُ عِنْدَنَا لَزُ ْلفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير قول بعضهم حسنات البرار سيئات المقربين إذ عدم الستثناء في قوله لطأن الليلة‬ ‫مائة جارية الحديث‬ ‫ل مشلولً‪ ،‬وعوقب به نبينا صلى ال عليه‬ ‫عوقب به فلم تلد امرأة من المائة إل واحدة وولدت طف ً‬ ‫وسلم فانقطع عنه الوحي نصف شهر وأكربه ذلك لنه لم يستثن عندما سئل عن ثلث مسائل‬ ‫وقال غدا أجيبكم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية التوبة من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التوسل إلى ال تعالى بأسمائه الحسنى‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان إنعام ال تعالى على عبده سليمان‪.‬‬

‫‪ -5‬بيان تسخير ال تعالى لسليمان الريح والجن وهذا لم يكن لحد غيره من الناس‪.‬‬ ‫ب وَعَذَابٍ(‪ )41‬ا ْر ُكضْ بِرِجِْلكَ َهذَا‬ ‫وَا ْذكُرْ عَبْدَنَا أَيّوبَ ِإذْ نَادَى رَبّهُ أَنّي َمسّ ِنيَ الشّيْطَانُ بِ ُنصْ ٍ‬ ‫خذْ‬ ‫حمَةً مِنّا وَ ِذكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ(‪ )43‬وَ ُ‬ ‫سلٌ بَارِ ٌد وَشَرَابٌ(‪َ )42‬ووَهَبْنَا لَهُ أَ ْهلَ ُه َومِثَْلهُمْ َم َعهُمْ َر ْ‬ ‫ُمغْتَ َ‬ ‫ضغْثا فَاضْ ِربْ ِب ِه وَل َتحْ َنثْ إِنّا وَجَدْنَاهُ صَابِرا ِنعْمَ ا ْلعَبْدُ إِنّهُ َأوّابٌ(‪)44‬‬ ‫ك ِ‬ ‫بِيَ ِد َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الصفاد جمع صفد بفتح الصاد والفاء القيد من حديد‪.‬‬

‫( ‪)4/451‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واذكر عبدنا أيوب ‪ :‬أي اذكر يا نبينا محمد صلى ال عليه وسلم عبدنا أيوب بن عيصو بن إسحق‬ ‫بن إبراهيم‪.‬‬ ‫بنصب وعذاب ‪ :‬أي بضر وألم شديد نسب هذا للشيطان لكونه سببا وتأدبا مع ال تعالى‪.‬‬ ‫اركض برجلك ‪ :‬أي اضرب برجلك الرض تنبع عين ماء‪.‬‬ ‫هذا مغتسل بارد وشراب ‪ :‬أي وقلنا له هذا ماء بارد تغتسل منه‪ ،‬وتشرب فتشفى‪.‬‬ ‫ضغثا ‪ :‬أي حزمة من حشيش يابس‪.‬‬ ‫ول تحنث ‪ :‬بترك ضربها‪.‬‬ ‫نعم العبد ‪ :‬أي أيوب عليه السلم‪.‬‬ ‫إنه أواب ‪ :‬أي رجاع إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر قصص النبياء ليثبت به فؤاد نبيّه محمد صلى ال عليه وسلم فقال تعالى‬ ‫له {وَا ْذكُرْ عَبْدَنَا(‪ )1‬أَيّوبَ} وهو أيوب بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلم {ِإذْ‬ ‫صبٍ(‪ )2‬وَعَذَابٍ} (‪ )3‬أي ألم شديد‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫نَادَى رَبّهُ} أي دعاه قائلً {أَنّي مَسّ ِنيَ الشّ ْيطَانُ بِ ُن ْ‬ ‫مرض شديد دام مدة تزيد على كذا سنة وقال في ضراعة أخرى ذكرت في سورة النبياء {أَنّي‬ ‫ن ضُ ّر وَآتَيْنَاهُ َأهْلَهُ‬ ‫شفْنَا مَا بِهِ مِ ْ‬ ‫حمِينَ} قال تعالى {فَاسْتَجَبْنَا َلهُ َفكَ َ‬ ‫مَسّ ِنيَ الضّ ّر وَأَ ْنتَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬ ‫سلٌ بَا ِر ٌد وَشَرَابٌ} أي لما أراد ال كشف الضر‬ ‫َومِثَْلهُمْ َم َعهُمْ} وقوله {ا ْر ُكضْ(‪ )4‬بِرِجِْلكَ هَذَا ُمغْتَ َ‬ ‫عنه قال له اركض برجلك أي اضرب برجلك الرض ينبع منها ماءٌ فاشرب(‪ )5‬منه واغتسل‬ ‫تشف ففعل فشفي كأن لم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال القرطبي أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالقتداء بهم في الصبر على المكاره‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قرأ الجمهور بنصب بضم النون وتسكين الصاد وقرئ بنصب بفتحها كحزن وحزن والنصب‬

‫الشر والبلء الشديد والنصب بالتحريك التعب والعياء‬ ‫‪ - 3‬الباء في بنصب سببية أي مسني نصب وعذاب بسبب وسوسة الشيطان لي فنسب النصب‬ ‫والعذاب إلى الشيطان لنهما كانا بسبب وسواسه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الركض التحريك يقال ركب الدابة إذا حركها برجليه فركضت أي تحركت بسرعة وجملة‬ ‫اركض مقولة لقول محذوف أي قلنا له اركض برجلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬أي ماء فيه شفاء ومغتسل اسم مفعول أي مغتسل به هو من باب الحذف واليصال مثل‬ ‫تمرون الديار ول تعرجوا‪ :‬فكلمكم إذا عليّ حرام‪ .‬أي تمرون بالديار فحذف الباء‪.‬‬

‫( ‪)4/452‬‬ ‫يكن به ضر البتة‪ .‬وقوله تعالى { َووَهَبْنَا(‪ )1‬لَهُ َأهْلَ ُه َومِثَْلهُمْ َم َعهُمْ} أي عوضه ال تعالى عما فقد‬ ‫ح َمةً مِنّا وَ ِذكْرَى لِأُولِي الَْألْبَابِ}‬ ‫حمَةً مِنّا} أي كان ذلك التعويض ليوب {رَ ْ‬ ‫من أهل وولد‪ ،‬وقوله { َر ْ‬ ‫أي عبرة لولي القلوب الحية الواعية يعلمون بها أن ال قد يبتلي أحب عباده إليه ليرفعه بذلك‬ ‫خذْ بِيَ ِدكَ(‪)2‬‬ ‫درجات عالية ما كان ليصل إليها دون ابتلء في ذات ال والصبر عليه‪ .‬وقوله {وَ ُ‬ ‫ضغْثا} أي قلنا له خذ بيدك ضغثا أي حزمة من حشيش يابس واضرب به امرأتك ضربة واحدة إذ‬ ‫ِ‬ ‫في الحزمة مائة عود وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة لما حصل منها من تقصير في‬ ‫جدْنَاهُ(‪ )3‬صَابِرا}‬ ‫يوم من أيام حياتهما‪ ،‬فأفتاه ربه تعال بما ذكر في هذه الية‪ .‬وقوله تعالى {إِنّا وَ َ‬ ‫أي قد اختبرناه بالمرض وفقد الهل والمال والولد فوجدناه صابرا‪ ،‬وبذلك أثنى عليه بقوله { ِنعْمَ‬ ‫ا ْلعَبْدُ} أي أيوب {إِنّهُ َأوّابٌ} رجاع إلى ربه في كل أمره ل يعرف إل ال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم من طريق هذا القصص الذي ل يتأتى إل بالوحي‬ ‫اللهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬قد يبتلي ال تعالى من يحبه من عباده ليزيد في علو مقامه ورفعة شأنه‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الصبر وعاقبته الحميدة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الفتيا وهي خاصة بأهل الفقه والعلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب الكفارة على من حنث في يمينه‪.‬‬ ‫ق وَ َيعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَ ْبصَارِ(‪ )45‬إِنّا َأخَْلصْنَاهُمْ ِبخَاِلصَةٍ ِذكْرَى‬ ‫وَا ْذكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِي َم وَِإسْحَا َ‬ ‫طفَيْنَ الَْأخْيَارِ(‪ )47‬وَا ْذكُرْ‬ ‫الدّارِ(‪ )46‬وَإِ ّنهُمْ عِ ْندَنَا َلمِنَ ا ْل ُمصْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لم تشر اليات إلى أن أيوب رزئ بموت أهله ول بفقد ماله وسياق اليات يدل على أن أيوب‬

‫مات أهله من بنين وأحفاد وما يذكر هنا من كونه فقد أهله بموتهم ثم أحياهم ال تعالى له من‬ ‫أحاديث بني إسرائيل‪ ،‬والظاهر أن ال تعالى حفظ ليوب أهله ووهبه مثلهم أي أعطاه أهله وزاده‬ ‫ضعفهم ولو أراد ما تقوله الناس لقال وأحيينا له أهله ووهبنا له مثلهم وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذه الفتيا مما خص ال تعالى بها عبده أيوب فل تتعداه إلى غيره والنبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم قال إني وال ل أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إل كفرت عن يميني وفعلت الذي‬ ‫هو خير وما روى أبو داود من أن رجل مريضا وجب عليه حد فأفتاهم الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم بضربه بعثكول نخل به مائة عود فضربوه به ضربة واحدة فإن الخبر إن صح فالعلة هي‬ ‫مرضه الشديد وعلته القائمة به‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الجملة تعليلية لما تقدم من إنعام ال تعالى على أيوب أي وهبه ال ذلك النعام لصبره على‬ ‫ما ابتله به وكذا جملة إنه أواب‪.‬‬

‫( ‪)4/453‬‬ ‫حسْنَ مَآبٍ(‪ )49‬جَنّاتِ‬ ‫ل َو ُكلّ مِنَ الْأَخْيَارِ(‪ )48‬هَذَا ِذكْ ٌر وَإِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ لَ ُ‬ ‫ل وَالْيَسَ َع وَذَا ا ْل ِكفْ ِ‬ ‫سمَاعِي َ‬ ‫إِ ْ‬ ‫عَدْنٍ ُمفَتّحَةً َلهُمُ الْأَ ْبوَابُ(‪ )50‬مُ ّتكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا ِبفَاكِهَةٍ كَثِي َر ٍة وَشَرَابٍ(‪ )51‬وَعِنْدَ ُهمْ‬ ‫قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ أَتْرَابٌ(‪ )52‬هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِ َيوْمِ الْحِسَابِ(‪ )53‬إِنّ هَذَا لَرِ ْزقُنَا مَا لَهُ مِنْ َنفَادٍ (‬ ‫‪)54‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واذكر عبادنا ‪ :‬أي اذكر صبرهم على ما أصابهم فإن لك فيه أسوة‪.‬‬ ‫أولي اليدي ‪ :‬أي أصحاب القوى في العبادة‪.‬‬ ‫والبصار ‪ :‬أي البصائر في الدين بمعرفة السرار والحكم‪.‬‬ ‫بخالصة ‪ :‬أي هي ذكر الدار الخرة والعمل لها‪.‬‬ ‫لمن المصطفين الخيار ‪ :‬أي من المختارين الخيار جمع خيّر‪.‬‬ ‫هذا ذكر ‪ :‬أي لهم بالثناء الحسن الجميل هنا في الدنيا‪.‬‬ ‫وإن للمتقين ‪ :‬أي هم وغيرهم من سائر المؤمنين والمؤمنات‪.‬‬ ‫لحسن مآب ‪ :‬أي مرجع أي عندما يرجعون إلى ربهم بالوفاة‪.‬‬ ‫متكئين فيها ‪ :‬أي على الرائك‪.‬‬ ‫يدعون فيها بكل فاكهة‪ :‬أي يطالبون فيها بفاكهة وذكر الفاكهة دون الطعام والشراب إيذانا بأن‬ ‫طعامهم وشرابهم لمجرد التلذذ ل للتغذية كما في الدنيا‪.‬‬ ‫قاصرات الطرف ‪ :‬أي حابسات العيون على الزواج فل ينظرون إلى غيرهم‪.‬‬ ‫أتراب ‪ :‬أي أسنانهن متساوية وهي ثلث وثلثون سنة‪.‬‬

‫ماله من نفاد ‪ :‬أي ليس له انقطاع أبدا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر النبياء وما أكرموا به على صبرهم ليكون ذلك مثبتا للنبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم على دعوته والصبر عليها والتحمل في سبيل الوصول بها إلى غاياتها فقال تعالى له‬ ‫{وَا ْذكُرْ} أي يا نبينا‬

‫( ‪)4/454‬‬ ‫{عِبَادَنَا} لتتأسى بهم وهم {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ(‪})1‬ولد و {وَ َي ْعقُوبَ} حفيده {أُولِي} أي أصحاب‬ ‫{الْأَ ْيدِي(‪ })2‬أي القوى في العبادة والطاعة {وَالْأَ ْبصَارِ} أي أبصار القلوب وذلك بالفقه في الدين‬ ‫ومعرفة أسرار التشريع‪ ،‬وقوله تعالى {إِنّا َأخَْلصْنَاهُمْ} أي خصصناهم { ِبخَاِلصَةٍ(‪ })3‬أي بخاصة‬ ‫امتازوا بها هي ذكر الدار أي الدار الخرة بالعمل لها والدعوة إليها باليمان والتقوى‪ ،‬وقوله‬ ‫طفَيْنَ} أي المختارين {الْأَخْيَارِ} جمع خيّر(‪ )4‬وهو المطبوع على الخير‬ ‫{وَإِ ّنهُمْ عِ ْندَنَا َلمِنَ ا ْل ُمصْ َ‬ ‫سعَ} وقوله { َو ُكلّ} أي من داود ومن ذكر‬ ‫سمَاعِيلَ وَالْيَ َ‬ ‫وقوله {وَا ْذكُرْ} أي نبينا للئتساء {وَا ْذكُرْ ِإ ْ‬ ‫بعده من النبياء كانوا من الخيار‪ ،‬وقوله {هَذَا ِذكْرٌ} أي لهم بالثناء الحسن لهم في الدنيا‪َ { ،‬وإِنّ‬ ‫حسْنَ مَآبٍ} أي مرجع وهو الجنة حيث‬ ‫لِ ْلمُ ّتقِينَ} (‪ )5‬هم وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات {لَ ُ‬ ‫يرجعون إلى ال تعالى بعد الموت‪ ،‬وفسر ذلك المرجع بقوله تعالى {جَنّاتِ عَدْنٍ} أي إقامة‬ ‫{ ُمفَتّحَةً(‪َ )6‬لهُمُ الْأَ ْبوَابُ} {مُ ّتكِئِينَ فِيهَا} أي على الرائك السرة بالحجلة‪{ ،‬يَدْعُونَ فِيهَا} أي‬ ‫يطالبون فيها { ِبفَا ِكهَةٍ كَثِي َر ٍة وَشَرَابٍ} ولم يذكر الطعام إشارة إلى أن مآكلهم ومشاربهم لمجرد‬ ‫التلذذ ل للتغذي بها كما في الدنيا‪ ،‬وقوله {وَعِ ْندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ} يخبر تعالى أن لولئك‬ ‫المتقين في الجنة قاصرات الطرف أي نساء قاصرات الطرف حابسات له على أزواجهن ل‬ ‫ينظرن إلى غيرهم من الزواج وقوله {أَتْرَابٌ} أي في سن واحدة وهي ثلث وثلثون سنة‪ .‬وقوله‬ ‫{ َهذَا مَا تُوعَدُونَ} أي يقال لهم هذا ما توعدون {لِ َيوْمِ ا ْلحِسَابِ} أي هذا المذكور من النعيم هو ما‬ ‫يعدكم به ربكم يوم القيامة‪ .‬وقوله {إِنّ َهذَا لَرِ ْزقُنَا مَا لَهُ مِنْ َنفَادٍ} أي ليس له انقطاع ول فناء‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضيلة القوة في العبادة والبصيرة في الدين وفي الحديث(‪" )7‬المؤمن القوي خير وأحب إلى‬ ‫ال من المؤمن الضعيف وفي كل خير"‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل ذكر الدار الخرة وتذكرها دائما لنها تساعد(‪ )8‬على الطاعة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أما إبراهيم فقد ذكر ال تعالى ما ابتله به من إلقائه في النار وكذا يعقوب من فقده ليوسف‬

‫عليهم السلم وأما إسحاق فلم يذكر له في القرآن ابتلء ولعله ذكر بين مبتلين وهما أصله وفرعه‬ ‫فكان ذلك ابتلء له أيضا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جمع يد والمراد بها القوة ل الجارحة نحو والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرأ نافع بخالصة ذكر الدار بإضافة خالصة إلى الدار وقرأ حفص بتنوين خالصة فتكون ذكر‬ ‫الدار عطف بيان على خالصة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جائز أن يكون الخيار جمع خير بإسكان الياء وجمع خير بتشديدها مكسورة نحو أموات‬ ‫جمع ميت وميت‪.‬‬ ‫‪ - 5‬اللم للختصاص ليس للملك ول للتعليل بل للختصاص إذ هي مختصة بالمتقين دون‬ ‫غيرهم‪.‬‬ ‫‪ - 6‬مفتحة منصوبة على الحال والبواب مرفوع بمفتحة لنه نائب فاعل‪.‬‬ ‫‪ - 7‬أخرجه مسلم في صحيحه‪.‬‬ ‫‪ - 8‬شاهده حديث " كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور أل فزوروها فإنها تذكركم الخرة " حديث‬ ‫صحيح"‪.‬‬

‫( ‪)4/455‬‬ ‫‪ -3‬فضل التقوى وأهلها وبيان ما اعد لهم يوم الحساب‪.‬‬ ‫‪ -4‬نعيم الخرة ل ينفد كأهلها ل يموتون ول يهرمون‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة الئتساء بالصالحين والقتداء في الخير بهم وهم أولوا القوة في العبادة والبصيرة في‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫حمِي ٌم وَغَسّاقٌ(‪)57‬‬ ‫جهَنّمَ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(‪ )56‬هَذَا فَلْ َيذُوقُوهُ َ‬ ‫هَذَا وَإِنّ لِلطّاغِينَ َلشَرّ مَآبٍ(‪َ )55‬‬ ‫شكْلِهِ أَ ْزوَاجٌ (‪ )58‬هَذَا َفوْجٌ ُمقْتَحِمٌ َم َعكُ ْم ل مَ ْرحَبا ِبهِمْ إِ ّنهُمْ صَالُو النّارِ(‪)59‬‬ ‫وَآخَرُ مِنْ َ‬ ‫قَالُوا َبلْ أَنْتُ ْم ل مَرْحَبا ِب ُكمْ أَنْتُمْ َق ّدمْ ُتمُوهُ لَنَا فَبِ ْئسَ ا ْلقَرَارُ(‪ )60‬قَالُوا رَبّنَا مَنْ َقدّمَ لَنَا هَذَا فَ ِز ْدهُ عَذَابا‬ ‫سخْرِيّا َأمْ‬ ‫ضعْفا فِي النّارِ(‪َ )61‬وقَالُوا مَا لَنَا ل نَرَى ِرجَالً كُنّا َنعُدّ ُهمْ مِنَ الْأَشْرَارِ(‪ )62‬أَتّخَذْنَاهُمْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حقّ تَخَاصُمُ أَ ْهلِ النّارِ(‪)64‬‬ ‫غتْ عَ ْنهُمُ الْأَ ْبصَارُ(‪ )63‬إِنّ َذِلكَ لَ َ‬ ‫زَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هذا ‪ :‬المذكور للمتقين‪.‬‬ ‫وإن للطاغين ‪ :‬أي الذين طغوا في الكفر والشر والفساد‪.‬‬ ‫لشر مآب ‪ :‬أي جهنم يصلونها‪.‬‬ ‫فبئس المهاد ‪ :‬أي الفراش الذي مهدوه لنفسهم في الدنيا بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هذا فليذوه ‪ :‬أي العذاب المفهوم مما بعده فليذوقوه‪.‬‬

‫حميم ‪ :‬أي ماء حار محرق‪.‬‬ ‫وغساق ‪ :‬أي قيح وصديد يسيل من لحوم وفروج الزناة في النار‪.‬‬ ‫وآخر من شكله أزواج ‪ :‬أي وعذاب آخر كالحميم والغساق أصناف‪.‬‬

‫( ‪)4/456‬‬ ‫هذا فوج مقتحم معكم‪ :‬أي يقال لهم عند دخولهم النار هذا فوج مقتحم معكم‪.‬‬ ‫ل مرحبا بهم ‪ :‬أي ل سعة عليهم ول راحة لهم إنهم صالوا النار‪.‬‬ ‫قالوا ‪ :‬أي التباع للطاغين‪ :‬بل أنتم ل مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا‪.‬‬ ‫قالوا ربنا من قدم لنا هذا ‪ :‬أي التباع أي من كان سببا في عذابنا هذا في جهنم فزده عذابا‪.‬‬ ‫وقالوا ما لنا ل نرى رجالً ‪ :‬أي قال الطاغون وهم في النار ما لنا ل نرى رجالً كنا نعدهم من‬ ‫الشرار في الدنيا يعنون فقراء المسلمين كبلل وعمار وصهيب‪.‬‬ ‫أتخذناهم سخريا ‪ :‬أي كنا نسخر منهم في الدنيا‪.‬‬ ‫أم زاغت عنهم البصار‪ :‬أي أمفقودون هم أم زاغت عنهم البصار؟ فلم نرهم‪.‬‬ ‫إن ذلك لحق تخاصم أهل النار‪ :‬أي إن ذلك المذكور لهل النار لحق ثابت وهو تخاصم أهل‬ ‫النار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذكر نعيم أهل اليمان والتقوى ناسب ذكر شقاء أهل الكفر والفجور وهو أسلوب الترهيب‬ ‫والترغيب الذي امتاز به القرآن الكريم في هداية العباد‪ .‬فقال تعالى { َهذَا (‪ })1‬أي ما تقدم ذكره‬ ‫من نعيم أهل السعادة {وَإِنّ لِلطّاغِينَ} وهم المشركون الظلمة كأبي جهل وعتبة بن معيط والعاص‬ ‫جهَنّمَ َيصَْلوْ َنهَا فَبِ ْئسَ ا ْل ِمهَادُ(‪ })2‬هي يمهدها‬ ‫بن وائل {لَشَرّ مَآبٍ} أي لسوأ مرجع وأقبحه وهو { َ‬ ‫حمِي ٌم وَغَسّاقٌ} أي هذا حميم وغساق(‪ )3‬فليذوقوه‬ ‫الظالمون لنفسهم‪ .‬وقوله تعالى {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ َ‬ ‫والحميم الماء الحار المحرق والغساق ما سال من جلود ولحوم وفروج الزناة من أهل النار كالقيح‬ ‫شكْلِهِ(‪ })4‬أي وعذاب آخر من شكل الول {أَ ْزوَاجٌ} أي أصناف عديدة‬ ‫والصديد وقوله {وَآخَرُ مِنْ َ‬ ‫حمٌ َم َعكُمْ} أي يقال(‪ )5‬عند دخولهم النار هذا فوج أي فريق مقتحم معكم‬ ‫وقوله تعالى {هَذَا َفوْجٌ ُمقْتَ ِ‬ ‫في النار‪ ،‬فيقول الطاغون {ل مَ ْرحَبا(‪ِ )6‬بهِمْ} أي ل سعة ول راحة لهم { إِ ّنهُ ْم صَالُو‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذا مستعمل في النتقال من غرض إلى غرض تثنية للغرض قبله شبيهة بكلمة وبعد‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الفاء في فبئس المهاد للترتيب والسبب‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الغساق سائل في جهنم يقال غسق الجرح إذا سال منه ماء أصفر‪ .‬قرأ الجمهور "غساق"‬ ‫بالتخفيف وقرأه حفص وبعض بالتشديد فهما لغتان فيه والتشديد للمبالغة في غاسق وهو أقرب‪.‬‬

‫‪ - 4‬وآخر صفة لموصوف محذوف أي وعذاب آخر من شكله أي من مثله أزواج أي أصناف‬ ‫متعددة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬يبدوا أن القائل هم الزبانية يخاطبون الطغاة وهم يعذبونهم هذا فوج‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ل مرحبا نفي للكلمة التي يقولها المزور لمن زاره وهي إنشاء دعاء للوافد‪ .‬وهي مصدر‬ ‫بوزن مفعل‪ ،‬والعامل فيه محذوف تقديره أتيت رحبا أي مكانا ذا رحب‪ ،‬فإذا أراداو نفيه قالوا ل‬ ‫مرحبا بكم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫ل مرحبا بغدٍ ول أهل به‬ ‫إذا كان تفريق الحبة في غدٍ‬

‫( ‪)4/457‬‬ ‫النّارِ} أي داخلوها محترقون بحرها ولهبها‪ ،‬فيرد التباع عليهم قائلين‪َ { :‬بلْ أَنْتُمْ ل مَ ْرحَبا(‪ِ )1‬ب ُكمْ}‬ ‫أي ل سعة ول راحة {أَنْ ُتمْ قَ ّدمْ ُتمُوهُ لَنَا} إذ كنتم تأمروننا بالشرك والكفر والفجور قال تعالى {فَبِئْسَ‬ ‫ا ْلقَرَارُ} أي الذي انتهى إليه الطاغون وأتباعهم في النار‪ ،‬وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في‬ ‫ضعْفا فِي النّارِ} أي يا ربنا ضاعف لهم‬ ‫عذَابا ِ‬ ‫قوله {قَالُوا رَبّنَا مَنْ َقدّمَ لَنَا هَذَا} أي العذاب {فَزِ ْدهُ َ‬ ‫العذاب مرتين لنهم هم الذين قدموه لنا يوم كانوا يدعوننا إلى الشرك والباطل ويحضوننا عليه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َوقَالُوا} أي الطغاة {مَا لَنَا ل نَرَى رِجَالً كُنّا َنعُدّ ُهمْ مِنَ الَْأشْرَارِ} (‪ )2‬بيننا‬ ‫{أَتّخَذْنَا ُهمْ}( ‪ )3‬في الدنيا {سِخْرِيّا}( ‪ )4‬نسخر منهم يعنون فقراء المسلمين كبلل وعمّار وصهيب‬ ‫غتْ عَ ْن ُهمُ} أبصارنا فلم نرهم‪ ،‬قال تعالى {إِنّ ذَِلكَ َلحَقّ َتخَاصُمُ أَ ْهلِ‬ ‫وخبيب‪ ،‬أمفقودون هم {أَمْ زَا َ‬ ‫النّارِ} أي إن ذلك الكلم الذي دار بين أهل النار حق وصدق هو تخاصم أهل النار فاسمعوه أيها‬ ‫المشركون اليوم آيات تتلى وغدا يوم الحساب حقائق تشاهدوه وغصص تتجرع وحسرات تمزق‬ ‫الكباد والقلوب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذم الطغيان وهو مجاوزة الحد في الظلم والكفر وبيان جزاء أهله ويوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما يجري من خصام بين أهل النار للعظة والعتبار‪.‬‬ ‫‪ -3‬شكوى التباع ممن اتبعوهم في الضلل ومطالبتهم بمضاعفة العذاب لهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تذكر أهل النار فقراء المسلمين الذين كانوا يعدونهم متخلفين ورجعيين لنهم كانوا ل يأتون‬ ‫الفجور والشرور مثلهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬بل للضراب البطالي لرد الشتم عليهم‪ ،‬وأنهم هم أولى به منه‪ ،‬والباء في بهم للبيان فهي‬

‫بمعنى اللم أي ل مرحبا لهم يستحقونه عندنا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جمع شر بمعنى أشر كالخيار جمع خير بمعنى أخير‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرأ نافع وحفص والجمهور اتخذناهم بهمزة الستفهام وحذفت همزة الوصل والجملة بدل من‬ ‫جملة "ما لنا ل نرى رجالً ‪ ...‬اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم البصار‪ ،‬وأم بمعنى بل أي بل‬ ‫زاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم وزاغت بمعنى مالت‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ نافع سخريا بضم السين وقرأ حفص بكسرها كما في سورة المؤمنون والسخرية‬ ‫الستهزاء‪.‬‬

‫( ‪)4/458‬‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا ا ْلعَزِيزُ‬ ‫ت وَالْأَ ْر ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا مُنْذِ ٌر َومَا مِنْ إِلَهٍ إِلّا اللّهُ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ(‪َ )65‬ربّ ال ّ‬ ‫عظِيمٌ(‪ )67‬أَنْ ُتمْ عَنْهُ ُمعْ ِرضُونَ(‪ )68‬مَا كَانَ ِليَ مِنْ عِ ْلمٍ بِا ْلمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ‬ ‫ا ْل َغفّارُ(‪ُ )66‬قلْ ُهوَ نَبَأٌ َ‬ ‫صمُونَ(‪ )69‬إِنْ يُوحَى إَِليّ ِإلّا أَ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ(‪ِ )70‬إذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَل ِئكَةِ إِنّي خَاِلقٌ بَشَرا مِنْ‬ ‫يَخْ َت ِ‬ ‫ج َمعُونَ(‬ ‫ختُ فِيهِ مِنْ رُوحِي َف َقعُوا َلهُ سَاجِدِينَ(‪َ )72‬فسَجَدَ ا ْلمَل ِئكَةُ كُّلهُمْ َأ ْ‬ ‫سوّيْتُ ُه وَ َنفَ ْ‬ ‫طِينٍ(‪ )71‬فَِإذَا َ‬ ‫‪ )73‬إِلّا إِبْلِيسَ اسْ َتكْبَ َر َوكَانَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ(‪)74‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل ‪ :‬أي يا رسولنا لمشركي قومك أي مخوفا من عذاب ال‪.‬‬ ‫وما من إله إل ال الواحد القهار‪ :‬أي وليس هناك من إله قط إل ال الواحد القهار‪.‬‬ ‫العزيز الغفار‪ :‬أي الغالب الذي ل يمانع في مراده الغفار للتأئبين من عباده‪.‬‬ ‫قل هو نبأ عظيم ‪ :‬أي قل يا رسولنا لكفار مكة القرآن نبأ عظيم وخبر جسيم‪.‬‬ ‫أنتم عنه معرضون ‪ :‬ل ترغبون في سماعه ول في تدبر معانيه‪.‬‬ ‫بالمل العلى ‪ :‬أي بالملئكة عندما شووِروا في خلق آدم‪.‬‬ ‫إذ قال ربك للملئكة ‪ :‬أي اذكر لهم تدليل على أنه يوحى إليك القرآن إذ قال ربك للملئكة‪.‬‬ ‫خالق بشرا من طين‪ :‬أي خالق آدم من مادة الطين وقيل فيه بشر لبدوّ بشرته‪.‬‬ ‫من روحي ‪ :‬الروح جسم لطيف يسري في الجسم سريان النار في الفحم أو الماء في الشجر أو‬ ‫الكهرباء في السلك‪.‬‬ ‫إل إبليس ‪ :‬أي لم يسجد‪.‬‬ ‫استكبر ‪ :‬عن السجود لدم كبرا وحسدا له‪.‬‬

‫( ‪)4/459‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد كل ذلك العرض للقصص ولما في الجنة والنار وما تقرر به من التوحيد والنبوة والبعث‬ ‫والجزاء أمر تعالى رسوله أن يقول لمشركي قريش { ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا مُنْذِرٌ(‪ })1‬أي مخوف من عذاب‬ ‫ال الواجب لكل من كفر به وكذب بآياته ولقائه وترك عبادته وعبد الشيطان عدوه‪ ،‬كما أخبركم‬ ‫مقررا أنه ليس هناك من إله قط إل ال الواحد في ذاته وصفاته وربوبيته وعبادته القهار لكل قاهر‬ ‫والجبار لكل جبار رب السموات والرض وما بينهما أي مالك لها متصرف فيها دون شريك له‬ ‫في ذلك‪ .‬العزيز النتقام ممن كفر به وعصاه الغفار لمن أناب إليه واتبع هداه‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ‬ ‫ُهوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْ ُتمْ عَنْهُ ُمعْ ِرضُونَ} أي يأمر تعالى رسوله أن يقول للمشركين من أهل مكة هو أي(‬ ‫‪ )2‬القرآن وما حواه من تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء وعرض القصص والحداث‬ ‫ووصف الجنة والنار نبأ عظيم أي خبر ذو شأن عظيم أنتم عنه معرضون تأبون سماعه واليمان‬ ‫به والهتداء بهديه‪ .‬بدعوى أني اختلقته وافتريته وهي حجة داحضة وأدلتكم في ذلك واهية‪ .‬كيف‬ ‫يكون ما أتلوه عليكم من القرآن افتراء مني عليكم وعلى ال ربي وربكم‪ ،‬وإنه ما كان لي(‪ )3‬من‬ ‫علم بالمل العلى إذ يختصمون(‪ )4‬عندما قال ال للملئكة {إِنّي خَاِلقٌ بَشَرا مِنْ طِينٍ} وقال {إِنّي‬ ‫س ِفكُ ال ّدمَاءَ} كيف عرفت أنا‬ ‫ج َعلُ فِيهَا مَنْ ُيفْسِدُ فِيهَا وَيَ ْ‬ ‫علٌ فِي الْأَ ْرضِ خَلِيفَةً} فقال الملئكة {أَتَ ْ‬ ‫جَا ِ‬ ‫هذا وحدثت به لو لم يكن وحيا من ال أوحاه إليّ‪ .‬يا قوم إنه ما يوحى إليّ إل أنما أنا نذير مبين‬ ‫أي‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في هذه اليات الثلث الترهيب والترغيب ببيان قدرة ال وجبروته وبيان ربوبيته الموجبة‬ ‫لللوهية المستلزمة لمغفرته ورحمته لمن تاب إليه بتوحيده وطاعته بعد اليمان به وبرسوله‬ ‫ولقائه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كون النّبأ هو القرآن هذا ما ذهب إليه ابن جرير رحمه ال تعالى‪ ،‬ومن فسره بما سبق ذكره‬ ‫من النذار وما عرض من أحوال أهل الجنة وأهل النار فإن ما في التفسير شامل لكل ذلك هاد‬ ‫إليه ودال عليه والحمد ل‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قوله تعالى‪ :‬ما كان لي من علم الخ استئناف لجل الستدلل على صدق القرآن بأنه وحي‬ ‫من ال تعالى ولول أنه وحي لما كان للرسول علم به ل إجمال ول تفصيل ولهذا الستدلل نظائر‬ ‫نحو ما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم‪ ،‬وما كنت لديهم إذ يختصمون‪ ،‬وما كنت لديهم إذ أجمعوا‬ ‫أمرهم وهم يمكرون‪ ،‬وما كنت بجانب الطور إذ نادينا‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال بعض المفسرين تخاصم المل العلى هو أشراف قريش فيما بينهم سرا وقال آخرون هو‬ ‫تخاصم أهل النار وقيل والصواب ما في التفسير وهو أن المل العلى الملئكة وما جرى بينهم‬ ‫في شأن السجود لدم وامتناع إبليس عن ذلك وفي الية بعد تفسير هذا الختصام وأما حديث‬ ‫السنن فلم يرد به ما في هذه اليات ونصه "إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في‬

‫صلتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة فقال يا محمد أتدري فيم يختصم‬ ‫المل العلى؟ قلت ل أدري يا رب ‪ -‬أعادها ثلثا‪ -‬فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد‬ ‫أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال يا محمد فيم يختصم المل العلى؟ قلت في‬ ‫الكفارات‪ .‬قال وما الكفارات؟ قلت‪ :‬نقل القدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات‬ ‫وإسباغ الوضوء عند الكريهات قال وما الدرجات؟ قلت إطعام الطعام ولين الكلم والصلة والناس‬ ‫نيام‪ .‬قال سل قلت‪ :‬اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي‬ ‫وترحمني وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل‬ ‫يقربني إلى حبك هذا "حديث المنام"‪.‬‬

‫( ‪)4/460‬‬ ‫ي المر بالتسلط عليكم وأخذكم بالشدة لستعبدكم وتكونوا خول لي وخدما‬ ‫بين النذارة‪ .‬فلم يوح إل ّ‬ ‫ل‪ ،‬ل‪ .‬إنما يوحى إليّ لتقرير حقيقة واحدة وهي أني نذير لكم ولغيركم من عذاب ال المعدّ لمن‬ ‫كفر به وأشرك في عبادته‪ ،‬وفسق عن طاعته‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪{ )71‬إِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَل ِئكَةِ‬ ‫ختُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} فحيى وصار‬ ‫سوّيْتُ ُه وَ َنفَ ْ‬ ‫إِنّي خَاِلقٌ بَشَرا مِنْ طِينٍ} هو آدم عليه السلم {فَإِذَا َ‬ ‫جدِينَ} أي خروا على الرض ساجدين له طاعة لمرنا وتحيّة لعبدنا‪،‬‬ ‫بشرا سويا { َف َقعُوا لَهُ سَا ِ‬ ‫ج َمعُونَ} سواء من كان منهم في السموات أو في الرض {إِلّا إِبْلِيسَ} استكبر‬ ‫سجَدَ ا ْلمَل ِئكَةُ كُّلهُمْ َأ ْ‬ ‫{فَ َ‬ ‫عن السجود لدم لزعمه الكاذب أنه خير منه لكونه من النار وآدم من طين‪ ،‬ولحسده أيضا حيث‬ ‫فضله و ُفضّل عليه‪ ،‬وكان بذلك الكبر والحسد من الكافرين إذ جحد معلوما من طاعة ال‬ ‫بالضرورة وكيف وهو يتلقى الخطاب من ال تعالى بل واسطة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بأدلته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير النبوة والوحي بشواهده من نبأ المل العلى‪.‬‬ ‫‪ -3‬عداوة إبليس لدم وأن الحامل عليها الحسد والكبر وهما من شر صفات العبد‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير أن من القياس ما هو شر وباطل كقياس إبليس إذ قاس النار على التراب فرأى أن النار‬ ‫أفضل فهلك بذلك‪ ،‬إذ التراب أفضل‪ ،‬النار تحرق والتراب يحيي‪ ،‬وشتان ما بين الموت والحياة‪.‬‬ ‫سجُدَ ِلمَا خََل ْقتُ بِ َي َديّ أَسْ َتكْبَ ْرتَ أَمْ كُ ْنتَ مِنَ ا ْلعَالِينَ(‪ )75‬قَالَ أَنَا خَيْرٌ‬ ‫قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَ َن َعكَ أَنْ تَ ْ‬ ‫مِنْهُ خََلقْتَنِي مِنْ نَا ٍر وَخََلقْتَهُ مِنْ طِينٍ(‪ )76‬قَالَ فَاخْرُجْ مِ ْنهَا فَإِ ّنكَ رَجِيمٌ(‪ )77‬وَإِنّ عَلَ ْيكَ َلعْنَتِي إِلَى‬ ‫َيوْمِ الدّينِ(‪ )78‬قَالَ َربّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ(‪ )79‬قَالَ فَإِ ّنكَ مِنَ ا ْلمُنْظَرِينَ(‪ )80‬إِلَى َيوْمِ‬ ‫ا ْل َو ْقتِ ا ْل َمعْلُومِ(‪ )81‬قَالَ فَ ِبعِزّ ِتكَ‬

‫( ‪)4/461‬‬ ‫جهَنّمَ‬ ‫حقّ َأقُولُ(‪ )84‬لََأمْلَأَنّ َ‬ ‫ق وَالْ َ‬ ‫حّ‬ ‫ج َمعِينَ(‪ )82‬إِلّا عِبَا َدكَ مِ ْنهُمُ ا ْل ُمخَْلصِينَ(‪ )83‬قَالَ فَالْ َ‬ ‫غوِيَ ّنهُمْ أَ ْ‬ ‫لَأُ ْ‬ ‫ج َمعِينَ(‪ُ )85‬قلْ مَا أَسَْأُلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْ ٍر َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُ َتكَّلفِينَ(‪ )86‬إِنْ ُهوَ‬ ‫مِ ْنكَ َومِمّنْ تَ ِب َعكَ مِ ْنهُمْ َأ ْ‬ ‫إِلّا ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ(‪ )87‬وَلَ َتعَْلمُنّ نَبََأهُ َبعْدَ حِينٍ(‪)88‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لما خلقت بيدي ‪ :‬أي للذي خلقته بيدي وهو آدم فدل ذلك على شرفه‪.‬‬ ‫أستكبرت أم كنت من العالين ‪ :‬أستكبرت الن أم كنت من قبل من العالين المتكبرين والستفهام‬ ‫للتوبيخ والتقريع لبليس‪.‬‬ ‫فاخرج منها ‪ :‬أي من الجنة‪.‬‬ ‫فإنك رجيم ‪ :‬أي مرجوم مطرود‪.‬‬ ‫وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين ‪ :‬أي طرده من الجنة وألحقه لعنة وهي الطرد من الرحمة إلى يوم‬ ‫الدين أي الجزاء وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫قال رب فأنظرني ‪ :‬أي أخر موتي وأبق عليّ حيّا إلى يوم يبعثون أي الناس‪.‬‬ ‫إلى يوم الوقت المعلوم ‪ :‬أي إلى النفخة الولى وهي نفخة الموت والفناء‪.‬‬ ‫إل عبادك منهم المخلصين‪ :‬أي الذين استخلصهم لليمان بك وعبادتك ومجاورتك في الجنة‪.‬‬ ‫قل ما أسألكم عليه من أجر ‪ :‬ل أسألكم على البلغ أجرا تعطونه لي‪.‬‬ ‫وما أنا من المتكلفين ‪ :‬أي المتقولين القرآن وما أنذركم به من تلقاء نفسي‪.‬‬ ‫إن هو إل ذكر للعالمين ‪ :‬أي ما أتلوه من القرآن وما أقوله من الهدى إل ذكر للعالمين‪.‬‬ ‫ولتعلمن نبأه بعد حين‪ :‬أي ولتعلمن أيها المكذبون نبأ القرآن الذي أنبأ به من الوعد للمؤمنين‬ ‫والوعيد للكافرين بعد حين‪.‬‬

‫( ‪)4/462‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر ما دار بين الرب تعالى وعدوه إبليس من حديث في المل العلى‬ ‫سجُدَ ِلمَا خََل ْقتُ‬ ‫إذ قال تعالى بعد أن امتنع إبليس من السجود لدم {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَ َن َعكَ(‪ )1‬أَنْ تَ ْ‬ ‫بِيَ َديّ(‪ })2‬أي أيّ شيء جعلك تمتنع من السجود لدم وقد أمرتك بذلك {أَسْ َتكْبَ ْرتَ} أي الن {أَمْ‬ ‫كُ ْنتَ} من قبل {مِن(‪ َ)3‬ا ْلعَالِينَ} أي المستكبرين‪ ،‬وهذا الستفهام من ال تعالى توبيخ لبليس‬ ‫وتقريع له‪ .‬وأجابه إبليس بما أخبر تعالى به عنه في قوله {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِ ْنهُ خََلقْتَنِي مِنْ نَا ٍر وَخََلقْتَهُ‬

‫مِنْ طِينٍ} فاستعمل اللعين القياس الفاسد المردود عند أرباب العقول‪ ،‬إذ النار لم تكن أبدا خيرا من‬ ‫الطين‪ ،‬النار تحرق ونهايتها رماد‪ ،‬والطين ل يحرق ومنه سائر أنواع المغذيات التي بها الحياة‬ ‫الحبوب والثمار والفواكه والخضر واللحوم وحسبه أنه أصل النسان ومادة خلقته‪ .‬فأيّ شرف‬ ‫للنّار أعظم لو كان اللعين يعقل‪ .‬وهنا قال تعالى له {فَاخْرُجْ مِ ْنهَا} أي من الجنة {فَإِ ّنكَ َرجِيمٌ} أي‬ ‫مطرد مبعد ل ينبغي أن تبقى في رحمة ال‪{ ،‬وَإِنّ عَلَ ْيكَ َلعْنَتِي} ل تفارقك على مدى الحياة وهي‬ ‫بُعد من رحمتي طوال الحياة‪.‬‬ ‫وهنا قال اللعين لما آيس من الرحمة { َربّ فَأَنْظِرْنِي} أي أبق عليّ حيا ل تمتني {إِلَى َي ْومِ يُ ْبعَثُونَ}‬ ‫حتى يتمكن من إغواء بني آدم‪ ،‬ول يموت إذا ماتوا في النفخة الولى فل يذوق هو الموت وعلم‬ ‫ال ما أضمره في نفسه فرد عليه بقوله {فَإِ ّنكَ مِنَ ا ْلمُنْظَرِينَ} أي الممهلين المبقى على حياتهم {إِلَى‬ ‫َيوْمِ ا ْل َو ْقتِ ا ْل َمعْلُومِ} وهو النفخة الولى حتى يموت مع سائر الخلئق ولما علم اللعين أنه أنظر‬ ‫ج َمعِينَ إِلّا عِبَا َدكَ مِ ْنهُمُ‬ ‫غوِيَ ّنهُمْ َأ ْ‬ ‫قال في صفاقة وجه ووقاحة قول مقسما بعزة ال {فَ ِبعِزّ ِتكَ لَأُ ْ‬ ‫ا ْلمُخَْلصِينَ} فاستثنى اللعين عباد ال المؤمنين المتقين الذين استخلصهم ال لطاعته وجواره في دار‬ ‫جهَنّمَ‬ ‫حقّ} أي أنا الحق {وَا ْلحَقّ َأقُولُ} {لََأمْلَأَنّ َ‬ ‫كرامته‪ .‬وهنا قال تعالى ردا على اللعين {قَالَ(‪ )4‬فَالْ َ‬ ‫مِ ْنكَ َومِمّنْ تَ ِب َعكَ مِ ْنهُمْ} أي من النس والجن أجمعين‪ .‬وإلى هنا انتهى ما دار من خصومة في‬ ‫المل العلى‪ ،‬وكيف عرف محمد صلى ال عليه وسلم هذا وأخبر به لول أنه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬ذكر صاحب تفسير التحرير أن خطاب ال تعالى لبليس بعد إبلسه كان بواسطة ملك من‬ ‫الملئكة معللً ذلك بعدم أهلية إبليس بعد إبلسه لذلك لما فيه من الشرف والكمال ولم أقف على‬ ‫من رأى هذا الرأي غيره وال أعلم بصحته أو خطأه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬في قوله بيدي إثبات صفة اليدين ل تعالى وقد وردت أحاديث صحيحة تقرر ذلك وتثبته‬ ‫فوجب اليمان بهذه الصفة الذاتية ل تعالى مع تنزيهه تعالى أن يكون يداه تشبه يدي من له يدان‬ ‫من خلقه لن ال تعالى ليس كمثله شيء‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العلو الشرف فمعنى قوله تعالى من العالين أي من أهل علو المراتب وشرف المنازل فلذا‬ ‫امتنعت من السجود لدم عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قرأ الجمهور قال فالحق بنصب الحق على أنه مفعول مطلق تقديره أحق الحق‪ ،‬وقرأ حفص‬ ‫بالرفع على تقدير فالحق قولي‪ ،‬أو أنا الحق أي على البتداء‪ ،‬وأما الحق الثاني فهو منصوب‬ ‫إجماعا لفعل أقول‪.‬‬

‫( ‪)4/463‬‬

‫وحي يوحى إليه‪ .‬وهنا قال تعالى لرسوله قل لقومك المكذبين برسالتك {مَا َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ} أي على‬ ‫البلغ {مِنْ َأجْ ٍر َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُ َتكَّلفِينَ(‪ })1‬الذين يتقولون على ال ويقولون ما لم يقل {إِنْ ُهوَ} أي‬ ‫القرآن {ِإلّا ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ} من النس والجن يذكرون به فيؤمنون ويهتدون {وَلَ َتعَْلمُنّ نَبََأهُ َبعْدَ حِينٍ}‬ ‫أي ولتعرفن صدق ما أخبر به من وعد ووعيد وصلحية ما تضمنه من تشريع بعد حين‪ ،‬وقد‬ ‫عرف بعضهم ذلك يوم بدر‪ ،‬ويوم الفتح‪ ،‬ويوم مؤتة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذم الكبر والحسد وحرمتهما وبيان جزائهما‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية القياس إن كان قياسا صحيحا‪ ،‬وبيان أخطار القياس الفاسد‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية القسم بال وبصفاته وأسمائه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن من كتب ال سعادتهم ل يقوى الشيطان على إغوائهم وإضللهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬ل يجوز أخذ الجرة على بيان الحق والدين‪.‬‬ ‫‪ -6‬ذم التكلّف(‪ )1‬المفضي إلى الكذب والتقول على ال والرسول والمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -7‬ظهر مصداق ما أخبر به القرآن بعد حين قصير وطويل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬التكلف‪ :‬معالجة الكلفة وهو ما يشق على المرء عمله أو علمه أو قوله لعدم قدرته على ذلك‬ ‫روي عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه قال من سئل عما ل يعلم فليقل ل أعلم‪ ،‬ول يتكلف فإن‬ ‫قوله ل أعلم علم وقد قال ال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا‬ ‫من المتكلفين}‪ .‬روي أن للمتكلف ثلث علمات‪ :‬ينازع من فوقه‪ ،‬ويتعاطى ما ل ينال‪ ،‬ويقول ما‬ ‫ل يعلم‪ .‬وروى الدارقطني أن النبي صلى ال عليه وسلم مر في بعض أسفاره على رجل جالس‬ ‫على مقراة له وقال له عمر يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك*؟ فقال له النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم يا صاحب المقراة ل تخبره‪ ،‬هذا متكلف‪ ،‬لها ما حملت في بطونها ولنا ما‬ ‫بقي شراب وطهور‪ ،‬كما روى مالك في الموطأ أن عمر خرج في ركب معهم عمرو بن العاص‬ ‫حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص يا صاحب الحوض هل ترد السباع حوضك؟ فقال‬ ‫عمر يا صاحب الحوض ل تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا‪.‬‬ ‫* المقراة‪ :‬الحوض يجمع فيه الماء‪.‬‬

‫( ‪)4/464‬‬ ‫سورة الزمر‬ ‫‪...‬‬

‫سورة الزمر(‪)1‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها خمس وسبعون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيم‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حكِيمِ(‪ )1‬إِنّا أَنْزَلْنَا ِإلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصا َلهُ الدّينَ(‬ ‫تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬ ‫خذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ مَا َنعْ ُبدُهُمْ إِلّا لِ ُيقَرّبُونَا إِلَى اللّهِ زُ ْلفَى إِنّ‬ ‫ص وَالّذِينَ اتّ َ‬ ‫‪ )2‬أَل لِلّهِ الدّينُ الْخَاِل ُ‬ ‫حكُمُ بَيْ َن ُهمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَِلفُونَ إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي مَنْ ُهوَ كَا ِذبٌ َكفّارٌ(‪َ )3‬لوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَتّخِذَ‬ ‫اللّهَ َي ْ‬ ‫طفَى ِممّا َيخْلُقُ مَا َيشَاءُ سُ ْبحَانَهُ ُهوَ اللّهُ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ(‪)4‬‬ ‫وَلَدا لصْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تنزيل الكتاب ‪ :‬أي القرآن من ال‪.‬‬ ‫العزيز الحكيم ‪ :‬أي العزيز في مُلكه وانتقامه الحكيم في صنعه وتدبير خلقه‪.‬‬ ‫مخلصا له الدين ‪ :‬أي مفردا إياه بالعبادة فل تشرك بعبادته أحدا‪.‬‬ ‫ل الدين الخالص ‪ :‬أي له وحده خالص العبادة ل يشاركه في ذلك أحد سواه‪.‬‬ ‫أولياء ‪ :‬أي شركاء وهي الصنام‪.‬‬ ‫ليقربونا إلى ال زلفى ‪ :‬تقريبا وتشفع لنا عند ال‪.‬‬ ‫من هو كاذب كفار‪ :‬أي كاذب على ال كفار بعبادته غير ال تعالى‪.‬‬ ‫سبحانه ‪ :‬أي تنزيها له عن الولد والشريك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬سميت بالزمر لذكر لفظ الزمر فيها ولم يذكر في غيرها قط والزمر جمع زمرة وهي الفوج‬ ‫المتبوع بفوج آخر‪.‬‬

‫( ‪)4/465‬‬ ‫هو ال الواحد القهار‪ :‬أي المعبود الحق الواحد الذي ل شريك له في ملكه وسلطانه القهار لخلقه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حكِيمِ} يخبر تعالى أن تنزيل القرآن كان منه سبحانه وتعالى‬ ‫{تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ(‪ )1‬مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬ ‫وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه‪ .‬ولم يكن عن غيره بحال من الحوال‬ ‫وقوله تعالى {إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ} (‪ )2‬يخبر تعالى رسوله بقوله {إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ(‬ ‫حقّ} في كل ما جاء فيه ودعا إليه من العقائد والعبادات والحكام وعليه‬ ‫‪ })3‬أي القرآن العظيم {بِالْ َ‬ ‫{فَاعْبُدِ(‪ )4‬اللّهَ مُخْلِصا لَهُ الدّينَ} أي العبادة فل تعبد معه غيره فإن العبادة ل تصلح لغيره أبدا {أَل‬ ‫ص وَالّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ(‪ })5‬أي شركاء يعبدونهم ويقولون {مَا َنعْبُدُ ُهمْ إِلّا‬ ‫لِلّهِ الدّينُ ا ْلخَاِل ُ‬

‫لِ ُيقَرّبُونَا إِلَى اللّهِ زُ ْلفَى} أي تقريبا ويشفعوا لنا عند ال في قضاء حوائجنا هؤلء يحكم ال بينهم‬ ‫في ما هم فيه مختلفون مع المؤمنين الموحدين وذلك يوم القيامة وسيجزي بعدله كل بما يستحقه‬ ‫من إنعام وتكريم أو شقاء وتعذيب‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ ُهوَ كَا ِذبٌ َكفّارٌ} يخبر تعالى‬ ‫بحرمان أناس من هدايته وهم الذين توغلوا في الفساد فكذبوا على ال تعالى وعلى عباده وأصبح‬ ‫الكذب وصفا لزما لهم‪ ،‬وكفروا وبالغوا في الكفر بال وآياته ورسوله ولقائه فأصبح الكفر وصفا‬ ‫ثابتا لهم‪ ،‬إذ هذه سنته في حرمان العبد من الهداية ليمضي فيه حكم ال بإشقائه وتعذيبه يوم‬ ‫القيامة‪ .‬وقوله تعالى {َلوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَتّخِ َذ وَلَدا} كما يزعم المشركون الذين قالوا الملئكة بنات‬ ‫ال‪ ،‬وكما قال النصارى المسيح ابن ال‪ ،‬وكما قال اليهود عزير ابن ال‪ ،‬ولو أراد ال أن يكون له‬ ‫ولد لصطفى واختار مما يخلق ما يشاء‪ ،‬ول يتركهم ينسبون إليه الولد افتراء عليه وكذبا‪ ،‬ولكنه‬ ‫تعالى منزه عن صفات المحدثين وافتقار المخلوقين إذ هو ال ذو اللوهية على سائر خلقه الواحد‬ ‫الذي ل شريك له في ملكه وسلطانه وحكمه القهار لسائر خلقه فسبحانه ل إله غيره ول رب‬ ‫سواه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬تنزيل الكتاب‪ ،‬أي القرآن – جائز أن يكون تنزيل الكتاب مبتدأ والخبر من ال وجائز أن‬ ‫يكون تنزيل خبر والمبتدأ محذوف أي هذا تنزيل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬بالحق الباء للملبسة أي ملبسا للحق فل باطل معه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬فيه تقرير نبوته صلى ال عليه وسلم والعلن عن شرفه بإنزال الكتاب عليه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الفاء للتفريع‪ ،‬أي فبناء على إنزالنا عليك الكتاب فاعبد ال‪ ،‬ومخلصا حال‪ ،‬والدين العبادة‪،‬‬ ‫وإخلص العبادة تجريدها من اللتفات إلى غير ال تعالى لطلب مدح أو نفع أو دفع مكروه أو‬ ‫اتقاء ذم‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أل ل الدين الخالص افتتاح الجملة بأل للتنبيه على شرف ما دخلت عليه والتنويه به‪ .‬اللم‬ ‫في ل للملك والستحقاق وفي الية دليل على وجوب الخلص في العبادة ووجوب النية فيها ول‬ ‫عبادة بدون نية صحيحة ول يضر النية الخاطر يخطر بالقلب ل يملك المرء دفعه‪.‬‬

‫( ‪)4/466‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن الشرك والتنديد بالمشركين‪.‬‬

‫‪ -4‬تقرير البعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫شمْسَ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫حقّ ُي َكوّرُ اللّ ْيلَ عَلَى ال ّنهَارِ وَ ُيكَوّرُ ال ّنهَارَ عَلَى اللّ ْي ِ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خََلقَ ال ّ‬ ‫ج َعلَ مِ ْنهَا‬ ‫س ّمىً أَل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلغَفّارُ(‪ )5‬خََل َقكُمْ مِنْ َنفْسٍ وَاحِ َدةٍ ُثمّ َ‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫وَا ْلقَمَرَ ُكلّ يَجْرِي لَِأ َ‬ ‫جهَا وَأَنْ َزلَ َلكُمْ مِنَ الْأَ ْنعَامِ َثمَانِيَةَ أَ ْزوَاجٍ يَخُْل ُقكُمْ فِي ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ خَلْقا مِنْ َبعْدِ خَلْقٍ فِي ظُُلمَاتٍ‬ ‫َزوْ َ‬ ‫ثَلثٍ ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ فَأَنّى ُتصْ َرفُونَ(‪ )6‬إِنْ َتكْفُرُوا فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَ ْن ُك ْم وَل‬ ‫ج ُعكُمْ‬ ‫شكُرُوا يَ ْرضَهُ َلكُ ْم وَل تَزِرُ وَازِ َرةٌ وِزْرَ ُأخْرَى ثُمّ إِلَى رَ ّب ُكمْ مَرْ ِ‬ ‫يَ ْرضَى ِلعِبَا ِدهِ ا ْل ُكفْرَ وَإِنْ َت ْ‬ ‫فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ(‪)7‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫خلق السموات والرض بالحق‪ :‬أي من أجل أن يذكر ويشكر ل من أجل اللهو والعبث‪.‬‬ ‫يكور الليل على النهار ‪ :‬أي يدخل أحدهما في الخر فإذا جاء الليل ذهب النهار والعكس كذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/467‬‬ ‫وسخر الشمس والقمر ‪ :‬أي ذللهما فل يزالن يدوران في فلكيهما إلى نهاية الحياة وبدورتهما تتم‬ ‫مصالح سكان الرض‪.‬‬ ‫خلقكم من نفس واحدة ‪ :‬هي آدم عليه السلم‪.‬‬ ‫ثم جعل منها زوجها ‪ :‬هي حواء خلقها ال تعالى من ضلع آدم اليسر‪.‬‬ ‫وأنزل لكم من النعام ‪ :‬أي أنزل المطر فأنبت العشب فخلق النعام فهذا وجه لنزالها‪.‬‬ ‫ثمانية أزواج ‪ :‬أي من البل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين‪.‬‬ ‫يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ‪ :‬أي أطوارا طورا بعد طورٍ نطفة فعلقة فمضغة‪.‬‬ ‫في ظلمات ثلث ‪ :‬أي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة‪.‬‬ ‫ول تزر وازرة وزر أخرى ‪ :‬أي ل تحمل نفس ذات وزر وزرَ نفس أخرى‪.‬‬ ‫إنه عليم بذات الصدور ‪ :‬أي ما يخفيه المرء في صدره وما يسره في ضميره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذه اليات الكريمة في تقرير التوحيد بذكر الدلة والبراهين التي ل تدع للشك مجالً في نفوس‬ ‫سمَاوَاتِ(‪ )1‬وَالْأَ ْرضَ} أي أوجدهما خلقا على غير مثال‬ ‫العقلء فقال تعالى في الية (‪{ )5‬خَلَقَ ال ّ‬ ‫سابق وخلقهما بالحق لغايات سامية شريفة وليس للباطل والعبث ومن تلك الغايات أن يعبد فيها‬ ‫فيذكر ويشكر‪ .‬وقوله { ُي َكوّرُ(‪ )2‬اللّ ْيلَ عَلَى ال ّنهَا ِر وَ ُي َكوّرُ ال ّنهَارَ عَلَى اللّ ْيلِ} أي يغشي هذا هذا‬ ‫فيغطيه به ويستره كأنما لفّه عليه وغشاه به وهذا برهان ثان فالول برهان الخلق للسموات‬ ‫س ّمىً} يدوران في‬ ‫جلٍ(‪ )3‬مُ َ‬ ‫شمْسَ وَالْ َقمَرَ ُكلّ يَجْرِي لَِأ َ‬ ‫سخّرَ ال ّ‬ ‫والرض وبرهان ثالث في قوله {وَ َ‬ ‫فلكيهما إلى قيام الساعة وفي ذلك من الفوائد والمصالح للعباد ما ل يقادر قدره من ذلك معرفة‬

‫عدد السنين والحساب‪ .‬وقوله {أَل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفّارُ(‪ })4‬إعلن وتنبيه بأنه تعالى عزيز في بطشه‬ ‫ح َدةٍ}‬ ‫س وَا ِ‬ ‫وانتقامه من أعدائه غفّار لعباده التائبين إليه‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪{ )6‬خََل َقكُمْ مِنْ َنفْ ٍ‬ ‫هي آدم عليه السلم فقد صح أنه‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هذه الجملة بيان لجملة هو ال الواحد القهار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وهذه الجملة بيان ثان أيضا وحقيقة التكوير أنه اللف واللي يقال كور العمامة على رأسه إذا‬ ‫لفها ولوّاها وهذا تمثيل بديع لتعاقب الليل والنهار‪.‬‬ ‫‪ - 3‬كل التنوين للعوض أي كل واحد منهما يجري لجل مسمى هو أجل فنائهما‪.‬‬ ‫‪ - 4‬استئناف ابتدائي وجملة فإنكم الخ استدلل على صفة العزة والمغفرة في العزيز الغفار‪.‬‬

‫( ‪)4/468‬‬ ‫لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ذرّيته وأشهدهم على أنفسهم‪ ،‬ولهذا جاء العطف بثم إذ‬ ‫جهَا} أي بعد أن مسح على ظهر آدم وأخرج ذرّيته من‬ ‫ج َعلَ مِ ْنهَا َزوْ َ‬ ‫{خََل َقكُمْ مِنْ َنفْسٍ وَاحِ َدةٍ ُثمّ َ‬ ‫ظهره وأشهدهم على أنفسهم خلق حواء من ضلعه اليسر‪ ،‬وهذا برهان وآخر في قوله {وَأَنْ َزلَ‬ ‫َلكُمْ مِنَ الْأَ ْنعَامِ} وهي البل والبقر والغنم ضأن وماعز وهي ذكر وأنثى فالذكر زوج والنثى زوج‬ ‫فهي ثمانية أزواج وجائز أن يكون أصل هذه النعام قد أنزله من السماء كما أنزل آدم وحواء من‬ ‫السماء‪ )1(،‬وجائز أن يكون أنزل الماء فنبت العشب وتكونت هذه النعام من ذلك فالصل النزال‬ ‫من السماء وتدرج الخلق كان في الرض‪ .‬وبرهان رابع في قوله { َيخُْل ُقكُمْ فِي بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ خَلْقا‬ ‫مِنْ َبعْدِ(‪ )2‬خَلْقٍ} أي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم نكسوا العظام لحما فإذا هو إنسان كامل‬ ‫وقوله {فِي ظُُلمَاتٍ ثَلثٍ} هي ظلمة بطن الم‪ ،‬ثم ظلمة الرحم‪ ،‬ثم ظلمة المشيمة‪ ،‬وهي غشاء‬ ‫يكون للولد وفي الحيوان يقال له السّلي وقوله بعد ذكر هذه البراهين قال {ذَِلكُمُ اللّهُ(‪ )3‬رَ ّب ُكمْ} أي‬ ‫خالقكم ومعبودكم الحق {لَهُ ا ْلمُ ْلكُ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي ل معبود إل هو غذ ل تصلح العبادة إل له‬ ‫{فَأَنّى(‪ُ )4‬تصْ َرفُونَ} أي كيف تصرفون عن الحق إلى الباطل‪ ،‬وعن الهدى إلى الضلل إن أمركم‬ ‫عجبٌ‪ .‬وقوله في الية (‪{ )7‬إِنْ َت ْكفُرُوا فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَ ْنكُمْ} أي بعد أن بين بالدلة القاطعة وجوب‬ ‫اليمان به ووجوب عبادته‪ ،‬وأنه الرب الحق وإله الحق أعلم عباده أن كفرهم به ل يضره أبدا‬ ‫لنه غنيّ عنهم وعن سائر خلقه إل أنه لرحمته بعباده ل يرضى لهم الكفر لما يسببه لهم من شقاء‬ ‫وخسران‪ ،‬كما أنهم إن آمنوا وشكروا يرضه لهم فيثيبهم أحسن ثواب ويجزيهم أحسن جزاء‪.‬‬ ‫وقوله {وَل تَزِرُ وَازِ َرةٌ وِزْرَ ُأخْرَى} هذا مظهر من مظاهر عدله بين عباده وهو أن نفسا ذات‬ ‫وزر أي ذنب ل تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل نفس تحمل وزرها وتتحمل تبعته‬ ‫ج ُع ُكمْ} أي بعد الموت {فَيُنَبّ ُئ ُكمْ‬ ‫ونتائجه وحدها‪ .‬وقوله تعالى { ُثمّ إِلَى رَ ّبكُمْ مَرْ ِ‬

‫__________‬ ‫‪ - 1‬ووجه ثالث وهو جائز أن يكون النزال بمعنى التسخير نحو وأنزلنا الحديد أي ذللناه لكم‬ ‫تصنعون منه السيوف والرماح وهذ كقولك نزل فلن على رأي فلن قال الشاعر‪:‬‬ ‫أنزلني الدهر على حكمه‬ ‫من شاهق عال إلى خفض‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أي طورا بعد طور لقوله صلى ال عليه وسلم "إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين‬ ‫يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح‬ ‫ويأمر بكتب أربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد" الحديث (مسلم)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذه الجملة كالفذلكة والنتيجة لما سبق من ذكر آيات العلم والقدرة والرحمة الموجبة لللوهية‬ ‫الحقة للرب الحق سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فأنى تصرفون الستفهام للنكار مشوبا بالتعجب من حال انصرافهم عن الحق بعد ظهور‬ ‫أدلته وسطوع براهينه‪ ،‬عجبا لكم كيف صرفتم وبناء الفعل للمجهول إشارة واضحة إلى أنهم‬ ‫يصرفون بقوى غير قواهم وهي قوى الشياطين التي تزين لهم الباطل وتبغض لهم الحق‪.‬‬

‫( ‪)4/469‬‬ ‫ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} أي فيخبركم بأعمالكم خفيها وجليها صغيرها وكبيرها {إِنّهُ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ}‬ ‫فضل عما كان عملً ظاهرا غير باطن ويجزيكم بذلك الخير بمثله والشر بمثله‪ .‬فهذا ربكم الحق‬ ‫وإلهكم الصدق فآمنوا به ووحدوه ول تشركوا به وأطيعوه ول تعصوه تنجوا وتسعدوا في الدنيا‬ ‫والخرة‪ .‬ول يهلك على ال إل هالك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان آيات ال في الكون وإيرادها أدلة على التوحيد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على العباد في خلقهم ورزقهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الكفر أعجب من اليمان إذ أدلة اليمان ل تعد كثرة وأما الكفر فل دليل عليه البتة‬ ‫ومع هذا أكثر الناس كافرون‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان غنى ال تعالى عن خلقه وافتقار الخلق إليه‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان عدالة ال تعالى يوم القيامة وتقريرها‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان إحاطة علم ال بالخلق وعلمه بأفعالهم وأحوالهم ظاهرا وباطنا‪.‬‬ ‫سيَ مَا كَانَ َيدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَ ْبلُ‬ ‫خوَّلهُ ِن ْعمَةً مِنْهُ َن ِ‬ ‫ن ضُرّ دَعَا رَبّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ ثُمّ ِإذَا َ‬ ‫وَإِذَا مَسّ الْإ ْنسَا َ‬ ‫ج َعلَ لِلّهِ أَ ْندَادا لِ ُيضِلّ عَنْ سَبِيلِهِ ُقلْ َتمَتّعْ ِب ُكفْ ِركَ قَلِيلً إِ ّنكَ مِنْ َأصْحَابِ النّارِ(‪َ )8‬أمّنْ ُهوَ قَا ِنتٌ‬ ‫وَ َ‬

‫ن وَالّذِينَ ل‬ ‫حمَةَ رَبّهِ ُقلْ َهلْ يَسْ َتوِي الّذِينَ َيعَْلمُو َ‬ ‫حذَرُ الْآخِ َرةَ وَيَرْجُو رَ ْ‬ ‫آنَاءَ اللّ ْيلِ سَاجِدا َوقَائِما يَ ْ‬ ‫َيعَْلمُونَ إِ ّنمَا يَ َت َذكّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(‪)9‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذا مس النسان ‪ :‬النسان أي المشرك‪.‬‬ ‫ضرّ ‪ :‬أي مرض أو خوف غرق ونحوه من كل مكروه ل يقدر على دفعه‪.‬‬

‫( ‪)4/470‬‬ ‫دعا ربه منيبا إليه ‪ :‬أي سأل ربه كشف ما أصابه من ضر راجعا إليه معرضا عمن سواه‪.‬‬ ‫إذا خوله نعمة منه ‪ :‬أي أعطاه نعمة منه بأن كشف ما به من ضر‪.‬‬ ‫نسي ما كان يدعو إليه من قبل ‪ :‬أي ترك ما كان يتضرع إليه من قبل وهو ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫وجعل ل أندادا ‪ :‬أي شركاء‪.‬‬ ‫ليضل عن سبيله ‪ :‬أي ليضل نفسه وغيره عن السلم‪.‬‬ ‫قل تمتع بكفرك قليل ‪ :‬أي قل يا نبينا لهذا الكافر الضال المضل تهديدا تمتع بكفرك بقية أجلك‪.‬‬ ‫إنك من أصحاب النار ‪ :‬أي أهلها المتأهلين لها بخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم‪.‬‬ ‫قانت آناء(‪ )1‬الليل ‪ :‬أي مطيع ل آناء الليل أي ساعات الليل ساجدا وقائما في الصلة‪.‬‬ ‫إنما يتذكر أولوا اللباب‪ :‬أي يتعظ بما يسمع من اليات أصحاب العقول النيّرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد‪ ،‬فقال تعالى مخبرا عن حال المشرك بربه المتخذ‬ ‫له أندادا يعبدها معه { َوإِذَا مَسّ الْإنْسَانَ(‪ )2‬ضُرّ دَعَا رَبّهُ مُنِيبا إِلَ ْيهِ} أي سأل ربّه راجعا إليه رافعا‬ ‫سيَ مَا‬ ‫خوّلَهُ(‪ِ )3‬ن ْعمَةً مِ ْنهُ نَ ِ‬ ‫إليه يديه يا رباه يا رباه سائل تفريج ما به وكشف ما نزل به {ثُمّ ِإذَا َ‬ ‫كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَ ْبلُ} حتى إذا فرّج ال كربه ونجاه‪ ،‬ترك دعاء ال‪ ،‬وأقبل على عبادة غير ال‪،‬‬ ‫ج َعلَ لِلّهِ أَنْدَادا} أي شركاء {لِ ُيضِلّ}( ‪ )4‬نفسه وغيره‪ .‬وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول له نيابة‬ ‫{وَ َ‬ ‫عن ال تعالى قل يا رسولنا لهذا المشرك الكافر تمتع بكفرك قليلً أي مدة بقية عمرك إنك من‬ ‫أصحاب النار‪ ،‬هكذا هدده ربّه وخوفه بعاقبة أمر الشرك والتنديد لعله ينتهي فيتوب توبة صادقة‬ ‫ويرجع إلى ال رجوعا حسنا‬ ‫__________‬ ‫ى والنى الساعة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الناء جمع أنىً مثل أمعاء ومَعىً وأقفاء وقف ً‬ ‫‪ - 2‬النسان هو اسم جنس دال على غير معين بل هو عام في كل مشرك بال تعالى كافر به‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قوله أعطاه إذ التخويل العطاء والتمليك دون قصد عوض مأخوذ من الخول وهو اسم للعبد‬

‫والخدم وفي الحديث "إخوانكم خولكم جعلهم ال تحت أيديكم" (الحديث)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬اللم لم العاقبة‪ ،‬أي هو لم يقصد إضلل نفسه‪.‬‬

‫( ‪)4/471‬‬ ‫جميل‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )8‬أما الية الثانية (‪ )9‬فيقول تعالى {َأمّنْ ُهوَ قَا ِنتٌ(‪} )1‬‬ ‫أي مطيع ل ورسوله في أمرهما ونهيهما {آنَاءَ اللّ ْيلِ} أي ساعات الليل تراه ساجدً في صلته أو‬ ‫قائما يتلوا آيات ال في صلته‪ ،‬وفي نفس الوقت هو يحذر عذاب الخرة ويسأل ال تعالى أن يقيه‬ ‫منه‪ ،‬ويرجو رحمة ربّه وهي الجنة أن يجعله ال من أهلها هذا خير أم ذلك الكافر الذي قيل له‬ ‫تمتع بكفرك قليلً إنك من أصحاب النار‪ ،‬والجواب معلوم للعقلء(‪ )2‬وقوله تعالى { َهلْ يَسْ َتوِي‬ ‫الّذِينَ َيعَْلمُونَ} محاب ال ومكارهه وهم يعملون على التيان بمحابّ ال تقربا إليه‪ ،‬وعلى ترك‬ ‫مكارهه تحبّبا إليه‪ ،‬هل يستوي هؤلء العاملون مع الذين ل يعلمون ما يحب وما يكره فهم‬ ‫يتخبطون في الضلل تخبط الجاهلين؟ والجواب ل يستوون وإنما يتذكر بمثل هذا التوجيه اللهي‬ ‫والرشاد الرباني أصحاب اللباب أي العقول السليمة الراجحة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكشف عن داخلية النسان قبل أن يؤمن ويُسلم وهو أنه إنسان متناقض ل خير فيه ول رشد‬ ‫له‪ ،‬فل يرشد ول يكمل إل باليمان والتوحيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بشرى الضالين عن سبيل ال المضلين عنه بالنار‪.‬‬ ‫‪ -4‬مقارنة بين القانت المطيع‪ ،‬والعاصي المضل المبين‪ ،‬وبين العالم والجاهل‪ ،‬وتقرير أفضلية‬ ‫المؤمن المطيع على الكافر العاصي‪ .‬وأفضلية العالم بال وبمحابه ومكارهه والجاهل بذلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضل العالم على الجاهل لعمله بعلمه ولول العمل بالعلم لستويا في الخسة والنحطاط‪.‬‬ ‫سعَةٌ إِ ّنمَا ُي َوفّى‬ ‫حسَنَ ٌة وَأَ ْرضُ اللّهِ وَا ِ‬ ‫حسَنُوا فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا َ‬ ‫ُقلْ يَا عِبَادِ الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ لِلّذِينَ أَ ْ‬ ‫حسَابٍ(‪)10‬‬ ‫الصّابِرُونَ أَجْرَ ُهمْ ِبغَيْرِ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قرأ نافع أمن هو قانت بتخفيف الميم – وقرأ حفص أمن بتشديدها وجائز أن تكون الهمزة‬ ‫همزة استفهام ومن مبتدأ والخبر مقدر نحو أمن هو قانت أفضل أم من هو كافر وعلى قراءة‬ ‫التشديد فالهمزة للستفهام وأمن كلمتان أم المعادلة أدغمت في من المبتدأ وجائز أن تكون أم‬ ‫منقطعة لمجرد الضراب النتقالي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وهو أنهما ل يستويان بحال من الحوال‪.‬‬

‫( ‪)4/472‬‬ ‫ُقلْ إِنّي ُأمِ ْرتُ أَنْ أَعْ ُبدَ اللّهَ مُخْلِصا لَهُ الدّينَ(‪ )11‬وَُأمِ ْرتُ لِأَنْ َأكُونَ َأ ّولَ ا ْل ُمسِْلمِينَ(‪ُ )12‬قلْ إِنّي‬ ‫عظِيمٍ(‪ُ )13‬قلِ اللّهَ أَعْبُدُ ُمخْلِصا لَهُ دِينِي(‪ )14‬فَاعْ ُبدُوا مَا شِئْتُمْ‬ ‫عصَ ْيتُ رَبّي عَذَابَ َيوْمٍ َ‬ ‫أَخَافُ إِنْ َ‬ ‫سهُ ْم وَأَهْلِي ِهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَل ذَِلكَ ُهوَ الْخُسْرَانُ ا ْلمُبِينُ(‬ ‫مِنْ دُونِهِ ُقلْ إِنّ ا ْلخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫خ ّوفُ اللّهُ بِهِ عِبَا َدهُ يَا عِبَادِ فَا ّتقُونِ(‪) 16‬‬ ‫‪َ )15‬لهُمْ مِنْ َف ْو ِقهِمْ ظَُللٌ مِنَ النّا ِر َومِنْ تَحْ ِتهِمْ ظَُللٌ ذَِلكَ ُي َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اتقوا ربكم ‪ :‬أي اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية باليمان والتقوى‪.‬‬ ‫للذين أحسنوا ‪ :‬أي أحسنوا العبادة‪.‬‬ ‫حسنة ‪ :‬أي الجنة‪.‬‬ ‫أرض ال واسعة‪ :‬أي فهاجروا فيها لتتمكنوا من عبادة ال إن منعتم منها في دياركم‪.‬‬ ‫أمرت ‪ :‬أي أمرني ربي عز وجل‪.‬‬ ‫مخلصا له الدين ‪ :‬أي مفردا إياه بالعبادة‪.‬‬ ‫أول المسلمين ‪ :‬أي أول من يسلم في هذه المة فينقاد ل بعبادته والخلص له فيها‪.‬‬ ‫عذاب يوم عظيم‪ :‬أي عذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫قل ‪ :‬أي يا رسولنا للمشركين‪.‬‬ ‫ال أعبد ‪ :‬أي ل أعبد معه سواه‪.‬‬ ‫مخلصا له ديني ‪ :‬أي مفردا إياه بطاعتي وانقيادي‪.‬‬ ‫فاعبدوا ما شئتم ‪ :‬أي إن أبيتم أيها المشركون عبادة ال وحده فاعبدوا ما شئتم من الوثان فإنكم‬ ‫خاسرون‪.‬‬ ‫خسروا أنفسهم‪ :‬أي فحرموها الجنة وخلدوها في النار‪.‬‬ ‫وأهليهم ‪ :‬أي الحور العين اللئي كن لهم في الجنة لو آمنوا واتقوا بفعل الطاعات وترك‬ ‫المنهيات‪.‬‬ ‫ظلل من النار ‪ :‬أي دخان ولهب وحر من فوقهم ومن تحتهم‪.‬‬

‫( ‪)4/473‬‬ ‫ذلك ‪ :‬أي المذكور من عذاب النار‪.‬‬ ‫يا عباد فاتقون‪ :‬أي يا من أنا خالقهم ورازقهم ومالكهم وما يملكون فلذلك اتقون باليمان والتقوى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫لقد تضمنت هذه اليات الخمس توجيهات وإرشادات ربّانيّة للمؤمنين والرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم ففي الية الولى (‪ )10‬يأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين اتقوا ربكم أي اجعلوا بينكم‬ ‫وبين عذاب ال وقاية وذلك بطاعته وطاعة رسوله‪ ،‬ويعلمهم معلل أمره إياهم بالتقوى بأن للذين‬ ‫أحسنوا الطاعة المطلوبة منهم الجنة‪ ،‬كما يعلمهم أنهم إذا لم يقدروا على الطاعة بين المشركين‬ ‫فليهاجروا إلى أرض يتمكنون فيها من طاعة ال ورسوله فيقول {وأرض ال واسعة} أي فهاجروا‬ ‫فيها ويشجعهم على الهجرة لجل الطاعة فيقول {إِ ّنمَا ُي َوفّى الصّابِرُونَ(‪ })1‬أي على الغتراب‬ ‫سعَةٌ أَجْ َرهُمْ ِبغَيْرِ حِسَابٍ} أي بل كيل ول وزن‬ ‫والهجرة لجل طاعة ال والرسول {وَأَ ْرضُ اللّ ِه وَا ِ‬ ‫ول عد لنه فوق ذلك‪ .‬وفي الية الثانية (‪ )11‬والثالثة (‪ )12‬يأمر تعالى رسوله موجها له بأن‬ ‫يقول للناس {إِنّي ُأمِ ْرتُ} أي أمرني ربي أن أعبد ال باعتقاد وقول وفعل ما يأمرني به وترك ما‬ ‫ينهاني عنه من ذلك مخلصا له الدين‪ ،‬فل أشرك في دين ال أحدا أي في عبادته أحدا‪ ،‬كما أمرني‬ ‫أن أكون أول المسلمين في هذه المة أي أول من يسلم قلبه وجوارحه الظاهرة والباطنة ل تعالى‬ ‫وفي اليات الرابعة (‪ )13‬والخامسة (‪ )14‬يأمر ال تعالى رسوله أن يقول للمشركين إني أخاف‬ ‫إن عصيت ربي‪ ،‬فرضيت بعبادة غيره وأقررتها عذاب(‪ )2‬يوم عظيم كما يأمره أن يقول الَ أَعْبدُ‬ ‫أي ال وحده ل شريك له أعبد حال كوني مخلصا له ديني‪ .‬وأما أنتم أيها المشركون إن أبيتم‬ ‫التوحيد فاعبدوا ما شئتم(‪ )3‬من آلهة دونه تعالى ويأمره أن يقول لهم إن الخاسرين بحق ليسوا‬ ‫بأولئك الذين يخسرون دنياهم فيفقدون الدار والبعير أو المال والهل والولد بل هم الذين خسروا‬ ‫أنفسهم وأهليهم يوم(‪ )4‬القيامة‪ ،‬وذلك‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬وفسر بعضهم الصبر بالصوم وحقا الصوم من الصبر وحسب الصوم أجرا أن يقول ال‬ ‫تعالى "الصوم لي وأنا أجزي به"‪ .‬إل أن الية عامة في الصبر في مواطنه الثلث وهي صبر‬ ‫على الطاعات وصبر دون المعاصي وصبر على البلء‪ .‬ومن ذلك الهجرة إلى دار السلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ذهب بعضهم إلى أن الية منسوخة بقوله تعالى {ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر}‬ ‫ول معنى لهذا النسخ إذ النسخ ل يكون في الخبار‪ .‬وإنما الية من باب الفرض والتقدير إذ‬ ‫الرسول معصوم ول يعصي وإذا ل خوف عليه وإنما من باب طلب الهداية للخرين قال له قل‬ ‫لهذا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المر هنا للتهديد والوعيد والتوبيخ وليس للذن بعبادة غير ال إذ القرآن كله نزل ليعبد ال‬ ‫تعالى وحده ول يعبد معه سواه فكيف يأذن بعبادة ما شاءوا من آلهة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال ما من أحد إل وخلق ال له زوجة في الجنة‬ ‫فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله‪ .‬وهو كذلك لقوله تعالى { أولئك هم الوارثون }أي يرث المسلم‬ ‫الكافر يرثه في أهله ومكانه في الجنة وسبب الرث اليمان والتقوى بإذن ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/474‬‬ ‫بتخليدهم في النار‪ ،‬وبعدم وصولهم إلى الحور العين المعدة لهم في الجنة لو أنهم آمنوا واتقوا‪ .‬أل‬ ‫ذلك أي هذا هو الخسران المبين ثم يوضح ذلك الخسران بالحال التالية وهي أن لهم وهم في النار‬ ‫من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل أي طبقات من فوقهم طبقة ومن تحتهم أخرى وكلها‬ ‫دخان ولهب وحر وأخيرا قوله تعالى {ذَِلكَ} أي المذكور من الخسران وعذاب الظلل يخوف ال‬ ‫تعالى به عباده المؤمنين ليواصلوا طاعتهم وصبرهم عليها فينجوا من النار ويظفروا بالجنان‬ ‫وقوله يا عباد فاتقون أي يا عبادي المؤمنين فاتقون ول تعصون يحذرهم تعالى نفسه‪ ،‬وال رءوف‬ ‫بالعباد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عناية ال تعالى برسوله والمؤمنين إذ أرشدهم إلى ما يكملهم ويسعدهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب التقوى والصبر على الذى في ذلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد بأن يعبد ال وحده‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل السلم وشرف المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير البعث والجزاء ببيان شيء من أهوال الخرة وعذاب النار فيها‪.‬‬ ‫‪ -6‬كل خسران في الدنيا إذا قيس بخسران الخرة ل يعد خسرانا أبدا‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ َيعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللّهِ َلهُمُ الْ ُبشْرَى فَبَشّرْ عِبَادِ(‪ )17‬الّذِينَ يَسْ َت ِمعُونَ‬ ‫حقّ عَلَيْهِ كَِلمَةُ‬ ‫ا ْل َقوْلَ فَيَتّ ِبعُونَ أَحْسَ َنهُ أُولَ ِئكَ الّذِينَ هَدَا ُهمُ اللّ ُه وَأُولَ ِئكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ(‪َ )18‬أ َفمَنْ َ‬ ‫ا ْلعَذَابِ َأفَأَ ْنتَ تُ ْنقِذُ مَنْ فِي النّارِ(‪َ )19‬لكِنِ الّذِينَ ا ّتقَوْا رَ ّبهُمْ َلهُمْ غُ َرفٌ مِنْ َف ْو ِقهَا غُ َرفٌ مَبْنِيّةٌ َتجْرِي‬ ‫مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر وَعْدَ اللّهِ ل ُيخِْلفُ اللّهُ ا ْلمِيعَادَ(‪)0 2‬‬

‫( ‪)4/475‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والذين اجتنبوا الطاغوت(‪ )1‬أن يعبدوها ‪ :‬أي تركوا عبادة الصنام وغيرها مما يعبد من دون‬ ‫ال‪.‬‬ ‫وأنابوا إلى ال ‪ :‬أي باليمان به وعبادته وتوحيده فيها‪.‬‬ ‫لهم البشرى ‪ :‬بالجنة عند الموت وفي القبر وعند القيام من القبور‪.‬‬ ‫فيتبعون أحسنه ‪ :‬أي أوفاه وأكمله وأقربه إلى مرضاة ال تعالى‪.‬‬

‫أولو اللباب ‪ :‬أي العقول السليمة‪.‬‬ ‫أفمن حق عليه كلمة العذاب ‪ :‬أي وجب عليه العذاب بقول ال تعالى لملن جهنم‪.‬‬ ‫أفأنت تنقذ من في النار ‪ :‬أي تخلصه منها وتخرجه من عذابها‪.‬‬ ‫لكن الذين اتقوا ربهم ‪ :‬أي خافوه فآمنوا به وأطاعوه موحدين له في ذلك‪.‬‬ ‫تجري من تحتها النهار ‪ :‬أي من خلل قصورها وأشجارها‪.‬‬ ‫وعد ال ‪ :‬أي وعدهم ال تعالى وعدا فهو منجزه لهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى حال أهل النار من عبدة الوثان وأن لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل‬ ‫ذكر تعالى حال الذين اجتنبوا تلك الطواغيت فلم يعبدوها‪ ،‬وما أعد لهم من النعيم المقيم فجمع‬ ‫بذلك بين الترهيب والترغيب المطلوب لهداية البشر وإصلحهم فقال عز وجل {وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا‬ ‫الطّاغُوتَ} أي أن يعبدوها وهي الوثان وكل ما زين الشيطان عبادته ودعا الناس إلى عبادته‬ ‫وأضافوا إلى اجتناب الطاغوت النابة إلى ال تعالى بعبادته وتوحيده فيها هؤلء لهم البشرى وهي‬ ‫في كتاب ال(‪ )2‬وعلى لسان رسول ال ويرونها عند نزول الموت وفي القبر وفي الحشر وكل‬ ‫هذا في كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وقوله تعالى {فَبَشّرْ عِبَادِ الّذِينَ يَسْ َت ِمعُونَ ا ْلقَ ْولَ‬ ‫فَيَتّ ِبعُونَ َأحْسَ َنهُ} يأمر تعالى رسوله أن يبشر صنفا من عباده بما بشر به الذين اجتنبوا الطاغوت‬ ‫أن يعبدوها وأنابوا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الطاغوت مصدر أو اسم مصدر فعله طغا وهل هو واوي أو يائي خلف والشهر أنه واوي‬ ‫ي وتاؤه زائدة كما زيدت في‬ ‫نحو طغا طغوا كعل يعلو علوا وقولهم الطغيان دال على أنه يائ ّ‬ ‫رحموت وملكوت وقيل هو اسم أعجمي كجالوت وطالوت‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شاهده قوله تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها‬ ‫النهار خالدين فيها أبدا} (البقرة) ومن السنة قوله صلى ال عليه وسلم الرؤيا الصالحة يراها‬ ‫المؤمن أو تُرى له في بيان قوله تعالى {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الخرة} من سورة‬ ‫يونس ومن القرآن {إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول‬ ‫تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فهذه عند الموت‪.‬‬

‫( ‪)4/476‬‬ ‫إلى ال وهم الذين يستمعون القول من قائله فيتبعون أحسن ما يستمعون‪ ،‬ويتركون حسنه(‪)1‬‬ ‫وسيئه معا فهؤلء لهم همم عالية ونفوس تواقة للخير والكمال شريفة فاستوجبوا بذلك البشرى‬ ‫على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم والثناء الجميل من رب العالمين إذ قال تعالى فيهم‬

‫{أُولَ ِئكَ الّذِينَ هَدَاهُمُ اللّ ُه وَأُولَ ِئكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} فحسبهم كمالً أن أثنى تعالى عليهم‪ .‬اللّهم اجعلني‬ ‫حقّ عَلَيْهِ كَِلمَةُ ا ْلعَذَابِ} أي وجب له العذاب قضاء‬ ‫منهم ومن سأل لي وله ذلك‪ .‬وقوله {َأ َفمَنْ(‪َ )2‬‬ ‫وقدرا فأسرف في الكفر والظلم والجرام والعدوان كأبي جهل والعاص بن وائل فأحاطت به‬ ‫خطيئاته فكان من أصحاب النار فهل تستطيع أيها الرسول إنقاذه من النار وتخليصه منها؟‬ ‫والجواب ل‪ .‬إذا فهوّن على نفسك واتركهم لشأنهم وما خلقوا له وحكم به عليهم‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫{َلكِنِ الّذِينَ ا ّت َقوْا} فآمنوا وعملوا الصالحات لهم غرف في الجنة من فوقها غرف وهي العلية تكون‬ ‫فوق الغرفة تجري من تحتها النهار من تحت القصور والشجار أنهار الماء واللبن والعسل‬ ‫والخمر‪ .‬وقوله {وَعْدَ اللّهِ} أي وعدهم ال تعالى بها وعدا حقا فهو منجزه لهم إذ هو تعالى ل‬ ‫يخلف الميعاد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬كرامة زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي إذ هذه الية تعنيهم فقد‬ ‫رفضوا عبادة الطاغوت في الجاهلية قبل السلم ثم أنابوا إلى ربهم فصدقت الية عليهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة أهل التمييز والوعي والدراك الذين يميزون بين ما يسمعون فيتبعون الحسن‬ ‫ويتركون ما دونه من الحسن والسيء‪.‬‬ ‫ل ل تمكن هدايته مهما بذل الداعي في هدايته‬ ‫‪ -3‬إعلم من ال تعالى أن من وجبت له النار أز ً‬ ‫وإصلحه ما بذل‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان ما أعد ال تعالى لهل اليمان والتقوى من نعيم الجنة وكرامة ال لهلها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬جائز أن يراد بكلمة أحسن حسنه فهم يستمعون القول من قائله ويفهمونه فإن كان حقا وهدى‬ ‫ل تركوه وابتعدوا عنه‪ .‬فقد روي عن ابن عباس أن هذه الية‬ ‫أخذوا به وإن كان باطلً وضل ً‬ ‫نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص‬ ‫جاءوا إلى أبي بكر حين أسلم فأخبرهم بإيمانه فآمنوا‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الستفهام الول والثاني كلهما إنكاري ينكر تعالى على رسوله حزنه وألمه على عدم إيمان‬ ‫عمه أبي لهب وولده ومن لم يؤمن من قرابته ممن وجبت لهم النار في سابق علم ال فهم ل‬ ‫يؤمنون‪ ،‬ولذا فرع عنه قوله أفأنت تنقذ من في النار؟ إنك ل تقدر على ذلك فهون على نفسك‪.‬‬

‫( ‪)4/477‬‬ ‫سمَاءِ مَاءً فَسََلكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَ ْرضِ ثُمّ ُيخْرِجُ بِهِ زَرْعا ُمخْتَلِفا أَ ْلوَانُهُ ثُمّ‬ ‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬ ‫حطَاما إِنّ فِي ذَِلكَ َل ِذكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ(‪َ )21‬أ َفمَنْ شَرَحَ اللّ ُه صَدْ َرهُ‬ ‫جعَلُهُ ُ‬ ‫َيهِيجُ فَتَرَاهُ ُمصْفَرّا ُثمّ يَ ْ‬

‫لِلْإِسْلمِ َف ُهوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِ َفوَ ْيلٌ لِ ْلقَاسِيَةِ قُلُو ُبهُمْ مِنْ ِذكْرِ اللّهِ أُولَ ِئكَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪ )22‬اللّهُ‬ ‫جلُودُهُمْ‬ ‫شوْنَ رَ ّبهُمْ ُثمّ تَلِينُ ُ‬ ‫شعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ َيخْ َ‬ ‫حدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها مَثَا ِنيَ َتقْ َ‬ ‫نَ ّزلَ أَحْسَنَ الْ َ‬ ‫َوقُلُوبُهُمْ إِلَى ِذكْرِ اللّهِ ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َي ْهدِي بِهِ مَنْ َيشَا ُء َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(‪)23‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فسلكه ينابيع في الرض ‪ :‬أي أدخله في الرض فصار جاريا تحتها ينبع منها فكان بذلك ينابيع‪.‬‬ ‫مختلفا ألوانه ‪ :‬أي ما بين أخضر وأبيض وأحمر وأصفر وأنواعه من بر وشعير وذرة‪.‬‬ ‫ثم يهيج فتراه مصفرا ‪ :‬أي ييبس فتراه أيها الرائي بعد الخضرة مصفرا‪.‬‬ ‫ثم يجعله حطاما ‪ :‬أي فتاتا متكسرا‪.‬‬ ‫إن في ذلك لذكرى ‪ :‬أي إن في ذلك المذكور من إنزال الماء إلى أن يكون حطاما تذكيرا‪.‬‬ ‫أفمن شرح ال صدره للسلم‪ :‬أي فاهتدى به كمن لم يشرح ال صدره فلم يهتد؟‬ ‫فهو على نور من ربه ‪ :‬أي فهو يعيش في حياته على نور من ربّه وهو معرفة ال وشرائعه‪.‬‬

‫( ‪)4/478‬‬ ‫فويل للقاسية قلوبهم من ذكر ال ‪ :‬ويل كلمة عذاب للقاسية قلوبهم عن قبول القرآن فلم تؤمن به‬ ‫ولم تعمل بما فيه‪.‬‬ ‫أحسن الحديث كتابا ‪ :‬هو القرآن الكريم‪.‬‬ ‫متشابها ‪ :‬أي يشبه بعضه بعضا في النظم والحسن وصحة المعاني‪.‬‬ ‫مثاني ‪ :‬أي ثنّى فيه الوعد والوعيد كالقصص والحكام‪.‬‬ ‫تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم‪ :‬أي ترتعد منه جلود الذين يخشون ربهم وذلك عند ذكر‬ ‫وعيده‪.‬‬ ‫ثم تلين جلودهم وقلوبهم ‪ :‬أي تطمئن وتلين‪.‬‬ ‫إلى ذكر ال ‪ :‬أي عند ذكر وعده لهل اليمان والتقوى بالجنة وما فيها من نعيم مقيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {أََلمْ تَرَ} هذه الية الكريمة تقرر التوحيد والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم‬ ‫اللهيين‪ ،‬وهما مقتضيان لوجود ال أولً ثم وجوب اليمان به وبلقائه فقال تعالى مخاطبا رسوله‬ ‫سمَاءِ مَاءً}( ‪ )1‬وهو المطر {فَسََلكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَ ْرضِ} أي أدخله فيها‬ ‫{أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَنْ َزلَ مِنَ ال ّ‬ ‫وأخرجه منها ينابيع بواسطة حفر وبدونه‪ ،‬ثم يخرج به زرعا من قمح وشعير وذرة وغيرها‬ ‫مختلفا ألوانه من أحمر وأبيض وأصفر {ثُمّ َيهِيجُ} حسب سنة ال تعالى في ذلك فيجف {فَتَرَاهُ‬ ‫حطَاما} أي فتاتا متكسرا كالتبن كل هذا يتم بقدرة ال وعلمه وتدبيره ففيه‬ ‫جعَلُهُ ُ‬ ‫ُمصْفَرّا ثُمّ يَ ْ‬ ‫موعظة وذكرى لولي القلوب الحيّة تهديهم إلى اليمان بال وبآياته ولقائه‪ ،‬وما يستتبع ذلك من‬

‫الطاعة والتوحيد وقوله تعالى {َأ َفمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْ َرهُ لِلْإِسْلمِ}( ‪ )2‬أي وسع صدره وفسحه فقبل‬ ‫السلم دينا فاعتقد عقائده وعمل بشرائعه فامتثل أوامره واجتنب نواهيه فهو يعيش على نور من‬ ‫ربه ومقابل هذا محذوف اكتفى بالول عنه وتقديره كمن طبع ال على قلبه وجعل صدره حرجا‬ ‫ضيقا فلم يقبل السلم ولم يدخل فيه‪ ،‬وعاش على الكفر والشرك والمعاصي فهو يعيش على‬ ‫ظلمة الكفر ودخن الذنوب‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬تضمنت هذه الية الكريمة مثالين زيادة على ما دلت عليه بظاهر كلماتها المثال الول هو‬ ‫أن القرآن الكريم ينزل من عند ال فيحيي ال تعالى به القلوب الميتة فتحيى وتشرف وتبلغ الكمال‬ ‫في الطهر والشراق‪ .‬والثاني هو أن حياة النسان تبتدئ بنطفة المني فتستقر في الرحم ثم تخرج‬ ‫طفلً ثم يكبر فيصبح شابا فكهلً ثم يهرم ويهلك‪ .‬والخطاب صالح لكل من له أهلية النظر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شرح الصدر عبارة عن قبول الهدى والستنارة به‪ ،‬والستفهام إنكاري ومن مبتدأ والخبر‬ ‫محذوف تقديره كمن ضاق صدره بالكفر وغشيته ظلمته فهو ل يعي ول يفهم ما يقال له وما‬ ‫يدعى إليه من الهدى والخير هل حالهما واحدة والجواب ل‪.‬‬

‫( ‪)4/479‬‬ ‫وعفن الفساد والشر‪ .‬وقوله تعالى { َفوَ ْيلٌ لِ ْلقَاسِ َيةِ قُلُو ُبهُمْ مِنْ(‪ِ )1‬ذكْرِ اللّهِ} يتوعد ال تعالى بالعذاب‬ ‫أصحاب القلوب القاسية من سماع القرآن وهذه أسوأ حال العبد إذا كان يهلك بالدواء ويضل‬ ‫بالهدى فسماع القرآن الصل فيه أن يلين القلوب الصالحة للحياة فإذا كانت القلوب ميتة غير قابلة‬ ‫للحياة سماع القرآن زادها موتا وقسوة‪ ،‬ويدل على هذا قوله {أُولَ ِئكَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪ })2‬فهدايتهم‬ ‫متعذرة إذا كان الدواء يزيد في علتهم وآيات الهداية تزيد في ضللتهم‪ .‬وقوله تعالى {اللّهُ نَ ّزلَ‬ ‫حدِيثِ} هذه الية نزلت لما قال أصحاب الرسول يوما لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫حسَنَ الْ َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫حدِيثِ(‪ })3‬وهو القرآن {كِتَابا مُتَشَابِها}‬ ‫حدثنا يا رسول ال فأنزل ال تعالى قوله {اللّهُ نَ ّزلَ أَحْسَنَ الْ َ‬ ‫أي يشبه بعضه بعضا في حسن اللفظ وصحة المعاني {مَثَا ِنيَ } أي يثني فيه الوعد والوعيد‬ ‫شوْنَ رَ ّبهُمْ} أي عند سماع آيات الوعيد فيه‬ ‫جلُودُ الّذِينَ يَخْ َ‬ ‫شعِرّ مِنْهُ ُ‬ ‫والمر والنهي والقصص‪َ { ،‬تقْ َ‬ ‫جلُودُهُمْ} إذا سمعوا آيات الوعد وتطمئن قلوبهم إذا سمعوا حججه وأدلته وقوله {إِلَى ِذكْرِ‬ ‫{ ُثمّ تَلِينُ ُ‬ ‫اللّهِ} أي القرآن وذكر ال بوعده ووعيده وأسمائه وصفاته ويشهد له قوله تعالى من سورة الرعد‬ ‫طمَئِنّ ا ْلقُلُوبُ} وقوله تعالى {ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َيهْدِي بِهِ مَنْ َيشَاءُ} أي ذلك المذكور‬ ‫{أَل بِ ِذكْرِ(‪ )4‬اللّهِ تَ ْ‬ ‫وهو القرآن الكريم هدى ال إذ هو الذي أنزله وجعله هاديا يهدي به من يشاء هدايته بمعنى يوفقه‬ ‫لليمان والعمل به وترك الشرك والمعاصي‪ .‬وقوله { َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} لما سبق في‬ ‫علم ال ولوجود مانع منع من هدايته كالصرار على والعناد والتقليد‪ .‬فهذا ليس له من هاد يهديه‬

‫بعد ال أبدا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر العلم والقدرة اللهية الموجبة لليمان به وبرسوله ولقائه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬من بمعنى عن لتضمين القساوة في العراض والنفور إذ يقال أعرض عن كذا ونفر عنه‬ ‫وذكر ال هنا القرآن كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪{ - 2‬أولئك في ضلل مبين} الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ هو جواب لمن سأل عن قساوة‬ ‫قلوب المتوعدين بالويل فقيل له إنه ضللهم الواضح المبين‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روي أن سعد بن أبي وقاص قال قال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما لو‬ ‫حدثتنا فأنزل ال‪{ :‬ال نزل أحسن الحديث} وهذا كما قالوا يوما لو قصصت علينا فنزل‪{ :‬نحن‬ ‫نقصك عليك أحسن القصص} ‪ ،‬وقولهم لو ذكرتنا فنزل‪{ :‬ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم‬ ‫لذكر ال وما نزل من الحق}‪ ،‬وفي هذا دليل على أنه ل يليق بأمة القرآن أن تلهوا بالتمثيليات‬ ‫والروايات وأندية اللهو واللعب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تقشعر أي تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد وتلين قلوبهم عند سماع آيات‬ ‫الرحمة وتطمئن إلى ذكر ال تعالى يروى عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت أنا أعلم متى‬ ‫يستجاب لي‪ ،‬وذلك إذا اقشعر جلدي‪ ،‬ووجل قلبي وفاضت عيناي وهو مروي عن ثابت البناني‬ ‫وأم الدرداء أن الوجل في القلب كاحتراق السعفة‪.‬‬

‫( ‪)4/480‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن القلوب قلبان قلب قابل للهداية وآخر غير قابل لها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن القرآن أحسن ما يحدث به المؤمن إذ أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل‪.‬‬ ‫‪ – 4‬فضيلة أهل الخشية من ال إذ هم الذين ينفعلون لسماع القرآن فترتعد فرائصهم عند سماع‬ ‫وعيده‪ ،‬وتلين قلوبهم وجلودهم عند سماع وعده‪.‬‬ ‫جهِهِ سُوءَ ا ْلعَذَابِ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َوقِيلَ لِلظّاِلمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َتكْسِبُونَ(‪)24‬كَ ّذبَ الّذِينَ‬ ‫َأ َفمَنْ يَ ّتقِي ِبوَ ْ‬ ‫شعُرُونَ(‪ )25‬فََأذَا َقهُمُ اللّهُ الْخِ ْزيَ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ‬ ‫مِنْ قَبِْلهِمْ فَأَتَا ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ حَ ْيثُ ل َي ْ‬ ‫الْآخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ(‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب‪ :‬أي يتلقى العذاب بوجهه ل شيء يقيه منه كمن أمن‪.‬‬ ‫سوء العذاب ‪ :‬أقساه وأشده‪.‬‬

‫وقيل للظالمين ‪ :‬أي المشركين في جهنم‪.‬‬ ‫ذوقوا ما كنتم تكسبون ‪ :‬أي جزاء كسبكم الشر والفساد‪.‬‬ ‫كذب الذين من قبلهم ‪ :‬أي من قبل أهل مكة‪.‬‬ ‫فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون ‪ :‬أي من حيث ل يدرون أنه آتيهم منه‪ .‬أو من حيث ل يخطر‬ ‫ببالهم‪.‬‬ ‫فأذاقهم ال الخزي ‪ :‬أي المسخ والذل والهانة‪.‬‬ ‫ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون ‪ :‬أي لو كانوا يعلمون ذلك ما كذبوا ول كفروا‪.‬‬

‫( ‪)4/481‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫جهِهِ سُوءَ ا ْلعَذَابِ}‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير البعث والجزاء فقوله تعالى {َأ َفمَنْ يَ ّتقِي(‪ِ )1‬بوَ ْ‬ ‫يوم القيامة إذ ليس له ما يتقي(‪ )2‬به العذاب لن يديه مغلولتان إلى عنقه فهو يتلقى العذاب بوجهه‬ ‫وهو أشرف أعضائه أفهذا الذي يتلقى العذاب بل سوء العذاب كمن أمن من العذاب ودخل الجنة؟‬ ‫والجواب ل يستويان‪ .‬وقوله تعالى { َوقِيلَ لِلظّاِلمِينَ(‪ })3‬أي المشركين وهم في النار يقول لهم‬ ‫زبانية جهنم توبيخا لهم وتقريعا ذوقوا ما كنتم تكسبون من أعمال الشرك والمعاصي هذا جزاؤه‬ ‫فذوقوه عذابا أليما‪ .‬وقوله تعالى {كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ} أي كذب قبل أهل مكة أمم وشعوب كذبوا‬ ‫رسلهم فأذاقهم ال الخزي في الحياة الدنيا وذلك كالذل والمسخ والقتل والسر والسبي ولعذاب‬ ‫الخرة أكبر من عذاب الدنيا وهم صائرون إليه ل محالة وقوله {َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} أي لو كانوا‬ ‫يعلمون عنه علما يقينيا ما كذبوا رسلهم ول كفروا بربهم‪ .‬فهلكوا بجهلهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء بذكر شيء من أحوال يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تهديد قريش على إصرارها على التكذيب للرسول وما جاءها به من السلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬العذاب على التكذيب والمعاصي منه الدنيوي‪ ،‬ومنه الخروي‪.‬‬ ‫‪ -4‬لو علم الناس عذاب الخرة علما يقينيا ما كذبوا ول كفروا ول ظلموا فالجهل هو سبب‬ ‫الهلك والشقاء دائما‪.‬‬ ‫وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا ا ْلقُرْآنِ مِنْ ُكلّ مَ َثلٍ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ(‪ )27‬قُرْآنا عَرَبِيّا‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬قال عطاء وابن زيد يرمى مكتوفا في النار فأول شيء تمس منه النار وجهه وقال مجاهد‬ ‫يجر في النار على وجهه كقوله تعالى يوم يسحبون في النار على وجوههم والستفهام إنكاري‬

‫وفي الكلم حذف تقديره كمن هو آمن في جنات النعيم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬التقاء مصدر ومعناه تكلّف الوقاية وهي الصون والدفع وفعل اتقى يتعدى إلى مفعولين‬ ‫ويتعدى بالباء كما في قول الشاعر‪:‬‬ ‫سقط النصيف ولم ترد إسقاطه‬ ‫فتناولته واتقتنا باليد‬ ‫‪ - 3‬للظالمين إظهار في محل إضمار إذا المفروض أن يقال وقيل لهم والنكتة التنديد بالشرك إذ‬ ‫هو الظلم وبيان العلة الموجبة للقائهم في جهنم على وجوههم وهي الظلم الذي هو الشرك‪.‬‬

‫( ‪)4/482‬‬ ‫جلٍ‬ ‫سلَما لِرَ ُ‬ ‫ن وَرَجُلً َ‬ ‫عوَجٍ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ(‪ )28‬ضَ َربَ اللّهُ مَثَلً َرجُلً فِيهِ شُ َركَاءُ مُتَشَاكِسُو َ‬ ‫غَيْرَ ذِي ِ‬ ‫ت وَإِ ّنهُمْ مَيّتُونَ(‪ )30‬ثُمّ إِ ّن ُكمْ َيوْمَ‬ ‫حمْدُ لِلّهِ َبلْ َأكْثَرُهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪ )29‬إِ ّنكَ مَ ّي ٌ‬ ‫َهلْ يَسْ َتوِيَانِ مَثَلً ا ْل َ‬ ‫صمُونَ(‪)31‬‬ ‫ا ْلقِيَامَةِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ تَخْ َت ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ‪ :‬أي جعلنا للعرب في هذا القرآن من كل مثل من‬ ‫المم السابقة‪.‬‬ ‫لعلهم يتذكرون ‪ :‬أي يتعظون فينزجرون عما هم فيه من الشرك والتكذيب إلى اليمان والتوحيد‪.‬‬ ‫قرآنا عربيا غير ذي عوج ‪ :‬أي حال كون المثل المجعول قرآنا عربيا ل لبس فيه ول اختلف‬ ‫فل عذر لهم في عدم فهمه وإدراك معناه وفهم مغزاه‪.‬‬ ‫متشاكسون ‪ :‬أي متنازعون لسوء أخلقهم‪.‬‬ ‫ورجلً سلما ‪ :‬أي خالصا سالما لرجل ل شركة فيه لحد‪.‬‬ ‫هل يستويان مثلً ‪ :‬الجواب ل الول في تعب وحيرة والثاني في راحة وهدوء بال‪.‬‬ ‫الحمد ل ‪ :‬أي على ظهور الحق وبطلن الباطل‪.‬‬ ‫إنك ميت ‪ :‬أي مقضي عليك بالموت في وقته‪.‬‬ ‫وإنهم ميتون ‪ :‬أي كذلك محكوم عليهم به عند انقضاء آجالهم‪.‬‬ ‫عند ربكم تختصمون‪ :‬أي تحتكمون إلى ال في ساحة فصل القضاء فيحكم ال بينكم‪.‬‬ ‫فيما كنتم فيه تختلفون‪ :‬أي من الشرك والتوحيد واليمان والتكذيب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وََلقَ ْد ضَرَبْنَا(‪ )1‬لِلنّاسِ فِي َهذَا ا ْلقُرْآنِ مِنْ ُكلّ مَ َثلٍ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ} يخبر تعالى بما‬ ‫__________‬

‫‪ - 1‬ضرب المثل ذكره والمثل الصفة الحسنة وللناس جنس الناس ويدخل فيه العرب أولً لنه‬ ‫بلغتهم والناس تابعون لهم في ذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/483‬‬ ‫من به على العرب لهدايتهم حيث جعل لهم في القرآن الكريم من أمثال المم السابقة في إيمانها‬ ‫وتكذيبها‪ ،‬وصلحها وفسادها ونجاتها وخسرانها وكل ذلك بقرآن عربي ل عوج(‪ )1‬فيه أي ل‬ ‫لبس ول خفاء ول اختلف‪ ،‬فعل ذلك لعلهم يتذكرون أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون فينجون من‬ ‫العذاب ويسعدون‪ .‬وقوله تعالى {ضَ َربَ اللّهُ مَثَلً َرجُلً فِيهِ شُ َركَاءُ مُتَشَاكِسُونَ(‪ )2‬وَرَجُلً سَلَما(‪)3‬‬ ‫جلٍ َهلْ َيسْ َتوِيَانِ(‪ })4‬إلى آخر الية‪ ،‬هذا مثل من جملة المثال التي ضرب ال للناس لعلهم‬ ‫لِرَ ُ‬ ‫يتذكرون وهو مثل للمشرك الذي يعبد عدة آلهة‪ .‬والموحد الذي ل يعبد إل ال فالمشرك مثله رجل‬ ‫يملكه عدد من الرجال من ذوي الخلق الشرسة والطباع الجافة فهم يتنازعونه هذا يقول له تعال‬ ‫والخر يقول له اجلس والثالث يقول له قم فهو في حيرة من أمره ل راحة بدن ول راحة ضمير‬ ‫ونفس‪ .‬والموحد مثله رجل سلم أي خالص وسالم لرجل واحد آمره وناهيه واحد هل يستويان أي‬ ‫ح ْمدُ(‪ )5‬لِلّهِ} أي‬ ‫الرجلن والجواب ل إذ بينهما كما بين الحرية والعبودية وأعظم وقوله تعالى {الْ َ‬ ‫الثناء بالجميل ل والشكر العظيم له سبحانه وتعالى على أنه رب واحد وإله واحد ل إله غيره ول‬ ‫رب سواه‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ َأكْثَ ُرهُمْ ل َيعَْلمُونَ} أي بل أكثر المشركين ل يعلمون عدم تساوي‬ ‫الرجلين‪ ،‬وذلك لجهلهم وفساد عقولهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {إِ ّنكَ مَ ّيتٌ وَإِ ّنهُمْ مَيّتُونَ(‪ })6‬نزلت لما استبطأ المشركون موت الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم أي ل شماتة في الموت إنك ستموت يا رسولنا ويموتون‪ .‬وقوله تعالى {ثُمّ إِ ّن ُكمْ َيوْمَ‬ ‫صمُونَ} أي مؤمنكم وكافركم قويكم وضعيفكم تقفون بين يدي ال ويحكم‬ ‫ا ْلقِيَامَةِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ تَخْ َت ِ‬ ‫بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمور الدين والدنيا معا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬غير ذي عوج أي ل اختلف فيه ول تضاد ول لحن فيه ول شك قال الشاعر‪:‬‬ ‫وقد أتاك يقين غير ذي عوج‬ ‫من الله وقول غير مكذوب‬ ‫‪ - 2‬متشاكسون أي مختلفون أو متعاسرون يقال رجل شكس وشرس وضرس ويقال شاكسني‬ ‫فلن أي ماكسني وشاحّني في حقي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬قرأ الجمهور سلما وقرأ غيرهم سالما بمعنى خالصا فمعنى القراءتين واحد وهو الخلوص‬ ‫لمالك واحد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الستفهام إنكاري أي ل يستويان‪ ،‬مثل منصوب على التمييز لنسبة يستويان أي في أي شيء‬

‫ميز لي‪.‬‬ ‫‪ - 5‬لما سلم الخصم بأنه ل يستوي الموحد والمشرك تعين حمد ال تعالى إذ ل يعقل أن يقول‬ ‫المرء باستواء الرجل الذي يشترك فيه عدة رجال والخر الذي هو خالص لرجل واحد‪ ،‬فكذلك‬ ‫الذي يعبد إلها واحدا ل يستوي مع من يعبد آلهة متعددة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬قرأ بعضهم إنك مائت وإنهم مائتون‪ .‬والميت بالتشديد من هو صائر إلى الموت والميت‬ ‫بسكون الياء من فارقته الحياة‪ ،‬في هذه الية نعي لكل إنسان بالموت إذ أن رجل نعى لرجل أخاه‬ ‫ووجده يأكل فقال له كل فقد نعى إلي أخي من قبلك فقال وكيف وأنا أول من نعاه فقال له قد نعاه‬ ‫ال إليّ في قوله إنك ميت وإنهم ميتون‪.‬‬

‫( ‪)4/484‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية ضرب المثال للمبالغة في الفهام والهداية لمن يراد هدايته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مثل المشرك والموحد‪ ،‬فالمشرك في حيرة وتعب‪ ،‬والموحد في راحة وهدوء بال‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن كل نفس ذائقة الموت‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن خصومة ستكون يوم القيامة ويقضي ال تعالى فيها بالحق لنه هو الحق‪.‬‬

‫( ‪)4/485‬‬ ‫الجزء الرابع والعشرون‬ ‫جهَنّمَ مَثْوىً لِ ْلكَافِرِينَ(‪ )32‬وَالّذِي‬ ‫َفمَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ كَ َذبَ عَلَى اللّ ِه َوكَ ّذبَ بِالصّ ْدقِ ِإذْ جَا َءهُ أَلَيْسَ فِي َ‬ ‫حسِنِينَ(‬ ‫جَاءَ بِالصّدْقِ َوصَدّقَ بِهِ أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُ ّتقُونَ(‪َ )33‬ل ُهمْ مَا يَشَاءُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ ذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلمُ ْ‬ ‫عمِلُوا وَيَجْزِ َي ُهمْ أَجْ َرهُمْ بَِأحْسَنِ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪)35‬‬ ‫سوَأَ الّذِي َ‬ ‫‪ )34‬لِ ُي َكفّرَ اللّهُ عَ ْنهُمْ أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن أظلم ممن كذب على ال؟ ‪ :‬أي بأن نسب إليه ما هو بريء منه كالزوج والولد والشريك‪.‬‬ ‫وكذب بالصدق إذ جاءه؟ ‪ :‬أي بالقرآن والنبي والتوحيد والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫مثوى للكافرين ‪ :‬أي مأوى‪ ،‬ومكان إقامة ونزول‪.‬‬ ‫والذي جاء بالصدق وصدّق به ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والذي صدق به أبو بكر وكل‬ ‫أصحاب رسول ال‪.‬‬ ‫أولئك هم المتقون ‪ :‬أي لعذاب ال بإيمانهم وتقواهم بترك الشرك والمعاصي‪.‬‬

‫ذلك جزاء المحسنين ‪ :‬أي المذكور من نعيم الجنة جزاء المحسنين في أعمالهم‪.‬‬ ‫ليكفر ال عنهم أسوأ الذي عملوا ‪ :‬أي ييسر ال لهم ذلك ويوفقهم إليه ليكفر عنهم ذنوبهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى عباده منذرا محذرا بأنه ل أظلم من أحد كذب على ال‪ .‬فقال عنه ما لم يقل أو حرّم‬ ‫ولم يحرم أو أذن ولم يأذن‪ ،‬أو شرع ولم يشرع‪ ،‬أو كذب بالصدق وهو القرآن والنبي وما جاء به‬ ‫من الهدى ودين الحق أي فل أحد أظلم ممن كان هذا حاله كذب على ال وكذب بالصدق‪.‬‬ ‫جهَنّمَ مَثْوىً ِل ْلكَافِرِينَ} ؟ هذا بيان لجزاء الكاذبين والمكذبين وهم‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَلَيْسَ(‪ )1‬فِي َ‬ ‫الكافرون بسبب كذبهم على ال وتكذبيهم له فيخبر تعالى مقررا أن جزاءهم القامة‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام تقريري والمثوى مكان القامة وهو مصدر ثوى بالمكان يثوى ثواء وثويا مثل‬ ‫مضى يمضي مضاء ومضيا‪.‬‬

‫( ‪)4/486‬‬ ‫ق َوصَدّقَ ِبهِ أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُتّقُونَ} هذا إخبار‬ ‫الدائمة في جهنم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِي جَاءَ(‪ )1‬بِالصّ ْد ِ‬ ‫بفريق الفائزين من عباد ال وهم الصادقون في كل ما يخبرون به‪ ،‬والمصدقون بما أوجب ال‬ ‫تعالى التصديق به ويدخل في هذا الفريق دخولً أوليا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر‬ ‫الصديق ثم سائر الصحابة والمؤمنين إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُ ّتقُونَ(‪ })2‬يشير إليهم بأنهم اتقوا كل ما يغضب ال من الشرك‬ ‫والمعاصي‪ ،‬وبذلك استوجبوا النجاة من النار ودخول الجنة المعبر عنه بقوله تعالى‪َ{ :‬لهُمْ مَا‬ ‫يَشَاءُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ} من نعيم بعضه لم يخطر على بال أحد‪ ،‬ولم تره عين أحد ول تسمع به أذنه‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬ذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلمُحْسِنِينَ(‪ })3‬أي ذلك المذكور في قوله لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو‬ ‫جزاؤهم وجزاء المحسنين كلهم والمحسنون هم الذين أحسنوا العتقاد والقول والعمل وقوله تعالى‪:‬‬ ‫عمِلُوا} أي من الذنوب والثام والخطايا والسيئات أي وفقهم‬ ‫سوَأَ الّذِي َ‬ ‫{لِ ُي َكفّرَ(‪ )4‬اللّهُ عَ ْنهُمْ أَ ْ‬ ‫للحسان ويسره لهم‪ ،‬ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا وسيئه ويجزيهم أجرهم على إيمانهم وتقواهم‬ ‫وإحسانهم في ذلك بأحسن ما كانوا يعملون وحسنه أيضا وإنما يضاعف لهم الجر فتكون الحسنات‬ ‫الصغيرة كالكبيرة فأصبح الجزاء كله على الحسن والذي كانوا يعملون هو كل ما شرعه ال‬ ‫تعالى لعباده وتعبدهم به من اليمان وسائر الطاعات والقربات‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالكذب على ال تعالى والتكذيب به‪ ،‬وبما جاء به رسوله صلى ال عليه وسلم من‬

‫الدين‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جزاء الكاذبين على ال ورسوله والمكذبين بما جاء به رسول ال عن ال من الشرع‬ ‫والدين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬والذي جاء بالصدق مبتدأ والخبر أولئك هم المتقون‪ .‬وعليه فالذي جاء بالصدق رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ومن صدق به هم أبو بكر وسائر المؤمنين وفي الية حذف الموصول وهو‬ ‫"من" لدللة السياق عليه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أولئك مبتدأ وهم ضمير فصل والمتقون خبر‪ ،‬والجملة خبر عن المبتدأ الذي هو والذي جاء‬ ‫بالصدق والمعطوف عليه والموصول محذوف وهو من أو إذ ل يكون من جاء بالصدق هو‬ ‫المصدق به‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الثناء في الدنيا والثواب في الخرة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬في الية الشادة بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ أثبت لهم التصديق بما جاء به‬ ‫رسوله كما أثبت لهم التقوى والحسان وواعدهم بالنعيم المقيم الذي ادخره لهم‪ .‬وفي الحديث‬ ‫الصحيح "ال ال في أصحابي ل تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم‬ ‫فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى ال ربي ومن آذى ال فيوشك أن‬ ‫يأخذه"‪.‬‬

‫( ‪)4/487‬‬ ‫‪ -1‬الترغيب في الصدق في العتقادات والقوال والعمال‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل التقوى والحسان وبيان جزائهما عند ال تعالى يوم القيامة‪.‬‬ ‫خ ّوفُو َنكَ بِالّذِينَ مِنْ دُونِ ِه َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(‪َ )36‬ومَنْ َي ْهدِ اللّهُ‬ ‫أَلَيْسَ اللّهُ ِبكَافٍ عَبْ َد ُه وَيُ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ لَ َيقُولُنّ‬ ‫ضلّ أَلَيْسَ اللّهُ ِبعَزِيزٍ ذِي انْ ِتقَامٍ(‪ )37‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫َفمَا لَهُ مِنْ ُم ِ‬ ‫شفَاتُ ضُ ّرهِ َأوْ أَرَادَنِي‬ ‫اللّهُ ُقلْ َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَادَ ِنيَ اللّهُ ِبضُرّ َهلْ هُنّ كَا ِ‬ ‫عمَلُوا عَلَى‬ ‫حمَتِهِ ُقلْ حَسْ ِبيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَ َت َو ّكلُ ا ْلمُ َت َوكّلُونَ(‪ُ )38‬قلْ يَا َقوْمِ ا ْ‬ ‫سكَاتُ رَ ْ‬ ‫حمَةٍ َهلْ هُنّ ُممْ ِ‬ ‫بِرَ ْ‬ ‫حلّ عَلَ ْيهِ عَذَابٌ ُمقِيمٌ(‪)40‬‬ ‫سوْفَ َتعَْلمُونَ(‪ )39‬مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ ُيخْزِي ِه وَيَ ِ‬ ‫َمكَانَ ِتكُمْ إِنّي عَا ِملٌ َف َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أليس ال بكاف عبده؟ ‪ :‬بلى هو كاف عبده ورسوله محمدا صلى ال عليه وسلم كل ما يهمه‪.‬‬ ‫ويخوفونك بالذين من دونه ‪ :‬أي بالصنام والوثان أن تصيبك بما يسوءك ويضرك‪.‬‬ ‫أليس ال بعزيز ذي انتقام‪ :‬بلى هو عزيز غالب على أمره صاحب انتقام شديد على من عاداه‪.‬‬

‫ليقولن ال ‪ :‬أي لوضوح البرهان وقوة الدليل وانقطاع الحجة‪.‬‬ ‫قل أفرأيتم ‪ :‬أي أخبروني‪.‬‬

‫( ‪)4/488‬‬ ‫هل هن ممسكات رحمته ‪ :‬والجواب ل ل إذا فقل حسبي ال‪ ،‬ول حاجة لي بغيره‪.‬‬ ‫اعملوا على مكانتكم ‪ :‬أي على حالتكم التي أنتم عليه من الكفر والعناد‪.‬‬ ‫إني عامل ‪ :‬أي على حالتي التي أنا عليها من اليمان والنقياد‪.‬‬ ‫من يأتيه عذاب يخزيه ‪ :‬أي في الدنيا بالقتل والسر والجوع والقحط‪.‬‬ ‫ويحل عليه عذاب مقيم‪ :‬أي وينزل عليه عذاب مقيم ل يبرح وهو عذاب النار بعد الموت‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في الدفاع عن الرسول والرد على مناوئيه وخصومه الذين استبطأوا موته فرد ال‬ ‫ت وَإِ ّنهُمْ مَيّتُونَ} فل شماتة إذا في الموت وقوله‪{ :‬أَلَيْسَ اللّهُ ِبكَافٍ(‪)1‬‬ ‫تعالى عليهم بقوله‪{ :‬إِ ّنكَ مَ ّي ٌ‬ ‫عَبْ َدهُ} دال على أن القوم حاولوا قتله صلى ال عليه وسلم لما لم يمت بأجله وفعلً قد قرروا قتله‬ ‫وأعطوا الجوائز لمن يقتله‪ ،‬ففي هذه الية طمأن ال رسوله على أنهم ل يصلون إليه وأنه كافيه‬ ‫مؤامراتهم وتهديداتهم فقال عز وجل أليس ال بكاف عبده؟ والجواب بلى إذ الستفهام تقريري‬ ‫خ ّوفُو َنكَ بِالّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أي ويخوفك يا رسولنا المشركون‬ ‫كافيه كلّ ما يهمه ويسوءه وقوله‪{ :‬وَيُ َ‬ ‫بما يعبدون من دوننا من أصنام وأوثان بأن تصيبك(‪ )2‬بقتل أو خبل فل يهمك ذلك فإن أوثانهم ل‬ ‫ضلّ} ‪ ،‬وقد هداك ربك‬ ‫تضر ول تنفع ول تجلب ول تدفع‪ ،‬وقوله‪َ { :‬ومَنْ َيهْدِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ ُم ِ‬ ‫فليس لك من يضلك أبدا‪ ،‬كما أن من أضله ال كقومك فليس له من هادٍ يهديه أبدا‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{أَلَيْسَ اللّهُ ِبعَزِيزٍ ذِي انْ ِتقَامٍ} (‪ )3‬بلى فهو إذا سينتقم من أعدائه لوليائه إن استمروا في أذاهم‬ ‫وكفرهم وعنادهم‪ ،‬وقد فعل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ} أي أوجدهما من غير مثال سابق {لَ َيقُولُنّ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬ ‫اللّهُ} فما دام اعترافهم لزما بأن ال تعالى هو الخالق فلم عبادة غيره والصرار عليها مما أفضى‬ ‫بهم إلى أذية المؤمنين وشن الحرب عليهم وقوله‪ُ { :‬قلْ َأفَرَأَيْتُمْ مَا َتدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ} أي من‬ ‫حمَةٍ}‬ ‫شفَاتُ ضُ ّرهِ َأوْ أَرَادَنِي بِ َر ْ‬ ‫الصنام والوثان أخبروني {إِنْ أَرَادَ ِنيَ اللّهُ ِبضُرّ} ما { َهلْ هُنّ كَا ِ‬ ‫حمَتِهِ(‪ })4‬والجواب ل فإنها جماد ل تقدر‬ ‫سكَاتُ َر ْ‬ ‫صحة وعافية وغنى ونصر { َهلْ هُنّ ُممْ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الستفهام للتقرير‪ ،‬وحذفت ياء كاف لنه اسم منقوص وترد في الوقف جوازا وقرأ الجمهور‬ ‫عبده وقرأ غيرهم عباده ليدخل المؤمنون معه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ - 2‬هذا شاهده قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلم وكيف أخاف ما أشركتم فإنهم خوفوه‬

‫بآلهتهم فأنكر عليهم ذلك وعابهم بعدم الخوف من ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الستفهام تقريري والجملة تحمل الوعيد الشديد للمشركين الكائدين الماكرين بالرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم والمؤمنين والنتقام المكافأة بالشر على الشر وهو مشتق من النقم الذي هو‬ ‫الغضب‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال مقاتل فسألهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فسكتوا وقال بعضهم ل تدفع شيئا ولكنها‬ ‫تشفع!!‬

‫( ‪)4/489‬‬ ‫على إعطاء ول على إمساك إذا فقل حسبي ال أعبده وأتوكل عليه إذ هو الذي يضر وينفع ويجلب‬ ‫الخير ويدفع السوء والشر‪ .‬وقوله {عَلَ ْيهِ يَ َت َوكّلُ ا ْلمُ َت َوكّلُونَ} أي على ال وحده يتوكل المتوكلون‬ ‫فيثقون في كفايته لهم فيفوضون أمورهم إليه ويتعلقون به وينفضون أيديهم من غيره‪.‬‬ ‫عمَلُوا عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ} أي لما أبيتم إل العناد مصرين على الشرك بعد ما‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ يَا َقوْمِ ا ْ‬ ‫قامت الحجج والدلة القاطعة على بطلنه فاعملوا على مكانتكم أي حالتكم التي عليها من الشرك‬ ‫والعناد {إِنّي عَا ِملٌ} أنا على حالتي من اليمان والتوحيد والنقياد‪ .‬والنتيجة ستظهر فيما بعد ل‬ ‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ‬ ‫محالة ويعلم المحق من المبطل‪ ،‬والمهتدي من الضال وهي قوله تعالى‪{ :‬فَ َ‬ ‫عَذَابٌ(‪ُ )1‬يخْزِيهِ} أي يذله ويكسر أنفه بالقتل والسر والجوع والقحط وقد أصاب المشركين هذا‬ ‫عذَابٌ ُمقِيمٌ} وهو عذاب النار في الخرة نعوذ بال من‬ ‫حلّ عَلَيْهِ َ‬ ‫في مكة وبدر‪ .‬وقوله‪{ :‬وَيَ ِ‬ ‫العذابين عذاب الخزي في الحياة الدنيا وعذاب النار في الدار الخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير كفاية ال ووليته لعباده المؤمنين وخاصة ساداتهم من النبياء والولياء‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مقتضى الولية وهو النقمة من أعدائه تعالى لوليائه وإن طال الزمن‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد وإبطال التنديد‪.‬‬ ‫‪ -4‬مظاهر ربوبية ال الموجبة للوهيته‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجوب التوكل على ال واعتقاد كفايته لوليائه‪.‬‬ ‫‪ -6‬تقرير إنجاز ال وعده لرسوله والمؤمنين‪.‬‬ ‫ضلّ عَلَ ْيهَا َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْي ِهمْ‬ ‫ضلّ فَإِ ّنمَا َي ِ‬ ‫حقّ َفمَنِ اهْ َتدَى فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ َ‬ ‫إِنّا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ لِلنّاسِ بِالْ َ‬ ‫ِب َوكِيلٍ(‪ )41‬اللّهُ يَ َت َوفّى الْأَ ْنفُسَ حِينَ َموْتِهَا‬ ‫__________‬ ‫‪( - 1‬من) استفهامية علقت فعل تعلمون عن العمل في مفعوليه‪.‬‬

‫( ‪)4/490‬‬ ‫س ّمىً إِنّ فِي‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫سلُ الْأُخْرَى إِلَى َأ َ‬ ‫ت وَيُرْ ِ‬ ‫سكُ الّتِي َقضَى عَلَ ْيهَا ا ْل َموْ َ‬ ‫وَالّتِي َلمْ َت ُمتْ فِي مَنَا ِمهَا فَ ُيمْ ِ‬ ‫ش َفعَاءَ ُقلْ َأوََلوْ كَانُوا ل َيمِْلكُونَ شَيْئا وَل‬ ‫ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ(‪ )42‬أَمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ُ‬ ‫جعُونَ(‪ )44‬وَإِذَا ُذكِرَ اللّهُ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُثمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ‬ ‫جمِيعا لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫شفَاعَةُ َ‬ ‫َي ْعقِلُونَ(‪ُ )43‬قلْ لِلّهِ ال ّ‬ ‫ن ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َر ِة وَِإذَا ُذكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ َيسْتَبْشِرُونَ(‪)45‬‬ ‫شمَأَ ّزتْ قُلُوبُ الّذِي َ‬ ‫وَحْ َدهُ ا ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق ‪ :‬أي أنزلنا عليك يا رسولنا القرآن بالحق أي ملتبسا به‪.‬‬ ‫وما أنت عليهم بوكيل ‪ :‬أي ليس عليك أمر هدايتهم فتجبرهم على اليمان‪.‬‬ ‫ال يتوفى النفس حين موتها‪ :‬أي ينهي حياة العباد بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم‪.‬‬ ‫والتي لم تمت في منامها ‪ :‬أي يتوفاها وقت النوم يحبسها عن التصرف كأنها شيء مقبوض‪.‬‬ ‫فيمسك التي قضى عليها الموت‪ :‬يقبضها لحكمة بالموت عليها حال النوم‪.‬‬ ‫ويرسل الخرى إلى أجل مسمى ‪ :‬أي التي لم يحكم بموتها يرسلها فيعيش صاحبها إلى نهاية أجله‬ ‫المعدود له‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون ‪ :‬أي في قبض الرواح وإرسالها‪ ،‬والقدرة على ذلك دلئل‬ ‫وبراهين على قدرة ال تعالى على البعث الذي أنكره المشركون‪.‬‬

‫( ‪)4/491‬‬ ‫أم اتخذوا من دون ال شفعاء ‪ :‬أي كفار مكة ل يتفكرون ولو كانوا يتفكرون لما أنكروا البعث‪،‬‬ ‫ول ما اتخذوا من دون ال شفعاء لوضوح بطلن ذلك‪.‬‬ ‫قل أو لو كانوا ل يملكون شيئا ‪ :‬أي قل لهم أيشفع لكم شركاؤكم ولو كانوا ل يملكون شيئا ينكر‬ ‫عليهم دعواهم الشفاعة لهم وهي أصنام ل تملك ول تعقل‪.‬‬ ‫قل ل الشفاعة جميعا ‪ :‬أي أخبرهم أن جميع الشفاعات ل وحده فشفاعة النبياء والشهداء والعلماء‬ ‫والطفال مملوكة ل فل يشفع أحد إل بإذنه‪.‬‬ ‫وإذا ذكر ال وحده اشمأزت ‪ :‬أي وإذا ذكر ال وحده كقول الرسول صلى ال عليه وسلم ل إله إل‬ ‫ال نفرت نفوس المشركين وانقبضت وظهر الغضب والسخط في وجوههم‪.‬‬ ‫وإذا ذكر الذين من دونه ‪ :‬أي الصنام والوثان التي يعبدونها من دون ال تعالى‪.‬‬ ‫إذا هم يستبشرون ‪ :‬أي فرحون جذلون وذلك لفتتانهم بها ونسيانهم لحق ال تعالى وهو عبادته‬ ‫وحده مقابل خلقه ورزقه لهم‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إن السياق الكريم كان في عرض الصراع الدائر بين الرسول صلى ال عليه وسلم وقومه‬ ‫المشركين فدافع ال تعالى عن رسوله ودفع عنه كل أذى ومكروه وتوعد خصومه بالعذاب في‬ ‫الدنيا والخرة وهنا يسليه ويصبره فيقول له {إِنّا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ(‪ })1‬أي القرآن {لِلنّاسِ} أي‬ ‫حقّ} أي ملتبسا بالحق‪ ،‬فمن اهتدى بالقرآن فآمن وعمل صالحا فعائد‬ ‫لهداية الناس وإصلحهم {بِالْ َ‬ ‫ذلك له حيث ينجو من النار ويدخل الجنة‪ ،‬ومن ضل لعدم قبوله هداية القرآن فأصر على الشرك‬ ‫والمعاصي فإنما يضل على نفسه أي عائد ضلله على نفسه إذ هو الذي يحرم الجنة ورضا ال‬ ‫تعالى ويُلقى في النار خالدا فيها وعليه غضب من ال ل يفارقه أبدا‪.‬‬ ‫علَ ْيهِمْ ِب َوكِيلٍ} أي لم يوكل إليك أمر هدايتهم فتجد نفسك في هم من ذلك إن عليك‬ ‫وقوله‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ َ‬ ‫إل البلغ المبين إنك لم تكلف حفظ أعمالهم ومحاسبتهم عليها‪ ،‬ول أمر هدايتهم فتجبرهم على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في الية مزيد بيان شرفه صلى ال عليه وسلم بإنزال الكتاب عليه وتقرير رسالته‪ ،‬واللم‬ ‫في للناس للتعليل والباء في بالحق للملبسة‪ .‬وفي الكلم محذوف تقديره لنفع الناس وهدايتهم‬ ‫بقرينة قوله بعد "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه"‪.‬‬

‫( ‪)4/492‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية من هذا السياق (‪{ :)42‬اللّهُ يَ َت َوفّى الْأَ ْنفُسَ(‪ })1‬أي يقبض أرواحها‬ ‫{حِينَ َموْ ِتهَا} أي عند نهاية أجلها فيأمر تعالى ملك الموت فيخرج الروح بإذن ال ويقبضها‪،‬‬ ‫{وَالّتِي لَمْ َت ُمتْ فِي مَنَا ِمهَا} أي يقبضها بمعنى يحبسها عن التصرف‪ ،‬حال النوم‪ ،‬فإن أراد موتها‬ ‫قبضها ولم يردها إلى جسدها‪ ،‬وإن لم يرد وفاتها أرسلها فتعود إلى الجسد ويعيش صاحبها إلى‬ ‫الجل المسمى له وهي(‪ )2‬نهاية عمره إن في ذلك القبض للروح والرسال‪ ،‬والوفاة والحياء‬ ‫ليات أي دلئل وحجج كلها قاضية بأن القادر على هذا قادر على البعث والنشور الذي كذب به‬ ‫المشركون كما ن صاحب هذه القدرة العظيمة هو صاحب الحق المطلق في الطاعة والعبادة ول‬ ‫تنبغي العبادة إل له‪ .‬وقوله {ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ} وهم الحياء باليمان أما الموات وهم الكافرون فل‬ ‫يجدون في ذلك آية ول دليلً لموتهم بالشرك والكفر‪.‬‬ ‫ش َفعَاءَ} أي بل اتخذ المشركون‬ ‫خذُوا(‪ )3‬مِنْ دُونِ اللّهِ ُ‬ ‫وقوله تعالى في الية الثالثة (‪َ{ :)43‬أمِ اتّ َ‬ ‫الذين كان المفروض فيهم أن يهتدوا على الدلة القاطعة والبراهين الساطعة لو كانوا يتفكرون بدل‬ ‫أن يهتدوا إلى توحيد ال اتخذوا من دونه أوثانا سموها شفعاء يرجون شفاعتها لدى ال في قضاء‬ ‫حوائجهم‪ .‬وذلك لجهلهم وسخف عقولهم‪ .‬قال تعالى لرسوله‪ُ { :‬قلْ َأوََلوْ كَانُوا ل َيمِْلكُونَ شَيْئا وَل‬

‫َي ْعقِلُونَ} أي قل لهم أيشفعون لكم ولو كانوا ل يملكون شيئا من أسباب الشفاعة ومقتضياتها ولو‬ ‫كانوا ل يعقلون معنى الشفاعة ول يفهمونه لنهم أصنام وأحجار والستفهام للتبكيت والتقريع‪ .‬لو‬ ‫كان القوم يشعرون‪ .‬ثم أمر تعالى رسوله أن يعلن عن الحقيقة وإن كانت عند المشركين مُرة { ُقلْ‬ ‫جمِيعا} أي جميع أنواع الشفاعة هي ملك ل مختصة به فل يشفع أحد إل بإذنه‪ ،‬إذا‬ ‫شفَاعَةُ َ‬ ‫لِلّهِ ال ّ‬ ‫فاطلبوا الشفاعة من مالكها الذي له ملك السموات والرض‪ ،‬ل ممن هو مملوك له‪ ،‬ول يعقل حتى‬ ‫معنى الشفاعة ول يفهمها وقوله ثم‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬المراد بالنفس الناس الذين يموتون إذ لفظ النفس يطلق على الذات ويطلق على الروح قال‬ ‫ابن عباس وغيره من المفسرين إن أرواح الحياء والموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء ال‬ ‫منها فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الجساد أمسك ال أرواح الموات عنده وأرسل أرواح الحياء‬ ‫إلى أجسادها‪ ،‬قال علي رضي ال عنه فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى‬ ‫جسدها فهي الرؤيا الصادقة‪ ،‬وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها فلقيها الشياطين‬ ‫وتخيل إليها الباطيل فهي الرؤيا الكاذبة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شاهد هذا من السنة حديث الصحيحين وفيه قوله صلى ال عليه وسلم إذا أوى أحدكم إلى‬ ‫فراشه فلينفض بداخله إزاره فإنه ل يدري من خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك‬ ‫أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين‪ .‬والشاهد‬ ‫في أمساك الروح في المنام وإرسالها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أم هذه هي المنقطعة وهي للضراب النتقالي وهو انتقال من تشنيع شركهم إلى إبطال‬ ‫معاذيرهم في شركهم‪.‬‬

‫( ‪)4/493‬‬ ‫إليه ترجعون أي بعد الموت أحببتم أم كرهتم؟ فاتخذوا لكم يدا عنده باليمان به وتوحيده في‬ ‫عبادته‪.‬‬ ‫شمَأَ ّزتْ قُلُوبُ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َرةِ} هذا كشف عن حال‬ ‫ح َدهُ ا ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا ُذكِرَ اللّ ُه وَ ْ‬ ‫المشركين‪ ،‬وما هم عليه من الجهل والسفه إنه إذا سمعوا ل إله إل ال ينفرون وينقبضون ويظهر‬ ‫ذلك غضبا في وجوههم‪ ،‬يكادون يسطون على من قال ل إله إل ال‪ ،‬وإذا ذكر الذين من دونه أي‬ ‫وإذا ذكر الصنام التي يعبدونها من دون ال إذا هم يستبشرون فرحون مسرورون‪ ،‬وهذا عائد‬ ‫إلى افتتانهم بأصنامهم‪ ،‬ونسيانهم لحقوق ربهم عليهم وهي اليمان به وعبادته وحده مقابل ما‬ ‫خلقهم ورزقهم ودبر حياتهم‪ ،‬ولكن أنى لهل ظلمة النفس وانتكاس القلب أن يعوا ويفهموا؟‪.‬‬ ‫هداية اليات‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات في أصعب الظروف‪.‬‬ ‫‪ -2‬مظاهر قدرة ال في الموت والحياة مما يقتضي اليمان به وبلقائه وتوحيده‪.‬‬ ‫‪ -3‬إبطال حجة المشركين في عبادة الوثان من أجل الشفاعة لهم إذا الشفاعة كلها ل‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان خطأ من يطلب الشفاعة من غير ال‪ ،‬إذ ل يملك الشفاعة إل هو(‪.)1‬‬ ‫‪ -5‬بيان سفه المشركين وضللهم في غضبهم عند سماع التوحيد‪ ،‬وفرحهم عند سماع الشرك‪.‬‬ ‫حكُمُ بَيْنَ عِبَا ِدكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ‬ ‫شهَا َدةِ أَ ْنتَ َت ْ‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ عَاِلمَ ا ْلغَ ْي ِ‬ ‫ُقلِ الّلهُمّ فَاطِرَ ال ّ‬ ‫جمِيعا َومِثْلَهُ َمعَهُ لفْتَ َدوْا ِبهِ مِنْ سُوءِ ا ْلعَذَابِ َيوْمَ‬ ‫يَخْتَِلفُونَ(‪ )46‬وََلوْ أَنّ لِلّذِينَ ظََلمُوا مَا فِي الْأَ ْرضِ َ‬ ‫ا ْلقِيَامَ ِة وَبَدَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مَا َلمْ َيكُونُوا َيحْتَسِبُونَ(‪ )47‬وَبَدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا‬ ‫بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ(‪)48‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الشفاعة أمر معنوي فملكها معناه تحصيل إجابتها إذ المور المعنوية ل تملك‪.‬‬

‫( ‪)4/494‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل اللهم فاطر السموات والرض‪ :‬قل يا نبينا‪ :‬يا ال خالق السموات والرض‪.‬‬ ‫عالم الغيب والشهادة ‪ :‬أي يا عالم الغيب وهو كل ما غاب عن البصار والحواس والشهادة خلف‬ ‫الغيب‪.‬‬ ‫فيما كانوا فيه يختلفون ‪ :‬أي من أمور الدين عقائد وعبادات‪.‬‬ ‫ولو أن للذين ظلموا ‪ :‬أي ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون‪ :‬أي وظهر لهم من عذاب ال ما لم يكونوا يظنونه‪.‬‬ ‫وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون‪ :‬وأحاط بهم العذاب الذي كانوا في الدنيا يستهزئون به‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪ُ { :‬قلِ الّلهُمّ(‪ })1‬هذا إرشاد من ال تعالى لرسوله أن يفزع إليه بالدعاء والضراعة إذ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫استحكم الخلف بينه وبين خصومه وضاق الصدر أي قل يا رسولنا يا ال {فَاطِرَ ال ّ‬ ‫شهَا َدةِ} أي ما غاب عن البصار والحواس فلم يُدرَك‪،‬‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫وَالْأَ ْرضِ} أي خالقهما‪{ ،‬عَاِلمَ ا ْلغَ ْي ِ‬ ‫حكُمُ بَيْنَ عِبَا ِدكَ} مؤمنهم وكافرهم {فِي‬ ‫والشهادة وهو ما رؤي بالبصار وأدرك بالحواس {أَ ْنتَ َت ْ‬ ‫مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُون} من اليمان بك وبلقائك وصفاتك وعبادتك ووعدك ووعيدك اهدني لما‬ ‫اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط المستقيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أَنّ ِللّذِينَ ظََلمُوا} أي أنفسهم بالشرك وهو الظلم العظيم وبغشيان المعاصي‬

‫جمِيعا} من أموال ونفائسها‬ ‫والذنوب لو أن لهم عند معاينة العذاب يوم القيامة {مَا فِي الْأَ ْرضِ َ‬ ‫ومثله معه وقبل منهم الفداء {لفْ َت َدوْا بِهِ مِنْ سُوءِ ا ْلعَذَابِ} ولما تردّدوا أبدا وهذا دالّ على شدّة‬ ‫العذاب وأنه ل يطاق ول يحتمَل مع حرمانهم من الجنة ونعيمها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َبدَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مَا َلمْ َيكُونُوا َيحْتَسِبُونَ(‪ })2‬أي وظهر لهم أي لولئك الذين إذا‬ ‫ذكر ال وحده اشمأزت قلوبهم وإذا ذكرت الصنام فرحوا بذلك واستبشروا وبدا لهم من ألوان‬ ‫العذاب ما لم يكونوا يظنون ول يحتسبون‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَبَدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ(‪ )3‬مَا كَسَبُوا} أي من‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬رواه مسلم عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يستفتح به صلته من الليل وروي‬ ‫عن سعيد بن جبير أنه قال إني لعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل ال شيئا إل أعطاه إياه قوله‬ ‫{قل اللهم فاطر السموات} ‪ ..‬الخ"‪.‬‬ ‫‪ - 2‬روي أن محمد ابن المنذر جزع عند موته جزعا شديدا وقيل له ما هذا الجزع؟ قال‪ :‬أخاف‬ ‫آية من كتاب ال {وبدا لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون}‪.‬‬ ‫‪ - 3‬السيئات جمع سيئة وهو وصف أضيف إلى موصوفه وهو الموصول {ما كسبوا} أي‬ ‫مكسوباتهم السيئات وتأنيثها باعتبار شهرة إطلق السيئة على الفعلة القبيحة‪.‬‬

‫( ‪)4/495‬‬ ‫من الشرك والكفر والفسق والعصيان أي ظهر لهم وتجلى أمامهم فاشتد كربهم وعظم المر‬ ‫عندهم‪ ،‬وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي أحاط بهم وحدق عليهم العذاب الذي كانوا إذا ذكر‬ ‫لهم وعيدا وتخويفا استهزءوا به وسخروا منه وممن ذكرهم به ويخوفهم منه كالرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية اللجوء إلى ال تعالى عند اشتداد الكرب وعظم الخلف والدعاء بهذا الدعاء وهو‬ ‫"اللهم ربّ‬ ‫جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك‬ ‫فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط‬ ‫مستقيم" إذ ثبتت السنة به‪ .‬والية ذكرت أصله‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عظم العذاب وشدته يوم القيامة وأن المرء لو يقبل منه فداء لفتدى منه بما في الرض‬ ‫من أموال ومثله‬ ‫معه‪.‬‬

‫‪ -3‬التحذير من الستهزاء بأخبار ال تعالى ووعده ووعيده‪.‬‬ ‫خوّلْنَاهُ ِن ْعمَةً مِنّا قَالَ إِ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِ ْلمٍ َبلْ ِهيَ فِتْنَ ٌة وََلكِنّ‬ ‫ن ضُرّ دَعَانَا ثُمّ ِإذَا َ‬ ‫فَإِذَا مَسّ الْإِنْسَا َ‬ ‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪ )49‬قَدْ قَاَلهَا الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َفمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ(‪ )50‬فََأصَا َبهُمْ‬ ‫سَيّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالّذِينَ ظََلمُوا مِنْ َهؤُلءِ سَ ُيصِي ُبهُمْ سَيّئَاتُ مَا َكسَبُوا َومَا ُهمْ ِب ُمعْجِزِينَ(‪َ )51‬أوََلمْ‬ ‫َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ يَ ْبسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ َيقْدِرُ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪)52‬‬

‫( ‪)4/496‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإذا مس النسان ضر دعانا ‪ :‬أي أصاب النسان الكافر ضر أي مرض وغيره مما يضره دعانا‬ ‫أي سأل كشف ضره‪.‬‬ ‫ثم إذا خولناه نعمة منا ‪ :‬ثم إذا خولناه أي أعطيناه نعمة منا من صحة أو مال وغيرهما‪.‬‬ ‫قال إنما أوتيته على علم ‪ :‬قال أي ذلك الكافر إنما أوتيت ذلك العطاء على علم من ال بأني‬ ‫أستحقه‪.‬‬ ‫بل هي فتنة ‪ :‬أي تلك النعمة لم يعطها لهليته لها‪ ،‬وإنما أعطيها فتنة واختبارا له‪.‬‬ ‫ولكن أكثرهم ل يعلمون ‪ :‬أي أن ما أعطوه من مال وصحة وعافية هو فتنة لهم وليس لرضا ال‬ ‫تعالى عنهم‪.‬‬ ‫قد قالها الذين من قبلهم ‪ :‬أي قال قولتهم من كان قبلهم كقارون فلم يلبثوا أن أخذوا فما أغنى عنهم‬ ‫ما كانوا يكسبون‪.‬‬ ‫والذين ظلموا من هؤلء سيصيبهم ‪ :‬أي والذين ظلموا بالشرك من هؤلء أي من كفار قريش‪.‬‬ ‫سيئات ما كسبوا(‪ : )1‬أي كما أصاب من قبلهم وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا في بدر‪.‬‬ ‫وما هم بمعجزين ‪ :‬أي فائتين ال تعالى ول غالبين له‪.‬‬ ‫أو لم يعلموا أن ال يبسط الرزق ‪ :‬أي أقالوا تلك المقالة ولم يعلموا أن ال يبسط الرزق‪.‬‬ ‫لمن يشاء ويقدر ‪ :‬أي يوسعه لمن يشاء امتحانا‪ ،‬ويضيقه ابتلء‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون‪ :‬أي إن في ذلك المذكور من التوسعة امتحانا والتضييق ابتلء‬ ‫ليات أي علمات على قدرة ال وكمال تدبيره لمور خلقه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في بيان حيرة المشركين وفساد قلوبهم نتيجة كفرهم وجهلهم فقوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬أي أصابهم سوء كسبهم وقبحه وهو ما عملوه من سيئات الشرك والمعاصي‪.‬‬

‫( ‪)4/497‬‬ ‫ن ضُرّ دَعَانَا} يعني ذاك الكافر الذي إذا ذكر ال وحده اشمأزت نفسه وإذا‬ ‫{فَإِذَا مَسّ(‪ )1‬الْإِ ْنسَا َ‬ ‫ذكرت الوثان سُر وفرح واستبشر هذا النسان إذا مسّه ضرّ من مرض أو غيره مما يضر ول‬ ‫يسر دعا ربه منيبا إليه ولم يشرك معه فيه هذه الحال أحدا لعلمه أن الوثان ل تكشف ضرا ول‬ ‫تعطي خيرا‪ ،‬وإذا خوله ال تعالى نعمة من فضله ابتلء له قال إنما أوتيت الذي أوتيت على علم‬ ‫من ال بأني أهل لذلك(‪ ،)2‬فأكذبه ال تعالى فقال بل هي فتنة‪ ،‬ولكن أكثرهم أي أكثر المشركين ل‬ ‫يعلمون أن ال تعالى إذا أعطاهم إنما أعطاهم ليفتنهم ل لحبه لهم ول لرضا عنهم‪ .‬والدليل على‬ ‫أن ذلك العطاء للمشركين فتنة ل غير أن قولتهم هذه قد قالها الذين من قبلهم كقارون وغيره فلم‬ ‫يلبثوا حتى أخذهم ال بذنوبهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من أموال طائلة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫{فََأصَا َبهُمْ سَيّئَاتُ مَا َكسَبُوا} فلم يؤاخذوا بدون ذنب بل أخذوا بذنوبهم وهو قوله تعالى فأصابهم‬ ‫سيئات(‪ )3‬ما كسبوا وقوله تعالى {وَالّذِينَ ظََلمُوا مِنْ َهؤُلءِ} أي من كفار قريش سيصيبهم أيضا‬ ‫سيئات ما كسبوا من الشرك والعناد والظلم‪ ،‬وما هم بمعجزين ل فائتينه أبدا وكيف وقد أصابهم‬ ‫قحط سبع سنين وقتلوا وأسروا في بدر والفتح‪.‬‬ ‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَقْدِرُ} أي أقالوا مقالتهم تلك ولم‬ ‫وقوله تعالى {َأوَلَمْ(‪َ )4‬يعَْلمُوا أَنّ اللّهَ يَبْ ُ‬ ‫يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء امتحانا له أيشكر أم يكفر ويقدر أي يضيق على من يشاء‬ ‫ابتلء له أيصبر أم يضجر ويسخط فلم يكن بسطه الرزق حبا في المبسوط له‪ ،‬ول التضييق كرها‬ ‫للمضيق عليه‪ ،‬وإنما البسط كالتضييق لحكمة التربية والتدبير‪ ،‬ولكن الكافرين ل يعلمون هذا‬ ‫فجهلهم بالحكم جعلهم يقولون الباطل ويعتقدونه أما المؤمنون فل يقولون مقالتهم لعلمهم ونور‬ ‫قلوبهم فلذا هم يجدون اليات في مثل هذا التدبير واضحة دالة على علم ال وحكمته وقدرته‬ ‫فيزدادون إيمانا ونورا وبصيرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان تناقض أهل الكفر والجهل والضلل في كل حياتهم لنهم يعيشون على ظلمة الجهل‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬في هذه الية بيان حقيقة وهي أن كفار قريش كانوا يؤمنون بال ربا فهم أفضل من كفار‬ ‫البلشفة الشيوعيين الذين ل يؤمنون بال تعالى كما أن كفار قريش أحسن حال من بعض جهال‬ ‫المسلمين اليوم إذ يخلصون الدعاء ل في الشدة وجهال المسلمين يشركون في الرخاء والشدة معا‬ ‫وذلك بدعائهم الولياء والموات والستغاثة بهم في كل حال‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قال بعضهم على علم أي بوجوه الكسب وطرق تنمية المال وتكثيره حتى ل يحمد ال ول‬

‫يشكره ول منافاة بين هذا وما في التفسير إذ بعضهم يقول هذا وبعض يقول ذاك‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أي جزاء سيئات كسبهم من الشرك والشر والفساد‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الستفهام إنكاري ينكر تعالى عليهم انتفاء علمهم بذلك لنهم تسببوا في انتفاء العلم فلذا‬ ‫تضمن الستفهام توبيخا لهم‪.‬‬

‫( ‪)4/498‬‬ ‫والكفر‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير ما من(‪ )1‬مصيبة إل بذنب جلي أو خفي كبير أو صغير‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن بسط الرزق وتضييقه على الفراد أو الجماعات ل يعود إلى حب ال للعبد أو كرهه‬ ‫له‪ ،‬وإنما يعود لسنن التربية اللهية وحكم التدبير لشؤون الخلق‪.‬‬ ‫‪ -4‬أهل اليمان هم الذين ينتفعون باليات والدلئل لنهم أحياء يبصرون ويعقلون أما أهل الكفر‬ ‫فهم أموات ل يرون اليات ول يعقلونها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تهديد ال تعالى للظالمين ووعيده الشديد بأنه سيصيبهم كما أصاب غيرهم جزاء ظلمهم‬ ‫وكسبهم الفاسد‪.‬‬ ‫جمِيعا إِنّهُ‬ ‫ح َمةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬ ‫سهِمْ ل َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْ‬ ‫ُقلْ يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬ ‫ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ(‪ )53‬وَأَنِيبُوا إِلَى رَ ّبكُ ْم وَأَسِْلمُوا َلهُ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيكُمُ ا ْل َعذَابُ ثُمّ ل تُ ْنصَرُونَ(‪)54‬‬ ‫شعُرُونَ(‪ )55‬أَنْ‬ ‫وَاتّ ِبعُوا َأحْسَنَ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي ُكمْ مِنْ رَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيكُمُ ا ْلعَذَابُ َبغْتَ ًة وَأَنْتُمْ ل َت ْ‬ ‫طتُ فِي جَ ْنبِ اللّ ِه وَإِنْ كُ ْنتُ َلمِنَ السّاخِرِينَ(‪َ )56‬أوْ َتقُولَ َلوْ أَنّ‬ ‫حسْرَتَى عَلَى مَا فَرّ ْ‬ ‫َتقُولَ َنفْسٌ يَا َ‬ ‫حسِنِينَ(‬ ‫اللّهَ هَدَانِي َلكُ ْنتُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ(‪َ )57‬أوْ َتقُولَ حِينَ تَرَى ا ْلعَذَابَ َلوْ أَنّ لِي كَ ّرةً فََأكُونَ مِنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫ت َوكُ ْنتَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ(‪)59‬‬ ‫‪ )58‬بَلَى قَدْ جَاءَ ْتكَ آيَاتِي َفكَذّ ْبتَ ِبهَا وَاسْ َتكْبَ ْر َ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬شاهده قوله تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الية من الشورى وقوله صلى‬ ‫ال عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ول اختلج عرق ول عثرة قدم إل بذنب‬ ‫وما يعفو عنه أكثر" رواه ابن أبي حاتم‪ .‬قال لما نزلت هذه الية قاله رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/499‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‪ :‬أي أفرطوا في الجناية عليها بالسراف في المعاصي‪.‬‬

‫ل تقنطوا من رحمة ال ‪ :‬أي ل تيأسوا من المغفرة لكم ودخول الجنة‪.‬‬ ‫إن ال يغفر الذنوب جميعا‪ :‬أي ذنوب من أشرك وفسق إن هو تاب توبة نصوحا‪.‬‬ ‫وأنيبوا إلى ربكم‪ :‬أي ارجعوا إليه باليمان والطاعة‪.‬‬ ‫وأسلموا له ‪ :‬أي أخلصوا له أعمالكم‪.‬‬ ‫واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم‪ :‬أي القرآن الكريم فأحلوا حلله وحرموا حرامه‪.‬‬ ‫أن تقول نفس يا حسرتى ‪ :‬أي نفس الكافر والمجرم يا حسرتى أي يا ندامتي‪.‬‬ ‫على ما فرطت في جنب ال ‪ :‬أي في جانب حق ال فلم أطعه كما أطاعه غيري‪.‬‬ ‫وإن كنت لمن الساخرين ‪ :‬أي المستهزئين بدين ال تعالى وعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫لو أن لي كرة فأكون من المحسنين‪ :‬أي لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكون إذا من المؤمنين الذين‬ ‫أحسنوا القصد والعمل‪.‬‬ ‫بلى قد جاءتك آياتي ‪ :‬أي ليس المر كما تزعم أنك تتمنّى الهداية بل قد جاءتك آياتي فكذبت بها‬ ‫واستكبرت‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد صح أن أناسا(‪ )1‬كانوا قد أشركوا وقتلوا وزنوا فكبر عليهم ذلك وقالوا نبعث إلى رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم من يسأله لنا هل لنا من توبة فإن قال‪ :‬نعم‪ ،‬وإل بقينا على ما نحن عليه‬ ‫سهِمْ} أي أفرطوا في‬ ‫وقبل أن يصل رسولهم نزلت هذه الية { ُقلْ يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬ ‫حمَةِ} في أن‬ ‫ارتكاب الجرائم فكانوا بذلك مسرفين على أنفسهم {ل َتقْنَطُوا} أي ل تيأسوا {مِنْ َر ْ‬ ‫جمِيعا} لمن تاب‬ ‫يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم الجنة‪ ،‬إن أنتم تبتم إليه وأنبتم {إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ(‪َ )2‬‬ ‫منها فإنه تعالى ل يستعصي عليه ذنب فل يقدر على مغفرته وعدم المؤاخذة عليه إنه هو الغفور‬ ‫الرحيم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬لقد ذكر لسبب نزول هذه الية عدة مناسبات وما دامت العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص‬ ‫السبب فل حاجة إلى ذكرها وما في التفسير كافٍ وهو ما تضمنته رواية البخاري‪.‬‬ ‫‪ - 2‬قوله تعالى {إن ال يغفر الذنوب جميعا} تعليل للنهي عن اليأس والقنوط من رحمة ال‪.‬‬

‫( ‪)4/500‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَأَنِيبُوا(‪ )1‬إِلَى رَ ّبكُمْ وَأَسِْلمُوا لَهُ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيكُمُ ا ْلعَذَابُ ثُمّ ل تُ ْنصَرُونَ(‪ })2‬أي‬ ‫أيها المذنبون المسرفون أنيبوا ربكم أي ارجعوا إلى طاعته بفعل المأمور وترك المنهي وأسلموا‬ ‫له أي أخلصوا أعمالكم ظاهرا وباطنا له مبادرين بذلك حلول العذاب قبل أن يحل بكم ثم ل‬ ‫تنصرون أي ل تقدرون على منعه منكم ول دفعه عنكم‪.‬‬

‫حسَنَ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ مِنْ رَ ّبكُمْ} في هذا القرآن العظيم فامتثلوا المر واجتنبوا النهي‬ ‫{وَاتّ ِبعُوا أَ ْ‬ ‫وخذوا بالعزائم واتركوا الرخص مبادرين بذلك أيضا حلول العذاب قبل أن يحل بكم بغتة أي فجأة‬ ‫وأنتم ل تشعرون به‪ ،‬بادروا بالتوبة والنابة والسلم الصادق ظرفا تقول فيه النفس يا حسرتى‬ ‫على ما فرطت في جنب ال أي يا حسرتى(‪ )3‬يا ندامتي الحاملة لي الغم والحزن احضري هذا‬ ‫وقت حضورك على تفريطي في جانب(‪ )4‬حق ال تعالى حيث ما عبدته حق عبادته فل ذكرته‬ ‫ول شكرت له {وَإِنْ كُ ْنتُ َلمِنَ السّاخِرِينَ} أي المستهزئين بدينه وعباده المؤمنين يا له من اعتراف‬ ‫يؤدي بصاحبه في سواء الجحيم‪ ،‬بادروا يا عباد ال هذا وذاك {َأوْ َتقُولَ َلوْ أَنّ اللّهَ َهدَانِي(‪َ )5‬لكُ ْنتُ‬ ‫مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ‪َ ،‬أوْ َتقُولَ حِينَ تَرَى ا ْلعَذَابَ َلوْ أَنّ لِي كَ ّرةً(‪ })6‬أي رجعة إلى الحياة الدنيا {فََأكُونَ مِنَ‬ ‫حسِنِينَ} أي المؤمنين الذين أحسنوا النية والقصد والعمل‪ .‬قال تعالى ردا على تمنياتهم الكاذبة‪:‬‬ ‫ا ْلمُ ْ‬ ‫{بَلَى} أي ليس المر كما زعمت أيها المتمني بقولك {َلوْ أَنّ اللّهَ هَدَانِي َلكُ ْنتُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ} للشرك‬ ‫والمعاصي التي وقعت بها في جهنم بل جاءتك آياتي هادية لك مرشدة فكذبت بها واستكبرت عن‬ ‫العمل بما جاء فيها وكنت من الكافرين بذلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل ال ورحمته على عباده بقبول توبة العبد إن تاب مهما كانت ذنوبه‪.‬‬ ‫‪ -2‬دعوة ال الرحيم إلى عباده المذنبين – بالنابة إليه والسلم الخالص له‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء بذكر ما يحدث فيه وما يجري في ساحته من أهوال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬النابة التوبة ولما في التوبة من معنى الرجوع عدي الفعل بإلى‪.‬‬ ‫‪ - 2‬النصر‪ :‬العانة على الغلبة بحيث يتخلص المغلوب من يد غالبه ول نصير لحد على ال‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الحسرة‪ :‬الندامة الشديدة واللف في (يا حسرتى) عوض عن ياء المتكلم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬قال الحسن في طاعة ال وقال الضحاك في ذكر ال يعني القرآن والعمل به‪ ،‬وقال أبو عبيدة‬ ‫أي في ثواب ال وما في التفسير جامع شامل والجنب والجانب بمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هذه كلمة حق أريد بها باطل كما قال علي للخوارج لما قالوا ل حكم إل ل‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الكرة‪ :‬الرجعة ولو للتمني فهي وليت سواء‪.‬‬

‫( ‪)4/501‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تعجيل التوبة والمبادرة بها قبل حلول العذاب في الدنيا أو الموت والموت أدهى وأمر‬ ‫حيث ل تقبل توبة بعد الموت أبدا‪.‬‬

‫‪ -2‬الترغيب في الخذ بالعزائم وترك الرخص لغير ضرورة‪.‬‬ ‫‪ -3‬إبطال مذهب الجبرية الذين يرون أنهم مجبورون على فعل المعاصي وغشيان الذنوب‪ ،‬كقول‬ ‫أحدهم لو أن ال هداني لفعلت كذا أو تركت كذا‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل التقوى والحسان وفضل المتقين والمحسنين‪.‬‬ ‫جهَنّمَ مَثْوىً لِ ْلمُ َتكَبّرِينَ(‪)60‬‬ ‫سوَ ّدةٌ أَلَيْسَ فِي َ‬ ‫وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ َكذَبُوا عَلَى اللّ ِه وُجُو ُههُمْ مُ ْ‬ ‫شيْ ٍء وَ ُهوَ‬ ‫س ُهمُ السّو ُء وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(‪ )61‬اللّهُ خَاِلقُ ُكلّ َ‬ ‫وَيُنَجّي اللّهُ الّذِينَ ا ّت َقوْا ِبمَفَازَ ِتهِمْ ل َيمَ ّ‬ ‫ض وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولَ ِئكَ ُهمُ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫شيْءٍ َوكِيلٌ(‪ )62‬لَهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬ ‫عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ك وَإِلَى الّذِينَ مِنْ‬ ‫حيَ إِلَ ْي َ‬ ‫الْخَاسِرُونَ(‪ُ )63‬قلْ َأ َفغَيْرَ اللّهِ تَ ْأمُرُونّي أَعْ ُبدُ أَ ّيهَا الْجَاهِلُونَ(‪ )64‬وََلقَدْ أُو ِ‬ ‫ك وَلَ َتكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(‪َ )65‬بلِ اللّهَ فَاعْ ُب ْد َوكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ(‬ ‫عمَُل َ‬ ‫قَبِْلكَ لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ‬ ‫‪)66‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ويوم القيامة ‪ :‬أي بأن يبعث الناس من قبورهم‪.‬‬ ‫ترى الذين كذبوا على ال‪ :‬أي باتخاذ أولياء من دونه وبالقول الكاذب عليه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/502‬‬ ‫وجوههم مسودة ‪ :‬أي سوداء من الكرب والحزن وعلمة على أنهم من أهل النار وأنهم ممن‬ ‫كذبوا على ربهم‪.‬‬ ‫أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ‪ :‬أي أليس في جهنم مأوى ومستقر للمتكبرين؟ بلى إن لهم فيها‬ ‫لمثوى بئس هو من مثوى للمتكبرين عن عبادة ال تعالى‪.‬‬ ‫وينجي ال الذين اتقوا ‪ :‬أي ينجيهم من النار بسبب تقواهم للشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫بمفازتهم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون ‪ :‬أي بفوزهم بالجنة ونزولهم فيها ل يمسهم السوء أي‬ ‫العذاب ول هم يحزنون لما نالهم من النعيم‪.‬‬ ‫له مقاليد السموات والرض‪ :‬أي مفاتيح خزائن السموات والرض‪.‬‬ ‫أولئك هم الخاسرون ‪ :‬أي الخاسرون لنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫قل أفغير ال تأمروني أعبد‪ :‬قل يا رسولنا للذين طلبوا منك أن تعبد معهم آلهتهم أتأمروني بعبادة‬ ‫غير ال‪ ،‬فهل تصلح العبادة لغيره وهو رب كل شيء وإلهه فما أسوأ فهمكم أيها الجاهلون‪.‬‬ ‫لئن أشركت ‪ :‬أي من باب الفرض لو أشركت بال غيره في عبادته لحبط عملك ولكنت من‬ ‫الخاسرين‪.‬‬ ‫ل هو وكن من‬ ‫بل ال فاعبد وكن من الشاكرين‪ :‬أي بل اعبد ال وحده‪ ،‬إذ ل يستحق العبادة إ ّ‬ ‫الشاكرين له على إنعامه عليك بالنبوة والرسالة والعصمة والهداية‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم في السياق المر بتعجيل التوبة قبل الموت فيحصل الفوت‪ ،‬وذلك لن يوم القيامة يوم‬ ‫أهوال وتغير أحوال وفي اليتين التيتين بيان ذلك قال تعالى‪{ :‬وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى‬ ‫اللّهِ(‪ })1‬بأن نسبوا إليه الولد والشريك والتحليل والتحريم وهو من ذلك براء هؤلء { ُوجُو ُههُمْ‬ ‫سوَ ّدةٌ}( ‪ )2‬علمة أنهم كفروا وكذبوا وأنهم من أهل النار‪.‬‬ ‫مُ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬هم الذين نسبوا إليه ما هو منزه عنه كالشريك والصاحبة والولد‪ ،‬ويدخل في هذا كل من‬ ‫نسب إلى ال تعالى صفة ل دليل له فيها‪ ،‬وكذا من شرع شيئا ونسبه إلى ال تعالى ليقبل منه‬ ‫ويروج‪ ،‬ول يدخل أهل الجتهاد إذا أخطأوا في الدلة والحكم المقيس الذي ل نص فيه ول يجوز‬ ‫أن يقال فيه قال ال أو أمر أو شرع تحاشيا من النسبة إلى ال تعالى بغير نص من كتاب أو سنة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جملة وجوههم مسودة مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال‪ ،‬لن الرؤيا بصرية وليست‬ ‫قلبية‪.‬‬

‫( ‪)4/503‬‬ ‫جهَنّمَ مَثْوىً ِل ْلمُ َتكَبّرِينَ (‪ } )2‬أي بلى في جهنم مأوى ومستقر‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَلَيْسَ(‪ )1‬فِي َ‬ ‫للمتكبرين الذين تكبروا عن اليمان والعبادة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَيُنَجّي اللّهُ} أي تلك حال وهذه أخرى‬ ‫وهي أن ال تعالى ينجي يوم القيامة الذين اتقوا الشرك والمعاصي باليمان والطاعة هؤلء‬ ‫بفوزهم بالجنة ل يمسهم السوء في عرصات القيامة‪ ،‬ول هم يحزنون على ما خلّفوا وراءهم في‬ ‫شيْءٍ} أي‬ ‫الدنيا لن ما نالهم من نعيم الجنة أنساهم ما تركوا وراءهم وقوله تعالى‪{ :‬اللّهُ خَاِلقُ ُكلّ َ‬ ‫شيْ ٍء َوكِيلٌ} أي قيم حافظ‪،‬‬ ‫ما من كائن سوى ال تعالى إل وهو مخلوق وال خالقه {وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫فسبحانه ما أعظم قدرته وما أوسع علمه فلذا وجبت له العبادة ولم تجز فضلً عن أن تجب لسواه‪.‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ(‪ })3‬أي له ملكا حقا مفاتيح خزائن الرحمات‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لَهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬ ‫والخيرات والبركات فهو يفتح ما يشاء ويمسك ما يشاء فل يصح الطلب إل منه ول تجوز الرغبة‬ ‫إل فيه وما عبد الناس الوثان والصنام إل رغبة ورهبة فلو علموا أن رهبتهم ل تكون إل من‬ ‫الذي يقدر على كل شيء وأن رغبتهم ل تكون إل في الذي بيده كل شيء لو علموا هذا ما عبدوا‬ ‫غير ال تعالى بحال‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِ اللّهِ} الحاوية ليمانه وصفاته وبيان محابه ومكارهه وحدوده‬ ‫وشرائعه ولذا من كفر بآيات ال فلم يؤمن بها ولم يعمل بما فيها خسر خسرانا مبينا بحيث يخسر‬ ‫يوم القيامة نفسه وأهله‪ ،‬وذلك هو الخسران المبين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ َأ َفغَيْرَ اللّهِ} الية هذا ردّ على المشركين الذين طلبوا من الرسول أن يعترف‬

‫بآلهتهم ويرضى بها مقابل أن يعترفوا له بما جاء به ويدعو إليه فأمر تعالى أن يفاصلهم بقوله‪:‬‬ ‫{ ُقلْ َأ َفغَيْرَ(‪ )4‬اللّهِ تَ ْأمُرُونّي(‪ )5‬أَعْبُدُ أَ ّيهَا الْجَا ِهلُونَ} لن يكون هذا مني أبدا كيف أعبد غير ال‬ ‫وهو‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا والستفهام للتقرير‪.‬‬ ‫‪ - 2‬التكبر شدة الكبر وهو إظهار المرء التعاظم على غيره لنه يعد نفسه عظيما وفي التنديد به‬ ‫من حديث مسلم "إن ال ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"‬ ‫‪ - 3‬المقاليد جمع إقليد وجمع على غير قياس والمراد مفاتيح خزائن السماء والرض حيث‬ ‫أرزاق العباد وما به تقوم حياتهم‪ ،‬من أمطار وزروع وضروع ومعادن وغيرها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬غير منصوب بأعبد‪ ،‬وأعبد مرفوع لحذف أن مع حرف الجر إذ الصل بأن أعبد فلما حذف‬ ‫الناصب ارتفع الفعل‪ .‬هذا على رأي كثير من النحاة والجمهور يقولون ل حذف وأعبد هو‬ ‫المستفهم عنه‪ ،‬وتأمروني اعتراض أو حال وتقدير الكلم أأعبد غير ال لكونكم تأمروني بذلك‪.‬‬ ‫‪ - 5‬قرأ نافع تأمرون بنون واحدة مخففة بحذف إحدى النونين‪ ،‬وقرأ حفص والجمهور تأمروني‬ ‫بتشديد النون إدغاما لحدى النونين في الخرى وفي جملة أيها الجاهلون تقريع لهم ووصف لهم‬ ‫بالجهل وهو وصف مذموم‪.‬‬

‫( ‪)4/504‬‬ ‫ربي ومالك أمري وهو الذي كرمني بالعلم به وأوحى إليّ شرائعه‪ .‬فلتيأسوا فإن مثل هذا لن يكون‬ ‫أبدا‪ ،‬ووصفهم بالجهل لن جهلهم(‪ )1‬بال وعظمته هو الذي سول لهم عبادة غيره والتعصب لها‪.‬‬ ‫حيَ ِإلَ ْيكَ} أي أوحى ال إليك كما أوحى إلى النبياء من قبلك بالتالي وهو‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ أُو ِ‬ ‫وعزة ال وجلله {لَئِنْ أَشْ َركْت} بنا غيرنا في عبادتنا ليحبطن(‪ )2‬عملك أي يبطل كله ول تثاب‬ ‫على شيء منه وإن قل‪ ،‬ولتكونن بعد ذلك من جملة الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم‬ ‫القيامة وذلك هو الخسران المبين‪ .‬ثم أمر تعالى رسوله مقررا التوحيد مبطلً الشرك بقوله‪َ { :‬بلِ‬ ‫اللّهَ فَاعْ ُبدْ(‪َ )3‬وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ} أي ال وحده فاعبده وكن من الشاكرين له على إنعامه وإفضاله‬ ‫عليك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬اسوداد الوجه يوم القيامة علمة الكفر والخلود في جهنم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ابيضاض الوجوه يوم القيامة علمة اليمان(‪ )4‬والخلود في الجنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء بوصف أحواله وما يدور فيه‪.‬‬

