017

  • Uploaded by: B.I
  • 0
  • 0
  • December 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View 017 as PDF for free.

More details

  • Words: 99,959
  • Pages: 229
‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬الجزء السابع عشر‬ ‫حجاب‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحجاب في اللّغة ‪ :‬السّتر ‪ ،‬وهو مصدر يقال حجب الشّيء يحجبه حجبا وحجابا ‪ :‬أي‬ ‫ستره ‪ ،‬وقد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب ‪ .‬والحجاب اسم ما احتجب به ‪ ،‬وكلّ‬ ‫ل ما يستر المطلوب ويمنع من الوصول إليه‬ ‫ما حال بين شيئين فهو حجاب ‪ .‬والحجاب ك ّ‬ ‫كالسّتر والبوّاب والجسم والعجز والمعصية ‪ : .‬وقوله تعالى { ومن بيننا وبينك حجاب } ‪،‬‬ ‫معناه ‪ :‬ومن بيننا وبينك حاجز في النّحلة والدّين ‪ .‬والصل في الحجاب أنّه جسم حائل بين‬ ‫جسدين ‪ .‬وقد استعمل في المعاني ‪ ،‬فقيل ‪ :‬العجز حجاب بين النسان ومراده ‪ ،‬والمعصية‬ ‫حجاب بين العبد وربّه ‪ .‬ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه اللّغويّ الّذي هو‬ ‫السّتر والحيلولة ‪ .‬والحاجب يأتي بمعنى المانع ‪ ،‬ويأتي بمعنى العظم الّذي فوق العين بلحمه‬ ‫وشعره ‪ .‬وينظر ما يتّصل بهما من أحكام في مصطلح ‪ ( :‬حاجب ) ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬

‫الخمار ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الخمار من الخمر وأصله السّتر ‪ ،‬ومنه قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬خمّروا‬ ‫ن الخمار صار في التّعارف اسما لما تغطّي به‬ ‫ل ما يستر شيئا فهو خماره ‪ .‬لك ّ‬ ‫آنيّتكم } وك ّ‬ ‫المرأة رأسها ‪ .‬ول يخرج المعنى الصطلحيّ للخمار في بعض الطلقات عن المعنى‬ ‫اللّغويّ ‪ ،‬ويعرّفه بعض الفقهاء بأنّه ما يستر الرّأس والصّدغين أو العنق ‪ .‬والفرق بين‬ ‫الحجاب والخمار أنّ الحجاب ساتر عامّ لجسم المرأة ‪ ،‬أمّا الخمار فهو في الجملة ما تستر به‬ ‫المرأة رأسها ‪ .‬النّقاب ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬النّقاب ‪ -‬بكسر النّون ‪ -‬ما تنتقب به المرأة ‪ ،‬يقال انتقبت المرأة وتنقّبت غطّت وجهها‬ ‫بالنّقاب ‪ .‬والفرق بين الحجاب والنّقاب ‪ ،‬أنّ الحجاب ساتر عا ّم ‪ ،‬أمّا النّقاب فساتر لوجه‬ ‫المرأة فقط‬ ‫( الحكم الجماليّ ) ‪:‬‬ ‫سيّات ‪ ،‬وهو الجسم الّذي يحول بين‬ ‫‪ - 4‬للفظ الحجاب إطلقان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬استعماله في الح ّ‬ ‫شيئين ‪ .‬والثّاني ‪ :‬استعماله في المعاني ‪ ،‬وهو المر المعنويّ الّذي يحول دون الوصول إلى‬

‫سيّات ‪،‬‬ ‫المطلوب ‪ .‬وتختلف أحكامه في كلّ ذلك باختلف مواضعه ‪ .‬أوّل ‪ :‬استعماله في الح ّ‬ ‫ومن ذلك ما يلي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الحجاب بالنّسبة للعورة ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على وجوب حجب عورة المرأة والرّجل البالغين بسترها عن نظر الغير‬ ‫الّذي ل يحلّ له النّظر إليها ‪ .‬وعورة المرأة الّتي يجب عليها حجبها عن الجنبيّ هي في‬ ‫الجملة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين ‪ ،‬وهي بالنّسبة للمحرم من الرّجال ما عدا الوجه‬ ‫والرّأس والعنق والذّراع ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬وما عدا الصّدر والسّاقين ‪ ،‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ما عدا‬ ‫سرّة والرّكبة ‪ .‬وعورة الرّجل‬ ‫ما بين السّرّة والرّكبة ‪ ،‬وبالنّسبة لمثلها من النّساء ما بين ال ّ‬ ‫سرّة والرّكبة مع الختلف في حجب الفخذ ‪ .‬وهذا‬ ‫الّتي يجب حجبها عن الغير هي ما بين ال ّ‬ ‫في الجملة ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬عورة ) ‪ .‬والدّليل على وجوب حجب‬ ‫ل له النّظر إليها قوله تعالى ‪ { :‬قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم‬ ‫العورة عمّن ل يح ّ‬ ‫ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبير بما يصنعون ‪ ،‬وقل للمؤمنات يغضضن من‬ ‫ن إلّ ما ظهر منها } ‪ ...‬الية ‪ .‬وقول { النّبيّ‬ ‫ن ول يبدين زينته ّ‬ ‫أبصارهنّ ويحفظن فروجه ّ‬ ‫ن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها‬ ‫صلى ال عليه وسلم لسماء ‪ :‬يا أسماء إ ّ‬ ‫إلّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه } ‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم بالنّسبة للرّجال ‪:‬‬ ‫{ عورة الرّجل ما بين سرّته إلى ركبته } ووجوب حجب العورة إنّما يتحقّق بما يحول بين‬ ‫النّاظر ولون البشرة أو حجم العضاء ‪ .‬وكما يجب حجب العورة عن نظر الغير فإنّه‬ ‫ب ‪ -‬وقيل يجب ‪ -‬حجبها في الخلوة حياء من اللّه تعالى ‪ .‬هذا مع مراعاة أنّه ل حجاب‬ ‫يستح ّ‬ ‫بين الرّجل وزوجته ‪ .‬فعن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جدّه قال ‪ { :‬قلت ‪ :‬يا‬ ‫رسول اللّه ‪ :‬عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال ‪ :‬احفظ عورتك إلّ من زوجتك أو ما‬ ‫ملكت يمينك ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت يا رسول اللّه ‪ :‬إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال ‪ :‬إن‬ ‫استطعت أن ل يرينّها أحد فل يرينّها ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت يا رسول اللّه إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال ‪:‬‬ ‫اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس } ‪ .‬والصّغيرة إن كانت بنت سبع سنين إلى تسع فعورتها‬ ‫سرّة والرّكبة ‪ ،‬وإن كانت أقلّ من سبع سنين فل حكم‬ ‫الّتي يجب حجبها هي ما بين ال ّ‬ ‫لعورتها ‪ ،‬وهذا كما يقول الحنابلة ‪ .‬كما أنّه يجب على المرأة أن تحتجب من المراهق الّذي‬ ‫يميّز بين العورة وغيرها ‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬فإن كان صغيرا ل يميّز بين العورة وغيرها‬ ‫فل بأس من إبداء الزّينة له لقوله تعالى ‪ { :‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن‬ ‫ن ول يبدين‬ ‫ن على جيوبه ّ‬ ‫ن ول يبدين زينتهنّ إلّ ما ظهر منها وليضربن بخمره ّ‬ ‫فروجه ّ‬ ‫ن أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو‬ ‫ن إلّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولته ّ‬ ‫زينته ّ‬

‫ن أو التّابعين غير أولي الربة من‬ ‫ن أو ما ملكت أيمانه ّ‬ ‫ن أو نسائه ّ‬ ‫ن أو بني أخواته ّ‬ ‫بني إخوانه ّ‬ ‫الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء } ‪ .‬ويستثنى من وجوب حجب العورة‬ ‫إباحة كشفها للحاجة والضّرورة كالتّداوي والختان والشّهادة وغير ذلك ‪ .‬فعن عطيّة القرظيّ‬ ‫قال ‪ :‬كنت من سبي بني قريظة ‪ ،‬فكانوا ينظرون ‪ ،‬فمن أنبت الشّعر قتل ‪ ،‬ومن لم ينبت لم‬ ‫يقتل ‪ ،‬فكنت فيمن لم ينبت ‪ .‬وفي كلّ ما سبق تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬عورة ) ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الحتجاب أثناء قضاء الحاجة ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬يستحبّ لقاضي الحاجة في الفضاء أن يستتر عن أعين النّاس بحيث ل يرى جسمه ‪ .‬أمّا‬ ‫بالنّسبة للعورة فيجب حجبها ‪ ،‬فإن وجد حائطا أو كثيبا أو شجرة استتر به ‪ ،‬وإن لم يجد شيئا‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬من أتى الغائط‬ ‫أبعد حتّى ل يراه أحد ‪ ،‬لما روي عن النّب ّ‬ ‫فليستتر ‪ ،‬فإن لم يجد إلّ أن يجمع كثيبا من الرّمل فليستدبره } وهذا في الجملة وينظر تفصيل‬ ‫ذلك في ( استنجاء ) ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الحجاب الّذي يمنع القتداء بالمام في الصّلة ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬من شرائط القتداء أن ل يحول بين المأموم والمام ما يمنع متابعته ‪ .‬فإن كان بين‬ ‫المام والمأموم جدار ل باب فيه ‪ ،‬أو كان بينهما باب مغلق يحول من المتابعة لم يصحّ‬ ‫ن يصلّين في حجرتها ‪ :‬ل تصلّين‬ ‫القتداء ‪ ،‬لقول عائشة رضي ال تعالى عنها لنساء ك ّ‬ ‫ن دونه في حجاب ‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬وينظر ذلك في ( اقتداء ) ‪.‬‬ ‫بصلة المام فإنّك ّ‬ ‫‪ - 4‬الطّلق من وراء حجاب ‪:‬‬ ‫‪ - 8‬من خاطب زوجته بالطّلق وهو يظنّها أجنبيّة بأن كانت في ظلمة ‪ ،‬أو من وراء حجاب‬ ‫وقع الطّلق ‪ ،‬كما جاء في مغني المحتاج ‪ ،‬لنّه أتى باللّفظ عن قصد واختيار ‪ ،‬وعدم رضاه‬ ‫بوقوعه لظنّه أنّه ل يقع ل أثر له لخطأ ظنّه ‪ ،‬وقال النّوويّ في الرّوضة ‪ :‬تطلق عند‬ ‫الصحاب ‪ ،‬وفيه احتمال لمام الحرمين وهذا في الجملة ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في ( طلق )‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ - 5‬احتجاب القاضي ‪:‬‬ ‫ل في أوقات استراحته لما روي‬ ‫‪ - 9‬ل يجوز للقاضي أن يحتجب عن النّاس من غير عذر إ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من ولي من أمر النّاس شيئا فاحتجب دون خلّتهم‬ ‫أّ‬ ‫وحاجتهم وفاقتهم احتجب اللّه دون خلّته وفاقته وحاجته وفقره } ‪ .‬وكره الشّافعيّة والحنابلة أن‬ ‫ن حاجبه ربّما قدّم المتأخّر وأخّر المتقدّم ‪ ،‬فإن دعت حاجة إلى ذلك‬ ‫يتّخذ القاضي حاجبا ‪ ،‬ل ّ‬

‫اتّخذ أمينا بعيدا من الطّمع ‪ .‬وأجاز المالكيّة والحنفيّة أن يتّخذ القاضي حاجبا لمنع دخول من‬ ‫ل حاجة له وتأخير من جاء بعد حتّى يفرغ السّابق من قضيّته ‪ .‬أمّا المير فإنّه يجوز له أن‬ ‫ل مصلحة وقتا ل‬ ‫يتّخذ حاجبا ‪ ،‬لنّه ينظر في جميع المصالح فتدعوه الحاجة إلى أن يجعل لك ّ‬ ‫يدخل فيه أحد ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في ( حاجب )‬ ‫‪ - 6‬الشّهادة بالسّماع من وراء حجاب ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬مدرك العلم الّذي تقع به الشّهادة الرّؤية والسّماع ‪ ،‬والرّؤية تكون في المشهود عليه من‬ ‫الفعال كالجناية والغصب والزّنى والسّرقة وغيرها ممّا يدرك بالعين ‪ ،‬لنّها ل تدرك إلّ‬ ‫بها ‪ ،‬وإن كان المشهود عليه من العقود فقد اختلف الفقهاء هل ل بدّ من الرّؤية والسّماع ؟ أم‬ ‫يكفي السّماع فقط ؟ فعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة يكفي السّماع إذا عرف القائل وتحقّق أنّه‬ ‫كلمه جاء في فتح القدير ‪ :‬لو سمع من وراء حجاب كثيف ل يشفّ من ورائه ل يجوز له‬ ‫أن يشهد ‪ ،‬ولو شهد وفسّره للقاضي بأن قال ‪ :‬سمعته باع ولم أر شخصه حين تكلّم ل يقبله ‪،‬‬ ‫ن النّغمة تشبه النّغمة ‪ ،‬إلّ إذا أحاط بعلم ذلك ‪ ،‬لنّ المسوّغ هو العلم غير أنّ رؤيته متكلّما‬ ‫لّ‬ ‫بالعقد طريق العلم ‪ ،‬فإذا فرض تحقّق طريق آخر جاز ‪ ،‬وذلك بأن يكون دخل البيت فرآه فيه‬ ‫وعلم أنّه ليس به أحد غيره ول منفذ غير الباب ‪ ،‬وهو قد جلس عليه وسمع القرار أو‬ ‫البيع ‪ ،‬فإنّه حينئذ يجوز له الشّهادة عليه بما سمع ‪ ،‬لنّه حصل به العلم في هذه الصّورة ‪.‬‬ ‫أمّا عند الشّافعيّة فل بدّ من الرّؤية مع السّماع وهذا في الجملة ‪ .‬كما أنّه ل يجوز أن يشهد‬ ‫إنسان على منتقبة حتّى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها لتتعيّن لداء الشّهادة‬ ‫عليها وذلك ل يكون مع النتقاب ‪ ،‬وهذا في الجملة ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( شهادة ) ‪ .‬وينظر‬ ‫تفصيل ما تقبل فيه الشّهادة بالسّماع في مصطلح ‪ ( :‬تسامع ) ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬استعمال الحجاب في المعاني ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬يستعمل لفظ الحجاب مجازا في المعاني وذلك كما جاء في حديث { معاذ بن جبل لمّا‬ ‫بعثه النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى اليمن وقال له ‪ ... :‬واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه‬ ‫وبين اللّه حجاب } ‪ .‬قال ابن حجر ‪ :‬قوله ( حجاب ) أي ليس لها صارف يصرفها ول مانع‬ ‫والمراد أنّها مقبولة وإن كان عاصيا ‪ ،‬وليس المراد أنّ للّه تعالى حجابا يحجبه عن النّاس ‪،‬‬ ‫وقال الطّيبيّ ‪ :‬ليس بينها وبين اللّه حجاب تعليل للتّقاء وتمثيل للدّعاء كمن يقصد دار‬ ‫السّلطان متظلّما فل يحجب ‪ .‬وقال الحافظ العلئيّ ‪ :‬المراد بالحاجب والحجاب نفي عدم‬ ‫إجابة دعاء المظلوم ثمّ استعار الحجاب لل ّردّ ‪ ،‬فكان نفيه دليل على ثبوت الجابة ‪ ،‬والتّعبير‬ ‫ن الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى‬ ‫بنفي الحجاب أبلغ من التّعبير بالقبول ‪ ،‬ل ّ‬

‫المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع ‪ .‬ومن ذلك أيضا قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ما منكم من‬ ‫أحد إلّ سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان ول حجاب يحجبه } ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الحجب في الميراث ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬الحجب في الميراث معناه شرعا ‪ :‬منع من قام به سبب الرث بالكّليّة أو من أوفر‬ ‫حظّيه ‪ ،‬ويسمّى الوّل حجب حرمان ‪ ،‬والثّاني حجب نقصان ‪ .‬وحجب الحرمان قسمان ‪،‬‬ ‫حجب بالوصف ويسمّى منعا كالقتل وال ّرقّ ‪ ،‬ويمكن دخوله على جميع الورثة ‪ .‬وحجب‬ ‫بالشّخص أو الستغراق ‪ ،‬كالخ لبوين أو لب يحجبه الب والبن وابن البن ‪ .‬وحجب‬ ‫النّقصان كحجب الولد الزّوج من النّصف إلى الرّبع ‪ .‬وتفصيل ذلك ينظر في ( إرث ‪-‬‬ ‫حاجب ) ‪.‬‬ ‫حجاز‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحجاز لغة من الحجز ‪ ،‬وهو الفصل بين الشّيئين ‪ .‬قال الزهريّ ‪ :‬الحجز أن يحجز‬ ‫بين متقاتلين ‪ ،‬والحجاز السم وكذا الحاجز ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وجعل بين البحرين حاجزا }‬ ‫أي حجازا بين ماء ملح وماء عذب ل يختلطان ‪ ،‬وذلك الحجاز قدرة اللّه ‪ .‬ويقال للجبال‬ ‫أيضا حجاز ‪ ،‬أي لنّها تحجز بين أرض وأرض ‪ .‬والحجاز البلد المعروف ‪ ،‬سمّي بذلك من‬ ‫الحجز الّذي هو الفصل بين الشّيئين ‪ ،‬قيل ‪ :‬لنّه فصل بين الغور ( أي تهامة ) والشّام‬ ‫ن الحرار‬ ‫والبادية ‪ .‬وقيل ‪ :‬لنّه فصل بين تهامة ونجد ‪ .‬وقال الزهريّ ‪ :‬سمّي حجازا ل ّ‬ ‫حجزت بينه وبين عالية نجد ‪ .‬وقد اختلفت عبارات اللّغويّين في بيان ما يدخل تحت اسم‬ ‫الحجاز وبيان حدوده ‪ ،‬فقال ياقوت الحمويّ ‪ :‬الحجاز الجبل الممتدّ الّذي حال بين الغور ‪،‬‬ ‫غور تهامة ‪ ،‬ونجد ‪ ،‬ثمّ نقل عن الصمعيّ الحجاز من تخوم صنعاء من العبلء وتبالة إلى‬ ‫ن جبل السّراة من قعرة اليمن إلى أطراف بوادي‬ ‫تخوم الشّام ‪ .‬وقريب منه قول هشام الكلبيّ إ ّ‬ ‫الشّام سمّته العرب حجازا ‪ ،‬فصار ما خلفه إلى سيف البحر غور تهامة ‪ ،‬وما دونه في‬ ‫شرقيّه إلى أطراف العراق والسّماوة نجدا ‪ .‬والجبل نفسه وهو سراته وما احتجز به في‬ ‫شرقيّه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيه هو الحجاز ‪ .‬وأمّا في اصطلح الفقهاء وخاصّة عند‬ ‫الشّافعيّة والحنابلة الّذين قصروا حكم جزيرة العرب الوارد في الحديث ‪ ،‬فبيان مرادهم‬ ‫بالحجاز كما يلي ‪ :‬قال الشّافعيّ ‪ :‬والحجاز مكّة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلّها ‪ .‬ثمّ قال ‪:‬‬ ‫« ول يتبيّن أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ‪ ،‬ويمنعون من المقام في سواحله ‪ ،‬وكذلك إن‬ ‫كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا من سكناها لنّها من أرض الحجاز » ‪ .‬ا‬

‫هـ ‪ .‬وذكر في المنهاج وشرحه من مدن الحجاز وقراه ‪ :‬مكّة والمدينة واليمامة وقراها‬ ‫ج وجدّة والينبع وخيبر ‪ ( ،‬وأضاف عميرة البرلّسيّ فدكا ) ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إنّ‬ ‫كالطّائف وو ّ‬ ‫الكافر يمنع من القامة بجزائر بحر الحجاز ولو كانت خرابا ‪ ،‬ومن القامة في بحر في‬ ‫الحجاز ولو في سفينة ‪ .‬وفسّر القليوبيّ اليمامة بأنّها البلد الّتي كان فيها مسيلمة ‪ ،‬والّتي‬ ‫سمّيت باسمها زرقاء اليمامة ‪ .‬وهذا يقتضي أنّ الحجاز عند الشّافعيّة ‪ -‬وعند الحنابلة كما‬ ‫يأتي ‪ -‬يشمل ما هو شرقيّ جبال الحجاز حتّى اليمامة وقراها وهي منطقة الرّياض الن ‪ ،‬أو‬ ‫ما كان يسمّى قديما العرض أو العارض وهي بعض العروض ‪ ،‬جاء في معجم البلدان ‪:‬‬ ‫العروض اليمامة والبحرين وما والهما ‪ .‬وليست البحرين وقاعدتها هجر من الحجاز ‪.‬‬ ‫ن المراد‬ ‫وكذلك فسّره الحنابلة ‪ :‬فإنّهم عندما تعرّضوا لما يمنع الكفّار من سكناه بيّنوا أ ّ‬ ‫بجزيرة العرب في الحديث ( الحجاز ) ‪ .‬جاء في المغني ‪ :‬قال أحمد ‪ ،‬في حديث { أخرجوا‬ ‫المشركين من جزيرة العرب } ‪ :‬جزيرة العرب المدينة وما والها ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬يعني أنّ‬ ‫الممنوع من سكنى الكفّار المدينة وما والها وهو مكّة واليمامة وخيبر والينبع وفدك‬ ‫ن تيماء وفيدا ونحوهما ل يمنع أهل‬ ‫ومخاليفها وما والها ‪ .‬وجاء في كلمه ما يدلّ على أ ّ‬ ‫ال ّذمّة من سكناها وكذلك اليمن ونجران وتيماء وفيد من بلد طيئ ‪ .‬وجاء في مطالب أولي‬ ‫النّهى ‪ :‬يمنع أهل ال ّذمّة من القامة بالحجاز ‪ ،‬وهو ما حجز بين تهامة ونجد ‪ .‬والحجاز‬ ‫كالمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك وقراها ‪ ،‬وفدك قرية بينها وبين المدينة يومان ‪ .‬وقال‬ ‫ابن تيميّة ‪ :‬ومن الحجاز تبوك ونحوها ‪ ،‬وما دون المنحنى وهو عقبة الصّوّان يعتبر من‬ ‫الشّام كمعان ‪.‬‬ ‫الحكام الشّرعيّة المتعلّقة بالحجاز ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الحكام الشّرعيّة المتعلّقة بجزيرة العرب ومنها الحجاز ترجع أساسا إلى أربعة أحكام ‪:‬‬ ‫الوّل ‪ :‬أنّها ل يسكنها غير المسلمين ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أنّها ل يدفن بها أحد من غير المسلمين ‪.‬‬ ‫والثّالث ‪ :‬أنّها ل يبقى بها دار عبادة لغير المسلمين ‪ .‬والرّابع ‪ :‬أنّها زكويّة كلّها ل يؤخذ من‬ ‫أرضها خراج ‪ .‬وقد ذكر ذلك وأدلّته وتفصيله والخلف فيه تحت عنوان ( أرض العرب )‬ ‫ن أرض العرب نوعان ‪ :‬الوّل ‪ :‬ما اتّفق فيه الفقهاء على أنّه مراد‬ ‫ن المراد هنا بيان أ ّ‬ ‫لك ّ‬ ‫بأرض العرب الواردة أحكامها في الحاديث ‪ ،‬فتنطبق عليه الحكام المذكورة إجماعا ‪ ،‬وهو‬ ‫أرض الحجاز ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما اختلف في أنّه مراد بالحاديث الواردة في شأن أرض العرب‬ ‫وهو ما عدا أرض الحجاز ‪ ،‬كالبحرين ‪ ،‬واليمن ‪ ،‬وما وراء جبال طيئ إلى حدود العراق ‪.‬‬ ‫فالحنفيّة والمالكيّة يرون أنّها مرادة بالحاديث الواردة وتنطبق عليها أحكامها ‪ .‬والشّافعيّة‬

‫والحنابلة يرون أنّها غير مرادة ول تنطبق عليها تلك الحكام ‪ .‬وانظر للتّفصيل مصطلح ‪:‬‬ ‫( أرض العرب ) ‪.‬‬ ‫حجامة‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحجامة ‪ :‬مأخوذة من الحجم أي المصّ ‪ .‬يقال ‪ :‬حجم الصّبيّ ثدي أمّه إذا مصّه ‪.‬‬ ‫والحجّام المصّاص ‪ ،‬والحجامة صناعته والمحجم يطلق على اللة الّتي يجمع فيها الدّم وعلى‬ ‫مشرط الحجّام فعن ابن عبّاس ‪ :‬الشّفاء في ثلث شربة عسل وشرطة محجم وكيّة نار ‪.‬‬ ‫والحجامة في كلم الفقهاء قيّدت عند البعض بإخراج الدّم من القفا بواسطة المصّ بعد الشّرط‬ ‫بالحجم ل بالفصد ‪ .‬وذكر الزّرقانيّ أنّ الحجامة ل تختصّ بالقفا بل تكون من سائر البدن ‪.‬‬ ‫وإلى هذا ذهب الخطّابيّ ‪.‬‬ ‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الفصد ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬فصد يفصد فصدا وفصادا ‪ :‬شقّ العرق لخراج الدّم ‪ .‬وفصد النّاقة شقّ عرقها‬ ‫ليستخرج منه الدّم فيشربه ‪ .‬فالفصد والحجامة يجتمعان في أنّ كلّا منهما إخراج للدّم ‪،‬‬ ‫ص الدّم بعد الشّرط ‪.‬‬ ‫ن الفصد شقّ العرق ‪ ،‬والحجامة م ّ‬ ‫ويفترقان في أ ّ‬ ‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬التّداوي بالحجامة مندوب إليه ‪ ،‬وورد في ذلك عدّة أحاديث عن النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫وسلم منها قوله ‪ { :‬خير ما تداويتم به الحجامة } ومنها قوله ‪ { :‬خير الدّواء الحجامة } ‪.‬‬ ‫ومنها ما رواه الشّيخان ‪ { :‬إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ‪ ،‬أو شربة‬ ‫عسل ‪ ،‬أو لذعة بنار توافق الدّاء ‪ ،‬وما أحبّ أن أكتوي } ‪.‬‬ ‫الحكام المتعلّقة بالحجامة ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬اعتنى الفقهاء ببيان أحكام الحجامة من حيث تأثيرها على الطّهارة ‪ ،‬وعلى الصّوم ‪،‬‬ ‫وعلى الحرام ‪ .‬ومن حيث القيام بها ‪ ،‬وأخذ الجر عليها ‪ ،‬والتّداوي بها ‪ .‬تأثير الحجامة‬ ‫على الطّهارة ‪:‬‬ ‫ن خروج الدّم بالحجامة ناقض من نواقض الوضوء ‪ .‬قال السّرخسيّ‬ ‫‪ - 5‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫‪ :‬الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا ‪ ،‬لنّ الوضوء واجب بخروج‬ ‫النّجس ‪ ،‬فإن توضّأ ولم يغسل موضع المحجمة ‪ ،‬فإن كان أكثر من قدر الدّرهم لم تجزه‬ ‫الصّلة ‪ ،‬وإن كان دون ذلك أجزأته ‪ .‬والفصد مثل الحجامة في نقض الوضوء ‪ .‬فإذا افتصد‬

‫وخرج منه دم كثير ‪ ،‬وينتقض أيضا إذا مصّت علقة عضوا وأخذت من الدّم قدرا يسيل منها‬ ‫لو شقّت ‪ .‬وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ الحجامة والفصد ومصّ العلق ل يوجب واحد‬ ‫منها الوضوء ‪ .‬قال الزّرقانيّ ‪ :‬ل ينتقض الوضوء بحجامة من حاجم ومحتجم وفصد ‪ .‬وفي‬ ‫المّ " ل وضوء في قيء ول رعاف ول حجامة ول شيء خرج من الجسد وأخرج منه غير‬ ‫الفروج الثّلثة القبل والدّبر والذّكر » ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّ ما خرج من الدّم موجب‬ ‫للوضوء إذا كان فاحشا ‪ .‬وفي ح ّد الفاحش عندهم خلف ‪ :‬فقيل ‪ :‬الفاحش ما وجده النسان‬ ‫فاحشا كثيرا ‪ .‬قال ابن عقيل ‪ :‬إنّما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط النّاس ل المتبذّلين ول‬ ‫الموسوسين ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو مقدار الكفّ ‪ .‬وقيل ‪ :‬عشرة أصابع ‪.‬‬ ‫تأثير الحجامة على الصّوم ‪:‬‬ ‫ن الحجامة جائزة للصّائم إذا كانت ل تضعفه ‪ ،‬ومكروهة إذا أثّرت‬ ‫‪ - 6‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫فيه وأضعفته ‪ ،‬يقول ابن نجيم ‪ :‬الحتجام غير مناف للصّوم وهو مكروه للصّائم ‪ .‬إذا كان‬ ‫ن المحتجم إمّا‬ ‫يضعفه عن الصّوم ‪ ،‬أمّا إذا كان ل يضعفه فل بأس به ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫ن الحتجام ل‬ ‫ل إمّا أن يغلب على ظنّه أ ّ‬ ‫أن يكون ضعيف البدن لمرض أو خلقة ‪ .‬وفي ك ّ‬ ‫يضرّه ‪ ،‬أو يشكّ أو يغلب على ظنّه أنّه إن احتجم ل يقوى على مواصلة الصّوم ‪ .‬فمن غلب‬ ‫على ظنّه أنّه ل يتضرّر بالحجامة جاز له أن يحتجم ‪ .‬ومن غلب على ظنّه أنّه سيعجز عن‬ ‫مواصلة الصّوم إذا هو احتجم حرم عليه ‪ .‬إلّ إذا خشي على نفسه هلكا أو شديد أذى بتركه‬ ‫ك في تأثير الحجامة على‬ ‫‪ ،‬فيجب عليه أن يحتجم ويقضي إذا أفطر ول كفّارة عليه ‪ .‬ومن ش ّ‬ ‫ي البنية جاز له ‪ ،‬وإن كان ضعيف البدن كره له ‪.‬‬ ‫قدرته على مواصلة الصّوم فإن كان قو ّ‬ ‫والفصادة مثل الحجامة فتكره للمريض دون الصّحيح كما في الرشاد ‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى‬ ‫أنّه ل يفطر الصّائم بالفصد أو الحجامة يقول الخطيب الشّربينيّ ‪ :‬أمّا الفصد فل خلف فيه ‪،‬‬ ‫وأمّا الحجامة فلنّه { صلى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم } ‪ .‬وهو ناسخ لحديث ‪ { :‬أفطر‬ ‫الحاجم والمحجوم } ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّ الحجامة تؤثّر في الحاجم والمحجوم ويفطر كلّ‬ ‫منهما ‪ .‬يقول ابن قدامة ‪ :‬الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم ‪ ،‬وبه قال إسحاق وابن المنذر‬ ‫‪ .‬ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة ‪ ،‬وهو قول عطاء وعبد الرّحمن بن مهديّ ‪ .‬وكان الحسن‬ ‫ومسروق وابن سيرين ل يرون للصّائم أن يحتجم ‪ .‬وكان جماعة من الصّحابة يحتجمون ليل‬ ‫في الصّوم منهم ابن عمر وابن عبّاس وأبو موسى وأنس ‪ .‬واستدلّوا بقوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم { أفطر الحاجم والمحجوم } ‪.‬‬ ‫تأثير الحجامة على الحرام ‪:‬‬

‫ن الحجامة ل تنافي الحرام ‪ .‬قال ابن نجيم ‪ :‬وممّا ل يكره له أيضا‬ ‫‪ - 7‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫ أي للمحرم ‪ -‬الكتحال بغير المطيّب وأن يختتن ويفتصد ‪ .‬ويقلع ضرسه ‪ ،‬ويجبر‬‫الكسر ‪ ،‬ويحتجم » ‪ .‬فالحجامة إذا لم يترتّب عليها قلع الشّعر ل تكره للمحرم ‪ ،‬أمّا إذا ترتّب‬ ‫على ذلك قلع شعر ‪ ،‬فإن حلق محاجمه واحتجم فيجب عليه دم ‪ .‬ول يضرّ تعصيب مكان‬ ‫الفصد ‪ :‬يقول ابن عابدين ‪ ( :‬وإن لزم تعصيب اليد لما قدّمناه من أنّ تعصيب غير الوجه‬ ‫والرّأس إنّما يكره له بغير عذر ) ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ الحجامة في الحرام ‪ :‬إن كانت‬ ‫لعذر فجواز القدام عليها ثابت قول واحدا ‪ ،‬وإن كانت لغير عذر حرمت إن لزم قلع الشّعر‬ ‫ل من‬ ‫ن الحجامة قد تضعفه قال مالك ‪ :‬ل يحتجم المحرم إ ّ‬ ‫‪ .‬وكرهت إن لم يلزم منه ذلك ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ضرورة ‪ .‬علّق عليه الزّرقانيّ أي يكره لنّه قد يؤدّي إلى ضعفه كما كره صوم يوم عرفة‬ ‫ن الصّوم أخفّ من الحجامة ‪ .‬واستدلّوا بما روى مالك في الموطّأ عن يحيى بن‬ ‫للحاجّ مع أ ّ‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق‬ ‫سعيد عن سليمان بن يسار { أ ّ‬ ‫رأسه } ‪ ،‬وفي رواية الصّحيحين وسط رأسه ‪ ،‬وفي رواية علّقها البخاريّ { احتجم من شقيقة‬ ‫ض العظم بل كسر ) وهو يومئذ بلحي جمل ولبي‬ ‫كانت به } وللنّسائيّ من وثء ( وهو ر ّ‬ ‫داود والحاكم والنّسائيّ عن أنس { على ظهر القدم من وجع كان به } ولفظ الحاكم { على‬ ‫ظهر القدمين } ‪ :‬يقول الزّرقانيّ ‪ :‬وهذا يدلّ على تعدّدها منه في الحرام ‪ .‬وعلى الحجامة‬ ‫في الرّأس وغيره للعذر ‪ .‬وهو إجماع ‪ ،‬ولو أدّت إلى قلع الشّعر ‪ .‬لكن يفتدي إذا قلع الشّعر ‪.‬‬ ‫وأمّا الفصد فيقول الزّرقانيّ ‪ :‬وجاز فصد لحاجة وإلّ كره إن لم يعصبه ‪ ،‬فإن عصّبه ولو‬ ‫لضرورة افتدى ‪ .‬وعند الشّافعيّة قال النّوويّ ‪ :‬إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن‬ ‫تضمّنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشّعر وإن لم تتضمّنه جازت ‪ .‬واستدلّ بما روى‬ ‫البخاريّ عن ابن بحينة رضي ال عنه قال ‪ { :‬احتجم النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو محرم‬ ‫بلحي جمل في وسط رأسه } ‪ .‬واستدلّ بهذا الحديث على جواز الفصد ‪ ،‬وبطّ الجرح ‪ ،‬وقطع‬ ‫العرق ‪ ،‬وقلع الضّرس ‪ ،‬وغير ذلك من وجوه التّداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي‬ ‫عنه المحرم من تناول الطّيب ‪ ،‬وقطع الشّعر ‪ ،‬ول فدية عليه في شيء من ذلك ‪ .‬وذهب‬ ‫الحنابلة إلى جواز الحتجام للمحرم إذا لم يقلع شعرا دون تفصيل ‪ ،‬وإن اقتلع شعرا من‬ ‫رأسه أو من بدنه فإن كان لغير عذر حرم ‪ .‬وإن كان لعذر جاز ‪ .‬ويجب على من اقتلع‬ ‫شعرا بسبب الحجامة فدية في ثلث شعرات مدّ عن كلّ واحدة ‪ .‬وإن كانت أربع شعرات‬ ‫فأكثر وجب عليه صيام ثلثة أيّام أو إطعام ثلثة آصع أو ذبح شاة ‪ .‬والفصد مثل الحجامة‬ ‫في الحكام ‪.‬‬ ‫امتهان الحجامة وأخذ الجر عليها ‪:‬‬

‫‪ - 8‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في قول ) إلى جواز اتّخاذ‬ ‫الحجامة حرفة وأخذ الجرة عليها ‪ ،‬واستدلّوا بما روى ابن عبّاس قال ‪ { :‬احتجم النّبيّ صلى‬ ‫ال عليه وسلم وأعطى الحجّام أجره } ‪ ،‬ولو علمه حراما لم يعطه وفي لفظ { لو علمه خبيثا‬ ‫لم يعطه } ‪ .‬ولنّها منفعة مباحة فجاز الستئجار عليها كالبناء والخياطة ‪ ،‬ولنّ بالنّاس حاجة‬ ‫إليها ول نجد كلّ أحد متبرّعا بها ‪ ،‬فجاز الستئجار عليها كالرّضاع ‪ .‬وذهب الحنابلة في قول‬ ‫آخر نسبه القاضي إلى أحمد قال ‪ :‬ل يباح أجر الحجّام ‪ ،‬فإذا أعطي شيئا من غير عقد ول‬ ‫ل لهذا‬ ‫شرط فله أخذه ‪ ،‬ويصرفه في علف دوابّه ومؤنة صناعته ‪ ،‬ول يحلّ له أكله ‪ ،‬واستد ّ‬ ‫القول بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬كسب الحجّام خبيث } ‪.‬‬ ‫ضمان الحجّام ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬الحجّام ل يضمن إذا فعل ما أمر به وتوفّر شرطان ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يكون قد بلغ مستوى في حذق صناعته يمكّنه من مباشرتها بنجاح ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أن ل يتجاوز ما ينبغي أن يفعل في مثله ‪ .‬وتفصيله في تداو وتطبيب ‪.‬‬ ‫حجب‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحجب لغة مصدر حجب يقال ‪ :‬حجب الشّيء يحجبه حجبا إذا ستره ‪ ،‬وقد احتجب‬ ‫وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب ‪ .‬وحجبه منعه عن الدّخول ‪ ،‬وكلّ ما حال بين الشّيئين‬ ‫ل شيء منع شيئا فقد حجبه‬ ‫فهو حجاب ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ومن بيننا وبينك حجاب } ‪ .‬وك ّ‬ ‫‪ ،‬وسمّي البوّاب حاجبا لنّه يمنع من أراد الدّخول ‪ .‬وأكثر ما يستعمل الحجب في الميراث‬ ‫وهو اصطلحا ‪ :‬منع من قام به سبب الرث من الرث بالكّليّة ويسمّى حجب حرمان ‪ ،‬أو‬ ‫من أوفر حظّيه ويسمّى حجب نقصان ‪ .‬وقد يستعمل في الحضانة والولية بمعنى منع‬ ‫الشّخص من دونه من ذلك الحقّ كما يقال ‪ :‬المّ تحجب كلّ حاضنة سواها ‪ ،‬ما لم تتزوّج‬ ‫ي البعد ‪ .‬وتفصيله في‬ ‫بمحرم من الصّغير ‪ ،‬وفي الولية يقال ‪ :‬إنّ الوليّ القرب يحجب الول ّ‬ ‫الحضانة والولية ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬

‫المنع ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬من معاني المنع في اللّغة ‪ :‬الحرمان ‪ ،‬وفي الصطلح ‪ :‬هو تعطيل الحكم مع وجود‬ ‫سببه ‪ ،‬كامتناع الميراث مع وجود القرابة الموجبة له بسبب اختلف الدّين ‪ -‬مثل ‪ -‬والمنع‬

‫في الرث أكثر ما يستعمل في الحجب بالوصف ‪ ،‬أمّا الحجب فيستعمل في الحجب بالشّخص‬ ‫‪.‬‬ ‫الحجب في الميراث ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الحجب مطلقا قسمان ‪ :‬حجب بوصف ‪ ،‬وهو المعبّر عنه بالمانع ‪ ،‬وحجب بشخص ‪،‬‬ ‫وهو قسمان ‪ :‬حجب حرمان ‪ ،‬وهو أن يسقط الوارث غيره بالكّليّة ‪ .‬وهو ل يدخل على ستّة‬ ‫ل من أدلى بنفسه‬ ‫من الورثة إجماعا ‪ ،‬وهم ‪ :‬البوان والزّوجان والبن والبنت وضابطه ‪ :‬ك ّ‬ ‫ل المعتق ‪ .‬والثّاني ‪ :‬حجب نقصان ‪ :‬وهو حجب عن نصيب أكثر إلى نصيب‬ ‫إلى الميّت إ ّ‬ ‫أقلّ ‪ .‬وهو لخمسة من الورثة ‪ :‬الزّوجين ‪ ،‬والمّ ‪ ،‬وبنت البن ‪ ،‬والخت لب ‪ ،‬والخوة لمّ‬ ‫‪ .‬وللحجب مطلقا قواعد يقوم عليها ‪ ،‬وهي ‪ :‬الولى ‪ :‬أنّ من يدلي إلى الميّت بوارث يحجب‬ ‫ن القرب‬ ‫حجب حرمان عند وجود ذلك الوارث إلّ الخوة لمّ مع وجود المّ ‪ .‬الثّانية ‪ :‬أ ّ‬ ‫ن القوى قرابة يحجب الضعف منه‬ ‫يحجب البعد إذا كان يستحقّ بوصفه ونوعه ‪ .‬الثّالثة ‪ :‬أ ّ‬ ‫‪ .‬وفي ذلك تفصيل سبق في مصطلح إرث ( ج ‪ 3‬ص ‪ 45‬فقرة ‪ ) 45‬من الموسوعة ‪ .‬وفي‬ ‫تطبيق هذه القواعد التّفصيل التّالي ‪ :‬فابن البن يحجبه البن أو ابن ابن أقرب منه لدلئه به‬ ‫إن كان أباه ‪ ،‬أو لنّه عصبة أقرب منه ‪ ،‬ويحجبه كذلك أبوان وبنتان للصّلب باستغراقهم‬ ‫ل الب أو ج ّد أقرب منه متوسّط بينه وبين‬ ‫للتّركة ‪ .‬والج ّد أبو الب وإن عل ل يحجبه إ ّ‬ ‫الميّت تطبيقا لقاعدة أنّ من أدلى بشخص ل يرث مع وجوده إلّ أولد المّ ‪ ،‬والخ الشّقيق‬ ‫يحجبه الب والبن وابن البن وإن سفل لقوله تعالى ‪ { :‬يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكللة‬ ‫إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وهذه‬ ‫المسألة مجمع عليها بين الفقهاء ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬واختلفوا فيما إذا كان الخوة الشقّاء والخوة للب يحجبون بالجدّ أبي الب وإن عل ‪:‬‬ ‫ن الجدّ يحجب الخوة سواء أكانوا أشقّاء أو لب للية المذكورة حيث‬ ‫فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ‬ ‫ن الكللة ‪ -‬سواء كانت اسما للميّت الّذي ل ولد ول والد له حسب اختلف العلماء في‬ ‫إّ‬ ‫صدّيق وعبد اللّه بن‬ ‫تفسيرها ‪ -‬ل تشمل الجدّ لنّه والد للميّت ‪ ،‬وإلى هذا ذهب أبو بكر ال ّ‬ ‫عبّاس رضي ال عنهم ‪.‬‬ ‫ن الجدّ‬ ‫‪ -5‬وذهب جمهور العلماء وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة إلى أ ّ‬ ‫ل يحجب الخ الشّقيق أو لب بل يرث معه والخ لب يحجبه هؤلء والخ الشّقيق ‪.‬‬

‫وابن الخ لبوين ‪ ،‬يحجبه ستّة وهم الب ‪ ،‬والجدّ أبو الب وإن عل ‪ ،‬والبن وابن البن‬ ‫ستّة وابن‬ ‫وإن سفل والخ لبوين ‪ ،‬والخ لب ‪ .‬وابن الخ لب يحجبه سبعة وهم هؤلء ال ّ‬ ‫الخ لبوين ‪.‬‬ ‫والعمّ لبوين يحجبه ثمانية وهم الب والجدّ وإن عل والبن وابن البن وإن سفل والخ‬ ‫لبوين والخ لب وابن الخ لبوين وابن الخ لب ‪ .‬والعمّ لب يحجبه تسعة وهم هؤلء‬ ‫الثّمانية والع ّم الشّقيق ‪.‬‬ ‫وابن العمّ الشّقيق يحجبه عشرة وهم الب والجدّ أبو الب وإن عل والبن وابن البن وإن‬ ‫سفل والخ الشّقيق والخ لب وابن الخ الشّقيق وابن الخ لب والعمّ الشّقيق والعمّ لب ‪.‬‬ ‫وابن العمّ لب يحجبه هؤلء العشرة ‪ ،‬وابن العمّ الشّقيق ‪ .‬وهذه المسائل متّفق عليها بين‬ ‫الفقهاء ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬وبنت البن يحجبها البن لنّه أبوها أو عمّها وهو بمنزلة أبيها وتحجبها بنتان لنّ‬ ‫الثّلثين فرض البنات ولم يبق منه شيء إلّ إذا كان معها ابن ابن يعصبها فحينئذ تشترك معه‬ ‫فيما بقي بعد ثلثي البنتين { للذّكر مثل حظّ النثيين }‬ ‫ن الخ الشّقيق يحجب‬ ‫والخوات لبوين أو لب كالخوة لبوين أو لب في الحجب إلّ أ ّ‬ ‫الخوّة لب وإن كثروا ‪.‬‬ ‫ن الثّلثين فرض الخوات ولم يبق منه شيء ‪.‬‬ ‫ن أختان لبوين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫والخت لب فأكثر يحجبه ّ‬ ‫وأولد المّ يحجبهم أربعة وهم الب والجدّ أبو الب وإن عل ‪ ،‬والولد للصّلب ذكرا كان أو‬ ‫أنثى ‪ ،‬وولد البن كلّ ذلك وإن سفل ‪ .‬وهذا مجمع عليه بين الفقهاء لقوله تعالى ‪ { :‬وإن كان‬ ‫رجل يورث كللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك‬ ‫فهم شركاء في الثّلث } ‪ .‬وأجمع الفقهاء كذلك على أنّ الجدّة تحجب بالمّ سواء أكانت من‬ ‫ن الجدّات يرثن بالولدة فالمّ أولى لمباشرتها الولدة ‪ ،‬كما‬ ‫جهة ال ّم أم من جهة الب ل ّ‬ ‫ن القربى من كلّ جهة تحجب البعدى من هذه الجهة لقربها إلى الميّت ‪.‬‬ ‫أجمعوا على أ ّ‬ ‫‪ - 7‬ولكنّهم اختلفوا في مسألتين من مسائل حجب الجدّة ‪ :‬أوّلهما ‪ :‬فيمن تحجب الجدّة الّتي‬ ‫ن الب يحجب الجدّة الّتي‬ ‫من جهة الب غير المّ ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫ل أولد المّ كما سبق‬ ‫من جهته لنّها تدلي به إلى الميّت ومن أدلى بشخص ل يرث معه إ ّ‬

