Subul Al-salam 16 - Qadha'

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Subul Al-salam 16 - Qadha' as PDF for free.

More details

  • Words: 12,056
  • Pages: 16
‫سبل السلم‬ ‫شرح بلوغ المرام‬ ‫للصنعاني‬ ‫كتاب القضاء‬

‫القضاء‪ :‬بالمدّ الول ية المعرو فة و هو في الل غة‪ :‬مشترك ب ين أحكام الش يء والفراغ م نه‪ ،‬وم نه {فقضا هن سبع‬ ‫سماوات} وبمعنى إمضاء المر ومنه {وقضينا الى بني إسرائيل} وبمعنى الحتم واللزام ومنه‪{ :‬وقضى ربك أل‬ ‫تعبدوا إل إيّاه}‪.‬‬ ‫وفي الشرع‪ :‬إلزام ذي الولية بعد الترافع؛ وقيل‪ :‬هو الكراه بحكم الشرع في الوقائع الخاصة لمعين أو جهة‪،‬‬ ‫والمراد بالجهة كالحكم لبيت المال أو عليه‪.‬‬ ‫عَ نْ بريدةَ ر ضي ال عن هُ قال‪ :‬قال ر سولُ الّل ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬القضاة ثلثةٌ‪ :‬اثنان في النّار ووا حد في‬ ‫عرَ فَ الحقّ فق ضى ب ِه فهوَ في الجنّةِ‪ ،‬ورجلٌ عرف الحقّ فلم يق ضِ ب ِه وجارَ في الح كم فهُ َو في‬ ‫الجنّةِ‪ :‬رجلٌ َ‬ ‫جهْل َفهُ َو في النّار" رواهُ الربعةُ وصحّحهُ الحاكمُ‪.‬‬ ‫ل لمْ يعْرف الحقّ فقضى للناس على َ‬ ‫النّار‪ ،‬ورج ٌ‬ ‫( عن بريدة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬القُضاة ثلثةٌ‪ :‬اثنان في النار وواحدٌ في‬ ‫الجنة) وكأنه قيل‪ :‬من هم؟ فقال‪( :‬رجلٌ عر فَ الحق فقضى به فهو في الجنة‪ ،‬ورجلٌ عرف الحقّ فلم يق ضِ به‬ ‫ل ف هو في النّار" رواه الرب عة‬ ‫وجار فضي الح كم ف هو فضي النّار‪ ،‬ورجلٌ ل مْ يعرف الحقّ فقضضى للنّاس على جهْ ٍ‬ ‫وصححه الحاكم)‪.‬‬ ‫وقال في علوم الحديث‪ :‬تفرّد به الخراسانيون وروته مراوزة‪ ،‬قال المصنف‪ :‬له طرق غير هذه جمعتها في جزء‬ ‫مفرد‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على أ نه ل ين جو من النار من القضاء إل من عرف ال حق وع مل به‪ ،‬والعمدة الع مل‪ ،‬فإن من‬ ‫عرف الحق ولم يعمل به فهو ومن حكم بجهل سواء في النار‪.‬‬ ‫وظاهره أن من حكم بجهل وإن وافق حكمه الحق فإنه في النار‪ ،‬لنه أطلقه وقال‪" :‬فقضى للناس على جهل" فإنه‬ ‫يصدق على من وافق الحق وهو جاهل في قضائه ضضضض أنه قضى على جهل‪ ،‬وفيه التحذير من الحكم بجهل‪،‬‬ ‫أو بخلف الحق مع معرفته به‪.‬‬ ‫والذي في الحديث أن الناجي من قضى بالحق عال ًم به‪ ،‬والثنان الخران في النار‪ ،‬وفيه أنه يتضمن النهي عن‬ ‫تولية الجاهل القضاء‪.‬‬ ‫قال في مختصر شرح السنّة‪ :‬إنه ل يجوز لغير المجتهد أن يتقلد القضاء ول يجوز للمام توليته‪ ،‬قال‪ :‬والمجتهد‬ ‫من جمع خمسة علوم‪ :‬علم كتاب ال‪ ،‬وعلم سنّة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪ ،‬وأقاويل علماء السلف من‬ ‫إجماعهم واختلفهم‪ .‬وعلم اللغة‪ ،‬وعلم القياس‪ .‬وهو طريق استنباط الحكم من الكتاب والسنّة إذا لم يجده صريحا‬ ‫في نص كتاب أو سنة أو إجماع‪ ،‬فيجب أن يعلم من علم الكتاب الناسخ والمنسوخ‪ ،‬والمجمل والمفسر‪ ،‬والخاص‬ ‫والعام‪ ،‬والمحكم والمتشابه‪ ،‬والكراهة والتحريم‪ ،‬والباحة والندب‪ ،‬ويعرف من السنّة هذه الشياء‪ ،‬ويعرف منها‬ ‫ال صحيح والضع يف والم سند والمر سل‪ ،‬ويعرف ترت يب ال سنة على الكتاب‪ ،‬وبالع كس‪ ،‬ح تى إذا و جد حديثا ل‬ ‫يوافق ظاهره الكتاب اهتدى إلى وجه محمله‪ ،‬فإن السنة بيان للكتاب فل تخالفه‪ ،‬وإنما تجب معرفة ما ورد منها‬ ‫من أحكام الشرع دون ما عداها من القصص والخبار والمواعظ‪.‬‬ ‫وكذا يجضب أن يعرف مضن علم اللغضة مضا أتضى فضي الكتاب والسضنّة مضن أمور الحكام دون الحاطضة بجميضع لغات‬ ‫العرب؛ ويعرف أقاو يل ال صحابة والتابع ين في الحكام‪ ،‬ومع ظم فتاوى فقهاء ال مة‪ ،‬ح تى ل ي قع حك مه مخالفا‬ ‫لقوالهم‪ ،‬فيأمن فيه خرق الجماع‪ ،‬فإذا عرف كل نوع من هذه النواع فهو مجتهد وإذا لم يعرفها فسبيله التقليد‬ ‫ا هضضضض‪.‬‬

‫ل ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪ " :‬من ولي القضاء ف قد ذ بح بغ ير‬ ‫ل ر سو ُ‬ ‫و عن أَ بي هُريرة ر ضي ال عن هُ قالَ‪ :‬قا َ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن خزيمةَ وابن ِ‬ ‫سكين" رواهُ أَحمدُ والربعةُ وصحّح ُه اب ُ‬ ‫دل الحد يث على التحذ ير من ول ية القضاء والدخول ف يه‪ ،‬كأ نه يقول‪ :‬من تولى القضاء ف قد تعرض لذ بح نف سه‬ ‫فليحذره وليتوقه‪ ،‬فإنه إن حكم بغير الحق مع علمه به أو جهله له فهو في النار‪ ،‬والمراد من ذبح نفسه إهلكها‬ ‫أي فقد أهلكها بتوليه القضاء‪.‬‬ ‫وإن ما قال‪ :‬بغ ير سكين للعلم بأ نه لم يرد بالذ بح فري الوداج الذي يكون في الغالب بال سكين‪ ،‬بل أر يد به‬ ‫إهلك النفس بالعذاب الخروي‪ ،‬وقيل‪ :‬ذبح ذبحا معنويا‪ ،‬وهو لزم له‪ ،‬لنه إن أصاب الحق فقد أتعب نفسه في‬ ‫الدن يا لراد ته الوقوف على ال حق وطل به وا ستقصاء ما ي جب عل يه رعاي ته في الن ظر في الح كم‪ ،‬والمو قف مع‬ ‫الخ صمين‪ ،‬والت سوية بينه ما في العدل والق سط‪ ،‬وإن أخ طأ في ذلك لز مه عذاب الخرة‪ ،‬فل بدّ له من الت عب‬ ‫والنصب‪ .‬ولبعضهم كلم في الحديث ل يوافق المتبادر منه‪.‬‬ ‫ل اللّ هِ صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم‪" :‬إنّكم ستحرصُون على المارة وستكونُ ندامة‬ ‫عنْ ُه رضي ال عن ُه قال‪ :‬قالَ رسو ُ‬ ‫وَ‬ ‫ي ْومَ القيامة‪َ ،‬ف ِنعْمَ المرضعة وبئستِ الفاطمةُ" رواهُ البخاريّ‪.‬‬ ‫(وعنه) أي أبي هريرة رضي ال عنه (قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬إنّكم ستحرصون على‬ ‫المارة) عام ل كل إمارة من الما مة العظ مى إلى أد نى إمارة ولو على وا حد (و ستكون ندا مة يوم القيا مة فنعْم‬ ‫المُرضعة) أي في الدنيا (وبئست الفاطمة") أي بعد الخروج منها (رواه البخاري)‪.‬‬ ‫قال الطيضبي‪ :‬تأنيضث المارة غيضر حقيقضي فترك تأنيضث "نعضم" وألحقضه ببئس نظرا إلى كون المارة حينئذٍ داهيضة‬ ‫دهياء‪ ،‬وقال غيره‪ :‬أنث في لفظ وتركه في لفظ للفتتان وإل فالفاعل واحد‪.‬‬ ‫وأخرج الطبراني والبزار بسند صحيح من حديث عوف بن مالك بلفظ‪" :‬أولها‪ :‬ملمة‪ ،‬وثانيها‪ :‬ندامة‪ ،‬وثالثها‪:‬‬ ‫عذاب يوم القيامة‪ ،‬إل من عدل" وأخرج الطبراني من حديث زيد بن ثابت يرفعه "نعم الشيء المارة لمن أخذها‬ ‫بحقها وحلها‪ ،‬وبئس الشيء المارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة" وهذا يقيد ما أطلق فيما‬ ‫قبله‪.‬‬ ‫وقد أخرج مسلم من حد يث أبي ذرّ قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال أل تستعملني قال‪" :‬إنك ضعيف وإنها أما نة وإنها‬ ‫يوم القيامة خزي وندامة إل من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها"‪.‬‬ ‫قال النووي‪ :‬هذا أصل عظيم في اجتناب الولية ل سيما لمن كان فيه ضعف‪ ،‬وهو في حق من دخل فيها بغير‬ ‫ل ل ها وعدل في ها‬ ‫أهل ية ولم يعدل فإ نه يندم على ما فرط ف يه إذا جوزي بالجزاء يوم القيا مة‪ ،‬وأ ما من كان أه ً‬ ‫فأجره عظ يم‪ ،‬كما تضافرت به الخبار‪ ،‬ولكن في الدخول فيها خ طر عظ يم‪ ،‬ولذلك امتنع الكابر من ها‪ ،‬فامتنع‬ ‫الشافعضي لمضا اسضتدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب‪ .‬وامتنضع منضه أبضو حنيفضة لمضا اسضتدعاه المنصضور فحبسضه‬ ‫وضربه‪ ،‬والذين امتنعوا من الكابر جماعة كثيرون‪ .‬وقد ع ّد في النجم الوهاج جماعة‪.‬‬ ‫(ت نبيه)‪ :‬في قوله‪ " :‬ستحرصون" دللة على مح بة النفوس للمارة ل ما في ها من ن يل حظوظ الدن يا ولذات ها ونفوذ‬ ‫الكل مة‪ ،‬ولذا ورد الن هي عن طلب ها ك ما أخرج الشيخان أ نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال لع بد الرح من‪" :‬ل ت سأل‬ ‫المارة فإ نك إن أعطيت ها عن م سألة وكلت إلي ها‪ ،‬وإن أعطيت ها عن غ ير م سألة أع نت علي ها" وأخرج أ بو داود‬ ‫والترمذي عنه صلى ال عليه وآله وسلم "من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إليه‪ ،‬ومن لم يطلبه ولم‬ ‫يستعن عليه أنزل ال ملكا يسدّده" وفي صحيح مسلم أنه صلى ال عليه وآله وسلم قال‪" :‬و ال إنا ل نولي هذا‬ ‫المضر أحدا سضأله ول أحدا حرص عليضه" حرص بفتضح الراء قال ال تعالى‪{ :‬ومضا أكثضر الناس ولو حرصضت‬ ‫بمؤمنين} ويتعين على المام أن يبحث عن أرضي الناس وأفضلهم فيوليه‪ ،‬لما أخرجه الحاكم والبيهقي أن النبي‬ ‫صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬من استعمل رجلً على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضي ل تعالى منه فقد‬ ‫خان ال ورسوله وجماعة المسلمين"‪ ،‬وإنما نهى عن طلب المارة لن الولية تفيد قوة بعد ضعف‪ ،‬وقدرة بعد‬ ‫عجز تتخذها النفس المجبولة على الشر وسيلة إلى النتقام من العدو‪ ،‬والنظر للصديق‪ .‬وتتبع اوغراض الفاسدة‬ ‫ول يوثق بحسن عاقبتها‪ .‬ول سلمة مجاورتها فالولى أن ل تطلب ما أمكن‪ .‬وإن كان قد أخرج أبو داود بإسناد‬ ‫ح سن ع نه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم" من طلب قضاء الم سلمين ح تى يناله‪ .‬فغلب عدله جوره فله الج نة و من غلب‬ ‫جوره عدله فله النار"‪.‬‬ ‫حكَ مَ الحَاكِ مُ فاجْ َت َهدَ ثمّ‬ ‫[رح] ضضض وعن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪ :‬إذا َ‬ ‫ح َكمَ فاجته َد ثمّ أخطأَ فل ُه أجر" متّفق عليه‪.‬‬ ‫أصَابَ فلَ ُه أَجران‪ ،‬وإذا َ‬ ‫‪2‬‬