‫‪ -4‬بيد ال كل شيء فل يصح أن يطلب شيء من غيره أبدا‪ ،‬ومن طلب شيئا من غير ال فهو‬ ‫من أجهل الخلق‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنديد بالشرك وبيان خطورته إذ هو محبط للعمال بالكلية‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب عبادة ال بفعل أوامره واجتناب نواهيه ووجوب حمده وشكره إذ كل إنعام منه وكل‬ ‫إفضال له‪ .‬فلله الحمد والمنة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬العرب مع أنهم أميون يعترفون بفضل العالم على الجاهل قال شاعرهم‪:‬‬ ‫سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم‬ ‫فليس سواء عالم وجهول‬ ‫‪ - 2‬حبوط العمل بطلنه حيث ل يثاب عليه والخسران مقيد بأن يموت على الردة أما إن راجع‬ ‫السلم فل يخسر لية {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} فالية مقيدة لطلق آية‬ ‫الزمر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬بل للبطال أي إبطال عبادة ما دعاه إليه المشركون وقصره على عبادة ال وحده وأمره أن‬ ‫يكون في جملة الشاكرين ل إنعامه عليهم بنعمة السلم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬شاهده آية آل عمران {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الية‪.‬‬

‫( ‪)4/505‬‬ ‫طوِيّاتٌ بِ َيمِينِهِ سُبْحَانَهُ‬ ‫سمَاوَاتُ مَ ْ‬ ‫جمِيعا قَ ْبضَتُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَال ّ‬ ‫َومَا َقدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْ ِر ِه وَالْأَ ْرضُ َ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَنْ فِي الْأَ ْرضِ إِلّا مَنْ شَاءَ‬ ‫صعِقَ مَنْ فِي ال ّ‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ(‪ )67‬وَنُفِخَ فِي الصّورِ َف َ‬ ‫وَ َتعَالَى َ‬ ‫اللّهُ ُثمّ ُنفِخَ فِيهِ ُأخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(‪ )68‬وَأَشْ َر َقتِ الْأَ ْرضُ بِنُورِ رَ ّبهَا وَ ُوضِعَ ا ْلكِتَابُ‬ ‫عمَِلتْ وَ ُهوَ‬ ‫ق وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ(‪َ )69‬و ُوفّ َيتْ ُكلّ َنفْسٍ مَا َ‬ ‫حّ‬ ‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ بِالْ َ‬ ‫ش َهدَا ِء َو ُق ِ‬ ‫ن وَال ّ‬ ‫وَجِيءَ بِالنّبِيّي َ‬ ‫أَعْلَمُ ِبمَا َي ْفعَلُونَ(‪)70‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما قدروا ال حق قدره ‪ :‬أي ما عظموا ال حق عظمته ول عرفوه حق معرفته حين أشركوا في‬ ‫عبادته غيره من أوثانهم‪.‬‬ ‫والرض جميعا قبضته ‪ :‬أي والرض بجميع أجزائها قبضته‪.‬‬ ‫والسموات مطويات بيمينه‪ :‬أي والسموات السبع مطويات بيمينه‪.‬‬ ‫سبحانه وتعالى عما يشركون ‪ :‬أي تقدس وتنزه عما يشرك به المشركون من أوثان‪.‬‬ ‫ونفخ في الصور ‪ :‬أي نفخ إسرافيل نفخة الصعق‪.‬‬ ‫ثم نفخ فيه أخرى ‪ :‬أي مرة أخرى وهي نفخة القيام لرب العالمين‪.‬‬

‫وأشرقت الرض بنور ربها ‪ :‬أي أضاءت الرض بنور ال تعالى حين يتجلى لفصل القضاء‪.‬‬ ‫ووضع الكتاب ‪ :‬أي كتاب العمال للحساب‪.‬‬ ‫وجيء بالنبيين والشهداء ‪ :‬أي بالنبيين ليشهدوا على أممهم‪ ،‬والشهداء محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫وأمته‪.‬‬ ‫وفضي بينهم بالحق ‪ :‬أي بالعدل وهم ل يظلمون ل بنقص حسناتهم ول بزيادة سيئاتهم‪.‬‬ ‫وهو أعلم بما يفعلون ‪ :‬أي أعلم حتى من العاملين أنفسهم‪.‬‬

‫( ‪)4/506‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حقّ قَدْ ِرهِ}( ‪ )1‬إنه بعد أن قرر تعالى التوحيد وندد بالشرك‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬ومَا قَدَرُوا اللّهَ َ‬ ‫والمشركين أخبر تعالى ناعيا على المشركين شركهم ودعوتهم نبيه للشرك بأنهم بفعلهم ذلك ما‬ ‫قدروا ال حق قدره أي ما عظموه حق عظمته وذلك لجهلهم به تعالى حين عبدوا معه غيره‬ ‫طوِيّاتٌ بِ َيمِينِهِ}(‬ ‫سمَاوَاتُ َم ْ‬ ‫جمِيعا(‪ )2‬قَ ْبضَتُهُ َي ْومَ ا ْلقِيَامَ ِة وَال ّ‬ ‫ودعوا نبيه إلى دلك‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَالْأَ ْرضُ َ‬ ‫‪ )3‬فالذي يجعل الرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته والسموات يطويها بيمينه فالسموات‬ ‫والرض جميعا في يده‪ ،‬ويقول أنا الملك أين الملوك‪ .‬فصاحب هذه القدرة العظمى كيف يعبد معه‬ ‫آلهة أخرى هي أصنام وتماثيل أوثان‪ .‬لذا نزه تعالى نفسه بقوله {سُ ْبحَانَهُ} أي تنزه وتقدس عن‬ ‫الشريك والنظير والصاحبة والولد وعن صفات المحدثين‪ ،‬وتعالى عما يشركون أي ترفع عن أن‬ ‫يكون له شريك وهو رب كل شيء ومليكه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُنفِخَ فِي الصّورِ(‪ })4‬الية هذا عرض لمظاهر القدرة التي يتنافى معها عقلً وجود‬ ‫من يستحق العبادة معه سبحانه وتعالى‪ ،‬والنافخ في الصور أي البوق إسرافيل قطعا إذ هو الموكل‬ ‫بالنفخ في الصور فإذا نفخ هذه النفخة صعق من(‪ )5‬في السموات ومن في الرض إل من شاء‬ ‫ال‪ ،‬فهذا استثناء دال على أن بعضا من المخلوقات لم يصعق في هذه النفخة‪{ ،‬ثُمّ ُنفِخَ فِيهِ} أي في‬ ‫الصور نفخة {ُأخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} هذه النفخة تسمى نفخة القيام ل رب العالمين لجل‬ ‫الحساب وقوله تعالى‪{ :‬وَأَشْ َر َقتِ الْأَ ْرضُ بِنُورِ رَ ّبهَا َو ُوضِعَ ا ْلكِتَابُ(‪ })6‬أي كتاب العمال للحساب‬ ‫{وَجِيءَ بِالنّبِيّينَ} ليشهدوا على أممهم وجيء بالشهداء وهم أمة‬ ‫__________‬ ‫‪ - 1‬حق قدره فيه إضافة الصفة إلى الموصوف فحق صفة‪ ،‬والقدر موصوف إذ الصل (ما‬ ‫قدروا ال قدره الحق) فالحق منصوب على النيابة عن المفعول المطلق‪.‬‬ ‫‪ - 2‬جرد جميع من التاء إذ لم يقل والرض جميعة جريا على الغالب وقد أثبتت في قول‬ ‫الشاعر‪:‬‬

‫فلو أنها نفس تموت جميعة‬ ‫ولكنها نفس تساقط أنفسا‬ ‫ونصب جميعا على الحال‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شاهده في البخاري قوله صلى ال عليه وسلم "يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء‬ ‫بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض؟ وفي الترمذي وصححه عن عائشة رضي ال عنها‬ ‫أنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قوله تعالى {والرض جميعا قبضته يوم القيامة‬ ‫والسموات مطويات بيمينه} قالت قلت فأين الناس يومئذ يا رسول ال؟ قال‪ :‬على جسر جهنم‪ ،‬وفي‬ ‫رواية على الصراط يا عائشة"‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الصور البوق ينادى به البعيد المتفرق مثل الجيش‪ ،‬والمراد هنا نداء الخلق لحضور الحشر‬ ‫أحياء للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫‪ - 5‬بالتتبع لليات القرآنية المتضمنة لحوال الدار الخرة نجد أن النفخات للصور أربع نفخات‪:‬‬ ‫وهي نفخة الفناء‪ ،‬ونفخة البعث‪ ،‬ونفخة الصعق‪ ،‬ونفخة القيام لرب العالمين‪ .‬وفي هذه اليات ذكر‬ ‫نفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين سميت هذه نفخة صعق لن الخلئق يصعقون ول‬ ‫يموتون بدليل حديث البخاري "فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فل أدري‬ ‫أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى ال تعالى" لفظ مسلم ‪ .‬قال القرطبي والفاقة إنما‬ ‫تكون من غشية وزوال عقل ل عن موت برد الحياة وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الكتاب اسم جنس والمراد صحائف أعمال العباد الحاوي للحسنات والسيئات‪.‬‬

‫( ‪)4/507‬‬ ‫محمد يشهدون على المم السابقة بأن رسلها قد بلغتهم دعوة ال‪ ،‬وشهادة أمة محمد قائمة على ما‬ ‫أخبرهم تعالى في كتابه القرآن الكريم أن الرسل قد بلغت رسالت ربها لممها‪ ،‬ويدل لهذا قوله‬ ‫س وَ َيكُونَ الرّسُولُ‬ ‫شهَدَاءَ عَلَى النّا ِ‬ ‫جعَلْنَاكُمْ ُأمّ ًة وَسَطا} أي خيارا عدولً {لِ َتكُونُوا ُ‬ ‫تعالى‪َ { :‬و َكذَِلكَ َ‬ ‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلحَقّ} أي وحكم ال تعالى بين العباد بالعدل‪ ،‬ووفي كل نفس‬ ‫شهِيدا} وقوله‪َ { :‬و ُق ِ‬ ‫عَلَ ْيكُمْ َ‬ ‫ما عملت من خير أو شر‪ ،‬وهو تعالى أعلم بما يفعلون حتى من العاملين أنفسهم ولذا سيكون‬ ‫الحساب عادل ل حيف فيه لخلوه من الخطأ والغلط والجهل والنسيان لتنزه الباري عز وجل عن‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر عظمة الرب تعالى التي يتنافى معها الشرك به عز وجل في عباداته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث والجزاء ببيان أحواله وما يجري فيه‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان عدالة ال في قضائه بين عباده في عرصات القيامة‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة هذه المة بقبولها شاهدة على المم التي سبقتها‪.‬‬ ‫سلٌ‬ ‫حتْ أَ ْبوَا ُبهَا َوقَالَ َلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ رُ ُ‬ ‫جهَنّمَ ُزمَرا حَتّى إِذَا جَاءُوهَا فُ ِت َ‬ ‫وَسِيقَ الّذِينَ َكفَرُوا ِإلَى َ‬ ‫ح ّقتْ كَِل َمةُ ا ْلعَذَابِ عَلَى‬ ‫مِ ْنكُمْ يَتْلُونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ رَ ّبكُ ْم وَيُنْذِرُو َنكُمْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ َهذَا قَالُوا بَلَى وََلكِنْ َ‬ ‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ(‪ )72‬وَسِيقَ الّذِينَ ا ّت َقوْا‬ ‫ا ْلكَافِرِينَ(‪ )71‬قِيلَ ا ْدخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬ ‫حتْ أَ ْبوَا ُبهَا َوقَالَ َل ُهمْ خَزَنَ ُتهَا سَلمٌ عَلَ ْي ُكمْ طِبْ ُتمْ فَا ْدخُلُوهَا‬ ‫رَ ّبهُمْ إِلَى ا ْلجَنّةِ ُزمَرا حَتّى إِذَا جَاءُوهَا َوفُتِ َ‬ ‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي صَ َدقَنَا وَعْ َد ُه وََأوْرَثَنَا الْأَ ْرضَ‬ ‫خَاِلدِينَ(‪َ )73‬وقَالُوا الْ َ‬

‫( ‪)4/508‬‬ ‫ح ْولِ ا ْلعَرْشِ يُسَبّحُونَ‬ ‫نَتَ َبوّأُ مِنَ الْجَنّةِ حَ ْيثُ نَشَاءُ فَ ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ(‪ )74‬وَتَرَى ا ْلمَل ِئكَةَ حَافّينَ مِنْ َ‬ ‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪)75‬‬ ‫ق َوقِيلَ ا ْل َ‬ ‫حّ‬ ‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم َو ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ بِالْ َ‬ ‫بِ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وسيق الذين كفروا ‪ :‬أي وساق الملئكة بعنف الذين كفروا‪.‬‬ ‫إلى جهنم زمرا ‪ :‬أي جماعات‪ ،‬جماعة المشركين وجماعة المجرمين وجماعة الظالمين‪.‬‬ ‫وقال لهم خزنتها ‪ :‬أي الموكلون بالنار من الملئكة الواحد خازن‪.‬‬ ‫ألم يأتكم رسل ‪ :‬هذا الستفهام للتقرير والتوبيخ‪.‬‬ ‫حقت كلمة العذاب ‪ :‬أي وجب العذاب للكافرين‪.‬‬ ‫وسيق الذين اتقوا ‪ :‬أي وساقت الملئكة بلطف على النجائب الذين اتقوا ربهم أي أطاعوه ولم‬ ‫يشركوا به‪.‬‬ ‫وفتحت أبوابها ‪ :‬أي والحال أن أبواب الجنة قد فتحت لستقبالهم‪.‬‬ ‫والحمد ل الذي صدقنا وعده ‪ :‬أي أنجز لنا وعده بالجنة‪.‬‬ ‫وأورثنا الرض ‪ :‬أي أرض الجنة وصورة الرث نظرا إلى قوله تعالى في وعده لهم تلك الجنة‬ ‫التي نورث من عبادنا من كان تقيا‪)1(.‬‬ ‫نتبوأ من الجنة حيث نشاء ‪ :‬أي ننزل من حيث نشاء‪.‬‬ ‫فنعم أجر العاملين ‪ :‬أي الجنة‪.‬‬ ‫حافين من حول العرش ‪ :‬أي محدقين بالعرش من كل جانب‪.‬‬ ‫يسبحون بحمد ربهم ‪ :‬أي يقولون سبحان ال وبحمده‪.‬‬ ‫وقضي بينهم بالحق ‪ :‬أي وقضى ال بمعنى حكم بين جميع الخلئق بالعدل‪.‬‬ ‫وقيل الحمد ل رب العالمين‪ :‬أي وقالت الملئكة والمؤمنون الحمد ل رب العالمين على استقرار‬ ‫أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬وجه الورث أن ال تعالى خلق لكل إنسان منزل في النار وآخر في الجنة ثم هم يتوارثون‬ ‫فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار في الجنة وأهل النار يرثون منازل أهل الجنة في النار‪.‬‬

‫( ‪)4/509‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد الفراغ من الحكم على أهل الموقف وذلك بأن حكم ال تعالى فيهم بحسب عملهم فوفّى كل‬ ‫عامل بعمله من كفر ومعاص‪ ،‬أو إيمان وطاعة قال تعالى مخبرا عن مصير الفريقين { َوسِيقَ(‪)1‬‬ ‫جهَنّمَ ُزمَرا} أي‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا} أي ساقهم الملئكة بشدة وعنف لنهم ل يريدون الذهاب {إِلَى َ‬ ‫جماعات ولفظ الزمرة مشتق من الزمر الذي هو الصوت إذ الغالب في الجماعة أن يكون لها‬ ‫حتْ أَ ْبوَا ُبهَا} إذ كانت مغلفة كأبواب السجون ل تفتح إل‬ ‫صوت‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬حَتّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِ َ‬ ‫سلٌ‬ ‫عند المجيء بالسجناء‪َ { ،‬وقَالَ َلهُمْ خَزَنَ ُتهَا (‪ })2‬قبل الوصول إليها موبخين لهم {أَلَمْ يَأْ ِتكُمْ(‪ُ )3‬ر ُ‬ ‫مِ ْنكُمْ يَتْلُونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ رَ ّبكُمْ} أي المبينة لكم الهدى من الضلل والحق من الباطل‪ ،‬وما يحب‬ ‫ربكم من العقائد والقوال والعمال والصفات والذوات وما يكره من ذلك‪ ،‬ويدعوكم إلى فعل‬ ‫المحاب لتنجوا وترك المكاره لتنجوا وتسعدوا‪ .‬فأجابوا قائلين بلى أي جاءتنا بالذي قلتم ولكن حقت‬ ‫كلمة العذاب على الكافرين ونحن منهم فوجب لنا العذاب‪ ،‬وعندئذ تقول لهم الملئكة ادخلوا(‪)4‬‬ ‫أبواب جهنم خالدين فيها‪ ،‬فبئس مثوى المتكبرين أي قبح مأوى المتكبرين في جهنم من مأوى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وسِيقَ الّذِينَ(‪ )5‬ا ّت َقوْا رَ ّبهُمْ إِلَى ا ْلجَنّةِ} وسوقهم هو سوق النجائب التي يركبونها‬ ‫فهو سوق لطف وتكريم إلى الجنة دار السلم زمرا زمرة الجهاد وزمرة الصدقات وزمرة العلماء‬ ‫وزمرة الصلوات ‪{ ....‬حَتّى ِإذَا جَاءُوهَا} وقد فتحت(‪ )6‬أبوابها من قبل لستقبالهم ُمعَزَزين‬ ‫مكرمين‪ ،‬فقال لهم خزنتها سلم عليكم طبتم أي طابت أرواحكم بأعمالكم الطيبة فطاب مقامكم في‬ ‫دار السلم فنعم التحية حيوا بها مقابل تأنيب وتوبيخ الزبانية لهل النار‪ .‬وقوله لهم فادخلوها أي‬ ‫الجنة حال كون خلودكم مقدرا لكم فيها‪ .‬فقالوا بعد دخولهم الجنة ونزولهم في‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا بيان توفية كل نفس عملها فيساق الذين كفروا إلى النار والذين آمنوا إلى الجنان والزمر‬ ‫جمع زمرة كظلمة وظلم وغرفة وغرف‪ ،‬وهي جماعة بعد جماعة قال الشاعر‪:‬‬ ‫وترى الناس إلى منزله‬ ‫زمراً تنتابه بعد زمرة‬ ‫‪ -2‬الخزنة جمع خازن كسدنة وسادن‪.‬‬ ‫‪ -3‬الستفهام للتقرير مع التوبيخ والتقريع‪.‬‬

‫‪ -4‬قال وهب‪ :‬تستقبلهم الزبانية بمقامع من حديد فيدفعونهم بمقامعهم فإنه ليقع في الدفعة الولى‬ ‫بعدد ربيعة ومضر‪ .‬قال تعالى {ولهم مقامع من حديد}‪.‬‬ ‫‪ -5‬سوق أهل النار طردهم إلى النار بالخزي والهوان كما يفعل بالسارى والخارجين على‬ ‫السلطان وسوق أهل الجنة سوق مراكبهم إلى دار السلم إنهم ل يذهب بهم إل راكبين وشتان ما‬ ‫بين السوقين‪.‬‬ ‫‪ -6‬قرأ نافع والجمهور فتحت بتشديد التاء في الولى والثانية وقرأ حفص بالتخفيف‪ ،‬والواو في‬ ‫قوله وفتحت واو الحال والجملة حالية في محل نصب‪.‬‬

‫( ‪)4/510‬‬ ‫قصورها الحمد ل الذي صدقنا وعده يعنون قوله تعالى‪{ :‬تِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ‬ ‫كَانَ َتقِيّا}‪ ،‬وقوله‪{ :‬وََأوْرَثَنَا الْأَ ْرضَ} أي أرض الجنة نتبوأ منها حيث نشاء أي ننزل منها حيث‬ ‫نريد النزول‪ ،‬وفي قولهم أورثنا الرض إشارة إلى أنهم ورثوها من أبويهم آدم وحواء إذ كانت‬ ‫لهم قبل نزولهما منها‪ .‬وقولهم فنعم أجر العاملين أي الجنة والمراد من العمل اليمان والتقوى في‬ ‫الدنيا‪ ،‬بأداء الفرائض واجتناب النواهي وقوله تعالى‪{ :‬وَتَرَى ا ْلمَل ِئكَةَ} أيها الرائي {حَافّينَ مِنْ(‪)1‬‬ ‫ح ْمدِ رَ ّبهِمْ} أي قائلين‪ :‬سبحان ال‬ ‫ح ْولِ ا ْلعَرْشِ} أي محدقين بعرش الرحمن أي سريره {يُسَبّحُونَ بِ َ‬ ‫َ‬ ‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلحَقّ} أي وقضى‬ ‫وبحمده سبحان ال العظيم‪ .‬قال تعالى مخبرا عن نهاية الموقف‪َ { :‬و ُق ِ‬ ‫ال بين الخلئق بالعدل‪ ،‬ولما استقر أهل النار وأهل الجنة حُمد ال على الستقرار التام والحكم‬ ‫العادل الرحيم وقيل الحمد ل رب(‪ )2‬العالمين أي حمدت الملئكة ربها وحمده معهم المؤمنون‬ ‫وهم في دار النعيم المقيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان إهانة أهل النار بسوقهم على أرجلهم بعنف وتأنيبهم وتوبيخهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالستكبار عن عبادة ال تعالى‪ ،‬وعباده المؤمنين به‪ ،‬المتقين له‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إكرام ال تعالى لوليائه إذ يحملون على نجائب رحالها من ذهب إلى الجنة‪ ،‬ويلقون فيها‬ ‫تحية وسلما‪ .‬تحية احترام وإكرام‪ ،‬وسلم أمان من كل مكروه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان نهاية الموقف باستقرار أهل النار من الكفار والفجار في النار‪ ،‬واستقرار أهل الجنة من‬ ‫المؤمنين التقياء البرار في الجنة دار البرار‪.‬‬ ‫‪ -5‬ختم كل عمل بالحمد ل فقد ابتدأ ال الخالق بالحمد فقال الحمد ل الذي خلق السموات‬ ‫والرض‪ ،‬وختم بالحمد‪ ،‬وقيل الحمد ل رب العالمين‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬من زائدة لتقوية الكلم نحو ما جاءني من أحد‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال قتادة في هذه الية افتتح ال أول الخلق بالحمد فقال‪( :‬الحمد ل الذي خلق السموات‬ ‫والرض وجعل الظلمات والنور) وختم بالحمد فقال "وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد ل رب‬ ‫العالمين" فحسن القتداء به فيبدأ العبد قوله بالحمد ويختمه بالحمد‪.‬‬

‫( ‪)4/511‬‬ ‫سورة غافر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة غافر(‪)1‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها خمس وثمانون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حم(‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ(‪ )2‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ(‪ )2‬غَافِرِ الذّ ْنبِ‬ ‫طوْلِ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ إِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ(‪ )3‬مَا يُجَا ِدلُ فِي آيَاتِ اللّهِ إِلّا‬ ‫شدِيدِ ا ْل ِعقَابِ ذِي ال ّ‬ ‫َوقَابِلِ ال ّت ْوبِ َ‬ ‫ح وَالْأَحْزَابُ مِنْ َبعْ ِدهِ ْم وَ َه ّمتْ ُكلّ‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا فَل َيغْرُ ْركَ َتقَلّبُهُمْ فِي الْبِلدِ(‪َ )4‬كذّ َبتْ قَبَْل ُهمْ َقوْمُ نُو ٍ‬ ‫عقَابِ(‪َ )5‬وكَذَِلكَ‬ ‫خذْ ُتهُمْ َفكَ ْيفَ كَانَ ِ‬ ‫حقّ فَأَ َ‬ ‫حضُوا بِهِ الْ َ‬ ‫طلِ لِ ُيدْ ِ‬ ‫خذُوهُ َوجَادَلُوا بِالْبَا ِ‬ ‫ُأمّةٍ بِرَسُوِلهِمْ لِيَأْ ُ‬ ‫ح ّقتْ كَِلمَتُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ َأصْحَابُ النّارِ(‪)6‬‬ ‫َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وتسمى أيضا سورة المؤمن وسورة الطول وهي أول ال حم التي يقال لها ديباج القرآن‬ ‫وعرائس القرآن ويقال ذوات حم وذكر القرطبي أن رجل من أهل الشام كان ذا بأس شديد فقيل‬ ‫لعمر وقد سأل عنه أنه تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلن سلم‬ ‫عليك وأنا أحمد إليك ال الذي ل إله إل هو بسم ال الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من ال‬ ‫العزيز العليم‪ .‬غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول ل إله إل هو إليه المصير ثم ختم‬ ‫الكتاب وقال لرسوله ل تدفعه إليه حتى تجده صاحيا ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة له بالتوبة‬ ‫فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني ال يغفر لي وحذّرني عقابه‪ ،‬فلم يبرح يرددها‬ ‫حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته فلما بلغ ذلك عمر أمره قال هكذا فاصنعوا إذا‬ ‫رأيتم أحدكم زل زلة فسددوه وادعوا ال له أن يتوب عليه ول تكونوا عونا للشيطان عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/512‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حم ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا‪ :‬حم ويقرأ هكذا‪ :‬حا ميم‪.‬‬ ‫تنزيل الكتاب من ال ‪ :‬أي تنزيل القرآن كائن من ال‪.‬‬ ‫العزيز العليم ‪ :‬أي الغالب على مراده‪ ،‬العليم بعباده ظاهرا وباطنا حال ومآلً‪.‬‬ ‫غافر الذنب ‪ :‬أي ذنب من تاب إلى ال فرجع إلى طاعته بعد معصيته‪.‬‬ ‫شديد العقاب ذي الطول‪ :‬أي مشدد العقوبة على من كفر به‪ ،‬ذي الطول أي النعام الواسع على‬ ‫من آمن به وأطاعه‪.‬‬ ‫ل إله إل هو إليه المصير ‪ :‬أي ل معبود بحق إل هو إليه مرجع الخلئق كلهم‪.‬‬ ‫ما يجادل في آيات ال إل الذين كفروا‪ :‬أي في القرآن لبطالها إل الكافرون‪.‬‬ ‫فل يغررك تقبلهم في البلد ‪ :‬أي فل تغتر بمعاشهم سالمين فإن عاقبتهم النار‪.‬‬ ‫والحزاب من بعدهم ‪ :‬أي وكذبت الحزاب من بعد قوم نوح‪ ،‬وهم عاد وثمود وقوم لوط‪.‬‬ ‫وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ‪ :‬أي ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيب وقتل‪.‬‬ ‫وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ‪ :‬أي ليزيلوا به الحق ويبطلوه‪.‬‬ ‫فكيف كان عقاب ‪ :‬أي كان واقعا موقعه حيث أهلكهم ولم يبق منهم أحدا‪.‬‬ ‫كذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا‪ :‬أي وجبت كلمة العذاب على الذين كفروا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬حم}‪ :‬ال أعلم بمراده به‪ ،‬وقد ذكرنا غير ما مرة أن هذه الحروف أفادت فائدتين‬ ‫الولى أن العرب المشركين في مكة كانوا قد منعوا المواطنين من سماع القرآن حتى ل يتأثروا‬ ‫به فيكفروا بآلهتهم فقد أخبر تعالى عنهم في قوله من سورة فصلت فقال‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل‬ ‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ} فكانت هذه الحروف المقطعة بنغمها الخاص‬ ‫س َمعُوا ِلهَذَا ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫تَ ْ‬ ‫تستهويهم فيسمعوا فكانت فائدة عظيمة‪ .‬والثانية أن المشركين لما أصروا على أن القرآن لم يكن‬ ‫وحيا وإنما هو من جنس ما يقوله الشعراء والكهان وأصحاب الساطير تحداهم ال تعالى بالتيان‬ ‫بمثله وهو مركب ومؤلف من هذه الحروف الم طس حم والذي قوى هذه النظرية أنه غالبا ما‬ ‫يذكر القرآن بعد‬

‫( ‪)4/513‬‬ ‫ذكر هذه الحروف مثل الم تلك آيات الكتاب‪ ،‬حم تنزيل الكتاب‪ ،‬حم والكتاب المبين فهاتان‬ ‫الفائدتان من أحسن ما استنبطه ذو الشأن في تفسير القرآن‪ ،‬وما عدا ذلك فل يحسن روايته لخلوه‬ ‫من فائدة معقولة‪ ،‬ول رواية عن الرسول وأصحابه منقولة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{:‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ} يخبر تعالى أنه عز وجل هو مصدر هذا‬

‫القرآن إذ هو الذي نزله تنزيلً على عبده ورسوله‪ ،‬ووصف نفسه بالعزة والعلم فقال العزيز أي‬ ‫في انتقامه من أعدائه الغالب على أمره ومراده فل يحال بينه وبين ما يريده العليم بخلقه‬ ‫وحاجاتهم ومتطلباتهم‪ ،‬فأنزل الكتاب لهدايتهم وإصلحهم‪ .‬وقوله‪{ :‬غَافِرِ الذّ ْنبِ َوقَابِلِ ال ّت ْوبِ شَدِيدِ‬ ‫ط ْولِ(‪ })1‬أعلمَ أنه تعالى يغفر ذنب المستغفرين ويقبل توبة التائبين وأنه شدد العقوبة‬ ‫ا ْل ِعقَابِ ذِي ال ّ‬ ‫على من كفر به وعصاه‪ .‬وقوله ذي الطول أي النعام الواسع والفضل العظيم {ل ِإلَهَ(‪ )2‬إِلّا ُهوَ}‬ ‫أي ل معبود بحق إل هو العزيز الحكيم العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبير خلقه‪.‬‬ ‫لما أثنى تبارك وتعالى على نفسه بما هو أهله أخبر رسوله بأنه {مَا ُيجَا ِدلُ(‪ )3‬فِي آيَاتِ اللّهِ}‬ ‫القرآنية الحاوية للحجج القواطع والبراهين السواطع على توحيد ال ولقائه وعلى نبوة رسول ال‬ ‫ما يجادل فيها {إِلّا الّذِينَ َكفَرُوا} وذلك لظلمة نفوسهم وفساد قلوبهم‪ ،‬وعليه فاصبر ول تغتر بظاهر‬ ‫ما هم عليه من سعة الرزق وسلمة البدن‪ ،‬وهو معنى قوله‪{ :‬فَل َيغْرُ ْركَ َتقَلّ ُبهُمْ فِي(‪ )4‬الْبِلدِ} أي‬ ‫آمنين معافين في أبدانهم وأرزاقهم فإنهم ممهلون ل مهملون‪ ،‬والدليل فقد كذبت قبلهم قوم نوح‬ ‫والحزاب(‪ )5‬من بعد قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وفرعون‪،‬‬ ‫وقد همت كل أمة من تلك المم برسولها لتأخذه فتقتله أو تنكل به‪ .‬وقد جادلوا بالباطل كما جادل‬ ‫قومك من قريش ليدحضوا به الحق أي ليزيلوه ويبعدوه بباطلهم‪ .‬فأخذتهم فكيف كان عقاب أي‬ ‫كان واقعا موقعه والحمد ل إذ قطع ال دابرهم وأنهى وجودهم وخصومتهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يطلق الطول على سعة الفضل وسعة المال كما يطلق مطلق القدرة وهو مأخوذ من الطول‬ ‫ضد القصر‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل إله إل هو في موضع الصفة ل عز وجل فتكون الصفة السابقة في هذه الية الكريمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن سؤال من قال ما دام هذا القرآن تنزيلً من العزيز الحكيم‬ ‫وهو أمر ل ريب فيه فلم يجادل فيه هؤلء المشركون فأجابهم بقوله "ما يجادل في آيات ال إل‬ ‫الذين كفروا" الية ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الغرور ظن المرء شيئا حسنا وهو بضده يقال غرك إذا جعلك تظن الشيء حسنا ويكون‬ ‫التغرير بالقول أو بتحسين صورة القبيح‪.‬‬ ‫‪ -5‬الحزاب هم المم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب والعناد كعاد وثمود ومن بعدهم‪.‬‬

‫( ‪)4/514‬‬ ‫ح ّقتْ(‪ )1‬كَِل َمتُ رَ ّبكَ(‪ )2‬عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ َأصْحَابُ النّارِ(‪ })3‬أي كما وجب‬ ‫وقوله { َوكَذَِلكَ َ‬ ‫حكمه بإهلك تلك المم المكذبة لرسلها الهامة بقتلها وقد أهلكهم ال فعلً حقت كلمة ربك على‬ ‫الذين كفروا لنهم أصحاب النار والمراد من كلمة ربك قوله لملن جهنم الية‪.‬‬

‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير أن القرآن الكريم مصدر تنزيله هو ال تعالى إذ هو الذي أوحاه ونزله على رسوله‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم وبذلك تقررت نبوة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عظمة الرب تعالى المتجلية في أسمائه العزيز العليم الحكيم ذي الطول غافر الذنب قابل‬ ‫التوب ل إله إل هو‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير التوحيد والبعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير مبدأ أن ال تعالى يمهل ول يهمل‪ ،‬وأن بطشه شديد‪.‬‬ ‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه وَيَسْ َت ْغفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا‬ ‫حوْلَهُ ُيسَبّحُونَ ِب َ‬ ‫ش َومَنْ َ‬ ‫حمِلُونَ ا ْلعَرْ َ‬ ‫الّذِينَ َي ْ‬ ‫جحِيمِ(‪ )7‬رَبّنَا‬ ‫عذَابَ الْ َ‬ ‫ك َو ِقهِمْ َ‬ ‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَل َ‬ ‫حمَ ًة وَعِلْما فَا ْ‬ ‫شيْءٍ َر ْ‬ ‫س ْعتَ ُكلّ َ‬ ‫وَ ِ‬ ‫جهِ ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ‬ ‫ن صَلَحَ مِنْ آبَا ِئ ِه ْم وَأَ ْزوَا ِ‬ ‫عدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُ ْم َومَ ْ‬ ‫وَأَدْخِ ْل ُهمْ جَنّاتِ َ‬ ‫حمْتَ ُه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ(‪)9‬‬ ‫حكِيمُ(‪َ )8‬و ِقهِمُ السّيّئَاتِ َومَنْ َتقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ َفقَدْ َر ِ‬ ‫الْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬حقت أي وجبت ولزمت مأخوذ من الحق لنه لزم‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرأ نافع كلمات بالجمع وقرأ حفص بالفراد وهي اسم جنس بمعنى الجمع‪.‬‬ ‫‪-3‬الجماع على وجوب الوقف على قوله تعالى {أنهم أصحاب النار} ثم يستأنف القراءة قائلً‬ ‫الذين يحملون العرش ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)4/515‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الذين يحملون العرش ‪ :‬أي الملئكة حملة العرش‪.‬‬ ‫ومن حوله ‪ :‬أي والملئكة الذين يحفون بالعرش من جميع جوانبه‪.‬‬ ‫يسبحون بحمد ربهم ‪ :‬أي يقولون سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم هذه صلتهم وتسبيحهم‪.‬‬ ‫ويؤمنون به ‪ :‬كيف ل وهم عنده‪ ،‬ولكن هذا من باب الوصف بالكمال لهم‪.‬‬ ‫ويستغفرون للذين آمنوا‪ :‬أي يطلبون المغفرة للمؤمنين لرابطة اليمان بال التي تربطهم بهم‪.‬‬ ‫ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ‪ :‬أي يقولون يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما‪.‬‬ ‫فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ‪ :‬أي فبما أن رحمتك وعلمك وسعا كل مخلوقاتك فاغفر للذين‬ ‫تابوا إليك فعبدوك ووحدوك واتبعوا سبيلك الذي هو السلم‪.‬‬ ‫وقهم عذاب الجحيم ‪ :‬أي احفظهم من النار فل تعذّبهم بها‪.‬‬ ‫جنات عدن ‪ :‬أي بساتين فيها قصور وأنهار للقامة الدائمة‪.‬‬

‫التي وعدتهم ‪ :‬أي بقوله تعالى‪ :‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعلموا الصالحات جنات تجري من‬ ‫تحتها النهار‪.‬‬ ‫ومن صلح من آبائهم‪ :‬أي ومن صلح باليمان ولم يفسد بالشرك والكفر‪.‬‬ ‫وقهم السيئات ‪ :‬أي احفظهم من جزاء السيئات التي عملوها فل تؤاخذهم بها‪.‬‬ ‫ومن تق السيئات يومئذ ‪ :‬أي ومن تقه جزاء سيئاته يوم القيامة فلم تؤاخذه‪.‬‬ ‫فقد رحمته ‪ :‬أي حيث سترته ولم تفضحه وعفوت عنه ولم تؤاخذه‪.‬‬ ‫وذلك ‪ :‬أي الوقاية من العذاب وإدخال الجنة هو الفوز العظيم‪.‬‬

‫( ‪)4/516‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حمِلُونَ ا ْلعَرْشَ(‪ })2‬يخبر تعالى عن عظمته وموجبات اليمان به وبآياته‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬الّذِينَ(‪ )1‬يَ ْ‬ ‫وتوحيده ولقائه فيقول الذين يحملون العرش أي عرشه من الملئكة كالملئكة الذين يحفون بعرشه‬ ‫حمْدِ رَ ّبهِمْ} تسبيحا مقرونا بالحمد بأن يقولوا سبحان ال وبحمده ويؤمنون به أي‬ ‫الجميع {يُسَبّحُونَ بِ َ‬ ‫يؤمنون بوحدانيته وعدم الشراك في عبادته {وَيَسْ َت ْغفِرُونَ(‪ )3‬لِلّذِينَ آمَنُوا} لرابطة اليمان التي‬ ‫تربطهم بهم ولعل هذا السرّ في ذكر إيمانهم لن المؤمنين إخوة واستغفارهم هو طلب المغفرة من‬ ‫حمَ ًة وَعِلْما} أي يقولون‬ ‫شيْءٍ َر ْ‬ ‫س ْعتَ ُكلّ َ‬ ‫ال للمؤمنين من عباده‪ .‬وهو معنى قوله‪{ :‬رَبّنَا وَ ِ‬ ‫ح َم ًة وَعِلْما} أي يا ربنا وسعت رحمتك وعلمك‬ ‫شيْءٍ رَ ْ‬ ‫س ْعتَ(‪ُ )4‬كلّ َ‬ ‫متوسلين إليه بصفاته {رَبّنَا وَ ِ‬ ‫سائر المخلوقات فاغفر للذين تابوا أي إليك فتركوا الشرك واتبعوا سبيلك الذي هو السلم فانقادوا‬ ‫لمرك ونهيك‪ ،‬وقهم عذاب الجحيم أي احفظهم يا ربنا من عذاب النار وأدخلهم جنات عدن أي‬ ‫إقامة من دخلها ل يخرج منها ول يبغي عنها حول لكمال نعيمها ووفرة السعادة فيها‪ .‬ومن صلح‬ ‫من آبائهم وأزواجهم وذريّتهم أي وأدخل كذلك من صلح باليمان والتوحيد من آبائهم وأزواجهم‬ ‫وذريّاتهم فألحقهم بدرجاتهم ليكونوا معهم وإن قصرت بهم أعمالهم‪ .‬وقولهم إنك أنت العزيز‬ ‫الحكيم توسل أيضا إليه تعالى بصفتي العزة والغلبة والقهر لكل المخلوقات والحكمة المتجلية في‬ ‫سائر الكائنات‪ .‬وقولهم‪َ { :‬و ِقهِمُ السّيّئَاتِ(‪ })5‬أي واحفظهم من جزاء سيئاتهم بأن تغفرها لهم‬ ‫وتسترها عليهم حتى يتأهلوا للحاق بأبنائهم الذين نسألك أن تلحقهم بهم‪َ { ،‬ومَنْ َتقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ}‬ ‫حمْتَهُ(‪َ { ،})6‬وذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ} أي النجاة من النار ودخول الجنة هو‬ ‫أي يوم القيامة { َفقَدْ َر ِ‬ ‫خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ فَازَ}‪ .‬ومعنى ومن تق السيئات‬ ‫الفوز العظيم لقوله تعالى { َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ‬ ‫أي تقيه عذابها وذلك بأن يغفرها لهم ويعفو عنهم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬حملة العرش أفضل الملئكة وهم أربعة ويوم القيامة يضاف إليهم أربعة فيصبحون ثمانية‬

‫لقول تعالى من سورة الحاقة "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية"‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب‪ ،‬حجاب نور وحجاب ظلمة‬ ‫وحجاب نور وحجاب ظلمة‪.‬‬ ‫‪ -3‬قبل هذا معطوف على محذوف تقديره وينزهونه عما يقول الكافرون ويستغفرون الخ‪.‬‬ ‫‪ -4‬رحمة منصوب على التمييز وعلما معطوف عليه‪ ،‬والتمييز محول عن فاعل إذ التقدير‬ ‫وسعت رحمتك وعلمك كل شيء‪.‬‬ ‫‪ -5‬قد ل يحتاج المر إلى تقدير محذوف فيقال وقهم جزاء السيئات إذ السيئات جمع سيئة "فيعلة"‬ ‫من السوء وهو ما يضر ول يسر فالسيئة كل ما يسوء من عذاب وخوف‪ ،‬وهلع فدعاء الملئكة‬ ‫دعاء بالنجاة مما يسوء المؤمنين يوم القيامة ولذا قالوا ومن تق السيئات أي ما يسوءه من العذاب‬ ‫فقد رحمته بدخول الجنة وما في التفسير هو رأي الجمهور من المفسرين‪.‬‬ ‫‪ -6‬قال مطرف بن عبد ال‪ :‬وجدنا أنصح عباد ال لعباد ال الملئكة‪ ،‬ووجدنا أغش عباد ال‬ ‫لعباد ال الشياطين وتل هذه الية الذين يحملون العرش إلى قوله فقد رحمته‪.‬‬

‫( ‪)4/517‬‬ ‫فل يؤاخذهم بها‪ ،‬فينجوا من النار ويدخلوا الجنة وذلك أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز‬ ‫العظيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عظم الرب تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل اليمان وأهله(‪.)1‬‬ ‫‪ -3‬فضل التسبيح بقول‪ :‬سبحان ال وبحمده فقد صح أن من قالها مائة مرة(‪ )2‬حين يصبح أو‬ ‫حين يمسي غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر أي في الكثرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بشرى المؤمنين بأن ال تعالى يجمعهم بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم في الجنة‪ ،‬وقد استجاب ال‬ ‫حقْنَا ِبهِمْ‬ ‫للملئكة وقد أخبر تعالى عن ذلك بقوله‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّا ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬ ‫ذُرّيّا ِتهُمْ}‪.‬‬ ‫عوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَ َت ْكفُرُونَ(‪ )10‬قَالُوا‬ ‫سكُمْ ِإذْ تُدْ َ‬ ‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا يُنَا َدوْنَ َل َم ْقتُ اللّهِ َأكْبَرُ مِنْ َمقْ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫عيَ‬ ‫ن وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَ َرفْنَا بِذُنُوبِنَا َف َهلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ(‪ )11‬ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا دُ ِ‬ ‫رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْ ِ‬ ‫حكْمُ لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ(‪ُ )12‬هوَ الّذِي يُرِي ُكمْ آيَا ِت ِه وَيُنَ ّزلُ‬ ‫اللّ ُه َوحْ َدهُ َكفَرْتُ ْم وَإِنْ يُشْ َركْ ِبهِ ُت ْؤمِنُوا فَا ْل ُ‬ ‫سمَاءِ رِزْقا َومَا يَتَ َذكّرُ إِلّا مَنْ يُنِيبُ(‪) 13‬‬ ‫َلكُمْ مِنَ ال ّ‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬في الصحيحين‪.‬‬ ‫‪ -2‬يكفي كرامة للمؤمن أنه نائم على فراشه والملئكة تستغفر ال له‪ ،‬وتدعو له بالنجاة من النار‬ ‫وبدخول الجنة كما في قوله { الذين يحملون العرش }الية‪.‬‬

‫( ‪)4/518‬‬ ‫ن وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ(‪َ )14‬رفِيعُ الدّ َرجَاتِ ذُو ا ْلعَرْشِ يُ ْلقِي الرّوحَ مِنْ‬ ‫فَادْعُوا اللّهَ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّي َ‬ ‫شيْءٌ‬ ‫خفَى عَلَى اللّهِ مِ ْنهُمْ َ‬ ‫َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ لِيُنْذِرَ َيوْمَ التّلقِ(‪َ )15‬يوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ل يَ ْ‬ ‫ت ل ظُلْمَ الْ َيوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ‬ ‫حدِ ا ْل َقهّارِ(‪ )16‬الْ َي ْومَ تُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َب ْ‬ ‫ِلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَا ِ‬ ‫حسَابِ(‪)17‬‬ ‫الْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ينادون لمقت ال ‪ :‬أي يناديهم الملئكة لتقول لهم لمقت ال إياكم أكبر من مقتكم أنتم لنفسكم‪،‬‬ ‫والمقت أشد البغض‪.‬‬ ‫إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون‪ :‬أي مقت ال تعالى لكم عندما كنتم في الدنيا تدعون إلى اليمان‬ ‫فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم لما رأيتم العذاب‪.‬‬ ‫أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ‪ :‬أي أمتنا مرتين الولى عندما كنا عدما فخلقتنا‪ ،‬والثانية عندما أمتنا‬ ‫في الدنيا بقبض أرواحنا‪ ،‬وأحييتنا مرتين الولى لما أخرجتنا من بطون أمهاتنا أحياء فهذه مرة‬ ‫والثانية بعد أن بعثتنا من قبورنا أحياء‪.‬‬ ‫فاعترفنا بذنوبنا ‪ :‬أي بذنوبنا التي هي التكذيب بآياتك ولقائك والشرك بك‪.‬‬ ‫فهل إلى خروج من سبيل‪ :‬أي فهل من طريق إلى العودة إلى الحياة الدنيا مرة ثانية لنؤمن بك‬ ‫ونوحدك ونطيعك ول نعصيك‪.‬‬ ‫ذلكم ‪ :‬أي العذاب الذي أنتم فيه‪.‬‬ ‫بأنه إذا دعي ال وحده كفرتم‪ :‬أي بسبب أنه إذا دعي ال وحده كفرتم بالتوحيد‪.‬‬ ‫يريكم آياته ‪ :‬أي دلئل توحيده وقدرته على بعثكم ومجازاتكم‪.‬‬ ‫وما يتذكر إل من ينيب‪ :‬أي إل من يتعظ إل من ينيب إلى ال ويرجع إليه بتوحيده‪.‬‬

‫( ‪)4/519‬‬ ‫يلقي الروح من أمره ‪ :‬أي يلقي بالوحي من أمره على من يشاء من عباده‪.‬‬ ‫لينذر يوم التلق‪ :‬أي لينذر من يوحي إليه من البشر وهو الرسول يوم تلقي أهل السماء وأهل‬ ‫الرض وذلك يوم القيامة‪.‬‬

‫يوم هم بارزون ‪ :‬أي ل يسترهم شيء ل جبل ول شجر ول حجر‪.‬‬ ‫لمن الملك اليوم ‪ :‬أي لمن السلطان اليوم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن بين تعالى حال المؤمنين وأنهم هم وأزواجهم في دار النعيم يبين في هذه اليات الثلث‬ ‫حال الكافرين في النار جريا على أسلوب القرآن في الترغيب والترهيب فقال تعالى مخبرا عن‬ ‫أهل النار‪{ :‬إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا} أي بربهم ولقائه وتوحيده ينادون أي تناديهم الملئكة فتقول لهم ‪-‬‬ ‫سكُمْ} وذلك‬ ‫بعد أن يأخذوا في مقت أنفسهم ولعن بعضهم بعضا‪َ{ -‬ل َم ْقتُ اللّهِ َأكْبَرُ(‪ )1‬مِنْ َمقْتِكُمْ أَ ْنفُ َ‬ ‫لنكم كنتم تدعون إلى اليمان بال وتوحيده وطاعته فتكفرون وتجحدون متكبرين‪.‬‬ ‫وهنا في الية الثانية (‪ )10‬يقولون وهم في جهنم {رَبّنَا} أي يا ربنا {َأمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}‬ ‫يعنون بالموتتين الولى وهم نطف(‪ )2‬ميتة والثانية بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم‪ ،‬ويعنون‬ ‫بالحياتين الولى التي كانت لهم في الدنيا قبل موتهم والثانية التي بعد البعث‪ ،‬وقولهم‪{ :‬فَاعْتَ َرفْنَا(‬ ‫‪ِ )3‬بذُنُوبِنَا} أي التي قارفناها في الحياة الدنيا وهي الكفر والشرك والمعاصي‪ .‬وقولهم بعد هذا‬ ‫العتذار { َف َهلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي فهل من طريق إلى الخروج من النار والعودة إلى الحياة‬ ‫الدنيا لنصلح ما أفسدنا‪ ،‬ونطيع من عصينا؟ والجواب قطعا ل سبيل إلى ذلك أبدا‪ ،‬وبقاؤكم وفي‬ ‫العذاب ليس ظلما لكم وإنما هو جزاء وفاق لكم ثم ذكر تعالى علة عذابهم بقوله {ذَِلكُمْ بِأَنّهُ إِذَا‬ ‫عيَ اللّهُ وَحْ َدهُ َكفَرْتُمْ} بال وتوحيد {وَإِنْ ُيشْ َركْ بِهِ ُت ْؤمِنُوا} أي وإن يشرك بال تؤمنوا كقولهم‬ ‫دُ ِ‬ ‫لبيك ل شريك لك إل شريكا هو لك تملك وما ملك وقوله فالحكم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬اللم في جواب قسم أي وال لمقت ال الخ والخاطب هم الملئكة وجائز إن لم يكن راجحا أن‬ ‫يكون المعنى لمقت ال إياكم لما كنتم لمّا كنتم تدعون إلى اليمان في الدنيا على أيدي رسلكم‬ ‫فتكفرون مقت ال ذلك أشد من مقتكم أنفسكم اليوم‪.‬‬ ‫‪ -2‬جائز أن تكون الموتة الولى لما كانوا في الرحم قبل نفخ الروح‪ ،‬وجائز أن يكون العدم‬ ‫السابق للوجود في الرحم شاهده آية البقرة {وكنتم أمواتا فأحياكم}‪.‬‬ ‫‪ -3‬سر اعترافهم هذا أنهم يرجون من ورائه الخروج من النار ظنا منهم أنه نافع لهم شاهده قولهم‬ ‫مستعطفين‪{ :‬فهل إلى خروج من سبيل}‬

‫( ‪)4/520‬‬ ‫ل العلي الكبير‪ ،‬وقد حكم بعذابكم فل سبيل إلى نجاتكم‪ .‬فامقتوا أنفسكم ونوحوا على أرواحكم فما‬ ‫ذلكم بمجديكم ول بمخفف العذاب عنكم‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬هوَ الّذِي(‪ )1‬يُرِي ُكمْ آيَاتِهِ} هذا خطاب‬ ‫للناس في هذه الحياة الدنيا خطاب لمشركي قريش بعد أن عرض عليهم صورة صادقة حية لحالهم‬

‫في جهنم يوم القيامة عاد يخاطبهم داعيا لهم إلى اليمان فقال هو أي المعبود بحق ال الذي يريكم‬ ‫سمَاءِ رِزْقا} من‬ ‫آياته أي حججه ودلئل وحدانيته وقدرته على بعثكم ومجازاتكم {وَيُنَ ّزلُ َل ُكمْ مِنَ ال ّ‬ ‫المطر وغيره‪ .‬ومع ذاك البيان وهذا الفضال‪َ { ،‬ومَا يَتَ َذكّرُ إِلّا مَنْ يُنِيبُ} أي فل يتعظ إل من شأنه‬ ‫النابة إلى ربه تعالى في كل شأنه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَادْعُوا اللّهَ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ} هذا خطاب للموحدين يأمرهم تعالى بالستمرار على‬ ‫توحيد ال في عباداته والخلص ل تعالى في كل أعمالهم‪ ،‬ولو كره الكافرون ذلك منهم فإنه غير‬ ‫ضائرهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬رفِيعُ الدّ َرجَاتِ ذُو ا ْلعَرْشِ(‪ })2‬أي هو ال ذو الدرجات الرفيعة والعرش العظيم‬ ‫{يُ ْلقِي الرّوحَ(‪ )3‬مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ} أي يلقي بالوحي من أمره الذي يريد إنفاذه‬ ‫إلى خلقه على من يشاء من عباده ممن يصطفيهم وينبئهم من أجل أن ينذروا عباده يوم التلقي‬ ‫وهو يوم القيامة إذ يلتقي أهل الرض بأهل السماء والمخلوقون بخالقهم وهو قوله {لِيُنْذِرَ َيوْمَ‬ ‫شيْءٌ} ‪ ،‬وفي‬ ‫خفَى عَلَى اللّهِ مِ ْن ُهمْ َ‬ ‫التّلقِ َي ْومَ هُمْ بَارِزُونَ}( ‪ )4‬من قبورهم ل شيء يسترهم‪{ ،‬ل َي ْ‬ ‫هذا الموقف العظيم يقول الجبار سبحانه وتعالى‪ِ{ :‬لمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ} ؟ فل يجيبه أحد رهبة منه‬ ‫وخوفا فيجيب نفسه بنفسه قائلً‪{ :‬لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ‪ .‬الْ َيوْمَ تُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ} من خير‬ ‫ظلْمَ الْ َيوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ} ويأخذ في‬ ‫وشر لتمام العدالة اللهية‪ ،‬ويؤكد ذلك قوله‪{ :‬ل ُ‬ ‫محاسبتهم فل ينتصف النهار إل وأهل الجنة في الجنة قائلون في أحسن مقيل اللهم اجعلني منهم‬ ‫ومن قال آمين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬جائز أن يكون الخطاب هنا موجها إلى الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين وكونه عاما‬ ‫يشمل الموحدين والمشركين أولى أو ليزداد المؤمنون إيمانا وليتوب المشركون أما قوله تعالى‬ ‫فادعوا ال مخلصين له الدين فظاهر في أنه خطاب للمؤمنين‪.‬‬ ‫‪-2‬رفيع الدرجات خبر والمبتدأ محذوف تقديره هو عائد على ال ورفيع الدرجات خبر وهو‬ ‫يحتمل أمرين كلهما حق الول أن ال تعالى هو ذو الشأن العظيم والصفات العل والسماء‬ ‫الحسنى والقدر العلى والثاني أنه تعالى رافع درجات أوليائه في دار كرامته إذ رفيع إما أن‬ ‫يكون صفة مشبّهة عائدة إلى الذات اللهية العلية‪ ،‬أو فعيل بمعنى فاعل أي رافع درجات أوليائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬فيه تقرير النبوة المحمدية بإثبات الوحي اللهي لمن يشاء من عباده فبعد تقرير البعث‬ ‫والتوحيد قرر النبوة المحمدية وهذه أصول الدين التي عليها مدار الحياة اليمانية‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا عرض أيضا لحوال يوم القيامة المقصود منه التذكير به والدعوة إلى تقوية اليمان به إذ‬ ‫هو عامل إصلح النفوس مع بيان عظمة ال وعدله وهي موجبات توحيده وطاعته وطاعة رسوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/521‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عدم جدوى العتذار يوم القيامة هذا فيما لو أذن للعبد أن يعتذر فل ينفعه اعتذار‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان إفضال ال على العباد إذ يريهم آياته لهدايتهم ويرزقهم وهم يكفرون به‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب إخلص الدعاء وسائر العبادات ل وحد ولو كره ذلك المشركون‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير النبوة‪ ،‬وبيان الحكمة فيها وهي إنذار الناس من عذاب يوم القيامة حيث الناس بارزون‬ ‫ل ل يخفى على ال منهم شيء فيحاسبهم بعلمه وعدله فل ينقضي نهار إل وقد استقر أهل الجنة‬ ‫في الجنة وأهل النار في النار اللهم أعذنا من نار جهنم‪.‬‬ ‫شفِيعٍ يُطَاعُ(‪)18‬‬ ‫حمِي ٍم وَل َ‬ ‫ظمِينَ مَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َ‬ ‫وَأَنْذِرْ ُهمْ َيوْمَ الْآ ِزفَةِ إِذِ ا ْلقُلُوبُ لَدَى ا ْلحَنَاجِرِ كَا ِ‬ ‫ق وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ ِه ل َي ْقضُونَ‬ ‫خفِي الصّدُورُ(‪ )19‬وَاللّهُ َي ْقضِي بِا ْلحَ ّ‬ ‫َيعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ َومَا ُت ْ‬ ‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ(‪)20‬‬ ‫شيْءٍ إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّ‬ ‫بِ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يوم الزفة ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫إذ القلوب لدى الحناجر‪ :‬أي من شدة الخوف تكون القلوب قد ارتفعت حتى وصلت عند الحناجر‪.‬‬ ‫كاظمين ‪ :‬أي لقلوبهم يريدون ردها فلم يقدروا‪.‬‬ ‫ما لظالمين من حميم ‪ :‬أي ليس للمشركين من محب قريبا كان أو بعيدا‪.‬‬ ‫يعلم خائنة العين‪ :‬أي ال تعالى يعلم العين إذا سرقت النظر إلى محرم‪.‬‬ ‫وال يقضي بالحق ‪ :‬أي لكمال قدرته وعلمه يحكم بالحق‪.‬‬ ‫والذين يدعون من دونه‪ :‬أي والذين يدعوهم مشركو قريش من أصنام ل يقضون بشيء عدلً كان‬ ‫أو جورا لنهم أصنام ل تسمع ول تبصر‪.‬‬

‫( ‪)4/522‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد بيان الموقف الصعب في عرصات القيامة في اليات السابقة قال تعالى لرسوله {وَأَ ْنذِرْهُمْ} يا‬ ‫ل وكل ما‬ ‫رسولنا أي خوف قومك { َيوْمَ الْآ ِزفَةِ}( ‪ )1‬وهي يوم القيامة القريبة والتي قد قربت فع ً‬ ‫هو آت قريب أنذرهم قربها حتى ل يوافوها بالشرك والمعاصي فيخسروا خسرانا مبينا‪ ،‬أنذرهم‬

‫يوم الزفة إذ القلوب(‪ )2‬من شدة الخوف ترتفع إلى الحناجر(‪ )3‬وهم يكظمونها فل هي تخرج‬ ‫فيموتوا ول هي تعود إلى أماكنها فيستريحوا‪.‬‬ ‫حمِيمٍ} قريب أو حبيب يدفع عنهم العذاب {وَل‬ ‫{مَا لِلظّاِلمِينَ} وهم أهل الشرك والمعاصي {مِنْ َ‬ ‫شفِيعٍ} يشفع لهم وتقبل شفاعته ويطاع فيها ل ذا ول ذاك يا لفظاعة الحال وقوله تعالى‪َ { :‬يعْلَمُ‬ ‫َ‬ ‫خَائِ َنةَ الْأَعْيُنِ(‪ })4‬يخبر تعالى عن سعة علمه وواسع اطلعه أنه يعلم خائنة العين وهي العين‬ ‫خفِي الصّدُورُ(‪ })5‬أي وما تكتمه صدور العباد وما‬ ‫تسترق النظر إلى المحارم‪ ،‬ويعلم { َومَا تُ ْ‬ ‫تضمره من خير وشر‪ ،‬ولذا فسوف يكون الحساب دقيقا ومن نوقش الحساب عُذب‪{ .‬وَاللّهُ َي ْقضِي‬ ‫حقّ} أي يحكم بالعدل‪{ ،‬وَالّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ(‪ )6‬دُونِهِ} أي والذين يعبدهم المشركون من أصنام‬ ‫بِالْ َ‬ ‫شيْءٍ(‪ })7‬لنهم ل يسمعون ول يبصرون‪.‬‬ ‫وأوثان {ل َي ْقضُونَ بِ َ‬ ‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ} السميع لقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم فلذا إذا حكم‬ ‫وقوله {إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّ‬ ‫يحكم بالحق ويقدر على إنفاذ الحكم فيجزي السيئة بالسيئة والحسنة بعشر أمثالها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان هول يوم القيامة وصعوبة الموقف فيه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يقال أزف فلن يأزف أزفا قال النابغة‪:‬‬ ‫أزف الترحل غير أن ركابنا‬ ‫لما تزل برحالنا وكأن قد‬ ‫‪ -2‬القلوب‪ :‬جمع قلب وهو البضعة الصنوبرية الشكل التي تتحرك دائما ما دام الجسم حيا تدفع‬ ‫الدم إلى الشرايين التي بها حياة الجسم‪.‬‬ ‫‪ -3‬الحناجر جمع حنجرة بفتح الحاء والجيم وهي الحلقوم‪.‬‬ ‫‪ -4‬أي ال جل جلله يعلم العين الخائنة قال ابن عباس رضي ال عنهما هو الرجل يكون جالسا‬ ‫مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها‪.‬‬ ‫‪ -5‬قال ابن عباس وما تخفي الصدور أي هل يزني بها من سرق النظر إليها لو خل بها أو ل‪.‬‬ ‫‪ -6‬قرأ نافع تدعون بالتاء وقرأ حفص بالياء يدعون‪.‬‬ ‫‪ -7‬من جملتي وال يقضي بالحق وجملة والذين يدعون من دونه قبلها تألف قصر القضاء على‬ ‫ال تعالى قصر قلب أي دون الصنام‪ .‬كما أفيد القصر من ضم الجملتين في قوله الشاعر‪:‬‬ ‫تسيل على حد الظبات نفوسا‬ ‫وليست على غير الظبات تسيل‬

‫( ‪)4/523‬‬

‫‪ -2‬انعدام الحميم والشفيع للظالمين يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سعة علم ال تعالى حتى إنه يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪.‬‬ ‫‪ -4‬قضاء ال عدل وحكمه نافذ وذلك لكمال علمه وقدرته‪.‬‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً‬ ‫َأوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا ُهمْ أَ َ‬ ‫خذَهُمُ اللّهُ ِبذُنُو ِبهِ ْم َومَا كَانَ َل ُهمْ مِنَ اللّهِ مِنْ وَاقٍ(‪ )21‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَا َنتْ تَأْتِي ِهمْ‬ ‫وَآثَارا فِي الْأَ ْرضِ فَأَ َ‬ ‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َف َكفَرُوا فَأَخَ َذهُمُ اللّهُ إِنّهُ َق ِويّ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪)22‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أو لم يسيروا في الرض ‪ :‬أي أغفل كفار قريش ولم يسيروا في الرض‪.‬‬ ‫فينظروا ‪ :‬أي بأعينهم‪.‬‬ ‫كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ‪ :‬إنها كانت دمارا وخسارا ووبالً عليهم‪.‬‬ ‫كانوا هم أشدّ منهم قوة وآثارا في الرض ‪ :‬ولم يغن ذلك عنهم من ال شيئا‪.‬‬ ‫فأخذهم ال بذنوبهم ‪ :‬أي عاقبهم بذنوبهم فدمرهم وأهلكهم‪.‬‬ ‫وما كان لهم من ال من واق ‪ :‬أي ولم يوجد لهم من عقاب ال من واق يقيهم منه‪.‬‬ ‫ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ‪ :‬أي بالحجج والبراهين والدلة والمعجزات‪.‬‬ ‫فكفروا ‪ :‬أي بتلك الحجج واليات‪.‬‬ ‫فأخذهم ال ‪ :‬أي لما كفروا أخذهم بكفرهم‪.‬‬ ‫إنه قوي شديد العقاب ‪ :‬هذا تعليل لخذه إياّهم‬

‫( ‪)4/524‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫تقدم في السياق تخويف ال تعالى لمشركي قريش بعذاب الخرة‪ ،‬ومبالغة في نصحهم وطلب‬ ‫هدايتهم خوفهم بعد عذاب الخرة بعذاب الدنيا لعلهم يتوبون فقال‪َ{ :‬أوَلَمْ َيسِيرُوا فِي(‪ )1‬الْأَ ْرضِ‬ ‫فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً وَآثَارا فِي الْأَ ْرضِ} أي‬ ‫أغفل هؤلء المجاحدون المعاندون ولم يسيروا في البلد شمالً وجنوبا حيث ديار عاد في الجنوب‬ ‫وديار ثمود في الشمال فينظروا بأعينهم كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كعاد وثمود كان‬ ‫أولئك أشد من هؤلء قوة وأثارا في الرض من حيث البناء والعمران والقدرة على الحرب‬ ‫والقتال‪ ،‬فأخذهم ال بذنوبهم(‪ )2‬أي بذنوب الشرك والتكذيب والمعاصي‪ ،‬ولما أخذهم لم يوجد لهم‬ ‫من عقاب ال وعذابه من واق يقيهم ما أنزل ال بهم وما أحله بساحتهم‪ .‬فما لهؤلء المشركين ل‬ ‫يتعظون ول يعتبرون والعاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَا َنتْ تَأْتِيهِمْ رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َف َكفَرُوا فََأخَ َذهُمُ اللّهُ} هذا تعليل لخذ ال‬ ‫لولئك القوام من عاد وثمود وغيرهم إذ ما أخذهم إل بعد أن أنذرهم وأعذر إليهم فلما أصروا‬ ‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ}( ‪ )3‬تعليل أيضا للخذ الكامل‬ ‫على الكفر والتكذيب أخذهم بذنوبهم‪ .‬وقوله {إِنّهُ َق ِويّ َ‬ ‫الذي أخذهم به لعظم قوته وشدة عقابه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير الحكمة القائلة‪ :‬العاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬ ‫‪ -2‬الخذ بالذنوب سنة من سنن ال في الرض ل تتبدل(‪ )4‬ول تتحول‪.‬‬ ‫‪ -3‬من أراد ال عقاب ل يوجد له واق يقيه‪ ،‬ول حامٍ يحميه‪ ،‬ومن تاب تاب ال عليه‪.‬‬ ‫ن َوقَارُونَ َفقَالُوا سَاحِرٌ كَذّابٌ(‪)24‬‬ ‫ن وَهَامَا َ‬ ‫عوْ َ‬ ‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا وَسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ(‪ )23‬إِلَى فِرْ َ‬ ‫فََلمّا جَاءَهُمْ بِا ْلحَقّ مِنْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم سيرهم في ديار الهالكين ليروا بأعينهم آثار الهالكين‬ ‫ويفكروا في سبب هلكهم ليحصل لهم بذلك العبرة المطلوبة لهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬الباء في بذنوبهم سببية إذ هلكهم متسبب عن ذنوبهم وهي الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -3‬الجملة تعليلية لما قبلها من أخذ ال تعالى المشركين بذنوبهم في التكذيب والشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -4‬إل أن يشاء ال إيقافها أو تبديلها فهو على ما يشاء قدير‪.‬‬

‫( ‪)4/525‬‬ ‫عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الّذِينَ آمَنُوا َمعَ ُه وَاسْتَحْيُوا ِنسَاءَ ُه ْم َومَا كَيْدُ ا ْلكَافِرِينَ إِلّا فِي ضَللٍ(‪)25‬‬ ‫ظهِرَ فِي الْأَ ْرضِ‬ ‫عوْنُ ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى وَلْيَ ْدعُ رَبّهُ إِنّي َأخَافُ أَنْ يُبَ ّدلَ دِي َنكُمْ َأوْ أَنْ ُي ْ‬ ‫َوقَالَ فِرْ َ‬ ‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ مِنْ ُكلّ مُ َتكَبّ ٍر ل ُي ْؤمِنُ بِ َيوْمِ الْحِسَابِ(‪)27‬‬ ‫ا ْلفَسَادَ(‪َ )26‬وقَالَ مُوسَى إِنّي ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بآياتنا وسلطان مبين ‪ :‬أي بحججنا‪ ،‬وبرهان بين ظاهر‪.‬‬ ‫هامان وقارون‪ :‬هامان وزير فرعون‪ ،‬وقارون رجل المليين‪.‬‬ ‫فقالوا ساحر كذاب‪ :‬أي لما رأوا آية العصا واليد البيضاء قالوا‪ :‬ساحر كذاب دفعا لقومهم حتى ل‬ ‫يؤمنوا به‪.‬‬ ‫فلما جاءهم بالحق من عندنا‪ :‬أي جاءهم موسى بالصدق فيما أخبرهم به من أنه رسول ال‬ ‫وطالبهم بإرسال بني إسرائيل معه‪.‬‬ ‫قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه‪ :‬أي اقتلوا الولد الذكران‪.‬‬

‫واستحيوا نساءهم ‪ :‬أي بناتهم بمعنى اتركوهن حيات‪.‬‬ ‫وما كيد الكافرين إل في ضلل ‪ :‬أي وما مكرهم إل في خسران وضياع‪.‬‬ ‫ذروني أقتل موسى وليدع ربه ‪ :‬أي دعوني واتركوني وليدع ربه ليمنعه مني‪.‬‬ ‫إني أخاف أن يبدل دينكم ‪ :‬أي يغير عبادتكم للهتكم لعبادة إلهه‪.‬‬ ‫أو أن يظهر في الرض الفساد‪ :‬بالقتل والتخريب ونحوه‪.‬‬ ‫إني عذت بربي وربكم‪ :‬أي استجرت بخالقي وخالقكم‪.‬‬ ‫من كل متكبر ل يؤمن بيوم الحساب‪ :‬أي من كل إنسان متكبر ل يؤمن بيوم الحساب والجزاء‬ ‫على العمال‪.‬‬

‫( ‪)4/526‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد تلك الدعوة الربانية لقريش إلى اليمان والتوحيد والتصديق بالبعث والجزاء‪ ،‬وما فيها من‬ ‫مظاهر لقدرة ال وعلمه وحكمته وعدله‪ ،‬وبعد ذلك العرض لحوال القيامة‪ ،‬وبيان الجزاء لكل من‬ ‫الكافرين والمؤمنين فيها كأنه يُرى رأي العين‪ ،‬وبعد ذلك الترغيب والترهيب مما في الدنيا‬ ‫والخرة والمشركون ل يزدادون إل عتوا وطغيانا بعد كل ذلك قص ال تعالى على رسوله قصة‬ ‫موسى مع فرعون ليسلّيه بها ويصبره وليعلمه أن البلء مهما اشتد يعقبه الفرج‪ ،‬وأن ال ناصره‬ ‫سلْنَا} أي قبلك يا رسولنا‬ ‫على قومه كما نصر موسى على فرعون وقومه فقال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ أَرْ َ‬ ‫موسى بن عمران بآياتنا(‪ )1‬أي بأدلتنا وحججنا على صدق دعوته وصحة رسالته‪ ،‬وسلطان مبين‬ ‫أي وبرهان ظاهر بين أرسلناه إلى فرعون وهامان وقارون(‪ )2‬فهامان وزير فرعون وقارون من‬ ‫أرباب المليين وهو وإن لم يكن من آل فرعون لنه من بني إسرائيل إل أنه مال فرعون ووقف‬ ‫في صفه‪ ،‬فلما بلغهم موسى دعوة ربه وأراهم الحجج والبراهين قالوا ساحر(‪ )3‬كذاب فرموه‬ ‫بقاصمتين السحر والكذب حماية لمصالحهم وخوفا من تغيير والوضع عليهم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬فَلمّا جَا َءهُمْ بِا ْلحَقّ مِنْ عِ ْندِنَا} أي فلما جاءهم موسى بالصدق من عند ال كان ردّ‬ ‫الفعل منهم أن أمروا بقتل الذكور من أولد الذين آمنوا معه‪ ،‬واستحياء بناتهم للخدمة والمتهان‬ ‫وهو ما أخبر تعالى به في قوله‪{ :‬قَالُوا اقُْتلُوا أَبْنَاءَ الّذِينَ آمَنُوا َمعَ ُه وَاسْ َتحْيُوا نِسَا َءهُمْ} وقوله تعالى‬ ‫{ َومَا كَيْدُ ا ْلكَافِرِينَ إِلّا فِي ضَللٍ} عام في كل كيد كافر يبطله ال تعالى ول يضر به أولياءه وقوله‬ ‫عوْنُ ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى} ل شك أن هذا القول الدال على طغيان فرعون كان بعد‬ ‫تعالى‪َ { :‬وقَالَ فِرْ َ‬ ‫أن انهزم في ميادين عدة أراد أن يسترد بعض ما فقد فقال ذروني أقتل موسى أي اتركوني أقتل‬ ‫موسى { وَلْيَ ْدعُ رَبّهُ(‪ })4‬أي ليمنعه مني‪ ،‬وعلل لقوله هذا بقوله إني أخاف أن يبدّل دينكم‪ ،‬أي بعد‬ ‫أن يغلب عليكم فتدينون بدينه أو أن يظهر في الرض الفساد بالقتل والفتن‪.‬‬

‫ورد موسى عليه السلم بما أخبر تعالى به عنه في قوله‪َ { :‬وقَالَ مُوسَى إِنّي عُ ْذتُ بِرَبّي‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هي اليات التسع‪.‬‬ ‫‪ -2‬خص بالذكر هامان وقارون لقوة تأثيرهما في البلد وإدارة الدولة وعز السلطان‪.‬‬ ‫‪ -3‬لما بهرتهم اليات وعجزوا عن مقاومتها رموا موسى بالسحر واتهموه بالكذب كرد فعل‬ ‫وهروبا من المواجهة‪.‬‬ ‫‪ -4‬من الجائز أن يكون قد قال له بعض رجاله أما تخاف أن يدعو عليك ربه فتهلك فأجابه قائلً‬ ‫وليدع ربه‪.‬‬

‫( ‪)4/527‬‬ ‫وَرَ ّبكُمْ مِنْ ُكلّ مُ َتكَبّرٍ ل ُي ْؤمِنُ بِ َيوْمِ ا ْلحِسَابِ} قال موسى هذا لما سمع مقالة فرعون التي يهدده‬ ‫فيها بالقتل فأعلمهم أنه قد استجار بال وتحصن به فل يقدر أحد على قتله‪ ،‬وقوله من كل متكبر(‬ ‫‪ )1‬ل يؤمن بيوم الحساب‪ ،‬لن من يؤمن بيوم الحساب ل يقدم على جريمة القتل وإنما يقدم عليها‬ ‫من ل يؤمن بحساب ول جزاء في الدار الخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول وحمله على الصبر والتحمل وهو في أشد الظروف صعوبة‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم تورع الظلمة في كل زمان عن الكذب وتلفيق التهم للبرياء‪.‬‬ ‫‪ -3‬التهديد بالقتل شنشنة الجبارين والطغاة في العالم‪.‬‬ ‫‪ -4‬أحسن ملذ للمؤمن من كل خوف هو ال تعالى رب المستضعفين‪.‬‬ ‫عوْنَ َيكْتُمُ إِيمَا َنهُ أَ َتقْتُلُونَ َرجُلً أَنْ َيقُولَ رَ ّبيَ اللّهُ َوقَدْ جَا َءكُمْ بِالْبَيّنَاتِ‬ ‫جلٌ ُم ْؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرْ َ‬ ‫َوقَالَ َر ُ‬ ‫ك صَادِقا ُيصِ ْبكُمْ َب ْعضُ الّذِي َيعِ ُد ُكمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ‬ ‫مِنْ رَ ّبكُ ْم وَإِنْ َيكُ كَاذِبا َفعَلَ ْيهِ كَذِبُهُ وَإِنْ َي ُ‬ ‫ُهوَ مُسْ ِرفٌ كَذّابٌ(‪ )28‬يَا َقوْمِ َلكُمُ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَ ْرضِ َفمَنْ يَ ْنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ‬ ‫عوْنُ مَا أُرِي ُكمْ إِلّا مَا أَرَى َومَا أَ ْهدِيكُمْ إِلّا سَبِيلَ الرّشَادِ(‪)29‬‬ ‫جَاءَنَا قَالَ فِرْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقال رجل مؤمن من آل فرعون‪ :‬وهو شمعان بن عم فرعون‪.‬‬ ‫أتقتلون رجل أن يقول ربي ال؟ ‪ :‬أي لن يقول ربي ال؟ والرجل هو موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬متكبر‪ :‬متعظم عن اليمان بال وصفته أنه ل يؤمن بيوم الحساب‪.‬‬

‫( ‪)4/528‬‬ ‫بالبينات من ربكم ‪ :‬أي بالمعجزات الظاهرات‪.‬‬ ‫فعليه كذبه ‪ :‬أي ضرر كذبه عليه ل عليكم‪.‬‬ ‫يصبكم بعض الذي يعدكم ‪ :‬أي بعض العذاب الذي يعدكم به في الدنيا عاجلً غير آجل‪.‬‬ ‫من هو مسرف كذاب ‪ :‬أي مسرف في الكفر والظلم كذاب ل يقول الصدق ول يفوه به‪.‬‬ ‫ظاهرين في الرض ‪ :‬أي غالبين في بلد مصر وأراضيها‪.‬‬ ‫فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ‪ :‬أي من عذاب ال إن جاءنا وقد قتلنا أولياءه‪.‬‬ ‫ما أريكم إل ما أرى‪ :‬أي ما أشير به عليكم إل ما أشير به على نفسي وهو قتل موسى‪.‬‬ ‫وما أهديكم إل سبيل الرشاد‪ :‬أي إل طريق الرشد والصواب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في الحديث عما دار في قصر فرعون فقد أبدى فرعون رغبته في إعدام موسى‬ ‫معللً ذلك بأمرين أن يبدل دين الدولة والشعب‪ ،‬والثاني أن يظهر في الشغب في البلد والتعب‬ ‫للدولة والمواطنين معا‪ .‬وها هو ذا رجل مؤمن من رجالت القصر يكتم إيمانه بموسى وبما جاء‬ ‫جلٌ ُم ْؤمِنٌ}(‬ ‫به من التوحيد خوفا من فرعون وملئه‪ .‬ولنسمع إلى ما أخبر تعالى به عنه‪َ { :‬وقَالَ رَ ُ‬ ‫عوْنَ} إذ هو ابن عم فرعون واسمه شمعان كسلمان قال‪{ :‬أَ َتقْتُلُونَ}( ‪)2‬‬ ‫‪ )1‬أي بموسى {مِنْ آلِ فِرْ َ‬ ‫ينكر عليهم قرار القتل { َرجُلً أَنْ َيقُولَ رَ ّبيَ اللّهُ} أي لن قال ربي ال { َوقَدْ جَا َءكُمْ بِالْبَيّنَاتِ} وهي‬ ‫الحجج والبراهين كالعصا واليد {مِنْ رَ ّبكُمْ} الحق الذي ل رب لكم سواه‪{ .‬وَإِنْ َيكُ(‪ )3‬كَاذِبا} أي‬ ‫وإن فرضنا أنه كاذب فإن ضرر كذبه عائد عليه ل عليكم {وَإِنْ َيكُ صَادِقا} وهو صادق { ُيصِ ْبكُمْ‬ ‫َب ْعضُ الّذِي(‪َ )4‬ي ِع ُدكُمْ} من العذاب العاجل‪ .‬إن ال تعالى ل يهدي أي ل يوفق إلى النصر والفوز‬ ‫في أموره {مَنْ ُهوَ مُسْ ِرفٌ(‪ })5‬متجاوز الحد في العتداء والظلم { َكذّابٌ} مفتر يعيش على الكذب‬ ‫فل يعرف الصدق‪ .‬وبعد أن بين لهم هذه الحقيقة العلمية‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬في نص هذا الخبر تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستفهام للنكار ينكر على فرعون ملئه عزمهم على قتل موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬لم يكن قوله وإن يك كاذبا شكا في صدق موسى وإنما هو من باب التلطف والتنزل مع‬ ‫الخصم حتى ل يلج في الجدال والخصومة وحذفت النون من وإن يك لكثرة الستعمال‪.‬‬ ‫‪ -4‬أي إن لم يصبكم إل بعض الذي يعدكم به هلكتم‪ ،‬وجائز أن يطلق البعض وهو يريد الكل‬ ‫وهو سائغ وشائع قال الشاعر‪:‬‬ ‫وقد يدرك المتأني بعض حاجته‬

‫وقد يكون مع المستعجل الزلل‬ ‫‪ -5‬إن كان هذا الموصوف الرجل المؤمن فهو إشارة إلى موسى وإن كان من قول ال تعالى فهو‬ ‫إشارة إلى فرعون‪.‬‬

‫( ‪)4/529‬‬ ‫الثابتة أقبل عليهم يعظهم فقال‪{ :‬يَا َقوْمِ َل ُكمُ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ ظَاهِرِينَ} أي غالبين في الرض أي أرض‬ ‫مصر بكامل ترابها وحدودها‪ .‬لكن إن نحن أسرفنا في الظلم والفتراء فقتلنا أولياء ال فجاءنا بأس‬ ‫ال عقوبةً لنا فمن ينصرنا؟ إنه ل ناصر لنا أبدا من ال فتفهموا ما قلت لكم جيدا‪ ،‬ول يهلك على‬ ‫ال إل هالك‪ ،‬وهنا قام فرعون يرد على كلمة الرجل المؤمن فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله‪:‬‬ ‫عوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلّا مَا أَرَى} أي ما أشير عليكم بشيء إل وقد رأيته صائبا وسديدا‪ ،‬يعني‬ ‫{قَالَ فِرْ َ‬ ‫قتل موسى عليه السلم‪ ،‬وما أهديكم إل سبيل الرشاد أي إلّ إلى طريق الحق والصواب‪ ،‬وكذب‬ ‫وال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل اليمان وفضل صاحبه فقد ورد الثناء على هذا الرجل في ثلثة رجال هم مؤمن آل‬ ‫فرعون هذا‪ ،‬وحبيب النجار مؤمن آل ياسين وأبو بكر(‪ )1‬الصديق رضي ال عنه‪.‬‬ ‫‪ -2‬فصاحة مؤمن آل فرعون هي ثمرة إيمانه وبركته العاجلة فإن لكلماته وقع كبير في النفوس‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد بالسراف في كل شيء والكذب والفتراء في كل شيء وعلى أي شيء‪.‬‬ ‫‪ -4‬من عجيب أمر فرعون ادعاؤه أنه يهدي إلى الرشد والسداد والصواب في القول والعمل‪،‬‬ ‫حتى ضرب به المثل فقيل‪ :‬فرعون يهدي إلى الرشد‪.‬‬ ‫ح وَعَادٍ وَ َثمُودَ‬ ‫َوقَالَ الّذِي آمَنَ يَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ مِ ْثلَ َيوْمِ الَْأحْزَابِ(‪ )30‬مِ ْثلَ دَ ْأبِ َقوْمِ نُو ٍ‬ ‫علَ ْيكُمْ َيوْمَ التّنَادِ(‪َ )32‬يوْمَ‬ ‫وَالّذِينَ مِنْ َبعْ ِدهِ ْم َومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِ ْلعِبَادِ(‪ )31‬وَيَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ َ‬ ‫ُتوَلّونَ ُمدْبِرِينَ مَا َلكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِ ٍم َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا َلهُ مِنْ هَادٍ(‪)33‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬روى البخاري وغيره أن المشركين تعرضوا للرسول صلى ال عليه وسلم حول الكعبة بسوء‬ ‫فجاء أبو بكر يصرخ فيهم أتقتلون رجل أن يقول ربي ال‪ .‬فضربوه ضربا شديدا حتى أغمي عليه‬ ‫فلما أفاق قال كيف رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال عليّ أبو بكر أفضل من مؤمن آل‬ ‫فرعون لن أبا بكر ما أخفى إيمانه بل أظهره وأوذي ومؤمن آل فرعون كتم إيمانه ولم يؤذ‪.‬‬

‫( ‪)4/530‬‬

‫شكّ ِممّا جَا َء ُكمْ بِهِ حَتّى إِذَا هََلكَ قُلْتُمْ لَنْ يَ ْب َعثَ‬ ‫سفُ مِنْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا زِلْ ُتمْ فِي َ‬ ‫وَلَقَدْ جَا َء ُكمْ يُو ُ‬ ‫ضلّ اللّهُ مَنْ ُهوَ مُسْ ِرفٌ مُرْتَابٌ(‪ )34‬الّذِينَ يُجَا ِدلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ‬ ‫اللّهُ مِنْ َب ْع ِدهِ رَسُولً كَذَِلكَ ُي ِ‬ ‫ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ كَبُرَ َمقْتا عِ ْندَ اللّهِ وَعِنْدَ الّذِينَ آمَنُوا كَذَِلكَ َيطْبَعُ اللّهُ عَلَى ُكلّ قَ ْلبِ مُ َتكَبّرٍ جَبّارٍ(‬ ‫‪)35‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقال الذي آمن ‪ :‬أي مؤمن آل فرعون‪.‬‬ ‫مثل يوم الحزاب ‪ :‬أي عذابا مثل عذاب الحزاب وهم قوم نوح وعاد وثمود‪.‬‬ ‫مثل دأب قوم نوح‪ :‬أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم وهي استمرارهم على الكفر حتى الهلك‬ ‫فهذا الذي أخافه عليكم‪.‬‬ ‫يوم التناد ‪ :‬أي يوم القيامة وقيل فيه يوم التنادي لكثرة النداءات فيه إذ ينادي أصحاب الجنة‬ ‫أصحاب النار‪ ،‬وأصحاب النار أصحاب الجنة‪.‬‬ ‫يوم تولّون مدبرين‪ :‬أي هاربين من النار إلى الموقف‪.‬‬ ‫ولقد جاءكم يوسف من قبل ‪ :‬أي يوسف بن يعقوب الصديق عليهما السلم من قبل مجيء موسى‬ ‫إليكم اليوم‪.‬‬ ‫قلتم لن يبعث ال من بعده رسول‪ :‬أي قلتم هذا من دون دليل فبقيتم كافرين إلى اليوم‪.‬‬ ‫كذلك يضل ال من هو مسرف ‪ :‬أي مثل إضللكم هذا يضل ال من هو مسرف في الشرك‬ ‫والظلم‪.‬‬ ‫مرتاب ‪ :‬أي شاك فيما قامت الحجج والبينات على صحته‪.‬‬ ‫يجادلون في آيات ال بغير سلطان‪ :‬أي يخاصمون في آيات ال لبطالها بدون سلطان أي حجة‬ ‫وبرهان‪.‬‬ ‫كبر مقتا عند ال وعند الذين آمنوا ‪ :‬أي كبر جدالهم بالباطل مقتا عند ال وعند الذين آمنوا‪.‬‬

‫( ‪)4/531‬‬ ‫كذلك ‪ :‬أي مثل إضللهم يطبع ال أي يختم بالضلل على كل قلب متكبر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم فيما دار من كلم في مجلس الحكومة‪ ،‬وها هو ذا مؤمن آل فرعون يتناول‬ ‫الكلمة بعد فرعون الذي أعاد تقريرا ما عزم عليه من قتل موسى عليه السلم فقال ما أخبر تعالى‬ ‫به عنه في قوله‪َ { :‬وقَالَ الّذِي آمَنَ} وهنا أعلن عن إيمانه الذي كان يكتمه يا قوم إني أخاف عليكم‬ ‫أي إن أنتم أصررتم على قتل موسى وقتلتموه {َأخَافُ عَلَ ْي ُكمْ مِ ْثلَ َي ْومِ الْأَحْزَابِ} وهو اليوم الذي‬

‫أخذ ال فيه قوم نوح‪ ،‬وعاد وثمود أي أخاف عليكم جزاء عادتهم وهي استمرارهم على الكفر‬ ‫والشك والتكذيب حتى حلت بهم نقمة ال ونزل بهم عذابه وواصل وعظه قائلً‪{ ،‬وَيَا َقوْمِ إِنّي‬ ‫أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َيوْمَ التّنَادِ (‪َ )1‬يوْمَ ُتوَلّونَ مُدْبِرِينَ} أي فارين من النار هاربين إلى الموقف وهو يوم‬ ‫القيامة الذي تكثر فيه النداءات والصرخات { مَا َلكُمْ(‪ )2‬مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ} يعصمكم من العذاب‬ ‫وينجيكم منه‪ .‬وبعد هذا الوعظ البليغ قال { َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} إشارة إلى أن القوم لم‬ ‫يتأثروا بكلمه فقال متعزيا بعلمه بتدبير ال في خلقه فقال‪َ { :‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} فإن‬ ‫من كتب ال عليه الضلل ليصل إلى الشقاوة بكسبه فل هادي له أبدا‪ ،‬إذ ال ل يهدي من يُضل ثم‬ ‫سفُ مِنْ قَ ْبلُ} أي من قبل موسى وهو يوسف بن‬ ‫قال لهم مواصلً كلمه {وََلقَدْ جَا َءكُمْ(‪ )3‬يُو ُ‬ ‫يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلم بالبينات والحجج الدالة على توحيد ال ووجوب‬ ‫شكّ ِممّا جَا َءكُمْ ِبهِ} فلم تؤمنوا ولم توقنوا {حَتّى إِذَا‬ ‫طاعته‪ ،‬غير أنكم مع السف {مَا زِلْتُمْ فِي َ‬ ‫هََلكَ(‪ })4‬أي مات عليه السلم فرحتم بموته {قُلْ ُتمْ لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ مِنْ َبعْ ِدهِ رَسُولً} متخرصين‬ ‫ضلّ اللّهُ مَنْ ُهوَ ُمسْ ِرفٌ(‪ })5‬في‬ ‫متقولين على ال بدون علم فأضلكم ال بكذبكم عليه {كَذَِلكَ ُي ِ‬ ‫الكذب مثلكم {مُرْتَابٌ} في كل شيء ل يعرف اليقين في شيء‪ ،‬والعياذ بال‪ ،‬ثم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قراءة العامة التناد بتخفيف الدال من النداء وهو الدعاء والطلب للحضور أو الغاثة وقرئ‬ ‫التناد بتشديد الدال من ندّ البعير إذا هرب إذ هم فعلً يهربون وشاهده في الية يوم تولون‬ ‫مدبرين‪ .‬والجمهور على حذف الياء وقفا ووصلً‪ .‬وبعضهم أثبتها وصل ووقفا وكل القراءتين‬ ‫صحيحة‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه الجملة في موقع الحال والعاصم المانع والحافظ‪.‬‬ ‫‪ -3‬لما تفرّس فيهم عدم نفع النصح لهم آثر عتابهم ولومهم بقوله ولقد جاءكم يوسف الخ واللم‬ ‫في ولقد جاءكم لم القسم لنهم كالمنكرين فلذا أكد الخبر بالقسم‪.‬‬ ‫‪ -4‬إذا اسم للزمان الماضي مجرور بحتى قبلها وليست بظرف أي حتى زمن هلك يوسف قلتم‬ ‫‪ ..‬والقائل أسلفهم الغابرون يوم مات يوسف عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬المسرف‪ :‬المفرط في فعل أو قول مال خير فيه‪ ،‬والمرتاب الشديد الريب أي الشك‪.‬‬

‫( ‪)4/532‬‬ ‫أعلمهم أن الذين يجادلون في آيات ال يريدون إبطال الحق وإطفاء نوره بكلمهم بغير حجة لديهم‬ ‫ول برهان أتاهم جدالهم ذلك أكبر مقتا أي أشد شيء يمقته ال ويبغضه من صاحبه‪ ،‬وكذلك عند‬ ‫الذين آمنوا‪ .‬وختم كلمه بقوله { َكذَِلكَ(‪َ )1‬يطْبَعُ اللّهُ} أي كإضلل من هو مسرف مرتاب يطبع ال‬ ‫{عَلَى ُكلّ قَ ْلبِ(‪ )2‬مُ َتكَبّرٍ} أي قلب كل إنسان متكبر على اليمان والطاعة متجبر متعاظم يريد‬

‫إجبار الناس على مراده وما يهواه‪ .‬وإلى هنا انتهى كلم الرجل المؤمن والكلمة الن إلى فرعون‬ ‫الطاغية وسنقرأها في اليات التالية بعد رؤية ما في اليات من هداية‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬قوة اليمان تفجر قلب المؤمن بأنواع من المعرفة والحكمة في قوله إذا قال‪.‬‬ ‫‪ -2‬التذكير بالمم الهالكة إذ العاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬ ‫‪ -3‬التخويف من عذاب الخرة وأهوال القيامة‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالسراف والرتياب وعدم اليقين‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة الجدال بغير علم‪ ،‬وأن صاحبه عرضة لمقت المؤمنين بعد مقت ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -6‬عرضة المتكبر الجبار للطبع على قلبه ويومها يحرم الهداية فل يُهدى أبدا‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ فََأطّلِعَ ِإلَى إَِلهِ‬ ‫عوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحا َلعَلّي أَبْلُغُ الَْأسْبَابَ(‪َ )36‬أسْبَابَ ال ّ‬ ‫َوقَالَ فِرْ َ‬ ‫عوْنَ إِلّا فِي‬ ‫ل َومَا كَيْدُ فِرْ َ‬ ‫عمَِل ِه َوصُدّ عَنِ السّبِي ِ‬ ‫مُوسَى وَإِنّي لَأَظُنّهُ كَاذِبا َوكَذَِلكَ زُيّنَ ِلفِرْعَوْنَ سُوءُ َ‬ ‫تَبَابٍ(‪َ )37‬وقَالَ الّذِي آمَنَ يَا َقوْمِ اتّ ِبعُونِ أَ ْه ِدكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ(‪ )38‬يَا َقوْمِ إِ ّنمَا َه ِذهِ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا‬ ‫مَتَاعٌ وَإِنّ الْآخِ َرةَ ِهيَ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬جائز أن يكون هذا من كلم مؤمن آل فرعون ختم به كلمه معهم‪ .‬وجائز أن يكون من كلم‬ ‫ال تعالى معترض بين كلم المؤمن وكلم فرعون‪.‬‬ ‫‪ -2‬المتكبر هو ذو الكبر والجبار الذي يكره الناس على ما ل يحبون عمله لظلمه وعتوه وقرأ‬ ‫الجمهور على كل قلب متكبر بإضافة قلب إلى متكبر وقرأ بعضهم بتنوين قلب بدون إضافة‬ ‫فيكون متكبر نعتا لقلب‪.‬‬

‫( ‪)4/533‬‬ ‫ل صَالِحا مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ‬ ‫ع ِم َ‬ ‫ع ِملَ سَيّ َئةً فَل يُجْزَى إِلّا مِثَْلهَا َومَنْ َ‬ ‫دَارُ ا ْلقَرَارِ(‪ )39‬مَنْ َ‬ ‫فَأُولَ ِئكَ َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّةَ يُرْ َزقُونَ فِيهَا ِبغَيْرِ حِسَابٍ(‪)40‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا هامان ابن لي صرحا‪ :‬هامان وزير فرعون والصرح البناء العالي‪.‬‬ ‫أسباب السموات ‪ :‬أي طرقها الموصلة إليها‪.‬‬ ‫وإني لظنه كاذبا ‪ :‬أي وإني لظن موسى كاذبا في زعمه أن له إلها غيري‪.‬‬ ‫سوء عمله ‪ :‬أي قبيح عمله‪.‬‬ ‫وصد عن السبيل ‪ :‬أي عن طريق الهدى‪.‬‬

‫إل في تباب ‪ :‬أي خسار وضياع بل فائدة تذكر‪.‬‬ ‫إنما هذه الحياة الدنيا متاع ‪ :‬أي ما هذه الدنيا إل متاع يتمتع به وقتا ثم يزول‪.‬‬ ‫دار القرار ‪ :‬أي الستقرار والبقاء البدي‪.‬‬ ‫يرزقون فيها بغير حساب‪ :‬أي رزقا واسعا بل تبعة ول تعقيب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم فيما يدور من كلم بين مؤمن آل فرعون وفرعون نفسه إذ تقدم قول‬ ‫المؤمن وما حواه من نصح وإرشاد وها هو ذا فرعون يرد بطريق غير مباشر على(‪ )1‬ما قاله‬ ‫المؤمن فقال‪ :‬لوزيره هامان {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحا} أي بناء عاليا {َلعَلّي أَ ْبلُغُ الْأَسْبَابَ َأسْبَابَ‬ ‫سمَاوَاتِ فَأَطّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي(‪ )2‬لََأظُنّهُ كَاذِبا} أي في دعواه أن له إلها غيري وهذا من‬ ‫ال ّ‬ ‫فرعون مجرد مناورة كاذبة يريد أن يموه بها على غيره إبقاء على مركزه وقوله تعالى‪َ { :‬وكَ َذِلكَ‬ ‫عمَلِهِ} أي ومثل هذا التزيين في قول فرعون زين له سوء عمله وهو أقبح ما‬ ‫عوْنَ سُوءُ َ‬ ‫زُيّنَ ِلفِرْ َ‬ ‫صدّ عَنِ السّبِيلِ(‪ })3‬أي صرف عن‬ ‫يكون‪َ { ،‬و ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬خاف فرعون أن يؤثر كلم مؤمن آل فرعون في الذين سمعوه فأوهم أنه يمتحن ما جاء به‬ ‫موسى من التوحيد فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم‪ ،‬وإن لم يظهر صوابه ثبتهم على دينه فقال‬ ‫لوزيره ابن لي صرحا الخ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أسباب السموات بدل من أسباب الول‪ .‬والسباب جمع سبب وهو ما يوصل إلى مكان بعيد‬ ‫فيطلق على الحبل ويطلق على الطريق والمراد هنا طرق السموات كما في قول زهير‪:‬‬ ‫\ومن هاب أسباب المنايا ينلنه‬ ‫وإن يرق أسباب السماء بسلم‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع وصد بفتح الصاد من صد اللزم يصُدّ أو المتعدي صد نفسه وصد غيره وقرأ‬ ‫حفص وصد بالبناء للمجهول أي بصد الصاد أي صده ال وصرفه عقوبة له لشدة كفره وظلمه‪.‬‬

‫( ‪)4/534‬‬ ‫عوْنَ} أي مكره وتدبيره لقتل موسى عليه السلم‬ ‫طريق الحق والهدى‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَيْدُ فِرْ َ‬ ‫وقتل أبناء المؤمنين {إِلّا فِي تَبَابٍ} أي خسار وضياع لم يتحقق منه شيء‪ ،‬لن ال تعالى ولي‬ ‫موسى والمؤمنين فلم يمكن فرعون منهم بحال‪ .‬وبعد أن أخبر تعالى عن فرعون في محاولته‬ ‫الفاشلة أخبر تعالى عن الرجل المؤمن(‪ )1‬وما قاله للقوم من نصح وإرشاد فقال‪َ { :‬وقَالَ الّذِي آمَنَ‬ ‫يَا َقوْمِ اتّ ِبعُونِ أَ ْه ِدكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ} أي طريق الرشد والصواب في حياتكم لتنجوا من العذاب‬ ‫وتفوزوا بالنعيم المقيم في الجنة‪ .‬فقال‪{ :‬يَا َقوْمِ إِ ّنمَا هَ ِذهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا مَتَاعٌ} أي ل تعدو كونها متاعا‬

‫قليلً يُتمتع به ثم يذهب سريعا‪{ ،‬وَإِنّ الْآخِ َرةَ} أي الحياة الخرة بعد انتهاء هذه الحياة { ِهيَ دَارُ(‪)2‬‬ ‫ا ْلقَرَارِ} أي الستقرار والقامة البدية‪ ،‬فاعملوا لدار البقاء وتجافوا عن دار الفناء واعلموا أن‬ ‫ع ِملَ سَيّئَةً فَل ُيجْزَى إِلّا مِثَْلهَا} وذل لعدالة الرب تبارك وتعالى‪ ،‬ومن‬ ‫الحساب سريع وأن {مَنْ َ‬ ‫عمل صالحا من العمال الصالحة التي شرعها ال لعباده وتعبدهم بها والحال(‪ )3‬أنه مؤمن أي‬ ‫مصدق بال وبوعده ووعيده يوم لقائه فأولئك أي المؤمنون العاملون للصالحات(‪ )4‬من الذكور‬ ‫والناث يدخلون الجنة دار السلم يرزقون فيها بغير حساب أي رزقا واسعا ل يلحق صاحبه تبعة‬ ‫ول تعب ول نصب‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من تزيين العمال القبيحة نتيجة الدمان عليها والستمرار على فعلها فإن من زُينت‬ ‫له أعماله السيئة فأصبح يراها حسنة هلك والعياذ بال‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من الغترار بالدنيا والغفلة من الخرة إذ الولى زائلة والخرة باقية واختيار الباقي‬ ‫على الفاني من شأن العقلء‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التذكير بالحساب والجزاء وما يتم في دار الخرة من سعادة وشقاء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هو مؤمن آل فرعون الذي أظهر إيمانه بعد كتمانه‪.‬‬ ‫‪ -2‬يريد بالدار دار السلم الجنة ودار البوار النار‪.‬‬ ‫‪ -3‬لن جملة قوله تعالى "وهو مؤمن" حالية وإن كانت شرطا في صحة العمال الصالحة وفي‬ ‫قبولها ولذا لما لم يذكر اليمان قبل العمل الصالح ذكره في الجملة الحالية ليدلل على تقدمه‬ ‫وشرطيته‪.‬‬ ‫‪ -4‬قرأ الجمهور يدخلون بالبناء للفاعل وقرأ بعض يدخلون بضم الياء وفتح الخاء بالبناء‬ ‫للمجهول والمعنى واحد إذ من دخل دخل بإذن ال ومن أدخل أدخل بإذن ال وفضله‪.‬‬

‫( ‪)4/535‬‬ ‫وَيَا َقوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النّجَا ِة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ(‪َ )41‬تدْعُونَنِي لَِأ ْكفُرَ بِاللّ ِه وَأُشْ ِركَ ِبهِ مَا لَيْسَ‬ ‫ع َوةٌ فِي الدّنْيَا‬ ‫لِي بِهِ عِ ْل ٌم وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى ا ْلعَزِيزِ ا ْل َغفّارِ(‪ )42‬ل جَرَمَ أَ ّنمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَ ْ‬ ‫وَل فِي الْآخِ َرةِ وَأَنّ مَ َردّنَا إِلَى اللّهِ وَأَنّ ا ْلمُسْ ِرفِينَ ُهمْ َأصْحَابُ النّارِ(‪ )43‬فَسَتَ ْذكُرُونَ مَا َأقُولُ َلكُمْ‬ ‫عوْنَ‬ ‫وَُأ َفوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ(‪َ )44‬ف َوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْ َ‬ ‫عوْنَ َأشَدّ‬ ‫غ ُدوّا وَعَشِيّا وَيَوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْخِلُوا آلَ فِرْ َ‬ ‫سُوءُ ا ْل َعذَابِ(‪ )45‬النّارُ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا ُ‬ ‫ا ْلعَذَابِ(‪)46‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أدعوكم إلى النجاة ‪ :‬أي من الخسران في الدنيا والخرة‪ ،‬وذلك باليمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫وتدعونني إلى النار ‪ :‬أي إلى عذاب النار وذلك بالكفر والشرك بال تعالى‪.‬‬ ‫ما ليس لي به علم ‪ :‬أي ل علم لي بصحة إشراكه في عبادة ال تعالى‪.‬‬ ‫وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار‪ :‬أي وأنا أدعوكم إلى اليمان وعبادة ال العزيز أي الغالب على‬ ‫أمره الغفار لذنوب التائبين من عباده المؤمنين به‪.‬‬ ‫ل جرم أن ما تدعونني إليه‪ :‬أي حقا أن ما تدعونني إلى اليمان به وبعبادته‪.‬‬ ‫ليس له دعوة في الدنيا والخرة ‪ :‬أي ليس له دعوة حق إلى عبادته‪ ،‬ول دعوة استجابة بأن‬ ‫يستجيب لمن دعاه ل في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬ ‫وأن المسرفين هم أصحاب النار‪ :‬أي وأن المسرفين في الكفر والشرك والمعاصي هم أهل النار‬

‫( ‪)4/536‬‬ ‫الواجبة لهم‪.‬‬ ‫فوقاه ال سيئات ما مكروا ‪ :‬أي فحفظه ال من مكرهم به ليقتلوه‪.‬‬ ‫وحاق بآل فرعون سوء العذاب‪ :‬أي عذاب الغرق إذ غرق فرعون وجنده أجمعون‪.‬‬ ‫النار يعرضون عليها غدوا وعشيا‪ :‬أي أن سوء العذاب هو النار يعرضون عليها صباحا مساءً‬ ‫وذلك أن أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار كل يوم مرتين‪.‬‬ ‫ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون ‪ :‬أي ويوم القيامة يقال أدخلوا آل فرعون أشد العذاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر نصائح وإرشاد مؤمن آل فرعون فقد قال ما أخبر به تعالى عنه‬ ‫في قوله‪{ :‬وَيَا َقوْمِ(‪ )1‬مَا لِي َأدْعُوكُمْ إِلَى النّجَاةِ} أي من النار وذلك باليمان والعمل الصالح مع‬ ‫ترك الشرك والمعاصي {وَ َتدْعُونَنِي إِلَى النّارِ} وذلك بدعوتكم لي إلى الشرك والكفر { َتدْعُونَنِي(‪)2‬‬ ‫لَِأ ْكفُرَ بِاللّ ِه وَأُشْ ِركَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِ ْلمٌ} أي ما علم لي بصحة إشراكه في عبادة ال تعالى‪َ { .‬وأَنَا‬ ‫أَدْعُوكُمْ إِلَى ا ْلعَزِيزِ(‪ )3‬ا ْل َغفّارِ} أي لتؤمنوا به وتعبدوه وحده ول تشركوا معه غيره أدعوكم إلى‬ ‫العزيز أي الغالب الذي ل يُغلب الغفار لذنوب التائبين من عباده مهما كانت‪ ،‬وأنتم تدعونني إلى‬ ‫أذل شيء وأحقره ل ينفع ول يضر لنه ل يسمع ول يبصر‪ .‬ل جرم أي حقا أن ما تدعونني إليه‬ ‫لومن به وأعبده ليس له دعوة(‪ )4‬حق يدعى بها إليه‪ ،‬ول دعوة استجابة فإنه ل يستجيب لي‬ ‫دعاء أبدا ل في الدنيا ول في(‪ )5‬الخرة‪ .‬وشيء آخر يا قوم وهو أن مردنا إلى ال أي ل محالة‬ ‫نرجع إليه فالواجب أن نؤمن به ونعبده ونوحده ما دام رجوعنا إليه‪ ،‬وآخر وهو {وَأَنّ ا ْلمُسْ ِرفِينَ(‬ ‫‪ )6‬هُمْ َأصْحَابُ النّارِ} المسرفين الذين أسرفوا في الكفر والشرك والمعاصي فتجاوزوا الحد في‬

‫ذلك هم أصحاب النار أي أهلها الذين ل يفارقونها ول تفارقهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الستفهام هنا تعجبي باعتبار تقييده بجملة الحال وهي وتدعونني إلى النار إذ هي في موضع‬ ‫الحال تقدير مبتدأ أي وأنتم تدعونني إلى النار‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه جملة بيان لجملة وتدعونني إلى النار‪.‬‬ ‫‪ -3‬العدول عن اسم الجللة إذ لم يقل أدعوكم إلى ال إلى الصفتين العزيز والغفار ليضاح‬ ‫الستدلل على استحقاقه القرار باللوهية والعبادة‪.‬‬ ‫‪ -4‬ليس له دعوة توجب له اللوهية وليس له استجابة دعوة تنفع ل هذه ول تلك فبأي حق إذا‬ ‫يدعى ويعبد؟‬ ‫‪ -5‬أي ليس له شفاعة في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬ ‫‪ -6‬السراف هنا الفراط في الكفر والظلم بسفك دماء بني إسرائيل بذبح أبنائهم وليصرف‬ ‫فرعون عن عزمه عن قتل موسى عليه السلم وفي الكلم تعريض بالذين يخاطبهم إذ هم‬ ‫مسرفون إلى أبعد حد في الظلم والكفر‪.‬‬

‫( ‪)4/537‬‬ ‫وقوله‪{ :‬فَسَ َت ْذكُرُونَ(‪ )1‬مَا َأقُولُ َلكُمْ} يبدوا أنه قال هذا القول لما رفضوا دعوته وهموا بقتله ويدل‬ ‫عليه قوله‪َ { :‬وُأ َفوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ}‪.‬‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬ف َوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا(‪ })2‬أي حفظه ال تعالى من مكرهم به ليقتلوه فنجاه ال‬ ‫تعالى إذ هرب منهم فبعث فرعون رجالً في طلبه فلم يقدروا عليه ونجا مع موسى وبني إسرائيل‬ ‫عوْنَ سُوءُ ا ْلعَذَابِ} وذلك بأن أغرقهم ال في البحر أجمعين‪.‬‬ ‫وقوله {وَحَاقَ(‪ )3‬بِآلِ فِرْ َ‬ ‫وقوله {النّارُ(‪ُ )4‬يعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا} إخبار بأن أرواح آل فرعون تعرض في البرزخ على النار‬ ‫غدوّا وعشيا وذلك بأن تكون في أجواف طير سود على خلف أرواح المؤمنين فإنها تكون في‬ ‫أجواف طير خضر ترعى في الجنة‪ .‬إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫ويوم تقوم الساعة يقال أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وهو عذاب جهنم والعياذ بال‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الفرق الكبير بين من يدعو إلى النجاة وبين من يدعو إلى النار‪ ،‬بين من يدعو إلى‬ ‫العزيز الغفار ليؤمن به ويُعبد وبين من يدعو إلى أوثان ل تسمع ول تبصر وهي أحقر شيء‬ ‫وأذله في الحياة‪ ،‬وبين من يدعو من ل يستجيب له في الدنيا والخرة وبين من يدعو من يستجيب‬ ‫له في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -2‬التنديد بالسراف وفي كل شيء‪.‬‬ ‫‪ -3‬نعم ما ختم به مؤمن آل فرعون وعظه ونصحه لقومه وهي فستذكرون ما أقول لكم وأفوض‬ ‫أمري إلى ال إن ال بصير بالعباد‪.‬‬ ‫‪ -4‬إثبات عذاب القبر ونعيمه إذ آل فرعون تعرض أرواحهم على النار صباح ومساء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا الكلم مشاركة لهم وإنهاء لخطابهم كأنه استشعر منهم ما جعله ينهى الكلم معهم إما‬ ‫لحظ في ذلك من ملمحهم أو من كلم سمعه منهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما مكروا‪ :‬ما مصدرية أي سيئات مكرهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬حاق‪ :‬أحاط والعذاب الغرق‪.‬‬ ‫‪ -4‬في الصحيح عن ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "إن أحدكم إذا‬ ‫مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل‬ ‫النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك ال يوم القيامة"‪.‬‬

‫( ‪)4/538‬‬ ‫ض َعفَاءُ لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا كُنّا َلكُمْ تَبَعا َف َهلْ أَنْتُمْ ُمغْنُونَ عَنّا َنصِيبا‬ ‫وَإِذْ يَ َتحَاجّونَ فِي النّارِ فَ َيقُولُ ال ّ‬ ‫ح َكمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ(‪َ )48‬وقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ‬ ‫مِنَ النّارِ(‪ )47‬قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا إِنّ اللّهَ َقدْ َ‬ ‫خ ّففْ عَنّا َيوْما مِنَ ا ْل َعذَابِ(‪ )49‬قَالُوا َأوَلَمْ َتكُ تَأْتِيكُمْ رُسُُل ُكمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا‬ ‫جهَنّمَ ادْعُوا رَ ّبكُمْ يُ َ‬ ‫لِخَزَ َنةِ َ‬ ‫بَلَى قَالُوا فَادْعُوا َومَا دُعَاءُ ا ْلكَافِرِينَ ِإلّا فِي ضَللٍ(‪ )50‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي ا ْلحَيَاةِ‬ ‫شهَادُ(‪َ )51‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َم ْعذِرَ ُتهُ ْم وََلهُمُ الّلعْ َن ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ(‪)52‬‬ ‫الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ الَْأ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذ يتحاجون في النار ‪ :‬أي وأنذرهم يوم الزفة وإذ يتحاجون في النار أي يتخاصمون‪.‬‬ ‫فيقول الضعفاء ‪ :‬أي التباع الضعفاء الذين اتبعوا الغنياء والقوياء في الشرك‪.‬‬ ‫إنا كنا لكم تبعا ‪ :‬أي تابعين لكم فيما كنتم تعتقدونه وتفعلونه‪.‬‬ ‫فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار؟ ‪ :‬أي فهل تدفعون عنا شيئا من النار‪.‬‬ ‫إن ال قد حكم بين العباد ‪ :‬فل مراجعة أبدا فقد حكم لهل اليمان والتقوى بالجنة فهم في الجنة‬ ‫ولهل الشرك والمعاصي بالنار فهم في النار‪.‬‬ ‫لخزنة جهنم ‪ :‬أي جمع خازن وهو الموكل بالنار وأهلها‪.‬‬

‫( ‪)4/539‬‬

‫يخفف عنا يوما من العذاب ‪ :‬أي قدر يوم من أيام الدنيا إذ الخرة يوم واحد ل ليل له‪.‬‬ ‫إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا‪ :‬أي بأن نظهر دينهم‪ ،‬أو نهلك قومهم وننجيهم من الهلك‪.‬‬ ‫في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ‪ :‬أي وننصرهم يوم يقوم الشهاد وهم الملئكة يشهدون للرسل‬ ‫بالبلغ‪.‬‬ ‫ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ‪ :‬أي ولهم اللعنة أي البعد من الرحمة ولهم سوء الدار أي الخرة أي‬ ‫شدة عذابها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫هذا عرض آخر للنار وما يجري فيها بعد العرض الذي كان لل فرعون في النار يعرض على‬ ‫كفار قريش ليشاهدوا مصيرهم من خلله إذا لم يتوبوا إلى ال من الكفر والتكذيب والشرك‬ ‫تضمنته ست آيات قال تعالى‪{ :‬وَإِذْ يَ َتحَاجّونَ(‪ )1‬فِي النّارِ} أي وأنذرهم واذكر لهم إذ يتحاجون في‬ ‫النار أي يتخاصمون فيها فيقول الضعفاء التباع الذين كانوا يتبعون أغنياء وأقوياء البلد طمعا‬ ‫فيهم وخوفا منهم‪ .‬قالوا للذين استكبروا بقوتهم عن اليمان ومتابعة الرسل‪ ،‬إنا كنا لكم تبعا(‪ )2‬أي‬ ‫تابعين‪ ،‬فهل أنتم(‪ )3‬مغنون عنا نصيبا من النار؟ أي فهل في إمكانكم أن تخففوا عنا حظا من‬ ‫عذاب النار؟ فأجابوهم قائلين بما أخبر تعالى به عنهم في قوله‪{ :‬قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا}‬ ‫أي نحن وأنتم إن ال قد حكم بين العباد فقضى بالجنة لهل اليمان والتقوى‪ ،‬وبالنار لهل الشرك‬ ‫والمعاصي هذه كانت خصومة بين التباع مع المتبوعين ولم تنته إلى طائل إل زيادة الحسرة‬ ‫جهَنّمَ} وهم الملئكة المكلفون بالنار‬ ‫والغم والهم‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ فِي(‪ )4‬النّارِ لِخَزَ َنةِ َ‬ ‫خ ّففْ عَنّا َيوْما مِنَ ا ْل َعذَابِ} أي مقدار يوم من أيام الدنيا إذ الخرة‬ ‫وعذابها قالوا لهم {ادْعُوا رَ ّبكُمْ يُ َ‬ ‫ل ليل فيها وإنما هي يوم واحد‪ .‬فردت عليهم الملئكة قائلة بما أخبر تعالى به عنهم في قوله‪:‬‬ ‫{قَالُوا َأوَلَمْ َتكُ تَأْتِي ُكمْ رُسُُل ُكمْ بِالْبَيّنَاتِ} أي أتقولون ادعوا لنا ربكم ليخفف عنكم العذاب أولم تك‬ ‫تأتيكم رسلكم بالبينات أي بالحجج الظاهرة الدالة على وجوب اليمان والتقوى بترك الشرك‬ ‫والمعاصي‪ .‬قالوا بلى أي اعترفوا فقالت لهم الملئكة إذا‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬التحاج‪ :‬الحتجاج من جانبين فأكثر أي إقامة كل فريق حجته للفريق المضاد المخاصم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تبعا‪ :‬اسم لمن يتبع غيره يستوي فيه الواحد وأكثر نحو خدم وحشم‪.‬‬ ‫‪ -3‬فهل أنتم مغنون الستفهام هنا معناه الحث على طلب خلصهم من النار واللوم على تركهم‬ ‫وعدم الهتمام بما هم فيه من العذاب‪.‬‬ ‫‪ -4‬الذين في النار هذا شامل للضعفاء والمستكبرين والخزنة جمع خازن وهم الملئكة الموكلون‬ ‫بالنار وعذاب أهلها‪.‬‬

‫( ‪)4/540‬‬

‫فادعوا(‪ )1‬أنتم ربكم ولكن ل يستجاب لكم إذ ما دعاء الكافرين إل في ضلل فل يستجاب له أبدا‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ(‪ُ )2‬رسُلَنَا} تقرير لحقيقة عظمى‪ ،‬وهي أن من سنة ال في رسله أنه‬ ‫ينصرهم بانتصار دينهم وما يهدون ويدعون إليه‪ ،‬وإن طال الزمن واشتدت الفتن والمحن‪ ،‬أو‬ ‫بإهلك أممهم المكذبة لهم وإنجائهم والمؤمنين معهم قال تعالى‪{ :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ ُرسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي‬ ‫شهَادُ} أي(‪ )3‬وينصرهم في الخرة يوم يقوم الشهاد وهم‬ ‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا} وقوله‪{ :‬وَ َي ْومَ َيقُومُ الْأَ ْ‬ ‫الملئكة يشهدون للرسل بالبلغ وعلى الكافرين بالتكذيب‪.‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُتهُمْ(‪ })4‬إذا أذن لهم في العتذار ل تقبل معذرتهم {وََل ُهمُ الّلعْنَةُ(‬ ‫‪ })5‬أي البعد من الرحمة والجنة {وََل ُهمْ سُوءُ الدّارِ} الخرة وهو أشد عذابها‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان تخاصم أهل النار وهو ما يتم من خصومة بين التباع والمتبوعين‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالكبر والستكبار إذ الكبر عائق عن الطاعة والستقامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬عدم استجابة دعاء الكافر في الدنيا والخرة إل ما شاء ال‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم قبول المعذرة يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -5‬عدم استجابة الدعاء في النار‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان وعد ال لرسله والمؤمنين وهو أنه ينصرهم بأحد أمرين الول أن ينصر دينهم ويظهره‬ ‫ويقرره وإن طال الزمن‪ ،‬والثاني أن يهلك عدوهم وينجيهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي تولوا أنتم أمر أنفسكم وادعوا والمر هنا للتسوية أي سواء دعوتم أو تركتم ل يستجاب‬ ‫لكم‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه الية والتي بعدها جاءتا كالنتيجة لكل ما سبق في السورة من قوله تعالى {ما يجادل في‬ ‫آيات ال إل الذين كفروا} فكل ذلك لتلك المواقف والمشاهد في الدنيا والخرة عبرتها المستخلصة‬ ‫منها هي هذه {إنا لننصر رسلنا} الية وهي تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وبشرى له‬ ‫ولتباعه المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -3‬الشهاد‪ :‬الملئكة والرسل ومؤمنو هذه المة‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذه الجملة بدل من جملة ويوم يقوم الشهاد والظالمون هم المشركون‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقديم الجار والمجرور "لهم" في الجملتين‪ :‬لهم اللعنة ولهم سوء الدار للهتمام بالنتقام منهم‪.‬‬

‫( ‪)4/541‬‬

‫ى وَ ِذكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ(‪ )54‬فَاصْبِرْ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلهُدَى وََأوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ ا ْلكِتَابَ(‪ )53‬هُد ً‬ ‫شيّ وَالْأِ ْبكَارِ(‪ )55‬إِنّ الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ بِا ْل َع ِ‬ ‫ك وَسَبّحْ ِب َ‬ ‫ق وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِب َ‬ ‫حّ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫إِ ّ‬ ‫سمِيعُ‬ ‫آيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَاِلغِيهِ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّاسِ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ(‪)57‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫الْ َبصِيرُ(‪ )56‬لَخَ ْلقُ ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد آتينا موسى الهدى ‪ :‬أي أعطينا موسى بني إسرائيل المعجزات والتوراة‪.‬‬ ‫وأورثنا بني إسرائيل ‪ :‬أي أبقينا فيهم التوراة كتاب الهداية اللهية يهتدون به في ظلمات الحياة‬ ‫ويذكرن به ال في تراكم النسيان‪.‬‬ ‫واصبر إن وعد ال حق ‪ :‬أي واصبر يا محمد على ما تلقي من قومك إن وعد ال بنصرك حق‪.‬‬ ‫واستغفر لذنبك ‪ :‬ليقتدى بك في ذلك ولزيادة طهارة لروحك وتزكية لنفسك‪.‬‬ ‫وسبح بحمد ربك‪ :‬أي نزه ربك وقدسه بالصلة والذكر والتسبيح فيها وخارجها‪.‬‬ ‫بالعشي والبكار‪ :‬بالمساء وأول النهار أي في أوقات الصلوات الخمس كلها‪.‬‬ ‫إن في صدروهم إل كبر ‪ :‬أي ما في صدورهم إل كبر حملهم على الجدال في الحق‪ ،‬ل أن لهم‬ ‫علما يجادلون به‪ ،‬وإنما حبهم العلو والغلبة حملهم على ذلك‪.‬‬ ‫فاستعذ بال ‪ :‬أي استعذ من شرهم بال السميع لقوالهم العليم بأعمالهم ونياتهم وأحوالهم‪.‬‬

‫( ‪)4/542‬‬ ‫لخلق السموات والرض ‪ :‬أي لخلق السموات والرض ابتداء ولول مرة‪.‬‬ ‫أكبر من خلق الناس ‪ :‬أي أعظم من خلق الناس مرة أخرى بعد الولى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى(‪ )1‬ا ْل ُهدَى} الية شروع ي تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم عما‬ ‫يلقي من قومه فأعلمه تعالى أنه قد سبق أن أرسل موسى وآتاه الكتاب الذي هو التوراة وأورثه‬ ‫في بني إسرائيل هدى أي هاديا لهم في ظلمات الحياة إلى الحق والدين الصحيح الذي هو السلم‬ ‫وذكرى لولي اللباب أي يذكر به أولوا العقول‪ ،‬ولقى موسى من قومه أشد مما لقيت إذا‬ ‫فاصبر على تعانيه من قريش وأن العاقبة لك فإن وعد ال حق وقد قال إنا لننصر رسلنا والذين‬ ‫آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫شيّ(‪ )3‬وَالْأِ ْبكَارِ} أرشده إلى مقومات الصبر‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ بِا ْل َع ِ‬ ‫وقوله‪{ :‬وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِبكَ(‪ )2‬وَسَبّحْ ِب َ‬ ‫والموفرات له وهي ذكر ال تعالى بالستغفار والدعاء والصلة والتسبيح فيها وخارجها‪ .‬فأعظم‬ ‫عون على الصبر الصلة فلذا كان صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر فَ ِزعَ إلى الصلة وقوله {إِنّ‬ ‫الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ} أي حجة من علم إلهي أتاهم بطريق الوحي إن في‬

‫صدروهم أي ما في صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه أي ل يصلون إليه بحال وهو الرئاسة عليك‬ ‫والتحكم فيك وفي أصحابك‪ .‬وعليه فاستعذ بال(‪ )4‬من شرهم ومن مكرهم إنه تعالى هو السميع‬ ‫لقوالهم البصير بأحوالهم وأعمالهم‪ ،‬وسوف ل يمكن لهم منك أبدا لقدرته وعلمه وعجزهم‬ ‫وجهلهم‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ(‪ )5‬وَالْأَ ْرضِ} هذا رد على منكري البعث والجزاء الخر فلما قالوا‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لَخَ ْلقُ ال ّ‬ ‫أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون‪ . .‬قال تعالى‪ :‬وعزتنا وجللنا لخلق السموات والرض‬ ‫ابتداء من غير مثال سابق ول مادة قائمة موجودة أكبر من خلق الناس مرة أخرى بعد خلقهم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الهدى الذي أوتيه موسى هو ما أوحي إليه من المر بالدعوة إلى الدين الحق‪ ،‬وما أنزل عليه‬ ‫من الشريعة والكتاب الذي هو التوراة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذكر القرطبي عدة أقوال للسلف في الذنب المطلوب من الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫الستغفار منه قيل ذنبه صلى ال عليه وسلم الذي كان قبل البعثة والعصمة‪ ،‬وقيل ذنب أمته‪ ،‬وقيل‬ ‫الصغائر ومخالفة الول قيل المراد هو تعبد ال رسوله بالدعاء إذ الستغفار دعاء بطلب المغفرة‬ ‫وهو وجه وأوجه منه إرشاد الية إلى الستغفار‪.‬‬ ‫‪ -3‬هما صلة الصبح وصلة العصر ومعنى بحمد ربك أي بالشكر له والثناء عليه‪.‬‬ ‫‪ -4‬جملة إنه هو السميع العليم تعليلية‪ ،‬ومفعول المستعاذ منه في قوله فاستعذ بال محذوف لغرض‬ ‫التعميم في كل ما يخاف منه‪.‬‬ ‫‪ -5‬اللم في جواب قسم محذوف كما في التفسير‪ ،‬وخلق السموات والرض شامل لكل ما فيهما‬ ‫من مخلوقات وعقيدة البعث والجزاء الخر من جملة ما يجادل فيه الذين كفروا‪.‬‬

‫( ‪)4/543‬‬ ‫المرة الولى‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون(‪ )1‬هذه الحقائق العلمية لجهلهم وبعدهم عن العقليات‬ ‫لما عليهم من طابع البداوة وإل فإعادة الشيء أهون من بدئه عقلً فليس الختراع كالصلح‬ ‫للمخترع إذا فسد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان منة ال تعالى على موسى وبني إسرائيل تتكرر لمحمد صلى ال عليه وسلم وأمته بإنزال‬ ‫الكتاب وتوريثه فيهم هدى وذكرى لولي اللباب‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الصبر والتحمل في ذات ال‪ ،‬والستعانة على ذلك بالستغفار والذكر والصلة‪.‬‬ ‫‪ -3‬أكثر من يجادل بالباطل ليزيل به الحق إنما يجادل من كبر يريد الوصول إليه وهو التعالي‬

‫والغلبة والقهر للخرين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث بالبرهان العقلي‪ ،‬وهو أن البدء أصعب من العادة ومن أبدأ أعاد‪ ،‬ول‬ ‫نصب ول تعب!!‬ ‫ت وَل ا ْلمُسِيءُ قَلِيلً مَا تَ َت َذكّرُونَ(‪)58‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫عمَى وَالْ َبصِي ُر وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫َومَا َيسْ َتوِي الْأَ ْ‬ ‫جبْ َلكُمْ إِنّ‬ ‫عةَ لَآتِيَةٌ ل رَ ْيبَ فِيهَا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ(‪َ )59‬وقَالَ رَ ّبكُمُ ادْعُونِي أَسْ َت ِ‬ ‫إِنّ السّا َ‬ ‫سكُنُوا فِيهِ‬ ‫ج َعلَ َل ُكمُ اللّ ْيلَ لِتَ ْ‬ ‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ(‪ )60‬اللّهُ الّذِي َ‬ ‫الّذِينَ َيسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ‬ ‫شكُرُونَ(‪ )61‬ذَِلكُمُ‬ ‫ضلٍ عَلَى النّاسِ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل يَ ْ‬ ‫وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرا إِنّ اللّهَ َلذُو َف ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬ل يعلمون لنشغالهم بالباطل عن الحق فتركوا التفكر والتأمل لذا هم ل يعلمون أن الذي خلق‬ ‫السموات والرض قادر عقل على خلق الناس بعد إماتته إياهم وبعثهم أحياء كما خلقهم أول مرة‪.‬‬

‫( ‪)4/544‬‬ ‫شيْءٍ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ(‪ )62‬كَذَِلكَ ُي ْؤ َفكُ الّذِينَ كَانُوا بِآياتِ اللّهِ‬ ‫اللّهُ رَ ّب ُكمْ خَاِلقُ ُكلّ َ‬ ‫جحَدُونَ(‪)63‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما يستوي العمى والبصير ‪ :‬ل يستويان فكذلك الكافر والمؤمن ل يستويان‪.‬‬ ‫والذين آمنوا وعملوا الصالحات ول المسيء‪ :‬ل يستويان أيضا فكذلك ل يستوي الموقن والشاك‪.‬‬ ‫قليل ما تتذكرون ‪ :‬أي ما يتذكرون إل تذكرا قليلً والتذكر التعاظ‪.‬‬ ‫إن الساعة لتية ‪ :‬أي إن ساعة نهاية هذه الحياة وإقبال الخرى جائية ل شك فيها‪.‬‬ ‫إن الذين يستكبرون عن عبادتي ‪ :‬أي عن دعائي‪.‬‬ ‫سيدخلون جهنم داخرين‪ :‬أي صاغرين ذليلين‪.‬‬ ‫لتسكنوا فيه ‪ :‬أي لتنقطعوا عن الحركة فتستريحوا‪.‬‬ ‫والنهار مبصرا ‪ :‬أي مضيئا لتتمكنوا فيه من الحركة والعمل‪.‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يشكرون‪ :‬أي ال تعالى بحمده والثناء عليه وطاعته‪.‬‬ ‫ذلكم ال ربكم ‪ :‬أي ذلكم الذي أمركم بدعائه ووعدكم بالستجابة الذي جعل لكم الليل والنهار‬ ‫وأنعم عليكم بجلئل النعم ال ربكم الذي ل إله لكم غيره ول رب لكم سواه‪.‬‬ ‫فأنى تؤفكون ‪ :‬أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم وإلهكم الحق إلى أوثان وأصنام ل تسمع ول‬ ‫تصبر‪.‬‬ ‫كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات ال يجحدون‪ :‬أي كما صرف أولئك عن اليمان والتوحيد يصرف‬ ‫الذين يجحدون بآيات ال يصرفون عن الحق‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في دعوة قريش إلى اليمان والتوحيد‪ ،‬فقوله تعالى { َومَا َيسْ َتوِي(‪ })1‬أي في حكم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وما يستوي العمى والبصير أي الكافر والمؤمن والضال والمهتدي‪.‬‬

‫( ‪)4/545‬‬ ‫عمَى} الذي ل يبصر شيئا والبصير الذي يبصر كل شيء يقع عليه بصره فكذلك ل‬ ‫العقلء {الْأَ ْ‬ ‫يستوي المؤمن السميع البصير‪ ،‬والكافر العمى عن الدلئل والبراهين فل يرى منها شيئا الصم‬ ‫الذي ل يسمع نداء الحق والخير‪ ،‬ول كلمات الهدى والرشاد‪ .‬كما ل يستوي في حكم العقلء‬ ‫المحسن المؤمن العامل للصالحات‪ ،‬والمسيء الكافر والعامل للسيئات‪ ،‬وإذا كان المر كما قررنا‬ ‫فلم ل يتعظ القوم به ول يتوبون إنهم لظلمة نفوسهم {قَلِيلً مَا تَتَ َذكّرُونَ(‪ })1‬أي ل يتعظون إل‬ ‫نادرا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ السّاعَة(‪ َ)2‬لَآتِ َيةٌ} يخبر تعالى أن الساعة التي كذب بها المكذبون ليستمروا على‬ ‫الباطل والشر فعل واعتقادا لتية حتما‪{ ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ} بها لوجود صارف قوي‬ ‫وهو عدم تذكرهم‪ ،‬وانكبابهم على قضاء شهواتهم‪.‬‬ ‫جبْ َلكُمْ} إنه لما قرر ربوبيته تعالى وأصبح ل محالة‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وقَالَ رَ ّبكُمُ ادْعُونِي(‪ )3‬أَسْ َت ِ‬ ‫جبْ َل ُكمْ} أي سلوني أعطكم وأطيعوني أثبكم‬ ‫من العتراف بها قال لهم‪َ { :‬وقَالَ رَ ّبكُمُ ادْعُونِي أَسْتَ ِ‬ ‫فأنتم عبادي وأنا ربكم‪ .‬ثم قال لهم‪{ :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي} ودعائي فل يعبدونني ول‬ ‫جهَنّمَ‬ ‫يدعونني سوف أذلهم وأهينهم وأعذبهم جزاء استكبارهم وكفرهم وهو معنى قوله‪{ :‬سَ َيدْخُلُونَ َ‬ ‫دَاخِرِينَ} أو صاغرين ذليلين يعذبون بها أبدا‪.‬‬ ‫وفي الية (‪ )61‬عرفهم تعالى بنفسه ليعرفوه فيؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه‪ ،‬ويكفروا بما سواه من‬ ‫سكُنُوا فِيهِ} أي جعله مظلما لتنقطعوا فيه عن‬ ‫ج َعلَ(‪َ )4‬لكُمُ اللّ ْيلَ لِ َت ْ‬ ‫مخلوقات فقال‪{ :‬اللّهُ الّذِي َ‬ ‫الحركة والعمل فتستريحوا {وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرا} أي وجعل لكم النهار مبصرا أي مضيئا يمكنكم‬ ‫التحرك فيه والعمل والتصرف في قضاء حاجاتكم‪ ،‬وليس هذا من إفضال ال عليكم بل إفضاله‬ ‫سل‬ ‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬ ‫ضلٍ عَلَى النّا ِ‬ ‫وإنعامه أكثر من أن يذكر وقرر ذلك بقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ لَذُو َف ْ‬ ‫شكُرُونَ} ال على إفضاله وإنعامه عليهم فل يعترفون بإنعامه ول يحمدونه‬ ‫يَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع قليل ما يتذكرون بالياء وقرأ حفص تتذكرون بالتاء ولكل وجه بلغي وكأن تذكرهم‬ ‫قليلً لعدم علمهم فهم كالموات لجهلهم فهم ل يتذكرون وإن تذكروا قليلً ينقطعون فل يحصل‬ ‫المراد من التذكر‪.‬‬

‫‪ -2‬المراد بالساعة ساعة البعث والقيام من القبور‪ .‬إنه بعد ذكر الدلة المقررة للبعث كان هذا‬ ‫إعلنا عن تحقق مجيئها وتأكيد الخبر بإن ولم البتداء لزيادة التحقيق والمراد تحقق وقوعها ل‬ ‫الخبار عن وقوعها‪.‬‬ ‫‪ -3‬روى الترمذي عن النعمان بن بشير وصححه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال الدعاء هو‬ ‫العبادة‪ .‬ثم قرأ {وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم‬ ‫داخرين} وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع‬ ‫نعله‪.‬‬ ‫‪( -4‬جعل) إن كانت بمعنى خلق تعدت إلى مفعول واحد كما هي هنا وإن كانت بمعنى صير‬ ‫تنصب مفعولين نحو جعلت الثوب سروالً‪.‬‬

‫( ‪)4/546‬‬ ‫بألسنتهم ول يطيعونه بجوارحهم‪ ،‬وذلك لستيلء الشيطان والغفلة عليهم ثم واصل تعريف نفسه‬ ‫لهم ليؤمنوا به بعد معرفته ويكفروا باللهة العمياء الصماء التي هم عاكفون عليها صباح مساء‬ ‫شيْءٍ ل إَِلهَ إِلّا ُهوَ} أي ل‬ ‫فقال جل من قائل‪{ :‬ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ}(‪ ) 1‬الذي عرفكم نفسه {خَالِقُ ُكلّ َ‬ ‫معبود بحق إل هو‪ .‬وقوله‪{ :‬فَأَنّى(‪ُ )2‬ت ْؤ َفكُونَ} أي كيف تصرفون عنه وهو ربكم والمنعم عليكم‪،‬‬ ‫إل أوثان وأوثان وأصنام ل تنفعكم ول تضركم‪ .‬فسبحان ال كيف تؤفكون كذلك يؤفك أي‬ ‫كانصرافكم أنتم عن اليمان والتوحيد مع وفرة الدلة وقوة الحجج يصرف أيضا الذين كانوا بآيات‬ ‫ال يجحدون في كل زمان ومكان لن اليات اللهية حجج وبراهين فالمكذب بها سيكذب بكل‬ ‫شيء حتى بنفسه والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حقيقة هي أن الضدين ل يجتمعان فالكفر واليمان‪ ،‬والحسان والساءة والعمى والبصر‬ ‫والصمم والسمع هذه كلها ل تستوي بعضها ببعض فمحاولة الجمع بينها محاولة باطلة ول تنبغي‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرب الساعة مع تحتم مجيئها والدلة على ذلك العقلية والنقلية كثيرة جدا‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل الدعاء وقد ورد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى‬ ‫شسع(‪ )3‬نعله‪ .‬وللدعاء المستجاب شروط منها‪ :‬أن يكون القلب متعلقا بال معرضا عما سواه وأن‬ ‫ل يسأل ما فيه إثم‪ ،‬ول يتعدى في الدعاء فيسأل ما لم تجر سنة ال به كأن يسأل أن يرى الجنة‬ ‫يقظة أو أن يعود شابا وهو شيخ كبير أو أن يرزق الولد وهو ل يتزوج‪.‬‬ ‫‪ -4‬الدعاء(‪ )4‬هو العبادة ولذا من دعا غير ال فقد أشرك بال‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان إنعام ال وإفضاله والمطالبة بشكر ال تعالى بحمده والثناء عليه وبطاعته بفعل محابه‬

‫وترك مكارهه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الشارة إلى اسم الجللة في قوله {ال الذي جعل لكم} الخ ‪.‬‬ ‫‪ -2‬أنى اسم استفهام عن الكيفية وأصله استفهام عن المكان ثم نقل إلى الحالة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقدم تخريجه وأنه من سنن الترمذي وأنه صحيح السناد وشسع النعل‪ :‬زمام النعل بين‬ ‫الصبع الوسطى والتي تليها يضرب به المثل في الفاقة يقال ل يملك شسع نعل‪.‬‬ ‫‪ -4‬روي بإسناد ل بأس به "من لم يسأل ال يغضب عليه ومن لم يدع ال غضب عليه" أيضا‬ ‫حسنهما ابن كثير في تفسيره‪.‬‬

‫( ‪)4/547‬‬ ‫صوَ َركُ ْم وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ‬ ‫ن ُ‬ ‫صوّرَكُمْ فَأَحْسَ َ‬ ‫سمَاءَ بِنَا ًء َو َ‬ ‫ج َعلَ َل ُكمُ الْأَ ْرضَ قَرَارا وَال ّ‬ ‫اللّهُ الّذِي َ‬ ‫حيّ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ فَادْعُوهُ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ‬ ‫ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّب ُكمْ فَتَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ُ )64‬هوَ الْ َ‬ ‫ح ْمدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ُ )65‬قلْ إِنّي ُنهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الّذِينَ َتدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َلمّا جَاءَ ِنيَ الْبَيّنَاتُ‬ ‫الْ َ‬ ‫طفَةٍ ثُمّ مِنْ عََلقَةٍ ثُمّ‬ ‫مِنْ رَبّي وَُأمِ ْرتُ أَنْ ُأسْلِمَ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ُ )66‬هوَ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ ُن ْ‬ ‫س ّمىً‬ ‫ل وَلِتَبُْلغُوا َأجَلً مُ َ‬ ‫ش ّدكُمْ ثُمّ لِ َتكُونُوا شُيُوخا َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى مِنْ قَ ْب ُ‬ ‫طفْلً ُثمّ لِتَبُْلغُوا أَ ُ‬ ‫جكُمْ ِ‬ ‫يُخْ ِر ُ‬ ‫وََلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(‪ُ )67‬هوَ الّذِي ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ فَإِذَا َقضَى َأمْرا فَإِ ّنمَا َيقُولُ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ(‪)68‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قرارا ‪ :‬أي قارة بكم ل تتحرك فيفسد ما عليها من إنشاء وتعمير‪.‬‬ ‫بناء ‪ :‬أي محكمة إحكام البناء فل تسقط عليكم ول يسقط منها شيء يؤذيكم‪.‬‬ ‫وصوركم ‪ :‬أي في أرحام أمهاتكم فأحسن صوركم‪.‬‬ ‫من الطيبات ‪ :‬أي الحلل المستلذ غير المستقذر وهي كثيرة‪.‬‬ ‫فتبارك ال ‪ :‬أي تعاظم وكثرت بركاته‪.‬‬ ‫فادعوا ال مخلصين له الدين ‪ :‬أي اعبدوه وحده ول تشركوا به شيئا في عباداته دعاء كان أو‬ ‫غيره‪.‬‬

‫( ‪)4/548‬‬ ‫قل إن نهيت ‪ :‬أي نهاني ربي أن أعبد الوثان التي تعبدون‪.‬‬ ‫وأمرت أن أسلم لرب العالمين‪ :‬أي وأمرني ربي أن أسلم له وجهي وأخلص له عملي‪.‬‬ ‫هو الذي خلقكم من تراب ‪ :‬أي خلق أبانا آدم من تراب وخلقنا نحن ذريته مما ذكر من نطفة ثم‬

‫علقة‪.‬‬ ‫ثم لتبلغوا أشدكم ‪ :‬أي كمال أجسامكم وعقولكم في سن ما فوق الثلثين‪.‬‬ ‫ومنك من يتوفى من قبل ‪ :‬أي ومنكم من يتوفاه ربه قبل سن الشيخوخة والهرم‪.‬‬ ‫ولتبلغوا أجل مسمى ‪ :‬أي فعل ذلك بكم لتعيشوا ولتبلغوا أجل مسمى وهو نهاية العمر المحددة‬ ‫لكل إنسان‪.‬‬ ‫ولعلكم تعقلون ‪ :‬أي طوركم هذه الطوار من نطفة إلى علقة إلى طفل إلى شاب إلى كهل إلى‬ ‫شيخ رجاء أن تعقلوا دلئل قدرة ال وعلمه وحكمته فتؤمنوا به وتعبدوه موحدين له فتكملوا‬ ‫وتسعدوا‪.‬‬ ‫يحيي ويميت(‪ : )1‬أي يخلق النسان وقد كان عدما‪ ،‬ويميته عند نهاية أجله‪.‬‬ ‫فإذا قضى أمرا ‪ :‬أي حكم بوجوده‪.‬‬ ‫فإنما يقول له كن فيكون ‪ :‬أي فهو ل يحتاج إلى وسائط وإنما هي الرادة فقط فإذا أراد شيئا قال‬ ‫له كن فهو يكون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تعريف العباد بربهم سبحانه وتعالى حتى يؤمنوا به ويعبدوه ويوحدوه إذ‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ} أي(‪)2‬‬ ‫كمالهم وسعادتهم في الدارين متوقفان على ذلك قال تعالى‪{ :‬اللّهُ الّذِي َ‬ ‫قارة في مكانها ثابتة في مركز دائرتها ل تتحرك بكم ول تتحول عليكم فتضطرب حياتكم فتهلكوا‪،‬‬ ‫ل وبعضا‪ ،‬وصوركم‬ ‫وجعل السماء بناء محكما وسقفا محفوظا من التصدع والنفطار والسقوط كُ ّ‬ ‫في أرحام أمهاتكم فأحسن صوركم(‪ )3‬ورزقكم من الطيبات التي خلقها لكم وهي كل ما لذ وطاب‬ ‫من حلل الطعام والشراب واللباس والمراكب ذلكم الفاعل‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬في قوله يحيي ويميت المحسن البديعي المسمى بالطباق‪.‬‬ ‫‪ -2‬القرار مصدر قر إذا سكن وهو هنا من صفات الرض خبر لنه خبر عن الرض والمعنى‬ ‫أنه جعلها قارة "ساكنة" غير مائدة ول مضطربة إذ لو لم تكن قارة لكان الناس في عناء شديد من‬ ‫اضطرابها وتزلزلها‪ ،‬وقد يفضي ذلك بأكثر الناس إلى الهلك وهذا في معنى قوله‪{ :‬وجعلنا في‬ ‫الرض رواسي أن تميد بكم} ومن مظاهر قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته أن تدور الرض في‬ ‫فلكها دورة منتظمة بدقة فائقة فل تخرج عن مدارها مقدار شبر بل إصبع فسكنت وقرت وهي‬ ‫متحركة فسبحان ال العلي العظيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬فأحسن صوركم الفاء للعطف والتعقيب ورزقكم فهاتان نعمتان عظيمتان نعمة اليجاد ونعمة‬ ‫المداد‪.‬‬

‫( ‪)4/549‬‬

‫لكل ذلك ال ربكم الذي ل رب لكم سواه ول معبود بحق لكم غيره‪ .‬فتبارك ال رب العالمين أي‬ ‫خالق النس والجن ومالكهما والمدبر لمرهما‪ ،‬هو الحي الذي ل يموت والنس والجن يموتون ل‬ ‫إله أي ل معبود للعالمين إل هو فادعوه مخلصين له الدين أي اعبدوه وحده ول تشركوا بعبادته‬ ‫أحدا قائلين الحمد ل رب العالمين(‪ )1‬أي حامدين له بذلك‪ ،‬هذا ما تضمنته اليتان (‪)65 ،64‬‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ إِنّي ُنهِيتُ أَنْ أَعْ ُبدَ الّذِينَ َتدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ} أي قل يا نبينا لقومك إن نهاني‬ ‫ربي أن أعبد الذين تدعون من دون ال من أصنام وأوثان ل تنفع ول تضر وذلك لما(‪ )2‬جاءني‬ ‫البينات من ربي وهي الحجج والبراهين على بطلن عبادة غير ال ووجوب عبادته سبحانه‬ ‫وتعالى‪ ،‬وأمرت أن أسلم لرب العالمين أي وأمرني ربي أن أسلم له فأنقاد وأخضع لمره ونهيه‬ ‫وأطرح بين يديه وأفوض أمري إليه وقوله‪ُ { :‬هوَ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ} نظرا إلى أصلهم وهو‬ ‫آدم‪ ،‬ثم من نطفة مني ثم من علقة دم متجمد‪ ،‬ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفال‪ ،‬ثم لتبلغوا‬ ‫أشدكم أي اكتمال أبدانكم وعقولكم بتخطيكم الثلثين من أعماركم‪ ،‬ثم لتكونوا شيوخا بتجاوزكم(‪)3‬‬ ‫الستين‪ .‬ومنكم من يتوفى أي يتوفاه ال قبل بلوغه سن الشيخوخة والهرم وما أكثرهم‪ ،‬وفعل بكم‬ ‫ذلك لتعيشوا ولتبلغوا أجلً مسمى ولعلكم تعقلون إذا تفكرتم في خلق ال لكم على هذه الطوار‬ ‫فتعرفون أن ربكم واحد وأنه إلهكم الحق الذي ل إله لكم سواه‪.‬‬ ‫وقوله هو الذي يحيي ويميت يحيي النطف الميتة فإذا هي بعد أطوارها بشرا أحياء ويميت الحياء‬ ‫عند نهاية آجالهم وهو حي ل يموت والنس والجن يموتون ومن أعظم مظاهر قدرته أنه يقول‬ ‫للشيء إذا أراده كن فيكون ول يتخلف أبدا هذا هو ال رب العالمين وإله الولين والخرين وجبتْ‬ ‫حبّ ويعبد ويطاع‪.‬‬ ‫محبته وطاعته ولزمت معرفته إذ بها ُي َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬إنشاء الثناء على ال تعالى بعد ذكر موجبات ذلك من نعمة اليجاد والمداد والهداية إلى‬ ‫الدين الحق بعبادة ال وحده كما هي السنة في تعقيب الحمد والثناء على ال تعالى بعد كل نعمة‬ ‫ينعم بها على عباده‪.‬‬ ‫‪ -2‬لما هذه يقال فيها التوقيتية أي حصل نهي عن عبادة غير ربي في الوقت الذي جاءتني‬ ‫البينات وفي الية تعريض بالمشركين إذ لم ينتهوا عن عبادة غير ال وقد جاءتهم البينات من‬ ‫ربهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬سن الشيخوخة هو ما بين الخمسين إلى الثمانين‪.‬‬

‫( ‪)4/550‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان مظاهر قدرة ال تعالى في الخلق واليجاد والرزاق والحياء والماتة وكلها معرفة به‬ ‫تعالى موجبة له العبادة والمحبة والنابة والرغبة والرهبة ونافية لها عما سواه من سائر خلقه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد ووجوب عبادة ال تعالى وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان خلق النسان وأطوار حياته وهي من اليات الكونية الموجبة لليمان بال وتوحيده في‬ ‫عبادته إذ هو الخالق الرازق المحيي المميت ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬ ‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ أَنّى ُيصْ َرفُونَ(‪ )69‬الّذِينَ كَذّبُوا بِا ْلكِتَابِ وَ ِبمَا أَ ْرسَلْنَا بِهِ‬ ‫حمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ‬ ‫سلُ ُيسْحَبُونَ(‪ )71‬فِي الْ َ‬ ‫سوْفَ َيعَْلمُونَ(‪ِ )70‬إذِ الْأَغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَالسّل ِ‬ ‫رُسُلَنَا َف َ‬ ‫سجَرُونَ(‪ُ )72‬ثمّ قِيلَ َلهُمْ أَيْنَ مَا كُنْ ُتمْ تُشْ ِركُونَ(‪ )73‬مِنْ دُونِ اللّهِ قَالُوا ضَلّوا عَنّا َبلْ لَمْ َنكُنْ‬ ‫يُ ْ‬ ‫حقّ‬ ‫ضلّ اللّهُ ا ْلكَافِرِينَ(‪ )74‬ذَِل ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْرَحُونَ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬ ‫نَدْعُوا مِنْ قَ ْبلُ شَيْئا َكذَِلكَ ُي ِ‬ ‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِ ْئسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ(‪)76‬‬ ‫وَ ِبمَا كُنْ ُتمْ َتمْرَحُونَ(‪ )75‬ا ْدخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يجادلون في آيات ال ‪ :‬أي في القرآن وما حواه من حجج وبراهين دالة على الحق هادية إليه‪.‬‬ ‫أنى يصرفون ‪ :‬أي كيف يصرفون عن الحق مع وضوح الدلة وقوة البراهين‪.‬‬ ‫الذين كذبوا بالكتاب ‪ :‬أي بالقرآن‪.‬‬

‫( ‪)4/551‬‬ ‫وبما أرسلنا به رسلنا‪ :‬من وجوب السلم ل بعبادته وحده وطاعته في أمره ونهيه واليمان‬ ‫بلقائه‪.‬‬ ‫فسوف يعلمون ‪ :‬أي عقوبة تكذيبهم‪.‬‬ ‫إذ الغلل في أعناقهم‪ :‬أي وقت وجود الغلل في أعناقهم يعلمون عاقبة كفرهم وتكذيبهم‪.‬‬ ‫ثم في النار يسجرون ‪ :‬أي يوقدون‪.‬‬ ‫ثم يقال لهم أين ما كنتم ‪ :‬أي يسألون هذا السؤال تبكيتا لهم وخزيا‪.‬‬ ‫تشركون من دون ال ‪ :‬أي تعبدونهم مع ال‪.‬‬ ‫قالوا ضلوا عنا ‪ :‬أي غابوا عنا فلم نرهم‪.‬‬ ‫بل لم نكن ندعو من قبل شيئا‪ :‬أي أنكروا عبادة الصنام‪ ،‬أو لم يعتبروا عبادتها شيئا وهو كذلك‪.‬‬ ‫كذلك يضل ال الكافرين ‪ :‬أي مثل إضلل هؤلء المكذبين يضل ال الكافرين‪.‬‬ ‫بما كنتم تفرحون في الرض بغير الحق‪ :‬أي بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وبما كنتم تمرحون ‪ :‬أي بالتوسع في الفرح‪ ،‬لن المرح شدة الفرح‪.‬‬

‫فبئس مثوى المتكبرين ‪ :‬أي دخول جهنم والخلود فيها بئس ذلك مأوى للمتكبرين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد وإلى اليمان بالبعث والجزاء‪ ،‬وتقرير نبوة محمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم فقوله تعالى {َألَمْ تَرَ} أي يا محمد {إِلَى الّذِينَ يُجَادِلُونَ(‪ )1‬فِي آيَاتِ اللّهِ}‬ ‫القرآنية لبطالها وصرف الناس عن قبولها أو حملهم على إنكارها وتكذيبها والتكذيب بها وهذا‬ ‫تعجيب من حالهم‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬أَنّى ُيصْ َرفُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته‪.‬‬ ‫س ْوفَ‬ ‫سلْنَا بِهِ ُرسُلَنَا} من التوحيد واليمان {فَ َ‬ ‫وقوله {الّذِينَ كَذّبُوا بِا ْلكِتَابِ} الذي هو القرآن {وَ ِبمَا أَرْ َ‬ ‫َيعَْلمُونَ} عاقبة تكذيبهم وقت ما تكون الغلل(‪ )2‬في أعناقهم والسلسل في أرجلهم يسحبون أي‬ ‫تسحبهم الزبانية في الحميم‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وقيل هذه الية نزلت في القدرية نفاة القدر وقيل في المشركين والعبرة بعموم اللفظ فهي عامة‬ ‫في المشركين والمكذبين المجادلين في آيات ال وأحاديث رسوله صلى ال عليه وسلم لصرفها‬ ‫عن مراد ال إحقاقا لباطلهم وإثباتا لمذهبهم الفاسد‪.‬‬ ‫‪ -2‬الغلل جمع غل بضم الغين‪ :‬حلقة من قد "جلد" أو حديد محيط بالعنق‪ .‬سئل ابن عرفة هل‬ ‫يجوز أن يقاد اليوم السير والجاني بالغل في عنقه؟ قال ل يجوز وإنما يقاد الجاني من يده لنهي‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الحراق بالنار وقال إنما يعذب بالنار رب النار‪.‬‬

‫( ‪)4/552‬‬ ‫هو ماء حار تناهي في الحرارة ثم في النار يسجرون(‪ )1‬أي توقد بهم النار كما توقد بالحطب‪،‬‬ ‫هذا عذاب جسماني ووراءه عذاب روحاني إذ تقول لهم الملئكة توبيخا وتبكيتا وتأنيبا وتقريعا‪:‬‬ ‫{أَيْنَ(‪ )2‬مَا كُنْتُمْ ُتشْ ِركُونَ} أي أين أوثانكم التي كنتم تعبدونها مع ال؟ فيقولون‪ :‬ضلوا عنا أي‬ ‫غابوا فلم نرهم‪ ،‬بل ما كنا ندعو من قبل شيئا هذا إنكار منهم حملهم عليه الخوف أو هو بحسب‬ ‫الواقع أنهم ما كانوا يعبدون شيئا إذ عبادة الصنام ليست شيئا لبطلنها‪.‬‬ ‫ق وَ ِبمَا كُنْتُمْ َتمْ َرحُونَ} أي حل بكم هذا‬ ‫وقوله {ذَِل ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْرَحُونَ(‪ )3‬فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَ ّ‬ ‫العذاب بسبب فرحكم بالباطل من شرك وتكذيب وفسق وفجور‪ ،‬في الدنيا‪ ،‬وبسبب مرحكم أيضا‬ ‫جهَنّمَ} بابا بعد باب وهي أبواب الدركات {خَالِدِينَ(‬ ‫وهو أشد الفرح وأخيرا يقال لهم {ادْخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬ ‫‪ )4‬فِيهَا} ل تموتون ول تخرجون {فَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ} أي ساء وقبح مثواكم في جهنم من‬ ‫مثوى أي مأوى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬التعجيب من حال المكذبين بآيات ال المجادلين فيها كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح‬ ‫أدلته وقوة براهينه‪.‬‬ ‫‪ -2‬إبراز صورة واضحة للمكذبين باليات المجادلين لبطال الحق وهم في جهنم يقاسون العذاب‬ ‫بعد أن وضعت الغلل في أعناقهم والسلسل في أرجلهم يسحبون في الحميم ثم في النار‬ ‫يسجرون‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم الفرح بغير فضل ال ورحمته‪ ،‬وذم المرح وهو أشد الفرح‪.‬‬ ‫‪ -4‬ذم التكبر وسوء عاقبة المتكبرين الذين يمنعهم الكبر من العتراف بالحق ويحملهم على‬ ‫احتقار الناس وازدراء الضعفاء منهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال مجاهد يطرحون في النار فيكونون وقودا لها‪ :‬يقال سجرت التنور أي أوقدته وسجرته‬ ‫ملته أيضا ومنه والبحر المسجور أي المملوء‪ .‬شاهد آخر قوله تعالى {وقودها الناس والحجارة}‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستفهام بأين يكون عن المكان وأريد به هنا التنبيه على الغلط والفضيحة في الموقف‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما مصدرية في الموضعين والتقدير أي ذلكم العذاب الذي وقعتم فيه مسبب على فرحكم‬ ‫ومرحكم الذين كانا لكم في الدنيا إذ الرض المراد بها الدنيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬خالدين حال مقدرة أي مقدر خلودكم فيها و {فبئس مثوى المتكبرين} متفرع على الخلود‬ ‫والمخصوص بالذم محذوف تقديره جهنم‪.‬‬

‫( ‪)4/553‬‬ ‫جعُونَ(‪ )77‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا‬ ‫حقّ فَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِ ُدهُمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا يُرْ َ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫فَاصْبِرْ إِ ّ‬ ‫ك َومَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْ ِتيَ بِآ َيةٍ‬ ‫صصْ عَلَ ْي َ‬ ‫ك َومِ ْنهُمْ مَنْ لَمْ َنقْ ُ‬ ‫صصْنَا عَلَ ْي َ‬ ‫رُسُلً مِنْ قَبِْلكَ مِ ْنهُمْ مَنْ َق َ‬ ‫ج َعلَ َل ُكمُ الْأَ ْنعَامَ‬ ‫ق َوخَسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلمُبْطِلُونَ(‪ )78‬اللّهُ الّذِي َ‬ ‫ضيَ بِا ْلحَ ّ‬ ‫إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ فَِإذَا جَاءَ َأمْرُ اللّهِ ُق ِ‬ ‫صدُو ِركُمْ وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى‬ ‫جةً فِي ُ‬ ‫لِتَ ْركَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ(‪ )79‬وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبُْلغُوا عَلَ ْيهَا حَا َ‬ ‫حمَلُونَ(‪ )80‬وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فََأيّ آيَاتِ اللّهِ تُ ْنكِرُونَ(‪)81‬‬ ‫ا ْلفُ ْلكِ ُت ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فاصبر إن وعد ال حق ‪ :‬أي فاصبر يا رسولنا على دعوتهم متحملً أذاهم فإن وعد ربك بنصرك‬ ‫حق‪.‬‬ ‫فإما نرينك بعض الذي نعدهم ‪ :‬أي من العذاب في حياتك‪.‬‬ ‫منهم من قصصنا عليك ‪ :‬أي ذكرنا قصصهم وأخبارهم وهم خمسة وعشرون‪.‬‬ ‫أن يأتي بآية إل بإذن ال‪ :‬أي لنهم عبيد مربوبون ل يفعلون إل ما يأذن لهم به سيدهم‪.‬‬ ‫وخسر هنالك المبطلون ‪ :‬أي هلك أهل الباطل بعذاب ال فخسروا كل شيء‪.‬‬

‫جعل لكم النعام ‪ :‬أي البل وإن كان لفظ النعام يشمل البقر والغنم أيضا‪.‬‬ ‫ولكم فيها منافع ‪ :‬أي من اللبن والنسل والوبر‪.‬‬ ‫ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ‪ :‬أي حمل الثقال وحمل أنفسكم من بلد إلى بلد‪ ،‬لنها كسفن‬ ‫البحر‪.‬‬

‫( ‪)4/554‬‬ ‫فأي آيات ال تنكرون ‪ :‬أي فأي آية من تلك اليات تنكرون فإنها لظهورها ل تقبل النكار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد تلك الدعوة اللهية للمشركين إلى اليمان والتوحيد والبعث والجزاء والتي تلوّن فيها السلوب‬ ‫وتنوّعت فيها العبارات والمعاني‪ ،‬والمشركون يزدادون عتوا قال تعالى لرسوله آمرا إياه بالصبر(‬ ‫حقّ} فيخبره بأن ما‬ ‫‪ )1‬على الستمرار على دعوته متحملً الذى في سبيلها {فَاصْبِرْ إِنّ وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫وعده ربه حق وهو نصره عليهم وإظهار دعوة الحق ولو كره المشركون‪ .‬وقوله‪{ :‬فَِإمّا نُرِيَ ّنكَ(‪)2‬‬ ‫جعُونَ} فنعذبهم بأشد‬ ‫َب ْعضَ الّذِي َنعِ ُدهُمْ} أي من العذاب الدنيوي {َأوْ نَ َت َوفّيَنّكَ} قبل ذلك {فَإِلَيْنَا يُ ْر َ‬ ‫أنواع العذاب في جهنم‪ ،‬وننعم عليك بجوارنا في دار النعام والتكريم أنت والمؤمنون معك‪ .‬هذا‬ ‫ما دلت عليه الية الولى (‪ )77‬وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ ) 78‬وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُسُلً مِنْ قَبِْلكَ}‬ ‫يخبر تعالى رسوله مؤكدا له الخبر مسليا له حاملً له على الصبر بأنه أرسل من قبله رسل‬ ‫كثيرين منهم من قص خبرهم عليه ومنهم من لم يقصص(‪ )3‬وهم كثير وذلك بحسب الفائدة من‬ ‫القصص وعدمها وأنه لم يكن لحدهم أن يأتي بآية كما طالب بذلك قومه‪ ،‬والمراد من الية‬ ‫المعجزة الخارقة للعادة‪ ،‬إل بإذن ال‪ ،‬إذ هو الوهاب لما يشاء لمن يشاء‪ ،‬فإذا جاء أمر ال بإهلك‬ ‫المطالبين باليات تحديا وعنادا ومكابرةً قضي بالحق أي حكم ال تعالى بين الرسول وقومه‬ ‫المكذبين له المطالبين بالعذاب تحديا‪ ،‬فنجّى رسوله والمؤمنين وخسر هنالك المبطلون من أهل‬ ‫الشرك والتكذيب‪.‬‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْنعَامَ} يعرفهم تعالى بنفسه مقررا ربوبيته‬ ‫وقوله تعالى في الية الثالثة (‪{ )79‬اللّهُ الّذِي َ‬ ‫الموجبة للوهيته فيقول ال أي المعبود بحق هو الذي جعل لكم النعام على وضعها الحالي الذي‬ ‫ترون لتركبوا منها(‪ )4‬وهي البل‪ ،‬ومنها تأكلون ومن بعضها تأكلون كالبقر والغنم ول تركبون‪،‬‬ ‫ولكن فيها منافع وهي الدّ ّر والوبر والصوف والشعر والجلود ولتبلغوا عليها حاجة في‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أمره تعالى رسوله بالصبر في الية هو تسلية له صلى ال عليه وسلم إذ أخبر أنه ينتقم له من‬ ‫أعدائه في حياته أو في الخرة وهذا كان لستبطاء النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين النصر‪.‬‬ ‫‪ -2‬فإما أصلها فإن حرف شرط قرنت بما الزائدة للتأكيد ولذا ألحقت نون التوكيد بفعل الشرط‬

‫عطف عليه أو نتوفينك وهو فعل شرط ثان‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال ابن كثير وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف وهو كذلك إذ لم يذكر في القرآن إل‬ ‫خمسة وعشرون نبيا ورسول‪.‬‬ ‫‪ -4‬اللم متعلقة بجعل لكم النعام ومن في الموضعين للتبعيض أي تركبون من بعضها وتأكلون‬ ‫من بعضها‪.‬‬

‫( ‪)4/555‬‬ ‫صدوركم وهي حمل أثقالكم والوصول بها إلى أماكن بعيدة ل يتأتى لكم الوصول إليها بدون البل‬ ‫سفائن البر‪ ،‬وقوله وعليها أي على البل وعلى الفلك "السفن" تحملون أي يحملكم ال تعالى حسب‬ ‫تسخيرها لكم‪.‬‬ ‫وأخيرا يقول تعالى بعد عرض هذه اليات القرآنية والكونية يقول لكم {وَيُرِي ُكمْ آيَا ِتهِ} في أنفسكم‬ ‫وفي الفاق حولكم {فََأيّ آيَاتِ(‪ )1‬اللّهِ تُ ْنكِرُونَ} وكلها واضحة في غاية الظهور والبيان والستفهام‬ ‫للنكار عليهم علّهم يرعوون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الصبر على دعوة الحق والعمل في ذلك إلى أن يحكم ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليات ل تعطى لحد إل بإذن ال تعالى إذ هو المعطي لها فهي تابعة لمشيئته‪.‬‬ ‫‪ -3‬من الرسل من لم يقصص ال تعالى أخبارهم‪ ،‬ومنهم من قص وهم خمسة(‪ )2‬وعشرون نبيا‬ ‫ورسول‪ .‬وعدم القص لخبارهم ل ينافي بيان عددهم إجمالً لحديث أبي ذر في مسند أحمد أن أبا‬ ‫ذر رضي ال عنه قال قلت يا رسول ال كم عدّة النبياء؟ قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا‪،‬‬ ‫الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشرة جما غفيرا‪.‬‬ ‫‪ -4‬ذكر منّة ال على الناس في جعل النعام صالحة للنتفاع بها أكلً وركوبا لبعضها لعلهم‬ ‫يشكرون باليمان والطاعة والتوحيد‪.‬‬ ‫َأفَلَمْ َيسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ كَانُوا َأكْثَرَ مِ ْنهُ ْم وَأَشَدّ ُق ّوةً وَآثَارا‬ ‫فِي الْأَ ْرضِ َفمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬اسم استفهام يطلب به تمييز شيء عن مشاركة في ما يضاف إليه أي وهو مستعمل هنا في‬ ‫إنكار أن يكون شيء من آيات ال يمكن أن ينكر دون غيره من اليات فأفاد أن جميع اليات‬ ‫صالحة للدللة على وجود ال ووحدانيته في ألوهيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬جمع بعضهم من ذكروا في القرآن من اليات التية فقال‪:‬‬

‫حتم على كل ذي التكليف معرفة‬ ‫بأنبياء على التفصيل قد علموا‬ ‫في تلك حجتنا منهم ثمانية‬ ‫من بعد عشر ويبقى سبعة هم‬ ‫إدريس هود شعيب صالح وكذا‬ ‫ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا‬ ‫الرسل المجمع على أنهم رسل خمسة عشر وهم‪ :‬نوح‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬لوط‪ ،‬إسماعيل‪ ،‬إسحاق‪ ،‬يعقوب‪،‬‬ ‫يوسف‪ ،‬هود‪ ،‬صالح‪ ،‬شعيب‪ ،‬موسى‪ ،‬هارون‪ ،‬عيسى‪ ،‬يونس‪ ،‬محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫والمختلف في رسالتهم بعد الجماع على نبوتهم باقي الخمسة والعشرين واختلف في نبوة لقمان‬ ‫وذي القرنين والخضر ومريم عليهم السلم‪.‬‬

‫( ‪)4/556‬‬ ‫(‪ )82‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ رُسُُل ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ فَرِحُوا ِبمَا عِ ْندَهُمْ مِنَ ا ْلعِلْ ِم وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ(‬ ‫ح َد ُه َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ مُشْ ِركِينَ(‪ )84‬فَلَمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ إِيمَا ُنهُمْ‬ ‫‪ )83‬فََلمّا رََأوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْ‬ ‫خسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلكَافِرُونَ(‪)85‬‬ ‫َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُ ّنتَ اللّهِ الّتِي قَدْ خََلتْ فِي عِبَا ِد ِه وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفلم يسيروا في الرض ‪ :‬أي أعجزوا فلم يسيروا في الرض شمالً وجنوبا وغربا‪.‬‬ ‫كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ‪ :‬أي عاقبة المكذبين من قبلهم قوم عاد وثمود وأصحاب مدين‪.‬‬ ‫وآثارا في الرض ‪ :‬أي وأكثر تأثيرا في الرض من حيث النشاء والتعمير‪.‬‬ ‫فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ‪ :‬أي لم يمنع العذاب عنهم كسبهم الطائل وقوتهم المادية‬ ‫فرحوا بما عندهم من العلم ‪ :‬أي فرح الكافرون بما عندهم من العلم الذي هو الجهل بعينه‪.‬‬ ‫فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا‪ :‬أي عذابنا الشديد النازل بهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في طلب هداية قريش بما يذكرهم به وما يعرض عليهم من صور حية لمن كذب‬ ‫ولمن آمن لعلهم يهتدون قال تعالى {َأفََلمْ(‪َ )1‬يسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ} أي أعجزوا فلم يسيروا في‬ ‫الرض أرض الجزيرة شمالً ليروا آثار ثمود في مدائنها وجنوبا ليروا آثار عاد‪ ،‬وغربا ليرو‬ ‫آثار أصحاب اليكة قوم شعيب والمؤتفكات قرى قوم لوط‪ :‬فينظروا نظر تفكر واعتبار كيف كان‬ ‫عاقبة الذين من قبلهم‪ .‬كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الرض من مصانع وقصور وحدائق وجنات‬ ‫فما أغنى عنهم لما جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من مال ورجال وقوة مادية‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬الفاء للتفريع وهمزة الستفهام داخلة على محذوف أي أعجزوا فلم يسيروا والستفهام إنكاري‬ ‫ينكر عليهم عدم النظر في آثار الهالكين ليحصلوا على العبرة المطلوبة لهم يؤمنوا ويوحدوا‬ ‫فينجوا من العذاب‪.‬‬

‫( ‪)4/557‬‬ ‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )82‬أما الية الثانية (‪ )83‬فهي قوله تعالى { َفَلمّا جَاءَ ْت ُهمْ رُسُُلهُمْ‬ ‫بِالْبَيّنَاتِ} يخبر تعالى عن المكذبين الهالكين أنهم لما جاءتهم رسلهم بالحجج والدلة الظاهرة على‬ ‫توحيد ال والبعث والجزاء وصدقهم في النبوة ولرسالة {فَرِحُوا ِبمَا عِ ْندَهُمْ(‪ )1‬مِنَ ا ْلعِلْمِ} المادي‬ ‫وسخروا من العلم الروحي واستهزأوا بأهله فرحا ومرحا‪َ { ،‬وحَاقَ ِبهِمْ} أي أحاط بهم العذاب الذي‬ ‫كان نتيجة كفرهم وتكذيبهم واستهزائهم‪ ،‬فلما رأوا عذاب ال الشديد وقد حاق بهم أعلنوا عن‬ ‫ح َد ُه َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ ُمشْ ِركِينَ} أي قالوا ل إله إل ال‪ .‬قال تعالى‬ ‫توبتهم فـ {قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْ‬ ‫خَلتْ فِي عِبَا ِدهِ}‬ ‫{فََلمْ َيكُ يَ ْن َفعُهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا} أي شديد عذابنا {سُ ّنتَ(‪ )2‬اللّهِ الّتِي َقدْ َ‬ ‫وأخبر تعالى أن هذه سنة من سننه في خلقه وهي أن اليمان ل ينفع عند معاينة العذاب إذ لو كان‬ ‫يقبل اليمان عند رؤية العذاب وحلوله لما كفروا كافر ولما دخل النار أحد‪ .‬وقوله { َوخَسِرَ(‪)3‬‬ ‫هُنَاِلكَ } أي عند رؤية العذاب وحلوله {ا ْلكَافِرُونَ} أي المكذبون المستهزئون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية السير في البلد للعظة والعتبار تقوية لليمان‪.‬‬ ‫‪ -2‬القوى المادية ل تغني عن أصحابها شيئا إذا أرادهم ال بسوء‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سنة بشرية وهي أن الماديين يغترون بمعارفهم المادية ليستغنوا بها عن العلوم الروحية‬ ‫في نظرهم إل أنها ل تغني عنهم شيئا عند حلول العذاب بهم في الدنيا وفي الخرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال القرطبي فرحوا بما عندهم من العلم في معناه ثلثة أقوال قال مجاهد إن الكفار الذين‬ ‫فرحوا بما عندهم من العلم قالوا نحن أعلم منهم ولن نعذب ولن نبعث‪ ،‬وقيل فرحوا بما عندهم من‬ ‫علم الدنيا نحو يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وقيل الذين فرحوا الرسل بما عندهم من العلم بنجاة‬ ‫المؤمنين وهلك الكافرين‪.‬‬ ‫‪ -2‬سنة مصدر سنّ يسن سنا وسنة أي سن ال عز وجل في الكفار أنه ل ينفعهم اليمان إذا رأوا‬ ‫العذاب وجائز أن يكون سنة منصوب والغراء والتحذير أي احذروا أيها المشركون سنة ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬خسر هنالك هذه الجملة كالفذلكة لقوله فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهنالك أسم إشارة‬ ‫إلى مكان استعير للشارة إلى الزمان أي خسروا وقت رؤيتهم بأسنا‪.‬‬

‫( ‪)4/558‬‬ ‫سورة فصلت‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة فصلت(‪)1‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها أربع وخمسون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ(‪ )2‬كِتَابٌ ُفصَّلتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَرَبِيّا ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ )3‬بَشِيرا وَنَذِيرا‬ ‫حم(‪ )1‬تَنْزِيلٌ مِنَ الرّ ْ‬ ‫س َمعُونَ(‪َ )4‬وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي َأكِنّةٍ ِممّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ َوفِي آذَانِنَا َوقْ ٌر َومِنْ‬ ‫فَأَعْ َرضَ َأكْثَرُهُمْ َفهُمْ ل َي ْ‬ ‫ع َملْ إِنّنَا عَامِلُونَ(‪)5‬‬ ‫حجَابٌ فَا ْ‬ ‫بَيْنِنَا وَبَيْ ِنكَ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حم ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا حم‪ ،‬ويقرأ هكذا حا ميم‪.‬‬ ‫تنزيل من الرحمن الرحيم ‪ :‬أي من ال إذ هو الرحمن الرحيم‪.‬‬ ‫فصلت آياته ‪ :‬أي بينت آياته غاية البيان بلسان عربي لقوم يعلمون إذ هم الذين ينتفعون‪.‬‬ ‫بشيرا ونذيرا ‪ :‬أي مبشرا أهل اليمان والعمل الصالح بالفوز‪ ,‬ومنذرا المكذبين الكافرين‬ ‫بالخسران‪.‬‬ ‫فأعرض أكثرهم ‪ :‬أي أعرض عن سماع القرآن أكثر مشركي مكة وكفار قريش‪.‬‬ ‫فهم ل يسمعون ‪ :‬أي سماع تعقل وتدبر لينتفعوا بما يسمعون‪.‬‬ ‫في أكنة ‪ :‬أي أغطية جمع كنان‪ :‬ما فيه يكن الشيء ويستر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وتسمى سورة حم السجدة وتسمى سورة المصابيح وسورة الموات لذكر المصابيح والموات‬ ‫والسجدة وفصلت فيها‪.‬‬

‫( ‪)4/559‬‬ ‫وفي آذاننا وقر ‪ :‬أي ثقل فلم نطق السمع‪.‬‬ ‫ومن بيننا وبينك حجاب‪ :‬أي مانع وفاصل بيننا فل نسمع ما تقول ول نرى ما تفعل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {حم} هذا أحد الحروف المقطعة وتفسيره أن يقال فيه وفي أمثاله من الحروف المقطعة‬

‫ال أعلم بمراده به‪ .‬وقد ذكرنا ما أثرنا عن أهل العلم فائدتين هامتين لمثل هذه الحروف المقطعة‬ ‫في أول سورة غافر‪ ،‬وفي العديد من السور المفتتحة بهذه الحروف فليرجع إليها ولتعرف وتحفظ‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ(‪ })1‬أي هو منزله على عبده ورسوله محمد صلى ال عليه‬ ‫وقوله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرّ ْ‬ ‫وسلم وليس كما يقول المبطلون‪ .‬وقوله {كِتَابٌ ُفصّلَتْ آيَاتُهُ} أي هو كتاب فخم جليل القدر فصلت‬ ‫آيته أي بينت حال كون ذلك التفصيل {قُرْآنا عَرَبِيّا ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ })2‬لسان العرب ويفهمون معاني‬ ‫الكلم وأسراره‪ .‬قوله {بَشِيرا وَنَذِيرا} وحال كونه أيضا بشيرا لهل اليمان وصالح العمال‬ ‫بالفوز بالجنة والنجاة من النار‪ ،‬نذيرا للمشركين المكذبين من عذاب النار‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬فَأَعْ َرضَ‬ ‫س َمعُونَ} يخبر تعالى أنه مع بيان الكتاب ووضوح ما جاء به ودعا إليه من‬ ‫َأكْثَرُهُمْ(‪َ )3‬فهُمْ ل يَ ْ‬ ‫التوحيد والخير أعرض أكثر كفار قريش عنه ولم يلتفتوا إليه فهم ل يسمعونه ول يريدون سماعه‬ ‫بحال‪ ،‬وقالوا معتذرين بأقبح العذار‪ :‬قلوبنا في أكنة أي أغطية تسترها من أجل أن ل نفهم ما‬ ‫تدعونا إليه من التوحيد واليمان بالبعث والجزاء المقتضي لمتابعتك والسير وراءك‪ ،‬وفي آذاننا‬ ‫وقر أي ثقل فل تقوى على سماع ما تقول ومن بيننا وبينك حجاب(‪ )4‬ساتر وحائل لنا عنك فل‬ ‫نسمع ما تقول ول نرى ما تعمل فاتركنا كما تركناك‪ ،‬واعمل(‪ )5‬على نصرة دينك فإننا عاملون‬ ‫كذلك على نصرة ديننا والحفاظ على معتقداتنا وهذه نهاية المفاصلة التي أبدتها قريش للرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬تنزيل مبتدأ وسوغ البتداء به ما في التنكير من معنى التعظيم كأن قيل تنزيل عظيم ومن‬ ‫الرحمن الرحيم الخبر وكتاب بدل من تنزيل وفصلت صفة لكتاب‪.‬‬ ‫‪ -2‬في إعراب قرآنا عدة وجوه أظهرها أن النصب على الحال وجائز أن يكون على الختصاص‬ ‫بالمدح‪.‬‬ ‫‪ -3‬فأعرض أكثر هؤلء عما في القرآن من الهدى فلم يهتدوا ومن البشارة فلم يعنوا بها ومن‬ ‫النذارة فلم يحذروها فكانوا في أشد الحماقة إذ لم يعنوا بالخير ولم يحذروا الشر فلم يأخذوا‬ ‫بالحيطة لنفسهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬روي أن أبا جهل استغشى على رأسه ثوبا فقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه‪.‬‬ ‫‪ -5‬وقيل اعمل على هلكنا فإنا عاملون على هلكك وقيل غير هذا وما في التفسير أولى‪.‬‬

‫( ‪)4/560‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعيّن تعلم اللغة العربية على كل مسلم يريد أن يفهم(‪ )1‬كلم ال القرآن العظيم‪.‬‬

