Mishkat Al Anwar

  • Uploaded by: hamza
  • 0
  • 0
  • November 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Mishkat Al Anwar as PDF for free.

More details

  • Words: 11,279
  • Pages: 41
‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫مشكاة النوار‬ ‫أبو حامد الغزال‬ ‫بسم ال ّلهِ الرحن الرحيم‬ ‫رب أنعمت فزد بفضلك‬ ‫ال مد ل فائض النوار وفا تح الب صار‪ .‬وكا شف ال سرار ورا فع ال ستار‪ .‬وال صلة على م مد نور النوار و سيد‬ ‫البرار وحيبيب البار وبشيي الغفار ونذيير القهار‪ ،‬وقاميع الكفار وفاضيح الفجار؛ وعلى آله وأصيحابه الطييبي‬ ‫الطاهرين الخيار‪.‬‬ ‫أما بعد فقد سألتن أيها الخ الكري قيضك ال لطلب السعادة الكبى‪ ،‬ورشحك للعروج إل الذروة العليا‪ ،‬وكحل‬ ‫بنور القيقة بصيتك‪ ،‬ونقى عما سوى الق سريرتك‪ ،‬أن أبث إليك أسرار النوار اللية مقرونة بتأويل ما يشي إليه‬ ‫ت وَالَرضيِ( ومعني تثيله ذلك بالشكاة‬ ‫السيمَوا ِ‬ ‫َهي نورُ َ‬ ‫ظاهير اليات التلوة والخبار الرويية مثيل قوله تعال )الل ُ‬ ‫والزجاجة والصباح والزيت والشجرة‪ ،‬مع قوله عليه السلم (إن ل سبعي حجابا من نور وظلمة وإنه لو كشفها‬ ‫ييييره)‪.‬‬ ‫ييييه بصي‬ ‫يييين أدركي‬ ‫ييييل مي‬ ‫ييييه كي‬ ‫ييييبحات وجهي‬ ‫ييييت سي‬ ‫لحرقي‬

‫‪1‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ول قد ارتق يت ب سؤالك مرتقىً صعبا تنخ فض دون أعال يه أع ي الناظر ين؛ وقر عت بابا مغل قا ل يف تح إل للعلماء‬ ‫الراخسي‪ .‬ث ليس كل سر يكشف ويفشى‪ ،‬ول كل حقيقة تعرض وتلى‪ ،‬بل صدور الحرار قبور السرار‬

‫ولقد قال بعض العارفي (إفشاء سر الربوبية كفر) بل قال سيد الولي والخرين صلى ال عليه وسلم (إن من العلم‬ ‫كهيئة الكنون ل يعلمه ال العلماء بال)‪ .‬فإذا نطقوا به ل ينكره إل أهل الغرة بال‪ ،‬ومهما كثر أهل الغترار وجب‬ ‫ح فظ ال سرار على و جه ال سرار‪ .‬لك ن أراك مشروح ال صدر بال بالنور‪ ،‬منه ال سر عن ظلمات الغرور فل أ شح‬ ‫عليييييك فيييي هذا الفيييين بالشارة إل لوامييييع ولوائح والرمييييز إل حقائق ودقائق‪.‬‬ ‫فليس الوف ف كف العلم عن أهله بأقل منه ف بثه إل غي أهله‪.‬‬ ‫َومَن َمنَعَ الَستوجِبيَ َفقَد ظَلَمَ‬

‫َفمَن َمنَ َح الّها َل عِلما أَضاعَهُ‬

‫فاقنع بإشارات متصرة وتلويات موجزة؛ فإن تقيق القول فيه يستدعي تهيد أصول وشرح فصول ليس يتسع الن‬ ‫لا وقت‪ ،‬وليس ينصرف إليه هي وفكرت‪ .‬ومفاتيح القلوب بيد ال يفتحها إذا شاء كما شاء با يشاء‪ .‬وإنا الذي‬ ‫ينفتح ف الوقت فصول ثلثة‪.‬‬ ‫الفصل الول‬

‫‪2‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ف بيان أن النور الق هو ال تعال‬ ‫وأن اسم النور لغيه ماز مض ل حقيقة له‬ ‫وبيا نه بأن يعرف مع ن النور بالو ضع الول ع ند العوام‪ ،‬ث بالو ضع الثا ن ع ند الواص‪ ،‬ث بالو ضع الثالث ع ند‬ ‫خواص الواص‪ .‬ث تعرف درجات النوار الذكورة النسوبة إل خواص الواص وحقائقها لينكشف لك عند ظهور‬ ‫درجات ا أن ال تعال هو النور العلى الق صى‪ ،‬وع ند انكشاف حقائقها أ نه النور ال ق القي قي وحده ل شريك له‬ ‫فيه‪.‬‬

‫أما الوضع الول عند العامي فالنور يشي إل ظهوره‪ ،‬والظهور أمر إضاف‪ :‬إذ يظهر الشيء ل مالة النسان ويبطن‬ ‫عين غيه‪ :‬فيكون ظاهرا بالضافية وباطنيا بالضافية‪ .‬وإضافية ظهوره إل الدراكات ل مالة‪ .‬وأقوى الدراكات‬ ‫وأجلها عند العوام الواس‪ ،‬ومنها حاسة البصر‪.‬‬

‫والشياء بالضافية إل السي البصيري ثلثية أقسيام‪ :‬منهيا ميا ل يبصير بنفسيه كالجسيام الظلمية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ومنهيا ميا يبصير بنفسيه ول يبصير بيه غيه كالجسيام الضيئة كالكواكيب وجرة النار إذا ل تكين مشتعلة‪.‬‬ ‫ومنهييا مييا يبصيير بنفسييه ويبصيير بييه أيضييا غيه كالشمييس والقميير والسييراج والنيان الشتعلة‪.‬‬ ‫والنور اسم لذا القسم الثالث‪ .‬ت تارة يطلق على ما يفيض من الجسام على ظاهر الجسام الكثيفة‪ ،‬فيقال استنارت‬ ‫الرض ووقيع نور الشميس على الرض ونور السيراج على الائط والثوب‪ .‬وتارة يطلق على نفيس هذه الجسيام‬ ‫الشرقيييييية لنايييييي أيضييييييا فيييييي نفسييييييها مسييييييتنية‪.‬‬ ‫وعلى الملة فالنور عبارة عما يبصر بنفسه ويبصر به غيه كالشمس‪ .‬هذا حده وحقيقته بالوضع الول‪.‬‬ ‫دقيقة‬ ‫لا كان سر النور وروحه هو الظهور للدراك‪ ،‬وكان الدراك موقوفا على وجود النور وعلى وجود العي الباصرة‬ ‫أيضا‪ :‬إذ النور هو الظاهر الظهر؛ وليس شيء من النوار ظاهرا ف حق العميان ول مظهرا‪ .‬فقد تساوى الروح‬ ‫الباصرة والنور الظاهر ف كونه ركنا ل بد منه للدراك ث ترجح عليه ف أن الروح الباصرة هي الدركة وبا الدراك‪.‬‬ ‫وأما النور فليس بدرك ول به الدراك‪ ،‬بل عنده الدراك‪ .‬فكان اسم النور بالنور الباصر أحق منه بالنور البصر‪.‬‬ ‫وأطلقوا إ سم النور على نور الع ي الب صرة فقالوا ف الفاش إن نور عي نه ضع يف‪ ،‬و ف الع مش إ نه ضع يف نور‬ ‫بصره‪ ،‬وف العمى إنه فقد نور البصر‪ ،‬وف السواد إنه يمع نور البصر ويقويه‪ ،‬وإن الجفان إنا خصتها الكمة‬ ‫بلون السواد وجعل العي مفوفة با لتجمع ضوء العي‪ .‬وأما البياض فيفرق ضوء العي ويضعف نوره‪ ،‬حت إن إدامة‬

‫‪4‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫النظير إل البياض الشرق‪ ،‬بيل إل نور الشميس يبهير نور العيي ويحقيه كميا ينمحيق الضعييف في جنيب القوى‪.‬‬ ‫فقد عرفت بذا أن الروح الباصر سى نورا‪ ،‬وأنه ل سّى نورا‪ ،‬وأنه ل كان بذا السم أول‪ .‬وهذا هو الوضع الثان‬ ‫وهو وضع الواص‪.‬‬ ‫دقيقة‬ ‫إعلم أن نور بصر العي موسوم بأنواع النقصان‪ :‬فإنه يبصر غيه ول يبصر نفسه‪ ،‬ول يبصر ما بعد منه‪ ،‬ول يبصر ما‬ ‫هو وراء حجاب‪.‬‬ ‫ويبصر من الشياء ظاهرها دون باطنها؛ ويبصر من الوجودات بعضها دون كلها‪ .‬ويبصر أشياء متناهية ول يبصر ما‬ ‫ل ناية له‪ .‬ويغلط كثيا ف إبصاره‪ :‬فيى الكبي صغيا والبعيد قريبا والساكن متحركا والتحرك ساكنا‪.‬‬ ‫فهذه سبع نقائص ل تفارق العي الظاهرة‪ .‬فإن كان ف العي عي منهة عن هذه النقائص كلها فليت شعري هل‬ ‫هو أول باسم النور أم ل‪.‬‬ ‫واعلم أن ف قلب النسان عينا هذه صفة كمالا وهي الت يعب عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة بالنفس‬ ‫النسان‪ .‬ودع عنك العبارات فإنا إذا كثرت أوهت عند ضعيف البصية كثرة العان‪ .‬فنعن به العن الذي يتميز به‬ ‫العاقل عن الطفل الرضيع وعن البهيمة وعن الجنون‪ .‬ولنسمه (عقل) متابعة للجمهور ف الصطلح فنقول‪ :‬العقل‬ ‫أول بأن يسمى نورا من العي الظاهرة لرفعة قدره عن النقائص السبع وهو أن العي ل تبصر نفسها‪ ،‬والعقل يدرك‬ ‫غيه ويدرك صفات نفسه‪ :‬إذ يدرك نفسه عالا وقادرا‪ :‬ويدرك علم نفسه ويدرك علمه بعلم نفسه وعلمه بعلمه بعلم‬ ‫نفسه إل غي ناية‪ .‬وهذه خاصية ل تتصور لا يدرك بآلة الجسام‪ .‬ووراء سر يطول شرحه‪.‬‬ ‫والثان أن العي ل تبصر ما بعد منها ول ما قرب منها قربا مفرطا‪ :‬والعقل يستوي عنده القريب والبعيد‪ :‬يعرج ف‬ ‫تطريفه إل أعلى السموات رقيا‪ ،‬وينل ف لظة إل توم الرضي هربا‪ .‬بل إذا حقت القائق يكشف أنه منه عن‬ ‫أن توم بنبات قدسه معان القرب والبعد الذي يفرض بي الجسام‪ ،‬فإنه أنوذج من نور ال تعال‪ ،‬ول يلو‬ ‫النوذج عن ماكاة‪ ،‬وإن كان ل يرقي إل ذروة الساواة‪ .‬وهذا ربا هزك للتفطن لسر قوله عليه السلم (إن ال خلق‬

‫‪5‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫آدم على صورته) فلست أرى الوض فيه الن‪.‬‬ ‫الثالث أن العي ل تدرك ما وراء الجب‪ ،‬والعقل يتصرف ف العرش والكرسي وما وراء حجب السموات‪ ،‬وف الل‬ ‫العلى واللكوت السى كتصرفه ف عاله الاص وملكته القريبة أعن بدنه الاص‪ .‬بل القائق كلها ل تتجب عن‬ ‫العقل‪ .‬وأما حجاب العقل حيث يجب فمن نفسه لنفسه بسبب صفات هي مقارنة له تضاهي حجاب العي من‬ ‫نفسه عند تغميض الجفان‪ .‬وستعرف هذا ف الفصل الثالث من الكتاب‪.‬‬ ‫الرابع أن العي تدرك من الشياء ظاهرها وسطحها العلى دون باطنها؛ بل قوالبها وصورها دون حقائقها‪ .‬والعقل‬ ‫يتغلغل إل بواطن الشياء وأسرارها ويدرك حقائقها وأرواحها‪ ،‬ويستنبط سببها وعلتها وغايتها وحكمتها‪ ،‬وأنا من‬ ‫خلق‪ ،‬وكيف خلق‪ ،‬ول خلق‪ ،‬ومن كم معن جع وركب‪ ،‬وعلى أي مرتبة ف الوجود نزل‪ ،‬وما نسبته إل خالقها‬ ‫وما نسبتها إل سائر ملوقاته‪ ،‬إل مباحث أُخر يطول شرحها نرى الياز فيها أول‪.‬‬ ‫الامس أن العي تبصر بعض الوجودات إذ تقصر عن جيع العقولت وعن كثي من الحسوسات‪ :‬إذ ل تدرك‬ ‫الصوات والروائح والطعوم والرارة والبودة والقوى الدركة‪ :‬أعن قوة السمع والبصر والشم والذوق‪ ،‬بل الصفات‬ ‫الباطنة النفسانية كالفرح والسرور والغم والزن والل واللذة والعشق والشهوة والقدرة والرادة والعلم إل غي ذلك‬ ‫من موجودات ل تصى ول تعد؛ فهو ضيق الجال متصر الجرى ل تسعة ماوزة اللوان والشكال وها أخس‬ ‫الوجودات‪ :‬فإن الجسام ف أصلها أخس أقسام الوجودات‪ ،‬واللوان والشكال من أخس أعراضها‪.‬‬ ‫فالوجودات كل ها مال الع قل؛ إذ يدرك هذه الوجودات ال ت عددنا ها و ما ل نعد ها‪ ،‬و هو الك ثر‪ :‬فيت صرف ف‬ ‫جيعها ويكم عليها حكما يقينا صادقا‪ .‬فالسرار الباطنة عنده ظاهرة‪ ،‬والعان الفية عنده جلية‪ .‬فمن أين للعي‬ ‫الظاهرة مساماته وماراته ف استحقاق اسم النور كل إنا نور بالضافة إل غيها لكنها ظلمة بالضافة إليه‪ .‬بل هي‬ ‫جاسوس من جواسيسه وكله بأخس خزائنه وهي خزانة اللوان والشكال لترفع إل حضرته أخبارها فيقضي فيها با‬ ‫يقتضييييييييه رأييييييييه الثاقيييييييب وحكميييييييه النافيييييييذ‪.‬‬ ‫والواس المس جواسيسه‪ .‬وله ف الباطن جواسيس سواها من خيال ووهم وفكر وذكر وحفظ؛ ووراءهم خدم‬