‫وعن عمرو ابن العاص أنه سمع رسول ل صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول أذا حكم الحاكم أي إذا أراد الحكم لقوله‪:‬‬ ‫فاجت هد فإن الجتهاد ق بل الح كم‪ ،‬ثم أ صاب فله أجران فإذا ح كم واجت هد ثم أخ طأ أي لم يوا فق ما هو ع ند ال‬ ‫تعالى من الحكم‪[ ،‬فله أجر‪ .‬متفق عليه] الحديث من أدلة القول بأن الحكم عند ال في كل قضية واحد معين قد‬ ‫ي صيبه من أع مل فكره وتت بع الدلة ووف قه ال فيكون له أجران‪ :‬أ جر الجتهاد‪ ،‬وأ جر ال صابة‪ .‬والذي له أ جر‬ ‫واحد هو من اجتهد فأخطأ فله أجر الجتهاد‪.‬‬ ‫وا ستدلوا بالحد يث على أ نه يشترط أن يكون الحا كم مجتهدا‪ .‬قال الشارح وغيره و هو المتم كن من أ خذ الحكام‬ ‫من الدلة الشرعية قال‪ :‬ولكنه يعز وجوده بل كاد يعدم بالكلية ومع تعذره فمن شرطه أن يكون مقلدا مجتهدا في‬ ‫مذ هب إما مه‪ .‬و من شر طه أن يتح قق أ صول إما مه وأدل ته‪ ،‬وينزل أحكا مه علي ها في ما لم يجده من صوصا من‬ ‫مذهب إمامه اهض‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخ فى ما في هذا الكلم من البطلن‪ .‬وإن تطا بق عل يه العيان و قد بي نا بطلن دعوى تعذّر الجتهاد‬ ‫في رسالتنا المسماة بإرشاد النقاد إلى تيسير الجتهاد بما ل يمكن دفعه وما أرى هذه الدعوى التي تطابقت عليها‬ ‫النظار إل مضن كفران نعمضة ال عليهضم فإنهضم ضضضضض أعنضي المدّعيضن لهذه الدعوى والمقرّريضن لهضا ضضضضض‬ ‫مجتهدون يعرف أحدهم من الدلة ما يمكنه بها الستنباط مما لم يكن قد عرفه عتاب بن أسيد قاضي رسول ال‬ ‫صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم على مكة ول أبو موسى الشعري قاضي رسول ال صلى ال عليه وآله‬ ‫وسلم في اليمن ول معاذ بن جبل قاضيه فيها وعامله عليها ول شريح قاضي عمر وعلي رضي ال عنهم على‬ ‫الكوفة‪.‬‬ ‫ويدل لذلك قول الشارح‪ :‬فمن شرطه أي المقلد أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه وأن يتحقق أصوله وأدلته أي‬ ‫ومن شرطه أن يتحقق أصول إمامه وأدلته وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصا من مذهب إمامه‪ ،‬فإن‬ ‫هذا هضو الجتهاد الذي حكضم بكيدودة عدمضه بالكليضة وسضماه متعذرا‪ ،‬فهل جعضل هذا المقلد إمامضه كتاب ال وسضنّة‬ ‫رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم عوضا عن إمامه وتتبع نصوص الكتاب والسنّة عوضا عن تتبع‬ ‫نصوص إمامه‪ ،‬والعبارات كلها ألفاظ دالة على معا نٍ فهل استبدل بألفاظ إمامه ومعانيها ألفاظ الشارع ومعانيها‬ ‫ونزل الحكام عليها إذا لم يجد نصا شرعيا عوضا عن تنزيلها على مذهب إمامه فيما لم يجده منصوصا؟‪.‬‬ ‫تال ل قد ا ستبدل الذي هو أد نى بالذي هو خ ير‪ ،‬من معر فة الكتاب وال سنّة إلى معر فة كلم الشيوخ وال صحاب‬ ‫وتفهم مرام هم‪ ،‬والتفتيش عن كلم هم‪ .‬ومن المعلوم يقينا أن كلم ال تعالى وكلم رسوله صلى ال تعالى عليه‬ ‫وآله و سلم أقرب إلى الفهام وأد نى إلى إ صابة المرام فإ نه أبلغ الكلم بالجماع‪ ،‬وأعذ به في الفواه وال سماع‬ ‫وأقربه إلى الفهم والنتفاع ول ينكر هذا إل جلمود الطباع ومن لحظ له في النفع والنتفاع‪.‬‬ ‫والفهام ال تي ف هم ب ها ال صحابة الكلم الل هي والخطاب النبوي هي كأفهام نا وأحلم هم كأحلم نا‪ ،‬إذ لو كا نت‬ ‫الفهام متفاو تة تفاوتا يسضقط م عه فهضم العبارات الله ية‪ ،‬والحاديضث النبو ية ل ما كنضا مكلفيضن ول مأموريضن ول‬ ‫منهيين ل اجتهادا ول تقليدا؛ أما الول فلستحالته‪ ،‬وأما الثاني فلنا ل نقلد حتى نعلم أنه يجوز لنا التقليد‪ ،‬ول‬ ‫نعلم ذلك إل بعد فهم الدليل من الكتاب والسنّة على جوازه لتصريحهم بأنه ل يجوز التقليد في جواز التقليد‪ ،‬فهذا‬ ‫الفهم الذي فهمنا به هذا الدليل نفهم به غيره من الدلة من كثير وقليل‪ ،‬على أنه قد شهد المصطفى صلى ال‬ ‫تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه يأتي من بعده من هو أفقه ممن في عصره وأوعى لكلمه حيث قال "فرب مبلغ‬ ‫أفقه من سامع" وفي لفظ "أوعى له من سامع" والكلم قد وفينا حقه في الرسالة المذكورة‪.‬‬ ‫ومن أحسن ما يعرفه القضاة كتاب عمر رضي ال عنه الذي كتبه إلى أبي موسى الذي رواه أحمد والدارقطني‬ ‫والبيهقي قال الشيخ أبو إسحاق‪ :‬هو أجل كتاب‪ ،‬فإنه بين آداب القضاة وصفة الحكم وكيفية الجتهاد واستنباط‬ ‫القياس‪.‬‬ ‫ولفظه "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنّة متبعة؛ فعليك بالعقل والفهم وكثرة الذكر‪ ،‬فافهم إذا أدلى إليك‬ ‫ض إذا قضيت‪ .‬فإنه ل ينفع تلكم بحق ل نفاذ له‪ .‬آس بين الناس في وجهك‬ ‫ض إذا فهمت وام ِ‬ ‫الرجل الحجة‪ ،‬فاق ِ‬ ‫ومجلسك وقضائك‪ ،‬حتى ل يطمع شريف في حيفك‪ ،‬ول ييأس ضعيف من عدلك‪ .‬البينة على المدعي واليمين‬ ‫على من أنكر‪ ،‬والصلح جائز بين المسلمين إل صلحا أحل حراما‪ ،‬أو حرّم حللً‪ .‬ومن ادّعى حقا غائبا أو بينة‬ ‫فاضرب له أمدا ينت هي إل يه فإن جاء ببي نة أعطي ته ح قه‪ ،‬وإل ا ستحللت عل يه القض ية‪ ،‬فإن ذلك أبلغ في العذر‬ ‫وأجلى للعمى‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫ول يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق‪ ،‬فإن الحق قديم‪،‬‬ ‫ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل‪.‬‬ ‫الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب ال وسنّة رسوله صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬ثم‬ ‫اعرف الشباه والمثال وقس المور عند ذلك واعمد إلى أقربها إلى ال تعالى وأشببها بالحق‪.‬‬ ‫المسلمون عدول بعضهم على بعض‪ ،‬إل مجلودا في حدّ‪ ،‬أو مجرّبا عليه شهادة زور‪ ،‬أو ظنينا في ولء أو نسب‬ ‫أو قرابة‪ ،‬فإن ال تعالى تولى منكم السرائر‪ ،‬وادرأ بالبينات‪ ،‬واليمان‪ ،‬وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذّي‬ ‫بالناس ع ند الخ صومة‪ ،‬والتن كر ع ند الخ صومات‪ ،‬فإن القضاء ع ند موا طن ال حق يو جب ال تعالى به ال جر‬ ‫ويح سن به الذ كر‪ .‬ف من خل صت ني ته في ال حق ولو على نف سه كفاه ال تعالى ما بي نه وب ين الناس‪ ،‬و من تخلق‬ ‫للناس بما ليس في قلبه شانه ال تعالى‪ ،‬فإن ال ل يقبل من العباد إل ما كان خالصا‪ .‬فما ظنك بثواب من ال في‬ ‫عاجل رزقه‪ ،‬وخزائن رحمته والسلم" ا هضضضض‪.‬‬ ‫ولم ير المؤمن ين عل يّ عل يه السلم في عهد عهده إلى الش تر لما ولي م صر ف يه عدة م صالح وآداب وموا عظ‬ ‫وحكم وهو معروف في النهج لم أنقله لشهرته‪.‬‬ ‫وقد أخذ من كلم[اث] عمر[‪/‬اث] رضي ال عنه أنه ينقض القاضي حكمه إذا أخطأ ويدل له ما أخرجه الشيخان‬ ‫من حديث أبي هريرة أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب‬ ‫فذهب بابن إحداهما‪ ،‬فقالت هذه لصاحبتها‪ :‬إنما ذهب بابنك وقالت الخرى‪ :‬إنما ذهب بابنك‪ ،‬فتحاكمتا إلى داود‬ ‫عل يه السلم فق ضى به لل كبرى‪ ،‬فخرجتا إلى سليمان فأخبرتاه فقال‪ :‬ائتوني بال سكين أشقه بينكما ن صفين فقالت‬ ‫الصغرى‪ :‬ل تفعل يرحمك ال هو ابنها فقضى به للصغرى"‪.‬‬ ‫وللعلماء قولن في المسألة‪ :‬قول إنه ينقضه إذا أخطأ‪ ،‬والخر ل ينقضه لحديث "وإن أخطأ فله أجر"‪ .‬قلت‪ :‬ول‬ ‫يخفى أنه ل دليل فيه لن المراد أخطأ ما عند ال وما هو في نفس المر من الحق‪ ،‬وهذا الخطأ ل يعلم إل يوم‬ ‫القيا مة أو بو حي من ال تعالى‪ .‬والكلم في الخ طأ الذي يظ هر له في الدن يا من عدم ا ستكمال شرائط الح كم أو‬ ‫نحوه‪.‬‬ ‫ن اث َنيْ نِ وهُو‬ ‫حدٌ َبيْ َ‬ ‫حكُ مْ َأ َ‬ ‫وع نْ أبي بكرة رضي ال عن ُه قالَ‪ :‬سمعتُ رسولَ الّل هِ صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يَقُولُ‪" :‬ل ي ْ‬ ‫غضْبانُ" ُمتّفق عليه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫النهي ظاهر في التحريم‪ ،‬وحمله الجمهور على الكراهة‪ ،‬وترجم النووي في شرح مسلم له‪ :‬بباب كراهة قضاء‬ ‫القاضي وهو غضبان‪ ،‬وترجم البخاري‪ :‬بباب هل يقضي القاضي أو يفتي المفتي وهو غضبان؟ وصرح النووي‬ ‫بالكراهة في ذلك‪.‬‬ ‫وإن ما حملوه على الكرا هة نظرا إلى العلة الم ستنبطة لذلك‪ ،‬و هي أ نه ل ما ر تب الن هي على الغ ضب والغ ضب‬ ‫بنف سه ل منا سبة ف يه لم نع الح كم‪ ،‬وإن ما ذلك ل ما هو مظ نة لح صوله‪ ،‬و هو تشو يش الف كر ومشغلة القلب عن‬ ‫استيفاء ما يجب من النظر وحصول هذا قد يفضي إلى الخطأ عن الصواب‪ .‬ولكنه غير مطرد مع كل غضب‬ ‫ض إلى هذا‬ ‫ومع كل إنسان‪ ،‬فإن أفضى الغضب إلى عدم تمييز الحق من الباطل فل كلم في تحريمه‪ ،‬وإن لم يف ِ‬ ‫الحدّ فأقل أحواله الكراهة‪.‬‬ ‫وظا هر الحد يث أ نه ل فرق ب ين مرا تب الغ ضب‪ ،‬ول ب ين أ سبابه‪ ،‬وخ صه البغوي وإمام الحرم ين ب ما إذا كان‬ ‫الغضضب لغيضر ال‪ ،‬وعلل‪ :‬بأن الغضضب ل يؤمضن معضه مضن التعدّي‪ ،‬بخلف الغضضب للنفضس‪ ،‬واسضتبعده جماعضة‬ ‫لمخالفته لظاهر الحديث والمعنى الذي لجله نهي عن الحكم معه‪.‬‬ ‫جعْل العلة المستنبطة صارفة إلى الكراهة بعيد‪.‬‬ ‫ثم ل يخفى أن الظاهر في النهي التحريم‪ ،‬وأن َ‬ ‫وأما حكمه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم مع غضبه في قصة الزبير فلما علم من أن عصمته مانعة عن إخراج الغضب‬ ‫له عن الحق‪ ،‬ثم الظاهر أيضا عدم نفوذ الحكم مع الغضب‪ ،‬إذ النهي يقتضي الفساد‪ .‬والتفرقة بين النهي للذات‬ ‫والنهي للوصف كما يقوله الجمهور غير واضح كما قرر في غير هذا المحل‪.‬‬ ‫و قد ألحضق بالغ ضب الجوع والعطضش المفرطان‪ ،‬لمضا أخر جه الدارقطنضي والبيهقضي بسضند تفرد به[تضض] القاسضم‬ ‫العمري[‪/‬تض] وهو ضعيف عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬ل يقضي القاضي إل‬ ‫و هو شبعان ريان" وكذلك أل حق به كل ما يش غل القلب ويشوش الف كر من غل بة النعاس أو ال هم أو المرض أو‬ ‫نحوها‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫ك رجلن فل تقض للوّل‬ ‫وع نْ عل يَ رضي اللّ هُ عن ُه قالَ‪ :‬قالَ رسولُ الّل ِه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬إذا تقاضى إلي َ‬ ‫رواهض َأحْمدُ وأَبضو داودَ‬ ‫ُ‬ ‫ْتض قاضيا ب ْعدُ‪:‬‬ ‫ل عليّ‪ :‬فمضا زل ُ‬ ‫ْفض تقْضضي" قا َ‬ ‫َسض ْوفَ تدْري َكي َ‬ ‫حتضى تسضمعَ كلم الخضر ف َ‬ ‫حبّانَ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫ن المدينيّ وصحح ُه اب ُ‬ ‫سنَ ُه اب ُ‬ ‫والترمذيّ وح ّ‬ ‫الحديث أخرجوه من طرق أحسنها رواية البزار عن عمرو بن مرّة عن عبد ال بن سلمة عن عل يّ رضي ال‬ ‫ع نه‪ .‬و في إ سناده عمرو بن أ بي المقدام‪ ،‬واختلف ف يه على عمرو بن مرّة فرواه شع بة ع نه عن أ بي البختري‬ ‫قال‪ :‬حدثني من سمع عليا رضي ال عنه أخرجه أبو يعلى وإسناده صحيح لول هذا المبهم‪ ،‬وله طرق أخر تشهد‬ ‫له‪ ،‬ويشهد له الحديث التي؛ وهو قوله‪:‬‬ ‫ن عبّاس رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫ن حديث اب ِ‬ ‫ول ُه شاهدّ عندَ الحاكم م ْ‬ ‫والحديث دليل على أنه يجب على الحاكم أن يسمع دعوى المدّعي أولً‪ ،‬ثم يسمع جواب المجيب‪ ،‬ول يجوز له‬ ‫أن يب ني الح كم على سماع دعوى المد عي ق بل جواب المج يب‪ ،‬فإن ح كم ق بل سماع الجا بة عمدا ب طل قضاؤه‬ ‫وكان قدحا في عدالته‪ ،‬وإن كان خطأ لم يكن قادحا وأعاد الحكم على وجه الصحة‪ ،‬وهذا حيث أجاب الخصم‪.‬‬ ‫فإن سكت عن الجا بة‪ ،‬أو قال‪ :‬ل أ قر ول أن كر‪ ،‬ف في الب حر عن المام يح يى ومالك يح كم عل يه لت صريحه‬ ‫بالتمرد‪ ،‬وإن شاء حبسه حتى يقر أو ينكر‪ ،‬وقيل‪ :‬بل يلزمه الحق بسكوته إذ الجابة تجب فورا‪ ،‬فإذا سكت كان‬ ‫كنكوله‪ ،‬وأجيب‪ :‬بأن النكول المتناع من اليمين وهذا ليس منه‪.‬‬ ‫وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد‪ :‬أن عمر استشار في الخمر فقال له عليّ بن أبي طالب عليه السلم‪:‬‬ ‫نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى؛ فجلد عمر في الخمر ثمانين‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬يحبس حتى يقر أو ينكر‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن التمرد كاف في جواز الحكم إذ الحكم شرع لفصل الشجار ودفع‬ ‫الضرار‪ ،‬وهذا حاصل ما في البحر‪.‬‬ ‫قيضل‪ :‬والولى أن يقال ذلك حكمضه حكضم الغائب‪ ،‬فمضن أجاز الحكضم على الغائب أجاز الحكضم على الممتنضع عضن‬ ‫الجابة باشتراكهما في عدم الجابة‪.‬‬ ‫وفي الحكم على الغائب قولن‪ :‬الول‪ :‬أنه ل يحكم على الغائب لنه لو كان الحكم عليه جائزا لم يكن الحضور‬ ‫عليه واجبا‪ ،‬ولهذا الحديث فإنه دل على أنه ل يحكم حتى يسمع كلم المدعى عليه‪ ،‬والغائب ل يسمع له جواب‪،‬‬ ‫وهذا الذي ذ هب إل يه ز يد بن علي وأ بو حني فة‪ .‬والثا ني‪ :‬يح كم عل يه ل ما تقدم من حد يث ه ند‪ ،‬وتقدم الكلم ف يه‬ ‫مستوفى‪ .‬وهذا مذهب الهادوية ومالك والشافعي وحملوا حديث عل يّ هذا على الحاضر‪ ،‬وقالوا‪ :‬الغائب ل يفوت‬ ‫عليه حق فإنه إذا حضر كانت حجته قائمة وتسمع ويعمل بمقتضاها‪ ،‬ولو أدى إلى نقض الحكم‪ ،‬لنه في حكم‬ ‫المشروط‪.‬‬ ‫ل بعضكمْ أنْ‬ ‫ن ُأمّ سَلَمة رضي الّل ُه عنها قالت‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪" :‬إنكمْ تختصمُون إليّ ولع ّ‬ ‫وع ْ‬ ‫طعْت ل ُه منْ حق أَخيه شيئا فإنما أَقطعُ لهُ‬ ‫جتِهِ منْ بعض فأقضي له على نحو ما أَسْمع ِمنْهُ‪َ ،‬فمَنْ َق َ‬ ‫حّ‬ ‫ن أَلحنَ ب ُ‬ ‫يكو َ‬ ‫قطعةً من النّار" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(وعن أم سلمة رضي ال عنها قالت‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم‪" :‬إنكم تختصمون إليّ فََلعَلّ بعضكمْ أَن‬ ‫ن قطع تُ ل ُه م نْ حقّ أَخ يه شيئا) زاد في‬ ‫يكون أَلح نَ بحج ته م نْ ب عض فأَق ضي ل ُه على ن حو ما أ سمع م ْن هُ‪ ،‬فم ْ‬ ‫رواية‪" :‬فل يأخذه" رواه ابن كثير في الرشاد (فإنما أَقطع ل ُه قطعة من النار" متفق عليه)‪.‬‬ ‫اللحن‪ :‬هو الميل عن جهة الستقامة‪ ،‬والمراد أن بعض الخصماء يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬على نحو ما أسمع" من الدعوى والجابة والبينة أو اليمين‪ ،‬وقد تكون باطل في نفس المر فيقطع من‬ ‫مال أخيه قطعة من نار‪ ،‬باعتبار ما يؤول إليه من باب {إنما يأكلون في بطونهم نارا}‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أن حكم الحاكم ل يحل به للمحكوم له ما حكم له به على غيره إذا كان ما ادعاه باطلً في‬ ‫نفس المر‪ ،‬وما أقامه من الشهادة كاذبا؛ وأما الحاكم فيجوز له الحكم بما له واللزام به‪ .‬وتخليص المحكوم عليه‬ ‫مما حكم به لو امتنع وينفذ حكمه ظاهرا‪ ،‬ولكنه ل يحل به الحرام إذا كان المدعي مبطلً وشهادته كاذبة‪ .‬وإلى‬ ‫هذا ذهب الجمهور‪.‬‬ ‫وخالف أبو حنيفة فقال‪ :‬إنه ينفذ ظاهرا وباطنا وأنه لو حكم الحاكم بشهادة زور أن هذه المرأة زوجة فلن حلت‬ ‫له‪ ،‬واستدل بآثار ل يقوم بها دليل‪ ،‬وبقياس ل يقوى على مقاومة النص‪.‬‬ ‫وفي الحديث دليل أنه صلى ال عليه وآله وسلم يقر على الخطأ‪ ،‬وقد نقل التفاق عن الصوليين أنه ل يقرّ فيما‬ ‫حكم فيه باجتهاده بنا ًء على جواز الخطأ في الحكام‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وجمع بين اتفاقهم وما أفاده الحديث‪ :‬بأن مرادهم أنه ل يقر فيما حكم فيه باجتهاده بناءً على جواز الخطأ عليه‬ ‫فيه‪ ،‬وذلك كقصة أسارى بدر والذن للمتخلفين‪ .‬وأما الحكم الصادر عن الطريق التي فرضت كالحكم بالبينة أو‬ ‫يمين المحكوم عليه فإنه إذا كان مخالفا للباطن ل يسمى الحكم به خطأ بل هو صحيح‪ ،‬لنه على وفق ما وقع به‬ ‫التكليف من وجوب العمل بالشاهدين‪ ،‬وإن كانا شاهدي زور فالتقصير منهما‪ .‬أما الحاكم فل حيلة له في ذلك ول‬ ‫عتب عليه بسببه‪ .‬بخلف ما إذا أخطأ في الجتهاد الذي وقع الحكم على وفقه‪ ،‬مثل أن يحكم بأن الشفعة مثلً‬ ‫للجار وكان الحكم في ذلك في علم ال أنها ل تثبت إل للخليط‪ ،‬فإنه إذ كان مخالفا للحق الذي في علم ال فيثبت‬ ‫فيه الخطأ للمجتهد على من يقول الحق مع واحد وهذا هو الذي تقدم أنه إذا أخطأ كان له أجر‪.‬‬ ‫واستدل بالحديث على أنه ل يحكم الحاكم بعلمه لنه صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم كان يمكنه اطلعه على أعيان القضايا‬ ‫مفصلً‪ ،‬كذا قاله ابن كثير في الرشاد قلت‪ :‬وفيه تأمل لنه صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم إنما أخبر أنه يحكم على نحو‬ ‫ما يسمع ولم ين فِ أنه يحكم بما علم‪ ،‬والتعليل بقوله‪" :‬فإنما أقطع له قطعة من النار" دال على أن ذلك في حكمه‬ ‫بما يسمع‪ ،‬فإذا حكم بما علمه فل تجري فيه العلة‪.‬‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقولُ‪" :‬كَيْف تُقدّ سُ ُأ ّمةٌ ل يؤخذُ م نْ‬ ‫وع نْ جابر ر ضي ال عن ُه قال‪ :‬سمعت ر سو َ‬ ‫ن حبّانَ‪.‬‬ ‫شديدهم لضعيفهم" روا ُه اب ُ‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول‪" :‬كيف تُقدّ سُ ُأ ّمةٌ" أي تطهر‬ ‫(ل يُؤخذُ ِمنْ شديده ْم لضعيفهم؟" رواه ابن حبان)‪.‬‬ ‫وأخرج حديث جابر أيضا ابن خزيمة وابن ماجه وقد شهد له الحديث‪:‬‬ ‫ث بريد َة ع ْندَ البزّار‪.‬‬ ‫ولَ ُه شاهدٌ منْ حدي ِ‬ ‫وفي الباب عن قبيصة بن المخارق عن أبيه رواه الطبراني وابن قانع‪ ،‬وفيه عن خولة غير منسوبة‪ ،‬فقيل‪ :‬إنها‬ ‫امرأة حمزة رواه الطبراني وأبو نعيم‪ ،‬وشواهد حديث هذا الباب كثيرة منها ما ذكر ومنها الحديث‪:‬‬ ‫وآخر من حديث أَبي سعيد عن ابن ماجه‪.‬‬ ‫وهو قوله‪( :‬وآخر) أي وله شاهد (من حديث أبي سعيد عند ابن ماجه)‪.‬‬ ‫والمراد أن ها ل تط هر أ مة من الذنوب ل ينت صف لضعيف ها من قوي ها في ما يلزم من ال حق له‪ ،‬فإ نه ي جب ن صر‬ ‫الضعيف حتى يأخذ حقه من القوي‪ ،‬كما يؤيده حديث "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"‪.‬‬ ‫ع نْ عائشةَ رضي الّل ُه عنْها قال تْ‪ :‬سمعتُ رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم يقولُ‪" :‬يدعى بالقاضي العادل يو مَ‬ ‫وَ‬ ‫حبّان‪ ،‬وأَخرج ُه البيه قي‬ ‫ن ِ‬ ‫ض ب ين اثن ين في عمره" روا هُ اب ُ‬ ‫القيا مة فيل قى مِ نْ شد ِة الح ساب ما يتم نى أنّ ُه ل مْ يق ِ‬ ‫ولَفظ ُه "في َتمْرةٍ"‪.‬‬ ‫في الحد يث دل يل على شدة ح ساب القضاة يوم القيا مة‪ ،‬وذلك ل ما يتعاطو نه من الخ طر‪ .‬فينب غي له أن يتحرّى‬ ‫الحق‪ ،‬ويبل غَ فيه جهده‪ ،‬ويحذر من خلطاء ال سوء‪ ،‬من الوكلء والعوان‪ ،‬فقد خرج البخاري وغيره من حديث‬ ‫أبي سعيد الخدري مرفوعا‪" :‬ما استخلف ال من خليفة إل له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه‪ ،‬وبطانة‬ ‫تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه ال تعالى" وأخرجه النسائي من حديث أبي هرير مرفوعا بلفظ‬ ‫"ما من وال إل له بطانتان" الحديث‪.‬‬ ‫ويحذر الغرماء والوكلء‪ ،‬ويروي لهم حديث‪" :‬من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط ال حتى ينزع"‬ ‫و في ل فظ " من أعان على خ صومة بظلم ف قد باء بغ ضب من ال" رواه ما أ بو داود من حد يث ا بن ع مر‪ .‬ول ما‬ ‫عرف ته من تج نب أكابر العلماء ول ية القضاء‪ ،‬ك ما قدمناه‪ .‬وإذا كان هذا في القا ضي العدل فك يف بقضاة الجور‬ ‫والجهالة؟‪.‬‬ ‫في ترجمة عبد ال بن وهب في الغربال‪ :‬أنه كتب إليه الخليفة بقضاء مصر فاختفى في بيته فاطلع عليه بعضهم‬ ‫يوما فقال‪ :‬يابن وهب أل تخرج فتحكم بين الناس بكتاب ال وسنّة رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم فقال‪ .‬أما‬ ‫علمت أن العلماء يحشرون مع النبياء‪ ،‬والقضاة مع السلطين؟‪.‬‬ ‫ح قوْ مٌ ولوا أمر هم امرأَة" روا هُ‬ ‫وع نْ أَ بي بكرة ر ضي اللّ هُ عن هُ عن النّبي صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم قال‪" :‬لن يُفْل َ‬ ‫البخاريّ‪.‬‬ ‫فيه دليل على عدم جواز تولية المرأة شيئا من الحكام العامة بين المسلمين‪ ،‬وإن كان الشارع قد أثبت لها أنها‬ ‫راعية في بيت زوجها‪ ،‬وذهب الحنفية إلى جواز توليتها الحكام إل الحدود‪ ،‬وذهب ابن جرير إلى جواز توليتها‬ ‫مطلقا‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫والحديضث إخبار عضن عدم فلح مضن ولي أمرهضم امرأة‪ ،‬وهضم منهيون عضن جلب عدم الفلح لنفسضهم‪ ،‬مأمورون‬ ‫باكتساب ما يكون سببا للفلح‪.‬‬ ‫ن النّبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪" :‬منْ وله ال شيئا من أَمر المسلمين‬ ‫ن أَبي مريم الزديّ رضي ال عنه ع ِ‬ ‫وع ْ‬ ‫فاحتجب دون حاجتهم وفقيرهمْ احتجب ال دونَ حاجتهِ" أخرجه أبو داودَ والترمذيّ‪.‬‬ ‫(و عن أ بي مر يم الزدي ر ضي ال ع نه) و هو صحابي ا سمه عمرو بن مرة الجه ني روى ع نه ا بن ع مه أ بو‬ ‫الشماخ وأ بو المع طل وغيره ما ( عن ال نبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪ " :‬من ول ُه ال شيئا من أَمور الم سلمين‬ ‫فاحتجب دون حاجتهم وفقيرهم احْتجب ال دونَ حاجته"‪ .‬أخرجه أبو داود والترمذي)‪.‬‬ ‫ولفظه عند الترمذي‪" :‬ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إل أغلق ال أبواب السماء دون‬ ‫خل ته وحاج ته وم سكنته" وأخر جه الحا كم عن أ بي مخيمرة عن أ بي مر يم وله ق صة مع معاو ية‪ .‬وذلك أ نه قال‬ ‫لمعاوية‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول‪" :‬من وله ال ضضضض الحديث" فجعل معاوية رجلً‬ ‫على حوائج الم سلمين‪ .‬ورواه أح مد من حد يث معاذ بل فظ " من ولي من أمور الم سلمين شيئا فاحت جب عن أولي‬ ‫الضعف والحاجة احتجب ال تعالى عنه يوم القيامة" ورواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس بلفظ "أيما‬ ‫أمير احتجب عن الناس فأهملهم احتجب ال تعالى عنه يوم القيامة" وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في هذا الحديث‬ ‫منكر‪.‬‬ ‫وأخرج الطبراني برجال ثقات إل شيخه ضضضض فإنه قال المنذري‪ :‬لم يقف فيه على جرح ول تعديل ضضضض‬ ‫من حديث أبي جحيفة أنه قال لمعاوية‪ :‬سمعت من رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم حديثا أحببت‬ ‫أن أضعه عندك مخافة أن ل تلقاني‪ :‬سمعت رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم يقول‪" :‬يا أيها الناس من ولي منكم‬ ‫عمل فح جب با به عن ذي حا جة للم سلمين حج به ال أن يلج باب الج نة‪ ،‬و من كا نت هم ته الدن يا حرّم ال عل يه‬ ‫جواري فإني بعثت بخراب الدنيا ولم أبعث بعمارتها"‪.‬‬ ‫والحد يث دل يل على أ نه ي جب على من ولي أمرا من أمور عباد ال أن ل يحت جب عن هم‪ ،‬أن ي سهل الحجاب‪،‬‬ ‫ليصل إليه ذو الحاجة من فقير وغيره‪ ،‬وقوله‪" :‬احتجب ال عنه" كناية عن منعه له من فضله وعطائه ورحمته‪.‬‬ ‫أبي هُريرة رضي ال عن هُ قال‪" :‬لعن رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم الرّاشي والمرتشي في الحكم" روا ُه أَحمد‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫والربعة وحسّن ُه الترمذي وصحّحه اب ُ‬ ‫(و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪":‬ل عن ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم الرا شي والمُرْت شي) في النها ية‪:‬‬ ‫الراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل‪ .‬والمرتشي الخذ (في الحكم" رواه أحمد والربعة وحسنه الترمذي‬ ‫وصححه ابن حبان)‪.‬‬ ‫وزاد أحمد "والرائش هو الذي يمشي بينهما" وهو السفير بين الدافع والخذ‪ ،‬وإن لم يأخذ على سفارته أجرا‪ ،‬فإن‬ ‫أخذ فهو أبلغ‪.‬‬ ‫ع ْندَ الربع ِة إل النسائي‪.‬‬ ‫ول ّه شاهدٌ منْ حديث عبد ال بن عمرو ِ‬ ‫إل أنه لم يذكر فيه لفظ "في الحكم" وكذا في رواية أبي داود لم يذكرها إنما زادها في رواية الترمذي‪.‬‬ ‫والرشوة حرام بالجماع سواء كا نت للقا ضي أو للعا مل على ال صدقة أو لغيره ما‪ .‬و قد قال تعالى‪{ :‬ول تأكلوا‬ ‫أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام فريقا من أموال الناس بالثم وأنتم تعلمون} وحاصل ما يأخذه القضاة‬ ‫من الموال على أربعة أقسام رشوة وهدية وأجرة ورزق‪.‬فالول‪ :‬الرشوة إن كانت ليحكم له الحاكم بغير حق؛‬ ‫فهي حرام على الخذ والمعطي‪ ،‬وإن كانت ليحكم له بالحق على غريمه فهي حرام على الحاكم دون المعطي‪،‬‬ ‫لنها لستيفاء حقه‪ ،‬فهي كجعل البق وأجرة الوكالة على الخصومة‪ ،‬وقيل‪ :‬تحرم لنها توقع الحاكم في الثم‪.‬‬ ‫وأما الهدية‪ ،‬وهي الثاني‪ :‬فإن كانت ممن يهاديه قبل الولية فل تحرم استدامتها‪ ،‬وإن كان ل يهدى إليه إل بعد‬ ‫الول ية فإن كا نت م من ل خ صومة بي نه وب ين أ حد عنده جازت وكر هت‪ ،‬وإن كا نت م من بي نه وب ين غري مه‬ ‫خصومة عنده فهي حرام على الحاكم والمهدي‪ .‬ويأتي فيه ما سلف في الرشوة على باطل أو حق‪.‬‬ ‫وأ ما الجرة و هي الثالث‪ :‬فإن كان للحاكضم جرا ية من ب يت المال ورزق حر مت بالتفاق‪ ،‬ل نه إن ما أجري له‬ ‫الرزق ل جل الشتغال بالح كم‪ ،‬فل و جه للجرة‪ ،‬وإن كان ل جرا ية له من ب يت المال جاز له أ خذ الجرة على‬ ‫قدر عمله ضضضض غير حاكم ضضضض فإن أخذ أكثر مما يستحقه حرم عليه‪ ،‬لنه إنما يعطى الجرة لكونه عمل‬ ‫عمل ل لجل كونه حاكما؛ فأخذه لما زاد على أجرة مثله غير حاكم إنما أخذها ل في مقابلة شيء بل في مقابلة‬ ‫كو نه حاكما ول ي ستحق ل جل كو نه حاكما شيئا من أموال الناس اتفاقا‪ ،‬فأجرة الع مل أجرة مثله‪ ،‬فأ خذ الزيادة‬ ‫‪7‬‬

