كل ماتريد معرفتة عن الرسول صلى الله علية و سلم

  • Uploaded by: HASHIM ALFARAN
  • 0
  • 0
  • December 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View كل ماتريد معرفتة عن الرسول صلى الله علية و سلم as PDF for free.

More details

  • Words: 40,514
  • Pages: 44
‫كل ماتريد معرفتة عن الرسول صلى ال علية و سلم (الجزء الول)‬ ‫نبوءات بظهور الرسول‬ ‫المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان‬ ‫وها هي المزامير تبشر بالنبي الخاتم‪ ،‬ويصفه أحد مزاميرها فيقول مخاطب ًا إياه باسم الملك‪:‬‬ ‫" فاض قلبي بكلم صالح‪ ،‬متكلم أنا بإنشائي للملك‪ ،‬لساني قلم كاتب ماهر‪ :‬أنت أبرع جمالً من بني البشر‪ ،‬انسكبت النعمة على شفتيك‪ ،‬لذلك باركك ال إلى البد تقلد سيفك على‬ ‫ب تحتك يسقطون‪ .‬كرسيك يا‬ ‫فخذك أيها الجبار جللك وبهاءك‪ ،‬وبجللك اقتحم‪ .‬اركب من أجل الحق والدعة والبر‪ ،‬فتريك يمينك مخاوف‪ُ ،‬نبُلُك المسنونة في قلب أعداء الملك‪ ،‬شعو ٌ‬ ‫ال إلى دهر الدهور‪ ،‬قضيب استقامة قضيب ملكك‪ .‬أحببت البر وأبغضت الثم من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن البتهاج أكثر من رفقائك‪ ....‬بنات ملوك بين حظياتك‪ ،‬جعلت الملكة عن‬ ‫يمينك بذهب أوفير اسمعي يا بنت وانظري‪ ،‬وأميلي أذنك‪ ،‬انسي شعبك وبيت أبيك‪ ،‬فيشتهي الملك حسنك‪ ،‬لنه هو سيدك فاسجدي له‪ ...‬عوضاً عن آبائك يكون بنوك‪ ،‬تقيمهم رؤساء‬ ‫في كل الرض‪ ،‬أذكر اسمك في كل دور فدور‪ .‬من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " ‪ -‬المزمور ‪17 - 45/1‬‬ ‫ويسلم النصارى بأن النص كان نبوءة بالنبي التي‪ ،‬ويزعمونه عيسى عليه السلم‪ ،‬فيما يرى المسلمون أن الصفات التي رمزت في النص إنما تعود إليه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتمنع‬ ‫أن يكون المعني عيسى أو غيره من النبياء الكرام‬

‫أو ًل ‪ :‬كونه صاحب حسن ل يعدل في البشر " بهي في الحسن أفضل من بني البشر " ول يجوز للنصارى القول بأنه المسيح وهم الذين يقولون‪ :‬تحققت في المسيح نبوة إشعيا‪،‬‬ ‫وفيها أن المتنبئ به "ل صورة له ول جمال فننظر إليه‪ ،‬ول منظر فنشتهيه " (إشعيا ‪ ،)52/2‬وهذا المعنى الذي ل نوافقهم عليه (‪ )1‬أكده علماؤهم‪ ،‬فقال كليمندوس السكندراني‪" :‬‬ ‫إن جماله كان في روحه وفي أعماله‪ ،‬وأما منظره فكان حقيراً " وقال ترتليان‪ " :‬أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني‪ ،‬وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي " ومثله قال مارتير‬ ‫وأوريجانوس وغيرهما فمن كان هذا قوله بالمسيح ل يحق له أن يقول بأنه أيضاً‪ ":‬أبرع جمالً من بني البشر‪.‬‬ ‫وقد جاءت الثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جماله بعد أن كساه ال بلباس النبوة‪ ،‬فلم ير أجمل منه‪ .‬ففي صحيح البخاري (‪ )3549‬يقول البراء بن مالك‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬ ‫خلْقاً‪ ،‬ليس بالطويل البائن ول بالقصير ‪.‬‬ ‫عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنه َ‬ ‫ثانيًا ‪ :‬أن النبوة وكلمها يخرج من شفتيه "انسكبت النعمة على شفتيك"‪ ،‬فقد كان أمياً‪ ،‬ووحيه غير مكتوب‪ ،‬فيما كانت لبراهيم وموسى صحفاً‪ ،‬كما كان عيسى قارئًا ‪ -‬انظر لوقا‬ ‫‪4/16‬‬ ‫وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النبي القادم منها ما سبق في سفر التثنية " أجعل كلمي في فمه " ‪ -‬التثنية ‪ 18/18‬وما جاء في إشعيا " أو يدفع الكتاب لمن ل يعرف‬ ‫القراءة‪ ،‬فيقال له‪:‬اقرأ‪ ،‬فيقول‪ :‬ل أعرف الكتابة " ‪ -‬إشعيا ‪ 29/12‬وفي غير الترجمة العربية المتداولة " ل أعرف القراءة " وهي تماثل – كما سبق ‪ -‬قول النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم في غار حراء‪ :‬ما أنا بقارئ‬ ‫ثالثاً ‪ :‬كونه مبارك إلى البد‪ ،‬صاحب رسالة خالدة " باركك ال إلى البد‪ ....‬كرسيك يا ال إلى دهر الدهور‬ ‫رابعاً ‪ :‬كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لقامة الحق والعدل " تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار‪ ...‬بجللك اقتحم‪ .‬من أجل الحق والدعة والبر‪ ،‬فتريك يمينك مخاوف‪ .‬نبلك‬ ‫المسنونة في قلب أعداء الملك‪ ،‬شعوب تحتك يسقطون " والمسيح عليه السلم لم يحمل سيفاً ول أسقط أعداءه‪ ،‬ول صوب نبله في قلوب أعدائه لنشر دعوة الحق‪ ،‬كما لم يكن ملكاً‬ ‫في قومه‬ ‫خامساً ‪ :‬وهذا النبي محب للخير‪ ،‬مبغض للثم كحال جميع النبياء‪ ،‬لكن ال فضله عليهم " مسحك ال إلهك بدهن البتهاج أكثر من رفقائك‬ ‫سادساً ‪ :‬يؤتى لهذا النبي بالهدايا لعزه‪ ،‬وبنات الملوك يكن في خدمته أو في نسائه " بنات ملوك بين حظياتك‪ ..‬بنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية‪ "...‬وقد تزوج النبي‬ ‫بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه‪ ،‬كما أهديت إليه مارية القبطية‪ ،‬وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تحت ابنه الحسين‬ ‫سابعًا ‪ :‬تدين له المم بالخضوع وتدخل المم في دينه بفرح وابتهاج " بملبس مطرزة وتحضر إلى الملك‪ ،‬في إثرها عذارى صاحباتها‪ ،‬مقدمات إليك‪ ،‬يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن‬ ‫إلى قصر الملك‬ ‫ثامناً ‪ :‬يستبدل قومه بالعز بعد الذل " عوضاً عن آبائك يكون بنوك‪ ،‬تقيمهم رؤساء في كل الرض‬ ‫تاسعًا ‪ :‬يكتب له الذكر الحميد سائر الدهر " أذكر اسمك دور فدور‪ ،‬من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " فهو أحمد ومحمد صلى ال عليه وسلم‬

‫‪-------------------------------------------------------------------------------‬‬‫ل يبعث ال نبياً إل غاية في الحسن‪ ،‬فذلك أدعى لتصديقهم وعدم عيبهم بخلقهم‪ ،‬وقد وصف رسول ال عيسى عليه السلم خصوصاً بأنه كان غاية في الحسن‪ ،‬فقد رآه في رؤيا عند‬ ‫الكعبة " فرأيت رجلً آدم كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال‪ ،‬له لـمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم‪ ،‬قد رجلها‪ ،‬فهي تقطر ما ًء …فسألت‪:‬من هذا؟ فقيل‪ :‬هذا هو المسيح بن مريم‬ ‫" (رواه مسلم ح ‪)1( )169‬‬ ‫المسيح يبشر بالبارقليط _‬ ‫لكن أعظم بشارات العهد الجديد بالنبي الخاتم هي نبوءات المسيح عن البارقليط‬ ‫وينفرد يوحنا في إنجيله بذكر هذه البشارات المتوالية من المسيح بهذا النبي المنتظر‪ ،‬حيث يقول المسيح موصي ًا تلميذه‪:‬‬ ‫" إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ ،‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم معزيًا آخر‪ ،‬ليمكث معكم إلى البد‪ ،‬روح الحق الذي ل يستطيع العالم أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم‬ ‫فتعرفونه لنه ماكث معكم‪ ،‬ويكون فيكم‪ ...‬إن أحبني أحد يحفظ كلمي‪ ،‬ويحبه أبي وإليه نأتي‪ ،‬وعنده نصنع منـزلً الذي ل يحبني ل يحفظ كلمي والكلم الذي تسمعونه ليس لي بل‬ ‫للب الذي أرسلني بهذا كلمتكم وأنا عندكم وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الب فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم …قلت لكم الن قبل أن يكون‪ ،‬حتى متى كان‬

‫تؤمنون ل أتكلم أيضاً معكم كثيرًا لن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء "‪-‬يوحنا ‪30–14/15‬‬ ‫وفي الصحاح الذي يليه يعظ المسيح تلميذه طالباً منهم حفظ وصاياه‪ ،‬ثم يقول‪ " :‬متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الب‪ ،‬روح الحق الذي من عند الب ينبثق‪ ،‬فهو يشهد‬ ‫لي‪ ،‬وتشهدون أنتم أيضاً لنكم معي في البتداء قد كلمتكم بهذا لكي ل تعثروا‪ ،‬سيخرجونكم من المجامع‪ ،‬بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة ل‪ ....‬قد مل الحزن‬ ‫قلوبكم‪ ،‬لكني أقول لكم الحق‪ :‬إنه خير لكم أن أنطلق‪ ،‬لنه إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزي‪ ،‬ولكن إن ذهبت أرسله إليكم‬ ‫ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة‪ ،‬أما على خطية فلنهم ل يؤمنون بي‪ ،‬وأما على بر فلني ذاهب إلى أبي ول ترونني أيضاً‪ ،‬وأما على دينونة فلن رئيس‬ ‫هذا العالم قد دين‪ .‬إن لي أمورًا كثيرة أيضاً لقول لكم‪ ،‬ولكن ل تستطيعون أن تحتملوا الن‪ ،‬وأما متى جاء ذاك‪ ،‬روح الحق‪ ،‬فهو يرشدكم إلى جميع الحق‪ ،‬لنه ل يتكلم من نفسه بل‬ ‫كل ما يسمع يتكلم به‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية‪ ،‬ذاك يمجدني لنه يأخذ مما لي ويخبركم" ‪ -‬يوحنا ‪16/14 - 15/26‬‬

‫البارقليط عند النصارى‬ ‫يجيب النصارى بأن التي هو روح القدس الذي نزل على التلميذ يوم الخمسين ليعزيهم في فقدهم للسيد المسيح‪ ،‬وهناك " صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة‪،‬‬ ‫ومل كل البيت حيث كانوا جالسين‪ ،‬وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار‪ ،‬واستقرت على كل واحد منهم‪ ،‬وامتل الجميع من الروح القدس‪ ،‬وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما‬ ‫أعطاهم الروح أن ينطقوا " ‪ -‬أعمال ‪4 - 2/1‬‬ ‫ول تذكر أسفار العهد الجديد شيئاً ‪ -‬سوى ما سبق ‪ -‬عن هذا الذي حصل يوم الخمسين من قيامة المسيح‪ .‬يقول النبا أثناسيوس في تفسيره لنجيل يوحنا‪ " :‬البارقليط هو روح ال‬ ‫القدوس نفسه المعزي‪ ،‬البارقليط‪ :‬المعزي " الروح القدس الذي يرسله الب باسمي " ‪ -‬يوحنا ‪ ،14/26‬وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين ‪ -‬أعمال ‪ 4 - 2/1‬فامتلوا به وخرجوا‬ ‫للتبشير‪ ،‬وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين‪ ،‬وهو هبة ملزمة لليمان والعماد‬ ‫البارقليط عند المسلمين‬ ‫ويعتقد المسلمون أن ما جاء في يوحنا عن المعزي‪ ،‬إنما هو بشارة المسيح بنبينا صلى ال عليه وسلم وذلك يظهر من أمور‬ ‫منها لفظة " المعزي " لفظة حديثة استبدلتها التراجم الجديدة للعهد الجديد‪ ،‬فيما كانت التراجم العربية القديمة (‪1820‬م‪1831 ،‬م‪1844 ،‬م) تضع الكلمة اليونانية (البارقليط) كما‬ ‫هي‪ ،‬وهو ما تصنعه كثير من التراجم العالمية‬ ‫وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول‪ :‬إن هذا اللفظ اليوناني الصل‪ ،‬ل يخلو من أحد حالين‬ ‫الول أنه "باراكلي توس"‪ .‬فيكون بمعنى‪ :‬المعزي والمعين والوكيل‬ ‫والثاني أنه " بيروكلوتوس "‪ ،‬فيكون قريباً من معنى‪ :‬محمد وأحمد‬ ‫ل يصير "بيركليت"‪ ،‬ومعناه‪ :‬الحمد أو الشكر‪ ،‬وهو قريب من لفظ أحمد‬ ‫ويقول أسقف بني سويف النبا أثناسيوس في تفسيره لنجيل يوحنا " إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قلي ً‬ ‫ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة‪ -‬عن معنى كلمة " بيركلوتس " فيقول‪ " :‬الذي له حمد كثير‬ ‫ومما يؤكد خطأ الترجمة أن اللفظة اليونانية (بيركلوتس ) اسم ل صفة‪ ،‬فقد كان من عادة اليونان زيادة السين في آخر السماء‪ ،‬وهو ما ل يصنعونه في الصفات‬ ‫ويرى عبد الحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط " غير صحيح‪ ،‬فإن كلمة بارقليط اليونانية ل تفيد أياً من هذه المعاني‪،‬‬ ‫فالمعزي في اليونانية يدعى (باركالوف أو باريجوريس)‪ ،‬والمحامي تعريب للفظة (سانجرس)‪ ،‬وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة " ميديتيا "‪ ،‬وعليه فعزوف الكنيسة عن‬ ‫معنى الحمد إلى أي من هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف‪ .‬يقول الدكتور سميسون كما في كتاب "الروح القدس أو قوة في العالي"‪" :‬السم المعزي ليس ترجمة دقيقة جداً"‬ ‫ومما سبق يتضح أن ثمة خلف ًا بين المسلمين والنصارى في الصل اليوناني لكلمة " بارقليط " حيث يعتقد المسلمون أن أصلها " بيركلوتوس " وأن ثمة تحريفاً قام به النصارى‬ ‫لخفاء دللة الكلمة على اسم النبي أحمد‪ :‬الذي له حمد كثير‬ ‫ومثل هذا التحريف ل يستغرب وقوعه في كتب القوم‪ ،‬ففيها من الطوام مما يجعل تحريف كلمة " البيرقليط " من السهل الهين‬ ‫كما أن وقوع التصحيف والتغير في السماء كثير عند الترجمة بين اللغات وفي الطبعات‪ ،‬فاسم "بارباس" في الترجمة البروتستانتية هو في نسخة الكاثوليك "بارابا" وكذا (المسيا‪،‬‬ ‫ماشيح) و(شيلون‪ ،‬شيلوه) وسوى ذلك‪ ،‬وكلمة "البارقليط" مترجمة عن السريانية لغة المسيح الصلية فل يبعد أن يقع مثل هذا التحوير حين الترجمة‬ ‫ولجلء التحريف في هذه الفقرة فإن أدوين جونس في كتابه " نشأة الديانة المسيحية " يعترف بأن معنى البارقليط‪ :‬محمد‪ ،‬لكنه يطمس اعترافه بكذبة ل تنطلي على أهل العلم‬ ‫ل منهم بعد ظهور السلم وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين‬ ‫والتحقيق‪ ،‬فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا السم في إنجيل يوحنا جه ً‬ ‫البارقليط بشر نبي‪ ،‬وليس روح القدس‬ ‫وأيًا كان المعنى للبارقليط‪ :‬أحمد أو المعزي فإن الوصاف والمقدمات التي ذكرها المسيح للبارقليط تمنع أن يكون المقصود به روح القدس‪ ،‬وتؤكد أنه كائن بشري يعطيه ال النبوة‪.‬‬ ‫وذلك واضح من خلل التأمل في نصوص يوحنا عن البارقليط‬ ‫فإن يوحنا استعمل في حديثه عن البارقليط أفعالً حسية (الكلم‪ ،‬والسمع‪ ،‬والتوبيخ) في قوله‪ " :‬كل ما يسمع يتكلم به " وهذه الصفات ل تنطبق على اللسنة النارية التي هبت على‬ ‫التلميذ يوم الخمسين‪ ،‬إذ لم ينقل أن اللسنة تكلمت يومذاك بشيء‪ ،‬والروح غاية ما يصنعه اللهام القلبي‪ ،‬وأما الكلم فهو صفة بشرية‪ ،‬ل روحية‬ ‫وقد فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنه بشارة بكائن بشري‪ ،‬وادعى مونتنوس في القرن الثاني (‪187‬م) أنه البارقليط القادم‪ ،‬ومثله صنع ماني في القرن الرابع فادعى أنه البارقليط‪،‬‬ ‫وتشبه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذاً وسبعون أسقف ًا أرسلهم إلى بلد المشرق‪ ،‬ولو كان فهمهم للبارقليط أنه القنوم الثالث لما تجرؤوا على هذه الدعوى‬

‫ومن صفات التي أنه يجيء بعد ذهاب المسيح من الدنيا‪ ،‬فالمسيح وذلك الرسول المعزي ل يجتمعان في الدنيا‪ ،‬وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المعزى ل يمكن أن يكون الروح القدس‬ ‫الذي أيد المسيح طيلة حياته‪ ،‬بينما المعزي ل يأتي الدنيا والمسيح فيها " إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزي‬ ‫وروح القدس سابق في الوجود على المسيح‪ ،‬وموجود في التلميذ من قبل ذهاب المسيح‪ ،‬فقد كان شاهدًا عند خلق السماوات والرض (انظر التكوين ‪ )1/2‬كما كان له دور في ولدة‬ ‫عيسى حيث أن أمه " وجدت حبلى من الروح القدس " ‪ -‬متى ‪1/18‬‬ ‫كما اجتمعا سوياً يوم تعميد المسيح‪ ،‬حين "نـزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لوقا ‪ )3/22‬فالروح القدس موجود مع المسيح وقبله‪ ،‬وأما المعزي " إن لم أنطلق ل‬ ‫يأتيكم " فهو ليس الروح القدس‬

‫ومما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع المسيح‪ ،‬والمسيح كان بشراً‪ ،‬وهو يقول عنه‪" :‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم معزياً آخر"‪ ،‬وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة‬ ‫‪ allon‬وهي تستخدم للدللة على الخر من نفس النوع‪ ،‬فيما تستخدم كلمة ‪ hetenos‬للدللة على آخر من نوع مغاير‪ .‬وإذا قلنا إن المقصود من ذلك رسول آخر أصبح كلمنا معقولً‪،‬‬ ‫ونفتقد هذه المعقولية إذا قلنا‪ :‬إن المقصود هو روح القدس الخر‪ ،‬لن روح القدس واحد وغير متعدد‬ ‫ثم إن التي عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلميذ‪ ،‬لذا فإن المسيح يكثر من الوصية باليمان به وأتباعه‪ ،‬فيقول لهم‪ " :‬إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي "‪ ،‬ويقول‪ " :‬قلت لكم‬ ‫قبل أن يكون‪ ،‬حتى إذا كان تؤمنوا " ويؤكد على صدقه فيقول‪ " :‬ل يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به‬ ‫فكل هذه الوصاة ل معنى لها إن كان التي هو الروح القدس‪ ،‬حيث نزل على شكل ألسنة نارية‪ ،‬فكان أثرها في نفوسهم معرفتهم للغات مختلفة‪ ،‬فمثل هذا ل يحتاج إلى وصية لليمان‬ ‫به والتأكيد على صدقه‬

‫وروح القدس وفق كلم النصارى إله مساو للب في ألوهيته‪ ،‬وعليه فهو يقدر أن يتكلم من عند نفسه‪ ،‬وروح الحق التي " ل يتكلم من نفسه‪ ،‬بل كل ما يسمع يتكلم به‬ ‫ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط‪ ،‬فقد قال المسيح لهم‪ " :‬إن لي أمورًا كثيرة أيض ًا لقول لكم‪ ،‬ولكن ل تستطيعون أن تحتملوا الن‪ ،‬وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو‬ ‫يرشدكم إلى جميع الحق "‪ ،‬فثمة أمور يخبر بها هذا النبي ل يستطيع التلميذ إدراكها‪ ،‬لن البشرية لم تصل لحالة الرشد في فهم هذا الدين الكامل الذي يشمل مناحي الحياة المختلفة‪،‬‬ ‫ومن غير المعقول أن تكون إدراكات التلميذ قد اختلفت خلل عشرة أيام من صعود المسيح إلى السماء‪ ،‬وليس في النصوص ما يدل على مثل هذا التغيير‬ ‫بل إن النصارى ينقلون عنهم أنهم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيراً من أحكام الشريعة وأحلوا المحرمات‪ ،‬فسقوط الحكام عندهم أهون من زياد ٍة ما كان يحتملونها ويطيقونها‬ ‫ك قَوْ ًل َثقِيلً ‪ -‬سورة المزمل آية ‪5‬‬ ‫عَل ْي َ‬ ‫س ُن ْلقِي َ‬ ‫زمن المسيح‪ .‬فالبارقليط يأتي بشريعة ذات أحكام تثقل على المكلفين الضعفاء‪ ،‬كما قال ال‪ِ :‬إنّا َ‬

‫كما أن المسيح أخبر أنه قبل أن يأتي البارقليط " سيخرجونكم من المجامع‪ ،‬بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة ل"‪ ،‬وهذا المر إنما حصل بعد الخمسين‪ ،‬واستمر‬ ‫الضطهاد بأتباع المسيح حتى ندر الموحدون قبيل ظهور السلم‬ ‫وذكر يوحنا أن المسيح خبّر تلميذه بأوصاف البارقليط‪ ،‬والتي لم تتمثل بالروح القدس الحال على التلميذ يوم الخمسين‪ ،‬فهو شاهد تنضاف شهادته إلى شهادة التلميذ في المسيح "‬ ‫فهو يشهد لي‪ ،‬وتشهدون أنتم أيضًا " فأين شهد الروح القدس للمسيح؟ وبم شهد؟‬ ‫علَى َم ْريَمَ‬ ‫بينا نجد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم شهد للمسيح بالبراءة من الكفر وادعاء اللوهية والبنوة ل‪ ،‬كما شهد ببراءة أمه مما رماها به اليهود ال َوبِ ُك ْفرِهِمْ َو َق ْوِلهِمْ َ‬ ‫عظِيماً ‪ -‬سورة النساء آية ‪156‬‬ ‫ُب ْهتَاناً َ‬

‫وأخبر المسيح عن تمجيد التي له‪ ،‬فقال‪" :‬ذاك يمجدني‪ ،‬لنه يأخذ مما لي ويخبركم" ولم يمجد المسـيح أحد ظـهر بعده كما مجده نبي السلم ‪ ،‬فقد أثنى عليه وبين فضله على سائر‬ ‫العالمين‬ ‫هذا ولم ينقل لنا أي من أسفار العهد الجديد أن روح القدس أثنى على المسيح أو مجده يوم الخمسين‪ ،‬حين نزل على شكل ألسنة نارية‬

‫وأخبر المسيح أن البارقليط يمكث إلى البد‪ ،‬أي دينه وشريعته‪ ،‬بينا نجد أن ما أعطيه التلميذ من قدرات يوم الخمسين ‪ -‬إن صح ‪ -‬اختفت بوفاتهم‪ ،‬ولم ينقل مثله عن رجالت الكنيسة‬ ‫بعدهم وأما رسولنا صلى ال عليه وسلم فيمكث إلى البد بهديه ورسالته‪ ،‬وإذ ل نبي بعده ول رسالة‬ ‫كما أن البارقليط " يذكركم بكل ما قلته لكم " وليس من حاجة بعد رفعه بعشرة أيام إلى مثل هذا التذكير‪ ،‬ولم ينقل العهد الجديد أن روح القدس ذكرهم بشيء‪ ،‬بل إنا نجد كتاباتهم‬ ‫ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل التي يذكرها غيره‪ ،‬بينما ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر ال التي‬ ‫أنزلها على أنبيائه ومنهم المسيح عليه السلم‬ ‫والبارقليط له مهمات لم يقم بها الروح القدس يوم الخمسين فهو " متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية‪ ،‬وعلى بر‪ ،‬وعلى دينونة " ولم يوبخ الروح القدس أحداً يوم الخمسين‪ ،‬بل‬ ‫هذا هو صنيع رسول ال صلى ال عليه وسلم مع البشرية الكافرة‬ ‫ويرى عبد الحد داود أن التوبيخ على البر قد فسره المسيح بقوله بعده‪ " :‬وأما على بر فلني ذاهب إلى أبي ول ترونني " ومعناه أنه سيوبخ القائلين بصلبه المنكرين لنجاته من كيد‬ ‫أعدائه‪ ،‬وقد أخبرهم أنه سيطلبونه ولن يجدوه‪ ،‬لنه سيصعد إلى السماء‪ " ،‬يا أولدي أنا معكم زماناً قليلً بعد‪ ،‬ستطلبونني‪ ،‬وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا ل تقدرون أنتم أن تأتوا‪،‬‬ ‫أقول لكم أنتم الن‪ - ".....‬يوحنا ‪ 13/32‬كما سيوبخ النبي التي الشيطان ويدينه بما يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة فلن رئيس هذا العالم قد دين‬ ‫وصفة التوبيخ ل تناسب من سمي بالمعزي‪ ،‬وقيل بأنه جاء إلى التلميذ يعزيهم بفقد سيدهم ونبيهم‪ .‬فالعزاء إنما يكون في المصائب‪ ،‬والمسيح كان يبشرهم بذهابه ومجيء التي بعد‬ ‫ثم إن العزاء إنما يكون حين المصيبة وبعدها بقليل‪ ،‬وليس بعد عشرة أيام (موعد نزول الروح القدس على التلميذ) ثم لماذا لم يقدم المعزي القادم العزاء لم المسيح‪ ،‬فقد كانت أولى‬ ‫به‬ ‫ثم ل يجوز للنصارى أن يعتبروا قتل المسيح على الصليب مصيبة‪ ،‬إذ هو برأيهم سبب الخلص والسعادة البدية للبشرية‪ ،‬فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة‪ ،‬وإصرار النصارى على أن‬ ‫التلميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء والخلص‪.‬‬

‫ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط‪ ،‬فكل صفات البارقليط صفات لنبي يأتي بعد عيسى‪ ،‬وهو النبي الذي بشر به موسى عليه السلم‪ ،‬فالبارقليط " ل‬ ‫يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به " وكذا الذي بشر به موسى " أجعل كلمي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به "‪ ،‬وهو وصف النبي صلى ال عليه و سلم كما قال ال ‪":‬وَمَا‬ ‫شدِيدُ ا ْل ُقوَى" (سورة النجم آيات من ‪ 3‬إلى ‪) 5‬‬ ‫علّ َمهُ َ‬ ‫ي يُوحَى {‪َ }4‬‬ ‫عنِ ا ْل َهوَى {‪ِ }3‬إنْ ُهوَ إِ ّل َوحْ ٌ‬ ‫ق َ‬ ‫يَنطِ ُ‬ ‫بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد في القرآن والسنة تقول بأن الرسول صلى ال عليه وسلم هو صاحب هذه النبوءة‪ ،‬إذ هو الشاهد للمسيح‪ ،‬وهو المخبر بالغيوب‪ ،‬الذي ل نبي‬ ‫بعده‪ ،‬وقد ارتضى ال دينه إلى قيام الساعة ديناً‬

‫محمد عليه الصلة والسلم في نبوءات أشعياء _‬ ‫يكاد سفر أشعياء أن يكون في مجموعه – فيما خل بعض روايات الحداث – مجموعة من النبوءات‪ ،‬منها ما يرى فيه أهل الكتاب من يهود ونصارى إنه تنبؤ بميلد المسيح عليه‬ ‫السلم وهو قوله‪" :‬ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل‪ ،‬زبدا وعسل يأكل متي عرف أن يرفض الشر ويختار الخير"‬ ‫أشعياء‪:‬الصحاح السابع‪14 :‬و ‪15‬‬ ‫وقد كان إيمان من آمن بالمسيح عليه السلم من اليهود اقتناعا منهم بأنه النبي الذى تنبأ بمولده أشعياء في هذا النص من سفره‪ ،‬لكونه ولد من عذراء ولما تحقق علي يديه بإذن ال‬ ‫من المعجزات التي أخبر عنها أشعياء‪ ،‬وكان كفران سائر اليهود دعوته وإنكارهم أنه المسيح الذى تنبأ به أشعياء مستندا – في قولهم إلي عدم ظهور "إيليا" – وهو علمة على‬ ‫مجيئه – قبل بعثته‪،‬وهو ما أنكره عليهم المسيح عليه السلم مخبرا أنه يوحنا المعمدان " يحيي بن زكريا عليه السلم"‪ ،‬فقد جاء في إنجيل لوقا ‪ " :‬كانت كلمة ال علي يوحنا‬ ‫المعمدان " يحيي بن زكريا عليه السلم" ‪ ،‬فقد جاء في إنجيل لوقا ‪ " :‬كانت كلمة ال علي يوحنا بن زكريا في البرية فجاء إلي جميع الكورة المحيطة بالردن يكرز بمعمودية التوبة‬ ‫لمغفرة الخطايا‪ ،‬كما هو مكتوب في سفر أقوال أشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة" ‪ -‬لوقا‪ :‬الصحاح الثالث ‪ :‬من ‪ 2‬إلي ‪4‬‬ ‫وقد ورد في سفر أشعياء العديد من النبوءات التي تبشر بمولد رسول ال محمد عليه الصلة والسلم‪ ،‬وببعثه رسول يهدى للحق وللدين الذى بعث به‪ ،‬نجيزئ منها التي‪:‬‬ ‫النبوءة الولى ‪:‬‬ ‫جاء فى سفر أشعياء قولة‪ " :‬لنه هكذا قال لي السيد‪ ،‬اذهب أقم الحارس ليخبر بما يرى‪ ،‬فرأى أزواج ركاب فرسان‪ ،‬ركاب حمير‪ ،‬فأصغى إصغاء شديداً‪ ،‬ثم صرخ كأسد أيها السيد أنا‬ ‫قائم علي المرصد دائمًا في النهار وأنا واقف علي المحرس كل الليالي‪ ،‬وهو ذا ركاب من الرجال أزواج من الفرسان‪ ،‬فأجاب وقال سقطت‪ ،‬سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوته‬ ‫كسرها إلى الرض" (أشعياء الصحاح الحادى والعشرون‪ :‬من ‪6‬إلي ‪.)9‬‬ ‫وفي هذا القول تنبؤ ببعثة نبيين رسولين أحدهما يدخل مدينته راكبا حمارا‪ ،‬والخر يدخلها علي جمل‪ ،‬وقد دخل المسيح عليه السلم أورشليم على حمار‪ " :‬حينئذ أرسل يسوع‬ ‫تلميذين قائل لهما اذهبا الي القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشا معها فحلهما وائتياني بهما‪ ،‬وإن قال لكما أحد شيئا فقول الرب محتاج إليهما‪ ،‬فللوقت‬ ‫يرسلهما ‪ ،‬فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل قولوا لبنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعا راكباً علي أتان وجحش ابن أتان" (إنجيل متي ‪ :‬الصحاح الحادي والعشرون ‪ :‬من‬ ‫‪ 1‬إلي ‪ ،)5‬كذلك فقد دخل محمد عليه الصلة والسلم يثرب علي ناقته القصواء" وبدعوته تحطمت الصنام والتماثيل التي كانت تعبد من دون ال‪ .‬فيكون الرسولن اللذان تنبأ أشعياء‬ ‫بهما هما المسيح عيسي ابن مريم ومحمد عليهما الصلة والسلم‪.‬‬ ‫النبوءة الثانية ‪:‬‬ ‫وجاء في سفر أشعياء قوله‪ " :‬في الوعر في بلد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين‪ ،‬هاتوا ماء لملقاة العطشان ياسكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه‪ ،‬فإنهم من أمام السيف قد‬ ‫هربوا‪ ،‬من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب‪ ،‬فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الجير يفني كل مجد قيدار‪ ،‬وبقية عدد قسى أبطال بني‬ ‫قيدار تقل لن الرب إله إسرائيل قد تكم " (أشعياء‪ :‬الصحاح الحادي والعشرون‪ :‬من ‪ 13‬إلي ‪.)17‬‬ ‫وما جاء في هذا القول هو تنبؤ بهجرة رســول ال صلى ال عليه و سلم من مكـة إلي المدينة المنورة‪ ،‬فالدادنييون الذين ورد ذكرهم في النص هم المنتسبون إلي دادان وهو أحد‬ ‫أجداد قريش من نسل إسماعيل عليه السلم‪ ،‬والوعر من بلد العرب هو الطريق الذى بين مكة والمدينة المنورة‪ ،‬والمر الصادر في النبوءة إلي أهل يثرب (المدينة المنورة) بمقابل‬ ‫المهاجرين بالطعام والشراب وبالحسان إليهم قد تحقق بالفعل بما كان من أهل يثرب للمهاجرين‪.‬‬ ‫كذلك وصف أشعياء المهاجرين – في نبوءته – بأنهم قد غادروا أرضهم فرارا بدينهم وبعقيدتهم وأنفسهم هربا من ظلم أعدائمهم‪ ،‬وتضمنت النبوءة وعدا بانتصار أتباع هذا النبي‬ ‫المتنبأ به وفناء المجد الظالم الذى كان يظل أبناء قيدار وهو كفار قريش المنحدرون من قيدار بن بنايوت بن إسماعيل عليه السلم‪ .‬كما تضمنت إخبارا عن نقصان عدد فرسان الكفار‬ ‫بعد سنة من الهجرة أو أكثر من سنة‪ ،‬وذلك لتشبيه هذه السنة بسنه الجير التي يشعر بطولها لما يناله خللها من مشقة‪.‬وقد تحقق هذا إذ قل عدد فرسان كفار مكة وأبطالهم بعد أن‬ ‫آمن كثير منهم برسول ال صلى ال عليه و سلم وبعد أن قتل إله بني إسرائيل فتعليله إنه في الوقت الذى تنبأ فيه أشعياء بأمر هذا النبي لم يكن غير شريعة موسي عليه السلم‬ ‫شريعة ال‪ ،‬وكان الله الواحد الحق هو إله بني إسرائيل أما غيرهم ممن لم يؤمنوا بشريعة موسي عليه السلم فقد كانوا يعبدون آلهة آخرى مثل بعل زبول والصنام والتماثيل‪ ،‬فجاء‬ ‫بيان أن هذا القول هو قول ال سبحانه وتعالي‪.‬‬ ‫النبوءة الثالثة‪:‬‬ ‫وجاء في سفر أشعياء‪ " :‬أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك يدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للمم‪ ،‬تتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن‬ ‫الجالسين ف الظلمة‪ .‬أنا الرب هذا اسمي ومجدى لأعطيه لخر ول تسبيحي للمنحوتات‪ ...‬هو ذا الوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها‪ ،‬قبل أن تنبت أنا أعلمكم بها‪ .‬غنوا للرب‬ ‫أغنية جديدة تسبيحة من أقصي الرض‪ ،‬أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها‪ ،‬لترفع البريه ومدنها صــوتها الديار التي سكــن فيها قيدار‪ .‬لتترنم سكــان سـالع‪ .‬من‬ ‫رؤوس الجبال ليهتفوا‪ .‬ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر‪ ،‬الرب كالجبار يخرج‪ ،‬كرجل حروب ينهض غيرته‪ ،‬يهتف ويصرخ ويقوى علي أعدائه‪ ....‬يخزي خزيا‬ ‫المتكلمون علي المنحــوتات‪ ،‬القائلون للمســبوكات أنت آلهتنا" (أشـعياء‪ :‬الصحاح الثاني والربعون ‪ :‬من ‪ 6‬إلي ‪.)17‬‬ ‫وهذا القول يتضمن الخبار بنبوءتين متتاليتين‪ ،‬إحداهما هي القرب تحققا في الزمان من تاريخ البلغ وقد شملتها اليات من ‪ 6‬إلي ‪ ،8‬وهي النبوءة الخاصة بالمسيح عليه السلم‬ ‫دعاه ال بالبر وحفظه وجعله عهدا للشعب أى لبني إسرائيل‪ ،‬وهو مايعني وصف المسيح عليه السلم دعوته – في البداية – بأنها لهداية بني إسرائيل ثم إن ال جعله نورا للمم‪،‬‬ ‫وفي ذلك إشارة إلي قيام المسيح عليه السلم بتوجيه تلميذه قبل رفعه ليبشروا المم برسالته علي ما جاء في النجيل " وقال لهم اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالنجيل للخليقة‬ ‫كلها" (مرقس الصحاح السادس عشر‪.)15 :‬‬ ‫وبعد ذلك يعلن أشعياء صراحة أن ما أخبر عنه آنفا هو السبق تحققا في عمر الزمان وأنه سيتبعه ما هم مخبر عنه " هو ذا الوليات قد أتت‪ ،‬والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبت‬ ‫أعلمكم بها"‪ .‬أما هذا الذى يخبر به متنبئا فهو مجئ تسبيحه جديدة يرتفع بها الصوت من أرض قيدار‪ .‬وإذا علمنا أن قيدار هو ابن بنايوت إبن إسماعيل عليه السلم وأن أرضه هي‬ ‫مكة المكرمة وأن التسبيحة الجديدة التي ترتفع بها الصوات هي الذان يعلن به عن مواعيد الصلة‬ ‫إذا علمنا هذا فإنه يتأكد لنا أن النبوءة إنما تتعلق برسول ال محمد عليه الصلة والسلم‪ ،‬فإذا أضفنا إلي ذلك ما ذكره أشعياء بشأن الهتاف باسم ال وبتمجيدة من فوق رؤوس الجبال‬ ‫وهذا وصف لتهليل المسلمين وتكبيرهم في الحج لدى الوقوف بجبل عرفات‪ ،‬فإنه يكون محققا لدينا أن الدين الذى بشر به أشعياء هو السلم وأن النبي المبشر به في النبوءة هو‬

‫محمد عليه الصلة والسلم الذى وصفه أشعياء بأنه رجل حرب يقوى علي أعدائه‪ ،‬وقد كان هذا هو حال المصطفي عليه الصلة والسلم الذى تم به القضاء علي عبادة الصنام في‬ ‫أرض رسالته كما جاء في النبوءة‪.‬‬ ‫النبوءة الرابعة ‪:‬‬ ‫وجاء في ذات السفر‪ " :‬ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد‪ ،‬أشيدى بالترنم أيتها التي لم تمخض لن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قال الرب‪ ،‬أوسعي مكان خيمتك ولتبسط‬ ‫شقق مساكنك‪ .‬لتمسكي‪ ،‬أطيعي أطنابك وشددى أوتادك‪ ،‬لنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار‪ ،‬ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة‪ .‬ل تخافي لنك لتستحين‪ ،‬فإنك تنسين خزي صباك‪،‬‬ ‫وعار ترملك ل تذكرينه بعد لن بعلك هو صانعك رب الجنود أسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الرض يدعو ‪ ..‬أيتها الذلية المضطربة غير المتعزية هأنذار أبني بالثمد حجارتك‬ ‫وبالياقوت الزرق أؤسسك‪ ،‬وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية‪ ،‬وكل تخومك حجارة كريمة‪ ،‬وكلي بيتك تلميذ الرب وسلم بنيك كثيرا‪ .‬بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فل‬ ‫تخافين وعن الرتعاب فل يدنومنك ‪ .‬ها إنهم يجمتعون اجتماعا ليس من عندى‪ ،‬من اجتمع عليك فإليك يسقط‪ .‬ها أنذا قد خلقت الحداد الذى ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله وأنا‬ ‫خلقت المهلك ليخرب‪ .‬كل آلة صورت ضدك ل تنجح‪ ،‬وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه‪ .‬هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندى يقول الرب" (أشعياء الصحاح‬ ‫الرابع والحمسون‪:‬من ‪ 1‬إلي ‪.)17‬‬ ‫إننا نعلم أن النبياء يتكلمون فى نبوءاتهم بالرمز والمثال فإذا ماتدبرنا هذا القول وعلمنا أحوال البلد والعباد من قبل زمان هذه النبوءة إلى اليوم فإننا ندرك التي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬أن العاقر التي لم تلد – المذكورة فى النبوءة – هي مكة المكرمة‪ ،‬وصفت بأنها عاقر لنها لم تخرج من بعد إسماعيل عليه السلم الذى جاءها طفل مع أمه هاجر دون أن يكون‬ ‫قد نبت بها إلي زمان النبوءة أنبياء‪ ،‬وإسماعيل عليه السلم هو ابن المستوحشة التي هجرها زوجها‪ ،‬ونسله هم العرب العدنانيون فهم – في النبوءة – أبناء المستوحشة الذين‬ ‫ذكرتهم النبوءة بأنهم يصيرون أكثر من بني "ذات البعل" وهي سارة التي بقي معها إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ومن أبنائها بنو إسرائيل‪ ،‬والمعني إن وصف مكة بالعاقر قد جاء في‬ ‫مقارنة مستترة بالقدس أو أورشليم التي أنجبت النبياء‪ .‬وقد بشرت النبوءة مكة أو العاقر بأنها تمتد يمنا وشمال وبأن أبناءها سيرثون أمما ويعمرون مدنا خربة‪ ،‬وذلك فى بشارة‬ ‫بانتشار الدين الذى تبدأ دعوته في مكة لتنتشر في أنحاء العالم فتعمر به النفوس الخربة بجهالة الكفر والشـرك‪ ،‬وفـي النبوءة طلب من مكة أن تسبح ال وتحمده علي ما أولها من‬ ‫نعمة كونها أم المبعوث رحمة للعاملين‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أن القول – في النبوءة – إن بعل العاقر هو صانعها رب الجنود اسمه‪ ،‬وإنه يدعي من بعد إله كل الرض‪ ،‬إنما يعني أن راعي مكة هو خالقها ال الذى كان اليهود يسمونه "رب‬ ‫الجنود" في تمييز بينه وبين ماتعبد سائر الشعوب من آلهة‪ ،‬كذلك فإن قول النبوءة إنه سيدعي " إله كل الرض" يتضمن الشارة إلي عالمية الدعوة للدين الذى يظهر نبيه من مكة‬ ‫فل يعود الرب إله بني إسرائيل وحدهم وإنما إله جميع المعبود في جميع أنحاء الكون‪.‬‬ ‫(‪ )3‬تشير النبوءة إلي الكعبة المشرفة وإلي إعادة بنائها وإلي قدوم المؤمنين بالدين الذى يظهر نبيه في مكة في كثرة إليها‪ ،‬والذين تصفهم النبوءة بأنهم أبناء الرب‪ .‬وهذا هو حال‬ ‫حجاج بيت ال الحرام والمعتمرين وزائرى البيت‪ ،‬كما تشير النبوءة إلي ما سيكون عليه حال مكة من تحريم دخولها علي الكفار والمشركين‪.‬‬ ‫(‪ )4‬تطمئن النبوءة مكة والكعبة المسجد الحرام بحماية ال‪ ،‬وبأنه سيكون اجتماع القوة المادية عليها فيسقط من اجتمعوا عليها‪ ،‬وذلك ما كان – من بعد – من أمر أبرهة وجيشه‬ ‫حين أراد هدم الكعبة‪ ،‬وبأنه سيكون هناك محاجاة بالقول وهجــوم علي الدين الذى يبعــث نبيه من مكة بالكتابة وبالمشافهة وبوسائل العلم المختلفة‪ ،‬وسـيكون النصر لدين ال‬ ‫الذى يتمســك به المؤمنون‪ ،‬وذلك علي ما يبين من قول النبوءة " كل آلهة صــورت ضـدك ل تنجح وكل لســان يقوم عليك في القضــاء تحكمين عليه‪ .‬هذا هــو ميراث عبيد الرب‬ ‫وبرهم من عندى يقول الرب"‪.‬‬ ‫النبوءة الخامسة ‪:‬‬ ‫وجاء أيضا في سفر أشعياء‪ " :‬قومي استنيري لنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك‪ ،‬لنه ها هي الظلمة تغطي الرض والظلم الدامس المم ‪ ،‬أما عليك فيشرق الرب ومجده‬ ‫عليك يري‪ ،‬فتسير المم في نورك والملوك في ضياء إشراقك‪ .‬أرفعي عينيك حواليك وانظري قد اجتمعوا كلهم‪ ،‬جاءوا إليك‪ ،‬يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك علي اليدى‪ .‬حينئذ‬ ‫تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتي إليك غني المم‪ ،‬تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح‬ ‫الرب‪ ،‬كل غنم قيدار تجتمع إليك‪ ،‬كباش بنايوت تخدمك‪ ،‬تصعد مقبولة علي مذبحي وأزين بين جمالي ‪ .‬من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها‪ ،‬إن الجزائر تنتظرني وسفن‬ ‫ترشيش في الون لتأتي ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لسم الرب إلهك وقدوس إسرائيل لنه قد مجدك " (أشعياء ‪ :‬الصحاح الستون‪ :‬من ‪1‬إلي ‪.)9‬‬ ‫وسبحان ال العظيم ليس هناك وصف أدق وأوضح لحال مكة المكرمة والكعبة المشرفة وقت أداء المسلمين فريضة الحج من هذا الوصف الذى ذكره أشعياء عام واحد وسبعمائه قبل‬ ‫الميلد‪ ،‬وهو وصف لحالها منذ أظهر ال دينه إلي اليوم وإلي آخر الزمان‪ .‬فبينما يخيم ظلم الشرك والفكر المادى علي دول العالم فيكون ظلم القوى منها ضعيفها – وليس مثل الظلم‬ ‫ظلم – بينما يكون هذا هو حال العالم يكون المر علي خلفه في مكة المكرمة عند بيت ال الحرام وقت الحج‪ ،‬حيث يلبي المؤمنون الدعوة بالحج فيمل أركانها النور‪ -‬وليس مثل نور‬ ‫اليمان – يمجدون ال‪ ،‬ومنهم الملوك والرؤساء يتساوون ورعاياهم ليستنيرون إل بنور ال وبنور اليمان –‬ ‫ثم يصف أشعياء حال الحجيج فيقول إنهم قد أتوا من أماكن بعيدة‪ ،‬وهم من الكعبة المشرفه بيت ال بمنزلة البن من أمه – علي ما جري عليه وصف المؤمنين في العهد القديم بأنهم‬ ‫أبناء ال – فيكون لمكة المكرمة – مهد الرسالة – أن تفرح بقدوم الحجيج من أقاصي الرض معهم الموال والبضائع فيكون في الحج أداء الفريضة وتمجيد ال كما يكون فيه تحقيق‬ ‫ك ِرجَالً‬ ‫ج يَ ْأتُو َ‬ ‫س بِا ْلحَ ّ‬ ‫المصالح المادية والمالية " كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب " وهو ما صدق به في القرآن العظيم في قوله تعالي ‪ :‬وََأذّن فِي النّا ِ‬ ‫علَى مَا َرزَ َقهُم مّن َبهِي َمةِ ا َلْنْعَامِ ‪ -‬سورة الحج آيتا ‪27‬و ‪28‬‬ ‫لّ فِي َأيّامٍ مّ ْعلُومَاتٍ َ‬ ‫ش َهدُوا َمنَافِعَ َلهُ ْم َو َيذْ ُكرُوا اسْمَ ا ِ‬ ‫عمِيقٍ {‪ِ }27‬ليَ ْ‬ ‫علَى ُك ّل ضَا ِمرٍ َي ْأتِينَ مِن ُك ّل فَجّ َ‬ ‫َو َ‬ ‫ويقطع بأن نبوءة أشعياء تعلقت بحال مكة المكرمة وقت الحج وصفه ما يكون من إحضار أغنام قيدار – وهو علي ما علمنا حفيد إسماعيل عليه السلم جد العرب العدنانيين‪ -‬وكذا ما‬ ‫يكون من التضحية بكباش بنايوت – وهو علي ما علمنا ابن إسماعيل عليه السلم – وقد ذكرت نبوءة أشعياء أن هذه الكباش وتلك الغنام تصعد مقبولة إلي مذبح الرب‪ ،‬وذلك في‬ ‫تعبير عن نحر الضاحي في الحج من بعد الصلة‪.‬‬ ‫وعلي هذا فإن النبوءة تعلن أن مسرح هذه الحداث هو أرض أبناء بنايوت وأبناء قيدار من جزيرة العرب وليس أرضا غيرها‪ ،‬ثم إن النبوءة تبلغ ذورة الدقة عندما تصف كيفية‬ ‫حضور الحجيج من جميع أنحاء العالم قريبها وبعيدها إلي الراضي المقدسة لداء فريضة الحج‪ ،‬فتقول إن منهم من يأتي طائرا‪ -‬وجاء هذا القول في وقت لم يكن فيه أحد يتخيل أنه‬ ‫ستكون هناك طائرات تستخدم في التنقل – وأن منهم من يأتي بطريق البحر‪ ،‬ومنهم من يأتي بطريق البر راكباً أو راجل " من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها‪ ،‬إن‬ ‫الجزائر تنتظرني‪ ،‬وسفن ترشيش في الول لتأتي ببنيك من بعيد" ثم توضح النبوءة أن حجاج بيت ال الحرام قد أنفقوا الموال من أجل أداء فريضة ال الذى أكرم مكة بظهور‬ ‫رسوله عليه الصلة والسلم منها وعظم بيته‪ ،‬وهو ال الحق الذى بارك إسرائيل (يعقوب) عليه السلم من قبل‪.‬‬ ‫محمد عليه الصلة والسلم في نبوءة حبقوق ‪:‬‬ ‫جاء في سفر حبقوق‪ " :‬ال جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران‪ ،‬جلله غطي السماوات والرض امتلت من تسبيحه" (حبقوق ‪ :‬الصحاح الثالث ‪.)3 :‬‬ ‫وهذه النبوءة تذكر واقع نزول الشريعة اليهودية علي موسي عليه السلم في سيناء (أرض تيمان) وتعـلم بنزول القــرآن علي رســول ال صلى ال عليه و سلم في مكة ‪-‬وهي برية‬ ‫فاران – وأنه بظهور دين الحق الذى ينبلج نوره من مكة المكرمة تتحقق عبادة ال وتمتلئ الرض بالتسبيح له‪.‬‬