‫‪ -2‬اشتمال القرآن على أسلوب الترغيب والترهيب وهي البشارة والنذارة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان شدة عداوة المشركين للتوحيد والداعين إليه في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا بَشَرٌ مِثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْ َتقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْ َت ْغفِرُو ُه َووَيْلٌ لِ ْلمُشْ ِركِينَ(‪)6‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َأجْرٌ‬ ‫الّذِينَ ل ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالْآخِ َرةِ ُهمْ كَافِرُونَ(‪ )7‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫غَيْرُ َممْنُونٍ(‪)8‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل إنما أنا بشر مثلكم‪ :‬أي لست ملكا وإنما أنا بشر مثلكم من بني آدم‪.‬‬ ‫يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد‪ :‬أي يوحي ال إلي بأن إلهكم أي معبودكم أيها الناس إله واحد ل‬ ‫ثاني له ول أكثر‪.‬‬ ‫فاستقيموا إليه‪ :‬بإخلص العبادة له دون سواه‪.‬‬ ‫واستغفروه‪ :‬أي اطلبوا منه أن يغفر لكم ذنوبكم(‪ )2‬التي كانت قبل الستقامة وهي الشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫وويل للمشركين ‪ :‬أي عذاب شديد سيحل بهم لغضابهم الرب بمضادته بآلهة باطلة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬شاهده قول الصوليين ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب وما دام ل يفهم الشرع إل بلغة‬ ‫القرآن وجب تعلم هذه اللغة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذنوبكم التي قارفتموها من الشرك والمعاصي قبل التوبة التي هي الستقامة على طاعة ال‬ ‫ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/561‬‬ ‫ل يؤتون الزكاة ‪ :‬أي زكاة أنفسهم بما يطهرها من أوضار الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫لهم أجر غير ممنون ‪ :‬أي ثواب الخرة وهو الجنة ونعيمها ل ينقطع بحال هو أجر غير ممنون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إنه بعد تلك المفاصلة التي قام بها المشركون حفاظا على الوثنية وجهل الجاهلية أمر تعالى رسوله‬ ‫أن يقول لهم إنما أنا بشر مثلكم في آدميتي لم أدّع يوما غيرها فلم أقل إني ملك‪ ،‬إل أني أفضلكم‬ ‫بشيء وهو أنه يوحى إليّ من قبل ربي‪ ،‬والموحى به إلي هو أنما إلهكم الحق إله واحد ل شريك‬ ‫له في ربوبيته ول في ألوهيته‪ ،‬وعليه فاخلعوا تلك الوثان واستقيموا(‪ )1‬إليه تعالى بإخلص‬ ‫العبادة والوجوه إليه‪ ،‬واستغفروه من آثار الذنب السابق قبل الستقامة على اليمان والتوحيد وقوله‬ ‫تعالى‪َ { :‬ووَيْلٌ لِ ْلمُشْ ِركِينَ} يخبر تعالى أن الويل وهو مُرّ العذاب إذ من معاني الويل أنه صديد‬ ‫وقيح أهل النار وما يسيل من أبدانهم وفروجهم للمشركين بربهم الذين ل يؤتون(‪ )2‬زكاة أموالهم‪،‬‬

‫وهم بالخرة هم كافرون أي ل يؤمنون بالبعث والجزاء فلذا هم ل يتركون شرا ول يفعلون خيرا‬ ‫إل ما قل وندر والنادر ل حكم له‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي آمنوا بال وعده ووعيده وشرعه وعملوا‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ(‪ )3‬آمَنُوا وَ َ‬ ‫الصالحات بأداء الفرائض والكثير من النوافل بعد تجنبهم الشرك والكبائر من الذنوب والمعاصي‬ ‫هؤلء لهم أجر غير ممنون(‪ )4‬مقابل إيمانهم وصالح أعمالهم‪ ،‬والجر هو الثواب والمراد به‬ ‫الجنة إذ نعيمها ل ينقطع على من ناله وفاز به بحال من الحوال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة والتوحيد‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب الستقامة على شرع ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الستغفار من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب الزكاة في الموال‪ ،‬ووجوب تزكية النفوس باليمان وصالح العمال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬استقيموا إليه أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه كما يقال للرجل استقم إلى منزلك‬ ‫أي ل تعرج إلى شيء غير القصد إليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال ابن عباس ل يؤتون الزكاة أي ل يشهدون أن ل إله إل ال وهي زكاة النفس لن السورة‬ ‫مكية والزكاة فرضت بالمدينة وقال بعضهم إن قريشا كانوا ينفقون النفقات ويسقون الحجيج‬ ‫ويطعمونهم فحرموا ذلك من آمن بمحمد صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه الية‪.‬‬ ‫ل يقول فإن اتعظ هؤلء‬ ‫‪ -3‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا نشأ عن الوعيد المتقدم فكأن سائ ً‬ ‫المشركون وتابوا من الشرك وترك المعاصي فما جزاؤهم؟ فالجواب أن الذين آمنوا عملوا‬ ‫الصالحات لهم أجر غير ممنون‪.‬‬ ‫‪ -4‬المن القطع ومن منّ صدقته فقد قطعها قال الشاعر‪:‬‬ ‫لعمرك ما بأبي بذي غلق‬ ‫على الصديق ول خيري بممنون‬

‫( ‪)4/562‬‬ ‫ج َعلَ‬ ‫جعَلُونَ َلهُ أَنْدَادا ذَِلكَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )9‬وَ َ‬ ‫ُقلْ أَإِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خََلقَ الْأَ ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ وَ َت ْ‬ ‫سوَاءً لِلسّائِلِينَ(‪ُ )10‬ثمّ اسْ َتوَى‬ ‫سيَ مِنْ َف ْو ِقهَا وَبَا َركَ فِيهَا َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ‬ ‫فِيهَا َروَا ِ‬ ‫طوْعا َأوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ(‪َ )11‬فقَضَاهُنّ سَبْعَ‬ ‫سمَا ِء وَ ِهيَ دُخَانٌ َفقَالَ َلهَا وَلِلْأَ ْرضِ ائْتِيَا َ‬ ‫إِلَى ال ّ‬ ‫حفْظا ذَِلكَ َتقْدِيرُ‬ ‫ح وَ ِ‬ ‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِي َ‬ ‫سمَاءٍ َأمْرَهَا وَزَيّنّا ال ّ‬ ‫ن وََأوْحَى فِي ُكلّ َ‬ ‫سمَاوَاتٍ فِي َي ْومَيْ ِ‬ ‫َ‬

‫ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ(‪)12‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫بالذي خلق الرض في يومين ‪ :‬أي الحد والثنين‪.‬‬ ‫وتجعلوا له أندادا‪ :‬أي شركاء وهذا داخل في حيز النكار الشديد عليهم‪.‬‬ ‫ذلك رب العالمين ‪ :‬أي ال مالك العالمين وهم كل ما سواه عز وجل من سائر الخلئق‪.‬‬ ‫ل ثوابت‪.‬‬ ‫وجعل فيها رواسي ‪ :‬أي جبا ً‬ ‫وبارك فيها ‪ :‬أي في الرض بكثرة المياه والزروع والضروع‪.‬‬ ‫وقدر فيها أقواتها ‪ :‬أي أقوات الناس والبهائم‪.‬‬ ‫في أربعة أيام ‪ :‬أي في تمام أربعة أيام وهي الحد والثنين والثلثاء والربعاء‪.‬‬ ‫سواء للسائلين ‪ :‬أي في أربعة أيام هي سواء لمن يسأل فإنها ل زيادة فيها ول نقصان‪.‬‬ ‫ثم استوى إلى السماء‪ :‬أي قصد بإرادته الربانية إلى السماء وهي دخان قبل أن تكون سماء‪.‬‬

‫( ‪)4/563‬‬ ‫فقضاهن سبع سماوات في يومين ‪ :‬أي الخميس والجمعة ولذا سميت الجمعة جمعة لجتماع الخلق‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫وأوحى في كل سماء أمرها (‪ : )1‬أي ما أراد أن يكون فيها من الخلق والعمال‪.‬‬ ‫وزينا السماء الدنيا بمصابيح ‪ :‬أي بنجوم‪.‬‬ ‫وحفظا ‪ :‬أي وحفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب الموجودة فيها‪.‬‬ ‫ذلك تقدير العزيز العليم ‪ :‬أي خلق العزيز في ملكه العليم بخلقه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إنه بعد الصرار على التكذيب والنكار من المشركين أمر تعالى رسوله أن يقول لهم(‪ُ { )2‬قلْ‬ ‫أَإِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خَلَقَ الْأَ ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ} إن كفرهم عجب منكم هل تعلمون بمن تكفرون إنكم‬ ‫لتكفرون بالذي خلق الكوان كلها علويها وسفليها في ستة أيام‪ ،‬أين يذهب بعقولكم يا قوم‬ ‫أتستطيعون جحود ال تعالى وجحود آياته وهذه الكوان كلها آيات شاهدات على وجوده وقدرته‬ ‫وعلمه حكمته وموجبة له الربوبية عليها واللوهية له فيها دون غيره من سائر خلقه وأعجب من‬ ‫ذلك أنكم تجعلون له أندادا أي شركاء تسوونهم به وهم أصنام ل تسمع ول تبصر فكيف ُتسّوى‬ ‫بالذي خلق الرض في يومين أي الحد والثنين‪ ،‬وهو رب العالمين أجمعين أي رب كل شيء‬ ‫ومليكه ومالكه‪.‬‬ ‫ج َعلَ فِيهَا} أي في الرض رواسي أي جبالً ثوابت ترسو في‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪َ { )9‬و َ‬ ‫الرض حتى ل تميد بأهلها ول تميل فيخرب كل شيء عليها‪{ ،‬وَبَا َركَ فِيهَا} بكثرة المياه والرزق‬

‫والضروع والخيرات { َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا} (‪ )3‬تقديرا يعجز البيان عن وصفه‪ ،‬والقلم عن رقمه‬ ‫سوَاءً(‪ })4‬لمن يسأل عنها‬ ‫واللت الحاسبة عن عدّه‪ .‬وذلك كله من الخلق والتقدير {فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ‬ ‫إنها الحد والثنين والثلثاء والربعاء أي مقدرة بأيامنا هذه التي تكونت نتيجة الشمس والقمر‬ ‫والليل والنهار فل تزيد يوما ول تنقص آخر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الوحي‪ :‬الكلم الخفي‪ ،‬ويطلق الوحي على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده‬ ‫دون قول‪ ،‬ومنه فأوحى إليهم أي أومأ إليهم بما يدل على معنى سبحوا بكرة وعشيا قال الشاعر‪:‬‬ ‫يرمون بالخطب الطوال وتارة‬ ‫وحي الملحظ خفية الرقباء‬ ‫‪ -2‬الستفهام للتوبيخ والتعجب من حالهم أي لم تكفرون بالذي خلق الرض في يومين وتجعلون‬ ‫له أندادا؟ ومعنى الكفر به تعالى بانفراده باللوهية‪ .‬فلما أنكروا ألوهيته كان كإنكارهم صفات ذاته‬ ‫فصح أنهم كفروا به‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال قتادة ومجاهد‪ :‬خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يومي الثلثاء والربعاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬أي تتمة أربعة أيام‪.‬‬

‫( ‪)4/564‬‬ ‫سمَاءِ} في الية الثالثة (‪ )10‬يخبر تعالى أنه بعد خلق الرض استوى إلى‬ ‫وقوله {ثُمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬ ‫سمَا ِء وَ ِهيَ ُدخَانٌ} أي بخار وسديم ارتفع‬ ‫السماء أي قصد بإرادته التي تعلو فوق كل إرادة {إِلَى ال ّ‬ ‫طوْعا َأوْ كَرْها} أي‬ ‫من الماء الذي كان عرشه تعالى عليه فقال لها كما قال {وَلِلْأَ ْرضِ(‪ )1‬ائْتِيَا َ‬ ‫طائعتين أو مكرهتين ل بد من مجيئكما حسب ما أردت وقصدت فأجابتا بما أخبر تعالى عنهما في‬ ‫سمَاوَاتٍ فِي َي ْومَيْنِ}‬ ‫قوله‪{ :‬قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ} أي لم يكن لنا أن نخالف أمر ربنا‪َ { ،‬فقَضَاهُنّ سَبْعَ َ‬ ‫سمَاءٍ َأمْرَهَا} أي ما أراد أن يخلقه فيها ويعمرها به من‬ ‫وهما الخميس والجمعة‪{ ،‬وََأوْحَى فِي ُكلّ َ‬ ‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ} وهي النجوم وحفظا أي وجعلناها‬ ‫المخلوقات والطاعات‪ .‬وقوله‪{ :‬وَزَيّنّا ال ّ‬ ‫أي النجوم حفظا من الشياطين أن تسترق السمع فإن الملئكة يرجمونهم بالشهب من النجوم‬ ‫فيحترقون أو يخبلون‪ .‬وقوله‪{ :‬ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ(‪ )2‬ا ْلعَلِيمِ} أي ذلك المذكور من الخلق والتقدير‬ ‫تقدير العزيز في ملكه أي الغالب على أمره العليم بتدبير ملكه وأعمال وأحوال خلقه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الكفر بال ل ذنب فوقه فما بعد الكفر ذنب‪ ،‬وهو عجيب وأعجب منه اتخاذ أصنام وأحجار‬ ‫وأوثانا تعبد مع ال الحي القيوم مالك الملك ذي الجلل والكرام‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان اليام التي خلق ال فيها العوالم العلوية والسفلية وهي ستة أيام أي على قدر ستة أيام من‬ ‫أيام الدنيا هذه مبدوءة بالحد منتهية بالجمعة‪ ،‬وقدرة ال صالحة لخلق السموات والرض وبكل ما‬ ‫فيهما بكلمة التكوين "كن" ولكن لحكم عالية أرادها ال تعالى منها تعليم عباده الناة والتدرج في‬ ‫إيجاد الشياء شيئا فشيئا‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل تعارض بين قوله تعالى في هذه الية { ثم استوى إلى السماء } المشعر بأن خلق السموات‬ ‫كان بعد خلق الرض‪ ،‬وبين قوله ‪ {:‬والرض بعد ذلك دحاها} من سورة النازعات المفهم أن‬ ‫حوَ الرض كان بعد خلق السماء‪ ،‬إذ فسر تعالى دحو الرض بإخراج مائها ومرعاها وهو ما‬ ‫َد ْ‬ ‫ترعاه الحيوانات التي سيخلقها عليها‪ ،‬ثم قوله {خلق الرض في يومين} على صورة يعلمها هو‬ ‫ول نعلمها نحن‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال ابن عباس قال ال تعالى للسماء أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك وأجري سحابك ورياحك‬ ‫وقال للرض شقي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين {قالتا أتينا طائعين}‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الحاديث الصحيحة أن ال خلق آدم يوم الجمعة وأنه آخر أيام السبوع وأنه خيرها‬ ‫وأفضلها وأن اليهود والنصارى قد اختلفوا فيه فهدى ال الذين آمنوا إليه‪.‬‬

‫( ‪)4/565‬‬ ‫وتقدير القوات في قوله {وقدر فيها أقواتها } ل يستلزم أن يكون فعل أظهر ما قدره إلى حيز‬ ‫الوجود‪ ،‬وحينئذ ل تعارض بين ما يدل من اليات على خلق الرض أول ثم خلق السموات وهو‬ ‫الذي صرحت به الحاديث إذ خلق الرض في يومين وقدر القوات في يومين وبعد أن خلق‬ ‫السموات دحا الرض فأخرج منها ما قدره فيها من أقوات وأرزاق الحيوانات حسب سنته في‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان فائدتين عظيمتين(‪ )1‬للنجوم الولى أنها زينة السماء بها تضاء وتشرق وتذهب الوحشة‬ ‫منها والثانية أن ترمى الشياطين بالشهب من النجوم ذات التأجج الناري‪.‬‬ ‫سلُ مِنْ بَيْنِ أَ ْيدِيهِمْ‬ ‫عقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ(‪ )13‬إِذْ جَاءَ ْت ُهمُ الرّ ُ‬ ‫ل صَا ِ‬ ‫فَإِنْ أَعْ َرضُوا فَ ُقلْ أَنْذَرْ ُت ُك ْم صَاعِقَةً مِ ْث َ‬ ‫َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَلّا َتعْبُدُوا ِإلّا اللّهَ قَالُوا َلوْ شَاءَ رَبّنَا لَأَنْ َزلَ مَل ِئكَةً فَإِنّا ِبمَا أُ ْرسِلْتُمْ ِبهِ كَافِرُونَ(‪ )14‬فََأمّا‬ ‫شدّ مِنّا ُق ّوةً َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََل َقهُمْ ُهوَ‬ ‫ق َوقَالُوا مَنْ أَ َ‬ ‫عَادٌ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَ ّ‬ ‫حدُونَ(‪ )15‬فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحا صَ ْرصَرا فِي أَيّامٍ َنحِسَاتٍ لِنُذِي َقهُمْ‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً َوكَانُوا بِآياتِنَا َيجْ َ‬ ‫أَ َ‬ ‫عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ الْآخِ َرةِ أَخْزَى وَهُمْ ل يُ ْنصَرُونَ(‪ )16‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَاهُمْ‬ ‫عقَةُ ا ْل َعذَابِ ا ْلهُونِ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ(‪ )17‬وَنَجّيْنَا الّذِينَ‬ ‫فَاسْتَحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى فََأخَذَ ْتهُ ْم صَا ِ‬ ‫آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ(‪)18‬‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬والثالثة الهتداء بها في معرفة البلد والقبلة قال تعالى "والنجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر‬ ‫والبحر"‪.‬‬

‫( ‪)4/566‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإن أعرضوا ‪ :‬أي كفار قريش عن اليمان والتوحيد بعد ذلك البيان المفصل‪.‬‬ ‫فقل أنذرتكم صاعقة ‪ :‬أي خوفتكم صاعقة تنزل بكم فتهلككم إن أصررتم على هذا الكفر‪.‬‬ ‫من بين أيديهم ومن خلفهم‪ :‬أي أتتهم رسلهم تعرض عليهم دعوة الحق من أمامهم ومن ورائهم‪.‬‬ ‫لو شاء ربنا لنزل ملئكة ‪ :‬أي بدلً عنكم أيها الرسل من البشر‪.‬‬ ‫بغير الحق ‪ :‬أي بغير أن يأذن ال لهم بذلك العلو والستكبار والتجبّر‪.‬‬ ‫ريحا صرصرا ‪ :‬أي ذات صوت يسمع له صرصرة مع البرودة الشديدة‪.‬‬ ‫في أيام نحسات‪ :‬أي مشئومات عليهم لم يفلحوا بعدها‪.‬‬ ‫ولعذاب الخرة أخزى ‪ :‬أي أشد خزيا من عذاب الدنيا‪.‬‬ ‫فاستحبوا العمى على الهدى‪ :‬أي استحبوا الكفر على اليمان إذ الكفر ظلم واليمان نور‪.‬‬ ‫الذين آمنوا وكانوا يتقون ‪ :‬أي الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في طلب هداية قريش فقال تعالى‪{ :‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا(‪ })1‬بعد ذلك البيان الذي تقدم لهم‬ ‫في اليات السابقة المبين لقدرة ال وعمله وحكمته والموجب لليمان بال ولقائه وتوحيده فقل لهم‬ ‫أنذرتكم أي خوفتكم صاعقة(‪ )2‬تنزل بكم إن أصررتم على إعراضكم مثل صاعقة عادٍ وثمود أي‬ ‫عذابا مهلكا كالذي أهلك ال به عادا وثمود‪.‬‬ ‫سلُ} وهم هود وصالح من بين أيديهم ومن خلفهم كناية أن الرسول بلغهم‬ ‫وقوله‪{ :‬إِذْ جَاءَ ْت ُهمُ الرّ ُ‬ ‫دعوة ال لهم إلى اليمان والتوحيد بعناية فائقة فكان يأتيهم من أمامهم ومن خلفهم يدعوهم‪ ،‬قائلً‬ ‫لهم‪ :‬ل تعبدوا(‪ )3‬إل ال فإنه الله الحق وما عداه فباطل فكان جوابهم لهم ل نؤمن لكم ول نقبل‬ ‫منكم ولو شاء(‪ )4‬ال ما تقولون لنا لنزل به ملئكة يدعوننا إليه ل أن يرسل مثلكم من البشر‬ ‫وأخيرا قالوا لهم فإننا بما أرسلتم به كافرون فأيأسوا الرسل من إجابتهم‪ .‬هذا ما دلت عليه اليتان‬ ‫الولى (‪ )12‬والثانية (‪ )13‬وفي الية الثالثة (‪ )14‬بين تعالى حال القوم كلً على حدة فقال فأما‬ ‫عاد أي قوم(‪ )5‬هود فاستكبروا في الرض بغير الحق فحملهم الكبر الناجم عن القوة‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي استمروا على إعراضهم بعد دعوتك إياهم وإلحاحك فيها‪.‬‬

‫‪ -2‬الصاعقة حقيقتها أنها نار تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه‪ ،‬وتطلق على الحادثة المبيدة‬ ‫السريعة الهلك‪.‬‬ ‫‪ -3‬جملة أل تعبدوا إل ال تفسير لجملة وجاءتهم الرسل‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا قول عاد وثمود لرسوليهم هود وصالح فحكى بهذا اللفظ‪.‬‬ ‫‪ -5‬لما حكى ال تعالى قولتي عاد وثمود لرسوليهم وهو قولهم لو شاء ال لنزل ملئكة فصّل في‬ ‫هذه اليات حال كل من القبيلتين إتماما للتذكير بحالهما والموعظة بالعذاب الذي أصابهما فقال‬ ‫فأما عاد ‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫( ‪)4/567‬‬ ‫المادية على رفض دعوة هود عليه السلم وقالوا فيه وفي دعوته الكثير وقد مر في سورة هود‬ ‫ويأتي في سورة الحقاف مفصلً ما أجمل هنا‪ ،‬وقوله بغير الحق أي أن استكبارهم ل حق لهم فيه‬ ‫أول لضعفهم أمام قوة ال عز وجل‪ ،‬وثانيا لم يأذن ال تعالى لهم بالستكبار فهو بغير حق إذا‪.‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬وقَالُوا مَنْ أَشَدّ(‪ ُ)1‬مِنّا ُق ّوةً} وهذا منهم تحد صريح وعلو وعتو واضحان‪ ،‬ولذا تحداهم ال‬ ‫تعالى بالقوة فقال عز وجل أو لم يروا أن ال الذي خلقهم هو أشد منهم قوة أي أعموا ولم يروا أن‬ ‫ال الذي خلقهم قطعا هو أشد منهم قوة‪ .‬إذ كل قوة لهم مصدرها ال هو خالقهم وواهب القوة لهم‪،‬‬ ‫فقوتهم ليست ذاتية ولكنها موهوبة إذ يُخلق أحدهم وهو ل يقدر على دفع أدنى شيء عن نفسه‬ ‫حدُونَ} هذا تسجيل عليهم أكبر ذنب وهو جحودهم بآيات ال التي جاء بها‬ ‫وقوله‪َ { :‬وكَانُوا بِآياتِنَا َيجْ َ‬ ‫رسول ال هود عليه السلم كما جحدت قريش آيات ال‪ ،‬وقوله تعالى فأرسلنا عليهم أي بمجرد أن‬ ‫تأكد كفرهم بجحودهم بآيات ال أرسل ال تعالى عليهم ريحا صرصرا(‪ )2‬أي باردة ذات صوت‬ ‫مزعج دامت سبع ليال وثمانية أيام فل تبق منهم أحدا وهي أيام نحسات(‪ )3‬عليهم مشئومات قال‬ ‫تعالى لنذيقهم أي أرسلناها عليهم لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا‪ .‬ولعذاب الخرة أخزى أي‬ ‫أشد خزيا وإهانة لهم وذلة‪ ،‬وهم ل ينصرون أي ل ناصر لهم من ال عز وجل‪ .‬هذا بيان حال‬ ‫عاد‪ .‬وأما ثمود(‪ )4‬فقد قال تعالى وأما ثمود قوم صالح فاستحبوا الضلل على الهدى والكفر على‬ ‫اليمان وقتلوا الناقة وهمّوا بقتل صالح فأخذتهم صاعقة العذاب الهون وذلك صباح السبت فأخذتهم‬ ‫صيحة انخلعت لها قلوبهم فرجفت الرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم‪ ،‬وذلك بما كانوا يكسبون‬ ‫من الشرك والظلم والكفر والعناد‪ .‬ونجّى ال تعالى صالحا ومن معه من المؤمنين الذين آمنوا‬ ‫وكانوا يتقون الشرك والمعاصي وكانوا أربعة آلف مؤمن ومؤمنة وهو معنى قوله تعالى في ختام‬ ‫الحديث‪{ :‬وَنَجّيْنَا الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ}‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬وهذا اغترار بقوة أجسامهم حين تهددهم هود بالعذاب‪.‬‬

‫‪ -2‬أصلها من صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل نحو كبكبوا‬ ‫أصلها كببوا وتجفجف الثوب أصلها تجفف والصرصر هي الشديدة البرودة قال الحطيئة‪:‬‬ ‫المطعمون إذا هبت بصرصرة‬ ‫الحاملون إذا استودوا على الناس‬ ‫ومعنى استودوا إذا سئلوا الدية‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع بسكون الحاء ويجوز كسرها وبه قرأ حفص على أنه صفة مشبهة من نحس إذا‬ ‫أصابه النحس إصابة سوء أو ضر والنحسات بسكون الحاء جمع نحس‪.‬‬ ‫‪ -4‬شروع في تفصيل حال ثمود بعد عاد والهداية التي كانت لهم هداية إرشاد وتكليف بواسطة‬ ‫رسولهم صالح وما آتاهم ال من معجزة الناقة العظيمة‪.‬‬

‫( ‪)4/568‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التحذير من العراض عن إجابة دعوة الحق‪ ،‬والستمرار في التمرد والعصيان‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير التوحيد وهو أن ل إله إل ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬دعوة الرسل واحدة وهي المر بالكفر بالطاغوت‪ ،‬واليمان بال وعبادته وحده بما شرع‬ ‫للناس من عبادات‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالستكبار وأنه سبب الكفر والعصيان‪.‬‬ ‫‪ -5‬ل مصيبة إل بذنب "بما كانوا يكسبون(‪ ")1‬أي من الذنوب‪.‬‬ ‫‪ -6‬اليمان والتقوى هما سبيل النجاة من العذاب في الدنيا والخرة وهما ركنا ولية ال تعالى‬ ‫لقوله أل إن أولياء(‪ )2‬ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون‪.‬‬ ‫س ْم ُعهُمْ‬ ‫شهِدَ عَلَ ْيهِمْ َ‬ ‫وَ َيوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللّهِ إِلَى النّارِ َفهُمْ يُوزَعُونَ(‪ )19‬حَتّى إِذَا مَا جَاءُوهَا َ‬ ‫طقَنَا اللّهُ الّذِي‬ ‫ش ِهدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْ َ‬ ‫جلُودِهِمْ لِمَ َ‬ ‫وَأَ ْبصَارُهُ ْم وَجُلُو ُدهُمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪َ )20‬وقَالُوا لِ ُ‬ ‫شهَدَ عَلَ ْيكُمْ‬ ‫جعُونَ(‪َ )21‬ومَا كُنْتُمْ َتسْتَتِرُونَ أَنْ يَ ْ‬ ‫شيْ ٍء وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬ ‫طقَ ُكلّ َ‬ ‫أَنْ َ‬ ‫س ْم ُعكُ ْم وَل أَ ْبصَا ُركُ ْم وَل جُلُو ُدكُ ْم وََلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنّ اللّهَ ل َيعْلَمُ كَثِيرا ِممّا َت ْعمَلُونَ(‪ )22‬وَذَِلكُمْ ظَّنكُمُ‬ ‫َ‬ ‫الّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَ ّب ُكمْ أَرْدَا ُكمْ فََأصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(‪ )23‬فَإِنْ َيصْبِرُوا فَالنّارُ مَثْوىً َلهُ ْم وَإِنْ يَسْ َتعْتِبُوا‬ ‫َفمَا هُمْ مِنَ ا ْل ُمعْتَبِينَ(‪)24‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي لقوله تعالى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون أي بسبب كسبهم السيئات‪.‬‬ ‫‪ -2‬الية من سورة يونس عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)4/569‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فهم يوزعون ‪ :‬أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم ليساقوا إلى النار مجتمعين‪.‬‬ ‫حتى إذا ما جاءوها ‪ :‬أي حتى إذا جاءوها أي النار‪.‬‬ ‫بما كانوا يعملون ‪ :‬من الذنوب والمعاصي‪.‬‬ ‫وهو خلقكم أول مرة‪ :‬أي بدأ خلقكم في الدنيا فخلقكم ثم أماتكم ثم أحياكم‪.‬‬ ‫وما كنتم تستترون ‪ :‬أي عند ارتكابكم الفواحش والذنوب أي تستخفون من أن يشهد عليكم سمعكم‬ ‫وأبصاركم فتتركوا الفواحش والذنوب‪.‬‬ ‫ولكن ظننتم أن ال ل يعلم ‪ :‬أي ولكن عند ارتكابكم الفواحش ظننتم أن ال ل يعلم ذلك منكم‪.‬‬ ‫أرداكم ‪ :‬أي أهلككم‪.‬‬ ‫فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ‪ :‬أي فإن صبروا على العذاب فالنار مثوى أي مأوى لهم‪.‬‬ ‫وإن يستعتبوا ‪ :‬أي يطلبوا العتبى وهي الرضا فل يعتبون أي ل يرضى عنهم هذه حالهم أبدا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة قريش إلى أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والجزاء وفي هذا‬ ‫السياق عرض لمشهد من مشاهد القيامة وهو مشهد حيّ رائع يعرض أمامهم‪.‬‬ ‫حشَرُ أَعْدَاءُ اللّهِ إِلَى النّارِ} أي اذكر لهم يوم يحشر أعداء ال أي الذين‬ ‫إذ يقول تعالى‪{ :‬وَ َيوْمَ(‪ )1‬يُ ْ‬ ‫كفروا به فلم يؤمنوا ولم يتقوا؛ إلى النار فهم يوزعون يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيساقون مع‬ ‫بعضهم بعضا‪ .‬حتى(‪ )2‬إذا ما جاءوها أي انتهوا إليها‪ ،‬وادعوا أنهم مظلومون وأخذوا يتنصّلون‬ ‫من ذنوبهم‪ ،‬وقالوا إنه ل يقبلون شاهدا من غير أنفسهم فيأمر ال تعالى أسماعهم وأبصارهم‬ ‫س ْم ُعهُ ْم وَأَ ْبصَارُهُمْ‬ ‫شهِدَ عَلَ ْيهِمْ َ‬ ‫وجلودهم فتشهد عليهم بما كانوا يعملون‪ ،‬وهو قوله تعالى‪َ { :‬‬ ‫وَجُلُودُ ُهمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} وهنا رجعوا إلى جلودهم يلومون عليهم ويعتبون وهو ما أخبر تعالى‬ ‫شهِدْتُمْ(‪ )3‬عَلَيْنَا} فأجابتهم جلودهم بما أخبر تعالى عنهم في هذا‬ ‫به في قوله‪َ { :‬وقَالُوا ِلجُلُودِهِمْ لِمَ َ‬ ‫شيْ ٍء وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ‬ ‫طقَ ُكلّ َ‬ ‫طقَنَا اللّهُ الّذِي أَنْ َ‬ ‫السياق {قَالُوا أَ ْن َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يحشرون إلى النار أي يجمعون ويساقون إليها‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرف ابتداء في اللفظ أي أن ما بعدها جملة مستأنفة إل أنها تفيد معنى الغاية "وما" في ما‬ ‫جاءوها مزيدة للتوكيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬شهادة جلودهم وجوارحهم عليهم هي شهادة تكذيب وافتضاح وإل إدانتهم متحققة بصحائف‬

‫أعمالهم وإجراء ضمائر السمع والبصر والجلود بصيغة جمع العقلء لن التحاور معهم أنزلهم‬ ‫منزلة العقلء‪.‬‬

‫( ‪)4/570‬‬ ‫جعُونَ} وها أنتم قد رجعتم فالقادر‬ ‫مَ ّرةٍ} أي النشأة الولى في الدنيا ثم أماتكم ثم أحياكم {وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬ ‫على هذا كله قادر على أن ينطقنا وعلى كل شيء أراد إنطاقه‪ ،‬وقوله { َومَا كُنْتُمْ َتسْتَتِرُونَ(‪ )1‬أَنْ‬ ‫س ْم ُعكُ ْم وَل أَ ْبصَا ُركُ ْم وَل جُلُو ُدكُمْ} أي وما كنتم تستخفون فتتركوا محارم ال بل كنتم‬ ‫علَ ْيكُمْ َ‬ ‫شهَدَ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫تجاهرون بذلك لعدم إيمانكم بالبعث والجزاء {وَذَِل ُكمْ ظَّنكُمُ الّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَ ّب ُكمْ} وهو ظن سيء‬ ‫{أَ ْردَاكُمْ} أي أهلككم {فََأصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وهذا هو‬ ‫الخسران المبين وقوله تعالى في الية الخيرة من هذا السياق (‪ )23‬فإن يصبروا أي أعداء ال‬ ‫الذين شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم فالنار مثوى أي مأوى لهم ل يخرجون منها أبدا‪.‬‬ ‫وإن يستعتبوا أي يطلبوا العتبى أي الرضا فيرضى عنهم فيدخلوا الجنة { َفمَا هُمْ مِنَ ا ْل ُمعْتَبِينَ} أي‬ ‫فما هو بحاصل لهم أبدا فهم إذا بشرّ التقديرين والعياذ بال تعالى من حال أهل النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض مفصل بحال أهل النار فيها‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من فعل الفواحش وكبائر الذنوب فإن جوارح المرء تشهد عليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من سوء الظن بال تعالى ومن ذلك أن يظن المرء أن ال ل يطلع عليه‪ .‬أو ل يعلم ما‬ ‫يرتكبه‪ ،‬أو أنه ل يحاسبه أو ل يجزيه‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب حسن الظن بال تعالى وهو أن يرجو أن يغفر ال له إذا تاب من زلة زلها‪ ،‬وأن يرجو‬ ‫رحمته وعفوه إذا كان في حال العجز عن الطاعات ول سيما عند العجز عن العمل للمرض‬ ‫والضعف كالكبر ونحوه فيغلب جانب الرجاء على جانب الخوف‪.‬‬ ‫َوقَ ّيضْنَا َل ُهمْ قُرَنَاءَ فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَحَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ َقدْ خََلتْ مِنْ قَبِْل ِهمْ‬ ‫مِنَ الْجِنّ وَالْأِنْسِ إِ ّنهُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬في الصحيحين حادثة ذكرت أنها سبب نزول هذه الية وهي أن عبد ال بن مسعود قال كنت‬ ‫مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلثة نفر قريشيان وآخر قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم فتكلموا‬ ‫بكلم لم أفهمه فقال أحدهم أترون أن ال يسمع ما نقول؟ فقال الخر يسمع إن جهرنا ول يسمع إن‬ ‫أخفينا وقال الخر إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا‪ .‬قال عبد ال فذكرت ذلك للنبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى {وما كنتم تستترون} الخ ‪..‬‬

‫( ‪)4/571‬‬ ‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ(‪ )26‬فَلَ ُنذِيقَنّ‬ ‫س َمعُوا ِل َهذَا ا ْلقُرْآ ِ‬ ‫كَانُوا خَاسِرِينَ(‪َ )25‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْ‬ ‫سوَأَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪ )27‬ذَِلكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللّهِ النّارُ َلهُمْ‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا عَذَابا شَدِيدا وَلَنَجْزِيَ ّنهُمْ أَ ْ‬ ‫جحَدُونَ(‪َ )28‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا رَبّنَا أَرِنَا الّذَيْنِ َأضَلّانَا مِنَ‬ ‫فِيهَا دَارُ ا ْلخُلْدِ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَ ْ‬ ‫سفَلِينَ(‪)29‬‬ ‫حتَ َأ ْقدَامِنَا لِ َيكُونَا مِنَ الْأَ ْ‬ ‫جعَ ْل ُهمَا تَ ْ‬ ‫الْجِنّ وَالْأِنْسِ نَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقيضنا لهم قرناء ‪ :‬أي وبعثنا لكفار مكة المعرضين قرناء من الشياطين‪.‬‬ ‫فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم‪ :‬أي حسنوا لهم الكفر والشرك‪ ،‬وإنكار البعث والجزاء‪.‬‬ ‫وحق عليهم القول في أمم قد خلت‪ :‬أي وجب لهم العذاب في أمم مضت قبلهم من الجن والنس‪.‬‬ ‫والغوا فيه لعلكم تغلبون ‪ :‬أي الغطوا فيه بالباطل إذا سمعتم من يقرأه‪.‬‬ ‫ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ‪ :‬أي بأقبح جزاء أعمالهم التي كانوا يعملون‪.‬‬ ‫أعداء ال‪ :‬أي من كفروا به ولم يتقوه‪.‬‬ ‫أرنا الذين أضلنا من الجن والنس ‪ :‬أي إبليس من الجن‪ ،‬وقابيل بن آدم‪.‬‬ ‫نجعلهما تحت أقدامنا ‪ :‬أي في أسفل النار ليكونا من السفلين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة المعرضين من كفار قريش‪ ،‬فقال تعالى ‪َ { :‬وقَ ّيضْنَا(‪َ )1‬لهُمْ} أي‬ ‫بعثنا لهم قرناء من الشياطين‪ ،‬وذلك بعد أن أصروا على الباطل والشر فخبثوا خبثا سهّل لخباث‬ ‫الجن القتران بهم فزينوا لهم الكفر والمعاصي القبيحة في الدنيا فها‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قيضنا‪ :‬أتحنا وهيّنا لهم قرناء أي شياطين يلزمونهم قد يكونون من الجن ومن النس إذ‬ ‫الشياطين من الجنسين‪.‬‬

‫( ‪)4/572‬‬ ‫هم منغمسون فيها‪ ،‬كما زينوا لهم الكفر بالبعث والجزاء وإنكار الجنة والنار حتى ل يقصروا في‬ ‫الشر ول يفعلوا الخير أبدا‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ}‪.‬‬ ‫ن وَالْأِنْسِ إِ ّنهُمْ‬ ‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ} أي بالعذاب {فِي ُأ َممٍ(‪ )1‬قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬ ‫كَانُوا خَاسِرِينَ} في حكم ال وقضائه بمقتضى سنة ال في الخسران‪ .‬هذا ما دلت عليه الية‬ ‫الولى (‪ )25‬وهي قوله تعالى‪َ { :‬وقَ ّيضْنَا َلهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ وَحَقّ‬

‫ن وَالْأِنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}‬ ‫عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْل ِهمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬ ‫س َمعُوا(‪ِ )2‬لهَذَا ا ْلقُرْآنِ وَا ْلغَوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ‬ ‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪َ { )26‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْ‬ ‫َتغْلِبُونَ} يخبر تعالى عن أولئك المعرضين عن كفار قريش وأنهم قالوا لبعضهم بعضا ل تسمعوا‬ ‫لهذا القرآن الذي يقرأه محمد صلى ال عليه وسلم حتى ل تتأثروا به‪ ،‬والغوا فيه أي الغطوا‬ ‫وصيحوا بكلم لهو وصفقوا وصفروا حتى ل يتأثر به من يسمعه من الناس لعلكم تغلبون رجاء‬ ‫أن تغلبوا محمدا على دينه فتبطلوه ويبقى دينكم‪ .‬وهذا منتهى الكيد والمكر من أولئك المعرضين‬ ‫عن دعوة السلم‪.‬‬ ‫شدِيدا} يخبر‬ ‫عذَابا َ‬ ‫وكان رد ال تعالى على هذا المكر في الية التالية (‪{ )27‬فَلَ ُنذِيقَنّ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬ ‫تعالى مؤكدا الخبر بأنه سيذيق الذين كفروا عذابا شديدا وذلك يوم القيامة وليجزينهم أسوأ أي أقبح‬ ‫الذي كانوا يعملون أي يجزيهم بحسب أقبح سيئاتهم التي كانوا يعملون‪ .‬ثم قال تعالى‪ :‬ذلك الجزاء‬ ‫المتوعد به الذين كفروا هو جزاء أعداء ال الذين حاربوا رسوله ودعوته وحتى كتابه أيضا‪.‬‬ ‫وذلك الجزاء هو النار لهم(‪ )3‬فيها دار الخلد أي القامة الدائمة فيها جزاء بما كانوا بآياتنا‬ ‫يجحدون فلم يؤمنوا بها ولم يعملوا بما فيها وقوله تعالى في الية (‪ {) 29‬وقال الذين كفروا} الية‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬في أمم حال من الضمير في عليهم أي حق عليهم حالة كونهم في أمم أمثالهم قد سبقوهم‬ ‫والظرفية هنا مجازية بمعنى التبعيض أي هم من جملة أمم قد خلت من قبلهم قال الشاعر‪:‬‬ ‫إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو‬ ‫كا ففي آخرين قد أفكوا‬ ‫‪ -2‬قال ابن عباس كان النبي صلى ال عليه وسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان أبو‬ ‫جهل وغيره يطردون الناس عنه ويقولون ل تسمعوا له والغوا فيه فكانوا يأتون بالمكاء والصفير‬ ‫والصياح وفي الصحيح أنهم أخرجوا أبا بكر من مكة خوفا أن يفتن أبناءهم ونساءهم بقراءته‬ ‫القرآن لرقة صوته وبكائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬دار الخلد هي النار نزلت النار منزل الظرف فكانت بذلك دار الخلد والخلد البقاء المؤبد في‬ ‫عالم الشقاء‪.‬‬

‫( ‪)4/573‬‬ ‫يخبر تعالى عن الكافرين وهم في النار إذ يقولون ربنا أي يا ربنا أرنا اللذين(‪ )1‬أضلنا من الجن‬ ‫والنس أي اللذين كانا سببا في إضللنا بتزيينهم لنا الباطل وتقبيحهم لنا الحق أرناهم نجعلهما‬ ‫تحت أقدامنا في النار ليكونا من السفلين(‪ )2‬أي في الدرك السفل من النار إذ النار دركات‬ ‫واحدة تحت الخرى‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في العبد إذا أعرض عن الحق الذي هو السلم فخبث من جراء كسبه‬ ‫الشر والباطل وتوغله في الظلم والفساد يبعث ال تعالى عليه شيطانا يكون قرينا له فيزين له كل‬ ‫قبيح‪ ،‬ويقبح له كل حسن‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان المشركون يكيدون به السلم ويحاربونه به حتى باللغو عند قراءة القرآن حتى‬ ‫ل يسمع ول يهتدى به‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان نقمة أهل النار على من كان سببا في إضللهم وإغوائهم‪ ،‬ومن سن لهم سنة شر يعملون‬ ‫بها كإبليس‪ ،‬وقابيل بن آدم عليه السلم إذ الول سن كل شر والثاني سن سنة القتل ظلما وعدوانا‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنَ ّزلُ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َألّا تَخَافُوا وَل َتحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ‬ ‫سكُمْ‬ ‫الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(‪ )30‬نَحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الْآخِ َرةِ وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬ ‫غفُورٍ رَحِيمٍ(‪)32‬‬ ‫وََلكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ(‪ )31‬نُ ُزلً مِنْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أرنا أي عين لنا الذين أضلنا من الجن والنس كناية عن إرادة النتقام منهم بأن يطؤهم‬ ‫بأقدامهم انتقاما منهم وتعذيبا لهم لنهم كانوا السبب في شقوتهم قرأ الجمهور أرنا بكسر الراء‬ ‫وقرأ غيرهم بسكون الراء أرنا كما خففوا فخذ إلى فخذ بسكون الخاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذا التعليل أرادوا به التوطئة لستجابة ال تعالى لما علموا من غضب ال تعالى فأرادوا أن‬ ‫يتوسلوا إليه تعالى بذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/574‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قالوا ربنا ال ‪ :‬قالوا ذلك معلنين عن إيمانهم بأن ال هو ربهم الذي ل رب لهم غيره وألههم الذي‬ ‫ل إله لهم سواه‪.‬‬ ‫ثم استقاموا ‪ :‬أي ثبتوا على ذلك فلم يبدلوا ولم يغيروا ولم يتركوا عبادة ال بفعل الوامر وترك‬ ‫النواهي‪.‬‬ ‫تتنزل عليهم الملئكة‪ :‬أي عند الموت وعند الخروج من القبر بحيث تتلقاهم هناك‪.‬‬ ‫أن ل تخافوا ول تحزنوا ‪ :‬أي بأن ل تخافوا مما أنتم مقبلون عليه فإنه رضوان ال وحمته ول‬ ‫تحزنوا عما خلفتم رواءكم‪.‬‬ ‫نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الخرة‪ :‬أي فبحكم وليتنا لكم في الدنيا والخرة فل تخافوا ول‬

‫تحزنوا‪.‬‬ ‫ولكم فيها ما تدعون‪ :‬أي ولكم فيها ما تطلبون من سائر المشتهيات لكم‪.‬‬ ‫نزل من غفور رحيم‪ :‬أي رزقا مهيأً لكم من فضل رب غفور رحيم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما بين تعالى حال الكافرين في الدار الخرة وهي أسوأ حال بين حال المؤمنين في الخرة وهي‬ ‫أحسن حال وأطيب مآل فقال {إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا(‪ )1‬اللّهُ} أي ل ربّ لنا غيره ول إله لنا سواه‪،‬‬ ‫ثم استقاموا(‪ )2‬فلم يشركوا به في عبادته أحدا فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي وماتوا على ذلك‬ ‫هؤلء تتنزل عليهم الملئكة أي تهبط عليهم وذلك عند الموت بأن تقول لهم ل تخافوا على ما أنتم‬ ‫مقدمون عليه من البرزخ والدار الخرة ول تحزنوا على ما خلفتم وراءكم وأبشروا(‪ )3‬بالجنة دار‬ ‫السلم التي كنتم توعدونها في الكتاب وعلى لسان الرسول‪ .‬نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا إذ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬في صحيح مسلم عن سفيان بن عبد ال الثقفي قال قلت يا رسول ال قل لي في السلم قولً‬ ‫ل أسأل عنه أحدا بعدك وفي رواية غيرك‪ .‬قال‪ :‬قل آمنت بال ثم استقم وزاد الترمذي قلت يا‬ ‫رسول ال ما أخوف ما تخاف عليّ؟ قال فأخذ بلسان نفسه وقال هذا‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذكر القرطبي في تفسير الستقامة أكثر من عشرة أقوال للصحابة والسلف‪ ،‬ثم قال وهذه‬ ‫ل وداوموا على ذلك"‪.‬‬ ‫القوال وإن تداخلت فتلخيصها "اعتدلوا على طاعة ال عقدا وقولً وفع ً‬ ‫‪ -3‬قال وكيع وابن أبي زيد البشرى في ثلثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وشاهد‬ ‫هذا قوله صلى ال عليه وسلم من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه ومن كره لقاء ال كره ال لقاءه قلنا‬ ‫يا رسول ال كلنا نكره الموت‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم ليس ذلك كراهة الموت ولكن المؤمن إذا‬ ‫حضِر جاءه البشير من ال تعالى بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إليه من أن يكون لقي ال‬ ‫ُ‬ ‫حضِر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما‬ ‫تعالى فأحب ال لقاءه قال وإن الفاجر والكافر إذا ُ‬ ‫يلقى من الشر فكره لقاء ال فكره ال لقاءه قال ابن كثير وهذا حديث صحيح وقد ورد في‬ ‫الصحيح من غير هذا الوجه‪.‬‬

‫( ‪)4/575‬‬ ‫كنا نسددكم ونحفظكم من الوقوع في المعاصي‪ ،‬وفي الخرة نستقبلكم عند الخروج من قبوركم‬ ‫حتى تدخلوا جنة ربكم‪ .‬ولكم فيها أي في الجنة ما تشتهي أنفسكم من الملذ ولكم فيها ما تدعون‬ ‫ب غفور لكم رحيم بكم‬ ‫أي تطلبون مما ترغبون فيه وتشتهون‪ .‬نزل أي قرىً وضيافة من لدن ر ّ‬ ‫ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل اليمان والستقامة عليه بأداء الفرائض واجتناب النواهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬بشرى أهل اليمان والستقامة عند الموت بالجنة وهؤلء هم أولياء ال المؤمنون المتقون لهم‬ ‫البشرى في الحياة الدنيا وهي هذه وفي الخرة عند خروجهم من قبورهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬في الجنة ما تشتهيه النفس وتلذ العين‪ ،‬ولحدهم كل ما يطلبه ويدعيه وفوق ذلك النظر إلى‬ ‫وجه ال الكريم وتلقي التحية منه والتسليم‪.‬‬ ‫حسَنَةُ‬ ‫ع ِملَ صَالِحا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ(‪ )33‬وَل تَسْ َتوِي الْ َ‬ ‫َومَنْ َأحْسَنُ َق ْولً ِممّنْ دَعَا إِلَى اللّ ِه وَ َ‬ ‫حمِيمٌ(‪َ )34‬ومَا ُيَلقّاهَا إِلّا‬ ‫عدَا َوةٌ كَأَنّ ُه وَِليّ َ‬ ‫ك وَبَيْنَهُ َ‬ ‫حسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْ َن َ‬ ‫وَل السّيّئَةُ ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬ ‫ن صَبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِلّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ(‪ )35‬وَِإمّا يَنْزَغَ ّنكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَ ْزغٌ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ‬ ‫الّذِي َ‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪)36‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال ‪ :‬أي ل أحد أحسن قول منه أي ممن دعا إلى توحيد ال‬ ‫وطاعته‪.‬‬ ‫وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين‪ :‬وعمل صالحا وهي شرط أيضا وقال إنني من المسلمين‬ ‫شرط ثالث‪.‬‬

‫( ‪)4/576‬‬ ‫ول تستوي الحسنة ول السيئة ‪ :‬أي ل تكون الحسنة كالسيئة ول السيئة كالحسنة‪.‬‬ ‫ادفع بالتي هي أحسن ‪ :‬أي ادفع أيها المؤمن السيئة بالخصلة التي هي أحسن كالغضب بالرضى‪،‬‬ ‫والقطيعة بالصلة‪.‬‬ ‫كأنه ولي حميم ‪ :‬أي كأنه صديق قريب في محبته لك إذا فعلت ذلك‪.‬‬ ‫وما يلقاها إل الذين صبروا‪ :‬أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي أحسن‪.‬‬ ‫إل ذو حظ عظيم‪ :‬أي ثواب عظيم وأجر جزيل هذا في الخرة وأما في الدنيا فالخلق الحسن‬ ‫والكمال‪.‬‬ ‫وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ‪ :‬أي وإن يوسوس لك الشيطان بترك خير أو فعل شر‪.‬‬ ‫فاستعذ بال ‪ :‬أي فاستجر بال قائلً أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪.‬‬ ‫إنه هو السميع العليم ‪ :‬أي هو تعالى السميع لقوال عباده العليم بما يصيبهم وينزل بهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى بشرى أهل اليمان وصالح العمال ذكر هنا بشرى ثانية لهم أيضا فقال‪َ { :‬ومَنْ(‪)1‬‬ ‫ع ِملَ صَالِحا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ} هذه ثلثة شروط الول‬ ‫حسَنُ َقوْلً ِممّنْ دَعَا إِلَى اللّ ِه وَ َ‬ ‫أَ ْ‬

‫دعوته إلى ال تعالى بأن يعبد فيطاع ول يعص ويذكر ول ينسى‪ ،‬ويشكر ول يكفر والثاني وعمل‬ ‫صالحا فأدى الفرائض واجتنب المحارم‪ ،‬والثالث وفاخر بالسلم معتزا به وقال إنني من‬ ‫المسلمين‪ ،‬فل أحد أحسن قولً من هذا الذي ذكرت شروط كماله‪ ،‬ويدخل في هذا أول الرسل‪،‬‬ ‫وثانيا العلماء‪ ،‬وثالثا المجاهدون ورابعا المؤذنون وخامسا الدعاة الهداة المهديون هذا ما دلت عليه‬ ‫الية الولى (‪ .)23‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل تَسْ َتوِي ا ْلحَسَنَ ُة وَل السّيّ َئةُ} هذا تقرير إلهي يجب أن يعلم‬ ‫وهو أن الحسنة ل تستوي(‪ )2‬مع السيئة وأن السيئة ل تستوي مع الحسنة فاليمان ل يساوى‬ ‫بالكفر‪ ،‬والتقوى ل يساوى بالفجور‪ ،‬والعدل ل يساوى بالظلم‪.‬‬ ‫كما أن جنس الحسنات ل يتساوى‪ ،‬وجنس السيئات ل يتساوى بل يتفاضل فصيام رمضان ل‬ ‫يساوى بصيام رجب أو محرم تطوعا‪ ،‬وسيئة قتل المؤمن ل تستوي مع شتمه أو ضربه وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يدخل في هذه الية دخولً أوليا رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ هو أحق وأجدر وهي نازلة‬ ‫فيه ردا على الذين يلغون في القرآن عند سماعه وهي تتناول كل مؤمن متصف بهذه الصفات‬ ‫المعبر عنها في التفسير بالشروط‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل في قوله ول السيئة صلة زيدت للتأكيد إذ الصل ول تستوي الحسنة والسيئة وشاهدها قول‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫ما كان يرضى رسول ال فعلهم‬ ‫والطيبان أبو بكر ول عمر‬

‫( ‪)4/577‬‬ ‫تعالى‪{ :‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ(‪ })1‬أي بعد أن عرفت يا رسولنا عدم تساوي الحسنة مع السيئة إذا‬ ‫فادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن من غيرها فإذا الذي(‪ )2‬بينك وبينه عداوة قد انقلب في بره‬ ‫بك واحترامه لك واحتفائه بك كأنه ابن عم لك يحبك ويحترمك ولما كانت هذه الخصلة وهي الدفع‬ ‫بالتي هي أحسن ل تتأتى إل لذوي الخلق الفاضلة والنفوس الكاملة الشريفة قال تعالى‪َ { :‬ومَا‬ ‫ن صَبَرُوا} فكان الصبر خلقا من أخلقهم { َومَا ُيَلقّاهَا إِلّا‬ ‫يَُلقّاهَا} أي وما يعطى هذه الخصلة {إِلّا الّذِي َ‬ ‫عظِيمٍ} في الخلق والكمال النفسي‪ ،‬في الدنيا‪ ،‬والخرة والجر العظيم وهو الجنة في‬ ‫حظّ َ‬ ‫ذُو َ‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ} يرشد الرب‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإمّا يَنْزَغَ ّنكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَ ْزغٌ فَاسْ َت ِعذْ(‪ )3‬بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬ ‫تعالى عبده ورسوله وكل فرد من أفراد أمته إن نزغه من الشيطان نزغ بأن وسوس له بفعل شر‬ ‫أو ترك خير‪ ،‬أو خطر له خاطر سوء أن يفزع إلى ال تعالى يستجير به فإن ال تعالى هو السميع‬ ‫العليم فالستجارة به من الشيطان تحمي العبد وتقيه من وسواس الشيطان وما يلقيه في النفس من‬

‫خواطر سيئة‪ ،‬ول الحمد والمنة على هذا الرشاد الرباني الذي ل يستغني عنه أحد من عباده‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل الدعوة إلى ال تعالى وشرف الدعاة العاملين‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل السلم والعتزاز به والتفاخر الصادق به‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن الحسنة ل تتساوى مع السيئة‪ .‬كما أن الحسنات تتفاوت والسيئات تتفاوت‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب دفع السيئة من الخ المسلم بالحسنة من القول والفعل‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضل العبد الذي يكمل في نفسه وخلقه فيصبح يدفع السيئة بالحسنة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال ابن عباس ادفع بحملك جهل من يجعل عليك‪ .‬وقيل أيضا هو الرجل يسب الرجل فيقول‬ ‫المسبوب إن كنت صادقا فغفر ال لي وإن كنت كاذبا فغفر لك وقال مجاهد أن يسلم المرء على‬ ‫من يعاديه إذا لقيه فهو معنى (بالتي هي أحسن)‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال ابن عباس في هذه الية ادفع بالتي هي أحسن إلى قوله ولي حميم أمره ال تعالى بالصبر‬ ‫عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الساءة وهو كما قال رضي ال عنه‪.‬‬ ‫‪ -3‬فائدة الستعاذة بالنسبة إلى الرسول صلى ال عليه وسلم تجديد داعيه العصمة المركوزة في‬ ‫نفس النبي صلى ال عليه وسلم لن الستعاذة بال من الشيطان استمداد للنعمة وصقل النفس مما‬ ‫يغان على القلب كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم "إنه ليغان على قلبي وإني لستغفر ال في‬ ‫اليوم مائة"‪.‬‬

‫( ‪)4/578‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الستعاذة بال من الشيطان الرجيم إذا وسوس أو ألقى بخاطر سوء إذ ل يقي منه ول‬ ‫يحفظ إل ال السميع العليم‪.‬‬ ‫جدُوا لِلّهِ الّذِي خََل َقهُنّ إِنْ‬ ‫س وَل لِ ْل َقمَرِ وَاسْ ُ‬ ‫شمْ ِ‬ ‫جدُوا لِل ّ‬ ‫شمْسُ وَالْ َقمَرُ ل تَسْ ُ‬ ‫َومِنْ آيَاتِهِ اللّ ْيلُ وَال ّنهَا ُر وَال ّ‬ ‫ل وَال ّنهَا ِر وَهُمْ ل يَسَْأمُونَ(‬ ‫كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ(‪ )37‬فَإِنِ اسْ َتكْبَرُوا فَالّذِينَ عِ ْندَ رَ ّبكَ يُسَبّحُونَ َلهُ بِاللّ ْي ِ‬ ‫ش َعةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّزتْ وَرَ َبتْ إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا‬ ‫‪َ )38‬ومِنْ آيَاتِهِ أَ ّنكَ تَرَى الْأَ ْرضَ خَا ِ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪)39‬‬ ‫َلمُحْيِي ا ْل َموْتَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن آياته ‪ :‬أي من جملة آياته الدالة على ألوهية الرب تعالى وحده‪.‬‬ ‫الليل والنهار ‪ :‬أي وجود الليل والنهار والشمس والقمر‪.‬‬ ‫ل تسجدوا للشمس ول للقمر‪ :‬أي ل تعبدوا الشمس ول القمر فإنهما من جملة مخلوقاته الدالة‬

‫عليه‪.‬‬ ‫إن كنتم إياه تعبدون ‪ :‬أي إن كنتم حقا تريدون عبادته فاعبدوه وحده فإن العبادة ل تصلح لغيره‪.‬‬ ‫فالذين عند ربك ‪ :‬أي الملئكة‪.‬‬ ‫وهم ل يسأمون‪ :‬أي ل يملون من عبادته ول يكلون‪.‬‬ ‫ترى الرض خاشعة ‪ :‬يابسة جامدة ل نبات فيها ول حياة‪.‬‬ ‫اهتزت وربت ‪ :‬أي تحركت‪ ،‬وانتفخت وظهر النبات فيها‪.‬‬ ‫إن الذي أحياها لمحيي الموتى‪ :‬أي إن الذي أحيا الرض قادر على إحياء الموتى يوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)4/579‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َومِنْ آيَاتِهِ} أي ومن جملة آياته العديدة الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته‬ ‫والموجبة لليمان به وعبادته وتوحيده‪ ،‬الليل والنهار وتعاقبهما وانتظام ذلك بينهما فليس الليل‬ ‫سابق النهار‪ ،‬وكذا الشمس والقمر خلقهما وسيرهما في فلكيهما بانتظام ودقة فائقة وحساب دقيق‬ ‫وعليه فل تسجدوا(‪ )1‬للشمس ول القمر أيها الناس فإنهما مخلوقان من جملة المخلوقات‪ ،‬ولكن‬ ‫اسجدوا لخالقهما إن كنتم إياه تعبدون(‪ )2‬كما تزعمون‪ .‬ثم قال تعالى لرسوله‪ :‬فإن أبوا أن‬ ‫يستجيبوا لك ويسمعوا منك ما قلت لهم مستكبرين فاعلم أن الذين عند ربك وهم الملئكة يسبحون‬ ‫له بالليل والنهار وهم ل يسأمون من ذلك ول يملون‪.‬‬ ‫وقوله‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ} أي علمات قدرته على إحياء الموتى(‪ )3‬للبعث والجزاء إنك أيها النسان‬ ‫ترى الرض أيام المحل والجدب هامدة جامدة ل حركة لها فإذا أنزل ال تعالى عليها ماء المطر‬ ‫اهتزت وربت أي تحركت تربتها وانتفخت وعلها النبات وظهرت فيها الحياة كذلك إذا أراد ال‬ ‫إحياء الموتى أنزل عليهم ماء من السماء وذلك بين النفختين نفخة الفناء ونفخة البعث فينبتون كما‬ ‫ينبت البقل وقوله‪{ :‬إِنّ الّذِي َأحْيَاهَا َلمُحْيِي ا ْل َموْتَى إِنّهُ} تعالى على فعل كل شيء وأراده قدير ل‬ ‫يمتنع عنه ول يعجزه‪ ،‬وكيف ل‪ ،‬وهو إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بالدلة القطعية الموجبة ل العبادة دون غيره من خلقه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن هناك من الناس من يعبدون الشمس ويسجدون لها من العرب والعجم وأن ذلك شرك‬ ‫باطل فالعبادة ل تكون للمخلوقات الخاضعة في حياتها للخالق وإنما تكون لخالقهما ومسخرها‬ ‫لمنافع خلقه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر دليل من أظهر الدلة وهو موت الرض بالجدب ثم حياتها‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬ل شك أن هناك من كان يسجد للشمس في بلد العرب ففي اليمن كانوا يعبدون الشمس على‬ ‫عهد ملكة سبأ لقوله تعالى على لسان الهدهد {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون ال} ووجد‬ ‫في أصنام قريش صنم يقال له شمس ولذا سموا عبد شمس‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل شك أن هنا سجدة من عزائم السجدات إل أنهم اختلفوا في موضع السجود فمالك يرى أنه‬ ‫يسجد عند قوله {إن كنتم إياه تعبدون} والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم يرى السجود عند {وهم ل‬ ‫يسأمون} والمر واسع ففي أي الموضعين سجد أجزأ والحمد ل‪.‬‬ ‫‪ -3‬في الية تقرير عقيدة البعث والجزاء بعد تقرير عقيدة اللوهية وسيأتي في اليات بعد تقرير‬ ‫النبوة المحمدية وهذه أعظم أركان العقيدة السلمية‪ .‬التوحيد البعث والجزاء والنبوة وباقي أركان‬ ‫العقيدة تابعة لهذه الركان العظيمة‪.‬‬

‫( ‪)4/580‬‬ ‫بالغيث‪ ،‬إذ ل فرق بين حياة النبات والشجار في الرض بالماء وبين حياة النسان بالماء كذلك‬ ‫في الرض بعد تهيئة الفرصة لذلك بعد نفخة الفناء ومضي أربعين عاما عليها ينزل من السماء‬ ‫ماء فيحيا الناس وينبتون من عجب الذنب كما ينبت النبات‪ ،‬بالبذرة الكامنة في التربة‪.‬‬ ‫‪ -1‬تقرير قدرة ال على كل شيء أراده‪ ،‬وهذه الصفة خاصة به تعالى موجبة لعبادته وطاعته‪.‬‬ ‫بعد اليمان به وتأليهه‪.‬‬ ‫خ َفوْنَ عَلَيْنَا َأ َفمَنْ يُ ْلقَى فِي النّارِ خَيْرٌ َأمّنْ يَأْتِي آمِنا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬ ‫حدُونَ فِي آيَاتِنَا ل يَ ْ‬ ‫إِنّ الّذِينَ يُلْ ِ‬ ‫عمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪ )40‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِال ّذكْرِ َلمّا جَاءَ ُه ْم وَإِنّهُ َلكِتَابٌ عَزِيزٌ(‬ ‫اْ‬ ‫حمِيدٍ(‪)42‬‬ ‫حكِيمٍ َ‬ ‫طلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَل مِنْ خَ ْلفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ َ‬ ‫‪ )41‬ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يلحدون في آيات ال ‪ :‬أي يجادلون فيها ويميلون بها فيؤولونها على غير تأويلها لبطال حق أو‬ ‫إحقاق باطل‪.‬‬ ‫ل يخفون علينا ‪ :‬أي إنهم مكشوفون أمامنا وسوف نبطش بهم جزاء إلحادهم‪.‬‬ ‫أم من يأتي آمنا يوم القيامة‪ :‬أي نعم الذي يأتي آمنا يوم القيامة خير ممن يلقى في النار‪.‬‬ ‫اعملوا ما شئتم ‪ :‬هذا تهديد لهم على إلحادهم وليس إذنا لهم في العمل كما شاءوا‪.‬‬ ‫إن الذين كفروا بالذكر‪ :‬أي جحدوا بالقرآن أو ألحدوا فيه فكفروا بذلك‪.‬‬ ‫وإنه لكتاب عزيز‪ :‬أي القرآن لكتاب عزيز أي منيع ل يقدَر على الزيادة فيه ول النقص منه‪.‬‬ ‫ل يأتيه الباطل من بين يديه‪ :‬أي ل يقدر شيطان من الجن والنس أن يزيد فيه شيئا وهذا معنى‬

‫من بين يديه‪.‬‬ ‫ول من خلفه ‪ :‬أي ول يقدر شيطان من الجن والنس أن ينقص منه شيئا‬

‫( ‪)4/581‬‬ ‫وهذا معنى من خلفه‪ ،‬كما أنه ليس قبله كتاب ينتقصه‪ ،‬ول بعده كتاب ينسخه‪ ،‬فهو كله حق‬ ‫وصدق ليس فيه ما ل يطابق الواقع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يتوعد الجبار عز وجل الذين يلحدون في آيات كتابه بالتحريف والتبديل والتغيير بأنهم ل يخفون‬ ‫عليه‪ ،‬وأنه سينزل بهم نقمته إن لم يكفوا عن إلحادهم‪.‬‬ ‫وقوله‪َ{ :‬أ َفمَنْ يُ ْلقَى فِي النّارِ خَيْرٌ َأمّنْ يَأْتِي آمِنا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ} إذا كان ل يوجد عاقل يقول الذي يلقى‬ ‫النار خير ممن يأتي آمنا يوم القيامة فاللقاء في النار سببه الكفر واللحاد والباطل فليترك هذه من‬ ‫أراد النجاة من النار‪ ،‬والمن يوم القيامة من كل خوف من النار وغيرها سببه اليمان والتوحيد‬ ‫فليؤمن ويوحد ال تعالى في عبادته ول يلحد في آياته من أراد المن يوم القيامة بعلمه أنه خير‬ ‫من اللقاء في النار‪ .‬هذا أسلوب في الدعوة عجيب انفرد به القرآن الكريم‪.‬‬ ‫عمَلُوا مَا شِئْتُمْ(‪ )1‬إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ(‪َ )2‬بصِيرٌ} هذا الكلم يقال للمستهزئين بالحكام‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ا ْ‬ ‫الشرعية المستخفين بها فهو تهديد لهم وليس إذنا وإباحةً لهم أن يفعلوا ما شاءوا من الباطل‬ ‫والشرك والشر‪ ،‬ويدل على التهديد قوله بعد إنه بما تعملون بصير‪.‬‬ ‫ومثله قوله {إِنّ الّذِينَ(‪َ )3‬كفَرُوا بِال ّذكْرِ} أي القرآن‪{ ،‬وَإِنّهُ َلكِتَابٌ عَزِيزٌ} (‪ )4‬أي منيع بعيد المنال‬ ‫ل يأتيه الباطل من بين يديه‪ ،‬ول من خلفه بالزيادة والنقصان أو التبديل والتغيير‪.‬‬ ‫ولما كان المراد من هذا الكلم التهديد سكت عن الخبر إذ هو أظهر من أن يذكر والعبارة قد‬ ‫تقصر عن أدائه بالصورة الواقعة له‪ .‬وقد يقدر لنفعلن بهم كذا كذا‪...‬‬ ‫حمِيدٍ} أي القرآن المنيع كماله وشرفه ومناعته أتته أنه تنزيل من حكيم في‬ ‫حكِيمٍ َ‬ ‫وقوله {تَنْزِيلٌ مِنْ َ‬ ‫أفعاله وسائر تصرفاته حميد بذلك وبغيره من فواضله وآلئه ونعمه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المر هنا ليس للباحة وإنما هو للتهديد كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪ -2‬قوله {إنه بما تعملون بصير} الجملة تعليلية متضمنة الوعيد والتهديد فهي مؤكدة لما تضمنه‬ ‫قوله تعالى {اعملوا ما شئتم} من التهديد‪.‬‬ ‫‪ -3‬الخبر مقدر تقديره‪ :‬هالكون أو معذبون وما ذكر في التفسير في تقدير الخبر حسن‪.‬‬ ‫‪ -4‬معنى عزيز ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله‪.‬‬

‫( ‪)4/582‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة اللحاد في آيات ال بالميل بها عن القصد والخروج بها إلى الباطل‪.‬‬ ‫‪ -2‬التهديد الشديد لكل من يحرف آيات ال أو يؤولها على غير مراد ال منها‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير مناعة القرآن وحفظ ال تعالى له‪ ،‬وأنه ل يدخله النقص(‪ )1‬ول الزيادة إلى أن يرفعه‬ ‫ال إليه إذ منه بدأ وإليه يعود‪.‬‬ ‫جعَلْنَاهُ قُرْآنا‬ ‫عقَابٍ أَلِيمٍ(‪ )43‬وََلوْ َ‬ ‫سلِ مِنْ قَبِْلكَ إِنّ رَ ّبكَ َلذُو َمغْفِ َر ٍة وَذُو ِ‬ ‫مَا ُيقَالُ َلكَ إِلّا مَا َقدْ قِيلَ لِلرّ ُ‬ ‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ‬ ‫ى وَ ِ‬ ‫ي وَعَرَ ِبيّ ُقلْ ُهوَ ِللّذِينَ آمَنُوا هُد ً‬ ‫جمِ ّ‬ ‫عَ‬ ‫جمِيّا َلقَالُوا َلوْل ُفصَّلتْ آيَاُتهُ أَأَ ْ‬ ‫أَعْ َ‬ ‫فِي آذَا ِن ِه ْم َوقْرٌ وَ ُهوَ عَلَ ْي ِهمْ عَمىً أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ(‪ )44‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ‬ ‫ع ِملَ‬ ‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ(‪ )45‬مَنْ َ‬ ‫ضيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِ ّنهُمْ َلفِي َ‬ ‫فَاخْتُِلفَ فِي ِه وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َلقُ ِ‬ ‫صَالِحا فَلِ َنفْسِهِ َومَنْ َأسَاءَ َفعَلَ ْيهَا َومَا رَ ّبكَ بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ(‪)46‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬تضمنت الية ست صفات للقرآن العظيم هي كالتالي‪ :‬أنه ذكرٌ يذكر الناس بما يغفلون عنه‪.‬‬ ‫أنه ذكرٌ للعرب أي شرف لهم كقوله {وإنه لذكر لك ولقومك} أنه كتاب عزيز والعزيز النفيس‬ ‫والمنيع أيضا إذ عجز النس والجن أن يأتوا بمثله أنه ل يتطرق إليه الباطل وليخالطه بحال أنه‬ ‫مشتمل على الحكمة وهو حكيم وذو حكمة وحاكم أيضا وأنه تنزيل من حميد والحميد المحمود‬ ‫حمدا كثيرا‪.‬‬

‫( ‪)4/583‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما يقال لك ‪ :‬أي من التكذيب أيها الرسول محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إل ما قد قيل للرسل من قبلك ‪ :‬أي من التكذيب لهم والكذب عليهم‪.‬‬ ‫إن ربك لذو مغفرة ‪ :‬أي ذو مغفرة واسعة تشمل كل تائب إليه صادق في توبته‪.‬‬ ‫وذو عقاب أليم ‪ :‬أي معاقبة شديدة ذات ألم موجع للمصرين على الكفر والباطل‪.‬‬ ‫ولو جعلناه قرآنا أعجميا ‪ :‬أي القرآن كما اقترحوا إذ قالوا‪ :‬هل أنزل القرآن بلغة العجم‪.‬‬ ‫لقالوا‪ :‬لول فصلت آياته‪ :‬أي بينت حتى نفهمها‪.‬‬ ‫أأعجمي وعربي ‪ :‬أي أقرآن أعجمي والمنزل عليه وهو النبي عربي يستنكرون ذلك تعنتا منهم‬

‫وعنادا ومجاحدة‪.‬‬ ‫هدى وشفاء ‪ :‬أي هدى من الضللة‪ ،‬وشفاء من داء الجهل وما يسببه من أمراض‪.‬‬ ‫والذين ل يؤمنون في آذانهم وقر ‪ :‬أي ثقل فهم ل يسمعونه وهو عليهم عمى فل يفهمونه‪.‬‬ ‫أولئك ينادون من مكان بعيد ‪ :‬والمنادى من مكان بعيد ل يسمع ول يفهم ما ينادى له‪.‬‬ ‫ولقد آتينا موسى الكتاب ‪ :‬أي التوراة‪.‬‬ ‫فاختلف فيه ‪ :‬أي بالتصديق والتكذيب في العمل ببعض ما فيه وترك البعض الخر كما هي الحال‬ ‫في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ولول كلمة سبقت من ربك ‪ :‬أي ولول الوعد بجمع الناس ليوم القيامة وحسابهم ومجازاتهم هناك‪.‬‬ ‫لقضي بينهم ‪ :‬أي لحكم بين المختلفين اليوم وأكرم الصادقون وأهين الكاذبون‪.‬‬ ‫وما ربك بظلم للعبيد‪ :‬أي وليس ربك يا رسولنا بذي ظلم للعبيد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد توالي اليات الهادية من الضللة الموجبة لليمان كفار قريش ل يزيدهم ذلك إل عنادا‬ ‫وإصرارا على تكذيب الرسول والكفر به وبما جاء به من عند ربه‪ ،‬ولما كان الرسول بشرا‬ ‫يحتاج إلى عون حتى يصبر أنزل تعالى هذه اليات في تسليته صلى ال عليه وسلم وحمله على‬ ‫الثبات والصبر فقال‬

‫( ‪)4/584‬‬ ‫تعالى‪{ :‬مَا ُيقَالُ َلكَ}( ‪ )1‬يا رسولنا من الكذب عليك والتكذيب لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬إن ربك لذو مغفرة أي لمن تاب فلذا ل يتعجل بإهلك المكذبين رجاء أن يتوبوا‬ ‫ويؤمنوا ويوحدوا‪ ،‬وذو عقاب أليم أي موجع شديد لمن مات على كفره‪.‬‬ ‫جمِيّا} أي كما اقترح بعض المشركين‪ ،‬لقالوا‪َ{ :‬لوْل ُفصَّلتْ‬ ‫عَ‬ ‫جعَلْنَاهُ قُرْآنا أَ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ َ‬ ‫ج ِميّ(‪ )2‬وَعَرَ ِبيّ} أي أقرآن أعجمي(‪)3‬‬ ‫آيَاتُهُ} أي هلّ بينت آياته لنا حتى نفهمها‪ ،‬ثم قالوا‪{ :‬أَأَعْ َ‬ ‫ونبي عربي مستنكرين ذلك متعجبين منه وكل هذا من أجل الصرار على عدم اليمان بالقرآن‬ ‫الكريم والنبي الكريم وتوحيد الرب الكريم‪.‬‬ ‫ولما علم تعالى ذلك منهم أمر رسوله أن يقول لهم قل هو أي القرآن الكريم هدى وشفاء(‪ )4‬هدى‬ ‫يهتدى به إلى سبيل السعادة الكمال والنجاح‪ ،‬وشفاء من أمراض الشك والشرك والنفاق والعجب‬ ‫والرياء والحسد والكبر‪ ،‬والذين ل يؤمنون بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد رسولً هو أي القرآن‬ ‫في آذانهم وقر أي حمل ثقيل أولئك ينادون من مكان بعيد ولذا فهم ل يسمعون ول يفهمون‪.‬‬ ‫هذه تسلية وأخرى في قوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ} أي التوراة فاختلفوا فيه فمنهم‬ ‫المصدق ومنهم المكذب‪ ،‬ومنهم العامل بما فيه المطبق ومنهم المعرض عنه المتبع لهواه وشيطانه‬

‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ} فيما اختلفوا فيه لحكم لهل‬ ‫الذي أغواه وقوله تعالى {وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ(‪ )5‬مِنْ رَ ّبكَ َل ُق ِ‬ ‫الصدق بالنجاة وأهل الكذب بالهلك والخسران وقوله‪ :‬إنهم لفي شك منه أي من القرآن مريب أي‬ ‫ع ِملَ صَالِحا فَلِ َنفْسِهِ}‬ ‫موقع في الريبة وذلك من جراء محادته والمعاندة والمجاحدة‪ ،‬وقوله‪{ :‬مَنْ َ‬ ‫وهذه تسلية أعظم فإن من عمل صالحا في حياته بعد اليمان فإن جزاءه قاصر عليه ينتفع به دون‬ ‫سواه‪ ،‬ومن أساء أي عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والثام فعلى نفسه عائد سوءه‬ ‫الذي عمله ول يعود على غيره‪ ،‬وأخرى في قوله تعالى وما ربك بظلم للعبيد(‪ )6‬أي ليس هو‬ ‫تعالى بذي ظلم لعباده‪ .‬فقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه عائد ذلك ومن أساء فعليها أي عائد‬ ‫الساءة إن فيه لتسلية لكل من أراد أن يتسلى ويصبر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا فهي جواب لسؤال يثيره قوله تعالى {إن الذي يلحدون في آياتنا}‬ ‫الخ‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الية إشارة واضحة إلى عموم رسالته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬معنى قرآنا كتابا مقروءا إذ ورد في الحديث الصحيح تسمية الزبور قرآنا بمعنى يقرأ ويكتب‬ ‫إذ قال صلى ال عليه وسلم "إن داود يسر له القرآن فكان يقرأ القرآن كله "الزبور" في حين يسرج‬ ‫له فرسه"‪.‬‬ ‫‪ -4‬حقيقة الشفاء زوال المرض وهو هنا مستعار للبصارة بالحقائق وانكشاف اللتباس من النفس‬ ‫كما يزول المرض عند حصول الشفاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬فيه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم على تكذيب المشركين وكفرهم بالقرآن بأنه ليس‬ ‫بأوحد في ذلك فقد أوتي الكتاب فاختلف فيه بالتصديق والتكذيب والعمل والترك‬ ‫‪ -6‬المراد بنفي الظلم من ال للعبيد أنه ل يعاقب من ليس منهم بمجرم‪ ،‬لنه تعالى لما وضع‬ ‫الشرائع وأرسل الرسل صار وذلك قانونا فمن تعداه مهمل له معرضا عنه فقد استوجب العذاب‬ ‫وتعذيبه عدل وليس بظلم‪.‬‬

‫( ‪)4/585‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول أي حمله على الصبر والسلوان ليواصل دعوته إلى نهايتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان مدى ما كان عليه المشركون من التكذيب للرسول والمعاندة والمجاحدة‪.‬‬ ‫‪ -3‬القرآن دواء وشفاء لهل اليمان‪ ،‬وأهل الكفر فهم على العكس من أهل اليمان‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان سنة ال في المم السابقة في اختلفها على أنبيائها وما جاءتها به من الهدى والنور‪.‬‬

‫ع ِملَ صَالِحا فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ أَسَاءَ } أجري مجرى المثل عند العالمين‪.‬‬ ‫‪ -5‬قوله تعالى {مَنْ َ‬ ‫‪ -6‬نفي الظلم عن ال مطلقا(‪.)1‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬فقد روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬يقول ال تعالى يا عبادي إني حرمت‬ ‫الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا‪ .‬وأيضا فال هو الملك وهل ما يفعله الملك‬ ‫العليم الرحيم العادل في ملكه وعبيده يقال له ظلم؟ والجواب ل‪.‬‬

‫( ‪)4/586‬‬ ‫الجزء الخامس والعشرون‬ ‫ح ِملُ مِنْ أُنْثَى وَل َتضَعُ إِلّا ِبعِ ْلمِهِ‬ ‫إِلَيْهِ يُ َردّ عِلْمُ السّاعَةِ َومَا َتخْرُجُ مِنْ َثمَرَاتٍ مِنْ َأ ْكمَا ِمهَا َومَا تَ ْ‬ ‫شهِيدٍ(‪َ )47‬وضَلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيدْعُونَ مِنْ قَ ْبلُ‬ ‫وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُ َركَائِي قَالُوا آذَنّاكَ مَا مِنّا مِنْ َ‬ ‫وَظَنّوا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ(‪)48‬‬ ‫إليه يرد علم الساعة(‪ : )1‬أي إلى ال يرد علم الساعة أي متى تقوم إذ ل يعلمها إل هو‪.‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫وما تخرج من ثمرات من أكمامها ‪ :‬أي من أوعيتها واحد الكمام كِمّ وكم الثوب مخرج اليد‪.‬‬ ‫وما تحمل من أنثى ‪ :‬أي من أي جنس كان إنسانا أو حيوانا‪.‬‬ ‫ول تضع إل بعلمه ‪ :‬أي ول تضع حملهما إل ملبسا بعلم ال تعالى المحيط بكل شيء‪.‬‬ ‫قالوا آذناك ‪ :‬أي أعلمناك الن‪.‬‬ ‫ما منا من شهيد ‪ :‬أي ليس منا من يشهد بأن لك شريكا أبدا‪.‬‬ ‫وظنوا ما لهم من محيص ‪ :‬أي أيقنوا أنه مالهم من مهرب من العذاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أن علم الغيب انحصر فيه فليس لحد من خلقه علم الغيب وخاصة علم الساعة أي‬ ‫علم قيامها متى تقوم؟ كما أخبر عن واسع علمه وأنه محيط بكل الكائنات فما تخرج من ثمرة من‬ ‫كمها(‪ )2‬وعائها وتظهر منه إل يعلمها على كثرة الثمار والشجار ذات الكمام‪ ،‬وما تحمل(‪ )3‬من‬ ‫أنثى بجنين ول تضعه يوم ولدته أو إسقاطه إل يعلمه أي يتم ذلك بحسب علمه تعالى وإذنه‪،‬‬ ‫وهذه مظاهر الربوبية المستلزمة لللوهية فل إله غيره ول رب سواه‪ ،‬ومع هذا فالجاهلون‬ ‫يتخذون له شركاء أندادا من أحجار وأوثان يعبدونها معه ظلما وسفها‪{ .‬وَ َيوْمَ(‪ )4‬يُنَادِيهِمْ} وذلك‬ ‫يوم القيامة {أَيْنَ شُ َركَائِي}؟ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي‪ ،‬فيتبرءون منهم ويقولون‪:‬‬ ‫آذناك‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬روي أن المشركين قالوا يا محمد إن كنت نبيا فاخبرنا متى قيام الساعة فنزلت {إليه يرد علم‬ ‫الساعة} والرد الرجاع‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكمام جمع كم بكسر الكاف وتشديد الميم والكمة بضم الكاف والتأنيث مثله وهو الجف‬ ‫وكفرى الطلع يقال له كفه‪.‬‬ ‫‪ -3‬فهذه ثلثة أمور وجب رد علمها إلى ال تعالى الول علم ما تخرجه أكمام النخل من الثمر‬ ‫بقدره وجودته وثباته وسقوطه والثاني حمل النثى من الناس والحيوان والتي تلقح والتي ل تلقح‪،‬‬ ‫والثالث وقت وضع الجنة فهذه وجب رد علمها إلى ال تعالى إذ ل يعلمها إل هو كسائر الغيوب‪.‬‬ ‫‪ -4‬ويوم يناديهم‪ :‬متعلق بمحذوف تقديره اذكر يوم يناديهم‪ ،‬لما سألوا عن الساعة أعلمهم أن أمر‬ ‫علم وقتها مرده إلى ال وحده فناسب ذكر بعض أحداثها فذكر لهم ذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/587‬‬ ‫أعلمناك الن أنه ما منا من شهيد يشهد بأن لك شريكا إنه ل شريك لك وضل عنهم أي غاب‬ ‫عنهم ما كانوا يدعون من قبل في الدنيا‪ ،‬وظنوا أيقنوا ما لهم من محيص أي مهرب من عذاب‬ ‫ال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬استئثار ال تعالى بعلم الغيب وخاصة علم متى تقوم الساعة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إحاطة علم ال تعالى بكل شيء فما تخرج من ثمرة من أوعيتها ول تحمل من أنثى ول تضع‬ ‫حملها إل بعلم ال تعالى وإذنه‪.‬‬ ‫‪ -3‬براءة المشركين يوم القيامة من شركهم‪ ،‬وغياب شركائهم عنهم‪.‬‬ ‫حمَةً مِنّا مِنْ َبعْدِ‬ ‫ل َيسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ ا ْلخَيْ ِر وَإِنْ مَسّهُ الشّرّ فَ َيؤُوسٌ قَنُوطٌ(‪ )49‬وَلَئِنْ أَ َذقْنَاهُ َر ْ‬ ‫ج ْعتُ إِلَى رَبّي إِنّ لِي عِ ْن َدهُ لَ ْلحُسْنَى‬ ‫ضَرّاءَ مَسّ ْتهُ لَ َيقُولَنّ َهذَا لِي َومَا أَظُنّ السّاعَةَ قَا ِئمَةً وَلَئِنْ رُ ِ‬ ‫عمِلُوا وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ(‪ )50‬وَإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْ َرضَ‬ ‫فَلَنُنَبّئَنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِبمَا َ‬ ‫وَنَأَى ِبجَانِبِ ِه وَِإذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ(‪)51‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ل يسأم النسان من دعاء الخير‪ :‬أي ل يمل ول يكل من سؤال طلب المال والصحة والعافية‪.‬‬ ‫وإن مسه الشر فيئوس قنوط‪ :‬أي المرض والفقر وغيرهما فيؤوس من رحمة ال قنوط ظاهر عليه‬ ‫اليأس‪.‬‬ ‫من بعد ضراء مسته ‪ :‬أي من بعد شدة أصابته وبلء نزل به‪.‬‬ ‫ليقولن هذا لي ‪ :‬أي استحققته بعملي ومما لي من مكانة‪.‬‬

‫وما أظن الساعة قائمة ‪ :‬أي ينكر البعث ويقول‪ :‬ما أظن الساعة قائمة‪.‬‬ ‫إن لي عنده للحسنى ‪ :‬أي وعلى فرض صحة ما قالت الرسل من البعث إن لي عند ال الجنة‪.‬‬

‫( ‪)4/588‬‬ ‫أعرض ونأى بجانبه ‪ :‬أي أعرض عن الشكر ونأى بجانبه متبخترا مختالً في مشيته‪.‬‬ ‫فذو دعاء عريض ‪ :‬أي فهو ذو دعاء لربه طويل عريض يا رباه يا رباه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخبر تعالى عن النسان(‪ )1‬الكافر الذي لم تزك نفسه ولم تطهر روحه باليمان وصالح العمال‬ ‫إنه ل يسأم ول يمل من دعاء الخير(‪ )2‬أي المال والولد والصحة والعافية فل يشبع من ذلك‬ ‫بحال‪ .‬ولئن مسه الشر من ضر وفقر ونحوهما فهو يئوس(‪ )3‬قنوط يؤوس من الفرج وتبدل الحال‬ ‫من عسر إلى يسر قنوط ظاهر عليه آثار اليأس في منطقه وفي حاله كله هذا ما تضمنته الية‬ ‫الولى (‪{ )49‬ل يَسَْأمُ(‪ )4‬الْإِ ْنسَانُ مِنْ دُعَاءِ ا ْلخَيْ ِر وَإِنْ مَسّهُ الشّرّ فَ َيؤُوسٌ قَنُوطٌ} وأما الية (‪)50‬‬ ‫فإن ال تعالى يخبر أيضا عن النسان الكافر إذا أذاقه ال رحمة منه من مال وصحة واجتماع‬ ‫شمل مثل‪ ،‬وذلك من بعد ضراء مسته من مرض وفقر ونحوهما ليقولن لجهله وسفهه‪ :‬هذا لي أي‬ ‫استحققته بمالي من جهد ومكانة وعلم وإذا ذكر بالساعة من أجل أن يرفق أو يتصدق يقول ما‬ ‫أظن الساعة قائمة كما تقولون وإن قامت على فرض صحة قولكم إن لي عنده أي عند ال للحسنى‬ ‫أي للحالة الحسنى من غنى وغيره(‪ )5‬وجنة إن كانت كما تقولون‪.‬‬ ‫عمِلُوا} أي يوم القيامة عند عرضهم علينا‪ ،‬ولنذيقنهم من‬ ‫وقوله تعالى {فَلَنُنَبّئَنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِبمَا َ‬ ‫عذاب غليظ يخلدون فيه ل يخرجون منه أبدا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية الخيرة (‪{ )51‬وَِإذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ} بنعمة المال والولد والصحة‬ ‫أعرض عن ذكرنا وشكرنا وتخلى عن طاعتنا ونأى(‪ )6‬بجانبه متباعدا متبخترا مختالً يكاد‬ ‫يضاهي الطاووس في مشيته‪ .‬وإذا سلبناه ذلك ومسه الشر من مرض وفقر وجهد وبلء فهو ذو‬ ‫دعاء عريض لنا يا رب يا رب يا رب‪ .‬هذا ليس الرجل الول الذي ييأس ويقنط‪ ،‬ذاك كافر‪،‬‬ ‫وهذا مؤمن ضعيف اليمان جاهل ل أدب عنده ول خلق‪ .‬وما أكثر هذا النوع من الرجال في‬ ‫المسلمين اليوم والعياذ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قيل المراد بالنسان الكافر هنا الوليد بن المغيرة‪ ،‬وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن‬ ‫خلف‪ .‬والية تحمل وصفا للنسان الكافر أيا كان والمراد من الدعاء الطلب والرغبة الملحة‪.‬‬ ‫‪ -2‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح " لو أن لبن آدم واديين من ذهب‬ ‫لتمنى الثالث ول يمل عين ابن آدم إل التراب ويتوب ال على من تاب"‪.‬‬

‫‪ -3‬اليأس كالقنوط من رحمة ال كفر بالمؤمن لقوله تعالى {إنه ل ييأس من روح ال إل القوم‬ ‫الكافرون}‪.‬‬ ‫‪ -4‬اشتملت الية على خلقين عجيبين الول خلق البطر بالنعمة والغفلة عن الشكر ل تعالى‬ ‫والثاني اليأس والقنوط من رجوع النعمة بعد فقدها‪.‬‬ ‫‪ -5‬يروى عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي ال عنهم للكافر أمنيتان أما في‬ ‫الدنيا فيقول لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى‪ ،‬وأما في الخرة فيقول يا ليتنا نرد ول‬ ‫نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -6‬النأي البعد وهو كناية عن عدم التفكر في المنعم عليه ليشكره فعبر عن هذا بالبعد‪.‬‬

‫( ‪)4/589‬‬ ‫بال تعالى فالول عائد إلى ظلمة نفسه بالكفر‪ ،‬وهذا عائد إلى سوء تربيته وسوء خلقه وظلمة‬ ‫جهله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حال النسان قبل اليمان فإنه يكون أحط المخلوقات قدرا وأضعفها شأنا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيد البعث والجزاء بذكر بعض الحداث فيها‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم اليأس والقنوط والكبر والختيال‪ ،‬والكفر للنعم ونسيان المنعم وعدم شكره‪.‬‬ ‫شقَاقٍ َبعِيدٍ(‪ )52‬سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا‬ ‫ضلّ ِممّنْ ُهوَ فِي ِ‬ ‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ ثُمّ َكفَرْتُمْ ِبهِ مَنْ َأ َ‬ ‫شهِيدٌ(‪ )53‬أَل‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫سهِمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َل ُهمْ أَنّهُ ا ْلحَقّ َأوَلَمْ َي ْكفِ بِرَ ّبكَ أَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ق َوفِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫فِي الْآفَا ِ‬ ‫شيْءٍ ُمحِيطٌ(‪)54‬‬ ‫إِ ّنهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ أَل إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل أرأيتم إن كان من عند ال‪ :‬أي أخبروني إن كان القرآن من عند ال كما قال النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫ثم كفرتم به ‪ :‬أي ثم كفرتم به بعد العلم أنه من عند ال‪.‬‬ ‫من أضل ممن هو في شقاق بعيد ‪ :‬أي من يكون أضل منكم وأنتم في شقاق بعيد؟ ل أحد‪.‬‬ ‫في الفاق وفي أنفسهم ‪ :‬أي في أقطار السموات والرض من المخلوقات وأسرار خلقها وفي‬ ‫أنفسهم من لطائف الصنعة وعجائب وبدائع الحكمة‪.‬‬ ‫حتى يتبين لهم أنه الحق ‪ :‬أي أن القرآن كلم ال ووحيه إلى رسوله حقا‪ ،‬وأن السلم حق‪.‬‬ ‫أل إنهم في مرية من لقاء ربهم ‪ :‬أي في شك من البعث الخر حيث يعرضون على ال تعالى‪.‬‬ ‫أل إنه بكل شيء محيط ‪ :‬أي علما وقدرة وعزة وسلطانا‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يأمر تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول للمكذبين بالوحي اللهي الذي يمثله القرآن الكريم‬ ‫حيث قالوا فيه شعر وسحر وأساطير الولين يأمره أن يقول لهم مستفهما لهم أرأيتم أي أخبروني‬ ‫إن كان أي القرآن الذي كذبتم به من عند ال وكفرتم به أي كذبتم؟ من يكون أضل منكم وأنتم‬ ‫تعيشون في‬

‫( ‪)4/590‬‬ ‫شقاق بعيد(‪ )1‬اللهم ل أحد يكون أضل منكم عن طريق الهدى إذا فلم ل تثوبون إلى رشدكم‬ ‫وتؤمنون بآيات ربكم فتكملوا عليها وتسعدوا‪.‬‬ ‫ثم قال تعالى‪{ :‬سَنُرِي ِهمْ(‪ )2‬آيَاتِنَا} على صدقنا وصدق رسولنا فيما أخبرناهم به ودعوناهم إليه من‬ ‫اليمان والتوحيد والبعث والجزاء وذلك في(‪ )3‬الفاق أي من أقطار السموات والرض مما‬ ‫ستكشف عنه اليام من عجائب تدبير ال ولطائف صنعه‪ .‬وفي أنفسهم(‪ )4‬أيضا أي في ذواتهم‬ ‫حتى يتبين لهم أنه الحق‪ ،‬من ذلك فتح القرى والمصار وانتصار السلم كما أخبر به القرآن‪،‬‬ ‫ووقعة بدر وفتح مكة من ذلك وما ظهر لِحَدّ الن من كشوفات في الفاق وفي النفس مما أشار‬ ‫شيْءٍ خََلقْنَا َزوْجَيْنِ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ} فنظام‬ ‫إليه القرآن ما هو أعجب من ذلك قوله تعالى‪َ { :‬ومِنْ ُكلّ َ‬ ‫الزوجية الساري في كل جزئيات الكون شاهد قوي على صدق القرآن وأنه الحق من عند ال‪،‬‬ ‫شهِيدٌ؟} هذا‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫وأن ال حق وأن الساعة حق وقوله تعالى‪َ{ :‬أوَلَمْ َي ْكفِ(‪ )5‬بِرَ ّبكَ أَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫توبيخ لهؤلء المكذبين بإعلمهم أن شهادة ال كافية في صدق محمد وما جاء به إن ال هو‬ ‫المخبر بذلك والمر باليمان به فكيف يطالبون باليات على صدق القرآن ومن نزل عليه وال‬ ‫المرسل للرسول والمنزل للكتاب وقوله تعالى‪{ :‬أَل إِ ّنهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ} إعلم منه تعالى‬ ‫بما عليه القوم من الشك في البعث والجزاء وهو الذي سبب لهم كثيرا من أنواع الشر والفساد‪.‬‬ ‫شيْءٍ مُحِيطٌ} علما وقدرة وعزة وسلطانا فما أخبر به عنهم من علمه وما‬ ‫وقوله‪{ :‬أَل إِنّهُ(‪ِ )6‬ب ُكلّ َ‬ ‫سيجزيهم به من عذاب إن أصروا على كفرهم من قدرته وعزته‪ .‬أل فليتق ال امرؤ مصاب‬ ‫بالشك في البعث وكل الظواهر دالة على حتميته ووقوعه في وقته المحدد له‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالكفر بالقرآن والتكذيب بما جاء فيه من الهدى والنور‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل أضل ممن يكذب بالقرآن لنه يعيش في خلف وشقاق ل أبعد منه‪.‬‬ ‫‪ -3‬صدق وعد ال تعالى حيث أرى المشركين وغيرهم آياته في الدالة على وحدانيته وصحة دينه‬ ‫وصدق أخباره ما آمن عليه البشر الذين ل يعدون كثرة‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬الشقاق العداء والمراد به العداء ل والرسول والمؤمنين الناجم عن ردهم القرآن وتكذيبهم‬ ‫بالوحي المثبت للنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليات تشمل آيات القرآن واليات الخارجة عن القرآن‪.‬‬ ‫‪ -3‬الفاق جمع أفق الناحية من الرض المتميزة عن غيرها والناحية من قبة السماء‪.‬‬ ‫‪ -4‬قال القرطبي "وفي أنفسهم" من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول فإن‬ ‫الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين‪ ،‬وبديع صنعة ال وحكمته في عينيه‬ ‫اللتين هم قطرة ماء ينظر بهما‪ ،‬وفي أذنيه وكيف يفرق بين الصوات المختلفة إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫‪ -5‬المعنى‪ :‬تكفيك شهادة ربك بصدقك فل تلتفت إلى تكذيبهم‪.‬‬ ‫‪ -6‬وصف ال بالمحيط هو كذلك محيط بعلمه وقدرته وقهره لكل خلقه‪.‬‬

‫( ‪)4/591‬‬ ‫‪ -1‬ما من اكتشاف ظهر ويظهر إل والقرآن أدخله في هذه الية سنريهم آياتنا في الفاق وفي‬ ‫أنفسهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬الشارة إلى أن السلم سيعلم صحته وسيدين به البشر أجمعون في يوم ما من اليام‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء ومظاهر قدرة ال تعالى المقررة له‪.‬‬

‫( ‪)4/592‬‬ ‫سورة الشورى‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الشورى‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ثلث وخمسون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫حكِيمُ(‪ )3‬لَهُ مَا فِي ال ّ‬ ‫ك وَإِلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫حم(‪ )1‬عسق(‪ )2‬كَذَِلكَ يُوحِي إِلَ ْي َ‬ ‫ح ْمدِ‬ ‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْ َف ْو ِقهِنّ وَا ْلمَل ِئكَةُ ُيسَبّحُونَ بِ َ‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلعَظِيمُ(‪َ )4‬تكَادُ ال ّ‬ ‫َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫رَ ّبهِ ْم وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ِلمَنْ فِي الْأَ ْرضِ أَل إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ(‪ )5‬وَالّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ‬ ‫حفِيظٌ عَلَ ْيهِمْ َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْي ِهمْ ِب َوكِيلٍ(‪)6‬‬ ‫اللّهُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫حم عسق(‪ : )1‬هذه أحد الحروف المقطعة تكتب هكذا‪ :‬حم عسق وتقرأ هكذا‪ :‬حا ميمْ عَيْنْ سِيْنْ‬ ‫قَافْ‪.‬‬ ‫كذلك يوحي(‪ )2‬إليك وإلى الذين من قبلك ‪ :‬أي مثل ذلك اليحاء يوحى إليك وإلى الذين من قبلك‬ ‫الذي يوحى إليك‪.‬‬ ‫له ما في السموات وما في الرض ‪ :‬أي خلقا وملكا وتصرفا‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم‪ :‬أي العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لوليائه‪.‬‬ ‫يتفطرن من فوقهن ‪ :‬أي يتشققن من عظمة الرحمن وجلله‪.‬‬ ‫والذين اتخذوا من دونه أولياء ‪ :‬أي آلهة يعبدونها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬إن قيل لم ما وصلت حم عسق ببعضهما كما وصلت في المص‪ ،‬المر فالجواب أن عسق‬ ‫ثلثة أحرف فلم توصل بـ حم بخلف المص المر فإن الموصول حرف واحد وهو الصاد‬ ‫والراء‪.‬‬ ‫‪ -2‬العدول عن صيغة الماضي إلى المضارع إيذان بأن إيحاء الرسول متجدد ل ينقطع مدة حياة‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/592‬‬ ‫ال حفيظ عليهم ‪ :‬أي يحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها‪.‬‬ ‫وما أنت عليهم بوكيل ‪ :‬أي ولست موكل بحفظ أعمالهم وإنما عليك البلغ‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬حم عسق} ال أعلم بمراده به وقد تقدم التنبيه إلى أن هذا من المتشابه الذي يجب‬ ‫اليمان به وتفويض أمر فهم معناه إلى منزله وهو ال سبحانه وتعالى وقد ذكرنا أن له فائدتين‬ ‫جليلتين تقدمتا في كثير من فواتح السور المبدوءة بمثل هذه الحروف المقطعة فليرجع إليها‪.‬‬ ‫وقوله {كَذَِلكَ يُوحِي إِلَ ْيكَ(‪ })1‬أي مثل ذلك اليحاء بأصول الدين الثلثة وهي التوحيد والنبوة‬ ‫والبعث يوحي إليك بمعنى أوحى إليك وإلى الذين من قبلك من الرسل ال العزيز(‪ )2‬في انتقامه‬ ‫سمَاوَاتِ(‪َ )3‬ومَا فِي الْأَ ْرضِ} أي خلقا‬ ‫من أعدائه الحكيم في تدبيره لوليائه وقوله {َلهُ مَا فِي ال ّ‬ ‫وملكا وهو العلي أي ذو العلو المطلق على خلقه العظيم في ذاته وشأنه وحكمه وتدبيره سبحانه ل‬ ‫إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬ ‫سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ} أي يتصدعن ويتشققن من فوقهن من عظمة الرب‬ ‫وقوله تعالى { َتكَادُ(‪ )4‬ال ّ‬ ‫تبارك وتعالى والملئكة يسبحون بحمد(‪ )5‬ربهم أي يصلون له ويستغفرون لمن في الرض أي‬ ‫يطلبون المغفرة للمؤمنين فهذا من العام الخاص بما في سورة المؤمن إذ فيها ويستغفرون للذين‬

‫آمنوا وقوله تعالى {أَل إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ} إخبار بعظيم صفاته عز وجل وهما المغفرة‬ ‫والرحمة يغفر لمن تاب من عباده ويرحم بالرحمة العامة سائر مخلوقاته في هذه الحياة ويرحم‬ ‫بالرحمة الخاصة عباده الرحماء وسائر عباده المؤمنين في دار السلم وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ‬ ‫خذُوا(‪ )6‬مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} أي شركاء آلهة يعبدونهم هؤلء ال حفيظ عليهم فيحصي عليهم‬ ‫اتّ َ‬ ‫أعمالهم ويجزيهم بها يوم القيامة‪ ،‬وليس على الرسول من ذلك شيء إن عليه إل البلغ وقد بلغ‬ ‫وهو معنى قوله ‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِب َوكِيلٍ} تحفظ عليهم أعمالهم وتجزيهم بها وفي الية تسلية‬ ‫للرسول وتخفيف عليه لنه كان يشق عليه إعراض المشركين وإصرارهم على الشرك بال‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المعنى الجمالي لهذه الجملة هو كما في قوله {إن أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين‬ ‫من بعده} فهو تشبيه إيحاء بإيحاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬العزيز الحكيم‪ :‬وصفان لسم الجللة هما مقتضى الوحي اللهي إذ الوحي يكون من عزيز ل‬ ‫يحال بين إرادته وحكيم يضع المور في مواضعها فل يعاب عليه اختياره للوحي إليك‪.‬‬ ‫‪ -3‬هذه الجملة مقررة لما تقدم من جلل ال وكماله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده ولقائه وبعثه‬ ‫رسوله‪.‬‬ ‫‪ -4‬قرأ نافع وحده يكاد بالياء وقرأ باقي القراء حفص وغيره بالتاء وسبب تفطرهن هو الخوف‬ ‫من عظمة الرب قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما "فرقا" أي خوفا‪.‬‬ ‫‪ -5‬أي ينزهه عما ل يجوز وصفه به وعمّا ل يليق بجلله‪ ،‬وقيل يتعجبون من جرأة المشركين‬ ‫فيسبحون‪.‬‬ ‫‪ -6‬لما أقام تعالى الحجج والبراهين على توحيده ونبوة رسوله فسبحت له الملئكة واستغفرت‬ ‫للمؤمنين الموحدين وبقي المشركين على اتخاذهم أولياء كأنما قال لرسوله ل يهمك أمرهم فإن ال‬ ‫يحصي أعمالهم ويحفظها لهم ويجزيهم بها‪.‬‬

‫( ‪)4/593‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وحدة الوحي بين سائر النبياء إذ هي تدور على التوحيد والنبوة والبعث والجزاء والترغيب‬ ‫في العمل الصالح‪ ،‬والترهيب من العمل الفاسد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان عظمة ال تعالى وجلله وكماله حتى إن السموات تكاد يتفطرن من فوقهن والملئكة‬ ‫يسبحون بحمده تعالى ويستغفرون للمؤمنين(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم والتخفيف عنه بأنه غير موكل بحفظ أعمال المشركين‬ ‫ومجازاتهم عليها إنما هو ال تعالى‪ ،‬وما على الرسول إل البلغ المبين‪.‬‬ ‫جمْعِ ل رَ ْيبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي‬ ‫حوَْلهَا وَتُنْذِرَ َيوْمَ الْ َ‬ ‫َوكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ قُرْآنا عَرَبِيّا لِتُنْذِرَ أُمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬ ‫حمَتِهِ‬ ‫خلُ مَنْ يَشَاءُ فِي َر ْ‬ ‫جعََلهُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وََلكِنْ يُ ْد ِ‬ ‫سعِيرِ(‪ )7‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ َل َ‬ ‫الْجَنّ ِة َوفَرِيقٌ فِي ال ّ‬ ‫ي وَ ُهوَ يُحْيِي‬ ‫ي وَل َنصِيرٍ(‪َ )8‬أمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ فَاللّهُ ُهوَ ا ْلوَلِ ّ‬ ‫ن وَِل ّ‬ ‫وَالظّاِلمُونَ مَا َلهُمْ مِ ْ‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪)9‬‬ ‫ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وكذلك أوحينا إليك ‪ :‬أي ومثل ذلك اليحاء إليك وإلى من قبلك أوحينا إليك‪.‬‬ ‫قرآنا عربيا ‪ :‬أي بلسان عربي‪.‬‬ ‫لتنذر أم القرى ومن حولها ‪ :‬أي علة اليحاء هي إنذارك أهل أم القرى مكة ومن حولها من‬ ‫القرى أي تخوفهم عذاب ال إن بقوا على الشرك‪.‬‬ ‫وتنذر يوم الجمع ‪ :‬أي وتنذر الناس من يوم القيامة إذ هو يوم يجمع ال فيه الخلئق‪.‬‬ ‫ل ريب فيه ‪ :‬أي ل شك في مجيئه وجمع الناس فيه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬جائز أن يكون المستغفرين للمؤمنين حملة العرش وقد ورد هذا في السنة وأن يكون غيرهم‬ ‫يستغفرون لمن في الرض عندما يرون كفرهم وباطلهم وجرأتهم على ربهم يطلبون لهم عدم‬ ‫المؤاخذة إذ لو آخذهم بذنوبهم لهلكهم‪.‬‬

‫( ‪)4/594‬‬ ‫فريق في الجنة ‪ :‬أي المؤمنون المتقون‪.‬‬ ‫وفريق في السعير‪ :‬أي الكافرون‪.‬‬ ‫ولو شاء ال لجعلهم أمة واحدة ‪ :‬أي على دين السلم وبذلك يكون الجميع في الجنة‪.‬‬ ‫ولكن يدخل من يشاء في رحمته ‪ :‬أي في السلم أولً ثم في الجنة ثانيا‪.‬‬ ‫والظالمون ما لهم من ولي ول نصير‪ :‬أي المشركون ليس لهم من ولي يتولهم ول نصير‬ ‫ينصرهم فهم في النار‪.‬‬ ‫أم اتخذوا من دون ال أولياء‪ :‬أي بل اتخذوا من دونه تعالى شركاء أّلهُوهم من دون ال‪.‬‬ ‫فال هو الولي ‪ :‬أي الولي الحق ومن عداه فل تنفع وليته ول تضر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َوكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا ِإلَ ْيكَ قُرْآنا عَرَبِيّا(‪ })1‬أي ومثل ذلك اليحاء الذي أوحينا إليك وإلى‬ ‫الذين من قبلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بلسان عربي يفهمه قومك لنه بلسانهم لتنذر به أي تخوف‬

‫أم القرى(‪ )2‬ومن حولها من الناس عاقبة الشرك والكفر والظلم والفساد وتنذر أيضا الناس يوم‬ ‫الجمع وهو يوم القيامة فإنه يوم هول عظيم وشر مستطير ليتوقوه باليمان والتقوى‪ .‬إنه يوم يكون‬ ‫فيه الناس والجن فريقين ل ثالث لهما‪ :‬فريق في الجنة(‪ )3‬بإيمانه وتقواه ل بفعل أوامره وترك‬ ‫نواهيه‪ ،‬وفريق في السعير بشركه وكفره بال وعدم تقواه فل امتثل أمرا ول اجتنب نهيا‪.‬‬ ‫ح َدةً} أي في الدنيا على دين السلم الذي هو دين‬ ‫جعََلهُمْ(‪ُ )4‬أمّ ًة وَا ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ‬ ‫آدم فنوح وإبراهيم فسائر النبياء موسى وعيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬إذ هو عبارة عن‬ ‫اليمان بال وبما أمر ال باليمان به‪ ،‬والنقياد ل ظاهرا وباطنا بفعل محابه تعالى وترك مكارهه‬ ‫ولو كانوا في الدنيا على ملة السلم لكانوا في الخرة فريقا واحدا وهو فريق الجنة ولكن لم يشأ‬ ‫ذلك لحكم عالية فهو تعالى يدخل من يشاء في رحمته في الدنيا وهي السلم وفي الخرة هي‬ ‫الجنة‪ ،‬والظالمون أي المشركون الذين رفضوا التوحيد والسلم ل ما لهم من ولي ول نصير فهم‬ ‫إذا في عذاب السعير‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬أَمِ اتّخَذُوا(‪ })5‬أي الظالمون من دون ال أولياء من دون ال‬ ‫ليشفعوا‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬القرآن مصدر نحو غفران وأطلق على المقروء مبالغة في التصاف بالمقروئية لكثرة ما‬ ‫يقرأه القارئون لحسنه وفوائده وعظيم مثوبته‪.‬‬ ‫‪ -2‬كنيت مكة بأم القرى لنها أقدم المدن العربية وقيل لن الرض دحيت من تحتها‪.‬‬ ‫‪ -3‬جملة فريق الخ ابتدائية لنها جواب لمن سأل عن حال الناس وهم مجتمعون في عرصات‬ ‫القيامة فأجيب بأنهم فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬ ‫‪ -4‬سبق هذا الكلم مستأنفا استئنافا ابتدائيا لغرض تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‬ ‫لما ينالهم من هم وكرب من عدم إيمان من يدعونهم إلى اليمان ولم يؤمنوا‪.‬‬ ‫‪ -5‬أم للضراب النتقالي والستفهام إنكاري ينكر على المشركين اتخاذهم أولياء من دون ال ل‬ ‫تنفعهم أي نفع ويتركون ال الولي الحميد فهو أحق بأن يتخذ وليا في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫( ‪)4/595‬‬ ‫لهم جهلً منهم بأنه ل يشفع أحد إل بإذن ال ورضاه فعلوا ذلك وما كان لهم ذلك لن الولي الحق‬ ‫هو ال فلم ل يتخذونه وليا‪ ،‬وهو الولي الحميد وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير فمن‬ ‫أحق بأن يُ َتوَلّى من يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير أم من ل يسمع ول يبصر ول يضر‬ ‫ول ينفع‪ ،‬والجواب معلوم‪ ،‬ول يهلك على ال إل هالك‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية بإثبات الوحي اللهي‪.‬‬ ‫‪ -2‬شرف مكة بتسميتها أم القرى أي أم المدن والحواضر‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التعليل للفعال والحكام‪.‬‬ ‫‪ -4‬انقسام الناس يوم القيامة إلى سعيد وشقي ل غير‪.‬‬ ‫‪ -5‬لم يشأ ال أن يجعل الناس أمة واحدة لحكم عالية علمها إليه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -6‬من طلب ولية غير ال هلك؟ ومن والى ال دون من سواه كفاه ال ما أهمّه في دنياه وأخراه‪.‬‬ ‫ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَبّي عَلَيْهِ َت َوكّ ْلتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(‪ )10‬فَاطِرُ‬ ‫شيْءٍ فَ ُ‬ ‫َومَا اخْتََلفْتُمْ فِيهِ مِنْ َ‬ ‫شيْءٌ‬ ‫سكُمْ أَ ْزوَاجا َومِنَ الْأَ ْنعَامِ أَ ْزوَاجا يَذْرَُأكُمْ فِيهِ لَيْسَ َكمِثْلِهِ َ‬ ‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ َيقْدِرُ إِنّهُ ِب ُكلّ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ(‪َ )11‬لهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬ ‫وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪)12‬‬ ‫َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وما اختلفتم فيه من شيء ‪ :‬أي من أمور الدين والدنيا مع الكفار أو مع المؤمنين‪.‬‬ ‫فحكمه إلى ال ‪ :‬هو الذي يقضي فيه في الدنيا بما ينزل من وحي على رسوله وفي الخرة إذ‬ ‫الحكم له دون غيره‪.‬‬ ‫ذلكم ال ربي عليه توكلت وإليه ‪ :‬أي قل لهم يا رسولنا ذلكم الحاكم العدل العظيم ال ربي عليه‬

‫( ‪)4/596‬‬ ‫أنيب توكلت أي فوضت أمري إليه‪ ،‬وإليه ل إلى غيره أرجع في أموري كلها‪.‬‬ ‫فاطر السموات والرض ‪ :‬خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق‪.‬‬ ‫جعل لكم من أنفسكم أزواجا ‪ :‬أي بأن جعلكم ذكرا وأنثى‪ ،‬ومن النعام كذلك‪.‬‬ ‫يذرأكم فيه ‪ :‬أي يخلقكم في هذا التدبير وهو من الذكر والنثى يخرجكم‪.‬‬ ‫ليس كمثله شيء ‪ :‬أي ليس مثل ال شيء إذ هو الخالق لكل شيء فل يكون مخلوق مثله بحال من‬ ‫الحوال‪.‬‬ ‫وهو السميع البصير ‪ :‬أي السميع لقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شيْءٍ} من أمور الدين والدنيا أيها الناس فحكمه إلى ال تعالى‬ ‫يقول تعالى { َومَا اخْتََلفْتُمْ(‪ )1‬فِيهِ مِنْ َ‬ ‫هو الذي يحكم فيه بالعدل فردوه إليه سبحانه وتعالى فإنه يقضي بينكم بالحق‪ .‬وهنا أمر رسوله أن‬ ‫يقول للمشركين ذلكم المذكور بصفات الجلل والكمال الحَكم العدل الذي يقضي ول يقضى عليه‬ ‫ال ربي الذي ليس لي رب سواه عليه توكلت ففوضت أمري إليه واثقا في كفايته وإليه وحده أنيب‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ} أي‬ ‫أي أرجع في أموري كلها‪ ،‬ثم واصل ذكر صفاته الفعلية فقال {فَاطِرُ ال ّ‬

‫سكُمْ(‪ )2‬أَ ْزوَاجا} إذ‬ ‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬ ‫خالق السموات السبع والرض مبدعهما من غير مثال سابق { َ‬ ‫خلق حواء من ضلع آدم ثم جعلكم تتناسلون من ذكر وأنثى ومن النعام أزواجا أيضا وهما الذكر‬ ‫والنثى وقوله {يَذْ َرُأكُمْ فِيهِ} أي(‪ )3‬يخلقكم فيه أي في هذا النظام نظام الذكر والنثى كأن الذكورة‬ ‫والنوثة معمل من المعامل يتم فيه خلق النسان والحيوان فسبحان الخلق العليم‪.‬‬ ‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ(‪ })5‬هذا تعريف عرف تعالى به نفسه ليعرف‬ ‫شيْ ٌء وَ ُهوَ ال ّ‬ ‫وقوله‪{ :‬لَيْسَ(‪َ )4‬كمِثْلِهِ َ‬ ‫بين عباده وهو أنه عز وجل ليس كمثله شيء أي فل شيء مثله فعرف بالتفرد بالوحدانية فالذي‬ ‫ليس له‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قول القرطبي هذا حكاية قول رسول ال صلى ال عليه وسلم للمؤمنين ما هو بظاهر‪ ،‬بل هو‬ ‫إرشاد ال لرسوله والمؤمنين أن يقولوا لمن خالفهم من المشركين وأهل الكتاب إن ال قد حكم‬ ‫بصحة السلم فهو الدين الذي يجب أن يدين به النسان لربه عز وجل ل غيره من الديان‬ ‫الباطلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬الجملة في موضع نصب على الحال من ضمير فاطر‪.‬‬ ‫‪ -3‬الذرء‪ :‬بث الخلق وتكثيره والمضارع يذرؤكم لفادة الحدوث والتجدد المستمرين‪.‬‬ ‫‪ -4‬ومعنى ليس كمثله شيء‪ :‬ليس مثله شيء فالكاف مقحمة ل غير‪ ،‬ولما كانت للتشبيه ومثله‬ ‫كذلك فهي إذا لتأكيد نفي الشبيه ل تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬لما كانت جملة ليس كمثله شيء صفة سلبية أعقب عليها بصفات إيجابية وهي كونه تعالى‬ ‫سميعا بصيرا‪ ،‬وهكذا الحكم في صفات ال تعالى فيثبت له ما أثبته هو لنفسه وأثبته له رسوله من‬ ‫الصفات العلى وينفى عنه من صفات النقص كالمثلية والتشبيه وما نفاه تعالى هو عن نفسه ونفاه‬ ‫عنه رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)4/597‬‬ ‫مثل ول مثله شيء هو ال ذو السماء الحسنى والصفات العليا وهو السميع لكل الصوات العليم‬ ‫بكل الكائنات‪.‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ(‪ })1‬أي له مفاتيح خزائن السموات والرض‪ ،‬وله‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬لَهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬ ‫مغاليقها فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء امتحانا ويضيق ابتلء‪ ،‬لنه بكل شيء عليم فل يطلب‬ ‫الرزق إل منه‪ ،‬ول يلجأ فيه إل إليه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب ردّ ما اختلف فيه إلى ال تعالى ليحكم(‪ )2‬فيه وهو الرد إلى الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪ -2‬وجوب التوكل عليه والنابة إليه في كل المور‪.‬‬ ‫‪ -3‬تنزيه الرب تعالى عن مشابهته لخلقه مع وجوب اليمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب اليمان بأن ال هو الرزاق بيده مفاتيح خزائن الرزاق فمن شاء وسع عليه‪ ،‬ومن شاء‬ ‫ضيق‪ ،‬وأنه يوسع لحكمة ويضيق لخرى‪.‬‬ ‫ك َومَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ َومُوسَى وَعِيسَى‬ ‫شَ َرعَ َلكُمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى ِبهِ نُوحا وَالّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْي َ‬ ‫ن وَل تَ َتفَ ّرقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى ا ْلمُشْ ِركِينَ مَا تَدْعُو ُهمْ إِلَيْهِ اللّهُ َيجْتَبِي ِإلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ‬ ‫أَنْ َأقِيمُوا الدّي َ‬ ‫وَ َيهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(‪َ )13‬ومَا َتفَ ّرقُوا إِلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءهُمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيا بَيْ َنهُ ْم وََلوْل كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ‬ ‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ(‪)14‬‬ ‫س ّمىً َل ُقضِيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِنّ الّذِينَ أُورِثُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ َب ْعدِهِمْ َلفِي َ‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫رَ ّبكَ إِلَى أَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المقاليد جمع إقليد أو مقلد على غير قياس وهو المفتاح‪ ،‬والمقاليد للخزائن وهي ما أودع ال‬ ‫تعالى من أرزاق السموات والرض لعباده‪ ،‬فلذا هو يبسط الرزق ويقدر حسب علمه وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -2‬شاهده قوله تعالى‪{ :‬وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول} "الية من سورة النساء"‬

‫( ‪)4/598‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك ‪ :‬أي شرع لكم من الدين الذي وصى به نوحا والذي أوحينا‬ ‫به إليك‪.‬‬ ‫وما وصينا به إبراهيم وموسى ‪ :‬أي والذي وصينا باقي أولى العزم وهم إبراهيم وموسى وعيسى‬ ‫وهو أن يعبدوا ال وحده بما شرع من العبادات‪.‬‬ ‫أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‪ :‬أي بأن أقيموا الدين الذي شرع لكم ول تضيعوه ول تختلفوا فيه‪.‬‬ ‫كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ‪ :‬أي عظم على كفار قريش ما تدعوهم إليه وهو ل إله إل‬ ‫ال محمد رسول ال‪.‬‬ ‫ال يجتبي إليه من يشاء ‪ :‬أي يختار إلى اليمان به والعمل بطاعته من يريده لذلك‪.‬‬ ‫ويهدي إليه من ينيب ‪ :‬أي ويوفق لطاعته من ينيب إليه في أموره ويرجع إليه في جميع شأنه‪،‬‬ ‫بخلف المعرضين المستكبرين‪.‬‬ ‫بغيا بينهم ‪ :‬أي حملهم البغي على التفرق في دين ال‪.‬‬ ‫ولول كلمة سبقت من ربك ‪ :‬أي ولول ما قضى ال به من تأخير العذاب على هذه المة إلى يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫لقضي بينهم‪ :‬أي لحكم ال بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين‪.‬‬ ‫وإن الذين أورثوا الكتاب من‪ :‬أي وإن الذين أورثوا الكتاب من بعد الولين وهم اليهود والنصارى‬

‫ومشركو العرب‪.‬‬ ‫لفي شك منه مريب ‪ :‬أي لفي شك مما جئتهم به من الدين الحق وهو السلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يخاطب تعالى رسوله المؤمنين فيقول وقوله الحق‪{ :‬شَ َرعَ َلكُمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى ِبهِ نُوحا(‪ })1‬إذ‬ ‫هو أول حامل شريعة من الرسل والذي أوحينا إليك يا محمد { َومَا َوصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى‬ ‫وَعِيسَى} من أولي العزم من الرسل {أَنْ َأقِيمُوا(‪ )2‬الدّينَ} وهو دين واحد قائم على اليمان‬ ‫والتوحيد والطاعة ل في أمره ونهيه وإقامة ذلك بعدم التفريط فيه أو في شيء منه‪ ،‬وعدم التفرق‬ ‫فيه‪ ،‬لن التفرق فيه يسبب تضيعه كلً أو بعضا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المراد مما شرع لنا هو اليمان به تعالى ربا وإلها وعبادته وحده وترك عبادة ما سواه‪ ،‬أما‬ ‫الحكام فتختلف بحسب المم والزمان فهذه الية هي كقوله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسول‬ ‫أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت}‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن أقيموا الدين في محل رفع خبر‪ .‬أي هو إقامة الدين وعدم التفرق فيه أي الموصى به هو‬ ‫إقامة الدين‪ ،‬وإقامته جعله قائما تعتقد عقائده وتؤدى عبادته وتقام أحكامه ل يسقط منه شيء‪.‬‬

‫( ‪)4/599‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬كَبُرَ عَلَى(‪ )1‬ا ْلمُشْ ِركِينَ} من كفار قريش {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} أي عظم عليهم ولم‬ ‫يطيقوا حمله ما تدعوهم إليه من عبادة ال تعالى وحده وترك عبادة الصنام‪ ،‬إذا فادعهم واصبر‬ ‫على أذاهم وال يجتبي إليه أي يختار لليمان به وعبادته من يشاء ممن ل يصرون على الباطل‪،‬‬ ‫ول يستكبرون عن الحق إذ عرفوه‪ ،‬ويهدى إليه أي ويوفق لطاعته مَنْ مِنْ شأنه النابة والرجوع‬ ‫إلى ربه في أموره كلها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َتفَ ّرقُوا(‪ } )2‬أي وما تفرق العرب واليهود والنصارى في دين ال فآمن بعض‬ ‫وكفر بعض إل من بعد ما جاءهم العلم الصحيح يحمله القرآن الكريم ونبيه محمد عليه أفضل‬ ‫الصلة وأزكى التسليم‪ .‬والحامل لهم على ذلك هو البغي والحسد‪ .‬وقوله ولول كلمة سبقت من‬ ‫ربك وهو عدم معاجلة هذه المة المحمدية بعذاب البادة والستئصال‪ ،‬وترك عذابهم إلى يوم‬ ‫القيامة لول هذا لعجل لهم العذاب من أجل اختلفهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين‪ .‬وهو معنى‬ ‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ} أي فرغ منهم بالفصل‬ ‫س ّمىً َل ُق ِ‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫قوله تعالى {وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َبقَتْ(‪ )3‬مِنْ رَ ّبكَ إِلَى َأ َ‬ ‫بينهم بإهلك الكافرين وإنجاء المؤمنين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ الّذِينَ أُورِثُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ َبعْدِ ِهمْ(‪ })4‬أي من بعد اليهود والنصارى وهم العرب‬ ‫إذ أنزل ال فيهم كتابه القرآن الكريم لفي شك منه أي من القرآن والنبي والدين السلمي مريب‬

‫أي بالغ الغاية في الريبة والضطراب النفسي‪ ،‬كما أن اللفظ يشمل اليهود والنصارى إذ هم أيضا‬ ‫ورثوا الكتابين عمن سبقهم وأنهم فعلً في شك من القرآن ونبيه والسلم وشرائعه‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬دين ال واحد وهو اليمان والستقامة على طاعة ال وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة الختلف في دين ال المسبب تضييع الدين كل أو بعضا‪.‬‬ ‫‪ -3‬مرد التفرق في الدين إلى الحسد والبغي بين الناس‪ ،‬فلو لم يحسد بعضهم بعضا ولم يبغ‬ ‫بعضهم على بعض لما تفرقوا في دين ال ولقاموه مجتمعين فيه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال قتادة كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‬ ‫وضاق بها إبليس وجنوده فأبى ال عز وجل إل أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال ابن عباس يعني قريشا وهو صحيح إذ كانوا يقولون‪ :‬لو أن عندنا ذكرا من الولين لكنا‬ ‫عباد ال المخلصين‪ .‬وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم إل‬ ‫أن دخول أهل الكتاب في هذا الخطاب وارد وله شواهد إذ الية مبينة لسنة من سنن ال تعالى‬ ‫وهي كون المة متحدة على الباطل فإذا جاءها الحق قبله أناس ورفضه آخرون فيكون التفرق‪.‬‬ ‫‪ -3‬أي في تأخير العذاب على مستحقيه إلى الموعد الذي حدده لهم في الدنيا أو في الخرة لكان‬ ‫عز وجل حكم بينهم فأهلك الكافرين وأنجى المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -4‬أل في الكتاب للجنس ليشمل التوراة والنجيل‪.‬‬

‫( ‪)4/600‬‬ ‫ع ِدلَ‬ ‫ب وَُأمِ ْرتُ لِأَ ْ‬ ‫ت وَل تَتّ ِبعْ أَ ْهوَا َءهُ ْم َو ُقلْ آمَ ْنتُ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنْ كِتَا ٍ‬ ‫فَلِذَِلكَ فَا ْدعُ وَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْر َ‬ ‫جمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ(‬ ‫حجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ اللّهُ َي ْ‬ ‫عمَاُلكُمْ ل ُ‬ ‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬ ‫بَيْ َنكُمُ اللّهُ رَبّنَا وَرَ ّبكُمْ لَنَا أَ ْ‬ ‫ضبٌ‬ ‫غ َ‬ ‫حضَةٌ عِنْدَ رَ ّب ِه ْم وَعَلَ ْيهِمْ َ‬ ‫‪ )15‬وَالّذِينَ ُيحَاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مَا اسْ ُتجِيبَ لَهُ حُجّ ُتهُمْ دَا ِ‬ ‫وََلهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ(‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فلذلك فادع ‪ :‬أي فإلى ذلك الدين الذي شرع ال لكم ووصى به نوحا وأوحاه إليك يا محمد فادع‬ ‫عباد ال‪.‬‬ ‫واستقم كما أمرت‪ :‬أي استقم على العمل به ول تزغ عنه واثبت عليه كما أمرك ال‪.‬‬ ‫ول تتبع أهواءهم ‪ :‬أي ول تتبع أهواء المشركين وأهل الكتاب فتترك الحنيفية التي بعثت بها فإنها‬ ‫الحق‪.‬‬

‫وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب ‪ :‬أي ولست كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض‪.‬‬ ‫وأمرت لعدل بينكم ‪ :‬أي أمرني ربي أن أحكم بينكم بالعدل الذي هو خلف الجور‪.‬‬ ‫ال ربنا وربكم ‪ :‬أي خالقنا وخالقكم ورازقنا ورازقكم وإلهنا وإلهكم‪.‬‬ ‫لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ‪ :‬وسيجزى كل منا بعمله خيرا كان أو شرا‪.‬‬ ‫ل حجة بيننا وبينكم ‪ :‬أي ما هناك حاجة إلى المحاجة الن بعد ظهور الحق‪.‬‬ ‫ال يجمع بيننا ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫والذين يحاجون في ال ‪ :‬أي يجادلون في دين ال نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫من بعد ما استجيب له ‪ :‬أي باليمان لظهور معجزته وهم اليهود‪.‬‬

‫( ‪)4/601‬‬ ‫حجتهم داحضة ‪ :‬أي باطلة عند ربهم‪.‬‬ ‫وعليهم غضب ‪ :‬أي من ال ولهم عذاب شديد يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬فَلِذَِلكَ فَا ْدعُ(‪ })1‬أي فإلى ذلك الدين الحق الذي هو السلم الذي شرعه ال لكم‬ ‫ووصى به نوحا وأوحاه إليك فادع جميع الناس عربهم وعجمهم فإنه دين ال الذي ل يقبل دينا‬ ‫سواه‪ ،‬ول يكمل النسان في أخلقه ومعارفه وآدابه ول يسعد في الدارين إل عليه واستقم(‪)2‬‬ ‫عليه(‪ )3‬كما أمرك ربك‪ ،‬فل تزغ عنه ول تعدل به غيره فإنه الصراط المستقيم الذي ل يزيغ عنه‬ ‫إل هالك ول تتبع أهواء المشركين ول أهواء أهل الكتاب‪ .‬وقل في صراحة ووضوح آمنت بما‬ ‫أنزل من كتاب فل أومن ببعض وأكفر ببعض كما أنتم عليه معشر اليهود والنصارى‪ ،‬وقل لهم‬ ‫أمرني ربي أن أعدل(‪ )4‬بينكم في الحكم إذا تحاكمتم إليّ‪ ،‬كما أني ل أفرق بينكم إذ أعتبركم على‬ ‫الكفر سواء فكل من لم يكن على السلم الذي كان عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والذي‬ ‫عليه أنا وأصحابي اليوم فهو كافر من أهل النار‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {اللّهُ رَبّنَا وَرَ ّبكُمْ} أي أمرني أن أقول لكم هذا ال ربنا وربكم إذ ل رب سواه فهو‬ ‫عمَاُلكُمْ}( ‪ )5‬وسَيُجزى كل منا بعلمه السيئة بمثلها‬ ‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬ ‫رب كل شيء ومليكه‪{ ،‬لَنَا أَ ْ‬ ‫والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬إل أن الكافر ل تكون له حسنة ما دام قد كفر بأصل الدين فلم يؤمن بال‬ ‫ولقائه‪ ،‬ول بوحيه ول برسوله وقوله {ل حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ} أي اليوم إذ ظهر الحق ولح الصبح‬ ‫لذي عينين فل داعي إلى الجدال والخصومة معكم يا أهل الكتابين من يهود ونصارى ال يجمع‬ ‫بيننا يوم القيامة إذ المصير في النهاية إليه ل إلى غيره وسوف يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه فيقضي‬ ‫لهل الحق بالنجاة من النار ودخول الجنة ويقضي لهل الباطل بالنار والخلود فيها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ يُحَاجّونَ(‪ )6‬فِي اللّهِ} أي في دين ال النبي والمؤمنين يريدون أن يردوهم‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬قال القرطبي اللم هنا بمعنى إلى وله نظائر مثل بأن ربك أوحى لها أي إليها وأولى أن تكون‬ ‫اللم للتعليل أي لجل ما ذكر من المر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه فادع‪.‬‬ ‫‪ -2‬الستقامة العتدال والسين والتاء فيها للمبالغة مثل أجاب استجاب والمراد هنا الستقامة‬ ‫المعنوية وهي ملزمة الداب الرفيعة والخلق الفاضلة والتمسك بأهداف الشريعة‪.‬‬ ‫‪ -3‬كما أمرت هذه الكاف كالتي في قوله تعالى واذكروه كما هداكم أعطيت معنى التقليل مثل كما‬ ‫صليت على إبراهيم وما في التفسير أولى من هذا فإن المراد على نحو ما أمرك ل تخالفه‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فقد نصر ال رسوله وحكم‬ ‫اليهود وعدل بينهم وذلك في المدينة وخيبر وتيماء والية نزلت بمكة‪.‬‬ ‫‪ -5‬هذه صور من صور النصاف والعدل‪.‬‬ ‫‪ -6‬قال مجاهد في قوله تعالى والذين يحاجون في ال الية قال هؤلء رجال طمعوا أن تعود‬ ‫الجاهلية بعد ما دخل الناس في السلم‪ .‬وقيل إنهم اليهود والنصارى والكل جائز ويقع وواقع وما‬ ‫في التفسير أوضح وأصح‪.‬‬

‫( ‪)4/602‬‬ ‫إلى باطلهم من بعد ما استجيب للرسول ودخل الناس في دين ال أفواجا‪ ،‬هؤلء حجتهم داحضة‬ ‫عند ربهم أي باطلة‪ ،‬وعليهم غضب أي من ربهم ولهم عذاب شديد في الدنيا والخرة هذه الية‬ ‫نزلت في يهود بالمدينة نصبوا أنفسهم خصوما لصحاب رسول ال يجادلونهم يريدون تشكيكهم‬ ‫في السلم والعودة بهم إلى وثنية الجاهلية وكان هذا قبل هجرة الرسول صلى ال عليه وسلم إلى‬ ‫المدينة فرد تعالى عليهم وأسكتهم بهذه الية متوعدا إياهم بالغضب والعذاب الشديد‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الدعوة إلى السلم بين أمم العالم إذ ل نجاة للبشرية إل بالسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة اتباع أهواء أهل الهواء والسير معهم(‪ )1‬وموافقتهم في باطلهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الستقامة على السلم عقائد وعبادات وأحكام قضائية وآداب وأخلق‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعين ترك الحجاج والمخاصمة مع أهل الكتاب وكذا أهل الهواء والبدع لنا على الحق وهم‬ ‫على الباطل‪ ،‬فكيف نحاجهم إذ الواجب أن يسلموا وكفى‪.‬‬ ‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل‬ ‫عةَ قَرِيبٌ(‪َ )17‬يسْ َتعْ ِ‬ ‫ن َومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّا َ‬ ‫ق وَا ْلمِيزَا َ‬ ‫حّ‬ ‫اللّهُ الّذِي أَنْ َزلَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ‬ ‫حقّ أَل إِنّ الّذِينَ ُيمَارُونَ فِي السّاعَةِ َلفِي‬ ‫شفِقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعَْلمُونَ أَ ّنهَا الْ َ‬ ‫ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا وَالّذِينَ آمَنُوا مُ ْ‬ ‫ضَللٍ َبعِيدٍ(‪ )18‬اللّهُ َلطِيفٌ ِبعِبَا ِدهِ يَرْزُقُ مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ ا ْل َق ِويّ ا ْلعَزِيزُ(‪ )19‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ‬

‫الْآخِ َرةِ نَ ِزدْ لَهُ فِي حَرْثِ ِه َومَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا َلهُ فِي الْآخِ َرةِ مِنْ َنصِيبٍ(‪)20‬‬ ‫أَمْ َل ُهمْ شُ َركَاءُ شَرَعُوا َلهُمْ مِنَ الدّينِ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الهواء جمع هوى وهو الحب وغلب على حب ما ل نفع فيه إذ هو نابع عن ميل نفساني‬ ‫مناف للخير والعدل ويغلب إطلق لفظ العشق عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/603‬‬ ‫مَا لَمْ يَ ْأذَنْ بِهِ اللّ ُه وََلوْل كَِلمَةُ ا ْل َفصْلِ َل ُقضِيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪)21‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ال الذي أنزل الكتاب بالحق ‪ :‬أي أنزل القرآن متلبسا بالحق والصدق ل يفارقه أبدا‪.‬‬ ‫والميزان‪ : :‬أي وأنزل الميزان وهو العدل ليحق الحق‪.‬‬ ‫وما يدريك لعل الساعة قريب‪ :‬أي أيّ شيء يجعلك تدري قرب الساعة إل أن يكون الوحي‬ ‫اللهي‪.‬‬ ‫يستعجل بها الذين ل يؤمنون ‪ :‬أي يطالب المكذبون بها لنهم ل يخافون ما فيها لعدم إيمانهم به‪.‬‬ ‫والذين آمنوا مشفقون منها ‪ :‬أي خائفون وذلك ليمانهم فهم ل يدرون ما يكون لهم فيها من سعادة‬ ‫أو شقاء ولذا هم مشفقون‪.‬‬ ‫ويعلمون أنها الحق ‪ :‬أي أن الساعة حق واجبة التيان ل محالة‪.‬‬ ‫إن الذين يمارون في الساعة‪ :‬أي إن الذين يجادلون في الساعة شاكين في وقوعها‪.‬‬ ‫ال لطيف بعباده ‪ :‬أي برهم وفاجرهم بدليل أنهم يعصونه وهو يرزقهم ول يعاقبهم‪.‬‬ ‫من كان يريد حرث الخرة ‪ :‬أي من كان يريد بعمله ثواب الخرة‪.‬‬ ‫نزد له في حرثه ‪ :‬أي نضاعف له ثوابه الحسنة بعشر أمثالها وأكثر‪.‬‬ ‫ومن كان يريد حرث الدنيا ‪ :‬أي من كان يريد بعمله متاع لحياة الدنيا من طيباتها‪.‬‬ ‫نؤته منها وماله في الخرة من نصيب ‪ :‬أي نعطه منها ما قدر له وليس له في الخرة من حظ‬ ‫ول نصيب‪.‬‬ ‫أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ‪ :‬أي بل لهم شركاء من الشياطين شرعوا لهم من الدين‪.‬‬ ‫ما لم يأذن به ال ‪ :‬أي ما لم يشرعه ال تعالى وهو الشرك‪.‬‬ ‫ولول كلمة الفصل لقضي بينهم ‪ :‬أي ولول كلمة الفصل التي حكم ال بها بتأخير العذاب إلى يوم‬ ‫القيامة لهلكهم اليوم على شركهم وأنجى المؤمنين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ق وَا ْلمِيزَانَ(‪ })1‬يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنه هو‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬اللّهُ الّذِي أَنْ َزلَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَ ّ‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬جائز أن يكون الكتاب اسم جنس يشمل الكتب اللهية إذ ال تعالى هو منزلها وجائز أن يكون‬ ‫المراد به القرآن‪ .‬وأل فيه للتفخيم من شأنه كأنه الكتاب الفذ في بابه‪.‬‬

‫( ‪)4/604‬‬ ‫الذي أنزل الكتاب أي القرآن بالحق والصدق وأنزل الميزان(‪ )1‬وذلك من أجل إحقاق الحق في‬ ‫الرض وإبطال الباطل فيها‪ ،‬فل يعبد إل ال ول يحكم إل شرع ال وفي ذلك كمال النسانية‬ ‫وسعادتها‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا ُيدْرِيكَ(‪َ )2‬ل َعلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ} أي أيّ شيء جعلك تدري قرب‬ ‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا} أي الذين ل يؤمنون‬ ‫الساعة إنه الوحي اللهي ل غير وقوله {يَسْ َت ْع ِ‬ ‫بالبعث الخر والجزاء فيه هم الذين يطالبون بإتيانها في غير وقتها ويستعجلون الرسول بها‬ ‫بقولهم متى الساعة؟ أما المؤمنون بالبعث والجزاء فإنهم مشفقون أي خائفون من وقوعها لنهم ل‬ ‫يدرون مصيرهم فيها ول يعلمون ما هم صائرون إليه من سعاة أو شقاء وقوله {وَ َيعَْلمُونَ أَ ّنهَا‬ ‫حقّ} أي والمؤمنون يعلمون أن الساعة حق واجبة الوقوع ليحكم ال فيها بين عباده ويجزي كل‬ ‫الْ َ‬ ‫واحد بعمله‪ ،‬ويقتص فيها من الظالم للمظلوم فلذا هي واقعة حتما ل تتخلف أبدا‪.‬‬ ‫عةِ َلفِي ضَللٍ َبعِيدٍ} يخبر تعالى مؤكدا الخبر بأن‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَل إِنّ الّذِينَ ُيمَارُونَ فِي السّا َ‬ ‫الذين يشككون في الساعة ويجادلون في صحة وقوعها في ضلل عن الهدى والصواب والرشد‪،‬‬ ‫بعيد ل يرجى لهم معه العودة إلى الصواب والهدى في هذه المسألة من مسائل العقيدة‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى {اللّهُ لَطِيفٌ ِبعِبَا ِدهِ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَا ُء وَ ُهوَ ا ْلقَ ِويّ ا ْلعَزِيزُ} يخبر تعالى بأنه ذو لطف بعباده‬ ‫مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم يكفر به الكافرون ويعصيه العاصون وهو يطعمهم ويسقيهم‬ ‫ويعفو عنهم ول يهلكهم بذنوبهم فهذا من دلئل لطفه بهم‪ .‬يرزق من يشاء أي يوسع الرزق على‬ ‫من يشاء ويقدر على من يشاء حسب ما تقتضيه تربيتهم فل يدل على الغنى على الرضاء ول‬ ‫الفقر على السخط‪ .‬وهو تعالى القوي القادر الذي ل يعجزه شيء العزيز في انتقامه ممن أراد‬ ‫النتقام منه وقوله تعالى‪{ :‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ(‪ )3‬الْآخِ َرةِ نَزِدْ َلهُ فِي حَرْثِهِ} ‪ ،‬وهذا من مظاهر‬ ‫لطفه بعباده وهو أن من أراد منهم بعمله ثواب الخرة وما أعد ال فيها للمؤمنين المتقين نزد له‬ ‫في حرثه أي يضاعف له أجر عمله الحسنة بعشر إلى سبعمائة ويضاعف لمن يشاء ومن كان‬ ‫يريد بعمله حرث الدنيا أي متاع الحياة الدنيا يؤته على قدر عمله للدنيا وهو ما قدره له أزلً‬ ‫وجعله مقدورا له ل بد نائله‪ ،‬وماله في الخرة من نصيب لنه لم يعمل لها فل حظ له ول نصيب‬ ‫له فيها إل النار وبئس القرار‪.‬‬ ‫وقوله تعالى في الية (‪َ{ )21‬أمْ(‪َ )4‬ل ُهمْ شُ َركَاءُ شَرَعُوا َلهُمْ مِنَ الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ ِبهِ اللّهُ} يقول‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬هل المراد من الميزان العدل أو هو اللة التي يوزن بها والظاهر أنه اللة التي يوزن بها إذ‬ ‫بها يتم العدل ولقوله تعالى {وأنزلنا معهم الكتاب الميزان ليقوم الناس بالقسط} وإنزاله إلهام وضعه‬ ‫والعمل به‪.‬‬ ‫‪ -2‬ما استفهامية أي من جعلك تدري قرب الساعة‪ .‬قال ابن عباس ما قال تعالى فيه وما أدراك‬ ‫فقد أدراه‪ ،‬وما قال فيه وما يدريك فإنه لم يدره به‪.‬‬ ‫‪ -3‬المراد بالحرث العمل والكسب قال الشاعر‪:‬‬ ‫كلنا إذا ما نال شيئا أفاته‬ ‫ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل‬ ‫بهذه الية رد على من زعم أن المرء لو دخل ماء للتبرد فيه أن له أن يصلي به لن الية نص‬ ‫في إرادة العمل والثواب بحسب الرادة التي هي النية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أم للضراب النتقالي والستفهام للتفريع والتوبيخ‪.‬‬

‫( ‪)4/605‬‬ ‫أللمشركين من كفار قريش شركاء من الشياطين شرعوا لهم دينا وهو الشرك لم يأذن به ال‪ ،‬وهذا‬ ‫إنكار عليهم‪ ،‬وإعلن غضب شديد أجل شركهم الذي زينته لهم الشياطين فصرفتهم عن الدين‬ ‫ضيَ بَيْ َن ُهمْ} أي ولول أنه تعالى قضى بأن‬ ‫صلِ َل ُق ِ‬ ‫الحق إلى الدين الباطل‪ ،‬ولذا قال‪{ :‬وََلوْل كَِلمَةُ ا ْل َف ْ‬ ‫يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لعذبهم في الدنيا وأهلكهم فيها قبل الخرة‪ ،‬وذلك لتخاذهم دينا لم‬ ‫يشرعه ال لهم‪ .‬وقوله تعالى وإن الظالمين أي المشركين لهم عذاب أليم أي موجع وذلك يوم‬ ‫القيامة وهذا وعيد للمشركين الذين اتخذوا الجاهلية والشرك وعبادة الوثان دينا وأعرضوا عن‬ ‫دين ال الذي أوصى به نوحا وأوحاه إلى محمد خاتم رسله‪ ،‬كما أوصى به إبراهيم وموسى‬ ‫وعيسى عليهم السلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان بعض الحكمة في إنزال الكتاب أي القرآن والميزان وهو أن يحكم الناس بالقسط‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان قرب الساعة وأن معرفة قربها كان بالوحي اللهي مثل اقترب للناس حسابهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬المستعجلون بالساعة هم الكافرون الجاحدون لها‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان لطف ال بعباده فله الحمد وله المنة والشكر‪.‬‬ ‫ل ورفضا بحسبها‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان وجوب إصلح النيات فإن مدار العمل قبو ً‬ ‫‪ -6‬حظر التشريع بجميع أنواعه عن غير ال ورسوله‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فِي َر ْوضَاتِ‬ ‫شفِقِينَ ِممّا كَسَبُوا وَ ُهوَ وَاقِعٌ ِبهِ ْم وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫تَرَى الظّاِلمِينَ ُم ْ‬

‫الْجَنّاتِ َل ُهمْ مَا يَشَاءُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفضْلُ ا ْلكَبِيرُ(‪ )22‬ذَِلكَ الّذِي يُبَشّرُ اللّهُ عِبَا َدهُ الّذِينَ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ ُقلْ ل َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ أَجْرا إِلّا ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى َومَنْ َيقْتَرِفْ حَسَنَةً نَ ِزدْ لَهُ‬ ‫آمَنُوا وَ َ‬ ‫شكُورٌ(‪ )23‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللّهِ‬ ‫غفُورٌ َ‬ ‫فِيهَا حُسْنا إِنّ اللّهَ َ‬

‫( ‪)4/606‬‬ ‫حقّ ا ْلحَقّ ِبكَِلمَا ِتهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ(‬ ‫ل وَيُ ِ‬ ‫طَ‬ ‫ك وَ َيمْحُ اللّهُ الْبَا ِ‬ ‫كَذِبا فَإِنْ َيشَأِ اللّهُ َيخْتِمْ عَلَى قَلْ ِب َ‬ ‫ت وَ َيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ(‪ )25‬وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ‬ ‫‪ )24‬وَ ُهوَ الّذِي َيقْ َبلُ التّوبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَ َي ْعفُو عَنِ السّيّئَا ِ‬ ‫شدِيدٌ(‪)26‬‬ ‫ت وَيَزِيدُهُمْ مِنْ َفضْلِ ِه وَا ْلكَافِرُونَ َل ُهمْ عَذَابٌ َ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫آمَنُوا وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا ‪ :‬أي ترى أيها المرء الظالمين يوم القيامة خائفين من جزاء ما‬ ‫عملوا‪.‬‬ ‫وهو واقع بهم‪ :‬أي وهو أي جزاء ما كسبوا من الباطل والشرك نازل بهم معذبون به ل محالة‪.‬‬ ‫والذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ :‬آمنوا بال ولقائه وآياته ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا‬ ‫المحارم‪.‬‬ ‫في روضات الجنات ‪ :‬أي هم في روضات الجنات‪ ،‬والروضة في الجنة أنزه مكان فيها‪.‬‬ ‫لهم ما يشاءون عند ربهم ‪ :‬أي لهم ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم في جوار ربهم‪.‬‬ ‫قل ل أسألكم عليه أجرا ‪ :‬أي قل يا رسولنا لقومك ل أسألكم على التبليغ أجرا أي ثوابا‪.‬‬ ‫إل المودة في القربى ‪ :‬أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي فتمنعوني حتى أبلغ رسالتي‪.‬‬ ‫ومن يقترف حسنة ‪ :‬أي ومن يكسب حسنة بقول أو عمل صالح‪.‬‬ ‫نزد له فيها حسنا ‪ :‬أي نضاعفها له أضعافا‪.‬‬ ‫أم يقولون افترى على ال كذبا‪ :‬أي أيقول هؤلء المشركون إن محمدا افترى على ال كذبا فنسب‬ ‫إليه القرآن وهو ليس بكلمه ول بوحيه‪.‬‬ ‫فإن يشأ ال يختم على قلبك‪ :‬أي إن يشإ ال تعالى يطبع على قلبك وينسيك القرآن أي أن ال قادر‬ ‫على أن يمنعك من الفتراء عليه كما زعم المشركون‪.‬‬ ‫ويمحوا ال الباطل ويحق الحق‪ :‬أي إن من شأن ال تعالى أنه يمحوا الباطل‪.‬‬

‫( ‪)4/607‬‬ ‫بكلماته ‪ :‬أي باليات القرآنية وقد محا الباطل وأحق الحق بالقرآن‪.‬‬ ‫وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ‪ :‬أي هو تعالى الذي يقبل توبة التائبين من عباده‪.‬‬

‫ويعفوا عن السيئات ‪ :‬أي ل يؤاخذ بها من تاب منها فهذا هو الله الحق ل الصنام التي ليس لها‬ ‫شيء مما هو ل ألبتة‪.‬‬ ‫ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ :‬أي ويجيب تعالى عباده الذين آمنوا به وعملوا‬ ‫الصالحات إلى ما دعوه فيه فيعطيهم سؤلهم‪.‬‬ ‫ويزيدهم من فضله ‪ :‬أي يعطيهم ما سألوا ويعطيهم ما لم يسألوه من الخير‪.‬‬ ‫والكافرون لهم عذاب شديد ‪ :‬أي والكافرون بال ورسوله ولقاء ال وآياته لهم عذاب شديد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى لرسوله {تَرَى الظّاِلمِينَ}( ‪ )1‬يوم القيامة مشفقين أي خائفين مما كسبوا أي من جزاء‬ ‫ما كسبوا من الشرك والمعاصي‪ ،‬وهو أي العذاب واقع بهم نازل عليهم ل محالة وقوله {وَالّذِينَ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فِي َر ْوضَاتِ الْجَنّاتِ َلهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفضْلُ ا ْلكَبِيرُ}‬ ‫آمَنُوا وَ َ‬ ‫أي في الوقت الذي يكون فيه الظالمون مشفقين مما كسبوا يكون الذين آمنوا بال ربا وبالسلم‬ ‫دينا وبمحمد رسول وعملوا الصالحات من الفرائض والنوافل بعد اجتناب الشرك والكبائر في‬ ‫روضات الجنات وهي أنزهها وأحسنها لهم ما يشاءون من النعيم مما تشتهيه النفس وتلذه العين‬ ‫كل ذلك في جوار رب كريم وقوله تعالى {ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفضْلُ ا ْلكَبِيرُ(‪ })2‬أي ذاك الذي أخبر تعالى به‬ ‫أنهم فيه من روضات الجنات وغيره هو الفضل الكبير الذي تفضل ال تعالى عليهم به‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي ذلك‬ ‫وقوله في الية الثانية (‪{ )23‬ذَِلكَ الّذِي يُ َبشّرُ اللّهُ عِبَا َدهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫المذكور من روضات الجنات وغيره هو الذي يبشر ال تعالى به عباده الذين آمنوا وعملوا‬ ‫الصالحات في كتابه وعلى لسان رسوله‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ ل أَسَْأُلكُمْ(‪ )3‬عَلَ ْيهِ أَجْرا إِلّا ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى} يأمر تعالى رسوله أن يقول‬ ‫لقومه من المشركين ل أسألكم على إبلغي إياكم دعوة ربي إلى اليمان به وتوحيده لتكملوا‬ ‫وتسعدوا أجرا أي مالً لكن أسألكم أن تودوا قرابتي منكم فل تؤذوني وتمنعوني من الناس حتى‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا عرض لما يجري من أحوال في عرصات القيامة وما ينتهي إليه الموقف من إسعاد أهل‬ ‫اليمان والعمل الصالح وإشقاء أهل الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل يوصف ول يهتدي العقول إلى معرفة كنه صفته لن ال تعالى إذا قال كبير كان مما ل‬ ‫يقادر قدره‪.‬‬ ‫‪ -3‬هذا الخطاب خاص بقريش قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والستثناء منقطع فهو بمعنى‬ ‫لكن ومعنى الية قل ل أسألكم عليه أي على البلغ أجرا أي ثوابا وجزاءً إل أن تودّوني من‬ ‫قرابتي منكم أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني وتنصروني حتى أبلغ رسالتي وذلك أنه ما من‬ ‫بطن من بطون قريش إل وفيه للرسول صلى ال عليه وسلم قرابة رحم وأما توجيه الية على آل‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو تمحل واضح إل أن حب آل البيت وتعظيمهم واجب أكيد‬

‫ووردت فيه أحاديث كثيرة صالحة للحتجاج بها‪.‬‬

‫( ‪)4/608‬‬ ‫أبلغ دعوة ربي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيقْتَ ِرفْ حَسَ َنةً} أي من يعمل حسنة نزد له فيها حسنا بأن نضاعفها له إذ ال‬ ‫غفور للتائبين من عباده شكور للعاملين منهم فل يضيع أجر من أحسن عمل‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬أَمْ َيقُولُونَ(‪ )1‬افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبا} أي بل يقولون أفترى على ال كذبا أي يقول‬ ‫المشركون إن محمدا افترى على ال كذبا فادعى أن القرآن كلم ال ووحيه وما هو إل افتراء‬ ‫افتراه على ال‪ .‬فأبطل ال تعالى هذه الدعوة وقال‪{ :‬فَإِنْ يَشَأِ اللّهُ يَخْ ِتمْ عَلَى قَلْ ِبكَ} أي يطبع على‬ ‫قلبك فتنسى القرآن ول تقدر على قوله والنطق به‪ ،‬فكيف إذًا يقال إنه يفتري على ال كذبا وال‬ ‫حقّ ِبكَِلمَاتِهِ إِنّهُ‬ ‫ل وَيُحِقّ الْ َ‬ ‫طَ‬ ‫قادرٌ على منعه والحالة بينه وبين ما يقوله‪ .‬وقوله‪{ :‬وَ َيمْحُ اللّهُ الْبَا ِ‬ ‫عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ} هذا شأنه تعالى يمحوا الباطل ويحق الحق بالقرآن وقد فعل فمحاَ الباطل‬ ‫وأحق الحق فما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم وفي الجزيرة من يعبد غير ال تعالى‪ .‬وقوله‬ ‫{إِنّهُ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ} فلواسع علمه وعظيم قدرته محا الباطل وأحق الحق بالقرآن ولو كان‬ ‫ل ول أحق حقا وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُهوَ الّذِي َيقْ َبلُ التّوبَةَ عَنْ عِبَا ِدهِ} أي إن‬ ‫القرآن مفترى ما محا باط ً‬ ‫تابوا إليه وأنابوا‪ ،‬ويعفوا عن سيئاتهم فل يؤاخذهم بها‪ ،‬ويعلم ما يفعلون في السر والعلن ويجزي‬ ‫كلً بما عمل وهو على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي يجيب دعاءهم فيما طلبوه‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيسْتَجِيبُ الّذِينَ(‪ )2‬آمَنُوا وَ َ‬ ‫ويزيدهم من فضله فيعطيهم ما لم يطلبوه فما أعظم كرمه وما أوسع رحمته!! هذا للذين آمنوا‬ ‫وعملوا الصالحات‪ .‬وأما الكافرون فلهم عذاب شديد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير حق القرابة ووجوب المودة فيها‪ .‬واحترام قرابة الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫وتقديرها‪.‬‬ ‫‪ -2‬تبرئة رسول ال صلى ال عليه وسلم من الفتراء على ال عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -3‬مضاعفة الحسنات‪ ،‬وشكر ال للصالحات من أعمال عباده المؤمنين‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب التوبة وقبول ال تعالى لها‪ ،‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوب إلى ال في‬ ‫اليوم مائة مرة‪ .‬وللتوبة ثلثة شروط‪ :‬القلع الفوري عن المعصية‪ ،‬والستغفار‪ ،‬والندم على ما‬ ‫فعل من‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬أم للضراب النتقالي والستفهام إنكاري ينكر تعالى على المشركين الذين قالوا إن محمدا‬ ‫يفتري على ال الكذب فيقول أرسلني ال وما أرسله ويقول القرآن من وحي ال‪ ،‬وال ما أوحى‬ ‫إليه فأنكر تعالى هذا على قائليه ووضح لهم أن دعواهم ل تمت إلى الواقع بصلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬فاعل يستجيب هو ال عز وجل والذين مفعول به في محل نصب والسين والتاء للتأكيد إذ‬ ‫استجاب هو بمعنى أجاب‪.‬‬

‫( ‪)4/609‬‬ ‫المعصية بترك الواجب أو بفعل المحرم‪ .‬وإن كان الذنب يتعلق بحق آدمي زاد شرط رابع وهو‬ ‫التحلل من الدمي بأداء الحق أو بطلب العفو منه‪.‬‬ ‫‪ -5‬وعد ال تعالى باستجابة دعاء المؤمنين العاملين للصالحات وهم أولياء ال تعالى الذين إن‬ ‫سألوا أعطاهم وإن استعاذوه أعاذهم وإن استنصروه نصرهم‪ .‬اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في‬ ‫زمرتهم‪.‬‬ ‫ض وََلكِنْ يُنَ ّزلُ ِبقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنّهُ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرٌ َبصِيرٌ(‪)27‬‬ ‫وََلوْ َبسَطَ اللّهُ الرّ ْزقَ ِلعِبَا ِدهِ لَ َب َغوْا فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫حمِيدُ(‪َ )28‬ومِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ‬ ‫حمَتَ ُه وَ ُهوَ ا ْلوَِليّ ا ْل َ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي يُنَ ّزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َبعْدِ مَا قَ َنطُوا وَيَنْشُرُ رَ ْ‬ ‫ج ْم ِعهِمْ إِذَا يَشَاءُ َقدِيرٌ(‪َ )29‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَا َبثّ فِي ِهمَا مِنْ دَابّةٍ وَ ُهوَ عَلَى َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ض َومَا َل ُكمْ مِنْ دُونِ‬ ‫ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(‪َ )30‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي الْأَ ْر ِ‬ ‫ي وَل َنصِيرٍ(‪)31‬‬ ‫ن وَِل ّ‬ ‫اللّهِ مِ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولو بسط ال الرزق لعباده ‪ :‬أي لو وسع الرزق لجميع عباده‪.‬‬ ‫لبغوا في الرض‪ :‬أي لطغوا في الرض جميعا‪.‬‬ ‫ولكن ينزل بقدر ما يشاء‪ :‬أي ينزل من الرزاق بقدر ما يشاء فيبسط ويضيق‪.‬‬ ‫إنه بعباده خبير بصير ‪ :‬أي إنه بأحوال عباده خبير إذ منهم من يفسده الغنى ومنهم من يصلحه‬ ‫ومنهم من يصلحه الفقر ومنهم من يفسده‪.‬‬ ‫وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ‪ :‬أي المطر من بعد يأسهم من نزوله‪.‬‬ ‫وينشر رحمته ‪ :‬أي بركات المطر ومنافعه في كل سهل وجبل ونبات وحيوان‪.‬‬ ‫وهو الولي الحميد ‪ :‬أي المتولي لعباده المؤمنين المحسنن إليهم المحمود عندهم‪.‬‬

‫( ‪)4/610‬‬

‫وما بث فيهما من دابة ‪ :‬أي فرق ونشر من كل ما يدب على الرض من الناس وغيرهم‪.‬‬ ‫وهو على جمعهم إذا يشاء قدير‪ :‬أي للحشر والحساب والجزاء يوم القيامة قدير‪.‬‬ ‫وما أصابكم من مصيبة ‪ :‬أي بلية وشدة من الشدائد كالمرض والفقر‪.‬‬ ‫فبما كسبت أيديكم ‪ :‬أي من الذنوب والثام‪.‬‬ ‫ويعفو عن كثير ‪ :‬أي منها فل يؤاخذ به‪ ،‬وما عفا عنه في الدنيا ل يؤاخذ به في الخرة‪.‬‬ ‫وما أنتم بمعجزين في الرض ‪ :‬أي ولستم بفائتي ال ول سابقيه هربا منه إذا أراد مؤاخذتكم‬ ‫بذنبكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ َبسَطَ(‪ )1‬اللّهُ الرّزْقَ ِلعِبَا ِدهِ لَ َب َغوْا فِي الْأَ ْرضِ} هذا شروع في عرض مظاهر‬ ‫القدرة والعلم والحكمة الموجبة لربوبية ال تعالى المستلزمة للوهيته على عبادته فقال تعالى‪:‬‬ ‫سطَ اللّهُ} أي رب العباد الرزق فوسعه عليه لبغوا في الرض فطغا بعضهم على بعضهم‬ ‫{وََلوْ بَ َ‬ ‫وظلم بعضهم بعضا ولزم ذلك فساد كبير(‪ )2‬في الرض قد تتعطل معه الحياة بكاملها‪.‬‬ ‫ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي ينزل من الرزاق بمقادير محددة حسب تدبيره لحياة عباده ويدل‬ ‫على هذا قوله إنه بعباده خبير(‪ )3‬بصير أي إنه بما تتطلبه حياة عباده ذات الجال المحدودة‪،‬‬ ‫والعمال المقدرة الموزونة‪ ،‬والنتائج المعلومة أزل‪ .‬هذا مظهر من مظاهر العلم والقدرة والحكمة‬ ‫حمَ َتهُ} ‪ ،‬فإنزال المطر‬ ‫ومظهر آخر في قوله‪{ ،‬وَ ُهوَ الّذِي يُنَ ّزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َبعْدِ مَا قَ َنطُوا وَيَنْشُرُ رَ ْ‬ ‫بكميات ومقادير محدودة وفي أماكن محددة‪ ،‬وفي ظروف محددة هذا التصرف ما قام إل على‬ ‫مبدأ القدرة القاهرة والخبرة التامة‪ ،‬إنه يمنع عن عباده المطر فيمحلوا ويجدبوا حتى ييأسوا ويظهر‬ ‫عجزهم وعجز آلهتهم التي يعبدونها ظلما فاضحا إذ ل تستحق العبادة بحال من الحوال ثم ينزل‬ ‫الغيث(‪ )4‬وينشر الرحمة فتعم الرزاق والخيرات والبركات‪ ،‬وهو الولي الذي ل تصلح والولية‬ ‫لغيره الحميد أي المحمود بصنائع بره وعوائد خيره ومظاهر رحمته‪ .‬هو الولي بحق والمحمود‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬روي أن خباب بن الرت قال هذه الية نزلت فينا نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة‬ ‫وقينقاع فتمنيناها فنزلت {ولو بسط ال} الية والية تضمنت ردا على من يقول ما دام ال‬ ‫يستجيب للذين آمنوا الخ لم ل يسألونه سعة الرزق فيغنيهم ويثريهم بألموال فكان الجواب ولو‬ ‫بسط ال الرزق لعباده لبغوا في الرض‪.‬‬ ‫‪ -2‬وشاهده من السنة هو قوله صلى ال عليه وسلم فو ال ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى‬ ‫عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما‬ ‫أهلكتهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬القدر بفتحتين‪ :‬المقدار والتعيين والجمع بين صفتي "خبير" و "بصير" لن وصف خبير دال‬ ‫على العلم بمصالح العباد وأحوالهم قبل تقديرها وتقدير أسبابها أي العلم بما سيكون ووصف‬

‫بصير دال على العلم المتعلق بأحوالهم التي حصلت‪.‬‬ ‫‪ -4‬الغيث المطر وسمي غيثا لن به غيث الناس المضطرين‪.‬‬

‫( ‪)4/611‬‬ ‫بحق‪ ،‬ومظهر آخر في قوله تعالى ومن آياته الدالة على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ} إيجادهما بما‬ ‫لربوبيته لسائر خلقه المستلزمة للوهيته على سائر عباده‪{ :‬خَلْقُ ال ّ‬ ‫هما عليه من عجائب الصفة‪ ،‬وما بث أي فرق ونشر فيهما من دابة تدب على الرض‪ ،‬أو ملك‬ ‫يسبح في السماء‪ .‬فهذا الخلق والبداع ناطق بربوبيته تعالى صارخ بألوهيته لعباده فلم إذا يعبد‬ ‫غيره من مخلوقاته وتترك عبادته وفوق هذا المظهر للخلق والرزق التدبير مظهر آخر وهو‬ ‫قدرته تعالى على جمع سائر خلقه في صعيد واحد ومتى؟ وإنه بعد إفنائهم وتصييرهم عظاما‬ ‫ورفاتا‪ ،‬وهو معنى قوله‪ :‬وهو على جمعهم إذا يشاء قدير(‪.)1‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا َكسَ َبتْ(‪ )2‬أَيْدِي ُك ْم وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}( ‪ ،)3‬وهذا مظهر‬ ‫آخر للقدرة والعلم يتجلى فيما يصيب النسان من مصيبة في نفسه وولده وماله إن كل مصاب‬ ‫ينزل بالنسان في هذه الحياة ناتج عن مخالفة ل تعالى فيما وضع من القوانين والشرائع والسنن‪.‬‬ ‫وأعظم دللة أن يعطل القانون الماضي ويوقف مفعوله فيكسب العبد الذنب ول يؤاخذ به عفوا من‬ ‫ال تعالى عليه‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى {وَ َي ْعفُو عَنْ كَثِيرٍ} فله الحمد وله المنة‪ .‬ومظهر آخر من‬ ‫مظاهر قدرة ال وعلمه وحكمته هو أن الناس مهما أوتوا من قوة وتدبير وعلم ومعرفة لم ولن‬ ‫يعجزوا ال تعالى {أَنْ ُتمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي الْأَ ْرضِ} فالسماء فوقهم والرض تحتهم إن يشأ يخسف‬ ‫الرض من تحتهم أو يسقط عليهم السماء كسفا من فوقهم‪ .‬فإلى أين المهرب والجواب إلى ال فقط‬ ‫بالستسلم له والنقياد بالطاعة وفي ذلك نجاتهم وعزهم وكرامتهم زيادة على سعادتهم وكمالهم‬ ‫ي وَل َنصِيرٍ} أي وليس لكم أيها الناس مع‬ ‫في الحياتين وقوله‪َ { :‬ومَا َلكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِ ّ‬ ‫عجزكم من ولي يتولكم ول ناصر ينصركم‪ .‬إذا ففروا إلى ال باليمان والسلم له تنجوا‬ ‫وتسعدوا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان الحكمة في تقدير الرزاق وإعطائها بمقادير محددة‪.‬‬ ‫‪ -2‬من مظاهر ربوبية ال تعالى الموجبة للوهيته على عباده إنزال الغيث بعد اليأس والقنوط‬ ‫وخلق السموات والرض وما بث فيهما من دابة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حقيقة علمية ثابتة وهي أن المخالفة للقوانين يترتب عليه ضرر يصيب المخالف‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أنه ما من مصيبة تصيب المرء في نفسه أو ولده أو ماله إل بذنب ارتكبه‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬تقرير لعقيدة البعث والجزاء أثناء تقرير عقيدة التوحيد والنبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرأ نافع بما كسبت وقرأ حفص فبما كسبت بزيادة الفاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬قال الحسن لما نزلت هذه الية قال النبي صلى ال عليه وسلم ما من اختلج عرق ول خدش‬ ‫عود ول نكبة حجر إل بذنب‪ ،‬ولما يعفوا ال عنه أكثر‪ .‬وشاهد آخر من كتاب ال تعالى قوله‬ ‫تعالى {من يعمل سوء يجز به}‪.‬‬

‫( ‪)4/612‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن من الذنوب ما يعفو(‪ )1‬ال تعالى عنه ول يؤاخذ به تكرما وإحسانا‪.‬‬ ‫ظهْ ِرهِ إِنّ فِي‬ ‫سكِنِ الرّيحَ فَ َيظْلَلْنَ َروَاكِدَ عَلَى َ‬ ‫جوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلمِ(‪ )32‬إِنْ يَشَأْ يُ ْ‬ ‫َومِنْ آيَاتِهِ ا ْل َ‬ ‫شكُورٍ(‪َ )33‬أوْ يُوبِ ْقهُنّ ِبمَا كَسَبُوا وَ َي ْعفُ عَنْ كَثِيرٍ(‪ )34‬وَ َيعْلَمَ الّذِينَ ُيجَادِلُونَ‬ ‫ل صَبّارٍ َ‬ ‫ذَِلكَ لَآياتٍ ِل ُك ّ‬ ‫فِي آيَاتِنَا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ(‪)35‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن آياته الجوار في البحر كالعلم‪ :‬أي ومن علمات ربوبيته للخلق إيجاد السفن كالجبال في‬ ‫البحار وتسخير البحار للسير فيها لمنافع العباد‪.‬‬ ‫إن يشأ يسكن الريح ‪ :‬أي يوقف هبوب الريح فل نسيم ول عواصف‪.‬‬ ‫فيظللن رواكد على ظهره‪ :‬أي تقف السفن وتظل راكد حابسة على ظهر البحر‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات ‪ :‬أي في هذه المظاهر من خلق السفن والبحار وتسخير البحار وسير السفن‬ ‫وركودها عند سكون الرياح لدللت واضحة على وجود ال وقدرته وعمله وحكمته‪.‬‬ ‫لكل صبار شكور‪ :‬أي إن هذه اليات ل يراها ول ينتفع بها إل من كان صبارا عند الشدائد‬ ‫والمحن شكورا عند اللء والنعم‪.‬‬ ‫أو يوبقهن بما كسبوا ‪ :‬أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيهلك تلك السفن ويغرقها بمن فيها‬ ‫بسبب ذنوب أصحابها‪ ،‬وهو على ذلك قدير‪.‬‬ ‫ويعفو عن كثير‪ :‬أي إنه تعالى ليعفو عن كثير من الذنوب والخطايا فل يؤاخذ بها إذ لو آخذ بكل‬ ‫ذنب ما بقي أحد على وجه الرض لقلة من ل يذنب فيها‪.‬‬ ‫ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ‪ :‬أي ويعلم المكذبون بآيات ال من المشركين عندما تعصف‬ ‫العواصف وتضطرب السفن ويخاف الغرق‪.‬‬ ‫ما لهم من محيص ‪ :‬أي ليس لهم من مهرب إل إلى ال فيجأرون بدعائه وحده ناسين آلهتهم‬ ‫الباطلة‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬ولذا قال علي رضي ال عنه أرجى آية في كتاب ال تعالى هي هذه الية وإذا كان يكفر عني‬ ‫بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه؟‪.‬‬

‫( ‪)4/613‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر مظاهر الربوبية المستلزمة للوهية ال تعالى ووجوب عبادته وحده دون‬ ‫جوَارِ(‪ )1‬فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلمِ} أي ومن حججه عليكم يا عباد ال‬ ‫سواه فقال تعالى‪َ { :‬ومِنْ آيَا ِتهِ الْ َ‬ ‫الدالة على قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته أيضا هذه السفن الجوار في البحر كأنها جبال عالية‬ ‫تسير من إقليم إلى إقليم بتسخير ال تعالى البحار وإرسال الرياح وهي تجري بمنافعكم حيث تنقل‬ ‫الركاب والبضائع من إقليم إلى آخر‪ .‬فهذا مظهر قدرة ال ورحمته‪ ،‬وإن يشأ تعالى إسكان الريح‬ ‫فإنها تسكن فل تهب ول تنسم بنسيم ألبتة فتقف السفن وتركد على سطح(‪ )2‬الماء فل تتحرك‪،‬‬ ‫وإن يشأ أيضا يرسل عليها عواصف من الريح فتضطرب وتغرق بما فيها ومن فيها وذلك بذنوب‬ ‫سكِنِ‬ ‫أصحابها إن القاعدة الثابتة المقررة أنه ما من مصيبة إل بذنب‪ .‬وهذا معنى قوله {إِنْ َيشَأْ يُ ْ‬ ‫ظهْ ِرهِ}‪.‬‬ ‫ظلَلْنَ َروَاكِدَ عَلَى َ‬ ‫الرّيحَ فَيَ ْ‬ ‫شكُورٍ} أي إن في هذه المظاهر من خلق السفن‬ ‫ل صَبّارٍ َ‬ ‫وقوله تعالى {إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل ُك ّ‬ ‫والبحار وتسخير البحار وسير السفن عليها وركودها عند سكون الريح لحجج واضحة قوية على‬ ‫وجود ال وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته ولكن ل يراها ول ينتفع بها أمثال البهائم‪ ،‬ولكن هي‬ ‫من نصيب كل عبد صبار على طاعة ال وبلئه شكور للئه ونعمه عليه‪.‬‬ ‫وقوله {َأوْ يُو ِبقْهُنّ ِبمَا كَسَبُوا(‪ .})3‬وقوله {وَ َيعْفُ عَنْ كَثِيرٍ(‪ })4‬أي ول يؤاخذ بكل ذنب فقد يعفو‬ ‫عن كثير من الذنوب‪ .‬إذ لو عاقب على كل ذنب وآخذ بكل خطيئة لما بقي على وجه الرض أحد‬ ‫إذ ما من أحد إل ويذنب اللهم إل ما كان من المعصومين من النبياء والمرسلين فإنهم ل يذنبون‪،‬‬ ‫ولكن قد يذنب أصولهم وفروعهم فيهلكون ومن أين يوجدون!!‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الجوار جمع جارية والعلم جمع علم والعلم الجبل واليات جمع آية وهي العلمة الدالة‬ ‫على الشيء الهادية إليه المعروفة به‪ .‬وسميت السفينة جارية لنها تجري في البحر وسميت الشابة‬ ‫من النساء جارية لنها يجري فيها ماء الشباب‪.‬‬ ‫قال الخليل كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم واستشهد بقول الخنساء وهي ترثي أخاها‬ ‫صخرا‪:‬‬ ‫وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار‬ ‫‪ -2‬يقال راكد الماء ركودا سكن وكذلك الريح والسفن والشمس إذا قام قائم الظهيرة وكل ثابت في‬

‫مكان فهو راكد والرواكد جمع راكدة مؤنث راكد‪.‬‬ ‫‪ -3‬أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيوبق السفن أي يغرقهن بذنوب أهلها إذ الباء سببية‪.‬‬ ‫‪ -4‬ويعفو عن كثير أي من أهلها فل يغرقهم معها‪ ،‬كما يتجاوز عن كثير من الذنوب فل يؤاخذ‬ ‫بها‪ .‬ويعف مجزوم بحذف آخره لنه معطوف على إن يشأ يسكن الريح أي وإن يشأ يعف‪.‬‬

‫( ‪)4/614‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيعَْلمَ(‪ )1‬الّذِينَ يُجَا ِدلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا َلهُمْ مِنْ مَحِيصٍ(‪ })2‬أي وعندما تكون الريح‬ ‫عاصفة وتضطرب السفن وتشرف على الغرق هنا يعلم المشركون الذين يخاصمون رسول ال‬ ‫ويجادلونه في الوحي اللهي ويكذبون به يعلمون أنهم في هذه الحال ما لهم من محيص أي من‬ ‫ملجأ ول مهرب من ال إل إليه فيجأرون بدعاء ال وحده كما قال تعالى فإذا ركبوا في الفلك‬ ‫دعوا ال مخلصين له الدين‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مظاهر ربوبية ال وألوهيته على خلقه‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل الصبر والشكر وفضيلة الصابرين الشاكرين‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير قاعدة ما من مصيبة إل بذنب مع عفو ال عن كثير‪.‬‬ ‫‪ -4‬عند معاينة العذاب يعرف النسان ربه ول يعرف غيره‪.‬‬ ‫شيْءٍ َفمَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى لِلّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَ ّب ِهمْ يَ َت َوكّلُونَ(‬ ‫َفمَا أُوتِيتُمْ مِنْ َ‬ ‫غضِبُوا هُمْ َي ْغفِرُونَ(‪ )37‬وَالّذِينَ اسْ َتجَابُوا‬ ‫ش وَإِذَا مَا َ‬ ‫‪ )36‬وَالّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْ ِم وَا ْل َفوَاحِ َ‬ ‫لِرَ ّبهِ ْم وََأقَامُوا الصّلةَ وََأمْرُهُمْ شُورَى بَيْ َنهُ ْم َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْنفِقُونَ(‪ )38‬وَالّذِينَ إِذَا َأصَا َبهُمُ الْ َب ْغيُ‬ ‫حبّ‬ ‫عفَا وََأصْلَحَ فََأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ إِنّهُ ل يُ ِ‬ ‫هُمْ يَنْ َتصِرُونَ(‪ )39‬وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا َفمَنْ َ‬ ‫الظّاِلمِينَ(‪ )40‬وََلمَنِ انْ َتصَرَ َبعْدَ ظُ ْلمِهِ فَأُولَ ِئكَ مَا عَلَ ْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ(‪)41‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع ويعلم بالرفع على أنه كلم مستأنف وقرأ حفص ويعلم بالنصب عطفا على فعل‬ ‫مدخول للم التعليل تضمن (أن) بعده‪ ،‬والتقدير لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون الخ‪..‬‬ ‫‪ -2‬المحيص مصدر ميمي من حاص يحيص حيصا إذا أخذ في الفرار والهرب مائلً في سيره‬ ‫وفي حديث أبي سفيان‪ :‬فحاصوا حيصة حمر الوحش‪ .‬والمعنى ما لهم من فرار ومهرب من لقاء‬ ‫ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/615‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فما أوتيتم من شيء‪ :‬أي فما أعطيتم من شيء من متاع الدنيا كالمال والولد والمطعم والمشرب‬ ‫والملبس والمسكن والمنكح والمركب‪.‬‬ ‫فمتاع الحياة الدنيا‪ :‬أي يتمتع به زمنا ثم يزول ول يبقى‪.‬‬ ‫وما عند ال خير وأبقى ‪ :‬أي وما عند ال من ثواب الخرة فهو خير في نوعه وأبقى في مدته‪.‬‬ ‫للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون‪ :‬أي ما عند ال خير وأبقى لصحاب الصفات التالية‪:‬‬ ‫اليمان‪ ،‬والتوكل على ال‪ ،‬واجتناب كبائر الثم والفواحش‪ ،‬والتجاوز عمن أساء إليهم‪ ،‬والستجابة‬ ‫لربهم في كل ما دعاهم إليه فعلً أو تركا‪ ،‬وإقام الصلة والمشورة(‪ )1‬بينهم والنفاق مما رزقهم‬ ‫ال‪ ،‬والنتصار عند البغي عليهم هذه عشرة صفات أصحابها ما أعده ال تعالى لهم يوم يلقونه‬ ‫خير من متاع الدنيا بكامله‪.‬‬ ‫وجزاء سيئة سيئة مثلها ‪ :‬أي جزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه ال عليه‪.‬‬ ‫فمن عفا وأصلح فأجره على ال ‪ :‬أي فمن عفا عمن أساء إليه وأصلح ما بينه وبينه فأجره على‬ ‫ال ثابت له‪.‬‬ ‫إنه ل يحب الظالمين‪ :‬أي ل يحب البادئين بالظلم‪ ،‬ومن لم يحبه ال أذن في عقوبته‪.‬‬ ‫ولمن انتصر بعد ظلمه‪ :‬أي ومن ظلمه ظالم فأخذ منه بحقه‪.‬‬ ‫فأولئك ما عليهم من سبيل ‪ :‬أي لمؤاخذتهم‪ ،‬لنهم ما بدأوا بالظلم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شيْءٍ َفمَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا} هذا شروع في بيان صفات الكمال في‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬فمَا أُوتِيتُمْ(‪ )2‬مِنْ َ‬ ‫المسلم التي يستوجب بها نعيم الخرة ضمن التعريض بزينة الحياة الدنيا الفانية فقال تعالى { َفمَا‬ ‫أُوتِيتُمْ} أيها الناس من مؤمن وكافر من شيء في هذه الحياة الدنيا من لذيذ الطعام والشراب‬ ‫وجميل اللباس‪ ،‬وفاخر المساكن وأجمل المناكح وأفره المراكب كل ذلك متاع الحياة الدنيا يزول‬ ‫ويفنى‪ .‬أما ما عند ال أي ما أعده ال لوليائه في الدار الخرة فهو خير وأبقى لكن لمن أعده؟‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬ومما يقال في المشورة نظما قول بشار بن برد‪:‬‬ ‫إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن‬ ‫برأي لبيب أو مشورة حازم‬ ‫ول تجعل الشورى عليك غضاضة‬ ‫فإن الخوافي قوة للقوادم‬ ‫الخوافي ريشات إذا ضم الطير جناحيه خفيت‪ ،‬والقوادم عشر ريشات في مقدم الجناح وهي كبار‬ ‫الريش‪.‬‬