‫على أجرة مثله حرام‪ ،‬ولذا قيل‪ :‬إن تولية القضاء لمن كان غنيا أولى من تولية من كان فقيرا‪ .‬وذلك لنه لفقره‬ ‫يصير متعرّضا لتناول ما ل يجوز له تناوله إذا لم يكن له رزق من بيت المال‪.‬‬ ‫قال المصنف‪ :‬لم ندرك في زماننا هذا من يطلب القضاء إل وهو مصرح بأنه لم يطلبه إل لحتياجه إلى ما يقوم‬ ‫بأوده‪ ،‬مع العلم بأنه ل يحصل له شيء من بيت المال ا هضضضض‪.‬‬ ‫وعنْ عبد ال بن الزّبير رضي الّل ُه عنهُما قال‪" :‬قضى رسولُ ال صَلّى ال عََليْ ِه وَسَلّم أَنّ الخصمين يَقْعدان بين‬ ‫يدي الحاكم" رواه أبو دا ُودَ وصحّح ُه الحاكم‪.‬‬ ‫وأخرجه أحمد والبيهقي كلهم من رواية مصعب بن ثابت بن عبد ال بن الزبير وفيه كلم‪ ،‬قال أبو حاتم‪ :‬إنه‬ ‫كثير الغلط‪.‬‬ ‫والحديث دليل على شرعية قعود الخصمين بين يدي الحاكم‪ ،‬ويسوّي بينهما في المجلس ما لم يكن أحدهما غير‬ ‫مسلم‪ ،‬فإنه يرفع المسلم كما في قصة عليّ عليه السلم مع غريمه الذي عند شريح‪ ،‬وهي ما أخرجه أبو نعيم في‬ ‫الحلية بسنده قال‪:‬‬ ‫"وجد علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه درعا عند يهودي التقطها فعرفها فقال‪ :‬درعي سقطت عن جمل‬ ‫لي أورق فقال اليهودي‪ :‬درعي وفي يدي‪ ،‬ثم قال اليهودي‪ :‬بيني وبينك قاضي المسلمين‪ ،‬فأتوا شريحا فلما رأى‬ ‫عليا قضد أقبضل تحرف عضن موضعضه وجلس على فيضه ثضم قال علي‪ :‬لو كان خصضمي مضن المسضلمين لسضاويته فضي‬ ‫المجلس لكني سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم يقول‪" :‬ل تساووهم في المجلس" وساق الحديث‪ .‬قال‬ ‫شر يح‪ :‬ما تشاء يا أم ير المؤمن ين قال‪ :‬در عي سقط عن ج مل لي أورق فالتقط ها هذا اليهودي‪ .‬قال شر يح‪ :‬ما‬ ‫تقول يا يهودي؟ قال‪ :‬درعي وفي يدي‪ .‬قال شريح‪ :‬صدقت وال يا أمير المؤمنين إنها لدرعك ولكن ل يد لك‬ ‫من شاهد ين فد عا ق نبرا والح سن بن علي فشهدا إ نه لدر عه‪ .‬فقال شر يح‪ :‬أمّا شهادة مولك ف قد أجزنا ها‪ .‬وأ ما‬ ‫شهادة ابنك فل نجيزها فقال عليه السلم‪ :‬ثكلتك أمك أما سمعت عمر بن الخطاب يقول‪ :‬قال رسول ال صلى‬ ‫ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة" قال‪ :‬اللهم نعم؛ قال‪ :‬أفل تجيز شهادة‬ ‫سضيديْ شباب أهضل الجنضة؟ ثضم قال لليهودي‪ :‬خضذ الدرع‪ ،‬فقال اليهودي‪ :‬أميضر المؤمنيضن جاء معضي إلى قاضضي‬ ‫المسلمين فقضى لي‪ ،‬ورضي‪ :‬صدقت وال يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها أشهد أن‬ ‫ل إله إل ال وأن محمدا ر سول ال فوهب ها له عل يّ ر ضي ال ع نه وأجازه بت سعمائة‪ ،‬وق تل م عه يوم صفين‪ .‬ا‬ ‫هضضضض"‪.‬‬ ‫وقول شريح‪ :‬وال إنها لدرعك‪ ،‬كأنه عرفها‪ ،‬ويعلم أنها درعه لكنه ل يرى الحكم بعلمه‪ ،‬كما أنه ل يرى شهادة‬ ‫الولد لبيه‪ .‬فانظر ما أبرك العمل بالحق من الحاكم والمحكوم عليه وما آل من الخير للمدّعى عليه‪.‬‬ ‫باب الشهادات‬ ‫الشهادة‪ :‬م صدر شهد ضضضض ج مع لرادة النواع‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬الشهادة خبر قا طع‪ ،‬والشا هد حا مل الشهادة‬ ‫ومؤديها لنه مشاهد لما غاب عن غيره‪ .‬وقيل‪ :‬مأخوذة من العلم من قوله تعالى‪{ :‬شهد ال أنه ل إله إل هو}‬ ‫أي علم‪.‬‬ ‫عنْ هُ أنّ النّبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬أل أُخبركم بخير الشهداء؟ الذي‬ ‫عن زيد بن خالد الجهنيّ رضي اللّ هُ َ‬ ‫ن يُسأَلها" رواه مسلمٌ‪.‬‬ ‫يأتي بالشهادة قبْل أ ْ‬ ‫دل على أن خير الشهداء من يأتي بالشهادة لمن هي له قبل أن يسأله‪ ،‬إل أنه يعارضه الحديث الثاني وهو حديث‬ ‫عمران وفيه "ثم يكون قوم يشهدون ول يستشهدون" في سياق الذم لهم‪.‬‬ ‫ولما تعارضا اختلف العلماء في الجمع بينهما على ثلثة أوجه‪.‬‬ ‫الول‪ :‬أن المراد بحديث زيد إذا كان عند الشاهد شهادة بحق ل يعلم بها صاحب الحق‪ ،‬فيأتي إليه فيخبره بها‪،‬‬ ‫أو يموت صاحبها فيخلف ور ثة فيأ تي إلي هم في خبرهم بأ نه عنده ل هم شهادة‪ ،‬وهذا أح سن الجو بة و هو جواب‬ ‫يحيضضضضى بن سعيد شيخ مالك‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن المراد بها شهادة الحسبة‪ ،‬وهي ما ل تتعلق بحقوق الدميين المختصة بهم محضا‪ ،‬ويدخل في الحسبة‬ ‫ما يتعلق بحق ال تعالى أو ما فيه شائبة منه كالصلة والوقف والوصية العامة ونحوها‪ .‬وحديث عمران المراد‬ ‫به الشهادة في حقوق الدميين المحضة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن المراد بقوله "أن يأتي بالشهادة قبل أن يسألها"‪ :‬المبالغة في الجابة‪ ،‬فيكون لقوّة استعداده كالذي أتى‬ ‫بها قبل أن يسألها‪ ،‬كما يقال في حق الجواد إنه ليعطي قبل الطلب‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫وهذه الجو بة مبن ية على أن الشهادة ل تؤدى ق بل أن يطلب ها صاحب ال حق‪ .‬ومن هم من أجاز ذلك عملً بروا ية‬ ‫زيد وتأول حديث عمران بأحد تأويلت‪:‬‬ ‫الول‪ :‬أ نه محمول على شهادة الزور؛ أي يؤدون شهادة لم ي سبق ل هم ب ها علم‪ ،‬حكاه الترمذي عن ب عض أ هل‬ ‫العلم‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن المراد إتيانه بالشهادة بلفظ الحلف نحو أشهد بال ما كان إل كذا‪ ،‬وهذا جواب الطحاوي‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن المراد به الشهادة على ما ل يعلم م ما سيكون من المور الم ستقبلة‪ ،‬فيش هد على قوم بأن هم من أ هل‬ ‫النار وعلى قوم بأنهضم مضن أهضل الجنضة مضن غيضر دليضل‪ ،‬كمضا يصضنع ذلك أهضل الهواء؛ حكاه الخطابضي‪ .‬والول‬ ‫أحسنها‪.‬‬ ‫وعَن عمران بن حصين رضي الّلهُ عنهما قال‪ :‬قال رسولُ ال صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬إنّ خيركُم َقرْني‪ ،‬ثمّ الذين‬ ‫ن ول يُوفُون‪،‬‬ ‫ن وينذرُو َ‬ ‫يلونه مْ‪ ،‬ثم الذ ين يلون هم‪ ،‬ثمّ يكون قو ٌم يشهدون ول ي ستشهدون‪ ،‬ويخُونون ول يؤت َمنُو َ‬ ‫ويظْ َهرُ فيهم السّمنُ" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫القرن‪ :‬أهضل زمان واحضد متقارب اشتركوا فضي أمضر مضن المور المقصضودة‪ ،‬ويقال‪ :‬إن ذلك مخصضوص بمضا إذا‬ ‫اجتمعوا في زمان أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل‪ ،‬ويطلق القرن على مدة من الزمان‪.‬‬ ‫واختلفوا في تحديد ها‪ ،‬من عشرة أعوام إلى مائة وعشر ين‪ .‬قال الم صنف‪ :‬إ نه لم يرَ من صرح بالت سعين ول‬ ‫بمائة وعشر ين‪ ،‬و ما عدا ذلك ف قد قال به قائل‪ .‬قلت‪ :‬أ ما الت سعون فن عم‪ .‬وأ ما المائة والعشرون ف صرح به في‬ ‫القاموس فإنضه قال‪ ،‬أو مائة وعشرون‪ .‬والول أصضح لقوله صضلى ال عليضه وآله وسضلم لغلم‪" :‬عضش قرنا" فعاش‬ ‫مائة سنة‪ ،‬انتهى‪ .‬قال صاحب المطالع‪ :‬القرن أمة هلكت فلم يبق منهم أحد‪.‬‬ ‫وقرنه صلى ال عليه وآله وسلم المراد به المسلمون في عصره‪ .‬وقوله‪" :‬ثم الذين يلونهم" هم التابعون‪ ،‬والذين‬ ‫يلون التابعين أتباع التابعين‪ ،‬وهذا يدل على أن الصحابة أفضل من التابعين‪ ،‬والتابعين أفضل من تابعيهم‪ ،‬وأن‬ ‫التفضيل بالنظر إلى كل فرد فرد‪ .‬وإليه ذهب الجماهير‪.‬‬ ‫وذهب ابن عبد البرّ إلى أن التفضيل بالنسبة إلى مجموع الصحابة ل إلى الفراد‪ ،‬فمجموع الصحابة أفضل ممن‬ ‫بعدهم ل كل فرد منهم؛ إل أهل بدر وأهل الحديبية فإنهم أفضل من غيرهم‪ ،‬يريد أن أفرادهم أفضل من أفراد‬ ‫من يأتي بعدهم‪.‬‬ ‫واستدل على ذلك بما أخرجه الترمذي من حديث أنس وصححه ابن حبان من حديث عمار من قوله صلى ال‬ ‫عل يه وآله و سلم‪" :‬أم تي م ثل الم طر ل يدري أو له خ ير أم آخره" وب ما أخر جه أح مد وال طبراني والدار مي من‬ ‫حد يث أ بي جم عة؟ قال‪ :‬قال أ بو عبيدة‪ :‬يا ر سول ال أ حد خ ير م نا؟ أ سلمنا م عك‪ ،‬وهاجر نا م عك‪ ،‬قال‪" :‬قوم‬ ‫يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" وصححه الحاكم‪.‬‬ ‫وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة يرفعه‪" :‬يأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين"‪ ،‬قيل‪ :‬منهم أو منا يا‬ ‫ر سول ال؟ قال‪ " :‬بل من كم" وأخرج أ بو الح سن القطان في مشيخ ته عن أ نس يرف عه "يأ تي على الناس زمان‬ ‫الصابر فيه على دينه له أجر خمسين منكم"‪.‬‬ ‫وجمع الجمهور بين الحاديث‪ :‬بأن للصحبة فضيلة ومزية ل يوازيها شيء من العمال‪ ،‬فلمن صحبه صلى ال‬ ‫عليه وآله وسلم فضيلتها وإن قصر عمله‪ ،‬وأجره باعتبار الجتهاد في العبادة‪ ،‬وتكون خيريتهم على من سيأتي‬ ‫باعتبار كثرة الجر ل بالنظر إلى ثواب العمال‪ .‬وهذا قد يكون في حق بعض الصحابة وأما مشاهير الصحابة‬ ‫فإنهم حازوا السبق من كل نوع من أنواع الخير‪ ،‬وبهذا يحصل الجمع بين الحاديث‪ .‬وأيضا فإن المفاضلة بين‬ ‫العمال بالنظر إلى العمال المتساوية في النوع‪ ،‬وفضيلة الصحبة مختصة بالصحابة لم يكن لمن عداهم شيء‬ ‫من ذلك النوع‪.‬‬ ‫و في قوله‪ " :‬ثم يكون قوم ضضضض إلى آخره" دل يل على أ نه لم ي كن في القرن ين الول ين من ب عد ال صحابة من‬ ‫يتصف بهذه الصفات المذمومة‪ ،‬ولكن الظاهر أن المراد بحسب الغلب‪ .‬واستدل به على تعديل القرون الثلثة‪،‬‬ ‫ولكنه أيضا باعتبار الغلب‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬ل يؤتمنون" أي ل يرا هم الناس أمناء ول يثقون ب هم لظهور خيانت هم‪ .‬وقد ث بت أن الما نة أول ما ير فع‬ ‫من الناس‪.‬‬ ‫ومع نى قوله‪" :‬يظ هر في هم ال سمن" أن هم يتو سعون في المآكل والمشارب‪ ،‬و هي أسباب ال سمن‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد كثرة‬ ‫المال‪ ،‬وق يل‪ :‬المراد أن هم ي سمنون أي يتكثرون ب ما ل يس في هم‪ ،‬ويدعون ما ل يس ل هم من الشرف‪ .‬و في حد يث‬ ‫‪9‬‬