‫ن الب ل يحجب هذه الجدّة بل ترث معه ‪ ،‬واستدلّوا بما روي‬ ‫ذكره ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫عن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ { :‬أوّل جدّة أطعمها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫ي } ‪ .‬ولنّ الجدّات أمّهات يرثن ميراث المّ ل ميراث الب‬ ‫السّدس أمّ أب مع ابنها وابنها ح ّ‬ ‫فل يحجبن به كأمّهات المّ ‪.‬‬ ‫وثانيتهما ‪ :‬هل القربى من الجدّات تحجب البعدى من الجهة الخرى ؟ فذهب المالكيّة‬ ‫والشّافعيّة إلى أنّ القربى من جهة المّ تحجب البعدى من جهة الب ‪ ،‬وأنّ القربى من جهة‬ ‫ن الب ل يحجبها فالجدّة الّتي تدلي به أولى أن ل‬ ‫الب ل تحجب البعدى من جهة المّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫تحجبها ‪ .‬وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ القربى من أيّ جهة كانت تحجب البعدى من أيّ‬ ‫جهة كانت كذلك لقوّة القرابة ‪.‬‬ ‫ن من ل يرث‬ ‫‪ - 8‬واتّفق فقهاء المذاهب ومن سبقهم من علماء السّلف وعامّة الصّحابة على أ ّ‬ ‫لمانع فيه كالقتل أو الرّقّ ل يحجب غيره ل حرمانا ول نقصانا بل وجوده كالعدم ‪ .‬وخالفهم‬ ‫في ذلك عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه فقال ‪ :‬إنّ المحروم من الرث يحجب غيره‬ ‫حرمانا ونقصانا ‪ .‬كما اتّفق هؤلء على أنّ المحجوب بشخص يحجب غيره حجب نقصان ‪.‬‬ ‫وأجمعوا كذلك على أنّ المعتق يحجبه عصبة النّسب ‪ ،‬لنّ النّسب أقوى من الولء ‪ .‬أمّا ما‬ ‫يتّصل بحجب النّقصان فيرجع فيه إلى مصطلح ‪ ( :‬إرث ) ‪.‬‬ ‫حجّ الحجّ‬ ‫التّعريف‬ ‫ج إلينا فلن ‪ :‬أي قدم ‪ ،‬وحجّه‬ ‫‪ - 1‬الحجّ ‪ :‬بفتح الحاء ويجوز كسرها ‪ ،‬هو لغة القصد ‪ ،‬ح ّ‬ ‫يحجّه حجّا ‪ :‬قصده ‪ .‬ورجل محجوج ‪ ،‬أي مقصود ‪ .‬هذا هو المشهور ‪ .‬وقال جماعة من‬ ‫ج بالكسر ‪ :‬السم ‪ .‬والحجّة ‪ :‬المرّة الواحدة ‪ ،‬وهو‬ ‫ج ‪ :‬القصد لمعظّم ‪ .‬والح ّ‬ ‫أهل اللّغة ‪ :‬الح ّ‬ ‫ج اصطلحا ‪:‬‬ ‫ن القياس بالفتح ‪ .‬تعريف الح ّ‬ ‫من الشّواذّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪ - 2‬الحجّ في اصطلح الشّرع ‪ :‬هو قصد موضع مخصوص ( وهو البيت الحرام وعرفة )‬ ‫ج ) للقيام بأعمال مخصوصة وهي الوقوف بعرفة ‪،‬‬ ‫في وقت مخصوص ( وهو أشهر الح ّ‬ ‫والطّواف ‪ ،‬والسّعي عند جمهور العلماء ‪ ،‬بشرائط مخصوصة يأتي بيانها ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬

‫العمرة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬وهي قصد البيت الحرام للطّواف والسّعي وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬عمرة ) ‪.‬‬

‫الحكم التّكليفيّ للحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الحجّ فرض عين على كلّ مكلّف مستطيع في العمر مرّة ‪ ،‬وهو ركن من أركان السلم‬ ‫سنّة والجماع ‪.‬‬ ‫‪ ،‬ثبتت فرضيّته بالكتاب وال ّ‬ ‫أ ‪ -‬أمّا الكتاب ‪ :‬فقد قال اللّه تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيل ‪،‬‬ ‫ص في إثبات الفرضيّة ‪ ،‬حيث عبّر‬ ‫ن اللّه غنيّ عن العالمين } ‪ .‬فهذه الية ن ّ‬ ‫ومن كفر فإ ّ‬ ‫القرآن بصيغة { وللّه على النّاس } وهي صيغة إلزام وإيجاب ‪ ،‬وذلك دليل الفرضيّة ‪ ،‬بل إنّنا‬ ‫ن اللّه غنيّ عن‬ ‫نجد القرآن يؤكّد تلك الفرضيّة تأكيدا قويّا في قوله تعالى ‪ { :‬ومن كفر فإ ّ‬ ‫ج ليس من شأن‬ ‫ن ترك الح ّ‬ ‫العالمين } فإنّه جعل مقابل الفرض الكفر ‪ ،‬فأشعر بهذا السّياق أ ّ‬ ‫المسلم ‪ ،‬وإنّما هو شأن غير المسلم ‪.‬‬ ‫سنّة فمنها حديث ابن عمر عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬بني السلم‬ ‫ب ‪ -‬وأمّا ال ّ‬ ‫ل اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ‪ ،‬وإقام الصّلة ‪ ،‬وإيتاء‬ ‫على خمس ‪ :‬شهادة أن ل إله إ ّ‬ ‫ج } ‪ .‬وقد عبّر بقوله ‪ { :‬بني السلم ‪ } ...‬فدلّ على أنّ‬ ‫الزّكاة ‪ ،‬وصيام رمضان ‪ ،‬والح ّ‬ ‫ج ركن من أركان السلم ‪ .‬وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال ‪ { :‬خطبنا رسول اللّه صلى‬ ‫الح ّ‬ ‫ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أيّها النّاس قد فرض اللّه عليكم الحجّ فحجّوا فقال رجل ‪ :‬أكلّ عام يا‬ ‫رسول اللّه ؟ فسكت حتّى قالها ثلثا ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لو قلت نعم‬ ‫لوجبت ولما استطعتم ‪ . } ...‬وقد وردت الحاديث في ذلك كثيرة جدّا حتّى بلغت مبلع التّواتر‬ ‫الّذي يفيد اليقين والعلم القطعيّ اليقينيّ الجازم بثبوت هذه الفريضة ‪.‬‬ ‫ج في العمر مرّة على المستطيع ‪،‬‬ ‫ج ‪ -‬وأمّا الجماع ‪ :‬فقد أجمعت المّة على وجوب الح ّ‬ ‫وهو من المور المعلومة من الدّين بالضّرورة يكفر جاحده ‪.‬‬ ‫وجوب الحجّ على الفور أو التّراخي ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬اختلفوا في وجوب الحجّ عند تحقّق الشّروط هل هو على الفور أو على التّراخي ؟ ‪.‬‬ ‫ذهب أبو حنيفة في أصحّ الرّوايتين عنه وأبو يوسف ومالك في الرّاجح عنه وأحمد إلى أنّه‬ ‫يجب على الفور ‪ ،‬فمن تحقّق فرض الحجّ عليه في عام فأخّره يكون آثما ‪ ،‬وإذا أدّاه بعد ذلك‬ ‫كان أداء ل قضاء ‪ ،‬وارتفع الثم ‪ .‬وذهب الشّافعيّ والمام محمّد بن الحسن إلى أنّه يجب‬ ‫على التّراخي ‪ ،‬فل يأثم المستطيع بتأخيره ‪ .‬والتّأخير إنّما يجوز بشرط العزم على الفعل في‬ ‫ج لمن وجب‬ ‫المستقبل ‪ ،‬فلو خشي العجز أو خشي هلك ماله حرم التّأخير ‪ ،‬أمّا التّعجيل بالح ّ‬ ‫عليه فهو سنّة عند الشّافعيّ ما لم يمت ‪ ،‬فإذا مات تبيّن أنّه كان عاصيا من آخر سنوات‬ ‫الستطاعة ‪ .‬استدلّ الجمهور على الوجوب الفوريّ بالتي ‪:‬‬

‫ج فل عليه أن يموت‬ ‫أ ‪ -‬الحديث ‪ { :‬من ملك زادا ‪ .‬وراحلة تبلّغه إلى بيت اللّه ‪ ،‬ولم يح ّ‬ ‫يهوديّا أو نصرانيّا } ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬المعقول ‪ :‬وذلك أنّ الحتياط في أداء الفرائض واجب ‪ ،‬ولو أخّر الحجّ عن السّنة‬ ‫الولى فقد يمتدّ به العمر وقد يموت فيفوت الفرض ‪ ،‬وتفويت الفرض حرام ‪ ،‬فيجب الحجّ‬ ‫على الفور احتياطا ‪ .‬واستدلّ الشّافعيّة ومن معهم بما يلي ‪:‬‬ ‫ج البيت } مطلق عن تعيين‬ ‫ج في قوله تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس ح ّ‬ ‫أ ‪ -‬أنّ المر بالح ّ‬ ‫ي وقت ‪ ،‬فل يثبت اللزام بالفور ‪ ،‬لنّ هذا تقييد للنّصّ ‪ ،‬ول‬ ‫الوقت ‪ ،‬فيصحّ أداؤه في أ ّ‬ ‫ن المر على الفور أو‬ ‫يجوز تقييده إلّ بدليل ‪ ،‬ول دليل على ذلك ‪ .‬وهذا بناء على الخلف أ ّ‬ ‫للتّراخي ( انظر مصطلح ‪ :‬أمر ) ‪.‬‬ ‫ج إلّ في السّنة‬ ‫ب ‪ ( -‬أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم فتح مكّة عام ثمان من الهجرة ‪ ،‬ولم يح ّ‬ ‫العاشرة ولو كان واجبا على الفوريّة لم يتخلّف رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن فرض‬ ‫عليه ) ‪.‬‬ ‫فضل الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬تضافرت النّصوص الشّرعيّة الكثيرة على الشادة بفضل الحجّ ‪ ،‬وعظمة ثوابه وجزيل‬ ‫أجره العظيم عند اللّه تعالى ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجال وعلى‬ ‫ج عميق ‪ ،‬ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات‬ ‫كلّ ضامر يأتين من كلّ ف ّ‬ ‫على ما رزقهم من بهيمة النعام ‪ . } ...‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه أنّ رسول اللّه‬ ‫ج للّه فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه } ‪ .‬وعن‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من ح ّ‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ما من يوم أكثر أن يعتق‬ ‫عائشة رضي ال عنها أ ّ‬ ‫اللّه فيه عبدا من النّار من يوم عرفة ‪ ،‬وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملئكة ‪ } ...‬ومعنى يدنو ‪:‬‬ ‫يتجلّى عليهم برحمته وإكرامه ‪ .‬وعن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال‬ ‫ج والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث‬ ‫عليه وسلم قال ‪ { :‬تابعوا بين الح ّ‬ ‫الحديد والذّهب والفضّة ‪ ،‬وليس للحجّة المبرورة ثواب إلّ الجنّة } ‪ .‬وعن أبي هريرة عن‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬الحجّاج والعمّار وفد اللّه ‪ ،‬إن دعوه أجابهم وإن‬ ‫استغفروه غفر لهم } ‪ { .‬وعن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قلت يا رسول اللّه ‪ :‬نرى الجهاد‬ ‫ج مبرور } ‪ .‬وعن أبي هريرة‬ ‫أفضل العمل أفل نجاهد ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬لكنّ أفضل الجهاد ح ّ‬ ‫{ رضي ال عنه أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم سئل ‪ :‬أيّ العمال أفضل ؟ فقال ‪:‬‬ ‫إيمان باللّه ورسوله ‪ ،‬قيل ثمّ ماذا ؟ قال ‪ :‬جهاد في سبيل اللّه ‪ ،‬قيل ‪ :‬ثمّ ماذا ؟ قال ‪ :‬حجّ‬ ‫مبرور } ‪.‬‬

‫حكمة مشروعيّة الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬شرعت العبادات لظهار عبوديّة العبد لربّه ومدى امتثاله لمره ‪ ،‬ولكن من رحمة اللّه‬ ‫تعالى أنّ أكثر هذه العبادات لها فوائد تدركها العقول الصّحيحة وأظهر ما يكون ذلك في‬ ‫ج ‪ .‬وتشتمل هذه الفريضة على حكم جليلة كثيرة تمتدّ في ثنايا حياة المؤمن‬ ‫فريضة الح ّ‬ ‫الرّوحيّة ‪ ،‬ومصالح المسلمين جميعهم في الدّين والدّنيا ‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫ن الحاجّ يرفض أسباب التّرف والتّزيّن ‪،‬‬ ‫ج إظهار التّذلّل للّه تعالى ‪ ،‬وذلك ل ّ‬ ‫أ ‪ -‬أنّ في الح ّ‬ ‫ويلبس ثياب الحرام مظهرا فقره لربّه ‪ ،‬ويتجرّد عن الدّنيا وشواغلها الّتي تصرفه عن‬ ‫الخلوص لموله ‪ ،‬فيتعرّض بذلك لمغفرته ورحماه ‪ ،‬ث ّم يقف في عرفة ضارعا لربّه حامدا‬ ‫شاكرا نعماءه وفضله ‪ ،‬ومستغفرا لذنوبه وعثراته ‪ ،‬وفي الطّواف حول الكعبة البيت الحرام‬ ‫يلوذ بجناب ربّه ويلجأ إليه من ذنوبه ‪ ،‬ومن هوى نفسه ‪ ،‬ووسواس الشّيطان ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أنّ أداء فريضة الحجّ يؤدّي شكر نعمة المال ‪ ،‬وسلمة البدن ‪ ،‬وهما أعظم ما يتمتّع به‬ ‫النسان من نعم الدّنيا ‪ ،‬ففي الحجّ شكر هاتين النّعمتين العظيمتين ‪ ،‬حيث يجهد النسان نفسه‬ ‫" وينفق ماله في طاعة ربّه والتّقرّب إليه سبحانه ‪ ،‬ول شكّ أنّ شكر النّعماء واجب تقرّره‬ ‫بداهة العقول ‪ ،‬وتفرضه شريعة الدّين ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬يجتمع المسلمون من أقطار الرض في مركز اتّجاه أرواحهم ‪ ،‬ومهوى أفئدتهم ‪،‬‬ ‫فيتعرّف بعضهم على بعض ‪ ،‬ويألف بعضهم بعضا ‪ ،‬هناك حيث تذوب الفوارق بين النّاس ‪،‬‬ ‫فوارق الغنى والفقر ‪ ،‬فوارق الجنس واللّون ‪ ،‬فوارق اللّسان واللّغة ‪ ،‬تتّحد كلمة النسان في‬ ‫أعظم مؤتمر بشريّ اجتمعت كلمة أصحابه على البرّ والتّقوى وعلى التّواصي بالحقّ‬ ‫والتّواصي بالصّبر ‪ ،‬هدفه العظيم ربط أسباب الحياة بأسباب السّماء ‪.‬‬ ‫شروط فرضيّة الحجّ ‪:‬‬ ‫ج صفات يجب توفّرها في النسان لكي يكون مطالبا بأداء الحجّ ‪ ،‬مفروضا‬ ‫‪ - 8‬شروط الح ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬فمن فقد أحد هذه الشّروط ل يجب عليه الحجّ ول يكون مطالبا به ‪ ،‬وهذا الشّروط‬ ‫خمسة هي ‪ :‬السلم ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والبلوغ ‪ ،‬والحرّيّة ‪ ،‬والستطاعة ‪ ،‬وهي متّفق عليها بين‬ ‫العلماء ‪ ،‬قال المام ابن قدامة في المغني ‪ :‬ل نعلم في هذا كلّه اختلفا » ‪ .‬الشّرط الوّل ‪:‬‬ ‫السلم ‪:‬‬ ‫ج عبادة ‪ ،‬بل هو‬ ‫ج الكافر ثمّ أسلم بعد ذلك تجب عليه حجّة السلم ‪ ،‬لنّ الح ّ‬ ‫‪ - 9‬أ ‪ -‬لو ح ّ‬ ‫من أعظم العبادات والقربات ‪ ،‬والكافر ليس من أهل العبادة ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬ولو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر ‪ ،‬فإنّه ل أثر لها ‪.‬‬

‫ن الكافر ل يطالب بالحجّ بالنّسبة لحكام الدّنيا ‪ ،‬أمّا بالنّسبة‬ ‫ج ‪ -‬وقد أجمع العلماء على أ ّ‬ ‫للخرة فقد اختلفوا في حكمه ‪ ،‬هل يؤاخذ بتركه أو ل يؤاخذ ‪ .‬وبيان ذلك في المصطلح‬ ‫الصوليّ ‪.‬‬ ‫( الشّرط الثّاني ) ‪ :‬العقل ‪:‬‬ ‫ن العقل شرط للتّكليف والمجنون ليس مكلّفا بفروض‬ ‫‪ - 10‬يشترط لفرضيّة الحجّ العقل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ج المجنون فحجّه غير‬ ‫الدّين ‪ ،‬بل ل تصحّ منه إجماعا ‪ ،‬لنّه ليس أهل للعبادة ‪ ،‬فلو ح ّ‬ ‫صحيح ‪ ،‬فإذا شفي من مرضه وأفاق إلى رشده تجب عليه حجّة السلم ‪ .‬روى عليّ بن أبي‬ ‫طالب عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬رفع القلم عن ثلثة ‪ :‬عن المجنون المغلوب‬ ‫على عقله حتّى يفيق ‪ ،‬وعن النّائم حتّى يستيقظ ‪ ،‬وعن الصّبيّ حتّى يحتلم } ‪.‬‬ ‫( الشّرط الثّالث ) ‪ :‬البلوغ ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬يشترط البلوغ ‪ ،‬لنّ الصّبيّ ليس بمكلّف ‪ ،‬وعن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال ‪:‬‬ ‫{ رفعت امرأة صبيّا لها فقالت ‪ :‬يا رسول اللّه ألهذا حجّ ؟ قال ‪ :‬نعم ولك أجر } ‪ .‬فلو حجّ‬ ‫ح حجّه وكان تطوّعا ‪ ،‬فإذا بلغ الصّبيّ وجب عليه حجّة الفريضة ‪ ،‬بإجماع العلماء‬ ‫الصّبيّ ص ّ‬ ‫ج الواجب بعد البلوغ ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس‬ ‫‪ ،‬لنّه أدّى ما لم يجب عليه ‪ ،‬فل يكفيه عن الح ّ‬ ‫ج الصّبيّ فهي له حجّة حتّى يعقل ‪ ،‬وإذا‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا ح ّ‬ ‫عقل فعليه حجّة أخرى ‪ ،‬وإذا حجّ العرابيّ فهي له حجّة ‪ ،‬فإذا هاجر فعليه حجّة أخرى } ‪.‬‬ ‫( الشّرط الرّابع ) ‪ :‬الح ّريّة ‪:‬‬ ‫ج ‪ ،‬لنّه مستغرق في خدمة سيّده ‪ ،‬ولنّ الستطاعة‬ ‫‪ - 12‬العبد المملوك ل يجب عليه الح ّ‬ ‫شرط ول تتحقّق إلّ بملك الزّاد والرّاحلة ‪ ،‬والعبد ل يتملّك شيئا ‪ ،‬فلو حجّ المملوك ولو بإذن‬ ‫ح حجّه وكان تطوّعا ل يسقط به الفرض ‪ ،‬ويأثم إذا لم يأذن له سيّده بذلك ‪ .‬ويجب‬ ‫سيّده ص ّ‬ ‫عليه أن يؤدّي حجّة السلم عندما يعتق ‪ ،‬للحديث السّابق ‪.‬‬ ‫( الشّرط الخامس ) ‪ :‬الستطاعة ‪:‬‬ ‫ص الخطاب بهذه‬ ‫ج على من لم تتوفّر فيه خصال الستطاعة لنّ القرآن خ ّ‬ ‫‪ - 13‬ل يجب الح ّ‬ ‫ج البيت من استطاع إليه سبيل } ‪.‬‬ ‫الصّفة في قوله تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس ح ّ‬ ‫ج قسمان ‪ :‬شروط عامّة للرّجال والنّساء ‪،‬‬ ‫وخصال الستطاعة الّتي تشترط لوجوب الح ّ‬ ‫ص النّساء ‪ .‬القسم الوّل ‪ :‬شروط عامّة للرّجال والنّساء ‪ :‬شروط الستطاعة‬ ‫وشروط تخ ّ‬

‫العامّة أربع خصال ‪ :‬القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب ‪ ،‬وصحّة البدن ‪ ،‬وأمن الطّريق ‪،‬‬ ‫وإمكان السّير ‪ .‬الخصلة الولى ‪:‬‬ ‫ج القدرة على الزّاد وآلة الرّكوب ‪ ،‬والنّفقة ذهابا وإيابا عند‬ ‫‪ - 14‬تشترط لوجوب الح ّ‬ ‫ص اشتراط القدرة على آلة الرّكوب بمن‬ ‫الجمهور ومنهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ويخت ّ‬ ‫كان بعيدا عن مكّة ‪ .‬قال في " الهداية " ‪ :‬وليس من شرط الوجوب على أهل مكّة ومن حولها‬ ‫الرّاحلة لنّه ل تلحقهم مشقّة زائدة في الداء ‪ ،‬فأشبه السّعي إلى الجمعة » ‪ .‬والظهر أنّ‬ ‫الّذي يكون عند الحنفيّة بعيدا عن مكّة هو ‪ :‬من بينه وبين مكّة ثلثة أيّام فصاعدا ‪ ،‬أمّا ما‬ ‫دونه فل ‪ ،‬إذا كان قادرا على المشي " يعني مسافة القصر في السّفر ‪ .‬وتقدّر ب ( ‪ ) 81‬كيلو‬ ‫متر تقريبا ‪ .‬أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فهو من كان بينه وبين مكّة مرحلتان ‪ ،‬وهي مسافة‬ ‫القصر عندهم ‪ .‬وتقدّر عندهم بنحو المسافة السّابقة ‪.‬‬ ‫‪ - 15‬وقد وقع الخلف بين العلماء في شرطيّة الزّاد وآلة الرّكوب لوجوب الحجّ ‪ ،‬وكانوا‬ ‫يركبون الدّوابّ ‪ .‬لذلك عبّروا بقولهم ‪ :‬الزّاد والرّاحلة " وهي الجمل المعدّ للرّكوب لنّه‬ ‫المعروف في زمانهم ‪ .‬وهذا الخلف في أمرين ‪ :‬المر الوّل ‪ :‬خالف المالكيّة الجمهور في‬ ‫ج إذا كان صحيح‬ ‫اشتراط القدرة على الرّاحلة وإن كانت المسافة بعيدة فقالوا ‪ :‬يجب عليه الح ّ‬ ‫البنية يقدر على المشي بل مشقّة عظيمة ‪ ،‬وهو يملك الزّاد ‪ .‬واستدلّ المالكيّة بقول اللّه تعالى‬ ‫‪ { :‬وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيل } ‪ .‬وجه الستدلل أنّ " من كان‬ ‫صحيح البدن قادرا على المشي وله زاد فقد استطاع إليه سبيل فيلزمه فرض الحجّ » ‪.‬‬ ‫واستدلّ الجمهور بما ورد من الحاديث الكثيرة عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه فسّر‬ ‫السّبيل باستطاعة الزّاد والرّاحلة ‪ ،‬مثل حديث أنس ‪ { :‬قيل يا رسول اللّه ما السّبيل ؟ قال ‪:‬‬ ‫الزّاد والرّاحلة } ‪ .‬فقد فسّر النّبيّ صلى ال عليه وسلم الستطاعة المشروطة " بالزّاد‬ ‫ن القدرة على المشي ل تكفي لستطاعة الحجّ » ‪.‬‬ ‫والرّاحلة جميعا " وبه تبيّن أ ّ‬ ‫المر الثّاني ‪ :‬اختلف العلماء في الزّاد ووسائل المواصلة هل يشترط ملكيّة المكلّف لما‬ ‫يحصّلها به أو ل يشترط ؟ فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ ملك ما يحصّل به الزّاد‬ ‫ج ‪ ،‬وفي هذا‬ ‫ووسيلة النّقل ( مع ملحظة ما ذكرنا عند المالكيّة ) شرط لتحقّق وجوب الح ّ‬ ‫ج ببذل غيره له ‪ ،‬ول يصير مستطيعا بذلك ‪ ،‬سواء كان‬ ‫يقول ابن قدامة ‪ :‬ول يلزمه الح ّ‬ ‫الباذل قريبا أو أجنبيّا ‪ ،‬وسواء بذل له الرّكوب والزّاد ‪ ،‬أو بذل له مال » ‪ .‬وذهب الشّافعيّ‬ ‫فيما يروى عنه إلى أنّه يجب الحجّ بإباحة الزّاد والرّاحلة إذا كانت الباحة ممّن ل منّة له‬ ‫على المباح له ‪ ،‬كالوالد إذا بذل الزّاد والرّاحلة لبنه ‪.‬‬

‫( شروط الزّاد وآلة الرّكوب ) ‪:‬‬ ‫ج ‪ ،‬هي تفسير‬ ‫‪ - 16‬ذكر العلماء شروطا في الزّاد وآلة الرّكوب المطلوبين لستطاعة الح ّ‬ ‫وبيان لهذا الشّرط ‪ ،‬نذكرها فيما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أنّ الزّاد الّذي يشترط ملكه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وإيابه من مأكول ومشروب‬ ‫وكسوة بنفقة وسط ل إسراف فيها ول تقتير ‪ ،‬فلو كان يستطيع زادا أدنى من الوسط الّذي‬ ‫اعتاده ل يعتبر مستطيعا للحجّ ‪ ،‬ويتضمّن اشتراط الزّاد أيضا ما يحتاج إليه من آلت للطّعام‬ ‫والزّاد ممّا ل يستغني عنه ‪ .‬واعتبر المالكيّة القدرة على الوصول إلى مكّة ‪ ،‬ولو بل زاد‬ ‫وراحلة لذي صنعة تقوم به ‪ ،‬ول تزري بمثله ‪ ،‬أمّا الياب فل يشترط القدرة على نفقته‬ ‫عندهم إلّ أن يعلم أنّه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه ولو شكّا ‪ ،‬فيراعى ما يبلّغه‬ ‫ويرجع به إلى أقرب المواضع لمكّة ‪ ،‬ممّا يمكنه أن يعيش به بما ل يزري به من الحرف ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬صرّح الفقهاء بأنّه يشترط في الرّاحلة أن تكون ممّا يصلح لمثله إمّا بشراء أو بكراء ‪.‬‬ ‫ل ما يوصّله فقط " ‪ ،‬إلّ أن يكون عليه مشقّة فادحة فيخفّف عنه بما‬ ‫وعند المالكيّة " ل يعتبر إ ّ‬ ‫تزول به المشقّة الفادحة ‪ .‬وهذا المعنى ملحوظ عند غيرهم فيما يصلح لمثلة إذا كان يشقّ‬ ‫عليه مشقّة شديدة فيخفّف عنه بما يزيلها ‪ .‬ج ‪ -‬إن ملك الزّاد ووسيلة النّقل يشترط أن يكون‬ ‫فاضل عمّا تمسّ إليه الحاجة الصليّة مدّة ذهابه وإيابه ‪ ،‬عند الجمهور ‪ .‬أمّا المالكيّة فاعتبروا‬ ‫ما يوصّله فقط ‪ ،‬إلّ أن يخشى الضّياع ‪ ،‬وهو بناء على وجوب الحجّ على الفور عندهم ‪.‬‬ ‫وفي هذا تفصيل نوضّحه في المور الّتي تشملها الحاجة الصليّة ‪.‬‬ ‫خصال الحاجة الصليّة ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬خصال الحاجة الصليّة ثلث ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدّة ذهابه وإيابه عند الجمهور ( خلفا للمالكيّة كما نوضّح‬ ‫ق للدميّين ‪ ،‬وحقّ العبد مقدّم على حقّ الشّرع ‪ .‬لما روى‬ ‫في الخصلة التّالية ) ‪ ،‬لنّ النّفقة ح ّ‬ ‫عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬كفى بالمرء إثما أن يضيّع من‬ ‫يقوت } ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن ‪ ،‬وممّا ل ب ّد لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر‬ ‫العتدال المناسب له في ذلك كلّه ‪ ،‬عند الجمهور خلفا للمالكيّة أيضا ‪ .‬وقال المالكيّة في‬ ‫هاتين الخصلتين ‪ :‬يبيع في زاده داره الّتي تباع على المفلس وغيرها ممّا يباع على المفلس‬ ‫من ماشية وثياب ولو لجمعته إن كثرت قيمتها ‪ ،‬وخادمه ‪ ،‬وكتب العلم ولو محتاجا إليها ‪.‬‬ ‫وإن كان يترك ولده وزوجته ل مال لهم ‪ ،‬فل يراعي ما يؤول إليه أمره وأمر أهله وأولده‬

‫في المستقبل ‪ ،‬وإن كان يصير فقيرا ل يملك شيئا ‪ ،‬أو يترك أولده ونحوهم للصّدقة ‪ ،‬إن لم‬ ‫يخش هلكا فيما ذكر أو شديد أذى » ‪ .‬وهذا لنّ الحجّ عندهم واجب على الفور كما قدّمنا ‪.‬‬ ‫ن الدّين من حقوق العباد ‪ ،‬وهو من حوائجه الصليّة ‪ ،‬فهو‬ ‫ج ‪ -‬قضاء الدّين الّذي عليه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫آكد ‪ ،‬وسواء كان الدّين لدميّ أو لحقّ اللّه تعالى كزكاة في ذمّته أو كفّارات ونحوها ‪ .‬فإذا‬ ‫ملك الزّاد والحمولة زائدا عمّا تقدّم ‪ -‬على التّفصيل المذكور ‪ -‬فقد تحقّق فيه الشّرط ‪ ،‬وإلّ‬ ‫بأن اخت ّل شيء ممّا ذكر لم يجب عليه الحجّ ‪.‬‬ ‫‪ - 18‬ويتعلّق بذلك فروع نذكر منها ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬من كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته ‪ ،‬بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته من‬ ‫الدّار الواسعة لوفّى ثمنه للحجّ يجب عليه البيع عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬ول يجب‬ ‫عليه بيع الجزء الفاضل عند الحنفيّة ‪.‬‬ ‫ج يجب‬ ‫ب ‪ -‬كذلك لو كان مسكنه نفيسا يفوق على مثله لو أبدل دارا أدنى لو في تكاليف الح ّ‬ ‫عليه عند الثّلثة ‪ ،‬ول يجب عند الحنفيّة ‪.‬‬ ‫ج ؟ ذهب الحنفيّة والحنابلة‬ ‫ج ‪ -‬من ملك بضاعة لتجارته هل يلزمه صرف مال تجارته للح ّ‬ ‫إلى أنّه يشترط لوجوب الحجّ بقاء رأس مال لحرفته زائدا على نفقة الحجّ ‪ ،‬ورأس المال‬ ‫يختلف باختلف النّاس ‪ ،‬والمراد ما يمكنه الكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله ل أكثر ‪،‬‬ ‫لنّه ل نهاية له ‪ .‬وعند الشّافعيّة قولن ‪ :‬الصحّ أنّه يلزمه صرف مال تجارته لنفقة الحجّ‬ ‫ولو لم يبق له رأس مال لتجارته ‪ .‬وهو مذهب المالكيّة كما سبق نقل كلمهم ‪.‬‬ ‫ج إن حصلت له النّقود وقت خروج‬ ‫د ‪ -‬إذا ملك نقودا لشراء دار يحتاج إليها وجب عليه الح ّ‬ ‫ج فيشتري بالمال ما شاء ‪،‬‬ ‫النّاس للحجّ ‪ ،‬وإن جعلها في غيره أثم ‪ .‬أمّا قبل خروج النّاس للح ّ‬ ‫لنّه ملكه قبل الوجوب على ما اختاره ابن عابدين ‪.‬‬ ‫ل ما يكفي لحدهما ‪،‬‬ ‫ج وأراد أن يتزوّج وليس عنده من المال إ ّ‬ ‫هـ ‪ -‬من وجب عليه الح ّ‬ ‫ففيها التّفصيل التي ‪:‬‬ ‫ج على الزّواج عند‬ ‫‪ - 1‬أن يكون في حالة اعتدال الشّهوة ‪ ،‬فهذا يجب عليه تقديم الح ّ‬ ‫ج ‪ ،‬أمّا إن ملكها في غيرها فله صرفها حيث شاء ‪.‬‬ ‫الجمهور ‪ ،‬إذا ملك النّفقة في أشهر الح ّ‬ ‫أمّا الشّافعيّة فالصّحيح عندهم أنّه يلزمه الحجّ ويستقرّ في ذمّته ‪ ،‬وله صرف المال إلى النّكاح‬ ‫وهو أفضل ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزّنى ‪ ،‬فهذا يكون الزّواج في حقّه مقدّما‬ ‫على الحجّ اتّفاقا ‪.‬‬

‫و ‪ -‬قال ابن عابدين في حاشيته ‪ :‬تنبيه ‪ :‬ليس من الحوائج الصليّة ما جرت به العادة‬ ‫ج لعجزه عن ذلك ‪. » ...‬‬ ‫المحدثة لرسم الهديّة للقارب والصحاب ‪ ،‬فل يعذر بترك الح ّ‬ ‫وهذا ل يتصوّر فيه خلف بعد ما ذكرناه ‪ ،‬وهو يدلّ على إثم من أخّر الحجّ بسبب هذه‬ ‫التّقاليد الفاسدة ‪.‬‬ ‫الخصلة الثّانية للستطاعة ‪ :‬صحّة البدن ‪:‬‬ ‫ج شرط لوجوب الحجّ ‪ .‬فلو‬ ‫‪ - 19‬إنّ سلمة البدن من المراض والعاهات الّتي تعوق عن الح ّ‬ ‫وجدت سائر شروط وجوب الحجّ في شخص وهو مريض زمن أو مصاب بعاهة دائمة ‪ ،‬أو‬ ‫مقعد أو شيخ كبير ل يثبت على آلة الرّكوب بنفسه فل يجب عليه أن يؤدّي بنفسه فريضة‬ ‫اتّفاقا ‪ .‬لكن اختلفوا هل صحّة البدن شرط لصل الوجوب ‪ ،‬أو هي شرط للداء بالنّفس ‪:‬‬ ‫ذهب الشّافعيّة والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أنّ صحّة البدن ليست شرطا للوجوب ‪،‬‬ ‫بل هي شرط للّزوم الداء بالنّفس ‪ ،‬فمن كان هذا حاله يجب عليه الحجّ ‪ ،‬بإرسال من ينوب‬ ‫عنه ‪ .‬وقال المامان أبو حنيفة ومالك ‪ :‬إنّها شرط للوجوب ‪ ،‬وبناء على ذلك ل يجب على‬ ‫ج بنفسه ول بإنابة غيره ‪ ،‬ول اليصاء بالحجّ عنه في المرض ‪.‬‬ ‫فاقد صحّة البدن أن يح ّ‬ ‫استدلّ الوّلون ‪ :‬بأنّه صلى ال عليه وسلم فسّر الستطاعة بالزّاد والرّاحلة ‪ ،‬وهذا له زاد‬ ‫ج ‪ .‬واستدلّ أبو حنيفة ومالك بقوله تعالى ‪ { :‬من استطاع إليه سبيل }‬ ‫وراحلة فيجب عليه الح ّ‬ ‫وهذا غير مستطيع بنفسه فل يجب عليه الحجّ ‪ - 20 .‬وتفرّع على ذلك مسائل ‪ ،‬نذكر منها ‪:‬‬ ‫ج بنفسه إذا تيسّر له‬ ‫ج بمساعدة غيره كالعمى ‪ ،‬وجب عليه الح ّ‬ ‫أ ‪ -‬من كان قادرا على الح ّ‬ ‫من يعينه ‪ ،‬تبرّعا أو بأجرة ‪ ،‬إن كان قادرا على أجرته ‪ ،‬إذا كانت أجرة المثل ‪ ،‬ول يكفيه‬ ‫ج بنفسه بمساعدة غيره وجب عليه أن‬ ‫ج الغير عنه إلّ بعد أن يموت ‪ .‬ومن لم يستطع الح ّ‬ ‫حّ‬ ‫يرسل غيره ‪ ،‬ليحجّ عنه ‪ .‬ويجب على المريض أن يوصي بالحجّ عنه بعد موته ‪ .‬هذا على‬ ‫مذهب الصّاحبين والجمهور ‪ .‬أمّا على مذهب أبي حنيفة فل يجب عليه شيء ‪ ،‬لنّ الحجّ‬ ‫غير واجب عليه ‪ .‬أمّا المالكيّة فقد وافقوا الجمهور في هذه المسألة ‪ ،‬لكن على أساس مذهبهم‬ ‫في مسألة الرّكوب السّابقة ( فقرة ‪ ) 15‬وأوجبوا عليه المشي إن كان يقدر على المشي ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬إذا وجدت شروط الحجّ مع صحّة البدن فتأخّر حتّى أصيب بعاهة تمنعه من الحجّ ول‬ ‫يرجى زوالها فالحجّ واجب عليه اتّفاقا ‪ ،‬ويجب عليه أن يرسل شخصا يحجّ عنه باتّفاق‬ ‫ج بنفسه‬ ‫العلماء ‪ .‬أمّا إذا أصيب بعاهة يرجى زوالها فل تجوز النابة ‪ ،‬بل يجب عليه الح ّ‬ ‫عند زوالها عنه ‪.‬‬ ‫الخصلة الثّالثة ‪ :‬أمن الطّريق ‪:‬‬

‫‪ - 21‬أمن الطّريق يشمل المن على النّفس والمال ‪ ،‬وذلك وقت خروج النّاس للحجّ ‪ ،‬لنّ‬ ‫الستطاعة ل تثبت دونه ‪ .‬ووقع الخلف في أمن الطّريق كما في صحّة البدن ‪ :‬فمذهب‬ ‫المالكيّة والشّافعيّة ورواية أبي شجاع عن أبي حنيفة ورواية عن أحمد أنّه شرط الوجوب ‪.‬‬ ‫ن الستطاعة ل تتحقّق بدون أمن الطّريق ‪ .‬وفي رواية أخرى عند أبي حنيفة وأحمد ‪ ،‬وهو‬ ‫لّ‬ ‫الصحّ عند الحنفيّة ورجّحه المتأخّرون من الحنفيّة والحنابلة أنّ أمن الطّريق شرط للداء‬ ‫ج على من فقد شرط صحّة‬ ‫بالنّفس ل لصل الوجوب ‪ .‬واستدلّوا بنحو أدلّتهم في إيجاب الح ّ‬ ‫ج عند خوف الطّريق فمات قبل أمنه‬ ‫البدن ‪ .‬وعلى هذا المذهب الخير من استوفى شروط الح ّ‬ ‫يجب عليه أن يوصي بالحجّ ‪ .‬أمّا إذا مات بعد أمن الطّريق فتجب عليه الوصيّة بالحجّ عنه‬ ‫اتّفاقا ‪.‬‬ ‫الخصلة الرّابعة ‪ :‬إمكان السّير ‪:‬‬ ‫ج في المكلّف والوقت متّسع يمكنه الذّهاب للحجّ ‪.‬‬ ‫‪ - 22‬إمكان السّير أن تكمل شرائط الح ّ‬ ‫وهذا شرط لصل الوجوب عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وشرط للداء عند الحنابلة ‪.‬‬ ‫وعبّر الحنفيّة عن هذا الشّرط بالوقت ‪ .‬وجعله بعضهم شرطا مفردا من شرائط وجوب الحجّ‬ ‫ج ‪ ،‬أو وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبلها ‪،‬‬ ‫‪ .‬وفسّروا هذا الشّرط بأنّه أشهر الح ّ‬ ‫ج إلّ على القادر فيها ‪ ،‬أو في وقت خروجهم ‪ .‬وفسّر غيرهم إمكان السّير بوقت‬ ‫فل يجب الح ّ‬ ‫ج بالتي ‪:‬‬ ‫ن إمكان السّير شرط لوجوب الح ّ‬ ‫الخروج للحجّ ‪ - 23 .‬واستدلّ الجمهور على أ ّ‬ ‫أ ‪ -‬أنّ إمكان السّير من لواحق الستطاعة وهي شرط لوجوب الحجّ ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أنّ ذلك بمنزلة دخول وقت الوجوب ‪ ،‬كدخول وقت الصّلة ‪ ،‬فإنّها ل تجب قبل وقتها ‪،‬‬ ‫إلّ أنّ ذلك يختلف باختلف البلدان ‪ ،‬فيعتبر وقت الوجوب في حقّ كلّ شخص عند خروج‬ ‫ج في الية إنّما هو بالنّسبة إلى أهل أمّ القرى ومن حولها ‪،‬‬ ‫أهل بلده ‪ ،‬فالتّقييد بأشهر الح ّ‬ ‫وللشعار بأنّ الفضل أن ل يقع الحرام فيما قبلها على مقتضى قواعد الحنفيّة من أنّ‬ ‫الحرام شرط ‪ ،‬خلفا للشّافعيّة من أنّه ل يجوز الحرام قبل الشهر لكونه ركنا » ‪ .‬واستدلّ‬ ‫ن إمكان السّير شرط للّزوم أداء الحجّ بنفسه بأنّه يتعذّر الداء دون القضاء ‪،‬‬ ‫الحنابلة على أ ّ‬ ‫كالمرض المرجوّ برؤه ‪ ،‬وعدم الزّاد والرّاحلة يتعذّر معه الجميع ‪.‬‬ ‫القسم الثّاني ‪ :‬الشّروط الخاصّة بالنّساء ‪:‬‬ ‫ج على المرأة‬ ‫‪ - 24‬ما يخصّ النّساء من شروط الستطاعة شرطان ل بدّ منهما لكي يجب الح ّ‬ ‫يضافان إلى خصال شرط الستطاعة الّتي ذكرناها ‪ .‬هذان الشّرطان هما ‪ :‬الزّوج أو المحرم‬ ‫‪ ،‬وعدم العدّة ‪ .‬أوّل ‪ -‬الزّوج أو المحرم المين ‪:‬‬

‫‪ - 25‬يشترط أن يصحب المرأة في سفر الحجّ زوجها أو محرم منها ‪ ،‬إذا كانت المسافة بينها‬ ‫وبين مكّة ثلثة أيّام ‪ ،‬وهي مسيرة القصر في السّفر ‪ ،‬وإلى هذا ذهب الحنفيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ل تسافر المرأة ثلثا‬ ‫واستدلّوا بحديث ابن عمر أ ّ‬ ‫إلّ ومعها ذو محرم } ‪ .‬وتوسّع الشّافعيّة والمالكيّة فسوّغوا الستبدال بالمحرم ‪ :‬ذهب الشّافعيّة‬ ‫إلى أنّها إن وجدت نسوة ثقات ‪ :‬اثنتين فأكثر تأمن معهنّ على نفسها كفى ذلك بدل عن‬ ‫ح أنّه ل يشترط‬ ‫المحرم أو الزّوج بالنّسبة لوجوب حجّة السلم على المرأة ‪ .‬وعندهم " الص ّ‬ ‫ن الطماع تنقطع بجماعتهنّ ‪ .‬فإن وجدت امرأة واحدة ثقة فل‬ ‫وجود محرم لحداهنّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يجب عليها الحجّ ‪ ،‬لكن يجوز لها أن تحجّ معها حجّة الفريضة أو النّذر ‪ ،‬بل يجوز لها أن‬ ‫تخرج وحدها لداء الفرض أو النّذر إذا أمنت ‪ .‬وزاد المالكيّة توسّعا فقالوا ‪ :‬المرأة إذا لم‬ ‫ج الفرض أو النّذر مع الرّفقة المأمونة ‪ ،‬بشرط أن‬ ‫تجد المحرم أو الزّوج ولو بأجرة تسافر لح ّ‬ ‫تكون المرأة بنفسها هي مأمونة أيضا ‪ .‬والرّفقة المأمونة جماعة مأمونة من النّساء ‪ ،‬أو‬ ‫الرّجال الصّالحين ‪ .‬قال الدّسوقيّ ‪ :‬وأكثر ما نقله أصحابنا اشتراط النّساء » ‪ .‬أمّا حجّ النّفل‬ ‫فل يجوز للمرأة السّفر له إلّ مع الزّوج أو المحرم فقط اتّفاقا ‪ ،‬ول يجوز لها السّفر‬ ‫بغيرهما ‪ ،‬بل تأثم به ‪.‬‬ ‫( نوع الشتراط للمحرم ) ‪:‬‬ ‫‪ - 26‬اختلفوا في الزّوج أو المحرم هل هو شرط وجوب أو شرط للزوم الداء بالنّفس ‪:‬‬ ‫ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّاجح عندهم وهو رواية عن أبي حنيفة إلى أنّ‬ ‫ل محلّه عند فقده الرّفقة المأمونة عند الشّافعيّة والمالكيّة‬ ‫المحرم شرط لوجوب الحجّ ‪ ،‬ويح ّ‬ ‫ن الزّوج أو المحرم شرط للّزوم الداء‬ ‫على الوجه الّذي ذكرناه ‪ .‬والرّاجح عند الحنفيّة أ ّ‬ ‫بالنّفس ‪ .‬وأدلّة الفريقين هي ما سبق الستدلل به في صحّة البدن وأمن الطّريق ( ف ‪ 19‬و‬ ‫‪. ) 21‬‬ ‫ج هو كلّ‬ ‫( المحرم المشروط للسّفر ) ‪ - 27‬المحرم المين المشروط في استطاعة المرأة للح ّ‬ ‫رجل مأمون عاقل بالغ يحرم عليه بالتّأبيد التّزوّج منها سواء كان التّحريم بالقرابة أو‬ ‫الرّضاعة أو الصّهريّة ‪ ...‬ونحو ذلك يشترط في الزّوج عند الحنفيّة والحنابلة بزيادة شرط‬ ‫السلم في المحرم ‪ .‬وقال المالكيّة بذلك في حقيقة المحرم لكن ل يشترط في المحرم البلوغ‬ ‫بل التّمييز والكفاية ‪ .‬وعند الشّافعيّة ‪ :‬يكفي المحرم الذّكر ‪ ،‬وإن لم يكن ثقة فيما يظهر ‪ ،‬لنّ‬ ‫ي أقوى من الشّرعيّ ‪ ،‬إذا كان له غيرة تمنعه أن يرضى بالزّنى » ‪.‬‬ ‫الوازع الطّبيع ّ‬ ‫فروع تتعلّق بالمسألة ‪:‬‬

