الموسوعة الفقهية /الجزء الحادي والعشرون التّعريف :دفع * - 1الدّفع :مصدر دفع .ومن معاني مادته في اللّغة :التنحية والمماطلة والمحاجّة عن الغير والردّ ،ويشمل ردّ القول وردّ غيره ،كالوديعة مثلً ،والرتحال عن الموضع ، والمجيء بمرة .وإذا بني فعله للمفعول كان بمعنى النتهاء إلى الشيء . وأما معناه في الصطلح :فهو كما جاء في الكلّيات :صرف الشيء قبل الورود ،وإذا عدّي فعله بإلى كان معناه النالة نحو قوله تعالى { :فَادْ َفعُو ْا إَِل ْي ِهمْ َأمْوَاَل ُهمْ } وإذا عدّي بعن ن آ َمنُوا } . عنِ اّلذِي َ كان معناه الحماية كما في قوله تعالى ِ { :إنّ اللّهَ ُيدَافِعُ َ وأما الفقهاء فإنهم يستعملون الدّفع بمعنى العطاء ،أو الخراج ،أو الداء كما في الزكاة . ويستعملونه أيضا بمعنى الردّ كما في ردّ الوديعة إلى المودع . ويستعملونه أيضا بمعنى اتقاء الشر ومنعه كما في دفع الصائل . ويستعملونه أيضا بمعنى ردّ خصومة المدعي وإبطال دعواه .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -درء : - 2ومعناه في اللّغة :الدّفع .قال في المصباح :درأت الشيء بالهمزة -درءا من باب نفع ،دفعته ،ودارأته دافعته ،وتدارؤوا تدافعوا . في الصطلح :أيضا معناه الدّفع . والفقهاء يستعملونه بهذا المعنى كقولهم :الحدود تندرىء بالشّبهات . ب -ردّ : - 3ومن معانيه في اللّغة :المنع .والرجوع ،أو الرسال .قال في المصباح :رددت الشيء ردّا منعته فهومردود ،وقد يوصف بالمصدر فيقال :فهو ردّ .ورددت عليه قوله . ورددت إليه جوابه أي رجعت وأرسلت .ومنه رددت عليه الوديعة أي دفعتها إليه . ج -رفع : - 4وهو في اللّغة :خلف الخفض ،ومن معانيه في اللّغة أيضا إذاعة المر ،والشّرف في النّسب ،والسراع في السير ،وقبول العمل ،وهو في الجسام حقيقة في الحركة والنتقال . وفي المعاني محمول على ما يقتضيه المقام ،ومعناه في الصطلح :يقابل معنى الدّفع إذ معناه صرف الشّيء بعد وروده ،والدّفع صرفه قبل وروده . د -منع :
- 5ومن معانيه في اللّغة :الحرمان من المر ،والكفّ عنه ،ومنازعة الشّيء ،والتمنّع بالقوم :التّقوي بهم .وفي الصطلح :خلف العطاء ،والصّلة بينه وبين الدّفع هي أن الفقهاء يستعملون الدّفع ويريدون منه المنع كما في دفع الصائل .
الحكام الجمالية ومواطن البحث : - 5ذكر الفقهاء الحكام الخاصّة بمصطلح دفع في عدد من المواطن كما يلي : أ -الزّكاة : - 6ذكر الفقهاء لفظ دفع في الزّكاة في أكثر من موطن وأرادوا به أكثر من معنى ،فقد استعملوه بمعنى العطاء أو الداء ،كقولهم من يجوز أن تدفع له الصدقة ومن ليجوز ، واشتراط النيّة عند دفعها ،وبمعنى الخراج كقولهم وقت دفع الزّكاة . والتفصيل في مصطلح ( :زكاة ) . ب -الوديعة : - 7ذكر الفقهاء لفظ الدّفع أيضا في الوديعة ،وأرادوا به الردّ ،أي ردّها إلى المودع ودفعها إليه ،أو إلى وكيله عند طلبها .فإن أخّرها حتّى تلفت ضمن . والتفصيل في مصطلح ( :وديعة ) . ج -الصّيال : - 8يذكر الفقهاء الدّفع في الصّيال ويعنون به منع الصّائل من تحقيق غرضه واتقاء شرّه . والصّائل هو من قصد غيره بشرّ سواء أكان الصّائل مسلما أم ذميا أم عبدا أم حرّا أم صبيّا أم مجنونا أم بهيمة ،فيجوز دفعه عن كل معصوم من نفس ،أو طرف ،أو منفعة ،وعن البضّع ،ومقدماته ،وعن المال ،وإن قلّ ،مع رعاية التدريج في كيفية الدّفع بأن يبدأ بالهون ،فإن لم يمكنه دفعه إل بقتله قتله .ول ضمان عليه بقصاص ،ول دية ،ول كفّارة ،ول قيمة . فإن قتل المدافع كان شهيدا لخبر « :ومن قتل دون ماله فهو شهيد » ولنّه قتل لدفع ظالم ، فكان شهيدا كالعادل إذا قتله الباغي .والتّفصيل في مصطلح ( :صيال ) . د -دعوى : - 9يذكر الفقهاء الدّفع في الدّعوى ويعنون به ردّ كلم المدعي وإبطال دعواه . ومما ذكروه في هذا الشّأن أن يقول المدعى عليه هذا الشّيء أودعنيه فلن الغائب أو رهنه عندي ،أو غصبته منه ،أو أعارني ،أو آجرني .وأقام على ذلك بيّنة ،فحينئذ تندفع الخصومة إل أن يكون المدّعى عليه محتالً كما ذكر الحنفيّة .
ومما تندفع به دعوى من ادّعى على رجل بملكٍ إنكارُ المدّعى عليه لتلك الدعوى ،أو يُقر به لغير المدّعي كما في التبصرة من كتب المالكية . وممّا تندفع به دعوى الديْن أن يقول المدّعى عليه :قضيت ،أو أبرأني ،كما ذكر الشّافعية. وتندفع دعوى من ادّعى زوجية امرأة ول بيّنة له بإنكارها ،ول يستحلف كما ذكرالحنابلة ، والتفصيل في مصطلح ( :دعوى ) .
الدّفع أقوى من الرّفع : - 10وهي قاعدة فقهية ذكرها الزركشي في المنثور . ومن فروعها أنّ الماء المستعمل إذا بلغ قلّتين ل يعود طهورا في وجه ،وفي وجه يعود . فأما إذا كان الماء قلّتين قبل الستعمال فإنّه ل يصير مستعملً به .والفرق أنّ الماء إذا استعمل وهو قلّتان كان دافعا للستعمال ،وإذا جمع كان رافعا .والدّفع أقوى من الرّفع . ن السفر قبل الشروع في الصّيام يبيح الفطر .ويدفع الصّوم . ومن فروعها أيضا أ ّ ولو سافر في أثناء يوم من رمضان ل يبيحه .ول يرفع الصّوم .والدّفع أقوى من الرّفع . هذا ويرد ذكر الدّفع في كلم الفقهاء في كثير من أبواب الفقه ومسائله ،كالصّلة ،والحرام، والسّلم ،والحوالة ،والرهن ،والضّمان ،والكفالة ،والمضاربة ،والمزارعة ،والوكالة ، والعارية ،واللّقطة ،والوقف ،والوصيّة ،والنّفقات ،والجنايات ،والحدود ،والجهاد ، والجزية .والتّفصيل في المصطلحات الخاصّة بتلك البواب و المسائل .
انظر :صيال .
دفع الصّائل * دفّ *
انظر :ملهي .
التّعريف :
دفن *
- 1الدّفن في اللّغة بمعنى المواراة والسّتر .يقال :دفن الميّت واراه ،ودفن سرّه :أي كتمه .وفي الصطلح :مواراة الميّت في التّراب .
الحكم الجماليّ : - 2دفن المسلم فرض كفاي ٍة إجماعا إن أمكن .والدّليل على وجوبه :توارث النّاس من لدن آدم عليه السّلم إلى يومنا هذا مع النّكير على تاركه .
وأوّل من قام بالدّفن هو قابيل الّذي أرشده اللّه إلى دفن أخيه هابيل ،لمّا جاء في قوله تعالى ت أَنْ عجَزْ ُ ض ِل ُيرِيَ ُه َك ْيفَ يُوَارِي سَوْء َة َأخِيهِ قَالَ يَا َويَْلتَا َأ َ لرْ ِ ث فِي ا َ غرَابا َي ْبحَ ُ { َف َبعَثَ الّلهُ ُ صبَحَ ِمنَ النّا ِدمِينَ } . ب فَأُوَا ِريَ سَوْء َة َأخِي َفأَ ْ ن ِمثْلَ هَـذَا ا ْل ُغرَا ِ َأكُو َ وإذا لم يمكن :كما لو مات في سفينةٍ ،غسّل وكفّن وصلّي عليه ثمّ ألقي في البحر إن لم يكن قريبا من البرّ .وتقدير القرب :بأن يكون بينه وبين البرّ مدّة ل يتغيّر فيها الميّت .وصرّح بعض الفقهاء أنّه يثقّل بشي ٍء ليرسب ،وقال الشّافعيّ :يثقّل إن كان قريبا من دار الحرب ، ل يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى السّاحل ،فربّما وقع إلى قو ٍم يدفنونه . وإ ّ
أفضل مكان للدّفن : - 3المقبرة أفضل مكان للدّفن ،وذلك للتّباع ،ولنيل دعاء الطّارقين ،وفي أفضل مقبرةٍ ص النبياء أنّهم بالبلد أولى .وإنّما دفن النّبيّ صلى ال عليه وسلم في بيته ،لنّ من خوا ّ يدفنون حيث يموتون . ويكره الدّفن في الدّار ولو كان الميّت صغيرا .وقال ابن عابدين :وكذلك الدّفن في مدفنٍ خاصّ كما يفعله من يبني مدرس ًة ونحوها ويبني له بقربه مدفنا . وأمّا الدّفن في المساجد ،فقد صرّح المالكيّة بأنّه يكره دفن الميّت في المسجد الّذي بني للصّلة فيه . ويرى الحنابلة أنّه يحرم دفنه في مسجدٍ ونحوه كمدرس ٍة ،ورباطٍ لتعيين الواقف الجهة لغير ذلك فينبش عندهم من دفن بمسجدٍ تداركا للعمل بشرط الواقف . كما يحرم دفنه في ملك غيره بل إذن ربّه للعدوان ،وللمالك إلزام دافنه بإخراجه ونقله ليفرغ له ملكه عمّا شغله به بغير حقّ .والولى له تركه حتّى يبلى لما فيه من هتك حرمته .
نقل الميّت من مكان إلى آخر :
- 4ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجوز نقل الميّت من مكان إلى آخر بعد الدّفن مطلقا .وأفتى بعض المتأخّرين من الحنفيّة بجوازه إلّ أنّ ابن عابدين ردّه فقال نقلً عن الفتح :اتّفاق مشايخ الحنفيّة في امرأةٍ دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر ، وأرادت نقله على أنّه ل يسعها ذلك ،فتجويز بعض المتأخّرين ل يلتفت إليه . وأمّا نقل يعقوب ويوسف عليهما السلم من مصر إلى الشّام ،ليكونا مع آبائهما الكرام فهو شرع من قبلنا ،ولم يتوفّر فيه شروط كونه شرعا لنا . وأمّا قبل دفنه فيرى الحنفيّة وهو رواية عن أحمد أنّه ل بأس بنقله مطلقا ،وقيل إلى ما دون مدّة السّفر ،وقيّده محمّد بقدر ميلٍ أو ميلين .
ل; وذهب جمهور الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجوز نقل الميّت قبل الدّفن من بلدٍ إلى آخر إ ّ لغرضٍ صحيحٍ .وبه قال الوزاعيّ وابن المنذر . قال عبد اللّه بن أبي مليكة « :توفّي عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ بالحبشة ،فحمل إلى مكّة فدفن ،فلمّا قدمت عائشة رضي ال تعالى عنها أتت قبره ،ث ّم قالت :واللّه لو حضرتك ما دفنت إلّ حيث متّ ،ولو شهدتك ما زرتك » . ن ذلك أخفّ لمؤنته ،وأسلم له من التّغيير ،وأمّا إن كان فيه غرض صحيح جاز . ول ّ قال الشّافعيّ رحمه ال :ل أحبّه إلّ أن يكون بقرب مكّة ،أو المدينة ،أو بيت المقدس . فيختار أن ينقل إليها لفضل الدّفن فيها ،وقال بعض الشّافعيّة :يكره نقله ،وقال صاحب " التّتمّة " وآخرون :يحرم نقله . وأمّا المالكيّة فيجوز عندهم نقل الميّت قبل الدّفن وكذا بعده من مكان إلى آخر بشروطٍ هي : أن ل ينفجر حال نقله أن ل تنتهك حرمته وأن يكون لمصلح ٍة :كأن يخاف عليه أن يأكله البحر ،أو تُرجى بركة الموضع المنقولإليه ،أو ليدفن بين أهله ،أو لجل قرب زيارة أهله ،أو دفن من أسلم بمقبرة الكفّار ، فيتدارك بإخراجه منها ،ودفنه في مقبرة المسلمين . فإن تخلّف شرط من هذه الشّروط الثّلثة كان النّقل حراما . ن الشّهيد يستحبّ دفنه حيث قتل .لما روي « أنّ النّبيّ صلى ال عليه واتّفق الئمّة على أ ّ وسلم أمر بقتلى أحدٍ أن يردّوا إلى مصارعهم » .وأنّه ينزع عنه الحديد والسّلح ،ويترك ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمر عليه خفّاه ،وقلنسوته ; لما روي عن ابن عبّاسٍ « :أ ّ بقتلى أحدٍ أن ينزع عنهم الحديد والجلود ،وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم » . ودفن الشّهيد بثيابه حتم عند الحنفيّة والمالكيّة عملً بظاهر الحديث ،وأولى عند الشّافعيّة والحنابلة .فللوليّ أن ينزع عنه ثيابه ،ويكفّنه بغيرها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :شهيد ،وتكفين ) . وصرّح الشّافعيّة بأنّ الكافر إن مات في الحجاز ،وشقّ نقله منه لتقطّعه ،أو بُعد المسافة من غير الحجاز أو نحو ذلك دفن َثمّ ،أمّا الحربيّ فل يجب دفنه ،وفي وج ٍه ل يجوز ،فإن دفن فيترك . ل لذلك ،وإن كان بإذنٍ من ن المحلّ غير قاب ٍ وأمّا في حرم مكّة فينقل منه ولو دفن ،ل ّ ل إذا ن بقاء جيفته فيه أشدّ من دخوله حيّا إ ّ ن إذن المام ل يؤثّر في ذلك .ول ّ المام ،ل ّ
تهرّى وتقطّع بعد دفنه ترك .وليس حرم المدينة كحرم مكّة فيما ذكر لختصاص حرم مكّة بالنّسك .
دفن القارب في مقبرةٍ واحدةٍ : - 5صرّح جمهور الفقهاء بأنّه يجوز جمع القارب في الدّفن في مقبرةٍ واحدةٍ ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا دفن عثمان بن مظعونٍ « :أدفن إليه من مات من أهلي » . ن ذلك أسهل لزيارتهم وأكثر للتّرحّم عليهم ،ويسنّ تقديم الب ،ثمّ من يليه في السّنّ ول ّ والفضيلة إن أمكن .
الحقّ بالدّفن :
- 6ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الولى بدفن المرأة محارمها الرّجال القرب فالقرب وهم الّذين كان يحلّ لهم النّظر إليها في حياتها ولها السّفر معهم ،لما روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قام عند منبر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حين توفّيت زينب بنت جحشٍ رضي ال عنها ،فقال :أل إنّي أرسلت إلى النّسوة من يدخلها قبرها ،فأرسلن :من كان يحلّ له الدّخول عليها في حياتها ،فرأيت أن قد صدقن . ن امرأة عمر رضي ال تعالى عنهما لمّا توفّيت قال لهلها :أنتم أحقّ بها . ول ّ ولنّهم أولى النّاس بوليتها حال الحياة ،فكذا بعد الموت ،ثمّ زوجها ،لنّه أشبه بمحرمها من النّسب من الجانب ،ولو لم يكن فيهم ذو رحمٍ فل بأس للجانب وضعها في قبرها ،ول ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم حين ماتت ابنته أمر أبا يحتاج إلى إحضار النّساء للدّفن « ،ل ّ طلحة ،فنزل في قبر ابنته » .وهو أجنبيّ ،ومعلوم أنّ محارمها كنّ هناك ،كأختها فاطمة ي صلى ال عليه وسلم وعصر ولنّ تولّي النّساء ،لذلك لو كان مشروعا لفعل في عصر النّب ّ خ ،ثمّ أفضل دينا ومعرف ًة .فإن لم يكن ،فقد خلفائه ،ولم ينقل .ثمّ يقدّم خصيّ ،ثمّ شي ٌ ن النّظر إليها وهنّ ب إليّ أن يدخلها النّساء ،لنّه مباح له ّ روي عن أحمد أنّه قال :إنّه أح ّ أحقّ بغسلها ،القربى فالقربى كالرّجال . ن منظوره أكثر . واستثنى الشّافعيّة الزّوج ،فإنّه أحقّ من غيره ،ل ّ ن الميّت إن كان رجلً فيضعه في قبره الرّجال ،وإن كانت امرأ ًة فيتولّى ص المالكيّة بأ ّ ون ّ ذلك زوجها من أسفلها ومحارمها من أعلها ،فإن لم يكن فصالحوا المؤمنين ،فإن وجد من النّساء من يتولّى ذلك فهو أولى من الجانب . ن الولى بدفن الرّجال أولهم بغسله والصّلة عليه ،فل ينزل وقال الشّافعيّة والحنابلة :إ ّ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لحده العبّاس وعليّ وأسامة القبر إلّ الرّجال متى وجدوا « ،ل ّ رضي ال عنهم » ،وهم الّذين كانوا تولّوا غسله ،ولنّ المقدّم بغسله أقرب إلى ستر أحواله
،وقلّة الطّلع عليه ،ثمّ أقرب العصبة ،ثمّ ذوو أرحامه القرب فالقرب ،ثمّ الرّجال الجانب ،ثمّ من محارمه من النّساء ،ثمّ الجنبيّات ،للحاجة إلى دفنه وعدم غيرهنّ . أمّا دفن القاتل للمقتول :فقد صرّح الحنابلة بأنّه ل حقّ له في دفنه ،لمبالغته في قطيعة الرّحم .
دفن المسلم للكافر : ل لضرورةٍ ، - 7ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يجوز للمسلم أن يدفن كافرا ولو قريبا إ ّ بأن ل يجد من يواريه غيره فيواريه وجوبا « .لنّه صلى ال عليه وسلم لمّا أخبر بموت أبي طالبٍ قال لعليّ رضي ال عنه :اذهب فواره » وكذلك قتلى بدرٍ أُلقوا في القليب ،أو لنّه يتضرّر بتركه ويتغيّر ببقائه .ول يستقبل به قبلتنا لنّه ليس من أهلها ،ول قبلتهم لعدم سنّة . اعتبارها ،فل يقصد جهةً مخصوصةً ،بل يكون دفنه من غير مراعاة ال ّ وكذلك ل يُترك ميّت مسلم لوليّه الكافر فيما يتعلّق بتجهيزه ودفنه ،إذ ل يؤمن عليه من دفنه في مقبرة الكفّار واستقباله قبلتهم ،وغير ذلك .
كيفيّة الدّفن :
ب أن يدخل الميّت من قِبل القبلة بأن يوضع من جهتها ،ثمّ - 8ذهب الحنفيّة إلى أنّه يستح ّ يحمل فيلحد ،فيكون الخذ له مستقبل القبلة حال الخذ . وروي ذلك عن عليّ رضي ال عنه .وقال النّخعيّ :حدّثني من رأى أهل المدينة في الزّمن ل شيء أحدثه أهل المدينة . الوّل يدخلون موتاهم من قبل القبلة ،وأنّ السّ ّ وقال المالكيّة :إنّه ل بأس أن يدخل الميّت في قبره من أيّ ناحيةٍ كان والقبلة أولى . ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه يستحبّ السّلّ ،بأن يوضع الميّت عند آخر القبر ثمّ يسلّ من قبل رأسه منحدرا . وروي ذلك عن ابن عمر وأنسٍ ،وعبد اللّه بن يزيد النصاريّ ،والشّعبيّ . ي صلى ال عليه وسلم ن النّب ّ س رضي ال عنهم « أ ّ واستدلّوا بما روي عن ابن عمر وابن عبّا ٍ سلّ من قبل رأسه سلً » . والخلف بين الفقهاء هنا خلفٌ في الولى ،وعلى هذا فإن كان السهل عليهم أخذه من القبلة أو من رأس القبر فل حرج ،لنّ استحباب أخذه من أسفل القبر إنّما كان طلبا للسّهولة ل ل بأس عليهم والرّفق بهم ،فإن كان السهل غيره كان مستحبّا ،قال أحمد رحمه ال :ك ّ به . ثمّ يوضع على شقّه اليمن متوجّها إلى القبلة ،ويقول واضعه :بسم اللّه وعلى ملّة رسول ي صلى ال عليه وسلم كان إذا أدخل الميّت في ن النّب ّ اللّه ،لما ورد عن عبد اللّه بن عمر « أ ّ
القبر ،قال مرّةً :بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه .وقال مرّ ًة :بسم اللّه وباللّه وعلى سنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » ومعنى بسم اللّه ،وعلى ملّة رسول اللّه :بسم اللّه وضعناك ،وعلى ملّة رسول اللّه سلّمناك. وقال الماتريديّ :هذا ليس دعا ًء للميّت ،لنّه إن مات على ملّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لم يجز أن يبدّل حاله ،وإن مات على غير ذلك لم يبدّل أيضا ،ولكنّ المؤمنين شهداء سنّة . اللّه في أرضه ،فيشهدون بوفاة الميّت على الملّة ،وعلى هذا جرت ال ّ وفيها أقوال أخرى ذكرت في كتب الفقه . ثمّ تحلّ عقد الكفن للستغناء عنها ،ويسوّى اللّبن على اللّحد ،وتسدّ الفرج بالمدر والقصب جرّ المطبوخ إلّ إذا كانت أو غير ذلك كي ل ينزل التّراب منها على الميّت ،ويكره وضع ال ُ الرض رخو ًة ،لنّها تستعمل للزّينة ،ول حاجة للميّت إليها ،ولنّه ممّا مسّته النّار . جرّ في بلدنا للحاجة إليه لضعف الراضي ،وكذلك الخشب قال مشايخ بخارى :ل يكره ال ُ . ن رسول اللّه صلى ال ويستحبّ حثيه من قبل رأسه ثلثا :لما روي عن أبي هريرة « :أ ّ عليه وسلم صلّى على جناز ٍة ،ثمّ أتى القبر فحثى عليه من قبل رأسه ثلثا » . ويقول في الحثية الولى ِ { :م ْنهَا خَلَ ْقنَاكُمْ } ،وفي الثّانية َ { :وفِيهَا ُنعِيدُ ُكمْ } ،وفي الثّالثة { : خرَى } . جكُمْ تَارَ ًة ُأ ْ خ ِر ُ َو ِم ْنهَا ُن ْ وق يل :يقول في الولى :اللّه مّ جاف الرض عن ج نبيه ،و في الثّان ية :اللّه مّ اف تح أبواب ال سّماء لرو حه ،و في الثّال ثة :اللّه مّ زوّ جه من الحور الع ين ،وللمرأة :اللّه ّم أدخل ها الجنّة برحمتك .ثمّ يهال التّراب عليه ،وتكره الزّيادة عليه ،لنّه بمنزلة البناء . ل بل ويحرم أن يوضع تحت الميّت عند الدّفن مخدّة أو حصير أو نحو ذلك ،لنّه إتلف ما ٍ ضرور ٍة ،بل المطلوب كشف خدّه ،والفضاء إلى التّراب استكانةً وتواضعا ،ورجاءً لرحمة اللّه .وما روي « أنّه جعل في قبره صلى ال عليه وسلم قطيفةً » ،قيل :لنّ المدينة سبخة ،وقيل :إنّ العبّاس وعليّا رضي ال عنهما تنازعا فبسطها شقران تحته لقطع التّنازع .وقيل :كان عليه الصلة والسلم يلبسها ويفترشها ،فقال شقران :واللّه ل يلبسك أحد بعده أبدا فألقاها في القبر ،ولكنّه لم يشتهر ليكون إجماعا منهم ،بل ثبت عن غيره ن ابن عبّاسٍ كره أن يلقى تحت الميّت شيء عند الدّفن . خلفه كما رواه التّرمذيّ أ ّ وعن أبي موسى قال " :ل تجعلوا بيني وبين الرض شيئا " . ول تعيين في عدد من يدخل القبر عند جمهور الفقهاء ،فعلى هذا يكون عددهم على حسب حال الميّت ،وحاجته ،وما هو أسهل في أمره .
وذهب الشّافعيّة ،وهو قول القاضي من الحنابلة ،إلى أنّه يستحبّ أن يكون وترا ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ألحده ثلثة . ل واحدٍ في قبرٍ ،بدأ بمن يخشى تغيّره، ولو مات أقارب الشّخص دفعةً واحد ًة ،وأمكنه دفن ك ّ ثمّ الّذي يليه في التّغيير ،فإن لم يخش تغيّر بدأ بأبيه ،ثمّ أمّه ،ثمّ القرب فالقرب ،فإن كانا أخوين فأكبرهما ،وإن كانتا زوجتين أقرع بينهما .
أقلّ ما يجزئ في الدّفن : ن أقلّ ما يجزئ في الدّفن حفرة تكتم رائحة الميّت ،وتحرسه - 9صرّح جمهور الفقهاء بأ ّ عن السّباع ،لعسر نبش مثلها غالبا ،وقدّر القلّ بنصف القامة ،والكثر بالقامة ،ويندب عدم تعميقه أكثر من ذلك ،وصرّح المالكيّة بأنّه ل حدّ لكثره وإن كان النّدب عدم عمقه . ويجوز الدّفن في الشّقّ واللّحد ،فاللّحد :أن يحفر حائط القبر مائلً عن استوائه من أسفله شقّ :أن يحفر وسطه كالنّهر ،ويسقّف . قدر ما يوضع فيه الميّت من جهة القبلة .وال ّ شقّ ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قبر ) . فإن كانت الرض صلب ًة فاللّحد أفضل ،وإلّ فال ّ
تغطية القبر حين الدّفن :
- 10ل خلف بين الفقهاء في أنّه يستحبّ تغطية قبر المرأة حين الدّفن لنّها عورة ،ولنّه ل يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون ،وبناء أمرها على السّتر ،والخنثى في ذلك كالنثى احتياطا . واختلفوا في تغطية قبر الرّجل ،فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره تغطية قبر الرّجل إلّ لعذرٍ من مطرٍ وغيره ،لما روي عن عليّ رضي ال عنه ،أنّه مرّ بقو ٍم وقد دفنوا ميّتا ، وقد بسطوا على قبره الثّوب ،فجذبه وقال :إنّما يصنع هذا بالنّساء ،مع ما فيه من اتّباع أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . ب ذلك ،سواء كان رجلً أو امرأةً ،والمرأة آكد . ويرى الشّافعيّة في المذهب أنّه يستح ّ ل الشّداد ،فيظهر ما يستحبّ إخفاؤه . لنّه ربّما ينكشف عند الضطجاع وح ّ
اتّخاذ التّابوت : - 11ل خلف بين الفقهاء في أنّه يكره الدّفن في التّابوت إلّ عند الحاجة كرخاوة الرض ، وذلك ،لنّه لم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أصحابه رضوان اللّه تعالى ن فيه إضاعة المال . عليهم ،وفيه تشبّه بأهل الدّنيا ،والرض أنشف لفضلته .ول ّ وفرّق الحنفيّة بين الرّجل والمرأة ،فقالوا :ل بأس باتّخاذ التّابوت لها مطلقا ،لنّه أقرب إلى السّتر ،والتّحرّز عن مسّها عند الوضع في القبر .
الدّفن ليلً وفي الوقات المكروهة :
- 12ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو المذهب لدى الحنابلة إلى أنّه ل يكره الدّفن ليلً ، ن أبا بكرٍ رضي ال تعالى عنه دفن ليلً ،وعليّ دفن فاطمة رضي ال تعالى عنها ليلً ، لّ وممّن دفن ليلً عثمان بن عفّان ،وعائشة ،وابن مسعودٍ رضي ال تعالى عنهم .ورخّص فيه عقبة بن عامرٍ ،وسعيد بن المسيّب ،وعطاء ،والثّوريّ ،وإسحاق ،ولكنّه يستحبّ أن يكون نهارا إن أمكن ،لنّه أسهل على متّبعي الجنازة ،وأكثر للمصلّين عليها ،وأمكن سنّة في دفنه . لتّباع ال ّ ي صلى ال عليه وسلم خطب يوما ، ن النّب ّ وكرهه أحمد في روايةٍ ،والحسن ،لما ورد « أ ّ فذكر رجلً من أصحابه قبض فكفّن في كفنٍ غير طائلٍ ،وقبر ليلً ،فزجر النّبيّ صلى ال ل أن يضطرّ إنسان إلى ذلك » . عليه وسلم فيه أن يقبر الرّجل باللّيل إ ّ أمّا الدّفن في الوقات المكروهة فصرّح المالكيّة والحنابلة بأنّه يكره الدّفن عند طلوع الشّمس ،وعند غروبها ،وعند قيامها ،لقول عقبة بن عامرٍ الجهنيّ « :ثلث ساعاتٍ كان ن موتانا :حين تطلع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ ،أو أن نقبر فيه ّ الشّمس بازغ ًة حتّى ترتفع ،وحين يقوم قائم الظّهيرة ،وحين تضيّف الشّمس للغروب حتّى تغرب » . ويرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّه ل يكره الدّفن في الوقات الّتي نهي عن الصّلة فيها ،وإن كان الدّفن في غيرها أفضل .
الدّفن قبل الصّلة عليه ومن غير غسلٍ وبل كفنٍ : - 13إن دفن الميّت من غير غس ٍل ،فذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة" ل أن يخاف عليه أن يتفسّخ ،فيترك ،وبه قال أبو ثورٍ . إلى أنّه ينبش ويغسّل ،إ ّ وقال الحنفيّة وهو قول لدى الشّافعيّة :إنّه ل ينبش ،لنّ النّبش مثلة وقد نهي عنها . وتفصيل ذلك في ( نبش ) . أمّا إن دفن قبل الصّلة عليه ،فذهب الحنفيّة والشّافعيّة ،وهو رواية عن الحنابلة اختارها القاضي أنّه يصلّى على القبر ول ينبش « ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم صلّى على قبر المسكينة ،ولم ينبشها » . ب فينبش ، ويرى المالكيّة ،وهو رواية عن أحمد أنّه ينبش ويصلّى عليه ،لنّه دفن قبل واج ٍ ل. ن تغيّر فل ينبش بحا ٍ كما لو دفن من غير غسلٍ ،وهذا إذا لم يتغيّر ،أمّا إ ّ ح عند الشّافعيّة وهو وجه عند الحنابلة ،أنّه يترك اكتفاءً بستر وإن دفن بغير كفنٍ ،فالص ّ ن القصد بالكفن السّتر وقد حصل . القبر ،وحفظا ،لحرمته ،ول ّ
ح عند الشّافعيّة وهو وجه آخر عند الحنابلة ينبش ،ث ّم يكفّن ،ثمّ يدفن ،لنّ ومقابل الص ّ التّكفين واجب فأشبه الغسل .وتفصيل ذلك في ( كفن ) .
دفن أكثر من واحدٍ في قبرٍ واحدٍ : - 14ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يدفن أكثر من واحدٍ في قبرٍ واحدٍ إلّ لضرورةٍ كضيق ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يدفن كلّ مكان ،أو تعذّر حافرٍ ،أو تربةٍ أخرى « ،ل ّ ميّتٍ في قبرٍ واحدٍ » .وعلى هذا فعل الصّحابة ومن بعدهم . فإذا دفن جماعة في قبرٍ واحدٍ :قدّم الفضل منهم إلى القبلة ،ثمّ الّذي يليه في الفضيلة على حسب تقديمهم إلى المامة في الصّلة ،لما روى هشام بن عامرٍ قال « :شكونا إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوم أحدٍ فقلنا :يا رسول اللّه :الحفر علينا ،لكلّ إنسانٍ شديد . فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :احفروا وأعمقوا ،وأحسنوا ،وادفنوا الثنين والثّلثة في قبرٍ واح ٍد ،قالوا :فمن نقدّم يا رسول اللّه ؟ قال :قدّموا أكثرهم قرآنا » . ثمّ إن شاء سوّى بين رءوسهم ،إن شاء حفر قبرا طويلً ،وجعل رأس كلّ واحدٍ من الموتى عند رجل الخر ،وبهذا صرّح أحمد . ويجعل بين ميّتٍ وآخر حاجز من ترابٍ ويقدّم الب على البن ،إن كان أفضل منه ،لحرمة البوّة ،وكذا تقدّم المّ على البنت . ول يجمع بين النّساء والرّجال إلّ عند تأكّد الضّرورة ،ويقدّم الرّجل وإن كان ابنا . فإن اجتمع رجل وامرأة وخنثى وصبيّ ،قدّم الرّجل ،ثمّ الصّبيّ ،ثمّ الخنثى ،ثمّ المرأة . سنّة ت معقودٍ بالبناء يسع لجماعةٍ قياما ،لمخالفتها ال ّ ولذلك فيكره الدّفن في الفساقي ،وهي كبي ٍ ،والكراهة فيها من وجو ٍه وهي : عدم اللّحد ،ودفن الجماعة في قبرٍ واحدٍ بل ضرورةٍ ،واختلط الرّجال بالنّساء بل حاجزٍ ، وتجصيصها والبناء عليها ،وخصوصا إذا كان فيها ميّت لم يبل ،وما يفعله جهلة الحفّارين من نبش القبور الّتي لم تبل أربابها ،وإدخال أجانب عليهم ،فهو من المنكر الظّاهر ،وليس من الضّرورة المبيحة لدفن ميّتين فأكثر في قبرٍ واحدٍ . ويرى بعض الفقهاء أنّه يكره ذلك حتّى إذا صار الميّت ترابا ،لنّ الحرمة باقية .
دفن أجزاء الميّت بعد دفنه :
- 15إذا وجدت أطراف ميّتٍ ،أو بعض بدنه لم يغسّل ،ولم يصلّ عليه عند الحنفيّة ،بل يدفن .
ويرى الشّافعيّة أنّه لو وجد عضو مسلمٍ علم موته يجب مواراته بخرقةٍ ودفنه ،ولو لم يعلم موت صاحب العضو لم يصلّ عليه ،لكن يندب دفنه ،ويجب في دفن الجزء ما يجب في دفن الجملة . أمّا الحنابلة فقالوا :إن وجد جزء الميّت بعد دفنه غسّل ،وصلّي عليه ،ودفن إلى جانب ن ضرر نبش الميّت القبر ،أو نبش بعض القبر ودفن فيه ،ول حاجة إلى كشف الميّت ،ل ّ وكشفه أعظم من الضّرر بتفرقة أجزائه .
دفن المسلم في مقابر المشركين وعكسه : - 16اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم دفن مسلمٍ في مقبرة الكفّار وعكسه إلّ لضرورةٍ . أمّا لو جعلت مقبرة الكفّار المندرسة مقبرةً للمسلمين بعد نقل عظامها إن كانت جاز ،كجعلها مسجدا ،لعدم احترامهم .والدّفن في غير مقبرة الكفّار المندرسة أولى إن أمكن ،تباعدا عن مواضع العذاب .ول يجوز العكس ،بأن تجعل مقبرة المسلمين المندرسة مقبر ًة للكفّار ،ول نقل عظام المسلمين ،لتدفن في موضعٍ آخر ،لحترامها . أمّا المرت ّد فقد ذكر السنويّ نقلً عن الماورديّ أنّه ل يدفن في مقابر المسلمين لخروجه بال ّردّة عنهم ،ول في مقابر المشركين ،لما تقدّم له من حرمة السلم . وأمّا من قتل حدّا فيدفن في مقابر المسلمين ،وكذلك تارك الصّلة .
دفن كافرةٍ حاملٍ من مسلمٍ :
ل: - 17اختلف الفقهاء في دفن كافر ٍة حاملٍ من مسلمٍ على أقوا ٍ فذهب الحنفيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة ،والمذهب لدى الحنابلة إلى أنّ الحوط دفنها على ن وجه الولد لظهرها . حدةٍ ،ويجعل ظهرها إلى القبلة ،ل ّ واستدلّ الحنابلة ،لذلك بأنّها كافرة ،فل تدفن في مقبرة المسلمين فيتأذّوا بعذابها ،ول في مقبرة الكفّار ،لنّ ولدها مسلم ،في تأذّى بعذابهم ،وتدفن منفرد ًة ،وقد روي مثله عن واثلة بن السقع . ل آخر للشّافعيّة :إنّها تدفن في مقابر المسلمين ،وتنزّل منزلة صندوق الولد ،وقيل: وفي قو ٍ في مقابر الكفّار ،وهناك وجه رابع قطع به صاحب " التّتمّة " بأنّها تدفن على طرف مقابر المسلمين ،وحكي عن الشّافعيّ :أنّها تدفع إلى أهل دينها ،ليتولّوا غسلها ودفنها . واختلف الصّحابة في هذه المسألة على ثلثة أقوالٍ :قال بعضهم :تدفن في مقابرنا ترجيحا لجانب الولد ،وقال بعضهم :تدفن في مقابر المشركين ،لنّ الولد في حكم جزءٍ منها ما دام في بطنها ،وقال واثلة بن السقع :يتّخذ لها مقبرة على حدةٍ ،وهو ما أخذ به الجمهور كما سبق ،وهو الحوط ،كما ذكره ابن عابدين نقلً عن الحلية .
ل دفنت في ن المسألة مصوّرة فيما إذا نفخ فيه الرّوح وإ ّ والظّاهر كما أفصح به بعضهم :أ ّ مقابر المشركين .
الجلوس بعد الدّفن : - 18صرّح جمهور الفقهاء بأنّه يستحبّ أن يجلس المشيّعون للميّت بعد دفنه ،لدعاءٍ وقراءةٍ بقدر ما ينحر الجزور ،ويفرّق لحمه ،لما روي « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه ،فقال :استغفروا لخيكم وسلوا له التّثبيت ،فإنّه الن يسأل » .وكان ابن عمر رضي ال عنهما يستحبّ أن يقرأ على القبر بعد الدّفن أوّل سورة البقرة وخاتمتها ،ولما روي أنّ عمرو بن العاص رضي ال تعالى عنه لمّا حضرته الوفاة قال : اجلسوا عند قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم ،فإنّي أستأنس بكم .
أجرة الدّفن :
- 19ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " إلى أنّه يجوز أخذ الجرة على الدّفن ،ولكن الفضل أن يكون مجّانا ،وتدفع من مجموع التّركة ،وتقدّم على ما تعلّق بذمّة الميّت من دينٍ .ويرى الحنابلة أنّه يكره أخذ الجرة على الدّفن ،لنّه يذهب بالجر .
دفن السّقط : - 20ل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّ السّقط إذا استبان بعض خلقه يجب أن يدرج في خرق ٍة ويدفن .
دفن الشّعر والظافر والدّم :
- 21صرّح جمهور الفقهاء بأنّه يستحبّ أن يدفن ما يزيله الشّخص من ظفرٍ وشعرٍ ودمٍ ، لما روي عن ميل بنت مشرحٍ الشعريّة ،قالت « :رأيت أبي يقلّم أظفاره ،ويدفنه ويقول : رأيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك » . وعن ابن جريح عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :كان يعجبه دفن الدّم » . وقال أحمد :كان ابن عمر يفعله .وكذلك تدفن العلقة والمضغة الّتي تلقيها المرأة .
دفن المصحف : ن المصحف إذا صار بحالٍ ل يقرأ فيه ،يدفن كالمسلم ، - 22صرّح الحنفيّة والحنابلة بأ ّ ن ل يوطأ ،وفي الذّخيرة :وينبغي أن ل غير ممته ٍ فيجعل في خرقةٍ طاهرةٍ ،ويدفن في مح ّ يلحد له ول يشقّ له ،لنّه يحتاج إلى إهالة التّراب عليه ،وفي ذلك نوع تحقيرٍ إلّ إذا جعل ن أبا الجوزاء بلي له فوقه سقفا بحيث ل يصل التّراب إليه فهو حسن أيضا .ذكر أحمد أ ّ مصحف ،فحفر له في مسجده ،فدفنه .ولما روي أنّ عثمان بن عفّان دفن المصاحف بين القبر والمنبر .أمّا غيره من الكتب فالحسن كذلك أن تدفن .
القتل بالدّفن : ن من - 23ذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو مقتضى قواعد المالكيّة ومحمّد من الحنفيّة ،إلى أ ّ ن فيه الدّية . دفن حيّا فمات أنّه يجب فيه القصاص .ويرى الحنفيّة ما عدا مح ّمدًا أ ّ
دليل *
التّعريف :
- 1الدّليل لغةً :هو المرشد والكاشف ،من دللت على الشّيء ودللت إليه . ل وصف للفاعل . والمصدر دلولة ودللة ،بكسر الدّال وفتحها وضمّها .والدّا ّ ب خبريّ ولو ظنّا ،وقد يخصّه بعضهم والدّليل ما يتوصّل بصحيح النّظر فيه إلى العلم بمطلو ٍ بالقطعيّ .ولذلك كان تعريف أصول الفقه بأنّه " أدلّة الفقه " جاريا على الرّأي الوّل القائل ن أصول الفقه الّتي هي أدلّة الفقه الجماليّة ظّنيّ ،ل ّ بالتّعميم في تعريف الدّليل بما يشمل ال ّ سنّة المتواترة ،وما هو ظ ّنيّ كالعمومات وأخبار الحاد تشمل ما هو قطعيّ ،كالكتاب وال ّ والقياس والستصحاب . ظّنيّ . ومن هنا عرّفه في المحصول وفي المعتمد بأنّه " :طرق الفقه " ،ليشمل القطعيّ وال ّ
اللفاظ ذات الصّلة : أ -المارة : - 2المارة في اللّغة :العلمة وزنا ومعنىً -كما في المصباح -وهي عند الصوليّين : ب خبريّ ظ ّنيّ . ما أوصل إلى مطلو ٍ ولم يفرّق الفقهاء بين المارة والدّليل .وعند المتكلّمين :المارة ما يؤدّي النّظر الصّحيح فيه إلى الظّنّ ،سواء أكان عقليّا أم شرعيّا .أمّا الفقهاء فالمارات العقليّة عندهم أدلّة كذلك. ب -البرهان : - 3البرهان :الحجّة والدّللة ،ويطلق خاصّ ًة على ما يقتضي الصّدق ل محال ًة . وهو عند الصوليّين ما فصل الحقّ عن الباطل ،وميّز الصّحيح من الفاسد بالبيان الّذي فيه . ج -الحجّة : - 4الحجّة :البرهان اليقينيّ ،وهو ما تثبت به الدّعوى من حيث الغلبة على الخصم . والحجّة القناعيّة ،هي الّتي تفيد القانعين القاصرين عن تحصيل المطالب بالبراهين القطعيّة العقليّة وربّما تفضي إلى اليقين بالستكثار .
الدلّة المثبتة للحكام :
- 5الدلّة المثبتة للحكام نوعان :متّفق عليه ومختلف فيه .
سنّة والجماع والقياس ،الّتي ترجع إليها أدلّة الفقه فالمتّفق عليه أربعة وهي :الكتاب وال ّ الجماليّة ،والمختلف فيه كثير جمعها القرافيّ في مقدّمة الذّخيرة ،منها :الستحسان ، والمصالح المرسلة ،وسدّ الذّريعة ،والعرف ،وقول الصّحابيّ ،وشرع من قبلنا ، والستصحاب ،وإجماع أهل المدينة ،وغيرها . ويقصد بالحكام :الحكام التّكليفيّة الخمسة :الوجوب ،والنّدب ،والباحة ،والكراهة ، والحرمة .والحكام الوضعيّة :كالشّرط ،والمانع ،والسّبب ونحوها .
الدّليل الجماليّ والدّليل التّفصيليّ : - 6عرّف الصوليّون أصول الفقه لقبا بأنّه " أدلّة الفقه الجماليّة " من حيث إنّ موضوعه سنّة والجماع والقياس ،وهي الدلّة المتّفق عليها ،وما الدلّة الجماليّة ،وهي الكتاب وال ّ ل أنّها ترجع إلى الربعة المتّفق عليها ،وهي الستحسان ، يتبعها من أدلّ ٍة مختلفٍ فيها إ ّ والستصحاب ،وشرع من قبلنا ،وقول الصّحابيّ ،والستصلح . جيّة الدلّة وطرق دللتها على الحكام . وعلم أصول الفقه يبحث في إثبات ح ّ والدّليل إن نظر إليه من حيث هو مع قطع النّظر عمّا يتعلّق به من الحكام كان دليلً إجماليّا، وإن نظر إليه من حيث ما يتعلّق به من الحكام كان دليلً تفصيليّا .ومثال ذلك قوله تعالى : ن المر يفيد الوجوب ،كان دليلً إجماليّا . { وََأقِيمُوا الصّلةَ } فمن حيث إنّه أمر ،وأ ّ ومن حيث إنّه أمر يتعلّق بوجوب الصّلة على وجه الخصوص كان دليلًا تفصيليّا .
ظ ّنيّ : الدّليل القطعيّ والدّليل ال ّ
- 7تنقسم الدلّة السّمعيّة إلى أربعة أقسامٍ من حيث الثّبوت والدّللة : أ -قطعيّ الثّبوت والدّللة ،كبعض النّصوص المتواترة الّتي لم يختلف فيها ،كقوله تعالى شرَةٌ كَامِلَةٌ } . عَ { تِ ْلكَ َ ب -وقطعيّ الثّبوت ظ ّنيّ الدّللة ،كبعض النّصوص المتواترة الّتي يختلف في تأويلها . ج -وظ ّنيّ الثّبوت قطعيّ الدّللة ،كأخبار الحاد ذات المفهوم القطعيّ . د -وظ ّنيّ الثّبوت والدّللة ،كأخبار الحاد الّتي مفهومها ظ ّنيّ . ورتّب أصوليّو الحنفيّة على هذا التّقسيم ثبوت الحكم بقدر دليله : فبالقسم الوّل يثبت الفرض ،وبالقسم الثّاني والثّالث يثبت الوجوب ،وبالقسم الرّابع يثبت س ّنيّة . الستحباب وال ّ وهذا التّقسيم جارٍ على اصطلح الحنفيّة في التّفريق بين الفرض والواجب ،خلفا للجمهور. ي في مواضعه .وكذلك مصطلح ( :استدلل ، وينظر في تفصيل ما تقدّم :الملحق الصول ّ وترجيح ) .
دم * التّعريف : - 1الدّم بالتّخفيف ،هو ذلك السّائل الحمر الّذي يجري في عروق الحيوانات ،وعليه تقوم الحياة .واستعمله الفقهاء بهذا المعنى ،وكذلك عبّروا به عن القصاص والهدي في قولهم : مستحقّ الدّم " يعني وليّ القصاص " وقولهم :يلزمه دم .كما أطلقوه على ما تراه المرأة في الحيض ،والستحاضة ،والنّفاس أيضا . أ -الصّديد :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2صديد الجرح :ماؤه الرّقيق المختلط بالدّم .وقيل :هو القيح المختلط بالدّم ،والصّديد في القرآن الكريم :معناه :ما يسيل من جلود أهل النّار من الدّم والقيح ،كما قال أبو إسحاق جرّعُ ُه } . في تفسير قوله تعالى { َو ُيسْقَى مِن مّاء صَدِيدٍَ ،ي َت َ ب -القيح : - 3القيح :المدّة الخالصة ل يخالطها دم . وقيل :هو الصّديد الّذي كأنّه الماء ،وفيه شكلة دمٍ .
الحكم الجماليّ : - 4اتّفق الفقهاء على أنّ الدّم حرام نجس ل يؤكل ول ينتفع به ،وقد حمل المطلق في سورة البقرة على المقيّد في سورة النعام ،في { :أَ ْو دَما ّمسْفُوحا } . واختلفوا في يسيره على أقوالٍ .كما اختلفوا في تعريف اليسير . وتفصيل ذلك في كتب الفقه .ور :مصطلح ( :أطعمة ،ووضوء ،ونجاسة ) .
مواطن البحث :
- 5تتعلّق بالدّم أمور كثيرة بحثها الفقهاء في مواضعها : فمسألة نقض الوضوء بخروج الدّم تطرّق إليه الفقهاء في الوضوء عند الحديث عن نواقض الوضوء ،وكونه نجسًا تجب إزالته عن بدن المصلّي وثوبه ومكانه بحث في باب النّجاسات عند الكلم عن إزالة النّجاسات .وفي باب الصّلة عند الحديث عن شروط صحّتها ، واعتباره حيضا أو استحاضةً أو نفاسا ،فصّل الكلم عليه في أبواب الحيض والستحاضة والنّفاس .وكونه من مفسدات الصّوم في باب الصّوم عند الحديث عن المفطرات . وانظر في الموسوعة المصطلحات التية ( :حدث ،ونجاسة ،وطهارة ،وحيض ، واستحاضة ،ونفاس ،وحجامة ) .
وكونه بمعنى الهدي الّذي يترتّب على ارتكاب محظورٍ من محظورات الحرام قد بحث في ج عند الكلم عن محظورات الحرام ،ووجوب الهدي في التّمتّع ،والقران ،والحصار الح ّ وانظر مصطلح ( :إحرام ،وإحصار ،وهدي ،وقران ) . وكونه ممّا يحرم أكله أو يحلّ في الطعمة . كما تطرّق إليه الفقهاء في الذّكاة ،والعقيقة ،والقصاص ،وغير ذلك .
دنانير * التّعريف : ي معرّب . - 1الدّنانير جمع دينارٍ ،وهو فارس ّ والدّينار اسم القطعة من الذّهب المضروبة المقدّرة بالمثقال ،ويرادف الدّينار المثقال في عرف الفقهاء ،فيقولون :نصاب الذّهب عشرون مثقالً ،ونقل ابن عابدين عن الفتح :أنّ المثقال اسم للمقدار المقدّر به ،والدّينار اسم للمقدّر به بقيد كونه ذهبا . والدّنانير أصلً من ضرب العاجم .وكان وزنه عشرين قيراطا على ما ذكره البلذريّ وابن خلدونٍ والماورديّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الدّراهم :
- 2الدّراهم جمع درهمٍ وهو فارسيّ معرّب ،وهو نوع من النّقد ضرب من الفضّة .انظر : ( دراهم ) . ب -النّقد - 3النّقد ما ضرب من الدّراهم والدّنانير والفلوس وهو أعمّ من الدّينار . ج -الفلوس : - 4الفلوس ما ضرب من المعادن من غير الذّهب والفضّة . د -سكّة : سكّة ما يضرب بها النّقد . - 5ال ّ
تعامل العرب بالدّينار وموقف السلم منه : - 6ذكر البلذريّ في رواية عبد اللّه بن ثعلبة بن صعيرٍ أنّ دنانير هرقل كانت ترد على ل على أنّها تبر ،وكان المثقال عندهم أهل مكّة في الجاهليّة ،وكانوا ل يتبايعون بها إ ّ معروف الوزن ،وزنه اثنان وعشرون قيراطا إلّ كسرا « ،وأنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أقرّ أهل مكّة على هذا الوزن » .وأقرّه أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ ومعاوية .
ن عبد الملك بن مروان لمّا أراد ضرب الدّنانير ، ونقل النّوويّ عن أبي سليمان الخطّابيّ أ ّ ن المثقال اثنان وعشرون قيراطا إلّ حّبةً سأل عن أوزان الجاهليّة ،فأجمعوا له على أ ّ بالشّاميّ فضربها كذلك .
الدّينار الشّرعيّ : - 7الدّينار الّذي ضربه عبد الملك بن مروان هو الدّينار الشّرعيّ ،لمطابقته للوزان الم ّكيّة الّتي أقرّها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم والصّحابة .ووزنه كما ذكرت الرّوايات اثنان ل حبّةً بالشّاميّ ،وهو أيضا بزنة اثنتين وسبعين حبّة شعي ٍر من حبّات وعشرون قيراطا إ ّ الشّعير المتوسّطة الّتي لم تقشّر وقد قطع من طرفيها ما امتدّ . ن الدّرهم وقال ابن خلدونٍ :الجماع منعقد منذ صدر السلم وعهد الصّحابة والتّابعين أ ّ ي :هو الّذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذّهب ،وهو على هذا سبعة أعشار الشّرع ّ الدّينار ،ووزن المثقال من الذّهب اثنتان وسبعون حبّ ًة من الشّعير . وبهذا قال جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " . وخالفهم في ذلك الحنيفة فهو عندهم مائة شعيرةٍ .والظّاهر أنّ منشأ هذا الختلف هو في ن القيراط خمس تقدير القيراط .فقد ذكر ابن عابدين أنّ وزن المثقال عشرون قيراطا ،وأ ّ شعيراتٍ ،فالمثقال مائة شعير ٍة . ن القيراط ن المثقال أربعة وعشرون قيراطا ،وأ ّ وممّا يؤيّد هذا هو ما ذكره المالكيّة من أ ّ ثلث حبّاتٍ من متوسّط الشّعير ،فيكون وزن المثقال اثنتين وسبعين حبّ ًة . وقد ذكر ابن عابدين أنّ المذكور في كتب الشّافعيّة والحنابلة أنّ المثقال اثنتان وسبعون شعيرةً معتدل ًة لم تقشّر وقطع من طرفيها ما دقّ وطال ،وهو لم يتغيّر جاهليّةً ول إسلما .ثمّ قال وقد ذكرت أقوال كثيرة في تحديد القيراط .
تقدير الدّينار الشّرعيّ في العصر الحاضر :
ن الدّينار الّذي ضربه عبد الملك بن مروان هو الدّينار الشّرعيّ ، - 8تبيّن ممّا سبق أ ّ ي صلى ال عليه وسلم لمطابقته لوزان العرب في الجاهليّة وهي الوزان الّتي أقرّها النّب ّ ن السّلف الصّالح رأوا دينار عبد الملك وأقرّوه ولم ينكروه ،وتبايعوا به .إلّ والصّحابة ،وأ ّ سكّة في الدّول على مخالفة ن السّكك اختلفت بعد ذلك ،يقول ابن خلدونٍ :وقع اختيار أهل ال ّ أّ ي في الدّينار والدّرهم ،واختلفت في كلّ القطار والفاق . المقدار الشّرع ّ لذلك كان السّبيل الوحيد لتقدير الدّينار الشّرعيّ هو معرفة الدّينار الّذي ضرب في عهد عبد الملك بن مروان .
وقد توصّل إلى ذلك بعض الباحثين ،عن طريق الدّنانير المحفوظة في دور الثار الغربيّة ن دينار عبد الملك بن مروان يزن " " 4/ 25أربعة جراماتٍ وخمسةً وعشرين من وثبت أ ّ المائة من الجرام " من الذّهب .وبذلك يكون هذا الوزن هو الساس في تقدير الحقوق الشّرعيّة من زكاةٍ ودياتٍ وغير ذلك .
تقدير بعض الحقوق الشّرعيّة بالدّينار : حدّد السلم مقادير معيّنةً بالدّينار في بعض الحقوق الشّرعيّة ومن ذلك : أ -الزّكاة : - 9اتّفق الفقهاء على أنّ نصاب الذّهب الّذي يجب فيه الزّكاة عشرون دينارا ،فإذا تمّت ي صلى ال عليه وسلم كان يأخذ من ن النّب ّ ففيها ربع العشر ،لما ورد عن عمر وعائشة « أ ّ كلّ عشرين دينارا فصاعدا نصف دينارٍ ومن الربعين دينارا » .وروى سعيد والثرم عن ل أربعين دينارًا دينار وفي كلّ عشرين دينارا نصف دينارٍ . عليّ :في ك ّ ن الزّكاة تجب من غير اعتبار هذا مع الختلف هل ل بدّ أن تكون قيمتها مائتي درهمٍ أو أ ّ قيمتها بالدّراهم .وينظر تفصيل ذلك وغيره في مصطلح ( :زكاة ) . ب -الدّية : - 10اتّفق الفقهاء على أنّ الدّية إن كانت من الذّهب فإنّها تقدّر بألف مثقالٍ ،وذلك لما روى ن في عمرو بن حزمٍ في كتابه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن وأ ّ النّفس المؤمنة مائ ًة من البل وعلى أهل ال ّذمّة ألف دينارٍ » . وهذا بالنّسبة للرّجل الحرّ المسلم .وينظر التّفصيل في ( :ديات ) . ج -السّرقة : ن النّصاب الّذي يقطع به السّارق بالنّسبة ،للذّهب ربع دينارٍ - 11ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ ل في ،أو ما قيمته ربع دينارٍ ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تقطع يد السّارق إ ّ ربع دينارٍ فصاعدا » .وإجماع الصّحابة على ذلك . أمّا عند الحنفيّة فنصاب السّرقة دينار أو عشرة دراهم ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم : ل في دينارٍ أو في عشرة دراهم » . « ل تقطع اليد إ ّ وفي الموضوع تفصيلت كثيرة تنظر في ( :سرقة ) .
ما يتعلّق بالدّنانير من أحكامٍ :
- 12يتعلّق بالدّنانير بعض الحكام الشّرعيّة من حيث حكم كسرها وقطعها ،واتّخاذها حليةً، س المحدث الدّنانير الّتي عليها شيء من القرآن ،أو حملها حين دخول الخلء وكذلك حكم م ّ
.وقد ذكرت هذه الحكام في مصطلح دراهم ،وهي نفس الحكام الّتي تتعلّق بالدّنانير ، فتنظر في ( :دراهم ،ف . ) 10 ، 9 ، 7/ أمّا ما يتعلّق بها من حيث الحكم في إجارتها ،أو رهنها ،أو وقفها ،أو غير ذلك فتنظر في أبوابها ومصطلحاتها .
دَهريّ * التّعريف : - 1الدّهريّ في اللّغة :منسوب إلى الدّهر ،والدّهر يطلق على البد والزّمان ،ويقال للرّجل الّذي يقول بقدم الدّهر ول يؤمن بالبعث :دهريّ ،بالفتح على القياس . ضمّ على غير قياسٍ . وأمّا الرّجل المسنّ إذا نسب إلى الدّهر يقال له " :دُهريّ " بال ّ والدّهريّون في الصلح فرقة من الكفّار ذهبوا إلى قدم الدّهر وإسناد الحوادث إليه ،منكرين حيَا ُتنَا ال ّد ْنيَا ي إِلّا َ وجود الصّانع المختار سبحانه ،كما أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله { :مَا ِه َ حيَا َومَا ُيهِْل ُكنَا إِلّا الدّ ْهرُ } . َنمُوتُ َو َن ْ يقول الرّازيّ في تفسير الية :يزعمون أنّ الموجب للحياة والموت تأثيرات الطّبائع ،ول حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار . وهذا إنكار منهم للخرة وتكذيب للبعث وإبطال للجزاء ،كما يقول القرطبيّ . أ -الزّنديق :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2عرّف أكثر الفقهاء الزّنديق بأنّه هو من يبطن الكفر ويظهر السلم . وهو بهذا المعنى قريب من المنافق .وقيل هو من ل ينتحل دينا ،أي ل يستقرّ عليه . ب -الملحد : - 3الملحد :هو من يطعن في الدّين مع ادّعاء السلم أو التّأويل في ضرورات الدّين ، لجراء الهواء . وعرّفه ابن عابدين بأنّه من مال عن الشّرع القويم إلى جه ٍة من جهات الكفر . ج -المنافق : - 4المنافق :هو من يضمر الكفر اعتقادا ،ويظهر السلم قولً .أو الّذي أظهر السلم لهله ،وأضمر غير السلم .ومحلّ النّفاق القلب . د -المرتدّ : ل يتضمّنه - 5المرتدّ :هو الرّاجع عن دين السلم بإجراء كلمة الكفر على اللّسان ،أو فع ٍ بعد اليمان ،فالرتداد كفر بعد السلم .وجميع هؤلء يشتركون مع الدّهريّ في الكفر .
الحكم الجماليّ ومواطن البحث : - 6الدّهريّ إذا كان كافر الصل ،أي لم يسبق له أن اعتنق السلم ،فإمّا أن يعيش في دار الحرب ،فهو حربيّ ينظر حكمه في مصطلح ( :أهل الحرب ) . ن مؤقّتٍ فهو مستأمن،حكمه في مصطلحي ( :أمان ومستأمن). أو يعيش في دار السلم بأما ٍ ن مؤ ّبدٍ ،أي بعقد ال ّذمّة فهو ذمّيّ ،وحكمه في مصطلح : أو يعيش في دار السلم بأما ٍ ( أهل ال ّذمّة ) . أمّا إذا كان مسلما ،ثمّ كفر بقوله بقدم الدّهر وإنكار إسناد الحوادث إلى الصّانع المختار سبحانه وتعالى فهو مرتدّ .وحكمه في مصطلح ( :ردّة ) .
دهن * التّعريف : - 1الدّهن -بالضّمّ -ما يدهن به من زيتٍ وغيره وجمعه دِهان بالكسر ،ول يخرج استعمال الفقهاء ،لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -السّمن : - 2السّمن :ما يكون من الحيوان .والدّهن أعمّ من السّمن . ب -الشّحم : - 3الشّحم :ما يذوب من الحيوان بالنّار .وبينهما عموم وخصوص مطلق ،فكلّ شحمٍ دهن ن شحما . ،وليس كلّ ده ٍ
الحكام المتعلّقة بالدّهن : تطهير الدّهن المتنجّس :
ل من - 4ذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة على الصحّ وهو قول القاضي وابن عقي ٍ ن الدّهن المائع إذا تنجّس ل يقبل التّطهير ،لقوله صلى ال الحنابلة ومح ّمدٍ من الحنفيّة " إلى أ ّ عليه وسلم « لمّا سئل عن الفأرة تموت في السّمن :إن كان جامدا فألقوها وما حولها ،وإن كان مائعا فل تقربوه » وفي رواي ٍة للخطّابيّ « :فأريقوه » . فلو أمكن تطهيره شرعًا لم يقل فيه ذلك ،لما فيه من إضاعة المال ،ولبيّنه لهم ،وقياسا على الدّبس والخلّ وغيرهما من المائعات إذا تنجّست فإنّه ل طريق إلى تطهيرها بل خلفٍ . ن الدّهن ويرى الشّافعيّة في وجهٍ ،وأبو يوسف من الحنفيّة وأبو الخطّاب من الحنابلة أ ّ المتنجّس يطهر بالغسل ،وكيفيّة تطهيره أن يجعل الدّهن في إناءٍ ،ويصبّ عليه الماء ويكاثر
ن أنّه وصل إلى جميع أجزائه ،ثمّ يترك به ،ويحرّك بخشب ٍة ونحوها تحريكا يغلب على الظّ ّ حتّى يعلو الدّهن ،فيؤخذ .أو ينقب أسفل الناء حتّى يخرج الماء فيطهر الدّهن . هذا ويشترط التّثليث لتطهير الدّهن عند الحنفيّة كما جاء في الفتاوى نقلً عن الزّاهديّ .وقال في الفتاوى الخيريّة :ظاهر كلم الخلصة عدم اشتراط التّثليث ،وهو مبنيّ على أنّ غلبة الظّنّ مجزئة عن التّثليث . كما يرى صاحب الفتاوى الخيريّة أنّ شرط غليان الدّهن لتطهيره المذكور في بعض الكتب إنّما هو من زيادة النّاسخ ،أو يحمل على ما إذا جمد الدّهن بعد تنجّسه .
استعمال الدّهن للمحرم : ن فيه طيب ،لنّه يتّخذ للطّيب - 5اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز للمحرم أن يدهن بده ٍ وتقصد رائحته فكان طيبًا كماء الورد . وأمّا ما ل طيب فيه ،فقد اختلف الفقهاء في استعماله للمحرم ،فيرى الحنفيّة والمالكيّة حظر استعمال الدّهن للمحرم في رأسه ولحيته وعامّة بدنه ،لغير عّلةٍ ،وإلّ جاز . ن الدهان المطيّبة كالزّيت ،والشّيرج ،والسّمن والزّبد ،ل يحرم على وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ المحرم استعمالها في بدنه ،ويحرم عليه في شعر رأسه ولحيته واستدلّوا بما روي « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ادّهن بزيتٍ غير مقتّتٍ أي غير مطيّبٍ وهو محرم » . ويرى الحنابلة -على المعتمد عندهم -جواز الدّهان بدهنٍ غير مطيّبٍ في جميع البلدان . ولتفصيل ذلك انظر مصطلح ( :إحرام ف ، 73/ج ، 2/ص . ) 159/
بيع الدّهن المتنجّس :
ح من مذاهبهم - 6يرى جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " على المشهور والص ّ عدم صحّة بيع الدّهن المتنجّس لنّ أكله حرام بل خلفٍ « ،فقد سئل النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الفأرة تموت في السّمن فقال :إن كان مائعا فل تقربوه » . ن اللّه إذا حرّم على قومٍ وإذا كان حرامًا لم يجز بيعه لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه » .ولنّه نجس ،فلم يجز بيعه قياسا على شحم الميتة . وذهب الحنفيّة والمالكيّة -على مقابل المشهور عندهم -والشّافعيّة في وجهٍ إلى صحّة بيع الدّهن المتنجّس -وهو الّذي عرضت له النّجاسة -لنّ تنجيسه بسقوط النّجاسة فيه ل يسقط ملك ربّه عنه ،ول يذهب جملة المنافع منه ،ول يجوز أن يتلف عليه فجاز له أن يبيعه ممّن يصرفه فيما كان له هو أن يصرفه فيه . وروي عن المام أحمد جواز بيع الدّهن المتنجّس لكافرٍ يعلم نجاسته ،لنّه قد روي عن أبي موسى :لتّوا به السّويق وبيعوه ول تبيعوه من مسلمٍ وبيّنوه .
هذا وبعد أن نقل الدّسوقيّ الخلف في المذهب المالكيّ حول جواز وعدم جواز بيع الزّيت المتنجّس قال :هذا في الزّيت على مذهب من ل يجيز غسله ،وأمّا على مذهب من يجيز غسله -وروي ذلك عن مالكٍ -فسبيله في البيع سبيل الثّوب المتنجّس . أمّا الودك " دهن الميتة " فل يجوز بيعه اتّفاقا ،وكذا النتفاع به لحديث البخاريّ « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام ،فقيل :يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس ،قال :ل هو حرام » . وللتّفصيل :ر :بيع منهيّ عنه ( ف ، 11/ج ، 9/ص . ) 150/
الستصباح بالدّهن المتنجّس : - 7يرى جمهور الفقهاء جواز الستصباح بالدّهن المتنجّس في غير المسجد « ،لنّ النّبيّ ن فقال :إن كان جامدا فألقوها وما حولها ، صلى ال عليه وسلم سئل عن فأرةٍ وقعت في سم ٍ وإن كان مائعًا فاستصبحوا به ،أو فانتفعوا به » .ولجواز النتفاع بالنّجاسة على وج ٍه ل ل يؤدّي إلى تنجيسه . تتعدّى .أمّا الستصباح به في المسجد فل يجوز لئ ّ ويميل السنويّ إلى جواز الستصباح بالدّهن المتنجّس في المسجد حيث قال :وإطلقهم يقتضي الجواز ،وسببه قلّة الدّخان .وللتّفصيل ( ر :استصباح ومسجد ) .
انظر :تداوي ،تطبيب .
دواء * دولة *
التّعريف : - 1الدّولة في اللّغة حصول الشّيء في يد هذا تار ًة وفي يد هذا أخرى ،أو العُقْبة في المال والحرب " أي التّعاقب " ،والدّولة والدّولة في المال والحرب سواء ،وقيل :الدّولة بالضّمّ في المال ،والدّولة بالفتح في الحرب . والدالة معناها الغلبة ،يقال :أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم .وفي حديث أبي سفيان « :يدال علينا المرّة وندال عليه الخرى » .أي نغلبه مرّ ًة ويغلبنا مرّةً ،من التّداول ،ومن غ ِنيَاء ن ا ْلأَ ْ ن دُوَلةً َبيْ َ ن النّاسِ } وقوله َ { :كيْ لَا َيكُو َ ذلك قوله تعالى { َوتِ ْلكَ اليّامُ ُندَاوُِلهَا َبيْ َ مِنكُمْ } أي يتداولون المال بينهم ول يجعلون للفقراء منه نصيبا . أمّا في الصطلح فلم يشع استعمال الفقهاء لهذا المصطلح ،وورد استعماله في بعض كتب السّياسة الشّرعيّة والحكام السّلطانيّة .وسار الفقهاء في الكلم عن اختصاصات " الدّولة "
ن " الدّولة " على إدراجها ضمن الكلم عن صلحيّات المام واختصاصاته حيث اعتبروا أ ّ ممثّلة في شخص المام العظم ،أو الخليفة وما يتبعه من ولياتٍ وواجباتٍ وحقوقٍ . إلّ أنّ المعهود أنّ " الدّولة " هي مجموعة اليالت تجتمع لتحقيق السّيادة على أقاليم معيّنةٍ ، لها حدودها ،ومستوطنوها ،فيكون الحاكم أو الخليفة ،أو أمير المؤمنين ،على رأس هذه السّلطات . وهذا هو المقصود باستعمال مصطلح " دولة " عند من استعمله من فقهاء السّياسة الشّرعيّة أو الحكام السّلطانيّة . ن الدّولة تقوم على ثلثة أركانٍ وهي :الدّار ،والرّعيّة ،والمنعة " ونتيج ًة لذلك يمكن القول أ ّ السّيادة " . - 2ولقد بحث الفقهاء أركان الدّولة عند بحثهم عن أحكام دار السلم ،يتّضح هذا من تعريفاتهم لدار السلم : التّعريف الوّل :كلّ دارٍ ظهرت فيها دعوة السلم من أهله بل خفيرٍ ،ول مجيرٍ ،ول بذل جزي ٍة ،وقد نفذ فيها حكم المسلمين على أهل ال ّذمّة إن كان فيهم ذ ّميّ ،ولم يقهر أهل البدعة سنّة . فيها أهل ال ّ ض سكنها مسلمون وإن كان معهم فيها غيرهم ،أو تظهر فيها ل أر ٍ والتّعريف الثّاني :ك ّ أحكام السلم . فالدّار هي البلد السلميّة وما تشمله من أقاليم داخل ٍة تحت حكم المسلمين . والرّعيّة هم المقيمون في حدود الدّولة من المسلمين وأهل ال ّذمّة . والسّيادة هي ظهور حكم السلم ونفاذه .وعدم الخروج عن طاعة وليّ المر ،وعدم الفتيات عليه ،أو على أيّ وليةٍ من وليات الدّولة ،لنّ الفتيات عليها افتيات على المام. ويكون الفتيات بالسّبق بفعل شيءٍ دون استئذان من يجب استئذانه ،والفتيات على المام يوجب التّعزير ،فإذا أمّن أحد الرّعيّة كافرا دون إذن المام ،وكان في تأمينه مفسدة ،فإنّ للمام أن ينبذ هذا المان ،وله أن يعزّر من افتات عليه ،وكذلك إذا باشر المستحقّ فأقام الحدّ أو القصاص دون إذن المام عزّره المام لفتياته عليه .وينظر تفصيل ذلك في مصطلحات ( :أمان ،وافتيات ،ودار السلم ) . - 3وتتألّف الدّولة من مجموعةٍ من النّظم والوليات بحيث تؤدّي كلّ وليةٍ منها وظيفةً خاصّ ًة من وظائف الدّولة ،وتعمل مجتمع ًة لتحقيق مقصدٍ عامّ ،وهو رعاية مصالح المسلمين الدّينيّة والدّنيويّة .
يقول الماورديّ " :المامة موضوعة لخلفة النّبوّة في حراسة الدّين وسياسة الدّنيا " والمام هو من تصدر عنه جميع الوليات في الدّولة . ويقول ابن تيميّة " :فالمقصود الواجب بالوليات إصلح دين الخلق الّذي متى فاتهم خسروا ل به من أمر خسرانا مبينا ،ولم ينفعهم ما نعموا به في الدّنيا ،وإصلح ما ل يقوم الدّين إ ّ دنياهم " . ن حقيقة هذا الوجوب الشّرعيّ -يعني وجوب نصب المام - ويقول ابن الزرق " :إ ّ راجعة إلى النّيابة عن الشّارع في حفظ الدّين وسياسة الدّنيا به ،وسمّي باعتبار هذه النّيابة ن الدّين هو المقصود في إيجاد الخلق ل الدّنيا فقط " . خلف ًة وإمامةً ،وذلك ل ّ وبعد هذا نعرض إلى مجموع الوليات في الدّولة وما يخصّ كلّا منها من وظائف :
أوّلً :الحاكم أو المام العظم : - 4المام وكيل عن المّة في خلفة النّبوّة في حراسة الدّين وسياسة الدّنيا ،ويتولّى منصبه بموجب عقد المامة . والصل في المام أن يباشر إدارة الدّولة بنفسه ،ولكن لمّا كان هذا متعذّرا مع اتّساع الدّولة وكثرة وظائفها ،وتعدّد السّلطات فيها جاز له أن ينيب عنه من يقوم بهذه السّلطات من ولةٍ، وأمراء ،ووزراء ،وقضاةٍ ،وغيرهم ،ويكونون الوكلء عنه في إدارة ما وكّل إليهم من أعمالٍ .فإدارة المام للدّولة دائرة بين أن يكون وكيلً عن النّاس ونائبا عنهم ،وبين أن ينيب هو ويوكّل من يقوم بأعباء الحكم شريطة ألّ ينصرف عن النّظر العامّ في شئون الدّولة، ومطالعة كّليّات المور مع البحث عن أحوال من يولّيهم ليتحقّق من كفايتهم لمناصبهم . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :إمامة كبرى ) .
ثانيا :وليّ العهد :
- 5وهو من يولّيه المام عهد المامة بعد وفاته .ومن المعلوم أنّه ليس لوليّ العهد تصرّف في شئون الدّولة ما دام المام حيّا ،ول يلي شيئا في حياة المام ،وإنّما تبدأ إمامته وسلطته ي العهد ما لم يتغيّر بموت المام ،فتصرّفه كالوكالة المعلّقة بشرطٍ ،وليس للمام عزل ول ّ ق المسلمين ،فلم يكن له عزله ،قياسا على عدم جواز خلع أهل حاله ،لنّه استخلفه في ح ّ الحلّ والعقد لمن بايعوه إذا لم يتغيّر حاله .وتفصيله في مصطلح ( :إمامة كبرى ) .
ثالثا :أهل الحلّ والعقد : ن لهم قدرة القيام بنوعٍ خاصّ من واجبات الدّولة وهي: - 6ووجه اعتبارهم سلطةً مستقلّةً أ ّ أ -اختيار المام ومبايعته .
ب -استئناف بيعة وليّ العهد عند توليته إماما ،حيث تعتبر شروط المامة فيه من وقت العهد إليه ،فإن كان صغيرا أو فاسقا وقت العهد وكان بالغا عدلً عند موت المولّي لم تصحّ خلفته حتّى يستأنف أهل الختيار بيعته . ج -تعيين نائبٍ عن وليّ العهد في حال غيبته عند موت الخليفة . د -خلع المام إذا قام ما يوجب خلعه .وينظر التّفصيل في مصطلح ( :أهل الحلّ والعقد ) .
رابعا :المحتسب : - 7هو من يولّيه المام أو نائبه للقيام بوظيفة المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ،وللنّظر في أحوال الرّعيّة والكشف عن أمورهم ومصالحهم ،وهو فرض في حقّه متعيّن عليه بحكم الولية .وموضوع هذه الولية إلزام الحقوق والمعونة على استيفائها ،ومحلّ وليته كلّ منكرٍ موجودٍ في الحال ،ظاهر للمحتسب بغير تجسّسٍ ،معلوم كونه منكرا بغير اجتهادٍ ، وللمحتسب أن يتّخذ على إنكاره أعوانا ،لنّه منصوب ،لهذا العمل ،ومن صلحيّته أن يجتهد رأيه فيما يتعلّق بالعرف دون الشّرع ،ولهذا يجب أن يكون المحتسب فقيها عارفا بأحكام الشّريعة ،ليعلم ما يأمر به وينهى عنه . وعمل المحتسب واسطة بين عمل القاضي وعمل والي المظالم . فيتّفق المحتسب مع القاضي في أمورٍ منها : أ -جواز الستعداء للمحتسب ،وسماعه دعوى المستعدي على المستعدى عليه في حقوق الدميّين فيما يدخل تحت اختصاصه . ب -له أن يلزم المدّعى عليه للخروج من الحقّ الّذي عليه ،فإذا وجب عليه الحقّ وبإقرارٍ، ن تأخير الحقّ منكر ظاهر ،وهو منصوب مع تمكّنه من الداء فيلزم بالدّفع إلى المستحقّ ،ل ّ لزالته . ويفترق المحتسب عن القاضي في أمورٍ منها : أ -جواز النّظر فيما يأمر به من معروفٍ أو ينهى عنه من منكرٍ دون التّوقّف على دعوى أو استعدا ٍء . ب -أنّ الحسبة موضوعة للرّهبة القائمة على قوّة السّلطنة المؤيّدة بالجند . وللتّفصيل في أحكام الحسبة ينظر مصطلح ( :حسبة ) .
خامسا :القضاء :
- 8عرّف القضاء بأنّه .إنشاء إلزامٍ في مسائل الجتهاد المتقاربة فيما يقع فيه النّزاع لمصالح الدّنيا وعرّف كذلك بأنّه :اللزام في الظّاهر على صيغ ٍة مختصّ ٍة بأم ٍر ظنّ لزومه
في الواقع .فالقضاء سلطة تمكّن من تولّاها من اللزام بالحكام الشّرعيّة ،وفصل الخصومات ،وقطع المنازعات بين النّاس .وقضاء القاضي مظهر للحكم الشّرعيّ ل مثبت له . ت من جهة المر وتجتمع في القاضي صفات ثلثة :فهو شاهد من جهة الثبات ،ومف ٍ والنّهي ،وذو سلطانٍ من جهة اللزام .ويدخل في ولية القضاء فصل الخصومات ، واستيفاء الحقوق ،والنّظر في أموال اليتامى ،والمجانين ،والسّفهاء ،والحجر على السّفيه، ن ،لقوله صلى والمفلس ،والنّظر في الوقوف ،وتنفيذ الوصايا ،وتزويج اللّاتي ل وليّ له ّ ال عليه وسلم « :فإن اشتجروا فالسّلطان وليّ من ل وليّ له » .والقاضي ينوب عن المام في هذا . وليس هناك ضابط عا ّم لما يدخل في ولية القاضي وما ل يدخل ،فالصل فيه العرف والعادة باختلف الزّمان والمكان ،فقد تتّسع صلحيّة القاضي لتشمل ولية الحرب ،والقيام بأعمال بيت المال ،والعزل ،والولية ،وقد تقتصر على النّظر في الخصومات والمنازعات .والقضاء من المصالح العامّة الّتي ل يتولّاها إلّ المام ،كعقد ال ّذمّة ،والقاضي وكيل عن المام في القيام بالقضاء ،ولذا ل تثبت وليته إلّ بتولية المام أو نائبه ،وهو عقد وليةٍ ، فيشترط فيه اليجاب والقبول ،ول ب ّد فيه من معرفة المعقود عليه كالوكالة ،ويشترط لصحّتها معرفة المام أو نائبه أهليّة من يتولّى القضاء ،وكذلك تعيين ما يدخل تحت وليته من أعمالٍ ليعلم محلّها فل يحكم في غيرها .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :قضاء ) .
سادسا :بيت المال : - 9بيت المال هو الجهة الّتي يسند إليها حفظ الموال العامّة للدّولة ،والمال العامّ هو كلّ مالٍ استحقّه المسلمون ولم يتعيّن مالكه منهم ،وذلك كالزّكاة ،والفيء ،وخمس الغنائم المنقولة ،وخمس الخارج من الرض ،والمعادن ،وخمس الرّكاز ،والهدايا الّتي تقدّم إلى القضاة ،أو عمّال الدّولة ممّا يحمل شبهة الرّشوة أو المحاباة ،وكذلك الضّرائب الموظّفة ث ،والغرامات على الرّعيّة لمصلحتهم ،ومواريث من مات من المسلمين بل وار ٍ ل بحسبه ،ول بدّ أن والمصادرات .ويقوم بيت المال بصرف هذه الموال في مصارفها ك ّ ل ،ولضبط يكون له سجلّ هو ديوان بيت المال لضبط ما يرد إليه وما يصدر عنه من أموا ٍ مصارفها كذلك .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :بيت المال ) .
سابعا :الوزراء :
- 10لمّا كان المتعذّر على المام القيام بنفسه بأعباء الحكم وتسيير شئون الدّولة مع كثرتها كان ل بدّ له من أن يستنيب الوزراء ذوي الكفاية لذلك .
ض ،أو وزير تنفيذٍ .أمّا وزير التّفويض فهو من يفوّض له والوزير إمّا أن يكون وزير تفوي ٍ المام تدبير أمور الدّولة وإمضاءها باجتهاده ،وله النّظر العامّ في شئون الدّولة ،وهو وكيل عن المام فيما ولّي عليه ،وأسند إليه ،ويشترط في وزير التّفويض ما يشترط في المام باستثناء كونه قرشيّا ،وكونه مجتهدًا على خلفٍ فيه ،وكما يجوز لوزير التّفويض أن يباشر ح من الوزير ح من المام ص ّ ل ما ص ّ شئون الدّولة ،يجوز له أن يستنيب من يباشرها ،وك ّ إلّ أمورا ثلثةً : أحدها :ولية العهد ،فإنّ للمام أن يعهد ،وليس ذلك للوزير . ثانيها :أنّ للمام أن يطلب العفاء من المامة ،وليس ذلك للوزير . ثالثها :أنّ للمام أن يعزل من قلّده الوزير ،وليس للوزير عزل من قلّده المام . ح إلّ باللّفظ الصّريح المشتمل على شرطين : والوزارة ولية تفتقر إلى عقدٍ ،والعقود ل تص ّ أحدهما :عموم النّظر ،والثّاني :النّيابة . ن نظره فإذا اقتصر المام على عموم النّظر دون النّيابة كان اللّفظ خاصّا بولية العهد ،إذ أ ّ ل أنّه ل ينوب عنه حال حياته ،وأمّا إذا اقتصر على النّيابة دون عموم عامّ كنظر المام إ ّ النّظر كانت نياب ًة مبهمةً لم تبيّن ما استنابه فيه ،فل بدّ أن يجمع له بين عموم النّظر والنّيابة لتنعقد وزارة التّفويض . أمّا وزير التّنفيذ فل يستقلّ بالنّظر كوزير التّفويض ،فتقتصر مهمّته على تنفيذ أمر المام فهو واسطة بين المام والرّعيّة يبلّغهم أوامره ويخبرهم بتقليد الولة ،ولذا ل يحتاج وزير التّنفيذ إلى عقدٍ وتقليدٍ ،وإنّما يراعى فيها مجرّد الذن ،وتقصر في شروطها عن شروط وزارة التّفويض .ولمّا قصرت مهمّته على تبليغ الخليفة والتّبليغ عنه ،اشترط فيه المانة والصّدق ،وقلّة الطّمع ،وأن يسلم من عداوة النّاس فيما بينه وبينهم ،وأن يكون ضابطا لما ينقل ،وأن ل يكون من أهل الهواء .وقد يشارك وزير التّنفيذ في المشورة والرّأي فل بدّ من أن يكون صاحب حنك ٍة وتجربةٍ تؤدّيه إلى إصابة الرّأي وحسن المشورة .
إمارة الحرب : - 11تتولّى هذه المارة ولية الحرب وحماية الدّولة من العتداء عليها من الخارج . وهي إمّا أن تكون إمارةً خاصّةً مقصورةً على سياسة الجيش وإعداده ،وتدبير الحرب . أو أن تتّسع صلحيّتها فيما يفوّض إليها المام فتشمل قسم الغنائم ،وعقد الصّلح . ويلزم أمير الجيش في سياسته للجيش عشرة أشياء أولً :حراستهم من غرّ ٍة يظفر بها العد ّو منهم . ثانيا :تخيّر موضع نزولهم لمحاربة العد ّو .
ثالثا :إعداد ما يحتاج الجيش إليه . رابعا :أن يعرف أخبار عدوّه . خامسا :ترتيب الجيش في مصافّ الحرب . سادسا :أن يقوّي نفوسهم بما يشعرهم من الظّفر . سابعا :أن يعد أهل الصّبر والبلء منهم بثواب اللّه . ثامنا :أن يشاور ذوي الرّأي منهم . تاسعا :أن يأخذ جيشه بما أوجبه اللّه تعالى من حقوقه . عاشرا :أن ل يمكّن أحدا من جيشه أن يتشاغل بتجارةٍ أو زراع ٍة ،حتّى ل ينصرف عن مصابرة العد ّو . وتجهيز المثبتين في ديوان الجند من الغزاة في سبيل اللّه واجب باتّفاق الفقهاء ،ومحلّه بيت مال المسلمين ،فإن لم يوجد ،فعلى أفراد المسلمين وأغنيائهم . وللتّفصيل انظر مصطلح ( :جهاد ) .
زوال الدّولة : - 12تزول الدّولة بزوال أحد أركانها :الشّعب ،أو القليم ،أو المنعة " السّيادة " أو بتحوّلها ب .وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :دار السلم ) . من دار إسلمٍ إلى دار حر ٍ
تعدّد الدّول السلميّة :
- 13يتعلّق حكم تعدّد الدّول السلميّة بحكم تعدّد الئمّة حيث إنّ الدّولة السلميّة تمثّل شخص المام ،لنّه مصدر السّلطة فيها ،وعنه تصدر جميع سلطات الدّولة وصلحيّاتها . وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يجوز كون إمامين في العالم في وقتٍ واحدٍ ،ول يجوز إلّ إمام واحد ،ودليله قوله صلى ال عليه وسلم « :إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما». ن في تعدّد الدّول السلميّة مظنّة للنّزاع والفرقة ،وقد نهى اللّه سبحانه وتعالى عن ذلك ول ّ ح ُكمْ } . ب رِي ُ ل َتنَازَعُواْ َفتَ ْفشَلُواْ َو َتذْهَ َ بقوله { :وََأطِيعُو ْا اللّهَ َو َرسُولَهُ َو َ وفي أحد أوجه التّفسير أنّ المراد بالرّيح في الية الكريمة هو الدّولة قاله أبو عبيدٍ . انظر التّفصيل في مصطلح ( :المامة الكبرى ) .
واجبات الدّولة العامّة : - 14يتعيّن على الدّولة ممثّلةً بمجموع سلطاتها أن ترعى المصالح العامّة للمسلمين الدّاخلين تحت وليتها ،وجماع هذه المصالح يعود إلى : أ -حفظ أصول الدّين وإقامة الشّريعة .وتنظر الحكام المتعلّقة بهذه المصلحة في مصطلحات ( :إمامة كبرى ،ردّة ،بدعة ،ضروريّات ،وجهاد ) .
ب -إقامة الحدود ،وعقوبة المستحقّ وتعزيره .وتنظر أحكامها في مصطلحات : ( قصاص ،تعزير ) . ج -حفظ المال العامّ للدّولة ،ويراجع في هذا مصطلح بيت المال . د -إقامة العدل وتنفيذ الحكام وقطع الخصومات ،وينظر في ذلك مصطلح ( :قضاء ) . هـ -رعاية أهل ال ّذمّة ،ويراجع مصطلح ( :أهل ال ّذمّة ) . و -تكثير العمارة ،وينظر في مصطلح ( :عمارة ) . ز -إقامة السّياسة الشّرعيّة ،وينظر مصطلح ( :سياسة شرعيّة ) .