‫‪ -2‬قال القرطبي في قوله تعالى‪{ :‬فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا} يريد من الغنى والسعة‬ ‫في الدنيا‬

‫( ‪)4/616‬‬ ‫والجواب للذين آمنوا أي بال وآياته ولقائه ورسوله وبكل ما جاء به والذين على ربهم ل على‬ ‫سواه يتوكلون ثقة في كفايته واعتمادا عليه‪ ،‬والذين يجتنبون أي يتركون كبائر(‪ )1‬الثم كالشرك‬ ‫والقتل والظلم وشرب الخمر وأكل الحرام والفواحش كالزنى واللواط‪ .‬والذين إذا غضبوا‬ ‫يتجاوزون(‪ )2‬عمن أغضبهم ويغفرون له زلته أو إساءته إليهم والذين استجابوا لربهم(‪ )3‬عندما‬ ‫ناداهم ودعاهم لكل ما طلبه منهم‪ ،‬والذين أقاموا الصلة فأدوها على وجهها المطلوب لها من‬ ‫خشوع مراعين شرائطها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها‪ ،‬والذين أمرهم شورى بينهم أي‬ ‫أمرهم الذي يهمهم في حياتهم أفرادا وجماعات وأمما وشعوبا يجتمعون عليه ويتشاورون(‪ )4‬فيه‬ ‫ويأخذون بما يلهمهم ربهم بوجه الصواب فيه‪ .‬والذين مما رزقهم ال من مال وعلم وجاه وصحة‬ ‫بدن ينفقون شكرا ل على ما رزقهم واستزادة للثواب يوم الحساب‪ .‬والذين إذا أصابهم البغي أي‬ ‫إذا بغى عليهم البغاة الظلمة من الكافرين ينتصرون لنفسهم إعذارا لها وإكراما لنها أنفس ال‬ ‫وليها فالعزة واجبة لها‪ .‬هذه عشر صفات متى اتصف بها العبد ل يضره شيء لو عاش الدهر‬ ‫كله فقيرا نقياّ محروما من لذيذ الطعام والشراب ومن جميل اللباس‪ ،‬والسكن والمركب إذ ما عند‬ ‫ال تعالى له خير أبقى مع العلم أن أهل تلك الصفات سوف ل يحرمون من طيبات الحياة الدنيا بل‬ ‫هم أولى بها من غيرهم إل أنها ليست شيئا يذكر إلى جانب ما عند ال يوم يلقونه ويعيشون في‬ ‫جواره‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬وجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّ َئةٌ مِثُْلهَا} هذا هو الحكم الشرعي جزاء المسيء العقوبة بما أوجب‬ ‫ال تعالى له في كتابه أو على لسان رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقوله تعال فمن عفا عمن أساء‬ ‫إليه‪ ،‬أصلح ما بينه وبينه فعادت المودة وعاد الخاء فأجره على ال وهو خير له وأبقى من شفاء‬ ‫حبّ الظّاِلمِينَ} تعليل لعظم الجر لمن‬ ‫صدره بعقوبة أخيه الذي أساء إليه‪ .‬وقوله تعالى {إِنّهُ ل يُ ِ‬ ‫عفا أي كونه تعالى ل يحب الظالمين ضاعف الجر وأجزل المثوبة للمظلوم إذا عفا وأصلح‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وََلمَنِ انْ َتصَرَ َبعْدَ ظُ ْلمِهِ فَأُولَ ِئكَ مَا عَلَ ْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ(‪ })5‬أي وللذي ظلم فانتصر لنفسه وردّ‬ ‫الظلم عنها فهؤلء ل سبيل لكم إلى أذيتهم وعقوبتهم‪ .‬هذا حكم ال وشرعه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن الفواحش الزنا وأن كبير الثم الشرك وهو كذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬وإذا ما غضبوا هم يغفرون أي يتجاوزون ويحملون عمن ظلمهم‪ ،‬قيل نزلت في عمر حين‬ ‫شتم بمكة وقيل في أبي بكر حين لمه الناس على إنفاقه ماله كله وحين شتم فحلم‪.‬‬

‫‪ -3‬قال ابن زيد‪ :‬هم النصار بالمدينة استجابوا إلى اليمان بالرسول صلى ال عليه وسلم حين‬ ‫أنفذ إليهم اثني عشر نقيبا منهم قبل الهجرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬قال ابن العربي‪ :‬الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب وما تشاور قوم‬ ‫قط إل هدوا وفي الحديث "ما خاب من استخار ول ندم من استشار وما عال من اقتصد"‪.‬‬ ‫والشورى والمشورة بمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪ -5‬لقد مدح ال تعالى المنتصر من الظلم ومدح العفو عن الجرم‪ ،‬فالنتصار يكون من الظالم‬ ‫المعلن الفجور الوقح في الجمهور المؤذي للصغير والكبير فهذا النتقام منه أفضل‪ ،‬والعفو يكون‬ ‫في الفلتة‪ ،‬وفيمن يعترف بالزلة ويطلب العفو‪.‬‬

‫( ‪)4/617‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬متاع الحياة الدنيا إذا قوبل بما أعد ال للمؤمنين المتقين ل يعد شيئا يذكر أبدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أكمل الشخصيات السلمية وهي الشخصية التي تتصف بالصفات العشر التي تضمنتها‬ ‫اليات الربع ذات الرقم (‪.)39 -38 -37 -36‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية القصاص وعقوبة الظالم‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم مؤاخذة من ظلم فأخذ بحقه بل زيادة عنه ما لم يكن حدا فإن الحدود يقيمها المام‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضيلة العفو على الخوة المسلمين والصلح بينهم‪.‬‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪)42‬‬ ‫حقّ أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬ ‫س وَيَ ْبغُونَ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬ ‫إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَظِْلمُونَ النّا َ‬ ‫ن وَِليّ مِنْ َبعْ ِد ِه وَتَرَى‬ ‫غفَرَ إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَزْمِ الُْأمُورِ(‪َ )43‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِ ْ‬ ‫وََلمَنْ صَبَ َر وَ َ‬ ‫شعِينَ مِنَ‬ ‫الظّاِلمِينَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَابَ َيقُولُونَ َهلْ إِلَى مَرَدّ مِنْ سَبِيلٍ(‪ )44‬وَتَرَا ُهمْ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا خَا ِ‬ ‫سهُ ْم وَأَهْلِيهِمْ َيوْمَ‬ ‫خسِرُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫خ ِفيّ َوقَالَ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ ا ْلخَاسِرِينَ الّذِينَ َ‬ ‫ال ّذلّ يَ ْنظُرُونَ مِنْ طَ ْرفٍ َ‬ ‫عذَابٍ مُقِيمٍ(‪َ )45‬ومَا كَانَ َلهُمْ مِنْ َأوْلِيَاءَ يَ ْنصُرُو َنهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َومَنْ‬ ‫ا ْلقِيَامَةِ أَل إِنّ الظّاِلمِينَ فِي َ‬ ‫ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ(‪)46‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنما السبيل ‪ :‬أي بالعقوبة والذية‪.‬‬ ‫على الذين يظلمون الناس ‪ :‬أي يعتدون عليهم في أعراضهم وأبدانهم وأموالهم‪.‬‬

‫( ‪)4/618‬‬

‫ويبغون في الرض بغير الحق ‪ :‬أي ويطلبون في الرض الفساد فيها بالشرك والظلم والجرام‪.‬‬ ‫ولمن صبر وغفر ‪ :‬أي ولمن صبر فلم ينتصر لنفسه وغفر وتجاوز عمن أساء إليه‪.‬‬ ‫إن ذلك‪ :‬أي ذلك الصبر والتجاوز عن المسيء‪.‬‬ ‫لمن عزم المور ‪ :‬أي لمن معزومات المور المطلوبة شرعا‪.‬‬ ‫ومن يضلل ال ‪ :‬أي حسب سنته في الضلل‪.‬‬ ‫فما له من ولي من بعده‪ :‬أي فليس له من أحد يتولى هدايته ويقدر عليها‪.‬‬ ‫هل إلى مرد من سبيل‪ :‬أي هل إلى مرد إلى الحياة الدنيا من سبيل نسلكها لنعود إلى الدنيا‪.‬‬ ‫وتراهم يعرضون عليها ‪ :‬أي على النار خاشعين خائفين متواضعين‪.‬‬ ‫ينظرون من طرف خفي ‪ :‬أي من عين ضعيفة النظر كما ينظر المقتول إلى السيف ل يمل عينه‬ ‫منه‪.‬‬ ‫يوم القيامة ‪ :‬أي لخلودهم في النار‪ ،‬وعدم وصولهم إلى الحور العين في دار السلم‪.‬‬ ‫أل إن الظالمين ‪ :‬أي المشركين‪.‬‬ ‫في عذاب مقيم ‪ :‬أي دائم ل يخرجون منه وهو عذاب الجحيم‪.‬‬ ‫ومن يضلل ال فما له من سبيل‪ :‬أي طريق الهداية في الدنيا‪ ،‬وإلى الجنة يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم في قوله تعالى في الية قبل هذه‪{ :‬وََلمَنِ انْ َتصَرَ َب ْعدَ ظُ ْلمِهِ فَأُولَ ِئكَ مَا عَلَ ْي ِهمْ مِنْ سَبِيلٍ} فلما‬ ‫نفى عن المنتصرين السبيل إلى عقوبتهم أثبت هنا أن السبيل إلى العقوبة والمؤاخذة هو على‬ ‫الذين(‪ )1‬يظلمون الناس بالعتداء عليهم في أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم يبغون في الرض‬ ‫بغير الحق أي ويطلبون الفساد فيها بالشرك والظلم والمعاصي‪ ،‬وليس في الشرك والظلم‬ ‫والمعاصي من حق يبيحها‪ ،‬وقوله {أُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي للذين يبغون في الرض بغير الحق‬ ‫لهم عذاب أليم أي موجع وهو عذاب الدنيا بعقوبتهم الصارمة ويوم القيامة إن لم يتوبوا من الظلم‬ ‫والفساد في الرض‪.‬‬ ‫غفَرَ إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْزمِ الُْأمُورِ(‪ })2‬يخبر تعالى مؤكدا الخبر بلم‬ ‫ن صَبَ َر وَ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلمَ ْ‬ ‫البتداء أن من صبر فلم ينتصر لنفسه من أخيه المسلم وغفر لخيه زلته فتجاوز له عنها فإن ذلك‬ ‫المذكور من الصبر والتجاوز من معزومات المور المطلوبة شرعا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذه الية تقابل آية التوبة {ما على المحسنين من سبيل} حيث نفت السبيل على المحسنين وهو‬ ‫لومهم وعتابهم وهذه أثبتته على المسيئين الظالمين‪.‬‬ ‫‪ -2‬قال العلماء هذا فيمن ظلمه مسلم فإنه مندوب إلى الصبر وعدم المؤاخذة وهو العفو روي أن‬ ‫رجلً سب آخر في مجلس الحسن البصري فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق ثم قام فتل‬

‫هذه الية فقال الحسن عقلها وال وفهمها إذ ضيعها الجاهلون‪ ،‬والعزم عقد النية على العمل‬ ‫والثبات عليه‪.‬‬

‫( ‪)4/619‬‬ ‫ن وَِليّ(‪ )1‬مِنْ َبعْ ِدهِ} أي ومن يضلله ال تعالى حسب سنته‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِ ْ‬ ‫في الضلل فليس له من أحد من بعد ال يهديه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَتَرَى الظّاِلمِينَ} أي المشركين لما‬ ‫رأوا العذاب أي عذاب النار يقولون‪ :‬متمنيين الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا ويوحدوا حتى ينجوا من‬ ‫عذاب النار ويدخلوا الجنة مع البرار‪ :‬هل إلى مرد من سبيل؟ أي هل إلى مرد إلى الدنيا من‬ ‫طريق؟ قال تعالى {وَتَرَاهُمْ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا} أي على النار خاشعين خاضعين متواضعين من الذل‬ ‫ينظرون من طرف خفي(‪ )2‬يسترقون النظر ل يملون أعينهم من النظر إلى النار لشدة خوفهم‬ ‫منها‪ .‬وهنا يقول الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك لخلودهم‬ ‫في النار وحرمانهم من الوصول إلى الحور العين في الجنة دار البرار‪ ،‬ويعلن معلن فيقول‪ :‬أل‬ ‫إن الظالمين لنفسهم بالشرك والمعاصي في عذاب مقيم ل يبرح ول يزول وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا‬ ‫كَانَ َلهُمْ مِنْ َأوْلِيَاءَ يَ ْنصُرُو َنهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ} يخبر تعالى بأنه لم يكن لولئك الظالمين من أهل‬ ‫النار من أولياء من دون ال ينصرونهم بتخليصهم من العذاب‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ‬ ‫سَبِيلٍ} أي فما له طريق إلى هدايته في الدنيا وإلى الجنة يوم القيامة‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل سبيل إلى معاقبة من انتصر لنفسه بعد ظلمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب معاقبة الظالم والضرب على يديه‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة الصبر والتجاوز عن المسلم إذا أساء بقول أو عمل‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل أعظم خسرانا ممن يخلد في النار ويحرم الجنة وما فيها من نعيم مقيم‪.‬‬ ‫اسْ َتجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْ ٌم ل مَرَدّ َلهُ مِنَ اللّهِ مَا َلكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ َي ْومَئِ ٍذ َومَا َل ُكمْ مِنْ َنكِيرٍ(‬ ‫غ وَإِنّا إِذَا‬ ‫علَ ْيكَ إِلّا الْبَل ُ‬ ‫حفِيظا إِنْ َ‬ ‫‪ )47‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َفمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬من ولي (من) زائدة للتوكيد إذ الكلم فما له ولي من بعده وكذلك في قوله التي {وما كان لهم‬ ‫من أولياء} فمن زائدة للتوكيد‪.‬‬ ‫‪ -2‬الطرف مصدر طرف يطرف طرفا إذا حرك جفنه ولذا هو ل يثنى ول يجمع قال تعالى {ل‬ ‫يرتد إليهم طرفهم} ويطلق الطرف على العين كما في هذه الية قال الشاعر‪:‬‬

‫فغض الطرف إنك من نمير‬ ‫فل كعبا بلغت ول كلبا‬

‫( ‪)4/620‬‬ ‫ح َمةً فَرِحَ ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِهمْ فَإِنّ الْأِنْسَانَ َكفُورٌ(‪ )48‬لِلّهِ مُ ْلكُ‬ ‫أَ َذقْنَا الْأِ ْنسَانَ مِنّا رَ ْ‬ ‫جهُمْ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َيخْلُقُ مَا يَشَاءُ َي َهبُ ِلمَنْ َيشَاءُ إِنَاثا وَ َي َهبُ ِلمَنْ يَشَاءُ ال ّذكُورَ(‪َ )49‬أوْ يُ َزوّ ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫عقِيما إِنّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(‪)50‬‬ ‫ج َعلُ مَنْ يَشَاءُ َ‬ ‫ُذكْرَانا وَإِنَاثا وَيَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫استجيبوا لربكم ‪ :‬أي أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والعبادة‪.‬‬ ‫من قبل أن يأتي يوم ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫ل مرد له من ال ‪ :‬أي إذا أتى ل يرد بحال‪.‬‬ ‫ما لكم من ملجأ يومئذ‪ :‬أي تلجأون إليه وتتحصنون فيه‪.‬‬ ‫وما لكم من نكير‪ :‬أي وليس لكم ما تنكرون به ذنوبكم لنها في كتاب ال ل يغادر صغيرة ول‬ ‫كبيرة إل أحصاها‪.‬‬ ‫فإن أعرضوا‪ :‬أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة‪.‬‬ ‫إن عليك إل البلغ ‪ :‬وقد بلغت فل مسئولية تخشاها بعد البلغ‪.‬‬ ‫وإنا إذا أذقنا النسان منا رحمة ‪ :‬أي نعمة كالغنى والصحة والعافية‪.‬‬ ‫وإن تصبهم سيئة ‪ :‬أي بلء كالمرض والفقر وغير ذلك‪.‬‬ ‫بما قدمت أيديهم‪ :‬أي من الذنوب الخطايا‪.‬‬ ‫فإن النسان كفور ‪ :‬أي للنعمة والمنعم والنسان هو غير المؤمن التقي‪.‬‬ ‫ل ملك السموات والرض ‪ :‬أي خلقا وملكا وتصرفا‪.‬‬ ‫يهب لمن يشاء إناثا‪ :‬أي يرزق من يشاء من الناس بنات‪.‬‬ ‫ويهب لمن يشاء الذكور‪ :‬أي ويعطي من يشاء الولد الذكور‪.‬‬ ‫أو يزوجهم ذكرانا وإناثا‪ :‬أي يجعلهم ذكورا وإناثا‪.‬‬ ‫ويجعل من يشاء عقيما‪ :‬أي ل يلد ول يولد له‪.‬‬

‫( ‪)4/621‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك العرض الهائل لهوال وأحوال الظالمين في عرصات القيامة طلب الرب تعالى من عباده‬

‫أن يجيبوه لما طلبه منهم إنقاذا لنفسهم من النار فقال‪ { :‬اسْ َتجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ(‪ })1‬بمعنى أجيبوه لما‬ ‫دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة وذلك قبل الموت وقبل يوم القيامة اليوم الذي‬ ‫إذا جاء ل مرد له من ال‪ ،‬إذ ل يقدر على رده إل ال وال أخبر أنه ل يرده فمن يرده إذا؟‬ ‫فبادروا بالتوبة إلى ربكم قبل مجيئه حيث ل يكون لكم يومئذ ملجأ تلجأون إليه هاربين من العذاب‬ ‫ول يكون لكم نكير يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم إذ قد جمعت لكم في كتاب واحد لم يترك صغيرة‬ ‫من الذنوب ول كبيرة إل أحصاها عدا‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )47‬وهي قوله تعالى‪:‬‬ ‫{اسْتَجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْ ٌم ل مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّهِ مَا َلكُمْ مِنْ مَ ْلجَأٍ َي ْومَئِ ٍذ َومَا َلكُمْ مِنْ َنكِيرٍ(‬ ‫‪ .})2‬وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )48‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا} أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من‬ ‫حفِيظا} رقيبا تحصي أعمالهم وتحفظها لهم وتجازيهم بها‪.‬‬ ‫التوحيد والطاعة { َفمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْي ِهمْ َ‬ ‫{إِنْ عَلَ ْيكَ إِلّا الْبَلغُ} أي ما عليك إل البلغ وقد بلغت وبرئت ذمتك فل يهمك أمرهم ول تحزن‬ ‫حمَةً} أي نعمة كسعة رزق‬ ‫على إعراضهم ‪ ..‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّا إِذَا َأ َذقْنَا الْأِنْسَانَ(‪ )3‬مِنّا رَ ْ‬ ‫وصحة بدن وكثرة مال وولد فرح بها فرح البطر والشر‪ ،‬وهذا النسان الكافر أو الجاهل‬ ‫الضعيف اليمان‪ .‬وإن تصبهم سيئة أي ضيق عيش ومرض وفقر بما قدمت أيديهم من الذنوب‬ ‫فإن النسان كفور سرعان ما ينسى النعمة والمنعم ويقع في اليأس والقنوط هذا النسان قبل أن‬ ‫يؤمن ويسلم ويحسن فإذا آمن وأسلم وأحسن تغير طبعه وطهر نبعه وأصبح يشكر عند النعمة‬ ‫سمَاوَاتِ(‪ )4‬وَالْأَ ْرضِ َيخْلُقُ مَا َيشَاءُ} إن بحكم‬ ‫ويصبر عند النقمة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫سلطانه على الرض والسماء فإنه يتصرف كيف يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء‬ ‫الذكور أو يزوجهم له ذكرانا وإناثا‪ ،‬ويجعل من يشاء من الناس عقيما ل يلد ول يولد له‪ ،‬وهذا‬ ‫ناتج عن علم أحاط بكل شيء‪ ،‬وقدرة أخضعت لها كل شيء وهذا معنى قوله {إِنّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}( ‪)5‬‬ ‫فالواجب أن يسلم العبد لربه فيما وهبه وأعطاه إذ ال يعطي لحكمة ويمنع لحكمة‪ ،‬من السفه‬ ‫العتراض على حكم ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬السين والتاء للتوكيد واللم لربكم لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول نحو شكرت له وحمدت له‬ ‫وتسمى هذه اللم لم التبليغ ولم التبيين إذ الصل أجابه واستجابه‪.‬‬ ‫‪ -2‬النكير‪ :‬اسم مصدر أنكر ينكر إنكارا والنكير اسم المصدر إذ نقصت حروفه والمعنى ما لكم‬ ‫إنكار لما جوزيتم به إذ ل يسعكم إل العتراف‪.‬‬ ‫‪ -3‬الذاقة كناية عن الصابة والمراد بالرحمة أثرها وهي النعمة والتقدير وإنا إذا رحمنا النسان‬ ‫فأصبناه بنعمة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الجملة مستأنفة بيانيا إذ لسائل أن يقول لم ل يفطر ال النسان على خلق الشكر فكان الجواب‬ ‫ل ملك السموات والرض يخلق ما يشاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬الجملة تعليلية فصفتا العلم والقدرة بهما يكون الولد ول يكون فليسلم المر ل في العقم‬

‫والولدة‪.‬‬

‫( ‪)4/622‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الستجابة ل تعالى في كل ما دعا العبد إليه‪ ،‬وذلك قبل أن يطلب الستجابة ول يمكن‬ ‫منها‪.‬‬ ‫‪ -2‬على الدعاة إلى ال تعالى إبلغ مطلوب ال تعالى من عباده‪ ،‬ول يضرهم بعد ذلك شيء‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان طبع النسان وحاله قبل أن يهذب باليمان واليقين والطاعات‪.‬‬ ‫‪ -4‬ل مطلق التصرف في الملكوت كله فل يصح العتراض عليه في شيء فهو يهب ويمنع‬ ‫لحكم عالية ل تدركها عقول العباد‪.‬‬ ‫‪ -5‬وجود عقم في الرجال وعقم في النساء‪ ،‬ول بأس بالعلج الجائز المشروع عند الشعور بالعقم‬ ‫أو العقر‪ .‬أما ما ظهر الن من بنوك المني‪ ،‬والنجاب بطريق صبّ ماء فحل في فرج امرأة عاقر‬ ‫وما إلى ذلك فهذه من أعمال الملحدة الذين ل يدينون ل بالطاعة له والتسلم لقضائه‪ ،‬وإن صاموا‬ ‫وصلوا وادعوا أنهم مؤمنون إذ ل حياء لهم ول إيمان لمن ل حياء له‪ ،‬وحسبهم قبحا في سلوكهم‬ ‫هذا الكشف عن السوءات بدون إنقاذ حياة ول طلب رضا ال رب الرض والسموات‪.‬‬ ‫حيَ بِإِذْنِهِ مَا َيشَاءُ‬ ‫سلَ رَسُولً فَيُو ِ‬ ‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ َأوْ يُرْ ِ‬ ‫َومَا كَانَ لِ َبشَرٍ أَنْ ُيكَّلمَهُ اللّهُ إِلّا وَحْيا َأوْ مِ ْ‬ ‫ن وََلكِنْ‬ ‫ب وَل الْأِيمَا ُ‬ ‫حكِيمٌ(‪َ )51‬وكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحا مِنْ َأمْرِنَا مَا كُ ْنتَ َتدْرِي مَا ا ْلكِتَا ُ‬ ‫إِنّهُ عَِليّ َ‬ ‫جعَلْنَاهُ نُورا َنهْدِي ِبهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي ِإلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(‪ )52‬صِرَاطِ اللّهِ الّذِي‬ ‫َ‬ ‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ أَل إِلَى اللّهِ َتصِيرُ الُْأمُورُ(‪)53‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫لَهُ مَا فِي ال ّ‬

‫( ‪)4/623‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إل وحيا أو من وراء حجاب‪ :‬أي إعلما خفيا سريعا في يقظة أو منام‪ ،‬أو يكلمه من وراء حجاب‬ ‫فيسمع الكلم ول يرى الذات‪.‬‬ ‫أو يرسل رسولً ‪ :‬أي يرسل ملكا في صورة إنسان فيكلمه مبلغا عن ال تعالى‪.‬‬ ‫إنه علي حكيم ‪ :‬أي ال تعالى ذو علو على سائر خلقه حكيم في تدبير خلقه‪.‬‬ ‫وكذلك أوحينا إليك ‪ :‬أي كما كنا نوحي إلى سائر رسلنا أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن‪.‬‬ ‫روحا من أمرنا ‪ :‬أي وحيا ورحمة من أمرنا الذي نوحيه إليك‪.‬‬

‫ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان‪ :‬أي لم تكن قبل تدري أي شيء هو الكتاب‪ ،‬ول اليمان‬ ‫الذي هو قول وعمل واعتقاد‪.‬‬ ‫ولكن جعلناه نورا نهدي به‪ :‬أي جعلنا القرآن نورا نهدي به من نشاء من عبادنا إلى صراطنا‪.‬‬ ‫وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ‪ :‬أي السلم‪.‬‬ ‫أل إلى ال تصير المور ‪ :‬أي ترجع أمور جميع العباد في يوم القيامة إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ ُيكَّلمَهُ اللّهُ ِإلّا وَحْيا(‪ })1‬يخبر تعالى أنه ليس من شأن البشر كائنا‬ ‫من كان أن يكلمه ال تعالى إل وحيا بأن يعلمه بطريق سريع خفي إلهاما أو مناما فيفهم عن ال‬ ‫تعالى ما ألقاه في روعه(‪ )2‬جازما أنه كلم ال ألقاه إليه‪ ،‬هذه طريقة وثانية أن يكلمه ال تعالى‬ ‫فيسمعه كلمه بدون أن يرى ذاته كما كلم موسى عليه السلم غيره مرة‪ .‬وثالثة أن يرسل إليه‬ ‫رسولً كجبريل عليه السلم فيبلغه كلم ربه تعالى هذا معنى قوله تعالى { َومَا كَانَ لِ َبشَرٍ أَنْ ُيكَّلمَهُ‬ ‫حيَ بِإِذْ ِنهِ مَا يَشَاءُ إِنّهُ عَِليّ} أي ذو علو‬ ‫سلَ(‪َ )3‬رسُولً فَيُو ِ‬ ‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ َأوْ يُرْ ِ‬ ‫اللّهُ إِلّا وَحْيا َأوْ مِ ْ‬ ‫حكِيمٌ} في تدبيره لخلقه‪.‬‬ ‫على خلقه { َ‬ ‫وقوله‪َ { :‬وكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحا مِنْ َأمْرِنَا} أي كما كنا نوحي إلى سائر رسلنا أوحينا إليك يا‬ ‫محمد روحا وهو القرآن وسمي روحا لن القلوب تحيا به كما تحيا الجسام بالرواح‪ ،‬وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬روى غير واحد أن الية نزلت ردا على قول من قال للنبي صلى ال عليه وسلم أل تكلم ال‬ ‫وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك وجائز أن‬ ‫يكون اليهود الذين أشاروا بهذا على كفار قريش وجائز أن يكون اليهود هم القائلون له‪.‬‬ ‫‪ -2‬الروع بضم الراء القلب أو العقل‪ ،‬والفتح الفزع‪ .‬وفي الحديث "إن روح القدس نفثت في‬ ‫روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا ال وأجملوا في الطلب" والحديث‬ ‫صحيح‪ .‬وأرج بعضهم خذوا ما حل ودعوا ما حرم‪.‬‬ ‫ل فهل يحنث؟ أوجه‬ ‫‪ -3‬اختلف الفقهاء فيمن حلف أل يكلم فلنا فكتب إليه أو أرسل إليه رسو ً‬ ‫القوال أنه إذا اشترط المشافهة في حلفه أنه ل يحنث وإن لم يشترطها يحنث ول يحنث إن سلم‬ ‫عليه في الصلة أما في خارجها فإنه يحنث‪.‬‬

‫( ‪)4/624‬‬ ‫{مِنْ َأمْرِنَا(‪ })1‬أي الذي نوحيه إليك الشامل للمر والنهي والوعد والوعيد وقوله تعالى‪{ :‬مَا كُ ْنتَ‬ ‫جعَلْنَاهُ‬ ‫تَدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ} أي القرآن {وَل الْأِيمَانُ(‪ })2‬الذي هو عقيدة وقول وعمل‪ .‬وقوله {وََلكِنْ َ‬ ‫نُورا} أي جعلنا القرآن نورا نهدي به من نشاء من عبادنا إلى اليمان بنا وتوحيدنا وطلب‬

‫مرضاتنا بفعل محابّنا وترك مساخطنا‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ} أي وإنك يا رسولنا لتهدي إلى صراط مستقيم الذي هو‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} أي خلقا وملكا‬ ‫الدين السلمي وقوله {صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي ال ّ‬ ‫وعبيدا {أَل إِلَى اللّهِ َتصِيرُ الُْأمُورُ} أي وإليه تعالى مصير كل شيء‪ ،‬ومرد كل شيء إذ هو المالك‬ ‫الحق والمدبر لمر المخلوقات كلها‪ ،‬ولذا وجب تفويض المر إليه والرضا بحكمه وقضائه ثقة فيه‬ ‫وفي كفايته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان طرق الوحي وهي ثلثة الولى اللقاء في الروع يقظة أو مناما والثانية أن يكلم ال‬ ‫النبي بدون أن يرى ذاته عز وجل كما كلم موسى في الطور وكلم محمدا صلى ال عليه وسلم في‬ ‫الملكوت العلى والثالث أن يرسل إليه الملك إما في صورته الملئكية أو في صورة رجل من‬ ‫بني آدم فيوحي إليه ما شاء ال أن يوحيه من أمره‪.‬‬ ‫‪ -2‬القرآن الكريم روح تحيا به القلوب الميتة كما تحيا الجسام بالرواح‪.‬‬ ‫‪ -3‬القرآن نور يستضاء به في الحياة فتعرف به طرق السعادة وسبل النجاة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي من شأننا العظيم المقتضي اليحاء إليك بالقرآن الحاوي للشرائع والحكام وأنواع الهدايات‬ ‫المكملة للنسان الخذ بها المسعدة له في الحياتين‪.‬‬ ‫‪ -2‬المنفي من اليمان هو التفصيلي أما الجمالي فقد ولد صلى ال عليه وسلم مؤمنا موحدا‪ ،‬ولذا‬ ‫لم يقل وما كنت مؤمنا فالمنفي شرائع اليمان وتفاصيله‪.‬‬

‫( ‪)4/625‬‬ ‫سورة الزخرف‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الزخرف‬ ‫مكية وآياتها تسع وثمانون آية‬ ‫حمَنِ الرّحِيمِ‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬ ‫جعَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(‪ )3‬وَإِنّهُ فِي أُمّ ا ْلكِتَابِ َلدَيْنَا َلعَِليّ‬ ‫حم(‪ )1‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ(‪ )2‬إِنّا َ‬ ‫صفْحا أَنْ كُنْتُمْ َقوْما مُسْ ِرفِينَ(‪َ )5‬وكَمْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ نَ ِبيّ فِي الَْأوّلِينَ(‬ ‫حكِيمٌ(‪َ )4‬أفَ َنضْ ِربُ عَ ْن ُكمُ ال ّذكْ َر َ‬ ‫َ‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ َبطْشا َو َمضَى مَ َثلُ الَْأوّلِينَ(‪)8‬‬ ‫‪َ )6‬ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَ ِبيّ إِلّا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ(‪ )7‬فَأَهَْلكْنَا أَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫حم ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب حم ويقرأ‪ :‬حا ميم‪.‬‬ ‫والكتاب المبين ‪ :‬أي والقرآن الموضح لطريق الهدى وسبيل السلم‪.‬‬ ‫إنا جعلناه قرآنا عربيا‪ :‬أي جعلناه قرآنا بلسان العرب يقرأ بلسانهم ويفهم به‪.‬‬ ‫لعلكم تعقلون‪ :‬أي رجاء أن تعقلوا أيها العرب‪ ،‬ما تؤمرون به وما تنهون عنه‪.‬‬ ‫وإنه في أم الكتاب لدينا‪ :‬أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير كلّها عندنا‪.‬‬ ‫لعلي حكيم ‪ :‬أي لذو علو وشأن على الكتب قبله ل يوصل إلى مستواه في علوه ورفعته حكيم أي‬ ‫ذو حكمة بالغة عالية ل يرام مثلها‪.‬‬ ‫أفنضرب عنكم الذكر صفحا ‪ :‬أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحا أي ل ينزل القرآن بأمركم‬ ‫ونهيكم ووعدكم ووعيدكم‪.‬‬ ‫أن كنتم قوما مسرفين‪ :‬لن كنتم قوما مسرفين متجاوزين الحد في الشرك والكفر كل ل نفعل‪.‬‬ ‫وكم أرسلنا من نبي في الولين‪ :‬أي وكثيرا من النبياء أرسلناهم في القرون الولى من المم‬ ‫الماضية‪.‬‬ ‫فأهلكنا أشد منهم بطشا ‪ :‬أي فأنزلنا عذابنا بأشدهم قوة وبطشا من قومك فأهلكناهم‪.‬‬

‫( ‪)4/626‬‬ ‫ومضى مثل الولين‪ :‬أي ومضى في اليات القرآنية صفة هلك الولين‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫حم ال أعلم بمراده به‪{ ،‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ}( ‪ )1‬أي والقرآن الموضح لكل ما ينجي من عذاب ال‬ ‫جعَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِيّا} أي‬ ‫ويكسب جنته ورضاه وهذا قسم أقسم ال به‪ ،‬والمقسم عليه قوله‪{ :‬إِنّا َ‬ ‫جعلنا الكتاب المبين الذي هو القرآن عربيا أي بلسان العرب ولغتهم‪.‬‬ ‫وقوله {َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ} بيان للحكمة في جعل القرآن عربيا أي كي تعقلوا معانيه وتفهموا مراد ال‬ ‫منزله منه فيما يدعوكم إليه فيسهل عليكم العمل به فتكملوا وتسعدوا وقوله {وَإِنّهُ} أي القرآن {فِي‬ ‫أُمّ ا ْلكِتَابِ} أي اللوح المحفوظ لدينا عندنا {َلعَِليّ} أي ذو علو وشأن على سائر الكتب قبله حكيم ذو‬ ‫حكمة بالغة عالية ل يرام مثلها‪.‬‬ ‫صفْحا أَنْ كُنْ ُتمْ(‪َ )3‬قوْما مُسْ ِرفِينَ} أي أنمهلكم فنضرب‬ ‫وقوله تعالى‪َ{ :‬أفَ َنضْرِبُ(‪ )2‬عَ ْن ُكمُ ال ّذكْ َر َ‬ ‫عنكم الذكر صفحا فل ننزل القرآن حتى ل تؤمروا ول تنهوا من أجل أنكم قوم مسرفون في‬ ‫الشرك والكفر والتكذيب كل ل نفعل إذ الستفهام للنكار عليهم وقوله { َو َكمْ أَرْسَلْنَا مِنْ(‪ )4‬نَ ِبيّ فِي‬ ‫الَْأوّلِينَ} أي وكثيرا من النبياء أرسلنا في المم السابقة { َومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَ ِبيّ ِإلّا كَانُوا ِبهِ‬ ‫يَسْ َتهْزِئُونَ} أي ما أتى أمة من تلك المم رسول منا إل سخروا منه واستهزأوا به‪ ،‬وبما جاءهم به‬ ‫من اليمان والتوحيد ودعاهم إليه من فعل الصالحات وترك المحرمات إذا فاصبر على قومك‬

‫فإنهم سالكون سبيل من سبقهم في الكفر والتكذيب والسخرية والستهزاء‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فَأَهَْلكْنَا‬ ‫شدّ مِ ْنهُمْ بَطْشا} أي أهلكنا من هم أشد بطشا في تلك المم الماضية لما كذبوا رسلنا واستهزأوا‬ ‫أَ َ‬ ‫بهم فكيف بهؤلء الذين هم أضعف منهم وأقل قوة وقدرة فأحرى بهم أن ل يمتنعوا من عذابنا متى‬ ‫أردنا إنزاله بهم‪ .‬وقوله { َو َمضَى مَ َثلُ الَْأوّلِينَ} أي مضى في اليات القرآنية صفة هلك الولين‬ ‫كقوم عاد وثمود وأصحاب مدين والمؤتفكات ألم يكن لقومك في ذلك عبرة لو كانوا يعتبرون؟‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الكتاب هو القرآن أقسم به تعالى للعلن عن مكانته وعلو شأنه وجعله قرآنا يقرأ بلسان‬ ‫العرب مكتوبا في سطورهم‪ ،‬ومحفوظا في صدورهم للعلة الحكيمة التي تضمنها قوله {لعلكم‬ ‫تعقلون}‪.‬‬ ‫‪ -2‬الفاء للتفريع والستفهام إنكاري أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا‬ ‫على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن؟ كما ل يجوز أن نضرب عنكم‬ ‫صفحا فل ننزل القرآن من أجل إسرافكم في الشرك والتكذيب‪ ،‬الصفح‪ :‬العراض بصفح الوجه‬ ‫أي جانبه وهو أشد العراض‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع {إن كنتم} بكسر الهمزة وقرأ حفص {أن كنتم} بأن المصدرية‪ .‬وإقحام "قوما" إشارة‬ ‫إلى أن السراف صار طبعا لهم ل يفارقهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬كم أرسلنا إلى قوله في الولين تضمن الكلم اللهي أمرين الول تسلية الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم والمؤمنين والثاني تهديد المشركين المسرفين بأنهم يتعرضون للهلك الذي تعرضت له‬ ‫أمم قبلهم أشد منهم بطشا وأكثر منهم قوة فأهلكوا وبقوا أثرا بعد عين‪.‬‬

‫( ‪)4/627‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية القسام بال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان شرف القرآن الكريم وعلو مكانته على سائر الكتب السابقة‪.‬‬ ‫‪ -3‬كون الناس مسرفين في الشرك والفساد ل يمنع وعظهم ونصحهم وإرشادهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان سنة بشرية وهي أنهم ما يأتيهم من رسول إل استهزأوا به‪.‬‬ ‫‪ -5‬في إهلك القوى دليل على أن إهلك من هو دونه أحرى وأولى ل سيما مع شدة الكفر‪.‬‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ لَ َيقُولُنّ خََل َقهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ(‪ )9‬الّذِي َ‬ ‫وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬ ‫سمَاءِ مَاءً ِبقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَ ْل َدةً مَيْتا‬ ‫ج َعلَ َلكُمْ فِيهَا سُبُلً َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ(‪ )10‬وَالّذِي نَ ّزلَ مِنَ ال ّ‬ ‫َمهْدا وَ َ‬ ‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلفُ ْلكِ وَالْأَ ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ(‪)12‬‬ ‫كَذَِلكَ ُتخْرَجُونَ(‪ )11‬وَالّذِي خَلَقَ الْأَ ْزوَاجَ كُّلهَا وَ َ‬

‫ظهُو ِرهِ ثُمّ َت ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ إِذَا اسْ َتوَيْتُمْ عَلَ ْي ِه وَ َتقُولُوا سُ ْبحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا َومَا‬ ‫لِتَسْ َتوُوا عَلَى ُ‬ ‫كُنّا لَهُ ُمقْرِنِينَ(‪ )13‬وَإِنّا إِلَى رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ(‪)14‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولئن سألتهم ‪ :‬أي ولئن سألت هؤلء المشركين من قومك يا رسولنا‪.‬‬ ‫من خلق السموات والرض‪ :‬أي من بدأ خلقهن وأوجدهن ليقولن خلقهن ال ذو العزة والعلم‪.‬‬ ‫الذي جعل لكم الرض مهدا(‪ : )1‬أي ال الذي جعل لكم الرض فراشا كالمهد للصبي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع مهادا وقرأ عاصم مهدا‪ .‬والمهاد اسم للشيء يمهد أي يوطأ ويسهل لما يحل فيه‪.‬‬ ‫والمهد مراد به هنا المهاد‪.‬‬

‫( ‪)4/628‬‬ ‫وجعل لكم فيها سبل ‪ :‬أي طرقا‪.‬‬ ‫لعلكم تهتدون ‪ :‬أي إلى مقاصدكم في أسفاركم‪.‬‬ ‫ما ء بقدر ‪ :‬أي على قدر الحاجة ولم يجعله طوفانا مغرقا ومهلكا‪.‬‬ ‫فأنشرنا به بلدة ميتا‪ :‬أي فأحيينا به بلدة ميتا أي ل نبات فيها ول زرع‪.‬‬ ‫كذلك تخرجون ‪ :‬أي مثل هذا الحياء للرض الميتة بالماء تحيون أنتم وتخرجون من قبوركم‪.‬‬ ‫والذي خلق الزواج كلها ‪ :‬أي خلق كل شيء إذ الشياء كلها زوج ولم يعرف فرد إل ال‪.‬‬ ‫وجعل لكم من الفلك والنعام ‪ :‬أي السفن‪ ،‬والبل‪.‬‬ ‫لتستووا على ظهوره ‪ :‬أي تستقروا على ظهور ما تركبون‪.‬‬ ‫وما كنا له مقرنين ‪ :‬أي مطيقين ول ضابطين‪.‬‬ ‫وإنا إلى ربنا لمنقلبون‪ :‬أي لصائرون إليه راجعون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد بقوله تعالى‪{ :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ} أي ولئن سألت‬ ‫يا رسولنا هؤلء المشركين من قومك قائلً من خلق السموات والرض أي من أنشأهن وأوجدهن‬ ‫بعد عدم لبادروك بالجواب قائلين ال ثم هم مع اعترافهم بربوبيته تعالى لكل شيء يشركون في‬ ‫عبادته أصناما وأوثانا‪ .‬في آيات أخرى صرحوا باسم الجللة ال وفي هذه الية قالوا‪ :‬العزيز‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ‬ ‫العليم(‪ )1‬أي ال ذو العزة التي ل ترام والعلم الذي ل يحاط به‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬الّذِي َ‬ ‫الْأَ ْرضَ َمهْدا} أي فراشا(‪ )2‬وبساطا كمهد الطفل وهذا من كلم ال تعالى ل من كلم المشركين إذ‬ ‫انتهى كلمهم عند العزيز العليم فلما وصفوه تعالى بصفتي العزة والعلم ناسب ذلك ذكر صفات‬ ‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ َمهْدا} أي بساطا‬ ‫جليلة أخرى تعريفا لهم بال سبحانه وتعالى فقال تعالى‪{ :‬الّذِي َ‬

‫وفراشا‪ ،‬وجعل لكم فيها سبلً أي طرقا لعلكم تهتدون إلى مقاصدكم لنيل حاجاتكم في البلد هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬والذي نزل من السماء ماء بقدر هو المطر بقدر أي بكميات موزونة على قدر الحاجة‬ ‫منها فلم تكن ضحلة قليلة ل تنفع ول طوفانا مغرقا مهلكا‪ ،‬وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬من الجائز أن يكون العزيز العليم من قول المشركين إذ هم ل ينكرون عزة ال وعلمه وقدرته‬ ‫كما درجنا عليه في التفسير إذ هو الظاهر من اللفظ والسياق وجائز أن يكون من قول ال تعالى‬ ‫وهما صفتان لسم الجللة (ال) الذي أجابوا به في غير آية من القرآن ثم ذكر من صفاته‬ ‫الموجبة لعبادته وحده دون من سواه فذكر ست صفات من صفات الجلل والكمال وهي متضمنة‬ ‫إنعامه وإفضاله على عباده بخلقهم ورزقهم‬ ‫‪ -2‬كون الرض مهدا ل ينافي كون جسمها كرويا‪.‬‬

‫( ‪)4/629‬‬ ‫{فَأَنْشَرْنَا(‪ })1‬أي أحيينا بذلك المطر بلدة ميتا أي أرضا يابسة ل نبات فيها ول زرع‪ .‬وقوله‬ ‫{كَذَِلكَ ُتخْرَجُونَ(‪ })2‬أي مثل ذلك الحياء للرض الميتة يحييكم تعالى ويخرجكم من قبوركم‬ ‫أحياء‪ .‬وقوله {وَالّذِي خَلَقَ الْأَ ْزوَاجَ كُّلهَا} هذا وصف آخر له تعالى بأنه خلق الزواج كلها من‬ ‫الذكر والنثى‪ ،‬والخير والشر والصحة والمرض‪ ،‬والعدل والجور‪ ،‬إذ ل فرد إل هو سبحانه‬ ‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنَ ا ْلفُ ْلكِ‬ ‫وتعالى وفي الحديث الصحيح ال وتر يحب الوتر‪ ،‬قل هو ال أحد وقوله { َو َ‬ ‫وَالْأَ ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ} هذا وصف آخر بصفاته الفعلية الدالة على وجوده وقدرته وعلمه والموجبة‬ ‫للوهيته إذ جعل للناس من الفلك أي السفن ما يركبون ومن النعام كالبل ومن البهائم كالخيل‬ ‫ظهُو ِرهِ} أي تستقروا على ظهوره أي ظهور ما‬ ‫والبغال والحمير كذلك وقوله {لِ َتسْ َتوُوا عَلَى ُ‬ ‫تركبون‪ ،‬ثم تذكروا نعمة ربكم بقلوبكم إذا استويتم عليه وتقولوا بألسنتكم سبحان الذي سخر لنا هذا‬ ‫أي ال لنا وأقدرنا على التحكم فيه‪ ،‬وما كنا له أي لذلك الحيوان المركوب بمقرنين أي بمطيقين‬ ‫ول ضابطين لعجزنا وقوته‪{ ،‬وَإِنّا إِلَى رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ} أي لصائرون إليه بعد موتنا راجعون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بذكر صفات الربوبية المقتضية لللوهية‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬معجزة القرآن في الخبار بالزوجية وقد قرر العلم الحديث نظام الزوجية وحتى في الذرة‬ ‫فهي زوج موجب وسالب‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية التسمية والذكر عند ركوب ما يركب فإن كان سفينة أو سيارة قال العبد باسم ال‬

‫مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم‪ ،‬وإن كان حيوانا قال عند الشروع باسم ال وإذا استوى‬ ‫قاعدا‪ :‬سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين‪ ،‬وإنا إلى ربنا لمنقلبون‪)3(.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أصل النشر البسط لما كان مطويا وأريد به هنا إحياء الرض بالنبات بعد محلها ويبسها‬ ‫وحسن إطلق لفظ النشر لنتشار الحياة فيها بالنباتات‪.‬‬ ‫‪{ -2‬وكذلك تخرجون} إن إحياءكم بعد موتكم وخروجكم من الرض منتثرين فيها كإحياء الرض‬ ‫بالمطر وانتشار النباتات والزروع فيها فبأي حق تنكرون البعث وتكذبون به؟‪.‬‬ ‫‪ -3‬روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي أن عليا رضي ال عنه أتى بدابة فلما وضع رجله‬ ‫في الركاب قال بسم ال فلما استوى عليها قال الحمد ل سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له‬ ‫مقرنين ثم حمد ال ثلثا وكبر ال ثلثا ثم قال سبحانك ل إله إل ال ظلمت نفسي فاغفر لي ثم‬ ‫ضحك فقيل له مما ضحكت؟ فقال رأيت رسول ال فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت مما‬ ‫ضحكت يا رسول ال فقال صلى ال عليه وسلم يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال ربي‬ ‫اغفر لي ويقول علم عبدي أنه ل يغفر الذنوب غيري‪.‬‬

‫( ‪)4/630‬‬ ‫جعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَا ِدهِ جُزْءا إِنّ الْأِ ْنسَانَ مُبِينٌ(‪ )15‬أَمِ اتّخَذَ ِممّا َيخُْلقُ بَنَاتٍ وََأصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ(‪)16‬‬ ‫وَ َ‬ ‫سوَدّا وَ ُهوَ كَظِيمٌ(‪َ )17‬أ َومَنْ يُنَشّأُ فِي ا ْلحِلْيَةِ‬ ‫جهُهُ ُم ْ‬ ‫ل وَ ْ‬ ‫ظّ‬ ‫حمَنِ مَثَلً َ‬ ‫حدُهُمْ ِبمَا ضَ َربَ لِلرّ ْ‬ ‫وَإِذَا بُشّرَ أَ َ‬ ‫شهِدُوا خَ ْل َقهُمْ‬ ‫حمَنِ إِنَاثا أَ َ‬ ‫جعَلُوا ا ْلمَل ِئكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّ ْ‬ ‫خصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ(‪ )18‬وَ َ‬ ‫وَ ُهوَ فِي ا ْل ِ‬ ‫حمَنُ مَا عَ َبدْنَاهُمْ مَا َلهُمْ بِ َذِلكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلّا‬ ‫شهَادَ ُت ُه ْم وَيُسْأَلونَ(‪َ )19‬وقَالُوا َلوْ شَاءَ الرّ ْ‬ ‫سَ ُتكْ َتبُ َ‬ ‫علَى ُأمّةٍ‬ ‫سكُونَ(‪َ )21‬بلْ قَالُوا إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا َ‬ ‫يَخْ ُرصُونَ(‪ )20‬أَمْ آتَيْنَا ُهمْ كِتَابا مِنْ قَبْلِهِ َفهُمْ بِهِ مُسْ َتمْ ِ‬ ‫وَإِنّا عَلَى آثَارِ ِهمْ ُمهْتَدُونَ(‪َ )22‬وكَذَِلكَ مَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلّا قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا‬ ‫وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّةٍ وَإِنّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(‪)23‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وجعلوا له من عباده جزاء ‪ :‬أي جعل أولئك المشركون المقرون بأن ال هو الذي خلق السموات‬ ‫والرض من عباده جزءا إذ قالوا الملئكة بنات ال‪.‬‬ ‫إن النسان لكفور مبين ‪ :‬أي إن النسان المعترف بأن ال خلق السموات وجعل من عباده جزءا‬ ‫هذا النسان لكفور مبين أي لكثير الكفر بينه‪.‬‬ ‫وأصفاكم بالبنين‪ :‬أي خصكم بالبنين وأخلصهم لكم‪.‬‬ ‫بما ضرب للرحمن مثلً (‪ :)1‬أي بما جعل للرحمن شبها وهو الولد‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬المراد من المثل‪ :‬النثى بدليل قوله تعالى في سورة النحل {وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل‬ ‫وجهه مسودا وهو كظيم}‪ .‬وتفسيره بالولد أع ّم وأولى لن النصارى كاليهود قبلهم قالوا‪ :‬عزير ابن‬ ‫ال‪ ،‬وعيسى ابن ال؛ وكذبوا‪ ،‬وقال بعض العرب‪ :‬الملئكة بنات ال؛ تعالى ال عن الولد‪ -‬ذكرا‬ ‫أو أنثى‪ -‬علوا كبيرا‪.‬‬

‫( ‪)4/631‬‬ ‫ظل وجهه مسودا وهو كظيم‪ :‬أي أقام طوال نهاره مسود الوجه من الحزن وهو ممتلئ غيظا‪.‬‬ ‫أو من ينشأ في الحلية ‪ :‬أي أيجترئون على ال ويجعلون له جزءا هو البنت التي تربى في الزينة‪.‬‬ ‫وهو في الخصام غير مبين ‪ :‬أي غير مظهر للحجة لضعفه بالنوثة‪.‬‬ ‫عباد الرحمن إناثا ‪ :‬أي لنهم قالوا بنات ال‪.‬‬ ‫أشهدوا خلقهم‪ :‬أي حضروا خلقهم عندما كان الرحمن يخلقهم‪.‬‬ ‫ستكتب شهادتهم‪ :‬أي سيكتب قولهم إن الملئكة إناثا‪.‬‬ ‫ويسألون ‪ :‬أي يوم القيامة عن شهادتهم الباطلة ويعاقبون عليها‪.‬‬ ‫ما لهم بذلك من علم ‪ :‬أي دعواهم أن ال راض عنهم بعبادة الملئكة ل دليل لهم عليه ول علم‪.‬‬ ‫إن هم إل يخرصون ‪ :‬أي ما هم إل يكذبون يتوارثون الجهل عن بعضهم بعضا‪.‬‬ ‫أم آتيناهم كتابا من قبله ‪ :‬أي أم أنزلنا عليهم كتاب قبل القرآن‪.‬‬ ‫فهم به مستمسكون‪ :‬أي متمسكون بما جاء فيه‪ ،‬والجواب لم يقع ذلك أبدا‪.‬‬ ‫بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ‪ :‬أي إنهم ل حجة لهم إل التقليد العمى لبائهم‪.‬‬ ‫وإنا على آثارهم مهتدون ‪ :‬أي على طريقتهم وملتهم ماشون وهي عبادة غير ال من الملئكة‬ ‫وغيرهم من الصنام والوثان‪.‬‬ ‫إل قال مترفوها ‪ :‬أي متنعموها‪.‬‬ ‫إنا وجدنا آباءنا على أمة ‪ :‬أي ملّة ودين‪.‬‬ ‫وإنا على آثارهم مقتدون ‪ :‬أي على طريقتهم متبعون لهم فيها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد‪ ،‬والمكذبين إلى التصديق فقال تعالى منكرا‬ ‫جعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَا ِدهِ جُزْءا} أي وجعل‬ ‫عليهم باطلهم موبخا لهم على اعتقاده والقول به‪ ،‬فقال‪َ { :‬و َ‬ ‫أولئك المشركون الجاهلون ل جزءا أي نصيبا من خلقه حيث قالوا الملئكة بنات ال‪ ،‬وهذا من‬ ‫أكذب الكذب وأكفر الكفر إذ كيف عرفوا أن الملئكة إناث‪ ،‬وأنهم بنات ال‪ ،‬وأنهم يستحقون‬ ‫العبادة مع ال فعبدوهم؟ حقا إن النسان لكفور(‪ )1‬مبين أي كثير الكفر وكبيره وبينه ل يحتاج فيه‬ ‫ت وََأصْفَاكُمْ(‪ )3‬بِالْبَنِينَ} أي أتقولون أيها‬ ‫إلى دليل وقوله تعالى‪{ :‬أَمِ اتّخَذَ(‪ِ )2‬ممّا يَخُْلقُ بَنَا ٍ‬

‫المشركون المفترون اتخذ ال مما يخلق من‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال الحسن يعد المصائب وينسى النعم ومبين معناه مظهر للكفر‪.‬‬ ‫‪ -2‬أم اتخذ الميم صلة أي زائدة لتقوية الكلم والستفهام للتوبيخ والتأنيب‪.‬‬ ‫‪{ -3‬أصفاكم} قال القرطبي‪ :‬اختصكم وأخلصكم بالبنين يقال أصفيته بكذا أي آثرته به وأصفيته‬ ‫الود أخلصته له‪.‬‬

‫( ‪)4/632‬‬ ‫المخلوقات بنات‪ ،‬وخصكم بالبنين‪ ،‬بمعنى أنه فضلكم على نفسه بالذكور الذين تحبون ورضي‬ ‫لنفسه الناث اللتي تبغضون‪ .‬عجبا منكم هذا الفهم السقيم‪ .‬وقوله تعالى وإذا بشر أحدهم بما‬ ‫ضرب للرحمن مثل أي بما جعل ل شبها وهو الولد ظلّ وجهه مسودا وهو كظيم‪ ،‬أي إن هؤلء‬ ‫الذين يجعلون ل البنات كذبا وافتراء‪ ،‬إذا ولد لحدهم بنت فشر بها أي أخبر بأن امرأته جاءت‬ ‫ببنت ظل وجهه طوال النهار مسودا من الكآبة والغم وهو كظيم أي ممتلئ غما وحزنا‪.‬‬ ‫خصَامِ(‪ )1‬غَيْرُ مُبِينٍ} ينكر تعالى عليهم ويوبخهم‬ ‫وقوله تعالى‪َ{ :‬أ َومَنْ يُ َنشّأُ فِي الْحِلْ َي ِة وَ ُهوَ فِي ا ْل ِ‬ ‫على كذبهم وسوء فهمهم فيقول‪ :‬أيجترئون ويبلغون الغاية في سوء الدب ويجعلون ل من يربى‬ ‫في الزينة لنقصانه وهو البنات‪ ،‬وهو في الخصام غير مبين لخفة عقله حتى قيل ما أدلت امرأة‬ ‫بحجة إل كانت عليها ل لها‪ .‬فقوله {غَيْرُ مُبِينٍ} أي غير مظهر للحجة لضعفه بالخِلقة وهي النثى‬ ‫والضمير عائد على من في قوله {َأ َومَنْ يُنَشّأ(‪ ُ)2‬فِي ا ْلحِلْيَةِ} أي في الزينة‪.‬‬ ‫حمَنِ إِنَاثا} أي حيث قالوا الملئكة بنات ال‬ ‫جعَلُوا ا ْلمَل ِئكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ(‪ )3‬الرّ ْ‬ ‫وقوله تعالى { َو َ‬ ‫وعبدوهم لذلك طلبا لشفاعتهم والنتفاع بعبادتهم‪ .‬قال تعالى موبخا لهم مقيما الحجة على كذبهم‪:‬‬ ‫أشهدوا خلقهم أي أحضروا خلقهم عندما كان ال يخلقهم‪ ،‬والجواب ل‪ ،‬ومن أين لهم ذلك وهم ما‬ ‫شهَادَ ُت ُهمْ} هذه‬ ‫زالوا لم يخلقوا بعد ول آباؤهم بل ول آدم أصلهم عليه السلم وقوله تعالى {سَ ُتكْ َتبُ َ‬ ‫وهي قولهم إن الملئكة بنات ال ويسألون عنها ويحاسبون ويعاقبون عليها بأشد أنواع العقاب‪،‬‬ ‫حمَنُ(‪)4‬‬ ‫لنها الكذب والفتراء‪ ،‬وعلى؟ إنه على ال‪ ،‬والعياذ بال وقوله تعالى‪َ { :‬وقَالُوا َلوْ شَاءَ الرّ ْ‬ ‫مَا عَبَدْنَا ُهمْ}‪ .‬أي قال أولئك المشركون المفترون لمن أنكر عليه عبادة الملئكة وغيرها من‬ ‫الصنام قالوا‪ :‬لو شاء الرحمن منا عدم عبادتهم ما عبدناهم‪ .‬قال تعالى في الرد عليهم {مَا َلهُمْ‬ ‫بِذَِلكَ مِنْ عِ ْلمٍ} أي ليس لهم أي علم برضا ال تعالى بعبادتهم لهم‪ ،‬ما هم في قولهم ذلك إل‬ ‫يخرصون أي يقولون بالخرص والكذب إذ العلم يأتي من طريق الكتاب أو النبي ول كتاب عندهم‬ ‫ول نبي فيهم قال بقولتهم‪ .‬ولذا قال تعالى منكرا‬ ‫__________‬

‫‪ -1‬أي في المجادلة والدلء بالحجة قال قتادة ما تكلمت امرأة ولها حجة إل وجعتلها على نفسها‪.‬‬ ‫‪ -2‬في الية دليل على جواز لبس الذهب والحرير للنساء وهو إجماع إل أن بعض السلف كان‬ ‫ينزه بناته عنه لقول أبي هريرة إياك يا بنية والتحلي بالذهب فإني أخاف عليك اللهب‪ ،‬وقرأ نافع‬ ‫{ينشأ} وقرأ حفص {ينشّأ} فالول بتخفيف الشين والثاني بتشديدها الول من‪ :‬أنشأ والثاني من نشأ‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع عند الرحمن وقرأ حفص عباد الرحمن ول منافاة والملئكة عند الرحمن في الملكوت‬ ‫العلى في حضرة القدس يتلقون خطاب ال مباشرة بل واسطة وهم في واقع المر عباد الرحمن‬ ‫وجملة (الذين هم عند الرحمن إناثا) صفة للملئكة فهي في محل نصب‪.‬‬ ‫‪ -4‬قولهم منظور فيه إلى أن مشيئة ال وهي إرادته قسمان إرادة كونية وإرادة تكليفية شرعية‬ ‫فالرادة الكونية القدرية هذه ل تتخلف أبدا فما شاء ال كان والرادة الشرعية التكليفية هي التي قد‬ ‫تتخلف لن ال تعالى وهب عبده إرادة واختيارا وبحسب ما يختاره يكون جزاؤه والمشركون ل‬ ‫علم لهم بهذا فلذا نفى عنهم العلم رادا باطلهم بجهلهم‪.‬‬

‫( ‪)4/633‬‬ ‫سكُونَ} ؟ ل ل‪ ،‬ما آتاهم ال من كتاب‬ ‫عليهم قولتهم الفاجرة {أَمْ آتَيْنَا ُهمْ كِتَابا مِنْ قَبْلِهِ َف ُهمْ بِهِ مُسْ َت ْم ِ‬ ‫ول جاءهم قبل محمد من نذير إذا فل حجة لهم إل التقليد العمى للباء والجداد الجهال الضلل‬ ‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّةٍ} أي ملة(‪{ )1‬وَإِنّا عَلَى‬ ‫وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله‪َ { :‬بلْ قَالُوا إِنّا وَ َ‬ ‫آثَارِ ِهمْ ُمهْتَدُونَ} أي ماشون مقتفون آثارهم وقوله تعالى‪َ { :‬وكَذَِلكَ مَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْ َيةٍ مِنْ‬ ‫نَذِيرٍ} أي رسول إل قال مترفوها أي متنعموها بنضارة العيش وغضارته {إِنّا َوجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‬ ‫ُأمّةٍ} أي ملة ودين {وَإِنّا عَلَى آثَارِ ِهمْ ُمقْتَدُونَ} أي متبعون لهم فيها‪ .‬فهذه سنة المم قبل أمتك يا‬ ‫رسولنا فل تحزن عليهم ول تك في ضيق بما يقولون ويعتقدون ويفعلون أيضا‪ .‬وهو معنى قوله‬ ‫تعالى { َو َكذَِلكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ} إلى آخر الية‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير صفة من صفات النسان قبل شفائه باليمان والعبادة وهي الكفر والواضح المبين‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب إنكار المنكر ومحاولة تغييره في حدود ما يسمح به الشرع وتتسع له طاقة النسان‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان حال المشركين العرب في الجاهلية من كراهيتهم البنات خوف العار وذلك لشدة غيرتهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان ضعف المرأة ونقصانها ولذا تكمل بالزينة‪ ،‬وإن النقص فيها فطري في البدن والعقل‬ ‫معا‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن من قال قولً وشهد شهادة باطلة سوف يسأل عنها يوم القيامة ويعاقب عليها‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة القول على ال بدون علم فل يحل أن ينسب إلى ال تعالى شيء لم ينسبه هو تعالى‬

‫لنفسه‪.‬‬ ‫‪ -7‬حرمة التقليد للباء وأهل البلد والمشايخ فل يقبل قول إل بدليل من الشرع‪.‬‬ ‫قَالَ َأوَلَوْ جِئْ ُتكُمْ بِأَ ْهدَى ِممّا وَجَدْ ُتمْ عَلَيْهِ آبَا َءكُمْ قَالُوا إِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ(‪ )24‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ‬ ‫فَانْظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُم َكذّبِينَ(‪ )25‬وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِي ِه َو َق ْومِهِ إِنّنِي بَرَاءٌ ِممّا َتعْبُدُونَ(‪ )26‬إِلّا‬ ‫جعُونَ(‪َ )28‬بلْ‬ ‫عقِبِهِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬ ‫جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬ ‫الّذِي َفطَرَنِي فَإِنّهُ سَ َيهْدِينِ(‪ )27‬وَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬لفظ المة هنا يراد به الدين والملة والطريقة أيضا ومن شواهد ذلك‪:‬‬ ‫كنا على أمة آبائنا‬ ‫ويقتدي الخر بالول‪.‬‬ ‫وهل يستوي ذو أمة وكفور؟‪.‬‬

‫( ‪)4/634‬‬ ‫ق وَرَسُولٌ مُبِينٌ(‪ )29‬وََلمّا جَا َءهُمُ ا ْلحَقّ قَالُوا هَذَا سِحْ ٌر وَإِنّا‬ ‫حّ‬ ‫مَ ّت ْعتُ َهؤُل ِء وَآبَاءَهُمْ حَتّى جَاءَهُمُ الْ َ‬ ‫سمُونَ‬ ‫جلٍ مِنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ(‪ )31‬أَ ُهمْ َيقْ ِ‬ ‫بِهِ كَافِرُونَ(‪َ )30‬وقَالُوا َلوْل نُ ّزلَ هَذَا ا ْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُ‬ ‫ضهُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتّخِذَ‬ ‫سمْنَا بَيْ َنهُمْ َمعِيشَ َتهُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َر َفعْنَا َب ْع َ‬ ‫ح َمتَ رَ ّبكَ نَحْنُ قَ َ‬ ‫رَ ْ‬ ‫ج َمعُونَ(‪)32‬‬ ‫ح َمتُ رَ ّبكَ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ‬ ‫ضهُمْ َبعْضا سُخْرِيّا وَ َر ْ‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ‪ :‬قال لهم رسولهم‪ :‬أتتبعون آباءكم ولو جئتكم‬ ‫بأهدى أي خير مما وجدتم عليه آباءكم هداية إلى الحق والسعادة والكمال‪.‬‬ ‫قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون‪ :‬أي قال المشركون لرسلهم ردّا عليهم إنا بما أرسلتم به كافرون‬ ‫أي جاحدون منكرون غير معترفين به‪.‬‬ ‫فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ‪ :‬أي كانت دمارا وهلكا إذا فل تكترث بتكذيب قومك يا رسولنا‪.‬‬ ‫وإذ قال إبراهيم ‪ :‬أي واذكر إذ قال إبراهيم أبو النبياء خليل الرحمن‪.‬‬ ‫إنني براء مما تعبدون ‪ :‬أي بريء مما تعبدون من أصنام ل أعبدها‬ ‫إل الذي فطرني فإنه سيهدين ‪ :‬أي لكن الذي خلقني فإني أعبده وأعترف به فإنه سيهديني أي‬ ‫يرشدني إلى ما يكملني ويسعدني في الحياة الدنيا وفي الخرة‪.‬‬ ‫وجعلها كلمة باقية في عقبه( ‪ :)1‬أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد "ل إله إل ال" باقية دائمة في‬ ‫ذريته إذ وصاهم بها كما قال تعالى ووصى بها إبراهيم بنيه‪.‬‬ ‫لعلهم يرجعون ‪ :‬أي رجاء أن يتوبوا إلى ال ويرجعوا إلى توحيده كلما ذكروها وهي ل إله إل‬ ‫ال‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬لفظ العقب الوارد في الية وفي الحديث الصحيح من أعمر عُمرى فهي له ولعقبه فإنها للذي‬ ‫أعطيها ل ترجع إلى الذي أعطاها لنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال ابن العربي ترد‬ ‫هذه اللفظة على أحد عشر لفظا وهي الولد والبنون والذرية والعقب والنسل والل والقرابة‬ ‫والعشيرة والقوم والموالي‪.‬‬

‫( ‪)4/635‬‬ ‫بل متعت هؤلء وآباءهم‪ :‬أي هؤلء المشركين وآباءهم بالحياة فلم أعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬ ‫حتى جاءهم الحق ورسول مبين ‪ :‬أي إلى أن جاء القرآن يحمل الدين الحق‪ ،‬ورسول مبين ل شك‬ ‫في رسالته وهو محمد صلى ال عليه وسلم يبين لهم طريق الهدى والحكام الشرعية‪.‬‬ ‫وقالوا لول نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‪ :‬أي وقال هؤلء المشركون الذين‬ ‫متعناهم بالحياة فلم نعاجلهم‪ ،‬هلّ نزل هذا القرآن على أحد رجلين من قريتي مكة أو الطائف أي‬ ‫الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي من الطائف‪.‬‬ ‫أهم يقسمون رحمة ربك ‪ :‬أي ينكر تعالى عليهم هذا التحكم والقتراح الفاسد فقال أهم يقسمون‬ ‫رحمة ربك إذ النبوة رحمة من أعظم الرحمات‪ .‬وليس لهم حق في تنبئة أحد إذ هذا من حق ال‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ‪ :‬أي إذا كنا نحن نقسم بينهم معيشتهم فنغني هذا ونفقر‬ ‫هذا ونملك هذا ونعزل هذا‪ ،‬فكيف بالنبوة وهي أجل وأغلى من الطعام والشراب فنحن أحق بها‬ ‫منهم فننبئ من نشاء‪.‬‬ ‫ليتخذ بعضهم بعضا سخريا‪ :‬أي جعلنا هذا غنيا وذاك فقيرا ليتخذ الغني الفقير خادما يسخره في‬ ‫خدمته بأجرة مقابل عمله‪.‬‬ ‫ورحمة ربك خير مما يجمعون‪ :‬أي والجنة التي أعدها ال لك ولتباعك خير من المال الذي‬ ‫يجمع هؤلء المشركون الكافرون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّةٍ} "ملة" {وَإِنّا عَلَى آثَارِ ِهمْ‬ ‫لما ذكر تعالى قول المشركين لرسلهم‪{ :‬إِنّا وَ َ‬ ‫ُمقْتَدُونَ} ‪ ،‬قال مخبرا عن قول الرسول لمته المكذبة المقلدة للباء الظالمين {قَالَ َأوََلوْ(‪ )1‬جِئْ ُت ُكمْ‬ ‫جدْتُمْ عَلَ ْيهِ آبَا َءكُمْ} أي أتتبعون آباءكم ول تتبعوني ولو جئتكم بأهدى إلى الخير‬ ‫بِأَهْدَى ِممّا وَ َ‬ ‫والسعادة مما وجدتم عليه آباءكم‪ ،‬وهذا إنكار من الرسول عليهم في صورة استفهام وهو(‪ )2‬توبيخ‬ ‫أيضا إذ العاقل يتبع الهدى جاء به من جاء قريبا كان أو بعيدا‪ .‬وقوله تعالى {قَالُوا إِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ(‬ ‫‪ِ )3‬بهِ كَافِرُونَ} هذا قول المم المكذبة المشركة لرسلهم أي كل أمة قالت هذا لرسولها‪ :‬إننا بما‬

‫أرسلتم به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء والشرع وأحكامه كافرون أي منكرون‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع والجمهور قل بصيغة المر وقرأ حفص قال بصيغة الماضي فيعود الضمير إلى‬ ‫نذير الذين قالوا {إنا وجدنا آباءنا}‪ ..‬الخ ‪ .‬وأما على قراءة نافع فهو أمر للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم ليقول للمشركين ما أمره أن يقوله لهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذا الستفهام تقريري إل أنه مشوب بالنكار والتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ -3‬في قولهم هذا معنى التهكم برسلهم إذ أثبتوا لهم الرسالة وهم مكذبون بها كقول قريش مال‬ ‫هذا الرسول يأكل الطعام‪.‬‬

‫( ‪)4/636‬‬ ‫مكذبون غير مصدقين‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ(‪ })1‬أي لتكذيبهم فأهلكناهم فانظر يا رسولنا‬ ‫كيف كان عاقبتهم وهم المكذبون إنها دمار شامل وهلك تام‪ .‬وليذكر هذا قومك لعلهم يذكرون‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ(‪َ )2‬و َق ْومِهِ إِنّنِي بَرَاءٌ ِممّا َتعْبُدُونَ} أي واذكر يا رسولنا لقومك‬ ‫قول إبراهيم الذي ينتسبون إليه باطل لبيه وقومه‪ :‬إنني براء مما تعبدون أي إني بريء من‬ ‫آلهتكم التي تعبدونها فل أعبدها ول أعترف بعبادتها‪ .‬وقوله {إِلّا الّذِي فَطَرَنِي} أي لكن أعبد ال‬ ‫الذي خلقني فهو أحق بعبادتي مما لم يخلقني ولم يخلق شيئا وهو مخلوق أيضا‪ .‬وقوله {فَإِنّهُ‬ ‫عقِبِهِ‬ ‫جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬ ‫سَ َيهْدِينِ} أي يرشدني دائما إلى ما فيه سعادتي وكمالي‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬و َ‬ ‫جعُونَ} أي وجعل براءته من الشرك والمشركين‪ ،‬وعبادته خاصة بال رب العالمين‬ ‫َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬ ‫جعلها كلمة باقية في ذريته حيث وصاهم بها كما جاء ذلك في سورة البقرة إذ قال تعالى‪:‬‬ ‫{ َو َوصّى ِبهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} أي بأن ل يعبدوا إل ال وهي إذا كلمة ل إله إل ال ورثها إبراهيم في‬ ‫بنيه لعلهم يرجعون إليها كلما غفلوا ونسوا وتركوا عبادة ال تعالى والنابة إليه بعوامل الشر‬ ‫والفساد من شياطين النس والجن فيذكرون ويتوبون إلى ال تعالى فيوحدونه ويعبدونه فجزى ال‬ ‫إبراهيم عن المؤمنين خيرا‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬بلْ مَ ّت ْعتُ(‪َ )3‬هؤُل ِء وَآبَاءَ ُهمْ حَتّى جَاءَ ُهمُ ا ْلحَقّ‬ ‫وَرَسُولٌ مُبِينٌ} أي بل لم يتحقق ما ترجاه إبراهيم كاملً إذا أشرك من بنيه من أشرك ومنهم هؤلء‬ ‫المشركون المعاصرون لك أيها الرسول وآباءهم‪ ،‬ومتعهم بالحياة حتى جاءهم الحق الذي هو هذا‬ ‫القرآن يتلوه هذا الرسول المبين أي الموضح لكل الحكام والمبين لكل الشرائع‪َ { .‬وَلمّا جَا َءهُمُ‬ ‫سحْ ٌر وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ} هكذا قالت قريش لما جاءها الحق الذي هو القرآن الحامل‬ ‫حقّ قَالُوا َهذَا ِ‬ ‫الْ َ‬ ‫للشرائع والحكام والرسول المبين لذلك الموضح له قالوا هذا سحر يسحرنا به‪ ،‬وإنا به أي‬ ‫بالقرآن والرسول كافرون أي جاحدون منكرون مكذبون وقالوا أبعد من ذلك في الشطط والغلط‬ ‫عظِيمٍ}‬ ‫جلٍ مِنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ َ‬ ‫وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله‪َ { :‬وقَالُوا َلوْل نُ ّزلَ َهذَا ا ْلقُرْآنُ عَلَى َر ُ‬

‫أي هلّ نزل هذا القرآن على رجل شريف ذي مكانة مثل الوليد بن المغيرة(‪ )4‬في مكة أو عروة‬ ‫بن مسعود في الطائف‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الفاء للتفريع وفي الية تهديد ووعيد لكفار قريش بأن يحل بهم ما حل بالمكذبين قبلهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬لما ادعى المشركون أنهم مقلدون آباءهم في الدين ذكر لهم ما ينبغي أن يقلدوه من آبائهم هو‬ ‫إبراهيم وإسماعيل وإل فليس المر كما يدعون وإنما هم متبعون أهواءهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بل للضراب البطالي أي لم يحصل ما رجاه إبراهيم كاملً بل هناك من لم يرجع إلى‬ ‫التوحيد من ذرية إبراهيم إذ جاء عمرو بن لحيّ بالصنام وعبدها آباء هؤلء وهم لها عابدون‬ ‫حتى مجيء الحق ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا المشهور من القوال في الرجلين ومنهم من قال هما عمير بن عبد ياليل الثقفي من‬ ‫الطائف وعتبة بن ربيعة من مكة وهو قول مجاهد‪ ،‬وقيل عظيم الطائف هو حبيب بن عمرو أما‬ ‫القريتان فل خلف في أنهما مكة والطائف لكونهما أكبر مدن تهامة‪.‬‬

‫( ‪)4/637‬‬ ‫وهذه نظرة مادية بحتة إذ رأوا أن الشرف بالمال‪ ،‬ولما كان محمد صلى ال عليه وسلم ل مال له‬ ‫ول ثراء رأوا أنه ليس أهل للرسالة ول للمتابعة عليها‪ ،‬فرد تعالى عيهم نظريتهم المادية الهابطة‬ ‫ح َمتَ رَ ّبكَ} ؟ أما يخجلون عندما قالوا أهم يقسمون رحمة ربك‬ ‫سمُونَ َر ْ‬ ‫هذه بقوله‪{ :‬أَهُمْ(‪َ )1‬يقْ ِ‬ ‫فيعطون منها من شاءوا ويمنعون من شاءوا أم نحن القاسمون؟ إنا قسمنا بينهم معيشتهم‪ :‬طعامهم‬ ‫وشرابهم وكساهم وسكنهم ومركوبهم في الحياة الدنيا فالعاجز حتى عن إطعام نفسه وسقيها‬ ‫وكسوتها كيف ل يستحي أن يعترض على ال في اختياره من هو أهل لنبوته ورسالته؟ وقوله‬ ‫ضهُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ} أي في الرزق فهذا غني وذاك فقير من أجل أن يخدم‬ ‫تعالى‪{ :‬وَ َر َفعْنَا َب ْع َ‬ ‫ضهُمْ َبعْضا سُخْرِيّا}‪ ،‬إذ لو كانوا كلهم أغنياء لما‬ ‫الفقير الغني وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬لِيَتّخِذَ(‪َ )2‬ب ْع ُ‬ ‫ح َمتُ رَ ّبكَ} أي الجنة دار السلم خير مما‬ ‫خدم أحد أحدا وتعطلت الحياة وقوله تعالى‪{ :‬وَرَ ْ‬ ‫يجمعون من المال الذي فضلوا أهله وإن كانوا من أحط الناس قدرا أدناهم شرفا‪ .‬ورأوا أنهم أولى‬ ‫بالنبوة منك لمرض نفوسهم بحب المال والشهوات‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬من الكمال العقلي أن يبتع المرء الهدى ولو خالفه قومه وأهل بلده‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب البراءة من الشرك والمشركين وهذا معنى ل إله إل ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضيلة من يورث أولده هدى وصلحا‪.‬‬

‫‪ -4‬ل يعترض على ال أحد في شرعه وتدبيره إل كفر والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان الحكمة في الغنى والفقر‪ ،‬والصحة والمرض والذكاء والغباء‪.‬‬ ‫سقُفا مِنْ ِفضّ ٍة َو َمعَارِجَ عَلَ ْيهَا‬ ‫حمَنِ لِبُيُو ِتهِمْ ُ‬ ‫جعَلْنَا ِلمَنْ َي ْكفُرُ بِالرّ ْ‬ ‫وََلوْل أَنْ َيكُونَ النّاسُ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً لَ َ‬ ‫ظهَرُونَ(‪ )33‬وَلِبُيُو ِتهِمْ أَ ْبوَابا وَسُرُرا عَلَ ْيهَا يَ ّتكِئُونَ(‪ )34‬وَزُخْرُفا وَإِنْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الستفهام إنكاري متضمن التوبيخ لهؤلء الزاعمين اختيار من شاءوا للصطفاء والرسالة‬ ‫فعلموا أنه ل حق لهم في هذا الختيار إذ هم ل خيار لهم حتى في طعامهم وشرابهم فضل عن‬ ‫اختيار من يرسل ومن ل يرسل‪.‬‬ ‫‪ -2‬الجملة تعليلية للتفاضل في الرزق أي فاضل بينهم في الغنى والفقر ليتخذ بعضهم بعضا‬ ‫سخريا أي يستخدم الغني الفقير في قضاء حاجتة وليأخذ الفقير منه ما يسد به حاجته والسخري‬ ‫هنا بمعنى التسخير للعمل وليس بمعنى السخرية والستهزاء إذ أجمع السبعة على قراءة ضم‬ ‫السين وعدم كسرها‪.‬‬

‫( ‪)4/638‬‬ ‫ُكلّ ذَِلكَ َلمّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَالْآخِ َرةُ عِ ْندَ رَ ّبكَ لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪)35‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أمة واحدة ‪ :‬أي على الكفر‪.‬‬ ‫ومعارج ‪ :‬أي كالسلم والمصعد الحديث والمعارج جمع معرج وهو المصعد‪.‬‬ ‫عليها يظهرون‪ :‬أي يعلون عليها إلى السطح‪.‬‬ ‫زخرفا ‪ :‬أي ذهبا أي لجعلنا لبيوتهم سقفا من فضة وذهب وكذلك البواب والمصاعد والسرر‬ ‫بعضها من فضة وبعضها من ذهب‪.‬‬ ‫وإن كل ذلك ‪ :‬أي وما كل ذلك المذكور‪.‬‬ ‫لما متاع الحياة الدنيا ‪ :‬أي وما كل ذلك إل متاع الحياة الدنيا يتمتع به فيها ثم يزول‪.‬‬ ‫والخرة ‪ :‬أي الجنة ونعيمها خير لهل اليمان والتقوى من متاع الدنيا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما فضل تعالى الجنة على المال والمتاع الدنيوي في اليات السابقة قال هنا‪{ :‬وََلوْل أَنْ َيكُونَ‬ ‫النّاسُ ُأمّةً وَاحِ َدةً} أي على الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن (يعني نفسه عز وجل) لبيوتهم سقفا‬ ‫من فضة‪ ،‬ومعارج(‪ )1‬عليها يظهرون(‪ )2‬أي مراقي ومصاعد عليها يعلون إلى الغرف والسطوح‬ ‫من فضة ولجعلنا كذلك لبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون من فضة أيضا‪ ،‬وزخرفا أي وذهبا أي‬ ‫بعض المذكور من فضة وبعضه من ذهب ليكون أجمل وأبهى من الفضة وحدها‪ ،‬وإن كل ذلك‬

‫لما متاع الحياة الدنيا أي وما كل ذلك إل متاع الحياة الدنيا يتمتع به الناس ثم يزول ويذهب‬ ‫بزوالهم وذهابهم‪ .‬والخرة عند ربك أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم للمتقين الذين آمنوا واتقوا‬ ‫الشرك والمعاصي وما عند ال خير مما عند الناس‪ ،‬وما يبقى خير مما يفنى‪ ،‬ولذا قال الحكماء لو‬ ‫كانت الدنيا من ذهب والخرة من خزف "طين" لختار العاقل الخرة على الدنيا‪ ،‬وهو اختيار ما‬ ‫يبقى على ما ينفى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المعارج السلم وجمع السلم سلليم وواحد المعارج معرج ومعرج بكسر الميم وفتحها وهي‬ ‫المرقاة والجمع مراقي‪.‬‬ ‫‪ -2‬روي أن نابغة بن جعدة أنشد رسول ال صلى ال عليه وسلم قائل‪:‬‬ ‫علونا السماء عزة ومهابة‬ ‫وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا‪.‬‬ ‫فغضب الرسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪ :‬إلى أين؟ قال إلى الجنة قال "أجل إن شاء ال"‬ ‫وهنا قال الحسن‪ :‬وال لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل؟!‬

‫( ‪)4/639‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬الميل إلى الدنيا وطلب متاعها فطري في النسان فلذا لو أعطيها الكافر بكفره لمال إليها كل‬ ‫الناس وطلبوها بالكفر‪.‬‬ ‫‪ -2‬هوان الدنيا على ال وعدم الكتراث بها إذ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لو كانت الدنيا‬ ‫تعدل عند ال جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء رواه الترمذي وصححه وفي صحيح‬ ‫مسلم‪ :‬الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر‪)1(.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الخرة خير للمتقين‪.‬‬ ‫حمَنِ ُنقَ ّيضْ َلهُ شَ ْيطَانا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ(‪ )36‬وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ‬ ‫َومَنْ َيعْشُ عَنْ ِذكْرِ الرّ ْ‬ ‫وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ(‪ )37‬حَتّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَ ْيتَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ ُبعْدَ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ فَبِئْسَ ا ْلقَرِينُ(‬ ‫سمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِي ا ْل ُع ْميَ‬ ‫‪ )38‬وَلَنْ يَ ْن َفعَكُمُ الْ َيوْمَ إِذْ ظََلمْتُمْ أَ ّنكُمْ فِي ا ْلعَذَابِ مُشْتَ ِركُونَ(‪َ )39‬أفَأَ ْنتَ تُ ْ‬ ‫َومَنْ كَانَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ(‪)40‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومن يعش عن ذكر الرحمن‪ :‬أي يعرض متعاميا متغافل عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن‬ ‫متجاهل له‪.‬‬

‫نقيض له شيطانا ‪ :‬أي نجعل له شيطانا يلزمه لضلله وإغوائه‪.‬‬ ‫فهو له قرين‪ :‬أي فهو أي من عشا عن ذكر الرحمن قرين للشيطان‪.‬‬ ‫وإنهم ليصدونهم عن السبيل ‪ :‬أي وإن الشياطين المقارنين لهم ليصدون عن طريق الهدى‪.‬‬ ‫ويحسبون أنهم مهتدون ‪ :‬أي ويحسب العاشون عن القرآن وحججه وعن ذكر الرحمن‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أنشد بعهم في ذم الدنيا فقال‪:‬‬ ‫فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن‬ ‫إذا لم يكن فيها معاش لظالم‬ ‫لقد جاع فيها النبياء كرامة‬ ‫وقد شبعت فيها بطون البهائم‬

‫( ‪)4/640‬‬ ‫وطاعته أنهم مهتدون أي أنهم على الحق والصواب وذلك بتزيين القرين لهم‪.‬‬ ‫بُعد المشرقين ‪ :‬أي كما بين المشرق والمغرب من البعد قال هذا تبرؤا منه‪.‬‬ ‫ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم‪ :‬أي ولن ينفعكم اليوم أيها العاشون إذ ظلمتم أنفسكم بالشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫أنكم في العذاب مشتركون‪ :‬اشترككم في العذاب غير نافع لكم‪.‬‬ ‫أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي‪ : :‬أي إنك يا رسولنا ل تسمع الصم‪ ،‬ول تهدي العمي والقوم قد‬ ‫أصمهم ال وأعمى أبصارهم لنهم عشوا عن ذكره‪.‬‬ ‫ومن كان في ضلل مبين‪ :‬أي كما أنك ل تقدر على هداية من كان في ضلل مبين عن الحق‬ ‫والهدى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرض الهداية على الضالين بالكشف عن أحوالهم وإضاءة الطريق لهم‬ ‫حمَنِ} أي يعرض متعاميا متغافل عن ذكر الرحمن الذي‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيعْشُ(‪ )1‬عَنْ ِذكْرِ الرّ ْ‬ ‫هو القرآن وعبادة الرحمن متجاهل ذلك نقيض(‪ )2‬له شيطانا أي نسبب له نتيجة إعراضه شيطانا‬ ‫ونجعله له قرينا ل يفارقه في الدنيا ول في الخرة‪ .‬فهو له قرين دائما‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وإِ ّنهُمْ‬ ‫لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ} أي وإن القرناء الذين جعلهم تعالى حسب سنته في‬ ‫السباب والمسببات للعاشين عن ذكره يصدونهم بالتزيين والتحسين لكل المعاصي حتى انغمسوا‬ ‫في كل اثم وولغوا في كل باطل وشر‪ ،‬وضلوا عن سبيل الهدى والرشد ومع هذا يحسبون أنهم‬ ‫مهتدون وغيرهم هم الظالمون‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬حَتّى إِذَا جَاءَنَا}( ‪ )3‬أي يوم القيامة قال العاشي عن ذكر الرحمن يا ليت متمنيا‬ ‫بيني وبينك بعد المشرقين أي يتمنى لو أن بينه وبين قرينه من الشياطين من البعد كما بين‬ ‫المشرق والمغرب‪ .‬قال تعالى لولئك العاشين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنفسكم بالشرك‬ ‫والمعاصي في الدنيا أنكم في العذاب مشتركون أي إن اشتراككم في العذاب غير نافع لكم ول مجدٍ‬ ‫سمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِي ا ْل ُع ْميَ َومَنْ كَانَ فِي ضَللٍ‬ ‫أبدا‪ .‬وقوله تعالى لرسوله‪َ{ :‬أفَأَ ْنتَ(‪ )4‬تُ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا مضارع عشا يعشو عشوا كغزا (يغزو) غزوا إذا نظر إلى الشيء نظرا غير ثابت يشبه‬ ‫نظر العشى والعشا بفتح العين والشين اسم ضعف العين عن رؤية الشياء‪ .‬وعشى كرضى إذا‬ ‫كان في بصره آفة العشا‪.‬‬ ‫‪ -2‬قيض يقيض تقييضا فالتقييض‪ :‬التاحة وتهيئة شيء لملزمة شيء لعمل حتى يتمه وهو‬ ‫مشتق من اسم جامد وهو قيض البيضة أي القشر المحيط بالمح‪ ،‬وهو ل يفارقه حتى يخرج منها‬ ‫الفرخ فيتم ما أتيح له القيض‪.‬‬ ‫‪ -3‬قرأ نافع جاءانا أي من يعش عن ذكر الرحمن والشيطان المقيض له وقرأ حفص بالفراد‬ ‫جاءنا أي العاشي عن ذكر الرحمن‪.‬‬ ‫‪ -4‬الستفهام إنكاري وفي الية تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم وتسجيل أن الكافر أصم‬ ‫وأعمى ويقابله المؤمن يسمع ويبصر‪.‬‬

‫( ‪)4/641‬‬ ‫مُبِينٍ} ينكر تعالى على رسوله ظنه أنه يقدر على هدايتهم وحده بدون إرادة ال تعالى ذلك لهم إذ‬ ‫كان النبي صلى ال عليه وسلم يجتهد في دعائهم‪ ،‬وهم ل يزدادون إل تعاميا وتجاهل وكفرا فقال‬ ‫تعالى يخاطب رسوله {َأفَأَ ْنتَ} والستفهام للنكار تسمع الصم الذين ذهب ال بأسماعهم‪ ،‬أو تهدي‬ ‫العمي الذين ذهب ال بأبصارهم‪ ،‬ومن كان في ضلل مبين عن الحق وسبيل الرشد والهدى إنك‬ ‫ل تقدر على ذلك فهون على نفسك وترفق في دعوتك فإنك ل تكلف غير البلغ وقد بلغت‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى فيمن يعرض عن ذكر ال فإنه يسبب له شيطانا يضله ويحرمه الهداية أبدا‬ ‫فيقيم على الذنوب والثام ضالً الطريق المنجي المسعد وهو يحسب أنه مهتدٍ‪ ،‬وهذا يتعرض له‬ ‫المعرضون عن الكتاب والسنة كالمبتدعة وأصحاب الهواء والشهوات والعياذ بال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬الشتراك في العذاب يوم القيامة ل يخففه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن من أعماه ال وأصمه حسب سنته في ذلك ل هادي له ول مسمع له ول مبصر‪.‬‬

‫سكْ‬ ‫فَِإمّا نَذْهَبَنّ ِبكَ فَإِنّا مِ ْنهُمْ مُنْ َتقِمُونَ(‪َ )41‬أوْ نُرِيَ ّنكَ الّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنّا عَلَ ْي ِهمْ ُمقْتَدِرُونَ(‪ )42‬فَاسْ َتمْ ِ‬ ‫س ْوفَ تُسْأَلونَ(‪ )44‬وَاسَْألْ‬ ‫علَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(‪ )43‬وَإِنّهُ َل ِذكْرٌ َلكَ وَلِ َق ْو ِمكَ وَ َ‬ ‫حيَ إِلَ ْيكَ إِ ّنكَ َ‬ ‫بِالّذِي أُو ِ‬ ‫حمَنِ آِلهَةً ُيعْ َبدُونَ(‪)45‬‬ ‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬ ‫مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا َأ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإما نذهبن بك ‪ :‬أي فإن نذهبن بك أي نميتك(‪ )1‬قبل تعذيبهم‪ ،‬وما زائدة أدغمت فيها إن الشرطية‬ ‫فصارت إمّا‪.‬‬ ‫فإنا منهم منتقمون ‪ :‬أي معذبوهم في الدنيا وفي الخرة‪.‬‬ ‫وإما نرينك الذي وعدناهم‪ :‬أي وإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أو بالخروج من مكة مكرها عليه من قبل أعدائك‪ ،‬وهجرة الرسول صلى ال عليه وسلم ما‬ ‫كانت إل بإرادته الحرة ولم يكن فيها مكرها ول مُلجأ ولذا لم ينتقم ال من أهل مكة كما هو في‬ ‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)4/642‬‬ ‫فإنا عليهم مقتدرون ‪ :‬أي ل يعوقنا عائق لنا عليهم قادرون‪.‬‬ ‫فاستمسك بالذي أوحي إليك ‪ :‬أي دم على استمساكك بالقرآن سواء عجلنا لك بالموعود به أو‬ ‫أخرناه‪.‬‬ ‫إنك على صراط مستقيم ‪ :‬أي إنك على طريق الحق والهدى فواصل سيرك‪.‬‬ ‫وإنه لذكر لك ولقومك ‪ :‬أي وإن القرآن لشرف لك وشرف لقومك‪.‬‬ ‫وسوف تسألون ‪ :‬أي عن القرآن أي عن العمل به بتطبيق شرائعه وإبلغه لغيركم‪.‬‬ ‫واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا‪ :‬أي اسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والنجيل‪.‬‬ ‫أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون‪ :‬أي هل جعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون والجواب لم‬ ‫نجعل أبدا فليفهم هذا مشركو مكة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة كفار قريش إلى اليمان والتوحيد فقوله تعالى {فَِإمّا(‪َ )1‬نذْهَبَنّ ِبكَ}‬ ‫أي إن نذهب بك أي نخرجك من بين أظهرهم فإنا منهم منتقمون أي فنعذبهم كما عذبنا المم من‬ ‫قبلهم عندما يخرجون رسولهم أو نرينك الذي وعدناهم من نصرك عليهم وغلبتك لهم فإنا عليهم‬ ‫مقتدرون أي قادرون على أن نفعل بهم ذلك‪.‬‬ ‫حيَ إِلَ ْيكَ إِ ّنكَ عَلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ} أي فتمسك يا رسولنا بما‬ ‫سكْ(‪ )2‬بِالّذِي أُو ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَاسْ َتمْ ِ‬ ‫يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك إنك على صراط مستقيم وهو السلم الذي ل يشقى‬

‫س ْوفَ تُسْأَلونَ} أي‬ ‫من تمسك به فعاش عليه ومات عليه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َلكَ وَلِ َق ْو ِمكَ وَ َ‬ ‫وأن القرآن الذي أوحي إليك وأمرت بالتمسك به هو ذكر لك أي شرف لك وأي شرف(‪)3‬‬ ‫ولقومك من قريش كذلك إذا آمنوا به وعملوا بما جاء فيه وسوف تسألون(‪ )4‬عن العمل به‬ ‫وتطبيق أحكامه واللتزام بشرائعه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الفاء تفريعية فالجملة متفرعة عما تقدم من قوله أفأنت تسمع الصم الخ والذهاب هنا قابل‬ ‫للموت والخراج كرها بقرينة الوعيد المترتب عليه‪.‬‬ ‫‪ -2‬فاستمسك الفاء تفريعية عما قبلها والية تحض على التمسك بالسلم تشريعا وعملً‪.‬‬ ‫‪ -3‬هذه الية كآية النبياء وهي‪{ :‬لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم} ومنشأ هذا الشرف هو أن‬ ‫قريشا نزل القرآن بلغتها فكل الناس محتاجون إلى معرفة لغتهم ليعرفوا ما طلب منهم من عقائد‬ ‫وعبادات وآداب فبهذا شرفت قريش‪.‬‬ ‫‪ -4‬من فسر السؤال بالعمل هو حق وكذا من فسره بالشكر فهو حق لن شكر العلم العمل به‬ ‫وتعليمه‪.‬‬

‫( ‪)4/643‬‬ ‫حمَنِ آِلهَةً ُيعْبَدُونَ} ؟ أي‬ ‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬ ‫وقوله {وَاسَْألْ(‪ )1‬مَنْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رُسُلِنَا أَ َ‬ ‫واسأل يا رسولنا مؤمني أهل الكتابين التوراة والنجيل إذ سؤالهما سؤال رسلهم الذين ماتوا من‬ ‫قبلك هل جعل ال تعالى من دونه آلهة يعبدون؟ وسوف يجيبونك بقولهم حاشا ل أن يأذن بعبادة‬ ‫غيره من خلقه وهو ال ل إله إل هو‪ ،‬وهذا من أجل تنبيه أذهان قريش إلى خطأها الفاحش في‬ ‫إصرارهم على عبادة الصنام إن القرآن نزل لهدايتهم وهداية غيرهم من بني آدم على الطلق‬ ‫إل أنهم هم أولً وغيرهم ثانيا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬من سنة ال في المم إذا أخرج الرسولَ قومُه مكرها انتقم ال تعالى له منهم فأهلكهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬صدق وعد ال تعالى لرسوله فإنه ما توفاه حتى أقر عينه بنصره على أعدائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب التمسك بالكتاب والسنة اعتقادا وعملً‪.‬‬ ‫‪ -4‬شرف هذه المة بالقرآن فإن أضاعَتْه أضاعها ال وأذلهّا وقد َف َعلَ‪.‬‬ ‫عوْنَ َومَلَِأهِ َفقَالَ إِنّي َرسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )46‬فََلمّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا‬ ‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْ َ‬ ‫حكُونَ(‪َ )47‬ومَا نُرِي ِهمْ مِنْ آ َيةٍ إِلّا ِهيَ َأكْبَرُ مِنْ ُأخْ ِتهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِا ْل َعذَابِ َلعَّلهُمْ‬ ‫إِذَا هُمْ مِ ْنهَا َيضْ َ‬ ‫شفْنَا‬ ‫ع ِهدَ عِنْ َدكَ إِنّنَا َل ُمهْ َتدُونَ(‪ )49‬فََلمّا كَ َ‬ ‫جعُونَ(‪َ )48‬وقَالُوا يَا أَ ّيهَا السّاحِرُ ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ِبمَا َ‬ ‫يَرْ ِ‬

‫عَ ْنهُمُ ا ْل َعذَابَ إِذَا ُهمْ يَ ْنكُثُونَ(‪)50‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬جائز أن يكون الكلم على ظاهره وأن النبي صلى ال عليه وسلم قد جمع ال تعالى له العديد‬ ‫من الرسل والنبياء في بيت المقدس ليلة السراء والمعراج وسألهم فأجابوا بالحق وهو أن ال‬ ‫تعالى لم يأذن أبدا في عبادة غيره وجائز أن يكون في الكلم حذف دل عليه واقع الحياة إذ ل‬ ‫يسأل الموات وإنما يسأل الحياء وتقدير المحذوف واسأل أتباع من أرسلنا من قبلك وهم مؤمنو‬ ‫أهل الكتابين من أتباع موسى وعيسى كما هو في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)4/644‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد أرسلنا موسى بآياتنا‪ :‬أي أرسلناه بالمعجزات الدالة على صدق رسالته‪.‬‬ ‫إلى فرعون ومله ‪ :‬أي وقومه من القبط‪.‬‬ ‫إذا هم منها يضحكون‪ :‬أي سخرية واستهزاء‪.‬‬ ‫وما نريهم من آية ‪ :‬أي آيات العذاب كالطوفان‪.‬‬ ‫إل هي أكبر من أختها‪ :‬أي من قرينتها التي قبلها من اليات‪.‬‬ ‫وقالوا يا أيها الساحر‪ :‬أي أيها العالم بالسحر المتبحر فيه‪.‬‬ ‫بما عهد عندك ‪ :‬أي من كشف العذاب عنا إن آمنا‪.‬‬ ‫إنا لمهتدون ‪ :‬أي إن كشفت عنا العذاب إنا مؤمنون‪.‬‬ ‫إذا هم ينكثون ‪ :‬أي ينقضون عهدهم فلم يؤمنوا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا} إيراد هذا القصص هنا كان لمشابهة حال قريش بحال فرعون من جهة‬ ‫إذ قال رجال قريش لم ل يكون الرسول من ذوي المال والجاه كالوليد بن المغيرة أو عروة بن‬ ‫مسعود وقال فرعون‪ :‬أم أنا خير من هذا الذي هو مهين أي حقير يعني موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى كان لتسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر كما صبر موسى‬ ‫وهو أحد أولي العزم الخمسة فقال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا} أي بحججنا الدالة على‬ ‫صدق موسى في رسالته إلى فرعون وقومه بأن يعبدوا ال ويتركوا عبادة غيره‪ ،‬وإن يرسلوا مع‬ ‫موسى بني إسرائيل ليذهب بهم إلى أرض المعاد "فلسطين" فلما جاءهم قال إني رسول رب‬ ‫العالمين جئتكم لمركم بعبادة ال وحده وترك عبادة من سواه‪ ،‬إذ ل يستحق العبادة إل ال‪.‬‬ ‫فطالبوه باليات على صدق دعواه فلما جاءهم باليات العظام فاجأوه بالضحك منها والسخرية‬ ‫حكُونَ}( ‪.)1‬‬ ‫ضَ‬ ‫والستهزاء بها وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِ ْنهَا َي ْ‬

‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلّا ِهيَ َأكْبَرُ مِنْ ُأخْ ِتهَا}( ‪ )2‬أي وما نري فرعون ومله من آية‬ ‫خذْنَاهُمْ بِا ْلعَذَابِ َلعَّلهُمْ‬ ‫إل هي أكبر دللة على صدق موسى من الية التي سبقها‪ .‬قال تعالى {وَأَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬أي استهزاء وسخرية يوهمون أتباعهم أن تلك اليات سحر وتخييل وأنهم قادرون على التيان‬ ‫بمثلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬الخت هنا بمعنى المشاكلة والمجانسة النوعية كما يقال هذه صاحبة تلك أي قريبة منها في‬ ‫المعنى والكبر والمراد به الكبر في الدللة على صدق موسى وصحة دعوته إذ المعجزات تتفاوت‬ ‫في العظمة كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫من تلق منهم تقل لقيت سيدهم‬ ‫مثل النجوم التي يسري بها الساري‬

‫( ‪)4/645‬‬ ‫جعُونَ} إلى الحق فيؤمنون ويوحدون‪ .‬وقالوا لموسى يا أيها الساحر(‪ )1‬أي العليم بالسحر‬ ‫يَرْ ِ‬ ‫المتبحر فيه ظنا منهم أن المعجزات كانت عمل ساحر‪ .‬ادع لنا ربك(‪ )2‬بما عهد عندك إنا‬ ‫لمهتدون أي سل ربك يرفع عنا هذا العذاب كالطوفان والجراد والقمل والضفادع إنا مؤمنون‬ ‫وكانوا كلما نزل بهم العذاب سألوا موسى ووعدوه باليمان به إن رفع ال عنهم العذاب وفي كل‬ ‫شفْنَا عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَابَ إِذَا هُمْ يَ ْنكُثُونَ} أي ينقضون العهد‬ ‫مرة ينكثون عهدهم وهو قوله تعالى {فََلمّا َك َ‬ ‫ول يؤمنون كما واعدوا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬اليات دليل على صدق من جاء بها‪ ،‬ولكن ل تستلزم اليمان ممن شاهدها‪.‬‬ ‫‪ -2‬قد يؤاخذ ال الفراد أو الجماعات بالذنب المرة بعد المرة لعلهم يتوبون إليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة خلف الوعد ونكث العهد‪ ،‬وأنهما من آيات النفاق وعلماته‪.‬‬ ‫عوْنُ فِي َق ْومِهِ قَالَ يَا َقوْمِ أَلَ ْيسَ لِي مُ ْلكُ ِمصْ َر وَ َه ِذهِ الْأَ ْنهَارُ تَجْرِي مِنْ َتحْتِي َأفَل‬ ‫وَنَادَى فِرْ َ‬ ‫سوِ َرةٌ مِنْ‬ ‫ن وَل َيكَادُ يُبِينُ(‪ )52‬فََلوْل أُ ْلقِيَ عَلَ ْيهِ أَ ْ‬ ‫تُ ْبصِرُونَ(‪َ )51‬أمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ َهذَا الّذِي ُهوَ َمهِي ٌ‬ ‫سقِينَ(‪ )54‬فََلمّا‬ ‫خفّ َق ْومَهُ فََأطَاعُوهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا َقوْما فَا ِ‬ ‫ذَ َهبٍ َأوْ جَاءَ َمعَهُ ا ْلمَل ِئكَةُ مُقْتَرِنِينَ(‪ )53‬فَاسْ َت َ‬ ‫جعَلْنَاهُمْ سَلَفا َومَثَلً لِلْآخِرِينَ(‪)56‬‬ ‫ج َمعِينَ(‪َ )55‬ف َ‬ ‫سفُونَا انْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ َأ ْ‬ ‫آَ‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬هذا النداء في هذا الموقف كان نداء تكريم وتعظيم كعادتهم في توقير وتعظيم علمائهم السحرة‬ ‫لنهم لما أصابهم من البلء اعترفوا بمكانة موسى وسيادته وأيّه تكتب بدون ألف اتباعا للمصحف‬

‫وحذفت اللف نظرا إلى سقوطها في النطق للوصل والهاء حرف تنبيه أتي بها للفصل بين أي‬ ‫وبين نعتها في النداء‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذا جريا على اعتقاد القباط وهو أن لكل أمة أو قبيلة ربا خاصا بها لذا قالوا لموسى ادع لنا‬ ‫ربك‪.‬‬

‫( ‪)4/646‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ونادى فرعون في قومه‪ :‬أي نادى فيهم افتخارا وتبجحا بما عنده‪.‬‬ ‫وهذه النهار تجري من تحتي ‪ :‬أي من النيل تجري من تحت قصوري‪.‬‬ ‫أفل تبصرن ‪ :‬أي عظمتي وما أنا عليه من الجلل والكمال‪.‬‬ ‫أم أنا خير ‪ :‬أي من موسى الذي هو مهين ول يكاد يبين أي يفصح لِلثّغة التي في لسانه‪.‬‬ ‫فلول ألقي عليه أسورة من ذهب ‪ :‬أي هلّ ألقي عليه أسورة من ذهب من قِبَل الذي أرسله‪.‬‬ ‫أو جاء معه الملئكة مقترنين ‪ :‬أي أو جاءت الملئكة يتبع بعضها بعضا تشهد له بالرسالة‪.‬‬ ‫فاستخف قومه فأطاعوه‪ :‬أي استفز فرعون قومه أي قال لهم ما حركهم به فخفوا لطاعته‪.‬‬ ‫إنهم كانوا قوما فاسقين‪ :‬أي أطاعوه لكونهم قوما فاسقين ففسقهم هو علة طاعتهم‪.‬‬ ‫فلما آسفونا انتقمنا منهم‪ :‬أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم‪.‬‬ ‫فجعلناهم سلفا ‪ :‬أي فرعون وقومه سلفا أي سابقين ليكونوا عبرة لمن بعدهم‪.‬‬ ‫ومثلً للخرين‪ :‬أي يتمثلون بحالهم فل يقدمون على مثل فعلهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عوْنُ(‪ )1‬فِي َق ْومِهِ} لجل‬ ‫ما زال السياق الكريم في قصة موسى مع فرعون قال تعالى‪{ :‬وَنَادَى فِرْ َ‬ ‫الفتخار والتطاول إرهابا للناس قال يا قوم أليس لي ملك مصر‪ ،‬وهذه النهار أي أنهار النيل(‪)2‬‬ ‫تجري من تحتي(‪ )3‬أي من تحت قصوره‪ ،‬أفل يبصرون فإذا أبصرتم فقولوا أنا خير(‪ )4‬من هذا‬ ‫الذي هو مهين أي حقير يتولى الخدمة بنفسه‪ ،‬ول يكاد يبين أي يفصح بلسانه لعلة به وهي اللثغة‬ ‫ل ألقى عليه من أرسله أساورة من ذهب أو‬ ‫أم هو؟‪ .‬فلول ألقي عليه أساورة(‪ )5‬من ذهب أي ه ّ‬ ‫خفّ َق ْومَهُ} أستفزهم بقوله هذا‬ ‫بعث معه الملئكة مقترنين يشهدون له بالرسالة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَاسْ َت َ‬ ‫وحركهم فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين‪ ،‬والفاسق جبان خواف يستجيب بسرعة للباطل إن كان‬ ‫ممن يخاف عادة كالحاكم الظالم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قيل لما كشف ال عنهم العذاب بدعوة موسى أضمر فرعون وملؤه نكث العهد الذي أعطاه‬ ‫لموسى وهو أنهم يهتدون فخاف فرعون أن يتبع قومه موسى فقام بهذه المناورة الرخيصة فنادى‬

‫في قومه فجمعهم وقال فيهم ما ذكر تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذه النهار هي فروع النيل وهي أربعة هي نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر‬ ‫تنّيس‪.‬‬ ‫‪ -3‬جائز أن تكون النهار له تسلط على مصابها فلذا هدد قومه بذلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬أم أنا خير (أم) المنقطعة بمعنى بل للضراب النتقالي والتقدير بل أنا خير والستفهام‬ ‫تقريري أراد تفضيل نفسه على موسى عليه السلم والمهين‪ :‬الذليل الذي لم يكن من بيوت الشرف‬ ‫والجاه‪.‬‬ ‫‪ -5‬قرأ نافع والجمهور أساورة جمع أسوار لغة في سوار‪ ،‬وقرأ حفص أسورة جمع سوار‬ ‫والمراد من قوله ألقي عليه أساورة يريد إن كان ملكا أو رسول كما يزعم لم ل يلقى إليه من‬ ‫السماء أساورة كالتي يلبسها ملوك فارس ومصر‪ ،‬أو تأتي معه الملئكة يشهدون له بالرسالة بما‬ ‫يدعي وكل هذا من باب دفع معرة الهزيمة التي لحقته‪.‬‬

‫( ‪)4/647‬‬ ‫سفُونَا} أي أغضبونا بنكثهم وكفرهم وكبريائهم وظلمهم أغرقناهم أجمعين أي‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬فَلمّا آ َ‬ ‫جعَلْنَا ُهمْ سَلَفا(‪َ )1‬ومَثَلً لِلْآخِرِينَ} أي‬ ‫فلم نبق منهم أحدا والمراد فرعون وجنوده‪ .‬وقوله تعالى {فَ َ‬ ‫جعلنا فرعون‪ ،‬ومن أغرقنا معه من ملئه وجيوشه سلفاً أي سابقين ليكونوا عبرة لمن بعدهم‪،‬‬ ‫ومثلً يتمثل به من بعدهم فل يقدمون على ما أقدموا عليه من الكفر والظلم والعلو والفساد‪ ،‬وأولى‬ ‫من يعتبر بهذا قريش التي نزل لينبّهها ويحرك كامن نفسها لتنتبه من غفلتها فتؤمن وتوحد فتنجوا‬ ‫وتكمل وتسعد‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذم الفخر والمباهاة إذ هما من صفات المتكبرين والظالمين‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحتقار للفقراء والزدراء بهم من صفات الجبارين الظلمة المتكبرين‪.‬‬ ‫‪ -3‬الفسق يجعل صاحبه مطية لكل ظالم أداة يسخره كما يشاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من غضب الرب تبارك وتعالى فإنه متى غضب انتقم فبطش‪.‬‬ ‫وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْ َيمَ مَثَلً إِذَا َق ْو ُمكَ مِنْهُ َيصِدّونَ(‪َ )57‬وقَالُوا أَآِلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ ُهوَ مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِلّا‬ ‫جعَلْنَاهُ مَثَلً لِبَنِي إِسْرائيلَ(‪ )59‬وََلوْ‬ ‫صمُونَ(‪ )58‬إِنْ ُهوَ إِلّا عَ ْبدٌ أَ ْن َعمْنَا عَلَيْهِ وَ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ج َدلً َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬ ‫َ‬ ‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ مَل ِئكَةً فِي الْأَ ْرضِ َيخُْلفُونَ(‪ )60‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَل َتمْتَرُنّ ِبهَا وَاتّ ِبعُونِ َهذَا‬ ‫نَشَاءُ لَ َ‬ ‫صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ(‪ )61‬وَل َيصُدّ ّنكُمُ الشّيْطَانُ إِنّهُ َلكُمْ عَ ُدوّ مُبِينٌ(‪)62‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫ولما ضرب ابن مريم مثل ‪ :‬أي ولما جعل عيسى بن مريم مثل‪ ،‬والضارب ابن الزبعري‪.‬‬ ‫إذا قومك منه يصدون ‪ :‬أي إذ المشركون من قومك يصدون أي يضحكون فرحا بما سمعوا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬السلف‪ :‬جمع سالف كخدم جمع خادم وحرس جمع لحارس والسالف‪ :‬من يسبق غيره في‬ ‫الوجود‪.‬‬

‫( ‪)4/648‬‬ ‫وقالوا أآلهتنا خير أم هو؟ ‪ :‬أي ألهتنا التي نعبدها خير أم هو أي عيسى ابن مريم فنرضى أن‬ ‫تكون آلهتنا معه‪.‬‬ ‫ما ضربوه لك إل جدل ‪ :‬أي ما جعلوه أي المثل لك إل خصومة بالباطل لعلمهم أن ما لغير‬ ‫العاقل فل يتناول اللفظ عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫بل هم قوم خصمون ‪ :‬أي شديدو الخصومة‪.‬‬ ‫إن هو إل عبد أنعمنا عليه ‪ :‬أي ما هو أي عيسى إل عبد أنعمنا عليه بالنبوة‪.‬‬ ‫وجعلناه مثل لبني إسرائيل ‪ :‬أي لوجوده من غير أب كان مثل لبني إسرائيل لغرابته يستدل به‬ ‫على قدرة ال على ما يشاء‪.‬‬ ‫ولو نشاء لجعلنا منكم ملئكة ‪ :‬أي ولو نشاء لهلكناكم وجعلنا بدلكم ملئكة‪.‬‬ ‫في الرض يخلفون ‪ :‬أي يعمرون الرض ويبعدون ال فيها يخلفونكم فيها بعد إهلككم‪.‬‬ ‫وإنه لعلم للساعة ‪ :‬أي وإن عيسى عليه السلم لعلم للساعة تُعلم بنزوله إذا نزل‪.‬‬ ‫فل تمترن بها ‪ :‬أي ل تشكن فيها أي في إثباتها ول في قربها‪.‬‬ ‫واتبعون هذا صراط مستقيم ‪ :‬أي وقل لهم اتبعون على التوحيد هذا صراط مستقيم وهو السلم‪.‬‬ ‫ول يصدنكم الشيطان‪ :‬أي ول يصرفنكم الشيطان عن السلم‪.‬‬ ‫إنه لكم عدو مبين ‪ :‬أي إن الشيطان لكم عدو بين العدواة فل تتبعوه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْ َيمَ مَثَلً إِذَا َقوْ ُمكَ مِنْهُ َيصِدّونَ} روي أن ابنَ الزبعري قال‬ ‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬لما نزلت آية النبياء إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم‬ ‫أنتم لها ورادون قال‪ :‬أهذا لنا وللهتنا أم لجميع المم؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هو‬ ‫لكم وللهتكم ولجميع المم‪ ،‬فقال ابن الزبعري خصمتك ورب الكعبة‪ ،‬أليست النصارى يعبدون‬ ‫المسيح واليهود يعبدون العزير وبنو مليح يعبدون الملئكة فإن كان هؤلء في النار فقد رضينا أن‬ ‫نكون نحن وآلهتنا معهم‪ ،‬ففرح بها المشركون وضحكوا وضجوا بالضحك مرتفعة أصواتهم بذلك‬ ‫ونزلت في هذه الحادثة الية‪َ { :‬وَلمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْ َيمَ(‪ )1‬مَثَلً} أي ولما جعل ابن الزبعري عيسى‬

‫بن مريم مثلً إذ جعله مشابها للصنام من حيث أن النصارى اتخذوه إلها وعبدوه من دون ال‪،‬‬ ‫وقال فإذا كان عيسى والعزير‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬المراد بالمثل هنا الممثل به والمشبه به لن ابن الزبعري شبه آلهتهم بعيسى في أنها عبدت‬ ‫من دون ال مثله فإذا كانوا في النار فعيسى كذلك‪.‬‬

‫( ‪)4/649‬‬ ‫والملئكة في النار فقد رضينا أن نكون وآلهتنا معهم ففرح بها المشركون وصدوا(‪ )1‬وضجوا‬ ‫بالضحك‪ .‬وقالوا آلهتنا خير أم هو أي المسيح؟ قال تعالى لرسوله‪ :‬ما ضربوه لك إل جدلً أي ما‬ ‫ضرب لك ابن الزبعري هذا المثل طلبا للحق وبحثا عنه وإنما ضربه لك لجل الجدل والخصومة‬ ‫بل هم قوم خصمون مجبولون على الجدل والخصام‪.‬‬ ‫جعَلْنَاهُ مَثَلً لِبَنِي إِسْرائيلَ}‬ ‫وقوله {إِنْ ُهوَ} أي عيسى {إِلّا عَبْدٌ أَ ْن َعمْنَا عَلَ ْيهِ} بالنبوة والرسالة‪{ ،‬وَ َ‬ ‫يستدلون به على قدرة ال وأنه عز وجل على كل ما يشاء قدير إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم‬ ‫من تراب ثم قال له كن فكان‪.‬‬ ‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ مَل ِئكَةً فِي الْأَ ْرضِ يَخُْلفُونَ} أي ولو نشاء لهلكناكم يا بني‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ نَشَاءُ َل َ‬ ‫آدم ولم نبق منكم أحدا‪ .‬وجعلنا بدَلَكم في الرض ملئكة يخلقونكم فيها فيعمرونها ويعبدون ال‬ ‫تعالى فيها ويوحدونه ول يشركون به سواه‪.‬‬ ‫عةِ} أي إن عيسى عليه السلم لعلمة للساعة أي إن نزول عيسى عليه‬ ‫وقوله {وَإِنّهُ(‪َ )2‬لعِ ْلمٌ لِلسّا َ‬ ‫السلم في آخر الزمان علمة على قرب الساعة‪ .‬فل تمترن بها أي فل تشكّن في إتيانها فإنها آتية‬ ‫وقريبة‪ .‬وقوله واتبعون أي وقل لهم يا رسولنا واتبعون على التوحيد وما جئتكم به من الهدى هذا‬ ‫صراط مستقيم أي السلم القائم على التوحيد الذي نزل به القرآن وجاء به رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ .‬ول يصدنكم الشيطان عن السلم بوساوسه وإغوائه فيصرفكم عن التوحيد والسلم‬ ‫إنه لكم عدو مبين وليس أدل على عدوانه من أنه أخرج آدم بإغوائه من الجنة حسدا له وبغيا‬ ‫عليه‪ .‬فمثل هذا العدو ل يصح أبدا الستماع إليه والمشي وراءه واتباع خطواته‪ .‬ومن يتبع‬ ‫خطواته يهلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن قريشا أوتيت الجدل والقوة في الخصومة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم الجدل لغير إحقاق حق أو إبطال باطل وفي الحديث ما ضل قوم بعد هُدى كانوا عليه إل‬ ‫أتوا الجدل‪.‬‬

‫‪ -3‬شرف عيسى وعلو مكانته وأن نزوله إلى الرض علمة كبرى من علمات قرب الساعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة اتباع الشيطان لنه يضل ول يهدي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قرأ نافع يصدون من صد يصد عن كذا إذا أعرض فيصدون بمعنى يعرضون عن القرآن‬ ‫ويقولون إن فيه تناقضا من أجل فرية ابن الزبعري‪ ،‬وقرأ حفص يصدون بكسر الصاد من الصد‬ ‫بمعنى الصخب والضجيج‬ ‫‪ -2‬وجائز أن يكون الضمير في (وإنه) عائد إلى القرآن أو إلى المنزّل عليه محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم إذ قال صلى ال عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين السبابة والوسطى مشيرا‬ ‫إليهما"‪ .‬وما في التفسير مروي عن كبار التابعين مجاهد وقتادة وابن عباس الصاحب الجليل‬ ‫رضي ال عنهما ولذا قدمته في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)4/650‬‬ ‫ح ْكمَ ِة وَلِأُبَيّنَ َل ُكمْ َب ْعضَ الّذِي َتخْتَِلفُونَ فِيهِ فَا ّتقُوا اللّهَ‬ ‫وََلمّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ قَالَ َقدْ جِئْ ُتكُمْ بِالْ ِ‬ ‫وَأَطِيعُونِ(‪ )63‬إِنّ اللّهَ ُهوَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ فَاعْ ُبدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ(‪ )64‬فَاخْتََلفَ الَْأحْزَابُ مِنْ بَيْ ِنهِمْ‬ ‫عذَابِ َيوْمٍ أَلِيمٍ(‪َ )65‬هلْ يَ ْنظُرُونَ إِلّا السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َي ُهمْ َبغْتَ ًة وَهُمْ ل‬ ‫َفوَيْلٌ لِلّذِينَ ظََلمُوا مِنْ َ‬ ‫شعُرُونَ(‪)66‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫شرح الكلمات ‪:‬‬ ‫ولما جاء عيسى بالبينات ‪ :‬أي ولما جاء عيسى بن مريم إلى بني إسرائيل بالمعجزات والشرائع‪.‬‬ ‫قال قد جئتكم بالحكمة ‪ :‬أي قال لبنى إسرائيل قد جئتكم بالنبوة وشرائع النجيل ‪.‬‬ ‫ولبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ‪ :‬أي وجئتكم لبين لكم ما اختلفتم فيه من أحكام التوراة من‬ ‫أمر الدين وغيره‪.‬‬ ‫فاتقوا ال وأطيعون‪ :‬أي خافوا ال وأطيعون فيما أبلغكموه عن ال من المر والنهى ‪.‬‬ ‫إن ال ربي وربكم فاعبدوه‪ :‬أي إن ال إلهي وإلهكم فاعبدوه بحبه وتعظيمه والذلة له‪.‬‬ ‫هذا صراط مستقيم‪ :‬أي تقوى ال وطاعة الرسول وعبادة ال بما شرع هو السلم المعبر عنه‬ ‫بالصراط المستقيم‪.‬‬ ‫فاختلف الحزاب من بينهم‪ :‬أي في شأن عيسى أهو ال‪ :‬أو ابن ال‪ ،‬أو ثالث ثلثة‪.‬‬ ‫فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ‪ :‬أي فويل للذين كفروا بما قالوا في عيسى من الكذب‬ ‫والباطل‪.‬‬ ‫هل ينظرون إل الساعة أن تأتيهم بغتة وهم ل يشعرون ‪ :‬أي ما ينتظر هؤلء الحزاب مع‬

‫إصرارهم على ما قالوه في عيسى إل الساعة أن تأتيهم بغتة فجأة وهم ل يشعرون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن ذكر تعالى جدل المشركين في مكة وفرحهم بالباطل الذي قاله ابن الزبعري في شأن‬

‫( ‪)4/651‬‬ ‫الملئكة والعزير وعيسى عليهم السلم من أنهم في النار مع من عبدوهم‪ ،‬وبرأ تعالى الملئكة‬ ‫والعزير وعيسى لنهم ما أمروا الناس بعبادتهم حتى يؤاخذوا بها‪ ،‬وإنما أمر بعبادتهم الشيطان‬ ‫فالشيطان ومن عبدوهم هم الذين في النار‪ .‬وذكر تعالى شرف عيسى ومكانته وأنه عبد أنعم عليه‬ ‫بالنبوة وجعله مثل لبني إسرائيل يستدلون به على قدرة ال تعالى إذ خلقه من غير أب كما خلق‬ ‫آدم من غير أب ول أم وإنما خلقه من تراب ذكر رسالة عيسى عليه السلم إلى بني إسرائيل‬ ‫ليكون ذلك موعظة لكفار مكة فقال تعالى ولما جاء عيسى بالبينات(‪ )1‬أي جاء بني إسرائيل‬ ‫مصحوبا بالبينات هي النجيل والمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص وما إلى ذلك‪،‬‬ ‫قال لهم قد جئتكم بالحكمة أي النبوة من عند ال‪ ،‬ولبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من أحكام‬ ‫التوراة وأمور الدين إذا فاتقوا ال(‪ )2‬يا بني إسرائيل أي خافوا عقابه المترتب على معاصيه‬ ‫وأطيعون فيما أبلغكموه من أمر ونهي عن ال تعالى‪ ،‬إن ال ربي وربكم أي إلهي وألهكم ل إله‬ ‫إل هو فاعبدوه بفعل محابه وترك مساخطه حبا فيه وتعظيما له ورهبة ورغبة‪ .‬وقوله {هَذَا‬ ‫صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ} أي هذا الذي دعوتكم إليه من اتقاء ال‪ ،‬وطاعة رسوله وعبادته وحده هو الطريق‬ ‫المستقيم الذي يفضي بسالكه إلى سعادة الدارين‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَاخْتََلفَ(‪ )3‬الَْأحْزَابُ مِنْ بَيْ ِنهِمْ} أي‬ ‫من بين بني إسرائيل من يهود ونصارى فقالت طائفة من اليهود افتراء أن عيسى ابن مريم ابن‬ ‫زنا وأمه بغى وقالوا ساحر‪ .‬وقال النصارى‪ :‬هو ال‪ ،‬أو ابن ال‪ ،‬أو ثالث ثلثة‪.‬‬ ‫قال تعالى { َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ ظََلمُوا مِنْ عَذَابِ َيوْمٍ أَلِيمٍ} أي مؤلم فتوعدهم الرب تعالى بالويل الذي هو‬ ‫واد يسيل في جهنم بما يتجمع من صديد فروج أهل النار وأبدانهم من دماء وقروح وأوساخ وهو‬ ‫عذاب يوم القيامة الليم توعد هؤلء الظالمين بما قالوا في عيسى عبد ال ورسوله عليه السلم‬ ‫عةَ} أي ما ينظرون إل الساعة لنهم ما تابوا إلى ال ول‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬هلْ(‪ )4‬يَ ْنظُرُونَ إِلّا السّا َ‬ ‫راجعوا الحق فيما قالوه في عيسى بل أصروا‪ :‬اليهود يصفونه بأخس الصفات والنصارى يصفونه‬ ‫باللوهية التي هي حق ال رب عيسى ورب العالمين أن تأتيهم بغتة أي فجأة وهم ل يشعرون‬ ‫لنهم مشغولون بالذرة والهدرجين والستعمار والتجارة والنغماس في الشهوات كما هو واقع‬ ‫ومشاهد اليوم‪ .‬وصدق ال العظيم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬قال ابن عباس يريد إحياء الموتى وإبراء السقام وخلق الطير والمائدة وغيرها والخبار‬

‫بكثير من الغيوب‪.‬‬ ‫‪ -2‬أي اتقوا الشرك ول تعبدوا إل ال وحده ومن قال هذا فكيف يكون إلها يُعبَد وهو عبد يَعبُد‬ ‫ويوحد؟‪.‬‬ ‫‪ -3‬ومن اختلفاتهم التي نعيت عليهم اختلف فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعقوبية‬ ‫اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن ال وقالت اليعقوبية هو ال وقالت الملكية ثالث ثلثة‬ ‫أحدهم ال قاله الكلبي وغيره‪.‬‬ ‫‪ -4‬الجملة مستأنفة بيانيا لما تقدم مما يثير في النفس تساؤل فكان الجواب أن العذاب آت وأهله ما‬ ‫ينظرون إل الساعة وأهل العذاب هم المختلفون من أهل الكتاب والمشركين إذ الجميع ظلموا‬ ‫بالشرك والكفر والتكذيب والية تدعوهم إلى التوبة لينجوا من العذاب الليم‪.‬‬

‫( ‪)4/652‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان رسالة عيسى إلى بني إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب التقوى ل وطاعة الرسول‪ ،‬وتوحيد ال في عبادته‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان شؤم الخلف‪ ،‬وما يجره من التوغل في الكفر والفساد‪.‬‬ ‫‪ -4‬وعيد ال لليهود والنصارى الذين لم يدخلوا في السلم بالويل وهو عذاب يوم أليم‪.‬‬ ‫خ ْوفٌ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ وَل أَنْ ُتمْ تَحْزَنُونَ(‬ ‫ع ُدوّ إِلّا ا ْلمُ ّتقِينَ(‪ )67‬يَا عِبَادِ ل َ‬ ‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬ ‫الَخِلّءُ َي ْومَئِذٍ َب ْع ُ‬ ‫جكُمْ تُحْبَرُونَ(‪ )70‬يُطَافُ‬ ‫سِلمِينَ(‪ )69‬ادْخُلُوا ا ْلجَنّةَ أَنْتُ ْم وَأَ ْزوَا ُ‬ ‫‪ )68‬الّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا َوكَانُوا مُ ْ‬ ‫ن وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(‪)71‬‬ ‫س وَتَلَذّ الْأَعْيُ ُ‬ ‫ب َوفِيهَا مَا َتشْ َتهِيهِ الْأَ ْنفُ ُ‬ ‫ب وََأكْوَا ٍ‬ ‫عَلَ ْيهِمْ ِبصِحَافٍ مِنْ ذَ َه ٍ‬ ‫وَتِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪َ )72‬لكُمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ كَثِي َرةٌ مِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ(‪)73‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو ‪ :‬أي الحباء يوم إذ تأتيهم الساعة بغتة‪.‬‬ ‫إل المتقين ‪ :‬فإن محبتهم تدوم لهم لنها كانت في ال وطاعته‪.‬‬ ‫يا عباد ل خوف عليكم ول أنتم تحزنون‪ :‬أي ينادون فيقال لهم ل خوف عليكم ول أنتم تحزنون‬ ‫بل تحبرون أي تسرون وتكرمون‪.‬‬ ‫يطاف عليهم بصحاف من ذهب‪ :‬أي يطوف عليهم الملئكة بقصاع من ذهب وفيها الطعام‬ ‫وأكواب من ذهب فيها الشراب اللذيذ‪.‬‬ ‫وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ العين‪ :‬أي في الجنة ما تشتهيه النفس تلذذا وتلذ العين نظرا إليه‪.‬‬

‫وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ‪ :‬أي يقال لهم وهذه هي الجنة التي أورثكموها ال‬ ‫بأعمالكم‬

‫( ‪)4/653‬‬ ‫الصالحة التي هي ثمرة إيمانكم الصادق وإخلصكم الكامل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ع ُدوّ ِإلّا‬ ‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬ ‫ما زال السياق في ذكر أحداث الساعة قال تعالى‪{ :‬الْأَخِلّاءُ َي ْومَئِذٍ(‪َ )1‬ب ْع ُ‬ ‫ا ْلمُ ّتقِينَ} أي إذا جاءت الساعة الخلء أي الحباء في الدنيا يوم إذ تأتي الساعة بعضهم لبعض‬ ‫عدو فتنقطع تلك الخلة والمودة وتصبح عداء لنها كانت على معصية ال تعالى وقوله إل المتقين‬ ‫أي ال عز وجل بفعل أوامره وترك نواهيه فإن مودتهم وخلتهم ل تنقطع لنها كانت محبة في ال‬ ‫وما كان ل دام واتصل‪ ،‬وما كان لغير ال انقطع وانفصل يناديهم ربهم بقوله {يَا عِبَادِ(‪ )2‬ل‬ ‫خ ْوفٌ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ(‪ )3‬وَل أَنْ ُتمْ تَحْزَنُونَ}‪ ،‬ويصفهم بقوله {الّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا} أي بالقرآن { َوكَانُوا‬ ‫َ‬ ‫جكُمْ تُحْبَرُونَ} أي أنتم‬ ‫مُسِْلمِينَ} أ ي منقادين ل ظاهرا وباطنا‪ ،‬ويقول لهم {ادْخُلُوا الْجَنّةَ أَنْتُ ْم وَأَ ْزوَا ُ‬ ‫وزوجاتكم المؤمنات تفرحون وتسرون وقوله تعالى‪{ :‬يُطَافُ عَلَ ْيهِمْ} بيان لنعيم الجنة الذي ينعمون‬ ‫به وهو أنه يطاف عليهم بصحاف من ذهب(‪ )4‬وهي قصاع‪ ،‬فيها ألذ الطعام وأشهاه‪ ،‬وأكواب من‬ ‫ذهب أيضا فيها ألذ الشراب والكواب جمع كوب وهو إناء ل عروة له ول خرطوم حتى يمكن‬ ‫الشرب منه من أي جهة من جهاته وفيها أي في الجنة ما تشتهيه النفس من سائر المستلذات‪،‬‬ ‫وتلذ العين من سائر المرئيات ويقال لهم لكم ما تشتهون وأنتم فيها خالدون ل تخرجون منها ول‬ ‫تموتون فيها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَتِ ْلكَ ا ْلجَنّةُ}( ‪ )5‬أي وهذه هي الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون من‬ ‫الصالحات والخيرات‪ ،‬وجه الوراثة أن ال تعالى خلق لكل إنسان منزلين أحدهما في الجنة والثاني‬ ‫في النار فكل من دخل الجنة ورث منزل أحد دخل النار فهذا أوجه التوارث والباء في بما‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬ذكر القرطبي رواية عن النقاش أن هذه اليات نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة بن‬ ‫أبي معيط كانا خليلين وكان عقبة يجالس النبي صلى ال عليه وسلم فقالت قريش قد صبأ عقبة‬ ‫فقال أمية له وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا ولم تتفل في وجهه ففعل عقبة عليهما لعائن‬ ‫ال ذلك فنذر النبي صلى ال عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبرا وقتل أمية في المعركة ففيهم‬ ‫نزلت هذه الية والية عامة في كل كافر وظالم‪.‬‬ ‫‪ -2‬قرأ نافع والجمهور يا عبادي بالياء بعد الدال وهي ياء المتكلم وقرأ حفص بحذفها تخفيفا‬ ‫لدللة اللفظ والسياق عليها‪.‬‬

‫‪ -3‬روي أن المنادي لما يقول يا عبادي ل خوف عليكم اليوم ول أنتم تحزنون يرفع أهل العرصة‬ ‫رؤوسهم فيقول المنادي الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس أهل الديان رؤوسهم إل‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬في الصحيحين عن حذيفة أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "ل تلبسوا الحرير‬ ‫ول الديباج ول تشربوا في آنية الذهب والفضة ول تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في‬ ‫الخرة"‪ .‬وفي صحيح مسلم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ول يتفلون ول يبولون ول‬ ‫يتغوطون ول يتمخطون‪ .‬قالوا فمال الطعام؟ قال جشأ ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح‬ ‫والتحميد والتكبير‪.‬‬ ‫‪ -5‬أشار إليها بلم البعد لعلوها وعظيم منازلها وسمو درجاتها‪.‬‬

‫( ‪)4/654‬‬ ‫كنتم تعملون سببية أي بسبب أعمالكم الصالحة التي زكت نفوسكم وطهرت أرواحكم فاستوجبتم‬ ‫دخول الجنة وإرث منازلها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ{ :‬لكُمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ كَثِي َرةٌ(‪ )1‬مِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ} أي يقال لهم هذا إكراما لهم وإسعادا‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬كل خلة يوم القيامة تنقطع إل خلة كانت في ال ول سبحانه وتعالى‪ ،‬ولذا ينبغي أن تكون‬ ‫المودة في الدنيا ل ل لغيره تعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان فضل التقوى وشرف المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الرجل يجمع ال بينه وبين زوجته المسلمة في الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان نعيم أهل الجنة من طعام وشراب وسائر المستلذات‪.‬‬ ‫‪ -5‬اليمان والعمل الصالح سبب في دخول الجنة كما أن الشرك والمعاصي سبب في دخول‬ ‫النار‪.‬‬ ‫ظَلمْنَاهُ ْم وََلكِنْ‬ ‫جهَنّمَ خَالِدُونَ(‪ )74‬ل ُيفَتّرُ عَ ْنهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(‪َ )75‬ومَا َ‬ ‫عذَابِ َ‬ ‫إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي َ‬ ‫كَانُوا هُمُ الظّاِلمِينَ(‪ )76‬وَنَا َدوْا يَا مَاِلكُ لِ َي ْقضِ عَلَيْنَا رَ ّبكَ قَالَ إِ ّن ُكمْ مَاكِثُونَ(‪َ )77‬لقَدْ جِئْنَاكُمْ بِا ْلحَقّ‬ ‫س َمعُ سِرّ ُهمْ‬ ‫حقّ كَارِهُونَ(‪ )78‬أَمْ أَبْ َرمُوا َأمْرا فَإِنّا مُبْ ِرمُونَ(‪ )79‬أَمْ َيحْسَبُونَ أَنّا ل نَ ْ‬ ‫وََلكِنّ َأكْثَ َركُمْ لِلْ َ‬ ‫جوَاهُمْ َبلَى وَرُسُلُنَا لَدَ ْيهِمْ َيكْتُبُونَ(‪)80‬‬ ‫وَنَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ‪ :‬أي إن الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي في‬ ‫جهنم خالدون ل يخرجون ول يموتون‪.‬‬

‫ل يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ‪ :‬أي ل يخفف عنهم العذاب وهم فيه ساكتون سكوت يأس‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الفاكهة قال ابن عباس رضي ال عنهما هي الثمار كلها رطبها ويابسها‪ ،‬وبائعها يقال له‬ ‫الفاكهي‪.‬‬

‫( ‪)4/655‬‬ ‫ونادوا يا ملك ليقض علينا ربك ‪ :‬أي نادوا مالكا خازن النار قائلين له ليمتنا ربك‪.‬‬ ‫قال إنكم ماكثون‪ :‬أي أجابهم بعد ألف سنة مضت على دعوتهم بقوله إنكم ما كثون أي مقيمون في‬ ‫عذاب جهنم دائما‪.‬‬ ‫لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ‪ :‬أي علة بقائكم أنا جئناكم بالحق على لسان رسولنا‬ ‫والحق التوحيد وعبادة ال بما شرع فكره أكثركم الحق‪.‬‬ ‫أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون‪ :‬أي أحكموا في الكيد للنبي محمد صلى ال عليه وسلم فإنا محكمون‬ ‫كيدنا في إهلكهم‪.‬‬ ‫ورسلنا لديهم يكتبون‪ :‬أي وملئكتنا من الحفظة يكتبون ما يسرون وما يعلنون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى الجنة ونعيمها ذكر في هذه اليات النار وعذابها وهذا هو الترغيب والترهيب الذي‬ ‫امتاز به أسلوب القرآن في الدعوة إلى ال تعالى وهداية الخلق إلى الصلح قال تعالى {إِنّ‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ(‪ })1‬أي الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي هؤلء في عذاب جهنم‬ ‫خالدون‪ ،‬ل يفتر عنهم العذاب أي ل يخفف وهم فيه أي في العذاب مبلسون أي ساكتون آيسون‬ ‫قانطون‪ .‬وقال تعالى { َومَا ظََلمْنَاهُمْ} في تعذيبنا لهم بهذا العذاب ولكن كانوا هم الظالمين‪ ،‬حيث‬ ‫داسوا أنفسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَنَا َدوْا يَا مَاِلكُ لِ َيقْضِ عَلَيْنَا(‪ )2‬رَ ّبكَ} يخبر تعالى أن أصحاب ذلك العذاب الدائم‬ ‫الذي ل يفتر فيخفف نادوا مالكا خازن النار وقالوا له ليمتنا ربك فنستريح من العذاب فأجابهم‬ ‫مالك بعد ألف(‪ )3‬سنة قائلً قال أي ربي إنكم ماكثون أي في عذاب جهنم‪ ،‬وعلل لهذا الحكم‬ ‫حقّ} أي أرسلنا إليكم رسولنا بالحق يدعوكم إليه وهو اليمان‬ ‫بالمكث أبدا فقال‪َ{ :‬لقَدْ جِئْنَا ُكمْ بِالْ َ‬ ‫والعمل الصالح المزكي للنفوس فكره أكثركم(‪ )4‬ذلك فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا مؤثرين‬ ‫شهوات الدنيا على الخرة فمتم على الشرك والكفر فهذا جزاء الكافرين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬الجملة مستأنفة بيانيا لن سائلً بعد أن علم بحال أهل اليمان والتقوى يسأل عن حال أهل‬ ‫الجرام فأجيب بأن المجرمين الخ‪.‬‬

‫‪ -2‬قال ابن مسعود وأبو الدرداء قرأ النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ونادوا يا مال أي رخم السم‬ ‫المنادى بحذف الحرف الخير منه وهو شائع في كلم العرب فيقال في مالك مال وفي حارث يا‬ ‫حار وفي فاطمة فاطم قال الشاعر‪:‬‬ ‫يا حار ل أرثين منكم بداهية‬ ‫لم يلقها سوقة قبلي ول ملك‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫أفاطم مهل بعض هذا التدلل‬ ‫وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي‬ ‫‪ -3‬روى هذا الترمذي وهناك رواية أخرى في ذكر المدة التي يجابون بعدها‪.‬‬ ‫‪ -4‬الذين كرهوا الحق هم الرؤساء حفاظا على مراكزهم وأما التباع فلم يكرهوا الحق ولكن‬ ‫اتبعوا الرؤساء فماتوا على الشرك والكفر فدخلوا النار معهم‪.‬‬

‫( ‪)4/656‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ أَبْ َرمُوا(‪َ )1‬أمْرا فَإِنّا مُبْ ِرمُونَ} أي بل أبرم هؤلء المشركون أمرا يكيدون فيه‬ ‫للرسول ودعوته فإن فعلوا ذلك فإنا مبرمون أي محكمون أمرا مضاف لهم بتعذيبهم وإبطال ما‬ ‫جوَاهُمْ َبلَى} نسمع‬ ‫سمَعُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ‬ ‫أحكموه من الكيد للرسول ودعوته‪ .‬وقوله‪{ :‬أَمْ َيحْسَبُونَ أَنّا ل نَ ْ‬ ‫ذلك ورسلنا وهم الحفظة لديهم يكتبون ما يقولون سرا وجهرا‪ .‬روي أن ثلثة نفر قالوا وهم تحت‬ ‫أستار الكعبة فقال أحدهم أترون أن ال يسمع كلمنا؟ فقال أحدهم إذا جهرتم سمع‪ ،‬وإذا أسررتم لم‬ ‫سمَعُ‬ ‫يسمع وقال الثاني إن كان يسمع إذا أعلنتم فإنه يسمع إذا أسررتم فنزلت {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا ل َن ْ‬ ‫جوَا ُهمْ} أي نسمع سرهم ونجواهم‪.‬‬ ‫سِرّ ُهمْ(‪ )2‬وَنَ ْ‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عقوبة الجرام على النفس بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬عذاب الخرة ل يطاق ول يقادر قدره يدل عليه طلبهم الموت ليستريحوا منه وما هم بميتين‪.‬‬ ‫‪ -3‬أكبر عامل من عوامل كراهية الحق حب الدنيا والشهوات البهيمية في الكل والشرب والنكاح‬ ‫هذه التي تكرّه إلى صاحبها الدين وشرائعه التي قد تقيد من السراف في ذلك‪.‬‬ ‫عمّا‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َربّ ا ْلعَرْشِ َ‬ ‫ن وََلدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ(‪ )81‬سُ ْبحَانَ َربّ ال ّ‬ ‫حمَ ِ‬ ‫ُقلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬ ‫سمَاءِ‬ ‫َيصِفُونَ(‪ )82‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ(‪ )83‬وَ ُهوَ الّذِي فِي ال ّ‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬ ‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ(‪ )84‬وَتَبَا َركَ الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫إِلَ ٌه َوفِي الْأَ ْرضِ إِلَ ٌه وَ ُهوَ ا ْل َ‬ ‫جعُونَ(‪)85‬‬ ‫وَعِنْ َدهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْ َ‬

‫__________‬ ‫‪ -1‬أم المنقطعة تفسر ببل للضراب النتقالي والستفهام محذوف الداة تخفيفا أي أأبرموا أمرا‬ ‫والستفهام تقريري والمراد بالمر ما يبيتونه من مكر بالرسول صلى ال عليه وسلم وأجمعوا‬ ‫عليه وهو قتله صلى ال عليه وسلم وذلك في دار الندوة فأبرم ال أمرا فأهلكهم في بدر‪.‬‬ ‫‪ -2‬السر‪ :‬ما يسرونه في أنفسهم من وسائل المكر بالنبي صلى ال عليه وسلم وبالنجوى ما‬ ‫يتناجون به بينهم في ذلك بحديث خفي‪.‬‬

‫( ‪)4/657‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل إن كان للرحمن ولد ‪ :‬أي قل يا رسولنا لهؤلء المشركين الزاعمين أن الملئكة بنات ال إن‬ ‫كان للرحمن ولد فرضا‪.‬‬ ‫فأنا أول العابدين‪ :‬أي فأنا أول من يعبده تعظيما ل وإجللً ولكن ل ولد له فل عبادة إذا لغيره‪.‬‬ ‫سبحان رب السموات ‪ :‬أي تنزّه وتقدس‪.‬‬ ‫عما يصفون ‪ :‬أي عما يصفون به ال تعالى من أن له ولدا وشركاء‪.‬‬ ‫فذرهم يخوضوا ويلعبوا‪ :‬أي اتركهم يا رسولنا يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم‪.‬‬ ‫وهو الذي في السماء إله ‪ :‬أي معبود في السماء‪.‬‬ ‫وفي الرض إله ‪ :‬أي ومعبود في الرض‪.‬‬ ‫وتبارك الذي له ملك السموات ‪ :‬أي تعاظم وجل جلل الذي له ملك السموات‪.‬‬ ‫وعنده علم الساعة ‪ :‬أي عنده علم وقت مجيئها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫سبق أن بكّت تعالى المشركين في دعواهم أن الملئكة بنات ال وتوعدهم بالعذاب على قولهم‬ ‫الباطل وهنا قال لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم قل لهم إن كان للرحمن(‪ )1‬ولد كما تفترون‬ ‫فرضا وتقديرا فأنا أول العابدين له(‪ ،)2‬ولكن لم يكن للرحمن ولد‪ .‬فلم أكن لعبد غير ال تعالى‪،‬‬ ‫ن وَلَدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَا ِبدِينَ}‪ .‬وقوله‪{ :‬سُبْحَانَ َربّ‬ ‫حمَ ِ‬ ‫هذا ما دل عليه قوله تعالى‪ُ { :‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬ ‫عمّا َيصِفُونَ} نزه تعالى نفسه وقدسها وهو رب السموات‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َربّ ا ْلعَرْشِ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫والرض ورب العرش أي مالك ذلك كله وسلطانه عليه جميعه عما يصفه المشركون به من أن‬ ‫له ولدا وشركاء‪ .‬وهنا قال تعالى لرسوله إذا أصروا على باطلهم من الشرك والكذب على ال‬ ‫والفتراء عليه فذرهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون‬ ‫وهو يوم عذابهم المعد لهم وذلك يوم القيامة‪.‬‬ ‫سمَاءِ ِإلَ ٌه َوفِي الْأَ ْرضِ إِلَهٌ} أي معبود في السماء ومعبود في‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُهوَ الّذِي فِي ال ّ‬

‫الرض أي معظم غاية التعظيم‪ ،‬ومحبوب غاية الحب ومتذلل له غاية الذل في الرض والسماء‬ ‫وهو الحكيم في صنعه وتدبيره العليم بأحوال خلقه فهل مثله تعالى يفتقر إلى زوجة وولد تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬يروى عن ابن عباس والحسن والسدي أن‪ :‬إن ليست شرطية وهي نافية بمعنى ما وتقدير‬ ‫الكلم ما كان للرحمن ولد‪ .‬وهنا تم الكلم ثم قال فأنا أول العابدين وهذا الرأي ضعيف ويتنافى‬ ‫مع السياق وما في التفسير هو الصواب‪.‬‬ ‫‪ -2‬له أي لذلك الولد لن تعظيم الولد تعظيم للوالد إل أنه ل ولد له ول ينبغي له لغناه المطلق‪.‬‬

‫( ‪)4/658‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا وَعِنْ َدهُ‬ ‫ال عن ذلك علوا كبيرا‪ .‬وقوله {وَتَبَا َركَ الّذِي لَهُ(‪ )1‬مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫جعُونَ} أي تعاظم وجل جلله وعظم سلطانه الذي له {مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫عِلْمُ السّاعَ ِة وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬ ‫وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا} والدنيا والخرة‪ ،‬وعنده علم الساعة وإليه ترجعون أنى يكون له ولد ولم تكن‬ ‫له صاحبة‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية التلطف في الخطاب والتنزل مع المخاطب لقامة الحجة عليه كقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّا‬ ‫َأوْ إِيّاكُمْ َلعَلَى هُدىً َأوْ فِي ضَللٍ مُبِينٍ} وكما هنا قل إن كان للرحمن ولد من باب الفرض‬ ‫والتقدير فأنا أول العابدين له ولكن ل ولد له فل أعبد غيره سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫‪ -2‬تهديد المشركين بعذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬إقامة البراهين على بطلن نسبة الولد إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫ق وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ(‪ )86‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ‬ ‫شهِدَ بِا ْلحَ ّ‬ ‫شفَاعَةَ إِلّا مَنْ َ‬ ‫وَل َيمِْلكُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ال ّ‬ ‫خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ(‪َ )87‬وقِيلِهِ يَا َربّ إِنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ ل ُي ْؤمِنُونَ(‪ )88‬فَاصْفَحْ عَ ْنهُمْ َوقُلْ‬ ‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ(‪)89‬‬ ‫سَلمٌ فَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ول يملك الذين يدعون ‪ :‬أي يعبدونهم‪.‬‬ ‫من دونه ‪ :‬أي من دون ال‪.‬‬ ‫الشفاعة ‪ :‬أي لحدٍ‪.‬‬ ‫إل من شهد بالحق ‪ :‬أي لكن الذي شهد بالحق فوحد ال تعالى على علم هذا الذي تناله شفاعة‬ ‫الملئكة والنبياء‪.‬‬ ‫فأنى يؤفكون ‪ :‬أي كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته‪.‬‬

‫وقيله ‪ :‬أي قول النبي يا رب إن هؤلء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬تعاظم وتسامى عما يصفه المشركون من الشريك والصاحبة والولد وتبارك هو خبر لفظا‬ ‫وإنشاء معنىً إذ هو لفظ أريد به المدح العظيم لذي الخير العظيم‪.‬‬

‫( ‪)4/659‬‬ ‫فاصفح عنهم ‪ :‬أي أعرض عنهم‪.‬‬ ‫وقل سلم فسوف ‪ :‬أي أمري سلم منكم‪ ،‬فسوف تعلمون عاقبة كفركم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أعلم تعالى في الية السابقة أن رجوع الناس إليه يوم القيامة‪ ،‬وكان المشركون يزعمون أن‬ ‫آلهتهم من الملئكة وغيرها تشفع لهم يوم القيامة واتخذوا هذا ذريعة لعبادتهم فأعلمهم تعالى في‬ ‫هذه الية (‪ )86‬أن من يدعونهم بمعنى يعبدونهم من الصنام والملئكة وغيرهم(‪ )1‬من دون ال‬ ‫ل يملكون الشفاعة لحد‪ ،‬فال وحده هو الذي يملك الشفاعة ويعطيها لمن يشاء هذا معنى قوله‬ ‫ق وَهُمْ َيعَْلمُونَ}‬ ‫حّ‬ ‫شهِدَ بِالْ َ‬ ‫شفَاعَةَ} وقوله تعالى {إِلّا مَنْ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَل َيمِْلكُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ال ّ‬ ‫أي استثنى ال تعالى أن من شهد بالحق أي بأنه ل إله إل ال‪ ،‬وهو يعلم ذلك علما يقينا فهذا قد‬ ‫ق وَهُمْ َيعَْلمُونَ}( ‪ )2‬بقلوبهم ما‬ ‫حّ‬ ‫ش ِهدَ بِالْ َ‬ ‫يشفع له الملئكة أو النبياء فقال عز وجل {إِلّا مَنْ َ‬ ‫شهدوا به بألسنتهم فالموحدون تنالهم الشفاعة بإذن ال تعالى‪ .‬وقوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ} أي ولئن‬ ‫سألت هؤلء المشركين من خلقهم لجابوك قائلين ال‪ .‬فسبحان ال كيف يقرون بتوحيد الربوبية‬ ‫وينكرون توحيد العبادة فلذا قال تعالى‪{ :‬فَأَنّى(‪ُ )3‬ي ْؤ َفكُونَ} أي كيف يصرفون عن الحق بعد‬ ‫معرفته يعرفون أن ال هو الخالق لهم ويعبدون غيره ويتركون عبادته‪.‬‬ ‫وقوله { َوقِيلِهِ(‪ )4‬يَا َربّ إِنّ َهؤُلءِ َقوْ ٌم ل ُي ْؤمِنُونَ} أي ويعلم تعالى قيل رسوله وشكواه وهي يا‬ ‫رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون لما شاهد من عنادهم وتصلبهم شكاهم إلى ربه تعالى فأمره ربه عز‬ ‫وجل أن يصفح(‪ )5‬عنهم أي يتجاوز عما يلقاه منهم من شدة وعنت وأن يقول لهم سلم وهو سلم‬ ‫متاركة ل سلم تحية وتعظيم أي قل لهم أمري سلم‪ .‬فسوف تعلمون(‪ )6‬عاقبة هذا الصرار على‬ ‫الكفر والتكذيب فكان هذا منه تهديدا لهم بذكر ما ينتظرهم من أليم العذاب إن ماتوا على كفرهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ -1‬مثل عيسى والعزير‪.‬‬ ‫‪ -2‬وهم يعلمون الجملة حالية وفي هذا دليل على أن من لم يفهم معنى ل إله إل ال ويقولها ل‬ ‫تنفعه ول ينال بها الشفاعة يوم القيامة إذ ل بد من فهمه ماذا نفى وماذا أثبت ولذا إيمان المقلد‬ ‫اختلف في صحته أهل العلم‪.‬‬

‫‪ -3‬أنى اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية أي إلى أي مكان يصرفون؟ وماضي‬ ‫يؤفكون أفك يأفك أفكا على وزن ضرب يضرب ضربا وأفكه كضربه‪.‬‬ ‫‪ -4‬هذا على قراءة نافع وهي نصب قيله أما على قراءة حفص فقيله مجرور عطفا على قوله‬ ‫وعنده علم الساعة وعلم قيل رسوله كذا‪ .‬وهو (قيل) مصدر قال كالقول‪ ،‬وأصله قول فعل بمعنى‬ ‫مفعول كذبح بمعنى مذبوح والضمير في قيله يعود إلى النبي صلى ال عليه وسلم إذ هو القائل يا‬ ‫رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون لطول ما دعاهم وهم معرضون عن الحق مصرون على الكفر‪.‬‬ ‫‪ -5‬مثل هذا (فاصفح وقل سلم) منسوخ بآيات القتال التي نزلت بالمدينة النبوية بعد الهجرة‪.‬‬ ‫‪ -6‬قرأ نافع تعلمون بالتاء وقرأ حفص والجمهور يعلمون بالياء فالول مما أمر ال تعالى رسوله‬ ‫أن يقوله للمشركين‪ ،‬والثاني على أنه وعد من ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم بأنه ينتقم‬ ‫من المكذبين‪.‬‬

‫( ‪)4/660‬‬ ‫هداية اليات‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل يملك الشفاعة يوم القيامة أحدٌ إل ال تعالى فمن أذن له شفع ومن لم يأذن له ل يشفع‪ ،‬ول‬ ‫شفَعُ إل لهل التوحيد خاصة أما أهل الشرك والكفر فل شفاعة لهم‪.‬‬ ‫يّ‬ ‫‪ -2‬مشركو العرب على عهد النبوة موحدون في الربوبية مشركون في العبادة‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الصفح والتجاوز عند العجز عن إقامة الحدود وإعلء كلمة ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)4/661‬‬ ‫المجلد الخامس‬ ‫سورة الدخان‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الدخان‬ ‫مكية وآياتها تسع وخمسون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حم (‪ )1‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَا َركَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ (‪ )3‬فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪َ )6‬ربّ‬ ‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬ ‫سلِينَ (‪َ )5‬ر ْ‬ ‫حكِيمٍ (‪َ )4‬أمْرا مِنْ عِ ْندِنَا إِنّا كُنّا مُرْ ِ‬ ‫َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (‪ )7‬ل إِلَهَ ِإلّ ُهوَ ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئكُمُ‬ ‫ال ّ‬

‫شكّ يَ ْلعَبُونَ (‪)9‬‬ ‫الَْأوّلِينَ (‪َ )8‬بلْ ُهمْ فِي َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حم ‪:‬هذا أحد الحروف المقطعة تكتب هكذا حم وتقرأ هكذا حاميم‪.‬‬ ‫والكتاب المبين ‪:‬أي القرآن المظهر للحلل والحرام في القوال والعمال والعتقادات‪.‬‬ ‫إنا أنزلناه في ليلة مباركة ‪:‬أي في ليلة القدر من رمضان‪.‬‬

‫( ‪)5/5‬‬ ‫فيها يفرق كل أمر حكيم ‪:‬أي يفصل كل أمر محكم من الجال والرزاق وسائر الحداث‪.‬‬ ‫أمرا من عندنا ‪:‬أي فيها في ليلة القدر يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا أي أمرنا بذلك أمرا من‬ ‫عندنا‪.‬‬ ‫إنا كنا مرسلين رحمة من ربك ‪:‬أي إنا كنا مرسلين الرسل محمدا ومن قبله رحمة من ربك‬ ‫بالمرسل إليهم من المم والشعوب‪.‬‬ ‫إنه هو السميع العليم ‪:‬أي السميع لصوات مخلوقاته العليم بحاجاتهم‪.‬‬ ‫إن كنتم موقنين ‪:‬أي بأنه رب السماوات والرض فآمنوا برسوله واعبدوه وحده‪.‬‬ ‫بل هم في شك يلعبون ‪:‬أي فليسوا بموقنين بل هم في شك من ربوبية ال تعالى لخلقه وإل لعبدوه‬ ‫وأطاعوه‬ ‫بل هم في شك يلعبون بالقوال والفعال ل يقين لهم في ربوبية ال تعالى وإنما هم مقلدون لبائهم‬ ‫في ذلك‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫قوله تعالى {حم} ‪ 1‬هذا أحد الحروف المقطعة وهو من المتشابه الذي يفوض فهم معناه الى منزله‬ ‫فيقول‪ :‬المؤمن‪ :‬ال أعلم بمراده به‪ ،‬وقد ذكرنا له فائدتين جليلتين تقدمتا غير مامرة الولى‪ :‬أنه‬ ‫لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن خشية التأثر به جاءت هذا الفواتح بصيغة لم تعهدها‬ ‫العرب في لغتها فكان إذا قرأ القارئ رافعا صوته مادّا به هذه الحروف يستوقف السامع ويضطره‬ ‫إلى أن يسمع فإذا سمع تأثر واهتدى غالبا وأعظم بهذه الفائدة من فائدة والثانية‪ :‬أنه لما ادعى‬ ‫العرب أن القرآن ليس وحيا إلهيا وإنما هو شعر أو سحر أو قول الكهان أو اساطير تحداهم ال‬ ‫تعالى بالتيان بمثله فعجزوا فتحداهم بعشر سور فعجزوا فتحداهم بسورة فعجزوا فأعلمهم ان هذا‬ ‫المعجز انما هو مؤلف من مثل هذه الحروف حم طسم آلم فألفوا نظيره فعجزوا فقامت عليهم‬ ‫الحجة لعجزهم وتقرر أن القرآن الكريم كلم ال ووحيه أوحاه إلى رسوله ويؤكد هذه الفائدة أنه‬ ‫غالبا إذا ذكرت هذه الحروف في فواتح السور يذكر القرآن بعدها نحو طس تلك آيات القرآن‪ ،‬حم‬ ‫والكتاب المبين‪ ،‬آلم تلك آيات الكتاب الحكيم‪.‬‬

‫قوله تعالى {وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ} هذا قسم أقسم ال تعالى بالقرآن تنويها بشأنه ول أن يقسم بما يشاء‬ ‫فل حجر عليه وإنما الحجر على النسان أن يحلف بغير ربه عز وجل‪ ،‬والمراد من الكتاب المبين‬ ‫المقسم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ورد في فضل هذه السورة عدة أحاديث ضعيفة ولكثرتها قد ترتفع إلى درجة الحسن منها‪ :‬عن‬ ‫أبي أمامة رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول "من قرأ حم الدخان‬ ‫ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى ال له بيتا في الجنة"‪.‬‬

‫( ‪)5/6‬‬ ‫به القرآن العظيم‪ ,‬وقوله‪{ :‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ} أي القرآن { فِي لَيْلَةٍ مُبَا َركَةٍ} أي كثيرة البركة والخير وهي‬ ‫ليلة القدر ‪ 1‬والتي هي خير من الف شهر‪ .‬وقوله {إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ}‪ ،‬ولذلك أرسلنا الرسول وأنزلنا‬ ‫القرآن لننذر الناس عذاب يوم القيامة حيث ل ينجى منه إل اليمان والعمل الصالح‪ ،‬ول يعرفان‬ ‫إل بالوحي فكان لبد من الرسول الذي يوحي إليه ولبد من الوحي الحامل لبيان اليمان وأنواع‬ ‫العمل الصالح‪ .‬وقوله فيها يفرق كل أمر حكيم أي في تلك الليلة المباركة يفصل كل أمر محكم‬ ‫مما قضى ال أن يتم في تلك السنة من أحداث في الكون يؤخذ ذلك من كتاب المقادير فيفصل عنه‬ ‫وينفذ خلل السنة من الموت والحياة والغنى والفقر والصحة والمرض والتولية والعزل فكل‬ ‫أحداث تلك السنة تفصل من اللوح المحفوظ ليتم احداثها في تلك السنة حتى إن الرجل ليتزوج‬ ‫ويولد له وهو في عداد من يموت فل تنتهي السنة إل وقد مات وقوله‪َ{ :‬أمْرا مِنْ‪ 2‬عِ ْندِنَا إِنّا كُنّا‬ ‫مُرْسِلِينَ} أي كان ذلك أمرا من عندنا أمرنا به‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬إنا كنا مرسلين أي الرسل محمدا فمن قبله من الرسل رحمة من ربك بالناس المرسل إليهم‬ ‫إنه هو السميع لقوالهم وأصواتهم العليم بحاجاتهم‪ ،‬فكان ارسال الرسل رحمة من ربك أيها‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا} أي‬ ‫ت وَالْأَ ْر ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫الرسول فاحمده واشكره فإنه أهل الحمد والثناه وقوله‪َ { :‬ربّ ال ّ‬ ‫خالق ومالك السموات والرض وما بينهما إن كنتم موقنين‪ ،‬أي بأنه رب السموات والرض وما‬ ‫بينهما فاعبدوه وحده فانه ل إله إل هو يحي ويميت ربكم ورب آبائكم الولين‪ .‬قوله تعالى‪َ { :‬بلْ‬ ‫شكّ يَ ْلعَبُونَ} دال على أن إقرارهم بأن ال رب السموات ورب الخلق عندما يسألون لم‬ ‫هُمْ فِي َ‬ ‫يكن عن يقين إذ لو كان على يقين لما أنكروا توحيد ال وكفروا به إذا فهم في شك يلعبون‬ ‫بالقوال فقط كما يلعبون بالفعال‪ ،‬ل يقين لهم في ربوبيته تعالى وانما هم مقلدون لبائهم في ذلك‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل ليلة القدر ‪ 3‬وأنها في رمضان‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى‪{ :‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ا ْلقَدْر} وقوله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن حيث‬ ‫ابتدأ نزوله في غار حراء في شهر رمضان وجائز أن يكون نزل كله في ليلة القدر من أم الكتاب‬ ‫إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل منجما فتم نزوله خلل ثلث وعشرين سنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬نصب أمرا من عندنا على الحال‪ ،‬والمر الحكيم المشتمل على الحكمة ورحمة مفعول لجله‬ ‫من إنا كنا مرسلين‪.‬‬ ‫‪ 3‬رويت آثار وأحاديث يزعم أصحابها أن الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان وردها أهل‬ ‫العلم قال ابن العربي‪ :‬ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان هو باطل لن ال تعالى قال في كتابه‬ ‫الصادق القاطع‪ :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن فنص على أنه ميقات نزوله في رمضان ثم‬ ‫عين زمانه من الليل ها هنا بقوله في ليلة مباركة فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على‬ ‫ال‪ .‬وليس في ليلة النصف من شعبان حديث واحد يعول عليه ل في فضلها ول في نسخ الجال‬ ‫فيها فل تلتفتوا إليها‪.‬‬

‫( ‪)5/7‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر وإثبات اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫‪ -3‬إرسال الرسل رحمة من ال بعباده‪ ،‬فلم يكن زمن الفترة وأهلها أفضل من زمن الوحي‪.‬‬ ‫‪ -4‬لم يكن إفراد المشركين بربوبية ال تعالى لخلقه عن علم يقيني بل هم مقلدون فيه فلذا لم‬ ‫يحملهم على توحيد ال في عبادته‪ ،‬وهذا شأن كل علم أو معتقد ضعيف‪.‬‬ ‫شفْ عَنّا‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )11‬رَبّنَا ا ْك ِ‬ ‫سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ (‪َ )10‬يغْشَى النّاسَ َهذَا َ‬ ‫فَارْ َتقِبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬ ‫ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ (‪ )12‬أَنّى َلهُمُ ال ّذكْرَى َوقَدْ جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (‪ )13‬ثُمّ َتوَّلوْا عَنْهُ َوقَالُوا ُمعَلّمٌ‬ ‫شفُوا ا ْلعَذَابِ قَلِيلً إِ ّنكُمْ عَائِدُونَ (‪َ )15‬يوْمَ نَ ْبطِشُ الْ َبطْشَةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْتَ ِقمُونَ (‬ ‫مَجْنُونٌ (‪ )14‬إِنّا كَا ِ‬ ‫‪)16‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فارتقب ‪:‬أي انتظر‪.‬‬ ‫بدخان مبين ‪ :‬أي هو ما كان يراه الرجل من قريش لشدة الجوع بين السماء والرض من‬ ‫دخان‪.‬‬ ‫يغشى الناس ‪:‬أي يغشى أبصارهم من شدة الجهد الناتج عن الجوع الشديد‪.‬‬ ‫ربنا اكشف عنا العذاب ‪:‬أي يا ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا بك وبرسولك‪.‬‬ ‫أنى لهم الذكرى ‪:‬أي من أي وجه يكون لهم التذكر والحال أنه قد جاءهم رسول مبين فتولوا عنه‬ ‫وقالوا معلم مجنون‪.‬‬

‫معلم مجنون ‪:‬أي أنه يعلمهم القرآن بشر مجنون أي مختلط عليه أمره غير مدرك لما يقول‪.‬‬ ‫إنكم عائدون ‪:‬أي إلى الكفر والجحود‪.‬‬ ‫البطشة الكبرى ‪:‬أي الخذة القوية التي أخذناهم بها يوم بدر حيث قتلوا وأسروا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬فَارْ َتقِبْ}‪ 1‬الية نزلت بعد أن دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم على قريش يوم‬ ‫كثر استهزاؤهم به‬ ‫وسخريتهم منه وبما جاء به من الدين الحق فقال اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف أي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ارتقب معناه انتظر يا رسولنا يوم تأتي السماء الخ‪ .‬وقيل ارتقب معناه أحفظ لن الرقيب يطلق‬ ‫على الحافظ‪.‬‬

‫( ‪)5/8‬‬ ‫أي سبع سنين من القحط والجدب فأمره ربه أن ينتظر ذلك فقال له فارتقب يوم تأتي السماء‬ ‫بدخان مبين يغشى‬ ‫الناس هذا عذاب أليم‪ ،‬واستجاب تعالى لرسوله وأصحاب قريشا بقحط وجدب ماتت فيه مواشيهم‬ ‫وأصابهم جوع‬ ‫أكلوا فيه العهن ‪ 1‬وشربوا فيه الدم‪ ،‬وكان الرجل يرفع رأسه إلى السماء فل يرى إل دخانا ‪2‬‬ ‫يغشى بصره من شدة الجوع‪ ،‬حتى ضرعوا إلى ال وبعثوا إلى الرسول يطلبون منه أن يدعو ال‬ ‫سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ‬ ‫تعالى أن يرفع عنهم هذا العذاب وهو معنى قوله تعالى‪ {:‬فَارْ َت ِقبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬ ‫شفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ} أي برسولك وبما جاء به من‬ ‫َيغْشَى النّاسَ َهذَا عَذَابٌ َألِيمٌ رَبّنَا ا ْك ِ‬ ‫الهدى والدين الحق‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَنّى َل ُهمُ‪ 3‬ال ّذكْرَى َوقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ُثمّ َتوَّلوْا عَنْ ُه َوقَالُوا ُمعَلّمٌ مَجْنُونٌ} أي‬ ‫ومن أين يأتيهم التذكر فينيبوا إلى ربهم ويسلموا له‪ ،‬والحال أنه قد جاء رسول مبين للحق مظهر‬ ‫له فعرفوه أنه رسول حق وصدق ثم تولوا عنه أي أعرضوا عنه وعما جاء به وقالوا معلم أي ‪4‬‬ ‫هو رجل يعلمه غيره الذي يقوله ولم يكن رسول وقالوا مجنون فلذا تذكرهم وتوبتهم مستبعدة جدا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬إنا كاشفوا العذاب قليل إنكم عائدون وفعلً كشف ال عنهم عذاب المخمصة ونزل‬ ‫الغيث بديارهم وسعدت بلدهم بعد شقاء دام سبع سنوات‪ ،‬وعادوا إلى الشرك وحرب السلم‬ ‫والمسلمين‪.‬‬ ‫طشَةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ}‪ 5‬أي وارتقب يا رسولنا يوم نبطش البطشة‬ ‫وقوله تعالى ‪َ {:‬يوْمَ نَبْطِشُ الْبَ ْ‬ ‫الكبرى إنا منتقمون‪ ،‬وكان ذلك ببدر حيث انتقم ال منهم فقتل رجالهم بل صناديدهم وأسر من‬

‫أسر منهم‪ ،‬وكان بطشة لم تعرفها قريش قط‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬صدق وعد ال لرسوله واستجابة دعائه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليمان عند معاينة العذاب ل يجدي ول ينفع‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬العهن الصوف يصبغ بالدم ويشوى ويؤكل لشدة الجوع الذي أصابهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ل منافاة بين هذا الدخان الثابت بالقرآن والسنة‪ ،‬وبين الدخان الذي هو من أشراط الساعة‬ ‫والثابت بالسنة الصحيحة في حديث مسلم وهو أنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر –‬ ‫الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج‬ ‫وثلثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج‬ ‫من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬أنى اسم استفهام الصل أنه يستفهم به عن المكان ويتوسع فيه فيستفهم به عن الحال كما هي‬ ‫هنا والستفهام هنا إنكاري أي كيف يتذكرون وهم في شك يلعبون وجملة قد جاءهم رسول حالية‬ ‫فهي في محل نصب‪.‬‬ ‫‪ 4‬أي لم يكتفوا بالعراض بل زادوا عليه الفتراء والسب إذ قالوا معلم مجنون‪.‬‬ ‫‪ 5‬يقال انتقم منه أي عاقبه والنقمة بالكسر والفتح والجمع نقم كعنب ونقمات ككلمات والظرف‬ ‫(يوم) متعلق بجملة (إنا منتقمون) أي منتقمون يوم البطش‪.‬‬

‫( ‪)5/9‬‬ ‫‪ -3‬بيان ما قابلت به قريش دعوة السلم من جحود وكفران‪.‬‬ ‫‪ -4‬إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك آية أنه وحي ال وكلمه تعالى‪.‬‬ ‫ن وَجَا َءهُمْ َرسُولٌ كَرِيمٌ (‪ )17‬أَنْ أَدّوا إَِليّ عِبَادَ اللّهِ إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ‬ ‫عوْ َ‬ ‫وَلَقَدْ فَتَنّا قَبَْلهُمْ َقوْمَ فِرْ َ‬ ‫جمُونِ (‬ ‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ أَنْ تَرْ ُ‬ ‫ن ل َتعْلُوا عَلَى اللّهِ إِنّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )19‬وَإِنّي ُ‬ ‫(‪ )18‬وَأَ ْ‬ ‫‪ )20‬وَإِنْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (‪َ )21‬فدَعَا رَبّهُ أَنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ مُجْ ِرمُونَ (‪ )22‬فَأَسْرِ ِبعِبَادِي لَيْلً‬ ‫إِ ّنكُمْ مُتّ َبعُونَ (‪ )23‬وَاتْ ُركِ الْبَحْرَ َرهْوا إِ ّنهُمْ جُنْدٌ ُمغْ َرقُونَ (‪)24‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ‪:‬أي ولقد اختبرنا قبلهم أي قبل كفار قريش قوم فرعون من القباط‪.‬‬ ‫وجاءهم رسول كريم ‪:‬أي موسى بن عمران صلوات ال عليه وسلمه‪.‬‬ ‫أن أدوا إلي عباد ال ‪:‬أي ادفعوا إلي عباد ال بني إسرائيل وأرسلوهم معي‪.‬‬

‫إني لكم رسول أمين ‪:‬أي إني رسول ال إليكم أمين على وحيه ورسالته‪.‬‬ ‫وأن ل تعلوا على ال ‪:‬أي وبأن ل تطغوا على ال فتكفروا به وتعصوه‪.‬‬ ‫إني آتيكم بسلطان مبين ‪:‬أي بحجة واضحة تدل على صدقي في رسالتي وما أطالبكم به‪.‬‬ ‫وإني عذت بربي وربكم أن ‪:‬أي وأنى قد اعتصمت بربي وربكم واستجرت به أن ترجموني‪.‬‬ ‫ترجمون‬ ‫وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ‪:‬أي إن لم تصدقوني في ما جئتكم به فخلوا سبيلي واتركوني‪.‬‬ ‫فدعا ربه ‪:‬أي فلما كذبه فرعون وقومه وهموا بقتله نادى ربه يا رب‪.‬‬ ‫إن هؤلء قوم مجرمون ‪:‬أي إن هؤلء قوم مجرمون بالكفر والظلم‪.‬‬ ‫فأسري بعبادي ليل إنكم ‪ :‬أي فأجابه ربه بأن قال له فأسري بعبادي أي بني إسرائيل ليلً إن‬ ‫متبعون‬

‫( ‪)5/10‬‬ ‫فرعون وجنده متبعوكم ليردوكم‪.‬‬ ‫وأترك البحر رهوا ‪ :‬أي وإذا اجتزت أن وقومك البحر فتركه رهوا ساكنا كما هو حين دخلته مع‬ ‫بني إسرائيل‪.‬‬ ‫إنهم جند مغرقون ‪:‬أي إن فرعون وقومه جند وال مغرقهم في البحر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ فَتَنّا}‪ 1‬هذا شروع في قصة موسى مع فرعون لوجود تشابه بين أكابر مجرمي‬ ‫قريش وبين فرعون في ظلمه وعلوه‪ ،‬والقصد تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتخفيف ألمه‬ ‫النفسي من جراء ما يلقي من أكابر مجرمي قريش في مكة فقال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ فَتَنّا قَبَْل ُهمْ} أي قبل‬ ‫كفار قريش قوم فرعون من القبط وجاءهم رسول كريم أي على ربه وعلى قومه من بني إسرائيل‬ ‫هو موسى بن عمران عليه السلم‪ ،‬أن أدوا أي بأن أدوا أي ادفعوا إلى عباد ال بني إسرائيل‬ ‫وأرسلوهم معي إني لكم رسول أمين على رسالتي صادق في قولي‪ ،‬وبأن ل تعلوا على ال أي‬ ‫بأن ل تطغوا على ال فتكفروا به وتعصوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه‪ .‬إني آتيكم بسلطان مبين‬ ‫أي بحجة بينة واضحة على صحة ما أطالبكم به‪ .‬وإني عذت ‪ 2‬بربي وربكم أي استجرت و‬ ‫تحصنت أن ترجمون بأقوالكم ‪ 3‬أو أعمالكم‪ ،‬وإن لم تؤمنوا أي لم تصدقوا بما جئتكم به فاعتزلون‬ ‫ولما أبوا إل أذاه وأرادوا قتله دعا ربه قائل رب إن هؤلء قوم مجرمون كفرة ظلمة يعني فرعون‬ ‫ومله فأوحى إليه ربه تعالى فأسري ‪ 4‬بعبادي أي بني إسرائيل إذ هم المؤمنون وغيرهم من القبط‬ ‫كافرون ليل في آخر الليل وأعلمه أن فرعون وجنوده متبعون لهم ليردوهم وينكلوا بهم‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وَاتْ ُركِ الْبَحْرَ‪ 5‬رَهْوا إِ ّنهُمْ‪ 6‬جُ ْندٌ ُمغْ َرقُونَ}‪ .‬إنه لما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق‬