‫‪ - 28‬أ ‪ -‬يشترط لوجوب الحجّ على المرأة أن تكون قادرة على نفقة نفسها ونفقة المحرم إن‬ ‫طلب منها النّفقة ‪ ،‬لنّه يستحقّها عليها عند الحنفيّة ‪ .‬وكذلك عبّر بالنّفقة ابن قدامة من الحنابلة‬ ‫‪ .‬وعبّر المالكيّة والشّافعيّة وابن مفلح من الحنابلة بالجرة ‪ .‬والمراد أجرة المثل ‪ .‬ولو امتنع‬ ‫ل بأجرة لزمتها إن قدرت عليها ‪ ،‬وحرم عليها الخروج مع الرّفقة‬ ‫المحرم عن الخروج إ ّ‬ ‫المأمونة وهذا عند المالكيّة ‪ .‬وأمّا عند الشّافعيّة فهي مخيّرة بين أن تكون في صحبة زوج أو‬ ‫محرم أو رفقة مأمونة ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الزّوج إذا حجّ مع امرأته فلها عليه النّفقة ‪ ،‬نفقة الحضر ل السّفر ‪ ،‬وليس له أن يأخذ‬ ‫منها أجرا مقابل الخروج معها عند الحنفيّة ‪ ،‬وهو ظاهر كلم الحنابلة ‪ ،‬لنّهم خصّوا المحرم‬ ‫بأخذ الجرة ‪ .‬وعند المالكيّة والشّافعيّة له أخذ الجرة إذا كانت أجرة المثل ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬إذا وجدت محرما لم يكن للزّوج منعها من الذّهاب معه لحجّ الفرض ‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫ج إلّ بإذن‬ ‫يمنعها من النّفل عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ليس للمرأة الح ّ‬ ‫الزّوج فرضا كان أو غيره " لنّ في ذهابها تفويت حقّ الزّوج ‪ ،‬وحقّ العبد مقدّم ‪ ،‬لنّه‬ ‫ي بقول طبيبين عدلين لم‬ ‫فرض بغير وقت إلّ في العمر كلّه ‪ " ،‬فإن خافت العجز البدن ّ‬ ‫ل الجمهور بأنّ حقّ الزّوج ل يقدّم على فرائض العين كصوم‬ ‫يشترط إذن الزّوج » ‪ .‬واستد ّ‬ ‫رمضان ‪ ،‬فليس للزّوج منع زوجته منه ‪ ،‬لنّه فرض عين عليها ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬عدم العدّة ‪:‬‬ ‫‪ - 29‬يشترط أل تكون المرأة معتدّة عن طلق أو وفاة مدّة إمكان السّير للحجّ ‪ ،‬وهو شرط‬ ‫ن اللّه تعالى نهى المعتدّات عن‬ ‫متّفق عليه بين العلماء على تفاصيل فيه ‪ .‬والدّليل على ذلك أ ّ‬ ‫ن من بيوتهنّ ول يخرجن إلّ أن يأتين‬ ‫ن بقوله تعالى ‪ { :‬ل تخرجوه ّ‬ ‫الخروج من بيوته ّ‬ ‫بفاحشة مبيّنة } ‪ ،‬والحجّ يمكن أداؤه في وقت آخر ‪ ،‬فل تلزم بأدائه وهي في العدّة ‪ .‬وقد عمّم‬ ‫الحنفيّة هذا الشّرط لك ّل معتدّة سواء كانت عدّتها من طلق بائن أو رجعيّ ‪ ،‬أو وفاة ‪ ،‬أو‬ ‫ج في‬ ‫فسخ نكاح ‪ .‬ونحو ذلك عند المالكيّة ‪ .‬وفصّل الحنابلة فقالوا ‪ :‬ل تخرج المرأة إلى الح ّ‬ ‫عدّة الوفاة ‪ ،‬ولها أن تخرج إليه في عدّة الطّلق المبتوت ‪ ،‬وذلك لنّ لزوم البيت فيه واجب‬ ‫ج لنّه يفوت ‪ ،‬والطّلق المبتوت ل يجب فيه ذلك ‪ .‬وأمّا عدّة‬ ‫في عدّة الوفاة ‪ ،‬وقدّم على الح ّ‬ ‫الرّجعيّة فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النّكاح ‪ ،‬لنّها زوجة ‪ .‬ونحو ذلك عند الشّافعيّة ‪ ،‬فقد‬ ‫صرّحوا بأنّ للزّوج أن يمنع المطلّقة الرّجعيّة للعدّة ‪ ،‬وذلك لنّه يحقّ للزّوج عندهم منعها عن‬ ‫حجّة الفرض في مذهبهم ‪ - 30 .‬ثمّ اختلف الحنفيّة في عدم العدّة ‪ :‬هل هو شرط وجوب أو‬ ‫شرط أداء ‪ ،‬والظهر أنّه شرط للزوم الداء بالنّفس ‪ .‬أمّا عند الجمهور فهو شرط للوجوب ‪.‬‬

‫( فروع ) ‪:‬‬ ‫ح حجّها ‪ ،‬وكانت آثمة ‪.‬‬ ‫ج في العدّة ص ّ‬ ‫‪ - 31‬لو خالفت المرأة وخرجت للح ّ‬ ‫ب ‪ -‬إن خرجت من بلدها للحجّ وطرأت عليها العدّة ففيها تفصيل عند الحنفيّة ‪ :‬إن طلّقها‬ ‫زوجها طلقا رجعيّا تبعت زوجها ‪ ،‬رجع أو مضى ‪ ،‬لم تفارقه ‪ ،‬والفضل أن يراجعها ‪.‬‬ ‫ل من مدّة السّفر وإلى مكّة مدّة سفر فإنّه‬ ‫وإن كان بائنا أو مات عنها فإن كان إلى منزلها أق ّ‬ ‫يجب أن تعود إلى منزلها ‪ ،‬وإن كانت إلى مكّة أقلّ مضت إلى مكّة ‪ ،‬وإن كانت إلى الجانبين‬ ‫أقلّ من مدّة السّفر فهي بالخيار إن شاءت مضت ‪ ،‬وإن شاءت رجعت إلى منزلها سواء كانت‬ ‫في المصر أو غيره ‪ ،‬وسواء كان معها محرم أو ل ‪ ،‬إلّ أنّ الرّجوع أولى ‪ .‬وإن كان من‬ ‫الجانبين مدّة سفر فإن كانت في المصر فليس لها أن تخرج بغير محرم بل خلف ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ذلك في مفازة أو قرية ل تأمن على نفسها ومالها فلها أن تمضي إلى موضع المن ثمّ ل‬ ‫تخرج منه حتّى تمضي عدّتها ‪ .‬ونحوه عند الحنابلة ‪ :‬قال في المغني ‪ :‬وإذا خرجت للحجّ‬ ‫فتوفّي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتدّ في منزلها ‪ ،‬وإن تباعدت مضت في سفرها » ‪ .‬وقال‬ ‫ج الفريضة فمات أو طلّقها في ثلثة أيّام أو نحوها أنّها‬ ‫المالكيّة ‪ :‬إذا خرجت مع زوجها لح ّ‬ ‫ترجع إذا وجدت ثقة ذا محرم ‪ ،‬أو ناسا ل بأس بهم ‪ .‬وإن بعدت أو كانت أحرمت أو‬ ‫أحرمت بعد الطّلق أو الموت ‪ ،‬وسواء أحرمت بفرض أو نفل أو لم تجد رفقة ترجع معهم‬ ‫ج التّطوّع ‪ :‬ترجع لتتمّ عدّتها في بيتها إن علمت أنّها تصل قبل‬ ‫فإنّها تمضي ‪ . » ...‬وفي ح ّ‬ ‫انقضاء عدّتها ‪ ،‬إن وجدت ذا محرم أو رفقة مأمونة ‪ .‬وإلّ تمادت مع رفقتها ‪ " ...‬أمّا‬ ‫الشّافعيّة فعندهم تفصيل في المسألة كقولهم في مسألة إذن الزّوج في خروج الزّوجة للحجّ‬ ‫حتّى لو طرأت العدّة بعد الحرام ‪ :‬إذا خرجت بغير إذنه فله منعها وتحليلها ‪ ،‬وإن خرجت‬ ‫بإذنه فليس له منعها ول تحليلها ‪.‬‬ ‫ج وليست داخلة فيه ‪.‬‬ ‫ج أمور تتوقّف عليها صحّة الح ّ‬ ‫ج ‪ :‬شروط صحّة الح ّ‬ ‫شروط صحّة الح ّ‬ ‫ل شيء منها كان الحجّ باطل ‪ ،‬وهي ‪ :‬الشّرط الوّل ‪ :‬السلم ‪:‬‬ ‫فلو اخت ّ‬ ‫ن الكافر ليس أهل للعبادة ول تصحّ منه ‪ ،‬فل يصحّ حجّ الكافر‬ ‫‪ - 32‬يشترط السلم ل ّ‬ ‫أصالة ول نيابة ‪ ،‬فإن حجّ أو حجّ عنه ثمّ أسلم ‪ ،‬وجبت عليه حجّة السلم ‪.‬‬ ‫( الشّرط الثّاني ) ‪ :‬العقل ‪:‬‬ ‫ن المجنون ليس أهل للعبادة أيضا ول تصحّ منه ‪ .‬فلو حجّ المجنون‬ ‫‪ - 33‬يشترط العقل ل ّ‬ ‫فحجّه غير صحيح ‪ ،‬وإذا أفاق وجبت عليه حجّة السلم ‪ .‬لكن يصحّ أن يحجّ عن المجنون‬ ‫وليّه ويقع نفل ‪.‬‬

‫الشّرط الثّالث ‪ :‬الميقات الزّمانيّ ‪:‬‬ ‫ج زمانا ل يؤدّى في غيره ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ { :‬الحجّ أشهر‬ ‫‪ - 34‬ذكر اللّه تعالى للح ّ‬ ‫معلومات } ‪ .‬قال عبد اللّه بن عمر وجماهير الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم ‪ :‬هي شوّال وذو‬ ‫القعدة وعشر من ذي الحجّة » ‪ .‬ووقع الخلف في نهار يوم النّحر ‪ ،‬فقال الحنفيّة والحنابلة ‪:‬‬ ‫ج ليلة النّحر ‪ ،‬وليس نهار يوم النّحر‬ ‫هو من أشهر الحجّ ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬آخر أشهر الح ّ‬ ‫منها ‪ .‬ووسّع المالكيّة فقالوا ‪ :‬آخر أشهر الحجّ نهاية شهر ذي الحجّة ‪ .‬وامتداد الوقت بعد‬ ‫ليلة النّحر إلى آخر ذي الحجّة عند المالكيّة إنّما هو بالنّظر إلى جواز التّحلّل من الحرام‬ ‫ج خارج وقت الحجّ ل يجزيه ‪ ،‬فلو صام‬ ‫وكراهة العمرة فقط ‪ .‬فلو فعل شيئا من أعمال الح ّ‬ ‫المتمتّع أو القارن ثلثة أيّام قبل أشهر الحجّ ل يجوز ‪ ،‬وكذا السّعي بين الصّفا والمروة عقب‬ ‫ج إلّ فيها ‪ .‬نعم أجاز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة الحرام‬ ‫طواف القدوم ل يقع عن سعي الح ّ‬ ‫بالحجّ قبلها مع الكراهة عندهم ‪ ( .‬انظر مصطلحي إحرام فقرة ‪ ، 34‬وأشهر الحجّ ) ‪ .‬ول‬ ‫يصحّ الحرام بالحجّ قبل وقته عند الشّافعيّة ‪ ،‬فلو أحرم به في غير وقته انعقد عمرة على‬ ‫الصّحيح عندهم ‪.‬‬ ‫الشّرط الرّابع ‪ :‬الميقات المكانيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 35‬هناك أماكن وقّتها الشّارع أي حدّدها لداء أركان الحجّ ‪ ،‬ل تصحّ في غيرها ‪.‬‬ ‫فالوقوف بعرفة ‪ ،‬مكانه أرض عرفة ‪ .‬والطّواف بالكعبة ‪ ،‬مكانه حول الكعبة ‪ .‬والسّعي ‪،‬‬ ‫مكانه المسافة بين الصّفا والمروة ‪ .‬ونفصّل توقيت المكان لكلّ منسك في موضعه إن شاء اللّه‬ ‫تعالى ‪.‬‬ ‫شروط إجزاء الحجّ عن الفرض ‪:‬‬ ‫‪ - 36‬شروط إجزاء الحجّ عن الفرض ثمانية وهي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬السلم ‪ :‬وهو شرط لوقوعه عن الفرض والنّفل ‪ ،‬بل لصحّته من أساسه كما هو معلوم ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬بقاؤه على السلم إلى الموت من غير ارتداد عياذا باللّه تعالى ‪ ،‬فإن ارتدّ عن السلم‬ ‫ج ثمّ تاب عن ردّته وأسلم وجب عليه الحجّ من جديد عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬ورواية‬ ‫بعد الح ّ‬ ‫عن أحمد ‪ .‬وقال الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد ‪ :‬ل تجب عليه حجّة السلم مجدّدا بعد‬ ‫ل الحنفيّة والمالكيّة ومن معهم بقوله تعالى ‪ { :‬لئن أشركت ليحبطنّ‬ ‫التّوبة عن ال ّردّة ‪ .‬استد ّ‬ ‫ل الشّافعيّ بقوله تعالى ‪ { :‬ومن‬ ‫عملك ‪ } ..‬فقد جعلت الية ال ّردّة نفسها محبطة للعمل ‪ .‬واستد ّ‬ ‫يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والخرة وأولئك‬

‫ن إحباط ال ّردّة للعمل مشروط بالموت‬ ‫أصحاب النّار هم فيها خالدون } ‪ .‬فقد دلّت الية على أ ّ‬ ‫كافرا ‪.‬‬

‫ج العبد ثمّ عتق ل تسقط عنه حجّة السلم ‪ .‬وقد سبق الكلم فيها ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬الح ّريّة ‪ :‬فإذا ح ّ‬ ‫( فقرة ‪. ) 12‬‬ ‫هـ ‪ -‬البلوغ ‪ :‬فإذا حجّ الصّبيّ ثمّ بلغ فعليه حجّة السلم ‪ .‬وقد سبق الكلم فيه ( فقرة ‪ 11‬و‬ ‫‪. ) 12‬‬ ‫و ‪ -‬الداء بنفسه إن قدر عليه ‪ :‬بأن يكون صحيحا مستكمل شروط وجوب أداء الحجّ‬ ‫بنفسه ‪ ،‬فإنّه حينئذ إذا أحجّ عنه غيره صحّ الحجّ ووقع نفل ‪ ،‬وبقي الفرض في ذمّته ‪ .‬أمّا إذا‬ ‫ح وسقط الفرض عنه ‪ ،‬بشرط‬ ‫اختلّ شرط من شروط وجوب الداء بنفسه فأحجّ عنه غيره ص ّ‬ ‫استمرار العذر إلى الموت ‪.‬‬ ‫ز ‪ -‬عدم نيّة النّفل ‪ :‬فيقع الحجّ عن الفرض بنيّة الفرض في الحرام ‪ ،‬وبمطلق نيّة الحجّ ‪.‬‬ ‫ج نفل وعليه حجّة الفرض أو نذر ‪ ،‬فإنّه يقع نفل عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬ ‫أمّا إذا نوى الح ّ‬ ‫ويقع عن الفرض أو النّذر عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو المذهب عند الحنابلة ‪ .‬يدلّ للوّلين حديث‬ ‫ل ما نواه‬ ‫{ وإنّما لكلّ امرئ ما نوى } ‪ .‬وهذا نوى النّفل فل يقع عن الفرض ‪ ،‬لنّه ليس له إ ّ‬ ‫ج‪.‬‬ ‫ن المراد بالحديث غير الح ّ‬ ‫‪ .‬واستدلّ للخرين بأنّه قول ابن عمر وأنس ‪ .‬وأ ّ‬ ‫ح ‪ -‬عدم ال ّنيّة عن الغير ‪ :‬وهذا محلّ اتّفاق إذا كان المحرم بالحجّ قد حجّ عن نفسه قبل‬ ‫ج عن نفسه حجّة السلم‬ ‫ذلك ‪ ،‬فإن نوى عن غيره وقع عن غيره اتّفاقا ‪ .‬أمّا إذا لم يكن ح ّ‬ ‫ونوى عن غيره فإنّه يقع عن الغير مع الكراهة عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬ويقع عن نفسه عند‬ ‫الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬ويأتي مزيد تفصيل لذلك في بحث الحجّ عن الغير ‪.‬‬ ‫كيفيّات الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 37‬يؤدّى الحجّ على ثلث كيفيّات ‪ ،‬وهي ‪:‬‬ ‫ج أي ينوي الحجّ فقط عند إحرامه ثمّ يأتي بأعمال الحجّ وحده‬ ‫أ ‪ -‬الفراد ‪ :‬وهو أن يهلّ الحا ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬القران ‪ :‬وهو أن يهلّ بالعمرة والحجّ جميعا ‪ ،‬فيأتي بهما في نسك واحد ‪ .‬وقال‬ ‫الجمهور ‪ :‬إنّهما يتداخلن ‪ ،‬فيطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا ويجزئه ذلك عن الحجّ‬ ‫والعمرة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين ‪ ،‬طواف وسعي للعمرة ‪ ،‬ثمّ‬ ‫طواف الزّيارة والسّعي للحجّ ‪ .‬ويجب على القارن أن ينحر هديا بالجماع ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬ ‫ج ‪ ،‬ويأتي مكّة‬ ‫ل بالعمرة فقط في أشهر الح ّ‬ ‫مصطلح ‪ ( :‬قران ) ‪ .‬ج ‪ -‬التّمتّع ‪ :‬وهو أن يه ّ‬

‫فيؤدّي مناسك العمرة ‪ ،‬ويتحلّل ‪ .‬ويمكث بمكّة حلل ‪ ،‬ثمّ يحرم بالحجّ ويأتي بأعماله ‪.‬‬ ‫ويجب عليه أن ينحر هديا بالجماع ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تمتّع ) ‪.‬‬ ‫مشروعيّة كيفيّات الحجّ ‪:‬‬ ‫ج الّتي ذكرناها ‪ .‬ويستدلّ لذلك بالكتاب‬ ‫ل كيفيّات الح ّ‬ ‫‪ - 38‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة ك ّ‬ ‫سنّة والجماع ‪ :‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه‬ ‫وال ّ‬ ‫ج والعمرة للّه } وقوله ‪ { :‬فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ‬ ‫سبيل } ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬وأتمّوا الح ّ‬ ‫سنّة ‪ :‬فمنها حديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ { :‬خرجنا‬ ‫فما استيسر من الهدي } ‪ .‬وأمّا ال ّ‬ ‫مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عام حجّة الوداع ‪ ،‬فمنّا من أهلّ بعمرة ‪ ،‬ومنّا من أهلّ‬ ‫ل بالحجّ ‪ .‬وأهلّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالحجّ ‪ .‬فأمّا من‬ ‫بحجّة وعمرة ‪ ،‬ومنّا من أه ّ‬ ‫ج والعمرة فلم يحلّوا حتّى كان يوم النّحر } ‪ .‬وأمّا الجماع ‪ :‬فقد‬ ‫ج ‪ ،‬أو جمع الح ّ‬ ‫أهلّ بالح ّ‬ ‫ص على ذلك الئمّة ‪،‬‬ ‫تواتر عمل الصّحابة ومن بعدهم على التّخيير بين هذه الوجه كما ن ّ‬ ‫ومن ذلك ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تصريح المام الشّافعيّ الّذي نقلناه سابقا ‪ ،‬وقوله " ثمّ ما ل أعلم فيه خلفا " ‪ - 2‬قال‬ ‫القاضي حسين من الشّافعيّة ‪ :‬وكلّها جائزة بالجماع " ‪ - 3‬قال المام النّوويّ ‪ :‬وقد انعقد‬ ‫الجماع بعد هذا ‪ -‬أي بعد الخلف الّذي نقل عن بعض الصّحابة ‪ -‬على جواز الفراد‬ ‫ن الفراد والقران‬ ‫والتّمتّع والقران من غير كراهة " ‪ - 4‬قال الخطّابيّ ‪ :‬لم تختلف المّة في أ ّ‬ ‫‪ ،‬والتّمتّع بالعمرة إلى الحجّ كلّها جائزة » ‪.‬‬ ‫هدي التّمتّع والقران ‪:‬‬ ‫‪ - 38‬يجب بإجماع العلماء على القارن والمتمتّع أن يذبح هديا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فمن تمتّع‬ ‫ج فما استيسر من الهدي } ‪ .‬وتفصيله في ( هدي ‪ ،‬وتمتّع ‪ ،‬وقران ) ‪.‬‬ ‫بالعمرة إلى الح ّ‬ ‫المفاضلة بين كيفيّات أداء الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 39‬فضّل كلّ كيفيّة من كيفيّات الحجّ طائفة من العلماء ‪ ،‬وذلك بسبب اختلف الرّوايات في‬ ‫حجّه صلى ال عليه وسلم ولستنباطات قوّة ذلك التّفضيل عند كلّ جماعة ‪:‬‬ ‫ن الفراد بالحجّ أفضل ‪ ،‬وبه قال عمر بن الخطّاب ‪،‬‬ ‫أ ‪ -‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫وعثمان ‪ ،‬وعليّ ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬والوزاعيّ ‪ ،‬وأبو ثور ‪ .‬ومن أدلّتهم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ - 1‬حديث عائشة السّابق ‪ ،‬وفيه قولها ‪ { :‬وأهلّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالحجّ } ‪.‬‬ ‫وغيره من أحاديث تفيد أنّه صلى ال عليه وسلم كان مفردا بالحجّ ‪.‬‬

‫‪ - 2‬أنّه أشقّ عمل من القران ‪ ،‬وليس فيه استباحة محظور كما في التّمتّع ‪ ،‬فيكون أكثر ثوابا‬ ‫ن المالكيّة فضّلوا الفراد ‪ ،‬ثمّ القران ‪ ،‬ثمّ التّمتّع ‪ ،‬وقدّم الشّافعيّة التّمتّع على القران ‪.‬‬ ‫‪ .‬إلّ أ ّ‬ ‫ج ثمّ يعتمر في‬ ‫وشرط تفضيل الفراد على غيره ‪ -‬على ما صرّح به الشّافعيّة ‪ " -‬أن يح ّ‬ ‫ل واحد من التّمتّع والقران أفضل منه ‪ ،‬بل خلف ‪،‬‬ ‫ج فك ّ‬ ‫سنته ‪ ،‬فإن أخّر العمرة عن سنة الح ّ‬ ‫ن تأخير العمرة عن سنة الحجّ مكروه » ‪.‬‬ ‫لّ‬ ‫ن أفضلها القران ‪ ،‬ثمّ التّمتّع ‪ ،‬ثمّ الفراد ‪ ،‬وهو قول سفيان الثّوريّ‬ ‫ب ‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫والمزنيّ صاحب الشّافعيّ ‪ .‬وابن المنذر ‪ ،‬وأبي إسحاق المروزيّ ‪ .‬ومن أدلّتهم ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬حديث عمر رضي ال عنه { سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بوادي العقيق يقول‬ ‫‪ :‬أتاني اللّيلة آت من ربّي ‪ ،‬فقال ‪ :‬صلّ في هذا الوادي المبارك ‪ ،‬وقل ‪ :‬عمرة في حجّة } ‪.‬‬ ‫ج بعد أن كان مفردا ‪ ،‬ول يأمره إلّ بالفضل ‪ .‬وهذا‬ ‫فقد أمر اللّه نبيّه بإدخال العمرة على الح ّ‬ ‫يجمع بين الرّوايات المختلفة في حجّه صلى ال عليه وسلم فالمصير إليه متعيّن ‪ - 2 .‬أنّه‬ ‫ن فيه جمعا بين العبادتين فيكون أفضل ‪.‬‬ ‫أشقّ لكونه أدوم إحراما ‪ ،‬وأسرع إلى العبادة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن التّمتّع أفضل ‪ ،‬فالفراد ‪ ،‬فالقران ‪ " .‬وممّن روي عنه اختيار‬ ‫ج ‪ -‬ذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫التّمتّع ‪ :‬ابن عمر ‪ ،‬وابن عبّاس ‪ ،‬وابن الزّبير ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وطاوس ‪،‬‬ ‫ومجاهد ‪ ،‬وجابر بن زيد ‪ ،‬والقاسم ‪ ،‬وسالم ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وهو أحد قولي الشّافعيّ » ‪ .‬ومن‬ ‫أدلّتهم ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ -‬في حديث جابر ‪ { : -‬لو أنّي استقبلت من أمري ما‬ ‫استدبرت لم أسق الهدي ‪ ،‬وجعلتها عمرة ‪ ،‬فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ ‪ ،‬وليجعلها‬ ‫عمرة } ‪ .‬فقد أمر أصحابه بالتّمتّع ‪ ،‬وتمنّاه لنفسه ‪ ،‬ول يأمر ول يتمنّى إلّ الفضل ‪.‬‬ ‫ج ‪ ،‬مع كمالهما ‪ ،‬وكمال أفعالهما ‪،‬‬ ‫ج والعمرة في أشهر الح ّ‬ ‫‪ - 2‬أنّ المتمتّع ‪ ،‬يجتمع له الح ّ‬ ‫على وجه اليسر والسّهولة ‪ ،‬مع زيادة نسك ‪ ،‬لكان ذلك أولى ‪.‬‬ ‫ج بكيفيّاته كلّها ‪ :‬ونقسم أعمال الحجّ لتسهيل فهم أدائها إلى قسمين ‪:‬‬ ‫صفة أداء الح ّ‬ ‫ج حتّى قدوم مكّة ‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬أعمال الح ّ‬ ‫ج بعد قدوم مكّة ‪ .‬أعمال الحجّ حتّى قدوم مكّة ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬أعمال الح ّ‬ ‫ج فإنّه يشرع بالستعداد للحرام ( انظر مصطلح إحرام ‪ ،‬وخصوصا ف‬ ‫‪ - 40‬من أراد الح ّ‬ ‫ج عليها ‪ ،‬فإن أراد الفراد نوى الحجّ ‪،‬‬ ‫‪ ، ) 117‬وينوي في إحرامه الكيفيّة الّتي يريد أداء الح ّ‬ ‫وإن أراد القران نوى الحجّ والعمرة ‪ ،‬وإن أراد التّمتّع نوى العمرة فقط ‪ .‬فإذا دخل مكّة بادر‬ ‫إلى المسجد الحرام ‪ ،‬وتوجّه إلى الكعبة المعظّمة بغاية الخشوع والجلل ‪ ،‬ويبدأ بالطّواف‬ ‫من الحجر السود ‪ ،‬فيطوف سبعة أشواط ‪ ،‬وهذا الطّواف هو طواف القدوم للمفرد بالحجّ ‪،‬‬

‫وهو طواف العمرة لمن أحرم متمتّعا ( انظر تمتّع ) ‪ .‬أمّا إن كان قارنا فيقع عن القدوم عند‬ ‫الجمهور ‪ ،‬وعن العمرة عند الحنفيّة ‪ ،‬وعليه أن يطوف طوافا آخر للقدوم عندهم ( انظر‬ ‫مصطلح قران ) ‪ .‬ويقطع المتمتّع التّلبية بشروعه بالطّواف ‪ ،‬ول يقطعها المفرد والقارن حتّى‬ ‫يشرع في الرّمي يوم النّحر ( انظر تلبية ) ‪ .‬ويستلم الحجر في ابتداء الطّواف ويقبّله ‪،‬‬ ‫وكلّما مرّ به ‪ ،‬إن تيسّر ذلك من غير إيذاء لحد ‪ ،‬وإلّ لمسه بيده أو بشيء يمسكه بها‬ ‫وقبّله ‪ ،‬وإلّ أشار بيديه ‪ ،‬وإن كان يريد السّعي بعده فيسنّ له أن يضطبع في أشواط طوافه‬ ‫هذا كلّها ‪ ،‬ويرمل في الثّلثة الولى ‪ .‬وليكثر من الدّعاء والذّكر في طوافه كلّه ‪ ،‬ول سيّما‬ ‫المأثور ( انظر مصطلح ‪ :‬طواف ) ‪ .‬وإذا فرغ من طوافه يصلّي ركعتي الطّواف عند مقام‬ ‫إبراهيم إن أمكن ‪ ،‬ثمّ إن أراد السّعي يذهب إلى الصّفا ويسعى بين الصّفا والمروة سبعة‬ ‫أشواط ‪ ،‬مراعيا أحكام السّعي وآدابه ‪ ( .‬انظر ‪ :‬سعي ) ‪ .‬وهذا السّعي يقع عن الحجّ‬ ‫للمفرد ‪ ،‬وعن العمرة للمتمتّع ‪ ،‬وعن الحجّ والعمرة للقارن ‪ ،‬على ما هو مذهب الجمهور في‬ ‫ج عندهم ( انظر‬ ‫القران ‪ ،‬أمّا عند الحنفيّة فعن العمرة فقط للقارن ‪ ،‬وعليه سعي آخر للح ّ‬ ‫مصطلح ‪ :‬قران ) ‪ .‬وهنا يحلق المتمتّع رأسه بعد السّعي أو يقصّره ( انظر حلق ) ‪ ،‬وقد حلّ‬ ‫من إحرامه ‪ ( .‬انظر ‪ :‬إحرام ‪ :‬ف ‪ . ) 126‬أمّا المفرد والقارن فهما على إحرامهما إلى أن‬ ‫يتحلّل بأعمال يوم النّحر ‪.‬‬ ‫أعمال الحجّ بعد قدوم مكّة ‪:‬‬ ‫‪ - 41‬يمكث الحاجّ في مكّة بعد القدوم وما ذكرنا فيه ‪ -‬إلى يوم التّروية ليؤدّي سائر المناسك‬ ‫ويؤدّي أعمال الحجّ هذه في ستّة أيّام كما يلي ‪ :‬يوم التّروية ‪:‬‬ ‫‪ - 42‬وهو يوم الثّامن من ذي الحجّة ‪ ،‬وينطلق فيه الحجّاج إلى منى ‪ ،‬ويحرم المتمتّع‬ ‫سنّة ‪ ،‬ويصلّون فيها‬ ‫بالحجّ ‪ ،‬أمّا المفرد والقارن فهما على إحرامهما ‪ ،‬ويبيتون بمنى اتّباعا لل ّ‬ ‫خمس صلوات ‪ :‬الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ‪ .‬وهذا فجر يوم عرفة ‪.‬‬ ‫يوم عرفة ‪:‬‬ ‫‪ - 43‬وهو يوم عظيم يؤدّي فيه الحجّاج الوقوف بعرفة ركن الحجّ الّذي يتوقّف على فواته‬ ‫ج ‪ ،‬ثمّ المبيت بالمزدلفة ‪.‬‬ ‫بطلن الح ّ‬ ‫ج من منى إلى عرفة بعد طلوع الفجر ‪،‬‬ ‫أ ‪ -‬الوقوف بعرفة ‪ :‬وفيه يسنّ أن يخرج الحا ّ‬ ‫ن أل يدخل عرفة إلّ بعد الزّوال ‪ ،‬وبعد أن يجمع‬ ‫وعرفة كلّها موقف إلّ بطن عرنة ‪ ،‬ويس ّ‬ ‫الظّهر والعصر تقديما ‪ ،‬فيقف بعرفة مراعيا أحكامه وسننه وآدابه ‪ ،‬ويستمرّ إلى غروب‬

‫الشّمس ‪ ،‬ول يجاوز عرفة قبله ‪ ،‬ويتوجّه إلى اللّه في وقوفه خاشعا ضارعا بالدّعاء والذّكر‬ ‫والقرآن والتّلبية ‪ ...‬حتّى يدفع من عرفة ‪.‬‬ ‫ج من عرفة إلى المزدلفة ‪،‬‬ ‫ب ‪ -‬المبيت بالمزدلفة ‪ :‬إذا غربت شمس يوم عرفة يسير الحا ّ‬ ‫ويجمع بها المغرب والعشاء تأخيرا ‪ ،‬ويبيت فيها ‪ ،‬وهو واجب عند الجمهور سنّة عند الحنفيّة‬ ‫‪ ،‬ثمّ يصلّي الفجر ويقف للدّعاء ‪ ،‬والوقوف بعد الفجر واجب عند الحنفيّة سنّة عند الجمهور‬ ‫إلّ أنّ الحنفيّة يرون أنّه إذا نفر لعذر كزحمة قبل الفجر فل شيء عليه ‪ .‬ويستمرّ واقفا يدعو‬ ‫ويهلّل ويلبّي حتّى يسفر جدّا ‪ ،‬لينطلق إلى منى ‪ .‬ويستحبّ له أن يلقط الجمار ( الحصيات‬ ‫ل فسبعة يرمي بها‬ ‫الصّغار ) من المزدلفة ‪ ،‬ليرمي بها ‪ ،‬وعددها سبعون ‪ ،‬للرّمي كلّه ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫يوم النّحر ‪.‬‬ ‫يوم النّحر ‪:‬‬ ‫ج من مزدلفة إلى منى يوم النّحر قبل طلوع الشّمس ‪ ،‬ليؤدّي أعمال‬ ‫ن أن يدفع الحا ّ‬ ‫‪ - 44‬يس ّ‬ ‫ج عمل ‪ ،‬ويكثر في تحرّكه من الذّكر والتّلبية والتّكبير ‪ .‬وأعمال‬ ‫النّحر ‪ ،‬وهو أكثر أيّام الح ّ‬ ‫هذا اليوم هي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬رمي جمرة العقبة ‪ :‬فيجب على الحاجّ في هذا اليوم رمي جمرة العقبة وحدها ‪ ،‬وتسمّى‬ ‫الجمرة الكبرى ‪ .‬يرميها بسبع حصيات ‪ ،‬ويكبّر مع كلّ حصاة ‪ ،‬ويقطع التّلبية مع ابتداء‬ ‫الرّمي ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬نحر الهدي ‪ ،‬وهو واجب على المتمتّع والقارن ‪ ،‬سنّة لغيرهما ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الحلق أو التّقصير ‪ :‬والحلق أفضل للرّجال ‪ ،‬مكروه كراهة شديدة للنّساء ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬طواف الزّيارة ‪ :‬ويأتي ترتيبه بعد العمال السّابقة ‪ ،‬فيفيض الحاجّ أي يرحل إلى مكّة‬ ‫ليطوف الزّيارة ‪ ،‬وهو طواف الرّكن في الحجّ ‪ .‬وإن كان قدّم السّعي فل يضطبع ول يرمل‬ ‫في هذا الطّواف ‪ ،‬لنّه لم يبق سعي بعده ‪ ،‬وإن لم يقدّم السّعي فليسع بعد الطّواف ‪ ،‬ويضطبع‬ ‫ل طواف بعده سعي ‪.‬‬ ‫سنّة في ك ّ‬ ‫ويرمل في طوافه ‪ ،‬كما هي ال ّ‬ ‫هـ ‪ -‬السّعي بين الصّفا والمروة ‪ :‬لمن لم يقدّم السّعي من قبل ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬التّحلّل ‪ :‬ويحصل بأداء العمال الّتي ذكرناها ‪ ،‬وهو قسمان ‪ :‬التّحلّل الوّل ‪ :‬أو‬ ‫الصغر ‪ :‬تحلّ به محظورات الحرام عدا النّساء ‪ .‬ويحصل بالحلق عند الحنفيّة ‪ ،‬وبالرّمي‬ ‫عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وبفعل ثلثة من أعمال يوم النّحر ( استثني منها الذّبح حيث ل دخل‬ ‫له في التّحلّل ) عند الشّافعيّة ‪ .‬التّحلّل الثّاني ‪ :‬أو الكبر ‪ :‬تحلّ به كلّ محظورات الحرام‬ ‫حتّى النّساء ‪ .‬ويحصل بطواف الفاضة فقط بشرط الحلق عند الحنفيّة ‪ ،‬وبالفاضة مع السّعي‬ ‫عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬وباستكمال العمال الربعة عند الشّافعيّة ‪.‬‬

‫أوّل وثاني أيّام التّشريق ‪:‬‬ ‫‪ - 45‬هما ثاني وثالث أيّام النّحر ‪ ،‬وفيهما ما يلي ‪ :‬أ ‪ -‬المبيت بمنى ليلتي هذين اليومين ‪:‬‬ ‫وهو واجب عند الجمهور سنّة عند الحنفيّة ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬رمي الجمار الثّلث ‪ :‬يرميها على التّرتيب ‪ :‬الجمرة الولى أو الصّغرى وهي أقرب‬ ‫الجمرات إلى مسجد الخيف بمنى ‪ ،‬ثمّ الجمرة الثّانية أو الوسطى ‪ ،‬ثمّ الثّالثة الكبرى جمرة‬ ‫ل واحدة بسبع حصيات ‪ ،‬ويدعو بين كلّ جمرتين ‪.‬‬ ‫العقبة ‪ .‬يرمي ك ّ‬ ‫ج ‪ -‬النّفر الوّل ‪ :‬يحلّ للحاجّ إذا رمى جمار اليوم الثّاني من أيّام التّشريق أن يرحل إلى مكّة‬ ‫‪ ،‬ويسقط عنه رمي اليوم الثّالث ‪ ،‬إذا جاوز حدود منى قبل غروب الشّمس عند الجمهور ‪،‬‬ ‫وقبل فجر ثالث أيّام التّشريق عند الحنفيّة ‪.‬‬ ‫ج بالمحصّب عند وصوله مكّة إن‬ ‫د ‪ -‬التّحصيب ‪ :‬وهو مستحبّ عند الجمهور ‪ ،‬فينزل الحا ّ‬ ‫تيسّر له ليذكر اللّه تعالى فيه ويصلّي ‪.‬‬ ‫ثالث أيّام التّشريق ‪:‬‬ ‫‪ - 46‬هو رابع أيّام النّحر ‪ ،‬وفيه ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الرّمي ‪ :‬يجب رمي الجمار الثّلث في هذا اليوم على من تأخّر ‪ ،‬فلم ينفر النّفر الوّل ‪،‬‬ ‫وينتهي وقته ووقت الرّمي كلّه أيضا قضاء وأداء بغروب شمس هذا اليوم اتّفاقا ‪ .‬وتنتهي‬ ‫بغروبه مناسك منى ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬النّفر الثّاني ‪ :‬ينفر أي يرحل سائر الحجّاج في هذا اليوم إلى مكّة بعد رمي الجمار ‪،‬‬ ‫ول يشرع المكث بمنى بعد ذلك ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬التّحصيب ‪ :‬عند وصول مكّة ‪ ،‬كما مرّ ذكره ‪ ،‬في النّفر الوّل ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬المكث بمكّة ‪ :‬تنتهي المناسك بنهاية أعمال منى ‪ -‬عدا طواف الوداع ‪ -‬ويمكث الحاجّ‬ ‫بمكّة إلى وقت سفره في عبادة ‪ ،‬وذكر ‪ ،‬وطواف ‪ ،‬وعمل خير ‪ .‬ويأتي المفرد بالعمرة ‪ ،‬فإنّ‬ ‫وقتها كلّ أيّام السّنة عدا يوم عرفة وأربعة أيّام بعده فتكره فيها كراهة تحريم عند الحنفيّة ‪.‬‬ ‫( انظر مصطلح ‪ :‬إحرام ‪ :‬ف ‪ ( ) 38‬وعمرة ) ‪.‬‬ ‫طواف الوداع ‪:‬‬ ‫‪ 46‬م ‪ -‬إذا أراد الحاجّ السّفر من مكّة يجب عليه عند الجمهور أن يطوف بالبيت طواف‬ ‫الوداع ‪ ،‬والمعنى الملحظ في هذا الطّواف أن يكون آخر العهد بالبيت ‪ ،‬ول رمل في هذا‬ ‫الطّواف ول اضطباع ‪ ،‬وبعد أن يصلّي ركعتي الطّواف ‪ ،‬يأتي زمزم ويشرب من مائها‬ ‫مستقبل البيت ‪ ،‬ويتشبّث بأستار الكعبة ‪ ،‬ويستلم الحجر السود إن تيسّر له من غير إيذاء أحد‬

‫‪ ،‬ثمّ يسير إلى باب الحرم ووجهه تلقاء الباب ‪ ،‬داعيا بالقبول ‪ ،‬والغفران ‪ ،‬وبالعود مرّة بعد‬ ‫مرّة ‪ ،‬وألّ يكون ذلك آخر العهد من هذا البيت العتيق ‪.‬‬ ‫أركان الحجّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 47‬أركان الحجّ فيما اتّجه إليه جمهور الفقهاء أربعة ‪ :‬الحرام ‪ .‬والوقوف بعرفة ‪.‬‬ ‫ج عند الحنفيّة ركنان ‪ :‬الوقوف‬ ‫والطّواف وهو طواف الزّيارة ‪ .‬والسّعي ‪ .‬وأركان الح ّ‬ ‫بعرفة ‪ ،‬وطواف الزّيارة ‪ .‬وعند الشّافعيّة ستّ ‪ :‬الربع المذكورة عند الجمهور والحلق أو‬ ‫التّقصير ‪ ،‬والتّرتيب بين معظم الركان ‪ .‬الرّكن الوّل ‪ :‬الحرام ‪:‬‬ ‫ج ‪ :‬نيّة الحجّ‬ ‫‪ - 48‬الحرام في اللّغة ‪ :‬الدّخول في الحرمة ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬الحرام بالح ّ‬ ‫عند الجمهور ‪ .‬وال ّنيّة مع التّلبية وهي قول ‪ :‬لبّيك اللّهمّ ‪ -‬عند الحنفيّة ‪ .‬والحرام ركن من‬ ‫ج عند الجمهور ‪ ،‬وشرط من شروط صحّته عند الحنفيّة ‪ .‬وهو عندهم شرط من‬ ‫أركان الح ّ‬ ‫وجه ركن من وجه ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ‪.‬‬ ‫الرّكن الثّاني ‪ :‬الوقوف بعرفة ‪:‬‬ ‫ج في أرض ( عرفة ) ‪ ،‬بالشّروط والحكام‬ ‫‪ - 49‬المراد من الوقوف بعرفة ‪ :‬وجود الحا ّ‬ ‫ج ‪ ،‬يختصّ بأنّه من فاته فقد فاته الحجّ‬ ‫المقرّرة ‪ .‬والوقوف بعرفة ركن أساسيّ من أركان الح ّ‬ ‫سنّة والجماع ‪ :‬أمّا القرآن‬ ‫‪ .‬وقد ثبتت ركنيّة الوقوف بعرفة بالدلّة القاطعة من الكتاب وال ّ‬ ‫فقوله تعالى ‪ { :‬ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس } ‪ .‬فقد ثبت أنّها نزلت تأمر بالوقوف‬ ‫ج عرفة } ‪ .‬وأمّا الجماع ‪ :‬فقد‬ ‫سنّة ‪ :‬فعدّة أحاديث ‪ ،‬أشهرها حديث ‪ { :‬الح ّ‬ ‫بعرفة ‪ .‬وأمّا ال ّ‬ ‫صرّح به عدد من العلماء ‪ ،‬وقال ابن رشد ‪ :‬أجمعوا على أنّه ركن من أركان الحجّ ‪ ،‬وأنّه‬ ‫ج قابل » ‪.‬‬ ‫من فاته فعليه ح ّ‬ ‫وقت الوقوف بعرفة ‪:‬‬ ‫‪ - 50‬يبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشّمس يوم عرفة ‪ -‬وهو تاسع ذي الحجّة ‪ -‬ويمتدّ‬ ‫إلى طلوع الفجر الصّادق يوم عيد النّحر حتّى لو وقف بعرفة في غير هذا الوقت كان وقوفه‬ ‫باطل اتّفاقا في الجملة ‪ .‬وقد أجمعوا على أنّ آخر وقت وقوف عرفة هو طلوع الفجر يوم‬ ‫النّحر ‪ .‬أمّا ابتداء وقت الوقوف بعرفة فقد وقع فيه اختلف ‪ :‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة‬ ‫والشّافعيّة ) على أنّ أوّله زوال شمس يوم عرفة ‪ .‬وذهب مالك ‪ :‬إلى أنّ وقت الوقوف هو‬ ‫ج من قابل ‪ ،‬وأمّا الوقوف‬ ‫اللّيل ‪ ،‬فمن لم يقف جزءا من اللّيل لم يجزئ وقوفه وعليه الح ّ‬ ‫نهارا فواجب ينجبر بالدّم بتركه عمدا بغير عذر ‪ .‬وعند الحنابلة ‪ :‬وقت الوقوف من طلوع‬ ‫الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النّحر "‬

‫الزّمن الّذي يستغرقه الوقوف ‪ :‬أمّا الزّمن الّذي يستغرقه الوقوف ففيه تفصيل ‪:‬‬ ‫‪ - 51‬قسم الحنفيّة والحنابلة زمان الوقوف إلى قسمين ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬زمان الرّكن ‪ :‬الّذي تتأدّى به فريضة الوقوف بعرفة ‪ :‬وهو أن يوجد في عرفة خلل‬ ‫المدّة الّتي عرّفناها عند كلّ ‪ ،‬ولو زمانا قليل جدّا ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬زمان الواجب ‪ :‬وهو أن يستمرّ من وقف بعد الزّوال إلى أن تغرب الشّمس ‪ ،‬فل‬ ‫يجاوز حدّ عرفة إلّ بعد الغروب ‪ ،‬ولو بلحظة ‪ .‬وهو المقصود بقولهم ‪ :‬أن يجمع بين اللّيل‬ ‫والنّهار بعرفة ‪ .‬فلو فارق عرفة قبل الغروب وجب عليه دم عند الجمهور ‪ ،‬أمّا إذا لم يقف‬ ‫بعرفة إلّ بعد المغرب فل شيء عليه ‪ .‬وأمّا المالكيّة فزمان الرّكن عندهم هو الوقوف ليل ‪،‬‬ ‫ن الجمع بين اللّيل والنّهار بعرفة سنّة‬ ‫أمّا نهارا فواجب ‪ .‬وأمّا الشّافعيّة ‪ :‬فالمعتمد عندهم أ ّ‬ ‫ليس واجبا ‪ ،‬لكن يستحبّ له بتركه الفداء استحبابا ‪ ،‬وفي أيّ وقت وقف بعرفة من بعد‬ ‫الزّوال إلى فجر يوم النّحر أجزأه ‪.‬‬ ‫الثّالث ‪ :‬طواف الزّيارة ‪:‬‬ ‫ج بعد أن يفيض من عرفة ويبيت بالمزدلفة ‪ ،‬ويأتي منى يوم‬ ‫‪ - 52‬طواف الزّيارة يؤدّيه الحا ّ‬ ‫العيد فيرمي وينحر ويحلق ثمّ بعد ذلك يفيض إلى مكّة فيطوف بالبيت سمّي طواف الزّيارة‬ ‫ن الحاجّ يأتي من منى فيزور البيت ول يقيم بمكّة ‪ ،‬بل يرجع ليبيت بمنى ‪ .‬ويسمّى أيضا‬ ‫لّ‬ ‫ج يفعله عند إفاضته من منى إلى مكّة ‪ .‬وعدد أشواط الطّواف‬ ‫طواف الفاضة ‪ ،‬لنّ الحا ّ‬ ‫سبعة ‪ ،‬وكلّها ركن عند الجمهور ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬الرّكن هو أكثر السّبعة ‪ ،‬والباقي واجب‬ ‫ينجبر بالدّم ‪ .‬ويجب المشي في الطّواف على القادر عليه عند الجمهور ‪ ،‬وهو سنّة عند‬ ‫ل فل يسنّ ‪.‬‬ ‫الشّافعيّة ‪ .‬ويسنّ الرّمل والضطباع في الطّواف إذا كان سيسعى بعده وإ ّ‬ ‫ويصلّي بعد الطّواف ركعتين وجوبا عند الجمهور وسنّة عند الشّافعيّة ‪ .‬وتفصيله في مصطلح‬ ‫‪ ( :‬طواف ) ‪ .‬ركنيّة طواف الزّيارة ‪:‬‬ ‫سنّة والجماع ‪ :‬أمّا الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪:‬‬ ‫‪ - 53‬ثبت فرضيّة طواف الزّيارة بالكتاب وال ّ‬ ‫ن الية في طواف الفاضة ‪ ،‬فيكون‬ ‫{ وليطّوّفوا بالبيت العتيق } فقد أجمع العلماء على أ ّ‬ ‫سنّة ‪ :‬فقد { حجّت أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ رضي ال عنها‬ ‫فرضا بنصّ القرآن ‪ .‬وأمّا ال ّ‬ ‫مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم فحاضت ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أحابستنا هي‬ ‫ن طواف الفاضة فرض ل‬ ‫؟ قالوا ‪ :‬إنّها قد أفاضت ‪ .‬قال ‪ :‬فل إذن } ‪ .‬فدلّ الحديث على أ ّ‬ ‫بدّ منه ‪ ،‬ولول فرضيّته لم يمنع من لم يأت به عن السّفر ‪ .‬وعليه الجماع ‪.‬‬ ‫شروط طواف الزّيارة ‪:‬‬