ديات * التّعريف : - 1الدّيات جمع ديةٍ ،وهي في اللّغة مصدر ودى القاتل القتيل يديه دي ًة إذا أعطى وليّه المال الّذي هو بدل النّفس ،وأصلها ودية ،فهي محذوفة الفاء كعد ٍة من الوعد وزن ٍة من الوزن .وكذلك هبة من الوهب .والهاء في الصل بدل من فاء الكلمة الّتي هي الواو ،ثمّ سمّي ذلك المال " دي ًة " تسمي ًة بالمصدر . وفي الصطلح عرّفها بعض الحنفيّة بأنّها اسم للمال الّذي هو بدل النّفس .ومثله ما ذكر في كتب المالكيّة .حيث قالوا في تعريفها :هي مال يجب بقتل آدميّ حرّ عوضا عن دمه . لكن قال في تكملة الفتح :الظهر في تفسير الدّية ما ذكره صاحب الغاية آخرا من أنّ الدّية : ن ( مق ّدرٍ ) يجب بمقابلة الدميّ أو طرفٍ منه ،سمّي بذلك لنّها تؤدّى عاد ًة وقلّما اسم لضما ٍ يجري فيها العفو لعظم حرمة الدميّ . ن ما وجب في قطع وهذا ما يؤيّده العدويّ من فقهاء المالكيّة حيث قال بعد تعريف الدّية :إ ّ اليد مثلًا يقال له دية حقيقةً ،إذ قد وقع التّعبير به في كلمهم . أمّا الشّافعيّة والحنابلة فعمّموا تعريف الدّية ليشمل ما يجب في الجناية على النّفس وعلى ما دون النّفس . قال الشّافعيّة :هي المال الواجب بالجناية على الحرّ في نفسٍ أو فيما دونها . وقال الحنابلة :إنّها المال المؤدّى إلى مجنيّ عليه ،أو وليّه ،أو وارثه بسبب جنايةٍ . ل أيضا ،وذلك لوجهين :أحدهما أنّها تعقل الدّماء أن تراق ،والثّاني أنّ وتسمّى الدّية عق ً ي الدّم . الدّية كانت إذا وجبت وأخذت من البل تجمع فتعقل ،ثمّ تساق إلى ول ّ أ -القصاص :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2القصاص من القصّ ،وهو في اللّغة بمعنى القطع ،والقصاص في الشّرع هو القود ، وهو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل . فإذا قتل قتل مثله ،وإذا جرح جرح مثله ( .ر :قصاص ) . ب -الغرّة : - 3الغرّة من كلّ شيءٍ أوّله ،والغرّة :العبد أو المة ،ومن معانيها في الشّرع :ضمان يجب في الجناية على الجنين ،وتبلغ قيمتها نصف عشر الدّية ،وهي خمس من البل أو خمسمائة درهمٍ على تفصيلٍ يذكر في مصطلح ( :غرّة ) ،سمّيت غ ّرةً لنّها أوّل مقادير الدّية ،وأقلّ ما قدّره الشّرع في الجنايات . ج -الرش : - 4الرش يطلق غالبا على المال الواجب في الجناية على ما دون النّفس ،فهو أخصّ من الدّية بهذا المعنى ،لنّها تشمل المال المؤدّى مقابل النّفس وما دون النّفس . وقد يطلق الرش على بدل النّفس أيضا ،فيكون بمعنى الدّية . د -حكومة عدلٍ : - 5من معاني حكومة العدل ردّ الظّالم عن الظّلم . وتطلق عند الفقهاء على الواجب يقدّره عدل في جناي ٍة ليس فيها مقدار معيّن من المال . فهي تختلف عن الرش والدّية في أنّها غير مقدّرةٍ في الشّرع ،وتجب وتقدّر بحكم العدل . هـ -الضّمان : - 6الضّمان لغةً :اللتزام ،وشرعا :يطلق على معنيين : أ -المعنى الخاصّ :وهو دفع مثل الشّيء في المثليّات ،وقيمة الشّيء في القيميّات . فهو بهذا المعنى يطلق غالبا على ما يدفع مقابل إتلف الموال ،بخلف الدّية الّتي تدفع مقابل التّعدّي على النفس . ب -المعنى العامّ الشّامل للكفالة :وعرّفها جمهور الفقهاء بأنّه التزام دينٍ أو إحضار عينٍ أو بدنٍ .ويقال للعقد المحصّل لذلك أيضا ،أو هو شغل ذمّةٍ أخرى بالحقّ .
مشروعيّة الدّية : طئًا َف َتحْرِيرُ رَ َقبَ ٍة مّ ْؤ ِمنَةٍ خَ - 7الصل في مشروعيّة الدّية قوله تعالى َ { :ومَن َقتَلَ مُ ْؤ ِمنًا َ َو ِديَ ٌة ّمسَّلمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } ،وسنّة نبيّه صلى ال عليه وسلم فقد روى أبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ عن أبيه عن جدّه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابًا فيه الفرائض والسّنن والدّيات وبعث به مع عمرو بن حزمٍ فقرئت على أهل اليمن هذه نسختها :من محمّد النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلّالٍ ،ونعيم بن عبد
ن ومعافر وهمدان أمّا بعد ،وكان في كتابه :إنّ كلّالٍ ،والحارث بن عبد كلّالٍ قيل ذي رعي ٍ ن في النّفس الدّية من اعتبط مؤمنا قتلً عن بيّن ٍة فإنّه قود إلّ أن يرضى أولياء المقتول ،وأ ّ مائةً من البل ،وفي النف إذا أوعب جدعه الدّية ،وفي اللّسان الدّية ،وفي الشّفتين الدّية ، وفي البيضتين الدّية ،وفي الذّكر الدّية ،وفي الصّلب الدّية ،وفي العينين الدّية ،وفي الرّجل الواحدة نصف الدّية ،وفي المأمومة ثلث الدّية ،وفي الجائفة ثلث الدّية ،وفي المنقّلة خمس ن خمس عشرة من البل ،وفي كلّ أصبعٍ من أصابع اليد والرّجل عشر من البل ،وفي السّ ّ ن الرّجل يقتل بالمرأة ،وعلى أهل الذّهب من البل ،وفي الموضحة خمس من البل ،وأ ّ ألف دينارٍ » وفي رواي ٍة زيادة « وفي اليد الواحدة نصف الدّية » . وقد أجمع أهل العلم على وجوب الدّية في الجملة .والحكمة في وجوبها هي صون بنيان الدميّ عن الهدم ،ودمه عن الهدر .
أقسام الدّية : - 8تختلف الدّية ومقدارها بحسب اختلف نوع الجناية وصفة المجنيّ عليه . ن هناك دية مغلّظة ودية غير مغلّظ ٍة ،فدية العمد إذا فهناك دية النّفس ودية العضاء ،كما أ ّ سقط القصاص بسببٍ من أسباب سقوطه كالعفو ،أو عدم توفّر شرطٍ من شروط القصاص أو بوجود شبهةٍ دية مغلّظة ،كما أنّ دية شبه العمد مغلّطة ،ودية الخطأ وما يجري مجراه دية غير مغلّظةٍ . وهذا في الجملة ،وسيأتي تفصيل هذه المسائل مع بيان معنى العمد وشبه العمد والخطأ . وأسباب التّغليظ والتّخفيف في الدّية ،واختلف الفقهاء في بعض الفروع فيما بعد .
شروط وجوب الدّية :
- 9أ -يشترط لوجوب الدّية أن يكون المجنيّ عليه معصوم الدّم ،أي مصون الدّم ،وهذا باتّفاق الفقهاء . فإذا كان مهدر الدّم ،كأن كان حربيّا ،أو مستحقّ القتل حدّا أو قصاصا فل تجب الدّية بقتله لفقد العصمة .ولبيان معنى العصمة وشروطها ينظر مصطلح ( :عصمة ) . وأمّا السلم فليس من شرائط وجوب الدّية ل من جانب القاتل ول من جانب المقتول ،فتجب الدّية سواء أكان القاتل أو المقتول مسلما ،أم ذ ّميّا ،أم مستأمنا . وكذلك ل يشترط العقل والبلوغ ،فتجب الدّية بقتل الصّبيّ والمجنون اتّفاقا ،كما تجب في مال الصّبيّ والمجنون " مع خلفٍ وتفصيلٍ " . وذلك لنّ الدّية ضمان ماليّ فتجب في حقّهما ،وسيأتي تفصيله فيمن تجب عليه الدّية . ب -وجود المجنيّ عليه بدار السلم :
- 10ويشترط لوجوب الدّية عند الحنفيّة أن يكون المجنيّ عليه بدار السلم ،قال الكاسانيّ: ن الحربيّ إذا أسلم في دار الحرب فلم يهاجر إلينا فقتله مسلم أو ذ ّميّ خطأً ل وعلى هذا فإ ّ تجب الدّية عند أصحابنا . ن العصمة تحصل بالسلم أو المان ،فيدخل ول يشترط جمهور الفقهاء هذا الشّرط فيرون أ ّ فيها المسلم -ولو كان في دار الحرب -كما يدخل فيها ال ّذ ّميّ ،والمستأمن ،والمعقود معهم عقد الموادعة ،والهدنة .
أسباب وجوب الدّية : أوّلً :القتل :
- 11القتل هو لغةً :إزهاق الرّوح ،يقال :قتلته قتلً :إذا أزهقت روحه . وأطلقه الفقهاء أيضًا على الفعل المزهق ،أي القاتل للنّفس ،أو فعل ما يكون سببا لزهوق النّفس ،والزّهوق هو مفارقة الرّوح البدن . وقسم الشّافعيّة والحنابلة القتل إلى عمدٍ ،وشبه عمدٍ ،وخطأٍ . وقسمه الحنفيّة إلى خمسة أقسامٍ :العمد ،وشبه العمد ،والخطأ ،وما يجري مجرى الخطأ ، والقتل بالسّبب . وعند المالكيّة ليس هناك إلّ قتل العمد ،وقتل الخطأ .وتفصيله في مصطلح ( :قتل ) .
أنواع القتل الّذي تجب فيه الدّية : الوّل :القتل الخطأ :
- 12اتّفق الفقهاء على أنّه ل قصاص في القتل الخطأ ،وإنّما تجب الدّية والكفّارة .فكلّ من قتل إنسانا ذكرا أو أنثى ،مسلما أو ذ ّميّا ،مستأمنا أو مهادنا ،وجبت الدّية ،لقوله تعالى { : صدّقُواْ } وقوله طئًا َف َتحْرِيرُ رَ َقبَ ٍة مّ ْؤ ِمنَةٍ َو ِد َيةٌ ّمسَّلمَ ٌة إِلَى أَهْلِ ِه ِإلّ أَن َي ّ خَ َومَن َقتَلَ مُ ْؤ ِمنًا َ سبحانه { :وَإِن كَانَ مِن قَ ْومٍ َب ْي َن ُكمْ َو َب ْينَ ُهمْ مّيثَاقٌ فَ ِديَ ٌة ّمسَّلمَةٌ إِلَى أَهِْلهِ } . ودية الخطأ تجب على عاقلة الجاني مؤجّل ًة في ثلث سنين باتّفاق الفقهاء ،لحديث أبي هريرة ر ضي ال ع نه قال « :اقتتلت امرأتان من هذيلٍ فر مت إحداه ما الخرى بحجرٍ فقتلت ها و ما في بطنها ،فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها » أي على عاقلة القاتلة . ودليل تأجيلها كما قال الكاسانيّ :إجماع ال صّحابة رضي ال عنهم على ذلك ،فإنّه روي أ نّ عمـر رضـي ال عنـه قضـى بذلك بمحض ٍر مـن الصـّحابة ،ولم ينقـل أنّه خالفـه أحـد فيكون إجماعا .
حكمة وجوب دية الخطأ على العاقلة :
ن سبب الوجوب هو القتل ،وأنّه وجد من - 13الصل وجوب الدّية على الجاني نفسه ،ل ّ خرَى } ،ولهذا ل َتزِرُ وَازِرَةٌ ِو ْزرَ ُأ ْ القاتل ،ول يؤاخذ أحد بذنب غيره ،لقوله تعالى َ { :و َ لم تتحمّل العاقلة ضمان الموال ،ودية العمد . لكنّه ترك هذا الصل في دية الخطأ بنصّ الحديث السّابق ،وبفعل الصّحابة كما تقدّم ، ن جنايات الخطأ تكثر ،ودية الدميّ كثيرة ،فإيجابها والحكمة في ذلك كما قال البهوتيّ :إ ّ على الجاني في ماله يجحف به ،فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والعانة له تخفيفا . وقال الكاسانيّ :في حكمته :إنّ حفظ القاتل واجب على عاقلته ،فإذا لم يحفظوا فقد فرّطوا، والتّفريط منهم ذنب . ويدخل القاتل في تحمّل دية الخطأ مع العاقلة عند الحنفيّة والمالكيّة فيكون فيما يؤدّي مثل أحدهم خلفا للشّافعيّ والحنابلة كما سيأتي . وفي بيان المراد من العاقلة ،وتحديدها ،وكيفيّة تحميلها الدّية ،ومقدار ما تتحمّله العاقلة من الدّية خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :عاقلة ) . ي حالٍ عند الحنفيّة والمالكيّة ،خلفا - 14ودية القتل الخطأ دية مخفّفة ،ول تغلّظ في أ ّ للشّافعيّة والحنابلة حيث قالوا بتغليظها في ثلث حالتٍ : أ -إذا حدث القتل في حرم مكّة ،تحقيقا للمن . ب -إذا حدث القتل في الشهر الحرم ،أي ذي القعدة وذي الحجّة والمحرّم ورجبٍ . ج -إذا قتل القاتل ذا رحمٍ محرمٍ له .ففي هذه الحالت تجب دية مغلّظة ،لما روى مجاهد حرَما بالدّية ن عمر رضي ال عنه قضى فيمن قتل في الحرم ،أو في الشهر الحرم ،أو َم ْ أّ وثلث الدّية .ول تغلّظ الدّية في القتل في المدينة عند جمهور الفقهاء . وفي وجهٍ عند الشّافعيّة تغلّظ ،لنّها كالحرم في تحريم الصّيد فكذلك في تغليظ الدّية . أمّا تغليظ الدّية في القتل العمد وشبه العمد فسيأتي تفصيله في موضعه ،مع بيان معنى التّغليظ والتّخفيف في الدّية . وتجب الدّية من صنف المال الّذي يملكه من تجب عليه الدّية .فإن كانت من البل تؤدّى في القتل الخطأ أخماسًا باتّفاق الفقهاء ،وهي عشرون بنت مخاضٍ ،وعشرون بنت لبونٍ ، وعشرون ح ّقةً ،وعشرون جذعةً اتّفاقا . واختلفوا في العشرين الباقية :فقال الحنفيّة والحنابلة :هي من بني المخاض ،وهذا قول ابن مسعودٍ ،والنّخعيّ ،وابن المنذر أيضا .
لما ورد في حديث عبد اللّه بن مسعودٍ رضي ال عنه وقد رفعه إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :في دية الخطأ :عشرون ح ّقةً ،وعشرون جذعةً ،وعشرون بنت مخاضٍ، ض ذكرٍ » " .راجع بيان هذه النواع من البل في وعشرون بنت لبونٍ ،وعشرون بني مخا ٍ مصطلحاتها " . أمّا المالكيّة والشّافعيّة فقالوا في العشرين الباقية :هي من بني اللّبون ،وهذا قول عمر بن ي صلى ن النّب ّ عبد العزيز ،وسليمان بن يسارٍ ،والزّهريّ ،واللّيث ،وربيعة ،لما روي « أ ّ ض » .والدّية ال عليه وسلم ودى الّذي قتل بخيبر بمائةٍ من إبل الصّدقة وليس فيها ابن مخا ٍ من الذّهب ألف دينارٍ باتّفاق الفقهاء ،أمّا من الورق " الفضّة " فهي عشرة آلف درهمٍ عند الحنفيّة ،واثنا عشر ألف درهمٍ عند جمهور الفقهاء ،وسيأتي تفصيله عند الكلم عن مقدار الدّية .
الثّاني :القتل شبه العمد : - 15القتل شبه العمد هو القتل بما ل يقتل غالبا ،كما هو تعبير الشّافعيّة والحنابلة ،أو هو القتل بما ل يفرّق الجزاء ،كما هو تعبير الحنفيّة .ول يقول به المالكيّة كما تقدّم . ول خلف بين الفقهاء ممّن يقولون بشبه العمد في أنّه موجب للدّية . والدّية في شبه العمد مغلّطة .ودليل وجوبها وتغليظها في القتل شبه العمد قوله صلى ال ن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسّوط والعصا مائة من البل ، عليه وسلم « :أل وإ ّ أربعون في بطونها أولدها » . وتجب هذه الدّية على عاقلة الجاني عند جمهور القائلين بشبه العمد ،وبه قال الشّعبيّ والنّخعيّ ،والحكم ،والثّوريّ ،وإسحاق ،وابن المنذر ،وذلك لشبهة عدم القصد لوقوع القتل بما ل يقصد به القتل عاد ًة ،أو ل يقتل غالبا . ول يشترك فيها الجاني عند الشّافعيّة والحنابلة ،ويشترك فيها عند الحنفيّة كما في القتل الخطأ . ودليل وجوبها على العاقلة ما روي عن أبي هريرة رضي ال عنه قال « :اقتتلت امرأتان من هذيلٍ فرمت إحداهما الخرى بحجرٍ فقتلتها وما في بطنها ،فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها » . وقال ابن سيرين والزّهريّ ،والحارث العكليّ وابن شبرمة وقتادة ،وأبو ثورٍ :إنّها تجب على القاتل في ماله ،لنّها موجب فعلٍ قصده ،فلم تحمله العاقلة ،كالعمد المحض .
وجوه تغليظ الدّية وتخفيفها في شبه العمد :
ن القاتل قصد الفعل يشبه - 16إنّ القتل شبه العمد واسطة بين العمد والخطأ ،فمن جهة أ ّ العمد ،ومن جهة أنّه لم يقصد القتل يشبه الخطأ ،ولهذا روعي في عقوبته التّغليظ والتّخفيف معا ،فتغلّظ الدّية فيه من ناحية أسنان البل ،وتخفّف من ناحية وجوبها على العاقلة ،ومن ناحية التّأجيل فتؤدّى من قبل العاقلة في ثلث سنين في آخر كلّ سن ٍة ثلثها .قال ابن قدامة : ل أعلم في أنّها تجب مؤجّلةً خلفا بين أهل العلم ،وروي ذلك عن عمر وعليّ وابن عبّاسٍ رضي ال عنهم . ص في غير البل ول تغلّظ الدّية في غير البل عند الفقهاء ،لنّها مقدّرة ،ولم يرد النّ ّ فيقتصر على التّوقيف . واختلف الجمهور في أسنان البل الواجبة في دية القتل شبه العمد : فقال الشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة وقول مح ّمدٍ من الحنفيّة :إنّها مثلّثة ،ثلثون حقّةً ، وثلثون جذعةً ،وأربعون خلف ًة في بطونها أولدها . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ،وهو المشهور عند الحنابلة :هي مائة من البل أرباعا :خمس وعشرون بنت مخاضٍ ،وخمس وعشرون بنت لبونٍ ،وخمس وعشرون حقّةً ،وخمس وعشرون جذعةً . وفي بيان مقدار ما تتحمّله العاقلة خلف وتفصيل ( :ر :عاقلة ) .
الثّالث :القتل العمد : ن آ َمنُو ْا ُكتِبَ - 17الصل أنّ القتل العمد موجب للقصاص بدليل قوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ عََل ْي ُكمُ الْ ِقصَاصُ فِي الْ َقتْلَى ا ْلحُ ّر بِا ْلحُرّ وَا ْل َع ْبدُ بِا ْل َعبْدِ وَالُنثَى بِالُنثَى } . . .الية . فمن قتل شخصًا عمدًا عدوانًا يقتل قصاصًا باتّفاق الفقهاء . وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الدّية ليست عقوبةً أصليّ ًة للقتل العمد ،وإنّما تجب بالصّلح " برضا الجاني " ،كما هو رأي الحنفيّة والمالكيّة أو بدلً عن القصاص ،ولو بغير رضا الجاني ،كما هو المعتمد عند الشّافعيّة .فإذا سقط القصاص لسببٍ ما وجبت الدّية عندهم . ن الدّية عقوبة أصليّة بجانب القصاص في القتل وذهب الحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة :إلى أ ّ ي بينهما ولو العمد .فالواجب عندهم في القتل العمد أحد شيئين :القود أو الدّية ،ويخيّر الول ّ لم يرض الجاني .
تغليظ الدّية في القتل العمد :
- 18الدّية في القتل العمد مغلّظة ،سواء أوجب فيه القصاص وسقط بالعفو ،أو لشبهةٍ أو نحوهما ،أم لم يجب أصلً ،كقتل الوالد ولده . واختلفوا في كيفيّة تغليظ الدّية في القتل العمد :
فقال المالكيّة والحنابلة :تجب أرباعا ،خمس وعشرون حقّةً ،وخمس وعشرون جذعةً ، ن ،وتجب في مال الجاني حالّةً ، وخمس وعشرون بنت مخاضٍ ،وخمس وعشرون بنت لبو ٍ وذلك تغليظًا على القاتل . لكن المالكيّة قالوا :تثلّث الدّية في قتل الب ولده عمدا إذا لم يقتل به . ففي هذه الحالة يكون التّثليث بثلثين ح ّقةً ،وثلثين جذعةً ،وأربعين خلف ًة أي حاملً . وقال الشّافعيّة :دية العمد مثلّثة في مال الجاني حالّ ًة فهي مغلّظة من ثلثة أوجهٍ :كونها على الجاني ،وحالّ ًة ،ومن جهة السّنّ . ول تؤجّل الدّية في القتل العمد عند جمهور الفقهاء ،لنّ الصل وجوب الدّية حاّلةً بسبب القتل ،والتّأجيل في الخطأ ثبت معدولً به عن الصل ،لجماع الصّحابة رضي ال عنهم ، أو معلولً بالتّخفيف على القاتل ،حتّى تحمل عنه العاقلة ،والعامد يستحقّ التّغليظ ،ولهذا وجب في ماله ل على العاقلة . وقال الحنفيّة :التّغليظ في القتل العمد كالتّغليظ في شبه العمد من ناحية أسنان البل ،فتجب أرباعا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،وأثلثا عند مح ّمدٍ ،كما تقدّم في شبه العمد . ل ارتكبه قصدا وقد قال إلّ أنّها تجب في مال الجاني وحده ول تحملها العاقلة ،لنّها جزاء فع ٍ خرَى } .وقال صلى ال عليه وسلم « :ول يجني جانٍ ل َتزِرُ وَازِرَةٌ ِو ْزرَ ُأ ْ اللّه تعالى َ { :و َ إلّ على نفسه » . وتجب الدّية في القتل العمد مؤجّل ًة أيضا في ثلث سنين عند الحنفيّة " خلفًا لجمهور الفقهاء" ل ديةٍ وجبت بالنّصّ ،فدية القتل العمد مغلّظة من وجهين فقط :أحدهما ن الجل وصف لك ّ لّ من ناحية السنان ،والثّاني أنّها تجب في مال الجاني .
حالت وجوب الدّية في القتل العمد : أ ولً -العفو عن القصاص :
ن آ َمنُو ْا ُكتِبَ - 19رغّب الشّارع في العفو عن القصاص فقال سبحانه وتعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ ن َأخِي ِه شَيْ ٌء فَا ّتبَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ وََأدَاء ع ِفيَ لَ ُه مِ ْ عََل ْي ُكمُ الْ ِقصَاصُ فِي الْ َقتْلَى } ثمّ قال َ { :فمَنْ ُ حمَ ٌة } ،وفي الحديث عن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ ن ذَِلكَ َتخْفِيفٌ مّن رّ ّب ُكمْ َورَ ْ إَِليْ ِه ِبِإحْسَا ٍ ل ،ول عفا رجل عن مظلمةٍ إلّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ما نقصت صدقة من ما ٍ زاده اللّه عزّا » .واتّفق الفقهاء على أنّه إن عفا عن القصاص مجّانا فهو أفضل .وتجب الدّية في العفو عن القصاص في الحالت التّالية : أ -عفو جميع أولياء القتيل :
- 20إذا عفا جميع أولياء القتيل ولم يكن بينهم صغير ول مجنون يسقط القصاص عند جميع ن موجب العمد هو الفقهاء ،وتسقط الدّية أيضا عند الحنفيّة وهو الرّاجح عند المالكيّة ،ل ّ القصاص ،وهو الواجب عينا أي متعيّنا عندهم ،فليس للولياء أن يجبروا الجاني على دفع الدّية ،وإنّما لهم أن يعفوا مجّانا أو يقتصّوا منه ،فإذا سقط القصاص بالعفو فل بديل له من الدّية ،إلّ عن طريق التّراضي والصّلح بين الولياء والجاني ،وإذا حصل الصّلح بينهم جاز العفو على الدّية أو أكثر أو أقلّ منها برضا الجاني ،لنّ بدل الصّلح غير مق ّدرٍ .وقال الشّافعيّة والحنابلة :للولياء أن يعفوا عن القود على الدّية بغير رضا الجاني .والمذهب عند الشّافعيّة أنّه لو أطلق العفو ولم يتعرّض للدّية بنفيٍ أو إثباتٍ فل تجب الدّية بنا ًء على القول ن القتل لم يوجب الدّية على هذا القول ، ن موجب العمد القود ،ل ّ الرّاجح عندهم ،وهو أ ّ ت ،ل إثبات معدومٍ . والعفو إسقاط شيءٍ ثاب ٍ ن الواجب أحدهما ،فإذا ترك أحدهما وهو القود ل آخر عندهم :تجب الدّية ،ل ّ وعلى قو ٍ وجب الخر أي الدّية . وقال الحنابلة :يخيّر الولياء بين القود وأخذ الدّية ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :من قتل له قتيل فهو بخير النّظرين ،إمّا أن يودى وإمّا أن يقاد » . ن الدّية دون القصاص فللوليّ أن ينتقل إليها ولو سخط الجاني ،لنّها أقلّ من حقّه . وحيث إ ّ وإن عفا مطلقا بأن لم يقيّده بقودٍ ول ديةٍ ،أو قال :عفوت عن القود ،فله الدّية ،لنصراف العفو إلى القود في مقابلة النتقام ،والنتقام إنّما يكون بالقتل . ب -عفو بعض الولياء : - 21إذا عفا بعض الولياء عن القود دون البعض سقط القصاص عن القاتل ،لنّه سقط نصيب العافي بالعفو ،فيسقط نصيب الخر في القود ضرور ًة ،لنّه ل يتجزّأ فل يتصوّر ض. استيفاء بعضه دون بع ٍ وفي هذه الحالة يبقى للخرين نصيبهم من الدّية ،وذلك باتّفاق الفقهاء لجماع الصّحابة رضي ال عنهم ،فإنّه روي عن عمر وعبد اللّه بن مسعودٍ وابن عبّاسٍ رضي ال عنهم أنّهم أوجبوا في عفو بعض الولياء للّذين لم يعفوا نصيبهم من الدّية ،وذلك بمحضرٍ من الصّحابة رضي ال عنهم ،ولم ينقل أنّه أنكر أحد عليهم ،فيكون إجماعا . ويستوي في هذه الحالة عفو أحد الولياء مجّانا أو إلى الدّية . ح العفو عن القصاص من قبل الصّغير والمجنون ،وإن كان الحقّ ثابتا لهما ،وهذا ول يص ّ باتّفاق الفقهاء ،لنّه من التّصرّفات المضرّة المحضة ،فل يملكانه كالطّلق والعتاق ونحوهما .
ثانيا -موت الجاني " فوات محلّ القصاص : ن القاتل إذا مات أو قتل سقط القصاص بفوات محلّه ول - 22صرّح الحنفيّة والمالكيّة بأ ّ ن القصاص في العمد هو الواجب عينًا ،لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ تجب الدّية ،ل ّ ُكتِبَ عََل ْيكُمُ ا ْل ِقصَاصُ فِي الْ َقتْلَى } .الية ،حتّى ل يملك الوليّ أن يأخذ الدّية من القاتل بغير رضاه . ن الواجب بقتل العمد أحد وقال الحنابلة :إن مات القاتل أو قتل وجبت الدّية في تركته ،ل ّ شيئين :القود أو الدّية ،ويخيّر الوليّ بينهما ،ولو لم يرض الجاني . فإذا تعذّر استيفاء القصاص بموت الجاني بقي حقّه في استيفاء الدّية . ن موجب القتل العمد القود عينا ،وهذا وللشّافعيّة في المسألة قولن :الوّل وهو المعتمد :أ ّ متّفق مع قول الحنفيّة والمالكيّة ،إلّ أنّهم قالوا :إنّ الدّية بدل عند سقوط القصاص بعف ٍو أو غيره كموت الجاني ،فتجب الدّية بغير رضا الجاني . ل آخر :موجب العمد أحد شيئين " القود أو الدّية " مبهما ل بعينه ،وعلى كل القولين وفي قو ٍ تجب الدّية عند سقوط القصاص بموت الجاني عند الشّافعيّة .
ثالثا -الدّية في أحوال سقوط القصاص :
- 23إذا وجد ما يمنع القصاص ،فتجب الدّية بدلً عنه ،وقد ذكر الفقهاء لوجوب الدّية حال سقوط القصاص بسبب الشّبهة أمثلة ،منها :
أ -قتل الوالد ولده : - 24ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا قتل الوالد ولده فل قصاص ،لحديث « :ل يقاد الب من ابنه " وإنّما سقط القصاص عن الوالد لشبهة الجزئيّة وتجب عليه الدّية في ماله .وفي حكم الوالد الجدّ والوالدة عند جمهور الفقهاء .وفي روايةٍ عند الحنابلة تقتل المّ بقتل ولدها . وهذا بخلف قتل الولد للوالد فيجب القصاص عند الجميع .وعلّل الفقهاء ذلك بأنّ القصاص شرع لتحقيق حكمة الحياة بالزّجر والرّدع ،والحاجة إلى الزّجر في جانب الولد ل في جانب ن الوالد كان سببا في حياة الولد فل يكون الولد سببا في موته . الوالد ،ول ّ وقال المالكيّة :إذا قتل الرّجل ابنه متعمّدا ،واعترف بقصد قتله ،أو فعل به فعلً من شأنه القتل مثل أن يذبحه أو يشقّ بطنه ،ول شبهة له في ادّعاء الخطأ يقتل به قصاصا .
ب -الشتراك مع من ل قصاص عليه :
- 25لو اشترك اثنان في قتل رجلٍ أحدهما عليه القصاص لو انفرد ،والخر ل يجب عليه لو انفرد ،كالصّبيّ مع البالغ ،والمجنون مع العاقل ،والخاطئ مع العامد فإنّه ل قصاص
ي واحدٍ منهما ،وهذا مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو مذهب المالكيّة في على أ ّ شريك المخطئ والمجنون . فتجب على المتعمّد نصف الدّية في ماله ونصفها على عاقلة المخطئ والمجنون . واستدلّوا لسقوط القصاص في هذه الحالت -كما قال الكاسانيّ -بتمكّن الشّبهة في فعل كلّ واحدٍ منهما ،لنّه يحتمل أن يكون فعل من ل يجب عليه القصاص لو انفرد مستقلّا في القتل ،فيكون فعل الخر فضلً . وفي شريك الصّبيّ قال المالكيّة :عليه القصاص إن تمال على قتله عمدا ،وعلى عاقلة الصّبيّ نصف الدّية ،لنّ عمده كخطئه .وإن لم يتمال على قتله وتعمّدا قتله ،أو تعمّد الكبير فعليه نصف الدّية في ماله ،وعلى عاقلة الصّبيّ نصفها . ي مع الب في قتل ولده فالجمهور " :المالكيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند أمّا إذا اشترك أجنب ّ الحنابلة " على أنّه يقتل شريك الب ،وعلى الب نصف الدّية مغلّط ًة عند من يقول بعدم القصاص عليه . وقال الحنفيّة ،وهو رواية عند الحنابلة :ل قصاص على واح ٍد منهما ،لتمكّن الشّبهة في فعل كلّ واح ٍد منهما ،كشريك الخاطئ والصّبيّ والمجنون ،وعلى ذلك فعلى كلّ واح ٍد منهما نصف الدّية .وتفصيله في ( :قصاص ) .
ج -إرث الولد حقّ القتصاص من أصله : - 26إذا ورث الولد القصاص من أحد البوين على الخر يسقط القصاص وتجب الدّية وذلك لشبهة الوراثة .فلو قتل أحد البوين صاحبه ولهما ولد لم يجب القصاص ،لنّه لو وجب لوجب لولده ،ول يجب للولد قصاص على والده .لنّه إذا لم يجب بالجناية عليه فلن ل يجب له بالجناية على غيره أولى .وسواء أكان الولد ذكرا أم أنثى .أو كان للمقتول ولد سواه أو من يشاركه في الميراث أم لم يكن ،لنّه لو ثبت القصاص لوجب له جزء منه ول يمكن وجوبه .وإذا لم يثبت بعضه سقط كلّه ،لنّ القصاص ل يتبعّض ،وصار كما لو عفا بعض مستحقّي القصاص عن نصيبه منه ،وهذا عند من يقول بعدم وجوب القصاص على الوالد بسبب قتل ولده ،وهم الجمهور . وكذا لو قتل رجل أخاه أو أحدا يرث ابنه حقّ القصاص أو شيئا منه . وهناك أنواع أخرى تمنع القصاص . ينظر تفصيلها في مصطلحات ( :قصاص ،قتل ،شبهة ) .
رابعا -القتل بالتّسبّب :
- 27ذهب الحنفيّة إلى عدم وجوب القصاص في القتل بالسّبب مطلقا ،بل تجب الدّية ، لنّهم اشترطوا في القصاص أن يكون القتل مباشرةً ،ول يشترط ذلك عند سائر الفقهاء فيقتصّ من القاتل في بعض حالت التّسبّب عندهم . وهذا في الجملة ،وإن اختلفوا في بعض الحالت ،ولم يقولوا بالقصاص في حالتٍ أخرى بل قالوا بوجوب الدّية .وتفصيله في مصطلح ( :قتل بالتّسبّب ) .
ما تجب منه الدّية " :أصول الدّية " : - 28اتّفق الفقهاء على أنّ البل أصل في الدّية ،فتقبل إذا أدّيت منها عند جميع الفقهاء . واختلفوا فيما سوى البل :فذهب المالكيّة وأبو حنيفة إلى أنّ أصول الدّية أي ما تقضى منه الدّية من الموال ثلثة أجناسٍ :البل والذّهب والفضّة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم : ن في النّفس مائ ًة من البل » ،وقوله عليه الصلة والسلم « :على أهل الذّهب ألف «إّ دينارٍ وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهمٍ » . فالدّية على أهل البل مائة من البل ،وعلى أهل الذّهب ألف دينارٍ من الذّهب وعلى أهل الورق " الفضّة " اثنا عشر ألف درهمٍ ،عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :لقوله صلى ال عليه وسلم « :على أهل الذّهب ألف دينارٍ وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهمٍ » ولما ل قتل فجعل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ديته ن رج ً س رضي ال عنهما « أ ّ روى ابن عبّا ٍ اثني عشر ألفا » . قال النّفراويّ المالكيّ :صرف دينار الدّية اثنا عشر درهما ،كدينار السّرقة والنّكاح ، بخلف دينار الجزية والزّكاة فصرفه عشرة دراهم ،وأمّا دينار الصّرف فل ينضبط . وقال الحنفيّة :الدّية من الورق عشرة آلف درهمٍ ،لقول عمر رضي ال عنه " :الدّية عشرة آلف درهمٍ " ،وكان ذلك بمحضرٍ من الصّحابة رضي ال عنهم ولم ينقل أنّه أنكر ن المقادير ل تعرف إلّ سماعا فالظّاهر أنّه سمعه من رسول عليه أحد ،فيكون إجماعا مع أ ّ ي صلى ال عليه ن النّب ّ اللّه صلى ال عليه وسلم ،ولما روى ابن عمر رضي ال عنهما « أ ّ وسلم قضى بالدّية في قتيلٍ بعشرة آلف درهمٍ » ولنّ الدّينار مقوّم في الشّرع بعشرة دراهم، كما في الزّكاة ،فإنّ نصاب الفضّة في الزّكاة مقدّر بمائتي درهمٍ ،ونصاب الذّهب فيها بعشرين دينارا . قال الزّيلعيّ :يحمل ما رواه الشّافعيّ ومن معه على وزن خمس ٍة ،وما رويناه على وزن ستّةٍ ،وهكذا كانت دراهمهم في زمان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى زمان عمر رضي ن الختلف في مقدار الدّية يرجع إلى سعر صرف الدّينار . ال عنه فاستويا .وبهذا ظهر أ ّ والمذهب عند الحنابلة ،وهو قول الصّاحبين من الحنفيّة أنّ أصول الدّية خمسة :البل
والذّهب والورق والبقر والغنم ،وهذا قول عمر وعطاءٍ وطاوسٍ وفقهاء المدينة السّبعة ، وابن أبي ليلى .وزاد عليها أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة -وهو رواية عن أحمد -الحلل، فتكون أصول الدّية ستّة أجناسٍ . ن عمر قام خطيبا فقال :أل إنّ واستدلّوا بما روى عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه ،أ ّ البل قد غلت ..ففرضها على أهل الذّهب ألف دينارٍ وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا وعلى أهل البقر مائني بقرةٍ ،وعلى أهل الشّاء ألفي شاةٍ ،وعلى أهل الحلل مائتي حلّ ٍة . وعلى ذلك فأيّ شي ٍء أحضره من عليه الدّية من الجاني أو العاقلة من هذه الصول لزم الوليّ أو المجنيّ عليه أخذه ،ولم يكن له المطالبة بغيره ،سواء أكان من أهل ذلك النّوع أم لم يكن ،لنّها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها ،فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه. وقال الشّافعيّ :وهو رواية عن أحمد وظاهر كلم الخرقيّ من الحنابلة ،وقول طاوسٍ وابن ن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان المنذر :إنّ الصل في الدّية البل ل غير ،لقوله « :أل إ ّ بالسّوط والعصا مائة من البل » . ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم فرّق بين دية العمد والخطأ فغلّظ بعضها وخفّف بعضها ، ول ّ ول يتحقّق هذا في غير البل ،ولنّه بدل متلفٍ " وجب " حقّا لدميّ ،فكان متعيّنا كعوض الموال . وعلى ذلك فمن تجب عليه الدّية وله إبل تؤخذ الدّية منها سليمةً من العيوب ،وأيّهما أراد المعدول عنها إلى غيرها فللخر منعه ،ول يعدل إلى نوعٍ آخر أو قيمته إلّ بتراضٍ من ن الحقّ متعيّن في البل فاستحقّت كالمثل في المثليّات المتلفة . المودي والمستحقّ ،ل ّ ولو عدمت إبل الدّية حسّا بأن لم توجد في موضعٍ يجب تحصيلها منه ،أو شرعا بأن وجدت فيه بأكثر من ثمن مثلها ،فالواجب ألف دينارٍ على أهل الدّنانير أو اثنا عشر ألف درهمٍ فضّةً على أهل الدّراهم ،وهذا قول الشّافعيّ في القديم لحديث « :على أهل الذّهب ألف دينارٍ وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهمٍ » وفي القول الجديد للشّافعيّ تجب قيمتها وقت وجوب تسليمها بنقد بلده الغالب بالغ ًة ما بلغت ،لنّه بدل متلفٍ ،فيرجع إلى قيمتها عند إعواز الصل . ل إقليمٍ من أهل البل فإن لم يوجد عندهم إلّ الخيل والبقر وقال المالكيّة :أهل البوادي من ك ّ فل نصّ ،والظّاهر تكليفهم بما يجب على حاضرتهم من ذهبٍ أو فضّةٍ ،وقيل :يكلّفون قيمة البل .
مقدار الدّية : أوّلً :مقدار الدّية في النّفس :
دية الذّكر الحرّ : ن دية الذّكر الحرّ المسلم هي مائة من البل أو ما يقوم - 29ل خلف بين الفقهاء في أ ّ مقامها على ما سبق تفصيله . كما أنّه ل خلف في مقدار الدّية من البقر والغنم والحلل عند من يقول بها .
دية النثى :
ن دية النثى الحرّة المسلمة هي نصف دية الذّكر الح ّر المسلم ،هكذا - 30ذهب الفقهاء إلى أ ّ ت رضي ال ي وابن مسعودٍ وزيد بن ثاب ٍ روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم وعن عمر وعل ّ ن دية المرأة نصف دية عنهم .قال ابن المنذر وابن عبد البرّ :أجمع أهل العلم على أ ّ الرّجل ،لما روى معاذ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :دية المرأة على النّصف من دية الرّجل » .ولنّها في الشّهادة والميراث على النّصف من الرّجل فكذلك في الدّية .وهذا في دية النّفس ،أمّا في دية الطراف والجروح فاختلفوا : فقال الحنفيّة والشّافعيّة إنّها على النّصف من دية أطراف وجراح الرّجل أيضا ،لما روي عن عليّ رضي ال عنه قال :عقل المرأة على النّصف من الرّجل في النّفس وفيما دونها . وروي ذلك عن ابن سيرين ،وبه قال الثّوريّ واللّيث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو ثورٍ ، واختاره ابن المنذر :لنّهما شخصان تختلف ديتهما في النّفس فاختلفت في الطراف . وقال المالكيّة والحنابلة :تساوي المرأة الرّجل في دية الطراف إلى ثلث دية الرّجل .فإذا بلغت الثّلث رجعت إلى عقلها ،فإذا قطع لها ثلث أصابع فلها ثلثون من البل كالرّجل ، وإذا قطع لها أربع أصابع فإنّها تأخذ نصف ما يأخذه الرّجل :أي تأخذ عشرين من البل ، ت رضي ال عنهم ،وبه قال سعيد بن المسيّب وروي ذلك عن عمر وابن عمر وزيد بن ثاب ٍ وعمر بن عبد العزيز ،وعروة والزّهريّ ،وهو قول فقهاء المدينة السّبعة ،وذلك لما روى عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :عقل المرأة ص يقدّم على ما سواه . مثل عقل الرّجل حتّى يبلغ الثّلث من ديتها » .وهو ن ّ
دية الخنثى : - 31إذا كان المقتول خنثى مشكلً ففيه نصف دية ذك ٍر ونصف دية أنثى عند المالكيّة والحنابلة ،لنّه يحتمل الذّكوريّة والنوثيّة ،وقد يئسنا من انكشاف حاله فيجب التّوسّط بينهما بكل الحتمالين . وقال الحنفيّة :إذا قتل خطأً وجبت دية المرأة ويوقف الباقي إلى التّبيّن . ن زيادته عليها وقال الشّافعيّة :الخنثى كالنثى في الدّية فيجب في قتلها نصف الدّية ،ل ّ مشكوك فيها .
دية الكافر : - 32اتّفق الفقهاء على أنّه ل دية للحربيّ ،لنّه ل عصمة له . أمّا ال ّذ ّميّ والمستأمن فقد اختلفوا في مقدار الدّية فيهما :فذهب المالكيّة والحنابلة ،وهو ن دية الكتابيّ ال ّذ ّميّ والمعاهد نصف مذهب عمر بن عبد العزيز وعروة وعمرو بن شعيبٍ أ ّ دية الحرّ المسلم ،لما روى عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :دية المعاهد نصف دية الحرّ » ،وفي لفظٍ « :دية عقل الكافر نصف دية عقل المؤمن » .وورد من حديث عبد اللّه بن عمر « :دية المعاهد نصف دية المسلم » . ي ثمانمائة درهمٍ عند المالكيّة والحنابلة ، وأهل الكتاب هم اليهود والنّصارى ،ودية المجوس ّ وبه قال عمر وعثمان وابن مسعودٍ رضي ال عنهم ،وكذلك المرتدّ عند المالكيّة . وهذا في دية النّفس . قال المالكيّة :ودية جراح أهل الكتاب كذلك على النّصف من دية جراح المسلمين . وقال الحنابلة :جراحات أهل الكتاب من دياتهم كجراح المسلمين من دياتهم .وتغلّظ دياتهم باجتماع الحرمات عند من يرى تغليظ ديات المسلمين . ن ال ّذ ّميّ -كتابيّا كان أو غيره -والمستأمن والمسلم في الدّية سواء والصّحيح عند الحنفيّة أ ّ وهذا قول إبراهيم النّخعيّ والشّعبيّ ،وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعودٍ ومعاوية رضي ال عنهم . فل يختلف قدر الدّية بالسلم والكفر عند الحنفيّة لتكافؤ الدّماء ،وذلك لقوله تعالى { :وَإِن كَانَ مِن قَ ْومٍ َب ْي َن ُكمْ َو َب ْينَ ُهمْ مّيثَاقٌ فَ ِديَ ٌة ّمسَّلمَةٌ إِلَى أَهِْلهِ } .أطلق سبحانه وتعالى القول بالدّية ل واحد . في جميع أنواع القتل من غير فصلٍ ،فدلّ على أنّ الواجب في الك ّ وروي « أنّ عمرو بن أميّة الضّمريّ قتل مستأمنين فقضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فيهما بدية حرّين مسلمين » . ن أبا بكرٍ وعمر رضي ال عنهما قضيا في دية ال ّذمّيّ بمثل دية المسلم ، وروى الزّهريّ أ ّ ولنّ وجوب كمال الدّية يعتمد على كمال حال القتل فيما يرجع إلى أحكام الدّنيا وهي الذّكورة والح ّريّة والعصمة وقد وجدت ،ونقل عن بعض الحنفيّة أنّه ل دية في المستأمن . ل مناكحته ثلث دية وقال الشّافعيّة :دية كلّ من اليهوديّ أو النّصرانيّ إذا كان له أمان وتح ّ المسلم نفسا وغيرها ،ودية الوثنيّ والمجوسيّ إذا كان لهما أمان ثلثا عشر دية المسلم ،ومثل المجوسيّ عابد الشّمس والقمر والزّنديق ممّن له أمان ،وذلك لما روى سعيد بن المسيّب أنّ عمر رضي ال عنه جعل دية اليهوديّ والنّصرانيّ أربعة آلف درهمٍ ودية المجوسيّ ثمانمائة درهمٍ ،وهذا التّقدير ل يفعل بل توقيفٍ ،فأمّا غير المعصوم فدمه هدر .وهذا كلّه في
الذّكور ،أمّا الناث من الكفّار اللّواتي لهم أمان فديتهنّ نصف دية الذّكور منهم اتّفاقا .قال ن دية المرأة ابن قدامة :ل نعلم في هذا خلفا ،ونقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على أ ّ نصف دية الرّجل .
دية الجنين : - 33اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية الّتي ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتا هو غرّة ،سواء أكانت الجناية بالضّرب أم بالتّخويف أم الصّياح أم غير ذلك ،وسواء أكانت الجناية عمدا أم خطأً ،ولو من الحامل نفسها أو من زوجها .لما ثبت عن النّبيّ صلى ال ن امرأتين من هذيلٍ رمت إحداهما عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي ال عنه « :أ ّ الخرى فطرحت جنينها ،فقضى فيها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بغرّة عبدٍ أو وليد ٍة ». والغرّة نصف عشر الدّية الكاملة ،وهي خمس من البل أو خمسون دينارا ،ول تختلف الغرّة بذكورة الجنين وأنوثته ،فهي في كليهما سواء ( ر :غرّة ) . ن أمان إذا كان محكوما بكفره ففيه عشر دية أمّه ،لنّ وأمّا جنين الكتابيّة والمجوسيّة ممّن له ّ جنين الحرّة المسلمة مضمون بعشر دية أمّه فكذلك جنين الكافرة . وهذا إذا ألقته نتيجةً للجناية ميّتا في حياتها . أمّا إذا ألقته حيّا حياةً مستقرّةً ثمّ مات نتيجةً للجناية :كأن مات بعد خروجه مباشر ًة أو دام ن حيّ . ألمه ثمّ مات ففيه دية كاملة اتّفاقا ،لنّه قتل إنسا ٍ وإذا ألقته نتيجةً ،للجناية عليها م ّيتًا بعد موتها فاختلفوا فيه : فقال الحنفيّة والمالكيّة :في المّ الدّية ،ول شيء في الجنين ،لنّ موتها سبب لموته ،لنّه شكّ .وقال يختنق بموتها ،فإنّه إنّما يتنفّس بنفسها ،واحتمل موته بالضّربة فل تجب الغرّة بال ّ الشّافعيّة والحنابلة :تجب فيه غرّة أيضا ،لنّه جنين تلف بحنايةٍ ،وعلم ذلك بخروجه فوجب ضمانه ،كما لو سقط في حياتها ،ولنّه آدميّ موروث فل يدخل في ضمان أمّه كما لو خرج حيّا .وإن ألقت جنينين ميّتين أو أكثر ففي كلّ واحدةٍ غرّة باتّفاق الفقهاء ،لنّه ضمان آدميّ فتتعدّد الغرّة بتعدّده كالدّيات . ل واح ٍد دية كاملة ،وإن كان بعضهم حيّا فمات ،وبعضهم وإن ألقتهم أحياء ثمّ ماتوا ففي ك ّ م ّيتًا ،ففي الحيّ دية كاملة ،وفي الميّت غرّة . وإن ظهر بعض خلقه من بطن أمّه ميّتا ولم يخرج باقيه ففيه غرّة أيضا عند الحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة . ح عند الشّافعيّة :ل تجب الغرّة حتّى تلقيه كاملً . وقال مالك ،وهو مقابل الص ّ
ن العلم قد حصل بوجود قال الشّافعيّة :ولو ألقت يدا أو رجلً وماتت فتجب غرّة ،ل ّ الجنين ،والغالب على الظّنّ أنّ اليد بانت بالجناية ،ولو عاشت ولم تلق جنينا فل يجب إلّ ل نصف دي ٍة ول يضمن باقيه ،لنّا لم نتحقّق تلفه ن يد الحيّ ل يجب فيها إ ّ نصف غ ّرةٍ ،كما أ ّ . وظاهره أنّه يجب للعضو الزّائد حكومة ،ولو ألقت يدا ثمّ جنينا ميّتا بل يدٍ قبل الندمال وزال ن اليد مبانة منه بالجناية ،أو حيّا فمات من الجناية فدية اللم من المّ فغرّة ،لنّ الظّاهر أ ّ ودخل فيها أرش اليد ،فإن عاش وشهد القوابل أو علم أنّها يد من خلقت فيه الحياة فنصف ل باليقين ،أو ألقته بعد ديةٍ لليد ،وإن لم يشهد القوابل بذلك ولم يعلم فنصف غرّ ٍة لليد عم ً الندمال وزال اللم أهدر الجنين لزوال اللم الحاصل بالجناية ،ووجب لليد الملقاة قبله إن خرج ميّتا نصف غ ّرةٍ ،أو حيّا ومات أو عاش فنصف دي ٍة إن شهد القوابل أو علم أنّها يد من خلقت فيه الحياة ،وإن انفصل بعد إلقاء اليد ميّتا كامل الطراف بعد الندمال فل شيء فيه ، ن اليد الّتي ألقتها كانت زائد ًة ; وفي اليد حكومة ،أو قبل الندمال ميّتا فغرّة فقط لحتمال أ ّ لهذا الجنين وانمحق أثرها ،أو حيّا ومات فدية ل غرّة ،وإن عاش فحكومة ،وتأخّر اليد عن الجنين إلقاء كتق ّدمٍ لذلك فيما ذكر ،وكذا لحم ألقته امرأة بحنايةٍ عليها يجب فيه غرّة إذا قال ن فل يعرفها سواهنّ لحذقهنّ ،ونحوه القوابل وهنّ أهل الخبرة فيه صورة خفيّة على غيره ّ للحنابلة .
ثانيا -العتداء على ما دون النّفس : موجبات الدّية في العتداء على ما دون النّفس ثلثة أقسامٍ ،وهي إبانة الطراف ،وإتلف المعاني ،والشّجاج والجروح .
القسم الوّل :إبانة الطراف " :قطع العضاء " :
ن في قطع ما ل نظير له في بدن النسان كالنف - 34اتّفق الفقهاء في الجملة على أ ّ واللّسان والذّكر والحشفة والصّلب إذا انقطع المنيّ ،ومسلك البول ،ومسلك الغائط دي ًة كاملةً .ومن أتلف ما في البدن منه شيئان كالعينين والذنين ،واليدين ،والرّجلين ،والشّفتين والحاجيين إذا ذهب شعرهما نهائيّا ولم ينبت ،والثّديين ،والحلمتين ،والنثيين ،والشّفرين واللّحيين ،والليتين إذا تلفتا معا ففيهما دية كاملة :وفي إحداهما نصف الدّية ،ومن أتلف ما في النسان منه أربعة أشياء ،كأشفار العينين والجفان ففيها الدّية ،وفي كلّ واحدٍ منها ربع الدّية ،وما فيه منه عشرة أشياء ،كأصابع اليدين ،وأصابع الرّجلين ففي جميعها الدّية ل واح ٍد منها عشر الدّية ،وما في الصابع من المفاصل " السّلميّات " ففي الكاملة ،وفي ك ّ
أحدها ثلث دية الصبع ،ونصف دية الصبع فيما فيها مفصلن وهي البهام خاصّةً ،وفي ن خمس من البل .وهذا في الجملة . لسّ جميع السنان دية كاملة ،وفي ك ّ والصل فيه ما ورد في « الكتاب الّذي كتبه صلى ال عليه وسلم إلى أهل اليمن أنّ في النّفس الدّية وفي اللّسان الدّية وفي النف إذا أوعب جدعه الدّية » . ص الوارد في البعض يكون واردا في الباقي دلل ًة ،لنّه في معناه . فالنّ ّ والصل في العضاء أنّه إذا فوّت جنس منفعةٍ على الكمال ،أو أزال جمالً مقصودا في ن فيه إتلف النّفس من وج ٍه ،إذ النّفس ل تبقى الدميّ على الكمال يجب كلّ الدّية ،ل ّ منتفعًا بها من ذلك الوجه ،وإتلف النّفس من وجهٍ ملحق بالتلف من كلّ وجهٍ في الدميّ تعظيمًا له كما قال الزّيلعيّ . وفيما يلي تفصيل ذلك عند الفقهاء :
أوّلً -دية ما ل نظير له في البدن من العضاء : أ -دية النف :
- 35النف إذا قطع كلّه أو قطع المارن منه " وهو ما لن من النف وخل من العظم " ففيه ن في دية كاملة ،لما روي في كتاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى أهل اليمن « :وإ ّ ن فيه جمالً ومنفعةً زالتا بالقطع فوجبت الدّية الكاملة . النف إذا أوعب جدعه الدّية » .ول ّ ل من طرفي المارن المسمّيين بالمنخرين ،وفي ن الشّافعيّة والحنابلة قالوا :في قطع ك ّ ثمّ إ ّ الحاجز بينهما ثلث الدّية ،توزيعا للدّية عليها . ل عند الشّافعيّة وهو وجه عند الحنابلة في الحاجز حكومة عدلٍ ،وفيهما دية ،لنّ وفي قو ٍ الجمال وكمال المنفعة فيهما دون الحاجز . وقال المالكيّة :ما نقص من النف ففيه بحسابه من الدّية ،والنّقص يقاس من المارن ،ل من الصل .
ب -دية اللّسان : - 36اتّفق الفقهاء على أنّه تجب الدّية الكاملة في قطع اللّسان المتكلّم به إذا استوعب قطعا، وروي ذلك عن أبي بكرٍ وعمر وعليّ رضي ال عنهم .وورد في كتاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم .إلى أهل اليمن « :وفي اللّسان الدّية » ولنّ فيه جمالً ومنفع ًة . ي صلى ال عليه وسلم سئل عن الجمال فقال :في اللّسان ». ن النّب ّ أمّا الجمال فقد روي « أ ّ ن به تبلّغ الغراض وتستخلص الحقوق وتقضى الحاجات وتت ّم العبادات ، وأمّا المنفعة فإ ّ ن اللّه تعالى على النسان بقوله تعالى: والنّطق يمتاز به الدميّ عن سائر الحيوانات ،وبه مَ ّ
ن الدّية { خََلقَ ا ْلإِنسَانَ ،عَّلمَ ُه ا ْل َبيَانَ } وكذا تجب الدّية بقطع بعضه إذا امتنع من الكلم ،ل ّ تجب ; لتفويت المنفعة ،وقد حصل بالمتناع عن الكلم . ولو قدر على الكلم ببعض الحروف دون بعضٍ ،تقسم الدّية على عدد الحروف وهي ثمانية وعشرون ،فما نقص من الحروف وجب من الدّية بقدره ،وقيل :تقسم الدّية على الحروف الّتي تتعلّق باللّسان دون الشّفة والحلق ،فتستثنى منها الحروف الشّفويّة ،وهي أربعة : الباء ،والميم ،والفاء ،والواو ،وحروف الحلق وهي ستّة هي :الهمزة ،والهاء ،والعين ، والحاء ،والغين ،والخاء ،فتبقى ثمانية عشر حرفًا تنقسم الدّية عليها . وقال المالكيّة :في اللّسان الدّية ،فإن قطع بعضه فإن منع جملة الكلم ففيه الدّية . وقالوا أيضا :الدّية في الكلم ل في اللّسان ،فإن قطع من لسانه ما ينقص من حروفه فعليه بقدر ذلك ،ول يحتسب في الكلم على عدد الحروف ،فربّ حرفٍ أثقل من حرفٍ في النّطق ،ولكن بالجتهاد فيما نقص من الكلم .
قطع لسان الخرس والصّغير : ن المقصود - 37ل دية في قطع لسان الخرس عند الفقهاء بل تجب فيه حكومة عدلٍ ،ل ّ منه الكلم ،ول كلم فيه فصار كاليد الشّلّاء . وهذا إذا لم يذهب بقطعه الذّوق ،وإلّ تجب الدّية كما سيأتي عند الكلم عن إزالة المنافع ، أمّا إذا قطع لسان الصّغير الّذي ل يتكلّم لصغره فقال الشّافعيّة والحنابلة :تجب فيه الدّية ، ن ظاهره السّلمة ،وإنّما لم يتكلّم لنّه ل يحسن الكلم ،فوجبت به الدّية كالكبير ويخالف لّ ن الدّية تجب في سائر أعضاء الصّغير فكذلك في قطع الخرس ،فإنّه علم أنّه أشلّ ،ول ّ ن الظّاهر أنّه ل يقدر لسانه ،وإن بلغ حدّا يتكلّم مثله فلم يتكلّم فقطع لسانه لم تجب الدّية ،ل ّ على الكلم فيجب فيه ما يجب في لسان الخرس . ل عند الشّافعيّة :يشترط لوجوب الدّية في لسان الصّغير ظهور أثر نطق بتحريكه وفي قو ٍ لبكاءٍ ومصّ ثديٍ ونحوهما ،لنّها أمارات ظاهرة على سلمة اللّسان ،فإن لم يظهر فحكومة ،لنّ سلمته غير متيقّن ٍة ،والصل براءة ال ّذمّة . ص في هذه المسألة . ولم نعثر للمالكيّة على ن ّ
ج -دية الذّكر والحشفة :
- 38اتّفق الفقهاء على أنّه تجب الدّية الكاملة في قطع تمام الحشفة " رأس الذّكر " كما تجب ن معظم منافع الذّكر من لذّة المباشرة ،وأحكام الوطء ،واليلد في قطع الذّكر من أصله ،ل ّ ،واستمساك البول ونحوها تتعلّق بها ،والحشفة أصل في منفعة اليلج والدّفق ،والقصبة كالتّابع لها .
وإذا قطع بعض الحشفة ففيه بحسابه من الدّية ،ويقاس من الحشفة ل من أصل الذّكر ،وقال ل الذّكر ،لنّه هو المقصود بكمال الدّية الحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة :يجب بقسطه من ك ّ . قال الشّافعيّة :وهذا إذا لم يختلّ مجرى البول ،فإن اختلّ ولم ينقطع البول فعليه أكثر المرين من قسط الدّية وحكومة فساد المجرى . أمّا إذا انقطع البول وفسد مسلكه فسيأتي بيانه . وتجب الدّية في ذكر الصّغير والكبير والشّيخ والشّابّ على السّواء ،سواء أقدر على الجماع أم لم يقدر عند جمهور الفقهاء ،لعموم ما ورد في كتاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم لهل اليمن « وفي الذّكر الدّية » ،وقال الحنفيّة في الصّغير :إن علمت صحّته بحركةٍ للبول ونحوه ففيه الدّية ،وإن لم تعلم صحّته ففيه حكومة عدلٍ . أمّا ذكر العنّين والخصيّ فقال الشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة :إنّه تجب فيهما الدّية لعموم ي سليم قادر على اليلج وإنّما الفائت اليلد ،والعنّة عيب في غير الحديث ولنّ ذكر الخص ّ الذّكر ،لنّ الشّهوة في القلب والمنيّ في الصّلب . ن منفعته النزال والحبال وقال الحنفيّة وهو رواية أخرى عند الحنابلة :ل تكمل ديتهما ،ل ّ والجماع وقد عدم ذلك فيهما على وجه الكمال ،فلم تكمل ديتهما ،وإذا لم تجب فيهما دية ل. كاملة تجب فيهما حكومة عد ٍ وفصّل المالكيّة في العنّين والخصيّ فقالوا :إذا كان معترضا عن جميع النّساء ففيه قولن : لزوم الدّية ،وقيل حكومة عدلٍ ،وإن كان معترضا عن بعض النّساء ففيه الدّية اتّفاقا عندهم.
د -دية الصّلب : - 39صلب الرّجل إذا انكسر وذهب مشيه أو جماعه ففيه دية كاملة عند جميع الفقهاء . وكذلك إذا انكسر واحدودب وانقطع الماء ،فلم ينجبر وإن لم يذهب جماعه ول مشيه ،لما ورد في كتاب النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :وفي الصّلب الدّية » ،وعن سعيد بن المسيّب سنّة أنّه في الصّلب الدّية » ،ولنّه عضو ليس في البدن مثله ،وفيه أنّه قال « :مضت ال ّ جمال ومنفعة ،فوجبت فيه دية كاملة كالنف . وأطلق الحنابلة القول بوجوب الدّية في كسر الصّلب وإن لم تذهب منافعه من المشي والقدرة على الجماع ،ولم ينقطع الماء .
هـ -دية إتلف مسلك البول ومسلك الغائط :
- 40تجب الدّية الكاملة في إتلف مسلك البول ومسلك الغائط ،وفي إفضاء المرأة من قبل الزّوج أو غيره ،وهو رفع ما بين مدخل ذكرٍ ودبرٍ ،فيصير مسلك جماعها وغائطها واحدا
.وقيل :الفضاء رفع ما بين مدخل ذكرٍ ومخرج بولٍ ،فيصير سبيل جماعها وبولها واحدا ،وفي هذه الحالة تجب دية كاملة عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول ابن القاسم من المالكيّة إذ به تفوت المنفعة بالكلّيّة لنّه يمنعها من الّلذّة ،ول تمسك الولد ول البول إلى ن مصيبتها أعظم من المصابة بالشّفرين ،كما علّله ابن شعبان من المالكيّة . الخلء ،ول ّ ل آخر للمالكيّة ،وهو مذهب المدوّنة في الفضاء حكومة عدلٍ . وفي قو ٍ وقال الحنابلة :في الفضاء ثلث الدّية ،كما روي عن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أنّه قضى فيه بذلك ،وقالوا :إن استطلق بولها مع الفضاء ففيه دية كاملة .
ثانيا -العضاء الّتي في البدن منها اثنان : الذنان :
- 41ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والحنابلة وهو المذهب عند الشّافعيّة ورواية عند المالكيّة " إلى أنّ في استيصال الذنين قلعا أو قطعا كمال الدّية ،وفي قلع أو قطع إحداهما نصفها . ي رضي ال عنهما ،وبه قال عطاء ومجاهد والحسن وقتادة ، وروي ذلك عن عمر وعل ّ والثّوريّ والوزاعيّ ،وذلك لخبر عمرو بن حزمٍ « :في الذن خمسون من البل» ولنّهما عضوان فيهما جمال ومنفعة ،وفي قلعهما أو قطعهما تفويت الجمال على الكمال ،فوجب أن يكون فيهما الدّية الكاملة . ن الصّمم نقص في غير وسواء أذهب السّمع أم لم يذهب ،وسواء أكان سميعا أم أصمّ ،ل ّ الذن فلم يؤثّر في ديتهما . وفي وجهٍ أو قولٍ مخرّجٍ عند الشّافعيّة ورواية عند المالكيّة :تجب في الذنين حكومة عدلٍ ن في الذنين حكومةً إلّ إذا ذهب السّمع ففيه دية اتّفاقا .وثالث القوال عند المالكيّة :هو أ ّ مطلقا .قال الموّاق :وهذا هو المشهور .
العينان : - 42ل خلف بين الفقهاء أنّ في قطع أو فقء العينين دي ًة كاملةً ،وفي إحداهما نصف الدّية ،سواء أكانت العين كبير ًة أم صغير ًة ،صحيح ًة أم مريض ًة ،سليمةً أم حولء ،وذلك لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :وفي العينين الدّية » . ن في تفويت الثنين منهما تفويت جنس المنفعة أو الجمال على الكمال ،فيجب فيه كمال ول ّ الدّية ،وفي تفويت أحدهما تفويت النّصف ،فيجب نصف الدّية . هذا في العيون المبصرة ،أمّا العين العوراء فل دية في قلعها بل تجب حكومة عدلٍ . واختلفوا في قلع العين السّليمة من العور .
فقال المالكيّة والحنابلة ،وهو قول ضعيف عند الشّافعيّة :تجب في قلع عين العور السّليمة ن عمر وعثمان وعليّا وابن عمر دية كاملة ،وبه قال الزّهريّ واللّيث وقتادة وإسحاق ،ل ّ رضي ال عنهم قضوا في عين العور بالدّية ،ولم نعلم لهم في الصّحابة مخالفا ،فيكون إجماعا ولنّ قلع عين العور يتضمّن إذهاب البصر كلّه ،فوجبت الدّية الكاملة ،كما لو أذهبه من العينين ،لنّ السّليمة الّتي عطّلها بمنزلة عيني غيره . وقال الحنفيّة ،وهو المشهور في المذهب عند الشّافعيّة وقول مسروقٍ وعبد اللّه بن مغفّلٍ والثّوريّ والنّخعيّ :إذا قلع عين العور الخرى ففيها نصف الدّية ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :وفي العين خمسون من البل » . وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :وفي العينين الدّية » يقتضي أن ل يكون فيهما أكثر من ذلك ،فإذا قلعت عين شخصٍ ووجبت فيها نصف الدّية ثمّ قلعت الثّانية ،فقالع الثّانية قالع عين أعور ،فلو وجبت فيه دية كاملة لوجب فيهما دية ونصف ديةٍ .
اليدان : - 43اتّفق الفقهاء على وجوب الدّية في قطع اليدين ووجوب نصفها في قطع إحداهما ،لما روي من حديث عمرو بن حزمٍ « :وفي اليدين الدّية ،وفي اليد خمسون من البل » ولنّ ل ظاهرا ومنفع ًة كاملةً ،وليس في البدن من جنسهما غيرهما ،فكان فيهما الدّية فيهما جما ً كالعينين . ويجب في قطع الكفّ تحت الرّسغ ما يجب في الصابع على ما يأتي تفصيله ،لما روي أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال في الصابع « :في ك ّل أصبعٍ عشر من البل » من غير فصلٍ بين ما إذا قطعت الصابع وحدها أو قطعت الكفّ الّتي فيها الصابع .وهذا في اليد السّليمة ،أمّا اليد الشّلّاء فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل دية في قطعها بل فيه حكومة عدلٍ ، وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة ،لنّها قد ذهبت منفعتها من قبل ،فلم تفت المنفعة بالقطع ،ول تقدير فيها ،فتجب فيها حكومة عدلٍ . ن في اليد الشّلّاء ثلث ديتها ،لما روى عمرو بن شعيبٍ عن أبيه وفي رواي ٍة عند الحنابلة أ ّ عن جدّه قال « :قضى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في اليد الشّلّاء إذا قطعت بثلث ديتها » ،وحد اليد الّتي تجب فيها الدّية من الرّسغ أو الكوع ،لنّ اسم اليد عند الطلق ينصرف ن اللّه تعالى قال { :وَالسّارِقُ وَالسّارِقَ ُة فَا ْقطَعُو ْا َأ ْي ِد َي ُهمَا } والواجب قطعهما من إليه ،بدليل أ ّ الكوع .
واختلف الفقهاء فيما إذا قطع ما فوق الكوع أي من بعض السّاعد أو المرفق أو المنكب :فقال الشّافعيّة والحنفيّة فيما رواه أبو يوسف :إن قطعها مع نصف السّاعد أو من المرفق أو المنكب ففي الكفّ نصف الدّية ،وفي الزّيادة حكومة عدلٍ ،لنّها ليست بتابع ٍة للكفّ . وهو إحدى روايتين عن أبي يوسف . وقال الحنابلة ،وهو رواية أخرى عن أبي يوسف :إنّ ما زاد على أصابع اليد فهو تبع للصابع إلى المنكب ،فإن قطع يده من فوق الكوع مثل أن يقطعها من المرفق أو نصف ل دية واحدة ،لنّ اليد اسم للجميع إلى المنكب بدليل قوله تعالى { : السّاعد فليس عليه إ ّ وََأ ْي ِد َي ُكمْ إِلَى ا ْل َمرَافِق } ولمّا نزلت آية التّيمّم مسح الصّحابة إلى المناكب ،وقال ثعلب :اليد ن جميع ذلك يسمّى يدا ،فإذا قطعها من فوق الكوع فما إلى المنكب ،وفي عرف النّاس أ ّ ل يدا واحدةً ،والشّرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدّية فل يزاد على تقدير الشّرع . قطع إ ّ وفصّل المالكيّة فقالوا :في اليدين سواء من المنكب أو المرفق أو الكوع دية ،وكذلك في الصابع ،وأمّا إن قطع الصابع أو مع الكفّ فأخذت الدّية ثمّ حصلت جناية عليها بعد إزالة الصابع فحكومة ،سواء أقطع اليد من الكوع ،أم المرفق ،أم المنكب . وسيأتي تفصيل دية الصابع في موضعها .
النثيان : - 44النثيان والبيضتان في قطعهما دية كاملة باتّفاق الفقهاء ،لما ورد في حديث عمرو بن ن فيهما الجمال والمنفعة ،فإنّ النّسل يكون بهما بإرادة حزمٍ « :وفي البيضتين الدّية » ،ول ّ اللّه تعالى ،فكانت فيهما الدّية الكاملة ،وروى الزّهريّ عن سعيدٍ بن المسيّب أنّه قال« : سنّة أنّ في الصّلب الدّية ،وفي النثيين الدّية ،وفي إحداهما نصف الدّية ». مضت ال ّ ول فرق بين اليسرى واليمنى فتجب في كلّ واحد ٍة منهما نصف الدّية . واتّفق الفقهاء على أنّه لو قطع النثيين والذّكر معا تجب ديتان . وكذا لو قطع الذّكر ث ّم قطع النثيين عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " . أمّا إذا قطع أنثييه ثمّ قطع ذكره ففيه دية للنثيين ،وحكومة للذّكر عند الحنفيّة ،وهو المشهور عند الحنابلة ،لفوات منفعة الذّكر قبل قطعه ،فهو ذكر خصيّ . وعند الشّافعيّة وهو رواية أخرى عند الحنابلة تجب في هذه الصّورة ديتان بناءً على قولهم ي والعنّين . بوجوب الدّية في قطع ذكر الخص ّ أمّا المالكيّة فقالوا :إن قطعت النثيان مع الذّكر ففي ذلك ديتان ،وإن قطعتا قبل الذّكر أو بعده ففيهما الدّية ،وإن قطع الذّكر قبلهما أو بعدهما ففيه الدّية ،ومن ل ذكر له ففي أنثييه الدّية ،ومن ل أنثيين له ففي ذكره الدّية .
اللّحيان : - 45اللّحيان هما العظمان اللّذان تنبت عليهما السنان السّفلى ،وملتقاهما الذّقن ،وقد صرّح فقهاء الشّافعيّة والحنابلة بأنّ في اللّحيين ديةً كامل ًة ،وفي إحداهما نصف الدّية كالذنين . ن فيهما جمالً ومنفع ًة ،وليس في البدن مثلهما فكانت فيهما الدّية وعلّلوا وجوب الدّية فيهما بأ ّ ن وجبت ديتهما ودية السنان كسائر ما في البدن منه شيئان ،وإن قلعهما بما عليهما من أسنا ٍ ،ولم تدخل دية السنان في ديتهما ،بخلف دية الصابع فإنّها تدخل في دية اليد .ووجه ن اللّحيين يوجدان قبل وجود السنان في الخلقة ويبقيان بعد ذهابها في حقّ الكبير ، الفرق أ ّ ل واحدٍ من اللّحيين والسنان ينفرد باسمه ،ول يدخل أحدهما في اسم الخر ،بخلف وإنّ ك ّ ن السنان مغروزة في اللّحيين ول تعتبر جزءا الصابع والكفّ ،فإنّ اسم اليد يشملهما ،وأ ّ منهما بخلف الكفّ مع الصابع ،لنّهما كالعضو الواحد . واستشكل المتولّي من الشّافعيّة إيجاب الدّية في اللّحيين بأنّه لم يرد فيهما خبر ،والقياس ل يقتضيه ،لنّهما من العظام الدّاخلة فيشبهان التّرقوة والضّلع ،وأيضا فإنّه ل دية في السّاعد والعضد والسّاق والفخذ ،وهي عظام فيها جمال ومنفعة . وقال الزّيلعيّ من الحنفيّة :إنّ اللّحيين من الوجه فيتحقّق الشّجاج فيهما ،فيجب فيهما موجبها خلفا لما يقوله مالك أنّهما ليسا من الوجه ،لنّ المواجهة ل تقع بهما . ص في هذا الموضوع . ولم نعثر في كتب المالكيّة على ن ّ
الثّديان :
ن في قطع ثديي المرأة ديةً كامل ًة ،وفي الواحد منهما نصف - 46ل خلف بين الفقهاء في أ ّ ن في ثدي المرأة نصف الدّية .قال ابن المنذر :أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أ ّ ن فيهما جمالً ومنفعةً فأشبها اليدين والرّجلين . الدّية ،وفي الثّديين الدّية ،ول ّ كذلك تجب الدّية الكاملة في قطع حلمتي الثّديين عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " وفي إحداهما نصف الدّية ،وروي نحو هذا عن الشّعبيّ والنّخعيّ ،لنّ المنفعة الكاملة وجمال الثّدي بهما كمنفعة اليدين وجمالهما بالصابع . وقال المالكيّة :تجب الدّية في حلمتيهما إذا بطل اللّبن أو فسد ،وإلّ وجبت حكومة بقدر الشّين .قالوا :وكذا تلزم الدّية كامل ًة إن بطل اللّبن أو فسد من غير قطع الحلمتين ،فالدّية ن في قطع حلمتي العجوز عندهم لفساد اللّبن ل لقطع الحلمتين ،ومن ثمّ استظهر ابن عرفة أ ّ حكوم ًة كاليد الشّلّاء .
وهذا في ثدي المرأة ،أمّا ثديا الرّجل ففيهما حكومة عدلٍ عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة وهو المذهب عند الشّافعيّة " إذ ليس فيهما منفعة مقصودة ،بل مجرّد جمالٍ ،وعند ل عند الشّافعيّة تجب فيهما الدّية كثديي المرأة . الحنابلة وفي قو ٍ
الليتان : - 47الليتان هما ما عل وأشرف من أسفل الظّهر عند استواء الفخذين ،وفيهما الدّية الكاملة إذا أخذتا إلى العظم الّذي تحتهما ،وفي كلّ واحدةٍ منهما نصف الدّية ،وهذا عند جمهور الفقهاء ; لما فيهما من الجمال والمنفعة في الرّكوب والقعود . وهذا إذا أخذتا إلى العظم واستؤصل لحمهما حتّى ل يبقى على الورك لحم . ل فالحكومة كما صرّح به الشّافعيّة أمّا بعض اللّحم فإذا عرف قدره فبقسطه من الدّية ،وإ ّ والحنابلة ،وقالوا :ل فرق في ذلك بين الرّجل والمرأة . وقال المالكيّة :في أليتي الرّجل حكومة ،وكذلك في أليتي المرأة في المشهور عندهم . وقال أشهب :فيهما الدّية ،لنّهما أعظم عليها من ثدييها .
الرّجلن :
- 48ل خلف بين الفقهاء في أنّه تجب الدّية الكاملة في قطع الرّجلين كلتيهما ،وأنّ في إحداهما نصف الدّية وحدّ القطع هنا هو مفصل الكعبين . والخلف فيما إذا قطع أكثر من الكعبين إلى أصل الفخذ من الورك أو الرّكبة ،كالخلف في ل مع الدّية أو عدم وجوبها عند الفقهاء ( ر : قطع اليدين فوق الكوعين في وجوب حكومة عد ٍ ن يد العسم كيد الصّحيح . ف ، ) 43/ورجل العرج كرجل الصّحيح ،كما أ ّ
الشّفتان : - 49اتّفق الفقهاء على أنّ في قطع الشّفتين دي ًة كاملةً ،لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « وفي الشّفتين الدّية » ولنّهما عضوان ليس في البدن مثلهما ،فيهما جمال ظاهر ومنفعة مقصودة ،فإنّهما طبق على الفم تقيان ما يؤذيه ،ويستران السنان ،ويردّان الرّيق ،وينفخ بهما ،ويتمّ بهما الكلم وغير ذلك من المنافع ،فتجب فيهما الدّية كاليدين والرّجلين . وجمهور الفقهاء على أنّه تجب في كلّ واحد ٍة منهما نصف الدّية من غير تفريقٍ ،وروي هذا عن أبي بكرٍ وعليّ رضي ال عنهما . وفي رواي ٍة عند الحنابلة ،يجب في الشّفة العليا ثلث الدّية ،وفي السّفلى الثّلثان ،وبه قال ن المنفعة بها أعظم ،لنّها هي الّتي تدور وتتحرّك ،وتحفظ سعيد بن المسيّب والزّهريّ ،ل ّ الرّيق ،والطّعام ،والعليا ساكنة .
الحاجبان واللّحية وقرع الرّأس :
ن في إتلف شعر الحاجبين إذا لم ينبتا الدّية ،وفي - 50ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ أحدهما نصف الدّية ،وكذلك في شعر اللّحية إذا لم ينبت الدّية ،وهذا قول سعيد بن المسيّب ن فيه وشريحٍ والحسن وقتادة ،وروي ذلك عن عليّ وزيد بن ثابتٍ رضي ال عنهما ،ل ّ إذهاب الجمال على الكمال ،وفيه إذهاب منفع ٍة ،فإنّ الحاجب يردّ العرق عن العين ويفرّقه ، وهدب العين يردّ عنها ويصونها . ن ملئكة سماء الدّنيا ن فيها جمالً كاملً ،لقوله عليه الصلة والسلم « :إ ّ وأمّا اللّحية فل ّ تقول :سبحان من زيّن الرّجال باللّحى والنّساء بالذّوائب » . وعن عليّ رضي ال عنه أنّه أوجب في شعر الرّأس إذا حلق فلم ينبت دي ًة كاملةً . ونقل الموصليّ عن أبي جعفرٍ الهندوانيّ قوله :إنّما تجب الدّية في اللّحية إذا كانت كاملةً يتجمّل بها .أمّا إذا كانت طاقاتٍ متفرّقةً ل يتجمّل بها فل شيء فيها ،وإن كانت غير متفرّقةٍ ل. ول يتجمّل بها وليست الجناية عليها ممّا تشينها ففيها حكومة عد ٍ وقال ابن قدامة :ول تجب الدّية في شيءٍ من هذه الشّعور إلّ بذهابه على وج ٍه ل يرجى عوده مثل أن يقلب على رأسه ماءً حارّا فيتلف منبت الشّعر ،فينقلع بالكّليّة بحيث ل يعود ، وإن رجي عوده إلى مدّ ٍة انتظر إليها . وقال الشّافعيّة والمالكيّة :ل يجب في إتلف الشّعور غير الحكومة ،لنّه إتلف جمالٍ من غير المنفعة ،فلم يجب فيه غير الحكومة ،كإتلف العين القائمة واليد الشّلّاء .
الشّفران : ضمّ هما اللّحمان المحيطان بفرج المرأة المغطّيان له ،وفي قطعهما أو - 51الشّفران بال ّ إتلفهما إن بدا العظم من فرجها الدّية الكاملة ،وفي إتلف أو قطع أحدهما نصف الدّية عند جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " والدّليل على ذلك ما رواه ابن وهبٍ عن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أنّه قضى في شفري المرأة بالدّية .ولنّ فيهما جمالً ومنفعةً مقصود ًة ،إذ بهما يقع اللتذاذ بالجماع .ول فرق في ذلك بين الرّتقاء والقرناء وغيرهما ، ول بين البكر وال ّثيّب ،والكبيرة والصّغيرة ،كما صرّح به الشّافعيّة والحنابلة .ولم نجد فيما اطّلعنا عليه من كتب الحنفيّة كلمًا في هذا الموضوع .
العضاء الّتي في البدن منها أربعة : أشفار العينين وأهدابهما :
- 52الشفار هي حروف العين الّتي ينبت عليها الشّعر ،والشّعر النّابت عليها هو الهدب . وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ في قطع أو قلع أشفار العينين الربعة دي ًة كاملةً ،وفي أحدها ربع الدّية ،وهذا إذا أتلفت بالكّليّة بحيث ل يرجى عودها عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،
وذلك ،لنّه يتعلّق بها الجمال على الكمال ،وتتعلّق بها المنفعة وهي دفع الذى والقذى عن العين ،وتفويت ذلك ينقص البصر ،ويورث العمى ،فإذا وجب في الكلّ الدّية وهي أربعة وجب في الواحد منها ربع الدّية ،وفي الثنين نصف الدّية ،وفي الثّلثة ثلثة أرباع الدّية . ن الشفار مع الجفون ولو قطع أو قلع الجفون مع الهداب والشفار تجب دية واحدة ،ل ّ كشي ٍء واحدٍ كالمارن مع القصبة . ولو قلع أو قطع الهداب وحدها دون الشفار ،قال الحنفيّة والحنابلة :تجب فيها دية مثل ن فيها جمالً ونفعا ،فإنّها تقي العينين وتردّ عنهما ،وتجمّلهما تحسّنهما ، قطع الشفار ،ل ّ فوجبت فيها الدّية كما تجب في حلمتي الثّدي والصابع . ل كسائر الشّعور ،لنّ الفائت بقطعها وقال الشّافعيّة :في قطع الهداب وحدها حكومة عد ٍ الزّينة والجمال دون المقاصد الصليّة وهذا إذا فسد منبتها ،وإلّ فالتّعزير . أمّا المالكيّة فقالوا :ل دية في قلع أشفار العينين ،ول في أهدابهما ،بل تجب فيهما حكومة ل مطلقا ،قال الموّاق نقلً عن المدوّنة :ليس في أشفار العين وجفونها إلّ الجتهاد .أي عد ٍ حكومة عدلٍ .
ما في البدن منه عشرة : أصابع اليدين وأصابع الرّجلين :
- 53اتّفق الفقهاء على أنّ في قطع أو قلع أصابع اليدين العشرة دي ًة كاملةً ،وكذلك في قطع أصابع الرّجلين ،وفي قطع كلّ أصبعٍ من أصابع اليدين أو الرّجلين عشر الدّية أي عشرة من البل ،لحديث عمرو بن حزمٍ « :وفي ك ّل أصبعٍ من أصابع اليد والرّجل عشر من البل » .وروى ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما قال :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « :دية ل تفويت منفعة البطش ن في قطع الك ّ ل أصبعٍ » ول ّ أصابع اليدين والرّجلين عشر من البل لك ّ ل من اليدين والرّجلين عشر ،ففي كلّ أصبعٍ أو المشي ،فتجب فيه دية كاملة ،وأصابع ك ّ عشر الدّية ،ودية كلّ أصبعٍ مقسومة على أناملها " سلميّاتها " ،وفي كلّ أصبعٍ ثلث أنامل إلّ البهام فإنّها أنملتان .وعلى ذلك ففي كلّ أنمل ٍة من الصابع غير البهام ثلث دية الصبع وهو ثلثة أبعرةٍ وثلث ،وفي البهام في كلّ أنملةٍ نصف عشر الدّية وهو خمسة أبعرةٍ ، والصابع كلّها سواء لطلق الحديث . ل عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة وهو الصحّ أمّا الصبع الزّائدة ففيها حكومة عد ٍ عند الحنابلة " لعدم ورود النّصّ فيها ،والتّقدير ل يصار إليه إلّ بالتّوقيف . وقال المالكيّة :في إتلف الصبع الزّائدة في يدٍ أو رجلٍ إذا كانت قويّ ًة على التّصرّف قوّة الصابع الصليّة عشر الدّية إن أفردت بالتلف ،وإن قطعت مع الصابع الصليّة فل شيء
فيها .وروي عن زيد بن ثابتٍ رضي ال عنه أنّ فيها ثلث دية الصبع ،وذكر القاضي أنّه قياس المذهب عند الحنابلة على رواية إيجاب الثّلث في اليد الشّلّاء .
ما في البدن منه أكثر من عشرةٍ : دية السنان :
ل سنّ نصف عشر الدّية ،وهو خمس من - 54ل خلف بين الفقهاء في أنّه يجب في ك ّ ن خمس من البل » . البل أو خمسون دينارا ،لقوله عليه الصلة والسلم « :وفي السّ ّ والسنان كلّها سواء ،لطلق الحديث ،وقد روي في بعض طرق الحديث « :والسنان كلّها سواء » ولنّ الكلّ في أصل المنفعة سواء ،فل يعتبر التّفاوت فيه ،كاليدي والصابع ،وإن كان في بعضها زيادة منفع ٍة ففي الخر زيادة جمالٍ . وعلى ذلك تزيد دية السنان كلّها على دية النّفس بثلثة أخماس الدّية عند جمهور الفقهاء ، ن النسان له اثنان وثلثون سنّا ،فإذا وجب في الواحدة نصف عشر الدّية يجب في الكلّ لّ مائة وستّون من البل . ل عند الشّافعيّة :ل يزيد على ديةٍ إن اتّحد الجاني واتّحدت الجناية ،كأن أسقطها وفي قو ٍ بشرب دوا ٍء أو بضربٍ أو ضرباتٍ من غير تخلّل اندمالٍ ،لنّ السنان جنس متعدّد فأشبه ل سنّ وأخرى أو تعدّد الجاني فإنّها تزيد قطعا . الصابع ،فإن تخلّل الندمال بين ك ّ وهذا في قلع السنان الصليّة المثغورة " الدّائمة " ،ولو ضرب أسنان رجلٍ فتحرّكت أو تغيّرت إلى السّواد أو الحمرة أو الخضرة أو نحوها ففيه عند الفقهاء تفصيل : فقال الحنفيّة :لو ضرب أسنان رجلٍ وتحرّكت ينتظر مضيّ حولٍ ،لنّه مدّة يظهر فيها حقيقة حالها من السّقوط والتّغيّر والثّبوت ،سواء أكان المضروب صغيرا أم كبيرا ،فإن تغيّرت إلى السّواد أو إلى الحمرة أو إلى الخضرة ففيها الرش تامّا ،لنّه ذهبت منفعتها ، وذهاب منفعة العضو كذهاب العضو ،وإن كان التّغيّر إلى الصّفرة ففيها حكومة عدلٍ . وقال المالكيّة :تجب الدّية في السنان بقلعٍ أو اسودا ٍد أو بهما ،أو بحمر ٍة بعد بياضٍ ،أو بصفر ٍة إن كانا عرفا كالسّواد في إذهاب الجمال ،وإلّ فعلى حساب ما نقص ،كما تجب الدّية باضطرابها جدّا بحيث ل يرجى ثبوتها ،وفي الضطراب الخفيف الرش بقدره . ل سنّ أصليّ ٍة تامّةٍ مثغور ٍة غير متقلقلةٍ . وقال الشّافعيّة :تكمل دية السّنّ بقلع ك ّ فل تجب الدّية في السّنّ الشّاغية ،وتجب فيها حكومة ،ولو سقطت سنّه فاتّخذ سنّا من ذهبٍ أو حدي ٍد أو عظمٍ طاهرٍ فل دية في قلعها ،وإن قلعت قبل اللتحام لم تجب الحكومة لكن يعزّر القالع ،وإن قلعت بعد تشبّث اللّحم بها واستعدادها للمضغ والقطع فل حكومة أيضا ن بكسر ما ظهر منها وإن بقي السّنخ بحاله . على الظهر ،وتكمل دية السّ ّ
ن من السّنخ وجب أرش السّنّ فقط على المذهب ،وإن قلع سنّ صغيرٍ لم يثغر ولو قلع السّ ّ ينتظر عودها ،فإن عادت فل دية وتجب الحكومة إن بقي شين .وإن مضت المدّة الّتي يتوقّع فيها العود ولم تعد وفسد المنبت تجب الدّية .وإن قلع سنّا وكانت متقلقل ًة " متحرّك ًة " ض أو نحوهما وبطلت منفعتها ففيها الحكومة ،وإن فإن كان بها اضطراب شديد بهرمٍ أو مر ٍ كانت متحرّك ًة حركةً يسيرةً ل تنقص المنافع فل أثر لها وتجب الدّية . ن صحيحة بجناي ٍة ثمّ سقطت بعدها لزم الرش ،وإن ثبتت وعادت كما كانت ولو تزلزلت س ّ ففيها حكومة عدلٍ . ل سنّ ممّن قد أثغر خمس من البل سواء أقلعت بسخنها أو قطع الظّاهر وقال الحنابلة :في ك ّ منها فقط ،وسواء أقلعها في دفعةٍ أو دفعاتٍ ،وإن قلع منها السّنخ فقط ففيه حكومة ،ول يجب بقلع سنّ الصّغير الّذي لم يثغر شيء في الحال ،لكن ينتظر عودها ،فإن مضت مدّة يحصل بها اليأس من عودها وجبت ديتها ،وإن عادت فصير ًة أو شوهاء أو أطول من أخواتها أو صفراء أو حمراء أو سوداء ،أو خضراء فحكومة ،لنّها لم تذهب بمنفعتها فلم ن المقلوعة سنّا تجب ديتها ،ووجبت الحكومة لنقصها ،وإن جعل المجنيّ عليه مكان السّ ّ أخرى فثبتت لم يسقط دية المقلوعة ،كما لو لم يجعل مكانها شيئا . ن المجعولة ففيها حكومة للنّقص ،وإن قلع سنّه فردّه فالتحم فله أرش نقصه ثمّ إن قلعت السّ ّ فقط وهو حكومة ،ثمّ إن أبانها أجنبيّ بعد ذلك وجبت ديتها كما لو لم تتقدّم جناية عليها .
