3 Principles Sharh Ibn Baaz

  • November 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View 3 Principles Sharh Ibn Baaz as PDF for free.

More details

  • Words: 13,071
  • Pages: 31
‫شرح ثلثة الصول لسماحة الشيخ‬ ‫العلَّمة‬ ‫عبد العزيز بن عبدالله بن باز‬ ‫رحمه الله‪-‬‬‫إعداد وترتيب بعض طلبة العلم ‪-‬جزاهم ال خيراً‪-‬‬ ‫نقله في شبكة سحاب السلفية‪:‬‬ ‫الشيخ‪ :‬عبد ال بن حميد الغامدي –حفظه ال‪-‬‬

‫وُضع على صيغة الوورد بواسطة موقع أبي عبدال الجري لطلب العلم‬ ‫‪www.ajurry.2ya.com‬‬

‫‪1‬‬

‫ثلث ُ ُ‬ ‫صول(‪.)1‬‬ ‫ة ال ُ‬

‫جبْ عَلَينَا تعلّمَ أربعِ مسائلَ(‪:)2‬‬ ‫ل أنّه َي ِ‬ ‫اعَْلمْ رَ ِحمَكَ ا ُ‬ ‫(الول ) ‪ :‬العِلمُ (‪ ، )3‬وهو معرفةُ الِ ‪...،‬‬ ‫‪ )(1‬هذه رسالة مهمة ف العقيدة ألفها الشيخ أبو عبد ال المام ممد بن عبد الوهاب بن سليمان بن‬ ‫علي التميمي النبلي المام الشهور الجدد لِما اندرس من معال السلم ف النصف الثان من القرن‬ ‫الثان عشر ـ رحه ال وأكرم مثواه ـ ‪.‬‬ ‫وقد كان ـ رحه ال ـ يلقن الطلبة والعامة هذه الصول ليدرسوها ويفظوها ‪ ،‬ولتستقر ف قلوبم‬ ‫لكونا قاعدة ف العقيدة ‪.‬‬ ‫وكانت وفاته سنة ست ومائتي وألف من الجرة ‪ .‬وكان مولده سنة خس عشرة ومائة وألف من‬ ‫الجرة ‪ ،‬فقد عمّر إحدى وتسعي سنة ‪ .‬وقد كان عمرا مليئا بالي والدعوة إل ال والتعليم‬ ‫والرشاد والصب على ذلك ‪ .‬وقد أنقذ ال به العباد والبلد ف زمانه ف هذه الزيرة ‪ ،‬وانتشرت‬ ‫دعوتُه ف غي الزيرة من الشام ومصر والعراق والند وغيها ‪ ،‬بسبب الدعاة الذين حلوا عنه العلم‬ ‫وانتقلوا إل تلك البلدان والدول ‪ ،‬وبسبب الكاتيب والكتب الت انتشرت منه ـ رحه ال ـ ومن‬ ‫أتباعه وأنصاره والدعاة التابعي له ف الدعوة إل ال ‪.‬‬ ‫() هذه السائل يب أن يتعلمها الؤمن والؤمنة صغارا وكبارا‪.‬‬ ‫() فعلى النسان أن يتعلم ويتبصر حت يكون على بينة ‪ ،‬ويعرف دين ال الذي خلق من أجله ‪.‬‬ ‫وهذا العلم هو معرفة ال ‪ ،‬ومعرفة نبيه ‪ ،‬ومعرفة دين السلم بالدلة ؛ فهذا أول شيء ‪ :‬أن يتبصر‬ ‫العبد ؛ من هو ربه ؟ فيعرف أن ربه الالق الذي خلقه ‪ ،‬ورزقه ‪ ،‬وأسدى إليه النعم ‪ ،‬وخلق من قبله‬ ‫‪ ،‬ويلق من بعده ‪ ،‬هو رب العالي ‪ ،‬وأنه الله الق العبود الذي ل يستحق العبادة سواه أبدا ‪ .‬ل‬ ‫ملك مقرب ‪ ،‬ول نب مرسل ‪ ،‬ول جن ‪ ،‬ول إنس ‪ ،‬ول صنم ‪ ،‬ول غي ذلك‪.‬‬ ‫بل العبادة حق ل وحده ‪ ،‬فهو العبود بق ‪ ،‬وهو الستحق بأن يعبد ‪ ،‬وهو رب العالي ‪ ،‬وهو ربك‬ ‫وخالقك وإلك الق سبحانه وتعال ‪.‬‬ ‫فتعرف هذه السألة الول ‪ :‬وهي أن تعرف ربّك ونبيّك ودينَك بالدلة ـ قال ال وقال الرسول ـ‬ ‫ل بالرأي ول بقول فلن ‪ ،‬بل بالدلة من اليات والحاديث ‪ ،‬وذلك هو دين السلم الذي أنت =‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫ومعرفة نبيه(‪ ،)1‬ومعرفة دين السلم بالدلة‪.‬‬ ‫(الثانية)‪ :‬العمل به(‪.)2‬‬ ‫(الثالثة) ‪ :‬الدعوة إليه(‪.)3‬‬ ‫مأمور بالدخول فيه ‪ ،‬واللتزام به ‪ .‬وهو عبادة ال الذي قال فيها سبحانه وتعال ‪َ { :‬ومَا خََل ْق ُ‬ ‫ت‬ ‫الِ ّن وَالِْإْنسَ إلّا لَِيعْبُدُو ِن } ‪ .‬هذه العبادة هي السلم ‪ ،‬وهي طاعة ال ورسوله ‪ ،‬والقيام بأمر ال‬ ‫وترك مارمه ‪ .‬هذه هي العبادة الت خلق الناس لجلها وأمر ال با الناس ف قوله ‪ { :‬يَا أيّها النّاسُ‬ ‫ا ْعبُدُوْا رَبّكُ ُم } يعن اعبدوه بطاعة أوامره واجتناب نواهيه ‪ ،‬وإسلم الوجه له وتصيصه بالعبادة‬ ‫سبحانه وتعال ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬ومن ذلك أن تعرف نبيك وهو ممد بن عبد ال بن عبدالطلب الاشي القرشي الكي ث الدن ـ‬ ‫عليه الصلة والسلم ـ فتعرف أنه نبيك وأن ال أرسله إليك بدين الق يعلمك ويرشدك فتؤمن بأنه‬ ‫رسول ال حقا وأن ال أرسله للعالي جيعا من الن والنس ‪ ،‬وأن الواجب اتباعه ‪ ،‬والسي على‬ ‫منهاجه ‪ .‬وسيأت تفصيل هذا ف الصل الثالث من الصول الثلثة ‪.‬‬ ‫() أي أن تعمل بذا الدين من صلة وصوم وجهاد وحج وإيان وتقوى فتعمل بالسلم ؛ لنك‬ ‫ملوق له ‪ ،‬وملوق لعبادة ال ؛ فعليك أ ن تعلم وتعمل به فتعبد ال وحده ‪ ،‬وتقيم الصلة ‪ ،‬وتؤدي‬ ‫الزكاة ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وتج البيت ‪ ،‬وتؤمن بال وملئكته ورسله وكتبه وباليوم الخر ‪ ،‬وبالقدر‬ ‫خيه وشره ‪ ،‬وتأمر بالعروف ‪ ،‬وتنهى عن النكر ‪ ،‬وتب والديك ‪ ،‬وتصل الرحام ‪ ،‬إل غي ذلك‬ ‫فتعمل با أمرك ال به ‪ ،‬وتنتهي عما ناك ال عنه ‪ ،‬وتترك العاصي الت أنت منهي عنها ‪ ،‬وتفعل‬ ‫الواجبات الت أنت مأمور با ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬أي أن تدعو إل هذا الدين فتنصح الناس بأن يستقيموا عليه ‪ ،‬وترشدهم وتأمرهم بالعروف‬ ‫وتنهاهم عن النكر ‪ .‬هذه هي الدعوة إل دين السلم ‪ .‬فعلى كل مسلم أن يدعو إل ال حسب‬ ‫طاقته وعلمه ‪ .‬فكل واحد ـ رجل أو امرأة ـ عليه قسط من هذا الواجب من التبليغ والدعوة‬ ‫والرشاد والنصيحة ‪ .‬وأن يدعو إل توحيد ال ‪ ،‬وإل الصلة والحافظة عليها ‪ ،‬وإل الزكاة‬ ‫وأدائها ‪ ،‬وإل صوم رمضان ‪ ،‬وحج البيت مع الستطاعة ‪ ،‬وإل بر الوالدين ‪ ،‬وصلة الرحام ‪ ،‬وترك‬ ‫العاصي كلها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫(الرابعة)‪ :‬الصب على الذى فيه(‪.)1‬‬ ‫والدليل(‪ )2‬قوله تعال‪ :‬بسم ال الرحن الرحيم‪ { :‬وَاْل َعصْرِ ـ ِإنّ الِْإنْسَانَ َل ِفيْ خُسْرٍ ـ إِلّا‬ ‫صبْرِ } ‪.‬‬ ‫صوْا بِال ّ‬ ‫صوْا بِاْلحَ ّق َوَتوَا َ‬ ‫ت َوَتوَا َ‬ ‫الّذِينَ َآمَنُواْ َوعَ ِملُوْا الصّالِحَا ِ‬

‫‪ )(1‬أي يصب على الذى ف هذه الشياء ‪ ،‬فقد يصل للنسان أذى ‪ ،‬قد يتعب من الدعو أو غيه ‪،‬‬ ‫من أهله أو غيهم ‪ ،‬فالواجب الصب واحتساب الجر عند ال ‪ .‬فالؤمن يصب على إيانه بال ‪،‬‬ ‫ويصب على العمل با أوجب ال عليه ‪ ،‬وترك ما حرم ال عليه ‪ ،‬ويصب ف الدعوة إل ال ‪،‬‬ ‫والتعليم ‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر ‪ .‬فل بد من الصب ف هذه المور كلها ‪ .‬فالدين كله‬ ‫يتاج إل صب ‪ .‬صب على دعوة ال وحده ‪ ،‬وصب على أن تصلي ‪ ،‬وتزكي ‪ ،‬وتصوم ‪ ،‬وتد ‪،‬‬ ‫وتأمر بالعروف وتنهى عن النكر ‪ ،‬وصب عن الحارم والسيئات‪ ،‬فتحذر من قربا ‪ .‬فالنسان إذا ل‬ ‫يصب ؛ وقع فيما حرم ال عليه ‪ ،‬أو ترك ما أوجب ال عليه ‪ .‬ولذا قال تعال لرسوله ‪ { :‬فَاصِْبرْ‬ ‫صِبرْ ِلحُكْ ِم رَّبكَ فَِإّنكَ بَِأعْيُِننَا } ‪ ،‬وقال‬ ‫كَمَا صََبرَ أولُو اْل َع ْزمِ مِ َن الرّسُلِ } ‪ .‬وقال سبحانه ‪ { :‬وَا ْ‬ ‫ل } ‪ .‬وقال تعال ‪ِ { :‬إنّمَا ُيوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْج َرهُمْ ِب َغْيرِ حِسَابٍ }‬ ‫تعال‪ { :‬وَاصِْب ْر َومَا صَْبرُكَ إِلّا بِا ِ‬ ‫ل مَعَ الصّاِبرِينَ } ‪ .‬يعن اصبوا على طاعة ال ‪ ،‬وترك معصيته ‪.‬‬ ‫‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وَاصِْبرْ إنّ ا َ‬ ‫واحذروا مالفة أمره وارتكاب نيه ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬وهذا هو الدليل على هذه السائل الربع ‪ :‬ففي هذه السورة العظيمة الجة لذه المور ‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الدين كله ‪ .‬فالدين كله إيان وعمل ودعوة وصب ‪ .‬إيان بالق وعمل به ودعوة إليه وصب على‬ ‫الذى فيه ‪ ،‬والناس كلهم ف خسارة { ِإلّا الّذِي َن آمَنُوْا َوعَمِلُواْ الصّاِلحَاتِ } الية ‪ :‬أي الذين آمنوا‬ ‫وعملوا الصالات ‪ ،‬وتواصوا بالق ‪ ،‬وتواصوا بالصب ‪ ،‬فهؤلء هم الرابون ‪ ،‬وهم السعداء ‪ .‬وقد‬ ‫صرِ } وهو الصادق سبحانه وتعال وإن ل يقسم ‪ ،‬ولكن أقسم‬ ‫أقسم ال على هذا بقوله ‪ { :‬وَاْل َع ْ‬ ‫لتأكيد القام ‪ .‬وال سبحانه وتعال يقسم با شاء من خلقه ‪ ،‬فل أحد يتحجر عليه ‪ ،‬فأقسم بالسماء‬ ‫ذات البوج ‪ ،‬وأقسم بالسماء والطارق ‪ ،‬وبالضحى وبالشمس وضحاها ‪ ،‬وبالليل إذا يغشى ‪،‬‬ ‫وبالنازعات ‪ ،‬وغي ذلك ؛ لن الخلوقات تدل على عظمته ‪ ،‬وعلى أنه سبحانه هو الستحق للعبادة‬ ‫ولبيان عظم شأن هذه الخلوقات الت تدل على وحدانيته وأنه الستحق للعبادة وحده ‪ .‬وأما الخلوق‬ ‫فليس له أن يقسم إل بربه ‪ ،‬فل يقسم ول يلق إل بال ‪ ،‬ول يوز له أن يلف بالنبياء ‪ ،‬ول‬ ‫بالصنام ‪ ،‬ول بالصالي ‪ ،‬ول بالمانة ‪ ،‬ول بالكعبة ‪ ،‬ول بغيها ‪ .‬هذا هو الواجب على السلم ؛‬ ‫‪4‬‬

‫قال الشافعي(‪ )1‬ـ‪-‬رحه ال تعال‪ :-‬لو ما أنزل ال حجة على خلقه إل هذه السورة‬ ‫لكفتهم(‪. )2‬‬ ‫وقال البخاري(‪- )3‬رحه ال تعال‪( :-‬باب) العلم قبل القول والعمل ‪ ،‬والدليل ‪ :‬قوله‬ ‫تعال ‪ { :‬فَاعْلَمْ َأنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا الُ وَا ْسَتغْفِرْ ِل َذْنبِكَ } ؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ‪.‬‬ ‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫لقول النب ـ صلى ال عليه وسلم ـ ‪ " :‬من حلف بشيء دون ال فقد أشرك " أخرجه المام أحد‬ ‫بإسناد صحيح ‪ .‬وقال ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪ " :‬من كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت " ‪=.‬‬ ‫=فالواجب على كل مسلم ومسلمة الذر من اللف بغي ال وأن تكون أيانم كلها بال وحده‬ ‫سبحانه وتعال ‪.‬‬ ‫() الشافعي ‪ :‬هو المام الشهور ‪ ،‬أحد العلماء الكبار ‪ ،‬وأحد الئمة الربعة ‪ ،‬وهو ممد بن إدريس‬ ‫الشافعي الطلب ‪ ،‬الولود سنة خسي ومائة ‪ ،‬وتوف سنة أربع ومائتي ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬يقول‪ -‬رحه ال‪ : -‬لو ما أنزل ال حجة على خلقه إل هذه السورة لكفتهم ‪ ،‬وف رواية ‪:‬‬ ‫" لو فكر الناس ف هذه السورة لكفتهم " ؛ أي لو نظروا فيها وتأملوا فيها لكانت كافية ف إلزامهم‬ ‫بالق ‪ ،‬وقيامهم با أوجب ال عليهم ‪ ،‬وترك ما حرمه عليهم ؛ لن ال بي أن الذين آمنوا وعملوا‬ ‫الصالات وتواصوا بالق وتواصوا بالصب هم الرابون ‪ ،‬ومن سواهم خاسر ‪ ،‬وهذه حجة قائمة‬ ‫على وجوب التواصي ‪ ،‬والتناصح ‪ ،‬واليان والصب ‪ ،‬والصدق ‪ ،‬وأنه ل طريق للسعادة والربح إل‬ ‫بذه الصفات الربع ‪ :‬إيان صادق بال ورسوله ‪ ،‬وعمل صال ‪ ،‬وتواص بالق ‪ ،‬وتواص بالصب ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬البخاري ‪ :‬هو أبو عبد ال ممد بن إساعيل بن إبراهيم البخاري ‪ ،‬من بارى ف الشرق الوسط‬ ‫‪ .‬ولد سنة أربع وتسعي ومائة ‪ ،‬ف آخر القرن الثان ‪ ،‬ومات سنة ست وخسي ومائتي ف وسط‬ ‫القرن الثالث ‪ .‬كان عمره اثنتي وستي سنة ‪ .‬وهو صاحب الصحيح ‪ ،‬وله مؤلفات أخرى عظيمة‬ ‫نافعة ـ رحه ال ـ ‪ .‬يقول ‪ :‬باب ‪ :‬العلم قبل القول والعمل ؛ لقول ال سبحانه ‪ { :‬فَا ْعلَمْ أّنهُ لَا‬ ‫إَِلهَ إِلّا الُ } ؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ‪ .‬فالنسان عليه أن يتعلم أول ‪ ،‬ث يعمل ؛ فيتعلم دينه ‪،‬‬ ‫ويعمل على بصية ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬

‫اعلمـ ‪-‬رحك ال‪ -‬أنه يب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه السائل(‪ )1‬الثلث‬ ‫والعمل بن ‪:‬‬ ‫(الول) ‪ :‬أن ال خلقنا ورزقنا ول يتركنا هلً (‪.. )2‬‬