‫‪6‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫وجنود مسيخرة له في عالهي الاص يسيتسخرهم ويتصيرف فيهيم اسيتسخار اللك عيبيده بيل أشيد‪ .‬وشرح ذلك‬ ‫ييييييين كتاب الحياء‪.‬‬ ‫ييييييي كتاب (عجاب القلب) مي‬ ‫يييييييد ذكرناه في‬ ‫يطول‪.‬وقي‬ ‫ال سادس ان الع ي لتب صر ما لنا ية له‪،‬فاإن ا تب صر صفات الج سام والج سام لتت صور إلمتناه ية‪.‬والع قل يدرك‬ ‫العلومات‪،‬والعلومات ليتصييييييييييييييور ان تكون متناهيييييييييييييييه‪.‬‬ ‫نعم إذا لحظ العلوم الفصله فل يكون الاظر الاصل عنده إل متناهيا‪.‬لكن ف قوته إدراك ما لناية له‪.‬وشرح ذلك‬ ‫يطول‪.‬‬ ‫فإن أردت له مثال فخذه من الليات‪ ،‬فإ نه يدرك العداد ول نا ية ل ا؛ بل يدرك تضعيفات الثن ي والثل ثة و سائر‬ ‫العداد ول يتصور لا ناية‪ .‬ويدرك أنواعا من النسب بي العداد ل يتصور التناهي عليها‪ :‬بل يدرك علمه بالشىء‬ ‫ية‪.‬‬ ‫يد نايي‬ ‫يف عني‬ ‫يد ل تقي‬ ‫ي هذا الواحي‬ ‫يه في‬ ‫يه‪ .‬فقوتي‬ ‫يه بعلمي‬ ‫يه بعلمي‬ ‫يء‪ ،‬وعلمي‬ ‫يه بالشيي‬ ‫يه بعلمي‬ ‫وعلمي‬ ‫ال سابع أن الع ي تب صر ال كبي صغيا‪ ،‬فترى الش مس ف مقدار م ن والكوا كب ف صور دنان ي منثورة على ب ساط‬ ‫أزرق‪ .‬والع قل يدرك أن الكوا كب والش مس أ كب من الرض أضعافا مضاعفة؛ والع ي ترى الكوا كب ساكنة‪ ،‬بل‬ ‫ترى الظل بي يديه ساكنا‪ ،‬وترى الصب ساكنا ف مقداره‪ ،‬والعقل يدرك أن الصب متحرك ف النشوء والتزايد على‬ ‫الدوام‪ ،‬والظل متحرك دائما‪ ،‬والكواكب تتحرك ف كل لظ أميال كثية كما قال صلى ال عليه وسلم لبيل عليه‬

‫‪7‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ال سلم‪( :‬أزالت الش مس) فقال ل‪ :‬ن عم قال ك يف قال (م نذ قلت ل إل أن قلت ن عم‪ :،‬قد ترك م سية خ سمائة‬ ‫سيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييينة)‪.‬‬ ‫وأنواع غلط البصير كثية‪ ،‬والعقيل منه عنهيا‪ .‬فإن قلت‪ :‬نرى العقلء يغلطون في نظرهيم فاعلم أن فيهيم خيالت‬ ‫وأوها ما واعتقادات يظنون أحكام ها أحكام الع قل؛ فالغلط من سوب إلي ها‪ .‬و قد شرح نا مامع ها ف كتاب (معيار‬ ‫يييييييييييييييييير)‪.‬‬ ‫يييييييييييييييييي النظي‬ ‫العلم) وكتاب (مكي‬ ‫فأ ما الع قل إذا ترد عن غشاوة الو هم واليال ل يت صور أن يغلط؛ بل رأى الشياء على ما هي عل يه‪ ،‬و ف تريده‬ ‫عسر عظيم‪ .‬وإنا يكمل ترده عن هذه النوازع بعد الوت‪ ،‬وعند ذلك ينكشف الغطاء وتنجلي السرار ويصادف‬ ‫كل أحد ما قدم من خي أو شر مضرا؛ ويشاهد كتابا ل يغادر صغية ول كبية إل أحصاها‪ ،‬وعنده يقال‪ ،‬فكشفنا‬ ‫عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد‪ .‬وإنا الغطاء غطاء اليال والوهم وغيها؛ وعنده يقول الغرور بأوهامه واعتقاداته‬ ‫الفاسييدة وخيالتييه الباطلة ) َربّنييا أَبصييَرنا وَسييَمِعنا فَاَرجِعنييا نَعمَييل صييالِحا( الييية‪.‬‬ ‫فقد عرفت بذا أن العي أول باسم النور من النور العروف‪ ،‬ث عرفت أن العقل أول باسم النور من العي‪ .‬بل بينهما‬ ‫من التفاوت ما يصح معه أن يقال إنه أول بل الق أنه الستحق للسم دونه‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫دقيقة‬ ‫اعلم أن العقول وإن كانت مبصرة‪ ،‬فليست البصرات كلها عندها على وتية واحدة‪ ،‬بل بعضها يكون عندها كأنه‬ ‫حا ضر كالعلوم الضرور ية م ثل عل مه بأن الش يء الوا حد ل يكون قدي ا حاد ثا ول يكون موجودا معدو ما‪ ،‬والقول‬ ‫الوا حد ل يكون صدقا وكذ با‪ ،‬وأن ال كم إذا ث بت للش يء جوازه ث بت لثله‪ ،‬وأن ال خص إذا كان موجودا كان‬ ‫العم واجب الوجود‪ :‬فإذا وجد السواد فقد وجد اللون‪ ،‬وإذا وجد النسان فقد وجد اليوان‪ .‬وأما عكسه فل يلزم‬ ‫ف الع قل‪ ،‬إذ ل يلزم من وجود اللون وجود ال سواد ول من وجود اليوان وجود لن سان إل غ ي ذلك من القضايا‬ ‫الضرورية ف الواجبات والائزات والستحيلت‪ .‬ومنها ما ل يقارن العقل ف كل حال إذا عرض عليه بل يتاج إل‬ ‫أن ي هز أعطا فه وي ستوري زناده وين به عل يه بالت نبيه كالنظريات‪ .‬وإن ا ينب هه كلم الك مة‪ ،‬فع ند إشراق نور الك مة‬ ‫ي صي الع قل مب صرا بالف عل ب عد أن كان مب صرا بالقوة‪ .‬وأع ظم الك مة كلم ال تعال‪ .‬و من جلة كل مه القرآن‬ ‫خاصة‪ ،‬فتكون منلة آيات القرآن عند عي العقل منلة نور الشمس عند العي الظاهرة إذ به يتم البصار‪ .‬فبالرىّ‬ ‫أن ي سمى القرآن نورا ك ما ي سمى نور الش مس نورا فمثال القرآن نور الش مس ومثال الع قل نور الع ي‪ .‬وبذا نف هم‬ ‫معن قوله‪) :‬فَآمِنوا بِاللَ ِه وَرَسولِهِ وَالنورِ الّذي أَنزَلنا)‪ ،‬وقوله‪( :‬قَد جاءَكُم بُرهانٌ مِن َربِكُم َوأَنزَلنا إِليكُم نورا مّبينا(‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫تكملة هذه الدقيقة‬ ‫فقد فهمت من هذا أن العي عينان‪ :‬ظاهرة وباطنة‪ :‬فالظاهرة من عال الس والشهادة‪ ،‬والباطنة من عال آخر وهو‬ ‫عال اللكوت‪ .‬ولكيل عيي مين العينيي شسي ونور عنده تصيي كاملة البصيار إحداهاي ظاهرة والخرى باطنية؛‬ ‫والظاهرة من عال الشهادة وهي الشمس الحسوسة‪ .‬والباطنة من عال اللكوت وهو القرآن وكتب ال تعال النلة‪.‬‬ ‫ومهما انكشف لك هذا انكشافا تاما فقد انفتح لك أول باب من أبواب اللكوت‪ .‬وف هذا العال عجائب يستحقر‬ ‫بالضافة إليها عال الشهادة‪ .‬وإن ل يسافر إل هذا العال‪ ،‬وقعد به القصور ف حضيض عال الشهادة فهو بيمة بعد‪،‬‬ ‫مروم عن خاصية النسانية؛ بل أضل من البهيمة إذ ل تسعد البهيمة بأجنحة الطيان إل هذا العال‪ .‬ولذلك قال ال‬ ‫ييييييييِ بَييييييييل هُييييييييم أَضَلّ)‪.‬‬ ‫ييييييييَ كالَنعامي‬ ‫تعال‪( :‬أُولَئِكي‬ ‫وأعلم أن الشهادة بالضا فة إل عال اللكوت كالق شر بالضا فة إل اللب‪ ،‬وكال صورة والقالب بالضا فة إل الروح‪،‬‬ ‫وكالظلمية بالضافية إل النور‪ ،‬كالسيفل بالضافية إل العلو‪ .‬ولذلك يسيمى عال اللكوت العال العلوي والعال‬ ‫الروحانييي والعال النورانييي‪ .‬وفييي مقابلتيييه السيييفلي والسيييمان والظلمانييي‪.‬‬ ‫ول تظن أنّا نعن بالعال العلوي السموات فإنا علو وفوق ف حق عال الشهادة والس‪ ،‬ويشارك ف إدراكه البهائم‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫وأما العبد فل يفتح له باب اللكوت ول يصي ملكوتيا إل ويبدل ف حقه الرض غي الرض والسموات فيصي كل‬ ‫داخل تت الس واليال أرضه ومن جلة السموات‪ ،‬وكل ما ارتفع عن الس فسماؤه وهذا هو العراج الول لكل‬ ‫سالك ابتدأ سفره إل قرب الضرة الربوبية‪ .‬فالنسان مردود إل أسفل السافلي‪ ،‬ومنه يترقى إل العال العلى‪ .‬وأما‬ ‫اللئ كة فإن م جلة عال اللكوت عاكفون ف حضرة القدوس‪ ،‬ومن ها يشرفون إل العال ال سفل‪ .‬ولذلك قال عل يه‬ ‫ال سلم (إن ال خلق اللق ف ظل مة ث أفاض علي هم من نوره) وقال‪( :‬إن ل ملئ كة هو أعلم بأعمال الناس من هم)‬ ‫وال نبياء إذا بلغ معراج هم البلغ الق صى وأشرقوا م نه إل ال سفل ونظروا من فوق إل ت ت اطلعوا أي ضا على قلوب‬ ‫العباد وأشرفوا على جلة من علوم الغيب‪ :‬إذ من كان ف عال اللكوت كان عند ال تعال ‪َ ) -‬وعِندَ هُ مَفاتِ ُح الغَي بِ(‬ ‫أي من عنده تنل أسباب الوجودات ف عال الشهادة؛ وعال الشهادة أثر من آثار ذلك العال‪ ،‬يري منه مرى الظل‬ ‫بالضافية إل السيبب‪ .‬ومفاتييح معرفية السيببات ل توجيد إل مين السيباب‪ ،‬ولذلك كان عال الشهادة مثال لعال‬ ‫اللكوت كما سيأت ف بيان الشكاة والصباح والشجرة‪ :‬لن السبب ل يلو عن موازاة السبب وماكاته نوعا من‬ ‫الحاكاة على قرب أو على بعيييييييييييييييييييييييييييييييييييد‪.‬‬ ‫وهذا لن له غورا عميقا ومن اطلع على كنه حقيقته انكشف له حقائق أمثلة القرآن على يسر‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫دقيقة ترجع إل حقيقة النور‬ ‫فنقول إن كان ما يبصر نفسه وغيه أول باسم النور‪ ،‬فإن كان من جلة ما يبصر به غيه أيضا مع أنه يبصر نفسه‬ ‫وغيه‪ ،‬فهو أول‪ ،‬باسم النور من الذي ل يؤثر ف غيه أصل‪ ،‬بل بالري أن يسمى سراجا منيا لفيضان أنواره على‬ ‫غيه‪ .‬وهذه الا صية تو جد للروح القد سي النبوي إذ تف يض بوا سطته أنواع العارف على اللئق‪ .‬وبذا نف هم مع ن‬ ‫تسمية ال ممدا عليه السلم سراجا منيا‪ .‬والنبياء كلهم سرج‪ ،‬وكذلك العلماء‪ .‬ولكن التفاوت بينهم ل يصى‪.‬‬ ‫دقيقة‬ ‫إذا كان اللئق بالذي يستفاد منه نور البصار أن يسمى سراجا منيا فالذي يقتبس منه السراج ف نفسه جدير بأن‬ ‫يكن عنه بالنار‪ .‬وهذه السرج الرضية إنا تقتبس ف أصلها من أنوار علوية‪ .‬فالروح القدسي النبوي يكاد زيته يضىء‬ ‫ولو ل تسيييييسه نار‪ .‬ولكييييين إناييييي يصيييييي نورا على نور إذا مسيييييته النار‪.‬‬ ‫وبالرىّ أن يكون مقتبس الرواح الرضية هي الروح اللية العلوية الت وصفها علي وابن عباس رضي ال عنهما‬ ‫فقال‪( :‬إن ل مل كا) له سبعون ألف و جه ف كل و جه سبعون ألف ل سان ي سبح ال بميع ها) و هو الذي قو بل‬