‫أخر جه الترمذي بل فظ‪ " :‬ثم يج يء قوم يت سمنون ويحبون ال سمن" فج مع ب ين ال سمن أي التك ثر ب ما ل يس عند هم‬ ‫وتعاطي أسباب السمن‪.‬‬ ‫ع ْنهُما قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه وَ سَلّم‪" :‬ل تجوز شهادة خائن ول‬ ‫عمْرو رضي الّل هُ َ‬ ‫ع نْ عبد ال بن َ‬ ‫وَ‬ ‫خائنة ول ذي غَمر على أَخيه‪ ،‬ول تجوز شهادة القانع لهل البيت" رواهُ َأحْمدُ وأَبو داودُ‪.‬‬ ‫(وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬ل تجوز شهادة خائن‬ ‫ول خائ نة ول ذي غ مر" بف تح الغ ين المعج مة وف تح الم يم وك سرها بعد ها راء ف سره أ بو داود بالح نة ضضضض‬ ‫بالحاء المهملة ضضضضض وهضي الحقضد والشحناء (على أخيضه ول تجوز شهادة القانضع) بالقاف وبعضد اللف نون ثضم‬ ‫عين مهملة يأتي بيانه (لهل البيت" رواه أحمد وأبو داود)‪.‬‬ ‫وأخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ‪" :‬ردّ رسول ال صَلّى ال عََليْ ِه َوسَلّم شهادة‬ ‫الخائن والخائنة" وأخرجه ابن ماجه والبيهقي وإسناده قوي‪.‬‬ ‫وأخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة رضي ال عنها بلفظ‪" :‬ل تجوز شهادة خائن ول خائنة‬ ‫وذي غمر لخيه ضضضض الحديث" وفيه ضعف‪ ،‬قال الترمذي‪ :‬ل يصح عندنا إسناده‪ ،‬وقال أبو زرعة في العلل‪:‬‬ ‫منكر‪ ،‬وضعفه عبد الحق وابن حزم‪ ،‬وابن الجوزي‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬ل يصح من هذا شيء عن النبي صلى ال‬ ‫عليه وآله وسلم‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬الخائن" قال أبو عبيدة‪ :‬ل نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما افترض ال على عباده وأتمنهم‬ ‫عليه‪ ،‬فإنه قد سمى ذلك أمانة‪ .‬قال ال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين امنوا ل تخونوا ال والرسول وتخونوا أماناتكم} وقد‬ ‫رسموا العدالة‪ :‬بأنها محافظة دينية تحمل على ملزمة التقوى والمروءة ليس معها بدعة‪ .‬وقد نازعناهم في هذا‬ ‫الرسم في عدة من المباحث‪ ،‬كرسالة‪ :‬المسائل المهمة فيما تعم به البلوى حكام المة‪ ،‬وحققنا الحق في العدالة في‬ ‫رسالة‪ :‬ثمرات النظر في علم الثر‪ ،‬وفي منحة الغفار حاشية ضوء النهار‪ ،‬ول الحمد‪ .‬واخترنا أن العدل هو‪:‬‬ ‫من غلب خيره شره ولم يجرّب عل يه اعتياد كذب‪ .‬وأقم نا عل يه الدلة هنالك‪ ،‬والشارح ه نا م شى مع الجماه ير‪،‬‬ ‫وذكر بعض ما يتعلق بتفسير مرادهم‪.‬‬ ‫ن أ بي هريرة ر ضي ال عن هُ أّن ُه سمع ر سولَ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم يقول‪" :‬ل تجوزُ شهادة َبدَوي على‬ ‫وع ْ‬ ‫ن مَاجه‪.‬‬ ‫صاحب قَريةٍ" رَوَا ُه أبُو داودَ واب ُ‬ ‫البدوي من سكن الباد ية‪ ،‬نسب على غير قياس‪ .‬النسبة والقياس بادوي والقرية ضضضض بفتح القاف وقد تكسر‬ ‫ضضضضض المصضر الجامضع‪ .‬وفيضه دليضل على عدم صضحة شهادة البدوي على صضاحب القريضة ل على بدوي مثله‬ ‫فتصح‪ .‬وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحابه‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬أخشى أن ل تقبل شهادة البدوي على‬ ‫صاحب القرية لهذا الحديث‪ ،‬ولنه متهم حيث أشهد بدويا ولم يشهد قرويا‪ .‬وإليه ذهب مالك إل أنه قال‪ :‬ل تقبل‬ ‫شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرائع ولنهم في الغالب ل يضبطون الشهادة على‬ ‫وجهها‪.‬‬ ‫وذ هب الكثرون‪ :‬إلى قبول شهادت هم وحملوا الحد يث على من ل تعرف عدال ته من أ هل الباد ية‪ ،‬إذ الغلب أن‬ ‫عدالتهم غير معرو فة‪ ،‬و قد ا ستدل في البحر لقبول شهادت هم بقبوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم لشهادة العرا بي على‬ ‫هلل رمضان‪.‬‬ ‫ن الخطاب ر ضي ال ع ْن ُه أنّ هُ خط بَ فقال‪" :‬إنّ أُنا سا كانوا يؤخذون بالوحْ يِ في ع هد ر سول ال‬ ‫و عن عُمَر ب ِ‬ ‫ن أَعمالكم" رواهُ البُخاريّ‪.‬‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪ ،‬وإنّ ال َوحْي قد انْقطع‪ ،‬وإنما نؤاخذُكمُ الن بما ظهر َلنَا مِ ْ‬ ‫وتمامه‪" :‬فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء‪ :‬ال يحاسبه في سريرته‪ .‬ومن أظهر لنا‬ ‫سوءا لم نأمنه ولم نصدقه‪ .‬وإن قال‪ :‬إن سريرته حسنة"‪.‬‬ ‫استدل به على قبول شهادة من لم يظهر منه ريبة نظرا إلى ظاهر الحال‪ ،‬وأنه يكفي في التعديل ما يظهر من‬ ‫حال المعدل من ال ستقامة من غ ير ك شف عن حقي قة سريرته‪ ،‬لن ذلك متعذر إل بالو حي و قد انق طع‪ ،‬وكأن‬ ‫الم صنف أورده وإن كان كلم صحابي ل ح جة ف يه‪ ،‬ل نه خ طب به ع مر وأقره من سمعه فكان قول جماه ير‬ ‫الصحابة‪ ،‬ولن هذا الذي قاله هو الجاري على قواعد الشريعة‪.‬‬ ‫وظاهر كلمه أنه ل يقبل المجهول‪ .‬ويدل له ما رواه ابن كثير في الرشاد‪" :‬أنه شهد عند عمر رجل فقال له‬ ‫عمر‪ :‬لست أعرفك ول يضرك أن ل أعرفك ائت بمن يعرفك‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬أنا أعرفه‪ .‬قال‪ :‬بأي شيء‬ ‫تعرفه؟ قال‪ :‬بالعدالة والفضل‪ ،‬فقال‪ :‬هو جارك الدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪:‬‬ ‫فعاملك بالدينار والدر هم اللذ ين ي ستدل به ما على الورع؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فرفي قك في ال سفر الذي ي ستدل به على‬ ‫‪10‬‬