‫() هذه السائل الثلث من أهم السائل الت تتعلق بالتوحيد وحقوقه ‪.‬‬ ‫ل ‪ ،‬ول سدا ‪ ،‬ول عبثا ‪ ،‬لكنه خلقهم لمر عظيم ‪،‬‬ ‫‪ )(2‬ال خلق اللق ليعبدوه فلم يلقهم ه ً‬ ‫ولكمة عظيمة فيها سعادتم ‪ ،‬وفيها ناتم ‪ ،‬وهي أن يعبدوا ال وحده ل شريك له كما قال تعال‬ ‫‪َ { :‬ومَا َخَل ْقتُ الْجِ ّن وَالْإِْنسَ إِلّا ِلَيعْبُدُو َن } ‪ .‬وهذه العبادة أمرهم ال با ف قوله سبحانه ‪ { :‬يَا‬ ‫شرِكُواْ ِبهِ َشيْئًا } ‪ ،‬وف قوله ‪َ { :‬ومَا‬ ‫ل وَلَا تُ ْ‬ ‫س اعْبُدُوْا َربّكُمُ } ‪ ،‬وف قوله ‪ { :‬وَاعْبُدُوْا ا َ‬ ‫أَّيهَا النّا ُ‬ ‫صيَ َلهُ الدّي َن } ‪ ،‬ف آيات كثية أمرهم فيها بالعبادة ‪ ،‬وهي توحيده جل‬ ‫ل مُخِْل ِ‬ ‫ُأ ِمرُواْ إِلّا ِلَيعْبُدُواْ ا َ‬ ‫وعل ‪ ،‬وتصيصه بالعبادة من دعاء وخوف ورجاء وتوكل ورغبة ورهبة وصلة وصوم وغي ذلك ‪.‬‬ ‫فهو الستحق للعبادة ـ جل وعل ـ دون كل ما سواه ‪ .‬ويدخل ف ذلك فعل الوامر ‪ ،‬وترك‬ ‫النواهي ؛ فأداء الوامر الت أمرك ال با ورسوله ‪ ،‬وترك النواهي الت ناك ال عنها ورسوله ؛ كل‬ ‫هذا داخل ف العبادة ‪ ،‬وهذا هو السلم ‪ ،‬وهو الدين ‪ ،‬وهو اليان ‪ ،‬وهو الدى ‪ .‬فل تصل إل‬ ‫ل ‪ ،‬ول تركع إل له ‪ ،‬ول تذبح إل له ‪ ،‬ول تدع إل إياه ‪ ،‬ول تتوكل إل عليه إل غي ذلك من‬ ‫العبادات ‪ .‬أما الستعانة باضر قادر فيما يقدر عليه ؛ فهذا ليس بعبادة ‪ ،‬كما قال سبحانه ف قصة‬ ‫موسى ‪ { :‬فَا ْسَتغَاَثهُ الّذِي مِنْ شِيعَِت ِه عَلَى الّذِي مِنْ عَ ُد ّوهِ } ؛ فإن موسى قادر على أن يغيثه ‪ .‬أما‬ ‫دعاء اليت ‪ ،‬ودعاء الغائب الذي ل يسمع كلمك ‪ ،‬أو دعاء الصنم أو الن أو الشجار ‪ ،‬ونوها ؛‬ ‫شرْكَ لَ ُظلْ ٌم عَظِيمٌ } ‪ ،‬وقال‬ ‫فهذا شرك الشركي ‪ ،‬وهو الشرك الكب الذي قال ال فيه ‪ { :‬إِنّ ال ّ‬ ‫شرَكَ‬ ‫ط عَْنهُ ْم مَا كَانُوْا َيعْمَلُونَ } ‪ ،‬وقال سبحانه ‪ { :‬إِنّ الَ لَا َي ْغ ِفرُ أَ ْن يُ ْ‬ ‫تعال ‪ { :‬وََلوْ أَ ْشرَكُواْ َلحَِب َ‬ ‫ك وَإِلَى الّذِي َن مِنْ قَْبِلكَ لَئِنْ‬ ‫ِب ِه وََي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَِلكَ لِمَ ْن يَشَاءُ } ‪ ،‬وقال سبحانه ‪ { :‬وََلقَدْ أُوحِيَ إِلَْي َ‬ ‫حبَطَ ّن عَ َمُلكَ } ‪ ،‬فال خلقنا ورزقنا ول يتركنا هل بل أمرنا بتوحيده وطاعته وترك‬ ‫أَ ْشرَ ْكتَ لَيَ ْ‬ ‫معصيته ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪6‬‬

‫بل أرسل إلينا رسولً (‪ ، )1‬فمن أطاعه دخل النة ‪ ،‬ومن عصاه دخل النار(‪ ، )2‬والدليل‬ ‫قوله تعال ‪ { :‬إِنّا أَ ْرسَ ْلنَا إَِلْيكُمْ َرسُولًا شَاهِدًا عََلْيكُمْ َكمَا أَ ْرسَ ْلنَا إِلَى ِف ْر َعوْنَ َرسُولًا ـ‬ ‫َف َعصَى فِ ْر َع ْونُ ال ّرسُولَ َفأَخَ ْذنَاهُ أَخْذًا َوبِيلًا }‪.‬‬ ‫(الثانية)‪ :‬أن ال ل يرضى أن يشرك معه ف عبادته أحد ‪ ،‬ل ملك مقرب ‪ ،‬ول نب‬ ‫مرسل(‪ . )3‬والدليل قوله تعال ‪َ { :‬وَأنّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَ ْدعُواْ مَعَ الِ أَحَدًا} ‪.‬‬

‫‪ )(1‬وأرسل إلينا رسول ‪ :‬هو ممد ـ عليه الصلة والسلم ـ بكل ما تقدم ‪ ،‬وأنزل عليه القرآن‬ ‫بذلك ‪ ،‬لنستقيم على ما فيه من الدى ‪ ،‬ونعمل با فيه من الوامر ‪ ،‬وننتهي عما فيه من النواهي ‪،‬‬ ‫وعلى يد ممد رسول ال ـ صلى ال عليه وسلم ـ خات النبيي والرسلي ‪ .‬جاء ليعلم الناس دينهم‬ ‫؛ فهو خات النبياء وإمامهم وأفضلهم ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬فمن أطاع هذا الرسول واستقام على دينه ؛ فله النة ‪ ،‬ومن عصى هذا الرسول وحاد عن دينه‬ ‫فله النار‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬إِنّا َأرْسَ ْلنَا إِلَْيكُ ْم رَسُولًا شَاهِدًا عََليْكُمْ } ‪ :‬يعن ‪ :‬بأعمالكم ‪=..‬‬ ‫={ كَمَا َأ ْرسَلْنَا إِلَى ِف ْر َعوْ َن رَسُولًا } ‪ ،‬فهو مرسل ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪َ { .‬ف َعصَى ِف ْر َعوْنُ‬ ‫الرّسُولَ فَأَخَ ْذنَاهُ أَخْذًا َوبِيلًا } ؛ أي أخذنا فرعون أخذا وبيل ف الدنيا بالغرق ‪ ،‬وف الخرة بالنار ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬هذه السألة الثانية إنا هي تقيق للمسألة الول ‪ :‬أن تعلم أن ال ل يرضى أن يشرك معه أحد ف‬ ‫عبادته ‪ ،‬كما أنه الالق الرازق الحيي الميت ‪ ،‬الذي خلقك وأعطاك النعم ‪ ،‬فهو سبحانه ل يرضى‬ ‫أن يشرك معه أح من اللق ‪ ،‬ل نب مرسل ‪ ،‬ول ملك مقرب ‪ ،‬ول غيها ؛ لن العبادة حق ال‬ ‫وحده ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬وََقضَى رَّبكَ أَلّا َتعْبُدُواْ ِإلّا إِيّاهُ } ‪ ،‬وكما قال تعال ‪ { :‬إِيّا َك َنعْبُ ُد وَإِيّاكَ‬ ‫سَت ِعيُ } ؛ لن الشرك به هو أعظم الذنوب ‪ ،‬وقد جاء ف اليات الكثية المر بإخلص العبادة ل‬ ‫نَ ْ‬ ‫وحده ‪ ،‬والنهي عن عبادة ما سواه ن فتجمع بي أمرين ‪ :‬فتؤمن بأن ال هو الالق الرازق الحيي‬ ‫الميت‪ ،‬وتؤمن بأنه سبحانه هو الستحق للعبادة من ذبح وصلة وصوم وغي ذلك من العبادات ‪،‬‬ ‫كما قال سبحانه ‪ { :‬وَِإَلهُكُمْ إَِلهٌ وّاحِدٌ }‪ ،‬وقال سبحانه‪ { :‬فَلَا تَ ْدعُوا مَعَ الِ َأحَدًا } ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(الثالثة) (‪ : )1‬أن من أطاع الرسول ووحد ال ل يوز له موالة من حاد ال ورسوله ولو‬ ‫ل وَالَْي ْو ِم الْآَخِ ِر ُيوَادّونَ‬ ‫كان أقرب قريب ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬لَا تَجِدُ َق ْومًا ّي ْؤ ِمنُو َن بِا ِ‬ ‫ل وَ َرسُولَ ُه وََلوْ كَانُواْ َآبَا َءهُمْ َأوْ َأبْنَا َءهُمْ َأوْ إِ ْخوَاَنهُمْ َأ ْو عَشِيََتهُمْ ُأوَْلئِكَ َكَتبَ‬ ‫مَنْ حَادّ ا َ‬ ‫حِتهَا الَْأْنهَارُ خَالِدِينَ‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫ح ّمنْ ُه َويُدْ ِخُلهُمْ َجنّا ٍ‬ ‫فِي ُقلُوِبهِمُ الْإِيَانَ َوَأيّ َدهُ ْم بِرُو ٍ‬ ‫ل هُ ُم الْ ُمفْلِحُونَ }(‪. )2‬‬ ‫ضيَ الُ عَْنهُ ْم وَرَضُوْا عَنْهُ ُأوَْلئِكَ حِزْبُ الِ أَلَا ِإنّ حِزْبَ ا ِ‬ ‫فِيهَا رَ ِ‬ ‫() وهذه هي السألة الثالثة وهي من أهم الواجبات أن يعلم كل مسلم ومسلمة أنه ل يو له أن يوال‬ ‫الشركي أو يبهم ‪ .‬فكل من أطاع ال ورسوله ووحد ال جل وعل يلزمه أن يعادي الكفار‬ ‫ويبغضهم ف ال ‪ ،‬ول يوز له موالتم ومبتهم لقوله تعال ‪ { :‬لَا تَجِ ُد َق ْومًا } ‪ :‬أي ل تد يا ممد‬ ‫خذُواْ‬ ‫قوما أهل إيان صادق يوادون من حاد ال ورسوله ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِي َن َآمَنُواْ لَا تَتّ ِ‬ ‫ل لَا َيهْدِي‬ ‫ض َومَن يَّتوَّلهُم مّنـكـمْ فَِإنّـ ُه مِْنهُمْ إِنّ ا َ‬ ‫اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى َأوِْليَاءَ َب ْعضُهُمْ َأوِْليَاءُ َبعْ ٍ‬ ‫اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ } ‪ .‬وقال عز وجل ‪ { :‬قَدْ كَاَنتْ لَكُمْ ُأ ْس َوةٌ حَسََنةٌ فِي ِإْبرَاهِي َم وَالّذِي َن مَ َعهُ ِإ ْذ قَالُواْ‬ ‫ِل َق ْومِهِمْ إِنّا ُبرَآ ُء مِنْكُ ْم َومِمّا َتعْبُدُو َن مِ ْن دُونِ الِ َك َفرْنَا ِبكُ ْم وَبَدَا بَْينَنَا وََبيْنَكُ ُم اْلعَدَا َو ُة وَاْلَب ْغضَاءُ أَبَدًا‬ ‫ل وَحْ َدهُ } ‪ .‬فل بد من البغضاء والعداوة لعداء ال ‪ ،‬ومودة الؤمني ومبتهم ‪.‬‬ ‫حَتَى ُت ْؤمِنُوْا بِا ِ‬ ‫‪ )(2‬هكذا الؤمن يب أولياء ال ‪ ،‬ويتعاون معهم على الي ‪ ،‬ويكره أعداء ال ويبغضهم ويعاديهم ف‬ ‫ال ـ وإن دعاهم إل ال ‪ ،‬وإن أقرهم ف بلده وأخذ منهم الزية كولّ المر ؛ لن الرسول ـ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ـ أخذ الزية من اليهود والنصارى والجوس ـ ‪ .‬وأخذ الزية منهم فيه عون‬ ‫للمسلمي ‪ ،‬ل مبة لم ‪ .‬فإن أبوا السلم والزية قوتلوا مع القدرة ‪ .‬وهذا خاص بأهل الكتاب‬ ‫والجوس ‪ .‬أما بقية الكفار فل تقبل منهم الزية ‪ ،‬بل يقاتلون حت يدخلوا ف السلم كالوثنيي‬ ‫والشيوعيي وغيهم من أصناف الكفرة مع القدرة على ذلك ؛ لقول ال سبحانه ‪ { :‬وقاتلوهم حت‬ ‫ل تكون فتنة ويكون الدين ل } ‪ ،‬وقوله سبحانه ‪ { :‬اْن ِفرُوْا ِخفَافًا وَِثقَالًا َوجَاهِدُواْ بَِأ ْموَالِكُمْ‬ ‫سلَ َخ الْأَ ْش ُهرُ‬ ‫ل ذَلِكُمْ َخْيرٌ لّكُمْ إِنّ كُْنتُمْ َتعْلَمُونَ } ‪ ،‬وقوله سبحانه ‪ { :‬فَِإذَا انْ َ‬ ‫وَأَْنفُسِكُ ْم فِي سَبِيلِ ا ِ‬ ‫صرُوهُمْ وَا ْقعُدُواْ َلهُمْ كُ ّل َم ْرصَدٍ فَإِنْ تَابُواْ‬ ‫ث وَجَدتّمُوهُ ْم وَخُذُوهُ ْم وَا ْح ُ‬ ‫شرِ ِكيَ حَْي ُ‬ ‫ح ُرمُ فَاقُْتلُوْا الْمُ ْ‬ ‫اْل ُ‬ ‫ل َغفُورٌ رّحِيمٌ } ‪ .‬واليات ف هذا العن كثية ‪.‬‬ ‫وَأَقَامُوْا الصّلَا َة وَآَتوُا الزّكَاةَ فَخَلّواْ سَبِيَلهُمْ إِ ّن ا َ‬ ‫ل َنفْسًا إِلّا وُ ْس َعهَا } ‪ ،‬وقوله‬ ‫ومراده سبحانه مع القدرة على ذلك ؛ لقوله عز وجل ‪ { :‬لَا يُ َكلّفُ ا ُ‬ ‫ل مَا ا ْستَ َطعْتُمْ } الية ‪ .‬ولنه ـ صلى ال عليه وسلم ـ ل يقاتل الشركي‬ ‫سبحانه ‪ { :‬فَاتّـقُوْا ا َ‬ ‫حت قوي على ذلك ‪ .‬ث قال تعال ف آخر الية ‪ { :‬أُولَِئكَ كََتبَ فِي قُلُوِبهِ ُم الِْإيَا َن وَأَيّ َدهُ ْم ِبرُوحٍ‬ ‫مّْنهُ } ؛ أي قواهم بقوة منه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬

‫اعلم أرشدك (‪ )1‬ال لطاعته أن النيفية (‪ )2‬ملة إبراهيم أن تعبد ال وحده ملصا له الدين‪.‬‬ ‫ت الْجِنّ‬ ‫وبذلك أمر ال (‪ )3‬جيع الناس ‪ ،‬وخلقهم لا ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ { :‬ومَا َخَلقْ ُ‬ ‫وَالْإِْنسَ إِلّا ِليَ ْعبُدُونِ }‬

‫‪ )(1‬قال ـ رحه ال ـ ‪ :‬اعلم أرشدك ال لطاعته ‪ ،‬جع ـ رحه ال ـ بي التعليم والدعاء ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬النيفية ملة إبراهيم ‪ ،‬وهي أن تعبد ال ملصا له الدين ‪ ،‬وهي الت قال ال فيها لنبيه ‪ { :‬ثُ ّم‬ ‫َأوْحَْينَا إَِلْيكَ أَ ِن اتّبِ ْع مِلّةَ ِإْبرَاهِي َم حَنِيفًا } ‪ .‬فالنيفية هي اللة الت فيها الخلص ل وموالته ‪ ،‬وترك‬ ‫الشراك به سبحانه ‪ .‬والنيف هو الذي أقبل على ال ‪ ،‬وأعرض عما سواه ‪ ،‬وأخلص له العبادة ؛‬ ‫كإبراهيم وأتباعه‪ ،‬وهكذا النبياء وأتباعهم ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬قال ‪ :‬وبذلك أمر ال جيع الناس وخلقهم لا ؛ فأمرهم بالتوحيد والخلص ‪ ،‬وخلقهم ليعبدوه ‪،‬‬ ‫وأمرهم بأن يعبدوه وحده ف صلتم ‪ ،‬وصومهم ‪ ،‬ودعائهم ‪ ،‬وخوفهم ‪ ،‬ورجائهم ‪ ،‬وذبهم ‪،‬‬ ‫ونذرهم ‪ ،‬وغي ذلك من أنواع العبادة ‪ ،‬كله ل ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬وََقضَى رَّبكَ أَلّا َتعْبُدُواْ إِلّا‬ ‫إِيّاهُ } ‪ ،‬وقال ‪ِ { :‬إيّاكَ َنعْبُ ُد وَِإيّاكَ َنسَْت ِعيُ } ‪ ،‬وقال سبحانه ‪ { :‬يَا أَّيهَا النّاسُ اعْبُدُواْ َربّكُ ُم } ‪.‬‬ ‫هذه العبادة هي الت خلق لا الناس ‪ ،‬خلق لا الثقلن وهي توحيد ال ‪ ،‬وطاعة أوامره ‪ ،‬واجتناب‬ ‫نواهيه ‪ ،‬قال تعال ‪َ { :‬ومَا خََل ْقتُ الْجِ ّن وَالِْإْنسَ إِلّا لَِيعْبُدُونَ } ‪ :‬يعن يوحدون ف العبادة ‪،‬‬ ‫ويصون با ‪ ،‬بفعل الوامر ‪ ،‬وترك النواهي إل غي ذلك من اليات ‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ومعن يعبدون ‪ :‬يوحدون ‪ ،‬وأعظم ما أمر ال به ‪ :‬التوحيد (‪ ، )1‬وهو إفراد ال بالعبادة ‪،‬‬ ‫وأعظم ما نى عنه الشرك‪ ،‬وهو دعوة غيه معه (‪ ، )2‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬وَا ْعبُدُواْ الَ‬ ‫وَلَا تُشْرِكُواْ بِ ِه َشيْئًا } ‪.‬‬ ‫فإذا قيل لك ‪ :‬ما الصول الثلثة (‪ )3‬الت يب على النسان معرفتها ؟ فقل ‪ :‬معرفة العبد‬ ‫ربه ودينه ونبيه ممدا ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪.-‬‬