‫‪12‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫صفّا( فهي إذا اعتبت من حيث يقتبس منها ال سّرج‬ ‫ح والَلئِكةُ َ‬ ‫باللئ كة كلهم فقيل يوم القيامة )يَو َم يَقو مُ الرّو ُ‬ ‫الرضية ل يكن لا مثال إل النار‪ ،‬وذلك ل يؤانس إل من جانب الطور‪.‬‬ ‫دقيقة‬ ‫النوار السماوية الت تقتبس منها النوار الرضية إن كان لا ترتيب بيث يقتبس بعضها من بعض‪ ،‬فالقرب من‬ ‫النبع الول أول باسم النور لنه أعلى رتبة‪ .‬ومثال ترتيبه ف عال الشهادة ل تدركه إل بأن يفرض ضوء القمر داخل‬ ‫ف كوة ب يت واق عا على مرآة من صوبة على حائط‪ ،‬ومنعك سا من ها إل حائط آ خر ف مقابلت ها ث منعط فا م نه إل‬ ‫الرض ب يث ت ستني الرض‪ .‬فأ نت تعلم أن ما على الرض من النور تا بع ل ا على الائط و ما على الائط تا بع ل ا‬ ‫على الرآة‪ ،‬وما على الرآة تابع لا ف القمر‪ ،‬وما ف القمر تابع لا ف الشمس‪ :‬إذ منها يشرق النور على القمر‪ .‬وهذه‬ ‫النوار الربعية مرتبية بعضهيا أعلى وأكميل مين بعيض‪ ،‬ولكيل واحيد مقام معلوم ودرجية خاصية ل يتعداهيا‪.‬‬ ‫فاعلم أنه قد انكشف لرباب البصائر أن النوار اللكوتية إن ا وجدت على ترتيب كذلك‪ ،‬وأن القرب هو القرب‬ ‫إل النور الق صى‪ .‬فل يب عد أن تكون رت بة إ سرافيل فوق رت بة جب يل‪ ،‬وأن في هم القرب لقرب درج ته من حضرة‬

‫‪13‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الربوبية الت هي منبع النوار كلها‪ ،‬وأن فيهم الدن‪ ،‬وبينهما درجات تستعصي على الحصاء‪ .‬وإنا العلوم كثرتم‬ ‫وترتيبهم ف مقاماتم وصفوفهم‪ ،‬وأنم كما وصفوا به أنفسهم إذ قالوا‪َ ) :‬وِإنّا َلنَح ُن الصافّون‪َ .‬وِإنّا َلنَح ُن الُسَبِحونَ(‪.‬‬ ‫دقيقة‬ ‫إذا عرفت أن النوار لا ترتيب فاعلم أنه ل يتسلسل إل غي ناية‪ ،‬بل يرتقي إل منبع أول هو النور لذاته وبذاته‪،‬‬ ‫ليس يأتيه نور من غيه‪ ،‬ومنه تشرق النوار كلها على ترتيبها‪ .‬فانظر الن اسم النور أحق وأول بالستني الستعي‬ ‫نوره من غيه‪ ،‬أو بالني ف ذاته الني لكل ما سواه فما عندي أنه يفى عليك الق فيه‪ .‬وبه يتحقق أن اسم النور أحق‬ ‫بالنور القصى العلى الذي ل نور فوقه‪ ،‬ومنه ينل النور إل غيه‪.‬‬ ‫حقيقة‬ ‫بل أقول ول أبال إن اسم النور على غي النور الول ماز مض‪ :‬إذ كل ما سواه إذا اعتب ذاته فهو ف ذاته من حيث‬ ‫ذاته ل نور له‪ :‬بل نورانيته مستعارة من غيه ول قوام لنورانيته الستعارى بنفسها‪ ،‬بل بغيها‪ .‬ونسبة الستعار إل‬ ‫الستعي ماز مض‪ .‬أفترى أن من استعار ثيابا وفرسا ومركبا وسرجا‪ ،‬وركبه ف الوقت الذي أركبه العي‪ ،‬وعلى‬ ‫الد الذي رسه‪ ،‬غن بالقيقة أو بالجاز? وأن العي هو الغن أو الستعي? كل‪ ،‬بل الستعي فقي ف نفسه كما كان‪.‬‬ ‫وإنا الغن هو العي الذي منه العارة والعطاء‪ ،‬وإليه السترداد والنتزاع‪ .‬فإذن النور الق هو الذي بيده اللق‬ ‫والمر‪ ،‬ومنه النارة أول والدامة ثانيا‪ .‬فل شركة لحد معه ف حقيقة هذا السم ول ف استحقاقه إل من حيث‬

‫‪14‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫يسميه به ويتفضل عليه بتسميته تفضل الالك على عبده إذا أعطاه مال ث ساه مالكا‪ .‬وإذا انكشف للعبد القيقة علم‬ ‫أنه وماله لالكه على التفرد ل شريك له فيه أصل وألبتة‪.‬‬ ‫مهما عرفت أن النور يرجع إل الظهور وإلظهار ومراتبه‪ ،‬فاعلم أنه ل ظلمة أشد من كتم العدم‪ :‬لن الظلم سى‬ ‫مظلميا لنيه لييس للبصيار إلييه وصيول‪ ،‬إذ لييس يصيي موجودا للبصيي ميع أنيه موجود في نفسيه‪.‬‬ ‫فالذي ل يس موجودا ل لغيه ول لنف سه ك يف ل ي ستحق أن يكون هو الغا ية ف الظل مة و ف مقابل ته الوجود ف هو‬ ‫النور‪ :‬فإن الشييييييء ميييييا ل يظهييييير فييييي ذاتيييييه ل يظهييييير لغيه‪.‬‬ ‫والوجود ينقسم إل ما للشيء من ذاته وإل ماله من غيه‪ .‬وما له الوجود من غيه فوجوده مستعار ل قوام له بنفسه‪.‬‬ ‫بل إذا اع تب ذا ته من ح يث ذا ته ف هو عدم م ض‪ .‬وإن ا هو موجود من ح يث ن سبته إل غيه‪ ،‬وذلك ل يس بوجود‬ ‫حقيقي كما عرفت ف مثال استعارة الثوب والغن‪ .‬فالوجود الق هو ال تعال‪ ،‬كما أن النور الق هو ال تعال‪.‬‬ ‫حقيقة القائق‬ ‫من هنا ترقى العارفون من حضيض الجاز إل يفاع القيقة‪ ،‬واستكملوا معراجهم فرأوا بالشاهدة العيانية أن ليس‬ ‫ف الوجود إل ال تعال‪ ،‬وأن ) ُك ّل شَي ٍء هالِ كٌ إِلّا وَجهَ هُ( ل أ نه ي صي هال كا ف و قت من الوقات‪ ،‬بل هو هالك‬ ‫أزل وأبدا ل يت صور إل كذلك‪ ،‬فإن كل ش يء سواه إذا اع تب ذا ته من ح يث ذا ته ف هو عدم م ض؛ وإذا اع تب من‬

‫‪15‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الو جه الذي ي سري إل يه الوجود من الول ال ق رؤى موجودا ل ف ذا ته ل كن من الو جه الذي يلي موجده فيكون‬ ‫الوجود وجيه ال تعال فقيط‪ .‬فلكيل شييء وجهان‪ :‬وجيه إل نفسيه ووجيه إل ربيه؛ فإذن ل موجود إل ال تعال‬ ‫ووجهه‪ .‬فإذن كل شيء هالك إل وجهه أزل وأبدا‪ .‬ول يفتقر هؤلء إل يوم القيامة ليسمعوا نداء الباري تعال )لّمَنِ‬ ‫ك اليَو مَ ِللَ ِه الواحِ ِد القَهّارِ( بل هذا النداء ل يفارق سعهم أدبا‪ .‬ول يفهموا من معن قوله (ال أكب) أنه أكب من‬ ‫الُل ُ‬ ‫غيه‪ ،‬حاش ل‪ ،‬إذ ليس ف الوجود معه غيه حت يكون أكب منه؛ بل بيس لغيه رتبة العية‪ ،‬بل رتبة التبعية‪ .‬بل ليس‬ ‫لغيه وجود إل من الوجه الذي يليه‪ .‬فالوجود وجهه فقط‪ .‬ومال أن يقال إنه أكب من وجهه‪ .‬بل معناها أنه أكب‬ ‫من أن يقال له أكب بعن الضافة والقايسة‪ ،‬وأكب من أن يدرك غيه كنه كبيائه‪ ،‬نبيا كان أو ملكا‪ .‬بل ل يعرف‬ ‫ال كنه معرفته إل ال‪ .‬بل كل معروف داخل ف سلطة العارف واستيلئه دخول ما‪ ،‬وذلك يناف اللل والكبياء‪.‬‬ ‫وهذا له تقيق ذكرناه ف كتاب (القصد السن) ف معان أساء ال السن)‪.‬‬ ‫إشارة‬ ‫العارفون‪ -‬بعد العروج إل ساء القيقة‪ -‬اتفقوا على أنم ل يروا ف الوجود إل الواحد الق‪ .‬لكن منهم من كان له‬ ‫هذه الال عرفا نا علم يا‪ ،‬ومن هم من صار له ذلك حال ذوق يا‪ .‬وانت فت عن هم الكثرة بالكل ية وا ستغرقوا بالفردان ية‬

‫‪16‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الحضة واستوفيت فيها عقولم فصاروا كالبهوتي فيه ول يبق فيهم متسع ل لذكر غي ال ول لذكر أنفسهم أيضا‪.‬‬ ‫فلم يكن عندهم إل ال‪ ،‬فسكروا سكرا دفع دونه سلطان عقولم‪ ،‬فقال أحدهم (أنا الق) وقال الخر (سبحان ما‬ ‫أع ظم شأ ن) وقال آ خر ( ما ف ال بة إل ال) وكلم العشاق ف حال ال سكر يطوى ول ي كى‪ .‬فل ما خف عن هم‬ ‫سكرهم وردوا إل سلطان العقل الذي هو ميزان ال ف أرضه‪ ،‬عرفوا أن ذلك ل يكن حقيقة التاد بل شبه التاد‬ ‫مثل قول العاشق ف حال فرط عشقه (أنا من أهوى ومن أهوى أنا) ول يبعد أن يفاجىء النسان مرآة فينظر فيها‬ ‫ول ير الرآة قط‪ ،‬فيظن أن الصورة الت رآها هي صورة الرآة متحدة با‪ ،‬ويرى المر ف الزجاج فيظن أن المر لون‬ ‫الزجاج‪ .‬وإذا صار ذلك عنده مألوفا ورسخ فيه قدمه استغفر وقال‪:‬‬ ‫ج وَراَقتِ الَمرُ‬ ‫َرقَ الزُجا ُ‬

‫َفتَشابَها َفتَشاكَي َل ا َلمَيرُ‬

‫َف َكَأنّما خَيمي ٌر وَل قَيدحٌ‬

‫ح وَل خَيميرُ‬ ‫وَكََأنّما قَد ٌ‬

‫وفرق ب ي أن يقول‪ :‬ال مر قدح‪ ،‬وب ي أن يقول‪ :‬كأ نه قدح‪ .‬وهذه الالة إذا غل بت سيت بالضا فة إل صاحب‬ ‫الالة (فناء) بل (فناء الفناء)‪ :‬لنه فن عن نفسه وفن عن فنائه‪ ،‬فإنه ليس يشعر بنفسه ف تلك الال ول يعدم شعوره‬ ‫بنفسه‪ .‬ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان قد شعر بنفسه‪ .‬وتسمى هذه الالة بالضافة إل الستغرق به بلسان الجاز‬ ‫اتادا أو بلسان القيقة توحيدا‪ .‬ووراء هذه القائق أيضا أسرار يطول الوض فيها‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫خاتة‬ ‫لعلك تشتهي أن تعرف وجه إضافة نوره إل السموات والرض‪ ،‬بل وجه كونه ف ذاته نور السموات والرض‪ ،‬فل‬ ‫ينبغي أن يفى ذلك عليك بعد أن عرفت أنه النور ول نور سواه وأنه كل النوار‪ ،‬وأنه النور الكلي‪ ،‬لن النور عبارة‬ ‫عما ينكشف به الشياء‪ ،‬وأعلى منه ما ينكشف به وله‪ ،‬وأعلى منه ما ينكشف به وله ومنه‪ ،‬وأن القيقي منه ما‬ ‫ينكشف به وله‪ ،‬وأعلى منه ما ينكشف به وله ومنه‪ ،‬وأن القيقي منه ما ينكشف به وله ومنه وليس فوقه نور منه‬ ‫اقتباسه واستمداده‪ :‬بل ذلك له ف ذاته من ذاته لذاته ل من غيه‪ .‬ث عرفت أن هذا لن يتصف به إل النور الول‪.‬‬ ‫ث عرفت أن السموات والرض مشحونة نورا من طبقت النور‪ :‬اعن النسوب إل البصر والبصية‪ :‬أي إل الس‬ ‫والعقل‪ .‬أما البصرى فما نشاهده ف السموات من الكواكب والشمس والقمر‪ ،‬وما نشاهده ف الرض من الشعة‬ ‫النبسطة على كل ما على الرض حت ظهرت به اللوان الختلفة خصوصا ف الربيع‪ ،‬وعلى كل حال ف اليوانات‬ ‫والعادن وأصناف الوجودات‪ .‬ولولها ل يكن لللوان ظهور‪ ،‬بل وجود‪ .‬ث سائر ما يظهر للحس من الشكال‬ ‫والقادير يدرك تبعا لللوان ول يتصور إدراكها إل بواسطتها‪.‬‬ ‫وأما النوار العقلية العنوية فالعال العلى مشحون با‪ ،‬وهي جواهر اللئكة‪ ،‬والعال السفل مشحون با وهي الياة‬ ‫اليوانية ث النسانية‪.‬‬ ‫شأَكُم‬ ‫وبالنور النسان السفلي ظهر نظام عال السفل كما بالنور اللكي ظهر نظام عال العلو‪ .‬وهو العن بقوله )أَن َ‬ ‫مِ َن الَرضِ وَاستَع َمرَكُم فيها( وقال تعال‪َ) :‬ليَستَخِل َفّنهُم ف الَرض( وقال‪َ ) :‬ويَجعََلكُم خُلَفا َء الَرضِ(‪ ،‬وقال‪ِ) :‬إنّي‬ ‫جاعِلٌ ف الَرضِ خَليفَة(‪.‬‬ ‫فإذا (عرفت هذا عرفت أن العال بأسره مشحون بالنوار الظاهرة البصرية والباطنة العقلية‪ ،‬ث عرفت أن السفلية‬ ‫فائضة بعضها من بعض فيضان النور من السراج وأن السراج هو الروح النبوي القدسي‪ ،‬وأن الرواح النبوية القدسية‬ ‫مقتبسة من الرواح العلوية اقتباس السراج من النور؛ وأن العلويات بعضها مقتبسة من البعض‪ ،‬وأن ترتيبها ترتيب‬ ‫مقامات‪ .‬ث ترقى جلتها إل نور النوار ومعدنا ومنبعها الول؛ وأن ذلك هو ال تعال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن‬ ‫سائر النوار مستعارة‪ ،‬وإنا القيقي نوره فقط؛ وأن الكل نوره‪ ،‬بل هو الكل‪ ،‬بل ل هوية لغيه إل بالجاز‪ .‬فإذن ل‬ ‫نور إل نوره‪ ،‬وسائر النوار أنوار من الذي يليه ل من ذاته‪ .‬فوجه كل ذي وجه إليه ومولّ شطره‪َ) :‬فأَينَما ُتوَلّوا َفثَمّ‬