‫مكارم الخلق؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬لست تعرفه‪ ،‬ثم قال للرجل‪ :‬ائت بمن يعرفك" قال ابن كثير‪ :‬رواه البغوي بإسناد‬ ‫حسن‪.‬‬ ‫عدّ شهادة الزّور منْ أكبر الكبائر" ُمتّفقٌ عَليْهِ‬ ‫ع ْن ُه "عن النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم َأنّه َ‬ ‫ن أَبي بكر َة رضي الّلهُ َ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬ ‫في حديثٍ طويلٍ‪.‬‬ ‫فضي حديضث ولفظضه‪ :‬أنضه صضلى ال تعالى عليضه وعلى آله وسضلم قال‪" :‬أل أنبئكضم بأكضبر الكبائر ضضضضض ثلثا‬ ‫ضضضضض؟" قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪" :‬الشراك بال وعقوق الوالديضن"‪ .‬وجلس وكان متكئا ثضم قال‪" :‬أل وقول الزور" فمضا‬ ‫زال يكررها حتى قلنا‪ :‬ليته سكت‪.‬‬ ‫تقدم تفسير شهادة الزور‪ ،‬قال الثعلبي‪ :‬الزور تحسين الشيء ووصفه بخلف صفته حتى يخيل إلى من سمعه أو‬ ‫رآه بخلف ما هو به‪ ،‬فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق‪ ،‬وقد جعل صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم قول‬ ‫الزور عديلً للشراك ومساويا له‪.‬‬ ‫قال النووي‪ :‬ول يس على ظاهره المتبادر وذلك لن الشرك أ كبر بل شك‪ ،‬وكذلك الق تل فل بدّ من تأويله‪ ،‬وذلك‬ ‫بأن التفض يل ل ها بالن ظر إلى ما يناظر ها في المف سدة‪ ،‬و هي الت سبب في أ كل المال بالبا طل ف هي أ كبر الكبائر‬ ‫بالنسبة إلى الكبائر التي يتسبب بها إلى أكل المال بالباطل فهي أكبر من الزنا ومن السرقة وإنما اهتم صَلّى ال‬ ‫عََليْه ِض وَس َضلّم بإخبارهضم عضن شهادة الزور‪ ،،‬وجلس وأتضى بحرف التنضبيه وكرر الخبار لكون قول الزور وشهادة‬ ‫الزور أ سهل على الل سان‪ ،‬والتهاون ب ها أك ثر‪ ،‬ولن الحوا مل عل يه كثيرة من العداوة والح سد وغير ها‪ ،‬فاحت يج‬ ‫إلى الهتمام بشأنضه بخلف الشراك‪ ،‬فإنضه ينبضو عنضه قلب المسضلم‪ ،‬ولنضه ل تتعدّى مفسضدته إلى غيضر المشرك‪،‬‬ ‫بخلف قول الزور فإنه يتعدّى إلى من قيل فيه‪ ،‬والعقوق يصرف عنه كرم الطبع والمروءة‪.‬‬ ‫عبّاس ر ضي اللّ ُه عنهُ ما أنّ ال نبي صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال لرجلٍ‪" :‬ترى الشّ مس؟" قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫و عن اب نِ َ‬ ‫طأَ‪.‬‬ ‫"على مثْلها فشاهد أ ْو َدعْ" أخرجهُ[تض] ابنُ عدي[‪/‬تض] بإسناد ضعيفٍ وصححه الحاكمُ فَأخْ َ‬ ‫لن في إسناده محمد بن سليمان بن مشمول ضعفه النسائي‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬لم ير ِو من وجه يعتمد عليه‪ ،‬وفيه‬ ‫دليضل على أنضه ل يجوز للشاهضد أن يشهضد إل على مضا يعلمضه علما يقينا كمضا تعلم الشمضس بالمشاهدة‪ .‬ول تجوز‬ ‫الشهادة بال ظن‪ .‬فإن كا نت الشهادة على ف عل فل ب ّد من رؤي ته‪ ،‬وإن كا نت على صوت فل بدّ من سماع ذلك‬ ‫الصوت‪ ،‬ورؤية الصوت أو التعريف بالصوت بعدلين أو عدل عند من يكتفي به‪ ،‬إل في مواضع فإنها تجوز‬ ‫الشهادة بال ظن‪ .‬و قد بوب البخاري للشهادة على الظ نّ بقوله‪" :‬باب الشهادة على الن ساب والرضاع الم ستفيض‪،‬‬ ‫والموت القديم" وذكر أربعة أحاديث في ثبوت الرضاع‪ ،‬وثبوته إنما هو بالستفاضة ولم يذكر حديثا على رؤية‬ ‫الرضاع‪ ،‬وأشار بذلك إلى ثبوت النسب؛ فإن من لزم الرضاع ثبوت النسب‪.‬‬ ‫وأما ثبوت الرضاعة نفسها بالستفاضة‪ ،‬فإنه مستفاد من صريح الحاديث‪ ،‬فإن الرضاعة المذكورة فيها كانت‬ ‫في الجاهلية وكان ذلك مستفيضا عند من وقع له‪ .‬وحدّ الستفاضة عند الهادوية شهرة في المحلة تثمر ظنا أو‬ ‫علما‪ ،‬وإنما اكتفي بالشهرة في المذكورة إذ ل طريق له إلى التحقيق بالنسب لتعذر التحقق فيه في الغلب‪ ،‬وأراد‬ ‫البخاري بالموت القديم ما تطاول الزمان عليه‪ ،‬وحدّه البعض بخمسين سنة‪ ،‬وقيل أربعين‪ ،‬وذلك لنه يشق فيه‬ ‫التحقيق‪.‬‬ ‫وإلى الع مل بالشهرة في الن سب ذ هب الهادو ية والشافع ية وأح مد‪ ،‬ومثله الموت‪ ،‬كذلك ذه بت إل يه الهادو ية في‬ ‫ثبوت الولء‪ ،‬وقال الم صنف في الف تح‪ .‬اختلف العلماء في ضا بط ما تف يد ف يه الشهادة بال ستفاضة في صح ع ند‬ ‫الشافعيضة فضي النسضب قطعا‪ ،‬والولدة وفضي الموت والعتضق والولء والوليضة والوقضف والعزل والنكاح وتوابعضه‬ ‫والتعد يل والتجر يح والو صية والر شد وال سفه‪ ،‬وذلك على الرا جح في جم يع ذلك‪ ،‬وبلغ ها ب عض المتأخر ين من‬ ‫الشافعية بضعة وعشرين موضعا‪ ،‬وهي مستوفاة في قواعد العلئي إلى آخر كلمه‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قضى بيمي نٍ وشاهدٍ" أخ َرجَ ُه مُسلمٌ وأبو‬ ‫وعَن ابن عباس رضي ال عنْهما "أنّ رسو َ‬ ‫ج ّيدٌ‪.‬‬ ‫داو َد والنسائيّ وقال‪ :‬إسناده َ‬ ‫قال ابن عبد البرّ‪ :‬ل مطعن لحد في إسناده‪ ،‬كذا قال‪ ،‬لكنه قال الترمذي في العلل‪ :‬سألت محمدا يعني البخاري‬ ‫عنه فقال‪ :‬لم يسمعه عندي عمرو من ابن عباس يريد عمرو بن دينار راويه عن ابن عباس‪ .‬وقال الحاكم‪ :‬قد‬ ‫سمع عمرو من ا بن عباس عدّة أحاد يث و سمع من جما عة من أ صحابه فل ين كر أن يكون سمع م نه حديثا‪.‬‬ ‫وسمعه من أصحابه عنه وله شواهد‪.‬‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫عنْ ُه ُمثْلهُ‪ ،‬أخرجَهُ أبو داود والترمذي وصحّحهُ ابنُ ِ‬ ‫عنْ أبي هُريرةَ رضي اللّهُ َ‬ ‫وَ‬ ‫‪11‬‬

