الإسلام والعقل والتناقض المزعوم

  • Uploaded by: zeidan
  • 0
  • 0
  • April 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View الإسلام والعقل والتناقض المزعوم as PDF for free.

More details

  • Words: 11,280
  • Pages: 30
‫الدين ‪ -‬السلم‬ ‫العقل ‪ -‬السلم‬

‫والتناقض المزعوم!!‬ ‫تحليل ونقدٌ لبرز النقاط التي كتبها د‪ .‬المزوغي‬ ‫(أستاذ الفلسفة بعهد الدراسات العربية والسلمية‪ .‬روما)‬ ‫في مقالته‬ ‫جدلية العقلنية والحرب بين المسيحية والسلم‪ :‬موقف‬ ‫فلسفي‬

‫المنشورة في موقع "جدل"‬

‫___________________________‬ ‫كتبه‬

‫سعيد فودة‬

‫‪1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫مقدمة‬ ‫الحمسد ل رب العالميسن‪ ،‬والصسلة والسسلم على سسيدنا محمسد أفضسل النسبياء والمرسسلين‪،‬‬ ‫وبعد‪،‬‬ ‫فإن العديد من الناس يزعم وجود التعارض بين العقل أو العلم وبين الدين‪ ،‬ويبني على ذلك‬ ‫أساطير الخِرين‪ ،‬المشابهة لساطير الولين‪ ،‬ويستلزم استحالة جواز اتباع الديان‪ ،‬ول يفرق‬ ‫بين دين وآخر!‬ ‫و كل وا حد من أ صحاب هذا التجاه يعت مد على جا نب من الجوا نب ال تي يرا ها‪ ،‬فبعض هم‬ ‫ينظر في جوهر الدين نفسه وينكر وجود إله‪ ،‬وبعضهم ل ينكر الله لكنه ينكر إنزاله للكتب‬ ‫وبعثه للنبياء والرسل ويرى العقل كافيا لتعبده لهذا الله (الدين الطبيعي الذي انتشر في بعض‬ ‫الزمان في أورو با)‪ ،‬وبعض هم يعت مد على ب عض مقولت الد ين كالعبادات أو ال سياسات‪ ،‬أو‬ ‫العقائد أو المعاملت‪ ،‬وهكذا‪...‬‬ ‫ومسا يزال الناس فسي هذا العالم يتدافعون مسع اليمان بالديسن الحقّس‪ ،‬وهذا هسو موضسع‬ ‫المتحان‪ ،‬ولذلك ف قد أمر نا أن نبين للناس أحيا نا بالجدال بال تي هي أح سن‪ ،‬وأحيا نا بالرشاد‬ ‫سا إلى‬ ‫سد الراء والهواء وإرجاعهس‬ ‫سن ذلك أيضا الردّ على الشبهات وإعادة نقس‬ ‫ابتداء‪ ،‬ويتضمس‬ ‫منابعها‪ ،‬أو معارضتها بمثلها مما ل يجوز لعاقل نفيه ‪...‬وتتعدد أساليب الجدل والمناظرات مع‬ ‫المخالفين‪ ،‬ولكن هذه الوظيفة ستبقى قائمة إلى يوم الدين‪ ،‬لنها محل المتحان‪ ،‬وبناء على ذلك‬ ‫يتمايز بنو النسان‪.‬‬ ‫س أن أقوم بنقسد بعسض المقالت التسي نشرت على شبكسة المعلومات الدوليسة‬ ‫وقسد رأيت ُ‬ ‫(النترنت) وعلى صفحات بعض الكتب‪ ،‬أو مما تتناقله اللسنة في المجالس‪ ،‬وأفرد لبعض تلك‬ ‫المقولت مقالت خاصة‪ ،‬أحاول فيها أن أشرح المسألة من وجهة نظر أخرى‪ ،‬نقرب فيها ما‬ ‫نراه لعل ذلك يكون سببا للبيان‪.‬‬ ‫ومسن ذلك نقدي للمقالة التاليسة‪ ،‬لمسا تحويسه مسن دعاوٍ خطيرة‪ ،‬ل تقوم على أي أسساس!‬ ‫ولغيرها من المقالت والتجاهات الفكرية لحقا إن شاء ال تعالى‪ ،‬آملين أن ل يعتبر نقدنا هذا‬ ‫اعتداء على أمور شخ صية ل حد‪ ،‬بل هو مجرد إقدام على الت عبير ع ما نعتقده ونراه صائبا‪،‬‬ ‫وند عو الخر ين إلى إعادة الن ظر في ما يقولون‪ ،‬إن ا ستطاعوا إلى ذلك سبيل‪ ،‬فهذا أقوم قيل‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وهدف نا من وراء ذلك ل يس العتداء على أ حد‪ ،‬ول ال سعي وراء العوان‪ ،‬ك ما قد ي صور ذلك‬ ‫و هم الب عض‪ ،‬إن ما هو مجرد سعي إلى ال صلح ما أم كن‪ ،‬عن طر يق إعادة الن ظر وحثّ‬ ‫الخرين على ذلك لعل ال تعالى يحدث بعد ذلك أمرا‪.‬‬ ‫وال تعالى الموفق وعليه التكلن‪.‬‬ ‫كتبه‬ ‫سعيد فودة‬

‫‪3‬‬

‫تمهيد‬ ‫قام الدكتور مح مد المزو غي في هذا المقال ببيان معارض ته للبا با بندي كت في زع مه بأن‬ ‫المسيحية هي دين العقل والسلم‪ ،‬خلفا للسلم‪ ،‬وأثبت بقوة أن المسيحية ل تتميز ل بالموافقة‬ ‫للع قل ول بانبنائ ها على ال سلم‪ ،‬وأظ هر أن مقولة البا با ما هي إل عبارة عن اتهام صارخ ل‬ ‫يقوم على برهان‪ ،‬بل على التحكم والهوى‪.‬‬ ‫ول كن الدكتور المزو غي معل نا اتجا هه اللحادي العلما ني ي صر أيضا على أن ل فرق في‬ ‫ذلك ب ين د ين ود ين‪ ،‬وأ نه ل قد سية عنده لكتاب مقدس على آ خر‪ ،‬فل يقدس القرآن ول يقدس‬ ‫النجيل ول التوراة‪ ،‬ول غيرها من الكتب‪ .‬ويزعم بكل وضوع أن جميع هذه الديان (الديان‬ ‫التوحيدية بعبارته) تناقض العقل والسلم‪ ،‬ولم تجلب للنسان إل الهوال والمآسي في تاريخه‪،‬‬ ‫وأنه قد حان الوقت للتخلص منها جميعها‪.‬‬ ‫ولذلك فقد اندفع للرد على البابا في زعمه أفضلية المسيحية على السلم‪ ،‬فقال له باختصار‬ ‫إن كل ما تنسبه إلى السلم موجود وبصورة أقوى في المسيحية‪ ،‬فل يصح لك هذا الزعم‪.‬‬ ‫ومسا نقوم بسه فسي هذه المقالة‪ ،‬مسا هسو إل محاولة لتفكيسك بعسض مقولت د‪ .‬المزوغسي‬ ‫ومعارضته بنحوها مما ل يقوى على دفع إمكانها العقلي في باب اتهامه للسلم بالتناقض مع‬ ‫العقل والعلم ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ونحسن نعتقسد أن هذه المناقشات والردود قسد يكون فيهسا بعسض الفوائد ولعلهسا تكون دافعسا‬ ‫لعادة النظر من البعض في المفاهيم التي يحملها‪.‬‬

‫الشروع في التحليل والنقد‬ ‫في بدايات المقالة المذكورة‪ ،‬ن جد ت صريحا خطيرا مفاده المفا صلة التا مة ب ين الد ين وب ين‬ ‫الفل سفة‪ ،‬وب ما أن صاحبنا يع تبر الفل سفة هي المعبّرة عن الع قل‪ ،‬فالمق صود أ صالة من هذا‬ ‫التصريح هو المقاطعة التامة بين العقل والدين‪ ،‬مهما كان هذا الدين‪.‬‬ ‫قال المزوغي(‪ ":)1‬الفيلسوف‪ ،‬في أمور الدين‪ ،‬إما أن يكون مؤمنا أو مُلحدا ول ثالث بينهما؛‬ ‫فأعسرها عليه المكوث بين الطرفين أو محاولة التوفيق بينهما‪".‬اهس‬ ‫‪ ) (1‬محمد المزوغي‪ ،‬أستاذ الفلسفة بمعهد الدراسات العربية والسلمية‪ .‬روما‬ ‫فسي مقالتسه التسي أسسماها"جدليقة العقلنيقة والحرب بيقن المسقيحية والسقلم‪ :‬موققف‬ ‫فلسقققققققققققفي"اهقققققققققققق نشرت فقققققققققققي موققققققققققققع جدل‪ ،‬انظقققققققققققر‬ ‫‪.http://www.jadal.org/news.php?go=fullnews&newsid=772‬‬ ‫وقد نشر القسم الثاني من هذه المقالة في الموقع نفسه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫في الحقيقة هذه القسمة غريبة‪ ،‬وكأن الختيار بين اليمان واللحاد محصور على الفيلسوف‬ ‫فقط‪ ،‬بل الصحيح أن هذين الختيارين أمام كل إنسان‪ ،‬فلنا أن نقول العامي إما أن يكون ملحدا‬ ‫أو مؤم نا‪ ،‬والنجار إ ما أن يكون مؤم نا أو ملحدا‪ ،‬و سائق القطار إ ما أن يكون مؤم نا أو ملحدا‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬وذ كر الكا تب لهذه الق سمة على الن حو الذي أورد ها ف يه‪ ،‬تو حي بأن هذ ين الختيار ين‬ ‫هما فقط للفيلسوف‪ ،‬وهذا غير صحيح‪.‬‬ ‫ثسم يعسسر على هؤلء جميعسا الجمسع بيسن اليمان واللحاد! وليسس هذا الحكسم خاصسا‬ ‫بالفيلسوف‪.‬‬ ‫ثم على هؤلء جميعا أن يختاروا‪ ،‬ويتميز العالم منهم بأن اختياره يجب أن يكون بناء على‬ ‫ن ظر وف كر‪ ،‬ل على مجرد هوى‪ ،‬ول كن هذا ل ين في إمكان ية اختياره بناء على الهوى والشهوة‬ ‫فقط‪ ،‬سواء اختار اليمان أو اللحاد!‬ ‫والكا تب ي ضع الق سمة ب ين اليمان واللحاد في مقا بل الق سمة إلى الن سق اللهو تي والن سق‬ ‫العقلني المادي(‪ ،)1‬وهذا يعني بصورة واضحة أن الدين ل يمكن أن يكون في ضمن العقلني‪،‬‬ ‫وبمع نى آ خر‪ ،‬المؤ من ل يم كن أن يكون اختياره مبن يا على ع قل‪ ،‬و هو ما نخالف ف يه الكا تب‬ ‫وغيره ممن يصرخون بهذه الحكام العشوائية في هذا الزمن‪.‬‬ ‫والكا تب يقول‪":‬الختيار المعقول والك ثر علم ية‪ ،‬ح سب أغلب ية الفل سفة‪ ،‬يذ هب إلى الثا ني‬ ‫لسباب عديدة منها‪ :‬هناك فضل منطقي نظري للنّسق المادّي على النسق اليماني الديني لنه‬ ‫يسسمح بضمان كلّيّة القوانيسن الطبيعيسة وإرسساء الفضائل الخلقيسة عن طريسق القتصساد فسي‬ ‫المبادئ‪ .‬النسسق المادي ل يفترض وجود كائن متعالٍ‪ ،‬مفارق للمادّة‪ ،‬حرّ‪ ،‬خيّر وحكيسم ولكسن‬ ‫في الواقع وبحسب الكتب المقدّسة يتصرّف دون حرّية‪ ،‬وأفعاله خالية من الحكمة والعناية‪.‬‬ ‫هناك أيضا تفاضل على المستوى تفسير الظواهر الطبيعية‪ :‬فالمذهب العقلي المادي فقط هو‬ ‫القادر على أن ير سي بان سجام دعائم القوان ين ال تي ت سيّر الطبي عة‪ ،‬قوان ين حتميّة وضرور ية‪،‬‬ ‫غير خاضعة للتبدّل والعتباط اللهي‪.‬‬ ‫أخيرا النسق المادّي فقط يسمح بإعطاء تفسير محايث عقلني لوجود الشرّ في العالم‪ ،‬تاركا‬ ‫وراءه كلّ الشكالت التي تخبّط فيها اللهوت التبريري (‪ :)La théodicée‬الشرور في العالم‬ ‫مُتأتية مِن تسلسل عَرضي للعلل الماديّة‪ ،‬دون غائية متعالية تسيّرها‪".‬اهس‬

‫‪ ) (1‬فقسد قال‪ ":‬ينب غي الختيار ب ي الن سق اللهو ت اليا ن وب ي الن سق العقل ن الادّي‪ ،‬وهذا أ مر ها مّ ومدّد لتخل يص العارف من حالة‬ ‫التذبذب والية‪".‬اهـ‬ ‫‪5‬‬