‫‪18‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫وَجهُ اللَهِ( فإذن ل إله ال هو‪ :‬فإن الله عبارة عما الوجه موليه نوه بالعبادة والتأله‪ :‬أعن وجوه القلوب فإنا النوار‪.‬‬ ‫بل كما ل إله إل هو‪ ،‬فل هو إل هو‪ :‬لن (هو) عبارة عما إليه إشارة كيفما كان‪ ،‬ول إشارة إل إليه‪ .‬بل كل ما‬ ‫أشرت إليه فهو بالقيقة إشارة عليه وإن كنت ل تعرفه أنت لغفلتك عن حقيقة القائق الت ذكرناها‪ .‬ول إشارى إل‬ ‫نور الشمس بل إل الشمس‪ .‬فكل ما ف الوجود فنسبته إليه ف ظاهر الثال كنسبة النور إل الشمس‪ .‬فإذن (ل إله إل‬ ‫ال) توحيد العوام‪ ،‬و (ل إله إل هو) توحيد الواص‪ ،‬لن هذا أت وأخص وأشل وأحق وأدق وأدخل بصاحبه ف‬ ‫الفردانية الحضة والوحدانية الصرفة‪ .‬ومنتهى معراج اللئق ملكة الفردانية‪ .‬وليس وراء ذلك مرقي‪ :‬إذ الترقي ل‬ ‫يتصور إل بكثرة‪ :‬فإنه نوع إضافة يستدعى ما منه الرتقاء وما إليه الرتقاء‪ .‬وإذا ارتفعت الكثرة حقت الوحدة‬ ‫وبطلت الضافات وطاحت الشارات ول يبق علو وسفل ونازل ومرتفع‪ :‬واستحال الترقي فاستحال العروج‪ .‬فليس‬ ‫وراء العلى علو‪ ،‬ول مع الوحدة كثرة‪ ،‬ول مع انتفاء الكثرة عروج‪ ،‬فإن كان من تغي حال‪ .‬فالنول إل ساء‬ ‫الدنيا‪ :‬أعن بالشراف من علو إل سفل لن العلى له أسفل وليس له أعلى‪ .‬فهذه هي غاية الغايات ومنتهى‬ ‫الطلبات‪ :‬يعلمه من يعلمه وينكره من يهله‪ .‬وهو من العلم الذي هو كهيئة الكنون الذي ل يعلمه إل العلماء بال‪.‬‬ ‫فإذا نطقوا به ل ينكره إل أهل الغرة بال‪ .‬ول يبعد أن قال العلماء إن النول إل السماء الدنيا هو نزول ملك‪ :‬فقد‬ ‫توهم العلماء ما هو أبعد منه؛ إذ قال هذا الستغرق بالفردانية أيضا له نزول إل السماء الدنيا‪ :‬فإن ‪1‬ذلك هو نزوله‬ ‫إل استعمال الواس أو تريك العضاء‪ .‬وإليه الشارة بقوله (صرت سعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به‬ ‫ولسانه الذي ينطق به) فإذا كان هو سعه وبصره ولسانه‪ ،‬فهو السامع والباصر والناطق إذن ل غيه؛ وإليه الشارة‬ ‫بقوله‪( :‬مرضت فلم تعدن) الديث‪.‬‬ ‫فحركات هذا الوحد من السماء الدنيا وإحساساته كالسمع والبصر من ساء فوقه‪ ،‬وعقله فوق ذلك‪ .‬وهو يترقي من‬ ‫ساء العقل إل منتهى معراج اللئق‪ .‬وملكة الفردانية تام سبع طبقات ث بعده يستوي على عرش الوحدانية‪ ،‬ومنه‬ ‫يدبر المر لطبقات سواته‪.‬‬ ‫فربا نظر الناظر إليه فأطلق القول بأن ال خلق آدم على صورة الرحن‪ ،‬إل أن يعن النظر فيعلم أن ذلك تأويل كقول‬ ‫القائل (أنا الق) و (سبحان) بل كقوله لوسى عليه السلم‪( :‬مرضت فلم تعدن) و (كنت سعه وبصره ولسانه)‬ ‫وأرى الن قبض البيان فما أراك تطيق من هذا القدر أكثر من هذا القدر‪( .‬مساعدة) لعلك ل تسمو إل هذا الكلم‬ ‫بمتك‪ ،‬بل تقصر دون ذروته هتك‪ ،‬فخذ إليك كلما أقرب إل فهمك وأوفق لضعفك‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫واعلم أن معني كونيه نور السيموات والرض تعرفيه بالنسيبة إل النور الظاهير البصيري‪ .‬فإذا رأييت أنوار الربييع‬ ‫وخضر ته مثل ف ضياء النهار فل ست ت شك ف أ نك ترى اللوان‪ .‬ورب ا ظن نت أ نك ل ست ترى مع اللوان غي ها‪،‬‬ ‫فإنك تقول لست أرى مع الضرة غي الضرة‪ .‬ولقد أصر على هذا قوم فزعموا أن النور ل معن له‪ ،‬وأنه ليس مع‬ ‫اللوان غ ي اللوان‪ ،‬فأنكروا وجود النور مع أ نه أظ هر الشياء‪ ،‬وك يف ل و به تظ هر الشياء‪ ،‬و هو الذي يب صر ف‬ ‫نفسه ويبصر به غيه كما سبق‪ .‬لكن عند غروب الشمس وغيبة السراج ووقوع الظل أدركوا تفرقة ضرورية بي مل‬ ‫الظيل وبيي موقيع الضياء فاعترفوا بأن النور معني وراء اللوان يدرك ميع اللوان ح ت كأنيه لشدة انلئه ل يدرك‪،‬‬ ‫ولشدة ظهوره يفييى‪ .‬وقييد يكون الظهور سييبب الفاء‪ .‬والشيييء إذا جاوز حده انعكييس علي ضده‪.‬‬ ‫فإذا عر فت هذا فاعلم أن أرباب الب صائر ما رأوا شيئا إل رأوا ال م عه‪ .‬ورب ا زاد على هذا بعض هم فقال ( ما رأ يت‬ ‫شيئا إل رأييت ال قبله) لن منهيم مين يرى الشياء بيه ومنهيم مين يرى الشياء فياه بالشياء‪ .‬وإل الول الشارة‬ ‫)سينُريهِم آَياتِنيا في‬ ‫ّهي عَلى كُ ّل شيءٍ شَهيدٌ(؛ وعلى الثاني الشارة بقوله تعال‪َ :‬‬ ‫ّكي َأن ُ‬ ‫َكفي ِب َرب َ‬ ‫بقوله تعال‪َ) :‬أوَلَم ي ِ‬ ‫الَفا قِ( فالَول صاحب مشاهدة‪ ،‬والثا ن صاحب ال ستدلل عليه‪ ،‬والول در جة ال صديقي‪ ،‬والثا ن در جة العلماء‬ ‫الراسيييييخي‪ ،‬ولييييييس بعدهاييييي إل درجييييية الغافليييييي الحجوبيييييي‪.‬‬ ‫وإذ قد عرفت هذا فاعلم أنه كما ظهر كل شيء للبصر بالنور الظاهر‪ ،‬فقد ظهر كل شيء للبصية الباطنة بال‪ .‬فهو‬

‫‪20‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫مع كل شيء ل يفارقه ث يظهر كل شيء‪ ،‬كما أن النور مع كل شيء وبه يظهر‪ .‬ولكن بقى ها هنا تفاوت‪ :‬وهو أن‬ ‫النور الظاهر يتصور أن يغيب بغروب الشمس ويجب حت يظهر الظل‪ ،‬وأما النور اللي الذي به يظهر كل شيء‪،‬‬ ‫ل يت صور غيب ته بل ي ستحيل تغيه‪ .‬فيب قى مع الشياء دائ ما‪ ،‬فانق طع طر يق ال ستدلل بالتفر قة‪ .‬ولو ت صور غيب ته‬ ‫لندت السموات والرض‪ ،‬ولدرك به من التفرقة ما يضطر معه إل العرفة با به ظهرت الشياء‪ .‬ولكن لا تساوت‬ ‫الشياء كلها على نط واحد ف الشهادة على وحدانية خالقها ارتفع التفريق وخفي الطريق‪ :‬إذ الطريق الظاهر معرفة‬ ‫الشياء بالضداد ف ما ل ضد له ول تغ ي له تتشا به الحوال ف الشهادة له‪ .‬فل يب عد أن ي فى ويكون خفاؤه لشدة‬ ‫جلئه والغفلة عنه لشراق ضيائه‪ .‬فسبحان من اختفى عن اللق لشدة ظهوره‪ ،‬واحتجب عنهم لشراق نوره‪ .‬وربا‬ ‫ل يفهم أيضا كنه هذا الكلم بعض القاصرين‪ ،‬فيفهم من قولنا (إن ال مع كل شيء كالنور مع الشياء (أنه ف كل‬ ‫مكان؛ تعال وتقدس عن النسبة إل الكان‪ .‬بل لعل البعد عن إثارة هذا اليال أن نقول إنه قبل كل شيء؛ وإنه فوق‬ ‫كل شيء؛ وإنه مظهر كل شيء‪ .‬والظهر ل يفارق الظهر ف معرفة صاحب البصية فهو الذي نعن بقولنا عنه مع‬ ‫كل ش يء‪ .‬ث ل ي فى عل يك أي ضا أن الظ هر وفو قه مع أ نه م عه بو جه‪ :‬لك نه م عه بو جه وقبله بو جه‪.‬فل تظ نن أ نه‬ ‫متناقض‪ ،‬واعتب بالحسوسات الت هي درجتك ف العرفان؛ وانظر كيف تكون حركة اليد مع حركة ظل اليد وقبلها‬

‫‪21‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫أيضييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييا‪.‬‬ ‫ومن ل يتسع صدره لعرفة هذا فليهجر هذا النمط من العلم‪ ،‬فلكل علم رجال؛ وكل ميسر لا خلق له‪.‬‬ ‫الفصل الثان‬ ‫ف بيان مثال الشكاة والصباح‬ ‫والزجاجة والشجرة والزيت والنار‬ ‫ومعر فة هذا ي ستعدي تقد ي ق طبي يت سع الجال فيه ما إل غ ي حد مدود‪ .‬لك ن أش ي إليه ما بالر مز والخت صار‪:‬‬ ‫أحدها ف بيان سر التمثيل ومنهاجه ووجه ضبط أرواح العان بقوالب المثلة‪ ،‬ووجه كيفية الناسبة بينها‪ ،‬وكيفية‬ ‫الوازنية بيي عال الشهادة التي منهيا تتخيذ طينية المثال‪ ،‬وعال اللكوت الذي منيه تسيتنل أرواح العاني‪.‬‬ ‫والثان ف طبقات أرواح الطينة البشرية ومراتب أنوارها؛ فإن هذا الثال مسوق لبيان ذلك؛ إذ قرأ ابن مسعود (مثل‬ ‫نوره ف قلب الؤمن كمشكاة) وقرأ أب بن كعب‪( :‬مثل نور قلب من آمن)‪.‬‬ ‫الول ف سر التمثيل ومنهاجه‬

‫‪22‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫اعلم أن العال عالان‪ :‬روحان وجسمان‪ :‬وإن شئت قلت‪ :‬حسي وعقلي؛ وإن شئت علوي وسفلي‪ .‬والكل‬ ‫متقارب‪ ،‬وإنا تتلف باختلف العتبارات‪ :‬فإذا اعتبتما ف أنفسهما قلت جسمان وروحان‪ ،‬وإن اعتبتما‬ ‫بالضافة إل العي الدركة لما قلت حسي وعقلي‪ .‬وإن اعتبتما بإضافة أحدها إل الخر قلت علوي وسفلى‪.‬‬ ‫وربا سيت أحدها عال اللك والشهادة والخر عال الغيب واللكوت‪ .‬ومن نظر إل القائق من اللفاظ ربا تي‬ ‫عند كثرة اللفاظ وتيل كثرة العان‪ .‬والذي تنكشف له القائق يعل العان أصل واللفاظ تابعا‪ .‬وأمر الضعيف‬ ‫بالعكس؛ إذ يطلب القائق من اللفاظ‪ .‬وإل الفريقي الشارة بقوله تعال‪) :‬أَفَمَن يَمشي ُم ِكبّا عَلى وَجهِهِ أَهدى أَم‬ ‫ط مّستَقيم)‪.‬‬ ‫مَن يَمشي سَويا عَلى صِرا ٍ‬ ‫وإذ قد عرفت معن العالي فاعلم أن العال اللكوت عال غيب؛ إذ هو غائب عن الكثرين‪ .‬والعال السي عال‬ ‫شهادة إذ يشهده الكافة‪ .‬والعال السي مرقاة إل العقل‪ .‬فلو ل يكن بينهما اتصال ومناسبة لنسد طريق الترقي إليه‪.‬‬ ‫ولو تعذر ذلك لتعذر السفر إل حضرة الربوبية والقرب من ال تعال‪ .‬فلم يقرب من ال تعال أحد ما ل يطأ ببوحة‬ ‫حظية القدس‪.‬‬ ‫والعال الرتفع عن إدراك الس واليال هو الذي نعنيه بعال القدس‪ .‬فإذا اعتبنا جلته بيث ل يرج منه شيء ول‬ ‫يدخل فيه ما هو غريب منه سيناه حظية القدس‪ .‬وربا سينا الروح البشري الذي هو مرى لوائح القدس (الوادي‬ ‫القدس)‪ .‬ث هذه الظية فيها حظائر بعضها أشد إمعانا ف معان القدس‪ .‬ولكن لفظ الظية ييط بميع طبقاتا‪.‬‬ ‫فل تظنن أن هذه اللفاظ طامات غي معقولة عند أرباب البصائر‪ .‬واشتغال الن بشرح كل لفظ مع ذكره يصدن‬ ‫عن القصد‪ .‬فعليك التشمي لفهم هذه اللفاظ فأرجع إل الغرض وأقول‪ :‬لا كان عال الشهادة مرقاة إل عال‬ ‫اللكوت‪ ،‬وكان سلوك الصراط الستقيم عبارة عن هذا الترقي؛ وقد يعب عنه بالدين وبنازل الدى‪ -‬فلو ل يكن‬ ‫بينهما مناسبة واتصال لا تصور الترقي من أحدها إل الخر‪ -‬جعلت الرحة اللية عال الشهادة على موازنة عال‬ ‫اللكوت‪ :‬فما من شيء من هذا العال إل وهو مثال لشيء من ذلك العال‪ .‬وربا كان الشيء الواحد مثال لشياء من‬ ‫عال اللكوت‪ .‬وربا كان للشيء الواحد من اللكوت أمثلة كثية من عال الشهادة‪ .‬وإنا يكون مثال إذا ماثله نوعا‬ ‫من الماثلة‪ ،‬وطابقه نوعا من الطابقة‪ .‬وإحصاء تلك المثلة يستدعي استقصاء جيع موجودات العالي بأسرها‪ ،‬ولن‬ ‫تفي به القوة البشرية وما اتسع لفهمه القوة البشرية‪ .‬فل تفي بشرحه العمار القصية‪ .‬فغايت أن أعرفك منها أنوذجا‬ ‫لتستدل باليسي منها على الكثي‪ ،‬وينفتح لك باب الستعبار بذا النمط من السرار فأقول‪ :‬إن كان ف عال اللكوت‬ ‫جواهر نورانية شريفة عالية يعب عنها باللئكة‪ ،‬منها تفيض النوار على الرواح البشرية‪ ،‬ولجلها قد تسمى أربابا‪،‬‬