‫وأخرجه أيضا الشافعي‪ ،‬وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‪ :‬وهو صحيح‪ ،‬وقد أخرج الحديث عن اثنين و‬ ‫عشرين من الصحابة‪ .‬وقد سرد الشارح أسماءهم‪.‬‬ ‫والحديث دليل على أنه يثبت القضاء بشاهد ويمين‪ ،‬وإليه ذهب جماهير من الصحابة والتابعين وغيرهم‪ ،‬وهو‬ ‫مذهب فقهاء المدينة السبعة والهادوية ومالك‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬وعمدتهم هذه الحاديث‪ ،‬واليمين وإن كان حاصلها‬ ‫تأكيد الدعوى لكن يعظم شأنها‪ ،‬فإنها إشهاد ل سبحانه أن الحقيقة كما يقول‪ ،‬ولو كان المر على خلف الدعوى‬ ‫لكان مفتريا على ال أنه يعلم صدقه‪ ،‬فلما كانت بهذه المنزلة العظيمة هابها المؤمن بإيمانه وعظمة شأن ال عنده‬ ‫أن يحلف به كاذبا‪ ،‬وهاب ها الفا جر ل ما يراه من تعج يل عقو بة ال ل من حلف يمينا فاجرة‪ ،‬فل ما كان لليم ين هذا‬ ‫الشأن صلحت للهجوم على الح كم كشهادة الشا هد‪ ،‬و قد اع تبرت اليمان ف قط في اللعان و في الق سامة في مقام‬ ‫الشهود‪.‬‬ ‫وذهب زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه إلى عدم الحكم باليمين والشاهد مستدلين بقوله تعالى‪{ :‬وأشهدوا ذوي‬ ‫ل منكم} وقوله‪{ :‬فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} قالوا‪ :‬وهذا يقتضي الحصر ويفيد المخالفة أنه ل يكون‬ ‫عد ٍ‬ ‫بغيضر ذلك‪ ،‬وزيادة الشاهضد واليميضن تكون نسضخا لمفهوم المخالفضة‪ ،‬وأجيضب عنضه‪ :‬بأنضه على تقديضر اعتبار مفهوم‬ ‫المخالفة‪ ،‬يصح نسخه بالحديث الصحيح أعني حديث ابن عباس‪.‬‬ ‫واستدلوا بقوله صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم‪" :‬شاهداك أو يمينه" وأجيب‪ :‬بأن هذا الحديث صحيح وحديث الشاهد واليمين‬ ‫صحيح يعمل بهما في منطوقهما فإن مفهوم أحدهما ل يقاوم منطوق الخر‪.‬‬ ‫هذا وفي سنن أبي داود أنه قال سلمة في حديثه‪ :‬قال عمرو "في الحقوق" يريد أن عمرو بن دينار الراوي عن‬ ‫ابن عباس خص الحكم بالشاهد واليمين بالحقوق‪ .‬قال الخطابي‪ :‬وهذا خاص بالموال دون غيرها‪ ،‬فإن الراوي‬ ‫وقفه عليها‪ ،‬والخاص ل يتعدّى به محله ول يقاس عليه غيره‪ ،‬واقتضاء العموم منه غير جائز لنه حكاية فعل‬ ‫والفعل ل عموم له ا هضضضض‪.‬‬ ‫والحق أنه ل يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إل الحد والقصاص للجماع أنهما ل يثبتان بذلك‪.‬‬ ‫باب الدعاوى والبينات‬ ‫"الدعاوى" جمع دعوى‪ .‬وهي اسم مصدر من ادّعى شيئا إذا زعم أن له حقا أو باطلً‪.‬‬ ‫"والبينات" جمع بينة وهي الحجة الواضحة‪ ،‬سميت الحجة بينة لوضوح الحق وظهوره بها‪.‬‬ ‫س بدَعْواهم لدّعى ناسٌ دماءَ‬ ‫عن ابن عباس رضي اللّ ُه عنهُما أنّ النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم قال‪" :‬لو يُعطى النّا ُ‬ ‫رجالٍ وأَموالهضم‪ ،‬ولكضن اليمينُض على المدّعضى عليضه" ُمتّفقٌض عَليَهضِ‪ ،‬وللبيهقضي بإسضناد صضحيح "البيّنةُ على المدّعِي‬ ‫ن أَنكَرَ"‪.‬‬ ‫واليمين على مَ ْ‬ ‫(عن ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم قال‪" :‬لَوْ يُعطَى النا سُ بدعواهم‬ ‫س دماءَ رجالٍ وأموالهمْ ولكن اليمين على المدعى عليه" متفق عليه وللبيهقي) أي من حديث ابن عباس‬ ‫لدعى نا ٌ‬ ‫(بإسناد صحيح‪" :‬البين ُة على المدعي واليمين على منْ أنكر")‪.‬‬ ‫وفي الباب عن ابن عمر عند ابن حبان‪ ،‬وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند الترمذي‪ .‬والحديث دال‬ ‫على أ نه ل يق بل قول أ حد في ما يدع يه لمجرد دعواه‪ ،‬بل يحتاج إلى البي نة أو ت صديق المدّ عى عل يه‪ ،‬فإن طلب‬ ‫يمين المدّعى عليه فله ذلك‪ ،‬وإلى هذا ذهب سلف المّة وخلفها‪.‬‬ ‫قال العلماء‪ :‬والحكمة في كون البينة على المدّعي أن جانب المدعي ضعيف‪ ،‬لنه يدّعي خلف الظاهر‪ ،‬فكلف‬ ‫الحجة القوية وهي البينة فيقوى بها ضعف المدّعي‪ ،‬وجانب المدعى عليه قوي لن الصل فراغ ذمّته فاكتفي‬ ‫منه باليمين‪ ،‬وهي حجة ضعيفة‪.‬‬ ‫عرَض على قوْم اليمين فأَسرعوا فأَمر أ نْ يُسهْمَ‬ ‫ن أبي هُريرةَ رضي ال عن هُ أنّ النّبي صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ‬ ‫َبيْنهم في اليمين أيّهمْ يحلف" روا ُه البخاريّ‪.‬‬ ‫يفسره ما رواه أبو داود والنسائي من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد‬ ‫منهما بينة فقال النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها" قال الخطابي‪:‬‬ ‫ومعنى الستهام هنا القتراع يريد أنهما يقترعان فأيهما خرجت له القرعة حلف وأخذ ما ادعى‪.‬‬ ‫وروي مثله عن عل يّ بن أبي طالب عليه السلم‪ ،‬وهو أنه أتى بنعل وجد في السوق يباع فقال رجل‪ :‬هذا نعلي‬ ‫لم أبع ولم أهب وقرع على خمسة يشهدون‪ ،‬وجاء آخر يدعيه يزعم أنه نعله وجاء بشاهدين‪ ،‬قال الراوي‪ :‬فقال‬ ‫عل يّ رضي ال عنه‪ :‬إن فيه قضاء وصلحا وسوف أبين لكم ذلك‪ .‬أما صلحه فأن يباع النعل فيقسم على سبعة‬ ‫‪12‬‬