دية المعاني والمنافع : ص -أنّه إذا فوّت - 55الصل في دية المعاني -فضلً عمّا ورد في بعضها من نصو ٍ جنس منفع ٍة على الكمال ،أو أزال جمالً مقصودا في الدميّ على الكمال يجب كلّ الدّية ، ن فيه إتلف النّفس من وج ٍه ،إذ النّفس ل تبقى منتفعا بها من هذا الوجه ،وإتلف النّفس لّ من وج ٍه ملحق بالتلف من كلّ وج ٍه في الدميّ تعظيمًا له . وهذا الصل كما هو معتبر في العضاء مطبّق كذلك في إذهاب المعاني والمنافع من العضاء وإن كانت باقي ًة في الظّاهر .وممّا تجب فيه الدّية من المعاني العقل والنّطق وقوّة شمّ والذّوق واللّمس . الجماع والمناء في الذّكر والحبل في المرأة ،والسّمع والبصر وال ّ وهذا إذا أتلفت المعاني دون إتلف العضاء المشتملة عليها .فإن تلف العضو والمنفعة معا ففي ذلك دية واحدة .وإن أتلفهما بجنايتين منفردتين تخلّلهما البرء فدية كلّ عضوٍ أو منفعةٍ بحسب الحالة .وبيان ذلك فيما يلي :
أ -العقل :
- 56ل خلف بين الفقهاء في وجوب الدّية الكاملة في إذهاب العقل ،لنّه من أكبر المعاني قدرا وأعظمها نفعا ،فإنّ به يتميّز النسان ويعرف حقائق الشياء ،ويهتدي إلى مصالحه ، ويتّقي ما يضرّه ،ويدخل في التّكليف . وقد ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « :وفي العقل الدّية » . قال ابن قدامة :فإن أذهب عقله تماما بالضّرب وغيره تجب الدّية الكاملة ،وإن نقص عقله ن يوما ويفيق يوما فعليه من الدّية بقدر ذلك، نقصا معلوما بالزّمان وغيره ،مثل إن صار يج ّ وإن لم يعلم مثل أن صار مدهوشا ،أو يفزع ممّا ل يفزع منه ويستوحش إذا خل ،فهذا ل يمكن تقديره ،فتجب فيه حكومة .ومثله ما في كتب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . وتقدير الجناية يكون بتقدير القاضي مستعينا بقول أهل الخبرة .
ب -قوّة النّطق : ن في إذهاب قوّة النّطق ديةً فإذا فعل بلسانه ما يعجزه عن النّطق - 57ذهب الفقهاء إلى أ ّ بالكمال تجب الدّية الكاملة ،وإن عجز عجزا جزئيّا بأن كان يقدر على نطق بعض الحروف ي رضي ال دون بعضها فالدّية تقسم بحساب الحروف عند جمهور الفقهاء ،لما روي عن عل ّ عنه أنّه قسم الدّية على الحروف ،فما قدر عليه من الحروف أسقط بحسابه من الدّية ،وما لم يقدر عليه ألزمه بحسابه منها . ستّة والحروف وقيل :توزّع الدّية على الحروف المتعلّقة باللّسان دون حروف الحلق ال ّ الشّفويّة الخمسة ،كما تقدّم في دية اللّسان . وقال المالكيّة يقدّر نقص النّطق بالكلم اجتهادًا من العارفين ،ل بقدر الحروف ،لختلفها بالخفّة والثّقل . وتجب هذه الدّية بالجناية على النّطق ،وإن كان اللّسان باقيا .
ج -قوّة الذّوق :
- 58الذّوق قوّة مثبّتة في العصب المفروش على جرم اللّسان ،تدرك به الطّعوم لمخالطة الرّطوبة اللّعابيّة الّتي في الفم ،ووصولها إلى العصب . وقد ذهب الفقهاء إلى وجوب الدّية في إتلف حاسّة الذّوق ،ولو جنى عليه فأذهب كلمه ل واح ٍد منهما منفعة مقصودة في النسان . وذوقه معا فعليه ديتان ،لنّ ك ّ قال النّوويّ :يبطل الذّوق بالجناية على اللّسان أو الرّقبة أو نحوهما .والمدرك بالذّوق خمسة أشياء :الحلوة والحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة .والدّية تتوزّع عليها . فإذا أبطل إدراك واحدةٍ وجب خمس الدّية ،وإذا أبطل إدراك اثنتين وجب خمسا الدّية وهكذا. ولو نقص الحساس فلم يدرك الطّعوم على كمالها فالواجب الحكومة .
د -السّمع والبصر : - 59تجب الدّية الكاملة في إذهاب قوّة السّمع أو قوّة البصر إذا ذهبت المنفعة بتمامها ،عند جميع الفقهاء . ولو أذهب البصر من إحدى العينين أو السّمع من إحدى الذنين ففيه نصف الدّية . أمّا لو أذهب بعض البصر أو بعض السّمع من إحدى العينين أو الذنين أو كليهما ،فعليه الدّية بحساب ما ذهب إن كان منضبطا ،كما يقول المالكيّة والشّافعيّة ،وقال الحنابلة :في نقصان السّمع أو البصر حكومة مطلقا . ن محلّ السّمع غير ولو أزال أذنيه وسمعه تجب ديتان كما صرّح به الشّافعيّة والحنابلة ،ل ّ محلّ القطع ،فالسّمع قوّة أودعها اللّه تعالى في العصب المفروش في الصّماخ ،بخلف ما لو فقأ عينيه فأذهب بصره فتجب دية واحدة ،لنّ البصر يكون بهما .
هـ -قوّة الشّمّ :
- 60ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الصّحيح عند الشّافعيّة " إلى أنّه شمّ كاملً ،لنّه حاسّة تختصّ بمنفع ٍة ،فكانت فيه الدّية كسائر تجب الدّية الكاملة في إتلف ال ّ س .وقد ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « :وفي المشامّ الدّية » . الحوا ّ شمّ بأن علم قدر الذّاهب وجب قسطه من الدّية ،وإن لم يعلم وجبت حكومة وإن نقص ال ّ شمّ بل فيه حكومة . يقدّرها الحاكم بالجتهاد .وفي قولٍ عند الشّافعيّة :ل تجب الدّية في ال ّ
و -اللّمس : - 61اللّمس قوّة مثبتة على سطح البدن تدرك به الحرارة والبرودة والنّعومة والخشونة ونحوها عند المماسّة .وقد ذكر فقهاء المالكيّة أنّ في إذهاب هذه القوّة دي ًة كاملةً قياسا على شمّ .ولم نجد لبقيّة الفقهاء كلما في هذا الموضوع . ال ّ
ز -قوّة الجماع والمناء :
- 62صرّح الفقهاء بأنّه تجب الدّية الكاملة بالجناية على قوّة الجماع إذا عجز عنه كاملً بإفساد إنعاظه ،ولو مع بقاء المنيّ وسلمة الصّلب والذّكر ،أو انقطع ماؤه ،سواء أكان ن الجماع منفعة مقصودة تتعلّق به مصالح جمّة ،فإذا بالضّرب على الصّلب أو غير ذلك .ل ّ فات وجب به دية كاملة .وكذلك بانقطاع الماء يفوت جنس المنفعة من التّوالد والتّناسل .ول تندرج في إتلف الجماع أو المناء دية الصّلب وإن كانت قوّة الجماع فيه كما قال المالكيّة . فلو ضرب صلبه فأبطله وأبطل جماعه فعليه ديتان . وذكر الشّافعيّة من هذا القبيل إتلف قوّة حبل المرأة فيكمل فيه ديتها لنقطاع النّسل .
دية الشّجاج والجراح :
- 63الشّجاج ما يكون في الرّأس أو الوجه ،والجراح ما يكون في سائر البدن . وقد اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجب أرش مقدّر في سائر جراح البدن ،باستثناء الجائفة ،وإنّما تجب فيها الحكومة ،وذلك لنّه لم يرد فيها نصّ من الشّرع ويصعب ضبطها وتقديرها .أمّا الجائفة ،وهي ما وصل إلى الجوف من بطنٍ أو ظهرٍ أو صدرٍ أو ثغرة نح ٍر أو وركٍ أو ن فيها ثلث الدّية ،سواء أكانت عمدا جنبٍ أو خاصر ٍة أو مثان ٍة أو غيرها فاتّفق الفقهاء على أ ّ أم خطأً ،وذلك لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « وفي الجائفة ثلث الدّية » . ب لخر تعتبر جائفتين ،وفيهما ثلثا الدّية . ن الجائفة إذا نفذت من جان ٍ كما اتّفقوا على أ ّ أمّا الشّجاج وهي الجروح الواقعة في الرّأس والوجه فقد قسّمها أكثر الفقهاء إلى عشرة أقسامٍ ،على اختلفٍ في تسميتها ،وينظر ذلك في مصطلح كلّ منها .
جزاء هذه الشّجاج : - 64ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة " إلى عدم وجوب أرشٍ مقدّرٍ فيما يكون أقلّ من الموضحة ،أي قبل الموضحة ،وهي الحارصة ، والدّامعة والدّامية والباضعة والمتلحمة والسّمحاق ،وإنّما يجب في كلّ من هذه الشّجاج ل .لنّه ليس فيها أرش مقدّر ،ول يمكن إهدارها ،فتجب الحكومة . حكومة عد ٍ والقول الثّاني عند الشّافعيّة أنّه إن لم يمكن معرفة قدرها من الموضحة فكذلك . ن المقطوع ثلث أو وإن أمكن بأن كان على رأس موضح ٍة إذا قيس بها الباضعة مثلً عرف أ ّ نصف في عمق اللّحم وجب قسطه من أرش الموضحة .قال النّوويّ :فإن شككنا في قدرها من الموضحة أوجبنا اليقين ،قال الصحاب :وتعتبر مع ذلك الحكومة ،فيجب أكثر المرين ل واحدٍ منهما . من الحكومة وما يقتضيه التّقسيط ،لنّه وجد سبب ك ّ ل واحدٍ منها أرش مقدّر ،وبيانه أمّا الموضحة والهاشمة والمنقّلة والمّة أو المأمومة ففي ك ّ فيما يلي :
أ -الموضحة :
- 65الموضحة هي أقلّ شجّ ٍة فيها أرش مقدّر من الشّارع ،ولها أه ّميّة عند الفقهاء ،لنّه يجب فيها القصاص إذا كانت عمدا ،وهي الفاصل بين وجوب المقدّر أي الرش وغير المقدّر أي الحكومة . واتّفق الفقهاء على أنّه في الموضحة نصف عشر الدّية ،وهو خمس من البل في الحرّ الذّكر المسلم .لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « وفي الموضحة خمس من البل » . إلّ أنّ المالكيّة ل يعتبرون الجرح على النف واللّحي السفل موضحةً ،فل يقولون فيها ل ،كسائر جراحات البدن . ش مقدّرٍ ،فتجب فيهما حكومة عد ٍ بأر ٍ
ي عليه أصلعا ،وإلّ ففيها حكومة عدلٍ ،لنّ جلده أنقص وقيّدها الحنفيّة بأن ل يكون المجن ّ زين ًة من غيره . وقال الشّافعيّة وإنّما يجب في الموضحة خمس من البل في حقّ من تجب الدّية الكاملة بقتله، وهو الحرّ المسلم الذّكر وهذا المبلع نصف عشر ديته ،فتراعى هذه النّسبة في حقّ غيره فتجب في موضحة اليهوديّ نصف عشر ديته وهو بعير وثلثان ،وفي موضحة المرأة بعيران ونصف ،وفي موضحة المجوسيّ ثلثا بعيرٍ . وذهب الحنابلة إلى التّسوية بين الذّكر والنثى في موضحتهما لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « :وفي الموضحة خمس من البل » ،وهو مطلق ،فالرّجل والمرأة ل يختلفان في أرش الموضحة لنّه دون الثّلث ،وهما يستويان فيما دون الثّلث ويختلفان فيما زاد على الثّلث . ن موضحة الرّأس والوجه سواء ،وروي ذلك عن أبي بكرٍ وعمر وذهب أكثر الفقهاء إلى أ ّ رضي ال عنهما وبه قال شريح ومكحول والشّعبيّ والزّهريّ وربيعة . ن موضحة الوجه فيها عشر من البل وروي عن سعيد بن المسيّب وهو رواية عن أحمد أ ّ ن شينها أكثر ،وموضحة الرّأس يسترها الشّعر والعمامة . لّ
ب -الهاشمة : - 66الهاشمة هي الّتي تتجاوز الموضحة وتهشم العظم أي تكسره ،كما تقدّم ،وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ فيها عشر الدّية ،وهو عشرة أبعرةٍ ،وهذا عند الحنفيّة والحنابلة ، ت رضي ال عنه ، وهو قول الشّافعيّة إذا كانت مع اليضاح .وروي ذلك عن زيد بن ثاب ٍ وهو ل يكون إلّ عن توقيفٍ ،وبه قال قتادة والثّوريّ . ح عند الشّافعيّة ،وقيل :حكومة. أمّا في الهاشمة دون اليضاح ففيها خمسة أبعر ٍة على الص ّ وقال ابن المنذر :تجب في الهاشمة الحكومة ،إذ ل سنّة فيها ول إجماع ،فتجب فيها الحكومة كما تجب فيما دون الموضحة . أمّا المالكيّة فقد اختلفت أقوالهم :فقد جاء في مختصر خليلٍ وشروحه أنّ الهاشمة أرشها ن الهاشمة ل دية فيها بل حكومة . عشر الدّية ونصفه .ونقل الموّاق عن ابن شاسٍ أ ّ ل عندهم فيها عشر الدّية مائة دينارٍ . وقال ابن رشدٍ :لم يعرفها مالك ،وفي قو ٍ ي المالكيّ :المنقّلة ،ويقال لها :الهاشمة أيضا ،فيها عشر الدّية ونصف وقال النّفراو ّ عشرها وهي خمسة عشر بعيرا .
ج -المنقّلة :
- 67المنقّلة هي الّتي تنقل العظام بعد كسرها وتزيلها عن مواضعها .
ول خلف بين الفقهاء في أنّه يجب في المنقّلة عشر الدّية ونصفه -أي خمسة عشر بعيرا- وذلك لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « :وفي المنقّلة خمس عشرة من البل » .ومثله ما ورد في حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه مرفوعا ،وقد حكى ابن المنذر إجماع ن المنقّلة يقال لها الهاشمة أيضا عندهم . أهل العلم عليه .وقد سبق كلم بعض المالكيّة أ ّ
د -المّة أو المأمومة : - 68المّة والمأمومة شيء واحد .قال ابن قدامة نقلً عن ابن عبد البرّ :أهل العراق يقولون لها المّة ،وأهل الحجاز يقولون لها المأمومة ،وهي الجراحة الواصلة إلى أمّ الدّماغ ،وهو الجلدة الّتي تجمع الدّماغ وتستره . ويجب في المأمومة ثلث الدّية عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وفي الصّحيح عند الشّافعيّة " لما ورد في حديث عمرو بن حزمٍ « :في المأمومة ثلث الدّية » وعن ابن عمر رضي ال عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم مثل ذلك . ونقل النّوويّ عن الماورديّ أنّ فيها ثلث الدّية وحكومةً .
هـ -الدّامغة :
شجّة الّتي تتجاوز عن المّة فتخرق الجلدة وتصل إلى الدّماغ وتخسفه . - 69الدّامغة هي ال ّ ولم يذكرها بعض الفقهاء في بحث الشّجاج ،لنّ المجنيّ عليه يموت بعدها عادةً ،فيكون قتلً ،ل شجّا .فإن عاش المحنيّ عليه بعد الدّامغة ،فذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة ح المنصوص عند الشّافعيّة " إلى أنّ والمالكيّة في المعتمد وهو المذهب عند الحنابلة والص ّ فيها ما في المّة ،وهو ثلث الدّية . ل عند الشّافعيّة والحنابلة تجب فيها مع الثّلث حكومة لخرق غشاء الدّماغ . وفي قو ٍ ل عند المالكيّة تجب في الدّامغة حكومة عدلٍ . وفي قو ٍ
تداخل الدّيات وتعدّدها : - 70الصل أنّ الدّية تتعدّد بتعدّد الجناية وإتلف العضاء أو المعاني المختلفة إذا لم تفض إلى الموت .فإن قطع يديه ورجليه معًا ولم يمت المجنيّ عليه تجب ديتان . وإن جنى عليه فأذهب سمعه وبصره وعقله وجب ثلث دياتٍ ،وهكذا ،وقد روي عن عمر بن الخطّاب رضي ال عنه في رجلٍ رمى آخر بحجرٍ فذهب عقله وبصره وسمعه وكلمه فقضى فيه بأربع دياتٍ وهو حيّ ،لنّه أذهب منافع في كلّ واحدةٍ منها دية ،فوجب عليه دياتها كما لو أذهبها بجناياتٍ مختلف ٍة . أمّا إذا أفضت الجناية إلى الموت فتتداخل ديات الطراف والمعاني في دية النّفس فل تجب إلّ دية واحدة .
ن الجناية على ما دون النّفس إذا - 71وبناءً على هذا الصل اتّفق الفقهاء في الجملة على أ ّ ن واحدٍ تتداخل مع الجناية على النّفس . لم يطرأ عليها البرء والندمال وكانت من جا ٍ ل دية واحدة . فإذا قطع يديه خطأً ثمّ قتله خطأً قبل البرء ل يجب على الجاني إ ّ وكذلك إذا قطع سائر أعضائه خطأً ثمّ قتله خطأً ،أو سرت الجناية على الطراف إلى النّفس فمات منها . كما اتّفقوا على أنّه تتداخل العضاء في منافعها ،والمنافع في العضاء إذا كانت الجناية على نفس المحلّ ،سواء أكانت مرّ ًة واحدةً أم بدفعاتٍ مختلف ٍة ،إذا لم يطرأ عليها البرء . فإذا قطع أنفه وأذهب شمّه ل تجب إلّ دية واحدة ،وإذا أذهب بصره ثمّ فقأ عينيه ل تجب إلّ دية واحدة وهكذا .وسواء أحصلت الجنايتان معا أم بالتّراخي بشرط أن ل يتخلّل بينهما برء. وهذا إذا اتّفقت صفة الجناية على النّفس والطراف في العمد والخطأ ،وكانت الجناية في الطراف بالقطع وإتلف المعاني في محلّ واحدٍ ،ولم يطرأ على الجنايتين اندمال . ى من نفس وإذا طرأ البرء والندمال بين الجنايتين على الطراف ،أو على طرفٍ ومعن ً الطّرف تتعدّد الدّيات .فإذا قطع أنفه واندمل ثمّ أتلف شمّه تجب عليه ديتان . وإذا قطع يديه ورجليه ولم يسر إلى النّفس واندملت تجب عليه ديتان ،وهكذا . أمّا إن اختلفت الجناية صفةً ،بأن كانت إحداهما عمدا والخرى خطأً ،أو لم يكن محلّ ى لكنّها سرت الجنايتين واحدا ،ولم يتخلّل بينهما برء ،أو كانت الجناية على طرفٍ أو معن ً إلى طرفٍ أو معنىً آخر ففي هذه المسائل وفروعٍ أخرى من نوعها خلف وتفصيل ،بيان ضوابطه فيما يلي : - 72يقول الحنفيّة :من قطع يد رجلٍ خطأً ثمّ قتله عمدا قبل أن تبرأ ،أو قطع يده عمدا ثمّ قتله خطأً أو قطع يده خطأً فبرئت يده ثمّ قتله خطأً ،أو قطع يده عمدا فبرأت ثمّ قتله عمدا فإنّه يؤخذ بالمرين جميعا . ن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن تتميما جاء في الهداية وفتح القدير :الصل فيه أ ّ ت متعاقبةٍ وفي اعتبار كلّ ضربةٍ بنفسها بعض الحرج ن القتل في الع ّم يقع بضربا ٍ للوّل ل ّ ل واحدٍ حكم نفسه وقد تعذّر الجمع في هذه الفصول في إلّ أن ل يمكن الجمع فيعطى ك ّ الوّلين لختلف حكم الفعلين وفي الخرين لتخلّل البرء ،وهو قاطع للسّراية حتّى لو لم يتخلّل وقد تجانسا بأن كانا خطأين يجمع بالجماع لمكان الجمع واكتفي بديةٍ واحد ٍة . ج رجلًا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل فيه أرش الموضحة ; وقال الموصليّ الحنفيّ :من ش ّ ن العقل إذا فات فاتت منفعة جميع العضاء فصار كما إذا شجّه فمات ،وأمّا الشّعر فلنّ لّ أرش الموضحة يجب لفوات بعض الشّعر حتّى لو نبت سقط الرش ،والدّية تجب بفوات
ل واحدٍ فيدخل الجزء في الكلّ كما لو قطع أصبعه فشلّت يده وإن جميع الشّعر ،وقد تعلّقا بفع ٍ ذهب سمعه أو بصره أو كلمه لم تدخل ،ويجب أرش الموضحة مع ذلك ،لما روينا عن عمر رضي ال عنه أنّه قضى في ضرب ٍة واحدةٍ بأربع دياتٍ ،ولنّ منفعة كلّ عض ٍو من هذه العضاء مختصّة به ل تتعدّى إلى غيره فأشبه العضاء المختلفة ،بخلف العقل فإنّ منفعته شجّة تدخل في دية السّمع والكلم دون ن ال ّ تتعدّى إلى جميع العضاء .وعن أبي يوسف أ ّ ن السّمع والكلم أمر باطن فاعتبره بالعقل ،أمّا البصر فأمر ظاهر فل يلتحق به البصر ،ل ّ .وقال الزّيلعيّ :الجناية إذا وقعت على عض ٍو واحدٍ فأتلفت شيئين ،وأرش أحدهما أكثر ، دخل القلّ فيه ،ول فرق في هذا بين أن تكون الجناية عمدا أو خطأً ،وإن وقعت على ل واحدٍ منهما أرشه سواء كان عمدا أو خطأً عند أبي حنيفة عضوين ل يدخل ،ويجب لك ّ رحمه ال ،لسقوط القصاص به عنده ،وعندهما يجب للوّل القصاص إن كان عمدا وأمكن ل فكما قال أبو حنيفة .وقال زفر ل يدخل أرش العضاء بعضه في بعضٍ ، الستيفاء ،وإ ّ ن كلّ واحدٍ منهما جناية فيما دون النّفس فل يتداخلن كسائر الجنايات . لّ ل المنفعة بمحلّها ،فلو ضرب صلبه فبطل - 73يقول المالكيّة :تتعدّد الدّية بتعدّد الجناية إ ّ ج رجلًا ن من ش ّ قيامه وقوّة ذكره حتّى ذهب منه أمر النّساء لم يندرج ،ووجبت ديتان ،كما أ ّ موضحةً فذهب من ذلك سمعه وعقله فعلى عاقلته ديتان بجانب أرش الموضحة . أمّا إذا ذهبت المنفعة بمحلّها فتندرج الجنايتان ،فتجب دية واحدة ،على المنفعة ومحلّهامعا. وكذا إذا جنى على لسانه فأذهب ذوقه ونطقه أو فعل به ما منع به واحدا منهما ،أو هما مع بقاء اللّسان إذا ذهب كلّه بضرب ٍة أو بضرباتٍ في فورٍ .وأمّا بضرباتٍ بغير فورٍ فتتعدّد ل به . بمحلّها الّذي ل توجد إ ّ فإن وجدت بغيره وبه ولو أكثرها ،كأن كسر صلبه فأقعده وذهبت قوّة الجماع فعليه دية لمنع قيامه ،ودية لعدم قوّة الجماع وإن كان أكثرها في الصّلب . ن في واختلفت أقوال المالكيّة في الذن والنف ،فقد نقل أكثر شرّاح خليلٍ عن ابن القاسم أ ّ شمّ ديةً ويندرج في النف كالبصر مع العين والسّمع مع الذن . ال ّ ص خليلٍ " :وتعدّدت الدّية ن المنفعة ل تتعدّد بمحلّها ،كما اقتضاه ن ّ وهذا مطابق لقاعدة :إ ّ ل المنفعة بمحلّها " ،وهذا هو الصّواب ،كما قال البنانيّ . بتعدّدها إ ّ وقال الزّرقانيّ :ول يشمل قوله " بمحلّها " الذن والنف ،وإن اقتضاه كلم بعض الشّرّاح ، ن السّمع ليس شمّ ،ل ّ بل في قطع الذن أو النف غير المارن حكومة ،والدّية في السّمع وال ّ شمّ ليس محلّه النف بدليل تعريفيهما . محلّه الذن ،وال ّ
ي في شرحه على المنهاج :إذا أزال الجاني أطرافا تقتضي - 74أمّا الشّافعيّة فقال الشّربين ّ دياتٍ كقطع أذنين ،ويدين ورجلين ،ولطائف " معاني " تقتضي دياتٍ ،كإبطال سمعٍ ، وبصرٍ وشمّ ،فمات سرايةً منها ،وكذا من بعضها ولم يندمل البعض كما اقتضاه نصّ الشّافعيّ ،واعتمده البلقينيّ إذا كان قبل الندمال للبعض الخر فدية واحدة ،وسقط بدل ما ذكره ،لنّها صارت نفسا ،أمّا إذا مات بسراية بعضها بعد اندمال بعضٍ آخر منها لم يدخل ما اندمل في دية النّفس قطعا ،وكذا لو جرحه جرحا خفيفا ل مدخل للسّراية فيه ثمّ أجافه "أصابه بجائفةٍ" فمات بسراية الجائفة قبل اندمال ذلك الجرح فل يدخل أرشه في دية النّفس كما هو مقتضى كلم الرّوضة وأصلها ،أمّا ما ل يقدّر بالدّية فيدخل أيضا كما فهم ممّا تقرّر بالولى ،وكذا لو حزّه الجاني أي قطع عنق المجنيّ عليه قبل اندماله من الجراحة يلزمه ن دية النّفس وجبت قبل استقرار ما عداها فيدخل للنّفس دية واحدة في الصحّ المنصوص ،ل ّ فيها بدله كالسّراية .والثّاني تجب ديات ما تقدّمها ،لنّ السّراية قد انقطعت بالقتل فأشبه انقطاعها بالندمال .وما سبق هو عند اتّحاد الفعل المجنيّ به ،فإن كان مختلفًا كأن حزّ الرّقبة عمدًا والجناية الحاصلة قبل الحزّ خطأً ،أو شبه عمدٍ أو عكسه كأن حزّه خطأً ح ،بل يستحقّ والجنايات عمدًا أو شبه عمدٍ فل تداخل لشيءٍ ممّا دون النّفس فيها في الص ّ الطّرف والنّفس لختلفهما واختلف من تجب عليه ،فلو قطع يديه ورجليه خطأً أو شبه عمدٍ ثمّ حزّ رقبته عمدًا ،أو قطع هذه الطراف عمدا ث ّم ح ّز الرّقبة خطأً أوشبه عمدٍ وعفا الوّل في العمد على ديته وجبت في الولى دية خطأٍ أو شبه عمدٍ ودية عمدٍ ،وفي الثّانية ديتا عمدٍ ح تسقط الدّيات فيهما ،ولو حزّ ودية خطأٍ أو شبه عمدٍ ،والقول الثّاني وهو مقابل الص ّ ن فعل النسان ل يدخل في فعل غيره الرّقبة غيره أي الجاني المتقدّم تعدّدت ،أي الدّيات ،ل ّ ،فيلزم كلّا منهما ما أوجبته جنايته . - 75وقال الحنابلة :إذا قطع يديه ورجليه ث ّم عاد فضرب عنقه قبل أن تندمل جراحه ، وصار المر إلى الدّية بعفو الوليّ أو كون الفعل خطأً أو شبه عمدٍ أو غير ذلك فالواجب دية واحدة ،لنّه قاتل قبل استقرار الجرح ،فدخل أرش الجراحة في أرش النّفس ،كما لو سرت إلى النّفس . وقال بعضهم :تجب دية الطراف المقطوعة ودية النّفس ،لنّه لمّا قطع بسراية الجرح بقتله صار كالمستقرّ ،فأشبه ما لو قتله غيره . وإن قطع الجاني بعض أعضائه ثمّ قتله بعد أن برئت الجراح ،مثل إن قطع الجاني يديه ورجليه فبرئت جراحته ثمّ قتله فقد استقرّ حكم القطع بالبرء ولوليّ القتيل الخيار ،إن شاء
ل جنايةٍ عفا وأخذ ثلث دياتٍ ،وإن شاء قتله وأخذ ديتين ،دي ًة لليدين وديةً للرّجلين ،لنّ ك ّ من ذلك استقرّ حكمها ،كما قال البهوتيّ . وهذا يعني أنّه ل تداخل بعد الندمال عندهم ل في النّفس ول في العضاء .
من تجب عليه الدّية : - 76الصل أنّ الدّية إذا كان موجبها الفعل الخطأ أو شبه العمد ،ولم تكن أقلّ من الثّلث ل دية العبد أو ما وجب بإقرار المجنيّ عليه أو الصّلح ،لقوله صلى ال تتحمّلها العاقلة ،إ ّ عليه وسلم « :ل تعقل العواقل عمدا ول عبدا ول صلحا ول اعترافا » . ويشترك مع العاقلة في تحمّل دية الخطأ الجاني نفسه عند الحنفيّة والمالكيّة ،خلفا للشّافعيّة ومن معهم ،حيث قالوا :ليس على الجاني المخطئ شيء من الدّية . وقد تقدّم دليل وحكمة تحمّل العاقلة دية الخطأ وشبه العمد . وينظر تفصيل هذه المسائل في مصطلح ( :عاقلة ) . أمّا إذا كانت الجناية عمدا وسقط القصاص بشبهةٍ أو نحوها ،أو ثبتت باعتراف الجاني أو ن الدّية تجب في مال الجاني نفسه ،لنّها دية مغلّظة ،ومن وجوه التّغليظ في العمد الصّلح فإ ّ وجوب الدّية على الجاني نفسه كما سبق . واختلفوا في عمد الصّبيّ والمجنون :فقال جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو مقابل الظهر عند الشّافعيّة " إنّ عمد الصّبيّ والمجنون خطأ تحمله العاقلة ،لنّه ل يتحقّق منهما كمال القصد ،فديتهما على عاقلتهما كشبه العمد . ن مجنونا صال على رجلٍ بسيف فضربه ،فرفع ذلك إلى عليّ رضي ال عنه فجعل عقله ول ّ على عاقلته بمحضرٍ من الصّحابة رضي ال عنهم وقال :عمده وخطؤه سواء . ن الصّبيّ مظنّة المرحمة ،والعاقل المخطئ لمّا استحقّ التّخفيف حتّى وجبت الدّية على ول ّ عاقلته ،فهؤلء -وهم أغرار -أولى بهذا التّخفيف . ن عمد الصّبيّ والمجنون عمد إذا كان لهما نوع تمييزٍ ،إلّ أنّه وقال الشّافعيّة في الظهر :إ ّ ل يجب عليهما القصاص للشّبهة ،لنّهما ليسا من أهل العقوبة ،فيجب عليهما موجبه الخر وهو الدّية .
وجوب الدّية على أهل القرية :
- 77إذا وجد قتيل في قري ٍة أو مكان مملوكٍ لجماع ٍة ،ول يعرف قاتله ،وادّعى الولياء القتل على أهل المحلّة ،وجبت الدّية بعد القسامة ،على خلفٍ وتفصيلٍ في شروط وأحكام القسامة ،تنظر في مصطلح ( :قسامة ) .
وجوب الدّية في بيت المال :
يتحمّل بيت المال الدّية في الحالت التّالية :
أ -عدم وجود العاقلة أو عجزها عن أداء الدّية : ن من ل عاقلة له ،أو كان له عاقلة وعجزت عن جميع ما وجب - 78صرّح الفقهاء بأ ّ بخطئه أو تتمّته تكون ديته في بيت المال ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أنا وارث من ل وارث له أعقل عنه وأرثه » . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :هذا إذا كان الجاني مسلما ،فإن كان مستأمنا أو ذ ّميّا فديته في مال الجاني عند الحنابلة في الرّاجح ،وهو المذهب عند الشّافعيّة ،وقيل :عندهم قولن ،كمسلمٍ ل عاقلة له ول بيت مالٍ . قال ابن قدامة :من ل عاقلة له هل يؤدّى عنه من بيت المال أو ل ؟ فيه روايتان : إحداهما :يؤدّى عنه منه ،وهو مذهب الزّهريّ والشّافعيّ « ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه ن المسلمين يرثون من ل وسلم ودى النصاريّ الّذي قتل بخيبر من بيت المال » ،ول ّ وارث له ،فيعقلون عنه عند عدم عاقلته ،كعصباته ومواليه . والثّانية :ل يجب ذلك ،لنّ بيت المال فيه حقّ للنّساء والصّبيّان والمجانين والفقراء ،ول عمل عليهم ،فل يجوز صرفه فيما ل يجب عليهم . وقال المالكيّة :الكافر ال ّذ ّميّ يعقل عنه ذوو دينه الّذين يؤدّون معه الجزية ،والصّلحيّ يعقل عنه أهل صلحه .
ب -خطأ المام أو الحاكم في حكمه :
- 79إذا أخطأ وليّ المر أو القاضي في حكمه فتلف بذلك نفس أو عضو ،فديته على بيت المال عند جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة ،وهو الصحّ عند الحنابلة وقول عند الشّافعيّة ، ن ديته تجب في بيت ومثاله من مات في التّعزير بسبب الزّيادة والتّجاوز بأمر المام ،فإ ّ المال ،ل على العاقلة . واستدلّوا على وجوبها في بيت المال بأنّه خطأ يكثر وجوده ،فلو وجب ضمانه على عاقلة المام أجحف بهم . وفي الظهر عند الشّافعيّة وهو الرّواية الثّانية عند الحنابلة :أنّها تجب على عاقلته ،لنّها وجبت بخطئه ،كما لو رمى صيدًا فقتل آدميّا . وعند المالكيّة :إن زاد في التّعزير يظنّ السّلمة فخاب ظنّه فهدر ،وإن شكّ فالدّية على العاقلة ،وهو كواحدٍ منهم .
ج -وجود القتيل في الماكن العامّة :
- 80إذا وجد القتيل في مكان يكون التّصرّف فيه لعامّة المسلمين ،كالشّارع العظم النّافذ، ل مكان ل يختصّ التّصرّف فيه لواحدٍ منهم ،ول لجماعةٍ والجامع الكبير ،والسّجن وك ّ ن الغرم بالغنم ،فلمّا كان عامّة المسلمين هم المنتفعين يحصون ،فالدّية في بيت المال ،ل ّ بهذه الماكن كان الغرم عليهم ،فيدفع من مالهم الموضوع لهم في بيت المال . وكذلك إذا قتل شخص في زحام طوافٍ أو مسجدٍ عا ّم أو الطّريق العظم ولم يعرف قاتله ، ل دم امرئٍ مسلمٍ » . فديته في بيت المال ،لقول عليّ رضي ال عنه « :ل يط ّ
تعذّر حصول الدّية من بيت المال : - 81إذا لم يكن للجاني عاقلة ،وتعذّر حصول الدّية من بيت المال ،لعدم وجوده أو عدم ضبطه ،فهل يسقط الدّم أو تجب الدّية كاملةً على الجاني نفسه ؟ اختلف الفقهاء :فقال الحنفيّة والمالكيّة وهو الظهر عند الشّافعيّة واختاره ابن قدامة من الحنابلة :أنّها تجب في مال الجاني . وذهب الحنابلة إلى أنّها تسقط بتعذّر أخذها من بيت المال حيث وجبت فيه ،ول شيء على القاتل ،وهذا هو المذهب عندهم ،ول على العاقلة أيضًا لعجزها عن أداء ما وجب عليها من ل يضيع دم المسلم هدرا ،قال الدّية ،ولو أيسرت العاقلة بعد ذلك أخذت الدّية منها كامل ًة لئ ّ الرّحيبانيّ :وهذا متّجه ،ويتّجه أنّه إذا تعذّر أخذ الدّية من بيت المال فتجب في مال القاتل . وفي وجهٍ عند الشّافعيّة :ل تؤخذ من الجاني بل تجب على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء كما ذكره النّوويّ في الرّوضة ،وقال :لو حدث في بيت المال مال هل يؤخذ منه الواجب ؟ وجهان :أحدهما ل ،كما ل يطالب فقير العاقلة لغناه بعد الحول .
من يستحقّ الدّية :
ن المستحقّ للدّية في الجناية على ما دون النّفس أي قطع - 82ل خلف بين الفقهاء في أ ّ الطراف وإزالة المعاني هو المجنيّ عليه نفسه ،إذ هو المتضرّر ،فله أن يطالب بالدّية ، وله حقّ البراء والعفو عنها . وإذا عفا عن الدّية فليس للولياء المطالبة بشي ٍء إذا لم تسر الجناية إلى النّفس . أمّا إذا سرت الجناية إلى النّفس ومات المجنيّ عليه بعد عفوه عن قطع الطراف والمعاني ن العفو حصل عن القطع ل عن القتل ؟ أو ليس لهم فهل للولياء المطالبة بدية النّفس ،ل ّ المطالبة بالدّية الكاملة ،لنّ العفو عن موجب الجناية وهو القطع عفو عن الجناية نفسها ؟ في ذلك خلف وتفصيل ،ينظر في مصطلح ( :قصاص ،وعفو ،وسراية ) . أمّا دية النّفس فهي موروثة كسائر أموال الميّت حسب الفرائض المقدّرة شرعا في تركته فيأخذ منها كلّ من الورثة الرّجال والنّساء نصيبه المقدّر له باستثناء القاتل ،وذلك لقوله تعالى
ن رسول اللّه قال : َ { :و ِديَةٌ ّمسَّلمَ ٌة إِلَى أَهِْلهِ } ولما رواه عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه أ ّ « العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم » .وهذا قول أكثر الفقهاء . ي رضي ال عنه قال :ل يرث الدّية إلّ عصبات وذكر ابن قدامة رواي ًة أخرى عن عل ّ المقتول الّذين يعقلون عنه ،وكان عمر رضي ال عنه يذهب إلى هذا ثمّ رجع عنه لمّا بلغه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم توريث المرأة من دية زوجها .فقد ورد في حديث « الضّحّاك ي قال :كتب إليّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن أورّث امرأة أشيم الضّبابيّ من الكلب ّ دية زوجها أشيم » . وإذا لم يوجد للمقتول وارث تؤدّى ديته لبيت المال ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :أنا وارث من ل وارث له ،أعقل عنه وأرثه » .
العفو عن الدّية : ن الدّية تسقط بالعفو عنها .فإذا عفا المجنيّ عليه عن دية - 83ل خلف بين الفقهاء في أ ّ الجناية على ما دون النّفس من القطع وإتلف المعاني تسقط ديتها ،لنّها من حقوق العباد الّتي تسقط بعفو من له حقّ العفو ،والمجنيّ عليه هو المستحقّ الوحيد في دية الطراف والمعاني .واتّفقوا على أنّ دية النّفس تسقط بعفو أو إبراء جميع الورثة المستحقّين لها .وإذا عفا أو أبرأ بعضهم دون البعض يسقط حقّ من عفا وتبقى حصّة الخرين في مال الجاني إن كانت الجناية عمدا ،وعلى العاقلة إن كانت خطأً . ن المجنيّ عليه له العفو عن دم نفسه بعد ما وجب له الدّم مثل أن واتّفقوا في الجملة على أ ّ يعفو بعد إنفاذ مقاتله عمدا كان القتل أو خطأً . وإذا صار المر إلى الدّية يكون العفو بمنزلة الوصيّة فينعقد في الثّلث . أمّا إذا عفا المجنيّ عليه عن دية قطع عضوٍ ،فسرت الجناية إلى عضوٍ آخر أو مات من ذلك فهل يشمل العفو دية النّفس أو العضو الّذي سرت إليه الجناية ؟ ففيه ما يأتي من التّفصيل : أ -إذا عفا عن القطع بلفظ الجناية بأن قال :عفوت عن جنايتك ،أو قال :عفوت عن القطع وما يحدث منه ،شمل العفو ما يحدث من القطع من إتلف عض ٍو آخر أو الموت . وإن عفا عن القطع مطلقا بأن لم يقيّده بقو ٍد ول ديةٍ ،ولم يكن بلفظ الجناية ،ولم يذكر ما ص القطع ،ول يتناول ما يسري منه من إتلف أعضاءٍ أخرى أو يحدث منه فهذا العفو يخ ّ النّفس عند أكثر الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة ،وهو قول أبي حنيفة ورواية عند الحنابلة " ، وعلى ذلك فالجاني ضامن للجناية وما تسري إليه من نفسٍ أو عضوٍ . ن المالكيّة قالوا بالقصاص بعد القسامة إن كانت الجناية عمدا من واحدٍ تعيّن لها . حتّى إ ّ
ن سبب واستدلّ الفقهاء لعدم شمول العفو لما يسري منه من إتلف العضاء أو النّفس بأ ّ الضّمان قد تحقّق وهو قتل النّفس المعصومة " أو إتلف العضو " ،والعفو لم يتناوله بصريحه ،لنّه عفا عن القطع ،وهو غير القتل ،وبالسّراية تبيّن أنّ الواقع قتل ،فوجب ضمانه ،وكان ينبغي أن يجب القصاص في العمد إلّ أنّه تجب الدّية ،لنّ صورة العفو أورثت شبه ًة وهي دارئة للقود ،بخلف العفو عن القطع بلفظ الجناية ،لنّها اسم جنسٍ وبخلف العفو عن القطع وما يحدث منه لنّه صريح في العفو عن السّراية والقتل . وفي رواي ٍة عند الحنابلة ،وهو قول أبي يوسف ومح ّمدٍ من الحنفيّة يصحّ العفو ،ويتناول ما يسري عن القطع من إتلف عض ٍو آخر أو النّفس ،فل شيء على القاتل ،وذلك لنّ العفو عن القطع عفو عن موجبه ،وموجبه القطع لو اقتصر ،أو القتل إذا سرى ،فكان العفو عنه ن اسم القطع يتناول السّاري والمقتصر ،فيكون العفو عن عفوا عن موجبه أيّهما كان .ول ّ القطع عفوا عن نوعيه ،وصار كما إذا كان العفو عن الجناية ،فإنّه يتناول الجناية السّارية والمقتصرة فكذا هذا . وعلى ذلك فتسقط بعفو المجنيّ عليه عن القطع ولو سرت الجناية إلى النّفس عندهم . وتفصيل هذه المسائل في مصطلحات ( :قتل ،قصاص ،سراية ) .
دياثة * التّعريف : - 1الدّياثة لغةً :اللتواء في اللّسان ،ولعلّه من التّذليل والتّليين ،وهي مأخوذة من داث الشّيء ديثا من باب باع لن وسهل ،ويعدّى بالتّثقيل فيقال ديّث غيره .ومنه اشتقاق ال ّديّوث ،وهو الرّجل الّذي ل غيرة له على أهله ،والدّياثة بالكسر :فعله . وفي اصطلح الفقهاء عرّفت الدّياثة بألفاظٍ متقاربةٍ يجمعها معنىً واحد ل تخرج عن المعنى اللّغويّ وهو عدم الغيرة على الهل والمحارم . ومثل ال ّديّوث عندهم ال َقرْطبان -بفتح القاف وسكون الرّاء -والقرنان . أ -قيادة :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2القيادة ذات الصّلة بالدّياثة هي :السّعي بين الرّحل والمرأة بالفجور ،وهي فعل القوّاد، ن الدّياثة فعل ال ّديّوث ،وهما متقاربان في المعنى . كما أ ّ
الحكم التّكليفيّ :
- 3الدّياثة من الكبائر لقوله صلى ال عليه وسلم « :ثلثة ل يدخلون الجنّة :العاقّ لوالديه ،وال ّديّوث ،ورجلة النّساء » . فإن كانت عامّةً يمكن احتسابها من الفساد في الرض .قال القاضي أبو بكر بن العربيّ : ن النّاس كلّهم ليرضون أن تذهب أموالهم ن الحرابة في الفروج أفحش منها في الموال ،وإ ّ إّ وتحرب من بين أيديهم ول يحرب المرء من زوجته أو بنته ،ولو كان فوق ما قال اللّه عقوبة ،لكانت لمن يسلب الفروج ) .
ما يتعلّق بالدّياثة من أحكامٍ : أ -الطّلق :
ن الدّياثة من مقتضيات الطّلق وأسبابها ،على اختلفٍ في الحكم من - 4ذهب الفقهاء إلى أ ّ حيث الوجوب أو النّدب .والتّفصيل في مصطلح ( :طلق ) .
ب -القذف والتّعزير : ن من شتم آخر بأن قال له :يا ديّوث ،فإنّه يعزّر ول يحدّ ،لنّه آذاه - 5ذهب الفقهاء إلى أ ّ بإلحاق الشّين به ،ول مدخل للقياس في باب الحدود فوجب التّعزير .
ج -الشّهادات :
ن الدّياثة من المور المسقطة للعدالة ولتفصيل ذلك ينظر - 6ذكر الشّافعيّة والحنابلة أ ّ مصطلح ( :شهادة ) .
ديانة * التّعريف : - 1الدّيانة في اللّغة :مصدر دان يدين بالدّين ديانةً :إذا تعبّد به .وتديّن به كذلك ،فهو ديّن ،مثل ساد فهو سيّد ،وديّنته " بالتّشديد " وكّلته إلى دينه ،وتركته وما يدين :لم أعترض عليه فيما يراه سائغا في اعتقاده . وفي الصطلح الفقهيّ :هي قبول دعوى الحالف ،أو المطلّق ونحوهما بلفظٍ صريحٍ بال ّنيّة ، ل قضاء إذا ادّعى أنّه قصد باللّفظ ما يخالف ما يقتضيه ظاهر اللّفظ عرفا ،ولكنّه يحتمله ، احتمالً بعيدا . أ -القضاء :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2القضاء لغ ًة :الحكم ،واصطلحا :هو الخبار عن حكمٍ شرعيّ على سبيل اللزام . ب -الفتاء :
- 3الفتاء لغ ًة :إبانة الحكم ،واصطلحا :هو إظهار الحكم الشّرعيّ في الواقعة ل على سبيل اللزام .
الحكم التّكليفيّ : ح بالطّلق كأن يقول مخاطبا زوجته : - 4ل خلف بين الفقهاء في أنّه إذا تلفّظ بلفظٍ صري ٍ ن كان عليها ، سيّ أو من دي ٍ أنت مطلّقة أو أنت طالق ،ثمّ يقول :أردت أنت مطلّقة من قيدٍ ح ّ أو يقول :أردت أن أقول :أنت حائض مثلً فسبق لساني إلى أنت طالق ،ولم أقصد إليه ، فإنّه ل يقبل قضا ًء لنّه خلف الظّاهر ،ويقبل ديانةً ،لنّه صرف اللّفظ إلى معنًى يحتمله . ويترك وشأنه فيما بينه وبين اللّه تعالى . وقال المالكيّة :إن سألته الطّلق وكانت موثّق ًة ،فقال :أنت طالق ،وادّعى أنّه لم يرد الطّلق ،وإنّما أراد من الوثاق ،أو كانت موثق ًة لم تسأله ،فقال :أنت طالق ،أو لم تكن موثقةً وقال لها :أنت طالق ،فالحكم في الوّل يديّن بل خلفٍ ،وفي الثّالث ل يديّن من غير خلفٍ ،أمّا الثّاني فقيل :يديّن وقيل :ل يديّن . ومعنى الدّيانة هنا مع نفي القبول ظاهرًا ،أن يقال للمرأة :أنت حرام عليه ،ول يجوز لك تمكينه من نفسك إلّ إذا غلب على ظنّك صدقه بقرين ٍة .ويقال للزّوج :ل نمكّنك من تتبّعها ، ل لك إذا راجعتها . ولك أن تتبعها ،والطّلب فيما بينك وبين اللّه إن كنت صادقا ،وتح ّ وقال الحنفيّة :معنى الدّيانة أنّه يجوز للمفتي أن يفتيه بعدم وقوع الطّلق . أمّا القاضي فل يجوز له تصديقه ،ويقضي عليه بالوقوع ،لنّه خلف الظّاهر ،بل قرينةٍ ، والمرأة كالقاضي ،ل يحلّ لها تمكينه من نفسها ،وليس لها دفعه عنها بقتله ،بل تفدي نفسها بمالٍ أو تهرب منه .
ضابط ما يديّن فيه ،وما يقبل ظاهرا :
- 5قال القاضي حسين من الشّافعيّة :ما يدّعيه الشّخص من ال ّنيّة :أربع مراتب : أحدها :أن يرفع ما صرّح به بأن قال :أنت طالق ،ثمّ قال :أردت طلقا ل يقع عليك ،أو لم أرد إيقاع الطّلق ،فل تؤثّر دعواه ظاهرا ،ول يديّن باطنا ،لنّه خلف الظّاهر ،ولم يذكر معنىً يحتمله اللّفظ . ثانيها :أن يكون ما يدّعيه مقيّدا لما تلفّظ به مطلقا ،بأن يقول :أنت طالق ،ثمّ يقول :أردت عند دخول الدّار ،فل يقبل ظاهرا ،وفي التّديين خلف . ثالثها :أن يرجع ما يدّعيه إلى تخصيص عمومٍ فيديّن ،وفي القبول ظاهرا خلف . ع وظهورٍ ،وفي هذه المرتبة تقع ل للطّلق من غير شيو ٍ رابعها :أن يكون اللّفظ محتم ً الكنايات ،ويعمل فيها بال ّنيّة " أي قضاءً وديانةً " .
وللشّافعيّة ضابط آخر :قالوا :ينظر في التّفسير بخلف الظّاهر ،فإن كان لو وصل باللّفظ ل ينتظم الكلم ول يستقيم معناه لم يقبل قضاءً ،ول ديانةً ،كأن يقول :أردت طلقا ل يقع ،وإن كان الكلم ينتظم ويستقيم معناه بالوصل ،فل يقبل ظاهرا ،ويقبل ديانةً . كأن يقول :أردت طلقا في وثاقٍ ،أو :أردت إن دخلت الدّار ،لنّ اللّفظ يحتمله . واستثنوا من هذا نيّة التّعليق بمشيئة اللّه تعالى فقالوا :ل يديّن فيه على المذهب . -6واليمين ،واليلء ،والظّهار ،ونحو ذلك كالطّلق ،فل يقبل منه قضاءً إذا ادّعى أنّه أراد باللّفظ الصّريح فيما ذكر ما يخالف ما يقتضيه ظاهر اللّفظ ،فإن حلف أنّه ل يأكل خبزا أو ل يشرب لبنا ،ثمّ قال :أردت نوعا خاصّا من الخبز واللّبن ،فل يقبل منه قضا ًء لنّه خلف الطّاهر ويقبل ديانةً ،لنّ تخصيص العامّ بال ّنيّة جائز والحتمال قائم ،فيوكّل إلى دينه باطنا ،أمّا في الظّاهر فيحكم بحنثه ،لنّه يدّعي خلف الظّاهر . ونحن نحكّم الظّواهر واللّه يتولّى السّرائر . وفي اليلء :إن قال :واللّه ل وطئتك ،أو واللّه ل جامعتك ،أو ل أصبتك ،أو ل باشرتك ،ثمّ قال أردت بالوطء :بالقدم ،وبالجماع :اجتماع الجسام ،وبالصابة :الصابة باليد ، لم يقبل منه في الحكم ،لنّه خلف الظّاهر والعرف ،ويقبل منه ديانةً لنّ اللّفظ يحتمله . وتنظر المثلة والتّطبيقات في أبواب الطّلق واليمان ،واليلء ،والظّهار وغيرها . ل على أنّ العبرة وقد تعرّض المالكيّة لهذا في مسألة نفوذ حكم الحكم ظاهرا وباطنا بما يد ّ لل ّنيّة ولعلم الشّخص ،ل للحكم الظّاهر فيما يلزم عليه في الباطن فعل الحرام ،وقال القرافيّ يؤخذ النّاس بألفاظهم ول تنفعهم نيّتهم إلّ أن تكون قرينة مصدّقة .ونقل فيمن قال :أنت طالق ،ونوى من وثاقٍ ،أنّه قيل :يديّن ،وقيل :ل إلّ أن يكون جوابا .
ديباج * التّعريف : - 1الدّيباج ضرب من الثّياب سداه ولحمته من البريسم " الحرير الطّبيعيّ " .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2يتّصل بلفظ ديباجٍ عدد من اللفاظ وهي :إبريسم -إستبرق -خزّ -دمقس -سندس -قزّ .وقد تقدّم الكلم فيها مفصّلً في مصطلح ( :حرير ) فليرجع إليه .
الحكام الجماليّة : - 3أحكام الدّيباج في الجملة هي الحكام الّتي ذكرت في مصطلح حريرٍ ،إذ الدّيباج ل يخرج عن كونه حريرا ،ولم يذكر الفقهاء أحكاما خاصّ ًة بالدّيباج إلّ في بعض الفروع .
أ -الستجمار به : - 4ذكر الحنفيّة أنّه يكره الستجمار بخرقة الدّيباج لما فيه من إفساد المال من غير ضرورةٍ . وجوّز الشّافعيّة ذلك حتّى للرّجال ،لنّ الستجمار به ،ل يعدّ استعمالً له في العرف . ولمزيدٍ من التّفصيل ينظر ( :حرير ) .
دير * انظر :معابد .
دين *
التّعريف :
- 1أ -الدّين في اللّغة :يقال دان الرّجل يدين دينا من المداينة .ويقال :داينت فلنا إذا عاملته دينا ،إمّا أخذا أو عطاءً .من أدنت :أقرضت وأعطيت دينا .
ب -معنى الدّين في اصطلح الفقهاء : - 2قيل في معناه أقوال متعدّدة أوضحها ما قاله ابن نجيمٍ " :الدّين لزوم حقّ في ال ّذمّة ". فيشمل المال والحقوق غير الماليّة كصلةٍ فائتةٍ وزكا ٍة وصيامٍ وغير ذلك ،كما يشمل ما ثبت ض أو بيعٍ أو إجارةٍ أو إتلفٍ أو جناي ٍة أو غير ذلك . بسبب قر ٍ أ -العين :
اللفاظ ذات الصّلة :
ن الدّين هو ما - 3يطلق الفقهاء في اصطلحهم كلمة " العين " في مقابل " الدّين " باعتبار أ ّ يثبت في ال ّذمّة من غير أن يكون معيّنا مشخّصا ،سواء أكان نقدا أم غيره . ت". أمّا العين " فهي الشّيء المعيّن المشخّص ،كبي ٍ ب -الكالئ : - 4الكالئ في اللّغة معناه المؤخّر . وقد جاء في الحديث « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » . والمراد به عند الفقهاء بيع النّسيئة بالنّسيئة ،أو الدّين المؤخّر بالدّين المؤخّر . ج -القرض : - 5القرض عقد مخصوص يرد على دفع مالٍ مثليّ لخر لير ّد مثله .ويطلق عليه أحيانا اسم " دين " فيقال :دان فلن يدين دينا :استقرض . ص من الدّين . ودنت الرّجل :أقرضته .والقرض أخ ّ
ما يقبل الثّبوت في ال ّذمّة دينا من الموال : - 6عرّف الحنفيّة الدّين بأنّه عبارة عن " ما يثبت في ال ّذمّة من مالٍ في معاوضةٍ ،أو إتلفٍ ض" ،أو قر ٍ وهو عند جمهور الفقهاء من الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة عبارة عن " ما يثبت في ال ّذمّة من مالٍ بسببٍ يقتضي ثبوته " .وهذا الخلف في حقيقة الدّين -بالنّظر إلى سبب الوجوب في ح أن تثبت دينا في ال ّذمّة ،وأيّها ل تقبل ال ّذمّة -ليس له أثر على قضيّة :أيّ الموال يص ّ ن المال ينقسم عند جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى ذلك ؟ وبيان ذلك أ ّ ن ومنافع . قسمين :أعيا ٍ ل :أمّا العيان فهي نوعان :مثليّ ،وقيميّ . أ ّو ً أ -أمّا المثليّ : - 7فل خلف بين الفقهاء في صحّة أن يكون دينا في ال ّذمّة ،ومن هنا جاز إقراضه والسّلم فيه باتّفاق الفقهاء .فإذا وجب شيء منه في ال ّذمّة ،كانت المطالبة به متعلّق ًة بعينٍ موصوفةٍ غير مشخّصةٍ ،وكلّ عينٍ تتحقّق فيها تلك الصّفات المعيّنة يصحّ للمدين أن يقضي بها دينه ، وليس للدّائن أن يمتنع عن قبولها . ب -وأمّا القيميّ :فله حالتان : - 8الولى :أن يكون ممّا يضبط بالوصف .ول خلف بين الفقهاء في صحّة أن يكون دينا ص على ذلك الحنفيّة في الستصناع والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في في ال ّذمّة .وقد ن ّ ل يملك بالبيع القرض والسّلم .وجاء في " المهذّب " للشّيرازيّ " :يجوز قرض كلّ ما ٍ ويضبط بالوصف ،لنّه عقد تمليكٍ يثبت العوض فيه في ال ّذمّة ،فجاز فيما يملك ويضبط بالوصف كالسّلم " .وقال " :ويجوز السّلم في كلّ مالٍ يجوز بيعه وتضبط صفاته كالثمان والحبوب والثّمار والثّياب " . -9والحالة الثّانية للقيميّ :أن يكون ممّا ل يضبط بالصّفة ،كالجواهر من لؤلؤٍ وعقيقٍ وفيروز ونحوها ممّا تختلف آحاده وتتفاوت أفراده ول يقبل النضباط بالوصاف . وفي هذه الحالة اختلف الفقهاء في صحّة كون هذا المال دينا في ال ّذمّة على قولين : أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الصحّ ،وهو أنّه ل ح جعله دينا في ال ّذمّة ،لنّه لو صحّ انشغال ذمّة الملتزم بذلك المال لكان غير متعيّنٍ ، يص ّ ولوجب عندئذٍ أن تفرغ ال ّذمّة ويوفّى اللتزام بأداء أيّ فردٍ كان من أمثاله ،ول مثل له . وعلى هذا شرطوا في صحّة القرض والسّلم والستصناع أن يكون المال الثّابت في ال ّذمّة
ن ما ل تنضبط صفاته تختلف آحاده كثيرا ،وذلك يؤدّي منضبطا بالصّفة بالقوّة والفعل ،ل ّ في الغالب إلى المنازعة والخصومة عند الوفاء ،وعدمها مطلوب شرعا . وقد استثنى مالك والحنفيّة من هذا الصل دين المهر ،فأجازوا أن يكون قيميّا معلوم الجنس، وإن كان مجهول الصّفة ،وجعل مالك لها الوسط ممّا سمّي إن وقع النّكاح على هذا النّحو . وقال الحنفيّة :للزّوج الخيار في أداء الوسط منه أو قيمته . ن الجهالة فيه ل تضرّ ،إذ المال غير مقصودٍ في الزّواج ،فيتسامح فيه بما ل وعلّلوا ذلك بأ ّ ن المعاوضات تبنى على المشاحّة يتسامح به في عقود المعاوضات الماليّة الخرى ،ل ّ والمكايسة ،فكان الجهل بأوصاف العوض فيها مخلّا بالمقصود منها ،بخلف النّكاح فإنّه مبنيّ على المكارمة والمساهلة ،وليس المقصود من الصّداق أن يكون عوضا مماثلً ،ولذلك سمّاه الشّارع نحلةً فهو كالهبة ،وعلى ذلك ل يضرّ الجهل به كما ل يضرّ بالهبة . والقول الثّاني :للشّافعيّة ،وهو غير الصحّ ،أنّه يصحّ كونه دينا في ال ّذمّة إذا كان معلوم القدر .وفيما يكون به الوفاء في هذه الحالة وجهان : ص عينًا ماليّ ًة قيميّ ًة ،فإنّه يلزمه أحدهما :أنّه يتحقّق بأداء القيمة الماليّة ،كما لو أتلف لشخ ٍ ن ما ضمن بالمثل إذا كان له مثل ،ضمن بالقيمة إذا لم يكن له قيمتها .قال الشّيرازيّ " :ل ّ مثل كالمتلفات " . والوجه الثّاني :أنّه يتحقّق بردّ مثله من حيث الصّورة والخلقة مع التّغاضي عن التّفاوت اليسير في القيمة . ثانيا :أمّا المنافع ،ومدى قبولها للثّبوت دينا في ال ّذمّة : ن جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ذهبوا إلى أنّ المنافع تعتبر أموالً - 10فإ ّ بحدّ ذاتها ،وأنّها تحاز بحيازة أصولها ومصادرها ،وهي العيان المنتفع بها ،ولهذا جازت المعاوضة عنها بالمال في الجارة بشتّى صورها .كما ذهبوا إلى أنّ المنافع تعتبر صالحةً لن تثبت دينا في ال ّذمّة إذا كانت مثليّةً أو قابلةً لن تضبط بالوصف ،كما هو الشّأن في ن أم منافع أشخاصٍ . العيان ول فرق ،وسواء ،أكانت منافع أعيا ٍ وعلى هذا نصّوا في باب الجارة على جواز التّعاقد على منفعةٍ موصوف ٍة في ال ّذمّة غير معيّنةٍ بالذّات ،وسمّوها " إجارة ال ّذمّة " نظرا لتعلّق المنفعة المعقود عليها بذمّة المؤجّر ،ل بأشياء معيّن ٍة .كما إذا استأجر شخص دابّةً موصوف ًة لتحمله من مكان إلى مكان ،فإنّ المنفعة المستحقّة بالعقد تثبت دينا في ذمّة المؤجّر أو المكاري ،وعليه أن يحمله من مكانه إلى المكان المطلوب على أيّة دابّةٍ يحضرها إليه .ولهذا ل ينفسخ العقد إذا هلكت الدّابّة الّتي عيّنها المؤجّر أو استحقّت ،بل يرجع المستأجر عليه فيطالبه بغيرها ،لنّ المعقود عليه غير
معيّنٍ ،بل متعلّق في ال ّذمّة ،وعلى المؤجّر الوفاء بتلك المنفعة بأيّة دابّ ٍة أخرى يحضرها له . وقد اعتبر المالكيّة والشّافعيّة " إجارة ال ّذمّة " سلما في المنافع ،ولهذا اشترطوا في صحّتها تعجيل الجرة كما هو الشّأن في السّلم ،سواء عقدت بلفظ الجارة أو السّلم أو غير ذلك . ووافقهم على ذلك الشّرط الحنابلة إذا عقدت بلفظ السّلم ،أمّا إذا عقدت بغيره ،فلم يشترطوا تعجيل الجرة . ن المال عندهم هو " :ما يميل إليه ن المنافع ل تعتبر أموالً ،ل ّ أمّا الحنفيّة ،فقد ذهبوا إلى أ ّ طبع النسان ،ويمكن ادّخاره لوقت الحاجة " .والمنافع غير قابلةٍ للحراز والدّخار ،إذ هي أعراض تحدث شيئا فشيئا ،وآنا فآنا ،وتنتهي بانتهاء وقتها وما يحدث منها غير ما ن المنافع ل ،وقصرهم الدّين على المال ،فإ ّ ينتهي ...وبنا ًء على عدم اعتبارهم المنافع أموا ً ل تقبل الثّبوت في ال ّذمّة دينًا وفق قواعد مذهبهم ،ومن أجل ذلك لم يجيزوا في باب الجارة أن يرد العقد على منفعةٍ موصوفةٍ في ال ّذمّة ،وشرطوا لصحّة عقد الجارة كون المؤجّر معيّنا .
محلّ تعلّق الدّين واستثناءاته : ل في ال ّذمّة " ...وعلى ذلك ن الدّين في اصطلح الفقهاء ،هو " ما وجب من ما ٍ - 11تقدّم أ ّ فإنّه يكون تعلّقه بذمّة المدين ،ول يتعلّق بشي ٍء من أمواله ،سواء أكانت مملوك ًة له عند ثبوت الدّين أم ملكها بعد ذلك ،وتكون جميع أمواله صالح ًة لوفاء أيّ دينٍ ثبت عليه ،ول يكون الدّين مانعا له من التّصرّف في أمواله بأيّ نوعٍ من أنواع التّصرّفات . ن بعض الدّيون هذا هو الصل في جميع الدّيون ،ولكن لهذه القاعدة استثناءات ،حيث إ ّ تتعلّق بأعيان المدين الماليّة تأكيدا لحقّ الدّائن وتوثيقا له ،ومن ذلك : - 12أ -الدّين الّذي استوثق له صاحبه برهنٍ ،فإنّه يتعلّق بالعين المرهونة ..وعلى ذلك فل يكون لصاحبها أن يتصرّف فيها إلّ بإذن المرتهن ،ويقدّم حقّ المرتهن في استيفاء دينه منها على من عداه من الدّائنين ،ول خلف بين الفقهاء في ذلك ( .ر :رهن ،تركة ، إفلس ) . - 13ب -الدّين الّذي حجر على المدين بسببه ،فإنّه يتعلّق بأمواله باتّفاق العلماء ،لنّ حجر المفلس يعني " خلع الرّجل من ماله لغرمائه " ،ولنّه لو لم يكن حقّ الغرماء متعلّقا بماله لما كان في الحجر عليه فائدة " ولنّه يباع ماله في ديونهم ،فكانت حقوقهم متعلّقةً به كالرّهن " .
ن الدّين هاهنا إنّما يتعلّق بماليّة العيان المملوكة بذواتها ،بمعنى أنّ المدين ليس ول يخفى أ ّ له أن يتصرّف تصرّفا ينقص من قيمتها الماليّة ،فليس له أن يتبرّع بشيءٍ منها ،ول أن ح فيه يعاوض عليها بغبنٍ يلحقه ،لما في ذلك من الضرار بحقوق الدّائنين ...وتص ّ المبادلت الماليّة الّتي ل غبن عليه فيها ; لنّها إذا أخرجت من ملكه شيئا ،فقد أدخلت فيه ما يعادله ،فبقيت قيمة الموال ثابتةً ... - 14ج -حقوق الدّائنين والورثة في مال المريض مرض الموت ،حيث إنّها تتعلّق فيه صحّة . بمال المريض بعد أن كانت متعلّق ًة بذمّته في حال ال ّ ن مرض الموت مرحلة تتهيّأ فيها شخصيّة النسان وأهليّته للزّوال ،كما أنّه وعلّة ذلك أ ّ مقدّمة لثبوت الحقوق في أموال المريض لمن ستنتقل إليهم هذه الموال بعد موته من دائنين وورثةٍ .فينتج عن ذلك أن تصبح الدّيون متعلّق ًة بمال المريض بعد أن كانت متعلّقةً بذمّته قبل ن ال ّذمّة تضعف بالمرض لعجز صاحبها عن السّعي والكتساب ،فيتحوّل التّعلّق المرض ،ل ّ من ذمّته -مع بقائها -إلى ماله توثيقًا للدّين ،وتتقيّد تصرّفاته بما ل يضرّ بحقوق الدّائنين . كما ينشأ عن ذلك تعلّق حقّ الورثة بماله ليخلص لهم بعد وفاته تملّك الثّلثين ممّا يبقى بعد سداد الدّيون إن كانت هناك ديون ،فتتقيّد تصرّفاته أيضا بما ل يضرّ بحقوق الورثة .أمّا الثّلث فقد جعله الشّارع حقّا للمريض ينفقه فيما يرى من سبل الخير ونحوها ،سواء بالتّبرّع المنجز حال المرض ،أو بالوصيّة ،أو غير ذلك . ق الدّائنين وتعلّق حقّ الورثة بمال المريض ،وهذا ن هناك فرقًا بين تعلّق ح ّ - 15على أ ّ الفرق يئول إلى أمرين : أحدهما :أنّ حقّ الدّائنين يتعلّق بمال المريض معنىً ل صورةً ،أي أنّه ل يتعلّق بذات ن الغرض من تعلّق حقّهم بماله الشياء الّتي يملكها ،وإنّما يتعلّق بمقدار ما فيها من ماليّةٍ ،ل ّ هو التّمكّن من استيفاء ديونهم . أمّا تعلّق حقّ الورثة بمال المريض فقد اختلف الفقهاء فيه هل يتعلّق بماليّته أم بعينه ؟ على قولين - :فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وابن أبي يعلى وأبو يوسف ومحمّد بن ح بيع المريض الحسن إلى أنّه كحقّ الغرماء يتعلّق بمال المريض معنىً ل صور ًة ،فيص ّ بمثل القيمة للجنبيّ وللوارث ،لنّه ليس في تصرّفه إبطال لحقّ الورثة في شي ٍء ممّا يتعلّق به حقّهم وهو الماليّة ،فكان الوارث والجنبيّ في ذلك سوا ًء . وذهب أبو حنيفة وأبو الخطّاب من الحنابلة إلى أنّه يتعلّق تارةً بالصّورة والمعنى ،وتارةً ث كان تعلّق حقّ أخرى بالمعنى دون الصّورة ،فإذا كان تصرّف المريض مع غير وار ٍ ح بيعه للجنبيّ بمثل القيمة ل بأقلّ . الورثة بالماليّة ،فيص ّ
وإذا كان تصرّفه مع وارثٍ كان حقّهم متعلّقا بالعين والماليّة ،فليس للمريض أن يؤثر أحدا ن من ماله ولو بالبيع له بمثل القيمة ،إذ اليثار كما يكون بالتّبرّع بغير عوضٍ، من ورثته بعي ٍ ن يختارها له من ماله ،ولو كان البدل مثل قيمتها . يكون بأن يخصّه بأعيا ٍ ن حقّ الدّائنين في والفرق الثّاني بين تعلّق حقّ الدّائنين بمال المريض وبين تعلّق حقّ الورثة أ ّ التّعلّق بمال المريض مقدّم على حقّ الورثة ،لنّ وفاء الدّين مقدّم على توزيع الميراث ، فيتعلّق حقّ الدّائنين بجميع ماله إن كانت ديونهم مستغرقةً ،في حين ل يتعلّق حقّ الورثة ن للمريض حقّ التّصرّف في ثلث ماله بطريق بأكثر من ثلثي التّركة بعد وفاء الدّيون ،ل ّ التّبرّع ،سواء أكان منجزا أم مضافا إلى ما بعد الموت ،ويأخذ تبرّعه هذا حكم الوصيّة . - 16د -ما ينفق في سبيل تسديد الدّيون المحيطة بأموال المدين المحجور عليه عند بيع أمواله للوفاء بديونه ،كأجرة المنادي والكيّال والحمّال ونحوها من المؤن ،فإنّها تتعلّق بأموال المدين ،ويقدّم الوفاء بها على سائر الدّيون المطلقة . - 17هـ -دين مشتري المتاع الّذي باعه الحاكم من أموال المدين المفلس إذا ظهر مستحقّا وتلف الثّمن المقبوض ،فإنّه يتعلّق بمال المدين ،ويقدّم بدل الثّمن الّذي دفعه على باقي الغرماء ،ول يضارب به معهم لئلّ يرغب النّاس عن شراء مال المفلس . ط أجر ًة على عمله إذا أفلس - 18و -الدّين الّذي يستحقّه الصّانع كصائغٍ ونسّاجٍ وخيّا ٍ صاحبه ،والعين بيد الصّانع ،فإنّه يتعلّق بما في يده من متاعه ،ويقدّم به على سائر الغرماء .جاء في " المدوّنة " :إذا أفلس الرّجل وله حليّ عند صائغٍ قد صاغه له ،كان هو أولى بأجره ،ولم يحاصّه الغرماء ،بمنزلة الرّهن في يديه " . صبّاغ والصّائغ وما أشبههم منهم ،أحقّ بما في أيديهم من ل ذي صنعةٍ مثل الخيّاط وال ّ " وك ّ الغرماء في الموت والتّفليس جميعا ،وكلّ من تكوري على حمل متاعٍ فحمله إلى بل ٍد من البلدان ،فالمكري أحقّ بما في يديه من الغرماء في الموت والتّفليس جميعا . - 19ز -دين الكراء الّذي يستحقّه صاحب الرض المؤجّرة إذا أفلس المستأجر بعدما زرعها ،فإنّه يتعلّق بالزّرع ،ويقدّم به على سائر غرماء المستأجر . ن الزّرع كرهنٍ بيده في كرائها ،فيباع ويؤخذ الكراء من ثمنه " . قال التّسوّليّ " :ل ّ ل أو أصلٍ يسقيه ،فسقاه ثمّ فلّس صاحبه ،فساقيه وكذا " كلّ من استؤجر في زرعٍ أو نخ ٍ أولى به من الغرماء حتّى يستوفي حقّه " . - 20ح -الدّين الواجب على من توفّي وترك مالً ،فإنّه يتعلّق بتركته كتعلّق الدّين ل يسلّط بالمرهون .وقد أثبت الشّارع هذا التّعلّق لمصلحة الميّت كي تبرأ ذمّته " فاللّائق به أ ّ الوارث عليه " .
- 21ط -الدّين الّذي يكون للمستأجر الّذي عجّل الجرة وتسلّم العين المؤجّرة ،إذا فسخت الجارة قبل انتهاء مدّتها لموت المؤجّر ،فإنّ ما يقابل المدّة الباقية من الجرة يكون دينا متعلّقا بالعين المؤجّرة ،فإذا بيعت الدّيون على مالكها المتوفّى كان دين المستأجر مقدّما على ديون سائر الغرماء ،وهذا على مذهب الحنفيّة القائلين بانفساخ الجارة بموت أحد العاقدين . ل ثمّ مات الجر صارت الدّار هنا بالجرة " . قال ابن عابدين " :فإنّه إذا أعطى الجرة أ ّو ً
أسباب ثبوت الدّين : ن أو التزا ٍم أو مسئولّيةٍ ما لم يوجد سبب ينشئ - 22الصل براءة ذمّة النسان من كلّ دي ٍ ذلك ويلزم به ،ومن هنا كان ل بدّ لثبوت أيّ دينٍ من سببٍ موجبٍ يقتضيه ... والباحث في كتب الفقه يجد أنّ أسباب وجوب الدّين عديدة متنوّعة ،غير أنّه يمكن حصرها في تسعة أسبابٍ : - 23أحدها :اللتزام بالمال :سواء أكان في عقدٍ يتمّ بين طرفين كالبيع ،والسّلم ، والقرض ،والجارة ،والزّواج ،والطّلق على مالٍ ،والحوالة ،والكفالة بالمال ، والستصناع ونحوها ،أو كان في التزامٍ فرديّ يتمّ بإرادةٍ واحد ٍة كنذر المال عند جميع الفقهاء ،والتزام المعروف عند المالكيّة . ل مثليّةٍ ل يلتزم المقترض أن يردّ للمقرض مبلغا من النّقود ،أو قدرا من أموا ٍ ففي القرض مث ً يكون قد اقترضها منه ،وثبتت دينا في ذمّته . على أنّ جميع الدّيون الّتي تثبت في عقود المعاوضات الماليّة ل تستقرّ في ال ّذمّة بعد لزومها إلّ بقبض البدل المقابل لها ،إذ به يحصل المن من فسخ العقد بسبب تعذّر تسليمه إلّ دينا واحدا ،وهو دين السّلم ،فإنّه وإن كان لزما ،فهو غير مستقرّ ،لحتمال طروء انقطاع المسلم فيه ،ممّا يؤدّي إلى انفساخ العقد وسقوط الدّين . ن استقرار الدّين في أيّ عق ٍد من عقود المعاوضات إنّما يعني المن من فسخ وتعليل ذلك أ ّ العقد بسبب تعذّر حصول الدّين المذكور ،لعدم وجود جنسه وامتناع العتياض عنه ..وذلك مخصوص بدين السّلم دون بقيّة الدّيون ،لجواز العتياض عنها عند انقطاع جنسها . - 24والثّاني :العمل غير المشروع المقتضي لثبوت دينٍ على الفاعل :كالقتل الموجب للدّية والجنايات الموجبة للرش ،وإتلف مال الغير ،وكتعدّي يد المانة أو تفريطها في المحافظة ص إتلف العيان الموجودة تحت يده أو على ما بحوزته من أموالٍ ،كتعمّد الجير الخا ّ إهماله في حفظها .ويعدّ من هذا القبيل ما لو " أتلف على شخصٍ وثيق ًة تتضمّن دينًا له على إنسانٍ ،ولزم من إتلفها ضياع ذلك الدّين ،فيلزمه الدّين " .
- 25والثّالث :هلك المال في يد الحائز إذا كانت يد ضمانٍ ،مهما كان سبب الهلك ، كتلف المغصوب في يد الغاصب وهلك المتاع في يد الجير المشترك أو القابض على سوم الشّراء ونحو ذلك . - 26والرّابع :تحقّق ما جعله الشّارع مناطا لثبوت حقّ ماليّ :كحولن الحول على النّصاب في الزّكاة ،واحتباس المرأة في نفقة الزّوجيّة ،وحاجة القريب في نفقة القارب ، ونحو ذلك .فإذا وجد سبب من ذلك وجب الدّين في ذمّة من قضى الشّارع بإلزامه به . - 27والخامس :إيجاب المام لبعض التّكاليف الماليّة على القادرين عليها للوفاء بالمصالح العامّة للمّة إذا عجز بيت المال عن الوفاء بها ،أو للمساهمة في إغاثة المنكوبين ،وإعانة ب مهلكةٍ ،ونحو ذلك ممّا يفجأ النّاس ق شاملٍ ،أو حر ٍ ل مد ّمرٍ ،أو حري ٍ المتضرّرين بزلزا ٍ ول يتّسع بيت المال لتحمّله أو التّعويض عنه . لكن ل يجوز هذا إلّ بشروطٍ :الشّرط الوّل :أن تتعيّن الحاجة .فلو كان في بيت المال ما يقوم به لم يجز أن يفرض عليهم شيء . الشّرط الثّاني :أن يتصرّف فيه بالعدل .ول يجوز أن يستأثر به دون المسلمين ،ول أن ينفقه في سرفٍ ،ول أن يعطي من ل يستحقّ ،ول يعطي أحدا أكثر ممّا يستحقّ . الشّرط الثّالث :أن يصرف مصرفه بحسب المصلحة والحاجة ل بحسب الغرض . الشّرط الرّابع :أن يكون الغرم على من كان قادرا من غير ضررٍ ول إجحافٍ ،ومن ل شيء له ،أو له شيء قليل فل يغرم شيئا . ت ،فربّما جاء وقت ل يفتقر فيه لزياد ٍة على ما في الشّرط الخامس :أن يتفقّد هذا في كلّ وق ٍ بيت المال ،فل يوزّع .وكما يتعيّن المال في التّوزيع ،فكذلك إذا تعيّنت الضّرورة للمعونة ن النّاس يجبرون على التّعاون على المر الدّاعي للمعونة بشرط بالبدان ولم يكف المال ،فإ ّ القدرة وتعيّن المصلحة والفتقار إلى ذلك . ن أنّه واجب عليه ،ثمّ يتبيّن براءة - 28السّبب السّادس من أسباب ثبوت الدّين :أداء ما يظ ّ ل يظنّه دينا واجبا عليه ،وليس بدينٍ واجبٍ في الحقيقة ذمّته منه :كمن دفع إلى شخصٍ ما ً ونفس المر ،فله أن يرجع على القابض بما أخذه منه بغير حقّ ،ويكون ذلك دينا في ن من أخذ من غيره ما ل حقّ له فيه ،فيجب عليه ردّه إليه . ذمّته ،وذلك ل ّ وقد نصت /م / 207من مرشد الحيران " من دفع شيئا ظانّا أنّه واجب عليه ،فتبيّن عدم وجوبه ،فله الرّجوع به على من قبضه منه بغير حقّ " . - 29والسّابع :أداء واجبٍ ماليّ يلزم الغير عنه بناءً على طلبه :كما إذا أمر شخص غيره ن ما دفعه يكون دينا في ذمّة المر للمأمور ، بأداء دينه ،فأدّاه المأمور من ماله عنه ،فإ ّ
يرجع عليه به ،سواء شرط المر رجوعه -بأن قال له :أدّ ديني على أن أؤدّيه لك بعد - أو لم يشرط ذلك ،بأن قال له :أدّ ديني -فقط -فأدّاه . ومثل ذلك ما لو أمر شخص آخر بشراء شي ٍء له ،أو ببناء دارٍ ،أو دكّانٍ ،أو غير ذلك ، ففعل المأمور ذلك ،فإنّه يرجع على المر بما دفعه ،سواء اشترط عليه الرّجوع أو لم يشترط .وكذا لو أمر شخص آخر بأن يكفله بالمال فكفله ،ثمّ أدّى الكفيل ما كفل به ،فإنّه يرجع على المكفول بما أدّى عنه . ن للمحيل ،فرضي المحال عليه ،وأدّى عنه وكذا إذا أحال مدين دائنه على شخصٍ غير مدي ٍ الدّين المحال به بنا ًء على طلبه ،فإنّ المحال عليه يرجع على المحيل بما أدّى عنه . - 30والثّامن :الفعل المشروع حالة الضّرورة إذا ترتّب عليه إتلف مال الغير :كمن أكل طعام غيره بدون إذنه مضطرّا لدفع الهلك عن نفسه ،فإنّ ترخيص الشّارع وإباحته استهلك مال الغير بدون إذنه لداعي الضّرورة ل يسقط عن الفاعل المسئوليّة الماليّة ،ول يعفيه من ثبوت مثل ما أتلفه ،أو قيمته دينا في ذمّته لمالكه ،فالعذار الشّرعيّة ل تنافي ن إذن الشّارع العامّ بالتّصرّف عصمة المحلّ ،والباحة للضطرار ل تنافي الضّمان ،ول ّ إنّما ينفي الثم والمؤاخذة بالعقاب ،ول يعفي من تحمّل تبعة التلف ،بخلف إذن المالك ، وللقاعدة الفقهيّة الكّليّة " الضطرار ل يبطل حقّ الغير " /م / 33من المجلّة العدليّة ،وبهذا قال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في المشهور عندهم ،وغيرهم . وخالف في ذلك بعض المالكيّة فقالوا :ل ضمان عليه في هذه الحالة ،لنّ دفع الهلك عنه كان واجبا على المالك ،والواجب ل يؤخذ له عوض . ن المضطرّ إلى طعام الغير لدفع الهلك عن نفسه إنّما وهناك رأي ثالث عند المالكيّة ،وهو أ ّ يضمن قيمته لصاحبه إن كانت معه -أي بأن كان معه مال حاضر -وإلّ فل شيء عليه لوجوب بذل ربّه له . - 31والتّاسع :القيام بعملٍ نافعٍ للغير بدون إذنه :وهو نوعان : النّوع الوّل :أن يأتي بعملٍ يلزم الغير أو يحتاجه بدون إذنه ،كمن أنفق عن غيره نفقةً واجبةً عليه ،أو قضى عنه دينا ثابتا في ذمّته ،ولم ينو المنفق بذلك التّبرّع ،فإنّ ما دفعه يكون دينا في ذمّة المنفق عنه .وعلى ذلك نصّ المالكيّة والحنابلة .خلفا للشّافعيّة والحنفيّة .فقد جاء في مرشد الحيران /م " : / 205إذا قضى أحد دين غيره بل أمره سقط الدّين عن المديون ،سواء أقبل أم لم يقبل ،ويكون الدّافع متبرّعا ل رجوع له على المديون بشيءٍ ممّا دفعه بل أمره ،ول رجوع له على ربّ الدّين القابض لسترداد ما دفعه إليه " .وحجّتهم ن أو نفقةٍ على قريبٍ أو زوج ٍة من غير على ذلك :أنّ من أدّى عن غيره واجبا عليه من دي ٍ
إذنه ،فهو إمّا فضوليّ ،وهو جدير بأن يفوت عليه ما فوّته على نفسه ،أو متفضّل فعوضه على اللّه دون من تفضّل عليه ،فل يستحقّ مطالبته . - 32وقد ذكر عليّ حيدر في كتابه " :درر الحكّام شرح مجلّة الحكام " قاعدة الحنفيّة في ن من أدّى مصروفا عائدا على غيره بدون أمره أو إذن الحاكم يكون هذا النّوع وهي " :أ ّ متبرّعا " .وحكى لهذه القاعدة فروعا كثير ًة منها : أ -إذا وفّى شخص دين آخر بدون أمره يكون متبرّعا . ب -إذا دفع الرّاهن أو المرتهن من تلقاء نفسه مصروفا على الرّهن يلزم الخر بدون أمره أو إذن الحاكم يعتبر متبرّعا ،ول يحقّ له المطالبة به ،لنّه ليس مضطرّا لهذا النفاق طالما أنّه مقتدر على استحصال أمرٍ من الحاكم به لتأمين حقّه بالرّجوع على المستفيد بما أدّى عنه. وعلى ذلك نصّت المجلّة العدليّة في /م . / 725 ج -إذا أدّى المستأجر المصاريف اللّازمة على المؤجّر بل أمره يكون متبرّعا /م / 529 من المجلّة العدليّة . وإذا أعطى المستأجر الحيوان المأجورعلفا بدون أمر المؤجّر يكون متبرّعا . د -إذا كفل شخص دين آخر بدون أمره يكون متبرّعا . هـ -إذا صرف المودع على الوديعة بل أمر صاحبها أو إذن الحاكم يعدّ متبرّعا . و -إذا عمّر الشّريك الملك المشترك من تلقاء نفسه بدون إذن الشّريك أو الحاكم يعدّ متبرّعا. ز -لو أنشأ أحد دارا أو عمّرها لصاحبها بدون أمره كان البناء أو العمارة لصاحب العرصة أو الدّار ،ويكون المنشئ متبرّعا فيما أنفقه . ح -لو أنفق شخص على عرس آخر بل إذنه كان متبرّعا . - 33والنّوع الثّاني من القيام بعملٍ نافعٍ للغير :أن يقوم بعملٍ يحتاجه لمصلحة نفسه ول يتوصّل إليه إلّ بإسداء نف ٍع لغيره يحتاجه ولم يأذن له فيه .كما إذا أعار شخص لخر عينا ليرهنها بدينٍ عليه ،ولمّا أراد المعير استردادها لم يتمكّن من ذلك إلّ بقضاء دين المرتهن ففعل ،فإنّه يرجع على المستعير بالدّين .وبهذا قال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وعليه نصّت مجلّة الحكام العدليّة في ( م ) 732منها .