‫‪ )(1‬وأعظم ما أمر ال به التوحيد ‪ .‬وهو إفراد ال بالعبادة فتقصده بالعبادة دون كل من سواه ‪ ،‬فل‬ ‫تعبد معه صنما ول نبيا ول ملكا ول حجرا ول جنيا ول غي ذلك ‪.‬‬ ‫ط عَْنهُ ْم مَا كَانُواْ َيعْمَلُو َن } ‪،‬‬ ‫‪ )(2‬الشرك دعوة غيه معه ‪ ،‬وقد قال سبحانه ‪ { :‬وََلوْ أَ ْشرَكُوْا لَحَِب َ‬ ‫ك وَلََتكُونَ ّن مِنَ‬ ‫حبَطَ ّن عَمَُل َ‬ ‫وقال سبحانه ‪ { :‬وََلقَدْ أُوحِيَ إَِلْيكَ وَِإلَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلكَ لَِئنْ أَ ْشرَ ْكتَ لَيَ ْ‬ ‫اْلخَا ِسرِينَ } ‪ ،‬وف (الصحيحي) ‪ :‬أن النب ـ صلى ال عليه وسلم ـ سئل ‪ :‬أيّ الذّْنبِ أعظم ؟‬ ‫ي ؟ قال ‪ :‬أن تقتلَ ولدَك خشيةَ أن يطع َم معك ‪ .‬قيل‬ ‫قال ‪ :‬أنْ تعلَ ل نِدّا وهو خلقك ‪ .‬قيل ‪ :‬ث أ ّ‬ ‫‪ :‬ث أي ؟ قال ‪ :‬أن تزن بليلة جارك " ‪ .‬فبي ـ صلى ال عليه وسلم ـ أن الشرك أعظم الذنوب‬ ‫وأشدها وأخطرها ‪ .‬وف الديث الخر يقول ـ صلى ال عليه وسلم ـ ‪ " :‬أل أنبئكم بأكب الكبائر‬ ‫‪ .‬قلنا ‪ :‬بلى يا رسول ال ! قال ‪ :‬الشراك بال" ‪ .‬الديث متفق عليه ‪ .‬فالتوحيد هو إفراد ال‬ ‫بالعبادة ‪ .‬والشرك ‪ :‬هو دعوة غي ال مع ال ‪ .‬تدعوه أو تافه أو ترجوه أو تذبح له أو تنذر أو غي‬ ‫ذلك من أنواع العبادة ‪ .‬هذا الشرك الكب سواء كان الدعو نبيا أو جنيا ‪ ،‬أو شجرا أو حجرا أو غي‬ ‫شرِكُواْ ِبهِ شَْيئًا } ‪ ،‬فــ {شَْيئًا } ‪ :‬نكره ف سياق‬ ‫ذلك ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ { :‬وَاعُْبدُواْ الَ َولَا تُ ْ‬ ‫خِلصِيَ َلهُ الدّينَ } ‪ ،‬فأعظم‬ ‫ل مُ ْ‬ ‫النهي ‪ ،‬فتعم كل شيء ‪ ،‬وقال سبحانه ‪َ { :‬ومَا ُأ ِمرُواْ إِلّا لَِيعْبُدُواْ ا َ‬ ‫ما أمر ال به التوحيد ‪ ،‬وهو إفراد ال بالعبادة ‪ .‬وأعظم ما نى ال عنه هو الشرك بال عز وجل ‪،‬‬ ‫كما تقدم ‪ .‬ولذا أكثر سبحانه وتعال ف القرآن من المر بالتوحيد والنهي عن الشرك ‪.‬‬ ‫() هذه الصول الثلثة تمع الدين كله من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ وهي الت يسأل عنها‬ ‫العبد ف قبه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪10‬‬

‫فإذا قيل لك (‪ :)1‬من ربك؟ فقل (‪ : )2‬رب ال الذي ربان ورب جيع العالي بنعمته ‪،‬‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ‬ ‫وهو معبودي ‪ ،‬ليس ل معبود سواه ‪ .‬والدليل (‪ )3‬قوله تعال ‪ { :‬الْحَ ْمدُ لِلّهِ رَ ّ‬ ‫}‪.‬‬ ‫وكل من سوى ال (‪ )4‬عال ‪ ،‬وأنا واحد (‪ )5‬من ذلك العال ‪.‬‬

‫() فإذا سأل سائل فقال ‪ :‬من ربك ؟‬ ‫() فقل ‪ :‬رب ال الذي ربان ورب جيع العالي بنعمته ‪ .‬وهو معبودي ‪ ،‬ليس ل معبود سواه ‪ .‬هذا‬ ‫رب الميع ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬الْحَ ْمدُ لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِميَ } ‪ .‬والعالون ‪ :‬جيع الخلوقات كلهم عالون‬ ‫ل الّذِي خََلقَ‬ ‫ـ الن والنس والبهائم والبال والشجار ـ كلها عال ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬إِ ّن رَبّكُمُ ا ُ‬ ‫ت وَالَْأ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُ ّم ا ْسَتوَى عَلَى اْل َع ْرشِ ُيغْشِي اللّيْ َل الّنهَا َر يَطُْلُبهُ َحثِيثًا وَالشّ ْمسَ‬ ‫السّ َموَا ِ‬ ‫ل َربّ اْلعَالَ ِميَ } ‪ ،‬فهو رب الميع له‬ ‫خرَاتٍ بَِأ ْم ِرهِ ‪ ،‬أَلَا َلهُ اْلخَلْ ُق وَالَْأ ْمرُ تَبَارَ َك ا ُ‬ ‫سّ‬ ‫وَاْلقَ َم َر وَالنّجُومَ مُ َ‬ ‫س اعْبُدُوْا َربّكُمُ } الية‬ ‫اللق وله المر وهو الستحق بأن يعبد ؛ ولذا قال سبحانه ‪ { :‬يَا أَّيهَا النّا ُ‬ ‫‪ ..‬وهو معبودي ليس ل معبود سواه ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬الْحَمْدُِلّلهِ َربّ اْلعَاَل ِميَ } ‪ :‬يعن الثناء كله ل ‪ ،‬والعبادة من الثناء ومن‬ ‫المد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫() وكل ما سوى ال عال ‪ ،‬من الن والنس واليوانات والبال كلها عوال ‪.‬‬ ‫‪ )(5‬وأنا واحد من ذلك العال الذي خلقه ال وأوجده وأجب عليه طاعته ‪ .‬فعلى جيع العالي من‬ ‫الكلفي من الن والنس أن يطيعوا ال ورسوله ويوحدوه جل وعل ‪ .‬وهكذا اللئكة عليهم أن‬ ‫يعبدوا ال وحده‪ ،‬ولذا قال تعال عن اللئكة ‪ { :‬لَا َي ْعصُونَ الَ مَا َأ َم َرهُ ْم وََي ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ } ‪،‬‬ ‫ش َفعُونَ‬ ‫سِبقُوَنهُ بِاْل َقوْ ِل َوهُمْ بَِأ ْم ِرهِ َيعْ َملُونَ ـ َي ْعلَ ُم مَا بَيْنَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَلَا يَ ْ‬ ‫وقال تعال ‪ { :‬لَا يَ ْ‬ ‫ش ِففُونَ } ‪..‬‬ ‫شيَِتهِ مُ ْ‬ ‫إِلّا لِ َمنِ ارَْتضَى َوهُم مّنْ خَ ْ‬ ‫‪4‬‬

‫‪11‬‬

‫فإذا قيل لك (‪ : )1‬ب عرفت ربك ؟ فقل(‪ : )2‬بآياته وملوقاته ‪ ،‬ومن آياته الليل والنهار‬ ‫والشمس والقمر ‪ ،‬ومن ملوقاته السموات السبع والرضون السبع ومن فيهن وما بينهما‪.‬‬ ‫س وَلَا‬ ‫سجُدُواْ لِلشّ ْم ِ‬ ‫س وَاْلقَمَرُ لَا تَ ْ‬ ‫والدليل قوله تعال ‪َ { :‬ومِنْ َآيَاتِهِ الّليْ ُل وَالّنهَا ُر وَالشّ ْم ُ‬ ‫جدُواْ ِللّ ِه الّذِي خََل َقهُنّ ِإنْ ُكنْتُمْ ِإيّاهُ َت ْعبُدُونَ }(‪.)3‬‬ ‫لِ ْلقَ َم ِر وَاسْ ُ‬

‫() إذا قيل لك أيها السلم ب عرفت ربك الذي أنت تعبده ؟‬ ‫‪ )(2‬فقل ‪ :‬عرفته بآياته وملوقاته ؛ أي بآياته الكثية ‪ ،‬وبخلوقاته العظيمة ‪ ،‬الت تدل على أنه الرب‬ ‫العظيم‪ ،‬وأنه اللق العليم ‪ ،‬وأنه الستحق لن يعبد ‪ ،‬وأنه الذي يلق ما يشاء ‪ ،‬ويعطي وينع ‪،‬‬ ‫وينفع ويضر‪ ،‬بيده كل شيء سبحانه وتعال ‪ ،‬فهو الستحق بأن نعبده بطاعته ودعائه واستغاثته‬ ‫وسائر أعمالنا وعباداتنا ؛ لن ال خلقنا لذا ‪ .‬قال تعال ‪َ { :‬ومَا َخَل ْقتُ الْجِ ّن وَالْإِْنسَ إِلّا ِلَيعْبُدُونَ }‬ ‫‪ ،‬وهذه العبادة هي توحيده ‪ ،‬وطاعته ‪ ،‬واتباع شريعته ‪ ،‬وتعظيم أمره ونيه قول وعمل ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪َ { )(3‬ومِنْ آيَاِتهِ اللّيْ ُل وَالّنهَا ُر وَالشّ ْمسُ وَاْلقَ َمرُ } كل هذه تدل على أنه رب العالي وأنه اللق‬ ‫العليم ‪ ،‬يأت الليل بظلمه ‪ ،‬ويذهب النهار بضيائه ‪ ،‬ث ييء النهار ‪ ،‬ويذهب الليل ‪ ،‬وهذه الشمس‬ ‫تلع على الناس ف الدنيا كلها ‪ ،‬وينتفعون با ‪ ،‬وهذا القمر كذلك وغي هذه من اليات العظيمة ‪،‬‬ ‫كالرض وما فيها من جبال وأنار وبار وأشجار وحيوانات ‪ .‬وهذه السموات الت يراها الناس ‪،‬‬ ‫كلها من آياته الدالة على عظمته ‪ ,‬وأنه رب العالي وأنه اللق العليم وأنه الستحق للعبادة ولذا‬ ‫س وَاْلقَ َمرُ لَا َتسْجُدُوْا لِلشّ ْمسِ وَلَا ِل ْلقَ َمرِ وَاسْجُدُواْ لِّلهِ الّذِي‬ ‫قال ‪َ { :‬ومِنْ آيَاِتهِ اللّْي ُل وَالّنهَارُ وَالشّ ْم ُ‬ ‫َخَل َقهُنّ إِنْ ُكنْتُمْ ِإيّاهُ َتعْبُدُونَ } يعن ل تعبدوا هذه الخلوقات ‪ ،‬بل اعبدوا الذي خلقها وأوجدها‬ ‫سبحانه وتعال ‪ ،‬فهو الستحق بأن يذل له العبد ويضع له ‪ ،‬ويطيع أوامره وينتهي عن نواهيه سبحانه‬ ‫وتعال ‪ ،‬تعظيما وتقديسا له ؛ وخوفا منه ‪ ،‬ورغبة فيما عنده ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضَ فِي ِستّةِ َأيّامٍ ثُ ّم ا ْسَتوَى‬ ‫وقوله تعال (‪ِ { :)1‬إنّ َربّكُمُ الُ الّذِي خََلقَ السّمَوا ِ‬ ‫س وَاْلقَ َم َر وَالنّجُو َم مُسَخّرَاتٍ ِبَأمْ ِرهِ أَلَا‬ ‫ش ُيغْشِي الّليْ َل النّهَا َر يَ ْطُلبُهُ َحثِيثًا وَالشّ ْم َ‬ ‫عَلَى اْلعَ ْر ِ‬ ‫ي }‪.‬‬ ‫لَ ُه الْخَلْ ُق وَاْلَأمْ ُر َتبَارَكَ الُ رَبّ الْعَالَ ِم َ‬ ‫والرب ‪ :‬هو العبود(‪. . )2‬‬

‫‪ )(1‬وقال سبحانه ‪ { :‬إ ّن رَبّكُمُ الُ } ‪ ،‬يعن إن ربكم أيها العباد من الن والنس هو ال ‪ .‬وربكم‬ ‫يعن خالقكم ‪ ،‬وهو معبودكم الق وحده ل شريك له ‪ { :‬الّذِي خَلَ َق السّ َموَاتِ وَالَْأ ْرضَ فِي ِستّةِ‬ ‫أيّامٍ ثُ ّم ا ْسَتوَى عَلَى اْل َع ْرشِ } ؛ أي ث ارتفع على العرش ‪ ،‬وعل فوقه سبحانه وتعال ‪ ،‬فعلمه ف كل‬ ‫مكان وهو فوق العرش ‪ ،‬فوق جيع الخلوقات ‪ ،‬والعرش سقف الخلوقات وهو أعلى الخلوقات ‪،‬‬ ‫وال فوقه جل وعل ‪ ،‬استوى عليه استواء يليق بلله ل يشابه خلقه ف شيء من صفاته ‪ .‬قال تعال‬ ‫‪ { :‬لَْيسَ كَمِْثِلهِ َش ْيءٌ َو ُهوَ السّمِي ُع الَْبصِيُ } ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬وََلمْ يَكُنْ َلهُ ُك ُفوًا أَحَ ٌد } ‪ .‬وقوله ‪:‬‬ ‫ُيغْشِي اللّيْلَ الّنهَارَ يَ ْطلُُبهُ َحثِيثًا } ‪ ،‬أي يغطي هذا بذا وهذا بذا ‪ { ،‬يَطُْلُبهُ حَثِيثًا } ؛ أي سريعا ‪،‬‬ ‫وكل واحد يطلب الخر ‪ ،‬إذا انتهى هذا ؛ دخل هذا ‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬حت تقوم الساعة ‪ { .‬وَالشّ ْمسُ‬ ‫وَاْلقَ َم ُر } ‪ :‬أي وخلق الشمس والقمر والنجوم خلقها مسخرات بأمره ‪ ،‬مطيعات مذللت لمره‬ ‫سبحانه ‪ .‬ث قال سبحانه ‪ { :‬أَلَا َلهُ الْخَ ْلقُ وَالَْأ ْمرُ } ‪ ،‬فاللق له والمر له هو اللق الذي ل يالف‬ ‫أمره الكون الذي هو نافذ ف الناس كما قال تعال ‪ِ { :‬إنّمَا َأ ْمرُهُ ِإذَا َأرَادَ شَيْئًا أَن ّيقُولَ َلهُ كُنْ‬ ‫صرِ } ‪ ،‬فأمر ال الكون القدري ل راد له ‪،‬‬ ‫َفيَكُونُ } ‪ .‬وقوله ‪َ { :‬ومَا َأ ْمرُنَا ِإلّا وَا ِح َدةٌ َكلَمْ ٍح بِالَْب َ‬ ‫ل َربّ اْلعَالَ ِميَ } ‪ .‬فــ { َتبَارَكَ } ‪ :‬يعن بلغ ف‬ ‫خلْ ُق وَالَْأ ْمرُ َتبَارَكَ ا ُ‬ ‫ولذا قال ‪َ { :‬ألَا َلهُ الْ َ‬ ‫البكة النهاية ‪ ،‬وهي صيغة ل تصلح إل ل ‪ ،‬فل يقال للعبد تباركت يا فلن ‪ ،‬هذا ل يصلح ‪ ،‬وإنا‬ ‫ك } ‪ ،‬وإنا يقال للمخلوق بارك ال ف‬ ‫هو خاص بال كما قال تعال ‪ { :‬تَبَارَ َك الّذِي بِيَ ِدهِ الْمُ ْل ُ‬ ‫فلن ‪ ،‬أو فلن مبارك ‪ ،‬أما تباركت ؛ فإنا ل بصلح إل ل وحده ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬والرب هو العبود ‪ ،‬و { اْلعَالَ ِميَ } ‪ :‬الخلوقات كلها من الن والنس والسماء والرض ‪،‬‬ ‫وهو ربا سبحانه وتعال ‪ ،‬وهو رب الميع ‪ ،‬وخالق الميع جل وعل ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫والدليل قوله تعال (‪ { : )1‬يَا َأّيهَا النّاسُ ا ْعبُدُواْ َربّكُ ُم الّذِي خََل َقكُ ْم وَالّذِينَ مِنْ َقبِْلكُ ْم‬ ‫َلعَّلكُ ْم َتتّقُونَ ـ الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الْأَ ْرضَ ِفرَاشًا وَالسّمَا َء ِبنَاءْ َوَأنْزَ َل مِنَ السّمَاءِ مَاءً َفأَ ْخرَ َ‬ ‫ج‬ ‫جعَلُواْ ِللّهِ َأنْدَادًا َوَأْنتُمْ َتعَْلمُونَ }‪.‬‬ ‫بِهِ مِنَ الثّ َمرَاتِ ِرزْقًا ّلكُمْ فَلَا َت ْ‬ ‫قال ابن كثي (‪- )2‬رحه ال تعال ‪ : -‬الالق لذه الشياء هو الستحق للعبادة ‪.‬‬