‫أ سهم لهذا خم سة ولهذا اثنان‪ ،‬وإن لم ي صطلحا فالقضاء أن يحلف أ حد الخ صمين أ نه ما با عه ول وه به وإ نه‬ ‫نعله‪ ،‬فإن تشاححتما أيكما يحلف فإنه يقرع بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف‪ .‬انتهى كلم الخطابي‪.‬‬ ‫حقّ امْرىءٍ مُسلمٍ‬ ‫وع نْ أبي أُمام َة الحارثي رضي ال ع ْن هُ أنّ رسول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قالَ‪" :‬من اقتط عَ َ‬ ‫بيمي نه فَق ْد أَوْ جب ال لَ ُه النار وحرّ مَ عل يه الجنّة" فقالَ ل هُ رجلٌ‪ :‬وإن كان شيئا ي سيرا يا ر سول اللّ هِ؟ قال‪" :‬وإن‬ ‫كان قضيبا من أراك" رواه مُسلمٌ‪.‬‬ ‫الحديث دليل على شدّة الوعيد لمن حلف ليأخذ حقا لغيره أو يسقط عن نفسه حقا‪ ،‬فإنه يدخل تحت القتطاع لحق‬ ‫المسلم‪ ،‬والتعبير بحق المرء المسلم يدخل فيه ما ليس بمال شرعا‪ ،‬كجلد الميتة ونحوه‪.‬‬ ‫وذ كر الم سلم خرج مخرج الغالب‪ ،‬وإل فالذ مي مثله في هذا الح كم‪ ،‬ق يل‪ :‬ويحت مل أن هذه العقو بة تخ تص ب من‬ ‫اقتطع بيمينه حق المسلم ل حق الذمي وإن كان محرما فله عقوبة أخرى‪ ،‬وإيجاب النار وتحريم الجنة مقيد بما‬ ‫إذا لم يتب ويتخلص من الحق الذي أخذه باطلً‪ ،‬ثم المراد باليمين‪ :‬اليمين الفاجرة وإن كانت مطلقة في الحديث‬ ‫فقد قيدها الحديث التي وهو قوله‪:‬‬ ‫وعن الشَع ثِ بن قي سٍ رضي ال عن هُ أنّ رسولَ ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم قال‪" :‬مَ نْ حَلَف على يمين يَقْتط عُ بها‬ ‫غضْبان" متفقٌ عليه‪.‬‬ ‫ي ال وهو عليهِ َ‬ ‫ل امرىءٍ مُسلمٍ هُو فيها فاجرٌ لق َ‬ ‫ما َ‬ ‫(وعن الشعث رضي ال عنه) بشين معجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة فمثلثة وهو أبو محمد (ابن قيس) بن‬ ‫معديكرب الكندي قدم على النبي صلى ال عليه وآله وسلم في وفد كندة وكان رئيسهم وذلك في سنة عشر وكان‬ ‫رئيسا في الجاهلية مطاعا في قومه وجيها في السلم‪ ،‬وارتدّ عن السلم بعد موت النبي صلى ال عليه وآله‬ ‫و سلم ثم ر جع إلى ال سلم في خل فة أ بي ب كر ر ضي ال ع نه‪ ،‬وخرج للجهاد مع سعد بن أ بي وقاص وش هد‬ ‫القادسية وغيرها ثم سكن الكوفة ومات بها سنة اثنتين وأربعين وصلى عليه الحسن بن عليّ رضي ال عنه (أن‬ ‫ن حلف على يمين يقتطع بها مال امرىءٍ مُ سْلم هو فيها فاجرٌ لقي‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم قال‪" :‬م ْ‬ ‫ال وهو عليه غضبانُ" متفق عليه)‪.‬‬ ‫والمراد بكونضه فاجرا فيهضا أن يكون متعمدا عالما أنضه غيضر محضق‪ ،‬وإذا كان تعالى عليضه غضبان حرمضه جنتضه‬ ‫وأوجب عليه عذابه‪.‬‬ ‫عنْهُ "َأنّ رجلين اختصما إلى رسول ال صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم في دابّة َليْس‬ ‫شعَري رضي اللّهُ َ‬ ‫ن أَبي مُوسى ال ْ‬ ‫عْ‬ ‫وَ َ‬ ‫لواحدٍ ِم ْنهُما ب ّينَةٌ فقضى بها ب ْي َنهُما نصفين" روا ُه أَحمد وأَبو داود والنسائي وهذا ل ْفظُهُ وقالَ‪ :‬إسْنادُهُ ج ّيدٌ‪.‬‬ ‫قال الخطا بي يش به أن يكون هذا البع ير أو الدا بة كا نت في أيديه ما معا فجعله ال نبي صلى ال عل يه وآله و سلم‬ ‫بينهما لستوائهما في الملك باليد‪ ،‬ولول ذلك لم يكونا بنفس الدعوى يستحقانه لو كان الشيء في يد أحدهما‪ .‬وقد‬ ‫روى أبو داود عقيبه حديثا فقال‪" :‬ادعيا بعيرا في عهد رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم فبعث كل‬ ‫وا حد منه ما بشاهد ين فق سمه ال نبي صلى ال تعالى عل يه وآله و سلم بينه ما ن صفين" قال الخطا بي‪ :‬و هو مروي‬ ‫بالسناد الول‪ ،‬إل أن في الحديث المتقدم لم يكن لواحد منهما بينة‪ ،‬وفي هذا أن كل واحد منهما قد جاء بشاهدين‬ ‫فاحت مل أن تكون القض ية واحدة إل أن الشهادات ل ما تعار ضت تهاترت ف صارا ك من ل بي نة له‪ ،‬وح كم بالش يء‬ ‫بينهما نصفين لستوائهما في اليد‪ ،‬ويحتمل أن يكون البعير في يد غيرهما فلما أقام كل واحد منهما شاهدين على‬ ‫دعواه نزع الشيء من يد المدعى عليه ودفعه إليهما‪.‬‬ ‫وقد اختلف العلماء في الشيء يكون في يد الرجل يتداعاه اثنان يقيم كل واحد منهما بيّنة‪ ،‬فقال أحمد بن حنبل‬ ‫وإ سحق بن راهو يه‪ :‬يقرع بينه ما ف من خر جت له القر عة صار له‪ .‬وكان الشاف عي يقول به قديما ثم قال في‬ ‫الجديد‪ :‬فيه قولن؛ أحدهما‪ :‬يقضي به بينهما نصفين وبه قال أصحاب الرأي و سفيان الثوري‪ .‬والقول الثاني‪:‬‬ ‫يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه حلف‪ :‬لقد شهد شهوده بحق ثم يقضى له به‪.‬‬ ‫وقال مالك‪ :‬ل أقضضي بضه لواحضد منهمضا إن كان فضي يضد غيرهمضا‪ ،‬وحكضي عنضه أنضه قال‪ :‬هضو لعدلهمضا شهودا‬ ‫وأشهرهما في الصلح‪ ،‬وقال الوزاعي‪ :‬يؤخذ بأكثر البينتين عددا‪ ،‬وحكي عن الشعبي أنه قال‪ :‬هو بينهما على‬ ‫حصص الشهود ا هضضضض كلم الخطابي‪.‬‬ ‫و في المنار‪ :‬أن القر عة ل يس هذا محل ها وإن ما وظيفت ها ح يث تعذر التقر يب إلى الحقي قة من كل و جه‪ ،‬وكون‬ ‫المد عي ه نا مشتركا أ حد المحتملت فل و جه لبطاله بالقر عة‪ ،‬واختار ق سمة المد عي و هو ال صواب في هذه‬ ‫الصورة‪.‬‬ ‫ف على منْبري هذا بيمين آثمة تبوّأَ‬ ‫ن حل َ‬ ‫ل ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم قال‪" :‬مَ ْ‬ ‫ن جابرٍ رضي الّل ُه عنْ ُه أَنّ رسو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫وَ َ‬ ‫حبّان‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫مقعده من النار" روا ُه أحمدُ وأبو داو َد والنسائي وصحّحهُ اب ُ‬ ‫‪13‬‬