‫من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الرض المباركة؟ _‬

‫تتحدث التوراة عن قصة أمر ال إبراهيم بذبح ابنه الوحيد‪ ،‬وبدلً من أن تسميه إسماعيل فإنها سمته إسحاق‪ ،‬وطبقاً لهذا التغيير تغير الزمان والمكان الذي جرت به القصة‬ ‫ومما جاء في القصة التوراتية " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق‪ ،‬واذهب به إلى أرض المريا‪ ...‬فلما أتيا الموضع‪ ....‬ل تمد يدك إلى الغلم‪ ،‬ول تفعل به شيئاً‪ ،‬لني ال علمت أنك‬ ‫خائف ال فلم تمسك ابنك وحيدك عني‪ ....‬فدعا إبراهيم ذلك الموضع‪" :‬يهوه يراه" حتى إنه يقال اليوم‪ :‬في جبل الرب يرى‪ ...‬يقول الرب‪ :‬إني من أجل أنك فعلت هذا المر ولم تمسك‬ ‫ابنك وحيدك أباركك مباركة‪ - " ......‬التكوين ‪18 - 22/1‬‬ ‫وفيما تقدم عدة بشارات تبشر بمجيء النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونرى يد التحريف والعنصرية تحاول طمس هذه البشارات فمن التحريف البين إدراج اسم إسحاق الذي لم يكن‬ ‫وحيدًا لبراهيم قط‪ ،‬وقد تكرر وصف الذبيح بالوحيد ثلث مرات‪ ،‬وقد رأينا أن إسماعيل كان و‪-‬حيداً لبراهيم أربع عشرة سنة‬ ‫والبكورية لسماعيل محفوظة وإن كان ابن هاجر ‪-‬مولة سارة‪ -‬التي اتخذها زوجة فيما بعد‪ ،‬فمنزلة الم ل تؤثر في بكورية البن ول منزلته‪ ،‬وقد جاء في التوراة‪ " :‬إذا كان لرجل‬ ‫امرأتان إحداهما محبوبة‪ ،‬والخرى مكروهة‪ ،‬فإن كان البن البكر للمكروهة‪ ،‬فيوم يقسم لبنيه ما كان له ل يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكرًا على ابن المكروهة البكر بل يعرف ابن‬ ‫المكروهة بكرًا ليعطيه نصيب اثنين في كل ما يوجد عنده‪ ،‬لنه هو أول قدرته له حق البكورية " ‪ -‬التثنية ‪17 - 21/15‬‬ ‫ومما يبطل أن يكون الذبيح إسحاق أن إبراهيم قد وعد فيه بالبركة والذرية منه قبل ولدته‪ ،‬وأنه سيكون كعدد نجوم السماء ‪ -‬انظر التكوين ‪ 17/21‬فالمر بذبحه ل ابتلء فيه‪ ،‬لنه‬ ‫يعلم أنه سيكون لهذا البن نسل مبارك‬ ‫وهو ما صرح به المسيح حسب إنجيل برنابا الذي نذكر الستشهاد به استئناساً فقط فقد قال له التلميذ‪ :‬يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى‪ :‬إن العهد صنع بإسحاق؟‬ ‫أجاب يسوع متأوهاً‪ :‬هذا هو المكتوب‪ ،‬ولكن موسى لم يكتبه ول يشوع‪ ،‬بل أحبارنا الذين ل يخافون ال‪ .‬الحق أقول لكم‪ :‬إنكم إذا أكملتم النظر في كلم الملك جبريل تعلمون خبث‬ ‫كتبتنا وفقهائنا‪ ..‬كيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين ‪ -‬برنابا ‪ ،11 - 44/1‬وفي التوراة المتداولة أن بينهما أربعة عشرة سنة ‪ -‬انظر التكوين ‪،16/16‬‬ ‫‪21/5‬‬ ‫ومن ذلك كله فالذبيح هو إسماعيل‪ ،‬وجبل الرب في الرض التي عاش فيها‪ ،‬والبركة لبراهيم في ذريته محفوظة له بعد أن قام بالستسلم لمر ال وهمّ بذبح ابنه الوحيد‬ ‫فقد حرف أهل الكتاب اسم الذبيح‪ ،‬وحرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة‪ ،‬فسمتها التوراة السامرية " الرض المرشدة "‪ .‬فيما سمته التوراة العبرانية " المريا "‪،‬‬ ‫ولعله تحريف لكلمة " المروة "‪ ،‬وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة اليوم‪ ،‬أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل‬ ‫وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع "جبل ال "‪ ،‬ولم يكن هذا السم مستخدمًا لبقعة معينة حينذاك لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلف ًا بيناً فقال‬ ‫السامريون‪ :‬هو جبل جرزيم وقال العبرانيون‪ :‬بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون‬ ‫والحق أن قصة الذبح جرت في الرض المرشدة وهي أرض العبادة‪ ،‬وهي مكة أو بلد فاران‪ ،‬واختلفهم دليل على صحة ذلك‪ ،‬واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح‪ ،‬لكنهم‬ ‫اختلفوا في تحديده‪ ،‬وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة‪ ،‬وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك‪ ،‬ويسمى بيت ال كما سمي الجبل الذي في تلك‬ ‫البقعة جبل ال‬ ‫وبقي هذا الختلف من أهم الختلفات التي تفرق السامريين عن العبرانيين‪ ،‬وقد استمر في حياة المسيح‪ ،‬وذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية‪ ،‬وسألته عن المكان الحقيقي المعد‬ ‫للعبادة‪ ،‬فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري‪ ،‬ول جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل‪ " ،‬قالت له المرأة‪ :‬يا سيد أرى أنك نبي‪ ،‬آباؤنا سجدوا في هذا‬ ‫الجبل‪ ،‬وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه‪ ،‬قال لها يسوع‪ :‬يا امرأة صدقيني‪ ،‬إنه تأتي ساعة ل في هذا الجبل ول في أورشليم تسجدون للب‪ ،‬أنتم‬ ‫تسجدون لما لستم تعلمون‪ ،‬أما نحن فنسجد لما نعلم‪ ،‬لن الخلص هو من اليهود ولكن تأتي ساعة وهي الن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للب بالروح والحق‪ ،‬لن الب‬ ‫طالب مثل هؤلء الساجدين له‪ ،‬ال روح‪ ،‬والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" ‪ -‬يوحنا ‪24-4/19‬‬ ‫فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين‪ ،‬إنهم المة الجديدة التي تولد بعد حين‪ ،‬إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة السلم التي يفد إليها‬ ‫مليين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة‬ ‫وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين" ولكن تأتي ساعة وهي الن"‪ ،‬يفيد اقترابها ل حلولها‪ ،‬كما في متى‪ " :‬أقول لكم‪ :‬من الن تبصرون ابن النسان جالسًا عن يمين القوة‪،‬‬ ‫وآتياً على سحاب السماء" ‪ -‬متى ‪ ،26/64‬وقد مات المخاطبون وفنوا‪ ،‬ولم يروه آتي ًا على سحاب السماء‬ ‫ومثله قول المسيح‪" :‬وقال له‪ :‬الحق الحق أقول لكم‪ ،‬من الن ترون السماء مفتوحة‪ ،‬وملئكة ال يصعدون وينزلون على ابن النسان" ‪ -‬يوحنا ‪1/51‬‬ ‫وقد قال ميخا النبي عن مكة والبيت الحرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات‪ " :‬يكون في آخر اليام بيت الرب مبني ًا على قلل الجبال‪ ،‬وفي أرفع رؤوس العوالي يأتين جميع‬ ‫المم‪ ،‬ويقولون‪ :‬تعالوا نطلع إلى جبل الرب" ‪ -‬ميخا ‪2-4/1‬‬ ‫كما رمز النبي إشعيا لمكة في نص آخر بالعاقر‪ ،‬وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها‪ ،‬ويعدها بالمان والبركة والعزفقال‪ " :‬ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد‪ ،‬أشيدي بالترنم أيتها‬ ‫التي لم تمخض‪ ،‬لن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل‪ ،‬قال الرب‪:‬أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك‪ ،‬ل تمسكي‪ ،‬أطيلي أطنابك وشددي أوتادك‪ ،‬لنك تمتدين إلى‬ ‫اليمين والى اليسار‪ ،‬ويرث نسلك أمماً ويعمر مدناً خربة‪ ،‬ل تخافي لنك ل تخزين‪ ،‬ول تخجلي لنك ل تستحين‪ ،‬فإنك تنسين خزي صباك‪ ،‬وعار ترملك ل تذكرينه بعد‬ ‫قال راحمك الرب‪ :‬أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية‪ ،‬هانذا أبني بالثمد حجارتك‪ ،‬وبالياقوت الزرق أؤسسك‪ ،‬وأجعل شرفك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة‬ ‫كريمة‪ ،‬وكل بنيك تلميذ الرب وسلم بنيك كثيراً‪ ،‬بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فل تخافين‪ ،‬وعن الرتعاب فل يدنو منك‪ ،‬ها إنهم يجتمعون اجتماعًا ليس من عندي‪ ،‬من اجتمع عليك‬ ‫فإليك يسقط‪ ،‬هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله‪ ،‬وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك ل تنجح‪ ،‬وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين‬ ‫عليه‪ ،‬هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي"‪-‬إشعيا ‪17-54/1‬‬ ‫في النص مقارنة لمكة بأورشليم‪ ،‬فسمى مكة بالعاقر لنها لم تلد قبل محمد النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس‪ ،‬لنه بيت النبياء ومعدن الوحي‪ ،‬وقد‬ ‫يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة‪ ،‬فل تسمى حينذاك عاقراً‪ ،‬لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم‪.‬‬ ‫وقوله‪" :‬لن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل"‪ ،‬يقصد فيه أن زوارها أو أبناءها أكثر من زوار أورشليم التي يسميها ذات البعل‪ ،‬ولفظة بنو المستوحشة يراد منها ذرية‬ ‫إسماعيل‪ ،‬الذي وصفته التوراة – كما سبق‪ -‬بأنه وحشي " وقال لها ملك الرب‪ :‬ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه‪ :‬إسماعيل‪ ،‬لن الرب قد سمع لمذلتك‪ ،‬وإنه يكون إنساناً‬ ‫وحشياً‪ ،‬يده على كل واحد‪ ،‬ويد كل واحد عليه" ‪ -‬التكوين ‪12 - 16/11‬‬ ‫كما تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص‪ ،‬المدينة المباركة التي فيها بيت ال‪ ،‬والتي تتضاعف فيها الحسنات‪ ،‬فالعمل فيها يعدل اللوف في سواها‪ ،‬وقد سماها باسمها (بكة)‬ ‫فجاء فيها‪":‬طوبى للساكنين في بيتك أبدًا يسبحونك‪ ،‬سله‪ ،‬طوبى لناس عزهم بك‪ ،‬طرق بيتك في قلوبهم‪ ،‬عابرين في وادي البكاء في الترجمة النجليزية‬

‫"‪"through the valley of Ba'ca make it a well‬‬ ‫فذكر أن اسمها بكة‪ ،‬وترجمته إلى وادي البكاء صورة من التحريف كما أسلفنا يصيرونه ينبوعاً‪ ،‬أيضاً ببركات يغطون مورة‪ ،‬يذهبون من قوة إلى قوة‪ ،‬يرون قدام ال في صهيون‪ ،‬يا‬ ‫رب إله الجنود اسمع صلتي وأصغ يا إله يعقوب‪ ،‬سله‪ ،‬يا مجننا انظر يا ال والتفت إلى وجه مسيحك‪ ،‬لن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف‪ ،‬اخترت الوقوف على العتبة في بيت‬ ‫إلهي على السكن في خيام الشرار " ‪ -‬المزامير ‪10-84/4‬‬ ‫والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك كالتالي‪" :‬يجتازون في وادي البكاء‪ ،‬فيجعلونه ينابيع ماء‪ ،‬لن المشترع يغمرهم ببركاته‪ ،‬فينطلقون من قوة إلى قوة‪ ،‬إلى أن يتجلى لهم إله‬ ‫اللهة في صهيون" ‪8-83/7 -‬‬ ‫س لَّلذِي ِببَكّةَ ُمبَارَك ًا وَ ُهدًى ّللْعَالَمِينَ ‪ -‬سورة آل‬ ‫ت ُوضِ َع لِلنّا ِ‬ ‫وهذا السم العظيم (بكة) هو اسم بلد محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬السم الذي استخدمه القرآن للبلد الحرام ِإنّ َأ ّولَ َبيْ ٍ‬ ‫عمران آية ‪96‬‬

‫موسى عليه السلم يبشر بظهور نبي ورسول مثله_‬ ‫وينـزل موسى عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه فيقول مخاطباً بني إسرائيل‪ " :‬قال لي الرب‪ :‬قد أحسنوا في ما تكلموا‪ .‬أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي في فمه‪،‬‬ ‫فيكلمهم بكل ما أوصيه به‪ ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه‪ ،‬وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلماً لم أوصه أن يتكلم به‪ ،‬أو الذي يتكلم‬ ‫باسم آلهة أخرى‪ ،‬فيموت ذلك النبي وإن قلت في قلبك‪ :‬كيف نعرف الكلم الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر‪ ،‬فهو الكلم الذي لم يتكلم به الرب‪،‬‬ ‫بل بطغيان تكلم به النبي‪ ،‬فل تخف منه " ‪ -‬التثنية ‪ 22 - 17 / 18‬والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلم‪ ،‬ويذكر صفات هذا النبي‪ ،‬والتي نستطيع‬ ‫من خللها معرفة من يكون‬ ‫ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء‪ ،‬وهو عيسى عليه السلم‪ ،‬فقد قال بطرس في سياق حديثه عن المسيح " فإن موسى قال للباء‪ :‬إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من‬ ‫إخوتكم‪ ،‬له تسمعون في كل ما يكلمكم به‪ ،‬ويكون أن كل نفس ل تسمع لذلك النبي تباد من الشعب‪ ،‬وجميع النبياء أيضاً من صموئيل فما بعده‪ ،‬جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه‬ ‫اليام " (أعمال ‪ )26 - 3/22‬فبطرس يرى نبوءة موسى متحققة في شخص المسيح‬ ‫لكن النص دال على نبينا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ ل دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح‪ ،‬بينما يظهر في النص عند تحليله أدلة كثر تشهد بأن المقصود به هو نبينا صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ .‬إذ يذكر النص التوراتي أوصاف هذا المبعوث المبشر به‬

‫أولً ‪ :‬أنه نبي " أقيم لهم نبياً "‪ ،‬والنصارى يدعون للمسيح اللهية‪ ،‬بل يدعي الرثوذكس أنه ال نفسه‪ ،‬فكيف يقول لهم‪ :‬أقيم نبياً‪ ،‬ول يقول‪ :‬أقيم نفسي‬ ‫ثانياً ‪ :‬أنه من غير بني إسرائيل‪ ،‬بل هو من بين إخوتهم أي أبناء عمومتهم "من وسط إخوتهم"‪ ،‬وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق‪ ،‬وبنو إسماعيل بن إبراهيم‬ ‫ومن المعهود في التوراة إطلق لفظ " الخ " على ابن العم‪ ،‬ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل‪ " :‬أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو " (التثنية ‪ )2/4‬وبنو عيسو بن إسحاق –‬ ‫كما سلف ‪ -‬هم أبناء عمومة لبني إسرائيل‪ ،‬وجاء نحوه في وصف أدوم‪ ،‬وهو من ذرية عيسو "وأرسل موسى رسلً من قادش إلى ملك أدوم‪ ،‬هكذا يقول أخوك إسرائيل‪ :‬قد عرفت كل‬ ‫المشقة التي أصابتنا (العدد ‪ ،)20/14‬فسماه أخاً‪ ،‬وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل‬ ‫وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقاً للبركة الموعودة في نسل إسماعيل‪ ،‬وقد يكون من بني عيسو بكر إسحاق لكن أحداً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر‬ ‫ثالثاً ‪ :‬هذا النبي من خصائصه أنه مثل لموسى الذي لم يقم في بني إسرائيل نبي مثله‪-‬ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه‪-‬التثنية‪ 34/10:‬وفي‬ ‫التوراة السامرية ما يمنع صراحة قيام مثل هذا النبي فقد جاء فيها‪ " :‬ول يقوم أيض ًا نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه ال" ‪ -‬التثنية ‪34/10‬‬ ‫وهذه الخصلة‪ ،‬أي المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ممتنعة في المسيح‪ ،‬حيث نرى الكثير من أمثلة التشابه بين موسى ومحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والتي ل‬ ‫نجدها في المسيح‪ ،‬من ذلك ميلدهما الطبيعي‪ ،‬وزواجهما‪ ،‬وكونهما صاحبا شريعة‪ ،‬وكل منهما بعث بالسيف على عدوه‪ ،‬وكلهما قاد أمته‪ ،‬وملك عليها‪ ،‬وكلهما بشر‪ ،‬بينما تزعم‬ ‫النصارى بأن المسيح إله‪ ،‬وهذا ينقض كل مثل لو كان‬ ‫ح النبي القادم بمثلية موسى‪ ،‬صارف ًا إياه عن نفسه فقال‪ " :‬ل تظنوا إني أشكوكم إلى الب‪ ،‬يوجد الذي يشكوكم‪ ،‬و هو موسى الذي عليه رجاؤكم‪ ،‬لنكم لو كنتم‬ ‫وقد وصف المسي ُ‬ ‫تصدقون موسى لكنتم تصدقونني‪ ،‬لنه هو كتب عني‪ ،‬فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلمي" (يوحنا ‪ ،)47-5/45‬فسماه موسى المرجو أو المنتظر‪ ،‬لمشابهته له‬ ‫وعن هذا الذي يشكو بني إسرائيل يقول المسيح‪ :‬أجاب يسوع‪ :‬أنا ليس بي شيطان‪ ،‬لكني أكرم أبي وأنتم تهينونني‪ ،‬أنا لست أطلب مجدي‪ ،‬يوجد من يطلب ويدين‬ ‫يوحنا ‪50-8/49‬‬ ‫رابعاً ‪ :‬من صفات هذا النبي أنه أمي ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي‪ ،‬يغاير ما جاء النبياء قبله من صحف مكتوبة " وأجعل كلمي في فمه "‪ ،‬وقد كان المسيح‬ ‫عليه السلم قارئاً ‪ -‬انظر لوقا ‪18-4/16‬‬ ‫خامساً ‪ :‬أنه يتمكن من بلغ كامل دينه‪ ،‬فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه به "‪ .‬وهو وصف منطبق على محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى ال‬ ‫سلَ َم دِينًا ‪ -‬سورة المائدة آية ‪3‬‬ ‫ت لَكُمُ الِ ْ‬ ‫عَليْكُ ْم نِعْ َمتِي َو َرضِي ُ‬ ‫ت َ‬ ‫عليه وسلم قوله تعالىا ْل َيوْمَ أَ ْك َملْتُ لَكُ ْم دِينَكُمْ وََأ ْتمَمْ ُ‬ ‫وقد وصفه المسيح في نبوءة البارقليط‪ ،‬التي يأتي شرحها‪ ،‬فقال‪ " :‬وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الب باسمي‪ ،‬فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" ‪ -‬يوحنا‬ ‫‪14/26‬‬ ‫ول يمكن أن يكون المسيح عليه السلم هو ذلك النبي الذي يبلغ كل ما يوصيه به ربه فقد رفع المسيح عليه السلم ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلميذه لكنه لم يتمكن من بلغه‬ ‫لكنه بشرهم بالقادم الذي سيخبرهم بكل الحق لنه النبي الذي تكمل رسالته ول يحول دون بلغها قتله أو إيذاء قومه يقول عليه السلم‪":‬إن لي أمورًا كثيرة أيض ًا لقول لكم‪ ،‬ولكن ل‬ ‫تستطيعون أن تحتملوا الن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به"‪-‬يوحنا ‪13-16/12‬‬ ‫سادس ًا ‪ :‬أن الذي ل يسمع لكلم هذا النبي فإن ال يعاقبه‪ " ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي‪ ،‬أنا أطالبه "‪ ،‬وقد فسرها بطرس‪ ،‬فقال‪ " :‬ويكون أن كل‬ ‫نفس ل تسمع لذلك النبي تباد من الشعب "‪ ،‬فهو نبي واجب السمع والطاعة على كل أحد‪ .‬ومن لم يسمع له تعرض لعقوبة ال‪ ،‬وهو ما حاق بجميع أعداء النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫حيث انتقم ال من كل من كذبه من مشركي العرب والعجم‪ ،‬وقد قال المسيح عنه في نبوءة الكرامين ‪ -‬ويأتي شرحها‪" :-‬ومن سقط على هذا الحجر يترضض‪ ،‬ومن سقط هو عليه‬

‫يسحقه " (متى ‪ ،)21/44‬فهو الحجر الصلب الذي يفني أعداءه العصاة‪ ،‬والذي بشر بمقدمه النبي دانيال "وفي أيام هؤلء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً‪ ،‬و َملِكها ل يُترك‬ ‫لشعب آخر‪ ،‬وتسحق وتفنى كل هذه الممالك‪ ،‬وهي تثبت إلى البد‪ ،‬لنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل ل بيدين‪ ،‬فسحق الحديد والنحاس والخز ف والفضة والذهب" ‪ -‬دانيال ‪- 2/21‬‬ ‫‪45‬‬ ‫وأما المسيح عليه السلم فلم يكن له هذه القوة وتلك المنعة‪ ،‬ولم يتوعد حتى قاتليه‪ ،‬فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلمه‪ ،‬فقد قال لوقا في سياق قصة الصلب " فقال يسوع‪ :‬يا أبتاه‬ ‫اغفر لهم‪ ،‬لنهم ل يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا ‪ ،)23/34‬فأين هو من خبر ذاك " النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه‬ ‫سابعاً ‪ :‬من صفات هذا النبي أنه ل يقتل‪ ،‬بل يعصم ال دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل‪ ،‬فالنبي الكذاب عاقبته "يموت ذلك النبي"‪ ،‬أي يقتل‪ ،‬فالقتل نوع منه‪ ،‬ولن كل أحد‬ ‫يموت‪ ،‬وهنا يزعم النصارى بأن المسيح قتل‪ ،‬فل يمكن أن يكون هو النبي الموعود‬ ‫وبالرجوع إلى التراجم القديمة للنص نرى أن ثمة تحريفًا وقع في الترجمة ‪ ،‬فقد جاء في طبعة ‪1844‬م " فليقتل ذلك النبي "‪ ،‬ول يخفى سبب هذا التحريف‬ ‫ثامناً ‪ :‬يتحدث عن الغيوب ويصدق كلمه‪ ،‬وهذا النوع من المعجزات يكثر في القرآن والسنة –مما يطول المقام بذكره‪ ،-‬ويكفي هنا أن أورد نبوءة واحدة مما تنبأ به صلى ال عليه‬ ‫وسلم ‪ ،‬فكان كما أخبر‬ ‫ففي عام ‪ 617‬م كادت دولة الفرس أن تزيل المبرطورية الرومانية من على خارطة الدنيا‪ ،‬فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل‪ ،‬ودانت له أجزاء عظيمة من‬ ‫مملكة الرومان‪ ،‬ففي سنوات معدودة تمكن جيش الفرس من السيطرة على بلد الشام وبعض مصر‪ ،‬واحتلت جيوشهم أنطاكيا شمالً‪ ،‬مما يؤذن بنهاية وشيكة للمبرطورية الرومانية‪،‬‬ ‫وأراد هرقل أن يهرب من القسطنطينية‪ ،‬لول أن كبير أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس‬ ‫ووسط هذه الحداث ‪ ،‬وخلفًا لكل التوقعات أعلن النبي صلى ال عليه وسلم أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين‪ ،‬أي فيما ل يزيد عن تسع سنين‪ ،‬فقد نزل عليه قوله‪:‬‬ ‫غلبت الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ل المر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر ال (الروم‪)5-2 :‬وكان كما تنبأ ‪ ،‬ففي عام ‪،623‬‬ ‫‪625 ،624‬م استطاع هرقل أن يشن ثلث حملت ناجحة أخرجت الفرس من بلد الرومان‪ ،‬وفي عام ‪627‬م واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة‬ ‫الفارسية‪ ،‬واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان‪ ،‬وأعادوا لهم الصليب المقدس الذي كان قد وقع بأيديهم‪ ،‬فمن ذا الذي أخبر محمدًا صلى ال عليه وسلم بهذه النبوءة العظيمة؟‬ ‫إنه النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلم‬ ‫يقول المؤرخ إدوار جِبن‪" :‬في ذلك الوقت‪ ،‬حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة‪ ،‬لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً‪ ،‬لن السنين الثنتي عشر الولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء‬ ‫المبرطورية الرومانية‬ ‫سنِينَ ‪ -‬سورة الروم آيات من ‪ 2‬الى‬ ‫سيَ ْغِلبُونَ {‪ }3‬فِي ِبضْعِ ِ‬ ‫غَلبِهِمْ َ‬ ‫ض وَهُم مّن بَ ْع ِد َ‬ ‫غِلبَتِ الرّو ُم {‪ }2‬فِي َأ ْدنَى ا َلْ ْر ِ‬ ‫روى الترمذي في سننه (‪ )3193‬عن ابن عباس في قول ال تعالى‪ُ :‬‬ ‫‪4‬‬ ‫قال‪ :‬كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم‪ ،‬لنهم وإياهم أهل الوثان‪ ،‬وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لنهم أهل الكتاب‪ ،‬فذكروه لبي بكر‪ ،‬فذكره‬ ‫أبو بكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬أما إنهم سيغلبون‪،‬‬ ‫ل خمس سنين‪ ،‬فلم يظهروا‪ ،‬فذكروا ذلك للنبي صلى ال عليه‬ ‫فذكره أبو بكر لهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬اجعل بيننا وبينك أجلً‪ ،‬فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا‪ ،‬وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا‪ ،‬فجعل أج ً‬ ‫وسلم فقال‪ :‬أل جعلته إلى دون العشر‬ ‫قال أبو سعيد‪ :‬والبضع ما دون العشر‬ ‫ن ‪ -‬سورة الروم آيات من ‪ 2‬الى ‪4‬‬ ‫سنِي َ‬ ‫سيَ ْغلِبُونَ {‪ }3‬فِي ِبضْعِ ِ‬ ‫غَل ِبهِمْ َ‬ ‫ت الرّومُ {‪ }2‬فِي َأ ْدنَى ا َلْ ْرضِ وَهُم مّن بَ ْعدِ َ‬ ‫غلِبَ ِ‬ ‫قال‪ :‬ثم ظهرت الروم بعد‪ ،‬قال‪ :‬فذلك قوله تعالى‪ُ :‬‬ ‫وهكذا ظهر لكل ناظر منصف أن النبي الذي تنبأ عنه موسى لم تتحقق أوصافه في المسيح العظيم عليه الصلة والسلم‪ ،‬وتحققت في أخيه محمد صلى ال عليهما وسلم تسليماً كثيراً‬ ‫ومما يؤكد ذلك أنه كما لم تتوافر هذه الصفات مجتمعة في غيره‪ ،‬فإن اليهود ل يقولون بمجيء هذا المسيح فيما سبق‪ ،‬بل مازالوا ينتظرونه‬ ‫إذ لما بعث يحيى عليه السلم ظنه اليهود النبي الموعود وأقبلوا عليه يسألونه " النبي أنت؟ فأجابهم‪ :‬ل " (يوحنا ‪ )1/21‬أي لست النبي الذي تنتظره اليهود ثم أراد تلميذ المسيح‬ ‫أن تتحقق النبوءة في المسيح‪ ،‬فذات مرة لما رأوا معجزاته " قالوا‪ :‬إن هذا بالحقيقة النبي التي إلى العالم وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً‪،‬‬ ‫انصرف أيضاً إلى الجبل وحده " (يوحنا ‪ ،)15 - 6/14‬فقد أراد تلميذ المسيح تنصيبه ملكاً ليحققوا النبوءة الموجودة لديهم عن النبي المنتظر الذي يملك ويحقق النصر لشعبه‪ ،‬فلما‬ ‫علم المسيح عليه السلم أنه ليس النبي الموعود هرب من بين أيديهم‬ ‫ويرى النصارى أن ثمة إشكا ًل في النص التوراتي (التثنية ‪ )22-18/17‬يمنع قول المسلمين‪ ،‬فقد جاء في مقدمة سياق النص أن ال لما كلم موسى قال‪ " :‬يقيم لك الرب إلهك نبياً من‬ ‫وسطك من إخوتك مثلي‪ ....‬قد أحسنوا في ما تكلموا‪ :‬أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك " (التثنية ‪ )18 - 18/15‬فقد وصفت النبي بأنه "من وسطك" أي من بني إسرائيل‪ ،‬ولذا‬ ‫ينبغي حمل المقطع الثاني من النص على ما جاء في المقطع الول‪ ،‬فالنبي " من وسطك " أو كما جاء في بعض التراجم "من بينك " أي أنه إسرائيلي‬ ‫لكن التحقيق يرد هذه الزيادة التي يراها المحققون تحريفاً‪ ،‬بدليل أن موسى لم يذكرها‪ ،‬وهو يعيد خبر النبي على مسامع بني إسرائيل‪ ،‬فقال‪ " :‬قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا‪،‬‬ ‫أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك " (التثنية ‪ ،)18-18/17‬ولو كانت من كلم ال لما صح أن يهملها‬ ‫كما أن هذه الزيادة لم ترد في اقتباس بطرس واستيفانوس للنص كما جاء في أعمال الرسل قال بطرس‪" :‬فإن موسى قال للباء‪ :‬إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم‪ ،‬له‬ ‫تسمعون في كل ما يكلمكم به" (أعمال ‪ ،)3/22‬وقال استفانوس‪" :‬هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل‪ :‬نبي ًا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم‪ ،‬له تسمعون" (أعمال ‪،)7/37‬‬ ‫فلم يذكرا تلك الزيادة‪ ،‬ولو كانت أصلية لذكرت في سائر المواضع‪.‬‬

‫نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران‬ ‫وقبيل وفاة موسى عليه السلم ساق خبرًا مباركاً لقومه بني إسرائيل‪ ،‬فقد جاء في سفر التثنية‪" :‬هذه البركة التي بارك بها موسى رجل ال بني إسرائيل قبل موته‪ ،‬فقال‪ :‬جاء الرب‬ ‫من سيناء‪ ،‬وأشرق لهم من سعير‪ ،‬وتلل من جبل فاران‪ ،‬وأتى من ربوات القدس‪ ،‬وعن يمينه نار شريعة‪ ،‬فأحب الشعب‪ ،‬جميع قديسيه في يدك‪ ،‬وهم جالسون عند قدمك‪ ،‬يتقبلون من‬ ‫أقوالك" ‪ -‬التثنية ‪3-33/1‬‬ ‫وأكد هذه النبوءة النبي حبقوق‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ال جاء من تيمان‪ ،‬والقدوس من جبل فاران‪ .‬سله‪ .‬جلله غطى السماوات‪ ،‬والرض امتلت من تسبيحه‪ ،‬وكان لمعان كالنور‪ .‬له من‬ ‫يده شعاع‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ ،‬قدامه ذهب الوبأ‪ ،‬وعند رجليه خرجت الحمى‪ ،‬وقف وقاس الرض‪ ،‬نظر فرجف المم ‪ - " ....‬حبقوق ‪6 - 3/3‬‬ ‫وقبل أن نمضى في تحليل النص نتوقف مع الختلف الكبير الذي تعرض له هذا النص في الترجمات المختلفة‬ ‫فقد جاء في الترجمة السبعينية‪" :‬واستعلن من جبل فاران‪ ،‬ومعه ربوة من أطهار الملئكة عن يمينه‪ ،‬فوهب لهم وأحبهم‪ ،‬ورحم شعبهم‪ ،‬وباركهم وبارك على أظهاره‪ ،‬وهم يدركون‬ ‫آثار رجليك‪ ،‬ويقبلون من كلماتك‪ .‬أسلم لنا موسى مثله‪ ،‬وأعطاهم ميراثاً لجماعة يعقوب‬

‫وفي ترجمة الباء اليسوعيين‪" :‬وتجلى من جبل فاران‪ ،‬وأتى من ربى القدس‪ ،‬وعن يمينه قبس شريعة لهم"‬ ‫وفي ترجمة ‪1622‬م " شرف من جبل فاران‪ ،‬وجاء مع ربوات القدس‪ ،‬من يمينه الشريعة "‪ ،‬ومعنى ربوات القدس أي ألوف القديسين الطهار‪ ،‬كما في ترجمة ‪1841‬م " واستعلن‬ ‫من جبل فاران‪ ،‬ومعه ألوف الطهار‪ ،‬في يمينه سنة من نار‬ ‫واستخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة معهود في الكتاب المقدس "ألوف ألوف تخدمه‪ ،‬وربوات ربوات وقوف قدامه" (دانيال ‪ ،)7/10‬ومثله قوله‪" :‬كان يقول‪ :‬ارجع يا‬ ‫رب إلى ربوات ألوف إسرائيل" (العدد ‪ ،)10/36‬فالربوات القادمين من فاران هم الجماعات الكثيرة من القديسين‪ ،‬التين مع قدوسهم الذي تلل في فاران‬ ‫والنص التوراتي يتحدث عن ثلثة أماكن تقع منها البركة‪ ،‬أولها‪ :‬جبل سيناء حيث كلم ال موسى‪ .‬وثانيها‪ :‬ساعير‪ ،‬وهو جبل يقع في أرض يهوذا (انظر يشوع ‪ ،)15/10‬وثالثها‪:‬هو‬ ‫جبل فاران وتنبئ المواضع التي ورد فيها ذكر " فاران " في الكتاب المقدس أنها تقع في صحراء فلسطين في جنوبها لكن تذكر التوراة أيضاً أن إسماعيل قد نشأ في برية فاران‬ ‫(التكوين ‪ ،)21/21‬ومن المعلوم تاريخياً أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز‬ ‫ويرى اليهود والنصارى في هذا النص أنه يتحدث عن أمر قد مضى يخص بني إسرائيل‪ ،‬وأنه يتحدث عن إضاءة مجد ال وامتداده لمسافات بعيدة شملت فاران وسعير وسيناء‬ ‫ويرى المسلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلم في سعير في فلسطين‪ ،‬ثم محمد صلى ال عليه وسلم في جبل فاران‪ ،‬حيث يأتي ومعه اللف من الطهار مؤيدين‬ ‫بالشريعة من ال عز وجل‬ ‫وذلك متحقق في رسول ال لمور‪ -:‬أولً ‪ :‬أن جبل فاران هو جبل مكة‪ ،‬حيث سكن إسماعيل‪ ،‬تقول التوراة عن إسماعيل‪ " :‬كان ال مع الغلم فكبر‪.‬وسكن في البرية وكان ينمو رامي‬ ‫قوس‪ ،‬وسكن في برية فاران‪ ،‬وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " ‪ -‬التكوين ‪21-21/20‬‬ ‫وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة‪ ،‬فتقول التوراة " هؤلء هم بنو إسماعيل‪ .....‬وسكنوا من حويلة إلى شور " التكوين ‪ ،18 - 25/16‬و حويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس‬ ‫منطقة في أرض اليمن‪ ،‬بينما شور في جنوب فلسطين‪ .‬وعليه فإن إسماعيل وأبناؤه سكنوا هذه البلد الممتدة جنوب الحجاز وشماله‪ ،‬وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل‬ ‫ثانياً ‪ :‬أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب فلسطين ل يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل‪ ،‬وقامت الدلة التاريخية على أنها الحجاز‪ ،‬حيث بنى إسماعيل‬ ‫وأبوه الكعبة‪ ،‬وحيث تفجر زمزم تحت قدميه‪ ،‬وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم واللهوتي يوسبيوس فقال بأن فاران هي مكة‬ ‫ثالثاً ‪ :‬ل يقبل قول القائل بأن النص يحكي عن أمر ماضٍ‪ ،‬إذ التعبير عن المور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس يقول اسبينوزا‪ " :‬أقدم الكتاب استعملوا‬ ‫الزمن المستقبل للدللة على الحاضر‪ ،‬وعلى الماضي بل تمييز كما استعملوا الماضي للدللة على المستقبل‪ ...‬فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات‬ ‫رابعاُ ‪ :‬ونقول‪ :‬لم خص جبل فاران بالذكر دون سائر الجبال لو كان المر مجرد إشارة إلى انتشار مجد ال‬ ‫خامساً ‪ :‬ومما يؤكد أن المر متعلق بنبوءة الحديث عن آلف القديسين‪ ،‬والذين تسميهم بعض التراجم " أطهار الملئكة " أي أطهار التباع‪ ،‬إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به‪ :‬التباع‪،‬‬ ‫كما جاء في سفر الرؤيا أن " ميخائيل وملئكته حاربوا التنين‪ ،‬وحارب التنينُ وملئكتُه …‪ - ".‬الرؤيا ‪ 12/7‬فمتى شهدت فاران مثل هذه اللوف من الطهار؟ فما ذلك إل محمد‬ ‫وأصحابه‬ ‫سادسُا ‪ :‬وما جاء في سفر حبقوق يؤيد قول المسلمين حيث يقول‪ " :‬ال جاء من تيمان‪ ،‬والقدوس من جبل فاران‪ .‬سله‪ .‬جلله غطى السماوات‪ ،‬والرض امتلت من تسبيحه‪ ،‬وكان‬ ‫لمعان كالنور‪ .‬له من يده شعاع‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ ،‬قدامه ذهب الوبأ‪ ،‬و عند رجليه خرجت الحمى‪ ،‬وقف وقاس الرض‪ ،‬نظر فرجف المم‪ - " .... ،‬حبقوق ‪ 6 - 3/3‬فالنص شاهد‬ ‫على أنه ثمة نبوة قاهرة تلمع كالنور‪ ،‬ويمل الفاق دوي أذان هذا النبي بالتسبيح‬ ‫وتيمان كما يذكر محرروا الكتاب المقدس هي كلمة عبرية معناها‪ ":‬الجنوب " ومن هذا كله فالقدوس المتللئ في جبال فاران هو نبي السلم‪ ،‬فكل الصفات المذكورة لنبي فاران‬ ‫متحققة فيه‪ ،‬ول تتحقق في سواه من النبياء الكرام‬

‫هل الصطفاء في بني إسرائيل فقط؟_‬ ‫تتحدث النصوص النجيلية بتناقض ظاهر عن موضوع الخلص التي‪ ،‬فحسب يوحنا فإن المسيح قال للسامرية في سياق حديثه عن المسيا‪" :‬لن الخلص هو من اليهود" (يوحنا‬ ‫‪ .)4/22‬لكن هذا المر ترده الكثير من النصوص النجيلية والتوراتية الخرى‪ ،‬والتي تلقي بظلل الشك على صحة صدور هذه العبارة من المسيح‪ ،‬خاصة أنها ظاهرة الدراج في‬ ‫السياق الذي وردت فيه‬ ‫ونرى هنا من الهمية بمكان أن نذكر نصوص الكتاب المقدس التي تدل على احتمالية انتقال النبوة عن بني إسرائيل إلى أمة سواهم كالعرب‬ ‫لقد أرسل ال أنبياء كثر إلى بني إسرائيل‪ ،‬فكفروا بهم وقتلوهم‪ ،‬ولنتأمل ما قاله النبياء عن هذه المة المتمردة‪ ،‬لنرى إن كانت مستحقة لدوام البركة والصطفاء‪ ،‬فقد قال عنهم‬ ‫موسى‪" :‬إنهم أمة عديمة الرأي ول بصيرة فيهم‪ ،‬لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم"‪-‬التثنية ‪32/28‬‬ ‫وقال‪" :‬جيل أعوج ملتو‪ ،‬ألرب تكافئون بهذا يا شعباً غبياً غير حكيم؟" ‪ -‬التثنية ‪6-32/5‬‬ ‫وكذا قال النبي إيليا‪":‬قد غِرت غيرة للرب إله الجنود‪ ،‬لن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف‪ ،‬فبقيت أنا وحدي‪ ،‬وهم يطلبون نفسي‬ ‫ليأخذوها"‪-‬الملوك (‪19/10)1‬‬ ‫وكذا كان وصف ال لهم في سفر النبي حزقيال‪" :‬وقال لي‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬أنا مرسلك إلى بني إسرائيل‪ ،‬إلى أمة متمردة قد تمردت عليّ‪ ،‬هم وآباؤهم عصوا عليّ إلى ذات هذا اليوم‪.‬‬ ‫والبنون القساة الوجوه‪ ،‬والصلب القلوب‪ ،‬أنا مرسلك إليهم‪ ،‬فتقول لهم‪ :‬هكذا قال السيد الرب‪ ،‬وهم إن سمعوا وإن امتنعوا‪ .‬لنهم بيت متمرد‪ .‬فإنهم يعلمون أن نبياً كان بينهم‪ ،‬أما‬ ‫أنت يا ابن آدم فل تخف منهم‪ ،‬ومن كلمهم ل تخف‪ ...‬وأنت ساكن بين العقارب‪ ،‬من كلمهم ل تخف‪ ،‬ومن وجوههم ل ترتعب‪ ،‬لنهم بيت متمرد‪ ،‬وتتكلم معهم بكلمي‪ ،‬إن سمعوا‪،‬‬ ‫وإن امتنعوا‪ ،‬لنهم متمردون" ‪ -‬حزقيال ‪8-2/3‬‬ ‫وكذا قال عنهم النبي إشعيا‪" :‬اسمعي أيتها السماوات وأصغي أيتها الرض‪ ،‬لن الرب يتكلم‪ ،‬ربيت بنين ونشأتهم‪ ،‬أما هم فعصوا عليّ‪ ،‬الثور يعرف قانيه‪ ،‬والحمار مشعلف صاحبه‪،‬‬ ‫أما إسرائيل فل يعرف‪ ،‬شعبي ل يفهم‪ ،‬ويل للمّة الخاطئة‪ ،‬الشعب الثقيل الثم‪ ،‬نسل فاعلي الشر‪ ،‬أولد مفسدين‪ ،‬تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل‪ ،‬ارتدوا إلى وراء‪ ،‬على أي‬ ‫موضع تضربون بعد‪.‬تزدادون زيغاناً‪ ،‬كل الرأس مريض‪ ،‬وكل القلب سقيم‪ .‬من أسفل القدم إلى الرأس‪ ،‬ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين‬ ‫بالزيت" ‪ -‬إشعيا ‪6 -1/1‬‬