‫() قال تعال ‪ { :‬يَا أَّيهَا النّاسُ ا ْعبُدُوْا رَبّكُمُ الّذِي َخَلقَكُ ْم وَالّذِي َن مِنْ قَْبلِكُمْ َلعَلّكُمْ تَّتقُونَ } ‪ :‬خلق‬ ‫الميع ـ الذين قبلنا ‪ ،‬والذين بعدنا من آدم وما قبله وما بعده ـ ‪ ،‬ث قال سبحانه ‪ { :‬الّذِي َجعَلَ‬ ‫لَكُ ُم الَْأ ْرضَ ِفرَاشًا } الية ؛ فهو خلق الميع ليتقوه ويعبدوه كما قال تعال ‪َ { :‬لعَلّكُمْ تَّتقُو َن } ‪.‬‬ ‫ث بي سبحانه بعض أفعاله فقال ‪ { :‬الّذِي َجعَلَ لَكُمُ الَْأ ْرضَ ِفرَاشًا وَالسّمَاءَ ِبنَاءً } ‪ ،‬فجعل الرض‬ ‫فراشا للناس ‪ ،‬ومهادا لم‪ ،‬عليها يسكنون ‪ ،‬وعليها يبنون ‪ ،‬وعليها ينامون ‪ ،‬وعليها يشون ‪،‬‬ ‫وأرساها بالبال ‪ ،‬ث قال ‪ { :‬وّالسّمَاءَ ِبنَاءً } فجعلها بناء وسقفا مفوظا وهم عن آياتا معرضون ‪،‬‬ ‫وزينها بالنجوم والشمس والقمر { وَأَْنزَ َل مِنَ السّمَاءِ مَاءً } ؛ أي من السحاب { فَأَ ْخرَجَ ِب ِه مِنَ‬ ‫ت ِرزْقًا لّكُ ْم } أنواع الرزاق ف كل مكان وييي ال به الرض بعد موتا ث قال تعال ‪:‬‬ ‫الثّ َمرَا ِ‬ ‫جعَلُوا ِلّلهِ َأنْدَادًا وَأَنْتُ ْم َتعْلَمُو َن } ‪ :‬أي أشباها ونظراء تعبدونا معه ‪ ،‬ل صنما ول جنا ول‬ ‫{ َفلَا َت ْ‬ ‫ملكا ول غي ذلك ‪ .‬فالعبادة حق ال وحده ‪ ،‬ليس له نديد ول نظي ول مثيل ‪ ،‬بل هو الله الق ‪.‬‬ ‫وكان الشركون يتخذون له النداد والنظائر والمثال من الصنام والن واللئكة ويعبدونم من‬ ‫دون ال ‪ ،‬ويستغيثون بم فأنكر ال عليهم ذلك ‪ ،‬وبي أن هذه الخلوقات ليس لا حق ف العبادة ‪،‬‬ ‫ول قدرة لا على شيء إل بإذنه سبحانه وتقديره ‪.‬‬ ‫() قال الافظ ابن كثي ـ رحه ال ـ ف تفسيه ‪ :‬الالق لذه الشياء من ساء وأرض وثار‬ ‫وأشجار ومطر وغي ذلك ‪ :‬هو الستحق للعبادة سبحانه وتعال ‪ ،‬وأن يطاع ؛ لنه رب الميع ‪،‬‬ ‫وخالق الميع ‪ ،‬كما قال تعال ‪{ :‬وَإَِلهُكُمْ ِإَلهٌ وّاحِدٌ لَا إَِلهَ إِلّا ُه َو الرّحْمَ ُن الرّحِي ُم } ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪14‬‬

‫وأنواع العبادة (‪ )3‬الت أمر ال با ‪ ،‬مثل السلم واليان والحسان ومنه الدعاء ‪ ،‬و‬ ‫الوف (‪ ،)4‬والرجاء والتوكل ‪ ،‬والرغبة والرهبة والشوع والشية والنابة والستعانة‬ ‫والستغاثة والستعاذة والذبح والنذر وغي ذلك من العبادة الت أمر ال با ‪ ،‬كلها ل ‪.‬‬ ‫والدليل قوله تعال ‪َ { :‬وَأنّ الْمَسَاجِدَ لِلّهِ َفلَا تَ ْدعُوْا مَعَ الِ أَ َحدًا } ‪.‬‬

‫‪ )(3‬العبادة أنواع ‪ :‬فمنها السلم بأركانه ‪ ،‬فلك ما أمر ال به من أعمال السلم عبادة ‪ :‬من صلة‬ ‫وصوم وغي ذلك ‪ ،‬وهكذا اليان بأعماله الباطنة ‪ ،‬كاليان بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم‬ ‫الخر واليان بالقدر خيه وشره ‪ ،‬وكذلك الوف والحبة والرجاء إل غي ذلك ‪ .‬فكل ما يتعلق‬ ‫بالقلوب داخل ف العبادة بل هو أعلى أنواع العبادة وأعظمها ‪ .‬فالواجب على كل مكلف إخلص‬ ‫العبادة ل وحده ‪ ،‬فل يدعو مع ال النبياء ول الولياء ول الصنام ول الشجار ول الحجام ول‬ ‫النجوم ؛ لن العبادة حق ل وحده ‪ ،‬قال تعال ‪ { :‬وَأَ ّن الْمَسَاجِدَ ِلّلهِ َفلَا َت ْدعُو مَعَ الِ أَحَدًا } ‪.‬‬ ‫ل مَا لَا يَْن َف ُعكَ وَلَا‬ ‫ع مِنْ دُونِ ا ِ‬ ‫وقال تعال ‪ِ { :‬إيّا َك َنعْبُ ُد وَإِيّا َك نَسَْت ِعيُ } ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬وَلَا تَدْ ُ‬ ‫ع مَعَ الِ إَِلهًا آ َخرَ لَا‬ ‫ي } ‪ .‬وقال سبحانه وتعال ‪َ { :‬ومَنْ يّدْ ُ‬ ‫ضرّكَ فَإِنْ َف َع ْلتَ فَإِّنكَ ِإذًا مِنَ الظّالِ ِم َ‬ ‫َي ُ‬ ‫ل َربّكُمْ َلهُ‬ ‫ُب ْرهَانَ َلهُ ِبهِ فَِإنّمَا حِسَاُبهُ ِعنْ َد رَّبهِ إِّنهُ لَا ُيفِْلحُ اْلكَاِفرُو َن } ‪ ،‬وقال عز وجل ‪ { :‬ذَلِكُمُ ا ُ‬ ‫ك وَالّذِينَ تَ ْدعُو َن مِ ْن دُوِنهِ مَا يَ ْملِكُو َن مِنْ قِطْمِيٍ ـ إِنْ تَ ْدعُوهُمْ لَا يَسْ َمعُوْا ُدعَاءَكُ ْم وََلوْ سَ ِمعُواْ‬ ‫اْلمُ ْل ُ‬ ‫ك مِثْلُ َخبِي } ‪ ،‬فسمى سبحانه دعاءهم‬ ‫شرْكِ ُكمْ َولَا يَُنبُّئ َ‬ ‫مَا ا ْستَجَابُواْ لَكُ ْم وََي ْومَ اْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُونَ بِ ِ‬ ‫شركا ‪ ،‬فالواجب على جيع الكلفي إخلص العبادة ل وحده ‪ ،‬رجاء وخوفا واستعانة واستغاثة‬ ‫وذبا ونذرا وخشية ل وصلة وصوما إل غي ذلك ‪ ،‬كله ل وحده فمن تقرب لغي ال من ول أو‬ ‫نب أو صنم أو شجر أو حجر بالدعاء أو بالذبح أو بالنذر أو بالصلة أو بالصوم ونو ذلك ‪ ،‬فهو‬ ‫مشرك كافر أشرك بال وعبد معه سواه ‪ ،‬كفعل الشركي الولي من عباد القبو وعباد الشجار‬ ‫والحجار والصنام ‪ ،‬ولذا قال عز وجل ‪ { :‬وََلوْ أَ ْشرَكُواْ َلحَِبطَ َعْنهُم مّا كَانُوْا َيعْمَلُو َن } ‪ ،‬وقال‬ ‫ل َعلَْيهِ اْلجَنّ َة َومَأْوَا ُه النّارُ } ‪ .‬وقال سبحانه وتعال ‪:‬‬ ‫شرِ ْك بِالِ َفقَدْ َح ّرمَ ا ُ‬ ‫تعال ‪ { :‬إِّن ُه مَن يّ ْ‬ ‫ك وَلََتكُونَ ّن مِنَ اْلخَا ِسرِي َن ـ‬ ‫حبَطَ ّن عَمَُل َ‬ ‫{ وََلقَدْ أُوحِيَ إَِلْيكَ وَِإلَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلكَ لَئِنْ َأ ْشرَ ْكتَ َليَ ْ‬ ‫بَ ِل الَ فَا ْعبُ ْد وَكُن مّنَ الشّا ِكرِي َن } ‪.‬‬ ‫‪ )(4‬فكل هذه العبادات يب إخلصها ل ‪ ،‬ومن صرف منها شيئا لغي ال من صنم أو شجر أو حجر‬ ‫أو قب فهو مشرك بال ‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫فمن صرف منها شيئا لغي ال فهو مشرك كافر ‪ ،‬والدليل قوله تعال (‪َ { : )1‬ومَن يّ ْدعُ‬ ‫مَعَ الِ إَِلهًا آَخَرَ لَا بُ ْرهَانَ لَ ُه بِهِ فَِإنّمَا حِسَابُ ُه ِعنْدَ َربّهِ ِإنّهُ لَا ُيفِْلحُ الظّالِمُونَ } ‪.‬‬ ‫وف (‪ )2‬الديث ‪ " :‬الدعاء مخ العبادة " ‪ ،‬الدليل قوله تعال ‪ { :‬وَقَالَ َربّكُمُ ا ْدعُونِي‬ ‫سَتكْبِرُو َن عَنْ عِبَا َدتِي َسيَدْخُلُونَ َج َهنّمَ دَا ِخرِينَ } ‪.‬‬ ‫جبْ َلكُمْ ِإنّ الّذِي َن يَ ْ‬ ‫َأسْتَ ِ‬ ‫ودليل (‪ )3‬الوف قوله تعال ‪ { :‬فَلَا تَخَافُوهُ ْم وَخَافُونِ ِإنْ ُكنْتُم ّم ْؤ ِمنِيَ }‪.‬‬ ‫ع مَعَ الِ إَِلهًا آ َخرَ لَا ُب ْرهَانَ َلهُ ِبهِ فَإِنّمَا حِسَاُبهُ عِنْ َد َرّبهِ ِإّنهُ لَا ُيفْلِحُ‬ ‫‪ )(1‬لقوله تعال ‪َ { :‬ومَن يّدْ ُ‬ ‫اْلكَاِفرُو َن } ‪ ،‬ولغيها من اليات السابقات ‪ ،‬وهذا دليل على ما تقدم ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬وف الديث ‪ " :‬الدعاء مخ العبادة " ‪ ،‬وف لفظ آخر ‪ " :‬الدعاء هو العبادة " ‪ ،‬وقال سبحانه ‪{ :‬‬ ‫ستَكِْبرُو َن عَ ْن عِبَادَتِي سَيَ ْدخُلُونَ َج َهنّ َم دَا ِخرِي َن } ‪،‬‬ ‫جبْ لَكُمْ إِ ّن الّذِينَ يَ ْ‬ ‫وَقَا َل رَبّكُمُ ا ْدعُونِي َأسْتَ ِ‬ ‫جبْ لَكُمْ إِنّ الّذِي َن يَسَْتكِْبرُونَ } يعن عن دعائي ‪ .‬فالدعاء هو‬ ‫فسمى الدعاء عبادة ف قوله ‪ { :‬أَ ْستَ ِ‬ ‫أن يضرع إل ال يدعوه ‪ ،‬ويسأله النجاة ‪ ،‬ويسأله الرزق ‪ ،‬كل هذا عبادة ‪ .‬فإذا صرفها للصنم أو‬ ‫للشجر أو للحجر أو ليت ‪ ،‬صار مشركا بال عز وجل فيجب الذر من الشرك كله ‪ ،‬دقيقه وجليله‬ ‫‪ ،‬وأن تكون العبادة ل وحده ‪ .‬لكن دعاء الي الاضر القادر ‪ ،‬والستعانة به ف الشيء القدور عليه‬ ‫‪ ،‬ل بأس به ول يعتب داخل ف الشرك ؛ فلو قلت لخيك الاضر ‪ :‬يا عبد ال ! أعنّي على قطع هذه‬ ‫الشجرة أو على حفر هذه البئر ؛ فل بأس بذلك كما قال سبحانه ف قصة موسى ‪ { :‬فَاسَْتغَاَثهُ الّذِي‬ ‫مِنْ شِيعَِت ِه عَلَى الّذِي مِنْ عَ ُد ّوهِ } الية ‪ .‬استغاثة السرائيلي على القبطي ؛ لن موسى قادر على‬ ‫إغاثته ‪ ،‬يتكلم ويسمع ‪ .‬أما إذا اعتمد على الخلوق فيما ل يقدر عليه إل ال حاضرا أو غائبا أو ميتا‬ ‫‪ ،‬واعتقد أنه ينفع من دعاه أو يضر ل بالسباب السية من الشرك بال ‪ .‬كما قال تعال عنهم أنم‬ ‫قالوا ‪َ { :‬هؤُلَاءِ ُشفَعَاؤُنَا ِعنْدَ الِ } ‪ ،‬فيظنون أنم يستطيعون بعبادتم إياهم أن يشفعوا لم عند ال ف‬ ‫حصول مطالبهم أو أنم يقربونم إل ال زلفى ‪ .‬كما قال ال سبحانه عنهم ف الية الخرى ‪ { :‬مَا‬ ‫ل زُْلفَى } ‪ .‬وهذا من جهلهم وضللم بالشافع والشفوع إليه ‪ .‬وال‬ ‫َنعْبُ ُدهُمْ ِإلّا لُِي َقرّبُونَا إِلَى ا ِ‬ ‫سبحانه له الشفاعة جيعا ‪ ،‬وهو الذي يتصرف ف عباده كيف يشاء ‪ ،‬فل يأذن بالشفاعة إل فيمن‬ ‫شفَ ُع عِنْ َدهُ إِلّا‬ ‫يرضى ال عمله ‪ ،‬ول يشفع أحد عنده إل بعد إذنه ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬مَ ْن ذَا الّذِي يَ ْ‬ ‫ش َفعُونَ ِإلّا لِمَ ِن ارَْتضَى } ‪ ،‬فالشفاعة ل تكون إل بإذنه للشافع ‪،‬‬ ‫بِِإذِْنهِ } ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬وَلَا يَ ْ‬ ‫ورضاه عن الشفوع فيه ‪ .‬وهو سبحانه ل يرضى بالشفاعة إل لهل التوحيد ‪ ،‬كما ص ّح عنه ـ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ـ أنه قال ـ لا سأله أبو هريرة قائل ‪ :‬من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول ال‬ ‫؟ ـ قال ‪ " :‬من قال ‪ :‬ل إله إل ال خالصًا مِن قلبه " [ أخرجه البخاري ف صحيحه ] ‪ .‬ول تكون‬ ‫‪16‬‬