‫فلقتين ودخل بنو إسرائيل البحر فاجتازوه أراد موسى أن يضرب البحر ليلتئم كما كان حتى ل‬ ‫يدخله فرعون وجنده فيدركوهم فقال له ربه تعالى أترك البحر رهوا أي ساكنا كما كان حين‬ ‫دخلتموه حتى إذا دخل فرعون وجنوده أطبقناه عليهم إنهم جند مغرقون وهذا الذي حصل فنجى ‪7‬‬ ‫ال موسى وبني إسرائيل وأغرق فرعون وجنوده أجمعين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فتنا بمعنى ابتلينا وهو المر باليمان والطاعة أي عاملتهم معاملة المختبر لهم وذلك ببعث‬ ‫موسى وأخيه هارون عليهما السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬كأنهم هددوه بالقتل فلذا استجار بال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 3‬الرجم بالقول الكذب على الشخص والفتراء عليه كذبا والرجم بالعمال معناه القتل بالحجارة‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع وغيره بهمزة وصل وقرأ حفص وغيره بهمزة قطع لن الفعل ثلثيا نحو سرى يسري‬ ‫سريا وأسرى يسري إسراء‪.‬‬ ‫‪ 5‬المراد بالبحر هنا بحر القلزم المعروف اليوم بالبحر الحمر ورهوا منصوب على الحال‬ ‫والرهوة الفجوة الواسعة مأخوذ من (رها) إذا فتح بين رجليه ومعناه‪ :‬اترك البحر مفتوحا ساكنا‬ ‫حتى يدخل فرعون وجنده فيهلكون‪.‬‬ ‫‪ 6‬جملة إنهم جند مغرقون تعليلية ومغرقون مقضيا ومحكوم بإغراقهم‪.‬‬ ‫‪ 7‬وكانت هذه النجاة يوم عاشوراء وهو عاشر شهر المحرم بحديث صيام اليهود فيه لن ال أنجا‬ ‫فيه موسى وبني إسرائيل فصامه الرسول صلى ال عليه وسلم وأمر بصيامه وقال نحن أولى‬ ‫بموسى منهم‪.‬‬

‫( ‪)5/11‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجود تشابه كبير بين فرعون وكفار قريش في العلو والصلف والكفر والظلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية العتبار بما سلف من أحداث في الكون والئتساء بالصالحين‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الستعاذة بال تعالى والستجارة به إذ ل مجير على الحقيقة إل هو ول واقي سواه‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية دعاء ال تعالى على الظالمين وسؤاله النصر عليهم والنجاة منهم‪.‬‬ ‫ع َومَقَامٍ كَرِيمٍ (‪ )26‬وَ َن ْعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِينَ(‪ )27‬كَذَِلكَ‬ ‫ت وَعُيُونٍ (‪ )25‬وَزُرُو ٍ‬ ‫كَمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّا ٍ‬ ‫ض َومَا كَانُوا مُ ْنظَرِينَ (‪ )29‬وََلقَدْ نَجّيْنَا‬ ‫سمَا ُء وَالْأَ ْر ُ‬ ‫وََأوْرَثْنَاهَا َقوْما آخَرِينَ (‪َ )28‬فمَا َب َكتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬ ‫عوْنَ إِنّهُ كَانَ عَالِيا مِنَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )31‬وََلقَدِ‬ ‫بَنِي إِسْرائيلَ مِنَ ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ (‪ )30‬مِنْ فِرْ َ‬ ‫اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )32‬وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآياتِ مَا فِيهِ بَلءٌ مُبِينٌ (‪)33‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كم تركوا من جنات ‪:‬أي بساتين وحدائق غناء‪.‬‬ ‫ومقام كريم ‪:‬أي مجلس حسن ومحافل مزينة ومنازل حسنة‪.‬‬ ‫ونعمة كانوا فيها فاكهين ‪:‬أي نضرة عيش ولذاذته كانوا فيها ناعمين‪.‬‬ ‫وأورثناها قوما آخرين ‪:‬أي بني إسرائيل‪.‬‬ ‫فما بكت عليهم السماء ‪:‬أي لهوانهم على ال بسبب كفرهم وظلمهم‪.‬‬ ‫والرض‬ ‫وما كانوا منظرين ‪:‬أي ممهلين حتى يتوبوا‪.‬‬ ‫من العذاب المهين ‪:‬أي قتل أبنائهم واستخدام نسائهم‪.‬‬ ‫ولقد اخترناهم على علم على ‪ :‬أي اخترناهم على علم منا على عالمي زمانهم من النس والجن‪.‬‬ ‫وذلك لكثرة‬ ‫العالمين النبياء منهم وفيهم‪.‬‬

‫( ‪)5/12‬‬ ‫وآتيناهم من اليات ما فيه بلء ‪:‬أعطيناهم من النعم ما فيه بلء مبين أي واضح كانفلق البحر‬ ‫والمن والسلوى‪.‬‬ ‫مبين‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في قصة موسى عليه السلم مع عدو ال فرعون عليه لعائن الرحمن قال‬ ‫تعالى‪{ :‬كَمْ تَ َركُوا ‪ 1‬مِنْ جَنّاتٍ} أي كم ترك فرعون وجنوده اللذين هلكوا معه في البحر أي تركوا‬ ‫كثيرا من الجنات أي البساتين والعيون الجارية فيها سقي الزروع‪ ،‬ومقام كريم أي منازل حسنة‬ ‫ومحافل مزينة بأنواع الزينة والمحفل مكان الحتفال‪ ،‬ونعمه ‪ 2‬أي متعة عظيمة كانوا فيها فاكهين‬ ‫أي ناعمين مترفين وقوله تعالى‪ :‬كذلك ‪ 3‬هكذا كانت نعمتهم فسلبناهما منهم لكفرهم بنا وتعاليهم‬ ‫على شرائعنا وأوليائنا‪{ ،‬وََأوْرَثْنَاهَا َقوْما آخَرِينَ‪ }4‬هم بنو إسرائيل إذ رجعوا إلى مصر بعد هلك‬ ‫سمَا ُء وَالْأَ ْرضُ} ‪ ،‬لنهم كانوا كافرين لم يعملوا على‬ ‫فرعون‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬فمَا َب َكتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬ ‫الرض خيرا ولم يعرج إلى السماء من عملهم خيرٌ فلم يبكون إنما يبكي المسلم تبكيه الرض التي‬ ‫كان يسجد عليها ويعبد ال تعالى فوقها وتبكيه السماء التي كان كل يوم وليلة يصعد إليها عمله‬ ‫الصالح‪ ،‬وقوله وما كانوا منظرين أي ممهلين بل عاجلهم الرب بالعقوبة‪ ,‬ولم يمهلهم علهم يتوبون‬ ‫لعلم ال تعالى بطبع قلوبهم وكم واعدوا موسى إن رفع عنهم العذاب يؤمنون‪ ,‬وماآمنوا‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين هذه بعض أياديه على بني إسرائيل وهي أنه‬

‫نجاهم من العذاب المهين الذي كان فرعون وقومه يصبونه عليهم إذ كانوا يذبحون أبنائهم‬ ‫ويستحيون نسائهم للخدمة والمتهان وأي عذاب مهين أكبر من هذا؟ من فرعون أي من عذاب‬ ‫فرعون الذي كان ينزله بهم إنه كان عاليا من المسرفين أي كان فرعون جبارا طاغيا من‬ ‫المسرفين في الكفر والظلم‪ .‬وقوله تعالى {وََلقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ} أي بني إسرائيل على علم أي منا على‬ ‫العالمين أي عالمي زمانهم من الثقلين النس والجن‪ ,‬وقوله تعالى‪{ :‬وَآتَيْنَاهُمْ} أي أعطيناهم من‬ ‫اليات { مَا فِيهِ بَلءٌ مُبِينٌ‪ }5‬أي اختبار عظيم ومن تلك اليات انفلق البحر‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬كم للتكثير كرب للتقليل غالبا‪.‬‬ ‫‪ 2‬النعمة بفتح النون التنعيم يقال نعمه فتنعم‪ ،‬والنعمة بالكسر اليد والصنيعة والمنة وما أنعم به‬ ‫على المرء ومثلها النعماء والنعمى‪.‬‬ ‫‪ 3‬كذلك قيل المر كذلك فيوقف على كذلك وقيل كذلك أفعل بمن عصاني أو كذلك كان أمرهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬يرى بعضهم أن المراد بقوم آخرين أنهم غير بني إسرائيل وإنما هم من القباط أهل مصر‬ ‫أنفسهم لن بني إسرائيل لم يعودوا إلى مصر بعد أن خرجوا منها مستدلً بأن ال تعالى قال {وََلقَدْ‬ ‫نَجّيْنَا بَنِي ِإسْرائيلَ} ولم يقل (ولقد نجيناهم) فيعود الضمير على بني إسرائيل لكن في آية الشعراء‬ ‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ} فهذا نص صريح وطريق الجمع أن يقال أن بني‬ ‫قال تعالى { َكذَِل َ‬ ‫إسرائيل بعد موت موسى وانتصارهم على الكنعانيين والعمالقة وإقامة دولة في فلسطين دخلوا‬ ‫مصر وحكموها أما على عهد سليمان فإنهم حكموا غالب المعمورة وهذا وجه الجمع وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 5‬في هذا البلء المبين أربعة أوجه ذكرها القرطبي وهي نعمة ظاهرة –عذابه شديد‪ -‬اختبار‬ ‫يتميز به الكافر من المؤمن – ابتلء بالشدة والرخاء‪.‬‬

‫( ‪)5/13‬‬ ‫وتظليل الغمام لهم والمن والسلوى في التيه إلى غير ذلك مما هو اختبار عظيم لهم أيشكرون أم‬ ‫يكفرون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال في سلب النعم وإنزال النقم بمن كفر نعم ال ولم يشكرها فعصى ربه وأطاع‬ ‫هواه ونفسه فترك الصلة واتبع الشهوات وترك القرآن واشتغل بالغاني‪ ،‬وأعرض عن ذكر ال‬ ‫واقبل على ذكر الدنيا ومفاتنها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان هوان أهل الكفر والفسق على ال وعلى الكون كله‪ ،‬وكرامة أهل اليمان والتقوى على‬ ‫ال وعلى الكون كله حتى أن السماء والرض تبكيهم إذا ماتوا‪.‬‬

‫‪ -3‬ذم العلو في الرض وهو التكبر والسراف في كل شيء‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن ال يبتلي أي يختبر عباده بالخير والشر‪.‬‬ ‫إِنّ َهؤُلءِ لَ َيقُولُونَ (‪ )34‬إِنْ ِهيَ إِلّا َموْتَتُنَا الْأُولَى َومَا نَحْنُ ِبمُنْشَرِينَ (‪ )35‬فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ‬ ‫خَلقْنَا‬ ‫صَا ِدقِينَ (‪ )36‬أَ ُهمْ خَيْرٌ َأمْ َقوْمُ تُبّعٍ وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ أَهَْلكْنَاهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪َ )37‬ومَا َ‬ ‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪)39‬‬ ‫حّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا لعِبِينَ (‪ )38‬مَا خََلقْنَا ُهمَا إِلّا بِالْ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ج َمعِينَ (‪َ )40‬يوْمَ ل ُيغْنِي َموْلىً عَنْ َموْلىً شَيْئا وَل ُهمْ يُ ْنصَرُونَ (‪ )41‬إِلّا‬ ‫صلِ مِيقَا ُتهُمْ َأ ْ‬ ‫إِنّ َيوْمَ ا ْل َف ْ‬ ‫حمَ اللّهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)42‬‬ ‫مَنْ رَ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن هؤلء ‪:‬أي المشركين من قريش‪.‬‬ ‫إن هي إل موتتنا الولى ‪:‬أي ل حياة بعدها ول موت وهذا تكذيب بالبعث الخر‪.‬‬

‫( ‪)5/14‬‬ ‫وما نحن بمنشرين ‪:‬أي بمبعوثين أحياء من قبورنا بعد موتنا‪.‬‬ ‫فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ‪:‬أي فأت يا محمد بآبائنا الذين ماتوا إن كنت صادقا في أننا بعد موتنا‬ ‫وبلنا نبعث أحياء من قبورنا‪.‬‬ ‫أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم ‪:‬أي هؤلء المشركون خير في القوة والمناعة أم قوم تبع‬ ‫والذين من قبلهم كعاد‪.‬‬ ‫أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ‪:‬أي أنزلنا بهم عقوبتنا فأهلكناهم إنهم كانوا قوما مجرمين‪.‬‬ ‫لعبين ‪:‬أي عابثين بخلقهما ل لغرض صالح‪.‬‬ ‫ما خلقناهما إل بالحق ‪:‬أي إل لمر اقتضى خلقهما وهو أن أذكر فيهما وأشكر‪.‬‬ ‫إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ‪:‬أي إن يوم القيامة الذي يفصل فيه بين الخلئق ويحكم ميعادهم‬ ‫أجمعين حيث يجمعهم ال فيه‪.‬‬ ‫يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ‪:‬أي يوم ل يكفي قريب قريبه بدفع شيء من العذاب عنه‪.‬‬ ‫ول هم ينصرون ‪:‬أي ل ينصر بعضهم بعضا‪.‬‬ ‫إل من رحم ال ‪:‬أي لكن من رحمه ال فإنه يدفع عنه العذاب وينصر‪.‬‬ ‫إنه هو العزيز الرحيم ‪:‬أي الغالب المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي محمد صلى ال عليه وسلم فما ذكر قصص‬ ‫موسى وفرعون إل تنبيها وتذكيرا لعلهم يتذكرون فقال تعالى‪{ :‬إِنّ َهؤُلءِ} الدنون الهابطين‬ ‫بعقولهم إلى أسوأ المستويات ما يستحون ول يخجلون فيقولون إن هي ‪ 1‬إل موتتنا الولى منكرين‬

‫للبعث والجزاء ليواصلوا كفرهم وفسقهم‪ ،‬فلذا قالوا وما نحن بمنشرين أي بمبعوثين أحياء من‬ ‫قبورنا كما تعدنا يا محمد‪ ،‬وإن أصررتم على قولكم بالحياة الثانية فأتوا بآبائنا الذين ماتوا {إِنْ كُنْ ُتمْ‬ ‫صَا ِدقِينَ‪ }2‬في ذلك وقولهم فأتوا وإن كنتم ليس من باب تعظيم الرسول صلى ال عليه وسلم وإنما‬ ‫شعور منهم أنه ليس وحده في هذه الدعوة بل وراءه من هو دافع له على ذلك‪3.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إن هي إل موتتنا الولى مبتدأ وخبر نحو إن هي إل حياتنا الدنيا فإن نافية بمعنى ما والضمير‬ ‫مبتدأ وما بعد إل الخبر‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل في هذا القائل أنه أبو جهل قال للرسول صلى ال عليه وسلم يا محمد إن كنت صادقا في‬ ‫قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما قصي بن كلب فإنه كان رجلً صادقا لنسأله عما كان‬ ‫بعد الموت‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وجائز أن يكون مع المؤمنين وهذا هو‬ ‫الظاهر لن النبي صلى ال عليه وسلم كان معه أصحابه يدعون بدعوته وعلى رأسهم أبو بكر‬ ‫الصديق ومن آمن معه من أعيان مكة وأشرافها كعثمان وعلي وعمر رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬

‫( ‪)5/15‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَهُمْ‪ 1‬خَيْرٌ أَمْ َقوْمُ تُبّع ٍ‪ 2‬وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َأهَْلكْنَاهُمْ إِ ّن ُهمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ} ؟ انهم‬ ‫ليسوا بخير منهم بأي حال ل في المال ول في الرجال فكما أهلكناهم نهلك هؤلء‪ ،‬وأهلكنا الولين‬ ‫لنهم كانوا مجرمين أي على أنفسهم بالشرك والمعاصي‪ ،‬وهؤلء مجرمون أيضا فهم مستوجبون‬ ‫للهلك وسوف يهلكون إن لم يتوبوا فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا ال ورسوله‪.‬‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا لعِبِينَ} ما خلقناهما إل بالحق {وََلكِنّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا ال ّ‬ ‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ} هذا دليل على البعث والجزاء إذ ليس من الحكمة أن يخلق ال الكون ل لشيء‬ ‫ثم يعدمه ول شيء وراء ذلك هذا من اللعب والعبث الذي يننزه عنه العقلء فكيف بواهب العقول‬ ‫جل وعز إنه ما خلق الكون إل ليذكر فيه ويشكر فمن ذكره فيه وشكره أكرمه وجزاه بأحسن‬ ‫الجزاء‪ ،‬ومن تركه وكفره أهانه وجزاه بأسوء الجزاء وذلك يتم بعد نهاية هذه الحياة ووجود الحياة‬ ‫الثانية وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫ج َمعِينَ} أي إنً يوم القيامة لفصل القضاء والحكم بين‬ ‫صلِ مِيقَا ُتهُمْ َأ ْ‬ ‫ولذا قال تعالى‪{ :‬إِنّ َيوْمَ ا ْلفَ ْ‬ ‫الناس فيما اختلفوا من التوحيد والشرك‪ ،‬والبرور والفجور هو ميعادهم الذي يحضرون فيه‬ ‫أجمعين يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم ينصرون أي يوم ل يكفي أحد قريب كابن العم‬ ‫عن أحد بدفع شيء من العذاب عنه‪ ،‬ول بنصر بعضهم بعضا كما كانوا في الدنيا‪ ،‬وقوله تعالى‬ ‫إل من رحم ال أي لكن من رحم ال في الدنيا باليمان والتوحيد فإنه يرحمه في الخرة فيشفع فيه‬

‫وليا من أوليائه إنه تعالى هو العزيز أي النتقام من أعدائه الرحيم بأوليائه‪ .‬والناس بين ولي ال‬ ‫وعدوه فأولياؤه هم المؤمنون المتقون وأعداؤه هم الكافرون الفاجرون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬الجرام هو سبب الهلك والدمار كيفما كان فاعله‪.‬‬ ‫‪ -3‬تبع الحميرى كان عبدا ‪ 3‬صالحا ملكا حاكما وكان قومه كافرين فأهلكهم ال وأنجاه ومن معه‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام إنكاري أي ليسوا خيرا من قوم تبع والذين من قبلهم كعاد وثمود وقد أهلكهم ال‬ ‫والمراد من قوم تبع أقوام ملوك التبابعة إذ تبع لقب لمن يملك بلد اليمن كلها ككسرى للفرس‬ ‫وقيصر للروم‪.‬‬ ‫‪ 2‬في مسند أحمد رحمه ال أن النبي صلى ال عليه وسلم قال "ل تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم"‬ ‫ولذا ذكر تعالى هلك قومه ولم يذكره معهم ويقال له أسعد ويكنى أبا كرب وكان قبل البعثة‬ ‫المحمدية بألف سنة أو ما يقارب ذلك وقصة حياته مشهورة في كتب السيرة وفي كتابنا هذا‬ ‫الحبيب بيان ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬إنه غزا المدينة بعد عودته من غزو العراق وأراد خرابها ثم ترك لما علم من قبل اليهود أنها‬ ‫مهاجر نبي اسمه أحمد فقال شعرا تركه عند أهلها فتوارثوه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم فأدوه إليه ومر بالكعبة فكساها وهذا شعره‪:‬‬ ‫شهدت على أحمد أنه‬ ‫رسول من ال باري النسم‬ ‫فلو مد عمري إلى عمره‬ ‫لكنت وزيرا له وابن عم‬

‫( ‪)5/16‬‬ ‫من المؤمنين الصالحين ففي هذا الملك الصالح عبرة لمن يعتبر‪.‬‬ ‫‪ -4‬تنزه الرب تعالى عن اللعب والعبث فيما يخلق ويهب‪ ،‬ويأخذ ويعطي ويمنع‪.‬‬ ‫‪ -5‬يوم القيامة وهو يوم الفصل ميعاد الخليقة كلها حيث تجمع لفصل القضاء‪.‬‬ ‫‪ -6‬ل تنفع قرابة ول خلة ول صداقة يوم القيامة‪ ،‬ولكن اليمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫حمِيمِ (‪)46‬‬ ‫طعَامُ الْأَثِيمِ (‪ )44‬كَا ْل ُم ْهلِ َيغْلِي فِي الْ ُبطُونِ (‪َ )45‬كغَ ْليِ الْ َ‬ ‫شجَ َرتَ ال ّزقّومِ (‪َ )43‬‬ ‫إِنّ َ‬ ‫حمِيمِ (‪ )48‬ذُقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ‬ ‫سهِ مِنْ عَذَابِ ا ْل َ‬ ‫جحِيمِ (‪ُ )47‬ث ّم صُبّوا َفوْقَ رَأْ ِ‬ ‫سوَاءِ الْ َ‬ ‫خذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى َ‬ ‫ُ‬

‫ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ (‪ )49‬إِنّ هَذَا مَا كُنْ ُتمْ بِهِ َتمْتَرُونَ (‪)50‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن شجرت الزقوم ‪:‬أي الشجرة التي تثمر الزقوم وهي من اخبث الشجر ثمرا مرارة وقبحا‪.‬‬ ‫طعام الثيم ‪:‬أي ثمرها طعام الثيم أبي جهل وأصحابه من ذوي الثام الكبيرة‪.‬‬ ‫كالمهل ‪:‬أي كدردي الزيت السود‪.‬‬ ‫يغلي في البطون كغلي الحميم ‪:‬أي الماء الشديد الحرارة‪.‬‬ ‫خذوه فاعتلوه ‪:‬أي يقال للزبانية خذوه فاعتلوه أي جروه بغلظة وشدة‪.‬‬ ‫إلى سواء الجحيم ‪:‬أي إلى وسطها‪.‬‬ ‫ذق إنك أنت العزيز الحكيم ‪:‬أي ذق العذاب إنك كنت تقول ما بين جبلي مكة أعز وأكرم مني‪.‬‬ ‫ما كنتم به تمترون ‪:‬أي إن هذا العذاب الذي كنتم تمترون به أي تشكون فيه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫شجَ َرتَ ال ّزقّومِ‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر النار وما فيها من ضروب العذاب قال تعالى‪{ :‬إِنّ َ‬ ‫طعَامُ الْأَثِيمِ} كأبي جهل وأضرابه من ذوي الثام‪ ،‬وشجرة الزقوم تنبت في أصل الجحيم طلعها‬ ‫َ‬ ‫كأنه رؤوس الشياطين في القبح وثمرها الذي هو الزقوم مر أشد المرارة جعلها ال تعالى‬

‫( ‪)5/17‬‬ ‫طعام الثيم أبي جهل وذوي الثام الكبيرة‪ .‬وقوله تعالى في الخبار عنها {كَا ْل ُم ْهلِ َيغْلِي فِي ‪1‬‬ ‫حمِيمِ} أ ي كدردي الزيت يغلي في بطون الثمين كغلي الحميم أي الماء الحار‬ ‫الْبُطُونِ َكغَ ْليِ الْ َ‬ ‫سوَاءِ ا ْلجَحِيمِ} ‪ ،‬ثم صبوا فوق رأسه من‬ ‫خذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى ‪َ 2‬‬ ‫الشديد الحرارة‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬‬ ‫عذاب الحميم أي بقال للزبانية وهم الملئكة الموكلون بالنار وعذابها خذوه فاعتلوه أي ادفعوه‬ ‫واجذبوه بعنف إلى وسط الجحيم‪ ،‬ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم أي صبوا فوق رأسه‬ ‫الماء الحار الشديد الحرارة ويقال له‪ :‬تهكما به ذق إنك أنت ‪ 3‬العزيز الكريم أي كما كنت تقول‬ ‫في الدنيا إذ كان أبو جهل يقول‪ :‬ما بين جبلي مكة أعز وأكرم مني‪ ،‬وكان يجمع أولده ويضع‬ ‫بين أيديهم الزبدة وتمر العجوة ويقول لهم تزقموا هذا هو الزقوم الذي يهددنا به محمد اللهم صلي‬ ‫وسلم على نبينا محمد وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ َهذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ َتمْتَرُونَ} أي يقال لهم إن هذا أي العذاب‬ ‫الذي كنتم تشكون في أنه كائن يوم القيامة‪ ،‬وذلك لتكذيبهم بالبعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬عظم عذاب النار وفظاعة ما يلقيه ذوو الثام الكبيرة فيها‪.‬‬

‫‪ -3‬يوجد شجرة بأريحا من الغور لها ثمر كالتمر حلو عفيص‪ ،‬لنواه دهن عظيم المنافع عجيب‬ ‫الفعل في تحليل الرياح الباردة وأمراض البلغم وأوجاع المفاصل والنقرس وعرق النسا والريح‬ ‫اللحجة في حق الورك‪ ،‬يشرب منه زنة سبعة دراهم ثلثة أيام‪ ،‬وربما أقام الزمنى‪ ،‬والمقعدين‪.‬‬ ‫ذكر هذا صاحب حاشية الجمل على الجلليين عند تفسير هذه الية‪ .‬ولو أمكن أخذ هذا الثمر‬ ‫واستخراج زيته وتداوي به لكان خيرا‪.‬‬ ‫‪ -4‬من أشد أنواع العذاب في النار العذاب النفسي بالتهكم والسخرية من المعذبين وهو العذاب‬ ‫المهين الذي يهين المعذبين ويدوس كرامتهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع تغلي بالتاء وقرأ حفص بالياء على رجوع الضمير إلى الطعام ل إلى المهل‪.‬‬ ‫‪ 2‬العتل القود بعنف وشدة‪ .‬وقرأ نافع فاعتلوه بضم التاء وقرأ حفص فاعتلوه بجر التاء‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا مقول قول محذوف تقديره‪ :‬قولوا له ذق‪ ..‬والذوق مستعار للحساس وصيغة المر هنا‬ ‫مستعملة في الهانة وجملة‪ .‬إنك أنت العزيز الكريم جملة تعليلية للمر قبله ذق إنك‪ .‬والمراد بها‬ ‫التهكم والزدراء إذ المراد أن أنت الذليل المهان‪.‬‬

‫( ‪)5/18‬‬ ‫س وَإِسْتَبْ َرقٍ مُ َتقَابِلِينَ (‬ ‫ت وَعُيُونٍ (‪ )52‬يَلْبَسُونَ مِنْ سُ ْندُ ٍ‬ ‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي َمقَامٍ َأمِينٍ (‪ )51‬فِي جَنّا ٍ‬ ‫ك وَ َزوّجْنَا ُهمْ بِحُورٍ عِينٍ (‪َ )54‬يدْعُونَ فِيهَا ِب ُكلّ فَا ِكهَةٍ آمِنِينَ (‪ )55‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا ا ْل َم ْوتَ‬ ‫‪ )53‬كَذَِل َ‬ ‫إِلّا ا ْل َموْتَةَ الْأُولَى َو َوقَاهُمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ (‪َ )56‬فضْلً مِنْ رَ ّبكَ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪ )57‬فَإِ ّنمَا‬ ‫يَسّرْنَاهُ بِِلسَا ِنكَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ (‪ )58‬فَارْ َتقِبْ إِ ّنهُمْ مُرْتَقِبُونَ (‪)59‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المتقين في مقام أمين ‪:‬أي إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا فآمنوا وعملوا الصالحات بعد اجتناب‬ ‫الشرك والمعاصي في مجلس آمين ل يلحقهم فيه خوف بحال‪.‬‬ ‫في جنات وعيون ‪:‬هذا هو المقام المين‪.‬‬ ‫من سندس وإستبرق ‪:‬أي مارق من الديباج‪ ،‬وما غلظ منه‪.‬‬ ‫متقابلين ‪:‬أي ل ينظر بعضهم إلى قفا بعض لن السرة تدور بهم‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬وزوجناهم ‪:‬أي المر كذلك وزوجناهم‪.‬‬ ‫بحور عين ‪:‬أي بنساء بيض واسعات العين‪.‬‬ ‫يدعون فيها ‪:‬أي يطلبون الخدم فيها أن يأتوهم بكل فاكهة‪.‬‬ ‫آمنين ‪:‬أي من انقطاعها ومن مضراتها ومن كل مخوفٍ‪.‬‬ ‫ل يذوقون فيها الموت إل الموتة ‪:‬أي لكن الموتة الولى فقد ذاقوها‪.‬‬

‫الولى‬ ‫فإنما يسرناه بلسانك ‪:‬أي سهلنا القرآن بلغتك‪.‬‬ ‫لعلهم يتذكرون ‪:‬أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون لكنهم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫فارتقب إنهم مرتقبون ‪:‬أي فانتظر هلكهم فإنهم منتظرون هلكك‪.‬‬

‫( ‪)5/19‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى حال أهل النار عقب عليه بذكر حال أهل الجنة وهذا هو أسلوب الترغيب‬ ‫والترهيب الذي تميز به القرآن‬ ‫الكريم لنه كتاب دعوة و هداية زيادة على أنه كتاب تشريع وأحكام فقال عز قائل ‪{:‬إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ‬ ‫ت وَعُيُون} فأخبر تعالى أن الذين اتقوه في الدنيا فآمنوا به وأطاعوه في‬ ‫فِي ‪َ 1‬مقَامٍ َأمِينٍ فِي جَنّا ٍ‬ ‫أمره و نهيه ولم يشركوا به هؤلء في مقام أمين أي في مجلس آمن ل يلحقهم فيه خوف‪ ،‬وبين‬ ‫ذلك المقام المن بقوله {فِي جَنّاتٍ} أي بساتين وعيون‪ .‬يلبسون أي ثيابهم من ‪ 2‬سندس واستبرق‪،‬‬ ‫والسندس مارق من الحرير والستبرق ما غلظ منه‪ ،‬وقوله متقابلين أي ل ينظر بعضهم إلى قفا‬ ‫بعض لن السرة التي هم عليها تدور‪ .‬وقوله تعالى ‪{:‬كَذَِلكَ} أي المر كذلك أي كما وصفنا‬ ‫وزوجناهم بحور ‪ 3‬عين‪ ،‬الحوراء من النساء البيضاء ومن في عينيها حور وهو كبر بياض العين‬ ‫على سوادها والعين جمع عيناء وهو واسعة العينين‪ .‬وقوله {يَدْعُونَ فِيهَا ِب ُكلّ فَا ِكهَةٍ آمِنِينَ} أي‬ ‫يطلبون الخدمة أن يوافوهم بكل فاكهة حال كونهم آمنين من انقطاعها ومن ضررها ومن كل‬ ‫مخوف يلحق بسببها أو بسبب غيرها‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪{:‬ل َيذُوقُونَ فِيهَا ا ْل َم ْوتَ إِلّا ا ْل َموْتَةَ الْأُولَى}‪ 4‬أي ل يذوقون في الجنة الموت بعد‬ ‫الموتة الولى التي ذاقوها في الدنيا فإن أهلها ل يمرضون ول يهرمون ول يموتون وقوله تعالى‬ ‫جحِيمِ}‪ ،‬وهذا دال على أن غير المتقين من الموحدين قد يذوقون عذاب الجحيم‬ ‫عذَابَ الْ َ‬ ‫‪َ {:‬و َوقَاهُمْ َ‬ ‫قبل دخولهم الجنة بخلف المتقين فإنهم ل يدخلون النار البتة وقوله تعالى‪َ { :‬فضْلً مِنْ رَ ّبكَ} أي‬ ‫كان ذلك النعام و التكريم فضل من ربك إذ لم يستوجبوه لمجرد تقواهم وقد قال الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم في حديث مسلم "سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله"‬ ‫قالوا ول أنت يا سول ال قال "ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمة منه وفضل"‪ .‬وقوله ذلك هو‬ ‫الفوز العظيم‪ .‬أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم وهو كما في قوله من سورة آل‬ ‫خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ فَازَ}‪.‬‬ ‫عمران‪َ {:‬فمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬فَإِ ّنمَا َيسّرْنَاهُ بِلِسَا ِنكَ َلعَّل ُهمْ يَتَ َذكّرُون َ‪ }5‬أي فإنما سهلنا القرآن بلغتك العربية‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬المقام بضم الميم مكان القامة‪ ،‬والمقام بالفتح مكان القيام ويتناول السكن وما يتبعه‪ .‬وقرأه نافع‬ ‫بضم الميم وقرأه حفص بفتح الميم‪.‬‬ ‫‪ 2‬من سندس من لبيان الجنس والمبين محذوف دل عليه يلبسون أي ثيابا‪.‬‬ ‫‪ 3‬عن ابن مسعود أن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم‪ .‬وقال‬ ‫مجاهد إنما سميت الحور حورا لنهن يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن ول‬ ‫منافاة بين هذه الصفات‪ .‬وروى أن خراج القمامة من المسجد مهور الحور العين في أثرين‬ ‫أحدهما عن أنس ونصه كنس المساجد مهور الحور العين‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستثناء منقطع أي لكن الموتة الولى قد ذاقوها في الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 5‬الباء سببية أي يسرناه للحفظ والفهم بسبب لغتك العربية إذ المراد باللسان اللغة ل الجارحة‬ ‫المعروفة‪.‬‬

‫( ‪)5/20‬‬ ‫لعلهم يتذكرون فيتعظون فيؤمنون ويتقون‪ .‬لكن أكثرهم لم يتعظ فارتقب ما يحل بهم فإنهم‬ ‫منتظرون ما يكون لك من نجاح أو إخفاق‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل التقوى وكرامة أهلها والتقوى هي خشية من ال تحمل على طاعة ال بفعل محابه‬ ‫وترك مكارهه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان شيء من نعيم أهل الجنة ترغيبا في العمل لها‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان الحكمة من تسهيل فهم القرآن الكريم وهو التعاظ المقتضي للتقوى‪.‬‬

‫( ‪)5/21‬‬ ‫سورة الجاثية‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الجاثية‬ ‫مكية وآياتها سبع وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ت وَالَ ْرضِ لياتٍ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)3‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫حكِيمِ (‪ )2‬إِنّ فِي ال ّ‬ ‫حم (‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬

‫ل وَال ّنهَارِ َومَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ‬ ‫َوفِي خَ ْلقِكُمْ َومَا يَ ُبثّ مِنْ دَابّةٍ آيَاتٌ ِل َقوْمٍ يُوقِنُونَ (‪ )4‬وَاخْتِلفِ اللّ ْي ِ‬ ‫سمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فََأحْيَا بِ ِه الَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا وَ َتصْرِيفِ الرّيَاحِ آيَاتٌ ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪)5‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حم ‪ :‬هذا أحد الحروف الهجائية يكتب هكذا‪ :‬حم ويقرأ هكذا‪ :‬حاميم‬ ‫تنزيل الكتاب ‪:‬أي القرآن‪.‬‬ ‫من ال العزيز الحكيم ‪:‬أي من عند ال العزيز النتقام من أعدائه الحكيم في تدبيره‪.‬‬

‫( ‪)5/21‬‬ ‫إن في السموات والرض ‪:‬أي إن في خلق السموات والرض‪.‬‬ ‫ليات ‪:‬أي لدللت واضحات على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات‬ ‫الربوبية و اللوهية له وحده دون سواه‪.‬‬ ‫للمؤمنين ‪:‬أي لنهم باليمان أ؛ياء يبصرون ويسمعون فيرون اليات‪.‬‬ ‫وفي خلقكم ‪:‬أي وفي خلقكم أيها الناس وتركيب أعضائكم وسلمة بناينكم‪.‬‬ ‫وما بث من دابة ‪:‬أي وما خلق ونشر من أنواع الدواب من بهائم وغيرها‪.‬‬ ‫آيات لقوم يوقنون ‪:‬أي علمات على قدرة ال تعالى على البعث الخر إذ الخالق لهذه العوالم قادر‬ ‫على إعادتها بعد موتها‪ ،‬ولكن هذه اليات ل يراها إل القوم الموقنون في إيمانهم بربوبية ال‬ ‫وألوهيته وصفات الجلل والكمال له‪.‬‬ ‫واختلف الليل والنهار ‪:‬أي بمجيء هذا وذهاب ذاك وطول هذا وقصر ذاك على مدى الحياة‪.‬‬ ‫وما أنزل ال من السماء من رزق ‪:‬أي من مطر‪ ،‬وسمي المطر رزقا لنه يسببه‪.‬‬ ‫فأحيا به الرض بعد موتها ‪:‬أحيا بالمطر الرض بعد موت نباتها بالجدب‪.‬‬ ‫وتصريف الرياح ‪:‬أي من صبا إلى دبور‪ ،‬ومن شمال إلى جنوب‪ ،‬ومن سموم إلى باردة ومن‬ ‫نسيم إلى عاصفة‪.‬‬ ‫آيات لقوم يعقلون ‪:‬أي في اختلف الليل والنهار وإنزال المطر وإحياء الرض وتصريف الرياح‬ ‫دللت واضحة على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته واقتضاء ذلك ربوبية ال وألوهيته‪ ،‬لقوم‬ ‫يعقلون أي يستعملون عقولهم في إدراك الشياء واستنتاج النتائج من مقدماتها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬حم}‪ :‬ال أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي أمرنا أن نؤمن به ونفوض أمر‬ ‫معناه إلى من أنزله سبحانه وتعالى‪ .‬وقد ذكرنا مرات فائدتين لهذه الحروف المقطعة فلتراجع في‬ ‫أكثر السور المفتتحة بالحروف المقطعة كحم الدخان السورة التي قبل هذه السورة‪ .‬وقوله‬

‫( ‪)5/22‬‬ ‫تعالى تنزيل ‪ 1‬الكتاب من ال العزيز الحكيم أي تنزيل القرآن كان من عند ال العزيز أي النتقام‬ ‫ت وَالْأَ ْرضِ} أي في خلقهما‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫من أعدائه الحكيم في تدبير أموره خلقه وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ فِي ال ّ‬ ‫وإيجادهما وما فيها من عجائب الصنعة كآيات للمؤمنين ‪ 2‬تدلهم على استحقاق ربهم للعبادة دون‬ ‫سواه من سائر خلقه‪ ،‬وخص المؤمنون بهذه اليات لنهم أحياء يسمعون ويبصرون ويعقلون فهم‬ ‫إذا نظروا في السموات والرض تجلت لهم حقائق أن الخالق لهذه العوالم لن يكون إل قادرا عليما‬ ‫حكيما عزيزا ومن ثم وجب أن ل يعبد إل هو‪ ،‬وكل عبادة لغيره باطلة‪.‬‬ ‫وقوله‪ :‬وفي خلقكم أيها الناس أي في أطوار خلقكم من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى بشر سوى‬ ‫الخلقة معتدل المزاج والتركيب له سمع وبصر ونطق وفكر‪.‬‬ ‫وما يبث من دابة أي وما يخلق وما يفرق وينشر في الرض من أنواع الدواب والبهائم‬ ‫والحيوانات على اختلفها من برية وبحرية آيات لقوم ‪ 3‬يوقنون أي يوقنون في إيمانهم بال تعالى‬ ‫وآياته‪ ،‬كما يوقنون بحقائق الشياء‪ ،‬الثابتة لها فالواحد مع الواحد اثنان والموجود ضد المعدوم‪،‬‬ ‫والبيض خلف السود‪ ،‬والبن لبد به من أب‪ ،‬والعذب خلف المر فأصحاب هذا اليقين يرون‬ ‫في خلق النسان والحيوان آيات دالة على وجود ال وعلمه وعزته وحكمته وقدرته على البعث‬ ‫والجزاء الذي أنكره عادموا العقول من المشركين والكافرين‪ .‬وقوله‪{ :‬وَاخْتِلفِ اللّ ْيلِ وَال ّنهَار} أي‬ ‫بتعاقبهما بمجيء الليل وذهاب النهار‪ ،‬والعكس كذلك وبطول أحدهما وقصر الخر تارة والعكس‬ ‫كذلك وما أنزل ال من السماء من رزق أي من مطر هو سبب الرزق فأحيا به الرض بعد موتها‬ ‫بيبس النبات وموته عليها‪ ،‬وتصري الرياح من صبا إلى دبور‪ ،‬ومن شمال إلى جنوب ومن رخاء‬ ‫لينة إلى عاصفة ذات برد أو سموم إن في المذكورات آيات حججا ودلئل دالة على وجود عبادة‬ ‫ال وتوحيده في ذلك‪ ،‬ولكن لقوم ‪ 4‬يعقلون أي لذوي العقول النيرة السليمة‪ .‬أم الذين ل عقول لهم‬ ‫فل يرون ول في غيرها آية فضل عن آياتٍ‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تنزيل الكتاب مبتدأ خبره من ال وإيثار وصفي العزيز الحكيم من بين أسماء ال وصفاته‬ ‫اليماء إلى أن هذا الكتاب ذو نبأ عظيم فهو عزيز بعزة منزله ل يقدر على مثله وذو حكم ل‬ ‫يخلو منها‪.‬‬ ‫‪ 2‬كون اليات للمؤمنين دون الكافرين باعتبار أنهم هم المنتفعون بها لنهم يسمعون ويبصرون‬ ‫ويعقلون والكافرون فاقدون لذلك فلم تكن اليات لهم لعدم انتفاعهم بها‪.‬‬ ‫‪ 3‬اليقين ل يكون إل بعد اليمان فاليمان يثمر اليقين فالمؤمن يرى في خلق السموات والرض‬ ‫أي في إيجادهما على ما هما عليه آيات على قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته فيرتفع إيمانهم إلى‬

‫مرتبة اليقين فيرون في أدق الشياء كالجنة في الرحام وما هو أخفى يرون فيه آيات تزيد في‬ ‫يقينهم وتحملهم على حبهم ل وطاعتهم له والتقرب إليه‪.‬‬ ‫‪ 4‬والعقل مرتبة ثالثة بعد اليمان واليقين في باب الهتداء فالذي يرى اختلف الليل والنهار‬ ‫ونزول المطار وما ينجم عنها من نباتات وزروع ولم يهتد إلى اليمان فيؤمن قهو غير عاقل ول‬ ‫يصح نسبته إلى العقلء‪.‬‬

‫( ‪)5/23‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬عظم شأن القرآن الكريم لنه تنزيل ال العزيز الحكيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليمان أعم من اليقين ومقدم عليه في الترتيب واليقين أعلى في الرتبة‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل العق ‪1‬ل السليم إن استخدم في الخير وما ينفع‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير ألوهية ال تعالى بتقرير ربوبيته في الخلق والتدبير والعلم والحكمة‪.‬‬ ‫تِ ْلكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِا ْلحَقّ فَبَِأيّ حَدِيثٍ َبعْدَ اللّ ِه وَآيَا ِتهِ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )6‬وَ ْيلٌ ِل ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ (‪)7‬‬ ‫س َم ْعهَا فَبَشّ ْرهُ ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ (‪ )8‬وَإِذَا عَِلمَ مِنْ‬ ‫سمَعُ آيَاتِ اللّهِ تُتْلَى عَلَ ْيهِ ثُمّ ُيصِرّ مُسْ َتكْبِرا كَأَنْ لَمْ يَ ْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫جهَنّ ُم وَل ُيغْنِي عَ ْن ُهمْ مَا كَسَبُوا‬ ‫ن وَرَا ِئهِمْ َ‬ ‫خذَهَا هُزُوا أُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )9‬مِ ْ‬ ‫آيَاتِنَا شَيْئا اتّ َ‬ ‫ى وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآياتِ‬ ‫عظِيمٌ (‪ )10‬هَذَا هُد ً‬ ‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَا َء وََلهُمْ عَذَابٌ َ‬ ‫شَيْئا وَل مَا اتّ َ‬ ‫رَ ّبهِمْ َلهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫تلك آيات ال ‪ :‬أي تلك اليات المذكورة آيات ال أي حججه الدالة على وحدانيته‪.‬‬ ‫نتلوها عليك بالحق ‪:‬أي نخبرك عنها بالحق ل بالباطل كما يخبر المشركون عن آلهتهم أنها‬ ‫تقربهم إلى ال زلفى كذبا وباطل‪.‬‬ ‫فبأي حديث بعد ال وآياته ‪:‬أي فبأي حديث أيها المشركون بعد حديث ال هذا الذي يتلوه عليكم‬ ‫وبعد حججه هذه‪.‬‬ ‫تؤمنون ‪:‬أي تصدقون والجواب أنكم ل تؤمنون‪.‬‬ ‫ويل لكل أفاك أثيم ‪:‬أي عذاب الويل لكل كذاب ذي آثام كبيرة وكثيرة‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من شروط التكليف العقل بل خلف بين أئمة السلم والكافر غير مكلف بفروع الشريعة أيضا‬ ‫لنه لو عقل لمن ولو آمن لكلف فالكافر ل يسمع ول يبصر ول يعقل فكيف يكلف؟‬

‫( ‪)5/24‬‬ ‫يسمع آيات ال تتلى عليه ‪:‬أي يسمع آيات القرآن كتاب ال تقرأ عليه‪.‬‬ ‫ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ‪:‬أي ثم يصر على الكفر حال كونه مستكبرا عم اليمان والتوحيد‬ ‫كأن لم يسمعها‪.‬‬ ‫وإذا علم من آياتنا شيئا ‪:‬أي إذا بلغه شيء من القرآن وعلم أنه من القرآن‪.‬‬ ‫اتخذها هزوا ‪:‬أي اتخذ تلك الية أو اليات مهزوا بها متهكما ساخرا منها‪.‬‬ ‫له عذاب مهين ‪:‬أي ذو إهانة لهم يهانون به وتكسر أنوفهم‪.‬‬ ‫من ورائهم جهنم ‪:‬أي أمامهم جهنم وذلك يوم القيامة‪ ،‬والوراء يطلق على المام كذلك‪.‬‬ ‫ول يغني عنهم ما كسبوا شيئا ‪:‬أي ل يكفى عنهم ما كسبوه من المال والفعال التي كانوا يعتزون‬ ‫بها شيئا من الغناء‪.‬‬ ‫ول ما اتخذوا من دون ال من ‪:‬أي ول يغني عنهم كذلك ما اتخذوه من أصنام آلهة عبدوها دون‬ ‫ال تعالى‪.‬‬ ‫أولياء‬ ‫هذا هدىً ‪:‬أي هذا القرآن الذي أنزله ال تعالى على عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫هدىً أي كله حجج وبراهين ودللت هادية‪.‬‬ ‫والذين كفروا بآيات ربهم ‪:‬أي والذين كفروا بالقرآن فلم يهتدوا به وبقوا على ضللهم من الشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫لهم عذاب من رجز أليم ‪:‬أي لهم عذاب موجع من نوع الرجز وهو أشد أنواع العذاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في طلب هداية قريش فبعد أن بين تعالى آياته في الفاق وفي النفس قال‬ ‫لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ 1‬تلك آيات ال أي تلك اليات المذكورة أي آيات ال أي حججه‬ ‫الدالة على وجوده وعلمه وقدرته وموجبة لربوبيته على خلقه و ألوهيته فهو الله الحق الذي ل‬ ‫إله إل هو حق سواه‪.‬‬ ‫وقوله فبأي حديث بعد ال وآياته يؤمنون أي إن لم يؤمن هؤلء المشركون بال ربا وإلها ول رب‬ ‫غيره ول إله سواه‪ ،‬وبآياته القرآنية الحاملة للهدى والخير والنور فبأي شيء يؤمنون أي يصدقون‬ ‫ل شيء يؤمنون لن الستفهام إنكاري والنكار كالنفي في معناه‪ .‬وقوله {وَ ْيلٌ ِل ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ‪}2‬‬ ‫يسمع آيات ال تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها هذا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أشار إليها بلم البعد للدللة على علو شأنها وعزة مرامها ولول هذا لقال هذه آيات ال لقرب‬

‫ذكرها‪.‬‬ ‫‪ 2‬صاحب هاتين الصفتين كثرة الفك وكثرة الثم هو في خبث نفسه كالشياطين سواء بسواء إذ‬ ‫مثله هو الذي تنزل عليه الشياطين ويتحد معها على الخبث والكفر والشر والفساد‪.‬‬

‫( ‪)5/25‬‬ ‫وعيد من ال تعالى شديد لكل كذاب يقلب الكذب فيصف الطاهر بالخبيث والخبيث بالطيب‬ ‫والكاذب بالصادق‪ ،‬والصادق بالكاذب أثيم منغمس في كبائر الثم والفواحش‪ .‬يسمع هذا الفاك‬ ‫الثيم آيات ال تتلى عليه وهي القرآن الكريم‪ ،‬ثم يصر على الكفر مستكبرا عن اليمان وبما‬ ‫يدعوا إليه من التوحيد كأن لم يسمع تلك اليات‪ .‬قال تعالى لرسوله فبشره ‪ 1‬بعذاب أليم وقوله‬ ‫تعالى وإذا علم أي ذلك الفاك الثيم من آياتنا شيئا كأن تبلغه الية أو اليات من القرآن اتخذها‬ ‫هزوا أي أخذ يهزأ بها ويسخر منها‪ ،‬ويواصل ذلك فيجعلها هزوا بها‪ ،‬قال تعالى‪ :‬أولئك أي‬ ‫الفاكون الثمون وما أكثرهم لهم عذاب مهين أي فيه إهانة زائدة تنكسر منها أنوفهم التي كانت‬ ‫جهَنّمُ} هذا وعيد لهم تابع للول إذ أخبر‬ ‫ن وَرَا ِئهِمْ َ‬ ‫تأنف الحق وتستكبر عنه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬مِ ْ‬ ‫تعالى أن من ورائهم جهنم وذلك يوم القيامة ولفظ الوراء يطلق ويراد به المان فهو من اللفاظ‬ ‫المشتركة في معنيين فأكثر وقوله {وَل ُيغْنِي عَ ْنهُمْ مَا َكسَبُوا ‪ 2‬شَيْئا} أي ول يكفي عنهم أموالهم‬ ‫ول أولدهم ول جاههم ول كل ما كسبوا في هذه الدنيا أي ل يدفع ذلك عنهم شيئا من العذاب‪،‬‬ ‫وكذلك ل تغني عنهم آلهتهم التي عبدوها من دون ال شيئا من دفع العذاب‪ .‬ولهم عذاب عظيم ل‬ ‫يقادر قدره‪ ،‬وكيف والعظيم جل جلله وصفه بأنه عظيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬هَذَا هُدىً‪ }3‬أي هذا القرآن هدى أي يخرج من الضللة إلى الهدى‪ ،‬ومن الكفر إلى‬ ‫اليمان ومن الشرك إلى التوحيد لما فيه من الهدى والنور‪ ،‬ولما يدعو إليه من الحق والعدل‬ ‫والخير والذين كفروا به وأعرضوا عنه وهو آيات ال وحججه على خلقه هؤلء لهم عذاب من‬ ‫رجز أليم أي عذاب هو من أشد أنواع العذاب لنهم بالكفر باليات لم يزكوا أنفسهم ولم يطهروها‬ ‫فماتوا على أخبث النفوس وشرها فل جزاء لهم إل رجز العذاب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬القرآن نور و أعظم نور فمن لم يهتد عليه ل يرجى له الهداية أبدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬الوعيد الشديد لهل الفك و الثام‪ ,‬و الفك الكذب المقلوب‪.‬‬ ‫‪ -3‬شر الناس من إذا سمع آيات ال استهزأ وسخر منها أو ممن يتلوها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البشارة تكون بالخبر السار الذي تتهلل به البشرة بالبشر والطلق و التبشير بالعذاب يورث‬

‫اسوداد الوجه وكلوحه فالبشارة هنا من باب التهكم به أو لكون البشرة تتغير للخبر فصح إطلق‬ ‫البشارة عليه‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية إشارة إلى أن أصحاب هذه الصفات يكونون من أرباب الموال لنهم يكتسبونها بكل‬ ‫وسيلة ولو ببيع عقولهم وضمائرهم وأموالهم والمحافظة عليها من عوامل ردهم لدعوة السلم‬ ‫ومحاربتها كما هو مشاهد‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا هدى أي هذا القرآن هدى في ذاته وما يدعوا إليه ومن كفر به فحرم الهداية فلم يهتد فل‬ ‫جزاء له إل جزاء العذاب الليم‪.‬‬

‫( ‪)5/26‬‬ ‫‪ -4‬لم يغن عمن مات على الكفر شيء من كسب في هذه الحياة الدنيا من مال وولد وجاه‬ ‫وسلطان‪.‬‬ ‫‪ -5‬لم يغن عن المشرك ما كان يعبد من دون ال أو مع ال من أصنام وأوثان وملئكة أو أنبياء‬ ‫أو أولياء‪.‬‬ ‫شكُرُونَ (‪ )12‬وَسَخّرَ‬ ‫سخّرَ َلكُمُ الْبَحْرَ لِ َتجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ فِيهِ بَِأمْ ِر ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬ ‫اللّهُ الّذِي َ‬ ‫جمِيعا مِنْهُ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآياتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪ُ )13‬قلْ لِلّذِينَ‬ ‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬ ‫ل صَالِحا‬ ‫ع ِم َ‬ ‫آمَنُوا َي ْغفِرُوا لِلّذِينَ ل يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِ َيجْ ِزيَ َقوْما ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ )14‬مَنْ َ‬ ‫جعُونَ (‪)15‬‬ ‫فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ أَسَاءَ َفعَلَ ْيهَا ُثمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ال الذي سخر لكم البحر ‪ :‬أي ال المعبود بحق ل اللهة الباطلة سخر لكم أي لجلكم البحر بأن‬ ‫جعله أملس تطفو فوقه الخشاب ونحوها‪.‬‬ ‫لتجري الفلك فيه بأمره ‪:‬أي جعله كذلك لتجري السفن فيه بإذن ال تعالى‪.‬‬ ‫ولتبتغوا من فضله ‪:‬أي لتسافروا إلى طلب الرزق من إقليم إلى إقليم‪.‬‬ ‫ولعلكم تشكرون ‪:‬أي رجاء أن تشكروا نعم ال عليكم‪.‬‬ ‫وسخر لكم ما في السموات ‪:‬أي من شمس وقمر ونجوم ورياح وماء أمطار‪.‬‬ ‫وما في الرض جميعا ‪:‬أي وما في الرض من جبال وأنهار وأشجار ومعادن منه تعالى‪.‬‬ ‫إن في ذلك ليات ‪:‬أي علمات ودلئل وحجج على وجود ال وألوهيته‪.‬‬ ‫لقوم يتفكرون ‪:‬أي لقوم يستخدمون عقولهم فيتفكرون في وجود هذه المخلوقات ومن أوجدها‬ ‫ولماذا أوجدها فتتجلى لهم حقائق وجود ال وعلمه وقدرته ورحمته فيؤمنوا ويوحدوا‪.‬‬ ‫قل للذين آمنوا يغفروا ‪:‬أي قل يا رسولنا للمؤمنين من عبادنا يغفروا أي يتجاوزوا‬

‫( ‪)5/27‬‬ ‫ول يؤخذوا‪.‬‬ ‫الذين ل يرجون أيام ال ‪:‬أي ل يتوقعون أيام ال أي بالدالة منهم للمؤمنين فيذلهم ال وينصر‬ ‫المؤمنين عليهم وهم الرسول وأصحابه وهذا قبل المر بجهادهم‪.‬‬ ‫ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ‪:‬أي ليجزي تعالى يوم القيامة قوما منهم وهم الذين علم تعالى أنهم‬ ‫ل يؤمنون بما كسبوه من أذى الرسول والمؤمنين‪.‬‬ ‫من عمل صالحا فلنفسه ‪:‬أي فهو الذي يرحم ويسعد به‪.‬‬ ‫ومن أساء فعليها ‪:‬أي ومن عمل سوءا فالعقوبة تحل به ل بغيره‪.‬‬ ‫ثم إلى ربكم ترجعون ‪:‬أي يعد الموت ويحكم بينكم في ما كان بينكم من خلف وأذى‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫مازال السياق الكريم في هداية قوم النبي صلى ال عليه وسلم فقوله تعالى‪ { :‬اللّهُ الّذِي سَخّرَ َل ُكمُ‬ ‫‪ }1‬تذكير لولئك المعرضين بالحجج واليات الدالة على وجوب اليمان بال وتوحيده وطاعته‬ ‫فهو تعالى يعرفهم أن ما بهم من نعم هي من ال ل من غيره من تلك اللهة الباطلة‪ .‬ال ل غيره‬ ‫هو الذي سخر لكم أي ذلل ويسر وسهل ما في السموات من شمس وقمر ونجوم وسحب وأمطار‬ ‫ورياح لمنافعكم‪ ،‬وسخر لكم ما في الرض من جبال وأشجار وأنهار وبحار ومعادن وحيوانات‬ ‫على اختلفها كل ذلك منه ‪ 2‬وهو وهبه لكم‪ ،‬إن في ذلك المذكور من إنعام ال عليكم بكل ما سخر‬ ‫لكم ليات لقوم ‪ 3‬يتفكرون فيهديهم تفكيرهم إلى وجوب حمد ال تعالى وشكره بعد أن آمنوا به‬ ‫ووحدوه في ربوبيته وألوهيته‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ لِلّذِينَ آمَنُوا ‪َ 4‬ي ْغفِرُوا لِلّذِينَ ل يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ‪5‬‬ ‫لِيَجْ ِزيَ َقوْما ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ}‪ .‬يأمر ال تعالى رسوله أن يقول لصحابته أيام الخوف في مكة‬ ‫قبل الهجرة اصفحوا وتجاوزوا عمن يؤذيكم من كفار قريش‪ ،‬ول تردوا الذى بأذى مثله بل‬ ‫اغفروا لهم ذلك وتجاوزوا عنه‪ ،‬وقد نسخ هذا بالمر بالجهاد‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {لِيَجْ ِزيَ َقوْما ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ} تعليل للمر بالصفح والتجاوز أي ليؤخر لهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر تعالى في هذه اليات كمال قدرته وتمام نعمته على عباده وبين أمه خلق ما خلق لمنافعهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬منه من ابتدائية أي جميع ذلك المذكور المسخر من عند ال تعالى ليسر لغيره فيه أدنى شركة‬ ‫وموقع (منه) موقع الحال أي سخر لكم ما سخر حال كونه منه‪.‬‬ ‫‪ 3‬التفكر هو منبع اليمان واليقين والعقل إذا من فكر عقل ومن عقل آمن ومن آمن أيقن ومن‬ ‫أيقن طلب النجاة من النار والفوز بالجنان باليمان وصالح العمال بعد ترك الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ 4‬يغفروا مجزوم لنه في جواب المر (قل) وجائز أن يكون مجزوما بتقدير لم المر محذوفة‬

‫أي ليغفروا‪.‬‬ ‫‪ 5‬جائز أن يراد بأيام ال ثوابه وعقابه أو نصره لوليائه وإيقاعه بأعدائه‪ .‬أو البعث الخر ولقائه‪.‬‬

‫( ‪)5/28‬‬ ‫ذلك إلى يوم القيامة ويجزيهم به أسوأ الجزاء لنه كسب من شر المكاسب إنه أذية النبي‬ ‫والمؤمنين أولياء ال‪ ،‬وفي تنكير قوما يدل على أن بعضهم سيؤمن ول يعذب يوم القيامة فل‬ ‫يعذب إل من مات على الكفر والشرك منهم‪.‬‬ ‫ع ِملَ صَالِحا فَلِ َنفْسِهِ‪ }1‬أي من عمل صالحا في هذه الحياة الدنيا من إيمان وطاعة‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬مَنْ َ‬ ‫ل ولرسوله في أوامرهما ونواهيهما فزكت بذلك نفسه وتأهل لدخول الجنة فإن ال يدخله الجنة‬ ‫ويكون عمله الصالح قد عاد عليه ولم يعد على غيره إن ال غني عن عمل عباده‪ ،‬وغير العامل‬ ‫ل تطهر نفسه ول تزكو بعمل لم يباشره بنفسه‪ ،‬وقوله من أساء أي في حياته فلم يؤمن و لم يعمل‬ ‫صالحا يزكي به نفسه‪ ،‬فجزاء كسبه السيء من الشرك والمعاصي عائد على نفسه عذابا في النار‬ ‫وخلودا فيها‪2.‬‬ ‫جعُونَ} أي إنكم أيها الناس بعد هذه الحياة وما عملتم فيها من صالح‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬ثُمّ إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ‬ ‫وسيء ترجعون إلى ال يوم القيامة ويجزيكم كلً بحسب عمله الخير بالخير والشر بمثله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد والبعث ‪ 3‬والجزاء والنبوة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان علة النعام اللهي على العبد وهي أن يشكر ال تعالى بحمده والثناء عليه وصرف تلك‬ ‫النعم في مرضاته تعالى ل في معاصيه الموجبة لسخطه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التسامح مع الكفار والتجاوز عن أذاهم في حال ضعف المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير قاعدة أن المرء ل يؤخذ بجريرة غيره‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير أن الكسب يؤثر في النفس ويكون صفة لها و به يتم الجزاء في الدار الخرة من خير‬ ‫وغيره قال تعالى سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم (النعام)‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬العمل الصالح شرطه اليمان ولذا ما ذكر العمل الصالح في القرآن إل واليمان مقرنا به إل ما‬ ‫ندر كهذه الية‪.‬‬ ‫‪ 2‬الخلود في النار خاص بالمشركين والكافرين أما أهل اليمان والتوحيد فل يخلدون في النار‬ ‫لحسنة اليمان والتوحيد‪.‬‬

‫‪ 3‬هذه الصول الثلثة عليها مدار استقامة العبد وجل السور المكية تعالجها فل تكاد توجد سورة‬ ‫تخلو من تحقيقها والدعوة إليها‪.‬‬

‫( ‪)5/29‬‬ ‫ت َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ (‬ ‫ح ْك َم وَالنّ ُب ّوةَ وَرَ َزقْنَا ُهمْ مِنَ الطّيّبَا ِ‬ ‫ب وَالْ ُ‬ ‫وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ ا ْلكِتَا َ‬ ‫‪ )16‬وَآتَيْنَا ُهمْ بَيّنَاتٍ مِنَ الَْأمْرِ َفمَا اخْتََلفُوا إِلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءهُمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيا بَيْ َنهُمْ إِنّ رَ ّبكَ َي ْقضِي‬ ‫جعَلْنَاكَ عَلَى شَرِي َعةٍ مِنَ الَْأمْرِ فَاتّ ِب ْعهَا وَل تَتّبِعْ‬ ‫بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪ُ )17‬ثمّ َ‬ ‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ‬ ‫أَ ْهوَاءَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ (‪ )18‬إِ ّن ُهمْ لَنْ ُيغْنُوا عَ ْنكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا وَإِنّ الظّاِلمِينَ َب ْع ُ‬ ‫حمَةٌ ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ (‪)20‬‬ ‫ى وَرَ ْ‬ ‫وَاللّ ُه وَِليّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )19‬هَذَا َبصَائِرُ لِلنّاسِ وَهُد ً‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الكتاب ‪:‬أي التوراة لنها الحاوية للحكام الشرعية بخلف الزبور والنجيل‪.‬‬ ‫والحكم ‪:‬أي الفصل في القضايا بين المتنازعين على الوجه الذي يحقق العدل‪.‬‬ ‫والنبوة ورزقناهم من الطيبات ‪:‬أي جعلنا فيهم النبوة كنبوة موسى وهارون وداود وسليمان‪,‬‬ ‫ورزقهم من الطيبات كالمن و السلوى وغيرهما‪.‬‬ ‫وفضلناهم على العالمين ‪:‬أي على عالمي زمانهم من المم المعاصرة لهم‪.‬‬ ‫إل من بعد ما جاءهم العلم بغيا ‪:‬أي لم يخلفوا إل من بعد ما جاءهم العلم ببعثة النبي محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم بغيا بينهم أي حسدا للعرب أولد إسماعيل أن تكون النبوة فيهم‪.‬‬ ‫ثم جعلناك على شريعة ‪ 1‬من المر ‪:‬أي ثم جعلناك يا رسولنا على شريعة من أمر الدين الحق‬ ‫الذي ارتضاه ال لعباده‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الشريعة لغة المذهب و الملة و يقال لمشرعة الماء أي مشرعة الشاربة شريعة ومنه الشارع‬ ‫لنه طريق إلى المقصد فالشريعة ما شرع ال لعباده من الدين و الجمع شرائع‪.‬‬

‫( ‪)5/30‬‬ ‫فأتبعها ‪:‬أي ألزم الخذ بها والسير على طريقتها فأنها تفضي بك إلى سعادة الدارين‪.‬‬ ‫ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون ‪ :‬من مشركي العرب ومن ضلل أهل الكتاب‪.‬‬ ‫إنهم لن يغنوا عنك من ال شيئا ‪:‬أي إن أنت تركت ما شرع لك واتبعت ما يقترحون عليك أن‬ ‫تفعله مما يوافق أهواءهم إنك إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من العذاب الدنيوي والخروي شيئا‪.‬‬ ‫وإن الظالمين بعضهم أولياء ‪:‬أي ينصر بعضهم بعضا في الدنيا أما في الخرة فإنهم ل ينصرون‪.‬‬

‫بعض‬ ‫وال ولي المتقين ‪ :‬أي متوليهم في أمورهم كلها وناصرهم على أعدائهم‪.‬‬ ‫هذا بصائر للناس وهدى ‪:‬أي هذا القرآن أي أنوار هداية يهتدون به إلى ما يكملهم ويسعدهم‪،‬‬ ‫وهدى ورحمة‪ ،‬ولكن لهل اليقين في إيمانهم فهم الذين يهتدون به ويرحمون عليه أما غير‬ ‫الموقنين فل يرون هداه ول يجدون رحمته لن شكهم وعدم إيقانهم يتعذر معهما أن يعملوا به في‬ ‫جد وصدق وإخلص‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صلى ال عليه وسلم فعرض عليهم حالً شبيهة‬ ‫بحالهم لعلهم يجدون فيها ما يذكرهم ويعظهم فيؤمنوا ويوحدوا قال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ آتَيْنَا بَنِي ‪1‬‬ ‫إِسْرائيلَ} أي أعطينا بني إسرائيل وهم أولد يعقوب الملقب بإسرائيل وهو ابن اسحق بن إبراهيم‬ ‫حكْمَ} وهو الفقه بأحكام الشرع والصابة في العمل‬ ‫خليل الرحمن آتيناهم { ا ْلكِتَابَ} التوراة { وَا ْل ُ‬ ‫ل كموسى وهارون ويوسف‬ ‫والحق فيها ثمرة إيمانهم وتقواهم {وَالنّ ُبوّة} فجعلنا منهم أنبياء ورس ً‬ ‫وداود وسليمان وعيسى‪ ،‬وفضلناهم ‪ 2‬على العالمين أي على فرعون وقومه من القباط‪ ،‬وعلى‬ ‫من جاور بلدهم من الناس‪ ،‬وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم‪ ،‬وآتيناهم بينات ‪ 3‬من المر أمر الدين‬ ‫تحملها التوراة والنجيل { َفمَا اخْتََلفُوا ِإلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِلْمُ} اللهي يحمله القرآن ونبيه‬ ‫فاختلفوا فيما كان عندهم من النباء عن نبي آخر الزمان ونعوته وما سيورثه ال وأمته من الكمال‬ ‫الدنيوي والخروي فحملهم بغي حدث‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم ما أعطى بني إسرائيل من إفضالت ثم ذكر ما أعطاه هو‬ ‫صلى ال عليه وسلم ليكون ذلك جاريا على سنته في إكرام من يشاء من عباده فل يكون ذلك‬ ‫داعيا إلى إنكار المشركين ول أهل الكتاب نبوة نبيه محمد صلى ال عليه وسلم لو كانوا يعقلون‪.‬‬ ‫‪ 2‬بأن جمع ال لهم بين استقامة الدين والخلق وبين حكم أنفسهم بأنفسهم وبين أصول العدل فيهم‬ ‫مع حسن العيش وشمول المن والرخاء لهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي علمناهم حججا وعلوما في أمر دينهم ونظام حياتهم بحيث يكونون على بصيرة في تدبير‬ ‫مجتمعهم وعلى سلمته من الشرور والمفاسد‪.‬‬

‫( ‪)5/31‬‬ ‫بينهم وهو الحسد على الكفر فكفروا به وكذبوه فهذه الية نظيرها آية البقرة‪ { :‬فََلمّا جَاءَهُمْ مَا‬ ‫عَ َرفُوا كَفَرُوا بِهِ فََلعْنَةُ اللّهِ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ} وكقوله في سورة البينة { لَمْ َيكُنِ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ‬ ‫طهّ َرةً} وهو محمد صلى‬ ‫ا ْلكِتَابِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ مُنْ َفكّينَ حَتّى تَأْتِ َيهُمُ الْبَيّنَةُ َرسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُو صُحُفا مُ َ‬

‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { إِنّ رَ ّبكَ َي ْقضِي بَيْ َنهُمْ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَِلفُونَ} هذه تسلية لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى إعلم منه تعالى بأنه سيحكم بينهم ويفصل‬ ‫ويؤدي كل واحد ثمرة كسبه من خير وشر في هذه الحياة وذلك يوم القيامة‪.‬‬ ‫جعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَة ٍ‪ 1‬مِنَ الَْأمْرِ} أي من أمر ديننا السلم الذي هو دين النبياء من‬ ‫وقوله‪{ :‬ثُمّ َ‬ ‫قبلك فلم تختلف شريعتك في أصولها على شرائعهم‪ ،‬وعليه فاتبعها ول تحد عنها متبعا أهواء‬ ‫الذين ل يعلمون من زعماء قريش الذين يقدمون لك اقتراحاتهم من الوقت إلى الوقت ول أهواء‬ ‫ضلل أهل الكتابين من اليهود والنصارى إنهم جهال ل يعلمون هدى ال‪ ،‬ول ما هو سبيل النجاة‬ ‫من النار والفوز بالجنة في الخرة‪ ،‬ول هو سبيل العزة والكرامة والدولة والقوة في الدنيا‪.‬‬ ‫وقوله‪{ :‬إِ ّنهُمْ لَنْ ُيغْنُوا عَ ْنكَ مِنَ اللّهِ شَيْئا} أي إنك إن اتبعت أهوائهم واستوجبت العذاب لن يدفعوا‬ ‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ} أي في الدنيا فيتعاونون‬ ‫عنك ولن يكفوك شيئا منه‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَإِنّ الظّاِلمِينَ َب ْع ُ‬ ‫على الباطل والشر أما في الخرة فل ينصر بعضهم بعضا ول هم ينصرون من قبل أحد وال‬ ‫ولي المتقين‪ ،‬أما المتقون فال وليهم في الدنيا والخرة‪ ،‬فعليك بولية ال‪ ،‬ودع ولية أعدائه‪ ،‬فإنها‬ ‫لن تغني عنك شيئا‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬هَذَا َبصَائِرُ ‪2‬لِلنّاسِ} يريد القرآن الكريم إنه عيون القلوب بها تبصر النافع من‬ ‫الضار والحق من الباطل فمن آمن به وعمل بما فيه اهتدى إلى سعادته وكماله ومن لم يؤمن به‬ ‫ح َمةٌ‪ِ 3‬ل َقوْمٍ يُوقِنُونَ} أي أن القرآن الكريم كتاب‬ ‫ى وَرَ ْ‬ ‫ولم يعمل بما فيه ضل وشقي‪ .‬وقوله {وَهُد ً‬ ‫هداية ورحمة عليه يهتدي المهتدون‪ ،‬ويرحم المرحومون وهم الذين أيقنوا بهدايته ورحمته فعملوا‬ ‫به عقائد وعبادات وأحكاما وآدابا وأخلقا فحصل لهم ذلك كما حصل للسلف الصالح من هذه‬ ‫المة‪ ،‬وما زال القرآن كتاب هداية ورحمة لكل من آمن به وأيقن فعمل وطبق بجد وصدق‬ ‫أحكامه وشرائعه وآدابه وأخلقه التي جاء بها وقد كان خلق النبي صلى ال عليه وسلم القرآن‬ ‫لقول عائشة رضي ال عنها في الصحيح كان خلقه القرآن‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬على للستعلء أي التمكن والثبات والشريعة الدين والملة المتبعة والمر الشأن العظيم والمر‬ ‫هو أمر ال تعالى الذي أراده لك ولمتك من الدين المنجي المسعد في الدارين‪.‬‬ ‫‪ 2‬البصائر جميع بصيرة وهي إدراك العقل المور على حقيقتها شبهت ببصر العين‪.‬‬ ‫‪ 3‬القرآن هدى ورحمة لكل من يهتدي بهداه ويتعرض لرحمته العمل به وخص به لذلك أهل‬ ‫اليقين لنهم القادرون على الخذ بهدايته والتعرض لرحمته والعمل به‪.‬‬

‫( ‪)5/32‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان أن كفر أهل الكتاب كان حسدا للنبي صلى ال عليه وسلم وقومه من العرب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى على بني إسرائيل حيث أعطاهم الكتاب والحكم والنبوة‪.‬‬ ‫ومع هذا اختلفوا في الحق حسدا وطمعا في الرئاسة وإقامة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى‬ ‫الفرات‪.‬‬ ‫‪-3‬تقرير البعث والجزاء والنبوة والتوحيد‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب لزوم تطبيق الشريعة السلمية وعدم التنازل عن شيء منها‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير ولية ال تعالى لهل اليمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان أن القرآن كتاب هداية وإصلح‪ ،‬ول يتم شيء من هداية الناس وإصلحهم إل عليه‪.‬‬ ‫سوَاءً َمحْيَاهُمْ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َ‬ ‫جعََلهُمْ كَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫سبَ الّذِينَ اجْتَ َرحُوا السّيّئَاتِ أَنْ َن ْ‬ ‫أَمْ حَ ِ‬ ‫ق وَلِتُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ‬ ‫حّ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خلَقَ اللّهُ ال ّ‬ ‫ح ُكمُونَ (‪ )21‬وَ َ‬ ‫َو َممَاتُهُمْ سَاءَ مَا َي ْ‬ ‫س ْمعِ ِه َوقَلْبِهِ‬ ‫ظَلمُونَ (‪َ )22‬أفَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّخَذَ ِإَلهَهُ َهوَا ُه وََأضَلّهُ اللّهُ عَلَى عِلْ ٍم وَخَ َتمَ عَلَى َ‬ ‫وَهُمْ ل يُ ْ‬ ‫غشَا َوةً َفمَنْ َيهْدِيهِ مِنْ َبعْدِ اللّهِ َأفَل َت َذكّرُونَ (‪)23‬‬ ‫ج َعلَ عَلَى َبصَ ِرهِ ِ‬ ‫وَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اجترحوا السيئات ‪:‬أي اكتسبوا بجوارحهم الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫سواء محياهم ومماتهم ‪ :‬أي محياهم ومماتهم سواء‪ ،‬ل ل المؤمنون في الجنة والمشركون في‬ ‫النار‪.‬‬ ‫ساء ما يحكمون ‪:‬أي ساء حكما حكمهم بالتساوي مع المؤمنين‪.‬‬ ‫ولتجزى كل نفس بما كسبت ‪:‬أي وليجزي ال كل نفس ما كسبت من خير وشر‪.‬‬ ‫أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ‪:‬أي أخبرني عمن اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه‪.‬‬

‫( ‪)5/33‬‬ ‫وأضله ال على علم ‪:‬أي على علم من ال تعالى بأنه أهل للضلل وعدم الهداية‪.‬‬ ‫وجعل على بصره غشاوة ‪:‬أي ظلمة على عينيه فل يبصر اليات والدلئل‪.‬‬ ‫أفل تذكرون ‪:‬أي أفل تتذكرون أيها الناس فتتعظون‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى في اليات قبل هذه الظالمين والمتقين وجزاء كل منهم وأنه كان مختلفا باختلف‬ ‫نفوس الظالمين والمتقين خبثا وطهرا ذكر هنا ما يقرر ذلك الحكم وهو اختلف جزاء الظالمين‬ ‫والمتقين فقال‪ :‬أم حسب ‪ 1‬الذين اجترحوا السيئات أي اكتيبوها بجوارحهم‪ ،‬والمراد بها الشرك‬

‫والمعاصي أن نجعلهم كالذين آمنوا بال ربا وإلها وبكل ما أمر تعالى باليمان به‪ ،‬وعمل‬ ‫الصالحات من إقام الصلة وآيتاه الزكاة وصيام رمضان والجهاد والحج والمر بالمعروف والنهي‬ ‫عن المنكر وما إلى ذلك من الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ‪ 2‬أي ساء حكما‬ ‫حكمهم هذا ومعنى هذا أن ال تعالى أنكر على من يحسب هذا الحسبان ويظن هذا الظن الفاسد‬ ‫وهو أن يعيش الكافر والمؤمن في هذه الحياة الكافر يعيش على المعاصي والذنوب والمؤمن على‬ ‫الطاعة والحسنات ثم يموتون ول يجزى الكافر على كفره والمؤمن على إيمانه‪ ،‬وأسوأ من هذا‬ ‫الظن ظن آخر كان ليعضهم وهو أنهم إذا ماتوا يكرمون وينعم عليهم بخير ما يكرم به المؤمن‬ ‫وينعم به عليهم‪ .‬وهذا غرور عجيب‪ ،‬فأنكر تعالى عليهم هذا الظن الباطل وحكم أنه ل يسوى بين‬ ‫بر وفاجر‪ ،‬ول بين مؤمن وكافر لن ذلك مناف للعدل والحق وال خلق السموات والرض‬ ‫بالحق‪ ،‬وأنزل الشرائع وأرسل الرسل ليعمل الناس في هذه الحياة الدنيا فمن آمن وعمل صالحا‬ ‫كانت الحسنى له جزاء‪ ،‬ومن كفر وعمل سوءا كانت جهنم جزاءه‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى‪َ { :‬وخَلَقَ‬ ‫ق وَلِ ُتجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ‪ }3‬أي من خير وشر‪ ،‬وهم ل يظلمون‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ بِا ْلحَ ّ‬ ‫اللّهُ ال ّ‬ ‫لن العدالة اللهية هي التي تسود يوم القيامة وتحكم‪.‬‬ ‫خذَ إَِلهَهُ َهوَاهُ} أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قول إل‬ ‫وقوله تعالى‪َ{ :‬أفَرَأَ ْيتَ‪ 4‬مَنِ اتّ َ‬ ‫قاله‪ ،‬ول عمل إل عمله ول اعتقادا إل اعتقده ضاربا بالعقل والشرع عرض الحائط فل يلتفت‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أم للضراب النتقالي والستفهام المقدر بعد أم استفهام إنكاري أي ل يحسب الذين اجترحوا‬ ‫السيئات أنهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ .‬والية نزلت كما قال البغوي في نفر من المشركين‬ ‫في مكة قالوا للمؤمنين إن كان ما تقولون حقا لنفضلن عليكم في الخرة كما فضلنا عليكم في‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ساء ما يحكمون هذه الجملة تذييل لما قبلها من إنكار حسبانه وما اتصل به من المعاني‪ ،‬والحياة‬ ‫والممات مصدران ميميان من الحياة والموت‪.‬‬ ‫‪ 3‬الباء للتعويض لن ما كسبته النفس ل تجزى به وإنما تجزى بمثله وما يناسبه من خير وشر‪.‬‬ ‫‪ 4‬الستفهام للتعجب من حال هذا الذي اتخذ إلهه هواه والمخاطب الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫وكل ذي أهلية لن يفهم عن ال تعالى من المؤمنين‪.‬‬

‫( ‪)5/34‬‬ ‫علْمٍ‪ }1‬أي منه تعالى حيث سبق في‬ ‫إليهما ول يستمع الى ندائهما‪ .‬وقوله تعالى { َوَأضَلّهُ اللّهُ عَلَى ِ‬ ‫علمه أن هذا النسان ل يهتدي ولو جاءته كل آية فكتب ذلك عليه فهو كائن ل محالة‪ ،‬وقوله‬ ‫ج َعلَ عَلَى َبصَ ِرهِ غِشَا َوةً} أي وختم تعالى على سمعه حسب سنته في‬ ‫س ْمعِ ِه َوقَلْبِ ِه َو َ‬ ‫{وَخَ َتمَ عَلَى َ‬

‫ذلك فأصبح ل يسمع الهدى ول الحق كأنه أصم ول يسمع‪ ،‬وأصبح ل يعقل معاني ما يسمع وما‬ ‫يقال له كأنه ل قلب له‪ ،‬وأصبح لما على بصره من ظلمة ل يرى الدلة ول العلمات الهادية الى‬ ‫الحق والى الطريق المستقيم المفضي بسالكه إلى النجاة من النار ودخول الجنة‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫{ َفمَنْ َيهْدِيهِ مِنْ َبعْدِ اللّهِ} وقد أضله ال والجواب ل أحد‪ .‬كقوله تعالى من سورة النحل {إِنّ اللّ َه ل‬ ‫َيهْدِي مَن يُضل} أي من أضله ال تعالى حسب سنته في الضلل وهي أن يدعى العبد إلى الحق‬ ‫والمعروف والخير فيتكبر ويسخر ويحارب فترة يصبح بعدها غير قابل لهداية فهذا ل يهدي أحد‬ ‫بعد أن أضله ال تعالى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى ‪َ{ :‬أفَل تَ َذكّرُونَ‪ }2‬أي أفل تذكرون فتتعظون أيها الناس فتؤمنوا وتوحدوا وتعملوا‬ ‫الصالحات فتكملوا وتسعدوا في الدنيا وتنجو من النار وتدخلوا الجنة في الخرة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بطلن اعتقاد الكافرين في أن الناس يحيون ويموتون بل جزاء على الكسب صالحه وفاسده‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -3‬موعظة كبيرة في هذه الية أم حسب الذين اجترحوا السيئات إلى آخرها حتى إن أحد رجال‬ ‫السلف الصالح قام يتهجد من الليل فقرأ حتى انتهى الى هذه الية فأخذ يرددها ويبكي حتى طلع‬ ‫الفجر‪.‬‬ ‫‪ -4‬التنديد بالهوى والتحذير ‪ 3‬من اتباعه فقد يفضي بالعبد إلى ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة‬ ‫الهوى فيصبح معبوده هواه ل الرب تعالى موله‪.‬‬ ‫‪ -5‬التحذير من ارتكاب سنن الضلل المفضي بالعبد إلى الضلل الذي ل هداية معه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬على علم أي أضله ال مع ما عنده من العلم الذي لو خلع عن نفسه الكبر والعناد والميل إلى‬ ‫الهوى لهتدى ونجا وسعد ولكن أو على علم من ال تعالى بأنه ليس أهلً للهداية كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع تذكرون بتشديد الذال وقرأه حفص بتخفيفها الولى على إدغام إحدى التائين في الذال‬ ‫فشددت والثانية على حذف إحدى التائين فخففت‪.‬‬ ‫‪ 3‬من الكلمات المأثورة في هذا قولهم ثلث من المهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء‬ ‫بنفسه‪.‬‬

‫( ‪)5/35‬‬ ‫ت وَنَحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَا ِإلّ الدّهْرُ َومَا َل ُهمْ بِذَِلكَ مِنْ عِ ْلمٍ إِنْ ُهمْ ِإلّ‬ ‫َوقَالُوا مَا ِهيَ ِإلّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُو ُ‬ ‫يَظُنّونَ (‪)24‬‬

‫حجّ َتهُمْ ِإلّ أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )25‬قلِ اللّهُ‬ ‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ مَا كَانَ ُ‬ ‫ج َم ُعكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِي ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ (‪)26‬‬ ‫يُحْيِيكُمْ ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ َي ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا ‪:‬أي قال منكرو البعث ما هي إل هذه الحياة‪،‬وليس ورائها حياة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫نموت ونحيا ‪:‬أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا فيحيوا ويموتوا‪.‬‬ ‫وما يهلكنا إل الدهر ‪:‬أي وما يميتنا إل مرور الزمان علينا‪.‬‬ ‫وما لهم بذاك من علم ‪:‬أي وليس لهم أدنى علم على قولهم ل من وحي وكتاب إلهي ول من عقل‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫إن هم إل يظنون ‪:‬أي ما هم إل يظنون فقط والظن ل قيمة له ول يبنى عليه حكم‪.‬‬ ‫وإذا تتلى عليهم آيتنا بينات ‪:‬أي وإذا قرئت عليهم اليات الدالة على البعث والجزاء الخرى‬ ‫بوضوح‪.‬‬ ‫ما كان حجتهم ‪:‬أي لم تكن لهم من حجة إل قولهم‪.‬‬ ‫إل أن قالوا أئتوا بآبائنا ‪:‬إل قولهم احيوا لنا آباءنا الذين ماتوا وأتوا بهم إلينا‪.‬‬ ‫إن كنتم صادقين ‪:‬إن كنتم صادقين فيما تخبروننا به من البعث والجزاء‪.‬‬ ‫قل ال يحيكم ثم يميتكم ‪:‬أي قل لهم يا رسولنا ال الذي يحيكم حين كنتم نطفا ميتة‪ ،‬ثم يميتكم‪.‬‬ ‫ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ‪:‬أي ثم بعد الموت يجمعكم إلى يوم القيامة للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫ل ريب فيه ‪:‬أي يوم القيامة الذي ل ريب ول شك في مجيئه في وقته المحدد له‪.‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون ‪:‬أي ل يعلمون تلقيهم العلم عن الوحي اللهي لكفرهم بالرسل‬ ‫والكتب‪.‬‬

‫( ‪)5/36‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫تقدم في اليات بيان اعتقاد بعض المشركين في استواء حال المؤمنين والكافرين يوم القيامة وأن‬ ‫ال تعالى أبطل ذلك العتقاد منكرا له عليهم‪ ،‬وهنا حكى قول منكري البعث بالكلية ليرد عليهم‬ ‫وفي ذلك دعوة لعامة الناس إلى اليمان والعمل الصالح للسعاد والكمال في الحياتين ول الحمد‬ ‫والمنة فقال عز وجل‪َ { :‬وقَالُوا مَا ِهيَ ِإلّ حَيَاتُنَا ‪ 1‬الدّنْيَا َنمُوتُ وَ َنحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَا ِإلّ الدّهْرُ‪ }2‬أي‬ ‫وقال منكرو البعث والجزاء يوم القيامة ما هناك إل حياتنا هذه التي نحياها وليس ورائها حياة‬ ‫أخرى‪ ،‬إننا نموت ونحيا أي نموت نحن الحياء ويحيى أبناؤنا من بعدنا وهكذا تستمر الحياة أبدا‬ ‫يموت الكبار ويحيى الصغار‪ ،‬وما يهلكنا إل الدهر أي وما يميتنا ويفنينا إل مرور الزمان وطول‬

‫العمار وهو إلحاد كامل وإنكار للخالق عز وجل وهو تناقض منهم لنهم إذا سألوا من خلقهم‬ ‫يقولون فينسبون إليه الخلق وهو أصعب ول ينسبوا إليه الماتة وهي أهون من الخلق فرد تعالى‬ ‫عليهم مذهبهم "الدهري" بقوله‪َ { :‬ومَا َل ُهمْ بِذَِلكَ مِنْ عِ ْلمٍ إِنْ هُمْ ِإلّ يَظُنّونَ} أي ليس ‪ 3‬لهم على‬ ‫معتقدهم هذا أدنى علم نقليا كان ول عقليا أي يتلقوه عن وحي أوحاه ال إلى من شاء من عباده‬ ‫ول عن عقل سليم راجح ل ينقض حكمه كالواحد مع الواحد اثنان والبيض خلف السود وما‬ ‫إلى ذلك من القضايا العقلية التي ل ترد فهؤلء الدهريون ليس لهم شيء من ذلك ما لهم إل الظن‬ ‫والخرص وقضايا العقيدة ل تكون بالظن‪ .‬والظن أكذب الحديث‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ} أي وإذا قرأ عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫آيات القرآن الدالة على البعث والجزاء تدعوهم إلى اليمان به واعتقاده { مَا كَانَ حُجّ َت ُهمْ‪ }4‬أي لم‬ ‫تكن لهم من حجة يردون بها ما دعوا إليه إل قولهم ‪ :5‬أئتوا بآبائنا إن كنتم صادقين أي أحيوا لنا‬ ‫آبائنا الذين ماتوا وأحضروهم عندنا إن كنتم صادقين في ما تخبروننا من البعث والجزاء‪ .‬فقال‬ ‫تعالى في رد هذه الشبهة وبيان للحق في المسألة قل ال يحيكم ثم يميتكم‪ ،‬ثم يجمعكم إلى يوم‬ ‫القيامة ل ريب ‪ 6‬فيه ولكن أكثر الناس ل يعلمون أي قل يا رسولنا لهؤلء الدهرين المنكرين‬ ‫للبعث ال يحيكم إذ كنتم نطفا ميته‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هي ضمير القصة والشأن والجملة نموت ونحيا مبينة لجملة ما هي إل حياتنا الدنيا أي ليس بعد‬ ‫هذا العالم عالم آخر فالحياة هي هذه ل غير‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي عن أبي هريرة عن النبي صلى ل عليه وسلم أنه قال‪" :‬كان أهل الجاهلية يقولون ما‬ ‫يهلكنا إل الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحينا فيسبون الدهر "‪ .‬قال ال تعالى "يؤذيني ابن‬ ‫آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي المر أقلب الليل والنهار"‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال القرطبي كان المشركون أصنافا منهم هؤلء ومنهم من كان يثبت الصانع وينكر البعث‬ ‫ومنهم من يشك بالبعث ول يقطع بإنكاره‪.‬‬ ‫‪ 4‬فإن قيل لم سمى قولهم حجة وليس هو بحجة؟ قيل لنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته‬ ‫وساقوه مساقها فسميت حجة على سبيل التهكم‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي أحيوا لنا الموتى نسألهم عن صدق ما تقولون‪.‬‬ ‫‪ 6‬جملة ل ريب فيه حال يوم القيامة أي ل ريب في وجوده وكونه ل ريب فيه لنه علة الحياة‬ ‫كلها فلوله ما كانت هذه الحياة فمن هنا لمعنى للشك فيه بالكلية‪.‬‬

‫( ‪)5/37‬‬

‫فأحياكم‪ ،‬ثم يميتكم بدون اختياركم فالقادر على الحياء والماتة وفعل هو يحي ويميت ل يحيل‬ ‫العقل أن يحيى أن من أحياهم ثم أماتهم وإنما لم يحيهم اليوم كما طلبتم لنه ل فائدة من إحيائهم‬ ‫بعد أن أحياهم ثم أماتهم هذا أولً وثانيا إحياؤهم لكم اليوم يتنافى مع الحكمة العالية في خلق هذه‬ ‫الحياة الدنيا والخرة إذ خلقوا ليعلموا‪ ،‬ثم يجازوا بأعمالهم خيرها وشرها‪.‬ولهذا قال ثم يجمعكم أي‬ ‫أحياء في يوم القيامة للحساب والجزاء وقوله ل ريب فيه أي ل شك في وقوعه ومجيئه إذ مجيئه‬ ‫حتمى لقيام الحياة الدنيا كلها عليه‪ .‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون هذا لمرين الول أنهم ل يفكرون‬ ‫ول يتعقلون والثاني أنهم لتكذيبهم بالوحي اللهي سدوا في وجوههم طريق العلم الصحيح فهم ل‬ ‫يعلمون‪ ،‬ول يعلمون حتى يؤمنوا بالوحي ويسمعوه ويتفهموه‪.‬‬ ‫هدية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬الرد على الدهريين وهم الذين ينسبون الحياة والموت للدهر وينفون وجود الخالق عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن الكفار ل دليل لهم عقلي ول نقلي على صحة الكفر عقيدة كان أو عمل‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم إحياء ال تعالى للمطالبين بحياة من مات حتى يؤمنوا لم يكن عن عجز بل لنه يتنافى‬ ‫مع الحكمة التي دار عليها الكون كله‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن أكثر الناس ل يعلمون وذلك لنهم كذبوا بالوحي اللهي في الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان أنه ل علم صحيح إل من طريق الوحي اللهي‪.‬‬ ‫خسَرُ ا ْلمُبْطِلُونَ (‪ )27‬وَتَرَى ُكلّ ُأمّةٍ جَاثِيَةً‬ ‫عةُ َي ْومَئِذٍ يَ ْ‬ ‫ض وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫حقّ إِنّا كُنّا‬ ‫ُكلّ ُأمّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَا ِبهَا الْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )28‬هَذَا كِتَابُنَا يَ ْنطِقُ عَلَ ْي ُكمْ بِالْ َ‬ ‫حمَتِهِ ذَِلكَ‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فَيُ ْدخُِلهُمْ رَ ّب ُهمْ فِي َر ْ‬ ‫نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )29‬فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلمُبِينُ (‪ )30‬وََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َأفََلمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فَاسْ َتكْبَرْ ُت ْم َوكُنْتُمْ َقوْما‬

‫( ‪)5/38‬‬ ‫ق وَالسّاعَةُ ل رَ ْيبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا َندْرِي مَا السّاعَةُ إِنْ نَظُنّ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ حَ ّ‬ ‫مُجْ ِرمِينَ (‪ )31‬وَإِذَا قِيلَ إِ ّ‬ ‫ِإلّ ظَنّا َومَا نَحْنُ ِبمُسْتَ ْيقِنِينَ (‪)32‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ول ملك السموات والرض ‪:‬أي خلقا وملكا وتصرفا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد‪.‬‬ ‫يخسر المبطلون ‪:‬أي ويوم تقوم الساعة التي أنكرها الكافرون يخسر أصحاب الباطل بصيرورتهم‬ ‫إلى النار‪.‬‬ ‫وترى كل أمة جاثية ‪:‬أي كل أمة ذات دين جاثية على ركبها تنتظر حكم ال فيها‪.‬‬

‫تدعى إلى كتابها ‪:‬أي إلى كتاب أعمالها فهو الحكم فيها إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر‪.‬‬ ‫اليوم تجزون ما كنتم تعملون ‪:‬أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر‪.‬‬ ‫هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ‪:‬أي ديوان الحفظة الذي دونوه من أعمال العقلء من الناس شاهد‬ ‫عليكم بالحق‪.‬‬ ‫إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ‪:‬أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون‪.‬‬ ‫فيدخلهم ربهم في رحمته ‪:‬أي فيدخلهم في جنته‪.‬‬ ‫ذلك هو الفوز المبين ‪:‬أي الفوز البين الظاهر وهو النجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬ ‫أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ‪:‬أي يقال لهم ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم‪.‬‬ ‫فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ‪:‬أي عن آيات ال فلم تؤمنوا بها وكنتم بذلك قوما كافرين‪.‬‬ ‫إن وعد ال حق ‪:‬أي بالبعث والجزاء العادل يوم القيامة حق ثابت‪.‬‬ ‫إن نظن إل ظنا وما نحن بمستيقنين ‪:‬أي ما كنا مستيقنين بالبعث وإنما كنا نظنه ل غير ول نجزم‬ ‫به‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ت وَالَ ْرضِ}‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى { َولِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫خلقا وإيجادا وملكاُ وتصرفا ومن كان هذا وصفه من القدرة والعلم والحكمة ل ينكر عليه بعث‬ ‫العباد بعد موتهم وجمعهم للحساب والجزاء‪ .‬وقوله ويوم ‪ 1‬تقوم الساعة التي ينكرها المنكرون‬ ‫يومئذ يخسر المبطلون يخسرون كل شيء حتى أنفسهم يخسرون منازلهم في الجنة يرثها عنهم‬ ‫المؤمنون و يرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين و قوله تعالى‪:‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ويوم تقوم الساعة‪ :‬هو ظرف متعلق بيخسر قدم عليه للهتمام به ويومئذ توكيد ليوم تقوم‬ ‫الساعة‪.‬‬

‫( ‪)5/39‬‬ ‫{وَتَرَى ُكلّ ُأمّةٍ جَاثِ َيةً‪ }1‬أي وترى أيها الرسول يوم القيامة كل أهل دين وملة وقد جثوا على‬ ‫ركبهم خوفا وذلً مستوفزين للعمل بما يؤمرون به‪ .‬و قوله { ُكلّ ُأمّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَا ِبهَا} أي الذي‬ ‫أنزل على نبيها لتعمل بما جاء فيه من عقائد وشرائع ويقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون أي‬ ‫في الدنيا من خير وشر‪ .‬فإذا حاولوا النكار قيل لهم‪ :‬هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق‪ ،‬وهو كتاب‬ ‫العمال الذي دونته الحفظة وقوله {إِنّا كُنّا نَسْتَ ْنسِخُ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} أي نأمر ملئكتنا بنسخ‬ ‫أعمالهم أي بإثباتها وحفظها وهاهي ذي بين أيديكم ناطقة صارخة بما كنتم تعملون‪.‬‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي‬ ‫قال تعالى مفصل للحكم الناتج عن شهادة الكتاب {فََأمّا الّذِينَ‪ 2‬آمَنُوا وَ َ‬

‫وتركوا الشرك والمعاصي فيدخلهم ربهم جزاء لهم في رحمته وهي الجنة دار المتقين ذلك هو‬ ‫الفوز المبين أي إدخاله الجنة بعد إنجائهم من النار هو الفوز المبين إذا الفوز معناه‪ ،‬النجاة من‬ ‫المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب‪ .‬هذا جزاء أهل اليمان والتقوى وأما الذين كفروا وهم‬ ‫أهل الشرك والمعاصي فيقال لهم‪َ{ :‬أفَلَمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ} أي ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتي‬ ‫تتلى عليكم؟ بل كانت تتلى عليكم فاستكبرتم عنها فلم تتعرفوا إلى ما فيها وإلى ما تدعوا إليه‪،‬‬ ‫وكنتم باستكباركم عنها قوما مجرمين ‪ 3‬على أنفسكم إذا أفسدتموها بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫حقّ} أي وعده تعالى بالبعث والجزاء حق لبد واقع والساعة‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا قِيلَ إِ ّ‬ ‫آتية ل ريب فيها أي جائية ل محالة ول ريب في وقوعها بحال من الحوال قلتم ما ندري ما‬ ‫الساعة متجاهلين لها متعجبين من وقوعها‪ .‬و قلتم إن نظن إل مجرد ظن فقط و ما نحن‬ ‫بمستيقنين ‪ 4‬بمجيئها‪ ،‬وهذا بالنسبة إلى بعض الناس‪ ،‬وإل فقد تقدم أن بعضهم كان ينكر البعث‬ ‫بالكلية وهذا ظاهر في كثير من الناس الذين يؤمنون بال وبلقائه وهم ل يفترون من المعاصي ول‬ ‫يقصرون عن فعل الشر والفساد‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يقع يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المة الجماعة العظيمة أمرها واحد يجمعهم دين والجثو البروك على الركب في استنفار وهي‬ ‫هيئة الخضوع‪.‬‬ ‫‪ 2‬فأما‪..‬الخ هذه الفاء عاطفة لمفصل من الكلم على مجمل منه وهو قوله تعالى وترى كل أمة‬ ‫جاثية والبدأ بتفصيل المؤمنين تعجيلً للمسرة لهم وتنويها لشأن اليمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫‪ 3‬إقحام لفظ (قوما) للدللة على أن الجرام صار خلقا لهم مخالطا لنفوسهم حتى صار مما‬ ‫يمقتون به ولول هذا لقال بل كنتم مجرمين‪ ،‬دون ذكر (قوم) والستفهام في قوله أفلم تكن آياتي‬ ‫للتقرير والتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة تأكيد لجملة إن نظن إل ظنا‪ ،‬والسين والتاء في بمستيقنين للمبالغة في عدم حصول‬ ‫الفعل‪.‬‬

‫( ‪)5/40‬‬ ‫‪ -3‬تقرير أن اليمان والعمل الصالح سبب الفوز‪ ،‬وأن الشرك والمعاصي سبب الخسران المبين‪.‬‬ ‫‪ -4‬الظن في العقائد كالكفر بها‪ ،‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬

‫عمِلُوا وَحَاقَ ِب ِهمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪َ )33‬وقِيلَ الْ َيوْمَ نَنْسَاكُمْ َكمَا َنسِيتُمْ ِلقَاءَ‬ ‫وَبَدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا َ‬ ‫َي ْو ِمكُمْ هَذَا َومَأْوَاكُمُ النّارُ َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪ )34‬ذَِل ُكمْ بِأَ ّنكُمُ اتّخَذْ ُتمْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوا وَغَرّ ْتكُمُ‬ ‫ت وَ َربّ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫حمْدُ َربّ ال ّ‬ ‫الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْ َيوْمَ ل ُيخْرَجُونَ مِ ْنهَا وَل هُمْ يُسْ َتعْتَبُونَ (‪ )35‬فَلِلّهِ ا ْل َ‬ ‫حكِيمُ (‪)37‬‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬ ‫الَ ْرضِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )36‬وَلَهُ ا ْلكِبْرِيَاءُ فِي ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وبدا لهم سيئات ما عملوا ‪:‬أي ظهر لهم في يوم القيامة جزاء سيئات ما عملوه في الدنيا من‬ ‫الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ‪:‬أي نزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا ذكروا‬ ‫به وخوفوا منه في الدنيا‪.‬‬ ‫وقيل اليوم ننساكم ‪:‬أي وقال ال تعالى لهم اليوم ننساكم أي نترككم في النار‪.‬‬ ‫كما نسيتم لقاء يومكم هذا ‪:‬أي مثل ما نسيتم يومكم هذا فلم تعملوا له بما ينجي فيه وهو اليمان‬ ‫والعمل الصالح‪ ،‬وترك الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫ومأواكم النار ‪:‬أي ومحل إقامتكم النار‪.‬‬ ‫ومالكم من ناصرين ‪:‬أي من ناصرين ينصرونكم بإخراجكم من النار‪.‬‬ ‫ذلكم بأنكم اتخذتم آيات ال ‪:‬أي ذلكم العذاب كان لكم بسبب كفركم واتخاذكم آيات ال هزوا‪.‬‬ ‫هزوا ‪:‬أي شيئا مهزؤا به‪.‬‬ ‫وغرتكم الحياة الدنيا ‪:‬أي طول العمر والتمتع بالشهوات والمستلذات‪.‬‬ ‫ول هم يستعتبون ‪:‬أي ل يؤذن لهم في الستعتاب ليعتبوا فيتوبوا‪.‬‬

‫( ‪)5/41‬‬ ‫فلله الحمد رب السموات ورب ‪:‬أي فلله وحده الوصف بالجميل لنجاز وعيده لعدائه‪.‬‬ ‫الرض‬ ‫وله الكبرياء في السموات والرض ‪:‬أي العظمة والحكم النافذ الناجز على من شاء‪.‬‬ ‫وهو العزيز الحكيم ‪:‬أي وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في عرض مشاهد القيامة وبعض ما يتم فيها من عظائم المور لعل السامعين لها‬ ‫عمِلُوا وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ ‪َ 1‬يسْ َتهْزِئُونَ} أي وظهر‬ ‫يتعظون بها فقال تعالى {وَبَدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا َ‬ ‫للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء ظهر لهم وشاهدوا العذاب الذي كانوا إذا ذكروا به أو خوفوا‬ ‫منه استهزأوا به وسخروا منه‪ .‬وقد حل بهم ونزل بساحتهم وأحاط بهم وقال لهم الرب تعالى اليوم‬ ‫ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا أي نترككم في عذاب النار كما تركتم العمل المنجي من هذا‬

‫العذاب وهو اليمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي‪ .‬ومأواكم ‪ 2‬النار أي هي‬ ‫مأواكم ودار إقامتكم { َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي وليس لكم من ينصركم فيخلصكم من النار‪ ،‬وعلة‬ ‫هذا الحكم عليهم بينها تعالى بقوله { َذِلكُمْ بِأَ ّنكُمُ اتّخَذْ ُتمْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوا‪ 3‬وَغَرّ ْتكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا } أي‬ ‫حكم عليكم بالعذاب والخذلن بسبب اتخاذكم آيات ال الحاملة للحجج والبراهين الدالة على وجود‬ ‫ال ووجوب توحيده وطاعته هزوا أي شيئا مهزوا به‪{ ،‬وَغَرّ ْت ُكمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا} بزخرفها وزينتها‪،‬‬ ‫وطول أعماركم فيها فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا ينجيكم من هذا العذاب الذي حاق بكم اليوم‪.‬‬ ‫قال تعالى {فَالْ َيوْمَ ل يُخْ َرجُونَ مِ ْنهَا} وترك مخاطبتهم إشعارا لهم بأنهم ل كرامة ل لهم اليوم فلم‬ ‫يقل فاليوم ل تخرجون منها‪ ،‬بل عدل عنها إلى قوله {فَالْ َيوْمَ ل ُيخْرَجُونَ مِ ْنهَا وَل هُمْ يُسْ َتعْتَبُونَ}‬ ‫أي لن يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بالتوبة إليه‪ ،‬إذ ل توبة بعد الموت والرجوع إلى الدنيا غير‬ ‫ممكن في حكم ال وقضائه وهنا تعظم حسرتهم ويشتد العذاب عليهم ويعظم كربهم‪.‬‬ ‫ب الَ ْرضِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} أي رب كل شيء ومليكه‬ ‫سمَاوَاتِ وَ َر ّ‬ ‫حمْدُ َربّ‪ 4‬ال ّ‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬فلِلّهِ ا ْل َ‬ ‫حمد نفسه‪ ،‬وقصر الحمد عليه بعد أن أنجز ما أوعد به الكافرين‪ ،‬وذكر موجب الحمد وهو‬ ‫سلطانه القاهر في السموات وفي الرض‪ ،‬وقوله {وَلَهُ ا ْلكِبْرِيَاءُ‪ }5‬أي العظمة والسلطان {في‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من أنواع الستهزاء ما روي أن العاص بن وائل قال لخباب بن الرت وقد طالبه بدين له عليه‬ ‫لئن بعثت كما تقول لوتين مالً وولدا في الخرة فاقض منه دينك‪.‬‬ ‫‪ 2‬التعبير بالمأوى إشارة إلى تأييد الخلود فيها إذ المأوى مكان اليواء والستقرار ول مكان‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫‪ 3‬الهزء مصدر كالخلق أطلق أريد به اسم المفعول أي مهزؤا به‪.‬‬ ‫‪ 4‬الفاء للتفريع فهذه الجملة (الحمد ل) والثناء عليه متفرع عما ورد في هذه السورة من مظاهر‬ ‫ربوبيته تعالى وألطافه إحسانه بإحقاق الحق وإبطال الباطل وعدله في قضائه بين عباده‪.‬‬ ‫‪ 5‬تقديم الجار والمجرور في قوله فلله الحمد‪ ،‬وقوله وله الكبرياء مؤذن بالحصر والختصاص‬ ‫والكبرياء هي الكبر الحق العظيم وهما الكمال في الذات والكمال في الصفات والوجود‪.‬‬

‫( ‪)5/42‬‬ ‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ} الذي ل يمانع ول يغالب‪ ،‬الشديد النتقام‪ ،‬الحكيم الذي يضع كل‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬ ‫ال ّ‬ ‫شيء في موضعه الحكيم في تدبير خلقه ويتجلى ذلك في إكرام أوليائه برحمتهم‪ ،‬وإهانة أعدائهم‬ ‫بتعذيبهم في دار العذاب النار و بئس المصير‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬بيان أن الستهزاء بآيات ال وشرائعه كفر موجب للعذاب‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل‪ ،‬وكما يدين الفتى يدان‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الحمد عند الفراغ من أي عمل صالح أو مباح‪.‬‬

‫( ‪)5/43‬‬ ‫سورة الحقاف‬ ‫‪...‬‬ ‫الجزء السادس والعشرون‬ ‫سورة الحقاف ‪1‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها خمسة وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِلّا بِا ْلحَقّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬ ‫حكِيمِ (‪ )2‬مَا خََلقْنَا ال ّ‬ ‫حم (‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬ ‫عمّا أُ ْنذِرُوا ُمعْ ِرضُونَ (‪ُ )3‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي‬ ‫س ّمىً وَالّذِينَ َكفَرُوا َ‬ ‫جلٍ مُ َ‬ ‫وَأَ َ‬ ‫سمَاوَاتِ ائْتُونِي ِبكِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ هَذَا َأوْ أَثَا َرةٍ مِنْ عِ ْلمٍ إِنْ‬ ‫مَاذَا خََلقُوا مِنَ الْأَ ْرضِ َأمْ َلهُمْ شِ ْركٌ فِي ال ّ‬ ‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪َ )4‬ومَنْ َأضَلّ ِممّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل يَسْ َتجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَ ُهمْ عَنْ‬ ‫دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ (‪ )5‬وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَعْدَا ًء َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ (‪)6‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫حم ‪:‬هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا‪ :‬حم ويقرأ هكذا‪ :‬حاميم‪.‬‬ ‫تنزيل الكتاب ‪:‬أي تنزيل القرآن‪.‬‬ ‫من ال العزيز الحكيم ‪:‬أي من لدن ال العزيز في ملكه الحكيم في صنعه‪.‬‬ ‫إل بالحق وأجل مسمى ‪:‬أي ما خلقنا السماوات والرض إل خلقا متلبسا بالحق وبأجل مسمى‬ ‫لفنائهما‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬وجه تسميتها بالحقاف لذكر لفظ الحقاف فيها ولم يكن لها اسم غيره والحقاف جمع حقف‬ ‫بكسر الحاء وسكون القاف الرمل المستطيل الكبير‪.‬‬

‫( ‪)5/44‬‬

‫عما أنذروا معرضون ‪:‬أي عن ما خوفوا به من العذاب معرضون عنه غير ملتفتين إليه‪.‬‬ ‫ما تدعون من دون ال ‪ :‬أي من الصنام والوثان‪.‬‬ ‫أروني ماذا خلقوا من الرض ‪:‬أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الرض‪.‬‬ ‫أم لهم شرك في السموات ‪:‬أي أم لهم شركة‪.‬‬ ‫ائتوني بكتاب من قبل هذا ‪:‬أي منزل من قبل القرآن‪.‬‬ ‫أو أثارة من علم ‪:‬أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الولين بصحة دعواكم في عبادة الصنام‪.‬‬ ‫إن كنتم صادقين ‪:‬أي في دعواكم أن عبادة الصنام والوثان تقربكم من ال تعالى‪.‬‬ ‫من ل يستجيب له إلى يوم القيامة ‪:‬أي ل أحد أضل ممن يدعو من ل يستجيب له في شيء يطلبه‬ ‫منه أبدا‪.‬‬ ‫وهم عن دعائهم غافلون ‪:‬أي وهم الصنام أي عن دعاء المشركين إياهم غافلون ل يعرفون عنهم‬ ‫شيئا‪.‬‬ ‫وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ‪:‬أي في يوم القيامة كانت الصنام أعداء لعابديها‪.‬‬ ‫وكانوا بعبادتهم كافرين ‪:‬أي وكانت الصنام بعبادة المشركين لها جاحدة غير معترفة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {حم} ال أعلم بمراده به إذ هذه من المتشابه الذي يجب اليمان به وتفويض أمر معناه‬ ‫حكِيمِ} أي تنزيل القرآن الكريم من لدن ال‬ ‫إلى ال منزله‪ .‬وقوله {تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في صنعه وتدبيره‪ .‬وقوله تعالى {مَا خََلقْنَا ال ّ‬ ‫وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا} من العوالم والمخلوقات {إِلّا بِا ْلحَقّ} أي إل لحكم عالية وليس من باب العبث‬ ‫واللعب‪ ،‬وإل بأجل مسمى عنده وهو وقت إفنائهما وإنهاء وجودهما لستكمال الحكمة من‬ ‫عمّا أُ ْنذِرُوا ُمعْرِضُونَ} ‪ 2‬يخبر تعالى بأن الذين كفروا‬ ‫وجودهما‪ .‬وقوله تعالى { وَالّذِينَ‪َ 1‬كفَرُوا َ‬ ‫بتوحيد ال ولقائه وآياته ورسوله عما خوفوا به من عذاب ال المترتب على كفرهم وشركهم‬ ‫معرضون غير مبالين به‪ ,‬وذلك لظلمة نفوسهم‪ ,‬وقساوة قلوبهم‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ أَرَأَيْتُمْ‪ 3‬مَا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة حالية فهي في موضع نصب حال من الضمير المقدر في متعلق الجار و المجرور‬ ‫في قوله‪(:‬بالحق) و المقصود من الخبار هو التعجب من إعراض الكافرين عن دعوة الحق التي‬ ‫يدعون إليها وهي‪ :‬اليمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك‪ ,‬والمعاصي لنجاتهم وسعادتهم‪.‬‬ ‫‪( 2‬عما أنذروا) جائز أن تكون (ما) موصولة‪ ,‬والعائد محذوف أي‪ :‬أنذروه وجائز أن تكون‬ ‫مصدرية أي‪ :‬عن إنذارهم معرضون‪.‬‬ ‫‪( 3‬قل أرأيتم )‪ :‬الستفهام تقريري هو بمعنى‪ :‬أخبروني‪ ,‬وفعل أروني للتعجيز لبطال دعوى‬ ‫الشرك بال تعالى‪ ,‬والعاجز عن خلق شيء كيف يستحق العبادة‪ ,‬والتأليه‪ ,‬و (ماذا خلقوا) هو‬ ‫بمعنى ماذا الذي خلقوا أي‪ :‬أي شيء خلقوه‪.‬‬

‫( ‪)5/45‬‬ ‫تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ} أي من الصنام والوثان { أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِنَ الْأَ ْرضِ} أي من شي {َأمْ‬ ‫سمَاوَاتِ } ولو أدنى شرك وأقله‪ ,‬وقوله {ائْتُونِي ِبكِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ هَذَا َأوْ أَثَا َرةٍ مِنْ‬ ‫َلهُمْ شِ ْركٌ فِي ال ّ‬ ‫عِلْمٍ} أي بقية من علم تشهد ‪ 1‬بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الرض وليس لها أدنى‬ ‫شرك في السموات { إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} في دعواكم أنها آلهة تستحق أن تعبد‪ .‬وقوله تعالى { َومَنْ‪2‬‬ ‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل َيسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ } ينفي تعالى على علم تام أنه ل‬ ‫َأ َ‬ ‫أضل من أحد يدعو من غير ال تعالى معبودا ل يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء وطر مهما‬ ‫كان صغيرا أبدا وحقا ل أحد أضل ممن يقف أمام جماد ل يسمع ول يبصر ول ينطق يدعوه‬ ‫ويسأله حاجته وقوله { وَ ُهمْ عَنْ دُعَا ِئ ِهمْ‪ 3‬غَافِلُونَ} أي وأولئك الصنام المدعوون غافلون تماما‬ ‫عن داعيهم ل يعلمون عنه شيئا لعدم الحياة فيهم‪ ,‬ولو كانوا يوم القيامة ينطقهم ال و يتبرءون‬ ‫ممن عبدوهم ويخبرون أنهم ما عبدوهم ولكن عبدوا الشيطان الذي زين لهم عبادتهم‪ ,‬وهو ما دل‬ ‫حشِرَ النّاسُ} أي ليوم القيامة كانوا لهم ‪ 4‬أعداء وخصوما وكانوا بعبادتهم‬ ‫عليه قوله تعالى {وَِإذَا ُ‬ ‫من دعاء وذبح ونذر وغيره كافرين أي جاحدين غير معترفين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل ال على رسوله المنزل عليه وهو محمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬انتفاء العبث عن ال تعالى في خلقه السموات والرض وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير حقيقة علمية وهي من ل يخلق ل يُعبد‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أنه ل أضل في الحياة من أحد يدعوا من ل يستجيب له أبدا كمن يدعون الصنام‬ ‫والقبور والشجار بعنوان التوسل والستشفاء و التبرك‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬من علم) أي‪ :‬من أهل العلم السابقين غير ومكتوبة في الكتب‪ ،‬وهذا التوسيع عليهم في أنواع‬ ‫الحجج ليكون عجزهم بعد ذلك أقطع لحجتهم وإبطال دعواهم في الشرك‪ .‬ذكر القرطبي عند‬ ‫تفسير‪( :‬أو أثارة من علم) أن بعضهم فسر الثارة‪ :‬بالخط‪ ،‬وإن نبيا كان يخط‪ ،‬والمراد التعرف‬ ‫إلى علم الغيب‪ ،‬وختم القول بكلمة لبن العربي أنهى بها الموضوع‪ ،‬إذ قال‪ :‬إن ال تعالى لم يبق‬ ‫في السباب الدالة على الغيب إل الرؤية إذ هي جزء من النبوة‪ ،‬والفأل الحسن ل غير وأنشد‬ ‫لبعضهم‪:‬‬ ‫الفال والزجر والكهان كلهم‬

‫مضللون ودون الغيب أقفال‬ ‫ل ممن يدعون ‪ ...‬الخ‬ ‫‪2‬الستفهام للنكار والتعجب معا‪ ،‬والمعنى‪ :‬ل أحد أشد ضللً وأعجب حا ً‬ ‫‪ 3‬الجملة حالية‪ ،‬وجملة‪( :‬وإذا حشر الناس) معطوفة عليها‪.‬‬ ‫‪ 4‬فالعابدون كالمعبودين سواء في التبرؤ من بعضهم بعضا يوم القيامة وإعلن العداء لبعضهم‬ ‫بعضا‪.‬‬

‫( ‪)5/46‬‬ ‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (‪َ )7‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ‬ ‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلْ َ‬ ‫شهِيدا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ‬ ‫ُقلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَل َتمِْلكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئا ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَا ُتفِيضُونَ فِيهِ َكفَى ِبهِ َ‬ ‫سلِ َومَا َأدْرِي مَا ُي ْفعَلُ بِي وَل ِبكُمْ إِنْ أَتّبِعُ إِلّا مَا‬ ‫وَ ُهوَ ا ْلغَفُورُ الرّحِيمُ (‪ُ )8‬قلْ مَا كُ ْنتُ بِدْعا مِنَ الرّ ُ‬ ‫ي َومَا أَنَا إِلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪)9‬‬ ‫يُوحَى إَِل ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ‪ :‬أي أهل مكة من كفار قريش‪ ،‬واليات آيات القرآن والبينات‬ ‫الواضحات‪.‬‬ ‫قال الذين كفروا للحق لما جاءهم ‪ :‬أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫هذا سحر مبين ‪:‬أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاهر لما رأوا من تأثيره على النفوس‪.‬‬ ‫أم يقولون افتراه ‪:‬أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه‪.‬‬ ‫قل إن افتريته ‪:‬أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي‪.‬‬ ‫فل تملكون لي من ال شيئا ‪ :‬أي فأنتم ل تملكون لي من ال شيئا إن أراد أن يعذبني‪.‬‬ ‫هو أعلم بما تفيضون فيه ‪:‬أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن في وفي‬ ‫القرآن‪.‬‬ ‫كفى به شهيدا بيني وبينكم ‪:‬أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم‪.‬‬ ‫ما كنت بدعا من الرسل ‪:‬أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون‪.‬‬ ‫وما أدري ما يفعل بي ول بكم ‪:‬أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي‪ ،‬أو أقتل‪ ،‬وهل‬

‫( ‪)5/47‬‬ ‫ترجمون بالحجارة أو يخسف بكم‪.‬‬ ‫إن أتبع إل ما يوحى إلي ‪:‬أي ما أتبع إل ما يوحيه إلي ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به‪.‬‬

‫وما أنا إل نذير مبين ‪:‬أي وما أنا إل نذير لكم بين النذار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى اليمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم القرآن دعوة لهم إلى اليمان والتوحيد قالوا ردا عليه ما أخبر به‬ ‫تعالى في قوله {وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ } أي على كفار قريش { آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ} أي ظاهرات الدللة‬ ‫حقّ‪ }1‬وهو القرآن {َلمّا‬ ‫واضحات المعاني {قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا} بال وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا {َللْ َ‬ ‫جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى‬ ‫عنهم في قوله {َأمْ َيقُولُونَ‪ 2‬افْتَرَاهُ} أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو‬ ‫بكلم ال ووحيه إليه‪ .‬وقوله تعالى { ُقلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَل َتمِْلكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئا} أي على فرض‬ ‫أنني افتريته على ال وقلت أوحي إلي ولم يوح إلي وأراد النتقام مني بتعذيبي‪ ،‬فهل أنتم أو‬ ‫غيركم يستطيع دفع العذاب عني‪ ،‬وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالفتراء على ال تعالى‪،‬‬ ‫فهذا لن يكون مني أبدا‪ .‬وقوله تعالى { ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَا ُتفِيضُونَ‪ 3‬فِيهِ} أي ال جل جلله هو أعلم من‬ ‫كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلم تطعنون في وفي القرآن فتقولون في ساحر وفي‬ ‫القرآن سحر مبين وتقولون في مفت ٍر وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص‪.‬‬ ‫شهِيدا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ‪ }4‬أي كفى بال شهيدا علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي‬ ‫{ َكفَى ِبهِ َ‬ ‫كل بما عمل { َو ُهوَ ا ْلغَفُورُ الرّ‪5‬حِيمُ} لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل‬ ‫ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪ُ { )9‬قلْ مَا‬ ‫سلِ} يأمر تعالى رسوله أن‬ ‫كُ ْنتُ ِبدْعا ‪6‬مِنَ الرّ ُ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬للحق) اللم تعليلية‪ .‬وليست للتعدية‪ ,‬أي‪ :‬قال الكافرون بعضهم لبعض لجل رد الحق وإبطاله‪,‬‬ ‫هذا سحر مبين‪ ,‬والحق‪ :‬القرآن‪ ,‬يصفونه بالسحر حتى ل يؤمنوا به‪.‬‬ ‫‪( 2‬أم) هي المنقطعة المقدرة ببل‪ ,‬والستفهام أي‪ :‬أيقولون افتراه والستفهام وبل للضراب‬ ‫النتقالي من نوع إلى آخر من أنواع ضللهم‪ ,‬والستفهام للنفي والنكار معا‪.‬‬ ‫‪( 3‬تفيضون فيه) أي‪ :‬من قول الباطل والخوض في تكذيب الحق‪ ,‬إذ الفاضة في الشيء‪ :‬الخوض‬ ‫فيه والندفاع‪ ,‬ومنه‪ :‬أفاضوا في الحديث‪ :‬إذا اندفعوا يقولون‪ ,‬وأفاض الناس من عرفات إلى‬ ‫مزدلفة‪ ,‬أي اندفعوا‪.‬‬ ‫‪ 4‬إذ هو يعلم صدقي ويعلم أنكم مبطلون‪.‬‬ ‫‪ 5‬الغفور لمن تاب من عباده الرحيم بالمؤمنين‪.‬‬ ‫‪ 6‬البدع‪ :‬الول‪ :‬والبديع كالبدع بكسر الباء مثل‪ :‬نصف ونصيف‪ ,‬وأبدع في كذا أتى بالبدع فيه‬ ‫أي بما لم يأت به غيره‪ ,‬والبديع‪ :‬صفة مشبهة‪ ,‬وهو من أسماء ال تعالى‪ ,‬ومعناه‪ :‬خالق الشياء‬ ‫ومخترعها‪.‬‬

‫( ‪)5/48‬‬ ‫يقول لولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر‬ ‫سلِ} أي ما أنا بأول عبد نبئ وأرسل فأكون بدعا في هذا الشأن‬ ‫مجالسهم { مَا كُ ْنتُ ِبدْعا مِنَ الرّ ُ‬ ‫فينكر علي أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة‪ .‬وقوله { َومَا أَدْرِي مَا ُي ْفعَلُ‪ 1‬بِي وَل ِبكُمْ} أي‬ ‫وقل لهم أيضا أني ل أدري وأنا رسول ال ما يفعل بي مستقبل فهل أخرج من هذه البلد أو أقتل‬ ‫أو تقبل دعوتي وأنصر ول ما يفعل بكم من تعذيبكم بحجر أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم‪ .‬وقوله‬ ‫ي َومَا أَنَا إِلّا َنذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أتبع إل الذي أوحى إلي ربي باعتقاده أو‬ ‫{إِنْ أَتّ ِبعُ إِلّا مَا يُوحَى إَِل ّ‬ ‫قوله أو عمله‪ ,‬فل أحدث و ل أبتدع شيئا لم يوح ال به أبدا {إِنْ أَنَا ِإلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أنا بالذي‬ ‫يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر و التكذيب و الشرك‬ ‫و المعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا‪ ,‬ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربي إن‬ ‫شاء عذبه و إن شاء تاب عليه و هداه و رحمه‪.‬‬ ‫ش ِهدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ‬ ‫{ قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه َو َكفَرْتُمْ بِ ِه وَ َ‬ ‫وَاسْ َتكْبَرْتُمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‪َ )10‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا َلوْ كَانَ خَيْرا مَا‬ ‫حمَةً‬ ‫سَ َبقُونَا ِإلَيْ ِه وَإِذْ َلمْ َيهْتَدُوا ِبهِ فَسَ َيقُولُونَ َهذَا ِإ ْفكٌ قَدِيمٌ(‪َ )11‬ومِنْ قَبِْلهِ كِتَابُ مُوسَى ِإمَاما وَرَ ْ‬ ‫وَهَذَا كِتَابٌ ُمصَدّقٌ لِسَانا عَرَبِيّا لِيُ ْنذِرَ الّذِينَ ظََلمُوا وَبُشْرَى(‪ )12‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ‬ ‫خ ْوفٌ‬ ‫خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم وَل ُهمْ َيحْزَنُونَ(‪ )13‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا فَل َ‬ ‫اسْ َتقَامُوا فَل َ‬ ‫عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ َيحْزَنُونَ(‪})14‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا رد على المتعنتين من المشركين الذين يطالبون الرسول صلى ال عليه وسلم بما لم يكن‬ ‫في وسعه من أمور الغيب‪ ,‬وليس معناه كما قيل‪ :‬إنه ل يدري هل يكون بعد موته في الجنة أو في‬ ‫النار‪ ,‬و ل يدري هل يكون المشركون في النار أو الجنة‪ ,‬إذ هذا قول باطل‪ .‬وأما حديث عثمان‬ ‫بن مظعون في البخاري" فإنه لما قالت المرأة رحمة ال عليك يا أبا السائب إن ال أكرمك فقال‬ ‫لها‪ :‬و ما يدريك أن ال أكرمه فإني و أنا رسول ال ل أدري ما يفعل بي" فإن المراد منه عدم‬ ‫الجزم بمصير من مات من المسلمين ووجوب تفويض المر إلى ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/49‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل أرأيتم ‪:‬أي أخبروني ماذا تكون حالكم‪.‬‬

‫إن كان من عند ال ‪:‬أي إن كان القرآن من عند ال‪.‬‬ ‫وكفرتم به ‪:‬أي وكذبتم به أي بالقرآن‪.‬‬ ‫وشهد شاهد من بني إسرائيل ‪:‬أي و شهد عبد ال بن سلم‪.‬‬ ‫على مثله فآمن ‪:‬أي عليه إنه من عند ال فآمن‪.‬‬ ‫و استكبرتم ‪:‬أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين‪.‬‬ ‫لو كان خيرا ما سبقونا إليه ‪:‬أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن و الدين خيرا ما سبقنا إليه‬ ‫المؤمنون‪.‬‬ ‫و إذ لم يهتدوا به ‪:‬أي بالقرآن العظيم‪.‬‬ ‫فسيقولون هذا إفك قديم ‪:‬أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الوليين‪.‬‬ ‫وهذا كتاب مصدق ‪:‬أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته‪.‬‬ ‫لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا ‪:‬أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين‪.‬‬ ‫وبشرى للمحسنين ‪:‬وهو أي القرآن بشرى لهل الحسان في عقائدهم و أقوالهم و أعمالهم‪.‬‬ ‫ثم استقاموا ‪:‬أي فلم يرتدوا و استمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات‪.‬‬ ‫فل خوف عليهم ول هم يحزنون ‪:‬أي في الدنيا و في البرزخ و في عرصات القيامة‪.‬‬ ‫بما كانوا يعملون ‪:‬أي جزاهم ال بما جزاهم به ينفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة‬ ‫وتركهمالعمال الفاسدة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صلى ال عليه وسلم من قريش الذين ردوا الدعوة‬ ‫و قالوا في كتابها سحر مبين و في صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لولئك‬ ‫المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين {أَرَأَيْ ُتمْ} ‪ 1‬أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان‬ ‫القرآن من عند ال‪ .‬وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد ال بن سلم على ‪ 2‬مثله‬ ‫أي على التوراة أنها نزلت من‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تقريري للتوبيخ‪ ,‬ومفعول (رأيتم) محذوفا ن تقديرهما‪ :‬أنفسكم ظالمين‪.‬‬ ‫‪ 2‬المثل‪ :‬المماثل أي‪ :‬المشابه في فعل أو صفة‪ ,‬وضمير مثله‪ :‬عائد على القرآن‪ ,‬وجائز أن يكون‬ ‫المراد بالمثل‪ :‬التوراة‪ ,‬و الشاهد هو موسى عليه السلم أو عبد ال بن سلم كما في التفسير‪ ,‬و‬ ‫جائز أن يكون لفظ(مثل) مقحما زائد نحو‪( :‬ليس كمثله شيء) أي‪ :‬ليس مثله شيء‪ ,‬ويكون‬ ‫المعنى‪ .‬وشهد شاهد‪ -‬وهو عبد ال بن سلم‪ -‬على صدق القرآن وكونه وحي ال أوحاه إلى‬ ‫رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/50‬‬

‫عند ال وهي مثل القرآن فل يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند ال ل سيما والكتابان التوراة و‬ ‫القرآن يصدق بعضهما بعضا‪ ,‬بدللتهما معا ًعلى أصول الدين كالتوحيد و البعث والجزاء بالثواب‬ ‫والعقاب ومكارم الخلق والعدل والوفاء بالعهد‪ِ { .‬فَآمَنَ } هذا الشاهد ‪ { 1‬وَاسْ َتكْبَرْتُمْ} أي وكفرتم‬ ‫أنتم مستكبرين عن اليمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن ال ل يهدي‬ ‫القوم ‪ 2‬الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية اللهية وقوله تعالى‬ ‫في الية (‪َ { )11‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا َلوْ كَانَ خَيْرا مَا سَ َبقُونَا ِإلَيْهِ } هذا القول جائز أن‬ ‫يقوله يهود المدينة للمؤمنين بها‪ ,‬وجائز أن يقوله المشركون في مكة و في غيرها من العرب إذ‬ ‫المقصود هو العتذار عن عدم قبول السلم بحجة انه ل فائدة منه تعود عليهم في دنياهم ول‬ ‫خير يرجونه منه إن دخلوا فيه إذ لو كان فيه ما يرجون من الفوائد المادية لعتنقوه ودخلوا فيه‬ ‫ولم يسبقهم إليه الفقراء والمساكين‪ .‬وهو معنى ما أخبر تعالى به عنهم في قول { َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا‬ ‫لِلّذِينَ‪ 3‬آمَنُوا } أي في شأن الذين قالوا لو كان السلم خيرا ما ‪ 4‬سبقونا إليه فآمنوا وكفرنا‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى {وإِذْ َلمْ َيهْتَدُوا بِهِ َفسَ َيقُولُونَ هَذَا ِإ ْفكٌ قَدِيمٌ} أي وإن ظهر عنادهم وعظم عتوهم واستكبارهم‬ ‫فعموا فلم يهتدوا بالقرآن ‪ 5‬فسيقولون { هَذَا ِإ ْفكٌ َقدِيمٌ} وقد قالوا أساطير الولين اكتتبها فهي تملى‬ ‫عليه بكرة وأصيل ومعنى إفك قديم كذب أفكه غير محمد و عثر عليه فهو يقول به ما أفسد هذا‬ ‫القول وما أقبحه وأقبح قائله‪.‬‬ ‫حمَةً } أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون‬ ‫وقوله تعالى { َومِنْ قَبِْلهِ كِتَابُ مُوسَى ِإمَاما وَرَ ْ‬ ‫نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى‬ ‫السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين‪ .‬وهو ما دل عليه قوله هذا‬ ‫كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا ‪ 6‬عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ل حاجة إلى أن نقول الشاهد هو موسى عليه السلم بحجة أن السورة مكية‪ ،‬وعبد ال بن سلم‬ ‫أسلم بعد الهجرة‪ ،‬إذ من الجائز أن تكون السورة مكية واليات مدنية‪ ،‬وهو الحق في هذا وال‬ ‫أعلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلم وهو‪ :‬ضللتم ضلل ل يرجى لكم هداية بعده‪ ،‬لن ال‬ ‫ل يهدي القوم الظالمين‪.‬‬ ‫‪ 3‬اللم تعليلية أي‪ :‬قالوا ما قالوه لجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ول يقبلوا السلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬ضمير (سبقونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلل وعمار ووالده وشمية‬ ‫وزنيرة على وزن شريرة‪ ،‬وسكيرة‪ :‬أمة رومية كانت من السابقين إلى السلم‪.‬‬ ‫‪ 5‬المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن‪ :‬قالوا هذا إفك قديم‪.‬‬

‫‪ 6‬كلمة (لسانا) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة ل الخلق والعادات العربية والحكام القبلية لنها‬ ‫فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قرونا عديدة‪.‬‬

‫( ‪)5/51‬‬ ‫وهو محمد صلى ال عليه وسلم لينذر ‪ 1‬به الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي عذاب ال‬ ‫المترتب على تدسية النفوس بأوضار الشرك والمعاصي وهو بشرى للمحسنين من المؤمنين الذين‬ ‫احسنوا النية والعمل بالفوز العظيم يوم القيامة وهو النجاة من النار ودخول الجنة وقوله تعالى {إِنّ‬ ‫الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا ‪ }2‬بعد أن ذكر تعالى المبطلين وباطلهم عقب على ذلك بذكر‬ ‫المحسنين وأعمالهم على نهج الترهب والترغيب فأخبر تعالى أن الذين قالوا ربنا ال أي آمنوا‬ ‫وصرحوا بإيمانهم وجاهروا به ثم استقاموا على منهج ل إله إل ال فعبدوا ال بما شرع وتركوا‬ ‫عبادة غيره حتى ماتوا على ذلك هؤلء يخبر تعالى عنهم أنهم ل خوف عليهم ول هم يحزنون في‬ ‫الدنيا وفي البرزخ وفي الخرة فهم آمنون في الحيوات الثلث‪ ،‬وبشرهم بالجنة فأخبر أنهم‬ ‫أصحابها الخالدون فيها‪ ،‬وأشار إلى أن ذلك الفوز والبشرى كانا نتيجة أعمالهم في الدنيا من‬ ‫اليمان والعمل الصالح الذين دل عليها قوله {إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا}‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬اعتبار الشهادة وانها أداة يتوصل بها إلى احقاق الحق و ابطال الباطل فلذا يشترط عدالة‬ ‫صاحبها والعدالة هي إجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه‪ ,‬إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان تآخي وتلقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للخر أثبتت صحته‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضل الستقامة ‪ 3‬حتى قيل أنها خير من ألف كرامة‪,‬و الستقامة هي التمسك باليمان والعبادة‬ ‫كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة‪.‬‬ ‫شهْرا‬ ‫حمُْل ُه َو ِفصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬ ‫ضعَتْهُ كُرْها وَ َ‬ ‫حمَلَ ْتهُ ُأمّهُ كُرْها َو َو َ‬ ‫حسَانا َ‬ ‫{ َو َوصّيْنَا الْأِنْسَانَ ِبوَالِدَ ْيهِ إِ ْ‬ ‫حَتّى إِذَا بَلَغَ َأشُ ّد ُه وَبَلَغَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع (لتنذر) بالتاء الفوقية حطاب للرسول صلى ال عليه وسلم وقرأ حفص ( لينذر) بالياء‬ ‫أي القرآن‪.‬‬ ‫‪ 2‬ثم للتراخي الرتبي‪ ,‬إذ اليمان يحصل بالنظر و التأمل دفعة واحدة وأما الستقامة فتحتاج إلى‬ ‫مراقبة النفس وذكر الوعد والوعيد في كل طاعة من فعل أو ترك‪..‬‬

‫‪ 3‬روى مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد ال الثقفي قال‪" :‬قلت يا رسول ال قل لي في السلم‬ ‫قول ل أسأل عنه أحدا بعدك قال صلى ال عليه وسلم" قل آمنت بال ثم استقم"‪.‬‬

‫( ‪)5/52‬‬ ‫ل صَالِحا‬ ‫ع َم َ‬ ‫ي وَأَنْ أَ ْ‬ ‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َع ْمتَ عََليّ وَعَلَى وَالِ َد ّ‬ ‫أَرْ َبعِينَ سَنَةً قَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬ ‫ك وَإِنّي مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ(‪ )15‬أولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَ ّبلُ عَ ْنهُمْ‬ ‫تَ ْرضَاهُ وََأصْلِحْ لِي فِي ذُرّيّتِي إِنّي تُ ْبتُ إِلَ ْي َ‬ ‫صحَابِ الْجَنّةِ وَعْدَ الصّ ْدقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ(‪})16‬‬ ‫عمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ فِي َأ ْ‬ ‫حسَنَ مَا َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ووصينا النسان بوالديه ‪:‬أي أمرناه أمرا مؤكدا باليصاء‪.‬‬ ‫إحسانا ‪ : 1‬أي أن يحسن بهما إحسانا وهو المعاملة بالحسنى‪.‬‬ ‫حملته أمه كرها ووضعته كرها ‪:‬أي حملته أثناء حمله في بطنها على مشقة وولدته كذلك على‬ ‫مشقة‪.‬‬ ‫وحمله وفصاله ثلثون شهرا ‪:‬أي مدة حمله في بطنها و فطامه من الرضاع ثلثون شهرا‪.‬‬ ‫حتى إذا بلغ أشده ‪:‬أي اكتمال قوته البدنية و العقلية وهي من الثلث والثلثين فما فوق‪.‬‬ ‫رب أوزعني أن أشكر نعمتك ‪:‬أي ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك بصرفها فيما تحب‪.‬‬ ‫وأن أعمل صالحا ترضاه ‪:‬أي وبأن أعمل صالحا ترضاه مني أي تتقبله عني‪.‬‬ ‫ونتجاوز عن سيئاتهم ‪ :‬أي فل نؤاخذهم بها بل نغفرها‪.‬‬ ‫في أصحاب الجنة ‪:‬أي في جملة أصحاب الجنة وعدادهم‪.‬‬ ‫وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ‪:‬أي في مثل قوله تعالى وعد ال المؤمنين و المؤمنات جنات‬ ‫تجري من تحتها النهار الية‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إن الفرد كالجماعة فقد أوصى تعالى النسان بالحسان بوالديه وببرهما في جميع كتبه وعلى‬ ‫ألسنة كافة رسله‪ ,‬و النسان بعد ذلك قد يحسن ويبر وقد يسئ ويعق‪ ,‬فكذلك الجماعة و المة من‬ ‫الناس يرسل إليهم الرسول فمنهم من يؤمن ومنهم من يكذب‪ ,‬ومنهم من يتابع ومنهم من يخالف‬ ‫فلما ذكر تعالى اختلف قوم النبي صلى ال عليه وسلم في اليمان بما جاء به‪ ,‬والكفر به ذكر أن‬ ‫هذه الحال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع(حسنا) و(كرها) بفتح الكاف‪ ,‬وقرأ حفص(إحسانا)و (كرها) بضم الكاف‪.‬‬

‫( ‪)5/53‬‬

‫النسان فقال تعالى { َو َوصّيْنَا الْإنْسَانَ‪ }1‬أي جنس النسان أي أمرناه بما هو آكد من المر وهو‬ ‫الوصية بوالديه أي أمه وأبيه إحسانا بهما وذلك بكف الذى عنهما وإيصال الخير بهما وطاعتهما‬ ‫في المعروف وببرهما أيضا بعد موتهما‪ .‬فمن الناس من ينفذ هذه الوصية ومنهم من يهملها ول‬ ‫ينفذها وقوله‪ ،‬حملته أمه كرها ووضعته كرها بيان لوجوب الحسان بهما وبرهما إذ معاناة الم‬ ‫وتحملها مشقة الحمل تسعة أشهر ومشقة الوضع وهي مشقة ل يعرفها إل من قاسى آلمها‬ ‫شهْرا} بيان لمدة تحمل المشقة إنها ثلثون شهرا‬ ‫حمْلُهُ‪َ 2‬و ِفصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬ ‫كالمهات‪ .‬وقوله { َو َ‬ ‫بعضها للحمل وبعضها للرضاع والتربية وقوله تعالى حتى إذ بلغ أي عاش حتى إذا بلغ أشده أي‬ ‫اكتمال قواه البدنية والعقلية وذلك من ثلث وثلثين سنة إلى الربعين وبلغ أربعين ‪ 3‬سنة قال أي‬ ‫النسان البار بوالديه المنفذ للوصية اللهية كأبي بكر الصديق رضي ال عنه إذ بلغ الربعين من‬ ‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َع ْمتَ عََليّ} ‪ 4‬وهي‬ ‫عمره بعد البعثة المحمدية بسنتين‪{ .‬قَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬ ‫نعمة اليمان والتوحيد والسلم علي وعلى والدي إذ آمن وآمن أبواه أبو قحافة عثمان بن عامر‬ ‫التيمي وآمنت أمه أم الخير سلمى‪ ،‬وأولده عامة من بنين وبنات ولم يحصل لحد من الصحابة‬ ‫أن سأل ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لن يشكر نعمة ال عليه وعلى والديه بالسلم‪،‬‬ ‫وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه ال ويتقبله عن صاحبه‪ ،‬وقد استجاب له ربه‬ ‫فأعتق تسعة أعبد مؤمنين من استرقاق الكافرين لهم منهم بلل رضي ال عنه‪ ،‬وقوله {وََأصْلِحْ لِي‬ ‫فِي ذُرّيّتِي} أي اجعل الصلح ساريا في ذريتي حتى يشملهم جميعا وقد استجاب ال تعالى له‬ ‫سِلمِينَ} هذا توسل منه‬ ‫فآمن أولده أجمعون ذكورا وإناثا‪ ،‬وقوله {إِنّي تُ ْبتُ إِلَ ْيكَ وَإِنّي مِنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫رضي ال عنه لقبول دعائه فقد توسل إلى ربه بالتوبة من الشرك والكفر إلى اليمان والتوحيد‪،‬‬ ‫وبالسلم إلى ال وهو الخضوع ل والنقياد لمره ونهيه‪ .‬وقوله تعالى {أُولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَبّلُ عَ ْنهُمْ‬ ‫عمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ} فل يؤاخذهم بها بعد توبتهم منها في جملة أصحاب الجنة‬ ‫حسَنَ‪ 5‬مَا َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫عدَ الصّ ْدقِ‪}6‬‬ ‫إذ ل يدخل الجنة أحد إل بعد مغفرة ذنبه‪ ،‬وقوله {وَ ْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي من عدة طرق أن هذه الية نزلت في أبي بكر الصديق رضي ال عنه‪.‬‬ ‫‪ 2‬وحمله وفصاله ثلثون شهرا هذه الية الكريمة مع قوله تعالى من سورة البقرة‪{ :‬وَا ْلوَاِلدَاتُ‬ ‫حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} دلتا على أن أقل مدة الحمل‪ :‬ستة أشهر‪ ،‬فل يثبت الحمل بأقل‬ ‫ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ‬ ‫يُ ْر ِ‬ ‫من ستة أشهر ويثبت بالستة والسبعة والثمانية والتسعة‪ ،‬فمن بنى بامرأة وولدت قبل ستة أشهر‬ ‫من البناء بها فالولد ل يلحق الزوج‪.‬‬ ‫‪ 3‬لم خص الدعاء للوالدين في هذا الوقت بالذات؟ لنه وقت يصبح فيه الولد مشغول بزوجة‬ ‫وأولد وتكاليف فهو في هذه الحال أحوج ما يكون إلى عون ال تعالى على بر والديه‪.‬‬ ‫‪ 4‬من بركة صلح الذرية أن يدعو الولد لوالده بعد موته ففي صحيح الحديث‪( :‬إذا مات ابن آدم‬

‫انقطع عمله إل من ثلث‪ :‬صدقة جارية وعلم ينتفع به‪ ،‬وولد صالح يدعوا له)‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ نافع‪( :‬يتقبل) و(يتجاوز) بالبناء للمفعول‪ ،‬و(أحسن) مرفوع نائب فاعل‪ ،‬وقرأ حفص بنون‬ ‫المتكلم فيهما ونصب (أحسن) على أنه مفعول به‪.‬‬ ‫‪ 6‬الوعد‪ :‬مصدر بمعنى المفعول كالرد بمعنى المردود‪.‬‬

‫( ‪)5/54‬‬ ‫أي أنجز لهم هذا لنه وعد صدق وعدهم فأنجزه لهم‪ ،‬وقوله {الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} أي في الكتاب‬ ‫عدَ اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا} الية‪.‬‬ ‫مثل قوله تعالى {وَ َ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب البر بالوالدين بطاعتهما في المعروف والحسان بهما بعد كف الذى عنهما‪.‬‬ ‫‪ -2‬الشارة إلى أن مدة الحمل قد تكون ستة أشهر فأكثر‪ ،‬وأن الرضاع قد يكون حولين فأقل‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز التوسل بالتوبة إلى ال والنقياد له بالطاعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة آل أبي بكر الصديق على غيرهم من سائر الصحابة ما عدا آل بيت رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بشارة الصديق وأسرته بالجنة‪ ،‬إذ آمنوا كلهم وأسلموا أجمعين وماتوا على ذلك‪.‬‬ ‫ج َوقَدْ خََلتِ ا ْلقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ ُهمَا َيسْ َتغِيثَانِ اللّ َه وَيَْلكَ‬ ‫وَالّذِي قَالَ ِلوَالِدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا أَ َت ِعدَانِنِي أَنْ أُخْرَ َ‬ ‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَيَقُولُ مَا هَذَا ِإلّا أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪ )17‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ‬ ‫آمِنْ إِ ّ‬ ‫عمِلُوا وَلِ ُي َوفّ َيهُمْ‬ ‫ن وَالْأِنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (‪ )18‬وَِل ُكلّ دَ َرجَاتٌ ِممّا َ‬ ‫قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬ ‫علَى النّارِ أَذْهَبْ ُتمْ طَيّبَا ِت ُكمْ فِي حَيَا ِتكُمُ‬ ‫عمَاَلهُ ْم وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ (‪ )19‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫ق وَ ِبمَا‬ ‫حّ‬ ‫عذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنْتُمْ تَسْ َتكْبِرُونَ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬ ‫الدّنْيَا وَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهَا فَالْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ َ‬ ‫سقُونَ (‪)20‬‬ ‫كُنْتُمْ َتفْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والذي قال لوالديه ‪:‬الذي اسم موصول استعمل استعمال الجنس فدل على متعدد بدليل الخبر عنه‬ ‫وهو أولئك الذين حق عليهم القول‪.‬‬

‫( ‪)5/55‬‬ ‫أفٍ لكما ‪:‬أي نتنا وقبحا لكما‪.‬‬ ‫أن اخرج ‪:‬أي من القبر حيا بعد موتي‪.‬‬

‫وقد خلت القرون ‪:‬أي مضت المم قبلي ولم يخرج منها أحد من قبره‪.‬‬ ‫وهما يستغيثان ال ‪:‬أي يطلبان الغوث برجوع ولدهما إلى اليمان بعد اللحاد والكفر‪.‬‬ ‫ويلك آمن ‪:‬أي يقولن له إن لم ترجع ويلك أي هلكك أي هلكت آمن بالبعث‪.‬‬ ‫إن وعد ال حق ‪ :‬وقد وعد العباد بالرجوع إليه ومحاسبتهم على أعمالهم ومجازاتهم بها‪.‬‬ ‫فيقول ما هذا إل أساطير الولين ‪:‬أي ما القول بوجود بعث للناس أحياء بعد الموت إل أكاذيب‬ ‫الولين‪.‬‬ ‫أولئك الذين حق عليهم القول ‪:‬أي وجب عليهم القول بالعذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫في أمم قد خلت من قبلهم ‪:‬أي في جملة أمم قد مضت من قبلهم من الجن والنس‪.‬‬ ‫ولكل درجات مما عملوا ‪:‬أي ولكل من المؤمنين البارين‪ ،‬والكافرين الفاجرين درجات مما عملوا‬ ‫درجات المؤمنين في الجنة ودرجات الكفار في النار‪.‬‬ ‫أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ‪:‬أي يقال لهم أذهبتم طيباتكم باشتغالكم بملذاتكم في الدنيا‪.‬‬ ‫واستمتعتم بها ‪:‬أي تمتعتم بها في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫فاليوم تجزون عذاب الهون ‪:‬أي جزاؤكم عذاب الهوان‪.‬‬ ‫بما كنتم تستكبرون في الرض ‪:‬أي تتكبرون في الرض‪.‬‬ ‫بغير الحق ‪:‬أي إذ ل حق لكم في الكبر والكبرياء ل‪ ،‬ولم يأذن لكم فيه‪.‬‬ ‫وبما كنتم تفسقون ‪:‬أي تخرجون عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى الرجل المؤمن وأعماله الصالحة ومواقفه المشرفة ذكر هنا الرجل الكافر وأعماله‬ ‫الباطلة ومواقفه السيئة وذلك من باب الدعوة إليه تعالى للترغيب والترهيب فقال تعالى {وَالّذِي ‪1‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬إن هذه الية نزلت في أحد ابني أبي بكر الصديق عبد الرحمن أو عبد ال وأنكرت عائشة‬ ‫رضي ال عنها ذلك‪ ،‬ومن قال به رد اسم الشارة (أولئك الذين حق عليهم القول‪ )..‬إلى من طالب‬ ‫الولد بإحيائهم ممن ماتوا على الشرك لن كل من عبد ال وعبد الرحمن قد أسلم وحسن إسلمه‬ ‫استجابة ال دعوة أبي بكر‪.‬‬

‫( ‪)5/56‬‬ ‫قَالَ ِلوَالِدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا أَ َتعِدَانِنِي ‪ 1‬أَنْ ُأخْرَجَ‪َ 2‬وقَدْ خََلتِ ا ْلقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} يخبر ال تعالى عن أخبث‬ ‫إنسان هو ذاك الملحد العاق لوالديه المنكر للبعث والجزاء إذ قال لوالديه أمه وأبيه أف لكما أي‬ ‫نتنا وقبحا لكما أتعدانني بأن أخرج من قبري حيا بعد ما مت‪ ،‬وقد مضت أمم وشعوب قبلي‪ ،‬وما‬ ‫خرج منها أحد من قبره فكيف تعدانني أنتما ذلك إن هذا لتخلف عقلي وتأخر حضاري وقوله‬

‫تعالى { َو ُهمَا ‪َ 3‬يسْ َتغِيثَانِ اللّهَ} أي ووالداه يستغيثان ال ويستصرخانه طلبا إغاثتهما بهداية ولدهما‬ ‫الملحد الشيوعي‪ ،‬ويقولن للولد ويلك أي هلكك حضر يا ولد هلكت آمن بالبعث والجزاء وصل‬ ‫وصم واترك الزنا والخمر ويلك إن وعد ال حق أي إن ما وعد ال به عباده من إحيائهم للحشر‬ ‫والحساب والجزاء حق فل يتخلف أبدا فيرد عليهما الولد الملحد الدهري ا بما أخبر تعالى به عنه‬ ‫في قوله فيقول {مَا َهذَا إِلّا َأسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ‪ }4‬أي أكاذيبهم التي كانوا يعيشون عليها ويقصونها في‬ ‫مجالسهم‪ ،‬وبما أن الذي قال لوالديه لفظه مفرد ولكنه دال على جنس كان الخبر جمعا فقال تعالى‬ ‫في الخبار عنهم {أُولَ ِئكَ الّذِينَ‪ 5‬حَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ} أي القول بالعذاب الدال عليه قوله تعالى‬ ‫ن وَالْأِنْسِ}‬ ‫ج َمعِينَ} ‪ ،‬وفي قوله {فِي ُأمَمٍ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ الْجِ ّ‬ ‫جهَنّمَ مِنَ الْجِنّ ِة وَالنّاسِ َأ ْ‬ ‫{لمْلَأَنّ َ‬ ‫أي في جملة أمم سبقتهم في اللحاد والكفر من العالمين عالم الجن وعالم النس وقوله {إِ ّنهُمْ كَانُوا‬ ‫خَاسِرِينَ‪ }6‬وأي خسران أعظم من عبد يخسر نفسه وأهله ويعش في جهنم خالدا فيها أبدا‪ .‬وقوله‬ ‫عمِلُوا} أي ولكل من المؤمنين البارين والكافرين العاقين درجات مما‬ ‫تعالى { َوِل ُكلّ دَرَجَاتٌ‪ِ 7‬ممّا َ‬ ‫عملوا من خير أو شر إل أن درجات المؤمنين في الجنة تذهب في علو متزايد ودرجات الكافرين‬ ‫عمَاَل ُهمْ } كاملة غير‬ ‫في النار تذهب في سفل متزايد إلى أسفل سافلين‪ .‬وقوله تعالى {وَلِ ُي َوفّ َيهُمْ‪ 8‬أَ ْ‬ ‫منقوصة الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها وهم ل يظلمون بنقص حسنة ول بزايدة سيئة‪ .‬وقوله‬ ‫علَى النّارِ} أي اذكر يا رسولنا لهؤلء المشركين يوم يعرضون‬ ‫تعالى {وَ َي ْومَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬ ‫على النار ويقال لهم في توبيخ وتقريع {أَ ْذهَبْتُمْ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬أتعدانني) الستفهام للنكار والتعجب‪.‬‬ ‫‪( 2‬أن أخرج) أي‪ :‬من قبري حيا بعد موتي و فنائي‪ ,‬إنكارا منه للبعث الخر‪.‬‬ ‫‪ 3‬وقد أجاب ال دعاء أبي بكر وزوجه أم الرمان حيث أسلم ابنهما رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬ ‫‪( 4‬أساطير الولين) أي‪ :‬أحاديثهم وما سطروه مما ل أصل له‪.‬‬ ‫‪ 5‬الشارة هنا إلى أولئك الذين ذكرهم ابن أبي بكر كعبد ال بن جدعان وعثمان بن عمرو‬ ‫ومشايخ قريش فقال أين فلن و أين فلن إنكارا منه للحياة بعد الموت‪.‬‬ ‫‪ 6‬خسروا أعمالهم حيث ضاع سعيهم في الحياة الدنيا وخسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪( 7‬ولكل) التنوين عوض أي‪ :‬لكل من الفريقين المؤمنين و الكافرين البرار والفجار درجات مما‬ ‫عملوا‪ ,‬وهي مراتبهم التي لهم في الجنة أو في النار‪.‬‬ ‫‪ 8‬قرأ الجمهور(ولنوفيهم) بالنون وقرأ حفص(وليوفيهم) بالياء‪.‬‬

‫( ‪)5/57‬‬

‫طَيّبَا ِتكُمْ فِي حَيَا ِتكُمُ الدّنْيَا} أي بإقبالكم على الشهوات والملذ ناسين الدار الخرة فاستمتعتم بكل‬ ‫الطيبات ولم تبقوا للخرة شيئا {فَالْ َي ْومَ تُجْ َزوْنَ عَذَابَ ا ْلهُونِ} أي الهوان { ِبمَا كُنْتُمْ َتسْ َتكْبِرُونَ فِي‬ ‫حقّ} إذ لحق لكم في الكبر لضعفكم وعجزكم إنما الكبرياء ل الملك الحق أما أنتم‬ ‫الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬ ‫فقد ظلمتم باستكباركم عن اليمان بربكم ولقائه‬ ‫سقُونَ} أي وبفسقكم عن طاعة ربكم وطاعة رسوله‪ .‬إذا فادخلوا جهنم‬ ‫وعن طاعته {وَ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْ ُ‬ ‫داخرين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬حرمة عقوق الوالدين وأنها من الكبائر‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حنان الوالدين وحبهما لولدهما و بذل كل ما يقدران عليه من أجل إسعاده وهدايته‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من النغماس في الملذ و الشهوات و الستمتاع‪.‬‬ ‫‪ -4‬التحذير من الكبر و الفسق وأن الكبر من أعمال القلوب والفسق من أعمال الجوارح‪.‬‬ ‫‪ -5‬مدى فهم السلف الصالح لهذه الية { أَذْهَبْ ُتمْ طَيّبَا ِت ُكمْ فِي حَيَا ِتكُمُ الدّنْيَا وَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهَا}‪.‬‬ ‫سقُونَ} ثم قال تعلمون وال إن أقواما يسترطون حسناتهم‬ ‫‪ )1‬قرأ يزيد حتى بلغ { وَ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْ ُ‬ ‫استبقى رجل طيباته إن استطاع ول قوة إل بال‪.‬‬ ‫‪ )2‬روي أن عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت لكنت أطيبكم طعاما و ألينكم لباسا‪ ,‬ولكن استبقي‬ ‫طيباتي‪.‬‬ ‫وذكر أنه لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله‪ ,‬قال هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا‬ ‫وهم ل يشبعون من خبز الشعير؟ فقال له خالد بن الوليد لهم الجنة‪ ,‬فاغرورقت عينا عمر رضي‬ ‫ال عنه وقال لئن كان حظنا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا‪.‬‬ ‫خَلتِ النّذُرُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ أَلّا َتعْبُدُوا إِلّا اللّهَ‬ ‫ف َوقَدْ َ‬ ‫حقَا ِ‬ ‫لْ‬ ‫وَا ْذكُرْ أَخَا عَادٍ ِإذْ أَنْذَرَ َقوْمَهُ بِا َ‬ ‫عذَابَ َيوْمٍ عَظِيمٍ(‪ )21‬قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَ ْأ ِفكَنَا عَنْ آِلهَتِنَا فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ‬ ‫إِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬ ‫جهَلُونَ(‪)23‬‬ ‫الصّا ِدقِينَ(‪ )22‬قَالَ إِ ّنمَا ا ْلعِلْمُ عِ ْندَ اللّهِ وَأُبَّل ُغكُمْ مَا أُرْسِ ْلتُ بِهِ وََلكِنّي أَرَاكُمْ َقوْما َت ْ‬

‫( ‪)5/58‬‬ ‫فََلمّا رََأ ْوهُ عَارِضا ُمسْ َتقْبِلَ َأوْدِيَ ِتهِمْ قَالُوا هَذَا عَا ِرضٌ ُممْطِرُنَا َبلْ ُهوَ مَا اسْ َتعْجَلْ ُتمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا‬ ‫شيْءٍ بَِأمْرِ رَ ّبهَا فََأصْبَحُوا ل يُرَى إِلّا َمسَاكِ ُنهُمْ كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْل َقوْمَ‬ ‫عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )24‬تُ َدمّرُ ُكلّ َ‬ ‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪)25‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫واذكر أخا عاد ‪:‬أي نبي ال هودا عليه السلم‪.‬‬

‫إذ أنذر قومه بالحقاف ‪:‬أي خوف قومه عذاب ال بوادي الحقاف‪.‬‬ ‫وقد خلت النذر ‪ :‬أي مضت الرسل‪.‬‬ ‫من بين يديه ومن خلفه ‪ :‬أي من قبله ومن بعده إلى أممهم‪.‬‬ ‫أل تعبدوا إل ال ‪:‬أي أنذروهم بأن ل يعبدوا إل ال‪.‬‬ ‫إني أخاف عليكم ‪ :‬أي إن عبدتم غير ال‪.‬‬ ‫عذاب يوم عظيم ‪:‬أي هائل بسبب شرككم بال وكفركم برسالتي‪.‬‬ ‫أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ‪:‬أي لتصرفنا عن عبادتها‪.‬‬ ‫فأتنا بما تعدنا ‪:‬أي من العذاب على عبادتها‪.‬‬ ‫إن كنتم من الصادقين ‪:‬أي في أنه يأتينا قطعا كما تقول‪.‬‬ ‫قل إنما العلم عند ال ‪:‬أي علم مجيء العذاب ليس لي وإنما هو ل وحده‪.‬‬ ‫وأبلغكم ما أرسلت به إليكم ‪:‬أي وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلني به ربي إليكم‪.‬‬ ‫ولكني أراكم قوما تجهلون ‪:‬أي حظوظ أنفسكم وما ينبغي لها من السعاد والكمال وإل كيف‬ ‫تستعجلون العذاب مطالبين به‪.‬‬ ‫فلما رأوه عارضا ‪:‬أي رأوا العذاب سحابا يعرض في الفق‪.‬‬ ‫مستقبل أوديتهم ‪:‬أي متجها نحو أوديتهم التي فيها مزارعهم‪.‬‬ ‫قالوا هذا عارض ممطرنا ‪:‬أي قالوا مشيرين إلى السحاب هذا عارض ممطرنا‪.‬‬ ‫بل هو ما استعجلتم به ‪:‬أي ليس هو بالعارض الممطر بل العذاب الذي استعجلتموه‪.‬‬ ‫ريح تدمر كل شيء ‪ :‬أي ريح عاتية تهلك كل شيء تمر به‪.‬‬ ‫بأمر ربها ‪:‬أي بإذن ربها تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/59‬‬ ‫فأصبحوا ل يرى إل مساكتهم ‪:‬أي أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق إل مساكنهم‪.‬‬ ‫كذلك نجزي القوم المجرمين ‪ :‬أي كذلك الجزاء الذي جازينا به عادا قوم هود وهو الهلك الشامل‬ ‫نجزي المجرمين من سائر المم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قوم النبي محمد صلى ال عليه وسلم فقال تعالى {وَا ْذكُرْ}‬ ‫أي لقومك للعبرة والتعاظ {َأخَا عَادٍ} وهو هود عليه السلم والخوة هنا أخوة نسب ل دين‪ .‬إذ‬ ‫حقَافِ} إذ خوفهم عذاب ال إن لم يتوبوا إلى ال ويوحدوه‪ ،‬والحقاف وادي‬ ‫كره {ِإذْ أَنْذَرَ َق ْومَهُ بِالَْأ ْ‬ ‫القوم ‪ 1‬الذي به مزارعهم ومنازلهم وهو ما بين حضرموت ومهرة وعُمان جنوب الجزيرة‬ ‫العربية‪ .‬وقوله { َوقَدْ خََلتِ النّذُرُ‪ 2‬مِنْ بَيْنِ يَدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِه} أي وقد مضت الرسل من قبله ومن‬

‫بعده في أممهم‪ .‬أي لم يكن هود أول نذير‪ ،‬ول أمته أول أمة أنذرت العذاب وقوله {لّا َتعْبُدُوا إِلّا‬ ‫اللّهَ} أي كل رسول أنذر أمته عاقبة الشرك فأمرهم أن ل يعبدوا إل ال‪ ،‬وهو بمعنى ل إله إل ال‬ ‫التي دعا إليها محمد صلى ال عليه وسلم أمته فهي أمر بعبادة ال وترك الشرك فيها‪ ،‬وقوله {إِنّي‬ ‫عظِيمٍ} يوم هائل عظيم وهو يوم القيامة‪ ،‬فكان رد القوم ما أخبر تعالى به‬ ‫أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ عَذَابَ َيوْمٍ َ‬ ‫في قوله {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَ ْأ ِفكَنَا ‪ }3‬أي تصرفنا عن عبادة آلهتنا‪{ .‬فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا} أي من العذاب {إِنْ‬ ‫كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ} فيما ‪ 4‬توعدنا به وتهددنا‪ ،‬فأجابهم هود عليه السلم بما أخبر تعالى به عنه‬ ‫بقوله {قَالَ} أي هود {إِ ّنمَا ‪5‬ا ْلعِلْمُ عِ ْندَ اللّهِ} أي علم مجيء العذاب وتحديد وقته هذا ليس لي وإنما‬ ‫هو ل منزله‪ ،‬فمهمتي أن أنذركم العذاب قبل حلوله بكم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم من المر‬ ‫جهَلُونَ‪ }6‬أي بما يضركم وما ينفعكم‬ ‫بالتوحيد والنهي عن الشرك والمعاصي‪{ ،‬وََلكِنّي أَرَا ُكمْ َقوْما َت ْ‬ ‫في الدنيا والخرة وإل كيف تستعجلون العذاب وتطالبون به إذ المفروض أن تطلبوا الرحمة‬ ‫والسعادة ل العذاب والشقاء قوله تعالى ‪{ 7‬فََلمّا رََأ ْوهُ عَارِضا مُسْ َتقْ ِبلَ َأوْدِيَ ِتهِمْ} أي فلما رأى قوم‬ ‫هود العذاب متجها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الحقاف‪ :‬جمع حقف بكسر وسكون‪ :‬الرمل العظيم المستطيل‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن تكون (النذر) جمع نذارة‪ ،‬وكونها الرسل هو الذي عليه المفسرون‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام إنكاري والفك‪ ،‬بفتح الهمزة الصرف‪ ،‬وبالكسر الكذب أو أسوأه‪.‬‬ ‫‪ 4‬جواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدمه وهو‪( :‬فأتنا بما تعدن) ولفظ الصادقين‪ ،‬أبلغ في‬ ‫الوصف مما لو قالوا‪ ،‬إن كنت صادقا‪.‬‬ ‫‪( 5‬ال) في (العلم) للستغراق العرفي أي‪ :‬علم كل شيء‪ ،‬ومنه علم وقت مجيء العذاب‪.‬‬ ‫‪ 6‬أي‪ :‬تجهلون صفات ال تعالى وحكمة إرسال الرسل‪ ،‬وتجهلون حتى ما ينفعكم وما يضركم‬ ‫وإل فكيف تطالبون بالعذاب‪ ،‬كما في التفسير‪.‬‬ ‫‪ 7‬الفاء هنا‪ :‬للتفريع فما ذكر بعدها متفرع عما تقدمها من قصة هود مع قومه‪.‬‬

‫( ‪)5/60‬‬ ‫نحو أوديتهم التي بها مزارعهم ومنازلهم { قَالُوا هَذَا عَا ِرضٌ‪ُ 1‬ممْطِرُنَا} أي هذا سحاب يعرض‬ ‫في السماء ذاهبا صوب وادينا ليسقينا‪ ،‬وهو معنى قوله {قَالُوا هَذَا عَا ِرضٌ ُممْطِرُنَا} أي ممطر‬ ‫أراضينا المصابة بالجفاف الشديد‪ .‬قال تعالى { َبلْ ُهوَ مَا اسْ َت ْعجَلْتُمْ ِبهِ} أي ليس بالسحاب الممطر‬ ‫عذَابٌ أَلِيمٌ} أي تحمل‬ ‫بل هو العذاب الذي طالبتم به لجهلكم وخفة أحلمكم‪ ،‬وبينه بقوله {رِيحٌ فِيهَا َ‬ ‫في ثناياها العذاب الموجع‪ ،‬تدمر كل شيء تمر به فتهلكه {بَِأمْرِ رَ ّبهَا} أي بإذنه وقد أتت عليهم‬ ‫عن آخرهم ولم ينج إل هود والذين آمنوا معه برحمة من ال خاصة‪{ ،‬فََأصْبَحُوا ل ‪ 2‬يُرَى ِإلّا‬

‫مَسَاكِ ُنهُمْ} أي ل يرى الرائي إذا نظر إليهم إل مساكنهم خالية ما بها أحد‪ .‬قال تعالى { َكذَِلكَ نَجْزِي‬ ‫ا ْل َقوْمَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ‪ }3‬أي كهذا الجزاء بالدمار والهلك نجزي المجرمين أي المفسدين أنفسهم بالشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال في المم في إرسال الرسل إليهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وبيان مهمة الرسل وهي النذارة والبلغ‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سفه وجهل المم التي تطالب بالعذاب وتستعجل به‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن عادا أهلكت بالريح الدبور‪ ،‬وأن نبينا محمد صلى ال عليه وسلم نصر بريح الصبا‬ ‫كما في الحديث الصحيح‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان سنة ال تعالى في إهلك المجرمين وهم الذين يصرون على الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫س ْم ُعهُ ْم وَل‬ ‫سمْعا وَأَ ْبصَارا وََأفْئِ َدةً َفمَا أَغْنَى عَ ْن ُهمْ َ‬ ‫جعَلْنَا َلهُمْ َ‬ ‫وَلَقَدْ َمكّنّاهُمْ فِيمَا إِنْ َمكّنّاكُمْ فِي ِه وَ َ‬ ‫حدُونَ بِآياتِ اللّ ِه وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‬ ‫شيْءٍ ِإذْ كَانُوا َيجْ َ‬ ‫أَ ْبصَارُهُ ْم وَل َأفْئِدَ ُتهُمْ مِنْ َ‬ ‫‪ )26‬وََلقَدْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬العارض‪ :‬السحاب الذي يعترض جو السماء‪ ،‬والستقبال التوجه نحو الشيء ليكون قبالته‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ الجمهور ومنهم نافع‪( :‬ل ترى) بالتاء المفتوحة‪ ،‬وقرأ حفص وغيره (ل يرى) بالياء والبناء‬ ‫للمجهول‪ ،‬والمراد بالمساكن‪ :‬آثارها وبعض الجدران الشاخصة منها‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الية دليل على إفساد الجرام وأنه سبب كل هلك‪ ،‬وحقيقته‪ :‬أنه إفساد الروح بالشرك‬ ‫والمعاصي فعل وتركا‪.‬‬

‫( ‪)5/61‬‬ ‫جعُونَ (‪ )27‬فََلوْل َنصَرَهُمُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِنْ‬ ‫حوَْلكُمْ مِنَ ا ْلقُرَى َوصَ ّرفْنَا الْآياتِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬ ‫أَهَْلكْنَا مَا َ‬ ‫دُونِ اللّهِ قُرْبَانا آِلهَةً َبلْ ضَلّوا عَ ْنهُمْ وَذَِلكَ ِإ ْف ُكهُ ْم َومَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)28‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ‪ :‬أي ولقد مكنا قوم عاد من القوة التي لم نمكنكم أنتم من مثلها‪.‬‬ ‫وجعلنا لهم سمعا وأبصارا ‪:‬وجعلنا لهم أسماعا وأبصارا‪.‬‬ ‫فما أغنى عنهم سمعهم ول أبصارهم ول أفئدتهم من شيء‪ :‬أي من الغناء‬ ‫إذ كانوا يجحدون بآيات ال ‪:‬أي لعلة هي أنهم كانوا يجحدون بآيات ال وهي حججه البينة‪.‬‬ ‫وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ‪:‬أي نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به‪.‬‬

‫ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ‪:‬أي من أهل القرى كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين‪.‬‬ ‫وصرفنا اليات لعلهم يرجعون ‪:‬أي كررنا الحجج وضربنا المثال ونوعنا الساليب لعلهم‬ ‫يرجعون إلى الحق فيؤمنون ويوحدون‪.‬‬ ‫فلول نصر الذين اتخذوا من دون ال قربانا آلهة ‪ :‬أي فهل نصرهم بدفع العذاب عنهم الذين‬ ‫اتخذوهم من دون ال آلهة يتقربون بهم إلى ال في زعمهم‪.‬‬ ‫بل ضلوا عنهم ‪:‬أي غابوا عنهم عند نزول العذاب‪.‬‬ ‫وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ‪:‬أي خذلن آلهتهم لهم وعدم نصرتهم لهم بل غيابهم عنهم هو إفكهم‬ ‫وافتراؤهم الذي كانوا يفترونه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في مطلب هداية قريش أنه لما قص تعالى عليهم قصة عاد وتجلت فيها عظات‬ ‫كثيرة وعبرة كبيرة قال لهم {وََلقَدْ َمكّنّاهُمْ‪ }1‬أي قوم عاد مكناهم في الرض فأعطيناهم من‬ ‫مظاهر‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة في محل نصب على الحال من واو الجماعة في قوله‪( :‬قالوا أجئتنا) والكلم مستعمل من‬ ‫عدم انتفاعه بما مواهب عقولهم‪.‬‬

‫( ‪)5/62‬‬ ‫القوة المادية {فِيمَا إِنْ‪َ 1‬مكّنّاكُمْ فِيهِ‪ }2‬أنتم يا معشر كفار قريش وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة‬ ‫أي قلوبا فيما أغنى عنهم سمعهم أي أسماعهم ول أبصارهم ول أفئدتهم من شيء من الغناء إذ‬ ‫كانوا يجحدون بآيات ال أي بحججه وبيناته الدالة على وجوب توحيده وحاق أي نزل بهم العذاب‬ ‫حوَْلكُمْ مِنَ‬ ‫الذي كانوا إذا خوفوا به وأنذروا استهزأوا وسخروا وقوله تعالى {وََلقَدْ أَهَْلكْنَا مَا َ‬ ‫ا ْلقُرَى} كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وقوله { َوصَ ّرفْنَا الْآياتِ} أي وكررنا الحجج‬ ‫وضربنا المثال ونوعنا العظات والعبر لعلهم يرجعون إلى الحق الذي انصرفوا عنه وهو التوحيد‬ ‫والستقامة فأبوا إل الصرار على الشرك والباطل فأهلكناهم‪ 3.‬فلول أي فهل نصرهم الذين ‪4‬‬ ‫اتخذوهم من دون ال قربانا آلهة يتقربون بها إلى ال في زعمهم والجواب ما نصروهم بل ضلوا‬ ‫عنهم أي غابوا فلم يعثروا عليهم بالكلية‪ .‬قال تعالى {وَذَِلكَ ِإ ْف ُكهُمْ‪َ 5‬ومَا كَانُوا َيفْتَرُونَ} أي ذلك‬ ‫الذي تم لهم من الخذلن والعذاب هو إفكهم أي كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يعيشون عليه قبل‬ ‫هلكهم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬بيان أن العراض عن دين ال والصرار على الفسق عن أمر ال‪ ،‬والستمرار على الخروج‬ ‫على طاعته إذا استوجب صاحبه العذاب ونزل به لم يغن عنه ذكاؤه ول دهاؤه ول علمه‬ ‫وحضارته ول علوه وتطاوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن اليات والحجج وضرب المثال وسوق العبر والعظات ل تنفع في هداية العبد‪ ،‬إذا لم‬ ‫ضلُ} ويحيق به العذاب ويهلكه جزاء تكذيبه وكفره‬ ‫يرد ال هدايته {إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ ُي ِ‬ ‫وإعراضه وفسقه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪{ 1‬فِيمَا إِنْ َمكّنّاكُمْ فِيهِ} (ما) موصولة و(إن) نافية عدول عن النفي بما حتى ل تجتمع ميمان‪،‬‬ ‫الموصولة والنافية ارتقاء في السلوب‪.‬‬ ‫‪ 2‬التمكين‪ :‬إعطاء المكنة‪ :‬بفتح الميم وكسر الكاف وهي‪ :‬القدرة والقوة‪ ،‬يقال‪ :‬مكن من كذا وتمكن‬ ‫إذا قدر عليه‪ ،‬وكنه أقدره عليه‪.‬‬ ‫‪ 3‬أصل لول إذا دخلت على الجملة الفعلية كانت للتحضيض على تحصيل ذلك الفعل فإذا كان‬ ‫الفاعل غير المخاطب بالكلم كانت للتوبيخ‪ ،‬إذ ل طائل في تحضيض المخاطب على فعل غيره‪،‬‬ ‫والتيان بالموصول لما في الصلة من التنبيه على الخطأ والغلط في عبادة الصنام التي لم تغن‬ ‫عنهم شيئا كقول الشاعر‪:‬‬ ‫إن الذين ترونهم إخوانكم‬ ‫يشقي غليل صدورهم أن تصرعوا‬ ‫‪4‬الكلم تضمن التوبيخ للمم الهالكة على شركهم وعنادهم لرسلهم تعريضا بقريش المصرة على‬ ‫الخطأ نفسه الذي هلكت به المم المجاورة لها لعلهم يتذكرون فيتوبون‪.‬‬ ‫‪( 5‬وذلك إفكهم) هذه فذلكة قوله تعالى‪{ :‬فََلوْل َنصَرَهُمُ الّذِينَ اتّخَذُوا} الخ والشارة إلى ما تضمنه‬ ‫قوله‪ :‬اتخذوا من دون ال قربانا آلهة والفتراء نوع من الكذب كابتكار الخبار الكاذبة‪ ،‬ويرادف‬ ‫الختلق‪.‬‬

‫( ‪)5/63‬‬ ‫‪ -3‬بيان غياب الشركاء من النداد التي كانت تعبد عن عابديها فضل عن نصرتها لهم وذلك‬ ‫الخذلن هو جزاء كذبهم وافترائهم في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫ي وَّلوْا إِلَى‬ ‫ضَ‬ ‫حضَرُوهُ قَالُوا أَ ْنصِتُوا فََلمّا ُق ِ‬ ‫وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرا مِنَ الْجِنّ يَسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ فََلمّا َ‬ ‫َق ْومِهِمْ مُنْذِرِينَ (‪)29‬‬ ‫ق وَإِلَى‬ ‫س ِمعْنَا كِتَابا أُنْ ِزلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ َيهْدِي إِلَى ا ْلحَ ّ‬ ‫قَالُوا يَا َق ْومَنَا إِنّا َ‬ ‫عيَ اللّهِ وَآمِنُوا ِبهِ َي ْغفِرْ َل ُكمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَ ُيجِ ْركُمْ مِنْ عَذَابٍ‬ ‫طَرِيقٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )30‬يَا َق ْومَنَا َأجِيبُوا دَا ِ‬

‫عيَ اللّهِ فَلَيْسَ ِب ُم ْعجِزٍ فِي الْأَ ْرضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءُ أُولَ ِئكَ فِي‬ ‫جبْ دَا ِ‬ ‫أَلِيمٍ (‪َ )31‬ومَنْ ل يُ ِ‬ ‫ضَللٍ مُبِينٍ (‪)32‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ‪:‬أي واذكر إذ أملنا إليك نفرا من الجن جن نصيبين أو نينوي‪.‬‬ ‫فلما حضروه قالوا أنصتوا ‪:‬أي حضروا سماع القرآن قالوا أي بعضهم لبعض أصغوا لستماع‬ ‫القرآن‪.‬‬ ‫فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ‪:‬أي فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم مخوفين لهم من‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫مصدقا لما بين يديه ‪:‬أي من الكتب السابقة كالتوراة والنجيل والزبور وغيرها‪.‬‬ ‫يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ‪:‬أي من العقائد في الشرائع والسلم‪.‬‬ ‫ويجركم من عذاب أليم ‪:‬أي ويحفظكم هو عذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫فليس بمعجز في الرض ‪:‬أي فليس بمعجز ال هربا منه فيفوته‪.‬‬ ‫أولئك في ضلل مبين ‪:‬أي الذين لم يجيبوا داعي ال وهو محمد صلى ال عليه وسلم إلى‬ ‫اليمان‪:.‬أي في ضلل عن طريق السعاد والكمال ظاهر بين‪.‬‬