‫ولما جاء المسيح نادى أورشليم‪ " :‬يا قاتلة النبياء " (متى ‪ ،)13/37‬لكثرة من قتلوا على ثراها من أنبياء ال الكرام‬ ‫وقال المسيح وهو يخاطب جموعهم‪" :‬ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون …‪ .‬ويل لكم أيها القادة العميان … أيها الجهال والعميان … أيها الحيات أولد الفاعي كيف‬ ‫تهربون من دينونة جهنم‪ ،‬لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة‪ ،‬فمنهم تقتلون وتصلبون‪ ،‬ومنهم تجلدون في مجامعكم‪ ...‬يا أورشليم يا أورشليم‪ ،‬يا قاتلة النبياء وراجمة‬ ‫المرسلين‪ - " ...‬متى ‪37 - 23/13‬‬ ‫أفهذه أمة تستحق بقاء البركة والنبوة فيها؟ وإن كان ل‪ ،‬فمن ذا المة التي تكون مختارة ومصطفاه؟ من عساها تكون سوى المة الموعودة بالبركة مراراً من نسل إسماعيل عليه‬ ‫السلم؟ إن أمة من المم لم تدّع أنها تلك المة المصطفاه‪.‬‬

‫بشارة يعقوب عليه السلم بشيلون_‬ ‫وقد توالى النبياء وهم يبشرون بقدوم نبي آخر الزمان‪ ،‬ويذكرون صفاته وأحواله‪ ,‬والتي من أهمها أنه ليس من بني إسرائيل‪ ,‬كما أنه صاحب شريعة تدوم إلى البد‪ ،‬يسحق أعداءه‪،‬‬ ‫ودعوته تكون لخير جميع المم‬ ‫وهذه الصفات لم تتوافر في أحد ادعى النبوة سواه‪ ،‬ول يمكن للنصارى حمل تلك النبوءات التي يقرون في أنها نبوءات‪ ،‬ل يمكن لهم أن يحملوها على غيره‪ ،‬إذ موسى وعيسى كانا‬ ‫نبيين إلى بني إسرائيل فقط‪ ،‬وكان موسى صاحب شريعة انتصر أتباعه على أعدائهم‪ ،‬وأما عيسى فلم ينزل بشريعة مستقلة‪ ،‬إذ هو نزل بشريعة موسى وبتكميلها‪ ،‬فهو القائل‪" :‬ل‬ ‫تظنوا أني جئت لنقض الناموس أو النبياء‪ ،‬ما جئت لنقض بل لكمل" (متى ‪ ،)5/17‬ولم يقيض له أن ينتصر على أعدائه‪ ،‬بل تزعم النصارى أنهم تمكنوا منه وصلبوه فكيف يقال‬ ‫بأنه المختار الذي يسحق أعداءه وتترقبه المم؟‬ ‫وأقدم النبوءات الكتابية التي تحدثت عن النبي الخاتم جاءت في وصية يعقوب لبنيه قبل وفاته حين قال لهم‪" :‬ل يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون‪،‬‬ ‫وله يكون خضوع شعوب " ‪ -‬التكوين ‪49/10‬‬ ‫وتختلف التراجم في ثلث من كلمات النص‪ ،‬فقد أبدل البعض كلمة "قضيب" بالملك أو الصولجان‪ ،‬وكلها بمعنى واحد‪ ،‬وكذا أبدلت كلمة "مشترع" بالراسم والمدبر‪ ،‬وهي متقاربة‬ ‫بمعنى صاحب الشريعة مدبر قومه‬ ‫وأما الختلف الهم فكان في كلمة "شيلون" التي أبقتها معجم الترجمات على حالها‪ ،‬وفي تراجم عبرانية أخرى قيل‪" :‬إلى أن يأتي المسيح "‪ ،‬وقد فسر القس إبراهيم لوقا‬ ‫"شيلون" بالمسيح‪ ،‬واعتبرها ترجمة صحيحة لكلمة "شيلوه" العبرية‪ ،‬وذكرت الطبعة المريكية للكتاب المقدس في هامشها أن كلمة "شيلون" تعني‪ :‬المان‪ ،‬أو‪ :‬الذي له‪ .‬فما هو‬ ‫المعنى الدقيق للكلمة (شيلون) التي تدور حولها النبوءة؟‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ‬

‫هو الصورة العملية التطبيقية لهذا الدين_‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هو الصورة العملية التطبيقية لهذا الدين‪ ،‬ويمتنع أن تعرف دين السلم ويصح لك إسلمك بدون معرفة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكيف كان‬ ‫هديه وعمله وأمره ونهيه‪.‬‬ ‫لقد سالم وحارب‪ ،‬وأقام وسافر‪ ،‬وباع واشترى‪ ،‬وأخذ وأعطى‪ ،‬وما عاش صلى ال عليه وسلم وحده‪ ،‬ول غاب عن الناس يوماً واحداً‪ ،‬ول سافر وحده‪.‬‬ ‫سنَةٌ}‪.‬‬ ‫س َو ٌة حَ َ‬ ‫وما أصيب المسلمون إل بسبب الخلل بجانب القتداء به صلى ال عليه وسلّم‪ ،‬والخذ بهديه‪ ،‬واتباع سنته‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪َ{ :‬لقَدْ كَانَ لَكُ ْم فِي رَسُولِ الِ أُ ْ‬ ‫حتى اكتفى بعض المسلمين من سيرته صلى ال عليه وسلّم بقراءتها في المنتديات والحتفالت ول يتجاوز ذلك إلى موضع الهتداء والتطبيق‪ ....‬وبعضهم بقراءتها للبركة أو للطلع‬ ‫على أحداثها ووقائعها أو حفظ غزواته وأيامه وبعوثه وسراياه‪.‬‬ ‫وهذا راجع إما لجهل بأصل مبدأ التباع والهتداء والقتداء وعدم الدراك بأن هذا من لوازم المحبة له صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإما لعدم إدراك مواضع القتداء من سيرته صلى ال‬ ‫عليه وسلم نظراً لضعف الملكة في الستنباط أو لقلة العلم والطلع على كتب أهل العلم‪.‬‬ ‫وهنا تأتي أهمية استخراج الدروس واستنباط الفوائد والعظات واستخلص العبر من سيرته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إن السيرة النبوية ل تدرس من أجل المتعة في التنقل بين أحداثها أو قصصها‪ ،‬ول من أجل المعرفة التاريخية لحقبة زمنية من التاريخ مضت‪ ،‬ول محبة وعشقاً في دراسة سير‬ ‫العظماء والبطال‪ ،‬ذلك النوع من الدراسة السطحية إن أصبح مقصدًا لغير المسلم من دراسة السيرة‪ ،‬فإن للمسلم مقاصد شتى من دراستها‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫ل وَال َيوْمَ‬ ‫ن َيرْجٌو ا َ‬ ‫سنَ ٌة لِ َمنْ كَا َ‬ ‫س َو ٌة حَ َ‬ ‫ن لَكُمْ فِي رَسُولِ الِ أُ ْ‬ ‫أولً‪ :‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم هو محل القدوة والسوة‪ ،‬وهو المشرع الواجب طاعته واتباعه قال تعالى‪َ{ :‬ل َقدْ كَا َ‬ ‫حبّونَ الَ‬ ‫ن ُيطِعِ الرّسُو َل فَ َقدْ َأطَاعَ ال} (النساء‪ ،)80 :‬وقال‪ُ { :‬قلْ ِإنْ ُك ْنتُ ْم ُت ِ‬ ‫خرَ َوذَ َكرَ الَ َكثِيراً} (الحزاب‪ ،)21 :‬وقال تعالى‪{ :‬وَِإنْ ُتطِيعُوهُ َت ْه َتدُوا} (النور‪ ،)54 :‬وقال‪َ { :‬م ْ‬ ‫ال ِ‬ ‫ح ِببْكُمُ الُ} (آل عمران‪.)31 :‬‬ ‫فَاتّبِعُونِي ُي ْ‬ ‫فهو التجسيد العملي والصورة التطيبقية للسلم‪ ،‬وبدونها ل نعرف كيف نطيع ال تعالى ونعبده‪.‬‬ ‫فسيرته صلى ال عليه وسلم يستقي منها الدعاة أساليب الدعوة ومراحلها‪ ،‬ويتعرفون على ذلك الجهد الكبير الذي بذله رسول ال صلى ال عليه وسلم من أجل إعلء كلمة ال‪،‬‬ ‫وكيف التصرف أمام العقبات والصعوبات والموقف الصحيح أمام الشدائد والفتن‪.‬‬ ‫ويستقي منها المربّون طرق التربية ووسائلها‪.‬‬ ‫ويستقي منها القادة نظام القيادة ومنهجها‪.‬‬ ‫ويستقي منها الزهّاد معنى الزهد ومقاصده‪.‬‬ ‫ويستقي منها التجّار مقاصد التجارة وأنظمتها وطرقها‪.‬‬ ‫ويستقي منها المبتلون أسمى درجات الصبر والثبات وتقوى عزائمهم على السير على منهجه والثقة التامة بال عز وجل بأن العاقبة للمتقين‪.‬‬ ‫ويستقي منها العلماء ما يعينهم على فهم كتاب ال تعالى‪ ،‬ويحصلون فيها على المعارف الصحيحة في علوم السلم المختلفة‪ ،‬وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وأسباب النـزول‬ ‫وغيرها وغيرها من المعارف والعلوم‪.‬‬ ‫وتستقي منها المة جميعاً الداب والخلق والشمائل الحميدة‪.‬‬ ‫ولهذا قال ابن كثير‪« :‬وهذا الفن مما ينبغي العتناء به‪ ،‬والعتبار بأمره‪ ،‬والتهيؤ له‪ ،‬كما رواه محمد بن عمر الواقدي عن عبد ال بن عمر بن علي عن أبيه سمعت علي بن الحسين‬ ‫يقول‪ :‬كنا نعلم مغازي النبي صلى ال عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن‪ .‬قال الواقدي‪ :‬وسمعت محمد بن عبدال يقول‪ :‬سمعت عمي الزهري يقول‪ :‬في علم المغازي علم الخرة‬ ‫والدنيا» ‪.‬‬ ‫وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص‪« :‬كان أبي يعلمنا مغازي رسول ال صلى ال عليه وسلم ويعدها علينا‪ ،‬ويقول‪ :‬هذه مآثر آبائكم فل تضيعوا ذكرها»‪.‬‬ ‫وقال علي بن الحسين‪« :‬كنا نعلم مغازي رسول ال صلى ال عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن»‬

‫لقد خلف التاريخ عظماء وملوكاً و ُقوّاداً‪ ،‬وشعراء‪ ،‬وفلسفة‪ ،‬فمن منهم ترك سيرة وأسوة يؤتسى بها في العالمين؟ لقد طوى التاريخ ذكرهم فلم يبق منه شيء وإن بقيت بعض‬ ‫أسمائهم‪.‬‬ ‫لقد أصبحت سير كثير من العظماء أضحوكة للبشر على مدار التاريخ كله‬ ‫غ ْيرِي}؟!‬ ‫ت لَكُمْ ِمنْ ِإلَ ٍه َ‬ ‫علِمْ ُ‬ ‫علَى} (النازعات‪ ،)24 :‬وقال‪{ :‬مَا َ‬ ‫حيِي وَُأمِيتُ}؟! (البقرة‪ )258 :‬وأين مقالة فرعون وشأنه الذي قال‪َ{ :‬أنَا َربّكُمُ ا َل ْ‬ ‫فأين نمرود الذي قال لبراهيم‪َ{ :‬أنَا ُأ ْ‬ ‫(القصص‪.)38 :‬‬ ‫إن هؤلء العظماء في زمانهم يسخر منهم اليوم الصغير والكبير والعالم والجاهل‪ ،‬فإن كانوا دلسوا على أقوامهم في زمنهم واستخفوا بهم فأطاعوهم؛ فقد افتضح أمرهم بعد هلكهم‪،‬‬ ‫وأصبحوا محل السخرية على مدار الزمان‪.‬‬ ‫س ْلنَاكَ‬ ‫إن سيرة الرسول صلى ال عليه وسلم جاءت بإخراج الناس من ظلمات الشرك والخلق وفساد العبادة والعمل إلى نور التوحيد واليمان والعمل الصالح‪{ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ ِإنّا َأرْ َ‬ ‫سرَاجاً ُمنِيراً} (الحزاب‪)46-45:‬‬ ‫ل ِبِإ ْذنِ ِه وَ ِ‬ ‫شَاهِدًا وَ ُمبَشِرًا َو َنذِيرًا َودَاعِياً ِإلَى ا ِ‬ ‫ثانياً‪ :‬ندرس السيرة ليزداد إيماننا ويقيننا بصدقه‪ ،‬فالوقوف على معجزاته ودلئل نبوته مما يزيد في اليمان واليقين في صدقه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فدراسة سيرته العطرة وما‬ ‫سطرته كتب السيرة من مواقف عظيمة‪ ،‬وحياة كاملة كريمة‪ ،‬تدل على كماله ورفعته وصدقه‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ولينغرس في قلوبنا حبه‪ ،‬فما حملته سيرته من أخلق فاضلة‪ ،‬ومعاملة كريمة‪ ،‬وحرصه العظيم على هداية الناس وصلحهم وجلب الخير لهم‪ ،‬وبذل نفسه وماله في سبيل‬ ‫إخراج الناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬ومن الشقاء إلى السعادة‪ ،‬وما كان من حرصه صلى ال عليه وسلم على أمته في إبعادها عما يشق عليها ويعنتها‬

‫الرسول أفضل قدوة لك في حياتك _‬ ‫فهو الوحيد في التاريخ الذي تقتدي به في كل شيء‬ ‫ إذا كنت غنيا ثريا فاقتد بالرسول عندما كان تاجرا يسير بسلعه بين الحجاز و الشام ‪ ،‬و حين ملك خزائن البحرين ‪...‬‬‫ و إن كنت فقيرا معدما فلتكن لك أسوة به و هو محصور في شعب أبي طالب‪ ،‬و حين قدم إلى المدينة مهاجرا إليهـا مـن وطنه و هو ل يحمل من حطام الدنيا شيئا ‪...‬‬‫ و إن كنـت ملكـا فاقتـد بـسنته و أعمالـه حـين ملـك أمـر العـرب‪ ،‬و غلـب علـى آفـاقهم و دان لطاعتـه عظمـاؤهم‪ ،‬و ذووا أحلمهم ‪...‬‬‫ و إن كنت رعية ضعيفة فلك في رسول ال أسوة حسنة‪ ،‬أيام كان محكوما بمكة في نظام المشركين ‪..‬‬‫ و إن كنت فاتحا غالبا فلك من حياته نصيب أيام ظفره بعدوه في بدر و حنين و مكة ‪...‬‬‫ و إن كنت منهزما ل قدر ال ذلك‪ ،‬فاعتبر به في يوم أحد و هو بين أصحابه القتلى و رفقائه المثخنين بالجراح ‪...‬‬‫ و إن كنت معلما فانظر إليه و هو يعلم أصحابه في المسجد ‪...‬‬‫ وإن كنت تلميذا متعلما فتصور مقعده بين يدي الروح المين جاثيا مسترشدا ‪...‬‬‫ و إن كنت واعظا ناصحا و مرشدا أمينا فاستمع إليه و هو يعظ الناس على أعواد المسجد النبوي ‪...‬‬‫ و إن كنت يتيما فوالده توفي قبل أن يولد ووالدته توفت و هو ابن ست سنوات ‪...‬‬‫ و إن كنت صغير السن فانظر إلى ذلك الوليد العظيم حين أرضعته مرضعته الحنون حليمة السعدية ‪...‬‬‫ و إن كنت شابا فاقرأ سير راعي مكة ‪...‬‬‫ و إن كنت تاجرا مسافرا بالبضائع فلحظ شؤون سيد القافلة التي قصدت بصرى ‪...‬‬‫ و إن كنت قاضيا أو حكما فانظر إلى الحكم الذي قصد الكعبة قبل بزوغ الشمس ليضع الحجر السود في محلـه و قـد كـاد رؤساء مكة يقتتلون‪ ،‬ثم ارجع البصر إليه مرة أخرى وهو‬‫في فناء مسجد المدينة يقضي بين النـاس بالعـدل يـستوي عنـده منهم الفقير المعدم و الغني المثري ‪...‬‬ ‫ و إن كنت زوجا فاقرأ السيرة الطاهرة و الحياة النزيهة لزوج خديجة و عائشة‪.‬و إن كنت أبا لولد فتعلم ما كـان عليـه والـد فاطمة الزهراء و جد الحسن و الحسين ‪...‬‬‫و أيا من كنت‪ ،‬و في أي شأن كان‪ ،‬فإنك مهما أصبحت أو أمسيت و على أي حال بت أو أضحيت فلك في حياة محمد هداية حسنة وقدوة صالحة تضيء لك بضوئها ظلم العيش‪،‬‬ ‫فتصلح ما اضطرب من أمورك ‪.‬‬ ‫أعظم شخصية في الكون‬

‫ميزات السيرة النبوية وخصائصها _‬ ‫أولً‪ :‬أنها معلومة ومسجلة ولم يخف منها شيء‪ ،‬فما ترك علماء السلم على مر التاريخ باباً من أبواب السيرة إل وقد ألفوا فيه مؤلفاً مستقلً‪ ،‬شمل ذلك دقائقها وجزئياتها حتى‬ ‫أصبح المسلم عند قراءته لسيرة النبي صلى ال عليه وسلم كأنه يعايشه ويشاهده تمامًا لوضوحها وشمولها‪.‬‬ ‫وسيأتي بيان ذلك في الحديث عن مصادر السيرة النبوية‪ ،‬ويكفي أن تعلم أن عدد ما ألف في السيرة النبوية في اللغة الوردية ‪-‬وهي لغة حديثة‪ -‬يزيد عن ألف كتاب‪ ،‬وعدد ما ألف في‬ ‫اللغات الوربية في القرن نفسه يزيد ألف وثلثمائة كتاب‪ ،‬هذا في القرن الثالث عشر‬ ‫ثانياً‪ :‬ما تميزت به من الصدق والمانة في نقلها‪ ،‬فقد حظيت ضمن ما حظيه الحديث من التمحيص والتحقيق والمقارنة والتثبت من النقلة ومعرفة الصحيح منها من الضعيف‪،‬‬ ‫فأصبحت أصح سيرة نقلت إلينا عن نبي أو عظيم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أن رسالته صلى ال عليه وسلم عامة لجميع الخلق مع خلودها‪.‬‬ ‫فسيرته قدوة وأسوة لكل البشر قد ساوت بين الملوك والسوقة‪ ،‬سيرة ينتفع بها صغار الناس وكبارهم‪ ،‬فهم في دين ال سواء قد رفع من شأن الجميع‪.‬‬ ‫عالمية الرسالة و ركيزة الدعوة‬ ‫ي ُيبْعَثُ ِإلَى َقوْ ِم ِه خَاصّ ًة َوبُ ِعثْتُ ِإلَى النّاسِ كَافّةً»‬ ‫وقال صلى ال عليه وسلم‪« :‬وَكَانَ ال ّنبِ ّ‬ ‫إن النسانية كلها تتطلع إلى مثل أعلى تقتدي به‪ ،‬ولن تجد سيرة ‪-‬لعظيم أو نبي‪ -‬معلومة كاملة شاملة غير سيرة النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إن أي دين ل يقوم على ركيزتين‪ :‬حقوق ال‪ ،‬وحقوق البشر ل يمكن أن ينقذ البشرية ويقودها إلى الصلح والنجاة والسعادة والكمال‪.‬‬ ‫والديانات الن قسمين‪:‬‬ ‫‪ -1‬ما ليس فيه ذكر ل البتة مثل البوذية والديانات الصينية‬ ‫‪ -2‬من تؤمن بوجود ال تعالى‪ ،‬لكن ل يعرف النسان فيها كيف يعتقد بربه؟ وبأي صفة يصفه؟ وبأي شكل تتجلى العقيدة في ال عز وجل؟‬ ‫أما حقوق البشر فابحث في جميع الديان هل تجد تفصيلً للحياة السرية والعلقات الجتماعية‪ ،‬فضلً عن الحياة السياسية والعلقات الدولية‪ ،‬والشئون القتصادية‪ ،‬تفحص في سير‬ ‫جميع النبياء والعظماء هل تجد إجابة على هاتين الركيزتين؟ من المؤكد أنك لن تصل إلى نتيجة إل في دين السلم وسيرة النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫السيرة وأخلق الرسول‬ ‫إن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يقض وقته بين أحبابه وأصحابه‪ ،‬بل قضى أغلب عمره بين ألد أعدائه‪ ..‬المشركين‪ ،‬وفي آخر عمره كان يجاوره اليهود والمنافقون‪ ،‬فلم يستطيعوا‬ ‫أن يرموه بنقيصة في أخلقه وشمائله وصدقه‪ ،‬على الرغم من حرصهم الشديد بالبحث والتنقيب عنها‪ ،‬فقد رماه أهل مكة باللقاب السيئة وعيّروه بالسماء القبيحة‪ ،‬إل أنهم لم‬ ‫ن فَ ِإ ّنهُمْ ل‬ ‫حزُ ُنكَ اّلذِي َيقُولُو َ‬ ‫يستطيعوا أن يقدحوا في شيء من أخلقه‪ ،‬أو يدنسوا عرضه الطاهر رغم إنفاقهم أموالهم وإزهاقهم أرواحهم في عدائه‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬قدْ نَ ْعلَمُ ِإنّ ُه َل َي ْ‬ ‫حدُونَ} (النعام‪.)33:‬‬ ‫ل َيجْ َ‬ ‫ن بِآيَاتِ ا ِ‬ ‫ن الظّالِمِي َ‬ ‫يُ َك ّذبُو َنكَ َولَ ِك ّ‬

‫صدّقِيّ؟ قَالُوا‪:‬‬ ‫عَليْكُمْ أَ ُك ْنتُمْ ُم َ‬ ‫ن تُغِيرَ َ‬ ‫ل بِا ْلوَادِي ُترِيدُ َأ ْ‬ ‫خ ْي ً‬ ‫ن َ‬ ‫خ َبرْتُكُمْ َأ ّ‬ ‫وقد أخرج البخاري عن ابن عباس في صعود النبي صلى ال عليه وسلم الصفا لتبليغ الناس حيث قال‪َ« :‬أرََأ ْيتَكُ ْم َلوْ َأ ْ‬ ‫صدْقاً»‬ ‫عَل ْيكَ ِإ ّل ِ‬ ‫ج ّر ْبنَا َ‬ ‫نَعَمْ‪ ،‬مَا َ‬ ‫خامساً‪ :‬شمولها لجميع نواحي الحياة مع الوضوح التام فيها‪.‬‬ ‫لقد عاش النبي صلى ال عليه وسلم بين صحابته وتزوج بتسع نس‬ ‫وة‪ ،‬وأمر أن يبلغ الشاهد منهم الغائب‪ ،‬وقال‪« :‬بلغوا عني ولو آية» رواه البخاري (‪ )3274‬وقال‪« :‬نضر ال امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه‪ ،‬فرب مبلغ أوعى من سامع» رواه‬ ‫الترمذي (‪ )2657‬وصححه اللباني ورواه البخاري بمعناه وما سافر وحده قط‪ ،‬ول اعتزل الناس في يوم من اليام أبداً‪ ،‬وقد تضافر الصحابة على نقل كل شيء عنه‪ ،‬بل تفرغ عدد‬ ‫منهم للرواية والمتابعة له كأهل الصفة‪.‬‬ ‫لقد وصفوه في قيامه وجلوسه‪ ،‬وكيف ينام‪ ،‬وهيئته في ضحكه وابتسامته‪ ،‬وكيف اغتساله ووضوؤه‪ ،‬وكيف يشرب ويأكل وما يعجبه من الطعام‪ ،‬ووصفوا جسده الطاهر كأنك تراه‪،‬‬ ‫حتى ذكروا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته‪ ،‬ولمحة في كتاب من كتب السيرة والشمائل تجد العجب من هذا الشمول وهذه الدقة في الوصف والنقل‬ ‫سادساً‪ :‬أنها بعمومها لم تتعد القدرة البشرية‪ ،‬أي أنها لم تتكىء على الخوارق‪ ،‬أو قامت فصولها على معجزة من المعجزات خارجة عن قدرات البشر‪ .‬بل إنه من السهل التعرف عليها‬ ‫وتطبيقها‪ ،‬والقتداء بها‪ ،‬فهي ليست مثالية التطبيق‬

‫محمد النسان ‪ ،‬عظيم في كل شيء _‬ ‫و هو بعد ذلك عظيم في كل شيء ‪...‬عظيم في كل المجالت و الميادين‬ ‫عظيم في أخلقه‬ ‫"ما غضب رسول ال قط "‬ ‫"ما أخلف رسول ال عهدا قط "‬ ‫"ما انتقم رسول ال لنفسه قط "‬ ‫"ما ضرب رسول ال امرأة قط "‬ ‫"ما كذب رسول ال قط "‬ ‫‪.‬قبل البعثة كان الصادق المين‪ ،‬و بعد البعثة تصفه أمنا عائشة فتقول ‪" :‬كان خلقه القرآن" أخرجه أحمد (‪ )25302‬إسناده صحيح على شرط الشيخين‬ ‫عظيم في رؤيته السياسية‬ ‫يوم قال بعد غزوة الخندق ‪ ":‬اليوم نغزوهم و ل يغزوننا "أخرجه البخاري (‪)4110،4109‬‬ ‫عظيم في روحانيته‬ ‫كان يصلي حتى تتورم قدماه و يقول‪ " :‬أفل أكون عبدا شكورا ؟ "‬ ‫متفق عليه‬ ‫عظيم في عفوه عن أعدائه‬ ‫"اذهبوا فأنتم الطلقاء "ضعفه اللباني السلسلة الضعيفة (‪)1163‬‬ ‫عظيم في بث المل في نفوس الناس‬ ‫"و ال ليبلغن هذا المر ما بلغ الليل و النهار‪ ،‬حتى تخرج المرأة من الحيرة وحدها إلي البيت ل تخشى إل ال‪".‬‬ ‫أخرجه أحمد (‪ )16957‬وإسناده صحيح على شرط مسلم‬ ‫عظيم في شجاعته‬ ‫يوم قال ‪ ":‬أنا النبي ل كذب أنا بن عبد المطلب "يوم حنين‪.‬‬ ‫متفق عليه‬ ‫عظيم في قدرته على تجميع الناس من حوله‬ ‫… يعرف قدرات الناس‪ ،‬و يضع كل واحد منهم في مكانه الصحيح‪.‬‬ ‫عظيم مع الشباب‬ ‫يجمع شباب الصحابة و ينظم لهم مسابقة في رمي السهام‪ ،‬و يقول‪:‬‬ ‫ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميـا وأنا مع فلن و فلن ضد فلن وفلن‪...‬‬ ‫فظل فريق النبي يرمي والفريق الخر ل يرمي فقال لهـم ‪ :‬مـا لكـم ل ترمـون؟ فقـالوا ‪:‬‬ ‫كيف نرمى و أنت معهم ؟؟ فقال‪ :‬ارموا و أنا معكم جميعا ‪.‬متفق عليه‬ ‫عظيم في عين زوجته‬ ‫شـــهادة خديجـــة زوجتـــه "كـــل و ال ل يخزيـــك ال أبـــدا‪ .‬متفق عليه‬

‫فقه السيرة النبوية _‬ ‫ليس الغرض من دراسة السيرة النبوية وفقهها مجرد الوقوف علي الوقائع التاريخية ول سرد ما طرف أو جمل من القصص والحداث‪ ,‬ولذا فل ينبغي أن نعتبر دراسة فقه السيرة‬ ‫النبوية من جملة الدراسة التاريخية شأنها شأن الطلع علي سيرة خليفة من الخلفاء أو عهد من العهود التاريخية الغابرة‬

‫وإنما الغرض منها أن يتصور المسلم الحقيقة السلمية في مجموعها متجسدة في حياته صلي ال عليه وسلم بعد أن فهمها مبادئا وقواعدا وأحكاما مجردة في الذهن‬ ‫أي أن دراسة السيرة النبوية ليست سوي عمل تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة السلمية كاملة في مثلها العلي محمد صلي ال عليه وسلم‬ ‫وإذا أردنا أن نجزئ هذا الغرض ونصنف أجزاءه‪ ,‬فإن من الممكن حصرها في الهداف التفصيلية التالية ‪:‬‬ ‫‪ -1‬فهم شخصية الرسول صلي ال عليه وسلم (النبوية ) من خلل حياته وظروفه التي عاش فيها للتأكد من ان محمدا عليه الصلة والسلم لم يكن عبقريا سمت به عبقريته بين‬ ‫قومه ولكنه قبل ذلك رسول أيده ال بوحي من عنده وتوفيق من لدنه‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يجد النسان بين يديه صورة للمثل العلي في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه‪ .‬ول ريب أن النسان مهما بحث عن مثل أعلي‬ ‫في ناحية من نواحي الحياة‪ ,‬فإنه واجد كل ذلك في حياة الرسول صلي ال عليه وسلم علي أعظم ما يكون من الوضوح والكمال‪ ,‬ولذا جعله ال قدوة للنسانية بأسرها إذ قال ( لقد كان‬ ‫لكم في رسول ال أسوة حسنة )‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يجد النسان في دراسة سيرته عليه الصلة والسلم ما يعنيه علي فهم كتاب ال تعالي وتذوق روحه ومقاصده إذ أن كثيرا من آيات القرآن إنما تفسرها وتجليها الحداث التي‬ ‫مرت برسول ال صلي ال عليه وسلم و مواقفه منها‪.‬‬ ‫‪-4‬أن يتجمع لدي المسلم من خلل دراسة سيرته صلي ال عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة والمعارف السلمية الصحيحة سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة أو الحكام أو الخلق إذ‬ ‫ل ريب في أن حياته عليه الصلة والسلم إنما هي صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ السلم وأحكامه‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن يكون لدي المعلم والداعية السلمي نموذج حي عن طرق التربية والتعليم فلقد كان محمدا صلي ال عليه وسلم معلما ناضجا ومربيا فاضل لم يأل جهدا في تلمس أجدي الطرق‬ ‫الصالحة في التربية والتعليم خلل مختلف فترات دعوته‪ ,‬وإن من أهم ما يجعل سيرته صلي ال عليه وسلم وافية بتحقيق هذه الهداف كلها أن حياته عليه الصلة والسلم شاملة لكل‬ ‫النواحي النسانية والجتماعية التي توجد في النسان من حيث أنه فرد مستقل بذاته‪ ,‬أو من حيث أنه عضو فعال في المجتمع‪ .‬فحياته عليه الصلة والسلم تقدم إلينا نموذج سام‬ ‫للشاب المستقيم في سلوكه المين مع قومه وأصحابه كما تقدم النموذج الرائع للنسان الداعي إلي ال بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ,‬الباذل منتهي الطاقة في سبيل إبلغ رسالته‪,‬‬ ‫ولرئيس الدولة الذي يسوس المور بحذق وحكمة بالغة‪ ,‬وللزوج المثالي في حسن معاملته‪ ,‬وللب في حنو عاطفته مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والولد‪,‬‬ ‫وللقائد الحربي الماهر‪ ,‬والسياسي الصادق المحنك‪ ,‬وللمسلم الجامع في دقة وعدل بين واجب التعبد والتبتل لربه والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه‪.‬‬

‫المنهج العلمي في رواية السيرة النبوية _‬ ‫من المعلوم أن كتابة السيرة النبوية من عموم ما يسمي تاريخا‪ ,‬وإن كانت السيرة النبوية كما أوضحنا منطلقا للتاريخ وحافزا علي رصد الوقائع والحداث التي دخلت قبلها‪ ,‬والتي‬ ‫جاءت متسلسلة علي أعقابها ولكن‪ ..‬علي أي منهج اعتمد كتاب السيرة في تاريخها وتدوينها؟ لقد كان منهجهم المعتمد في ذلك اتباع ما يسمي اليوم بالمذهب الموضعي في كتابة‬ ‫التاريخ طبق قواعد علمية سنشير إليها‪.‬‬ ‫ومعني هذا أن كتاب السيرة النبوية وعلماءها لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة إل تثبيت ما هو ثابت منها بمقياس علمي في قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكل من السند‬ ‫والمتن وفي قواعد الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم وأحوالهم‪.‬‬ ‫فإذا انتهت بهم هذه القواعد العلمية إلي أخبار ووقائع وقفوا عندها ودونوها دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية أو انطباعاتهم النفسية أو مألوفاتهم الببيئية إلي شيء من تلك الوقائع‬ ‫بأي تلعب أو تحوير‬ ‫قد كانوا يرون أن الحادثة التاريخية ‪-‬التي يتم الوصول إلي معرفتها ضمن نفق من هذه القواعد العلمية التي تتسم بمنتهي الدقة‪ -‬حقيقة مقدسة يجب أن تجلي أمام البصار والبصائر‬ ‫كما هي‪ ,‬كما كانوا يرون أن خيانة ل تغتفر أن ينصب من التحليلت الشخصية والرغبات النفسية ‪-‬التي هي في الغالب من انعكاسات البيئة ومن ثمار العصبية‪ -‬حاكم مسلط يستبعد‬ ‫منها ما يشاء ويحور فيها كما يريد ضمن هذه الوقاية من القواعد العلمية وعلي ذلك الساس من النظرة الموضوعية للتاريخ وصلت إلينا سيرة المصطفي صلي ال عليه وسلم بدءا‬ ‫من ولدته ونسبه إلي طفولته فصبوته اليافعة إلي الرهاصات الخارقة التي صاحبت مراحل طفولته وشبابه إلي بعثته وظاهرة الوحي التي تجلت في حياته إلي أخلقه وصدقه وأمانته‬ ‫إلي الخوارق والمعجزات التي أجراها ال تعالي علي يده إلي مراحل الدعوة التي سار فيها لتلبية أمر ربه من سلم فدفاع فجهاد مطلق حيثما طاف بالدعوة إلي ال تعالي‬ ‫لقد كان العمل التاريخي إذن بالنسبة إلي هذه السلسة من سيرته صلي ال عليه وسلم ينحصر في نقلها إلينا محفوظة مكلوءة ضمن تلك الوقاية العلمية التي من شأنها ضبط الرواية‬ ‫من حيث السناد واتصاله‪ ,‬ومن حيث الرجال وتراجمهم‪ ,‬ومن حيث المتن أو الحادثة وما قد يطوف بها من شذوذ ونحوه‬ ‫أما عملية استباط النتائج والحكام والمبادئ والمعاني من هذه الخبار (بعد القبول التام لها) فعمل علمي آخر ل شأن له بالتاريخ وما ينبغي أن يمزج به بحال من الحوال‪ ,‬إنه عمل‬ ‫علمي متميز ومستقل بذاته ينهض بدوره علي منهج و قواعد أخري من شأنها أن تضبط عملية استنباط النتائج والمبادىء من تلك الحداث ضمن قالب علمي يقصيها عن سلطان‬ ‫الوهم وشهوة الرادة النفسية التي يعبر عنها أمثال وليم جيمس بإرادة العتقاد من هذه القواعد القياس الستقرائي وقانون اللتزام بأنواعه المختلفة والدللت بأنواعها‪.‬‬ ‫ولقد استنبطت من أحداث السيرة النبوية ‪-‬طبقا لهذه القواعد‪ -‬أحكام كثيرة‪ ,‬منها ما يتعلق بالعتقاد واليقين‪ ,‬ومنها ما يتعلق بالتشريع والسلوك‪ .‬والمهم في هذا الصدد أن نعلم بأنها‬ ‫جاءت منفصلة عن التاريخ وتدوينه بعيدة عن معناه ومضمونه‪ ,‬وإنما كانت نتيجة معاناة علمية أخري نهضت في حد وجودها علي البنيان التاريخي الذي قام بدوره علي القواعد التي‬ ‫ذكرناها‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ‬

‫المرحلة الولى(جهاد الدعوة)‬ ‫ثلث سنوات من الدعوة السرية_‬ ‫معلوم أن مكة كانت مركز دين العرب وكان بها سدنة الكعبة والقوام على الوثان والصنام المقدسة عند سائر العرب فالوصول إلى المقصود من الصلح فيها يزداد عسرًا وشدة عما‬ ‫لو كان بعيداً عنها ‪ .‬فالمر يحتاج إلى عزيمة ل تزلزلها المصائب والكوارث كان من الحكمة تلقاء ذلك أن الدعوة في بدء أمرها سرية ‪ ،‬لئل يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم‬

‫الرعيل الول_‬ ‫وكان من الطبيعي أن يعرض الرسول صلى ال عليه وسلم السلم أو ًل على ألصق الناس به وآل بيته وأصدقائه فدعاهم السلم ودعا إليه كل من توسم فيه خيراً ممن يعرفهم‬ ‫ويعرفونه يعرفهم بحب ال الحق والخير ويعرفونه بتحري الصدق والصلح فأجابه من هؤلء _ الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول صلى ال عليه وسلم وجللة نفسه‬ ‫وصدق خبره‪ -‬جمع عرفوا في التاريخ السلمي بالسابقين الولين وفي مقدمتهم زوجة النبي صلى ال عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ‪ ،‬وموله زيد بن حارثه بن شرحبيل‬ ‫الكلبي وابن عمه على ابن أبي طالب _ وكان صبي ًا يعيش في كفالة الرسول _ وصديقه الحميم أبو بكر الصديق أسلم هؤلء في أول يوم من أيام الدعوة ‪.‬‬ ‫ل مألفاً محبباً سهلً ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو من يثق به من‬ ‫ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى السلم وكان رج ً‬ ‫قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم بدعائه عثمان بن عفان الموي والزبير بن العوام السدي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص الزهريان وطلحة بن عبيد ال التيمي ‪.‬‬ ‫فكان هؤلء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الول وطليعة السلم ‪.‬‬ ‫ومن أوائل المسلمين بلل بن رباح الحبشي ‪ ،‬ثم تلهم أمين هذه المة أبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر ‪ ،‬وأبو سلمه بن عبد السد والرقم بن أبي الرقم‬ ‫المخزوميان ‪ ،‬وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبدال ‪ ،‬وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ‪ ،‬وسعيد بن زيد العدوي وامرأتة فاطمة بنت الخطاب العدوية أخت عمر بن‬ ‫الخطاب وخباب بن الرت وعبد ال بن مسعود الهذلي وخلق سواهم وأولئك هم السابقون الولون وهم من جميع بطون قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفرًا ‪ .‬وفي ذكر‬ ‫بعضهم في السابقين نظر‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق ثم دخل الناس في السلم أرسالً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر السلم بمكة وتحدث به ‪.‬‬ ‫أسلم هؤلء سرًا وكان الرسول صلى ال عليه وسلم يجتمع بهم ويرشدهم إلى الدين متخفي ًا لن الدعوة كانت ل تزال فردية وسرية وكان الوحي قد تتابع وحمى نزوله بعد نزول أوائل‬ ‫المدثر ‪ .‬وكانت اليات وقطع السور التي تنزل في هذا الزمان آيات قصيرة ذات فواصل رائعة منيعة وإيقاعات هادئة خلبة تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق تشتمل على تحسين‬ ‫تزكية النفوس وتقبيح تلويثها برغائم الدنيا تصف الجنة والنار كأنهما رؤى عين تسير بالمؤمنين في جو آخر غير الذي فيه المجتمع البشري آنذاك‬

‫الصلة_‬ ‫وكان في أوائل ما نزل المر بالصلة قال مقاتل بن سليمان ‪ :‬فرض ال في أول السلم الصلة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ‪ ،‬لقولة تعالى " وسبح بحمد ربك بالعشي والبكار "‬ ‫وقال ابن حجر ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل السراء يصلي قطعاً وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل فرض شئ قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم ل ؟ فقيل إن الفرض‬ ‫كانت صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ‪.‬انتهى ‪.‬‬ ‫وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لهيعة موصو ًل عن زيد بن حارثة ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل فعلمه الوضوء فلما فرغ من‬ ‫الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه ‪ .‬أخرجه أحمد (‪ )17480‬وهو حديث ضعيف لضعف ابن لهيعة‬ ‫وقد روى ابن ماجة بمعناه ‪ .‬وروى نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس وفي حديث ابن عباس وكان ذلك من أول الفريضة ‪.‬‬ ‫وقد ذكر ابن هشام أن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابة كانوا إذا حضرت الصلة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلتهم من قومهم وقد رأى أبو طالب النبي صلى اللع عليه وسلم‬ ‫وعليا يصليان مرة فكلمهما في ذلك ولما عرف جلية المر أمرهما بالثبات‬ ‫الخبر يبلغ قريش إجمالً_‬ ‫يبدو بعد النظر في نواح شتى من الوقائع إن الدعوة _ في هذه المرحلة _ وإن كانت سرية وفردية لكن بلغت أنباؤها إلى قريش بيد أنها لم تكثرت بها ‪.‬‬ ‫قال محمد الغزالي ‪ :‬وترامت هذه النباء إلى قريش فلم تعرها اهتمامًا ولعلها حسبت محمدًا أحد أولئك الديانين الذين يتكلمون في اللوهية وحقوقها كما صنع أمية بن أبي الصلت‬ ‫وقس بن ساعدة وعمرو بن نفيل وأشباهم إل أنها توجست خيفة من ذيوع خبره وامتداد أثره وأخذت ترقب على اليام مصيره ودعوته ‪.‬‬ ‫مرت ثلث سنين والدعوة لم تزل سرية وفردية وخلل هذه الفترة تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الخوة والتعاون وتبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها ثم تنزل الوحي يكلف‬ ‫رسول ال بمعالنته قومه ومجابهة باطلهم ومهاجمة أصنامهم ‪.‬‬

‫المرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)‬ ‫أول أمر بإظهار الدعوة_‬ ‫أول مانزل بهذا الصدد قوله تعالى وأنذر عشيرتك القربين والسورة التي وقعت فيها الية _ وهي سورة الشعراء _ ذكرت فيها أولً قصة موسى عليه السلم من بداية نبوتة إلى‬ ‫هجرته مع بني إسرائيل ونجاتهم من فرعون وقومه وإغراق آل فرعون معه وقد اشتملت هذه القصة على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السلم خلل دعوة فرعون وقومه‬ ‫إلى ال ‪.‬‬ ‫أرى أن هذا التفصيل إنما جئ به حين أمر الرسول بدعوة قومه إلى ال ليكون أمامه وأمام أصحابه نموذج ًا لما سيلقونه من التكذيب والضطهاد حينما يجهرون بالدعوة وليكونوا‬ ‫على بصيرة من أمرهم منذ بداية دعوتهم ‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل من قوم نوح وعاد ‪ ،‬وثمود ‪ ،‬وقوم إبراهيم ‪ ،‬وقوم لوط ‪ ،‬وأصحاب اليكة _ علوة ماذكر من أمر فرعون وقومه‬ ‫_ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب بما يؤول إليه أمرهم وبما سيلقون من مؤاخذة ال إن استمروا على التكذيب وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم ل للمكذبين ‪.‬‬

‫الدعوة في القربين_‬ ‫وأول ما فعل رسول ال بعد نزول هذه الية دعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف ‪ ،‬فكانوا خمسة وأربعين رجلً ‪ .‬فبادره أبو لهب وقال ‪ :‬وهؤلء هم‬ ‫عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصبُاة واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة وأنا أحق من أخذك فحسبك بنو أبيك وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك‬ ‫بطون قريش وتمدهم العرب فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئت به ‪ ،‬فسكت رسول ال ولم يتكلم في ذلك المجلس ‪.‬‬ ‫ثم دعاهم ثانية وقال الحمد ل أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه ‪ .‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ .‬ثم قال ‪ :‬إن الرائد ل يكذب أهله وال الذي ل إله إل هو إني رسول‬ ‫ال إليكم خاصة وإلى الناس عامة وال لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ‪ ،‬ولتحاسبن بما تعملون ‪ ،‬وإنها الجنة أبداً أو النار أبدًا فقال أبو طالب ‪ :‬ما أحب إلينا معاونتك‬ ‫وأقبلنا لنصيحتك وأشد تصديقنا لحديثك وهؤلء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به ‪ .‬فوال ل أزال أحوطك وأمنعك غير أن نفسي ل‬

‫تطاوعني على فراق دين عبد المطلب ‪ .‬فقال أبو لهب ‪ :‬هذه وال السوأة ‪ ،‬خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم ‪ ،‬فقال أبو طالب ‪ :‬وال لنمنعه ما بقينا ‪.‬‬

‫على جبل الصفا_‬ ‫وبعد ما تأكد النبي من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه ‪ ،‬قام يومًا على الصفا فصرخ ‪ :‬يا صباحاه‪ :‬فأجتمع إليه بطون قريش ‪ ،‬فدعاهم إلى التوحيد واليمان برسالته‬ ‫وباليوم الخر ‪ .‬وقد روى البخاري طرفاً من هذه القصة عن ابن عباس ‪ .‬قال ‪ :‬لما نزلت وأنذر عشيرتك القربين صعد النبي على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر ! يا بني عدي !‬ ‫لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسو ًل لينظر ما هو ؟ فجاء أبو لهب وقريش ‪ .‬فقال ‪ :‬أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلً بالوادي تريد أن تغير عليكم‬ ‫أكنتم مصدقي ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬ما جربنا عليك إل صدقاً ‪ ،‬قال ‪ :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‪ .‬فقال أبو لهب ‪ :‬تباً لك سائر اليوم ‪ .‬ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت تبت يدا أبي لهب ‪.‬‬ ‫وروى مسلم طرفا آخر من هذه القصة عن أبي هريرة رضي ال عنه ‪ .‬قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية وأنذر عشيرتك القربين دعا رسول ال فعم وخص ‪ .‬فقال ‪ :‬يا معشر قريش أنقذوا‬ ‫أنفسكم من النار ‪ ،‬يا معشر قريش بني كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار ‪ ،‬يا فاطمة بنت محمد ‪ .‬أنقذي نفسك من النار ‪ ،‬فإني وال ل أملك لكم من ال شيئاً إل أن لكم رحم ًا سأبلها ببللها‬ ‫‪.‬‬ ‫هذه النصيحة العالية هي غاية البلغ فقد أوضح الرسول لقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلت بينه وبينهم ‪ .‬وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت‬ ‫في حرارة هذا النذار التي من عند ال ‪.‬‬