‫‪23‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ويكون ال تعال رب الرباب لذلك‪ ،‬ويكون لا مراتب ف نورانيتها متفاوتة‪ ،‬فبالرىّ أن يكون مثالا من عال‬ ‫الشهادة الشمس والقمر والكواكب‪.‬‬ ‫والسالك للطريق أول ينتهي إل ما درجته درجة الكواكب فيتضح له إشراق نوره وينكشف له أن العال السفل‬ ‫بأسره تت سلطانه وتت إشراق نوره؛ ويتضح له من جاله وعلو درجته ما يبادر فيقول‪( :‬هذا رب) ث إذا اتضح له‬ ‫ما فوقه ما رتبته رتبة القمر‪ ،‬رأى دخول الول ف مغرب الوى بالضافة إل ما فوقه فقال‪( :‬ل أحب الفلي)‬ ‫وكذلك يترقى حت ينتهي إل ما مثاله الشمس فياه أكب وأعلى‪ ،‬فياه قابل للمثال بنوع مناسبة له معه‪ .‬والناسبة مع‬ ‫ذي النقص نقص وأفول أيضا‪ .‬فمنه يقول‪) :‬وَجَهتُ وَج ِهيَ ِللّذي فَ َطرَ السَمَواتِ وَالَرضَ حَنيفا( ومعن (الذي)‬ ‫إشارة مبهمة ل مناسبة لا‪ :‬إذ لو قال قائل ما مثال مفهوم (الذي) ل يتصور أن ياب عنه‪ .‬فالتنه عن كل مناسبة‬ ‫هو الول الق‪ .‬ولذلك لا قال بعض العراب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما نسب الله?) نزل ف جوابه )قُل‬ ‫ُهوَ اللَهُ أَ َحدٌ‪ .‬اللَ ُه الصَ َمدُ‪ .‬لَم يَلِد وَلَم يولَد) إل آخرها‪ ،‬معناه أن التقدس والتنه عن النسبة نسبته‪ .‬ولذلك لا قال‬ ‫فرعون لوسى‪) :‬وَما رَبّ العالَميَ( كالطالب لاهيته ل يب إل بتعريفه بأفعاله‪ ،‬إذ كانت الفعال أظهر عند السائل‬ ‫فقال‪) :‬رّبّ السَمَواتِ وَالَرضِ(‪ ،‬فقال فرعون لن حوله )أَل تَسمَعونَ( كالنكر عليه ف عدوله ف جوابه عن طلب‬ ‫ب آباِئكُ ُم الَوليَ( فنسبه فرعون إل النون إذ كان مطلبه الثال والاهية؛ وهو ييب‬ ‫الاهية‪ ،‬فقال موسى‪َ ) :‬ربُكُم وَرَ ّ‬ ‫عن الفعال‪ ،‬فقال‪ِ) :‬إنّ رَسوَلكُمُ الّذي أُرسِلَ إِلَيكُم لَمَجنونٌ(‪.‬‬ ‫ولنرجع إل النوذج فنقول علم (التعبي) يعرفك منهاج ضرب الثال؛ لن الرؤيا جزء من النبوة‪ .‬أما ترى أن الشمس‬ ‫ف الرؤيا تعبيها السلطان‪ ،‬لا بينهما من الشاركة والماثلة ف معن روحان‪ -‬وهو الستعلء على الكافة مع فيضان‬ ‫الثار على الميع‪ .‬والقمر تعبيه الوزير لفاضة الشمس نورها بواسطة القمر على العال عند غيبتها كما يفيض‬ ‫السلطان أنواره بواسطة الوزير على من يغيب عن حضرة السلطان‪ .‬وأن من يرى أنه ف يده خات يتم به أفواه‬ ‫الرجال وفروج النساء فتعبيه أنه مؤذن يؤذن قبل الصبح ف رمضان‪ .‬وأن من يرى أنه يصب الزيت ف الزيتون فتعبيه‬ ‫أن تته جارية هي أمه وهو ل يعرف‪ .‬واستقصاء أبواب التعبي يزيك أنسا بذا النس‪ ،‬فل يكنن الشتغال بعدها‪:‬‬ ‫بل أقول‪ :‬كما أن ف الوجودات العالية الروحانية ما مثاله الشمس والقمر والكواكب‪ ،‬فكذلك فيها ما له أمثلة‬ ‫أخرى إذا اعتبت منه أوصاف أُخر سوى النورانية‪.‬‬ ‫فإن كان ف تلك الوجودات ما هو ثابت ل يتغي وعظيم ل يستصغر‪ ،‬ومنه ينفجر إل أودية القلوب البشرية مياه‬ ‫العارف ونفائس الكاشفات فمثاله (الطور)؛ وإن كان ث موجودات تتلقى تلك النفائس بعضهم أول من بعض‬

‫‪24‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫فمثالا الوادي‪ .‬وإن كانت تلك النفائس بعد اتصالا بالقلوب البشرية تري من قلب إل قلب‪ ،‬فهذه القلوب أيضا‬ ‫أودية‪ .‬ومفتتح الوادي قلوب النبياء ث العلماء ث من بعدهم‪ .‬فإن كانت هذه الودية دون الول وعنها تغترف‪،‬‬ ‫فبالرىّ أن يكون الول هو الوادي الين لكثرة ينه وعلو درجته‪ .‬وإن كان الوادي الدون يتلقى من آخر درجات‬ ‫الوادي الين فمغترفه شاطىء الوادي الين دون لته ومبدئه‪ .‬وإن كان روح النب سراجا منيا‪ ،‬وكان ذلك الروح‬ ‫مقتبسا بواسطة وحي كما قال‪) :‬أَوحينا إِليكَ روحا مِن أَمرِنا( فما منه القتباس مثاله النار‪ ،‬وإن كان التلقنون من‬ ‫النبياء بعضهم على مض التقليد لا سعه‪ ،‬وبعضهم على حظ من البصية‪ ،‬فمثال حظ القلد الب‪ ،‬ومثال حظ‬ ‫الستبصر الذوة والقبس والشهاب‪ .‬فإن صاحب الذوق مشارك للنب ف بعض الحوال‪ .‬ومثال تلك الشاركة‬ ‫الصطلء‪ .‬وإنا يصطلي بالنار من معه النار‪ ،‬ل من يسمع خبها‪ .‬وإن كان أول منل النبياء الترقي إل العال‬ ‫القدس عن كدورة الس واليال‪ ،‬فمثال ذلك النل الوادي القدس‪.‬‬ ‫وإن كان ل يكن وطء ذلك الوادي القدس إل باطراح الكوني‪ -‬أعن الدنيا والخرة‪ -‬والتوجه إل الواحد الق‪،‬‬ ‫ولن الدنيا والخرة متقابلتان متحاذيتان وها عارضان للجوهر النوران البشري يكن اطراحهما مرة والتلبس بما‬ ‫أخرى‪ ،‬فمثال اطراحهما عند الحرام للتوجه إل كعبة القدس خلع النعلي‪ .‬بل نترقي إل حضرة الربوبية مرة أخرى‬ ‫ونقول‪:‬‬ ‫إن كان ف تلك الضرة شيء بواسطته تنتقش العلوم الفصلة ف الواهر القابلة لا فمثاله (القلم)‪ .‬وإن كان ف تلك‬ ‫الواهر القابلة ما بعضها سابق إل التلقي‪ ،‬ومنها تنتقل إل غيها‪ ،‬فمثالا (اللوح الحفوظ) و (الرق النشور)‪ .‬وإن‬ ‫كان فوق الناقيش للعلوم شييء هيو مسيخر فمثاله (الييد) وإن كان لذه الضرة الشتملة على الييد واللوح والقلم‬ ‫والكتاب ترتيب منظوم فمثاله (الصورة) وإن كان يو جد للصورة النسية نوع ترتيب على هذه الشاكلة‪ ،‬فهي على‬ ‫صورة الرحن‪ .‬وفرق بي أن يقال (على صورة الرحن) وبي أن يقال (على صورة ال) لن الرحة اللية هي الت‬ ‫صيييييييييييورت الضرة الليييييييييييية بذه الصيييييييييييورة‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ث أنعم على آدم فأعطاه صورة متصرة جامعة لميع أصناف ما ف العال حت كأنه كل ما ف العال أو هو نسخة من‬ ‫العال متصرة‪ .‬وصورة آدم‪ -‬أعن هذه الصورة‪ -‬مكتوبة بط ال‪ .‬فهو الط اللي الذي ليس برقم حروف‪ ،‬إذ تنه‬ ‫خطه عن أن يكون رقما وحروفا كما تنه كلمه عن أن يكون صوتا وحرفا‪ ،‬وقلمه عن أن يكون خشبا وقصبا‪،‬‬ ‫ويده عن أن تكون ل ما وعظ ما‪ .‬ولول هذه الرح ة لع جز الد مي عن معر فة ر به‪ :‬إذ ل يعرف ر به إل من عرف‬ ‫نفسه‪ .‬فلما كان هذا من آثار الرحة صار على صورة الرحن ل على صورة ال‪ :‬فإن حضرة اللية غي حضرة الرحة‬ ‫وغي حضرة اللك وغي حضرة الربوبية‪ .‬ولذلك أمر بالعياذ بميع هذه الضرات فقال‪) :‬قُل أَعو ُذ ِبرَبّ الناسِ‪ ،‬مَلِكِ‬ ‫النا سِ‪ ،‬إِلَ ِه النا سِ( ولول هذا العن لكان ينبغي أن يقول على صورته واللفظ الوارد ف الديث الصحيح على صورة‬ ‫الرحنييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي‪.‬‬ ‫ولن تييز حضرة اللك عن اللية والربوبية يستدعي شرحا طويل فلنتجاوزه‪ ،‬ويكفيك من النوذج هذا القدر‪ ،‬فإن‬ ‫هذا ب ر ل ساحل له‪ .‬فإن وجدت ف نف سك نفورا عن هذه المثال فآن قل بك بقوله تعال‪) :‬أَن َز َل مِ َن ال سَماءِ ماءً‬ ‫فَسالَت أَو ِدَي ٌة ِبقَدَرِها( الية‪ ،‬وأنه كيف ورد ف التفسي أن الاء هو العرفة والقرآن والودية القلوب‪.‬‬ ‫خاتة واعتذار‬

‫‪26‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ل تظنن من هذا النوذج وطريق ضرب الثال رخصة من ف رفع الظاهر واعتقادا ف إبطالا حت أقول مثل ل يكن‬ ‫مع موسى نعلن‪ ،‬ول يسمع الطاب بقوله‪( :‬اخلع نعليك) حاش ل فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا‬ ‫بالعي العوراء إل أحد العالي ول يعرفوا الوازنة بي العالي‪ ،‬ول يفهموا وجهه‪ .‬كما أن إبطال السرار مذهب‬ ‫الشوية‪.‬‬ ‫فالذي يرد الظاهر حشوى‪ ،‬والذي يرد الباطن باطن‪ .‬والذي يمع بينهما كامل‪ .‬ولذلك قال عليه السلم‪( :‬للقرآن‬ ‫ظاهر وباطن وح ٌد ومطلع) وربا نقل هذا عن عل ّى موقوفا عليه‪ .‬بل أقول فهم موسى من المر بلع النعلي اطراح‬ ‫الكوني فامتثل المر ظاهرا بلع نعليه‪ ،‬وباطنا باطراح العالي‪ .‬وهذا هو (العتبار) أي العبور من الشيء إل غيه‪،‬‬ ‫ومن الظاهر إل السر‪ .‬وفرق بي من يسمع قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يدخل اللئكة بيتا فيه كلب)‬ ‫فيقتن الكلب ف البيت ويقول ليس الظاهر مرادا‪ ،‬بل الراد تلية بيت القلب عن كلب الغضب لنه ينع العرفة الت‬ ‫هي من أنوار اللئكة‪ :‬إذا الغضب غول العقل‪ ،‬وبي من يتثل المر ف الظاهر ث يقول‪ :‬الكلب ليس كلبا لصورته بل‬ ‫لعناه‪ -‬وهو السبعية والضراوة‪ -‬وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عن صورة الكلب‪ ،‬فبأن‬ ‫يب حفظ بيت القلب‪ -‬وهو مقر الوهر القيقي الاص‪ -‬عن شر الكلبية أول‪ .‬فأنا أجع بي الظاهر والسر جيعا‪،‬‬ ‫فهذا هو الكامل‪ :‬وهو العن بقولم (الكامل من ل يطفىء نور معرفته نور ورعه) ولذلك ترى الكامل ل تسمح‬ ‫نفسه بترك حد من حدود الشرع مع كمال البصية‪ .‬وهذه مغلطة منها وقع بعض السالكي إل الباحة وطى بساط‬ ‫الحكام ظاهرا‪ ،‬حت أنه ربا ترك أحدهم الصلة وزعم أنه دائما ف الصلة بسره‪ .‬وهذا سوى مغلطة المقى من‬ ‫الباحية الذين مأخذهم ترهات كقول بعضهم (إن ال غن عن عملنا) وقول بعضهم إن الباطن مشحون بالبائث‬ ‫ليس يكن تزكيته ول يطمع ف استئصال الغضب والشهوة لظنه أنه مأمور باستئصالا‪ :‬وهذه حاقات‪.‬‬ ‫فأما ما ذكرناه فهو كبوة جواد وهفوة سالك حسده الشيطان فدلّه ببل الغرور‪ .‬وأرجع إل حديث النعلي فأقول‪:‬‬ ‫ظاهر خلع النعلي منبه على ترك الكوني‪ .‬فالثال ف الظاهر حق وأداؤه إل السر الباطن حقيقة‪ .‬وأهل هذا التنبيه هم‬ ‫الذين بلغوا درجة الزجاجة كما سيأت معن الزجاجة؛ لن اليال الذي من طينته يتخذ الثال صلب كثيف يجب‬ ‫السرار ويول بينك وبي النوار؛ ولكن إذا صفا حت صار كالزجاج الصاف غي حائل عن النوار‪ ،‬بل صار مع‬