‫وهذا الكلم منطو على مغالطات عديدة‪ ،‬منها إنكاره أن اطراد القوانين يمكن الوصول إليه‬ ‫بمجرد وجود الرادة الثابتسة التسي تطرد مفعولتهسا على نسسق واحسد‪ ،‬ول يشترط عقل لطراد‬ ‫القوانين المادية ابتناؤها على الضطرار أو الضرورة‪.‬‬ ‫وأما الموجود الذي إرادته حرّة غير واقعة تحت نسق الضرورة من أي شكل‪ ،‬فإن هؤلء‬ ‫الفل سفة يزعمون أ نه ل يت يح ل هم الق طع بضمان القوان ين الكل ية‪ ،‬وهذا مجرد كلم ل قي مة له‪،‬‬ ‫فالطراد يمكن أن يتوصل إليه بالرادة الحرة التي تجري على نمط واحد‪ ،‬ويمكن أن يتوصل‬ ‫إل يه عن طر يق فرض الضرورة الحتم ية‪ .‬ولو فرض نا ع ند الع قل أ صل الوجود‪ ،‬وقار نا ب ين‬ ‫كون هذا الوجود موصوفا بالرادة الحرة وبين كونه موصوفا بالضرورة والمشي على قوانين‬ ‫ثابتة‪ ،‬لكان افتراض الرادة أقرب عند العقل من فرق تلك القوانين التي تفترض نوع كثرة في‬ ‫الوجود ل داعي له بعد فرضه!‬ ‫ول علقة تربط بين الله المتعالي عن المادة وبين كون أفعاله غير موافقة للحكمة‪ ،‬بل إننا‬ ‫نقول إن أفعال ال تعالى مواف قة للحك مة و مع ذلك فإ نه غ ير مادي ول يخ ضع لتلك القوان ين‪،‬‬ ‫والن سق الظا هر من أفعاله (العالم=الطبي عة) تا بع لراد ته‪ ،‬ف هو مر يد للحك مة ل ل سبق إيجاب‬ ‫خارج عن ذا ته‪ ،‬بل إيجاده للحك مة والتنا سق الحاصل ب ين أركان العالم تابع لمقت ضى اختياره‬ ‫الم حض‪ .‬ول نرى هذا القول العقلي أب عد ع ند الع قل من افتراض المادة ال تي يلزم ها الجري‬ ‫على نسق معين من القوانين!‬ ‫وأي ضا نقول إن تف سير وجود الشرّ في العالم‪ ،‬بأي مع نى من معان يه‪ ،‬يم كن الو صول إل يه‬ ‫بمجرد العتقاد بوجود الخالق القادر المختار‪ ،‬الذي أراد أن يوجسد العالم على هذا النمسط‪ ،‬ولو‬ ‫أراد أن يخلقه بل شرّ أو نقص أو أذى يصيب النسان وغيره من الموجودات‪ ،‬لكان هذا أمرا‬ ‫ممكنا له‪ ،‬ولكنه أراد أن يوجد العالم على هذا النحو المشا هد‪ ،‬وأخبر أنه يقدر على خلق عالم‬ ‫ل من هذا النمط من النقص واللم (وهو العالم الخر الباقي)‪.‬‬ ‫خا ٍ‬ ‫ولو عرض نا كل من هذ ين الت صورين ل ما ا ستطاع وا حد يح كم بمقت ضى عقله أن يقول إن‬ ‫الموافق لمقتضى عقله إنما هو الحتمال المادي كما يقرر هؤلء !‬ ‫وبناء على ما قررناه‪ ،‬فل يحق لواحد أن يقول إن الختيار المعقول والكثر علمية إنما هو‬ ‫الختيار المادي! بل هذا مجرد مصادرة على المطلوب‪.‬‬ ‫وإنما وقع هؤلء في تلك المغالطات لنهم لم يفرقوا بين الضرورة المطلقة وبين الضرورة‬ ‫بشرط الموضوع‪ ،‬والفرق بين هاتين الجهتين قد وضحه علماء المنطق السلمي الذي يز عم‬ ‫العديد من المنبهرين بالغرب أن السلميين لم يأتوا فيه بجديد‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ونعنسي بذلك أنسه مسا دمنسا ملحظيسن لحقيقسة الموضوع فإننسا نسستطيع أن نحكسم بنوع مسن‬ ‫الضرورة ليست تلك الضرورة المطلقة‪ ،‬وهي قريبة من قولنا‪( :‬ما دامت الذات‪.)...‬‬ ‫و هل إذا قل نا إن ال شر إن ما ن تج عن طري قة ت سلسل عر ضي للعلل الماد ية ي ستريح ذ هن‬ ‫النسان‪ ،‬ويطمئن قلبه‪ ،‬بينما إذا قلنا إن تلك اللم إنما ظهرت له بإرادة وخلق الفاعل المختار‬ ‫ل يطمئن إلى ذلك ول يسستريح له قلبسٌ؟! والحقيقسة أننسا إذا عرضنسا هاتيسن الصسورتين على‬ ‫النسسان لختار أن جانسب الطمئنان يكون أقرب إذا قلنسا له إن الفاعسل له مريسد حكيسم وليسس‬ ‫مسيرا بمقتضى قوانين ل إرادية‪ ،‬فكيف إذا أتانا من هذا الفاعل الحكيم أخبار تخبرنا عنه أنه‬ ‫إنما جعل ذلك دار امتحان لنا! فمن هو ذا صاحب اللب والعقل الذي يستطيع أن يزعم أنه ل‬ ‫يستطيع الوصول إلى الطمأنينة في ضمن ذلك التصور!‬ ‫ويفاضسل الكاتسب المزوغسي بيسن الموقسف اللحادي والموقسف اليمانسي فيقول‪ ":‬الموققف‬ ‫اللحادي‪ ،‬حتى وإن صدم دائما حساسية المؤمنين‪ ،‬فهو موقف واضح وصريح من حيث إن‬ ‫الع قل‪ ،‬بالن سبة لكث ير من الفل سفة‪ ،‬قادر بمفرده أن يُبرهن على عدم وجود ال‪ ،‬وعلى قدم‬ ‫العالم وفناء النفس‪ .‬أما النسان المؤمن فهو يعتقد جازما في وجود ال‪ ،‬حدوث العالم وخلود‬ ‫النفس‪ ،‬واقتناعه ناتج عن إيمان وتسليم مرتبطين بالقلب وليس بالعقل‪".‬اهس‪ ،‬فهو يجزم أن‬ ‫العقل يستطيع إثبات عدم وجود ال تعالى‪ ،‬ول أدري من أين أتى بهذا الجزم‪ ،‬هل من عقله أم‬ ‫من رغبته بهذا اليمان‪ ،‬وما معنى أن العقل يثبت العدم! هل يستطيع العقل فعل أن يثبت عدم‬ ‫وجود ال تعالى؟ وإذا استطاع ذلك‪ ،‬فمن أين يقال إنه ل يقدر على إثبات وجود ال تعالى –من‬ ‫حيسث هسو عقلٌ‪ !!-‬ولذلك فإنسا نرى أن اليمان بعدم وجود ال تعالى‪ ،‬أولى بأن يكون تابعسا‬ ‫للهوى أو للخطأ النظري من اليمان بال على ما يزعم هؤلء!‬ ‫الحقيقة أن الموقف اللحادي موقف متحكم متأزم دائما‪ ،‬وهو يتسلط على النسان فيقول له‪:‬‬ ‫ل تقل كذا وقل كذا‪ ،‬وفي الوقت نفسه يزعم أن ذلك التسلط صادر من قبل اليمان فقط‪.‬‬ ‫ون حن ل ن سلم أن الع قل ل يس بقادر على إثبات وجود ال تعالى‪ ،‬ول ن سلم أ صل أن الع قل‬ ‫قادر على إثبات عدم وجود ال أصل‪ ،‬بل نقول بملء الفم إن اليمان الكامل ل يمكن أن يبنى‬ ‫إل على العقل!‬ ‫ولذلك فقسد كان المتكلمون السسلميون يتكلمون دائمسا على إثبات وجود ال تعالى بالعقسل‪،‬‬ ‫وهذه أول خطوة تبدأ مع النسان الذي ينظر ويبحث ليصل إلى الحق في هذه المسألة‪ ،‬أما أن‬ ‫يقال إن العقل ل يقدر‪ ،‬فهو مجرد دعوى بل دليل‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫نعم إن النسان يستطيع بإرادته ورغبته أن يؤمن ويتعلق باليمان بال بمجرد هواه وتقليده‬ ‫لغيره‪ ،‬كما يستطيع بمجرد إرادته أن ينكر وجود ال تعالى ويتعلق بالك فر واللحاد‪ ،‬فل فضل‬ ‫لوا حد من الموقف ين على ال خر من هذه الج هة‪ ،‬أ ما أن يقال إن الن سان يتو صل إلى اليمان‬ ‫دون اللجوء إلى البراه ين العقل ية‪ ،‬وي تم ال سكوت عن أن ي صرّح بن حو ذلك في جا نب اللحاد‬ ‫فهذا هو عين الزيغ عن الميزان بالقسط‪.‬‬ ‫فإذا كان العقل ميزانا في هذه المسألة‪ ،‬فإما أن يكون الموقف اليماني مصيبا في القول بأن‬ ‫الع قل قادر على إثبات وجود ال تعالى‪ ،‬أو أن يكون المو قف اللحادي م صيبا في ذلك الز عم‬ ‫القائل بأن العقل قادر على إثبات عدم وجود ال تعالى‪.‬‬ ‫ونحن نزعم القدرة العقلية على إثبات وجود ال تعالى‪ ،‬بخلف هذا الكاتب ومن يتعلق بهذا‬ ‫الز عم م من يواف قه من كتاب ال سلم فيز عم أن اليمان بال تعالى مجرد اختيار وم سلمة من‬ ‫المسلمات أو مصادرة من المصادرات!‬ ‫وليس التمسك بقيمة العقل مجرد موقف اعتباطي صادر عن تأثر بعقدة نقص لزمتهم أمام‬ ‫الفلسفة اليونانية‪ ،‬فنحن نزعم أن اليمان قبل الفلسفة اليونانية‪ ،‬والستدلل على وجود ال تعالى‬ ‫بالعقل والنظر في الفاق والنفس هي دعوة النبياء قبل وجود الفلسفة اليونانية‪ ،‬فأول النبياء‬ ‫جاء باليمان ق بل الفل سفة‪ ،‬ف من أ ين كا نت تن بع هذه العقدة المزعو مة عندئذ و قد كا نت الديان‬ ‫تنادي النسسان بأن يعمسل عقله منسذ ذلك الوقست للوصسول إلى اليمان بوجود ال تعالى‪ ،‬ول‬ ‫مع نى لمناداة الديان –على ال قل الد ين ال سلمي‪ -‬بهذه الم سألة و هي تعلم أن ل قدرة للع قل‬ ‫على ذلك الثبات‪ ،‬أو تعلم أن تلك المناداة إن ما هي نتي جة عقدة ن قص‪ ،‬ل أدري من أ ين يأ تي‬ ‫هؤلء الكتاب بنحو تلك الفكار الغريبة الباعثة على العجب!‬ ‫ألم يروا أن أكابر علماء السسلم اشتغلوا بالعقسل‪ ،‬واهتدوا بهديسه فسي أثناء عملهسم على‬ ‫البرهنة على وجود ال تعالى! فهل كان ذلك منهم نتيجة لتلك العقدة النقصية الواردة إليهم من‬ ‫رؤيتهم لفلسفة اليونان!‬ ‫إن من يفكر بتلك الطريقة ما هو إل مغالط!‬ ‫ولم يزل العلماء ينادون الزاعم ين بوجود التعارض ب ين الع قل والن قل لن يأتوا بمثال على‬ ‫ذلك التعارض‪ ،‬ومعنسى التعارض أن ل يقبسل العقسل أمرا يقرره النقسل؟ ولن يسستطيع أحسد أن‬ ‫ح إل في عر فه وبح سب هواه‪ ،‬وكذلك فإ نا نقول‪ :‬إن الن سان ل يمك نه‬ ‫يز عم مثالً واحدا ي ص ّ‬ ‫أن يأتي بمثال واحد يثبت به أن العقل يأتي بأمر ل يمكن غيره في ميزانه وفي الوقت نفسه‬ ‫يرفضه النقل! فهذا محال أيضا بمراعاة الشرع الصحيح‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫وهذا الكاتب يزعم أنه ل يمكن الوصول إلى التوافق بين العقل والنقل إل إذا أضعفنا قدرة‬ ‫معانس رمزيسة‬ ‫ٍ‬ ‫العقسل أو قمنسا بتشويسه الديسن وأخرجناه مسن معناه الميثولوجسي الخرافسي إلى‬ ‫وأخلقية(‪ .)1‬فالتعارض بين العقل واليمان (الدين) تعارض حتمي ل يمكن الوصول إلى إثبات‬ ‫التوافق بينهما موضوعيا!!‬ ‫ولذلك يستغرب الكاتب من دعوى التوافق بين العقل والنقل‪ ،‬والحقيقة أن دعواه مجرد وهم‬ ‫قائم في خياله‪ ،‬فلم نرَ أمرا يزع مه القائلون بالفل سفة مقطوعا به‪ ،‬ول يم كن توفي قه مع الن قل‪،‬‬ ‫ول يم كن ورود الع كس أي ضا‪ ،‬و كل ما أتوا به فإن ما هو خرافات قائ مة بأوهام هم‪ ،‬و قد تكون‬ ‫نتيجة تعميمهم ما يرونه في الكتب اليهودية والمسيحية على كل ما يسمى دينا‪ ،‬وقد تكون مبنية‬ ‫على سوء أفهامهم كما سنرى بعض المثلة في هذا مناقشتنا لهذا المقال‪.‬‬ ‫وقد عارض الكاتب المزوغي البابا بنديكت عندما قال الخير‪ :‬إن العقيدة المسيحية تتوافق‬ ‫مع العقل اليوناني!!‬ ‫ولم يعارضه في ذلك لنه يعتقد أن السلم هو المتوافق مع العقل اليوناني‪ ،‬بل لنه يعتقد‬ ‫أن ل ش يء من الديان يم كن أن يتوا فق مع الع قل اليونا ني أو مع غيره من العقول‪ ،‬ولذلك‬ ‫فتراه يناقسش البابسا المذكور عندمسا حاول أن يثبست أن الديسن السسلمي يجيسء بمسا هسو غيسر‬ ‫معقول‪ ،‬بخلف الدين المسيحي!‬ ‫والكاتب محقّ في أحد جوانب كلمه‪ ،‬فالدين المسيحي متعارض تماما مع العقل في دعواه‬ ‫التثل يث على ال قل‪ ،‬وهذا التعارض ل ينكره ح تى أتباع الد ين الم سيحي‪ ،‬إل من حاول تأو يل‬ ‫ذلك بمذهب فلسفي أو آخر‪ ،‬أما ما زعمه من أنه ل يمكن التوافق بين الديان كلها وبين العقل‪،‬‬ ‫فهذا من طيشه وتسرعه!‬ ‫ولكسن الع قل اليونانسي ليسس هو معيار الع قل المطلق حتسى يقاس الصسواب إل يه‪ ،‬فل يجوز‬ ‫لعاقل أن يزعم ذلك الزعم الذي صدر من البابا‪ ،‬وقد كنا ناقشناه ورددنا عليه في محاضرته‬ ‫‪ ) (1‬قال فسي مقاله‪ ":‬ول ي كن‪ ،‬موضوع يا‪ ،‬للمُفكّر العقل ن أن يُنجّ ي‪ ،‬من تعال يم الك تب القد سة‪ ،‬شيئا ح ت وإن ع مد اللهو ت‪ ،‬أو‬ ‫"الفيلسوف" اللهوت إل تَنقَيتِها من التشبيه وإدماجها ف شبكة التعاليم الخلقية‪ .‬الدين يتمحور حول اليان بوجود كائن متعال‪ ،‬ال‪ ،‬ووجود‬ ‫كائنات غيب ية خار قة للطبي عة‪ ،‬غ ي منظورة‪ ،‬تل الكون وتُ سيّره بقوّة منح ها إيا هم ال‪ ،‬ثّ العتقاد ف التدخّل ال ستمرّ للله ف الكون ورعاي ته‬ ‫للنسانية وبالخصّ منها النسانية الؤمنة‪" .‬‬ ‫ف العقل كي يَنسَجم معها‪ .‬ولكن من‬ ‫إنا أمور متضاربة تاما مع العقل‪ ،‬ومن الحال إطلقا تطويعها لكي تتماشى مع البادئ العقلنية أو تكيي ِ‬