‫الصدع بالحق وردود فعل المشركين_‬ ‫ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى ‪ :‬فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين فقام رسول ال يعكر على خرافات الشرك وترهاته ويذكر حقائق‬ ‫الصنام وما لها من قيمة في الحقيقة ‪ ،‬يضرب بعجزها المثال ويبين بالبينات أن من عبدها وجعلها وسيلة بينه وبين ال فهو في ضلل مبين ‪.‬‬ ‫انفجرت مكة بمشاعر الغضب وماجت بالغرابة والستنكار حين سمعت صوتًا يجهر بتضليل المشركين وعباد الصنام كأنه صاعقة قصفت السحاب ‪ ،‬فرعدت وبرقت وزلزلت الجو‬ ‫الهادئ وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة ويخشى أن تأتي على تقاليدها وموروثاتها ‪.‬‬ ‫قامت لنها عرفت أن معنى اليمان بنفي اللوهية عما سوى ال ومعنى اليمان بالرسالة وباليوم الخر هو النقياد التام والتفويض المطلق ‪ ،‬يحيث ل يبقى لهم خيار في أنفسهم‬ ‫ل عن غيرهم ‪ .‬ومعنى ذلك انتفاء سيادتهم وكبريائهم على العرب التي كانت بالصبغة الدينيه وامتناعهم عن تنفيذ مرضاتهم أمام مرضاة ال ورسوله وامتناعهم عن‬ ‫وأموالهم فض ً‬ ‫المظالم التي كانوا يفترونها على الوساط السافلة ‪ ،‬وعن السيئات التي كانا يجترحونها صباح مساء ‪ .‬عرفوا هذا المعنى فكانت نفوسهم تأبى عن قبول هذا الوضع المخزي ل لكرامة‬ ‫وخير بل يريد النسان ليفجر أمامه‬ ‫ل خلل فترة طويلة من تاريخ الباء والقوام ؟‬ ‫عرفوا كل ذلك جيداً ولكن ماذا سيفعلون أما رجل صادق أمين ‪ ،‬أعلى مثل للقيم البشرية ولمكارم الخلق ‪ ،‬لم يعرفوا له نظيراً ول مثي ً‬ ‫ماذا سيفعلون ؟ تحيروا في ذلك وحق لهم أن يتحيروا‪ .....‬وبعد إدارة فكرتهم لم يجدوا سبيلً إل أن يأتوا إلى عمه أبي طالب ‪ ،‬فيطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما هو فيه ‪ ،‬ورأوا‬ ‫للباس طلبهم لباس الجد والحقيقة أن يقولوا ‪ :‬إن الدعوة إلى ترك آلهتهم ‪ ،‬والقول بعدم نفعها وقدرتها سبة قبيحة وإهانة شديدة لها ‪ ،‬وفيه تسفيه وتضليل لبائهم الذين كانوا على‬ ‫الدين ‪ ،‬وجدوا هذا السبيل فتسارعوا إلى سلوكها‬

‫وفد قريش إلى أبي طالب_‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ‪ ،‬وعاب ديننا ‪ ،‬وسفه أحلمنا ‪ ،‬وضلل آباءنا فإما ان تكفه عنا‪ ،‬وإما‬ ‫تخلي بيننا وبينه ‪ ،‬فإنك على مثل مانحن عليه من خلفه ‪ ،‬فنكفيكه ‪.‬‬ ‫ل فانصرفوا عنه ومضى رسو ال على ماهو عليه ‪ ،‬يظهر دين ال ‪ ،‬ويدعوا إليه ‪.‬‬ ‫فقال لهم أبو طالب قولً رقيقًا وردهم رداً جمي ً‬

‫المجلس الستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة_‬ ‫وخلل هذه اليام أهم قريشاً أمر آخر وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إل أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج ‪ ،‬وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم فرأت أنه لبد من‬ ‫كلمة يقولونها للعرب في شأن محمد حتى ل يكون لدعوته أثر في نفوس العرب ‪ ،‬فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة ‪ ،‬فقال لهم الوليد ‪ :‬أجمعوا فيه رأياً واحداً‬ ‫ول تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعض ًا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فأنت فقل ‪ ،‬قال ‪ :‬بل أنتم فقولوا أسمع ‪ .‬قالوا ‪ :‬نقول ‪ :‬كاهن ‪ .‬قال ‪ :‬ل وال ما هو بكاهن ‪ ،‬لقد رأينا الكهان ‪ ،‬فما‬ ‫هو بزمزمة الكاهن ول سجعه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فنقول ‪ :‬مجنون‪ .‬قال ‪ :‬ما هو بمجنون ‪ ،‬لقد رأينا الجنون وعرفناه ما هو بخنقه ول تخالجه ول وسوسته ‪ .‬قالوا ‪ :‬فنقول شاعر‪ ،‬قال ‪ :‬ما هو‬ ‫بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطة ‪ ،‬فما هو بالشعر‪ ،‬قالوا ‪ :‬فنقول ‪ :‬ساحر‪ .‬قال ‪ :‬ما هو بساحر ‪ ،‬لقد رأينا السحار وسحرهم ‪ ،‬فما هو بنفثهم‬ ‫ول عقدهم ‪ .‬قالوا‪ :‬فما نقول ؟ قال ‪ :‬وال أن لقوله لحلوة ‪ ،‬وإن أصله لعذق ‪ ،‬وإن رفعه لجناة ‪ ،‬وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إل عرف أنه باطل ‪ ،‬وإن أقرب القول فيه لن تقولوا ‪:‬‬ ‫ساحر جاء بقول سحر يفرق بين المرء وأبيه ‪ ،‬وبين المرء وأخيه ‪ ،‬وبين المرء وزوجته ‪ ،‬وبين المرء وعشيرته ‪ ،‬فتفرقوا عنه بذلك ‪.‬‬ ‫وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أرنا رأيك الذي ل غضاضة فيه ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬أمهلوني حتى أفكر في ذلك فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم‬ ‫رأيه الذي ذكر آنفاً ‪.‬‬ ‫وفي الوليد أنزل ال ست عشرة آية من سورة المدثر ( من ‪ 11‬إلى ‪ )16‬وفي خللها صور كيفية تفكيره ‪ ،‬فقال تعالى إنه فكر وقدر ‪ .‬فقتل كيف قدر ‪ .‬ثم قتل كيف قدر ‪ .‬ثم نظر‪ .‬ثم‬ ‫عبس وبسر ‪ .‬ثم أدبر واستكبر ‪ .‬فقال إن هذا إل سحر يؤثر ‪ .‬إن هذا إل قول البشر ‪.‬‬ ‫وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه فجلسوا بسبل الناس حين قدموا الموسم ‪ ،‬ل يمر بهم أحد إل حذروه إياه وذكروا لهم أمره ‪.‬‬ ‫والذي تولى كبر ذلك هو أبو لهب ‪ ،‬فقد كان رسول ال يتبع الناس إذا وافى الموسم في منازلهم وفي عكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى ال ‪ ،‬وأبو لهب وراءه يقول ‪ :‬ل تطيعوه‬ ‫فإنه صابئ كذاب ‪.‬‬

‫وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول ال وانتشر ذكره في بلد العرب كلها ‪.‬‬

‫أساليب شتى لمجابهة الدعوة_‬ ‫ولما رأت قريش أن محمداً ل يصرفه عن دعوته هذا ول ذاك ‪ .‬فكروا مرة أخرى واختاروا لقمع هذه الدعوة أساليب تتلخص فيما يأتي ‪:‬‬ ‫‪ _ 1‬السخرية والتحقير والستهزاء والتكذيب والتضحيك ‪ ،‬قصدوا بها تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية فرموا النبي بتهم هازلة وشتائم سفيهة فكانوا ينادونه بالمجنون‬ ‫ب وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة‬ ‫حرٌ َكذّا ٌ‬ ‫جبُوا أَن جَاءهُم مّن ِذرٌ ّم ْنهُ ْم وَقَالَ الْكَا ِفرُونَ َهذَا سَا ِ‬ ‫عِ‬ ‫جنُونٌ ويصمونه بالسحر والكذب َو َ‬ ‫ك لَ َم ْ‬ ‫عَليْ ِه الذّ ْكرُ ِإ ّن َ‬ ‫َوقَالُو ْا يَا َأ ّيهَا اّلذِي ُن ّز َل َ‬ ‫ناقمة وعواطف منفعلة هائجة وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وكان إذا جلس وحول المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا‬ ‫ن ال عليهم من بيننا وقال تعالى أليس ال بأعلم بالشاكرين وكانوا كما قص ال علينا إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ‪ .‬وإذا مروا بهم يتغامزون ‪.‬‬ ‫‪ :‬هؤلء جلساؤه م ّ‬ ‫وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ‪ .‬وإذا رأوهم قالوا إن هؤلء لضالون ‪ .‬وما أرسلوا عليهم حافظين‬ ‫‪ _ 2‬تشويه تعاليمه وإثارة الشبهات ‪ ،‬وبث الدعايات الكاذبة ونشر اليرادات الواهية حول هذه التعاليم وحول ذاته وشخصيته والكثار من كل ذلك بحيث ل يبقى للعامة مجال في تدبر‬ ‫دعوته ‪ ،‬فكانوا يقولون عن القرآن أساطير الولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلً } وقال إن هذا إل إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون وكانو يقولون إنما يعلمه بشر يقولون‬ ‫عن الرسول صلى ال عليه وسلم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في السواق وفي القرآن نماذج كثيرة للردود على إيراداتهم بعد نقلها أو من غير نقلها ‪.‬‬ ‫‪ _ 3‬معارضة القرآن بأساطير الولين وتشغيل الناس بها عنه فقد ذكروا أن النضر ابن الحارث قال مرة لقريش ‪ :‬يا معشر قريش ! وال لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد ‪ .‬قد‬ ‫كان محمد فيكم غلماً حدثاً أرضاكم فيكم ‪ ،‬وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة ‪ ،‬حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ‪ :‬ساحر ‪ .‬ل وال ما هو بساحر ‪ .‬لقد رأينا‬ ‫السحرة ونفثهم وعقدهم ‪ ،‬وقلتم ‪ :‬كاهن ‪ .‬ل وال ما هو بكاهن ‪ .‬قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم ‪ :‬شاعر ‪ .‬ل وال ما هو بشاعر ‪ ،‬قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه‬ ‫كلها هزجه ورجزه ‪ ،‬وقلتم مجنون ‪ .‬ل وال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ول وسوسته ‪ ،‬ول تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه وال لقد نزل بكم أمر‬ ‫عظيم ‪.‬‬ ‫ثم ذهب النضر إلى الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وأسفنديار فكان إذا جلس وسلم مجلس ًا للتذكير بال والتحذير من نقمته خلفه النضر ‪ ،‬ويقول ‪ :‬وال ما‬ ‫محمد بأحسن حديثاً مني ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار ثم يقول ‪ :‬بماذا محمد أحسن مني حديثاً مني ‪.‬‬ ‫وتفيد روايه ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قينات فكان ل يسمع برجل مال إلى النبي إل سلط عليه واحدة منها تطعمه وتسقيه وتغني له حتى ل يبقى له ميل إلى السلم ‪ ،‬وفيه‬ ‫نزل قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال ‪.‬‬ ‫‪ _ 4‬مساومات حاولوا بها أن يلتقي السلم بالجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي بعض ما هو عليه قال تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون‬ ‫فهناك رواية رواها ابن جرير والطبراني تفيد أن المشركين عرضوا على رسول ال أن يعبد آلهتهم عاماً ويعبدون ربه عامًا ورواية أخرى لعبد بن حميد تفيد أنهم قالوا ‪ :‬لو قبلت‬ ‫آلهتنا نعبد إلهك ‪ ..‬وروى ابن إسحاق بسنده قال ‪ :‬اعترض رسول ال _ وهو يطوف بالكعبة السود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن‬ ‫وائل السهمي _ وكانوا ذوي أسنان في قومهم _ فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في المر فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه‬ ‫‪ ،‬وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه ‪ ،‬فأنزل ال تعالى فيهم قل يا أيها الكافرون ‪ .‬ل أعبد ما تعبدون وحسم ال مفاوضتهم المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة ‪..‬‬ ‫ولعل اختلف الروايات لجل أنهم حاولوا هذه المساومة مرة بعد أخرى ‪.‬‬

‫الضطهادات_‬ ‫وكان أبو جهل يجئ أحياناً إلى رسول ال يسمع منه القرآن ‪ ،‬ثم يذهب عنه فل يؤمن ول يطيع ‪ ،‬ول يتأدب ول يخشى ويؤذي رسول ال بالقول ويصد عن سبيل ال ثم يذهب مختالً‬ ‫بما يفعل فخوراً بما ارتكب من الشر ‪ ،‬كأنما فعل شيئاً يذكر ‪ ،‬وفيه نزل فل صدق ول صلى إلخ ‪ ..‬وكان يمنع النبي عن الصلة منذ أول يوم رآه يصلي في الحرم ‪ ،‬ومرة مر به وهو‬ ‫يصلي عند المقام فقال ‪ :‬يا محمد ألم أنهك عن هذا ‪ ،‬وتوعده فأغلظ له رسول ال وانتهره ‪ .‬فقال ‪ :‬يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما وال إني لكثر هذا الوادي نادياً ‪ .‬فأنزل فليدع‬ ‫ناديه وفي رواية أن النبي أخذ بخناقة ‪ ،‬وهزه وهو يقول له ‪ :‬أولى لك فأولى ‪ .‬ثم أولى لك فأولى فقال عدو ال ‪ :‬أتوعدني يا محمد ؟ وال ل تستطيع أنت ول ربك شيئاً وإني لعز من‬ ‫مشى بين جبليها ‪.‬‬ ‫ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا النتهار بل ازداد شقاوة فيما بعد ‪.‬‬ ‫أخرج مسلم عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال أبو جهل ‪ :‬يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل ‪ :‬نعم ! فقال ‪ :‬واللت والعزى ‪ ،‬لئن رأيته لطأن على رقبته ولعفرن وجهه ‪ ،‬فأتى رسول ال‬ ‫وهو يصلي ‪ ،‬زعم ليطأ رقبته ‪ ،‬فما فجأهم إل وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬مالك يا أبا الحكم ؟ قال ‪ :‬إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلء أجنحة ‪ ،‬فقال رسول ال ‪:‬‬ ‫لو دنا مني ل ختطفته الملئكة عضواً عضواً ‪.‬‬ ‫كانت هذه العتداءات بالنسبة إلى النبي مع ما لشخصيته الفذة من وقار وجلل في نفوس العامة والخاصة ‪ ،‬ومع ما له من منعة أبي طالب أعظم رجل محترم في مكة ‪ ،‬أما بالنسبة‬ ‫إلى المسلمين ‪ -‬ول سيما الضعفاء منهم ‪ -‬فإن الجراءات كانت أقسى من ذلك وأمر ‪ ،‬ففي نفس الوقت قامت كل قبيلة تعذب من دان منها بالسلم أنواعاً من التعذيب ‪ ،‬ومن لم يكن له‬ ‫قبيلة فأجرت عليهم الوباش والسادات ألواناً من الضطهاد ‪ ،‬يفزع من ذكرها قلب الحليم ‪.‬‬ ‫كان أبو جهل إذا سمع برجل أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه ‪ ،‬و أوعده بإبلغ الخسارة الفادحة في المال ‪ ،‬والجاه ‪ ،‬وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به ‪.‬‬ ‫وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته ‪ ..‬ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلمه أجاعته وأخرجته من بيته ‪ ،‬وكان من أنعم الناس عيشاً‬ ‫فتخشف جلده تخشف الحية ‪.‬‬ ‫وكان بلل مولى أمية بن خلف الجمحي ‪ ،‬فكان أمية يضع في عنقه حبلً ‪ ،‬ثم يسلمه إلى الصبيان ‪ ،‬يطوفون به في جبال مكة ‪ ،‬حتى كان يظهر أثر الحبل في عنقه ‪ ،‬وكان أمية يشده‬ ‫شدًا ثم يضربه بالعصا ‪ ،‬وكان يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس ‪ ،‬كما كان يكرهه على الجوع ‪ ،‬وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة ‪ ،‬ثم‬ ‫يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬ل وال ل تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ‪ ،‬وتعبد اللت والعزى ‪ .‬فيقول ‪ -‬وهو في ذلك ‪ -‬أحد ‪ ،‬أحد ‪ ،‬حتى مر به أبو بكر‬ ‫يوم ًا وهم يصنعون ذلك به ‪ ،‬فاشتراه بغلم أسود ‪ ،‬وقيل بسبع أواق أو بخمس من الفضة وأعتقه ‪ .‬وكان عمار بن ياسر رضي ال عنه مولى لبني مخزوم ‪ ،‬أسلم هو وأبوه وأمه ‪،‬‬ ‫فكان المشركون ‪ -‬وعلى رأسهم أبو جهل ‪ -‬يخرجونهم إلى البطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها ‪ .‬ومر بهم النبي وهم يعذبون فقال ‪ :‬صبرًا آل ياسر ! فإن موعدكم الجنة ‪،‬‬ ‫فمات ياسر في العذاب ‪ ،‬وطعن أبو جهل سمية _ أم عمار _ في قلبها بحربة فماتت ‪ ،‬وهي أول شهيدة في السلم ‪ ،‬وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة ‪ ،‬وبوضع الصخر أحمر‬ ‫على صدره أخرى ‪ ،‬وبالتغريق أخرى ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لنتركك حتى تسب محمداً ‪ ،‬أو تقول ‪ :‬في اللت والعزى خيراً ‪ ،‬فوافقهم على ذلك مكرهاً ‪ ،‬وجاء باكياً معتذراً إلى النبي ‪ ،‬فأنزل ال‬ ‫من كفر بال من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان‬ ‫وكان أبو فكيهة _ واسمه أفلح _ مولى لبني عبد الدار ‪ ،‬فكانوا يشدون برجله الحبل ‪ ،‬ثم يجرونه على الرض ‪.‬‬ ‫وكان خباب بن الرت مولى لم أنمار بنت سباع الخزاعية ‪ ،‬فكان المشركون يذيقونه أنواعاً من التنكيل ‪ ،‬يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذباً ‪ ،‬ويلوون عنقه تلوية عنيفة وأضجعوه‬ ‫مرات عديدة على فهام ملتهبة ‪ ،‬ثم وضعوا عليه حجرًا ‪ ،‬حتى ل يستطيع أن يقوم ‪.‬‬ ‫وكانت زنيرة والنهدية وابنتها وأم عيسى إماء أسلمن وكان المشركون يسومونهن من العذاب أمثال ما ذكرنا ‪ .‬واسلمت جارية لبني مؤمل _ وهم حي من بني عدي _ فكان عمر بن‬ ‫الخطاب _ وهو يومئذ مشرك _ يضربها حتى إذا مل قال ‪ :‬إني لم اترك إل مللة ‪.‬‬

‫وابتاع أبو بكر هذه الجواري فأعتقهن كما أعتق بل ًل وعامر بن فهيرة وكان المشركون يلفون بعض الصحابة في إهاب البل والبقر ثم يلقونه في حر الرمضاء ويلبسون بعضاً أخر‬ ‫درع ًا من الحديد ثم يلقونه على صخرة ملتهبه ‪ ..‬وقائمة المعذبين في ال طويلة جداً فما من أحد علموا بإسلمه إل تصدوا له وآذوه ‪.‬‬

‫دار الرقم_‬ ‫كان من الحكمة تلقاء هذه الضطهادات أن يمنع رسول ال المسلمين عن إعلن إسلمهم قو ًل أو فعلً وأن يجتمع بهم إل سراً لنه إذا اجتمع بهم علناً فل شك أن المشركين يحولون‬ ‫بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ‪ ،‬وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين بل وقع ذلك فعلً في السنة الرابعة من النبوة ‪ ،‬وذلك أن ا صحاب رسول‬ ‫ال كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيهم سراً فرآهم نفر من كفار قريش فسبوهم وقاتلوهم ‪ ،‬فضرب سعد بن أبي وقاص رجلً فسال دمه وكان أول دم أهريق في السلم‪.‬‬ ‫ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم فكان من الحكمة الختفاء فكان عامة الصحابة يخفون إسلمهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ‪ ،‬أما‬ ‫رسول ال فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ‪ ،‬ل يصرفه عن ذلك شئ ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًا نظرًا لصالحهم وصالح السلم وكانت دار الرقم بن أبي‬ ‫الرقم المخزومي على الصفا ‪ .‬وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ‪ ،‬فكان أن اتخذها مركزاً لدعوته ‪ ،‬ول جتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من النبوة ‪.‬‬

‫الهجرة الولى إلى الحبشة_‬ ‫كانت بداية الضطهادات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة ‪ ،‬بدأت ضعيفة ثم لم تزل يومًا فيوماً وشهرًا فشهرًا حتى اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة ‪ ،‬حتى نبا‬ ‫بهم المقام في مكة ‪ ،‬و أوعزتهم أن يفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الليم وفي هذه الساعة الضنكة الحالكة نزلت سورة الكهف ‪ ،‬ردوداً على أسئلة أدلى بها المشركون إلى‬ ‫النبي ولكنها اشتملت على ثلث قصص ‪ ،‬فيها إشارات بليغة من ال تعالى إلى عباده المؤمنين ‪ ،‬فقصة أصحاب الكهف ترشد إلى الهجرة من مراكز الكفر والعدوان حين مخالفة الفتنة‬ ‫ل على ال وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً ‪.‬‬ ‫على الدين ‪ ،‬متوكـــ ً‬ ‫وقصة الخضر وموسى تفيد أن الظروف ل تجري ول تنتج حسب الظاهر دائماً ‪ ،‬بل ربما يكون المر على عكس كامل بالنسبة إلى الظاهر ‪ .‬ففيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة‬ ‫ضد المسلمين ستنعكس تماماً وسيصادر هؤلء الطغاة المشركون _ إن لم يؤمنوا _ أمام هؤلء الضعفاء المدحورين من المسلمين ‪.‬‬ ‫وقصة ذي القرنين تفيد أن الرض ل يورثها من عباده من يشاء وأن الفلح إنما هو في سبيل اليمان دون الكفر وأن ال ل يزال يبعث من عباده _ بين آونة وأخرى _ من يقوم‬ ‫بإنجاء الضعفـــــاء من يأجوج ذلك الزمان ومأجوجه وأن الحق بإرث الرض إنما هم عباد ال الصالحون ‪ .‬ثم نزلت سورة الزمر تشير إلى الهجرة وتعلن بأن أرض ال ليست بضيقة‬ ‫للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ‪ ،‬وأرض ال واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‬ ‫وكان رسول ال قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل ل يظلــــم عنده أحد فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتن ‪.‬‬ ‫وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة كان مكوناً من اثني عشـــر رجلً وأربع نسوة ‪ ،‬رئيسهم عثمان بن عفان ومعه السيدة رقية بنت رسول ال‬ ‫وقد قال النبي فيهما ‪ :‬إنهما أول بيت هاجر في سبيل ال بعد إبراهيم ولوط عليهما السلم ‪.‬‬ ‫ل في ظلمة الليل _ حتى ل تفطن لهم قريش _ خرجوا إلى البحر ‪ ،‬ويمموا ميناء شعيبة وقيضت لهم القدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة وفطنت‬ ‫كان رحيل هؤلء تسل ً‬ ‫لهم قريش فخرجت في آثارهم ‪ ،‬لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين وأقام المسلمين في الحبشة في أحسن جوار ‪.‬‬ ‫وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي إلى الحرم ‪ ،‬وهناك جمع كبير من قريش كان فيه ساداتها وكبراؤها فقام فيهم وأخذ يتلوا سورة النجم بغتة ‪ ،‬إن إولئك الكفار لم يكونوا سمعوا‬ ‫كلم ال قبل ذلك ‪ ،‬لن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضًا ‪ ،‬من قولهم ل تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون فلما باغتهم بتلوة هذه السورة ‪،‬‬ ‫وقرع آذانهم كلم إلهي رائع خلب _ ل يحيط بروعته وجللته البيان _ تفانوا عما هم فيه وبقي كل واحد مصغياً إليه ‪ ،‬ل يخطر بباله شئ سواه حتى إذا تل في خواتيم هذه السورة‬ ‫قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ ‪ :‬فاسجدوا ل واعبدوا ثم سجد لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدًا وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين‬ ‫والمستهزئين فما تمالكوا أن يخروا ل ساجدين ‪.‬‬ ‫وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جلل كلم ال لوى زمامهم فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم‬ ‫يحضر هذا المشهد من المشركين ‪ ،‬وعند ذلك كذبوا على رسول ال وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير وأنه قال عنها (( تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى ))‬ ‫جاءوا بهذا الفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبي وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يؤلفون الكذب ‪ ،‬ويطيلون الدس والفتراء ‪.‬‬ ‫بلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية ‪ ،‬بلغهم أن قريشاً أسلمت ‪ ،‬فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة ‪ ،‬فلما كانوا دون مكة‬ ‫ساعة نهار وعرفوا جلية المر ‪ ،‬رجع منهم من رجع إلى الحبشة ‪ ،‬ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إل مستخفياً ‪ ،‬أو في جوار رجل من قريش ‪.‬‬ ‫ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار ولم ير رسول ال بداً من أن يشير‬ ‫على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى وكانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها فقد تيقظت قريش وقررت إحباطها بيد أن المسلمين كانوا أسرع ويسر ال لهم السفر‬ ‫فانحازوا ألى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا‪.‬‬ ‫ل إن كان فيهم عمار فإنه يشك فيه وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة وبالول جزم العلمة محمد سليمان المنصور فوري‬ ‫وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلثة وثمانون رج ً‬

‫مكيدة قريش بمهاجري الحبشة_‬ ‫عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنًا لنفسهم ودينهم ‪ ،‬فاختاروا رجلين جلديين لبيبين وهما ‪ :‬عمرو بن العاص ‪ ،‬وعبد ال بن أبي ربيعة _ قبل أن يسلما _ وأرسلوا معهما‬ ‫الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته وبعد أن ساق الرجل تلك الهدايا إلى البطارقة وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون ‪ ،‬وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على‬ ‫النجاشي بإقصائهم حضرا إلى النجاشي ‪ ،‬وقدما له الهدايا ثم كلماه فقال له ‪:‬‬ ‫أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ‪ ،‬وجاءوا بدين ابتدعوه ل نعرفه نحن ول أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم‬ ‫وأعمامهم وعشائرهم ‪ ،‬لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيـــــناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ‪.‬‬

‫وقالت البطارقة ‪ :‬صدقاً أيها الملك فأسلمهم إليهما ‪ ،‬فليرداهم إلى قومهم وبلدهم ‪ .‬ولكن رأى النجاشي أنه ل بد من تمحيص القضية وسماع أطرافها جميعاً ‪ ،‬فأرسل إلى المسلمين‬ ‫ودعاهم فحضروا وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائن ًا من كان ‪ .‬فقال لهم النجاشي ‪ :‬ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ول دين أحد من هذه الملل ؟‬ ‫قال جعفر بن أبي طالب _ وكان هو المتكلم عن المسلمين _ أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ‪ ،‬نعبد الصنام ونأكل الميتة ‪ ،‬ونأتي الفواحش ‪ ،‬ونقطع الرحام ونسيء الجوار ويأكل منا‬ ‫القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث ال إلينا رسو ًل منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ‪ ،‬فدعانا إلى ال لنوحده ونعبده ‪ ،‬ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من‬ ‫الحجارة والوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء المانه ‪ ،‬وصلة الرحم وحسن الجوار ‪ ،‬والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور ‪ ،‬وأكل مال اليتيم وقذف‬ ‫المحصنات وأمرنا أن نعبد ال وحده ل نشرك به شيئاً وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام _ فعدد عليه أمور السلم _ فصدقناه وآمنا به ‪ ،‬واتبعناه على ماجاءنا به من دين ال ‪ ،‬فعبدنا‬ ‫ال وحده ‪ ،‬فلم نشرك به شيئ ًا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ‪ ،‬فعدا علينا قومنا ‪ ،‬فعذبونا وفتنونا عن ديننا ‪ ،‬ليردونا إلى عبادة الوثان من عبادة ال تعالى ‪ ،‬وأن نستحل‬ ‫ماكنا نستحل من الخبائث ‪ ،‬فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ‪ ،‬وحالوا بيننا وبين ديننا ‪ ،‬خرجنا إلى بلدك ‪ ،‬واخترناك على من سواك ‪ ،‬ورغبنا في جوارك ‪ ،‬ورجونا أن ل نظلم‬ ‫عندك أيها الملك ‪.‬‬ ‫فقال له النجاشي ‪ :‬هل معك مما جاء به عن ال من شئ ؟ فقال له جعفر ‪ :‬نعم ! فقال له النجاشي ‪ :‬فاقرأه علي ‪ ،‬فقرأ عليه صدراً من كهيعص فبكى وال النجاشي حتى اخضلت لحيته‬ ‫‪ ،‬وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تل عليهم ‪ ،‬ثم قال لهم النجاشي ‪ :‬إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ‪ ،‬انطلقا ‪ ،‬فل وال أسلمهم إليكما ول‬ ‫يكادون _ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه _ فخرجا ‪ ،‬وقال عمرو بن العاص لعبد ال بن ربيعة ‪ :‬وال لتينهم غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم ‪ ،‬فقال له عبد ال بن ربيعة ‪ :‬ل‬ ‫تفعل ‪ ،‬فإن لهم ارحامًا وإن كانوا قد خالفونا ‪ ،‬ولكن أصر عمرو على رأيه ‪.‬‬ ‫فلما كان الغد قال للنجاشي ‪ :‬أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قو ًل عظيماً فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ‪ ،‬ففزعوا ‪ ،‬ولكن اجمعوا على الصدق‬ ‫كائناً من كان ‪ ،‬فلما دخلوا عليه ‪ ،‬وسألهم قال له جعفر ‪ :‬نقول فيه الذي جاءنا به نبينا ‪ :‬هو عبد ال ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ‪.‬‬ ‫فأخذ النجاشي عوداً من الرض ثم قال ‪ :‬وال ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ‪ ،‬فتناخرت بطارقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإن نخرتم وال ‪.‬‬ ‫ثم قال للمسلمين ‪ :‬اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي _ والشيوم ‪ :‬المنون بلسان الحبشة _ من سبكم غرم ‪ ،‬من سبكم غرم ‪ ،‬من سبكم غرم ‪ ،‬ما أحب أن لي دبراً من ذهب وأنى آذيت رجلً‬ ‫منكم _ والدبر الجبل بلسان الحبشة ‪.‬‬ ‫ثم قال لحاشيته ردّوا عليهما هداياهما ‪ ،‬فل حاجة لي بها ‪ ،‬فو ال ما أخذ ال مني الرشوة حين رد علي ملكي ‪ ،‬فآخذ الرشوة فيه ‪ ،‬وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه ‪.‬‬ ‫قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة ‪ :‬فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءوا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار ‪.‬‬ ‫هذه رواية ابن إسحاق وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر ‪ ،‬وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين لكن السئلة والجوبة التي ذكروا أنها دارت بين‬ ‫النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس السئلة والجوبة التي ذكرها إبن اسحاق تقريباً ‪ ،‬ثم إن السئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي ‪.‬‬ ‫أخفقت حيلة المشركين ‪ ،‬وفشلت مكيدتهم وعرفوا أنهم ل يشيعون ضغينتهم إل في حدود سلطانهم ونشأت فيهم من أجل ذلك فكرة رهيبة ‪ .‬رأوا أن التفصي عن هذه (( الداهية )) ل‬ ‫يمكن إل بكف رسول ال عن دعوته تماماً ‪ ،‬وإل فبإعدامه ‪ ،‬ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأبو طالب يحوطه ويحول بينه وبينهم ؟ رأوا أن يواجهوا أبا طالب في هذا الصدد‪.‬‬

‫قريش يهددون أبا طالب_‬ ‫جاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له ‪ :‬يا أبا طالب إن لك سن ًا وشرف ًا ومنزلة فينا ‪ .‬وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه ‪ ،‬وإنا وال ل نصبر على هذا من شتم آبائنا ‪،‬‬ ‫وتسفيه أحلمنا وعيب آلهتنا ‪ ،‬حتى تكفه عنا ‪ ،‬أو ننازله وإياك في ذلك ‪ ،‬حتى يهلك أحد الفريقين ‪.‬‬ ‫ي وعلى نفسك ‪ ،‬ول تحملني من‬ ‫عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد ‪ ،‬فبعث إلى رسول ال وقال له ‪ :‬يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني ‪ ،‬فقالوا لي كذا وكذا ‪ ،‬فأبق عل ّ‬ ‫المر ما ل أطيق فظن رسول ال أن عمه خاذله وأنه ضعُف عن نصرته ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا عم ! وال لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا المر _ حتى يظهره‬ ‫ال أو أهلك فيه _ ما تركته ‪ ،‬ثم استعبر وبكى ‪ ،‬وقام فلما ولى ناداه أبو طالب فلما أقبل قاله له ‪ :‬اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت ‪ ،‬فوال ل أسلمك لشئ أبدًا ‪ ..‬ثم أنشد ‪:‬‬ ‫وال لن يصلـوا إليك بجمعـهم‬ ‫فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة‬ ‫حتى أوسد في التراب دفينا‬ ‫وأبشر وقر بذاك منك عيونا‬

‫قريش بين يدي أبي طالب مرة أخرى_‬ ‫ولما رأت قريش أن رسول ال ماض في عمله وعرفت أن أبا طالب قد أبى خذلن رسول ال وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك فذهبوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له‬ ‫‪ :‬يا أبا طالب إن هذا الفتى أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدًا فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه‬ ‫أحلمهم فنقتله فإنما هو رجل برجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال لبئس ما تسومونني ‪ ،‬أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ‪ .‬هذا وال ما ل يكون أبداً ‪ .‬فقال المطعم بن عدي بن نوفل‬ ‫بن عبد مناف ‪ :‬وال يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ‪ ،‬وجهدوا على التخلص مما تكره فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال ما أنصفتموني ‪ ،‬ولكنك قد أجمعت خذلني‬ ‫ي ‪ ،‬فاصنع ما بدا لك ‪.‬‬ ‫ومظاهرة القوم عل ّ‬ ‫ل تذكر المصادر التاريخيه زمن هاتين الوفادتين لكن يبدو بعد التأمل في القرائن والشواهد أنهما كانتا في أواسط السنة السادسة من النبوة ‪ ،‬وأن الفصل بين الوفادتين لم يكن إل‬ ‫يسيراً‪.‬‬

‫فكرة الطغاة في إعدام النبي صلي ال عليه و سلم_‬

‫وبعد فشل قريش وخيبتهم في الوفادتين عادوا إلى ضراوتهم وتنكيلهم بأشد مما كان قبل ذلك ‪ ،‬وخلل هذه اليام نشأت في طغاتهم فكرة إعدامه بطريق أخرى وكانت هذه الفكرة وتلك‬ ‫الضراوة هي التي سببت في تقوية السلم ببطلين جليلين من أبطال مكة ‪ ،‬وهما حمزة بن عبدالمطلب ‪ ،‬وعمر بن الخطاب رضي ال عنهما‪.‬‬ ‫فمن تلك الضراوة أن عتيبة بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول ال فقال ‪ :‬أنا أكفر بـ النجم إذا هوى و بالذي دنا فتدلى ثم تسلط عليه بالذى وشق قميصه وتفل في وجهه إل أن البزاق‬ ‫لم يقع عليه وحينئذ دعا عليه النبي وقال ‪ .‬اللهم سلط عليه كلباً من كلبك ‪ ،‬وقد استجيب دعاؤه فقد خرج عتيبة مرة في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام فغدا عليه السد‬ ‫من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه ‪.‬‬ ‫ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفه وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان ‪.‬‬ ‫ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله ما رواه ابن إسحاق في حديث طويل ‪ ،‬قال ‪ :‬قال أبو جهل ‪:‬‬ ‫يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إل ما ترون من عيب ديننا ‪ ،‬وشتم آبائنا ‪ ،‬وتسفيه أحلمنا ‪ ،‬وشتم آلهتنا ‪ ،‬وإني أعاهد ال لجلسن له بحجر ما أطيق حمله ‪ ،‬فإذا سجد في صلته‬ ‫فضخت به رأسه ‪ ،‬فأسلموني عند ذلك أو أمنعوني فليصنع بعد ذلك بنو بعد مناف ما بدا لهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وال ل نسلمك لشيء أبدًا فامض لما تريد ‪.‬‬ ‫فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراُ كما وصف ‪ ،‬ثم جلس لرسول ال ينتظره وغدا رسول ال كما كان يغدو فقام يصلي ‪ ،‬وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ‪ ،‬ينتظرون ما أبو جهل فاعل‬ ‫ـ فلما سجد رسول ال ‪ ،‬احتمل أبو جهل الحجر ‪ ،‬ثم أقبل نحوه ‪ ،‬حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ‪ ،‬مرعوبًا قد يبست يداه على حجره ‪ ،‬حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه‬ ‫رجال قريش فقالوا له ‪ :‬مالك يا أبا الحكم ؟ قال ‪ :‬قمت إليه لفعل به ما قلت لكم البارحة ‪ ،‬فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من البل ‪ ،‬ل وال ما رأيت مثل هامته ‪ ،‬ول مثل قصرته‬ ‫ول أنيابه لفحل قط ‪ ،‬فهمّ بي أن يأكلني ‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فذكر لي أن رسول ال قال ‪ :‬ذلك جبريل عليه السلم لو دنا لخذه ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك فعل أبو جهل برسول ال ما أدى إلى إسلم حمزة رضي ال عنه وسيأتي ‪.‬‬ ‫أما طغاة قريش فلم تزل فكرة إعدام تنضج في قلوبهم ‪ ،‬روى ابن إسحاق عن عبد ال بن عمرو بن العاص قال ‪ :‬حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر ‪ ،‬فذكروا رسول ال ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما‬ ‫رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل ‪ ،‬لقد صبرنا منه على أمر عظيم ‪ ،‬فبينا هم كذلك ‪ ،‬إذ طلع رسول ال فأقبل يمشي حتى استلم الركن ‪ ،‬ثم مر بهم طائفاً بالبيت ‪ ،‬فغمزوه‬ ‫ببعض القول ‪ ،‬فعرفت ذلك في وجه رسول ال ‪ ،‬فلما م ّر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ‪ ،‬ثم م ّر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ‪ ،‬فوقف ثم قال ‪ :‬أتسمعون يا معشر قريش‬ ‫‪ ،‬أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ‪ ،‬فأخذت القوم كلمته ‪ ،‬حتى ما منهم رجل إل كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد ‪ ،‬ويقول ‪ :‬انصرف يا أبا‬ ‫القاسم ‪ ،‬فو ال ما كنت جهولً‪.‬‬ ‫فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم ‪ ،‬فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به ‪ ،‬فلقد رأيت رجلً منهم أخذ بمجمع ردائه ‪ ،‬وقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول ‪:‬‬ ‫أتقتلون رجلً أن يقول ربي ال ؟ ثم انصرفوا عنه ‪ .‬قال ابن عمرو‪ :‬فإن ذلك لشد ما رأيت قريشاً نالوا منه قط ‪ .‬انتهى ملخصاً ‪.‬‬ ‫وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال ‪ :‬سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي قال ‪ :‬بينا النبي يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي‬ ‫ل أن يقول ربي ال ؟‬ ‫معيط ‪ ،‬فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ‪ ،‬فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي وقال ‪ :‬أتقتلون رج ً‬ ‫وفي حديث أسماء ‪ :‬فأتى الصريخ إلى أبي بكر ‪ ،‬فقال ‪ :‬أدرك صاحبك ‪ ،‬فخرج من عندنا ‪ ،‬وعليه غدائر أربع ‪ ،‬فخرج وهو يقول ‪ :‬أتقتلون رجلً أن يقول ‪ :‬ربي ال ؟ فلهوا عنه ‪،‬‬ ‫وأقبلوا على أبي بكر ‪ ،‬فرجع إلينا ل نمس شيئاً من غدائره إل رجع معنا‪.‬‬

‫إسلم حمزة بن عبد المطلب_‬ ‫خلل هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان أضاء برق نور للمقهورين طريقهم أل وهو إسلم حمزة بن عبد المطلب رضي ال عنه ‪ ،‬أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة ‪،‬‬ ‫والغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة ‪.‬‬ ‫وسبب إسلمه أن أبا جهل م ّر برسول ال يوما عند الصفا ‪ ،‬فآذاه ونال منه ورسول ال ساكت ل يكلمه ‪ ،‬ثم يضربه أبو جهل بحجر في رأسه فشجه ‪ ،‬حتى نزف منه الدم ‪ ،‬ثم انصرف‬ ‫عنه إلى نادي قريش عند الكعبة ‪ ،‬فجلس معهم ‪ ،‬وكانت مولة لعبد ال بن جدعان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك ‪ ،‬وأقبل حمزة من القنص متوشحاً قوسه ‪ ،‬فأخبرته المولة بما‬ ‫رأت من أبي جهل فغضب حمزة _ وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة _ فخرج يسعى ‪ ،‬لم يقف لحد معداً لبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ‪ ،‬فلما دخل المسجد قام على رأسه ‪ ،‬وقال‬ ‫له ‪ :‬يا مصفر استه ‪ ،‬تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة ‪ ،‬فثار رجل بني مخزوم _ حي أبي جهل _ وثار بنو هاشم _ حي حمزة _ فقال ‪ :‬أبو جهل ‪:‬‬ ‫دعوا أبا عمارة ‪ ،‬فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحاً ‪.‬‬ ‫وكان إسلم حمزة أول المر أنفة رجل أبى أن يهان موله ‪ ،‬ثم شرح ال صدره ‪ ،‬فاستمسك بالعروة الوثقى ‪ ،‬واعتز به المسلمون أيما اعتزاز ‪.‬‬

‫إسلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه_‬ ‫وخلل هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان أضاء برق آخر أشد بريقاً وإضاءة من الول ‪ ،‬أل وهو عمر بن الخطاب ‪ ،‬أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة بعد ثلثة أيام من‬ ‫إسلم حمزة رضي ال عنه ‪ .‬وكان النبي قد دعا ال تعالى لسلمه ‪ ،‬فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر ‪ ،‬وصححه ‪ ،‬وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي قال ‪ :‬اللهم أعز‬ ‫السلم بأحب الرجلين إليك ‪ :‬بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فكان أحبهما إلى ال عمر رضي ال عنه ‪.‬‬ ‫وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلمه يبدو أن نزول السلم في قلبه كان تدريجاً ‪ ،‬ولكن قبل أن نسوق خلصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي ال‬ ‫عنه من العواطف والمشاعر ‪.‬‬ ‫كان رضي ال عنه معروفاً بحدة الطبع وقوة الشكيمة ‪ ،‬وطالما لقي المسلمون منه ألوان الذى ‪ ،‬والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة ‪ ،‬احترامه للتقاليد التي سنها‬ ‫الباء والجداد ‪ ،‬واسترساله مع شهوات السكر واللهو التي ألفها ‪ ،‬ثم إعجابه بصلبة المسلمين واحتمالهم البلء في سبيل عقيدتهم ‪ ،‬ثم الشكوك التي كانت تساوره _ كأي عاقل _‬ ‫في أن ما يدعو إليه السلم قد يكون أجل وأزكى من غيره ‪ ،‬ولهذا ما إن يثور حتى يخور ‪ .‬قاله محمد الغزالي ‪.‬‬ ‫وخلصة الروايات مع الجمع بينها في إسلمه رضي ال عنه أنه ألتجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته ‪ ،‬فجاء إلى الحرم ‪ ،‬ودخل الكعبة ‪ ،‬والنبي قائم يصلي وقد استفتح سورة‬ ‫(( الحاقة )) فجعل عمر يستمع إلى القرآن ويعجب من تأليفه ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت _ أي في نفسي هذا وال شاعر كما قالت قريش ‪ ،‬قال ‪ :‬فقرأ إنه لقول رسول كريم ‪ ،‬وما هو بقول شاعر‬ ‫قليلً ما تؤمنون قال ‪ :‬قلت ‪ :‬كاهن ‪ ،‬قال ‪ :‬ول بقول كاهن ‪ .‬قليلً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين إلى آخر السورة ‪.‬قال فوقع السلم في قلبي ‪ ..‬كان هذا أول وقوع نواة السلم في‬ ‫قلبه ‪ ،‬لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية والعصبية التقليدية ‪ ،‬والتعاظم بدين الباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه ‪ ،‬فبقي مجدًا في عمله ضد السلم ‪ ،‬غير‬ ‫مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة ‪.‬‬