‫‪27‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ذلك مؤدييا للنوار‪ ،‬بيل صيار ميع ذلك حافظيا للنوار عين النطفاء بعواصيف الرياح‪ .‬وسيتأتيك قصية الزجاجية‪.‬‬ ‫فاعلم أن العال الكث يف اليال ال سفلي صار ف حق ال نبياء زجا جة ومشكاة للنوار وم صفاة لل سرار‪ ،‬ومرقاة إل‬ ‫العال العلى‪ .‬وبذا يعرف أن الثال الظاهر حق ووراءه سر‪ .‬وقس على هذا (الطور) و (النار) وغيها‪.‬‬ ‫دقيقة‬ ‫إذا قال الر سول عل يه ال سلم‪( :‬رأ يت ع بد الرح ن بن عوف يد خل ال نة حبوا) فل تظ نن أ نه ل يشاهده بالب صر‬ ‫كذلك‪ ،‬بل رآه ف يقظته كما يراه النائم ف نومه؛ وإن كان عبد الرحن مثل نائما ف بيته بشخصه‪ ،‬فإن النوم إنا أثر‬ ‫ف أمثال هذه الشاهدات لقهره سلطان الواس عن النور البا طن الل ي‪ ،‬فإن الواس شاغلة له وجاذ بة إياه إل عال‬ ‫ال س‪ ،‬و صارفة وج هه عن عال الغ يب واللكوت‪ .‬وب عض النوار النبو ية قد ي ستعلي وي ستول ب يث ل ت ستجره‬ ‫الواس إل عالها ول تشغله‪ ،‬فيشاهد ف اليقظة ما يشاهد غيه ف النام‪ .‬ولكنه إذا كان ف غاية الكمال ل يقتصر‬ ‫إدرا كه على م ض ال صورة الب صرة‪ ،‬بل عب من ها إل ال سر فانك شف له أن اليان جاذب إل العال الذي ي عب ع نه‬ ‫بالنية؛ والغني والثروة جاذب إل الياة الاضرة وهيي العال السيفل‪ .‬فإن كان الاذب إل أشغال الدنييا أقوى أو‬ ‫مقاوما للجاذب الخر صد عن السي إل النة‪ .‬وإن كان جاذب اليان أقوى أورث عسرا وبطئا ف سيه؛ فيكون‬

‫‪28‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫مثاله مين عال الشهادة (البيو) فكذلك تتجلى له أنوار السيرار مين وراء زجاجات اليال‪ .‬ولذلك ل يقتصير في‬ ‫حكمه على عبد الرحن وإن كان إبصاره مقصورا عليه‪ ،‬بل يكم به على كل من قويت بصيته واستحكم إيانه‪،‬‬ ‫وكثرت ثروتيييييه كثرة تزاحيييييم اليان لكييييين ل تقاوميييييه لرجحان قوة اليان‪.‬‬ ‫فهذا يعرفك كيفية إبصار النبياء الصورة وكيفية مشاهدتم العان من وراء الصور‪ .‬والغلب أن يكون العن سابقا‬ ‫إل الشاهدة الباطنة ث يشرق منها على الروح اليال فينطبع اليال بصورة موازنة للمعن ماكية له‪ .‬وهذا النمط من‬ ‫الوحي ف اليقظة يفتقر إل التأويل‪ ،‬كما أنه ف النوم يفتقر إل التعبي‪ .‬والواقع منه ف النوم نسبته إل الواص النبوية‬ ‫نسبة الواحد إل ستة وأربعي‪ .‬والواقع ف اليقظة نسبته أعظم من ذلك‪ .‬وأظن أن نسبته إليه نسبة الواحد إل الثلثة‪.‬‬ ‫فإن الذي انكشف لنا من الواص النبوية ينحصر شعبها ف ثلثة أجناس‪ ،‬وهذا واحد من تلك الجناس الثلثة‪.‬‬ ‫القطب الثان‬ ‫ف بيان مراتب الرواح‬ ‫البشرية النورانية إذ بعرفتها تعرف أمثلة القرآن‬

‫‪29‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫فالول منها الروح الساس وهو الذي يتلقى ما تورده الواس المس‪ ،‬وكأنه أصل الروح اليوان وأوله‪ ،‬إذ به‬ ‫يصي اليوان حيوانا‪ .‬وهو موجود للصب الرضيع‪.‬‬ ‫الثان الروح اليال‪ ،‬وهو الذي يستثبت ما أورده الواس ويفظه مزونا عنده ليعرضه على الروح العقلي الذي فوقه‬ ‫عند الاجة إليه‪ .‬وهذا ل يوجد للصب الرضيع ف بداية نشوئه‪ :‬ولذلك يولع بالشيء ليأخذه‪ ،‬فإذا غاب عنه ينساه‬ ‫ول تنازعه نفسه إليه إل أن يكب قليل فيصي بيث إذا غُيب عنه بكى وطلب ذلك لبقاء صورته مفوظة ف خياله‪.‬‬ ‫وهذا قد يوجد لبعض اليوانات دون بعض‪ ،‬ول يوجد للفراش التهافت على النار لنه يقصد النار لشغفه بضياء‬ ‫النهار‪ :‬فيظن أن السراج كوة مفتوحة إل موضع الضياء فيلقي نفسه عليه فيتأذى به‪ .‬لكنه إذا جاوزه وحصل ف‬ ‫الظلمة عاوده مرة بعد مرة‪ .‬ولو كان له الروح الافظ الستثبت لا أداه الس إليه من الل لا عاوده بعد أن تضرر‬ ‫مرة به فالكلب إذا ضرب مرة بشبة‪ ،‬فإذا رأى الشبة بعد ذلك من بعد هرب‪.‬‬ ‫الثالث الروح العقلي الذي به تدرك العان الارجة عن الس واليال‪ ،‬وهو الوهر النسي الاص‪ ،‬ول يوجد ل‬ ‫للبهائم ول للصيبيان‪ .‬ومدركاتيه العارف الضروريية الكليية كميا ذكرناه عنيد ترجييح نور العقيل على نور العيي‪.‬‬ ‫الرابع الروح الفكري‪ ،‬وهو الذي يأخذ العلوم العقلية الحضة فيوقع بينها تأليفات وازدواجات ويستنتج منها معارف‬ ‫شري فة‪ .‬ث إذا ا ستفاد نتيجت ي مثل‪ ،‬ألف بينه ما مرة أخرة وا ستفاد نتي جة أخرى‪ .‬ول يزال يتزا يد كذلك إل غ ي‬ ‫ناييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييية‪.‬‬ ‫الا مس الروح القد سي النبوي الذي ي تص به ال نبياء وب عض الولياء‪ ،‬وف يه تتجلى لوائح الغ يب وأحكام الخرة‬ ‫وجلة من معارف ملكوت ال سموات والرض‪ ،‬بل من العارف الربان ية ال ت يق صر دون ا الروح العقلي والفكري‪.‬‬ ‫ت تَدري ما اَلكِتا بُ ول اليا نُ‪ ،‬وَلَكِن‬ ‫وإل يه الشارة بقوله تعال‪) :‬وَكَذَلِ كَ أَوحَي نا إِلَي كَ روحا مّ ن أَمرِ نا ما كُن َ‬

‫‪30‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫َجعَلنا هُ نورا نّهدي بِ هِ) ال ية‪ .‬فل يبعد أيها العا كف ف عال الع قل أن يكون وراء الع قل طور آ خر يظ هر ف يه ما ل‬ ‫يظهر ف العقل‪ ،‬كما ل يبعد كون العقل طورا وراء التمييز والحساس تنكشف فيه غرائب وعجائب يقصر عنها‬ ‫الحسيييييييييييييييييييياس والتمييييييييييييييييييييييز‪.‬‬ ‫ول تعل أقصى الكمال وقفا على نفسك‪ .‬وإن أردت مثال ما نشاهده من جلة خواص بعض البشر فانظر إل ذوق‬ ‫الش عر ك يف ي تص به قوم من الناس و هو نوع إح ساس وإدراك‪ ،‬ويرم ع نه بعض هم ح ت ل تتم يز عند هم اللان‬ ‫الوزو نة من النح فة‪ .‬وان ظر ك يف عظ مت قوة الذوق ف طائ فة ح ت ا ستخرجوا ب ا الو سيقى والغا ن والوتار‬ ‫وصنوف الدستانات الت منها الحزن ومنها الطرب ومنها النوم ومنها الضحك ومنها الجنن ومنها القاتل‪ ،‬ومنها‬ ‫الو جب للغ شى‪ .‬وإن ا تقوى هذه الثار في من له أ صل الذوق‪ .‬وأ ما العا طل عن خا صية الذوق فيشارك ف ساع‬ ‫ال صوت وتض عف ف يه هذه الثار‪ ،‬و هو يتع جب من صاحب الو جد والش غى‪ .‬ولو اجت مع العقلء كل هم من أرباب‬ ‫الذوق على تفهيمييييييييييه معنيييييييييي الذوق ل يقدروا عليييييييييييه‪.‬‬ ‫فهذا مثال ف أمر خسيس لكنه قريب إل فهمك‪ .‬فقس به الذوق الاص النبوي واجتهد أن تصي من أهل الذوق‬ ‫بشيء من ذلك الروح‪ :‬فإن للولياء منه حظا وافرا‪ .‬فإن ل تقدر فاجتهد أن تصي بالقيسة الت ذكرناها والتنبيهات‬ ‫الت رمزنا إليها من أهل العلم با‪ .‬فإن ل تقدر فل أقل من أن تكون من أهل اليان با‪ :‬و )يَرفَ عُ اللَ ُه الّذي نَ َآمَنوا‬