‫الُمكن المع بينهما إن أضعفنا من قدرة العقل‪ ،‬أو إن قُمنا بتشويه الدين وأخرجناه من مَعناه اليثولوجي الراف إل معان رمزية وأخلقية‪.‬‬ ‫وهذا ما فعله دائما الفكرون الؤمنون وأصحاب اللهوت قديا وحديثا‪ :‬التقليل من سلطة العقل النظري‪ ،‬ث تفتيت أوصال الدين وإعادة تركيبه من‬ ‫جديد كي يتوافق مع بعض البادئ الخلقية الت قد يقبل با النسان ف فترة تاريية ما‪ .‬إن التعارض بي الدين والفلسفة هو تعارض حقيقي‬

‫وواقعي‪ ،‬ل يُمكن تذليله أو التغاضي عنه‪ :‬اللمعقول هو وكر الديانات جيعا‪ ،‬وإن خَرجت منه وأرادت أن تَجتاح مال غي مالا فإنا تُخطئ ف‬ ‫حُسبانا وقد يعود عليها ذلك بالوبال‪".‬اهـ‬ ‫‪9‬‬

‫برسالة تكلمنا فيها على أهم النقاط التي أفشاها‪ ،‬وسوف نبين هنا بعض المعاني المتعلقة بذلك‬ ‫خاصة وأن الكاتب المزوغي يناقشه في بعض كلمه‪.‬‬ ‫ويضرب الكاتسب مثالً على تناقسض المسسيحية مسع العقسل وهسو أول الكلمات الواردة فسي‬ ‫يوحنسا‪":‬فسي البدء كان اللوغوس" فيتسساءل ولكسن أي لوغوس هذا؟ ‪ ":‬هسل يَعنسي بسه العقسل‬ ‫المنط قي؟ هل يع ني به مبادئ البرهان والقياس النظري ك ما عرض ها أر سطو في التحليلت‬ ‫الولى والثان ية؟ أم أنه يعني "عقل العالم" عند الرواق ية‪ ،‬أي العقل المحايث للكون؟ ل هذا ول‬ ‫ذلك‪ ،‬إنه أبعد ما يكون عن العقل النظري والمنطق‪ .‬فكلمات يوحنا‪ ،‬إن قسناها بمعايير المنطق‬ ‫العقلنسي‪ ،‬فهسي متناقضسة سسواء فسي المقدّمات أو النتائج‪ ،‬لنهسا تحمسل على اللوغوس صسفتين‬ ‫متناقضت ين « في البدء كان اللوغوس‪ ،‬واللوغوس كان ع ند ال‪ .‬وكان اللوغوس هو ال‪ .‬هو‬ ‫كان في البدء عند ال (إنجيل يوحنا‪ I، 1 ،‬س ‪ ."2‬اهس‬ ‫ثم ز عم زع مه الخط ير فقال‪ ":‬ل كن الرأي النق يض‪ ،‬أع ني ذاك الذي يقول بأن الم سيحية‪،‬‬ ‫ككل الديان الخرى‪ ،‬في تناقض تام مع مقومات العقل ول تر قى إلى مرتبة العقلنية‪ ،‬يأتي‬ ‫من المفكرين الغربيّ ين أنفسهم‪ .‬الملفت للنظر هو أن أصحاب الديان بمختلف مللهم يحاولون‬ ‫جذب الع قل ل صالحهم‪ ،‬مدّع ين أن الع قل ال سليم يوا فق المعت قد ال حق‪ ،‬والمعت قد ال حق طب عا هو‬ ‫معتقدهم الشخصي المحصور في دينهم ل يتعدّاه‪ .‬لكن الفيلسوف يعارض من حيث المبدأ هذا‬ ‫الدعاء ومن السهل عليه تفنيده جملة وتفصيل‪".‬اهس‪.‬‬ ‫المشكلة الرئيسسة التسي أراهسا عنسد هؤلء الكتاب‪ ،‬هسي أنهسم يضربون كلم البعسض بكلم‬ ‫غيرهم‪ ،‬ول أحد يعتمد على ما يسمى بالدليل والبرهان‪ ،‬بل تراهم دائما يقررون أمرا اعتمادا‬ ‫على مسا قاله غيرهسم‪ ،‬فيقولون إن الديسن يعارض العقسل كمسا قرره فلسسفة اليونان مثل‪ ،‬أو‬ ‫فلسسفة الغرب‪ ،‬وإن قال بعسض مفكري الحداثسة العربيسة بعكسس ذلك فإنهسم يسستدلون بكلم‬ ‫غيرهم‪ ،‬ول يعتمدون على براهين ول أدلة بل يلقون بمزاعمهم إلقاء هكذا‪ ،‬ولذلك فإنا نرى أن‬ ‫النقاش مع هم –والحال كذلك‪ -‬ل يكون إل بمعار ضة دعاوي هم ب ما يقابل ها‪ ،‬لن هم لم يأتوا بدل يل‬ ‫ول برهان ل كي نشت غل به حل ونق ضا‪ ،‬بل اكتفوا بإلقاء الز عم والدعوى‪ ،‬والدعوى تعارَ ضُ‬ ‫بمثلها!‬ ‫إن نا نز عم أن أ حد الديان هو الد ين ال صحيح ف قط‪ ،‬ول يم كن أن يكون جم يع الديان على‬ ‫صورتها الحال ية صحيحة تماما‪ ،‬ول نه قد قام البرهان عند نا على صحة ال سلم‪ ،‬فغيره من‬ ‫الديان باطل‪ ،‬وانحصرت الصحة فيه‪ ،‬ولو لم يقم البرهان على تعيين الصحة في السلم لكنا‬ ‫جزمنا بمقتضى القواعد العقلية بانحصار الحق في واحد ل أكثر‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫وما ألقيناه من حكم على الديان نثبته بصورة أولى على الفلسفات والديان الوضعية أيضا‪،‬‬ ‫وينب غي أن ل يعارض نا الكا تب في هذه القض ية من أ صلها‪ ،‬فل ي صح له أن يقول‪ :‬إن جم يع‬ ‫الفلسفات صحيحة إل إذا كان ل يعرف معنى الصحة والبطلن‪ ،‬فإما أن يقول‪ :‬إنه توجد فلسفة‬ ‫واحدة هي ال صحيحة ف قط‪ ،‬أو يقول‪ :‬ل تو جد فل سفة واحدة انح صرت ال صحة في ها‪ ،‬بل كل‬ ‫فلسفة وكل مذهب فما خل من حق وباطل‪ ،‬فنقول له‪ ،‬إذا قلت بذلك‪ :‬فيلزمك أنا إما أن يمكننا‬ ‫معرفة الحق من كل مذهب‪ ،‬فيلزم إمكان معرفة الحق المطلق في كل مسألة‪ ،‬أو تقول ل يمكن‬ ‫ذلك‪ ،‬فيلزمك الصرار على أمر ينكره العقل وهو البقاء على الجهل في جميع المسائل وعدم‬ ‫القدرة على إصابة الحقّ فيها؟‬ ‫فيلزمك إثبات مذهب السفسطة وعدم العلم بالشياء‪.‬‬ ‫وذكر الكاتب بعض المحالت التي تطرحها المسيحية على العقل النظري‪ ،‬كما قال‪ ،‬وسواء‬ ‫سلمنا له هذه الشكالت أم لم ن سلمها‪ ،‬فل بدّ أن يتن به القارئ إلى أن الكا تب إن ما ير يد ضرب‬ ‫الديان بعضها بب عض‪ ،‬فيريد التوصل من نقض بعضها كالمسيحية إلى نقض جميعها شامل‬ ‫السلم‪ ،‬وقد صرّح بأنها تشترك في كونها غير معقولة ومخالفة للعقل‪.‬‬ ‫وهو يردد في غير موضع من مقالته هذه مسألة الشر‪ ،‬ويعتبر مجرد وجود الشر في هذا‬ ‫سسسف يكون الله موجودا‬ ‫العالم دليلً على عدم وجود الله ودليلً على بطلن الديان‪ ،‬إذ كيس‬ ‫وي سمح بف عل ال شر بل يفعله هو نف سه‪ ،‬فالكا تب إذن ير يد أن يح جر على الله بح كم يع تبره‬ ‫عقليا‪.‬‬ ‫ل فعلً؟! فنحسن –باختصسار‪ -‬ل‬ ‫ومسن أيسن للعقسل أن يقول بالوجوب على الله إذا كان عق ً‬ ‫ن سلم أن الع قل ي ستلزم اليجاب على ال تعالى في أفعاله‪ ،‬وبناء على ذلك فلله تعالى أن يف عل‬ ‫ما يشاء‪ ،‬ول تحجير عليه‪ ،‬ول يستلزم خلقه للشر أن يكون شريرا‪ ،‬إنما الشرير من يكتسب‬ ‫الشر ويتصف به ل من يخلقه ويوجده‪.‬‬ ‫ونحن مع الكاتب في قوله بأن الغرب المسيحي يحتكر العقلنية لنفسه ويخرج السلم من‬ ‫كونه عقلنيا‪ ،‬نعم إن هذه النظرة قد أخطأ فيها الغرب المسيحي والملحد على السواء‪ ،‬غير أن‬ ‫الكا تب يخ طئ أي ضا عند ما يع تبر أن ال سلم يشترك مع غيره من الديان في كو نه مخالفا‬ ‫للعقل كما صرّح بذلك من قبل!!‬ ‫والكاتب المزوغي يقارن بين الفلسفة اليونانية التي سادتها الوثنية أو عدم البتناء على وحي‬ ‫النبياء وب ين الديان التوحيد ية ك ما يسميها‪ ،‬فيقول‪ :‬إن الفل سفة اليونان ية أثرت الع قل الن ساني‬ ‫بمختلف البحوث في الكون النسان والخلق والسياسة‪...‬الخ‪ ،‬أما الديان فلم تع طِ النسان إل‬ ‫‪11‬‬

‫فكرة التوح يد‪ ،‬وهذه الفكرة ل يس في ها غناء للع قل البشري!! قال‪ ":‬ل قد ترك ل نا فل سفة اليونان‬ ‫بحوثا علمية تشمل تقريبا كل ما يحيط بالنسان وتع مّ كلّ مجالت المعرفة النظرية وال َعمَلية‪:‬‬ ‫فسي السسماء والعالم‪ ،‬فسي الطبيعسة‪ ،‬فسي الكون والفسساد‪ ،‬فسي الحيوان‪ ،‬فسي النفسس‪ ،‬فسي قوانيسن‬ ‫التفكيسر‪ ،‬فسي معاييسر العلوم (المنطسق والتحليلت) فسي الخلق‪ ،‬فسي السسياسة‪ ،‬وهسي ترِكَة لم‬ ‫تنضب روحها ولم تستنفذ مواردها إلى يومنا هذا؛ لكن‪ ،‬في مقابل ذلك‪ ،‬عقلية الديانة التوحيدية‬ ‫ويحثس الناس على الفحسص النظري المتجرّد‪ ،‬لن الكون‬ ‫ّ‬ ‫لم تترُك شيئا يُغذّي الفضول الذهنسي‬ ‫والطبي عة والن سان هي أشياء ل ت ستحق عناء التفك ير أو اللتفات التأملي ل ها في ذات ها‪ ،‬نظرا‬ ‫لنها عديمة القيمة أمام عظمة الله وقدرته‪.‬‬ ‫ليست وحدانية الله بالفكرة المُتميّزة والفذّة‪ ،‬بل هي تَخمين متناقض ول يفضي إلى الثورة‬ ‫النظرية التي عُزيَت إليه‪ ،‬بل إلى نسف الفكر العلمي والقضاء على إرادة المعرفة بالكاملهس‪.‬‬ ‫ول يكت في بأن يقول إن فكرة التوحيد ليست غنية‪ ،‬بل إنها متناق ضة أيضا ومجرّد تخم ين‬ ‫يفضي إلى نسف الفكر العلمي‪...‬الخ‪.‬‬ ‫و هو يع تبر أر سطو عند ما عرّف الحر كة بأن ها ا ستكمال ما بالقوة‪ ،‬فلم يذ كر ا سم الله في‬ ‫التعر يف‪ ،‬فهذا ي ستلزم عنده عدم ابتناء فل سفة أر سطو على مفهوم الله مطلقا‪ ،‬وأ نه لم يع تبره‬ ‫قطّ ولم يلت فت إل يه‪ ،‬وهذا غ ير صحيح‪ ،‬فأر سطو اع تبر الله العلة الغائ ية ال تي ي سعى إلي ها‬ ‫العالم‪ ،‬فهو المثل العلى للعالم‪ ،‬وحركته التي يسعى فيها إنما يسعى إلى غايته‪ ،‬وهي الوصول‬ ‫إلى كمالته بحسب الغاية‪.‬‬ ‫المزوغي وابن حزم‪ :‬ال هو الذي جعل المحال محالً!‬ ‫ا بن حزم ظل مه العد يد من الكتاب في هذا الزمان بقدر الظلم الذي ألح قه هو –رح مه ال‪-‬‬ ‫بعلماء ال سلم الذ ين شنّ ع علي هم بغ ير و جه حقّ‪ ،‬ولذلك ترى العد يد من الناس ين سبون إل يه‬ ‫أمورا قد يقول بها وقد ل يقول بها‪ ،‬وهي قضايا وأحكام ل يملك الواحد إل أن يتبرأ منها‪.‬‬ ‫ومن المثلة على ذلك ما نسبه إليه الكاتب المزوغي حين قال حاكيا عن البابا بنديكت معلقا‬ ‫عل يه‪[ :‬ل قد قال بأن في « تعال يم ال سلم‪ ،‬ال مُطلق التعالي‪ ،‬وإرادتُه لي ست مرتب طة بأيّ من‬ ‫مقولتنسا‪ ،‬ول حتسى بمقولة العقلنيسة»‪ ،‬ثسم اسستشهد بالمُسستشرق روجسي أرنالدز (‪Roger‬‬ ‫‪ ،)Arnaldez‬الذي قرأ في كتاب ابن حزم بأن ال غير مُلزَم بالوفاء بكلمته‪ ،‬ول شيء يُرغمه‬ ‫على أن يكشف لنا الحقيقة‪ ،‬ولو لم تسبق إرادة ال‪ ،‬لكان اعتناق الشرك أمرا جائزا!‬