أقسام الدّين : - 34ينقسم الدّين باعتبار التّعلّق إلى قسمين : ن مطلقٍ :وهو الدّين المرسل المتعلّق بال ّذمّة وحدها . أ -دي ٍ ن ماليّةٍ لتكون وثيق ًة لجانب الستيفاء كدين الرّهن ب -دين موثّق :وهو الدّين المتعلّق بعي ٍ ونحوه .وثمرة هذا التّقسيم تئول إلى أمرين :
أحدهما :تقديم حقّ صاحب الدّين الموثّق في استيفاء دينه من العين الّتي تعلّق حقّه بها على سائر الدّائنين في حال حياة المدين باتّفاق الفقهاء . والثّاني :تقديم الدّيون الموثّقة المتعلّقة بأعيان التّركة في حال وفاة المدين على تجهيزه عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " .إيثارا للهمّ ،كما تقدّم تلك الحقوق على حقّه في الحياة " . أمّا الدّيون المرسلة في ال ّذمّة فيقدّم التّجهيز عليها .قال ابن عابدين " :فإذا رهن شيئا وسلّمه ،ولم يترك غيره ،فدين المرتهن مقدّم على التّجهيز ،فإن فضل بعده شيء صرف إليه " .وإنّما قدّمت الدّيون الموثّقة على التّجهيز لتعلّقها بالمال قبل صيرورته تركةً " ، ل حقّ يقدّم في الحياة يقدّم في الوفاة " . والصل أنّ ك ّ وخالف في ذلك الحنابلة وقالوا بتقديم حقّ الميّت في تجهيزه من تركته على حقوق الدّائنين، ولو كانت ديونهم متعلّقةً بأعيان التّركة " كما يقدّم المفلس بنفقته على غرمائه ،ولنّ لباس ن سترته واجبة في الحياة ،فكذلك المفلس مقدّم على قضاء ديونه ،فكذلك كفن الميّت ،ول ّ بعد الموت " . - 35وينقسم الدّين باعتبار قوّته وضعفه إلى قسمين : صحّة :وهو الدّين الّذي شغلت به ذمّة النسان حال صحّته ،سواء ثبت بإقراره أ -دين ال ّ فيها أم بالبيّنة ،ويلحق به في الحكم الدّين الّذي لزمه وهو في مرض الموت ،وكان ثبوته بالبيّنة . ب -دين المرض :وهو الدّين الّذي لزم النسان بإقراره وهو في مرض الموت ،ولم يكن طريق لثبوته غير ذلك . صحّة ودين المرض في الستيفاء من التّركة إذا كان في وقد اتّفق الفقهاء على استواء دين ال ّ التّركة سعة لهما . صحّة على دين - 36أمّا إذا كانت التّركة ل تفي بكليهما ،فقد اختلف الفقهاء في تقديم دين ال ّ المرض في الستيفاء من التّركة على قولين : أحدهما :للمالكيّة والشّافعيّة في الصحّ وابن أبي ليلى والتّميميّ من الحنابلة :وهو أنّ ديون صحّة تستوي مع ديون المرض في الستيفاء من التّركة ،وتقسم بينهم على قدر حصصهم. ال ّ صيّةٍ يُوصِي ِبهَا أَ ْو َديْنٍ } .حيث لم واستدلّوا على ذلك بعموم قوله تعالى { :مِن َبعْدِ َو ِ يفضّل أحد الدّينين على الخر ،فوجب أن يتساويا في الستيفاء ،ولنّهما حقّان يجب قضاؤهما من رأس المال لستوائهما في سبب الوجوب وفي محلّه .
أمّا السّبب :فهو القرار الصّادر عن عقلٍ ودينٍ ،من شأن العقل والدّين أن يمنعا من قامابه عن الكذب في الخبار ،إذ القرار إخبار عن الواجب في ذمّة المقرّ ،وهذا المعنى ل صحّة والمرض ،بل في حالة المرض يزداد رجحان جهة الصّدق ،لنّ يختلف بين ال ّ المرض سبب التّورّع عن المعاصي والنابة عمّا جرى في الماضي ،لكونه آخر عهده بالدّنيا ،وأوّل عهده بالخرة ،فيكون خوف المقرّ أكثر ،كما يكون أبعد عن الكذب ،فإذا لم يكن القرار في حالة المرض أولى ،فل أقلّ من أن يكون مساويا . صحّة والمرض ول فرق . ل :فهو ال ّذمّة ،إذ هي محلّ الوجوب في ال ّ وأمّا المح ّفلمّا استويا في سبب الوجوب ومحلّه لزم أن يستويا في الستيفاء . صحّة وما في حكمها والثّاني :للحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في غير الصحّ :هو أنّ ديون ال ّ صحّة صحّة قسمت بين دائني ال ّ مقدّمة على ديون المرض ،وإذا لم تف التّركة بديون ال ّ بالحصص .وكذلك الحال إذا لم تكن ديون صحّ ٍة ،وكانت هناك ديون مرضٍ ،وضاقت عنها التّركة ،فإنّها تقسم بين الدّائنين بالحصص ،ومثل ذلك في الحكم ما لو وفّيت ديون ، ولم يف ما بقي من التّركة بديون المرض كلّها . ن الحقوق إذا اجتمعت في مال الميّت ودليلهم على تقديم ديون الصّحّة على ديون المرض أ ّ صحّة هنا يقدّم القوى ،كالدّين يقدّم على الوصيّة ،والوصيّة تقدّم على الميراث ،ودين ال ّ أقوى ،لنّه ظهر بإقراره في وقتٍ لم يتعلّق بماله حقّ أصلً ،ولم يرد عليه نوع حجرٍ ، ح عتقه وهبته من جميع المال ،بخلف دين المرض الّذي ثبت في حالٍ تعلّق ولهذا ص ّ بأمواله دين صحّته ،وصارت هذه الموال محلّا للوفاء به ،وضمانا له ،وورد عليه فيه ل من الثّلث ،فكان القوى أولى . نوع حجرٍ ،أل ترى أنّ تبرّعاته ل تنفذ إ ّ صحّة في الحكم هو انتفاء وسبب إلحاق الدّيون الّتي لزمته في حال مرضه بالبيّنة بديون ال ّ التّهمة في ثبوتها ،إذ الثّابت بالبيّنة ل مردّ له ،فيقدّم على المقرّ به في حال المرض . - 37وينقسم الدّين باعتبار الدّائن إلى قسمين : ن ليس له من العباد من يطالب به على أنّه حقّ له ،وهو نوعان: ل دي ٍ أ -دين اللّه :وهو ك ّ نوع يظهر فيه وجه العبادة والتّقرّب إلى اللّه تعالى ،وهو ما ل مقابل له من المنافع الدّنيويّة، كصدقة الفطر ،وفدية الصّيام ،وديون النّذور ،والكفّارات ونحو ذلك ،فإنّها عبادات يؤدّيها المسلم امتثالً لمر اللّه تعالى وتقرّبا إليه . ونوع يفرض لتمكين الدّولة من القيام بأعباء المصالح العامّة للمّة ،وهو ما يقابل -فيالغالب -بمنفع ٍة دنيويّ ٍة للمكلّف ،كخمس الغنائم ،وما أفاء اللّه على المؤمنين من أعدائهم
من غير قتالٍ ،وما يفرضه المام على القادرين من أفراد المّة للوفاء بالمصالح الّتي يعجز بيت المال عن الوفاء بها .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :دين اللّه ) . ل دينٍ له من العباد من يطالب به على أنّه حقّ له ،كثمن مبيعٍ ، ب -ودين العبد :وهو ك ّ وأجرة دارٍ ،وبدل قرضٍ وإتلفٍ ،وأرش جنايةٍ ،ونحو ذلك . ولصاحب هذا الدّين أن يطالب به المدين ،وأن يرفع أمره إلى القاضي إذا امتنع عن الداء ليجبره عليه بالطّرق المشروعة ( .ر :حبس ،حجر ) . - 38وينقسم الدّين باعتبار السّقوط وعدمه إلى قسمين :صحيحٍ وغير صحيحٍ . أ -فالدّين الصّحيح :هو الدّين الثّابت الّذي ل يسقط إلّ بالداء أو البراء ،كدين القرض ودين المهر ،ودين الستهلك ونحوها . ب -والدّين غير الصّحيح :هو الدّين الّذي يسقط بالداء أو البراء وبغيرهما من السباب المقتضية سقوطه ،مثل دين بدل الكتابة ،فإنّه يسقط بعجز العبد المكاتب عن أدائه . - 39وينقسم الدّين باعتبار الشّركة فيه إلى قسمين :مشتركٍ وغير مشتركٍ . أ -فالدّين المشترك :هو ما كان سببه متّحدا ،سواء أكان ثمن مبيعٍ مشتركٍ بين اثنين أو ل واحدٍ من الشّركاء ،أم دينًا أكثر ،بيع صفقةٍ واحد ٍة ولم يذكر عند البيع مقدار ثمن حصّة ك ّ ض من مالٍ ض مستقر ٍ آيلً بالرث إلى عدّة ورثةٍ ،أم قيمة مالٍ مستهلكٍ مشتركٍ ،أم بدل قر ٍ مشتركٍ بين اثنين أو أكثر . ل منهما ب -الدّين غير المشترك :هو ما كان سببه مختلفا ل متّحدا ،كأن أقرض اثنان ك ّ على حدته ،مبلغا لشخصٍ ،أو باعاه مالً مشتركا بينهما ،وسمّى حين البيع كلّ واحدٍ منهما لنصيبه ثمنا على حدته . - 40وتبرز ثمرة هذا التّقسيم في المسائل التّالية : ل :إذا كانت الدّيون المطلوبة من المدين غير مشتركةٍ ،فلكلّ واحدٍ من أربابها استيفاء أ ّو ً دينه على حد ٍة من المدين ،وما يقبضه يحسب من دينه خاصّ ًة ،ل يشاركه فيه أحد من الدّائنين الخر .أمّا إذا كان الدّين المطلوب من المدين مشتركا بين اثنين أو أكثر ،فلكلّ واحدٍ من الشّركاء أن يطلب حصّته منه ،ول يختصّ القابض منهم بما قبضه ،بل يكون ل واحدٍ منهم حقّ فيه بقدر حصّته . مشتركًا بين الشّركاء ،لك ّ ثانيا :إذا قبض أحد الشّريكين حصّته من الدّين المشترك وأخرجها من يده بوج ٍه من الوجوه كهبةٍ ،وقضاء دينٍ عليه ،أو استهلكها فلشريكه أن يضمّنه حصّته منها .
فلو كان مبلغ ألف دينارٍ دينًا مشتركا بين اثنين مناصفةً ،فقبض أحدهما من المدين خمسمائةٍ واستهلكها ،فللدّائن الخر أن يضمّنه مائتين وخمسين .أمّا الخمسمائة الخرى فتبقى بين الثنين مشترك ًة . ثالثا :إذا قبض أحد الشّريكين حصّته من الدّين المشترك ،وتلفت في يده بدون تعدّ منه ول تقصيرٍ ،فل يضمن حصّة شريكه في المقبوض ،ولكنّه يكون مستوفيا حصّة نفسه ،وما بقي من الدّين في ذمّة المدين فيكون حقّا للشّريك الخر . ل بحصّته من الدّين المشترك ،أو أحاله رابعا :إذا أخذ أحد الدّائنين -دينا مشتركا -كفي ً المدين على آخر ،فلشريكه الخر أن يشاركه في المبلغ الّذي يأخذه من الكفيل أو المحال عليه . - 41وينقسم الدّين باعتبار وقت أدائه إلى قسمين :حالّ ومؤجّلٍ . أ -فالدّين الحالّ :هو ما يجب أداؤه عند طلب الدّائن ،فتجوز المطالبة بأدائه على الفور ، والمخاصمة فيه باتّفاقٍ .ويقال له " الدّين المعجّل " أيضا . ب -والدّين المؤجّل :هو ما ل يجب أداؤه قبل حلول الجل .لكن لو أدّى قبله يصحّ ، ن من الدّيون ما ل يكون إلّ ويسقط عن ذمّة المدين .وفي هذا المقام تجدر الشارة إلى أ ّ حالّا ،بحيث ل يصحّ تأجيله ،فإن تأجّل فسد العقد .مثل رأس مال السّلم ( ر :السّلم ) والبدلين في الصّرف ( ر :الصّرف ) باتّفاق الفقهاء ،ورأس مال المضاربة عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ( ر :مضاربة ) والجرة في إجارة ال ّذمّة عند المالكيّة والشّافعيّة ( ر : إجارة ) ومصطلح ( :أجل ) .
توثيق الدّين : معنى توثيق الدّين :
- 42التّوثيق في اللّغة معناه الحكام .ومن هنا سمّي العهد ميثاقا وموثقا لما فيه من الحكام والثّبوت . ن الوثيقة هي " أمّا في الصطلح الفقهيّ :فذكر إلكيا الهرّاسيّ في كتابه " :أحكام القرآن " أ ّ ما يزداد بها الدّين وكادةً " .وبتتبّع استعمال الفقهاء لمصطلح " :توثيق الدّين " نجد أنّهم يطلقونه على أمرين :أحدهما :تقوية وتأكيد حقّ الدّائن فيما يكون له في ذمّة المدين من مالٍ بشي ٍء يعتمد عليه -كالكتابة والشّهادة -لمنع المدين من النكار ،وتذكيره عند النّسيان ، وللحيلولة دون ادّعائه أقلّ من الدّين ،أو ادّعاء الدّائن أكثر منه ،أو حلوله أو انقضاء الجل ونحو ذلك ،بحيث إذا حصل نزاع أو خلف بين المتداينين ،فيعتبر هذا التّوثيق وسيل ًة يحتجّ بها لثبات الدّين المتنازع فيه أمام القضاء .
والمر الثّاني :تثبيت حقّ الدّائن فيما يكون له في ذمّة المدين من مالٍ وإحكامه ،بحيث يتمكّن عند امتناع المدين عن الوفاء -ليّ سببٍ من السباب -من استيفاء دينه من شخصٍ ق الدّائن وتكون رهينةً بدينه. ثالثٍ يكفل المدين بماله ،أو من عينٍ ماليّ ٍة يتعلّق بها ح ّ
طرق توثيق الدّين : ن طرق توثيق الدّين أربعة : اتّفق الفقهاء على أ ّ
أ -توثيق الدّين بالكتابة :
سمّى ل ّم َ - 43دلّت آية الدّين وهي قوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُو ْا ِإذَا َتدَايَنتُم ِب َديْنٍ إِلَى َأجَ ٍ فَا ْك ُتبُوهُ } ...إلى آخر الية على مشروعيّة توثيق الدّين بالكتابة المبيّنة له ،المعربة عنه ، المعرّفة للحاكم بما يحكم عند التّرافع إليه ،وذلك في صكّ موضّحٍ للدّين بجميع صفاته . جيّة الكتابة في توثيق الدّين على قولين : غير أنّ الفقهاء اختلفوا في ح ّ أ -فذهب الجمهور " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة " إلى صحّة توثيق الدّين بالكتابة ،وأنّها بيّنة معتبرة في الثبات إذا كانت صحيحة النّسبة إلى كاتبها . ب -وذهب مالك والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ عنه وجماعة من الفقهاء إلى أنّه ل يعتمد على ن الخطوط تشتبه والتّزوير فيها ممكن ،وقد تكتب للتّجربة الخطّ المجرّد إذا لم يشهد عليه ،ل ّ جيّة ،ول يصلح أو اللّهو ..ومع قيام هذه الحتمالت والشّبهات ل يبقى للخطّ المجرّد ح ّ للعتماد عليه وحده . شكّ وتزيل الحتمال . ن الشّهادة ترفع ال ّ جةً ،ل ّ أمّا إذا أشهد عليه فيعتبر وثيقةً وح ّ ومن أهمّ صور التّوثيق بالكتابة : - 44أ ّولً :إذا أمر شخص آخر بأن يكتب إقراره ،فيكون هذا المر إقرارا حكما . جاء في " ال ّدرّ المختار " " :المر بكتابة القرار إقرار حكما ،فإنّه كما يكون باللّسان يكون ي ،أو اكتب بيع داري ،أو طلق صكّاك :اكتب خطّ إقراري بألفٍ عل ّ بالبنان ،فلو قال لل ّ ح". امرأتي ص ّ صرّاف والبيّاع والسّمسار -الّتي تكون في دفاترهم المعتدّ ن قيود ال ّتجّار -كال ّ - 45ثانيا :إ ّ بها ،وتبيّن ما عليهم من ديونٍ تعتبر حجّةً عليهم ،ولو لم تكن في شكل صكّ أو سندٍ ن التّاجر يكتب دينه ومطلوبه في دفتره صيان ًة له من ن العادة جرت أ ّ رسميّ ،وذلك ل ّ النّسيان ،ول يكتبه للّهو واللّعب .أمّا ما يكتب فيها من ديونٍ لهم على النّاس فل يعتبر وثيقةً وحجّةً ،ويحتاج في إثباتها إلى وجهٍ آخر .
- 46ثالثا :السّندات والوصولت الرّسميّة تعتبر حججا معتمدةً في توثيق الدّين وإثباته . جاء في فتاوى قارئ الهداية " :إذا كتب على وجه الصّكوك يلزمه المال ،وهو أن يكتب : ن في ذمّتي لفلنٍ الفلنيّ كذا وكذا ،فهو إقرار يلزم " . يقول فلن الفلنيّ إ ّ - 47رابعا :إذا أنكر من كتب أو استكتب سندا رسميّا ممضيا بإمضائه أو مختوما بختمه الدّين الّذي يحتويه ذلك السّند مع اعترافه بخطّه وختمه ،فل يعتبر إنكاره ،ويلزمه أداء ذلك الدّين دون حاجةٍ إلى إثباتٍ بوج ٍه آخر . أمّا إذا أنكر خطّ السّند الّذي أعطاه مرسوما أيضا وقال :إنّه ليس خطّي ،فينظر : فإن كان خطّه مشهورا ومتعارفا بين الجار وأهل البلد وثبت أنّه خطّه ،فل يعتبر إنكاره ،ويعمل بذلك السّند بدون حاج ٍة لثبات مضمونه . أمّا إذا لم يكن خطّه مشهورا ومتعارفا فيستكتب ،ويعرض خطّه على الخبراء ،فإذا أفادوان الخطّين لشخصٍ واحدٍ ،فيؤمر ذلك الشّخص بأداء الدّين المذكور ،وإلّ فل . أّ - 48خامسا :إذا أعطى شخص لخر سندا رسميّا يفيد أنّه مدين له بمبلغٍ من المال ،ثمّ توفّي ،فيلزم ورثته بإيفائه من التّركة إذا اعترفوا بكون السّند للمتوفّى ،ولو أنكروا الدّين . أمّا إذا أنكروا السّند ،فينظر :إن كان خطّ المتوفّى وختمه مشهورا ومتعارفا ،وثبت أنّ الخطّ خطّه والختم ختمه ،فيجب عليهم أداء الدّين من التّركة ،ول عبرة لنكارهم ،وإن كان خلف ذلك فل يعمل بالسّند لوجود شبهة التّزوير فيه . - 49سادسا :إذا وجد الوارث خطّا لمورّثه يفيد أنّ عليه دينا قدره كذا وكذا لفلنٍ ،فيجب على الوارث العمل بخطّ مورّثه ودفع الدّين إلى من هو مكتوب باسمه من التّركة .
حكم التّوثيق بالكتابة : اختلف الفقهاء في حكم توثيق الدّين بالكتابة على قولين : ن كتابة الدّين مندوب إليها وليست واجبةً . - 50أحدهما :لجمهور الفقهاء ،وهو أ ّ إذ المر في قوله تعالى { :فَا ْك ُتبُوهُ } للرشاد لمن يخشى ضياع دينه بالنّسيان أو النكار ، حيث ل يكون المدين موضع ثق ٍة كاملةٍ من دائنه ،يدلّ على ذلك قوله تعالى َ { :فإِنْ َأمِنَ ن الكتابة غير مطلوبةٍ إذا توافرت المانة ن َأمَا َنتَهُ } وهو يفيد أ ّ ضكُم َب ْعضًا فَلْيُ َؤ ّد اّلذِي ا ْؤ ُتمِ َ َبعْ ُ والثّقة بين المتعاملين ،وقد درج النّاس من عهد الصّحابة إلى يومنا هذا على عدم كتابة الدّيون ما دامت الثّقة قائم ًة بين المتداينين ،ولم ينقل عن فقهائهم نكير مع اشتهار ذلك 51 .
ن كتابة الدّين واجبة لقوله تعالى{: والثّاني :لبن جريرٍ الطّبريّ وبعض السّلف :وهو أ ّفَا ْك ُتبُوهُ } إذ الصل في المر إفادة الوجوب .
وممّا يؤيّد دللة هذا المر على الوجوب اهتمام الية ببيان من له حقّ الملء ،وصفة الكاتب ،وحثّه على الستجابة إذا طلب منه ذلك ،والحثّ على كتابة القليل والكثير ،ثمّ التّعبير عن عدم وجوب الكتابة في المبادلت النّاجزة بنفي الجناح ،حيث إنّه يشعر بلوم من ترك الكتابة عند تعامله بالدّين .
ب -توثيق الدّين بالشّهادة : ن من ّرجَالِ ُكمْ َفإِن ّل ْم َيكُونَا َرجَُليْنِ َف َرجُلٌ وَا ْمرََأتَانِ شهِيدَيْ ِ شهِدُو ْا َ س َت ْ ل قوله تعالى { :وَا ْ - 52د ّ شهَدَاء }...إلى آخر الية على مشروعيّة توثيق الدّين بالشّهادة وأنّها ن ال ّ ن مِ َ ِممّن َت ْرضَوْ َ ن استشهاد الشّهود أنفى للرّيب ،وأبقى للحقّ ،وأدعى إلى رفع وثيقة واحتياط للدّائن ،ل ّ التّنازع والختلف ،وفي ذلك صلح الدّين والدّنيا معا . وبيّنت الية أنّ نصاب الشّهادة على الدّين هو :إمّا رجلن ،أو رجل وامرأتان ممّن يرتضى جةً شرعيّ ًة في إثبات الدّين ،وبيّنةً من العدول الثّقات ،فإذا تحقّق ذلك كان وثيق ًة معتبرةً وح ّ قويّ ًة يعتمد عليها القاضي في الحكم به لطالبه .
حكم التّوثيق بالشّهادة :
اختلف الفقهاء في حكم توثيق الدّين بالشّهادة على قولين :
- 53أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :وهو أنّ الشهاد ضكُم َبعْضا فَ ْليُ َؤدّ اّلذِي ن َأمِنَ َب ْع ُ على الدّين مندوب إليه وليس بواجبٍ لقوله تعالى َ { :فإِ ْ ن والتّوهّم ن هذا المن ل يقع إلّ بحسب الظّ ّ ن َأمَا َنتَهُ } وقال إلكيا الهرّاسيّ " :ومعلوم أ ّ ا ْؤ ُتمِ َ ن الشّهادة إنّما أمر بها لطمأنينة قلبه ل لحقّ الشّرع ، ل على وجه الحقيقة ،وذلك يدلّ على أ ّ ن َب ْعضُكُم َبعْضا } ول ثقة بأمن العباد ،إنّما فإنّها لو كانت لحقّ الشّرع لما قال َ { :فإِنْ َأمِ َ العتماد على ما يراه الشّرع مصلحةً ،فالشّهادة متى شرعت في النّكاح لم تسقط بتراضيهما ن اللّه ن الشّهادة " في غير النّكاح " شرعت للطّمأنينة ،ول ّ وأمن بعضهم بعضا ،فدلّ ذلك أ ّ تعالى جعل لتوثيق الدّيون طرقا منها :الكتاب ،ومنها الرّهن ،ومنها الشهاد ،ول خلف بين علماء المصار أنّ الرّهن مشروع بطريق النّدب ل بطريق الوجوب ،فيعلم من ذلك مثله في الشهاد " . - 54والثّاني :لبعض السّلف :وهو أنّ الشهاد على الدّين واجب لقوله تعالى في آية الدّين شهِي َديْنِ من ّرجَاِل ُكمْ } الية . ش ِهدُو ْا َ ستَ ْ { :وَا ْ
ج -توثيق الدّين بالرّهن : - 55المراد بالرّهن " المال الّذي يجعل وثيق ًة بالدّين ليستوفي من ثمنه إن تعذّر استيفاؤه ممّن ق بالرّهن من سائر الغرماء ،فإذا كان على هو عليه . " ..وبهذه الوثيقة يصير المرتهن أح ّ
الرّاهن ديون أخرى ل تفي بها أمواله ،وبيع الرّهن لسداد ما عليه ،كان للمرتهن أن يستوفي دينه من ثمنه أ ّولً ،فإذا بقي شيء فهو لسائر الغرماء .
حكم التّوثيق بالرّهن : ن توثيق الدّين بالرّهن غير واجبٍ ،وأنّ المر به في الية - 56ذهب جماهير الفقهاء إلى أ ّ ب ،ل نعلم فيه مخالفا ،لنّه وثيقة بالدّين ،فلم للرشاد .قال ابن قدامة " :والرّهن غير واج ٍ يجب كالضّمان والكتابة ،وقول اللّه تعالى َ { :فرِهَانٌ مّ ْقبُوضَةٌ } إرشاد لنا ،ل إيجاب ن َأمَانَتَهُ } ،ولنّه أمر به ضكُم َبعْضا فَ ْليُ َؤدّ اّلذِي ا ْؤ ُتمِ َ ن َأمِنَ َب ْع ُ علينا ،بدليل قوله تعالى َ { :فإِ ْ عند إعواز الكتابة ،والكتابة غير واجبةٍ ،فكذا بدلها " .
د -توثيق الدّين بالكفالة :
- 57اختلف الفقهاء في حقيقة كفالة الدّين على أربعة أقوالٍ :
أ -فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها " ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة المكفول في اللتزام بالدّين، فيثبت في ذمّتهما جميعًا ،ولصاحب الحقّ مطالبة من شاء منهما " . وشغل الدّين الواحد ذمّتين على سبيل التّعلّق والستيثاق ،كتعلّق دين الرّهن به وبذمّة الرّاهن ،وأنّه كفرض الكفاية ،يتعلّق بالكلّ ويسقط بفعل البعض . ل بالنّسبة لمن تعلّق بهم فقط. وتعلّقه هذا ل يعني تعدّده ،لنّه في الحقيقة واحد .وما التّعدّد إ ّ وعلى هذا فل زيادة في الدّين ،لنّ الستيفاء ل يكون إلّ من واح ٍد منهما . ل أنّهم ب -وذهب المالكيّة إلى أنّها " ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة المكفول في اللتزام بالدّين " إ ّ ل إذا تعذّر عليه الستيفاء من الصيل ،لنّ قالوا :ليس للمكفول له أن يطالب الكفيل بالدّين إ ّ الضّمان وثيقة ،فل يستوفى الحقّ منها إلّ عند العجز عن استيفائه من المدين ،كالرّهن .ج - وذهب الحنفيّة إلى أنّها ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة الصيل في وجوب الداء ،ل في وجوب ن ثبوت الدّين في ال ّذمّة اعتبار شرعيّ ل يكون إلّ بدليلٍ ،ول دليل على ثبوته في الدّين ،ل ّ ن التّوثيق يحصل بالمشاركة في وجوب الداء من غير حاج ٍة إلى إيجاب ذمّة الكفيل ،ل ّ الدّين في ال ّذمّة ،كالوكيل بالشّراء يطالب بالثّمن ،والثّمن في ذمّة الموكّل وحده ،وعلى هذا عرّفوها بأنّها " ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة الصيل في المطالبة " . ن الدّين ينتقل د -وذهب ابن أبي يعلى وابن شبرمة وأبو ثورٍ وأحمد في روايةٍ عنه إلى أ ّ بالكفالة إلى ذمّة الكفيل -كما في الحوالة -فل يكون للدّائن أن يطالب الصيل . وعلى أيّة حالٍ ،فسواء أكانت كفالة الدّين معناها ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة المكفول في اللتزام بالدّين ،أم في المطالبة فقط ،أم انتقال الدّين من ذمّة المكفول إلى ذمّة الكفيل فإنّها
تقتضي باتّفاق الفقهاء التزام الكفيل بأداء الدّين إلى الدّائن إذا تعذّر عليه استيفاؤه من الصيل ،وذلك هو معنى التّوثيق ،وفائدته ،وثمرته .
التّصرّف في الدّين : التّصرّف في الدّين إمّا أن يكون من الدّائن ،وإمّا أن يكون من المدين .
تصرّف الدّائن :
ينحصر تصرّف الدّائن في دينه بتمليكه للمدين أو لغيره بإحدى طرائق التّمليك المشروعة ، ض أم بغير عوضٍ . سواء بعو ٍ
الحالة الولى :تمليك الدّين للمدين : يختلف حكم تمليك الدّين للمدين بحسب حال الدّين ومدى استقرار ملك الدّائن عليه ،وذلك ن الدّيون نوعان : لّ - 58النّوع الوّل :ما يكون الملك عليه مستقرّا :كغرامة المتلف ،وبدل القرض ،وقيمة المغصوب ،وعوض الخلع ،وثمن المبيع ،والجرة بعد استيفاء المنفعة ،والمهر بعد الدّخول ،ونحو ذلك .وهذا النّوع من الدّيون ل خلف بين الفقهاء في جواز تمليكه لمن هو ض أو بغير عوضٍ . عليه بعو ٍ غير أنّ جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة استثنوا من قاعدة جواز تمليك الدّين ض بدل الصّرف ورأس مال السّلم ،فلم يجيزوا التّصرّف في أيّ منهما قبل لمن عليه بعو ٍ صحّة ،وهو القبض في بدلي الصّرف ورأس مال السّلم قبضه ،لنّ في ذلك تفويتا لشرط ال ّ قبل الفتراق . كما اشترط الشّافعيّة والحنابلة لصحّة تمليك الدّين لمن عليه أن يخلو العقد من ربا النّسيئة ، ب بفضّةٍ أو حنط ٍة بشعيرٍ ونحو ذلك فلو باع الدّائن دينه من المدين بما ل يباع به نسيئةً كذه ٍ من الموال الرّبويّة ،فل يصحّ ذلك إلّ إذا قبض الدّائن العوض قبل التّفرّق من المجلس ، وذلك لحديث « ابن عمر رضي ال عنهما قال :كنت أبيع البل بالبقيع ،فأبيع بالدّنانير وآخذ الدّراهم ،وأبيع بالدّراهم وآخذ الدّنانير ،آخذ هذه من هذه ،وأعطي هذه من هذه ،فأتيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال :ل بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء » .فقد شرط صلى ال عليه وسلم القبض قبل التّفرّق . وعلى ذلك فإذا قبض الدّائن العوض في المجلس ،فإنّه يصحّ بيع الدّين وتمليكه لنتفاء المانع ،إذ يصدق على ما ذكر أنّه تقابض ،لوجود القبض الحقيقيّ في العوض المدفوع لصاحب الدّين ،والحكميّ فيما في ذمّة المدين ،لنّه كأنّه قبضه منه وردّه إليه .
وكذلك اشترط جمع من الفقهاء انتفاء بيع الدّين بالدّين لصحّة تمليك الدّين لمن هو عليه ، ن بيع الدّين حيث نقل أحمد وابن المنذر وابن رشدٍ والسّبكيّ وغيرهم إجماع أهل العلم على أ ّ بالدّين غير جائزٍ .وعلى ذلك : ص الشّافعيّة والحنابلة على عدم جواز صرف ما في ال ّذمّة .فلو كان لرجلٍ في ذمّة أ-ن ّ رجلٍ دنانير ،والخر عليه دراهم ،فاصطرفا بما في ذمّتيهما ،فل يصحّ ذلك . قال الشّافعيّ في " المّ " " :ومن كانت عليه دراهم لرجلٍ ،وللرّجل عليه دنانير ،فحلّت أو ن". ن ذلك دين بدي ٍ لم تحلّ ،فتطارحاها صرفًا ،فل يجوز ،ل ّ ي الدّين السّبكيّ من الشّافعيّة وتقيّ الدّين ابن تيميّة من وخالف في ذلك الحنفيّة والمالكيّة وتق ّ ن ال ّذمّة الحاضرة كالعين الحاضرة غير أنّ الحنابلة وقالوا :بجواز صرف ما في ال ّذمّة ،ل ّ المالكيّة اشترطوا أن يكون الدّينان قد حلّ معا ،فأقاموا حلول الجلين في ذلك مقام النّاجز بالنّاجز . ب -ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم ،إلى أنّه ل يجوز جعل الدّين الّذي على المسلم إليه رأس مال سلمٍ ،وذلك لنّه يؤدّي إلى بيع الدّين بالدّين ،وهو غير جائزٍ . وخالف في ذلك تقيّ الدّين بن تيميّة وابن القيّم وقال :بجوازه لعدم تحقّق المنهيّ عنه -وهو بيع الكالئ بالكالئ ،أي الدّين المؤخّر بالدّين المؤخّر -في هذه المسألة . ن الدّائن إذا باع الدّين ممّن هو عليه ج -نصّ الحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في وجهٍ على أ ّ بشي ٍء موصوفٍ في ال ّذمّة ،فيشترط لصحّة ذلك أن يقبض الدّائن العوض قبل التّفرّق من المجلس ،كي ل يترتّب على ذلك بيع الدّين بالدّين ،وهو غير جائزٍ . أمّا إذا باع الدّين ممّن هو عليه بشيءٍ معيّنٍ ،فل يشترط في مذهب الحنفيّة قبض المشتري، ن الدّين ل يخلو من أن يكون دراهم ،أو دنانير، لنتفاء بيع الدّين بالدّين .قال الكاسانيّ " :إ ّ أو فلوسا ،أو مكيلً ،أو موزونا ،أو قيمة المستهلك ،فإن كان دراهم أو دنانير فاشترى به ن بدينٍ ، شيئا بعينه جاز الشّراء ،وقبض المشتري ليس بشرطٍ ،لنّه يكون افتراقا عن عي ٍ وأنّه جائز فيما ل يتضمّن ربا النّساء ،ول يتضمّن هاهنا .وكذلك إن كان الدّين مكيلً أو موزونا أو قيمة المستهلك لما قلنا " . - 59والنّوع الثّاني من الدّيون :ما ل يكون الملك عليه مستقرّا :كالمسلم فيه والجرة قبل استيفاء المنفعة أو مضيّ زمانها ،والمهر قبل استيفاء المنفعة أو مضيّ زمانها والمهر قبل الدّخول ونحو ذلك ،وهذا النّوع من الدّيون يجوز تمليكه ممّن هو عليه بغير عوضٍ ،لنّ ذلك يعتبر إسقاطًا للدّين عن المدين ،ول دليل على منعه .
أمّا تمليكه بعوضٍ ،فقد فرّق الفقهاء بين دين السّلم وبين غيره من الدّيون غير المستقرّة . وبيان ذلك فيما يلي :
أ -دين السّلم : - 60اختلف الفقهاء في صحّة بيع المسلم الدّين المسلم فيه للمدين ،أو العتياض عنه على قولين : ح بيع المسلم فيه أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو أنّه ل يص ّ قبل قبضه لمن هو في ذمّته ،لنّه ل يؤمن من فسخ العقد بسبب انقطاع المسلم فيه وامتناع العتياض عنه ،فكان كالمبيع قبل القبض ،ولقوله صلى ال عليه وسلم « :من أسلم في شيءٍ فل يصرفه في غيره » . قالوا :وهذا يقتضي ألّ يبيع المسلم دين السّلم ل من صاحبه ول من غيره . والثّا ني :للمالكيّة وأح مد في روايةٍ ع نه ،و صحّحه تق يّ الدّ ين بن تيميّة وا بن القيّم ،و هو جواز بيع العرض المسلم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمّته بثمن المثل ،أو دونه ،ل أكثر منه . واستدلّوا على جواز بيعه من المدين والعتياض عنه إذا كان بسعر المثل أو دونه بعدم المانع ي ،إذ الحديث الّذي استدلّ به المانعون « من أسلم في شيءٍ فل يصرفه إلى غيره » الشّرع ّ ن معنى « فل يصرفه إلى غيره » أن ل ح ،فإ ّ ضعيف عند علماء الحديث ،وحتّى لو ص ّ ن مؤجّلٍ ،وذلك خارج عن محلّ النّزاع . يصرفه إلى سلمٍ آخر ،أو ل يبيعه بمعيّ ٍ ن النّصّ والقياس ص في التّحريم ول إجماع ول قياس ،وأ ّ قال ابن القيّم " :فثبت أنّه ل ن ّ يقتضيان الباحة " . ن دين السّلم مضمون على البائع ،ولم أمّا عدم جواز العتياض عنه بأكثر من قيمته ،فل ّ ب السّلم ينتقل إلى ضمان المشتري ،فلو باعه المشتري من المسلم إليه بزياد ٍة ،فقد ربح ر ّ فيما لم يضمن ،وقد صحّ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه « نهى عن ربح ما لم يضمن ». - 61ب -الدّيون الّتي لم يستقرّ ملك الدّائن عليها لعدم قبض المدين الشّيء المقابل لها ، كالجرة قبل استيفاء المنفعة أو مضيّ زمانها ،وكالمهر قبل الدّخول ونحو ذلك . وهذه الدّيون اختلف الفقهاء في جواز تمليكها ممّن هي عليه بعوضٍ على قولين : ن ملكه عليها غير تامّ . أحدهما للحنابلة :وهو أنّه ل يجوز بيعها ممّن هي عليه ،ل ّ والثّاني للحنفيّة والشّافعيّة :وهو جواز بيعها ممّن هي عليه ،كالدّيون الّتي استقرّ ملك الدّائن عليها ،إذ ل فرق بينها .
الحالة الثّانية :تمليك الدّيون لغير المدين :
ل: - 62اختلف الفقهاء في حكم تمليك الدّين لغير من عليه على أربعة أقوا ٍ أحدها :رواية عن أحمد ووجه عند الشّافعيّة :وهو أنّه يجوز تمليك الدّين من غير من عليه الدّين بعوضٍ وبغير عوضٍ . والثّاني :للحنفيّة والحنابلة والشّافعيّة في الظهر :وهو أنّه ل يصحّ تمليك الدّين لغير من هو ض أم بغير عوضٍ . عليه ،سواء أكان بعو ٍ كأن يقول شخص لخر :وهبتك ما لي من دينٍ على فلنٍ ،فيقبل .أو يقول له :اشتريت ن ،فيقبل أو يقول له :استأجرت منك كذا بالدّين الثّابت لي ن على فل ٍ منك كذا بما لي من دي ٍ في ذمّة فلنٍ ،فيقبل .فهذا كلّه غير جائزٍ ،لنّ الواهب أو المشتري أو المستأجر يهب أو يبيع ما ليس في يده ،ول له من السّلطة شرعا ما يمكّنه من قبضه منه ،فكان بيعا لشيءٍ ل يقدر على تسليمه ،إذ ربّما منعه المدين أو جحده ،وذلك غرر ،فل يجوز . وقد استثنى الحنفيّة من قاعدة عدم جواز تمليك الدّين لغير من هو عليه ثلث حالتٍ : الولى :إذا وكّل الدّائن الشّخص الّذي ملّكه الدّائن في قبض ذلك الدّين من مدينه ،فيصحّ ذلك ،ويقبض الدّين من المدين باعتباره وكيلً عن الدّائن ،وبمجرّد القبض يصير قابضا لنفسه ،وتنتقل ملكيّة الدّين إليه . والثّانية :إذا أحال الدّائن الشّخص الّذي ملّكه الدّين على مدينه ،فيصحّ ذلك ،ويقبض الدّين من المدين باعتباره محالً من الدّائن عليه ،وبمجرّد القبض تنتقل ملكيّة الدّين إليه . والثّالثة :الوصيّة ،فإنّها تصحّ بالدّين لغير من هو عليه ،لنّها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت ،فينتقل الملك فيه كما ينتقل بالرث . ل -صحّحه كثير من أئمّتهم كالشّيرازيّ في المهذّب والنّوويّ في والثّالث :للشّافعيّة في قو ٍ زوائد الرّوضة ،واختاره السّبكيّ وأفتى به زكريّا النصاريّ وغيره -وهو أنّه يجوز بيع سائر الدّيون -عدا دين السّلم -لغير من عليه الدّين ،كما يجوز بيعها للمدين ول فرق ، وذلك إذا كان الدّين حالّا والمدين مقرّا مليئا أو عليه بيّنة ل كلفة في إقامتها . وذلك لنتفاء الغرر النّاشئ عن عدم قدرة الدّائن على تسليم الدّين إليه . وكما اشترط التّقابض في المجلس في بيع الدّين للمدين إذا كان بما ل يباع به نسيئةً - كالرّبويّات ببعضها -فإنّه يشترط كذلك في بيع الدّين لغير من هو عليه . والرّابع :للمالكيّة ،وهو أنّه يجوز بيع الدّين لغير المدين بشروطٍ تباعد بينه وبين الغرر ، وتنفي عنه سائر المحظورات الخرى ،وهذه الشّروط ثمانية : ل -أن يعجّل المشتري الثّمن ،لنّه إذا لم يعجّل في الحين فإنّه يكون من بيع الدّين بالدّين. أو ً
ثانيا -أن يكون المدين حاضرا في البلد ،ليعلم من فقرٍ أو غنىً ،لنّ عوض الدّين يختلف باختلف حال المدين ،والمبيع ل يصحّ أن يكون مجهولً . ثالثا -أن يكون المدين مقرّا بالدّين ،فإن كان منكرا له فل يجوز بيع دينه ولو كان ثابتا بالبيّنة حسما للمنازعات . رابعا -أن يباع بغير جنسه ،أو بجنسه بشرط أن يكون مساويا له . ل يكون ذهبا بفضّةٍ ول عكسه ،لشتراط التّقابض في صحّة بيعها . خامسا -أ ّ سادسا -ألّ يكون بين المشتري والمدين عداوة . سابعا -أن يكون الدّين ممّا يجوز بيعه قبل قبضه ،احترازا ممّا لو كان طعاما ،إذ ل يجوز بيعه قبل قبضه . ل يقصد المشتري إعنات المدين والضرار به . ثامنا -أ ّ
تصرّف المدين : - 63ينحصر تصرّف المدين في الدّين الثّابت في ذمّته في أمرين :الحوالة ،والسّفتجة . الحالة الولى :الحوالة ( .ر :حوالة ) . الحالة الثّانية :السّفتجة ( .ر :سفتجة ) .
الدّين في ظلّ تغيّرات النّقود :
- 64يفرّق الفقهاء في أحكام الدّين من النّقود عند طروء التّغيّرات على النّقد بين ما إذا كان الدّين الثّابت في ال ّذمّة نقدا بالخلقة " أي من الذّهب أو الفضّة " وما إذا كان ثابتا بالصطلح " بأن كان من غير النّقدين وجرى الصطلح على استعماله استعمال النّقدين " كالفلوس الرّائجة ونحوها من العملت .وبيان ذلك فيما يلي :
تغيّر النّقود إذا كان الدّين نقدا بالخلقة : ضيّةً محدّد ًة مسمّا ًة ،فغلت أو - 65إنّ الدّين الثّابت في ال ّذمّة إذا كان عمل ًة ذهبيّةً أو ف ّ رخصت عند حلول وقت الداء ،فل يلزم المدين أن يؤدّي غيرها ،لنّها نقد بالخلقة ،وهذا التّغيّر في قيمتها ل تأثير له على الدّين ألبتّة .وقد جاء في /م / 805من مرشد الحيران " . وإن استقرض شيئا من المكيلت أو الموزونات أو المسكوكات من الذّهب والفضّة ، فرخصت أسعارها أو غلت ،فعليه ر ّد مثلها ،ول عبرة برخصها وغلوّها " . ل ما جرى وحتّى لو زادت الجهة المصدرة لهذه العملة سعرها أو نقصته ،فل يلزم المدين إ ّ عليه العقد .يقول ابن عابدين " :ثمّ اعلم أنّه تعدّد في زماننا ورود المر السّلطانيّ بتغيير ض من النّقود الرّائجة بالنّقص ،واختلف الفتاء فيه .والّذي استقرّ عليه الحال الن سعر بع ٍ
دفع النّوع الّذي وقع عليه العقد لو كان معيّنا ،كما إذا اشترى سلعةً بمائة رٍ إفرنجيّ أو مائة ذهبٍ عتيقٍ " . ولو أبطلت السّلطة المصدرة لهذه العملة التّعامل بها ،فإنّه ل يلزم المدين سواها وفا ًء بالعقد، إذ هي المعقود عليها ،وهي الثّابتة في ال ّذمّة دون غيرها . ص الشّافعيّ في " المّ " والمالكيّة في المشهور عندهم . وعلى ذلك ن ّ قال الشّافعيّ " :ومن سلّف فلوسا أو دراهم أو باع بها ،ثمّ أبطلها السّلطان ،فليس له إلّ مثل فلوسه أو دراهمه الّتي سلّف أو باع بها " . وقال بعض المالكيّة :إذا أبطلت هذه العملة واستبدل بها غيرها ،فيرجع إلى قيمة العملة الملغاة من الذّهب ،ويأخذ صاحب الدّين القيمة ذهبا . أمّا إذا عدمت تلك العملة أو انقطعت أو فقدت في بلد المتداينين ،فتجب عندئ ٍذ قيمتها ممّا تجدّد وتوفّر التّعامل به من العملت . ولو قلّت أو عزّ وجودها في أيدي النّاس ،فإنّه ل يجب غيرها ،لمكان تحصيلها مع العزّة ، بخلف انقطاعها وانعدامها وفقدها . قال الهيثميّ " :ولو باع بنقدٍ دراهم أو دنانير ،وعيّن شيئا موجودا ،اتّبع وإن ع ّز " . وتجدر الشارة في هذا المقام إلى أنّ الحنابلة قيّدوا القول بإلزام الدّائن بقبول مثل النّقد الّذي ثبت في ذمّة المدين ،وإلزام المدين بأدائه إذا كان متوفّرا -في حالتي الغلء والرّخص - بأن يكون التّعامل بهذا النّقد مسموحًا به من قبل الدّولة . أمّا إذا منعت الدّولة النّاس من التّعامل به ،فل يجبر الدّائن على قبوله ،ويكون له القيمة وقت ثبوت الدّين من غير جنسه من النّقود إن ترتّب على أخذ القيمة من جنسه ربا الفضل ، سواء اتّفق النّاس على ترك التّعامل بهذا النّقد أم لم يتّفقوا ،أمّا إذا لم يترتّب على أداء القيمة من جنسه ربا الفضل ،فل مانع من أن يكون الوفاء بقيمته من جنسه .
تغيّر النّقود إذا كان الدّين نقدا بالصطلح : إذا كان الدّين الثّابت في ال ّذمّة نقدا بالصطلح ل بالخلقة ،كسائر العملت الخرى غير ضيّة ،فطرأ عليه تغيّر عند حلوله ،فعندئ ٍذ يفرّق بين خمس حالتٍ : الذّهبيّة والف ّ
الحالة الولى :الكساد العا ّم للنّقد :
- 66وذلك بأن توقف الجهة المصدرة للنّقد التّعامل به ،فتترك المعاملة به في جميع البلد ، وهو ما يسمّيه الفقهاء ب " كساد النّقد " .
ففي هذه الحالة :لو اشترى شخص سلع ًة بنقدٍ محدّ ٍد معلومٍ ،ثمّ كسد ذلك النّقد قبل الوفاء ، أو استدان نقدا معلوما ثمّ كسد قبل الداء ،أو وجب في ذمّته المهر المؤجّل نقدا محدّدا ،ثمّ كسد قبل حلوله .فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوالٍ : القول الوّل :لبي حنيفة ،وهو أنّ النّقد الّذي كسد إذا كان ثمنا في بيعٍ ،فإنّه يفسد العقد ، ن ثمنيّته ثبتت ويجب الفسخ ما دام ممكنا ،لنّه بالكساد خرج عن كونه ثمنا ،حيث إ ّ بالصطلح ،فإذا ترك النّاس التّعامل به ،فإنّها تزول عنه صفة الثّمنيّة ،فيبقى المبيع بل ثمنٍ ،فيفسد البيع . أمّا إذا كان دينا في قرضٍ أو مهرا مؤجّلً ،فيجب ردّ مثله ولو كان كاسدا ،لنّه هو الثّابت في ال ّذمّة ل غيره .حيث " إنّ القرض إعارة ،وموجبها ردّ العين معنىً ،وذلك يتحقّق بردّ ن صحّة القرض ل تعتمد الثّمنيّة ،بل ن الثّمنيّة زيادة فيه ،حيث إ ّ مثله ولو كان كاسدا -ل ّ تعتمد المثليّة ،وبالكساد لم يخرج من أن يكون مثلً ،ولهذا صحّ استقراضه بعد الكساد ، ح استقراض ما ليس بثمنٍ كالجوز والبيض والمكيل والموزون وإن لم يكن ثمنا ،ولول وص ّ ح ،لنّه يكون مبادلة الجنس بالجنس نسيئةً وأنّه حرام ،فصار أنّه إعارة في المعنى لما ص ّ المردود عين المقبوض حكما ،فل يشترط فيه الرّواج كردّ العين المغصوبة ،والقرض كالغصب إذ هو مضمون بمثله " . والقول الثّاني :لبي يوسف والحنابلة على الرّاجح عندهم والمالكيّة في غير المشهور ،وهو أنّه ل يجزئ ردّ المثل بعدما كسد ،ويجب على المدين ردّ قيمة النّقد الّذي وقع عليه العقد - يوم التّعامل -من نق ٍد آخر .وبهذا أخذت المادّة " 805 " :من مرشد الحيران حيث جاء فيها ش ،فكسدت وبطل " :إذا استقرض مقدارا معيّنا من الفلوس الرّائجة والنّقود غالبة الغ ّ التّعامل بها فعليه ردّ قيمتها يوم قبضها ل يوم ردّها " . واستدلّوا على ذلك : أ ّولً :بأنّ إيقاف التّعامل بها من قبل الجهة المصدرة لها منع لنفاقها وإبطال لماليّتها ،إذ هي أثمان بالصطلح ل بالخلقة ،فصار ذلك إتلفا لها ،فيجب بدلها وهو القيمة بناءً على قاعدة الجوابر . ن الدّائن قد دفع شيئا منتفعا به لخذ عوضٍ منتف ٍع به ،فل يظلم بإعطائه ما ل ينتفع ثانيا :ول ّ به .قالوا :وإنّما اعتبرت القيمة يوم التّعامل ،لنّه وقت الوجوب في ال ّذمّة . والقول الثّالث :لمحمّد بن الحسن الشّيبانيّ وبعض الحنابلة ،وهو أنّه يجب على المدين ردّ قيمة النّقد الّذي وقع به التّعامل من النّقد الخر وقت الكساد ،أي في آخر نفاقها ،وهو آخر
ما تعامل النّاس بها ،لنّه وقت النتقال إلى القيمة ،إذ كان يلزمه ردّ مثلها ما دامت نافقةً ، فإذا كسدت انتقل إلى قيمتها حينئذٍ . ن النّقد إذا كسد بعد ثبوته في والقول الرّابع :للشّافعيّة والمالكيّة على المشهور عندهم ،وهو أ ّ ال ّذمّة وقبل أدائه ،فليس للدّائن سواه .ويعتبر هذا الكساد كجائحةٍ نزلت بالدّائن ،ول فرق في ذلك بين أن يكون الدّين قرضا أو ثمن مبيعٍ أو غير ذلك .
الحالة الثّانية :الكساد المحّليّ للنّقد : - 67وذلك بأن يبطل التّعامل بالنّقد في بعض البلد ل في جميعها .ومثله في عصرنا الحاضر العملت الّتي تصدرها بعض الدّول وتمنع تداولها في خارج أراضيها . ففي هذه الحالة :إذا اشترى شخص بنقدٍ نافقٍ ثمّ كسد في البلد الّذي وقع فيه البيع قبل الداء ،فإنّ البيع ل يفسد ،ويكون البائع بالخيار بين أن يطالبه بالنّقد الّذي وقع به البيع ، وبين أخذ قيمة ذلك النّقد من عمل ٍة رائجةٍ .وهذا هو القول المعتمد في مذهب الحنفيّة .وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنّه إذا كسد النّقد في بلدةٍ واحد ٍة ،فيجري عليه فيها حكم الكساد العامّ في جميع البلد اعتبارا لصطلح أهل تلك البلدة .
الحالة الثّالثة :انقطاع النّقد :
- 68وذلك بأن يفقد النّقد من أيدي النّاس ،ول يتوفّر في السواق لمن يريده . ن ،ثمّ انقطع قبل أن يؤدّي الثّمن فقد ففي هذه الحالة :لو اشترى شخص سلع ًة بنقدٍ معيّ ٍ اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوالٍ : القول الوّل :للحنابلة ومحمّد بن الحسن الشّيبانيّ ،وهو المفتى به في مذهب الحنفيّة ،وهو ن على المشتري أداء ما يساويه في القيمة في آخر يومٍ قبل النقطاع ،لتعذّر تسليم مثل النّقد أّ بعد انقطاعه ،فيصار إلى بدله وهو القيمة .ومثل ذلك يقال في دين القرض وغيره .وإنّما اعتبرت القيمة قبيل النقطاع ،لنّه الوقت الّذي ينتقل الوجوب فيه من المثل إلى القيمة . والقول الثّاني :لبي يوسف ،وهو أنّه يجب على المدين أداء ما يساويه في القيمة يوم التّعامل ،لنّه وقت الوجوب في ال ّذمّة . والقول الثّالث :لبي حنيفة ،وهو أنّ النقطاع كالكساد يوجب فساد البيع . والقول الرّابع :للمالكيّة والشّافعيّة ،وهو أنّه إن أمكن الحصول على ذلك النّقد مع فقده ض أو ثمن مبيعٍ أو غير وانقطاعه ،فيجب الوفاء به ،وإلّ فتجب قيمته ،سواء أكان دين قر ٍ ذلك .لكن أصحاب هذا القول اختلفوا في الوقت الّذي تجب فيه القيمة عندما يصار إليها : فقال الشّافعيّة :تجب في وقت المطالبة .
وقال المالكيّة في المشهور عندهم :تجب في أبعد الجلين من الستحقاق -وهو حلولالجل -والعدم الّذي هو النقطاع . ن القيمة إنّما تقدّر وقت الحكم . وذهب بعض المالكيّة إلى أ ّ
الحالة الرّابعة :غلء النّقد ورخصه : - 69وذلك بأن تزيد قيمة النّقد أو تنقص بالنّسبة إلى الذّهب والفضّة ،اللّذين يعتبران المقياس الّذي تقدّر بالنّظر إليه أثمان الشياء وقيمها ،ويعدّان ثمنا . وهذا هو مراد الفقهاء ب " الغلء " " والرّخص " في هذا المقام . ل في ففي هذه الحالة :إذا تغيّرت قيمة النّقد غلءً أو رخصا بعدما ثبت في ذمّة المدين بد ً ض أو دين مهرٍ أو ثمن مبيعٍ أو غير ذلك وقبل أن يؤدّيه ،فقد اختلف الفقهاء في ما يلزم قر ٍ المدين أداؤه .على ثلثة أقوالٍ : القول الوّل :لبي حنيفة والشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة على المشهور عندهم ،وهو أنّ الواجب على المدين أداؤه هو نفس النّقد المحدّد في العقد والثّابت دينا في ال ّذمّة ،دون زيادةٍ أو نقصانٍ ،وليس للدّائن سواه . وقد كان القاضي أبو يوسف يذهب إلى هذا الرّأي أ ّولً ثمّ رجع عنه . والقول الثّاني :لبي يوسف -وعليه الفتوى عند الحنفيّة -وهو أنّه يجب على المدين أن يؤدّي قيمة النّقد الّذي طرأ عليه الغلء أو الرّخص يوم ثبوته في ال ّذمّة من نقدٍ رائجٍ .ففي البيع تجب القيمة يوم العقد ،وفي القرض يوم القبض . ن التّغيّر إذا كان فاحشا ،فيجب أداء قيمة النّقد والقول الثّالث :وجه عند المالكيّة ،وهو أ ّ الّذي طرأ عليه الغلء أو الرّخص .أمّا إذا لم يكن فاحشا فالمثل .قال الرّهونيّ -معلّقا على ص " : -قلت :وينبغي أن قول المالكيّة المشهور بلزوم المثل ولو تغيّر النّقد بزيادةٍ أو نق ٍ يقيّد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جدّا ،حتّى يصير القابض لها كالقابض لما ل كبير منفع ٍة فيه ، لوجود العلّة الّتي علّل بها المخالف في الكساد .
انقضاء الدّين :
ل بحصول أحد أسباب إذا ثبت الدّين في ذمّة المدين فإنّها تبقى مشغولةً بالدّين ،ول تبرأ إ ّ انقضاء الدّين التّالية :
أوّلً :الداء : - 70إذا أدّى المدين أو نائبه أو كفيله أو غيرهم الدّين إلى الدّائن أو نائبه الّذي له ولية قبض ديونه ،فإنّ ذمّة المدين تبرأ بالداء ،ويسقط عنه الدّين .أمّا إذا دفع الدّين إلى من ل ولية له على قبض ديون الدّائن ،فل ينقضي الدّين ،ول تبرأ ذمّة المدين ( .ر :أداء ) .
وولية قبض الدّيون بطريق النّيابة تثبت بأمرين :إمّا بتولية الدّائن ،وإمّا بتولية الشّارع - : ن من ملك التّصرّف في أمّا الّتي تثبت بتولية الدّائن :فهي ولية الوكيل بقبض الدّين ،ل ّ شيءٍ أصالةً ملك التّوكيل فيه ،ونفس القبض والستيفاء ممّا يقبل النّيابة ،فكان قبض الوكيل بمنزلة قبض الموكّل ول فرق ..ول بدّ في ذلك أن يكون كلّ من الوكيل والموكّل أهلً للقبض ( .ر :قبض ) . وأمّا الّتي تثبت بتولية الشّارع :فهي ولية من يلي مال المحجور ويتولّى قبض حقوقه .وهذه الولية ليست بتولية الدّائن ،لنتفاء أهليّته ،وإنّما هي بتولية الشّارع ( .ر :ولية ). ويشترط لنفاذ وفاء الدّين والبراءة منه أن يكون الدّافع مالكا لما دفعه ،فإن استحقّ بالبيّنة وأخذه صاحبه فللدّائن الرّجوع بدينه على غريمه .
ثانيا :البراء : - 71وذلك كما إذا كان لزيدٍ في ذمّة بكرٍ مائة دينا ٍر ثمن مبيعٍ أو بدل قرضٍ أو غير ذلك فأبرأه من الدّين كلّه ،فينتهي بذلك التزام المدين لفراغ ذمّته بالبراء ،وينقضي الدّين .كما تبرأ ذمّة الكفيل بالدّين تبعا لبراءة ذمّة الصيل إذا كان الدّين مضمونا .ولو أبرأه من بعض ل مطالبته بالباقي .والبراء يتمّ بإيجابٍ من الدّائن ،ول يحتاج إلى قبولٍ الدّين لم يبق له إ ّ ن البراء عن الدّين إسقاط من وج ٍه وتمليك من وجهٍ من المدين ،غير أنّه يرتدّ بردّه ،ل ّ آخر ..فمن جهة كونه إسقاطا ل يتوقّف على القبول ،وباعتباره تمليكا يرتدّ بال ّردّ ،لنّ المرء ل يجبر على إدخال شيءٍ في ملكه بغير رضاه .إلّ في الرث ( .ر :إبراء ) .
ثالثا :المقاصّة :
ب من ذلك الشّخص ص من غريمه في مقابلة دينٍ مطلو ٍ ن مطلوبٍ لشخ ٍ - 72وهي إسقاط دي ٍ لغريمه ،وذلك بأن تشغل ذمّة الدّائن بمثل ما له على المدين في الجنس والصّفة ووقت الداء ،فعندئذٍ تقع المقاصّة ويسقط الدّينان إذا كانا متساويين في المقدار ،فإن تفاوتا في القدر سقط من الكثر بقدر القلّ وبقيت الزّيادة ،فتكون المقاصّة في القدر المشترك ،ويبقى أحدهما مدينًا للخر بما زاد ( .ر :مقاصّة ) .
رابعا :اتّحاد ال ّذمّة : ل ،ثمّ مات بكر - 73وذلك كما إذا كان زيد مدينا لخيه الشّقيق بكرٍ بمبلغ ألف دينارٍ مث ً الدّائن ،وليس له وارث إلّ أخوه زيد ،فيرث زيد من ضمن ما يرثه عن بكرٍ هذا الدّين ، وبذلك يكون زيد مدينًا ودائنًا لحلوله محلّ الدّائن المورث ،فإذا طالب بالدّين ،فهو إنّما يطالب نفسه ليأخذه لنفسه ،وذلك لتّحاد ال ّذمّة ،فيسقط الدّين وينقضي لعدم الفائدة في المطالبة ( .ر :إرث ) .
خامسا :التّقادم : ن الحقّ ثابت لصق بذمّة من عليه - 74ل يعتبر التّقادم من أسباب انقضاء الدّين شرعا ،ل ّ الدّين لمن هو له ،ل يسقطه تقادم الزّمن مهما طال .ولكن تقادم الزّمن يؤثّر في منع سماع الدّعوى إذا كان المدّعى عليه منكرا ،والمدّعي ل عذر له في ترك المطالبة ،على ما هو مبيّن في موضعه بيانا مفصّلً ( .ر :تقادم ) .
سادسا :انفساخ سبب الوجوب :
- 75وذلك كما إذا فسخ عقد المعاوضة الوارد على العيان الماليّة بخيارٍ من الخيارات ،أو بسببٍ من السباب الموجبة لفسخه ،فإنّه ينقضي الدّين الّذي كان مترتّبا عليه ،وتبرأ ذمّة المدين من البدل الّذي وجب عليه بالعقد .ومن أمثلة ذلك هلك العين المنتفع بها ،وفوات المنفعة المقصودة منها في إجارة العيان ،حيث تسقط الجرة عن المدّة المتبقّية ،وتبرأ ذمّة المستأجر منها ،وإن كان قد عجّل شيئًا منها ،فله استرداد ما عجّله زائدا على أجرة المدّة السّابقة على هلك العين ( .ر :فسخ ،إجارة ،بيع ،خيار ) .
سابعا :تجديد الدّين : ن جديدٍ بالدّين الصليّ ،حيث نصّ الفقهاء على جواز فسخ عقد - 76وذلك باستبدال دي ٍ المداينة الولى وتجديدها في عقدٍ آخر بتراضي المتداينين ،كما إذا كان زيد مدينًا لبكرٍ بمبلغ ك لبكرٍ استأجره زيد منه ،فيتّفق معه على أن يبقى ذلك عشرين دينارا أجرة منزلٍ مملو ٍ الدّين بذمّته على سبيل القرض . ول يخفى أنّه إذا فسخ عقد المداينة الولى وصار تجديده بعقدٍ آخر ،سقط الدّين الواجب بالعقد الوّل ،وترتّب على المدين دين جديد بالعقد الثّاني . ومن آثار انقضاء الدّين وسقوطه في هذه الحالة أنّه إذا كان الدّين الوّل مكفولً ،وفسخ عقده ،وصار تجديده بعقدٍ آخر ،بطلت الكفالة وبرئ الكفيل ،فل يطالب بالدّين الحاصل بالعقد ل إذا جدّدت الكفالة . الجديد إ ّ
ثامنا :الحوالة :
ن المحال إذا قبل الحوالة ورضي المحال عليه بها برئ المحيل وكفيله -إن - 77وذلك أ ّ كان له كفيل -من الدّين ومن المطالبة معا ،لنقضاء الدّين بالحوالة ،ويثبت للمحال حقّ مطالبة المحال عليه ،غير أنّ براءة المحيل وكفيله المشار إليها مقيّدة بسلمة حقّ المحال لدى المحال عليه عند الحنفيّة ( .ر :حوالة ) .
تاسعا :موت المدين مفلسا :
- 78وذلك عند الحنفيّة الذّاهبين إلى سقوط الدّين في أحكام الدّنيا عن المدين إذا مات مفلسًا ، ولم يكن هناك كفيل بالدّين ،أو رهن قبل الموت .قال ابن عابدين " :إنّ الدّين يسقط عن الميّت المفلس ،إلّ إذا كان به كفيل حال حياته أو رهن " . س بعد وفاته . ح عندهم كفالة دين ميّتٍ مفل ٍ ومن هنا لم تص ّ وخالفهم في ذلك سائر الفقهاء للحاديث الدّالّة على بقاء الدّين عليه بعد موته ( .ر :إفلس، كفالة ،تركة ) .
دَين اللّه * التّعريف : - 1في اللّغة :دان يدين دينا ،وداينه مداينةً وديانا ،عامله بالدّين فأعطاه دينا وأخذ بدينٍ، وادّان :اقترض فصار دينا .والدّين :القرض وثمن المبيع ،وكلّ ما ليس حاضرا . والدّين اصطلحا :عرّف بتعريفاتٍ كثير ٍة وأولى هذه التّعريفات هو " لزوم حقّ في ال ّذمّة " . وهذا التّعريف يشمل كلّ ما يشغل ذمّة النسان سواء أكان حقّا للعبد أم للّه سبحانه وتعالى . ودين اللّه تعالى هو حقوقه الّتي ثبتت في ال ّذمّة ول مطالب لها من جهة العباد ،كالنّذور ج ،والصّوم الّذي لم يؤدّ ،والصّلة الّتي خرج وقتها ولم والكفّارات ،وصدقة الفطر ،والح ّ ن الزّكاة من حقّ المام المطالبة بها وكذا قال بعض الفقهاء بالنّسبة تؤدّ ،وهذا في الجملة إذ أ ّ للحقوق الماليّة كالكفّارة والهدي .
اللفاظ ذات الصّلة : ق اللّه تعالى : حّ
- 2الحقّ ضدّ الباطل ،وحقّ المر :أي ثبت ووجب .وحقّ اللّه سبحانه وتعالى ما يتعلّق به النّفع العامّ للعالم فل يختصّ به أحد ،وينسب إلى اللّه تعالى تعظيما . قال القرافيّ :حقّ اللّه أمره ونهيه .وفي الحديث « :حقّ اللّه تعالى على عباده أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا » . وقد قسّم الفقهاء حقوق اللّه تعالى إلى عباداتٍ وعقوباتٍ وكفّاراتٍ ...إلخ . فحقّ اللّه تعالى أع ّم من دين اللّه تعالى لنّه يشمل كلّ ما وجب للّه تعالى سواء أكان دينا ترتّب في ال ّذمّة أم ل .
الحكم التّكليفيّ :
ت بدنيّةً أم ماليّةً - 3دَين اللّه تعالى الّذي يترتّب في ذمّة المكلّف سواء أكان هذا الدّين عبادا ٍ أم كان كفّاراتٍ أم نذورا يجب قضاؤه ،لما روى البخاريّ عن ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما «
ج فلم ن امرأةً من جهينة جاءت إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت :إنّ أ ّميّ نذرت أن تح ّ أّ ج عنها ؟ قال :نعم ،حجّي عنها ،أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت تحجّ حتّى ماتت أفأح ّ قاضيته ؟ اقضوا اللّه ،فاللّه أحقّ بالوفاء » . ج كلّ حقّ ثبت في ال ّذمّة من كفّار ٍة أو نذ ٍر أو زكا ٍة أو غير ذلك قال ابن حجرٍ :ويلتحق بالح ّ س رضي ال عنهما قال « :جاء رجل إلى النّبيّ صلى .وروى البخاريّ كذلك عن ابن عبّا ٍ ن أمّي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه عنها ؟ قال : ال عليه وسلم فقال :يا رسول اللّه إ ّ نعم ،فدين اللّه أحقّ أن يقضى » .وكذلك قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من نسي صلةً ل ذلك » . فليصلّ إذا ذكرها ،ل كفّارة لها إ ّ ل ما ذكر عن ابن بنت الشّافعيّ أنّ من ترك الصّلة لغير عذ ٍر ل وقد اتّفق الفقهاء على ذلك إ ّ يقضي لمفهوم قوله عليه الصلة والسلم « :من نسي صلةً أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها » .وحكمته التّغليظ عليه ،قال الشّربينيّ الخطيب :وهو مذهب جماع ٍة .هذا مع اختلف الفقهاء فيما يجب على الفور أو التّراخي وفيما يقضى عن الميّت أو ل يقضى .
ق اللّه تعالى دينا في ال ّذمّة : أسباب صيرورة ح ّ ب متعدّدةٍ منها : يصير حقّ اللّه تعالى دينا في ال ّذمّة لسبا ٍ
أ -خروج الوقت قبل الداء :
- 4العبادة البدنيّة الّتي لها وقت محدّد كالصّلة والصّوم إذا فات الوقت المحدّد لها قبل الداء استقرّت دينا في ذمّة المكلّف ووجب القضاء ،يقول القرافيّ :الصّلة ل ينتقل الداء فيها إلى ل إذا خرج الوقت ،لنّها معيّنة بوقتها ،والقضاء ليس له وقت معيّن يتعيّن حدّه ال ّذمّة إ ّ بخروجه فهو في ال ّذمّة ،فالصّلة إن تعذّر فيها الداء بخروج وقتيها " أي الختياريّ والضّروريّ " لعذرٍ ل يجب القضاء ،وإن خرج لغير عذرٍ ترتّبت في ال ّذمّة ووجب القضاء . وبمثل ذلك قال الكاسانيّ . ت كمن نذر صوم ت بدنيّةٍ مقيّدةٍ بوق ٍ ويدخل في ذلك ما أوجبه العبد على نفسه بالنّذر من عبادا ٍ ب مثلً ومضى شهر رجبٍ دون أن يصومه فإنّه يصبح دينا في ذمّته ويجب عليه شهر رج ٍ القضاء . ولذلك يقسّم الحنفيّة صوم الفرض إلى قسمين :عينٍ ودَينٍ .فالعين ما له وقت معيّن إمّا ت بعينه ،وأمّا بتعيين اللّه تعالى كصوم رمضان وإمّا بتعيين العبد كالصّوم المنذور في وق ٍ صوم الدّين فما ليس له وقت معيّن كصوم قضاء رمضان ...إلخ يقول الكاسانيّ :فمن قال : للّه على صوم رجبٍ فأفطر فيه قضى في شه ٍر آخر لنّه فوّت الواجب عن وقته فصار دينا عليه والدّين مقضيّ على لسان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
ن كون الصّلة أو الصّيام تصبح دينًا في ال ّذمّة بخروج الوقت ل يناقض وينبغي أن يراعى أ ّ التّعلّق بال ّذمّة في وقت الداء ،وهذا مبنيّ على كلم الصوليّين في التّفرقة بين أصل الوجوب ووجوب الداء ،وبين الواجب بالمر والواجب بالسّبب وينظر ذلك في الملحق الصوليّ .
ب -إتلف المعيّن من الموال أو تلفه : ل أنّهم جميعا يتّفقون على أنّ - 5مع اختلف الفقهاء في تعلّق الزّكاة بالعين أو بال ّذمّة إ ّ استهلك مال الزّكاة أو التّصرّف فيها بعد الوجوب يجعلها دينا ثابتا في ال ّذمّة . يقول القرافيّ :إنّ الزّكاة ما دامت معيّن ًة بوجود نصابها ل تكون في ال ّذمّة فإذا تلف النّصاب بعذرٍ ل يضمن نصيب الفقراء ول ينتقل الواجب إلى ال ّذمّة ،ويقول الكاسانيّ :من أتلف الثّمار أو الزّرع أو أكلها بعد وجوب الزّكاة فيها ضمنها وكانت دينا في ذمّته كما لو أتلف مال الزّكاة بعد حولن الحول .وينظر تفصيل ذلك في ( :زكاة ) . ب .فمن عيّن هديا فعطب أو سرق أو ويدخل في ذلك ما كان معيّنا من نذرٍ أو هديٍ واج ٍ ضلّ عاد الوجوب إلى ذمّته .
ج -العجز عن الداء حين الوجوب :
- 6قال النّوويّ والسّيوطيّ والزّركشيّ :الحقوق الماليّة الواجبة للّه تعالى ثلثة أضربٍ : ل -ضرب يجب ل بسبب مباشرةٍ من العبد كزكاة الفطر فإذا عجز عنه وقت الوجوب لم أو ً يثبت في ذمّته فلو أيسر بعد ذلك لم يجب . ثانيا -وضرب يجب بسببٍ من جهته على جهة البدل كجزاء الصّيد وفدية الحلق والطّيب ج ،فإذا عجز عنه وقت وجوبه ثبت في ذمّته تغليبا لمعنى الغرامة لنّه إتلف واللّباس في الح ّ محض . ثالثا -وضرب يجب بسببه ل على جهة البدل ككفّارة الجماع في نهار رمضان وكفّارة اليمين والظّهار والقتل ،ففيها قولن مشهوران أصحّهما أنّها تثبت في ال ّذمّة عند العجز لنّ ب من جهته فلم يسقط بالعجز كجزاء الصّيد . حقّ اللّه تعالى وجب بسب ٍ وتفصيل ذلك في ( :صوم ،وكفّارة ،وقتل ،وظهار ) .
د -النّذور المطلقة : ت مبهمٍ كمن قال : - 7وهي الّتي لم تعلّق على شرطٍ أو تقيّد بوقتٍ بل كانت مضاف ًة إلى وق ٍ للّه عليّ أن أصوم شهرا ،فهي في ال ّذمّة إلى أن تؤدّى ،وجميع العمر وقت لها عند من ن المر المطلق على التّراخي . يقول بأ ّ ج عند من يقول بأنّه على التّراخي كالحنفيّة . ويدخل في ذلك الح ّ
ويقول الشّربينيّ الخطيب :يشترط في انعقاد نذر القربة الماليّة كالصّدقة والضحيّة اللتزام ن يملكه . لها في ال ّذمّة أو الضافة إلى معيّ ٍ ويقول القرافيّ :جميع العمر ظرف لوقوع التّكليف بإيقاع النّذور والكفّارات لوجود التّكليف في جميع ذلك .
النّيابة عن الغير في أداء دين اللّه : - 8دَين اللّه الماليّ المحض كالزّكاة والصّدقات والكفّارات تجوز فيه النّيابة عن الغير سواء ن الواجب فيها إخراج المال وهو أكان من هو في ذمّته قادرا على ذلك بنفسه أم ل ،ل ّ يحصل بفعل النّائب ،وسواء أكان الداء عن الحيّ أم عن الميّت ،إلّ أنّ الداء عن الحيّ ل بإذنه باتّفاقٍ وذلك للفتقار في الداء إلى ال ّنيّة لنّها عبادة فل تسقط عن المكلّف ل يجوز إ ّ بدون إذنه . أمّا بالنّسبة للميّت فل يشترط الذن إذ يجوز التّبرّع بأداء الدّين عن الميّت ،وهذا في الجملة. وأمّا العبادات البدنيّة المحضة كالصّلة والصّوم فل تجوز النّيابة فيها حال الحياة لقول اللّه سعَى } وقول عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي ال عنهما :ل ن إِلّا مَا َ س لِلِنسَا ِ تعالى { :وَأَن ّليْ َ يصلّي أحد عن أحدٍ ول يصوم أحد عن أحدٍ . قال الكاسانيّ :أي في حقّ الخروج عن العهدة ل في حقّ الثّواب ،وهذا باتّفاقٍ ،وكذلك الحكم بعد الممات عند الحنفيّة والمالكيّة . وهذا الحكم إنّما هو بالنّسبة لقضاء العبادة نفسها عن الميّت .أمّا فدية الصّيام وكفّارة الفطار فيجوز للورثة أن يتبرّعوا بها عن الميّت إذا لم يوص .أمّا إذا أوصى فقال الحنفيّة فتؤدّى من ثلث ماله .ولغيرهم من الفقهاء تفصيل ينظر في مصطلح ( :وصيّة ) . أمّا عند الشّافعيّة فل يجوز القضاء عن الميّت عمّا ترتّب في ذمّته من صلةٍ فاتته ومات دون قضائها .وأمّا الصّوم فما ترتّب في ذمّة الميّت منه ففي الجديد ل يصحّ الصّوم عنه لنّه عبادة بدنيّة ل تدخلها النّيابة في حال الحياة فكذلك بعد الموت ،وإنّما يكفّر عنه بإخراج مدّ ل يو ٍم فاته ،وفي القديم يجوز أن يصوم وليّه عنه لخبر الصّحيحين « :من من طعامٍ عن ك ّ ي ويتعيّن أن يكون هو مات وعليه صيام صام عنه وليّه » ،وهذا هو الظهر ،قال السّبك ّ المختار والمفتى به ،والقولن يجريان في الصّيام المنذور إذا لم يؤدّ . وأمّا الحنابلة فقد فصّلوا بين الواجب بأصل الشّرع من صل ٍة وصيا ٍم وبين ما أوجبه النسان على نفسه من نذر صلةٍ وصيامٍ .فقالوا :من مات وفي ذمّته صلة مفروضة لم تؤدّ ،أو ن هذه العبادات ل تدخلها صيام رمضان لم يؤ ّد ،فل تجوز النّيابة عن الميّت في ذلك ،ل ّ النّيابة حال الحياة فبعد الموت كذلك .
أمّا ما أوجبه النسان على نفسه بالنّذر من صلةٍ وصو ٍم وتمكّن من الداء ولم يفعل حتّى مات سنّ لوليّه فعل النّذر عنه لحديث ابن عبّاسٍ « :جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت وعليها صوم نذرٍ أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيتيه أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت :نعم ،قال :فصومي ن النّذر أخفّ حكما من الواجب بأصل الشّرع . عن أمّك » .ل ّ ويجوز لغير الوليّ فعل ما على الميّت من نذرٍ بإذنه وبدون إذنه . ب ماليّ وجانبٍ بدنيّ ،فمن كان عاجزا بنفسه ج لما فيه من جان ٍ وقد اختلف الفقهاء بالنّسبة للح ّ ج وأمكنه الداء بماله بإنابة غيره مناب نفسه لزمه النابة في الحجّ عنه ،وهذا عن أداء الح ّ عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض فقهاء المالكيّة ،والمشهور عندهم عدم جواز النّيابة في الحجّ .وهذا بالنّسبة للحيّ في الجملة . ج فعند الشّافعيّة والحنابلة يجب القضاء من رأس مال أمّا من مات وكان مستطيعا ولم يح ّ تركته ،لما روى بريدة قال « :أتت النّبيّ صلى ال عليه وسلم امرأة فقالت :يا رسول اللّه ن أمّي ماتت ولم تحجّ ،فقال لها النّبيّ صلى ال عليه وسلم :حجّي عن أمّك » . إّ ولنّه حقّ تدخله النّيابة حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الدميّ ،وسواء في ذلك حجّ الفريضة والنّذر ،فإن حجّ عنه الوارث بنفسه أو باستئجارٍ سقط الحجّ عن الميّت . وأضاف الشّافعيّة أنّه لو حجّ عن الميّت أجنبيّ جاز ولو بل إذنٍ كما إنّ له أن يقضي دينه بل إذنٍ . ج بنفسه عن الميّت أو بالحجاج عنه رجلً وعند الحنفيّة والمالكيّة يجوز تبرّع الوارث بالح ّ آخر ولكن مع الكراهة عند المالكيّة .
أثر دين اللّه تعالى في وجوب الزّكاة : ل يكون هناك دين لدميّ يمنع وجوب الزّكاة عند بعض 8م -من شروط وجوب الزّكاة أ ّ ن له مطالبا من جهة العباد . الفقهاء ل ّ وكذلك بالنّسبة لدين اللّه تعالى كالكفّارة والنّذر والهدي وصدقة الفطر وغير ذلك . فعند الحنفيّة وهو الظهر عند الشّافعيّة وقول خليلٍ وابن رشدٍ من المالكيّة أنّه ل يمنع وجوب ن أثر هذا الدّين إنّما هو في حقّ أحكام الخرة وهو الثّواب بالداء والثم بالتّرك ، الزّكاة ،ل ّ ولطلق الدلّة الموجبة للزّكاة . ب من المالكيّة أ نّ هذا الدّ ين يم نع وجوب وع ند الحنابلة و في قولٍ للشّافعيّة وع ند ا بن عتّا ٍ الزّكاة ،وذلك ل ما روى أ بو عبيدٍ في الموال عن ال سّائب بن يز يد قال :سمعت عثمان بن عفّان يقول :هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤدّه حتّى تخرجوا زكاة أموالكم .
ي صلى ال عليه وسلم « :دين اللّه أحقّ أن يقضى » . ولقول النّب ّ ن هذا الدّين يمنع زكاة المال الباطن وهو النّقد والعرض ول يمنع ل ثالثٍ للشّافعيّة أ ّ وفي قو ٍ زكاة المال الظّاهر وهو الماشية والزّروع والثّمار والمعادن . وهذا الحكم عامّ بالنّسبة لديون اللّه تعالى بما في ذلك دين الزّكاة ،وذلك عند الشّافعيّة والحنابلة . أمّا الحنفيّة والمالكيّة فقد فرّقوا بين دين الزّكاة وغيره من الدّيون .فالحكم السّابق عندهم إنّما هو بالنّسبة لغير دين الزّكاة . ت مضت فإنّ الحكم يختلف بالنّسبة للزّكاة الحاضرة . أمّا من كان في ذمّته زكاة سنوا ٍ فعند المالكيّة وأبي حنيفة ومح ّمدٍ دين الزّكاة يمنع وجوب الزّكاة الحاضرة ،وهو قول زفر في الموال الظّاهرة . وقال أبو يوسف :دين الزّكاة ل يمنع وجوب الزّكاة الحاضرة ،وهو قول زفر في الموال الباطنة . ن دين الزّكاة له مطالب من جهة العباد وهو المام فأشبه دين الدميّ وحجّة القائلين بالمنع أ ّ وهو تعليل زفر في الموال الظّاهرة بخلف الباطنة .ويلحظ أنّ الحكام السّابقة جميعها إنّما هي عند المالكيّة بالنّسبة لزكاة العين " النّقدين وعروض التّجارة " فهي الّتي يؤثّر فيها الدّين ،أمّا زكاة الحرث والماشية فل يؤثّر الدّين في وجوب إخراجها . ولتفصيل ذلك ينظر ( :زكاة ) .
حكم اليصاء بدين اللّه تعالى : ن ،أو إفطارٍ - 9ديون اللّه تعالى الماليّة الّتي استقرّت في ذمّة العبد من زكاةٍ ،أو كفّارة يمي ٍ ل ،أو فدية أذًى في الحجّ ،أو جزاء صيدٍ ،أو هديٍ لتمتّعٍ أو في رمضان ،أو ظهارٍ ،أو قت ٍ ن إذا أدركته الوفاة ولم يؤدّها يجب عليه اليصاء بها . قرا ٍ وكذلك من كان قادرا على الحجّ ،أو كان عاجزا بنفسه وأمكنه الداء بماله بإنابة غيره مناب نفسه فإنّه يجب عليه أن يوصي بالحجّ عنه . ن الصّيام الّذي فرّط أمّا العبادات البدنيّة الّتي ترتّبت في ذمّة المكلّف كالصّيام والصّلة فإ ّ النسان فيه كقضاء رمضان أو صيام كفّارةٍ أو نذرٍ ،فإنّه يجب عليه أن يوصي عند وفاته ل يومٍ من أيّام الصّيام الّتي فاتته . بالفدية ،وهي إطعام مسكينٍ عن ك ّ والحكم في جميع ما سبق هو باتّفاق الفقهاء . وزاد الحنفيّة وجوب الوصيّة بالنّسبة لمن فاتته صلة لم يقضها .
قال ابن عابدين :من فاتته صلوات وكان يقدر على الصّلة ولو باليماء ولم يصلّ فإنّه يلزمه اليصاء بالكفّارة بأن يعطي لكلّ صل ٍة فاتته نصف صاعٍ من برّ كالفطرة قال :وكذا حكم ل صلةٍ مدّ . الوتر .ونقل البويطيّ من الشّافعيّة أن يطعم لك ّ
تعلّق دين اللّه بتركة الميّت : ن دين اللّه سبحانه وتعالى المترتّب في ذمّة الميّت يتعلّق - 10ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ بتركته ،ويجب أداؤه منها سواء أوصى الميّت بذلك أم لم يوص . ن الدّين الّذي للّه سبحانه وتعالى في ذمّة العبد ل يتعلّق بالتّركة إلّ أن وذهب الحنفيّة إلى أ ّ يوصي به الميّت فإذا أوصى به أخرجه الورثة من التّركة . وأمّا المالكيّة فعندهم أنّه ل يتعلّق دين اللّه بالتّركة إلّ في أحوا ٍل خاصّةٍ هي : أ -أن يوصي الميّت بذلك فتخرج من التّركة . ن هذا الدّين في ذمّته للّه تعالى فيخرج من التّركة ولو لم يوص ب -أن يشهد في صحّته بأ ّ بذلك . ج -أن تكون العين الواجب إخراجها قائم ًة كزكاة الحرث والماشية ،وهذا في الجملة . وهل يكون ذلك من رأس المال أو من الثّلث ،وما يقدّم من ذلك بعضه على بعضٍ ؟ سبق تفصيله في مصطلح ( :تركة ) .
سقوط دين اللّه :
ن دين اللّه تعالى ل يسقط ول تبرأ منه ال ّذمّة إلّ بالقضاء ،لكن هناك بعض - 11الصل أ ّ السباب الّتي يسقط بها القضاء ومن ذلك :
أولً -الحرج : - 12أ -فالحائض والنّفساء ل يسقط عنهما قضاء الصّوم ويسقط عنهما قضاء الصّلة للحرج يقول الكاسانيّ :يجب على الحائض والنّفساء قضاء الصّوم لفوات صوم رمضان عليهما ولقدرتهما على القضاء في ع ّدةٍ من أيّامٍ أخر من غير حرجٍ ،وليس عليهما قضاء الصّلوات لما فيه من الحرج لنّ وجوبها يتكرّر في كلّ يومٍ خمس مرّاتٍ . ب -المغمى عليه ،إن أغمي على شخصٍ يوما وليل ًة أو أقلّ يجب عليه قضاء الصّلة لنعدام الحرج ،وإن زاد على يومٍ وليلةٍ ل قضاء عليه ،لنّه يحرج في القضاء لدخول العبادة في حدّ التّكرار .وهذا عند الحنفيّة . وعند المالكيّة والشّافعيّة ل قضاء عليه إلّ أن يفيق في جزءٍ من وقتها . وعند الحنابلة يقضي الصّلوات الّتي فاتته حال إغمائه . وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( :إغماء ) .
ج -يقول الحنفيّة :المريض العاجز عن اليماء في الصّلة إذا فاتته صلوات ثمّ برئ ،فإن كان ما فاته يوما أو أقلّ قضاه ،وإن كان أكثر ل قضاء عليه لما في ذلك من الحرج ،وذلك هو الصّحيح عند الحنفيّة ،وبمثل ذلك روي عن المام أحمد وهو أيضا من اختيارات ابن تيميّة .
ثانيا -العجز عن القضاء : - 13أ -من أخّر قضاء رمضان لعذرٍ من سفرٍ أو مرضٍ ثمّ مات سقط عنه القضاء ول شيء عليه ،لنّه حقّ للّه تعالى وجب بالشّرع ،وقد مات قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدلٍ كالحجّ . ب -من عجز عن كفّارة الفطار في رمضان الّتي وجبت بجماعٍ أو بغيره ،على تفصيلٍ في المذاهب ،سقطت عنه لنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر العرابيّ أن يطعم أهله » ، ولم يأمره بكفّار ٍة أخرى ول بيّن له بقاءها في ذمّته . وهذا مذهب الحنابلة .وهو مقابل الظهر عند الشّافعيّة . وعند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الظهر وفي روايةٍ عن المام أحمد :تبقى في ذمّته .