‫وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول ال أنه خرج يوماً متوشح ًا سيفه يريد القضاء على النبي فلقيه نعيم بن عبد ال النحام العدوي أو رجل من بني زهرة أو رجل من بني‬ ‫مخزوم فقال ‪ :‬أين تعمد يا عمر ؟ قال ‪ :‬أريد أن أقتل محمدًا قال ‪ :‬كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فقال له عمر ‪ :‬ما أراك إل قد صبوت وتركت دينك الذي‬ ‫كنت عليه قال أفل أدلك على العجب ياعمر ! إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه ‪ ،‬فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما وعندهما خباب بن الرث معه صحيفة فيها طه‬ ‫يقرئهما إياها _ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن _ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت ‪ ،‬وسترت فاطمة _ أخت عمر _ الصحيفة وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت‬ ‫قراءة خباب إليهما فلما دخل عليهما قال ‪ :‬ما هذه الهيمنه التي سمعتها عندكم ؟ فقال ‪ :‬ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا ‪ .‬قال ‪ :‬فلعلكما قد صبوتما ‪ .‬فقال له ختنه ‪ :‬ياعمر أرأيت إن كان‬ ‫الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا ‪ .‬فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها _ وفي روايه ابن إسحاق أنه ضربها فشجها _ فقالت‬ ‫_ وهي غضبى _ ياعمر إن كان الحق في غير دينك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأشهد أن محمدًا رسول ال ‪.‬‬ ‫فلما يئس عمر ‪ ،‬ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحى وقال ‪ :‬أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ‪ ،‬فقالت أخته ‪ :‬إنك رجس ‪ ،‬ول يمسه إل المطهرون ‪ ،‬فقم با غتسل فقام فأغتسل‬ ‫ع ُب ْدنِي َوَأقِمِ الصّلةَ ِلذِ ْكرِي فقال ‪ :‬ما أحسن‬ ‫ثم أخذ الكتاب ‪ ،‬فقرأ ‪ (( :‬بسم ال الرحمن الرحيم )) فقال أسماء طيبة طاهرة ثم قرأ ‪ :‬طه حتى انتهى إلى قوله ِإ ّننِي َأنَا الُّ ل ِإلَهَ إِل َأنَا فَا ْ‬ ‫هذا الكلم وأكرمه ؟ دلوني على محمد ‪.‬‬ ‫فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أبشر يا عمر ‪ ،‬فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول لك ليلة الخميس اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام‬ ‫ورسول ال في الدار التي في أصل الصفا ‪.‬‬ ‫فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم انطلق حتى أتى الدار ‪ ،‬فضرب الباب ‪ ،‬فقام رجل ينظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف ‪ ،‬فأخبر رسول ال واستجمع القوم فقال لهم حمزة ‪ :‬مالكم ؟‬ ‫قالوا ‪ :‬عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬وعمر ‪ ،‬افتحوا له الباب فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له ‪ ،‬وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه ‪ ،‬ورسول ال داخل يوحى إليه فخرج إلى عمر حتى لقيه في‬ ‫الحجرة ‪ ،‬فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف ثم جبذه جبذة شديدة فقال ‪ :‬أما أنت منتهي ًا يا عمر حتى ينزل ال بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد ين المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن‬ ‫الخطاب اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال ‪ .‬وأسلم فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ‪.‬‬ ‫كان عمر رضي ال عنه ذا شكيمة ل يرام وقد أثار إسلمه ضجة بين المشركين بالذلة والهوان ‪ ،‬وكسا المسلمين عزة وشرفاً وسروراً ‪.‬‬ ‫ل وسهلً ‪ ،‬ما‬ ‫ي وقال ‪ :‬أه ً‬ ‫روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال ‪ :‬لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول ال عداوة قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬أبو جهل فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إل ّ‬ ‫جاء بك ؟ قال ‪ :‬جئت لخبرك أني قد آمنت بال وبرسوله محمد ‪ ،‬وصدقت بما جاء به قال ‪ :‬فضرب الباب في وجهي ‪ ،‬وقال ‪ :‬قبحك ال ‪ ،‬وقبح ما جئت به ‪.‬‬ ‫وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي ال عنه قال ‪ :‬كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال فيضربونه ويضربهم ‪ ،‬فجئت _ أي حين أسلمت _ إلى خالي _ وهو العاصي بن هاشم فأعلمته‬ ‫فدخل البيت ‪ ،‬قال ‪ :‬وذهبت إلى رجل من كبراء قريش _ لعله أبو جهل _ وذكر ابن هشام وكذا ابن الجوزي مختصراً ‪ ،‬أنه لما أسلم أتى إلى جميل بن معمر الجمحي _ وكان أنقل‬ ‫قريش لحديث _ فأخبره أنه أسلم ‪ ،‬فنادى جميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ ‪ .‬فقال عمر ‪ _:‬وهو خلفه _ كذب ولكني قد أسلمت فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى‬ ‫قامت الشمس على رؤوسهم وطلح ‪ ،‬أي عيا عمر فقعد ‪ ،‬وقاموا على رأسه وهو يقول ‪ :‬افعلوا ما بدا لكم فأحلف بال أن لو كنا ثلث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله ‪ .‬روى البخاري عن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬بينما هو _ أي عمر _ في الدار خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو وعليه‬ ‫حلة سبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية ‪ ،‬فقال له ‪ :‬مالك ؟ قال ‪ :‬زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت ‪ ،‬قال ل سبيل إليك _ بعد أن قالها أمنت‬ ‫_ فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي ‪ ،‬فقال أين تريدون ؟ فقالوا ‪ :‬هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل سبيل إليه ‪ ،‬فكر الناس وفي لفظ ‪ ،‬في روايه ابن إسحاق ‪ :‬وال‬ ‫لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه ‪.‬‬ ‫هذا بالنسبة إلى المشركين ‪ ،‬أما بالنسبة إلى المسلمين ‪ ،‬فروى مجاهد عن ابن عباس قال ‪ :‬سألت عمر بن الخطاب ‪ ،‬لي شئ سميت الفاروق ؟ قال ‪ :‬أسلم حمزة قبلي بثلثة أيام _‬ ‫قص عليه قصة إسلمه وقال في آخره _ قلت ‪ :‬أي حين أسلمت _ يا رسول ال ! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال بلى ! والذي نفسي بيده إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم‬ ‫‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬ففيم ال ختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجناه في صفين ‪ ،‬حمزة في أحدهما ‪ ،‬وأنا في الخر ‪ ،‬له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال ‪ :‬فنظرت إليّ‬ ‫قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبه لم يصبهم مثلها ‪ ،‬فسماني رسول ال (( ا لفاروق )) يومئذ‪.‬‬ ‫وكان ابن مسعود رضي ال عنه يقول ‪ :‬ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر وعن صهيب بن سنان الرومي رضي ال عنه قال ‪ :‬لما أسلم عمر ظهر السلم ودعى إليه‬ ‫علنية وجلسنا حول البيت حِلقا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به ‪.‬‬ ‫وعن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر‬

‫ممثل قريش بين يدي الرسول_‬ ‫وبعد إسلم هذين البطلين الجليلين _ حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي ال عنهما _ أخذت السحائب تنقشع ‪ ،‬وأفاق المشركون عن سكرهم في إدلء العذاب والنكال إلى‬ ‫المسلمين وحاولوا مساومة مع النبي بإغداق كل ماهو يمكن أن يكون مطلوباً له ‪ ،‬ليكفوه عن دعوته ‪ .‬ولم يكن يدري هؤلء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس ل يساوي جناح‬ ‫بعوضة أمام دعوته ‪ ،‬فخابوا وفشلوا فيما أرادوا ‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال ‪ :‬حدثت أن عتبة بن ربيعة ‪ ،‬وكان سيدًا قال يوماً وهو في نادي قريش ورسول ال جالس في المسجد وحده ‪ :‬يا‬ ‫معشر قريش أل أقوم إلى محمد ؟ فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي ال عنه ورأوا أصحاب رسول ال يكثرون‬ ‫ويزيدون فقالوا ‪ :‬بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبه حتى جلس إلى رسول ال فقال ‪ :‬يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد‬ ‫أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلمهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها‬ ‫بعضها ‪ .‬فقال ‪ :‬رسول ال ‪ :‬قل أبا الوليد اسمع ‪ ،‬قال ‪ :‬يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا المر مالً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا ما ًل وإن كنت تريد به شرفاً‬ ‫سودناك علينا حتى ل نقطع أمرًا دونك ‪ ،‬وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا ‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه ل تستطع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك‬ ‫منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه _ أو كما قاله له _ حتى إذا فرغ عتبة ورسول ال يستمع منه ‪ ،‬قال ‪ :‬قد أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فاسمع مني ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬أفعل ‪ ،‬فقال ‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم حم (‪ )1‬تنزيل من الرحمن الرحيم (‪ )2‬كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون (‪ )3‬بشيرًا ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم ل يسمعون (‪)4‬‬ ‫وقالوا قلوبنا في أكنة مّما تدعونا إليه ثم مضى رسول ال فيها يقرؤها عليه ‪ ،‬فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ‪ ،‬وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما ‪ ،‬يسمع منه ‪ ،‬ثم انتهى رسول‬ ‫ال إلى السجدة منها فسجد ثم قال ‪ :‬قد سمعت أبا الوليد ما سمعت ‪ ،‬فأنت وذاك ‪ .‬فقام عتبة إلى أصحابة ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬نحلف بال لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب‬ ‫به ‪ .‬فلما جلس إليهم قالوا ‪ :‬ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني سمعت قولً وال ما سمعت مثله قط ‪ ،‬وال ما هو بالشعر ‪ ،‬ول بالسحر ‪ ،‬ول بالكهانة ‪ ،‬يا معشر قريش أطيعوني‬ ‫واجعلوها بي ‪ ،‬وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ‪ ،‬فوال ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ‪ ،‬فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه‬ ‫ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به ‪ ،‬قالوا ‪ :‬سحرك وال يا أبا الوليد بلسانه ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم ‪.‬‬ ‫وفي رواية أخرى أن عتبة استمع حتى جاء الرسول إلى قوله تعالى فإن أعرضوا فقل ‪ :‬أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فقام مذعورًا فوضع يده على فم رسول ال يقول ‪:‬‬ ‫أنشدك ال والرحم ! وذلك مخافة أن يقع النذير ‪ ،‬وقام إلى القوم فقال ما قال‪.‬‬

‫أبو طالب يجمع بني هاشم وبني عبد المطلب_‬ ‫تغير مجرى الظروف وتبدلت الوضاع والحوال ‪ ،‬ولكن أبا طالب لم يزل يتوجس من المشركين خيفة على ابن أخيه إنه كان ينظر في الحوادث الماضية _ إن المشركين هددوه‬ ‫بالمنازلة ثم حاولوا مساومة ابن أخيه بعمارة بن الوليد ليقتلوه ‪ ،‬وإن أبا جهل ذهب إلى ابن أخيه بحجر يرضخه ‪ ،‬وإن عقبة بن أبي معيط خنق ابن أخيه بردائه وكاد يقتله ‪ ،‬وإن ابن‬ ‫الخطاب كان قد خرج بالسيف ليقضي على ابن أخيه _ كان أبو طالب يتدبر في هذه الحوادث ويشم منها رائحة شر يرجف له فؤاده ‪ ،‬وتأكد عنده أن المشركين عازمون على إخفار‬ ‫ذمته ‪ ،‬عازمون على قتل ابن أخيه وما يغني حمزة أو عمر أو غيرهما إن انقض أحد المشركين علىابن أخيه بغتة ‪.‬‬

‫تأكد ذلك عند أبي طالب ‪ ،‬ولم يكن إل حقاً فإنهم كانوا قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول ال علنية ‪ ،‬وإلى هذا الجماع إشارة في قوله تعالى أم أبرموا أمرًا فإنا مبرمون فماذا يفعل أبو‬ ‫طالب إذن ‪.‬‬ ‫إنه لما رأى تألب قريش على ابن أخيه قام في أهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ولدي عبد مناف ‪ ،‬ودعاهم إلى ماهو عليه من منع ابن أخيه والقيام دونه فأجابوه إلى ذلك‬ ‫مسلمهم وكافرهم حمية للجوار العربي ‪ ،‬إل ما كان من أخية أبي لهب ‪ ،‬فإنه فارقهم ‪ ،‬وكان مع قريش ‪.‬‬

‫من المولد حتي البعثة‬ ‫اسمه و نسبه _‬ ‫السم‪ :‬محمد‬ ‫من أطلق عليه هذا السم؟ جده ‪.‬‬ ‫لماذا؟ قال‪ " :‬أحببت أن يحمد في أهل الرض من أهل الرض‪ ،‬و أحببت أن يحمد في أهل السماء من أهل السماء "‪.‬‬ ‫ما معنى محمد ؟ ‪:‬هو الذي يحمد ويحمد و يحمد ‪.‬‬ ‫و لماذا بشر باسم أحمد؟ أحمد ‪:‬هو الذي يحمد ال‬ ‫نسب نبينا محمد صلى ال عليه وسلم ينقسم إلى ثلثة أجزاء‪ :‬جزء اتفق عليه كافة أهل السير والنساب‪ ،‬وهو الجزء الذي يبدأ منه صلى ال عليه وسلم وينتهي إلى عدنان‪.‬‬ ‫وجزء آخر كثر فيه الختلف‪ ،‬حتى جاوز حد الجمع والئتلف‪ ،‬وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم عليه السلم فقد توقف فيه قوم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يجوز سرده‪ ،‬بينما‬ ‫جوزه آخرون وساقوه‪ .‬ثم اختلف هؤل المجوزون في عدد الباء وأسمائهم‪ ،‬فاشتد اختلفهم وكثرت أقوالهم حتى جاوزت ثلثين قولً‪ ،‬إل أن الجميع متفقون على أن عدنان من صريح‬ ‫ولد إسماعيل عليه السلم‪.‬‬ ‫أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السلم وينتهي إلى آدم عليه السلم‪ ،‬وجل العتماد فيه على نقل أهل الكتاب‪ ،‬وعندهم فيه من بعض تفاصـيل العمـار وغيرهـا ما ل‬ ‫نشك في بطلنه‪ ،‬بينما نتوقف في البقية الباقية‪.‬‬

‫وفيما يلى الجزاء الثلثة من نسبه الزكى صلى ال عليه وسلم بالترتيب‪:‬‬

‫صىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلب بن ُمرّة بن كعب بن لؤى‬ ‫ش ْيبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن ُق َ‬ ‫الجزء الول ‪ :‬محمد بن عبد ال بن عبد المطلب ـ واسمه َ‬ ‫بن غالب بن ِفهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن ال ّنضْر ـ واسمه قيس ـ بن ِكنَانة بن خُ َزيْمَة بن ُم ْدرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن ُمضَر بن ِنزَار بن مَ َعدّ‬ ‫بن عدنان‪.‬‬

‫عوْص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلف بن طابخ بن جاحم بن‬ ‫الجزء الثانى ‪ :‬ما فوق عدنان‪ ،‬وعدنان هو ابن ُأدَد بن الهَ َميْسَع بن سلمان بن َ‬ ‫ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حَمْدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام بن مقصر بن‬ ‫ناحث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما السلم‪.‬‬ ‫الجزء الثالث ‪ :‬ما فوق إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وهو ابن تارَح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن رَاعُو بن فَالَخ بن عابر بن شَالَخ بن أ ْرفَخْشَد بن سام بن نوح عليه‬ ‫خنُوخ ـ يقال ‪ :‬هو إدريس النبي عليه السلم ـ بن َيرْد بن َمهْلئيل بن قينان بن أنُوش بن شِيث بن آدم ـ عليهما السلم‪.‬‬ ‫خ بن َأ ْ‬ ‫السلم بن لمك بن مَتوشَل َ‬ ‫نبينا المصطفى صلي ال عليه و سلم قد صان ال أباه من زلة الزنا‪ ،‬فولد من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل‪،‬‬ ‫واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة‪ ،‬واصطفي من بنى كنانة قريشًا‪ ،‬واصطفي من قريش بنى هاشم‪ ،‬واصطفانى من بنى هاشم)‪.‬‬ ‫وعن العباس بن عبد المطلب قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين‪ ،‬ثم تخير القبائل‪ ،‬فجعلني من خير القبيلة‪ ،‬ثم تخير‬ ‫البيوت‪ ،‬فجعلني من خير بيوتهم‪ ،‬فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا)‪ .‬وفي لفظ عنه‪( :‬إن ال خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة‪ ،‬ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة‪ ،‬ثم جعلهم‬ ‫قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة‪ ،‬ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا)‪.‬‬ ‫أسماؤه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬لي خمسة أسماء‪ :‬أنا محمد‪ ،‬وأنا أحمد‪ ،‬وأنا الماحي الذي يمحو ال بي الكفر‪ ،‬وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي‪ ،‬وأنا‬ ‫العاقب»([‪.)]1‬‬ ‫وعن أبي موسى قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال‪« :‬أنا محمد‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وال ُمقَفّي‪ ،‬والحاشر‪ ،‬ونبي التوبة‪ ،‬ونبي الرحمة»([‪.)]2‬‬ ‫وفي البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أل تعجبون كيف يصرف ال عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمماً‪ ،‬ويلعنون مذمماً‪ ،‬وأنا‬ ‫محمد»([‪.)]3‬‬

‫شق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد‬ ‫قوله‪« :‬العاقب» في الترمذي‪« :‬الذي ليس بعده نبي»([‪.)]4‬‬ ‫قال ابن حجر‪« :‬والذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يسم بها أحد قبلي‪ ،‬أو معظـمة أو مشهورة في المم الماضية‪ ،‬ل أنه أراد الحصر فيها»‪ ،‬وقد ذكر السهيلي أنه‬ ‫لم يتسم أحد قبل النبي صلى ال عليه وسلم بمحمد إل ثلثة‪ ،‬إل أن ابن حجر ذكر أنه ألف كتاباً في أسمائه صلى ال عليه وسلم فأوصل من تسمى قبله إلى خمسة عشر([‪.)]5‬‬

‫وقد ألفت عدة كتب في أسمائه وأوصلها بعضهم إلى أكثر من ثلثمائة اسم‪ ،‬لكن كثيراً منها ل يثبت‪ ،‬وبعضها من أوصافه‪ ،‬وبعضها لم يرد على سبيل التسمية مثل من عد من أسمائه‬ ‫اللبنة للحديث المذكور الذي أخرجه البخاري في باب خاتم النبيين عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬إن مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه‬ ‫وأجمله‪ ،‬إل موضع لبنة من زاوية‪ ،‬فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون‪ :‬هل وضعت هذه اللبنة؟ قال‪ :‬فأنا اللبنة‪ ،‬وأنا خاتم النبيين»([‪.)]6‬‬ ‫أما كنيته صلى ال عليه وسلم فهو‪ :‬أبو القاسم‪ ،‬كما ورد ذلك في الصحيحين عن أنس قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم في السوق‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬فالتفت النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم فقال‪:‬سموا باسمي‪ ،‬ول تكتنوا بكنيتي»([‪.)]7‬‬

‫رضاعة صلى ال عليه و سلم_‬ ‫وكانت عادة أشراف مكة أن يعهدوا بأطفالهم إلى نساء البادية ليقمن على رضاعتهم‪ ,‬لن البادية أصلح لنمو أجسام الطفال وأبعد عن أمراض الحضر التي كثيرا ما تصيب أجسامهم‬ ‫فضل عن إتقان اللغة العربية وتعود النطق بالفصحى منذ نعومه أظفارهم‪ .‬وكان مقدار العناية والرعاية بالطفل يختلف من قبيلة لخرى لذا حرص أشراف مكة على أن يكون أطفالهم‬ ‫عند أكثر هذه القبائل عناية ورعاية‪ ,‬وكانت أشهر قبيلة في هذا المر هي قبيلة بنى سعد ‪.‬‬ ‫ولم تقف شهرة بنى سعد على أمر العناية والرعاية بالطفل فقط‪ ,‬بل حازت الشهرة في أن لغتها كانت عربية خالصة لم تشبها شائبة‪ ,‬فضل عما اشتهرت به من أخلق كريمة طيبة لذا‬ ‫حرص عبد المطلب على أن يكون محمد في بني سعد فلما جاءت حليمة السعدية لتأخذه وأحست هذا الحرص طمعت في جزل العطاء فتمنعت في أخذه فلما أجزل لها أخذته وكان‬ ‫رسول ال صلى ال عليه و سلم يفخر برضاعته في بنى سعد فيقول‪ :‬أنا أعربكم أنا قرشي واسترضعت في بنى سعد بن بكر‪.‬‬ ‫ويذكر المؤرخون أن محمد عرض على جميع المرضعات اللتي وفدن على مكة فأبين يأخذنه ليتمه وفقره‪ ,‬وأنهن كن يطمعن في أبناء الغنياء وأن حليمة ما عادت إليه ال لنها لم‬ ‫تجد طفل غيره وهذا غير صحيح فمحمد لم يكن فقيرا فهو في كفالة جده عبد المطلب سيد مكة وكبيرها‪ ,‬ومثله من يُطمع في عطائه‪ .‬وقد ذكرت المصادر أن جيش أبرهه في حملته‬ ‫على الكعبة قد حاز مائتين من البل لعبد المطلب‪ ,‬كما أنة فدى ابنه عبد ال بمائة من البل‪ ,‬وذبح مجموعة كبيرة منها في زواجه ل يصد عنها إنسان ول حيوان‪ ,‬ويذكر اليعقوبى أن‬ ‫عبد المطلب عند موته لف في حلتين من حلل اليمن قيمتها ألف مثقال من الذهب فمن كان ذلك حاله أيعقل أن يكون فقيرا تترك المرضعات ولده؟ ذلك فضل عن إرضاع الطفال في‬ ‫البادية عادة أشرف مكة وأغنيائها‪ ,‬أما الفقراء فكانت كل أم ترضع طفلها‪.‬‬ ‫قضى محمد صلى ال عليه و سلم في حضانة ورعاية (حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية) وزوجها (الحارث بن عبد العزى) أربع أو خمس سنوات ثم حدث ما جعلها تعجل بإرجاعه إلى‬ ‫أمه في مكة إذا أخبرها ابنها الصغير أن رجلين أخذا محمدا فشقا صدره واستخرجا قلبه وأخذا منه علقه سوداء ثم غسل القلب وإعاداه إلى ما كان عليه‪ ,‬وقد اختلف المؤرخون في‬ ‫حقيقة شق الصدر هل هو حسي أم معنوي؟ ولكن لعله يشير إلى الحصانات التي أضفاها ال على محمد صلى ال عليه و سلم‪ ,‬فحصنه ضد مساوئ الطبيعة النسانية ومفاتن الحياة‬ ‫الرضية‬ ‫وإخوته صلى ال عليه وسلم من الرضاعة‪ :‬عبد ال بن الحارث‪ ،‬وأنيسة بنت الحارث‪ ،‬وحذافة أو جذامة بنت الحارث [وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها] وكانت تحضن رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعًا في بني سعد بن بكر‪ ،‬فأرضعت أمه‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة‪،‬فكان حمزة رضيع رسول ال صلى ال عليه وسلم من جهتين‪ ،‬من جهة ثويبة ومن جهة السعدية‪.‬‬ ‫ل على تحوله الفكري ‪ ،‬فقد تكون في تلك البادية استعداده للتأمل الفكري منذ نعومة أظفاره‪.‬‬ ‫لقد كان لطفولة الرسول في بادية بني سعد أثرها على بنيته الجسدية ومستقب ً‬

‫الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪.‬‬ ‫يقول المستشرق الفرنسي آتيين دينيه في كتابه‪" :‬محمد رسول ال"‬ ‫(( هذه الصحة الخلقية والجسمية التي يدين بها إلى البادية‪ ،‬ساعدته كثيرًا على تحمل ما ابتلي به بعد من محن‪.‬‬ ‫كان محمد يحب إعادة ذكريات تلك الفترة‪ ،‬كثيرًا ما كان يقول‪ " :‬إن من نعم ال علي التي ل تقدر‪ ،‬أني ولدت في قريش أشرف القبائل‪ ،‬وأني نشأت في بادية بني سعد‪ ،‬أصح المواطن‬ ‫بالحجاز " وقد بقيت منطبعة في نفسه صور البادية التي كانت أول الشياء تأثيرًا في حسه عندما كان يسرح فيها مع الرعاة فيتسلق شرفًا ليلحظ القطعان في مراعيهاً‪.‬‬

‫على أن استعداده للتأمل والوحدة لم يكن لينسجم مع أخلق أقرانه الصاخبة‪ ،‬فكان يفضل اعتزالهم في ألعابهم ‪ ،‬ويذهب وحيدًا حيث الهدوء والسكون ))[‪. ]1‬‬

‫شق الصدر _‬ ‫وهكذا رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بني سعد‪ ،‬حتى إذا كان بعده بأشهر على قول ابن إسحاق‪ ،‬وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره‪،‬‬ ‫روى مسلم عن أنس‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه جبريل‪ ،‬وهو يلعب مع الغلمان‪ ،‬فأخذه فصرعه‪ ،‬فشق عن قلبه‪ ،‬فاستخرج القلب‪ ،‬فاستخرج منه علقة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حظ‬ ‫الشيطان منك‪ ،‬ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم‪ ،‬ثم لَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعضـ ثم أعاده في مكانه‪ ،‬وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا‪ :‬إن محمدًا قد قتل‪،‬‬ ‫فاستقبلوه وهو ُم ْن َتقِ ُع اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس‪ :‬وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره‪.‬‬

‫وفاة أمه وجده وكفالة عمه له صلى ال عليه و سلم_‬ ‫إلى أمه الحنون‬ ‫خشيت عليه حليمة بعد واقعة شق الصدر فردته إلى أمه‪ ،‬فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين‪.‬‬ ‫ورأت آمنة ـ وفاء لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب‪ ،‬فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صلى ال عليه وسلم ـ‬ ‫وخادمتها أم أيمن‪ ،‬وقيمها عبد المطلب‪ ،‬فمكثت شهرًا ثم قفلت‪ ،‬وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق‪ ،‬ثم اشتد حتى ماتت بال ْبوَاء بين مكة والمدينة‪.‬‬ ‫إلى جده العطوف‬ ‫ق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولده‪،‬‬ ‫وعاد به عبد المطلب إلى مكة‪ ،‬وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب جديد نَكَأ الجروح القديمة‪ ،‬فَ َر ّ‬ ‫فكان ل يدعه لوحدته المفروضة‪ ،‬بل يؤثره على أولده‪ ،‬قال ابن هشام‪ :‬كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة‪ ،‬فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه‪ ،‬ل يجلس‬ ‫عليه أحد من بنيه إجللً له‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتى وهو غلم جفر حتى يجلس عليه‪ ،‬فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه‪ ،‬فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم‪ :‬دعوا‬ ‫ابني هذا‪ ،‬فوال إن له لشأنًا‪ ،‬ثم يجلس معه على فراشه‪ ،‬ويمسح ظهره بيده‪ ،‬ويسره ما يراه يصنع‪.‬‬ ‫ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى ال عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة‪ ،‬ورأي قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه‪.‬‬

‫تربية عمه أبي طالب له‪:‬‬ ‫وقد شب مع عمه أبي طالب تحت رعاية ال وحفظه له من أمور الجاهلية وعاداتها السيئة «فكان أفضل قومه مروءة‪ ،‬وأحسنهم خلقاً‪ ،‬وأكرمهم مخالطة‪ ،‬وأحسنهم جواراً‪ ،‬وأعظـهم‬ ‫حلماً وأمانة‪ ،‬وأصدقهم حديثاً‪ ،‬وأبعدهم من الفحش والذى‪ ،‬ما رؤي ملحياً ول ممارياً أحداً‪ ،‬حتى سماه قومه المين‪ ،‬لما جمع ال فيه من المور الصالحة»([‪.)]2‬‬

‫الرسول في الشباب و الصبا‬ ‫صيانة ال تعالى له من دنس الجاهلية_‬

‫وكان ال سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره‪ ،‬وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب‪ ،‬ومنحه كل خلق جميل‪ ،‬حتى لم يكن يعرف بين قومه إل بالمين‪ ،‬لما شاهدوه من‬ ‫طهارته وصدق حديثه وأمانته‪ ،‬حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة وعمره خمس وثلثون سنة‪ ,‬ووصلوا إلى موضع الحجر السود‪ ,‬اختلفوا فيمن يضعه في مكانه‪ ,‬فاتفقوا‬ ‫على أن يحكموا أول داخل عليهم‪ ،‬فكان رسول ال فقالوا‪ :‬جاء المين‪ ،‬فرضوا به‪ ،‬فأمر بثوب‪ ،‬فوضع الحجر في وسطه‪ ،‬وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب‪ ،‬ثم أخذ‬ ‫الحجر فوضعه موضعه ‪( .‬أحمد والحاكم وصححه‪).‬‬ ‫وخالف جاهلية قريش في أبرز خصائصها كمناسك الحج حيث كانوا يسمون الحمس‪ ،‬ويقفون في المزدلفة‪ ،‬ول يخرجون من الحرم زاعمين أن أهل الحرم ل ينبغي لهم أن يعظم من‬ ‫الحل كما يعظم من الحرم‪.‬‬

‫اشتغاله صلى ال عليه و سلم برعي الغنم _‬ ‫ولما شب محمد وأصبح فتى أراد أن يعمل و يأكل من عمل يده‪ ,‬فاشتغل برعي الغنم لعمامه ولغيرهم مقابل أجر يأخذه منهم‪ .‬ويذهب البعض إلى أن حرفة الرعي وقيادة الغنام علمت‬ ‫الرسول صلى ال عليه و سلم رعاية المسلمين و قيادة المة بعد بعثته وهذا ول شك مبالغة كبيرة فإن كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ول ساسة‪ ,‬كما أن الكثير من القواد‬ ‫والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا‪ ,‬وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والنسان‪ ,‬لكن يمكن القول أن حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء حيث الفضاء المتناهي‬ ‫والسماء الصافية والنجوم المتللئة في الليل‪ ,‬والشمس المشرقة في الصباح‪ ,‬وهذا النظام البديع في حركة الكون استرعى كل ذلك انتباه محمد فأخذ يتأمل ويتفكر ويتدبر في الكون‬ ‫العجيب‬ ‫العبرة من أن رسول ال صلي ال عليه و سلم رعي الغنم ‪:‬‬ ‫ورعي الغنم يتيح لصاحبه عدة خصال تربوية منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬الصبر‪ :‬على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها‪ ،‬نظرًا لبطء الغنم في الكل‪ ،‬فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل‪ ،‬وكذا سياسة البشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحلم‪ :‬فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر وبعضها يذهب شما ًل وبعضها جنوباً‪ ،‬فإن كان الراعي غضوباً جمعها بعد شتاتها بصورة مرعبة فتبقى مجتمعة خائفة ل تأكل تخشى من عصا‬ ‫الراعي‪.‬‬ ‫‪ -3‬الناة والقدرة‪ :‬على جمع شتاتها بعد رعيها بدون أذى يلحق بها‪ ،‬أو نقص في غذاء يصيبها‪.‬‬ ‫‪ -4‬الرأفة والعناية بالضعيف‪ :‬ففيها الصغير والضعيف والهرم‪ ،‬فيحتاج منه إلى لين ورأفة بها حتى تلحق بصواحبها وترعى مثلهن‪ ،‬وكذا سياسة البشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬ارتياد أماكن الخصب‪ :‬والبحث عنها ونصحها في ذلك وتجنيبها مواطن الجدب والهلكة‪ ،‬وكذا سياسة البشر تحتاج إلى بذل الجهد والنصح لهم في توريدهم مواطن الخير وتجنيبهم‬ ‫مواطن الهلكة‪ ،‬وتحسين معاشهم وما يحتاجونه من رزق حلل‪ ،‬وتجنيبهم الرزاق المحرمة التي تسبب لهم الويلت والفساد‪ ،‬وتوزيع الثروة عليهم كل على حسبه وقدرته وجهده‪.‬‬

‫‪ -6‬التواضع‪ :‬في رعي الغنم وهو أمر ظاهر وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر» فقال‬ ‫رجل‪ :‬يا رسول ال الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنا؟ فقال‪« :‬إن ال جميل يحب الجمال‪ ،‬الكبر بطر الحق وغمط الناس»‬ ‫‪ -7‬ورعي الغنم من أعظم الفرص في الخلوة بال تعالى والتفكر في خلق السموات والرض حيث السماء بنجومها‪ ،‬والرض بجبالها وأشجارها وأنعامها‪...‬‬ ‫‪ -8‬إن ال تعالى قادر على أن يغني محمدًا صلى ال عليه وسلم عن رعي الغنم‪ ،‬ولكن هذه تربية له ولمته للكل من كسب اليد‪.‬‬ ‫‪ -9‬ورعي الغنم نوع من أنواع الكسب باليد وصاحب الدعوة يجب أن يستغني عن ما في أيدي الناس ول يعتمد بدعوته عليهم‪ ،‬فبذلك تبقى قيمته وترتفع منزلته‪ ،‬ويبتعد عن الشبه‬ ‫والتشكيك فيه‪ ،‬ويتجرد في إخلص العمل ل تعالى‪ ،‬ويرد شبه الطغا‬ ‫ة والظلمة الذي يصورون للناس أن النبياء أرادوا الدنيا بدعوتهم‪َ { :‬وتَكُونَ لَكُمَا ال ِك ْب ِريَا ُء فِي ا َل ْرضِ} (يونس‪ )78:‬هكذا يقول فرعون لموسى‪ ،‬ونظرًا لسيطرة حب الدنيا وحطامها‬ ‫ج ٍر َفهُ َو لَكُمْ} (سبأ‪َ { ،)47:‬ويَا َقوْمِ‬ ‫سَأ ْلتُكُمْ ِمنْ َأ ْ‬ ‫على عقولهم يظنون أن أي تفكير وأي حركة مراد به الدنيا‪ ،‬ولهذا قالت النبياء عليهم السلم لقوامهم مبينة استغنائها عنهم‪ُ { :‬قلْ مَا َ‬ ‫علَى الِ} (هود‪.)29:‬‬ ‫ج ِريَ إِل َ‬ ‫عَليْهِ مَالً ِإنْ َأ ْ‬ ‫سَألُكُمْ َ‬ ‫ل أَ ْ‬ ‫ن يَأْ ُكلُ ِمنْ‬ ‫عَليْهِ السّلم كَا َ‬ ‫لّ دَا ُودَ َ‬ ‫ن َنبِيّ ا ِ‬ ‫ن عَ َم ِل َي ِدهِ‪َ ،‬وِإ ّ‬ ‫ن َيأْ ُكلَ ِم ْ‬ ‫خيْراً ِمنْ َأ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫حدٌ طَعَاماً َق ّ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم قَالَ‪« :‬مَا أَ َكلَ َأ َ‬ ‫ن رَسُولِ ا ِ‬ ‫عْ‬ ‫عنِ ا ْل ِمقْدَامِ رضي ال عنه َ‬ ‫روى البخاري َ‬ ‫عَ َم ِل َي ِدهِ»‬ ‫ولشك أن العتماد على الكسب الحر تكسب النسان الحرية التامة والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها‪.‬‬ ‫وكان أصحاب رسول ال يتاجرون ويعملون بأيديهم ول يعتبر غضاضة في حقهم‪ ،‬فهذا عمر يشغله الصفق بالسواق عن حضور بعض مجالس رسول ال صلى ال عليه وسلم كما‬ ‫ق يَ ْعنِي ا ْلخُرُوجَ ِإلَى ِتجَا َرةٍ»‪.‬‬ ‫سوَا ِ‬ ‫ق بِالَ ْ‬ ‫صفْ ُ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬أ ْلهَانِي ال ّ‬ ‫علَيّ ِمنْ أَ ْم ِر رَسُولِ ا ِ‬ ‫خفِيَ َهذَا َ‬ ‫في حديث أبي موسى في الستئذان «َأ َ‬ ‫وفي البخاري عن قتادة‪« :‬كان القوم يتبايعون ويتجرون‪ ،‬ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق ال لم تلههم تجارة ول بيع عن ذكر ال حتى يؤدوه إلى ال»‬ ‫وتقول عائشة رضي ال عنها‪« :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عمال أنفسهم»‬

‫َبحِيرَى الراهب و رسول ال_‬ ‫ولما بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل‪ :‬وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام‪ ،‬حتى وصل إلى ُبصْرَى ـ وهي معدودة من الشام‪،‬‬ ‫صبَة لحُورَان‪ ،‬وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلد العربية التي كانت تحت حكم الرومان‪ .‬وكان في هذا البلد راهب عرف بَبحِيرَى‪ ،‬واسمه ـ فيما يقال‪ :‬جرجيس‪ ،‬فلما نزل الركب‬ ‫وقَ َ‬ ‫خرج إليهم‪ ،‬وكان ل يخرج إليهم قبل ذلك‪ ،‬فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا سيد العالمين‪ ،‬هذا رسول رب العالمين‪ ،‬هذا يبعثه ال رحمة‬ ‫للعالمين‪ .‬فقال له [أبو طالب و] أشياخ قريش‪[ :‬و] ما علمك [بذلك]؟ فقال‪ :‬إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ول شجر إل خر ساجدًا‪ ،‬ول يسجدان إل لنبى‪ ،‬وإنى أعرفه بخاتم‬ ‫النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة‪[ ،‬وإنا نجده في كتبنا]‪ ،‬ثم أكرمهم بالضيافة‪ ،‬وسأل أبا طالب أن يرده‪ ،‬ول يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم واليهود‪ ،‬فبعثه عمه مع‬ ‫بعض غلمانه إلى مكة‪.‬‬

‫الرسول في الدراسات الستشراقية المنصفة‪.‬‬ ‫ولقد بحث الكاتب النكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول ببحيرا الراهب ‪ ،‬وما كان لهذا اللقاء من أثر على توجيه للتفكر في قضايا الحياة والخلق ‪ . . .‬وقد رد كارليل في كتابه‬ ‫البطال على تلك المزاعم التي تقول إن ذلك الراهب قد لقنه العلم و انه وراء النبوة التي أنزلت على النبي محمد يقول ‪:‬‬

‫« ولما شب محمد وترعرع‪ ،‬صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه‪ ،‬وفي الثامنة عشر من عمره نراه فارسًا مقاتلً يتبع عمه في الحروب‪ ،‬غير أن أهم أسفاره ربما كان ذاك‬ ‫الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين ‪ ،‬رحلة إلى مشارف الشام ‪ ،‬إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الهمية جدًا في نظره‪ ،‬أعنى الديانة المسيحية‬ ‫‪ .‬واني لست أدري ماذا أقول عن ذلك الراهب سرجياس (بحيرا) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار‪ ,‬ول ماذا عساه أن يتعلمه غلم في هذه السن الصغيرة من أي‬ ‫راهب‪ ،‬فإن محمدًا لم يكن يتجاوز آن ذاك الرابعة عشر‪ ،‬ولم يكن يعرف إل لغته‪ ،‬ول شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إل خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ول‬ ‫يفهمها‪ .‬ولكن الغلم كان له عينان ثاقبتان‪ ،‬ول بد من أن يكون قد انطبع على لوح فؤاده أمور وشؤون فأقامت في ثنايا ضميره‪ ،‬ولو غير مفهومة ريثما ينضجها له كر الغداة ومر‬ ‫العشي ‪ ،‬وتحلها له يد الزمان يوماً ما‪ ،‬فتخرج منها آراء وعقائد ونظرات نافذات‪ ،‬فلعل هذه الرحلة الشامية كانت لمحمد أوائل خير كثير وفوائد جمة )) [‪. ]1‬‬

‫حرب الفجار _‬ ‫وشارك محمد مكة الدفاع عن مدينتهم في حرب الفجار بين قريش وهوازن‪ ,‬والتي استمرت أربع سنوات‪ ,‬كان عمر محمد في بدايتها خمسة عشر عاما‪ .‬وسببها أن النعمان بن المنذر‬ ‫أراد أن يعين قائدا لقافلة تجارية من الحيرة إلى سوق عكاظ‪ ,‬فعرض كل من البراض الكتاني وعروة الهوازنى نفسه فاختار النعمان عروة فقتله البراض‪ ,‬وسمعت قريش وهى من‬ ‫كنانة الخبر وأدركت أن (هوازن) قبيلة عروة لبد أنها ستثأر لرجلها‬ ‫ووقع القتال بين الفريقين وكان في الشهر الحرم وتراجعت قريش حتى دخلت الحرم فوعدتهم هوازن الحرب في العالم القادم وظلت هذه الحرب تجدد طوال أربع سنوات عند انعقاد‬ ‫سوق عكاظ‪ ,‬ثم انتهت بالصلح بين الفريقين على أن تدفع قريش دية من يزيد عن قتلها لهوازن فكانوا عشرين رجل‪ .‬وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لنها وقعت في الشهر‬ ‫الحرم وهو الفجار الرابع في تاريخ مكة‬ ‫ويروى عن رسول ال صلى ال عليه و سلم أنه قال في حرب الفجار‪:‬كنت أنبل على أعمامي (أي أجمع نبل عدوهم اذا رموهم بها) وقال في حديث آخر‪:‬قد حضرتها (حرب الفجار)‬ ‫مع عمومتي ورميت فيها بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت‬ ‫ولذلك اختلف المؤرخين في كيفية مشاركة الرسول صلى ال عليه و سلم‪ ,‬وهل بجمع النبل؟ أم بالرمي؟ و يبدو أن الرسول صلى ال عليه و سلم مارس العملين‪ ,‬فإن الحرب استمرت‬

‫أربعة أعوام‪ ,‬كان عمر الرسول في بدايتها خمسة عشر عاما وهى ل تمكنه من الرمي فساهم بجمع النبل‪ ,‬وفي نهايتها كان على أبواب العشرين ربيعا فتمكن أن يساهم يرمى النبل‪.‬‬

‫حلف الفضول_‬ ‫وعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذى القعدة في شهر حرام تداعت إليه قبائل من قريش‪ :‬بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب‪،‬وأسد بن عبد العزى‪ ،‬وزهرة بن كلب‪ ،‬وتيم بن مرة‪،‬‬ ‫جدْعان التيمى؛ لسنّه وشرفه‪ ،‬فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إل قاموا معه‪ ،‬وكانوا على من ظلمه‬ ‫فاجتمعوا في دار عبد ال بن ُ‬ ‫حتى ترد عليه مظلمته‪ ،‬وشهد هذا الحلف رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال بعد أن أكرمه ال بالرسالة‪( :‬لقد شهدت في دار عبد ال بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم‪،‬‬ ‫ولو أدعى به في السلم لجبت)‪.‬‬ ‫وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها‪ ،‬ويقال في سبب هذا الحلف‪ :‬إن رجلً من ُز َبيْد قدم مكة ببضاعة‪ ،‬واشتراها منه العاص بن وائل السهمى‪ ،‬وحبس‬ ‫ع ِديّا فلم يكترثوا له‪ ،‬فعل جبل أبي ُق َبيْس‪ ،‬ونادى بأشعار يصف فيها ظلمته رافعًا صوته‪ ،‬فمشى في ذلك‬ ‫س ْهمًا و َ‬ ‫عنه حقه‪ ،‬فاستعدى عليه الحلف عبد الدار ومخزومًا‪ ،‬وجُ َمحًا و َ‬ ‫الزبير بن عبد المطلب‪ ،‬وقال‪ :‬ما لهذا مترك؟ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في حلف الفضول‪ ،‬فعقدوا الحلف ثم قاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي‪.‬‬

‫اشتغاله صلى ال عليه و سلم بالتجارة _‬ ‫وفي الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي ال عنها قال ابن إسحاق‪ :‬كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال‪ ،‬تستأجر الرجال في‬ ‫مالها‪ ،‬وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم‪ ،‬وكانت قريش قومًا تجارًا‪ ،‬فلما بلغها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه‪ ،‬وعظم أمانته وكرم أخلقه بعثت إليه‪،‬‬ ‫فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا‪ ،‬وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار‪ ،‬مع غلم لها يقال له‪ :‬ميسرة‪ ،‬فقبله رسول ال صلى ال عليه وسلم منها‪ ،‬وخرج‬ ‫في مالها ذلك‪ ،‬وخرج معه غلمها ميسرة حتى قدم الشام‪.‬‬ ‫لم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام بل كان يتاجر بأسواق مكة أو بالسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز‪ ,‬لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها‬ ‫بما يوفر له حياة متزنة سعيدة وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتأمل وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون‪ .‬العجيب‬

‫السيرة الجمالية قبل النبوة_‬ ‫كان النبي صلى ال عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات‪ ،‬وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب‪ ،‬والنظر السديد‪ ،‬ونال حظًا وافرًا من حسن الفطنة وأصالة‬ ‫الفكرة وسداد الوسيلة والهدف‪ ،‬وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق‪ ،‬وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس‬ ‫وأحوال الجماعات‪ ،‬فعاف ما سواها من خرافة‪ ،‬ونأي عنها‪ ،‬ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم‪ ،‬فما وجد حسنًا شارك فيه وإل عاد إلى عزلته العتيدة‪ ،‬فكان ل يشرب‬ ‫الخمر‪ ،‬ول يأكل مما ذبح على النصب‪ ،‬ول يحضر للوثان عيدًا ول احتفالً‪ ،‬بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة‪ ،‬حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها‪ ،‬وحتى كان ل‬ ‫يصبر على سماع الحلف باللت والعزى‪.‬‬ ‫ول شك أن القدر حاطه بالحفظ‪ ،‬فعندما تتحرك نوازع النفس لستطلع بعض متع الدنيا‪ ،‬وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه‬ ‫وبينها‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين‪ ،‬كل ذلك يحول ال بيني وبينه‪ ،‬ثم ما هممت به حتى أكرمنى برسالته‪ ،‬قلت‬ ‫ليلة للغلم الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة‪ :‬لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب‪ ،‬فقال‪ :‬أفعل‪ ،‬فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬ما هذا؟ فقالوا‪ :‬عرس فلن بفلنة‪ ،‬فجلست أسمع‪ ،‬فضرب ال على أذنـى فنمت‪ ،‬فما أيقظني إل حر الشمس‪ .‬فعدت إلى صاحبي فسألني‪ ،‬فأخبرته‪ ،‬ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك‪،‬‬ ‫ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة‪ ...‬ثم ما هممت بسوء)‪.‬‬ ‫وروى البخاري عن جابر بن عبد ال قال‪ :‬لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى ال عليه وسلم وعباس ينقلن الحجارة‪ ،‬فقال عباس للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬اجعل إزارك على رقبتك‬ ‫يقيقك من الحجارة‪ ،‬فخر إلى الرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق‪ ،‬فقال‪( :‬إزاري‪ ،‬إزاري) فشد عليه إزاره‪ .‬وفي رواية‪ :‬فما رؤيت له عورة بعد ذلك‪.‬‬ ‫وكان النبي صلى ال عليه وسلم يمتاز في قومه بخلل عذبة وأخلق فاضلة‪ ،‬وشمائل كريمة‪ ،‬فكان أفضل قومه مروءة‪ ،‬وأحسنهم خلقًا‪ ،‬وأعزهم جوارًا‪ ،‬وأعظمهم حلمًا‪ ،‬وأصدقهم‬ ‫عرِيكة‪ ،‬وأعفهم نفسًا وأكرمهم خيرًا‪ ،‬وأبرهم عملً‪ ،‬وأوفاهم عهدًا‪ ،‬وآمنهم أمانة حتى سماه قومه‪[ :‬المين] لما جمع فيه من الحوال الصالحة والخصال المرضية‪،‬‬ ‫حديثًا‪ ،‬وألينهم َ‬ ‫وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي ال عنها يحمل الكل‪ ،‬ويكسب المعدوم‪ ،‬ويقرى الضيف‪ ،‬ويعين على نوائب الحق‪.‬‬

‫هجرة الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫إذن الرسول صلى ال عليه وسلم للمسلمين بالهجرة_‬ ‫إذن الرسول صلى ال عليه وسلم للمسلمين بالهجرة‪:‬‬