‫‪12‬‬

‫إن أطروحسة ابسن حزم هذه معروفسة فسي العالم السسلمي‪ ،‬ومتداولة قبله بقرون‪ ،‬وهسي‬ ‫أطرو حة المؤمن ين في الملل الثلث‪ ،‬فهُم يُعلون من شأن قدرة الله على ح ساب حِكم ته‪ ،‬ول‬ ‫يثبتون للع قل الن ساني مُحالً يم كن سحبه على الرادة الله ية‪ ،‬ذلك لن الع قل‪ ،‬ك ما يقول ا بن‬ ‫حزم‪ « :‬مخلوق محدث خلقه ال تعالى بعد أن لم يكن‪ .‬وإنما هو قوّة من قوى النفس‪ ،‬عرض‬ ‫محمول فيها أحدثه ال تعالى‪ ،‬وأحدث رتبة على ما هي عليه‪ ،‬مختارا لذلك تعالى »‪ .‬وخَلقُ ال‬ ‫للع قل لم ي كن قط على مثال سلف ول عن ضرورة أوج بت عل يه اخترا عه‪ ،‬بل هو م حض‬ ‫اختيار‪ ،‬دون غاية ملزمة‪ .‬فكما أن ال « اختار أن يفعله‪ ،‬فإنه قادر على ترك اختراعه‪ ،‬وقادر‬ ‫على اختراع غيره مثله‪ ،‬أو خلفسه‪ ،‬ول فرق بيسن قدرتسه على بعسض ذلك وبيسن قدرتسه على‬ ‫سائره»‪ .‬ولذلك فإن المحالت ال تي يدرك ها ع قل الن سان لي ست مطل قة ولكن ها كذلك لن ال‬ ‫قررها منذ أن خلق العقل‪ ،‬وقد تكون ممكنة « في عالم له آخر »‪ ،‬كما يقول ابن حزم‪ .‬فعل‪،‬‬ ‫كسل مسا جعله ال محال فسي العقسل‪ ،‬وأدركناه على أنسه كذلك « فإنمسا كان محال مسذ جعله ال‬ ‫محال‪ ،‬وح ين أحدث صورة الع قل ل قبل ذلك‪ ،‬فلو شاء ال ألّ يجعله محال لما كان محال »‪.‬‬ ‫أن يكون ال قادرا على المحالت الواقعيسة والخلف المنطقسي مثسل أن يجعسل شيئا موجودا‬ ‫معدوما معا في وقت واحد أو جسما في مكانين أو جسمين في مكان واحد‪ ،‬أدى بابن حزم إلى‬ ‫ت ثبيت إمكان ية العتقاد الم سيحي في بنوّة الم سيح‪ .‬فعل‪ ،‬من ي سأل‪ « :‬هل ال قادر على أن‬ ‫ص على ذلك‬ ‫يتخذ ولدا؟ الجواب‪ :‬أنه تعالى قادر على ذلك »‪ ،‬وما يُدعّم هذا الرأي أن ال « ن ّ‬ ‫خذَ ولدا ل صطفى ممّا يَخلُق ما يَشاء سبحانه هو ال‬ ‫في القرآن‪ .‬قال تعالى‪ ﴿ :‬لو أراد أن ي ّت ِ‬ ‫الواحد القهّار﴾‪].‬اهس‬ ‫والحقي قة أن المقولة ال تي يقول ها ا بن حزم في هذه الم سألة لم يواف قه علي ها جماه ير الملل‬ ‫والن حل ال سلمية‪ ،‬بل إن أكابر الفرق كالشاعرة والمعتزلة والشي عة وغير هم لم يوافقوا على‬ ‫هذه المقولة‪ ،‬فل يجوز اعتبارها حكما معبرا عن العقل السلمي كما اعتبره المزوغي‪ ،‬موافقا‬ ‫البا با الذي اعت مد علي ها في التنق يص من الف كر ال سلمي‪ ،‬وزاد على ذلك بأن قال للبا با إن كم‬ ‫أيها المسيحيون تشاركون ابن حزم في هذه المقولة‪ ،‬فل تنعوا بها على غيركم‪ ،‬يريد بهذا القول‬ ‫أن يتو صل إلى هد فه الرائد و هو ن في جم يع الديان وإثبات تناقض ها مع الع قل‪ ،‬ع ين المقولة‬ ‫التي بدأ بها‪.‬‬ ‫والنصاف في المحاكمة يستلزم منه ومن البابا أن ل يعمم هذه المقولة التي صدرت من فم‬ ‫ا بن حزم‪ ،‬على جم يع الفرق ال سلمية‪ ،‬ول على جماه ير الفرق ال سلمية‪ ،‬لن هؤلء جمي عا‬ ‫أنكرواعلى ابن حزم لما قال ذلك‪ ،‬ولم يوافقه إل بعض الذين تعرضوا أيضا للنكار مثل ابن‬ ‫عربسي الصسوفي بناء على قوله بوحدة الوجود‪ ،‬واشتمال المظاهسر اللهيسة على جميسع الشياء‬ ‫‪13‬‬

‫وح تى المتناقضات من ها‪ ،‬ول ر يب في أن أ قل الدرا سين قدرا لعلم الكلم ال سلمي يعلم تماما‬ ‫أن هذه المقولة لم تلقِ قبول عند علماء السلم الذين ل يُذكَر ابن حزم إذا ذكروا!‬ ‫والتحقيقق أن أحكام العققل مقن حيقث هقي غيقر مجعولة‪ ،‬فليسقت الرادة هقي التقي جعلت‬ ‫الواجب واجبا‪ ،‬ول الرادة هي التي جعلت الممكن ممكنا‪ ،‬ول الرادة هي التي جعلت المحال‬ ‫محالً‪ .‬فهذه الحكام ذاتية للمور وليست جعلية‪.‬‬ ‫والعجيسب أن هؤلء العلمانييسن يلتقطون المسسائل التقاطا ‪-‬كمسا ترى هنسا‪ -‬ويبنون عليهسا‬ ‫أصولً عظيمة كالتناقض بين الدين والعقل على سبيل الجملة‪ ،‬ول يفرّقُون فيما إذا كان القائل‬ ‫بذلك شاذا في قوله أو أنه قد وافقه عليه علماء السلم!!‬ ‫وهذا مخالف لطر يق الن صاف والب حث العل مي الموضو عي الذي يتبجحون به دائما على‬ ‫غيرهم‪ ،‬وهم أكثر الناس تخليا عنه عند محاولتهم تحقيق أغراضهم!‬ ‫ضرورة الفعال وعلقة ذلك بالعلم‬ ‫ير جع المزو غي با ستمرار إلى الز عم بأنّ العلم ل يم كن بناؤه إل على الضرورة‪ ،‬وب ما أن‬ ‫أفعال ال تعالى ل تت صف بالضرورة ول هي صادرة عن الوجوب ال سابق للرادة‪ ،‬على قول‬ ‫الشاعرة‪ ،‬وقسد وافقهسم على ذلك الكثيسر مسن المسسيحيين‪ ،‬فإن المزوغسي يكتفسي بذلك ليقول إن‬ ‫الد ين يخالف الع قل‪ ،‬ويع تبر أن هذا هو الح كم العقلي الم حض الذي ل يم كن إعادة الن ظر ف يه‬ ‫ول يمكسن إل الجزم بسه‪ ،‬ويحتسج على ذلك بقول أرسسطو وابسن رشسد الذي وافقسه عليسه(‪ ،)1‬بأن‬ ‫الحداث القائمة في الكون ضرورية دائما‪ ،‬والضرورة التي يشترطها لبتناء العلم‪ ،‬ل يمكن أن‬ ‫تتوا فق مع الرادة الله ية الحرة ال تي ت سير بل هدف ول غا ية‪ ،‬أو سيرا اعتباط يا ك ما ي عبر‬ ‫أحيانا!‬ ‫وقد بينا أن العلم ل يشترط فيه أن يكون مبنيا على الضرورة‪ ،‬بل يكفي الدوام والستمرار‬ ‫العادي لقيامه في حكم النسان‪ ،‬أمّا في حق ال تعالى فل يشترط حتى الدوام؛ لنه فاعل كل‬ ‫شيء‪ ،‬فعلمه غير معلل بالضرورة‪ ،‬وأفعاله غير معللة بغاية ول هي صادرة لسبب!‬ ‫وهذا كله ل يتناقض مع العقل ول العلم كما يتوهم الكاتب ومن معه!‬

‫‪ ) (1‬قال الكاتب المزوغي‪":‬هذا ما تفطّن إليه بعض الفلسفة اللتي الذين ساروا على هدي كتابات‬ ‫أر سطو وا بن سينا وا بن ر شد حين ما قالوا بأن « ل ش يء يدث بال صدفة‪ ،‬بل كلّ الشياء ال ت لي ست م ستحيلة‬ ‫الوقوع تدث بالضرورة‪ .‬وإذا اعتبنا السباب جيعها ل شيء يدث على الواز »‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫وقسد أورد د‪ .‬المزوغسي حديثسا حول هذا المعنسى فسي مقالتسه التسي حلل فيهسا أصسول محمسد‬ ‫أركون ومنابعه الفكرية(‪ ،)2‬فذكر ما خلصته أن ابن رشد أوجب أن تكون المور المتناسبة مع‬ ‫بعضهسا البعسض‪ ،‬وأوجسب عدم افتراق المتناسسبات‪ ،‬كمسا أوجسب عدم جواز اجتماع المفترقات‪،‬‬ ‫وز عم ا بن ر شد أن هذا هو أ ساس ال سفسطة ال تي و قع في ها ا بن حزم و من واف قه في ن في‬ ‫السباب الطبيعية والعلل المادية‪.‬‬

‫‪ ) (2‬اسم القالة‪":‬العقل ف التاريخ‪ :‬منابع إسلميات ممد أركون" وهي مؤلفة من قسمي‪ ،‬منشورة على موقع‬ ‫"جدل"‪،‬‬ ‫ـس‬ ‫‪ ، http://www.jadal.org/news.php?go=fullnews&newsid=754‬قال فـ هذه القالة‪ ":‬على عكـ‬ ‫العدم ية النظر ية ال ت يروّج إلي ها هؤلء الفل سفة‪ ،‬هناك حقائق علم ية‪ ،‬وهناك قوان ي شاملة وع قل إن سان يُنظّم‬ ‫ي شيء اتفق أن يفعل ما‬ ‫ويُقنّن‪ ،‬لن الواقع ذاته قابل للتنظيم والتقني‪ ،‬العال ليس هو شواش مادي يكِن فيه ل ّ‬ ‫ات فق‪ ،‬بل هناك قانون عدم التنا قض الذي يَضم نُ معقول ية الشياء وثبات ا وي عل مِن الع قل أمرا ضرور يا ف هذا‬ ‫الكون‪ .‬ل قد تفطّن الفيل سوف العرب ا بن ر شد إل العدم ية النظر ية الكام نة وراء توجهات فكر ية إيديولوج ية ماثلة‬ ‫تقريبا للعدمية الت يُروّج لا بعض الفلسفة الحدثي ذوي النحى النيتشوي الايدغاري قائل‪ « :‬الوجودات تنقسم‬ ‫إل مُتقابلت وإل مُتناسبات‪ ،‬فلو جاز أن تفترِق التناسبات لاز أن تَجتمع الُتقابلت‪ [ .‬لكن التناسبات ل تفترق‬ ‫وبالتال فالتقابلت ل تتمـع]‪ .‬وبإدراك هذه الكمـة كان العقـل عقل فـ النسـان‪ ...‬ولذلك فالعقـل ليـس بائز‬ ‫فيمكن أن يُخلق على صفات متلفة‪ ،‬كما تَوهّم ذلك ابن حزم‪".‬اهـ‬ ‫ث قال‪ ":‬إذا أرد نا الدقّة‪ ،‬فإن الو حي ل عل قة له باليتافيزي قا‪ ،‬أمّا الفل سفة الوهران ية الاهيات ية‪ ،‬أي الفل سفة‬ ‫الفلطونية‪ ،‬فل علقة لا مباشرة بالنظمة التيولوجيّة وِبكُتُبِها‪ ،‬من توراة وإنيل وقرآن‪.‬‬ ‫ينب غي علي نا أن َنكُون صريي وقاطعيـ ه نا‪ :‬الفرضيّة التـ تقول بأن الفكار الكل ية الجرّدة‪ ،‬أو الُ ثل‪ ،‬هي‬ ‫كيانات ذات قِوام ثابت وأنا تمِل دللت ومَعا نٍ خالدة‪ ،‬مهما كان التاريخ والسيورة الكونيةّ‪ ،‬ليست من باب‬ ‫الدين ول تَدخل ف مشمولت الكتب القدّسة أو تعاليمها اللهوتية‪ .‬بل إن الطروحة الركزية الت ند بذورها‪ ،‬أو‬ ‫تلميحاتا ف تلك الكتب هي أ ّل شيء ثابت ول توجد هناك قواني تضع لا صيورة الكون‪ ،‬بل الك ّل مُعلّق بإرادة‬ ‫ال ومشيئته‪ .‬والكائنات ليست لا خاصيات جوهرية مستقرّة‪ ،‬ول شيء يلك ف ذاته ممول خاصا أو طبيعية لزمة‬ ‫تَجعله ضرورة يفعل أو يُنتج هذا الَفعول دون آخر‪ .‬والعتباطية تكتسح حت الانب الخلقي‪ ،‬لنه بالنسبة للفكر‬ ‫الدين ليست هناك قيم متعالية ومستقلّة عن إرادة ال‪ ،‬ول يُمكن حت للعقل أن يُح سّن شيئا أو يُقبّحه‪ ،‬بل الكلّ‬ ‫مُسيّر بيد الرادة اللية ويكن للفضيلة أن تنقلب رذيلة والعكس بالعكس‪ .‬يقول الشريف الرجان ف شرحه على‬ ‫"الواقف" لليي‪ « :‬القبيح ما نُه يَ عنه شرعا والُسن بلفه‪ ،‬ول حُكم للعقل ف حُسن الشياء وقبحها ‪،»62‬‬ ‫وبالتال فإن الع مل القب يح ل يس « عائدا إل أ مر حقي قي ف الف عل يَكشِف ع نه الشرع‪ ،‬بل الشرع هو الُث بت له‬ ‫والُبيّن‪ .‬ولو عَكَس [الشرع] القض ية‪ ،‬فحَ سّن ما قبّحَه وقبّ ح ما ح سّنه‪ ،‬ل ي كن ذلك مُمتنعا‪ .»63‬إذن ل ش يء‬ ‫ثابت ف ذاته‪ ،‬ول يُمكن للنسان أن يعرف جوهر الي والشرّ إن ل يُوقفه الشرع‪ ،‬وهذا ف ناية الطاف ما أخلص‬ ‫إل يه اللهوتيّون ال سيحيون‪ .‬ل قد قال أوغ سطينوس بأن ال يُعذب الولدان ف نار جهنّم ول يُعدّ ذلك شرّا ف ذا ته‪،‬‬ ‫وعلى نفس هذه الوتية يُؤكد اللهوت أبيلر (‪ ،)Abelard‬أن هذا العقاب لو صدر من طرف قا ضٍ إنسان‪،‬‬ ‫يُعدّ ظلما « لكن ل يكن أن نُس ّميَ شرّا ما هو مفعول إرادة الله العادلة‪ .‬لننا ل نستطيع أن نيّز الي مِن الشرّ‪،‬‬ ‫إلّ لن ال ي هو ما وا فق الرادة وا ستجاب إل رغ بة ال‪ .‬ولذلك فإن ب عض العمال‪ ،‬تبدو ف ذات ا قبي حة جدّا‪،‬‬ ‫وبالتال مُحرّمة‪ ،‬لكن يُمكن أن تُنجَز بأمر من ال ‪ .»64‬النتيجة هي أنّ « ك ّل تفريق بي الي والشر يب إحالته‬ ‫‪15‬‬