‫( ‪)5/64‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في طلب هداية قوم النبي صلى ال عليه وسلم إنه بعد أن ذكرهم بعاد وما أصابها‬ ‫من دمار وهلك نتيجة شركها وكفرها وإصرارها على ذلك فقال تعالى {وَا ْذكُرْ َأخَا عَادٍ} إلى آخر‬ ‫اليات ذكرهم هنا بما هو تقريع لهم وتوبيخ إذا أراهم أن الجن خير منهم لسرعة استجابتهم‬ ‫للدعوة والقيام بتبليغها فقال تعالى {وَإِذْ‪ 1‬صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرا مِنَ الْجِنّ‪ } 2‬أي اذكر لقومك من كفار‬ ‫مكة وغيرها إذ صرفنا إليك نفرا من الجن وهم عدد ما بين السبعة إلى التسعة من جن نصيبين‬ ‫وكانوا من أشراف الجن وسادتهم صرفناهم إليك أي أملناهم إليك وأنت تقرأ في صلة الصبح‬ ‫ببطن نخلة بين مكة والطائف صرفناهم إليك يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ‪ 3‬أي‬ ‫أصغوا واستمعوا ول تشوشوا‪ ,‬قاله بعضهم لبعض‪ ,‬فلما قضي أي القرآن فرغ منه‪ ،‬ولوا إلى‬ ‫قومهم أي رجعوا إلى قومهم من الجن بنصيبين ونينوي منذرين إياهم أي مخوفينهم من عذاب ال‬ ‫إذا استمروا على الشرك والمعاصي فماذا قالوا لهم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم قالوا يا قومنا ‪4‬‬ ‫إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ‪ 5‬وهو القرآن مصدقا لما بين يديه أي من الكتب اللهية التي‬ ‫سبق نزولها كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والنجيل‪ ،‬ووصفوا القرآن بما يلي يهدي إلى‬ ‫الحق والصواب في كل شيء اختلف فيه الناس من العقائد والديانات والحكام‪ ،‬ويهدي إلى صراط‬

‫مستقيم أي طريق قاصد غير جور أل وهو السلم دين النبياء عامة‪.‬‬ ‫عيَ اللّهِ}‪ 6‬وهو محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫وقالوا مبلغين منذرين {يَا َق ْومَنَا أَجِيبُوا دَا ِ‬ ‫{وَآمِنُوا بِهِ} أجيبوه إلى ما يدعو إليه من توحيد ال وطاعته وآمنوا بعموم رسالته بكل ما جاء به‬ ‫من الهدى ودين الحق ويكون جزاؤكم على ذلك أن { َي ْغفِرْ َل ُكمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَيُجِ ْر ُكمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}‬ ‫أي يغفر لكم الذنوب التي بينكم وبين ال تعالى بسترها عليكم ول يؤاخذكم بها‪ ،‬وأما الذنوب التي‬ ‫بينكم وبين بعضكم بعضا فإنها ل تغفر إل من قبل المظلوم نفسه باستسماحه أو رد الحق إليه‪،‬‬ ‫وقوله‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الجملة معطوفة على قوله (واذكر أخا عاد) وإن طلبت المناسبة بين هذه اليات وما تقدمها في‬ ‫السور فهي قوله تعالى {أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ َقدْ خََلتْ مِنْ قَبِْل ِهمْ مِنَ الْجِنّ وَالْأِنْسِ‬ ‫إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}‪.‬‬ ‫‪ 2‬النفر‪ :‬العدد دون العشرين‪.‬‬ ‫‪( 3‬أنصتوا) أمر بتوجيه السماع إلى الكلم اهتماما به لئل يفوت منه شيء وفي الحديث‪( ":‬أن‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم أمر جابرا في حجة الوداع فقال له‪ :‬استنصت الناس" قبل أن يبدأ‬ ‫خطبته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬جملة‪( :‬قالوا يا قومنا) الخ مبنية لقوله تعالى‪( :‬منذرين)‪.‬‬ ‫‪ 5‬ظاهر الية أنهم كانوا يهودا مؤمنين بموسى ولم يكونوا على دين عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 6‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬استجاب لهم سبعون رجل من قومهم فأتوا النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم فوافقوه بالبطحاء "مكة" فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم‪.‬‬

‫( ‪)5/65‬‬ ‫ويجركم من ‪ 1‬عذاب أليم ويحفظكم منقذا لكم من عذاب أليم أي ذي أل ٍم موجع وهو عذاب النار‪،‬‬ ‫عيَ اللّهِ} أي لم يستجب لنداء محمد فيؤمن به ويوحد ال تعالى فليس‬ ‫جبْ دَا ِ‬ ‫ثم قالوا‪َ { :‬ومَنْ ل يُ ِ‬ ‫بمعجز في الرض أي ل بل ال غالب على أمره ومهما حاول الهرب فإن ال مدركه ل محالة‬ ‫{وَلَيْسَ َلهُ مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءُ} يتولون أمره ول أنصار ينصرونه‪ .‬قال تعالى {أُولَ ِئكَ} أي المذكورون‬ ‫في هذا السياق ممن لم يجيبوا داعي ال محمد صلى ال عليه وسلم {فِي ضَللٍ مُبِينٍ} أي في‬ ‫عمى وغواية بين أمرهم واضح ل يستره شيء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إثبات عالم الجن وتقريره في هذا السياق ولذا كان إنكار الجن كإنكار الملئكة كفرا‪.‬‬

‫‪ -2‬وجوب التأدب عند تلوة القرآن بالصغاء التام‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب البلغ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وفي الحديث بلغوا عني ولو آية‪.‬‬ ‫‪ -4‬العراض عن دين ال يوجب الخذلن والحرمان‪.‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ وَلَمْ َي ْعيَ ِبخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬ ‫علَى النّارِ أَلَيْسَ َهذَا بِا ْلحَقّ قَالُوا بَلَى‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪ )33‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬ ‫إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫ل وَل‬ ‫سِ‬ ‫وَرَبّنَا قَالَ َفذُوقُوا ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْكفُرُونَ (‪ )34‬فَاصْبِرْ َكمَا صَبَرَ أُولُوا ا ْلعَ ْزمِ مِنَ الرّ ُ‬ ‫عةً مِنْ َنهَارٍ بَلغٌ َف َهلْ ُيهَْلكُ إِلّا ا ْل َقوْمُ‬ ‫جلْ َل ُهمْ كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَا َ‬ ‫تَسْ َتعْ ِ‬ ‫سقُونَ (‪)35‬‬ ‫ا ْلفَا ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬اختلف في‪ :‬هل مؤمنو الجن يدخلون الجنة أو ل؟ فذهب أبو حنيفة والحسن البصري قبله إلى‬ ‫أن ثوابهم أن ينجوا من النار فقط ثم يكونون ترابا كسائر الحيوان‪ ،‬وذهب مالك والشافعي‬ ‫وغيرهما إلى أنهم يدخلون الجنة‪ ،‬وحجة المانعين من دخولهم الجنة هذه الية { َي ْغفِرْ َل ُكمْ مِنْ‬ ‫ذُنُو ِبكُ ْم وَيُجِ ْر ُكمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ودليل من قال بدخولهم الجنة قوله تعالى في هذه السورة {ِل ُكلّ‬ ‫عمِلُوا}‪.‬‬ ‫دَ َرجَاتٌ ِممّا َ‬

‫( ‪)5/66‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولم يعي بخلقهن ‪:‬أي لم يتعب ولم ينصب لخلق السموات والرض‪.‬‬ ‫بقادر على أن يحييى الموتى بلى ‪:‬أي إنه قادر على إحياء الموتى وإخراجهم أحياء من قبورهم‬ ‫للحشر‪.‬‬ ‫ويوم يعرض الذين كفروا على النار ‪:‬أي ليعذبوا فيها‪.‬‬ ‫أليس هذا بالحق ‪:‬أي يقال لهم تقريعا‪ :‬أليس هذا أي العذاب بحق؟‪.‬‬ ‫قالوا بلى وربنا ‪:‬أي إنه لحق وربنا حلفوا بال تأكيدا لخبرهم‪.‬‬ ‫فاصبر ‪:‬أي يا رسولنا محمد على أذى قومك‪.‬‬ ‫أولوا العزم ‪:‬أي أصحاب الحزم والصبر والعزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى‬ ‫ال عليهم أجمعين وسلم وهم أصحاب الشرائع‪.‬‬ ‫ول تستعجل لهم ‪:‬أي ول تستعجل نزول العذاب لجلهم‪.‬‬ ‫كأنهم يوم يرون العذاب ‪ :‬أي في الخرة‪.‬‬ ‫لم يلبثوا إل ساعة ‪:‬أي لم يقيموا في الدنيا إل ساعة من النهار وذلك لطول العذاب‪.‬‬ ‫بلغ ‪:‬أي هذا القرآن بلغ للناس أي تبليغهم لهم‪.‬‬

‫هل يهلك إل القوم الفاسقون ‪:‬أي ما يهلك إل القوم التاركون لمر ال المعرضون عنه الخارجون‬ ‫عن طاعته‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في مطلب هداية قريش الكافرة بالتوحيد المكذبة بالبعث والنبوة فقال تعالى {َأوَلَمْ‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ} إنشاءا وإبداعا من غير مثال‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫يَ َروْا} أي أعموا {َأوََلمْ‪ 1‬يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬ ‫سابق {وَلَمْ َي ْعيَ‪ }2‬أي ينصب ويتعب { ِبخَ ْل ِقهِنّ} أي السموات والرض بقادر على أن يحييى‬ ‫الموتى لحشرهم إليه ومحاسبتهم ومجازاتهم بحسب أعمالهم في الدنيا الحسنة بعشر أمثالها والسيئة‬ ‫شيْءٍ َقدِيرٌ} وقوله تعالى {وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ‪ 3‬الّذِينَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ} لما أثبت‬ ‫علَى ُكلّ َ‬ ‫بمثلها {بَلَى إِنّهُ َ‬ ‫البعث وقرره ذكر بعض ما يكون فيه فقال ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي تعرضهم‬ ‫الزبانية على النار فيقولون لهم‬ ‫__________‬ ‫شيْءٍ قَدِيرٌ}‪.‬‬ ‫‪ 1‬الستفهام إنكاري‪ ،‬وجوابه قوله تعالى‪{ :‬بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫‪ 2‬عيي كرضي وويعي كيرضى وهو‪ :‬العجز في الحيلة والرأي وأما العياء بمعنى التعب ففعله‪:‬‬ ‫أعيا يعيى إعياء إذا تعب‪ ،‬وجائز أن يكون عيي بمعنى نصب وتعب‪.‬‬ ‫‪ 3‬أظهر في موضع الضمار للشارة إلى علة الحكم وهي‪ :‬الكفر تحذيرا منه‪.‬‬

‫( ‪)5/67‬‬ ‫تقريعا وتوبيخا {أَلَيْسَ َهذَا بِا ْلحَقّ؟‪ }1‬أي أليس هذا التعذيب بحق؟ فيقولون مقسمين على ثبوته بما‬ ‫أخبر تعالى عنهم في قوله‪{ :‬قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا} فلما اعترفوا قيل لهم { َفذُوقُوا ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنْ ُتمْ‬ ‫َت ْكفُرُونَ} أي بسبب كفركم أي جحودكم لتوحيد ال ولقائه‪ .‬ثم أمر تعالى رسوله أن يتدرع بالصبر‬ ‫وأن يتمثل صبر أولي ‪ 2‬العزم ليكون أقوى منهم صبرا كما هو أعلى منهم درجة فقال له فاصبر‬ ‫يا رسولنا على ما تلقي من أذى قومك من تكذيب وأذى فأثبت لذلك كما ثبت أولوا العزم من‬ ‫قبلك‪ ،‬والظاهر أنهم المذكورون في قوله تعالى من سورة الحزاب {وَِإذْ َأخَذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُمْ‬ ‫ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} ‪ ،‬ومن الجائز أن يكون عدد أولي العزم‬ ‫َومِ ْنكَ َومِنْ نُو ٍ‬ ‫جلْ َلهُمْ} لما أمره بالصبر نهاه عن استعجال العذاب لقومه‬ ‫أكثر مما ذكر وقوله تعالى {وَل َتسْ َتعْ ِ‬ ‫فقال فاصبر ول تستعجل العذاب لهم‪ { .‬كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْنَ مَا يُوعَدُونَ َلمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَاعَةً مِنْ َنهَارٍ}‪3‬‬ ‫تعليل لعدم استعجال العذاب لنه قريب جدا حتى إنهم يوم ينزل بهم ويرونه كأنهم لم يلبثوا في‬ ‫الدنيا على طول الحياة فيها إل ساعة من نهار وقوله تعالى {بَلغٌ} أي هذا القرآن وما حواه من‬ ‫تعليم وبيان للهدى تبليغ للناس وقوله { َف َهلْ ُيهَْلكُ إِلّا ا ْلقَوْمُ ا ْلفَاسِقُونَ}‪ 4‬ينفي تعالى هلك غير‬ ‫الفاسقين عن أوامره الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬الكفر هو الموجب للنار والكفر هو تكذيب بوجود ال تعالى وهو اللحاد أو تكذيب بلقائه‬ ‫تعالى أو بآياته أو رسله‪ ،‬أو شرائعه بعضا أو كلً‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الصبر على الطاعات فعل‪ ،‬وعن المعاصي تركا‪ ،‬وعلى البلء بعدم التضجر‬ ‫والسخط‪.‬‬ ‫‪ -4‬إطلق الفسق على الكفر باعتباره خروجا عن طاعة ال فيما يأمر به من العقائد والعبادات‬ ‫وينهى عنه من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام تقريري وتنديم على ما كانوا يزعمونه من الباطل‪ ،‬وإقسامهم بقولهم‪( :‬وربنا) من باب‬ ‫التحنن والتخضع تلمسا العفو وعدم المؤاخذة‪.‬‬ ‫‪ 2‬العزم‪ :‬نية محققة على عمل أو قول دون تردد‪ ،‬والمحمود منه ما كان في امتثال أوامر ال‬ ‫ورسوله واجتناب نواهيهما‪ ،‬ودونه ما كان فيما يجلب خيرا ويدفع شرا‪.‬‬ ‫‪( 3‬من نهار) وصف لساعة‪ ،‬وكونها من إشارة إلى قلتها وعدم طولها بخلف ساعة الليل فإنها‬ ‫ترى طويلة‪ .‬و(بلغ) خبر‪ ،‬والمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هذا بلغ‪.‬‬ ‫‪( 4‬فهل يهلك) الستفهام للنفي ولذا صح الستثناء منه‪ ،‬و(ال) في (القوم) للجنس ليشمل كل من‬ ‫فسق‪ ،‬والفسق‪ :‬الخروج عن طاعة ال والرسول صلى ال عليه وسلم بالصرار على الشرك‬ ‫والكفر‪.‬‬

‫( ‪)5/68‬‬ ‫سورة محمد‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة محمد صلى ال عليه وسلم ‪1‬‬ ‫أو القتال‬ ‫مدنية‬ ‫وآياتها ثمان وثلثون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ت وَآمَنُوا ِبمَا‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫عمَاَلهُمْ (‪ )1‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫ضلّ أَ ْ‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َأ َ‬ ‫حمّ ٍد وَ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبهِمْ كَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم وََأصْلَحَ بَاَلهُمْ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَنّ الّذِينَ َكفَرُوا‬ ‫نُ ّزلَ عَلَى ُم َ‬

‫حقّ مِنْ رَ ّبهِمْ َكذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ لِلنّاسِ َأمْثَاَلهُمْ (‪)3‬‬ ‫ل وَأَنّ الّذِينَ آمَنُوا اتّ َبعُوا الْ َ‬ ‫طَ‬ ‫اتّ َبعُوا الْبَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي كفروا بتوحيد ال ولقائه وبآياته ورسوله وصدوا غيرهم‬ ‫عن الدخول في السلم‪.‬‬ ‫أضل أعمالهم ‪:‬أي أحبط أعمالهم الخيرية كإطعام الطعام وصلة الرحام فل يرى لها أثر يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫والذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪:‬أي آمنوا بال وآياته ورسوله ولقائه وأدوا الفرائض واجتنبوا‬ ‫النواهي‪.‬‬ ‫وآمنوا بما أنزل على محمد ‪:‬أي بالقرآن الكريم‪.‬‬ ‫كفر عن سيئاتهم ‪:‬أي محا عنهم ذنوبهم وغفرها لهم‪.‬‬ ‫وأصلح بالهم ‪:‬أي شأنهم وحالهم فهم ل يعصون ال تعالى‪.‬‬ ‫ذلك ‪:‬أي إضلل أعمال الكافرين وتكفير سيئات المؤمنين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تسميتها بسورة محمد أكثر وأشهر في كتب التفسير والحديث معا‪.‬‬

‫( ‪)5/69‬‬ ‫بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ‪:‬أي الشيطان في كل ما يمليه عليهم ويزينه لهم من الكفر والشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ‪:‬أي التوحيد والعمل الصالح‪.‬‬ ‫كذلك يضرب ال للناس أمثالهم ‪ :‬أي كما بين تعالى حال الكافرين‪ ،‬وحال المؤمنين في هذه الية‬ ‫يبين للناس أمثالهم ليعتبروا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫عمَاَلهُمْ‪ }2‬هذه جملة خبرية أخبر تعالى‬ ‫قوله تعالى { الّذِينَ‪َ 1‬كفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َأضَلّ أَ ْ‬ ‫فيها عن حال من كفر بال و رسوله وصد عن سبيل ال أي السلم غيره من الناس أضل ال‬ ‫عمله ‪ 3‬فأحبطه فلم يحصل له ثواب في الخرة‪ ,‬ولزمه أنه هالك في النار‪ ,‬و تكون هذه الجملة‬ ‫كأنها جواب لسؤال نشأ عن قوله تعالى في خاتمة سورة الحقاف قبل هذه السورة وهي فهل يهلك‬ ‫إل القوم الفاسقون أي ما يهلك إل القوم الفاسقون فقال قائل من هم القوم الفاسقون؟ فكان الجواب‬ ‫الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال وهو وجه ارتباط بين السورتين حسن‪ .‬هذا وقوله تعالى‬ ‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا} أي ‪ 4‬بال ورسوله وآياته ولقائه وعملوا الصالحات أي أقاموا الصلة و آتوا‬ ‫الزكاة و صاموا رمضان وحجوا بيت ال الحرام ووصلوا الرحام و أمروا بالمعروف ونهوا عن‬

‫المنكر‪ .‬ولو بالستعداد للقيام بذلك إذ بعض هذه الصالحات لم يشرع بعد وآمنوا بما نزل على‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة لنها وحي إلهي يتلقاه رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم وفي صحيح الحديث "أل وإني أوتيت القرآن ومثله معه" وقوله تعالى ‪ {:‬وَ ُهوَ‬ ‫حقّ مِنْ رَ ّبهِمْ} آي القرآن لنه ناسخ للكتب قبله ول ينسخ بكتاب بعده‪ .‬فهو الحق الثابت الباقي‬ ‫الْ َ‬ ‫إلى نهاية الحياة‪ .‬وقوله ‪َ {:‬كفّرَ عَ ْن ُهمْ سَيّئَا ِتهِمْ} أي محا عنهم ذنوبهم وأصلح بالهم ‪ 5‬أي ِشأنهم‬ ‫وحالهم فلم يفسدوا بعد بشرك ول كفر‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الكفر الشراك بال والصد عن سبيل ال‪ ،‬هو صرف الناس عن اتباع النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬والدخول في السلم‪ ،‬ويدخل فيه الصد عن المسجد الحرام للعتمار والحج‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬نزلت هذه الية في المطعمين ببدر وهم اثنا عشر رجل‪ :‬أبو‬ ‫جهل والحارث بن هشام وذكرهم‪ ،‬وهم الذين أطعموا الناس يوم بدر ليثبتوا على القتال ول يفروا‪,‬‬ ‫أبطل أعمالهم لعلة شركهم وكفرهم والية عامة في كل كافر وما بعدها في كل مؤمن‪.‬‬ ‫‪ 3‬أصل الضلل‪ :‬الخطأ عن الطريق‪ ،‬ولما كان المطعمون عملوا عمل ظنوا أنه خير لهم ونافع‬ ‫فلما أبطله ال تعالى عليهم فلم ينتفعوا به كانوا كمن ضل طريقه فشقى وهلك‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه فئة المؤمنين المقابلة لفئة الكافرين ذكر لها ثلث صفات كما لتلك ثلث صفات وهي‪:‬‬ ‫اليمان المقابل للكفر‪ ،‬واليمان بما نزل على محمد المقابلة للصد عن سبيل ال‪ ،‬وعمل الصالحات‬ ‫المقابلة لما فعله المطعمون من الطعام‪.‬‬ ‫‪ 5‬البال‪ :‬يطلق على القلب والعقل‪ ،‬وعلى ما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلقه ولعله‬ ‫حقيقة فيه‪ ،‬ومجاز في غيره‪ ،‬ويطلق أيضا على الحال والشأن‪ ،‬والقدر لحديث "كل أمر ذي بال ل‬ ‫يبدأ فيه بحمد ال فهو أبتر"‪.‬‬

‫( ‪)5/70‬‬ ‫طلَ }‬ ‫هذا جزاؤهم على إيمانهم وصالح أعمالهم‪ .‬وقوله تعالى ‪{:‬ذَِلكَ بِأَنّ الّذِينَ َكفَرُوا ‪ 1‬اتّ َبعُوا الْبَا ِ‬ ‫حقّ مِنْ رَ ّبهِمْ‬ ‫وهو الشيطان وما يزينه من أعمال الشرك والشر والفساد‪{ ،‬وَأَنّ الّذِينَ آمَنُوا اتّ َبعُوا الْ َ‬ ‫} وهو القرآن وما جاء به ودعا إليه من العقائد الصحيحة والعبادات المزكية للنفس المهذبة‬ ‫للرواح‪ .‬أي ذلك الجزاء للذين كفروا والذين آمنوا بسبب أن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين‬ ‫آمنوا اتبعوا الحق من ربهم‪ .‬وقوله تعالى { َكذَِلكَ َيضْ ِربُ‪ 2‬اللّهُ لِلنّاسِ َأمْثَاَلهُمْ } أي مثل هذا التبيين‬ ‫لحال الكافرين وحال المؤمنين في هذه اليات يبين ال للناس أمثالهم أي أحوالهم بالخسران‬ ‫والنجاح ليعتبروا فيسلكوا سبيل النجاح‪ ،‬ويتجنبوا سبيل الخسران‪ ،‬فضل منه تعالى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان طريقي الفلح والخسران فطريق الفلح اليمان والعمل الصالح وطريق الخسران الشرك‬ ‫والمعاصي‪.‬‬ ‫‪-2‬بيان أعمال البر مع الكفر والشرك ل تنفع صاحبها يوم القيامة ول تشفع له وقد يثاب عليها في‬ ‫الدنيا فيبارك له في ماله وولده‪.‬‬ ‫‪-3‬بيان الحكمة في ضرب المثال وهي هداية الناس إلى ما يفلحون به‪ ،‬فينجون من النار‬ ‫ويدخلون الجنة‪.‬‬ ‫فَإِذَا َلقِيتُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َفضَ ْربَ ال ّرقَابِ حَتّى ِإذَا أَثْخَنْ ُتمُو ُهمْ فَشُدّوا ا ْلوَثَاقَ فَِإمّا مَنّا َبعْ ُد وَِإمّا فِدَاءً‬ ‫ض وَالّذِينَ‬ ‫ضكُمْ بِ َب ْع ٍ‬ ‫ك وََلوْ يَشَاءُ اللّهُ لنْتَصَرَ مِ ْنهُ ْم وََلكِنْ لِيَبُْلوَ َب ْع َ‬ ‫حَتّى َتضَعَ ا ْلحَ ْربُ َأوْزَارَهَا ذَِل َ‬ ‫عمَاَلهُم(‪ )4‬سَ َيهْدِي ِه ْم وَ ُيصْلِحُ بَاَلهُمْ (‪ )5‬وَيُ ْدخُِلهُمُ الْجَنّةَ عَ ّر َفهَا َلهُمْ (‬ ‫ضلّ أَ ْ‬ ‫قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ ُي ِ‬ ‫‪ )6‬يأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ يَ ْنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأقْدَا َمكُمْ(‪) )7‬وَالّذِينَ َكفَرُوا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا تبيين للسبب الصلي في إضلل أعمال الكافرين وإصلح بال المؤمنين والباء‪ :‬بأن‪:‬‬ ‫سببية‪ ،‬واسم الشارة مبتدأ والخبر‪ :‬قوله(بأن الذين‪ )..‬الخ والشارة إلى ما تقدم من الخبرين‬ ‫(أضل أعمالهم) و (كفر عنهم سيأتهم)‪.‬‬ ‫‪2‬هذه الجملة تذييل لما سبق من بيان حال كل من الكافرين والمؤمنين و(يضرب) بمعنى يلقى‬ ‫مبيّنا‪ ،‬والمثال‪ :‬جمع مثل وهو‪ :‬الحال التي تمثل صاحبها أي‪ :‬تشهره للناس وتعرفهم به فل‬ ‫يلتبس بنظائره‪.‬‬

‫( ‪)5/71‬‬ ‫عمَاَلهُم (‪)9‬‬ ‫عمَاَلهُمْ (‪ )8‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَرِهُوا مَا أَنْ َزلَ اللّهُ فََأحْبَطَ أَ ْ‬ ‫ضلّ أَ ْ‬ ‫فَ َتعْسا َلهُ ْم وََأ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فإذا لقيتم الذين كفروا ‪:‬أي إذا كان المر كما ذكر فإذا لقيتم الذين كفروا في ساحة المعركة‬ ‫فاضربوا‬ ‫رقابهم ضربا شديدا تفصلون فيه الرقاب عن البدان‪.‬‬ ‫حتى إذا أثخنتموهم ‪:‬أي أكثرتم فيه القتل و لم يصبح لهم أمل في النتصار عليكم‪.‬‬ ‫فشدوا الوثاق ‪:‬أي فأسروهم بدل قتلهم وشدوا الوثاق أي ما يوثق به السير من إسار قدأ كان‬ ‫أو حبل حتى ل يتفلتوا ويهربوا‪.‬‬ ‫فإما منا بعد وإما فداء ‪: 1‬أي بعد أسركم لهم وشد وثاقهم فإما أن تمنوا منا أي تفكوهم من السر‬ ‫مجانا‪,‬‬

‫وإما تفادونهم بمال أو أسير مسلم‪ ,‬وهذا بعد نهاية المعركة‪.‬‬ ‫حتى تضع الحرب أوزارها ‪:‬أي واصلوا القتال والخذ و السر إلى أن تضع الحرب أوزارها‬ ‫وهي آلتها وذلك‬ ‫عند إسلم الكفار أو دخولهم في عهدكم فهذه غاية انتهاء الحرب حتى ل تكون‬ ‫فتنة ويكون الدين كله ل‪.‬‬ ‫ذلك ‪:‬أي المر ذلك الذي علمتم من استمرار القتال إلى غاية إسلم الكفار أو دخولهم‬ ‫في عهدكم وذمتكم‪.‬‬ ‫ولو يشاء ال لنتصر منهم ‪:‬أي بغير قتال منكم كأن يخسف بهم الرض أو يصيبهم بوباء ونحوه‪.‬‬ ‫ولكن ليبلوا بعضكم ببعض ‪:‬ولكن أمركم بالقتال وشرعه لكم لحكمة هي أن يبلوا بعضكم ببعض‬ ‫أي يختبركم‬ ‫من يقاتل منكم ومن ل يقاتل‪ ,‬والمؤمن يقتل فيدخل الجنة والكافر يقتل فيدخل‬ ‫النار‬ ‫والذين قتلوا في سبيل ال ‪: 2‬أي قتلهم العدو‪ ,‬وقرئ قاتلوا في سبيل ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬منا) و (فداءً)‪ :‬منصوبان على المفعولية المطلقة أي‪ :‬تمنون منا وإما تفدون فداء‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع (قاتلوا) بالبناء للفاعل‪ ,‬وقرأ حفص‪( :‬قوتلوا) بالبناء للمفعول‪.‬‬

‫( ‪)5/72‬‬ ‫فلن يضل أعمالهم ‪:‬أي ل يحبطها ول يبطلها‪.‬‬ ‫سيهديهم ويصلح بالهم ‪:‬أي سيوفقهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم ويصلح شأنهم‪.‬‬ ‫ويدخلهم الجنة عرفها لهم ‪:‬أي ويدخلهم يوم القيامة الجنة بينها لهم فعرفوها بما وصفها لهم في‬ ‫كتابه وعلى‬ ‫لسان رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إن تنصروا ال ‪:‬أي في دينه ورسوله وعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫ينصركم ويثبت أقدامكم ‪:‬أي على عدوكم ويثبت أقدامكم في المعارك‪.‬‬ ‫والذين كفروا فتعسا لهم ‪:‬أي تعسوا تعسا أي هلكا‪.‬‬ ‫وأضل أعمالهم ‪:‬أي أحبطها وأبطلها فلم يحصلوا بها على طائل‪.‬‬ ‫ذلك ‪:‬أي الضلل والتعس‪.‬‬ ‫بأنهم كرهوا ما أنزل ال ‪:‬أي من القرآن المشتمل على أنواع الهدايات و الصلحات‪.‬‬ ‫فأحبط أعمالهم ‪:‬أي أبطلها و أضلها فل ينتفعون بها ل في الدنيا و ل في الخرة‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لقد تقدم أن الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال قد أضل أعمالهم وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل‬ ‫ال إذا كان المر كذلك فليقاتلوا لنهاء كل من المفسدتين كفرهم وصدهم غيرهم عن السلم وهذا‬ ‫ما دل عليه قوله تعالى فإذا لقيتم ‪ 1‬الذين كفروا فضرب الرقاب أي ‪ 2‬فاضربوا رقابهم ضربا‬ ‫يفصل الرأس عن الجسد وواصلوا قتالهم حتى إذا أثخنتموهم أي أكثرتم فيهم القتل‪ ,‬فشدوا الوثاق‬ ‫أي ‪ 3‬احكموا ربط السرى بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم حتى ل يتمكنوا من قتلكم‬ ‫ول الهرب منكم وبعد ذلك أنتم وما يراه إمامكم من المصلحة العليا فإن رأى المن فمنوا عليهم‬ ‫مجانا بل مقابل‪ ,‬وإما تفادونهم فداء بمال‪ ,‬أو برجال‪ ,‬وستظل تلك حالكم قتل وأخذ وأسر ثم من‬ ‫عفو مجاني‪ ,‬أو فداء بعوض ومقابل إلى أن تضع الحرب أوزارها أي أثقالها من عدد وعتاد‬ ‫حربي‪ ,‬وذلك لوصولكم إلى الغاية من الحرب وهي أن يسلم الكافر‪ ,‬أو يدخل في ذمة المسلمين‪,‬‬ ‫وهو معنى قوله تعالى في سورة البقرة { َوقَاتِلُو ُهمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْ َنةٌ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع أي‪ :‬تفريع هذا الكلم على ما قبله‪ ,‬والمقصود تهوين شأن الكافرين في قلوب‬ ‫المسلمين‪ ,‬وإغراء المسلمين بقطع دابر الكافرين و(إذا)‪ :‬ظرفية شرطية‪ ,‬وجوابها‪( :‬فضرب‬ ‫الرقاب) واللقاء معناه المقابلة في ساحة الحرب‪.‬‬ ‫‪( 2‬فضرب)‪ :‬نصب ضرب على المفعولية المطلقة أي‪ :‬فاضربوا الرقاب ضربا‪ ,‬والجملة كناية‬ ‫عن قتل المشركين في ساحة المعركة سواء كان الضرب بالسيف أو الرمح أو السهام‪ ,‬فصارت‬ ‫هذه الجملة لما تحمله من معاني الخذ بالشدة كأنها مثل سائر‪.‬‬ ‫‪( 3‬الوثاق) بفتح الواو‪ ,‬ويجوز كسرها الشيء الذي يوثق به وهو كناية عن السر إذ السر‬ ‫يستلزم وضع السار في يد السير ليقاد به‪.‬‬

‫( ‪)5/73‬‬ ‫وَ َيكُونَ الدّينُ لِلّهِ}‪ .‬وقوله تعالى { ذَِلكَ } أي المر الذي علمتم من استمرار القتل والسر إلى أن‬ ‫تضع الحرب أوزارها ‪ 1‬بالدخول في ‪ 2‬السلم أو في ذمة المسلمين وقوله ولو شاء ال لنتصر‬ ‫منهم أي بدون قتال منكم ولكن بخسف أو وباء أو صواعق من السماء و لكن لم يفعل ذلك من‬ ‫أجل أن يبلوا بعضكم ببعض أي ليختبركم بهم‪ .‬فيعلم المجاهدين منكم والصابرين‪ ,‬ويبلوهم بكم‬ ‫فيعاقب من شاء منهم بأيديكم‪ ,‬ويتوب على من يشاء منهم كذلك‪ ,‬إذ انتصارهم عليكم ووقوعهم‬ ‫تحت سلطانكم يساعدهم على التوبة إلى ال و الرجوع إلى الحق فيسلموا فيفلحوا بالنجاة من النار‬ ‫ودخول الجنة‪ ,‬وقوله تعالى { وَالّذِينَ قُاتلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } وفي قراءة ‪ 3‬والذين قتلوا في سبيل ال‬ ‫وهذه عامة في شهداء أحد وغيرهم وإن نزلت الية فيهم فإن ال تعالى يخبر عن أنعامه عليهم‬

‫بقوله فلن يضل أعمالهم سيهديهم في الدنيا ويوفقهم إلى كل خير و يصلح شأنهم‪ ,‬ويدخلهم في‬ ‫الخرة الجنة عرفها لهم أي بينها لهم في كتابه ولسان رسوله وطيبها لهم أيضا‪ 4,‬وفي الخرة‬ ‫يهديهم إلى منازلهم في الجنة كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم " فوالذي نفس محمد بيده‬ ‫لحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان بالدنيا" (البخاري)‪ ,‬وقوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬ ‫آمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ يَ ْنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأ ْقدَا َمكُمْ} أي يا من آمنتم بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد‬ ‫رسول أن تنصروا ال بنصر دينه ونبيه وأوليائه بقتال أعدائه ينصركم ال ويجعل الغلبة لكم‪,‬‬ ‫ويثبت أقدامكم في كل معترك لقيتم فيه المشركين والكافرين‪ .‬وهذا وعد من ال تعالى كم أنجزه‬ ‫لعباده المؤمنين في تاريخ الجهاد في سبيل ال‪ ،‬وقوله تعالى والذين كفروا فتعسا‪ 5‬لهم أي تعسوا‬ ‫تعسا ‪ 6‬وهلكوا هلكا وخابوا وخسروا‪ ،‬وأضل أعمالهم فلم يعثروا عليها ولم يروا لها أدنى فائدة‬ ‫ذلك الجزاء وتلك العقوبة بأنهم أي بسبب أنهم كرهوا ما أنزل ال أي من القرآن من آيات التوحيد‬ ‫والشرائع والحكام فأحبط أي لذلك أعمالهم فخسروا في الحياتين‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الوزار‪ :‬جمع وزر كحمل وأحمال‪ ،‬والمراد بها الثقال من العتاد الحربي وهي كناية عن‬ ‫انتهاء الحرب بنصر السلم والمسلمين‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في‪ :‬هل هذه الية منسوخة أو محكمة والصحيح أنها محكمة وأن المام مخير بين القتل‬ ‫والسر والفداء والمن ولكن لبد من النظر في مصلحة السلم والمسلمين فنظر الحاكم يكون‬ ‫محققا للمصلحة العامة‪.‬‬ ‫‪( 3‬قاتلوا) قراءة نافع و(قتلوا) قراءة حفص كما تقدم في النهر قريبا‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال ابن عباس (عرفها لهم) أي طيبها لهم بأنواع الملذ مأخوذ من العرف بفتح العين‪ :‬الرائحة‬ ‫الطيبة‪.‬‬ ‫‪ 5‬التعس‪ :‬الشقاء‪ ،‬ويطلق على الهلك والخيبة والسقوط والنحطاط‪.‬‬ ‫‪( 6‬تعسا)‪ :‬منصوب على المفعولية المطلقة كما في التفسير ويجوز أن يكون مستعملً في الدعاء‬ ‫عليهم لقصد التحقير والتفضيع لشأنهم وهو مثل سقيا ورعيا له وتبا له وويحا له‪ ،‬وإن كان هذا‬ ‫فإنه يتعين تقدير قول محذوف أي‪ :‬فقال ال‪ :‬تعسا لهم‪ .‬كقول أم مسطح‪ :‬تعس مسطح دعاء عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/74‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب الجهاد على أمة السلم ومواصلته كما بين تعالى في هذه اليات إلى أن ل يبقى كافر‬ ‫يحارب بأن يدخلوا في السلم أو يعاهدوا ويدخلوا في ذمة المسلمين ويقبلوا على إصلح أنفسهم‬

‫وإعدادها للخير والفلح‪.‬‬ ‫‪ -2‬إمام المسلمين مخير في السرى بين المن والفداء‪ ،‬والقتل أيضا لدلة من السنة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بشرى المجاهدين في سبيل ال بإكرام ال لهم وإنعامه عليهم في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬يظفر بالنصر الحقيقي من نصر ال تعالى في دينه وأوليائه‪.‬‬ ‫‪ -5‬إنذار الكافرين بالتعاسة والشقاء في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫َأفَلَمْ َيسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َدمّرَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ وَلِ ْلكَافِرِينَ َأمْثَاُلهَا‬ ‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا‬ ‫(‪ )10‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َموْلَى الّذِينَ آمَنُوا وَأَنّ ا ْلكَافِرِينَ ل َموْلَى َلهُمْ (‪ )11‬إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر وَالّذِينَ َكفَرُوا يَ َتمَ ّتعُونَ وَيَ ْأكُلُونَ َكمَا تَ ْأ ُكلُ الْأَ ْنعَامُ‬ ‫وَ َ‬ ‫شدّ ُق ّوةً مِنْ قَرْيَ ِتكَ الّتِي َأخْرَجَ ْتكَ أَهَْلكْنَاهُمْ فَل نَاصِرَ‬ ‫وَالنّارُ مَثْوىً َل ُهمْ (‪َ )12‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ ِهيَ أَ َ‬ ‫عمَلِهِ وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَهُمْ (‪)14‬‬ ‫َلهُمْ (‪َ )13‬أ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ َكمَنْ زُيّنَ َلهُ سُوءُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفلم يسيروا في الرض ‪:‬أي أغفل هؤلء المشركون فلم يسيروا في البلد‪.‬‬ ‫فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ‪:‬أي كيف كانت نهاية الذين من قبلهم كعاد وثمود‪.‬‬ ‫دمر ال عليهم وللكافرين أمثالها ‪:‬أي دمر عليهم مساكنهم فأهلكهم وأولدهم وأموالهم وللكافرين‬ ‫أمثال تلك العاقبة السيئة‪.‬‬

‫( ‪)5/75‬‬ ‫وأن الكافرين ل مولى لهم ‪:‬أي ل ناصر لهم‪.‬‬ ‫والذين كفروا يتمتعون ويأكلون ‪:‬أي بمتع الدنيا من مطاعم ومشارب وملبس ويأكلون‪.‬‬ ‫كما تأكل النعام والنار مثوى لهم ‪:‬أي كأكل النعام بنهم وازدراد والنار مأواهم‪.‬‬ ‫وكأين من قرية ‪:‬أي وكثير من أهل قرية هي أشد قوة‪ .‬هي أشد قوة‬ ‫من قريتك التي أخرجتك ‪:‬أي مكة إذ أخرج أهلها النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫أفمن كان على بينة من ربه ‪:‬أي على حجة وبرهان من أمر دينه فهو يعبد ال على علم‪.‬‬ ‫كمن زين له سوء عمله ‪:‬أي كمن زين الشيطان له سوء عمله‪.‬‬ ‫واتبعوا أهواءهم ‪:‬أي واتبعوا أهواءهم في عبادة الصنام والجواب ليسوا سواء ول مماثلة بينهما‬ ‫أبدا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {َأفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ‪ }1‬يوبخ تعالى المشركين المصرين على الشرك والكفر على‬ ‫إصرارهم على الشرك والعناد فيقول أغفلوا {َأفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬ ‫الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َدمّرَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ} كعاد وثمود وقوم لوط إذ دمر تعالى عليهم بلدهم فأهلكهم‬

‫وأولدهم وأموالهم فيعتبروا بذلك‪ ،‬وقوله تعالى { َولِ ْلكَافِرِين} أمثال تلك العاقبة المدمرة‪ ،‬وعيد لكفار‬ ‫مكة بأن ينزل عليهم عقوبة كعقوبة الولين إن لم يتوبوا من شركهم وإصرارهم عليه‪ ،‬وعنادهم‬ ‫فيه‪ .‬وقوله {ذَِلكَ‪ }2‬أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين بسبب أن ال مولى الذين آمنوا أي وليهم‬ ‫ومتولي أمرهم وناصرهم‪ .‬وأن الكافرين ل مولى لهم لن ال تعالى خاذلهم ومن يخذله ال فل‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا‬ ‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫ناصر له‪ .‬قوله تعالى {إِنّ اللّهَ‪ 3‬يُ ْد ِ‬ ‫الْأَ ْنهَارُ} هذا وعد من ال تعالى لهل اليمان والعمل الصالح بأن يدخلهم يوم القيامة جنات أي‬ ‫بساتين تجري من تحت قصورها وأشجارها النهار وقوله {وَالّذِينَ َكفَرُوا يَ َتمَ ّتعُونَ} في الدنيا‬ ‫بملذها وشهواتها‪{ ،‬وَيَ ْأكُلُونَ َكمَا تَ ْأ ُكلُ الْأَ ْنعَامُ} إذ ليس لهم هم إل بطونهم وفروجهم‪ ،‬ولذا هم ل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع‪ ،‬تفريع هذه الجملة الكلمية على الجملة السابقة وهي‪( :‬والذين كفروا فتعسا لهم)‬ ‫والستفهام للتقريرالتوبيخي‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون اسم الشارة منصرفا إلى مضمون قوله تعالى (وللكافرين أمثالها) فيفيد أن ما‬ ‫أصاب المشركين من الدمار والخزي والعار بسبب أن ال ناصر الذين آمنوا وما في التفسير في‬ ‫غاية الوضوح‪.‬‬ ‫‪ 3‬كلم مستأنف استئنافا بيانيا‪ ،‬إذ هو بمثابة جواب لمن سأل عن حال المؤمنين في الخرة وحال‬ ‫الكافرين في الدنيا‪ ،‬أما في الخرة فالمر معلوم وهو أنهم أصحاب النار هم فيها خالدون إذ بين‬ ‫تعالى حال المؤمنين في الخرة‪ ،‬وحال الكافرين في الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)5/76‬‬ ‫يلتفتون إلى الخرة‪{ .‬وَالنّارُ مَثْوىً َلهُمْ‪ }1‬أي مقام ومنزل ومصير‪ ،‬وهذا وعيد شديد للكافرين‪.‬‬ ‫وهذا هو الترغيب والترهيب الذي هو سمة بارزة في أسلوب القرآن في الهداية البشرية وقوله‬ ‫تعالى { َوكَأَيّنْ‪ 2‬مِنْ قَرْيَةٍ ِهيَ َأشَدّ ُق ّوةً مِنْ قَرْيَ ِتكَ الّتِي أَخْ َرجَ ْتكَ‪َ 3‬أهَْلكْنَاهُمْ فَل نَاصِرَ َل ُهمْ} هذه الية‬ ‫نزلت ساعة خروج الرسول صلى ال عليه وسلم من بيته إلى غار ثور مهاجرا فقد التفت إلى‬ ‫مكة وقال أنت أحب البلد إلى ال وأحب بلد ال إلي ولو أن المشركين لم يخرجونني لم أخرج‬ ‫منك‪ .‬ومعنى الية الكريمة وكثير من القرى أهلها أشد قوة من أهل قريتك "مكة" التي أخرجك‬ ‫أهلها حيث حكموا بإعدامه صلى ال عليه وسلم أهلكناهم أي أهل تلك القرى فل ناصر وجد لهم‬ ‫عند إهلكنا لهم‪ .‬فكانت هذه الية تحمل تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأي تسلية!! وقوله‬ ‫تعالى {َأ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ} أي على علم وبرهان من صحة معتقده وعبادته ل تعالى‬ ‫راجيا ثوابه خائفا من عقابه وهؤلء هم المؤمنون‪ ،‬كمن زين له سوء أي قبيح عمله من الشرك‬ ‫والكفر فهو يعبد الصنام‪ ،‬واتبعوا أهواءهم هم في ذلك فلم يتبعوا وحيا إلهيا ول عقل إنسانيا فهل‬

‫حالهم كحال من ذكروا قبلهم والجواب ل يتماثلن إذا بينهما من الفوارق كما بين الحياة والموت‪،‬‬ ‫والجنة والنار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير قاعدة‪ :‬العاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير ولية ال لهل اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان الفرق بين الماديين وأهل اليمان والستقامة على منهج السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم تخفيفا من آلمه التي يعانيها من إعراض المشركين‬ ‫وصوفهم عن السلم‪.‬‬ ‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ‬ ‫عدَ ا ْلمُ ّتقُونَ فِيهَا أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِ ٍ‬ ‫مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُ ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المثوى‪ :‬مكان الثواء‪ ،‬الذي هو الستقرار‪ ،‬وشاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫آذنتنا ببينها أسماء‬ ‫رب ثاوٍ يمل منه الثواء‬ ‫‪(2‬كأين) تدل بوضعها على كثرة العدد مثل كم والمراد بالقرية أهلها بدليل أهلكناهم إذ لم يقل‪:‬‬ ‫أهلكناها‪ ،‬والمراد بالقرية هنا‪ :‬مكة أم القرى وأضيفت إلى النبي صلى ال عليه وسلم تشريفا لها‬ ‫زيادة على شرفها إذ هي بلد ال المين‪.‬‬ ‫‪ 3‬أطلق الخراج على ما عامل به المشركون الرسول صلى ال عليه وسلم من الجفاء والذى‬ ‫ومحاربة نشر الدعوة فكان ذلك سبب خروجه منها‪ ،‬فأطلق الخراج على مسبباته‪ ،‬وإل فالرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم خرج باختياره ولم يكرهه المشركون على الخروج بل كانوا يحاولون منعه‬ ‫من الخروج‪.‬‬

‫( ‪)5/77‬‬ ‫سلٍ ُمصَ ّفىً وََلهُمْ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ‬ ‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ عَ َ‬ ‫خمْرٍ لَ ّذةٍ لِلشّارِبِي َ‬ ‫ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬ ‫يَ َتغَيّرْ َ‬ ‫حمِيما َفقَطّعَ َأ ْمعَاءَهُمْ (‪)15‬‬ ‫سقُوا مَاءً َ‬ ‫َو َمغْفِ َرةٌ مِنْ رَ ّبهِمْ َكمَنْ ُهوَ خَالِدٌ فِي النّا ِر وَ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫مثل الجنة التي وعد المتقون ‪:‬أي صفة الجنة دار السلم التي وعد ال بها عباده المتقين له‪.‬‬ ‫من ماء غير آسن ‪ :‬أي غير متغير الريح والطعم لطول مكثه‪.‬‬ ‫وأنهار من عسل مصفى ‪:‬أي من الشمع وفضلت النحل‪.‬‬ ‫وسقوا ماء حميما ‪:‬أي حارا شديد الحرارة‪.‬‬

‫فقطع أمعاءهم ‪ :‬أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي ‪ 1‬وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ} هذه الية الكريم تضمنت شرح وافية لنهار الجنة‪،‬‬ ‫وشراب أهل النار‪ ،‬كما اشتملت على مقارنة بين حال أهل اليمان والتقوى وما وعدوا به من‬ ‫مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة‪ ،‬وبين حال أهل النار وهم خالدون فيها وما وعدوا فيها من ألوان‬ ‫العذاب الشديد فقوله تعالى {مَ َثلُ ا ْلجَنّةِ} أي صفتها الممثلة لها الشارحة لحالها التي وعد المتقون‬ ‫أي التي وعد ال تعالى بها عباده المتقين له وهم أولياؤه الذين عبدوه ووحدوه فأطاعوه في المر‬ ‫والنهي فاقوا بذلك الشرك والمعاصي‪ .‬فيها أنهار من ماء غير آسن ‪ 2‬أي غير متغير الطعم ول‬ ‫الريح بطول المكث وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي بحموضة ولم يصر قارصا ولذلك لم يتغير‬ ‫ريحه أيضا وأنهار من خمرة لذة للشاربين ‪ 3‬أي وفيها أنهار من خمر هي لذة لمن يشربها وسبب‬ ‫لذاذتها أنها غير كدرة ول مسكرة ول ريح غير طيبة لها‪ ،‬وأنهار من عسل مصفى أي وفيها‬ ‫أنهار من عسل مصفى أي من الشمع وفضلت النحل وقوله ولهم فيها من كل الثمرات أي من‬ ‫سائر أنواع‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الية مستأنفة استئنافا بيانيا إذ فيها بيان لما قد يسأل عنه السائل‪( .‬ومثل الجنة) مبتدأ‬ ‫والخبر محذوف يقدر بمثل مما سيوصف لكم أو ما سيتلى عليكم أو مما يتلى عليكم مثل الجنة‬ ‫وجملة‪( :‬فيها أنهار) بدل مفصل من مجمل‪.‬‬ ‫‪ 2‬أسن الماء‪ :‬كضرب يأسن‪ ،‬وكنصر وفرح أيضا فهو آسن‪ :‬إذا تغير لونه‪.‬‬ ‫‪ 3‬اللذة‪ :‬وصف وليست اسما وهي تأنيث اللذ أي اللذيذ قال الشاعر‪:‬‬ ‫ذكرت شباب اللذ غير قريب‬ ‫ومجلس له طاب بين شروب‬ ‫اللذاذة انفعال نفساني‪.‬‬

‫( ‪)5/78‬‬ ‫الثمار من فواكه وغيرها‪ .‬ومع ذلك مغفرة من ربهم لسائر ذنوبهم فهل يستوي من هذه حالهم‬ ‫بحال من هو خالد في النار ل يخرج منها وسقوا ماء حميما حارا شديد الحرارة فلما سقوه‬ ‫وشربوه قطع أمعاءهم ‪ 1‬أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم والعياذ بال من النار وحال أهل النار‬ ‫اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬التقوى هي السبب المورث للجنة هكذا جعلها ال عز وجل‪ ،‬والتقوى هي بعد اليمان فعل‬ ‫المأمورات وترك المنهيات من سائر أنواع الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان بعض نعيم الجنة من الشراب والفواكه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان بعض عذاب النار وهو الخلود فيها وشرب الحميم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪ ،‬وأن ل مماثلة بين أهل السعادة وأهل الشقاء‪.‬‬ ‫َومِ ْنهُمْ مَنْ يَسْ َتمِعُ إِلَ ْيكَ حَتّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِ ْن ِدكَ قَالُوا لِلّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ مَاذَا قَالَ آنِفا أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬ ‫ى وَآتَا ُهمْ َتقْوَا ُهمْ (‪َ )17‬ف َهلْ‬ ‫طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ (‪ )16‬وَالّذِينَ اهْتَ َدوْا زَا َدهُمْ هُد ً‬ ‫طهَا فَأَنّى َلهُمْ إِذَا جَاءَ ْتهُمْ ِذكْرَا ُهمْ (‪ )18‬فَاعْلَمْ أَنّهُ‬ ‫يَنْظُرُونَ إِلّا السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً َفقَدْ جَاءَ َأشْرَا ُ‬ ‫ك وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ وَاللّهُ َيعْلَمُ مُتَقَلّ َبكُ ْم َومَ ْثوَاكُمْ (‪)19‬‬ ‫ل إِلَهَ إِلّا اللّ ُه وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِب َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ومنهم من يستمع إليك ‪:‬أي ومن الكفار المنافقين من يستمع إليك في خطبة الجمعة‪.‬‬ ‫ماذا قال آنفا ‪:‬أي الساعة أي استهزاء منهم وسخرية يعنون أنه شيء ل يرجع إليه ول يعتد به‬ ‫لعدم فائدته‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المعاء‪ :‬جمع معي بكسر الميم وقد تفتح وهو ما ينتقل إليه الطعام بعد نزوله من المعدة‪،‬‬ ‫ويسمى عفج بوزن كتف‪.‬‬

‫( ‪)5/79‬‬ ‫طبع ال على قلوبهم ‪:‬أي بالكفر فلذا هم ل يعون‪.‬‬ ‫واتبعوا أهواءهم ‪:‬أي في الكفر والنفاق‪.‬‬ ‫والذين اهتدوا ‪:‬أي المؤمنون‪.‬‬ ‫زادهم هدى ‪:‬أي زادهم ال هدى‪.‬‬ ‫وآتاهم تقواهم ‪:‬أي ألهمهم ما يتقون به عذاب ال تعالى‪.‬‬ ‫فهل ينظرون إل الساعة ‪:‬أي ما ينتظر أهل مكة إل الساعة‪.‬‬ ‫أن تأتيهم بغتة ‪:‬أي فجأة‪.‬‬ ‫فقد جاء أشراطها ‪:‬أي علماتها كبعثة النبي صلى ال عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان‪.‬‬ ‫فأنى لهم إذ جاءتهم ذكراهم ‪:‬أي أنى لهم إذا جاءتهم التذكر الذي ينفعهم إذ قد أغلق باب التوبة‪.‬‬ ‫فاعلم أنه ل إله إل ال ‪:‬أي فبناء على ما تقدم لك يا نبينا فاعلم أنه ل يستحق العبودية إل ال‬ ‫فاعبده وتوكل عليه‪.‬‬ ‫واستغفر لذنبك ‪:‬أي قل استغفر ال أو اللهم اغفر لي‪.‬‬

‫وللمؤمنين والمؤمنات ‪:‬أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬ ‫وال يعلم متقلبكم ‪:‬أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم‪.‬‬ ‫ومثواكم ‪:‬أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومك بالليل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ومنهم من يستمع } إلي هذه الية (‪ )16‬والية التي بعدها مدنيتان ل شك لنهما نزلت‬ ‫في شأن النافقين قال تعالى مخبرا رسوله عن بعض المنافقين { َومِ ْنهُمْ} أي ومن بعض المنافقين‬ ‫{مَنْ يَسْ َت ِمعُ‪ِ 1‬إلَ ْيكَ} أي إلى حديثك يوم الجمعة وأنت تخطب الناس على المنبر {حَتّى إِذَا خَرَجُوا‬ ‫مِنْ عِنْ ِدكَ} أي من المسجد {قَالُوا ِللّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ}‪ 2‬من أصاحبك كعبد ال بن مسعود {مَاذَا قَالَ‬ ‫آنِفا} ‪ ،3‬وقولهم هذا ظاهر عليه الخبث إذا لو كانوا مؤمنين محبين لقالوا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن مقاتل أن هذه الية نزلت في عبد ال بن أبي بن سلول ورفاعة بن التابوت والحارث‬ ‫بن عمرو وزيد بن الصلت‪ ،‬ومالك بن الدخشم من المنافقين بالمدينة إل أن مالك بن الدخشم قد‬ ‫أسلم وحسن إسلمه والستماع السماع ولكن بعناية واهتمام يتظاهرون بذلك نفاقا ل غير‪.‬‬ ‫‪ 2‬هم نفر من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم منهم عبد ال بن مسعود‪ ،‬وأبوا الدرداء‬ ‫وابن عباس وإن كان يومها صغيرا فإنه ل مانع أن يسأل ويجيب لما هو مؤهل له من طلب العلم‬ ‫والكمال فيه‪.‬‬ ‫‪( 3‬آنفا)‪ :‬أي الن وهو أقرب الوقات‪ ،‬وسؤالهم هذا سؤال استهزاء‪ ،‬وآنفا لم يسمع إل ظرفا‬ ‫هكذا‪ ،‬وقيل هو مشتق من النف لنه أول ما يظهر من البعير فأطلق على أقرب الوقت‪ ،‬ومنه‬ ‫أمر أنف‪ ،‬ورقة أنف لم ترع بعد قال الشاعر‪:‬‬ ‫ويحرم سر جارتهم عليهم‬ ‫ويأكل جارهم أنف القصاع‬

‫( ‪)5/80‬‬ ‫ماذا قال رسول ال آنفا‪ ،‬ولكن قالوا ماذا قال آنفا‪ ،‬وهم يعنون أن ما قاله الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم ليس بشيء مفيد يرجع إليه‪ .‬قال تعالى {أُولَ ِئكَ} أي البعداء في الشر والنفاق الذين طبع ال‬ ‫على قلوبهم أي بالكفر والنفاق وذلك لكثرة تلوثهم بأوضار الكفر والنفاق حتى ران على قلوبهم‬ ‫ذلك فكان ختما وطابعا على قلوبهم‪ ،‬واتبعوا أهواءهم فهما علتان الولى الطبع المانع من طلب‬ ‫الهداية والثانية اتباع الهوى وهو يعمي ويصم‪ ،‬فلذا هم ل يهتدون‪ ،‬وقوله تعالى {وَالّذِينَ اهْتَ َدوْا}‬ ‫إلى اليمان الصحيح والعمل الصالح زادهم ال هدى حسب سنته في نماء الشياء وزكاتها‬ ‫وزيادتها‪ ،‬وآتاهم تقواهم ‪ 1‬أي ألهمهم ما يتقون وأعانهم على ذلك فهم يتقون مساخط ال تعالى‬

‫ومن أعظمها الشرك والمعاصي‪ .‬وقوله تعالى في الية الثالثة من هذا السياق (‪ )18‬فهل ينظرون‬ ‫أي كفار قريش ‪ 2‬من زعماء الكفر في مكة إل الساعة أي ما ينظرون إل الساعة أي القيامة أن‬ ‫تأتيهم بغتة أي فجأة إن كانوا ما ينظرون بإيمانهم إل الساعة فالساعة قد جاء أشراطها وأول‬ ‫أشراطها بعثة محمد صلى ال عليه وسلم وثانيها الدخان‪ ،‬وثالثها انشقاق القمر‪ .‬وقوله تعالى {فَأَنّى‬ ‫َلهُمْ ِإذَا جَاءَ ْتهُمْ ِذكْرَاهُمْ‪ }3‬أي أنى لهم التذكر الذي ينفعهم إذا جاءت الساعة بل شروطها أي‬ ‫بظهور علماتها الكبرى ‪ 4‬ل تقبل التوبة من أحد لم يكن مؤمنا لقوله تعالى من سورة النعام { َيوْمَ‬ ‫يَأْتِي َب ْعضُ آيَاتِ رَ ّبكَ ل يَ ْنفَعُ َنفْسا إِيمَا ُنهَا َلمْ َتكُنْ آمَ َنتْ مِنْ قَ ْبلُ َأوْ َكسَ َبتْ فِي إِيمَا ِنهَا خَيْرا}‪ .‬على‬ ‫كل حال فالية تستبطئ إيمان كفار مكة وتنكر عليهم تأخر إيمانهم الذي ل داعي له مع ظهور‬ ‫أدلة العقل والنقل ووضوح الحجج والبراهين الدالة على توحيد ال ووجوب عبادته وحده دون‬ ‫سواه ولذا قال تعالى فاعلم ‪ 5‬أنه ل إله إل ال واستغفر لذنبك وللمؤمنين ‪ 6‬والمؤمنات أي فاعلم يا‬ ‫محمد أنه ل معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إل ال الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر‬ ‫أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬وهذا الكلم وإن وجه للرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالصالة غيره صلى ال عليه وسلم فكأنما قالب تعالى يا‬ ‫عباد ال أيها الناس والرسول على‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬مما ذكر في هذه الزيادة أنه آتاهم تقواهم في الخرة وأنه بين لهم ما يتقون وأنه وفقهم للخذ‬ ‫بالعزائم وترك الرخص وما في التفسير أشمل وأوضح‪.‬‬ ‫‪ 2‬يبدو أنه ما هناك حاجة إلى تخصيص كفار قريش بهذا الخطب وإن كانوا داخلين فيه لن‬ ‫السورة مدنية‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬من أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة‪.‬‬ ‫‪ 4‬في صحيح مسلم عن حذيفة والبراء قال‪ :‬كنا نتذاكر الساعة إذا أشرف علينا رسول ال صلى‬ ‫عليه وسلم فقال‪" :‬بما تتذاكرون؟ قلنا نتذاكر الساعة‪ .‬قال‪ :‬إنها ل تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات‪،‬‬ ‫‪:‬الدخان ودابة الرض وخسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب‪ ،‬والدجال وطلوع‬ ‫الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ونارا تخرج من عدن"‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذه الية من أدلة وجوب العلم قبل القول والعمل‪ ،‬وهو ما بوب به البخاري رحمه ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 6‬ل ذنب للرسول صلى ال عليه وسلم لعصمته‪ ،‬وإنما هو من باب قوله صلى ال عليه وسلم "‬ ‫إنه ليغان على قلبي وإني استغفر ال في اليوم مائة مرة"‪.‬‬

‫( ‪)5/81‬‬

‫رأسكم اعلموا أنه ل إله إل ال واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات وال يعلم متقلبكم أي‬ ‫تصرفكم في النهار في مصالح معاشكم ومعادكم ويعلم مثواكم ‪ 1‬في فرشكم نائمين فهو يعلمكم‬ ‫على ما أنتم عليه في كل ساعة من ليل أو نهار فاخشوه واتقوه حتى تفوزوا برضاه في جنات‬ ‫النعيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنية‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من اتباع الهوى فإنه يعمي ويصم والعياذ بال‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن لقيام الساعة أشراطا أي ‪ 2‬علمات تظهر قبلها فتدل على قربها‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب العلم بأنه ل إله إل ال‪ ،‬وذلك يتم على الطريقة التالية‪:‬‬ ‫العتراف بأن النسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله‪ ،‬وكل مخلوق لبد له من خالق فمن خالق‬ ‫النسان والكون إذا؟ والجواب قطعا‪ :‬ال‪ .‬فما دام ال هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى ال‬ ‫خالقه في حفظ حياته‪ ،‬ومن يؤله ويعبد إذا الخالق أم المخلوق؟ والجواب‪ :‬الخالق‪ .‬إذا تعين أنه ل‬ ‫معبود إل ال وهو بمعنى ل إله إل ال ولما كانت العبادة ل تعرف إل بالوحي وجب اليمان‬ ‫برسول ال فكان لبد من زيادة محمد رسول ال فنقول‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال‪.‬‬ ‫ح َكمَ ٌة وَ ُذكِرَ فِيهَا ا ْلقِتَالُ َرأَ ْيتَ الّذِينَ فِي‬ ‫وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا َلوْل نُزَّلتْ سُو َرةٌ فَإِذَا أُنْ ِزَلتْ سُو َرةٌ ُم ْ‬ ‫ع ٌة َو َقوْلٌ َمعْرُوفٌ‬ ‫شيّ عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ فََأوْلَى َلهُمْ (‪ )20‬طَا َ‬ ‫قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َنظَرَ ا ْل َمغْ ِ‬ ‫عسَيْتُمْ إِنْ َتوَلّيْتُمْ أَنْ ُتفْسِدُوا فِي الْأَ ْرضِ‬ ‫فَإِذَا عَ َزمَ الَْأمْرُ فََل ْو صَ َدقُوا اللّهَ َلكَانَ خَيْرا َلهُمْ (‪َ )21‬ف َهلْ َ‬ ‫عمَى أَ ْبصَارَهُمْ (‪)23‬‬ ‫ص ّمهُ ْم وَأَ ْ‬ ‫طعُوا أَ ْرحَا َمكُمْ (‪ )22‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ اللّهُ فََأ َ‬ ‫وَتُقَ ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المثوى‪ :‬المآل والمرجع‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم وغيره عن أنس رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬بعثة أنا‬ ‫والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى"‪.‬‬

‫( ‪)5/82‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لول نزلت سورة ‪ :‬أي هل نزلت سورة يقول هذا المؤمنون طلبا للجهاد‪.‬‬ ‫سورة محكمة ‪:‬أي لم ينسخ منها شيء من أوامرها ونواهيها‪.‬‬ ‫وذكر فيها القتال ‪:‬أي طلب القتال بالدعوة إليه والترغيب فيه‪.‬‬ ‫في قلوبهم مرض ‪:‬أي شك وهم المنافقون‪.‬‬

‫نظر المغشي عليه من الموت ‪:‬أي خوفا من القتال وكراهية لهم فتراهم ينظرون إلى الرسول مثل‬ ‫نظر المغشي عليه من سكرات الموت‪.‬‬ ‫فأولى لهم طاعة وقول معروف ‪:‬أي فأجدر بهم طاعة لرسول ال وقول معروف حسن له‪.‬‬ ‫فإذا عزم المر ‪:‬أي فرض القتال وجد أمر الخروج إليه‪.‬‬ ‫فلوا صدقوا ال ‪:‬أي وفوا له ما تعهدوا به من أنهم يقاتلون‪.‬‬ ‫لكان خيرا لهم ‪:‬أي الوفاء بما تعهدوا به خيرا في دنياهم وآخرتهم‪.‬‬ ‫فهل عسيتم أن توليتم ‪:‬أي أعرضتم عن اليمان الصوري الذي أنتم عليه وأعلنتم عن كفركم‪.‬‬ ‫أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم ‪:‬أي تفسدوا في الرض بالشرك والمعاصي ول تصلوا‬ ‫أرحامكم‪.‬‬ ‫فأصمهم وأعمى أبصارهم ‪:‬أي فعل تعالى ذلك بهم فلذا هم ل يسمعون الحق ول يبصرون الخير‬ ‫والمعروف‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى ويقول الذين آمنوا إلى آخر السورة ظاهرهُ أنه مدني وليس بمكي وهو كذلك فأغلب‬ ‫آي السورة مدني إذا‪ ،‬ول حرج‪ :‬لن القتال لم يفرض إل بعد الهجرة النبوية والنفاق لم يظهر إل‬ ‫بعد الهجرة كذلك السياق الن في علج النفاق وأمور الجهاد قال تعالى ويقول الذين آمنوا من‬ ‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم متمنين الجهاد لول نزلت ‪ 1‬سورة أي هل أنزل ال‬ ‫سورة قرآنية تأمر بالجهاد قال تعالى فإذا أنزلت سورة محكمة ليس فيها نسخ وذكر فيها القتال أي‬ ‫المر به والترغيب فيه‪ .‬رأيت يا محمد الذين في قلوبهم مرض أي مرض الشك والنفاق ينظرون‬ ‫إليك يا رسولنا ‪ 2‬نظر أي مثل نظر المغشي أي المغمي عليه من الموت أي من سياقات الموت‬ ‫وسكراته‪ .‬قال تعالى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬شوقا إلى الجهاد وما أعد ال من ثواب لهله‪ ،‬كما هو اشتياق للوحي ونزوله‪.‬‬ ‫‪ 2‬نظر مغمومين مغتاظين بتحديد وتحديق كمن يشخص بصره عند الموت‪.‬‬

‫( ‪)5/83‬‬ ‫{فأوْلَى َلهُمْ} هذا اللفظ صالح لن يكون دعاء عليهم بالهلك ‪ 1‬أي هلك لهم لجبنهم ونفاقهم‬ ‫وصالح أن يكون بمعنى الجدار بمثلهم طاعة ل ورسوله وقول معروف أي حسن لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقوله تعالى فإذا عزم أي جد المر للجهاد فلو صدقوا ال ما عاهدوا عليه‬ ‫من أنهم يقاتلون مع رسوله لكان خيرا لهم في الدنيا والخرة‪ .‬ثم قال لهم مخاطبا إياهم توبيخا‬ ‫وتقريعا فهل عسيتم بكسر السين ‪ 2‬وفتحها قراءتان إن توليتم أي عن اليمان الصوري إلى الكفر‬

‫الظاهر فأعلنتم عن ردتكم أن تفسدوا في الرض بفعل الشرك وارتكاب المعاصي وتقطعوا‬ ‫أرحامكم بإعلن الحرب على أقربائكم المؤمنين الصادقين‪ .‬هذا إذا كان التولي بمعنى الرجوع إلى‬ ‫الكفر العلني وإن كان بمعنى الحكم فالمر كذلك إذا حكموا ليفعلون ما هو أعظم من الشرك‬ ‫والفساد في الرض وتقطيع الرحام‪ ،‬وأخيرا سجلت الية (‪ )22‬لعنة ال فقال تعالى أولئك أي‬ ‫البعداء في الخسة والحطة الذين لعنهم ال فأبعدهم من رحمته فأصمهم عن سماع الحق وأعمى‬ ‫أبصارهم عن رؤية الهدى والطريق المستقيم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬جواز تمني الخير والولى أن يسأل ال تعالى ول يتمنى بلفظ ليت كذا‪.‬‬ ‫‪ -2‬في القرآن محكم ومنسوخ من اليات وكله كلم ال يتلى ويتقرب به إلى ال تعالى ويعمل‬ ‫بالمحكم دون المنسوخ وهو قليل جدا‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم الجبن والخور والهزيمة الروحية‪.‬‬ ‫‪ -4‬شر الخلق من إذا تولى أفسد في الرض بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫َأفَل يَتَدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ َأمْ عَلَى قُلُوبٍ َأ ْقفَاُلهَا (‪ )24‬إِنّ الّذِينَ ارْتَدّوا عَلَى َأدْبَارِهِمْ مِنْ َب ْعدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمُ‬ ‫سوّلَ َلهُمْ وََأمْلَى َلهُمْ (‪ )25‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا مَا نَ ّزلَ اللّهُ سَنُطِي ُعكُمْ فِي‬ ‫ا ْلهُدَى الشّيْطَانُ َ‬ ‫َب ْعضِ الَْأمْرِ وَاللّهُ َيعْلَمُ إِسْرَارَ ُهمْ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أولى‪ :‬قال الصمعي معناه قاربه ما يهلكه‪.‬‬ ‫‪ 2‬قرأ نافع وحده بكسر السين وفتحها ما عداه حفص وغيره‪.‬‬

‫( ‪)5/84‬‬ ‫سخَطَ اللّهَ‬ ‫ن وُجُو َههُ ْم وََأدْبَارَهُمْ (‪ )27‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمُ اتّ َبعُوا مَا أَ ْ‬ ‫(‪َ )26‬فكَ ْيفَ ِإذَا َت َوفّ ْتهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬ ‫عمَاَلهُمْ (‪)28‬‬ ‫ضوَانَهُ فََأحْبَطَ أَ ْ‬ ‫َوكَرِهُوا ِر ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفل يتدبرون القرآن ‪:‬أي يتفكرون فيه فيعرفون الحق من الباطل‪.‬‬ ‫أم على قلوب أقفالها ‪:‬أي بل على قلوب لهم أقفالها فهم ل يفهمون إن تدبروا‪.‬‬ ‫إن الذين ارتدوا على أدبارهم ‪:‬أي رجعوا كافرين بنفاقهم‪.‬‬ ‫من بعد ما تبين لهم الهدى ‪:‬أو من بعد ما تبين له صدق الرسول وصحة دينه بالحجج والبراهين‪.‬‬ ‫الشيطان سول لهم وأملي لهم ‪:‬أي زين لهم الشيطان نفاقهم وأملى لهم أي واعدهم بطول العمر‬ ‫ومناهم‪.‬‬

‫ذلك بأنهم قالوا الذين كرهوا ما أنزل ال ‪:‬أي ذلك الضلل بسبب قولهم للذين كرهوا ما أنزل ال‬ ‫وهم المشركون‪.‬‬ ‫سنطيعكم في بعض المر ‪ :‬أي بأن نتعاون معكم على عداوة الرسول وبتثبيط المؤمنين عن‬ ‫الجهاد وكان ذلك سرا منهم ل جهرة فأظهره ال لرسوله‪.‬‬ ‫يضربون وجوههم وأدبارهم ‪ :‬أي بمقامع من حديد يضربون وجوههم وظهورهم‪.‬‬ ‫ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط ال ‪:‬أي التوفي على الحالة المذكورة من الضرب على الوجوه‬ ‫والظهور بسبب إتباعهم ما أسقط ال من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وكرهوا رضوانه ‪:‬أي ما يرضيه تعالى من التوحيد والعمل الصالح‪.‬‬ ‫فأحبط أعمالهم ‪:‬أي أبطلها فلم يحصلوا منها على ثواب حسن‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تأديب المنافقين بعيبهم والنكار عليهم وتهديدهم لعلهم يرجعون إذ حالهم كحال‬ ‫المشركين في مكة فقال تعالى {َأفَل يَ َتدَبّرُونَ‪ 1‬ا ْلقُرْآنَ} أي مالهم؟ أغفلوا فلم يتدبروا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام للتعجب من سوء عملهم بالقرآن وإعراضهم عن سماعه و(بل) للضراب النتقالي‬ ‫أي‪ :‬بل على قلوبهم أقفال‪ ،‬والتدبر‪ :‬التفهم مشتق من دبر الشيء أي‪ :‬خلقه‪.‬‬

‫( ‪)5/85‬‬ ‫القرآن أي يتفكروا فيه فيعرفوا الحق من الباطل والهدى من ‪ 1‬الضلل لن القرآن نزل لبيان‬ ‫ذلك‪ .‬أم على قلوب أقفالها أي بل على قلوب ‪ 2‬لهم أقفالها أي اقفل ال على قلوبهم فل يعقلون ما‬ ‫أنزل ال في كتابه من المواعظ والعبر والحجج والدلة والبراهين حتى يكون ال هو الذي يفتح‬ ‫تلك القفال‪ ،‬وال تعالى يقفل ويفتح حسب سنن له في ذلك وقد ذكرنا هذا المعنى مرات في بيان‬ ‫الهداية والضلل‪ ،‬وقوله تعالى {إِنّ الّذِينَ‪ 3‬ارْتَدّوا عَلَى َأدْبَارِهِمْ} أي رجعوا إلى الكفر بقلوبهم‬ ‫دون ألسنتهم وهم المنافقون من بعد ما تبين لهم الهدى أي صدق الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫وصحة دينه السلم هؤلء المرتدون الشيطان سول لهم أي زين له ذلك الرتداد وأملى لهم أي‬ ‫واعدهم ممنيا لهم بطول العمر والبقاء الطويل في الحياة والعيش الطيب الواسع فيها وقوله تعالى‬ ‫ذلك أي الضلل الذي حصل لهم بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل ال من القرآن والشرائع‬ ‫وإبطال الشرك والشر والفساد وهم المشركون قالوا لهم سرا وخفية سنطيعكم في بعض المر‪،‬‬ ‫وذلك كعدم قتالكم وتثبيط الناس عن القتال إلى غير ذلك مما أسروه لخوانهم المشركين‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى وال يعلم إسرارهم ‪ 4‬يخبر تعالى انهم لما كانوا يسرون كلمات الكفر للمشركين كان تعالى‬ ‫مطلعا عليهم فهو يعلم إسرارهم وأسرارهم وها هو ذا قد أطلع عليهم رسوله والمؤمنين‪ .‬وقوله‬

‫تعالى فكيف أي حالهم إذا توفتهم الملئكة ملك الموت وأعوانه من ملئكة العذاب وهم يضربون‬ ‫بمقامع من حديد وجوههم وأدبارهم أي ظهورهم‪ .‬وقوله تعالى ذلك أي العذاب النازل بهم بسبب‬ ‫أنهم اتبعوا ما أسخط ال من الكفر به وبرسوله‪ .‬وكرهوا رضوانه أي ما يرضيه عنهم وهو‬ ‫الجهاد في سبيله فأحبط ال أعمالهم أي أبطلها فلم يثبهم عليها لنهم مشركون كافرون وعمل‬ ‫المشرك والكافر باطل وهو خاسر‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب تدبر القرآن الكريم عند تلوته أو سماعه وهو تفهم معانيه في حدود قدرة المسلم على‬ ‫الفهم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ويعرفوا كذلك ما أعد ال للذين لم يتولوا عن السلم من عزة ونصر في الدنيا‪ ،‬ومن نعيم مقيم‬ ‫في الخرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬لم يقل على قلوبهم فنكر القلوب وقال‪( :‬على قلوب) لتدخل قلوب غيرهم فل يكون خاصا بهم‪،‬‬ ‫والقفل‪ :‬حديده يغلق بها الباب‪.‬‬ ‫‪ 3‬اختلف في هؤلء المرتدين فقال قتادة هم كفار أهل الكتاب وقال ابن عباس وغيره‪ :‬هم‬ ‫المنافقون‪ ،‬وكونهم المنافقين أعم إذ من اليهود منافقون‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ نافع والجمهور (أسرارهم) بفتح الهمزة‪ ،‬وقرأ حفص (إسرارهم) بكسرها فالسرار بالكسر‪:‬‬ ‫مصدر أسر إسرارا وبالفتح جمع سر‪.‬‬

‫( ‪)5/86‬‬ ‫‪ -2‬الرتداد عن السلم كالرجوع عن الطاعة إلى المعصية سببهما تزيين الشيطان للعبد ذلك‬ ‫وإملؤه له بالتمني والوعد الكاذب‪.‬‬ ‫‪ -3‬من الردة التعاون مع الكافرين على المؤمنين بأي شكل من أشكال التعاون ضد السلم‬ ‫والمسلمين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة عذاب القبر وأنه حق ثابت أعاذنا ال منه آمين‪.‬‬ ‫ضغَا َنهُمْ (‪ )29‬وََلوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَا َكهُمْ فََلعَ َرفْ َتهُمْ‬ ‫سبَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ َأ ْ‬ ‫أَمْ حَ ِ‬ ‫عمَاَلكُمْ (‪ )30‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ حَتّى َنعَْلمَ ا ْلمُجَاهِدِينَ مِ ْنكُمْ‬ ‫بِسِيمَا ُه ْم وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي َلحْنِ ا ْل َق ْولِ وَاللّهُ َيعْلَمُ أَ ْ‬ ‫وَالصّابِرِينَ وَنَبُْلوَ َأخْبَا َركُمْ (‪ )31‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَشَاقّوا الرّسُولَ مِنْ َبعْدِ مَا‬ ‫عمَاَلهُمْ (‪)32‬‬ ‫تَبَيّنَ َلهُمُ ا ْلهُدَى لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا وَسَيُحْ ِبطُ أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬

‫في قلوبهم مرض ‪:‬أي مرض النفاق‪.‬‬ ‫أن لن يخرج ال أضغانهم ‪:‬أي أن لن يظهر أحقادهم على النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬ ‫ولو نشاء لريناكهم ‪:‬أي لعرفناك بهم فلعرفتهم‪.‬‬ ‫سيماهم ‪:‬أي بعلماتهم‪.‬‬ ‫ولتعرفنهم في لحن القول ‪:‬أي إذا تكلموا عند في لحن القول أي معناه وذلك بأن يعرضوا فيه‬ ‫بتهجين أمر المسلمين أي تقبيح أمرهم‪.‬‬ ‫وال يعلم أعمالكم ‪:‬أي أيها المؤمنون إن ال يعلم أعمالكم وسيجزيكم بها خيرا‪.‬‬ ‫ولنبلونكم ‪:‬ولنختبرنكم بالجهاد وغيره من التكاليف‪.‬‬ ‫حتى نعلم ‪:‬أي نعلم علم ظهور لكم ولغيركم إذ ال يعلم ذلك قبل ظهوره لما حواه كتاب المقادير‪.‬‬

‫( ‪)5/87‬‬ ‫المجاهدين منكم والصابرين ‪:‬أي الذين جاهدوا وصبروا من غيرهم‪.‬‬ ‫ونبلوا أخباركم ‪:‬أي ونظهر أخباركم للناس من طاعة وعصيان في الجهاد وفي غيره‪.‬‬ ‫إن الذين كفروا ‪:‬أي بال ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق‪.‬‬ ‫وصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي عن السلم‪.‬‬ ‫وشاقوا الرسول ‪ :‬أي خالفوه وعادوه وحاربوه‪.‬‬ ‫من بعد ما تبين لهم الهدى ‪ :‬أي عرفوا أن الرسول حق والسلم حق كاليهود وغيرهم‪.‬‬ ‫لن يضروا ال شيئا ‪:‬أي من الضرر لنه متعال أن يناله خلقه بضرر‪.‬‬ ‫وسيحبط أعمالهم ‪:‬أي يبطلها فل تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين بكشف عوارهم وإزاحة الستار عما في قلوبهم‬ ‫من الشك والنفاق فقال تعالى {أم}‪ 1‬أي أحسب الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون والمرض هو‬ ‫مرض النفاق الناجم عن الشك في السلم وشرائعه أن لن يخرج ال أضغانهم ‪ 2‬أي أحقادهم‬ ‫فيظهرها لرسوله والمؤمنين فحسبانهم هذا باطل وقوله تعالى لرسوله {وََلوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَا َكهُمْ‬ ‫فََلعَ َرفْ َتهُمْ بِسِيمَا ُهمْ} أي بعلمات النفاق فيهم وقوله {وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي َلحْنِ ا ْل َق ْولِ}‪ 3‬أي وعزتي‬ ‫وجللي لتعرفنهم في لحن القول أي في معاني كلمهم إذا تكلموا عندك وبين يديك فإن كلمهم ل‬ ‫يخلو من التعريض باللمؤمنين بانتقاصهم والقدح في أعمالهم‪ ،‬كما قيل (من أضمر سريرة ألبسه‬ ‫عمَاَلكُمْ} ولزم أنه سيجزيكم بها‬ ‫ال رداءها) وقوله تعالى في خطابه المؤمنين {وَاللّهُ َيعْلَمُ أَ ْ‬ ‫فاصبروا على اليمان والتقوى‪ { .‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ‪ }4‬أي ولنختبرنكم بالجهاد والنفاق والتكاليف {حَتّى‬ ‫َنعْلَمَ ا ْل ُمجَاهِدِينَ مِ ْنكُ ْم وَالصّابِرِينَ} أي حتى نظهر ذلك لكم فتعرفوا المجاهد من القاعد والصابر‬

‫من الضاجر منكم وبينكم‪{ ،‬وَنَبُْلوَ أَخْبَا َركُمْ} أي ما تخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنظهر‬ ‫الصدق من خلفه فيه‪ ،‬ولذا كان الفضيل بن عياض رحمه ال تعالى إذا قرأ هذه الية بكى وقال‬ ‫اللهم ل تبتلنا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا‪ ،‬وقوله جل ذكره {إِنّ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬أم) هي المنقطعة المقدرة ببل وهمزة الستفهام‪ :‬فبل‪ :‬للضراب النتقالي‪ ،‬والستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 2‬الضغان‪ :‬جمع ضغن كحمل وأحمال‪ ،‬وهو الحقد والعداوة ومحلها القلب‪ :‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫الضاربين بكل أبيض مخذم‬ ‫والطاعنين مجامع الضغان‬ ‫‪( 3‬لحن القول) هو ما يفهم من الكلم بالتعريض والشارة ل بصريح القول‪.‬‬ ‫‪ 4‬بل يبلوا بلوا المرء اختبره‪ ،‬فالبلو‪ :‬الختبار والتعرف على حال الشيء‪ ،‬ويكون في الشرع‬ ‫بالمر والنهي‪.‬‬

‫( ‪)5/88‬‬ ‫صدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ} أي السلم فصرفوا الناس عنه‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا ‪ }1‬أي كذبوا ال ورسوله { َو َ‬ ‫بأي سبب من السباب‪{ ،‬وَشَاقّوا الرّسُولَ} أي خالفوه وعادوه وحاربوه {مِنْ َب ْعدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمُ‬ ‫ا ْلهُدَى} أي ظهر لهم الحق وأن الرسول حق والٍسلم حق بالحجج والبراهين هؤلء الكفرة لن‬ ‫يضروا ال شيئا من الضرر لتنزهه عن صفات المحدثين من خلقه ول امتناعه تعالى وعزته‪،‬‬ ‫عمَاَل ُهمْ} أي يبطلها عليهم فل ينالون بها ما يؤملون في الدنيا بذهاب كيدهم وخيبة أملهم‬ ‫{وَسَ ُيحْبِطُ أَ ْ‬ ‫إذ ينصر ال رسوله ويعلي كلمته‪ ،‬وفي الخرة لن العمال المشرك والكافر باطلة حابطة ل‬ ‫ثواب عليها سوى ثواب الجزاء المهين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حقيقة وهي من أسر سريرة ألبسه ال رداءها فكشفه للناس‪.‬‬ ‫‪ -2‬ومن أحب شيئا ظهر على وجهه وفلتات لسانه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير قاعدة وهي أنه لبد من البتلء لمن دخل في السلم ليكون اليمان على حقيقته ل‬ ‫إيمانا صوريا أدنى فتنه تصيب صاحبه يرتد بها عن السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬أعمال المشرك والكافر باطلة ل ثواب خير عليها لن الشرك محبط للعمال الصالحة‪.‬‬ ‫عمَاَلكُمْ (‪ )33‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا‬ ‫ل وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُو َ‬ ‫عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ مَاتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ (‪ )34‬فَل َتهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّلْمِ وَأَنْتُمُ‬ ‫ب وََل ْهوٌ وَإِنْ ُت ْؤمِنُوا وَتَ ّتقُوا ُيؤْ ِتكُمْ‬ ‫عمَاَلكُمْ (‪ )35‬إِ ّنمَا ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬ ‫ن وَاللّهُ َم َعكُ ْم وَلَنْ يَتِ َركُمْ أَ ْ‬ ‫الْأَعَْلوْ َ‬

‫ضغَا َنكُمْ (‪ )37‬هَا أَنْ ُتمْ‬ ‫ح ِفكُمْ تَ ْبخَلُوا وَيُخْرِجْ َأ ْ‬ ‫أُجُو َركُ ْم وَل يَسْأَ ْلكُمْ َأ ْموَاَلكُمْ (‪ )36‬إِنْ يَسْأَ ْل ُكمُوهَا فَيُ ْ‬ ‫عوْنَ‬ ‫َهؤُلءِ تُدْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يدخل في هذا اللفظ كفار قريش وكفار اليهود والمنافقون‪.‬‬

‫( ‪)5/89‬‬ ‫ي وَأَنْتُمُ ا ْل ُفقَرَا ُء وَإِنْ‬ ‫خلُ عَنْ َنفْسِهِ وَاللّهُ ا ْلغَ ِن ّ‬ ‫خلْ فَإِ ّنمَا يَبْ َ‬ ‫ل َومَنْ يَ ْب َ‬ ‫خُ‬ ‫لِتُ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َفمِ ْنكُمْ مَنْ يَ ْب َ‬ ‫تَ َتوَّلوْا َيسْتَبْ ِدلْ َقوْما غَيْ َركُمْ ثُمّ ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ (‪)38‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ول تبطلوا أعمالكم ‪:‬أي بالرياء والشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫وصدوا عن سبيل ال ‪:‬أي عن السلم‪.‬‬ ‫فلن يغفر ال لهم ‪:‬أي لنهم ماتوا على الكفر والكفر محبط للعمل‪.‬‬ ‫فل تهنوا وتدعوا إلى السلم ‪:‬أي فل تضعفوا وتدعوا إلى الصلح مع الكفار‪.‬‬ ‫وأنتم العلون ‪:‬أي الغالبون القاهرون‪.‬‬ ‫ولن يتركم أعمالكم ‪:‬أي ولن ينقصكم أجر أعمالكم وثوابها‪.‬‬ ‫إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ‪:‬أي الشتغال بالدنيا والتفرغ لها ما هو إل لهو ولعب لعدم الفائدة منه‪.‬‬ ‫ول يسألكم أموالكم ‪:‬أي ول يكلفكم بإنفاق أموالكم كلها بل الزكاة فقط‪.‬‬ ‫فيحفكم تبخلوا ‪:‬أي بالمبالغة في طلبكم المال تبخلوا‪.‬‬ ‫ويخرج أضغانكم ‪:‬أي أحقادكم وبغضكم لدين السلم‪.‬‬ ‫فإنما يبخل عن نفسه ‪:‬أي عائد ذلك على نفسه ل على غيره فهو الذي يحرم الثواب‪.‬‬ ‫وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ‪:‬أي عن طاعة ال وطاعة رسوله يأت بآخرين غيركم‪.‬‬ ‫ثم ل يكونوا أمثالكم ‪:‬أي في الطاعة أي يكونوا أطوع منكم ل ورسوله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى الكفار ومشاقتهم لرسوله صلى ال عليه وسلم نادى المؤمنين ‪ 1‬وأمرهم بطاعته‬ ‫وطاعة رسوله فقال يا أيها الذين آمنوا بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد نبيا ورسول أطيعوا ال‬ ‫وأطيعوا الرسول أي فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه من المعتقدات والقول والعمال ول تبطلوا ‪2‬‬ ‫أعمالكم أي وينهاهم أن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بقوله‪( :‬يا أيها الذين آمنوا) وجملة النداء معترضة بين جملة (إن الذين كفروا وصدوا) الخ‬ ‫وبين (الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال ثم ماتوا وهم كفار)‪.‬‬

‫‪ 2‬إبطال العمل‪ :‬أي جعله باطل أي‪ :‬ل فائدة منه ل ثواب‪ ،‬فالبطال تتصف به الشياء الموجودة‪،‬‬ ‫وكان الحسن البصري يقول‪ :‬ل تبطلوا أعمالكم بالمعاصي‪ ،‬وما يبطل العمل على الحقيقة هو‬ ‫أمور ثلثة‪ :‬الشرك والرياء‪ ،‬وأداء العمل على غير الوجه المشروع عليه‪.‬‬

‫( ‪)5/90‬‬ ‫يبطلوا أعمالهم بالشرك والرياء والمعاصي والمراد من إبطال العمال أي حرمانهم من ثوابها‪ ،‬ثم‬ ‫أعلمهم مذكرا واعظا لهم فقال إن الذين كفروا أي بال ورسوله وصدوا عن سبيل ال أي عن‬ ‫السلم بأي سبب من السباب ثم ماتوا وهم كفار قبل أن يتوبوا‪ .‬فهؤلء لن يغفر ال لهم ويعذبهم‬ ‫العذاب المعد لمثالهم وقوله تعالى فل تهنوا وتدعوا ‪ 1‬إلى السلم وأنتم ‪ 2‬العلون وال معكم ولن‬ ‫يتركم أعمالكم ينهى ال تعالى عباده المؤمنين أن يضعفوا عن قتال أعدائهم من الكافرين ويدعوا‬ ‫الكافرين إلى الصلح والمهادنة وهم أقوياء قادرون وهو معنى قوله وأنتم العلون أي الغالبون‬ ‫القاهرون‪ .‬ولن ‪3‬يتركم أعمالكم أي ل ينقصكم أجر أعمالكم بل يجزيكم بها ويزدكم من فضله‬ ‫وقوله {إِ ّنمَا ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِعبٌ وََل ْهوٌ} هذه حقيقة وهي أن الحياة الدنيا إن أقبل عليها العبد ناسيا الدار‬ ‫الخرة مقبل على الدنيا لن تكون في حقه إل لهوا ولعبا باعتبار أنه لم يظفر منها على طائل ولم‬ ‫تعد عليه بعائد خير وإسعاد كاللعب اللهي بشيء يلعب ويلهو فترة ثم ل يعود عليه ذلك اللعب‬ ‫بشيء كلعب الصبيان ولهوهم فإنهم يلهون ويلعبون بجد ثم يعودون إلى والديهم يطلبون الطعام‬ ‫والشراب‪ .‬وقوله وإن تؤمنوا أي اليمان الصحيح وتتقوا ما يغضب ربكم ويسخطه عليكم من‬ ‫الشرك والمعاصي يؤتكم أجوركم المترتبة على اليمان والتقوى‪ .‬وقوله ول يسألكم أموالكم أي ول‬ ‫يطلب منكم أموالكم كلها أي كراهة إحفائكم بذلك إن يسألكموها فيحفكم ‪ 4‬أي بكثرة اللحاح عليكم‬ ‫تبخلوا إذ هذا معروف من طباع البشر أن النسان إذا ألح وألحف عليه في الطلب يبخل بالمال‬ ‫ولم يعطه وقد يترك السلم لذلك‪ ،‬وقوله ويخرج أضغانكم أي أحقادكم وبغضكم للدين وكراهيتكم‬ ‫عوْنَ‪ 6‬لِتُ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} أي جزءا‬ ‫له ولذا لم يسألكم أموالكم وقوله تعالى‪{ 5 :‬هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ تُدْ َ‬ ‫من أموالكم في الزكاة أو الجهاد ل كل أموالكم لما يعلم تعالى من شح النفس بالمال وقوله { َفمِ ْنكُمْ‬ ‫خلُ} أي يمنع ومن يبخل فإنما يبخل عن ‪ 7‬نفسه إذ هي التي حرمها أجر النفقة في سبيل ال‬ ‫مَنْ يَبْ َ‬ ‫ي وَأَنْتُمُ‬ ‫ذات الجر العظيم وقوله {وَاللّهُ ا ْلغَ ِن ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء للتفريع‪.‬‬ ‫‪ 2‬و(العلون) معناه الغالبون المنتصرون‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬ل ينقصكم‪ ،‬ومنه الموتور‪ :‬الذي قتل له قتيل‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬من فاتته صلة‬ ‫العصر فكأنما وتر أهله وماله"‪.‬‬

‫‪ 4‬يقال‪ :‬أحفى في المسألة وألح بمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪( 5‬ها)‪ :‬حرف تنبيه‪ ،‬وفي إعراب الجملة وجهان الول‪ :‬وهو أن يكون (أنتم) مبتدأ و(هؤلء)‬ ‫منادى معترض‪ ،‬و(تدعون) الخبر‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون (أنتم) مبتدأ و(هؤلء) خبره‪ ،‬وجملة‪:‬‬ ‫(تدعون) مستأنفة مؤكدة ومقررة لما سبق‪.‬‬ ‫‪ 6‬أي‪ :‬في الحال وجائز أن يدعو في المستقبل‪ ،‬إذ الجهاد مستمر والحاجة إلى النفاق ل تنقطع‪،‬‬ ‫سبيل ال‪ :‬والمراد بها الجهاد وهي كل ما يوصل إلى مرضاة ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ 7‬يجوز في (يبخل) أن يعدى بعن وبعلى يقال‪ :‬بخل عليه بكذا أو بخل عنه بكذا أو يضمن معنى‬ ‫أمسك‪ ،‬وحينئذ فتعديته بعلى نحو‪ :‬أمسك عليك لسانك‪.‬‬

‫( ‪)5/91‬‬ ‫ا ْلفُقَرَاءُ} إلى ال تعالى فهو غني عنكم ل يحضكم على النفقة لحاجته إليها ولكن لحاجتكم أنتم إليها‬ ‫إذ بها تزكوا نفوسكم وتقوم أموركم وتنتصروا على عدوكم وقوله وإن تتولوا أي ترجعوا عن‬ ‫السلم إلى الكفر والعياذ بال يستبدل ال بكم قوما غيركم أي يذهبكم ويأت بآخرين ثم ل يكونوا‬ ‫أمثالكم بل يكونون أطوع إلى ال تعالى منكم وأسرع امتثال لما يطلب منهم‪ .‬وحاشاهم أن يتولوا‬ ‫وما تولوا ول استبدل ال تعالى بهم غيرهم‪ .‬وإنما هذا من باب حثهم على معالي المور والخذ‬ ‫بعزائمها نظرا لمكانتهم من هذه المة فهم أشرفها وأكملها وأطوعها ل وأحبها له ولرسوله صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب طاعة ال وطاعة رسوله‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب إتمام العمل الصالح من صلة وغيرها بالشروع فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بطلن العمل الصالح بالرياء أو إفساده عند أدائه أو بالردة عن السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة الركون إلى مصالحة العداء مع القدرة على قتالهم والتمكن من دفع شرهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬التنفير من القبال على الدنيا والعراض عن الخرة‪.‬‬ ‫‪ -6‬حرمة البخل مع الجدة والسعة‪.‬‬

‫( ‪)5/92‬‬ ‫سورة الفتح‬ ‫‪...‬‬

‫سورة الفتح ‪1‬‬ ‫مدنية‬ ‫وآياتها تسع وعشرون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫ك وَ َيهْدِ َيكَ‬ ‫ك َومَا تَأَخّ َر وَيُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي َ‬ ‫إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَتْحا مُبِينا (‪ )1‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬ ‫صِرَاطا مُسْ َتقِيما(‪)2‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نزلت ليل بعد صلح الحديبية بين مكة والمدينة قال فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لقد‬ ‫أنزلت علي اللسلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"‪ .‬البخاري‬

‫( ‪)5/92‬‬ ‫سكِينَةَ فِي قُلُوبِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ لِيَ ْزدَادُوا إِيمَانا مَعَ‬ ‫وَيَ ْنصُرَكَ اللّهُ َنصْرا عَزِيزا (‪ُ )3‬هوَ الّذِي أَنْ َزلَ ال ّ‬ ‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ‬ ‫حكِيما (‪ )4‬لِيُ ْد ِ‬ ‫ت وَالَ ْرضِ َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫إِيمَا ِنهِ ْم وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬ ‫عظِيما (‬ ‫جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ُيكَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم َوكَانَ ذَِلكَ عِ ْندَ اللّهِ َفوْزا َ‬ ‫سوْءِ عَلَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ‬ ‫‪ )5‬وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَافِقَاتِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ وَا ْلمُشْ ِركَاتِ الظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ‬ ‫جهَنّمَ وَسَا َءتْ َمصِيرا (‪ )6‬وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬ ‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْي ِه ْم وََلعَ َنهُ ْم وَأَعَدّ َل ُهمْ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫سوْ ِء وَ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫حكِيما (‪)7‬‬ ‫ض َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ‬ ‫وَالَرْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إنا فتحنا لك فتحا مبينا ‪:‬أي قضينا لك بفتح مكة وغيرها عنوة بجاهدك فتحا ظاهرا بينا‪.‬‬ ‫ليغفر لك ال ‪:‬أي بسبب شكرك له وجهادك في سبيله‪.‬‬ ‫ما تقدم من ذنبك وما تأخر ‪ :‬أي ما تقدم الفتح وما تأخر عنه‪.‬‬ ‫ويتم نعمته عليك ‪:‬أي ينصرك على أعدائك وإظهار دينك ورفع ذكرك‪.‬‬ ‫ويهديك صراطا مستقيما ‪:‬ويرشدك طريقا من الدين ل اعوجاج فيه يفضي بك إلى رضوان ربك‪.‬‬ ‫وينصرك ال نصرا عزيزا ‪:‬أي وينصرك ال على أعدائك ومن ناوأك نصر عزيزا ل يغلبه‬ ‫غالب‪ ،‬ول يدفعه دافع‪.‬‬ ‫أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ‪:‬أي الطمأنينة بعد ما أصابهم من الضطراب والقلق من جراء‬ ‫الصلح‪.‬‬ ‫وكان ال عليما حكيما ‪:‬أي عليما بخلقه حكيما في تدبيره لوليائه‪.‬‬ ‫ليدخل المؤمنين والمؤمنات ‪:‬أي قضى بالفتح ليشكروه ويجاهدوا في سبيله ليدخلهم جنات‪.‬‬

‫( ‪)5/93‬‬ ‫وكان ذلك عند ال فوزا عظيما ‪:‬أي وكان ذاك الدخال والتكفير للسيئات فوزا عظيما‪.‬‬ ‫ويعذب المنافقين والمنافقات ‪:‬والمشركين والمشركات أي يعذبهم بالهم والحزن لما يرون من‬ ‫نصرة السلم وعزة أهله‪.‬‬ ‫الظانين بال ظن السوء ‪:‬أي أن ال ل ينصر محمدا وأصحابه‪.‬‬ ‫عليهم دائرة السوء ‪:‬أي بالذل والعذاب والهوان‪.‬‬ ‫وكان ال عزيزا حكيما ‪:‬أي كان وما زال تعالى غالبا ل يغلب حكيما في النتقام من أعدائه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَتْحا مُبِينا} اليات هذه فاتحة سورة الفتح التي قال فيها رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم "لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس‪ ،‬ثم قرأ {إِنّا فَتَحْنَا َلكَ‬ ‫فَتْحا‪ 1‬مُبِينا}" وذلك بعد صلح الحديبية سنة ست من الهجرة وفي منصرفه منه وهو في طريقه‬ ‫عائد مع أصحابه إلى المدينة النبوية‪ .‬وقد خالط أصحابه حزن وكآبة حيث صدوا عن المسجد‬ ‫الحرام فعادوا ولم يؤدوا مناسك العمرة التي خرجوا لها‪ ،‬وتمت أحداث جسام تحمل فيها رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم ما ل يقدر عليه من أولي العزم غيره فجزاه ال وأصحابه وكافاهم على‬ ‫صبرهم وجهادهم بما تضمنته هذه اليات إلى قوله { َوكَانَ َذِلكَ عِنْدَ اللّهِ َفوْزا عَظِيما} فقوله تعالى‬ ‫{إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ} يا رسولنا {فَتْحا مُبِينا} أي قضينا لك بفتح مكة وخيبر وغيرهما ثمرة من ثمرات‬ ‫جهادك وصبرك وهو أمر واقع ل محالة وهذا الصلح بادية الفتح فاحمد ربك واشكره ليغفر لك‬ ‫بذلك وبجهادك وصبرك ما تقدم من ‪ 2‬ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك بنصرك على أعدائك‬ ‫وعلى كل من ناوأك‪ ،‬ويهديك صراطا مستقيما أي ويرشدك إلى طرق ل اعوجاج فيه يفضي بك‬ ‫وبكل من يسلكه إلى الفوز في الدنيا والخرة وهو السلم دين ال الذي ل يقبل دينا سواه‪.‬‬ ‫وينصرك ال نصرا عزيزا أي وينصرك ربك على أعدائك وخصوم دعوتك نصرا عزيزا إي ذا‬ ‫عز ل ذل معه هذه أربع عطايا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الماضي هنا بمعنى المستقبل إذ فتح مكة المومى إليه كان سنة ثمانٍ وأطلق الماضي مع إرادة‬ ‫المضارع لتحقق الوقوع وتأكده نحو‪( :‬أتى أمر ال فل تستعجلوه) واللم في (لك)‪ :‬لم الجل أي‪:‬‬ ‫فتحنا لجلك‪.‬‬ ‫‪ 2‬اضطرب المفسرون في تعليق لم (ليغفر لك) فالسيوطي علقه بكلمة (بجهادك) زادها بعد جملة‬ ‫ليغفر لك أي بجهادك يوم فتحك مكة‪ ،‬وفي التفسير قدرنا جملتي‪ :‬فاحمده على الفتح واشكره عليه‬ ‫ليغفر لك‪ .‬وأما الذنب مع إجماعهم أن ل ذنب كبير لعصمته صلى ال عليه وسلم فإن أحسن ما‬

‫قيل فيه هو ما يلي‪ :‬أما الذنب المتقدم فهو قوله صلى ال عليه وسلم في بدر‪" :‬اللهم إن تهلك هذه‬ ‫العصابة ل تعبد في الرض أبدا" فأوحى إليه‪ :‬من أين تعلم هذا؟ فكان هذا الذنب المتقدم‪ ،‬والثاني‪:‬‬ ‫أنه لما انهزم المسلمون‪ :‬يوم حنين قال لعمه ناولني كفا من حصباء فناوله فرمى به المشركين‬ ‫فانهزموا فقال لصحابه‪" :‬لول أني رميتهم ما انهزموا" فهذا الذنب المتأخر‪ .‬والحقيقة أن هذا لو‬ ‫عد ذنبا لكان من باب‪ :‬حسنات البرار سيئات المقربين‪.‬‬

‫( ‪)5/94‬‬ ‫كانت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ففرح بها وهي مغفرة الذنب السابق واللحق‪ ،‬الفتح للبلد‪،‬‬ ‫الهداية إلى أقوم طريق يفضي إلى سعادة الدارين‪ ،‬والنصر المؤزر العزيز‪ ،‬فلذا قال أنزلت علً‬ ‫سكِينَةَ فِي ‪ 1‬قُلُوبِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬ ‫آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا‪ .‬وقوله تعالى { ُهوَ الّذِي أَنْ َزلَ ال ّ‬ ‫لِيَزْدَادُوا إِيمَانا مَعَ إِيمَا ِنهِمْ} أي هو ال المنعم عليك بما ذكر لك الذي أنزل السكينة أي الطمأنينة‬ ‫على قلوب المؤمنين من أصحابك وكان عددهم ألفا وأربعمائة صاحب أنزل السكينة عليهم بعد‬ ‫اضطراب شديد أصاب نفوسهم دل عليه قول عمر رضي ال عنه للرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫ألست نبي ال حقا؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قلت فلما‬ ‫نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال إني رسول ال ولست أعصيه وهو ناصري‪ .‬قلت أولست كنت‬ ‫تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي ال حقا؟ قال‬ ‫بلى‪ ،‬قلت‪ :‬ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى‪ ،‬قلت‪ :‬فلما الدنية في ديننا؟ قال أيها‬ ‫الرجل إنه رسول ال وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه أي سر على نهجه ول‬ ‫تخالفه‪ .‬فوال إنه لعلى الحق‪ ،‬قلت أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال بلى‪ .‬قال‬ ‫فهل أخبرك أنه العام؟ قلت‪ :‬ل قال فإنك تأتيه وتطوف به ‪ .‬وقوله {لِيَ ْزدَادُوا إِيمَانا مَعَ إِيمَا ِنهِمْ} أي‬ ‫بشرائع السلم كلما نزل حكم آمنوا به وعملوا به ومن ذلك الجهاد وبذلك يكون إيمانهم في‬ ‫ازدياد‪ .‬وقوله تعالى ول جنود ‪ 2‬السموات والرض أي ملئكة السماء وملئكة الرض وكل ذي‬ ‫شوكة وقوة من الكائنات هو ل كغيره ويسخره كما شاء ومتى شاء فقد يسلط جيشا كافرا على‬ ‫جيش كافر نصرة للجيش مؤمن والمراد من هذا أنه تعالى قادر على نصرة نبيه ودينه بغيركم‬ ‫أيها المؤمنون وكان ال وما زال أزل وأبدا عليما بخلقه حكيما في تدبير أمور خلقه‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‪ 3‬وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ُيكَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِمْ‬ ‫{لِ ُيدْ ِ‬ ‫َوكَانَ ذَِلكَ} أي الدخال للجنة وتكفير السيئات فوزا عظيما أي فتح على رسوله والمؤمنين‬ ‫ليشكروا بالطاعة والجهاد والصبر أي تم كل ذلك ليدخل المؤمنين والمؤمنات الية‪ .‬وقوله‬ ‫ن وَا ْلمُنَا ِفقَاتِ‬ ‫{وَ ُيعَ ّذبَ‪ 4‬ا ْلمُنَافِقِي َ‬ ‫__________‬

‫‪( 1‬السكينة) السكون والطمأنينة‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬كل سكينة في القرآن فهي بمعنى الطمأنينة إل‬ ‫سكِينَةٌ مِنْ رَ ّبكُم}‪.‬‬ ‫في البقرة‪ .‬يريد قوله تعالى‪ { :‬فِيهِ َ‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة تزييلية مذيل بها الكلم السابق‪ ،‬والجنود‪ :‬جمع جند‪ ،‬والجند‪ :‬اسم للجماعة المقاتلين‬ ‫ل واحد له من لفظه وجمع باعتبار الجماعات التي يتكون منها وهي المقدمة والميمنة والميسرة‬ ‫والقلب والساقا‪.‬‬ ‫‪ 3‬اللم‪ :‬لم التعليل متعلقه بفعل‪{ ،‬ليَ ْزدَادُوا إِيمَانا مَعَ إِيمَا ِنهِمْ } وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا‬ ‫لدفع ما يتوهم أن هذا الوعد خاص بالمؤمنين دون المؤمنات في حين أن موقف أم المؤمنين أم‬ ‫سلمة كان عظيما وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع ما يتوهم أن هذا الوعد خاص بالمؤمنين‬ ‫دون المؤمنات في حين أن موقف أم المؤمنين أم سلمة كان عظيما إذ استشارها رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم حين أبى أصحابه أن يتحللوا فأشارت عليه بما جعلهم يتحللون‪.‬‬ ‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ} وهذ التعذيب المذكور في‬ ‫‪ 4‬هذا معطوف على قوله تعالى‪{ :‬لِيُ ْد ِ‬ ‫سوْءِ} إشارة إلى‬ ‫الية تعذيب خاص زائدا على عذاب الكفر والنفاق وفي قوله‪{ :‬عَلَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/95‬‬ ‫ن وَا ْلمُشْ ِركَاتِ} أي فتح على رسوله والمؤمنين ونصرهم ووهبهم ما وهبهم من الكمال‬ ‫وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬ ‫ليكون ذلك غما وهما وحزنا يعذب ال به المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات في الدنيا‬ ‫سوْءِ‪ }1‬هذا وصف للمنافقين والمنافقات والمشركين‬ ‫والخرة وقوله {الظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ ال ّ‬ ‫والمشركات حيث إنهم كانوا ظانين أن ال ‪ 2‬ل ينصر رسوله والمؤمنين ول يعلي كلمته ول‬ ‫سوْءِ} إخبارا منه عز وجل بأن دائرة السوء تكون على‬ ‫يظهر دينه وقوله تعالى {عَلَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬ ‫المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات كما أخبر عنهم بأنه غضب عليهم ولعنهم وأعد لهم‬ ‫جهنم وساءت مصيرا ومعنى أعد هيأ وأحضر لهم‪ ،‬وساءت جهنم مصيرا يصير إليه النسان‬ ‫ت وَالَ ْرضِ} ينصر بها من يشاء‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫والجان‪ .‬بعد نهاية الحياة الدنيا‪ ،‬فقوله تعالى {وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬ ‫حكِيما} في تدبيره وصنعه‪.‬‬ ‫ويهزم بها من يشاء { َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا} أي غالبا ل يمانع في مراده { َ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الذنب الذي غفر لرسول ال صلى ال عليه وسلم من المعلوم بالضرورة أنه ليس من الكبائر‬ ‫في شيء وهو من باب حسنات البرار سيئات المقربين‪.‬‬ ‫‪ -2‬إنعام ال على العبد يوجب الشكر والشكر يوجب المغفرة وزيادة النعام‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مكافئة ال لرسوله والمؤمنين على صبرهم وجهادهم‪.‬‬

‫‪ -4‬بيان أن الكافرين يحزنون ويغمون بنصر المؤمنين وعزهم فيكون ذلك عذاب لهم في الدنيا‪.‬‬ ‫إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا َومُبَشّرا وَنَذِيرا (‪ )8‬لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ ُتعَزّرُوهُ وَ ُت َوقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً‬ ‫وََأصِيلً (‪ )9‬إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ َفوْقَ أَ ْيدِيهِمْ‬ ‫__________‬ ‫سوْءِ}‬ ‫علَ ْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬ ‫سوْءِ} وفي { َ‬ ‫‪( 1‬ظن السوء) بفتح السين‪ :‬قراءة العشرة في قوله‪ { :‬ظَنّ ال ّ‬ ‫الجمهور على الفتح‪ ،‬وقرأ بعض بضم السين‪.‬وهما لغتان كالكره والكره‪ ،‬والضعف والضعف‬ ‫بالفتح والضم‪.‬‬ ‫‪ 2‬ومعنى ظنهم بال ظن السوء‪ :‬أن ال ما وعد الرسول بالفتح ول أمره بالخروج إلى العمرة ولم‬ ‫ينصر رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/96‬‬ ‫َفمَنْ َن َكثَ فَإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى َنفْسِ ِه َومَنْ َأ ْوفَى ِبمَا عَا َهدَ عَلَيْهُ اللّهَ َفسَ ُيؤْتِيهِ أَجْرا عَظِيما (‪)10‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫شاهدا ومبشرا ونذيرا ‪:‬أي شاهدا على أمتك أمة الدعوة يوم القيامة ومبشرا من آمن منهم وعمل‬ ‫صالحا بالجنة ونذيرا من كفر أو عصى وفسق بالنار‪.‬‬ ‫ليؤمنوا بال ورسوله ‪:‬أي هذه علة للرسال‪.‬‬ ‫وتعزروه وتوقروه ‪:‬أي ينصروه ويعظموه وهذا ل وللرسول‪.‬‬ ‫وتسبحوه بكرة وأصيل ‪:‬أي ال تعالى بالصلة والذكر والتسبيح‪.‬‬ ‫إن الذين يبايعونك ‪:‬أي بيعة الرضوان بالحديبية‪.‬‬ ‫إنما يبايعون ال ‪:‬لن طاعة الرسول طاعة ل تعالى‬ ‫يد ال فوق أيديهم ‪:‬أي لنهم كانوا يبايعون ال إذ هو الذي يجاهدون من أجله ويتلقون الجزاء من‬ ‫عنده‪.‬‬ ‫فمن نكث ‪:‬أي نقض عهده فلم يقاتل مع الرسول والمؤمنين‪.‬‬ ‫فإنما ينكث على نفسه ‪:‬أي وبال نقضه عهده عائد عليه إذ هو الذي يجزي به‪.‬‬ ‫فسيؤتيه أجرا عظيما ‪:‬أي الجنة إذ هي الجر العظيم الذي ل أعظم منه إل رضوان ال عز وجل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في بيان ما أنعم ال تعالى به على رسوله فقال تعالى {إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا}‪1‬‬ ‫ل تعالى بالوحدانية والكمال المطلق له عز وجل وشاهدا على هذه المة التي أرسلت فيها وإليها‬ ‫عربها وعجمها ومبشرا لهل اليمان والتقوى بالجنة ونذيرا لهل الكفر والمعاصي أي مخوفا لهم‬ ‫من عذاب ال يوم القيامة‪ .‬وقوله تعالى {لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ} أي أرسلناه كذلك لتؤمنوا بال‬

‫ورسوله {وَ ُتعَزّرُوهُ} بمعنى تنصروا {وَ ُت َوقّرُوهُ} بمعنى تجلوه وتعظموه وهذه واجبة ل ولرسوله‬ ‫اليمان والتعزير والتوقير‪ ،‬وأما التسبيح والتقديس فهو ل تعالى وحده ويكون بكلمة سبحان ال‬ ‫وبالصلة وبالذكر ل إله إل ال‪ ،‬وبدعاء ال وحده‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬بيان لحكمة الرسال وما يترتب عليه و (شاهدا) إنه بالنظر إلى شهادته يوم القيامة فهي حال‬ ‫مقدرة‪ ،‬وبالنظر إلى شهادته في الدنيا مع تبشيره ونذارته فهي حال مقارنة‪ .‬و (إن أرسلناك) الخ‬ ‫‪ ..‬كل مستأنف ابتدائي‪.‬‬

‫( ‪)5/97‬‬ ‫وقوله { ُبكْ َر ًة وََأصِيلً}‪ 1‬أي تسبحون ال { ُبكْ َرةً} أي صباحا {وََأصِيلً} أي عشية وقوله تعالى {إِنّ‬ ‫الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ َيدُ اللّهِ َفوْقَ أَ ْيدِيهِمْ} يخبر تعالى رسوله بأن الذين يبايعونه على‬ ‫قتال أهل مكة وأل يفروا عند اللقاء { إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ}‪ 2‬إذ هو تعالى الذي أمرهم بالجهاد‬ ‫وواعدهم الجر فالعقد وإن كانت صورته مع رسول ال فإنه في الحقيقة مع ال عز وجل‪ ،‬ولذا‬ ‫قال { يَدُ اللّهِ َفوْقَ أَيْدِيهِمْ} وقوله تعالى { َفمَنْ َن َكثَ} أي نقض عهده فلم يقاتل { فإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى‬ ‫َنفْسِهِ} { َومَنْ َأ ْوفَى} بمعنى وفا { ِبمَا عَا َهدَ عَلَيْهُ‪ 3‬اللّهَ} ومن نصرة الرسول والقتال تحت رايته حتى‬ ‫عظِيما} الذي هو الجنة دار السلم‪.‬‬ ‫النصر {فَسَ ُيؤْتِيهِ} ‪ 4‬ال { أَجْرا َ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقري نبوة محمد صلى ال عليه وسلم والعلن عن شرفه وعلو مقامه‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب اليمان بال ورسوله ووجوب نصرة الرسول وتعظيمه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب تسبيح ال وهو تنزيهه عن كل مل يليق بجلله وكماله مع الصلة ليل ونهارا‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب الوفاء بالعهد‪ ،‬وحرمة نقض العهد ونكثه‪.‬‬ ‫شغَلَتْنَا َأ ْموَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْ َت ْغفِرْ لَنَا َيقُولُونَ بِأَلْسِنَ ِت ِهمْ مَا لَيْسَ فِي‬ ‫ن الَعْرَابِ َ‬ ‫سَ َيقُولُ َلكَ ا ْل ُمخَّلفُونَ مِ َ‬ ‫قُلُو ِبهِمْ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ َل ُكمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا إِنْ أَرَادَ ِبكُمْ ضَرّا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ َنفْعا َبلْ كَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬ ‫ل وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِلَى‬ ‫خَبِيرا (‪َ )11‬بلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَ ْنقَلِبَ الرّسُو ُ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬البكرة‪ :‬أول النهار‪ ،‬والصيل‪ :‬آخره أي‪ :‬غدوة وعشيا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫لعمري لنت البيت أكرم أهله‬ ‫وأجلس في أفيائه بالصائل‬ ‫جمع أصيل‪ :‬العشي‪.‬‬

‫‪ 2‬هذه هي البيعة التي بايعها المسلمون النبي صلى ال عليه وسلم يوم الحديبية تحت الشجرة‬ ‫(السمرة) وكانوا ألفا وأربعمائة‪ ،‬وأول من بايع النبي صلى ال عليه وسلم تحت الشجرة‪ :‬أبو سنان‬ ‫حتَ‬ ‫ضيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ ِإذْ يُبَا ِيعُو َنكَ َت ْ‬ ‫السدى‪ ،‬وتسمى بيعة الرضوان لقوله تعالى‪َ { :‬لقَدْ َر ِ‬ ‫الشّجَ َرةِ}‪.‬‬ ‫‪ 3‬قرأ نافع وورش (عليه) بكسر هاء الضمير‪ ،‬وقرأ حفص بضمها (عليهُ ال) فمن كسر رقق اسم‬ ‫الجللة‪ ،‬ومن ضم فخمه‪.‬‬

‫( ‪)5/98‬‬ ‫سوْ ِء َوكُنْتُمْ َقوْما بُورا (‪َ )12‬ومَنْ لَمْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ‬ ‫أَهْلِيهِمْ أَبَدا وَزُيّنَ ذَِلكَ فِي قُلُو ِبكُ ْم َوظَنَنْتُمْ ظَنّ ال ّ‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َي ْغفِرُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ‬ ‫سعِيرا (‪ )13‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬ ‫وَرَسُولِهِ فَإِنّا أَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ َ‬ ‫غفُورا َرحِيما (‪)14‬‬ ‫مَنْ يَشَاءُ َوكَانَ اللّهُ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫المخلفون من العراب ‪:‬أي الذين حول المدينة وقد خلفهم ال عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا‬ ‫معك إلى مكة خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع‪.‬‬ ‫شغلتنا أموالنا وأهلونا ‪:‬أي عن الخروج معك‪.‬‬ ‫استغفر لنا ‪:‬أي ال من ترك الخروج معك‪.‬‬ ‫يقولون بألسنتهم ‪:‬أي كل ما قالوه وهو من أسنتهم وليس في قلوبهم منه شيء‪.‬‬ ‫قل فمن يملك لكم من ال شيئا ‪:‬أي ل أحد لن الستفهام هنا للنفي‪.‬‬ ‫إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم ‪:‬وبخهم على تركهم صحبة رسول ال صلى ال عليه وسلم خوفا‬ ‫من قريش‪.‬‬ ‫نفعا‬ ‫بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون ‪:‬أي حسبتم أن قريشا تقتل الرسول والمؤمنين فلم يرجع‬ ‫أحد منهم إلى المدينة‪.‬‬ ‫وظننتم ظن السوء ‪ :‬هو هذا الظن الذي زينه الشيطان في قلوبهم‪.‬‬ ‫وكنتم قوما بورا ‪ :‬أي هالكين عند ال بهذا الظن السيء‪ ،‬وواحد بور بائر‪ .‬هالك‪.‬‬ ‫فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا ‪ :‬أي نارا شديدة الستعار واللتهاب‪.‬‬ ‫يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ‪ :‬يغفر لمن يشاء وهو عبد تاب وطلب المغفرة بنفسه‪ ،‬ويعذب‬ ‫من يشاء وهو عبد ظن السوء وقال غير ما يعتقد وأصر على ذلك الكفر والنفاق‪.‬‬ ‫وكان ال غفورا رحيما ‪ :‬كان وما زال متصفا بالمغفرة والرحمة فمن تاب غفر ال له ورحمه‪.‬‬

‫( ‪)5/99‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين في الحضر والبادية وذلك بتأنيبهم وتوبيخهم‬ ‫وذكر معايبهم إرادة إصلحهم فقال تعالى لرسوله {سَ َيقُولُ َلكَ ا ْلمُخَّلفُونَ مِنَ الَعْرَابِ} وهم غفار‬ ‫ومزينة وجهينة وأشجع ‪ 1‬وكانوا أهل بادية وأعرابا حول المدينة استنفرهم رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم ليخرجوا معه إلى مكة للعمرة تحسبا لما قد تقدم عليه قريش من قتاله صلى ال عليه‬ ‫وسلم إل أن هؤلء المخلفين من العراب أصابهم خوف وجبن من ملقاة قريش وزين لهم‬ ‫الشيطان فكرة أن الرسول والمؤمنين لن يعودوا إلى المدينة فإن قريشا ستقضي عليهم وتنهي‬ ‫وجودهم فلذلك خلفهم ال وحرمهم صحبة نبيه والمؤمنين فحرموا من مكرمة بيعة الرضوان‬ ‫وأخبر رسوله عنهم وهو عائد من الحديبية بما يلي {سَ َيقُولُ َلكَ ا ْلمُخَّلفُونَ مِنَ الَعْرَابِ} معتذرين‬ ‫شغَلَتْنَا َأ ْموَالُنَا} فتخلفنا لجل إصلحها‪{ ،‬وَأَهْلُونَا} كذلك {فَاسْ َتغْفِرْ لَنَا} أي اطلب لنا‬ ‫لك عن تخلفهم { َ‬ ‫من ال المغفرة‪ .‬ولم يكن هذا منهم حقا وصدقا بل كان باطل وكذبا فقال تعالى فاضحا لهم‬ ‫{ َيقُولُونَ بِأَ ْلسِنَ ِتهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُو ِبهِمْ} فهم إذا كاذبون‪ .‬وهنا أمر رسوله أن يقول لهم أخبروني إن‬ ‫أنتم عصيتم ال ورسوله وتركتم الخروج مع المؤمنين جبنا وخوفا من القتل فمن يملك لكم من ال‬ ‫شيئا إن أراد بكم ضرا أي شرا لكم أو أراد بكم نفعا أي خيرا لكم؟ والجواب قطعا ل أحد إذا فإنكم‬ ‫كنتم مخطئين في تخلفكم وظنكم معا‪ ،‬وقوله { َبلْ كَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} اضرب تعالى عن‬ ‫كذبهم واعتذارهم ليهددهم على ذلك بقوله { َبلْ كَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} وسيجزيكم به وما كان‬ ‫عملهم إل الباطل والسوء‪ ،‬ثم أضرب عن هذا أيضا إلى آخر فقال { َبلْ ظَنَنْتُمْ‪ 2‬أَنْ لَنْ يَ ْنقَِلبَ‬ ‫ل وَا ْل ُمؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدا} إذ تقتلهم قريش فتستأصلهم بالكلية‪ .‬وزين ذلك الشيطان في‬ ‫الرّسُو ُ‬ ‫قلوبكم فرأيتموه واقعا‪ ،‬وظننتم ظن السوء وهو أن الرسول والمؤمنين لن ينجوا من قتال قريش‬ ‫لهم‪ ،‬وكنت أي بذلك الظن قوما بورا ل خير فيكم هلكى ل وجود لكم‪ .‬وقوله تعالى { َومَنْ َلمْ ُي ْؤمِنْ‬ ‫سعِيرا} وهو إخبار أريد به تخويفهم لعلهم يرجعون من باطلهم‬ ‫بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ فَإِنّا أَعْتَدْنَا ِل ْلكَافِرِينَ َ‬ ‫في اعتقادهم وأعمالهم إلى الحق قول وعمل‪ ،‬ومعنى اعتدنا أي هيئنا وأحضرنا وسعيرا بمعنى‬ ‫نار مستعره شديدة اللتهاب وقوله في الية الخيرة من هذا السياق (‪{ )15‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ‪3‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬والديل كذلك‪ ،‬وخرج من أسلم مائة رجل من بينهم مرداس بن مالك السلمي والدعباس‬ ‫الشاعر‪ ،‬وعبد ال بن أبي أوفي وزاهر بن السود‪ ،‬وأهبان ابن أوس وسلمة بن الكوع السلمي‪،‬‬ ‫ومن غفار‪ :‬خفاف بن أيماء ومن مزينة‪ :‬عائز بن عمرو‪ ،‬وتخلف عن الخروج أكثرهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة بدل اشتمال من جملة‪( :‬بل كان ال بما تعملون خبيرا) و(إن) مخففة من الثقيلة‪،‬‬ ‫واسمها‪ :‬ضمير الشأن و(لن) لفادة استمرار النفي‪ ،‬وأكد أيضا ب(أبدا) لن ظنهم كان قويا‪.‬‬

‫‪ 3‬هذا الكلم معطوف على قوله تعالى { َفمَنْ َيمِْلكُ َل ُكمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا } وهو انتقال من التخويف‬ ‫الشديد إلى الطماع في المغفرة والرحمة ليكون سببا في هدايتهم‪ ،‬وتقديم الرحمة على العذاب‬ ‫مشعر بذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/100‬‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ} أي بيده كل شيء { َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَاءُ} من عباده ويعذب من يشاء فاللئق بهم‬ ‫ال ّ‬ ‫التوبة والنابة إليه ل الصرار على الكفر والنفاق فإنه غير مجد لهم ول نافع بحال وقد تاب بهذا‬ ‫أكثرهم وصاروا من خيرة الناس‪ ،‬وكان ال غفورا رحيما فغفر لكل من تاب منهم ورحمه‪ .‬ول‬ ‫الحمد والمنة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك دال على أنه كلم ال أوحاه إلى رسوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل يملك النفع ول الضر على الحقيقة إل ال ولذا وجب أن ل يطمع إل فيه‪ ،‬ول يرهب إل‬ ‫منه‪.‬‬ ‫‪ -3‬حرمة ظن السوء في ال عز وجل‪ ،‬ووجوب حسن الظن به تعالى‪.‬‬ ‫‪ -4‬الكفر موجب لعذاب النار‪ ،‬ومن تاب تاب ال عليه‪ ،‬ومن طلب المغفرة بصدق غفر له‪.‬‬ ‫‪ -5‬ذم التخلف عن المسابقة في الخيرات والمنافسة في الصالحات‪.‬‬ ‫خذُوهَا ذَرُونَا نَتّ ِب ْعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدّلُوا كَلمَ اللّهِ ُقلْ لَنْ‬ ‫سَ َيقُولُ ا ْل ُمخَّلفُونَ إِذَا انْطََلقْتُمْ إِلَى َمغَانِمَ لِتَأْ ُ‬ ‫سدُونَنَا َبلْ كَانُوا ل َيفْ َقهُونَ إِلّا قَلِيلً (‪)15‬‬ ‫تَتّ ِبعُونَا َكذَِلكُمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَ ْبلُ َفسَ َيقُولُونَ َبلْ تَحْ ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫المخلفون من العراب ‪:‬أي المذكورون في اليات قبل هذه وهم غفار وجهينة ومزينة وأشجع‪.‬‬ ‫إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ‪:‬أي مغانم خيبر إذ وعدهم ال بها عند رجوعهم من الحديبية‪.‬‬ ‫ذرونا نتبعكم ‪:‬أي دعونا نخرج معكم لنصيب من الغنائم‪.‬‬ ‫يريدون أن يبدلوا كلم ال ‪:‬أي أنهم بطلبهم الخروج إلى خيبر لخذ الغنائم يريدون أن يغيروا‬ ‫وعد ال لهل الحديبية خاصة بغنائم خيبر‪.‬‬

‫( ‪)5/101‬‬

‫كذلك قال ال من قبل ‪:‬أي قاله تعالى لنا قبل عودتنا إلى المدينة فلن تتبعونا ولن تخرجوا معنا‪.‬‬ ‫فسيقولون بل تحسدوننا ‪:‬أي فسيقولون بل تحسدوننا وفعل فقد قالوا ذلك وزعموا أنه ليس أمرا من‬ ‫ال هذا المنع‪ ،‬وإنما هو من الرسول والمؤمنين حسدا لهم‪ ،‬وهذا دال على نفاقهم وكفرهم والعياذ‬ ‫بال‪.‬‬ ‫بل كانوا ل يفقهون إل قليل ‪:‬أي ل يفهمون فهم الحاذق الماهر إل قليل وفي أمور الدنيا ل غير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من الحضر والبادية وذلك بالحديث عنهم وكشف‬ ‫عوارهم ودعوتهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق عند ظهور انحرافهم وسوء أحوالهم فقال تعالى‬ ‫لرسوله‪ .‬سيقول المخلفون الذين تقدم الحديث عنهم وأنهم تخلفوا عن الحديبية من العراب الذين‬ ‫هم مزينة وجهينة وغفار وأشجع‪ .‬أي سيقولون لكم إذا انطلقتم إلى مغانم ‪ 1‬لتأخذوها ذرونا‬ ‫نتبعكم‪،‬وذلك أن ال تعالى بعد صلح الحديبية وما نال أهلها من آلم نفسية أكرمهم بنعم كثيرة منها‬ ‫أنه واعدهم بغنائم خيبر بأن يتم لهم فتحها ويغنمهم أموالها وكانت أموال عظيمة‪ ،‬فلما عادوا إلى‬ ‫المدينة وأعلن الرسول صلى ال عليه وسلم عن الخروج إلى خيبر جاء هؤلء المخلفون يطالبون‬ ‫بالسير ‪ 2‬معهم لجل الغنيمة ل غير‪ ،‬قال تعالى {يرِيدُونَ أَنْ يُ َبدّلُوا كَلمَ‪ 3‬اللّهِ} وهو وعده لهل‬ ‫الحديبية بأن يغنمهم غنائم خيبر‪ ،‬ولذا أمر رسوله أن يقول لهم لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل‬ ‫أي فقد أخبرنا تعالى بحالكم ومقالكم هذا قبل أن تقولوه وتكونوا عليه‪ .‬وقوله { َفسَ َيقُولُونَ َبلْ‬ ‫حسُدُونَنَا} هذا من جملة ما أخبر تعالى به رسوله والمؤمنين قبل قولهم له وقد قالوه أي ما‬ ‫تَ ْ‬ ‫منعتمونا من الخروج إلى خيبر إل حسدا لنا أن ننال من الغنائم أي لم يكن ال أمركم بمنعنا ولكن‬ ‫الحسد هو الذي أمركم وقوله تعالى بل كانوا ل يفقهون إل قليل أي وصمهم بوصمة الجهل‬ ‫وجعلها هي علة تخبطهم وحيرتهم وضللهم‪ ،‬أنهم قليلو الفهم والدراك فليسوا على مستوى الرجل‬ ‫الحاذق الماهر البصير الذي يحسن القول والعمل‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هي مغانم خيبر لن ال تعالى وعد أهل الحديبية فتح خيبر وأنها لهم خاصة من غاب منهم‬ ‫ومن حضر سواء‪ ،‬ولم يغب منهم عنها إل جابر بن عبد ال فقسم له رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم كسهم من حضر‪.‬‬ ‫‪ 2‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لهم‪" :‬إن خرجتم لم أمنعكم إل أنه ل سهم لكم" وقالوا‬ ‫هذا حسد‪.‬‬ ‫‪( 3‬يريدون أن يبدلوا كلم ال) أي‪ :‬يريدون أن يغيروه يعني يريدون أن يغيروا وعد ال الذي‬ ‫وعد به أهل الحديبية‪ ،‬وذلك أن ال تعالى جعل لهم غنائم خيبر عوضا عن فتح مكة‪.‬‬

‫( ‪)5/102‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وعد ال رسوله والمؤمنين بغنائم خيبر وهم في طريقهم من الحديبية إلى المدينة وإنجازه لهم‬ ‫دال على وجود ال وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته وكلها موجبة لليمان والتوحيد وحب ال‬ ‫والرغبة إليه والرهبة منه‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان حيرة الكافر واضطراب نفسه وتخبط قوله وعمله‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم الجهل وتقبيحه إنه بئس الوصف يوصف به المرء‪ ،‬ولذا ل يرضاه حتى الجاهل بنفسه فلو‬ ‫قلت لجاهل يا جاهل ل تفعل كذا أو ل تقل كذا لغضب عليك‪.‬‬ ‫شدِيدٍ ُتقَاتِلُو َنهُمْ َأوْ يُسِْلمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا‬ ‫عوْنَ إِلَى َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ َ‬ ‫ن الَعْرَابِ سَتُدْ َ‬ ‫ُقلْ لِ ْلمُخَّلفِينَ مِ َ‬ ‫عمَى‬ ‫ُيؤْ ِتكُمُ اللّهُ أَجْرا حَسَنا وَإِنْ تَ َتوَّلوْا َكمَا َتوَلّيْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ ُيعَذّ ْبكُمْ عَذَابا أَلِيما (‪ )16‬لَ ْيسَ عَلَى الَ ْ‬ ‫خلْهُ جَنّاتٍ َتجْرِي‬ ‫ج َومَنْ يُطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ يُدْ ِ‬ ‫ج وَل عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬ ‫ج وَل عَلَى الَعْرَجِ حَرَ ٌ‬ ‫حَرَ ٌ‬ ‫مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَا ُر َومَنْ يَ َتوَلّ ُيعَذّ ْبهُ عَذَابا أَلِيما (‪)17‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قل للمخلفين من العراب ‪:‬أي الذين تخلفوا عن الحديبية وطالبوا بالخروج إلى خيبر لجل الغنائم‬ ‫اختبارا بهم‪.‬‬ ‫ستدعون إلى قوم أولي بئس شديد ‪:‬أي ستدعون في يوم ما من اليام إلى قتال قوم أولي بئس‬ ‫وشدة في الحرب‪.‬‬ ‫تقاتلونهم أو يسلمون ‪:‬أي تقاتلونهم‪ .‬أو هم يسلمون فل حاجة إلى قتالهم‪.‬‬ ‫فإن تطيعوا ‪:‬أي أمر الداعي لكم إلى قتال القوم أصحاب البأس الشديد‪.‬‬ ‫يؤتكم ال أجرا حسنا ‪:‬أي عودة اعتباركم مؤمنين صالحين في الدنيا والجنة في الخرة‪.‬‬

‫( ‪)5/103‬‬ ‫وإن تولوا ‪:‬أي تعرضوا عن الجهاد كما توليتم من قبل حيث لم تخرجوا للحديبية‪.‬‬ ‫يعذبكم عذابا أليما ‪:‬في الدنيا بالقتل والذلل وفي الخرة بعذاب النار‪.‬‬ ‫حرج ‪:‬أي إثم‪.‬‬ ‫ومن يتول ‪:‬أي يعرض عن طاعة ل ورسوله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من العراب إذ قال تعالى للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم قل للمخلفين الذين أصبح وصف التخلف شعارا لهم يعرفون به وفي ذلك من الذم واللوم‬

‫والعتاب ما فيه قل لهم مختبرا إياهم ستدعون في يوم من اليام إلى قتال قوم أولي بأس شديد في‬ ‫الحروب تقاتلونهم‪ ،‬أو يسلمون ‪ 1‬فل تقاتلوهم وذلك بأن يرضوا بدفع الجزية وهؤلء ل يكونون‬ ‫إل نصارى أو مجوسا فهم إما فارس وإما الروم وقد اختلف في تحديدهم ‪ 2‬فإن تطيعوا المر لكم‬ ‫بالخروج الداعي للجهاد فتخرجوا وتجاهدوا يؤتكم ال أجرا حسنا غنائم في الدنيا وحسن الصيت‬ ‫والحدوثة والجنة فوق ذلك‪ ،‬وإن تتولوا أي تعرضوا عن طاعة من يدعوكم ول تخرجوا معه كما‬ ‫توليتم من قبل حيث لم تخرجوا مع رسول ال إلى مكة للعمرة خوفا من قريش ورجاء أن يهلك‬ ‫الرسول والمؤمنون ويخلو لكم الجو يعذبكم عذابا أليما أي في الدنيا بأن يسلط عليكم من يعذبكم‬ ‫وفي الخرة بعذاب النار وقوله تعالى ليس ‪ 3‬على العمى حرج الية إنه لما نزلت آية المنافقين‬ ‫قل للمخلفين من العراب وكان ختامها وإن تتولوا عن الجهاد يعذبكم عذابا أليما خاف أصحاب‬ ‫العذار من مرض وغيره وبكوا فأنزل ال تعالى قوله ليس على العمى حرج أي إثم إذا لم‬ ‫يخرج للجهاد ول على العرج ‪ 4‬حرج وهو الذي به عرج في رجليه ل يقدر على المشي‬ ‫والجري والكر والفر ول على المريض حرج وهو المريض بالطحال أو الكبد أو السعال من‬ ‫المراض‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬في هذه الية دليل على خلفة أبي بكر إذ هو الذي دعا إلى قتال أصحاب مسيلمة الكذاب‪ ،‬إذ‬ ‫هم الذين ل تقبل منهم الجزية وإنما السلم أو القتل‪ ،‬لقوله تعالى‪ُ { :‬تقَاتِلُو َنهُمْ َأوْ يُسِْلمُونَ} أما‬ ‫فارس أو الروم فهم مجوس ونصارى قد تؤخذ منهم الجزية‪.‬‬ ‫‪ 2‬وقيل‪ :‬إنهم أصحاب مسيلمة الكذاب‪ ،‬وقال رافع بن خديج‪ .‬وال لقد كنا نقرأ هذه الية فيما‬ ‫عوْنَ إِلَى َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} فل نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني‬ ‫مضى { سَتُدْ َ‬ ‫حنيفة فقلنا‪ :‬إنهم هم‪.‬‬ ‫عذَابا أَلِيما} قال أهل الزمانة‪:‬‬ ‫‪ 3‬قال ابن عباس لما نزلت‪{ :‬وَإِنْ تَ َتوَّلوْا َكمَا َتوَلّيْ ُتمْ مِنْ قَ ْبلُ ُيعَذّ ْبكُمْ َ‬ ‫كيف بنا يا رسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت {ليس على العمى حرج ول على المريض‬ ‫حرج} أي‪ :‬ل إثم عليهم في التخلف عن الجهاد‪.‬‬ ‫‪ 4‬العرج‪ :‬آفة تعرض لرجل واحدة‪ ،‬قال مقاتل‪ :‬هم أهل الزمانة الذين تخلفوا عن الحديبية‪ ،‬وقد‬ ‫عذرهم‪ .‬وفي هذه الية بيان من يجوز لهم التخلف عن الجهاد‪ ،‬ول إثم عليهم وهم العميان‬ ‫والمرضى والعرج‪.‬‬

‫( ‪)5/104‬‬ ‫المزمنة التي ل يقدر صاحبها على القتال وكان يعتمد على الفر والكر ولبد كذلك من سلمة‬ ‫البدن وقدرته على القتال‪.‬‬

‫خلْهُ‪ 1‬جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا‬ ‫وقوله { َومَنْ يُطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ} أي في أوامرهما ونواهيهما {يُدْ ِ‬ ‫الَ ْنهَارُ} وهذا وعد صادق من رب كريم رحيم‪ ،‬ومن يتول عن طاعة ال ورسوله يعذبه عذابا‬ ‫أليما وهذا وعيد شديد قوي عزيز أل فليتق ال امرؤ فإن ال شديد العقاب‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية الختبار والمتحان لمعرفة القدرات والمؤهلت‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن غزوا السلم ينتهي إلى أحد أمرين إسلم المة المغزوة أو دخولها في الذمة‬ ‫بإعطائها الجزية بالحكم السلمي وسياسته‪.‬‬ ‫‪ -3‬دفع الثم والحرج في التخلف عن الجهاد لعذر العمى أو العرج أو المرض‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان وعد ال ووعيده لمن أطاعه ولمن عصاه‪ ،‬الوعد بالجنة‪ .‬والوعيد بالنار‪.‬‬ ‫سكِينَةَ عَلَ ْي ِهمْ‬ ‫حتَ الشّجَ َرةِ َفعَلِمَ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ فَأَنْ َزلَ ال ّ‬ ‫ضيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذْ يُبَا ِيعُونَكَ َت ْ‬ ‫َلقَدْ َر ِ‬ ‫حكِيما (‪)19‬‬ ‫وَأَثَا َبهُمْ فَتْحا قَرِيبا (‪َ )18‬و َمغَانِمَ كَثِي َرةً يَ ْأخُذُو َنهَا َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لقد رضي ال عن المؤمنين ‪:‬أي الراسخين في اليمان القوياء فيه وهم أهل بيعة الرضوان من‬ ‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إذ يبايعونك ‪:‬أي بالحديبية أيها الرسول محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫تحت الشجرة ‪:‬أي سمرة وهم ألف وأربعمائة بايعوا على أن يقاتلوا قريشا ول يفروا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع (ندخله) و(نعذبه) بالنون‪ ،‬وقرأ حفص‪( :‬يدخله) و(يعذبه) بالياء‪.‬‬

‫( ‪)5/105‬‬ ‫فعلم ما في قلوبهم فأنزل ‪:‬أي علم ال ما في قلوبهم من الصدق والوفاء فأنزل الطمأنينة والثبات‬ ‫على ما هم‬ ‫السكينة عليهم عليه‪.‬‬ ‫وأثابهم فتحا قريبا ‪:‬أي هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية في ذي الحجة‪ .‬وفي آخر المحرم‬ ‫من سنة سبع غزوا خيبر ففتحها ال تعالى عليهم‪.‬‬ ‫ومغانم كثيرة يأخذونها ‪:‬أي من خيبر‪.‬‬ ‫وكان ال عزيزا حكيما ‪:‬أي كان وما زال تعالى عزيزا غالبا حكيما في تصريفه شؤون عباده‪.‬‬ ‫معنى اليتين‪:‬‬ ‫قوله تعالى لقدر رضي ‪ 1‬ال عن المؤمنين ‪ 2‬هذا إخبار منه تعالى برضاه عن المؤمنين الكاملين‬

‫في إيمانهم وهو ألف وأربعمائة الذين بايعوا الرسول صلى ال عليه وسلم تحت شجرة سمرة إل‬ ‫الجد بن قيس النصاري فإنه لم يبايع حيث كان لصقا بإبط ناقته مختبئا عن أعين الصحاب‬ ‫وكان منافقا ومات على ذلك ل قرت له عين‪ .‬وسبب هذه البيعة كما ذكره غير واحد أن النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له‬ ‫يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له (وهو العتمار) وذلك حين نزل الحديبية‪ .‬فعقروا به‬ ‫جمل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الحابيش (فرق من شتى القبائل يقال‬ ‫لهم الحابيش واحدهم أحبوش يقال لهم اليوم‪ :‬اللفيف الجنبي عبارة عن جيش أفراده من شتى‬ ‫البلد والدول‪ .‬فخلوا سبيله حتى أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وهنا دعا رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول‬ ‫ال إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني‪ ،‬وقد عرفت‬ ‫قريش عداوتي إياها وغلظتي عليهم‪ ،‬ولكني أدلك على رجل وهو أعز بها مني عثمان بن عفان‬ ‫فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم‬ ‫يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فراح عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد‬ ‫بن العاص حين دخل مكة‪ ،‬أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته فحمله بين يديه ثم ردفه وأجاره‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا رجوع إلى تفصيل ما جزى به ال تعالى أهل بيعة الرضوان الذي تقدم إجماله في قوله‬ ‫تعالى {إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ} الية‪.‬‬ ‫‪ 2‬في قوله تعالى عن المؤمنين {ِإذْ يُبَا ِيعُو َنكَ} إعلم بأن من لم يبايع ممن خرج مع الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم كالجد بن قيس لم يفز برضى ال تعالى وأنه غير مؤمن‪.‬‬

‫( ‪)5/106‬‬ ‫حتى بلغ رسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش‬ ‫فبلغهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به قال ما كنت لفعل حتى يطوف به‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول ال والمسلمين أن عثمان قتل‪.‬‬ ‫فقال الرسول صلى ال عليه وسلم عندئذ ل نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فكانت‬ ‫ضيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ ِإذْ يُبَا ِيعُو َنكَ‪1‬‬ ‫بيعة الرضوان تحت الشجرة‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى {َلقَدْ َر ِ‬ ‫حتَ الشّجَ َرةِ‪َ 2‬فعَِلمَ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ} أي من الصدق والوفاء فأنزل السكينة أي الطمأنينة والثبات‬ ‫تَ ْ‬ ‫عليهم وأثابهم أي جزاهم على صدقهم ووفائهم فتحا قريبا وهو صلح الحديبية وفتح خيبر‪3،‬‬ ‫ومغانم كثيرة يأخذونها وهي غنائم خيبر‪ ،‬وكان ال ‪ 4‬عزيزا أي غالبا على أمره‪ ،‬حكيما في‬

‫تدبيره لوليائه‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان فضل أهل بيعة الرضوان وكرامة ال لهم برضاه عنهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذكاء عمر وقوة فراسته إذ أمر بقطع الشجرة خشية أن تعبد‪ ،‬وكم عبدت من أشجار في أمة‬ ‫السلم في غيبة العلماء وأهل القرآن‪.‬‬ ‫‪ -3‬مكافأة ال تعالى للصادقين الصابرين المجاهدين من عباده المؤمنين بخير الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫جلَ َلكُمْ هَ ِذ ِه َو َكفّ أَ ْي ِديَ النّاسِ عَ ْن ُك ْم وَلِ َتكُونَ آيَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ‬ ‫وَعَ َدكُمُ اللّهُ َمغَانِمَ كَثِي َرةً تَ ْأخُذُو َنهَا َفعَ ّ‬ ‫وَ َيهْدِ َيكُ ْم صِرَاطا مُسْ َتقِيما (‪ )20‬وَُأخْرَى لَمْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ ِبهَا‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬إذ يبايعونك) ظرف متعلق ب(رضي) والمضارع بمعنى الماضي وإنما جيء بالمضارع‬ ‫لستحضار حالة المبايعة الجليلة وصورتها العظيمة‪ .‬وكون الرضى حصل قبل انتهاء البيعة إيذان‬ ‫بفضلها وفضل أهلها‪.‬‬ ‫‪( 2‬تحت الشجرة) التعريف للشجرة للعهد الذي عرفه أهلها حين كان النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫جالسا في ظلها فبايع أصحابه كلهم إل الجد بن قيس وكان منافقا غير مؤمن فلم يبايع كما في‬ ‫التفسير‪ ،‬حين كان لصقا بإبط ناقته‪.‬‬ ‫‪ 3‬المغانم الكثيرة‪ :‬هي مغانم بلد خيبر من أرض وأنعام ومتاع وحوايط وبساتين‪ ،‬ووصف الغنائم‬ ‫بجملة يأخذونها دال على تحقيق حصول فائدة هذا الوعد لجميع أهل البيعة وبشارة لهم بأنه لم‬ ‫يهلك منهم أحدا قبل صولهم على هذه الغنائم وكذلك كان والحمد ل‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذه الجملة معترضة ذيل بها قوله تعالى‪{ :‬وَأَثَا َب ُهمْ فَتْحا قَرِيبا و َ َمغَانِمَ كَثِي َرةً يَ ْأخُذُو َنهَا} لن ما‬ ‫حصل لهم من نصر وخير كان من مظاهر عزة ال وعظيم حكمته‪.‬‬

‫( ‪)5/107‬‬ ‫ن وَلِيّا وَل‬ ‫شيْءٍ قَدِيرا (‪ )21‬وََلوْ قَاتََل ُكمُ الّذِينَ كَفَرُوا َلوَّلوُا الَدْبَارَ ثُمّ ل َيجِدُو َ‬ ‫َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيل(‪ )23‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَيْدِ َيهُمْ‬ ‫ل وَلَنْ تَ ِ‬ ‫َنصِيرا (‪ )22‬سُنّةَ اللّهِ الّتِي َقدْ خََلتْ مِنْ قَ ْب ُ‬ ‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِمْ َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا (‪)24‬‬ ‫عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َي ُكمْ عَ ْنهُمْ بِ َبطْنِ َمكّةَ مِنْ َبعْدِ أَنْ أَ ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها ‪:‬أي من الفتوحات السلمية التي وصلت الندلس غربا‪.‬‬ ‫فعجل لكم هذه ‪:‬أي غنيمة خيبر‪.‬‬ ‫وكف أيدي الناس عنكم ‪:‬أي أيدي اليهود حيث هموا بالغارة على بيوت الصحابة وفيها أزواجهم‬

‫وأولدهم وأموالهم فصرفهم ال عنهم‪.‬‬ ‫ولتكون آية للمؤمنين ‪:‬أي تلك الصرفة التي صرف اليهود المتآمرين عن العتداء على عيال‬ ‫الصحابة وهم غيب في الحديبية أو خيبر آية يستدلون بها على كلءة ال وحمايته لهم في‬ ‫حضورهم ومغيبهم‪.‬‬ ‫ويهديكم صراطا مستقيما ‪:‬أي طريقا في التوكل على ال والتفويض إليه في الحضور والغيبة ل‬ ‫اعوجاج فيه‪.‬‬ ‫وأخرى لم تقدروا عليها ‪:‬أي ومغانم أخرى لم تقدروا عليها وهي غنائم فارس والروم‪.‬‬ ‫قد أحاط بها ‪:‬أي فهي محروسة لكم إلى حين تغزون فارس والروم فتأخذونها‪.‬‬ ‫ولو قاتلكم الذين كفروا ‪:‬أي المشركون في الحديبية‪.‬‬ ‫لولوا الدبار ‪:‬أي لنهزموا أمامكم وأعطوكم أدبارهم تضربونها‪.‬‬ ‫سنة ال قد خلت من قبل ‪:‬أي هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين الصابرين سنة ماضية في كل‬ ‫زمان ومكان‪.‬‬ ‫وهو الذي كف أيديهم عنكم ‪:‬حيث جاء ثمانون من المشركين يريدون رسول ال والمؤمنين‬ ‫ليصيبوهم بسوء‪.‬‬

‫( ‪)5/108‬‬ ‫وأيديكم عنهم ببطن مكة ‪:‬فأخذهم أصحاب رسول ال أسرى وأتوا بها إلى رسول ال فعفا عنهم‪.‬‬ ‫من بعد أن أظفركم عليهم ‪:‬وذلك بالحديبية التي هي بطن مكة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في ذكر إفضال ال تعالى وإنعامه على المؤمنين المبايعين ال ورسوله على‬ ‫مناجزة المشركين وقتالهم وأن ل يفروا فقد ذكر أنه أنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم‬ ‫ع َدكُمُ‪ 1‬اللّهُ َمغَانِمَ كَثِي َرةً تَ ْأخُذُو َنهَا‬ ‫خيبر الكثيرة فعطف على السابق خبرا عظيما آخر فقال {وَ َ‬ ‫جلَ َلكُمْ هَ ِذهِ} أي غنيمة خيبر‪َ { ،‬وكَفّ أَ ْي ِديَ النّاسِ‪ 2‬عَ ْن ُكمْ} وذلك أن يهود المدينة تمالوا مع‬ ‫َفعَ ّ‬ ‫يهود خيبر وبعض العرب على أن يغيروا على دور النصار والمهاجرين بالمدينة ليقتلوا من بها‬ ‫وينهبوا ما فيها فكف تعالى أيديهم وصرفهم عما هموا به كرامة للمؤمنين‪ ،‬وقوله {وَلِ َتكُونَ آ َيةً‬ ‫لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ}‪ 3‬أي تلك الصرفة التي صرف فيها قلوب من هموا بالغارة على عائلت وأسر الصحابة‬ ‫بالمدينة وهم غيب بالحديبية آية تهديهم إلى زيادة التوكل على ال والتفويض إليه والعتماد عليه‪.‬‬ ‫{وَ َيهْدِ َيكُ ْم صِرَاطا مُسْ َتقِيما} أي ويسددكم طريقا واضحا ل اعوجاج فيه وهو أن تثقوا في أموركم‬ ‫كلها بربكم فتتوكلوا عليه في جميعها فيكفيكم كل ما يهمكم‪ ،‬ويدفع عنكم ما يضركم في مغيبكم‬ ‫وحضوركم‪ .‬وقوله تعالى {وَُأخْرَى لَمْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهَا َقدْ أَحَاطَ اللّهُ ِبهَا} أي وغنائم أخرى لم تقدروا‬

‫وهي غنائم الروم وفارس‪ .‬وقد أحاط ال بها فلم يفلت منها شيء حتى تغزوا تلك البلد وتأخذوها‬ ‫شيْءٍ قَدِيرا} ومن مظاهر قدرته أن يغنمكم وأنتم أقل عددا وعددا غنائم‬ ‫كاملة‪َ { ،‬وكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬ ‫أكبر دولتين في عالم ذلك الوقت فارس والروم‪ .‬وقوله {وََلوْ قَاتََلكُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوَّلوُا الَدْبَارَ ثُمّ ل‬ ‫جدُونَ وَلِيّا وَل َنصِيرا} أي ومن جملة إنعامه عليكم أنه لو قاتلكم أهل مكة وأنتم ببطنها لنصركم‬ ‫يَ ِ‬ ‫ال عليهم ول انهزموا أمامكم مولينكم ظهورهم ول يجدون وليا يتولهم بالدفاع عنهم ول ناصرا‬ ‫ينصرهم لنا سلطناكم عليهم‪ .‬وقوله تعالى {سُنّةَ اللّهِ الّتِي َقدْ خََلتْ مِنْ قَ ْبلُ} أي في المم السابقة‬ ‫وهي لن ال ينصر أولياءه على أعدائه لبد فكان هذا كالسنن الكونية التي‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الجملة مستأنفه بيانيا إذ قوله تعالى {وَأَثَا َبهُمْ فَتْحا قَرِيبا َو َمغَانِمَ كَثِي َرةً يَ ْأخُذُو َنهَا} يثير في‬ ‫نفس أحدهم سؤالً وهو‪ :‬هل من بعد هذا الفتح والغنائم من غنائم أخرى فكان الجواب‪{ :‬وَعَ َدكُمُ‬ ‫اللّهُ َمغَا ِنمَ‪ }..‬الخ فقولي في التفسير فعطف ليس هو من باب العطف النحوي وإنما هو من باب‬ ‫الرداف واللحاق‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه منة أخرى عظيمة حيث صرف عنهم قتال قريش لهم وإل كانوا يتعرضون لتعاب فد‬ ‫تحول بينهم وبين ما أوتوه من فتح خيبر والفوز بغنائمها‪.‬‬ ‫‪( 3‬ولتكون) هذه الجملة علة لخرى مقدرة وهي ولتشكروه (ولتكون آية) الخ أي‪ :‬كف أيدي‬ ‫الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية‪.‬‬

‫( ‪)5/109‬‬ ‫ل تتبدل‪ ،‬وهو معنى قوله {وَلَنْ َتجِدَ ِلسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلً}‪ ،‬وقوله تعالى في الية الخيرة من هذا‬ ‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِمْ‬ ‫السياق (‪{ )24‬وَ ُهوَ الّذِي كَفّ أَ ْيدِ َيهُمْ‪ 1‬عَ ْن ُك ْم وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْن ُهمْ بِبَطْنِ َمكّةَ مِنْ َبعْدِ أَنْ َأ ْ‬ ‫َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا} هذه منة أخرى وكرامة عظيمة وهي أن قريش بعثت بثمانين شابا‬ ‫إلى معسكر رسول ال في الحديبية لعلهم يصيبون غرة من الرسول وأصحابه فينالونهم بسوء‬ ‫فأوقعهم تعالى أسرى في أيدي المسلمين فمن الرسول صلى ال عليه وسلم بالعفو فكان ذلك سبب‬ ‫صلح الحديبية‪ .‬وقوله { َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا} أي مطلعا عالما بكل ما يجري بينكم فهو‬ ‫معكم لوليته لكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬صدق وعد ال لصحاب رسوله في الغنائم التي وعدوا بها فتحققت كلماته بعد وفاة رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم وهي غنائم فارس والروم‪.‬‬ ‫‪ -2‬كرامة ال للمؤمنين إذ حمى ظهورهم من خلفهم مرتين الولى ما هم به اليهود من غارة على‬

‫عائلت وأسر الصحابة بالمدينة النبوية‪ ،‬والثانية ما هم به رجال من المشركين للفتك بالمؤمنين‬ ‫ليل بالحديبية إذ مكن ال منهم رسوله والمؤمنين‪ ،‬ثم عفا عنهم رسول ال وأطلق سراحهم فكان‬ ‫ذلك مساعدا قويا على تحقيق صلح الحديبية‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان سنة ال في أنه ما تقاتل أولياء ال مع أعدائه إل نصر ال أولياءه على أعدائه‪.‬‬ ‫جدِ ا ْلحَرَا ِم وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفا أَنْ يَبْلُغَ َمحِلّ ُه وََلوْل رِجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ‬ ‫هُمُ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَسْ ِ‬ ‫حمَتِهِ مَنْ‬ ‫خلَ اللّهُ فِي رَ ْ‬ ‫وَنِسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ َلمْ َتعَْلمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَ ُتصِي َبكُمْ مِ ْنهُمْ َمعَ ّرةٌ ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِ ُيدْ ِ‬ ‫ج َعلَ الّذِينَ َكفَرُوا‬ ‫عذَابا أَلِيما (‪ )25‬إِذْ َ‬ ‫يَشَاءُ َلوْ تَزَيّلُوا َلعَذّبْنَا الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي عن أنس أنه قال‪ :‬إن ثمانين رجل من أهل مكة هبطوا على النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه فأخذناهم سلما‬ ‫فاسحييناهم فأنزل ال تعالى‪{ :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ} الية‪.‬‬

‫( ‪)5/110‬‬ ‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ‬ ‫حمِيّةَ ا ْلجَاهِلِيّةِ فَأَنْ َزلَ اللّهُ َ‬ ‫حمِيّةَ َ‬ ‫فِي قُلُو ِبهِمُ الْ َ‬ ‫شيْءٍ عَلِيما (‪)26‬‬ ‫حقّ ِبهَا وَأَهَْلهَا َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫ال ّت ْقوَى َوكَانُوا أَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام ‪:‬أي بال ورسوله ومنعوكم من الوصول إلى المسجد‬ ‫الحرام‪.‬‬ ‫والهدي معكوفا أن يبلغ ‪ 1‬محله ‪: 2‬أي ومنعوا الهدي محبوسا حال بلوغ محله من الحرم‪.‬‬ ‫ولول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ‪:‬أي موجودون في مكة‪.‬‬ ‫لم تعلموهم ‪:‬أي لم تعرفوهم مؤمنين ومؤمنات‪.‬‬ ‫أن تطأوهم ‪:‬أي قتل عند قتالكم المشركين بمكة‪.‬‬ ‫فتصيبكم منهم معرة بغير علم ‪:‬أي إثم وديات قتل الخطأ وعتق أو صيام لذن لكم ال تعالى في‬ ‫دخول مكة‪.‬‬ ‫ليدخل ال في رحمته من يشاء ‪:‬أي لم يؤذن لكم في دخول مكة فاتحين ليدخل ال في السلم من‬ ‫يشاء‪.‬‬ ‫لو تذيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ‪:‬أي لو تميزوا فكان المؤمنون على حدة والكافرون‬ ‫على حدة لذنا لكم في الفتح وعذبنا الذين كفروا بأيديكم عذبا أليما وذلك بضربهم وقتلهم‪.‬‬ ‫إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم ‪:‬أي لعذبناهم إذ جعل الذين كفروا غي قلوبهم الحمية حمية‬ ‫الجاهلية وهي النفة‬

‫الحمية المانعة من قبول الحق ولذا منعوا الرسول وأصحابه من دخول مكة وقالوا كيف يقتلون‬ ‫أبناءنا ويدخلون بلدنا واللت والعزى ما دخلوها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جائز أن يكون‪( :‬أن يبلغ محله) بدل اشتمال من الهدي‪ ،‬وجائز أن يكون معمول لحرف جر‬ ‫محذوف وهو (عن) أي عن أن يبلغ محله‪.‬‬ ‫‪ 2‬المحل‪ :‬بكسر الحاء‪ :‬محل الحل مشتق من فعل حل ضد حرم أي المكان الذي يحل فيه نحر‬ ‫الهدي‪ ،‬وذلك بمكة عند المروة بالنسبة للعمرة‪ ،‬ومنى بالنسبة للحج‪.‬‬

‫( ‪)5/111‬‬ ‫فأنزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ‪:‬أي فهم الصحابة أن يخالفوا أمر رسول ال‬ ‫بالصلح فأنزل ال سكينته عليهم فرضوا ووافقوا فتم الصلح‪.‬‬ ‫وألزمهم كلمة التقوى ‪:‬أي ألزمهم كلمة ل إله إل ال إذ هي الواقية من الشرك‪.‬‬ ‫وكانوا أحق بها وأهلها ‪:‬أي أجدر بكلمة التوحيد وأهل للتقوى‪.‬‬ ‫وكان ال بكل شيء عليما ‪:‬أي من أمور عبادة وغيرها ومن ذلك علمه بأهلية المؤمنين وأحقيتهم‬ ‫بكلمة التقوى (ل إله إل ال)‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن صلح الحديبية فقال تعالى في المشركين ذاما لهم عائبا‬ ‫عليهم صنيعهم {هُمُ الّذِينَ َكفَرُوا} أي بال ورسوله وصدوكم عن المسجد الحرام أن تدخلوه وأنت‬ ‫محرمون والهدى معكوفا أي وصدوا الهدى ‪ 1‬والحال أنه محبوس ينتظر به دخول مكة لينحر‬ ‫وقوله تعالى {وََلوْل رِجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ‪ُ 2‬م ْؤمِنَاتٌ} بمكة لم تعلموهم لنهم كانوا يخفون إسلمهم‬ ‫غالبا‪ ،‬كراهة أن تطأوهم أثناء قتالكم المشركين فتصيبكم منهم معرة بغير علم ‪ 3‬منكم بهم والمعرة‬ ‫العيب والمراد به هنا التبعة وما يلزم من قتل المسلم خطأ من الكفارة والدية لول هذا لذن لكم‬ ‫حمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي لم يأذن لكم في‬ ‫خلَ اللّهُ فِي َر ْ‬ ‫بدخول مكة غازين فاتحين لها وقوله تعالى {لِ ُيدْ ِ‬ ‫القتال ورضي لكم بالصلح ليدخل في رحمته من يشاء فالمؤمنون نالتهم رحمة ال إذ لم يؤذوا‬ ‫بدخولكم مكة فاتحين والمشركون قد يكون تأخر الفتح سببا في إسلم من شاء ال تعالى له السلم‬ ‫ل سيما عندما رأوا رحمة السلم وتتجلى في ترك القتال رحمة بالمؤمنين والمؤمنات حتى ل‬ ‫يتعرضوا للذى فدين يراعي هذه الخوة دين ل يحرم منه عاقل‪ .‬وقوله تعالى {َلوْ تَزَيّلُوا} أي ‪4‬‬ ‫لو تميز المؤمنون والمؤمنات على المشركين بوجودهم في مكان خاص بهم لذنا لكم في دخول‬ ‫ج َعلَ‪ 5‬الّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُو ِبهِمُ‬ ‫مكة وقتال المشركين وعذبناهم بأيديكم عذبا أليما وقوله { إِذْ َ‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬الهدي‪ ،‬والهدي بكسر الدال وتشديد الياء‪ ،‬لغتان والواحدة هدية‪.‬‬ ‫‪ 2‬كسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة وأبي جندل بن سهيل‪ .‬وأشباههم‪ ،‬وجواب لول محذوف‬ ‫تقديره‪ :‬لذن ال لكم في دخول مكة ولسلطناكم عليهم‪.‬‬ ‫‪( 3‬بغير علم) فيه تفضبل للصحابة وإخبار عن كمالهم في الخلق والدين‪ ،‬وهذا قول النملة في‬ ‫سليمان وجنوده‪( :‬ل يحطمنكم سليمان وجنوده وهم ل يشعرون)؛‬ ‫‪( 4‬لو تذيلوا) أي‪ :‬تميزوا وتفرقوا‪ .‬و(لو) حرف امتناع لمتناع امتنع الشرط وهو التفرق‪ ،‬فامتنع‬ ‫التسلط‪ ،‬والقتل بالذن للمسلمين بقتالهم وقتلهم‪ .‬وفي هذا دليل على أنه ل يجوز إغراق باخرة‬ ‫للكافرين بها مسلمون‪ ،‬ول ضرب حصن بالقذائف داخله مسلمون وهو ما رآه مالك‪.‬‬ ‫‪ 5‬يجوز أن يكون الظرف‪( ،‬إذا) متعلقا بقوله تعالى‪{ :‬ا َلعَذّبْنَا } وجائز أن يعلق بمحذوف تقديره‪:‬‬ ‫واذكروا إذ جعل الخ‪.‬‬

‫( ‪)5/112‬‬ ‫حمِيّةَ ا ْلجَاهِلِيّةِ} هذا تعليل للذن بقتال المشركين في مكة وتعذيبهم العذاب الليم لول‬ ‫حمِيّةَ‪َ 1‬‬ ‫الْ َ‬ ‫وجود مؤمنين ومؤمنات بها يؤذيهم ذلك والمراد من الحمية النفة والتعاظم وما يمنع من قبول‬ ‫الحق والتسليم به وهذه من صفات أهل الجاهلية فقد قالوا‪ ،‬كيف نسمح لهم بدخول بلدنا وقد قتلوا‬ ‫علَى َرسُولِ ِه وَعَلَى‬ ‫سكِينَتَهُ َ‬ ‫أبناءنا واللت والعزى ما دخلوا علينا أبدا‪ ،‬وقوله تعالى {فَأَنْ َزلَ اللّهُ َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} وذلك بما هم المؤمنون بعدم قبول الصلح لما فيه من التنازل الكبير للمشركين وهم على‬ ‫الباطل والمؤمنون على الحق فلما حصل هذا في نفوس المؤمنين أنزل ال سكينته عليهم وهي‬ ‫الطمأنينة والوقار والحلم فرفضوا بالمصالحة وتمت وكان فيها خير كثير حتى قيل فيها إنها فتح‬ ‫أولي أو فاتحة فتوحات ل حد لها‪ .‬وقوله تعالى { َوأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى ‪َ 2‬وكَانُوا َأحَقّ ِبهَا وَأَهَْلهَا}‬ ‫أي وشرف ال وأكرم المؤمنين بإلزامهم التشريعي بكلمة ل إله إل ال‪ .‬إذ هي كلمة التقوى أي‬ ‫الواقية من الشرك والعذاب في الدارين وجعلهم أحق بها وأهلها‪ .‬أي أجدر من غيرهم بكلمة‬ ‫التوحيد وأكثر أهلية للتقوى وكان ال بكل شيء عليما ومن ذلك علمه بأهلية أصحاب رسول ال‬ ‫بما جعلهم أهل له من اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حكم المحصر وهو من منع من دخول المسجد الحرام وهو محرم بحج أو بعمرة فإنه‬ ‫يتحلل بذبح هدي ويعود إلى بلده‪ ،‬ويذبح الهدي حيث أحصر‪ ،‬وليس واجبا إدخاله إلى الحرم‪.‬‬ ‫‪ -2‬الخذ بالحيطة في معاملة المسلمين حتى ل يؤذى مؤمن أو مؤمنة بغير علم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن كلمة التقوى هي ل إله إل ال‪.‬‬

‫‪ -4‬الشارة إلى ما أصاب المسلمين من ألم نفسي من جراء الشروط القاسية التي اشترطها ممثل‬ ‫قريش ووثيقة الصلح‪ .‬وهذا نص الوثيقة وما تحمله من شروط لم يقدر عليها إل رسول ال بما‬ ‫آتاه ال من العلم والحكمة والحلم والصبر والوقار‪ ،‬ولما أنزل ال ذلك على المؤمنين من السكينة‬ ‫فحملوها وارتاحت نفوسهم لها نص الوثيقة‪( :‬ورد أن قريشا لما نزل النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫الحديبية بعثت إليه ثلثة‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال الزهري‪ ،‬حميتهم أنفتهم من القرار للنبي صلى ال عليه وسلم بالرسالة والستفتاح بسم ال‬ ‫الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ورد في (كلمة التقوى) آثار منها أنها ل إله إل ال‪ ،‬ومنها أنها ل إله إل ال محمد رسول ال‪،‬‬ ‫ومنها أنها‪ :‬ل إله إل ال وال أكبر ومنها أنها ل إله إل ال وحده ل شريك له له الملك وله الحمد‬ ‫وهو على كل شيء قدير‪ ،‬والكل حق ل باطل فيه‪.‬‬

‫( ‪)5/113‬‬ ‫رجال هم سهيل بن عمرو القرشي‪ ،‬وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص على أن يعرضوا‬ ‫على النبي صلى ال عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن يخلي له قريش مكة من العام‬ ‫المقبل ثلثة أيام فقبل ذلك وكتبوا بينهم كتابا فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي بن أبي طالب‬ ‫أكتب بسم ال الرحمن الرحيم فقالوا‪ :‬ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم‪ ،‬فكتب ثم قال اكتب هذا ما‬ ‫صالح عليه محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم أهل مكة فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول ال ما‬ ‫صددناك عن البيت وما قاتلناك اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد ال أهل مكة فقال النبي‬ ‫صلى ال عليه وسلم اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا بهم فأنزل ال السكينة‬ ‫عليهم فتوقروا وحلموا وتم الصلح على ثلثة أشياء هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن من أتاهم من المشركين مسلما ردوه إليهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن من أتاهم من المسلمين لم يردوه إليهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يدخل الرسول والمؤمنون مكة من عام قابل ويقيمون بها ثلثة أيام ل غير ول يدخلها‬ ‫بسلح‪ .‬فلما فرع من الكتاب قال صلى ال عليه وسلم لصحابه قوموا فنحروا ثم احلقوا‪.‬‬ ‫س ُكمْ‬ ‫جدَ ا ْلحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَّلقِينَ ُرؤُو َ‬ ‫َلقَ ْد صَ َدقَ اللّهُ َرسُولَهُ ال ّرؤْيا بِا ْلحَقّ لَ َتدْخُلُنّ ا ْلمَسْ ِ‬ ‫سلَ‬ ‫ج َعلَ مِنْ دُونِ ذَِلكَ فَتْحا قَرِيبا (‪ُ )27‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬ ‫َومُ َقصّرِينَ ل َتخَافُونَ َفعَلِمَ مَا َلمْ َتعَْلمُوا َف َ‬ ‫شهِيدا (‪)28‬‬ ‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه َوكَفَى بِاللّهِ َ‬ ‫رَسُولَهُ بِا ْل ُهدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِ ُي ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫لقد صدق ال رسوله الرؤيا بالحق ‪:‬أي جعل ال رؤيا رسوله التي رآها في النوم عام الحديبية‬

‫حقا‪.‬‬ ‫لتدخلن المسجد الحرام إن شاء ال آمنين ‪:‬هذا مضمون الرؤيا أي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء‬ ‫ال آمنين‪.‬‬ ‫محلقين رؤوسكم و مقصرين ‪:‬أي حالقين جميع شعوركم أو مقصرينها‪.‬‬

‫( ‪)5/114‬‬ ‫ل تخافون ‪:‬أي أبدا حال الحرام وبعده‪.‬‬ ‫فعلم ما لم تعلموا ‪:‬أي في الصلح الذي تم‪ ،‬أي لم تعلموا من ذلك المعرة التي كانت تلحق المسلمين‬ ‫بقتالهم إخوانهم المؤمنين وهم ل يشعرون‪.‬‬ ‫فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ‪:‬هو فتح خيبر وتحققت الرؤية في العام القابل‪.‬‬ ‫هو الذي أرسل رسوله بالهدى ةدين الحق ‪:‬فلذا ل يخلفه رؤياه بل يصدقه فيها‪.‬‬ ‫ليظهره على الدين كله ‪:‬أي ليعليه على سائر الديان بنسخ الحق فيها‪ ،‬وإبطال الباطل فيها‪ ،‬أو‬ ‫بتسليط المسلمين على أهلها فيحكمونهم‪.‬‬ ‫وكفى بال شهيدا ‪:‬أي أنك مرسل بما ذكر أي بالهدى ودين الحق‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في صلح الحديبية وما تم فيه من أحداث فقال تعالى {َلقَ ْد صَ َدقَ اللّهُ رَسُولَهُ} أي‬ ‫حقّ} ‪ 1‬أي ‪ 2‬الرؤية التي رآها رسول ال صلى ال عليه‬ ‫محمدا صلى ال عليه وسلم {ال ّرؤْيا بِالْ َ‬ ‫وسلم وأخبر بها أصحابه عند خروجهم من المدينة إلى مكة فقد أخبر بها أصحابه فسروا بذلك‬ ‫وفرحوا ولما تم الصلح بعد جهاد سياسي وعسكري مرير‪ ،‬وأمرهم الرسول أن ينحروا ويحلقوا‬ ‫اندهشوا لذلك وقال بعضهم أين الرؤيا التي رأيت؟ ونزلت سورة الفتح عند منصرفهم من الحديبية‬ ‫سكُ ْم َو ُم َقصّرِينَ ل‬ ‫سجِدَ ا ْلحَرَامَ إِنْ شَاءَ‪ 3‬اللّهُ آمِنِينَ مُحَّلقِينَ‪ُ 4‬رؤُو َ‬ ‫وفيها قوله تعالى {لَتَ ْدخُلُنّ ا ْلمَ ْ‬ ‫تَخَافُونَ} ‪ ،‬وقد صدق ال رسوله الرؤيا بالحق فلما جاء العام القابل وفي نفس اليام من شهر‬ ‫القعدة خرج رسول ال والمسلمون محرمين يلبون وأخلت لهم قريش المسجد الحرام فطافوا بالبيت‬ ‫وسعوا بين الصفا والمروة وتحللوا من عمرتهم فمنهم المحلق ومنهم المقصر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬روي أن أبا بكر رضي ال عنه قال‪ :‬إن المنام لم يكن موقتا بوقت أي‪ :‬فقد تتأخر الرؤية‬ ‫سنوات أو شهورا أو أياما فكان ما بين رؤيا رسول ال صلى ال عليه وسلم وظهور مصداقها في‬ ‫الواقع سنة كاملة‪.‬‬ ‫‪( 2‬بالحق) الباء للملبسة‪ ،‬وهو ظرف مستقر وقع صفة لمصدر محذوف تقديره أي‪ :‬صدقا‬ ‫وملبسا للحق‪.‬‬

‫‪( 3‬إن شاء ال) هل هذا الستثناء من جملة ما رآه النبي صلى ال عليه وسلم في منامه فأعاده‬ ‫كما سمعه في الرؤية ويكون هذا تعليما من ال عز وجل للمؤمنين أن يقولوا مثله في كل ما هو‬ ‫مستقبل من القوال والعمال أو قاله رسول ال صلى ال عليه وسلم عمل بقول ال تعالى‪ { :‬وَل‬ ‫علٌ ذَِلكَ غَدا‬ ‫شيْءٍ إِنّي فَا ِ‬ ‫َتقُولَنّ ِل َ‬ ‫إِلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ}‪.‬‬ ‫‪( 4‬آمنين) و(محلقين) و(مقصرين)‪ :‬منصوبة على الحال‪ ،‬وجملة (ل تخافون) في موضع الحال‬ ‫أيضا مؤكدة ل(آمنين) الحال‪.‬‬

‫( ‪)5/115‬‬ ‫وقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا فأثبت الصلح وقرره لنه لو كان قتال ولم يكن صلح لهلك‬ ‫المؤمنون بمكة والمؤمنات بالحرب وتحصل لذلك معرة كبرى للمسلمين الذين قتلوا إخوانهم في‬ ‫السلم هذا من بعض المور التي اقتضت الصلح وترك القتال وقوله وجعل من دون ذلك فتحا‬ ‫قريبا الصلح ‪ 1‬فتح‪ ،‬وفتح خيبر فتح‪ ،‬وفتح مكة فتح‪ ،‬وكلها من الفتح القريب‪ .‬وقوله هو الذي‬ ‫أرسل رسوله أي محمد بالهدى ودين الحق أي السلم فكيف إذا ل يصدقه رؤياه كما ظن البعض‬ ‫وكفا بال شهيدا على أنك يا محمد مرسل بما ذكر تعالى من الهدى والدين الحق وإظهاره على‬ ‫الدين كله بنسخ الحق الذي فيه وإبطال الباطل الذي ألصق به‪ .‬أو بتسليط المسلمين على قهر‬ ‫وحكم أهل تلك الديان الباطلة وقد حصل من هذا شيء كبير‪.‬‬ ‫هداية اليتين‪:‬‬ ‫من هداية اليتين‪:‬‬ ‫‪-1‬تقرير أن رؤيا النبياء حق‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعبير الرؤيا قد يتأخر سنة أو أكثر‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الحلق والتقصير للتحلل من الحج أو العمرة وإن الحلق أفضل لتقدمه‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية قول إن شاء ال في كل قول أو عمل يراد به المستقبل‪.‬‬ ‫‪ -5‬السلم هو الدين الحق وما عداه فباطل‪.‬‬ ‫حمَاءُ بَيْ َن ُهمْ تَرَا ُهمْ ُركّعا سُجّدا يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنَ‬ ‫حمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى ا ْل ُكفّارِ رُ َ‬ ‫مُ َ‬ ‫ضوَانا سِيمَا ُهمْ فِي ُوجُو ِههِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَِلكَ مَثَُلهُمْ فِي ال ّتوْرَا ِة َومَثَُلهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ‬ ‫اللّ ِه وَ ِر ْ‬ ‫جبُ الزّرّاعَ لِ َيغِيظَ ِبهِمُ ا ْل ُكفّا َر وَعَدَ اللّهُ‬ ‫شطَْأهُ فَآزَ َرهُ فَاسْ َتغَْلظَ فَاسْ َتوَى عَلَى سُوقِهِ ُيعْ ِ‬ ‫كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ‬ ‫عظِيما (‪)29‬‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْن ُهمْ َمغْفِ َر ًة وَأَجْرا َ‬ ‫الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ومن أنواع الفتح القريب ما تم بالهدنة من دخول الناس في السلم إذ أصبح الناس آمنين‬