‫ج َر بِ َأ ْرضِ‬ ‫جرَ ِق َبلَ ا ْل َمدِينَ ِة َورَجَ َع عَامّةُ َمنْ كَانَ هَا َ‬ ‫جرَ َمنْ هَا َ‬ ‫ن )) َفهَا َ‬ ‫ح ّرتَا ِ‬ ‫خ ٍل َب ْينَ َل َب َت ْينِ وَ ُهمَا ا ْل َ‬ ‫ت َن ْ‬ ‫ج َرتِكُمْ ذَا َ‬ ‫ت دَارَ ِه ْ‬ ‫أخرج البخاري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ِ (( :‬إنّي ُأرِي ُ‬ ‫حبَشَةِ ِإلَى الْ َمدِينَةِ‪)) ...‬‬ ‫ا ْل َ‬

‫وفي صحيح مسلم‪ (( :‬رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل‪ ،‬فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب ))‬ ‫أخرج ابن سعد عن الواقدي من حديث عائشة وسهل بن حنيف قال‪ (( :‬لما صدر السبعون من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم طابت نفسه‪ ،‬وقد جعل ال له منعة وقوماً أهل حرب‬ ‫وعدة ونجدة‪ ،‬وجعل البلء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج‪ ،‬فضيقوا على أصحابه ونالوا منهم مالم يكونوا ينالون من الشتم والذى فشكا ذلك أصحاب‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلّم واستأذنوه في الهجرة فقال‪ (( :‬قد أريت دار هجرتكم‪ ،‬أريت سبخة ذات نخل بين لبتين وهما الحرتان‪ ،‬ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي‬ ‫هي )) ثم مكث أياماً‪ ،‬ثم خرج إلى أصحابه مسرورًا فقال‪ (( :‬قد أخبرت بدار هجرتكم‪ ،‬وهي يثرب‪ ،‬فمن أراد الخروج فليخرج إليها )) فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون‬ ‫ويخرجون ويخفون ذلك‪)) ...‬‬

‫طلئع المهاجرين‪:‬‬ ‫ع َمرُ ْبنُ‬ ‫سرٍ ثُ ّم َقدِمَ ُ‬ ‫ن يَا ِ‬ ‫عمّارُ ْب ُ‬ ‫ل ٌل وَسَ ْعدٌ َو َ‬ ‫ن النّاسَ َفقَدِ َم ِب َ‬ ‫ن عُ َم ْي ٍر وَا ْبنُ أُمّ مَ ْكتُومٍ وَكَانَا ُي ْق ِرئَا ِ‬ ‫ب ْب ُ‬ ‫عَليْنَا ُمصْعَ ُ‬ ‫ن قَدِ َم َ‬ ‫أخرج البخاري عن البراء بن عازب رضي ال عنه قال‪َ (( :‬أ ّولُ َم ْ‬ ‫حتّى جَ َعلَ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َ‬ ‫حهُمْ ِبرَسُولِ ا ِ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم فَمَا رََأيْتُ أَ ْهلَ الْ َمدِينَ ِة َفرِحُوا بِشَيْ ٍء َف َر َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ثُ ّم َقدِمَ ال ّنبِ ّ‬ ‫ب ال ّنبِ ّ‬ ‫صحَا ِ‬ ‫شرِينَ ِمنْ َأ ْ‬ ‫ب فِي عِ ْ‬ ‫ا ْلخَطّا ِ‬ ‫صلِ ))‪.‬‬ ‫س َورٍ ِمنَ الْ ُم َف ّ‬ ‫علَى} (العلى‪ )1 :‬فِي ُ‬ ‫سبّحِ اسْ َم َر ّبكَ ا َل ْ‬ ‫ت{ َ‬ ‫حتّى َقرَأْ ُ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم فَمَا َقدِمَ َ‬ ‫ن َقدِمَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫الِْمَا ُء َي ُقلْ َ‬

‫الدروس والعظات‪:‬‬

‫‪ -1‬كان المهاجرون ينتظرون الفرج بفارغ الصبر من هذا الذى الذي تصبه عليهم قريش‪ ،‬فما كاد أن ينتهي الرسول صلى ال عليه وسلم من قص رؤياه في الهجرة إلى المدينة حتى‬ ‫بادروا بالخروج إليها تاركين وراءهم أهلهم وأموالهم وبلدهم‪ ،‬فرارًا بدينهم إلى ال‪.‬‬

‫‪ -2‬ترتيب عملية الهجرة‪ ،‬بحيث يخرجون مثنى وثلث‪.‬‬

‫‪ -3‬العمل للدين واجب الجميع‪ ،‬والمبادرة إلى فعل الخير في أي مكان حل فيه المسلم فهو كالغيث حيثما وقع نفع‪ ،‬فطليعة المهاجرين فتحوا حلقات للتعليم فور وصولهم المدينة‪.‬‬

‫‪ -4‬التعليم للجميع فلم يقتصر تعليم المهاجرين على كبار النصار بل شمل الطفال أيضاً‪.‬‬

‫‪ -5‬حرص النصار على تعليم أطفالهم وتربيتهم على دين ال (( فما جاء حتى قرأت سبح ))‪.‬‬

‫‪ -6‬مشاركة الطفال في الفراح بقدوم رسول ال صلى ال عليه وسلم تربية لهم على حب ال ورسوله‪.‬‬

‫هجرة عمر وعياش_‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬حدثني نافع مولى عبد ال بن عمر عن عبد ال عن أبيه عمر بن الخطاب رضي ال عنهما قال‪ (( :‬اتعدت لما أردنا الهجرة أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن‬

‫سرِف‪ ،‬وقلنا‪ :‬أينا لم يصبح عندها فقد حبس‪ ،‬فليمض صاحباه‪ .‬قال‪ :‬فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب‬ ‫العاص بن وائل السهمي‪ ،‬التناضُب من أَضاة بني غفار‪ ،‬فوق َ‬ ‫وحبس عنا هشام‪ ،‬وفتن فافتتن‪ .‬فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء‪ ،‬وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة‪ ،‬وكان ابن عمهما‬ ‫وأخاهما لمهما‪ ،‬حتى قدما علينا المدينة‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة‪ ،‬فكلماه وقال‪ :‬إن أمك قد نذرت أن ل يمس رأسها مشط حتى تراك‪ ،‬ول تستظل من شمس حتى تراك‪،‬‬ ‫فرق لها‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا عياش‪ ،‬إنه وال إن يريدك القوم إل ليفتنوك عن دينك فاحذرهم‪ ،‬فوال لو قد آذى أمك القمل لمتشطت‪ ،‬ولو قد اشتد عليها حر مكة لستظلت‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أبر‬ ‫بقسم أمي ولي هنالك مال فآخذه‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬وال إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالً‪ ،‬فلك نصف مالي ول تذهب معهما‪.‬‬

‫قال‪ :‬فأبى علي إل أن يخرج معهما‪ ،‬فلما أبى إل ذلك قال‪ :‬قلت له‪ :‬أما إذ قد فعلت ما فعلت‪ ،‬فخذ ناقتي هذه‪ ،‬فإنها ناقة نجيبة ذلول‪ ،‬فالزم ظهرها‪ ،‬فإن رابك من القوم ريب‪ ،‬فانج عليها‪.‬‬ ‫فخرج عليها معهما‪ ،‬حتى إذا كانوا ببعض الطريق‪ ،‬قال له أبو جهل‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬وال لقد استغلظت بعيري هذا‪ ،‬أفل تعقبني على ناقتك هذه؟ قال‪ :‬بلى قال‪ :‬فأناخ وأناخا ليتحول‬ ‫عليها‪ ،‬فلما استووا بالرض عدوا عليه‪ ،‬فأوثقاه وربطاه‪ ،‬ثم دخل به مكة‪ ،‬وفتناه فافتتن‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة‪ :‬أنهما حين دخل به مكة دخل به نهارًا موثقاً‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أهل مكة‪ ،‬هكذا فافعلوا بسفهائكم‪ ،‬كما فعلنا بسفيهنا هذا‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني نافع‪ ،‬عن عبد ال بن عمر‪ ،‬عن عمر في حديثه‪ ،‬قال‪ :‬فكنا نقول‪ :‬ما ال بقابل ممن افتتن صرفاً ول عدلً ول توبة‪ ،‬قوم عرفوا ال ثم رجعوا إلى الكفر لبلء‬ ‫أصابهم!‬ ‫قال‪ :‬وكانوا يقولون ذلك لنفسهم‪.‬‬

‫ل يَ ْغ ِفرُ‬ ‫ن َرحْمَتِ الِ ِإنّ ا َ‬ ‫سهِمْ ل َت ْق َنطُوا ِم ْ‬ ‫علَى َأ ْنفُ ِ‬ ‫س َرفُوا َ‬ ‫عبَا ِديَ اّلذِينَ أَ ْ‬ ‫فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة‪ ،‬أنزل ال تعالى فيهم‪ ،‬وفي قولنا وقولهم لنفسهم‪ُ { :‬قلْ يَا ِ‬ ‫ب بَ ْغتَ ًة وََأ ْنتُمْ‬ ‫ن يَ ْأ ِتيَكُمُ ال َعذَا ُ‬ ‫ن َق ْبلِ َأ ْ‬ ‫ن َربّكُمْ ِم ْ‬ ‫سنَ مَا ُأ ْن ِزلَ ِإَليْكُمْ ِم ْ‬ ‫ب ثُمّ ل ُت ْنصَرُونَ‪ ،‬وَا ّتبِعُوا َأحْ َ‬ ‫ن َي ْأ ِتيَكُمُ ال َعذَا ُ‬ ‫ن َقبْلِ َأ ْ‬ ‫سلِمُوا لَهُ ِم ْ‬ ‫ب جَمِيعاً ِإنّهُ ُهوَ ال َغفُورُ ال ّرحِيمُ‪َ ،‬وَأنِيبُوا ِإلَى َربّكُمْ َوأَ ْ‬ ‫ال ّذنُو َ‬ ‫ل تَشْ ُعرُونَ} (الزمر‪.)55 - 53 :‬‬ ‫قال عمر بن الخطاب‪ :‬فكتبتها بيدي في صحيفة‪ ،‬وبعثت بها إلى هشام ابن العاصي‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فقال هشام بن العاصي‪ :‬فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوب ول أفهمها‪ ،‬حتى قلت‪ :‬اللهم فهّمنيها قال‪ :‬فألقى ال تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا‪ ،‬وفيما‬ ‫كنا نقول في أنفسنا‪ ،‬ويقال فينا‪ ،‬قال‪ :‬فرجعت إلى بعيري‪ ،‬فجلست عليه‪ ،‬فلحقت برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو بالمدينة ))‪.‬‬

‫وهذا يضعف الرواية التي تذكر هجرة عمر علنية‪ ،‬وأنه تنكب قوسه وجاء إلى المسجد فقال لقريش‪ :‬من أراد أن تثلكه أمه‪ ...‬الخ‪ ،‬فإن مدار هذه القصة على الزبير بن محمد بن خالد‬ ‫العثماني‪ :‬حدثنا عبدال بن القاسم الملي (كذا الصل ولعله اليلي) عن أبيه بإسناده إلى علي رضي ال عنه‪ ،‬وهؤلء الثلثة في عداد المجهولين‪ ،‬فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم‬ ‫يذكرهم مطلقاً‪ ،‬كذا قال اللباني في كتابه (( دفاع عن السنة والسيرة النبوية ))()‪.‬‬

‫الدروس والعظات‪:‬‬

‫‪ -1‬ترتيب عمر وأصحابه لهجرتهم واختيار الوقت المبكر لها‪ ،‬والتعاد في مكان بعيد عن النظار خارج مكة‪ ،‬دللة على ملحقة المشركين للمهاجرين ودقة متابعتهم لهم ومنعهم من‬ ‫السفر‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم تأثير العاطفة على التخطيط والتنظيم‪ ،‬فقد انطلق عمر وعياش لما تأخر عليهم هشام فلم يبقوا في انتظاره‪.‬‬

‫‪ -3‬قيام قريش بسجن وحجز كل من تعلم بهجرته كما فعلت مع هشام‪.‬‬

‫ن َو َت ْرجُونَ ِمنَ الِ مَال َي ْرجُونَ}‬ ‫ن فَ ِإ ّنهُمْ َي ْألَمُونَ كَمَا َتأْلَمُو َ‬ ‫‪ -4‬كل الخلق يكبدون ويتعبون‪ ،‬ولكن شتان بينهم‪ ،‬فهذا يتعب ويكبد لدعوة‪ ،‬وذاك لنـزوة كما قال تعالى‪ِ{ :‬إنْ تَكُونُوا َت ْألَمُو َ‬ ‫ن فِي َك َبدٍ} (البلد‪ ،)4 :‬وقال سبحانه‪{ :‬يَا َأ ّيهَا ا ِلنْسَانُ ِإ ّنكَ كَادِحٌ ِإلَى َر ّبكَ َكدْحاً فَمُلقِيهِ} (النشقاق‪ ،)6 :‬وفي حديث أبي مالك الحارث‬ ‫خلَ ْقنَا ا ِلنْسَا َ‬ ‫(النساء‪ ،)104 :‬وقال تعالى‪َ{ :‬ل َقدْ َ‬ ‫س يَ ْغدُو َفبَايِعٌ َنفْسَ ُه فَمُ ْع ِت ُقهَا َأوْ مُو ِب ُقهَا ))() فلقد تعب المسلمون المهاجرون وتكبدوا عناء الطريق في سبيل ال‬ ‫بن عاصم الشعري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ُ (( :‬ك ّل النّا ِ‬ ‫تعالى وابتغاء مرضاته‪ ،‬كذلك تعب أبو جهل وأخوه وتكبدا عناء الطريق إلى المدينة في سبيل الشيطان‪.‬‬

‫‪ -5‬وفي قصة أبي جهل مع عياش‪ ،‬بيان ما ينبغي عليه المسلم من الحذر الشديد من الساليب الكيدية التي يستخدمها العدو‪.‬‬

‫‪ -6‬الحذر من أساليب الستعطاف التي قد يلجأ إليها العدو في الكيد للمؤمنين (( إن أمك قد نذرت أن ل يمس رأسها مشط‪.)) ...‬‬ ‫‪ -7‬فطنة عمر حيث أدرك مباشرة كيد أبي جهل لعياش‪.‬‬

‫‪ -8‬نصح عمر لعياش وتوجيهه ولفت نظره عن الوقوع في شراك المخادعة‪.‬‬

‫‪ -9‬إنه مهما خالفك أخوك المسلم في رأيك ولم يأخذ بتوجيهك ونصحك فل يعني ذلك التخلية بينه وبين عدوه وتركه وحده يلقي مصيره‪ ،‬فعمر رضي ال عنه لم يتخ ّل عن عياش على‬ ‫الرغم من تركه لنصيحته بل بذل له نصف ماله لقناعه‪ ،‬فلما لم يرض بالمرة الثانية‪ ،‬لم يغضب عليه ويقل‪ :‬اذهب وستجد مصيرك‪ ،‬بل إنه أعطاه راحلته للنجاة عليها‪ ،‬وفي هذا‬ ‫استرخاص الموال في سبيل نصرة أهل السلم‪.‬‬

‫خفِي‬ ‫ع ِنتّمْ َق ْد َبدَتِ البَ ْغضَاءُ ِمنْ َأ ْفوَا ِههِ ْم وَمَا ُت ْ‬ ‫خبَا ًل َودّوا مَا َ‬ ‫ن دُونِكُمْ ل يَ ْألُونَكُمْ َ‬ ‫خذُوا ِبطَانَةً ِم ْ‬ ‫‪ -10‬عدم الثقة بالكافر مهما كانت قرابته‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ل َتتّ ِ‬ ‫صدُورُهُمْ أَ ْك َبرُ} (آل عمران‪ ،)118 :‬وقال تعالى‪ُ { :‬ي ْرضُونَكُ ْم ِبأَ ْفوَا ِههِ ْم َو َت ْأبَى قُلُو ُبهُمْ} (التوبة‪ ،)8 :‬فالكفار ل يرقبون في مؤمن إلّ ول ذمةً‪ ،‬فهذا أخوهم وقد أمّناه ومع ذلك يوثقانه‬ ‫ُ‬ ‫ويسخران منه أمام الناس‪.‬‬

‫‪ -11‬استغلل الطاغية الكافر إذلل قريبه لتحريض الناس على جميع المؤمنين‪.‬‬

‫‪ -12‬اهتمام عمر بأمر إخوانه الذين افتتنوا وفرحه الشديد بتوبة ال عليهم‪ ،‬ومكاتبتهم بذلك‪.‬‬

‫‪ -13‬عظمة اليمان في قلوب الصحابة‪ ،‬وكبر الذنوب في أعينهم‪ ،‬جعلهم يظنون أن من أجاب الكفار مكرهاً فإن ال ل يقبل منهم صرفاً ول عدلً‬

‫مؤتمر دار الندوة_‬ ‫خ ْيرُ‬ ‫ل وَالُ َ‬ ‫ك َويَمْ ُكرُونَ َو َيمْ ُكرُ ا ُ‬ ‫خرِجُو َ‬ ‫ن لجتماع قريش للتشاور في شأن رسول ال صلى ال عليه وسلم شاهدًا من كتاب ال‪{ :‬وَِإذْ يَمْ ُك ُر ِبكَ اّلذِينَ َك َفرُوا ِل ُي ْثبِتُوكَ َأ ْو َي ْقتُلُوكَ َأ ْو ُي ْ‬ ‫إّ‬ ‫المَاكِرِينَ} (النفال‪ ،)30 :‬ومما يقوي اجتماعات قريش في دار الندوة استفاضتها‪ ،‬وورودها من عدة طرق‪ ،‬يشد بعضها بعضاً()‪.‬‬ ‫قال ابن إسحاق‪ (( :‬ولما رأت قريش أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم‪ ،‬ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم‪ ،‬عرفوا أنهم‬ ‫قد نزلوا داراً‪ ،‬وأصابوا منهم منعة‪ ،‬فحذروا خروج رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهم‪ ،‬وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم‪ ،‬فاجتمعوا له في دار الندوة ‪ -‬وهي دار قصي بن كلب التي‬ ‫كانت قريش ل تقضي أمراً إل فيها ‪ -‬يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم حين خافوه ))‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬فحدثني من ل أتهم من أصحابنا‪ ،‬عن عبد ال بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج‪ ،‬وغيره ممن ل أتهم‪ ،‬عن عبد ال بن عباس رضي ال عنهما قال‪ (( :‬لما‬ ‫أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬غدوا في اليوم الذي اتعدوا له‪ ،‬وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة‪ ،‬فاعترضهم‬ ‫إبليس في هيئة شيخ جليل‪ ،‬عليه بتلة‪ ،‬فوقف على باب الدار‪ ،‬فلما رأوه واقف ًا على بابها قالوا‪ :‬من الشيخ؟ قال‪ :‬شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له‪ ،‬فحضر معكم ليسمع ما‬ ‫تقولون‪ ،‬وعسى أن ل يُعدمكم منه رأياً ونصحاً‪ ،‬قالوا‪ :‬أجل‪ ،‬فادخل‪ ،‬فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش‪ ،‬من بني عبد شمس‪ :‬عتبة بن ربيعة‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬وأبو سفيان‬ ‫بن حرب‪ ،‬ومن بني نوفل بن عبد مناف‪ :‬طعيمة بن عدي‪ ،‬وجبير بن مطعم‪ ،‬والحارث بن عامر بن نوفل‪ ،‬ومن بني عبد الدار بن قصي‪ :‬النضر بن الحارث بن كلدة‪ ،‬ومن بني أسد بن‬ ‫عبد العزى‪ :‬أبو البختري بن هشام‪ ،‬وزَمعة بن السود بن المطلب‪ ،‬وحكيم بن حزام‪ ،‬ومن بني مخزوم‪ :‬أبو جهل بن هشام‪ ،‬ومن بني سهم‪ :‬نبيه ومنبه ابنا الحجاج‪ ،‬ومن بني جمح‪:‬‬ ‫أمية بن خلف‪ ،‬ومن كان معهم وغيرهم ممن ل يعد من قريش ))‪.‬‬

‫وبعد تداول الراء وتقليب وجهات النظر اتفقوا على قتل رسول ال صلى ال عليه وسلّم باختيار شاب من كل قبيلة ينفذون الخطة حتى يضيع دمه بين القبائل‪.‬‬

‫الهجرة النبوية_‬ ‫الهجرة النبوية‪:‬‬ ‫أخرجها البخاري بطولها عن عائشة‪ ،‬وعن البراء بن عازب‪ ،‬وعن سراقة ابن مالك‪ ،‬وأنس بن مالك()‪.‬‬ ‫حديث عائشة رضي ال عنها‪:‬‬ ‫لّ صلى ال عليه‬ ‫عَل ْينَا َيوْمٌ ِإ ّل يَ ْأتِينَا فِي ِه رَسُولُ ا ِ‬ ‫ن َولَمْ َي ُمرّ َ‬ ‫ي قَطّ ِإ ّل وَهُمَا َيدِينَانِ الدّي َ‬ ‫ع ِقلْ َأ َب َو ّ‬ ‫ج ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم قَالَتْ‪ (( :‬لَمْ َأ ْ‬ ‫ع ْنهَا َزوْ ِ‬ ‫لّ َ‬ ‫ش َة َرضِي ا ُ‬ ‫روى البخاري عن عَائِ َ‬ ‫ن ُترِي ُد يَا َأبَا بَ ْك ٍر فَقَالَ‬ ‫س ّيدُ ا ْلقَارَ ِة َفقَالَ َأ ْي َ‬ ‫غنَ ِة وَ ُهوَ َ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫حتّى ِإذَا َبلَ َغ َب ْركَ الْ ِغمَادِ() َل ِقيَهُ ا ْب ُ‬ ‫ش ِة َ‬ ‫حوَ َأ ْرضِ ا ْلحَبَ َ‬ ‫خرَجَ َأبُو بَ ْكرٍ ُمهَاجِرًا َن ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سلِمُو َ‬ ‫شيّ ًة فَلَمّا ا ْب ُتلِيَ الْمُ ْ‬ ‫ي ال ّنهَارِ بُ ْك َرةً َوعَ ِ‬ ‫طرَفَ ِ‬ ‫وسلم َ‬ ‫ضيْفَ‬ ‫ص ُل الرّحِ َم َو َتحْ ِملُ الْ َك ّل َوتَ ْقرِي ال ّ‬ ‫ك تَكْسِبُ الْمَ ْعدُو َم َو َت ِ‬ ‫خرَجُ ِإ ّن َ‬ ‫ج وَ َل ُي ْ‬ ‫ك يَا َأبَا بَ ْكرٍ َل َيخْرُ ُ‬ ‫غنَ ِة فَ ِإنّ ِم ْثَل َ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫ع ُب َد َربّي قَالَ ا ْب ُ‬ ‫ح فِي ا َلْ ْرضِ وََأ ْ‬ ‫جنِي َقوْمِي َفأُرِيدُ َأنْ أَسِي َ‬ ‫خرَ َ‬ ‫َأبُو بَ ْكرٍ َأ ْ‬ ‫خرَجُ‬ ‫ش فَقَالَ َلهُمْ ِإنّ َأبَا بَ ْكرٍ َل َيخْرُجُ ِم ْثلُ ُه وَ َل ُي ْ‬ ‫ف قُ َريْ ٍ‬ ‫شرَا ِ‬ ‫شيّ ًة فِي أَ ْ‬ ‫غنَ ِة عَ ِ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫غنَ ِة فَطَافَ ا ْب ُ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫حلَ مَ َعهُ ا ْب ُ‬ ‫ع ُب ْد َر ّبكَ ِب َبَل ِدكَ َف َرجَعَ وَا ْر َت َ‬ ‫حقّ َفَأنَا َلكَ جَارٌ ا ْرجِ ْع وَا ْ‬ ‫علَى َنوَائِبِ ا ْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫َوتُعِي ُ‬ ‫غنَةِ ُمرْ َأبَا بَ ْك ٍر فَ ْليَ ْع ُبدْ َربّ ُه فِي دَا ِرهِ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫غنَ ِة َوقَالُوا ِل ْب ِ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫جوَارِ ا ْب ِ‬ ‫ش ِب ِ‬ ‫ق فَلَ ْم تُ َكذّبْ ُق َريْ ٌ‬ ‫حّ‬ ‫علَى َنوَائِبِ ا ْل َ‬ ‫ف َويُعِينُ َ‬ ‫ضيْ َ‬ ‫صلُ ال ّرحِ َم َو َيحْ ِملُ الْ َك ّل َو َي ْقرِي ال ّ‬ ‫ل يَكْسِبُ الْمَ ْعدُو َم َو َي ِ‬ ‫جً‬ ‫َأ ُتخْ ِرجُونَ َر ُ‬ ‫لتِهِ‬ ‫صَ‬ ‫ن ِب َ‬ ‫ستَعْ ِل ُ‬ ‫غنَةِ َلِبِي بَ ْك ٍر فَ َلبِثَ َأبُو بَ ْكرٍ ِب َذِلكَ يَ ْع ُب ُد َربّ ُه فِي دَا ِرهِ َو َل يَ ْ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫ن نِسَا َءنَا وََأ ْبنَا َءنَا فَقَالَ َذِلكَ ا ْب ُ‬ ‫ن َيفْ ِت َ‬ ‫ستَ ْعِلنْ ِب ِه فَ ِإنّا َنخْشَى َأ ْ‬ ‫ك وَ َل يَ ْ‬ ‫ص ّل فِيهَا َو ْليَ ْقرَأْ مَا شَا َء وَ َل ُي ْؤذِينَا ِبذَ ِل َ‬ ‫َف ْليُ َ‬ ‫جبُونَ ِمنْ ُه َو َي ْنظُرُونَ ِإَليْ ِه وَكَانَ َأبُو بَ ْكرٍ‬ ‫شرِكِينَ َوَأ ْبنَاؤُهُ ْم وَهُ ْم يَ ْع َ‬ ‫عَليْ ِه نِسَاءُ ا ْلمُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫صلّي فِي ِه َو َي ْقرَأُ ا ْل ُقرْآنَ َف َينْ َقذِ ُ‬ ‫جدًا ِب ِفنَا ِء دَا ِر ِه وَكَانَ ُي َ‬ ‫سِ‬ ‫غ ْيرِ دَا ِر ِه ثُ ّم َبدَا َلِبِي بَ ْك ٍر فَا ْب َتنَى مَ ْ‬ ‫وَ َل َي ْقرَُأ فِي َ‬ ‫علَى َأنْ يَ ْع ُب َد َربّ ُه فِي دَا ِرهِ َف َقدْ‬ ‫جوَا ِركَ َ‬ ‫عَل ْيهِ ْم فَقَالُوا ِإنّا ُكنّا َأجَ ْرنَا َأبَا بَ ْك ٍر ِب ِ‬ ‫ن ال ّدغِنَ ِة َف َقدِمَ َ‬ ‫سلُوا ِإلَى ا ْب ِ‬ ‫شرِكِينَ َفأَرْ َ‬ ‫ف ُق َريْشٍ ِمنَ الْ ُم ْ‬ ‫شرَا َ‬ ‫ن وََأ ْف َزعَ َذِلكَ أَ ْ‬ ‫ع ْي َنيْهِ ِإذَا َقرَأَ ا ْلقُرْآ َ‬ ‫ك َ‬ ‫جلً بَكّاءً َل يَ ْمِل ُ‬ ‫َر ُ‬ ‫ن يُعْ ِلنَ‬ ‫علَى َأنْ يَ ْع ُب َد َربّ ُه فِي دَا ِرهِ فَ َع َل وَِإنْ َأبَى إِلّ َأ ْ‬ ‫صرَ َ‬ ‫ن َي ْق َت ِ‬ ‫ن نِسَا َءنَا وََأ ْبنَا َءنَا فَا ْنهَ ُه َفإِنْ َأحَبّ َأ ْ‬ ‫ن َي ْف ِت َ‬ ‫صلَ ِة وَا ْل ِقرَا َءةِ فِي ِه وَِإنّا َقدْ خَشِينَا َأ ْ‬ ‫عَلنَ بِال ّ‬ ‫جدًا ِب ِفنَاءِ دَا ِر ِه َفأَ ْ‬ ‫سِ‬ ‫ك فَا ْب َتنَى مَ ْ‬ ‫جَا َو َز ذَ ِل َ‬ ‫لنَ‬ ‫ستِ ْع َ‬ ‫سنَا ُم ِقرّينَ َلِبِي بَ ْكرٍ الِ ْ‬ ‫ك َولَ ْ‬ ‫خفِ َر َ‬ ‫ن ُن ْ‬ ‫ك فَ ِإنّا َقدْ َكرِ ْهنَا َأ ْ‬ ‫ك ذِ ّم َت َ‬ ‫ن َي ُردّ ِإَل ْي َ‬ ‫سلْهُ َأ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ِبذَ ِل َ‬

‫جلٍ‬ ‫ت فِي رَ ُ‬ ‫ن تَسْمَعَ الْ َعرَبُ َأنّي ُأخْ ِفرْ ُ‬ ‫ن َت ْرجِعَ ِإلَيّ ِذ ّمتِي فَ ِإنّي لَ ُأحِبّ َأ ْ‬ ‫علَى َذِلكَ َوإِمّا َأ ْ‬ ‫صرَ َ‬ ‫ن َت ْق َت ِ‬ ‫عَليْ ِه فَإِمّا َأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫علِمْتَ اّلذِي عَا َقدْتُ َل َ‬ ‫غنَةِ ِإلَى َأبِي بَ ْكرٍ َفقَالَ َقدْ َ‬ ‫ن ال ّد ِ‬ ‫قَالَتْ عَائِشَ ُة َفَأتَى ا ْب ُ‬ ‫ج َرتِكُمْ‬ ‫ت دَارَ ِه ْ‬ ‫سلِمِينَ ِإنّي ُأرِي ُ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم َي ْو َم ِئذٍ ِبمَكّ َة َفقَا َل ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم ِللْمُ ْ‬ ‫جلّ وَال ّنبِ ّ‬ ‫ع ّز َو َ‬ ‫لّ َ‬ ‫جوَا َركَ وََأ ْرضَى ِبجِوَارِ ا ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ت لَ ُه فَقَالَ َأبُو بَ ْك ٍر فَ ِإنّي َأ ُردّ ِإَل ْي َ‬ ‫ع َقدْ ُ‬ ‫َ‬ ‫لّ صلى ال عليه‬ ‫حبَشَةِ ِإلَى ا ْل َمدِينَ ِة َو َتجَ ّهزَ َأبُو بَ ْكرٍ ِق َبلَ الْ َمدِينَ ِة َفقَا َل لَ ُه رَسُولُ ا ِ‬ ‫جرَ ِق َبلَ الْ َمدِينَ ِة َو َرجَعَ عَامّةُ َمنْ كَانَ هَاجَ َر ِبأَ ْرضِ ا ْل َ‬ ‫حرّتَانِ َفهَاجَرَ َمنْ هَا َ‬ ‫ن وَهُمَا ا ْل َ‬ ‫خلٍ َب ْينَ َل َب َت ْي ِ‬ ‫ت َن ْ‬ ‫ذَا َ‬ ‫ع ْن َدهُ‬ ‫علَفَ رَاحِ َل َت ْينِ كَا َنتَا ِ‬ ‫حبَ ُه َو َ‬ ‫صَ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم لِ َي ْ‬ ‫علَى رَسُولِ ا ِ‬ ‫حبَسَ َأبُو بَ ْكرٍ َنفْسَ ُه َ‬ ‫ت قَا َل نَعَمْ َف َ‬ ‫ك ِبَأبِي َأنْ َ‬ ‫ن ُي ْؤ َذنَ لِي َفقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ وَ َه ْل َت ْرجُو ذَ ِل َ‬ ‫ك فَ ِإنّي َأ ْرجُو َأ ْ‬ ‫سِل َ‬ ‫علَى رِ ْ‬ ‫وسلم َ‬ ‫لّ صلى ال عليه‬ ‫ظهِي َرةِ قَالَ قَا ِئلٌ َلِبِي بَ ْكرٍ َهذَا رَسُولُ ا ِ‬ ‫ح ِر ال ّ‬ ‫س فِي َبيْتِ َأبِي بَ ْك ٍر فِي َن ْ‬ ‫جلُو ٌ‬ ‫ن َيوْمًا ُ‬ ‫ع ْر َو ُة قَالَتْ عَائِشَ ُة َف َب ْينَمَا َنحْ ُ‬ ‫شهَابٍ قَالَ ُ‬ ‫ش ُه ٍر قَالَ ا ْبنُ ِ‬ ‫خبَطُ َأ ْربَعَةَ أَ ْ‬ ‫َو َرقَ السّ ُم ِر وَ ُهوَ ا ْل َ‬ ‫وسلم ُم َت َقنّعًا فِي سَاعَ ٍة لَ ْم يَ ُكنْ َي ْأتِينَا فِيهَا فَقَالَ َأبُو بَ ْك ٍر ِفدَا ٌء لَهُ َأبِي وَُأمّي وَالِّ مَا جَا َء بِ ِه فِي َه ِذهِ السّاعَةِ إِلّ َأ ْمرٌ‬

‫لّ قَا َل فَ ِإنّي‬ ‫ت يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫ك ِبَأبِي َأنْ َ‬ ‫ع ْن َدكَ َفقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ ِإنّمَا هُمْ أَ ْهُل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خرِجْ َم ْ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم َلِبِي بَ ْكرٍ َأ ْ‬ ‫خ َل فَقَالَ ال ّنبِ ّ‬ ‫ن لَ ُه فَ َد َ‬ ‫ن فَُأ ِذ َ‬ ‫س َتأْ َذ َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم فَا ْ‬ ‫قَالَتْ َفجَاءَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫حدَى رَاحِ َلتَيّ هَا َت ْينِ قَالَ رَسُولُ‬ ‫ت يَا رَسُولَ الِّ ِإ ْ‬ ‫خذْ ِبَأبِي َأنْ َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم نَعَ ْم قَالَ َأبُو بَ ْكرٍ َف ُ‬ ‫لّ قَا َل رَسُولُ ا ِ‬ ‫ت يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫صحَابَ ُة ِبأَبِي َأنْ َ‬ ‫ج َفقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ ال ّ‬ ‫ن لِي فِي ا ْلخُرُو ِ‬ ‫قَدْ ُأ ِذ َ‬ ‫ب َف ِب َذلِكَ‬ ‫علَى فَ ِم ا ْلجِرَا ِ‬ ‫ت بِ ِه َ‬ ‫ن ِنطَا ِقهَا َفرَ َبطَ ْ‬ ‫جرَابٍ َف َقطَعَتْ أَسْمَا ُء ِبنْتُ َأبِي بَ ْك ٍر قِطْعَةً ِم ْ‬ ‫س ْفرَ ًة فِي ِ‬ ‫صنَ ْعنَا َلهُمَا ُ‬ ‫جهَازِ َو َ‬ ‫ج ّه ْزنَا ُهمَا َأحَثّ ا ْل ِ‬ ‫ت عَائِشَ ُة فَ َ‬ ‫ن قَالَ ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم بِالثّ َم ِ‬ ‫ا ِ‬ ‫ن َفيُ ْدلِجُ ِمنْ‬ ‫ف لَ ِق ٌ‬ ‫ب َثقِ ٌ‬ ‫غلَمٌ شَا ّ‬ ‫لّ ْبنُ َأبِي بَ ْكرٍ وَ ُه َو ُ‬ ‫ع ْبدُا ِ‬ ‫ع ْندَهُمَا َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ث َليَا ٍل َيبِي ُ‬ ‫ج َبلِ َث ْو ٍر فَكَ َمنَا فِي ِه َثلَ َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم وََأبُو بَ ْكرٍ بِغَارٍ فِي َ‬ ‫حقَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫ن قَالَتْ ثُ ّم َل ِ‬ ‫ت ال ّنطَا َق ْي ِ‬ ‫ت ذَا َ‬ ‫سُ ّميَ ْ‬

‫غنَمٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن فُ َه ْي َرةَ َم ْولَى َأبِي بَ ْكرٍ ِم ْنحَةً ِم ْ‬ ‫عَليْهِمَا عَا ِم ُر ْب ُ‬ ‫ظلَ ُم َو َي ْرعَى َ‬ ‫ن َيخْ َتِلطُ ال ّ‬ ‫خبَ ِر َذِلكَ حِي َ‬ ‫حتّى َي ْأتِ َيهُمَا ِب َ‬ ‫ن بِهِ ِإ ّل َوعَا ُه َ‬ ‫ل يَسْمَعُ أَ ْمرًا يُ ْكتَادَا ِ‬ ‫صبِحُ مَ َع ُق َريْشٍ ِبمَكّةَ َكبَائِتٍ َف َ‬ ‫حرٍ َف ُي ْ‬ ‫سَ‬ ‫ع ْندِهِمَا بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك اللّيَالِي ال ّثلَثِ‬ ‫ن ِت ْل َ‬ ‫ك فِي ُك ّل َل ْيلَةٍ ِم ْ‬ ‫ن ُف َهيْ َر َة بِ َغلَسٍ َيفْ َعلُ َذِل َ‬ ‫حتّى َينْ ِعقَ ِبهَا عَا ِم ُر ْب ُ‬ ‫ح ِتهِمَا َو َرضِي ِفهِمَا َ‬ ‫س ٍل وَ ُهوَ َل َبنُ ِم ْن َ‬ ‫ن فِي رِ ْ‬ ‫ن َتذْهَبُ سَاعَةٌ ِمنَ الْعِشَا ِء فَ َيبِيتَا ِ‬ ‫عَل ْيهِمَا حِي َ‬ ‫حهَا َ‬ ‫َفيُرِي ُ‬ ‫سهْ ِميّ‬ ‫ن وَا ِئلٍ ال ّ‬ ‫س حِ ْلفًا فِي آلِ الْعَاصِ ْب ِ‬ ‫غمَ َ‬ ‫خرّيتًا وَا ْلخِرّيتُ الْمَا ِه ُر بِا ْل ِهدَايَ ِة َقدْ َ‬ ‫ع ِديّ هَا ِديَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْبدِ ْب ِ‬ ‫ن َبنِي َ‬ ‫ن َبنِي الدّيلِ وَ ُهوَ ِم ْ‬ ‫جلً ِم ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم وََأبُو بَ ْكرٍ َر ُ‬ ‫جرَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫س َتأْ َ‬ ‫وَا ْ‬ ‫ح ِل ))‪.‬‬ ‫سوَا ِ‬ ‫طرِيقَ ال ّ‬ ‫خذَ ِبهِ ْم َ‬ ‫ن ُف َه ْيرَ َة وَال ّدلِي ُل فََأ َ‬ ‫طَلقَ مَ َعهُمَا عَا ِمرُ ْب ُ‬ ‫ث وَا ْن َ‬ ‫ح َثلَ ٍ‬ ‫صبْ َ‬ ‫ث َليَا ٍل ِبرَاحِ َل َت ْيهِمَا ُ‬ ‫عدَا ُه غَا َر َث ْورٍ بَ ْع َد َثلَ ِ‬ ‫علَى دِينِ ُكفّارِ ُق َريْشٍ َفأَ ِمنَاهُ َفدَفَعَا ِإَليْ ِه رَاحِ َل َت ْيهِمَا َووَا َ‬ ‫وَ ُه َو َ‬

‫وقال البخاري في (( صحيحه ))‪ (( :‬باب استئجار المشركين عند الضرورة‪ ،‬أو إذا لم يوجد أهل السلم ))‪ ،‬ثم ذكر حديث عائشة في استئجار النبي وأبي بكر رجلً من بني الديل هادياً‬ ‫خريتاً()‪.‬‬ ‫وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند ابن حبان‪ (( :‬استأذن أبو بكر النبي صلى ال عليه وسلم في الخروج من مكة ))‪.‬‬

‫وعند موسى بن عقبة‪ (( :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يخطئه يوم إل أتى منـزل أبي بكر أول النهار وآخره ))‪.‬‬

‫وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني‪ (( :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية‪ ،‬فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبت هذا‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ))‪.‬‬

‫وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب‪ (( :‬قالت عائشة‪ :‬وليس عند أبي بكر إل أنا وأسماء ))‪ ،‬وفيها‪ (( :‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول ال ما جاء بك إل أمر حدث ))‪ ،‬وفيها‪ (( :‬قال‪:‬‬ ‫أخرج من عندك قال‪ :‬ل عين عليك‪ ،‬إنما هما ابنتاي ))‪ .‬وكذلك في رواية هشام بن عروة‪.‬‬

‫وفي رواية هشام‪ (( :‬فقال‪ :‬الصحبة يا رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬الصحبة ))‪.‬‬

‫زاد ابن اسحاق في روايته‪ (( :‬قالت عائشة‪ :‬فرأيت أبا بكر يبكي‪ ،‬وما كنت أحسب أن أحداً يبكي من الفرح ))‪ ،‬وفيها‪ (( :‬قال‪ :‬ل أركب بعيرًا ليس هو لي‪ ،‬قال‪ :‬فهو لك‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن‬ ‫بالثمن الذي ابتعتها به‪ ،‬قال‪ :‬أخذته بكذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬أخذتها بذلك‪ ،‬قال‪ :‬هي لك ))‪.‬‬

‫وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني‪ (( :‬فقال‪ :‬بثمنها يا أبا بكر‪ ،‬فقال‪ :‬بثمنها إن شئت ))‪.‬‬

‫وأفاد الواقدي‪ (( :‬أن الثمن ثمانمائة‪ ،‬وأن التي أخذها رسول ال صلى ال عليه وسلم من أبي بكر هي القصواء‪ ،‬وأنها كانت من نعم بني قشير‪ ،‬وأنها عاشت بعد النبي صلى ال عليه‬ ‫وسلم قليلً وماتت في خلفة أبي بكر‪ ،‬وكانت مرسلة ترعى بالبقيع‪ ،‬وأفاد أنه كان بالسفرة شاة مطبوخة ))‪.‬‬

‫أخرج البخاري عن أبي بكر رضي ال عنه قال‪ (( :‬كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في الغار‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا نبي ال لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا‪،‬‬ ‫قال‪ :‬اسكت يا أبا بكر‪ ،‬اثنان ال ثالثهما ))‪.‬‬

‫أخرج البخاري عن أنس عن أبي بكر رضي ال عنه قال‪ (( :‬قلت للنبي صلى ال عليه وسلم وأنا في الغار‪ :‬لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لبصرنا‪ ،‬فقال‪ :‬ما ظنك يا أبا بكر باثنين ال‬ ‫ثالثهما ))‪.‬‬

‫ح ّد َثنَا َكيْفَ‬ ‫حتّى ُت َ‬ ‫ي َرحْلِي َفقَا َل عَازِبٌ َل َ‬ ‫ش َر ِدرْهَمًا َفقَالَ َأبُو بَ ْكرٍ لِعَازِبٍ ُمرِ ا ْل َبرَا َء فَ ْل َيحْ ِملْ ِإلَ ّ‬ ‫لثَ َة عَ َ‬ ‫ل ِب َث َ‬ ‫حً‬ ‫ن عَازِبٍ َر ْ‬ ‫ع ْنهُ ِم ْ‬ ‫لّ َ‬ ‫ش َترَى َأبُو بَ ْك ٍر َرضِي ا ُ‬ ‫عنِ ا ْل َبرَا ِء قَالَ‪ (( :‬ا ْ‬ ‫أخرج البخاري َ‬ ‫ظهِيرَ ِة َفرَ َميْتُ‬ ‫ظ َه ْرنَا َوقَامَ قَائِمُ ال ّ‬ ‫حتّى َأ ْ‬ ‫س َر ْينَا َل ْيَلتَنَا َو َي ْو َمنَا َ‬ ‫ح َي ْينَا َأوْ َ‬ ‫حلْنَا ِمنْ مَكّ َة َفأَ ْ‬ ‫طُلبُونَكُ ْم قَالَ ا ْر َت َ‬ ‫شرِكُونَ َي ْ‬ ‫جتُمَا ِمنْ مَكّ َة وَا ْلمُ ْ‬ ‫خرَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم حِي َ‬ ‫ت َورَسُولُ ا ِ‬ ‫صنَعْتَ َأنْ َ‬ ‫َ‬ ‫طجَ َع ال ّنبِيّ صلى ال‬ ‫لّ فَاضْ َ‬ ‫ضطَجِ ْع يَا َنبِيّ ا ِ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم فِي ِه ثُ ّم ُقلْتُ لَهُ ا ْ‬ ‫ت لِل ّنبِ ّ‬ ‫س ّو ْيتُ ُه ثُمّ َفرَشْ ُ‬ ‫ظ ّل َلهَا فَ َ‬ ‫ظرْتُ َب ِقيّ َة ِ‬ ‫خ َرةٌ َأ َت ْي ُتهَا فَ َن َ‬ ‫صْ‬ ‫ظلّ فَآوِيَ ِإَليْ ِه َفإِذَا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِب َبصَرِي َهلْ َأرَى ِم ْ‬ ‫ن قُ َريْشٍ‬ ‫جلٍ ِم ْ‬ ‫غلَ ُم قَالَ ِل َر ُ‬ ‫ت يَا ُ‬ ‫ت لَ ُه لِ َمنْ َأنْ َ‬ ‫خ َرةِ ُيرِيدُ ِم ْنهَا اّلذِي َأ َر ْدنَا فَسََأ ْلتُ ُه فَ ُقلْ ُ‬ ‫صْ‬ ‫غنَ َمهُ ِإلَى ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫غنَمٍ يَسُو ُ‬ ‫حدًا فَ ِإذَا َأنَا ِبرَاعِي َ‬ ‫طلَبِ َأ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫حوْلِي َهلْ َأرَى ِم َ‬ ‫ظرُ مَا َ‬ ‫طَلقْتُ َأ ْن ُ‬ ‫عليه وسلم ثُمّ ا ْن َ‬ ‫ن َينْ ُفضَ َك ّفيْ ِه فَقَالَ‬ ‫عهَا ِمنَ الْ ُغبَا ِر ثُمّ أَ َم ْرتُهُ َأ ْ‬ ‫ض ْر َ‬ ‫ن َي ْن ُفضَ َ‬ ‫غ َنمِ ِه ثُمّ َأ َم ْرتُهُ َأ ْ‬ ‫عتَ َقلَ شَاةً ِمنْ َ‬ ‫ب َلنَا قَا َل نَعَ ْم فَأَ َم ْرتُ ُه فَا ْ‬ ‫ت حَالِ ٌ‬ ‫ن َل َبنٍ قَالَ نَعَ ْم ُقلْتُ َف َهلْ َأنْ َ‬ ‫غ َن ِمكَ ِم ْ‬ ‫سَمّا ُه فَعَ َر ْفتُ ُه فَ ُقلْتُ َه ْل فِي َ‬ ‫س َفلُ ُه فَا ْنطََلقْتُ ِبهِ ِإلَى ال ّنبِيّ‬ ‫حتّى َب َردَ أَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫علَى الّلبَ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ص َببْ ُ‬ ‫خ ْرقَ ٌة فَ َ‬ ‫علَى فَ ِمهَا ِ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ِإدَا َو ًة َ‬ ‫ت لِرَسُولِ ا ِ‬ ‫ن َل َبنٍ َو َقدْ جَ َعلْ ُ‬ ‫حلَبَ لِي ُك ْثبَةً ِم ْ‬ ‫حدَى َك ّفيْ ِه بِا ُلْخْرَى فَ َ‬ ‫ضرَبَ ِإ ْ‬ ‫هَ َكذَا َ‬ ‫غ ْيرُ‬ ‫حدٌ ِم ْنهُ ْم َ‬ ‫طُلبُو َننَا َفلَمْ ُي ْدرِ ْكنَا َأ َ‬ ‫ح ْلنَا وَا ْل َقوْمُ َي ْ‬ ‫لّ قَالَ َبلَى فَا ْرتَ َ‬ ‫ن ال ّرحِيلُ يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫ت َقدْ آ َ‬ ‫ت ثُ ّم قُلْ ُ‬ ‫حتّى َرضِي ُ‬ ‫شرِبَ َ‬ ‫لّ فَ َ‬ ‫ب يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫شرَ ْ‬ ‫ظ فَ ُقلْتُ ا ْ‬ ‫س َتيْ َق َ‬ ‫صلى ال عليه وسلم َفوَا َف ْقتُ ُه َقدِ ا ْ‬ ‫ح َزنْ ِإنّ الَّ مَ َعنَا ))‪.‬‬ ‫لّ َفقَا َل (( ل َت ْ‬ ‫ب قَ ْد َلحِ َقنَا يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫طلَ ُ‬ ‫علَى َفرَسٍ لَ ُه َف ُقلْتُ َهذَا ال ّ‬ ‫ن جُعْشُ ٍم َ‬ ‫سرَاقَ َة ْبنِ مَا ِلكِ ْب ِ‬ ‫ُ‬