ثالثا -هلك مال الزّكاة :
- 14هلك نصاب الزّكاة بعد وجوبها بحولن الحول يسقط الزّكاة عند الحنفيّة سواء أكان الهلك قبل التّمكّن من الداء أم بعده لنّ وجوب الضّمان يستدعي تفويت ملكٍ أو يدٍ ،وتأخير الزّكاة عن أوّل أوقات المكان لم يفوّت على الفقير ملكا ول يدا فل يضمن . ويقول ابن عبد البرّ من المالكيّة :من وجبت عليه زكاة فعزلها وأخرجها فتلفت منه بغير تفريطٍ فل شيء عليه . ل إن تلف المال قبل التّمكّن من الداء بل تقصيرٍ ،أمّا بعد وعند الشّافعيّة ل تسقط الزّكاة إ ّ التّمكّن فتلف المال يوجب الضّمان . وقال ابن قدامة :الزّكاة ل تسقط بتلف المال فرّط أو لم يفرّط ،هذا المشهور عن أحمد ، ي أنّه إذا تلف النّصاب قبل التّمكّن من الداء سقطت الزّكاة عنه ،وإن وحكى عنه الميمون ّ تلف بعده لم تسقط ،وحكاه ابن المنذر مذهبا لحمد ،ثمّ قال ابن قدامة بعد ذلك :والصّحيح إن شاء اللّه أنّ الزّكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرّط في الداء لنّها تجب على سبيل المواساة فل تجب على وجهٍ يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه . وينظر تفصيل ذلك في ( :زكاة ) .
رابعا -الرّدّة :
ن ال ّردّة تسقط دين اللّه تعالى ،سواء أكان بدنيّا أم ماليّا - 15ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ ن كَ َفرُو ْا إِن يَن َتهُواْ ُيغَ َفرْ َلهُم مّا قَدْ سََلفَ } وقول النّبيّ صلى ال لقول اللّه تعالى { :قُل لِّلذِي َ عليه وسلم « :السلم يهدم ما كان قبله » . وعلى هذا فمن كان مسلما ث ّم ارتدّ -والعياذ باللّه -ثمّ أسلم فما كان من ديون اللّه تعالى في ذمّته فقد بطل تعلّقه بها وسقط عنه القضاء . ن ال ّردّة ل تسقط حقّا للّه تعالى ماليّا أو بدنيّا . وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ وقد فصّل ابن قدامة القول بالنّسبة لمذهب الحنابلة فقال في الزّكاة :من ارتدّ قبل مضيّ الحول وحال الحول وهو مرتدّ فل زكاة عليه ،نصّ عليه لنّ السلم شرط لوجوب الزّكاة فعدمه في بعض الحول يسقط الزّكاة كالملك والنّصاب ،وإن رجع إلى السلم قبل مضيّ ل ،أمّا إن ارتدّ بعد الحول لم تسقط الزّكاة عنه . الحول استأنف حو ً ح منه ول تدخلها النّيابة ،فإذا وأمّا الصّلة فل تسقط أيضا لكن ل يطالب بفعلها لنّها ل تص ّ عاد وجب عليه قضاؤها ،والزّكاة تدخلها النّيابة ول تسقط بال ّردّة كالدّين . وينظر تفصيل ذلك في ( :ردّة ،زكاة ) .
خامسا -الموت : ن ديون اللّه ل تسقط بالموت بل تتعلّق بالتّركة فيخرج - 16ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ منها ما على الميّت من ديون اللّه تعالى كديون الدميّ . ج فيحجّ عنه من ماله . وهذا بالنّسبة للحقوق الماليّة كالزّكاة والكفّارات ويدخل في ذلك الح ّ ل ما قاله ن الصّلة تسقط عنه عندهما في حقّ أحكام الدّنيا إ ّ أمّا العبادات البدنيّة المحضة فإ ّ ل صلةٍ مدّ ،ومثل ذلك قيل في العتكاف الواجب في البويطيّ الشّافعيّ من الطعام عنه لك ّ ال ّذمّة . وأمّا الصّيام فيفدى عنه ،وفي القديم عند الشّافعيّة يصام عنه ،قال الشّربينيّ الخطيب والقديم أظهر . وعند الحنابلة نذر العبادة يفعل عن الميّت من تركته ،أمّا صوم رمضان والكفّارة فيطعم عنه. وقد استدلّ الشّافعيّة والحنابلة لعدم سقوط دين اللّه بالموت بما رواه مسلم عن ابن عبّاسٍ قال ن أمّي ماتت وعليها صوم نذرٍ أفأصوم عنها قال :أرأيت لو « :قالت امرأة :يا رسول اللّه إ ّ كان على أمّك دين فقضيتيه أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت :نعم .قال :فصومي عن أمّك » . ج أفأحجّ عنه ؟ قال : ن أبي مات ولم يح ّ وما روى النّسائيّ « أنّ رجلً قال :يا رسول اللّه إ ّ أرأيت لو كان على أبيك دين أكنّت قاضيه ؟ قال :نعم ،قال :فدين اللّه أحقّ » .
كما استدلّ الشّافعيّة بصيام الوليّ « بقول النّبيّ :من مات وعليه صيام صام عنه وليّه » . ن الموت من أسباب سقوط دين اللّه تعالى إذا لم يوص به ،فمن مات وفي ويرى الحنفيّة أ ّ ذمّته صلة أو صوم أو زكاة أو حجّ أو كفّارة أو غير ذلك ممّا هو من حقوق اللّه تعالى سقطت عنه في حقّ أحكام الدّنيا ،ولذلك ل تؤخذ من تركته ول يؤمر الوصيّ أو الوارث ل بنيّة المكلّف وفعله فإذا لم ن دين اللّه عبادة ومعنى العبادة ل يتحقّق إ ّ بالداء من التّركة ،ل ّ يوص فقد فات الشّرط بموته فل يتصوّر بقاء الواجب فيسقط في حقّ أحكام الدّنيا للتّعذّر . لكنّهم اختلفوا في العشر إذا كان قائما ،فمن مات وعليه العشر ،فإن كان الخارج قائمًا فل يسقط بالموت في ظاهر الرّواية ،وروى عبد اللّه بن المبارك عن أبي حنيفة أنّه يسقط ،أمّا لو كان الخارج مستهلكا فإنّه يسقط . والصل عند المالكيّة أنّ الموت يسقط ما على المكلّف من ديون اللّه تعالى إلّ في أحوالٍ ثلثةٍ وهي : أ -إذا أوصى بها . ب -إذا أشهد في صحّته أنّها بذمّته ولو لم يوص بها . ج -إذا تعلّق بعينٍ قائمةٍ كزكاة الحرث والماشية . وينظر تفصيل ذلك في ( :حجّ ،وصوم ) .
الدّيناريّة الصّغرى * التّعريف : - 1الدّيناريّة :منسوبة إلى الدّينار ،ووصفت بالصّغرى للتّمييز بينها وبين " الدّيناريّة الكبرى " .والدّينار فارسيّ معرّب .انظر تفصيله في مصطلح ( :دنانير ) . والدّيناريّة الصّغرى في اصطلح الفقهاء :هي مسألة من المسائل الملقّبات في المواريث ، وهي المسائل الّتي لقّبت ك ّل منها بلقبٍ أو أكثر ،ومنها -غير مسألتنا -الدّيناريّة الكبرى ، والكدريّة ،والخرقاء ،وغيرها .
صورة المسألة وما لقّبت به :
ن :ثلث - 2صوّر الفقهاء " الدّيناريّة الصّغرى " في إرثٍ انحصر في سبع عشرة أنثى ،ه ّ ب. زوجاتٍ ،وجدّتان ،وأربع أخواتٍ لمّ ،وثماني أخواتٍ شقيقاتٍ أو ل ٍ ب أخرى -غير لقب :الدّيناريّة الصّغرى -منها " :السّبعة عشريّة ولقّبت هذه المسألة بألقا ٍ " نسبةً إلى عدد الوارثات فيها " وأمّ الرامل " لكثرة ما فيها من الوارثات الرامل " وأمّ ن جميع الوارثات فيها من النّساء " والمنبريّة " ،وأمّا تلقيبها " بالدّيناريّة الصّغرى الفرّوج " ل ّ " فلنّ ميّتا ترك سبعة عشر دينارا فخصّ كلّ وارث ٍة دينار .
الحكم في الدّيناريّة الصّغرى : - 3اتّفق الفقهاء على أنّ الرث حين ينحصر في :ثلث زوجاتٍ ،وجدّتين ،وأربع أخواتٍ لمّ ،وثماني أخواتٍ شقيقاتٍ أو لبٍ ،فإنّه يكون للزّوجات الثّلث الرّبع -وهو ثلثة من أصل المسألة وهو اثنا عشر -وللجدّتين السّدس -وهو اثنان -وللخوات للمّ الثّلث - وهو أربعة -وللخوات الشّقيقات أو لبٍ الثّلثان -وهو ثمانية -فيكون مجموع السّهام سبعة عشر ،وهو العدد الّذي عالت إليه المسألة . ن" ويكون لكلّ واحد ٍة من الوارثات سهم :لكلّ واحد ٍة من الزّوجات الثّلث سهم من نصيبه ّ الرّبع " وهو ثلثة ،ولكلّ واحدةٍ من الجدّتين سهم من نصيبهما " السّدس " وهو اثنان ،ولكلّ واحد ٍة من الخوات الربع لل ّم سهم من نصيبهنّ " الثّلث " وهو أربعة ،ولكلّ واحدةٍ من ب سهم من نصيبهنّ " الثّلثان " وهما ثمانية . الخوات الشّقيقات أو ل ٍ أصل المسألة اثنا عشر وعالت إلى سبعة عشر . وهذه المسألة من المسائل الّتي يعايا بها فيقال :سبع عشرة امرأةً من جهاتٍ مختلفةٍ ،اقتسمن ن سهم . مال الميّت ،حصل لكلّ واحد ٍة منه ّ ولمزيدٍ من التّفصيل في هذه المسألة ونحوها يراجع ( :إرث ،وينظر :عول ) .
التّعريف :
الدّيناريّة الكبرى *
- 1الدّيناريّة :منسوبة إلى الدّينار .وتفصيله في مصطلح " دنانير " . والكبرى :صفة تميّزها عن " الدّيناريّة الصّغرى " .انظر مصطلح " :ديناريّة صغرى " . والدّيناريّة الكبرى في اصطلح الفقهاء هي مسألة من المسائل الملقّبات في المواريث . وقد سبق التّعريف بها في مصطلح " :الدّيناريّة الصّغرى " .
صورة المسألة ،وما لقّبت به : - 2صورة المسألة :انحصار الرث في زوجةٍ ،وأمّ ،وبنتين ،واثني عشر أخا ،وأختٍ ب. لبٍ وأمّ ،أو ل ٍ ولقّبت " بالدّيناريّة الكبرى " " وبالرّكابيّة " " ،وبالشّاكية " لنّ شريحاص قضى فيها للخت بدينارٍ واحدٍ ،وكانت التّركة ستّمائة دينارٍ ،فلم ترض الخت ،ومضت إلى عليّ كرّم اللّه ن أخي ترك ستّمائة دينارٍ وجهه تشتكي شريحا ،فوجدته راكبا ،فأمسكت بركابه وقالت :إ ّ فأعطاني شريح دينارا واحدا ،فقال عليّ :لعلّ أخاك ترك زوجةً ،وأمّا ،وابنتين ،واثني ي ،ذلك حقّك ولم يظلمك شريح شيئا . عشر أخًا ،وأنت ؟ قالت :نعم ،فقال عل ّ
ن داود الطّائيّ سئل عن مثلها فقسمها هكذا ،فجاءت الخت – وتلقّب أيضا " بالدّاوديّة " ل ّ ن أخي مات وترك ستّمائة وهي غير الخت في المسألة السّابقة -إلى أبي حنيفة فقالت :إ ّ ل دينارا واحدا ،فقال :من قسم التّركة ؟ قالت :تلميذك داود الطّائيّ ، دينارٍ فما أعطيت إ ّ قال :هو ل يظلم ،هل ترك أخوك جدّ ًة ؟ قالت :نعم ،قال :هل ترك بنتين ؟ قالت :نعم ، قال :هل ترك زوجةً ؟ قالت :نعم ،قال :هل معك اثنا عشر أخا ؟ قالت :نعم ،قال :إذن حقّك دينار . ن الخت سألت عامرا الشّعبيّ عنها ،فأجاب بمثل ذلك . وتلقّب أيضا " بالعامريّة " ل ّ
الحكم في الدّيناريّة الكبرى : - 3اتّفق الفقهاء على أنّ الرث حين ينحصر في :زوجةٍ ،وأ ّم أو جدّةٍ ،وبنتين ،واثني ب وأمّ أولبٍ ،والتّركة ستّمائة دينارٍ ،أنّه يكون للبنتين الثّلثان عشر أخا وأختٍ واحدةٍ ل ٍ أربعمائة دينارٍ ،ولل ّم أوالجدّة السّدس مائة دينارٍ ،وللزّوجة الثّمن خمسة وسبعون دينارا ، ل أخٍ ديناران ،وللخت دينار ..بتوزيع الباقي بعد الفروض على الخوة الثني عشر ، ولك ّ وعلى الخت للذّكر مثل حظّ النثيين . والمسألة عادلة ،وهي من أربعةٍ وعشرين ،وهي من مسائل المعاياة . ولمزيدٍ من التّفصيل يرجع إلى ( :إرث ) .
التّعريف :
ديوان *
- 1الدّيوان فارسيّ معرّب ،ويطلق في اللّغة على مجتمع الصّحف ،وعلى الكتاب الّذي يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطيّة ،وعلى جريدة الحساب ،ثمّ أطلق على الحساب ،ثمّ على موضع الحساب ،وفي تاج العروس :معاني الدّيوان خمسة :الكتبة ومحلّهم ،والدّفتر، ل كتابٍ ،ومجموع الشّعر . وك ّ والدّيوان في الصطلح :الدّفتر الّذي تثبت فيه السماء أوالوثائق ،وما وضع لحفظ ما يتعلّق بحقوق السّلطنة " الدّولة " من العمال ،والموال ،ومن يقوم بها من الجيوش والعمّال .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -السّجلّ : - 2السّجلّ لغةً :الكتاب الكبير ،وفي حديث الحساب يوم القيامة ... « :فتوضع السّجلّات في كفّةٍ » ...وقيل :السّجلّ حجر كان يكتب فيه ،ثمّ سمّي كلّ ما يكتب فيه سجلّا .
ق من السّجالة وهي الكتابة . صكّ ،وهو اسم مشت ّ وقال القرطبيّ :السّجلّ :ال ّ واصطلحا :ما يكتب متضمّنا حكم القاضي ،أي ما يكتب من ادّعاءٍ ،وإجابةٍ ،وبيّنةٍ ، وحكم القاضي . والدّيوان قد يتضمّن السّجلّ وغيره من المحاضر ،والحجج ،والوثائق ،ول عكس . ب -المحضر : ل ،واصطلحا :ما يكتب من وقائع الدّعوى دون حكمٍ . - 3المحضر لغةً :السّج ّ والدّيوان يتضمّن -عادةً -المحضر وغيره من الوراق والوثائق .
أوّل من وضع الدّيوان في السلم : - 4أوّل من وضع الدّيوان في السلم عمر بن الخطّاب رضي ال تعالى عنه .وتفصيل ذلك في مصطلح أهل الدّيوان ( الموسوعة ج . ) 118 / 7
ما يتعلّق بالدّيوان من أحكامٍ : اتّخاذ الدّيوان :
- 5ذهب المالكيّة إلى أنّه يجوز للمام أن يجعل ديوانا أي :دفترا يجمع فيه أسماء الجند وعطاءهم . ن وضع ديوان الجند مستحبّ كما اقتضاه كلم وقال الشّافعيّة -في المعتمد عندهم : -إ ّ الشّيخين " النّوويّ والرّافعيّ " ،وكلم إمام الحرمين صريح فيه ،وهو ظاهر كلم القاضي طيّب في المحرّر ،قال صاحب النوار يستحبّ أن يضع المام دفترا ،وإن قال بعض أبي ال ّ ل تشتبه الحوال ويقع الخبط والغلط . المتأخّرين :إنّ الظّاهر الوجوب ،لئ ّ وقال الحنابلة :ينبغي للمام أن يضع ديوانا فيه أسماء المقاتلة ،وقدر أرزاقهم ضبطا لهم، ولما قدّر لهم .
ديوان الدّولة وأقسامه :
- 6ديوان الدّولة -ونحوها كالسّلطنة أو المارة أو لمملكة -وضع لحفظ ما يتعلّق بها من العمال ،والموال ،ومن يقوم بها من الجيوش والعمّال . وقسّم -في أصل وضعه -أربعة أقسامٍ - :
القسم الوّل :ما يختصّ بالجيش من إثباتٍ وعطاءٍ : - 7ذكر الماورديّ وأبو يعلى أنّ الثبات في الدّيوان معتبر بثلثة شروطٍ :وينظر تفصيلها في مصطلح ( :أهل الدّيوان ،ومصطلح :عطاء ) .
الخراج أوالخروج من ديوان الجيش :
- 8إذا أراد وليّ المر إسقاط بعض الجيش من الدّيوان لسببٍ أوجبه ،أولعذرٍ اقتضاه جاز، وإن كان لغير سببٍ لم يجز لنّهم جيش المسلمين . وإذا أراد بعض الجيش إخراج نفسه من الدّيوان جاز مع الستغناء عنه ،ولم يجز مع الحاجة ل فامتنعوا -وهم أكفاء من حاربهم - إليه ،إلّ أن يكون معذورا .وإذا جرّد الجيش لقتا ٍ سقطت أرزاقهم ،وإن ضعفوا عنهم لم تسقط . ن ورجي زوال المرض أو الجنون ولو بعد مدّةٍ طويل ٍة أعطي وبقي وإذا مرض بعضهم أو ج ّ اسمه في الدّيوان لئلّ يرغب النّاس عن الجهاد ويشتغلوا بالكسب ،فإنّهم ل يأمنون هذه العوارض باتّفاق الشّافعيّة والحنابلة . وإن لم يرج زوال المرض أو الجنون ،فقال الحنابلة :يخرج من الدّيوان ويسقط سهمه ، ل قد عدم ،وهو الظهر عند الشّافعيّة ،ويعطى الكفاية اللّائقة به ،ومقابل لنّه في مقابل عم ٍ الظهر عندهم أنّه ل يعطى لعدم رجاء نفعه ،أي :ل يعطى من أربعة أخماس الفيء المعدّة للمقاتلة ،ولكن يعطى من غيرها إن كان محتاجا .
القسم الثّاني :ما يختصّ بالعمال من رسومٍ وحقوقٍ : - 9وبيانه من جوانب : الوّل :تحديد العمل بما يتميّز به عن غيره ،وتفصيل نواحيه الّتي تختلف أحكامها ،فيجعل ل بلدٍ إذا اختلفت أحكامها . لكلّ بلدٍ حدّا ل يشاركه فيه غيره ،ويفصّل نواحي ك ّ الثّاني :بيان حال البلد هل فتح عنوةً أو صلحا وما استقرّ عليه حكم أرضه من عشرٍ أو ن العشر على الزّرع دون خراجٍ ،فإن كان جميعه أرض عشرٍ لم يلزم إثبات مساحاته ،ل ّ المساحة ،ويكون ما استؤنف زرعه مرفوعا إلى ديوان العشر ل مستخرجًا منه ،ويلزم تسمية أربابه عند رفعه إلى الدّيوان ،لنّ وجوب العشر فيه معتبر بأربابه دون رقاب الرضين ،وإذا رفع الزّرع بأسماء أربابه ذكر مبلغ كيله وحال سقيه بسيحٍ " ماءٍ جارٍ " أو ل ،لختلف حكمه ليستوفى على موجبه . عم ٍ ن الخراج على المساحة ،فإن كان هذا وإن كان جميعه أرض خراجٍ لزم إثبات مساحاته ،ل ّ الخراج في حكم الجرة لم يلزم تسمية أرباب الرضين ،لنّه ل يختلف بإسلمٍ ول بكفرٍ ، وإن كان الخراج في حكم الجزية لزم تسمية أربابهم ووصفهم بإسلمٍ أو كفرٍ ،لختلف حكمه باختلف أهله .وإن كان بعضه عشرا وبعضه خراجا فصّل في ديوان العشر ما كان منه عشرا ،وفي ديوان الخراج ما كان منه خراجا ،لختلف الحكم فيهما ،وأجري على كلّ واح ٍد منهما ما يختصّ بحكمه .
الثّالث :بيان أحكام الرض الخراجيّة وما استقرّ عليها من مقاسمةٍ على الزّرع أو ورقٍ " فضّ ٍة " مق ّدرٍ على الخراج . الرّابع :ذكر من في كلّ بل ٍد من أهل ال ّذمّة وما استقرّ عليهم في عقد الجزية ،فإن كانت مختلف ًة باليسار والعسار سمّوا في الدّيوان مع ذكر عددهم ،ليختبر حال يسارهم وإعسارهم، وإن لم تختلف في اليسار والعسار جاز القتصار على ذكر عددهم ووجب مراعاتهم في كلّ عامٍ ليثبت من بلغ ويسقط من مات أو أسلم ،لينحصر بذلك ما يستحقّ من جزيتهم . ل جنسٍ ، الخامس :ذكر أجناس المعادن في البلد -إن كان من بلدان المعادن -وعدد ك ّ ليستوفى حقّ المعدن منها . السّادس :إن كان البلد ثغرًا يتاخم دار الحرب وكانت أموال الكفّار قد دخلت دار السلم معشورةً عن صلحٍ استقرّ معهم وأثبت في ديوان عقد صلحهم وقدّر المأخوذ منهم من عشرٍ ، أو خمسٍ ،أو زيادةٍ ،أو نقصانٍ ،فإن كان يختلف باختلف المتعة ،والموال فصّلت فيه ، وكان الدّيوان موضوعًا لخراج رسومه ،ولستيفاء ما يرفع إليه من مقادير المتعة المحمولة إليه .
القسم الثّالث :ما يختصّ بالعمّال من تقليدٍ وعزلٍ : - 10وبيانه فيما يلي : ح منه تقليد العمّال ،وهو معتبر بنفوذ المر وجواز النّظر ،وهذا الوّل :ذكر من يص ّ ل المور ،أو وزير التّفويض ،أو عامل عامّ يكون من أحد ثلثةٍ :السّلطان المستولي على ك ّ الولية كعامل إقلي ٍم أو مصرٍ عظيمٍ يقلّد في خصوص العمال عاملً . ل بعد المطالعة والستئمار . أمّا وزير التّنفيذ فل يصحّ منه تقليد عاملٍ إ ّ ل بكفايته ووثق بأمانته ،فإن كانت الثّاني :ذكر من يصحّ أن يتقلّد العمالة ،وهو من استق ّ عمالة تفويضٍ تفتقر إلى اجتهادٍ روعي فيها الحرّيّة والسلم ،وإن كانت عمالة تنفيذٍ ل اجتهاد للعامل فيها ،لم يفتقر إلى الح ّريّة والسلم . الثّالث :ذكر العمل الّذي يتقلّده ،وهذا يعتبر فيه ثلثة شروطٍ : أ -تحديد النّاحية بما تتميّز به عن غيرها . ب -تعيين العمل الّذي يختصّ بنظره فيها من جبايةٍ أو خراجٍ أو عشرٍ . ج -العلم برسوم العمل وحقوقه على تفصيلٍ ينفي عنه الجهالة . ل علم به المولّي والمولّى صحّ التّقليد ونفذ . فإذا استكملت هذه الشّروط في عم ٍ الرّابع :بيان زمان النّظر ،ول يخلو من ثلثة أحوالٍ :
أ -أن يقدّر بمدّ ٍة محصورةٍ ،فيكون التّقدير بهذه المدّة مجوّزا للنّظر فيها ،ومانعا من النّظر بعد انقضائها ،ول يكون النّظر في المدّة المقدّرة لزمًا من جهة المولّي ،وله صرفه والستبدال به إن رأى ذلك صلحا . ب -أن يقدر بالعمل ،فيقول المولّي :قلّدتك خراج ناحية كذا في هذه السّنة ،أو قلّدتك صدقات بلد كذا في هذا العام ،فتكون مدّة نظره مقدّرةً بفراغه عن عمله ،فإذا فرغ انعزل عنه ،وهو قبل فراغه يجوز أن يعزله المولّي ،وعزله لنفسه معتبر بصحّة جاريه وفساده . ج -أن يكون التّقليد مطلقا فل يقدّر بمدّةٍ ول عملٍ ،فيقول المولّي مثلً :قلّدتك خراج الكوفة ،أو أعشار البصرة ،أو حماية بغداد ،وهو تقليد صحيح وإن جهلت مدّته . الخامس :في جاري ( مقابل ) العامل على عمله ،ول يخلو من ثلثة أحوالٍ : أ -أن يسمّي معلوما ،فيستحقّ المسمّى إذا وفّى العمالة حقّها ،فإن قصّر فيها روعي تقصيره ،وإن زاد في العمل روعيت الزّيادة . ب -أن يسمّي مجهولً ،فيستحقّ جاري مثله فيما عمل ،فإن كان جاري العمل مقدّرا في الدّيوان ،وعمل به جماعة من العمّال ،صار ذلك القدر هو جاري المثل ،وإن لم يعمل به إلّ واحدًا لم يصر ذلك مألوفا في جاري المثل . ل ول بمعلومٍ ،وفيما يستحقّه خلف :قال الماورديّ :اختلف ج -أن ل يسمّى بمجهو ٍ الفقهاء في استحقاقه الجاري مثله على عمله على أربعة مذاهب قالها الشّافعيّ وأصحابه . فمذهب الشّافعيّ أنّه ل جاري له على عمله ويكون متطوّعا به حتّى يسمّي جاريا معلوما أو ض. مجهولً لخل ّو عمله من عو ٍ وقال المزنيّ :له جاري مثله وإن لم يسمّه ،لستيفاء عمله عن إذنه . وقال ابن سريجٍ :إن كان مشهورا بأخذ الجاري على عمله فله جاري مثله ،وإن لم يشهر بأخذ الجاري عليه فل جاري له . وقال المروزيّ من أصحاب الشّافعيّ :إن دعي إلى العمل في البتداء ،أو أمر به ،فله جاري مثله ،فإن ابتدأ بالطّلب فأذن له في العمل فل جاري له . ولخّص أبو يعلى رأي الحنابلة فقال :قياس المذهب أنّه إن كان مشهورا بأخذ الجاري على عمله فله جاري مثله ،وإن لم يشتهر بأخذ الجاري عليه فل جاري له ،وهو موافق لقول ابن ج من الشّافعيّة . سري ٍ وقال الماورديّ وأبو يعلى :إذا كان في عمله مال يجتبى فجاريه يستحقّ فيه ،وإن لم يكن فيه فجاريه في بيت المال مستحقّ من سهم المصالح .
ح به التّقليد كما تصحّ به السّادس :فيما يصحّ به التّقليد ،فإن كان نطقًا تلفّظ به المولّي ص ّ سائر العقود ،وإن كان عن توقيع المولّي بتقليده خطأً ل لفظًا صحّ التّقليد ،وانعقدت به الوليات السّلطانيّة إذا اقترنت به شواهد الحال ،اعتبارا بالعرف الجاري فيه ،وهذا إذا كان التّقليد مقصورا عليه ل يتعدّاه إلى استنابة غيره فيه ،ول يصحّ إن كان عامّا متعدّيا .
كاتب الدّيوان : - 11كاتب الدّيوان هو صاحب ذمامه . والمعتبر في صحّة وليته شرطان :العدالة ،والكفاية . ق بيت المال والرّعيّة ،فاقتضى أن يكون في العدالة أمّا العدالة :فلنّه مؤتمن على ح ّ والمانة على صفة المؤتمنين . وأمّا الكفاية :فلنّه مباشر لعملٍ يقتضي أن يكون في القيام به مستقلّا بكفاية المباشرين .فإذا صحّ تقليد الكاتب فالّذي ندب له ستّة أشياء : ن ينثلم به أولً -حفظ القوانين على الرّسوم العادلة من غير زياد ٍة تتحيّف بها الرّعيّة أو نقصا ٍ حقّ بيت المال . ثانيا -استيفاء الحقوق ممّن وجبت عليه من العاملين ،ومن القابضين لها من العمّال . ثالثا -إثبات الرّفوع ،وينقسم ثلثة أقسامٍ . أ -رفوع المساحة والعمل ..فإن كانت أصولها مقدّر ًة في الدّيوان اعتبر صحّة الرّفع بمقابلة الصل ،وأثبت في الدّيوان إن وافقها ،وإن لم يكن لها في الدّيوان أصول عمل في إثباتها على قول رافعها . ب -رفوع قبضٍ واستيفاءٍ ..فيعمل في إثباتها على قول رافعها ،لنّه يقرّ بها على نفسه ل لها . ج -رفوع الخراج والنّفقة .فرافعها م ّدعٍ لها فل تقبل دعواه إلّ بالحجج البالغة . رابعا -محاسبة العمّال ..ويختلف حكمها باختلف ما تقلّدوه ،فإن كانوا من عمّال الخراج لزمهم رفع الحساب ،ووجب على كاتب الدّيوان محاسبتهم على صحّة ما رفعوه ،وإن كانوا من عمّال العشر لم يلزمهم على مذهب الشّافعيّ رفع الحساب ،ولم يجب على كاتب الدّيوان ن العشر عنده صدقة ل يقف مصرفها على اجتهاد الولة ،ولو تفرّد أهلها محاسبتهم عليه ،ل ّ بمصرفها أجزأت ،ويلزمهم على مذهب أبي حنيفة رفع الحساب ،ويجب على كاتب الدّيوان ن مصرف الخراج والعشر عنده مشترك . محاسبتهم عليه ،ل ّ خامسا -إخراج الموال ..ول يخرج منها إلّ ما علم صحّته ،ول يبتدئ بذلك حتّى يستدعى منه .
سادسا -تصفح الظّلمات ..وهو مختلف بحسب اختلف المتظلّم : فإن كان المتظلّم من الرّعيّة تظلّم من عاملٍ تحيّفه في معاملةٍ ،كان صاحب الدّيوان فيها حاكما بينهما ،وجاز له أن يتصفّح الظّلمة ويزيل التّحيّف ،لنّه مندوب لحفظ القوانين واستيفاء الحقوق ،فصار بعقد الولية مستحقّا لتصفّح الظّلمات . وإن كان المتظلّم عاملً جوزف في حسابه أو غولط في معاملته ،صار صاحب الدّيوان خصما في الظّلمة ،وكان المتصفّح لها وليّ المر .
أهل الدّيوان : - 12أهل الدّيوان هم الّذين يعطون من الدّيوان عطاءً ويأخذون منه رزقا . وفي بيان أصنافهم ،وشروط إثباتهم في الدّيوان ،والضّابط للمصارف .تفصيل ينظر في مصطلح ( :أهل الدّيوان ) .
عقل الدّيوان عن أهله :
- 13يتحمّل الدّيوان الدّية الّتي تجب بذات القتل إذا كان القاتل واحدا من أهل الدّيوان ..على تفصيلٍ وخلفٍ ينظر في ( :أهل الدّيوان ،ودية ،وعاقلة ) .
ديوان القاضي : - 14هو ما فيه وثائق النّاس من المحاضر والسّجلّات وغيرها . وأوّل ما يبدأ به القاضي إذا تقلّد أن يطلب ديوان القاضي قبله ،لنّ الدّيوان وضع ليكون حجّةً عند الحاجة ،فيجعل في يد من له ولية القضاء ،ولنّه الساس الّذي يبني عليه ن الدّيوان كان في القاضي حكمه ،ويلزم القاضي السّابق تسليمه إلى القاضي الّذي خلفه ،ل ّ يده بحكم الولية ،وقد صارت إلى القاضي الجديد . ولمزيدٍ من التّفصيل ينظر ( :قضاء ) .
ديوان الرّسائل :
- 15استحدث هذا الدّيوان عندما ضعفت اللّغة ،وفسدت اللسن ،فاحتاج أولو المر إلى من يكتب الكتب عنهم بألفاظٍ بليغةٍ مؤثّر ٍة تفي بالمراد .
ذات عرقٍ * التّعريف : ع ْرقٍ بكسر العين المهملة وإسكان الرّاء بعدها قاف ،ميقات أهل العراق ومن يمرّ - 1ذات ِ بها من أهل الفاق ،وهي على مرحلتين من مكّة .
اللفاظ ذات الصّلة :
ق ألفاظ وهي :جميع المواقيت المعروفة ،وإحرام . - 2يتّصل بذات عر ٍ وتفصيل ذلك في ( :إحرام ،وحجّ ،وميقات ) .
ي ومواطن البحث : الحكم الجمال ّ ن ذات عرقٍ ميقات لهل العراق ومن يمرّ به من أهل الفاق. - 3ل خلف بين الفقهاء في أ ّ كما ل خلف بينهم في أنّ الحرام منها واجب على كلّ من مرّ بها من أهلها أو من غيرهم ، قاصدًا مكّة لداء أحد النّسكين " الحجّ والعمرة " لقوله صلى ال عليه وسلم « :هنّ لهنّ ولمن ن ممّن أراد الحجّ والعمرة » . أتى عليهنّ من غيره ّ وأمّا من قصد مكّة لغير ذلك ففيه خلف يرجع إليه في ( إحرام ) . ن المواقيت الربعة وهي ذو الحليفة والجحفة ،وقرن ول خلف بين الفقهاء أيضا في أ ّ المنازل ويلملم ،ثابت توقيتها بالنّصّ . ص أو بالجتهاد خلف . وأمّا ذات عرقٍ ،ففي ثبوت كونها ميقاتا بالنّ ّ فصحّح الحنفيّة والحطّاب من المالكيّة وجمهور الشّافعيّة والحنابلة أنّه ثابت بالنّصّ ،وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ من السّلف . وذكر مالك في المدوّنة ،والشّافعيّ في المّ أنّ توقيتها ثابت بالجتهاد ،أي باجتهاد عمر ج القائلون بثبوته بالنّصّ بأحاديث منها، رضي ال عنه ،وهو قول طاووسٍ وابن سيرين احت ّ ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي الزّبير أنّه سمع « جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما ، يسأل عن المهلّ فقال :سمعت -أحسبه رفع إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم -فقال :مهلّ ل أهل العراق من ذات عرقٍ ، أهل المدينة من ذي الحليفة والطّريق الخر الجحفة ،ومه ّ ل أهل اليمن من يلملم » . ل أهل نجدٍ من قرنٍ ،ومه ّ ومه ّ ومنها ما ورد عن عائشة رضي ال عنها « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم وقّت لهل العراق ذات عرقٍ » .قالوا :والحاديث الدّالّة على ذلك وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفةً ، ج به ،ويحمل تحديد عمر فمجموعها يقوّي بعضه بعضها ،ويصير الحديث حسنا ،ويحت ّ رضي ال عنه باجتهاده على أنّه لم يبلغه تحديد النّبيّ صلى ال عليه وسلم فحدّده باجتهاده، ص. فوافق النّ ّ ج القائلون بثبوته بالجتهاد بما أخرجه البخاريّ عن ابن عمر رضي ال عنهما قال : واحت ّ « لمّا فتح هذان المصران " أي البصرة والكوفة " أتوا عمر فقالوا :يا أمير المؤمنين إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حدّ لهل نجدٍ قرنا وهو جَوْر " أي ميل " عن طريقنا ،وإنّا إن أردنا قرنا شقّ علينا قال :فانظروا حذوها من طريقكم ،فح ّد لهم ذات عرقٍ » .
هذا والحكام الخاصّة بذات عرقٍ وغيرها من المواقيت المكانيّة يذكرها الفقهاء في الحجّ ويبحث عنها أيضا في مصطلح ( :إحرام ،وميقات ) .
ذؤابة * التّعريف : - 1من معاني الذّؤابة في اللّغة :الضّفيرة من الشّعر إذا كانت مرسل ًة ،وطرف العمامة ، والجمع الذّؤابات والذّوائب .ويستعمل الفقهاء الذّؤابة بهذين المعنيين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العقيصة :
- 2العقيصة هي الضّفيرة من الشّعر إذا كانت ملويّ ًة . ن الذّؤابة هي الضّفيرة من الشّعر إذا كانت مرسلةً . وتختلف العقيصة عن الذّؤابة في أ ّ ب -الضّفيرة والضّميرة والغديرة : - 3قال النّوويّ نقلً عن الزهريّ :الضّفائر والضّمائر والغدائر هي الذّوائب إذا أدخل بعضها في بعضٍ نسجا . ج -العذبة : - 4قال القسطلّانيّ :العذبة الطّرف ،كعذبة السّوط واللّسان أي :طرفهما . فالطّرف العلى يسمّى عذبة من حيث اللّغة ،وإن كان مخالفا للصطلح العرفيّ الن . والذّؤابة شرعا :هي طرف العمامة المرسل على العنق فأسفل ،ول فرق بين أن يكون المرسل الطّرف العلى أوالسفل . فالعذبة بالمعنى الصطلحيّ والذّؤابة لفظان مترادفان بمعنىً واحدٍ ،إذ الذّؤابة عند الفقهاء هي طرف العمامة المرخى .
الحكام المتعلّقة بالذّؤابة : أوّلً :بمعنى الضّفيرة : أ -جعل الشّعر ذؤابةً :
- 5اتّخاذ شعر الرّأس أفضل من إزالته ،إلّ أن يشقّ إكرامه ،وينتهي لرجلٍ إلى أذنيه ،أو إلى منكبيه كشعره صلى ال عليه وسلم ول بأس بزيادةٍ على المنكبين وجعله ذؤابةً . ب « قالت :قدم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقد روى التّرمذيّ عن أمّ هانئٍ بنت أبي طال ٍ مكّة قدمةً وله أربع غدائر » . قال صاحب المرقاة :الغدائر جمع غدير ٍة بمعنى ضفير ٍة ،ويقال لها ذؤابة أيضا .
ب -نقض الذّوائب عند الغسل : ل ذوائبها عند الغسل إذا - 6يرى جمهور الفقهاء أنّه ليس على المرأة أن تنقض ضفائرها وتب ّ بلغ الماء أصول شعرها ،لحديث « أمّ سلمة رضي ال عنها قالت :قلت يا رسول اللّه :إنّي امرأة أشدّ ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال :ل ،إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلث حثياتٍ ثمّ تفيضين عليك الماء فتطهرين » ،وفي رواي ٍة « :أفأنقضه للحيضة والجنابة ن في النّقض عليها حرجا ،وفي الحلق مثلةً فسقط . فقال :ل » ول ّ ويشترط المالكيّة لسقوط وجوب نقض الشّعر المضفور بجانب كون الشّعر رخوا بحيث يدخل الماء وسطه أن يكون مضفورا بنفسه أوبخيطٍ أو خيطين . أمّا ما ضفر من الشّعر بخيوطٍ كثير ٍة فيجب نقضها في الوضوء ،وكذا في الغسل اشتدّت أم ل ،كما أنّه يجب نقض الضّفر إذا اشتدّ بنفسه في الغسل خاصّةً ،وأمّا الخيط والخيطان فل ل أن يشتدّا . يضرّان في وضوءٍ ول غسلٍ إ ّ قال الحنابلة :تنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض وليس عليها نقضه من الجنابة إذا س. أروت أصوله ،وهذا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن وطاوو ٍ قال مهنّا :سألت أحمد عن المرأة تنقض شعرها إذا اغتسلت من الجنابة ؟ فقال :ل ،فقلت له :في هذا شيء ؟ قال :نعم -حديث أمّ سلمة .قلت :فتنقض شعرها من الحيض ؟ قال : نعم ،قلت له :وكيف تنقضه من الحيضة ول تنقضه من الجنابة ؟ فقال :حديث أسماء عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :ل تنقضه » . قال ابن قدامة :ل يختلف المذهب في أنّه ل يجب نقض الشّعر من الجنابة ،وأمّا نقضه للغسل من الحيض فاختلف أصحابنا في وجوبه ،فمنهم من أوجبه وهو قول الحسن وطاووسٍ ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال لها ،إذا كانت لما روي « عن عائشة رضي ال عنها أ ّ حائضا :انقضي رأسك وامتشطي » ول يكون المشط إلّ في شعرٍ غير مضفورٍ ،وفي ن الصل وجوب نقض الشّعر ليتحقّق وصول رواي ٍة « :انقضي شعرك واغتسلي » ،ول ّ الماء إلى ما يجب غسله فعفي عنه في غسل الجنابة لنّه يكثر فيشقّ ذلك فيه والحيض بخلفه ب غير واجبٍ ، فبقي على مقتضى الصل في الوجوب ،وقال بعض الحنابلة :هذا مستح ّ وهو قول أكثر الفقهاء .قال ابن قدامة :وهو الصّحيح إن شاء اللّه . وروى الحسن عن أبي حنيفة -فيما هو مقابل للصّحيح -أنّه قال :إنّ المرأة تسبل ذوائبها ل بلّ ٍة عصرة ليبلغ الماء شعب قرونها . ثلثا مع ك ّ ح أنّه غير واجبٍ للحصر المذكور في الحديث . وقال ابن الهمام والعينيّ :والص ّ ل حالٍ . قال النّخعيّ :يجب نقض الضّفائر بك ّ
هذا ،وقال جمهور الفقهاء :ولو كان لرجلٍ شعر مضفور فهو كالمرأة في ذلك فل يجب عليه نقض شعره إذا كان رخوا بحيث يدخل الماء وسطه . وقال الصّدر الشّهيد من الحنفيّة :إذا أضفر الرّجل شعره يجب إيصال الماء إلى انتهاء الشّعر قال العينيّ :والحتياط إيصال الماء .
ثانيا -بمعنى طرف العمامة : أ -إرخاء الذّؤابة
سنّة ،فقد جاء في إرخاء الذّؤابة أحاديث كثيرة ،منها صحيح ومنها - 7إرخاء الذّؤابة من ال ّ حسن ،ناصّة على فعله صلى ال عليه وسلم لرخاء الذّؤابة لنفسه ولجماع ٍة من أصحابه وعلى أمره به . فقد أخرج التّرمذيّ من حديث عمر رضي ال عنهما أنّه قال « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه » . ف قال « :عمّمني رسول اللّه صلى ال عليه وأخرج أبو داود من حديث عبد الرّحمن بن عو ٍ وسلم فسدلها من بين يديّ ومن خلفي » . قال ابن رسلن في شرح السّنن عند ذكر حديث عبد الرّحمن :وهي الّتي صارت شعار سنّة ،يعني إرسال العمامة على الصّدر .وقال :وفي الحديث النّهي الصّالحين المتمسّكين بال ّ عن العمامة المقعّطة .قال أبو عبيدٍ :المقعّطة :الّتي ل ذؤابة لها ول حنك . قال النّوويّ :يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ،ول كراهة في واحدٍ منهما ، ح في النّهي عن ترك إرسالها شيء . ولم يص ّ وقد استدلّ على جواز ترك العذبة ابن القيّم في الهدي بحديث جابرٍ عند مسلمٍ أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « دخل مكّة وعليه عمامة سوداء » بدون ذكر الذّؤابة ،قال :فدلّ على ن الذّؤابة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه . أّ
كيفيّة إرخاء الذّؤابة : - 8لقد وردت عدّة أحاديث في كيفيّة إرخاء الذّؤابة : ل على إرخائها بين الكتفين كحديث ابن عمر الّذي سبق ذكره وحديث أبي موسى فمنها ما يد ّ ن جبرائيل نزل على النّبيّ صلى ال عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى ذؤابته من «إّ ورائه » . وباستحباب إرخاء الذّؤابة بين الكتفين يقول الحنفيّة والحنابلة وأكثر الشّافعيّة وابن العربيّ من المالكيّة .
ومن الحاديث ما يدلّ على إرخاء الذّؤابة بين يدي المعت ّم ومن خلفه كحديث عبد الرّحمن بن ف قال « :عمّمني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فسدلها من بين يديّ ومن خلفي » . عو ٍ وسئل مالك عن إرخاء العمامة بين الكتفين قال :لم أر أحدا ممّن أدركته يرخي بين كتفيه إلّ عامر بن عبد اللّه بن الزّبير وليس ذلك بحرامٍ ولكن يرسلها بين يديه وهو أكمل . ن هناك أحاديث تدلّ على إرخاء الذّؤابة من الجانب اليمن كحديث أبي إمامة قال « : كما أ ّ كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل يولّي واليا حتّى يعمّمه ويرخي لها من جانبه اليمن نحو الذن » . أمّا إرخاء الذّؤابة من الجانب اليسر فقد قال الحافظ الزّين العراقيّ :المشروع من اليسر ، ولم أر ما يدلّ على تعيين اليمن إلّ في حديث أبي أمامة -المذكور آنفا -بسندٍ فيه ضعف عند الطّبرانيّ في الكبير .وقال :وعلى تقدير ثبوته فلعلّه كان يرخيها من الجانب اليمن ثمّ يردّها من الجانب اليسر .
ب -مقدار الذّؤابة : - 9اختلف الفقهاء في مقدار الذّؤابة :منهم من قدّر ذلك بشبرٍ ،ومنهم من قال إلى وسط الظّهر ومنهم من قال إلى موضع الجلوس . وقال بعض الحفّاظ :أقلّ ما ورد في طول الذّؤابة أربع أصابع ،وأكثر ما ورد ذراع ، وبينهما شبر .هذا وإطالة الذّؤابة كثيرا من السبال المنهيّ عنه . قال النّوويّ والجمل من الشّافعيّة :إرسال العذبة إرسالً فاحشا كإرسال الثّوب يحرم للخيلء ويكره لغيره .فقد ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :السبال في الزار والقميص والعمامة ،من جرّ منها شيئا خيلء ل ينظر اللّه إليه يوم القيامة » . قال ابن بطّالٍ :وإسبال العمامة المراد به إرسال العذبة زائدا على ما جرت به العادة وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كلّ ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللّباس من الطّول والسّعة .قال الصّنعانيّ :وينبغي أن يراد بالمعتاد ما كان في عصر النّبوّة .
التّعريف :
ذبائح *
- 1الذّبائح جمع ذبيحةٍ -وهي الحيوان المذبوح -مأخوذة من الذّبح -بفتح الذّال -وهو مصدر ذبح يذبح كمنع يمنع . ويطلق الذّبح في اللّغة على الشّقّ وهو المعنى الصليّ ،ثمّ استعمل في قطع الحلقوم من ن عند النّصيل ،وهذا المعنى ذكره صاحب اللّسان ،والحلقوم هو مجرى النّفَس -بفتح باط ٍ
الفاء -والمراد بالباطن مقدّم العنق ،والّنصِيل -بفتح النّون وكسر الصّاد -مفصل ما بين العنق والرّأس تحت اللّحيين . وللذّبح في الصطلح ثلثة معانٍ : الوّل :القطع في الحلق ،وهو ما بين الّلبّة واللّحيين من العنق " والّلبّة " بفتح اللّام هي الثّغرة بين التّرقوتين أسفل العنق " واللّحيان " مثنّى اللّحي بفتح اللّام وهما العظمان اللّذان يلتقيان في الذّقن ،وتنبت عليهما السنان السّفلى . والفقهاء يريدون هذا المعنى حين يقولون مثلً " :يستحبّ في الغنم ونحوها الذّبح " أي أن تقطع في حلقها ل في لبتّها . الثّاني :القطع في الحلق أو الّلبّة وهذا أعمّ من الوّل لشموله القطع في الّلبّة ،والفقهاء ن الحياة المستقرّة هي ما فوق حركة المذبوح وهي يريدون هذا المعنى حينما يقولون :إ ّ الحركة الشّديدة الّتي يتحرّكها الحيوان حينما يقارب الموت بعد القطع ،سواء أكان ذلك القطع في حلقه أم في لبتّه ومن ذلك قوله تعالى َ { :ومَا ُذبِحَ عَلَى الّنصُبِ } فإنّه يشمل ما قطع في حلقه وما قطع في لبتّه . الثّالث :ما يتوصّل به إلى حلّ الحيوان سواء أكان قطعا في الحلق أم في الّلبّة من حيوانٍ مقدورٍ عليه ،أم إزهاقا لروح الحيوان غير المقدور عليه بإصابته في أيّ موضعٍ كان من جسده بمح ّددٍ أوبجارحةٍ معلّم ٍة . وهذا المعنى أعمّ من سابقيه ،وهو المراد في قول الفقهاء " ل تحلّ ذبيحة المشرك " فالمراد كلّ ما أصابه المشرك في حلقه أو لبّته إن كان مقدورا عليه ،أو في أيّ موضعٍ كان من جسده إن كان غير مقدورٍ عليه .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -النّحر : - 2يستعمل النّحر في اللّغة اسما ومصدرا وذلك أنّه يطلق على أعلى الصّدر وموضع القلدة منه ،والصّدر كلّه ،ويطلق على الطّعن في لبّة الحيوان ،لنّها مسامتة لعلى صدره ،يقال :نحر البعير ينحره نحرا . والنّحر في الصطلح الطّعن في الّلبّة أيضا فهو مقابل للذّبح بمعناه الشّرعيّ الوّل ،ومن ذلك قول الفقهاء " يستحبّ في البل النّحر ،وفي الغنم ونحوها الذّبح " . ب -العقر :
- 3العقر بفتح العين وسكون القاف لغ ًة :ضرب قوائم البعير أو الشّاة بالسّيف وهو قائم ،ثمّ اتّسع فيه العرب حتّى استعملوه في القتل والهلك ،وربّما استعملوه في النّحر خاصّةً ،لنّ ناحر البل كان يضرب إحدى قوائمها ثمّ ينحرها . وقد استعمله الفقهاء بمعنى الصابة القاتلة للحيوان في أيّ موض ٍع كانت من بدنه إذا كان غير مقدورٍ عليه سواء أكانت بالسّهم أم بجوارح السّباع والطّير . ج -الجرح : ج َرحْتُم بِال ّنهَارِ} . - 4الجرح يطلق في اللّغة على الكسب ،ومنه قوله تعالى َ { :و َيعَْلمُ مَا َ وعلى التّأثير في الشّيء بالسّلح ،ويطلق في بعض كتب الفقه على معنى " العقر " المتقدّم . د -الصّيد : - 5الصّيد في اللّغة :مصدر صاد الوحش أو الطّير أو السّمك ،إذا أمسكها بالمصيدة أو أخذها ،ويطلق على ما صيد ،وعلى ما يصاد ،أي ما شأنه أن يصاد لمتناعه بشدّة العدو أو الطّيران أو الغوص . والفقهاء يستعملونه مصدرا ،وبمعنى ما صيد وما يصاد أيضا ،لكنّهم حينما يستعملونه مصدرا يطلقونه تارةً على إزالة منعة ما كان ممتنعا من الحيوانات ،وتار ًة على إزهاق روح ب أو صقرٍ ،فيرادف " العقر " المتقدّم ، ي المتوحّش بإرسال نحو سهمٍ أو كل ٍ الحيوان البرّ ّ وحينما يستعملونه بمعنى ما صيد يقصدون به تار ًة ما أزيلت منعته ،وتار ًة ما أزهقت روحه من الحيوان البرّيّ المتوحّش ...إلخ ،وحينما يستعملونه بمعنى ما يصاد يريدون به الحيوان البرّيّ المتوحّش .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :صيدٍ ) . هـ -التّذكية : - 6التّذكية في اللّغة :مصدر ذكّيت الحيوان أي ذبحته أو نحرته ،والذّكاة :اسم المصدر . ومعناها إتمام الشّيء والذّبح . ل أكل الحيوان البرّيّ اختيارا . وفي الصطلح :هي السّبب الموصّل لح ّ وتعرف عند الحنفيّة بأنّها السّبيل الشّرعيّة لبقاء طهارة الحيوان وحلّ أكله إن كان مأكولً ، ل. ل النتفاع بجلده وشعره إن كان غير مأكو ٍ وح ّ
أثر الذّكاة في الحيوان : ل منهما . - 7الحيوان نوعان مأكول وغير مأكولٍ وللذّكاة أثر في ك ّ
أ -أثر الذّكاة في الحيوان غير المأكول :
- 8ذهب الحنفيّة إلى أنّ الحيوان الّذي ل يؤكل :
أولً -إن كان نجسا حيّا وميّتا كالخنزير لم يقبل الذّكاة ،لنّها إنّما تفيد بقاء الطّهر ول تقلب النّجس طاهرا . ثانيا -وإن كان طاهرا حيّا وميّتا -وهو ما ليس له نفس سائلة كالنّمل والنّحل -فل حاجة ن طهره باقٍ . إلى تذكيته ،ل ّ ثالثا -وإن كان طاهرا في الحياة نجسا بالموت كالحمار الهليّ فهو صالح للتّذكية ولها فيه أثران :الوّل :بقاء طهره ولول التّذكية لتنجّس بالموت . والثّاني :حلّ النتفاع بجلده وشعره دون حاجةٍ إلى دباغٍ ( .ر :نجاسة ،دباغ ) . وصرّح المالكيّة بأنّ الذّكاة ل تعمل في غير المأكول لكن يستحبّ ذكاة ما ل يؤكل إن أيس ن ل علف فيه ،ول يرجى أخذ أحدٍ له ،وهذه الذّكاة ليست من حياته بمرضٍ أو عمًى بمكا ٍ بالمعنى الشّرعيّ لنّها للراحة ل للتّطهير . وصرّح الشّافعيّة بتحريم ذبح غير المأكول ولو لراحةٍ ،لكن لو اضطرّ إنسان لكله ،كان ذبحه أولى من سائر أنواع القتل ،لنّه أسهل لخروج الرّوح . وقال الحنابلة :ل يطهر جلد غير المأكول بالذّكاة لنّها ذكاة غير مشروعةٍ .
ب -أثر الذّكاة في الحيوان المأكول : - 9الحيوان المأكول إن كان سمكًا أو جرادًا فل حاجة إلى تذكيته ،لنّ ميتتهما طاهرة حلل ،لما رواه ابن عمر رضي ال عنهما « :أحلّت لنا ميتتان ودمان ،فأمّا الميتتان فالحوت والجراد ،وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال » . ل ميتته » . ي صلى ال عليه وسلم في البحر « :هو الطّهور ماؤه الح ّ ولقول النّب ّ وأمّا سائر الحيوانات البحريّة غير السّمك فعند الجمهور تؤكل ولو بغير تذكيةٍ ،وعند الحنفيّة ل تؤكل أصلً ولو ذكّيت . وسائر ما ل نفس له سائلة يؤكل عند الجمهور ولو بل تذكيةٍ ( .وانظر :أطعمة ) . وخالف المالكيّة فيما ليس له نفس سائلة فقالوا :إنّه ل يحلّ إلّ بالتّذكية . وإن كان الحيوان المأكول برّيّا ذا نفسٍ سائل ٍة فهو صالح للذّكاة . ل النتفاع بجلده وشعره دون دباغٍ ، ولها فيه ثلثة آثارٍ :الوّل :بقاء طهره ،والثّاني :ح ّ والثّالث :حلّ أكله .
تقسيم الذّكاة :
ن الذّكاة لها أثر في الحيوان البرّيّ الطّاهر الّذي له نفس سائلة سواء أكان مأكولً - 10سبق أ ّ ل عند الجمهور . أو غير مأكو ٍ
ب والطّيور ،أو غير مقدورٍ عليه والحيوان إمّا أن يكون مقدورا عليه كالمستأنس من الدّوا ّ كالمستوحش منها .ولهذا كانت الذّكاة نوعين : الوّل :الذّبح أو النّحر على حسب نوع الحيوان إن كان مقدورا عليه . الثّاني :الصّيد بالرّمي أو بإرسال الجارحة عند امتناع الحيوان وتوحّشه بالطّيران أو العدو ، وهو كالبدل عن الوّل ،إذ لم يجزه الشّارع إلّ عند العجز عنه رحمةً بالنّاس ورعايةً لحاجاتهم . ومن هنا انقسمت الذّكاة إلى " اختياريّ ٍة "وهي النّوع الوّل " واضطراريّ ٍة " وهي النّوع الثّاني. وقد انفرد الحنفيّة بتسمية هذين النّوعين بهذين السمين . وسمّى بعض الفقهاء النّوع الوّل ذكاة المقدور عليه ،والنّوع الثّاني ذكاة غير المقدور عليه. ن هناك نوعا آخر من الذّكاة هو ذكاة ما ليس له نفس سائلة عند المالكيّة ،وبقي ومضى أ ّ نوع يقول به بعض الفقهاء وهو ذكاة الجنين بذكاة أمّه . فجملة النواع اتّفاقا واختلفا أربعة هي :الذّكاة الختياريّة ،والذّكاة الضطراريّة ،وذكاة ما ليس له نفس سائلة ،وذكاة الجنين تبعا لمّه .
النّوع الوّل من أنواع الذّكاة : الذّكاة الختياريّة : أ -حقيقتها :
- 11حقيقة الذّكاة الختياريّة الذّبح فيما يذبح وهو ما عدا البل من الحيوانات المقدور عليها ،والنّحر فيما ينحر وهو البل خاصّ ًة ،وتخصيص الذّكاة الختياريّة بالذّبح أو النّحر واجب فل يجوز العدول عنها في المقدور عليه بل خلفٍ . قال عمر بن الخطّاب رضي ال عنه « :الذّكاة في الحلق والّلبّة لمن قدر ،وذر النفس حتّى س قال « :الذّكاة في الحلق والّلبّة » . تزهق » .وعن ابن عبّا ٍ والمقصود بالذّكاة في كلم عمر وابن عبّا سٍ -رضي ال عنهم -ذكاة المقدور عليه ،ل نّ لغير المقدور عليه صفةً أخرى ذكرت في أحاديث الصّيد . وتخصيص البل بالنّحر وما عداها بالذّبح مستحبّ عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ل واجب، ن اللّه تعالى ذكر في البل النّحر ،وفي البقر والغنم الذّبح فقال : ووجه استحبابه أ ّ حرْ } .وقال ِ { :إنّ الّلهَ َي ْأ ُم ُركُمْ َأنْ َت ْذ َبحُو ْا بَ َقرَةً } . { َفصَلّ ِل َر ّبكَ وَا ْن َ عظِي ٍم } .والذّبح -بكسر الذّال -بمعنى المذبوح وهو الكبش الّذي وقال َ { :و َف َد ْينَا ُه ِب ِذبْحٍ َ ن الصل في الذّكاة إنّما هو السهل على الحيوان ،وما فدي به إسماعيل عليه السلم ،ول ّ
فيه نوع راحةٍ له فهو أفضل ،والسهل في البل النّحر لخل ّو لبّتها عن اللّحم واجتماع اللّحم فيما سواها ،والبقر والغنم ونحوها جميع عنقها ل يختلف . وألحق الشّافعيّة بالبل سائر ما طال عنقه كالو ّز والبطّ وما قدر عليه من النّعام . وأوجب المالكيّة النّحر في البل لقوله تعالى { :فَصَلّ ِل َر ّبكَ وَا ْنحَرْ } وقاسوا على البل ما قدر عليه من الزّرافيّ والفيلة . وأجازوا الذّبح والنّحر -مع أفضليّة الذّبح -في البقر لورود الذّبح فيه في قوله تعالى : ن عنق البقرة لمّا { ِإنّ الّلهَ َي ْأ ُم ُركُمْ َأنْ َت ْذ َبحُو ْا بَ َقرَةً } ،وأمّا النّحر فقد قيل في تعليله عندهم :إ ّ كان فوق الشّاة ودون عنق البعير جاز فيها المران جميعا الذّبح والنّحر ،لقرب خروج الدّم من جوفها بالذّبح ،والنّحر فيه أخفّ ،ولم يجز الذّبح في البعير لبعد خروج الدّم من جوفها بالذّبح . وقاسوا عليه ما قدر عليه من بقر الوحش وحمره وخيله وبغاله ،وأوجبوا الذّبح فيما عدا هذه الصناف الثّمانية .
ب -الحكمة في اشتراطها : - 12الحكمة في اشتراط التّذكية أنّ الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدّم المسفوح ،ول ل بالذّبح أو النّحر ،وأنّ الشّرع إنّما ورد بإحلل الطّيّبات خاصّ ًة قال تعالى { : يزول إ ّ حرّمُ طيّبَاتِ َو ُي َ ل َل ُهمُ ال ّ ط ّيبَاتُ } وقال تعالى َ { :و ُيحِ ّ ل ُأحِلّ َل ُكمُ ال ّ سأَلُو َنكَ مَاذَا ُأحِلّ َل ُهمْ قُ ْ َي ْ خبَآئِثَ } .ول يطيب إلّ بخروج الدّم وذلك بالذّبح أو النّحر ،ولهذا حرّمت الميتة ، عََل ْي ِهمُ ا ْل َ ن المحرّم وهو الدّم المسفوح فيها قائم ،ولذا ل يطيب مع قيامه ،ولهذا يفسد في أدنى مدّةٍ لّ ل يفسد في مثلها المذبوح ،وكذا المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إذا لم تدرك حيّةً ،فتذبح أو تنحر . ومن الحكمة أيضا التّنفير عن الشّرك وأعمال المشركين ،وتمييز مأكول الدميّ عن مأكول السّباع ،وأن يتذكّر النسان إكرام اللّه له بإباحة إزهاق روح الحيوان لكله والنتفاع به بعد موته .
ج -تقسيم الذّكاة الختياريّة :
ح ونحرٍ ،ولكلّ منهما حقيقة - 13تنقسم الذّكاة الختياريّة -كما علم من حقيقتها -إلى ذب ٍ وشرائط وآداب ومكروهات .
أوّلً الذّبح :حقيقة الذّبح : - 14حقيقة الذّبح قطع الوداج كلّها أو بعضها في الحلق على حسب اختلف المذاهب . ن الوداج أربعة وهي :الحلقوم ،والمريء ،والعرقان اللّذان يحيطان بهما وبيان ذلك أ ّ
ويسمّيان " الودجين " .فإذا فرى ذلك كلّه فقد أتى بالذّكاة بكمالها .وإن فرى بعضا دون بعضٍ ففيه خلف . فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا قطع الحلقوم والمريء حلّ إذا استوعب قطعهما ،لنّ الذّبح إزالة الحياة ،والحياة ل تبقى بعد قطعهما عاد ًة وقد تبقى بعد قطع الودجين إذ هما عرقان كسائر العروق والحياة ل تبقى بعد قطع عرقين من سائر العروق . وقال أبو حنيفة :إذا قطع أكثر الوداج ،وهو ثلثة منها -أيّ ثلث ٍة كانت -وترك واحدا ن للكثر حكم الجميع فيما بني على التّوسعة في أصول الشّرع ،والذّكاة بنيت على حلّ ،ل ّ التّوسعة حيث يكتفى فيها ببعضٍ بل خلفٍ بين الجمهور ،وإنّما اختلفوا في الكيفيّة فيقام الكثر فيها مقام الجميع . ن كلّ واحدٍ من وقال أبو يوسف :ل يحلّ حتّى يقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين ،ل ّ العروق يقصد بقطعه غير ما يقصد به الخر ،إذ الحلقوم مجرى النّفس ،والمريء مجرى الطّعام ،والودجان مجريان للدّم ،فإذا قطع أحدهما حصل بقطعه المقصود منهما ،وإذا ترك الحلقوم أو المريء لم يحصل بقطع ما سواه المقصود من قطعه . ل حتّى يقطع من كلّ واحدٍ من الربعة أكثره ،لنّه إذا قطع الكثر من وقال محمّد :ل يح ّ كلّ واحدٍ من الربعة ،فقد حصل المقصود بالذّبح وهو خروج الدّم ،لنّه يخرج به ما يخرج بقطع الجميع . وقال المالكيّة :إذا قطع جميع الحلقوم والودجين حلّ ،ول يكفي نصف الحلقوم مع جميع ح. الودجين على الص ّ وفي روايةٍ عن أحمد يشترط قطع الوداج الربعة ،اختارها أبو بكرٍ وابن البنّا وأبو مح ّمدٍ الجوزيّ وغيرهم ،وحجّتهم أنّ قطع العضاء الربعة مجمع عليه وقطع بعضها مختلف فيه، س وأبي هريرة « :نهى والصل التّحريم فل يعدل عنه إلّ بيقينٍ ،ويؤيّد ذلك حديث ابن عبّا ٍ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن شريطة الشّيطان » وهي الّتي تذبح فيقطع الجلد ول تفرى الوداج .
حكم المغلصمة : - 15المغلصمة اسم مفعولٍ من قولهم :غلصمه إذا قطع غلصمته .والغلصمة هي جوزة العنق وهي رأس الحلقوم ،وهي صفيحة غضروفيّة عند أصل اللّسان ،سرجيّة الشّكل ، مغطّاة بغشاءٍ مخاطيّ ،وتنحدر إلى الخلف لتغطية فتحة الحنجرة لقفالها في أثناء البلع . والمراد بالمغلصمة عند الفقهاء الذّبيحة الّتي انحازت الجوزة فيها لجهة البدن ،بأن يميل
الذّابح يده إلى جهة الذّقن فل يقطع الجوزة بل يجعلها كلّها منحاز ًة لجهة البدن مفصولةً عن الرّأس . ل أكلها ،وهو قول الشّافعيّة ،لنّ القطع ن المغلصمة ل يح ّ وصرّح المالكيّة في المشهور بأ ّ حينئذٍ صار فوق الحلقوم ،فإنّ الذّبح لم يكن في الحلقوم وإنّما كان في الرّأس . وفي حاشية ابن عابدين من كتب الحنفيّة ما خلصته :صرّح في " الذّخيرة " بأنّ الذّبح إذا وقع أعلى من الحلقوم ل يحلّ ،لنّ المذبح هو الحلقوم ،لكن رواية الرّستغفنيّ تخالف هذه حيث قال :هذا قول العوّام وليس بمعتبرٍ ،فتحلّ سواء بقيت العقدة ممّا يلي الرّأس أو الصّدر ،لنّ المعتبر عندنا قطع أكثر الوداج وقد وجد .وقد شنّع التقانيّ في " غاية البيان " على من شرط بقاء العقدة في الرّأس وقال :إنّه لم يلتفت إلى العقدة في كلم اللّه تعالى ول كلم رسوله صلى ال عليه وسلم بل الذّكاة بين الّلبّة واللّحيين ،وقد حصلت ،ل سيّما على قول المام من الكتفاء بثلثٍ من الربع أيّا كانت ،ويجوز ترك الحلقوم أصلً ،فبالولى إذا قطع من أعله وبقيت العقدة أسفله .
شرائط الذّبح : هي ثلثة أنواعٍ :شرائط في المذبوح ،وشرائط في الذّابح ،وشرائط في اللة .
شرائط المذبوح :
- 16يشترط لصحّة الذّبح ثلث شرائط راجعة إلى المذبوح وهي : أ -أن يكون حيّا وقت الذّبح . ب -أن يكون زهوق روحه بمحض الذّبح . ل يكون صيدا حرميّا . ج-أّ وزاد بعض المذاهب شرائط أخرى منها : د -ألّ يكون مختصّا بالنّحر .وقد صرّح بذلك المالكيّة . فجملة الشّرائط أربع . - 17أمّا الشّريطة " الولى " وهي كونه حيّا وقت الذّبح فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط الحياة المستقرّة في الذّبيح قبل الذّبح إن كان هناك سبب يحال عليه الهلك كالنخناق والتّردّي والضّرب والنّطح وأكل السّبع وخروج المعاء ،فإن لم يوجد سبب يحال عليه الهلك فإنّه يكفي وجود الحياة ولو كان الحيوان في آخر رمقٍ ،ومثّل الشّافعيّة لذلك بما لو ل أن يكون مرضه بأكل نباتٍ مضرّ . جاع الحيوان أو مرض إ ّ والحياة المستقرّة هي ما زادت عن حركة المذبوح سواء انتهت إلى حالٍ يعلم أنّها ل تعيش معه أو تعيش ،أم لم تنته إلى هذه الحال .
وجعل الشّافعيّة علمة الحياة المستقرّة -إذا لم تعلم قبل الذّبح -أن يتحرّك الحيوان بعد الذّبح حرك ًة شديدةً ،أو ينفجر منه الدّم . وقريب من ذلك ما قاله أبو يوسف ومحمّد " :ل يكتفى بقيام أصل الحياة بل ل بدّ من الحياة المستقرّة " .وروي عن أبي يوسف في بيان الستقرار روايتان :إحداهما أن يعلم أنّ المذبوح يعيش لو لم يذبح ،والثّانية أن يكون له من الحياة مقدار ما يعيش به نصف يومٍ . وروي عن مح ّمدٍ في بيان الستقرار أن يعلم أنّه يبقى من حياة ما يراد ذبحه أكثر ممّا يبقى من حياة المذبوح . ن على قول مح ّمدٍ إن لم يبق معه إلّ الضطراب وذكر الطّحاويّ قول محمّدٍ مفسّرا فقال :إ ّ ل. للموت فذبحه فإنّه ل يحلّ ،وإن كان يعيش مدّ ًة كاليوم أو كنصفه ح ّ وإنّما اشترط أبو يوسف ومحمّد استقرار الحياة لنّه إذا لم تكن للمذبوح حياة مستقرّة كان في معنى الميتة فل تلحقه الذّكاة كالميّتة حقيق ًة . وقال المالكيّة :إن لم يحدث بالحيوان ما يقتضي اليأس من بقاء حياته كفى في حلّه التّحرّك ل منهما قويّا . بعد الذّبح أو سيلن الدّم ،وإن لم يكن ك ّ ق عنقٍ ب ،أو د ّ خ بعش ٍ وإن حدث به ما يقتضي اليأس من بقاء حياته كإخفاء مرضه ،أو انتفا ٍ ل بشريطتين : ،أو سقوطٍ من شاهقٍ ،أو غير ذلك ح ّ ألّ ينفذ بذلك مقتل منه قبل الذّبح ،وأن يكون قويّ الحركة مع الذّبح أو بعده ،أو يشخب منه الدّم بعد الذّبح أي يخرج بق ّوةٍ . ونفاذ المقتل يكون عندهم بواحدٍ من خمسة أمورٍ : ل. أوّلها :قطع النّخاع ،وأمّا كسر الصّلب فليس بمقت ٍ ثانيها :قطع ودجٍ ،وأمّا شقّه بل قط ٍع ففيه قولن . ثالثها :نثر دماغٍ وهو ما تحويه الجمجمة ،وأمّا شرخ الرّأس أو خرق خريطة الدّماغ بل انتشارٍ فليس بمقتلٍ . رابعها :نثر حشو ٍة وهي ما حواه البطن من قلبٍ وكبدٍ وطحالٍ وكليةٍ وأمعاءٍ أي إزالة ما ذكر عن موضعه بحيث ل يمكن إعادته إلى موضعه . ن وجمع الجمع مصارين -وأمّا ثقب خامسها :ثقب مصيرٍ -وهو المعى ويجمع على مصرا ٍ الكرش فليس بمقتلٍ فالبهيمة المنتفخة إذا ذبحت فوجدت مثقوبة الكرش تؤكل على المعتمد . وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يكفي قيام أصل الحياة قلّت أو كثرت ،لنّه إذا ذبح في هذه الحالة فقد صار مذكّى ودخل تحت النّصّ وهو :قوله تعالى { إلّ مَا َذ ّك ْي ُتمْ } فإن علمت حياة المذبوح قبل الذّبح لم يشترط بعد الذّبح تحرّك ول خروج دمٍ ،وإن لم تعلم كأن كان المذبوح
مريضا أو منخنقا أو نطيحا أو نحو ذلك وشككنا في حياته فذبحناه فتحرّك أوخرج منه الدّم كان هذا علم ًة على الحياة فيحلّ ،والمراد بالحركة الحركة الّتي تدلّ على الحياة قبل الذّبح ، ومنها ضمّ الفم وض ّم العين وقبض الرّجل وقيام الشّعر ،بخلف فتح الفم أو العين وم ّد الرّجل ل على سبق الحياة ،والمراد بخروج الدّم سيلنه على الهيئة الّتي يسيل ونوم الشّعر فهي ل تد ّ بها دم الحيّ بعد ذبحه وهذا هو المختار للفتوى عند الحنفيّة . وقيل :الكتفاء بأصل الحياة ،وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيميّة ،لكن ظاهر كلمه اشتراط خروج الدّم ،فإنّه قال :متى ذبح الحيوان فخرج منه الدّم الحمر الّذي يخرج من المذكّى المذبوح في العادة ليس هو دم الميّت فإنّه يحلّ أكله وإن لم يتحرّك . - 18وأمّا الشّريطة " الثّانية " وهي :أن يكون زهوق روحه بمحض الذّبح :فهي مأخوذة من قول صاحب " البدائع " :ذكر ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف :لو أنّ رجلًا قطع ن رجلً فرى أوداجها والرّأس يتحرّك ،أو شقّ رجل بطنها فأخرج ما في شاةً نصفين ثمّ إ ّ جوفها وفرى رجل آخر الوداج فإنّ هذا ل يؤكل لنّ الفعل الوّل قاتل ،وذكر القدوريّ أنّ هذا على وجهين :إن كانت الضّربة ممّا يلي العجز لم تؤكل الشّاة ،وإن كانت ممّا يلي الرّأس أكلت ،لنّ العروق المشروطة في الذّبح متّصلة من القلب إلى الدّماغ ،فإذا كانت الضّربة ممّا يلي الرّأس فقد قطعها فحلّت ،وإن كانت ممّا يلي العجز فلم يقطعها فلم تحلّ . وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بما يفيد اشتراط هذه الشّريطة ،ومثّل له الشّافعيّة بما لو اقترن بذبح الشّاة مثلً نزع الحشوة ،أو نخس الخاصرة ،أو القطع من القفا فل تحلّ الشّاة لجتماع مبيحٍ ومح ّرمٍ فيغلّب المحرّم . ن سائر المذاهب ل يخالف في هذه الشّريطة ،لنّها مبنيّة على قاعد ٍة ل خلف فيها والظّاهر أ ّ وهي تغليب المحرّم على المبيح عند اجتماعهما ،بل إنّ الحنابلة زادوا على ذلك أنّه لو حدث بعد الذّبح وقبل الموت ما يعين على الهلك حرّمت الذّبيحة ،ففي " المقنع وحاشيته " من كتب الحنابلة ما خلصته أنّه إذا ذبح الحيوان ثمّ غرق أو وطئ عليه شيء يقتله مثله ففيه روايتان عن أحمد : إحداهما :ل يحلّ ،وهو المذهب لقوله صلى ال عليه وسلم في حديث عديّ بن حاتمٍ في الصّيد « :إن وقع في الماء فل تأكل » . ولقول ابن مسعو ٍد رضي ال عنه من رمى طائرا فوقع في ما ٍء فغرق فيه فل يأكله . ن الغرق سبب يقتل فإذا اجتمع ما يبيح وما يحرّم غلّب التّحريم . ول ّ والثّانية :أنّه يحلّ ،وبه قال أكثر المتأخّرين من الحنابلة ،لنّها إذا ذبحت صارت مذكّاةً حللً ،فل يضرّها ما يحدث لها بعد التّذكية وقبل تمام خروج الرّوح .
ح فتحرم الذّبيحة ،أو ل يعتبر ، وهل الذّبح بآلةٍ مسموم ٍة يعتبر من قبيل اقتران محرّمٍ ومبي ٍ سمّ إنّما يكون بعد تمام الذّبح ؟ .صرّح المالكيّة والشّافعيّة بالثّاني . ن سريان ال ّ لّ سمّ أعان على الهلك فالذّبيحة حرام ،وإلّفل. ن ال ّ وفصّل الحنابلة فقالوا :إذا غلب على ظنّه أ ّ - 19وأمّا الشّريطة " الثّالثة " - :وهي ألّ يكون المذبوح صيدا حرميّا : -فإنّ التّعرّض لصيد الحرم بالقتل والدّللة والشارة محرّم ،حقّا للّه تعالى . ن حَوِْل ِهمْ } . طفُ النّاسُ مِ ْ ح َرمًا آ ِمنًا َو ُي َتخَ ّ جعَ ْلنَا َ قال تعالى { :أَوََلمْ َيرَوْا َأنّا َ وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم في صفة مكّة « فل ينفّر صيدها » . والفعل في المحرّم شرعا ل يكون ذكاةً ،وسواء أكان مولده الحرم أم دخل من الحلّ إليه ، لنّه يضاف إلى الحرم في الحالين ،فيكون صيد الحرم ،فإن ذبح صيد الحرم كان ميتةً سواء أكان الذّابح محرما أم حللً . ولزيادة التّفصيل انظر مصطلح ( :حجّ ،وحرم ،وإحرام ) . - 20وأمّا الشّريطة " الرّابعة " :الّتي زادها المالكيّة -وهي ألّ يكون المذبوح مختصّا ص بالنّحر -وقد سبق اختلفهم فيه -يحرم فيه ن الحيوان المخت ّ بالنّحر -فخلصتها أ ّ العدول عن النّحر إلى الذّبح لغير ضرور ٍة ،ويصير المذبوح حينئذٍ ميتةً .فلو كان العدول لضرور ٍة كفقد اللة الصّالحة للنّحر ،وكالوقوع في حفرةٍ ،واستعصاء الحيوان لم يحرم ولم تحرم الذّبيحة . وخالف سائر المذاهب في هذه الشّريطة ،فجوّزوا العدول بكراه ٍة أو بل كراه ٍة كما يأتي في مكروهات الذّبح .
شرائط الذّابح : - 21يشترط لصحّة الذّبح في الجملة شرائط راجعة إلى الذّابح وهي : أ -أن يكون عاقلً . ب -أن يكون مسلما أو كتابيّا . ج -أن يكون حللً إذا ذبح صيد البرّ . د -أن يسمّي اللّه تعالى على الذّبيحة عند التّذكّر والقدرة . ل بالذّبح لغير اللّه تعالى ،وزاد المالكيّة : هـ -ألّ يه ّ و -أن يقطع من مقدّم العنق . ل يرفع يده قبل تمام التّذكية . ز -أ ّ ح -أن ينوي التّذكية .
ل أو امرأةً بالغا أو غير بالغٍ إذا كان - 22الشّريطة الولى :أن يكون عاقلً سواء كان رج ً مميّزا وهذا عند الجمهور " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وهو قول للشّافعيّة " . ن صحّة القصد إلى التّسمية عند الذّبح ل ب ّد منها ،وذلك بأن وعلّل الحنفيّة اشتراط العقل بأ ّ يكون الذّابح متمكّنا من قصد التّسمية ،وإن لم يكن قصدها واجبا ،ول تتحقّق صحّة التّسمية ممّن ل يعمل ،فل تؤكل ذبيحة المجنون والصّبيّ الّذي ل يعقل ،والسّكران الّذي ل يعقل ، ي والسّكران والمعتوه الّذين يعقلون الذّبح ويقدرون عليه فتؤكل ذبيحتهم . أمّا الصّب ّ ووجّه ابن قدامة الشتراط بأنّ غير العاقل ل يصحّ منه القصد إلى الذّبح . والظهر عند الشّافعيّة حلّ ذبيحة الصّبيّ غير المميّز ،والمجنون والسّكران مع الكراهة - ل فلنّ لهم قصدًا في الجملة ،وأمّا الكراهة فلنّهم قد يخطئون الذّبح، بخلف النّائم -أمّا الح ّ وإنّما حرّمت ذبيحة ( النّائم ) لنّه ل يتصوّر له قصد . - 23الشّريطة الثّانية :أن يكون مسلما أو كتابيّا فل تحلّ ذبيحة الوثنيّ والمجوسيّ وهذا متّفق عليه . ن المشرك يهلّل ن غير المسلم والكتابيّ ل يخلص ذكر اسم اللّه ،وذلك أ ّ ووجه اشتراطها أ ّ خنْزِيرِ حمُ ا ْل ِ حرّمَتْ عََل ْي ُكمُ ا ْل َم ْيتَةُ وَا ْل ّدمُ وََل ْ غير اللّه أو يذبح على النّصب .وقد قال تعالى ُ { : ل مَا َذ ّك ْيتُمْ َومَا سبُعُ ِإ ّ خنِ َقةُ وَا ْلمَ ْوقُوذَةُ وَا ْل ُم َت َر ّديَةُ وَال ّنطِيحَةُ َومَا َأكَلَ ال ّ َومَا أُ ِهلّ ِل َغ ْيرِ اللّ ِه بِهِ وَا ْل ُم ْن َ ُذبِحَ عَلَى الّنصُبِ } .والمجوسيّ ل يذكر اسم اللّه على الذّبيحة . وقد قال عليه الصلة والسلم في المجوس « :سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ول آكلي ذبائحهم » . والمرتدّ -ولو لديـن أهـل كتابٍـ -ل يقرّ على الدّيـن الّذي انتقـل إليـه فهـو فـي هذه المسـألة كالوثن يّ ،فإن كان المرتدّ غلما مراهقا لم تؤكل ذبيحته عند أبي حنيفة ومح ّمدٍ بناءً على أ نّ ن ردّته غير معتبرةٍ . ردّته معتبرة ،وعند أبي يوسف تؤكل بناءً على أ ّ ل ّل ُكمْ } . ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ حِ ّ طعَامُ اّلذِي َ وإنّما حلّت ذبيحة أهل الكتاب لقوله تعالى َ { :و َ والمراد مـن طعامهـم ذبائحهـم ،إذ لو لم يكـن المراد ذلك لم يكـن للتّخصـيص بأهـل الكتاب ن الطّعام غير مخت صّ معنىً ،ل نّ غير الذّبائح من أطعمة سائر الكفرة مأكول ،ولو فرض أ ّ بالذّبائح فهو اسم لما يتطعّم ،والذّبائح ممّا يتطعّم ،فيدخل تحت اسم الطّعام فيحلّ لنا أكلها .
من هو الكتابيّ : ل منهما أو حربيّا ، - 24المقصود بالكتابيّ في باب الذّبائح اليهوديّ والنّصرانيّ ذ ّميّا كان ك ّ ذكرا أو أنثى ،حرّا أورقيقا ،ل المجوسيّ .
ل يعلم دخول أوّل آبائهم في الدّين بعد بعثةٍ واشترط الشّافعيّة في كلّ من اليهود والنّصارى أ ّ ناسخ ٍة ،فاليهوديّ الّذي علمنا دخول أوّل آبائه في اليهوديّة بعد بعثة المسيح عليه السلم ل تحلّ ذبيحته ،والنّصرانيّ الّذي علمنا دخول أوّل آبائه في المسيحيّة بعد بعثة النّبيّ صلى ال ل فيكون عليه وسلم ل تحلّ ذبيحته ،لنّ الدّخول في الدّين بعد البعثة النّاسخة له غير مقبو ٍ كال ّردّة . وقال ابن تيميّة :إنّ كون الرّجل كتابيّا أو غير كتابيّ هو حكم يستفيده بنفسه ل بنسبه ،فكلّ من تديّن بدين أهل الكتاب فهو منهم ،سواء كان أبوه أو جدّه قد دخل في دينهم أم لم يدخل، وسواء أكان دخوله بعد النّسخ والتّبديل أم قبل ذلك ،وهو المنصوص الصّريح عن أحمد .
حكم ذبائح الصّابئة والسّامرة : - 25تؤكل ذبائح الصّابئة في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومح ّمدٍ ل تؤكل . فعند أبي حنيفة أنّهم قوم يؤمنون بكتابٍ ،فإنّهم يقرءون الزّبور ول يعبدون الكواكب ولكن يعظّمونها كتعظيم المسلمين الكعبة في الستقبال إليها ،إلّ أنّهم يخالفون غيرهم من أهل الكتاب في بعض دياناتهم ،وهذا ل يمنع المناكحة كاليهود مع النّصارى ،فل يمنع حلّ الذّبيحة . وعند أبي يوسف ومح ّمدٍ أنّهم قوم يعبدون الكواكب " وعابد الكواكب كعابد الوثن " فل يجوز للمسلمين مناكحتهم ول أكل ذبائحهم . وفرّق المالكيّة بين السّامرة والصّابئة فأحلّوا ذبائح السّامرة ،لنّ مخالفتهم لليهود ليست كبيرةً ،وحرّموا ذبائح الصّابئة لعظم مخالفتهم للنّصارى . ن الصّابئة فرقة من النّصارى ،والسّامرة فرقة من اليهود وتؤكل ذبائح وقال الشّافعيّة :إ ّ الصّابئة إن لم تكفّرهم النّصارى ولم يخالفوهم في أصول دينهم ،وتؤكل ذبائح السّامرة إن لم تكفّرهم اليهود ولم يخالفوهم في أصول دينهم . وقال ابن قدامة :الصّحيح أنّه ينظر في الصّابئة ،فإن كانوا يوافقون أحد أهل الكتابين في نبيّهم وكتابهم فهم منهم ،وإن خالفوهم في ذلك فليسوا من أهل الكتاب .
حكم ذبائح نصارى بني تغلب :
ل ذبائحهم ،لنّهم على دين - 26يستوي نصارى بني تغلب مع سائر النّصارى في ح ّ النّصارى ،إلّ أنّهم نصارى العرب فيتناولهم عموم الية الشّريفة . ن عليّا -رضي ال عنه -قال :ل تؤكل ذبائح نصارى العرب وحكى صاحب " البدائع " أ ّ ن ا ْل ِكتَابَ ِإلّ َأمَا ِنيّ }، ل َيعَْلمُو َ لنّهم ليسوا بأهل الكتاب ،وقرأ قوله عزّ وجلّ { َو ِم ْن ُهمْ ُأ ّميّونَ َ
س -رضي ال عنهما -قال :تؤكل ،وقرأ { َومَن َيتَوَّلهُم مّنكُ ْم فَِإنّ ُه ِم ْنهُمْ } . وأنّ ابن عبّا ٍ وينظر مصطلح ( :جزية ) .
حكم من انتقل إلى دين أهل الكتاب أو غيرهم : ن غير أهل الكتاب من الكفرة ل تؤكل ذبيحته ،لنّه لم يصر - 27إذا انتقل الكتابيّ إلى دي ٍ كتابيّا ،وهذا ل خلف فيه . وإذا انتقل الكتابيّ من دينه إلى دين أهل كتابٍ آخرين كيهوديّ تنصّر أكلت ذبيحته ،وكذا لو انتقل غير الكتابيّ من الكفرة إلى دين أهل الكتاب فإنّه تؤكل ذبيحته . ن المجوسيّ إذا تنصّر أو تهوّد يقرّ على ووافق المالكيّة على هذا الخير حيث صرّحوا بأ ّ الدّين المنتقل إليه ويصير له حكم أهل الكتاب من أكل ذبيحته وغيره من الحكام . ل ذبيحته ول ذبيحة ذ ّريّته وقال الشّافعيّة :من انتقل إلى دين أهل كتابٍ بعد بعث ٍة ناسخ ٍة ل تح ّ من بعده .
حكم المتولّد بين كتابيّ وغير كتابيّ :
- 28ذهب الحنفيّة والحنابلة في إحدى الرّوايتين إلى أنّ المولود بين كتابيّ وغير كتابيّ تؤكل ذبيحته أيّهما كان الكتابيّ الب أو المّ . وقال المالكيّة :يعتبر الب فإن كان كتابيّا تؤكل وإلّ فل ،هذا إذا كان أبا شرعيّا بخلف ن المتولّد ل يتبعه وإنّما يتبع المّ . الزّاني فإ ّ وقال الشّافعيّة :ل تؤكل ذبيحة المتولّد مطلقا ،لنّه يتبع أخسّ الصلين احتياطا .وهي رواية عن أحمد .