‫‪31‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫ِلمي دَرَجاتيٍ(‪ .‬والعلم فوق اليان‪ ،‬والذوق فوق العلم‪ .‬فالذوق وجدان والعلم قياس واليان‬ ‫َينيأُوتوا الع َ‬ ‫مِنكٌم وَالّذ َ‬ ‫قبول مرد بالتقلييييييد‪ .‬وحسييييين الظييييين بأهيييييل الوجدان أو بأهيييييل العرفان‪.‬‬ ‫فإذا عرفت هذه الرواح المسة فاعلم أنا بملتها أنوار لنا تظهر أصناف الوجودات‪ ،‬والسى واليال منها‪ ،‬وإن‬ ‫كان يشارك البهائم ف جنسها‪ ،‬لكن الذي للنسان منه نط آخر أشرف وأعلى؛ وخلق النسان لجل غرض أجل‬ ‫وأ سى‪ .‬أ ما اليوانات فلم يلق ذلك ل ا إل ليكون آلت ها ف طلب غذائ ها ف ت سخيها للد مي‪ .‬وإن ا خلق للد مي‬ ‫ليكون شبكة له يقتنص ب ا من العال السفل مبادىء العارف الدين ية الشريفة‪ .‬إذ النسان إذا أدرك بال س شخصا‬ ‫معينا اقتبس عقله منه معن عاما مطل قا ك ما ذكرنا ف مثال حبو عبد الرحن بن عوف‪ .‬وإذا عرفت هذه الرواح‬ ‫المسة فلنرجع إل عرض المثلة‪.‬‬ ‫بيان أمثلة هذه الية‬ ‫اعلم أن القول ف موازنة هذه الرواح المسة للمشكاة والزجاجة والصباح والشجرة والزيت يكن تطويله‪ ،‬لكن‬ ‫أوجزه وأقتصر على التنبيه على طريقه فأقول‪ :‬أما الروح الساس فإذا نظرت إل خاصيته وجدت أنواره خارجة من‬ ‫ثقب عدة كالعيني والذني والنخرين وغيها‪ .‬وأوفق مثال له من عال الشهادة الشكاة‪ .‬وأما الروح اليال فنجد له‬ ‫خواص ثلثا‪ :‬إحداها‪ :‬أنه من طينة العال السفلي الكثيف‪ :‬لن الشيء التخيل ذو مقدار وشكل وجهات مصورة‬ ‫مصوصة‪ .‬وهو على نسبة من التخيل من قرب أو بعد‪ .‬ومن شأن الكثيف الوصوف بأوصاف الجسام أن يجب‬ ‫عن النوار العقلية الحضة الت تتنه عن الوصف بالهات والقادير والقرب والبعد‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الثانية‪ :‬أن هذا اليال الكثيف إذا صفّى ودقق وهذّب وضبط صار موازيا للمعان العقلية ومؤديا لنوارها‪ ،‬غي حائل‬ ‫عن إشراق نورها منها‪.‬‬ ‫الثالثة‪ :‬أن اليال ف بداية المر متاج إليه جدا ليضبط به العارف العقلية فل تضطرب ول تتزلزل ول تنتشر انتشارا‬ ‫يرج عن الضبط‪ .‬فنعم العي الثالت اليالية للمعارف العقلية‪ .‬وهذه الواص الثلث ل ندها ف عال الشهادة‬ ‫بالضافة إل النوار البصرة ال للزجاجة‪ :‬فإنا ف الصل من جوهر كثيف لكن صفى ورقق حت ل يجب نور‬ ‫الصباح بل يؤديه على وجهه‪ ،‬ث يفظه عن النطفاء بالرياح العاصفة والركات العنيفة‪ .‬فهي أول مثال له‪.‬‬ ‫وأما الثالث وهو الروح العقلي الذي به إدراك العارف الشريفة اللية فل يفى عليك وجه تثيله بالصباح‪ .‬وقد‬ ‫عرفت هذا فيما سبق من بيان كون النبياء سرجا منية‪.‬‬ ‫وأما الرابع وهو الروح الفكري فمن خاصيته أنه يبتدىء من أصل واحد ث تتشعب منه شعبتان‪ ،‬ث من كل شعبة‬ ‫شعبتان وهكذا إل أن تكثر الشعب بالتقسيمات العقلية‪ ،‬ث يفضي بالخرة إل نتائج هي ثراتا‪ .‬ث تلك الثمرات‬ ‫تعود فتصي بذورا لمثالا‪ :‬إذ يكن أيضا تلقيح بعضها بالبعض حت يتمادى إل ثرات وراءها كما ذكرناه ف كتاب‬ ‫القسطاس الستقيم‪ .‬فبالرىّ أن يكون مثاله من هذا العال الشجرة‪ .‬وإذ كانت ثراته مادة لتضاعف أنوار العارف‬ ‫وثباتا وبقائها فبالرىّ أل تثل بشجرة السفرجل والتفاح والرمان وغيها‪ ،‬بل من جلة سائر الشجار بالزيتونة‬ ‫خاصة‪ :‬لن لب ثرها هو الزيت الذي هو مادة الصابيح‪ ،‬ويتص من سائر الدهان باصية زيادة الشراق مع قلة‬ ‫الدخان‪ .‬وإذا كانت الاشية الت يكثر نسلها والشجرة الت تكثر ثرتا تسمى مباركة‪ ،‬فالت ل يتناهى ثرتا إل حد‬ ‫مدود أول أن تسمى شجرة مباركة‪ .‬وإذا كانت شعب الفكار العقلية الحضة خارجة عن قبول الضافة إل‬ ‫الهات والقرب والبعد‪ ،‬فالبالرىّ أن تكون ل شرقية ول غربية‪.‬‬ ‫وأما الامس‪ :‬وهو الروح القدسي النبوي النسوب إل الولياء إذا كان ف غاية الصفاء والشرف وكانت الروح‬ ‫الفكرة منقسمة إل ما يتاج إل تعليم وتنبيه ومدد من خارج حت يستمر ف أنواع العارف‪ ،‬وبعضها يكون ف شدة‬ ‫الصفاء كأنه يتنبه بنفسه من غي مدد من خارج‪ ،‬فبالرىّ أن يعب عن الصاف البالغ الستعداد بأنه يكاد زيته يضيء‪،‬‬ ‫ولو ل تسسه نار‪ :‬إذ من الولياء من يكاد يشرق نوره حت يكاد يستغن عن مدد النبياء؛ وف النبياء من يكاد‬ ‫يستغن عن مدد اللئكة‪ .‬فهذا الثال موافق لذا القسم‪.‬‬ ‫وإذا كانت هذه النوار مترتبة بعضها على بعض‪ :‬فالسى هو الول‪ ،‬وهو كالتوطئة والتمهيد للخيال‪ ،‬إذ ل يتصور‬ ‫اليال إل موضوعا بعده؛ والفكري والعقلي يكونان بعدها؛ فبالرى أن تكون الزجاجة كالحل للمصباح والشكاة‬ ‫كالحل للزجاجة‪ :‬فيكون الصباح ف زجاجة‪ ،‬والزجاجة ف مشكاة‪.‬‬

‫‪33‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫وإذ كانت هذه كلها أنوارا بعضها فوق بعض فبالرىّ أن تكون نورا هذا الثال إنا يتضح لقلوب الؤمني أو لقلوب‬ ‫النبياء والولياء ل لقلوب الكفار‪ :‬فإن النور يراد للهداية‪ .‬فالصروف عن طريق الدى باطل وظلمة‪ ،‬بل أشد من‬ ‫الظلمة‪ :‬لن الظلمة ل تدي إل الباطل كما ل تدي إل الق‪ .‬وعقول الكفار انتكست‪ ،‬وكذلك سائر إدراكاتم‬ ‫ب ظُلُماتٌ‬ ‫ج مّن فَوقِ ِه سَحا ٌ‬ ‫ج مّن فَوقِهِ مَو ٌ‬ ‫ج ّى يَغشاهُ مَو ٌ‬ ‫وتعاونت على الضلل ف حقهم‪ .‬فمثالم كرجل ف (بَحرٍ لّ ّ‬ ‫بَعضَها فَوقَ بَعضٍ) والبحر واللّج ّى هو الدنيا با فيها من الخطار الهلكة والشغال الردية والكدورات العمية‪.‬‬ ‫والوج الول موج الشهوات الداعية إل الصفات البهيمية والشتغال باللذات السية وقضاء الوطار الدنيوية حت‬ ‫إنم يأكلون ويتمتعون كما تأكل النعام‪ .‬وبالرىّ أن يكون هذا الوج مظلما لن حب الشيء يعمى ويصم‪ .‬والوج‬ ‫الثان موج الصفات السبعية الباعثة على الغضب والعداوة والبغضاء والقد والسد والباهاة والتفاخر والتكاثر‪.‬‬ ‫وبالري أن يكون مظلما لن الغضب غول العقل‪ .‬وبالري أن يكون هو الوج العلى‪ :‬لن الغضب ف الكثر‬ ‫مستول على الشهوات حت إذا هاج أذهل عن الشهوات وأغفل عن اللذات الشتهاة‪ .‬وأما الشهوة فل تقاوم الغضب‬ ‫الائج أصل‪.‬‬ ‫وأما السحاب فهو العتقادات البيثة‪ ،‬والظنون الكاذبة‪ ،‬واليالت الفاسدة الت صارت حجبا بي الكافرين وبي‬ ‫اليان ومعرفة الق والستضاءة بنور شس القرآن والعقل‪ :‬فإن خاصية السحاب أن يجب إشراق نور الشمس‪.‬‬ ‫وإذا كانت هذه كلها مظلمة فبالري أن تكون ظلمات بعضها فوق بعض‪ .‬وإذا كانت هذه الظلمات تجب عن‬ ‫معرفة الشياء القريبة فضل عن البعيدة‪ ،‬ولذلك حجب الكفار عن معرفة عجائب أحوال النب عليه السلم مع قرب‬ ‫متناوله وظهوره بأدن تأمل‪ ،‬فبالرى أن يعب عنه بأنه لو أخرج يده ل يكد يراها‪ .‬وإذا كان منبع النوار كلها من‬ ‫النور الول ال ق ك ما سبق بيا نه فبالرى أن يعت قد كل مو حد أن (وَمَن لّم يَجعَلِ الُ لَ هُ نورا فَ ما لَ ُه مِن نّورٍ)‬ ‫فيكفيك هذا القدر من أسرار هذه الية فاقنع به‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الفصل الثالث‬ ‫ف معن قوله عليه السلم‬ ‫إن ل سبعي حجابا من نور وظلمة‬ ‫لو كشفها لحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره‬ ‫و ف بعض الروايات سبعمائة‪ ،‬وف بعضها سبعي أل فا‪ :‬فأقول‪ :‬إن ال تعال مت جل ف ذاته لذاته‪ ،‬ويكون الجاب‬ ‫بالضا فة إل مجوب ل مالة؛ وإن الحجوب ي من اللق ثل ثة أق سام‪ :‬من هم من ح جب بجرد الظل مة؛ ومن هم من‬ ‫حجييييب بالنور الحييييض؛ ومنهييييم ميييين حجييييب بنور مقرون بظلميييية‪.‬‬ ‫وأصناف هذه القسام كثية أتقق كثرتا‪ ،‬ويكنن أن أتكلف حصرها ف سبعي‪ ،‬لكن ل أثق با يلوح ل من تديد‬ ‫وح صر‪ ،‬إذ ل أدري أ نه الراد بالد يث أم ل‪ .‬أ ما ال صر إل سبعمائة و سبعي أل فا فذلك ل ي ستقل به إل القوة‬ ‫النبو ية‪ ،‬مع أن ظا هر ظ ن أن هذه العداد مذكورة للتكث ي ل للتحد يد؛ و قد تري العادة بذ كر عدد ول يراد به‬ ‫الصر بل التكثي‪ .‬وال أعلم بتحقيق ذلك‪ ،‬فذلك خارج عن الوسع‪ .‬وإنا الذي يكنن الن أن أعرفك هذه القسام‬ ‫وبعض أصناف كل قسم فأقول‪:‬‬

‫‪35‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫القسم الول‬ ‫وهم الحجوبون بحض الظلمة‪ ،‬وهم اللحدة الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر‪ .‬وهم الذين استحبوا الياة الدنيا‬ ‫على الخرة لنم ل يؤمنون بالخرة أصل وهؤلء صنفان‪ :‬صنف تشوف إل طلب سبب لذا العال فأحاله إل‬ ‫الطبع‪ :‬والطبع عبارة عن صفة مركوزة ف الجسام حالة فيها؛ وهي مظلمة إذ ليس لا معرفة وإدراك ول خب لا من‬ ‫نفسها ول ما يصدر منها؛ وليس لا نور يدرك بالبصر الظاهر أيضا‪.‬‬ ‫والصنف الثان‪ :‬هم الذين شغلوا بأنفسهم ول يفرغوا لطلب السبب أيضا‪ ،‬بل عاشوا عيش البهائم‪ ،‬فكان حجبهم‬ ‫خذَ إَِلهَهُ‬ ‫نفوسهم الكدرة‪ ،‬وشهواتم الظلمة‪ ،‬ول ظلمة أشد من الوى والنفس‪ :‬ولذلك قال ال تعال‪) :‬أَفَرأَيتَ مَن اِتَ َ‬ ‫هَواهُ( وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪( :‬الوى أبغض إله عبد ف الرض) وهؤلء انقسموا فرقا‪ :‬فرقة زعمت‬ ‫أن غاية الطلب ف الدنيا هي قضاء الوطار ونيل الشهوات وإدراك اللذات البهيمية من منكح ومطعم وملبس‪ .‬فهؤلء‬ ‫عبيد اللذة‪ ،‬يعبدونا ويطلبونا ويعتقدون أن نيلها غاية السعادات‪ :‬رضوا لنفسهم أن يكونوا بنلة البهائم بل أخس‬ ‫منها‪ .‬وأي ظلمة أشد من ذلك فقد حجب هؤلء بحض الظلمة‪.‬‬ ‫وفرقة رأت أن غاية السعادات هي الغلبة والستيلء والقتل والسب والسر‪ ،‬وهذا مذهب العراب والكراد وكثي‬ ‫من المقى‪ ،‬وهم مجوبون بظلمة الصفات السبعية لغلبتها عليهم وكون إدراكها مقصود أعظم اللذات‪ .‬وهؤلء‬ ‫قنعوا بأن يكونوا بنلة السباع بل أخس‪.‬‬ ‫وفرقة ثالثة رأت أن غاية السعادات كثرة الال واتساع اليسار لن الال هو آلة قضاء الشهوات كلها‪ ،‬وبه يصل‬ ‫للنسان القتدار على قضاء الوطار‪ .‬فهؤلء هتهم جع الال واستكثار الضياع والعقار واليل السومة والنعام‬ ‫والرث وكن الدناني تت الرض‪ .‬فترى الواحد يتهد طول عمره يركب الخطار ف البوادي والسفار والبحار‬ ‫ويمع الموال ويشح با على نفسه فضل عن غيه‪ :‬وهم الرادون بقوله عليه السلم‪( :‬تعس عبد الدراهم‪ ،‬تعس عبد‬ ‫الدناني)‪ .‬واي ظلمة أعظم ما يلبس على النسان? إن الذهب والفضة حجران ل يرادان لعيانما‪ .‬وهي إذا ل يقض‬ ‫با الوطار ول تنفق فهي والصباء بثابة‪ ،‬والصباء بثابتها‪.‬‬ ‫وفرقة رابعة ترقت عن جهالة هؤلء وتعاقلت‪ ،‬وزعمت أن أعظم السعادات ف اتساع الاه والصيت وانتشار الذكر‬ ‫وكثرة التباع ونفوذ ال مر الطاع‪ .‬فترا ها ل ه ّم ل ا إل الراءاة وعمارة مطارح أب صار الناظر ين ح ت إن الوا حد قد‬