‫لّ صلى ال عليه وسلم فَا ْرتَطَمَتْ‬ ‫عَليْ ِه رَسُولُ ا ِ‬ ‫ح َزنْ ِإنّ الَّ مَ َعنَا فَ َدعَا َ‬ ‫ت يَا رَسُولَ الِّ ُأتِينَا َفقَالَ َل َت ْ‬ ‫ض َفقُلْ ُ‬ ‫جَلدٍ ِمنَ ا َلْ ْر ِ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫حُ‬ ‫سرَاقَ ُة ْبنُ مَا ِلكٍ قَالَ َو َن ْ‬ ‫ورواه مسلم وزاد‪ (( :‬وَا ّتبَ َعنَا ُ‬ ‫حدًا إِ ّل‬ ‫ل َيلْقَى َأ َ‬ ‫حدًا ِإ ّل قَا َل قَدْ َك َف ْيتُكُمْ مَا هَا ُهنَا َف َ‬ ‫لّ َف َنجَا َفرَجَعَ َل َي ْلقَى َأ َ‬ ‫ب فَ َدعَا ا َ‬ ‫طلَ َ‬ ‫عنْكُمَا ال ّ‬ ‫لّ لَكُمَا َأنْ َأ ُر ّد َ‬ ‫عوَا لِي فَا ُ‬ ‫ي فَادْ ُ‬ ‫علَ ّ‬ ‫ع ْوتُمَا َ‬ ‫علِمْتُ َأنّكُمَا قَ ْد َد َ‬ ‫َفرَسُهُ ِإلَى َبطْ ِنهَا ُأرَى َفقَالَ ِإنّي َقدْ َ‬ ‫ش َترَى َأبُو‬ ‫عنِ ا ْل َبرَا ِء قَالَ ا ْ‬ ‫حقَ َ‬ ‫سَ‬ ‫عنْ َأبِي إِ ْ‬ ‫سرَائِيلَ َ‬ ‫عنْ ِإ ْ‬ ‫خ َب َرنَا ال ّنضْ ُر ْبنُ شُ َم ْيلٍ ِكلَ ُهمَا َ‬ ‫ق ْبنُ ِإ ْبرَاهِيمَ َأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫سَ‬ ‫ح ّد َثنَاه إِ ْ‬ ‫ن عُ َم َر ح و َ‬ ‫عثْمَانُ ْب ُ‬ ‫ح ّدثَنَا ُ‬ ‫ب َ‬ ‫حرْ ٍ‬ ‫ح ّدثَنِي ِه زُ َه ْي ُر ْبنُ َ‬ ‫َردّ ُه قَا َل َو َوفَى َلنَا و َ‬ ‫عَليْ ِه رَسُولُ الِّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫ع َمرَ َفلَمّا َدنَا َدعَا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫عثْمَانَ ْب ِ‬ ‫ن ِروَا َي ِة ُ‬ ‫حدِيثِهِ ِم ْ‬ ‫ق وقَا َل فِي َ‬ ‫ح َ‬ ‫سَ‬ ‫عنْ َأبِي إِ ْ‬ ‫حدِيثِ زُ َه ْي ٍر َ‬ ‫ث بِمَ ْعنَى َ‬ ‫حدِي َ‬ ‫ش َر ِدرْهَمًا وَسَاقَ ا ْل َ‬ ‫لثَ َة عَ َ‬ ‫ل ِب َث َ‬ ‫بَ ْكرٍ ِمنْ َأبِي َرحْ ً‬ ‫س ْهمًا ِم ْنهَا‬ ‫ن َورَائِي وَ َه ِذهِ ِكنَا َنتِي َفخُذْ َ‬ ‫علَى َم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ّم َي ّ‬ ‫علَيّ ُلَ َ‬ ‫صنِي ِممّا َأنَا فِي ِه َوَلكَ َ‬ ‫ن ُيخَّل َ‬ ‫ك فَا ْدعُ الَّ َأ ْ‬ ‫علِمْتُ َأنّ َهذَا عَ َمُل َ‬ ‫عنْ ُه َوقَالَ يَا ُمحَ ّم ُد َقدْ َ‬ ‫ب َ‬ ‫خ َفرَسُ ُه فِي ا َلْ ْرضِ ِإلَى َبطْنِ ِه َو َوثَ َ‬ ‫فَسَا َ‬ ‫علَى‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َفقَالَ َأ ْن ِز ُل َ‬ ‫عَليْ ِه رَسُولُ ا ِ‬ ‫ك فَ َقدِ ْمنَا الْ َمدِينَ َة َل ْيلً َف َتنَا َزعُوا َأ ّيهُ ْم َي ْن ِزلُ َ‬ ‫ك قَالَ َل حَاجَ َة لِي فِي ِإ ِبِل َ‬ ‫خذْ ِم ْنهَا حَاجَ َت َ‬ ‫غلْمَانِي ِبمَكَانِ َكذَا وَ َكذَا َف ُ‬ ‫علَى ِإ ِبلِي َو ِ‬ ‫ستَ ُم ّر َ‬ ‫فَ ِإ ّنكَ َ‬ ‫لّ ))‪.‬‬ ‫لّ يَا ُمحَ ّم ُد يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫ط ُرقِ ُينَادُونَ يَا ُمحَ ّم ُد يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫خدَ ُم فِي ال ّ‬ ‫ت َو َت َفرّقَ الْ ِغلْمَانُ وَالْ َ‬ ‫ك َفصَعِ َد ال ّرجَا ُل وَالنّسَاءُ َف ْوقَ ا ْل ُبيُو ِ‬ ‫طلِبِ أُ ْكرِ ُمهُ ْم ِبذَ ِل َ‬ ‫ع ْبدِ الْ ُم ّ‬ ‫خوَا ِل َ‬ ‫َبنِي ال ّنجّارِ َأ ْ‬

‫قال ابن حجر‪ (( :‬لم أقف على تسميته ‪ -‬أي الراعي ‪ -‬ول على تسمية صاحب الغنم‪ ،‬إل أنه جاء في حديث عبد ال بن مسعود شيء تمسك به من زعم أنه الراعي‪ ،‬وذلك فيما أخرجه‬ ‫أحمد وابن حبان من طريق عاصم عن زر عن ابن مسعود قال‪ (( :‬كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط‪ ،‬فمر بي رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر فقال‪ :‬يا غلم هل من لبن؟‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬ولكني مؤتمن‪.)) ...‬‬

‫وهذا ل يصلح أن يفسر به الراعي في حديث البراء لن ذلك قيل له‪ (( :‬هل أنت حالب؟ فقال‪ :‬نعم ))‪ ،‬وهذا أشار بأنه غير حالب‪ ،‬وذلك حلب من شاة حافل وهذا من شاة لم تطرق ولم‬ ‫تحمل‪ ،‬ثم إن في بقية هذا الحديث ما يدل على أن قصته كانت قبل الهجرة لقوله فيه‪ (( :‬ثم أتيته بعد هذا فقلت‪ :‬يا رسول ال علمني من هذا القول ))‪ ،‬فإن هذا يشعر بأنها كانت قبل‬ ‫إسلم ابن مسعود‪ ،‬وإسلم ابن مسعود كان قديماً قبل الهجرة بزمان‪ ،‬فبطل أن يكون هو صاحب القصة في الهجرة ))‬

‫سلُ ُكفّارِ‬ ‫سرَاقَ َة ْبنَ جُعْشُ ٍم َيقُولُ‪ (( :‬جَا َءنَا رُ ُ‬ ‫خ َبرَهُ َأنّهُ سَمِعَ ُ‬ ‫ن جُعْشُمٍ َأنّ َأبَاهُ َأ ْ‬ ‫سرَاقَ َة ْبنِ مَا ِلكِ ْب ِ‬ ‫ن ْبنُ مَا ِلكٍ الْ ُم ْدِلجِيّ وَ ُهوَ ا ْبنُ َأخِي ُ‬ ‫ع ْبدُالرّحْ َم ِ‬ ‫خ َبرَنِي َ‬ ‫ب وََأ ْ‬ ‫شهَا ٍ‬ ‫قال البخاري‪ :‬قَالَ ا ْبنُ ِ‬ ‫حتّى قَا َم‬ ‫جلٌ ِم ْنهُ ْم َ‬ ‫جلِسٍ ِمنْ َمجَالِسِ َقوْمِي َبنِي ُم ْدلِجٍ َأ ْق َبلَ َر ُ‬ ‫س فِي َم ْ‬ ‫س َرهُ َف َب ْينَمَا َأنَا جَالِ ٌ‬ ‫ن قَ َتلَهُ َأوْ أَ َ‬ ‫حدٍ ِم ْن ُهمَا َم ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َوَأبِي بَ ْكرٍ ِديَةَ ُك ّل وَا ِ‬ ‫ُق َريْشٍ َيجْ َعلُونَ فِي رَسُولِ ا ِ‬ ‫ع ُي ِننَا‬ ‫طلَقُوا ِبَأ ْ‬ ‫لنًا ا ْن َ‬ ‫لنًا َو ُف َ‬ ‫ت ُف َ‬ ‫سرَاقَ ُة فَعَ َرفْتُ َأ ّنهُمْ هُ ْم فَ ُقلْتُ لَهُ ِإ ّنهُ ْم لَيْسُوا ِبهِ ْم َولَ ِك ّنكَ رََأيْ َ‬ ‫صحَابَ ُه قَالَ ُ‬ ‫ح ّمدًا وََأ ْ‬ ‫حلِ ُأرَاهَا ُم َ‬ ‫س ِو َد ًة بِالسّا ِ‬ ‫سرَاقَةُ ِإنّي َقدْ َرَأيْتُ آ ِنفًا أَ ْ‬ ‫س فَقَالَ يَا ُ‬ ‫جلُو ٌ‬ ‫حنُ ُ‬ ‫عَل ْينَا َو َن ْ‬ ‫َ‬ ‫ططْتُ ِب ُزجّهِ ا َلْ ْرضَ‬ ‫ت َفحَ َ‬ ‫ظ ْهرِ ا ْل َبيْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خ َرجْتُ بِهِ ِم ْ‬ ‫خذْتُ ُر ْمحِي َف َ‬ ‫ي وََأ َ‬ ‫علَ ّ‬ ‫سهَا َ‬ ‫حبِ َ‬ ‫ن َورَاءِ أَ َكمَ ٍة َف َت ْ‬ ‫ج ِبفَرَسِي وَهِيَ ِم ْ‬ ‫خرُ َ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ت جَا ِر َيتِي َأ ْ‬ ‫ت فَأَ َمرْ ُ‬ ‫خلْ ُ‬ ‫ت َفدَ َ‬ ‫ثُ ّم َل ِبثْتُ فِي ا ْل َمجْلِسِ سَاعَ ًة ثُ ّم قُمْ ُ‬ ‫ت ِبهَا‬ ‫سمْ ُ‬ ‫ستَقْ َ‬ ‫س َتخْ َرجْتُ ِم ْنهَا ا َلْزْلَ َم فَا ْ‬ ‫ت َفأَ ْه َويْتُ َيدِي ِإلَى ِكنَا َنتِي فَا ْ‬ ‫ع ْنهَا فَقُمْ ُ‬ ‫خ َررْتُ َ‬ ‫ت بِي َفرَسِي فَ َ‬ ‫حتّى َد َنوْتُ ِم ْنهُ ْم فَ َعثَرَ ْ‬ ‫ب بِي َ‬ ‫حتّى َأ َتيْتُ َفرَسِي َفرَ ِكبْ ُتهَا َف َرفَ ْعتُهَا تُ َقرّ ُ‬ ‫ت عَا ِليَ ُه َ‬ ‫َوخَ َفضْ ُ‬ ‫ت َيدَا َفرَسِي‬ ‫ت وََأبُو بَ ْكرٍ يُ ْك ِثرُ ا ِل ْل ِتفَاتَ سَاخَ ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم وَ ُهوَ َل َي ْلتَفِ ُ‬ ‫ت ِقرَا َءةَ رَسُولِ ا ِ‬ ‫سمِعْ ُ‬ ‫حتّى ِإذَا َ‬ ‫ب بِي َ‬ ‫صيْتُ ا َلْزْلَ َم ُت َقرّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ضرّهُمْ أَمْ َل َفخَرَجَ اّلذِي أَ ْك َرهُ َفرَ ِكبْتُ َفرَسِي َو َ‬ ‫َأ ُ‬ ‫ت بِا َلْزْلَ ِم َفخَرَجَ‬ ‫س َتقْسَمْ ُ‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫عثَانٌ سَاطِ ٌع فِي السّمَاءِ ِم ْث ُل ال ّدخَا ِ‬ ‫ت قَائِ َمةً ِإذَا َلِ َث ِر َي َد ْيهَا ُ‬ ‫س َتوَ ْ‬ ‫خرِجُ َي َد ْيهَا َفلَمّا ا ْ‬ ‫ج ْر ُتهَا َف َن َهضَتْ َفلَمْ تَ َك ْد ُت ْ‬ ‫ع ْنهَا ثُمّ َز َ‬ ‫خ َررْتُ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫حتّى َبلَغَتَا الرّ ْكبَ َت ْي ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فِي ا َلْ ْر ِ‬ ‫ك َقدْ‬ ‫ن َقوْ َم َ‬ ‫ت لَهُ ِإ ّ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم فَ ُقلْ ُ‬ ‫ظ َهرُ َأ ْم ُر رَسُولِ ا ِ‬ ‫س َي ْ‬ ‫ع ْنهُمْ َأنْ َ‬ ‫س َ‬ ‫حبْ ِ‬ ‫ن لَقِيتُ مَا لَقِيتُ ِمنَ ا ْل َ‬ ‫ج ْئ ُتهُمْ َو َوقَ َع فِي َنفْسِي حِي َ‬ ‫حتّى ِ‬ ‫اّلذِي أَ ْك َرهُ َفنَا َد ْي ُتهُ ْم بِا َلْمَانِ َف َوقَفُوا َفرَ ِكبْتُ َفرَسِي َ‬ ‫ن ُف َه ْيرَةَ‬ ‫ن َفأَ َم َر عَا ِمرَ ْب َ‬ ‫ن يَ ْكتُبَ لِي ِكتَابَ أَ ْم ٍ‬ ‫سأَ ْلتُهُ َأ ْ‬ ‫عنّا فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن قَالَ َأخْ ِ‬ ‫سأَ َلنِي إِلّ َأ ْ‬ ‫عَل ْيهِمُ الزّا َد وَالْ َمتَاعَ َفلَ ْم َيرْزَآنِي َولَ ْم يَ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ع َرضْ ُ‬ ‫س ِبهِمْ َو َ‬ ‫خبَارَ مَا ُيرِيدُ النّا ُ‬ ‫خبَ ْر ُتهُمْ َأ ْ‬ ‫جَعَلُوا فِيكَ ال ّديَ َة َوَأ ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫ب فِي ُرقْعَةٍ ِمنْ َأدِيمٍ ثُمّ َمضَى رَسُولُ ا ِ‬ ‫فَ َكتَ َ‬

‫لّ صلى ال عليه‬ ‫شأْمِ فَكَسَا ال ّزبَ ْي ُر رَسُولَ ا ِ‬ ‫سلِمِينَ كَانُوا ِتجَارًا قَا ِفلِينَ ِمنَ ال ّ‬ ‫ي ال ّز َب ْيرَ فِي رَكْبٍ ِمنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم لَقِ َ‬ ‫ن رَسُولَ ا ِ‬ ‫ن ال ّز َب ْيرِ َأ ّ‬ ‫ع ْر َوةُ ْب ُ‬ ‫خبَ َرنِي ُ‬ ‫ب فَ َأ ْ‬ ‫شهَا ٍ‬ ‫قَالَ ا ْبنُ ِ‬ ‫ظهِي َرةِ فَانْ َقَلبُوا‬ ‫حرّ ال ّ‬ ‫حتّى َي ُردّهُ ْم َ‬ ‫ظرُونَ ُه َ‬ ‫غدَاةٍ ِإلَى ا ْلحَ ّر ِة َفيَ ْن َت ِ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ِمنْ مَكّ َة فَكَانُوا يَ ْغدُونَ ُك ّل َ‬ ‫ج رَسُولِ ا ِ‬ ‫ن بِالْ َمدِينَةِ َمخْرَ َ‬ ‫سلِمُو َ‬ ‫وسلم وََأبَا بَ ْكرٍ ِثيَابَ َبيَاضٍ َوسَمِعَ ا ْلمُ ْ‬ ‫صحَابِهِ ُم َب ّيضِينَ َيزُو ُل ِبهِمُ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم وََأ ْ‬ ‫ظرُ ِإَليْ ِه َف َبصُ َر ِبرَسُولِ ا ِ‬ ‫ن آطَا ِمهِمْ َلِ ْم ٍر َينْ ُ‬ ‫علَى ُأطُمٍ ِم ْ‬ ‫ن َيهُو َد َ‬ ‫جلٌ ِم ْ‬ ‫َيوْمًا بَ ْعدَ مَا َأطَالُوا ا ْن ِتظَارَهُ ْم فَلَمّا َأ َووْا ِإلَى ُبيُو ِتهِمْ َأوْفَى رَ ُ‬ ‫ح ّر ِة فَعَ َد َل ِبهِمْ ذَاتَ‬ ‫ظ ْهرِ ا ْل َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ِب َ‬ ‫ح َف َتلَ ّقوْا رَسُولَ ا ِ‬ ‫سلَ ِ‬ ‫سلِمُونَ ِإلَى ال ّ‬ ‫ظرُونَ َفثَارَ الْ ُم ْ‬ ‫جدّكُمِ اّلذِي َت ْنتَ ِ‬ ‫شرَ الْ َعرَبِ َهذَا َ‬ ‫ص ْوتِ ِه يَا مَعَا ِ‬ ‫ن قَالَ ِبَأعْلَى َ‬ ‫ب َفلَمْ يَ ْمِلكِ ا ْل َيهُودِيّ َأ ْ‬ ‫سرَا ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن جَاءَ ِمنَ ا َلْ ْنصَارِ مِ ّمنْ‬ ‫ط ِفقَ َم ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم صَا ِمتًا فَ َ‬ ‫جلَسَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫س َو َ‬ ‫ش ْه ِر َربِيعٍ ا َلْ ّو ِل فَقَامَ َأبُو بَ ْكرٍ لِلنّا ِ‬ ‫ك َيوْمَ ا ِل ْث َن ْينِ ِمنْ َ‬ ‫ف َوذَ ِل َ‬ ‫عوْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫حتّى َن َزلَ ِبهِ ْم فِي َبنِي عَ ْمرِو ْب ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ا ْليَمِي ِ‬ ‫لّ صلى ال عليه‬ ‫س رَسُولَ ا ِ‬ ‫عَليْ ِه ِب ِردَائِ ِه فَ َعرَفَ النّا ُ‬ ‫ظلّ َل َ‬ ‫حتّى َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم فََأ ْق َبلَ َأبُو بَ ْك ٍر َ‬ ‫س رَسُولَ ا ِ‬ ‫حتّى َأصَابَتِ الشّمْ ُ‬ ‫حيّي َأبَا بَ ْك ٍر َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ُي َ‬ ‫لَمْ َي َر رَسُولَ ا ِ‬ ‫صلّى فِي ِه رَسُولُ الِّ صلى ال عليه وسلم ثُمّ‬ ‫علَى ال ّت ْقوَى َو َ‬ ‫س َ‬ ‫جدُ اّلذِي أُسّ َ‬ ‫سِ‬ ‫س ا ْلمَ ْ‬ ‫ش َرةَ َل ْيلَ ًة وَأُسّ َ‬ ‫ف ِبضْ َع عَ ْ‬ ‫عوْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم فِي َبنِي عَ ْمرِو ْب ِ‬ ‫ع ْن َد َذِلكَ َفَلبِثَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫وسلم ِ‬ ‫غلَ َم ْينِ‬ ‫س ْه ٍل ُ‬ ‫س َه ْي ٍل وَ َ‬ ‫ن وَكَانَ ِم ْربَدًا لِلتّ ْمرِ لِ ُ‬ ‫سلِمِي َ‬ ‫جدِ الرّسُو ِل صلى ال عليه وسلم بِالْ َمدِينَ ِة وَ ُه َو ُيصَلّي فِي ِه َيوْ َم ِئ ٍذ ِرجَالٌ ِمنَ ا ْلمُ ْ‬ ‫سِ‬ ‫ع ْندَ مَ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حتّى َبرَكَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫حَلتَ ُه فَسَا َر يَمْشِي مَعَ ُه النّا ُ‬ ‫ب رَا ِ‬ ‫رَكِ َ‬ ‫ن فَسَاوَ َمهُمَا بِالْ ِم ْر َبدِ‬ ‫حَلتُهُ َهذَا ِإنْ شَاءَ الُّ الْ َم ْن ِز ُل ثُ ّم َدعَا رَسُولُ الِّ صلى ال عليه وسلم الْ ُغلَ َم ْي ِ‬ ‫ت بِ ِه رَا ِ‬ ‫ن َبرَكَ ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم حِي َ‬ ‫جرِ أَسْ َع َد ْبنِ ُزرَا َر َة فَقَالَ رَسُولُ ا ِ‬ ‫حْ‬ ‫َيتِي َم ْينِ فِي َ‬ ‫ن فِي ُب ْنيَانِهِ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َي ْنقُلُ مَ َعهُ ُم الّل ِب َ‬ ‫ق رَسُولُ ا ِ‬ ‫جدًا َوطَ ِف َ‬ ‫سِ‬ ‫حتّى ا ْبتَاعَهُ ِم ْنهُمَا ثُ ّم َبنَاهُ مَ ْ‬ ‫ن َي ْقبَلَهُ ِم ْنهُمَا ِهبَ ًة َ‬ ‫لّ َفَأبَى رَسُولُ الِّ َأ ْ‬ ‫جدًا فَقَالَ َل َب ْل َن َهبُ ُه َلكَ يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫سِ‬ ‫خ َذهُ مَ ْ‬ ‫ِليَ ّت ِ‬

‫َو َيقُولُ وَ ُه َو َي ْن ُقلُ الّل ِبنَ‪:‬‬ ‫ط َهرْ‬ ‫خ ْي َبرْ َهذَا َأ َب ّر َر ّبنَا وََأ ْ‬ ‫َهذَا ا ْلحِمَالُ ل حِمَالَ َ‬

‫َو َيقُولُ‪:‬‬ ‫ج َرهْ‬ ‫خ َرهْ فَا ْرحَمِ ا َلْ ْنصَارَ وَالْ ُمهَا ِ‬ ‫لِ‬ ‫جرُ ا ْ‬ ‫الّلهُمّ ِإنّ ا َلْجْرَ َأ ْ‬ ‫ت ))‪.‬‬ ‫غ ْيرِ َهذَا ا ْل َبيْ ِ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َت َم ّث َل ِب َبيْتِ شِ ْع ٍر تَامّ َ‬ ‫ن رَسُولَ ا ِ‬ ‫شهَابٍ َولَ ْم َي ْبلُ ْغنَا فِي ا َلْحَادِيثِ َأ ّ‬ ‫ن لَ ْم يُسَ ّم لِي قَالَ ا ْبنُ ِ‬ ‫سلِمِي َ‬ ‫جلٍ ِمنَ الْمُ ْ‬ ‫َفتَ َم ّثلَ بِشِ ْع ِر َر ُ‬

‫ل كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر‪ :‬قد رآنا يا‬ ‫في الحديث منقبة ظاهرة لبي بكر‪ ،‬وفيه أن باب الغار كان منخفضاً إل أنه كان ضيقاً‪ ،‬فقد جاء في السير للواقدي‪ :‬أن رج ً‬ ‫رسول ال قال‪ :‬لو رآنا لم يكشف عن فرجه ))‪.‬‬

‫للُ‬ ‫ك َويَا ِب َ‬ ‫ف َتجِ ُد َ‬ ‫ت يَا َأبَتِ َك ْي َ‬ ‫عَليْهِمَا َفقُلْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫للٌ قَالَتْ َف َدخَلْ ُ‬ ‫عكَ َأبُو بَ ْك ٍر َو ِب َ‬ ‫ع ْنهَا َأ ّنهَا قَالَتْ‪ (( :‬لَمّا قَدِ َم رَسُولُ الِّ صلى ال عليه وسلم الْ َمدِينَ َة ُو ِ‬ ‫لّ َ‬ ‫عنْ عَائِشَ َة َرضِي ا ُ‬ ‫أخرج البخاري َ‬ ‫خذَتْهُ ا ْلحُمّى َيقُولُ‪:‬‬ ‫ج ُدكَ قَالَتْ فَكَانَ َأبُو بَ ْكرٍ ِإذَا َأ َ‬ ‫ف َت ِ‬ ‫َكيْ َ‬ ‫ك نَ ْعلِهِ‬ ‫شرَا ِ‬ ‫ح فِي أَ ْهلِ ِه وَالْ َموْتُ َأ ْدنَى ِمنْ ِ‬ ‫صبّ ٌ‬ ‫ُكلّ ا ْم ِرئٍ ُم َ‬ ‫عقِي َرتَ ُه َو َيقُولُ‪:‬‬ ‫عنْهُ ا ْلحُمّى َيرْفَ ُع َ‬ ‫للٌ ِإذَا َأقْلَ َع َ‬ ‫وَكَانَ ِب َ‬ ‫جلِيلُ‬ ‫خرٌ َو َ‬ ‫ح ْولِي ِإ ْذ ِ‬ ‫أَ َل َليْتَ شِ ْعرِي َهلْ َأبِي َتنّ َل ْيلَ ًة ِبوَادٍ َو َ‬ ‫جنّ ٍة وَ َه ْل َي ْب ُد َونْ لِي شَا َم ٌة َوطَفِيلُ‬ ‫ن َيوْمًا ِميَاهَ َم َ‬ ‫وَ َهلْ َأ ِر َد ْ‬

‫حفَ ِة ))‬ ‫جْ‬ ‫عهَا وَ ُمدّهَا وَا ْن ُقلْ حُمّاهَا فَاجْعَ ْلهَا بِالْ ُ‬ ‫حهَا َوبَا ِركْ َلنَا فِي صَا ِ‬ ‫حْ‬ ‫صّ‬ ‫شدّ َو َ‬ ‫ح ّبنَا مَكّةَ َأوْ أَ َ‬ ‫حبّبْ ِإَل ْينَا الْ َمدِينَةَ َك ُ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َفَأخْ َب ْرتُ ُه َفقَا َل اللّهُ ّم َ‬ ‫ت رَسُولَ ا ِ‬ ‫ت عَائِشَ ُة َفجِئْ ُ‬ ‫قَالَ ْ‬

‫‪.‬‬ ‫زاد ابن اسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد ال بن عروة جميع ًا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها‪ (( :‬فقلت‪ :‬وال ما يدري أبي ما يقول )) قالت‪ (( :‬ثم دنوت إلى عامر‬ ‫بن فهيرة ‪-‬وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب‪ -‬فقلت‪ :‬كيف تجدك يا عامر؟ فقال‪:‬‬ ‫لقد وجدت الموت قبل ذوقـه إن الجبان حتفه من فوقه‬ ‫كل امرئ مجاهد بـطوقه كالثور يحمي جسمه بروقـه‬

‫وقالت في آخره‪ (( :‬فقلت‪ :‬يا رسول ال إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى ))()‪ ،‬والزيادة في قول عامر بن فهيرة رواها مالك أيضًا في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عائشة‬ ‫منقطعاً‬

‫‪.‬‬ ‫أخرج البخاري عن أسماء رضي ال عنها‪ (( :‬صنعت سفرة للنبي صلى ال عليه وسلم وأبي بكر حين أرادا المدينة‪ ،‬فقلت لبي‪ :‬ما أجد شيئاً أربطه إل نطاقي‪ ،‬قال‪ :‬فشقيه‪ ،‬ففعلت‪،‬‬ ‫فسميت ذات النطاقين ))‪ ،‬وقال ابن عباس‪ (( :‬أسماء ذات النطاقين ))‪.‬‬

‫لّ صلى ال عليه وسلم شَابّ لَ‬ ‫خ يُ ْعرَفُ َو َنبِيّ ا ِ‬ ‫شيْ ٌ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ِإلَى الْ َمدِينَ ِة وَ ُهوَ ُم ْردِفٌ َأبَا بَ ْك ٍر وََأبُو بَ ْكرٍ َ‬ ‫أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪َ (( :‬أ ْق َبلَ َنبِيّ ا ِ‬ ‫خيْرِ‬ ‫سبِي َل ا ْل َ‬ ‫ق وَِإنّمَا يَ ْعنِي َ‬ ‫طرِي َ‬ ‫سبِيلَ قَالَ َف َيحْسِبُ ا ْلحَاسِبُ َأنّهُ ِإنّمَا يَ ْعنِي ال ّ‬ ‫جلُ َي ْهدِينِي ال ّ‬ ‫ن َي َد ْيكَ َف َيقُولُ َهذَا ال ّر ُ‬ ‫جلُ اّلذِي َب ْي َ‬ ‫جلُ َأبَا بَ ْك ٍر َفيَقُولُ يَا َأبَا بَ ْكرٍ َمنْ َهذَا ال ّر ُ‬ ‫ف قَالَ َفيَ ْلقَى ال ّر ُ‬ ‫يُ ْعرَ ُ‬ ‫ت ُتحَ ْمحِ ُم فَقَالَ يَا َنبِيّ‬ ‫س ثُمّ قَامَ ْ‬ ‫ص َرعْ ُه َفصَ َرعَهُ ا ْل َفرَ ُ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َفقَالَ الّلهُمّ ا ْ‬ ‫ت َنبِيّ ا ِ‬ ‫ق ِبنَا فَا ْلتَفَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س قَ ْد َلحِ َقهُ ْم فَقَالَ يَا رَسُولَ الِّ َهذَا فَارِسٌ َق ْد لَ ِ‬ ‫فَا ْلتَفَتَ َأبُو بَ ْك ٍر فَ ِإذَا ُه َو ِبفَارِ ٍ‬ ‫لّ صلى ال عليه‬ ‫سَلحَ ًة لَ ُه فَ َن َز َل رَسُولُ ا ِ‬ ‫خرَ ال ّنهَارِ مَ ْ‬ ‫نآِ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم وَكَا َ‬ ‫علَى َنبِيّ ا ِ‬ ‫ق ِبنَا قَالَ فَكَانَ َأ ّو َل ال ّنهَارِ جَا ِهدًا َ‬ ‫حدًا َي ْلحَ ُ‬ ‫ت قَالَ َفقِفْ مَكَا َنكَ َل َتتْرُ َكنّ َأ َ‬ ‫شئْ َ‬ ‫الِّ ُم ْرنِي بِمَا ِ‬ ‫ب َنبِيّ الِّ صلى ال عليه وسلم وََأبُو بَ ْكرٍ‬ ‫ع ْينِ َفرَكِ َ‬ ‫عَل ْيهِمَا َوقَالُوا ارْ َكبَا آ ِم َن ْينِ ُمطَا َ‬ ‫سلّمُوا َ‬ ‫ح ّرةِ ثُ ّم بَعَثَ ِإلَى ا َلْ ْنصَارِ َفجَاءُوا ِإلَى َنبِيّ الِّ صلى ال عليه وسلم وََأبِي بَ ْك ٍر فَ َ‬ ‫وسلم جَانِبَ ا ْل َ‬ ‫ب دَارِ َأبِي َأيّوبَ‬ ‫حتّى َن َز َل جَانِ َ‬ ‫لّ َفأَ ْق َب َل يَسِيرُ َ‬ ‫لّ جَاءَ َنبِيّ ا ِ‬ ‫ن جَا َء َنبِيّ ا ِ‬ ‫ظرُونَ َو َيقُولُو َ‬ ‫شرَفُوا َي ْن ُ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َفأَ ْ‬ ‫لّ جَا َء َنبِيّ ا ِ‬ ‫سلَحِ َفقِيلَ فِي الْ َمدِينَ ِة جَا َء َنبِيّ ا ِ‬ ‫حفّوا دُو َنهُمَا بِال ّ‬ ‫َو َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ثُمّ َرجَعَ ِإلَى‬ ‫ن َنبِيّ ا ِ‬ ‫ف َلهُ ْم فِيهَا َفجَاءَ وَ ِهيَ مَ َع ُه فَسَمِعَ ِم ْ‬ ‫ختَرِ ُ‬ ‫ن َيضَعَ اّلذِي َي ْ‬ ‫جلَ َأ ْ‬ ‫ف َلهُمْ فَ َع ِ‬ ‫خلٍ َلِ ْهلِ ِه َيخْ َترِ ُ‬ ‫سلَ ٍم وَ ُه َو فِي َن ْ‬ ‫ع ْبدُالِّ ْبنُ َ‬ ‫فَ ِإنّ ُه َل ُيحَدّثُ أَ ْهَلهُ ِإذْ سَمِ َع ِب ِه َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َأيّ ُبيُوتِ أَ ْهِلنَا َأقْرَبُ‬ ‫أَ ْهلِ ِه َفقَا َل َنبِيّ ا ِ‬

‫ش َهدُ َأ ّنكَ‬ ‫سلَ ٍم فَقَالَ َأ ْ‬ ‫ع ْبدُالِّ ا ْبنُ َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم جَا َء َ‬ ‫لّ فَلَمّا جَاءَ َنبِيّ ا ِ‬ ‫علَى َبرَكَةِ ا ِ‬ ‫ل قَا َل قُومَا َ‬ ‫ئ َلنَا َمقِي ً‬ ‫ق َفهَيّ ْ‬ ‫َفقَالَ َأبُو َأيّوبَ َأنَا يَا َنبِيّ الِّ َه ِذ ِه دَارِي وَ َهذَا بَابِي قَا َل فَا ْنطَ ِل ْ‬ ‫ت قَالُوا فِيّ‬ ‫سلَمْ ُ‬ ‫ن يَعْلَمُوا َأنّي َقدْ أَ ْ‬ ‫ت َفِإ ّنهُمْ ِإ ْ‬ ‫سلَمْ ُ‬ ‫ن يَ ْعلَمُوا َأنّي قَدْ أَ ْ‬ ‫عنّي َق ْبلَ َأ ْ‬ ‫عهُمْ فَاسَْأ ْلهُمْ َ‬ ‫علَ ِمهِمْ فَا ْد ُ‬ ‫علَ ُمهُ ْم وَا ْبنُ َأ ْ‬ ‫س ّيدِهِ ْم وََأ ْ‬ ‫س ّيدُهُمْ وَا ْبنُ َ‬ ‫ت َيهُودُ َأنّي َ‬ ‫علِ َم ْ‬ ‫حقّ َو َقدْ َ‬ ‫ت ِب َ‬ ‫جئْ َ‬ ‫لّ َوَأ ّنكَ ِ‬ ‫رَسُولُ ا ِ‬ ‫لّ َفوَالِّ اّلذِي لَ ِإلَهَ إِلّ ُهوَ ِإنّكُ ْم َلتَ ْعلَمُونَ‬ ‫شرَ ا ْل َيهُو ِد َو ْيلَكُمِ ا ّتقُوا ا َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم يَا مَ ْع َ‬ ‫عَليْ ِه َفقَا َل َلهُمْ رَسُولُ ا ِ‬ ‫خلُوا َ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم َفأَ ْق َبلُوا فَ َد َ‬ ‫س َل َنبِيّ ا ِ‬ ‫ي َفأَرْ َ‬ ‫مَا َليْسَ فِ ّ‬ ‫علَ ُمنَا‬ ‫س ّي ِدنَا وََأ ْ‬ ‫س ّي ُدنَا وَا ْبنُ َ‬ ‫سلَ ٍم قَالُوا ذَاكَ َ‬ ‫لّ ْبنُ َ‬ ‫ع ْبدُا ِ‬ ‫ي َرجُ ٍل فِيكُمْ َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قَا َلهَا َثلَثَ ِمرَا ٍر قَا َل َفأَ ّ‬ ‫حقّ َفأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَ ْعلَمُ ُه قَالُوا لِلنّبِ ّ‬ ‫جئْتُكُ ْم ِب َ‬ ‫حقّا وََأنّي ِ‬ ‫لّ َ‬ ‫َأنّي رَسُولُ ا ِ‬ ‫خرُجْ‬ ‫سلَمٍ ا ْ‬ ‫سلِ َم قَا َل يَا ا ْبنَ َ‬ ‫ن لِيُ ْ‬ ‫سلَمَ قَالُوا حَاشَى لِّ مَا كَا َ‬ ‫سلِمَ قَالَ َأ َفرََأ ْيتُمْ ِإنْ أَ ْ‬ ‫سلَمَ قَالُوا حَاشَى لِّ مَا كَانَ ِليُ ْ‬ ‫سلِمَ قَالَ َأفَرََأ ْيتُمْ ِإنْ َأ ْ‬ ‫سلَ َم قَالُوا حَاشَى لِّ مَا كَانَ ِليُ ْ‬ ‫علَ ِمنَا قَالَ َأ َفرََأ ْيتُمْ ِإنْ أَ ْ‬ ‫وَا ْبنُ َأ ْ‬ ‫لّ صلى ال عليه وسلم ))‪.‬‬ ‫جهُمْ رَسُولُ ا ِ‬ ‫خ َر َ‬ ‫حقّ َفقَالُوا َك َذبْتَ َفأَ ْ‬ ‫لّ وََأنّ ُه جَا َء ِب َ‬ ‫لّ َفوَالِّ اّلذِي لَ ِإلَهَ إِلّ ُهوَ ِإنّكُ ْم َلتَ ْعلَمُونَ َأنّ ُه رَسُولُ ا ِ‬ ‫شرَ ا ْل َيهُودِ ا ّتقُوا ا َ‬ ‫ج َفقَا َل يَا مَعْ َ‬ ‫عَليْهِ ْم َفخَرَ َ‬ ‫َ‬

‫شرَاطِ السّاعَةِ‬ ‫ن َثلَثٍ َل يَ ْعلَ ُم ُهنّ إِ ّل َنبِيّ مَا َأ ّولُ أَ ْ‬ ‫عْ‬ ‫ك َ‬ ‫شيَا َء فَقَالَ ِإنّي سَا ِئلُ َ‬ ‫عنْ أَ ْ‬ ‫سَألُ ُه َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم الْ َمدِينَ َة َفَأتَاهُ يَ ْ‬ ‫سلَ ٍم َبلَغَهُ َم ْقدَمُ ال ّنبِ ّ‬ ‫لّ ْبنَ َ‬ ‫ع ْبدَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫أخرج البخاري عن أنس‪َ (( :‬أ ّ‬ ‫شرُهُمْ‬ ‫شرَاطِ السّاعَ ِة َفنَا ٌر َتحْ ُ‬ ‫لئِكَ ِة قَالَ َأمّا َأ ّولُ أَ ْ‬ ‫ع ُدوّ ا ْل َيهُودِ ِمنَ ا ْل َم َ‬ ‫ك َ‬ ‫سلَ ٍم ذَا َ‬ ‫ج ْبرِيلُ آ ِنفًا قَالَ ا ْبنُ َ‬ ‫خ َب َرنِي ِب ِه ِ‬ ‫جنّ ِة وَمَا بَالُ ا ْل َوَلدِ َي ْن ِزعُ ِإلَى َأبِيهِ َأوْ ِإلَى أُمّ ِه قَالَ َأ ْ‬ ‫وَمَا َأ ّو ُل طَعَامٍ َيأْ ُكلُهُ أَ ْهلُ ا ْل َ‬ ‫ج ِل َن َزعَتِ ا ْل َوَلدَ قَالَ‬ ‫س َبقَ مَاءُ الْ َمرَْأةِ مَاءَ ال ّر ُ‬ ‫جلِ مَاءَ الْ َمرَْأ ِة َن َزعَ ا ْلوَ َل َد وَِإذَا َ‬ ‫س َبقَ مَاءُ ال ّر ُ‬ ‫ت وََأمّا ا ْل َوَلدُ َفِإذَا َ‬ ‫ب وََأمّا َأ ّولُ طَعَا ٍم َيأْكُلُهُ أَ ْهلُ ا ْلجَنّ ِة َف ِزيَا َدةُ َك ِبدِ ا ْلحُو ِ‬ ‫ش ِرقِ ِإلَى الْمَ ْغرِ ِ‬ ‫ِمنَ ا ْلمَ ْ‬ ‫لّ ْبنُ‬ ‫ع ْبدُا ِ‬ ‫جلٍ َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم َأيّ َر ُ‬ ‫سلَمِي َفجَاءَتِ ا ْل َيهُودُ َفقَا َل ال ّنبِ ّ‬ ‫ن يَ ْعلَمُوا ِبإِ ْ‬ ‫عنّي َق ْبلَ َأ ْ‬ ‫سَأ ْلهُمْ َ‬ ‫ت فَا ْ‬ ‫لّ قَا َل يَا رَسُولَ الِّ ِإنّ ا ْل َيهُو َد قَوْ ٌم ُبهْ ٌ‬ ‫ك رَسُولُ ا ِ‬ ‫لّ وََأ ّن َ‬ ‫ش َهدُ َأنْ لَ ِإلَهَ إِلّ ا ُ‬ ‫أَ ْ‬ ‫خرَجَ‬ ‫عَل ْيهِمْ َفقَالُوا ِم ْث َل َذِلكَ َف َ‬ ‫ك فَ َأعَادَ َ‬ ‫سلَ ٍم قَالُوا َأعَا َذهُ الُّ ِمنْ َذِل َ‬ ‫لّ ْبنُ َ‬ ‫ع ْبدُا ِ‬ ‫سلَمَ َ‬ ‫ضلُنَا وَا ْبنُ َأ ْفضَ ِلنَا َفقَا َل ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم َأرََأ ْيتُمْ ِإنْ أَ ْ‬ ‫خ ْي ِرنَا وََأ ْف َ‬ ‫ن َ‬ ‫خيْ ُرنَا وَا ْب ُ‬ ‫سلَ ٍم فِيكُ ْم قَالُوا َ‬ ‫َ‬ ‫لّ ))‬ ‫ف يَا رَسُولَ ا ِ‬ ‫ش ّرنَا َو َت َن ّقصُو ُه قَالَ َهذَا ُكنْتُ َأخَا ُ‬ ‫ش ّرنَا وَا ْبنُ َ‬ ‫لّ قَالُوا َ‬ ‫ح ّمدًا رَسُولُ ا ِ‬ ‫لّ وََأنّ ُم َ‬ ‫ش َهدُ َأنْ لَ ِإلَهَ ِإلّ ا ُ‬ ‫ع ْبدُالِّ َفقَالَ أَ ْ‬ ‫ِإلَ ْيهِ ْم َ‬

‫‪.‬‬ ‫أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ (( :‬لو آمن بي عشرة من اليهود لمن بي اليهود ))‪ ،‬والمراد بالعشرة يعني من أسيادهم‪ ،‬وإل فقد أسلم منهم أكثر‬ ‫من عشرة‬

‫‪.‬‬ ‫أخرج أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من طريق زرارة بن أوفى عن عبد ال بن سلم قال‪ (( :‬لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه‪ ،‬فجئت في‬ ‫الناس لنظر إليه‪ ،‬فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب‪ )) ...‬الحديث‬

‫‪.‬‬ ‫وقال البخاري في التاريخ الصغير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال‪ (( :‬إني لسعى مع الغلمان إذ قالوا‪ :‬جاء محمد‪ ،‬فننطلق فل نرى شيئاً‪،‬‬ ‫حتى أقبل وصاحبه‪ ،‬فكمنا في بعض خرب المدينة وبعثا رجلً من أهل البادية يؤذن بهما‪ ،‬فاستقبله زهاء خمسمائة من النصار فقالوا‪ :‬انطلقا آمنين مطاعين‪ )) ...‬الحديث‬

‫‪.‬‬ ‫وفي حديث أبي أيوب عند الحاكم وغيره‪ (( :‬أنه أنزل النبي صلى ال عليه وسلم في السفل ونزل هو وأهله في العلو‪ ،‬ثم أشفق من ذلك‪ ،‬فلم يزل يسأل النبي صلى ال عليه وسلم حتى‬ ‫تحول إلى العلو ونزل أبو أيوب إلى السفل )) ونحوه في طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس عند أبي سعيد في (( شرف المصطفى )) وأفاد ابن أسعد أنه أقام بمنـزل أبي أيوب‬ ‫سبعة أشهر حتى بنى بيوته‪.‬‬