‫ودليل (‪ )1‬الرجاء قوله تعال ‪ { :‬فَ َمنْ كَانَ يَ ْر ُجوْ ِلقَاءَ َربّهِ فَ ْلَيعْمَ ْل عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْ ِركْ‬ ‫ِبعِبَا َدةِ َربّهِ أَحَدًا } ‪.‬‬ ‫ي } ‪َ { ،‬ومَن ّيَتوَكّلْ‬ ‫ودليل التوكل (‪ )2‬قوله تعال ‪َ { :‬وعَلَى الِ َفَتوَكّلُواْ ِإنْ ُكْنتُم ّم ْؤمِنِ َ‬ ‫سبُهُ } ‪.‬‬ ‫عَلَى الِ َف ُهوَ حَ ْ‬ ‫الشفاعة إل لن ارتضى قوله وعمله من أهل التوحيد واليان ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬ومن ذلك الوف وهو أقسام ثلثة ‪:‬‬ ‫الول ‪ :‬خوف السر وهذا خاص بال ؛ لنه القادر على كل شيء وهو الذي ياف ويشى ‪ .‬كما‬ ‫ل}‪.‬‬ ‫خشَ إِلّا ا َ‬ ‫قال تعال ‪ { :‬فَلَا تَخَافُوهُ ْم وَخَافُونِ إِنْ ُكنْتُم ّم ْؤمِِنيَ } ‪ ،‬وقال تعال ‪َ { :‬ولَمْ يَ ْ‬ ‫شوُا النّاسَ وَاخْشَونِ } ‪ .‬فالواجب خشية ال وخوفه ؛ لنه مصرف القلوب ومقلبها‬ ‫وقال ‪َ { :‬فلَا َتخْ َ‬ ‫والقادر على كل شيء ‪ ،‬وهو الذي ينفع ويضر ‪ ،‬ويعطي وينع ‪ ،‬فالواجب تصيصه بالوف وأل‬ ‫ياف إل ال ف كل المور ‪ .‬ولكن خوف السر يتص به سبحانه وهو كون النسان ياف من أجل‬ ‫قدرة خاصة سرية ليست حسب الس ‪ .‬ولذلك يعتقد عباد القبور أن بعض الناس له القدرة على‬ ‫التصرف ف الكون مع ال جل وعل ‪ ،‬ويعتقدون ذلك أيضا ف الصنام والن وغيها ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الشرك الكب ‪ ،‬ويعتقد فيهم أيضا أن لم القدرة على العطاء والنع ‪ ،‬وزيغ القلوب ‪ ،‬وموت النفوس‬ ‫دون أسباب حسية ‪.‬‬ ‫الثان ‪ :‬خوف السباب السية كما قال تعال ف قصة أُحُد لا قيل للنب ـ صلى ال عليه وسلم ـ‬ ‫خوّفُ‬ ‫إن الشركي قد جعوا لكم وسيجعون إليكم فأنزل ال ف ذلك ‪ { :‬إِنّمَا ذَِلكُمُ الشّيْطَا ُن يُ ّ‬ ‫َأوْلِيَا َءهُ َفلَا تَخَافُوهُ ْم وَخَافُونِ إِنْ ُكنْتُم ّم ْؤمِِنيَ } ‪ ،‬فالشيطان يوف الناس من أوليائه ‪ ،‬ويعظمهم ف‬ ‫صدور الناس حت يافوهم ‪ ،‬وال يقول ‪َ { :‬فلَا تَخَافُوهُمْ } ‪ ،‬بل اعتمدوا علي ‪ ،‬وأعدوا العدة ‪ ،‬ول‬ ‫تبالوا بم ن كما قال تعال ‪ { :‬وََأعِدّوْا َلهُم مّا اسَْت َطعْتُم مّنْ ُق ّوةٍ } ‪ ،‬وهذا الوف السي ل بأس به‬ ‫لكن الوف القلب خوف السر هذا هو النهي عنه أما الوف السي ‪ ،‬مثل أن ياف اللص أو‬ ‫السارق أو العدو ‪ ،‬فيعد العدة من السلح اللزم كل هذا ل بد منه ولذا قال تعال ‪ { :‬يَا أَّيهَا الّذِينَ‬ ‫آمَنُواْ خُذُوْا حِ ْذرَكُمْ } ‪ ،‬وقال سبحانه ف قصة موسى لا خرج من مصر خائفا من فرعون وقومه ‪:‬‬ ‫ج مِْنهَا خَاِئفًا يََترَّقبُ } ؛ فإن هذا الوف خوف حسي ل بأس به لكن ل يوز خوف العدو‬ ‫خرَ َ‬ ‫{ َف َ‬ ‫خوفا ينع من جهاده ‪ ،‬ونصر الق ‪ ،‬وإنا يمله هذا الوف على العداد للعدو وأخذ الذر ‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫خيْرَاتِ‬ ‫ودليل (‪ )1‬الرغبة والرهبة والشوع قوله تعال ‪ِ { :‬إّنهُمْ كَانُوْا يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬ ‫َويَ ْدعُوَننَا َرغَبًا وَ َر َهبًا وَكَانُواْ َلنَا خَا ِشعِيَ } ‪.‬‬ ‫ش ْونِي } الية ‪.‬‬ ‫شوْهُ ْم وَاخْ َ‬ ‫ودليل الشية قوله تعال ‪ { :‬فَلَا َتخْ َ‬

‫الثالث ‪ :‬الوف الطبيعي الذي جبل عليه النسان وهذا ل حرج فيه مثل خوف النسان الية‬ ‫والعقرب والسبع ‪ ،‬فيتباعد عنها ويقتلها ويتباعد عن مظنة السباع حت ل يتأذى با ‪ .‬هذا أمر ل بد‬ ‫منه ‪ .‬وال جبل الناس على الوف ما يؤذي حت يتحرز منه ؛ ياف البد فيلبس الثياب الغليظة ‪،‬‬ ‫وياف من الوع فيأكل ‪ ،‬وياف العطش فيشرب ‪ .‬هذه أمور طبيعية ل بأس با ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬وهكذا الرجاء عبادة ل فيجو ال ويسن به الظن كما قال تعال ‪ { :‬فَمَنْ كَانَ َيرْجُو ِلقَاءَ َرّبهِ‬ ‫شرِكْ ِبعِبَا َد ِة رَّبهِ أَحَدًا } ‪ .‬فالرغبة إليه ‪ ،‬ورجاء ما عنده ؛ عبادة له سبحانه‬ ‫َفلَْيعْمَ ْل عَمَلًا صَالِحًا وَلَا ُي ْ‬ ‫ت وَيَ ْدعُوَننَا َرغَبًا َو َرهَبًا وَكَانُواْ لَنَا‬ ‫خْيرَا ِ‬ ‫وتعال ‪ ،‬قال تعال ‪ِ { :‬إّنهُمْ كَانُواْ يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬ ‫ي } ‪ .‬فالرغب ‪ :‬الرجاء ‪ .‬الرهب ‪ :‬الوف ‪ .‬وكلها ‪ :‬عبادة ‪ .‬وعلى العبد أن يسن ظنه‬ ‫خَا ِشعِ َ‬ ‫بربه ‪ ،‬ويعمل بالسباب الشرعية ‪ .‬وإن الظن السن مع الخذ بالسباب يعود على العبد بالي‬ ‫وبالرحة وبدخول النة وبغفرة الذنوب ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬وهكذا التوكل عبادة ‪ ،‬وهو التفويض إل ال ‪ ،‬والعتماد عليه ف كل المور مع الخذ بالسباب‬ ‫‪ .‬فتعتمد على ال ف السلمة من الشر ‪ ،‬والعافية من الفت ‪ ،‬وحصول الرزق ‪ ،‬وف دخول النة ‪،‬‬ ‫والنجاة من النار ‪ ،‬مع الخذ بالسباب الشروعة ‪ ،‬قال تعال ‪َ { :‬وعَلَى الِ َفَتوَكّلُواْ إِنْ ُكنْتُم ّم ْؤمِِنيَ‬ ‫سُبهُ } ‪ :‬يعن كافيه ‪.‬‬ ‫} ‪ ،‬وقال تعال ‪َ { :‬ومَن يَّتوَكّ ْل عَلَى الِ َف ُهوَ حَ ْ‬ ‫‪ )(1‬وهكذا الرغبة والرهبة والشية من ال كل هذه عبادات ‪ .‬قال تعال عن النبياء والصالي ‪:‬‬ ‫خْيرَاتِ َويَ ْدعُونَنَا َر َغبًا َو َرهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَا ِش ِعيَ } يعن ‪ :‬خائفي‬ ‫{ إِّنهُمْ كَانُوْا يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬ ‫يشون ال ‪ ،‬ويشعون لعظمته ‪ :‬أي يذلون ‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫ودليل النابة‬ ‫قوله تعال ‪ِ { :‬إيّاكَ َن ْعبُ ُد وَإِيّا َك نَسَْت ِعيُ } وف الديث ‪ " :‬إذا استعنت فاستعن بال " ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫قوله تعال ‪َ { :‬وأَنِيبُواْ إِلَى َرّبكُ ْم َوَأسْلِمُواْ لَهُ } الية ‪.‬ودليل الستعانة‬

‫(‪)2‬‬

‫ودليل الستعاذة (‪ )3‬قوله تعال ‪ { :‬قُلْ َأعُوذُ ِب َربّ اْلفََلقِ } وقوله تعال ‪ { :‬قُلْ َأعُوذُ ِب َربّ النّاسِ }‪.‬‬

‫ودليل الستغاثة (‪ )4‬قوله تعال ‪ِ { :‬إذْ َتسَْتغِيثُونَ َربّكُمْ فَاسْتَجَابَ َلكُمْ } الية ‪.‬ودليل الذبح (‪ )2‬قوله‬ ‫ي َومَمَاتِي ِلّلهِ َربّ اْلعَالَ ِميَ ـ لَا َشرِيكَ َل ُه وَبِذَِلكَ ُأ ِم ْرتُ‬ ‫صلَاتِي وَُنسُكِي َومَحْيَا َ‬ ‫تعال ‪ { :‬قُلْ إِ ّن َ‬ ‫سلِ ِميَ } ومن السنة ‪ " :‬لعن ال من ذبح لغي ال " ‪.‬‬ ‫وَأَنَا َأوّ ُل الْمُ ْ‬ ‫ودليل النذر(‪ )5‬قوله تعال ‪ُ { :‬يوُْفوْنَ بِالنّ ْذ ِر وَيَخَافُونَ َي ْومًا كَانَ َش ّر ُه مُسْتَطِيًا } ‪.‬‬ ‫‪ ) )(1‬وهكذا النابة عبادة ‪ :‬قال تعال ‪ { :‬وأنيبوا إل ربكم وأسلموا له } ‪ .‬والنابة معناها ‪:‬‬ ‫الرجوع إل ال ‪ ،‬والتوبة إليه ‪ ،‬والستقامة على طاعته ؛ فهذه عبادة ل ‪ ،‬يب على الناس أن ينيبوا‬ ‫إل ال ‪ ،‬ويرجعوا إليه ‪ ،‬ويتوبوا إليه ‪ ،‬ويستقيموا على طاعته ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬وهكذا الستعانة عبادة كما قال تعال ‪ { :‬إياك نعبد وإياك نستعي } ‪ ،‬وف الديث ‪ " :‬إذا‬ ‫استعنتَ فاستعنْ بال " ‪ .‬فيستعي العبد بال ؛ فتقول ‪ :‬اللهم أعن على ذكرك وشكرك ‪ ،‬اللهم أعن‬ ‫على طاعتك‪ ،‬اللهم أعن على كل خي ‪ ،‬إل غي هذا ‪ ،‬تستعي بال ف كل الهمات ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬وهكذا الستعاذة عبادة ‪ :‬أن تستعيذ بال من الشرور ‪ ،‬وتلجأ إليه ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬قل أعوذ‬ ‫برب الفلق } وقوله ‪ { :‬قل أعوذ برب الناس } ‪ .‬فالستعاذة بال من الشيطان ‪ ،‬ومن كل مؤذ ‪،‬‬ ‫ومن كل عدو‪ ،‬أمر مأمور به ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬وإما ينغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بال } ‪.‬‬ ‫‪ )(4‬وهكذا الستغاثة عبادة أن تستغيث بال ف الشدائد من عدو ‪ ،‬أو تطلبه إنزال الغيث البارك‪ ،‬أو‬ ‫يكشف الضر ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬إذْ َتسَْتغِيثُو َن رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُ ْم } ‪.‬‬ ‫حيَايَ َومَمَاتِي‬ ‫صلَاتِي وَُنسُكِي } أي ذبي ‪َ { ،‬ومَ ْ‬ ‫(‪ )2‬وهكذا الذبح عبادة ‪ :‬قال تعال ‪ { :‬قُلْ إِ ّن َ‬ ‫ي}‪.‬‬ ‫لِّل ِه َربّ اْلعَالَ ِم َ‬ ‫‪ )(5‬وهكذا النذر عبادة ‪ ،‬قال تعال ‪ُ { :‬ي ْوُفوْنَ بِالنّ ْذرِ } ‪ .‬وقال تعال ‪َ { :‬ومَا َأْن َفقْتُم مّن ّن َفقَةٍ َأوْ‬ ‫نَ َذرْتُم مّن نّ ْذرٍ فَإِنّ الَ َيعْلَ ُمهُ } الية ‪ .‬وقال ـ صلى ال عليه وسلم ـ ‪ " :‬مَنْ نَ َذرَ أنْ يطيعَ الَ‬ ‫صهِ فل ي ْعصِه" ‪ .‬فالنذر عبادة وطاعة ل ‪ .‬إذا فعله النسان لزمه الوفاء ‪،‬‬ ‫فـلْيـ ِطعْ ُه ‪ ،‬ومن ن َذرَ أ ْن يع ِ‬ ‫والنذر مكروه ؛ لن ف التزاما ‪ ،‬وفيه مشقة ‪ .‬ولذا نى النب ـ صلى ال عليه وسلم ـ عن النذر‬ ‫وقال ‪ " :‬إن النذر ل يأت بي " ‪ ،‬ولكن إذا نذر طاعة لزمه الوفاء ؛ لقول الرسول ـ صلى ال عليه‬ ‫وسلم ـ ‪ " :‬مَنْ نذر أن يطيعَ ال ؛ فليطعه " ‪ .‬فإذا نذر عبادة من صلة أو صوم أو غيها لزمه‬ ‫‪19‬‬

‫الصل الثاني‪ :‬معرفة دين السلم (‪ )1‬بالدلة ؛ وهو الستسلم ل بالتوحيد ‪،‬‬ ‫والنقياد له بالطاعة ‪ ،‬والباءة من الشرك وأهله ‪ .‬وهو ثلث مراتب ‪:‬‬ ‫السلم و اليان والحسان ‪ ،‬وكل مرتبة لا أركان ‪ .‬فأركان السلم خسة (‪ : )2‬شهادة‬ ‫أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ‪...‬‬

‫الوفاء لا تقدم‪.‬‬ ‫‪ )(1‬هذا هو الصل الثان ‪ :‬وهو دين السلم ‪ ،‬وهو ثلث مراتب بينها الرسول ـ صلى ال عليه‬ ‫وسلم ـ ‪ .‬فأولا السلم وهو الخلص ل وحده ‪ :‬يعن الستسلم ل بالعبادة ‪ ،‬وتصيصه با دون‬ ‫كل ما سواه ‪ .‬والباءة من الشرك وأهله ‪ .‬فإذا فعل ذلك فقد أسلم يعن ‪ :‬انقاد وذل وخضع ل‬ ‫وحده بالعبادة دون كل ما سواه ‪ ،‬وتبأ من الشرك وأهله ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬فَمَن يّ ْك ُفرْ بِالطّاغُوتِ‬ ‫سكَ بِاْل ُع ْر َوةِ اْلوُْثقَى } ‪ ،‬والكفر بالطاغوت معناه ‪ :‬الباءة من الشرك وأهله ‪،‬‬ ‫ل َفقَدِ ا ْستَمْ َ‬ ‫وَُي ْؤمِنْ بِا ِ‬ ‫وإنكار ذلك ‪ ،‬واعتقاد بطلنه ‪ .‬وهناك مرتبة اليان ‪ ،‬ومرتبة الحسان ‪ ،‬وكلها داخلة ف دين‬ ‫السلم ‪ ،‬الدين الذي شرعه ال لعباده وأرسل به الرسل جيعا ‪ .‬ومرتبة السلم تشمل العمال‬ ‫الظاهرة ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬وأركانه خسة ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممدا رسول ال ‪ ،‬وإقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪،‬‬ ‫وصوم رمضان ‪ ،‬وحج البيت لن استطاع إليه سبيل ‪ .‬كما ثبت ذلك عن النب ـ صلى ال عليه‬ ‫وسلم ـ ف قوله ‪ " :‬بُنِ َي السلمُ على خس ٍ‪ :‬شهادةِ أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ‪ ،‬وإقامِ‬ ‫الصلة ‪ ،‬وإيتاءِ الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وحج البيت " ‪ .‬فأول أركان السلم ‪ :‬شهادة أن ل إله‬ ‫إل ال ‪ ،‬وبا يدخل العبد ف السلم ؛ فيشهد أن ل إله إل ال ‪ :‬أي ل معبود حق إل ال ‪ .‬وهي‬ ‫نفي وإثبات ؛ فل إله ‪ :‬نفي ‪ ،‬وإل ال ‪ :‬إثبات ‪ .‬قال تعال ‪ِ { :‬إيّا َك َنعْبُ ُد وَإِيّا َك نَسَْت ِعيُ } ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫ل ُهوَ الْحَقّ‬ ‫صيَ َلهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ } الية ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ ا َ‬ ‫خِل ِ‬ ‫{ َومَا ُأ ِمرُواْ ِإلّا لَِيعُْبدُواْ الَ مُ ْ‬ ‫وَأَ ّن مَا يَ ْدعُونَ مِ ْن دُوِن ِه ُهوَ اْلبَاطِ ُل } ‪ .‬أما قولا بدون العمل با ‪ ،‬فل تنفع ؛ كأن يقول ‪ :‬ل إله إل‬ ‫ال ‪ ،‬ول يص ال بالعبادة ؛ فإن شهادته ل تنفع؛ كالنافقي ‪ ،‬فإنم يقولونا ول يعتقدونا ‪ ،‬فهم ف‬ ‫الدرك السفل من النار ‪ .‬فالذي يقول ل إله إل ال ‪ ،‬ويعبد القبور والصنام ؛ ل تنفعه بل هي باطلة‬ ‫‪ .‬وأما الشهادة الثانية وهي ‪ :‬أن ممدا رسول ال؛ فدليلها قوله تعال ‪َ { :‬لقَدْ جَاءَكُ ْم رَسُو ٌل مّنْ‬ ‫أَْنفُسِكُ ْم } ‪ ،‬يعن ‪ :‬ممدا ـ عليه الصلة والسلم ـ تعرفونه؛ لنه من أنفسكم ‪ ،‬وهو من أشرف‬ ‫‪20‬‬