‫‪36‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫يوع ف بيته ويتمل الضر ويصرف ماله إل ثياب يتجمل با عند خروجه كي ل ينظر إليه بعي القارة‪ .‬وأصناف‬ ‫هؤلء ل يصييون‪ ،‬وكلهييم مجوبون عيين ال تعال بحييض الظلميية‪ ،‬وهييي نفوسييهم الظلميية‪.‬‬ ‫ول معن لذكر آحاد الفرق بعد وقوع التنبيه على الجناس‪ .‬ويدخل ف جلة هؤلء جاعة يقولون بلسانم (ل إله إل‬ ‫ال)‪ ،‬لكن ربا حلهم على ذلك خوف أو استظهار بالسلمي وتمل بم أو استمداد من مالم؛ أو لجل التعصب‬ ‫لن صرة مذ هب الباء‪ .‬فهؤلء إذا ل تمل هم هذه الكل مة على الع مل ال صال فل ترج هم الكل مة من الظلمات إل‬ ‫النور‪ ،‬بل )أَولِياؤُهُ ُم الطاغو تُ يُخرِجُونَهُم مّ َن النورِ إِل الظّلُما تِ(‪ .‬أ ما من أثرت ف يه الكل مة ب يث ساءته سيئته‬ ‫وسرته حسنته فهو خارج عن مض الظلمة وإن كان كثيا العصية‪.‬‬ ‫القسم الثان‬ ‫طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة وهم ثلثة أصناف‪ :‬صنف منشأ ظلمتهم من الس‪ ،‬وصنف منشأ ظلمتهم من‬ ‫اليال‪ ،‬وصنف منشأ ظلمتهم من مقايسات عقلية فاسدة‪.‬‬ ‫الصنف الول الحجوبون بالظلمة السية وهم طوائف ل يلو واحد منهم عن ماوزة اللتفات إل نفسه وعن التأله‬ ‫والتشوف إل معرفة ربه‪ .‬وأول درجاتم عبدة الوثان وآخرهم الثنوية‪ ،‬وبينهما درجات‪ .‬فالطائفة الول عبدة‬ ‫الوثان‪ :‬علموا على الملة أن لم ربا يلزمهم إيثاره على نفوسهم الظلمة‪ ،‬واعتقدوا أن ربم أعز من كل شيء‬ ‫ولكن حجبتهم ظلمة الس عن أن ياوزوا العال الحسوس فاتذوا من أنفس الواهر كالذهب والفضة والياقوت‬ ‫أشخاصا مصورة بأحسن الصور واتذوها آلة‪ .‬فهؤلء مجوبون بنور العزة والمال‪ ،‬والعزة والمال من صفات ال‬ ‫وأنواره‪ ،‬ولكنهم ألصقوها بالجسام الحسوسة وصدهم عن ذلك ظلمة الس‪ ،‬فإن الس ظلمة بالضافة إل العال‬

‫‪37‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الروحان العقلي كما سبق‪.‬‬ ‫الطائفة الثانية جاعة من أقاصي الترك ليس لم ملة ول شريعة يعتقدون أن لم ربا وأنه أجل الشياء‪ ،‬فإذا رأوا إنسانا‬ ‫ف غاية المال أو شجرا أو فرسا أو غي ذلك سجدوا له وقالوا إنه ربنا‪ .‬فهؤلء مجوبون بنور المال مع ظلمة‬ ‫الس‪ ،‬وهم أدخل ف ملحظة النور من عبدة الوثان لنم يعبدون المال الطلق دون الشخص الاص فل‬ ‫يصصونه بشيء؛ ث يعبدون المال الطبوع ل الصنوع من جهتهم وبأيديهم‪.‬‬ ‫وطائفة ثالثة قالوا ينبغي أن يكون ربنا نورانيا ف ذاته بيا ف صورته‪ ،‬ذا سلطان ف نفسه‪ ،‬مهيبا ف حضرته‪ ،‬ل يطاق‬ ‫القرب منه‪ ،‬ولكن ينبغي أن يكون مسوسا؛ إذ ل معن لغي الحسوس عندهم‪ .‬ث وجدوا النار بذه الصفة فعبدوها‬ ‫واتذوها ربا‪ .‬فهؤلء مجوبون بنور السلطنة والبهاء‪ :‬وكل ذلك من أنوار ال تعال‪.‬‬ ‫وطائفة رابعة زعموا أن النار نستول عليها نن بالشعال والطفاء‪ ،‬فهي تت تصرفنا فل تصلح لللية‪ ،‬بل ما يكون‬ ‫بذه الصفات ول يكن تت تصرفنا ث نكون نن تت تصرفه ويكون مع ذلك موصوفا بالعلو والرتفاع‪ .‬ث كان‬ ‫الشهور فيما بينهم علم النجوم وإضافة التأثيات إليها‪ .‬فمنهم من عبد الشّعرى‪ ،‬ومنهم من عبد الشتري إل غي‬ ‫ذلك من الكواكب بسب ما اعتقدوه ف النجوم من كثرة التأثيات‪ .‬فهؤلء مجوبون بنور العلو والشراف‬ ‫والستيلء‪ ،‬وهي من أنوار ال تعال‪ .‬وطائفة خامسة ساعدت هؤلء ف الأخذ ولكن قالت ل ينبغي أن يكون ربنا‬ ‫موسوما بالصغر والكب بالضافة إل الواهر النورانية‪ ،‬بل ينبغي أن يكون أكبها‪ ،‬فعبدوا الشمس وقالوا هي أكب‪.‬‬ ‫فهؤلء مجوبون بنور الكبياء مع بقية النوار مقرونا بظلمة الس‪.‬‬ ‫وطائفة سادسة ترقوا عن هؤلء فقالوا‪ :‬النور كله ل ينفرد به الشمس بل لغيها أنوار‪ ،‬ول ينبغي للرب شريك ف‬ ‫نورانيته فعبدوا النور الطلق الامع لميع أنوار العال وزعموا أنه رب العال واليات كلها منسوبة إليه‪ .‬ث رأوا ف‬ ‫العال شرورا فلم يستحسنوا إضافتها إل ربم تنيها له عن الشر‪ ،‬فجعلوا بينه وبي الظلمة منازعة‪ ،‬وأحالوا العال إل‬ ‫النور والظلمة‪ ،‬وربا سوها (يزدان) و (أهرمن)‪ ،‬وهم الثنوية‪ .‬فيكفيك هذا القدر تنبيها على هذا الصنف‪ ،‬فهم أكثر‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫الصنف الثان الحجوبون ببعض النوار مقرونا بظلمة اليال‪ ،‬وهم الذين جاوزوا الس‪ ،‬وأثبتوا وراء الحسوسات‬ ‫أمرا‪ ،‬ل كن ل يكنهم ماوزة اليال‪ ،‬فعبدوا موجودا قاعدا على العرش‪ .‬وأخ سهم رتبة الج سمة ث أ صناف الكرامية‬ ‫بأجع هم‪ .‬ول يكن ن شرح مقالت م ومذاهب هم فل فائدة ف التكث ي‪ .‬ل كن أرفع هم در جة من ن فى ال سمية وج يع‬

‫‪38‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫عوارضها ال الهة الخصوصة بهة فوق‪ :‬لن الذي ل ينسب إل الهات ول يوصف بأنه خارج العال ول داخله ل‬ ‫يبة إل الهات‪.‬‬ ‫ين متخيل‪ .‬ول يدركوا أن أول درجات العقولت تاوز النسي‬ ‫يم موجودا إذ ل يكي‬ ‫ين عندهي‬ ‫يكي‬ ‫الصنف الثالث الحجوبون بالنوار اللية مقرونة بقايسات عقلية فاسدة مظلمة فعبدوا إلا سيعا بصيا متكلما عالا‬ ‫قادرا مريدا حيييا‪ ،‬منهييا عيين الهات‪ ،‬لكيين فهموا هذه الصييفات على حسييب مناسييبة صييفاتم‪.‬‬ ‫وربا صرّح بعضهم فقال‪( :‬كلمه صوت وحرف ككلمنا) وربا ترقي بعضهم فقال‪( :‬ل بل هو كحديث نفسنا‬ ‫ول هو صوت ول حرف) وكذلك إذا طولبوا بقيقة السمع والبصر والياة رجعوا إل التشبيه من حيث العن وإن‬ ‫أنكروها باللفظ إذ ل يدركوا أصل معان هذه الطلقات ف حق ال تعال‪ .‬ولذلك قالوا ف إرادته إنا حادثة مثل‬ ‫إرادتنا‪ .‬وإنا طلب وقصد مثل قصدنا‪ .‬وهذه مذاهب مشهورة فل حاجة إل تفصيلها‪ .‬فهؤلء مجوبون بملة من‬ ‫النوار مع ظلمة القايسات العقلية‪ .‬فهؤلء أصناف القسم الثان الذين حجبوا بنور مقرون بظلمة‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬ ‫القسم الثالث‬ ‫ث الحجوبون بحض النوار وهم أصناف ول يكن إحصاؤهم‪ :‬فأشي إل ثلثة أصناف منهم‪.‬‬ ‫الول‪ -‬طائفة عرفوا معان الصفات تقيقا وأدركوا أن إطلق اسم الكلم والرادة والقدرة والعلم وغيها على‬ ‫صفاته ليس مثل إطلقه على البشر؛ فتحاشوا عن تعريفه بذه الصفات وعرفوه بالضافة إل الخلوقات كما عرّف‬ ‫ب العالَميَ) فقالوا إن الرب القدس النه عن معان هذه الصفات‬ ‫موسى عليه السلم ف جواب قول فرعون‪( :‬وَما رّ ّ‬

‫‪39‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫هو مرك السموات ومدبرها)‪.‬‬ ‫والصنف الثان ترقوا عن هؤلء من حيث ظهر لم أن ف السموات كثرة‪ ،‬وأن مرك كل ساء خاصة موجود آخر‬ ‫يسمى ملكا‪ ،‬وفيهم كثرة‪ ،‬وإنا نسبتهم إل النوار اللية نسبة الكواكب‪ .‬ث لح لم أن هذه السموات ف ضمن‬ ‫فلك آخر يتحرك الميع بركته ف اليوم والليلة مرة فالرب هو الحرك للجرم القصى النطوي على الفلك كلها إذ‬ ‫الكثرة منفية عنه‪.‬‬ ‫والصنف الثالث ترقوا عن هؤلء وقالوا‪ :‬إن تريك الجسام بطريق الباشرة ينبغي أن يكون خدمة لرب العالي‬ ‫وعبادة له وطاعة من عبد من عباده يسمى ملكا‪ :‬نسبته إل النوار اللية الحضة نسبة القمر ف النوار الحسوسة‪.‬‬ ‫فزعموا أن الرب هو الطاع من جهة هذا الحرك؛ ويكون الرب تعال مركا للكل بطريق المر ل بطريق الباشرة‪ .‬ث‬ ‫ف تقسيم ذلك المر وماهيته غموض يقصر عنه أكثر الفهام ول يتمله هذا الكتاب‪.‬‬ ‫فهؤلء الصناف كلهم مجوبون بالنوار الحضة‪ .‬وإنا الواصلون صنف رابع تلى لم أيضا أن هذا (الطاع)‬ ‫موصوف بصفة تناف الوحدانية الحضة والكمال البالغ لسر ل يتمل هذا الكتاب كشفه‪ :‬وأن نسبة هذا (الطاع)‬ ‫نسبة الشمس ف النوار‪ .‬فتوجهوا من الذي يرك السموات ومن الذي يرك الرم القصى‪ ،‬ومن الذي أمر‬ ‫بتحريكها إل الذي فطر السموات وفطر الرم القصى وفطر المر بتحريكها‪ ،‬فوصلوا إل موجود منه عن كل ما‬ ‫أدركه بصر من قبلهم فأحرقت سبحات وجهه الول العلى جيع ما أدركه بصر الناظرين وبصيتم فإذا وجدوه‬ ‫مقدسا منها عن جيع ما وصفناه من قبل‪.‬‬ ‫ث هؤلء انقسموا‪ :‬فمنهم من احترق منه جيع ما أدركه بصره وانحق وتلشى‪ ،‬لكن بقي هو ملحظا للجمال‬ ‫والقدس وملحظا ذاته ف جاله الذي ناله بالوصول إل الضرة اللية‪ .‬فانحقت فيه البصرات دون البصر‪ .‬وجاوز‬ ‫هؤلء طائفة هم خواص الواص فأحرقتهم سبحات وجهه وغشيهم سلطان اللل فانحقوا وتلشوا ف ذاتم ول‬ ‫يبق لم لظ إل أنفسهم لفنائهم عن أنفسهم‪ .‬ول يبق إل الواحد الق‪ .‬وصار معن قوله‪) :‬كل شىء هالك ال‬ ‫وجهه) لم ذوقا وحال‪.‬‬ ‫وقد أشرنا إل ذلك ف الفصل الول‪ ،‬وذكرنا أنم كيف أطلقوا التاد وكيف ظنوه‪ .‬فهذه ناية الواصلي‪.‬‬ ‫ومنهم من ل يتدرج ف الترقي والعروج على التفصيل الذي ذكرناه ول يطل عليهم الطريق فسبقوا ف أول وهلة إل‬ ‫معرفة القدس وتنيه الربوبية عن كل ما يب تنيهه عنه‪ ،‬فغلب عليهم أول ما غلب على الخرين آخرا‪ ،‬وهجم‬ ‫عليهم التجلي دفعة فأحرقت سبحات وجهه جيع ما يكن أن يدركه بصر حسي وبصية عقلية‪ .‬ويشبه أن يكون‬

‫‪40‬‬

‫مشكاة النوار‬

‫أبو حامد الغزال‬

‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫الول طريق (الليل) والثان طريق البيب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وال أعلم بأسرار أقدامهما وأنوار مقامهما‪.‬‬ ‫فهذه إشارة إل أصناف الحجوبي‪ ،‬ول يبعد أن يبلغ عدههم إذا فصلت القالت وتتبع حجب السالكي سبعي ألفا‪.‬‬ ‫ولكن إذا فتشت ل تد واحدا منها خارجا عن القسام الت حصرناها‪ :‬فإنم إنا يجبون بصفاتم البشرية‪ ،‬أو بالس‬ ‫أو باليال أو بقايسة العقل‪ ،‬أو بالنور الحض كما سبق‪ .‬فهذا ما حضرن ف جواب هذه السئلة‪ ،‬مع أن السؤال‬ ‫صادفن والفكر متقسم‪ ،‬والاطر متشعب‪ ،‬والم إل غيها هذا الفن منصرف‪ ،‬ومقترحي عليه أن يسأل ال تعال‬ ‫العفو عما طغى به القلم‪ ،‬أو زلّت به القدم؛ فإن خوض غمرة السرار اللية خطي‪ ،‬واستشفاف النوار اللية من‬ ‫وراء الجب البشرية عسي غي يسي‪.‬‬ ‫مكتبة مشكاة السلمية‬ ‫ت نسخه من موقع الوراق ‪...‬‬

‫‪41‬‬

Related Documents

Mishkat Al Anwar
November 2019 34
082 Anwar Al Bisharah
July 2020 10
047 Azhar Al Anwar
July 2020 13
Muhammed Anwar Al Sadat
December 2019 38
192 Anwar Al Intibah
June 2020 5

More Documents from "ISLAMIC LIBRARY"

Slides Child Labour
June 2020 23
Interesting Facts
April 2020 28
Management
April 2020 26
Text A I B.pdf
April 2020 15
Arab Aluminum 2
November 2019 25
Falaccies
June 2020 18