‫ن ال ّنبِيّ صلى ال عليه‬ ‫ق ُيرِيدُو َ‬ ‫ح َفَأ ْثبِتُو ُه بِا ْل َوثَا ِ‬ ‫صبَ َ‬ ‫ضهُمْ ِإذَا َأ ْ‬ ‫ت ُق َريْشٌ َل ْيلَ ًة بِمَكّ َة فَقَالَ بَ ْع ُ‬ ‫س فِي َقوْلِهِ‪{ :‬وَِإ ْذ يَمْ ُك ُر ِبكَ اّلذِينَ َك َفرُوا ِل ُي ْث ِبتُوكَ} قَالَ‪ (( :‬تَشَاوَرَ ْ‬ ‫عبّا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫عنِ ا ْب ِ‬ ‫أخرج المام أحمد َ‬ ‫ج ال ّنبِيّ‬ ‫خرَ َ‬ ‫ك الّليْلَ َة َو َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم ِتلْ َ‬ ‫ش ال ّنبِ ّ‬ ‫علَى فِرَا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫علِ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ك َفبَا َ‬ ‫علَى ذَ ِل َ‬ ‫ج ّل َن ِبيّ ُه صلى ال عليه وسلم َ‬ ‫عزّ َو َ‬ ‫لّ َ‬ ‫خرِجُوهُ َفَأطْلَعَ ا ُ‬ ‫ضهُ ْم َبلْ َأ ْ‬ ‫ضهُمْ َب ِل ا ْق ُتلُوهُ َوقَا َل بَ ْع ُ‬ ‫وسلم َوقَا َل بَ ْع ُ‬ ‫ن صَاحِ ُبكَ َهذَا‬ ‫عِليّا َردّ الُّ مَ ْكرَهُمْ َفقَالُوا َأ ْي َ‬ ‫ص َبحُوا ثَارُوا ِإَليْ ِه َفلَمّا رََأوْا َ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم َفلَمّا َأ ْ‬ ‫سبُونَ ُه ال ّنبِ ّ‬ ‫عِليّا َيحْ َ‬ ‫حرُسُونَ َ‬ ‫شرِكُونَ َي ْ‬ ‫حقَ بِالْغَا ِر َوبَاتَ الْ ُم ْ‬ ‫حتّى َل ِ‬ ‫صلى ال عليه وسلم َ‬ ‫ث فِيهِ‬ ‫علَى بَابِ ِه فَمَكَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن نَسْجُ الْ َعنْ َكبُو ِ‬ ‫خلَ هَا ُهنَا لَمْ يَ ُك ْ‬ ‫سجَ الْ َعنْ َكبُوتِ َفقَالُوا َلوْ َد َ‬ ‫علَى بَابِ ِه نَ ْ‬ ‫ج َبلِ فَ َمرّوا بِالْغَا ِر فَرََأوْا َ‬ ‫عَليْهِ ْم َفصَ ِعدُوا فِي ا ْل َ‬ ‫ط َ‬ ‫خلّ َ‬ ‫ج َب َل ُ‬ ‫قَالَ لَ َأ ْدرِي فَاقْ َتصّوا َأ َث َر ُه فَلَمّا َبلَغُوا ا ْل َ‬ ‫ث َليَا ٍل ))‪.‬‬ ‫َثلَ َ‬

‫قال ابن كثير‪ (( :‬وهذا إسناد حسن‪ ،‬وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار وذلك من حماية ال لرسول ال صلى ال عليه وسلم ))‪.‬‬

‫وأخرج ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي أن أبا جهل كان يقف محرض ًا للمحاصرين لبيت الرسول صلى ال عليه وسلم‪ (( :‬إن محمدًا يزعم أنكم إذا تابعتموه على أمره كنتم‬ ‫ملوك العرب والعجم‪ ،‬ثم بعثتم من بعد موتكم‪ ،‬فجعلت لكم جنان كجنان الردن‪ ،‬وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح‪ ،‬ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها ))‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد ال بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت‪ (( :‬لما خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم وخرج معه أبو بكر‪ ،‬احتمل‬ ‫أبو بكر ماله كله معه‪ ،‬خمسة آلف أو ستة آلف درهم‪ ،‬فانطلق به معه‪ ،‬فدخل علينا جدي أبو قحافة ‪ -‬وقد ذهب بصره ‪ -‬فقال‪ :‬وال إني لراه فجعكم بماله ونفسه‪ ،‬قالت‪ :‬كل يا أبت‪،‬‬ ‫قد ترك لنا خيرًا كثيراً‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله‪ ،‬ثم وضعت عليها ثوباً‪ ،‬ثم أخذت بيده فقالت‪ :‬ضع يدك على هذا المال‪ ،‬فوضع يده‬

‫عليه فقال‪ :‬ل بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن‪ ،‬في هذا بلغ لكم‪ ،‬قالت‪ :‬ول وال ما ترك لنا شيئاً‪ ،‬ولكني أردت أن أسكن الشيخ ))‪.‬‬ ‫أما خروج الرسول صلى ال عليه وسلم وذر التراب على رؤوس المحاصرين‪ :‬فقد أخرجه ابن إسحاق بدون إسناد‬

‫قصة أم معبد و الحتياطات التى اتخذت للهجرة_‬ ‫وطرقها ما بين ضعيفة وواهية إل طريقاً واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها‪ (( :‬لما انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزل بأبي معبد‬ ‫فقال‪ :‬وال ما لنا شاة‪ ،‬وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أحسبه‪ :‬فما تلك الشاة؟ فأتى بها‪ ،‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالبركة عليها‪،‬‬ ‫ثم حلب عُسّا فسقاه‪ ،‬ثم شربوا‪ ،‬فقال‪ :‬أنت الذي يزعم قريش أنك صابئ؟ قال‪ :‬إنهم ليقولون‪ ،‬قال‪ :‬أشهد أن ما جئت به حق‪ ،‬ثم قال‪ :‬أتبعك‪ ،‬قال‪ :‬ل حتى تسمع أنّا قد ظهرنا‪ ،‬فاتبعه بعد‬ ‫))‪.‬‬

‫الترتيبات والحتياطات التي اتخذت للهجرة‪:‬‬ ‫لقد جاءت خطة الهجرة والترتيب لها في غاية الحكام والدقة في أخذ الحيطة وقد تمثلت في النقاط التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬اختيار الصاحب المناسب وهو أبو بكر الصديق اختاره من بين جميع الصحابة كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -2‬التعريض له بالخبر‪ ،‬فلم يقطع له النبي صلى ال عليه وسلم بأمر الصحبة في الهجرة وإنما قال‪ (( :‬لعل ال يجعل لك صاحباً )) كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -3‬إعداد راحلتين قبل مدة طويلة من الهجرة‪ ،‬إذ لو اشترى الراحلتين قبيل الهجرة فربما لفت أنظار قريش إلى ذلك‪ ،‬وماذا يريد أبو بكر بهاتين الراحلتين إل لمر بيته مع محمد؟‬ ‫وبخاصة بعد تفاقم الزمة واشتداد الوحشة بعد بيعة العقبة الثانية‪ ،‬وهذه رواية البخاري‪.‬‬

‫‪ -4‬دفع الراحلتين إلى الدليل قبل الهجرة‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -5‬زيارة أبي بكر كل يوم‪ ،‬فقد كان النبي صلى ال عليه وسلم ل يخطئه يوم أن يأتي أبا بكر غدوة وعشية‪ ،‬وعلى هذا لم يكن المر غريباً على قريش في مجيئه إليه وقت التخطيط‬ ‫للهجرة‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -6‬تغيير الوقت المعتاد للزيارة‪ ،‬ولعل ذلك بسبب الرصد من قبل قريش لزياراته في الوقت المعتاد‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -7‬اختيار الوقت المناسب للزيارة وهو وقت الظهيرة حيث يستظل الناس ويكونون في بيوتهم‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -8‬الخروج إلى أبي بكر متنكرًا بالقناع حتى ل يعرف‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -9‬السرار لبي بكر بخبر الهجرة‪ ،‬وكتمان ذلك عن أهل بيته في بداية المر حيث قال له‪ :‬أخرج من عندك‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -10‬السراع في إعداد الزاد وتجهيزه‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -11‬مبيت علي على الفراش‪ ،‬كما في المسند لحمد‪.‬‬

‫‪ -12‬الخروج من خوخة في ظهر بيت أبي بكر ولم يخرجوا من الباب المعتاد‪ ،‬كما في رواية ابن إسحاق‪.‬‬

‫‪ -13‬الخروج من الطريق المعاكس لطريق المدينة‪ ،‬فالصل أن يخرجوا من جهة الشمال حيث طريق المدينة‪ ،‬فخرجوا جهة الجنوب‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -14‬اختيار الغار حيث البعد عن النظار للختفاء فيه‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -15‬البقاء في الغار ثلثة أيام حتى يسكن الطلب عنهما‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -16‬التخطيط للتعرف على كيد العدو ومتابعته وإعطاء هذا المر أهمية كبيرة‪.‬‬

‫‪ -17‬اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة في متابعة أخبار قريش وترتيباتها للقبض عليهما‪ ،‬فقد اختاروا شاب ًا قد ل يلفت نظرهم‪ ،‬ويمتاز بالذكاء والفطنة فيلتقط كل خبر ول يفوته‬ ‫شيء‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -18‬متابعة الخبار أو ًل بأول حيث يأتي بالخبر كل يوم‪ ،‬فالحدث ل يستحمل التأخير أكثر من هذا‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -19‬ترتيب مجيء المخبر وانصرافه‪ ،‬سواء في وقت المجيء والنصراف‪ ،‬أو في طريقة الذهاب والياب‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -20‬إسناد مهمة التيان باللبن للرجل المناسب وهو الراعي عامر بن فهيرة‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -21‬ترتيب حضور عامر بن فهيرة وانصرافه‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -22‬اتباع عامر بن فهيرة أثر عبد ال بن أبي بكر بالغنم حتى تعمي أثره‪ ،‬كما هو عند ابن إسحاق‪.‬‬

‫‪ -23‬اختيار الدليل ذي الكفاءة العالية‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -24‬الخروج من الغار آخر الليل‪ ،‬كما في البخاري وعند موسى بن عقبة‪.‬‬

‫‪ -25‬سلوك طريق غير الطريق المعتاد للمدينة‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -26‬اصطحاب عامر للخدمة‪.‬‬

‫‪ -27‬مواصلة السير بدون توقف‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -28‬تأخير وقت الراحة‪ ،‬كما في البخاري‪.‬‬

‫‪ -29‬حمل أبي بكر جميع ماله‪ ،‬ومن فوائد ذلك أن أبا بكر كان رجلً غنياً فربما لحقهم الطلب فاستطاع أن يفدي أنفسهما بذلك المال‪ ،‬وكان مبلغاً كبيراً قدر بخمسة آلف‪ ،‬كما عند ابن‬ ‫إسحاق‪ ،‬وتقدير المبلغ رواه أحمد والحاكم‪.‬‬

‫الدروس والعظات من الهجرة_‬ ‫‪ -1‬تقدم إسلم آل أبي بكر (( لم أعقل أبوي إل وهما يدينان الدين ))‪.‬‬

‫‪ -2‬اهتمام أبي بكر بأهل بيته وإصلحهم والبدء بهم قبل غيرهم‪.‬‬

‫‪ -3‬منـزلة أبي بكر من النبي صلى ال عليه وسلم وصلته الوثيقة به‪ ،‬ومعايشته لمر الدعوة منذ بزوغ فجرها‪ ،‬فقد كان عليه الصلة والسلم يزوره كل يوم مرتين‪.‬‬

‫‪ -4‬إن تفكير أبي بكر في الخروج من مكة مهاجرًا لوحده مع منـزلته وأهميته للدعوة وصلته الوثيقة بالرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ليكشف عن مدى الذى والشدة التي تلحقها‬ ‫قريش بالمسلمين‪ ،‬هذا مع أن أبا بكر من الشراف ومن الذين يجدون منعة في قومهم فكيف بالضعفاء والعبيد!!‪.‬‬

‫‪ -5‬أن أمن الدين هو الصل عند المسلم فإن وجد عليه خطرًا دفع بلده وماله وأهله حماية لدينه‪ ،‬ولهذا خرج أبو بكر مهاجرًا وحده تارك ًا كل شيء خلف ظهره يطلب المان لدينه‬ ‫ودعوته‪.‬‬

‫‪ -6‬بلد المسلم ووطنه هو الذي يتمكن فيه من إظهار دينه ودعوته فيه‪ ،‬ولهذا خرج أبو بكر على الرغم من أفضلية بلده على سائر البلدان‪ ،‬وعلى المسلم أن ل يركن إلى الذل والهوان‬ ‫بل يعمل تفكيره في الخروج من الحصار المضروب على دينه ودعوته‪ ،‬ويبحث عن موطن موافق أو مسالم لها‪ ،‬حتى يتمكن من تحقيق عبوديته ل تعالى‪.‬‬

‫‪ -7‬التقارب والتشابه بين صفات الرسول صلى ال عليه وسلم وصفات أبي بكر‪ ،‬فالرسول صلى ال عليه وسلم قالت له خديجة‪ (( :‬كل وال ل يخزيك ال أبداً‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪،‬‬

‫وتحمل الكل‪ ،‬وتقري الضيف‪ )) ...‬وأبو بكر يقول له ابن الدغنة‪ (( :‬مثلك يا أبا بكر ل يخرج ول يخرج‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتقري الضيف‪.)) ...‬‬

‫‪ -8‬ينبغي للمسلم أن ينافس على خصال الخير المتعدية فإن هذا أدعى لرضا ال تعالى عنه‪ ،‬وقبول الخلق ما لديه‪ ،‬وكما قيل في وصف أهل السنة والجماعة (( أعلم الناس بالحق‬ ‫سبُ ُه قَالَ‬ ‫لّ َوَأحْ ِ‬ ‫سبِيلِ ا ِ‬ ‫علَى ا َلْ ْر َملَ ِة وَالْمِسْكِينِ كَالْ ُمجَا ِه ِد فِي َ‬ ‫ن ال ّنبِيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ السّاعِي َ‬ ‫عِ‬ ‫عنْ َأبِي ُه َريْ َر َة َ‬ ‫وأرحمهم للخلق )) ونفع الناس أعظم من نوافل العبادات (( َ‬ ‫طرُ ))‪.‬‬ ‫وَكَالْقَائِمِ َل َيفْ ُت ُر وَكَالصّائِمِ َل ُي ْف ِ‬

‫‪ -9‬إن العمال المتعدية تكسب الثقة والمنـزلة في قلوب الناس مهما كانوا‪ ،‬فالناس ل ينظرون إلى العبادات الشخصية بقدر ما يراعون تجاوب الرجل مع مشاكلهم‪ ،‬ومشاركته الفاعلة‬ ‫في حياتهم‪.‬‬ ‫فأبو بكر كسب ثقة ابن الدغنة وهو مشرك‪ ،‬فأجاره ورد على قريش على مل منهم‪ ،‬ولم يستطيعوا التنكر لذلك لشهرة تلك الصفات عن أبي بكر‪.‬‬

‫‪ -10‬تقدير العرب للعادات الكريمة والصفات الحميدة وقيام العظماء والشرفاء في صف صاحبها‪ ،‬وهذا يفسر قول الرسول صلى ال عليه وسلم‪ (( :‬إنما بعثت لتمم مكارم الخلق ))‬ ‫ث َيجْ َعلُ رِسَالَتَهُ} (النعام‪.)124 :‬‬ ‫حيْ ُ‬ ‫علَمُ َ‬ ‫()‪ ،‬وقول ال تعالى‪{ :‬الُ َأ ْ‬

‫‪ -11‬الستفادة من تقاليد المجتمع وأنظمته في خدمة الدعوة بما ل يتعارض مع أوامر ال ورسوله‪ ،‬فقد تجاوب أبو بكر مع ابن الدغنة‪ ،‬واستفاد من جواره‪ ،‬ورجع إلى بيته‪.‬‬

‫‪ -12‬مصادرة صوت الحق وتجفيف منابعه‪ ،‬فالكفار لم يكتفوا بتشويه صورة الرسول صلى ال عليه وسلم وأتباعه‪ ،‬وبث الدعايات الكاذبة عليهم‪ ،‬وإيراد اليرادات الواهية على‬ ‫منهجه وتعاليمه‪ ،‬لنهم يعلمون أن الناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم‪ ،‬بل إن أول الناس بعدًا عن القتناع بطرحهم هم أبناؤهم ونساؤهم‪ ،‬فالدعايات ل تغير كل قناعات‬ ‫الناس‪ ،‬ولهذا وعلى الرغم من تلك المحاربة العلمية والعقبات الكبيرة التي وضعتها قريش أمام الدعوة‪ ،‬فإنها تخشى على أبنائها ونسائها من سماع صوت الحق فيقتنعوا به‪.‬‬

‫‪ -13‬الكفار وأهل الباطل يصادرون حريات التفكير ول يجعلون للناس مجا ًل للختيار‪ ،‬أو فرصة في المعرفة‪ ،‬بل يعتبرون سواهم ليسوا على مستوى معرفة المصالح والمفاسد‪،‬‬ ‫ويجعلون لهم وحدهم تلك المعرفة وما على المجتمع إل اتباعهم والنقياد لما يرسمون ويخططون لهم‪ ،‬فهم يفكرون عنهم ويوقعون بالنيابة عنهم ويسالمون ويعادون بالوكالة!! وإل‬ ‫فيا معشر قريش أليس أبناؤكم وعبيدكم ونساؤكم منكم فلِمَ تمنعونهم من سماع صوت الحق أم ليسوا على مستوى النقد والتمييز مثلكم‪.‬‬ ‫وفي هذا درس لهل العلم والدعوة‪ ،‬فل ينبغي أن يضيرهم تشويه صورتهم وإيذاؤهم‪ ،‬ومصادرة حرياتهم وكلماتهم‪ ،‬فيسري إليهم اليأس فيتصوروا عدم قبول الناس لهم بسبب تلك‬ ‫الدعايات المضللة‪ ،‬فهاهم أبناء قريش ونساؤهم يغدون على أبي بكر لسماع القرآن الذي طالما سمعوا الكلم الباطل فيه وطالما حاولت قريش التشويش عليه!!‪.‬‬ ‫فمهما بلغت دعايات أهل الباطل واتهاماتهم ومحاربتهم للدين وللدعوة فإن للحق طلباً‪ ،‬والناس ليس كلهم إمعات يقبلون كل ما يقال لهم‪ ،‬فدعايات الباطل لم تؤثر في نساء قريش‬ ‫وأبنائهم فضلً عن الخرين‪.‬‬

‫‪ -14‬الجهر بالحق والدعوة إليه هو الصل في هذا الدين‪ ،‬والستسرار والكتمان والختفاء بالعبادة طارئ يلجأ إليه لوقت محدود‪ ،‬ولظرف طارئ‪ ،‬ولمصلحة راجحة‪ ،‬أما أن يبقى‬ ‫المسلم دائمًا مختفيًا فهذا يتنافى مع دعوته التي أمر أن يخرج الناس بها من الظلمات إلى النور‪ ،‬وإن تعرض للذى‪ ،‬ولهذا بنى أبو بكر مسجدًا بفناء بيته واستعلن في صلته‬ ‫وقراءته‪.‬‬

‫‪ -15‬إن جميع الكفار في كل العصور على اختلف مللهم ونحلهم ل يمانعون من قيام الرجل بعبادة فردية داخل منـزله ول يعلن بذلك‪ ،‬لنهم يعلمون زيف معتقدهم وفساد منهجهم‬ ‫وضمور آرائهم‪ ،‬وأنه يمكن تحطيمها بمجرد العلن بقراءة القرآن بفناء البيت‪ ،‬فمبادئهم ل تقف لحظة أمام الحق‪ ،‬كالظلم الضارب أطنابه على الرض سرعان ما ينقشع أمام شعلة‬ ‫النور‪.‬‬

‫‪ -16‬لقد فزعت قريش من تأثر الناس بأبي بكر وصلته وهو ل يملك أي وسيلة إعلمية‪ ،‬ولم يتقدم بدعوة أحد‪ ،‬أو يعقد مجلس مناظرة أو حوار مع ذرياتهم‪.‬‬

‫‪ -17‬وصف الكفار وأهل الباطل لكل ما يخالف هواهم ومذهبهم بأنه فتنة للناس‪ ،‬قالت قريش عن أبي بكر‪ (( :‬فإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا )) فأبو بكر يثير الفتن في مفهوم‬ ‫قريش العقيم‪ ،‬فالكفار ل يبالون بالتزوير وتغيير الحقائق وإطلق اللفاظ غير المحسوبة على ما يشاؤون‪ ،‬وإل متى كان الحق والخير والصلح فتنة للنساء والبناء‪.‬‬

‫‪ -18‬يعتبر من صلى جهارًا وقرأ القرآن علنية ولوكان داخل فناء منـزله قد تعدى وتجاوز في نظر قريش فترفع لبن الدغنة احتجاجها بأن أبا بكر‪ (( :‬قد جاوز ذلك فابتنى مسجداً‬ ‫بفناء داره ))‪.‬‬

‫‪ -19‬عجب ًا لهل الباطل ل يكفيهم حكم الرض ومن عليها‪ ،‬بل يرون أن لهم الحق حتى في تفكير الناس وآرائهم وليس لهم الحق حتى في قراءاتهم في منازلهم‪ ،‬فقريش لن تقر لبي‬ ‫بكر أن يقرأ بفناء بيته ولنفسه‪ ،‬فهي تقول لبن الدغنة‪ (( :‬ولسنا بمقرين لبي بكر الستعلن )) وقد أراد فرعون أن يتحكم في القلوب كما قال للسحرة لما آمنوا‪ :‬في قوله تعالى‪:‬‬ ‫{آمنتم له قبل أن آذن لكم}‪.‬‬

‫‪ -20‬يضفي أهل الضلل القداسة على مبادئهم وعاداتهم وتقاليدهم الباطلة‪ ،‬ويوقعون العقوبة على من خالفها‪ ،‬ولكن متى بدت لهم مصلحة أو لح لهم في الفق منفعة ضربوا‬ ‫بأنظمتهم عرض الحائط‪ ،‬وعندهم استعداد للنقسام والنشطار متى ما تعرضت مصالحهم للخطر‪ ،‬فعند ذلك فل عهد ول ذمة وإن كان المخالف من الرفاق والصحاب‪ ،‬فهذه قريش‬ ‫تنوي خفر ذمة ابن الدغنة ونبذ عهده لمجرد مخالفة بسيطة في المعاهدة‪ ،‬فبدلً من أن يصلي أبو بكر داخل البيت صلى في فناء البيت‪ ،‬فطلبوا ابن الدغنة وقالوا له في صيغة التهديد‪:‬‬ ‫(( فإنا كرهنا أن نخفرك ))‪.‬‬

‫‪ -21‬قد يقوم فاجر بالحدب على المسلم والدفاع عنه وقد يبدي احترامه لفكرته أو رأيه‪ ،‬ولكن مما ينبغي التفطن له أن هذا ل يكون إل بصورة محدودة وبما ل يتعارض مع مصلحته‬ ‫وسمعته‪ ،‬وأنه عنده الستعداد للتخلي عن حمايته بمجرد تعرض سمعته إلى خطر‪ ،‬فهذا ابن الدغنة لما هددته قريش بسمعته طلب من أبي بكر رد جواره وقال له‪ (( :‬فإني ل أحب أن‬ ‫تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له ))‪.‬‬

‫‪ -22‬التوكل على ال والنتصار به واللتجاء إليه والثقة بنصره هو معتقد المسلم الذي ل يفارقه أبداً‪ ،‬مع الشجاعة ونبذ الخوف من المخلوقين ما دام يأوي إلى ركن شديد قال أبو بكر‬ ‫ل فَ ْل َي َتوَ ّكلِ ال ُم َتوَكّلُونَ} (إبراهيم‪ ،)12 :‬وقال‪َ { :‬و َتوَ ّكلْ‬ ‫علَى ا ِ‬ ‫سبُهُ} (الطلق‪ ،)3 :‬وقال‪َ { :‬و َ‬ ‫ل َف ُهوَ حَ ْ‬ ‫علَى ا ِ‬ ‫ن َي َتوَ ّك ْل َ‬ ‫لبن الدغنة (( أرد جوارك وأرضى بجوار ال )) قال تعالى‪{ :‬وَ َم ْ‬ ‫علَى الحَيّ اّلذِي ل يَمُوتُ} (الفرقان‪ ،)58 :‬وفي البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ (( :‬حسبنا ال ونعم الوكيل‪ ،‬قالها إبراهيم صلى ال عليه وسلم حين ألقي في النار‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وقالها محمد صلى ال عليه وسلم حين قالوا‪ :‬إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمان ًا وقالوا‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل ))‪.‬‬

‫‪ -23‬لقد أذن الرسول صلى ال عليه وسلم لصحابه بالهجرة ولم يختر صاحب ًا له في الهجرة غير أبي بكر‪ ،‬وفي هذا دللة على عظم الصلة وقوة الرابطة بينه وبين الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ (( :‬على رسلك‪ ،‬فإني أرجو أن يؤذن لي ))‪.‬‬

‫‪ -24‬لقد تجهز أبو بكر للهجرة ثانية بنفسه إلى المدينة‪ ،‬ولكن بعدما عرّض له الرسول صلى ال عليه وسلم بالصحبة جلس وتحمل الذى والعنت والتعب من قريش طاعة لرسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ورغبة في مصاحبته (( فحبس أبو بكر نفسه على رسول ال ليصحبه ))‪.‬‬

‫‪ -25‬مبادرة أبي بكر في الترتيب لمر الهجرة‪ ،‬وبذل المال في خدمة دعوته بدون طلب من الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد قام مباشرة بعد تعريض الرسول صلى ال عليه وسلم له‬ ‫بالصحبة بتعليف راحلتين كانتا عنده‪ ،‬إذ مثل هذا من بدهيات الهجرة فل تحتاج إلى أمر يتلقاه من الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وفي هذا بيان بأن الرسول صلى ال عليه وسلم لم‬ ‫يكن يربيهم تربية العبيد تربية الخنوع وإلغاء العقل مع المتبوع‪.‬‬

‫‪ -26‬مقابلة التخطيط بالتخطيط‪ ،‬والتنظيم بالتنظيم‪ ،‬والترتيب بالترتيب‪ ،‬فقريش تخطط وترتب لليقاع بالدعوة‪ ،‬بينما الرسول صلى ال عليه وسلم يخطط ويرتب للنجاة بها‪ ،‬وهذا‬ ‫يوضح أن الستسرار فيما يخدم السلم بما ل يتعلق به بلغ ول بيان ول يترتب على إسراره كتمان للدين أو سكوت عن حق من سنة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ول يتعارض التخطيط وأخذ الحيطة مع التوكل على ال تعالى‪ ،‬لن الخذ بالسباب جزء من التوكل على ال تعالى‪.‬‬

‫‪ -27‬وإن من أعظم مظاهر التضحية في هذه الهجرة أن يغادر النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنون هذا البلد المين الحبيب إلى قلوبهم ‪-‬بل وإلى قلوب جميع المسلمين‪ -‬مغادرة‬ ‫يعلمون أن ل استقرار لهم فيه بعدها‪ ،‬وهذا من أشق المور على النفس‪ ،‬ولكن رجال العقيدة يسترخصون في سبيلها كل غال‪.‬‬ ‫ولقد عبر النبي صلى ال عليه وسلم عن هذا المعنى ‪-‬معنى صعوبة مغادرة مكة وفراقها فراق ًا ل سكنى بعده‪ -‬في العديد من المواقف المؤثرة‪.‬‬ ‫عن عبد ال بن عدي بن حمراء الزهري قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم واقف ًا على الحَزْورة فقال‪ (( :‬وال وال إنك لخير أرض ال‪ ،‬وأحب أرض ال إلى ال‪ ،‬ولول أني‬ ‫أخرجت منك ما خرجت ))‪.‬‬

‫‪ -28‬تربية أبي بكر رضي ال عنه لسرته على المانة ونصرة هذا الدين وإحاطته وحفظه وبذل ما يملكون في سبيل ذلك‪ ،‬وكان واثقاً أتم الثقة بتربيته فقال للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم لما أمره بإخراج من عنده‪ (( :‬ل عين عليك ))‪ (( ،‬إنما هم أهلك يا رسول ال ))‪.‬‬

‫‪ -29‬الرغبة في مصاحبة أهل الخير مهما ترتب على ذلك من أخطار‪ ،‬قال أبو بكر للرسول صلى ال عليه وسلم‪ (( :‬الصحبة يا رسول ال ))‪.‬‬

‫‪ -30‬منـزلة الرسول صلى ال عليه وسلم عند أبي بكر أوصلته إلى البكاء من الفرح لما أخبره بمصاحبته في الهجرة‪.‬‬

‫‪ -31‬الرغبة في المساهمة في طريق الخير وعدم العتماد على الخرين في ذلك‪ ،‬فالرسول صلى ال عليه وسلم أبى أن يركب راحلة ليست له حتى اشتراها من أبي بكر بالثمن‪ ،‬حتى‬ ‫تكون هجرته بماله ونفسه رغبة في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالهما‪.‬‬

‫‪ -32‬أسرة أبي بكر تشارك بمجموعها في إنجاح خطة الهجرة النبوية‪.‬‬

‫‪ -33‬الستفادة من خبرات وطاقات المجتمع وتوظيفها في المجالت المناسبة‪ ،‬فعبد ال بن أبي بكر للخبار‪ ،‬وعامر للشراب‪ ،‬وأسماء وعائشة لتجهيز الطعام وهكذا‪.‬‬

‫‪ -34‬الستفادة من خبرات المشركين إذا أمن حالهم‪ ،‬ولم يكن لهم شوكة في التأثير على القرار‪ ،‬وعرفوا واشتهروا بما يراد منهم‪ ،‬ولم يكن أحد من المسلمين يسد هذه الوظيفة‪،‬‬ ‫وكانت عاداتهم وتقاليدهم تفرض عليهم المانة في أداء تلك المهمة‪.‬‬

‫‪ -35‬اتخاذ السباب والحتياطات التامة‪ ،‬ثم التوكل على ال تعالى والثقة المطلقة به والطمئنان لنصره‪ ،‬وعدم التكال على السباب ذاتها‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول ال لو أن بعضهم‬ ‫طأطأ بصره رآنا قال‪ (( :‬ما ظنك باثنين ال ثالثهما ))‪.‬‬

‫‪ -36‬إن نصر ال فوق كل نصر‪ ،‬وقدرة ال فوق كل قدرة‪ ،‬وأمر ال فوق كل أمر‪ ،‬وتأييده يتحدى كل قدرات البشر وطاقاتهم‪ ،‬فهذه قريش صاحبة السلطة وتحت يدها السلح والرجال‬ ‫والموال ومع ذلك لم تستطع أن تهتدي إليهم في الغار‪.‬‬

‫‪ -37‬اهتمام أبي بكر بالرسول صلى ال عليه وسلم وإيثاره على نفسه‪ ،‬فقد ذهب يبحث له في الطريق عن ظل يقيل فيه‪.‬‬

‫‪ -38‬لقد استولت سلمة الرسول صلى ال عليه وسلم على جل تفكير أبي بكر‪ ،‬فما أن وجد ظلً يقيل فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم إل وقام بتجهيزه وتنظيفه حتى يضطجع فيه‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أما هو فقد نسي نفسه من القيلولة وذهب ينظر (( هل يرى من طلب ))‪.‬‬ ‫‪ -39‬الدب الجم وحسن المخاطبة مع المانة يتجلى ذلك في مخاطبة أبي بكر لراعي قريش لعله يحلب لهم‪ ،‬مع أن الركب في حال حرب مع قريش وقد سطت قريش على أموال‬ ‫المسلمين وبيوتهم‪.‬‬

‫‪ -40‬اهتمام أبي بكر بغذاء الرسول صلى ال عليه وسلم من حيث النظافة والحالة الجيدة وتقديمه على نفسه في ذلك مع فرحه بشربه‪ ،‬على الرغم مما هو فيه من الشدة والخوف‪،‬‬ ‫فقد أمر الراعي بتنظيف يديه‪ ،‬ثم جعل الحليب في إناء برّده فيه‪ ،‬ثم جاء به إلى النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ (( :‬ثم شرب حتى رضيت ))‪.‬‬

‫‪ -41‬أدب أبي بكر في مخاطبته للرسول صلى ال عليه وسلم (( آن الرحيل يا رسول ال ))‪.‬‬

‫‪ -42‬تعميم قريش على جميع القبائل في القبض على الرسول صلى ال عليه وسلم وصحبه‪.‬‬

‫‪ -43‬بذل قريش المال لرصد المعلومات ومضايقة الخيار وهذا أسلوب يستمال به ضعاف النفوس‪.‬‬

‫‪ -44‬رصد جائزة كبيرة لمن أتى بهم‪ ،‬ول شك أن هذه الجائزة ل يفي بها مال رجل واحد من قريش‪ ،‬وإنما أثقلت كاهل عدد من الشراف‪ ،‬ولكن ل بأس بذلك ما دام الهدف هو القضاء‬ ‫على السلم‪ ،‬فلترصد ميزانية هذا العام وليعش الناس في تقشف‪ .‬قال سراقة‪ (( :‬جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول ال وأبي بكر دية كل واحد منهما ))‪.‬‬

‫‪ -45‬من الدلئل على أن الجائزة المرصودة مغرية استنفار جميع القبائل للبحث عنهما‪ ،‬وتعتيم سراقة على قومه حتى يحظى بها وحده‪.‬‬

‫‪ -46‬نجاح خطة وترتيبات الهجرة النبوية‪ ،‬فعلى الرغم من حرص قريش وتعميمها على القبائل وبذل الموال في سبيل ذلك إل أنه لم يدركهم منهم أحد غير سراقة‪.‬‬

‫‪ -47‬لقد كان أبو بكر قلق ًا على حياة رسول ال من أن يصيبها أذى‪ ،‬ولذلك يكثر اللتفات‪ ،‬أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد كان واثقاً من نصر ربه له‪ ،‬مطمئناً إلى ذلك لم يعبأ‬ ‫ح َزنْ ِإنّ الَ مَ َعنَا} (التوبة‪.)) )40 :‬‬ ‫بالخطر مع قربه منه‪ ،‬ولم يستحق منه مجرد اللتفات‪ ،‬قال أبو بكر‪ (( :‬هذا الطلب قد لحقنا يا رسول ال فقال‪{ :‬ل َت ْ‬

‫‪ -48‬لقد قرب سراقة منهم وأصبح الخطر قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬ولكن ل يأس من نصر ال ورحمته وحمايته‪ ،‬إن نصر ال يأتي العبد من حيث لم يحتسب‪ ،‬وحين يشتد الخطر يقرب‬ ‫ظنّوا َأ ّنهُ ْم قَدْ ُك ِذبُوا‬ ‫س ُل َو َ‬ ‫س َت ْيئَسَ الرّ ُ‬ ‫حتّى ِإذَا ا ْ‬ ‫سرًا} (الشرح‪ ،)6- 5 :‬وقال‪َ { :‬‬ ‫س ِر يُ ْ‬ ‫سرِ يُسْراً‪ِ .‬إنّ مَعَ العُ ْ‬ ‫الفرج قال سراقة‪ (( :‬فعثرت بي فرسي فخررت عنها )) قال تعالى‪َ { :‬فِإنّ مَعَ العُ ْ‬ ‫صرُنَا} (يوسف‪.)110 :‬‬ ‫جَاءَهَ ْم َن ْ‬ ‫ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها ل تفرج‬ ‫اشتدي أزمة تنفرجي قد آن ليلك بالبلج‬

‫‪ -49‬أصحاب العقائد والمذاهب الباطلة عندهم استعداد للتخلي عن مبادئهم عند أي مصلحة تلوح في الفق‪ ،‬فليس لهم مبدأ يحكمهم‪ ،‬ول عقيدة يلتزمون بها تنظم حياتهم وتوجههم‪،‬‬ ‫فالستقسام بالزلم واتباعها من عقائد المشركين‪ ،‬ولكن ها هو سراقة يستقسم بالزلم هل يضر الرسول صلى ال عليه وسلم وصحبه فيخرج ل يضرهم‪ ،‬يفعل ذلك مرارًا فيخرج‬ ‫الذي يكره‪ ،‬فيعصي الزلم ويلحق بهم لن مصلحته تقتضي ذلك‪.‬‬

‫‪ -50‬القرآن الكريم زاد المسلم في كل حال‪ ،‬فهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم مع شدة الحال وقرب الخطر منه يقرأ القرآن وينشغل به حتى قرب منه سراقة وسمع تلوته‪.‬‬

‫‪ -51‬إذا جاء نهر ال بطل نهر معقل كما يقال‪ ،‬ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل ال من حال إلى حال‪ ،‬فهذا سراقة يتحول من ملحق لهم إلى مخبر عن كل ما يكاد لهم من مكائد‪،‬‬ ‫قال سراقة‪ (( :‬فأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم )) وهكذا نصر ال وتأييده ينقلب به العدو المطارد لهم إلى ناصح معين‪.‬‬

‫‪ -52‬استغناء الرسول صلى ال عليه وسلم عن متاع سراقة وزاده على الرغم من عرضه عليهم ذلك‪ ،‬قال سراقة‪ (( :‬وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني‪ ،‬ولم يسألني )) وهذأ‬ ‫ف سامٍ ينبغي على سراقة أن يعمل ذهنه فيه‪.‬‬ ‫برهان عظيم لسراقة بأن الرسول صلى ال عليه وسلم لم تكن تقوده مصلحة دنيوية ومطلب مادي‪ ،‬وإنما يسعى لهد ٍ‬

‫‪ -53‬توظيف الرسول صلى ال عليه وسلم لسراقة فيما يخدم الهجرة ول يضير المسلمين إن لم يفعل‬ ‫ذلك وهو إخفاء أثرهما عن الناس‪ ،‬فلم يعطه سراً ولم يكل إليه عملً مهماً‪.‬‬ ‫‪ -54‬فراسة سراقة وبعد نظره‪ ،‬فقد طلب من الرسول صلى ال عليه وسلم كتاب أمان وهو المطارد الملحق‪.‬‬

‫‪ -55‬لقد مل الرسول صلى ال عليه وسلم قلبه وجوارحه ثقة بال تعالى وتأييده ونصره له فيكتب لسراقة كتاب أمان ولم يقل كيف تطلب ذلك مني وأنا الشريد المطارد‪.‬‬

‫‪ -56‬توجه الصحابة إلى التجارة والستغناء عن الخلق والعتماد على النفس‪ ،‬وتمويل الدعوة ذاتياً‪ ،‬فقد خرج الزبير مع بعض المسلمين تجارًا إلى الشام وفي طريق رجوعهم التقوا‬ ‫بالرسول صلى ال عليه وسلم وهو في طريق الهجرة‪.‬‬

‫‪ -57‬شدة اهتمام النصار بالهجرة النبوية‪ ،‬وترقبهم لوصول القافلة الشريفة‪ ،‬واتخاذ جميع الترتيبات والحتياطات المنية لستقباله‪.‬‬

‫‪ -58‬وفي إلحاح والد البراء بن عازب على أبي بكر بإخباره بأمر الهجرة دللة على اهتمام الصحابة بسيرة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -59‬ل بأس بالحديث عن العمل الصالح إذا عزم عليه أخوه المسلم‪ ،‬وكان يرجى من ذكره النفع والفائدة‪ ،‬كما عزم عازب على أبي بكر بذلك وتحديث أبي بكر له بأمر الهجرة‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أصحاب الرسول‬ ‫أبو بكر الصديق‬ ‫عمر ابن الخطاب‬ ‫عثمان ابن عفان‬ ‫علي بن ابي طالب‬ ‫أبو مريم الحنفي‬ ‫أبو مسعود البدري‬ ‫أبو مطرف سليمان بن صرد‬ ‫أبو نائلة النصاري‬ ‫أبو هريرة‬ ‫أبوأمامة الباهلي‬ ‫أبو عبيدة‬ ‫أبي بن كعب‬ ‫أبي بن كعب بن عبد ثور‬ ‫أروى بنت عبد المطلب‬ ‫أسامة بن زيد‬ ‫أسعد بن زرارة‬ ‫أسماء بنت أبي بكر‬ ‫أسماء بنت عميس‬ ‫أسماء بنت يزيد‬ ‫أسيد بن حضير‬ ‫أم الدرداء الكبرى‬ ‫جويرية بنت الحارث‬ ‫أم أيمن‬ ‫أم حارثة‬ ‫أم حرام بنت ملحان‬ ‫أم ذر‬ ‫أم رومان‬ ‫أم سليم‬ ‫أم عمارة نسيبة بنت كعب‬

‫أم كلثوم بنت النبي صلى ال عليه وسلم‬ ‫أم معبد الخزاعية‬ ‫أم هانئ‬ ‫أنس بن النضر‬ ‫أنس بن مالك‬ ‫بريدة بن الحصيب‬ ‫بريرة‬ ‫بلل بن رباح‬ ‫تميم الداري‬ ‫ثابت بن قيس بن شماس‬ ‫ثعلبة بن حاطب‬ ‫ثمامة بن أثال‬ ‫ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫جابر بن عبد ال‬ ‫جرير بن عبد ال بن جابر البجلي‬ ‫جعفر بن أبي طالب‬ ‫جليبيب‬ ‫حارثة بن سراقة‬ ‫حاطب بن أبي بلتعة‬ ‫حذيفة بن اليمان‬ ‫حرام بن ملحان‬ ‫حسان بن ثابت‬ ‫حكيم بن حزام‬ ‫حليمة السعدية‬ ‫حمزة بن عبد المطلب‬ ‫حمنة بنت جحش‬ ‫خالد بن الوليد‬ ‫خباب بن الرتّ‬ ‫خبيب بن عدي‬ ‫خديجة ‪ -‬أم المؤمنين‬ ‫خولة بنت ثعلبة‬ ‫رافع بن خديج‬ ‫ربعي بن عامر‬ ‫ربيعة بن كعب السلمى‬ ‫رقية بنت النبى صلى ال عليه وسلم‬ ‫رملة بنت أبي سفيان‬ ‫زيد بن الخطاب‬ ‫زيد بن أرقم بن زيد‬ ‫زيد بن ثابت‬ ‫زيد بن حارثة‬ ‫زينب بنت جحش‬ ‫سارية‬ ‫سالم مولى أبي حذيفة‬ ‫سباع بن عرفطة‬ ‫سعد بن الربيع بن عمرو النصاري‬ ‫سعد بن أبي وقاص‬ ‫سعد بن عبادة النصاري‬ ‫سعد بن معاذ‬ ‫سعيد بن زيد‬ ‫سعيد بن عامر‬ ‫سفينة مولى الرسول‬ ‫سلمان الفارسي‬ ‫سلمة بن الكوع‬ ‫سليط بن قيس‬ ‫سمرة بن جندب‬ ‫سهل بن حنيف‬ ‫سواد بن غزية‬ ‫سويد بن مقرن‬ ‫شرحبيل بن حسنة‬ ‫شهر بن باذام‬ ‫صفية بنت حيي بن أخطب‬ ‫صفية بنت عبد المطلب‬ ‫صهيب بن سنان‬ ‫ضرار بن الزور‬ ‫ضماد بن ثعلبة‬ ‫طلحة بن عبيد ال‬ ‫عائشة بنت أبي بكر ‪ -‬أم المؤمنين‬ ‫عاصم بن ثابت بن أبي القلح‬ ‫عباد بن بشر‬ ‫عبادة بن الصامت‬

‫عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‬ ‫عبد الرحمن بن خالد بن الوليد‬ ‫عبد ال بن أبي بكر الصديق‬ ‫عبد الرحمن بن عوف‬ ‫عبد ال بن الزبير بن العوام‬ ‫عبد ال بن أم مكتوم‬ ‫عبد ال بن جحش‬ ‫عبد ال بن حذافة‬ ‫عبد ال بن حرام‬ ‫عبد ال بن رواحة‬ ‫عبد ال بن سلم بن الحارث‬ ‫عبد ال بن عباس‬ ‫عبد ال بن عتيك النصاري‬ ‫عبد ال بن عمر‬ ‫عبد ال بن عمرو‬ ‫عبد ال بن مسعود‬ ‫عتاب بن أسيد‬ ‫عتبة بن غزوان المازني‬ ‫عثمان بن مظعون‬ ‫عدي بن حاتم الطائي‬ ‫عرباض بن سارية السلمي‬ ‫عرفجة بن حرثمة البارقي‬ ‫عروة بن مسعود‬ ‫عطارد بن حاجب‬ ‫عقيل بن أبي طالب الهاشمي‬ ‫عكاشة بن محصن‬ ‫عكرمة بن أبي جهل‬ ‫علقمة بن زيد‬ ‫عمار بن ياسر‬ ‫عمران بن حصين الخزاعي‬ ‫عمرو بن الجموح‬ ‫عمرو بن العاص‬ ‫عمرو بن مالك ‪ -‬ملعب السنة‬ ‫عمير بن أبي وقاص الزهري‬ ‫عياش بن أبي ربيعة‬ ‫عياض بن غنم الشعري‬ ‫غالب بن عبد ال الكناني الليثي‬ ‫فاطمة بنت رسول ال‬ ‫فيروز الديلمي‬ ‫قتادة بن النعمان بن زيد الوسي البدري‬ ‫ُقثَم بن العباس بن عبد المطلب‬ ‫كعب بن مالك‬ ‫مارية القبطية‬ ‫ماعز بن مالك السلمي‬ ‫مجزأة بن ثور‬ ‫مسطح بن أثاثة‬ ‫مصعب بن عمير‬ ‫معاذ بن عفراء‬ ‫معاوية بن الحكم‬ ‫معاوية بن حديج‬ ‫معوذ بن عفراء‬ ‫ميمونة بنت الحارث‬ ‫نعيم النحام‬ ‫نعيم بن مسعود‬ ‫هاشم بن عتبة‬ ‫هلل بن أمية‬ ‫هند بنت عتبة‬ ‫وبر بن يحنس‬ ‫وبرة بن سنان‬ ‫وحشى‬ ‫يزيد بن أبي سفيان‬ ‫عمير بن الحمام‬

‫ملحظه‪ :‬هناك ما يقارب من ‪ 30‬صاحب للرسول لم يتم كتابتهم بعد إذا استطعت الحصول عليهم سانشرهم انشاء ال‬ ‫طبعا الموضوع ليه جزء تاني هجيبوا خلل اليومين الجايين و هما ‪ 3‬اجزاء اللي فاضلين و هما‪:‬‬

‫‪ -1‬معجزات الرسول‬ ‫‪ -2‬غزوات الرسول‬ ‫‪ -3‬وفات الرسول‬

More Documents from "HASHIM ALFARAN"

December 2019 17
Stories Of Hope
April 2020 6
May 2020 27
Penyelesaian Masalah.docx
December 2019 32