‫وإقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان(‪ )3‬وحج بيت ال الرام (‪.. )4‬فدليل الشهادة‬ ‫(‪ :)5‬قوله تعال ‪ { :‬شهد ال أنه ل إله إل هو واللئكة وأولو العلم قائما بالقسط ل إله‬ ‫إل هو العزيز الكيم } ‪.‬ومعناها ‪ :‬ل معبود بق إل ال وحده ‪ " .‬ل إله " ‪ :‬نافيا جيع ما‬ ‫يعبد من دون ال ‪ " .‬إل ال" مثبتا العبادة ل وحده ‪ ،‬ل شريك له ف عبادته ‪ ،‬كما أنه‬ ‫ليس له شريك ف ملكه ‪ .‬وتفسيها الذي يوضحها قوله تعال ‪ { :‬وإذ قال إبراهيم لبيه‬ ‫وقومه إنن براء ما تعبدون ـ إل الذي فطرن فإنه سيهدين ـ وجعلها كلمة باقية ف‬ ‫قبائلكم من بن هاشم ‪َ { :‬عزِي ٌز عََلْيهِ مَا عَنتُّمْ } ‪ :‬أي يشق عليه ما يشق عليكم ‪َ { ،‬حرِي ٌ‬ ‫ص‬ ‫عََليْكُ ْم } ‪ :‬يعن على هدايتكم ‪ ،‬وإنقاذكم من النار ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬مُحَمّ ٌد رَسُو ُل الِ } ‪ .‬وبعد‬ ‫هذه الشهادة على العبد أن يطيعه فيما أمر ‪ ،‬وأن يصدقه فيما أخب ‪ ،‬وأن يتنب ما عنه نى وزجر ‪،‬‬ ‫وأل يعبد ال إل با شرع ‪.‬‬ ‫فل بد من هذه المور الربعة ‪:‬‬ ‫الول ‪ :‬طاعته فما أمر من الصلة والزكاة وغيها ‪.‬‬ ‫الثان ‪ :‬تصديقه فيما أخب عن الخرة والنة والنار وغي ذلك ‪.‬‬ ‫الثالث ‪ :‬واجتناب ما عنه نى وزجر ‪ ،‬كالزنا والربا وغي ذلك ما نى ال عنه ورسوله ‪.‬‬ ‫الرابع ‪ :‬وأن ل يعبد ال إل با شرع ؛ فل يبتدع ف الدين ما ل يشرعه ال ؛ لقول النب ـ صلى ال‬ ‫س عليهِ أ ْمرُنا فهو َر ّد " ‪ .‬وف رواية ‪ " :‬مَنْ أحْدَث ف أمرنا ما‬ ‫عليه وسلم ـ ‪ " :‬من عمِل ع َملًا لي َ‬ ‫ليس منه فهو ر ّد " ‪ :‬أي مردود ‪.‬‬ ‫صيَ َلهُ‬ ‫ل مُخِْل ِ‬ ‫‪ )(3‬ودليل الصلة والزكاة وتفسي التوحيد ؛ قوله تعال ‪َ { :‬ومَا ُأ ِمرُواْ إِلّا لَِيعْبُدُوْا ا َ‬ ‫الدّينَ ُحَنفَاءَ وَُيقِيمُواْ الصّلَاةَ َوُيؤْتُوْا الزّكَا َة َوذَِلكَ دِي ُن اْلقَيّمَة } ‪ .‬وقال تعال ‪َ { :‬فإِنْ تَابُوْا وَأَقَامُواْ‬ ‫الصّلَاةَ َوآََتوُا الزّكَاةَ فَِإ ْخوَانُكُمْ فِي الدّينِ } ‪ .‬وقال تعال ‪َ { :‬فإِنْ تَابُوْا وَأَقَامُوْا الصّلَا َة َوآََتوُا الزّكَاةَ‬ ‫خلّواْ َسبِيَلهُمْ } ‪ .‬ودليل الصيام ‪ :‬قوله تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِي َن َآمَنُواْ ُكِتبَ َعلَيْكُ ُم الصّيَامُ كَمَا كُِتبَ‬ ‫فَ َ‬ ‫عَلَى الّذِي َن مِنْ قَْبلِكُمْ } إل قوله سبحانه ‪َ { :‬ش ْه ُر َر َمضَانَ } ‪ ،‬أي أن الصيام واجب عليكم كل‬ ‫عام ف شهر رمضان ‪.‬‬ ‫ت مَقَامُ إِْبرَاهِي َم َومَنْ دَ َخَلهُ كَا َن آمِنًا وَِلّلهِ َعلَى النّاسِ ِح ّج‬ ‫() ودليل الج قوله تعال ‪ { :‬فِي ِه آَيَاتٌ بَيّنَا ٌ‬ ‫ل َغنِ ّي عَنِ اْلعَالَ ِميَ } الية ‪ ،‬وهو مرة ف العمر ؛ لقول‬ ‫ت مَنِ ا ْستَطَاعَ ِإلَْيهِ سَبِيلًا َومَنْ َك َفرَ فَإِنّ ا َ‬ ‫اْلبَْي ِ‬ ‫النب ـ صلى ال عليه وسلم ـ ‪ " :‬الج مرة ‪ ،‬فمن زاد فهو تطوع " ‪.‬‬ ‫‪ )(5‬هذه الصفحة والتالية ‪ ،‬تابعة للمت ‪ ،‬وقد تقدم شرحها فيما مضى ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪21‬‬

‫عقبه لعلهم يرجعون } (‪ )1‬وقوله تعال ‪ُ { :‬ق ْل يَا أَهْ َل اْل ِكتَابِ َتعَاَلوْا إِلَى َكلِ َم ٍة َسوَاءٍ‬ ‫ضنَا بَ ْعضًا أَ ْربَابًا مّنْ ُد ْونِ الِ‬ ‫خ َذ َبعْ ُ‬ ‫ل وَلَا نُشْ ِركَ بِ ِه َشْيئًا وَلَا َيتّ ِ‬ ‫َبيَْننَا َوبَْينَكُمْ أَلّا َن ْعبُدَ إِلّا ا َ‬ ‫سلِمُونَ } ‪ .‬ودليل شهادة أن ممدا رسول ال قوله تعال ‪:‬‬ ‫فِِإنْ َتوَّلوْا َفقُولُواْ ا ْشهَدُواْ ِبَأنّا مُ ْ‬ ‫سكُ ْم عَزِي ٌز عََليْ ِه مَا عَِنتّم َحرِيصٌ عََلْيكُ ْم بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ َرؤُوفٌ‬ ‫{ َلقَدْ جَاءَكُمْ َرسُول مّنْ أَْنفُ ِ‬ ‫رّحِيمٌ } ‪ .‬ومعن شهادة أن ممدا رسول ال طاعته فيما أمر ‪ ،‬وتصديقه فيما أخب ‪،‬‬ ‫واجتناب ما عنه نى وزجر ‪ ،‬وأن ل يعبد ال إل با شرع ‪ .‬ودليل الصيام قوله تعال ‪:‬‬ ‫صيَامُ كَمَا ُكِتبَ عَلَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ‬ ‫ب عََليْكُ ُم ال ّ‬ ‫{ يَا أّيهَا الّذِينَ َآمَنُواْ ُكِت َ‬ ‫َتتّقُونَ } ‪.‬ودليل الج قوله تعال ‪ { :‬وَلِلّ ِه عَلَى النّاسِ ِح ّج اْلبَْيتِ مَ ِن ا ْستَطَاعَ إِلَيْ ِه َسبِيلًا‬ ‫ل غَِن ّي عَنِ اْلعَالَمِيَ } ‪.‬‬ ‫َومَنْ َكفَرَ فَِإنّ ا َ‬ ‫(الرتبة الثانية) ‪:‬‬ ‫اليان (‪ . )1‬وهو بضع وسبعون شعبة ‪ ،‬فأعلها قول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وأدناها إماطة‬ ‫الذى عن الطريق ‪ ،‬والياء شعبة من اليان‪ .‬وأركانه ستة ‪ :‬أن تؤمن بال وملئكته‬ ‫وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقدر خيه وشره ‪ .‬والدليل على هذه الركان الستة قوله‬ ‫‪ )(1‬اليان ‪ :‬هو ما يتعلق بالقلوب من التصديق بال ‪ ،‬وأنه رب العالي ‪ ،‬وأنه هو الستحق للعبادة ‪،‬‬ ‫والتصديق باللئكة وبالكتب وبالرسل وبالبعث بعد الوت والنة والنار وبالقدر خيه وشره ‪ .‬كل‬ ‫هذا يتعلق بالقلوب ‪ .‬فهو أصل من الصول الت ل بد منها ‪ .‬فل إسلم إل بإيان ‪ ،‬ول إيان إل‬ ‫بإسلم ‪ .‬فل بد من هذا وهذا ‪ .‬ل بد من إسلم الوارح ‪ ،‬ول بد من إسلم القلوب وإيانا ‪ .‬ولذا‬ ‫جع ال بي المرين ف كتابه العظيم ‪ .‬وهكذا الرسول ـ صلى ال عليه وسلم ـ ذكرها جيعا ‪.‬‬ ‫فالسلم هو النقياد الظاهر بطاعة ال وترك معصيته ‪ .‬واليان يشمل العمال الباطنة ما يتعلق‬ ‫بالقلوب وتصديقها ‪ .‬ويطلق السلم على اليان ‪ ،‬ويطلق اليان على السلم ‪ .‬فإذا قيل اليان ؛‬ ‫عم الميع ‪ ،‬وإذا قيل السلم ؛ عم الميع ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬إِنّ الدّي َن عِنْ َد الِ الْإِ ْسلَامُ } ‪ ،‬فيعم ما‬ ‫يتعلق بالباطن والظاهر ‪ .‬وهكذا اليان إذا أطلق عم الميع ؛ لقوله ـ صلى ال عليه وسلم ـ ف‬ ‫الديث الصحيح ‪ " :‬اليان بضع وسبعون شعبة ‪ ،‬فأفضلها قول ل إله إل ال ‪ ،‬وأدناها إماطة الذى‬ ‫عن الطريق " ‪ .‬فاليان هنا يعم الميع ‪ ،‬فيعم أركان السلم ‪ ،‬ويعم جيع العمال الظاهرة ‪ ،‬كما‬ ‫يعم الباطنة ‪ ،‬كما أنه يشمل الحسان ‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫ب وََلكِ ّن الْبِ ّر مَنْ َآمَنَ بِا ِ‬ ‫ل‬ ‫ق وَالْ َمغْرِ ِ‬ ‫تعال ‪َ { :‬لْيسَ اْلبِرّ َأنْ ُتوَلّواْ وُجُو َهكُمْ ِقبَ َل الْمَشْ ِر ِ‬ ‫ي } الية ‪ .‬ودليل القدر قوله تعال ‪ِ { :‬إنّا كُلّ‬ ‫ب وَالّنِبيّ َ‬ ‫وَالَْي ْومِ الْآَ ِخ ِر وَالْمَلَاِئ َكةِ وَاْلكِتَا ِ‬ ‫َشيْءٍ َخَل ْقنَا ُه ِبقَدَرٍ } ‪.‬‬ ‫(الرتبة الثالثة) ‪ :‬الحسان (‪ : )1‬ركن واحد ‪ ،‬وهو أن تعبد ال كأنك تراه ‪ ،‬فإن ل تكن‬ ‫سنُونَ } ‪.‬‬ ‫ل مَعَ الّذِينَ اّت َقوْا وَالّذِينَ هُمْ مُحْ ِ‬ ‫تراه فإنه يراك ‪ .‬والدليل قوله تعال ‪ِ { :‬إنّ ا َ‬ ‫ي َتقُومُ ـ َوَتقَّلبَكَ فِي‬ ‫وقوله تعال ‪َ { :‬وَتوَكّ ْل عَلَى الْعَزِيزِ الرّحِيمِ ـ الّذِي يَرَاكَ حِ َ‬ ‫السّاجِدِينَ ـ ِإنّ ُه ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِي ُم } ‪ .‬وقوله تعال ‪َ { :‬ومَا َتكُونُ فِي شَ ْأنٍ َومَا َتتْلُو ِمنْهُ‬ ‫مِنْ قُرْ َآ ٍن وَلَا َتعْمَلُونَ مِ ْن عَ َملٍ إِلّا ُكنّا عََلْيكُ ْم ُشهُودًا ِإ ْذ ُتفِيضُونَ فِيهِ } الية ‪.‬‬ ‫والدليل من السنة ‪ :‬حديث جبيل الشهور عن عمر بن الطاب ‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫بينما نن جلوس عند النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذ طلع علينا رجل شديد بياض‬ ‫الثياب ‪ ،‬شديد سواد الشعر ‪ ،‬ل يرى عليه أثر السفر‪ ،‬ول يعرفه منا أحد ‪ .‬فجلس إل‬ ‫النب ـ صلى ال عليه وسلّم‪-‬فأسند ركبتيه إل ركبتيه ‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه ‪ ،‬وقال‬ ‫‪ :‬يا ممد! أخبن عن السلم ؟ فقال ‪ " :‬أن تشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممد رسول‬ ‫ال ‪ ،‬وتقيم الصلة‪ ،‬وتؤت الزكاة ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وتج البيت إن استطعت إليه سبيل‬ ‫" ‪ ،‬قال ‪ :‬صدقت ‪ .‬فعجبنا له يسأله ويصدقه ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبن عن اليان‪ .‬قال ‪ " :‬أن‬ ‫تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقدر خيه وشره " ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبن عن‬ ‫الحسان ‪ .‬قال ‪ " :‬أن تعبد ال كأنك تراه ؛ فإن ل تكن تراه ؛ فإن يراك " ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫أخبن عن الساعة ‪ .‬قال ‪ " :‬ما السؤول عنها بأعلم من السائل " ‪ ،‬قال ‪ :‬أخبن عن‬ ‫أماراتا ‪ .‬قال ‪ " :‬أن تلد المة ربتها ‪ ،‬وأن ترى الفاة العراة العالة رعاة الشاء يتطاولون‬ ‫ف البنيان " ‪ .‬قال ‪ :‬فمضى ‪ ،‬فلبثنا مليا ‪ .‬فقال ‪ :‬يا عمر! أتدرون من السائل ؟ قلنا ‪ :‬ال‬ ‫ورسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ " :‬هذا جبيل ؛ أتاكم يعلمكم أمر دينكم " ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬أما الحسان فهو إكمال العبادة ظاهرا وباطنا وهو أن تعبد ال كأنك تراه ‪ ،‬فإن ل تكن تراه فإنه‬ ‫يراك ‪ .‬فمن عبد ال على هذا الستحضار ؛ فقد أدرك مرتبة الحسان ‪ ،‬واجتمع له الي كله ‪ .‬كما‬ ‫ل مَعَ الّذِينَ اّت َقوْا وَالّذِي َن هُم مّحْسِنُو َن } ‪ ،‬وقال عز وجل ‪ { :‬إِ ّن رَحْ َمتَ الِ‬ ‫قال سبحانه ‪ { :‬إِ ّن ا َ‬ ‫ب مّنَ الْ ُمحْسِِنيَ } ‪ .‬واليات ف هذا العن كثية ‪.‬‬ ‫َقرِي ٌ‬ ‫‪23‬‬

‫(الصل‬

‫الثالث) (‪: )1‬‬

‫معرفة نبيكم ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلّم‪ -‬وهو ممد بن عبدال بن عبدالطلب(‪ )2‬بن‬ ‫هاشم ‪ ،‬وهاشم من قريش ‪ ،‬قريش من العرب ‪ ،‬والعرب من ذرية إساعيل بن إبراهيم‬ ‫الليل ‪ ،‬عليه وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم ‪.‬‬ ‫وله من العمر ثلث وستون سنة ‪ ،‬منها أربعون قبل النبوة ‪ ،‬وثلث وعشرون نبيا‬ ‫(‪)3‬‬ ‫رسولً ‪ ،‬نبئ بـ (اقرأ)‬