‫والحقي قة أن الع قل يفرق ب ين اجتماع المتخالفات‪ ،‬وب ين اجتماع واطراد وجود المتنا سبات‪،‬‬ ‫فاجتماع المتخالفات يحيله الع قل بل خلف ب ين العقلء‪ ،‬ل ستلزامه الج مع ب ين المتضاد ين أو‬ ‫المتناقضين‪ ،‬وهذا باطل‪ ،‬وهو مخالف أيضا لقانون الهوية‪.‬‬ ‫أما لزوم اطراد المتناسبات‪ ،‬فإن الموجودات الخارجية ل يلزم اطراد وجود شيء منها عند‬ ‫أو مع وجود غيره إل إذا ث بت عل ية الول للثا ني‪ ،‬أ ما مع عدم ثبوت هذا ال مر‪ ،‬أو مع عدم‬ ‫ل بسه! ونحسن نعلم أن قانون عليسة الموجودات الخارجيسة مسن عالم‬ ‫تسسليمه‪ ،‬فل يلزم أحدا القو ُ‬ ‫المكان لبعضها البعض محل نزاع عظيم بين العقلء‪ ،‬ول يصح لواحد من أحد الطرفين أن‬ ‫يقول إن البدا هة العقل ية ت ستلزم أ حد الحكم ين دون ال خر‪ ،‬فيلز مه ذلك بادعاء تنا قض الخ صم‬ ‫مع البداهة العقلية ومن ثمّ لزوم السفسطة له‪ ،‬كما فعل ابن رشد مع الشاعرة وكما يفعل من‬ ‫قلّده في ذلك المنحى!‬ ‫وقد بينا سابقا أن هناك فرقا بين ضرورة وجود شيء في نفسه‪ ،‬بمعنى أن تكون الضرورة‬ ‫نابعة من ذاته‪ ،‬وبين أن تكون الضرورة تابعة لوجوده على هيئة معينة وعلى صورة محددة‪،‬‬ ‫فإن العقل ل يدّعي بداهة وجود شيء من الموجودات بالضرورة المطلقة‪ ،‬لكنه يسلم أن المر‬ ‫إن وجسد على نحسو مسن النحاء فسي الخارج‪ ،‬فإن ظرف الوجود الخارجسي ل يمكنسه أن يتقبسل‬ ‫التناقسض أو التضاد الواقسع فيسه‪ ،‬ولذلك فإن العقسل يبطسل التناقسض فسي الخارج‪ ،‬ولكسن ذلك ل‬ ‫يستلزم عنده القول بضرورة وجود موجود ممكن في الخارج إذا وجد موجود ممكن آخر‪ ،‬لنه‬ ‫قد يخالف في ضرورة العلية المزعومة بينهما أو حتى تحققها‪.‬‬ ‫ولذلك فإنسا نرى أن الموقسف العقلي الفلسسفي ل يجوز له أن يناقسض موقسف مسن قال مسن‬ ‫الشاعرة وغير هم بعدم وجود ال سباب الخارج ية في ح يز المخلوقات العالم‪ ،‬وإحالة ذلك كله‬ ‫إلى فاعل واحد يفعل على نمط مختار عنده دون غيره من النماط الممكنة‪ ،‬ول ضرورة تدفعه‬ ‫إلى ذلك الفعل‪.‬‬ ‫وأمسا زعمسه أن العلم متوقسف على وجود الضرورة المطلقسة‪ ،‬فل‪ ،‬بسل يكفسي فيسه وجود‬ ‫الضرورة بق يد وجود الموضوع ك ما بيناه سابقا‪ ،‬بل يك في ف يه اطراد الموجود الخار جي على‬ ‫نمط معين‪ ،‬فيمكن أن يتوصل إلى العلم عن طريق الستقراء التام أو غير التام‪ ،‬فيكون قطعيا‬ ‫في الحالة الولى وظنيا في الثان ية‪ ،‬وكله ما علم يم كن بناء الع مل النا فع عل يه في الخارج‪،‬‬

‫إل إرادة العناية اللية‪ ...‬ل شيء إذن يكن أن نكم عليه بأنه خي أو شرّ‪ ،‬إ ّل ما كان مطابقا أو منافيا لذه الرادة‬ ‫الكاملة ‪ .»65‬وطبقا لذه البادئ فالصيلة النهائية مبطة جدّا ولكنها ضرورية‪ :‬وهي أنه حت إن ل نُدرك معن‬ ‫تعذيب الولدان الغي مُعمّدين‪ ،‬يب العتراف بأن هذا التعذيب عادل‪".‬اهـ‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫ول يس وا حد منه ما متوق فا على الضرورة الذات ية‪ .‬ك ما أن العلوم العمل ية يك في في ها ال ظن‪ ،‬ول‬ ‫يشترط بناؤها على القطع‪.‬‬ ‫نعم إن أمكن إثبات وجود ضرورة مطلقا خارجية بين موجودين اثنين‪ ،‬فهذا قد يكون سببا‬ ‫لعلم قاطع تماما‪ ،‬ولكن حتى يثبت ذلك النوع من الضرورة نتكلم عليه‪.‬‬ ‫وأمقا موضوع الحسقن والقبقح الثابتيسن لذاتهمسا فسي الخارج‪ ،‬فهذا فرع إثبات الضرورة‬ ‫للوجودات الممكنة الخارجية‪ ،‬أي أجزاء العالم‪ ،‬أو أصل العالم‪ ،‬وهذا ل يثبت مطلقا‪.‬‬ ‫وقسد يتوهسم بعسض النظار أن هذا فرع للنظرة العقليسة فسي نفسسها‪ ،‬كمسا توهسم المعتزلة‪،‬‬ ‫وغير هم م من يقول بذلك‪ ،‬ول كن هذا ل يث بت على م حك الن ظر‪ ،‬ولم نرَ دليلً أ تى به الكا تب‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫وأما مبادئ الخلق واستلزام نسفها إن لم نقل بالضرورة الذاتية تلك‪ ،‬فهذا أمر غير مسلّم‪،‬‬ ‫بل ل يم كن ت سليمه إل إذا أث بت الخ صمُ ثبوت ما سماه الكا تب ب س"الفكار الكل ية المجرّدة‪ ،‬أو‬ ‫ن خالدة"‪ ،‬ف هل يو جد دل يل قا طع‬ ‫المُ ثل‪ ،‬هي كيانات ذات قِوام ثا بت وأن ها تحمِل دللت ومَعا ٍ‬ ‫على أن هذه المثل العليا ثابتة على سبيل الضرورة المطلقة‪ ،‬أو حتّى الذاتية بشرط الموضوع‪،‬‬ ‫كيسف يمكسن أن يثبست الكاتسب وغيره أن الخلق والقيسم لهسا وجود خارجسي متشخسص بحيسث‬ ‫يلزمنا أن نؤيده في دعواه بأن إنكارها يستلزم انهيار النظم الخلقية؟!‬ ‫وإن ثبتت في أصلها فما الذي يجعلنا نسلم للكاتب أن كل حكم جزئي فهو ثابت على الكيفية‬ ‫التي يقترحها القائلون بذلك‪ ،‬يعني لو سلمنا ثبوت أصل فكرة الحسن والقبح العقليين‪ ،‬فما الذي‬ ‫يستلزم التسليم بكل حكم جزئيّ من تلك الحكام التي يدعيها الخصوم‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى هل يوجد لدينا من المكانيات النظرية ما يؤهلنا للقطع بموجب العقل وحدَه‬ ‫عمُ أن أصوله ثابتة عقلً!‬ ‫بالحكام الجزئية لما يُز َ‬ ‫ل أعت قد أحدا ي ستطيع إثبات العلل العقل ية التا مة الظاهرة ل كل تلك الحكام الجزئ ية‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن المآل للترجيح فيها إما التحكم المحض أو العادة البشرية والتواضع على نحو معين‪ ،‬وهو‬ ‫مسا لجسأ إليسه أصسحاب التقنينات الديمقراطيسة مسن لزوم الرجوع إلى التصسويت على الحكام‬ ‫الجزئية‪ ،‬ولو وجدوا ضابطا عقليا تاما يقيم الحجة الظاهرة على الناس لما جاز لهم أن يتركوه‪.‬‬ ‫ل الظهور كمسا ‪-‬يبدو لي أن الكاتسب‬ ‫إذن المسسألة ليسست مسسألة سسهلة ول هسي ظاهرة ك ّ‬ ‫المزو غي‪ -‬يتوهم ها‪ ،‬ولذلك ي سارع باتهام المخالف ين بال سفسطة وتهد يم النظام الخل قي! يت بع‬ ‫في ذلك ابن رشد!‬ ‫‪17‬‬

‫وبذلك يتبين أن ما يسارع الكاتب إلى تسميته بالعتباط اللهي‪ ،‬ل يملك دليل عليه قطّ‪ ،‬بل‬ ‫حكمه هذا اعتباط بشري محض!‬ ‫ملحظة‪:‬‬ ‫ل بدّ من أن نقول هنا إن المعتزلة والشيعة ومن تبعهم قد اقتربوا كثيرا إلى مذهب الفلسفة‬ ‫في هذه المسألة عندما اعتبروا التحسين والتقبيح العقليين‪ ،‬وربما لذلك لم يلتفت إليهم المزوغي‬ ‫في كل مه على هذه الم سألة‪ ،‬لم يلت فت إلي هم من ج هة أن هم ك يف قالوا بهذه القوال التي يعت قد‬ ‫هو أن ها مخال فة لجو هر الد ين‪ ،‬مع أ نه كان ينب غي أن يتكلم عن موقف هم وكان عل يه أن يف سر‬ ‫تما ما ك يف أم كن ل هم أن يقولوا بذلك مع إيمان هم بالله الوا حد! ولك نه تجا هل ذلك كله‪!....‬‬ ‫واكتفسى فيمسا بعدُ بالشارة إلى أن ابسن حزم قسد أورد أقوال المعتزلة بكسل إنصساف‪ ،‬ولكسن‬ ‫المزو غي لم يشت غل بتف سير ك يف قال المعتزلة هذه المقولت و هم م ستمرون على اليمان بال‬ ‫تعالى والنبوة المحمدية‪ ،‬ومن أكبر المنافحين عنها‪ ،‬والحال أنه يعتبرها مناقضة لصل التدين!‬ ‫لم يشتغل بتفسير ذلك مطلقا مع لزومه له كما ل يخفى(‪!)1‬‬ ‫ولعله يتوهسم أن مسن يقول بالرادة اللهيسة الحرة(‪ ،)2‬فإن ذلك يسستلزم عنده نفسي الوجود‬ ‫الواقعي للعالم‪ ،‬وكم يذكرني ذلك الدعاء بدعوى الشيوعيين الماركسيين قديما أن الديان كلها‬ ‫مثالية أي ل تؤمن بالوجود الموضوعي الخارجي! وهذه دعوى ساذجة كما ل يخفى‪.‬‬ ‫‪ ) (1‬وأشار إلى مذهسسب المعتزلة ومسسن وافقهسسم فسسي مقالتسسه "العقسسل فسسي‬ ‫التاريخ(‪ ")1‬فقال‪ ":‬لكن‪ ،‬احقاقا للحق‪ ،‬يب القول بأن فكرة العتباطية اللية ل تكن هي السائدة بي‬ ‫مفكري العال ال سلمي وال سيحي لن العتزلة قالوا بأن الا كم هو الع قل « والف عل حَ سَن أو قب يح ف نف سه‪.‬‬ ‫والشرع كاشف ومُبيّن‪ .‬وليس له أن يعكس القضيّة ‪ .»67‬ولكن أكثر مَن حدس ماطر هذه الواقف العتباطية‬ ‫على الفكر النظري هو الفيلسوف ابن رشد‪ ،‬لن العلم اليقين يتلشى‪ ،‬إن تساوت المكانات واجتمعت الضداد‪،‬‬ ‫(القيقة والطأ‪ ،‬الي والشرّ) أو ُعلّقت بإرادة هي الت تقرّر العن دون قانون يضبطها‪ « :‬أما إذا َسلّم التكلمون أن‬ ‫المور الُتقابلة ف الوجودات مكنة على السواء وأنا كذلك عند الفاعل وإنا يتصّ أحد التقابلي بإرادة فاعل ليس‬ ‫لرادته ضابط يري عليه‪ ،‬ل دائما‪ ،‬ول ف الكثر‪ ،‬فكل ما يلزم التكلمي من الشناعات يلزمهم‪ .‬وذلك أن العلم‬ ‫اليقين هو معرفة الشيء على ما هو عليه‪ ،‬فإذا ل يكن ف الوجود إلّ إمكان التقابلي ف حق القابل والفاعل فليس‬ ‫ههنا علم ثابت بشيء أصل‪ ،‬ول طرفة عي‪".‬اهـ‬ ‫ول يذكر تفسيا واحدا أيضا يعلل به سبب ظهور هذا الفكر الذي ف نظره يالف جوهر الدين‪ ،‬ويوافق به الفلسفة‬ ‫تاما‪ ،‬من جهة أن الدين ل يقبل ف نفسه اطراد المور على نسق واحد‪ ،‬ول يقبل العلم‪ ،‬وها نن نرى العتزلة ومن‬ ‫وافقهم –على ال قل ف ن ظر الزو غي و من يواف قه‪ -‬يقبلون ذلك تا ما‪ ،‬ول يعلهم ذلك يتخلون عن أساس الد ين‬ ‫وأصوله الكلية ول الزئية‪.‬‬ ‫‪ ) (2‬قال الكاتب‪ ":‬لقد تلزم رفض الضرورة الطبيعية مع رفض الوجود الواقعي للكلّي‪".‬اهـ‬ ‫‪18‬‬