‫‪ - 54‬يشترط في طواف الزّيارة شروط خاصّة به سوى الشّروط العامّة للطّواف وهذه‬ ‫الشّروط الخاصّة هي ‪:‬‬ ‫ج على الحرام ‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يكون مسبوقا بالحرام ‪ ،‬لتوقّف احتساب أيّ عمل من أعمال الح ّ‬ ‫ب ‪ -‬أن يكون مسبوقا بوقوف عرفة ‪ ،‬فلو طاف للفاضة قبل الوقوف بعرفة ل يسقط به‬ ‫فرض الطّواف ‪ ،‬إجماعا ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬ال ّنيّة ‪ :‬بأن يقصد أصل الطّواف ‪ .‬أمّا نيّة التّعيين فليست شرطا في طواف الفاضة عند‬ ‫الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) لدخوله في نيّة الحجّ ‪ .‬لذلك صرّحوا بشرطيّة عدم‬ ‫صرفه لغيره ‪ ،‬كطلب غريم ‪ ،‬أو هرب من ظالم ‪ .‬أمّا الحنابلة ‪ :‬فقد اشترطوا تعيين الطّواف‬ ‫في ال ّنيّة ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬الوقت ‪ :‬فل يصحّ طواف الفاضة قبل الوقت المحدّد له شرعا ‪ .‬وهو وقت موسّع يبتدئ‬ ‫من طلوع الفجر الثّاني يوم النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ‬ ‫ل الحنفيّة‬ ‫أوّل وقت طواف الفاضة بعد منتصف ليلة النّحر لمن وقف بعرفة قبله ‪ .‬استد ّ‬ ‫والمالكيّة بأنّ ‪ :‬ما قبل الفجر من اللّيل وقت الوقوف بعرفة ‪ ،‬والطّواف مرتّب عليه " ‪ ،‬فل‬ ‫يصحّ أن يتقدّم ويشغل شيئا من وقت الوقوف ‪ .‬واستدلّ الشّافعيّة بقياس الطّواف على الرّمي ‪،‬‬ ‫لنّهما من أسباب التّحلّل ‪ ،‬فإنّه بالرّمي للجمار والذّبح والحلق يحصل التّحلّل الوّل ‪،‬‬ ‫وبالطّواف يحصل التّحلّل الكبر ( بشرط السّعي ) ‪ ،‬فكما أنّ وقت الرّمي يبدأ عندهم بعد‬ ‫نصف اللّيل فكذا وقت طواف الفاضة ‪ .‬والفضل عند العلماء أداؤه يوم النّحر بعد الرّمي‬ ‫والحلق ‪ - 55 .‬وأمّا آخر وقت طواف الفرض فليس لخره حدّ معيّن لدائه فرضا ‪ ،‬بل‬ ‫ن المام أبا حنيفة أوجب أداءه في أيّام النّحر ‪ ،‬فلو‬ ‫جميع اليّام واللّيالي وقته إجماعا ‪ .‬لك ّ‬ ‫أخّره حتّى أدّاه بعدها صحّ ‪ ،‬ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها ‪ .‬وهو المفتى به في المذهب‬ ‫ل بخروج ذي الحجّة ‪ ،‬فإذا خرج لزمه‬ ‫‪ .‬والمشهور عند المالكيّة أنّه ل يلزمه بالتّأخير شيء إ ّ‬ ‫دم ‪ .‬وذهب الصّاحبان ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه ل يلزمه شيء بالتّأخير أبدا ‪ .‬استدلّ‬ ‫أبو حنيفة بأنّ اللّه تعالى عطف الطّواف على الذّبح في الحجّ ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فكلوا منها } ‪ ،‬ثمّ قال‬ ‫‪ { :‬وليطّوّفوا بالبيت العتيق } ‪ ،‬فكان وقتهما واحدا ‪ ،‬فيكره تأخير الطّواف عن أيّام النّحر ‪،‬‬ ‫ن المالكيّة نظروا إلى شهر ذي الحجّة أنّه تقام فيه أعمال الحجّ ‪ ،‬فسوّوا‬ ‫وينجبر بالدّم ‪ .‬إلّ أ ّ‬ ‫ل أيّامه ‪ ،‬وجعلوا التّأخير عنه موجبا للفداء ‪ .‬واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬بأنّ الصل‬ ‫بين ك ّ‬ ‫ج فدية إذا أخّر طواف‬ ‫عدم التّأقيت ‪ ،‬وليس هناك ما يوجب فعله في أيّام النّحر ‪ ،‬فل يلزم الحا ّ‬ ‫الفاضة إلى ما بعد أيّام النّحر ‪ .‬فإذا تأخّر طواف الفاضة عن أيّام النّحر أو شهر ذي الحجّة‬ ‫‪ ،‬فإنّه ل يسقط أبدا ‪ ،‬وهو محرم عن النّساء أبدا إلى أن يعود فيطوف ‪ .‬ول يكفي الفداء عن‬

‫أداء طواف الفاضة إجماعا ‪ ،‬لنّه ركن ‪ ،‬وأركان الحجّ ل يجزئ عنها البدل ‪ ،‬ول يقوم‬ ‫غيرها مقامها ‪ ،‬بل يجب التيان بها بعينها ‪.‬‬ ‫الرّابع ‪ :‬السّعي بين الصّفا والمروة ‪ :‬المراد بالسّعي بين الصّفا والمروة قطع المسافة بينهما‬ ‫سبع مرّات ‪ ،‬بعد أن يكون طاف بالبيت ‪ .‬حكم السّعي ‪:‬‬ ‫‪ - 56‬ذهب الئمّة الثّلثة إلى أنّ السّعي ركن من أركان الحجّ ل يصحّ بدونه ‪ ،‬حتّى لو ترك‬ ‫الحاجّ خطوة منه يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ‪ ،‬ويخطو تلك الخطوة ‪.‬‬ ‫وهو قول عائشة وعروة بن الزّبير ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ السّعي واجب في الحجّ وليس‬ ‫بركن ‪ ،‬وهو مذهب الحسن البصريّ وسفيان الثّوريّ ‪ .‬وركن السّعي عند الجمهور سبعة‬ ‫أشواط ‪ ،‬حتّى لو ترك شيئا منها لم يتحلّل من إحرامه ‪ ،‬أمّا الحنفيّة فإنّ ركن السّعي أكثر‬ ‫أشواط السّعي ‪ ،‬والثّلثة الباقية ليست ركنا ‪ ،‬وتنجبر بالفداء ‪ .‬والمشي للقادر واجب في‬ ‫السّعي عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬سنّة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫واجبات الحجّ ‪:‬‬ ‫ج ‪ :‬هو ما يطلب فعله ويحرم تركه ‪ ،‬لكن ل تتوقّف صحّة الحجّ عليه ‪،‬‬ ‫‪ - 57‬الواجب في الح ّ‬ ‫ويأثم تاركه ‪ ،‬إلّ إذا تركه بعذر معتبر شرعا ‪ ،‬ويجب عليه الفداء بجبر النّقص ‪ .‬وواجبات‬ ‫ج قسمان ‪ :‬القسم الوّل ‪ :‬الواجبات الصليّة ‪ ،‬الّتي ليست تابعة لغيرها ‪ .‬القسم الثّاني ‪:‬‬ ‫الح ّ‬ ‫الواجبات التّابعة لغيرها ‪ .‬وهي أمور يجب مراعاتها في أداء ركن أو واجب من أعمال الحجّ‬ ‫ج الصليّة ‪ :‬المبيت بمزدلفة ‪:‬‬ ‫‪ .‬أوّل ‪ :‬واجبات الح ّ‬ ‫‪ - 58‬المزدلفة تسمّى " جمعا " أيضا ‪ ،‬لجتماع النّاس بها ليلة النّحر ‪ .‬واتّفق الفقهاء على أنّ‬ ‫المبيت بالمزدلفة واجب ليس بركن ‪ .‬ثمّ اختلفوا في مقداره ووقته ‪ .‬فذهب الئمّة الثّلثة إلى‬ ‫ن زمن الوقوف الواجب هو المكث بالمزدلفة من اللّيل ‪ ،‬ثمّ اختلف أصحاب هذا الرّأي ‪.‬‬ ‫أّ‬ ‫ط الرّحال في ليلة النّحر واجب ‪ ،‬والمبيت بها‬ ‫فذهب المالكيّة إلى أنّ النّزول بالمزدلفة قدر ح ّ‬ ‫سنّة ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف اللّيل ‪ ،‬ولو ساعة‬ ‫لطيفة ‪ :‬أي فترة ما من الزّمن ولو قصيرة ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه ما بين طلوع الفجر يوم‬ ‫النّحر وطلوع الشّمس ‪ ،‬فمن حصّل بمزدلفة في هذا الوقت فترة من الزّمن فقد أدرك‬ ‫الوقوف ‪ ،‬سواء بات بها أو ل ‪ ،‬ومن لم يحصّل بها فيه فقد فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة ‪.‬‬ ‫ج يجمع في المزدلفة‬ ‫وعليه دم إلّ إن تركه لعذر كزحمة فل شيء عليه ‪ .‬واتّفقوا على أنّ الحا ّ‬ ‫بين صلتي المغرب والعشاء جمع تأخير ‪ ،‬وهذا الجمع سنّة عند الجمهور ‪ ،‬واجب عند‬ ‫الحنفيّة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬رمي الجمار ‪:‬‬ ‫‪ - 59‬الرّمي لغة ‪ :‬القذف ‪ .‬والجمار ‪ :‬الحجار الصّغيرة ‪ ،‬جمع جمرة ‪ ،‬وهي الحصاة ‪.‬‬ ‫ورمي الجمار واجب في الحجّ ‪ ،‬أجمعت المّة على وجوبه ‪ .‬والرّمي الواجب لكلّ جمرة‬ ‫( أي موضع الرّمي ) هو سبع حصيات بالجماع أيضا ‪ .‬توقيت الرّمي وعدده ‪:‬‬ ‫‪ - 60‬أيّام الرّمي أربعة ‪ :‬يوم النّحر العاشر من ذي الحجّة ‪ ،‬وثلثة أيّام بعده وتسمّى " أيّام‬ ‫التّشريق " الرّمي يوم النّحر ‪:‬‬ ‫‪ - 61‬واجب الرّمي في هذا اليوم هو رمي جمرة العقبة وحدها فقط ‪ ،‬يرميها بسبع حصيات ‪.‬‬ ‫ووقت الرّمي هذا يبدأ من طلوع فجر يوم النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬ومن منتصف ليلة‬ ‫يوم النّحر لمن وقف بعرفة قبله عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬وآخر وقت الرّمي عند الحنفيّة إلى‬ ‫فجر اليوم التّالي ‪ ،‬وعند المالكيّة إلى المغرب ‪ .‬حتّى يجب الدّم في المذهبين بتأخير رمي يوم‬ ‫عن الوقت المذكور ‪ .‬وآخر وقت الرّمي عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬يمتدّ إلى آخر أيّام التّشريق‬ ‫‪ .‬الرّمي في اليوم الوّل والثّاني من أيّام التّشريق ‪:‬‬ ‫‪ - 62‬يجب في هذين اليومين رمي الجمار الثّلث على التّرتيب ‪ :‬أوّل الجمرة الصّغرى ‪،‬‬ ‫الّتي تلي مسجد الخيف بمنى ‪ ،‬ثمّ الوسطى ‪ ،‬بعدها ‪ ،‬ثمّ جمرة العقبة ‪ ،‬يرمي كلّ جمرة منها‬ ‫بسبع حصيات ‪ .‬ويبدأ وقت الرّمي في هذين اليومين بعد الزّوال ‪ ،‬ول يجوز قبله عند جمهور‬ ‫العلماء ‪ ،‬وهي الرّواية الظّاهرة عن أبي حنيفة ‪ .‬وروى الحسن عن أبي حنيفة ‪ « :‬إن كان‬ ‫من قصده أن يتعجّل في النّفر الوّل فل بأس أن يرمي في اليوم الثّالث قبل الزّوال ‪ ،‬وإن‬ ‫ل بعد الزّوال ‪ ،‬وذلك‬ ‫رمى بعده فهو أفضل ‪ ،‬وإن لم يكن ذلك من قصده ل يجوز أن يرمي إ ّ‬ ‫ل باللّيل ‪ ،‬فيحرج في تحصيل‬ ‫لدفع الحرج ‪ ،‬لنّه إذا نفر بعد الزّوال ل يصل إلى مكّة إ ّ‬ ‫موضع النّزول ‪ .‬أمّا الوقت المسنون فيمتدّ من زوال الشّمس إلى غروبها ‪ .‬وأمّا نهاية وقت‬ ‫ل يوم بيومه ‪ ،‬كما في يوم النّحر ‪ .‬وذهب الشّافعيّة‬ ‫الرّمي ‪ :‬فقيّده الحنفيّة والمالكيّة في ك ّ‬ ‫ن آخر الوقت بغروب شمس اليوم الرّابع من أيّام النّحر ‪ ،‬وهو آخر أيّام‬ ‫والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫التّشريق ‪ .‬النّفر الوّل ‪:‬‬ ‫ج الجمار ثاني أيّام التّشريق يجوز له أن ينفر ‪ -‬أي يرحل ‪ -‬إلى مكّة ‪،‬‬ ‫‪ - 63‬إذا رمى الحا ّ‬ ‫إن أحبّ التّعجّل في النصراف من منى ‪ ،‬ويسمّى هذا اليوم يوم النّفر الوّل ‪ ،‬وبه يسقط‬ ‫رمي اليوم الثّالث من أيّام التّشريق اتّفاقا ‪ .‬ومذهب الئمّة الثّلثة ‪ :‬له أن ينفر قبل غروب‬ ‫الشّمس ‪ ،‬ومذهب الحنفيّة ‪ :‬له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرّابع من أيّام النّحر ‪.‬‬ ‫الرّمي ثالث أيّام التّشريق ‪:‬‬

‫‪ - 64‬يجب رمي الجمار الثّلث في هذا اليوم على من تأخّر ولم ينفر من منى " النّفر الوّل "‬ ‫ووقته عند الجمهور بعد الزّوال ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬يجوز أن يقدّم الرّمي في هذا اليوم قبل‬ ‫ن آخر وقت الرّمي في هذا اليوم غروب الشّمس ‪،‬‬ ‫الزّوال بعد طلوع الفجر ‪ .‬واتّفقوا على أ ّ‬ ‫وأنّ وقت الرّمي لهذا اليوم ولقضاء ما قبله ينتهي أيضا بغروب شمس اليوم الرّابع ‪ ،‬لخروج‬ ‫وقت المناسك بغروب شمسه ‪ .‬النّفر الثّاني ‪:‬‬ ‫ج الجمار الثّلث في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق وهو رابع أيّام النّحر‬ ‫‪ - 65‬إذا رمى الحا ّ‬ ‫ن له أن يقيم بمنى ‪ ،‬بعد الرّمي ‪ ،‬ويسمّى يوم النّفر الثّاني‬ ‫انصرف من منى إلى مكّة ‪ ،‬ول يس ّ‬ ‫‪ ،‬وبه تنتهي مناسك منى ‪.‬‬ ‫النّيابة في الرّمي ‪ :‬الرّمي عن الغير ‪:‬‬ ‫‪ - 66‬المعذور الّذي ل يستطيع الرّمي بنفسه كالمريض يجب أن يستنيب من يرمي عنه ‪،‬‬ ‫وينبغي أن يكون النّائب قد رمى عن نفسه ‪ ،‬فإن لم يكن رمى عن نفسه فليرم عن نفسه‬ ‫الرّمي كلّه ليومه أوّل ‪ ،‬ثمّ ليرم عمّن استنابه ‪ ،‬ويجزئ هذا الرّمي عن الصيل عند الحنفيّة‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬إلّ أنّ الحنفيّة قالوا ‪ :‬لو رمى حصاة لنفسه وأخرى للخر جاز ولكره ‪.‬‬ ‫ن النابة خاصّة بمريض ل يرجى شفاؤه قبل انتهاء أيّام التّشريق ‪ ،‬وعند‬ ‫وقال الشّافعيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫الشّافعيّة قول ‪ :‬إنّه يرمي حصيات الجمرة عن نفسه أوّل ‪ ،‬ثمّ يرميها عن نائبه إلى أن ينتهي‬ ‫من الرّمي ‪ .‬وهو مخلص حسن لمن خشي خطر الزّحام ‪ .‬ومن عجز عن الستنابة‬ ‫كالصّبيّ ‪ ،‬والمغمى عليه ‪ ،‬فيرمي عن الصّبيّ وليّه ‪ ،‬وعن المغمى عليه رفاقه ‪ ،‬ول فدية‬ ‫عليه ‪ ،‬وإن لم يرم عند الحنفيّة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬فائدة الستنابة أن يسقط الثم عنه إن‬ ‫استناب وقت الداء ‪ " .‬وإلّ فالدّم عليه استناب أم ل ‪ ،‬وإنّما وجب عليه الدّم دون الصّغير‬ ‫ومن ألحق به لنّه المخاطب بسائر الركان "‬ ‫الحلق والتّقصير ‪:‬‬ ‫ن حلق شعر الرّأس أو تقصيره واجب من واجبات الحجّ ‪،‬‬ ‫‪ - 67‬اتّفق جمهور العلماء على أ ّ‬ ‫وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ .‬وذهب الشّافعيّ في المشهور عنه وهو الرّاجح في‬ ‫المذهب إلى أنّه ركن في الحجّ ‪ .‬واختلفوا في القدر الواجب حلقه أو تقصيره ‪ .‬فعند المالكيّة‬ ‫والحنابلة الواجب حلق جميع الرّأس أو تقصيره ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يكفي مقدار ربع الرّأس ‪،‬‬ ‫وعند الشّافعيّة ‪ :‬يكفي إزالة ثلث شعرات أو تقصيرها ‪ - 68 .‬والجمهور على أنّ الحلق أو‬ ‫سنّة فعله في الحرم أيّام النّحر ‪ .‬وذهب أبو حنيفة‬ ‫التّقصير ل يختصّ بزمان ول مكان ‪ ،‬لكنّ ال ّ‬

‫ن الحلق يختصّ بأيّام النّحر ‪ ،‬وبمنطقة الحرم ‪ ،‬فلو أخلّ بأيّ من هذين لزمه الدّم ‪،‬‬ ‫إلى أ ّ‬ ‫ويحصل له التّحلّل بهذا الحلق ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬المبيت بمنى ليالي أيّام التّشريق ‪:‬‬ ‫‪ - 69‬منى ‪ :‬بالكسر والتّنوين شعيب بين جبال ‪ ،‬طوله ميلن وعرضه يسير ‪ .‬والمبيت بها‬ ‫ليالي أيّام التّشريق واجب عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬يلزم الدّم لمن تركه بغير عذر ‪ .‬وذهب‬ ‫ن المبيت بها سنّة ‪ ،‬والقدر الواجب للمبيت عند الجمهور هو مكث أكثر اللّيل ‪.‬‬ ‫الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫خامسا ‪ :‬طواف الوداع ‪:‬‬ ‫‪ - 70‬طواف الوداع يسمّى طواف الصّدر ‪ ،‬وطواف آخر العهد ‪ :‬وذهب جمهور الفقهاء من‬ ‫ن طواف الوداع واجب ‪ ،‬وذهب المالكيّة إلى‬ ‫الحنفيّة والحنابلة وهو الظهر عند الشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫أنّه سنّة ‪ .‬استدلّ الجمهور على وجوبه بأمره صلى ال عليه وسلم كما روى ابن عبّاس‬ ‫رضي ال عنه قال ‪ { :‬أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ‪ ،‬إلّ أنّه خفّف عن المرأة‬ ‫الحائض } ‪ .‬واستدلّ المالكيّة على أنّه سنّة ‪ ،‬بأنّه جاز للحائض تركه دون فداء ‪ ،‬ولو وجب‬ ‫لم يجز للحائض تركه ‪.‬‬ ‫شروط وجوبه ‪:‬‬ ‫ج من أهل الفاق ‪ ،‬عند الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬فل يجب على الم ّكيّ ‪ ،‬لنّ‬ ‫‪ - 71‬أن يكون الحا ّ‬ ‫الطّواف وجب توديعا للبيت ‪ ،‬وهذا المعنى ل يوجد في أهل مكّة لنّهم في وطنهم وألحق‬ ‫ن حكمهم حكم أهل مكّة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل يسقط‬ ‫الحنفيّة من كان من منطقة المواقيت ‪ ،‬ل ّ‬ ‫إلّ عمّن كان منزله في الحرم فقط ‪ .‬وعند المالكيّة والشّافعيّة يطلب طواف الوداع في حقّ‬ ‫كلّ من قصد السّفر من مكّة ‪ ،‬ولو كان م ّكيّا إذا قصد سفرا تقصر فيه الصّلة ‪ .‬ووصفه‬ ‫المالكيّة بأنّه سفر بعيد كالجحفة ل قريبا كالتّنعيم إذا خرج للسّفر ل ليقيم بموضع آخر أو‬ ‫بمسكنه ‪ ،‬فإن خرج ليقيم بموضع آخر أو بمسكنه طلب منه ‪ ،‬ولو كان الموضع الّذي خرج‬ ‫إليه قريبا ‪ - 72 .‬الطّهارة من الحيض والنّفاس ‪ :‬فل يجب على الحائض والنّفساء ‪ ،‬ول يسنّ‬ ‫ل أنّه خفّف‬ ‫أيضا حتّى إنّهما ل يجب عليهما دم بتركه ‪ ،‬لما سبق من حديث ابن عبّاس ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ي صلى ال‬ ‫عن الحائض } وكذا حديث عائشة في قصّة صفيّة لمّا حاضت فقد سافر بها النّب ّ‬ ‫عليه وسلم دون أن تطوف للوداع ‪ .‬فأمّا الطّهارة من الجنابة فليست بشرط لوجوب طواف‬ ‫الوداع ‪ ،‬فيكون واجبا على المحدث والجنب ‪ ،‬لنّه يمكنهما إزالة الحدث والجنابة في الحال‬ ‫بالغسل أو التّيمّم ‪ .‬وإذا طهرت الحائض قبل أن تفارق بنيان مكّة يلزمها طواف الصّدر ‪،‬‬ ‫وإن جاوزت جدران مكّة ثمّ طهرت لم يلزمها طواف الصّدر ‪ ،‬اتّفاقا بين الحنفيّة والشّافعيّة‬

‫والحنابلة ‪ .‬لنّها حين خرجت من العمران صارت مسافرة ‪ ،‬بدليل جواز القصر ‪ ،‬فل يلزمها‬ ‫العود ول الدّم ‪ - 73 .‬أن يكون قد أدّى مناسك الحجّ مفردا أو متمتّعا أو قارنا ‪ .‬فل يجب‬ ‫على المعتمر عند الحنفيّة وحدهم ‪ ،‬ولو كان آفاقيّا ‪ ،‬وكأنّهم نظروا إلى المقصود ‪ ،‬وهو ختم‬ ‫أعمال الحجّ ‪ ،‬فل يطلب من المعتمر ‪.‬‬ ‫شروط صحّته ‪:‬‬ ‫‪ - 74‬يشترط لصحّة طواف الوداع ما يأتي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أصل نيّة الطّواف ل التّعيين ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أن يكون مسبوقا بطواف الزّيارة ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الوقت ‪ :‬ووقت طواف الوداع عند الحنفيّة يمتدّ عقب طواف الزّيارة لو تأخّر سفره ‪،‬‬ ‫ل طواف يفعله الحاجّ بعد طواف الزّيارة يقع عن طواف الصّدر ‪ .‬أمّا السّفر فور الطّواف‬ ‫وك ّ‬ ‫فليس من شرائط جوازه عند الحنفيّة ‪ ،‬حتّى لو كان للصّدر ‪ ،‬ثمّ تشاغل بمكّة بعده حتّى ولو‬ ‫ن المراد أن يكون آخر عهده بالبيت نسكا ‪،‬‬ ‫أقام أيّاما كثيرة ‪ ،‬ل يجب عليه طواف آخر ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن المستحبّ أن يؤخّر طواف الصّدر إلى‬ ‫ل إقامة ‪ ،‬والطّواف آخر مناسكه بالبيت ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫الوقت الّذي يريد أن يسافر ‪ .‬فيه ‪ .‬وعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وقته بعد فراغه من‬ ‫جميع أموره ‪ ،‬وعزمه على السّفر ‪ ،‬ويغتفر له أن يشتغل بعده بأسباب السّفر ‪ ،‬كشراء الزّاد ‪،‬‬ ‫وحمل المتعة ونحو ذلك ول يعيده ‪ ،‬لكن إن مكث بعده مشتغل بأمر آخر غير أسباب السّفر‬ ‫كشراء متاع ‪ ،‬أو زيارة صدّيق ‪ ،‬أو عيادة مريض احتاج إلى إعادة الطّواف ‪.‬‬ ‫واجبات الحجّ التّابعة لغيرها ‪:‬‬ ‫ج التّابعة لغيرها هي أمور يجب أداؤها في ضمن ركن من أركان الحجّ ‪،‬‬ ‫‪ - 75‬واجبات الح ّ‬ ‫ص أركان الحجّ‬ ‫أو ضمن واجب أصليّ من واجباته ‪ .‬وتجد دراستها في المصطلحات الّتي تخ ّ‬ ‫أو واجباته ‪ ،‬سوى ترتيب أعمال يوم النّحر ‪ ،‬فندرسه هنا ‪ ،‬ونشير إلى ما سواه إشارة سريعة‬ ‫‪ .‬أوّل ‪ :‬واجبات الحرام ‪:‬‬ ‫‪ - 76‬أ ‪ -‬كون الحرام من الميقات المكانيّ ‪ ،‬ل بعده ( انظر إحرام ف ‪ ) 32 - 31‬ب ‪-‬‬ ‫التّلبية وهي واجبة عند المالكيّة ويسنّ قرنها بالحرام ‪ ،‬وشرط في الحرام عند الحنفيّة ‪،‬‬ ‫وسنّة عند الجمهور ( انظر إحرام ‪ :‬ف ‪. ) 29‬‬ ‫ج ‪ -‬اجتناب محظورات الحرام ( انظر إحرام ‪ :‬ف ‪ 31‬و ‪. ) 94 - 55‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬واجبات الوقوف بعرفة ‪:‬‬

‫‪ - 77‬هي امتداد الوقوف إلى ما بعد المغرب على تفصيل المذاهب ‪ ،‬سوى الشّافعيّة فإنّه سنّة‬ ‫عندهم ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الوقوف بعد المغرب هو الرّكن ‪ ،‬وقبله واجب ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬واجبات الطّواف ‪:‬‬ ‫‪ - 78‬أ ‪ -‬ذهب الحنفيّة إلى أنّ الشواط الثّلث الخيرة من الطّواف واجبة ‪ .‬وهي عند‬ ‫الجمهور ركن في الطّواف ( ف ‪ ( ) 128‬وانظر مصطلح طواف ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أوجب الحنفيّة المور التّالية في الطّواف ‪ ،‬وقال الجمهور هي من شروط صحّته ‪.‬‬ ‫وهذه المور هي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الطّهارة من الحداث والنجاس ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ستر العورة ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ابتداء الطّواف من الحجر ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬التّيامن ‪ ،‬أي كون الطّائف عن يمين البيت ‪.‬‬ ‫‪ -5‬دخول الحجر ( أي الحطيم ) في ضمن الطّواف ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬أوجب الحنفيّة المور التّالية في الطّواف وهي سنّة عند غيرهم ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬المشي للقادر عليه ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ركعتا الطّواف ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إيقاع طواف الرّكن في أيّام النّحر ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬واجبات السّعي ‪:‬‬ ‫‪ - 79‬أ ‪ -‬المشي للقادر عليه عند الحنفيّة ‪ .‬وذهب الجمهور إلى أنّه سنّة ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬إكمال أشواط السّعي إلى سبعة بعد الربعة الولى عند الحنفيّة ‪ ،‬وكلّها ركن عند‬ ‫الجمهور ‪.‬‬ ‫خامسا ‪ :‬واجب الوقوف بالمزدلفة ‪:‬‬ ‫‪ - 80‬أوجب الحنفيّة جمع صلتي المغرب والعشاء تأخيرا في المزدلفة ‪ ،‬وهو سنّة عند‬ ‫الجمهور ‪.‬‬ ‫سادسا ‪ :‬واجبات الرّمي ‪:‬‬ ‫‪ - 81‬يجب عدم تأخير رمي يوم لتاليه عند الحنفيّة ‪ ،‬وإلى المغرب عند المالكيّة ‪ .‬سابعا ‪:‬‬ ‫واجبات ذبح الهدي ‪:‬‬ ‫‪ - 82‬أ ‪ -‬أن يكون الذّبح في أيّام النّحر ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أن يكون في الحرم ‪.‬‬ ‫ثامنا ‪ :‬واجبات الحلق والتّقصير ‪:‬‬ ‫‪ - 83‬أ ‪ -‬كون الحلق في أيّام النّحر عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬كون الحلق في الحرم عند الحنفيّة فقط ‪.‬‬ ‫تاسعا ‪ :‬ترتيب أعمال يوم النّحر ‪:‬‬ ‫‪ - 84‬يفعل الحاجّ بمنى يوم النّحر ثلثة أعمال على هذا التّرتيب ‪ :‬رمي جمرة العقبة ‪ ،‬ثمّ‬ ‫ذبح الهدي إن كان قارنا أو متمتّعا ( ر ‪ :‬ف ‪ ) 7 - 5‬ثمّ الحلق أو التّقصير ‪ .‬ثمّ يذهب إلى‬ ‫مكّة فيطوف طواف الزّيارة ‪ .‬والصل في هذا التّرتيب هو فعله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬عن‬ ‫أنس بن مالك رضي ال عنه ‪ { :‬أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم‬ ‫النّحر ‪ ،‬ث ّم رجع إلى منزله بمنى ‪ ،‬فدعا بذبح فذبح ‪ ،‬ثمّ دعا بالحلّاق فأخذ بشقّ رأسه‬ ‫اليمن ‪ ،‬فجعل يقسم بين من يليه الشّعرة والشّعرتين ‪ ،‬ثمّ أخذ بشقّ رأسه اليسر فحلقه } وفي‬ ‫حديث جابر ‪ { :‬ثمّ ركب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فأفاض إلى البيت } ‪ .‬حكم هذا‬ ‫التّرتيب ‪:‬‬ ‫‪ - 85‬مع اتّفاقهم على مشروعيّة هذا التّرتيب فقد اختلفوا فيه ‪ :‬والسّبب في هذا الختلف هو‬ ‫ن التّرتيب سنّة ‪ ،‬ل فداء على من تركه ‪ .‬ذلك هو حديث عبد‬ ‫ورود حديث آخر يدلّ على أ ّ‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وقف في حجّة الوداع فجعلوا يسألونه ‪،‬‬ ‫اللّه بن عمرو { أ ّ‬ ‫فقال رجل ‪ :‬لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال ‪ :‬اذبح ول حرج فجاء آخر فقال ‪ :‬لم أشعر‬ ‫فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال ‪ :‬ارم ول حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدّم ول أخّر إلّ قال ‪:‬‬ ‫افعل ول حرج } ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة ورواية عن أحمد إلى وجوب ترتيب أعمال يوم‬ ‫النّحر على تفصيل فيه ‪ ،‬أخذ كلّ منهم به للتّوفيق بين الدلّة ‪ .‬وذهب الشّافعيّ والصّاحبان‬ ‫ن التّرتيب سنّة ‪ ،‬واستدلّوا بحديث عبد اللّه بن عمرو الخير ‪ ،‬فإنّ‬ ‫ورواية عن أحمد إلى أ ّ‬ ‫قوله ‪ :‬فما سئل يومئذ ‪ ..‬يدلّ بعمومه على س ّنيّة التّرتيب ‪ .‬أمّا الوّلون فاستدلّوا بفعل النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم فإنّه يدلّ على الوجوب ‪ ،‬ثمّ ذهبوا مذاهب في كيفيّة التّرتيب ‪ :‬فذهب‬ ‫الحنفيّة إلى وجوب التّرتيب بين أعمال منى حسب الوارد ‪ ،‬أمّا التّرتيب بينها وبين طواف‬ ‫الفاضة فسنّة ‪ .‬واستدلّوا بأدلّة منها ‪ :‬مراعاة اتّباع فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم كما نصّ‬ ‫عليه حديث أنس ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ { :‬ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة النعام فكلوا‬ ‫منها وأطعموا البائس الفقير ‪ ،‬ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق } ‪.‬‬ ‫وجه الستدلل أنّه أمر بقضاء التّفث وهو الحلق مرتّبا على الذّبح ‪ ،‬فدلّ على وجوب التّرتيب‬

‫‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الواجب في التّرتيب ‪ :‬تقديم الرّمي على الحلق وعلى طواف الفاضة ‪،‬‬ ‫وغير ذلك من التّرتيب ل يجب ‪ ،‬بل هو سنّة ‪ .‬استدلّوا على وجوب تقديم الرّمي على الحلق‬ ‫ل برمي‬ ‫بأنّه بالجماع ممنوع من حلق شعره قبل التّحلّل الوّل ‪ ،‬ول يحصل التّحلّل الوّل إ ّ‬ ‫جمرة العقبة ‪ .‬واستدلّوا على عدم وجوب تقديم الذّبح على الحلق بحديث عبد اللّه بن عمرو‬ ‫السّابق ‪ ،‬أخذا بالتّقديم والتّأخير المنصوص عليه في الحديث ‪ ،‬وفسّروا فما سئل عن شيء‬ ‫قدّم ول أخّر ‪ ...‬بأنّ المراد ممّا ذكر في صدر الحديث لتقديمه وتأخيره ‪ .‬وأخذ المام أحمد‬ ‫في رواية الوجوب عنه بلفظ " لم أشعر " فقال ‪ :‬يجب التّرتيب على العالم به الذّاكر له ‪ ،‬أمّا‬ ‫الجاهل والنّاسي فل شيء عليه ‪ ،‬وقيّدوا شطر الحديث الخير " فما سئل ‪ " ...‬لهذا المعنى ‪،‬‬ ‫أي قال ‪ { :‬ل حرج } فيما قدّم وأخّر ‪ ،‬من غير شعور ‪ .‬والحاصل كما قال ابن قدامة ‪ :‬ل‬ ‫نعلم خلفا بينهم في أنّ مخالفة التّرتيب ل تخرج هذه الفعال عن الجزاء ‪ ،‬ول يمنع وقوعها‬ ‫موقعها ‪ ،‬وإنّما اختلفوا في وجوب الدّم على ما ذكرنا » ‪.‬‬ ‫التّحلّل من إحرام الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 86‬يحصل التّحلّل بأداء أركان الحجّ وواجباته رمي جمرة العقبة ‪ ،‬والحلق ‪ ،‬والتّحلّل من‬ ‫إحرام الحجّ ‪ .‬وهذا التّحلّل قسمان ‪ :‬التّحلّل الوّل أو الصغر ‪ ،‬والتّحلّل الثّاني أو الكبر ‪،‬‬ ‫وقد سبق التّحلّل في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ( ف ‪. ) 125 - 122‬‬ ‫ج ومستحبّاته وممنوعاته ومباحاته الوّل ‪ :‬سنن الحجّ ‪:‬‬ ‫سنن الح ّ‬ ‫‪ - 87‬السّنن في الحجّ يطلب فعلها ‪ ،‬ويثاب عليها ‪ ،‬لكن ل يلزم بتركها الفداء من دم أو‬ ‫صدقة ‪ .‬أوّل ‪ :‬طواف القدوم ‪:‬‬ ‫‪ - 88‬ويسمّى طواف القادم ‪ ،‬طواف الورود ‪ ،‬وطواف الوارد ‪ ،‬وطواف التّحيّة لنّه شرع‬ ‫للقادم والوارد من غير مكّة لتحيّة البيت ‪ .‬ويسمّى أيضا طواف اللّقاء ‪ ،‬وأوّل عهده بالبيت ‪،‬‬ ‫وطواف القدوم سنّة للفاقيّ القادم من خارج مكّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬تحيّة‬ ‫للبيت العتيق ‪ ،‬لذلك يستحبّ البدء به دون تأخير ‪ ،‬وسوّى الشّافعيّة بين داخلي مكّة المحرم‬ ‫منهم وغير المحرم في سنّيّة طواف القدوم ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه واجب ‪ ،‬من تركه لزمه‬ ‫ل من أحرم من الحلّ ‪ ،‬سواء كان من أهل‬ ‫الدّم ‪ .‬ووجوب طواف القدوم عند المالكيّة على ك ّ‬ ‫مكّة أو غيرها ‪ ،‬وسواء كان إحرامه من الحلّ واجبا كالفاقيّ القادم محرما بالحجّ ‪ ،‬أم ندبا‬ ‫كالمقيم بمكّة الّذي معه نفس ( متّسع من الوقت ) وخرج من الحرم فأحرم من الحلّ ‪ ،‬وسواء‬ ‫ج مفردا أم قارنا ‪ ،‬وكذا المحرم من الحرم إن كان يجب عليه الحرام من‬ ‫كان أحرم بالح ّ‬ ‫الحلّ ‪ ،‬بأن جاوز الميقات حلل مخالفا للنّهي ‪ .‬وهو واجب على هؤلء ما لم يكن أحدهم‬

‫مراهقا ‪ ،‬وهو من ضاق وقته حتّى خشي فوات الوقوف بعرفات ‪ .‬والصل فيه فعل النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم كما ثبت في أوّل حديث جابر قوله ‪ { :‬حتّى إذا أتينا البيت معه استلم‬ ‫الرّكن فرمل ثلثا ومشى أربعا } ‪ .‬وعن عائشة رضي ال عنها ‪ { :‬إنّ أوّل شيء بدأ به حين‬ ‫قدم النّبيّ صلى ال عليه وسلم مكّة أنّه توضّأ ثمّ طاف ‪ } ...‬الحديث ‪ .‬فاستدلّ المالكيّة بذلك‬ ‫على الوجوب بقوله ‪ { :‬خذوا عنّي مناسككم } ‪ .‬وقال الجمهور ‪ :‬إنّ القرينة قامت على أنّه‬ ‫ن المقصود به التّحيّة ‪ ،‬فأشبه تحيّة المسجد ‪ ،‬فيكون سنّة ‪.‬‬ ‫غير واجب ل ّ‬ ‫متى يسقط طواف القدوم ‪:‬‬ ‫‪ - 89‬يسقط طواف القدوم عمّن يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الم ّكيّ ‪ .‬ومن في حكمه ‪ ،‬وهو الفاقيّ إذا أحرم من مكّة ‪ ،‬وشرط فيه المالكيّة أن ل‬ ‫يكون وجب عليه الحرام من الحلّ ‪ ،‬كما سبق ‪ ،‬ووسّع الحنفيّة فقالوا ‪ :‬يسقط عمّن كان‬ ‫ن لها حكم مكّة ‪ .‬وعلّة سقوط طواف القدوم عن هؤلء أنّه شرع‬ ‫منزله في منطقة المواقيت ل ّ‬ ‫للقدوم ‪ ،‬والقدوم في حقّهم غير موجود ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬المعتمر والمتمتّع ولو آفاقيّا عند الجمهور ‪ ،‬لدخول طواف الفرض عليه ‪ ،‬وهو طواف‬ ‫العمرة ‪ ،‬فطواف القدوم عندهم خاصّ بمن أحرم بالحجّ مفردا ‪ ،‬أو قارنا بين الحجّ والعمرة ‪،‬‬ ‫وتفرّد الحنابلة فقالوا ‪ :‬يطوف المتمتّع للقدوم قبل طواف الفاضة ‪ ،‬ثمّ يطوف طواف الفاضة‬ ‫‪.‬‬ ‫ن محلّه المسنون قبل وقوفه‬ ‫ج ‪ -‬من قصد عرفة رأسا للوقوف يسقط عنه طواف القدوم ‪ " ،‬ل ّ‬ ‫ج من الحرم أو أحرم به من الحلّ ولكنّه مراهق أو أحرم‬ ‫" ‪ ،‬وقرّر المالكيّة أنّه إذا أحرم بالح ّ‬ ‫بالعمرة من الحلّ ثمّ أردف بالحجّ عليها في الحرم فإنّه ل يطالب بطواف القدوم وإذا لم‬ ‫يطالب بطواف القدوم فإنّه يؤخّر السّعي إلى طواف الفاضة ‪ ،‬لنّه سيأتي أنّه يجب أن يكون‬ ‫ج فلمّا سقط طواف القدوم تعيّن أن يكون عقب طواف الفاضة ‪.‬‬ ‫السّعي عقب أحد طوافي الح ّ‬ ‫فروع ‪:‬‬ ‫ج مراهقا إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير‬ ‫‪ 89‬م ‪ -‬الوّل ‪ :‬قال في التّوضيح ‪ :‬ومتى يكون الحا ّ‬ ‫طوافه ‪ ،‬وإن قدم يوم التّروية أحببت تعجيله وله في التّأخير سعة وفي المختصر عن مالك ‪،‬‬ ‫إن قدم يوم عرفة فليؤخّره إن شاء وإن شاء طاف وسعى ‪ ،‬وإن قدم يوم التّروية ومعه أهل‬ ‫ن الشتغال يوم عرفة‬ ‫فليؤخّر إن شاء ‪ ،‬وإن لم يكن معه أهل فليطف وليسع ‪ .‬ومعنى ذلك أ ّ‬ ‫بالتّوجّه إلى عرفة أولى ‪ ،‬وأمّا يوم التّروية فمن كان معه أهل كان في شغل ممّا ل بدّ‬ ‫للمسافر بالهل منه ‪ .‬انتهى ‪ .‬وقال ابن فرحون ‪ :‬لنّه بأهله في شغل ‪ ،‬وحال المنفرد أخفّ ‪،‬‬

‫وقال قبله ‪ :‬والمراهق هو الّذي يضيق وقته عن إيقاعه طواف القدوم والسّعي وما ل بدّ له‬ ‫ج إن تشاغل بذلك فله تأخير الطّواف ‪ ،‬ثمّ ذكر ما قاله أشهب‬ ‫من أحواله ويخشى فوات الح ّ‬ ‫ونقله عن مالك في المختصر انتهى من مناسكه ‪.‬‬ ‫ج من الحلّ في وجوب طواف‬ ‫ل حكم من أحرم بالح ّ‬ ‫الثّاني ‪ :‬حكم من أحرم بالقرآن من الح ّ‬ ‫القدوم عليه وتعجيل السّعي بعده ‪ ،‬فإن ترك ذلك وهو غير مراهق فعليه الدّم ‪ ،‬وإن كان‬ ‫مراهقا فل دم عليه قاله في المدوّنة ‪ .‬الثّالث ‪ :‬إذا أردف الحجّ على العمرة في الحلّ فحكمه‬ ‫ل في وجوب طواف القدوم والسّعي بعده إذا لم يكن مراهقا‬ ‫حكم من أحرم بالقران من الح ّ‬ ‫وهو ظاهر ‪ .‬الرّابع ‪ :‬إذا أحرم بالقرآن من مكّة أو بالعمرة من مكّة ثمّ أردف عليها حجّة‬ ‫ل على المشهور ‪ ،‬فإذا دخل من الحلّ ل يطوف ول‬ ‫وصار قارنا فإنّه يلزمه الخروج للح ّ‬ ‫يسعى لنّه أحرم من مكّة ‪ .‬قاله ابن رشد عن ابن القاسم ونقله ابن عرفة وقد تقدّم ذلك عند‬ ‫قوله ولها وللقران الحلّ ‪.‬‬ ‫ل ومضى إلى عرفات ولم يدخل مكّة وليس‬ ‫الخامس ‪ :‬من أحرم بالحجّ أو بالقران من الح ّ‬ ‫بمراهق فإنّه بمنزلة من ترك طواف القدوم ويجب عليه الدّم ‪ .‬قاله في المدوّنة وكلم‬ ‫المصنّف في مناسكه يوهم سقوط الدّم وليس كذلك ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل يسقط طواف القدوم‬ ‫عمّن تأخّر عنه إلى الوقوف ‪ ،‬فإذا قدم مكّة يبدأ طواف القدوم قبل طواف الزّيارة ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬قرّر المالكيّة أنّه يسقط طواف القدوم عن الحائض والنّفساء والمغمى عليه والنّاسي ‪ ،‬إلّ‬ ‫أن يزول المانع ويتّسع الزّمن لطواف القدوم فإنّه حينئذ يجب ‪.‬‬ ‫وقت طواف القدوم ‪:‬‬ ‫ب أن يبادر به قبل استئجار المنزل‬ ‫‪ - 90‬يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول مكّة ‪ ،‬ويستح ّ‬ ‫ونحو ذلك ‪ ،‬لنّه تحيّة البيت العتيق ‪ ،‬وآخر وقته وقوفه بعرفة عند الجمهور ‪ ،‬لنّه بعد‬ ‫الوقوف مطالب بطواف الفرض ‪ ،‬وهو طواف الزّيارة ‪.‬‬ ‫كيفيّة طواف القدوم ‪:‬‬ ‫‪ - 91‬كيفيّة طواف القدوم كطواف الزّيارة ‪ ،‬إلّ أنّه ل اضطباع فيه ول رمل ‪ ،‬ول سعي‬ ‫ج إليه ‪ ،‬فإنّه يسنّ له عندئذ الضطباع والرّمل في الطّواف‬ ‫ل إذا أراد تقديم سعي الح ّ‬ ‫لجله ‪ ،‬إ ّ‬ ‫ل طواف بعده سعي ‪.‬‬ ‫‪ ،‬لنّ الرّمل والضطباع سنّة في ك ّ‬ ‫ثانيا ‪ :‬خطب المام ‪:‬‬