‫فيتصلون بالمؤمنين ويتعرفون إلى السلم ويدخلون فيه‪ ،‬فدخل في السلم أعداد هائلة في هذه‬ ‫الهدنة‪.‬‬

‫( ‪)5/116‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫محمد رسول ال والذين معه ‪:‬أي أصحابه رضوان ال عليهم‪.‬‬ ‫أشداء على الكفار ‪:‬أي غلظ ل يرحمونهم‪.‬‬ ‫رحماء بينهم ‪:‬أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد‪.‬‬ ‫تراهم ركعا سجدا ‪:‬أي تبصرهم ركعا سجدا أي راكعين ساجدين‪.‬‬ ‫يبتغون فضل من ال ورضوانا ‪:‬أي يطلبون بالركوع والسجود ثواب من ربهم هو الجنة‬ ‫ورضوانا هو رضاه عز وجل‪.‬‬ ‫سيماهم في وجوههم ‪:‬أي نور وبياض يعرفون به يوم القيامة أنهم سجدوا في الدنيا‪.‬‬ ‫ذلك ‪ :‬أي الوصف المذكور‪.‬‬ ‫مثلهم في التوراة ‪:‬أي صفتهم في التوراة كتاب موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫أخرج شطأه ‪:‬أي فراخه‪.‬‬ ‫فآزره ‪ :‬أي قواه وأعانه‪.‬‬ ‫فاستغلظ فاستوى ‪:‬أي غلظ واستوى أي قوي‪.‬‬ ‫على سوقه ‪ :‬جمع ساق أي على أصوله‪.‬‬ ‫يعجب الزراع ‪:‬أي زارعيه لحسنه‪.‬‬ ‫ليغيظ بهم الكفار ‪:‬هذا تعليل أي قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما أخبر تعالى أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله شهادة منه بذلك أخبر‬ ‫شدّاءُ‬ ‫حمّدٌ‪ 1‬رَسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ} من أصحابه {أَ ِ‬ ‫أيضا عنه بما يؤكد تلك الشهادة فقال تعالى { ُم َ‬ ‫عَلَى ا ْل ُكفّارِ} أي غلظ قساة عليهم‪ ،‬وذلك لمرين الول أنهم كفروا بال وعادوه ولم يؤمنوا به ولم‬ ‫يجيبوه‪ ،‬وال يبغضهم لذلك فهم إذا غلظ عليهم لذلك والثاني أن الغلظة والشدة قد تكون سببا في‬ ‫هدايتهم لنهم يتألمون بها‪ ،‬ويرون خلفها مع المسلمين فيسلمون فيرحمون ويفوزون‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫حمَاءُ بَيْ َنهُمْ} أي فيما بينهم يتعاطفون يتراحمون فترى أحدهم يكره أن يمس جسمه أو ثوبه جسم‬ ‫{ ُر َ‬ ‫الكافر أو ثوبه‪ ،‬وتره مع المسلم إذا رآه صافحه وعانقه ولطفه‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬جائز الوقف على (رسول ال) مبتدأ وخبر‪ ،‬ويبدأ الكلم‪( :‬والذين معه أشداء‪ )..‬الخ وهو‬ ‫الشبه‪ ،‬وجائز أن يكون‪( :‬والذين معه ) عطف على (محمد رسول ال) والخبر‪( :‬أشداء‪ )..‬الخ ‪.‬‬

‫( ‪)5/117‬‬ ‫وأعانه وأظهر له الحب والود‪ .‬وقوله تعالى {تَرَاهُمْ} أي تبصرهم أيها المخاطب { ُركّعا سُجّدا‪}1‬‬ ‫أي راكعين ساجدين في صلواتهم {يَبْ َتغُونَ} أي يطلبون بصلتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم‬ ‫وتعاطفهم مع بعضهم‪ ،‬يطلبون بذلك { َفضْلً مِنَ اللّهِ وَ ِرضْوَانا} أي الجنة ورضا ال‪ .‬وهذا أسمى‬ ‫ما يطلب المؤمن أن يدخله ال الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه‪ .‬وقوله {سِيمَاهُمْ‪ 2‬فِي‬ ‫وُجُو ِههِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ} أي علمات إيمانهم وصفائهم في وجوههم من أثر السجود إذ يبعثون‬ ‫سعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَ ْيمَانِهِمْ} وفي الدنيا عليهم‬ ‫يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء {نُورُهُمْ يَ ْ‬ ‫سيما التقوى والصلح والتواضع واللين والرحمة‪ .‬وقوله تعالى {ذَِلكَ} أي المذكور {مَثَُلهُمْ فِي ‪3‬‬ ‫شطَْأهُ} أي فراخه {فَآزَ َرهُ} أي قواه وأعانه {فَاسْ َتغْلَظَ}‬ ‫ال ّتوْرَاةِ} {مَثَُل ُهمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَ ْرعٍ أَخْرَجَ‪َ 4‬‬ ‫جبُ‬ ‫أي غلظ {فَاسْ َتوَى} أي قوي {عَلَى سُوقِه} جمع ساق ما يحمل السنبلة من أصل لها { ُي ْع ِ‬ ‫الزّرّاعَ} أي الزراعين له وذلك لحسنه وسلمة ثمرته وقوله تعالى {ل َيغِيظَ ِبهِمُ‪ 5‬ا ْل ُكفّار} أي قواهم‬ ‫وكثرهم من أجل أن يغيظ بهم الكفار ولذا ورد عن مالك بن أنس رحمه ال تعالى أن من يغيظه‬ ‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ مِ ْنهُمْ َمغْفِ َرةً} أي‬ ‫عدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫أصحاب رسول ال فهو كافر وقوله {وَ َ‬ ‫عظِيما} هو الجنة‪ .‬هذا وعد خاص بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫لذنوبهم {وََأجْرا َ‬ ‫رضوان ال عليهم وهناك وعد عام لسائر المؤمنين والمؤمنات وذلك في آيات أخرى مثل آية‬ ‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َل ُهمْ َم ْغفِرَ ٌة وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}‪.‬‬ ‫عدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬ ‫المائدة {وَ َ‬ ‫هداية الية الكريمة‪:‬‬ ‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير نبوة رسول ال وتأكيد رسالته‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان ما كان عليه رسول ال وأصحابه من الشدة والغلظة على الكفار والعطف والرحمة على‬ ‫أهل اليمان وهذا مما يجب التساء بهم فيه والقتداء‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان فضل الصلة ذات الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إخبار بكثرة ركوعهم وسجودهم وهو كذلك‪ ،‬إذ لم تر الدنيا أكثر من المسلمين ركوعا وسجودا‬ ‫من سائر المم التي دانت ل بالسلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬السيما‪( :‬العلمة ولها ثلثة مظاهر‪ ،‬الول‪ :‬هو يبوسة في الجبهة ول يتعمدونها ولكنها تحدث‬ ‫من كثرة السجود على الرض‪ ،‬والثاني‪ :‬الثر النفسي من التواضع والخشوع ونور الصلح‪.‬‬

‫سعَى بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ}‬ ‫والثالث‪ :‬نور يوم القيامة يعلو وجوههم ويشهد له قوله تعالى {نُورُهُمْ َي ْ‬ ‫الية‪.‬‬ ‫‪ 3‬موجود في التوراة قبل تحريفها إذ فيها نعوت هذه المة ونعوت نبيها محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم وهي إلى الن واليهود يتأولونها هروبا من الحق حتى ل يلزموا به‪.‬‬ ‫‪ 4‬فراخ الزرع فروع الحبة منه‪.‬‬ ‫‪ 5‬الجملة تعليلية لما سبقها من صفات أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم أي‪ :‬وهبهم ذلك الكمال‬ ‫ليغيظ بهم الكفار‪.‬‬

‫( ‪)5/118‬‬ ‫‪ -4‬صفة أصحاب رسول ال في كل من التوراة والنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان أن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بدأوا قليلين ثم اخذوا يكثرون حتى كثروا‬ ‫كثرة أغاظت الكفار‪.‬‬ ‫‪ -6‬بغض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتنافى مع اليمان منافاة كاملة ل سيما خيارهم‬ ‫وكبارهم كالخلفاء الراشدين الربعة والمبشرين بالجنة العشرة وأصحاب بيعة الرضوان‪ ،‬وأهل‬ ‫بدر قبلهم‪ .‬ولذا روي عن مالك رحمه ال تعالى‪ :‬أن من ‪ 1‬يغيظه أصحاب رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم فهو كافر‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الرواية كما رواها القرطبي هي‪ :‬روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير قال كنا عند مالك بن‬ ‫أنس فذكروا رجلً ينتقص أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأ مالك هذه الية‪( :‬محمد‬ ‫رسول ال والذين معه‪ )..‬حتى بلغ‪( :‬يعجب الزراع ليغيظ به الكفار) فقال مالك من أصبح من‬ ‫الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد أصابته هذه الية‪.‬‬ ‫يريد ألزمته بالكفر‪.‬‬

‫( ‪)5/119‬‬ ‫سورة الحجرات‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الحجرات‬ ‫وآياتها ثماني عشرة آية‬ ‫وهي بداية المفصل ‪1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬ ‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديِ اللّهِ وَرَسُولِ ِه وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ أَنْ َتحْبَطَ‬ ‫جهْرِ َب ْع ِ‬ ‫جهَرُوا َلهُ بِا ْل َقوْلِ كَ َ‬ ‫ي وَل َت ْ‬ ‫صوَا َتكُمْ َفوْقَ صَ ْوتِ النّ ِب ّ‬ ‫آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬ ‫صوَا َتهُمْ عِ ْندَ رَسُولِ اللّهِ أُولَ ِئكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ‬ ‫شعُرُونَ (‪ )2‬إِنّ الّذِينَ َي ُغضّونَ َأ ْ‬ ‫عمَاُلكُ ْم وَأَنْتُمْ ل َت ْ‬ ‫أَ ْ‬ ‫عظِيمٌ (‪)3‬‬ ‫قُلُو َبهُمْ لِل ّت ْقوَى َلهُمْ َمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أشهر القوال أن أول المفصل (الحجرات) وأول وسط المفصل (عبس) وأول قصار المفصل‪:‬‬ ‫(والضحى) هذا أشهر أقوال المالكية‪ ،‬وطلب هذا لجل الصلة المفروضة ففي الصبح يستحب‬ ‫القراءة بطوال المفصل وفي الظهر والعشاء بمتوسطه وفي المغرب بقصاره‪.‬‬

‫( ‪)5/119‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا ‪:‬أي ل تتقدموا بقول ول فعل إذ هو من قدم بمعنى تقدم‪.‬‬ ‫بين يدي ال ورسوله ‪:‬كمن ذبح يوم العيد قبل أن يذبح رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكإرادة‬ ‫أحد الشيخين تأمير رجل على قوم قبل استشارة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫واتقوا ال إن ال سميع عليم ‪:‬أي خافوا ال إنه سميع لقوالكم عليم بأعمالكم‪.‬‬ ‫ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ‪:‬أي إذا نطقتم فوق صوت النبي إذا نطق‪.‬‬ ‫ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ‪:‬أي إذا ناجيتموه فل تجهروا في محادثتكم معه كما‬ ‫تجهرون في ما بينكم إجلل له صلى ال عليه وسلم وتوقيرا وتقديرا‪.‬‬ ‫أن تحبط أعمالكم ‪:‬أي كراهة أن تبطل أعمالكم فل تثابون عليها‪.‬‬ ‫وأنتم ل تشعرون ‪:‬بحبوطها وبطلنها‪ .‬إذ قد يصحب ذلك استخفاف بالنبي صلى ال عليه وسلم ل‬ ‫سيما إذا صاحب ذلك إهانة وعدم مبالة فهو الكفر والعياذ بال‪.‬‬ ‫يغضون أصواتهم عند رسول ال ‪:‬أي يخفضونها حتى لكأنهم يسارونه ومنهم أبو بكر رضي ال‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫امتحن ال قلوبهم للتقوى ‪:‬أي شرحها ووسعها لتتحمل تقوى ال‪ .‬مأخوذ من محن الديم إذا وسعه‪.‬‬ ‫لهم مغفرة وأجر عظيم ‪:‬أي مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم وهو الجنة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‪ 1‬لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلت لنا‬ ‫واضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي ال عنه وهو يريد أن ل يتم صلح بين‬ ‫المؤمنين والمشركين‪ ،‬وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إحرامهم ونحر هداياهم‬

‫والرسول يأمر وهم ل يستجيبون حتى تقدم صلى ال عليه وسلم فنحر هديه ثم نحروا بعده‬ ‫وتحللوا‪ ،‬إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي والقول بين يدي ال ورسوله‬ ‫وفي ذلك مضرة ل يعلم مداها إل ال‪ ،‬ولما انتهت تلك الحال وذلك الظرف الصعب أنزل ال‬ ‫تعالى قوله {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا}‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ذكر لسبب نزول هذه السورة عدة روايات منها ما ذكره الواحدي ورواه البخاري وهو أن ركبا‬ ‫من بني تميم قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد‪ ،‬وقال‬ ‫عمر‪ :‬أمر القرع بن حابس فقال أبو بكر‪ :‬ما أردت إل خلفي فقال عمر ما أردت خلفك فتماريا‬ ‫حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‪ }..‬الخ‬

‫( ‪)5/120‬‬ ‫أي بال ربا وإلها وبالسلم شرعة ودينا وبمحمد نبيا ورسول ناداهم بعنوان اليمان ليقول لهم‬ ‫ناهيا {ل ُتقَ ّدمُوا ‪1‬بَيْنَ َي َديِ اللّهِ وَرَسُولِهِ} أي قول ول عمل ول رأيا ول فكرا أي ل تقولوا ول‬ ‫تعملوا إل تبعا لما قال ال ورسوله‪ ،‬وشرع ال ورسوله {وَا ّتقُوا اللّهَ} في ذلك فإن التقدم بالشيء‬ ‫قبل أن يشرع ال ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من ال ورسوله وهذه زلة كبرى وعاقبتها‬ ‫علِيمٌ} بأعمالكم وأحوالكم‪ .‬ومن هنا‬ ‫سمِيعٌ} أي لقوالكم { َ‬ ‫سوأى‪ .‬ولذا قال {وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬ ‫فواجب المسلم أن ل يقول ول يعمل ‪ 2‬ول يقضي ول يفتي برأيه إل إذا علم قول ال ورسوله‬ ‫وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال ال والرسول وأحكامهما‪ ،‬فإذا لم يجد من ذلك شيئا‬ ‫اجتهد ‪ 3‬فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا ال تعالى فإذا لح له بعد ذلك نص من كتاب أو‬ ‫سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة وهذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )1‬أما الية الثانية (‪)2‬‬ ‫جهَرُوا لَهُ بِا ْل َقوْلِ‬ ‫ي وَل َت ْ‬ ‫صوْتِ النّ ِب ّ‬ ‫صوَا َتكُمْ َفوْقَ َ‬ ‫وهي قوله تعالى { يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬ ‫شعُرُونَ} فإنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول‬ ‫عمَاُل ُك ْم وَأَنْتُمْ ل تَ ْ‬ ‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ أَنْ َتحْبَطَ أَ ْ‬ ‫جهْرِ َب ْع ِ‬ ‫كَ َ‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم فأول نهاهم رضي ال عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلل النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون‬ ‫صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول ال أخفض من صوت الرسول صلى ال عليه وسلم ولقد كان‬ ‫أبو بكر الصديق رضي ال عنه إذا كلم رسول ال يساره الكلم مسارة وثانيا ونهاهم إذا هم ناجوا‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ل يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم‬ ‫توقيره وتعظيمه‪.‬وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذ هم لم يوقروا رسول ال ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم‬ ‫كما تحبط بالشرك والكفر وهم ل يشعرون‪ .‬إذ رفع الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا‬ ‫محمد يا محمد أو يا نبي ال ويا رسول ال وبأعلى الصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم‬

‫مبالة صار كفرا محبطا للعمل قطعا‪ .‬وفي الية الثالثة (‪ )3‬يثني ال تعالى على أقوام يغضون‬ ‫أصواتهم أي يخفضونها عند رسول ال أي في حضرته وبين يديه كأبي بكر وعمر رضي ال‬ ‫عنهما هؤلء يخبر تعالى أنه امتحن قلوبهم بالتقوى أي وسعها وشرحها‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه السورة نزلت في المر بمكارم الخلق ورعاية الداب زيادة على ما تضمنت من الحكام‬ ‫الشرعية والهدايات القرآنية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ومن هنا قال العلماء‪ :‬ل يحل لمرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم ال فيه‪.‬‬ ‫‪ 3‬شاهده حديث معاذ رضي ال عنه حيث قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم حين بعثه إلى‬ ‫اليمن "بما تحكم ؟ قال بكتاب ال تعالى قال صلى ال عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم فإن لم تجد؟ قال رضي ال عنه‪ :‬اجتهد رأيي‪،‬‬ ‫فضرب في صدره وقال الحمد ل الذي وفق رسول رسول ال لما يرضي رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم"‪.‬‬ ‫‪ 4‬روى البخاري (أن النبي صلى ال عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي ال عنه فقال رجل يا‬ ‫رسول ال أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده في بيته منكسا رأسه فقال له‪ :‬ما شأنك؟ فقال شر‪ ،‬كان‪:‬‬ ‫يرفع صوته فوق صوت النبي صلى ال عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار فأتى الرجل‬ ‫النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل‬ ‫النار ولكنك من أهل الجنة‪.‬‬

‫( ‪)5/121‬‬ ‫لتحمل تقوى ال والرسول صلى ال عليه وسلم يقول "التقوى ‪ 1‬ها هنا ويشير إلى صدره ثلثا" ‪،‬‬ ‫ويذكر لهم بشرى نعم البشرى وهي أن لهم منه تعالى مغفرة لذنوبهم‪ ،‬وأجرا عظيما يوم يلقونه‬ ‫وهو الجنة دار المتقين جعلنا ال منهم بفضله ورحمته‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ل يجوز للمسلم أن يقدم رأيه أو اجتهاده على الكتاب والسنة فل رأي ول اجتهاد إل عند عدم‬ ‫وجود نص من كتاب أو سنة وعليه إذا اجتهد أن يكون ما اجتهد فيه أقرب إلى مراد ال ورسوله‪،‬‬ ‫أي ألصق بالشرع‪ ،‬وإن ظهر له بعد الجتهاد نص من كتاب أو سنة عاد إلى الكتاب والسنة‬ ‫وترك رأيه أو اجتهاده فورا وبل تردد‪.‬‬ ‫‪ -2‬بما أن ال تعالى قد قبض إليه نبيه ولم يبق بيننا رسول ال نتكلم معه أو نناجيه فنخفض‬ ‫أصواتنا عند ذلك فإن علينا إذا ذكر رسول ال بيننا أو ذكر حديثه أن نتأدب عند ذلك فل نضحك‬

‫ول نرفع الصوت‪ ،‬ول نظهر أي استخفاف أو عدم مبالة وإل يخشى علينا أن تحبط أعمالنا ونحن‬ ‫ل نشعر‪.‬‬ ‫‪ -3‬على الذين يغشون مسجد رسول اله صلى ال عليه وسلم أن ل يرفعوا أصواتهم فيه إل‬ ‫لضرورة درس أو خطبة أو أذان أو إقامة‪.‬‬ ‫ن وَرَاءِ ا ْلحُجُرَاتِ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعْقِلُونَ (‪ )4‬وََلوْ أَ ّنهُ ْم صَبَرُوا حَتّى َتخْرُجَ إِلَ ْيهِمْ‬ ‫إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬ ‫سقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ ُتصِيبُوا‬ ‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )5‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَا َءكُمْ فَا ِ‬ ‫َلكَانَ خَيْرا َلهُ ْم وَاللّهُ َ‬ ‫جهَالَةٍ فَ ُتصْبِحُوا عَلَى مَا َفعَلْتُمْ نَا ِدمِينَ (‪ )6‬وَاعَْلمُوا أَنّ فِيكُمْ َرسُولَ اللّهِ َلوْ يُطِي ُع ُكمْ فِي كَثِيرٍ‬ ‫َقوْما ِب َ‬ ‫ن وَزَيّنَهُ فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَ ّرهَ إِلَ ْيكُمُ‬ ‫لمْرِ َلعَنِتّ ْم وََلكِنّ اللّهَ حَ ّببَ إِلَ ْيكُمُ الْأِيمَا َ‬ ‫ناَ‬ ‫مِ َ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا بعض حديث صحيح أخرجه واحد من أصحاب السنن‪.‬‬

‫( ‪)5/122‬‬ ‫حكِيمٌ (‪)8‬‬ ‫شدُونَ (‪َ )7‬فضْلً مِنَ اللّ ِه وَ ِن ْعمَ ًة وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬ ‫ق وَا ْل ِعصْيَانَ أُولَ ِئكَ هُمُ الرّا ِ‬ ‫ا ْل ُكفْرَ وَا ْلفُسُو َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذين ينادونك من وراءالحجرات ‪:‬أي حجرات نسائه والذين نادوه من أعراب بني تميم منهم‬ ‫الزبرقان بن بدر‬ ‫والقرع بن حابس وعيينة بن حصن‪.‬‬ ‫أكثرهم ل يعقلون ‪:‬أي فيما فعلوه بمحلك الرفيع ومقامك السامي الشريف‪.‬‬ ‫ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ‪:‬أي ولو أنهم انتظروك حتى تخرج بعد قيامك من قيلولتك‪.‬‬ ‫لكان خيرا لهم ‪:‬أي من ذلك النداء بأعلى أصواتهم من كل أبواب الحجرات‪.‬‬ ‫وال غفور رحيم ‪:‬أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذا أساءوا مرتين الولى برفع أصواتهم‬ ‫والثانية كانوا ينادونه أن اخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمنا شين‪.‬‬ ‫واسق بنبأ ‪:‬أي ذو فسق وهو المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والنبأ الخير ذو الشأن‪.‬‬ ‫فتبينوا ‪:‬أي تثبتوا قبل أن تقولوا أو تفعلوا أو تحكموا‪.‬‬ ‫أن تصيبوا قوما بجهالة ‪:‬أي خشية إصابة قوم بجهالة منكم‪.‬‬ ‫فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ‪:‬أي فتصيروا على فعلكم الخاطئ نادمين‪.‬‬ ‫واعلموا أن فيكم رسول ال ‪:‬أي فاحذروا أن تكذبوا أو تقولوا الباطل فإن الوحي ينزل وتفضحون‬ ‫بكذبكم وباطلكم‪.‬‬ ‫لو يطيعكم في كثير من المر لعنتم ‪:‬أي لوقعتم في المشقة الشديدة والثم أحيانا‪.‬‬ ‫وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ‪:‬أي بغض إلى قلوبكم الكفر والفسوق كالكذب والعصيان‬

‫بترك واجب أو فعل محرم‪.‬‬ ‫أولئك هم الراشدون ‪:‬أي الذين فعل بهم ما فعل من تحبيب اليمان وتكريه الكفر وما ذكر معه هم‬ ‫الراشدون أي السالكون سبيل الرشاد‪.‬‬

‫( ‪)5/123‬‬ ‫فضل من ال ونعمة ‪:‬أي أفضل بذلك عليهم فضل وأنعم إنعاما ونعمة‪.‬‬ ‫وال عليم حكيم ‪:‬أي عليم بخلقه وما يعملون حكيم في تدبيره لعباده هذا بعامة وبخاصة عليم‬ ‫بأولئك الراشدين حكيم في إنعامه عليهم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تأديب المؤمنين إزاء نبيهم صلى ال عليه وسلم فقد عاب تعالى أقواما‬ ‫معهم جفاء وغلظة قيل أنهم وفد من أعراب بني تميم منهم الزبرقان بن بدر‪ ،‬والقرع بن حابس‬ ‫وعيينة بن حصن جاءوا والرسول قائل وقت القيلولة ووقفوا على أبواب الحجرات ‪ 1‬ينادون‬ ‫بأعلى أصواتهم يا محمد يا محمد صلى ال عليه وسلم أن اخرج إلينا فإنما مدحنا زين وإن ذمنا‬ ‫ن وَرَاءِ ا ْلحُجُرَاتِ}‬ ‫شين فأنزل ال تعالى فيهم هذه الية الكريمة تأديبا لهم {إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬ ‫حجرات نساء الرسول صلى ال عليه وسلم وكانت أبواب الحجرات إلى المسجد‪َ{ .‬أكْثَرُ ُه ْم ل ‪2‬‬ ‫َي ْعقِلُونَ} أي فيما فعلوه بمقام الرسول الشريف ومكانته الرفيعة‪{ .‬وََلوْ أَ ّن ُه ْم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ‬ ‫إِلَ ْيهِمْ} بعد هبوبك من قيلولتك {َلكَانَ‪ 3‬خَيْرا} أي من ذلك النداء بتعالي الصوات من وراء‬ ‫غفُورٌ َرحِيمٌ} أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذ لم يعجل لهم‬ ‫الحجرات وقوله تعالى {وَاللّهُ َ‬ ‫العقوبة وفتح لهم باب التوبة وأدبهم ولم يعنف ولم يغلظ‪ ،‬وقوله تعالى في الية الثالثة من هذا‬ ‫جهَاَلةٍ فَ ُتصْبِحُوا‬ ‫السياق (‪{ )6‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَا َءكُمْ فَاسِقٌ‪ 4‬بِنَبَأٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ ُتصِيبُوا ‪َ 5‬قوْما بِ َ‬ ‫عَلَى مَا َفعَلْتُمْ نَا ِدمِينَ} هذه الية وإن كان لها سبب في نزولها وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأتي بزكاة أموالهم‪ ،‬وكان بينهم وبين أسرة‬ ‫الوليد عداء في الجاهلية فذكره الوليد وهاب أن يدخل عليهم دارهم وهذا من وسواس الشيطان‬ ‫فرجع وستر على نفسه الخوف الذي أصابه فذكر أنهم منعوه الزكاة وهموا بقتله فهرب منهم‬ ‫فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم بغزوهم‪ .‬وما زال كذلك حتى أتى وفد منهم‬ ‫يسترضي رسول ال ويستعتب عنده خوفا من أن يكون قد بلغه عنهم سوء فأخبروه بأنهم على‬ ‫العهد وأن الوليد رجع من الطريق ولم يصل إليهم وبعث الرسول خالد بن الوليد من جهة فوصل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الحجرات‪ :‬جمع حجرة وهي تسع تدخل ضمن البيت النبوي‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا الحتراس دال على أن من الوفد من كان متأدبا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يناد‬

‫نداءهم بصوت عال وألفاظ نابية ل تليق بمقام الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬لو انتظروا خروجك لكان أصلح لهم في دينهم ودنياهم وكان النبي صلى ال عليه وسلم ل‬ ‫يحتجب عن الناس إل في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء‬ ‫الدب‪.‬‬ ‫‪ 4‬فسر الفاسق‪ .‬بالكاذب وبالمعلن بالذنب‪ ،‬وبالذي ل يستحي من ال وهو قابل لكل ما ذكر‪.‬‬ ‫‪ 5‬أن تصيبوا‪ :‬أي‪ :‬لئل تصيبوا‪.‬‬

‫( ‪)5/124‬‬ ‫إليهم قبل المغرب فإذا بهم يؤذنون و يصلون المغرب والعشاء فعلم أنهم لم يرتدوا وأنهم على خير‬ ‫والحمد ل‪ .‬وجاء بالزكوات وأنزل ال تعالى هذه الية قلت إن هذه الية وإن نزلت في سبب‬ ‫معين فإنها عامة وقاعدة أساسية هامة فعلى الفرد والجماعة والدولة أن ل يقبلوا من الخبار التي‬ ‫تنقل إليهم ول يعملوا بمقتضاها إل بعد الثبت والتبين الصحيح كراهية أن يصيبوا فردا أو جماعة‬ ‫بسوء بدون موجب لذلك ول مقتض القالة سوء وفرية قد يريد بها صاحبها منفعة لنفسه بجلب‬ ‫مصلحة أو دفع مضرة عنه‪ .‬فالخذ بمبدأ التثبت والتبين عند سماع خبر من شخص لم يعرف‬ ‫بالتقوى والستقامة الكاملة والعدالة التامة واجب صونا لكرامة الفراد وحماية لرواحهم‬ ‫وأموالهم‪ .‬والحمد ل على شرع عادل رحيم كهذا‪ .‬فقوله {إِنْ جَا َءكُمْ فَاسِقٌ} المراد بالفاسق من‬ ‫يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب كالكذب مثل‪ ,‬والنبأ الخبر ذو الشأن والتبين التثبت وقوله {أَنْ‬ ‫جهَاَلةٍ} أن تصيبوهم في أبدانهم وأموالهم بعدم علم منكم وهي الجهالة وقوله‬ ‫ُتصِيبُوا َقوْما بِ َ‬ ‫{فَ ُتصْبِحُوا عَلَى مَا َفعَلْتُمْ نَا ِدمِينَ} أي من جراء ما اتخذتم من إجراء خاطئ‪ ،‬وقوله تعالى في الية‬ ‫عَلمُوا} يلفت الرب تعالى نظر المسلمين إلى حقيقة هم غافلون عنها وهو وجود الرسول‬ ‫(‪{ )7‬وَا ْ‬ ‫صلى ال عليه وسلم حيا بينهم ينزل عليه الوحي فإن هذه حال تتطلب منهم التزام الصدق في‬ ‫القول والعمل وإل يفضحهم الوحي فورا إن هم كذبوا في قول أو عمل كما فضح الوليد لما أخبر‬ ‫بغير الحق‪ .‬هذا أول وثانيا لو كان الرسول صلى ال عليه وسلم يطيعهم في كل ما يرونه‬ ‫ويقترحونه لوقعوا في مشاكل تعرضهم لمشاق ل تطاق‪ ،‬بل وفي آثام عظام‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‬ ‫لمْرِ َلعَنِتّمْ} وقوله {وََلكِنّ اللّهَ حَ ّببَ‪ 2‬إِلَ ْيكُمُ‬ ‫{وَاعَْلمُوا أَنّ فِيكُمْ َرسُولَ اللّهِ َلوْ يُطِي ُعكُمْ‪ 1‬فِي كَثِيرٍ مِنَ ا َ‬ ‫ن وَزَيّنَهُ فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَ ّرهَ ِإلَ ْيكُمُ ا ْل ُكفْرَ وَالْفُسُوقَ وَا ْل ِعصْيَانَ} فوقاكم كثيرا من أن تكذبوا على‬ ‫الْأِيمَا َ‬ ‫شدُونَ‪ }3‬أي أولئك أصحاب‬ ‫رسولكم أو تقترحوا عليه أو تفرضوا آراءكم‪ .‬وقوله {أُولَ ِئكَ ُهمُ الرّا ِ‬ ‫رسول ال هم السالكون سبيل الرشاد فل يتهوكون ول يضلون وقوله { َفضْلً‪ 4‬مِنَ اللّهِ وَ ِنعْمَةً} أي‬ ‫هدايتهم كانت فضل من ال ونعمة‪ ،‬وال عليم بهم وبنياتهم وبواعث نفوسهم حكيم ‪ 5‬في تدبيره‬ ‫فأهل أصحاب رسول ال‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬لو‪ :‬حرف امتناع لمتناع‪ ،‬امتنعت طاعته صلى ال عليه وسلم لهم فامتنع عنتهم الذي هو‪:‬‬ ‫الوقوع في المشقة والشدة‪.‬‬ ‫‪( 2‬لكن) هذه الستدراكية العاطفة‪ ،‬وهذا الستدراك ناشيء عن كون بعضهم يحب أن يطيعه‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعلموا أن ال حبب إليهم اليمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم‬ ‫الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين‪ ،‬فكفاهم خواطر السوء‪ ،‬ورغبات الباطل‪ ،‬فلم يبق‬ ‫مجال للقتراحات التي تسيء إليهم وإلى جانب نبيهم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الرشاد‪ ،‬والرشد‪ :‬ما كان خلف الغي‪ ،‬والباطل والسيء‪.‬‬ ‫‪ 4‬نصب‪( :‬فضل ونعمه) على المفعولية المطلقة‪.‬‬ ‫‪ 5‬جملة ‪( :‬وال عليم حكيم) تذييلية لما تقدم من قوله‪( :‬واعلموا أن فيكم رسول ال) إلى قوله‪:‬‬ ‫(ونعمة)‪.‬‬

‫( ‪)5/125‬‬ ‫للخير وأضفاه عليهم فهم أفضل هذه المة على الطلق ول مطمع لحد أتى بعدهم أن يفوقهم في‬ ‫الفضل والكمال في الدنيا ول في الخرة فرضي ال عنهم وأرضاهم أجمعين وعنا معهم آمين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سمو المقام المحمدي وشرف منزلته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب التثبت في الخبار ذات الشأن التي قد يترتب عليها أذى أو ضرر بمن قيلت فيه‪،‬‬ ‫وحرمة التسرع المفضي بالخذ بالظنة فيندم الفاعل بعد ذلك في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪ -3‬من أكبر النعم على المؤمنين تحبيب ال تعالى اليمان إليه وتزيينه في قلبه‪ ،‬وتكريه الكفر إليه‬ ‫والفسوق والعصيان وبذلك أصبح المؤمن أرشد الخلق بعد أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَ َتلُوا فََأصِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا فَإِنْ َب َغتْ ِإحْدَا ُهمَا عَلَى الْأُخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي‬ ‫سطِينَ (‪)9‬‬ ‫حبّ ا ْلمُقْ ِ‬ ‫حَتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ فَإِنْ فَا َءتْ فََأصِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْلعَ ْدلِ وََأقْسِطُوا إِنّ اللّهَ ُي ِ‬ ‫حمُونَ (‪ )10‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل‬ ‫خوَ ْيكُ ْم وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّل ُكمْ تُرْ َ‬ ‫خ َوةٌ فََأصِْلحُوا بَيْنَ أَ َ‬ ‫إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ِإ ْ‬ ‫ن وَل‬ ‫سخَرْ َقوْمٌ مِنْ َقوْمٍ عَسَى أَنْ َيكُونُوا خَيْرا مِ ْنهُ ْم وَل ِنسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ َيكُنّ خَيْرا مِ ْنهُ ّ‬ ‫يَ ْ‬ ‫سكُ ْم وَل تَنَابَزُوا بِالَ ْلقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ ا ْلفُسُوقُ َبعْدَ الْأِيمَانِ َومَنْ َلمْ يَ ُتبْ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬ ‫تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫الظّاِلمُونَ (‪ )11‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنَ الظّنّ إِنّ َب ْعضَ الظّنّ إِثْمٌ‬

‫( ‪)5/126‬‬ ‫حمَ َأخِيهِ مَيْتا َفكَرِهْ ُتمُوهُ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ‬ ‫حبّ أَحَ ُد ُكمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ لَ ْ‬ ‫ضكُمْ َبعْضا أَ ُي ِ‬ ‫وَل َتجَسّسُوا وَل َيغْ َتبْ َب ْع ُ‬ ‫شعُوبا َوقَبَا ِئلَ لِ َتعَا َرفُوا إِنّ‬ ‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬ ‫اللّهَ َتوّابٌ َرحِيمٌ (‪ )12‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَ ٍر وَأُنْثَى وَ َ‬ ‫َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَ ْتقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (‪)13‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن طائفتان من المؤمنين ‪:‬أي جماعتان قل أفرادهما أو كثروا من المسلمين‪.‬‬ ‫اقتتلوا فأصلحوا بينهما ‪:‬أي هموا بالقتتال أو باشروه فعل فأصلحوا ما فسد بينهما‪.‬‬ ‫فإن بغت إحداهما على الخرى ‪:‬أي تعدت بعد المصالحة بأن رفضت ذلك ولم ترض بحكم ال‪.‬‬ ‫فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلىأمر ال ‪:‬أي قاتلوا أيها المؤمنون مجتمعين الطائفة التي بغت حتى‬ ‫ترجع إلى الحق‪.‬‬ ‫فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ‪:‬أي رجعت إلى الحق بعد مقاتلتها فأصلحوا بينهما بالعدل أي‬ ‫بالحق‪.‬‬ ‫وأقسطوا إن ال يحب المقسطين ‪:‬أي وأعدلوا في حكمكم إن ال يحب أهل العدل‪.‬‬ ‫إنما المؤمنون إخوة ‪:‬أي في الدين السلمي‪.‬‬ ‫فأصلحوا بين أخويكم ‪:‬أي إذا تنازعا شيئا وتخاصما فيه‪.‬‬ ‫واتقوا ال لعلكم ترحمون ‪:‬أي خافوا عقابه رجاء أن ترحموا إن أنتم اتقيتموه‪.‬‬ ‫ل يسخر قوم من قوم ‪ :‬أي ل يزدر قوم منكم قوما آخرين ويحتقرونهم‪.‬‬ ‫عسى أن يكونوا خيرا منهم ‪:‬أي عند ال تعالى والعبرة بما عند ال ل ما عند الناس‪.‬‬ ‫ول تلمزوا أنفسكم ‪:‬أي ل تعيبوا بعضكم بعضا فإنكم كفرد واحد‪.‬‬ ‫ول تنابزوا باللقاب ‪:‬أي ل يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه نحو يا فاسق يا جاهل‪.‬‬

‫( ‪)5/127‬‬ ‫بئس السم الفسوق بعد اليمان ‪:‬أي قبح اسم الفسوق يكون للمرء بعد إيمانه وإسلمه‪.‬‬ ‫ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ‪:‬أي من لمز ونبز المؤمنين فأولئك البعداء هم الظالمون‪.‬‬ ‫اجتنبوا كثيرا من الظن ‪:‬أي التهم التي ليس لها ما يوجبها من السباب والقرائن‪.‬‬ ‫إن بعض الظن إثم ‪:‬أي كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين‪.‬‬ ‫ول تجسسوا ول يغتب بعضكم بعضا‪ :‬أي ل تتبعوا عورات المسلمين وما بهم بالبحث عنها‪.‬‬ ‫أيحب أحدكم أن يأكل لحم ‪:‬أي ل يحسن به حب أكل لحم أخيه ميتا ول حيا معا‪.‬‬

‫أخيه ميتا‬ ‫فكرهتموه ‪:‬أي وقد عرض عليكم الول فكرهتموه فاكرهوا أي كما كرهتم أكل لحمه ميتا فاكرهوه‬ ‫حيا وهو الغيبة‪.‬‬ ‫وجعلناكم شعوبا وقبائل ‪:‬أي جمع شعب والقبيلة دون الشعب‪.‬‬ ‫لتعارفوا ‪:‬أي ليعرف بعضكم بعضا فتعارفوا ل للتفاخر بعلو النساب‪.‬‬ ‫إن أكرمكم عند ال أتقاكم ‪:‬أي أشدكم تقوى ل بفعل أوامره وترك نواهيه هو أكرم عند ال‪.‬‬ ‫إن ال عليم خبير ‪ :‬أي عليم بكم وبأحوالكم خبير بما تكونون عليه من كمال ونقص ل يخفى عليه‬ ‫شيء من أشياء العباد‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا ‪ }1‬اليات ما زال السياق الكريم في طلب تأديب‬ ‫المسلمين وتربيتهم وإعدادهم للكمال الدنيوي والخروي ففي اليتين (‪ )9‬و (‪ )10‬من هذا السياق‬ ‫يرشد ال تعالى المسلمين إلى كيفية علج مشكلة النزاع المسلح بين المسلمين الذي قد يحدث في‬ ‫المجتمع السلمي بحكم الضعف النساني من الوقت إلى الوقت وهو مما يكاد يكون من‬ ‫ضروريات الحياة البشرية وعوامله كثيرة ل حاجة إلى ذكرها فقال تعالى {وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ} أي‬ ‫جماعتان {مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ولو كان ذلك بين اثنين فقط {فََأصْلِحُوا} أيها المسلمون {بَيْ َنهَا ‪}2‬‬ ‫بالقضاء على أسباب الخلف وترضية الطرفين بما هو حق وخير وليس هذا‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال مجاهد‪ :‬نزلت هذه الية في الوس والخزرج حيث تقاتل حيان من النصار بالعصي‬ ‫والنعال‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬بالدعاء إلى كتاب ال لهما أو عليهما وقضاء رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫كذلك كما قال معاذ‪ :‬أحكم بكتاب ال فإن لم أجد فبسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/128‬‬ ‫حدَا ُهمَا} أي اعتدت إحدى‬ ‫بصعب مع وجود قلوب مؤمنة وهداية ربانية وقوله {فَإِنْ َب َغتْ إِ ْ‬ ‫الطائفتين بعد الصلح‬ ‫{عَلى الُْأخْرَى} بأن رفضت حكم ال الذي قامت المصالحة بموجبه { َفقَاتِلُو} ‪ 1‬مجتمعين {الّتِي‬ ‫تَ ْبغِي} أي تعتدي { حَتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ} أي إلى الحق {فَإِنْ فَا َءتْ} أي أذعنت للحق ورضيت‬ ‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ}‪ . 2‬وقوله‬ ‫ل وََأقْسِطُوا} في حكمكم دائما وأبدا {إِنّ اللّهَ ُي ِ‬ ‫به {فََأصْلِحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْلعَ ْد ِ‬ ‫حمُونَ} يقرر‬ ‫خوَ ْيكُمْ‪ 3‬وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّل ُكمْ تُرْ َ‬ ‫خ َوةٌ فََأصْلِحُوا بَيْنَ َأ َ‬ ‫تعالى في الية(‪{ )10‬إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِ ْ‬ ‫تعالى الخوة السلمية ويقصر المؤمنين عليها قصرا فليس المؤمنون إل أخوة لبعضهم بعضا‬

‫ولذا وجب رأب كل صدع وإصلح كل فاسد يظهر بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك { وَاتّقُوا‬ ‫اللّهَ} في ذلك فل تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان اليمان والسلم‬ ‫حمُونَ} فل يتصدع بنيانكم ول تتشتت أمتكم وتصبح جماعات وطوائف‬ ‫في دياره وقوله {َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬ ‫متعادية يقتل بعضها بعضا‪ .‬ولما لم يتق المؤمنون ال في الصلح الفوري بين الطوائف‬ ‫السلمية المتنازعة حصل من الفساد والشر ما ال به عليم في الغرب السلمي والشرق‪ .‬وقوله‬ ‫في الية(‪{ )11‬يا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَسْخَرْ َقوْمٌ مِنْ َقوْمٍ عَسَى أَنْ َيكُونُوا خَيْرا مِ ْن ُه ْم وَل نِسَاءٌ مِنْ‬ ‫نِسَاءٍ عَسَى أَنْ َيكُنّ خَيْرا مِ ْنهُنّ} إذ من عوامل النزاع والتقاتل وأسبابهما سخرية المؤمن بأخيه‬ ‫واحتقاره لضعف حاله ورثاثة ثيابه وقلة ذات يده فحرم تعالى بهذه الية على المسلم أن يحتقر‬ ‫أخاه المسلم ويزدريه منبها إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد يكون غالبا خيرا عند ال‬ ‫من المحتقر له والعبرة بما عند ال ل بما عند الناس والرجال في هذا والنساء سواء فل يحل‬ ‫لمؤمنة أن تزدري وتحتقر أختها المؤمنة عسى أن تكون عند ال خيرا منها والعبرة بالمنزلة عند‬ ‫ال ل عند الناس وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لفضائها إلى العداوة والشحناء ثم‬ ‫سكُ ْم وَل تَنَابَزُوا بِالَ ْلقَابِ بِئْسَ‬ ‫التقاتل حرم كذلك اللمز والتنابز باللقاب فقال تعالى {وَل تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬ ‫سمُ ا ْلفُسُوقُ َبعْدَ الْأِيمَانِ} ومعنى ل تلمزوا أنفسكم أي ل يعب ‪ 4‬بعضكم بعضا بأي عيب من‬ ‫الِا ْ‬ ‫العيوب فإنكم كشخص واحد فمن عاب‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الية نص صريح في وجوب قتال أهل البغي‪ ,‬وهم الذين يخرجون عن إمام المسلمين ظلما‬ ‫وعدوانا بعد دعوتهم إلى الطاعة ل ورسوله وإمام المسلمين‪ ,‬ول التفات إلى من يرى غير هذا‪,‬‬ ‫ومن أحكام قتال أهل البغي أنه ل يقتل أسيرهم ول يذفف على جريحهم أي ل يجهز عليه قتل ول‬ ‫تسبى ذراريهم ول نساؤهم ول أموالهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال" المقسطون عند ال تعالى يوم‬ ‫القيامة على منابر من نور عن يمين العرش‪ :‬الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"‪.‬‬ ‫‪ 3‬الية دليل على أن اسم اليمان ل يزول بالبغي فإن ال تعالى قال (بين أخويكم) فأثبت أخوة‬ ‫اليمان ولم يسقطها بالبغي‪ .‬روى أن عليا سئل عن قتال أهل البغي من أهل الجمل‪ ,‬وصفين‪,‬‬ ‫أمشركون هم؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬من الشرك فروا فقيل‪ :‬أمنافقون؟ قال ل لن المنافقين ليذكرون ال إل‬ ‫قليل‪ ,‬فقيل له فما حالهم؟ قال‪ :‬إخواننا بغوا علينا‪.‬‬ ‫‪ 4‬قال عبد ال بن مسعود‪ :‬البلء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا‪.‬‬

‫( ‪)5/129‬‬

‫أخاه المسلم كأنما عاب نفسه كما أن المعاب قد يرد العيب بعيب من عابه وهذا معنى ول تلمزوا‬ ‫أنفسكم وقوله ول تنابزوا باللقاب أي ل يلقب المسلم أخاه بلقب يكرهه فإن ذلك يفضي إلى‬ ‫العداوة والمقاتلة وقوله {بِئْسَ الِاسْمُ ا ْلفُسُوقُ َبعْدَ الْأِيمَانِ} أي قبح أشد القبح أن يلقب المسلم بلقب‬ ‫الفسق بعد أن أصبح مؤمنا عدل كامل في أخلقه وآدابه فل يحل لمؤمن أن يقول لخيه يا فاسق‬ ‫أو يا كافر أو يا عاهر أو يا فاسد‪ ,‬إ بئس السم اسم الفسوق كما أن الملقب للمسلم بألقاب السوء‬ ‫يعد فاسقا وبئس السم له أن يكون فاسقا بعد إيمانه بال ولقائه والرسول وما جاء به‪ ,‬وقوله تعالى‬ ‫{ َومَنْ لَمْ يَ ُتبْ} أي من احتقار المسلمين وازدرائهم وتلقيبهم بألقاب يكرهونها {أُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ}‬ ‫المتعرضون لغضب ال وعقابه‪ .‬وقوله في الية(‪{ )12‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنَ الظّنّ‬ ‫ضكُمْ َبعْضا} ينادي ال تعالى المسلمين بعنوان‬ ‫إِنّ َب ْعضَ الظّنّ إِثْ ٌم وَل تَجَسّسُوا وَل َيغْ َتبْ َب ْع ُ‬ ‫اليمان إذ به أصبحوا أحياء يسمعون ويبصرون ويقدرون على الفعل والترك إذ اليمان بمثابة‬ ‫الروح إذا أحلت الجسم تحرك فأبصرت العين وسمعت الذن ونطق اللسان وفهم القلب‪.‬‬ ‫فيقول {يا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنَ الظّنّ‪ }1‬وهو كل ظن ليس له ما يوجبه من القرائن و‬ ‫الحوال والملبسات المقتضية له‪ ,‬ويعلل هذا النهي المقتضي للتحريم فيقول {إِنّ َب ْعضَ الظّنّ إِ ْثمٌ}‬ ‫وذلك كظن السوء بأهل الخير والصلح فالمة فإن ظن السوء فيهم قد يترتب عليه قول باطل أو‬ ‫جسّسُوا} أي ل تتبعوا عورات‬ ‫فعل سوء أو تعطيل معروف‪ ,‬فيكون إثما كبيرا‪ ,‬وقوله {وَل تَ َ‬ ‫المسلمين ومعايبهم بالحث عنها والطلع عليها أمل في ذلك من الضرر الكبير‪ ,‬وقوله {وَل َيغْ َتبْ‬ ‫ضكُمْ‪َ 2‬بعْضا} أي ل يذكر أحدكم أخاه في غيبته بما يكره وهنا يروى في الصحيح من‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫الحاديث ما معناه أن رجل سأل الرسول صلى ال عليه وسلم عن الغيبة فقال له ذكرك أخاك بما‬ ‫يكره فقال الرجل فإن كان فيه ما يكره قال فإن كان فيه ما يكره فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد‬ ‫بهته والبهتان أسوأ الغيبة‪ .‬وقوله أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا؟ والجواب ل قطعا إذا فكما‬ ‫عرض عليكم لحم أخيكم ميتا فكرهتموه فاكرهوا إذا أكل لحمه حيا وهو ‪3‬عرضه والعرض أعز‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قالت العلماء‪ :‬الظن هو هنا التهمة بدون قرينة حال تدل عليها أو تدعو إليها وقد صح الحديث‬ ‫بتحريم الظن السيء بقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫في رواية الصحيح "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ول تجسسوا ول تحسسوا ول تناجشوا‬ ‫ول تحاسدوا ول تباغضوا ول تدابروا وكونوا عباد ال إخوانا"‪.‬‬ ‫‪ 2‬الغيبة عامة في الدين والخلق والحسب والنسب ول وجه لتخصيصها بواحد مما ذكر‪ ,‬وكيف‬ ‫وقد فسرها النبي صلى ال عليه وسلم بقوله" ذكرك أخاك بما يكره"‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال قتادة كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا‪ ,‬واستعمل‬ ‫أكل اللحم مكان الغيبة لن عادة العرب جارية بذلك قال الشاعر‪:‬‬

‫فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم‬ ‫وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا‬

‫( ‪)5/130‬‬ ‫وأغلى من الجسم وقوله {وَا ّتقُوا اللّهَ} في غيبة بعضكم بعضا فإن الغيبة من عوامل الدمار والفساد‬ ‫بين المسلمين‪ ,‬وقوله {إِنّ اللّهَ َتوّابٌ َرحِيمٌ} جملة تعليلية للمر بالتوبة فأخبر تعالى أنه يقبل توبة‬ ‫التائبين وأنه رحيم بالمؤمنين ومن مظاهر ذلك أنه حرم الغيبة للمؤمن لما يحصل له من بها من‬ ‫شعُوبا‬ ‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬ ‫ضرر وأذى‪ .‬وقوله تعالى في الية(‪{ )13‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَ ٍر وَأُنْثَى وَ َ‬ ‫َوقَبَائِلَ لِ َتعَا َرفُوا} هذا نداء هو آخر نداءات ال تعالى عباده في هذه السورة وهو أعم من النداء‬ ‫بعنوان اليمان فقال {يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَ ٍر وَأُنْثَى} من آدم وحواء باعتبار الصل كما‬ ‫شعُوبا َوقَبَا ِئلَ} وبطونا وأفخاذا‬ ‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬ ‫أن كل آدمي مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والخر أنثى { َو َ‬ ‫وفصائل كل هذا لحكمة التعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان ل يعرف الحيوان الخر ولكن جعلكم‬ ‫شعوبا وقبائل وعائلت وأسر لحكمة التعارف المقتضي للتعاون إذ التعاون بين الفراد ضروري‬ ‫لقيام مجتمع صالح سعيد فتعارفوا وتعاونوا ول تتفرقوا لجل التفاخر بالنساب فإنه ل قيمة‬ ‫للحسب ول للنسب إذا كان المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إن أكرمكم عند ال‬ ‫أتقاكم ‪ .1‬إن الشرف والكمال فيما عليه النسان من زكاة روحه وسلمة خلقه وإصابة رأيه وكثرة‬ ‫معارفه وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} جملة تعليلية يبين فيها تعالى أنه عليم بالناس عليم‬ ‫بظواهرهم وبواطنهم وبما يكملهم ويسعدهم خبير بكل شيء في حياتهم فليسلم له التشريع بالتحليل‬ ‫والتحريم والمر والنهي فإنه على علم بالحال والمآل وبما يسعد النسان وبما يشقيه فآمنوا به‬ ‫وأطيعوه تكملوا وتسعدوا‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب مبادرة المسلمين إلى إصلح ذات البين بينهم كلما حصل فساد أو خلل فيها‪.‬‬ ‫‪ -2‬وجوب تعاون المسلمين على تأديب أية جماعة تبغي وتعتدي حتى تفيء إلى الحق‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الحكم بالعدل في أية قضية من قضايا المسلمين وغيرهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير الخوة السلمية ووجوب تحقيقها بالقول والعمل‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة السخرية واللمز والتنابز بين المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -6‬وجوب إجتناب كل ظن ل قرينة ول حال قوية تدعو إلى ذلك‪.‬‬ ‫‪ -7‬حرمة التجسس أي تتبع عورات المسلمين وكشفها وإطلع الناس عليها‪.‬‬ ‫__________‬

‫‪ 1‬روى الترمذي أن النبي صلى ال عليه وسلم" خطب بمكة فقال‪ :‬يا أيها الناس إن ال قد أذهب‬ ‫عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلن‪ :‬بر تقي كريم على ال‪ ,‬وفاجر شقي هين‬ ‫على ال"‪.‬‬

‫( ‪)5/131‬‬ ‫‪ -1‬حرمة الغيبة والنميمة‪ .‬والنميمة هي نقل الحديث على وجه الفساد ولذا يجوز ذكر الشخص‬ ‫وهو غائب في مواطن هي التظلم بأن يذكر المسلم من ظلمه لزالة ظلمه‪ ،‬الستعانة على تغير‬ ‫المنكر بذكر صاحب المنكر‪ .‬الستفتاء نحو قول المستفتي ظلمني فلن بكذا فهل يجوز له ذلك‪،‬‬ ‫تحذير المسلمين من الشر بذكر فاعله قصد أن يحذروه‪ ،‬المجاهر بالفسق ل غيبة له‪ ،‬التعريف‬ ‫بلقب ل يعرف الرجل إل به‪.‬‬ ‫‪ -2‬حرمة التفاخر بالنساب ووجوب التعارف للتعاون‪.‬‬ ‫‪ -3‬ل شرف ول كرم إل بشرف التقوى وكرامتها {إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَ ْتقَاكُمْ } وفي الحديث "ل‬ ‫فضل لعربي على عجمي ول لبيض على أسود إل بالتقوى" رواه الطبراني‪.‬‬ ‫خلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُو ِبكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللّهَ‬ ‫قَاَلتِ الَعْرَابُ آمَنّا ُقلْ َلمْ ُت ْؤمِنُوا وََلكِنْ قُولُوا أَسَْلمْنَا وََلمّا يَ ْد ُ‬ ‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ‬ ‫عمَاِلكُمْ شَيْئا إِنّ اللّهَ َ‬ ‫وَرَسُولَهُ ل يَلِ ْتكُمْ مِنْ أَ ْ‬ ‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ُ )15‬قلْ‬ ‫وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬ ‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪َ )16‬يمُنّونَ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬ ‫أَ ُتعَّلمُونَ اللّهَ ِبدِي ِنكُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬ ‫سَلمُوا ُقلْ ل َتمُنّوا عََليّ ِإسْل َمكُمْ َبلِ اللّهُ َيمُنّ عَلَ ْيكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‬ ‫عَلَ ْيكَ أَنْ أَ ْ‬ ‫ت وَالَ ْرضِ وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)18‬‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫‪ )17‬إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ‬

‫( ‪)5/132‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قالت العراب آمنا ‪:‬هم نفر من بني أسد قدموا على الرسول وقالوا له آمنا وهم غير مؤمنين‪.‬‬ ‫قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ‪:‬أي قل لهم إنكم ما آمنتم بعد ولكن قولوا أسلمنا أي استسلمنا‬ ‫وانقدنا‪.‬‬ ‫ولما يدخل اليمان في قلوبكم ‪:‬أي ولما يدخل اليمان بعد في قلوبكم ولكنه يتوقع له الدخول‪.‬‬ ‫وإن تطيعوا ال ورسوله ‪:‬أي في اليمان والقيام بالفرائض واجتناب المحارم‪.‬‬ ‫ل يلتكم من أعمالكم شيئا ‪:‬أي ل ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا‪.‬‬ ‫إن ال غفور رحيم ‪:‬أي غفور للمؤمنين رحيم بهم إن هم صدقوا في إيمانهم‪.‬‬

‫إنما المؤمنون ‪:‬أي حقا وصدقا ل إدعاء ونطقا هم‪.‬‬ ‫الذين آمنوا بال ورسوله ‪:‬أي بال ربا وإلها وبالرسول محمد نبيا ورسول‪.‬‬ ‫ثم لم يرتابوا ‪:‬أي لم يشكوا فيما آمنوا به‪.‬‬ ‫وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال ‪:‬أي جاهدوا مع رسول ال أعداء ال وهم الكافرون‬ ‫بأموالهم وأنفسهم‪.‬‬ ‫أولئك هم الصادقون ‪:‬أي في إيمانهم ل الذين قالوا آمنا بألسنتهم واستسلموا ظاهرا ولم يسلموا‬ ‫باطنا‪.‬‬ ‫قل أتعلمون ال بدينكم ‪:‬أي قل لهم يا رسولنا أي لهؤلء العراب أتشعرون ال بدينكم‪.‬‬ ‫يمنون عليك أن أسلموا ‪:‬أي كونهم أسلموا بدون قتال وغيرهم أسلم بعد قتالٍ‪.‬‬ ‫قل ل تمنوا علي إسلمكم ‪:‬أي ل حق لكم في ذلك بل الحق ل الذي هداكم لليمان إن كنتم‬ ‫صادقين في دعواكم أنكم مؤمنون‪.‬‬ ‫إن ال يعلم غيب السماوات والرض ‪:‬أي أن ال يعلم ما غاب في السماوات وما غاب في‬ ‫الرض فل يخفى عليه أمر من صدق في إيمانه وأمر من كذب‪ ،‬ومن أسلم رغبة ومن أسلم‬ ‫رهبة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ت الَعْرَابُ آمَنّا ‪ }1‬هؤلء جماعة من أعراب بني أسد وفدوا على رسول ال صلى‬ ‫قوله تعالى {قَاَل ِ‬ ‫ال عليه وسلم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه الية نزلت في أعراب بني أسد‪ ،‬وليست عامة في كل العراب لن منهم من يؤمن بال‬ ‫واليوم الخر كبعض أعراب أسلم و غفار وجهينة ومزينة‪.‬‬

‫( ‪)5/133‬‬ ‫بالمدينة بأولدهم ونسائهم في سنة مجدبة فأظهروا له السلم ولم يكونوا مؤمنين في نفوسهم‪،‬‬ ‫فكانوا يغدون على الرسول صلى ال عليه وسلم ويروحون ويقولون‪ :‬أتتك العرب بأنفسها على‬ ‫ظهور رواحها‪ ،‬ونحن قد جئناك بالطفال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلن وبنو‬ ‫فلن‪ ،‬يمنون على رسول ال وهم يريدون الصدقة ويقولون أعطنا فأنزل ال تعالى هذه الية تربية‬ ‫لهم وتعليما إتماما لما اشتملت عليه سورة الحجرات من أنواع الهداية والتربية السلمية فقال‬ ‫تعالى {قَاَلتِ الَعْرَابُ} أعراب بني أسد آمنا أي صدقنا بتوحيد ال وبنبوتك‪ .‬قل لهم ردا عليهم لم‬ ‫تؤمنوا بعد‪ ،‬ولكن الصواب أن تقولوا أسلمنا أي أذعنا للسلم وانقدنا لقبوله وهو السلم‬ ‫الظاهري‪ ،‬ولما يدخل اليمان في قلوبكم بعد وسيدخل إن شاء ال‪ .‬وإن تطيعوا ال ورسوله أيها‬

‫العراب في اليمان الحق وفي غيره من سائر التكاليف ل يلتكم ‪ 1‬أي ل ينقصكم ال تعالى من‬ ‫أجور أعمالكم الصالحة التي تعملونها طاعة ل ورسوله شيئا وإن قل‪ .‬وقوله إن ال غفور رحيم‬ ‫في هذه الجملة ترغيب لهم في اليمان الصالح والسلم الصحيح فأعلمهم أن ال تعالى غفور‬ ‫للتائبين رحيم بهم وبالمؤمنين فتوبوا إليه واصدقوه يغفر لكم ويرحمكم وقوله تعالى في الية (‪)15‬‬ ‫إنما المؤمنون الية يعرفهم تعالى باليمان الصحيح دعوة منه لهم لعلهم يؤمنون فقال {إِ ّنمَا‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ‪ }2‬أي حقا وصدقا الذين آمنوا بال ربا وإلها ورسوله نبيا مطاعا‪ ،‬ثم لم يرتابوا‪ ،‬أي لم‬ ‫يشكوا أبدا في صحة ما آمنوا به‪ ،‬وجاهدوا أي أنفسهم وألزموها الستعداد للنهوض بالتكاليف‬ ‫الشرعية في المنشط والمكره‪ ،‬كما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أعداء السلم من المشركين‬ ‫والكافرين وذلك الجهاد بالنفس والمال ل هدف له إل طلب رضا ال سبحانه وتعالى أي لم يكن‬ ‫لي غرض مادي دنيوي وإنما لرضا ال ولعلء كلمة ال وهؤلء هم الصادقون في دعوى‬ ‫اليمان وقوله تعالى في الية (‪ُ { )16‬قلْ أَ ُتعَّلمُونَ اللّهَ ِبدِي ِنكُمْ} أي قل يا رسولنا لولئك العراب‬ ‫الذين قالوا آمنا ولما يدخل اليمان في قلوبهم أتعلمون ال بدينكم أي بإيمانكم وطاعتكم وتشعرونه‬ ‫بهما والحال أن ال يعلم ما في السماوات وما في الرض‪ ،‬وال بكل شيء عليم إنه ل معنى‬ ‫لتعليمكم ال بدينكم وهو يعلم ما في السماوات وما في الرض وهو بكل شيء عليم إنه مظهر من‬ ‫مظاهر جهلكم بال تعالى‪ ،‬إذ لو علمتم أنه يعلم ما في السماوات وما في الرض من دقيق‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬ل يلتكم) أي ل ينقصكم يقال‪ :‬لته يلته‪ ،‬ويلوته إذا نقصه وقرأ أبو عمرو (ل يألتاكم) مهموزا‬ ‫شيْءٍ} وشاهد الول‪:‬‬ ‫عمَِلهِمْ مِنْ َ‬ ‫من ألت يألت ألتا نحو قوله تعالى‪َ { :‬ومَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ َ‬ ‫وليلة ذات ندى سريت‬ ‫ولم يلتني عن سراها ليت‬ ‫‪ 2‬لما نزلت هذه الية‪{ :‬إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ} حلف العراب أنهم مؤمنون في السر والعلنية فأكذبهم‬ ‫ال تعالى في دعواهم الكاذبة فأنزل عز وجل { ُقلْ أَ ُتعَّلمُونَ اللّهَ بِدِي ِنكُمْ} أي‪ :‬الذي أنتم عليه؟‬

‫( ‪)5/134‬‬ ‫وجليل لما فهمتم بما فهمتم به من إشعاركم ال بإيمانكم وطاعتكم له‪ .‬قوله تعالى في الية (‪)17‬‬ ‫‪َ {1‬يمُنّونَ عَلَ ْيكَ أَنْ أَسَْلمُوا} ‪ 2‬أي من أولئك العراب عليك يا رسولنا إيمانهم إذ قالوا آمنا بك ولم‬ ‫نقاتلك كما فعل غيرنا قل لهم ل تمنوا علي إسلمكم واضرب عن هذا وقل لهم بل ال يمن عليكم‬ ‫أن هداكم لليمان إن كنتم صادقين في دعواكم اليمان‪ ،‬فالمنة ل عليكم ل أن تمنوا أنتم على‬ ‫ت وَالَرْضِ} أي كل ما غاب في السماوات وما‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫رسوله‪ .‬وقوله تعالى {إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ غَ ْيبَ‪ 3‬ال ّ‬ ‫غاب في الرض من سانح في السماء وسابح في الماء وسارح في الغبراء فليس في حاجة أن‬

‫تعلموه بدينكم وتمنونه على رسوله صلى ال عليه وسلم بما تعملون من عمل قل أو كثر خفي أو‬ ‫ظهر فاعلموا هذا وتأدبوا مع ال وأحسنوا الظن فيه تنجوا من هلك لزم لمنا أساء الظن بال‬ ‫وأساء الدب مع رسول ال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان طبيعة أهل البادية وهي الغلظة والجفاء والبعد عن الكياسة والدب‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان الفرق بين اليمان والسلم إذا اجتمعا فاليمان من أعمال القلوب والسلم من أعمال‬ ‫الجوارح‪ .‬وإذا افترقا فاليمان هو السلم‪ ،‬والسلم هو اليمان والحقيقة هي أنه ل يوجد إيمان‬ ‫صحيح بدون إسلم صحيح‪ ،‬ول إسلم صحيح بدون إيمان صحيح‪ ،‬ولكن يوجد إسلم صوري‬ ‫بدون إيمان‪ ،‬وتوجد دعوى إيمان كاذبة غير صادقة‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان المؤمنين حقا وهم الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان حكم المن وأنه مذموم من النسان ومحمود من الرحمن عز وجل وحقيقة المن هي عد‬ ‫النعمة وذكرها للمنعم عليه وتعدادها المرة بعد المرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬بيان إحاطة علم ال بسائر المخلوقات‪ ،‬وأنه ل يخفى عليه من أعمال العباد شيء‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬يمنون) إشارة إلى قولهم جئناك بالثقال والعيال كما تقدم في التفسير‪.‬‬ ‫‪( 2‬أن أسلموا) حرف الجر محذوف الصل‪ ،‬بأن أسلموا أي‪ :‬إسلمهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ذبل الكلم بهذه الجملة (إن ال يعلم) الخ ليعلموا أن ال ل يكتم وأنه ل يكذب عليه لعلمه‬ ‫بالغيوب كلها‪ ،‬وفي هذا تقويم لخلقهم وتربية وتأديب لهم‪.‬‬

‫( ‪)5/135‬‬ ‫سورة ق‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة ق ‪1‬‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها خمس وأربعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫شيْءٌ عَجِيبٌ(‪ )2‬أَإِذَا‬ ‫ق وَا ْلقُرْآنِ ا ْل َمجِيدِ (‪َ )1‬بلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَ ُهمْ مُنْذِرٌ مِ ْنهُمْ َفقَالَ ا ْلكَافِرُونَ هَذَا َ‬ ‫حفِيظٌ (‪َ )4‬بلْ‬ ‫مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا ذَِلكَ َرجْعٌ َبعِيدٌ (‪ )3‬قَدْ عَِلمْنَا مَا تَ ْن ُقصُ الْأَ ْرضُ مِ ْنهُ ْم وَعِنْدَنَا كِتَابٌ َ‬ ‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ َفهُمْ فِي َأمْرٍ مَرِيجٍ (‪)5‬‬ ‫كَذّبُوا بِالْ َ‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ق ‪ :‬هذا أحد الحروف المقطعة التي تكتب هكذا ق وتقرأ هكذا قاف‪.‬‬ ‫والقرآن المجيد ‪:‬أي والقرآن المجيد أي الكريم قسمي لقد أرسلنا محمدا مبلغا عنا‪.‬‬ ‫بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ‪:‬أي بل عجب أهل مكة من مجيء منذر أي رسول منهم ينذرهم‬ ‫عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬ ‫فقال الكافرون هذا شيء عجيب ‪:‬أي فقال المكذبون بالبعث هذا أي البعث بعد الموت والبلى شيء‬ ‫عجيب‪.‬‬ ‫أئذا متنا وكنا ترابا ‪:‬أئذا متنا وصرنا ترابا أي رفاة وعظاما نخرة نرجع أحياء‪.‬‬ ‫ذلك رجع بعيد ‪:‬أي بعيد بالمكان في غاية البعد‪.‬‬ ‫قد علمنا ما تنقص الرض منهم ‪:‬أي قد أحاط علمنا بكل شيء فعلمنا ما تنقص الرض من‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬صح في الموطأ وفي مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ بهذه السورة في صلة الصبح‬ ‫وفي عيدي الضحى والفطر أيضا مع سورة القمر‪.‬‬

‫( ‪)5/136‬‬ ‫أجساد الموتى وما تأكل من لحومهم وعظامهم فكيف يستبعد منا إحياؤهم بعد موتهم‪.‬‬ ‫وعندنا كتاب حفيظ ‪:‬أي كتاب المقادير الذي قد كتب فيه كل شيء ومن بين ذلك أعداد الموتى‬ ‫وأسماؤهم وصورهم وأجسامهم ويوم إعادتهم‪.‬‬ ‫بل كذبوا بالحق لما جاءهم ‪:‬بل كذب المشركون بما هو أقبح من تكذيبهم بالبعث وهو تكذيبهم‬ ‫بالنبوة المحمدية وبالقرآن ومن نزل عليه‪.‬‬ ‫فهم في أمر مريج ‪:‬أي مختلط عليهم فهم فيه مضطربون ل يثبتون على شيء إذ قالوا مرة سحر‬ ‫ومرة قالوا شعر ومرة كهانة وأخرى أساطير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {ق} ال أعلم بمراده به إذ هو من الحروف المقطعة الحادية نحو ص‪ .‬ون وقوله‬ ‫تعالى {وَا ْلقُرْآنِ ا ْلمَجِيدِ‪ }1‬أي الكريم فالقرآن مجيد كريم بما فيه من الخير والبركة إذ قراءة‬ ‫الحرف الواحد منه بعشر حسنات‪ .‬وقوله والقرآن المجيد قسم والجواب محذوف تقديره إن محمدا‬ ‫عجِبُوا ‪ 2‬أَنْ جَا َءهُمْ مُ ْنذِرٌ مِ ْنهُمْ} أي إنهم لم يستنكروا أصل‬ ‫لرسول أمين‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ َ‬ ‫الرسال إليهم وإنما أنكروا كون المرسل بشرا مثلهم ينذرهم عذاب يوم القيامة وهم ل يؤمنون‬ ‫شيْءٌ‬ ‫بالبعث الخر فلذا قالوا ما أخبر تعالى به عنهم وقوله { َفقَالَ ا ْلكَافِرُونَ} أي بالبعث {هَذَا َ‬ ‫عَجِيبٌ} أي أمر يدعو إلى التعجب إذ من مات وصار ترابا ل يعقل أن يبعث مرة أخرى فيسأل‬

‫ويحاسب ويجزي وقد أفصحوا عن معتقدهم بقولهم {أَِإذَا مِتْنَا ‪َ 3‬وكُنّا تُرَابا} ذلك الرجوع إلى الحياة‬ ‫حفِيظٌ} هذه‬ ‫رجوع بعيد التحقيق‪ .‬قال تعالى {قَدْ عَِلمْنَا مَا تَ ْن ُقصُ‪ 4‬الْأَ ْرضُ مِ ْنهُ ْم وَعِنْدَنَا كِتَابٌ‪َ 5‬‬ ‫برهنة واضحة على إبطال دعواهم وتحقيق عقيدة البعث أي قد علمنا ما تنقص الرض منهم بعد‬ ‫الموت من لحم وعظم‪ ،‬وعندنا كتاب حفيظ قد حوى كل شيء وحفظه مادة وكمية وكيفية بمقتضاه‬ ‫يعود‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المجيد‪ :‬المتصف بقوة المجد‪ ،‬والمجد والمجادة‪ :‬الشرف الكامل‪ ،‬وكرم النوع ولذا فالقرآن يفوق‬ ‫في مجده كل كلم على الطلق حتى الكلم الموحى به إلى رسل ال عليهم السلم‪.‬‬ ‫‪( 2‬بل) للضراب النتقالي‪ ،‬وهو انتقال من تقرير النبوة المحمدية التي أثبتها بالقسم إلى تقرير‬ ‫عقيدة البعث والجزاء إذ أورد قول الكافرين المنكرين لها ثم أثبتها بالدلة القاطعة من عدة آيات‬ ‫كأنما قال‪ :‬دع ذا واسمع ما أقول‪ .‬و(أن جاءهم) مجرور بمن محذوفة أي من أن جاء وبعد السبك‬ ‫من مجيئهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للبطال والتعجيب والمتعجب منه محذوف تقديره أنرجع إلى الحياة بعد انعدامنا‬ ‫بالموت وصيرورتنا ترابا؟‬ ‫‪ 4‬قوله (ما تنقص الرض) إشارة إلى أن هناك أجسادا ل تبيد كلها بل يبقى أبعاضها‪ ،‬وإلى أن‬ ‫عجب الذنب ل يفنى ول يبيد بل يبقى كما هو ليعاد الخلق به يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ 5‬التنكير في (كتاب) للتعظيم ويدل عليه قوله (حفيظ)‪.‬‬

‫( ‪)5/137‬‬ ‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ} أي إن هناك ما هو أشنع‬ ‫الخلق كما بدأ ل ينقص منه شيء وقوله‪َ { ،‬بلْ كَذّبُوا بِالْ َ‬ ‫من إنكارهم وأقبح عقل وهو تكذيبهم بالقرآن ومن أنزل عليه وهو الحق من ال فلذا هم فيه في‬ ‫أمر مريج أي مختلط فمرة قالوا في الرسول إنه ساحر وقالوا شاعر وقالوا مفتر كذاب وقالوا في‬ ‫القرآن أساطير الولين فهم حقا في أمر مريج مختلط عليهم ل يدرون ما يقولون ويثبتون عليه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان شرف القرآن ومجده وكرمه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير البعث والوحي اللهي‪.‬‬ ‫‪ -3‬البرهنة الصحيحة الواضحة على صحة البعث والجزاء وإمكانهما‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير عقيدة القضاء والقدر بتقرير كتاب المقادير‪.‬‬ ‫سمَاءِ َف ْوقَهُمْ كَ ْيفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا َومَا َلهَا مِنْ فُرُوجٍ (‪ )6‬وَالْأَ ْرضَ مَ َددْنَاهَا وَأَ ْلقَيْنَا‬ ‫َأفَلَمْ يَ ْنظُرُوا إِلَى ال ّ‬

‫سيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ (‪ )7‬تَ ْبصِ َر ًة وَ ِذكْرَى ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (‪ )8‬وَنَزّلْنَا مِنَ‬ ‫فِيهَا َروَا ِ‬ ‫سقَاتٍ َلهَا طَلْعٌ َنضِيدٌ (‪ )10‬رِزْقا‬ ‫خلَ بَا ِ‬ ‫حصِيدِ (‪ )9‬وَالنّ ْ‬ ‫حبّ الْ َ‬ ‫سمَاءِ مَاءً مُبَارَكا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫لِ ْلعِبَا ِد وََأحْيَيْنَا بِهِ بَ ْل َدةً مَيْتا كَذَِلكَ ا ْلخُرُوجُ (‪)11‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ‪:‬أي أعملوا فلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى السماء كائنة‬ ‫فوقهم فيعلموا أن استبعادهم للبعث غير صحيح‪.‬‬ ‫كيف بنيناها وزيناها ‪:‬أي كيف بنيناها بل عمد‪ .‬وزيناها بالكواكب‪.‬‬ ‫وما لها من فروج ‪:‬أي وليس لها من شقوق تعيبها‪.‬‬ ‫والرض مددناها ‪: 1‬أي بسطناها‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬الرض) منصوب على الشتغال أي‪ :‬مددنا الرض مددناها‪.‬‬

‫( ‪)5/138‬‬ ‫وألقينا فيها رواسي ‪:‬أي جبال رواسي ثوابت ل تسير ول تتحرك مثبتة للرض كي ل تميد‬ ‫بأهلها‪.‬‬ ‫وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ‪: 1‬أي وأنبتنا في الرض من كل صنف من أنواع النباتات حسن‪.‬‬ ‫تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ‪:‬أي جعلنا ذلك تبصرة وذكرى منا لكل عبد منيب إلى طاعتنا‬ ‫رجاع إلينا‪.‬‬ ‫ونزلنا من السماء ماء مباركا ‪:‬أي ماء المطر كثير البركة‪.‬‬ ‫فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ‪:‬أي أنبتنا بماء السماء بساتين وحب الحصيد أي المحصود من البر‬ ‫والشعير‪.‬‬ ‫والنخل باسقات ‪: 2‬أي وأنبتنا بالماء النخيل الطوال العاليات‪.‬‬ ‫لها طلع نضيد ‪:‬أي لها طلع منضد متراكب بعضه فوق بعض‪.‬‬ ‫رزقا للعباد ‪:‬أي أنبتنا ما أنبتنا من الجنات والحب الحصيد والنخل الباسقات قوتا للعباد ورزقا لهم‬ ‫مؤمنهم وكافرهم‪.‬‬ ‫وأحيينا به بلدة ميتة ‪:‬وأحيينا بذلك الماء الذي أنزلناه بلدة ميتة ل نبات فيها من الجدب الذي‬ ‫أصابها والقحط‪.‬‬ ‫كذلك الخروج ‪:‬أي كما أخرجنا النبات من الرض الميتة بالماء نخرجكم أحياء من قبوركم يوم‬ ‫القيامة بماء ننزله من السماء على الرض فتنبتون كما ينبت البقل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث وهي العقيدة التي بني عليها كل إصلح يراد للنسان بعد‬ ‫سمَاءِ َف ْو َقهُمْ كَ ْيفَ‪ 4‬بَنَيْنَاهَا‬ ‫عقيدة اليمان بال تعالى ربا وإلها قال تعالى {َأفَلَمْ يَنْظُرُوا ‪ِ 3‬إلَى ال ّ‬ ‫وَزَيّنّاهَا َومَا َلهَا مِنْ فُرُوجٍ} أي أعمي أولئك المنكرون للبعث المكذبون بلقاء ربهم يوم القيامة فلم‬ ‫ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم إلى حجم السماء الواسع العالي الرفيع الكائن فوقهم وقد رفع بل‬ ‫عمد ول سند‪ .‬وقد زينه خالقه بكواكب نيرة وأقمار منيرة وشموس مضيئة ولم ير في السماء‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬من) ليست للتبعيض بل هي للتأكيد إل أن زيادتها مع الثبات نادرة كما هنا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ل يقال للطويل‪ :‬باسق إل إذا كان طوله في علو وارتفاع أما ما يكون طوله في امتداد وانبساط‬ ‫فل يقال له باسق‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للنكار عليهم عدم النظر لتقرر به عقيدة البعث والجزاء‪ ،‬والفاء تفريعية على إنكارهم‬ ‫السابق للبعث الخر‪.‬‬ ‫‪( 4‬فوقهم) ظرف في محل الحال‪ ،‬وأطلق البناء على خلق العلويات بجامع الرتفاع والستمساك‬ ‫وعدم السقوط والنهيار‪.‬‬

‫( ‪)5/139‬‬ ‫من تصدع ول شقوق ‪ 1‬ول تفطر الحياة كلها أليس على خلق السماء قادر على إحياء موتى خلقهم‬ ‫وأماتهم بقدرته أليس القادر على الخلق ابتداء وعلى الماتة ثانية بقادر على إحياء من خلق‬ ‫سيَ} أي مالهم ل ينظرون إلى الرض أي‬ ‫وأمات؟‪ 2‬وقوله {وَالَ ْرضَ مَ َددْنَاهَا وَأَ ْلقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ‬ ‫بسطها وألقى فيها الجبال لتثبيتها حتى ل تميد بهم‪ ,‬وقوله {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ} أي صنف‬ ‫من النباتات والزروع بهيج المنظر حسنه‪ ,‬وقوله {تَ ْبصِ َر ًة وَ ِذكْرَى ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} وقوله {وَنَزّلْنَا‬ ‫سقَاتٍ َلهَا طَلْعٌ َنضِيدٌ رِزْقا لِ ْلعِبَادِ‪}3‬‬ ‫خلَ بَا ِ‬ ‫حصِيد وَالنّ ْ‬ ‫حبّ الْ َ‬ ‫سمَاءِ مَاءً مُبَارَكا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَ َ‬ ‫مِنَ ال ّ‬ ‫أي أليس الذي أنزل من السماء ماء مباركا لما يكثر به من الخيرات والبركات من النبات‬ ‫والحيوان فأنبت به جنات أي بساتين من أشجار ونخيل وأعناب‪ ,‬وأنبت به حب الحصيد وهو كل‬ ‫حب يحصد عند طيبه من قمح وشعير وذرة وغيرها وأنبت به النخل الباسقات العاليات المرتفعات‬ ‫في السماء لها طلعها النضيد المتراكب بعضه فوق بعض ليتحول إلى رطب شهي يأكله النسان‬ ‫وقوله رزقا للعباد أي قوتا لهم يقتاتون به مؤمنين وكافرين إل أن المؤمن إذا أكل شكر والكافر إذا‬ ‫أكل كفر‪ ,‬وقوله {وََأحْيَيْنَا بِهِ} أي بالماء الذي أنزلناه من السماء مباركا بلدة ميتا ل نبات بها ول‬ ‫عشب ول كل فأصبحت تهتز رابية كذلك الخروج أي هكذا يكون خروجكم من قبوركم أيها‬ ‫المنكرون للبعث ينزل ال من السماء ماء فتنبتون وتخرجون من قبوركم كما يخرج الشجر‬ ‫والزرع من الرض بواسطة الماء المبارك فبأي عقل تنكرون البعث أيها المنكرون‪ .‬إنها كما قال‬

‫تعالى {ل َت ْعمَى الَ ْبصَارُ وََلكِنْ َت ْعمَى ا ْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ}‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث بمظاهر القدرة اللهية في الكون‪.‬‬ ‫‪ -2‬مشروعية النظر والعتبار فيما يحيط بالنسان من مظاهر الكون والحياة للعبرة طلبا لزيادة‬ ‫اليمان والوصول به إلى مستوى اليقين‪.‬‬ ‫‪ -3‬فضل العبد المنيب وفضيلة النابة إلى ال تعالى والمنيب هو الذي يرجع إلى ربه في كل ما‬ ‫يهمه والنابة التوبة إلى ال والرجوع إلى طاعته بعد معصيته‪.‬‬ ‫خوَانُ‬ ‫ن وَإِ ْ‬ ‫ح وََأصْحَابُ الرّسّ وَ َثمُودُ (‪ )12‬وَعَادٌ َوفِرْعَوْ ُ‬ ‫كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُو ٍ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬من آيات القدرة والعلم اللهيين‪ :‬كون السماء على شكل قبة مرفوعة في قالب ل تشقق فبها ول‬ ‫تصدع مزينة بأنواع النجوم والكواكب‪.‬‬ ‫‪ 2‬بلى إنه لقادر بل مرية ول شك‪.‬‬ ‫‪( 3‬رزقا) منصوب على أنه مفعول لجله‪.‬‬

‫( ‪)5/140‬‬ ‫سلَ َفحَقّ وَعِيدِ (‪َ )14‬أ َفعَيِينَا بِالْخَ ْلقِ الَْأ ّولِ َبلْ هُمْ‬ ‫لُوطٍ (‪ )13‬وََأصْحَابُ الْأَ ْيكَ ِة َو َقوْمُ تُبّعٍ ُكلّ كَ ّذبَ الرّ ُ‬ ‫فِي لَ ْبسٍ مِنْ خَ ْلقٍ جَدِيدٍ (‪)15‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت قبلهم قوم نوح ‪:‬أي قبل قومك يا رسولنا بالبعث والتوحيد والنبوة قوم نوح‪.‬‬ ‫وأصحاب الرس وثمود ‪ :‬أي وكذب أصحاب الرس وهي بئر كانوا مقيمين حولها يعبدون الصنام‬ ‫وثمود وهم أصحاب الحجر قوم صالح‪.‬‬ ‫وعاد وفرعون ‪:‬وكذبت عاد قوم هود‪ ،‬وكذب فرعون موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫وإخوان لوط وأصحاب اليكة ‪:‬أي وكذب قوم لوط أخاهم لوطا‪ ،‬وكذب أصحاب اليكة شعيبا‪.‬‬ ‫وقوم تبع ‪:‬أي وكذب قوم تبع الحميري اليمني‪.‬‬ ‫كل قد كذب الرسل ‪:‬أي كل من ذكر قد كذب الرسل فلست وحدك المكذب يا محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫فحق وعيد ‪:‬أي فوجب وعيدي لهم بنزول العذاب عليهم فنزل فهلكوا‪.‬‬ ‫أفعيينا بالخلق الول ‪: 1‬أي أفعيينا بخلق الناس أول والجواب ل إذا فكيف نعي بخلقهم ثانية‬ ‫وإعادتهم كما كانوا؟‪.‬‬

‫بل هم في لبس من خلق جديد ‪:‬أي هم غير منكرين لقدرة ال عن الخلق الول بل هم في خلط‬ ‫وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة وهي أن كل من مات منهم يرونه يفنى ول يعود‬ ‫حيا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثبات النبوة للرسول صلى ال عليه وسلم فقال‬ ‫تعالى {كَذّ َبتْ‪ 2‬قَبَْل ُهمْ} أي قبل قريش المكذبين بالبعث والجزاء وبالنبوة المحمدية كذبت قبلهم قوم‬ ‫نوح وهي أول أمة كذبت وعاش نوح نبيها ألف سنة إل خمسين عاما يدعوها إلى ال فلم يؤمن‬ ‫منهم أكثر من نيف وثمانين نسمة‪ ،‬وأصحاب الرس أيضا قد أخذوا نبيهم ورسوه في بئر فقتلوه‬ ‫فأهلكهم ال‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪( :‬أفعيينا) به فنعني بالبعث وهو توبيخ لمنكري البعث وجواب على قولهم ذلك رجع بعيد‬ ‫يقال‪ :‬عييت بالمر‪ :‬إذا لم تعرف وجهه هذا في المعاني أما في الذوات فعيي بمعنى عجز ولم‬ ‫يقدر عليه‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا استئناف ابتدائي الغرض منه تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم بإعلمه أن أمما كثيرة قد‬ ‫كذبت رسلها قبل تكذيب قومه له صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/141‬‬ ‫تعالى في بئر كانوا يقيمون على أصنام حولها يعبدونها فأهلكهم في تلك البئر وأهلك ثمودا وهم‬ ‫قوم صالح‪ ،‬وعادا وهم قود هود وفرعون موسى وقوم لوط ‪ ،1‬وأصحاب اليكة أي الشجر الملتف‬ ‫إذ كانوا يعبدون أشجار تلك اليكة‪ ،‬وقوم تبع وهو تبع الحميري اليمني‪ .‬وقوله تعالى { ُكلّ َك ّذبَ‬ ‫سلَ} أي كل تلك المم التي ذكرنا كذبوا الرسل ولم يؤمنوا بهم ول بما جاءوهم به من التوحيد‬ ‫الرّ ُ‬ ‫ق وَعِيدِ}‪ 2‬أي فوجب لذلك عذابهم الذي وعدتهم به على ألسنة رسلي إن لم يؤمنوا‬ ‫حّ‬ ‫والشرع {فَ َ‬ ‫فأهلكناهم أجمعين وقومك يا محمد هم موعودون أيضا بالعذاب إن لم يبادروا باليمان والطاعة‪.‬‬ ‫قوله تعالى {َأ َفعَيِينَا ‪ 3‬بِا ْلخَ ْلقِ الَْأ ّولِ } والجواب ل إذ الستفهام للنفي أي لم يعي ال تعالى بخلق كل‬ ‫ما خلق من الملئكة والنس والجن فكيف إذا يعيى بالعادة وهي أهون من البدء والبداية‪ ،‬وقوله‬ ‫خلْقٍ جَدِيدٍ} أي أنهم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الول بل هم في‬ ‫تعالى { َبلْ هُمْ‪ 4‬فِي لَبْسٍ مِنْ َ‬ ‫لبس أي خلط وشك من خلق جديد لما فيه من مخالفة العادة حيث هم يرون الناس يموتون ول‬ ‫يحيون‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬

‫‪ -1‬تعزية الرسول صلى ال عليه وسلم وتسليته بإعلمه بأن قومه ليسوا أول من كذب الرسل‪.‬‬ ‫‪ -2‬تهديد المصرين على التكذيب من كفار قريش بالعذاب إذ ليسوا بأفضل من غيرهم وقد أهلكوا‬ ‫لما كذبوا‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير البعث والجزاء وإثبات عقيدتهما بالدلة العقلية كبدء الخلق‪.‬‬ ‫‪ -4‬ضعف إدراك المنكرين للبعث لظلمة نفوسهم بالشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫سوِسُ بِهِ َنفْسُ ُه وَ َنحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِنْ حَ ْبلِ ا ْلوَرِيدِ (‪ )16‬إِذْ يَ َتَلقّى‬ ‫ن وَ َنعْلَمُ مَا ُتوَ ْ‬ ‫وَلَقَدْ خََلقْنَا الْأِنْسَا َ‬ ‫شمَالِ َقعِيدٌ‬ ‫ن وَعَنِ ال ّ‬ ‫ا ْلمُتََلقّيَانِ عَنِ الْ َيمِي ِ‬ ‫__________‬ ‫خوَانُ لُوطٍ} عبر بالخوان دون القوم تنويع للسلوب والمراد بهم قوم لوط‪،‬‬ ‫‪ 1‬قوله تعالى‪{ :‬وَِإ ْ‬ ‫والخوة هنا أخوة تلزم ومواطنه وما هي بأخوة دين ول نسب وأصحاب اليكة‪ :‬هم قوم شعيب‬ ‫عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬صدق وعده فيهم ووجب وقوعه عليهم‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام للنكار والتغليظ إذ ل يسعهم إل العتراف بأن ال تعالى الذي خلق كل شيء في‬ ‫الرض والسماء ومن جملة ذلك خلقهم هم المنكرون للبعث فكيف يعجز عن إعادة خلقهم مرة‬ ‫أخرى للجزاء والحساب‪.‬‬ ‫‪( 4‬بل) للضراب البطالي أي‪ :‬ما عيينا بالخلق الول‪.‬‬

‫( ‪)5/142‬‬ ‫سكْ َرةُ ا ْل َم ْوتِ بِا ْلحَقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ‬ ‫(‪ )17‬مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َق ْولٍ إِلّا لَدَ ْيهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ (‪ )18‬وَجَا َءتْ َ‬ ‫غطَا َءكَ‬ ‫شفْنَا عَ ْنكَ ِ‬ ‫غفْلَةٍ مِنْ هَذَا َفكَ َ‬ ‫تَحِيدُ (‪ )19‬وَنُفِخَ فِي الصّورِ ذَِلكَ َيوْمُ ا ْلوَعِيدِ (‪َ )20‬قَدْ كُ ْنتَ فِي َ‬ ‫حدِيدٌ (‪)22‬‬ ‫فَ َبصَ ُركَ الْ َيوْمَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ولقد خلقنا النسان ‪:‬أي خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة ‪ 1‬اقتضت خلقه فلم نخلقه عبثا‪.‬‬ ‫ونعلم ما توسوس به نفسه ‪:‬أي ونعلم ما تحدث به نفسه أي نعلم ما في نفسه من خواطر وإرادات‪.‬‬ ‫ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ‪:‬أي نحن بقدرتنا على الخذ منه والعطاء والعلم بما يسر ويظهر‬ ‫أقرب إليه من حبل الوريد الذي هو في حلقه‪.‬‬ ‫إذ يتلقى المتلقيان ‪:‬أي نحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عمله فيكتبانه‪.‬‬ ‫عن اليمين وعن الشمال قعيد ‪: 2‬أي أحدهما عن يمينه قعيد والثاني عن شماله قعيد أيضا‪.‬‬ ‫ما يلفظ من قول ‪:‬أي ما يقول من قول‪.‬‬ ‫إل لديه رقيب عتيد ‪:‬أي إل عنده ملك رقيب حافظ عتيد حاضر معد للكتابة‪.‬‬

‫وجاءت سكرة الموت بالحق ‪:‬أي غمرة الموت وشدته بالحق من أمر الخرة حتى يراه المنكر لها‬ ‫عيانا‪.‬‬ ‫ذلك ما كنت منه تحيد ‪:‬أي ذلك الموت الذي كنت تهرب منه وتفزع‪.‬‬ ‫ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ‪:‬أي ونفخ إسرافيل في الصور الذي هو القرن ذلك يوم الوعيد‬ ‫للكفار بالعذاب‪.‬‬ ‫معها سائق وشهيد ‪:‬أي معها سائق يسوقها إلى المحشر وشهيد يشهد عليها‪.‬‬ ‫__________‬ ‫ن وَالْأِنْسَ إِلّا‬ ‫‪ 1‬هذه الحكمة هي ذكره تعالى وشكره بأنواع العبادات بقوله تعالى { َومَا خََلقْتُ ا ْلجِ ّ‬ ‫لِ َيعْبُدُونِ} وسائر المخلوقات هي لجل الناس فعاد المر إلى أن المخلوقات كلها مخلوقة لعلة‬ ‫العبادة‪.‬‬ ‫‪ 2‬القعيد معنى القاعد كالجليس بمعنى الجالس‪.‬‬

‫( ‪)5/143‬‬ ‫لقد كنت في غفلة من هذا ‪:‬أي من هذا العذاب النازل بك الن‪.‬‬ ‫فكشفنا عنك غطاءك ‪:‬أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم‪.‬‬ ‫فبصرك اليوم حديد ‪:‬أي حاد تدرك به ما كنت تنكره في الدنيا من البعث والجزاء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى { َوَلقَدْ خََلقْنَا الْإنْسَانَ} حسب سنتنا‬ ‫في الخلق خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة ‪ 1‬اقتضت خلقه منا ولم نخلقه عبثا ونحن نعلم ما توسوس‬ ‫به نفسه أي ما تتحدث به نفسه من إرادات أو خواطر‪ ،‬ونحن أي رب العزة والجلل أقرب إليه‬ ‫من حبل الوريد ‪ 2‬فلو أردنا أن نأخذ منه أو نعطيه أو نسمع منه أو نعلم به لكنا على ذلك قادرين‬ ‫وقربنا في ذلك منه أقرب من حبل عنقه إلى نفسه وذلك في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان‬ ‫المتلقيان سائر أقواله وأعماله يثبتانها ويحفظانها وقوله عن اليمين وعن الشمال قعيد أي أحد‬ ‫الملكين وهو المتلقيان عن يمينه قاعد والثاني عن شماله قاعد هذا يكتب الحسنات وذاك يكتب‬ ‫السيئات‪.‬‬ ‫ولفظ قعيد معناه قاعد كجليس بمعنى مجالس أو جالس‪ ،‬وقوله تعالى {مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َق ْولٍ} أي ما‬ ‫يقول النسان إل لديه رقيب عتيد أي إل عنده ملك رقيب حافظ‪ ،‬وعتيد حاضر ل يفارقانه مدى‬ ‫الحياة إل أنهما يتناوبان ملكان بالنهار وملكان بالليل ويجتمعون في صلتي الصبح والعصر وقوله‬ ‫سكْ َرةُ ا ْل َموْتِ‪ 3‬بِا ْلحَقّ} أي وإن طال العمر فلبد من الموت وهاهي ذي قد جاءت‬ ‫تعالى { َوجَا َءتْ َ‬ ‫سكرة الموت أي غمرته وشدته بالحق من أمر الخرة حتى يراه المنكر للبعث والدار الخرة‬

‫المكذب به يراه عيانا‪{ .‬ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ َتحِيدُ} أي قال له هذا الموت الذي كنت منه تحيد أي‬ ‫تهرب وتفزع‪ .‬قوله تعالى {وَ ُنفِخَ فِي الصّور} أي نفخ إسرافيل في الصور أي القرن الذي قد‬ ‫التقمه وجعله في فيه من يوم بعث النبي الخاتم نبي آخر الزمان محمد صلى ال عليه وسلم وهو‬ ‫ينتظر متى يؤمر فينفخ نفخة الفناء ذلك أي يوم ينفخ في الصور هو يوم الوعيد ‪ 4‬بالعذاب‬ ‫شهِيدٌ}‬ ‫للكافرين‪ ،‬وفعل نفخ في الصور نفخة البعث بعد نفخة الفناء {وَجَا َءتْ ُكلّ َنفْسٍ َم َعهَا سَائِقٌ وَ َ‬ ‫أي ملك يسوقها إلى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬تقدم بيان الحكمة للخلق تحت رقم واحد من هذا السياق في شرح الكلمات‪.‬‬ ‫‪ 2‬الوريد‪ :‬واحد الشرايين‪ ،‬وهو ثاني شريانين يخرجان من التجويف اليسر من القلب وهما‬ ‫عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدميهما متصلن بالوتين يردان من الرأس إليه‪ ،‬والحبل‪:‬‬ ‫العرق والجمع عروق ويختلف اسمه باختلف موضعه من الجسم‪.‬‬ ‫‪ 3‬السكرة‪ :‬اسم لما يعتري النسان من ألم واختلل في المزاج يحد من إدراك العقل فيختل‬ ‫الدراك ويعتري العقل غيبوبة وهو مشتق من السكر وهو الغلق لنه يغلق العقل‪ ،‬ومنه جاء‬ ‫وصف السكران‪.‬‬ ‫‪ 4‬يوم وعيد للكافرين ويم وعد صادق للمؤمنين‪ ,‬ولما كان السياق في دعوة الكافرين إلى اليمان‬ ‫ذكر الوعيد دون الوعد‪.‬‬

‫( ‪)5/144‬‬ ‫المحشر وملك شاهد يشهد عليها‪ .‬ويقال لذلك الذي جاء به سائق يسوقه وشاهد يشهد عليه لقد كنت‬ ‫في غفلة من هذا أي كنت في الدنيا في غفلة عن الخرة وما فيها وغفلتك من شهواتك ولذاتك‬ ‫وغرورك بالحياة الدنيا من هذا العذاب النازل بك الن فكشفنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم عيانا‬ ‫بيانا من ألوان العذاب فبصرك اليوم حديد أي حاد تدرك به وتبصر ما كنت تكفر به في الدنيا‬ ‫وتنكره‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان قدرة ال وعلمه وأنه أقرب إلى النسان من حبل وريده أل فليتق ال امرؤ‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة أن لكل إنسان مكلف ملكين يكتبان حسناته وسيئاته‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن للموت سكرات قطعا اللهم هون علينا سكرات الموت‪.‬‬ ‫‪ -4‬ساعة الحتضار يؤمن كل إنسان بالدار الخرة إذ يرى ما كان ينكره يراه بعينه‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرض بعض أحوال وأهوال الخرة‪.‬‬

‫جهَنّمَ ُكلّ َكفّارٍ عَنِيدٍ (‪ )24‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ مُرِيبٍ (‬ ‫َوقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَ َديّ عَتِيدٌ (‪ )23‬أَ ْلقِيَا فِي َ‬ ‫طغَيْتُ ُه وََلكِنْ‬ ‫ج َعلَ مَعَ اللّهِ إِلَها آخَرَ فَأَ ْلقِيَاهُ فِي ا ْلعَذَابِ الشّدِيدِ (‪ )26‬قَالَ قَرِينُهُ رَبّنَا مَا َأ ْ‬ ‫‪ )25‬الّذِي َ‬ ‫ي َوقَدْ َق ّد ْمتُ إِلَ ْيكُمْ بِا ْلوَعِيدِ (‪ )28‬مَا يُ َب ّدلُ ا ْلقَ ْولُ لَ َديّ‬ ‫صمُوا لَ َد ّ‬ ‫كَانَ فِي ضَللٍ َبعِيدٍ (‪ )27‬قَالَ ل تَخْ َت ِ‬ ‫ت وَتَقُولُ َهلْ مِنْ مَزِيدٍ (‪)30‬‬ ‫ل ِ‬ ‫جهَنّمَ َهلِ امْتَ ْ‬ ‫َومَا أَنَا بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪َ 1 )29‬يوْمَ َنقُولُ ِل َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وقال قرينه ‪:‬أي الملك الموكل به‪.‬‬ ‫هذا ما لدي عتيد ‪:‬أي هذا عمله حاضر لدي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع‪( :‬يوم يقول) بالياء‪ ,‬وقرأ حفص(نقول) بالنون‪.‬‬

‫( ‪)5/145‬‬ ‫كل كفار عنيد ‪:‬أي كثير الكفر والجحود لتوحيد ال وللقائه ولرسوله معاند كثير العناد‪.‬‬ ‫مناع للخير معتد مريب ‪:‬أي مناع للحقوق والواجبات من مال وغيره‪.‬‬ ‫الذي جعل مع ال إلها آخر ‪:‬أي أشرك بال فجعل معه آلهة أخرى يعبدها‪.‬‬ ‫ربنا ما أطغيته ‪:‬أي يقول قرينه من الشياطين يا ربنا ما أطغيته أي ما حملته على الطغيان‪.‬‬ ‫ولكن كان في ضلل بعيد ‪:‬أي ولكن الرجل كان في ضلل بعيد عن كل هدى متوغل في الشرك‬ ‫والشر‪.‬‬ ‫وقد قدمت إليكم بالوعيد ‪:‬أي قدمت إليكم وعيدي بالعذاب في كتبي وعلى لسان رسلي‪.‬‬ ‫ما يبدل القول لدي ‪:‬أي ما يغير القول عندي وهو قوله لملن جهنم منكم أجمعين‪.‬‬ ‫يوم نقول لجهنم هل امتلت ‪:‬أي وما ال بظلم للعبيد يوم يقول لجهنم هل امتلت‪.‬‬ ‫وتقول هل من مزيد ‪:‬أي لم أمتليء هل من زيادة فيضع الجبار عليها قدمه فتقول قط قط‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مشاهد القيامة وأحوال الناس فيها فقال تعالى‬ ‫{ َوقَالَ قَرِينُهُ‪ }1‬أي قال قرين ‪ 2‬ذلك الكافر الذي جيئ به إلى ساحة فصل القضاء ومعه سائق‬ ‫يسوقه وشهيد يشهد عليه‪ .‬قال قرينه وهو الملك الموكل به هذا ما لدي أي من أعمال هذا الرجل‬ ‫جهَنّمَ}‬ ‫الذي وكلت بحفظ أعماله وكتابتها عتيد أي حاضر‪ .‬وهنا يقال لمن استحق النار {أَ ْلقِيَا فِي َ‬ ‫وهو الخطاب لمن ‪ 3‬جاءا به وهما السائق والشهيد { ُكلّ َكفّارٍ عَنِيدٍ مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ مُرِيبٍ} فهذه‬ ‫خمس صفات قد اجتمعت في شخص واحد فأوبقته الولى { َكفّارٍ} أي كثير الكفر الذي هو الجحود‬ ‫لما يجب اليمان به والتصديق من سائر أركان اليمان الستة‪ ،‬والثانية عنيد والعنيد التارك لكل ما‬ ‫يوجب عليه المعاند في الحق المعاكس في المعروف وهي شر صفة‪ ،‬الثالثة مناع للخير أي كثير‬

‫المنع للخير مالً كان أو غيره ل يبذل معروفا قط؛ الرابعة معتدٍ أي على حدود‬ ‫__________‬ ‫غفْلَةٍ‬ ‫‪ 1‬الواو واو الحال‪ ،‬والجملة حالية‪ ،‬وصاحب الحال تاء الخطاب في قوله تعالى {َلقَدْ كُ ْنتَ فِي َ‬ ‫مِنْ هَذَا} والقرين‪ ،‬بمعنى مقرون وهو مأخوذ من القرن بفتح القاف والراء وهو الحبل إذ كانوا‬ ‫يقرنون البعير بمثله بحبل سموه القرن‪.‬‬ ‫‪ 2‬اختلف في تحديد القرين على ثلثة أقوال وما ذكر في التفسير هو أرجحها‪.‬‬ ‫‪ 3‬وجائز أن يكون خطابا لواحد بصيغة التثنية على حد قول الشاعر‪ :‬قفا بنك من ذكرى حبيب‬ ‫ومنزل‪.‬‬

‫( ‪)5/146‬‬ ‫الشرع معتد على الناس ظالم لهم بأكل حقوقهم وأذيتهم في أعراضهم وأموالهم وأبدانهم الخامسة‬ ‫مريب أي شاك ل يعرف التصديق بشيء من أمور الدين فهو جامع لكل أنواع الكفر وقوله {الّذِي‬ ‫ج َعلَ مَعَ اللّهِ إِلَها} وهذا وصف سادس وهو أسوأ تلك الصفات وهو اتخاذه إلها آخر يعبده دون ال‬ ‫َ‬ ‫تعالى وقوله تعالى {فَأَ ْلقِيَاهُ فِي ا ْلعَذَابِ الشّدِيدِ} هذا أمر آخر أكد به المر الول وهو ألقيا في جهنم‬ ‫طغَيْتُهُ وََلكِنْ كَانَ فِي ضَللٍ َبعِيدٍ} قال هذا القول‬ ‫كل كفار عنيد‪ .‬وقوله تعالى {قَالَ قَرِينُهُ رَبّنَا مَا أَ ْ‬ ‫القرين لما قال المشرك معتذرا رب إن قريني من الشياطين أطغاني فرد عليه القرين بما أخبر‬ ‫تعالى به عنه في قوله قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلل بعيد فقال الرب تعالى {ل‬ ‫ي َوقَدْ قَ ّد ْمتُ إِلَ ْيكُمْ بِا ْلوَعِيدِ} فرد ال حجة كل من الكافر والقرين من الشياطين‬ ‫صمُوا ‪َ 1‬ل َد ّ‬ ‫تَخْ َت ِ‬ ‫وأعلمهما أنه قد قدم إليهما بالوعيد في كتبه وعلى ألسن رسله من كفر بال وأشرك به وعصى‬ ‫رسله فإن له نار جهنم خالدا فيها أبدا‪.‬‬ ‫ي َومَا أَنَا ِبظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ} أخبر ‪ 2‬تعالى أن حكمه نافذ فيمن كفر به‬ ‫وقوله تعالى {مَا يُبَ ّدلُ ا ْل َقوْلُ َل َد ّ‬ ‫وعصى رسله إذ سبق قوله لبليس عندما أخرج آدم من الجنة بوسواسه وهو لملن جهنم منك‬ ‫وممن تبعك منهم أجمعين‪ .‬فهذا القول اللهي ل يبدل ول يقدر أحد على تبديله وتغيريه وقوله‬ ‫{ َومَا أَنَا ِبظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ} نفى تعالى الظلم عن نفسه والظلم هو أن يعذب مطيعا‪ ،‬أو يدخل الجنة كافرا‬ ‫لتِ وَ َتقُولُ َهلْ مِنْ مَزِيدٍ} أي اذكر يا نبينا لقومك‬ ‫جهَنّمَ َهلِ امْتَ ْ‬ ‫عاصيا‪ .‬وقوله تعالى { َي ْومَ َنقُولُ لِ َ‬ ‫المنهمكين في الشرك والمعاصي ما ينتظر أمثالهم من عذاب جهنم اذكر لهم يوم نقول لجهنم هل‬ ‫امتلت فتقول هل من مزيد بعدما يدخل فيها كل كافر وكافرة من النس والجن وتقول طالبة‬ ‫الزيادة هل من مزيد؟ ولما لم يبق أحد يستحق عذاب النار يضع الجبار فيها قدمه فينزوي بعضها‬ ‫في بعض وتقول قط قط والحديث معناه في الصحيحين وغيرهما‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬التحذير من الصفات الست التي جاءت في الية وهي الكفر والعناد ومنع الخير والعتداء‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬النهي عن المخاصمة دال على أن النفوس الكافرة ادعت أن قرناءها أطغوها‪ ،‬وأن القرناء‬ ‫تنصلوا من ذلك‪ ،‬وأن النفوس أعادت القول فكانت بذلك خصومة فأسكتهم الحق عز وجل بقوله‪:‬‬ ‫صمُوا لَ َديّ}‪.‬‬ ‫{ل تَخْ َت ِ‬ ‫‪ 2‬المبالغة في وصف (ظلم) راجعة إلى تأكيد النفي المطلق إذ المراد ل أظلم شيئا من الظلم‪،‬‬ ‫وليس المعنى ما أنا بكثير الظلم أو شديده إذ المر في أمثلة المبالغة أن يقصد بها المبالغة في‬ ‫النفي‪ .‬قال طرفة‪:‬‬ ‫ولست بحلل التلع مخافة‬ ‫ولكن متى يسترفد القوم أرفد‬ ‫إذ لم يرد نفي كثرة حلوله التلع وإنما أراد كثرة النفي إذ هو لم يحل في تلعة بالمرة جبنا وخوفا‪.‬‬

‫( ‪)5/147‬‬ ‫والشك والشرك‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان خصومة أهل النار من إنسان وشيطان‪.‬‬ ‫‪ -4‬نفي الظلم عن ال تعالى وهو كذلك فل يظلم ال أحدا من خلقه‪.‬‬ ‫‪ -5‬إثبات ‪ 1‬صفة القدم للرب تعالى كما يليق هذا الوصف بذاته التي ل تشبه الذوات سبحانه‬ ‫وتعالى عن صفات المحدثين من خلقه‪.‬‬ ‫حمَنَ‬ ‫شيَ الرّ ْ‬ ‫حفِيظٍ (‪ )32‬مَنْ خَ ِ‬ ‫وَأُزِْلفَتِ ا ْلجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ غَيْرَ َبعِيدٍ (‪ )31‬هَذَا مَا تُوعَدُونَ ِل ُكلّ َأوّابٍ َ‬ ‫بِا ْلغَ ْيبِ َوجَاءَ ِبقَ ْلبٍ مُنِيبٍ (‪ )33‬ادْخُلُوهَا ِبسَلمٍ ذَِلكَ َيوْمُ ا ْلخُلُودِ (‪َ )34‬لهُمْ مَا َيشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا‬ ‫مَزِيدٌ (‪)35‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وأزلفت الجنة للمتقين ‪:‬أي قربت الجنة للمتقين الذي اتقوا الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫غير بعيد ‪ : 2‬أي مكانا غير بعيد منهم بحيث يرونها‪.‬‬ ‫لكل أواب حفيظ ‪:‬أي رجاع إلى طاعة ال كلما ترك طاعة عاد إليها حافظ لحدود ال‪.‬‬ ‫من خشي الرحمن بالغيب ‪:‬أي خاف ال تعالى فلم يعصه وإن عصاه تاب إليه وهو لم يره‪.‬‬ ‫وجاء بقلب منيب ‪:‬أي مقبل على طاعته تعالى‪.‬‬ ‫ادخلوها بسلم ‪:‬أي ويقال لهم وهم المتقون ادخلوها أي الجنة بسلم أي مع سلم وحال كونكم‬

‫سالمين من كل مخوف‪.‬‬ ‫ولدينا مزيد ‪:‬أي مزيد من النعام والتكريم في الجنة وهو النظر إلى وجه ال الكريم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل‬ ‫من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض‪ ،‬وتقول قط قط بعزتك‬ ‫وكرمك ول يزال في الجنة فضل حتى ينشء ال لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " نزع هنا بعض‬ ‫أهل العلم كالقرطبي إلى تأويل القدم ففسرها بما يقدم للنار من أقوام وأولوا كذلك لفظ الرجل في‬ ‫حديث "حتى يضع ال عليها رجله" وقال الرجل بمعنى العدد الكثير من الناس كالرجل من الجراد‪،‬‬ ‫ول داعي لهذا التأويل الذي لم يؤوله رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يحدث به أصحابه‬ ‫فالسلم للمؤمن أن يؤمن بصفات ال ويمرها كما جاءت فالقدم‪ ،‬والرجل كاليد والعين صفات ذات‬ ‫ل يؤمن العبد بها وهو يعتقد أنها ل تشبه صفات العباد وهي كذلك والحمد ل‪.‬‬ ‫‪( 2‬غير بعيد) نعت لمحذوف تقديره مكانا غير بعيد من المتقين والزلف للتقريب‪.‬‬

‫( ‪)5/148‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في تقرير البعث والجزاء بذكر بعض مظاهره قال تعالى بعدما ذكر ما لهل النار‬ ‫من عذاب {وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ} أي ‪ 1‬أدنيت وقربت {للمُ ّتقِينَ غَيْرَ َبعِيدٍ} وهم الذين اتقوا ال تعالى بترك‬ ‫الشرك والمعاصي فل تركوا فريضة ول غشوا كبيرة‪ 2.‬وقوله تعالى هذا ما توعدون أي يقال لهم‬ ‫هذا ما توعدون أي من النعيم المقيم‪ ،‬لكل أواب حفيظ أي رجاع إلى طاعة ال تعالى حفيظ أي‬ ‫حافظ لحدود ال‪ .‬حفيظ أيضا بذنوبه ل ينساها كلما ذكرها استغفر ال تعالى منها‪ .‬وقوله من‬ ‫خشي الرحمن بالغيب هذا بيان للواب الحفيظ وهو من خاف الرحمن تعالى بالغيب أي وهو‬ ‫غائب عنه ل يراه ولم يعصه بترك واجب ول بفعل حرام‪ ،‬وقوله وجاء بقلب منيب ‪ 3‬أي إلى ربه‬ ‫أي مقبل على طاعته بذكر ال فل ينساه ويطيعه فل يعصيه‪ ،‬وقوله تعالى ادخلوها أي يقال لهم‬ ‫أي للمتقين ادخلوها أي الجنة ‪ 4‬بسلم أي مسلما عليكم مسالمين من كل مخوف كالموت والمرض‬ ‫واللم والحزن وذلك يوم الخلود أي في الجنة وفي النار فأهل اللجنة خالدون فيها وأهل النار‬ ‫خالدون ‪ 5‬فيها وقوله لهم ما يشاءون فيها أي لهل الجنة ما يشاءون أي ما تشتهيه أنفسهم وتلذه‬ ‫أعينهم وقوله ولدينا مزيد أي وعندنا لكم مزيد من النعيم وهو النظر إلى وجهه الكريم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل التقوى وكرامة المتقين على رب العالمين‪.‬‬

‫‪ -2‬فضل الواب الحفيظ وهو الذي كلما ذكر ذنبه استغفر ربه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أكبر نعيم في الجنة وهو رضا ال والنظر إلى وجهه الكريم‪.‬‬ ‫َوكَمْ أَهَْلكْنَا قَبَْلهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدّ مِ ْنهُمْ بَطْشا فَ َنقّبُوا فِي الْبِلدِ َهلْ مِنْ مَحِيصٍ (‪ )36‬إِنّ فِي ذَِلكَ‬ ‫لَ ِذكْرَى ِلمَنْ كَانَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عطف على (يوم نقول لجهنم هل امتلت)‪.‬‬ ‫‪ 2‬أ‪ ,‬تركوا وغشوا ولكن تابوا وصحت توبتهم فقبلت منهم فهم كمن لم يترك لم يترك فريضة ولم‬ ‫يغش كبيرة إذ التوبة تجب ما قبلها‪ ،‬والتائب من الذنب كمن ل ذنب له‪.‬‬ ‫‪ 3‬أي‪ :‬حضر يوم القيامة مصاحبا قلبه المنيب إلى ال‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬من مات على شيء بعث‬ ‫عليه" فهذا العبد عاش ومات على قلب منيب فبعثه به شاهد عليه بالنابة إلى ربه‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا كقوله تعالى‪{ :‬ا ْدخُلُوهَا بِسَلمٍ آمِنِينَ}‪.‬‬ ‫‪ 5‬هذا المطلق من الخبار مقيد قطعا بمن مات على الشرك والكفر أما من مات على اليمان‬ ‫والتوحيد فإنه ل يخلد في النار بل يخرج منها إلى الجنة ومن ينكر هذا كالخوارج فقد كذب ال‬ ‫ورسوله ومن كذب ال ورسوله عامدا فقد كفر‪.‬‬

‫( ‪)5/149‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َومَا‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫شهِيدٌ (‪ )37‬وََلقَدْ خََلقْنَا ال ّ‬ ‫سمْ َع وَ ُهوَ َ‬ ‫لَهُ قَ ْلبٌ َأوْ أَ ْلقَى ال ّ‬ ‫شمْسِ َوقَبْلَ ا ْلغُرُوبِ (‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ قَ ْبلَ طُلُوعِ ال ّ‬ ‫ن وَسَبّحْ ِب َ‬ ‫مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ (‪ )38‬فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُو َ‬ ‫ح ُه وَأَدْبَارَ السّجُودِ (‪ )40‬وَاسْ َتمِعْ َيوْمَ يُنَادِ ا ْلمُنَادِ مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ (‪َ )41‬يوْمَ‬ ‫‪َ )39‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّ ْ‬ ‫حقّ ذَِلكَ َيوْمُ الْخُرُوجِ (‪ )42‬إِنّا َنحْنُ نُحْيِي وَ ُنمِيتُ وَإِلَيْنَا ا ْل َمصِيرُ (‪َ )43‬يوْمَ‬ ‫س َمعُونَ الصّيْحَةَ بِالْ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ن َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْي ِهمْ‬ ‫حشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (‪َ )44‬نحْنُ أَعَْلمُ ِبمَا َيقُولُو َ‬ ‫شقّقُ الْأَ ْرضُ عَ ْن ُهمْ سِرَاعا ذَِلكَ َ‬ ‫تَ َ‬ ‫ف وَعِيدِ (‪)5 4‬‬ ‫بِجَبّارٍ َف َذكّرْ بِا ْلقُرْآنِ مَنْ يَخَا ُ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وكم أهلكنا قبلهم من قرن‪ :‬أي كثيرا من أهل القرون قبل كفار قريش وأهلكناهم‪.‬‬ ‫هم أشد منهم بطشا‪ :‬أي أهل القرون الذين أهلكناهم قبل كفار قريش هم أشد قوة وأعظم أخذا من‬ ‫كفار قريش ومع هذا أهلكناهم‪.‬‬ ‫فنقبوا في البلد هل من محيص ‪ :‬أي بحثوا وفتشوا في البلد علهم يجدون مهربا من الهلك فلم‬ ‫يجدوا‪.‬‬ ‫إن في ذلك لذكرى ‪ :‬أي إن في المذكور من إهلك المم القوية موعظة‪.‬‬ ‫لمن كان له قلب أو ألقى السمع‪ :‬أي موعظة تحصل للذي له قلب حي وألقى سمعه يستمع‪.‬‬

‫وهو شهيد‪ :‬وهو شهيد أي حاضر أثناء استماعه حاضر القلب والحواس‪.‬‬ ‫وما مسنا من لغوب‪ :‬أي من نصب ول تعب‪.‬‬ ‫فاصبر على ما يقولون‪ :‬أي فاصبر يا رسولنا على ما يقوله اليهود وغيرهم من التشبيه ل‬ ‫والتكذيب بصفاته‪.‬‬

‫( ‪)5/150‬‬ ‫وسبح بحمد ربك قبل طلوع‪ :‬أي صل حامدا لربك قبل طلوع الشمس وهي صلة الفجر‪.‬‬ ‫الشمس‬ ‫وقبل الغروب‪ :‬أي صل صلة الظهر والعصر‪.‬‬ ‫ومن الليل فسبحه ‪ :‬أي صل صلتي المغرب والعشاء‪.‬‬ ‫وأدبار السجود‪ :‬أي بعد أداء الفرائض فسبح بألفاظ الذكر والتسبيح‪.‬‬ ‫واستمع ‪ :‬أي أيها المخاطب إلى ما أقول لك‪.‬‬ ‫يوم ينادي المناد من مكان قريب ‪ :‬أي يوم ينادي إسرافيل من مكان قريب من السماء وهو‬ ‫صخرة بيت المقدس فيقول أيتها العظام البالغة والوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور‬ ‫المتفرقة إن ال يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء‪.‬‬ ‫يوم يسمعون الصيحة بالحق ‪ :‬أي نفخة إسرافيل الثانية وهي نفخة البعث يعلمون عاقبة تكذيبهم‪.‬‬ ‫ذلك يوم الخروج‪ :‬أي من القبور‪.‬‬ ‫يوم تشقق الرض عنهم سراعا‪ :‬أي يخرجون من قبورهم مسرعين بعد تشقق القبور عنهم‪.‬‬ ‫ذلك حشر علينا يسير ‪ :‬أي ذلك حشر للناس وجمع لهم في موقف الحساب يسير سهل علينا‪.‬‬ ‫نحن أعلم بما يقولون‪ :‬أي من الكفر والباطل فل تيأس لذلك سننتقم منهم‪.‬‬ ‫وما أنت عليهم بجبار‪ :‬أي بحيث تجبرهم على اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫فذكر بالقرآن‪ :‬أي عظ مرغبا مرهبا بالقرآن فقرأه على المؤمنين فهم الذين يخافون وعيد ال‬ ‫تعالى ويطمعون في وعده‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك العرض العظيم لحوال القيامة وأهوالها على كفار قريش المكذبين بالتوحيد والنبوة‬ ‫والبعث ولم يؤمنوا فكانوا بذلك متعرضين للعذاب فأخبر تعالى رسوله أن هلكهم يسير فكم ‪1‬‬ ‫أهلك تعالى {قَبَْلهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدّ مِ ْنهُمْ بَطْشا} أي قوة وأخذا ولما جاءهم العذاب فروا يبحثون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قوله تعالى‪َ { :‬وكَمْ أَهَْلكْنَا قَبَْلهُمْ} هذا تعريض بالتهديد للمشركين وتسلية للنبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ .‬و(كم) خبرية‪.‬‬

‫( ‪)5/151‬‬ ‫عن مكان يحيصون إليه أي يلجأون فلم يجدوا وهو معنى قوله تعالى {فَ َنقّبُوا فِي ‪ 1‬الْبِلدِ َهلْ مِنْ‬ ‫مَحِيصٍ‪ }2‬وقوله تعالى {إِنّ ذَِلكَ} ‪ 3‬أي الذي ذكرنا من قوله وكم أهلكنا قبلهم من قرن لذكرى أي‬ ‫موعظة يتعظ بها عبد كان له قلب حي وألقى سمعه يستمع وهو شهيد أي حاضر بكل مشاعره‬ ‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ} أولها الحد‬ ‫ت وَالْأَ ْر َ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫وأحاسيسه‪ .‬وقوله تعالى {وََلقَدْ خََلقْنَا ال ّ‬ ‫وآخرها الجمعة { َومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ} أي نصب أو تعب‪ ،‬هذا الخبر رد ال تعالى به على اليهود‬ ‫الذين قالوا أتم ال خلق السماوات والرض في يوم الجمعة واستراح يوم السبت فلذا هم يسبتون‬ ‫أي يستريحون يوم السبت فرد تعالى عليهم بقوله { َومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ} أي تعب‪ ،‬إذ التعب يلحق‬ ‫العامل من الممارسة والمباشرة لما يقوم بعمله وال تعالى يخلق بكلمة التكوين فلذا ل معنى لن‬ ‫ن وَسَبّحْ} أي فاصبر يا رسولنا‬ ‫يصيبه تعب أو نصب أو لغوب وقوله تعالى {فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُو َ‬ ‫على ما يقوله يهود وغيرهم من الكفر والباطل واستعن على ذلك أي على الصبر وهو صعب‬ ‫بالصلة والتسبيح قبل طلوع الشمس ‪ 4‬وقبل الغروب‪ ،‬ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم فشمل هذا‬ ‫الرشاد والتعليم اللهي الصلوات الخمس ‪ ،5‬إذ قبل طلوع الشمس فيه صلة الصبح وقبل الغروب‬ ‫فيه صلة الظهر والعصر ومن الليل فيه صلة المغرب والعشاء‪ ،‬ولنعم العون على الصبر‬ ‫الصلة‪ ،‬ولذا كان صلى ال عليه وسلم إذ حزبه أمر فزع إلى الصلة‪ ،‬وقوله أدبار السجود ‪ 6‬أي‬ ‫بعد الصلوات الخمس سبح ربك متلبسا بحمده‪ .‬نحو سبحان ال والحمد ل وال أكبر‪ .‬وقوله‬ ‫{وَاسْ َتمِعْ‪َ 7‬يوْمَ يُنَادِ ا ْلمُنَادِ مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ} أي واستمع أيها الخاطب يوم ينادي إسرافيل من مكان‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬النقب) الثقب فالتنقيب مأخوذ منه‪ ،‬ومعنى الية أي‪ :‬ذللوا وأخضعوا وتصرفوا في الرض‬ ‫بالحفر والغرس والبناء ونحت الجبال وإقامة السدود والحصون وما إلى ذلك من مظاهر القوة في‬ ‫الرض ولم يغني ذلك عنهم من ال شيئا وجاءهم الموت من حيث ل مهرب منه ول محيص‪.‬‬ ‫‪ 2‬المحيص‪ :‬مصدر ميمي من‪ :‬حاص‪ :‬إذا عدل عن الطريق وهرب فالمحيص‪ :‬المهرب‪،‬‬ ‫والستفهام إنكاري وهو بمعنى النفي‪.‬‬ ‫‪ 3‬الشارة إلى كل ما ذكر من الستدلل والتهديد في اليات السابقة والذكرى‪ :‬التذكرة العقلية لمن‬ ‫توفر له ثلثة شروط‪ :‬القلب الحي وإلقاء السمع للصغاء وحضور البال‪.‬‬ ‫‪ 4‬في الصحيح عن جرير بن عبد ال البجلي قال‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم "إذ‬ ‫نظر إلى القمر ليلة البدر فقال‪ :‬أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته‬ ‫فإن استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ جرير‬ ‫(وسبح بحمد ربك‪)..‬‬

‫‪ 5‬وجائز أن يراد بها نوافل الصلة فيكون الذي قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر ولكن ما في‬ ‫التفسير أولى وأصح وأنها الصلوات الخمس إذ السورة مكية ونزلت بعد فرض الصلوات الخمس‪.‬‬ ‫‪ 6‬قرأ نافع‪( :‬وإدبار) بكسر الهمزة‪ ،‬وقرأ حفص (وأدبار) بفتحها‪.‬‬ ‫‪ 7‬التعبير بالستماع فيه معنى التشويق لما يسمع‪ ،‬والمعنى‪ ،‬أقم الصلة وهي زادك إلى الدار‬ ‫الخرة وانتظر موعد الجزاء فإنه كائن يوم ينادي المنادي للقيام للجزاء على الصبر والصلة كما‬ ‫هو على الشرك والعصيان‪ ،‬والية تحمل التسلية وتدعو إلى الصبر والصلة‪.‬‬

‫( ‪)5/152‬‬ ‫قريب وهو صخرة بيت المقدس وهو مكان قريب من السماء فيقول المنادي وهو إسرافيل أيتها‬ ‫العظام البالية والوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن ال يأمركن أن تجتمعن‬ ‫س َمعُونَ الصّ ْيحَةَ بِا ْلحَقّ} وهي نفخة إسرافيل الثانية نفخة البعث {ذَِلكَ‬ ‫لفصل القضاء وقوله { َيوْمَ َي ْ‬ ‫شقّقُ الْأَ ْرضُ‪ 1‬عَ ْنهُمْ‬ ‫َيوْمُ ا ْلخُرُوجِ} من القبور ويوم يرى المكذبون عاقبة تكذيبهم‪ .‬وقوله { َيوْمَ تَ َ‬ ‫سِرَاعا} أي يخرجون مسرعين ذلك المذكور من تشقق الرض وخروجهم مسرعين حشر علينا‬ ‫لهم يسير أي سهل ل صعوبة فيه‪ ،‬وقوله {نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا َيقُولُونَ} فيه تسلية للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم وفيه تهديد لكفار قريش‪ .‬وقوله { َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِبجَبّارٍ} أي بذي قوة وقدرة فائقة تجبرهم بها‬ ‫على اليمان والستقامة وعليه فمهمتك ليست الجبار وأنت عاجز عنه وإنما هي التذكير { َف َذكّرْ‬ ‫ف وَعِيدِ} وهم المؤمنون الصادقون والمسلمون الصالحون‪.‬‬ ‫بِا ْلقُرْآنِ} إذا {مَنْ َيخَا ُ‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬مشروعية تخويف العصاة والمكذبين بالعذاب اللهي وقربه وعدم بعده‪.‬‬ ‫‪ -2‬للنتفاع بالمواعظ شروط أن يكون السامع ذا قلب حي واعٍ وأن يلقي بسمعه كامل وأن يكون‬ ‫حاضر الحواس شهيدها‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب الصبر والستعانة على تحقيقه بالصلة‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروعية الذكر والدعاء بعد الصلة فرادى ل جماعات‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير البعث وتفصيل مبادئه‪.‬‬ ‫‪ -6‬المواعظ ينتفع بها أهل القلوب الحية‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع (تشقق) بفتح التاء وتشديد الشين بتائين فأدغمت التاء الثانية في الشين بعد قلبها شينا‪،‬‬ ‫و قرأ حفص بتخفيف الشين على حذف إحدى التائين‪.‬‬

‫( ‪)5/153‬‬ ‫سورة الذريات‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الذاريات‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها ستون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫سمَاتِ َأمْرا (‪ )4‬إِ ّنمَا تُوعَدُونَ‬ ‫ت ِوقْرا (‪ )2‬فَا ْلجَارِيَاتِ يُسْرا (‪ )3‬فَا ْل ُمقَ ّ‬ ‫وَالذّارِيَاتِ ذَرْوا (‪ )1‬فَالْحَامِل ِ‬ ‫َلصَادِقٌ (‪)5‬‬ ‫سمَاءِ ذَاتِ الْحُ ُبكِ (‪ )7‬إِ ّنكُمْ َلفِي َقوْلٍ مُخْتَِلفٍ (‪ُ )8‬ي ْؤ َفكُ عَ ْنهُ مَنْ ُأ ِفكَ (‪)9‬‬ ‫وَإِنّ الدّينَ َلوَاقِعٌ (‪ )6‬وَال ّ‬ ‫غمْ َرةٍ سَاهُونَ (‪َ )11‬يسْأَلونَ أَيّانَ َيوْمُ الدّينِ (‪َ )12‬يوْمَ ُهمْ عَلَى‬ ‫قُ ِتلَ الْخَرّاصُونَ (‪ )10‬الّذِينَ هُمْ فِي َ‬ ‫النّارِ ُيفْتَنُونَ (‪ )13‬ذُوقُوا فِتْنَ َتكُمْ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ ِبهِ تَسْ َت ْعجِلُونَ (‪)14‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والذاريات ذروا‪ :‬أي الرياح تذروا التراب وغيره ذروا‪.‬‬ ‫فالحاملت وقرا ‪:‬أي السحب تحمل الماء‪.‬‬ ‫فالجاريات يسرا ‪:‬أي السفن تجري على سطح الماء بسهولة‪.‬‬ ‫فالمقسمات أمرا ‪:‬أي الملئكة تقسم بأمر ربها الرزاق والمطار وغيرها بين العباد‪.‬‬ ‫إن ما توعدون لصادق ‪:‬أي إن ما وعدكم به ربكم لصادق سواء كان خيرا أو شرا‪.‬‬ ‫وإن الدين لواقع ‪:‬أي وأن الجزاء بعد الحساب لواقع ل محالة‪.‬‬ ‫والسماء ذات الحبك ‪:‬أي ذات الطرق كالطرق التي تكون على الرمل والحبك جمع حبيكة‪.‬‬ ‫إنكم لفي قول مختلف‪ :‬أي يا أهل مكة لفي قول مختلف أي في شأن القرآن والنبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم فمنهم من يقول القرآن سحر وشعر وكهانة ومنهم من يقول النبي كاذب أو ساحر أو شاعر‪.‬‬

‫( ‪)5/154‬‬ ‫يؤفك عنه من أفك‪ :‬أي يصرف عن النبي والقرآن من صرف‪.‬‬ ‫قتل الخراصون ‪:‬أي لعن الكذابون الذين يقولون بالخرص والكذب‪.‬‬ ‫الذين هم في غمرة ساهون ‪:‬أي في غمرة جهل تغمرهم ساهون أي غافلون عن أمر الخرة‪.‬‬ ‫يوم هم على النار يفتنون‪ :‬أي يعذبون فيها‪.‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {وَالذّارِيَاتِ}‪ 1‬هذا شروع في قسم ضخم أقسم ال تعالى به وهو الذاريات ذروا أي‬ ‫الرياح تذروا التراب وغيره من الشياء الخفيفة {فَا ْلحَامِلتِ‪ِ 2‬وقْرا} أي السحب تحمل الماء‬ ‫سمَاتِ َأمْرا} أي الملئكة تقسم‬ ‫{فَا ْلجَارِيَاتِ‪ 3‬يُسْرا} أي السفن تجري على سطح الماء {فَا ْل ُمقَ ّ‬ ‫الرزاق والمطار وغيرها بأمر ربها كل هذا قسم أقسم ال به وجوابه {إِ ّنمَا تُوعَدُونَ} أيها الناس‬ ‫من البعث والجزاء بالنعيم المقيم أو بعذاب الجحيم لصادق وإن الدين أي الجزاء العادل لواقع أي‬ ‫سمَاءِ ذَاتِ الْحُ ُبكِ} ‪ 4‬هذا قسم آخر أي ذات الطرق كالتي على الرمل‬ ‫كائن ل محالة‪ .‬وقوله {وَال ّ‬ ‫جمع حبيكة بمعنى طريقة {إِ ّنكُمْ َلفِي َق ْولٍ مُخْتَِلفٍ} هذا جواب القسم فمنكم من يقول محمد ساحر‬ ‫ومنكم من يقول كاذب أو كاهن‪ .‬ومنكم من يقول في القرآن سحر وشعر كهانة وقوله تعالى { ُي ْؤ َفكُ‬ ‫عَنْهُ مَنْ ُأ ِفكَ} أي يصرف عن القرآن ومن نزل عليه من أفك أي صرف بقضاء ال وقدره‪ .‬وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬قُ ِتلَ الْخَرّاصُونَ} أي لعن الكذابون الذين يقولون بالخرص والكذب والظن الذين هم في‬ ‫غمرة جهل تغمرهم ساهون أي غافلون عن أمر الخرة وما لهم فيه من عذاب لو شاهدوه ما‬ ‫ذاقوا طعاما ول شرابا لذيذا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫ل يقال له‪ :‬صبيغ بلغ عمر عنه أن يسأل عن‬ ‫‪ 1‬هنا ذكر القرطبي موعظة عجبا وهي أن رج ً‬ ‫يسأل عن تفسير مشكل القرآن فقال‪ :‬اللهم أمكني منه فدخل الرجل على عمر يوما وهو لبس ثيابا‬ ‫وعمامة وعمر يقرأ القرآن فلما فرغ قام إليه الرجل وقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟‬ ‫فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ثم قال‪ :‬ألبسوه ثيابه واجعلوه على قتب وأبلغوا به أهله‬ ‫ثم ليقم خطيبا فليقل‪ :‬إن صبيغا طلب العلم فأخطأ فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم‪.‬‬ ‫وأخرى وهو أن ابن الكواء سأل عليا رضي اللع عنه فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين ما (الذاريات) قال‪:‬‬ ‫ويلك سل تفقها ول تسأل تعنتا‪.‬‬ ‫‪( 2‬فالحاملت وقرا) السحب تحمل الماء كما تحمل ذوات الربع الوقر‪ :‬أي الحمل الثقيل‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يراد ب(الجاريات) السفن‪ ،‬وأن يراد بها الرياح تجري بالسحب بعد تراكمها‪ ،‬واليسر‪:‬‬ ‫اللين والهون‪ ،‬أي الجاريات جريانا لينا هينا شأن السير بالشيء الثقيل كما قال العشى‪.‬‬ ‫كأن مشيتها من بيت جارتها‬ ‫مشي السحابة ل ريث ول عجل‬ ‫‪( 4‬الحبك) بفتح فسكون‪ :‬إجادة النسج وإتقان الصنع‪ ،‬وجائز أن يكون المراد بالحبك حبك السماء‬ ‫أي‪ :‬نجومها لنها تشبه الطرائق الموشاة في الثوب‪ .‬وعن الحسن أنها طرائق المجرة أو طرائق‬ ‫السحاب‪ ،‬والكل جائز‪.‬‬

‫( ‪)5/155‬‬

‫وقوله تعالى يسألون أيان يوم الدين أي متى قيام الساعة ومجيئها وهم في هذا مستهزئون‬ ‫ساخرون وجوابهم في قوله تعالى {يوم هم على النار يفتنون} أي يعذبون ويقال لهم ذوقوا فتنكم‬ ‫أي عذابكم هذا الذي كنتم به تستعجلون أي تطالبون به رسولنا بتعجيله لكم استخفافا وتكذيبا منكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء حيث أقسم تعالى على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عقيدة القضاء والقدر في قوله يؤفك عنه من أفك‪.‬‬ ‫‪ -3‬لعن ال الخراصين الذين يقولون بالخرص والكذب ويسألون استهزاء وسخرية ل طلبا للعلم‬ ‫والمعرفة للعمل‪.‬‬ ‫حسِنِينَ (‪ )16‬كَانُوا‬ ‫خذِينَ مَا آتَا ُهمْ رَ ّبهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُ ْ‬ ‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (‪ )15‬آ ِ‬ ‫جعُونَ (‪ )17‬وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ َيسْ َت ْغفِرُونَ (‪َ )18‬وفِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ لِلسّا ِئلِ‬ ‫قَلِيلً مِنَ اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ‬ ‫سمَاءِ‬ ‫سكُمْ َأفَل تُ ْبصِرُونَ (‪َ )21‬وفِي ال ّ‬ ‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪َ )19‬وفِي الْأَ ْرضِ آيَاتٌ لِ ْلمُوقِنِينَ (‪َ )20‬وفِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫طقُونَ (‪)23‬‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِنّهُ َلحَقّ مِ ْثلَ مَا أَ ّن ُكمْ تَنْ ِ‬ ‫رِ ْز ُقكُ ْم َومَا تُوعَدُونَ (‪َ )22‬فوَ َربّ ال ّ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المتقين في حنات وعيون ‪:‬أي إن الذين ‪ 1‬اتقوا ربهم في بساتين وعيون تجري خلل تلك‬ ‫البساتين والقصور التي فيها كقوله تجري من تحتها النهار‪.‬‬ ‫آخذين ما آتاهم ربهم‪ :‬أي آخذين ما أعطاهم ربهم من الثواب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬لما ذكر تعالى مآل الكافرين وهو أنهم على النار يفتنون أي‪ :‬يعذبون كما قال الشاعر‪:‬‬ ‫كل امرئ من عباد ال مضطهد‬ ‫ببطن مكة مقهور ومفتون‬ ‫ذكر مآل المؤمنين المتقين فقال‪( :‬إن المتقين) فذكر ما هم فيه من النعيم المقيم‪.‬‬

‫( ‪)5/156‬‬ ‫إنهم كانوا قبل ذلك محسنين‪ :‬أي كانوا قبل دخولهم الجنة محسنين في الدنيا أي في عبادة ربهم‬ ‫وإلى عباده‪.‬‬ ‫كانوا قليل من الليل ما يهجعون ‪:‬أي كانوا في الدنيا يحيون الليل ول ينامون فيه إل قليل‪.‬‬ ‫وبالسحار هم يستغفرون‪ :‬أي وفي وقت السحور وهو السدس الخير من الليل يستغفرون يقولون‬ ‫ربنا اغفر لنا‪.‬‬

‫وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ‪:‬أي للذي يسأل والمحروم الذي ل يسأل لتعففه وهذا الحق‬ ‫أوجبوه على أنفسهم زيادة على الزكاة الواجبة‪.‬‬ ‫وفي الرض آيات للموقنين ‪:‬أي من الجبال والنهار والشجار والبحار والنسان والحيوان‬ ‫دللت على قدرة ال مقتضية للبعث والموجبة للتوحيد للموقنين أما غير المؤمنين فل يرون شيئا‪.‬‬ ‫وفي أنفسكم أفل تبصرون ‪:‬أي آيات من الخلق والتركيب والسماع والبصار والتعقل والتحرك‬ ‫أفل تبصرون ذلك فتستدلون به على وجود ال وعلمه وقدرته‪.‬‬ ‫وفي السماء رزقكم وما توعدون‪ :‬أي من المطار التي بها الزرع والنبات وسائر القوات وما‬ ‫توعدون من ثواب وعقاب إن كل ذلك عند ال في السماء مكتوب في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫فورب السماء والرض إنه لحق ‪:‬إنه لحق أي ما توعدون لحق ثابت‪.‬‬ ‫مثل ما أنكم تنطقون ‪:‬أي إن البعث لحق مثل نطقكم فهل يشك أحد في نطقه إذا نطق والجواب ل‬ ‫يشك فكذلك ما توعدون من ثواب وعقاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي كذب بها المشركون في مكة فقال‬ ‫ت وَعُيُونٍ} أي إن الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه بترك‬ ‫تعالى {إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬ ‫الواجبات ول بفعل المحرمات هؤلء يوم القيامة في بساتين وعيون تجري في تلك البساتين وقوله‬ ‫{آخِذِينَ مَا آتَا ُهمْ رَ ّبهُمْ} أي ما أعطاهم ربهم من ثواب هو نعيم مقيم في دار السلم‪ .‬ثم ذكر تعالى‬ ‫مقتضيات هذا العطاء العظيم والثواب الجزيل فقال {إِ ّن ُهمْ كَانُوا قَ ْبلَ } دخولهم الجنة { ُمحْسِنِينَ} في‬ ‫الدنيا فأحسنوا نياتهم وأعمالهم أخلصوها ل ربهم وأتوا بها وفق ما ارتضاه وشرعه لعباده بل‬ ‫زيادة ول نقصان كما أحسنوا إلى عباده ولم يسيئوا إليهم بقول ول عمل هذا موجب وآخر أنهم‬ ‫{كَانُوا قَلِيلً مِنَ اللّ ْيلِ مَا‬

‫( ‪)5/157‬‬ ‫جعُونَ} ‪ 1‬أي ل ينامون من الليل إل قليلً إذ أكثر الليل يقضونه في الصلة وهو التهجد وقيام‬ ‫َيهْ َ‬ ‫الليل وبالسحار أي وفي السدس الخير من الليل هم يستغفرون أي يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا‬ ‫حقّ لِلسّا ِئلِ} والمحروم أي وزيادة على الزكاة المفروضة‬ ‫وقنا عذاب النار وثالث { َوفِي َأ ْموَاِلهِمْ َ‬ ‫في كل مال بلغ النصاب فإنهم أوجبوا على أنفسهم في أموالهم حقا يبذلونه للسائل الذي يسأل‬ ‫والمحروم الذي ل يسأل لحيائه وعفته‪ .‬هذه موجبات العطاء الكريم الذي أعطاهم ربهم من النعيم‬ ‫المقيم في جنات وعيون‪ .‬وقوله تعالى { َوفِي الْأَ ْرضِ‪ 2‬آيَاتٌ لِ ْلمُوقِنِينَ} أي وفي ما خلق في الرض‬ ‫من مخلوقات من جبال وأنهار و زروع وضروع وأنواع الثمار‪ ،‬وإنسان وحيوان آيات أي دلئل‬ ‫وعلمات على قدرة ال وعلمه وحكمته ورحمته وكلها موجبة له التوحيد ومقررة لقدرته على‬

‫البعث الخر والجزاء وكون هذه اليات للموقنين مبني على أن الموقنين ذووا بصائر وإدراك لما‬ ‫يشاهدون في الكون فكلما نظروا إلى آية في الكون ازداد إيمانهم وقوى فبلغوا اليقين فيه فأصبحوا‬ ‫سكُمْ َأفَل‬ ‫أكثر من غيرهم في الهتداء والنتفاع بكل ما يسمعون ويشاهدون‪ .‬وقوله تعالى { َوفِي أَ ْنفُ ِ‬ ‫تُ ْبصِرُونَ} أي وفي أنفسكم ‪ 3‬أيها الناس من الدلئل والبراهين المتمثلة في خلق النسان وأطواره‬ ‫التي يمر بها من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى طفل إلى شاب فكهل وفي إدراكه وسمعه وبصره‬ ‫ونطقه إنها آيات أخرى دالة على وجود ال وتوحيده وقدرته على البعث والجزاء وقوله {َأفَل‬ ‫تُ ْبصِرُونَ} توبيخ لهل الغفلة والعراض عن التفكر والنظر إذ لو نظروا بأبصارهم متفكرين‬ ‫ببصائرهم لهتدوا إلى اليمان والتوحيد والبعث والجزاء‪ .‬وقوله تعالى وفي السماء رزقكم وما‬ ‫توعدون أي ‪ 4‬يخبر تعالى عباده أن رزقهم في السماء يريد تدبير المر في السماء والمطار التي‬ ‫هي سبب كل الثمار والحبوب وسائر الخضر والفواكه التي هي غذاء النسان في السماء وقوله‬ ‫وما توعدون من خير وشر من رحمة وعذاب الكل في السماء إذ المر ل وهو يحكم بالرحمة‬ ‫والعذاب على من يشاء وكتاب المقادير التي كتب فيه كل شيء هو في السماء‪ .‬وقوله تعالى‬ ‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ‬ ‫{ َفوَ َربّ ال ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الهجوع‪ :‬النوم ليل‪ ،‬والتهجاع‪ :‬النومة الخفيفة قال الشاعر‪:‬‬ ‫قد حصت البيضة رأسي فما‬ ‫أطعم نوما غير تهجاع‬ ‫والفعل يهجع هجوعا‪ ،‬و(ما) زائدة لتقوية الكلم أي‪ :‬كانوا ينامون قليل من الليل‪ ،‬والجملة‪:‬‬ ‫(وكانوا قليل) الخ بدل من جملة‪( :‬كانوا قبل ذلك محسنين) بدل بعض من كل‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذا متصل بالقسم في قوله‪{ :‬وَالذّارِيَاتِ} إنه بعد أن حقق عقيدة البعث بالقسام عليها عطف‬ ‫شواهد من الدلة على ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬مما هو آية في النفس أن المرء يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين ولو شرب لبنا‬ ‫محضا لخرج منه الماء ومنه الغائط فتلك الية في النفس‪.‬‬ ‫‪ 4‬يروى أن الحسن رحمه ال تعالى كان إذا رأى السحاب قال لصحابه فيه وال رزقكم ولكنكم‬ ‫تحرمونه بخطاياكم‪.‬‬

‫( ‪)5/158‬‬ ‫طقُونَ‪ }2‬هذا قسم منه تعالى أقسم فيه بنفسه على أن البعث والجزاء يوم‬ ‫إِنّهُ َلحَقّ‪ 1‬مِ ْثلَ مَا أَ ّنكُمْ تَ ْن ِ‬ ‫القيامة حق ثابت واجب الوقوع كائن ل محالة إذا كنا ل نشك في نطقنا إذا نطقنا أن ما نقوله‬ ‫ونسمعه ل يمكن أن يكون غير ما نطقنا به وسمعناه فكذلك البعث الخر واقع ل محالة‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان ما للمتقين من نعيم مقيم في الدار الخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان صفات المتقين من التهجد بالليل والستغفار في آخره والنفاق في سبيل ال‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن في الرض كما في النفس آيات أي دلئل وعلمات على قدرة ال على البعث‬ ‫والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن في السماء رزق العباد ‪ 3‬فل يطلب إل من ال تعالى وأن ما نوعده من خير وشر‬ ‫أمره في السماء ومنها ينزل بأمره تعالى فليكن طلبنا الخير من ال دائما وتعوذنا من الشر بال‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫حدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ (‪ )24‬إِذْ دَخَلُوا عَلَ ْيهِ َفقَالُوا سَلما قَالَ سَلمٌ َقوْمٌ مُ ْنكَرُونَ‬ ‫َهلْ أَتَاكَ َ‬ ‫سمِينٍ (‪َ )26‬فقَرّبَهُ إِلَ ْيهِمْ قَالَ أَل تَ ْأكُلُونَ (‪ )27‬فََأوْجَسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً‬ ‫جلٍ َ‬ ‫(‪ )25‬فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ َفجَاءَ ِب ِع ْ‬ ‫ج َههَا َوقَاَلتْ عَجُوزٌ‬ ‫ص ّكتْ َو ْ‬ ‫خفْ وَبَشّرُوهُ ِبغُلمٍ عَلِيمٍ (‪ )28‬فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ َف َ‬ ‫قَالُوا ل َت َ‬ ‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ (‪)30‬‬ ‫عقِيمٌ (‪ )29‬قَالُوا كَذَِلكِ قَالَ رَ ّبكِ إِنّهُ ُهوَ الْ َ‬ ‫َ‬ ‫__________‬ ‫طقُونَ} جيء به بدل عن المصدر‬ ‫طقُونَ} مزيدة للتوكيد‪ ،‬والمضارع { تَ ْن ِ‬ ‫‪( 1‬ما) في {مِ ْثلَ مَا أَنّتُمْ تَنْ ِ‬ ‫نطقكم لفادته التشبيه بنطقهم المتجدد المحسوس لهم وتقدير الكلم أن ما توعدونه من البعث‬ ‫والجزاء لحق مثل نطقكم الذي ل تنكرونه إذ ل يوجد من ينكر نطقه أبدا‪..‬‬ ‫‪( 1‬ما) في (مثل ما أنكم تنطقون) مزيدة للتوكيد‪ ،‬والمضارع (تنطقون) جيء به بدل عن المصدر‬ ‫نطقكم الذي ل تنكرونه إذ ل يوجد من ينكر نطقه أبدا‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬خص النطق من بين سائر الحواس‪ :‬لن ما سواه من الحواس يدخله التشبيه‪ ,‬والنطق سبيم‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬ذكر القرطبي عند تفسير هذه الية قصة مأثورة عن الصمعي خلصتها‪ :‬أن أعرابيا قال له‪:‬‬ ‫اقرأ علي من كلم الرحمن شيئا فقرأ عليه‪( :‬وفي السماء رزقكم و ما توعدون) ففهمها العرابي‬ ‫علقيقتها فكسر قوسه ونحر بعيره فتصدق به وتاب إلى ربه ولقيه بعد سنة فطلب منه أن يسمعه‬ ‫من كلم الرحمن فقرأ عليه فورب السماء والرض إنه لحق‪ )...‬الية فأخذ العرابي رداءه وهو‬ ‫يقول‪ :‬من يغضب الرحمن‪ .‬وما زال يرددها حتى مات‪.‬‬

‫( ‪)5/159‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫هل أتاك حديث‪ :‬أي قد أتاك يا نبينا حديث أي كلم‪.‬‬

‫ضيف إبراهيم المكرمين ‪:‬أي جبريل وميكائيل وإسرافيل أكرمهم إبراهيم الخليل‪.‬‬ ‫وقالوا سلما ‪:‬أي نسلم عليك سلما‪.‬‬ ‫قال سلم قوم منكرون ‪:‬أي عليكم سلم أنتم قوم منكرون أي غير معروفين‪.‬‬ ‫فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ‪:‬أي عدل ومال إلى أهله فجاء بعجل سمين حنيذ‪.‬‬ ‫فقال أل تأكلون ‪:‬أي فأمسكوا عن الكل فقال لهم أل تأكلون‪.‬‬ ‫فأوجس منهم خيفة ‪ :‬أي فأضمر في نفسه خوفا منهم‪.‬‬ ‫بغلم عليم ‪:‬أي بولد يكون ذا علم كبير غزير‪.‬‬ ‫فأقبلت امرأته في صرة‪ :‬أي في رنة وصيحة‪.‬‬ ‫فصكت وجهها ‪:‬أي لطمت وجهها أي ضربت بأصابعها جبينها متعجبة‪.‬‬ ‫وقالت عجوز عقيم ‪:‬أي كبيرة السن وعقيم لم يولد لها قط‪.‬‬ ‫قالوا كذلك قال ربك ‪:‬أي قالت الملئكة لها كالذي قلنا لك قال ربك‪.‬‬ ‫إنه هو الحكيم العليم‪ :‬أي إنه هو الحكيم في تدبيره وتصريف شؤون عباده‪ .‬العليم بما يصلح للعبد‬ ‫وما ل يصلح فليفوض المر إليه‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى { َهلْ أَتَاكَ حَدِيثُ‪ 1‬ضَ ْيفِ إِبْرَاهِيمَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ}‪ 2‬هذا الحديث يشتمل على موجز قصة قد‬ ‫ذكرت في سورة هود والحجر والمقصود منه تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم إن مثل هذا‬ ‫القصص ل يتم لمي ل يقرأ ول يكتب إل من طريق الوحي كما أنه يحمل في نهايته التهديد‬ ‫بالوعيد لمشركي قريش المصرين على الكفر والتكذيب والجرام الكبير إذ في نهاية القصة يسأل‬ ‫إبراهيم الملئكة قائل فما خطبكم أيها المرسلون فيجيبون قائلين إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين‬ ‫لنرسل عليهم حجارة من طين أي لتدميرهم وإهلكهم من أجل إجرامهم‪ ،‬وقريش في هذا الوقت‬ ‫مجرمة مستحقة للعذاب كما استحقه إخوان لوط‪ .‬فقوله تعالى في خطاب رسوله هل أتاك حديث‬ ‫ضيف إبراهيم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا الكلم مستأنف ابتدائي سيق لتسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وتقرير نبوته وإنذار قومه‬ ‫المكذبين المصرين على الشرك والظلم‪ ،‬ولفظ الضيف‪ ،‬يطلق على الواحد فأكثر وافتتاح الكلم‬ ‫بهل للتفخيم للحدث الذي يخبر عنه والتهويل من شأنه‪.‬‬ ‫‪ 2‬قال فيهم المكرمين‪ :‬لخدمة إبراهيم إياهم وإكرامه لهم بتقديم العجل الحنيذ‪ ،‬وقيل هم مكرمون‬ ‫من قبل ال تعالى ‪.‬‬

‫( ‪)5/160‬‬

‫الخليل وهم ملئكة في صورة رجال من بينهم ‪ 1‬جبريل وميكائيل وإسرافيل إذ دخلوا عليه أي‬ ‫على إبراهيم وهو في منزله فسلموا عليه ‪ 2‬فرد السلم ثم قال أنتم قوم منكرون أي ل نعرفكم‬ ‫بمعنى أنكم غرباء لستم من أهل هذا البلد فلذا سارع في إكرامهم فراغ إلى أهله أي عدل ومال‬ ‫إلى أهله فعمد إلى عجل سمين من أبقاره وكان ماله يومئذ البقر فشواه بعد ذبحه وسلخه وتنظيفه‪.‬‬ ‫فقربه إليهم وكأنهم أمسكوا عن تناوله فعرض عليهم الكل عرضا بقوله أل تأكلون فقالوا إنا ل‬ ‫نأكل طعاما إل بحقه‪ .‬فقال إذا كلوه بحقه‪ ،‬فقالوا وما حقه؟ قال أن تذكروا اسم ال في أوله‬ ‫وتحمدوا ال في آخره أي تقولون بسم ال في البدء والحمد ل في الختم فالتفت جبريل إلى ميكائيل‬ ‫وقال له حق للرجل أن يتخذه ربه خليل ولما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة أي خوفا أي شعر‬ ‫بالخوف في نفسه منهم لعدم أكلهم لن العادة البشرية وهي مستمرة إلى اليوم إذا أراد المرء بأخيه‬ ‫سوءا ل يسلم عليه ول يرد عليه السلم‪ ،‬ول يأكل طعامه هذا حكم غالبي وليس عاما‪ .‬قالوا ل‬ ‫تخف وبشروه بغلم وأعلموه أنهم مرسلون من ربه إلى قوم لوط لهلكهم من أجل إجرامهم‬ ‫وبشروه بغلم يولد له ويكبر ويولد له فالول إسحق والثاني يعقوب كما جاء في سورة هود‬ ‫فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب وقوله {فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ} ‪ 3‬أخذت في رنة لما‬ ‫سمعت البشرى فصكت أي لطمت وجهها بأصابع يدها متعجبة وهي تقول أألد وأنا عجوز ‪ 4‬وهذا‬ ‫بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب إذ كان عمرها تجاوز التسعين وعمر إبراهيم تجاوز المئة وكانت‬ ‫عقيما ل تلد قط فلذا قالت عجوز ‪ 5‬عقيم كيف ألد يا للعجب؟ فأجابها الملئكة قائلين كذلك أي‬ ‫هكذا قال ربك فاقبلي البشرى واحمديه واشكريه‪ .‬إنه تعالى هو الحكيم في تصرفاته في شؤون‬ ‫عباده العليم بما يصلح لهم وما ل يصلح فليفوض المر إليه ول يعترض عليه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل إنهم كانوا تسعا وسما منهم غير الثلثة رفائيل عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬في الية مشروعية السلم إلقاء وردا إل أن اللقاء سنة والرد واجب لية النساء‪{ :‬وَِإذَا حُيّيتُمْ‬ ‫بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بَِأحْسَنَ مِ ْنهَا َأوْ رُدّوهَا}‪.‬‬ ‫‪ 3‬الصرة‪ :‬الصيحة والضجة‪ ،‬والصرة‪ ،‬الجماعة‪ ،‬والصرة‪ :‬الشدة من كرب وغيره قال الشاعر‪:‬‬ ‫فألحقه بالهاديات ودونه‬ ‫جواحرها في صرة لم تزين‬ ‫الهاديات‪ :‬أوائل بقر الوحش وجواحرها‪ :‬متخلفاتها ولم تزيل لم تنفرق الشاهد في الصرة هنا فإنها‬ ‫بمعنى الضجة والجماعة والشدة‪ .‬وهو يمدح فرسه الذي ألحقه بأوائل بقر الوحش الذي يصيد‪.‬‬ ‫شيْءٌ عَجِيبٌ}‪.‬‬ ‫عجُو ٌز وَهَذَا َبعْلِي شَيْخا إِنّ هَذَا َل َ‬ ‫‪ 4‬نص آية هود‪ { :‬قَاَلتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا َ‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬كيف ألد وأنا عجوز عقيم ف(عجوز) خبر‪ ،‬و(عقيم) بدل منه والمبتدأ محذوف أي‪ :‬أنا‬ ‫والعجوز يشترك فيه المذكر والمؤنث يقال رجل عجوز وامرأة عجوز فهو فعول بمعنى فاعل‬

‫مشتق من العجز والعقيم كذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث وهو فعيل بمعنى مفعول مأخوذ من‬ ‫عقمها ال‪ :‬إذا خلقها لم تحمل بجنين‪ ،‬وكانت سارة لم تحمل قط‪.‬‬

‫( ‪)5/161‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضيلة إبراهيم أبي النبياء وإمام الموحدين‪.‬‬ ‫‪ -3‬وجوب إكرام الضيف‪.‬‬ ‫‪ -4‬الخوف الفطري عند وجود أسبابه ل يقدح في العقيدة ول يعد شركا‪.‬‬

‫( ‪)5/162‬‬ ‫الجزء السابع والعشرون‬ ‫سلَ عَلَ ْيهِمْ حِجَا َرةً‬ ‫قَالَ َفمَا خَطْ ُب ُكمْ أَ ّيهَا ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )31‬قَالُوا إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ ُمجْ ِرمِينَ (‪ )32‬لِنُ ْر ِ‬ ‫س ّومَةً عِ ْندَ رَ ّبكَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )34‬فََأخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪َ )35‬فمَا‬ ‫مِنْ طِينٍ (‪ )33‬مُ َ‬ ‫وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَ ْيتٍ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )36‬وَتَ َركْنَا فِيهَا آيَةً لِلّذِينَ َيخَافُونَ ا ْل َعذَابَ الَلِيمَ (‪)37‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫قال فما خطبكم أيها المرسلون ‪:‬أي ما شأنكم أيها المرسلون‪.‬‬ ‫إلى قوم مجرمين ‪:‬أي إلى قوم كافرين فاعلين لكبر الجرائم وهي إتيان الفاحشة‪.‬‬ ‫حجارة من طين ‪:‬أي مطبوخ بالنار‪.‬‬ ‫مسومة ‪:‬أي معلمة على كل حجر اسم من يرمى به‪.‬‬ ‫للمسرفين‪ :‬أي المبالغين في الكفر والعصيان كإتيان الذكران‪.‬‬ ‫غير بيت من المسلمين ‪:‬وهو بيت لوط وابنتيه ومن معهم من المؤمنين‪.‬‬ ‫وتركنا فيها آية‪ :‬أي بعد إهلكهم‪:‬تركنا فيها علمة على إهلكهم وهي ماء أسود منتن‪.‬‬ ‫للذين يخافون العذاب الليم ‪:‬أي عذاب الخرة فل يفعلون فعلهم الشنيع‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق في قصة إبراهيم مع ضيفه من الملئكة إنه لحظ بعد أن عرف أنهم سادات‬ ‫الملئكة أن مهمتهم لم تكن مقصورة على بشارته فقط بل هي أعظم فلذا سألهم قائل‪ :‬فما ‪1‬‬ ‫خطبكم أيها المرسلون؟ فأجابوه قائلين‪ :‬إنا أرسلنا أي أرسلنا ربنا عز وجل إلى قوم مجرمين ‪ 2‬أي‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬الفاء‪ :‬هي الفاء الفصيحة إذ أفصحت أي‪ :‬دلت على كلم محذوف تقديره‪ :‬لما كنتم مرسلين من‬ ‫قبل ال تعالى فما خطبكم أي ما شأنكم وما مهمتكم العظيمة التي جئتم لها؟‪.‬‬ ‫‪ 2‬هم أهل سدوم وعمورية‪.‬‬

‫( ‪)5/163‬‬ ‫على أنفسهم بالكفر‪ ،‬وفعل الفاحشة‪ ،‬والعلة من إرسالنا إليهم هي لنرسل عليهم حجارة من طين ‪1‬‬ ‫مطبوخ بالنار‪ ،‬وتلك الحجارة مسومة أي معلمة عن ربك للمسرفين أي قد كتب على كل حجر‬ ‫اسم من يرمى به‪ ،‬وذلك في السماء قبل أن تنزل إلى الرض‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬فََأخْرَجْنَا} أي من‬ ‫تلك القرية وهي سدوم من كان فيها من ‪ 2‬المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وهو‬ ‫بيت لوط عليه السلم وما به سوى لوط وابنتيه ومن الجائز أن يكون معهم بعض المؤمنين إذ قيل‬ ‫كانوا ثلثة عشر نسمة وقوله تعالى‪{ :‬وَتَ َركْنَا فِيهَا آيَةً‪ }3‬أي علمة على إهلكهم وهي ماء أسود‬ ‫منتن كالبحيرة وتعرف الن بالبحر الميت‪ .‬وقوله { لِلّذِينَ يَخَافُونَ ا ْل َعذَابَ الْأَلِيمَ} وهم المؤمنون‬ ‫الذين يخافون عذاب الخرة حتى ل يفعلوا فعل قوم لوط من الكفر وإيتان الفاحشة‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬جواز تشكل الملئكة بصورة رجال من البشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬التنديد بالجرام وفاعليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬جواز الهلك بالعذاب الخاص الذي لم يعرف له نظير‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حقيقة علمية وهي أن كل مؤمن صادق اليمان مسلم‪ ,‬وليس كل مسلم مؤمنا حتى‬ ‫يحسن إسلمه بانبنائه على أركان اليمان الستة‪4.‬‬ ‫عوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )38‬فَ َتوَلّى بِ ُركْنِهِ َوقَالَ سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ (‪)39‬‬ ‫َوفِي مُوسَى إِذْ أَ ْرسَلْنَاهُ إِلَى فِرْ َ‬ ‫خذْنَاهُ وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَ ُهوَ مُلِيمٌ (‪َ )40‬وفِي عَادٍ إِذْ أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الرّيحَ ا ْل َعقِيمَ (‪ )41‬مَا‬ ‫فَأَ َ‬ ‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ (‪َ )42‬وفِي َثمُودَ ِإذْ قِيلَ َلهُمْ َتمَ ّتعُوا حَتّى حِينٍ (‪)43‬‬ ‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَيْهِ إِلّا َ‬ ‫تَذَرُ مِنْ َ‬ ‫َفعَ َتوْا عَنْ َأمْرِ رَ ّبهِمْ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬من طين) فيه احتراس من أن تكون من البرد الذي ينزل مع المطر من السماء‪ ,‬وجائز أن‬ ‫تكون من بركان قذفته الرض فارتفع بقوة الضغط فسقط عليهم فدمرهم بأمر ال تعالى وتدبيره‬ ‫فيهم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قوله ‪(:‬من المؤمنين)‪ :‬إشارة إلى أن سبب نجاتهم هو إيمانهم وفي قوله ‪(:‬من المسلمين) كذلك‬

‫أي‪ :‬سبب النجاة السلم كما هو التنويه بشأن كل من اليمان والسلم إذ الدعوة النبوية تدور‬ ‫عليهما‪.‬‬ ‫‪ 3‬الضمير)فيها) عائد إلى القرية التي أصبحت خربة تدل على قدرة ال تعالى ونقمته من أعدائه‪.‬‬ ‫‪ 4‬هي اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله‪ ,‬واليوم الخر‪ ,‬والقدر خيره وشره‪ ,‬كما في آية البقرة‪,‬‬ ‫(ليس البر) وفي حديث جبريل عند مسلم‪.‬‬

‫( ‪)5/164‬‬ ‫عقَ ُة وَهُمْ يَ ْنظُرُونَ (‪َ )44‬فمَا اسْ َتطَاعُوا مِنْ قِيَا ٍم َومَا كَانُوا مُنْ َتصِرِينَ (‪َ )45‬و َقوْمَ نُوحٍ‬ ‫خذَ ْتهُمُ الصّا ِ‬ ‫فَأَ َ‬ ‫سقِينَ (‪)46‬‬ ‫مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون ‪:‬أي فكذبه وكفر‪ ,‬فأغرقناه ومن معه آية كآية سدوم‪.‬‬ ‫بسلطان مبين ‪:‬أي بحجة ظاهرة قوية وهي اليد والعصا‪.‬‬ ‫فتولى بركنه ‪:‬أي أعرض عن اليمان مع رجال قومه‪.‬‬ ‫وقال ساحر أو مجنون ‪:‬أي وقال فرعون في شأن موسى ساحر أو مجنون‪.‬‬ ‫فنبذناهم في اليم ‪:‬أي طرحناهم في البحر فغرقوا أجمعين‪.‬‬ ‫وهو مليم ‪:‬أي آت بما يلم عليه إذ هو الذي عرض جيشا كاملً للهلك زيادة على ادعائه‬ ‫الربوبية وتكذيبه لموسى وهرون وهما رسولن‪.‬‬ ‫وفي عاد ‪:‬أي وفي إهلك عاد آية أي علمة على قدرتنا وتدبيرنا‪.‬‬ ‫الريح العقيم‪ :‬أي التي ل خير فيها لنها ل تحمل المطر ول تلقح الشجر وهي الدبور‪ ,‬لقول‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم "نصرت بالصبا" وهي الريح الشرقية "وأهلكت عاد بالدبور" وهي‬ ‫الريح الغربية بالحجاز‪.‬‬ ‫ما تذر من شيء أتت عليه ‪:‬من نفس أو مال‪.‬‬ ‫إل جعلته كالرميم‪ :‬أي البالي المتفتت‪.‬‬ ‫وفي ثمود‪ :‬أي وفي إهلك ثمود آية دالة على قدرة ال وكرهه تعالى للكفر والجرام‪.‬‬ ‫إذ قيل لهم ‪:‬أي بعد عقر الناقة تمتعوا إلى انقضاء آجالكم بعد ثلثة أيام‪.‬‬ ‫فأخذتهم الصاعقة ‪:‬أي بعد ثلثة أيام من عقر الناقة‪.‬‬ ‫فما استطاعوا من قيام‪ :‬أي ما قدروا على النهوض عند نزول العذب بهم‪.‬‬ ‫وقوم نوح من قبل ‪:‬أي وفي إهلك قوم نوح بالطوفان آية وأعظم آية‪.‬‬

‫( ‪)5/165‬‬

‫قوله تعالى { َوفِي مُوسَى}‪ 1‬الية إنه تعالى لما ذكر إهلك قوم لوط وجعل في ذلك آية دالةً على‬ ‫قدرته وعلمةً تدل العاقل على نقمه تعالى ممن كفر به وعصاه ذكر هنا في هذه اليات التسع من‬ ‫هذا السياق أربع آيات‬ ‫أخرى‪ ،‬يهتدي بها أهل اليمان الذين يخافون يوم الحساب فقال عز من قائل‪ :‬وفي موسى بن‬ ‫عمران نبي بني إسرائيل إذ أرسلناه إلى فرعون ملك القبط بمصر {بِسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة قوية‬ ‫ظاهرة قوة السلطان وظهوره وهي العصا ‪ 2‬فلم يستجب لدعوة الحق فتولى بركنه أي ‪3‬بجنده‬ ‫الذي يركن إليه ويعتمد عليه‪ ،‬وقال في موسى رسول ال إليه‪ :‬هو ساحر أو ‪4‬مجنون فانتقمنا منه‬ ‫بعد الصرار على الكفر والظلم فنبذناهم أي طرحناهم في اليم البحر فهلكوا بالغرق‪ .‬في هذا‬ ‫الصنيع الذي صنعناه بفرعون لما كذب آيةٌ من أظهر اليات‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬وفِي عَادٍ‪ }5‬حيث‬ ‫أرسلنا إليهم‬ ‫أخاهم هودا فدعاهم إلى عبادة ال وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه {إِذْ أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الرّيحَ‬ ‫ا ْل َعقِيمَ} التي ل تحمل مطرا ول تلقح شجرا‪ 6‬ما تذر من شيء أتت عليه أي مرت به من أنفس أو‬ ‫أموال إل جعلته كالرميم ‪ 7‬البالي المتفتت في هذه الهلك آية من أعظم اليات الدالة على قدرة‬ ‫ال الموجبة لربوبيته وعبادته والمستلزمة لقدرته تعالى على البعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َوفِي َثمُودَ‪ }8‬إذ أرسلنا إليهم أخاهم صالحا فدعاهم إلى عبادة ال وحده وترك الشرك‬ ‫فكذبوه وطالبوه بآية تدل على صدقه فأعطاهم ال الناقة آية فعقروها استخفافا منهم وتكذيبا {ِإذْ قِيلَ‬ ‫َلهُمْ َتمَ ّتعُوا حَتّى حِينٍ } أي إلى إنقضاء الجل الذي حدد لهلكهم‪ .‬فبدل أن يؤمنوا ويسلموا‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬وفي موسى) أي‪ :‬وتركنا أيضا في قصة موسى آية‪ ،‬والعطف على قوله‪َ { :‬وفِي الْأَ ْرضِ آيَاتٌ‬ ‫لِ ْلمُوقِنِينَ}‪.‬‬ ‫‪ 2‬وجائز أن يكون غير العصا من اليات التسع‪.‬‬ ‫‪ 3‬وجائز أن يكون بقوته كما قال عنترة‪:‬‬ ‫فما أوهى مراس الحرب ركني‬ ‫ولكن ما تقادم من زماني‬ ‫أراد بركنه‪ :‬قوته‪ ،‬وركن الشيء‪ :‬جانبه القوى‪.‬‬ ‫‪( 4‬أو) بمعنى الواو أي‪ :‬قال مرة في موسى ساحر وقال مرة أخرى مجنون وشاهده قول الشاعر‪:‬‬ ‫أثعلبة الفوارس أو رياحا‬ ‫عدلت بهم طهية والخشايا‬ ‫أي‪ :‬ورياحا فأو بمعنى الواو العاطفة ل غير وطهية كسمية‪ :‬حي من تميم والخشاب‪ :‬بطون من‬ ‫تميم أيضا‪.‬‬

‫‪( 5‬وفي عاد) أي‪ :‬وتركنا في عاد آية كالتي في موسى‪.‬‬ ‫‪ 6‬ول خير فيها ول بركة ول منفعة البتة مأخوذة من‪ :‬امرأة عقيم ل تحمل ول تلد‪ ،‬وهي الدبور‬ ‫لقول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور}‪.‬‬ ‫‪( 7‬الرميم) الشيء الهاك البالي‪ .‬قال مجاهد‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬ ‫تركتني حين كف الدهر من بصري‬ ‫وإذ بقيت كعظم الرمة البالي‬ ‫مأخوذ من رم العظم‪ :‬إذا بلى يقال‪ :‬رم العظم يرم بالكسر رمة فهو رميم‪.‬‬ ‫‪( 8‬وفي ثمود) أي‪ :‬وتركنا في ثمود آية للموقنين دالة على قدرة ال وعلمه وحكمته وهي موجبات‬ ‫ألوهيته‪.‬‬

‫( ‪)5/166‬‬ ‫عقَةُ} صاعقة العذاب‬ ‫خذَ ْتهُمُ الصّا ِ‬ ‫فيعبدوا ال ويوحدوه عتوا عن أمر ربهم وترفعوا متكبرين {فَأَ َ‬ ‫وهم ينظرون بأعينهم الموت يتخطفهم { َفمَا اسْ َتطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} من مجالسهم وهم جائمون على‬ ‫الركب { َومَا كَانُوا مُنْ َتصِرِينَ} في إهلك ثمود أصحاب الحجر آية للذين يخافون العذاب الليم فل‬ ‫يفعلوا فعلهم حتى ل يهلكوا هلكهم‪.‬‬ ‫سقِينَ} أي وفي إرسالنا نوحا إلى قومه‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬و َقوْمَ نُوحٍ‪ 1‬مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِ‬ ‫وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب ثم إهلكنا لهم بالطوفان وانجائنا المؤمنين‬ ‫آية من أعظم اليات الدالة على وجود ال تعالى وربوبيته و ألوهيته للعالمين‪ ،‬والمستلزمة لقدرته‬ ‫على البعث والجزاء الذي يصر الملحدة على إنكاره ليواصلوا فسقهم وفجورهم بل تأنيب ضمير‬ ‫ول حياء ول خوف أو وجل‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في اليات من دلئل على ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬قوة ال تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الرض هو الذي خلقها ووهبها‪.‬‬ ‫‪ -3‬اتهام المبطلين لهل الحق دفعا للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان‬ ‫ومكان‪.‬‬ ‫‪ -4‬من عوامل الهلك العتو عن أمر ال أي عدم الذعان لقبوله‪ ،‬والفسق عن طاعته وطاعة‬ ‫رسله‪.‬‬ ‫شيْءٍ‬ ‫سعُونَ (‪ )47‬وَالْأَ ْرضَ فَرَشْنَاهَا فَ ِنعْمَ ا ْلمَاهِدُونَ (‪َ )48‬ومِنْ ُكلّ َ‬ ‫سمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْ ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬ ‫وَال ّ‬ ‫جعَلُوا مَعَ اللّهِ‬ ‫خََلقْنَا َزوْجَيْنِ َلعَّل ُكمْ تَ َذكّرُونَ (‪َ )49‬ففِرّوا إِلَى اللّهِ إِنّي َلكُمْ مِنْهُ َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )50‬وَل َت ْ‬

‫إِلَها آخَرَ إِنّي َلكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪)51‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ حمزة والكسائي (وقوم) بالكسر أي‪ :‬وفي قوم نوح آية‪ ،‬وقرأ الجمهور بالنصب أي‪ :‬وأهلكنا‬ ‫قوم نوح من قبل عاد وثمود ومدين‪.‬‬

‫( ‪)5/167‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والسماء بنيناها بأيدٍ ‪:‬أي وبنينا السماء بقوة ظاهرة في رفع السماء وإحكام البناء‪.‬‬ ‫وإنا لموسعون‪ :‬أي لقادرون على البناء والتوسعة‪.‬‬ ‫والرض فرشناها‪ :‬أي مهدناها فجعلناها كالمهاد أي الفراش الذي يوضع على المهد‪.‬‬ ‫فنعم الماهدون ‪:‬أي نحن أثنى ال تعالى على نفسه بفعله الخيري الحسن الكبير‪.‬‬ ‫ومن كل شيء خلقنا زوجين‪ :‬أي وخلقنا من كل شيء صنفين أي ذكرا وأنثى‪ ،‬خيرا وشرا‪ ،‬علوا‬ ‫وسفلً‪.‬‬ ‫لعلكم تذكرون‪ :‬أي تذكرون أن خالق الزواج كلها هو إله فرد فل يعبد معه غيره‪.‬‬ ‫ففروا إلى ال ‪:‬أي إلى التوبة بطاعته وعدم معصيته‪.‬‬ ‫إني لكم منه نذير مبين ‪:‬أي إني وأنا رسول ال إليكم منه تعالى نذير مبين بين النذارة أي أخوفكم‬ ‫عذابه‪.‬‬ ‫ول تجعلوا مع ال إلها آخر ‪:‬أي ل تعبدوا مع ال إلها أي معبودا آخر إذ ل معبود بحق إل هو‪.‬‬ ‫إني لكم منه نذير مبين ‪:‬إني لكم منه تعالى نذير بين النذارة أخوفكم عذابه إن عبدتم معه غيره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في عرض مظاهر القدرة اللهية الموجبة له تعالى الربوبية لكل شيء‬ ‫سعُونَ} فهذا أكبر مظهر من‬ ‫سمَاءَ‪ 1‬بَنَيْنَاهَا بِأَ ْي ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬ ‫واللوهية على عباده‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬وَال ّ‬ ‫مظاهر القدرة اللهية إنه بناء السماء وإحكام ذلك البناء وارتفاعه وما تعلق به من كواكب ونجوم‬ ‫سعُونَ} أي لقادرون على‬ ‫وشمس وقمر تم هذا الخلق بقوة ال التي ل توازيها قوة‪ .‬وقوله {وَإِنّا َلمُو ِ‬ ‫توسعته أكثر مما هو عليه‪ ،‬وذلك لسعة قدرتنا‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا عرض آخر قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته الدالة على قدرته على البعث الخر (والسماء)‪:‬‬ ‫منصوب على الشتغال‪ ،‬واليد جمع يدٍ وكثر إطلقه على القوة نحو‪( :‬واذكر عبدنا داود ذا اليد)‬ ‫أي‪ :‬القوة‪ ،‬والموسع‪ :‬القادر على توسعة ما يريد توسعته من رزق وغيره‪.‬‬