‫وأخرجه النسائي برجال ثقات من حديث أبي أمامة مرفوعا "من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها‬ ‫مال امرىءٍ مسلم فعليه لعنة ال والملئكة والناس أجمعين‪ ،‬ل يقبل ال منه صرفا ول عدلً"‪.‬‬ ‫والحديث دليل على عظمة إثم من حلف على منبره صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم كاذبا‪ .‬واختلف العلماء‬ ‫في تغليظ الحلف بالمكان والزمان هل يجوز للحاكم أو ل؟ والحديث ل دليل فيه على أحد القولين إنما فيه عظمة‬ ‫إثم من حلف على منبره صلى ال تعالى عليه وآله وسلم كاذبا‪.‬‬ ‫وذ هب الهادو ية والحنف ية والحنابلة‪ :‬إلى أ نه ل تغل يظ بزمان ول مكان وأ نه ل ي جب على الحالف الجا بة إلى‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وذهب الجمهور‪ :‬إلى أنه يجب التغليظ في الزمان والمكان قالوا‪ :‬ففي المدينة على المنبر‪ ،‬وفي مكة بين الركن‬ ‫والمقام‪ ،‬و في غيره ما في الم سجد الجا مع‪ ،‬وكأن هم يقولون في الزمان ين ظر إلى الوقات الفاضلة كب عد الع صر‬ ‫وليلة الجمعة ويومها ونحو ذلك‪.‬‬ ‫احتج الولون بإطلق أحاديث "اليمين على المدعى عليه" وبقوله‪" :‬شاهداك أو يمينه"‪.‬‬ ‫واحتج الجمهور بحديث جابر وحديث أبي أمامة وبفعل عمر وعثمان وابن عباس وغيرهم من السلف‪ .‬واستدلوا‬ ‫للتغليظ بالزمان بقوله تعالى‪{ :‬تحبسونها من بعد الصلة} قال المفسرون‪ :‬هي صلة العصر‪.‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬يستحب التغليظ في الزمان والمكان ول يجب‪ .‬وقيل‪ :‬هو موضع اجتهاد للحاكم إذا رآه حسنا ألزم‬ ‫به‪.‬‬ ‫وعن أَبي هريرة رضي ال عن هُ قال‪ :‬قال رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‪" :‬ثلث ل يُكلمهم اللّ ُه يوم القيامة ول‬ ‫ل على َفضْل ماءٍ بالفلةِ ي ْم َنعُ ُه من ابن ال سّبيل‪َ ،‬و َرجُلٌ باي عَ َرجُلً‬ ‫ينظر إليهم ول يزكيه مْ وله مْ عذا بٌ أَلي مٌ‪ :‬رجُ ٌ‬ ‫ل بايعَ إماما ل يُبايعُهُ إل للدنيا‬ ‫بسلعةٍ بعْد العصر فحَلف بال لخذَها بكذا وكذا فَصَدقَهُ وَ ُه َو على غير ذلكَ‪ ،‬ورجُ ٌ‬ ‫فإن أَعْطاه منها وفّى‪ ،‬وإن ل ْم ُيعْطِ ِه ِمنْها لمْ َيفِ" ُمتّفقٌ عليهِ‪.‬‬ ‫(وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم‪" :‬ثلثةٌ ل يكلمهم ال‬ ‫يوم القيا مة ول ين ظر إلي هم) هذا كنا ية عن غض به تعالى وإشارة إلى حرمان هم من رحم ته (ول يزكي هم) أي ل‬ ‫ب أَليمٌ‪ :‬رجلٌ على فضل ما ٍء بالفلة يمنعُ هُ من ابن السّبيل‪ ،‬ورجلٌ‬ ‫يطهرهم عن أدناس الذنوب بالمغفرة (وله عذا ٌ‬ ‫ل بايع إماما ل‬ ‫صدّقَهُ‪ ،‬وهو على غير ذلك‪ ،‬ورج ٌ‬ ‫خذَهَا بكذا وكذا‪ ،‬ف َ‬ ‫بايع رجلً بسلعة بعدَ العصر فحلف ل ُه بال ل َ‬ ‫يبايعهُ إل للدنْيا فإن أَعطا ُه ِمنْها وفي وإن لمْ ُي ْعطِهِ منها لمْ َيفِ" متفق عليه)‪.‬‬ ‫قوله‪" :‬على فضل ماء" أي على ماء فاضل عن كفايته‪ ،‬فهذا منع ما ل حاجة إليه من هو محتاج له‪ ،‬وتقدم الكلم‬ ‫عليه في كتاب البيع‪ .‬وقوله "وصدقه" أي المشتري وضمير "هو" للخذ مصدر قوله لخذها لدللة فعله عليه مثل‬ ‫{اعدلوا هو أقرب للتقوى} أي والخذ على غ ير ما حلف عل يه فهذا ارت كب أمر ين عظيم ين الحلف بال والكذب‬ ‫في قيمة السلعة‪ .‬وخص بعد العصر لشرف الوقت‪ ،‬وهو من أدلة من غلظ بالزمان‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬بايع إماما ل يبايعه إل للدنيا" أي لما يعطيه منها‪ .‬والوعيد يحتمل أنه لمجموع ما ذكر من المبايعة لجل‬ ‫الدنيا‪ ،‬فإنها نية غير صالحة‪ ،‬ولعدم الوفاء بالخروج عن الطاعة وتفريق الجماعة‪ .‬والصل في بيعة المام أن‬ ‫يقصد بها إقامة الشريعة ويعمل بالحق‪ ،‬ويقيم ما أمر ال بإقامته‪ ،‬ويهدم ما أمر ال بهدمه‪.‬‬ ‫ووقع في البخاري "ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم" فيكون من توعد بهذا‬ ‫النوع مضن الوعيضد أربضع‪ .‬وفضي مسضلم مثضل حديضث أبضي هريرة قال‪" :‬وشيضخ زان‪ ،‬وملك كذاب‪ ،‬وعائل مسضتكبر"‬ ‫وأخرج أيضا من حد يث أ بي ذرّ مرفوعا "ثل ثة ل يكلم هم ال يوم القيا مة‪ :‬المنان الذي ل يع طي شيئا إل منّة‪،‬‬ ‫والمنفق سلعته بالحلف الفاجر‪ ،‬والمسبل إزاره" فحصل من مجموع الحاديث تسع خصال إن جعلنا المنفق سلعته‬ ‫بالحلف الكاذب والذي حلف بعد العصر لقد أعطي كذا وكذا‪ :‬شيئا واحدا‪ ،‬وإن جعلناهما شيئين كما هو الظاهر‪،‬‬ ‫فإن المنفق سلعته بالكذب أعم من الذي يحلف لقد أعطي ضضضض فتكون عشرا‪.‬‬ ‫ل كلٌ منهما‪ُ :‬نتِج تْ عندي وأَقاما َب ّينَةً‪ ،‬فَقَضى بها‬ ‫عنْ هُ‪" :‬أَن ُرجُلَين اختصما في نَاقةٍ فقا َ‬ ‫ع نْ جابر رضي الّل هُ َ‬ ‫وَ‬ ‫ي في يدهِ"‪.‬‬ ‫ل اللّ ِه صَلّى ال عََل ْيهِ َوسَلّم لمنْ ِه َ‬ ‫رسُو ُ‬ ‫(وعن جابر رضي ال عنه أن رجلين اختصما في ناقة فقال كل واحد منهما‪ :‬نتجت هذه الناقة عندي وأقاما) أي‬ ‫كل واحد (بينة فقضى بها رسول ال صلى ال تعالى عليه وعلى آله وسلم للذي هي في يده)‪.‬‬ ‫سيأتي من أخرجه‪ ،‬وأخرج الذي بعده‪ ،‬وقد أخرج هذا البيهقي ولم يضعفه‪ .‬وأخرج نحوه عن الشافعي إل أن فيه‬ ‫"تداعيا دابة" ولم يضعف إسناده أيضا‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫والحديضث دليضل على أن اليضد مرجحضة للشهادة الموافقضة لهضا‪ ،‬وقضد ذهضب إلى هذا الشافعضي ومالك وغيرهمضا‪ ،‬قال‬ ‫الشافعي‪ :‬يقال لهما قد استويتما في الدعوى والبينة وللذي هو في يده سبب بكينونته في يده هو أقوى من سببك‬ ‫فهو بفضل قوة سببه‪ ،‬وذكر هذا الحديث‪.‬‬ ‫وذ هب الهادو ية وجما عة من الل وا بن حن بل إلى أ نه تر جح بيّ نة الخارج‪ ،‬و هو من لم ي كن في يده؛ قالوا‪ :‬إذ‬ ‫شرعت له ضضضض وللمنكر اليمين ضضضض ولقوله صلى ال عليه وآله وسلم‪" :‬البينة على المدعي" فإنه يقتضي‬ ‫أنه ل تفيد بيّنة المنكر‪.‬‬ ‫ويروى عن[اث] علي[‪/‬اث] ر ضي ال ع نه أ نه قال‪ " :‬من كان في يده ش يء فبينته ل تع مل له شيئا" ذكره في‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫وأج يب عن ذلك بأن حديث جابر خاص وحد يث "البي نة على المد عي" عام والخاص مخ صص مقدم؛ وأثر علي‬ ‫رضي ال عنه لم يصح‪ ،‬وعلى صحته فمعارض بما سبق‪.‬‬ ‫و عن القا سم أ نه يق سم بينه ما‪ ،‬لن ال يد مقو ية لبيّ نة الدا خل ف ساوت بيّ نة الخارج‪ .‬ويروى ع نه كقول الشاف عي‪،‬‬ ‫وللحنفية تفصيل لم يقم عليه دليل‪.‬‬ ‫ع ْنهُما "أَنّ النبي صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم ردّ اليمين على طالب الحقّ" رواهما الدارقطني‬ ‫عمَر رضي اللّهُ َ‬ ‫ن ابن ُ‬ ‫وع ِ‬ ‫ض ْعفٌ‪.‬‬ ‫في إسنادهما َ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي ال عنهما "أن النبي صلى ال عليه وآله وسلم رد اليمين على طالب الحق" رواهما) أي‬ ‫هذا والذي قبله (الدارقطني وفي إسنادهما ضعف) لن مدارهما على[تض] محمد بن مسروق[‪/‬تض] عن إسحاق‬ ‫بن الفرات‪ ،‬ومحمد ل يعرف‪ ،‬وإسحاق مختلف فيه كما قاله المصنف‪ .‬وقال الذهبي في الكاشف‪ :‬إن إسحاق بن‬ ‫الفرات قاضي مصر ثقة معروف‪.‬‬ ‫وقال البيهقضي‪ :‬العتماد فضي هذا الباب على أحاديضث القسضامة فإنضه قال صضلى ال عليضه وآله وسضلم لولياء الدم‪:‬‬ ‫"أتحلفون؟ فأبوا قال‪ :‬فتحلف يهود" وهو حديث صحيح‪ ،‬وساق الروايات في القسامة وفيها رد اليمين‪ ،‬قال‪ :‬فهذه‬ ‫الحاديث هي المعتمدة في رد اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذا م نه قياس إل أ نه قد ث بت عند هم أن الق سامة على خلف القياس وث بت أ نه ل يقاس على ما خالف‬ ‫القياس‪.‬‬ ‫وقد استدل بحديث الكتاب على ثبوت رد اليمين على المدعي‪ ،‬والمراد به أنها تجب اليمين على المدعي ولكن‬ ‫إذا لم يحلف المدعى عليه‪.‬‬ ‫وقد ذهب الشافعي وآخرون إلى أنه إذا نكل المدعى عليه فإنه ل يجب بالنكول شيء إل إذا حلف المدعي‪.‬‬ ‫وذهب الهادو ية وجماعة إلى أنه يثبت الحق بالنكول من دون تحل يف للمد عي‪ ،‬وقال المؤ يد‪ :‬ل يح كم به ول كن‬ ‫يح بس ح تى يحلف أو ي قر‪ .‬ا ستدل الهادو ية بأن النكول كالقرار‪ .‬ورد بأ نه مجرد تمرد عن حق معلوم وجو به‬ ‫عليه هو اليمين فيحبس له حتى يوفيه أو يسقطه بالقرار‪ ،‬واستدلوا أيضا بأنه حكم به عمر وعثمان وابن عباس‬ ‫وأبو موسى وأجيب بعدم حجة أفعالهم‪ .‬نعم لو صح حديث ابن عمر كان الحجة فيه‪.‬‬ ‫ت يوْم م سرورا تبرُقُ‬ ‫ن عائشَةَ[‪/‬س] ر ضي اللّ هُ عنْ ها قال تْ‪ :‬د خل عليّ ر سول ال صَلّى ال عََل ْي هِ وَ سَلّم ذا َ‬ ‫وع ْ‬ ‫ن زَ ْيدٍ فقال‪ :‬هذِ ِه القْدامُ‬ ‫ن حارثَةَ وأُسام َة ب ِ‬ ‫جزّز ال ُمدْلجيّ‪ :‬نظرَ آنفا إلى َزيْد ب ِ‬ ‫جهِ هِ فقال‪ :‬أَلمْ َترَيْ إلى ُم َ‬ ‫أَساريرُ و ْ‬ ‫َب ْعضُها من َبعْض" ُمتّفقٌ عليه‪.‬‬ ‫(وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬دخل عل يّ رسول ال صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم ذات يوم مسرورا تبرق) بفتح‬ ‫المثناة الفوق ية و ضم الراء (أ سارير وج هه) هي الخطوط ال تي في الجب هة واحد ها سر و سرر وجمع ها أ سرار‪،‬‬ ‫وأَسرّة‪ ،‬وجمع الجمع أسارير أي‪ :‬تضيء وتستنير من الفرح والسرور (فقال‪" :‬أل مْ تري إلى مجزّز) بضم الميم‬ ‫وفتح الجيم ثم زاي مشدّدة مكسورة ثم زاي أخرى اسم فاعل لنه كان في الجاهلية إذا أسر أسيرا جزّ ناصيته‬ ‫جيّ) بضم الميم وبالدال المهملة وجيم بزنة مخرج نسبة إلى بني مدلج بن مرة بن عبد مناف بن‬ ‫وأطلقه (ال ُمدِْل ِ‬ ‫كنانة (نظر آنفا) أي الن (إلى زيد بن حارثة وأُسامة بن زيدٍ فقال‪ :‬هذ ِه القْدا ُم بعضُها من بعض" متفق عليه)‪.‬‬ ‫في روا ية للبخاري أ نه صلى ال عل يه وآله و سلم قال‪" :‬ألم تري أن مجزّزا المدل جي د خل عل يّ فرأى أ سامة‬ ‫وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال‪ :‬إن هذه القدام بعضها من بعض"‪.‬‬ ‫واعلم أن الكفار كانوا يقدحون في ن سب أ سامة‪ ،‬لكو نه كان أ سود شد يد ال سواد‪ .‬وكان ز يد أب يض كذا قاله أ بو‬ ‫داود‪ .‬وأُم أُ سامة هي أُم أَي من كا نت حبش ية سوداء‪ .‬وو قع في ال صحيح أن ها كا نت حبش ية و صيفة لع بد ال والد‬ ‫النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪ .‬ويقال‪ :‬كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل فصارت لعبد المطلب‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫فوهبها لعبد ال والد النبي صلى ال عليه وآله وسلم‪ .‬وتزوّجت قبل زيد عبيدا الحبشي فولدت له "أيمن" فكنيت‬ ‫به واشتهرت بكنيتها‪ ،‬واسمها بركة‪.‬‬ ‫والحديث دليل على اعتبار القيافة في ثبوت النسب‪ ،‬وهي مصدر قاف قيافة‪ ،‬والقائف‪ :‬الذي يتتبع الثار ويعرفها‬ ‫ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه‪ .‬وإلى اعتبارها في ثبوت النسب ذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء مستدلين‬ ‫بهذا الحديث‪ .‬ووجه دللته ما علم من أن التقرير منه صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم حجة لنه أحد أقسام السنة‪ .‬وحقيقة‬ ‫ل من قائل أو يعلم به وكان ذلك الفعل من‬ ‫التقرير أن يرى النبي صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم فعل من فاعل أو يسمع قو ً‬ ‫الفعال التي ل يعلم تقدّم إنكاره لها‪ ،‬كمضي كافر إلى كنيسة أو مع عدم القدرة كالذي كان يشاهده من كفار مكة‬ ‫من عبادة الوثان وأذاهم للمسلمين ولم ينكره‪ ،‬كان ذلك تقريرا دالً على جوازه؛ فإن استبشر به فأوضح كما في‬ ‫هذه القصة فإنه استبشر بكلم مجزّز في إثبات نسب أسامة إلى زيد فدل ذلك على تقرير كون القيافة طريقا إلى‬ ‫معرفة النساب‪.‬‬ ‫وبما رواه مالك عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب كان يليط أولد الجاهلية بمن ادّعاهم في السلم فأتى‬ ‫رجلن إلى عمر رضي ال عنه كلهما يدعي ولد امرأة فدعا قائفا فنظر إليه القائف فقال‪ :‬لقد اشتركا فضربه‬ ‫عمر بالدرة ثم دعا المرأة فقال أخبريني خبرك فقالت‪ :‬كان هذا ضضضض لحد الرجلين ضضضض يأتيها في إبل‬ ‫ن أ نه قد ا ستمر ب ها ح مل ثم ين صرف عن ها فأهري قت عل يه دما ثم خلف علي ها هذا‬ ‫لهل ها فل يفارق ها ح تى يظ ّ‬ ‫ضضضضض يعنضي الخضر ضضضضض فل أدري مضن أيهمضا هضو‪ ،‬فكضبر القائف‪ ،‬فقال عمضر للغلم‪ :‬فإلى أيهمضا شئت‬ ‫فانتسب"‪.‬‬ ‫فقضى عمر بمحضر من الصحابة بالقيافة من غير إنكار من واحد منهم‪ ،‬فكان كالجماع تقوى به أدلة القيافة‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬وهو مروي عن ابن عباس وأنس بن مالك ول مخالف لهما من الصحابة؛ ويدل عليه حديث اللعان‪ .‬وقوله‬ ‫صضلى ال عليضه وآله وسضلم‪" :‬إن جاءت بضه على صضفة كذا وكذا فهضو لفلن‪ ،‬أو على صضفة كذا وكذا فهضو لفلن"‬ ‫فجاءت به على الو صف المكروه فقال‪" :‬لول اليمان لكان لي ول ها شأن" فقوله‪ :‬ف هو لفلن إثبات للن سب بالقيا فة‬ ‫وإنما منعت اليمان عن إلحاقه بمن جاء على صفته‪.‬‬ ‫وذه بت الهادو ية والحنف ية إلى أ نه ل يع مل بالقيا فة في إثبات الن سب‪ ،‬والح كم في الولد المتنازع ف يه أن يكون‬ ‫للشريكين أو المشتريين أو الزوجين‪.‬‬ ‫وللهادوية في الزوجين تفاصيل معروفة في الفروع؛ وتأولوا حديث مجزّز هذا وقالوا‪ :‬ليس من باب التقرير لن‬ ‫نسب أسامة كان معلوما إلى زيد وإنما كان يقدح الكفار في نسبه لختلف اللون بين الولد وأبيه‪ ،‬والقيافة كانت‬ ‫من أحكام الجاهلية وقد جاء السلم بإبطالها ومحو آثارها‪ ،‬فسكوته صَلّى ال عََليْهِ وَسَلّم عن النكار على مجزّز‬ ‫ل يس تقريرا لفعله‪ ،‬وا ستبشاره إن ما هو للزام الخ صم الطا عن في ن سب أ سامه ب ما يقوله ويعتمده فل ح جة في‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ول يخفى أن هذا الجواب مبني على أنه قد سبق منه صَلّى ال عََل ْيهِ وَسَلّم إنكار للقيافة وإلحاق النسب بها‪،‬‬ ‫كتقدّم إنكاره مضي كافر إلى كنيسة وهذا دليل عليه‪ ،‬بل الدليل قائم على خلفه‪ ،‬وهو قوله صَلّى ال عََليْ هِ وَ سَلّم‬ ‫في ق صة اللعان ب ما سمعت ثم ف عل ال صحابة من بعده‪ .‬وقول هم‪ :‬بثبوت الن سب به من الدلة على عدم إنكاره‬ ‫صَلّى ال عََليْهِ َوسَلّم‪.‬‬ ‫وأما قوله‪" :‬الولد للفراش" فذلك فيما إذا علم الفراش‪ ،‬فإنه معلوم أن الحكم به مقدم قطعا‪ ،‬وإنما القيافة عند عدمه‪،‬‬ ‫ثم ال صح ع ند القائل ين باللحاق أ نه يك في قائف وا حد‪ ،‬وق يل‪ :‬ل بدّ من اثن ين‪ ،‬وحد يث الباب دال على الكتفاء‬ ‫بالواحد‪.‬‬

‫‪16‬‬

Related Documents

Qadha Shalat
May 2020 13
Terjemahan Qadha Final 2
November 2019 17
Qadha Dan Qodar
October 2019 23
Qadha Dan Qadar
June 2020 12
Kitab Qadha & Qadhar
October 2019 12