‫‪ - 92‬وهي سنّة في ثلثة مواضع عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬وأربعة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪،‬‬ ‫وتؤدّى الخطب كلّ واحدة خطبة واحدة بعد صلة الظّهر ‪ ،‬إلّ خطبة يوم عرفة ‪ ،‬فإنّها‬ ‫خطبتان بعد الزّوال قبل الصّلة ‪ .‬ويفتتح الخطبة بالتّلبية إن كان محرما ‪ ،‬وبالتّكبير إن لم‬ ‫يكن محرما ‪ ( .‬الخطبة الولى ) ‪:‬‬ ‫ن هذه الخطبة في مكّة يوم السّابع من ذي الحجّة قبل يوم التّروية بيوم ‪ ،‬عند الحنفيّة‬ ‫‪ - 93‬تس ّ‬ ‫والشّافعيّة والمالكيّة ‪ ،‬والغرض منها أن يعلّمهم المناسك ‪ .‬عن ابن عمر رضي ال عنه قال ‪:‬‬ ‫{ كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا كان قبل التّروية بيوم خطب النّاس فأخبرهم‬ ‫بمناسكهم } ‪ ( .‬الخطبة الثّانية ) ‪:‬‬ ‫‪ - 94‬وتسنّ هذه الخطبة يوم عرفة بعرفات ‪ ،‬قبل الصّلة اتّفاقا ‪ ،‬كما ثبت في حديث جابر‬ ‫وغيره ‪ .‬وهذه الخطبة خطبتان يفصل بينهما بجلسة كما في خطبة الجمعة ‪ ،‬يبيّن لهم في‬ ‫أولهما ما أمامهم من المناسك ويحرّضهم على إكثار الدّعاء والبتهال ‪ ،‬ويبيّن لهم ما يهمّهم‬ ‫من المور الضّروريّة لشؤون دينهم ‪ ،‬واستقامة أحوالهم ‪ ( .‬الخطبة الثّالثة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 95‬الخطبة الثّالثة تكون بمنى في اليوم الحادي عشر من ذي الحجّة عند الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬ ‫وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تكون بمنى يوم النّحر ‪ .‬استدلّ الشّافعيّة بما روي عن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم { أنّه خطب يوم النّحر بمنى } ‪ .‬وأجاب الحنفيّة بأنّ المقصود من‬ ‫الخطبة التّعليم وإجابة عن أسئلة وجّهت إليه صلى ال عليه وسلم ويوم النّحر يوم اشتغال‬ ‫بأعمال كثيرة وهي الرّمي والذّبح والحلق والطّواف ‪ ( .‬الخطبة الرّابعة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 96‬زاد الشّافعيّة والحنابلة خطبة رابعة ‪ :‬هي بمنى ثاني أيّام التّشريق ‪ ،‬يعلّمهم فيها جواز‬ ‫النّفر فيه وغير ذلك ‪ ،‬ويودّعهم ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬المبيت بمنى ليلة يوم عرفة ‪:‬‬ ‫ن للحاجّ أن يخرج من مكّة إلى منى يوم التّروية ‪ ،‬بعد طلوع الشّمس ‪ ،‬فيصلّي‬ ‫‪ - 97‬يس ّ‬ ‫بمنى خمس صلوات هي ‪ :‬الظّهر ‪ ،‬والعصر ‪ ،‬والمغرب ‪ ،‬والعشاء ‪ ،‬والفجر ‪ ،‬وذلك سنّة‬ ‫باتّفاق الئمّة ‪ .‬وقد ثبت في حديث جابر ‪ { :‬فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى فأهلّوا‬ ‫بالحجّ ‪ ،‬وركب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فصلّى بهم الظّهر والعصر والمغرب‬ ‫والعشاء والفجر ‪ ،‬ثمّ مكث قليل حتّى طلعت الشّمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة } ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬السّير من منى إلى عرفة ‪:‬‬ ‫‪ - 98‬السّير من منى إلى عرفة صباحا بعد طلوع شمس يوم عرفة سنّة عند الجمهور وهو‬ ‫مندوب عند الحنابلة ‪ .‬والصل فيه فعله صلى ال عليه وسلم كما في حديث جابر ‪ { :‬ثمّ‬

‫مكث قليل حتّى طلعت الشّمس وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول اللّه صلى‬ ‫ال عليه وسلم ‪ ...‬فأجاز رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حتّى أتى عرفة فوجد القبّة قد‬ ‫ضربت له بنمرة ‪} ..‬‬ ‫خامسا ‪ :‬المبيت بالمزدلفة ليلة النّحر ‪:‬‬ ‫ن للحاجّ أن يبيت بالمزدلفة ليلة عيد النّحر ‪ ،‬ويمكث بها حتّى يطلع الفجر ‪ ،‬ثمّ يقف‬ ‫‪ - 99‬يس ّ‬ ‫للدّعاء ويمكث فيها حتّى يسفر جدّا ‪ ،‬ثمّ يدفع إلى منى فهذا سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة ‪،‬‬ ‫مندوب عند المالكيّة ‪ ،‬مستحبّ عند الحنابلة ‪ .‬إنّما الواجب الوقوف الّذي سبق ذكره وذلك‬ ‫لفعله صلى ال عليه وسلم ‪ :‬قال جابر ‪ { :‬حتّى أتى المزدلفة ‪ ،‬فصلّى بها المغرب والعشاء‬ ‫بأذان واحد وإقامتين ‪ ،‬ولم يسبّح بينهما شيئا ‪ ،‬ثمّ اضطجع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫حتّى طلع الفجر وصلّى الفجر حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة ‪ ،‬ثمّ ركب القصواء حتّى أتى‬ ‫المشعر الحرام ‪} ...‬‬ ‫( مستحبّات الحجّ ) ‪:‬‬ ‫سنّة ‪ ،‬ول يلزم تاركها الساءة‬ ‫ج يحصل بها الجر لكن دون أجر ال ّ‬ ‫‪ - 100‬مستحبّات الح ّ‬ ‫ج كثيرة نذكر طائفة هامة منها فيما يلي ‪ :‬أوّل ‪ :‬العجّ ‪:‬‬ ‫سنّة ‪ .‬ومستحبّات الح ّ‬ ‫بخلف ال ّ‬ ‫‪ - 101‬وهو رفع الصّوت بالتّلبية باعتدال ‪ ،‬وهو مستحبّ للرّجال ‪ ،‬عمل بحديث السّائل ‪:‬‬ ‫{ أيّ الحجّ أفضل ؟ قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬العجّ ‪ ،‬والثّجّ } ‪ .‬ثانيا ‪ :‬الثّجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 102‬وهو ذبح الهدي تطوّعا ‪ ،‬لما مرّ في الحديث ‪ ،‬وقد أكثر النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫من هدي التّطوّع جدّا ‪ ،‬حتّى بلغ مجموع هديه في حجّته مائة من البل ‪ .‬قال المام النّوويّ ‪:‬‬ ‫ب لمن قصد مكّة بحجّ أو عمرة أن يهدي هديا من النعام ‪ ،‬ونحره هناك‬ ‫اتّفقوا على أنّه يستح ّ‬ ‫‪ ،‬ويفرّقه على المساكين الموجودين في الحرم " ثالثا ‪ :‬الغسل لدخول مكّة للفاقيّ ‪:‬‬ ‫سنّة ‪ ،‬أو غيره من مداخل مكّة ‪ ،‬وقد ثبت أنّه ‪:‬‬ ‫‪ - 103‬وذلك عند ذي طوى ‪ ،‬كما ورد في ال ّ‬ ‫كان يغتسل لدخول مكّة » ‪ .‬رابعا ‪ :‬الغسل للوقوف بالمزدلفة بعد نصف اللّيل ‪:‬‬ ‫‪ - 104‬صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة ‪ ،‬حتّى جعل الشّافعيّة التّيمّم بديل عنه عند العجز عن‬ ‫الماء قال النّوويّ ‪ :‬يستحبّ أن يغتسل بالمزدلفة بعد نصف اللّيل ‪ ،‬للوقوف بالمشعر الحرام ‪،‬‬ ‫وللعيد ‪ ،‬ولما فيها من الجتماع ‪ ،‬فإن عجز عن الماء تيمّم كما سبق » ‪ .‬خامسا ‪ :‬التّعجيل‬ ‫بطواف الفاضة ‪:‬‬ ‫‪ - 105‬وذلك بأدائه يوم عيد النّحر ‪ ،‬اتّباعا لفعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ .‬كما في حديث‬ ‫جابر سادسا ‪ :‬الكثار من الدّعاء والتّلبية والذكار المتكرّرة في الحوال ‪:‬‬

‫‪ - 106‬كالدعية المأثورة في المناسك ‪ ،‬ول سيّما وقوف عرفة ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬فهذا به روح‬ ‫ج ‪ .‬كما جاء في الحديث ‪ { :‬إنّما جعل رمي الجمار والسّعي بين الصّفا والمروة‬ ‫شعائر الح ّ‬ ‫لقامة ذكر اللّه } ‪ .‬سابعا ‪ :‬التّحصيب ‪:‬‬ ‫‪ - 107‬وهو النّزول بوادي المحصّب ‪ ،‬أو البطح في النّفر من منى إلى مكّة عند انتهاء‬ ‫المناسك ‪ ،‬ويقع المحصّب عند مدخل مكّة بين الجبلين ‪ ،‬إلى المقبرة المسمّاة بالحجون ‪ .‬وقد‬ ‫اتّصل بناء مكّة به في زمننا بل تجاوزه لما وراءه ‪ .‬والتّحصيب مستحبّ عند الجمهور ‪ ،‬سنّة‬ ‫عند الحنفيّة ‪ ،‬بأن ينزل الحاجّ فيه في نفره من منى ويصلّي فيه الظّهر والعصر والمغرب‬ ‫والعشاء ‪ .‬استدلّ الجمهور بما أخرجه الشّيخان عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ { :‬إنّما نزل‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم المحصّب ليكون أسمح لخروجه ‪ ،‬وليس بسنّة فمن شاء‬ ‫س ّنيّة بحديث { أسامة بن زيد قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬ ‫نزله ‪ ،‬ومن شاء لم ينزله } واستدلّ الحنفيّة على ال ّ‬ ‫يا رسول اللّه أين تنزل غدا في حجّته ‪ .‬قال ‪ :‬وهل ترك عقيل لنا من دار ثمّ قال ‪ :‬نحن‬ ‫نازلون بخيف بني كنانة ‪ ،‬حيث قاسمت قريش على الكفر } وحيث أصبح المحصّب الن‬ ‫ج فيه ما تيسّر تحصيل للسّنة قدر المكان في هذا الموضع الّذي‬ ‫ضمن البنيان فيمكث الحا ّ‬ ‫يثير تلك الذّكرى من جهاد النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ممنوعات الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 108‬ممنوعات الحجّ أقسام ‪ :‬مكروهات ‪ ،‬ومحرّمات ‪ ،‬ومفسدات ‪ .‬أمّا المكروهات ‪ :‬فهي‬ ‫ترك سنّة من سنن الحجّ ‪ ،‬وهو مكروه تنزيها عند الحنفيّة ‪ .‬ويلزم فيه الساءة ‪ ،‬ول يجب‬ ‫فداء ‪ .‬وأمّا المحرّمات ‪ :‬فيدخل فيها ترك الواجبات ‪ ،‬ويسمّيه الحنفيّة ‪ :‬مكروها كراهة تحريم‬ ‫‪ .‬وحكمه إثم من ارتكبه بغير عذر ولزوم الفداء فيه اتّفاقا على التّفصيل التي ‪ :‬أمّا المفسدات‬ ‫ج ‪ ( .‬انظر في المصطلح ‪ :‬إحرام‬ ‫وسائر محرّمات الحجّ فإنّها متعلّقة بالحرام ل تختصّ بالح ّ‬ ‫ف ‪ 55‬وما بعد و ‪. ) 173 - 171‬‬ ‫مباحات الحجّ ‪:‬‬ ‫ل بمحظورات الحرام‬ ‫ج مباحات خاصّة به ‪ ،‬سوى المباحات الّتي ل تخ ّ‬ ‫‪ - 109‬ليس للح ّ‬ ‫( فانظر في المصطلح ‪ :‬إحرام ‪ :‬ف ‪. ) 107 - 99‬‬ ‫أحكام خاصّة بالحجّ ‪:‬‬ ‫ج الصّبيّ‬ ‫‪ - 110‬تتناول هذه الحكام الموضوعات التّالية ‪ :‬حجّ المرأة الحائض والنّفساء ‪ .‬ح ّ‬ ‫‪ .‬حجّ المغمى عليه ‪ .‬الحجّ عن الغير ‪ .‬الوّل ‪ -‬حجّ المرأة والحائض والنّفساء ‪:‬‬

‫ص المرأة دون الرّجل بعدّة أحكام في الحجّ ‪ ،‬بعضها يتعلّق بالحرام ‪ ،‬فينظر‬ ‫‪ - 111‬تخت ّ‬ ‫فيه ‪ ،‬وبعضها يتعلّق بمناسك الحجّ ‪ ،‬وسبقت في مواضعها ‪ .‬ونبيّن هنا أحكاما أخرى هامة ‪،‬‬ ‫ج الحائض والنّفساء ‪ ،‬وله صور متعدّدة نبيّن حكمها فيما يلي ‪:‬‬ ‫هي أحكام ح ّ‬ ‫ج مفردة أو قارنة ‪ ،‬ثمّ يمنعها الحيض أو النّفاس من أداء الطّواف ‪،‬‬ ‫أ ‪ -‬أن تحرم المرأة بالح ّ‬ ‫فإنّها تمكث حتّى تقف بعرفة وتأتي بكافّة أعمال الحجّ فيما عدا الطّواف والسّعي ‪ ،‬فإذا‬ ‫طهرت تطوف طوافا واحدا وتسعى سعيا واحدا إن كانت مفردة ‪ .‬وتطوف طوافين وتسعى‬ ‫سعيا للحجّ والعمرة إن كانت قارنة ‪ ،‬حسبما يجب عند الحنفيّة ‪ ،‬وطوافا وسعيا واحدا للقران‬ ‫عند غير الحنفيّة ‪ ،‬ول يسقط عنها طواف الوداع في هاتين الصّورتين اتّفاقا ‪ .‬ويسقط عنها‬ ‫طواف القدوم ‪ ،‬أمّا عند الجمهور فلنّه سنّة فات وقتها ‪ ،‬وأمّا عند المالكيّة فلكونه عذرا يسقط‬ ‫ل أن يزول المانع ويتّسع الزّمن لطواف القدوم ‪ ،‬فإنّه حينئذ يجب‬ ‫به ‪ ،‬ولو كان واجبا ‪ ،‬إ ّ‬ ‫عليها ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أن تحرم بالعمرة ثمّ تحيض أو تنفس قبل الوقوف بعرفة ‪ ،‬ول يتّسع الوقت كي تطهر‬ ‫ن المرأة تحرم بالحجّ أي تنويه‬ ‫ج ‪ :‬قرّر الحنفيّة في هذه الصّورة ‪ :‬أ ّ‬ ‫وتعتمر قبل الحرام بالح ّ‬ ‫وتلبّي ‪ ،‬وتؤدّي أعمال الحجّ كما ذكرنا بالنّسبة للمفردة ‪ ،‬وتصبح بهذا رافضة للعمرة ‪ ،‬أي‬ ‫ملغية لها ‪ ،‬وتحتسب لها حجّة فقط ‪ ،‬فإذا أرادت العمرة تهلّ بها بعد الفراغ من أعمال الحجّ‬ ‫وليس لها إرداف الحجّ على العمرة عندهم ‪ .‬أمّا غير الحنفيّة فقالوا ‪ :‬ل تلغي العمرة ‪ ،‬بل‬ ‫ج ‪ ،‬وتصبح قارنة ‪ ،‬فتحتسب لها العمرة ‪ ،‬وقد كفى عنها طواف الحجّ وسعيه تبعا‬ ‫تحرم بالح ّ‬ ‫ج والعمرة ( انظر مصطلح قران ) ‪.‬‬ ‫لمذهبهم في طواف القارن وسعيه أنّهما يجزئان عن الح ّ‬ ‫وعليها هدي القران عندهم ‪ ،‬ول يسقط عنها طواف الوداع اتّفاقا ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬لو حاضت في أيّام النّحر بعد أن مضت عليها فترة تصلح للطّواف فأخّرت طواف‬ ‫الفاضة عن وقته بسبب الحيض وجب عليها دم بهذا التّأخير عند الحنفيّة ‪ .‬أمّا إذا حاضت‬ ‫قبل يوم النّحر أو بعده بوقت يسير ل يكفي للفاضة فتأخّر طوافها عن وقته بسبب ذلك فل‬ ‫ن وقت طواف الفاضة الواجب يمتدّ‬ ‫جزاء عليها ول إثم ‪ .‬ول يتصوّر عند المالكيّة ذلك ‪ ،‬ل ّ‬ ‫عندهم لخر ذي الحجّة ‪ ،‬ول عند الشّافعيّة والحنابلة لنّه ل وقت يلزم الجزاء بتأخيره عنه‬ ‫عندهم ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬إن حاضت بعد الوقوف وطواف الزّيارة فإنّها تتمّ أعمال الحجّ ‪ ،‬ثمّ تنصرف ‪ ،‬ويسقط‬ ‫عنها طواف الوداع ‪ ،‬إن فارقت مكّة قبل أن تطهر اتّفاقا بين العلماء ‪ ،‬ول يجب عليها الفداء‬ ‫بتركه ‪.‬‬ ‫ج الصّبيّ ‪:‬‬ ‫حّ‬

‫ح منه ‪ ،‬وكان نفل ‪،‬‬ ‫‪ - 112‬ل يجب الحجّ على الصّبيّ قبل البلوغ إجماعا ‪ ،‬لكن إذا فعله ص ّ‬ ‫ي وأدائه المناسك بتفاوت سنّه‬ ‫وعليه حجّة أخرى إذا بلغ إجماعا ‪ .‬وتتفاوت كيفيّة إحرام الصّب ّ‬ ‫هل هو مميّز أو ل ‪ .‬وقد سبق بيان ذلك مفصّل في مصطلح إحرام فانظره ( ف ‪136 - 131‬‬

‫) ويلحق بالصّبيّ غير المميّز المجنون جنونا مطبقا باتّفاقهم ‪.‬‬ ‫ج المغمى عليه والنّائم المريض ‪:‬‬ ‫حّ‬ ‫‪ - 113‬إن أغمي عليه قبل الحرام أحرم عنه رفقته عند أبي حنيفة ‪ ،‬على ما سبق بيانه مع‬ ‫بيان كيفيّة العمال في مصطلح إحرام ( ف ‪ ، ) 142 - 138‬وإن أغمي عليه بعد الحرام‬ ‫فهذا حمله متعيّن على رفقائه على التّفصيل التّالي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الوقوف بعرفة ‪ :‬على التّفصيل السّابق بالنّسبة لركن الوقوف ‪ ،‬ول سيّما في مذهب‬ ‫المالكيّة ‪ ،‬ومثله النّائم المريض الّذي لم يفق مدّة مكثه حتّى دفع مع النّاس ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬يحمل المغمى عليه رفاقه في الطّواف ويطوفون به ‪ ،‬ويجزئ الطّواف الواحد عن‬ ‫الحامل والمحمول ‪ ،‬إن نواه الحامل عن نفسه وعن المحمول ‪ ،‬وإن كان بغير أمر المغمى‬ ‫عليه ‪ .‬أمّا المريض النّائم فإن كان الطّواف بأمره وحملوه من فوره ‪ ،‬أي من ساعته عرفا‬ ‫وعادة يجوز ‪ ،‬إلّ بأن طافوا به من غير أن يأمر بالطّواف به ‪ ،‬أو فعلوه لكن ل من فوره فل‬ ‫يجزيه الطّواف ‪ .‬هذا كلّه عند الحنفيّة ‪ .‬أمّا على مذهب غيرهم فينتظر به حتّى يفيق ‪،‬‬ ‫ويستوفي شروط الطّواف ‪ ،‬الّتي منها الطّهارتان ( انظر طواف ) ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ويمكن أن يسعى به باتّفاقهم ‪ ،‬لعدم اشتراط ال ّنيّة والطّهارتين في السّعي ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ويحلق له رفاقه ‪ ،‬لعدم اشتراط ال ّنيّة فيه ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ويرمي عنه رفاقه ‪ ،‬على التّفصيل فيه ( انظر مصطلح ‪ :‬رمي ) ‪ - 6‬ويسقط عنه طواف‬ ‫الوداع إذا سافر به رفقته ‪ ،‬ولم يتمكّن منه ‪.‬‬ ‫ج عن الغير ‪ :‬مشروعيّة الحجّ عن الغير ‪:‬‬ ‫الح ّ‬ ‫‪ - 114‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى مشروعيّة الحجّ عن الغير وقابليّته‬ ‫ج ل يقبل النّيابة ل عن الحيّ ول عن‬ ‫للنّيابة ‪ ،‬وذهب مالك على المعتمد في مذهبه إلى أنّ الح ّ‬ ‫الميّت ‪ ،‬معذورا أو غير معذور ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إنّ الفضل أن يتطوّع عنه وليّه بغير الحجّ ‪ ،‬كأن‬ ‫ل الجمهور على مشروعيّة حجّ النسان‬ ‫يهدي أو يتصدّق عنه ‪ ،‬أو يدعو له ‪ ،‬أو يعتق ‪ .‬استد ّ‬ ‫سنّة ‪ :‬فمنها حديث ابن عبّاس رضي ال‬ ‫سنّة الثّابتة المشهورة ‪ ،‬وبالعقل ‪ .‬أمّا ال ّ‬ ‫عن غيره بال ّ‬ ‫ن فريضة اللّه‬ ‫عنه قال ‪ { :‬جاءت امرأة من خثعم عام حجّة الوداع ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إ ّ‬ ‫ج أدركت أبي شيخا كبيرا ل يستطيع أن يستوي على الرّاحلة ‪ ،‬فهل يقضي‬ ‫على عباده في الح ّ‬

‫عنه أن أحجّ عنه ؟ قال ‪ :‬نعم } ‪ .‬وعن ابن عبّاس أيضا ‪ { :‬أنّ امرأة من جهينة جاءت إلى‬ ‫ج حتّى ماتت أفأحجّ عنها ؟‬ ‫ن أمّي نذرت أن تحجّ فلم تح ّ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬إ ّ‬ ‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬نعم حجّي عنها ‪ ،‬أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته ؟ ‪..‬‬ ‫اقضوا اللّه ‪ ،‬فاللّه أحقّ بالوفاء } ‪ .‬وأمّا العقل ‪ ،‬فقال الكمال بن الهمام ‪ :‬وكان مقتضى القياس‬ ‫ج ‪ ،‬لتضمّنه المشقّتين البدنيّة والماليّة ‪ ،‬والولى لم تقم بالمر ‪،‬‬ ‫أن ل تجري النّيابة في الح ّ‬ ‫لكنّه تعالى رخّص في إسقاطه بتحمّل المشقّة الخرى ‪ ،‬أعني إخراج المال عند العجز‬ ‫ج عنه ‪ ،‬بخلف‬ ‫ج إلى من يح ّ‬ ‫المستمرّ إلى الموت ‪ ،‬رحمة وفضل ‪ ،‬وذلك بأن يدفع نفقة الح ّ‬ ‫حال القدرة فإنّه لم يعذره لنّ تركه ليس إلّ لمجرّد إيثار راحة نفسه على أمر ربّه ‪ ،‬وهو‬ ‫بهذا يستحقّ العقاب ‪ ،‬ل التّخفيف في طريق السقاط ‪ ،‬وإنّما شرط دوامه ( أي العذر ) إلى‬ ‫الموت لنّ الحجّ فرض العمر ‪ " ...‬وقال ابن قدامة ‪ :‬هذه عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ‪،‬‬ ‫فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله ‪ ،‬كالصّوم إذا عجز عنه افتدى بخلف الصّلة » ‪.‬‬ ‫وأخذ المالكيّة بالصل ‪ ،‬وهو عدم جريان النّيابة في العبادة البدنيّة ‪ ،‬كالصّوم ‪.‬‬ ‫شروط الحجّ الفرض عن الغير ‪ :‬أوّل ‪ -‬شروط وجوب الحجاج ‪:‬‬ ‫‪ - 115‬يتضمّن ذلك شروط الصيل المحجوج عنه لحجّة الفرض ‪ .‬يشترط لوجوب الحجاج‬ ‫عن المكلّف عند الجمهور ‪ -‬خلفا للمالكيّة ‪ : -‬العجز عن أداء الحجّ الواجب عليه ‪ .‬ويشمل‬ ‫ذلك ما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬كلّ من وجب عليه الحجّ وهو قادر على الحجّ بنفسه وحضره الموت يجب عليه الوصيّة‬ ‫بالحجاج عنه عند الحنفيّة ‪ .‬سواء حجّة السلم ‪ ،‬أو النّذر ‪ ،‬أو القضاء ‪ .‬ولم يوقف الشّافعيّة‬ ‫وجوب الحجاج عنه على الوصيّة إجراء للحجّ مجرى الدّيون ‪ .‬أمّا المالكيّة ‪ :‬فل يوجبون‬ ‫عليه الوصيّة ‪ ،‬ول يسقط عنه الفرض بأداء الغير عنه ‪ -‬كما هو أصل مذهبهم الّذي عرفناه‬ ‫ لكن إذا أوصى نفذت وصيّته ‪ ،‬وإن لم يوص لم يرسل من يحجّ عنه ‪.‬‬‫ل شيء من شروط الداء بالنّفس ‪ ،‬يجب‬ ‫ب ‪ -‬من توفّرت فيه سائر شروط وجوب الحجّ واخت ّ‬ ‫عليه أن يحجّ عن نفسه ‪ ،‬أو يوصي بالحجاج عنه إذا لم يرسل من يحجّ عنه ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬من توفّرت فيه شروط وجوب الحجّ بنفسه فلم يحجّ حتّى عجز عن الداء بنفسه يجب‬ ‫ج عنه في حال حياته ‪ ،‬أو يوصي بالحجاج عنه بعد موته ‪ .‬ويتحقّق العجز‬ ‫عليه أن يح ّ‬ ‫بالموت ‪ ،‬أو بالحبس ‪ ،‬والمنع ‪ ،‬والمرض الّذي ل يرجى زواله كالزّمانة والفالج ‪ ،‬والعمى‬ ‫والعرج ‪ ،‬والهرم الّذي ل يقدر صاحبه على الستمساك ‪ ،‬وعدم أمن الطّريق ‪ ،‬وعدم المحرم‬ ‫بالنّسبة للمرأة ‪ ،‬إذا استمرّت هذه الفات إلى الموت ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شروط النّائب عن غيره في الحجّ ‪:‬‬ ‫ج الفرض عن الصيل أن يكون النّائب قد حجّ‬ ‫‪ - 116‬اشترط الشّافعيّة والحنابلة لجزاء الح ّ‬ ‫حجّة السلم عن نفسه أوّل ‪ ،‬وإلّ كانت الحجّة عن نفسه ‪ ،‬ولم تجزئ عن الصيل ‪ ،‬وهو‬ ‫قول الوزاعيّ وإسحاق بن راهويه ‪ .‬واكتفى الحنفيّة بأهليّة المأمور لصحّة الحجّ ‪ ،‬بأن يكون‬ ‫مسلما عاقل ‪ ،‬فأجازوا أن يكون المأمور لم يحجّ عن نفسه حجّة السلم ( وهو المسمّى‬ ‫ح هذه الحجّة البدليّة وتبرأ‬ ‫صرورة ) ‪ ،‬وأجازوا حجّ العبد ‪ ،‬والمراهق عن غيرهم ‪ ،‬وتص ّ‬ ‫ذمّة الصيل ‪ ،‬مع الكراهة التّنزيهيّة بالنّسبة للمر ‪ ،‬والكراهة التّحريميّة بالنّسبة للمأمور إن‬ ‫كان تحقّق وجوب الحجّ عليه ‪ .‬ونحو ذلك عند المالكيّة في الحجّ عن الميّت يصحّ على القول‬ ‫ج على التّراخي عندهم ‪ ،‬أمّا على وجوبه على الفور فيحرم الحجّ عنه ‪ .‬استدلّ‬ ‫بوجوب الح ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى‬ ‫الوّلون ‪ :‬بما أخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن عبّاس رضي ال عنهما { أ ّ‬ ‫ال عليه وسلم سمع رجل يقول ‪ :‬لبّيك عن شبرمة ‪ .‬قال ‪ :‬من شبرمة ؟ قال ‪ :‬أخ لي ‪ ،‬أو‬ ‫قريب لي ‪ .‬قال ‪ :‬حججت عن نفسك ؟ قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬حجّ عن نفسك ‪ ،‬ثمّ حجّ عن‬ ‫ل الحنفيّة بإطلق حديث الخثعميّة السّابق ‪ ،‬فإنّه صلى ال عليه وسلم قال لها‬ ‫شبرمة } ‪ .‬واستد ّ‬ ‫‪ { :‬حجّي عن أبيك } من غير استخبارها عن حجّها لنفسها قبل ذلك ‪ ،‬وترك الستفصال‬ ‫يتنزّل منزلة عموم المقال ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬شروط صحّة الحجّ الواجب عن الغير ‪:‬‬ ‫‪ - 117‬أ ‪ -‬يشترط أن يأمر الصيل بالحجّ عنه ‪ ،‬باتّفاق العلماء بالنّسبة للحيّ ‪ .‬أمّا الميّت فل‬ ‫ج الغير عنه بدون وصيّته عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬واستثنى الحنفيّة ‪ ،‬إذا حجّ أو أحجّ‬ ‫يجوز ح ّ‬ ‫عن مورثه بغير إذنه فإنّه يجزيه ‪ ،‬وتبرأ ذمّة الميّت إن شاء اللّه تعالى ‪ ،‬مستدلّين بحديث‬ ‫الخثعميّة ‪ ،‬فإنّه لم يفصّل في حقّ السّائل هل أوصى أو لم يوص ‪ ،‬وهو وارث ‪ .‬وذهب‬ ‫الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ‪ :‬من مات وعليه حجّ وجب الحجاج عنه من جميع تركته ‪ ،‬سواء‬ ‫أوصى به أم ل ‪ ،‬كما تقضى منها ديونه سواء أوصى بها أم ل ‪ .‬فلو لم يكن له تركة استحبّ‬ ‫لوارثه أن يحجّ عنه ‪ ،‬فإن حجّ عنه بنفسه أو أرسل من حجّ عنه سقط الحجّ عن الميّت ‪ ،‬ولو‬ ‫ج عنه أجنبيّ جاز ‪ ،‬وإن لم يأذن له الوارث ‪ ،‬كما يقضى دينه بغير إذن الوارث " ومأخذهم‬ ‫حّ‬ ‫ج أحكام الدّيون ‪ .‬فإذا‬ ‫ج بالدّين ‪ ،‬فأجروا على قضاء الح ّ‬ ‫تشبيه النّبيّ صلى ال عليه وسلم الح ّ‬ ‫مات والحجّ في ذمّته يجب الحجاج عنه من رأس المال ولو لم يوص ‪ ،‬وهو مقدّم على وفاء‬ ‫ج من‬ ‫الدّيون ‪ ،‬عند الشّافعيّة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬من ضاق ماله وكان عليه دين يحاصّ نفقة الح ّ‬ ‫ج حصّته فيحجّ بها من حيث تبلغ ‪.‬‬ ‫الدّين ‪ ،‬ويؤخذ للح ّ‬

‫ج من مال المر كلّها أو أكثرها عند الحنفيّة ‪ ،‬سوى دم القران والتّمتّع‬ ‫ب ‪ -‬أن تكون نفقة الح ّ‬ ‫ج عن مورثه تبرأ ذمّة الميّت إن لم‬ ‫‪ ،‬فهما على الحاجّ عندهم ‪ .‬لكن إذا تبرّع الوارث بالح ّ‬ ‫يكن أوصى بالحجاج عنه إن شاء اللّه ‪ .‬أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد أجازوا أن يتبرّع بالحجّ‬ ‫عن غير الميّت مطلقا ‪ ،‬كما يجوز أن يتبرّع بقضاء دينه ‪ .‬وأمّا المالكيّة فالمر عندهم في‬ ‫هاتين المسألتين تابع للوصيّة ‪ ،‬ولتنفيذها بعقد الجارة ‪ ،‬أو لتبرّع النّائب ‪ ،‬ل لسقاط‬ ‫ي المعضوب ‪ :‬إذا بذل له المال أو الطّاعة فل يلزمه قبول ذلك‬ ‫الفريضة عن الميّت ‪ .‬وأمّا الح ّ‬ ‫للحجاج عن نفسه عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬لو بذل له ولده أو أجنبيّ‬ ‫مال للجرة لم يجب قبوله في الصحّ ‪ .‬ولو وجد مال أقلّ من أجرة المثل ورضي به الجير‬ ‫لزمه الستئجار ‪ ،‬لنّه مستطيع ‪ ،‬والمنّة فيه ليست كالمنّة في المال ‪ .‬ولو لم يجد أجرة وبذل‬ ‫له ولده الطّاعة بأن يذهب هو بنفسه للحجّ عنه وجب عليه قبوله ‪ ،‬وهو الذن له في ذلك ‪،‬‬ ‫ن المنّة في ذلك ليست كالمنّة في المال ‪ .‬لحصول الستطاعة ‪ ،‬وكذا الجنبيّ في الصحّ ‪.‬‬ ‫لّ‬ ‫ويشترط للزوم قبول طاعتهم أربعة شروط ‪ :‬أن يثق بالبازل ‪ ،‬وأن ل يكون عليه حجّ ولو‬ ‫نذرا ‪ ،‬وأن يكون ممّن يصحّ منهم حجّة السلم ‪ ،‬وأن ل يكونا معضوبين ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬يشترط أن يحجّ عنه من وطنه إن اتّسع ثلث التّركة ‪ ،‬وإن لم يتّسع يحجّ عنه من حيث‬ ‫يبلغ عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬وعند الشّافعيّة والحنابلة يعتبر اتّساع جميع مال الميّت ‪ ،‬لنّه دين‬ ‫واجب ‪ ،‬فكان من رأس المال كدين الدميّ ‪ .‬لكن عند الشّافعيّة يجب قضاؤه عنه من الميقات‬ ‫ج على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه‬ ‫لنّ الحجّ يجب من الميقات ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬الح ّ‬ ‫منه » ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬ال ّنيّة ‪ :‬أي نيّة الحاجّ المأمور أداء الحجّ عن الصيل ‪ .‬بأن ينوي بقلبه ويقول بلسانه‬ ‫( والتّلفّظ أفضل ) ‪ :‬أحرمت بالحجّ عن فلن ‪ ،‬ولبّيك بحجّة عن فلن ‪ .‬وإن اكتفى بنيّة القلب‬ ‫كفى ذلك ‪ ،‬اتّفاقا ‪ .‬ولو نسي اسمه ونوى أن يكون الحجّ عن الشّخص المقصود أن يحجّ عنه‬ ‫يصحّ ‪ ،‬ويقع الحجّ عن الصيل ‪.‬‬ ‫ج المأمور بنفسه ‪ :‬نصّ عليه الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‪ .‬فلو مرض المأمور‬ ‫هـ ‪ -‬أن يح ّ‬ ‫أو حبس فدفع المال إلى غيره بغير إذن المحجوج عنه ل يقع الحجّ عن الميّت ‪ ،‬والحاجّ‬ ‫ج ‪ :‬اصنع ما شئت فله ‪ ،‬حينئذ أن‬ ‫ج ‪ ،‬إلّ إذا قال المر بالح ّ‬ ‫الوّل والثّاني ضامنان لنفقة الح ّ‬ ‫يدفع المال إلى غيره ‪ ،‬ويقع الحجّ عن المر ‪.‬‬ ‫ج من ميقات الشّخص الّذي يحجّ عنه من غير مخالفة ‪ .‬ولو أمره بالفراد‬ ‫و ‪ -‬أن يحرم بالح ّ‬ ‫فقرن عن المر فيقع ذلك عن المر في مذهب الشّافعيّ والصّاحبين استحسانا ‪ ،‬وأمّا عند أبي‬ ‫حنيفة فهو مخالف ضامن من النّفقات ول يقع عن المر ‪ .‬أمّا إذا أمره بالفراد فتمتّع عن‬

‫المر لم يقع حجّه عنه ول يجوز ذلك عن حجّة السلم ‪ ،‬ويضمن اتّفاقا عند أئمّة الحنفيّة ‪،‬‬ ‫والشّافعيّة ‪ .‬وسوّى المالكيّة بين القران والتّمتّع إذا فعل وكان الفراد يجزئ إن كان الشّرط‬ ‫ل الحالت ويرجع على‬ ‫ج عن الصيل في ك ّ‬ ‫من الوصيّ ل الصيل ‪ .‬وصحّح الحنابلة الح ّ‬ ‫الجير بفرق أجرة المسافة ‪ ،‬أو توفير الميقات ‪.‬‬ ‫ج النّفل عن الغير ‪ :‬مشروعيّته ‪:‬‬ ‫حّ‬ ‫ج النّفل عن الغير بإطلق ‪ ،‬وهو مذهب الحنفيّة‬ ‫‪ - 118‬اتّفق الجمهور على مشروعيّة ح ّ‬ ‫ج المنذور ‪ .‬أمّا الشّافعيّة‬ ‫وأحمد ‪ .‬وأجازه المالكيّة أيضا مع الكراهة فيه وفي النّيابة في الح ّ‬ ‫ففصّلوا وقالوا ‪ :‬ل تجوز الستنابة في حجّ النّفل عن حيّ ليس بمعضوب ‪ ،‬ول عن ميّت لم‬ ‫يوص به ‪ .‬أمّا الميّت الّذي أوصى به والحيّ المعضوب إذا استأجر من يحجّ عنه ‪ ،‬ففيه‬ ‫قولن مشهوران للشّافعيّة ‪ :‬أصحّهما الجواز ‪ ،‬وأنّه يستحقّ الجرة ‪ .‬والقول الخر عدم‬ ‫الجواز ‪ ،‬لنّه إنّما جاز الستنابة في الفرض للضّرورة ‪ ،‬ول ضرورة ‪ ،‬فلم تجز الستنابة‬ ‫فيه ‪ ،‬كالصّحيح ‪ ،‬ويقع عن الجير ‪ ،‬ول يستحقّ الجرة ‪ .‬ويدلّ للجمهور على صحّة حجّ‬ ‫النّفل عن الغير المستطيع بنفسه أنّها حجّة ل تلزمه بنفسه ‪ ،‬فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب‬ ‫‪ .‬ولنّه يتوسّع في النّفل ما ل يتوسّع في الفرض ‪ ،‬فإذا جازت النّيابة في الفرض فلن تجوز‬ ‫في النّفل أولى ‪.‬‬ ‫شروطه ‪:‬‬ ‫‪ - 119‬يشترط لصحّة حجّ النّفل عن الغير ‪ :‬السلم ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والتّمييز ‪ ،‬وقيّده الحنفيّة‬ ‫بالمراهق ‪ ،‬وأن يكون النّائب قد حجّ الفرض عن نفسه ‪ ،‬وليس عليه حجّ آخر واجب ‪ ،‬وذلك‬ ‫ج النّائب الحجّة عن الصيل ‪.‬‬ ‫عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬كما يشترط نيّة الحا ّ‬ ‫الستئجار على الحجّ ‪ :‬مشروعيّته ‪:‬‬ ‫‪ - 120‬ذهب أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وهو الشهر عن أحمد إلى أنّه ل يجوز‬ ‫الستئجار على الحجّ ‪ .‬وذهب الشّافعيّ إلى الجواز ‪ ،‬وبه أخذ المالكيّة ‪ ،‬مراعاة لخلف‬ ‫ج النّفل ‪ .‬فلو عقدت الجارة للحجّ عن الغير فهي عند أبي‬ ‫الشّافعيّة في جواز النّيابة في ح ّ‬ ‫ن الحجّة عن الصيل صحيحة ‪ ،‬على التّحقيق في المذهب ‪ ،‬ويسمّون الجير‬ ‫حنيفة باطلة ‪ ،‬لك ّ‬ ‫‪ :‬مأمورا ‪ ،‬ونائبا ‪ ،‬وقالوا له نفقة المثل في مال الصيل ‪ ،‬لنّه حبس نفسه لمنفعة الصيل‬ ‫فوجبت نفقته في ماله ‪.‬‬ ‫الخلل بأركان الحجّ ‪:‬‬

‫ل بركن من أركانه ‪ .‬ثمّ إن ترك ركن من أركان الحجّ إمّا أن يكون‬ ‫‪ - 121‬ل يتمّ الحجّ إن أخ ّ‬ ‫ج بمانع قاهر ‪ ( :‬الحصار ) ‪:‬‬ ‫بمانع قاهر أو بغير ذلك ‪ .‬ترك ركن من الح ّ‬ ‫‪ - 122‬ترك ركن أو أكثر من أركان الحجّ بمانع قاهر سبق بحثه تفصيل في مصطلح ‪:‬‬ ‫ج ل بمانع قاهر ‪ :‬أوّل ‪ :‬ترك الوقوف بعرفة ‪ ( :‬الفوات ) ‪:‬‬ ‫( إحصار ) ‪ .‬ترك ركن من الح ّ‬ ‫ن من فاته الوقوف بعرفة بأن " طلع عليه الفجر يوم النّحر ولم‬ ‫‪ - 123‬أجمع العلماء على أ ّ‬ ‫ج ‪ .‬ويسمّى ذلك ( الفوات ) » ‪ .‬ثمّ إن أراد التّحلّل من الحرام فيتحلّل‬ ‫يقف بعرفة فقد فاته الح ّ‬ ‫بأعمال العمرة ‪ .‬على تفصيل ينظر في ( فوات ) ‪ .‬ثانيا ‪ :‬ترك طواف الزّيارة ‪:‬‬ ‫ل الحاجّ‬ ‫‪ - 124‬طواف الزّيارة ركن ل يسقط بتركه إذا فات وقته ‪ ،‬ول ينجبر بشيء ‪ ،‬ويظ ّ‬ ‫محرما بالنّسبة للتّحلّل الكبر ( مصطلح إحرام ف ‪ ، ) 124‬حتّى يؤدّيه ‪ .‬فإن ترك طواف‬ ‫الزّيارة أو ترك شيئا من شروطه ‪ ،‬أو ركنا ‪ ،‬ولو شوطا أو أقلّ من شوط يجب عليه أن‬ ‫يرجع إلى مكّة ويؤدّيه ‪ .‬وإذا رجع فإنّه يرجع بإحرامه الوّل ‪ ،‬ل يحتاج إلى إحرام جديد ‪،‬‬ ‫وهو محرم عن النّساء إلى أن يعود ويطوف ‪ ،‬وهذا عند الجمهور ‪ ،‬والحنفيّة معهم على وجه‬ ‫الجمال ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬يجدّد إحرامه ليطوف في إحرام صحيح " أي إنّه يدخل مكّة بعمرة‬ ‫‪ .‬أمّا تفصيل مذهب الحنفيّة ‪ :‬ففيه فروع ‪ .‬اختصّوا بها بناء على مذهبهم في شروط الطّواف‬ ‫وركنه وواجباته ( انظر مصطلح طواف ) ‪ .‬ثالثا ‪ :‬ترك السّعي ‪:‬‬ ‫‪ - 125‬السّعي عند الجمهور ركن ل يحلّ الحاجّ من الحرام بدونه ‪ ،‬فمن تركه عاد لدائه‬ ‫لزاما على التّفصيل السّابق في الرّجوع لطواف الزّيارة بالنّسبة للجمهور ‪ .‬أمّا عند الحنفيّة‬ ‫ل بدون سعي ‪ ،‬لنّ السّعي واجب عندهم ‪ ،‬ينجبر بالدّم ( ف‬ ‫وهو قول عند الحنابلة فإنّه يح ّ‬ ‫‪ ، ) 56‬فإن أراد أداءه فإنّه يدخل مكّة بإحرام جديد معتمرا ‪ ،‬ثمّ يأتي بالسّعي ‪ ،‬وإن ترك‬ ‫ل شوط صدقة نصف صاع من برّ أو‬ ‫ح سعيه عند الحنفيّة ‪ ،‬وعليه لك ّ‬ ‫ثلثة أشواط فأقلّ ص ّ‬ ‫صاع من تمر أو شعير ‪ ( ..‬انظر مصطلح ‪ :‬سعي ) ‪.‬‬ ‫الخلل بواجبات الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 126‬يجب على من ترك واجبا من واجبات الحجّ الفداء ‪ ،‬وهو ذبح شاة ‪ ،‬باتّفاق الفقهاء ‪،‬‬ ‫ل إذا تركه لعذر معتبر شرعا ‪ .‬وما صرّحوا بالعذر‬ ‫جبرا للنّقص الحادث بترك الواجب ‪ ،‬إ ّ‬ ‫فيه ‪ :‬ترك المشي في الطّواف أو في السّعي ‪ ،‬لمرض أو كبر سنّ ‪ ،‬على القول بوجوب‬ ‫المشي فيهما ‪ ،‬فإنّه يجوز للمعذور أن يطوف أو يسعى محمول ‪ ،‬ول فداء عليه ‪ .‬وثمّة‬ ‫ص لحكم تركها ‪ ،‬وهي ‪ :‬أوّل ‪ :‬ترك الوقوف بالمزدلفة ‪:‬‬ ‫مسائل تحتاج ليضاح خا ّ‬ ‫‪ - 127‬اتّفقوا على أنّ من ترك الوقوف بالمزدلفة لعذر أنّه ل فداء عليه ‪ .‬وصرّح الحنفيّة‬ ‫بثبوت العذر في ترك الوقوف بالمزدلفة ‪ ،‬كالمرض ‪ ،‬والضّعف الجسميّ كما في الشّيخ الفاني‬