‫ولذلك فهو يقول‪ ":‬المفهوم المجرّد ل وجود له إلّ في الذهان وهو كلمة مُقالة أو مكتوبة‪.‬‬ ‫وهذا المن حى المعر في ي قف ع ند حدّ المعطيات الح سية الفرد ية‪ :‬الع قل الن ساني ل يعرف إلّ‬ ‫العيان المشخ صة ول يدرك إلّ الظوا هر الخارج ية ال تي ت ستنفذ جم يع مدارك نا العقل ية‪ .‬أمّا‬ ‫الكيانات الغيبيسة فالعقسل غيسر قادر على البرهنسة على وجودهسا والتحقّق منهسا‪ :‬مفاهيسم الخيسر‬ ‫والشرّ‪ ،‬الحقي قة والخ طأ لي ست ل ها قي مة ثاب تة‪ ،‬ول تفرض نف سها‪ ،‬ب ما هي كذلك‪ ،‬على الع قل‬ ‫البشري‪ ،‬لنهسا أمور جائزة‪ ،‬وال قادر على تبديلهسا حسسب إرادتسه الحرة‪ .‬وهذا يتعارض مسع‬ ‫آراء فل سفة ال سلم من الر سطيين الذ ين اع تبروا تلك الكيانات ل ها وجود واق عي في الع قل‬ ‫الل هي و هو الضا من لوجود ها‪ ،‬ول يم كن أن تف سد إلّ إذا ف سدت الذات الله ية‪ ،‬وهذا محال‪.‬‬ ‫وطبقسا لهذه النظرة الواقعيسة يغدو نظام العالم مُصسانا مسن العتباط لن هناك مُثلً خالدة يجسب‬ ‫على ال أن يحترمها في إنشائه للعالم‪ .‬ال حرّ‪ ،‬لكن حريته ليست دون قواعد‪ ،‬والوجود ُمنَظم‬ ‫في بنيته الداخلية ومقنن بحيث يمكن دراسة الموجودات ومعرفة قوانينها‪ .‬لكن أصحاب الرادة‬ ‫مسن اللهوتييسن المسسلمين والمسسيحيين برفضهسم الكلي والمفهوم المجرّد‪ ،‬وبتعليقهسم ك ّل شيسء‬ ‫بإرادة إلهيسة حرة مَطّطوا مسن مجال المكان لكسي يشمسل كسل الكائنات حتسى تلك التسي اكتملت‬ ‫وتشخّ صت بالمادّة المشار إلي ها (‪ ،)materia signata‬والف عل الل هي أ صبح فاقدا للضرورة‬ ‫وبالتالي غير خاضع لي منطق عقلني‪".‬اهس‬ ‫والكا تب المزو غي أخ طأ كثيرا في هذه المغامرة عند ما لم يلت فت إلى ما قلناه سابقا من أن‬ ‫الضرورة حا صلة بملح ظة وجود الموضوع‪ ،‬ل كن ل ش يء يفرض بقاءه‪ ،‬فأ صل بقائه مم كن‪،‬‬ ‫ولكنه ما دام باقيا فهناك ضرورة تتمثل في أن الشيء هو هو‪ ،‬ويستحيل أن يكون غيره‪ ،‬ومن‬ ‫ه نا تن شأ النظرة العلم ية والجزم القا طع الذي نراه ع ند المتكلم ين من الشاعرة و من وافق هم‪،‬‬ ‫وإن لم يقولوا بالتحسين والتقبيح العقليين!‬ ‫وفرق ب ين الوجوب بفرض وجود الموضوع‪ ،‬وب ين وجوب وجود الموضوع نف سه‪ ،‬فالثا ني‬ ‫هو الوجوب المطلق أو الضرورة المطل قة‪ ،‬والول هو الضرورة بشرط الموضوع‪ .‬و قد فرّق‬ ‫مناطقة السلم بينهما كما هو معلوم‪ ،‬مع أنه كما يبدوا لنا أن الدكتور المزوغي ل يعلم شيئا‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫ولذلك تراه دائما يفا خر بأن النظرة العلم ية التا مة ل يم كن أن تح صل إل على يد أر سطو‬ ‫و من تب عه كا بن ر شد وا بن سينا في مقولة الوجوب الذا تي‪ ،‬أ ما المتكلمون الذ ين مشوا على‬ ‫إثبات الرادة الحرة‪ ،‬فيستحيل بناء نظرة علمية على مذهبهم‪.‬‬ ‫ول ش يء في الع قل يم كن أن يث بت الوجوب على الله‪ ،‬و كل ما يقال في صدد إثبات ذلك‬ ‫فإنمسا هسو هواء‪ ،‬وأمسا كلم المزوغسي هنسا واسستشهاده بكلم الغزالي فسي جواز إيلم الحيوان‬ ‫‪19‬‬

‫البريء ول يلزمه ثواب ول تعويض‪ ،‬فل تناقض في هذه المقولة مع ما يقرره العقل كما نراه‪،‬‬ ‫ولذلك فإ نا عند ما نفي نا مقولة التح سين والتقب يح العقلي ين نفيناه ما بالع قل نف سه‪ ،‬ولذلك اع تبر‬ ‫علماء الشاعرة نفي التحسن والتقبيح العقليين أصل من الصول التي ل يجوز إهمالها‪ ،‬وذلك‬ ‫لكثرة ما ينشأ عن هذا الصل من مفاسد إذا أهمل‪.‬‬ ‫ويشرع الكاتسب باسستحضار ألفاظ وعبارات مسن المواقسف للعضسد وكتسب المدي فسي علم‬ ‫الكلم ونحوهسم‪ ،‬فيقتطسع منهسا عبارات أوردهسا هؤلء العلم وردوا عليهسا‪ ،‬وذلك فسي مقام‬ ‫ال ستدلل على عموم إرادة ال تعالى ل كل موجود‪ ،‬ول كن الكا تب يف ضل أل يش ير إلى الردود‬ ‫جميعها بل يقتصر على ما يوهم عدم تمامه‪ ،‬ويبالغ في إظهار وجود الشكال‪ ،‬ومنها أنه زعم‬ ‫أن ذلك يستلزم الر ضا بالك فر لنه مراد ل تعالى وقضاء ال تعالى وي جب الر ضا به‪ ،‬ويهمل‬ ‫قصدا ذكر التفريق بين الرضا بالقضاء والرضا بالمقضي‪ ،‬فاللزم إنما هو الرضا بالقضاء ل‬ ‫بالمق ضي‪ ،‬والمق ضي هو ح صول الك فر في الع بد‪ ،‬أي صيرورة الع بد كافرا‪ ،‬وهذه الج هة ل‬ ‫يجوز الر ضا ب ها‪ ،‬لن ها هي ال تي ت ستلزم الر ضا بالك فر‪ ،‬بخلف كون ال تعالى فاعل للك فر‬ ‫أصل‪ .‬ويهمل الكاتب أيضا التفريق بين الرادة والمر‪ ،‬كما فرّق بينهما الشاعرة فقالوا بأنه‬ ‫يمكن إرادة إيجاد الكفر مع عدم المر به‪ ،‬ول الرضا به‪ ،‬بل مع النهي عنه‪ ،‬فالرضا مأخوذ‬ ‫من المر ل من مجرد إرادة إيجاد الشيء!‬ ‫والذي نوافق الكاتب عليه مما قاله هو‪ ":‬أما زعم البابا بأن الله المسيحي يتصرّف بعقلنية‬ ‫توا فق عقلنية النسان (الغر بي)‪ ،‬على خلف الله السلمي الذي يخرق قوان ين الطبي عة ول‬ ‫يَحتَرم حتى إرادته‪ ،‬فإن هذا العتراض يُلزِم كلّ الملل(‪ )1‬بما فيها اليهود والمسيحيّين كما بيّنت‬ ‫سابقا‪ .‬ول ين جو م نه ح تى الفل سفة الغربي ين المحدث ين‪ ،‬ل قد قال ديكارت بأن ال ل يم كن أن‬ ‫يخدع النسان أو يُضلّه‪ ،‬وجعل من هذه الفكرة أساس يقينياته العلمية‪ ،‬ولكن اعتُرض عليه بأن‬ ‫هناك مِن السكولستيّين‪ ،‬مثل غريغوريو دي ريمني (‪ )Gregorio di Rimini‬وغابر بيل (‬ ‫‪ )Gabriel Biel‬وغير هم‪ ،‬مِمّن يَرون أن ال يكذب على و جه الطلق (‪que Dieu ment‬‬ ‫سنّه‪،‬‬ ‫‪ ،)absolument parlant‬أي أ نه‪ « :‬يقول شيئا للناس ضد مقا صده‪ ،‬وضدّ ما قَ ّررَه و َ‬ ‫مثل‪ ،‬عندمسا قال‪ ،‬دون أن يضيسف أي شرط‪ ،‬لهسل نينوى على لسسان نسبيّه بأنهسا سستُهلك بعسد‬ ‫أربع ين يو ما‪ ،‬وعند ما قال أي ضا أشياء أخرى لم تَتح قق »‪ .‬طب قا لقوال الك تب المقد سة‪ ،‬وإذا‬ ‫علم نا بأن ال ذا ته هو الذي ق سّى وأع مى قلب فرعون‪ ،‬وألهَم ال نبياء روح الكذب‪ ،‬ال سؤال‬

‫‪ ) (1‬ل يخفسى أن تعميسم هذا الحكسم على جميسع الديان بمسا فيهسا السسلم فيسه‬ ‫نظر ل نوافق عليه‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫ح الذي يطر حه كا تب العتراض الثا ني على ديكارت هو ال تي‪ « :‬ك يف ت ستطيعون أن‬ ‫المل ّ‬ ‫تقولوا بأننا ل يمكن أن نكون عرضة لخداعه؟"اهس‬ ‫ح للبا با أن يلزم الم سلمين بأن الله ال حر الرادة ي ستلزم تجو يز خرق قوان ين‬ ‫يع ني إذا ص ّ‬ ‫الطبيعة‪ ،‬فهذا يلزم حتى المسيحيين أنفسهم بل حتى يلزم الفلسفة القائلين بذلك‪ .‬وبهذا يبطل ما‬ ‫زعمه البابا من أن الغربي هو الوحيد الذي يكون اعتقاده عقلنيا تاما‪.‬‬ ‫ولك نا ن ستدرك ه نا فنقول‪ :‬إن قوان ين الطبي عة لي ست هي المعيار للعقلن ية‪ ،‬ون حن ل نقول‬ ‫بأن ما خالف قوانين الطبيعة فهو مخالف للقوانين العقلية‪ ،‬لن قوانين الطبيعة أي الصورة التي‬ ‫أو جد علي ها العالم هي صورة وضع ية تاب عة للرادة والق صد الل هي‪ ،‬ولي ست ناشئة من نف سه‬ ‫ول لسبق وجوب استلزم ذلك كما يزعم الفلسفة‪.‬‬ ‫وأيضا فإ نا نقول‪ :‬إن الكذب على ال تعالى محال‪ ،‬لن كلم ال تعالى و ما دلّ عل يه موا فق‬ ‫لعلمسه تعالى‪ ،‬ولو جوزنسا الكذب عليسه لجوزنسا الجهسل‪ ،‬وهذا باطسل فيبطسل الفرض‪ .‬فكلم ال‬ ‫تعالى يتعلق بالمور على ما يتعلق بها العلم‪ ،‬والعلم مطابق للمر في نفسه‪ ،‬فكذلك الكلم يدلّ‬ ‫على ما كشفه العلم‪.‬‬ ‫وأما قدرة ال تعالى على الظلم التي يقول بها بعض المتكلمين كالمعتزلة وبعض الحشوية‪،‬‬ ‫ويتعلق بهسم هؤلء العلمانيسة والملحدة‪ ،‬فإنمسا هسو حكسم يسستبطن اليجاب على ال تعالى‪،‬‬ ‫ويسستبطن كون أفعال ال تعالى تابعسة لحكام سسابقة على إرادتسه‪ ،‬ويسستبطن اسستحقاق الشياء‬ ‫لحكام قبسل وجودهسا‪ ،‬وغيسر ذلك‪ ،‬وهذا كله غيسر مسبرهن عليسه ول نسسلمه لهسم‪ ،‬فل يمكنهسم‬ ‫والمسر كذلك أن يقولوا بإمكان الظلم على ال تعالى‪ ،‬حتسى يسستلزموا إمكان كونسه شريرا أو‬ ‫ظالما!‬ ‫والفاعل بل سبق وجوب ول سبق حكم عليه ل يمكن أن يكون ظالما‪ ،‬لن مالك كل شيء‬ ‫هو المتصرف بذلك‪ ،‬ول شيء يلزمه على التصرف بما يملك على وجه دون آخر‪.‬‬ ‫وعارض المزو غي من قال من الم سيحيين بأن الفكر المسيحي متوافق مع العقلنية تما ما‬ ‫بخلف السسلم‪ ،‬بأن قدماء الفلسسفة الحذاق الذيسن فهموا حقيقسة الديانسة المسسيحية واليهوديسة‬ ‫عارضوها من جهة قدرة الله على التصرف التام بالكون‪ ،‬فاستحضر نصا لجالينوس(‪ )1‬يقول‬ ‫ف يه معتر ضا على ما ي سميه بالعتباط الل هي‪ ":‬ل يُم كن ل‪ ،‬ح تى وإن أراد ذلك‪ ،‬أن يُنشِىء‪،‬‬ ‫في الحين‪ ،‬مِن حَجر إنسانا ما‪ .‬هذا ما يُفرّق بين تعاليم موسى وتعاليمِنا نحن‪ ،‬تعاليم أفلطون‬ ‫واليونان الذ ين فح صوا بصواب في الطبي عة‪ .‬بالن سبة لموسى يَكفي أن يُريد الله إعطاء نظام‬ ‫‪ ) (1‬ف كتابه " حول صلحية أعضاء النسان" (‪.)ΠΕΡΙ ΧΡΕΙΑΣ ΜΟΡΙΩΝ‬‬ ‫‪21‬‬