شرائط حلّ ذبيحة الكتابيّ : - 29قال الحنفيّة :إنّما تؤكل ذبيحة الكتابيّ إذا لم يشهد ذبحه ،ولم يسمع منه شيء ،أو شهد وسمع منه تسمية اللّه تعالى وحده ،لنّه إذا لم يسمع منه شيء يحمل على أنّه قد سمّى ن به كما بالمسلم . اللّه تعالى ،وجرّد التّسمية تحسينا للظّ ّ وإن سمع منه ذكر اسم اللّه تعالى لكنّه عنى به -عزّ وجلّ -المسيح عليه السلم تؤكل ، لنّه أظهر تسميةً هي تسمية المسلمين إلّ إذا نصّ فقال مثلً :بسم اللّه الّذي هو ثالث ثلثةٍ، فل تحلّ ،وإذا سمع منه أن سمّى المسيح وحده أو سمّى اللّه تعالى والمسيح ل تؤكل ذبيحته ل لغير اللّه به فل يؤكل . لقوله عزّ وجلّ َ { :ومَا أُ ِهلّ ِل َغ ْيرِ اللّ ِه بِهِ } .وهذا أه ّ ي إذا لم نعلم أنّه أهّل به لغير اللّه كما هو الشّأن في المسلم. ل ذبيحة الكتاب ّ وقال الشّافعيّة :تح ّ وقال المالكيّة :يشترط في ذبيحة الكتابيّ ثلث شرائط :
أ -أن يذبح ما يحلّ له بشرعنا من غنمٍ وبقرٍ وغيرهما إذا ذبح لنفسه -أي ذبح ما يملكه- وخرج بذلك ما لو ذبح اليهوديّ لنفسه حيوانا ذا ظفرٍ ،وهو ما له جلدة بين أصابعه كالبل والوزّ فل يحلّ لنا أكله . وبهذا قال الحنابلة في أحد وجهين .لكنّهم لم يقيّدوا المسألة بكون اليهوديّ ذبح لنفسه بل قالوا :لو ذبح اليهوديّ ذا ظفرٍ لم يحلّ لنا في أحد وجهين عن أحمد . والوجه الثّاني عدم التّحريم وهو الرّاجح عندهم . قال المالكيّة :فإن ذبح لمسلمٍ بأمره ففيه قولن :أرجحهما عند ابن عرفة التّحريم -كما ذكره العدويّ على الخرشيّ -سواء أكان ممّا يحرّم عليه أم ل .وفي " الشّرح الصّغير " : الرّاجح الكراهة . ي -لنّه لمّا أقدم على ذبحه ل -كما قرّره العدو ّ فإن ذبح لمسلمٍ من غير أمره فالظّاهر الح ّ الموجب لغرمه يصير كالمملوك له . ل لهما حلّ لنا ،أو ما يحرم عليهما حرم علينا ،أو ما وإن ذبح الكتابيّ لكتابيّ آخر ما يح ّ يحلّ لحدهما ويحرم على الخر .فالظّاهر اعتبار حال الذّابح . ل يذكر عليه اسم غير اللّه ،فإن ذكر عليه اسم غير اللّه كأن قال :باسم المسيح أو ب-أّ العذراء أوالصّنم لم يؤكل ،بخلف ما لو ذبحوا لنفسهم ذبيحةً بقصد أكلهم منها ولو في أعيادهم وأفراحهم ،وقصدوا التّقرّب بها لعيسى عليه السلم أوالصّليب من غير ذكر اسميهما فإنّه يحلّ لنا أكلها مع الكراهة . وبالحلّ في هذه الحالة قال أحمد في أرجح الرّوايتين عنه وهي الرّواية الّتي اختارها أكثر أصحابه ،لما روي عن العرباض بن سارية رضي ال عنه أنّه سئل عنه فقال :كلوا وأطعموني رواه سعيد ،وعن أبي أمامة وأبي الدّرداء كذلك رواهما سعيد ،ورخّص فيه طعَامُ اّلذِينَ أُوتُو ْا ا ْل ِكتَابَ حِلّ عمرو بن السود ومكحول وضمرة بن حبيبٍ لقوله تعالى َ { :و َ ّل ُكمْ } وهذا من طعامهم . وفي روايةٍ عن أحمد أنّه يحرم وإن ذكر اسم اللّه عليه . واختار ذلك الشّيخ تقيّ الدّين وابن عقيلٍ وهو قول ميمون بن مهران . وقيل :إن ذكر في هذه الصّورة اسم عيسى عليه السلم أوالصّليب ل يضرّ ،وإنّما الّذي ل به لغير اللّه . يضرّ إخراجه قرب ًة لذات غير اللّه لنّه الّذي أه ّ ل يغيب حال ذبحه عنّا إن كان ممّن يستحلّ الميتة ،إذ ل بدّ من حضور مسلمٍ عارفٍ ج-أّ بالذّكاة الشّرعيّة خوفا من كونه قتلها أونخعها أوسمّى عليها غير اللّه . ول تشترط عندهم في الكتابيّ تسمية اللّه تعالى بخلف المسلم .
ل إذا أراد ذبح صيد البرّ ،وهو الوحش - 30الشّريطة الثّالثة :عند الجمهور أن يكون حل ً طيرا كان أو دابّ ًة . ح ،أم فالمحرم يحرم عليه أن يتعرّض للصّيد الب ّريّ سواء أكان التّعرّض باصطيادٍ ،أم ذب ٍ قتلٍ ،أم غيرها ،ومحرّم عليه أيضًا أن يدلّ الحلل على صيد الب ّر أو يأمر به أو يشير إليه ، فما ذبحه المحرم من صيد البرّ ميتة ،وكذا ما ذبحه الحلل بدللة المحرم أو إشارته . ص ْيدُ ح ُرمٌ } وقال تعالى ُ { :أحِلّ َل ُكمْ َ ص ْيدَ وَأَن ُتمْ ُ ن آ َمنُو ْا لَ تَ ْقتُلُو ْا ال ّ قال تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ حرُما } . حرّمَ عََل ْي ُكمْ صَ ْيدُ ا ْل َبرّ مَا ُدمْ ُتمْ ُ سيّارَةِ َو ُ طعَامُهُ َمتَاعًا ّل ُكمْ وَلِل ّ ا ْل َبحْرِ َو َ وخرج بالصّيد :المستأنس كالدّجاج والغنم والبل ،فللمحرم أن يذكّيها ،لنّ التّحريم مخصوص بالصّيد أي بما شأنه أن يصاد وهو الوحش فبقي غيره على عموم الباحة .وعلى هذا اتّفق جميع المذاهب . - 31الشّريطة الرّابعة :ذهب الجمهور إلى اشتراط تسمية اللّه تعالى عند التّذكّر والقدرة . فمن تعمّد تركها وهو قادر على النّطق بها ل تؤكل ذبيحته -مسلما كان أو كتابيّا -ومن نسيها أو كان أخرس أكلت ذبيحته . وذلك لقوله تعالى َ { :ولَ َت ْأكُلُو ْا ِممّا َلمْ ُي ْذ َكرِ اسْ ُم اللّهِ عََليْهِ وَِإنّهُ َل ِفسْقٌ } . نهى سبحانه عن أكل متروك التّسمية وسمّاه فسقا ،والمقصود ما تركت التّسمية عليه عمدا مع القدرة ،لما روي عن ابن عبّاسٍ « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :المسلم يكفيه اسمه ،فإن نسي أن يسمّي حين يذبح فليسمّ وليذكر اسم اللّه ثمّ ليأكل » ويقاس على المسلم - ن اللّه تعالى أباح لنا طعام الّذين أوتوا الكتاب فيشترط فيهم ما في الحديث -الكتابيّ ،ل ّ يشترط فينا . ن التّسمية مستحبّة ووافقهم ابن رشدٍ من المالكيّة وهي رواية عن أحمد وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ مخالفة للمشهور لكن اختارها أبو بكرٍ -لنّ اللّه تعالى أباح لنا ذبائح أهل الكتاب بقوله تعالى ل ّل ُكمْ } وهم ل يذكرونها ،وأمّا قوله تعالى َ { :ولَ َت ْأكُلُو ْا ِممّا ن أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ حِ ّ طعَامُ اّلذِي َ { َو َ َلمْ ُي ْذكَ ِر اسْمُ الّلهِ عََليْهِ وَِإنّهُ َل ِفسْقٌ } ،ففيه تأويلن : أحدهما :أنّ المراد ما ذكر عليه اسم غير اللّه ،يعني ما ذبح للصنام بدليل قوله تعالى { : سقٌ } والحالة الّتي يكون َومَا أُ ِهلّ ِل َغ ْيرِ اللّ ِه بِهِ } وسياق الية دالّ عليه فإنّه قال { :وَِإنّ ُه لَ ِف ْ فيها فسقا هي الهلل لغير اللّه .قال تعالى { :أَ ْو فِسْقا أُهِلّ ِل َغ ْيرِ الّلهِ ِبهِ } . شيَاطِينَ َليُوحُونَ إِلَى ن ال ّ ن المراد به الميتة بدليل قوله تعالى { :وَإِ ّ ثانيهما :ما قاله أحمد أ ّ أَوِْليَآ ِئ ِهمْ ِل ُيجَادِلُو ُكمْ } وذلك لنّهم كانوا يقولون :أتأكلون ما قتلتم -أي ذكّيتم -ول تأكلون ما قتل اللّه ؟ يعنون الميتة .
ل على عدم اشتراط التّسمية ما أخرجه البخاريّ « عن عائشة -رضي ال عنها - وممّا يد ّ ن قوما يأتوننا بلحمٍ ل ندري أذكر اسم اللّه عليه ن قوما قالوا للنّبيّ صلى ال عليه وسلم :إ ّ أّ أم ل ؟ فقال :سمّوا عليه أنتم وكلوه قالت :وكانوا حديثي عهدٍ بالكفر » فلو كانت التّسمية شكّ في الشّريطة شكّ فيما شرطت له. ن ال ّ شكّ في وجودها ،ل ّ شريطةً لما حلّت الذّبيحة مع ال ّ ويشهد له ما أخرجه الدّارقطنيّ من حديث أبي هريرة قال « :سأل رجل النّبيّ صلى ال عليه وسلم الرّجل منّا يذبح وينسى أن يسمّي اللّه قال :اسم اللّه على ك ّل مسلمٍ » .وفي لفظٍ ن العبرة بعموم اللّفظ ل بخصوص ل مسلمٍ » وهذا عا ّم في النّاسي والمتعمّد ،ل ّ « على فم ك ّ السّبب . ن المسلم النّاطق العالم بالوجوب إذا تركها ن المتّفقين على اشتراط التّسمية اتّفقوا على أ ّ ثمّ إ ّ عمدًا تحرم ذبيحته . ي والخرس والسّاهي والجاهل بالوجوب . واختلفوا في الكتاب ّ ن اللّه أباح ذبائح أهل الكتاب ، ي فقد قال المالكيّة :ل تشترط في حقّه التّسمية ،ل ّ أمّا الكتاب ّ وهو يعلم أنّ منهم من يترك التّسمية .واشترطها الباقون في الكتابيّ . وأمّا الخرس فقد اشترط الحنابلة أن يشير بالتّسمية ،بأن يومئ إلى السّماء ،ولم يشترط ذلك الباقون . وأمّا السّاهي عن التّسمية فتحرم ذبيحته ،وهو رواية عن أحمد مخالفة للمشهور . وفرّع على ما ذهب إليه من تحريم ذبيحة السّاهي ،أو من ذبح ذبيح ًة لغيره بأمره فنسي أن يسمّي اللّه تعالى ،أو تعمّد ،فهو ضامن مثل الحيوان الّذي أفسد ،لنّه ميتة ،وأموال النّاس تضمن بالعمد والنّسيان . وأمّا الجاهل بوجوب التّسمية إذا تركها عمدا فهذه المسألة مختلف فيها بين الصّحابة وغيرهم من الفقهاء .فعن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن يزيد :يحرم متروك التّسمية عمدًا وسهوا . س وسعيد بن المسيّب وعبد الرّحمن بن أبي وعن ابن عبّاسٍ وإسحاق والثّوريّ وعطاءٍ وطاو ٍ ليلى وربيعة :يحرم متروك التّسمية عمدا ل سهوا . ن للتّسمية حقيقةً ،وشرائط ،ووقتا ،نذكرها في الفقرات التّالية . ثمّ إ ّ
حقيقة التّسمية : سمُ اللّهِ عََل ْيهِ - 32حقيقتها :ذكر اسم اللّه تعالى أيّ اسمٍ كان لقوله تعالى َ { :فكُلُواْ ِممّا ُذ ِكرَ ا ْ سمُ الّلهِ عََليْهِ } ...من غير فصلٍ بين ل َت ْأكُلُواْ ِممّا ُذ ِكرَ ا ْ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِ ِه مُ ْؤ ِمنِينَ َ .ومَا َل ُكمْ َأ ّ سمُ الّلهِ عََليْهِ } ...لنّه إذا ذكر الذّابح اسمًا ل َت ْأكُلُواْ ِممّا َل ْم ُيذْ َكرِ ا ْ اسمٍ واسمٍ ،وقوله َ { :و َ من أسماء اللّه لم يكن المأكول ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه فلم يكن محرّما ،وسواء أقرن
ل ،اللّه الرّحمن ،اللّه الرّحيم ونحو ذلك أم لم بالسم الصّفة بأن قال :اللّه أكبر ،اللّه أج ّ يقرن بأن قال :اللّه ،أو الرّحمن ،أو الرّحيم أو غير ذلك ،لنّ المشروط بالية ذكر اسم اللّه -عزّ شأنه -وكذا التّهليل والتّحميد والتّسبيح ،سواء أكان جاهلً بالتّسمية المعهودة أم عالما بها ،وسواء أكانت التّسمية بالعربيّة أم بغيرها ،ممّن ل يحسن العربيّة أو يحسنها ،هذا ما نصّ عليه الحنفيّة . ووافق سائر المذاهب على التّسمية المعهودة بالعربيّة ،وخالف بعضهم في إلحاق الصّيغ الخرى بها ،وبعضهم في وقوعها بغير العربيّة . ن التّسمية الواجبة هي ذكر اسم اللّه بأيّه صيغةٍ كانت من تسميةٍ أو تهليلٍ أو فالمالكيّة قالوا :إ ّ ح أو تكبيرٍ ،لكن الفضل أن يقول بسم اللّه واللّه أكبر . تسبي ٍ والشّافعيّة قالوا :يكفي في التّسمية :بسم اللّه ،والكمل :بسم اللّه الرّحمن الرّحيم . وقيل :ل يقول الرّحمن الرّحيم ،لنّ الذّبح فيه تعذيب " والرّحمن الرّحيم " ل يناسبانه . ن المذهب المنصوص عليه هو أن يقول :بسم اللّه ،ل يقوم غيرها والحنابلة قالوا :إ ّ مقامها ،لنّ إطلق التّسمية عند ذكرها ينصرف إليها ،وقيل :يكفي تكبير اللّه تعالى ونحوه كالتّسبيح والتّحميد ،وإن ذكر اسم اللّه بغير العربيّة أجزأه وإن أحسن العربيّة ،وهذا هو ن المقصود ذكر اسم اللّه تعالى ،وهو يحصل بجميع اللّغات . المذهب عندهم ،ل ّ
شرائط التّسمية : - 33يشترط في التّسمية أربع شرائط : ل عند أ -أن تكون التّسمية من الذّابح حتّى لو سمّى غيره وهو ساكت ذاكر غير ناسٍ ل يح ّ من أوجب التّسمية . ن من أراد بها التّسمية لفتتاح العمل ل يحلّ ، ب -أن يريد بها التّسمية على الذّبيحة ،فإ ّ وكذا إذا قال الحمد للّه وأراد به الحمد على سبيل الشّكر ،وكذا لو سبّح أو هلّل أو كبّر ولم يرد به التّسمية على الذّبيحة وإنّما أراد به وصفه بالوحدانيّة والتّنزّه عن صفات الحدوث ل غير .وهذا أيضا عند من أوجب التّسمية . ومن غفل عن إرادة الذّكر والتّعظيم لم تحرم ذبيحته حيث لم يرد معنىً آخر ممّا ذكرنا . ل يشوب تعظيمه تعالى بالتّسمية معنىً آخر كالدّعاء ،فلو قال " :اللّهمّ اغفر لي " لم ج-أّ يكن ذلك تسمي ًة ،لنّه دعاء ،والدّعاء ل يقصد به التّعظيم المحض ،فل يكون تسمي ًة كما ل يكون تكبيرا . ل بذلك . ن ذكر اسم اللّه عليها ل يتحقّق إ ّ د -أن يعيّن بالتّسمية الذّبيحة ل ّ
وقت التّسمية :
ن وقت التّسمية في الذّكاة الختياريّة هو وقت التّذكية ،ل - 34ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أ ّ ل ل يمكن التّحرّز عنه . ن قلي ٍ ل بزما ٍ يجوز تقديمها عليه إ ّ ن ذكر اللّه يكون عند حركة يد الذّابح ،وقال جماعة وأمّا الحنابلة فالصّحيح من مذهبهم أ ّ منهم عند الذّبح أو قبله قريبا ،فصل بكلمٍ أو ل . ل لغير اللّه بالذّبح . - 35الشّريطة الخامسة - :من شرائط الذّابح -ألّ يه ّ والمقصود هو تعظيم غير اللّه سواء أكان برفع الصّوت أم ل ،وسواء أكان معه تعظيم اللّه تعالى أم ل ،وقد كان المشركون يرفعون أصواتهم عند الذّبح بأسماء اللهة متقرّبين إليها بذبائحهم .وهي شريطة متّفق عليها لتصريح القرآن الكريم بها ،إلّ أنّ المالكيّة يستثنون الكتابيّ في بعض أحواله كما تقدّم في الشّريطة الثّانية من شرائط الذّابح ( .ر :ف . ) 29/ وللهلل لغير اللّه صور : الصّورة الولى :ذكر اسم غير اللّه عند الذّبح على وجه التّعظيم سواء أذكر معه اسم اللّه أم ل ،فمن ذلك أن يقول الذّابح :بسم اللّه واسم الرّسول فهذا ل يحلّ ،لقوله تعالى َ { :ومَا ن المشركين يذكرون مع اللّه غيره فتجب مخالفتهم بالتّجريد . أُهِلّ ِل َغ ْيرِ الّلهِ ِبهِ } ول ّ ولو قال الذّا بح -ب سم اللّه -محمّد ر سول اللّه فإن قال :ومح ّمدٍ -بالجرّ -ل يحلّ ،لنّه أشرك فـي اسـم اللّه اسـم غيره .وإن قال :ومحمّد -بالرّفـع -يحلّ ،لنّه لم يعطفـه بـل استأنف فلم يوجد الشراك ،إلّ أنّه يكره لوجود الوصل من حيث ال صّورة فيتصوّر بصورة الحرام فيكره ،هذا ما صرّح به الحنفيّة . وصرّح الشّافعيّة بأنّه لو قال :بسم اللّه واسم محمّدٍ ،فإن قصد التّشريك كفر وحرمت الذّبيحة ،وإن قصد أذبح باسم اللّه وأتبرّك باسم مح ّمدٍ كان القول مكروها والذّبيحة حللً ،وإن أطلق كان القول محرّمًا لبهامه التّشريك وكانت الذّبيحة حللً . الصّورة الثّانية :أن يقصد الذّابح التّقرّب لغير اللّه تعالى بالذّبح وإن ذكر اسم اللّه وحده على الذّبيحة ومن ذلك أن يذبح لقدوم أمي ٍر ونحوه . وفي ال ّدرّ المختار وحاشية ابن عابدين عليه ما خلصته :لو ذبح لقدوم المير ونحوه من العظماء " تعظيما له " حرمت ذبيحته ،ولو أفرد اسم اللّه تعالى بالذّكر ،لنّه أهّل بها لغير اللّه .ولو ذبح للضّيف لم تحرم ذبيحته لنّه سنّة الخليل عليه السلم ،وإكرام الضّيف تعظيم لشرع اللّه تعالى ،ومثل ذلك ما لو ذبح للوليمة أو للبيع . والفرق بين ما يحلّ وما يحرم :إن قصد تعظيم غير اللّه عند الذّبح يحرم ،وقصد الكرام ونحوه ل يحرّم .
وفي حاشية البجيرميّ على القناع " أفتى أهل بخارى بتحريم ما يذبح عند لقاء السّلطان تقرّبا إليه " . - 36الشّريطة السّادسة :الّتي انفرد بها المالكيّة :أن يقطع الذّابح من مقدّم العنق ،فل تحلّ الذّبيحة إن ضربها من القفا ،لنّها بقطع النّخاع تصير ميت ًة ،وكذا ل تحلّ إن ضربها من سكّين إلى الصّفحة صفحة العنق وبلغ النّخاع ،أمّا إن بدأ الضّرب من الصّفحة ومال بال ّ الخرى من غير قطع النّخاع ،فإنّها تؤكل . وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه لو ذبح من القفا عصى ،فإن أسرع فقطع الحلقوم والمريء وبالذّبيحة حياة مستقرّة حلّت ،لنّ الذّكاة صادفتها وهي حيّة وإلّ فل تحلّ ،لنّها صارت ميتةً فل يفيد الذّبح بعد ذلك . وقال الحنابلة :إن تعمّد ذلك ففي إحدى الرّوايتين وصحّحها ابن قدامة والمرداويّ تحلّ ، والثّانية :ل تحلّ ،وهو منصوص أحمد ومفهوم كلم الخرقيّ . ل يرفع يده قبل تمام التّذكية ،فإن - 37الشّريطة السّابعة :الّتي انفرد بها المالكيّة أيضا :أ ّ ل في صور ٍة واحدةٍ ،وهي ما لو أنفذ بعض رفع يده ففيه تفصيل ،وحاصله ،أنّه ل يضرّ إ ّ مقاتلها وعاد لتكملة الذّبح عن بعدٍ ،وما عدا هذه تؤكل اتّفاقا أو على الرّاجح . وصورة التّفاق ما إذا كانت لو تركت تعيش ،أو ل تعيش وكان الرّفع اضطرارا . وصورة الرّاجح ما إذا كانت لو تركت لم تعش وعاد عن قربٍ وكان الرّفع اختيارا . وقال الشّافعيّة :إن رفع يده مرّ ًة أو أكثر لم يضرّ إن كانت في المذبوح حياة مستقرّة عند بدء ح لم يحلّ . المرّة الخيرة ،فإن بدأها وفيه حركة مذبو ٍ - 38الشّريطة الثّامنة :ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط قصد التّذكية بأن ل الكل من الذّبيحة ،فلو قصد مجرّد موتها ينوي الذّابح التّذكية الشّرعيّة وإن لم يستحضر ح ّ أو قصد ضربها فأصاب محلّ الذّبح لم تؤكل ،وكذا إذا ترك ال ّنيّة ولو نسيانا أو عجزا لم ن الشّافعيّة يعنون بالقصد قصد الفعل كما لو صال عليه حيوان مأكول تؤكل ذبيحته .إلّ أ ّ فضربه بسيفٍ فقطع رأسه فإنّه يجوز أكله ،لنّ قصد الذّبح ل يشترط ،وإنّما يشترط قصد الفعل وقد وجد .ولتفصيل ذلك راجع ( صائل ) .
شرائط آلة الذّبح : - 39يشترط في صحّة الذّبح شريطتان راجعتان إلى آلته :أن تكون قاطعةً ،وألّ تكون سنّا أو ظفرًا قائمين . - 40الشّريطة الولى :المتّفق عليها بين الفقهاء . أن تكون قاطع ًة ،سواء أكانت حديدا أم ل ،كالمروة واللّيطة وشقّة العصا .
والزّجاج ،والصّدف القاطع ،وسواء أكانت حادّةً أم كليلةً ما دامت قاطع ًة . ج قال :قلت :يا رسول والصل في جواز التّذكية بغير الحديد ما ورد « عن رافع بن خدي ٍ اللّه ،إنّا لقوا العدوّ غدا ،وليست معنا مدىً .قال صلى ال عليه وسلم :أعجل أو أرني ، ن فعظم ،وأمّا ن والظّفر .وسأحدّثك :أمّا السّ ّ ما أنهر الدّم ،وذكر اسم اللّه فكل ،ليس السّ ّ الظّفر فمدى الحبشة » . وأمّا جواز التّذكية بالمدى الكليلة ونحوها إن كانت تقطع فلحصول معنى الذّبح والنّحر . وصرّح الشّافعيّة بأنّ الكليلة يشترط فيها ألّ يحتاج القطع بها إلى قوّة الذّابح ،وأن يقطع الحلقوم والمريء قبل انتهاء الحيوان إلى حركة مذبوحٍ . ل رواه ابن حبيبٍ عن مالكٍ إلى ألّ - 41الشّريطة الثّانية :ذهب الحنفيّة والمالكيّة في قو ٍ ن الذّابح يعتمد عليها ل الذّبيحة ،ل ّ تكون اللة سنّا أو ظفرا قائمين ،فإن كانت كذلك لم تح ّ فتخنق وتفسخ فل يحلّ أكلها . ولهذا لو كان الظّفر القائم ظفر غيره جاز وذلك بأن يأخذ الذّابح يد غيره فيمرّ ظفرها كما ن والظّفر سكّين فإنّ الذّبيحة تحلّ ،لنّها قطعت ولم تفسخ ،وخرج بقيد " قائمين " السّ ّ يم ّر ال ّ المنزوعان إذا كانا قاطعين فتجوز التّذكية بهما . ن المراد فيه بالسّنّ والظّفر القائمان ل المنزوعان ،ويؤيّده وهذا ل يعارض الحديث السّابق فإ ّ ل ما حديث الطّبرانيّ من رواية أبي أمامة قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ك ّ ن أو حزّ ظفرٍ » . أفرى الوداج ما لم يكن قرض س ّ ن والظّفر وبقيّة العظام وذهب الشّافعيّة وهو الصّحيح عند المالكيّة إلى أنّه ل تجوز الذّكاة بالسّ ّ مطلقا متّصلين كانا أو منفصلين لظاهر حديث الصّحيحين السّابق . ن والظّفر ،وفي العظم روايتان عن أحمد ،والمذهب الجواز . وقال الحنابلة ل يجوز بالسّ ّ والقول الثّالث عند المالكيّة :أنّه تجوز الذّكاة مطلقا بالسّنّ والظّفر منفصلين ومتّصلين . ن مطلقا . والقول الرّابع عند المالكيّة جواز الذّكاة بالظّفر مطلقا وكراهيتها بالسّ ّ ك أيضا جواز الذّكاة بالعظم مطلقا . وروي عن مال ٍ ل أقوال المالكيّة أن توجد آلة معهما غير الحديد فإن وجد الحديد تعيّن وإن لم توجد آلة ومح ّ سواها تعيّن الذّبح بهما .
آداب الذّبح : - 42يستحبّ في الذّبح أمور .منها : ن ذلك سكّين والسّيف الحادّين ل بغير الحديد ول بالكليلة ،ل ّ أ -أن يكون بآلة حديدٍ حادّةٍ كال ّ مخالف للراحة المطلوبة في قوله صلى ال عليه وسلم « :وليرح ذبيحته » .
ن فيه إراح ًة للذّبيحة . ب -التّذفيف في القطع -وهو السراع -ل ّ ج -أن يكون الذّابح مستقبل القبلة ،والذّبيحة موجّهةً إلى القبلة بمذبحها ل بوجهها إذ هي ن ابن عمر -رضي ال عنهما -كان يكره أن جهة الرّغبة إلى طاعة اللّه عزّ شأنه ،ول ّ ح ذلك عن ابن سيرين وجابر بن يأكل ذبيحةً لغير القبلة .ول مخالف له من الصّحابة ،وص ّ زيدٍ . د -إحداد الشّفرة قبل إضجاع الشّاة ونحوها ،صرّح بذلك الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة واتّفقوا على كراهة أن يحدّ الذّابح الشّفرة بين يدي الذّبيحة ،وهي مهيّأة للذّبح لما أخرجه الحاكم عن ابن عبّاسٍ -رضي ال عنهما « -أنّ رجلً أضجع شا ًة يريد أن يذبحها وهو يحدّ شفرته ، ل حددت شفرتك قبل أن ت؟هّ فقال له النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أتريد أن تميتها موتا ٍ تضجعها » . ن النّهي ول تحرم الذّبيحة بترك شيءٍ من مستحبّات الذّبح أو فعل شي ٍء من مكروهاته ،ل ّ المستفاد من الحديث ليس لمعنىً في المنهيّ عنه بل لمعنىً في غيره ،وهو ما يلحق الحيوان من زيادة ألمٍ ل حاجة إليها ،فل يوجب الفساد . هـ -أن تضجع الذّبيحة على شقّها اليسر برفقٍ . سنّة أن تأخذ الشّاة برفقٍ وتضجعها ن معه فقالوا :ال ّ وذكر المالكيّة كيفيّة الضجاع وما يس ّ على شقّها اليسر ورأسها مشرف ،وتأخذ بيدك اليسرى جلدة حلقها من اللّحي السفل سكّين في المذبح حتّى تكون الجوزة في بالصّوف أو غيره فتمدّه حتّى تتبيّن البشرة ،وتضع ال ّ سكّين مرّا مجهزا من غير ترديدٍ ،ثمّ ترفع ول تنخع ول الرّأس ،ثمّ تسمّي اللّه وتمرّ ال ّ تضرب بها الرض ول تجعل رجلك على عنقها . وصرّح الشّافعيّة باستحباب شدّ قوائمها وترك رجلها اليمنى لتستريح بتحريكها . والدّليل على استحباب الضجاع في جميع المذبوحات حديث عائشة « أنّ النّبيّ صلى ال ش أقرن يطأ في سوا ٍد ،ويبرك في سوادٍ ،وينظر في سوادٍ فأتي به عليه وسلم أمر بكب ٍ ليضحّي به ،فقال لها :يا عائشة ،هلمّي المدية ثمّ قال :اشحذيها بحجرٍ ففعلت ،ثمّ أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثمّ ذبحه » . قال النّوويّ :جاءت الحاديث بالضجاع وأجمع عليه المسلمون ،واتّفق العلماء على أنّ سكّين باليمين إضجاع الذّبيحة يكون على جانبها اليسر لنّه أسهل على الذّابح في أخذ ال ّ وإمساك رأسها باليسار . وقاس الجمهور على الكبش جميع المذبوحات الّتي تحتاج فيها إلى الضجاع . و -سوق الذّبيحة إلى المذبح برفقٍ ،صرّح بذلك الشّافعيّة .
ز -عرض الماء على الذّبيحة قبل ذبحها ،صرّح بذلك الشّافعيّة أيضا . ح -وإذا كانت الذّبيحة قرب ًة من القربات كالضحيّة يكبّر الذّابح ثلثا قبل التّسمية وثلثا بعدها ،ثمّ يقول :اللّهمّ هذا منك وإليك فتقبّله منّي ،صرّح بذلك الشّافعيّة ( .ر :أضحيّة ). ط -كون الذّبح باليد اليمنى ،صرّح بذلك المالكيّة والشّافعيّة . ي -عدم المبالغة في القطع حتّى يبلغ الذّابح النّخاع أو يبين رأس الذّبيحة حال ذبحها وكذا بعد الذّبح قبل أن تبرد وكذا سلخها قبل أن تبرد لما في كلّ ذلك من زيادة إيلمٍ ل حاجة إليها. ي صلى ال عليه وسلم نهى عن الذّبيحة أن ن النّب ّ س رضي ال عنهما « أ ّ ولحديث ابن عبّا ٍ تفرّس » .قال إبراهيم الحربيّ في " غريب الحديث " :الفرس أن يذبح الشّاة فتنخع ،وقال ابن الثير في " النّهاية " :هو " كسر رقبة الذّبيحة قبل أن تبرد " فإن نخع أو سلخ قبل أن تبرد لم تحرم الذّبيحة لوجود التّذكية بشرائطها . وصرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة قطع عض ٍو منها أو إلقائها في النّار بعد تمام ذبحها وقبل خروج روحها . وصرّح الشّافعيّة أيضا بكراهة تحريكها ونقلها قبل خروج روحها . وقال القاضي من الحنابلة :يحرم كسر عنقها حتّى تبرد ،وقطع عض ٍو منها قبل أن تبرد .
ثانيا :النّحر : حقيقة النّحر :
- 43حقيقته قطع الوداج في الّلبّة عند القدرة على الحيوان ،وهذا رأي الجمهور ،وقال المالكيّة :إنّ حقيقته الطّعن في الّلبّة طعنا يفضي إلى الموت وإن لم تقطع الوداج ،وهذا إنّما يكون عند القدرة على الحيوان أيضا . والّلبّة هي الثّغرة بين التّرقوتين أسفل العنق كما سبق في ( ف . ) 1/ ص بالنّحر من الحيوانات هو البل وسبق في حقيقة الذّكاة الختياريّة ( ف ) 11/أنّ المخت ّ عند الجمهور ،وزاد الشّافعيّة كلّ ما طال عنقه ،وزاد المالكيّة ما قدر عليه من الزّراف والفيلة ،وجوّزوا الذّبح والنّحر -مع أفضليّة الذّبح -في البقر وما قدر عليه من بقر الوحش وحمره وخيله وبغاله . ن خلف الئمّة فيما يكفي من قطع الوداج في النّحر هو الخلف السّابق في " حقيقة ثمّ إ ّ ن المالكيّة فرّقوا بين الذّبح والنّحر فقالوا :إنّ الذّبح يكون بقطع الذّبح " ( ف . ) 14/إلّ أ ّ الحلقوم والودجين ،والنّحر يكون بالطّعن في الّلبّة طعنا مفضيا إلى الموت ،دون اشتراط قطع شي ٍء من العروق الربعة على المشهور ،خلفا للّخميّ ،لنّ وراء الّلبّة عرقا متّصلً بالقلب يفضي طعنه إلى سرعة خروج الرّوح .
شرائط النّحر : - 44يشترط في صحّة النّحر الشّرائط السّابق ذكرها في الذّبح ،إلّ أنّ المالكيّة قالوا يشترط أن ل يكون الحيوان المنحور مختصّا بالذّبح وهو ما عدا الصناف الثّمانية . ص بالذّبح لغير ضرور ٍة حرم النّحر والحيوان المنحور خلفا لسائر المذاهب فلو نحر ما يخت ّ الّتي تجيز نحر ما يذبح .
آداب النّحر :
- 45يستحبّ في النّحر كلّ ما يستحبّ في الذّبح ،واختلف المذاهب هناك هو نفس اختلفها ث معقولة اليد اليسرى . هنا .إلّ أنّ البل تنحر قائمةً على ثل ٍ وذكر المالكيّة للنّحر كيفيّ ًة وهي أن يوجّه النّاحر ما يريد نحره إلى القبلة ويقف بجانب الرّجل اليمنى غير المعقولة ممسكا مشفره العلى بيده اليسرى ويطعنه في لبّته بيده اليمنى مسمّيا. ونقل عن أحمد أنّه إن خشي عليها أناخها . سمَ اللّهِ ث عند النّحر قوله تعالى { :فَا ْذكُرُوا ا ْ ل على استحباب إقامة البل على ثل ٍ وممّا يد ّ عََل ْيهَا صَوَافّ } قال ابن عبّاسٍ " :معقول ًة على ثلثةٍ " . وأحاديث منها « :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائمها » . ومنها ما ورد عن زياد بن جبيرٍ « أنّ ابن عمر أتى على رجلٍ وهو ينحر بدنته باركةً ، فقال :ابعثها قياما مقيّدةً سنّة نبيّكم صلى ال عليه وسلم » .
مكروهات النّحر : - 46يكره في النّحر جميع المكروهات الّتي سبق ذكرها في الذّبح .
الذّكاة الضطراريّة :
- 47الذّكاة الضطراريّة هي الجرح في أيّ موضعٍ كان من البدن عند العجز عن الحيوان ، أي كأنّها صيد فتستعمل للضّرورة في المعجوز عنه من الصّيد والنعام ،وتسمّى هذه الحالة: العقر . ل لحم الحيوان بذكاة الضّرورة لنّ ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى ح ّ الذّبح إذا لم يكن مقدورا ،ول بدّ من إخراج الدّم لزالة المحرّم وهو الدّم المسفوح وتطييب ن التّكليف بحسب الوسع . اللّحم ،فيقام سبب الذّبح مقامه وهو الجرح ،ل ّ فلو توحّش حيوان أهليّ بعد أن كان إنسيّا أو مستأنسا ،أو ندّ بعير " شرد " أو تردّى في بئرٍ ونحوه ،ولم تمكن الذّكاة الختياريّة ،أي عجز عن ذبحه في الحلق فذكاته حيث يصاب بأيّ جرحٍ من بدنه ،ويح ّل حينئذٍ أكله كصيد الطّائر أو الحيوان المتوحّش ،لحديث رافع بن
خديجٍ ،قال « :كنّا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في سفرٍ ،فندّ بعير من إبل القوم ، ولم يكن معهم خيل ،فرماه رجل بسهمٍ فحبسه ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :إنّ لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا » . وسواء ندّ البعير أو البقرة أو الشّاة في الصّحراء أو في المصر ،فذكاتها العقر ،وبه قال عليّ وابن مسعودٍ وابن عمر وابن عبّاسٍ وعائشة رضي ال عنهم . قال الكاسانيّ :فإن ندّت الشّاة في الصّحراء فذكاتها العقر ،لنّه ل يقدر عليها ،وإن ندّت في المصر لم يجز عقرها ،لنّه يمكن أخذها ،إذ هي ل تدفع عن نفسها فكان الذّبح مقدورا عليه فل يجوز العقر ،وهذا لنّ العقر خلف من الذّبح والقدرة على الصل تمنع المصير إلى الخلف . ثمّ ل خلف في التّذكية الضطراريّة بالسّهم والرّمح والحجر والخشب ونحوها ،وأمّا إذا لم ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم سئل عن الصّيد يجرح فل يحلّ أكله لما روي « أ ّ بالمعراض ،فقال عليه السلم :إذا أصاب بحدّه فكل وإذا أصابه بعرضه فقتل فإنّه وقيذ فل تأكل » . ن جميع الحيوانات المستأنسة إذا شردت وتوحّشت فإنّها ل تؤكل بالعقر عملً وقال المالكيّة :إ ّ بالصل ،وقال ابن حبيبٍ إن توحّش غير البقر لم يؤكل بالعقر ،وإن توحّش البقر جاز أكله بالعقر ،لنّ البقر لها أصل في التّوحّش ترجع إليه ،أي شبّهها ببقر الوحش . وإن وقع في حفرةٍ عجز عن إخراجه فل يؤكل بالعقر ،وقال ابن حبيبٍ :يؤكل الحيوان المتردّي المعجوز عن ذكاته بقرا أو غيره بالعقر صيانةً للموال . وللتّفصيل ( :ر :صيال وصيد ) .
ذكاة ما ليس له نفس سائلة : ل أكله إلى الذّكاة عند - 48سبق بيان أنّ ما ليس له نفس سائلة كالجراد ل حاجة في ح ّ الجمهور لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أحلّت لنا ميتتان ودمان فأمّا الميتتان فالحوت والجراد ،وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال » . وقال المالكيّة :ل بدّ أن يقصد إلى إزهاق روحه بفعل شيءٍ يموت بفعله سواء كان الفعل ممّا يعجّل الموت من قطع رأسٍ أو إلقا ٍء في نارٍ أو ما ٍء حارّ ،أوممّا ل يعجّل كقطع جناحٍ أو رجلٍ أو إلقا ٍء في ما ٍء باردٍ وهو رواية عند الحنابلة . وصرّح المالكيّة بأنّه ل ب ّد في هذه التّذكية من ال ّنيّة والتّسمية وسائر الشّرائط المعتبرة في التّذكية ( .ر :أطعمة )
ذكاة الجنين تبعا لمّه :
ل هذا الجنين خلف بين العلماء - 49إذا ذكّيت أنثى من الحيوان فمات بتذكيتها جنينها ففي ح ّ ن ذكاته هي موته بسبب ذكاة أمّه ،فهذا الموت ذكاة تبعيّة ،ومن قال .فمن قال بحلّه قال إ ّ ن الذّكاة يجب أن تكون استقلليّةً . بعدم حلّه قال إنّه ميتة ل ّ وتفصيل الخلف في ذلك أنّ جنين المذكّاة الّذي خرج بعد تذكيتها له حالتان . الحالة الولى :أن يخرج قبل نفخ الرّوح فيه بأن يكون علق ًة أو مضغةً أو جنينا غير كامل الخلقة فل يحلّ عند الجمهور لنّه ميتة ،إذ ل يشترط في الموت تقدّم الحياة . حيِيكُمْ } فمعنى قوله { َوكُن ُتمْ َأمْوَاتا } كنتم حيَاكُمْ ُث ّم ُيمِي ُت ُكمْ ُثمّ ُي ْ قال تعالى َ { :وكُن ُتمْ َأمْوَاتا فََأ ْ مخلوقين بل حياةٍ ،وذلك قبل أن تنفخ فيهم الرّوح . الحالة الثّانية :أن يخرج بعد نفخ الرّوح فيه بأن يكون جنينا كامل الخلقة -أشعر أو لم يشعر ولهذه الحالة صور :الصّورة الولى :أن يخرج حيّا حيا ًة مستقرّ ًة فتجب تذكيته فإن مات قبل التّذكية ،فهو ميتة اتّفاقا . ح فإن أدركنا ذكاته وذكّيناه حلّ اتّفاقا ،وإن لم الصّورة الثّانية :أن يخرج حيّا كحياة مذبو ٍ ن حياة المذبوح كل حيا ٍة فكأنّه مات بتذكية أمّه ، ل أيضا عند الشّافعيّة والحنابلة ،ل ّ ندرك ح ّ وبنحو هذا قال أبو يوسف ومحمّد . وبهذا قال المالكيّة أيضا ،لكنّهم اشترطوا في حلّه حينئذٍ أن ينبت شعر جسده وإن لم يتكامل ول يكفي شعر رأسه أو عينه . ل اتّفاقا ،ويعرف الصّورة الثّالثة :أن يخرج م ّيتًا ويعلم أن موته كان قبل تذكية أمّه فل يح ّ موته قبل ذكاة أمّه بأمو ٍر منها :أن يكون متحرّكا في بطنها فتضرب فتسكن حركته ثمّ تذكّى، فيخرج ميّتا ،ومنها :أن يخرج رأسه ميّتا ثمّ تذكّى . الصّورة الرّابعة :أن يخرج ميّتا بعد تذكية أمّه بمدّةٍ لتواني المذكّي في إخراجه ،فل يحلّ شكّ في أنّ موته كان بتذكية أمّه أو بالنخناق للتّواني في إخراجه . اتّفاقا لل ّ الصّورة الخامسة :أن يخرج ميّتا عقب تذكية أمّه من غير أن يعلم موته قبل التّذكية فيغلب ن موته بسبب التّذكية ل بسببٍ آخر . على الظّنّ أ ّ وهذه الصّورة محلّ خلفٍ بين الفقهاء ،فالمالكيّة والشّافعيّة ،والحنابلة ،وأبو يوسف ، ومحمّد ،وجمهور الفقهاء من الصّحابة وغيرهم يقولون إنّه ل بأس بأكله . غير أنّ المالكيّة اشترطوا الشعار ،وهو مذهب كثيرٍ من الصّحابة . ودليل الجمهور قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ذكاة الجنين ذكاة أمّه » وهو يقتضي أنّه يتذكّى بذكاة أمّه ،واحتجّوا أيضا بأنّه تبع لمّه حقيق ًة وحكما ،أمّا حقيق ًة فظاهر ،وأمّا حكمًا
فلنّه يباع ببيع المّ ،ولنّ جنين المة يعتق بعتقها ،والحكم في التّبع يثبت بعلّة الصل ول تشترط له علّة على حد ٍة لئلّ ينقلب التّبع أصلً . حرّمَتْ عََل ْي ُكمُ ا ْل َم ْيتَةُ} وذهب أبو حنيفة وزفر والحسن بن زيادٍ إلى أنّه ل يحلّ لقوله تعالى ُ { : ن حياة الجنين مستقلّة إذ والجنين الّذي لم يدرك حيّا بعد تذكية أمّه ميتة ،وممّا يؤكّد ذلك أ ّ يتصوّر بقاؤها بعد موت أمّه فتكون تذكيته مستقلّةً .
ل للتّذكية : هل يشترط العلم بكون الذّابح أه ً ن بازيا معلّما أخذ صيدا فقتله ول يدرى أرسله إنسان أو ل ،ل - 50قال الزّيلعيّ :لو أ ّ ك في الرسال ،ول إباحة بدونه ،وإن كان مرسلً فهو مال الغير فل يجوز شّ يؤكل لوقوع ال ّ تناوله إلّ بإذن صاحبه ،حكي ذلك عن الزّيلعيّ صاحب الدّرّ المختار ،ثمّ قال :وقع في عصرنا حادثة الفتوى وهي أنّ رجلً وجد شاته مذبوحةً ببستانه فهل يحلّ له أكلها أو ل ؟ ك في أنّ الذّابح ممّن تحلّ ذكاته أو ل ، شّ ومقتضى ما ذكره الزّيلعيّ أنّه ل يحلّ لوقوع ال ّ وهل سمّى اللّه تعالى عليها أو ل ؟ لكن في الخلصة في " اللّقطة " :إن أصاب قوم بعيرا ن صاحبه فعل ذلك إباحةً مذبوحا في طريق البادية ولم يكن قريبا من الماء ووقع في القلب أ ّ ن الثّابت بالدّللة كالثّابت بالصّريح وهذا من صاحب للنّاس فل بأس بأخذه والكل منه ،ل ّ الخلصة يدلّ على إباحة الكل بالشّريطة المذكورة . ل للذّكاة ليس بشرطٍ ،وقد يفرّق بين حادثة الفتوى واللّقطة بأنّ فعلم أنّ العلم بكون الذّابح أه ً الذّابح في الولى غير المالك قطعا وفي الثّانية يحتمل . ن البازي الّذي وأفاد ابن عابدين أنّ بين مسألة البازي ومسألة المذبوح في البستان فرقا وهو أ ّ ك لحدٍ بخلف الذّابح في بلد طبعه الصطياد ظاهر حاله أنّه غير مرسلٍ وغير مملو ٍ ل ذبيحته وأنّه سمّى ،واحتمال عدم ذلك موجود في اللّحم الّذي ن الظّاهر أنّه تح ّ السلم فإ ّ يباع في السّوق وهو احتمال غير معتبرٍ في التّحريم قطعا . ن مسألة البعير الّذي وجد مذبوحا قيّدت بقيدين : وأفاد أيضا أ ّ الوّل :أنّه لم يكن قريبًا من الماء لنّه إذا كان قريبا منه احتمل أنّه وقع فيه فأخرجه صاحبه ن حياته فلم يتحرّك ولم يخرج منه دم فتركه لعلمه بموته بالماء ،فل يتأتّى منه فذبحه على ظ ّ احتمال أنّه تركه إباح ًة للنّاس . ن صاحبه فعل ذلك إباحةً للنّاس ،والمقصود بالوقوع في والقيد الثّاني :أنّه وقع في القلب أ ّ القلب الظّنّ الغالب ل مجرّد الخطور فإنّه ل يترتّب عليه حكم . وأفاد أيضا أنّه يجب التّفرقة بين ما لو كان الموضع الّذي وجد فيه المذبوح يسكنه أو يسلك ل ذكاته كالمجوسيّ أو ل ،ففي الحالة الولى ل يؤكل بخلف الحالة الثّانية . فيه من ل تح ّ
ي أنّه ذبح ويناسب هذا ما في كتاب " القناع " في مذهب الشّافعيّ " لو أخبره فاسق أو كتاب ّ ل أكلها ،لنّه من أهل الذّبح ،فإن كان في البلد مجوس ومسلمون وجهل هذه الشّاة مثلً ح ّ شكّ في الذّبح المبيح والصل عدمه ، ل أكله لل ّ ذابح الحيوان هل هو مسلم أو مجوسيّ لم يح ّ لكن إن كان المسلمون أغلب كما في بلد السلم فينبغي أن يحلّ ،وفي معنى المجوسيّ كلّ من لم تحلّ ذبيحته . وفي كتاب " المقنع " في المذهب الحنبليّ " إذا لم يعلم أسمّى الذّابح أم ل ،أو ذكر اسم غير اللّه أم ل ،فذبيحته حلل ،لنّ اللّه تعالى أباح لنا كلّ ما ذبحه المسلم والكتابيّ وقد علم أنّنا ل ذابحٍ .وقد أخرج البخاريّ عن عائشة رضي ال عنها « أنّهم قالوا :يا ل نقف على ك ّ رسول اللّه إنّ قوما هم حديثو عه ٍد بشركٍ يأتوننا بلحمٍ ل ندري أذكروا اسم اللّه أم لم يذكروه قال :سمّوا عليه أنتم وكلوه » .
مخنوقة الكتابيّ : - 51اتّفق الفقهاء على أنّ مخنوقة الكتابيّ وما ذبح بطريقٍ غير مشروعٍ ل يجوز أكله ، ي أولى ،وأمّا ما قاله ابن العربيّ من جواز أكل لنّها إذا لم تؤكل من المسلم فمن الكتاب ّ مخنوقة الكتابيّ فقد ردّوه عليه . قال ابن جزيّ :إذا غاب الكتابيّ على الذّبيحة فإن علمنا أنّهم يذكّون أكلنا ،وإن علمنا أنّهم يستحلّون الميتة كنصارى الندلس ،أو شككنا في ذلك لم نأكل ما غابوا عليه ،ول ينبغي للنسان أن يقصد الشّراء من ذبائح اليهود وينهى المسلمون عن شراء ذلك منهم ،وينهى اليهود عن البيع منهم ،ومن اشترى منهم فهو رجل سوءٍ ول يفسخ شراؤه ،وقال ابن شعبان :أكره قديد الرّوم وجبنهم لما فيه من إنفحة الميتة .قال القرافيّ :وكراهيته محمولة على التّحريم لثبوت أكلهم الميتة ،وأنّهم يخنقون البهائم ويضربونها حتّى تموت .
انظر :ذبائح .
ذبح * ذراع *
التّعريف : - 1الذّراع في اللّغة تطلق على معنيين : الوّل :اليد من كلّ حيوانٍ ،لكن الذّراع من النسان من المرفق إلى أطراف الصابع . وقال بعضهم " :هي السّاعد الجامع لعظمي الزّند .والزّند وصل طرف الذّراع بالكفّ " وذراع اليد تذكّر وتؤنّث .
الثّاني :ذراع القياس الّتي تقاس بها المساحة ،يقال :ذرعت الثّوب ذرعا أي قسته بالذّراع، ن .وذراع القياس أنثى في الكثر ،وبعض العرب يذكّرها. وتجمع على أذرعٍ وذرعا ٍ وتستعمل في الصطلح بالمعنيين المذكورين .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -اليد :
أوّلً :بالنّسبة للمعنى الوّل :
- 2اليد في اللّغة من المنكب إلى أطراف الصابع ،فهي تشمل الذّراع بالمعنى الوّل ،كما تشمل العضد والكفّ .فذراع النسان جزء من يده .وتطلق اليد على الحسان والقدرة على ن ،أي في تصرّفه . سبيل التّجوّز ،فيقال :يده عليه ،أي سلطانه ،والمر بيد فل ٍ ب -المرفق : - 3المرفق المفصل الّذي يفصل بين العضد والسّاعد .
ثانيا :بالنّسبة للمعنى الثّاني : أ -الصبع ،القبضة ،القصبة ،الشلّ ،القفيز ،العشير : ل ستّ شعيراتٍ معتدلتٍ يسمّى أصبعا ، - 4جاء في المصباح :أنّ مجموع عرض ك ّ والقبضة أربع أصابع ،والذّراع ستّ قبضاتٍ ،وكلّ عشرة أذرعٍ تسمّى قصبةً ،وكلّ عشر قصباتٍ تسمّى أشلّا ،وقد سمّي مضروب الشلّ في نفسه جريبا ،ويسمّى مضروب الشلّ ل في الذّراع عشيرا .فحصل من هذا أنّ الجريب عشرة في القصبة قفيزا ،ومضروب الش ّ آلف ذراعٍ . ب -الميل والفرسخ والبريد : - 5المِيل بالكسر عند العرب يطلق على مقدار مدى البصر من الرض كما نقله المصباح عن الزهريّ .وعند القدماء من أهل الهيئة هو ثلثة آلف ذراعٍ .وعند المحدّثين منهم ن مقداره ستّة أربعه آلف ذراعٍ .قال في المصباح :والخلف لفظيّ ،لنّهم اتّفقوا على أ ّ وتسعون ألف أصبعٍ ..ولكن القدماء يقولون :الذّراع اثنان وثلثون أصبعا ،والمحدثون يقولون :أربع وعشرون أصبعا . أمّا الفرسخ فهو ثلثة أميالٍ ،والبريد أربعة فراسخ أي اثنا عشر ميلً .
الحكام الّتي تتعلّق بالذّراع :
الذّراع بالمعنى الوّل -أي السّاعد -ذكرها الفقهاء وبيّنوا أحكامها في مسائل نذكر منها ما يلي :
أ -غسل الذّراعين في الوضوء :
- 6ل خلف بين الفقهاء في وجوب غسل الذّراع في الوضوء ،لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا غسِلُواْ ُوجُو َه ُكمْ وََأ ْي ِديَ ُكمْ إِلَى ا ْل َمرَافِقِ } . اّلذِينَ آ َمنُواْ ِإذَا قُ ْم ُتمْ إِلَى الصّل ِة فا ْ والمرفق مجتمع طرف السّاعد والعضد ،أو هو آخر عظم الذّراع المتّصل بالعضد فشملت ل الذّراع إلى المرفق ،وإنّما الخلف في فرضيّة غسل المرفق نفسه . الية ك ّ فالجمهور وهم الشّافعيّة والحنابلة وأكثر الحنفيّة والمشهور عند المالكيّة أنّ المرفق يجب غسله كذلك ،فمعنى قوله تعالى { :إِلَى ا ْل َمرَافِقِ } مع المرافق ،لحديث « أبي هريرة أنّه توضّأ فغسل يديه حتّى أشرع في العضدين ثمّ قال :هكذا رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يتوضّأ » . ن الغاية ل تدخل وقال زفر من الحنفيّة ومالك في روايةٍ :إنّه ل يجب غسل المرفقين ،ل ّ تحت المغيّا ،فالمرفقان ل يدخلن في الغسل ،كما ل يدخل اللّيل في الصّوم في قوله تعالى صيَامَ إِلَى الّليْلِ } . ُ { :ثمّ َأ ِتمّو ْا ال ّ وتفصيل الموضوع مع أدلّة الجمهور تنظر في مصطلح ( :وضوء ) .
ب -افتراش الذّراعين في الصّلة : - 7يكره للمصلّي أن يفترش ذراعيه في الصّلة ،أي يبسطهما في حالة السّجدة عند س رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :اعتدلوا الفقهاء ،وذلك لحديث أن ٍ في السّجود ،ول يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب » . وتفصيله في مصطلح ( :صلة ) بحث ما يكره فيها .
ج -الجناية على الذّراع :
ن من المفصل ،أي المرفق ،ففي العمد - 8اتّفق الفقهاء على أنّ من قطع ذراع إنسا ٍ قصاص ،وفي الخطأ نصف الدّية .واختلفوا في قطع الذّراع أو كسرها من غير المفصل : ن من جنى على ذراع إنسانٍ فكسرها فل فيرى الحنفيّة والشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة أ ّ قصاص فيه ول دية معيّنة ،عمدا كان أو خطأً ،بل تجب فيها حكومة عدلٍ ،وذلك لمتناع تحقيق المماثلة ،وهي الصل في جريان القصاص ،لنّه قد يكسر زياد ًة عن عضو الجاني ، أو يقع خلل فيه ،ولم يرد فيه تقدير معيّن من الدّية . ن في كسر الزّند أربعة أبعرةٍ ،لنّه عظمان .قال ابن قدامة : لكن الحنابلة صرّحوا بأ ّ الصّحيح إن شاء اللّه أنّه ل تقدير في جراح البدن غير الخمسة :الضّلع ،والتّرقوتين ، ن التّقدير يثبت بالتّوقيف ،ومقتضى الدّليل وجوب الحكومة في هذه العظام والزّندين ،ل ّ الباطنة ،وإنّما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر رضي ال عنه ،ففيما عداها يبقى على مقتضى الدّليل .
وفي الرّواية الثّانية عند الحنابلة في الذّراع بعيران ،إذا جبر ذلك مستقيما ،بأن بقي على ما كان عليه من غير أن يتغيّر عن صفته .وإن لم ينجبر ففيه حكومة عدلٍ . ل فيما يعظم خطره كالرّقبة والفخذ والصّلب . وذهب المالكيّة إلى أنّه يقاد في كسر العظام إ ّ وتفصيله في مصطلح ( :دية ،وقصاص ،وجناية ) .
ثانيا -الذّراع بالمعنى الثّاني : الذّراع بالمعنى الثّاني ،أي ما يقاس بها ،ذكرها الفقهاء في مسائل منها ما يلي :
أ -تقدير الماء الكثير :
- 9قدّر الفقهاء الماء الكثير والقليل بالذّراع فيما إذا خالطته نجاسة ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( :مياه ) .
ب -تحديد مسافة السّفر : - 10المسافر له أحكام خاصّة ،كجواز الفطار ،وقصر الصّلة الرّباعية ،وجواز المسح على الخفّين لثلثة أيّامٍ ،وسقوط الجمعة والعيدين ونحوها . والصل فيه قوله صلى ال عليه وسلم «:إنّ اللّه وضع عن المسافر الصّوم وشطر الصّلة». واختلف الفقهاء في تحديد السّفر الّذي تثبت له هذه الحكام . وتفصيل ذلك في صلة المسافر ،والصّيام ،والمسح على الخفّين .
التّعريف :
ذ ّريّة *
- 1ال ّذ ّريّة :إمّا فعيلة :من ال ّذرّ :أي صغار النّمل أو فعّولة :من الذّرء وهو الخلق أبدلت الهمزة ياءً ،ث ّم قلبت الواو ياءً ،وأدغمت الياء في الياء ،والجمع ذ ّريّات وذراريّ ،ومعناها في اللّغة :قيل :نسل الثّقلين ،وقيل :هي ولد الرّجل ،وقيل :من أسماء الضداد تجيء جعَ ْلنَا ُذ ّر ّيتَهُ ُهمْ ا ْلبَاقِينَ } . تار ًة بمعنى البناء قال تعالى في قصّة نوحٍ { َو َ حمَ ْلنَا ذُ ّر ّي َت ُهمْ فِي وتجيء تار ًة بمعنى الباء ،والجداد .كما في قوله تعالى { :وَآ َيةٌ ّل ُهمْ َأنّا َ شحُونِ } . الْفُ ْلكِ ا ْل َم ْ والصطلح الشّرعيّ ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة : أ -الولد : - 2الولد جمع ولدٍ ،ويطلق على الذّكر والنثى . ب -النّسل :
- 3النّسل في الصل عبارة عن خروج شيءٍ عن شي ٍء مطلقا ،وهو أعمّ من الولد وال ّذ ّريّة . ج -العقب : - 4العقب هو الولد :من أعقب الرّجل إذا مات وخلّف عقبا أي ولدا . د -الحفاد : - 5الحفاد أو الحفدة بفتحتين :يطلق في اللّغة :على ولد الولد ،وعلى العوان ،والخدم، والختان ،والصهار ،والمفرد :حفيد وحافد . هـ -السباط : - 6السباط :جمع سبطٍ ،وهو ولد البن والبنة .
الحكم التّكليفيّ : ن ال ّذرّيّة تتناول البنين - 7ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى أ ّ ن ذ ّريّة ،والبنات ،فإذا وقف على ذرّيّته دخل فيه أولد البنات ،لنّ البنات ذ ّريّته ،وأولده ّ له حقيق ًة ،فيجب أن يدخلوا في الوقف ،ودلّ على صحّة هذا قول اللّه تعالى َ { :ونُوحًا َه َد ْينَا مِن قَبْلُ َومِن ُذ ّريّتِ ِه دَاوُودَ َوسَُليْمَانَ } إلى قوله { :وَعِيسَى } وهو من ولد بنته ،فجعله من ذرّيّته .وكذلك ذكر اللّه قصّة " عيسى " وإبراهيم ،وموسى وإسماعيل ،وإدريس ثمّ قال { : ن مِن ُذ ّريّ ِة آ َدمَ } وعيسى معهم . ن َأ ْن َعمَ اللّهُ عََل ْيهِم مّنَ ال ّن ِبيّي َ أُوَْل ِئكَ اّلذِي َ وقال الخرقيّ :ل يدخل أولد البنات في الوقف على ال ّذ ّريّة . ل حَظّ ل ِدكُمْ لِل ّذ َكرِ ِمثْ ُ ن اللّه تعالى قال في كتابه العزيز { :يُوصِيكُمُ الّل ُه فِي َأ ْو َ واستدلّ بأ ّ ع ذكر فيه الولد في ن } فدخل فيه أولد البنين دون أولد البنات وهكذا كلّ موضو ٍ الُن َثيَيْ ِ الرث ،والحجب يدخل ولد البنين دون ولد البنات ،وال ّذ ّريّة والنّسل في حكم الولد . ينظر التّفصيل في مصطلح ( :ولد ،وباب الوقف ) .
ر :مثليّ .
ذرعيّات * ذرق *
التعريف : - 1الذّرق في اللّغة خرء الطّائر ،من ذرق الطّائر يذرق بكسر الرّاء وضمّها ذرقا وذراقا إذا رمى بسلحه .وهو من الطّائر كالتّغوّط من النسان .وقد يستعار في الثّعلب والسّبع . ويطلق في اصطلح الفقهاء على المعنى اللّغويّ نفسه .
اللفاظ ذات الصّلة : - 2الخرء والذّرق والخثي والبعر والرّوث والنّجو والعذرة ألفاظ تطلق على فضلة الحيوان الخارجة من الدّبر .والفرق بين هذه اللفاظ كما جاء في ابن عابدين أنّ الرّوث يكون للفرس والبغل والحمار ،والخثي للبقر والفيل ،والبعر للبل والغنم ،والخرء للطّيور ،والنّجو للكلب ،والعذرة للنسان ،والرّجيع يطلق على الرّوث والعذرة . وهذا في الغالب ،وقد يستعمل بعضها مكان بعضٍ توسّعا ،كما ورد في عبارات الفقهاء .
الحكم الجماليّ :
أوّلً :ذرق الطّيور الّتي يؤكل لحمها : - 3ذرق الطّيور ممّا يؤكل لحمه ،كالحمام والعصافير ،طاهر عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة وهو الظّاهر عند الحنابلة " وذلك لعموم البلوى به بسبب امتلء الطّرق والخانات بها ،ولجماع المسلمين على ترك الحمام في المساجد .وعلى ذلك فإن أصاب شيء منه بدن النسان أو ثوبه داخل الصّلة أو خارجها ل تفسد صلته ول ينجس ثوبه .واستثنى الحنفيّة والمالكيّة من هذا الحكم خرء الدّجاج والبطّ الهليّ ،لنّهما يتغذّيان بنجسٍ فل يخلو خرؤهما من النّتن والفساد . وقال الشّافعيّة -وهو رواية عن أحمد -بنجاسة خرء الطّيور ،سواء أكان من مأكول اللّحم، أم من غيره ،لنّه داخل في عموم قوله صلى ال عليه وسلم « :تنزّهوا من البول » ولنّه رجيع فكان نجساص كرجيع الدميّ . ومع ذلك فقد صرّحوا بأنّه يعفى عن ذرق الطّيور المأكولة اللّحم ،سواء أكان قليلً أم ح عند الشّافعيّة لمشقّة الحتراز عنه ،وفي رواي ٍة ل يعفى عن كثيره . كثيراص على الص ّ وفرّق بعضهم بين الصّلة وغيرها ،فقالوا بالعفو عنه في الصّلة مطلقا ،وفي خارج الصّلة يعفى عن قليله ول يعفى عن كثيره .
ثانيا -ذرق الطّيور الّتي ل يؤكل لحمها :
- 4جمهور الفقهاء على أنّ ذرق الطّيور الّتي ل يؤكل لحمها ،كالباز والشّاهين والرّخم ح والمعتمد عند والغراب والحدأة نجس ،وهذا قول المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو الص ّ الحنفيّة ،لنّه ممّا أحاله طبع الحيوان إلى نتنٍ وفسادٍ . وفي رواية الكرخيّ أنّه طاهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلفا لمح ّمدٍ . واستدلّوا لطهارته بأنّه ليس لما ينفصل من الطّيور نتن وخبث رائحةٍ . ن خرء الجميع طاهر ،ولنّه ل فرق في ول ينحّى شيء من الطّيور عن المساجد فعرفنا أ ّ الخرء بين ما يؤكل لحمه وما ل يؤكل لحمه .
-5وعلى القول بنجاسته -كما ذهب إليه الجمهور -قال المالكيّة :يعفى عمّا أصاب منه الثّوب أو البدن مقدار ما يصعب ويشقّ الحتراز عنه ،بأن يكون مقدار الدّرهم أو أقلّ في المساحة . وقال الشّافعيّة :يعفى عن قليله لعموم البلوى ولعسر الحتراز عنه ،ول يعفى عن كثيره لندرته وعدم مشقّة الحتراز عنه . وتعرف الكثرة والقلّة عندهم بالعادة الغالبة ،فما يغلب عاد ًة التّلطّخ به ويعسر الحتراز عنه عاد ًة قليل ،وما زاد عليه كثير . وقال الحنابلة :ل يعفى عن يسير شيءٍ من النّجاسات إلّ إذا كانت دما أو قيحا يسيرا ممّا ل ن الصل عدم العفو عن النّجاسة إلّ ما خصّه الدّليل ،ولم يوجد يفحش في نظر الشّخص ،ل ّ إلّ في الدّم والقيح فقد روي عن عائشة «أنّها قالت :ما كان لحدانا إلّ ثوب واحد تحيض فيه ،فإن أصابه شيء من دمٍ بلّته بريقها ثمّ قصعته بريقها » . ن ابن عمر كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما بالرض ،وهما يقطران دما من شقاقٍ وروي أ ّ ح فمسحه بيده وصلّى ولم يتوضّأ . كان في يديه ،وعصر بثرةً فخرج منها شيء من دمٍ وقي ٍ وعلى ذلك إن صلّى وفي ثوبه نجاسة ،وإن قلّت ،أعاد .وفي روايةٍ عن أحمد أنّه يعفى عن يسير القيء والمذي وريق البغل والحمار وسباع البهائم وسباع الطّير .قال القاضي أبو يعلى :وكذلك الحكم في أبوالها وأرواثها لنّه يشقّ التّحرّز عنه . أمّا الحنفيّة فعلى الرّواية بنجاسة الذّرق ،اعتبره أبو حنيفة وأبو يوسف من النّجاسة الخفيفة لنّها تذرق في الهواء والتّحامي عنه متعذّر ،واعتبره محمّد من النّجاسة الغليظة ،لنّ التّخفيف للضّرورة ،ول ضرورة هنا ،لعدم مخالطة هذه الطّيور للنّاس . وعلى ذلك فيعفى قدر ما دون ربع الثّوب أو البدن المصاب بذرق الطّيور غير مأكولة اللّحم عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،ول يعفى أكثر من قدر الدّرهم عند مح ّمدٍ بناءً على أصل الحنفيّة من التّفريق بين النّجاسة الخفيفة والنّجاسة الغليظة . ويعرف قدر الدّرهم عندهم في النّجاسة المتجسّدة بالوزن ،وفي المائعة بالمساحة بأن تكون قدر مقعّر الكفّ داخل مفاصل الصابع .وتفصيل الموضوع في مصطلح ( :نجاسة ) .
مواطن البحث : - 6ذكر الفقهاء أحكام ذرق الطّيور وفضلت الحيوانات في أبواب الطّهارة وبحث النجاس والحيوانات عن النجاس من كتب الفقه .
التّعريف :
ذريعة *
- 1الذّريعة لغةً :الوسيلة المفضية إلى الشّيء ،جاء في اللّسان :يقال :فلن ذريعتي إليك ن الذّريعة في أي سببي َوصِلَتي الّذي أتسبّب به إليك .والذّريعة السّبب إلى الشّيء ،وأصله أ ّ صيّاد إلى جنبه فيستتر ويرمي الصّيد إذا أمكنه ،وذلك ختَلُ به الصّيد يمشي ال ّ ل ُي ْ جمَ ٌ كلمهم َ سيّبٌ أ ّولً مع الوحش حتّى تألفه . الجمل ُي َ والذّريعة في الصطلح :ما يتوصّل به إلى الشّيء . والذّريعة كما تكون إلى المفاسد المحرّمة ،تكون إلى المصالح أيضا ،فالوسيلة إلى الحجّ كالسّفر والستعداد له ،فالحجّ من المقاصد ،والسّفر من الوسائل والذّرائع ،والمقاصد هي المور المكوّنة للمصالح والمفاسد في ذاتها ،فالرّبا مقصد محرّم ،وبيوع الجال ذريعة إليه، ج مقصد مشروع ،والسّفر وسيلة إليه . والح ّ
الحكم الجماليّ : - 2حكم الذّريعة يتعلّق بها من جهتين :الولى سدّ الذّرائع ،والثّانية :فتحها . وانظر مصطلح ( :س ّد الذّرائع ) والملحق الصوليّ .
التّعريف :
ذقن *
- 1الذّقن في اللّغة مجتمع اللّحيين من أسفلهما ،وهما العظمان اللّذان تنبت عليهما السنان السّفلى ،وجمعه أذقان .ويطلق أيضا على الوجه كلّه ،تسمي ًة للكلّ باسم الجزء ،كما ورد سجّدا } ،قال ابن عبّاسٍ :أي للوجوه .وإنّما خصّ ل ْذقَانِ ُ في قوله تعالى َ { :يخِرّونَ لِ َ ن الذّقن أقرب شيءٍ من الوجوه . الذقان بالذّكر ،ل ّ وإطلق الذّقن على ما ينبت على مجتمع اللّحيين من الشّعر مولّد . وفي الصطلح يطلق الذّقن على نفس المعنى اللّغويّ ،كما نصّت عليه عبارات أكثر الفقهاء في حدّ الوجه المفروض غسله في الوضوء .حيث قالوا " :حدّ الوجه طولً من منابت شعر الرّأس إلى أسفل الذّقن أي منتهى الّلحّين " . وفسّره في ال ّدرّ بأنّه منبت السنان السّفلى .والمعنى واحد .
اللفاظ ذات الصّلة : اللّحية ،الفكّ ،الحنك ،اللّحي : - 2اللّحية اسم يجمع من الشّعر ما نبت على الخدّين والذّقن ،أو هي الشّعر النّازل على الذّقن .
ك بالفتح الّلحْي ،والفكّان اللّحيان ،وقيل مجتمع اللّحيين عند الصّدغ من أعلى وأسفل . والف ّ قال في اللّسان نقلً عن التّهذيب :الفكّان ملتقى الشّدقين . والّلحْي عظم الحنك ،وهو الّذي عليه السنان .وهو من النسان حيث ينبت الشّعر . والحنك من النسان والدّابّة باطن أعلى الفم من الدّاخل ،وقيل :هو السفل في طرف مقدّم اللّحيين من أسفلهما .ومنه تحنيك الصّبيّ ،وهو مضغ التّمر ثمّ تدليكه بحنكه . ن ضبّة الحنك السّفلى قطعتان كلّ منهما يقال لها لحي ومحلّ قال الدّسوقيّ :حاصله أ ّ اجتماعهما هو الذّقن .
الحكام الّتي تتعلّق بالذّقن : أوّلً :غسل الذّقن :
- 3اتّفق الفقهاء على أنّ الذّقن من الوجه ،فيجب غسله في الوضوء لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا غسِلُواْ ُوجُو َه ُكمْ } . اّلذِينَ آ َمنُواْ ِإذَا قُ ْم ُتمْ إِلَى الصّل ِة فا ْ 4
-ول خلف بين الفقهاء في وجوب غسل الذّقن الّذي نبتت عليه اللّحية الخفيفة ،أي الّتي
تظهر البشرة تحتها ،ول تسترها عن الرّائي . أمّا ما نبت على الذّقن من اللّحية الكثيفة فيجب غسل ظاهرها لنّها نبتت في محلّ الفرض ، والمواجهة تحصل بها فتدخل في اسم الوجه .أمّا باطنها من الذّقن والبشرة فل يجب غسله في الوضوء ،لعسر إيصال الماء إليه ،ولما ورد « أنّه توضّأ فغرف غرفةً غسل بها وجهه » وكانت لحيته الكريمة كثيفةً ،وبالغرفة الواحدة ل يصل الماء إلى ذلك غالبا . وتفصيل هذه المسائل في مصطلحي ( :لحية ووضوء ) .
ثانيا :وجوب الدّية : ن من فوّت منفعةً على الكمال ،أو أزال جمالً - 5صرّح الفقهاء في دية الطراف أ ّ مقصودا على الكمال ،فإذا كان العضو من الفراد ولم يكن له نظير في بدن النسان ، كالنف واللّسان ،ففيه دية كاملة . وإذا كان من الزواج مثل العينين والذنين ففي كليهما دية كاملة ،وفي إحداهما نصف الدّية. ن فيهما ص الشّافعيّة والحنابلة على وجوب الدّية الكاملة في اللّحيين كليهما ،ل ّ وعلى ذلك ن ّ نفعا وجمالً ليس في البدن مثلهما .وفي أحدهما نصف الدّية .فإن قلعهما بما عليهما من السنان وجبت ديتهما ودية السنان معا ،فل تدخل دية السنان في اللّحيين . وتفصيله في مصطلح ( :دية ،لحية ) .
ذكاة *
ر :ذبائح ،صيد .
َذكَر * التّعريف : - 1الذّكر اسم للعضو المعروف ،جمعه ِذكَرَة بوزن " عنبةٍ " ومذاكير على غير قياسٍ . والذّكر أيضا خلف النثى ،وجمعه ذكران وذكور ،والمصدر الذّكورة ، وانظر مصطلح ( :ذكورة ) . النثى :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2النثى :هي خلف الذّكر من كلّ شيءٍ والجمع إناث وأنث ،مثل حما ٍر وحمرٍ ، والتّأنيث خلف التّذكير . الفرج : ن كلّ واح ٍد منهما - 3الفرج من النسان يطلق على القبل والدّبر من الذّكر والنثى ،ل ّ منفرج ،وأكثر استعماله في العرف في القبل .
ما يتعلّق بالذّكر من الحكام : أ -انتقاض الوضوء بمسّ الذّكر :
- 4اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بمسّ الذّكر بالكفّ .
فذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة إلى انتقاض الوضوء بمسّ الذّكر بالكفّ . وذهب الحنفيّة وهو رواية عن المام أحمد إلى عدم انتقاض الوضوء بمسّ الذّكر مطلقا . وراجع التّفصيل والدلّة في ( حدث ) .
القصاص في قطع الذّكر : - 5ذهب الجمهور وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى وجوب جرُوحَ القصاص في قطع الذّكر السّليم إذا توافرت شروط القصاص ،لقوله تعالى { :وَا ْل ُ قِصَاصٌ } ولنّ له نهاي ًة منضبطةً فألحقت بالمفاصل ،فيمكن القصاص فيه من غير حيفٍ . ويستوي في ذلك ذكر الصّغير والكبير ،والشّيخ والشّابّ ،كما يستوي فيه الذّكر الكبير والصّغير ،والصّحيح والمريض ،لنّ ما وجب القصاص فيه من الطراف لم يختلف بهذه المعاني . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل قصاص في قطع الذّكر من أصله أو قطع بعضه إلّ الحشفة ،لنّ الذّكر ينقبض مرّ ًة وينبسط أخرى ،فل يمكن مراعاة المماثلة فيه .والمماثلة شرط من شروط
وجوب القصاص فيما دون النّفس ،وانعدامها يمنع وجوب القصاص .أمّا قطع الحشفة ففيه ن لها حدّا معلوما تنتهي إليه . القصاص ،لمكان استيفاء المثل ،ل ّ وفي وجوب القصاص في قطع ذكر الخصيّ والعنّين خلف بين الفقهاء إذا كان القاطع غير خصيّ ول عنّينٍ .راجع تفاصيل هذا الخلف في مصطلح ( :قصاص ) . واتّفقوا على أنّه ل يقتصّ بقطع الذّكر السّليم بالشلّ .
وجوب الدّية في قطع الذّكر : ن في قطع الذّكر الدّية كاملةً إذا لم يجب القصاص ،لقوله صلى - 6أجمع أهل العلم على أ ّ ال عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزمٍ « :وفي الذّكر الدّية » ولنّه عضو واحد في البدن فيه المنفعة والجمال فكملت فيه الدّية .كما أجمعوا على وجوب الدّية في قطع الحشفة -وهي رأس الذّكر -لنّ معظم منافع الذّكر وهو لذّة المباشرة تتعلّق بها ،وأحكام الوطء عليها ، فما عداها من الذّكر كالتّابع لها ،كالكفّ مع الصابع ،وتجب الدّية كذلك في شلل الذّكر ، لنّه ذهب بنفعه ،ول فرق في وحوب الدّية في الذّكر بين الذّكر الكبير والصّغير ،ول بين ذكر الشّيخ والشّابّ ،سواء قدر على الجماع أو لم يقدر ،بشرط أن يعلم صحّة ذكر الصّغير عند الحنفيّة ،ولكنّهم اختلفوا في وجوب الدّية بذكر العنّين ،وذلك بعدما اتّفقوا على أنّه ل دية في قطع ذكر الشلّ ومقطوع الحشفة ،فذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند المالكيّة والحنابلة ،إلى وجوب الدّية في ذكر العنّين لعموم الحديث ،ولنّه ف في القلب أو الدّماغ أو عضو ل خلل في نفسه بل هو سليم ،وعدم النتشار يعود لضع ٍ لعوامل أخرى ،ولنّه غير ميئوسٍ من جماعه . ن منفعة الذّكر هي ل للمالكيّة وهو رواية عن المام أحمد :إنّه ل تكمل فيه الدّية ،ل ّ وفي قو ٍ النزال والحبال والجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال ،فلم تكمل ديته ،وإلى هذا ذهب قتادة . -7واختلف العلماء كذلك في وجوب الدّية بذكر الخصيّ ،فذهب الحنفيّة وهو أحد القولين عند المالكيّة ورواية عن المام أحمد وهي الرّاجحة عند الحنابلة ،إلى عدم وجوب ديةٍ كاملةٍ ن المقصود من الذّكر هو النزال وتحصيل النّسل . فيه ،ل ّ وإلى هذا ذهب الثّوريّ وقتادة وإسحاق . وذهب الشّافعيّة وهو القول الخر عند المالكيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة ،إلى أنّ في ذكر ن من صفة الخصيّ دي ًة كاملةً ،لعموم قوله صلى ال عليه وسلم « :وفي الذّكر الدّية » ول ّ الذّكر الجماع وهو باقٍ فيه .
والتّفاصيل في مصطلحات ( :دية ،حشفة ،حكومة عدلٍ ،عنّين ،خصيّ ،قصاص ) . ووردت في كتب الفقه أحكام أخرى تتعلّق بالذّكر منها :وجوب الغسل بتغييب حشفة الذّكر في الفرج .ومنها أنّ المهر يستقرّ للمرأة بالوطء . ومنها أنّ الحصان يحصل بذلك إذا كان في نكاحٍ صحيحٍ . ومنها أنّ حدّ الزّنى يجب بإيلج شي ٍء من الذّكر للرّجل البالغ في فرج امرأ ٍة مشتها ٍة محرّمةٍ خاليةٍ عن الشّبهة . والتّفاصيل في مصطلحات ( :غسل ،ومهر ،وإحصان ،وزنىً ،وحشفة ،ووطء ) .
ِذكْر * التّعريف : - 1الذّكر لغ ًة مصدر ذكَر الشّيء يذكره ِذكْرا و ُذكْرا ،وقال الكسائيّ :الذّكر باللّسان ضدّ النصات ذاله مكسورة ،وبالقلب ضدّ النّسيان وذاله مضمومة ،وقال غيره :بل هما لغتان . وهو يأتي في اللّغة لمعانٍ : الوّل :الشّيء يجري على اللّسان ،أي ما ينطق به ،يقال :ذكرت الشّيء أذكره ذكرا ع ْبدَ ُه َزكَ ِريّا } حمَ ِة َر ّبكَ َ وذكرًا إذا نطقت باسمه أو تحدّثت عنه ،ومنه قوله تعالى ِ { :ذكْرُ َر ْ .والثّاني :استحضار الشّيء في القلب ،ضدّ النّسيان .قال تعالى حكاي ًة عن فتى موسى { : ن َأ ْذ ُكرَهُ } . ن أَ ْ ش ْيطَا ُ َومَا أَنسَانِي ُه إِلّا ال ّ قال الرّاغب في المفردات ،ونقله عنه صاحب القاموس في بصائره " :الذّكر تار ًة يراد به ن الحفظ هيئة للنّفس بها يمكّن النسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة ،وهو كالحفظ ،إلّ أ ّ يقال اعتبارًا بإحرازه ،والذّكر يقال باعتبار استحضاره ،وتار ًة يقال لحضور الشّيء القلب أو القول .ولذلك قيل :الذّكر ذكران :ذكر بالقلب ،وذكر باللّسان ،وكلّ واح ٍد منهما ل قولٍ يقال له ذكر ن ،بل عن إدامة حفظٍ .وك ّ ن ،وذكر ل عن نسيا ٍ ضربان :ذكر عن نسيا ٍ . س َككُمْ فَا ْذكُرُو ْا اللّ َه َك ِذ ْكرِ ُكمْ ض ْيتُم ّمنَا ِ ومن الذّكر بالقلب واللّسان معا قوله تعالى َ { :فإِذَا َق َ شدّ ِذكْرا } . آبَاء ُكمْ أَ ْو َأ َ ل ،سواء بالخبار المجرّد أمّا في الصطلح فيستعمل الذّكر بمعنى ذكر العبد لربّه عزّ وج ّ عن ذاته ،أو صفاته ،أو أفعاله ،أو أحكامه ،أو بتلوة كتابه ،أو بمسألته ودعائه ،أو بإنشاء الثّناء عليه بتقديسه ،وتمجيده ،وتوحيده ،وحمده ،وشكره وتعظيمه . ويستعمل الذّكر اصطلحا بمعنىً أخصّ من ذلك ،فيكون بمعنى إنشاء الثّناء بما تقدّم ،دون ص قوله تعالى { : سائر المعاني الخرى المذكورة .ويشير إلى الستعمال بهذا المعنى الخ ّ
حشَاء وَا ْلمُن َكرِ وََل ِذ ْكرُ اللّهِ َأ ْك َبرُ } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيما عنِ ا ْل َف ْ ن الصّلَاةَ َت ْنهَى َ إِ ّ يرويه عن اللّه تعالى « :من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي ن نهي ذكر اللّه عن الفحشاء السّائلين » .فجعلت الية الذّكر غير الصّلة ،على التّفسير بأ ّ والمنكر أعظم من نهي الصّلة عنهما ،وجعل الحديث الذّكر غير تلوة القرآن ،وغير المسألة وهي الدّعاء . ص هو الكثر عند الفقهاء ،حتّى إنّ ابن علّان ذهب إلى أنّه الحقيقة ، وهذا الستعمال الخ ّ وأنّ استعماله لغير ذلك من المعاني مجاز .قال " :أصل وضع الذّكر هو ما تعبّدنا الشّارع بلفظه ممّا يتعلّق بتعظيم الحقّ والثّناء عليه " . وذكر الحديث « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم امتنع من ردّ السّلم على المهاجر بن قنفذٍ حتّى توضّأ ثمّ قال :إنّي كرهت أن أذكر اللّه تعالى إلّ على طهرٍ » . قال ابن علّان :جواب السّلم ليس موضوعا لذلك ،أي للثّناء والتّعظيم .فإطلق الذّكر عليه مجاز شرعيّ سببه -أي علقته -المشابهة أي من حيث هو قول يبنى عليه الثّواب . وأطلق الذّكر في القرآن على عدّة أمورٍ باعتبار المعنيين اللّغويّين أو واح ٍد منهما ،فأطلق على القرآن العظيم نفسه في مثل قوله تعالى { :وَ َهذَا ِذ ْكرٌ ّمبَا َركٌ أَنزَ ْلنَاهُ } وقال { :ذَِلكَ حكِيمِ } . ك مِنَ اليَاتِ وَال ّذ ْكرِ ا ْل َ َنتْلُوهُ عََل ْي َ ن ا ْلَأرْضَ َي ِر ُثهَا وأطلق على التّوراة في قوله تعالى { :وَلَ َق ْد َك َت ْبنَا فِي ال ّزبُورِ مِن َب ْعدِ ال ّذ ْكرِ أَ ّ عبَا ِديَ الصّالِحُونَ } . ِ ل ال ّذكْرِ } أي سأَلُواْ أَهْ َ وأطلق على كتب النبياء المتقدّمين .قال الرّاغب :قوله تعالى { :فَا ْ خذُوا ل كتابٍ من كتب النبياء ذكر ،وقال تعالى َ { :أمِ ا ّت َ الكتب المتقدّمة .وقال الزّبيديّ :ك ّ مِن دُونِ ِه آِلهَ ًة قُلْ هَاتُوا ُبرْهَا َن ُكمْ َهذَا ِذ ْكرُ مَن ّم ِعيَ َو ِذ ْكرُ مَن َقبْلِي } أي هذا هو الكتاب المنزّل على من معي والكتاب الخر المنزّل على من تقدّمني ،وهو التّوراة والنجيل ن اللّه أذن بأن تتّخذوا إلها من دون اللّه .وقد والزّبور والصّحف ،وليس في شيءٍ منها أ ّ فسّرت الية أيضا بغير ذلك . وأطلق الذّكر على النّبيّ صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى َ { :قدْ أَنزَلَ اللّهُ إَِل ْي ُكمْ ِذكْرا ، ن الكلمة وصف رّسُولً } .فقد قيل :إنّ الذّكر هنا وصف للرّسول صلى ال عليه وسلم كما أ ّ لعيسى عليه السلم ،من حيث إنّه بشّر به في الكتب المتقدّمة . شرّ ،وبمعنى الشّرف ،من حيث إنّ وأطلق الذّكر بمعنى الصّيت ،ويكون في الخير وال ّ صاحبهما يذكر بهما .وقد فسّر بهما قوله تعالى { :لَ َق ْد أَنزَ ْلنَا إَِل ْي ُكمْ ِكتَابا فِي ِه ِذكْ ُر ُكمْ } وقوله: { وَِإنّ ُه َل ِذكْرٌ ّلكَ وَِلقَ ْو ِمكَ } .
س ْرنَا وأطلق الذّكر بمعنى التّعاظ وما يحصل به الوعظ ،وقد فسّر بذلك قوله تعالى { وَلَ َقدْ َي ّ ضرِبُ عَن ُكمُ ال ّذ ْكرَ صَ ْفحًا أَن كُن ُتمْ قَ ْومًا ن لِل ّذكْرِ َفهَلْ مِن ّم ّد ِكرٍ } وقوله تعالى َ { :أ َفنَ ْ الْ ُقرْآ َ ّمسْ ِرفِينَ } قال الرّازيّ :المعنى :أنردّ عنكم النّصائح والمواعظ .وقد فسّرت بغير ذلك . سنّة النّبويّة على اللّوح المحفوظ ،وذلك في قول النّبيّ « :وكتب اللّه في وأطلق الذّكر في ال ّ ل شي ٍء من الكائنات . ن اللّوح محلّ للذّكر كتب اللّه فيه ك ّ ل شيءٍ » أي ل ّ الذّكر ك ّ ويشتمل هذا البحث على ما يلي : أ -الذّكر بمعنى ذكر اللّه تعالى والثّناء عليه . ب -والذّكر بمعنى النّطق باسم الشّيء . ج -والذّكر بمعنى استحضار الشّيء في القلب . د -والذّكر بمعنى الشّهرة والصّيت والشّرف . وأمّا الذّكر بسائر المعاني فتنظر أحكامه في مواضع أخرى ( ر :قرآن .توراة .إنجيل . وعظ .دعاء ) .