‫‪ ،‬وكذا خوف الزّحام على المرأة ‪ ،‬وضعفة الهل ‪ .‬وصرّح الشّافعيّة بالعذر لمن انتهى إلى‬ ‫عرفات ليلة النّحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بالمزدلفة فل شيء عليه باتّفاق الصحاب ‪،‬‬ ‫ولو أفاض من عرفات إلى مكّة وطاف الفاضة بعد نصف ليلة النّحر ففاته المبيت بالمزدلفة‬ ‫بسبب الطّواف فل شيء عليه ‪ ،‬لنّه اشتغل بركن فأشبه المشتغل بالوقوف ‪ ،‬أي ‪ :‬إلّ أن‬ ‫يمكنه العود إلى المزدلفة قبل الفجر فيلزمه العود إليها ‪ .‬ومثل هذا من بادرت إلى الطّواف‬ ‫خوف طروء نحو حيض ‪ .‬وجميع أعذار منى تأتي هنا ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬ترك المبيت بمنى ليالي التّشريق ‪:‬‬ ‫‪ - 128‬والجزاء فيه واجب عند الئمّة الثّلثة ‪ ،‬لوجوب هذا المبيت عندهم ( ف ‪ ) 69‬قال‬ ‫ل ليلة فدم ‪ ،‬وكذا ليلة كاملة أو أكثر ‪ ،‬وظاهره ولو كان‬ ‫المالكيّة ‪ :‬إن ترك المبيت بها ج ّ‬ ‫التّرك لضرورة ‪ " ...‬ولم يسقطوا الدّم بترك المبيت إلّ للرّعاء وأهل السّقاية ( انظر مبيت )‬ ‫‪ .‬وأوجب الشّافعيّة وكذا الحنابلة في ترك المبيت كلّه دما واحدا ‪ ،‬وفي ترك ليلة مدّا من‬ ‫الطّعام ‪ ،‬وفي ترك ليلتين مدّين ‪ ،‬إذا بات ليلة واحدة ‪ ،‬إلّ إذا ترك المبيت لعذر فل شيء‬ ‫عليه ‪ ،‬كأهل سقاية العبّاس ‪ ،‬ورعاء البل فلهم ترك المبيت ليالي منى من غير دم ‪ ،‬ومثلهم‬ ‫من يخاف على نفس أو مال ‪ ،‬أو ضياع مريض بل متعهّد ‪ ،‬أو موت نحو قريب في غيبته ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬ترك الرّمي ‪:‬‬ ‫‪ - 129‬مذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه يجب الدّم على من ترك الرّمي كلّه أو ترك رمي يوم أو‬ ‫ي جمرة ‪ .‬وعند الشّافعيّة في الحصاة يجب مدّ واحد‬ ‫يومين أو ترك ثلث حصيات من رمي أ ّ‬ ‫‪ ،‬وفي الحصاتين ضعف ذلك ‪ .‬وعند الحنابلة في الحصاة أو الحصاتين روايات ‪ .‬قال في‬ ‫المغني ‪ :‬الظّاهر عن أحمد أنّه ل شيء عليه في حصاة ول حصاتين " وذهب الحنفيّة إلى أنّه‬ ‫يجب الدّم إن ترك الحاجّ رمي الجمار كلّها في اليّام الربعة ‪ ،‬أو ترك رمي يوم كامل ‪،‬‬ ‫ويلحق به ترك رمي أكثر حصيات يوم أيضا ‪ ،‬لنّ للكثر حكم الكلّ ‪ ،‬فيلزم فيه الدّم ‪ ،‬أمّا‬ ‫ل حصاة نصف صاع من برّ ‪ ،‬أو صاع‬ ‫ل من حصيات يوم فعليه صدقة ‪ ،‬لك ّ‬ ‫إن ترك الق ّ‬ ‫من تمر أو شعير ‪ .‬ومذهب المالكيّة ‪ :‬يلزمه دم في ترك حصاة أو في ترك الجميع ‪.‬‬ ‫( ترك سنن الحجّ ) ‪:‬‬ ‫ج ل يوجب إثما ول جزاء ‪ .‬لكن يكون تاركها مسيئا على ما‬ ‫‪ - 130‬ترك سنّة من سنن الح ّ‬ ‫صرّح به الحنفيّة ‪ ،‬ويحرم نفسه من الثّواب الّذي أعدّه اللّه تعالى لمن عمل بالسّنن أو‬ ‫المستحبّات والنّوافل ‪ ( .‬انظر مصطلح ‪ :‬سنّة ) ‪.‬‬

‫آداب الحاجّ ‪ :‬آداب الستعداد للحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 131‬أ ‪ -‬يستحبّ أن يشاور من يثق بدينه وخبرته في تدبير أموره ‪ ،‬ويتعلّم أحكام الحجّ‬ ‫ح العبادة ممّن ل يعرفها ‪،‬‬ ‫وكيفيّته ‪ .‬قال المام النّوويّ ‪ :‬وهذا فرض عين ‪ ،‬إذ ل تص ّ‬ ‫ويستحبّ أن يستصحب معه كتابا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها ‪ ،‬وأن يديم مطالعته‬ ‫ويكرّرها في جميع طريقه لتصير محقّقة عنده ‪ .‬ومن أخلّ بهذا خفنا عليه أن يرجع بغير حجّ‬ ‫‪ ،‬لخلله بشرط من شروطه أو ركن من أركانه ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ،‬وربّما قلّد كثير من النّاس‬ ‫بعض عوامّ مكّة وتوهّم أنّهم يعرفون المناسك فاغترّ بهم ‪ ،‬وذلك خطأ فاحش » ‪.‬‬ ‫ج نفسه ‪ ،‬فإنّه ل‬ ‫ج فيستحبّ له أن يستخير اللّه تعالى ‪ ،‬لكن ليس للح ّ‬ ‫ب ‪ -‬إذا عزم على الح ّ‬ ‫استخارة في فعل الطّاعات ‪ ،‬لكن للداء هذا العام إن كانت الحجّة نافلة ‪ ،‬أو مع هذه القافلة ‪،‬‬ ‫وترد الستخارة على الحجّ الفرض هذا العام لكن على القول بتراخي وجوبه ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬إذا استقرّ عزمه على الحجّ بدأ بالتّوبة من جميع المعاصي والمكروهات ‪ ،‬ويخرج من‬ ‫ل من بينه وبينه‬ ‫مظالم الخلق ‪ ،‬ويقضي ما أمكنه من ديونه ‪ ،‬ويردّ الودائع ‪ ،‬ويستحلّ ك ّ‬ ‫معاملة في شيء أو مصاحبة ‪ ،‬ويكتب وصيّته ‪ ،‬ويشهد عليها ‪ ،‬ويوكّل من يقضي عنه ما لم‬ ‫يتمكّن من قضائه ‪ ،‬ويترك لهله ومن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه ‪ .‬ول يتوهّم أحد‬ ‫الفلت من حقوق النّاس بعباداته ‪ ،‬ما لم يؤدّ الحقوق إلى أهلها ‪ ،‬قال رسول اللّه صلى ال‬ ‫ل الدّين } ‪.‬‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬يغفر للشّهيد كلّ شيء إ ّ‬ ‫د ‪ -‬أن يجتهد في إرضاء والديه ‪ ،‬ومن يتوجّه عليه برّه وطاعته ‪ ،‬وإن كانت زوجة‬ ‫ج بها ‪ ،‬فإن منعه أحد والديه من حجّ‬ ‫استرضت زوجها وأقاربها ‪ ،‬ويستحبّ للزّوج أن يح ّ‬ ‫ج التّطوّع لم يجز له الحرام ‪ ،‬فإن أحرم فللوالد‬ ‫السلم لم يلتفت إلى منعه ‪ ،‬وإن منعه من ح ّ‬ ‫تحليله على الصحّ عند الشّافعيّة ‪ ،‬خلفا للجمهور ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬ليحرص أن تكون نفقته كثيرة وحلل خالصة من الشّبهة ‪ ،‬فإن خالف وحجّ بمال فيه‬ ‫شبهة أو بمال مغصوب صحّ حجّه في ظاهر الحكم ‪ ،‬لكنّه عاص وليس حجّا مبرورا ‪ ،‬وهذا‬ ‫مذهب الشّافعيّ ومالك ‪ ،‬وأبي حنيفة رحمهم ال وجماهير العلماء من السّلف والخلف ‪ ،‬وقال‬ ‫ج بمال حرام ‪ .‬وفي رواية أخرى يصحّ مع الحرمة ‪ .‬وفي‬ ‫أحمد بن حنبل ‪ :‬ل يجزيه الح ّ‬ ‫الحديث الصّحيح ‪ :‬أنّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ذكر الرّجل يطيل السّفر ‪ ،‬أشعث أغبر يمدّ‬ ‫ب ومطعمه حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪ ،‬وملبسه حرام ‪ ،‬وغذّي‬ ‫يديه إلى السّماء ‪ :‬يا ربّ ‪ ،‬يا ر ّ‬ ‫بالحرام ‪ ،‬فأنّى يستجاب لذلك } ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬الحرص على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحجّ ‪ ،‬وإن أمكن أن يصحب أحد‬ ‫العلماء العاملين فليتمسّك به ‪ ،‬فإنّه يعينه على مبارّ الحجّ ومكارم الخلق ‪.‬‬

‫آداب السّفر للحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 132‬نشير إلى نبذ هامة منها فيما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬يستحبّ أن يودّع أهله وجيرانه وأصدقاءه ‪ ،‬ويقول لمن يودّعه ما جاء في الحديث ‪:‬‬ ‫ن للمقيم أن يقول للمسافر ‪ { :‬أستودع اللّه دينك‬ ‫{ أستودعك اللّه الّذي ل تضيع ودائعه } ويس ّ‬ ‫وأمانتك وخواتيم عملك } ب ‪ -‬أن يصلّي ركعتين قبل الخروج من منزله ‪ ،‬يقرأ في الولى‬ ‫ح أنّه صلى ال عليه‬ ‫سورة { قل يا أيّها الكافرون } وفي الثّانية { قل هو اللّه أحد } وص ّ‬ ‫ل رفع طرفه إلى السّماء فقال ‪ { :‬اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو‬ ‫وسلم ما خرج من بيته قطّ إ ّ‬ ‫أضلّ ‪ ،‬أو أزلّ أو أزلّ ‪ ،‬أو أظلم أو أظلم ‪ ،‬أو أجهل أو يجهل عليّ } ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬يستحبّ الكثار من الدّعاء في جميع سفره ‪ ،‬وعلى آداب السّفر وأحكامه والتّقيّد برخصه‬ ‫من غير تجاوز لها ( انظر مصطلح ‪ :‬سفر ) آداب أداء مناسك الحجّ ‪:‬‬ ‫‪ - 133‬أ ‪ -‬التّحلّي بمكارم الخلق ‪ ،‬والتّذرّع بالصّبر الجميل ‪ ،‬لما يعانيه النسان من‬ ‫مشقّات السّفر ‪ ،‬والزّحام ‪ ،‬والحتكاك بالنّاس ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬استدامة حضور القلب والخشوع ‪ ،‬والكثار من الذّكر والدّعاء وتلوة القرآن ‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك ‪ ،‬والمحافظة على أذكار مناسك الحجّ ‪.‬‬ ‫ج كاملة وعدم تضييع شيء من السّنن ‪ ،‬فضل عن التّفريط‬ ‫ج ‪ -‬الحرص على أداء أحكام الح ّ‬ ‫بواجب ‪ ،‬إلّ في مواضع العذر الشّرعيّة الّتي بيّنت في مناسباتها ‪.‬‬ ‫( آداب العود من الحجّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 134‬من آداب العود من الحجّ ما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يراعي آداب السّفر وأحكامه العامّة للذّهاب والياب ‪ ،‬والخاصّة بالياب ‪ ،‬مثل إخبار‬ ‫أهله إذا دنا من بلده ‪ ،‬وألّ يطرقهم ليل ‪ ،‬وإن يبدأ بصلة ركعتين في المسجد إذا وصل‬ ‫منزله ‪ ،‬وأن يقول إذا دخل بيته ‪ :‬توبا توبا ‪ ،‬لربّنا أوبا ‪ ،‬ل يغادر حوبا " ( انظر مصطلح ‪:‬‬ ‫سفر ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬يستحبّ لمن يسلّم على الحاجّ أن يطلب من الحاجّ أن يستغفر له ‪ ،‬كما يستحبّ أن يدعو‬ ‫ج لزوّاره‬ ‫للحاجّ أيضا ويقول ‪ { :‬قبل اللّه حجّك وغفر ذنبك ‪ ،‬وأخلف نفقتك } ‪ .‬ويدعو الحا ّ‬ ‫بالمغفرة ‪ ،‬فإنّه مرجوّ الجابة لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬اللّهمّ اغفر للحاجّ ولمن ‪ .‬استغفر‬ ‫له الحاجّ } ‪ .‬ج ‪ -‬قال المام النّوويّ ‪ :‬ينبغي أن يكون بعد رجوعه خيرا ممّا كان ‪ ،‬فهذا من‬ ‫علمات قبول الحجّ ‪ ،‬وأن يكون خيره آخذا في ازدياد ‪.‬‬ ‫حجّة انظر ‪ :‬إثبات ‪.‬‬

‫حجر‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحجر لغة المنع ‪ .‬يقال ‪ :‬حجر عليه حجرا منعه من التّصرّف فهو محجور عليه ‪ .‬ومنه‬ ‫سمّي الحطيم حجرا لنّه منع من أن يدخل في بناء الكعبة ‪ .‬وقيل ‪ :‬الحطيم جدار الحجر ‪،‬‬ ‫والحجر ما حواه الجدر ‪ .‬وسمّي العقل حجرا لنّه يمنع من القبائح ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬هل في‬ ‫ذلك قسم لذي حجر } أي لذي عقل ‪ .‬وأمّا تعريفه في الصطلح فقد اختلفت فيه عبارات‬ ‫الفقهاء ‪ :‬فعرّفه الشّافعيّة والحنابلة بأنّه المنع من التّصرّفات الماليّة ‪ ،‬سواء أكان المنع قد‬ ‫شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء وعلى الرّاهن في المرهون لمصلحة‬ ‫المرتهن ‪ ،‬وعلى المريض مرض الموت لحقّ الورثة في ثلثي ماله وغيرها ‪ ،‬أم شرع‬ ‫لمصلحة المحجور عليه كالحجر على المجنون ‪ ،‬والصّغير ‪ ،‬والسّفيه ‪ .‬وعرّفه الحنفيّة بأنّه‬ ‫ل بإجازة‬ ‫منع من نفاذ تصرّف قوليّ ‪ -‬ل فعليّ ‪ -‬فإنّ عقد المحجور ينعقد موقوفا فل ينفذ إ ّ‬ ‫من له الحقّ في الجازة ‪ .‬وإنّما كان الحجر عند الحنفيّة من التّصرّفات القوليّة لنّ تلك‬ ‫التّصرّفات هي الّتي يتصوّر الحجر فيها بالمنع من نفاذها ‪ .‬أمّا التّصرّف الفعليّ فل يتصوّر‬ ‫ن الفعل بعد وقوعه ل يمكن ردّه ‪ ،‬فل يتصوّر الحجر عنه ‪ .‬قال ابن عابدين‬ ‫الحجر فيه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫نقل عن بعض الحنفيّة ما مفاده ‪ :‬الحجر على مراتب ‪ :‬أقوى ‪ ،‬وهو المنع عن أصل‬ ‫التّصرّف بعدم انعقاده ( البطلن ) كتصرّف المجنون ‪ .‬ومتوسّط ‪ ،‬وهو المنع عن وصفه‬ ‫وهو النّفاذ كتصرّف المميّز ‪ .‬وضعيف ‪ ،‬وهو المنع عن وصف وصفه ‪ ،‬وهو كون النّفاذ‬ ‫حالّا مثل تأخير نفاذ القرار من المحجور عليه للفلس إلى ما بعد فكّ الحجر عنه ‪ .‬قال ابن‬ ‫عابدين ‪ :‬وقد أدخل في التّعريف المنع عن الفعل ‪ ،‬ويظهر لي أنّ هذا هو التّحقيق ‪ ،‬فإنّه إن‬ ‫جعل الحجر هو المنع من ثبوت حكم التّصرّف ‪ ،‬فما وجه تقييده بالقولي ونفي الفعليّ مع أنّ‬ ‫لكلّ حكما ؟ وأمّا ما علّل به ( صاحب الدّرّ ) من قوله ‪ :‬لنّ الفعل بعد وقوعه ل يمكن ردّه ‪،‬‬ ‫نقول ‪ :‬الكلم في منع حكمه ل منع ذاته ‪ ،‬ومثله ‪ :‬القول ‪ ،‬ل يمكن ردّه بذاته بعد وقوعه بل‬ ‫ردّ حكمه ‪ .‬وعرّف المالكيّة الحجر بأنّه صفة حكميّة توجب منع موصوفها من نفوذ تصرّفه‬ ‫فيما زاد على قوّته ‪ ،‬أو من نفوذ تبرّعه بزائد على ثلث ماله ‪ .‬فدخل بالثّاني حجر المريض‬ ‫والزّوجة ‪ ،‬ودخل بالوّل حجر الصّبيّ والمجنون والسّفيه والمفلس والرّقيق فيمنعون من‬ ‫التّصرّف في الزّائد على القوت ولو كان التّصرّف غير تبرّع كالبيع والشّراء ‪ ،‬وأمّا الزّوجة‬ ‫والمريض فل يمنعان من التّصرّف إذا كان غير تبرّع أو كان تبرّعا وكان بثلث مالهما ‪ ،‬وأمّا‬ ‫تبرّعهما بزائد على الثّلث فيمنعان منه ‪.‬‬ ‫مشروعيّة الحجر ‪:‬‬

‫سنّة ‪ .‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬ول تؤتوا السّفهاء‬ ‫‪ - 2‬ثبتت مشروعيّة الحجر بالكتاب وال ّ‬ ‫أموالكم الّتي جعل اللّه لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قول معروفا } وقوله ‪{ :‬‬ ‫وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } ‪ .‬وقوله ‪{ :‬‬ ‫فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو ل يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل } ‪.‬‬ ‫فسّر الشّافعيّ السّفيه بالمبذّر ‪ ،‬والضّعيف بالصّبيّ والكبير المختلّ ‪ ،‬والّذي ل يستطيع أن يملّ‬ ‫بالمغلوب على عقله ‪ ،‬فأخبر اللّه تعالى أنّ هؤلء ينوب عنهم أولياؤهم فدلّ على ثبوت الحجر‬ ‫سنّة فعن كعب بن مالك رضي ال عنه { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم حجر‬ ‫عليهم ‪ .‬وأمّا ال ّ‬ ‫على معاذ رضي ال عنه ماله وباعه في دين كان عليه } وروى الشّافعيّ في مسنده عن‬ ‫عروة بن الزّبير أنّ عثمان رضي ال عنه حجر على عبد اللّه بن جعفر رضي ال عنه بسبب‬ ‫تبذيره‬ ‫حكمة تشريع الحجر ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬قرّر الشّارع الحجر على من يصاب بخلل في عقله كجنون وعته حتّى تكون الموال‬ ‫مصونة من اليدي الّتي تسلب أموال النّاس بالباطل والغشّ والتّدليس ‪ .‬وتكون مصونة أيضا‬ ‫من سوء تصرّف المالك ‪ .‬وقرّر الحجر أيضا على من يسترسلون في غلواء الفسق والفجور‬ ‫والخلعة ويبدّدون أموالهم ذات اليمين وذات الشّمال صونا لموالهم ‪ ،‬وحرصا على أرزاق‬ ‫أولدهم ‪ ،‬ومن يعولونهم في حياتهم وبعد مماتهم ‪ .‬كما شمل الحجر من يتعرّض للفتاء وهو‬ ‫جاهل ل يعلم حقيقة الحكم الشّرعيّ فيضلّ ويضلّ وتصبح فتنة بين المسلمين من وراء فتياه ‪،‬‬ ‫وكذا يحجر على الطّبيب الجاهل الّذي يداوي المّة وهو ل يعلم شيئا من فنّ الطّبّ ‪ ،‬فتروح‬ ‫أرواح طاهرة بين يديه لجهله ‪ ،‬وينتج من ذلك بلء عظيم وخطب جسيم ‪ .‬وكذا يحجر على‬ ‫المكاري المفلس ‪ ،‬لنّه يتلف أموال النّاس بالباطل ‪.‬‬ ‫أسباب الحجر ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغر والجنون وال ّرقّ أسباب للحجر ‪ .‬وذهب الجمهور إلى أنّ‬ ‫السّفه والمرض المتّصل بالموت أسباب للحجر أيضا ‪ .‬واختلفوا في الحجر على الزّوجة ‪-‬‬ ‫فيما زاد على الثّلث ‪ -‬وفي الحجر على المرتدّ لمصلحة المسلمين ‪ ،‬وفي غيرهما على‬ ‫تفصيل يذكر فيما بعد ‪ .‬تقسيم الحجر بحسب المصلحة ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬ينقسم الحجر بحسب المصلحة إلى قسمين ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬قسم شرع لمصلحة المحجور عليه ( غالبا ) ‪ ،‬وذلك كحجر المجنون والصّبيّ والسّفيه‬ ‫والمبذّر وغيرهم ‪ -‬على ما يأتي تفصيله ‪ -‬فالحجر في هذا القسم شرع لمصلحة هؤلء حفظا‬ ‫لموالهم من الضّياع ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬قسم شرع لمصلحة الغير ( غالبا ) ‪ ،‬وذلك كحجر المدين المفلس لحقّ الغرماء‬ ‫( الدّائنين ) ‪ ،‬وحجر الرّاهن لحقّ المرتهن في العين المرهونة ‪ ،‬وكحجر المريض مرض‬ ‫الموت لحقّ الورثة فيما زاد على ثلث التّركة حيث ل دين ‪ ،‬وحجر الرّقيق لحقّ سيّده ‪ .‬أوّل‬ ‫ الحجر على الصّغير ‪:‬‬‫‪ - 6‬يبدأ الصّغر من حين الولدة إلى مرحلة البلوغ ‪ ،‬ولمعرفة متى يتمّ البلوغ ينظر مصطلح‬ ‫‪ ( :‬بلوغ ) ‪ .‬وقد أجمع الفقهاء على أنّ الصّغير الّذي لم يبلغ الحلم محجور عليه بحكم الشّرع‬ ‫حتّى يبلغ ثمّ يستمرّ الحجر عليه إلى أن يرشد ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا‬ ‫النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وذلك لعدم أهليّة التّصرّف لقصور إدراكه‬ ‫‪ .‬وينتهي الحجر ببلوغه رشيدا عند عامّة الفقهاء لقوله تعالى ‪ { :‬فإن آنستم منهم رشدا } أي‬ ‫‪ :‬أبصرتم وعلمتم منهم حفظا لموالهم وصلحهم في تدبيرهم ‪ .‬ول ينتهي الحجر بالنّسبة‬ ‫للصّبيّ ول يدفع إليه ماله قبل وجود المرين البلوغ والرّشد ولو صار شيخا عند الجمهور‬ ‫خلفا لبي حنيفة كما سيأتي ‪.‬‬ ‫ن تحقّقت‬ ‫أ ‪ -‬البلوغ ‪ :‬البلوغ انتهاء فترة الصّغر والدّخول في ح ّد الكبر وله أمارات طبيعيّة إ ّ‬ ‫حكم به وإلّ فيرجع للسّنّ على تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ‪ ( :‬بلوغ ) ‪ .‬ب ‪ -‬الرّشد‬ ‫‪ :‬الرّشد عند الجمهور ( من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة ) هو الصّلح‬ ‫في المال فقط ‪ .‬وهذا قول أكثر أهل العلم للية السّابقة ‪ .‬ومن كان مصلحا لماله فقد وجد منه‬ ‫ن العدالة ل تعتبر في الرّشد في الدّوام ‪ .‬فل تعتبر في البتداء كالزّهد في الدّنيا ‪،‬‬ ‫رشد ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن الحجر عليه إنّما كان لحفظ ماله عليه ‪،‬‬ ‫ن هذا مصلح لماله فأشبه العدل ‪ ،‬يحقّقه ‪ :‬أ ّ‬ ‫ول ّ‬ ‫فالمؤثّر فيه ما أثّر في تضييع المال أو حفظه ‪ .‬ولو كان الرّشد صلح الدّين فالحجر على‬ ‫الكافر أولى من الحجر على الفاسق ‪ .‬ثمّ إن كان الفاسق ينفق أمواله في المعاصي كشراء‬ ‫الخمر وآلت اللّهو أو يتوصّل به إلى الفساد فهو غير رشيد لتبذيره لماله وتضييعه إيّاه في‬ ‫غير فائدة على الخلف في ذلك ‪ ،‬وإن كان فسقه لغير ذلك كالكذب ومنع الزّكاة وإضاعة‬ ‫الصّلة مع حفظه لماله دفع ماله إليه ‪ ،‬لنّ المقصود بالحجر حفظ المال ‪ ،‬وماله محفوظ‬ ‫ح عند الشّافعيّة‬ ‫بدون الحجر ‪ ،‬ولذلك لو طرأ الفسق عليه بعد دفع ماله إليه لم ينزع ‪ .‬والص ّ‬ ‫ن كلمة " رشدا " نكرة في‬ ‫ن الرّشد الصّلح في الدّين والمال جميعا ‪ .‬والية عندهم عامّة ل ّ‬ ‫أّ‬ ‫سياق الشّرط فتعمّ المال والدّين ‪ ،‬فالرّشيد هو من ل يفعل محرّما يبطل العدالة ‪ ،‬ول يبذّر بأن‬

‫يضيّع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة ‪ ،‬أو رميه في بحر ‪ ،‬أو إنفاقه في محرّم ‪ .‬قال‬ ‫القرطبيّ ‪ :‬واختلف العلماء في تأويل " رشدا " في الية فقال الحسن وقتادة وغيرهما ‪:‬‬ ‫س ّديّ والثّوريّ ‪ :‬صلحا في العقل وحفظ المال‬ ‫صلحا في العقل والدّين ‪ .‬وقال ابن عبّاس وال ّ‬ ‫ن الرّجل ليأخذ بلحيته وما بلغ رشده ‪ .‬فل يدفع إلى اليتيم‬ ‫‪ .‬قال سعيد بن جبير والشّعبيّ ‪ :‬إ ّ‬ ‫ضحّاك ‪ :‬ل يعطى اليتيم وإن بلغ‬ ‫ماله ولو صار شيخا حتّى يؤنس منه رشده ‪ .‬وهكذا قال ال ّ‬ ‫مائة سنة حتّى يعلم منه إصلح ماله ‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬رشدا " يعني في العقل خاصّة ‪ .‬وأكثر‬ ‫ن الرّشد ل يكون إلّ بعد البلوغ ‪ ،‬وعلى أنّه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم وإن‬ ‫العلماء على أ ّ‬ ‫شاخ ل يزول الحجر عنه ‪.‬‬ ‫أثر الحجر على تصرّفات الصّغير ‪:‬‬ ‫ن بعض الفقهاء فرّق بين المميّز وغير‬ ‫ن من لم يبلغ رشيدا محجور عليه ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫‪ - 7‬سبق أ ّ‬ ‫المميّز في حكم تصرّفاته ‪ ،‬هل تقع صحيحة غير نافذة أم تقع فاسدة ؟ وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬ ‫ح طلق الصّبيّ ول إقراره ول عتقه ولو كان مميّزا ‪ ،‬وإذا عقد‬ ‫ذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يص ّ‬ ‫الصّبيّ عقدا فيه نفع محض صحّ العقد كقبول الهبة والصّدقة ‪ .‬وكذا إذا آجر نفسه ومضى‬ ‫على ذلك العمل وجبت الجرة استحسانا ‪ .‬وإذا عقد الصّبيّ عقدا يدور بين النّفع والضّرّ وكان‬ ‫ن البيع سالب للملك والشّراء جالب له ) ‪ ،‬فإن أجازه الوليّ صحّ ‪ ،‬وإذا ردّه‬ ‫يعقله ( أي يعلم أ ّ‬ ‫بطل العقد ‪ .‬هذا إذا لم يتضمّن العقد غبنا فاحشا وإلّ فهو باطل وإن أجازه الوليّ ‪ ،‬وأمّا إذا‬ ‫كان ل يعقله فقد بطل العقد ‪ .‬وإذا أتلف الصّبيّ ‪ -‬سواء عقل أم ل ‪ -‬شيئا متقوّما من مال أو‬ ‫نفس ضمنه ‪ ،‬إذ ل حجر في التّصرّف الفعليّ ‪ ،‬وتضمينه من باب خطاب الوضع وهو ل‬ ‫يتوقّف على التّكليف فيضمن الصّبيّ ما أتلفه من المال للحال ‪ ،‬وإذا قتل فالدّية على عاقلته إلّ‬ ‫في مسائل ل يضمن فيها لنّه مسلّط من قبل المالك ‪ :‬كما إذا أتلف ما اقترضه ‪ ،‬وما أودع‬ ‫عنده بل إذن وليّه ‪ ،‬وكذا إذا أتلف ما أعير له وما بيع منه بل إذن ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ‬ ‫الصّبيّ محجور عليه إلى أن يبلغ رشيدا ‪ ،‬وزيد في النثى دخول الزّوج بها ‪ ،‬وشهادة العدول‬ ‫على صلح حالها ‪ .‬ولو تصرّف الصّبيّ المميّز بمعاوضة بل إذن وليّه كبيع وشراء وهبة‬ ‫ي ر ّد هذا التّصرّف ‪ ،‬فإن كان التّصرّف بغير معاوضة تعيّن‬ ‫الثّواب ( الهبة بعوض ) فللول ّ‬ ‫على الوليّ ردّه كإقرار بدين ‪ .‬وللصّبيّ المميّز ردّ تصرّف نفسه قبل رشده إن رشد حيث‬ ‫تركه وليّه لعدم علمه بتصرّفه أو لسهوه أو للعراض عن ذلك لغير مصلحة أو لم يكن له‬ ‫وليّ ‪ .‬ولو حنث بعد رشده كما لو حلف حال صغره ‪ :‬أنّه إن فعل كذا فزوجته طالق أو عبده‬ ‫حرّ ‪ ،‬ففعله بعد رشده فله ردّه فل يلزمه طلق ول عتق ‪ ،‬وله إمضاؤه ‪ .‬ول يحجر على‬ ‫ل إذا كان ل‬ ‫الصّبيّ والسّفيه فيما يتعلّق بضرورة العيش كدرهم مثل ‪ ،‬ول يردّ فعله فيه إ ّ‬

‫يحسن التّصرّف فيه ‪ .‬ويضمن الصّبيّ مميّزا كان أو غير مميّز ما أفسد من مال غيره في‬ ‫ال ّذمّة ‪ ،‬فتؤخذ قيمة ما أفسده من ماله الحاضر إن كان ‪ ،‬وإلّ اتّبع بها في ذمّته إلى وجود مال‬ ‫‪ ،‬هذا إذا لم يؤتمن الصّبيّ على ما أتلفه ‪ ،‬فإن اؤتمن عليه فل ضمان عليه لنّ من ائتمنه قد‬ ‫سلّطه على إتلفه ‪ ،‬ولنّه لو ضمن المحجور لبطلت فائدة الحجر ‪ .‬واستثنى ابن عرفة ‪:‬‬ ‫ح وصيّة الصّبيّ‬ ‫الصّغير الّذي لم يزد عن شهر فل ضمان عليه لنّه كالعجماء ‪ .‬وتص ّ‬ ‫المميّز إذا لم يخلّط فيها ‪ ،‬فإن خلّط بأن تناقض فيها أو أوصى بغير قربة لم تصحّ ‪ .‬وإنّ‬ ‫الزّوجة الحرّة الرّشيدة يحجر عليها لزوجها في تصرّف زائد على ثلث مالها وتبرّعها ماض‬ ‫حتّى يردّ ‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الصّبيّ محجور عليه إلى البلوغ سواء أكان ذكرا أم‬ ‫أنثى ‪ ،‬وسواء أكان مميّزا أم غير مميّز ‪ .‬والصّبا يسلب الولية والعبارة في المعاملة كالبيع ‪،‬‬ ‫وفي الدّين كالسلم ‪ ،‬إلّ ما استثني من عبادة من مميّز ‪ ،‬لكنّه يثاب على الفريضة أقلّ من‬ ‫ثواب البالغ على النّافلة ‪ ،‬ولعلّ وجهه عدم خطابه بها ‪ ،‬وكان القياس أن ل ثواب أصل لعدم‬ ‫خطابه بالعبادة ‪ ،‬لكنّه أثيب ترغيبا له في العبادة ‪ ،‬فل يتركها بعد بلوغه إن شاء اللّه تعالى ‪.‬‬ ‫واستثني كذلك من المميّز الذن في دخول الدّار ‪ ،‬واستثني أيضا إيصال هديّة من مميّز‬ ‫مأمون أي لم يجرّب عليه كذب ‪ .‬وللصّبيّ تملّك المباحات وإزالة المنكرات ويثاب عليها‬ ‫كالمكلّف ‪ ،‬ويجوز توكيله في تفرقة الزّكاة إذا عيّن له المدفوع إليه ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقد قال في‬ ‫المغني ‪ :‬والحكم في الصّبيّ والمجنون كالحكم في السّفيه في وجوب الضّمان عليهما فيما‬ ‫أتلفاه من مال غيرهما بغير إذنه أو غصباه فتلف في أيديهما ‪ ،‬وانتفاء الضّمان عنهما فيما‬ ‫حصل في أيديهما باختيار صاحبه وتسليطه كالثّمن والمبيع والقرض والستدانة ‪ ،‬وأمّا‬ ‫الوديعة والعاريّة فل ضمان عليهما فيما تلف بتفريطهما ‪ ،‬وإن أتلفاه ففي ضمانه وجهان ‪.‬‬ ‫متى يدفع المال إلى الصّغير ‪:‬‬ ‫ك الحجر عنه ‪ ،‬لقوله‬ ‫‪ - 8‬إذا بلغ الصّغير رشيدا أو بلغ غير رشيد ثمّ رشد دفع إليه ماله وف ّ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم }‬ ‫ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل يتم بعد احتلم } ‪ .‬ول يحتاج في هذا إلى حكم حاكم ‪ ،‬لنّ‬ ‫الحجر عليه ثبت بغير حكم حاكم فيزول من غير حكم وبه قال جمهور الفقهاء ( الحنفيّة‬ ‫والشّافعيّة ‪ -‬في المذهب ‪ -‬والحنابلة ) ‪ .‬ومقابل المذهب عند الشّافعيّة أنّ فكّ الحجر يفتقر‬ ‫إلى الحاكم ‪ ،‬لنّ الرّشد يحتاج إلى نظر واجتهاد ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الصّغير إمّا أن يكون ذكرا‬ ‫أو أنثى ‪ :‬فإن كان ذكرا فهو على ثلثة أقسام ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يكون أبوه حيّا فإنّه ينفكّ الحجر‬ ‫عنه ببلوغه ما لم يظهر منه سفه أو يحجره أبوه ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أن يكون أبوه قد مات وعليه‬ ‫ل بالتّرشيد ‪ .‬فإن كان الوصيّ من الب ( وهو الوصيّ‬ ‫وصيّ فل ينفكّ الحجر عنه إ ّ‬

‫المختار ) فله أن يرشّده من غير إذن القاضي ‪ ،‬وإن كان الوصيّ مقدّما من قاض لم يكن له‬ ‫ن الحجر على الصّبيّ بالنّسبة لماله يكون لبلوغه‬ ‫ل بإذن القاضي ‪ .‬وقال الدّردير ‪ :‬إ ّ‬ ‫ترشيده إ ّ‬ ‫ك الوصيّ والمقدّم ( الوصيّ‬ ‫مع صيرورته حافظا لماله بعده فقط إن كان ذا أب أو مع ف ّ‬ ‫المعيّن من القاضي ) إن كان ذا وصيّ أو مقدّم فذو الب بمجرّد صيرورته حافظا للمال بعد‬ ‫بلوغه ينفكّ الحجر عنه وإن لم يفكّه أبوه عنه ‪ ،‬قال ابن عاشر ‪ :‬يستثنى منه ما إذا حجر‬ ‫ك الحجر عنه وإن كان‬ ‫الب عليه في وقت يجوز له ذلك وهو عنوان البلوغ ‪ ،‬فإنّه ل ينف ّ‬ ‫ل لفكّ الب ‪ .‬وأمّا فكّ الحجر عنه من المقدّم والوصيّ فيحتاج بأن يقول للعدول‬ ‫حافظا للمال إ ّ‬ ‫‪ :‬أشهدوا أنّي فككت الحجر عن فلن وأطلقت له التّصرّف لما قام عندي من رشده وحسن‬ ‫ك لزم ل يردّ ‪ .‬ول يحتاج لذن الحاكم في الفكّ ‪ .‬الثّالث ‪ :‬أن يبلغ‬ ‫تصرّفه ‪ ،‬فتصرّفه بعد الف ّ‬ ‫ول يكون له أب ول وصيّ ‪ ،‬وهو المهمل ‪ ،‬فهو محمول على الرّشد إلّ إن تبيّن سفهه ‪ .‬وإن‬ ‫كانت أنثى فهي تنقسم إلى قسمين ‪ :‬أحدها ‪ :‬إن كانت ذات أب فإنّها إذا بلغت تبقى في حجره‬ ‫حتّى تتزوّج ويدخل بها زوجها وتبقى مدّة بعد الدّخول ‪ .‬واختلف في تحديد تلك المدّة من عام‬ ‫إلى سبعة أعوام ‪ .‬ويشترط أيضا حسن تصرّفها في المال وشهادة العدول بذلك ‪ .‬الثّاني ‪ :‬إن‬ ‫ك الحجر عنها إلّ بهذه الربعة ( وهي بلوغها ‪ ،‬والدّخول بها‬ ‫ي أو مقدّم ل ينف ّ‬ ‫كانت ذات وص ّ‬ ‫‪ ،‬وبقاؤها مدّة بعد الدّخول ‪ ،‬وثبوت حسن التّصرّف بشهادة العدول ) وفكّ الوصيّ أو المقدّم ‪.‬‬ ‫فإن لم يفكّا الحجر عنها بترشيدها كان تصرّفها مردودا ولو عنّست أو دخل بها الزّوج‬ ‫ن الصّبيّ إن بلغ غير رشيد لم يدفع إليه ماله‬ ‫وطالت إقامتها عنده ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أ ّ‬ ‫حتّى يبلغ خمسا وعشرين سنة وينفذ تصرّفه قبله ( أي قبل بلوغه هذه السّنّ مع إيناس‬ ‫الرّشد ) ويدفع إليه ماله متى بلغ المدّة ولو كان مفسدا ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وآتوا اليتامى أموالهم‬ ‫طيّب } والمراد باليتيم هنا من بلغ ‪ ،‬وسمّي في الية يتيما لقربه من‬ ‫ول تتبدّلوا الخبيث بال ّ‬ ‫البلوغ ‪ ،‬ولنّه في أوّل أحوال البلوغ قد ل يفارقه السّفه باعتبار أثر الصّبا فقدّره أبو حنيفة‬ ‫بخمس وعشرين سنة ‪ ،‬لنّه حال كمال لبّه ‪ .‬وقد روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال ‪:‬‬ ‫ب الرّجل إذا بلغ خمسا وعشرين سنة ‪ .‬وقال أهل الطّبائع ( الطبّاء ) ‪ :‬من بلغ خمسا‬ ‫ينتهي ل ّ‬ ‫ن أدنى‬ ‫وعشرين سنة فقد بلغ رشده ‪ ،‬أل ترى أنّه قد بلغ سنّا يتصوّر أن يصير فيها جدّا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫مدّة يبلغ فيها الغلم اثنتا عشرة سنة ‪ ،‬فيولد له ولد لستّة أشهر ‪ ،‬ثمّ الولد يبلغ في اثنتي عشرة‬ ‫سنة ‪ ،‬فيولد له ولد لستّة أشهر ‪ ،‬فقد صار بذلك جدّا ‪ ،‬حتّى لو بلغ رشيدا ثمّ صار مبذّرا لم‬ ‫ن هذا ليس بأثر الصّبا فل يعتبر في منع المال ‪ ،‬ولنّ منع المال عنه على‬ ‫يمنع منه ماله ‪ ،‬ل ّ‬ ‫سبيل التّأديب عقوبة عليه ‪ ،‬والشتغال بالتّأديب عند رجاء التّأدّب ‪ ،‬فإذا بلغ هذه السّنّ فقد‬ ‫انقطع رجاء التّأدّب فل معنى لمنع المال بعده ‪.‬‬

‫الحجر على المجنون ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬الجنون هو اختلل العقل بحيث يمنع جريان الفعال والقوال على نهجه إلّ نادرا ‪ .‬وهو‬ ‫إمّا أن يكون مطبقا أو متقطّعا ‪ .‬ول خلف بين الفقهاء في الحجر على المجنون سواء أكان‬ ‫الجنون أصليّا أم طارئا ‪ ،‬وسواء أكان قويّا أم ضعيفا ‪ ،‬والقويّ ‪ :‬المطبق ‪ ،‬والضّعيف ‪ :‬غيره‬ ‫‪ .‬وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الجنون من عوارض الهليّة فهو يزيل أهليّة الداء إن كان‬ ‫مطبقا ‪ ،‬فل تترتّب على تصرّفاته آثارها الشّرعيّة ‪ .‬أمّا إذا كان الجنون متقطّعا فإنّه ل يمنع‬ ‫التّكليف في حال الفاقة ول ينفي أصل الوجوب ‪ .‬وتفصيل ذلك كما يلي ‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى‬ ‫أنّه ل يجوز تصرّف المجنون المغلوب بحال ‪ .‬قال الحصكفيّ ‪ :‬وأمّا الّذي يجنّ ويفيق فحكمه‬ ‫كمميّز ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬ومثله في المنح والدّرر وغاية البيان وكذا المعراج حيث فسّر‬ ‫المغلوب بالّذي ل يعقل أصل ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬واحترز به عن المجنون الّذي يعقل البيع ويقصده‬ ‫ي في حال إفاقته كالعاقل‬ ‫فإنّ تصرّفه كتصرّف الصّبيّ العاقل وهذا هو المعتوه ‪ .‬وجعله الزّيلع ّ‬ ‫‪ ،‬والمتبادر منه أنّه العاقل البالغ ‪ .‬وهذا هو الّذي رجّحه ابن عابدين حيث قال ‪ :‬إنّه كان‬ ‫ينبغي للشّارح ( الحصكفيّ صاحب الدّرّ ) أن يقول ‪ :‬فحكمه كعاقل أي ‪ :‬في حال إفاقته كما‬ ‫قاله الزّيلعيّ ليظهر للتّقييد بالمغلوب فائدة ‪ ،‬فإنّه حيث كان غير المغلوب كمميّز ل يصحّ‬ ‫طلقه ول إعتاقه كالمغلوب ‪ .‬وإذا أتلف المجنون شيئا مقوّما من مال أو نفس ضمنه إذ ل‬ ‫حجر في التّصرّف الفعليّ ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ المجنون ل يلزمه شيء من التّصرّفات إلّ‬ ‫إذا أتلف شيئا ففي ماله ‪ ،‬والدّية إن بلغت الثّلث فأكثر على عاقلته وإلّ فعليه كالمال ‪ .‬وذهب‬ ‫الشّافعيّة إلى أنّه بالجنون تنسلب الوليات الثّابتة بالشّرع كولية النّكاح ‪ ،‬أو التّفويض‬ ‫كاليصاء والقضاء لنّه إذا لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى ‪ .‬ول تعتبر عبارة المجنون‬ ‫سواء أكانت له أم عليه في الدّين والدّنيا كالسلم والمعاملت لعدم قصده ‪ .‬وأمّا أفعاله فمنها‬ ‫ما هو معتبر كإحباله وإتلفه مال غيره وتقرير المهر بوطئه ‪ ،‬وترتّب الحكم على إرضاعه‬ ‫والتقاطه واحتطابه واصطياده ‪ ،‬وعمده عمد على الصّحيح أي ‪ :‬حيث كان له نوع تمييز ‪،‬‬ ‫ومنها ما هو غير معتبر كالصّدقة والهديّة ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقد سبق كلمهم على المجنون في‬ ‫الكلم على الصّبيّ ‪ .‬ويرتفع حجر المجنون بالفاقة من الجنون من غير احتياج إلى فكّ‬ ‫فتعتبر أقواله وتنفذ تصرّفاته ( ر ‪ :‬جنون ) ‪.‬‬ ‫الحجر على المعتوه ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬اختلف الحنفيّة في تفسير المعتوه ‪ ،‬وأحسن ما قيل فيه ‪ :‬هو من كان قليل الفهم مختلط‬ ‫ل أنّه ل يضرب ول يشتم كما يفعل المجنون ‪ .‬ولم يذكر غير الحنفيّة‬ ‫الكلم فاسد التّدبير إ ّ‬ ‫تفسيرا للعته في الصطلح ‪ .‬والمعتوه عند الحنفيّة في تصرّفاته وفي رفع التّكليف عنه‬