‫للطبيعة حتى تستجيب هذه مباشرة؛ فهو يعتقد أن كلّ شيء ممكن عند الله حتى إن أراد صنع‬ ‫ح صان أو ثور من التراب‪ .‬ن حن ل سنا من هذا الرأي‪ ،‬لكن نا نقول بأن ها تو جد أشياء م ستحيلة‬ ‫بالطبع ول يمكن للله حتى القتراب منها‪ ،‬لكن بين الشياء الممكنة يختار الفضل"اهس‪.‬‬ ‫وقارن ذلك ب ما قاله ا بن ر شد الفيل سوف‪ ":‬وأمّا أن المور لي ست كلّ ها ممك نة فظا هر جدّا‪:‬‬ ‫فإنه ليس يمكن أن يكون الفاسد أزليّا ول يمكن أن يكون الزلي فاسدا كما أنه ليس يمكن في‬ ‫المثلّث أن تعود زواياه مسساوية لربسع قوائم ول فسي اللوان أن تعود مسسموعات‪ ،‬والقول بهذا‬ ‫ضارّ في العلوم النسانية جدّا‪".‬اهس‬ ‫ومع أنا لسنا من محبي ابن رشد الحفيد الفيلسوف‪ ،‬ول من أنصار المسيحية‪ ،‬إل أنا نقول‬ ‫إن في ا ستشهاد الكا تب بهذ ين الن صين نظرا‪ ،‬فأ ما كلم جالينوس‪ ،‬فإن ق صد أن ال تعالى ل‬ ‫يقدر على خلق شيء حي من شيء غير حيّ‪ ،‬فهذا باطل‪ ،‬وهو مبطل لصل وجود الله‪ ،‬فل‬ ‫يلزم نا إذن ما اعتقده جالينوس بناء على ت صوراته الخا صة‪ ،‬ول يلزم الم سيحية ول اليهود ية‬ ‫كذلك‪ ،‬فال تعالى قادر على إيجاد الحيّ (كح صان أو إن سان أو غيره ما) من ش يء غ ير حيّ‬ ‫ك ما هو قادر على أن يخلق شيئا ل من ش يء أ صل‪ .‬ول ينا قض ذلك كله الع قل ول قوان ين‬ ‫الطبيعة كما تقدم‪.‬‬ ‫وإنمسا يصسح رأي جالينوس على افتراض أن التراب حال كونسه ترابسا ومدة كونسه ترابسا ل‬ ‫يمكن أن يصير حصانا‪ ،‬فهذا صحيح لستلزامه اجتماع النقائض كما ل يخفى‪ ،‬وليس هذا هو‬ ‫المقصود من خلق الحي من اللحي!‬ ‫أ ما أن يخلق ال تعالى من مادة التراب حيوانا حيا نا مه ما كا نت ماهي ته بأن يعط يه أشكال‬ ‫وهيئات وتركيبات تجعله حيسة‪ ،‬فهذا أمسر مقدور عليسه بسل حاصسل‪ ،‬ول اعتبار برأي جالينوس‬ ‫ومن تبعه ممن توهم أن هذا يناقض العقل‪.‬‬ ‫وأما ما استشهد به من كلم ابن رشد‪ ،‬فهو غير مفيد لما يريده الكاتب‪ ،‬فإن ابن رشد يتكلم‬ ‫على انقلب الفاسد إلى غير فاسد‪ ،‬وصيرورة المثلث مربعا‪ ،‬فهذا إن أراد به ابن رشد انقلب‬ ‫المثلث حال كو نه مثل ثا وانقلب الفا سد حال كو نه فا سدا إلى غ ير مثلث وغ ير فا سد‪ ،‬ف هو ل‬ ‫يجوزه أحد من المسلمين الذين يعتد برأيهم كما سبق‪ ،‬وأما من شذ برأي خاص به فل عبرة به‬ ‫ول يصح أن يجعل ذلك نقضا لقول عقلء المسلمين‪.‬‬ ‫أما إن صحح هذا المرَ المسيحيون بناء على قولهم بصيرورة الثلثة واحدا‪ ،‬والعكس‪ ،‬فهذا‬ ‫راجع لهم‪ ،‬ول عبرة عندنا بهذا الرأي لبطلنه‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وعلى العموم فكسل قول اسستلزم قلب الماهيات فل نجوّزه ول نقول بسه‪ ،‬وهسو معارض‬ ‫للسلم والعقيدة الحقة‪ ،‬وما كان ل يشتمل على ذلك كخلق الحي من غير الحي فل إشكال فيه‬ ‫عندنا‪.‬‬ ‫وإذا قصد ابن رشد أن المسموعات ل حيثية لها إل كونها مسموعات‪ ،‬فل يمكن أن يكون‬ ‫لهسا حيثيسة أخرى لهسا ككونهسا مرئيةً‪ ،‬فهسو رأي مغالطسي وتشغيسبي‪ ،‬فتعدد الجهات الوجوديسة‬ ‫لموجود واحد ل إشكال فيه‪ ،‬فالمسموع يكون مرئيا كذلك‪ ،‬ومعلوما‪ ،‬وهكذا‪ .‬والمر الواحد قد‬ ‫يدرك بالسمع ويدرك بالبصر ويدرك بالعلم‪ ،‬ول إشكال في ذلك كله‪.‬‬ ‫وإن أراد ابن رشد في مقالته هذه التي وافقه عليها المزوغي أن المثلث قد يتغير من حيث‬ ‫ما هو موجود خارجا‪ ،‬فتطرأ عليه حوادث معينة فيصير مربعا مثل‪ ،‬بعد أن تتغير أضل عه‬ ‫وتزول أو ت ّقصّ وتمّحي لسبب من السباب‪ ،‬فهذا ل نراه باطل‪ ،‬ول يرفضه ل دين ولعقل!‬ ‫ولكن إذا كان المراد كذلك فإن اعتراض ابن رشد غير موجه على المعنى الول‪ ،‬وهو غير‬ ‫محل خلف على المعنى الثاني‪ .‬فل نرى للستشهاد بنحو ذلك الكلم أي فائدة‪.‬‬ ‫موقفه من علماء الكلم‬ ‫قال الكا تب المزو غي‪ ":‬إن لم ت كن أقوال اللهوتيّ ين مجرّد ادعاءات خاو ية من أي برهان‬ ‫عقلني‪ ،‬فهي ركام من الخطاء‪ ،‬تنقصها الدقة والتمحيص؛ وأرى أن فلسفة السلم ُمحِقّون‬ ‫في إعراض هم عن مناق شة أ هل الكلم‪ ،‬ويع تبرونهم مُجرّد سفسطائيين ل تر قى علوم هم إلى‬ ‫درجة اليقين البرهاني‪".‬اهس‬ ‫هذا الموقف الذي يتميز به العلمانيون والحداثيون ويشتركون فيه مع قدماء الفلسفة –ومنهم‬ ‫ابن رشد وابن سينا‪...‬الخ‪ -‬الذين زعموا أن علماء الكلم ما أتوا إل بأمور تشغيبية ومغالطات‬ ‫ل علم فيها‪ ،‬ولذلك فإنهم يتعالون عن الكلم معهم‪ ،‬ويعتبرونهم مجرد جدليين‪ ،‬وقد وافقهم في‬ ‫ذلك الموقف بعض الذين تأثروا بمزاعم الفلسفة كابن تيمية من الحشوية‪ ،‬ومن تابعه في هذا‬ ‫الزمان كأبسي يعرب المرزوقسي الذي اعتسبر علم الكلم أسساس التخلف الحضاري‪ ،‬وتباهسى‬ ‫بالفلسفة! ومع ذلك يعتبر نفسه قائما للدفاع عن الدين!‬ ‫وقال أيضا‪" :‬ليس هناك وجه للمقارنة بين الذهنيتين‪ ،‬أعني بين ذهنية علمية وبين ذهنية‬ ‫دين ية‪ ،‬ومَن أقدم على ذلك فإن عل يه ق بل كل ش يء أن يُنبّه على الدللت المختل فة ل كل من‬ ‫طرفي المقارنة وأن يُبيّن المجالت النظرية لكل منهما والشكالت التي تميز كل من العوالم‬ ‫النظرية‪ ،‬ومَن أقدم على هذا العمل بنزاهة فإنه من الصعب جدا أن يفضّل الدين على الفلسفة‬

‫‪23‬‬

‫مه ما كانست ثورتسه وجد ته‪ ،‬لن الديقن على المسقتوى النظري البحقت ل يمكقن أن يقدّم شيئا‬ ‫يذكر‪ ،‬هذا إن لم يكن دائما عامل عطالة وعرقلة لتقدم العلم‪".‬اهس‬ ‫فالديسن فسي نظره مجرد عامسل عطالة عسن التقدم العلمسي‪ ،‬وهسو ل يقارن الذهنيسة الدينيسة‬ ‫بالذهنية العلمية‪ ،‬فشتان بينهما في زعمه‪ .‬ونحن قد بينا أنّ ما أتى به مجرد دعاوٍ غير قائمة‬ ‫على برهان‪ ،‬ولذلك اكتفينا بتحليلها ولفت أنظار القراء إلى جهات النقص فيها والغالطة الكامنة‬ ‫في أجزائها‪.‬‬ ‫وقد أثبت الدين الصحيح أنه من أعظم العوامل التي تحث ّ على التقدم العلمي‪ ،‬وأما مخالفة‬ ‫العلم فإنما تنتج من انحرافات في الفهم سواء عند المتدين أو غير المتدين‪ ،‬ول يلزمنا التيان‬ ‫بشواهد على ذلك من التاريخ فهي واضحة‪.‬‬ ‫وقد أثبت التار يخ ال سلمي أ نه –ل صحة ال سلم وعدم تحري فه‪ -‬أقدر الديان على احتواء‬ ‫العلوم وتشجيسع العلماء‪ ،‬بسل وعلى إتاحسة ج ّو ممتاز للفلسسفة الذيسن يخالفون أصسوله بخلف‬ ‫الفكار الخرى‪ ،‬سواء أكانت علمانية أو غير ذلك‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين لنا أن ما زعمه الكاتب المزوغي ل يرقى شيء منه لمستوى البرهان خاصة‬ ‫في مزاعمه بالتناقض بين الدين والعقل!‬ ‫إن هي إل أوهام يتوهمونها ومزاعم يزعمونها‪ ،‬ل سلطان لهم عليها ول برهان‪.‬‬ ‫السلم والعنف‬ ‫يزعم البابا أن السلم هو دين القتل وأن المسيحية هي دين الرحمة والسلم‪ ،‬ولكنه ينسى‬ ‫أن تاريخ المسيحية مسطر بالقتل مع المخالفين للمسيحية وحتى بين الطوائف المسيحية نفسها‪،‬‬ ‫والكا تب المزو غي يز عم أن الم سلمين اتبعوا ن فس الطرق ال تي اتبع ها الم سيحيون في ن شر‬ ‫دينهم‪ ،‬ونحن قد قلنا في محل آخر إن نشر العتقاد الصحيح ل بدّ من أن يقع فيه تدافع يؤدي‬ ‫إلى تقاتل وقتل‪ ،‬وهذه هي طبيعة الختلف بين البشر‪ ،‬سواء أكانوا متدينين أم ل‪ ،‬فإن المقاتلة‬ ‫تقع بين البشر لمجرد الختلف ل لجل الديان أنفسها‪ ،‬توحيدية كانت أم ل‪ ،‬ويكاد الكاتب أن‬ ‫يحصسر ذلك المسر فسي الديان التوحيديسة فيقول‪ ":‬كاتسب هذه السسطور كمفكّر علمانسي ل يودّ‬ ‫تركيسز هذه الحصسيلة السسلبية فسي المسسيحية فقسط‪ ،‬بسل يمكسن أن تُسسحب على جميسع الديان‪،‬‬ ‫خصوصا تلك الديان الكثر إقصائية وعنفا‪ ،‬أعني الديان التوحيدية‪".‬اهس‪.‬‬ ‫والحقيقة أن الصواب قد جانبه تماما في هذا الحكم المبالغ فيه‪ ،‬فإن الدين السلمي لم يكن‬ ‫يهدف إلى ق تل المخالف ين‪ ،‬بل إلى د فع أذا هم عن الموحد ين‪ ،‬ومنع هم عن الوقوف في و جه‬ ‫‪24‬‬

‫الدعوة إلى الديسن الصسحيح‪ ،‬وذلك أن المسسلمين يرون أن هذا الديسن إنمسا أنزل لهدايسة البشسر‬ ‫ولمنفعتهم دنيا وأخرى‪ ،‬فالمقاتلة إن حصلت فإنما تحصل لهدف دفع الممانعة من إيصال الخير‬ ‫للناس‪ ،‬وليست مقصودة لذاتها‪ .‬ول يستطيع الكاتب أن ينكر وجود شروط عديدة لمقاتلة الغير‬ ‫في السلم‪ ،‬إن حصلت فإنه يندفع بها أذى عظيم عن الخلق‪.‬‬ ‫وهو يعلن عن ذلك صراحة فيقول‪ ":‬أما زال هناك مِن مَجال لنكران البداهة؟ أما زال هناك‬ ‫ح قّ ل صحاب الديان (ول أ ستثني من جدل ية الحرب والع نف أي د ين من الديان التوحيد ية)‬ ‫أن يتناسوا هذه الحقائق ويُدلّسوا التاريخ؟ أودّ أن أأكد للقارئ مرة أخرى أن كاتب هذه السطور‬ ‫ل يُنافح عن دين ضدّ آخر‪ ،‬ول يَو ّد أن يتحامل على شخصيّة مقدسة عند المسيحيين‪".‬اهس‬ ‫لحظوا أنه ل يهمه أي دين من الديان لنه يعتبرها على السواء في حفرة واحدة من الظلم‬ ‫والظلمانية‪.‬‬ ‫وقال‪ ":‬مِن السسهل نقسض ادعاءات المتدينيسن وتهجّماتهسم المتعاكسسة بشأن موضوع العنسف‬ ‫والحرب‪ ،‬ويكفسي لتفنيسد كسل مسن حاول تسبرير دينسه ونزع الشبهات عنسه‪ ،‬ثسم إلصساق التهمسة‬ ‫بالديانات الخرى وتبييض صفحات تاريخه الحربي‪ ،‬أقول يكفي الطلع مباشرة وبعين ناقدة‬ ‫على الكتسب المدعوّة مقدّسسة‪ .‬وأودّ التأكيسد مرة أخرى أن كاتسب هذه السسطور مُتعرّ مسن أسسر‬ ‫التعصب الديني وبالتالي فإن أقواله ليس الغرض منها النتصار لِملّة على أخرى‪ ،‬بل الكشف‬ ‫عن تناقضات المؤمنين جميعا‪ ،‬وفضح عجرفتهم وأكاذيبهم وإظهار غُربتهم عن التسامح "اهس‪.‬‬ ‫ويقول‪ ":‬قلت بأن العهد القديم هو كتاب حربي من أوّله إلى آخره‪ ،‬ول أريد بكلمي هذا أن‬ ‫ي مؤمن‪ ،‬لنني ل ُأ َمجّد القرآن أو النجيل ول أستثنيهما هما أيضا من جدلية‬ ‫أجرح إحساس أ ّ‬ ‫الحرب‪ .‬المفكّر يودّ أن يفهم الشياء بعقله ويحكم عليها طبقا لمبادئ المنطق والحس النساني‬ ‫ال سليم‪ .‬كلّ كتاب في هذه الدن يا يد عو للحرب أو يُمجّد الع نف و يبرّره‪ ،‬ف هو خال من الع قل‬ ‫والمنطق والحس السليم‪".‬اهس‬ ‫ثم ي ضع خل صته الفل سفية!! قائل‪ ":‬الفيل سوف يترك المؤمن ين يتنازعون في ما بين هم ول‬ ‫تَعنيه صراعاتهم بل هي‪ ،‬بالنسبة إليه‪ ،‬شاهد واضح على فساد تعاليمهم؛ ل يمكن للفيلسوف أن‬ ‫ل في ضلل والمعتقدات‬ ‫يفضّل ولو واحدة من ها على الخرى‪ ،‬ومِن وج هة ن ظر عقلن ية‪ ،‬الك ّ‬ ‫الدينيسة كاف ّة ل تسستحقّ حتسى عناء التمع ّن أو تعسب الدّحسض‪ .‬الفيلسسوف‪ ،‬إن وَلَج فسي تلك‬ ‫النزاعات‪ ،‬فإنسه يَلج ل مسن جهسة الفصسل بيسن الحقّس والباطسل‪ ،‬الصسادق والكاذب‪ ،‬وإنمسا ليفُكّس‬ ‫ادعاءات المؤمنين ويَبسط تناقضاتهم وعجرفتهم‪ .‬إ نّ مشهد الصراعات التي يخوضها أصحاب‬ ‫الدين فيما بينهم ُتدَعّم موقفه مِن أنّ عليه أن يَتشبّث بنهجه وأن يتمسّك بمبادئه العقلنية ويعضّ‬ ‫‪25‬‬