‫‪ )(1‬هذا هو الصل الثالث وهو نبينا ممد ـ صلى ال عليه وسلم ـ ‪ ،‬فعلى النسان أن يعرف نبيه‬ ‫الذي أرسله ال إليه ‪ ،‬وبلغه الرسالة ‪ ،‬وبي له الشرائع الت أمره ال با ‪ ،‬وأوضح له العبادة الت خلقنا‬ ‫ال لا ‪.‬‬ ‫() هذا النب هو ممد ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪ ،‬خات النبياء ‪ ،‬ورسول ال لذه المة من الن‬ ‫والنس ‪ ،‬أرسله ال للناس جيعا ‪ ،‬قال تعال ‪ { :‬قُلْ يَا أَّيهَا النّاسُ ِإنّي رَسُولُ الِ ِإلَيْكُ ْم جَمِيعًا } ‪،‬‬ ‫وقال سبحانه ‪َ { :‬ومَا َأرْسَ ْلنَاكَ إِلّا كَافّةً لِلنّاسِ بَشِيًا وّنَذِيرًا } ‪ .‬فاسه ممد ‪ ،‬واسه أحد ‪ ،‬واسه‬ ‫الاشر ‪ ،‬والاحي ‪ ،‬والقفي ؛ لنه خات النبياء ‪ ،‬وهو نب التوبة ‪ ،‬ونب الرحة ‪ ،‬ونب اللحمة ‪ .‬هذه‬ ‫كلها أساؤه ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪ ،‬لكن أشهرها وأفضلها وأعظمها ممد الذي ساه به أهله ‪،‬‬ ‫ل } ‪ .‬وهكذا (أحد) كما بشّر به عيسى ‪:‬‬ ‫وجاء به القرآن ‪ ،‬قال تعال ‪ { :‬مُحَمّد رّسُولُ ا ِ‬ ‫شرًا ِبرَسُول يّ ْأتِي مِنْ َبعْدِي اسْ ُمهُ أَحْمَد } ‪ ،‬فهو ممد وأبوه اسه عبد ال ‪ ،‬وجده اسه عبد‬ ‫{ َومُبَ ّ‬ ‫الطلب ‪ .‬وعبد اللب لقب ‪ ،‬وإل فاسه شيبة وأبو جده اسه هاشم وهو سيد من سادات قريش كما‬ ‫أن عبد الطلب كذلك ‪ .‬وهاشم من قريش قبيلة عظيمة وهي أفضل العرب ‪ .‬والنب ـ صلى ال عليه‬ ‫وسلّم‪-‬من خاصتهم من بن هاشم وهم أفضل قريش ‪ .‬واسه فهر بن مالك ‪ ،‬وقيل قريش هو النضر‬ ‫بن كنانة جد فهر بن مالك ‪ .‬وقريش من العرب الستعربة الت استعرب لسانا فصار لا لسان عرب‬ ‫واضح ‪ ،‬فهي أكثر عروبة من قحطان ‪ .‬ولذا يقال لم العرب العاربة ‪ ،‬والعرب الستعربة ‪ .‬وهم من‬ ‫ذرية إساعيل بن إبراهيم الليل ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬وهذا النب العظيم وهو ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلّم‪-‬نبئ بـ (اقرأ) ؛ فأول ما نزل عليه ‪ { :‬ا ْقرَأْ‬ ‫بِاسْ ِم رَّبكَ الّذِي َخلَقَ } ‪ ،‬وصار با نبيا ‪ .‬وقال أتاه جبيل وهو ف الغار ـ غار حراء ـ فأقرأه‬ ‫هذه السورة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪24‬‬

‫وأرسل بـ ( الدثر ) (‪ .)1‬وبلده مكة ‪ ،‬بعثه ال بالنذارة عن الشرك ‪ ،‬ويدعو إل التوحيد‬ ‫‪ .‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الْ ُم ّدثّرُ ـ قُمْ َفأَنْذِرْ ـ وَ َربّكَ َفكَبّرْ ـ َوثِيَابَكَ فَ َطهّرْ ـ‬ ‫صبِرْ } ‪ .‬ومعن { قُمْ َفَأنْذِرْ } ‪ :‬ينذر‬ ‫سَتكْثِرْ ـ وَلِ َربّكَ فَا ْ‬ ‫وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ ـ وَلَا تَ ْمنُ ْن تَ ْ‬ ‫عن الشرك ‪ ،‬ويدعو إل التوحيد ‪ { .‬وَ َربّكَ َف َكبّرْ } ‪ :‬عظمه بالتوحيد ‪َ { .‬وثِيَابَكَ فَ َطهّرْ‬ ‫} ‪ :‬أي طهر أعمالك عن الشرك ‪ { .‬وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ } ‪ :‬الرجز ‪ :‬الصنام ‪ ،‬وهجرها ‪:‬‬ ‫تركها وأهلها ‪ ،‬والباءة منها وأهلها ‪.‬‬ ‫أخذ على هذا عشر سني(‪ )2‬يدعو إل التوحيد ‪ ،‬وبعد العشر(‪ )3‬عرج به إل السماء ‪،‬‬ ‫وفرضت عليه الصلوات المس ‪ ،‬وصلى ف مكة ثلث سني ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬ث بعد مدة يسية جاءه بـ (الدثر) ‪ ،‬فصار رسول بقوله ‪ { :‬يَا أَّيهَا الْمُدّّثرُ ـ قُمْ فََأنْ ِذ ْر } ‪.‬‬ ‫والدثر ‪ :‬اللتحف؛ لنه جاء بعد ما جاءه الوحي ‪ ،‬اشتد عليه المر وقال ‪ :‬زملون زملون ‪...‬‬ ‫دثرون دثرون ؛ من شدة ما أصابه من الوف لا ضغط عليه جبيل ـ عليه الصلة والسلم ـ‬ ‫مرات ‪ .‬ث قال ‪ :‬اقرأ ؛ تهيدا لعباء الرسالة وعظمتها ‪ .‬ث قال ال ‪ُ { :‬قمْ فَأَنْ ِذرْ } ؛ أي قم فأنذر‬ ‫الناس ‪ .‬فصار رسول بأمره بالنذرة ‪َ { .‬ورَّبكَ َفكَّبرْ } ‪ :‬أي عظمه بالتوحيد ‪ { .‬وَِثيَاَبكَ َف َط ّهرْ }‪:‬‬ ‫أي طهر أعمالك من الشرك ؛ لن تطي اللبس غي مراده ف هذه الية ؛ لن الصلة ل تفرض ف‬ ‫ذلك الوقت ‪ ،‬فالراد هنا العمال كما قال تعال ‪ { :‬وَلِبَاسُ الّت ْقوَى ذَِلكَ َخْيرٌ } ‪ ،‬فالعمل يسمى‬ ‫جرْ } ‪ :‬فالرجز ‪ :‬الصنام ‪ ،‬وهجرها تركها ‪ ،‬والباءة منها وأهلها ‪.‬‬ ‫لباسا ‪ { .‬وَالرّ ْجزَ فَاهْ ُ‬ ‫() أخذ على هذا المر عشر سني ‪ ،‬يدعو إل التوحيد ويذر من الشرك ‪ ،‬ويأمر بلع عبادة ما سوى‬ ‫ال سبحانه ‪ ،‬وترك عبادة الصنام والوثان ‪ ،‬ويأمرهم أن يصوا ال بالعبادة ف دعائهم ونذرهم‬ ‫وذبائحهم وغي ذلك ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬ث بعد العشر عرج به ـ صلى ال عليه وسلّم‪-‬إل السماء مع جبائيل ‪ ،‬وفتحت له السموات إل‬ ‫موضع رفيع فوق السماء السابعة ‪ ،‬حت سع فيه صريف القلم ‪ ،‬ث ناداه ال جل وعل وكلمه ‪،‬‬ ‫وفرض عليه الصلوات المس ‪ ،‬فرضها خسي صلة ث ل يزل يطلبه التخفيف حت جعلها ال‬ ‫خسا ‪ ،‬فقال ال سبحانه ‪ :‬هي خس ف العدد ‪ ،‬وهي خسون ف أم الكتاب ‪ ،‬فمن حافظ على‬ ‫الصلوات المس وأداها ؛ كتب ال له أجر خسي ‪ ،‬فالسنة بعشر أمثالا ‪ .‬فنل بذلك ـ عليه‬ ‫الصلة والسلم ـ ‪ ،‬فاستقرت الصلة خس صلوات ف اليوم والليلة ‪ :‬الظهر والعصر والغرب‬ ‫والعشاء والفجر ‪ .‬صلها ف مكة ثلث سني قبل أن يهاجر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬

‫وبعدها أمر بالجرة (‪ )1‬إل الدينة ‪ .‬والجرة ‪ :‬النتقال من بلد الشرك إل بلد السلم ‪،‬‬ ‫وهي باقية إل أن تقوم الساعة ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬إ ّن الّذِي َن َتوَفّاهُ ُم الْ َملَائِ َك ُة ظَالِمِي‬ ‫ض َعفِيَ فِي اْلأَ ْرضِ قَالُواْ أَلَ ْم َتكُنْ أَ ْرضُ الِ وَا ِس َعةً‬ ‫سَت ْ‬ ‫سهِمْ قَالُواْ فِيمَ ُكنْتُمْ قَالُواْ ُكنّا مُ ْ‬ ‫َأنْفُ ِ‬ ‫ي مِنَ الرّجَالِ‬ ‫ضعَفًِ َ‬ ‫سَت ْ‬ ‫ت َمصِيًا ـ إِلّا الْمُ ْ‬ ‫َفُتهَاجِرُواْ فِيهَا َفُأوَْلئِكَ َم ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم َوسَاءَ ْ‬ ‫وَالنّسَا ِء وَاْلوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيَل ًة وَلَا َي ْهتَدُونَ َسبِيلًا ـ َفُأوَْلئِكَ عَسَى الُ أَ ْن َي ْعفُ َو َعْنهُمْ‬ ‫ي الّذِينَ آ َمنُوا ِإنّ أَ ْرضِي وَا ِس َعةٌ فَِإيّايَ‬ ‫ل َع ُفوّا َغفُورًا } وقوله تعال ‪ { :‬يَا ِعبَادِ َ‬ ‫وَكَانَ ا ُ‬ ‫فَا ْعبُدُونِ } ‪.‬قال البغوي ـ رحه ال ـ سبب نزول هذه الية ف السلمي الذين ف مكة‬ ‫ل يهاجروا ‪ ،‬ناداهم ال باسم اليان ‪.‬والدليل على الجرة من السنة ‪ :‬قوله ـ صلى ال‬ ‫عليه وسلّم‪ " :-‬ل تنقطع الجرة حت تنقطع التوبة ‪ ،‬ول تنقطع التوبة حت تطلع الشمس‬ ‫من مغربا"‪.‬‬

‫‪ )(1‬ث هاجر إل الدينة بعد ما اشتد عليه أذى قريش له ولصحابه ‪ ،‬فأذن ال له بالجرة من مكة ؛‬ ‫لجل أذى وظلم قريش ‪ ،‬إل الدينة إل النصار وقد بايعوه ف موسم الج على أن ينتقل إليهم‬ ‫وينصروه ـ رضي ال عنهم وأرضاهم ـ ‪ .‬فلما تت البيعة وأذن ال له بالجرة هاجر إليهم ‪ .‬وكان‬ ‫بعض أصحابه قد هاجر قبل ذلك إل البشة ومكثوا عند النجاشي مدة ‪ .‬ث هاجر بقيتهم إل الدينة‬ ‫‪ .‬فلما استقر بالدينة جاء الذين ف البشة إل الدينة ‪ ،‬واستقر الميع ف الدينة ‪ ،‬والمد ل ‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫فلما استقر (‪ )1‬ف الدينة أمر ببقية شرائع السلم ‪ ،‬مثل الزكاة ‪ ،‬والصوم ‪ ،‬والج ‪،‬‬ ‫والذان ‪ ،‬والهاد ‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر ‪ ،‬وغي ذلك من شرائع السلم ‪.‬‬ ‫أخذ على هذا عشر سني ‪ ،‬وتوف (‪ )2‬ـ صلة ال وسلمه عليه ـ ودينه باق ‪ ،‬وهذا‬ ‫دينه ‪ .‬ل خي إل دل المة عليه ‪ ،‬ول شر إل حذرها منه ‪ .‬والي الذي دلا عليه‬ ‫التوحيد ‪ ،‬وجيع ما يبه ال ويرضاه ‪ ،‬والشر الذي حذرها عنه الشرك وجيع ما يكرهه‬ ‫ال ويأباه ‪.‬بعثه ال إل الناس كافة ‪ ،‬وافترض طاعته على جيع الثقلي ‪ ،‬الن والنس ‪،‬‬ ‫والدليل قوله تعال ‪ { :‬قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ ِإنّي َرسُولُ الِ إَِلْيكُمْ جَمِيعًا } وكمل ال به‬ ‫ش ْونِ اْلَيوْمَ أَكْمَ ْلتُ َلكُمْ دِيَنكُ ْم َوَأتْمَ ْمتُ‬ ‫الدين ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬تَخْشَوهُ ْم وَاخْ َ‬ ‫عََليْكُ ْم ِنعْ َمتِي َورَضِيتُ َلكُ ُم الِْإسْلَامَ دِينًا } والدليل على موته ـ صلى ال عليه وسلّم‪-‬‬ ‫خَتصِمُونَ } ‪.‬‬ ‫ك َمّيتٌ َوِإّنهُم ّميّتُونَ ـ ثُمّ ِإّنكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة ِعنْدَ َرّبكُمْ تَ ْ‬ ‫قوله تعال ‪ { :‬إِنّ َ‬ ‫‪ )(1‬فلما استقر ف الدينة بعد الجرة أمره ال ببقية شرائع السلم من الزكاة وصيام رمضان وحج‬ ‫البيت والهاد والمر بالعروف والنهي عن النكر ؛ لن الدينة صارت دار إسلم وهي العاصمة‬ ‫الول للمسلمي ؛ فلهذا أمروا بذه المور ؛ لنم يتمكنون حينئذ من المر بالعروف والنهي عن‬ ‫النكر ‪ ،‬وهذا من رحة ال عز وجل أن أجل هذه الواجبات إل أن هاجر إل الدينة ‪ ،‬وكان أصل‬ ‫الزكاة مشروعا ف مكة ‪ ،‬كما قال تعال ف سورة النعام وهي مكية ‪َ { :‬وآَتُواْ َح ّقهُ َي ْومَ‬ ‫َحصَا ِدهِ } ‪ ،‬ولكن أنصباؤها ومصارفها وتفاصيل أحكامها ؛ كل هذا صار ف الدينة ‪ ،‬وهكذا صيام‬ ‫رمضان شرع ف السنة الثانية من الجرة ‪ ،‬وهكذا الج شرع ف السنة التاسعة أو العاشرة من‬ ‫ت مَنِ ا ْستَطَاعَ إَِلْيهِ َسبِيلًا } ف سورة آل عمران‬ ‫الجرة ‪ ،‬وأنزل ال فيه ‪ { :‬وَِلّلهِ َعلَى النّاسِ حِ ّج اْلبَْي ِ‬ ‫وهي مدنية ‪ .‬وهكذا الهاد أمر به ف الدينة ‪ ،‬وكان ف أول المر ياهد من جاهده ‪ ،‬ويكف عمن‬ ‫كف عنه ‪ ،‬ث أمر بأن يبدأ بالقتال ‪ ،‬وأن ياهد الكفار وإن ل يبدؤوا‪ ،‬فيدعوهم إل ال يرشدهم‬ ‫إليه‪ ،‬فإن أجابوا= =وإل قاتلهم حت يستجيبوا للحق إل أهل الكتاب فإنه يقبل منهم الزية ‪ .‬وسن‬ ‫ال ف الجوس سنة أهل الكتاب ؛ إما إسلم وإما جزية ‪ ،‬وأما بقية الكفار إما السلم وإما السيف‬ ‫مع القدرة ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬وبعدما أكمل ال به الدين توفاه ال إليه بعد عشر سني من الجرة ‪ ،‬قال تعال ‪ { :‬الَْي ْومَ أَكْمَ ْلتُ‬ ‫ك مَّيتٌ‬ ‫ت عََليْكُمْ ِنعْ َمتِي َورَضِيتُ لَكُ ُم الِْإسْلَا َم دِينًا } ‪ .‬وقال جل وعل ‪ { :‬إِّن َ‬ ‫لَكُ ْم دِينَكُ ْم وَأَتْمَ ْم ُ‬ ‫خَتصِمُونَ } ‪.‬‬ ‫وّإِّنهُم مّيّتُونَ ـ ثُمّ ِإنّكُمْ َي ْومَ اْلقِيَامَ ِة عِنْ َد رَبّ ُكمْ تَ ْ‬ ‫‪27‬‬

‫والناس إذا ماتوا يبعثون (‪ ،)1‬والدليل قوله تعال ‪ِ { :‬مْنهَا خََل ْقنَاكُ ْم وَفِيهَا ُنعِيدُكُ ْم َو ِمْنهَا‬ ‫ض نَبَاتًا ـ ثُ ّم ُيعِيدُكُمْ فِيهَا‬ ‫نُخْ ِر ُجكُ ْم تَا َرةً أُ ْخرَى } ‪.‬وقوله تعال ‪ { :‬وَالُ َأنَْبتَكُم مّ َن اْلأَ ْر ِ‬ ‫َويُخْ ِر ُجكُمْ إِخْرَاجًا } ‪ .‬وبعد البعث ماسبون ومزيون بأعمالم ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪{ :‬‬ ‫ي الّذِينَ‬ ‫جزِ َ‬ ‫ي الّذِينَ َأسَاؤُواْ بِمَا عَ ِملُواْ َويَ ْ‬ ‫ت َومَا فِي اْلأَ ْرضِ ِليَجْزِ َ‬ ‫ل مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫وَ ِ‬ ‫سنَى } ‪ .‬ومن كذب بالبعث كفر ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪َ { :‬زعَ َم الّذِينَ‬ ‫سنُوْا بِالْحُ ْ‬ ‫أَحْ َ‬ ‫ل يَسِيٌ } ‪.‬‬ ‫ك عَلَى ا ِ‬ ‫َكفَرُواْ َأنْ لَ ْن ّيبْ َعثٌواْ قُ ْل َبلَى وَ َربّي َلتُْب َعثُ ّن ثُمّ َلتَُنّبؤُ ّن بِمَا عَ ِم ْلتُ ْم وَذَلِ َ‬