‫كالصّبيّ المميّز العاقل ‪ .‬أمّا إذا أفاق فإنّه كالبالغ العاقل في تلك الحالة ‪ .‬ولم نجد عند غير‬ ‫الحنفيّة تعرّضا لحكم تصرّفات المعتوه ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬عته ) ‪ .‬وذهب الشّافعيّة‬ ‫ن المجنون إذا كان له أدنى تمييز فهو كالصّبيّ المميّز في التّصرّفات الماليّة ‪ .‬وذهب‬ ‫إلى أ ّ‬ ‫ن من زال عقله فمجنون وإلّ فهو مكلّف ‪ .‬ولم نجد عند المالكيّة‬ ‫ي إلى أ ّ‬ ‫السّبكيّ والذرع ّ‬ ‫والحنابلة تعرّضا للمسألة ‪.‬‬ ‫( الحجر على السّفيه ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬السّفه ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬السّفه لغة ‪ :‬هو نقص في العقل ‪ ،‬وأصله الخفّة ‪ ،‬وسفه الحقّ جهله ‪ ،‬وسفّهته تسفيها ‪:‬‬ ‫نسبته إلى السّفه ‪ ،‬أو قلت له ‪ :‬إنّه سفيه ‪ .‬وهو سفيه ‪ ،‬والنثى سفيهة ‪ ،‬والجمع سفهاء ‪ .‬وأمّا‬ ‫اصطلحا فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفه ‪ :‬فذهب الحنفيّة إلى أنّ السّفه هو تبذير‬ ‫المال وتضييعه على خلف مقتضى الشّرع أو العقل ‪ ،‬كالتّبذير والسراف في النّفقة ‪ ،‬وأن‬ ‫يتصرّف تصرّفات ل لغرض ‪ ،‬أو لغرض ل يعدّه العقلء من أهل الدّيانة غرضا ‪ ،‬كدفع‬ ‫طيّار بثمن غال ‪ ،‬والغبن في التّجارات من غير‬ ‫المال إلى المغنّين والّلعّابين وشراء الحمام ال ّ‬ ‫محمدة ( أو غرض صحيح ) ‪ .‬وأصل المسامحات في التّصرّفات والبرّ والحسان مشروع‬ ‫إلّ أنّ السراف حرام كالسراف في الطّعام والشّراب ‪ ،‬ولذا كان من السّفه عند الحنفيّة تبذير‬ ‫المال وتضييعه ولو في الخير كأن يصرفه كلّه في بناء المساجد ونحو ذلك ‪ .‬وذهب المالكيّة‬ ‫ن السّفه هو التّبذير ( أي ‪ :‬صرف المال في غير ما يراد له شرعا ) بصرف المال في‬ ‫إلى أ ّ‬ ‫معصية كخمر وقمار ‪ ،‬أو بصرفه في معاملة من بيع أو شراء بغبن فاحش ( خارج عن‬ ‫العادة ) بل مصلحة تترتّب عليه بأن يكون ذلك شأنه من غير مبالة ‪ ،‬أو صرفه في شهوات‬ ‫نفسانيّة على خلف عادة مثله في مأكله ومشربه وملبوسه ومركوبه ونحو ذلك ‪ .‬أو بإتلفه‬ ‫هدرا كأن يطرحه على الرض أو يرميه في بحر أو مرحاض ‪ ،‬كما يقع لكثير من السّفهاء‬ ‫يطرحون الطعمة والشربة فيما ذكر ول يتصدّقون بها ‪ .‬وأمّا الشّافعيّة فقد ذهب الماورديّ‬ ‫إلى التّفرقة بين التّبذير والسّرف ‪ ،‬فقال ‪ :‬التّبذير ‪ :‬الجهل بمواقع الحقوق ‪ ،‬والسّرف ‪ :‬الجهل‬ ‫ن السّفيه عند الشّافعيّة‬ ‫بمقادير الحقوق ‪ .‬وكلم الغزاليّ يقتضي ترادفهما ‪ .‬وعلى كلّ حال فإ ّ‬ ‫هو الّذي يضيّع ماله باحتمال غبن فاحش في المعاملة ونحوها إذا كان جاهل بها ‪ -‬أمّا إذا‬ ‫كان عالما بالمعاملة فأعطى أكثر من ثمنها فإنّ الزّائد صدقة خفيّة محمودة ‪ ،‬أي إن كان‬ ‫التّعامل مع محتاج وإلّ فهبة ‪ .‬ومن السّفه عندهم أن يرمي ماله وإن كان قليل في بحر أو نار‬ ‫ن صرف المال في الصّدقة‬ ‫أو نحو ذلك أو ينفق أمواله في محرّم ‪ .‬والصحّ عند الشّافعيّة أ ّ‬ ‫ووجوه الخير ‪ ،‬والمطاعم والملبس الّتي ل تليق بحاله ليس بتبذير ‪ .‬أمّا في الولى وهو‬

‫الصّرف في الصّدقة ووجوه الخير فلنّ له في الصّرف في الخير عوضا ‪ ،‬وهو الثّواب ‪،‬‬ ‫فإنّه ل سرف في الخير كما ل خير في السّرف ‪ .‬وحقيقة السّرف ‪ :‬ما ل يكسب حمدا في‬ ‫العاجل ول أجرا في الجل ‪ .‬ومقابل الصحّ في هذا النّوع أنّه يكون مبذّرا إن بلغ مفرطا في‬ ‫النفاق ‪ .‬فإن عرض له ذلك بعد البلوغ مقتصدا فل ‪ .‬وأمّا في الثّانية وهو الصّرف في‬ ‫ح في هذا النّوع يكون‬ ‫ن المال يتّخذ لينتفع به ويلتذّ به ‪ ،‬ومقابل الص ّ‬ ‫المطاعم والملبس فل ّ‬ ‫ن السّفيه هو المضيّع لماله المبذّر له ‪ .‬قال ابن المنذر ‪:‬‬ ‫تبذيرا عادة ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ل مضيّع‬ ‫أكثر علماء المصار من أهل الحجاز والعراق والشّام ومصر يرون الحجر على ك ّ‬ ‫لماله صغيرا كان أو كبيرا ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬حكم الحجر على السّفيه ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد ‪ ،‬وهو المفتى به‬ ‫عند الحنفيّة إلى أنّ المحجور عليه إذا فكّ عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله ثمّ عاد‬ ‫إلى السّفه أعيد عليه الحجر ‪ ،‬وبهذا قال القاسم بن محمّد والوزاعيّ وإسحاق وأبو عبيد ‪.‬‬ ‫سنّة ‪ .‬أمّا الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬ول تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتي جعل‬ ‫واستدلّوا بالكتاب وال ّ‬ ‫اللّه لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم ‪ ،‬وقولوا لهم قول معروفا } ‪ .‬وقوله تعالى ‪ { :‬فإن‬ ‫آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } ‪ .‬فقد نهانا اللّه تعالى عن الدّفع إليه ما دام سفيها ‪،‬‬ ‫ن منع ماله لعلّة‬ ‫وأمرنا بالدّفع إن وجد منه الرّشد ‪ ،‬إذ ل يجوز الدّفع إليه قبل وجوده ‪ ،‬ول ّ‬ ‫سنّة ‪ :‬فقوله عليه‬ ‫السّفه فيبقى المنع ما بقيت العلّة ‪ ،‬صغيرا كان السّفيه أو كبيرا ‪ .‬وأمّا ال ّ‬ ‫ن عبد‬ ‫الصلة والسلم { خذوا على يد سفهائكم } وأورد ابن قدامة ما رواه عروة بن الزّبير أ ّ‬ ‫ن عثمان ليحجر عليك ‪ ،‬فأتى عبد‬ ‫اللّه بن جعفر ابتاع بيعا ‪ ،‬فقال عليّ رضي ال عنه ‪ :‬لتي ّ‬ ‫ن عليّا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان‬ ‫اللّه بن جعفر الزّبير ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد ابتعت بيعا وإ ّ‬ ‫فيسأله الحجر عليّ ‪ .‬فقال الزّبير ‪ :‬أنا شريكك في البيع ‪ .‬فأتى عليّ عثمان ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّ ابن‬ ‫جعفر قد ابتاع بيع كذا فاحجر عليه ‪ .‬فقال الزّبير ‪ :‬أنا شريكه في البيع ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬كيف‬ ‫أحجر على رجل شريكه الزّبير ؟ ثمّ قال ابن قدامة ‪ :‬وهذه قصّة يشتهر مثلها ولم يخالفها أحد‬ ‫ن هذا سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ‬ ‫في عصرهم فتكون إجماعا حينئذ ‪ ،‬واستدلّوا أيضا بأ ّ‬ ‫سفيها فإنّ العلّة الّتي اقتضت الحجر عليه إذا بلغ سفيها سفهه ‪ ،‬وهو موجود ‪ ،‬ولنّ السّفه لو‬ ‫قارن البلوغ منع دفع ماله إليه ‪ ،‬فإذا حدث أوجب انتزاع المال كالجنون ‪ ،‬وفي الحجر عليه‬ ‫صيانة لماله وورثته من بعده ‪ .‬وأمّا أبو حنيفة فقد ذهب إلى أنّه ل يبتدأ الحجر على بالغ‬ ‫عاقل بسبب السّفه لما سبق ‪.‬‬

‫الحجر على السّفيه بحكم الحاكم ‪:‬‬ ‫ن الحجر عليه ل بدّ له من حكم‬ ‫‪ - 13‬ذهب جمهور الفقهاء القائلين بالحجر على السّفيه إلى أ ّ‬ ‫حاكم ‪ ،‬كما أنّ فكّ الحجر عنه ل بدّ له من حكم حاكم أيضا ‪ ،‬لنّ الحجر إذا كان بحكم‬ ‫ن الرّشد يحتاج إلى تأمّل واجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان‬ ‫الحاكم ل يزول إلّ به ‪ ،‬ول ّ‬ ‫كابتداء الحجر عليه ‪ .‬وذهب محمّد بن الحسن من الحنفيّة وابن القاسم من المالكيّة إلى أنّ‬ ‫ن فساده في ماله يحجره وصلحه فيه‬ ‫السّفيه ل يحتاج في الحجر عليه إلى قضاء القاضي ل ّ‬ ‫يطلقه ‪ .‬وإنّ علّة الحجر عليه السّفه وقد تحقّق في الحال ‪ ،‬فيترتّب عليه موجبه بغير قضاء ‪،‬‬ ‫كالصّبا والجنون ‪ .‬وتظهر ثمرة الخلف فيما لو باع السّفيه قبل قضاء القاضي فإنّ بيعه جائز‬ ‫عند الجمهور ول يجوز عند محمّد وابن القاسم ‪.‬‬ ‫تصرّفات السّفيه ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على أنّ تصرّف السّفيه في ماله حكمه حكم تصرّف الصّبيّ المميّز ‪،‬‬ ‫واختلفوا في التّصرّفات غير الماليّة ‪ .‬وتفصيل ذلك كلّه في مصطلح ( سفه ‪ ،‬وولية ) ‪.‬‬ ‫الحجر على ذي الغفلة ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬ذو الغفلة هو من يغبن في البيوع لسلمة قلبه ول يهتدي إلى التّصرّفات الرّابحة ‪.‬‬ ‫ن السّفيه مفسد لماله ومتابع لهواه ‪ ،‬أمّا ذو الغفلة فإنّه ليس بمفسد لماله‬ ‫ويختلف عن السّفيه بأ ّ‬ ‫ول يقصد الفساد ‪ .‬ولم نجد من الفقهاء من صرّح بأنّ ذا الغفلة يحجر عليه سوى الصّاحبين‬ ‫من الحنفيّة ‪ ،‬وقد أدرج الجمهور هذا الوصف في السّفه والتّبذير ‪ .‬فذهب وأبو يوسف ومحمّد‬ ‫ن الحجر يثبت على ذي الغفلة كالسّفيه أي ‪ :‬من حين قضاء القاضي عند أبي‬ ‫من الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫يوسف ‪ ،‬ومن حين ظهور أمارات الغفلة عند محمّد ‪ ،‬وعلى هذا فيزول الحجر عنه بقضاء‬ ‫القاضي عند أبي يوسف ‪ ،‬وبزوال الغفلة عند محمّد ‪ ،‬وقد شرع الحجر عليه صيانة لماله‬ ‫ونظرا له ‪ ،‬فقد { طلب أهل حبّان بن منقذ من النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يحجر عليه ‪،‬‬ ‫فأقرّهم النّبيّ صلى ال عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليهم } ‪ ،‬فلو لم يكن الحجر مشروعا‬ ‫على ذي الغفلة لنكر عليهم النّبيّ صلى ال عليه وسلم طلبهم ‪ .‬وذلك فيما روى أنس بن مالك‬ ‫{ أنّ رجل على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يبتاع وفي عقدته ضعف ‪ ،‬فأتى‬ ‫أهله نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا نبيّ اللّه ‪ :‬احجر على فلن ‪ ،‬فإنّه يبتاع وفي‬ ‫عقدته ضعف ‪ ،‬فدعاه النّبيّ صلى ال عليه وسلم فنهاه عن البيع ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا نبيّ اللّه ‪ ،‬إنّي ل‬ ‫أصبر عن البيع ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إن كنت غير تارك البيع فقل ‪ :‬هاء‬ ‫وهاء ول خلبة } ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل يحجر على الغافل بسبب غفلته ‪ ،‬والنّبيّ‬

‫صلى ال عليه وسلم لم يجبهم إلى طلبهم وإنّما قال له ‪ :‬قل ‪ :‬ل خلبة ولي الخيار ‪ .‬ولو كان‬ ‫الحجر مشروعا لجابهم إليه ‪.‬‬ ‫الحجر على المدين المفلس ‪:‬‬ ‫‪ - 16‬سبق في مصطلح إفلس الكلم عن الحجر على المدين المفلس ولو كان غائبا ‪ -‬في‬ ‫الجملة ‪ -‬ما يغني عن إعادته هنا ‪ ،‬ابتداء من الفقرة ( ‪ ) 7‬وما بعدها ‪ .‬والحجر على المدين‬ ‫هو حجر له عن التّصرّف في أمواله دون ذمّته ‪ .‬انظر مصطلح ( إفلس ) ( وغيبة ) ‪.‬‬ ‫الحجر على الفاسق ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ) إلى أنّ‬ ‫الفاسق إذا لم يكن سفيها مبذّرا لماله ل يحجر عليه ‪ ،‬لنّ مجرّد الفسق فقط ل يوجب‬ ‫ن الفسق ل يتحقّق به إتلف المال ول عدم‬ ‫الحجر ‪ ،‬لنّ الوّلين لم يحجروا على الفسقة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ح إلى أنّ‬ ‫إتلفه ( أي ل تلزم بين الفسق وإتلف المال ) ‪ .‬وذهب الشّافعيّة في مقابل الص ّ‬ ‫الفاسق يحجر عليه كالستدامة بأن بلغ فاسقا ‪ .‬والفاسق من يفعل محرّما يبطل العدالة من‬ ‫كبيرة أو إصرار على صغيرة ‪ ،‬ولم تغلب طاعاته على معاصيه ‪ ،‬واحترز بالمحرّم عمّا يمنع‬ ‫ن الخلل‬ ‫قبول الشّهادة لخلله بالمروءة ‪ ،‬كالكل في السّوق ‪ ،‬فإنّه ل يمنع الرّشد ل ّ‬ ‫بالمروءة المختلف فيه ليس بحرام على المشهور ‪.‬‬ ‫الحجر على تبرّعات الزّوجة ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬المرأة لها ذمّة ماليّة مستقلّة ‪ ،‬ولها أن تتبرّع من مالها متى شاءت ما دامت رشيدة عند‬ ‫جمهور الفقهاء ‪ .‬واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وهو‬ ‫ظاهر في فكّ الحجر عنهم ( ذكورا كانوا أو إناثا ) وإطلقهم في التّصرّف ‪ .‬وقد ثبت أنّ‬ ‫ن تصدّقن‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬يا معشر النّساء تصدّقن ولو من حليّكنّ } وأنّه ّ‬ ‫فقبل صدقتهنّ ولم يسأل ولم يستفصل ‪ { ،‬وأتته زينب امرأة عبد اللّه وامرأة أخرى اسمها‬ ‫زينب فسألته عن الصّدقة هل يجزيهنّ أن يتصدّقن على أزواجهنّ وأيتام لهنّ ؟ فقال ‪ :‬نعم }‬ ‫ن من وجب دفع ماله إليه لرشد جاز له التّصرّف فيه من غير‬ ‫ن هذا الشّرط ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ولم يذكر له ّ‬ ‫إذن كالغلم ‪ ،‬ولنّ المرأة من أهل التّصرّف ول حقّ لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها‬ ‫في التّصرّف بجميعه كأختها ‪.‬‬ ‫‪ - 19‬وذهب مالك ‪ -‬وهو رواية عن أحمد ‪ -‬إلى أنّه يحجر على المرأة الحرّة الرّشيدة‬ ‫لصالح زوجها في تبرّع زاد على ثلث مالها إلّ بإذن زوجها البالغ الرّشيد أو وليّه إذا كان‬ ‫سفيها ‪ .‬فقد حكي عن أحمد في امرأة حلفت أن تعتق جارية ليس لها غيرها فحنثت ولها زوج‬

‫فردّ ذلك عليها زوجها ‪ .‬أنّه قال ‪ :‬له أن ير ّد عليها وليس لها عتق لما روي ‪ :‬أنّ { امرأة‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم بحليّ لها فقالت ‪ :‬إنّي تصدّقت بهذا ‪ ،‬فقال لها‬ ‫كعب بن مالك أتت النّب ّ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل يجوز للمرأة عطيّة حتّى يأذن زوجها ‪ .‬فهل استأذنت كعبا ؟‬ ‫فقالت ‪ :‬نعم ‪ .‬فبعث رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إلى كعب فقال ‪ :‬هل أذنت لها أن‬ ‫تتصدّق بحليّها ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقبله رسول اللّه صلى ال عليه وسلم } ‪ .‬وروي أيضا عن‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ل يجوز‬ ‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أ ّ‬ ‫ن حقّ الزّوج متعلّق بمالها ‪ .‬فإنّ النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫لمرأة عطيّة إلّ بإذن زوجها } ول ّ‬ ‫ن الزّوج‬ ‫وسلم قال { تنكح المرأة لربع ‪ :‬لمالها ‪ ،‬ولحسبها ‪ ،‬وجمالها ‪ ،‬ولدينها } والعادة أ ّ‬ ‫يزيد في مهرها من أجل مالها ويتبسّط فيه وينتفع به ‪ .‬فإذا أعسر بالنّفقة أنظرته ‪ ،‬فجرى ذلك‬ ‫مجرى حقوق الورثة المتعلّقة بمال المريض ‪ ،‬ولنّ الغرض من مالها التّجمّل للزّوج ‪.‬‬ ‫ن حقّ الزّوج باق فيمن طلقت طلقا رجعيّا ‪ .‬ول يحجر على المرأة‬ ‫والرّجعيّة كالزّوجة ل ّ‬ ‫لبيها ونحوه ‪ ،‬إذ الحجر عليها للزّوج فقط دون غيره ‪ .‬ول يحجر على المرأة إذا كان‬ ‫إعطاؤها المال عن الواجب عليها من نفقة أبويها ‪ ،‬كما لو تبرّعت بالثّلث فأقلّ ‪ .‬قال المالكيّة‬ ‫‪ :‬وفي جواز إقراضها مال زائدا عن الثّلث بغير إذن زوجها قولن ‪ :‬وجه القول بالجواز أنّها‬ ‫تأخذ عوضه وهو ر ّد السّلف ‪ ،‬فكان كبيعها ‪ .‬ووجه القول بالمنع أنّ القرض يشبه الهبة من‬ ‫حيث إنّه من قبيل المعروف ‪ ،‬ولنّها تخرج لمطالبتها بما أقرضته ‪ ،‬وهو ضرر على الزّوج‬ ‫ن تبرّعها بزائد‬ ‫‪ .‬وأمّا دفعها المال قراضا لعامل فليس فيه القولن لنّه من التّجارة ‪ .‬هذا وإ ّ‬ ‫على ثلثها جائز حتّى يردّ الزّوج جميعه أو ما شاء منه على المشهور من مذهب مالك ‪ ،‬وقيل‬ ‫‪ :‬مردود حتّى يجيزه الزّوج ‪ .‬وللزّوج ردّ الجميع إن تبرّعت بزائد عن الثّلث ‪ ،‬ولو كان‬ ‫الزّائد يسيرا ‪ ،‬معاملة لها بنقيض قصدها ‪ ،‬أو لنّها كمن جمع بين حلل وحرام ‪ .‬وللزّوج‬ ‫إمضاء الجميع ‪ ،‬وله ردّ الزّائد فقط ‪ .‬وإذا تبرّعت الزّوجة بثلث مالها فليس لها أن تتبرّع مرّة‬ ‫أخرى بثلث آخر ‪ ،‬إلّ أن يبعد ما بينهما بعام على قول ابن سهل من المالكيّة ‪ ،‬قيل ‪ :‬وهو‬ ‫الرّاجح ‪ ،‬أو بستّة أشهر على قول أصبغ ‪ ،‬ونحوه لبن عرفة ‪.‬‬ ‫الحجر على المريض مرض الموت ‪:‬‬ ‫‪ - 20‬مرض الموت هو المرض الّذي يخاف فيه الموت في الكثر الّذي يعجز المريض عن‬ ‫رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذّكور ‪ ،‬ويعجزه عن رؤية المصالح الدّاخلة‬ ‫في داره إن كان من الناث ‪ ،‬ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة صاحب فراش كان أو‬ ‫لم يكن ‪ .‬وعرّفه المالكيّة بأنّه المرض المخوف ‪ ،‬وهو الّذي حكم الطّبّ بكثرة الموت به أي‬ ‫بسببه أو منه ولو لم يغلب ‪ ،‬فالمدار على كثرة الموت من ذلك المرض بحيث يكون الموت‬

‫منه شهيرا ل يتعجّب منه ‪ ،‬ول يلزم من كثرة الموت منه غلبة الموت به ‪ .‬وقد اتّفق الفقهاء‬ ‫على أنّ المريض مرض الموت تحجر عليه تبرّعاته فيما زاد عن ثلث تركته لحقّ ورثته‬ ‫وذلك حيث ل دين ‪ ،‬وإذا تبرّع بما زاد عن الثّلث كان له حكم الوصيّة إذا مات ‪ .‬وذهب‬ ‫المالكيّة إلى أنّ المريض مرض الموت يمنع ممّا زاد على قدر الحاجة من الكل والشّرب‬ ‫والكسوة والتّداوي ‪ .‬وألحق المالكيّة والحنابلة بالمريض مرض الموت من كان في معناه‬ ‫كالمقاتل في الصّفّ والمحبوس للقتل ونحوهما ‪ .‬وللتّفصيل انظر مصطلح ‪ ( :‬مرض ‪ ،‬موت‬ ‫‪ ،‬وصيّة ) ‪.‬‬ ‫الحجر على الرّاهن ‪:‬‬ ‫ن الرّاهن يحجر عليه التّصرّف في العين المرهونة بعد لزوم الرّهن‬ ‫‪ - 21‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫ضمانا لحقّ المرتهن ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ( رهن ) ‪.‬‬ ‫الحجر للمصلحة العامّة ‪:‬‬ ‫‪ - 22‬ذهب الحنفيّة إلى فرض الحجر على ثلثة وهم ‪ :‬المفتي الماجن ‪ ،‬والطّبيب الجاهل ‪،‬‬ ‫والمكاري المفلس ‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬المفتي الماجن ‪ :‬هو الّذي يعلّم النّاس الحيل الباطلة ‪ ،‬كتعليم الزّوجة ال ّردّة لتبين من‬ ‫زوجها ‪ ،‬أو تعليم الحيل بقصد إسقاط الزّكاة ‪ ،‬ومثله الّذي يفتي عن جهل ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الطّبيب الجاهل ‪ :‬هو الّذي يسقي المرضى دواء مهلكا ‪ ،‬وإذا قوي عليهم المرض ل‬ ‫يقدر على إزالة ضرره ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬المكاري المفلس ‪ :‬هو الّذي يكري إبل وليس له إبل ول مال ليشتريها به ‪ ،‬وإذا جاء‬ ‫أوان الخروج يخفي نفسه ‪ .‬وليس المراد بالحجر على هؤلء الثّلثة حقيقة الحجر وهو المنع‬ ‫ي الّذي يمنع نفوذ التّصرّف ‪ ،‬لنّ المفتي لو أفتى بعد الحجر وأصاب جاز ‪ ،‬وكذا‬ ‫الشّرع ّ‬ ‫سيّ ‪ ،‬لنّ الوّل مفسد للديان ‪ ،‬والثّاني‬ ‫الطّبيب لو باع الدوية نفذ ‪ ،‬وإنّما المقصود المنع الح ّ‬ ‫مفسد للبدان ‪ ،‬والثّالث مفسد للموال ‪ .‬فمنع هؤلء المفسدين دفع ضرر لحق بالخاصّ‬ ‫والعامّ ‪ ،‬وهو من المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪.‬‬ ‫الحجر على المرتدّ ‪:‬‬ ‫ن المرتدّ يحجر عليه لحقّ المسلمين ‪ ،‬لنّ تركته فيء‬ ‫‪ - 23‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫فيمنع من التّصرّف في ماله لئلّ يفوّته على المسلمين ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬ردّة ) ‪.‬‬ ‫حجر‬

‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحجر بالكسر يطلق في اللّغة على معان ‪ :‬منها ‪ :‬حضن النسان ‪ ،‬وهو ما دون إبطه‬ ‫إلى الكشح ‪ ،‬أو الصّدر والعضدان وما بينهما ‪ ،‬أو ما بين يدي النسان من ثوبه ‪ .‬ويقال لمن‬ ‫في حمايته شخص إنّه في حجره بكسر الحاء وفتحها ‪ :‬أي كنفه ‪ .‬ومنها ‪ :‬العقل وفي هذا‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬هل في ذلك قسم لذي حجر } ومنها ‪ :‬الحرام كما في قوله تعالى ‪ :‬حكاية عن‬ ‫ل من نشاء بزعمهم } ‪ .‬وفي‬ ‫المشركين ‪ { :‬وقالوا ‪ :‬هذه أنعام ‪ ،‬وحرث حجر ل يطعمها إ ّ‬ ‫الصطلح ‪ :‬هو القسم الخارج عن جدار الكعبة ‪ ،‬وهو محوط مدوّر على صورة نصف‬ ‫دائرة ويسمّى ( حجر إسماعيل ) قال ابن إسحاق ‪ :‬حمل إبراهيم عليه السلم الحجر إلى جنب‬ ‫البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز ‪ ،‬وكان زربا لغنم إسماعيل ‪ .‬ويسمّى الحطيم وقيل ‪:‬‬ ‫الحطيم هو جدار الحجر ‪ ،‬وقيل ما بين الرّكن وزمزم والمقام ‪ .‬الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬جمهور الفقهاء على أنّ ستّة أذرع نبويّة من الحجر من البيت ‪ .‬ويدلّ لذلك ما في‬ ‫الصّحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت ‪ { :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا‬ ‫عائشة لول أنّ قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالرض وجعلت لها بابين بابا‬ ‫ن قريشا اقتصرتها حين بنت الكعبة }‬ ‫شرقيّا وبابا غربيّا ‪ ،‬وزدت فيها ستّة أذرع من الحجر فإ ّ‬ ‫‪ ،‬وفي رواية { فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه ‪ ،‬فهلمّي لريك ما تركوا منه فأراها قريبا‬ ‫من سبعة أذرع } ‪ .‬وفي مسلم عن عطاء فذكر شيئا من حريق الكعبة وعمارة بن الزّبير لها‬ ‫ن قومك‬ ‫ثمّ قال ‪ :‬إنّي سمعت عائشة تقول ‪ { :‬إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬لول أ ّ‬ ‫حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النّفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر‬ ‫خمسة أذرع } ‪ .‬قال عطاء ‪ :‬وزاد فيه خمسة أذرع من الحجر حتّى أبدى أساسها ونظر إليه‬ ‫النّاس فبنى عليه البناء انتهى ‪ .‬واختلفوا في كون جميعه من البيت ‪ .‬فقال الحنفيّة والحنابلة ‪،‬‬ ‫وهو قول عند الشّافعيّة ‪ :‬إنّ جميع الحجر من البيت ‪ .‬واستدلّوا بحديث عائشة رضي ال عنها‬ ‫قالت ‪ { :‬سألت النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الحجر فقال ‪ :‬هو من البيت } ‪ .‬وعنها رضي‬ ‫ب أن أدخل البيت فأصلّي فيه ‪ ،‬فأخذ رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫ال عنها { قالت ‪ :‬كنت أح ّ‬ ‫وسلم بيدي ‪ ،‬فأدخلني في الحجر فقال ‪ :‬صلّي في الحجر إذا أردت دخول البيت ‪ ،‬فإنّما هو‬ ‫قطعة من البيت ‪ ،‬فإنّ قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت } ‪.‬‬ ‫استقبال الحجر في الصّلة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬اختلف الفقهاء في جواز استقبال الحجر في الصّلة ‪ :‬فقال الحنابلة وهو قول عند‬ ‫المالكيّة ‪ :‬يجوز استقبال الحجر في الصّلة إذا كان المصلّي خارج الحجر سواء ‪ ،‬أكانت‬ ‫الصّلة فرضا أم نفل ‪ :‬لحديث ‪ { :‬الحجر من البيت } ‪ .‬أمّا إذا كان المصلّي في داخله فل‬

‫يصحّ الفرض ‪ ،‬كصلته في داخل البيت ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة ‪ :‬ل تصحّ الصّلة‬ ‫ن كونه من البيت مظنون لثبوته بخبر الحاد ‪،‬‬ ‫باستقبال الحجر ‪ ،‬فرضا كانت أم نفل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ص الكتاب وهو قوله تعالى ‪ { :‬وحيث ما كنتم فولّوا‬ ‫ووجوب التّوجّه إلى البيت ثبت بن ّ‬ ‫ص الكتاب بخبر الواحد ‪ .‬وإلى هذا ذهب عياض‬ ‫وجوهكم شطره } ول يجوز ترك العمل بن ّ‬ ‫والقرافيّ وابن جماعة من المالكيّة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّه مذهب المالكيّة ‪ .‬والتّفصيل في ( طواف ‪،‬‬ ‫واستقبال القبلة ) ‪.‬‬ ‫الطّواف من داخل الحجر ‪:‬‬ ‫ح الطّواف من داخل الحجر ‪ ،‬واشترطوا لصحّة‬ ‫‪ - 4‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يص ّ‬ ‫ن من طاف‬ ‫ن جميع الحجر من البيت أ ّ‬ ‫الطّواف أن يكون من خارج الحجر ‪ .‬وقال من يرى أ ّ‬ ‫داخل الحجر لم يطف جميع البيت ‪ ،‬وهو المأمور بقول الحقّ تبارك وتعالى ‪ { :‬وليطّوّفوا‬ ‫ن الحجر من البيت لحديث عائشة رضي ال عنها ‪ { :‬سألت‬ ‫بالبيت العتيق } ‪ .‬وقد ثبت أ ّ‬ ‫ن { النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الحجر ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو من البيت } ‪ .‬ول ّ‬ ‫وسلم ‪ :‬طاف خارج الحجر ‪ ،‬وقد قال ‪ :‬لتأخذوا عنّي مناسككم } وقال بعض المالكيّة ‪ :‬يجب‬ ‫ستّة الذرع الّتي هي من البيت ‪ .‬وعند هؤلء ل يجب أن يكون‬ ‫أن يكون طوافه خارج ال ّ‬ ‫خارج جميعه وهو قول لبعض الشّافعيّة ‪ ( .‬ر ‪ :‬طواف ) ‪.‬‬ ‫الحجر السود‬ ‫التّعريف‬ ‫ي في شكله ‪ ،‬يقع في‬ ‫‪ - 1‬الحجر السود كتلة من الحجر ضارب إلى السّواد شبه بيضاو ّ‬ ‫أصل بناء الكعبة في الرّكن الجنوبيّ الشّرقيّ منها ‪ ،‬يستلمه الطّائفون عند طوافهم ( الحكم‬ ‫الجماليّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬يتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ استلم الحجر السود باليد وتقبيله للطّائف لمن يقدر ‪ ،‬لما‬ ‫ن رجل سأل ابن عمر رضي ال عنهما عن استلم الحجر فقال ‪ :‬رأيت رسول اللّه‬ ‫روي { أ ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم يستلمه ويقبّله } ‪ .‬ولما روى ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬قبّل عمر‬ ‫بن الخطّاب الحجر ثمّ قال ‪ :‬أما واللّه لقد علمت أنّك حجر ولول أنّي رأيت رسول اللّه صلى‬ ‫ن أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كانوا‬ ‫ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك ‪ .‬وروي أ ّ‬ ‫يستلمون الحجر ثمّ يقبّلونه ‪ ،‬فيلتزم فعلهم ‪ ،‬لنّه ممّا ل يكون بالرّأي ‪ .‬ويستحبّ أن يستفتح‬ ‫الستلم بالتّكبير ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس رضي ال عنهما قال ‪ { :‬طاف النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫وسلم بالبيت على بعير كلّما أتى الرّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر } ‪ .‬ويرفع يديه عند‬

‫التّكبير ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ترفع اليدي في سبعة مواطن وذكر من جملتها‬ ‫الحجر } ‪ ، ،‬وهذا عند الجمهور ‪ .‬وأمّا عند المالكيّة فل يرفع يديه عند التّكبير ‪ .‬ويستحبّ‬ ‫ن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ { :‬كان رسول‬ ‫ل طواف ‪ ،‬ل ّ‬ ‫استلم الحجر السود في ك ّ‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم ل يدع أن يستلم الرّكن اليمانيّ والحجر في كلّ طوفة } قال نافع ‪:‬‬ ‫وكان ابن عمر يفعله ‪ .‬وإن لم يتمكّن من تقبيل الحجر استلمه بيده وقبّل يده ‪ ،‬وهذا عند‬ ‫ن الستلم باليد يكون بعد العجز عن الستلم بالفم ‪ .‬لحديث‬ ‫المالكيّة والحنابلة حيث قالوا ‪ :‬إ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم استلمه وقبّل يده } وفعله أصحاب‬ ‫ابن عبّاس رضي ال عنهما { أ ّ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم وتبعهم أهل العلم على ذلك ‪ .‬وأمّا الحنفيّة والشّافعيّة فقالوا ‪ :‬إنّ‬ ‫الستلم باليد كالستلم بالفم ‪ .‬ثمّ إن عجز عن الستلم يمسّ الحجر بشيء في يده كالعصا‬ ‫مثل ثمّ يقبّله ‪ ،‬لما روي عن أبي الطّفيل ‪ ،‬قال ‪ { :‬رأيت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫يطوف بالبيت ويستلم الرّكن بمحجن معه ويقبّل المحجن } ‪ .‬وإن لم يستطع أن يستلم الحجر‬ ‫بيده ‪ ،‬أو يمسّه بشيء فإنّه يستقبله من بعد ويشير إليه بباطن كفّه كأنّه واضعها عليه ‪ ،‬ثمّ‬ ‫يقبّله ويهلّل ويكبّر ‪ ،‬لما روى البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ { :‬طاف النّبيّ‬ ‫ن أن يقبّل الحجر من‬ ‫صلى ال عليه وسلم على بعير كلّما أتى الرّكن أشار إليه وكبّر } ‪ .‬ويس ّ‬ ‫غير صوت يظهر للقبلة ‪ ،‬لحديث ابن عمر { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم استقبل الحجر ثمّ‬ ‫وضع شفتيه عليه يبكي طويل ‪ ،‬ثمّ التفت فإذا هو بعمر بن الخطّاب يبكي ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا عمر‬ ‫هاهنا تسكب العبرات } ‪ .‬قال الحطّاب ‪ :‬وفي الصّوت قولن ‪ :‬قال الشّيخ زرّوق في شرح‬ ‫الرشاد ‪ :‬وفي كراهة التّصويت بالتّقبيل قولن ‪ :‬ورجّح غير واحد الجواز ‪ ،‬وذكر ابن رشد‬ ‫ب الطّبريّ جاءه مستفت يسأله عن تقبيل الحجر أبصوت أو دونه ؟ فذكر له‬ ‫ن الشّيخ المح ّ‬ ‫أّ‬ ‫ب للنّساء استلم الحجر ول تقبيله إلّ عند خل ّو المطاف‬ ‫التّقبيل من غير تصويت ‪ .‬ول يستح ّ‬ ‫في اللّيل أو غيره ‪.‬‬ ‫البداءة في الطّواف من الحجر السود ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة إلى أنّه يتعيّن البداءة في‬ ‫الطّواف من الحجر السود ليحسب الشّوط لما روي { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم افتتح‬ ‫الطّواف من يمين الحجر ل من يساره } ‪ ،‬وذلك تعليم منه صلى ال عليه وسلم مناسك‬ ‫الحجّ ‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬خذوا عنّي مناسككم } فتجب البداءة بما بدأ به النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ولو افتتح الطّواف من غير الحجر لم يعتدّ بذلك الشّوط إلّ أن يصير إلى‬ ‫الحجر فيبتدئ منه الطّواف ‪ .‬وأمّا عند الحنفيّة في ظاهر الرّواية ومالك أنّ البداءة في‬ ‫الطّواف من الحجر السود سنّة ‪ ،‬ولو بدأ الطّواف من مكان غير الحجر السود بدون عذر‬

‫أجزأه مع الكراهة لقوله تعالى ‪ { :‬وليطّوّفوا بالبيت العتيق } مطلقا عن شرط البتداء بالحجر‬ ‫السود ‪.‬‬ ‫استلم الحجر وتقبيله في الزّحام ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬إذا كان في الطّواف زحام وخشي الطّائف إيذاء النّاس فالولى أن يترك تقبيل الحجر‬ ‫ن استلم الحجر السود سنّة وترك إيذاء النّاس واجب فل يهمل الواجب‬ ‫السود واستلمه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم قال له ‪ :‬يا‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫سنّة ‪ ،‬وقد ورد عن عمر رضي ال عنه { أ ّ‬ ‫لجل ال ّ‬ ‫ي ل تزاحم على الحجر فتؤذي الضّعيف ‪ ،‬إن وجدت خلوة فاستلمه ‪ ،‬وإلّ‬ ‫عمر إنّك رجل قو ّ‬ ‫فاستقبله وهلّل وكبّر } ‪.‬‬ ‫السّجود على الحجر السود ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬حكى ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب وابن عبّاس وطاوس والشّافعيّ وأحمد أنّه يستحبّ‬ ‫بعد تقبيل الحجر السود السّجود عليه بالجبهة ‪ ،‬وقد أخرج الشّافعيّ والبيهقيّ عن ابن عبّاس‬ ‫موقوفا " أنّه كان يقبّل الحجر السود ويسجد عليه ‪ .‬وكره مالك السّجود وتمريغ الوجه عليه ‪،‬‬ ‫ونقل الكاسانيّ عن مالك أنّه بدعة ‪ ،‬ونقل ابن الهمام عن قوام الدّين الكاكيّ قال ‪ :‬وعندنا‬ ‫الولى أن ل يسجد لعدم الرّواية من المشاهير ‪.‬‬ ‫الدّعاء عند استلم الحجر ‪:‬‬ ‫ب أن يقول الطّائف عند استلم الحجر ‪ ،‬أو استقباله‬ ‫‪ - 6‬ذهب أكثر الفقهاء إلى أنّه يستح ّ‬ ‫بوجهه إذا شقّ عليه استلمه ‪ :‬بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ‪ ،‬واللّه أكبر ‪ ،‬اللّهمّ إيمانا بك ‪،‬‬ ‫وتصديقا بكتابك ‪ ،‬ووفاء بعهدك ‪ ،‬واتّباعا لسنّة نبيّك محمّد صلى ال عليه وسلم ‪ .‬لما روى‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم استلم الرّكن الّذي فيه الحجر وكبّر ثمّ‬ ‫جابر رضي ال عنه { أ ّ‬ ‫ل اللّه ‪ ،‬اللّه أكبر ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬اللّهمّ وفاء بعهدك وتصديقا بكتابك } ‪ .‬وزاد ابن الهمام ‪ :‬ل إله إ ّ‬ ‫اللّهمّ إليك بسطت يدي ‪ ،‬وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي وأقلني عثرتي ‪ ،‬وارحم‬ ‫تضرّعي ‪ ،‬وجد لي بمغفرتك ‪ ،‬وأعذني من مضلّات الفتن ‪ .‬وذكر الكاسانيّ في البدائع ‪ :‬ولم‬ ‫يذكر عن أصحابنا فيه دعاء بعينه ‪ ،‬لنّ الدّعوات ل تحصى ‪.‬‬ ‫حداد انظر ‪ :‬إثبات ‪.‬‬ ‫حدث‬ ‫التّعريف‬

‫‪ - 1‬الحدث في اللّغة من الحدوث ‪ :‬وهو الوقوع والتّجدّد وكون الشّيء بعد أن لم يكن ‪ ،‬ومنه‬ ‫يقال ‪ :‬حدث به عيب إذا تجدّد وكان معدوما قبل ذلك ‪ .‬والحدث اسم من أحدث النسان إحداثا‬ ‫‪ :‬بمعنى الحالة النّاقضة للوضوء ‪ .‬ويأتي بمعنى المر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد ول‬ ‫معروف ‪ ،‬ومنه محدثات المور ‪ .‬وفي الصطلح يطلق ويراد به أمور ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الوصف الشّرعيّ ( أو الحكميّ ) الّذي يحلّ في العضاء ويزيل الطّهارة ويمنع من‬ ‫صحّة الصّلة ونحوها ‪ ،‬وهذا الوصف يكون قائما بأعضاء الوضوء فقط في الحدث‬ ‫الصغر ‪ ،‬وبجميع البدن في الحدث الكبر ‪ ،‬وهو الغالب في إطلقهم ‪ .‬كما سيأتي تفصيله ‪.‬‬ ‫وقد ورد هذا التّعريف في كتب فقهاء المذاهب الربعة باختلف بسيط في العبارة ‪ .‬ب ‪-‬‬ ‫السباب الّتي توجب الوضوء أو الغسل ‪ ،‬ولهذا نجد الحنفيّة يعرّفونه بأنّه ‪ :‬خروج النّجس من‬ ‫الدميّ سواء أكان من السّبيلين أم من غيرهما معتادا كان أم غير معتاد ‪ .‬والمالكيّة يعرّفونه‬ ‫بأنّه الخارج المعتاد من المخرج المعتاد في حال الصّحّة ‪ ،‬والحنابلة يعرّفونه بما أوجب‬ ‫وضوءا أو غسل ‪ ،‬كما وضع بعض الشّافعيّة بابا للحداث ذكروا فيها أسباب نقض الوضوء‬ ‫‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬ويطلق الحدث على المنع المترتّب على المعنيين المذكورين د ‪ -‬وزاد المالكيّة إطلقه‬ ‫على خروج الماء في المعتاد كما قال الدّسوقيّ ‪ .‬والمراد هنا من هذه الطلقات هو الوّل ‪،‬‬ ‫أمّا المنع فإنّه حكم الحدث ‪ ،‬وهو الحرمة وليس نفس الحدث ‪ ،‬كما صرّح به الحنفيّة والمالكيّة‬ ‫والشّافعيّة ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬الطّهارة ) ‪:‬‬ ‫سيّة كانت كالنجاس ‪ ،‬أم‬ ‫‪ - 2‬الطّهارة في اللّغة النّزاهة والنّظافة والخلوص من الدناس ح ّ‬ ‫معنويّة كالعيوب من الحقد والحسد ونحوهما ‪ .‬وفي الشّرع رفع ما يمنع الصّلة وما في‬ ‫معناها من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتّراب ‪ .‬فالطّهارة ضدّ الحدث ( ر ‪ :‬طهارة‬ ‫)‪.‬‬ ‫ب ‪ ( -‬الخبث ) ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الخبث بفتحتين النّجس ‪ ،‬وإذا ذكر مع الحدث يراد منه النّجاسة الحقيقيّة أي العين‬ ‫المستقذرة شرعا ‪ ،‬ومن هنا عرّفوا الطّهارة بأنّها النّظافة من حدث أو خبث ‪ .‬والخبث بسكون‬ ‫الباء في اللّغة مصدر خبث الشّيء خبثا ضدّ طاب ‪ ،‬يقال ‪ :‬شيء خبيث أي نجس أو كريه‬ ‫شرّ والوصف منه الخبث وجمعه الخبث ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه‬ ‫الطّعم ‪ ،‬والخبث كذلك ال ّ‬

‫وسلم ‪ { :‬اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث والخبائث } أي ذكران الشّياطين وإناثهم ‪ ،‬واستعمل‬ ‫ل حرام ج ‪ -‬النّجس ‪:‬‬ ‫في ك ّ‬ ‫ل مستقذر ‪ ،‬والنّجس‬ ‫‪ - 4‬النّجس بفتحتين مصدر نجس الشّيء نجسا ‪ ،‬ثمّ استعمل اسما لك ّ‬ ‫ي والحكميّ ‪،‬‬ ‫بكسر الجيم ضدّ الطّاهر ‪ ،‬والنّجاسة ضدّ الطّهارة ‪ ،‬فالنّجس لغة يعمّ الحقيق ّ‬ ‫وعرفا يختصّ بالوّل كالخبث ‪ .‬وإذا أحدث النسان ونقض وضوءه يقال له ‪ :‬محدث ‪ ،‬ول‬ ‫ن الحدث يخصّ‬ ‫ص النّجاسة الحقيقيّة كما أ ّ‬ ‫يقال له نجس في عرف الشّارع ‪ .‬أمّا الخبث فيخ ّ‬ ‫ل واحد منهما ‪.‬‬ ‫الحكميّة ‪ ،‬والطّهارة ارتفاع ك ّ‬ ‫أقسام الحدث ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬سبق في تعريف الحدث أنّه بالطلق الوّل وصف يحلّ بالعضاء ويمنع من صحّة‬ ‫الصّلة ونحوها ‪ .‬فهذا الوصف إن كان قائما في جميع أعضاء البدن وأوجب غسل يسمّى‬ ‫حدثا أكبر ‪ ،‬وإذا كان قائما بأعضاء الوضوء فقط وأوجب غسل تلك العضاء فقط يسمّى‬ ‫حدثا أصغر ‪ .‬والحدث بالطلق الثّاني أي السباب الّتي توجب الوضوء أو الغسل كذلك‬ ‫نوعان ‪ :‬حدث حقيقيّ ‪ ،‬وحدث حكميّ ‪ .‬والحدث الحكميّ ‪ :‬فهو نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن يوجد‬ ‫أمر يكون سببا لخروج النّجس الحقيقيّ غالبا فيقام السّبب مكان المسبّب احتياطا ‪ ،‬والثّاني ‪:‬‬ ‫أن ل يوجد شيء من ذلك لكنّه جعل حدثا شرعا تعبّدا محضا ‪ .‬وهذا التّقسيم صرّح به الحنفيّة‬ ‫وتدلّ عليه تعليلت غيرهم ‪ .‬أسباب الحدث ‪ :‬أوّل ‪ -‬خروج شيء من أحد السّبيلين ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬قال الحنفيّة ‪ :‬ينتقض الوضوء بخروج النّجس من الدميّ الحيّ من السّبيلين ( الدّبر‬ ‫والذّكر أو فرج المرأة ) معتادا كان كالبول والغائط والمنيّ والمذي والو ّديّ ودم الحيض‬ ‫والنّفاس ‪ ،‬أم غير معتاد كدم الستحاضة ‪ .‬أو من غير السّبيلين كالجرح والقرح والنف‬ ‫والفم سواء كان الخارج دما أو قيحا أو قيئا ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ينتقض الوضوء بالخارج‬ ‫المعتاد من المخرج المعتاد ‪ ،‬ل حصى ودود ولو ببلّة ‪ ،‬وهذا يشمل البول والغائط والمذي‬ ‫والمنيّ والو ّديّ والرّيح ‪ ،‬سواء أكان خروجه في حال الصّحّة باختيار ‪ ،‬أم بغير اختيار ‪،‬‬ ‫كسلس فارق أكثر الزّمن ‪ ،‬أي ارتفع عن الشّخص ‪ ،‬زمانا يزيد على النّصف ‪ .‬فإن لزمه‬ ‫كلّ الزّمن أو أكثره أو نصفه فل نقض ‪ ،‬ويشمل الحدث عندهم الخارج من ثقبة تحت المعدة‬ ‫إن انس ّد السّبيلن ‪ .‬وعلى ذلك فالخارج غير المعتاد ‪ ،‬والدّود ‪ ،‬والحصى ‪ ،‬والدّم ‪ ،‬والقيح ‪،‬‬ ‫والقيء ونحوها ل يعتبر حدثا ولو كان من المخرج المعتاد ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ينتقض‬ ‫الوضوء بخروج شيء من قبله أو دبره عينا كان أو ريحا ‪ ،‬طاهرا أو نجسا ‪ ،‬جافّا أو‬ ‫ي فليس خروجه‬ ‫ل المن ّ‬ ‫رطبا ‪ ،‬معتادا كبول أو نادرا كدم ‪ ،‬قليل أو كثيرا ‪ ،‬طوعا أو كرها ‪ .‬إ ّ‬ ‫ناقضا قالوا ‪ :‬لنّه أوجب أعظم المرين وهو الغسل فل يوجب أدونهما وهو الوضوء بعمومه‬