‫عليها بالنواجذ‪ .‬وقد تُثير فيه تلك المَشاهد المُزرية نوعا من ال سّخرية والضّحك الج ّديّين لن‬ ‫ن صرخاتهم المتعال ية‬ ‫الفيل سوف المتبَ صّر هو الوح يد الذي يَعلم بُطلن تعال يم أولئك الناس وأ ّ‬ ‫ليست إلّ عويل‪".‬اهس‬ ‫هذا هو روح المقال وجوهره‪ ،‬ع ّبرَ عنه أبلغ تعبير بصريح القول‪.‬‬ ‫ون حن نرى أن هذا الكا تب قد مل مقال ته بمغالطات يع سر ح صر وجوه ها‪ ،‬ولذلك ف سوف‬ ‫نركز على أهم ما يتجلى لنا بالفحص الدقيق‪.‬‬ ‫لنرجع أول إلى أصل المور‪ ،‬ونقول‪ :‬هل يثبت هذا الكاتب أيّ حقّ من الحقوق‪ ،‬يعني هل‬ ‫يقول بأن للنسان حقا معينا ل يصحّ أن يسلبه منه أحد! إن قال ل يوجد حقّ مطلقا‪ ،‬فهو يحكم‬ ‫على نف سه بالتها فت عند ما جرد قل مه للكتا بة والدفاع عن ال سلم‪ ،‬و في إثبات عدم صلحية‬ ‫الديان التوحيدية لفشاء السلم بين البشر‪ .‬وإن قال نعم يوجد حق‪ ،‬فمهما كان هذا الحق الذي‬ ‫يثبته للنسان‪ ،‬نسأله‪ :‬إذا أراد أحد سلبك هذا الحق الذي تثبته لنفسك‪ ،‬هل يجوز لك أن تدافع‬ ‫عن نفسك لتحافظ على حقك المزعوم هذا أم ل يجوز لك المدافعة عن الحق؟ إن قلت ل يجوز‬ ‫المدافعة‪ ،‬فهذا يعارضه قيامك بالدفاع عما تعتقده حقا‪ ،‬ويعارضه الهجوم الكاسح الذي تقوم به‬ ‫على الديان التوحيدية بل استثناء‪ .‬إذن فانت تقول بلزوم الدفاع عن الحق الذي تستحقه!‬ ‫ح سنا إذا و جب عل يك عقل الدفاع عن ح قك‪ ،‬فإلى أي مدى ي صح لك الدفاع‪ ،‬يع ني هل إذا‬ ‫أراد إن سان سلبك هذا ال حق‪ ،‬ولم يتردد للو صول إلى ذلك أن يقتلك مثل‪ ،‬وكان الوضع أ نك لم‬ ‫تستطع دفعه إل بأن تقوم بقتله؟ فهل تجيز لنفسك القيام بقتله لجل الحفاظ على نفسك؟ أم تقول‬ ‫له أن يقتلك ول تسمح لنفسك بقتله!‬ ‫إن سمحت لنف سك بقتله والمداف عة عن نف سك‪ ،‬فأ نت قد أجزت أ صل المقاتلة ل جل الحفاظ‬ ‫على حقّ تدعيه‪ ،‬وهذا مناقض لصل مقالتك كلها‪.‬‬ ‫وإن قل تَ‪ :‬ل أج يز لنف سي دف عه بالق تل‪ ،‬فهذا المو قف وإن أباه العا قل‪ ،‬فإ نا نقول لك عندئذ‪،‬‬ ‫إلى أيّ حدّ تجيز لنفسك دفعه عنك‪ ،‬هل بضربه‪ ،‬أم بكسر يده‪ ،‬أم ماذا؟ يعني ما هو الحد الذي‬ ‫تجيز لنفسك الوصول إليه في سبيل الدفاع عن حقك المزعوم هذا؟‬ ‫وأي حدّ وقفت عنده‪ ،‬فإنا نستطيع أن نسألك عنه‪ ،‬لم لم تقف دونه أو فوقه؟ ولن تستطيع أن‬ ‫تجد لنفسك مفرا إل التحكم بل موجب ول سبب أو التسليم بلزوم الدفاع عن حقك ولو استلزم‬ ‫ذلك قتل العدو‪.‬‬ ‫فإن أ نت قل تَ بذلك‪ :‬فأ نت تكون قد صرّحت بجواز المقاتلة ال تي تنعي ها وتش نع ب ها على‬ ‫الديان‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫وهكذا فالمسألة أوضح بكثير من أن نكثر فيها المقال‪ ،‬ولكن الكلم الحقيقي إنما يكون ل في‬ ‫أ صل المقاتلة‪ ،‬بل في حدود ها وشروط ها‪ ،‬أ ما أن تن كر أ صل المقاتلة وجواز ق تل الخر ين‬ ‫للدفاع عن الحقوق فهذا نوع سفسطة وحمق ظاهر‪.‬‬ ‫وبطريقة أخرى‪ :‬إذا أمكننا أن نتصور البشر وقد انتفى منهم الظلم والتعدي‪ ،‬فلنا أن نتصور‬ ‫انتفاء الحاجة إلى المقاتلة والمنازعة‪ ،‬ولكن هل هذه الصورة موجودة بالفعل؟ إن من يقول إنها‬ ‫موجودة فإنه يثبت أنه يعيش في الحلم‪.‬‬ ‫ولنا أن نقلب المر على الكاتب المزو غي فنقول له‪ :‬هل تريد بكل مك السابق أن تقول إن‬ ‫الحروب جميعا التي حصلت بين البشر لم تقع إل بإذن من الديان التوحيدية‪ ،‬فسبب التباغض‬ ‫والتحارب والتقاتل‪ ،‬وعدم السلم الحاصل بين البشر ما هو في رأيك إل الديان؟ إنك إن قلت‬ ‫بذلك الرأي فإنك تخالف المحسوس والتاريخ المقطوع به! بل إنك تخالف الحاضر الماثل أمام‬ ‫أعي نك‪ ،‬ف هل كان ق تل المريكان للملي ين من الهنود على أرض القارة الجديدة من أ جل الد ين‬ ‫ف قط‪ ،‬و هل كان تقا تل الهنود الح مر ب ين أنف سهم ق بل مج يء المريكان من أ جل الد ين ف قط‬ ‫وب سبب الد ين! و هل كان غزو ال سكندر المقدو ني للعالم القد يم مع ما ا ستلزمه ذلك من ق تل‬ ‫وتدميسر مسن أجسل الديان التوحيديسة‪ ،‬وهسل كانست قيامسة التحاد السسوفيتي ومسا اشتملت عليسه‬ ‫ثورتهسا مسن قتسل وتدميسر للعديسد مسن الشعوب ومئات اللف مسن البشسر مسن أجسل الديان‬ ‫التوحيدية! وهل التدمير الذي حصل بين أمريكا واليابان في الحرب العالمية الثانية كان بدافع‬ ‫من الديان التوحيد ية! و هل كا نت حروب هتلر بدا فع من الد ين أيضا؟ و هل الحروب ال تي‬ ‫تفتعلهسا أمريكسا الن فسي أفغانسستان والعراق وغيرهسا مسن البلدان هسي فقسط بدافسع مسن الديان‬ ‫التوحيدية!‬ ‫إنك إن زعمت ذلك ظهر بطلن ادعائك وفساد قولك‪ ،‬وإل فعليك أن تقرّ أن الظلم والتدابر‬ ‫والتنازع بين الناس ل يمكن أن يكون مسبّبا فقط من الديان التوحيدية‪ ،‬وأن التحارب والتقاتل‬ ‫بيسن البشسر حاصسل سسواء بوجود الديان أو بغيسر وجودهسا‪ ،‬لن أصسل الظلم والتعدي موجود‬ ‫بينهسم‪ ،‬والدفاع عسن الحقوق مشروع! فيلزم وقوع التقاتسل إذن على كسل الحوال إل إذا انتفسى‬ ‫الظلم والفساد بين الناس!!‬ ‫س إلى اللتجاء إليها لن‬ ‫إذن يتجلى لنا أن الديان تنادي إلى فكرة تعتقدها حقا‪ ،‬وتدعو النا َ‬ ‫هذه الفكرة تجعل الناس في أحسن أحوالهم ول تزعم هذه الديان أنها ستنتفي بها الشرور على‬ ‫الطلق إذا عمست البشريسة‪ ،‬لن هذا موكول إلى إرادة البشسر وعدم وقوع إرادة الشسر والظلم‬ ‫فيهم‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫وكذلك الدين السلمي‪ ،‬فإنه ينادي الناسَ إلى دين به يصير العالم على أحسن ما يمكن من‬ ‫الوجوه مسن الكمال البشري‪ ،‬ول يزعسم الديسن السسلمي أن الشرور سستنتفي مسن الوجود‬ ‫النساني‪ ،‬ولكنه قد وضع لها من التدابير والتشريعات ما يحصر وجودها ليجعله في أقل تقدير‬ ‫ممكن‪.‬‬ ‫ولو نظر نا في أي فل سفة وضع ية أخرى‪ ،‬ف سنرى أن ها ستزعم لنف سها هذا الزع مَ‪ ،‬والفارق‬ ‫بينها وبين الدين هو في الطريقة والسلوب والرؤية الشاملة أو غير الشاملة التي يبني عليها‬ ‫كل مبدأ تصوره‪.‬‬ ‫ولك نا إذا نظر نا بع ين الع قل والحك مة‪ ،‬فإ نا سنجزم أن الد ين ال سلمي هو أش مل الديان‬ ‫وأكمل ها وأح سنها طري قة في التدب ير الن ساني‪ ،‬د عك من ب عض ال صور المشو هة ال تي عل قت‬ ‫بأذهان الناس نتيجسة للتشويسه والتنفيسر‪ ،‬ولكسن العاقسل إذا تدبر السسلم اعتمادا على أصسوله‬ ‫المقررة‪ ،‬فسيجد فيه الحكمة الكاملة والقواعد الشاملة التي ينبني عليها سعادة النسان‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫خاتمة‬ ‫لو قلنسا لهذا الكاتسب‪ ،‬أنست تدعسو الناس إلى عدم اعتقاد الحسق فسي شيسء مسن هذه الديان‪،‬‬ ‫وتحاول ب كل طاق تك ج عل هذا الن فس الفكري م ستقرا في عقول ونفوس الب شر‪ ،‬فلنفرض الن‬ ‫وجود غيرك ممسن ل يؤمسن بمسا تقول‪ ،‬وهسم موجودون‪ ،‬وهسو يبذل جهده أيضسا لدفسع مقولتسك‬ ‫ونفيها‪ ،‬وإقناع الناس ببطلنها‪ .‬فلو فرضنا أن المر قد تطور بينكما إلى درجة وجود النزاع‪،‬‬ ‫فماذا سيكون موق فك‪ ،‬هل ستترك ال مر إل يه‪ ،‬أم ستناضل من أ جل ما تعت قد أ نه ال حق الذي‬ ‫سيعود على البشر بالمصلحة التامة؟‬ ‫إنك إن ناضلت من أجل موقفك العقدي (الفلسفي)‪ ،‬فإنك بل شك ستضطر إلى أذية الخر‬ ‫إ ما معنو يا أو ج سديا إن هو آذاك أو سعى إلى ذلك‪ ،‬ورب ما تكون أ نت المبادر إلى ذلك‪ ،‬ك ما‬ ‫تفعسل أمريكسا الن فسي العراق‪ ،‬بزعسم أنهسا الحضارة الكمسل التسي يقودهسا الناس العارفون‬ ‫بالمصسلحة‪ ،‬ولذلك يجوزون لنفسسهم إيقاع القتسل مسن أجسل منفعسة الخريسن (هذا كله على حدّ‬ ‫زعمهم‪ ،‬وإل فنحن نعلم أن المر ليس كذلك)‪.‬‬ ‫وإن لم تنا ضل ف سوف يكون موق فك سلبيا لدر جة كاف ية إلى ا ستقرار ما تعت قد أ نه البا طل‪،‬‬ ‫وبذلك فقسد أجاز موقفسك الفلسسفي اسستقرار الباطسل‪ ،‬ومسا أدى إلى نقيضسه فل يمكسن أن يكون‬ ‫صحيحا‪.‬‬ ‫والحاصل أنه على كل الحوال‪ ،‬فل بدّ من تجويز المقاتلة (وما يؤدي إليه ذلك) على نحو‬ ‫من النحاء‪ ،‬أما ما تزعمه من إنكار ذلك كله جملة وتفصيل‪ ،‬إنكارا تاما‪ ،‬فهو أمر نراه مخالفا‬ ‫للعقل والنقل معا‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫فهرست‬ ‫مقدمة‪2............................................................................................................ .................‬‬ ‫الشروع في التحليل والنقد‪4................................................................................... ....................‬‬ ‫ضرورة الفعال وعلقة ذلك بالعلم‪14.............................................................. .........................‬‬ ‫ملحظة‪18.......................................................................................... ..................... :‬‬ ‫موقفه من علماء الكلم‪23................................................................................................ .....‬‬ ‫السلم والعنف‪24........................................................................................................... ..‬‬ ‫خاتمة‪29................................................................................................................... ........‬‬

‫‪30‬‬

More Documents from "zeidan"

April 2020 1
June 2020 0
April 2020 3
April 2020 1
Islamic Theology
April 2020 2