أوّلً :ذكر اللّه تعالى : حكم ذكر اللّه تعالى :
ل أحدٍ مرغّب فيه في جميع الحوال ،إلّ في حالٍ ورد - 2الذّكر محبوب مطلوب من ك ّ الشّرع باستثنائها ،كحال الجلوس على قضاء الحاجة ،وحال سماع الخطبة على ما يأتي . ت كثير ٍة ،ونهى عن ضدّه من الغفلة والنّسيان ،وعلّق ودليل استحبابه أنّ اللّه أمر به في آيا ٍ الفلح باستدامته وكثرته ،وأثنى على أهله وجعلهم أهل النتفاع بآياته ،وأنّهم أولو اللباب ، وأخبر عن خسران من لها عن الذّكر بغيره ،وجعل ذكره تعالى لهله جزاء ذكرهم له ، وأخبر أنّه أكبر من كلّ شيءٍ ،وجعله قرين العمال الصّالحة ،وجعله مفتتحها ومختتمها ، ت كثيرةٍ يرد بعضها أثناء هذا البحث ل نطيل بذكرها هنا . في آيا ٍ ويزداد استحباب الذّكر في مواضع يأتي تفصيلها . وقد يكون واجبا ،ومن الذّكر الواجب بعض أذكار الصّلة كتكبيرة الحرام وقراءة القرآن . ومن الذّكر الواجب الذان والقامة على القول بأنّهما يجبان على الكفاية ،وردّ السّلم ، ل منها في موضعه . والتّسمية على الذّبيحة .فينظر تفصيل أحكام ك ّ وقد يكون الذّكر حراما ،وذلك كأن يتضمّن شركًا كتلبية أهل الجاهليّة ،أو يتضمّن نقصا ، مثل ما كانوا يقولونه في أوّل السلم :السّلم على اللّه من عباده ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل تقولوا السّلم على اللّه فإنّ اللّه هو السّلم ولكن قولوا :التّحيّات للّه طيّبات » ...فإنّ السّلم إنّما يطلب لمن يحتاج إليه ،واللّه هو السّلم ،فالسّلم والصّلوات وال ّ
يطلب منه ول يطلب له ،بل يثنى عليه به نحو « اللّهمّ أنت السّلم ومنك السّلم » .وقد ل خاصّ ٍة كالذّكر في حال خطبة الجمعة .وتفصيله في مصطلح : يحرم الذّكر في أحوا ٍ ( صلة الجمعة ) . ل خاصّ ٍة يرد ذكرها أثناء البحث . وقد يكون الذّكر مكروها وذلك في أحوا ٍ
فضائل الذّكر وفوائده : - 3تتبيّن منزلة الذّكر بين شعائر الدّين بوجو ٍه كثيرةٍ منها ما يلي : ن الذّكر بالمعنى الشّامل لتلوة كتاب اللّه تعالى هو أفضل العمال على الطلق ، الوّل :أ ّ ن الجهاد أفضل من ونقل ابن علّان عن شرح المشكاة لبن حجرٍ أنّ قضيّة كلم الشّافعيّة أ ّ الذّكر .ووجه الوّل ما في حديث أبي الدّرداء مرفوعا « أل أنبّئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم ،وخير لكم من إنفاق الذّهب والفضّة ،وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا :بلى ،قال :ذكر اللّه » . ن الذّكر خير العمال على العموم ،وأنّه أكثرها قال صاحب نزل البرار :أفاد الحديث أ ّ نماءً وبرك ًة وأرفعها درج ًة . ومثله حديث « الغازي في سبيل اللّه لو ضرب بسيفه في الكفّار حتّى ينكسر ويختضب دما لكان الذّاكرون اللّه أفضل منه درج ًة » واستشكل بعض العلماء تفضيل الذّكر على الجهاد مع ورود الدلّة الصّحيحة أنّه أفضل العمال ،وجمع بعض أهل العلم بين ذلك بأنّه باعتبار الشخاص والحوال فمن كان مطيقًا للجهاد قويّ الثر فيه فأفضل أعماله الجهاد ،ومن كان كثير المال فأفضل أعماله الصّدقة ،وغير هذين أفضل أعماله الذّكر والصّلة ونحو ذلك . قال الشّوكانيّ :ولكن يدفع هذا تصريحه صلى ال عليه وسلم بأفضليّة الذّكر على الجهاد نفسه في هذه الحاديث . ن المراد بالذّكر الّذي هو أفضل ،من الجهاد ،الذّكر الكامل الجامع بين وجمع ابن حجرٍ بأ ّ ذكر اللّسان وذكر القلب بالتّفكّر والستحضار ،فالّذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممّن يقاتل الكفّار من غير استحضارٍ لذلك ،وأفضليّة الجهاد هي بالنّسبة للذّكر اللّسانيّ المجرّد . ح إلّ والذّكر مشترط في ونقل عن ابن العربيّ أنّ وجه الجمع أنّه ما من عملٍ صال ٍ تصحيحه ،فمن لم يذكر اللّه بقلبه فليس عمله كاملً ،فصار الذّكر أفضل العمال من هذه الحيثيّة .وأفضل أهل كلّ عملٍ أكثرهم فيه ذكرا للّه تعالى ،فأفضل المصلّين أكثرهم ذكرا للّه ،وأفضل الصّائمين أكثرهم في صومهم ذكرا للّه ،وكذا الحجّاج والعمّار ،قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « سبق المفرّدون ،قالوا ومن المفرّدون يا رسول اللّه ،قال :
الذّاكرون اللّه كثيرًا والذّاكرات » وذمّ اللّه تعالى المنافقين بقلّة الذّكر في صلتهم ،قال تعالى ل قَلِيلً } . ل َي ْذكُرُونَ الّلهَ ِإ ّ { :وَِإذَا قَامُواْ إِلَى الصّلَ ِة قَامُواْ ُكسَالَى ُيرَآؤُونَ النّاسَ َو َ الثّاني :أنّ جميع العبادات إنّما شرعت لقامة ذكر اللّه تعالى من ذلك قول اللّه تعالى في شأن الصّلة { وََأقِمِ الصّلَا َة ِل ِذ ْكرِي } ،وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في المساجد « إنّما هي لذكر اللّه عزّ وجلّ والصّلة وقراءة القرآن » . ن اللّه تعالى مع الذّاكرين بالقرب والولية والنّصر والمحبّة والتّوفيق ،وأنّه يذكر الثّالث :أ ّ ش ُكرُواْ من ذكره ،ومن نسي اللّه نسيه وأنساه نفسه .قال اللّه تعالى { :فَا ْذكُرُونِي َأ ْذ ُك ْركُمْ وَا ْ س َي ُهمْ } . ل َتكْ ُفرُونِ } .وقال َ { :نسُو ْا اللّ َه َفنَ ِ لِي َو َ وفي الحديث عن أبي هريرة قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :يقول اللّه تعالى ن عبدي بي ،وأنا معه إذا ذكرني ،فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،وإن :أنا عند ظ ّ ذكرني في ملٍ ذكرته في ملٍ خيرٍ منهم » . ن ذكر اللّه تعالى يحصّن الذّاكر من وسوسة الشّيطان ومن أذاه قال اللّه تعالى { : الرّابع :أ ّ صرُونَ } . ن َتذَ ّكرُو ْا فَِإذَا هُم ّمبْ ِ شيْطَا ِ ن ال ّ سهُمْ طَا ِئفٌ مّ َ ن اّلذِينَ اتّقَواْ ِإذَا َم ّ إِ ّ ل على قلبه الوسواس ،فإذا عقل فذكر اللّه خنس ،وإذا وعن ابن عبّاسٍ قال :ما من مولودٍ إ ّ غفل وسوس . الخامس :ما في الذّكر من الجر العظيم ،ومن ذلك ما في الحديث « أل أحدّثكم شيئًا ل من صنع مثل ما تدركون به من سبقكم ،وتسبقون به من بعدكم ول يكون أحد أفضل منكم إ ّ ل صلةٍ ثلثا صنعتم ،قالوا بلى يا رسول اللّه .قال :تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف ك ّ وثلثين » .السّادس :أنّ الذّكر يكسو الذّاكرين الجللة والمهابة ويورثهم محبّة اللّه الّتي هي روح السلم ،ويحيي عندهم المراقبة له والنابة إليه والهيبة له وتتنزّل السّكينة . وفي الذّكر حياة قلب الذّاكر ولينه ،وزوال قسوته ،وفيه شفاء القلب من أدواء الغفلة وحبّ المعاصي ،ويعين النسان على ما سواه من الطّاعات ،وييسّر أمرها ،فإنّه يحبّبها إلى النسان ويلذّها له ،فل يجد لها من الكلفة والمشقّة ما يجده الغافل . وفي الصّحيح مرفوعا « مثل الّذي يذكر ربّه والّذي ل يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت » . ومعنى الحديث أنّ التّارك للذّكر وإن كان في حيا ٍة ذاتيّ ٍة فليس لحياته اعتبار ،بل هو شبيه بالموات حسّا الّذين أجسادهم عرضة للهوامّ ،وبواطنهم متعطّلة عن الدراك والفهم . ن الذّكر أيسر العبادات مع كونه أجلّها وأفضلها وأكرمها على اللّه تعالى ،فإنّ السّابع :أ ّ ف حركات الجوارح ،فيه يحصل الفضل للذّاكر وهو قاعد على فراشه وفي حركة اللّسان أخ ّ سوقه ،وفي حال صحّته وسقمه ،وفي حال نعيمه ولذّته ،ومعاشه ،وقيامه ،وقعوده ،
واضطجاعه ،وسفره ،وإقامته ،فليس شيء من العمال الصّالحة يعمّ الوقات والحوال مثله .هذا ويأتي قريبا بعض ما ورد في التّسبيح والتّحميد ،وسائر أنواع الذّكر من الفضل نوعا نوعا .
ما يكون به الذّكر : - 4الذّكر يكون باللّسان وبالقلب .والمراد بالذّكر باللّسان أن يتحرّك به اللّسان ويسمع نفسه على القلّ إن كان ذا سمعٍ ،ولم يكن هناك لغط يمنع السّماع . وذكر اللّسان على الوجه المبيّن يتأدّى به الذّكر المكلّف به في الصّلة ونحوها ،ول يجزئ في ذلك مجرّد إمرار الذّكر المطلوب على القلب . قال الفقهاء :وذلك معلوم من أقواله صلى ال عليه وسلم أنّ من قال كذا فله من الجر كذا . فل يحصل ذلك إلّ بما يصدق عليه القول . وقد اتّفق العلماء على أنّ الذّكر باللّسان وبالقلب جميعًا أفضل من الذّكر باللّسان وحده دون مواطأة القلب أي مع عدم إجرائه على القلب تسبيحا كان أو تهليلً أو غيرهما ،وأفضل من ق باللّسان . إمرار الذّكر على القلب دون نط ٍ أمّا في حال انفراد أحد الذّكرين عن الخر فقد اختلف أيّهما أفضل . ي في فقيل :ذكر القلب أفضل ،وإليه ذهب النّوويّ في أذكاره وابن تيميّة وابن حجرٍ الهيتم ّ شرح المشكاة ،وقيل :ل ثواب في الذّكر بالقلب وحده نقله الهيتميّ عن عياضٍ والبلقينيّ ، وقيل :ذكر اللّسان مع الغفلة عن المعنى يحصل به الثّواب وهو أفضل من الذّكر بالقلب ن ما تعبّدنا به ل يحصل ن في ذكر اللّسان امتثالً لمر الشّرع من حيث الذّكر ،ل ّ وحده ،ل ّ إلّ بالتّلفّظ به بحيث يسمع نفسه ،بخلف الذّكر بالقلب وحده فل يحصل به المتثال . وهذا كلّه في الذّكر القلبيّ بالمعنى المبيّن ،أمّا الذّكر القلبيّ بمعنى تذكّر عظمة اللّه عند أوامره ونواهيه وإرادة الفعل الّذي فيه رضاه فيفعله ،أو الّذي فيه سخطه فيتركه ،والتّفكّر في عظمة اللّه وجبروته وآياته في أرضه وسماواته ومصنوعاته فقال عياض :هذا النّوع ل ي». يقاربه ذكر اللّسان ،فكيف يفضله .وفي الحديث « خير الذّكر الخف ّ
صيغ الذّكر :
- 5الذكار القوليّة قسمان :أذكار مأثورة ،وهي ما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم تعليمها والمر بها ،أو ورد عنه قولها في مناسب ٍة خاصّ ٍة أو في غير مناسبةٍ ومن قبيل الذّكر ظهُورِ ِه ُثمّ ستَوُوا عَلَى ُ المأثور الذكار القرآنيّة كذكر ركوب الدّابّة في قوله تعالى ِ { :ل َت ْ سخّرَ َلنَا َهذَا َومَا ُكنّا لَ ُه مُ ْق ِرنِينَ . ن اّلذِي َ سبْحا َ ستَ َو ْي ُتمْ عََليْهِ َوتَقُولُوا ُ َت ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ َر ّب ُكمْ ِإذَا ا ْ وَِإنّا إِلَى َربّنَا َلمُنقَِلبُونَ } .
القسم الوّل :الذكار المأثورة : سنّة كثيرة أفردها كثير من العلماء بالتّأليف منهم النّوويّ - 6الذكار الواردة في الكتاب وال ّ وابن الجزريّ وغيرهما .والقرآن وإن كان كلّه ذكرا بالمعنى العمّ للذّكر إلّ أنّ فيه ممّا طيّب . ص -الشّيء الكثير ال ّ يتعلّق بتعظيم اللّه تعالى والثّناء عليه -وهو الذّكر بالمعنى الخ ّ وقد جمع النّوويّ في أذكاره جملً من ذلك ،وكذا الشّيخ صدّيق حسن خان في باب الدّعوات القرآنيّة من كتابه . س َت ِعذْ بِاللّهِ ن فَا ْ ت الْ ُقرْآ َ فمن ذلك أمره تعالى لنا بالستعاذة عند قراءة القرآن بقوله َ { :فِإذَا قَرَأْ َ شيْطَانِ ال ّرجِيمِ } . ن ال ّ مِ َ وأمّا المأثورات عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم فكثيرة وسيأتي في أثناء البحث جملة منها .ثمّ المأثورات عنه صلى ال عليه وسلم منها ما ورد أنّه كان يقوله مطلقا أو لسببٍ ،ومنها ما ورد أنّه أمر به مطلقا أو لسببٍ ،فيتّبع بحسب ذلك . وفيما يلي من الذكار المأثورات أنواع خصّت بمزيد توكيدٍ :
التّهليل :
ل شيءٍ وكلّ أحدٍ ،وإثبات ل اللّه " ومعناها نفي اللوهيّة عن ك ّ - 7وهو قول " ل إله إ ّ استحقاقها للّه تعالى وحده ،فل ربّ غيره ول يعبد سواه . وتسمّى هذه الكلمة كلمة التّوحيد ،فإنّها تدلّ على نفي الشّريك على الطلق .وتسمّى أيضًا كلمة الخلص . وكلمة التّوحيد خلصة دعوة الرّسل ،كما قال تعالى َ { :ومَا َأ ْرسَ ْلنَا مِن َقبِْلكَ مِن ّرسُولٍ إِلّا ن } ول يصحّ اليمان للقادر إلّ بالنّطق بها مع التّصديق ع ُبدُو ِ نُوحِي إَِليْ ِه َأنّ ُه لَا إَِلهَ إِلّا َأنَا فَا ْ ص بترك اللّفظ ،والجمهور على بمعناها بالجنان ،وقيل :يحصل بالتّصديق بها ،وهو عا ٍ الوّل . ومن شهد بها وبرسالة مح ّمدٍ صلى ال عليه وسلم دخل في السلم حكما ( ر :إسلم ) ، وقد جعلت الشّهادتان جزءا من الذان ،وهما ذكر من أذكار الصّلة واجب ،وقيل :سنّة ( ر :أذان ،وتشهّد ) . وفضل التّهليل عظيم ،وورد في ذلك قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنّ اللّه قد حرّم ل اللّه». على النّار من قال ل إله إلّ اللّه يبتغي بذلك وجه اللّه »وقوله «:أفضل الذّكر ل إله إ ّ سنّة المر به في مواضع منها : ل وقتٍ وحالٍ ،وورد في ال ّ والتّهليل مستحبّ في ك ّ ل اللّه وحده ل شريك له ،له عند دخول السّوق ،لحديث « :من دخل السّوق فقال :ل إله إ ّ الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حيّ ل يموت ،بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير ،
كتب اللّه له ألف ألف حسنةٍ ،ومحا عنه ألف ألف سيّئ ٍة ،ورفع له ألف ألف درجةٍ » .ومنها إذا أصبح النسان وإذا أمسى ،بعد صلة الصّبح وصلة المغرب ويأتي بيان ذلك ،ومنها إذا سبق لسانه بالحلف بغير اللّه ،كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « من حلف فقال في حلفه واللّات والعزّى فليقل ل إله إلّ اللّه » .
التّسبيح : - 8وهو قول " سبحان اللّه " .ومعناه أنّ القائل ينزّه اللّه تعالى تنزيهًا عن كلّ نقصٍ ،ومنه نفي الشّريك والصّاحبة والولد وجميع النّقص . وقد روي في حديث موسى بن طلحة مرسلً « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال -في قول العبد سبحان اللّه : -تنزيه اللّه من السّوء » . سمِ َر ّبكَ ا ْل َعظِيمِ } وقوله َ { :و َت َوكّلْ سبّحْ بِا ْ وقد أمر اللّه تعالى بالتّسبيح مطلقا كما في َ { :ف َ ح ْمدِهِ } . ح ِب َ سبّ ْ حيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ َو َ عَلَى ا ْل َ والكثر قرن التّسبيح باسمٍ دالّ على التّعظيم ،أو بالحمد ،ووجهه أنّ التّسبيح تنزيه وتخلية فهو من باب السّلب ،والحمد ثناء بصفات الكمال فهو من باب اليجاب ،ولذا قال اللّه حيّ سمَ َربّكَ ا ْلَأعْلَى } وقال { َوتَ َوكّلْ عَلَى ا ْل َ حاْ سبّ ِ سمِ َر ّبكَ ا ْل َعظِيمِ } و { َ سبّحْ بِا ْ تعالىَ { :ف َ ح ْمدَهِ } . ح ِب َ ل ُيسَبّ ُ شيْءٍ ِإ ّ ح ْمدِهِ } وقال { وَإِن مّن َ سبّحْ ِب َ ت َو َ اّلذِي لَا َيمُو ُ وفضل التّسبيح عظيم كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان ،حبيبتان إلى الرّحمن :سبحان اللّه وبحمده ،سبحان اللّه العظيم » . ص ِبحُونَ } ،و { ُبكْرَ ًة وََأصِيلً } ، وورد المر بالتّسبيح في القرآن { حِينَ ُت ْمسُونَ َوحِينَ ُت ْ سبّحْ ُه وَِإ ْدبَارَ ال ّنجُومِ } . ن الّليْلِ َف َ ن تَقُومُ َ .ومِ َ ح ْمدِ َر ّبكَ حِي َ سبّحْ ِب َ { َو َ سنّة في مواضع منها دعاء الستفتاح « سبحانك اللّهمّ وبحمدك » ...إلخ . وفي ال ّ والمر بالتّسبيح في الرّكوع " سبحان ربّي العظيم " وفي السّجود " بسبحان ربّي العلى " وورد المر بفعله بعد الصّلة . وجعل التّسبيح لمن في الصّلة إذا نابه أمر تنبيها لغيره ،وأمر به وعند سماع الرّعد . خذَ الّلهُ وكذا إن حكى نسبة ما فيه نقص إلى اللّه تعالى وتقدّس ،كما قال تعالى َ { :وقَالُواْ ا ّت َ سبْحَانَ ُه } أو سمع ذلك ،أو سمع ما يتعجّب منه كما في حديث { أبي هريرة أنّه كان وََلدًا ُ جنبًا ورأى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فانخنس ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :سبحان ن المؤمن ل ينجس } .وفي أكثر هذه المسائل تفصيل ينظر في مصطلح ( :تسبيح ) . اللّه إ ّ
التّحميد :
- 9ويسمّى أيضا الحمدلة ،وهو قول :الحمد للّه ،نطقا .ومعنى كون الحمد للّه :أنّ كلّ حمدٍ ،أو حقيقة الحمد ،أو الحمد المعهود ،أي الّذي حمد اللّه به نفسه وحمده به أنبياؤه ن كلّ النّعم منه تعالى ،وفي وأولياؤه ،مملوك أو مستحقّ له ،فحمد غيره ل اعتداد به ،ل ّ ن المعنى الستغراق وهو قول الجمهور . الحديث « اللّهمّ لك الحمد كلّه » .وهذا يرجّح أ ّ وحقيقة الحمد :الثّناء باللّسان على الجميل الختياريّ على قصد التّبجيل ،وبهذا فارق المدح، فإنّ المدح الثّناء باللّسان على الجميل الختياريّ وغيره . وقيل الحمد الوصف بالجميل اختياريّا كان أو غيره بقصد الثّناء ،وهذا أصحّ . وقيل الحمد في العرف يكون بالقول وبالفعل أيضا . ن الشّكر ومعنى الشّكر قريب من معنى الحمد إلّ أنّه كما قال الزّمخشريّ أع ّم موردا ،أي ل ّ يكون باللّسان والقلب والجوارح ،والحمد باللّسان فقط ،والحمد أعمّ متعلّقا ،لنّ الشّكر ل يكون إلّ في مقابلة نعمةٍ ،والحمد يكون في مقابلة نعمةٍ ويكون لمجرّد اتّصاف المحمود بالجميل .قال ابن القيّم :والتّمجيد أخصّ من التّحميد ،فإنّ التّمجيد :المدح بصفات الجلل والملك والسّؤدد والكبرياء والعظمة . سنّة ،وفضله كبير ،قال اللّه والذّكر بحمد اللّه وتمجيده وشكره مأمور به في الكتاب وال ّ شكَ ْر ُتمْ ل َتكْ ُفرُونِ } وقال { وَِإذْ َتَأذّنَ َر ّب ُكمْ َلئِن َ شكُرُو ْا لِي َو َ تعالى { فَا ْذ ُكرُونِي َأ ْذكُ ْر ُكمْ وَا ْ ي صلى ال عليه وسلم للسود بن سريعٍ :إنّ ربّك يحبّ الحمد » لزِي َد ّن ُكمْ } « وقال النّب ّ َ وقال « :الحمد للّه تمل الميزان » . ل ذي بالٍ ،في خطبة الجمعة وخطبة النّكاح ،والخطبة عند ن الحمدلة في ابتداء كلّ عم ٍ وتس ّ عقده ،وفي التّدريس ،والتّصنيف ،وغير ذلك ،وبعد الكل أو الشّرب وعند العطاس ، وعند الخروج من الخلء ،وفي افتتاح الدّعاء واختتامه وعند حصول النّعم أو اندفاع المكروه ل " .واستيفاؤه في مصطلح ( : ن لمن أصابته مصيبة أن يقول " :الحمد للّه على كلّ حا ٍ ويس ّ تحميد ) .
التّكبير : - 10وهو لغ ًة التّعظيم ،وشرعا قول " :اللّه أكبر " .وورد المر به مطلقًا في قوله تعالى: سنّة ك فَ َكّبرْ } وقوله َ { :و َكبّرْ ُه َت ْكبِيرًا } وقوله { وَِل ُت َكّبرُواْ الّلهَ عَلَى مَا َهدَا ُكمْ } ،وفي ال ّ { َو َربّ َ ل تكبير ٍة صدقة » . قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ك ّ وورد المر به في مواضع ،منها في الذان والقامة ،ومنها تكبيرة الحرام بالصّلة وتكبيرات النتقال فيها ،والتّكبير في العيدين في الخطبة والصّلة ،والتّكبير في صلة الجنازة ،وعند الشّافعيّة والحنابلة يكبّر في صلة الستسقاء .
ن التّكبير عقب الصّلة المكتوبة ،وعند تمام الصّوم حتّى يصلّي العيد ،وفي يوم عيد ويس ّ ج والمعتمر عند ابتداء طوافه ،وعند ابتداء سعيه ،وفي الفطر وأيّام التّشريق ،ويكبّر الحا ّ ن التّكبير عند رؤية الهلل أثناء الوقوف بعرفة .ويكبّر الذّابح والصّائد مع التّسمية ،وس ّ ن للمسافر إذا عل شرفا أو ركب دابّ ًة أو نحو ذلك . ويس ّ وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح ( :تكبير ) . وورد في فضله أحاديث منها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أحبّ الكلم إلى اللّه أربع فذكر منهنّ التّكبير » .
الحوقلة : ل باللّه " . - 11هي قول " :ل حول ول قوّة إ ّ ل بعصمة اللّه ،ول قوّة له ومعناها على ما قال ابن حجرٍ :ل تحويل للعبد عن معصية اللّه إ ّ ن تفسيرها بذلك رواه البزّار عن ل بتوفيق اللّه ،وفي الفتوحات ال ّربّانيّة أ ّ على طاعة اللّه إ ّ ابن مسعو ٍد مرفوعا وفي لفظه :بعون اللّه . ن العبد ل يملك من أمره شيئا ،وليس له حيلة في وقال النّوويّ :هي استسلم وتفويض ،وأ ّ ل بإرادة اللّه تعالى وتوفيقه . دفع شرّ ول قوّة في جلب نفعٍ ،إ ّ ي صلى ال عليه وسلم قال لبي موسى الشعريّ :يا عبد اللّه بن ن النّب ّ وورد في فضلها « أ ّ قيسٍ ،أل أعلّمك كلمةً هي من كنوز الجنّة :ل حول ول قوّة إلّ باللّه » . وورد المر بقولها مطلقا كما تقدّم . وورد المر بقولها في إجابة المؤذّن عند قوله :حيّ على الصّلة ،وحيّ على الفلح . ج ّن َتكَ قُلْتَ مَا شَاء اللّهُ لَا قُوّ َة إِلّا وورد في القرآن المر بها في قوله تعالى { :وَلَوْلَا ِإذْ َدخَلْتَ َ بِاللّهِ } .واستيفاء ذلك في مصطلح ( :حوقلة ) .
الباقيات الصّالحات :
- 12هذه النواع الخمسة المتقدّمة من الذكار المأثورة ورد تسميتها " الباقيات الصّالحات " وذلك في حديث أبي سعيدٍ رضي ال عنه ،قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم : استكثروا من الباقيات الصّالحات .قيل :وما هي يا رسول اللّه ؟ قال :التّكبير والتّهليل ل باللّه » . والتّسبيح والتّحميد ول حول ول قوّة إ ّ ل اللّه واللّه أكبر ول وفي حديث أبي الدّرداء مرفوعا « قل سبحان اللّه والحمد للّه ول إله إ ّ ن من كنوز الجنّة حول ول قوّة إلّ باللّه وهنّ يحططن الخطايا كما تحطّ الشّجرة ورقها ،وه ّ ن». ن قبل أن يحال بينك وبينه ّ » .وفي لفظٍ « خذه ّ
ن « أحبّ الكلم إلى اللّه » وورد في فضل الربع الول منهنّ أحاديث جامعة ،منها أنّه ّ ن أفضل الكلم بعد القرآن ،وهنّ من القرآن ،ل يضرّك ومنها حديث سمرة مرفوعا « ه ّ ب إليه صلى ال عليه وسلم ممّا طلعت عليه الشّمس » . بأيّهنّ بدأت » وأنّهنّ « أح ّ ن. « وأنّ اللّه اصطفى من الكلم أربعا » فذكره ّ ن بعد السّلم من الصّلة ،ويأتي صيغة ذلك . وورد المر بقوله ّ
السترجاع : - 13هو قول " إنّا للّه وإنّا إليه راجعون " . ومعنى " إنّا للّه " إقرار قائلها أنّنا نحن وأهلنا وأموالنا عبيد للّه يصنع فينا ما يشاء . ومعنى " وإنّا إليه راجعون " إقرار قائلها على نفسه بالهلك ثمّ بالبعث والنّشور إلى انفراد اللّه تعالى بالحكم كما كان أوّل مرّةٍ . وورد المر بقولها عند المصيبة مطلقا ،صغير ًة كانت أو كبيرةً فإنّها تسهّل على النسان فقد ن ،اّلذِينَ ِإذَا َأصَا َب ْتهُم ّمصِيبَ ٌة قَالُواْ ِإنّا لِّلهِ وَِإنّـا إَِليْهِ ما فقد ،قال تعالى َ { :و َبشّرِ الصّا ِبرِي َ سنّة المر بها لمن مات له ميّت ،أو بلغه وفاة صديقه ،ويأتي إن شاء رَاجِعونَ } وورد في ال ّ اللّه بيان بعض ذلك .
التّسمية :
14
-وهي قول " بسم اللّه " أو " بسم اللّه الرّحمن الرّحيم " .
يقال :سـمّيت اللّه تعالى أي قلت بسـم اللّه ،ويقال أيض ًا :بسـملت ،والمصـدر البسـملة . ومعناهـا :أبتدئ هذا الفعـل أو هذا القول م ستعينا باللّه على إتما مه ،أو متـبرّكا بذكـر ا سمه تعالى . وقد افتتح اللّه بها فاتحة كتابه وجميع سوره ما عدا سورة براءة . وورد المـر بقولهـا فـي ابتداء الوضوء ،وعنـد الغسـل ،ودخول المسـجد أو الخروج منـه ، وعلى الذّبح ،وإرسال النّصل أو الجارحة على ال صّيد ،وعلى الكل أو الشّرب أو الجماع ، وكذا عند دخول الخلء . ل شيءٍ من ذلك في موضعه و ( ر :تسمية ) . وينظر تفصيل القول في ك ّ
قول " ما شاء اللّه : ج ّن َتكَ قُلْتَ مَا شَاء اللّهُ لَا قُوّ َة إِلّا بِاللّهِ } - 15ورد ذكرها في قوله تعالى { :وَلَوْلَا ِإذْ َدخَلْتَ َ قال القرطبيّ :أي هذه الجنّة هي ما شاء اللّه .وقال ال ّزجّاج والفرّاء :تقديره :المر ما شاء اللّه .
س قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من رأى شيئا فأعجبه فقال :ما شاء اللّه وفي حديث أن ٍ ل باللّه لم يضرّه العين » . ل قوّة إ ّ وقالت عائشة رضي ال عنها « :إذا خرج الرّجل من منزله فقال :بسم اللّه قال الملك : ل باللّه قال الملك :وقيت ». هديت ،وإذا قال :ما شاء اللّه قال :كفيت ،وإذا قال :ل قوّة إ ّ ل من دخل منزله أن يقول هذا .يعني ما ورد في الية . قال أشهب :قال مالك :ينبغي لك ّ
ي صلى ال عليه وسلم : الصّلة على النّب ّ - 16وهي قول " صلّى اللّه على محمّدٍ وسلّم " أو نحوها ممّا يفيد سؤال اللّه تعالى أن يصلّي ن اللّهَ على رسوله ويسلّم عليه .وقد أمر اللّه تعالى المؤمنين بذلك في قوله تعالى { :إِ ّ ن آ َمنُوا صَلّوا عََليْهِ َوسَّلمُوا َتسْلِيما } . َومَلَا ِئ َكتَهُ ُيصَلّونَ عَلَى ال ّن ِبيّ يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ل تجعلوا قبري عيدا ،وصلّوا عليّ فإنّ صلتكم تبلغني حيث كنتم » . ن بشير بن سعدٍ قال للنّبيّ ي«أّ ومن الصّيغ الواردة ما ورد في حديث أبي مسعو ٍد النصار ّ صلى ال عليه وسلم :أمرنا اللّه أن نصلّي عليك يا رسول اللّه ،فكيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا :اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وعلى آل مح ّمدٍ ،كما صلّيت على آل إبراهيم ،وبارك على محمّ ٍد وعلى آل محمّدٍ كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد » . والصّلة من اللّه تعالى على عبده ثناؤه عليه ،وقيل :رحمته له ،وصلة الملئكة والعباد عليه دعاء بالرّحمة مقرون بالتّعظيم . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم ) .
التّلبية :
- 17وهي قول " لبّيك اللّهمّ لبّيك " وهي من أذكار الحجّ والعمرة ،ومعناها :أقيم على إجابتك يا ربّ إقامةً بعد إقامةٍ .وينظر تفصيل أحكامها في مباحث الحجّ والعمرة .
الحسبلة : - 18وهي قول " حسبي اللّه " ومعناه الكتفاء بدفاع اللّه وعونه عن دفاع غيره وعونه . ن قولها لمن غلبه أمر ،لما في حديث عوف بن مالكٍ « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ويس ّ قضى بين رجلين فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر :حسبي اللّه ونعم الوكيل .فقال النّبيّ صلى ن اللّه تعالى يلوم على العجز ،ولكن عليك بالكيس ،فإذا غلبك أمر فقل ال عليه وسلم :إ ّ حسبي اللّه ونعم الوكيل » .
أذكار مأثورة أخرى :
- 19وهناك أذكار أخرى مأثورة مرتبطة بأسبابٍ أو مطلقة يأتي بيان بعضها في البحث . سّنيّ في " عمل اليوم واللّيلة " والنّوويّ في " الذكار " وقد جمعها كثير من العلماء كابن ال ّ طيّب " وصدّيق حسن خان في " نزل البرار " . صيّب من الكلم ال ّ وابن القيّم في " الوابل ال ّ ويعرض لها الفقهاء في مواضع مختلف ٍة من مباحث الفقه .
أفضل الذكار : - 20قال النّوويّ :القرآن أفضل الذّكر .قال القرطبيّ :لنّه مشتمل على جميع الذّكر من ح وتمجيدٍ وعلى الخوف والرّجاء والدّعاء والسّؤال والمر بالتّفكّر ل وتحميدٍ وتسبي ٍ تذكيرٍ وتهلي ٍ والعتبار وغير ذلك ،فمن وقف على ذلك وتدبّره فقد حصّل أفضل العبادات ،وهو قبل ذلك كلم اللّه فل يدانيه شيء .ثمّ ذكر في أفضليّته قيدا فقال :أفضل الذّكر القرآن لمن عمل به ، ونقل ذلك عن سفيان الثّوريّ . وفي الحديث القدسيّ « :من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين ، وفضل كلم اللّه على سائر الكلم كفضل اللّه على خلقه » . واستدلّ ابن تيميّة لكون القرآن أفضل من سائر الذّكر بتعيّنه في الصّلة ،وبأنّه ل يقربه ل الطّاهر ،بخلف الذّكر والدّعاء . جنب ،ول يمسّه إ ّ ن أفضل الذكار بعد القرآن الكلمات الربع « سبحان اللّه ،والحمد ول تختلف الحاديث في أ ّ للّه ،ول إله إلّ اللّه ،واللّه أكبر » .ورد ذلك من حديث سمرة بن جندبٍ ،وفي حديثٍ أبي ب إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس ن أح ّ ي صلى ال عليه وسلم قال :لن أقوله ّ ن النّب ّ هريرة « أ ّ ن اللّه اصطفى من الكلم أربعا » .فذكرهنّ . » .وورد « أ ّ ن كذلك أفضل من سائر ن أفضل منه بغيرهنّ ممّا في القرآن ،وه ّ وهذا يدلّ على أنّ الذّكر به ّ ن أفضل الكلم بعد الذكار المأثورة ،فعن سمرة « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :ه ّ ن بدأت » . القرآن ،وهنّ من القرآن ،ل يضرّك بأيّه ّ ل اللّه " صرّح بذلك القرطبيّ أمّا الفضل من هذه الكلمات الربع فهو كلمة " ل إله إ ّ والطّيبيّ ،واستظهره ابن حجرٍ ،لما في الحديث « :أفضل الدّعاء يوم عرفة ،وأفضل ما قلت أنا والنّبيّون من قبلي ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له » . ن غيري في كفّ ٍة ول إله إلّ اللّه والحديث الخر القدسيّ « لو أنّ السّموات والرض وعامره ّ ل اللّه » والحديث الخر « أفضل الذّكر ل إله إلّ اللّه » وفي ن ل إله إ ّ في كفّ ٍة مالت به ّ ل منه ، حديثٍ « هي أفضل الحسنات » ولنّها مفتاح السلم وبابه الّذي ل يدخل إليه إ ّ وعموده الّذي ل يقوم بغيره ،وهي أحد أركان السلم .
ن أحبّ الكلم إلى قال ابن حجرٍ :ويعارض ذلك في الظّاهر حديث أبي ذرّ المرفوع « :أ ّ اللّه سبحان اللّه وبحمده » وجمع بين ذلك بأوجهٍ منها :أنّ أفضليّة سبحان اللّه وبحمده لدخول معاني الكلمات الربع تحتها إمّا بالتّصريح أو بالستلزام فقد صرّحت بالتّنزيه والتّحميد ،وإذا كان معناها تنزيهه تعالى عمّا ل يليق بجلله اندرج فيه معنى ل إله إلّ اللّه ،وإذا كان كلّ فضلٍ وإفضالٍ منه تعالى فل شيء أكبر منه ،وأمّا أفضليّة ل إله إلّ اللّه فلذكر الوحدانيّة صريحا . ن الذّكر أفضل من الدّعاء من حيث الجملة ،لحديث « من شغله القرآن وينبغي أن يعلم أ ّ وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين » .
أفضل الذكار من حيث الشتغال بها : - 21ما تقدّم هو الفضليّة في الذّكر المطلق :أفضله الشتغال بقراءة القرآن ،فهي أفضل من الشتغال بالتّهليل والتّسبيح المطلق .ثمّ الكلمات الربع ،ثمّ سائر أنواع الذّكر ،قال النّوويّ :أمّا المأثور في وقتٍ أو نحوه -أي لسببٍ -فالشتغال به -أي في الوقت أو عند ن الشتغال بالذّكر المؤقّت في وقته ،والمقيّد بسببٍ السّبب -أفضل .ا هـ .وهذا يقتضي أ ّ عند سببه ،أفضل من الشتغال بسائر المأثورات ،حتّى من التّسبيح والتّكبير ونحوهما وحتّى من الشتغال بقراءة القرآن .قال ابن علّان :ما ورد من الذّكر مختصّا بمكانٍ أو زمانٍ أو حالٍ كأذكار الطّواف وليلة الجمعة وحال النّوم فالشتغال به أفضل من الشتغال بالتّلوة . قال عمر بن أبي سلمة :سألت الوزاعيّ :قراءة القرآن أعجب إليك أم الذّكر ؟ فقال :سل أبا مح ّمدٍ ،يعني سعيدا ،أي ابن المسيّب ،فسألته فقال :بل القرآن .فقال الوزاعيّ :إنّه ليس شيء يعدل القرآن ،ولكن إنّما كان هدي من سلف يذكرون اللّه تعالى قبل طلوع الشّمس سنّة من الذكار في الوقات وعقيب وقبل الغروب .قال الشّوكانيّ :وهكذا ما وردت به ال ّ ن إرشاده إليه يدلّ على أنّه الصّلوات فإنّه ينبغي الشتغال بما ورد عنه صلى ال عليه وسلم فإ ّ أفضل من غيره .وصرّح بمثل ذلك العزّ بن عبد السّلم في قواعده وابن تيميّة في فتاويه . وفي مطالب أولي النّهى القرآن أفضل من سائر الذّكر لكن الشتغال بالمأثور من الذّكر في محلّه كأدبار الصّلوات ،أفضل من تلوة القرآن في ذلك المحلّ . وعلى هذا فالفضل عند الذان الشتغال بإجابته ،وبعد الصّلة بالذكار الواردة ،وعند الفطار في رمضان الشتغال بما ورد من الذّكر ،وهكذا .
الذّكر بغير المأثور :
أ -في الذكار المطلقة :
- 22يجوز في الذكار المطلقة التيان بما هو صحيح في نفسه ممّا يتضمّن الثّناء على اللّه تعالى ول يستلزم نقصا بوجهٍ من الوجوه ،وإن لم تكن تلك الصّيغة مأثور ًة عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم .وهذا في الذّكر المطلق موضع اتّفاقٍ . ول يدخل في المأثور في هذا الباب ما نقل عن الصّحابة رضي ال عنهم ،على ما قاله ابن ي ممّا للرّأي فيه مدخل ل يكون له حكم علّان من الشّافعيّة ،قال :لنّ ما ورد عن الصّحاب ّ المرفوع .فيكون ما ورد من أذكار الصّحابة رضي ال عنهم مضموما إلى ما نقل من طيّب ممّا الذكار عن غيرهم في كونه من غير المأثور ،وإن كان فيما نقل عنهم الكثير ال ّ يحسن تعلّمه واستعماله . والمشهور أنّ الشتغال بالذّكر المأثور أفضل من الشتغال بذكرٍ يخترعه النسان من عند ي صلى ال عليه وسلم وكونه نفسه .ووجه الفضليّة واضح وهو ما فيه من القتداء بالنّب ّ أعلم باللّه تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله ،وكونه أفصح العرب وأعلمهم بمواقع الكلم ، وكونه أوتي جوامع الكلم ،وأمدّ بالتّسديد الرّبّانيّ ،وكمال النّصح لمّته . سنّة وفيهما ما يكفي وقال النّوويّ :الخير والفضل إنّما هو في اتّباع المأثور في الكتاب وال ّ في سائر الوقات ،وجرى على ذلك أصحابنا .وقال في موضعٍ :أوراد المشايخ وأحزابهم ل بأس بالشتغال بها . ونقل ابن عابدين عن الهنديّة أنّه ينبغي أن يدعو في صلته بدعا ٍء محفوظٍ ،وأمّا في غيرها فينبغي أن يدعو بما يحضره .
ب -الذّكر بغير المأثور في مناسباتٍ معيّنةٍ : - 23ما تقدّم هو في الذّكر المطلق ،أمّا في السباب والمناسبات المعيّنة : ن التّكليف يتأدّى به .فلو أتى بدله بذكرٍ غير أ -فإن كان في مثل تلك المناسبة ذكر مأثور فإ ّ مأثورٍ ففي المسألة تفصيل : فما كان ركنا من أركان العبادة أو واجبا من واجباتها لم يمكن إبداله ،وذلك كأذكار الذان ، وأذكار الصّلة الّتي ل بدّ منها كالفاتحة ،وتكبيرة الحرام ،والتّشهّد . وما كان التيان به من الذكار المأثورة مستحبّا أو جائزا ففي إبداله بغيره تفصيل :فالصل ن التيان بالذّكر المأثور أفضل ،وإن دعا وذكر بغيره ممّا يليق فل بأس . أّ فمن جملة ذلك الطّواف ،قال النّوويّ :قال أصحابنا :القراءة في الطّواف أفضل من الدّعوات غير المأثورة وأمّا المأثورة فهي أفضل من القراءة على الصّحيح . ب -أمّا إن لم يكن في المناسبة المعيّنة ذكر وارد ،فذهب بعض العلماء إلى أنّه ل ينكر ب النسان ممّا يليق بالمناسبة ،أخذا من إطلق المر بالذّكر والدّعاء استعمال ذكرٍ ممّا يح ّ
في النّصوص القرآنيّة والنّبويّة .دون أن ُيدّعى لذلك الذّكر أو الدّعاء فضل أو خصوصيّة معيّنة . ومن جملة ذلك التّهنئة بالعيد وبدخول العوام والشهر ،قال صاحب ال ّدرّ :التّهنئة بالعيد بلفظ تقبّل اللّه منّا ومنكم ل تنكر .قال ابن عابدين :إنّما قال ذلك لنّه لم يحفظ فيه شيء عن أبي حنيفة وأصحابه .قال :وفي القنية أنّه لم ينقل فيها عن أصحابنا كراهة . قال ابن عابدين :يمكن أن يلحق بذلك قوله :عيد مبارك ونحوه .ثمّ قال :على أنّه قد ورد الدّعاء بالبركة في أمورٍ شتّى فيؤخذ منه استحباب الدّعاء بهذا أيضا .وعن الحافظ المقدسيّ: ن النّاس لم يزالوا مختلفين فيه والّذي أراه أنّه ل سنّة فيه ول بدعة .ا هـ . أّ وفي المغني :عن أحمد أنّه قال :ل أبتدئ به أحدًا وإن قاله أحد رددت عليه . وعن مالكٍ في مثل " تقبّل اللّه منّا ومنك ،وغفر لنا ولك " يوم العيد :قال :ل أعرفه ول أنكره .قال ابن حبيبٍ :أي :ل يعرفه سنّ ًة ول ينكره على من يقوله لنّه قول حسن ،لنّه ض في اليوم المذكور " عيد دعاء .قال صاحب الفواكه :ومثله قول النّاس بعضهم لبع ٍ ل ذلك .وقال الوزاعيّ :هو بدعة . مبارك ،وأحياكم اللّه لمثاله " ل شكّ في جواز ك ّ وعند الشّافعيّة أنّها سنّة .وانظر بحث ( تهنئة من الموسوعة . ) 99/ 14
الزّيادة في الذّكر على ما ورد : - 24الزّيادة في الذّكر المرتّب شرعا على سببٍ ،الصل فيه الجواز عند الجمهور ،ويتقيّد بقيودٍ تفهم ممّا تقدّم ،فمنها أن يكون صحيح المعنى ل يستلزم نقصًا بوجهٍ من الوجوه ،وألّ ن الشّارع أراد المحافظة فيه على اللّفظ الوارد ،فل يزاد على ألفاظ الذان يكون ممّا علم أ ّ وألفاظ التّشهّد ونحوهما ،وأن يكون بمعنى ما ورد ،وأن يكون ممّا يليق . ن زيادات العلماء في القنوت ونحوه من الذكار يكون التيان بها أولى ، وقد نقل ابن علّان أ ّ ن المدار فيه على لفظه فلذا لم يزيدوا فيه ،ورأوا ن العلماء فهموا أ ّ وفارق التّشهّد وغيره بأ ّ ن الزّيادة فيه خلف الولى بخلف القنوت فإنّهم فهموا أنّ للدّعاء تأثيرا عظيما في أّ الستجابة فتوسّعوا في الدّعاء فيه . ج « بتلبية النّبيّ صلى ال عليه وسلم وقد ورد أنّ ابن عمر رضي ال عنه كان يلبّي في الح ّ لبّيك اللّهمّ لبّيك ،لبّيك ل شريك لك لبّيك ،إنّ الحمد والنّعمة لك والملك ل شريك لك ل يزيد على ذلك » ثمّ كان ابن عمر يزيد فيها " لبّيك لبّيك وسعديك والخير بيديك لبّيك ،والرّغباء ل بهذا « أي بتلبية النّبيّ صلى ال إليك والعمل وفي رواي ٍة :قال ابن عمر :كان عمر يه ّ عليه وسلم ،ويزيد :لبّيك وسعديك إلخ » .
ب من الذّكر للّه ، قال ابن حجرٍ :قال الطّحاويّ :قال قوم :ل بأس أن يزيد في التّلبية ما أح ّ وهو قول مح ّمدٍ والثّوريّ والوزاعيّ .واحتجّوا بهذا المرويّ عن عمر وابنه . وقال آخرون :ل ينبغي أن يزاد على ما علّمه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم النّاس ،كما علّمهم التّكبير في الصّلة فل ينبغي أن يتعدّى في ذلك شيئًا ممّا علمه .ا هـ . ثمّ قال ابن حجرٍ :وقول من قال :إنّه ل بأس بالزّيادة على التّلبية هو قول الجمهور وبه صرّح أشهب .وحكى ابن عبد الب ّر عن مالكٍ الكراهة .قال :وهو أحد قولي الشّافعيّ . ي في القديم أنّه كره الزّيادة على وقال الشّيخ أبو حامدٍ :وحكى أهل العراق عن الشّافع ّ المرفوع ،وغلطوا ،بل ل يكره ول يستحبّ .وحكى التّرمذيّ عنه إن زاد في التّلبية شيئا ي أن يقتصر على تلبية رسول اللّه صلى ال عليه وسلم . من تعظيم اللّه فل بأس وأحبّ إل ّ وحكي عن أبي حنيفة :إن زاد في التّلبية عمّا ورد فحسن . وحكي في المعرفة عن الشّافعيّ أيضا قوله " :ل ضيق على أحدٍ في قول ما جاء عن ابن ن الختيار عندي أن يفرد ما روي عن النّبيّ عمر وغيره من تعظيم اللّه ودعائه ،غير أ ّ صلى ال عليه وسلم في ذلك " . قال ابن حجرٍ :وهذا أعدل الوجوه ،فيفرد ما جاء مرفوعا ،وإذا اختار قول ما جاء موقوفا، أو أنشأه هو من قبل نفسه ممّا يليق ،قاله على انفراده حتّى ل يختلط بالمرفوع . قال :وهو شبيه بحال الدّعاء في التّشهّد فإنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال فيه « :ثمّ ليتخيّر بعد من المسألة ما شاء » .أي بعد أن يفرغ من المرفوع . وذكر البخاريّ حديث رفاعة الزّرقيّ قال « :كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلى ال عليه وسلم فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال :سمع اللّه لمن حمده ،قال رجل وراءه ،ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ،فلمّا انصرف قال :من المتكلّم ؟ قال :أنا .قال :رأيت بضع ًة وثلثين ملكا يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل » ،ثمّ قال ابن حجرٍ :استدلّ بهذا على إحداث ذكرٍ في الصّلة غير مأثورٍ إذا كان غير مخالفٍ للمأثور . قال عليّ القاريّ :وروى التّرمذيّ عن ابن عمر " :أنّ رجلً عطس إلى جنبه فقال :الحمد للّه والسّلم على رسول اللّه .فقال ابن عمر .وإنّا أقول :الحمد للّه والسّلم على رسول اللّه وليس هكذا علّمنا رسول اللّه " . ثمّ بيّن القاريّ وجه إنكار ابن عمر لتلك الزّيادة قائلً :الزّيادة المطلوبة هي المتعلّقة بالحمد له سواء ورد أم ل ،وأمّا زيادة ذكرٍ آخر بطريق الضّمّ إليه فغير مستحسنٍ ،لنّ من سمع ربّما يتوهّم أنّه من جملة المأثور به .
التّبديل في ألفاظ الذكار الواردة :
ظ من الذكار الواردة بلفظٍ آخر اختلف فيه أيضا ،فقيل :هو جائز لنّه شبيه - 25تبديل لف ٍ ن الرّواية بالمعنى جائزة إذا كان اللّفظ البديل بالرّواية بالمعنى ،والمشهور عند المحدّثين أ ّ مساويا في المعنى للّفظ الوارد ،وخالف في ذلك المازريّ فقال تعليقا على حديث البراء بن عازبٍ « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال له :إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلة ،ثمّ اضطجع على شقّك اليمن .ثمّ قل :اللّهمّ أسلمت نفسي إليك ..إلى قوله : آمنت بكتابك الّذي أنزلت ونبيّك الّذي أرسلت ...قال فرددتها على النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقلت :ورسولك قال :ل ،ونبيّك الّذي أرسلت » . قال المازريّ عقبه :سبب هذا النكار أنّ هذا ذكر ودعاء ،فينبغي فيه القتصار على الذّكر الوارد بحروفه ،وقد يتعلّق الجزاء بتلك الحروف ،ولعلّه أوحي إليه بتلك الكلمات ،فتعيّن أداؤها بحروفها .وإلى مثل ذلك مال ابن حجرٍ .وهذا كما هو واضح في الذكار المقيّدة الّتي رتّب الشّارع عليها فضلً خاصّا ،ل في الذّكر المطلق .
الذّكر بالسم المفرد ،وبالضّمير المفرد : ل على أنّ في الذّكر بالسم المفرد " اللّه ، - 26ذكر الرّشيديّ في حاشيته على النّهاية ما يد ّ اللّه ،اللّه " خلفا في أنّه ذكر أم ل . وقال ابن تيميّة :السم المفرد مظهرا أو مضمرا ليس بكلمٍ تامّ ول يتعلّق به إيمان ول كفر، ول أمر ،ول نهي ،ول يعطي القلب معرف ًة مفيدةً ،وإنّما يعطيه تصوّرا مطلقا .والذّكر سنّة . بالسم المضمر أبعد عن ال ّ
آداب الذّاكرين :
للذّكر والدّعاء آداب يستدعيها كمال المذكور وجلله ،وإذا روعيت كانت أولى بالقبول والجابة ،فمن تلك الداب :
أ -طلب العون من اللّه تعالى على الذّكر : - 27وقد « حثّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم معاذا على أن يقول :اللّهمّ أعنّي على ذكرك وحسن عبادتك » .
ب -أن يكون الذّاكر متطهّرا من الحدث :
- 28واستدلّ لذلك بحديث المهاجر بن قنفذٍ قال « :رأيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو ي حتّى توضّأ ،ثمّ اعتذر إليّ وقال :إنّي كرهت أن أذكر اللّه يبول ،فسلّمت عليه فلم يردّ عل ّ إلّ على طهرٍ ،أو قال :على طهار ٍة » . ل في أكمل الحوال ، ن الفضل ألّ توجد الذكار إ ّ وقال ابن علّان :يؤخذ من الحديث أ ّ كالطّهارة من الحدثين ،وطهارة الفم من الخبث .ولم يقولوا باشتراط ذلك لما ثبت « أنّ
ل أحيانه .وكان إذا خرج من الغائط قال : النّبيّ صلى ال عليه وسلم :كان يذكر اللّه على ك ّ غفرانك ،وكان يقول :الحمد للّه الّذي أذهب عنّي الذى وعافاني » . فهذا ذكر على غير طهارةٍ .وقد أجمعوا على جواز الذّكر بالقلب واللّسان للمحدث والجنب والحائض والنّفساء . ب له أن يكون متوضّئا . ن الذّاكر يستح ّ ومذهب الحنفيّة على ما في الهداية وشروحها أ ّ ومن ذلك الذان والقامة ،فإن أذّن بل وضو ٍء جاز بل كراه ٍة في ظاهر الرّواية كسائر أنواع الذّكر ،وإن أقام بل وضوءٍ جاز مع الكراهة لما فيه من الفصل بين القامة والصّلة بالشتغال بأعمال الوضوء ،والقامة شرعت متّصل ًة . ن استحباب التّطهّر للذّكر إنّما هو في أحوا ٍل خاصّةٍ كخطبة الجمعة ويفهم من كلم الحنفيّة أ ّ والذان ،وفي ال ّدرّ المختار :الوضوء لمطلق الذّكر مندوب ولو للجنب ،وتركه خلف الولى . وقال النّوويّ :إن كان في فمه نجاسة أزالها بالماء ،فلو ذكر ولم يغسلها فهو مكروه ول يحرم ،ولو قرأ القرآن وفمه نجس كره ،وفي تحريمه وجهان لصحابنا أصحّهما ل يحرم . وقال الشّوكانيّ :تنظيف الفم عند الذّكر بالسّواك أدب حسن ،لنّه المحلّ الّذي يكون الذّكر ح « :أنّه صلى ال عليه وسلم لمّا سلّم عليه بعض الصّحابة تيمّم من به في الصّلة ،وقد ص ّ جدار الحائط ثمّ ردّ عليه » ،فهذا في مجرّد ردّ السّلم فذكر اللّه سبحانه أولى . ويستثنى من الحكام المتقدّمة القرآن ،فتحرم قراءته على الحائض والنّفساء والجنب ، لحديث « :ل يقرأ الحائض ول الجنب شيئا من القرآن » . وتفصيل ذلك في ( قرآن ،جنابة ،وحيض ) . فإن قرأ شيئا من الذكار الّتي توافق القرآن من وجب عليه الغسل ،وكان ينوي بها الذّكر ل القرآن ،فل بأس ،وذلك كالبسملة ،والحمد للّه ربّ العالمين ،ول إله إلّ اللّه ،وكآيتي سخّ َر َلنَا َهذَا } ...وآية النّزول { :رّبّ أَنزِ ْلنِي مُنزَلًا ّمبَا َركًا} ... ن اّلذِي َ سبْحا َ الرّكوب { ُ وآية السترجاع { ِإنّا لِلّ ِه وَِإنّـا إَِل ْيهِ رَاجِعونَ } . وقيل :يحرم على من عليه غسل قراءة آيةٍ ولو بقصد ذكرٍ ،سدّا للباب ،ذكره صاحب مطالب أولي النّهى .
ذكر اللّه تعالى حال قضاء الحاجة : - 29يكره لمن هو في الخلء لحاجته أن يذكر اللّه تعالى ،أو أن يتكلّم ،صرّح به من الشّافعيّة النّوويّ وغيره ،وهو مذهب الحنابلة . ج :إنّه يحرم الذّكر في تلك الحال ،وإليه مال الذرعيّ والزّركشيّ . وقال ابن ك ّ
ونقلت إجازة الذّكر في المرحاض عن عبد اللّه بن عمرٍو رضي ال عنهما ،وعن النّخعيّ . وصرّح النّوويّ في المجموع بأنّه إذا عطس في الخلء فل يحمد اللّه بلسانه بل بقلبه وقال في الذكار :وصرّح بعض أصحابنا بأنّه ل يشمّت عاطسا ول يردّ السّلم ول يجيب المؤذّن . وكذا في حال الجماع .وانظر مصطلح ( :قضاء الحاجة ) .
ج -التّحرّي في المكنة : - 30يجتنب الذّكر في المواضع القذرة وموضع التّخلّي كما تقدّم . ومن الدب أن يكون موضعه نظيفا خاليا عمّا يشغل البال . أمّا الحمّام فقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه ل يكره ذكر اللّه تعالى فيه ،أو على سطحه ل ما يتبعه في بيعٍ أو إجار ٍة ،لما روى النّخعيّ أنّ أبا هريرة دخل الحمّام فقال : ونحوه من ك ّ ل اللّه . ل إله إ ّ ول يكره ذكر اللّه في الطّريق ،وفي الحديث « ما سلك رجل طريقا لم يذكر اللّه عزّ وجلّ ل كان عليه ترة » . فيه إ ّ والصل في جميع المواضع أنّ ذكر اللّه تعالى فيها مندوب إليه ما لم يكن في الموضع سبب شرُوا فِي ا ْلَأرْضِ وَا ْب َتغُوا مِن ضيَتِ الصّلَا ُة فَان َت ِ من أسباب الكراهة .لقوله تعالى َ { :فِإذَا قُ ِ فَضْلِ اللّهِ وَا ْذ ُكرُوا اللّهَ َكثِيرا ّلعَّل ُكمْ تُفِْلحُونَ } .
د -تحرّي المكنة الفاضلة :
سمُهُ } . ن اللّ ُه أَن ُترْفَعَ َو ُي ْذكَرَ فِيهَا ا ْ ت َأذِ َ - 31كالمساجد لقوله تعالى { :فِي ُبيُو ٍ وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيها « :إنّما هي لذكر اللّه والصّلة وقراءة القرآن » . ع َرفَاتٍ فَا ْذ ُكرُواْ الّلهَ عِندَ ضتُم مّنْ َ ومنها المشاعر المعظّمة ،كما قال اللّه تعالى َ { :فِإذَا َأفَ ْ حرَامِ } . شعَرِ ا ْل َ ا ْل َم ْ
هـ -تحرّي الزمنة الفاضلة : - 32وذلك كالغدوّ والصال ،وأطراف اللّيل والنّهار ،لما ورد من المر بذلك في كتاب شيّ وَا ْلِإ ْبكَارِ } . حمْ ِد رَ ّبكَ بِا ْل َع ِ ح ِب َ سبّ ْ اللّه تعالى كقوله َ { :و َ غرُو ِبهَا َو ِمنْ آنَاء شمْسِ َو َقبْلَ ُ ع ال ّ حمْدِ َر ّبكَ َقبْلَ طُلُو ِ ح ِب َ سبّ ْ صبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ َو َ وقوله { فَا ْ سبّحْ وََأطْرَافَ ال ّنهَارِ َلعَّلكَ َترْضَى } . الّليْلِ َف َ ل طَوِيلً } . س ّبحْهُ َليْ ً جدْ َلهُ َو َ ن الّليْلِ فَاسْ ُ سمَ َر ّبكَ ُبكْرَ ًة وََأصِيلً َ .ومِ َ وقوله { :وَا ْذ ُكرِ ا ْ ن الشّغل فيهما غالب على النّاس . ص من النّهار البكرة والعشيّ ،ل ّ قيل وإنّما خ ّ قال النّوويّ :أشرف أوقات الذّكر في النّهار الذّكر بعد صلة الصّبح ،قال ابن علّان :إنّما جرِ ن الْ َف ْ ن قُرْآ َ جرِ إِ ّ فضّل الذّكر ذلك الوقت لكونه تشهده الملئكة ،قال تعالى َ { :و ُقرْآنَ ا ْل َف ْ
شهُودا } وفي الحديث المرفوع « من صلّى الغداة في جماعةٍ ثمّ قعد يذكر اللّه تعالى كَانَ َم ْ جةٍ وعمر ٍة تامّةٍ تامّ ٍة تامّةٍ » ومن هنا حتّى تطلع الشّمس ثمّ صلّى ركعتين كانت له كأجر ح ّ كره مالك الكلم بعد صلة الفجر إلى طلوع الشّمس لجل النشغال بالذّكر ويكره النّوم عندهم حينئذٍ . ومن أفضل مواسم الذّكر عشر ذي الحجّة . ب من ذلك يوم عرفة ب الكثار من الذّكر فيها زيادةً على غيرها ،ويستح ّ قال النّوويّ :يستح ّ سمَ اللّهِ فِي َأيّامٍ ّمعْلُومَاتٍ } . ما ل يستحبّ في غيره .لقوله تعالى َ { :و َي ْذ ُكرُوا ا ْ ت ،ول يستثنى من ذلك أوقات النّهي ،بل قد ل وق ٍ ب في ك ّ والصل أ نّ ذكر اللّه تعالى مستح ّ ل اللّه واللّه نقل عن الغزال يّ في الحياء وغيره أ نّ من قال :سبحان اللّه والحمد للّه ول إله إ ّ أكبر أربع مرّاتٍ قامت مقام تحيّة المسجد ،فينبغي استعماله في أوقات النّهي لمكان الخلف، واستحسنه الحطّاب .
و -الدّعاء بعد العمال الصّالحة : شرُوا فِي ضيَتِ الصّلَا ُة فَان َت ِ - 33ومن ذلك قوله تعالى في شأن صلة الجمعة َ { :فِإذَا قُ ِ ل اللّهِ وَا ْذ ُكرُوا اللّهَ َكثِيرا ّلعَّل ُكمْ تُفِْلحُونَ } وقوله في صلة الخوف { : ا ْلَأرْضِ وَا ْب َتغُوا مِن فَضْ ِ فإذا قضيتم الصّلة فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم } وقوله في النتهاء من مناسك شدّ ِذكْرا } . س َككُمْ فَا ْذكُرُو ْا اللّ َه َك ِذ ْكرِ ُكمْ آبَاء ُكمْ َأوْ َأ َ ض ْيتُم ّمنَا ِ الحجّ َ { :فإِذَا َق َ وقال النّوويّ :أجمع العلماء على استحباب الذّكر بعد الصّلة ،وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواعٍ منه متعدّدةٍ ،وفي الصّحيحين عن ابن عبّاسٍ « أنّ رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة كان على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » .
ز -تجنّب الذّكر في أحوالٍ معيّنةٍ :
- 34ونذكر منها ما يلي :
أ -حال قضاء الحاجة كما تقدّم . ب -حال الجماع .قال ابن علّان :الذّكر عند نفس قضاء الحاجة أو الجماع ل يكره بالقلب بالجماع .وأمّا الذّكر باللّسان حينئذٍ فليس ممّا شرع لنا ول ندبنا إليه النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول نقل عن أحدٍ من الصّحابة ،بل يكفي في هذه الحال الحياء والمراقبة . أمّا عند إرادة قضاء الحاجة أو الجماع فهناك أذكار مأثورة معروفة . ج -حال خطبة الجمعة لمن يسمع صوت الخطيب ،لقوله تعالى { :وَِإذَا ُقرِئَ ا ْل ُقرْآنُ ن النصات إلى الخطبة واجب عند الجمهور . حمُونَ } ول ّ صتُواْ َلعَّل ُكمْ ُت ْر َ س َت ِمعُواْ َلهُ وَأَن ِ فَا ْ ومثاله التّسبيح والتّهليل .لكن إن كان ل يسمع لبعده أو لغير ذلك من السباب فقد ذهب
بعض الفقهاء إلى أنّه يجوز له من الكلم أن يذكر اللّه من غير أن يرفع صوته ،قال أحمد : ي صلى ال عليه وسلم بينه وبين نفسه . ل بأس أن يصلّي على النّب ّ قال ابن قدامة :ورخّص له في القراءة والذّكر عطاء وسعيد والنّخعيّ والشّافعيّ . ج لهذا بما روى عبد اللّه بن عمرٍو عن « النّبيّ صلى ال عليه وسلم يحضر الجمعة واحت ّ ثلثة نف ٍر :رجل حضرها يلغو ،وهو حظّه منها ،ورجل حضرها يدعو ،فهو رجل دعا اللّه إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ،ورجل حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ ...الحديث » . وإن كان للذّكر سبب كتشميت العاطس وردّ السّلم فقد اختلف فيه الفقهاء فذهب الثّوريّ وأحمد في روايةٍ عنه -وإسحاق إلى أنّه يفعله وإن كان يسمع الخطبة لكونه واجبا كتحذير ضريرٍ ،وذهب أحمد في الرّواية الخرى إلى أنّه ل يردّ سلما ول يشمّت عاطسا إن كان يسمع الخطبة ،ويفعله إذا لم يسمع ،وكالتّأمين على دعاء الخطيب والصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم والتّعوّذ عند ذكر ما يستدعيه صرّح المالكيّة بجوازه على اختلفٍ في أنّه يسرّه أو يجهر به . وفي المدوّنة :من عطس والمام يخطب حمد اللّه سرّا . ل التّحريم للذّكر أثناء الخطبة هو في حالة كون الخطيب في ذكر ومذهب الشّافعيّة أنّ مح ّ أركان الخطبة دون ما عداها ،فل يحرم قبلها ول بينها ول بعدها ول يكره .
ح -استقبال القبلة في مجلس الذّكر : - 35من آداب الذّكر استقبال الذّاكر القبلة .قال الشّوكانيّ :وجه ذلك أنّها الجهة الّتي يتوجّه إليها العابدون للّه سبحانه وتعالى والدّاعون له والمتقرّبون إليه . ي صلى ال عليه وسلم قال : ن النّب ّ وروى الطّبرانيّ من حديث أبي هريرة رضي ال عنه « أ ّ ن سيّد المجالس قبالة القبلة » . ن لكلّ شيءٍ سيّدا وإ ّ إّ ومن ذلك « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا أراد أن يدعو في الستسقاء استقبل القبلة » .
ط -الرّغبة والخشوع والتّدبّر :
- 36من آداب الذّكر أن يجلس الذّاكر متذلّلً متخشّعا بسكين ٍة ووقارٍ . قال النّوويّ :ولو ذكر على غير هذه الحوال جاز ول كراهة ،ويكون تاركا للفضل .ا هـ. قال ابن علّان :قوله متخشّعا أي ذا خشوعٍ في الباطن ولو بتكلّفه ،وقيل الخشوع في الجوارح والخضوع في القلب .وممّا يرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى { :وَا ْذكُر ّر ّبكَ فِي سكَ َتضَرّعا َوخِي َفةً } وقال ابن كثيرٍ :أي اذكر اللّه في نفسك رغبةً ورهب ًة وبالقول . نَ ْف ِ
وقال أبو حيّان :أي يذكره بالقول الخفيّ الّذي يشعر بالتّذلّل والخضوع كما يناجي الملوك . وينبغي أن يكون الذّاكر متدبّرا متعقّلً لما يذكر به من التّسبيح والتّهليل وذكر أسماء اللّه تعالى وصفاته ،وإن جهل شيئا ممّا يذكر به ينبغي أن يتبيّنه ول يحرص على تحصيل الكثرة بالعجلة فإنّه يؤدّي إلى أداء الذّكر مع الغفلة وهو خلف المطلوب ،وقليل الذّكر مع حضور القلب خير من الكثير منه مع الجهل والفتور . ن الذّاكر يكون في حكم المخاطب والمناجي .ثمّ قال : وقال الشّوكانيّ :التّدبّر للذّكر أكمل ل ّ ويكون أجره أتمّ وأوفى ،ول ينافي ثبوت ما ورد الوعد به من الذكار لمن جاء بها وإن لم يتدبّر معناها ،لنّه لم يرد تقييد ما وعد به من ثوابها بالتّدبّر والفهم . ووافقه الشّيخ صدّيق حسن خان . ص العلماء على أنّه ل بدّ من فهم معنى التّهليلة ،وإلّ لم ينتفع بها أمّا ابن علّان فقال :ن ّ صاحبها في النقاذ من الخلود في النّار ،قال :ومثلها باقي الذكار ل ب ّد في حصول ثوابه من معرفته ولو بوجهٍ .
ي -الحرص على الذّكر في العزلة والنفراد عن النّاس : ل اللّه تعالى أفضل - 37الذّكر في حال العزلة عن النّاس والنفراد عنهم وحيث ل يعلم به إ ّ من الذّكر في المل ،ولكلّ من الحالين فضله ،لقوله تعالى في الحديث القدسيّ « :أنا عند ظنّ عبدي بي ،وأنا معه إذا ذكرني ،فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملٍ ذكرته في ملٍ خيرٍ منهم » .قال ابن حجرٍ " :قال بعض أهل العلم :يستفاد منه أنّ ب ل أطلع الذّكر الخفيّ أفضل من الذّكر الجهريّ ،والتّقدير :إن ذكرني في نفسه ذكرته بثوا ٍ عليه أحدا .وفي الحديث « :سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم ل ظلّ إلّ ظلّه فذكر منهم : ورجل ذكر اللّه خاليًا ففاضت عيناه » ،وفي رواي ٍة « :ذكر اللّه في خل ٍء » قال ابن حجرٍ : أي لنّه أبعد عن الرّياء " .وسيأتي حكم الجتماع على الذّكر ( ف . ) 40/
حكم إخفاء الذّكر :
- 38ل يعت ّد بشي ٍء ممّا رتّب الشّارع الجر على التيان به من الذكار الواجبة أو المستحبّة في الصّلة وغيرها حتّى يتلفّظ به الذّاكر ويسمع نفسه إذا كان صحيح السّمع ،وذلك لنّ قول ن من قال كذا كان له من الجر كذا ل النّبيّ صلى ال عليه وسلم في أكثر من مناسب ٍة بأ ّ يحصل له ذلك الجر إلّ بما يصدق عليه معنى القول ،وهو ل يكون إلّ بالتّلفّظ باللّسان . ول يحصل ذلك عند الجمهور بمجرّد تحريك اللّسان بغير صوتٍ أصلً بل ل بدّ من صوتٍ ، وأقلّه أن يسمع نفسه .وفي الحديث القدسيّ « أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحرّكت شفتاه ».
ل على اشتراط أن يسمع نفسه بل يصدق عليه أنّه قول بمجرّد وقال الشّوكانيّ :لم يرد ما يد ّ التّلفّظ وهو تحريك اللّسان وإن لم يسمع نفسه . ومع هذا فالسرار بالذّكر بالقلب بدون تل ّفظٍ ول تحريكٍ للّسان بل بإمرار الكلم الّذي يذكر به على القلب من تسبيحٍ وتحمي ٍد وتهليلٍ وغير ذلك كلّه جائز ويؤجر عليه فاعله لقول اللّه تعالى ي « وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي » . في الحديث القدس ّ وهذا النّوع من الذّكر جائز حيث يمتنع الذّكر اللّسانيّ ،كحال قضاء الحاجة والجماع وعند خطبة الجمعة .ومن ذلك إمرار القرآن على القلب للجنب أو الحائض ،قال ابن علّان :ومن ذلك الهمس به من غير أن يسمع نفسه لنّها ليست بقراءةٍ فل يشملها النّهي .
رفع الصّوت بالذّكر : ن الذّاكر يناجي - 39ينبغي أن يراعى مقدار رفع الصّوت المأذون به في الذّكر ،فالصل أ ّ ربّه ،واللّه تعالى قد وسع سمعه الصوات ،فينبغي أن ل يجهر بالذّكر فوق ما يسمع نفسه ; سكَ ن ذلك أقرب للخشوع وأبعد من الرّياء ،وقد قال اللّه تعالى { :وَا ْذكُر ّر ّبكَ فِي نَ ْف ِ لّ ن ا ْلغَافِلِينَ } وقال { :ادْعُواْ ل بِا ْل ُغدُوّ وَالصَالِ َولَ َتكُن مّ َ جهْ ِر مِنَ ا ْلقَوْ ِ ن ا ْل َ َتضَرّعا َوخِيفَةً َودُو َ ل ُيحِبّ ا ْل ُم ْع َتدِينَ } قال بعض المفسّرين :أي المعتدين برفع خ ْفيَةً ِإنّهُ َ ضرّعا َو ُ َربّ ُكمْ َت َ ي صلى ال عليه وسلم « :اربعوا على أنفسكم إنّكم ل تدعون أصواتهم في الدّعاء .وقال النّب ّ ن الّذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته » . أصمّ ول غائبا ،إ ّ قال في نزل البرار :الطّريقة المثلى في هذا الباب أن يجهر في الموضع الّذي ورد فيه الجهر ،ويسرّ في الموضع الّذي ورد فيه السرار ،وهذه المواضع مبيّنة في علم الحديث ، سرّ فالذّاكر فيه بالخيار ،ولكن ل بدّ للذّاكر والموضع الّذي لم يرد فيه الدّليل على الجهر أو ال ّ ل يتجاوز الحدود المضروبة له سبِيلً } لئ ّ ن ذَِلكَ َ فيه من ملحظة قوله تعالى { :وَا ْبتَغِ َبيْ َ ولذلك صرّح الحنفيّة بكراهة رفع الصّوت بالذّكر مع الجنازة . ن الجهر بالذّكر في غير وقد اضطرب كلم الحنفيّة في هذا الصل ،فنقل عن القاضي أ ّ المواضع الّتي ورد فيها حرام لما صحّ عن ابن مسعودٍ رضي ال عنه أنّه أخرج جماعةً من المسجد يهلّلون ويصلّون على النّبيّ صلى ال عليه وسلم جهرا ،وقال لهم :ما أراكم إلّ مبتدعين .وقال في الفتاوى الخيريّة :إنّ ذلك يختلف باختلف الشخاص والحوال فالسرار أفضل حيث خيف الرّياء أو تأذّي المصلّين أو النّيام ،والجهر أفضل حيث خل ممّا ذكر . ويستثنى من هذا الصل مواضع ينبغي فيها الجهر بالذّكر ورفع الصّوت به ،لما في ذلك من المصالح الّتي قدّرها الشّرع في ذلك ،فمنها :
أ -ما قصد به السماع والتّبليغ ،كالذان والقامة وتكبيرات المام وقراءته في الجهريّة وتكبيرات المبلّغ وإلقاء السّلم وجوابه .ونحو ذلك فيجهر في ذلك بالقدر الّذي يحصل به المقصود .وتفصيل ذلك في مصطلحي ( :إسرار ،جهر ) . سنّة فيها بالجهر كالبسملة ،والتّأمين ،والقنوت ، ب -بعض أنواع أذكار الصّلة وردت ال ّ ج وفي بعض والتّكبير ،والتّسبيح ،والتّحميد بعد الصّلة ،وتكبيرات العيد ،والتّلبية في الح ّ ذلك خلف يرجع إليه في مواضعه ،وفي مصطلحي ( :إسرار ،وجهر ) . ج -بعض الذكار الّتي يراد بها التّنبيه أو التّعليم ،أو فائدة أخرى كأن يرفع صوته بالتّسمية على الطّعام حتّى ينبّه غيره ،أو بالقراءة في صلة اللّيل ليسمع أهله . قال المالكيّة :ورفع صوت مرابطٍ وحارس بحرٍ بالتّكبير في حرسهم لنّه شعارهم ليلً ونهارا.
الجتماع للذّكر : - 40أورد صاحب نزل البرار الحديث المرفوع « ل يقعد قوم يذكرون اللّه إلّ حفّتهم الملئكة ،وغشيتهم الرّحمة ،ونزلت عليهم السّكينة ،وذكرهم اللّه فيمن عنده » ثمّ قال :في الحديث ترغيب عظيم في الجتماع على الذّكر ،فإنّ هذه الخصائص الربع في كلّ واحدةٍ منها ما يثير رغبة الرّاغبين ،ويقوّي عزيمة الصّالحين على ذكر اللّه . ن للّه تعالى ملئك ًة يطوفون في ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إ ّ وفي الحديث أيضا أ ّ الطّريق يلتمسون أهل الذّكر ،فإذا وجدوا قوما يذكرون اللّه تنادوا :هلمّوا إلى حاجتكم ، فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا » .الحديث ،وفي آخره « فيقول اللّه عزّ وجلّ : أشهدكم أنّي غفرت لهم .فيقول ملك من الملئكة :فيهم فلن ليس منهم ،إنّما جاء لحاجةٍ ، قال :هم الجلساء ل يشقى جليسهم » . ي :يستحبّ الجلوس في حلق الذّكر .وأورد ما في صحيح مسلمٍ « أنّ ومن هنا مال النّوو ّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم خرج على حلقةٍ من أصحابه ،فقال :ما أجلسكم ؟ قالوا :جلسنا نذكر اللّه ونحمده على ما هدانا للسلم ومنّ به علينا ..إلى أن قال :أتاني جبريل فأخبرني ن اللّه يباهي بكم الملئكة » . أّ وقال ابن تيميّة :الجتماع على القراءة والذّكر والدّعاء حسن إذا لم يتّخذ سنّ ًة راتبةً ول اقترن به منكر من بدعةٍ . وقال عطاء " :مجالس الذّكر هي مجالس الحلل والحرام ،أي مجالس العلم " ول يعني ذلك انحصار مجالس الذّكر المشروعة بها ،بل هي من جملة مجالس الذّكر ،وإنّما أراد عطاء التّنصيص على أخصّ أنواعه ،وليست مجالس البدع ومزامير الشّيطان .
وعن المام أحمد :لو اجتمع القوم لقراءةٍ ودعا ٍء وذكرٍ فعنه أنّه قال :وأيّ شيءٍ أحسن منه، وعنه :ل بأس بذلك .وعنه :أنّه محدث .ونقل عنه ابن منصورٍ :ما أكرهه إذا اجتمعوا على غير وع ٍد إلّ أن يكثروا .قال ابن منصورٍ يعني يتّخذوه عاد ًة . وقال ابن عقيلٍ :أبرأ إلى اللّه من جموع أهل وقتنا في المساجد والمشاهد في ليالٍ يسمّونها إحياءً .وكرهه مالك .
الذّكر الجماعيّ : - 41وهو ما ينطق به الذّاكرون المجتمعون بصوتٍ واحدٍ يوافق بعضهم بعضا ،وقد جعله الشّاطبيّ إذا التزم بدع ًة إضافيّ ًة تجتنب ،قال :إذا ندب الشّرع إلى ذكر اللّه فالتزم قوم ل على هذا ت واحدٍ لم يكن في ندب الشّرع ما يد ّ ن واحدٍ وصو ٍ الجتماع عليه على لسا ٍ ن التزام المور غير اللّازمة يفهم على أنّه تشريع ،وخصوصا مع التّخصيص الملتزم ،ل ّ من يقتدى به في مجامع النّاس كالمساجد ،فإذا أظهرت هذا الظهار ووضعت في المساجد كسائر الشّعائر كالذان وصلة العيدين والكسوف ،فهم منها بل شكّ أنّها سنّة إن لم تفهم منها الفرضيّة ،فلم يتناولها الدّليل المستدلّ به ،فصارت من هذه الجهة بدعا محدثةً .ونحوه ج في المدخل . لبن الحا ّ
حال المؤمنين عند الذّكر :
- 42ذكر اللّه تعالى حال المؤمنين عند الذّكر ،فنعتهم تارةً بالوجل ،كما في قوله تعالى { : ن ِإذَا ُذ ِكرَ اللّ ُه َوجِلَتْ قُلُو ُب ُهمْ } ،وبالخشوع ،كما قال تعالى { :أََلمْ َيأْنِ ِإ ّنمَا ا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ اّلذِي َ ن أُوتُوا ا ْل ِكتَابَ مِن ن ا ْلحَقّ وَلَا َيكُونُوا كَالّذِي َ خشَعَ قُلُو ُب ُهمْ ِل ِذ ْكرِ اللّهِ َومَا َنزَلَ مِ َ لِّلذِينَ آ َمنُوا أَن َت ْ َقبْلُ فَطَالَ عََل ْي ِهمُ ا ْلَأ َمدُ فَ َقسَتْ قُلُو ُب ُهمْ } ونعتهم تار ًة أخرى بالطّمأنينة عند الذّكر كما في قوله ن الْقُلُوبُ } . ط َمئِ ّ ل ِب ِذكْرِ الّلهِ َت ْ ن قُلُو ُبهُم ِب ِذكْرِ الّلهِ َأ َ تعالى { :اّلذِينَ آ َمنُواْ َو َتطْ َمئِ ّ شعِرّ ِم ْنهُ حدِيثِ ِكتَابًا ّم َتشَابِها ّمثَا ِنيَ تَ ْق َ ن ا ْل َ حسَ َ وجمع بين المرين في قوله تعالى { :اللّهُ َنزّلَ َأ ْ ن جُلُودُ ُهمْ َوقُلُو ُب ُهمْ إِلَى ِذ ْكرِ اللّ ِه ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َي ْهدِي بِ ِه مَنْ ن َر ّبهُمْ ُثمّ تَلِي ُ خشَوْ َ ن َي ْ جُلُودُ اّلذِي َ ن هَادٍ } . َيشَاء َومَن ُيضْلِلْ اللّهُ َفمَا َلهُ مِ ْ فأمّا الوجل فهو الخوف والخشية من اللّه تعالى لما يقوم بالقلب من الرّهبة عند ذكر عظمته وجلله ونظره إلى القلوب والعمال ،وذكر أمر الخرة وما فيها من الحساب والعقاب ، فيقشعرّ الجلد بسبب الخوف الخذ بمجامع القلوب ،وخاصّةً عند تذكّرهم ما وقعوا فيه من المعصية والتّفريط في جنب اللّه .
وأمّا الطّمأنينة فهي ما يحصل من لين القلب ورقّته وسكونه ،وذلك إذا سمعوا ما أعدّ للمتّقين من جزيل الثّواب ،وذكروا رحمته ومغفرته وصدق وعده لمن فعل الطّاعات واستقام على شرع اللّه تعالى . شخّير « قال : وقد يصحب الخشية البكاء ،وفيض الدّمع ،كما في الحديث عن عبد اللّه بن ال ّ انتهيت إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يصلّي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء ». ل ظلّه » ..فذكر وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم ل ظلّ إ ّ منهم « :ورجل ذكر اللّه خاليًا ففاضت عيناه » . أمّا ما يتكلّفه بعض النّاس من التّغاشي وال صّعق وال صّياح والشّطح فقد قال الشّاطبيّ وغيره: هو بدع مستنكرة . وقال ابن كثيرٍ :قال قتادة في قوله تعالى ُ { :ثمّ تَلِينُ جُلُودُ ُهمْ َوقُلُو ُب ُهمْ إِلَى ِذ ْكرِ اللّهِ } .هذا نعت أولياء اللّه ،ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنّما هذا في أهل البدع . وقال الشّاطبيّ :وقد مرّ ابن عمر برجلٍ من أهل العراق ساقطٍ ،والنّاس حوله ،فقال :ما ل يذكر ،خرّ من خشية اللّه ،قال ابن هذا ؟ قالوا إذا قرئ عليه القرآن ،أو سمع اللّه عزّ وج ّ عمر :واللّه إنّا لنخشى اللّه ول نسقط ،ثمّ قال :إنّ الشّيطان يدخل في جوف أحدهم ،ما كان هذا صنيع أصحاب مح ّمدٍ صلى ال عليه وسلم .قال الشّاطبيّ :وهذا إنكار . وقيل لسماء بنت أبي بكرٍ :إنّ ناسا هاهنا إذا سمعوا القرآن تأخذهم غشية ،فقالت :أعوذ ن قوما إذا سمعوا القرآن يغشى باللّه من الشّيطان الرّجيم " .وقيل لعائشة رضي ال عنها :إ ّ عليهم .فقالت :إنّ القرآن أكرم من أن تنزف عنه عقول الرّجال ،ولكنّه كما قال اللّه تعالى ن َر ّبهُمْ } ...الية . خشَوْ َ ن َي ْ ش ِعرّ ِمنْ ُه جُلُودُ اّلذِي َ { :تَ ْق َ وعـن أنـس بـن مالك ٍـ أنّه سـئل عـن القوم يقرأ عليهـم القرآن فيصـعقون ،قال " :ذلك فعـل ن هذا فعل من لم يعلم من الدّين إلّ ظاهره ، الخوارج " وهذا تنبيه منه رضي ال عنه إلى أ ّ ن هذا المر كان في الخوارج فاشيا ،كما قال أبو حمزة الشّاري ولم يفقه حدوده ،ويظهر أ ّ خوفـ شهقوا خوفا مـن النّار ،وإذا مرّوا بآيـة ٍ يمدح أصـحابه مـن الشّراة " كلّمـا مرّوا بآيـة رحم ٍة شهقوا شوقا إلى الجنّة " . وعن ابن الزّبير قال :جئت أبي ،فقال :أين كنت ؟ فقلت :وجدت أقواما يذكرون اللّه ، فيرعد أحدهم حتّى يغشى عليه من خشية اللّه ،فقعدت معهم .فقال :ل تقعد بعدها .فرآني كأنّه لم يأخذ ذلك في .فقال :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يتلو القرآن ،ورأيت أبا بكرٍ وعمر يتلوان القرآن ،فل يصيبهم هذا ،أفتراهم أخشع للّه من أبي بكرٍ وعمر ؟ فرأيت ذلك كذلك فتركتهم .
الرّقص والدّوران والطّبل والزّمر عند الذّكر : - 43يزيد بعض أهل البدع عند الذّكر على ما تقدّم أمورا أخرى ،قال الشّاطبيّ :يا ليتهم وقفوا عند هذا الحدّ المذموم ،ولكنّهم زادوا على ذلك الرّقص والزّمر والدّوران والضّرب على الصّدور ،وبعضهم يضرب على رأسه ،وما أشبه ذلك من العمل المضحك للحمقى ، لكونه من أعمال الصّبيان والمجانين ،المبكي للعقلء ،رحم ًة لهم ،إذ لم يتّخذ مثل هذا طريقا إلى اللّه وتشبّها بالصّالحين . ن أصدق النّاس موعظ ًة ،وأنصح النّاس لمّته ، وقال الج ّريّ :يقال لمن فعل هذا :اعلم أ ّ وأرقّ النّاس قلبا ،وخير النّاس من جاء بعده -أي بعد النّبيّ صلى ال عليه وسلم -ل يشكّ في ذلك عاقل ،ما صرخوا عند موعظةٍ ،ول زعقوا ،ول رقصوا ،ول زفنوا ،ولو كان هذا صحيحا لكانوا أحقّ به أن يفعلوه بين يدي النّبيّ صلى ال عليه وسلم ولكنّه بدعة وباطل ومنكر .ا هـ . وقال ابن عابدين :وفي الملتقى عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه كره رفع الصّوت عند قراءة القرآن والجنازة والزّحف والتّذكير ،فما ظنّك عند الغناء الّذي يسمّونه وجدا ومحبّةً فإنّه مكروه ل أصل له في الدّين .