‫‪ ) )(1‬والناس إذا ماتوا يبعثون ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬وَالُ َأنْبََتكُم مّنَ الَْأ ْرضِ َنبَاتًا ـ ثُ ّم ُيعِيدُكُمْ فِيهَا‬ ‫خرِجُ ُكمْ إِ ْخرَاجًا } ‪ .‬وقال تعال ‪َ { :‬زعَمَ الّذِينَ َك َفرُواْ أَنْ لَ ْن يُْبعَثُوْا قُلْ َبلَى َورَبّي َلتُْبعَثُ ّن ثُمّ‬ ‫وَيُ ْ‬ ‫ت َومَا فِي الَْأ ْرضِ‬ ‫ك عَلَى الِ َيسِيٌ } ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وَِلّلهِ مَا فِي السّمَوا ِ‬ ‫لَُتنَّبؤُنّ بِمَا عَمِلُْتمْ َوذَِل َ‬ ‫جزِيَ الّذِينَ َأحْسَنُواْ بِاْلحُسْنَى } ‪ ،‬فهم ماسبون ومزيون يوم‬ ‫جزِيَ الّذِينَ َأسَاؤُواْ بِمَا عَ ِملُوْا وََي ْ‬ ‫لَِي ْ‬ ‫القيامة ‪ ،‬ويعطون كتبهم بأيانم وشائلهم ‪ ،‬فالسعيد يعطى كتابه بيمينه ‪ ،‬والشقي يعطى كتابه‬ ‫بشماله ‪ .‬السعيد يرجح ميزانه ‪ ،‬والكافر يف ميزانه ‪ ،‬وأصحاب العاصي على خطر فقد يرجح‬ ‫ميزانم بالتوبة ‪ ،‬أو بعفو ال ‪ ،‬أو بالسنات ‪ ،‬وقد يف ميزانم فيكونوا من أهل النار ‪ ،‬فيعذبون فيها‬ ‫ما شاء ال ‪ ،‬ث يرجهم ال من النار بسبب موتم على السلم ‪ .‬فالواجب على كل مكلف أن يذر‬ ‫سيئات العمل ‪ ،‬وأن يلزم التوبة والستقامة؛ لنه ل يدري مت يهجم عليه الجل ‪ .‬فالزم كل الزم‬ ‫أن يأخذ السلم بالعزية ن وياهد نفسه حت يستقيم على الق‪ ،‬والتوبة النصوح من جيع الذنوب=‬ ‫=‪ ،‬حت إذا هجم عليه الجل ؛ إذا هو على خي عمل ‪ ،‬وعلى استقامة ؛ فيفوز بالسعادة والنجاة يوم‬ ‫القيامة ‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫وأرسل ال (‪ )1‬جيع الرسل مبشرين ومنذرين ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪ُ { :‬رسُلًا ّمبَشّرِينَ‬ ‫ج ٌة َبعْدَ ال ّرسُلِ } ‪.‬‬ ‫َومُنْ ِذرِينَ ِلئَلّا يَكٌونَ لِلنّاسِ عَلَى الِ حُ ّ‬ ‫وأولم نوح ـ عليه السلم ـ وآخرهم ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلّم‪ ،)2(-‬وهو خات‬ ‫النبيي ‪ ،‬والدليل على أن أولم نوح قوله تعال ‪ِ { :‬إنّا َأوْ َحيْنَا إَِليْكَ كَمَا َأوْ َحْينَا إِلَى نُوحٍ‬ ‫وَالّنِبيّيَ مِ ْن َبعْدِهِ } ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬والرسول ـ صلى ال عليه وسلّم‪-‬مرسل إل جيع الناس إل الن والنس ‪ ،‬كما قال تعال ‪:‬‬ ‫{ ُقلْ يَا أَّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُو ُل الِ إَِليْكُمْ جَمِيعًا } ‪ ،‬وقال تعال ‪َ { :‬ومَا َأ ْرسَلْنَاكَ إِلّا كَافّةً لِلنّاسِ‬ ‫شيًا وَنَذِيرًا } ؛ فهو خات النبياء ليس بعده نب ‪ .‬وهكذا الرسل جيعا أرسلوا إل أمهم مبشرين‬ ‫بَ ِ‬ ‫ومنذرين ‪ ،‬من أولم إل آخرهم ‪ ،‬فأولم نوح بعثه لا وقع الشرك ف قومه ‪ .‬وقبله آدم ن رسول‬ ‫مكلف ‪ ،‬أرسله ال إل ذريته ؛ ليعبدوا ال بالشريعة الت جاء با أبوهم آدم ـ عليه الصلة والسلم‬ ‫ـ ‪ .‬واستمروا على السلم والستقامة ‪ ،‬حت وقع الشرك ف قوم نوح ‪ ،‬فلما وقع الشرك ف قوم‬ ‫نوح ؛ أرسل ال إليهم نوحا ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪ ،‬وهو أول الرسل إل أهل الرض بعد‬ ‫وقوع الشرك ‪ .‬وكل أمة بعث ال إليهم رسول ؛ فعاد أرسل ال إليهم هودا ‪ ،‬ث أرسل ال صالا إل‬ ‫قومه ثود ‪ ،‬ث أرسل إبراهيم ولوطا وشعيبا وهارون وعيسى وأيوب وداود وسليمان ‪ ،‬ث ختموا‬ ‫بحمد ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬ث ختموا بحمد ـ عليه الصلة والسلم ـ ‪ ،‬وهو خاتهم وآخرهم وأفضلهم ـ عليه الصلة‬ ‫ل حُجّ ٌة َبعْدَ الرّسُ ِل } ‪،‬‬ ‫س َعلَى ا ِ‬ ‫شرِي َن َومُنْ ِذرِينَ لَِئلّا يَكُونَ لِلنّا ِ‬ ‫والسلم ـ قال تعال ‪ { :‬رُسُلًا ُمبَ ّ‬ ‫فقوله مبشرين ‪ :‬يعن ‪ :‬يبشرون من أطاعهم بالنة ‪ ،‬ومنذرين‪ :‬يعن ينذرون الناس من الشرك بال‬ ‫ومن النار والعذاب الليم إذا خالفوا أمر ال ‪ .‬وهكذا ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلّم‪-‬أرسله ال‬ ‫شرًا وَنَذِيرًا ـ َودَاعِيًا إِلَى الِ ِبِإذِْنهِ‬ ‫بشيا= =ونذيرا ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬إِنّا َأرْ َسلْنَاكَ شَاهِدًا َومُبَ ّ‬ ‫ل وَخَاتَمَ‬ ‫وَ ِسرَاجًا مّنِيًا } ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَ َحدٍ مّن رّجَالِكُ ْم وَلَكِن رّسُو َل ا ِ‬ ‫النِّبّييَ } ‪ .‬فالواجب على جيع المم اتباع رسلهم ‪ .‬فكل أمة يب عليها أن تتبع رسولا ‪ ،‬وتنقاد لا‬ ‫جاء به من الدى ‪ .‬وقد وعدها ال على ذلك السعادة ف الدنيا والخرة ‪ ،‬وأكثر اللق قد عصوا‬ ‫صتَ بِ ُم ْؤمِنيَ } وقال‬ ‫س وََلوْ َح َر ْ‬ ‫رسلهم وخالفوا ما جاءت به الرسل ‪ ،‬قال تعال ‪َ { :‬ومَا أَكَْث ُر النّا ِ‬ ‫تعال ‪ { :‬وَإِنْ تُطِعْ أَ ْكَث َر مَنْ فِي الَْأ ْرضِ ُيضِلّو َك عَنْ سَبِيلِ الِ } ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬وََقلِيل مّ ْن عِبَا ِديَ‬ ‫ي}‪.‬‬ ‫ق عَلَْيهِمْ ِإبْلِيسُ ظَّنهُ إِلّا َفرِيقًا مّنَ الْ ُم ْؤمِِن َ‬ ‫الشّكُورُ} ‪ ،‬وقال تعال ‪ { :‬وََلقَ ْد صَدّ َ‬ ‫‪29‬‬

‫وكل أمة بعث ال إليهم رسول من نوح إل ممد يأمرهم (‪ )1‬بعبادة ال وحده وينهاهم‬ ‫عن الطاغوت(‪ . )2‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬وََلقَ ْد َب َعثْنَا فِي كُلّ ُأ ّمةٍ َرسُولًا َأنِ ا ْعبُدُواْ الَ‬ ‫وَا ْجتَِنبُواْ الطّاغُوتَ } وافترض ال على جيع العباد الكفر بالطاغوت واليان بال ‪.‬قال‬ ‫ابن القيم ـ رحه ال تعال ـ معن الطاغوت ما تاوز به العبد حده من معبود أو متبوع‬ ‫أو مطاع ‪ ،‬والطواغيت كثيون ‪ ،‬ورؤوسهم خسة ‪ :‬إبليس ـ لعنه ال ـ ‪ ،‬ومن عبد‬ ‫وهو راض ‪ ،‬ومن دعا الناس إل عبادة نفسه ‪ ،‬ومن ادعى شيئا من علم الغيب ‪ ،‬ومن‬ ‫() وكل رسول يدعو أمته إل توحيد ال ‪ ،‬وطاعته وترك الشرك به ومعصيته ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬وََلقَدْ‬ ‫ل وَا ْجتَِنبُواْ الطّاغُوتَ } ‪ ،‬اعبدوا ال يعن ‪ :‬أطيعوه ووحدوه‬ ‫َبعَْثنَا فِي كُلّ ُأمّ ٍة رّسُولًا أَنِ ا ْعبُدُوْا ا َ‬ ‫واستقيموا على دينه ‪ ،‬واجتنبوا الطاغوت ‪.‬‬ ‫() والطاغوت ‪ :‬هو كل ما عبد من دون ال وهو راض ‪ ،‬وكل من حكم بغي ما أنزل ال ‪ ،‬أو دعا‬ ‫إل ذلك ‪ .‬والطاغوت ‪ :‬هو الذي يتجاوز الد إما بشركه وكفره ‪ ،‬وإما بدعوته إل ذلك ‪ ،‬وشرهم‬ ‫ورأسهم إبليس ـ لعنه ال ـ‪ .‬وهكذا كل من دعا إل عبادة نفسه ‪ ،‬أو رضي أن يعبد من دون‬ ‫ال ‪ ،‬كفرعون والنمرود ‪ ،‬أو ادعى شيئا من علم الغيب ؛ كالكهنة والعرافي والسحرة ف الاهلية‬ ‫وف السلم ‪ .‬وكذلك من حكم بغي ما أنزل ال متعمدا ‪ ،‬فهؤلء رؤوس الطواغيت ‪ .‬وكل من‬ ‫جاوز الد ‪ ،‬وخرج عن طاعة ال ؛ يسمى طاغوت ‪ .‬قال تعال ك { لَا إِ ْكرَاهَ فِي الدّي ِن قَد تَّبيّنَ‬ ‫الرّشْ ُد مِنَ اْلغَيّ } ؛ فالرشد ‪ :‬السلم وما جاء به النب ـ صلى ال عليه وسلّم‪ ،-‬والغي ‪ :‬الكفر‬ ‫سكَ بِاْل ُع ْروَةِ اْلوُْثقَى لَا‬ ‫بال والضلل ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬فَمَن يّ ْك ُفرْ بِالطّاغُوتِ وَُي ْؤمِنْ بِالِ َفقَدِ اسْتَمْ َ‬ ‫ل سَمِي ٌع َعلِيمٌ } ‪ .‬فيكفر بالطاغوت ‪ :‬يعن يتبأ منه ‪ ،‬ويعتقد بطلنه ‪ ،‬فيتبأ من‬ ‫اْنفِصَامَ َلهَا وَا ُ‬ ‫الشرك ‪َ { ،‬وُي ْؤمِنْ بِالِ } ‪ :‬يعن يصدق أن ال معبوده ‪ ،‬وإله الق ‪ ،‬ويؤمن بالشريعة وبحمد ـ‬ ‫سكَ } ‪ :‬يعن ‪:‬‬ ‫عليه الصلة والسلم ـ وينقاد لذلك ‪ .‬هذا هو الؤمن ‪ .‬ث قال ‪َ { :‬فقَدِ اسْتَ ْم َ‬ ‫استعصم ‪ { ،‬بِاْل ُع ْروَةِ اْل ُوْثقَى } ‪ :‬وهي ل إله إل ال ؛ كلمة التوحيد ‪ ،‬يعن ‪ :‬فقد استمسك بالعروة‬ ‫الت ل انقطاع لا ‪ ،‬بل من استمسك با صادقا واستقام عليها ‪ ،‬وصل إل النة والكرامة ؛ لن لا‬ ‫حقوقا ‪ ،‬وهي ‪ :‬توحيد ال ‪ ،‬وطاعته ‪ ،‬واتباع شريعته ‪ .‬وممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلّم‪-‬هو خات‬ ‫النبياء والرسلي ‪ ،‬وهو رسول ال إل جيع أهل الرض ‪ ،‬من الن والنس ‪ ،‬فيجب على جيع‬ ‫الكلفي طاعته واتباع شريعته‪ ،‬ول= =يوز لحد الروج عنها ‪ .‬وجيع الشرائع الاضية كلها‬ ‫نسخت بشريعته ـ عليه الصلة والسلم ـ كما قال ال عز وجل ‪ { :‬قُلْ يَا َأّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ‬ ‫صرُو ُه وَاتَّبعُواْ النّورَ‬ ‫الِ ِإلَيْكُ ْم جَمِيعًا } الية ‪ .‬وقال قبلها سبحانه ‪ { :‬فَالّذِي َن َآمَنُواْ ِب ِه َو َع ّزرُو ُه وََن َ‬ ‫الّذِي أُْنزِ َل َم َعهُ أُوَلِئكَ هُ ُم الْ ُمفْلِحُو َن } ‪ .‬وقال سبحانه ‪َ { :‬ومَن يّ ْك ُفرْ ِب ِه مِنَ الَْأ ْحزَابِ فَالنّا ُر َموْعِ ُدهُ‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪30‬‬

‫حكم بغي ما أنزل ال ‪ ،‬والدليل قوله تعال ‪ { :‬لَا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تَّبيّنَ ال ّرشْ ُد مِ َن اْلغَيّ‬ ‫ل سَمِيعٌ‬ ‫ك بِاْلعُ ْر َوةِ اْل ُوثْقَى لَا اْن ِفصَامَ َلهَا وَا ُ‬ ‫فَمَن ّي ْكفُ ْر بِالطّاغُوتِ َوُي ْؤمِ ْن بِالِ َفقَ ِد ا ْستَمْسَ َ‬ ‫عَلِيمٌ } ‪.‬‬ ‫وهذا هو معن ل إله إل ال ‪ ،‬وف الديث ‪ " :‬رأس المر(‪ )1‬السلم ‪ ،‬وعموده الصلة ‪،‬‬ ‫وذروة سنامه الهاد ف سبيل ال " ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫} ‪ ،‬وقال ـ عليه الصلة والسلم ـ ف الديث الصحيح ‪ " :‬والذي نفسي بيده ؛ ل يسمع ب أحدٌ‬ ‫مِن هذه الم ِة يهوديّ ول نصران ث يوت ول يؤمنْ بالذي أرسِ ْلتُ به إل كان من أهل النار "‬ ‫[ أخرجه مسلم ف صحيحه ] ‪ .‬واليات والحاديث ف ذلك كثية ‪ .‬وقد أجع أهل العلم ـ رحهم‬ ‫ال ـ على أنه ل يسع أحدا من هذه المة الروج على شريعة ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلّم‪ ،-‬وأن‬ ‫من اعتقد ذلك ؛ فهو كافركفرا أكب مرجا من اللة ‪ .‬نسأل ال العافية والسلمة ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬وف الديث " رأس المر السلم ‪ ،‬وعموده الصلة ‪ ،‬وذروة سنامه الهاد ف سبيل ال " ‪ .‬فعلى‬ ‫جيع الكلفي أن يوحدوا ال ‪ ،‬ويعبدوه دون كل ما سواه ‪ ،‬وأن يكفروا بالطاغوت وينكروا‬ ‫عبادته ‪ ،‬ويلتزموا بالتوحيد ‪ ،‬واتباع شريعته ـ سبحانه وتعال ـ ‪ ،‬وتعظيم أمره ونيه ‪ .‬و " رأس‬ ‫المر " ‪ :‬يعن رأس الدين هو السلم ‪ ،‬يعن شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممد رسول ال ‪ .‬فمن‬ ‫التزم با دخل السلم ‪ .‬وعموده الصلة ‪ :‬وهي الركن الثان ‪ ،‬وهي أعظم الركان بعد الشهادتي ‪،‬‬ ‫ث يلي ذلك الزكاة‪ ،‬والصيام ‪ ،‬والج ‪ ،‬وبقية أوامر ال ‪ " .‬وذروة سنامه الهاد ف سبيل ال " ؛ لن‬ ‫به صيانة الدين وحايته ‪ ،‬وبه دعوة الناس إل دين ال وإلزامهم بالق ‪ .‬فهو ذروة سنامه ـ من جهة‬ ‫ما تضمنه من حاية الدين والدعوة إل الق ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬ ‫()‬

‫أعده بعض طلبة العلم‪ ،‬وحول إلى صورة (‪ )Word‬بواسطة موقع أبي عبدال الجري لطلب العلم والمتون‬

‫العلمية‪ ،‬تم النتهاء منه صبيحة يوم الجمعة ‪ 15‬جمادي الثانية ‪1426‬هـ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪31‬‬

Related Documents