‫( ‪)5/168‬‬ ‫ومظهر ثانٍ هو في قوله‪{ :‬وَالْأَ ْرضَ‪ 1‬فَ َرشْنَاهَا فَ ِنعْمَ ا ْلمَاهِدُونَ} والرض فرشها بساطا ومهدها‬ ‫مهادا فنعم الماهدون نحن نعم الماهد ال تعالى لها إذ غيره ل يقدر على ذلك ول يتأتى له‪ ،‬وثالث‬ ‫شيْءٍ‪ 2‬خََلقْنَا َزوْجَيْنِ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ} فهذا لفظ عام يعم سائر‬ ‫مظاهر القدرة في قوله‪َ { :‬ومِنْ ُكلّ َ‬ ‫المخلوقات وأنها كلها أزواج وليس فيها فرد قط‪ .‬والذوات كالصفات فالسماء يقابلها الرض‪،‬‬ ‫والحر يقابله البرد‪ ،‬والذكر يقابله النثى‪ ،‬والبر يقابله البحر‪ ،‬والخير يقابله الشر‪ ،‬والمعروف يقابله‬ ‫المنكر‪ ،‬فهي أزواج بمعنى أصناف كما أن سائر الحيوانات هي أزواج من ذكر وأنثى‪ .‬وقوله‬ ‫{َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ} أي خلقنا من كل شيء زوجين رجاء أن تذكروا فتعلموا أن خالق هذه الزواج‬ ‫هو ال الفرد الصمد الواحد الحد ل إله غيره ول رب سواه فتعبدوه وحده ول تشركوا به سواه‬ ‫من سائر خلقه‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َففِرّوا إِلَى ‪ 3‬اللّهِ إِنّي َلكُمْ مِ ْنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي بعد أن تبين لكم أيها الناس أنه ل إله‬ ‫غير ال ففروا إليه تعالى أي باليمان به وبطاعته وبفعل فرائضه وترك نواهيه اهربوا إلى ال يا‬ ‫عباد ال بالسلم إليه والنقياد لطاعته إني لكم منه تعالى نذير من عقاب شديد‪ ،‬ونذارتي بينة ل‬ ‫شك فيها وأنصح لكم أن ل تجعلوا مع ال إلها آخر أي معبودا غيره تعالى تعبدونه إن الشرك به‬ ‫يحبط أعمالكم ويحرم عليكم الجنة فل تدخلوها أبدا واعلموا أني لكم منه عز وجل نذير مبين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد والبعث بمظاهر القدرة اللهية التي ل يعجزها شيء ومظاهر العلم والحكمة‬ ‫المتجلية في كل شيء‪.‬‬ ‫‪ -2‬ظاهرة الزوجية في الكون في الذرة انبهر لها العقل النساني وهي مما سبق إليه القرآن‬ ‫الكريم وقرره في غير موضع منه‪ :‬سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬نصب الرض على الشتغال‪ ،‬والفرش‪ :‬البسط يقال‪ :‬فرش البساط‪ :‬إذا نشره وقوله‪( :‬فنعم‬ ‫الماهدون) أثنى تعالى على نفسه بهذه المنة على خلقه وهي‪ :‬بسط الرض وتمهيدها للحياة عليها‬ ‫وفي هذا تعليم للعباد أن يحمدوا ال ويشكروه‪ :‬فله الحمد تعالى وله المنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬في خلق ال تعالى للذكر والنثى والتناسل منهما دليل ظاهر على البعث الذي ينكره الكافرون‬ ‫فمن فكر في إيجاد الحياة من جماد النطفة سهل عليه اليمان بالحياة الثانية بعد انتهاء هذه ولذا‬ ‫عقب على ذلك بجملة (لعلكم تذكرون) وهي جملة تعليلية‪.‬‬ ‫‪ 3‬الفاء للتفريع إنه بعد أن بين للمشركين ضللهم وخطأهم في الشرك والكفر وإنكار البعث بما‬

‫ساق من الدلة وأبرز عن البراهين القطعية قال لرسوله‪ :‬قل لهم أيها الناس ففروا إلى ال أي‪:‬‬ ‫اهربوا إليه لينجيكم من الخسران فإنه ليس لكم إل هو فآمنوا به واعبدوه ووحدوه وعلل ذلك بقوله‬ ‫لهم { إِنّي َلكُمْ مِنْهُ َنذِيرٌ مُبِينٌ}‪.‬‬

‫( ‪)5/169‬‬ ‫أنفسهم ومما ل يعلمون‪ .‬فدل هذا قطعا على أن القرآن وحي ال وأن من أوحى به إليه وهو محمد‬ ‫بن عبد ال لن يكون إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الشرك فإنه ذنب عظيم ل يغفر إل بالتوبة الصحيحة النصوح‪.‬‬ ‫صوْا بِهِ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ‬ ‫كَذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلّا قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ (‪ )52‬أَ َتوَا َ‬ ‫طَاغُونَ (‪ )53‬فَ َت َولّ عَ ْنهُمْ َفمَا أَ ْنتَ ِبمَلُومٍ (‪ )54‬وَ َذكّرْ فَإِنّ ال ّذكْرَى تَ ْنفَعُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪َ )55‬ومَا خََل ْقتُ‬ ‫ط ِعمُونِ (‪ )57‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬ ‫ق َومَا أُرِيدُ أَنْ ُي ْ‬ ‫الْجِنّ وَالْأِنْسَ إِلّا لِ َيعْبُدُونِ (‪ )56‬مَا أُرِيدُ مِ ْنهُمْ مِنْ رِ ْز ٍ‬ ‫صحَا ِبهِمْ فَل يَسْ َت ْعجِلُونِ (‪)59‬‬ ‫الرّزّاقُ ذُو ا ْل ُق ّوةِ ا ْلمَتِينُ (‪ )58‬فَإِنّ ِللّذِينَ ظََلمُوا ذَنُوبا مِ ْثلَ ذَنُوبِ َأ ْ‬ ‫َفوَيْلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َي ْو ِمهِمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪)60‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذلك ما أتى الذين من قبلهم ‪:‬أي المر كذلك ما أتى الذين من قبل قومك يا محمد من رسول‪.‬‬ ‫إل قالوا ساحر أو مجنون‪ :‬أي هو ساحر أو مجنون‪.‬‬ ‫أتواصوا به بل هم قوم طاغون ‪:‬أي أتواصت المم كل أمة توصي التي بعدها بقولهم للرسول هو‬ ‫ساحر أو مجنون‪ ,‬والجواب‪ ,‬ل أي لم يتواصوا بل هم قوم طاغون يجمعهم على قولهم هذا‬ ‫الطغيان‪.‬‬ ‫فتول عنهم فما أنت بملوم‪ :‬أي أعرض عنهم يا رسولنا فما أنت بملوم لنك بلغتهم فأبرأت ذمتك‪.‬‬ ‫وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ‪:‬أي عظ بالقرآن يا رسولنا فإن الذكرى بمعنى التذكير ينفع‬ ‫المؤمنين أي من علم ال أنه يؤمن‪.‬‬ ‫وما خلقت الجن والنس ‪:‬أي خلقتهم لجل أن يعبدوني فمن عبدني أكرمته ومن ترك عبادتي‬ ‫أهنته‪.‬‬

‫( ‪)5/170‬‬ ‫ما أريد منهم من رزق ‪:‬أي ل لي ول لنفسهم ول لغيرهم‪.‬‬ ‫وما أريد أم يطمعون ‪:‬أي ل أريد منهم ما يريد أرباب العبيد من عبيدهم هذا يجمع المال وهذا يعد‬ ‫الطعام‪ ،‬وال هو الذي يرزقهم‪.‬‬

‫ذو القوة المتين‪ :‬أي صاحب القوة المتين الشديد الذي ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ‪:‬أي نصيبا من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذين ماتوا على الكفر‪.‬‬ ‫فل يستعجلون ‪:‬أي فل يطالبوني بالعذاب فإن له موعدا ل يخلفونه‪.‬‬ ‫من يومهم الذي يوعدون ‪:‬أي يوم القيامة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد عرض تلك الدلة المقررة للتوحيد والبعث والمستلزمة للرسالة المحمدية والمشركون ما زالوا‬ ‫في إصرارهم على الكفر والتكذيب قال تعالى مسليا رسوله مخففا عنه ما يجده من إعراضٍ‬ ‫وتكذيب‪{ :‬كَذَِلكِ} أي المر والشأن كذلك وهو أنه ما أتى الذين من قبلهم أي من قبل قومك‬ ‫صوْا ‪2‬‬ ‫للرسول إل قالوا فيه هو ساحر ‪ 1‬أو مجنون كما قال قومك لك اليوم‪ .‬ثم قال تعالى‪{ :‬أَ َتوَا َ‬ ‫بِهِ} أي بهذا القول كل أمة توصي التي بعدها بأن تقول لرسولها‪ :‬ساحر أو مجنون‪ .‬بل هم قوم‬ ‫طاغون أي لم يتواصوا به وإنما جمعهم على هذا القول الطغيان الذي هو وصف عام لهم فإن‬ ‫الطاغي من شأنه أن ينكر ويكذب ويتهم بأبعد أنواع التهم والحامل له على ذلك طغيانه‪ .‬وما دام‬ ‫المر هكذا فتول عنهم يا رسولنا أي أعرض عنهم ول تلتفت إلى أقوالهم وأعمالهم فما أنت بملوم‬ ‫في هذا القول لنك قد بلغت رسالتك وأديت أمانتك ول يمنعك هذا التولي عنهم أن تذكر أي عظ‬ ‫بالقرآن بل عظ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين الذين علم ال تعالى أنه يؤمنون ممن هم غير‬ ‫مؤمنين الن كما تنفع المؤمنين حاليا بزيادة إيمانهم وصبرهم على طاعة ال ربهم‪.‬‬ ‫ن وَالْأِنْسَ إِلّا لِ َيعْبُدُونِ‪ }3‬أي لم يخلقهما للهو ول للعب ول‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا خََلقْتُ ا ْلجِ ّ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أو‪ :‬بمعنى الواو إذ هم مرة يقولون ساحر ومرة يقولون مجنون وليس معنى ساحر أو مجنون‬ ‫أن يكون إما ساحرا أو مجنونا فتكون أو بأحد الشيئين‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام للتعجب‪ ،‬و(بل) للضراب البطالي‪ ،‬أي لم يتواصوا بهذا القول الفاسد‪ ،‬وإنما جمعهم‬ ‫الطغيان فقالوا ما قالوا ولم يتخلف قوم منهم في ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬قوله‪َ { :‬ومَا خََل ْقتُ‪ }...‬الخ فيه تعريض للمشركين والكافرين التاركين لعبادته تعالى‪ ،‬والنس‬ ‫واحده إنسي‪ ،‬والستثناء مفرغ من علل لم تذكر‪ ،‬والرادة هنا؛ هي الرادة الشرعية التكليفية‬ ‫ليست الرادة الكونية التي ل تتخلف‪ ،‬ولذا فل معنى لمن قال‪ :‬المراد بالناس هنا المؤمنون فقط‪،‬‬ ‫أو هو على تقدير لمرهم وأنهاهم أو أن المراد من العبادة‪ :‬ظهور قدرة ال تعالى فيهم من الخلق‬ ‫والحياء والماتة‪.‬‬

‫( ‪)5/171‬‬

‫لشيء وإنهما خلقهما ليعبدوه بالذعان له والتسليم لمره ونهيه‪ .‬وقوله تعالى {مَا أُرِيدُ مِ ْنهُمْ مِنْ‬ ‫ط ِعمُونِ} أي إن شأني معهم ليس كشأن السادة مالكي العبيد الذين يتعبدونهم‬ ‫ق َومَا أُرِيدُ أَنْ يُ ْ‬ ‫رِزْ ٍ‬ ‫بالقيام بحاجاتهم‪ .‬هذا يجمع المال وهذا يعد الطعام بل خلقتهم ليعبدوني أي يوحدوني في عبادتي‪،‬‬ ‫إذ عبادتهم لي مع عبادة غيري ل أقبلها منهم ول أثيبهم عليها بل أعذبهم على الطاعة حيث عبدوا‬ ‫من ل يستحق العبادة من سائر المخلوقات‪.‬‬ ‫قوله تعالى {إِنّ اللّهَ ُهوَ الرّزّاقُ ذُو ا ْل ُق ّوةِ ا ْلمَتِينُ‪ }1‬قرر به غناه عن خلقه‪ ،‬وأعلم أنه ليس في حاجة‬ ‫إلى أحدٍ وذلك لغناه المطلق‪ ،‬وقدرته التي ل يعجزها في الرض ول في السماء شيء‪ .‬وقوله فإن‬ ‫للذين ظلموا ‪ 2‬ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم أي إذا عرفت حال من تقدم من قوم عاد وثمود وغيرهم‬ ‫فإن لهؤلء المشركين ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم أي نصيبا من العذاب وعبر بالذنوب التي هي‬ ‫الدلو الملى بالماء عن العذاب لن العذاب يصب عليهم كما يصب الماء من الدلو ولن الدلء‬ ‫تأتى واحدا بعد واحد فكذلك‪ .‬الهلك يتم لمة بعد أمة حتى يسقوا كلهم مر العذاب‪ ,‬وقوله {فَل‬ ‫يَسْ َتعْجِلُونِ} أي ما هناك حاجة بهم الى استعجال العذاب فإنه آت في إبانه ووقته المحدد له ل‬ ‫محالة‪ .‬وقوله تعالى { َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ كَفَرُوا} أي بال ولقائه والنبي وما جاء به ويل لهم من يومهم‬ ‫الذي يوعدون أي العذاب الشديد لهم من يومهم الذي أوعدهم ال تعالى به وهو يوم القيامة والويل‬ ‫وادٍ في جهنم يسيل بصديد أهل النار والعياذ بال‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة بشرية وهي التكذيب والتهام بالباطل وقلب الحقائق لكل من جاءهم يدعوهم إلى‬ ‫خلف مألوفيهم وما اعتادوه من باطلٍ وشرٍ فيدفعون بالقول فإذا أعياهم ذلك دفعوا بالفعل وهي‬ ‫الحرب والقتال‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر والعياذ بال‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية التذكير‪ ،‬وأنه ينتفع به من أراد ال إيمانه ممن لم يؤمن‪ ،‬ويزداد به إيمان المؤمنين‬ ‫الحاليين‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان علة خلق النس والجن وهي عبادة ال وحده‪.‬‬ ‫__________‬ ‫ط ِعمُونِ} و(الرزاق)‪:‬‬ ‫ق َومَا أُرِيدُ أَنْ يُ ْ‬ ‫‪ 1‬الجملة تعليلية لما سبقها من قوله ‪{:‬مَا أُرِيدُ مِ ْنهُمْ مِنْ رِ ْز ٍ‬ ‫كثير الرزاق و (ذو القوة)‪ :‬صاحبها ومن خصائص (ذو) أنها ل تضاف إل إلى أمر‬ ‫مهم‪(,‬والمتين)‪ :‬الكامل في قوته الذي ل يعارض ول يدانى‪.‬‬ ‫‪ 2‬في قوله تعالى (ذنوبا) إشارة إلى مل حصل لصناديد قريش إذ بعد قتلهم ألقوا في قليب ببدر‬ ‫فكان ذلك مصداق قوله {فَإِنّ لِلّذِين كفروا ذَنُوبا} وهي الدلو الملى فعجبا لهذا القرآن العظيم‪.‬‬

‫( ‪)5/172‬‬ ‫‪ -5‬بيان غنى ال تعالى عن خلقه‪ ،‬وعدم احتياجه إليهم بحال من الحوال‪.‬‬ ‫‪ -6‬توعد الرب تبارك وتعالى الكافرين وأن نصيبهم من العذاب نازل بهم ل محالة‪.‬‬

‫( ‪)5/173‬‬ ‫سورة الطور‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة الطور‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها تسع وأربعون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫س ْقفِ ا ْلمَ ْرفُوعِ (‪)5‬‬ ‫وَالطّورِ (‪َ )1‬وكِتَابٍ مَسْطُورٍ (‪ )2‬فِي َرقّ مَنْشُورٍ (‪ )3‬وَالْبَ ْيتِ ا ْل َم ْعمُورِ (‪ )4‬وَال ّ‬ ‫سمَاءُ َموْرا (‪)9‬‬ ‫وَالْبَحْرِ ا ْل َمسْجُورِ (‪ )6‬إِنّ عَذَابَ رَ ّبكَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬مَا َلهُ مِنْ دَا ِفعٍ (‪َ )8‬يوْمَ َتمُورُ ال ّ‬ ‫خوْضٍ يَ ْلعَبُونَ (‪َ )12‬يوْمَ‬ ‫وَتَسِيرُ ا ْلجِبَالُ سَيْرا (‪َ )10‬فوَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُم َكذّبِينَ (‪ )11‬الّذِينَ هُمْ فِي َ‬ ‫سحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْ ُت ْم ل‬ ‫جهَنّمَ دَعّا (‪ )13‬هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْ ُتمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ (‪َ )14‬أفَ ِ‬ ‫يُدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬ ‫سوَاءٌ عَلَ ْيكُمْ إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)16‬‬ ‫تُ ْبصِرُونَ (‪ )15‬اصَْلوْهَا فَاصْبِرُوا َأوْ ل َتصْبِرُوا َ‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫والطور ‪:‬أي والجبل الذي كلم ال عز وجل عليه موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫وكتاب مسطور ‪:‬أي وقرآن مكتوب‪.‬‬ ‫في رق منشور ‪:‬أي في جلد رقيق أو ورق منشور‪.‬‬ ‫والبيت المعمور ‪:‬أي بالملئكة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ل يعودون أبدا‪.‬‬ ‫والسقف المرفوع ‪:‬أي السماء التي هي كالسقف المرفوع للرض‪.‬‬ ‫والبحر المسجور ‪:‬أي المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض‪.‬‬

‫( ‪)5/173‬‬ ‫يوم تمور السماء مورا ‪:‬أي تتحرك وتدور‪.‬‬ ‫في خوض يلعبون ‪:‬أي في باطل يلعبون أي يتشاغلون بكفرهم‪.‬‬

‫يدعون إلى نار جهنم دعا ‪:‬أي يدفعون بعنف دفعا‪.‬‬ ‫أفسحر هذا ‪:‬أي العذاب الذي ترون كما كنتم تقولون في القرآن‪.‬‬ ‫أم أنتم ل تبصرون ‪:‬أي أم عدمتم البصار فأنتم ل تبصرون‪.‬‬ ‫اصلوها ‪:‬أي اصطلوا بحرها‪.‬‬ ‫فاصبروا أو ل تصبروا ‪:‬أي صبركم وعدمه عليكم سواء‪.‬‬ ‫معنى اليات ‪:‬‬ ‫سقْفِ ا ْلمَ ْرفُوعِ وَالْ َبحْرِ‬ ‫قوله تعالى {وَالطّورِ‪َ 1‬وكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقّ مَنْشُورٍ وَالْبَ ْيتِ ا ْل َم ْعمُو ِر وَال ّ‬ ‫سجُورِ} هذه خمسة أشياء عظام أقسم ال تعالى بها‪ ,‬وبالتتبع لما يقسم ال تعالى به يرى أنه إذا‬ ‫ا ْلمَ ْ‬ ‫أقسم بشيء إنما يقسم به إما لكونه مظهرا من مظاهر القدرة اللهية‪ ,‬كالسماء مثلً‪ ,‬وإما لكونه‬ ‫معظما نحو لعمرك إذ هو إقسام بحياة النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وإما لكونه ذا فائدة للنسان‬ ‫ونفع خاص به كالتين والزيتون وقوله تعالى {وَالطّورِ} وهو جبل الطور الذي كلم تعالى عليه‬ ‫موسى وهو مكان مقدس‪ ,‬وقوله { َوكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقّ مَنْشُورٍ‪ }2‬أي منشور في ورق أو جلد‬ ‫رقيق وهو التوراة أو القرآن و القسام به لما فيه من حرمة وقدسية عند ال تعالى‪ ,‬والبيت‬ ‫المعمور ‪ 3‬وهو بيت في السماء تغشاه الملئكة كل يوم وتعمره بالعبادة وهو بحيال الكعبة بحيث‬ ‫لو وقع لوقع فوقها والسقف المرفوع وهو السماء وهي كالسقف للرض وهي مظهر من مظاهر‬ ‫قدرة ال تعالى وعلمه ومثلها البحر المسجور ‪ 4‬أي المملوء بكميات المياه الهائلة فإنه مظهر من‬ ‫مظاهر القدرة والعلم والحكمة اللهية هذا القسم الضخم جوابه أو المقسم عليه هو قوله إن عذاب‬ ‫ربك يا رسولنا لواقع ماله من دافع ليس له من ‪ 5‬دافع يدفعه أبدا‪ ,‬وإن له وقتا محددا يقع فيه‪,‬‬ ‫وعلمات تدل عليه وهي‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬الطور)‪ :‬الجبل باللغة السريانية ونقل إلى العربية بهذا اللفظ بمعنى الجبل وأصبح علما بالغلبة‬ ‫على جبل طور سيناء الذي ناجى ال تعالى فيه نبيه موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرق‪ :‬بفتح الراء‪ ,‬ما رق من الجلد ليكتب فيه‪ ,‬والمنشور‪ :‬المبسوط وجائز أن يكون المراد به‬ ‫التوراة أو القرآن‪ ,‬إذ القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف وتقرأه الملئكة من اللوح المحفوظ‬ ‫والرق بكسر الراء الملك‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون المراد بالبيت المعمور الكعبة المشرفة بمكة المكرمة‪,‬‬ ‫وجائز أن يكون بيتا في السماء كما في التفسير‪ ,‬ويقال له‪ :‬الضراح بضم الضاد وفي الطبري‪ :‬أن‬ ‫عليا سئل عن البيت المعمور فقال‪ :‬بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ل يعودون‬ ‫إليه أبدا‪.‬‬ ‫‪ 4‬جائز أن يكون المراد بالبحر‪ :‬البحر الحمر‪( ,‬القلزم) الذي أغرق ال تعالى فيه فرعون ومله‪.‬‬ ‫لمناسبة ذكر الطور‪ ,‬وجائز أن يكون المحيط ووصف بالمسجور وهو المملوء‪ :‬حتى ل يدخل فيه‬

‫النهار التي تمل بالمطار والودية والسيول‪.‬‬ ‫‪ 5‬زيدت (من) في قوله تعالى (ما له من دافع) لتأكيد النفي‪.‬‬

‫( ‪)5/174‬‬ ‫سمَاءُ ‪َ 1‬موْرا} أي تتحرك بشدة وتدور وتسير الجبال سيرا فتكون كالهباء‬ ‫قوله تعالى { َيوْمَ َتمُورُ ال ّ‬ ‫المنبث هنا وهناك فويل يومئذ للمكذبين والويل واد في جهنم مملوء بقيح وصديد أهل النار‪,‬‬ ‫والمكذبون هم الكافرون بال وبما جاءت به رسله عنه من أركان اليمان وقواعد السلم وقوله‬ ‫خ ْوضٍ يَ ْلعَبُونَ} أي في باطلهم وكفرهم يتشاغلون به عن اليمان الحق والعمل‬ ‫‪{:‬الّذِينَ هُمْ فِي َ‬ ‫جهَنّمَ دَعّا} أي يوم يدفعون بشدة‬ ‫الصالح المزكى للنفس المطهر لها‪ .‬وقوله { َيوْمَ‪ 2‬يُدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬ ‫وعنف إلى جهنم ويقال لهم توبيخا وتقريعا لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون‪ .‬أخبرونا‪ :‬أفسحر ‪3‬‬ ‫هذا أي العذاب الذي أنتم فيه الن تعذبون أم أنتم ل تبصرون فل تعاينونه‪ .‬ويقال لهم أيضا تبكيتا‬ ‫وتقريعا فاصبروا على عذاب النار أو ل تصبروا سواء عليكم أي صبركم وعدمه عليكم سواء‪.‬‬ ‫إنما ‪4‬تجزون ما كنتم تعلمون أي في الدنيا من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه وليس للعبد أن يقسم بغير ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬عرض سريع لهوال القيامة وأحوال المكذبين فيها‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل‪.‬‬ ‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ َنعِيمٍ (‪ )17‬فَا ِكهِينَ ِبمَا آتَا ُهمْ رَ ّبهُ ْم َو َوقَاهُمْ رَ ّب ُهمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ (‪ )18‬كُلُوا‬ ‫صفُوفَةٍ وَزَوّجْنَاهُمْ ِبحُورٍ عِينٍ (‪)20‬‬ ‫وَاشْرَبُوا هَنِيئا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )19‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ َم ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المتقين ‪:‬أي الذين اتقوا ربهم فعبدوه وحده بما شرع لهم فأدوا الفرائض واجتنبوا النواهي‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬المور‪ :‬التحرك باضطراب‪ ,‬ومور السماء‪ :‬اضطراب أجسامها من الكواكب‪ ,‬واختلل نظامها‬ ‫عند نهاية الحياة‪.‬‬ ‫سمَاءُ َموْرا}‪.‬‬ ‫‪( 2‬يوم يدعون) بدل اشتمال من { َي ْومَ َتمُورُ ال ّ‬ ‫‪( 3‬أم) هي المنقطعة التي تقدر ببل والستفهام‪ ,‬والستفهام هنا للتهكم والتوبيخ والتقدير‪ :‬بل أنتم ل‬ ‫تبصرون أي المرئيات‪.‬‬

‫‪( 4‬إنما تجزون)‪ :‬جملة تعليلية وإن حرف توكيد وما الموصولة بها هي الكافة وإنما المركبة من‬ ‫إن المشددة وما‪ :‬الكافة لها عن العمل أفادت التعليل‪.‬‬

‫( ‪)5/175‬‬ ‫فاكهين ‪:‬أي متلذذين بأكل الفواكه الكثيرة التي آتاهم ربهم‪.‬‬ ‫ووقاهم عذاب الجحيم ‪:‬أي وحفظهم من عذاب الجحيم عذاب النار‪.‬‬ ‫على سرر مصفوفة ‪:‬أي بعضها إلى جانب بعض‪.‬‬ ‫وزوجناهم بحور عين ‪:‬أي قرناهم بنساء عظام العين حسانها‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ذكر تعالى حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة وهذا أسلوب الترغيب والترهيب الذي أمتاز به‬ ‫القرآن الكريم فقال تعالى مخبرا عن حال أهل الجنة‪{ :‬إِنّ ا ْلمُتّقِينَ} أي الذين اتقوا في الدنيا الشرك‬ ‫والمعاصي {فِي جَنّاتِ} أي بساتين ونعيم مقيم يحوي كل ما لذ وطاب مما تشتهيه النفس وتلذه‬ ‫العين‪ .‬فاكهين ‪ 1‬بما آتاهم ربهم أي متلذذين بأكل الفواكه الكثيرة الموصوفة بقول ال تعالى‪ :‬ل‬ ‫جحِيمِ} أي حفظهم من عذاب النار‪ .‬ويقال لهم‪{ :‬كُلُوا‬ ‫عذَابَ الْ َ‬ ‫مقطوعة ول ممنوعة‪َ { .‬و َوقَاهُمْ َ‬ ‫وَاشْرَبُوا ‪ 2‬هَنِيئا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ} أي بسبب ما كنتم تعملونه من أعمال البر والصلح بعد‬ ‫الفرائض واجتناب الشرك والمعاصي‪ .‬وقوله {مُ ّتكِئِينَ} أي حال كونهم وهم في نعيمهم متكئين‬ ‫على سرر ‪ 3‬مصفوفة قد صف بعضها إلى جنب بعض‪ .‬وقوله تعالى {وَ َزوّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي‬ ‫قرناهم بزوجات من الحور العين والحور جمع حوراء وهي التي يغلب بياض عينهم على سوادها‬ ‫والعين جمع عيناء وهي الواسعة العينين‪ .‬جعلنا ال ممن يزوجون بهن إنه كريم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬فضل التقوى وكرامة أهلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان منة ال وفضله على أهل اليمان والتقوى وهم أولياء ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الدعاء بكلمة هنيئا لمن أكل أو شرب ائتساء بأهل الجنة‪.‬‬ ‫‪ -4‬اليمان والعمال الصالحة سبب في دخول الجنة وليست ثمنا لها لن الجنة أغلى من عمل‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬فاكهين)‪ :‬أي‪ :‬ذوي فاكهة كثيرة‪ ،‬يقال‪ :‬رجل فاكه‪ :‬أي ذو فاكهة كما يقال‪ :‬لبن وتامر أي‪ :‬ذو‬ ‫لبن وتمر‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫وغررتني وزعمت أنك لبن بالصيف تامر‬ ‫وفعله فكه كفرح فهو فاكه وفكه‪ ،‬وقرأ الجمهور بالول وقرأ أبو جعفر بالثاني‪ ،‬والفاكه‪ :‬من طابت‬

‫نفيه وسرت بما به من نعيم‪.‬‬ ‫‪ 2‬الهنيئ‪ :‬مال تنغيص فيه ول نكد ول كدر يقال لهم‪ :‬ليهنأكم ما صرتم إليه (هنيئا)‪.‬‬ ‫‪( 3‬سرر) جمع سرير‪ ،‬وفي الكلم حذف تقديره‪ :‬متكئين على نمارق سرر‪ .‬قال ابن عباس رضي‬ ‫ال عنهما‪ :‬سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت‪ ،‬والسرير كما بين مكة وأيلة‪.‬‬

‫( ‪)5/176‬‬ ‫النسان‪ ،‬وإنما العمل الصالح يزكى النفس فيؤهل صاحبها لدخول الجنة فالباء في قوله { ِبمَا كُنْ ُتمْ‬ ‫َت ْعمَلُونَ} سببية وليست للعوض كما في قولك بعتك الدار بألف مثل‪.‬‬ ‫شيْءٍ ُكلّ امْ ِرئٍ‬ ‫عمَِل ِهمْ مِنْ َ‬ ‫حقْنَا ِب ِهمْ ذُرّيّ َت ُه ْم َومَا َألَتْنَاهُمْ مِنْ َ‬ ‫وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُتهُمْ بِإِيمَانٍ أَ ْل َ‬ ‫حمٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ (‪ )22‬يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسا ل َل ْغوٌ فِيهَا‬ ‫سبَ رَهِينٌ (‪ )21‬وََأمْ َددْنَاهُمْ ِبفَا ِكهَ ٍة وَلَ ْ‬ ‫ِبمَا كَ َ‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ‬ ‫وَل تَأْثِيمٌ (‪ )23‬وَيَطُوفُ عَلَ ْي ِهمْ غِ ْلمَانٌ َلهُمْ كَأَ ّن ُهمْ ُلؤُْلؤٌ َمكْنُونٌ (‪ )24‬وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬ ‫سمُومِ (‪)27‬‬ ‫عذَابَ ال ّ‬ ‫علَيْنَا َووَقَانَا َ‬ ‫شفِقِينَ (‪َ )26‬فمَنّ اللّهُ َ‬ ‫يَتَسَاءَلُونَ (‪ )25‬قَالُوا إِنّا كُنّا قَ ْبلُ فِي أَهْلِنَا ُم ْ‬ ‫إِنّا كُنّا مِنْ قَ ْبلُ نَدْعُوهُ إِنّهُ ُهوَ الْبَرّ الرّحِيمُ (‪)28‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والذين آمنوا ‪:‬أي حق اليمان المستلزم للسلم والحسان‪.‬‬ ‫واتبعتهم ذريتهم بإيمان ‪ :‬أي كامل مستوفٍ لشرائطه ومنها السلم‪.‬‬ ‫ألحقنا بهم ذريتهم ‪:‬أي وإن لم يعملوا عملهم بل قصروا في ذلك‪.‬‬ ‫وما ألتناهم من عملهم من شيء ‪ :‬أي وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا‪.‬‬ ‫كل امرئ بما كسب رهين ‪:‬أي كل إنسان مرهون أي محبوس بكسبه الباطل‪.‬‬ ‫يتنازعون فيها كاسا ‪:‬أي يتعاطون بينهم فيها أي في الجنة كأسا من خمر‪.‬‬ ‫ل لغو فيها ول تأثيم ‪:‬أي ل يقع لهم بسبب شربها لغو وهو كل كلم ل خير فيه ول إثم‪.‬‬ ‫ويطوف عليهم غلمان ‪:‬أي ويدور بهم خدم لهم‪.‬‬ ‫كأنهم لؤلؤ مكنون ‪ :‬أي مصون‪.‬‬ ‫وأقبل بعضهم على بعض ‪:‬أي يسأل بعضهم بعضا عما كانوا عليه في الدنيا وما وصلوا إليه في‬ ‫الخرة‪.‬‬

‫( ‪)5/177‬‬ ‫قالوا إنا كنا قبل ‪:‬أي قالوا مشيرين إلى علة سعادتهم إنا كنا قبل أي في الدنيا‪.‬‬ ‫في أهلنا مشفقين ‪:‬أي بين أهلنا وأولدنا مشفقين أي خائفين من عذاب ال تعالى‪.‬‬

‫فمن ال علينا ‪:‬أي بالمغفرة‪.‬‬ ‫ووقانا عذاب السموم ‪:‬أي وحفظنا من عذاب النار التي يدخل حرها في مسام الجسم‪.‬‬ ‫إنا كنا ندعوه ‪:‬أي في الدنيا نعبده موحدين له‪.‬‬ ‫إنه هو البر الرحيم ‪:‬أي المحسن الصادق في وعده الرحيم العظيم الرحمة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر افضال ال تعالى وإنعامه على أوليائه في الجنة إذ قال تعالى‪:‬‬ ‫{وَالّذِينَ آمَنُوا} أي حق اليمان الذي هو عقد بالجنان وقول باللسان وعمل بالركان واتبعتهم ‪1‬‬ ‫ذريتهم بإيمان كامل صحيح إل أنهم لم يبلغوا من العمال الصالحة ما بلغه آباؤهم ألحقنا بهم‬ ‫ذريتهم لتقر بذلك أعينهم وتعظم مسرتهم وتكمل سعادتهم باجتماعهم مع ذريتهم‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫شيْءٍ} أي وما نقصنا الباء من عملهم الصالح من شيء بل‬ ‫عمَِل ِهمْ مِنْ َ‬ ‫{ َومَا أَلَتْنَا ُهمْ‪ 2‬مِنْ َ‬ ‫وفيناهموه كاملً غير منقوص ورفعنا إليهم ابناءهم بفضلٍ منا ورحمة‪ .‬وقوله تعالى‪ُ { :‬كلّ امْ ِرئٍ‬ ‫سبَ‪َ 3‬رهِينٌ} إخبار منه تعالى أن كل نفس عنده يوم القيامة مرتهنة بعملها تجزى به إل أنه‬ ‫ِبمَا كَ َ‬ ‫تعالى تفضل على أولئك الباء فرفع إلى درجاتهم أبناءهم تفضل وإحسانا‪ .‬وقوله عز وجل‪:‬‬ ‫{وََأمْ َددْنَاهُمْ} أي الباء والبناء من سكان الجنة بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان‪ .‬هذا طعامهم‬ ‫أما الشراب فإنهم ‪4‬يتنازعون أي يتعاطون في الجنة كأسا من خمر ل لغو فيها‪ .‬أي ل تسبب‬ ‫هذايانا من الكلم إذ اللغو الكلم الذي ل فائدة منه‪ .‬وقوله‪{ :‬وَل تَأْثِيمٌ} ‪ 5‬أي وليس في شربها إثم‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيطُوفُ عَلَ ْيهِمْ غِ ْلمَانٌ} أي خدم لهم كأنهم في جمالهم وحسن منظرهم لؤلؤ مكنون‬ ‫في أصدافه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ الجمهور {وَاتّ َبعَ ْتهُمْ} وقرأ أبو عمرو وحده {وأتبعناهم} وقرأ الجمهور (ذريتهم) بالفراد‪،‬‬ ‫وقرأ ابن عامر بالجمع‪{ :‬ذرياتهم} مفعول لتبعناهم‪ ،‬وقرأ نافع {ذرياتهم} الخيرة بالجمع وقرأ‬ ‫حفص بالفراد {ذريتهم} كالولى‪.‬‬ ‫‪{ 2‬وما ألتناهم} قرأ الجمهور بفتح اللم‪ ،‬وق{وقرأه ابن كثير بكسر اللم‪ ،‬والواو للحال‪ ،‬فالجملة‬ ‫حالية‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن ال تعالى ألحق بهم ذرياتهم في الدرجة من دون أن ينقص من حسناتهم شيئا‪.‬‬ ‫‪ 3‬الجملة معترضة بين جملة‪{ :‬وما ألتناهم} وجملة {وأمددناهم} والجملة تقرير لعدالة الرب تعالى‬ ‫في الحكم بين عباده فيجزي كل نفس بما كسبت‪ ،‬وله أن يتفضل ويرفع من يشاء درجات‪.‬‬ ‫‪ 4‬أطلق التنازع على التداول والتعاطي والمعنى‪ :‬أن بعضهم يصب للبعض ويناوله إيثارا له‬ ‫وكرامة‪.‬‬ ‫‪ 5‬اللغو‪ :‬سقط الكلم وهذيانه الصادر عن الخلل في العقل‪ .‬والتأثيم‪ :‬ما يؤثم به فاعله من ضرب‬ ‫أو شتم أو تمزيق ثوب‪.‬‬

‫( ‪)5/178‬‬ ‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَتَسَاءَلُونَ} أي عما كان لهم في الدنيا‪ ،‬وما انتهوا إليه في‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬ ‫الخرة من هذا النعيم المقيم‪ .‬وقالوا مشيرين إلى سبب نعيمهم في الخرة إنا كنا أي في الدنيا في‬ ‫أهلنا مشفقين أي خائفين من عذب ربنا فترتب على ذلك أن من ال علينا بدخول الجنة ووقانا‬ ‫عذاب السموم الذي هو عذاب النار الذي ينفذ إلى المسام والعياذ بال تعالى‪ .‬إنا ‪ 1‬كنا من قبل أي‬ ‫في الدنيا قبل الخرة ندعوه ونتضرع إليه أن يجيرنا من النار ويدخلنا الجنة إنه هو تعالى البر‬ ‫بأوليائه الرحيم بعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وصف كامل لهل الجنة وهو تقرير في نفس الوقت للبعث والجزاء بذكر ما يكون فيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬فضل اليمان وكرامة أهله عند ال بإلحاق البناء قليل العمل الصالح بآبائهم الكثيري العمل‬ ‫الصالح‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير قاعدة أن المرء يوم القيامة يكون رهين كسبه ل يفكه إل ال عز وجل فمن استطاع أن‬ ‫يفك رقبته فليفعل وذلك باليمان والسلم والحسان‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضيلة الشفاق في الدنيا من عذاب الخرة‪.‬‬ ‫‪ -5‬فضل الدعاء والتضرع إلى ال تعالى‪.‬‬ ‫فَ َذكّرْ َفمَا أَ ْنتَ بِ ِن ْع َمتِ رَ ّبكَ ِبكَاهِنٍ وَل مَجْنُونٍ (‪َ )29‬أمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَ ّبصُ ِبهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ (‬ ‫‪ُ )30‬قلْ تَرَ ّبصُوا فَإِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُتَرَ ّبصِينَ (‪ )31‬أَمْ تَ ْأمُ ُرهُمْ َأحْل ُمهُمْ ِبهَذَا َأمْ ُهمْ َقوْمٌ طَاغُونَ (ا‬ ‫‪ )32‬أَمْ َيقُولُونَ َتقَوّلَهُ َبلْ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )33‬فَلْيَأْتُوا ِبحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪)34‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قرأ نافع بفتح همزة أنه على تقدير حرف جر لنه للتعليل‪ ،‬وقرأ حفص بالكسر‪ .‬والجملة‬ ‫تعليلية‪.‬‬

‫( ‪)5/179‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فذكر فما أنت بنعمة ربك ‪:‬أي فذكر بالقرآن وعظ من أرسلت إليهم من قومك وغيرهم فلست‬ ‫بنعمت ربك عليك بالعقل وكمال الخلق والوحي إليك‪.‬‬ ‫بكاهن ول مجنون ‪ :‬أي بمتعاطٍ للكهانة فتخبر عن الغيب بواسطة رئي من الجن ول أنت‬

‫بمجنون‪.‬‬ ‫نتربص به ريب المنون ‪:‬أي تنظر به حوادث الدهر من موت وغيره‪.‬‬ ‫أم تأمرهم أحلمهم بهذا ‪:‬أي أتأمرهم أحلمهم أي عقولهم بهذا وهو قولهم إنك كاهن ومجنون لم‬ ‫تأمرهم عقولهم به‪.‬‬ ‫أم هم قوم طاغون ‪:‬أي بل هم قوم طاغون متجاوزون لكل حد تقف عنده العقول‪.‬‬ ‫أم يقولون تقوله؟ ‪:‬أي أختلق القرآن وكذبه من تلقاء نفسه‪.‬‬ ‫فليأتوا بحديث مثله ‪:‬أي فليأتوا بقرآن مثله يختلقونه بأنفسهم‪.‬‬ ‫إن كانوا صادقين ‪:‬أي في أن محمدا صلى ال عليه وسلم اختلق القرآن‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك العرض لحوال أهل النار وأهل الجنة فلم يبق إل التذكير يا رسولنا فذكر أي قومك ومن‬ ‫تصل إليهم كلمتك من سائر الناس بالقرآن وما يحمل من وعد ووعيد‪ ،‬وما يدعوا إليه من هدىً‬ ‫وطريق مستقيم‪ ،‬فما أنت بنعمة ربك أي بما أولك ربك من رجاحة العقل وكمال الخلق وكرم‬ ‫الفعال وشرف النبوة بكاهن تقول الغيب بواسطة رئي من الجن‪ ،‬ول مجنون تخلط القول وتقول‬ ‫بما ل يفهم عنك ول يعقل‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ ‪1‬نَتَرَ ّبصُ بِهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ}‪ 2‬أي بل‬ ‫يقولون هو شاعر كالنابغة وزهير نتربص به حوادث الدهر حتى يهلك كما هلك من قبله من‬ ‫الشعراء ول ندخل معه في خصومة وجدل قد يغلبنا‪ .‬وقوله تعالى قل تربصوا ‪ 3‬أي ما دمتم قد‬ ‫رأيتم التربص بي فتربصوا فإني معكم من المتربصين‪ ،‬وقوله تعالى‪َ{ :‬أمْ تَ ْأمُرُهُمْ أَحْل ُمهُمْ ِب َهذَا}‬ ‫والستفهام للنفي والتوبيخ والجواب لم تأمرهم عقولهم بهذا بل هم قوم طاغون أي إن طغيانهم هو‬ ‫الذي يأمرهم بما يقولون‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أم‪ :‬هي المنقطعة المفسرة ببل والستفهام قيل للضراب النتقالي من قول إلى آخر والستفهام‬ ‫إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى الطبراني عن قتادة‪ :‬أنهم كانوا يقولون‪ :‬تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر‬ ‫بني فلن وشاعر بني فلن‪( ،‬والمنون) من أسماء الموت‪ ،‬والريب‪ :‬أحداث الدهر‪ .‬والمعنى‪:‬‬ ‫ينتظرون به أحداث الدهر المفضية به إلى الموت‪.‬‬ ‫‪ 3‬أمر ال رسوله أن يقول لهم (تربصوا) بي ريب المنون فإني متربص بكم ما سيحدث لكم من‬ ‫أحداث تهلكون فيها وبهذا‪ :‬معنى المفاصلة وإنهاء الجدال والمخاصمة‪.‬‬

‫( ‪)5/180‬‬

‫ويفعلون من الباطل والشر والفساد وقوله أم يقولون تقوله والجواب وإن قالوا تقوله فإن قولهم لم‬ ‫ينبع من عقولهم ولم يصدر من أحلمهم بل عن كفرهم وتكذيبهم بل ل يؤمنون‪ ،‬والدليل على‬ ‫صحة ذلك تحدي ال تعالى لهم بالتيان بحديث مثله وعجزهم عن ذلك فلذا هم ل يعتقدون ول‬ ‫يرون أن الرسول تقول القرآن من عنده‪ ،‬وإنما لما لم يؤمنوا به لبد أن يقولوا كلمة يدفعون بها‬ ‫حدِيثٍ مِثْلِهِ} أي مثل القرآن {إِنْ كَانُوا‬ ‫عن أنفسهم فقالوا تقوله فقال تعالى { َبلْ ل ُي ْؤمِنُونَ‪ 1‬فَلْيَأْتُوا بِ َ‬ ‫صَا ِدقِينَ} في قولهم إن الرسول تقوله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬وجوب التذكير والوعظ والرشاد على أهل العلم بالكتاب والسنة لنهم خلفاء الرسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم في أمته‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم الكهانة بل حرمتها لنها من أعمال الشياطين‪ ،‬والكاهن من يقول بالغيب‪.‬‬ ‫‪ -3‬ذم الطغيان فإنه منبع كل شر ومصدر كل فتنة وضلل‪.‬‬ ‫‪ -4‬حرمة الكذب مطلقا وعلى ال ورسوله وبخاصة لما ينشأ عنه من فساد الدين والدنيا‪.‬‬ ‫ت وَالْأَ ْرضَ َبلْ ل يُوقِنُونَ (‪ )36‬أَمْ‬ ‫سمَاوَا ِ‬ ‫خَلقُوا ال ّ‬ ‫شيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَاِلقُونَ (‪َ )35‬أمْ َ‬ ‫أَمْ خُِلقُوا مِنْ غَيْرِ َ‬ ‫عِنْدَ ُهمْ خَزَائِنُ رَ ّبكَ أَمْ هُمُ ا ْل ُمصَيْطِرُونَ (‪َ )37‬أمْ َلهُمْ سُلّمٌ َيسْ َت ِمعُونَ فِيهِ فَلْيَ ْأتِ مُسْ َت ِم ُعهُمْ بِسُ ْلطَانٍ‬ ‫ت وََلكُمُ الْبَنُونَ (‪َ )39‬أمْ تَسْأَُل ُهمْ أَجْرا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪َ )40‬أمْ عِنْ َدهُمُ‬ ‫مُبِينٍ (‪ )38‬أَمْ لَهُ الْبَنَا ُ‬ ‫ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪َ )41‬أمْ يُرِيدُونَ كَيْدا فَالّذِينَ َكفَرُوا هُمُ ا ْل َمكِيدُونَ (‪َ )42‬أمْ َلهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ‬ ‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪)43‬‬ ‫سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬بل ل يؤمنون) أي‪ :‬علة لقولهم (تقوله)‪ .‬إذ هم يعرفون تمام المعرفة أنه ليس من قول الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم وإنما مما يوحى إليه من ال تعالى وإنما قالوا‪ :‬تقوله لعدم إيمانهم‪ ،‬ثم تحداهم‬ ‫حدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ} في دعواهم أنه تقوله أي‪ :‬فليتقولوا‬ ‫الحق تعالى بقوله {فَلْيَأْتُوا بِ َ‬ ‫مثله!!‬

‫( ‪)5/181‬‬ ‫شرح الكلمات‬ ‫أم خلقوا من غير شيء؟ ‪:‬أي من غير خالقٍ خلقهم وهذا باطل‪.‬‬ ‫أم هم الخالقون؟ ‪:‬أي لنفسهم وهذا محال إذ الشيء ل يسبق وجوده‪.‬‬ ‫أم خلقوا السماوات والرض؟ ‪:‬أي لم يخلقوهما لن العجز عن خلق أنفسهم دال على عجزهم عن‬ ‫خلق غيرهم‪.‬‬

‫بل ل يوقنون ‪:‬أي أن ال خلقهم وخلق السماوات والرض كما يقولون إذ لو كانوا موقنين لما‬ ‫عبدوا غير ال ولمنوا برسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫أم عنهم خزائن ربك ‪:‬أي من الرزق والنبوة وغيرهما فيخصوا من شاءوا بذلك من الناس‪.‬‬ ‫أم هم المسيطرون ‪:‬أي المتسلطون الغالبون فيتصرفون كيف شاءوا‪.‬‬ ‫أم لهم سلم يستمعون فيه ‪:‬أي ألهم مرقىً إلى السماء يرقون فيه فيسمعون كلم الملئكة فيأتون به‬ ‫ويعارضون الرسول في كلمه‪.‬‬ ‫فليأتوا بسلطان مبين ‪:‬أي بحجة بينة تدل على صدقه ‪ 1‬وليس لهم في ذلك كله شيء‪.‬‬ ‫أم له البنات ولكم البنون؟ ‪:‬أي أله تعالى البنات ولكم البنون إن أقوالكم كلها من هذا النوع ل واقع‬ ‫لها أبدا إنها افتراءات‪.‬‬ ‫أم تسألهم أيها الرسول أجرا ‪:‬أي على إبلغ دعوتك‪.‬‬ ‫فهم من مغرم مثقلون ‪:‬أي فهم من فداحة الغرم مغتمون ومتعبون فكرهوا ما تقول لذلك‪.‬‬ ‫أم عندهم الغيب فهم يكتبون ‪:‬أي علم الغيب فهم يكتبون منه لينازعوك ويجادلوك به‪.‬‬ ‫أم يريدون كيدا ‪ :‬أي مكرا وخديعة بك وبالدين‪.‬‬ ‫فالذين كفروا هم المكيدون ‪:‬أي فالكافرون هم المكيدون المغلوبون‪.‬‬ ‫أم لهم إله غير ال ‪:‬أي ألهم معبود غير ال والجواب‪ :‬ل‪.‬‬ ‫سبحان ال عما يشركون ‪:‬أي تنزه ال عما يشركون به من أصنام وأوثان‪.‬‬

‫( ‪)5/182‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن أمر تعالى رسوله بالتذكير وأنه أهل لذلك لما أفاض عليه من الكمالت وما وهبه من‬ ‫المؤهلت‪ .‬أخذ تعالى يلقن رسوله الحجج فيذكر له باطلهم موبخا إياهم به ثم يدمغه بالحق في‬ ‫شيْءٍ}‬ ‫أسلوب قرآني عجيب ل يقدر عليه إل ال سبحانه وتعالى‪ .‬ومنه قوله‪{ :‬أَمْ خُِلقُوا ‪ 1‬مِنْ غَيْرِ َ‬ ‫أي أخلقوا من غير خالق {أَمْ هُمُ‪ 2‬ا ْلخَاِلقُونَ} والجواب لم يخلقوا من غير خالق‪ ،‬ول هم خلقوا‬ ‫أنفسهم إذ الول باطل فما هناك شيء موجود وجد بغير موجد؟! والثاني محال‪ ،‬إن المخلوق ل‬ ‫يوجد قبل أن يخلق فيكف يخلقون أنفسهم وهم لم يخلقوا بعد؟! ويدل على جهلهم وعمي قلوبهم ما‬ ‫رواه البخاري عن جبير بن مطعم أنه ذكر أنه لما قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد‬ ‫وقعة بدر في شأن فداء السرى سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ في صلة المغرب بسورة‬ ‫شيْءٍ أَمْ ُهمُ ا ْلخَاِلقُونَ} كاد قلبي‬ ‫الطور قال فلما بلغ في القراءة عند هذه الية {َأمْ خُِلقُوا مِنْ غَيْرِ َ‬ ‫يطير‪ .‬سمعها وهو مشرك فكانت سببا في إسلمه فلو فتح القوم قلوبهم للقرآن لنارها وأسلموا في‬ ‫سمَاوَاتِ‪ 3‬وَالْأَ ْرضَ} والجواب‪ :‬ل‪ ،‬إذ العاجز عن خلق ذبابة‬ ‫أقصر مدة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ خََلقُوا ال ّ‬

‫فما دون عن خلق السماوات والرض وما فيهما أعجز‪ .‬وقوله تعالى { َبلْ ل يُوقِنُونَ} أن ال هو‬ ‫الذي خلقهم وخلق السماوات والرض فقولهم عند سؤال من خلقهم‪ :‬ال‪ ،‬وعن خلق السماوات‬ ‫والرض‪ :‬ال لم يكن عن يقين إذ لو كان عن يقين منهم لما عبدوا الصنام ولما أنكروا البعث‬ ‫ولما كذبوا بنبوة محمدٍ صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ عِ ْندَ ُهمْ خَزَائِنُ رَ ّبكَ} أي من‬ ‫الرزاق والخيرات والفواضل والفضائل فيخصوا من شاءوا منها ويحرموا من شاءوا والجواب‬ ‫ليس لهم ذلك فلما إذا ينكرون على ال ما أتى رسوله من الكمال والفضال؟ أم هم المسيطرون‬ ‫أي الغالبون القاهرون المتسلطون فيصرفون كيف شاءوا في الملك؟ والجواب‪ :‬ل‪ ،‬إذا فلما هذا‬ ‫التحكم الفاسد‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬أمْ َلهُمْ سُلّمٌ َيسْ َت ِمعُونَ‪ 4‬فِيهِ فَلْيَ ْأتِ مُسْ َت ِم ُعهُمْ بِسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ} أي ألهم‬ ‫مرقى‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا إضراب إنتقالي إلى إبطال نوع آخر من شبهتهم في إنكار البعث إذ السورة مكية‪ ،‬والغالب‬ ‫على هذه السورة معالجة عقيدة البعث الخر والستفهام المقدر بعد (أم) تقريري‪.‬‬ ‫‪ 2‬الستفهام المقدر هنا إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام تقريري‪ ،‬ويل المقدرة قبل الستفهام للنتقال وهكذا يورد‪ .‬قولهم مقررا لهم ثم يكر‬ ‫عليه فيبطله في جميع هذه الجمل المبدوءة بـ أم المنقطعة‪.‬‬ ‫‪ 4‬السلم‪ :‬المصعد‪ ،‬وجمعه سللم قال الشاعر‪:‬‬ ‫ومن هاب أسباب المنية يلقها‬ ‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫ل تحرز المرء أحجاء البلد ول‬ ‫يبنى له في السماوات السلليم‬ ‫أحجاء البلد‪ :‬أرجاؤها ونواحيها‪.‬‬

‫( ‪)5/183‬‬ ‫يرقون فيه إلى السماء فيستمعون إلى الملئكة فيسمعون منهم ما يمكنهم أن ينازعوا فيه رسولنا‬ ‫محمدا صلى ال عليه وسلم فليأت مستمعهم بحجة واضحة ظاهرة على دعواه ومن أين له ذلك‬ ‫وقد حجبت الشياطين والجن عن ذلك فكيف بغير الجن والشياطين‪.‬‬ ‫ت وََلكُمُ الْبَنُونَ} أي ل تعالى البنات ولكم البنون إن جميع ما تقولونه من هذا‬ ‫وقوله ‪{:‬أَمْ لَهُ الْبَنَا ُ‬ ‫النوع هو كذب ساقط بارد‪ ،‬وافتراء ممقوت ممجوج إن نسبتهم البنات ل كافية في رد كل ما‬ ‫يقولون ومبطلة لكل ما يدعون فإنهم كذبة مفترون ل يتورعون عن قول ما تحيله العقول‪ ،‬وتتنزه‬

‫عنه الفهوم‪ .‬وقوله‪َ{ :‬أمْ تَسْأَُلهُمْ أَجْرا َف ُهمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ} أي أتسألهم يا رسولنا عما تبلغهم عنا‬ ‫أجرا فهم لذلك مغتمون ومتعبون فل يستطيعون اليمان بك ول يقدرون على الخذ عنك‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫{َأمْ عِنْدَ ُهمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ‪َ 1‬يكْتُبُونَ} أي أعندهم علم الغيب فهم منهمكون في كتابته لينازعوك في ما‬ ‫عندك ويحاجوك بما عندهم‪ ،‬والجواب من أين لهم ذلك‪ ،‬وقوله‪{ :‬أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدا} أي أيريدون بك‬ ‫وبدينك كيدا؛ ليقتلوك ويبطلوا دينك فالذين كفروا ‪ 2‬هم المكيدون ولست أنت ول دينك‪ .‬ولم يمض‬ ‫عن نزول هذه اليات طويل زمن حتى هلك أولئك الكائدون ونصر ال رسوله وأعز دينه والحمد‬ ‫ل رب العالمين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ َل ُهمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ} أي ألهم ‪ 3‬إله أي معبود غير ال يعبدونه والحال أنه ل إله إل‬ ‫عمّا يُشْ ِركُونَ} أي تنزه ال وتقدس عما يشركونه به من أصنام وأوثان ل‬ ‫ال {فسُ ْبحَان َ‪ 4‬اللّهِ َ‬ ‫تسمع ول تبصر فضل عن أن تضر أو تنفع‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير التوحيد بذكر دلئله‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير النبوة المحمدية‪.‬‬ ‫‪ -3‬تسفيه أحلم المشركين‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم مشروعية أخذ أجرٍ على إبلغ الدعوة‪.‬‬ ‫‪ -5‬ل يعلم الغيب إل ال‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حاصل معنى هذا‪ :‬أنهم ل قبل لهم بإنكار ما جحدوه من البعث والوعيد والنبوة ول بإثبات ما‬ ‫أثبتوه من الشرك وما وصفوا به الرسول صلى ال عليه وسلم من صفات مستحيلة الوقوع‪.‬‬ ‫‪ 2‬لم يمض يسير زمن حتى هلك رؤساء الشرك في بدر مصداق قوله تعالى‪ُ { :‬همُ ا ْل َمكِيدُونَ}‬ ‫كقوله‪{ :‬وَل َيحِيقُ ا ْل َمكْرُ السّ ّيئُ إِلّا بِأَهْلِه}‪.‬‬ ‫‪ 3‬الستفهام إنكاري‪.‬‬ ‫‪ 4‬نزه تعالى نفسه أن يكون له شريك كما زعم المشركون وادعوا باطل فأبطل بذلك كل دعاويهم‬ ‫في تأليه غيره تعالى من الصنام والشياطين‪.‬‬

‫( ‪)5/184‬‬ ‫‪ -6‬صدق القرآن في أخباره آية أنه وحي ال وكلمه صدقا وحقا إنه لم يمض إل قليل من الوقت‬ ‫أي خمسة عشر عاما حتى ظهر مصداق قول ال تعالى فالذين كفروا هم المكيدون‪.‬‬ ‫سمَاءِ سَاقِطا َيقُولُوا سَحَابٌ مَ ْركُومٌ (‪ )44‬فَذَرْ ُهمْ حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي فِيهِ‬ ‫وَإِنْ يَ َروْا كِسْفا مِنَ ال ّ‬

‫صعَقُونَ (‪)45‬‬ ‫ُي ْ‬ ‫ك وََلكِنّ‬ ‫عذَابا دُونَ ذَِل َ‬ ‫ظَلمُوا َ‬ ‫َيوْمَ ل ُيغْنِي عَ ْن ُهمْ كَيْدُ ُهمْ شَيْئا وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ (‪ )46‬وَإِنّ لِلّذِينَ َ‬ ‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ (‪َ )48‬ومِنَ‬ ‫حكْمِ رَ ّبكَ فَإِ ّنكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبّحْ بِ َ‬ ‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪ )47‬وَاصْبِرْ لِ ُ‬ ‫اللّ ْيلِ فَسَبّحْ ُه وَإِدْبَارَ النّجُومِ (‪)49‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫وإن يروا كسفا من السماءساقطا ‪:‬أي وإن ير هؤلء المشركون قطعة من السماء تسقط عليهم‪.‬‬ ‫يقولوا سحاب مركوم ‪:‬أي يقولوا في القطعة سحاب متراكم يمطرنا ول يؤمنوا‪.‬‬ ‫فذرهم حتى يلقوا يومهم الذي فيه يصعقون ‪:‬أي فاتركهم إذا يجاحدون ويعاندون حتى يلقوا‬ ‫يومهم الذي فيه يصعقون وهو يوم موتهم‪.‬‬ ‫يوم ل يغني عنهم كيدهم شيئاول هم ينصرون ‪:‬أي اتركهم إلى ما ينتظرهم من العذاب ما داموا‬ ‫مصرين على الكفر وذلك يوم ل يغني عنهم مكرهم بك شيئا من الغناء‪.‬‬ ‫وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ‪:‬أي وإن لهؤلء المشركين الظلمة عذابا في الدنيا دون‬

‫( ‪)5/185‬‬ ‫عذاب يوم القيامة وهو عذاب القحط سبع سنين وعذاب القتل في بدر‪.‬‬ ‫ولكن أكثرهم ل يعلمون ‪:‬أي أن العذاب نازل بهم في الدنيا قبل يوم القيامة‪.‬‬ ‫واصبر لحكم ربك ‪:‬أي بإمهالهم ول يضق صدرك بكفرهم وعنادهم وعدم تعجيل العذاب لهم‪.‬‬ ‫فإنك بأعيننا ‪:‬أي بمرأى منا نراك ونحفظك من كيدهم لك ومكرهم بك‪.‬‬ ‫وسبح بحمد ربك حين تقوم ‪:‬أي واستعن على الصبر بالتسبيح الذي هو الصلوات الخمس والذكر‬ ‫بعدها والضراعة والدعاء صباح مساء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يذكر تعالى من عناد المشركين أنهم لو رأوا العذاب نازلً من السماء في صورة قطعة كبيرة من‬ ‫السماء ككوكب مثل لما أذعنوا ول آمنوا بل قالوا في ذلك العذاب سحاب مركوم الن يسقى‬ ‫ديارنا فنرتوي وترتوي أراضينا وبهائمنا‪ .‬إذا فلما كان المر هكذا فذرهم ‪ 1‬يا رسولنا في عنادهم‬ ‫وكفرهم حتى يلقوا وجها لوجه يومهم الذي فيه يصعقون أي يموتون يوم ل يغني عنهم كيدهم ‪2‬‬ ‫شيئا ول هم ينصرون‪ ،‬فيذهب كيدهم ول يجدون له أي أثر بحيث ل يغنى عنهم أدنى إغناء من‬ ‫ظَلمُوا}‬ ‫العذاب النازل بهم ول يجدون من ينصرهم‪ ،‬وذلك يوم القيامة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ لِلّذِينَ َ‬ ‫أي أنفسهم أي بالكفر والتكذيب والشرك والمعاصي عذبا دون ‪ 3‬ذلك المذكور من عذاب يوم‬ ‫القيامة وهو ما أصابهم به من سني القحط والمجاعة وما أنزله بهم من هزيمة في بدر حيث قتل‬ ‫صناديدهم وذلوا وأهينوا ولكن أكثرهم ل يعلمون ذلك‪ ،‬ولو علموا لما أصروا على العناد والكفر‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪ :‬واصبر لحكم ربك وقضائه بتأخير العذاب عن هؤلء المشركين‪ ،‬ول تخف ول‬ ‫تحزن فإنك بأعيننا أي بمرأى منا نراك ونحفظك‪ ،‬وجمع لفظ العين على أعين مراعاة للنون‬ ‫ح ْمدِ رَ ّبكَ} أي قل سبحان ال وبحمده حين تقوم‬ ‫العظمة وهو المضاف إليه (بأعيننا) وقوله { َوسَبّحْ بِ َ‬ ‫‪ 4‬من نومك ومن مجلسك‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال في مثل هذا‪ :‬هو منسوخ بآية السيف‪.‬‬ ‫‪ 2‬هو ما كانوا يكيدون للرسول صلى ال عليه وسلم وما يمكرون به‪.‬‬ ‫‪ 3‬جائز أن يكون عذاب القبر‪.‬‬ ‫‪ 4‬شاهده ما رواه الترمذي بإسناد حسن قوله صلى ال عليه وسلم "من جلس في مجلس فكثر فيه‬ ‫لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك‬ ‫وأتوب إليك‪ ،‬إل غفر له ما كان في مجلسه ذاك"‪.‬‬

‫( ‪)5/186‬‬ ‫ومن الليل أيضا فسبحه بصلة المغرب والعشاء والتهجد وكذا إدبار النجوم أي بعد طلوع الفجر‬ ‫فسبح بصلة الصبح وغيرها‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان عناد كفار قريش ومكابرتهم في الحق ومجاحدتهم فيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وهي للدعاة بعده أيضا‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير وخامة عاقبة الظلم في الدنيا قبل الخرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬وجوب الصبر على قضاء الرب وعدم الجزع‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية التسبيح عند القيام من ‪ 1‬النوم بنحو‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله‬ ‫الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير والحمد ل الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يرى ابن مسعود رضي ال عنه أن قوله‪( :‬حين تقوم) شامل لكل قيام يقومه من أي مكان‪.‬‬

‫( ‪)5/187‬‬ ‫سورة النجم‬ ‫‪...‬‬

‫سورة النجم‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها اثنتان وستون آية‬ ‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫حيٌ‬ ‫غوَى (‪َ )2‬ومَا يَ ْنطِقُ عَنِ ا ْل َهوَى (‪ )3‬إِنْ ُهوَ إِلّا َو ْ‬ ‫ضلّ صَاحِ ُبكُ ْم َومَا َ‬ ‫وَالنّجْمِ إِذَا َهوَى (‪ )1‬مَا َ‬ ‫يُوحَى (‪ )4‬عَّل َمهُ شَدِيدُ ا ْل ُقوَى (‪ )5‬ذُو مِ ّرةٍ فَاسْ َتوَى (‪ )6‬وَ ُهوَ بِالُْأ ُفقِ الْأَعْلَى (‪ُ )7‬ثمّ دَنَا فَ َتدَلّى (‪)8‬‬ ‫َفكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ َأدْنَى (‪)9‬‬ ‫فََأوْحَى إِلَى عَ ْب ِدهِ مَا َأوْحَى (‪ )10‬مَا كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى (‪َ )11‬أفَ ُتمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (‪ )12‬وََلقَدْ‬ ‫رَآهُ‬

‫( ‪)5/187‬‬ ‫نَزْلَةً ُأخْرَى (‪ )13‬عِنْدَ سِدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى (‪ )14‬عِنْدَهَا جَنّةُ ا ْلمَ ْأوَى (‪ِ )15‬إذْ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى (‬ ‫طغَى (‪َ )17‬لقَدْ َرأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى (‪)18‬‬ ‫‪ )16‬مَا زَاغَ الْ َبصَ ُر َومَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫والنجم إذا هوى ‪:‬أي والثريا إذا غابت بعد طلوعها‪.‬‬ ‫ما ضل صاحبكم ‪:‬أي ما ضل محمد صلى ال عليه وسلم عن طريق الهدى‪.‬‬ ‫و ما غوى ‪:‬أي وما لبس الغى وهو جهل من اعتقاد فاسد‪.‬‬ ‫وما ينطق عن الهوى ‪:‬أي عن هوى نفسه أي ما يقوله عن ال تعالى لم يصدر فيه عن هوى‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫إن هو إل وحي يوحى ‪:‬أي ما هو إل وحي إلهي يوحى إليه‪.‬‬ ‫علمه شديد القوى ‪ :‬أي علمه ملك شديد القوى وهو جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫ذو مرةٍ ‪ :‬أي لسلمة في جسمه وعقله فكان بذلك ذا قوة شديدة‪.‬‬ ‫فاستوى وهو بالفق العلى ‪:‬أي استقر وهو بأفق الشمس عند مطلعها على صورته التي خلقه ال‬ ‫عليها فرآه النبي صلى ال عليه وسلم وكان بجياد قد سد الفق إلى المغرب وكان النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم هو الذي طلب من جبريل أن يريه نفسه في صورته التي خلقه ال عليها ‪.‬‬ ‫ثم دنا فتدنى ‪:‬أي وقرب منه فتدلى أي زاد في القرب‪.‬‬ ‫فكان قاب قوسين أو أدنى ‪:‬أي فكان في القرب قاب قوسين أي مقدار قوسين‪.‬‬ ‫فأوحى إلى عبده ماأوحى ‪:‬أي فأوحى ال تعالى إلى عبده جبريل ماأوحاه جبريل إلى النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ما كذب الفؤاد ما رأى ‪:‬أي ماكذب فؤاد النبي ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلم‪:‬‬ ‫أفتمارونه على ما يرى ‪:‬أي أفاتجادلونه أيها المشركون على مايرى من صورة جبريل‪.‬‬

‫( ‪)5/188‬‬ ‫ولقد رآه نزلة أخرى ‪:‬أي على صورته مرة أخرى وذلك في السماء ليلة أسري به‪.‬‬ ‫عند سدرة المنتهى ‪:‬وهي شجرة نبق عن يمين العرش ل يتجاوزها أحد من الملئكة‪.‬‬ ‫عندها جنة المأوى ‪:‬أي تأوى إليها الملئكة وأرواح الشهداء والمتقين أولياء ال‪.‬‬ ‫إذ يغشى السدرة ما يغشى ‪:‬أي من نور ال تعالى ما يغشى‪.‬‬ ‫ما زاغ البصر وما طغى ‪:‬أي ما مال بصر محمد يمينا ول شمالً‪ ،‬ول ارتفع عن الحد الذي حدد‬ ‫له‪.‬‬ ‫لقد رأى من آيات ربه الكبرى ‪:‬أي رأى جبريل في صورته ورأى رفرفا أخضر سد أفق السماء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫جمِ‪ }1‬إلى قوله {مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى} يقرر به تعالى نبوة محمد عبده ورسوله‬ ‫قوله تعالى {وَالنّ ْ‬ ‫صلى ال عليه وسلم وقد أقسم بالنجم إذا هوى وهو نجم الثريا إذا غاب في الفق على أنه ما ضل‬ ‫محمد صاحب قريش الذي صاحبته منذ ولدته ولم يغب عنها ولم تغب عنه مدة تزيد على‬ ‫الربعين سنة فهي صحبة كاملة ما ضل عن طريق الهدى وهم يعرفون هذا‪ ،‬وما غوى ‪ 2‬أيضا‬ ‫أية رواية وما لبسه جهل في قول ول عمل فغوى به‪ .‬وما ينطق بالقرآن وغيره مما يقوله‬ ‫ويدعوا إليه عن هوى ‪ 3‬نفسه كما قد يقع من غيره من البشر إن هو إل وحي يوحى أي ما هو‬ ‫أي الذي ينطق به ويدعوا إله ويعمله إل وحي يوحى إليه‪ .‬علمه إياه ملك شديد القوى ‪ 4‬ذو مرة‬ ‫أي سلمة عقل وبدن وكان بذلك قويا روحيا وعقليا وذاتيا وهو جبريل عليه والسلم وقوله‪:‬‬ ‫{فَاسْ َتوَى} أي جبريل {و ُهوَ بِالُْأ ُفقِ الْأَعْلَى} ومعنى استوى استقر {ثُمّ دَنَا فَتَدَلّى } أي تدلى فدنا أي‬ ‫قرب شيئا فشيئا حتى كان من الرسول صلى ال عليه وسلم قاب قوسين أي قدر قوسين والقوس‬ ‫معروف آلة للرمي {َأوْ أَدْنَى} أي من قاب قوسين ‪.5‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أصل النجم‪ :‬الطلوع والظهور يقال‪ :‬نجم السن‪ :‬إذا طلع‪ ،‬ونجم السر إذا ظهر وأطلق النجم‬ ‫بالغلبة على الثريا‪ .‬الهوي‪ :‬السسقوط يقال‪ :‬هوى يهوي هويا كمضى يمضي مضيا‪ .‬وهوى يهوي‬ ‫هويا‪ :‬إذا خسر للسجود‪ ،‬ومن الحب يقال‪ :‬هوى يهوي هوى كرضي يرضى رضا‪ :‬إذا أحب‪.‬‬ ‫‪ 2‬الغي‪ :‬ضد الرشد‪ ،‬والغواية مثله‪ :‬وهو فساد الرأي وتعاطي النسان الباطل من القوال‬ ‫والفعال مما ل خير فيه البتة‪.‬‬ ‫‪ 3‬الهوى‪ :‬ميل النفس إلى ما تحبه أو تحب أن تفعله دون اقتضاء العقل السليم الحكيم له وفعله‪:‬‬

‫هوى يهوي كرضي يرضى هواىً‪.‬‬ ‫‪( 4‬شديد القوى) صفة لموصوف محذوف أي‪ :‬علمه ملك شديد القوى وهو جبريل إجماعا‪،‬‬ ‫والمرة‪ :‬تطلق على قوة الذات وعلى متانة العقل معا‪ ،‬وعليهما كان جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬مقدار قوسين‪.‬‬

‫( ‪)5/189‬‬ ‫وقوله تعالى {فََأوْحَى إِلَى عَ ْب ِدهِ مَا َأوْحَى ‪ }1‬أي فأوحى ال تعالى إلى جبريل ما أوحى إلى نبيه‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم وقوله {مَا كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى} أي ما كذب فؤاد محمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم ما رآه محمد ببصره وهو جبريل في صورته التي خلقه ال تعالى عليها ذات الستمائة جناح‬ ‫طول الجناح ما بين المشرق والمغرب‪ .‬وقوله تعالى‪َ{ :‬أفَ ُتمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} هذا خطاب‬ ‫للمشركين المنكرين لرؤية النبي صلى ال عليه وسلم ينكر تعالى ذلك عليهم بقوله {َأفَ ُتمَارُونَهُ} أي‬ ‫تجادلونه وتغالبونه أيها المشركون على ما يرى ببصره‪{ .‬وََلقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ‪ }2‬أي مرة أخرى‬ ‫{عِ ْندَ سِدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى ‪ }3‬وذلك ليلة أسرى به صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ووصفت هذه السدرة ‪ 4‬وهي‬ ‫شجرة النبق بأن أوراقها كآذان الفيلة وأن ثمرها كغلل هجر قال فلما غشيها من أمر ال تعالى ما‬ ‫غشيها تغيرت فما أحد من خلق ال تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها‪ ،‬وسميت سدرة المنتهى‬ ‫لنتهاء علم كل عالم من الخلق إليها أو لكونها عن يمين العرش ل يتجاوزها أحد من الملئكة‪.‬‬ ‫وقوله {عِنْ َدهَا جَنّةُ ا ْلمَ ْأوَى} أي الجنة التي تأوى إليها الملئكة وأرواح الشهداء‪ ،‬والمتيقن أولياء ال‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِذْ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى ‪ }5‬أي من نور ال تعالى‪ ،‬والملئكة من حب ال مثل‬ ‫طغَى}‬ ‫الغربان حين تقفز على الشجر كذا روى ابن جرير الطبري‪ .‬وقوله {مَا زَاغَ الْ َبصَرُ َومَا َ‬ ‫أي ما مال بصر محمد يمينا ول شمالً ول ارتفع فوق الحد الذي حدد له‪َ{ .‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ‪6‬‬ ‫رَبّهِ ا ْلكُبْرَى} أي رأى جبريل في خلقه الذي يكون فيه في السماء ورأى رفرفا أخضر قد سد‬ ‫الفق ورأى من عجائب خلق ال ومظاهر قدرته وعلمه ما ل سبيل إلى إدراكه والحديث عنه‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير النبوة لمحمد وإثباتها بما ل مجال للشك والجدال فيه‪.‬‬ ‫‪ -2‬تنزيه الرسول صلى ال عليه وسلم عن القول بالهوى أو صدور شيء من أفعاله أو أقواله من‬ ‫اتباع الهوى‪.‬‬ ‫‪ -3‬وصف جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫‪ -4‬إثبات رؤية النبي صلى ال عليه وسلم لجبريل وعلى صورته التي يكون في السماء عليها‬

‫مرتين‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقرير حاثة السراء والمعراج وإثباتها للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -6‬بيان حقيقة سدرة المنتهى‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬ما أوحى) إبهام من أجل التفخيم أي‪ :‬أوحى إليه شيئا عظيما‪.‬‬ ‫‪( 2‬نزلة) على وزن فعلة من النزول دال على المرة أي‪ :‬رآه إذ نزل إليه مرة أخرى‪.‬‬ ‫‪ 3‬السدر شجر معروف صحراوي فيه ثلث ميزات‪ :‬ظل ظليل وثمر لذيذ ورائحة ذكية‪.‬‬ ‫‪ 4‬هذا الوصف رواه مسلم في صحيحه‪.‬‬ ‫‪ 5‬في قوله (ما يغشى) من التفخيم ما فيه‪.‬‬ ‫‪ 6‬جملة‪( :‬لقد رأى من آيات ربه) تذليل أي‪ :‬رأى آيات أخرى غير سدرة المنتهى وجنة المأوى‬ ‫وما غشي السدرة من البهجة والجلل واليات‪ :‬دلئل عظمة ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)5/190‬‬ ‫سمَةٌ‬ ‫َأفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَا ْلعُزّى (‪َ )19‬ومَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى (‪ )20‬أََل ُكمُ ال ّذكَ ُر وََلهُ الْأُنْثَى (‪ )21‬تِ ْلكَ إِذا قِ ْ‬ ‫ضِيزَى (‪)22‬‬ ‫ن َومَا‬ ‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْ ُت ْم وَآبَا ُؤكُمْ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ ِبهَا مِنْ سُ ْلطَانٍ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِلّا الظّ ّ‬ ‫سمَاءٌ َ‬ ‫إِنْ ِهيَ إِلّا َأ ْ‬ ‫س وََلقَدْ جَاءَ ُهمْ مِنْ رَ ّبهِمُ ا ْل ُهدَى (‪َ )23‬أمْ لِلْإِنْسَانِ مَا َتمَنّى (‪ )24‬فَلِلّهِ الْآخِ َرةُ وَالْأُولَى (‬ ‫َت ْهوَى الْأَ ْنفُ ُ‬ ‫شفَاعَ ُتهُمْ شَيْئا إِلّا مِنْ َبعْدِ أَنْ يَ ْأذَنَ اللّهُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَ ْرضَى‬ ‫سمَاوَاتِ ل ُتغْنِي َ‬ ‫‪َ )25‬وكَمْ مِنْ مََلكٍ فِي ال ّ‬ ‫(‪)26‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفرأيتم اللت والعزى ‪:‬أي أخبروني عن أصنامكم التي اشتققتم لها أسماء من أسماء ال‬ ‫وأنثتموها‪.‬‬ ‫ومناة الثالثة الخرى ‪: 1‬وجعلتموها بناتٍ ل‪ ،‬افتراء على ال وكذبا عليه‪.‬‬ ‫ألكم الذكر وله النثى ‪:‬أي أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه لنفسكم ول النثى التي ل‬ ‫ترضونها لنفسكم‪.‬‬ ‫تلك إذا قسمة ضيزى ‪:‬أي قسمتكم هذه إذا قسمة ضيزى أي جائزة غير عادلة ناقصة غير تامة‪.‬‬ ‫إن هي إل أسماء سميتموها ‪:‬أي ما اللت والعزى ومناة الثالة الخرى إل أسماء ل حقيقة لها‪.‬‬ ‫أنتم وآباؤكم ‪:‬أي سميتموها بها أنتم وآباؤكم‪.‬‬ ‫ما أنزل ال بها من سلطان ‪:‬أي لم ينزل ال تعالى وحيا يأذن في عبادتها‪.‬‬ ‫إن يتبعون إل الظن ‪:‬أي ما يتبع المشركون في عبادة أصنامهم إل الظن والخرص والكذب‪.‬‬

‫__________‬ ‫‪ 1‬هدمها خالد بن الوليد بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ولما شرع في هدمها قال لها‪:‬‬ ‫يا عز كفرانك ل سبحانك‬ ‫إني رأيت ال قد أهانك‬

‫( ‪)5/191‬‬ ‫وما تهوى النفس ‪ :‬أي وما يتبعون إل ما تهواه نفوسهم وما تميل إليه شهواتهم‪.‬‬ ‫أم للنسان ما تمنى ‪:‬أي بل أللنسان ما تمنى والجواب ل ليس له كل ما يتمنى‪.‬‬ ‫فلله الخرة والولى ‪:‬أي إن الخرة والولى كلهما ل يهب منهما ما يشاء لمن يشاء‪.‬‬ ‫وكم من ملك في السماوات ‪:‬أي وكثير من الملئكة في السماوات‪.‬‬ ‫ل تغني شفاعتهم شيئا ‪:‬أي لو أرادوا أن يشفعوا لحد حتى يكون ال قد أذن لهم ورضي للمسموح‬ ‫له بالشفاعة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد أن ذكر تعالى مظاهر قدرته وعظمته وعلمه وحكمته في الملكوت العلى جبريل وسدرة‬ ‫المنتهى وما غشاها من نور ال وما أرى رسوله من اليات الكبرى‪ ،‬خاطب المشركين بقوله‬ ‫ل لن تسوى بمن‬ ‫{َأفَرَأَيْ ُتمُ اللّاتَ‪ 1‬وَا ْلعُزّى َومَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى} أي أعميتم فرأيتم هذه الصنام أه ً‬ ‫له ملكوت السموات والرض وعبدتموها معه على حقارتها ودناءتها‪ ،‬وأزددتم عمىً فاشتققتم لها‬ ‫من أسماء ال تعالى أسماء فمن العزيز اشتققتم العزى ومن ال اشتققتم اللت‪ ،‬وجعلتموها بنات ل‬ ‫افتراء على ال بزعمكم أنها تشفع لكم عند ال‪ .‬أخبروني ألكم الذكر ‪ 2‬لنكم تحبون الذكران‬ ‫وترضون بهم لنفسكم‪ ،‬وله النثى لنكم تكرهونها ول ترضون بها لنفسكم‪ ،‬إذا كان المر على‬ ‫ما رأيتم فإنها قسمة ضيزى ‪ 3‬أي جائزة غير عادلة وناقصة غير تامة فكيف ترضونها لمن عبدتم‬ ‫الصنام من أجل التوسل بها إليه ليقضي حوائجكم؟ إن هي إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم‪ .‬إن‬ ‫أصنامكم أيها المشركون ل تعدو كونها أسماء للهة ل وجود لها ول حقيقة في عالم الواقع إذ ل‬ ‫إله إل ال‪ ،‬أما اللت والعزى ومناة الثالثة الخرى فلم تكن آلهة تحيي وتميت وتعطي وتمنع‬ ‫وتضر وتنفع‪ .‬إن هي أي ما هي إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬انتقل الكلم من تقرير النبوة المحمدية إلى تقرير اللهية الربانية‪ ،‬واللت أصله‪ :‬لت فأدخلوا‬ ‫عليه ال فصار اللت‪ ،‬وهي صنم لثقيف كانت قريش والعرب يعبدونه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو وصف لرجل‬ ‫كان يلت السوق للحجاج ثم صنع له صنم تمثالً وألهته ثقيف وقريش وجمهور العرب والعزى‬ ‫اسم مشتق من العز وهي فعلى ككبرى‪ :‬صنم عليه بناء كان بوادي نخلة فوق (ذات عرق) ميقات‬

‫أهل العراق قريبا من الطائف ومناة‪ :‬صنم كان لخزاعة كان بالمشلل حذو قديد بين مكة والمدينة‬ ‫وكان الوس والخزرج يهلون منه ويطوفون به كالسعي بين الصفا والمروة‪.‬‬ ‫‪ 2‬تقديم الجار والمجرور في (ألكم الذكر) للهتمام بالختصاص‪.‬‬ ‫‪( 3‬ضيزى) اسم كدفلي وشعرى‪ ،‬وهو مشتق من ضاز يضيز ضيزا‪ :‬إذا ظلم وتعدى وبخس‬ ‫وانتقص‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫ضازت بنو أسد بحكمهم‬ ‫إذ يجعلون الرأس كالذنب‬

‫( ‪)5/192‬‬ ‫سلطان أي لم ينزل بها وحيا يأذن بعبادتها‪ .‬وهنا التفت الجبار جل جلله في الخطاب عنهم وقال‬ ‫{إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِلّا الظّنّ} أي إن هؤلء المشركين ما يتبعون في عبادة هذه الصنام إل الظن‪ ،‬فل‬ ‫يقين لهم في صحة عبادتها‪ .‬كما يتبعون في عبادتها { َومَا َت ْهوَى الْأَ ْنفُسُ} أي هوى أنفسهم {وََلقَدْ‬ ‫جَاءَهُمْ مِنْ رَ ّب ِهمُ ا ْلهُدَى} فبين لهم الصراط السوي فأعرضوا عنه وهو الحق من ربهم‪ .‬وتعلقوا‬ ‫بالماني الكاذبة وأن أصنامهم تشفع لهم‪ ،‬أم للنسان ما تمنى ‪ 1‬والجواب ليس له تمنى‪ ،‬إذ ل‬ ‫الخرة والولى يعطي منها ما يشاء ويمنع ما يشاء وكم من ‪ 2‬ملك في السموات ل يعدون كثرة ل‬ ‫تغني شفاعتهم شيئا من الغناء ولو قل إل من بعد أن يأذن ال لمن يشاء أن يشفع من الملئكة‬ ‫وغيرهم‪ ،‬ويرضى عن المشفوع له‪ ،‬وإل فل شافع ول شفاعة تنفع عند ال الملك الحق المبين‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬التنديد بالشرك والمشركين وتسفيه أحلمهم لعبادتهم أسماء ل مسميات لها في الخارج إذ‬ ‫تسمية حجرا إلها لن تجعله إلها‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن المشركين في كل زمان ومكان ما يتبعون في عبادة غير ال إل أهواءهم‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان أن النسان ل يعطى بأمانيه‪ ،‬ولكن بعمله وصدقه وجده فيه‪.‬‬ ‫‪ -4‬بيان أن الدنيا كالخرة ل فل ينبغي أن يطلب شيء منها إل من ال مالكها‪.‬‬ ‫‪ -5‬كل شفاعة ترجى فهي ل تحقق شيئا إل بتوفر شرطين الول أن يأذن ال للشافع في الشفاعة‬ ‫والثاني أن يكون ال قد رضي للمشفوع له بالشفاعة والخلصة هي‪ :‬الذن للشافع والرضا عن‬ ‫المشفوع‪.‬‬ ‫سمِيَةَ الْأُنْثَى (‪َ )27‬ومَا َلهُمْ ِبهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِلّا‬ ‫سمّونَ ا ْلمَل ِئكَةَ تَ ْ‬ ‫ن ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َرةِ لَيُ َ‬ ‫إِنّ الّذِي َ‬ ‫حقّ شَيْئا (‪ )28‬فَأَعْ ِرضْ عَنْ مَنْ َتوَلّى عَنْ ِذكْرِنَا وََلمْ يُرِدْ إِلّا الْحَيَاةَ‬ ‫الظّنّ وَإِنّ الظّنّ ل ُيغْنِي مِنَ الْ َ‬ ‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنِ اهْ َتدَى (‬ ‫ن َ‬ ‫الدّنْيَا (‪ )29‬ذَِلكَ مَبَْل ُغهُمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬

‫‪)30‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬الستفهام المقدر بعد أم إنكاري المقصود منه إبطال حصول النسان على ما يتمناه‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة تأكيد لبطال حصول النسان على ما يتمناه وإبطال لعتقاد المشركين في أن آلهتهم‬ ‫تشفع لهم عند ال عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)5/193‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن الذين ل يؤمنون بالخرة ‪:‬أي إن الذين ل يؤمنون بالبعث والحياة الخرة‪.‬‬ ‫ليسمون الملئكة تسمية النثى ‪:‬أي ليطلقون على الملئكة أسماء الناث إذ قالوا بنات ال‪.‬‬ ‫وما لهم به من علم ‪:‬أي وليس لهم بذلك علم من كتاب ول هدى من نبي ول عقل سوي‪.‬‬ ‫إن يتبعون إل الظن ‪: 1‬أي في تسميتهم الملئكة إناثا إل مجرد الظن‪ ،‬والظن ل تقوم به حجة ول‬ ‫يعطى به حق‪.‬‬ ‫فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ‪:‬أي القرآن وعبادتنا‪.‬‬ ‫ولم يرد إل الحياة الدنيا ‪ :‬ولم يرد من قوله ول عمله إل ما يحقق رغائبه من الدنيا‪.‬‬ ‫ذلك مبلغهم من العلم ‪:‬أي ذلك الطلب للدنيا نهاية علمهم إذ آثروا الدنيا على الخرة‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫لما ندد تعالى بالمشركين الذين جعلوا من الصنام والوهام والماني آلهة وجادلوا دونها وجالدوا‬ ‫ذكر ما هو علة ذلك التخبط والضلل فقال‪{ :‬إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِ َرةِ} دار السعادة الحقة أو‬ ‫سمِيَةَ الْأُنْثَى} فلو آمنوا بالخرة لما سموا الملئكة بنات ال لن المؤمن‬ ‫سمّونَ ا ْلمَل ِئكَةَ تَ ْ‬ ‫الشقاء {لَيُ َ‬ ‫بالخرة يحاسب نفسه على كل قول وعمل له تبعة يخشى أن يؤخذ بها بخلف الذي ل يؤمن‬ ‫بالخرة فإنه يقول ويفعل ما يشاء لعدم شعوره بالمسؤولية والتبعة التي قد يؤخذ بها فيهلك ويخشى‬ ‫كل شيء وهو تعليل سليم حكيم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َل ُهمْ بِهِ مِنْ ‪2‬عِلْمٍ} أي ليس لهم في ادعائهم أن الملئكة بنات ال أي علم يعتد‬ ‫به إن يتبعون فيه إل الظن والظن أكذب الحديث‪ ،‬وإن الظن ل يغني من الحق شيئا وبناء على هذا‬ ‫أمر تعالى رسوله أن يعرض عمن تولى منهم عن الحق بعد معرفته وعن الهدى بعد مشاهدته‬ ‫فقال تعالى {فَأَعْ ِرضْ‪ 3‬عَنْ مَنْ َتوَلّى عَنْ ِذكْرِنَا} أي القرآن واليمان والتوحيد والطاعة‪ ،‬ولم يرد‬ ‫بقوله وعمله واعتقاده إل الحياة الدنيا إذ هو ل يؤمن بالخرة فلذا هو قد كيف حياته بحسب‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬حذر النبي صلى ال عليه وسلم من القول بالظن وكذا العمل به ففي الصحيحين قال "إياكم‬

‫والظن فإن الظن أكذب الحديث"!!‬ ‫‪ 2‬نفي العلم عنهم حجة قاطعة على ادعائهم لن ما ل يثبت بالعلم النقلي أو العقلي ل تقوم به حجة‬ ‫شهَادَ ُت ُه ْم وَيُسْأَلونَ}؟‬ ‫شهِدُوا خَ ْل َقهُمْ سَ ُتكْ َتبُ َ‬ ‫ول يثبت به شيء وقد وبخهم تعالى في قوله‪ { :‬أَ َ‬ ‫‪ 3‬قيل نزلت هذه الية في النضر بن الحارث‪ ،‬والوليد بن المغيرة‪ ،‬والية نزلت قبل المر‬ ‫بالجهاد‪.‬‬

‫( ‪)5/194‬‬ ‫الدنيا فكل تفكيره في الدنيا‪ ،‬وكل عمله لها فيصبح بذلك أشبه باللة منه بالحيوان‪ .‬وتصبح الحياة‬ ‫معه عميقة الفائدة فلذا يجب العراض عنه وتركه إلى أن يأذن ال فيه بشيء‪.‬‬ ‫وقوله تعالى {ذَِلكَ مَبَْل ُغهُمْ‪ 1‬مِنَ ا ْلعِلْمِ} أي هذا الطلب للدنيا هو ما انتهى إليه علمهم فلذا هم آثروها‬ ‫عن الخرة التي لم يعلموا عنها شيئا‪.‬‬ ‫ضلّ‪ 2‬عَنْ سَبِيِل ِه وَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنِ اهْتَدَى}‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله تعالى في خطاب رسوله { إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬ ‫أي إن ربك أيها الرسول هو أعلم منك ومن غيرك بمن ضل عن سبيله قدرا وأزلً فضل في‬ ‫الحياة الدنيا أيضا‪ ،‬وهو أعلم بمن اهتدى‪ ،‬قضاء وقدرا وواقعا في الحياة الدنيا وسيجزى كلً بما‬ ‫عمل من خير أو شر فل تأس يا رسولنا ول تحزن وفوض المر إلينا فإنا عالمون ومجازون كل‬ ‫عامل بما عمل في دار الجزاء‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬أكثر المراض مردها إلى قلب ل يؤمن بالخرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬أكثر الفساد في الرض هو نتيجة الجهل وعدم العلم اليقيني‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من الماديين فإنهم شر وخطر وواجب العراض عنهم لنهم شر الخليقة‪.‬‬ ‫حسَنُوا‬ ‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ َأسَاءُوا ِبمَا َ‬ ‫وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫سعُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ ُهوَ أَعَْلمُ ِبكُمْ‬ ‫ك وَا ِ‬ ‫حسْنَى (‪ )31‬الّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْ ِم وَا ْل َفوَاحِشَ إِلّا الّلمَمَ إِنّ رَ ّب َ‬ ‫بِالْ ُ‬ ‫سكُمْ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنِ ا ّتقَى (‪)32‬‬ ‫ض وَإِذْ أَنْتُمْ َأجِنّةٌ فِي ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ فَل تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬ ‫إِذْ أَ ْنشََأكُمْ مِنَ الْأَ ْر ِ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال الفراء‪ :‬صغرهم وازدرى بهم أي‪ :‬ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫‪ 2‬هذه الجملة تعليل لجملة‪( :‬فأعرض عمن تولى) والجملة متضمنة زيادة على التسلية للرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم الوعد والوعيد فالوعد للمهتدين من الرسول والمؤمنين والوعيد للمشركين‬ ‫الضالين عن سبيل الهدى فإن جزاءهم الشقاء في دار الشقاء‪.‬‬

‫( ‪)5/195‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫ول ما في السموات وما في الرض ‪:‬أي خلقا وملكا وتصرفا‪.‬‬ ‫ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ‪:‬ليعاقب الذي أساءوا بما عملوا من الشرك والمعاصي‪.‬‬ ‫ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ‪:‬ويثيب الذين أحسنوا في إيمانهم وعملهم الصالح بالجنة‪.‬‬ ‫الذين يجتنبون كبائر الثم ‪:‬أي يتجنبون كبائر الذنوب وهو كل ذنب وضع له حد أو لعن فاعله أو‬ ‫توعد عليه بالعذاب في الخرة‪.‬‬ ‫والفواحش ال اللمم ‪:‬أي الذنوب القبيحة كالزنا واللواط وقذف المحصنات والبخل واللمم صغائر‬ ‫الذنوب التي تكفر باجتناب كبائرها‪.‬‬ ‫هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الرض ‪:‬أي خلق أباكم آدم من تراب الرض‪.‬‬ ‫وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ‪:‬أي وأنتم في أرحام أمهاتكم لم تولدوا بعد‪.‬‬ ‫فل تزكوا أنفسكم ‪:‬أي فل تمدحوها على سبيل الفخر والعجاب‪.‬‬ ‫هو أعلم بمن اتقى ‪:‬أي منكم بمن اتقى منكم وبمن فجر فل حاجة إلى ذكر ذلك منكم‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في تقرير ربوبيته تعالى المطلقة لكل شيء إذ تقدم في السياق قوله تعالى‪:‬‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ} خلقا وملكا‬ ‫{فَلِلّهِ الْآخِ َر ُة وَالْأُولَى} وهنا قال عز من قائل {وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬ ‫وتصرفا وتدبيرا فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء هداية تابعة لحكمة وإضلل كذلك يدل عليه‬ ‫قوله تعالى {لِ َيجْ ِزيَ‪ 1‬الّذِينَ أَسَاءُوا} أي إلى أنفسهم بما عملوا من الشرك والمعاصي يجزيهم‬ ‫بالسوء وهي جهنم {وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ َأحْسَنُوا} إلى أنفسهم فزكوها وطهروها باليمان والعمل الصالح‬ ‫حشَ} بين فيه وجه‬ ‫يجزيهم بالحسنى ‪ 2‬التي هي الجنة وقوله { الّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ‪ 3‬وَا ْلفَوَا ِ‬ ‫إحسان المحسنين إلى أنفسهم حين طهروها باليمان وصالح العمال ولم يلوثوها بأوضار كبائر‬ ‫الثم من كل ما توعد فاعله بالنار أو بلعن أو إقامة حدٍ‪ ،‬أو غضب الرب‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذه اللم هي لم التعليل إذ أوجد ال تعالى العوالم العلوية والسفلية من أجل النسان‪ ،‬وأوجد‬ ‫النسان للذكر والشكر فمن ذكر وشكر وهو المحسن فله الجنة ومن نسي وكفر فله السوأى وهي‬ ‫النار‪.‬‬ ‫‪ 2‬أي‪ :‬بالمثوبة الحسنى وهي الجنة‪ ،‬والحسنى صفة لموصوف محذوف وهي المثوبة‪.‬‬ ‫‪( 3‬الذين يجتنبون) الخ صفة للذين أحسنوا أي‪ :‬أحسنوا بفعل الواجبات واجتنبوا كبائر الذنوب‬ ‫والسيئات حتى ل تتلوث أرواحهم بعد طهرها بالعمال الصالحة‪.‬‬

‫( ‪)5/196‬‬ ‫ك وَاسِعُ ا ْل َمغْفِ َرةِ} أي لكن اللمم يتجاوز‬ ‫والفواحش من زنا ولواط وبخل وقوله {إِلّا الّلمَمَ‪ 1‬إِنّ رَ ّب َ‬ ‫عنه وهو ما ألم به المرء وتاب منه أو فعله في الجاهلية ثم أسلم‪ ،‬وما كان من صغائر الذنوب‬ ‫كالنظرة والكلمة والتمرة‪ .‬وقد فسر بقول الرسول صلى ال عليه وسلم إن ال كتب على ابن آدم‬ ‫حظه من الزنا أدركه ذلك ل محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى‬ ‫وتشتهي‪ ،‬والفرج يصدق ذلك أو يكذبه‪ .‬فمغفرة ال واسعة تشمل كل ذنب تاب منه فاعله كما‬ ‫تشمل كل ذنب من الصغائر‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { ُهوَ أَعْلَمُ ِب ُكمْ إِذْ أَنْشََأكُمْ مِنَ الْأَ ْرضِ وَِإذْ أَنْتُمْ أَجِنّةٌ فِي ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ} أعلم بضعفنا‬ ‫وغرائزنا وحاجاتنا وعجزنا منا نحن بأنفسنا ولذا تجاوز لنا عن اللمم الذي نلم به بحكم العجز‬ ‫س ُكمْ‪ }2‬ينهى الرب تعالى عباده المؤمنين عن‬ ‫والضعف‪ ،‬فله الحمد والمنة‪ .‬وقوله‪{ :‬فَل تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬ ‫تزكية المرء نفسه بإدعاء الكمال والطهر المر الذي يكون فخرا وإعجابا والعجاب بالنفس محبط‬ ‫سكُمْ} أي ل تشهدوا عليها بأنها زكية بريئة من الذنوب‬ ‫للعمل كالرياء والشرك فقوله {فَل تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬ ‫والمعاصي وقوله { ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنِ ا ّتقَى} أي أن ال أعلم بمن اتقى منكم ربه فخاف عقابه فأدى‬ ‫الفرائض واجتنب المحرمات منا ومن المتقى نفسه فلذا ل تمدحوا أنفسكم له فإنه أعلم بكم من‬ ‫أنفسكم‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال تعالى لكل شيء وهي مستلزمة للوهيته‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير حرية إرادة ال يهدي من يشاء ويضل ويعذب من شاء ويرحم إل أن ذلك تابع لحكم‬ ‫عالية‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير قاعدة أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر‪.‬‬ ‫‪ -5‬حرمة تزكية النفس وهي مدحها والشهادة عليها بالخير والفضل والكمال والتفوق‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عن ابن عباس‪ :‬هو الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه‪ ،‬واستشهد قائل‪:‬‬ ‫إن تغفر اللهم تغفر جما‬ ‫وأي عبد لك ما ألما‬ ‫‪ 2‬في الية دليل على كراهة تزكية العبد نفسه أو تزكية غيره ففي الحديث الصحيح‪" :‬أنه لم‬ ‫يرض لهم تسمية برة وقرأ‪{ :‬فل تزكوا أنفسكم} الية‪ :‬وقال سموها زينب" وفي الصحيح "أنه سمع‬

‫رجلً يمدح آخر فقال له‪ :‬ويلك قطعت عنق صاحبك –مرارا‪ -‬إذا كان أحدكم مادحا صاحبه ل‬ ‫محالة فليقل‪ :‬أحسب فلنا وال حسيبه ول أزكي على ال أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك"‬ ‫روى مسلم "أن رجلً أتى عثمان فأثنى عليه في وجهه‪ ،‬فجعل المقداد بن السود يحثو التراب في‬ ‫وجهه ويقول‪ :‬أمرنا رسول ال أن نحثوا التراب في وجوه المداحين"‪.‬‬

‫( ‪)5/197‬‬ ‫ل وََأكْدَى (‪ )34‬أَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ ا ْلغَ ْيبِ َف ُهوَ يَرَى (‪َ )35‬أمْ لَمْ يُنَبّأْ‬ ‫َأفَرَأَ ْيتَ الّذِي َتوَلّى (‪ )33‬وَأَعْطَى قَلِي ً‬ ‫حفِ مُوسَى (‪ )36‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى (‪ )37‬أَلّا تَزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُخْرَى (‪ )38‬وَأَنْ لَيْسَ‬ ‫صُ‬ ‫ِبمَا فِي ُ‬ ‫سوْفَ يُرَى (‪ُ )40‬ثمّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الَْأ ْوفَى (‪ )41‬وَأَنّ إِلَى‬ ‫سعْيَهُ َ‬ ‫سعَى (‪ )39‬وَأَنّ َ‬ ‫لِلْإِنْسَانِ ِإلّا مَا َ‬ ‫ك وَأَ ْبكَى (‪)43‬‬ ‫حَ‬ ‫رَ ّبكَ ا ْلمُنْ َتهَى (‪ )42‬وَأَنّهُ ُهوَ َأضْ َ‬ ‫طفَةٍ إِذَا ُتمْنَى (‪ )46‬وَأَنّ‬ ‫ت وَأَحْيَا (‪ )44‬وَأَنّهُ خََلقَ ال ّزوْجَيْنِ ال ّذكَ َر وَالْأُنْثَى (‪ )45‬مِنْ ُن ْ‬ ‫وَأَنّهُ ُهوَ َأمَا َ‬ ‫شعْرَى (‪ )49‬وَأَنّهُ أَهَْلكَ عَادا‬ ‫عَلَيْهِ النّشَْأةَ الُْأخْرَى (‪ )47‬وَأَنّهُ ُهوَ أَغْنَى وََأقْنَى (‪ )48‬وَأَنّهُ ُهوَ َربّ ال ّ‬ ‫طغَى (‪ )52‬وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَةَ‬ ‫الْأُولَى (‪ )50‬وَ َثمُودَ َفمَا أَ ْبقَى (‪َ )51‬و َقوْمَ نُوحٍ مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا ُهمْ أَظَْل َم وَأَ ْ‬ ‫غشّى (‪)54‬‬ ‫أَ ْهوَى (‪َ )53‬فغَشّاهَا مَا َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أفرأيت الذي تولى ‪:‬أي عن السلم بعد ما قارب أن يدخل فيه‪.‬‬ ‫أعطى قليلً وأكدى ‪:‬أي أعطى من زعم أنه يحتمل عنه عذاب الخرة أعطاه ما وعده من المال‬ ‫ثم منع‪.‬‬ ‫أعنده علم الغيب فهوى يرى ‪ :‬أي يعلم أن غيره يتحمل عنه العذاب والجواب ل‪.‬‬ ‫أم لم ينبأ بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفى ‪:‬أي أم بل لم يخبر بما ورد في الصحف‬ ‫المذكورة وهي التوراة وعشر صحف كانت لبراهيم عليه السلم‪.‬‬ ‫أل تزر وازرة وزر أخرى ‪:‬أي أنه ل تحمل نفس مذنبة ذنب غيرها‪.‬‬ ‫وأن ليس للنسان إل ما سعى ‪:‬أي من خير وشر‪ ،‬وليس له ول عليه من سعي غيره شيء‪.‬‬ ‫وأن سعيه سوف يرى ‪:‬أي يبصر يوم القيامة ويراه بنفسه‪.‬‬

‫( ‪)5/198‬‬ ‫ثم يجزاه الجزاء الوفى ‪:‬أي الكمل التام الذي ل نقص فيه‪.‬‬ ‫إن إلى ربك المنتهى ‪:‬أي المرجع والمصير إليه ينتهي أمر عباده بعد الموت ويجازيهم‪.‬‬ ‫وأنه أضحك وأبكى ‪:‬أي أفرح من شاء فأضحكه‪ ،‬وأحزن من شاء فأبكاه‪.‬‬

‫وإنه أمات وأحيا ‪:‬أمات في الدنيا وأحيا في الخرة‪.‬‬ ‫وإنه خلق الزوجين ‪:‬أي الصنفين الذكر والنثى‪.‬‬ ‫من نطفة إذا تمنى ‪:‬أي من منى إذا تمنى تصب في الرحم‪.‬‬ ‫وأن عليه النشأة الخرى ‪:‬أي الخلقة الثانية للبعث والجزاء‪.‬‬ ‫وأنه هو أغنى واقنى ‪:‬أي وأنه هو وحده أغنى بعض الناس بالكفاية‪ ،‬واقنى بعض الناس بالمال‬ ‫المقتنى المدخر للقنية‪.‬‬ ‫وأنه هو رب الشعرى ‪:‬أي خالقها ومالكها وهي كوكب خلف الجوزاء عبده المشركون‪.‬‬ ‫وأهلك عادا الولى ‪:‬أي قوم هود عليه السلم‪.‬‬ ‫وثمودا فما أبقى ‪:‬أي أهلكها أيضا فلم يبق أحدا وهم قوم صالح‪.‬‬ ‫وقوم نوح من قبل ‪:‬أي وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود وقوم لوط‪.‬‬ ‫والمؤتفكة أهوى ‪:‬أي وقرى قوم لوط أسقطها بعد رفعها إلى السماء مقلوبة إلى الرض إذ الئتفاك‬ ‫النقلب‪.‬‬ ‫فغشاها ما غشى ‪:‬أي بالعذاب ما غشى حيث جعل عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫إن هذه اليات ترسم صورة لقرشي جاهل هو الوليد بن المغيرة إذ قدر له أن استمع إلى قراءة‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فهش لها ودعاه الرسول فأسلم أو أوشك أن يسلم فعلم به أحد‬ ‫المشركين من شياطينهم فجاءه فعيره بإسلمه وترك دين آبائه فاعتذر له الوليد بأنه يخاف عذاب‬ ‫ال فقال له الشيطان القرشي وكان فقيرا والوليد غنيا أعطني كذا من المال شهريا أو أسبوعيا أو‬ ‫سنويا وأنا أتحمل عنك العذاب الذي تخافه وعد إلى دينك واثبت عليه فوافق الوليد على العرض‬ ‫وأخذ‬

‫( ‪)5/199‬‬ ‫يعطيه المال‪ .‬ثم أكدى ‪ 1‬أي قطع عنه ما كان يعطيه ومنعه‪ .‬فأنزل ال تعالى فيه هذه اليات تسلية‬ ‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم وتعليما وتحذيرا لكل من تبلغه ويقرأها أو تقرأ عليه فقال تعالى‬ ‫في أسلوب حمل فيه السامع على التعجب‪َ { :‬أفَرَأَ ْيتَ الّذِي َتوَلّى} أي عن السلم بعد أن قارب‬ ‫عطَى قَلِيلً} أي من المال للشيطان المشرك الذي اتفق معه على أن‬ ‫الوصول إليه والدخول فيه‪{ ،‬وَأَ ْ‬ ‫يتحمل عليه العذاب مقابل مال يعطيه إياه أقساطا‪{ ،‬وََأكْدَى} أي قطع ومنع لن الذي يحفر بئرا في‬ ‫أرض أحيانا تصادفه كدية من الرض الصلبة يعجز عن الحفر فينقطع عن الحفر ويمتنع كذلك‬ ‫الوليد أعطى ثم امتنع وهو معنى اكدى أي انتهى إلى كدية من الرض الصلبة‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ ا ْلغَ ْيبِ َف ُهوَ يَرَى ‪ }2‬أي أن المرء في إمكانه أن يتحمل عذاب غيره يوم‬

‫القيامة والجواب ل علم غيب عنده ل من كتاب ول من سنة‪ ،‬أم لم ينبأ بما في صحف موسى‬ ‫وهي التوراة وإبراهيم الذي وفى لربه في كل ما عهد به إليه من ذبح ولده حيث تله للجبين‬ ‫ليذبحه‪ ،‬ومن بناء البيت والهجرة والختان بالقدوم إلى غير ذلك من التكاليف الشاقة‪ .‬أي ألم ينبأ‬ ‫أي يخبر هذا الرجل الجاهل بما في صحف موسى بن عمران نبي بني إسرائيل وإبراهيم أبو‬ ‫النبياء ثم بين تعالى ما تضمنته تلك الصحف من علم فقال‪:‬‬ ‫* أل تزر ‪ 3‬وازرة وزر أخرى أن ل تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى‪.‬‬ ‫* وأن ليس ‪ 4‬للنسان من ثواب يوم القيامة إل ما سعى في تحصيله بنفسه وهذا ل يتعارض مع‬ ‫قول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث ولد‬ ‫صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به إذ هذه الثلثة أمور من عمل النسان وسعيه الولد‬ ‫انجبه ورباه و الصدقة الجارية أوقفها بنفسه والعلم تعلمه وبثه في الناس وعلمه فالجميع من سعيه‬ ‫وكسبه‪.‬‬ ‫وأن سعيه أي عمله في الدنيا من خير و شر سوف يرى علنية ويجزى به خيرا كان أو شرا‬ ‫والجزاء الوفى أي الكمل التم‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬يقال‪ :‬أكدى الكافر وأجبل إذا بلغ في حفر كدية أو جبل فل يمكنه أن يحفر‪ ,‬ثم استعمل فيمن‬ ‫أعطى ولم يتمم‪ ,‬ولمن طلب شيئا ولم يبلغ آخره‪ .‬قال الحطيئة‪:‬‬ ‫أعطى قليل ثم أكدى عطاءه‬ ‫ومن يبذل المعروف في الناس يحمد‬ ‫‪ 2‬الستفهام إنكاري أي‪ :‬ينكر عليه ما ادعاه من تحمل العذاب عن غيره‪ ,‬وفيه معنى التعجب فيما‬ ‫ادعاه كأنه يعلم الغيب ويشاهده‪ ,‬وليس له ذلك‪.‬‬ ‫‪(3‬أن ل تزر وازرة) أن‪ :‬هي المخففة من الثقيلة‪ ,‬وموضعها جائز أن يكون حرفا بدل من (ما)‬ ‫في قوله (بما في صحف) وجائز أن يكون في موضع رفع على إضمار‪ :‬هو‪ ,‬وهو ما يفهم من‬ ‫التفسير‪.‬‬ ‫‪ 4‬يظهر أن هذا العام خصصته السنة فقد أجاز النبي صلى ال عليه وسلم الحج والعمرة عن لبغير‬ ‫كما أجاز الصدقة كذلك وقد يقال إن الذي يحج أو يتصدق عن غيره) هو بمثابة متوسل إلى ال‬ ‫تعالى طالب منه المغفرة والرحمة فإذا استجاب ال تعالى له غفر للميت ورحمه وهذا جزاء كل‬ ‫عمل صالح‪.‬‬

‫( ‪)5/200‬‬

‫* وأن إلى ربك المنتهى أي إليه تصير أمور عباده بعد الموت ويحكم فيها ويجزيهم بها‪.‬‬ ‫* وأنه هو أضحك ‪ 1‬وأبكى أي أفرح من شاء وأحزن فضحك الفرح وبكى الحزن‪ .‬أضحك أهل‬ ‫الجنة وأبكى أهل النار‪ .‬زيادة على من أفرح في الدنيا ومن أحزن‪.‬‬ ‫* وأنه أمات و أحيا أمات عند نهاية أجل العبد وأحياه في قبره ويوم نشره وحشره و أحيا‬ ‫باليمان وأمات بالكفر وأمات بالقحط و أحيا بالمطر‪.‬‬ ‫* وأنه خلق الزوجين أي الصنفين الذكر والنثى من سائر الحيوانات من نطفة أي قطرة المني إذا‬ ‫تمنى ‪ 2‬أي تصب في الرحام‪.‬‬ ‫* وأن عليه تعالى النشأة الخرى أي هو الذي يقوم بها فيحيي الخلئق بعد موتهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫* وأنه هو أغنى وأقنى أي أغنى بعض الناس فسد حاجتهم وكفاهم مؤونتهم‪ ،‬وأقنى آخرين‬ ‫أعطاهم مالً كثيرا فاقتنوه قنيةً‪.‬‬ ‫* وأنه هو رب الشعرى ‪ 3‬ذلك الكوكب الذي يطلع خلف الجوزاء فال خالقه ومالكه ومسخره وقد‬ ‫عبده الجاهلون واتخذوه ربا وإلها وهو مربوب مألوه‪.‬‬ ‫* { وَأَنّهُ أَهَْلكَ‪ 4‬عَادا الْأُولَى} قوم هود أرسل عليهم ريحا صرصرا ما أتت على شيء إل جعلته‬ ‫كالرميم‪ ،‬عاد تلك المة القائلة من أشد منا قوة دمر ال عليهم فأهلكهم أجمعين‪.‬‬ ‫* وثمودا ‪ 5‬فما أبقى أي وأهلك ثمود قوم صالح بالحجر فما أبقى منهم أحدا‪.‬‬ ‫* وقوم نوح من قبل عاد وثمود أهلكهم إنهم كانوا هم أظلم من غيرهم وأطغى‪.‬‬ ‫* والمؤتفكة أي ‪ 6‬قرى قوم لوط سدوم وعمورة أهلكهم فرفع تلك القرى إلى عنان السماء ثم‬ ‫أهوى بها إلى الرض وأرسل عليهم حجارة من طين من سجيل فغشى تلك المدن من العذاب‬ ‫الليم ما غشى ‪ 7‬عذاب يعجز الوصف عنه هذا هو ال رب العالمين الذي اتخذ الجهال له أندادا‬ ‫فعبدوها معه‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قيل‪ :‬ل يوجد في المخلوقات من يضحك ويبكي إل النسان وقيل إن القرد يضحك ول يبكي‪،‬‬ ‫وإن البعير يبكي ول يضحك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬ ‫‪ 2‬قيل‪ :‬سميت مني‪ :‬مني لنها تمنى فيها الدماء أيام التشريق وهو كذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال القرطبي‪ :‬اختلف في من كان يعبد كوكب الشعرى فقيل‪ :‬كان تعبده حمير وخزاعة وقيل‪:‬‬ ‫إن أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى ال عليه وسلم من قبل أمهاته‪ ،‬ولذا كان‬ ‫المشركون يسمون النبي صلى ال عليه وسلم ابن أبي كبشة لما خالفهم ودعاهم إلى التوحيد‪.‬‬ ‫‪ 4‬قرأ الجمهور (عادا) بإظهار تنوين عاد‪ ،‬وقرأ ورش (عادا الولى) بحذف همزة الولى بعد نقل‬ ‫حركتها إلى اللم المعرفة وإدغام نون التنوين من عاد في لم (لولى)‪.‬‬ ‫‪ 5‬قرأ الجمهور (وثمودا) بالتنوين وقرأ حفص (وثمود) وقرأ حفص وحمزة بدون تنوين على‬ ‫إرادة اسم القبيلة‪.‬‬

‫‪ 6‬نصب المؤتفكة‪ ،‬على الشتغال وأهوى‪ .‬أي جعلها هاوية والهواء‪ :‬السقاط وجيء بصلتها من‬ ‫مادة وصيغة الفعل الذي أسند إليه لجل التهويل‪ ،‬والذي غشاها‪ :‬هو مطر من الحجارة المحما‪.‬‬ ‫‪( 7‬ما) موصول فاعل (غشاها)‪.‬‬

‫( ‪)5/201‬‬ ‫هذا هو ال الله الحق الذي اتخذ الناس من دونه آلهة ل تعلم ول تحكم ول تقدر‪ .‬هذا هو ال‬ ‫العزيز المنتقم لوليائه من أعدائه يشقي عبدا عاداه ويسعد آخر واله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال تعالى وإثبات ألوهيته بالبراهين والحجج التي ل ترد بحال‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير عدالة ال تعالى في حكمه وقضائه‪.‬‬ ‫‪ -3‬مظاهر قدرة ال تعالى وعلمه وحكمته‪.‬‬ ‫‪ -4‬تقرير حقيقة علمية وهي أن العمل الذي يزكي النفس أو يدنسها هو ذاك الذي يباشره المرء‬ ‫بنفسه وباختياره وقصده ونيته‪.‬‬ ‫‪ -5‬تحذير الظلمة والطغاة من أهل الكفر والشرك من أن يصيبهم ما أصاب غيرهم من الدمار‬ ‫والخسران‪.‬‬ ‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّبكَ تَ َتمَارَى (‪ )55‬هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الْأُولَى (‪ )56‬أَ ِز َفتِ الْآ ِزفَةُ (‪ )57‬لَ ْيسَ َلهَا مِنْ‬ ‫حكُونَ وَل تَ ْبكُونَ (‪ )60‬وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ‬ ‫حدِيثِ َتعْجَبُونَ (‪ )59‬وَ َتضْ َ‬ ‫شفَةٌ (‪َ )58‬أ َفمِنْ هَذَا الْ َ‬ ‫دُونِ اللّهِ كَا ِ‬ ‫سجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا (‪)62‬‬ ‫(‪ )61‬فَا ْ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فبأي آلء ربك ‪:‬أي فبأي أنعم ربك عليك وعلى غيرك أيها النسان‪.‬‬ ‫تتمارى ‪:‬أي تتشكك أو تكذب‪.‬‬ ‫هذا نذير من النذر الولى ‪:‬أي هذا النبي محمد صلى ال عليه وسلم من النذر الولى أي رسول‬ ‫مثل الرسل الولى الذين أرسلوا إلى أقوامهم‪.‬‬ ‫أزفت الزفة ‪:‬أي قربت القيامة ووصفت بالقرب لقربها فعلً‪.‬‬ ‫ليس لها من دون كاشفة ‪ :‬أي ليس لها أي للقيامة من دون ال نفس كاشفة لها مظهرة لوقتها‪ ،‬إذ‬ ‫ل يجليها لوقتها إل ال سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫أفمن هذا الحديث ‪:‬أي القرآن‪.‬‬

‫( ‪)5/202‬‬

‫تعجبون وتضحكون ‪:‬أي تعجبون تكذيبا به‪ ،‬وتضحكون سخرية منه كذلك‪.‬‬ ‫وأنتم سامدون ‪:‬أي لهون مشتغلون بالباطل من القول كالغناء والعمل كعبادة الصنام والوثان‪.‬‬ ‫فاسجدوا ل ‪:‬أي الذي خلقكم ورزقكم وكلكم ول تسجدوا للصنام‪.‬‬ ‫واعبدوا ‪:‬أي وذلوا ل وخضعوا له تعظيما ومحبة ورهبة فإنه إلهكم الحق الذي ل إله لكم غيره‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫بعد ذلك العرض العظيم لمظاهر القدرة والعلم والحكمة وكلها مقتضية للربوبية واللوهيتة ل‬ ‫سبحانه وتعالى خاطب ال تعالى النسان فقال {فَبَِأيّ آلءِ‪ 1‬رَ ّبكَ} أي بعد الذي عرضنا عليك في‬ ‫هذه السورة من مظاهر النعم والنقم وكلها في الباطن نعم فبأي آلء ربك ‪ 2‬تتمارى أي تتشكك أو‬ ‫تكذب‪ ،‬وكلها ثابتة أمامك ل تقدر على إنكارها وإخفائها بحال من الحوال‪ .‬ثم قال تعالى‪{ :‬هَذَا‬ ‫نَذِيرٌ ‪3‬مِنَ النّذُرِ الْأُولَى} يشير إلى أحد أمرين إما إلى ما في هذه السورة والقرآن كله من نذر أو‬ ‫إلى النبي محمد صلى ال عليه وسلم وكل المرين حق القرآن نذير ومحمد نذير من النذر الولى‬ ‫التي سبقته وهم الرسل‪ ،‬أو ما خوفت به الرسل أقوامها من عذاب ال تعالى العاجل في الدنيا‬ ‫والجل في الخرة‪ .‬أل فاحذروا أيها الناس عاقبة إعراضكم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬أَ ِز َفتِ الْآ ِزفَةُ} يخبر تعالى أن القيامة قد آن أوانها وحضرت ساعتها إنها لقريبة‬ ‫جدا‪ .‬ليس لها من دون ال نفس كاشفة تكشف الستار عنها وتظهرها بل تبقى مستورة لحكمة إلهية‬ ‫قد تفاجأ بها البشرية وويل يومئذ للمكذبين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى توبيخا للمشركين والمكذبين‪َ{ :‬أ َفمِنْ هَذَا ا ْلحَدِيثِ} أي غفلتم كل هذه الغفلة فتعجبون‬ ‫حكُونَ} كأن قلوبكم أصابها الموات‪،‬‬ ‫من هذا الحديث اللهي والكلم الرباني وهو القرآن‪{ .‬وَ َتضْ َ‬ ‫ول تبكون على أنفسكم وقد بعتموها للشيطان ليقدمها إلى نار جهنم حطبا‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬فبأي نعم ربك تشك أيها النسان المكذب‪ ،‬واللء‪ :‬النعم‪ ،‬واحدها إلى وألى وإلي وألو كدلو‪.‬‬ ‫‪ 2‬التماري‪ :‬التشكك‪ ،‬وهو تفاعل من المرية‪ ،‬ول يصح أن يكون المراد بالمخاطب النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم لن الرسول صلى ال عليه وسلم ل يشك أبدا‪ ،‬وإن قاله بعضهم‪ ،‬ورده إمام المفسرين‬ ‫ابن جرير الطري‪.‬‬ ‫‪ 3‬حقيقة النذير‪ :‬أنه المخبر عن حدث مضر بالمخبر‪ ،‬وجمعه‪ :‬نذر ويطلق النذير على النذار فهو‬ ‫إذا اسم مصدر‪ ،‬ومنه‪{ :‬فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ َنذِيرِ} أي‪ :‬إنذاري لكم‪.‬‬

‫( ‪)5/203‬‬

‫وأنتم سامدون ‪ 1‬ساهون لهون تغنون وتلعبون‪ .‬ويلكم أنقذوا أنفسكم فاسجدوا ل واعبدوا ‪ ،2‬فإنه‬ ‫ل نجاة لكم من العذاب الليم إل بالطراح بين يديه إسلما له وخضوعا‪ .‬تعبدونه بتوحيده في‬ ‫عبادته‪ ،‬وتسلمون له قلوبكم ووجوهكم فل يكون لكم غير ال مألوها ومعبودا تعظمونه وتحبونه‬ ‫وتتقربون إليه بفعل محابه وترك مكاره‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان قرب الساعة وخفاء ساعتها عن كل خلق ال حتى تأتي بغتة‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذم الضحك مع النغماس في الشهوات‪.‬‬ ‫‪ -3‬الترغيب في البكاء من خشية ال‪.‬‬ ‫‪ -4‬كراهية الغناء واللهو واللعب‪.‬‬ ‫‪ -5‬مشروعية السجود عند تلوة هذه الية لمن يتلوها ولمن يستمع لها‪ ،‬وهي من عزائم السجدات‬ ‫في القرآن الكريم‪ ،‬ومن خصائص هذه السجدة أن المشركين سجدوها مع رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم حول الكعبة كما في الصحيح‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬السمود‪ :‬الغناء بلغة حمير والمعنى‪ :‬فرحون بأنفسكم تتغنون بالغاني لقلة اكتراثكم بما تسمعون‬ ‫من القرآن‪ ،‬وفعله‪ :‬سمد يسمد‪ :‬اسمد لنا أي عن لنا‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يراد بالسجود‪ :‬الصلة والعبادة والتوحيد إذ كانت الصلة يومئذ قد فرضت‪ ،‬وجائز أن‬ ‫يكون المراد بالسجود الخضوع ل والذعان له باليمان والتوحيد بعد ترك الشرك والكفر‪ ،‬وصح‬ ‫أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قرأ هذه السورة سجد فسجد المشركون بسجوده متأثرين بما‬ ‫أسمعهم الشيطان من مدح آلهتهم بقوله‪ :‬تلك الغرانيق العل‪ ..‬وإن شفاعتهن لترتجى‪.‬‬

‫( ‪)5/204‬‬ ‫سورة القمر‬ ‫‪...‬‬ ‫سورة القمر‬ ‫مكية‬ ‫وآياتها خمس وخمسون آية‬ ‫بسم ال ارحمن الرحيم‬ ‫اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ ا ْل َقمَرُ (‪ )1‬وَإِنْ يَ َروْا آيَةً ُيعْ ِرضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ ُمسْ َتمِرّ (‪َ )2‬وكَذّبُوا وَاتّ َبعُوا‬

‫ح ْكمَةٌ بَاِلغَةٌ َفمَا ُتغْنِ‬ ‫أَ ْهوَاءَ ُه ْم َو ُكلّ َأمْرٍ ُمسْ َتقِرّ (‪ )3‬وََلقَدْ جَا َءهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُ ْزدَجَرٌ (‪ِ )4‬‬ ‫النّذُرُ‬

‫( ‪)5/204‬‬ ‫خشّعا أَ ْبصَارُهُمْ َيخْرُجُونَ مِنَ الَْأجْدَاثِ كَأَ ّنهُمْ‬ ‫شيْءٍ ُنكُرٍ (‪ُ )6‬‬ ‫(‪ )5‬فَ َت َولّ عَ ْنهُمْ َيوْمَ َي ْدعُ الدّاعِ إِلَى َ‬ ‫عسِرٌ (‪)8‬‬ ‫طعِينَ إِلَى الدّاعِ َيقُولُ ا ْلكَافِرُونَ َهذَا َيوْمٌ َ‬ ‫جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (‪ُ )7‬مهْ ِ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫اقتربت الساعة وانشق القمر ‪ :‬أي قربت الساعة‪ ،‬وانفلق القمر فلقتين على جبل أبي قبيس‪.‬‬ ‫وإن يروا آية يعرضوا ‪:‬أي وإن ير كفار قريش آية أي معجزة يعرضوا عنها ول يلتفتوا إليها‪.‬‬ ‫ويقولوا سحر مستمر ‪:‬أي هذا سحر مستمر أي قوي من المرة أو دائم غير منقطع‪.‬‬ ‫وكل أمر مستقر ‪:‬أي وكل من الخير أو الشر مستقر بأهله في الجنة أو في النار‪.‬‬ ‫ولقد جاءهم من النباء ‪:‬أي من أنباء المم السالفة مما قصه القرآن‪.‬‬ ‫ما فيه مزدجر ‪ :‬أي جاءهم من الخبار ما فيه ما يزجرهم عن التكذيب والكفر‪.‬‬ ‫حكمة بالغة ‪:‬أي الذي جاءهم من النباء هو حكمة بالغة أي تامة‪.‬‬ ‫فما تغن النذر ‪:‬أي عن قوم كذبوا واتبعوا أهواءهم ل تغن شيئا‪.‬‬ ‫فتول عنهم ‪:‬أي لذلك فأعرض عنهم‪.‬‬ ‫يوم يدعو الداع إلى شيء نكر ‪:‬أي يدع الداع إلى موقف القيامة‪.‬‬ ‫يخرجون من الجداث ‪:‬أي من القبور‪.‬‬ ‫مهطعين إلى الداع ‪:‬أي مسرعين إلى نداء الداع‪.‬‬ ‫هذا يوم عسر ‪ :‬أي صعب شديد‪.‬‬

‫( ‪)5/205‬‬ ‫شقّ ا ْل َقمَرُ} يخبر تعالى أن ساعة نهاية الدنيا وفنائها وقيام القيامة‬ ‫قوله تعالى {اقْتَرَ َبتِ ‪1‬السّاعَ ُة وَانْ َ‬ ‫قد اقتربت‪ ،‬وأن القمر قد انشق معجزة للنبي صلى ال عليه وسلم وبعثة النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم علمة من علمات الساعة‪ ،‬وانشقاق القمر كان بمكة حيث طالبت قريش النبي صلى ال‬ ‫عليه وسلم بمعجزة تدل على نبوته فسأل ال تعالى انشقاق القمر فانشق فلقتين على جبل أبي قبيس‬ ‫فلقة فوق الجبل وفلقة وراءه فشاهدته قريش ولم تؤمن وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ يَ َروْا آيَةً‬ ‫سحْرٌ‪ُ 2‬مسْ َتمِرّ} أي هذا سحر قوي شديد‪ .‬قال تعالى { َو َكذّبُوا} أي رسولنا وما‬ ‫ُيعْ ِرضُوا وَ َيقُولُوا ِ‬ ‫جاء به من التوحيد والوحي واتبعوا في هذا التكذيب أهواءهم ل عقولهم ول ما جاء به رسولهم‪.‬‬

‫وقوله تعالى { َو ُكلّ َأمْرٍ‪ُ 3‬مسْ َتقِرّ} أي وكل أمر من خير أو شر مستقر بصاحبه إما في الجنة أو‬ ‫النار‪ .‬وقوله تعالى {وََلقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ} أي من أخبار المم السابقة وكيف أهلكها ال بتكذيبها‬ ‫رسلها وإصرارها على الشرك والكفر‪ ،‬وذلك في القرآن الكريم ما فيه مزدجر ‪ 4‬أي جاء من‬ ‫الخبار الواعظة المذكرة من قصص النبياء مع أممهم ما فيه زاجر عن التكذيب والمعاصي هو‬ ‫‪ 5‬حكمة بالغة تامة‪ ،‬والحكمة القول الذي يمنع صاحبه من التردي والهلك بصرفه عن أسباب‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َفمَا ُتغْنِ‪ 6‬النّذُرُ} أي عن قوم كذبوا بالحق لما جاءهم واتبعوا أهواءهم ولم يتبعوا‬ ‫هدى ربهم ول عقولهم‪ .‬إذا فتول عنهم يا رسولنا واتركهم إلى حكم ال فيهم‪ .‬وقوله‪َ{ :‬يوْمَ َي ْدعُ‬ ‫شيْءٍ‪ُ 7‬نكُرٍ} أي اذكر يا رسولنا يوم يدعو الداع إلى شيء نكر وهو موقف القيامة خشعا‬ ‫الدّاعِ إِلَى َ‬ ‫أبصارهم وكل أجسامهم وإنما ذكرت البصار لنها أدل على الخشوع من سائر العضاء‬ ‫{يخْرُجُونَ مِنَ الَْأجْدَاثِ} أي القبور جمع جدث وهو القبر كأنهم جراد منتشر في كثرتهم وتفرقهم‬ ‫وانتشارهم مهطعين إلى الداع أي مسرعين إلى داع ال إلى ساحة الموقف وفصل‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬إنها بالنسبة لما مضى من أيام الدنيا لقريبة جدا إذ أكثر عمر الدنيا قد انقضى‪ ،‬خطب يوما‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال "ما بقي من دنياكم فيما مضى إل مثل ما بقي من هذا اليوم‬ ‫فيما مضى" وما نرى من الشمس إل يسيرا‪.‬‬ ‫‪( 2‬مستمر)‪ :‬يكون بمعنى ذاهب من قولهم مر الشيء واستمر‪ :‬إذا ذهب ويكون بمعنى محكم قوي‬ ‫شديد مأخوذ من المرة وهي القوة‪ ،‬وكونه مستمرا نافذا أولى بالمعنى‪.‬‬ ‫‪ 3‬وجائز أن يكون (مستقر) في أم الكتاب‪ :‬كائن ل محالة أو أن أمر النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫إلى استقرار بانتصاره على الباطل وأهله فيكون في الخبر بشرى للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ 4‬أصل‪( :‬مزدجر) مزتجر من زجرته فانزجر فقلبت التاء دالً لتقارب مخرجي التاء والدال‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫جاءهم من الخبار الواعظة ما يزجرهم عن الكفر‪ ،‬لو قبلوه واتعظوا به‪.‬‬ ‫‪ 5‬أي‪ :‬جاءهم من مواعظ القرآن وزواجره ما هو حكمة بالغة إلى المقصود مفيدة لصاحبها‪.‬‬ ‫‪ 6‬جائز أن تكون (ما) نافية أي‪ :‬ل تغني النذر شيئا عمن تلك حاله‪ ،‬وجائز أن تكون استفهامية‬ ‫أي‪ :‬أي شيء تغني النذر مع الصرار على الكفر والتوغل في الباطل‪ ،‬والستفهام للنفي أيضا‪.‬‬ ‫‪( 7‬نكر) ما تنكره النفوس وتكرهه‪ ،‬ونكر‪ :‬وزنه نادر نحو أنف‪ :‬بمعنى جديد‪.‬‬

‫( ‪)5/206‬‬ ‫القضاء‪ .‬يومئذ يقول الكافرون هذا يوم عسر وهو كذلك عسير شديد العسر ولكن على المؤمنين‬ ‫يسير غير عسير‪ .‬كما قال تعالى فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير مفهومه أنه على‬

‫المؤمنين يسير‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والجزاء‪.‬‬ ‫‪ -2‬ذكر بعض علمات الساعة‪ .‬كبعثة النبي صلى ال عليه وسلم وانشقاق القمر معجزة له صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -3‬التنديد باتباع الهوى‪ ،‬والتحذير منه فإنه مهلك‪.‬‬ ‫‪ -4‬عدم جدوى النذر لمن يتنكر لعقلة ويتبع هواه‪.‬‬ ‫كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ َفكَذّبُوا عَ ْبدَنَا َوقَالُوا َمجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (‪ )9‬فَدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ (‬ ‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ (‪َ )11‬وفَجّرْنَا الْأَ ْرضَ عُيُونا فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ عَلَى َأمْرٍ قَدْ قُدِرَ (‬ ‫‪َ )10‬ففَتَحْنَا أَ ْبوَابَ ال ّ‬ ‫ح وَ ُدسُرٍ (‪ )13‬تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ كُفِرَ (‪ )14‬وََلقَدْ تَ َركْنَاهَا‬ ‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَا ٍ‬ ‫‪ )12‬وَ َ‬ ‫آيَةً َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪َ )15‬فكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )16‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‬ ‫‪)17‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون ‪:‬أي كذبوا نوحا عبد ال ورسوله وقالوا هو مجنون‪.‬‬ ‫وازدجر ‪:‬أي انتهزوه وزجروه بالسب والشتم‪.‬‬ ‫ل رب إني مغلوب فانتصر أي لي‪.‬‬ ‫فدعا ربه إني مغلوب فانتصر ‪:‬أي فسأل ربه قائ ً‬ ‫بماء منهمر ‪ :‬أي منصب انصبابا شديدا‪.‬‬ ‫وفجرنا الرض عيونا ‪:‬أي تنبع نبعا‪.‬‬

‫( ‪)5/207‬‬ ‫فالتقى الماء ‪:‬أي ماء السماء وماء الرض‪.‬‬ ‫على أمر قد قدر ‪:‬أي في الزل ليغرقوا به فيهلكوا‪.‬‬ ‫وحملناه على ذات ألواح ودسر ‪:‬أي حملنا نوحا على سفينة ذات ألواح ودسر وهو ما يدسر به‬ ‫اللواح من مسامير وغيرها‪ .‬واحد الدسر دسار ككتاب‪.‬‬ ‫تجري بأعيننا ‪:‬أي بمرأىً منا أي محفوظة بحفظنا لها‪.‬‬ ‫جزاء لمن كان كفر ‪ :‬أي أغرقناهم انتصارا لمن كان كفر وهو نوح كفروا نبوته وكماله‪.‬‬ ‫ولقد تركناها ‪ :‬أي إغراقنا لهم على الصورة التي تمت عليها‪.‬‬ ‫آية ‪:‬أي لمن يعتبر بها حيث شاع خبرها واستمر إلى اليوم‪.‬‬ ‫فهل من مدكر ‪:‬أي معتبر ومتعظ بها‪.‬‬

‫فكيف كان عذابي ونذر ‪ :‬أي ألم يكن واقعا موقعه‪.‬‬ ‫ولقد يسرنا القرآن للذكر ‪:‬أي سهلناه للحفظ‪ ،‬وهيأناه للتذكير‪.‬‬ ‫فهل من مدكر ‪:‬أي فهل من متعظ به حافظ له نتذكر‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ} يخبر تعالى مسليا رسوله مخوفا قومه فيقول { َكذّ َبتْ قَبَْلهُمْ} أي‬ ‫قبل قريش قوم نوح وهو أول رسول أرسل إلى قوم مشركين فكذبوا عبدنا ‪ 1‬رسولنا نوحا كذبوه‬ ‫في دعوة التوحيد كذبوه في دعوة الرسالة‪ ،‬ولم يكتفوا بتكذيبه فقالوا مجنون ‪ 2‬أي هو مجنون‬ ‫{وَازْ ُدجِرَ} أي أنتهروه وزجروه ببذيء القول وسيء الفعل فدعا أي نوح ربه قائل {أَنّي َمغْلُوبٌ‬ ‫فَانْ َتصِرْ} لي يا ربي‪ ،‬فاستجاب ال تعالى له ففتح أبواب السماء بماء منهمر ‪ 3‬أي منصب انصبابا‬ ‫شديدا‪ ،‬وفجرنا الرض عيونا نابعة من الرض فالتقى ‪ 4‬الماء النازل من السماء والنابع من‬ ‫الرض {عَلَى َأمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي قدره ال في الزل وقضى بأن يهلكهم بماء الطوفان وقوله تعالى‬ ‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَاحٍ وَدُسُرٍ} والدسر جمع واحدة دسار ككتاب وكتب وهو ما تدسر به اللواح‬ ‫{وَ َ‬ ‫من مسامير وغيرها وقوله تعالى {تَجْرِي} وهي حاملة لعوالم شتى {بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منا‬ ‫محفوظة بحفظنا لها وقوله {جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ ُكفِرَ} أي أغرقناهم انتصارا لعبدنا نوح وجزاء له على‬ ‫صبره مع‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أخبر تعالى أن قوم نوح كذبوا الرسل‪ .‬وكان في الكلم اجمال ففصله بقوله‪( :‬فكذبوا عبدنا) أي‪:‬‬ ‫نوحاص‪ ،‬وقالوا مجنون‪ ،‬وفيه إشارة إلى أن المكذب برسول يعتبر مكذبا بكل الرسل‪.‬‬ ‫‪( 2‬مجنون) خبر لمبتدأ محذوف أي‪ :‬هو مجنون‪ .‬والجملة مقولة القول‪.‬‬ ‫‪( 3‬منهمر) أي‪ :‬كثير والهمر‪ :‬الصب‪ ،‬وكان انهمار الماء بدون سحاب وقيل استمر أربعين يوما‪.‬‬ ‫‪ 4‬التقى الماءان النازل من الماء والنابع من الرض (على أمر قد قدر) أي‪ :‬على مقدار معين لم‬ ‫يزد أحدهما على الخر‪.‬‬

‫( ‪)5/208‬‬ ‫طول الزمن لقد أقام فيهم ألف سنة إل خمسين عاما‪ .‬وقوله {وََلقَدْ تَ َركْنَاهَا آيَةً} أي تلك الفعلة التي‬ ‫فعلنا بهم وهي إغراقنا لهم تركناها آية للعتبار لمن يعتبر بها حيث شاع خبرها واستمر إلى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫وقوله تعالى { َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ‪ }1‬أي معتبر ومتعظ بها‪ .‬وقوله { َفكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ‪ }2‬ألم يكن‬ ‫واقعا موقعه؟ بلى‪ .‬وقوله تعالى {وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ} أي سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر‪ .‬فهل‬ ‫من مدكر؛ أي فهل من متعظ به حافظ له والستفهام للمر أي فاتعظوا به واحفظوه‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحذير قريش من الستمرار في الكفر والمعاندة‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير حادثة الطوفان والتي ل ينكرها إل سفيه لم يحترم عقله‪.‬‬ ‫‪ -4‬فضل ال على هذه المة بتسهيل القرآن للحفظ والتذكر‪.‬‬ ‫(‪ )17‬كَذّ َبتْ عَادٌ َفكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )18‬إِنّا أَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحا صَ ْرصَرا فِي َيوْمِ َنحْسٍ‬ ‫عذَابِي وَنُذُرِ (‪ )21‬وََلقَدْ‬ ‫خلٍ مُ ْن َقعِرٍ (‪َ )20‬فكَ ْيفَ كَانَ َ‬ ‫عجَازُ َن ْ‬ ‫مُسْ َتمِرّ (‪ )19‬تَنْ ِزعُ النّاسَ كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬ ‫يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪)22‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت عاد ‪:‬أي نبيها هودا عليه السلم فلم تؤمن به ول بما جاء به‪.‬‬ ‫فكيف كان عذابي ونذر ‪: 3‬أي فكيف كان عذابي الذي أنزلته بهم وإنذاري لهم كان أشد ما يكون‪.‬‬ ‫إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ‪:‬أي ريحا عاتية ذات صوت شديد‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أصل مدكر متذكر أبدلت التاء ذالً كما أبدلت الذال دالً وأدغمت الدالن الولى في الثانية‬ ‫فصارت مدكر أي معتبر متعظ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ونذر‪ :‬تقدم أنه اسم مصدر كالنذار‪.‬‬ ‫‪ 3‬قال القرطبي‪ :‬وقعت نذر في هذه السورة في ستة أماكن محذوفة الياء في جميع المصاحف‪،‬‬ ‫وقرأها يعقوب مثبتة في الحالين أي‪ :‬في الوصل والوقف‪ ،‬وقرأها ورش في الوصل ل غير‪.‬‬ ‫وحذفها الباقون ول خلف في حذف النون في قوله‪( :‬فما تغن النذر) والواو في قوله‪( :‬يدع) وأما‬ ‫الياء من (الداع) أثبتها ورش وأبو عمرو في الوصل وحذفها الباقون‪.‬‬

‫( ‪)5/209‬‬ ‫في يوم نحس مستمر ‪ :‬أي في يوم نحسٍ أي شؤم مستمر دائم الشؤم قوية حتى هلكوا‪.‬‬ ‫تنزع الناس كأنهم أعجاز ‪: 1‬أي تقتلعهم من الحفر التي اندسوا فيها وتصرعهم فتدق رقابهم‪.‬‬ ‫نخل منقعر ‪:‬منفصلة أجسامهم كأنهم والحال كذلك أعجاز أي أصول نخل منقلع‪.‬‬ ‫ولقد يسرنا القرآن للذكر ‪ :‬أي سهلنا القرآن للحفظ والتذكير والتذكر به‪.‬‬ ‫فهل من مدكر ‪:‬أي تذكروا يا عباد ال بالقرآن فإن منزله سهله للتذكير‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {كَذّ َبتْ عَادٌ} هذا القصص الثاني في هذه السورة يذكر بإيجاز تسلية لرسول ال صلى‬

‫ال عليه وسلم وتهديدا لقومه المكذبين وذكرى للمؤمنين فقال تعالى كذبت عاد أي قوم هود كذبوا‬ ‫رسول ال هودا عليه السلم وكفروا بما جاءهم به من التوحيد و الشرع وقالوا ائتنا بما تعدنا إن‬ ‫كنت من الصادقين فأرسل تعالى عليهم ريحا صرصرا ذات صوت شديد في يوم نحس ‪ 2‬وكان‬ ‫مساء الربعاء لثمان خلون من شهر شوال مستمر بشدة وقوة وشؤم عليهم مدة سبع ليال وثمانية‬ ‫أيام تنزع تلك الريح الناس وقد دخلوا حفرا تحصنوا بها فتنزعهم منها نزعا وتخرجهم فتصرعهم‬ ‫فتدق رقابهم فتنفصل عن أجسادهم فيصيرون والحال هذه لطول أجسامهم كأنهم أعجاز نخل‬ ‫منقعر ‪ 3‬أي منقلع ساقط على الرض‪ .‬وقوله تعالى { َفكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ؟} هذا الستفهام‬ ‫للتهويل أي إنه كان كأشد ما يكون لعذاب والنذار‪ .‬وقوله تعالى {وََلقَدْ َيسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ} أي‬ ‫سهلناه وهيأناه بفضل منا ورحمة للحفظ ولول هذا التسهيل ما حفظه أحد‪ ،‬وهيئناه للتذكر به‪ .‬فهل‬ ‫من مدكر أي من متذكر والستفهام للمر كأنما قال‪ :‬فاحفظوه وتذكروا به‪.‬‬ ‫__________‬ ‫خلٍ مُ ْن َقعِر} في موضع نصب على الحال من الناس‪.‬‬ ‫عجَازُ نَ ْ‬ ‫‪ 1‬جملة‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬ ‫‪ 2‬النحس‪ :‬سوء الحال‪ ،‬وقد انجر إلى المسلمين بواسطة عقائد المجوس التشاؤم بيوم الربعاء من‬ ‫آخر الشهر‪ ،‬ول تشاؤم في السلم والنحس كان على الكافرين الذين‬ ‫‪3‬‬

‫( ‪)5/210‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪-1‬بيان عقوبة المكذبين لرسل ال وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل اللخرة‪.‬‬ ‫‪-2‬بيان أن قوة النسان مهما كانت أمام قوة ال تعالى هي ل شيء ول ترد عذاب ال بحال‪.‬‬ ‫‪-3‬بيان تسهيل ال تعالى كتابه للناس ليحفظوه ويذكروا به‪ ,‬ويعملوا بما جاء فيه ليكملوا ويسعدوا‬ ‫في الحياتين‪.‬‬ ‫سعُرٍ (‪ )24‬أَُأ ْلقِيَ ال ّذكْرُ‬ ‫كَذّ َبتْ َثمُودُ بِالنّذُرِ (‪َ )23‬فقَالُوا أَبَشَرا مِنّا وَاحِدا نَتّ ِبعُهُ إِنّا إِذا َلفِي ضَللٍ وَ ُ‬ ‫عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا َبلْ ُهوَ َكذّابٌ أَشِرٌ (‪ )25‬سَ َيعَْلمُونَ غَدا مَنِ ا ْلكَذّابُ الَْأشِرُ (‪ )26‬إِنّا مُرْسِلُو الْنّا َقةِ فِتْنَةً‬ ‫س َمةٌ بَيْ َنهُمْ ُكلّ شِ ْربٍ مُحْ َتضَرٌ (‪ )28‬فَنَا َدوْا صَاحِ َبهُمْ‬ ‫َلهُمْ فَارْ َتقِ ْبهُ ْم وَاصْطَبِرْ (‪ )27‬وَنَبّ ْئهُمْ أَنّ ا ْلمَاءَ قِ ْ‬ ‫فَ َتعَاطَى َفعَقَرَ (‪َ )29‬فكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )16‬إِنّا أَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِه ْم صَيْحَ ًة وَاحِ َدةً َفكَانُوا َكهَشِيمِ‬ ‫ا ْلمُحْ َتظِرِ (‪ )31‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪)17‬‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت ثمود بالنذر ‪ :‬أي كذبت قبيلة ثمود وهم قوم صالح بالحجر من الحجاز بالرسل لن النذر‬

‫جمع نذير وهو الرسول كما هو هنا‪.‬‬ ‫فقالوا أبشر منا واحدا نتبعه ‪:‬أي كيف نتبع بشرا واحدا منا إنكارا منهم لليمان بصالح عليه‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫إناإذا لفي ضلل وسعر ‪:‬أي إنا إذا اتبعناه فيما جاء به لفي ذهاب عن الصواب وجنون‪.‬‬ ‫أألقى عليه الذكر من بيننا ‪:‬أي لم يوح إليه من بيننا أبدا وإنما هو كذاب أشر‪.‬‬

‫( ‪)5/211‬‬ ‫بل هو كذاب أشر ‪:‬أي فيما ادعى أنه ألقى إليه من الوحي أشر بمعنى متكبر‪.‬‬ ‫ستعلمون غدا ‪:‬أي في الخرة‪.‬‬ ‫من الكذاب الشر ‪:‬وهو هم المعذبون يوم القيامة بكفرهم وتكذيبهم‪.‬‬ ‫إنا مرسلو الناقة فتنة لهم ‪:‬أي إنا مخرجو الناقة من الصخر ومرسلوها لهم محنة‪.‬‬ ‫فارتقب واصطبر ‪:‬أي انتظر وراقب ماذا يصنعون وما يصنع بهم‪ ،‬واصبر على أذاهم‪.‬‬ ‫ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ‪:‬أي ماء بئرهم مقسوم بينهم وبين الناقة فيوم لها ويوم لهم‪.‬‬ ‫كل شرب محتضر ‪:‬أي كل نصيب من الماء يحضره قومه المختصون به الناقة أو ثمود‪.‬‬ ‫فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ‪:‬أي فملوا ذلك الشرب وسئموا منه فنادوا صاحبهم وهو قدار بن‬ ‫سالف ليقتلها فتعاطى السيف وتناوله فعقر الناقة أي قتلها‪.‬‬ ‫إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ‪:‬هي صيحة جبريل صباح السبت فهلكوا‪.‬‬ ‫فكانوا كهشيم المحتظر ‪:‬أي صاروا بعد هلكهم وتمزق أجسادهم كهشيم المحتظر وهو الرجل‬ ‫يجعل في حظيرة غنمه العشب اليابس والعيدان الرقيقة يحظر بها لغنمه يحفظها من البرد‬ ‫والذئاب‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫قوله تعالى {كَذّ َبتْ َثمُودُ بِالنّذُرِ} هذا القصص الموجز الثالث وهو قصص ثمود قوم صالح فقال‬ ‫تعالى في بيانه {كَذّ َبتْ َثمُودُ بِالنّذُرِ} أي التي أنذرها نبيها صالح وهي ألوان العذاب كما كذبته فيما‬ ‫جاء به من الرسالة فقالوا في تكذيبهم له عليه السلم‪{ :‬أَبَشَرا مِنّا وَاحِدا نَتّ ِبعُهُ‪ }1‬أي كيف يتم ذلك‬ ‫منا ويقع؟ عجبٌ هذا إنا إذا لفي ضلل وسعر إنا إذا اتبعناه وهو واحد ل غير ومنا أيضا فهو‬ ‫كغيره من أفراد القبيلة لفي بعد عن الصواب وذهاب عن كل رشد‪ ،‬وسعر ‪ 2‬أي وجنون أيضا‪،‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬أي‪ :‬أنتبع فردا ونترك جماعة؟ قرأ الجمهور‪( :‬بشرا) منصوبا على الشتغال‪ ،‬ورفعه بعضهم‬ ‫على البتداء‪ ،‬وواحد‪ :‬نعت يتبع المنعوت في النصب والرفع‪.‬‬ ‫‪ 2‬السعر‪ :‬الجنون‪ ،‬والمسعور‪ :‬المجنون قال الشاعر‪:‬‬

‫تخال بها سعرا إذا السفر هزها‬ ‫ذميل وايقاع من السير متعب‬ ‫يصف ناقته بالسعر لشدة نشاطها‪.‬‬

‫( ‪)5/212‬‬ ‫وقالوا مستنكرين متعجبين {أَأُ ْل ِقيَ ال ّذكْرُ عَلَ ْيهِ مِنْ بَيْنِنَا َبلْ ُهوَ كَذّابٌ َأشِرٌ} أي متكبر‪.‬‬ ‫قال تعالى ردا عليهم سيعلمون غدا يوم ينزل بهم العذاب ويوم القيامة أيضا من الكذاب الشر‬ ‫أصالح أم هم‪ ،‬لن يكونوا إل هم فهم الذين أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّا مُرْسِلُو الْنّاقَةِ فِتْ َنةً َلهُمْ} أي كما طلبوا إذ قالوا لصالح إن كنت رسول ال حقا‬ ‫فسله يخرج لنا من هذه الصخرة في هذا الجبل ناقة فقام يصلي ويدعو وما زال يصلي ويدعو‬ ‫حتى تمخض ‪ 1‬الجبل وخرجت منه ناقة عشراء آية في القوة والجمال‪ ،‬وقال لهم هذه ناقة ال لكم‬ ‫آية فذروها تأكل في أرض ال ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم أليم‪ .‬ومعنى فتنة لهم أي‬ ‫امتحانا واختبارا لهم هل يؤمنون أو يكفرون‪ ،‬ولذا قال تعالى لصالح فارتقبهم واصطبر ‪ 2‬أي‬ ‫انظر إليهم وراقبهم من بعد واصطبر على أذاهم‪ .‬ونبئهم أي أخبرهم بأمرنا أن الماء ماء بئرهم‬ ‫الذي يشربون منه قسمة بينهم ‪ 3‬أي مقسوم بينهم للناقة يوم وللقبيلة يوم‪ ،‬وقوله كل شرب ‪4‬‬ ‫محتضر أي كل نصيب خاص بصاحبه يحضره دون غيره‪ .‬وما تشربه الناقة من الماء نحيله إلى‬ ‫لبن خالص وتقف عند كل باب من أبواب المدينة ليحلبوا من لبنها وطالت المدة وملوا اللبن‬ ‫والسعادة فنادوا صاحبهم غدار بن سالف عاقر الناقة فتعاطى ‪ 5‬السيف وتناوله وعقرها بضرب‬ ‫عذَابِي} الذي أنزلته بهم بعد عقر الناقة كيف‬ ‫رجليها بالسيف ثم ذبحها‪ .‬وقوله تعالى { َفكَ ْيفَ كَانَ َ‬ ‫كان إنذاري لهم أما العذاب فقد كان أليما وأما النذار فقد كان صادقا‪ ،‬والويل للمكذبين‪ .‬وهذا بيانه‬ ‫ح ًة وَاحِ َدةً} هي صيحة جبريل عليه السلم فانخلعت لها قلوبهم‬ ‫علَ ْيهِ ْم صَيْ َ‬ ‫قال تعالى {إِنّا أَرْسَلْنَا َ‬ ‫فأصبحوا في ديارهم جاثمين { َك َهشِيمِ ا ْل ُمحْتَظِرِ}‪ 6‬أي ممزقين محطمين مبعثرين هنا وهنا كحطب‬ ‫وخشب وعشب الحظائر التي تجعل للغنام‪.‬‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬روي أن صالحا صلى ركعتين ودعا فانصدعت الصخرة التي عينوها عن‬ ‫سنامها‪ ،‬فخرجت ناقة عشراء وبراء‪.‬‬ ‫‪( 2‬واصطبر) أصل الكلمة واصتبر قلبت التاء طاءً موافقة للصاد في الطباق‪.‬‬ ‫‪ 3‬روي عن جابر قال‪ :‬لما نزل الحجر في مغزى رسول ال صلى ال عليه وسلم تبوك قال‪" :‬أيها‬ ‫الناس ل تسألوا في هذه اليات هؤلء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث ال لهم ناقة فبعث ال عز‬ ‫وجل إليهم الناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوما وردها ويحلبون منها مثل الذي‬

‫كانوا يشربون يوم غبها"‪.‬‬ ‫‪ 4‬الشرب بكسر الشين‪ :‬الحظ من الماء‪ ،‬ومعنى محتضر‪ :‬أي يحضره من هو له دون غيره إذ هو‬ ‫من الحضور خلف الغياب‪.‬‬ ‫‪( 5‬فتعاطى) مضارع عاطاه معاطاة وهو مشتق من عطا يعطو‪ :‬إذا تناول ما يطلبه من شيء‬ ‫كأنهم كانوا مترددين في عقرها كل واحد يريد إعطاء غيره آلة العقر حتى أخذها غدار وعقرها‪.‬‬ ‫‪ 6‬المحتظر‪ :‬اسم فاعل‪ :‬الرجل الذي يتخذ الحظائر لغنمه من الحطب والعيدان وأغصان الشجر‪.‬‬

‫( ‪)5/213‬‬ ‫وقوله تعالى {وََلقَدْ َيسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ} يدعو ال تعالى هذه المة إلى كتابه قراءة‬ ‫وحفظا وتذكرا فإنه مصدر كمالهم وسعادتهم ل سيما وقد سهله وهيأه لذلك‪ .‬ول يهلك على ال إل‬ ‫هالك‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان سنة ال في إهلك المكذبين‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان أن اليات ل تستلزم اليمان وإل فآية صالح من أعظم اليات ولم تؤمن بها قوم ثمود‪.‬‬ ‫‪ -3‬أشقى أمة السلم عقبة بن أبي معيط الذي وضع سلى الجذور على ظهر الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم وهو يصلي حول الكعبة‪ ،‬وعاقر ناقة صالح غدار بن سالف كما جاء في الحديث‪.‬‬ ‫‪ -4‬دعوة ال إلى حفظ القرآن والتذكير به فإنه مصدر اللهام والكمال والسعاد‪.‬‬ ‫سحَرٍ (‪ِ )34‬ن ْعمَةً مِنْ‬ ‫سلْنَا عَلَ ْيهِمْ حَاصِبا إِلّا آلَ لُوطٍ نَجّيْنَا ُهمْ بِ َ‬ ‫كَذّ َبتْ َقوْمُ لُوطٍ بِالنّذُرِ (‪ )33‬إِنّا أَرْ َ‬ ‫شكَرَ (‪ )35‬وََلقَدْ أَ ْنذَرَهُمْ َبطْشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّذُرِ (‪ )36‬وََلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ‬ ‫عِنْدِنَا َكذَِلكَ نَجْزِي مَنْ َ‬ ‫عذَابٌ مُسْ َتقِرّ (‪َ )38‬فذُوقُوا‬ ‫حهُمْ ُبكْ َرةً َ‬ ‫طمَسْنَا أَعْيُ َن ُهمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )37‬وََلقَدْ صَبّ َ‬ ‫ضَيْفِهِ َف َ‬ ‫عوْنَ النّذُرُ (‪)41‬‬ ‫عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )39‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪ )40‬وََلقَدْ جَاءَ آلَ فِرْ َ‬ ‫خذَ عَزِيزٍ ُمقْتَدِرٍ (‪)42‬‬ ‫خذْنَاهُمْ أَ ْ‬ ‫كَذّبُوا بِآياتِنَا كُّلهَا فَأَ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫كذبت قوم لوط بالنذر ‪:‬كذبت قوم لوط بالنذر التي أنذرهم بها وخوفهم منها لوط عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)5/214‬‬ ‫إنا أرسلنا عليهم حاصبا ‪ :‬أي ريحا ترميهم بالحصباء وهي الحجارة الصغيرة فهلكوا‪.‬‬ ‫إل آل لوط نجيناهم بسحر ‪:‬أي بنتاه وهو معهم نجاهم ال تعالى من العذاب حيث غادروا البلد‬

‫قبل نزول العذاب بها‪.‬‬ ‫نعمة من عندنا ‪:‬أي إنعاما منا عليهم ورحمة منا بهم‪.‬‬ ‫كذلك نجزي من شكر ‪:‬أي مثل هذا الجزاء بالنجاة من الهلك نجزي من شكرنا باليمان‬ ‫والطاعة‪.‬‬ ‫ولقد أنذرهم بطشتنا ‪:‬أنذرهم لوط أي خوفهم أخذتنا إياهم بالعذاب‪.‬‬ ‫فتماروا بالنذر ‪:‬أي فتجادلوا وكذبوا بالنذر التي أنذرهم بها وخوفهم منها‪.‬‬ ‫ولقد راودوه عن ضيفه ‪: 1‬أي أن يخلى بينهم وبين ضيفه وهم ملئكة ليخبثوا بهم‪.‬‬ ‫فطمسنا أعينهم ‪:‬أي ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم فكانت كباقي وجوههم‪.‬‬ ‫ولقد صبحهم بكرة عذابٌ ‪:‬أي نزل بهم بكرة صباحا عذاب مستقر ل يفارقهم أبدا هلكوا به في‬ ‫الدنيا‬ ‫مستقر ويصحبهم في البرزخ ويلزمهم في الخرة‪.‬‬ ‫ولقد يسرنا القرآن للذكر ‪:‬أي سهلناه للحفظ والتذكر به والعمل بما فيه‪.‬‬ ‫فهل من مدكر؟ ‪:‬أي من متذكر فيعمل بما فيه فينجو من النار ويسعد في الجنة‪.‬‬ ‫ولقد جاء آل فرعون النذر ‪ :‬أي قوم فرعون النذارات على لسان موسى وهارون عليهما السلم‪.‬‬ ‫كذبوا بآياتنا كلها ‪:‬أي فلم يؤمنوا بل كذبوا بآياتنا التسع التي آتيناها موسى‪.‬‬ ‫فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ‪:‬أي فأخذناهم بالعذاب وهو الغرق أخذ قوي مقتدر على كل شيء ل‬ ‫يعجزه شيء‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫ما زال السياق الكريم في ذكر موجز لقصص عدد من المم السابقة تسلية لرسول ل صلى ال‬ ‫عليه وسلم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬ليخبثوا بهم‪ ،‬أي‪ :‬بإتيانهم الفاحشة‪ ،‬في القاموس‪ :‬الخبث‪ :‬الزنا‪ ،‬وخبث ككرم‪ :‬إذا زنى وخبثت‬ ‫المرأة‪ :‬إذا زنت فهي خبيثة‪ ،‬والزاني‪ :‬خبيث‪.‬‬

‫( ‪)5/215‬‬ ‫وتهديدا للمشركين المصرين على الشرك بال والتكذيب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنذارا‬ ‫لهل الشرك والمعاصي في كل زمان ومكان فقال تعالى {كَذّ َبتْ‪َ 1‬قوْمُ لُوطٍ} وهم أهل قرى سدوم‬ ‫‪ 2‬وعمورة كذبوا رسولهم لوطا بن أخي إبراهيم عليه السلم هاران‪ .‬كذبوا بالنذر وهي اليات‬ ‫التي أنذرهم لوط بها وخوفهم من عواقبها‪.‬‬ ‫علَ ْيهِمْ حَاصِبا‪ }3‬أي لما كذبوا بالنذر وأصروا على الكفر وإتيان الفاحشة‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّا أَرْسَلْنَا َ‬

‫أرسلنا عليهم حاصبا ريحا تحمل الحصباء الحجارة الصغيرة فأهلكناهم بعد قلب البلد بجعل‬ ‫عاليها سافلها‪ .‬وقوله تعالى {إِلّا آلَ لُوطٍ نَجّيْنَاهُمْ ِبسَحَر ٍ‪ }4‬والمراد من آل لوط لوط ومن آمن معه‬ ‫من ابنتيه وغيرهما نجاهم ال تعالى بسحر وهو آخر الليل‪ .‬وقوله { ِن ْعمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي كان‬ ‫شكَرَ} أي كهذا النجاء‬ ‫انجاؤهم إنعاما منا عليهم ورحمة منا بهم‪ .‬وقوله تعالى {كَذَِلكَ َنجْزِي مَنْ َ‬ ‫أي من العذاب الدنيوي نجزي من شكرنا فآمن بنا وعمل صالحا طاعة لنا وتقربا إلينا وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وََلقَدْ أَنْذَرَ ُهمْ‪َ 5‬بطْشَتَنَا} أي إننا لم نأخذهم بظلم منا ول بدون سابق إنذار منا ل‪ ،‬ل بل‬ ‫أخذناهم بظلمهم‪ ،‬وبعد تكرر إنذارهم‪ ،‬فكانوا إذا أنذروا تماروا بما أنذروا فجادلوا فيه مستهزئين‬ ‫مكذبين‪ ،‬ومن أعظم ظلمهم أنهم راودوا لوطا عن ضيفه من الملئكة وهم في صورة بشر‪ ،‬فلما‬ ‫راودوه عنهم ليفعلوا الفاحشة ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم فأصبحت كسائر وجوههم ل‬ ‫حاجب ول مقلة ول مكان للعين بالكلية وقولنا لهم فذوقوا عذابي ونذري أي لولئك الذين راودوا‬ ‫حهُمْ ُبكْ َرةً} أي‬ ‫لوطا عن ضيفه‪ ،‬أما باقي المة فهلكهم كان كما أخبر تعالى عنه بقوله‪{ :‬وََلقَ ْد صَبّ َ‬ ‫صباحا {عَذَابٌ مُسْ َتقِرّ} أي دائم لهم ملزم ل يفارقهم ذاقوه في الدنيا موتا وصاحبهم بزرخا‬ ‫ويلزمهم في جهنم ل يفارقهم‪.‬وقلنا لهم فذوقوا عذابي ونذر حيث كنتم تمارون وتستهزئون وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ‪ 6‬ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْر} أي القرآن للحفظ وسهلناه للفهم والتعاظ به والتذكر فهل من‬ ‫مدكر أي فهل من متذكر متعظ معتبر فيقبل على طاعة ال متجنبا معاصيه فينجو ويسعد وقوله‬ ‫تعالى‪{ :‬وََلقَدْ جَاءَ‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬عرف قوم لوط بالضافة إليه عليه السلم لنه لم يكن لتلك المة اسم عند العرب يعرفون به‪.‬‬ ‫‪ 2‬بعضهم يرويها بالذال المعجمة وبعضهم بالدال المهملة‪ ،‬وعمورة بعضهم يرويها بلفظ عمورية‪.‬‬ ‫‪( 3‬إنا أرسلنا) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لن من سمع بتكذيبهم تساءل عما فعل ال بهم‪.‬‬ ‫‪ 4‬لوط داخل في آله بفحوى الخطاب فل يقال‪ :‬لم لم يذكر لوط وذكر آله دونه‪.‬‬ ‫‪ 5‬البطشة المرة‪ :‬أي الخذة بشدة وعنف وقوة‪.‬‬ ‫‪ 6‬هذه المرة الثالثة ينوه فيها القرآن الكريم ولم يذكر هنا ما ذكر في المرتين قبل قوله‪( :‬فكيف‬ ‫كان عذابي ونذر) اكتفاء بما سبق ذكره بعدا عن التكرار غير المجدي‪.‬‬

‫( ‪)5/216‬‬ ‫عوْنَ النّذُرُ}‪ 1‬أي قوم فرعون من القبط وجنده منهم كذلك جاءتهم النذر على لسان موسى‬ ‫آلَ فِرْ َ‬ ‫وأخيه هارون فكذبوا وأصروا على الكفر والظلم‪ ،‬وكذبوا بآيات ال كلها ‪ 2‬وهي تسع آيات آتاها‬ ‫ال تعالى موسى أولها العصا وآخرها انفلق البحر فبسبب ذلك أخذناهم أخذ عزيز غالب ل يمانع‬ ‫في مراده مقتدر ول يعجزه شيء فأغرقناهم أجمعين‪.‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬ ‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬تقرير ربوبية ال تعالى وألوهيته باللتزام وتقرير التوحيد وإثبات النبوة لمحمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ .‬إذ أفعال ال العظيمة من إرسال الرسل والخذ للظلمة الكافرين بأشد أنواع العقوبات من‬ ‫أجل أن الناس لم يعيدوا ولم يطيعوا دال على ربوبيته وألوهيته‪ ،‬وقص هذه القصص من أمي لم‬ ‫يقرأ ولم يكتب دال على نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -2‬بيان جزاء الشاكرين ل تعالى باليمان به وطاعته وطاعة رسله‪.‬‬ ‫‪ -3‬مشروعية الضيافة وإكرام الضيف‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬من كان يؤمن ‪ 3‬بال واليوم الخر فليكرم‬ ‫ضيفه"‪.‬‬ ‫‪ -4‬تيسير القرآن وتسهيله للحفظ والتعاظ والعتبار‪.‬‬ ‫جمِيعٌ مُنْ َتصِرٌ (‪ )44‬سَ ُيهْزَمُ‬ ‫َأ ُكفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَ ِئكُمْ أَمْ َلكُمْ بَرَا َءةٌ فِي الزّبُرِ (‪َ )43‬أمْ َيقُولُونَ َنحْنُ َ‬ ‫جمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ (‪َ )45‬بلِ السّاعَةُ َموْعِدُهُ ْم وَالسّاعَةُ َأدْهَى وََأمَرّ (‪)46‬‬ ‫الْ َ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫أكفاركم خير من أولئكم ‪:‬أي أكفاركم يا قريش حير من أولئكم الكفار المذكورين من قوم نوح‬ ‫وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وملئه ؟ فلذا هم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬هذا آخر قصة تضمنتها سورة القمر تذكيرا وإنذارا لكفار قريش لعلهم يؤمنون ويوحدون‪،‬‬ ‫والمراد من آل فرعون‪ :‬أتباعه من رجال دولته وجنوده وقومه القباط‪ ،‬والشاهد من القصة أنهم‬ ‫كذبوا فأخذوا‪ ،‬فليعلم هذا المصرون على التكذيب من كفار قريش‪.‬‬ ‫ع وَالدّمَ }‪.‬‬ ‫ل وَالضّفَا ِد َ‬ ‫ن وَالْجَرَا َد وَا ْلقُ ّم َ‬ ‫‪ 2‬خمس منها في آية العراف‪{ :‬فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الطّوفَا َ‬ ‫والربع الخرى هي انقلب العصا حية‪ ،‬وخروج يده من جيبه بيضاء كفلقة القمر وسنو القحط‬ ‫والطمس على الموال وانفلق البحر‪ ،‬فهذه التسع آيات التي كذبوا بها كلها‪.‬‬ ‫‪ 3‬في الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)5/217‬‬ ‫ل يعذبون‪.‬‬ ‫أم لكم براءة في الزبر ‪:‬أم لكم يا كفار قريش براءة من العذاب في الزبر أي الكتب اللهية‪.‬‬ ‫أم يقولون نحن جميع منتصر ‪:‬أم يقولون أي كفار قريش نحن جميع ‪ 1‬أي جمع منتصر على‬ ‫محمد وأصحابه‪.‬‬ ‫سيهزم الجمع ويولون الدبر ‪:‬أي سيهزم جمعهم ويولون الدبر هاربين منهزمين وكذلك كان في‬

‫بدر‪.‬‬ ‫بل الساعة موعدهم ‪:‬أي الساعة موعدهم بالعذاب والمراد من الساعة يوم القيامة‪.‬‬ ‫والساعة أدهى وأمر ‪:‬أي وعذاب الساعة وأهوالها أي هي أعظم بلية وأمر أي أشد مرارة من‬ ‫عذاب الدنيا قطعا‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬ ‫يقول تعالى مبكتا مشركي قريش مؤنبا إياهم وهم الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر‬ ‫وكذبوا واتبعوا أهواءهم يقول ال تعالى لهم‪َ{ :‬أ ُكفّا ُركُمْ‪ }2‬يا قريش خير من كفار المم السابقة‬ ‫كعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون فلذا هم آمنون من العذاب الذي نزل بكفار الخرين‪ ،‬أم لكم ‪3‬‬ ‫براءة من العذاب جاءت في الكتب مسطورة اللهم ل ذا ول ذاك ما كفاركم بخير من أولئكم‪،‬‬ ‫وليس لكم براءة في الزبر‪ ،‬وإنما أنتم ممهلون فإما أن تتوبوا وأما أن تؤخذوا‪ .‬وقوله تعالى عنهم‬ ‫جمِيعٌ‪ }4‬أي جمه منتصر على كل من يحاربنا ويريد أن يفرق جمعنا نعم قالوا‬ ‫{َأمْ َيقُولُونَ نَحْنُ َ‬ ‫هذا‪ ،‬ولكن سيهزم الجمع ويولون الدبر‪ ،‬وقد تم هذا في ‪ 5‬بدر بعد سنيات ثلث أو أربع وهزم‬ ‫جمعهم في بدر وولوا الدبار هاربين إلى مكة‪ .‬وقوله تعالى { َبلِ السّاعَةُ‪َ 6‬موْعِدُهُمْ} أي الساعة‬ ‫التي ينكرونها ويكذبون بها هي موعد عذابهم‬ ‫__________‬ ‫‪ 1‬جميع‪ :‬اسم للجماعة كأنهم قالوا‪ :‬نحن جماعة منتصرة على من يريد حربنا وذكرت الصفة‬ ‫(منتصر) مراعاة للفظ الجميع ل لدللته على متعدد‪.‬‬ ‫‪ 2‬جائز أن يكون الستفهام على بابه حيث يطلب منهم أن يفصحوا عن الحقيقة فإن قالوا كفارنا‬ ‫خير قيل لهم ما وجه الخيرية‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬الكل سواء قيل إذا فسوف تأخذون بالعذاب كما أخذ‬ ‫الولون‪.‬‬ ‫‪ 3‬أم‪ :‬للضراب النتقالي وما يقدر بعدها من استفهام هو للنكار أي‪ :‬بل ما لكم براءة في الزبر‬ ‫من العذاب حتى تكونوا آمنين من تكذيبكم وكفركم‪.‬‬ ‫‪( 4‬أم) هي المنقطعة المفسرة ببل للضراب النتقالي والستفهام المقدر بعدها للتوبيخ‪.‬‬ ‫‪ 5‬فكانت هذه آية على أن القرآن كلم ال وأن محمدا رسول ال لتحقق الغيب الذي أخبر به‪.‬‬ ‫‪ 6‬الساعة في القرآن‪ :‬علم بالغلبة على يوم القيامة والحساب والجزاء‪.‬‬

‫( ‪)5/218‬‬ ‫عةُ أَ ْدهَى وََأمَرّ} أي أعظم بلية‬ ‫الحق أم عذاب الدنيا فهو ليس شيء إذا قيس بعذاب الخرة ‪{ .‬وَالسّا َ‬ ‫وأكبر داهية تصيب النسان وعذابها‪{ ،‬وََأمَرّ} أي وعذابها أمر من عذاب الدنيا كله‪.‬‬ ‫هداية اليات‪:‬‬

‫من هداية اليات‪:‬‬ ‫‪ -1‬بيان حقيقة يغفل عنها الناس وهي أن الكفر كله واحد ومورد للهلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬ل قيمة أبدا لقوة النسان إزاء قوة ال تعالى‪.‬‬ ‫‪ -3‬صدق القرآن في إخباره بغيب لم يقع ووقع كما أخبر وهو آية أنه وحي ال وكلمه‪.‬‬ ‫‪ -4‬القيامة موعد لقاء البشرية كافة بحيث ل يتخلف عنه أحد‪.‬‬ ‫سقَرَ (‪)48‬‬ ‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى وُجُو ِههِمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬ ‫سعُرٍ (‪َ )47‬يوْمَ يُ ْ‬ ‫إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي ضَللٍ وَ ُ‬ ‫ع ُكمْ َف َهلْ‬ ‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ (‪َ )49‬ومَا َأمْرُنَا إِلّا وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ (‪ )50‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا أَشْيَا َ‬ ‫إِنّا ُكلّ َ‬ ‫صغِيرٍ َوكَبِيرٍ مُسْ َتطَرٌ (‪ )53‬إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي‬ ‫ل َ‬ ‫شيْءٍ َفعَلُوهُ فِي الزّبُرِ (‪َ )52‬و ُك ّ‬ ‫مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪َ )51‬وكُلّ َ‬ ‫ت وَ َنهَرٍ (‪ )54‬فِي َم ْقعَ ِد صِ ْدقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (‪)55‬‬ ‫جَنّا ٍ‬ ‫شرح الكلمات‪:‬‬ ‫إن المجرمين في ضلل وسعر ‪:‬أي الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي في ضلل‬ ‫الدنيا ونار مستعرة في الخرة‪.‬‬ ‫ذوقوا مس سقر ‪:‬أي يوم يسحبون في النار على وجوههم يقال لهم ذوقوا مس سقر جهنم‪.‬‬ ‫إنا كل شيء خلقناه بقدر ‪:‬أي إنا خلقنا كل شيء بتقدير سابق لخلقنا له وذلك بكتابته في اللوح‬ ‫المحفوظ قبل خلق السموات والرض فهو يقع كما كتب كمية وصورة وزمانا ومكانا ل يتخلف‬ ‫في شيء من ذلك‪.‬‬

‫( ‪)5/219‬‬ ‫وما أمرنا إل واحدة ‪:‬أي وما أمرنا إذا أردنا خلق شيء إل أمرةً واحدة فيتم وجوده‪.‬‬ ‫كلمح بالبصر ‪:‬الشيء بسرعة كلمح البصر وهو النظر بعجلة‪.‬‬ ‫ولقد أهلكنا أشياعكم ‪:‬أي ولقد أهلكنا أمثالكم أيها المشركون من المم السابقة‪.‬‬ ‫فهل من مدكر؟ ‪:‬أي فذكروا واتعظوا بهذا خيرا لكم من هذا العراض‪.‬‬ ‫وكل شيء فعلوه في الزبر ‪:‬أي وكل ما فعله العباد هو مسجل في كتب الحفظة من الملئكة‪.‬‬ ‫وكل صغير وكبير مستطر ‪:‬أي وكل صغير وكبير من سائر العمال والحداث في اللوح‬ ‫المحفوظ مستطر مكتوب‪.‬‬ ‫إن المنتقين في جنات ونهر ‪:‬إن الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يفسقوا عن أمره في جنات‬ ‫يشربون من أنهار الماء واللبن والخمر والعسل المصفى‪.‬‬ ‫في مقعد صدق ‪:‬أي في مجلس حق ل لغو به ول تأثيم‪.‬‬ ‫عند مليك مقتدر ‪:‬عند مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على ما يشاء وهو ال جل جلله‪.‬‬ ‫معنى اليات‪:‬‬

‫سعُرٍ} يخبر تعالى عن حال المجرمين وهم الذين أجرموا‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫قوله تعالى {إِنّ ا ْل ُمجْ ِرمِينَ فِي ضَل ٍ‬ ‫على أنفسهم فأفسدوها بالشرك وغشيان الذنوب يخبر تحذيرا وإنذارا بأن المجرمين في ضلل في‬ ‫حياتهم الدنيا‪ ،‬وسعر ونار مستعرة متأججة يوم القيامة يوم يسحبون في النار على وجوههم يقال‬ ‫لهم ذوقوا تهكما بهم مس سقر ‪ 1‬تذوقوا العذاب‪ ،‬وسقر طبق من أطباق جهنم وباب من أبوابها‬ ‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ‪ }2‬إعلم منه تعالى عن نظام الكون الذي خلقه‬ ‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّا ُكلّ َ‬ ‫__________‬ ‫‪( 1‬سقر) قال عطاء‪ :‬سقر‪ :‬الطبق السادس من جهنم‪ ،‬ومسها‪ :‬هو ما يجدون من اللم عند الوقوع‬ ‫فيها‪ ،‬وسقر‪ :‬اسم من أسماء جهنم ل ينصرف لنه اسم مؤنث معرفة وكذلك جهنم ولظى‪.‬‬ ‫‪ 2‬روى الترمذي وحسنه وصححه عن أبي هريرة قال‪ :‬جاء مشركو قريش يخاصمون رسول ال‬ ‫سقَرَ إِنّا‬ ‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى ُوجُو ِههِمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم في القدر فنزلت‪َ { :‬يوْمَ يُ ْ‬ ‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ}‪ .‬وروى مسلم عن طاووس قال‪ :‬أدركت ناسا من أصحاب رسول ال صلى‬ ‫ُكلّ َ‬ ‫ال عليه وسلم يقولون‪ :‬كل شيء بقدر‪ :‬قال‪ :‬وسمعت عبد ال بن عمر يقول قال رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪" :‬كل شيء بقدر حتى العجز والكيس"‪.‬‬

‫( ‪)5/220‬‬

Related Documents

002
November 2019 38
002
May 2020 29
002
October 2019 50
002
May 2020 29
002
May 2020 11
002
November 2019 26

More Documents from ""

November 2019 5
November 2019 3
November 2019 4
November 2019 4
Uk Islamic Credit Card
November 2019 10
Happy
May 2020 25