قسوة القلب عند الذّكر :
- 44هذه حال مقابلة لحال المؤمنين ،ومشابهة لحال الكفّار والمنافقين ،قال اللّه تعالى في ن ِإذَا ُذ ِكرَ اللّ ُه َوجِلَتْ قُلُو ُب ُهمْ } فكان وجل القلوب عند حقّ المؤمنين ِ { :إ ّنمَا ا ْلمُ ْؤ ِمنُونَ اّلذِي َ حدَهُ الذّكر علم ًة على صدق إيمانهم وإنابتهم ،وقال في شأن الكفّار { وَِإذَا ُذ ِكرَ اللّهُ َو ْ سيَةِ قُلُو ُبهُم ل لّلْقَا ِ خرَ ِة } وفي شأن الكفّار والمنافقين { فَ َويْ ٌ ن بِالْآ ِ ن لَا يُ ْؤ ِمنُو َ ش َمأَزّتْ قُلُوبُ اّلذِي َ اْ مّن ِذكْرِ اللّهِ ُأوَْل ِئكَ فِي ضَلَالٍ ُمبِينٍ } . وقد حذّر اللّه تعالى المؤمنين من قسوة القلب عند الذّكر بسبب طول المد والنشغال بما ل لّا تُ ْلهِي ِهمْ ِتجَارَةٌ وَلَا َبيْعٌ عَن ِذ ْكرِ اللّهِ وَِإقَامِ يصرف عن ذكر اللّه والتّعاظ به فقال ِ { :رجَا ٌ خشَعَ قُلُو ُب ُهمْ ِل ِذ ْكرِ اللّهِ َومَا ن لِّلذِينَ آ َمنُوا أَن َت ْ الصّلَاةِ وَإِيتَاء ال ّزكَاةِ } ...وقال تعالى { :أََلمْ َيأْ ِ ب مِن َقبْلُ َفطَالَ عََل ْي ِهمُ ا ْلَأ َمدُ فَ َقسَتْ قُلُو ُب ُهمْ َو َكثِيرٌ ن أُوتُوا ا ْل ِكتَا َ حقّ وَلَا َيكُونُوا كَاّلذِي َ ن ا ْل َ َنزَلَ مِ َ ّم ْنهُمْ فَاسِقُونَ } . ن لِّلذِينَ وعن ابن مسعو ٍد قال :ما كان بين إسلمنا وبين أن عاتبنا اللّه بهذه الية { :أََلمْ َيأْ ِ آ َمنُوا أَن َتخْشَ َع قُلُو ُبهُمْ ِل ِذ ْكرِ اللّهِ } إلّ أربع سنين . وعن أنسٍ قال :استبطأ اللّه قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة من نزول القرآن فأنزل اللّه { : خشَعَ قُلُو ُب ُهمْ ِل ِذ ْكرِ اللّهِ } . ن لِّلذِينَ آ َمنُوا أَن َت ْ أََلمْ َيأْ ِ
الكثار من الذّكر : ن آ َمنُوا ا ْذكُرُوا - 45الكثار من الذّكر مندوب إليه لقول اللّه تبارك وتعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِي َ عدّ اللّهُ س ّبحُو ُه ُبكْرَ ًة وََأصِيلً } وقوله { :وَالذّا ِكرِينَ اللّهَ َكثِيرا وَالذّا ِكرَاتِ َأ َ اللّ َه ِذكْرا َكثِيرا َ ،و َ عظِيما } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :سبق المفرّدون قالوا وما َلهُم ّمغْ ِفرَةً وََأجْرا َ المفرّدون يا رسول اللّه ؟ قال :الذّاكرون اللّه كثيرا والذّاكرات » « .وقال رجل للنّبيّ صلى ي فأخبرني بشيءٍ أتشبّث به ؟ فقال :ل يزال ن شرائع السلم قد كثرت عل ّ ال عليه وسلم إ ّ لسانك رطبا من ذكر اللّه » . وذمّ اللّه تعالى المنافقين بأنّهم { :وَِإذَا قَامُواْ إِلَى الصّلَ ِة قَامُواْ ُكسَالَى ُيرَآؤُونَ النّاسَ َولَ ل قَلِيلً } وقد اختلف في الذّكر الكثير المأمور به في الية ،فقال ابن عبّاسٍ : َي ْذكُرُونَ الّلهَ ِإ ّ المراد يذكرون اللّه تعالى في أدبار الصّلوات ،وغدوّا وعشيّا ،وفي المضاجع ،وكلّما استيقظ من نومه ،وكلّما غدا أو راح من منزله ذكر اللّه تعالى .ويوضّحه ما قاله أبو عمرو بن الصّلح عمّا يصير به العبد من الذّاكرين اللّه كثيرا والذّاكرات ،قال :إذا واظب على الذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساءً في الوقات والحوال المختلفة ليلً ونهارا كان منهم. أي لنّه إن واظب عليها فهي تشمل الوقات والحوال . وقال عطاء :من صلّى الصّلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في الية . ي وأبو هريرة « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :إذا أيقظ الرّجل وروى أبو سعيدٍ الخدر ّ أهله من اللّيل فصلّيا ،أو صلّى ركعتين جميعا كتبا في الذّاكرين والذّاكرات » . وقال الشّوكانيّ :صدق كثرة الذّكر على من واظب على ذكر اللّه ولو قليلً أكمل من صدقه على من ذكر اللّه كثيرا من غير مواظب ٍة .وفي الحديث « :أحبّ العمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ » . ويتعلّق بالكثار من الذّكر والمواظبة عليه أمور منها :
أ -التّحزيب والوراد وقضاء ما يفوت :
- 46قال ابن قتيبة :الحزب من القرآن الورد ،وهو شيء يفرضه النسان على نفسه يقرؤه كلّ يومٍ .ا هـ .والمراد هنا ما يرتّبه النسان على نفسه من الذكار .وفي الحديث « :من نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه فقرأه فيما بين صلة الفجر وصلة الظّهر كتب له كأنّما قرأه من اللّيل » .وهذا وارد في الحزب من القرآن ،لكن قال النّوويّ :ينبغي لمن كان له وظيفة ت من ليلٍ أو نهارٍ ،أو عقب صلةٍ ،أو حال ًة من الحوال ،ففاتته ،أن من الذّكر في وق ٍ يتداركها ويأتي بها إذا تمكّن منها ول يهملها ،فإنّه إذا اعتاد عليها لم يعرّضها للتّفويت وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها .
قال الشّوكانيّ :وقد كان الصّحابة رضوان ال عليهم يقضون ما فاتهم من أذكارهم الّتي ت مخصوص ٍة . يفعلونها في أوقا ٍ وقال ابن علّان :المراد بالحوال :الحوال المتعلّقة بالوقات ،ل المتعلّقة بالسباب كالذّكر عند رؤية الهلل ،وسماع الرّعد ،ونحو ذلك فل يندب تداركه عند فوات سببه .ومن ترك الوراد بعد اعتيادها يكره له ذلك .
ب -تكرار الذكار وعدّها : - 47تكرار الذّكر مشروع .وقد وردت الحاديث الكثيرة بترتيب الجر على أذكا ٍر تكرّر ، كما في الحديث « من قال ل إله إلّ اللّه وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كلّ شيءٍ قدير في يومٍ مائة مرّ ٍة كانت له عدل عشر رقابٍ وكتبت له مائة حسنةٍ ،ومحيت ل رجل عمل أكثر عنه مائة سيّئ ٍة » الحديث إلى قوله « :ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به إ ّ منه » . سيْرة « أنّ النّبيّ صلى والتّكرار لعد ٍد محدو ٍد يقتضي عدّ الذّكر بشيءٍ يحسبه به ،وورد عن ُي َ ن مسئولت ن بالتّسبيح والتّهليل والتّقديس ،واعقدن بالنامل فإنّه ّ ال عليه وسلم قال :عليك ّ ن النامل تشهد للذّاكر ،فأمرهنّ أن يعقدن عدد التّسبيح مستعيناتٍ مستنطقات » يعني أ ّ بالنامل .وعن عبد اللّه بن عمرٍو قال « :رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعقد التّسبيح » .وفي رواي ٍة قال « :يعقد التّسبيح بيمينه » . ن المراد العقد بنفس النامل ،أو بجملة الصابع .قال :والعقد قال ابن علّان :يحتمل أ ّ ل ذكرٍ على مفصلٍ ،والعقد بالصابع أن يعقدها ثمّ يفتحها . بالمفاصل أن يضع إبهامه في ك ّ وفي شرح المشكاة :العقد هنا بما يتعارفه النّاس . ويجوز التّسبيح بالحصى والنّوى ونحو ذلك ،وقد عقد أبو داود بابا بعنوان :باب التّسبيح بالحصى .أورد فيه حديث سعد بن أبي وقّاصٍ رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه ى أو حصىً تسبّح به ،فقال :أخبرك بما هو أيسر عليك وسلم دخل على امرأ ٍة وبين يديها نو ً من هذا ،أو أفضل ،فقال :سبحان اللّه عدد ما خلق في السّماء ،سبحان اللّه عدد ما خلق في الرض ،وسبحان اللّه عدد ما خلق بين ذلك ،وسبحان اللّه عدد ما هو خالق ،واللّه أكبر مثل ذلك ،ول حول ول قوّة إلّ باللّه مثل ذلك » .
استخدام السّبحة في عدد الذكار :
- 48السّبحة كما قال ابن منظو ٍر هي الخرزات الّتي يعدّ بها المسبّح تسبيحه قال :وهي كلمة مولّدة ،وقد قال :المسبحة .
قال الشّيخ محمّد شمس الحقّ شارح السّنن بعد أن أورد حديث سعد بن أبي وقّاصٍ السّابق ذكره :الحديث دليل على جواز عدّ التّسبيح بالنّوى والحصى ،وكذا بالسّبحة ،لعدم الفارق ، لتقريره صلى ال عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره ،والرشاد إلى ما هو أفضل منه ل ينافي الجواز .قال :وقد وردت في ذلك آثار ،ولم يصب من قال إنّ ذلك بدعة . ل أنّه قال :إنّها مستحبّة ،ونقل ابن علّان عن شرح وجرى صاحب الحرز على أنّها بدعة إ ّ المشكاة لبن حجرٍ قوله :في الحديث المذكور ندب اتّخاذ السّبحة ،وزعم أنّها بدعة غير ح ،إلّ أن يحمل على تلك الكيفيّات الّتي اخترعها بعض السّفهاء ،ممّا يمحّضها للزّينة صحي ٍ ن إقرار النّبيّ صلى ال عليه أو الرّياء أو اللّعب .ا هـ .ور ّد ابن علّان القول بأنّها بدعة بأ ّ سنّة ، وسلم تلك المرأة على العدّ بالحصى أو النّوى ينفي أنّها بدعة فإنّ القرار هو من ال ّ والسّبحة في معنى العدّ بالحصى ،إذ ل يختلف الغرض من كونها منظوم ًة -أي منظومةً بخيطٍ -أو منثورةً .قال :وقد أفردت السّبحة بجزءٍ لطيفٍ سمّيته " إيقاد المصابيح لمشروعيّة اتّخاذ المسابيح " أوردت فيها ما يتعلّق بها من الخبار والثار والختلف في تفاضل الشتغال بها أو بعقد الصابع .وحاصله أنّ العقد بالنامل أفضل ل سيّما مع الذكار بعد الصّلة ،أمّا في العداد الكثيرة الّتي يلهي الشتغال بعدّها عن التّوجّه للذّكر فالفضل استعمال السّبحة .
الحرص على جوامع الذّكر : - 49المراد بجوامع الذّكر ما يقيّد فيه الذّاكر لفظ الذّكر بعد ٍد كبيرٍ أو مقدارٍ عظيمٍ . ص المتقدّم ،ومنها وقد ورد في الرشاد إلى ذلك أحاديث كثيرة منها حديث سعد بن أبي وقّا ٍ ي صلى ال عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلّى الصّبح وهي ن النّب ّ حديث جويرية « أ ّ في مسجدها ثمّ رجع بعدما أضحى وهي جالسة ،فقال :ما زلت على الحال الّتي فارقتك ت ثلث مرّاتٍ لو وزنت بما قلت منذ عليها ؟ قالت :نعم ،قال :لقد قلت بعدك أربع كلما ٍ ن ،سبحان اللّه وبحمده ،عدد خلقه ،ورضا نفسه ،وزنة عرشه ،ومداد كلماته اليوم لوزنته ّ » .ونحو ما ورد « ربّنا لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك وعظيم سلطانك » . و « الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى » . ن الذّكر الجامع يحصل به من الثّواب ما ليس كذلك « .وكان قال البيّ :يدلّ الحديث على أ ّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم يستحبّ الجوامع من الدّعاء ،ويدع ما سوى ذلك » .ثمّ قال : ن ذلك كناية عن الكثرة ل أنّها مثل كلمات اللّه تعالى في العدد ،لنّ كلماته تعالى والظهر أ ّ غير متناهيةٍ .
ن من قال :عدد كذا ،وزنة كذا كتب له ذلك وقال الشّوكانيّ :في الحديث دليل على أ ّ ن به على من يشاء من عباده .قال :ول يتّجه هنا أن يقال إنّ مشقّة القدر ،وفضل اللّه يم ّ من قال هذا أخفّ من مشقّة من كرّر اللّفظ كثيرا ،فإنّ هذا باب منحه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لعباد اللّه وأرشدهم إليه ،ودلّهم عليه ،تخفيفا عليهم ،وتكثيرا لجورهم دون تعبٍ ب فللّه الحمد . ول نص ٍ ونقل ابن علّان عن الشّيخ أحمد بن عبد العزيز النّويريّ قوله :قد يكون العمل القليل أفضل من العمل الكثير كقصر الصّلة في السّفر أفضل من التمام ،لكن لو نذر إنسان أن يقول : سبحان اللّه وبحمده عشر مرّاتٍ ،فقال سبحان اللّه عدد خلقه مرّةً واحد ًة فإنّه ل يخرج عن ن العدد هنا مقصود . عهدة نذره ل ّ وجعل إمام الحرمين نظير ذلك من نذر أن يصلّي ألف صل ٍة فصلّى في المسجد الحرام صلةً واحد ًة ،أو نذر أن يقرأ ثلث القرآن فقرأ سورة الخلص .
كتابة ذكر اللّه وأحكام الذّكر المكتوب : - 50صرّح الحنابلة بأنّه يحرم كتابة ذكر اللّه تعالى بشي ٍء نجسٍ أو على شي ٍء نجسٍ ،فإن فعل ذلك قصدا للهانة استحقّ القتل ،لنّه ردّة أعاذنا اللّه منها . وحيث كتب بنجسٍ وجب غسله بطاهرٍ أو حرقه لصيانته ،وكذا لو كان طاهرا فتنجّس ،أمّا ل ماء نجس أو نار نجسة فل يجوز الغسل والتّحريق بهما ويعدل إلى دفن الذّكر إن لم يوجد إ ّ في موضعٍ طاهرٍ ل تطؤه القدام .ول تكره في الذّكر كتابته في السّتور أو غيرها بغير مسجدٍ إذا لم تكن تداس ،فإن كانت تداس كره كراهةً شديدةً ،ويحرم دوس الذّكر .قالوا : ن ذلك يلهي المصلّي .وكره المام ويكره أن يكتب على حيطان المساجد ذكر أو غيره ،ل ّ ب فيه ذكر اللّه يجلس عليه ويداس ،وكره بيع الثّياب الّتي عليها ذكر اللّه أحمد شراء ثو ٍ س ذكر اللّه بنجسٍ .ول يحرم على المحدث الذّكر أو لهل ال ّذمّة .وفي الفروع :يحرم م ّ مسّ ما فيه ذكر بخلف القرآن ،وسواء كان الحدث أصغر أو أكبر لو كان فيها شيء من القرآن .وفي تعليق الذّكر المكتوب لدفع ضررٍ واقعٍ خلف ( .ر :تعويذ ف . ) 23 /
الذكار الّتي رتّبها الشّارع :
- 51رتّب الشّارع كثيرًا من الذكار ،في أحوالٍ مختلفةٍ .
فمنها أذكار مرتّبة بحسب الزّمان كأذكار الصّباح والمساء والظّهيرة ودخول الشّهر ورؤية الهلل .ومنها أذكار بحسب المكان . ومنها أذكار في العبادات ،كأذكار الصّلة وما قبلها ،وأذكار الصّوم والفطار منه والحجّ . ومنها أذكار مرتّبة للفعال والحوال ،كأذكار النّوم والستيقاظ منه ،وأذكار الملبس والكل
والشّرب والذّبح .وأذكار عقد النّكاح والمعاشرة ،وأذكار العطاس ونحو ذلك ،وكأذكارٍ تقال شدّة ،وعند السّفر والنّزول ،والرّكوب والعودة ، عند التّطيّر والتّشاؤم ،وعند الكرب وال ّ وأذكار المجالس وغير ذلك .وقد ألّف فيها العلماء تآليف مشهور ًة .ويمكن معرفتها بالرّجوع إلى مواضعها في هذه الموسوعة أو في الكتب المؤلّفة في الذكار .
أخذ الجرة على الذّكر : - 52ما كان من الذكار واجبًا لم يجز أخذ الجرة عليه . ن كالذان والقامة وذكر اللّه تعالى غير القرآن تجوز قال القليوبيّ :ما كان على مسنو ٍ الجارة عليها وأخذ الجرة حيث كان في ذلك كلفة . ومذهب المالكيّة جواز أخذ الجرة على الذان . ومذهب الحنابلة ،وحكاه صاحب المغني عن الحنفيّة والوزاعيّ وابن المنذر :أنّه يكره أخذ الجرة على الذان .
ثانيا :الذّكر بمعنى النّطق باسم الشّخص أو الشّيء :
- 53وهو بمعنى القول أو الحكاية .
ويختلف حكمه بحسب الشّيء المذكور أو الشّخص المذكور ،وبحسب ما يقوله عنه . والصل أنّ الذّكر بهذا المعنى مباح ،وتعرض له الحكام الخرى :فمنه ما يكون واجبا كأداء الشّهادة بحقّ .فإنّها ذكر للمشهود به . ح بين النّاس ودللتهم على ومنه ما يكون مستحبّا ،كذكر ما يكون فيه الخير ،كإصل ٍ المعروف ،وكذكر الفاسق المجاهر بما فيه ليعرف ،وذكر أهل البدع لئلّ يغترّ بهم . ومنه ما يكون مكروها كالنّطق بأمرٍ فيه شبهة التّحريم أو الدّللة عليه . ومنه ما يكون محرّما كالغيبة ،وهي كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « ذكرك أخاك بما يكره ،قيل :أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال :إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه » . وقد يكون مكفّرا كمن يذكر اللّه تعالى أو رسوله أو كتابه باستهزاءٍ أو استخفافٍ فيستحقّ قائله أن يقام عليه حدّ ال ّردّة إن كان مسلما ،وينتقض عهده إن كان ذ ّميّا . وانظر ( :غيبة ،ردّة ،استخفاف ) .
ثالثا :الذّكر بمعنى استحضار الشّيء في القلب : - 54وهو يقابل النّسيان .والذّاكر في حال المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرّم مستحقّ للثم ،وتلزمه الحكام المترتّبة على المخالفة سواء في حقوق اللّه تعالى أو حقوق الدميّين. أمّا النّسيان فهو من عوارض الهليّة ،وهو عدم الستحضار وقت الحاجة .
قال شارح مسلّم الثّبوت من الحنفيّة :النّسيان عذر في حقّ الثم مطلقا ،وأمّا في حقّ الحكم فيجب الضّمان في حقوق العباد .وأمّا في حقوق اللّه تعالى ،فإن كان مع مذ ّكرٍ فل عذر ، كأكل النّاسي في الصّلة مطلقا إذ هيئاتها مذكّرة ،وصيد المحرم ناسيا إذ الحرام مذكّر ، وإن لم يكن هناك مذكّر فيكون عذرا ،كالكل في نهار رمضان ناسيا ،وسلم المصلّي في القعدة الولى ناسيًا وترك التّسمية عند الذّبح ناسيا . ويرجع لمعرفة تفصيل ذلك والخلف فيه إلى مصطلح ( :نسيان ) .
الحكم التّكليفيّ للتّذكّر : 55
-الذّكر وإن كان أمرا يطرأ في الغالب على النسان دون إرادته ،لكن قد يتكلّف التّذكّر
ن اللّه تعالى أمر بتذكّر فيتذكّر ،ومن هنا فقد يكون مكلّفا به لما فيه من المصالح ومن ذلك أ ّ نعمه ليشكر وليعرف النسان حقّ ربّه تعالى من توحيده وإفراده بالعبادة ،كما قال تعالى : سمَاء وَا ْلَأرْضِ} ن ال ّ غ ْيرُ اللّ ِه يَ ْر ُزقُكُم مّ َ { يَا َأ ّيهَا النّاسُ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَتَ اللّهِ عََل ْي ُكمْ هَلْ ِمنْ خَاِلقٍ َ وأمر تعالى بذكر الخرة وما فيها من الهول والحساب ونعيم الجنّة وعذاب النّار ومصارع الظّالمين ممّن ساق ذكرهم في كتابه . ومن ذلك « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :أكثروا ذكر هادم الّلذّات » . وقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّر ن صحيحا كان أو مريضا ذكر ل إنسا ٍ الخرة » .ومن هنا ذهب الفقهاء إلى أنّه يندب لك ّ الموت ،بأن يجعله نصب عينيه ،لنّه أزجر عن المعصية وأدعى للطّاعة .
رابعا :الذّكر بمعنى الصّيت والشّرف :
ك ِذكْ َركَ } ن اللّه تعالى على نبيّه صلى ال عليه وسلم بقوله تعالى َ { :و َر َفعْنَا َل َ - 56امت ّ وامتنّ عليه وعلى أمّته بقوله { :لَ َق ْد أَنزَ ْلنَا إَِل ْي ُكمْ ِكتَابًا فِي ِه ِذكْ ُر ُكمْ َأفَلَا َتعْقِلُونَ } وقال { :بَلْ َأ َت ْينَاهُم ِب ِذ ْكرِهِ ْم فَ ُهمْ عَن ِذكْرِهِم ّم ْعرِضُونَ } قال القرطبيّ :المراد بالذّكر هنا الشّرف . ص ْدقٍ جعَل لّي ِلسَانَ ِ وأخبر عن إبراهيم صلى ال عليه وسلم أنّه دعا اللّه تعالى فقال { :وَا ْ خرِينَ } قال مجاهد :هو الثّناء الحسن ،وقال ابن عطيّة :هو الثّناء وخلد المكانة فِي الْآ ِ باتّفاق المفسّرين .وقد أجاب اللّه دعوته فكلّ أم ٍة تتمسّك به وتعظّمه . ب الرّجل أن يثنى عليه قال القرطبيّ :ومن هنا روى أشهب عن مالكٍ :ل بأس أن يح ّ صالحا ،ويرى في عمل الصّالحين إذا قصد به وجه اللّه تعالى .وقد قال اللّه تعالى { :إِنّ ل َل ُهمُ ال ّرحْمَنُ ُودّا } أي حبّا في قلوب عباده وثنا ًء حسنا س َيجْعَ ُ عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َ اّلذِينَ آ َمنُوا وَ َ خرِينَ } على استحباب اكتساب ما يورث ص ْدقٍ فِي الْآ ِ جعَل لّي ِلسَانَ ِ .فنبّه تعالى بقوله { :وَا ْ الذّكر الجميل .
قال ابن العربيّ :قال المحقّقون :في هذا دليل على التّرغيب في العمل الصّالح الّذي يكسب الثّناء الحسن . ل أو فضلٍ ي صلى ال عليه وسلم كان يثني على من تميّز بفع ٍ ن النّب ّ وممّا يؤيّد ذلك ما ورد أ ّ من أصحابه ويحمدهم على ذلك ،وكانوا يظهرون سرورهم بذلك ،كقوله « :إنّي أكل قوما إلى ما جعل اللّه في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب ،قال عمرو :ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حمر النّعم » « .وقال صلى ال عليه وسلم :ملئ عمّار إيمانا إلى مشاشه » . لكن على المؤمن في هذا الباب أن يتجنّب أمورا : الوّل :ل ينبغي أن يطلب الحمد والثّناء بما ليس حقّا وما لم يفعل ،بأن يرائي فيظهر للنّاس سبَنّ اّلذِينَ حَ ما ليس فيه من الفضائل ،أو يدّعي بأفعال خيرٍ لم يفعلها ،قال اللّه تعالى { :لَ َت ْ سبَ ّن ُهمْ ِبمَفَازَةٍ مّنَ ا ْل َعذَابِ} وقوله { : حَ ح َمدُو ْا ِبمَا َلمْ يَ ْفعَلُو ْا فَلَ َت ْ حبّونَ أَن ُي ْ ن ِبمَا َأتَواْ ّو ُي ِ يَ ْف َرحُو َ َكبُ َر مَقْتا عِندَ اللّ ِه أَن تَقُولُوا مَا لَا تَ ْفعَلُونَ } نزلت في قومٍ كانوا يقولون جاهدنا وأبلينا ولم يجاهدوا ،وقيل في تفسيرها غير ذلك . الثّاني :أن ل يكون قصده من العمل مجرّد الثّناء والذّكر الجميل ،بل يعمل العمل الصّالح لوجه اللّه تعالى ،ويسرّه أن يظهر ليقتدى به فيه ،أو يعلم مكانه من الفضل سرورا بالخير أو نحو ذلك ،قال ابن رشدٍ :سئل مالك عن الرّجل يحبّ أن يلقى في طريقه المجد ،ويكره أن يلقى في طريقه السّوء .فأمّا ربيعة فكره ذلك وأمّا مالك فقال :إذا كان أوّل أمره ذلك حبّةً ّمنّي } . ك َم َ وأصله للّه فل بأس بذلك إن شاء اللّه تعالى قال اللّه تعالى { :وَأَلْ َقيْتُ عََل ْي َ ل هذا ؟ فإنّ خرِينَ } قال مالك :فأيّ شيءٍ هذا إ ّ صدْقٍ فِي الْآ ِ ن ِ جعَل لّي ِلسَا َ وقال تعالى { :وَا ْ هذا شيء يكون في القلب ل يملكه ،هذا إنّما يكون من الشّيطان ليمنعه العمل . وقال ابن العربيّ :إنّ من صلّى صل ًة ليراها النّاس ويروه فيها فيشهدوا له باليمان ،أو أراد طلب المنزلة والظّهور لقبول الشّهادة وجواز المامة ،فليس ذلك بالرّياء المنهيّ عنه ، وإنّما الرّياء المعصية :أن يظهرها صيدا للنّاس وطريقا للكل . ن من طلب بالعبادة فضل اللّه تعالى في الخرة بدخول جنّته والخلص من ناره ل وهذا كما أ ّ يكون فعله منافيا للخلص . فإن كان قصده من العمل الصّالح مجرّد العل ّو في الرض وتحصيل المصالح العاجلة ولم يكن قصده الوّل وجه اللّه تعالى كان ذلك محبطا لجره ،بل كان ذلك عليه ،لما في حديث أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا وفيه « فيقول اللّه تعالى :ولكنّك قاتلت لن يقال جريء ،فقد
قيل ،ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار » وإن كان إنّما فعل العبادة لطلب المنزلة في قلوب النّاس فهو الرّياء المنهيّ عنه ،وهو الشّرك الخفيّ . قال ابن تيميّة :فرق بين من يكون الدّين مقصوده والدّنيا وسيلةً ،وبين من تكون الدّنيا ن هذا ليس له في الخرة خلق كما دلّت على ذلك مقصوده والدّين وسيلةً ،والشبه أ ّ النّصوص .وفي المسألة خلف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ( :نيّة ) .
ذكورة * التّعريف : - 1الذّكورة لغ ًة خلف النوثة ،والتّذكير خلف التّأنيث ،وجمع الذّكر ذكور ،وذكورة ، ج ُهمْ ُذ ْكرَانًا وَِإنَاثًا } . وذكران ،وذكارة ،ومنه قوله تعالى َ { :أوْ ُيزَ ّو ُ ي هو معناه اللّغويّ . ومعناه الصطلح ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الخنوثة :حالة بين الذّكورة والنوثة ( انظر مصطلح :خنثى ) .
الحكام المتعلّقة بالذّكورة : تناول الفقهاء الحكام المتعلّقة بالذّكورة في عدّة أبوابٍ منها :
في الصّلة :
أ -المامة : - 3ذهب المالكيّة إلى أنّ الذّكورة شرط لمامة الصّلة ،وأنّه ل يجوز أن تؤمّ المرأة رجلً ول امرأةً مثلها ،سواء كانت الصّلة فريضةً أو نافلةً ،وسواء عدمت الرّجال أو وجدت لحديث « :لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأ ًة » . ح صلتها . وتبطل صلة المأموم دون المرأة الّتي صلّت إماما فتص ّ ووافقهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة والفقهاء السّبعة -من فقهاء المدينة -في منع إمامتها للرّجال ،لما روى جابر رضي ال عنه « عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :خطبنا ل أنّهم خالفوا المالكيّة في ن امرأة رجلً » ،إ ّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال :ل تؤمّ ّ ن هذا جائز ،والحنفيّة يرون كراهة إمامتها للنّساء ،لما مسألة إمامة المرأة للنّساء فيرون أ ّ ن وكذا أ ّم سلمة .كما أنّ روي عن عائشة أنّها أمّت نسو ًة في صلة العصر وقامت وسطه ّ بعض الحنابلة يرون أنّه يجوز أن تؤمّ المرأة الرّجال في صلة التّراويح وتكون وراءهم ،لما روي عن أ ّم ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث رضي ال عنها « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم جعل لها مؤذّنا يؤذّن لها وأمرها أن تؤمّ أهل دارها » .وذهب أبو ثورٍ والمزنيّ وابن جريرٍ إلى صحّة صلة الرّجال وراء المرأة .
ب -صلة الجمعة : - 4اتّفق الفقهاء على أنّ من شروط وجوب الجمعة الذّكورة المحقّقة ،فل تجب على امرأةٍ ول على خنثى مشكلٍ لقوله صلى ال عليه وسلم « :الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلمٍ في جماع ٍة إلّ أربعةً :عبد مملوك أو امرأة أو صبيّ أو مريض » ولقوله صلى ال عليه وسلم : « من كان يؤمن باللّه واليوم الخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلّ مريضا أو مسافرا أو امرأةً أو صبيّا أو مملوكا ،فمن استغنى بلهوٍ أو تجار ٍة استغنى اللّه عنه ،واللّه غنيّ حميد » . واتّفقوا على أنّ المرأة لو حضرت وصلّت الجمعة صحّت منها ،لنّه قد ثبت في الحاديث ن يصلّين خلف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في مسجده ن النّساء ك ّ الصّحيحة المستفيضة أ ّ .إلّ أنّه ل يعتبر النّساء في العدد المشترط لنعقاد الجمعة على اختلف القوال في العدد المعتبر .
في النّكاح :
- 5اختلف الفقهاء فيمن يتولّى عقد النّكاح .
فذهب الجمهور -وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى اشتراط الذّكورة في الوليّ ،وأنّ المرأة ل تملك تزويج نفسها ول غيرها بكرا كانت أو ثيّبا ،شريف ًة أو دنيئةً ،رشيدةً أو ح النّكاح لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل نكاح إلّ سفيهةً ،حرّةً أو أم ًة فإن فعلت لم يص ّ بوليّ وشاهدي عدلٍ » وقوله صلى ال عليه وسلم « :أيّما امرأةٍ نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل » . وعند أبي حنيفة وزفر والحسن بن زيادٍ -وهذا ظاهر الرّواية عن أبي يوسف -يجوز للمرأة الرّشيدة أن تزوّج نفسها ونفس غيرها ،وأن توكّل في النّكاح لقوله تعالى { :فَلَ ن التّزويج خالص حقّها جهُنّ ِإذَا َترَاضَوْ ْا َب ْي َنهُم بِا ْل َم ْعرُوفِ } ،ول ّ ن َأزْوَا َ َتعْضُلُو ُهنّ أَن يَن ِكحْ َ وهي من أهل المباشرة ،كبيعها وباقي تصرّفاتها الماليّة .
في الجهاد : - 6اتّفق فقهاء المذاهب الربعة وغيرهم من علماء السّلف على أنّ الذّكورة المحقّقة شرط من شروط وجوب الجهاد على المسلم ،فل يجب جهاد على امرأةٍ ،ول على خنثى مشكلٍ ، لما روت « عائشة رضي ال عنها أنّها قالت :يا رسول اللّه هل على النّساء جهاد ؟ فقال صلى ال عليه وسلم :نعم ،عليهنّ جهاد ل قتال فيه :الحجّ والعمرة » .
ن المرأة ليست من أهل القتال لضعفها ،وبنيتها ل تحتمل الحرب عادةً ،ولذلك ل يسهم ول ّ لها من الغنيمة في حالة حضورها .أمّا الخنثى المشكل فلنّه ل يعلم كونه ذكرا أو أنثى فل شكّ في هذا الشّرط . يجب عليه الجهاد مع ال ّ وهذا إذا لم يكن النّفير عامّا -كما يقول الكاسانيّ -فأمّا إذا ع ّم النّفير بأن هجم العد ّو على ل واح ٍد من آحاد المسلمين ممّن هو قادر عليه ،فيخرج بلدٍ فهو فرض عينٍ يفترض على ك ّ العبد بغير إذن موله ،والمرأة بغير إذن زوجها والولد بغير إذن والديه .
في الجزية : - 7قال الفقهاء :ل تضرب الجزية إلّ على الرّجال فل جزية على امرأةٍ ،ول خلف في ن اضربوا الجزية ذلك بين أهل العلم ..لنّ عمر رضي ال عنه كتب إلى أمراء الجناد " أ ّ ول تضربوها على النّساء والصّبيان " .
في الوليات العامّة :
أ -المامة العظمى : - 8اتّفق الفقهاء على أنّ من شروط المام العظم أن يكون ذكرا فل تصحّ ولية امرأةٍ لقوله صلى ال عليه وسلم « :لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأةً » . ن هذا المنصب تناط به ولكي يتمكّن من مخالطة الرّجال ويتفرّغ لتصريف شئون الحكم ،ول ّ أعمال خطيرة ،وأعباء جسيمة ،تلئم الذّكورة .
ب -القضاء :
- 9اختلف الفقهاء في اشتراط الذّكورة في القضاء .
فذهب الجمهور وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط الذّكورة في القاضي ،فل يجوز عندهم أن تتولّى المرأة وظيفة القضاء لقوله صلى ال عليه وسلم « :لن يفلح قوم ولّوا أمرهم ل النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول أحد من خلفائه ول من بعدهم امرأةً قضاءً امرأةً » .ولم يو ّ ول ولية بلدٍ ،ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزّمان غالبا . ن شهادتها تقبل في ذلك ، ويرى الحنفيّة جواز أن تكون المرأة قاضي ًة في غير الحدود ،ل ّ وأهليّة القضاء -عندهم -تدور مع أهليّة الشّهادة فما يقبل شهادة المرأة فيه يجوز أن تتولّى القضاء فيه ،وما ل فل .قال الكاسانيّ :أمّا الذّكورة فليست من شروط جواز تقليد القضاء في الجملة ،بل يجوز أن تتولّى المرأة القضاء فيما ل حدود فيه ول قصاص . ن المرأة يجوز أن تكون مفتيةً ، وذهب ابن جريرٍ إلى جواز تولّي المرأة القضاء مطلقا ،ل ّ فيجوز أن تكون قاضيةً .وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :قضاء ) .
ص بالذّكورة منها :في العقيقة ،والميراث ،وتطهير بول - 10وهناك أحكام أخرى تخت ّ الرّضيع ،وفي العورة ،ولبس الحرير والذّهب ،والشّهادة في الحدود ،والقصاص ،وفي الشّهادات عامّ ًة ،وفي زكاة النعام ،وفي الدّيات . وتنظر هذه كلّها وغيرها في مصطلح ( :أنوثة ) .
ذمّ * التّعريف : - 1ال ّذمّ في اللّغة :خلف المدح ،قال في المصباح :ذممته أذمّه ذمّا خلف مدحته فهو ذميم ومذموم أي :غير محمودٍ ،والذّمام بالكسر ما يذمّ الرّجل على إضاعته من العهد ، والمذمّة بفتح الميم وتفتح الذّال وتكسر مثله ،والذّماء أيضا :الحرمة . وال ّذمّ عند الفقهاء ل يخرج عن كونه خلف المدح ،وإلحاق الذى بالغير ،كأن يقذفه أو يسبّه أو يعيّره بحرفته إلى غير ذلك من المور الّتي يترتّب عليها الح ّد كالقذف ،أو التّعزير كغير القذف من اللفاظ الّتي ل حدّ على قائلها والّتي محلّها مصطلح ( :قذف ) ومصطلح : ( تعزير ) . أ -الشّتم :
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2الشّتم في اللّغة :السّبّ ،والسم الشّتيمة . وفي الصطلح :أن يتكلّم أمام إنسانٍ بما فيه أو بما ليس فيه . ب -البهتان : - 3البهتان في اللّغة :القذف بالباطل وافتراء الكذب ،وهو اسم مصدرٍ ،فعله بهت من باب نفع . ن مستو ٍر بما ليس فيه . وفي الصطلح :أن يتكلّم خلف إنسا ٍ ج -الغيبة : - 4الغيبة في اللّغة :ذكر الغير بما يكره من العيوب . ن بما هو فيه . وفي الصطلح :أن يتكلّم خلف إنسا ٍ د -القذف : - 5من معانيه في اللّغة :الرّمي بالحجارة ،والرّمي بالفاحشة ،والقذيفة القبيحة وهي الشّتم . وفي الشّرع :رمي مخصوص ،وهو الرّمي بالزّنا صريحا وهو القذف الموجب للحدّ . هـ -اللّعن :
- 6معناه في اللّغة الطّرد والبعاد على سبيل السّخط ،وذلك من اللّه في الخرة عقوبة ، وفي الدّنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه ،ومن النسان دعاء على غيره . ول يخرج الصطلح الفقهيّ عن ذلك . و -المدح : - 7وهو خلف ال ّذمّ ومعناه في اللّغة :الثّناء على الغير لما فيه من الصّفات ،سواء أكانت تلك الصّفات خلقّيةً أم اختياريّةً وهو أع ّم من الحمد . وفي الصطلح :الثّناء باللّسان على الجميل الختياريّ قصدا .
الحكم الجماليّ : أ -ذ ّم اللّه ورسوله ،وذمّ المؤمنين :
- 8التّجرّؤ على اللّه ورسوله بأيّ لونٍ من ألوان اليذاء ،أشدّ أنواع اليذاء حرم ًة بل هو عدّ َل ُهمْ ن يُ ْؤذُونَ اللّهَ َو َرسُولَ ُه َل َع َنهُ ُم اللّ ُه فِي ال ّد ْنيَا وَالْآخِرَ ِة وَأَ َ كفر ،قال اللّه تعالى ِ { :إنّ اّلذِي َ عذَابا ّمهِينا } .وذمّ المؤمن أو المؤمنة وإيذاؤهما بالقوال القبيحة ،كالبهتان ،والتّكذيب َ ل واحدٍ الفاحش المختلق ،والتّعيير بحسبٍ مذمومٍ ،أو حرف ٍة مذموم ٍة ،أو بشيءٍ يثقل على ك ّ منهما إذا سمعه حرام في الجملة ،قال القرطبيّ ،بل هو من الكبائر ،لقوله تعالى { :وَاّلذِينَ ح َتمَلُوا ُب ْهتَانا وَِإثْما ّمبِينا} .وإيذاء المؤمنين سبُوا فَ َقدِ ا ْ يُ ْؤذُونَ ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ وَا ْلمُ ْؤ ِمنَاتِ ِب َغ ْيرِ مَا ا ْك َت َ والمؤمنات منه ما يكون بحقّ ،كالحدود والقصاص ،ومنه ما يكون بغير حقّ ،كالغيبة والقذف والكذب وغيره . ل أو امرأة من امرأةٍ ، -9وأيضا فإنّ اللّه سبحانه وتعالى نهى عن أن يسخر رجل من رج ٍ ونهى عن اللّمز أي العيب سواء أكان باليد ،أم بالعين ،أم باللّسان ،أم بالشارة ،ونهى عن خرْ قَومٌ مّن سَ التّنابز باللقاب الّتي تغضب من لقّب بها لقوله تعالى { :يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا لَا َي ْ خ ْيرًا ّم ْنهُنّ وَلَا تَ ْل ِمزُوا ن َ عسَى أَن َيكُ ّ خيْرا ّم ْن ُهمْ وَلَا ِنسَاء مّن ّنسَاء َ عسَى أَن َيكُونُوا َ قَ ْومٍ َ سكُمْ وَلَا َتنَا َبزُوا بِا ْلأَلْقَابِ } . أَن ُف َ قال القرطبيّ :إنّه ينبغي من حيث الجملة ألّ يجترئ أحد على الستهزاء على من يقتحمه ث الحال أو ذا عاه ٍة في بدنه ،أو غير لبقٍ في محادثته ،فلعلّه أخلص بعينه إذا رآه ر ّ ضميرا وأنقى قلبا ،ممّن هو على ضدّ صفته ،فيظلم نفسه بتحقير من وقّره اللّه ، والستهزاء بمن عظّمه اللّه ،ويستثنى من ذلك تلقيب الشّخص بما يغلب فيه الستعمال وليس له فيه كسب ول يجد في نفسه منه عليه ،فإنّه جائز بإجماع المّة كالعرج ،والحدب ،وقد سئل عبد اللّه بن المبارك عن الرّجل يقول :حميد الطّويل ،وسليمان العمش ،وحميد العرج ،ومروان الصغر ،فقال :إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فل بأس به .
- 10وأمّا سبّ المسلم بشتمه والتّكلّم في عرضه بما يعيبه بغير حقّ فحرام بإجماع المّة وفاعله فاسق ،وأمّا قتاله بغير حقّ فل يكفر به عند أهل الحقّ كفرا يخرج به من الملّة إلّ إذا استحلّه ،لقوله صلى ال عليه وسلم فيما أخرجه البخاريّ ومسلم عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي ال عنه « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » .
ب -ذمّ المبتدعين وبدعهم : ل على ذلك ما ورد عن عائشة رضي - 11ذمّ المبتدعين والبدع مطلوب وارد في الشّرع يد ّ ال عنها قالت « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه » -وفي رواي ٍة أخرى « ما ليس فيه -فهو ر ّد » . ل ليس عليه أمرنا فهو ر ّد » . ي صلى ال عليه وسلم قال :من عمل عم ً ن النّب ّ وما ورد « أ ّ
ج -ذمّ الكفّار والمنافقين :
- 12ذكر اللّه سبحانه وتعالى ذمّ الكفّار والمنافقين في آياتٍ كثير ٍة من القرآن ومن تلك ن لَ َيعْقِلُونَ } . شرّ الدّوَابّ عِن َد اللّ ِه الصّمّ ا ْل ُب ْكمُ اّلذِي َ اليات قوله تعالى في ذ ّم الكفّار { ِإنّ َ والمعنى كما في روح المعاني أنّ شرّ من يدبّ على الرض أو شرّ البهائم عند اللّه أي في حكمه وقضائه الصّمّ الّذين ل يسمعون الحقّ ،البكم الّذين ل ينطقون به ،ووصفوا بذلك ، ن ما خلق له الحاسّتان سماع الحقّ والنّطق به ،وحيث لم يوجد فيهم شيء من ذلك صاروا لّ ل َيعْقِلُونَ } ،تحقيقا كأنّهم فاقدون لهما رأسا .ثمّ وصفوا بعدم التّعقّل في قوله تعالى { اّلذِينَ َ ن الصمّ البكم إذا كان له عقل ربّما يفهم بعض المور ويفهمه غيره لكمال سوء حالهم ،فإ ّ ش ّريّة وسوء ويهتدي إلى بعض مطالبه ،أمّا إذا كان فاقدا للعقل أيضا فقد بلغ الغاية في ال ّ ب حيث أبطلوا ما به يمتازون عنها . الحال وبذلك يظهر كونهم شرّ الدّوا ّ ت كثير ٍة من القرآن الكريم .من ذلك قوله وأمّا المنافقون فقد ذمّهم اللّه سبحانه وتعالى في آيا ٍ ب ّمسَ ّندَةٌ }... خشُ ٌ سمَعْ لِ َقوِْل ِهمْ َكَأ ّنهُمْ ُ جسَا ُم ُهمْ وَإِن يَقُولُوا َت ْ ج ُبكَ َأ ْ تعالى {:وَِإذَا رَأَ ْي َت ُهمْ ُت ْع ِ ل َتسُبّو ْا اّلذِينَ ب الكفّار ومعبوداتهم فقد ورد النّهي عنه في قوله تعالى َ { :و َ - 13هذا وأمّا س ّ عدْوا ِب َغيْرِ عِ ْلمٍ } . سبّواْ الّلهَ َ َيدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ َف َي ُ فإنّ اللّه سبحانه وتعالى نهى المؤمنين عن سبّ أوثان الكفّار وأصنامهم لعلمه سبحانه وتعالى ن المؤمنين إذا سبّوها ازداد هؤلء الكفّار كفرا ونفورا فيسبّوا المؤمنين بمثل ما سبّوهم به ، أّ ل ،فمتى كان الكافر في منعةٍ وحكم هذه الية كما قال العلماء باقٍ في هذه المّة على كلّ حا ٍ ل ،فل يحلّ لمسلمٍ وخيف أن يسبّ السلم أو النّبيّ عليه الصلة والسلم ،أو اللّه عزّ وج ّ أن يسبّ صلبانهم ول دينهم ول كنائسهم ،ول يتعرّض إلى ما يؤدّي إلى ذلك ،لنّه بمنزلة البعث على المعصية .
د -ذ ّم المعاصي ومرتكبيها : - 14ذمّ اللّه سبحانه وتعالى المعاصي في كثيرٍ من اليات وحذّر منها ،لنّها موجبة للهلك ومبعدة عن دار السّلم ،وتلحق بمرتكبيها الخزي والهوان والذّلّ .وقد ورد في كتاب اللّه تعالى لعن الظّالمين والكافرين ،ولعن أصحاب السّبت ،ولعن من نقض ميثاقه ،ولعن الّذين سعِيرا } ،وقال عدّ َل ُه ْم َ ن ا ْلكَا ِفرِينَ وَأَ َ ن اللّ َه َلعَ َ يؤذون اللّه ورسوله ،قال اللّه تعالى { :إِ ّ سبْتِ } . تعالى { :أَ ْو نَ ْل َع َنهُمْ َكمَا َل َعنّا َأصْحَابَ ال ّ وتنظر سائر أحكام ال ّذمّ في مصطلح ( :سبّ ) .
انظر :أهل ال ّذمّة .
ذ ّميّ * ذنب *
انظر :توبة .
التّعريف :
ذمّة *
- 1ال ّذمّة في اللّغة تفسّر بالعهد وبالمان كتسمية المعاهد بال ّذمّيّ ،وفسّر قوله صلى ال عليه وسلم « :ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم » بالمان ،وال ّذمّة أيضا الضّمان ،فإذا قلت في ذمّتي كذا يكون المعنى في ضماني ،وتجمع على ذممٍ ،كسدر ٍة وسدرٍ . وأمّا ال ّذمّة في الشّرع فمختلف فيها كما ذكر صاحب الكّليّات ،فمنهم من جعلها وصفا ، ل لليجاب له وعليه ،وظاهر كلم أبي زيدٍ في وعرّفها :بأنّها وصف يصير الشّخص به أه ً التّقويم يشير إلى أنّ المراد بال ّذمّة العقل ،ومنهم من جعلها ذاتا ،وهو اختيار فخر السلم عليه الرّحمة ،ولهذا عرّفها بأنّها نفس لها عهد ،فإنّ النسان يولد وله ذمّة صالحة للوجوب له وعليه بإجماع الفقهاء حتّى يثبت له ملك الرّقبة وملك النّكاح ،ويلزمه عشر أرضه وخراجها بالجماع وغير ذلك من الحكام . وقد استعملها الفقهاء بمعنى العهد ،واستعملها بعض الصوليّين بمعنى أهليّة الوجوب ،وجاء ل اللتزام كقولهم :ثبت في ذمّتي ،وبعض الفقهاء يقول في المغرب أنّ ال ّذمّة تطلق على مح ّ هي محلّ الضّمان والوجوب ،وبعضهم يقول هي معنًى يصير بسببه الدميّ على الخصوص أهلً لوجوب الحقوق له وعليه .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اللتزام : - 2أصل اللتزام اللّزوم ،ومعنى اللّزوم في اللّغة الثّبوت والدّوام ،يقال لزم الشّيء يلزم لزوما أي ثبت ودام ،ولزمه المال وجب عليه ،ولزمه :وجب حكمه ،وألزمته المال والعمل فالتزمه ،واللتزام أيضا العتناق . واللتزام أيضا :إلزام الشّخص نفسه ما لم يكن لزما له ،أي ما لم يكن واجبا عليه قبل ، وهو بهذا المعنى شامل للبيع والجارة والنّكاح وسائر العقود . ل تعبيراتهم على أنّ اللتزام عامّ وهذا المعنى اللّغويّ جرت عليه استعمالت الفقهاء حيث تد ّ في التّصرّفات الختياريّة ،وهي تشمل جميع العقود سواء في ذلك المعاوضات والتّبرّعات ، وهو ما اعتبره الحطّاب استعمالً لغويّا . قال الحطّاب :واللتزام في عرف الفقهاء هو إلزام الشّخص نفسه شيئًا من المعروف مطلقا أو معلّقا على شيءٍ ،فهو بمعنى العطيّة ،فدخل في ذلك الصّدقة والهبة والحبس " الوقف " والعاريّة ،والعمرى ،والعريّة ،والمنحة ،والرفاق والخدام ،والسكان ،والنّذر ،قال ص من ذلك ،وهو الحطّاب في كتابه تحرير الكلم :وقد يطلق في العرف على ما هو أخ ّ التزام المعروف بلفظ اللتزام .وال ّذمّة أعمّ من اللتزام . ب -الهليّة : ل ،ومعناها لغ ًة كما في أصول البزدويّ : - 3الهليّة هي مصدر صناعيّ لكلمة أه ٍ الصّلحيّة ويتّضح تعريف الهليّة في الصطلح من خلل تعريف نوعيها :أهليّة الوجوب وأهليّة الداء ،فأهليّة الوجوب هي صلحيّة النسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه ، وأهليّة الداء هي صلحيّة النسان لصدور الفعل منه على وج ٍه يعتدّ به شرعا . والعلقة بين ال ّذمّة والهليّة أنّ الهليّة أثر لوجود ال ّذمّة . ن أهليّة الوجوب في النسان ذات عنصرين : وبيان ذلك :أ ّ أحدهما :قابليّته لثبوت الحقوق له أي صلحيّته لللزام . الثّاني :قابليّته لثبوت الحقوق عليه أي صلحيّته لللتزام .فالعنصر الوّل يثبت للشّخص منذ كونه جنينا في بطن أمّه بإجماع الفقهاء ول يستدعي وجوب ذمّةٍ مقدّر ٍة في شخصه ،لنّ الحقّ له ل عليه . وأمّا ناحية اللتزام أي ناحية ثبوت الحقّ عليه وهو العنصر الثّاني من أهليّة الوجوب فتتوقّف على أمرين :
ل بعد الولدة. أحدهما :قابليّة التّحمّل بأن يكون صالحًا لوجوب الحقوق عليه وهذا ل يتحقّق إ ّ والثّاني :ال ّذمّة بمعنى أن يكون في ذلك الشّخص محلّ مقدّر لستقرار تلك الحقوق فيه بحيث تشغله تلك الحقوق حال ثبوتها ويفرغ منها حال سقوطها . وهذان المران اللّذان يتوقّف عليهما تصوّر اللتزام هما متلزمان في الوجود متغايران في المفهوم ،فإنّه يلزم من كون الشّخص أهلً لتحمّل الحقوق أن يكون في شخصه مستقرّ ومستودع لها وبالعكس ،فمتى اعتبرت للشّخص أهليّة التّحمّل شرعا اعتبرت له ذمّة ،ولكن ليست تلك الهليّة هي ال ّذمّة نفسها ،بل بينهما من الفرق ما بين معنى القابليّة ومعنى المحلّ. ن النّسبة بينهما العموم ذكر القرافيّ في الفروق في العلقة بين ال ّذمّة وأهليّة المعاملة أ ّ والخصوص الوجهيّ ،فهما يجتمعان في الح ّر البالغ الكامل الهليّة فيقال :هو ذو ذمّةٍ وذو أهليّ ٍة ،وتنفرد ال ّذمّة في العبد فهو ذو ذمّةٍ ول أهليّة له ،وتنفرد الهليّة في الصّبيّ المميّز فيقال هو ذو أهليّ ٍة ول ذمّة مستقلّةً له . ج -العهد : - 4العهد نوع من أنواع اللتزام ومعناه في اللّغة الوصيّة ،يقال عهد إليه يعهد إذا أوصاه، ل ما عوهد اللّه عليه ،وكلّ ما بين العباد من والعهد :المان والموثق وال ّذمّة ،والعهد ك ّ المواثيق فهو عهد ،والعهد :اليمين يحلف بها الرّجل . والعهد ل يكون إلّ من ذي ذمّ ٍة ولذا سمّي العهد ذمّ ًة .
خصائص ال ّذمّة : ص ال ّذمّة بأمورٍ : - 5تخت ّ الوّل :ال ّذمّة من صفات الشّخصيّة النسانيّة المستقلّة ،وهي الشّخصيّة الحقيقيّة أو من صفات الشّخصيّة الحكميّة كبيت المال والوقف . الثّاني :ال ّذمّة من توابع الشّخصيّة ،فهي تلزم العنصر الثّاني من عنصري أهليّة الوجوب ، وهو عنصر اللتزام ،وهذه الهليّة مناطها الصّفة النسانيّة ،فتلزم النسان منذ وجوده ن بل ذمّ ٍة حتّى لو كانت تلك ال ّذمّة ل في بطن أمّه ،فل يتصوّر وجود إنسا ٍ حتّى لو كان حم ً فارغةً أي خالي ًة من اللتزام . ل شخصٍ ذمّة واحدة ،وتلك ال ّذمّة ل تتعدّد في الشّخص الواحد ول يجوز الثّالث :لك ّ الشتراك فيها . ن ال ّذمّة ظرف اعتباريّ الرّابع :ال ّذمّة ل حدّ لسعتها فهي تتّسع لكلّ الدّيون مهما عظمت ،ل ّ يتّسع لكلّ اللتزامات .
الخامس :ال ّذمّة تتعلّق بالشّخص ل بأمواله وثروته ليتمكّن من ممارسة أعماله الماليّة بح ّريّةٍ مطلقةٍ تمكّنه من سداد ديونه ،فله التّجارة والبيع ولو كان مدينا بأكثر ممّا يملك ،وله وفاء أي دين متقدّم أو متأخّر في الثّبوت ،ول يحقّ للدّائنين العتراض عليه ما لم يمنع من ذلك مانع شرعيّ كالرّهن أو الحجر أو التّفليس . ح ول يقتضي ذلك منع المدين من التّصرّف ل الحقوق بل ترجي ٍ السّادس :ال ّذمّة ضمان لك ّ بأمواله ،وذلك لنّ ال ّذمّة ل حدّ لسعتها إذ هي شرعًا مستقلّة عمّا يملك صاحبها فتتساوى فيها الدّيون في الصل ول يكون سبق بعضها في الثّبوت سببا لترجيحه ،وما يثبت في ذمّة ع خاصّ من ماله أو بجزءٍ معيّنٍ منه ،فالدّيون النسان من حقوقٍ عليه ل يتقيّد وفاؤها بنو ٍ ل لتعذّر متى استقرّت في ال ّذمّة بسببٍ صحيحٍ تساوت في احترامها وانتفى التّرجيح ،وإ ّ التّعامل إذ ل يستطيع أحد أن يعرف ما على من يريد معاملته من ديونٍ سابقةٍ ليكون على بصير ٍة من رتبة دينه .
انتهاء ال ّذمّة : - 6ال ّذمّة تبدأ مع الشّخص منذ الحمل به وتبقى معه طيلة حياته ،فإذا مات ذلك الشّخص فإنّ تلك ال ّذمّة تنتهي إذ ل بقاء لها بعد الموت ،إلّ أنّ الفقهاء اختلفوا في انتهاء ال ّذمّة فورا ن الموت يضعفها ،أو أنّ ال ّذمّة تبقى بعد الموت حتّى تستوفى بمجرّد حصول الموت ،أو أ ّ الحقوق من الميّت على ثلثة آرا ٍء - :
الرّأي الوّل :
ن ال ّذمّة تبقى بعد الموت حتّى - 7وهو رأي الجمهور " المالكيّة والشّافعيّة وبعض الحنابلة " أ ّ ح للميّت اكتساب حقوقٍ جديدةٍ بعد موته كان سببا لها ، تصفّى الحقوق المتعلّقة بالتّركة فيص ّ كمن نصب شبك ًة للصطياد فوقع فيها حيوان فإنّه يملكه وتظلّ ذمّة الميّت باقيةً بعد موته حتّى تسدّد ديونه لقوله صلى ال عليه وسلم « :نفس المؤمن معلّقة بدينه حتّى يقضى عنه » ن جديدةٍ كشغلها بثمن المبيع الّذي ردّه المشتري ويمكن أن تشغل ذمّة الميّت بعد موته بديو ٍ ب ظهر فيه ،وكالتزامه بضمان قيمة ما وقع في حفر ٍة حفرها على البائع بعد موته بسبب عي ٍ الشّخص قبل موته في الطّريق العامّ . ن الغرض نفعه بها في وأمّا الوصيّة للميّت فتجوز عند المالكيّة إن علم الموصي بموته ،ل ّ قضاء ديونه . ول تجوز الوصيّة للميّت عند الشّافعيّة والحنابلة سواء أعلم الموصي بموته أم ل ،لنّه ل يتصوّر له الملك ،فأثر الموت على هذا الرّأي يقتصر على عدم مطالبة الميّت بالحقوق ، وإنّما يطالب ورثته بأداء الحقوق لصحابها .
الرّأي الثّاني : ن الموت ل ينهي ال ّذمّة بل يضعفها ،وعلى هذا الرّأي فإنّ - 8وهو رأي بعض الحنفيّة أ ّ ذمّة الميّت تبقى بقدر الضّرورة لتصفية الحقوق المتعلّقة بالتّركة الّتي لها سبب في حال الحياة ن الميّت يمكن أن يكتسب بعد موته ملكا جديدا كما لو نصب قبل الموت ،ويتفرّع على ذلك أ ّ ن الميّت يلتزم بالدّيون الّتي تسبّب بها قبل شبكةً فوقع فيها صيد بعد موته فإنّه يملكه ،كما أ ّ موته كردّ المبيع المعيب عليه ،والتزامه بالثّمن ،وضمان ما وقع في حفرةٍ حفرها في الطّريق العامّ . ن الدّين عبارة عن الفعل ، س عند أبي حنيفة ،ل ّ ن على ميّتٍ مفل ٍ لكن ل تصحّ كفالة دي ٍ ن ساقطٍ فل تصحّ ،كما لو كفل إنسانا بدينٍ والميّت عاجز عن الفعل ،فكانت هذه كفال ًة بدي ٍ ل ،لنّه قائم مقامه في ول دين عليه ،وإذا مات مليئا فهو قادر بنائبه ،وكذا إذا مات عن كفي ٍ قضاء دينه . وأمّا عند الصّاحبين فتصحّ كفالة دين الميّت ،لنّ الموت ل ينافي بقاء الدّين ،لنّه مال حكميّ فل يفتقر بقاؤه إلى القدرة ،ولهذا بقي إذا مات مليئا حتّى تصحّ الكفالة به ،وكذا بقيت ح الكفالة عنه بالدّين ،فكذا يصحّ البراء الكفالة بعد موته مفلسا ،وإذا مات عن الكفيل تص ّ عنه والتّبرّع . ح للميّت عند الحنفيّة سواء أعلم الموصي بموته أم ومثل الكفالة في هذا الوصيّة ،فإنّها ل تص ّ ت صحّت الوصيّة للحيّ دون الميّت ،لنّ الميّت ل .خلفا لبي يوسف فلو أوصى لحيّ وميّ ٍ ليس بأهلٍ للوصيّة فل يزاحم الحيّ الّذي هو من أهلها ،لكن ذكر أبو يوسف أنّه إذا لم يعلم ح ،بخلف ما لو علم بموته فل تصحّ ،لنّ الوصيّة للميّت لغو . بموته فإنّ تلك الوصيّة تص ّ
الرّأي الثّالث :
ن ال ّذمّة تنتهي بمجرّد الموت ،لنّها من خصائص - 9وهو رأي الحنابلة في روايةٍ أ ّ الشّخص الحيّ ،وثمرة ال ّذمّة صحّة مطالبة صاحبها بتفريغها من الدّين الشّاغل لها ،فبالموت يخرج الشّخص عن صلحيّة المطالبة فتنهدم ال ّذمّة . وعلى هذا إن توفّي الشّخص المدين دون أن يترك مالً فمصير ديونه السّقوط . وإن ترك مالً تعلّقت الدّيون بماله .هذا واتّفق الفقهاء على أنّه ل يجب على الوليّ قضاء ما على الميّت من دينٍ إن لم يترك مالً لكن يستحبّ .
مواطن البحث : - 10مسائل الفقه وفروعه والّتي تذكر فيها ال ّذمّة أكثر من أن تحصى ،فهي منثورة في أبواب الفقه وفصوله فليرجع إليها في البواب المشار إليها وغيرها .
وينظر ما يتّصل بأهل ال ّذمّة في مصطلح ( :أهل ال ّذمّة ) وما يتّصل بال ّذمّة بمعنى العهد في مصطلح ( :أمان ،وحلف ،ومعاهدة ) .
ذهب * التّعريف : - 1الذّهب :معدن معروف ،والجمع :أذهاب ،مثل سببٍ وأسبابٍ ،ويجمع أيضا على ذهبانٍ وذهوبٍ ،وهو مذكّر ،ويؤنّث فيقال :هي الذّهب الحمراء ،وقد يؤنّث بالهاء فيقال : ذهبة .وقال الزهريّ :الذّهب مذكّر ول يجوز تأنيثه إلّ أن يجعل الذّهب جمعا لذهبةٍ .
الحكام المتعلّقة بالذّهب : التّوضّؤ من آنية الذّهب :
- 2اختلف الفقهاء في صحّة التّوضّؤ من إناء الذّهب ،فذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة ح " إلى صحّة الوضوء مع تحريم الفعل لقوله عليه والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الص ّ الصلة والسلم « :ل تشربوا في آنيّة الذّهب والفضّة ول تأكلوا في صحافهما » ،فقيس غير الكل والشّرب من سائر الستعمالت عليهما ،لنّ علّة التّحريم وجود عين الذّهب والفضّة ،وقد تحقّقت في الستعمالت الخرى كالطّهارة فتكون محرّمةً أيضا . وذهب الحنابلة في الوجه الثّاني إلى عدم صحّة الوضوء منهما قياسا على الصّلة في الدّار المغصوبة : .مصطلح ( :آنية ف . ) 3 /
التّيمّم بالذّهب :
- 3اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّيمّم بالمعادن المسبوكة ،كالذّهب وغيره ،أمّا إذا لم يكن مسبوكًا وكان مختلطًا بالتّراب ،فذهب الشّافعيّة إلى عدم جواز التّيمّم بهذا الخليط سواء أكان ح التّيمّم ل أم كثيرا ،وذهب الحنابلة إلى أنّه ل يجوز التّيمّم بترابٍ خالطه غيره ممّا ل يص ّ قلي ً به إن كان له غبار وكانت الغلبة لغير التّراب . وذهب الحنفيّة إلى جواز التّيمّم به إذا كانت الغلبة للتّراب . ونقل الحطّاب من المالكيّة قول اللّخميّ :ل يجوز التّيمّم بما ل يقع به التّواضع للّه تعالى ، ل أن يكون الشّخص في معادنه ولم يجد سواه فيتيمّم كالياقوت والزّبرجد ونقد الذّهب والفضّة إ ّ به .
اتّخاذ الرّجل لحليّ الذّهب : - 4أجمع الفقهاء على تحريم استعمال حليّ الذّهب على الرّجال لقوله صلى ال عليه وسلم: « أحلّ الذّهب والحرير لناث أمّتي ،وحرّم على ذكورها » .
وظاهر كلم أحمد تجويز فصّ الخاتم من الذّهب إن كان يسيرا ،واختاره بعض الحنفيّة .
اتّخاذ الذّهب خاتما : - 5التّختّم بالذّهب حرام على الرّجال بإجماع علماء السلم ،لما رواه البخاريّ وغيره أنّ ن الصل في النّهي التّحريم. النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :نهى عن خاتم الذّهب » ومعلوم أ ّ
اتّخاذ الرّجل للذّهب في آلة الحرب :
- 6ذهب جمهور الفقهاء إلى منع تحلية آلة الحرب بشيءٍ من الذّهب لعموم الدلّة القاضية بتحريم استعمال الذّهب للرّجال وممّن ذهب إلى ذلك الحنفيّة والمالكيّة في المعتمد والشّافعيّة. وذهب الحنابلة إلى أنّه يجوز للذّكر أن يتّخذ قبيعة سيفه من الذّهب ،لنّ عمر بن الخطّاب ن عثمان بن حنيفٍ كان في سيفه مسمار من كان له سيف فيه سبائك من ذهبٍ ،وأيضا فإ ّ ذهبٍ ،ذكرهما أحمد لذا رخّص في ذلك ،وإن كان له رواية أخرى بتحريم ذلك مثل الجمهور.
اتّخاذ السّنّ من الذّهب : ن « عرفجة بن أسعد سنّ من الذّهب عند الجمهور قياسا على النف ،ل ّ - 7يجوز اتّخاذ ال ّ ب فاتّخذ أنفا من فضّةٍ فأنتن فأمره النّبيّ صلى ال عليه وسلم باتّخاذ قطع أنفه يوم وقعة كل ٍ ن كلّ ما دعت إليه الضّرورة يجوز استعماله من الذّهب ،وإلى أنفٍ من ذهبٍ » ...فعلم أ ّ ذلك ذهب المالكيّة والحنابلة .وقال الشّافعيّة :يجوز وإن أمكن اتّخاذه من فضّةٍ . وذهب أبو حنيفة إلى المنع وقال :إنّ الصل في الذّهب تحريمه على الرّجال والباحة للضّرورة ،وقد اندفعت بالفضّة وهي الدنى فيبقى الذّهب على التّحريم . غير أنّ محمّد بن الحسن من الحنفيّة وافق الجمهور وكذلك أبو يوسف في قولٍ .
اتّخاذ أصبعٍ قطعت من الذّهب :
- 8صرّح فقهاء الشّافعيّة بأنّه ل يجوز لمن قطعت يده أو أصبعه أن يتّخذهما من ذهبٍ ، وذكر النّوويّ والقاضي حسين وغيرهما أنّ في المذهب وجها بجوازه ،وعلّة المنع هي أنّ أصبع الذّهب ل يعمل فيكون تركيبه لمجرّد الزّينة بخلف السّنّ والنملة .
اتّخاذ العلم للنّساء من ذهبٍ : - 9صرّح الحنفيّة بأنّه ل بأس بالعلم المنسوج بالذّهب للنّساء ،فأمّا الرّجال فقدر أربع أصابع ،وما فوقه يكره .
اتّخاذ المدهن والمسعط والمكحلة من الذّهب :
- 10صرّح العلماء بتحريم كلّ ما يصلح تسميته آني ًة من الذّهب كالمدهن والمسعط والمكحلة والمجمرة ونحوها ،لنّ النّصوص وردت بتحريم الكل والشّرب من أواني الذّهب والفضّة
على الرّجال والنّساء ،لما في ذلك من الخيلء وكسر نفوس الفقراء ،وقيس غير الكل والشّرب من سائر الستعمالت عليهما .
السراف في التّحلّي كاتّخاذ المرأة أكثر من خلخالٍ من الذّهب : 11
-إذا اتّخذت امرأة خلخل كثير ٍة للمغايرة في اللّبس جاز ،لنّه يجوز لها اتّخاذ ما جرت
عادتهنّ بلبسه من الذّهب ،قلّ ذلك أو كثر ،لطلق الدلّة كقوله صلى ال عليه وسلم : « أحلّ الذّهب والحرير لناث أمّتي وحرّم على ذكورها » . وفي المذهب الشّافعيّ وجه بالمنع إذا كان فيه سرف ظاهر ،والمذهب القطع بالجواز .
اتّخاذ المرأة نعلً من الذّهب :
- 12ذهب بعض الشّافعيّة كالرّافعيّ إلى إباحة النّعال الذّهبيّة للنّساء كسائر الملبوسات ، وذهب آخرون منهم إلى تحريمها لما في لبسها من السراف الكبير ،والسراف منهيّ عنه في الشّريعة . ن لذلك . وأيضا لم تجر عادة النّساء بالتّجمّل بالنّعال الذّهبيّة فل يمكن اعتبارها حليّا له ّ ن المرأة إذا اتّخذت النّعال الذّهبيّة حرم ذلك ووجب فيها الزّكاة . وصرّح فقهاء الحنابلة أ ّ
اتّخاذ اليد من الذّهب : ب أو فضّ ٍة ; ص فقهاء الشّافعيّة على أنّه ل يجوز لمن قطعت يده أن يتّخذ يدا من ذه ٍ - 13ن ّ لكون اليد المتّخذة منهما ل تعمل فيكون لمجرّد الزّينة ،ومذهب الجمهور جواز اتّخاذ أيّ عض ٍو من أعضاء النسان من الذّهب إذا دعت الضّرورة إلى ذلك . وبناءً عليه فمن فقد أنمل ًة في أصبعٍ من أصابع يده أو أكثر ،فإنّ له تعويضها بالذّهب قياسا على النف .فقد « رخّص الرّسول صلى ال عليه وسلم لعرفجة بن أسعد أن يتّخذ أنفا من ذهبٍ » فيقاس عليه سائر العضاء . ونقل عن أبي حنيفة الجواز ،كما نقل عنه عدم جواز الذّهب . وقال الذرعيّ من الشّافعيّة " :يجب أن يقيّد جواز تعويض النملة بما إذا كان ما تحتها ن النملة في هذه الحالة ل تستطيع العمل فيكون اتّخاذها من سليمًا دون ما إذا كان أشلّ ،ل ّ الذّهب لمجرّد الزّينة " . ن في المذهب الشّافعيّ وجهًا بجواز اتّخاذ يدٍ من الذّهب للضّرورة ،ذكره وقد ذكر النّوويّ أ ّ القاضي حسين وغيره .
اتّخاذ النف من ذهبٍ :
ب من السباب فإنّه يجوز له اتّخاذ أنفٍ من ذهبٍ - 14أجمع الفقهاء على أنّ من فقد أنفه لسب ٍ ن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم وقعة الكلب ،فاتّخذ أنفا لورود النّصّ بذلك ،فقد ثبت « أ ّ ب». من ورقٍ فأنتن عليه ،فأمره النّبيّ صلى ال عليه وسلم فاتّخذ أنفا من ذه ٍ
اتّخاذ المرأة لحليّ الذّهب : - 15سبق في مصطلح ( حليّ ) إجماع الفقهاء على جواز اتّخاذ المرأة جميع أنواع الحليّ من الذّهب والفضّة .
لبس الصّبيّ الذّهب :
- 16ذهب الحنفيّة والحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى تحريم لبس الذّكور الذّهب سواء ل لضرور ٍة . كانوا صغارا أو كبارا إ ّ وذهب المالكيّة إلى جواز لبس الصّبيّ الذّهب مع الكراهة . ح -إلى الجواز مطلقا . وذهب الشّافعيّة -في الص ّ وفي وجهٍ يجوز قبل سنتين ويحرم بعدها وبه قطع البغويّ .
استعمال أواني الذّهب واتّخاذها : - 17اتّفق الفقهاء على عدم جواز الكل والشّرب من آنية الذّهب والفضّة للرّجال والنّساء على حدّ سواءٍ ،لحديث حذيفة « :نهانا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن نشرب في آنية الذّهب والفضّة وأن نأكل فيها » .ولقوله صلى ال عليه وسلم « :الّذي يشرب في إناء الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم » . وقاس الفقهاء غير الكل والشّرب من سائر الستعمالت عليهما لوجود علّة التّحريم وهي عين الذّهب والفضّة ،وللخيلء . وذهب الجمهور أيضا إلى عدم جواز اتّخاذ أواني الذّهب والفضّة وإن لم يستعملها ،لنّ اتّخاذها يجرّ إلى استعمالها كآلة اللّهو . ص إنّما ح عند الشّافعيّة ل يحرم التّخاذ دون استعمالٍ ،لنّ النّ ّ ومذهب الحنفيّة ومقابل الص ّ ورد في تحريم الستعمال ،فيبقى التّخاذ على مقتضى الصل في الباحة .
استعمال المضبّب بالذّهب :
- 18المضبّب بالذّهب فيه خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :آنيّة ) .
التّحلّي بالذّهب حالة الحداد : - 19أجمع العلماء على وجوب الحداد على المرأة المسلمة في عدّة الوفاة من نكاحٍ صحيحٍ ولو من غير دخولٍ بالزّوجة . والحداد :ترك الزّينة الدّاعية إلى إغراء الرّجال بالنّساء عاد ًة .
ولمّا كان لبس الحليّ من الزّينة المغرية عاد ًة فيمنع التّحلّي به في العدّة . ونقل الرّويانيّ عن بعض الشّافعيّة جواز لبسها للحليّ ليلً ،ولكنّه يكره لغير حاج ٍة ،فلو فعلته لحراز المال مثلً لم يكره .وتفصيل ذلك في مصطلحات ( :إحداد ،وتحلية ، وحليّ ).
تحلية الكعبة وأبواب المساجد وجدرها بالذّهب : ح والحنابلة إلى تحريم تحلية أبواب المساجد وجدرانها - 20ذهب الشّافعيّة في الص ّ ومحاريبها بالذّهب ،وتجب إزالته ،إلّ إذا استهلك الذّهب فلم يجتمع منه شيء لو أزيل ،فل ن ماليّته ذهبت فل فائدة في إتلفه وإزالته . تحرم استدامته ،ل ّ ولمّا ولّي عمر بن عبد العزيز الخلفة أراد جمع ما في مسجد دمشق ممّا موّه به من الذّهب، فقيل :إنّه ل يجمع منه شيء ،فتركه . ص وماء ذهبٍ من ماله ل أمّا الحنفيّة فقال صاحب ال ّدرّ " :ول بأس بنقشه خل محرابه بج ّ من مال الوقف " . قال ابن عابدين :في هذا التّعبير كما قال شمس الئمّة :إشارة إلى أنّه ل يؤجر ،ويكفيه أن ن لفظ " ل بأس " دليل على أنّ المستحبّ ينحو رأسا برأسٍ .ا هـ .قال في النّهاية :ل ّ شدّة .ولهذا نقل في الفتاوى الهنديّة عن المضمران أنّ الصّرف إلى غيره ،لنّ البأس ال ّ الفقراء أفضل وعليه الفتوى .ا هـ . ن من أشراط السّاعة أن تزيّن المساجد » وقيل :يكره ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :إ ّ الحديث .وقيل :يستحبّ لما في ذلك من إكرام المساجد ورفع شأنها . وهو وجه عند الشّافعيّة أيضا . وعند المالكيّة يكره ذلك لكونه قد يشغل المصلّي ،فإن زيّن المسجد بالذّهب بطريق ٍة ل تشغل المصلّي جاز في ظاهر المذهب . ح وجهين بتحريم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذّهب لما وقد صرّح علماء الشّافعيّة في أص ّ في ذلك من السّرف وكسر قلوب الفقراء ،ولكونه لم يعمل به الرّسول صلى ال عليه وسلم ول أحد من السّلف الصّالح .والوجه الخر للشّافعيّة الجواز .
تحلية المصحف بالذّهب :
- 21تحلية الكتب بالذّهب ل يجوز في غير القرآن ،صرّح بذلك المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم لما في ذلك من تضييق النّقدين ولنّ الكتب الخرى ل يجب تعظيمها كالقرآن .
أمّا القرآن فقد اختلف الشّافعيّة في جواز تحليته بالذّهب على أربعة أوج ٍه أصحّها - :كما قال الرّافعيّ -جوازه في المصاحف الّتي للنّساء دون الرّجال . ن تركه والوجه الثّاني :جوازه مطلقا تعظيما للقرآن ،وبه قال الحنفيّة ،وإن كانوا يرون أ ّ أولى لنّهم قالوا في هذه المسألة :ل بأس بذلك . وقد صرّح علماؤهم بأنّهم متى قالوا كلمة " ل بأس " فذلك دليل على أنّ المستحبّ غيره . والوجه الثّالث عند الشّافعيّة تحريم تحلية القرآن بالذّهب مطلقًا . والوجه الرّابع -عندهم -جواز تحلية نفس المصحف به دون غلفه المنفصل عنه .وذهب المالكيّة في مشهور مذهبهم إلى جواز تحلية المصحف على أن تكون الحلية مقتصر ًة على غلفه الخارجيّ ،ول يجوز أن يكتب بالذّهب ،ول أن يجعل على الحزاب والعشار وغير ذلك ،لنّه من زخرفة المصحف وذلك يلهي القارئ ويشغله عن تدبّر آياته ومعانيه ،ولنفس السّبب كرهت الحنابلة تحلية المصحف بالذّهب .
زكاة الذّهب : - 22تجب الزّكاة في الذّهب بالجماع ،وتفصيل ذلك في مصطلح ( :زكاة ) .
بيع الذّهب بالذّهب :
ستّة ن الذّهب من الصناف ال ّ - 23ل يجوز بيع الذّهب بالذّهب إلّ سواءً بسواءٍ ،يدا بيدٍ ،ل ّ الّتي ورد النّهي عن التّفاضل في الصّنف الواحد منها ،كما في حديث « عبادة قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينهى عن بيع الذّهب بالذّهب ،والفضّة بالفضّة ،والبرّ بالبرّ ،والشّعير بالشّعير ،والتّمر بالتّمر ،والملح بالملح ،إلّ سواءً بسواءٍ ،عينا بعينٍ فمن زاد أو ازداد فقد أربى » .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :بيع ،وصرف ) .
بيع الذّهب بالفضّة : - 24لم يختلف العلماء في جواز بيع الذّهب بالفضّة بالتّفاضل إذا كان يدا بيدٍ ،للحديث السّابق .وتفصيل ذلك في ( :بيع ،وصرف ) .
بيع الذّهب جزافا :
- 25ل يجوز بيع الرّبويّ بجنسه ومنه الذّهب مجازفةً ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم : « مثلً بمثلٍ سواءً بسوا ٍء » الحديث .وقد تقدّم الكلم على هذا في مصطلح ( :بيع ) .
الذّهب والفضّة في الرض المبيعة : ت ،أو في ملكه بالحياء فإنّه يملكه في الجملة . - 26من وجد ركازًا في موا ٍ أمّا من وجد ركازا في ملكه المنتقل إليه ببيعٍ أو هب ٍة ،فالجمهور على أنّه للمالك الوّل ، وذهب بعض الفقهاء إلى أنّه للمالك الخير ،وتفصيله في مصطلح ( :ركاز ) .
المعاملة بالمغشوش من الذّهب : - 27يكره للمام والحاكم ضرب العملة بالذّهب المغشوش ،للخبر الصّحيح عنه صلى ال عليه وسلم الّذي رواه أبو هريرة « :من غشّنا فليس منّا » ولما فيه من إفساد النّقود والضرار بذوي الحقوق وغلء السعار وانقطاع الجلب وغير ذلك من المفاسد الّتي تؤدّي إلى أن يغشّ بها النّاس بعضهم لبعضٍ .فلو قدر أن ضربها المام وكان معيارها معلوما ، صحّت المعاملة بها معيّن ًة وفي ال ّذمّة ،وكذلك الحال إذا لم يعلم عيارها وكانت رائجةً لنّ المقصود رواجها .وقالوا أيضا " :يكره لغير المام ضرب الدّراهم والدّنانير ولو خالصةً ، لنّه من شأن المام ،فيكون في ضربه لغيره افتياتا عليه ،ولنّه ل يؤمن فيه الغشّ " . ن النّاس قال المام أحمد " :ل يصلح ضرب الدّراهم إلّ في دار الضّرب وبإذن السّلطان ،ل ّ إن رخّص لهم ركبوا العظائم " . ل إذا كانت دراهم البلد ومن ملك دراهم مغشوشةً يكره له إمساكها بل يسبكها ويصفّيها ،إ ّ مغشوشةً فل يكره إمساكها . ص المام أحمد رضي ال عنه على كراهة إمساك الدّراهم أو الدّنانير المغشوشة واتّفق وقد ن ّ أصحابه على ذلك ،لنّه يضربه ورثته إذا مات ،ويضربه غيرهم في حال حياته كذلك ، علّله الشّافعيّ وغيره .
إسلف الذّهب في الذّهب :
- 28ل يجوز إسلف الذّهب في الذّهب ،لنّه من بيع الرّبويّ بالرّبويّ فل يقبل التّأجيل . وتفصيله في مصطلح ( :سلم ) .
القراض بالذّهب المغشوش : - 29ل خلف بين الفقهاء في صحّة المضاربة على دنانير خالصةٍ . وقال النّوويّ :بإجماع الصّحابة . واختلفوا في الدّنانير المغشوشة ،والحليّ ،والتّبر ،هل تصحّ المضاربة بها أم ل ؟ فيجوز ح ،وذهب بعض المالكيّة إلى عدم جوازه عند المالكيّة القراض بالذّهب المغشوش على الص ّ مضروبًا كان أو غير مضروبٍ وهو مذهب الشّافعيّ . وقال أبو حنيفة :إن كان الغشّ النّصف فأقلّ جاز ،وإن كان أكثر من النّصف لم يجز المقارضة به . وقال الباجيّ من المالكيّة :إنّ هذا الخلف فيما إذا لم يكن الذّهب المغشوش سكّ ًة يتعامل بها النّاس ،فإن كانت كذلك فإنّه يجوز القراض بها ،لنّها قد صارت عينا وصارت من أصول
الموال وقيم المتلفات ،لذلك تتعلّق الزّكاة بأعيانها ،ولو كانت عروضا لم تتعلّق الزّكاة بأعيانها .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :قراض ) .
استئجار ما احتيج إليه من الذّهب : - 30صرّح الحنابلة بأنّه يصحّ استئجار دنانير الذّهب مدّ ًة معلومةً للتّحلّي والوزن ،وكذلك ل ما كان كذلك ب ،لنّه نفع مباح يستوفى مع بقاء العين ،وك ّ ف من ذه ٍ كلّ ما احتيج إليه كأن ٍ جاز استئجاره بل خلفٍ . ومنع الشّافعيّة استئجار الدّنانير للتّزيين ،ونصّوا على جواز استئجار الحليّ .
الجرة على صنع أواني الذّهب :
ن من صنع إناء ذهبٍ لغيره فإنّه ل يستحقّ الجرة ،إذ - 31ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ ل يجوز استعمال إناء الذّهب بالجماع .
إعارة آنيّة الذّهب : ن استعمال آنيّة - 32ل تصحّ إعارة آنيّة الذّهب ; لما في إعارتها من العانة على الثم ،ل ّ ن ينتفع بها ل في عي ٍ ن العارة ل تجوز إ ّ الذّهب محرّم بالجماع .ومن المقرّر عند الفقهاء أ ّ منفع ًة مباح ًة مع بقائها على الدّوام .وينظر مصطلح ( :إعارة ) .
إعارة حليّ الذّهب للنّساء :
ن التّحلّي بالذّهب مباح في حقّهنّ ، - 33يجوز إعارة حليّ الذّهب للنّساء بدون خلفٍ ،ل ّ ن ينتفع بها منفعةً مباح ًة يجوز إعارتها .وينظر مصطلح ( :إعارة ) . وكلّ عي ٍ
إتلف آنيّة الذّهب : - 34ضمان المتلف من آنيّة الذّهب مبنيّ على القول بجواز اقتنائها وعدمه . فمن ذهب إلى جواز القتناء قال بالضّمان ،ومن ذهب إلى حرمة اقتنائها قال بعدم ضمان الصّنعة ،ويضمن ما يتلفه من العين . وقد سبق الكلم على هذه المسألة في مصطلحي ( :آنيّة ،وإتلف ) .
إحياء معادن الذّهب وإقطاعها :
ل بعملٍ ومؤن ٍة ،فهي ملك لمن - 35الذّهب من المعادن الباطنة وهي الّتي ل تخرج إ ّ استخرجها عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو احتمال عند الحنابلة . وعند المالكيّة أنّ الذّهب كالمعادن الظّاهرة أمرها إلى المام . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :إحياء ) .
الذّبح بالذّهب :
ن من الذّهب كغيره من الستعمالت ،ومع ذلك فلو ذبح بها حلّت - 36ل يجوز الذّبح بسكّي ٍ الذّبيحة بشروط التّذكية .
مقدار الدّية من الذّهب : - 37اختلف هل الصل في تقدير الدّية البل ،أو الذّهب ،أو الفضّة . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :دية ) .
سرقة الذّهب :
- 38ذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى أنّه يشترط لوجوب قطع يد سارق الذّهب أن يبلغ المسروق منه ربع دينارٍ وزنا وقيم ًة معا ،لقوله صلى ال عليه وسلم: « تقطع اليد في ربع دينارٍ فصاعدا » . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل قطع في أقلّ من دينارٍ من الذّهب . ويعتبر في غير الذّهب بلوغ قيمته ربع دينارٍ فصاعدا على رأي الجمهور . وتفصيل ذلك في مصطلح ( :سرقة ) .
ذو الحجّة * انظر :الشهر الحرم .
التّعريف :
ذو الحليفة *
- 1الحليفة :بالحاء المهملة المضمومة ،تصغير الحَلْفاء بفتح الحاء وسكون اللم .والحلفاء :نبت معروف .وقيل :قصب لم يدرك . وذو الحليفة :ماء من مياه بني جشم ،ث ّم سمّي به الموضع ،وهو ميقات أهل المدينة ،بينه وبين المدينة ستّة أميالٍ ،وبينه وبين مكّة مائتا ميلٍ إلّ ميلين . « وكان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا خرج إلى مكّة يصلّي في مسجد الشّجرة ،وإذا رجع صلّى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتّى يصبح » . ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رئي وهو في معرّسٍ بذي وفي البخاريّ عن ابن عمر « أ ّ الحليفة ،قيل له :إنّك ببطحاء مبارك ٍة » . قال الحافظ ابن حجرٍ " :وبها مسجد يعرف بمسجد الشّجرة ،خراب ،وبها بئر يقال لها : بئر عليّ " . أمّا الن فالمكان والمسجد عامران ،وفيها مرافق للمسافرين والحجّاج . ويعرف ذو الحليفة الن باسم" آبار عليّ "وكأنّه نسبة إلى البئر المنسوب إليه رضي ال عنه.
وذو الحليفة من مواقيت الحرام بالحجّ والعمرة ،وهي ميقات الحرام لهل المدينة وتثبت له أحكام المواقيت ( .انظر :ميقات ،وإحرام )
ذو الرّحم * انظر :أرحام .
انظر :غفلة .
ذو غفلةٍ * ذو القربى *
انظر :قرابة .
انظر :الشهر الحرم .
ذو القعدة * ذود *
التّعريف : - 1الذّود في اللّغة :القطيع من البل ما بين الثّلث إلى العشر ،وهي مؤنّثة ل واحد لها من لفظها ،وجمعه أذواد . وفي المغرب :الذّود من البل من الثّلث إلى العشر ،وقيل :من الثّنتين إلى التّسع من الناث دون الذّكور .وأمّا الذّود عند الفقهاء فهو الثّلث إلى العشر من البل .
الحكام المتعلّقة بالذّود :
- 2يذكر الفقهاء الحكام الخاصّة بمصطلح ( :ذود ) في زكاة البل من كتاب الزّكاة . ن زكاة الذّود واجبة كغيرها من النّعم عند وجود النّصاب مع وخلصة ما قالوه في ذلك :أ ّ باقي شروط الزّكاة وأقلّ نصابٍ تجب فيه الزّكاة في الذّود من البل خمس ،فل زكاة فيما ل أربع من البل فليس فيها صدقة» دونها ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :من لم يكن معه إ ّ وقال « :ليس فيما دون خمس ذودٍ من البل صدقة » . والواجب الّذي يجب إخراجه عن الخمس من البل شاة ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا بلغت خمسًا من البل ففيها شاة » .فإذا بلغت الذّود عشرا ففيها شاتان . وفي إخراج الذّكر من الغنم عن الذّود أي إناث البل ،أو إخراج البعير عمّا وجبت فيه الشّاة الواحدة أو الشّاتان خلف ،وفي إخراج قيمة الشّاة أيضا خلف .
والتّفصيل محلّه زكاة البل في مصطلح ( :زكاة ) .
ذوق * التّعريف : - 1الذّوق :إدراك طعم الشّيء بواسطة الرّطوبة المنبثّة بالعصب المفروش على عضل س الخمس . اللّسان .وهو أحد الحوا ّ
الحكام المتعلّقة بالذّوق :
أ -ذوق الصّائم الطّعام :
ن الصّوم ل يبطل بذوق الصّائم طعاما أو شرابا إن لم يصل - 2ل خلف بين الفقهاء في أ ّ إلى الجوف .ولكن الفضل تجنّبه .
ب -الجناية على الذّوق :
- 3ل خلف بين الفقهاء في وجوب ديةٍ كامل ٍة ،في إذهاب الذّوق بالجناية ،لنّه من شمّ .واختلفوا في وجوب القصاص فيه في جناية العمد . س الخمس فأشبه ال ّ الحوا ّ فذهب المالكيّة ،والشّافعيّة -في الصحّ عندهم -إلى وجوب القصاص في ذهاب الذّوق ن له محلّا مضبوطا ،ولهل الخبرة طرقا في إبطاله . بجناية العمد ،وقالوا :ل ّ ل البصر ،وهو قول عند وقال الحنفيّة والحنابلة :ل يجب القصاص في شيءٍ من المعاني ،إ ّ الشّافعيّة ،لنّ إتلفها إنّما يكون بالجناية على محلّها ،وهو غير معلوم المقدار فل تمكن المساواة فيه ،فل يجب القصاص .وتفصيل ذلك في ( :دية ،جناية على ما دون النّفس ).
ج -اليمين على الذّوق : - 4إذا حلف أنّه ل يذوق طعاما أو شرابا ،فأكل أو شرب فإنّه يحنث ،أمّا إذا حلف أنّه ل ل أو شربٍ ذوق ،ول عكس ن كلّ أك ٍ يأكل أو ل يشرب فذاق طعاما أو شرابا فل يحنث ،ل ّ .والتّفصيل في باب اليمين .
انظر :ألبسة واختيال .
ذيل *