‫‪ ،‬وكذلك إذا انسدّ مخرجه وانفتح تحت معدته فخرج المعتاد ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬النّاقض‬ ‫للوضوء هو الخارج من السّبيلين قليل كان أو كثيرا ‪ ،‬نادرا كان كالدّود والدّم والحصى ‪ ،‬أو‬ ‫معتادا كالبول والغائط والودي والمذي والرّيح ‪ ،‬طاهرا أو نجسا ‪ ،‬وكذلك خروج النّجاسات‬ ‫من بقيّة البدن ‪ ،‬فإن كانت غائطا أو بول نقض ولو قليل من تحت المعدة أو فوقها ‪ ،‬سواء‬ ‫أكان السّبيلن مفتوحين أم مسدودين ‪ .‬وإن كانت النّجاسات الخارجة من غير السّبيلين غير‬ ‫ل كثيرها ‪ .‬وممّا سبق يظهر‬ ‫الغائط والبول كالقيء والدّم والقيح ‪ ،‬ودون الجراح لم ينقض إ ّ‬ ‫ي بعضها متّفق عليه وبعضها مختلف فيه ‪:‬‬ ‫ن أسباب الحدث الحقيق ّ‬ ‫أّ‬ ‫أسباب الحدث المتّفق عليها ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ الخارج المعتاد من السّبيلين كالبول والغائط والمنيّ والمذي والودي‬ ‫والرّيح ‪ ،‬وأيضا دم الحيض والنّفاس يعتبر حدثا حقيقيّا قليل كان الخارج أو كثيرا ‪ ،‬والدّليل‬ ‫على ذلك قوله تعالى ‪ { :‬أو جاء أحد منكم من الغائط } فهو كناية عن الحدث من بول أو‬ ‫غائط ونحوهما ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه‬ ‫أخرج منه شيء أم ل ‪ ،‬فل يخرجنّ من المسجد حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا } ‪ .‬وهذه‬ ‫السباب بعضها حدث أكبر فيوجب الغسل كخروج المنيّ ‪ ،‬والحيض والنّفاس ‪ ،‬وبعضها‬ ‫حدث أصغر يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والمذي والودي والرّيح وسيأتي بيانه ‪.‬‬ ‫السباب المختلف فيها ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬ما يخرج من السّبيلين نادرا ‪:‬‬ ‫‪ - 8‬ما يخرج من السّبيلين نادرا كالدّود والحصى والشّعر وقطعة اللّحم ونحوها تعتبر أحداثا‬ ‫تنقض الوضوء عند جمهور الفقهاء ‪ ( :‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) ‪ ،‬وهو قول ابن عبد‬ ‫الحكم من المالكيّة ‪ .‬وبه قال الثّوريّ وإسحاق وعطاء والحسن ‪ ،‬لنّها خارجة من السّبيلين‬ ‫فأشبهت المذي ‪ ،‬ولنّها ل تخلو عن بلّة تتعلّق بها ‪ ،‬وقد أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫ل صلة ‪ ،‬ودمها خارج غير معتاد ‪ .‬وذهب المالكيّة في المشهور‬ ‫المستحاضة بالوضوء لك ّ‬ ‫عندهم إلى أنّ الخارج غير المعتاد من السّبيلين كحصى تولّد بالبطن ودود ل يعتبر حدثا ولو‬ ‫ببلّة من بول أو غائط غير متفاحش بحيث ينسب الخروج للحصى والدّود ل للبول والغائط ‪.‬‬ ‫والقول الثّاني عندهم ‪ :‬أنّه ل وضوء عليه إلّ أن تخرج الدّودة والحصى غير نقيّة ‪.‬‬ ‫ح والمالكيّة‬ ‫‪ -9‬واختلفوا في الرّيح الخارجة من الذّكر أو قبل المرأة ‪ :‬فقال الحنفيّة في الص ّ‬ ‫وهو رواية عند الحنابلة ‪ :‬ل تعتبر حدثا ‪ ،‬ول ينتقض بها الوضوء ‪ ،‬لنّها اختلج وليس في‬ ‫ل النّجاسة ‪ ،‬وهذا في غير المفضاة ‪ ،‬فإن كانت من المفضاة‬ ‫الحقيقة ريحا منبعثة عن مح ّ‬

‫ن نتنها دليل‬ ‫فصرّح الحنفيّة أنّه يندب لها الوضوء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لو منتنة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن الخارجة من الذّكر‬ ‫خروجها من الدّبر ‪ .‬وقال الشّافعيّة وهو رواية أخرى عند الحنابلة ‪ :‬إ ّ‬ ‫ل من‬ ‫أو قبل المرأة حدث يوجب الوضوء ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل وضوء إ ّ‬ ‫صوت أو ريح } ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬ما يخرج من غير السّبيلين ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬الخارج من غير السّبيلين إذا لم يكن نجسا ل يعتبر حدثا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬واختلفوا فيما‬ ‫إذا كان نجسا ‪ ،‬فقال الحنفيّة ‪ :‬ما يخرج من غير السّبيلين من النّجاسة حدث ينقض الوضوء‬ ‫بشرط أن يكون سائل جاوز إلى محلّ يطلب تطهيره ولو ندبا ‪ ،‬كدم وقيح وصديد عن رأس‬ ‫جرح ‪ ،‬وكقيء مل الفم من مرّة أو علق أو طعام أو ماء ‪ ،‬ل بلغم ‪ ،‬وإن قاء دما أو قيحا‬ ‫نقض وإن لم يمل الفم عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلفا لمحمّد ‪ ،‬ويشترط عند الحنابلة أن‬ ‫ن النّجس الخارج من‬ ‫يكون كثيرا إلّ الغائط والبول فل تشترط فيهما الكثرة عندهم ‪ .‬والقول بأ ّ‬ ‫غير السّبيلين حدث هو قول كثير من الصّحابة والتّابعين ‪ .‬منهم ‪ :‬ابن مسعود وابن عبّاس‬ ‫وزيد بن ثابت وابن عمر ‪ ،‬وسعيد بن المسيّب والحسن البصريّ وقتادة والثّوريّ وإسحاق ‪.‬‬ ‫والدّليل على ذلك ما ورد في الحاديث ‪ ،‬منها ‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الوضوء من‬ ‫كلّ دم سائل } وقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي‬ ‫ن الدّم ونحوه نجاسة‬ ‫فلينصرف ‪ ،‬فليتوضّأ ثمّ ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلّم } ول ّ‬ ‫خارجة من البدن فأشبه الخارج من السّبيلين ‪ .‬ووجه ما اشترطه الحنابلة من الكثرة في غير‬ ‫ن ابن‬ ‫ن ابن عبّاس قال في الدّم ‪ :‬إذا كان فاحشا فعليه العادة ‪ ،‬ولما ورد أ ّ‬ ‫الغائط والبول أ ّ‬ ‫عمر رضي ال عنهما عصر بثرة فخرج دم فصلّى ولم يتوضّأ ‪ .‬وقال المالكيّة والشّافعيّة‬ ‫وهو قول ربيعة وأبي ثور وابن المنذر ‪ :‬الخارج من غير السّبيلين ل يعتبر حدثا ‪ ،‬لما روى‬ ‫أبو داود عن جابر قال ‪ { :‬خرجنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يعني في غزوة‬ ‫ذات الرّقاع ‪ -‬فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ‪ ،‬فحلف أن ل أنتهي حتّى أهريق دما‬ ‫في أصحاب محمّد ‪ ،‬فخرج يتبع أثر النّبيّ صلى ال عليه وسلم فنزل النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫وسلم منزل ‪ ،‬فقال ‪ :‬من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من النصار ‪،‬‬ ‫فقال ‪ :‬كونا بفم الشّعب قال ‪ :‬فلمّا خرج الرّجلن إلى فم الشّعب اضطجع المهاجريّ وقام‬ ‫ي يصلّي ‪ ،‬وأتى الرّجل ‪ ،‬فلمّا رأى شخصه عرف أنّه ربيئة للقوم ‪ ،‬فرماه بسهم‬ ‫النصار ّ‬ ‫فوضعه فيه ‪ ،‬فنزعه حتّى رماه بثلثة أسهم ثمّ ركع وسجد ‪ ،‬ثمّ انتبه صاحبه ‪ ،‬فلمّا عرف‬ ‫أنّهم قد نذروا به هرب ‪ ،‬ولمّا رأى المهاجريّ ما بالنصاريّ من الدّم ‪ :‬قال ‪ :‬سبحان اللّه ‪،‬‬ ‫أل أنبهتني أوّل ما رمى ؟ قال ‪ :‬كنت في سورة أقرؤها ‪ ،‬فلم أحبّ أن أقطعها } ‪ .‬ولما روي‬

‫أنّه عليه الصلة والسلم ‪ { :‬قاء فلم يتوضّأ } ‪ .‬واستثنى المالكيّة والشّافعيّة من هذا الحكم ما‬ ‫خرج من ثقبة تحت المعدة إن انسدّ مخرجه ‪ ،‬وكذلك إذا لم ينسدّ في قول عند المالكيّة ‪،‬‬ ‫فينتقض الوضوء ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬الحدث الحكميّ ‪:‬‬ ‫ي غالبا فيقام السّبب مقام‬ ‫‪ - 11‬الحدث الحكميّ هو ما يكون سببا لخروج الحدث الحقيق ّ‬ ‫المسبّب احتياطا ‪ .‬فيأخذ حكم الحدث الحقيقيّ شرعا ‪ ،‬ويدخل في هذا النّوع ‪ - :‬زوال العقل‬ ‫أو التّمييز وذلك بالنّوم أو السّكر أو الغماء أو الجنون أو نحوها ‪ .‬وهذه السباب متّفق عليها‬ ‫بين المذاهب في الجملة ‪ .‬واستدلّ الفقهاء لنقض الوضوء بالنّوم بحديث صفوان بن عسّال قال‬ ‫‪ { :‬كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يأمرنا إذا كنّا سفرا أن ل ننزع ثلثة أيّام ولياليهنّ‬ ‫إلّ من جنابة ‪ ،‬لكن من غائط وبول ونوم } ‪ .‬وبما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫{ العين وكاء السّه فمن نام فليتوضّأ } ‪ .‬واختلفت عباراتهم في كيفيّة النّوم النّاقض للوضوء ‪:‬‬ ‫فقال الحنفيّة ‪ :‬النّوم النّاقض هو ما كان مضطجعا أو متّكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل منه‬ ‫ن الضطجاع سبب لسترخاء المفاصل فل يعرى عن خروج شيء عادة ‪ ،‬والثّابت‬ ‫لسقط ‪ ،‬ل ّ‬ ‫عادة كالمتيقّن ‪ .‬والتّكاء يزيل مسكة اليقظة ‪ ،‬لزوال المقعدة عن الرض ‪ .‬بخلف النّوم حالة‬ ‫ن بعض الستمساك باق ‪ ،‬إذ لو‬ ‫القيام والقعود والرّكوع والسّجود في الصّلة وغيرها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن النّاقض هو النّوم الثّقيل بأن لم يشعر‬ ‫زال لسقط ‪ ،‬فلم يتمّ السترخاء ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫بالصّوت المرتفع ‪ ،‬بقربه ‪ ،‬أو بسقوط شيء من يده وهو ل يشعر ‪ ،‬طال النّوم أو قصر ‪ .‬ول‬ ‫ينقض بالخفيف ولو طال ‪ ،‬ويندب الوضوء إن طال النّوم الخفيف ‪ .‬وعند الشّافعيّة خمسة‬ ‫أقوال ‪ :‬الصّحيح منها أنّ من نام ممكّنا مقعدته من الرض أو نحوها لم ينقض وضوءه ‪ ،‬وإن‬ ‫لم يكن ممكّنا ينتقض على أيّة هيئة كان في الصّلة وغيرها لحديث أنس قال ‪ :‬كان أصحاب‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون ‪ ،‬أحسبه قال ‪ :‬قعودا حتّى تخفق‬ ‫رءوسهم ثمّ يصلّون ول يتوضّئون ‪ .‬وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتّى يضع جنبه إلى‬ ‫الرض } ويندب الوضوء عندهم إلّ مع التّمكين خروجا من الخلف ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقسموا‬ ‫النّوم إلى ثلثة أقسام ‪ :‬الوّل ‪ :‬نوم المضطجع فينقض به الوضوء قليل كان أو كثيرا أخذا‬ ‫لعموم الحديثين السّابقين ‪ .‬الثّاني ‪ :‬نوم القاعد ‪ ،‬فإن كان كثيرا نقض بناء على الحديثين ‪،‬‬ ‫وإن كان يسيرا لم ينقض لحديث أنس الّذي ذكره الشّافعيّة ‪ .‬الثّالث ‪ :‬ما عدا هاتين الحالتين ‪،‬‬ ‫وهو نوم القائم والرّاكع والسّاجد ‪ .‬وقد روي عن أحمد في هذه الحالت روايتان ‪ :‬إحداهما ‪:‬‬ ‫ينقض مطلقا للعموم في الحديثين ‪ ،‬والثّانية ‪ :‬ل ينقض ‪ ،‬إلّ إذا كثر ‪ ،‬لحديث ابن عبّاس { أنّ‬

‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان يسجد وينام ثمّ يقوم فيصلّي فقلت له ‪ :‬صلّيت ولم تتوضّأ‬ ‫‪ ،‬وقد نمت ‪ ،‬فقال إنّما الوضوء على من نام مضطجعا فإنّه إذا اضطجع استرخت مفاصله }‬ ‫‪ .‬والعبرة في تحديد الكثير واليسير في الصّحيح عندهم العرف ‪ .‬أمّا السّكر والجنون‬ ‫ن النّائم يستيقظ‬ ‫والغماء فدليل نقض الوضوء بها أنّها أبلغ في إزالة المسكة من النّوم ‪ ،‬ل ّ‬ ‫بالنتباه ‪ ،‬بخلف المجنون والسّكران والمغمى عليه ‪ .‬ولتعريف هذه المور ومعرفة حكمها‬ ‫وأثرها على الوضوء يرجع إلى مصطلحاتها ‪.‬‬ ‫المباشرة الفاحشة دون الجماع ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬وتفسيرها ‪ ،‬كما قال الكاسانيّ من الحنفيّة ‪ :‬أن يباشر الرّجل المرأة بشهوة وينتشر لها‬ ‫وليس بينهما ثوب ولم ير بلل ‪ .‬وقال في الدّرّ ‪ :‬أن تكون بتماسّ الفرجين ولو بين المرأتين‬ ‫أو الرّجلين مع النتشار ولو بل بلل ‪ .‬فهذه تنقض الوضوء عند جمهور الفقهاء ‪ -‬إلّ محمّدا‬ ‫من الحنفيّة ‪ -‬فعن أبي أمامة أنّه قال ‪ { :‬بينما رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في المسجد ‪،‬‬ ‫ونحن قعود معه ‪ ،‬إذ جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي أصبت حدّا ‪ ،‬فأقمه عليّ ‪ ،‬فسكت‬ ‫عنه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثمّ أعاد فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي أصبت حدّا فأقمه‬ ‫عليّ ‪ ،‬فسكت عنه ‪ .‬وأقيمت الصّلة ‪ .‬فلمّا انصرف نبيّ اللّه صلى ال عليه وسلم قال أبو‬ ‫أمامة ‪ :‬فاتّبع الرّجل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حين انصرف واتّبعت رسول اللّه صلى‬ ‫ال عليه وسلم أنظر ما يردّ على الرّجل فلحق الرّجل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقال ‪:‬‬ ‫يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ ‪ .‬قال أبو أمامة ‪ :‬فقال له رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء ؟ قال ‪ :‬بلى يا‬ ‫رسول اللّه ‪ .‬قال ‪ :‬ثمّ شهدت الصّلة معنا فقال ‪ :‬نعم يا رسول اللّه ‪ .‬قال ‪ :‬فقال له رسول‬ ‫ن اللّه قد غفر لك حدّك ‪ ،‬أو قال ذنبك } ‪ .‬ولنّ المباشرة على‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فإ ّ‬ ‫ف بحرارة البدن فلم‬ ‫ل أنّه يحتمل أن ج ّ‬ ‫الصّفة الّتي ذكرنا ل تخلو عن خروج المذي عادة إ ّ‬ ‫يقف عليه أو غفل عن نفسه لغلبة الشّبق فكانت سببا مفضيا إلى الخروج ‪ ،‬وهو المتحقّق في‬ ‫مقام وجوب الحتياط ‪.‬‬ ‫التقاء بشرتي الرّجل والمرأة ‪:‬‬ ‫ن لمس بشرتي الرّجل والمرأة حدث‬ ‫‪ - 13‬جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أ ّ‬ ‫ينقض الوضوء في الجملة ‪ ،‬لكن تختلف عباراتهم في الشّروط والتّفصيل ‪ .‬فقال المالكيّة ‪:‬‬ ‫الّذي ينقض الوضوء هو اللّمس بعضو أصليّ أو زائد يلتذّ صاحبه به عادة ‪ ،‬ولو لظفر أو‬ ‫شعر أو سنّ ‪ ،‬ولو بحائل خفيف يحسّ اللّامس فوقه بطراوة الجسد ‪ ،‬إن قصد الّلذّة أو وجدها‬

‫بدون القصد ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وممّن يلتذّ به عادة المرد والّذي لم تت ّم لحيته ‪ ،‬فل نقض بلمس جسد‬ ‫أو فرج صغيرة ل تشتهى عادة ‪ ،‬ولو قصد ‪ .‬الّلذّة أو وجدها ‪ ،‬كما ل تنقض بلمس محرم‬ ‫بغير لذّة ‪ ،‬أمّا القبلة بفم فناقضة ول تشترط فيها الّلذّة ول وجودها ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬هو لمس‬ ‫بشرتي الذّكر والنثى اللّذين بلغا حدّا يشتهى ‪ ،‬ولو لم يكونا بالغين ‪ ،‬ول فرق في ذلك بين أن‬ ‫يكون بشهوة أو إكراه أو نسيان ‪ ،‬أو يكون الذّكر ممسوحا أو خصيّا أو عنّينا ‪ ،‬أو المرأة‬ ‫ل أو أحدهما ميّتا ‪ .‬والمراد بالبشرة‬ ‫عجوزا شوهاء ‪ ،‬أو العضو زائدا أو أصليّا سليما أو أش ّ‬ ‫ظاهر الجلد ‪ .‬وفي معناها اللّحم ‪ ،‬كلحم السنان واللّسان واللّثة وباطن العين ‪ ،‬فخرج ما إذا‬ ‫ل هذا كاللّامس في نقض وضوئه في‬ ‫كان على البشرة حائل ولو رقيقا ‪ .‬والملموس في ك ّ‬ ‫الظهر ‪ .‬ول ينقض بلمس المحرم في الظهر ‪ ،‬ول صغيرة ‪ ،‬وشعر ‪ ،‬وسنّ ‪ ،‬وظفر في‬ ‫الصحّ ‪ ،‬كما ل ينقض بلمس الرّجل الرّجل والمرأة المرأة والخنثى مع الخنثى أو مع الرّجل‬ ‫س بشرة الذّكر بشرة أنثى أو عكسه‬ ‫أو المرأة ولو بشهوة ‪ ،‬لنتفاء مظنّتها ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬م ّ‬ ‫لشهوة من غير حائل غير طفلة وطفل ولو كان اللّمس بزائد أو لزائد أو شلل ‪ ،‬ولو كان‬ ‫الملموس ميّتا أو عجوزا أو محرما أو صغيرة تشتهى ‪ ،‬ول ينقض وضوء الملموس بدنه ولو‬ ‫وجد منه شهوة ‪ ،‬ول بلمس شعر وظفر وسنّ وعضو مقطوع وأمرد مسّه رجل ول مسّ‬ ‫خنثى مشكل ‪ ،‬ول بمسّه رجل أو امرأة ‪ ،‬ول بمسّ الرّجل رجل ‪ ،‬ول المرأة المرأة ولو‬ ‫بشهوة فيهم ‪ .‬هذا ‪ ،‬ويستدلّ الجمهور في اعتبارهم اللّمس من الحداث بما ورد في الية من‬ ‫قوله تعالى ‪ { .‬أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النّساء } أي لمستم كما قرئ به ‪،‬‬ ‫فعطف اللّمس على المجيء من الغائط ورتّب عليهما المر بالتّيمّم عند فقد الماء ‪ ،‬فدلّ على‬ ‫أنّه حدث كالمجيء من الغائط ‪ .‬وليس معناه ( أو جامعتم ) لنّه خلف الظّاهر ‪ ،‬إذ اللّمس ل‬ ‫يختصّ بالجماع ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬فلمسوه بأيديهم } وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لعلّك‬ ‫لمست } ‪ .‬أمّا ما اشترطه المالكيّة من قصد الّلذّة أو وجودها والحنابلة من أن يكون اللّمس‬ ‫ل على عدم النّقض بمجرّد اللتقاء كما سيأتي ‪.‬‬ ‫بالشّهوة فللجمع بين الية وبين الخبار الّتي تد ّ‬ ‫س المرأة من الحداث مطلقا ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال عنها قالت‬ ‫أمّا الحنفيّة فل يعتبرون م ّ‬ ‫‪ :‬كنت أنام بين يدي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ورجلي في قبلته فإذا سجد غمزني‬ ‫فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما ‪ .‬وعنها أنّه صلى ال عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثمّ خرج‬ ‫إلى الصّلة ولم يتوضّأ ‪.‬‬ ‫مسّ فرج الدميّ ‪:‬‬ ‫س فرج الدميّ حدث ينقض‬ ‫‪ - 14‬ذكر الشّافعيّة والمالكيّة وهو رواية عند الحنابلة أنّ م ّ‬ ‫الوضوء في الجملة ‪ ،‬ولكن اختلفت عباراتهم في الشّروط والتّفصيل ‪ :‬فقال المالكيّة ‪ :‬ينقض‬

‫الوضوء مطلق مسّ ذكر الماسّ البالغ المتّصل ولو كان خنثى مشكل ببطن أو جنب لكفّ أو‬ ‫إصبع ولو كانت الصبع زائدة وبها إحساس ‪ .‬ول يشترط فيه التّعمّد أو اللتذاذ ‪ .‬أمّا مسّ‬ ‫ذكر غيره فيجري على حكم اللّمس من تقييده بالقصد أو وجدان الّلذّة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪:‬‬ ‫النّاقض مسّ قبل الدميّ ذكرا كان أو أنثى من نفسه أو غيره متّصل أو منفصل ببطن الكفّ‬ ‫ل الجبّ‬ ‫من غير حائل ‪ .‬وكذا ( في الجديد ) حلقة دبره ولو فرج الميّت والصّغير ومح ّ‬ ‫ح ‪ ،‬ل برأس الصابع وما بينهما ‪ .‬وقال الحنابلة في‬ ‫والذّكر الشلّ وباليد الشّلّاء على الص ّ‬ ‫س ذكر الدميّ إلى أصول النثيين مطلقا سواء‬ ‫الرّواية الّتي تجعل مسّه حدثا ‪ :‬النّاقض م ّ‬ ‫س ذكرا أم أنثى ‪ ،‬صغيرا أو كبيرا بشهوة أو غيرها من نفسه أو غيره ‪ ،‬ل مسّ‬ ‫أكان الما ّ‬ ‫منقطع ول محلّ القطع ‪ ،‬ويكون المسّ ببطن الكفّ أو بظهره أو بحرفه غير ظفر ‪ ،‬من غير‬ ‫حائل ‪ ،‬ولو بزائد ‪ .‬كما ينقض مسّ حلقة دبر منه أو من غيره ‪ ،‬ومسّ امرأة فرجها الّذي بين‬ ‫شفريها أو فرج امرأة أخرى ‪ ،‬ومسّ رجل فرجها ومسّها ذكره ولو من غير شهوة ‪ .‬والدّليل‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬من‬ ‫س الفرج حدث ما رواه بسر بن صفوان أ ّ‬ ‫على أنّ م ّ‬ ‫مسّ ذكره فل يصلّ حتّى يتوضّأ } وما روي عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬من أفضى‬ ‫بيده إلى ذكره ليس دونه ستر وجب عليه الوضوء } وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أيّما‬ ‫ن مسّ‬ ‫ص الحنفيّة ‪ -‬وهو رواية أخرى عند الحنابلة أ ّ‬ ‫امرأة مسّت فرجها فلتتوضّأ } ‪ .‬ون ّ‬ ‫الفرج ل يعتبر من الحداث فل ينقض الوضوء ‪ ،‬لحديث طلق بن عليّ عن أبيه { عن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم أنّه سئل عن الرّجل يمسّ ذكره في الصّلة فقال ‪ :‬هل هو إلّ بضعة منك‬ ‫} ‪ .‬قال الحنفيّة ‪ :‬يغسل يده ندبا لحديث { من مسّ ذكره فليتوضّأ } أي ليغسل يده جمعا بينه‬ ‫وبين قوله صلى ال عليه وسلم { هل هو إلّ بضعة منك } حين سئل عن الرّجل يمسّ ذكره‬ ‫بعدما يتوضّأ وفي رواية في الصّلة ‪.‬‬ ‫القهقهة في الصّلة ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬جمهور الفقهاء وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬ل يعتبرون القهقهة من الحداث‬ ‫مطلقا ‪ ،‬فل ينتقض الوضوء بها أصل ول يجعلون فيها وضوءا ‪ ،‬لنّها ل تنقض الوضوء‬ ‫خارج الصّلة فل تنقضه داخلها ‪ ،‬ولنّها ليست خارجا نجسا ‪ ،‬بل هي صوت كالكلم والبكاء‬ ‫ل بالغ‬ ‫‪ .‬وذكر الحنفيّة في الحداث الّتي تنقض الوضوء القهقهة في الصّلة إذا حدثت من مص ّ‬ ‫يقظان في صلة كاملة ذات ركوع وسجود ‪ ،‬سواء أكان متوضّئا أم متيمّما أم مغتسل في‬ ‫الصّحيح ‪ ،‬وسواء أكانت القهقهة عمدا أم سهوا ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من ضحك‬ ‫في الصّلة قهقهة فليعد الوضوء والصّلة معا } ‪ .‬والقهقهة ما يكون مسموعا لجيرانه ‪،‬‬ ‫والضّحك ما يسمعه هو دون جيرانه ‪ ،‬والتّبسّم ما ل صوت فيه ولو بدت أسنانه ‪ .‬قالوا ‪:‬‬

‫القهقهة تنقض الوضوء وتبطل الصّلة معا ‪ ،‬والضّحك يبطل الصّلة خاصّة ‪ ،‬والتّبسّم ل‬ ‫ح عند‬ ‫يبطل شيئا ‪ .‬وعلى ذلك فل يبطل وضوء صبيّ ونائم بالقهقهة في الصّلة على الص ّ‬ ‫الحنفيّة ‪ ،‬كما ل ينقض وضوء من قهقه خارج الصّلة ‪ ،‬أو من كان في صلة غير كاملة ‪،‬‬ ‫كصلة الجنازة وسجدة التّلوة ‪ .‬ثمّ قيل ‪ :‬إنّ القهقهة من الحداث عندهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل بل‬ ‫وجب الوضوء بها عقوبة وزجرا ‪ ،‬لنّ المقصود بالصّلة إظهار الخشوع والخضوع‬ ‫والتّعظيم للّه تعالى ‪ ،‬والقهقهة تنافي ذلك فناسب انتقاض وضوئه زجرا له ‪ .‬والرّاجح أنّها‬ ‫ل لستوى فيها جميع الحوال مع أنّها مخصوصة بأن تكون في الصّلة الكاملة‬ ‫ليست حدثا وإ ّ‬ ‫ل بالغ ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬ورجّح في البحر القول الثّاني لموافقته القياس ‪ ،‬لنّها‬ ‫من مص ّ‬ ‫ليست خارجا نجسا بل هي صوت كالكلم والبكاء ‪ ،‬ولموافقته للحاديث المرويّة فيها ‪ ،‬إذ‬ ‫ليس فيها إلّ المر بإعادة الوضوء والصّلة ول يلزم منه كونها حدثا ‪.‬‬ ‫‪ - 16‬وفائدة الخلف في القولين تظهر في جواز مسّ المصحف وكتابة القرآن ‪ ،‬فمن جعلها‬ ‫حدثا منع كسائر الحداث ‪ ،‬ومن أوجب الوضوء عقوبة وزجرا جوّز ‪.‬‬ ‫أكل لحم الجزور ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أكل لحم الجزور ل ينقض الوضوء كأكل سائر الطعمة‬ ‫لما روى ابن عبّاس عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬الوضوء ممّا يخرج وليس ممّا‬ ‫يدخل } ولما روى جابر قال ‪ { :‬كان آخر المرين من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ترك‬ ‫الوضوء ممّا مسّته النّار } ولنّه مأكول أشبه سائر المأكولت في عدم النّقض ‪ ،‬والمر‬ ‫بالوضوء فيه محمول على الستحباب أو الوضوء اللّغويّ وهو غسل اليدين ‪ .‬وصرّح‬ ‫الحنابلة ‪ -‬وهو أحد قولي الشّافعيّ ‪ -‬بأن أكل لحم البل ينقض الوضوء على كلّ حال نيئا‬ ‫ومطبوخا ‪ ،‬عالما كان الكل أو جاهل ‪ .‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬توضّئوا من لحوم‬ ‫البل ول تتوضّئوا من لحوم الغنم } ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إنّ وجوب الوضوء من أكل لحم الجزور‬ ‫تعبّديّ ل يعقل معناه فل يتعدّى إلى غيره ‪ ،‬فل يجب الوضوء بشرب لبنها ‪ ،‬ومرق لحمها ‪،‬‬ ‫وأكل كبدها وطحالها وسنامها وجلدها وكرشها ونحوه ‪.‬‬ ‫غسل الميّت ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬ذهب جمهور الفقهاء وهو قول بعض الحنابلة ‪ :‬إلى عدم وجوب الوضوء بتغسيل‬ ‫الميّت ‪ ،‬لنّ الوجوب يكون من الشّرع ‪ ،‬ولم يرد في هذا نصّ فبقي على الصل ‪ .‬ولنّه‬ ‫غسل آدميّ فأشبه غسل الحيّ ‪ ،‬وما روي عن أحمد في هذا محمول على الستحباب ‪ .‬ويرى‬ ‫ن من غسّل الميّت أو بعضه ولو في قميص يجب عليه الوضوء سواء أكان‬ ‫أكثر الحنابلة أ ّ‬

‫المغسول صغيرا أم كبيرا ‪ ،‬ذكرا أم أنثى ‪ ،‬مسلما أم كافرا ‪ .‬لما روي عن ابن عمر وابن‬ ‫عبّاس رضي ال عنهم أنّهما كانا يأمران غاسل ‪ .‬الميّت بالوضوء ‪ ،‬ولنّ الغالب فيه أنّه ل‬ ‫يسلم أن تقع يده على فرج الميّت فتقام مظنّة ذلك مقام حقيقته كما أقيم النّوم مقام الحدث ‪.‬‬ ‫( الرّدّة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 19‬ال ّردّة ‪ -‬وهي التيان بما يخرج من السلم بعد تقرّره ‪ -‬حدث حكميّ تنقض الوضوء‬ ‫عند الحنابلة وهو المشهور عند المالكيّة ‪ ،‬فالمرتدّ إذا عاد إلى السلم ورجع إلى دين الحقّ‬ ‫فليس له الصّلة حتّى يتوضّأ وإن كان متوضّئا قبل ردّته ولم ينقض وضوءه بأسباب أخرى ‪.‬‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك } والطّهارة‬ ‫عمل ‪ .‬ونقل عن ابن القاسم من المالكيّة استحباب الوضوء في هذه الحالة ‪ .‬ولم يعدّ الحنفيّة‬ ‫والشّافعيّة ال ّردّة من أسباب الحدث فل ينقض الوضوء بها عندهم لقوله تعالى ‪ { :‬ومن يرتدد‬ ‫منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والخرة } فشرط الموت بعد‬ ‫ال ّردّة لحبوط العمل ‪ -‬كما قال ابن قدامة ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬ردّة )‬ ‫شكّ في الحدث ‪:‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شكّ ل الوضوء ‪ .‬فلو أيقن‬ ‫‪ - 20‬ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ال ّ‬ ‫ك في عروض الحدث بعدها فهو على الطّهارة ‪ ،‬ومن أيقن‬ ‫بالطّهارة ( أي علم سبقها ) وش ّ‬ ‫شكّ ‪ ،‬والصل في ذلك‬ ‫بالحدث وشكّ في الطّهارة فهو على الحدث ‪ ،‬لنّ اليقين ل يزول بال ّ‬ ‫ما ورد عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه‬ ‫أخرج منه شيء أم لم يخرج فل يخرجنّ من المسجد حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا } ‪ .‬ولو‬ ‫تيقّنهما ولم يعلم الخر منهما ‪ ،‬مثل من تيقّن أنّه كان في وقت الظّهر متطهّرا مرّة ومحدثا‬ ‫أخرى ول يعلم أيّهما كان لحقا يأخذ بضدّ ما قبلهما عند الحنابلة وهو الصحّ عند الشّافعيّة ‪،‬‬ ‫وذكره بعض الحنفيّة ‪ ،‬وعلى ذلك فإن كان قبلهما محدثا فهو الن متطهّر لنّه تيقّن الطّهارة‬ ‫وشكّ في تأخّر الحدث عنها والصل عدم تأخّره ‪ ،‬وإن كان قبلهما متطهّرا فهو الن محدث ‪،‬‬ ‫لنّه تيقّن الحدث وشكّ في تأخّر الطّهارة عنه ‪ ،‬والصل عدم تأخّرها ‪ ،‬فإن لم يعلم ما قبلهما‬ ‫لزمه الوضوء لتعارض الحتمالين من غير مرجّح ‪ .‬والوجه الثّاني عند الشّافعيّة ل ينظر إلى‬ ‫ك في السّابق فهو‬ ‫ما قبلهما ويلزمه الوضوء ‪ .‬والمشهور عند الحنفيّة أنّه لو تيقّنهما وش ّ‬ ‫متطهّر ‪ .‬أمّا المالكيّة فقد صرّحوا بنقض الوضوء بشكّ في حدث بعد طهر علم ‪ ،‬فإن أيقن‬ ‫شكّ مستنكحا‬ ‫بالوضوء ثمّ شكّ فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم ل فليعد وضوءه إلّ أن يكون ال ّ‬ ‫‪ .‬قال الحطّاب ‪ :‬هذا إذا شكّ قبل الصّلة ‪ ،‬أمّا إذا صلّى ثمّ شكّ هل أحدث أم ل ففيه قولن ‪.‬‬

‫ن من شكّ أثناء صلته هل هو على وضوء أم ل فتمادى على‬ ‫وذكر في التّاج والكليل أ ّ‬ ‫صلته وهو على شكّه ذلك ‪ ،‬فلمّا فرغ من صلته استيقن أنّه على وضوئه فإنّ صلته‬ ‫شكّ الطّارئ ‪ .‬أمّا إذا طرأ‬ ‫مجزئة ‪ ،‬لنّه دخل في الصّلة بطهارة متيقّنة ‪ ،‬فل يؤثّر فيها ال ّ‬ ‫ل على طهارة‬ ‫شكّ في طهارته قبل دخوله في الصّلة فوجب أل يدخل في الصّلة إ ّ‬ ‫عليه ال ّ‬ ‫متيقّنة ‪ .‬وينتقض الوضوء عندهم أيضا بشكّ في السّابق من الوضوء والحدث سواء كانا‬ ‫محقّقين أو مظنونين أو مشكوكين أو أحدهما محقّقا أو مظنونا والخر مشكوكا أو أحدهما‬ ‫محقّقا والخر مظنونا ‪ .‬وقال في البدائع ‪ :‬لو شكّ في بعض وضوئه ‪ -‬وهو أوّل ما شكّ ‪-‬‬ ‫شكّ في مثله عادة‬ ‫غسل الموضع الّذي شكّ فيه لنّه على يقين من الحدث فيه ‪ ،‬وإن صار ال ّ‬ ‫له بأن يعرض له كثيرا لم يلتفت إليه ‪ ،‬لنّه من باب الوسوسة فيجب قطعها ‪ .‬لقول النّبيّ‬ ‫ن الشّيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت فل‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا } ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ( شكّ ) ( ووسوسة ) ‪.‬‬ ‫حكم الحدث ‪:‬‬ ‫‪ - 21‬الحدث إمّا أن يكون أكبر فيوجب الغسل ‪ ،‬أو أصغر فيوجب الوضوء فقط ‪ ،‬أمّا أحكام‬ ‫الحدث الكبر وأسبابه من الجنابة والحيض والنّفاس فينظر تفصيله في مصطلحاتها ومصطلح‬ ‫‪ ( :‬غسل ) ‪ .‬وفيما يأتي أحكام الحدث الصغر ‪ :‬أوّل ‪ :‬ما ل يجوز بالحدث الصغر ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬الصّلة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 22‬يحرم بالمحدث ( حيث ل عذر ) الصّلة بأنواعها بالجماع لحديث الصّحيحين ‪ { :‬ل‬ ‫يقبل اللّه صلة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ } وقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬ل صلة لمن‬ ‫ل وضوء له } وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تقبل صلة بغير طهور } وهو يعمّ الفرض‬ ‫والنّفل ‪ ،‬ومنها صلة الجنازة باتّفاق الفقهاء ‪ .‬وفي معنى الصّلة سجدتا التّلوة والشّكر‬ ‫ي وابن جرير الطّبريّ جواز الصّلة‬ ‫وخطبة الجمعة عند بعض الفقهاء ‪ ،‬وحكي عن الشّعب ّ‬ ‫على الجنائز بغير وضوء ول تيمّم ‪ .‬وإذا كان هناك عذر كمن قطعت يداه ورجله وبوجهه‬ ‫جراحة ‪ -‬كما ذكره الحنفيّة أو لم يجد ماء ول ترابا مع ضيق الوقت كما قال الشّافعيّة ‪-‬‬ ‫صلّى وجوبا بغير طهارة وتفصيله في مصطلح ( فقد الطّهورين ) هذا إذا كان محدثا قبل‬ ‫دخوله في الصّلة ‪ - 23 .‬أمّا إذا طرأ عليه الحدث وهو في الصّلة ‪ ،‬فجمهور الفقهاء ‪ ،‬وهم‬ ‫المالكيّة والشّافعيّة وهو الصّحيح عند الحنابلة يرون بطلن الصّلة ‪ ،‬غلبة كان الحدث أو‬ ‫نسيانا ‪ ،‬سواء أكان المصلّي فذّا أم مأموما أم إماما ‪ ،‬لكن ل يسري بطلن صلة المام على‬ ‫صلة المأمومين عند من يجيزون الستخلف كما سيأتي في الفقرة التّالية ‪ .‬وعلى ذلك فمن‬ ‫سبقه الحدث في الصّلة تبطل صلته ويلزمه استئنافها ‪ ،‬لما روى عليّ بن طلق قال ‪ :‬قال‬

‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا فسا أحدكم في الصّلة فلينصرف فليتوضّأ وليعد‬ ‫الصّلة } ولنّه فقد شرطا من شروط الصّلة في أثنائها على وجه ل يعود إلّ بعد زمن‬ ‫طويل وعمل كثير ففسدت صلته ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إن سبق المصلّي حدث توضّأ وبنى لقوله‬ ‫عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي ‪ ،‬فلينصرف ‪ ،‬فليتوضّأ‬ ‫ثمّ ليبن على صلته وهو في ذلك ل يتكلّم } لنّ البلوى فيما سبق فل يلحق به ما يتعمّده ‪.‬‬ ‫والستئناف أفضل تحرّزا عن شبهة الخلف ‪ .‬وقد فصّل الكاسانيّ ذلك فقال ‪ :‬إذا سبقه‬ ‫الحدث ثمّ تكلّم أو أحدث متعمّدا أو ضحك أو قهقه أو أكل أو شرب أو نحو ذلك ل يجوز له‬ ‫ن هذه الفعال منافية للصّلة في الصل فل يسقط اعتبار المنافي إلّ لضرورة ول‬ ‫البناء ل ّ‬ ‫ن أو أغمي عليه أو أجنب لنّه ل يكثر وقوعه فكان للبناء منه بدّ وكذا‬ ‫ضرورة ‪ ،‬وكذا إذا ج ّ‬ ‫لو أدّى ركنا من أركان الصّلة مع الحدث أو مكث بقدر ما يتمكّن فيه من أداء ركن لنّه‬ ‫عمل كثير ليس من أعمال الصّلة وله منه بدّ ‪ ،‬وكذا لو استقى من البئر وهو ل يحتاج إليه‬ ‫ولو مشى إلى الوضوء فاغترف الماء من الناء أو استقى من البئر وهو محتاج إليه فتوضّأ‬ ‫ن الوضوء أمر ل بدّ للبناء منه والمشي والغتراف والستقاء عند الحاجة من‬ ‫جاز له البناء ل ّ‬ ‫ضرورات الوضوء ‪ ،‬ولو افتتح الصّلة بالوضوء ثمّ سبقه الحدث فلم يجد ماء تيمّم وبنى لنّ‬ ‫ابتداء الصّلة بالتّيمّم عند فقد الماء جائز فالبناء أولى ‪ ،‬وفي بيان كيفيّة البناء قال الكاسانيّ ‪:‬‬ ‫المصلّي ل يخلو إمّا أن كان منفردا أو مقتديا أو إماما ‪ .‬فإن كان منفردا فانصرف وتوضّأ‬ ‫فهو بالخيار إن شاء أتمّ صلته في الموضع الّذي توضّأ فيه وإن شاء عاد إلى الموضع الّذي‬ ‫افتتح الصّلة فيه ‪ ،‬لنّه إذا أتمّ الصّلة حيث هو فقد سلمت صلته عن المشي لكنّه صلّى‬ ‫صلة واحدة في مكانين ‪ ،‬وإن عاد إلى مصلّاه فقد أدّى جميع الصّلة في مكان واحد لكن مع‬ ‫زيادة مشي فاستوى الوجهان فيخيّر ‪ ،‬وإن كان مقتديا فانصرف وتوضّأ فإن لم يفرغ من‬ ‫الصّلة فعليه أن يعود لنّه في حكم المقتدي بعد ولو لم يعد وأتمّ بقيّة صلته في بيته ل‬ ‫يجزيه ‪ .‬ثمّ إذا عاد ينبغي أن يشتغل أوّل بقضاء ما سبق به في حال تشاغله بالوضوء ‪ ،‬لنّه‬ ‫لحق فكأنّه خلف المام فيقوم مقدار قيام المام من غير قراءة ‪ ،‬ومقدار ركوعه وسجوده ‪،‬‬ ‫ول يضرّه إن زاد أو نقص ‪ ،‬ولو تابع إمامه أوّل ثمّ اشتغل بقضاء ما سبق به بعد تسليم‬ ‫المام جازت صلته خلفا لزفر ‪ ،‬وإن كان إماما يستخلف ثمّ يتوضّأ ويبني على صلته ‪،‬‬ ‫والمر في موضع البناء وكيفيّته على نحو ما سبق في المقتدي ‪ ،‬لنّه بالستخلف تحوّلت‬ ‫المامة إلى الثّاني وصار هو كواحد من المقتدين به ‪.‬‬ ‫استخلف المام في حالة الحدث ‪:‬‬

‫‪ - 24‬للمام إذا سبقه الحدث أن يستخلف من يتمّ بهم الصّلة عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة‬ ‫والمالكيّة ‪ ،‬وهو الظهر عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة ‪ ،‬لنّ عمر رضي ال عنه لمّا‬ ‫طعن أخذ بيد عبد الرّحمن بن عوف فقدّمه فأتمّ بهم الصّلة ‪ ،‬وكان ذلك بمحضر الصّحابة‬ ‫وغيرهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا ‪ ،‬ومثله عند الشّافعيّة ما لو تعمّد الحدث أو أبطل‬ ‫الصّلة ‪ .‬وفي مقابل الظهر عند الشّافعيّة والرّواية الثّانية للحنابلة ل يجوز الستخلف قال‬ ‫الشّافعيّة ‪ :‬لنّها صلة واحدة فل تصحّ بإمامين معا ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬لنّه فقد شرط صحّة‬ ‫الصّلة فتبطل صلة المأمومين ببطلن صلته كما لو تعمّد الحدث ‪ .‬ولجواز الستخلف‬ ‫شروط وتفصيل ينظر في مصطلح ( استخلف ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الطّواف ‪:‬‬ ‫‪ - 25‬جمهور الفقهاء على عدم جواز الطّواف للمحدث ‪ ،‬سواء أكان الطّواف فرضا أم واجبا‬ ‫أم نفل ‪ ،‬في نسك أم في غيره ‪ ،‬ويعتبرون الطّهارة شرطا لصحّة الطّواف ‪ ،‬لنّه في حكم‬ ‫الصّلة لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الطّواف حول البيت مثل الصّلة ‪ ،‬إلّ أنّكم تتكلّمون فيه‬ ‫ن إلّ بخير } ‪ .‬والحنفيّة في الصّحيح عندهم عدّوا الطّهارة في‬ ‫‪ ،‬فمن تكلّم فيه فل يتكلّم ّ‬ ‫الطّواف من الواجبات ‪ ،‬وبعض الحنفيّة وهو قول عند الحنابلة على أنّها من السّنن ‪ .‬قال في‬ ‫ن الطّواف بالبيت شبيه بالصّلة ‪ ،‬ومعلوم أنّه‬ ‫البدائع ‪ :‬فإن طاف محدثا جاز مع النّقصان ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ليس بصلة حقيقة ‪ ،‬فلكونه طوافا حقيقة يحكم بالجواز ‪ ،‬ولكونه شبيها بالصّلة يحكم‬ ‫بالكراهة ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ( طواف ) ‪.‬‬ ‫س المصحف ‪:‬‬ ‫ج‪-‬م ّ‬ ‫س المصحف كلّه أو بعضه عند فقهاء المذاهب الربعة ‪ ،‬لقوله‬ ‫‪ - 26‬ل يجوز للمحدث م ّ‬ ‫تعالى ‪ { :‬ل يمسّه إلّ المطهّرون } ولقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬ل تمسّ القرآن إلّ وأنت‬ ‫طاهر } واتّفقوا على جواز تلوته لمن كان محدثا حدثا أصغر بغير لمس ‪ .‬واستثنى بعضهم‬ ‫من المنع مسّه في حالت خاصّة كما إذا كان بحائل أو عود طاهرين أو في وعائه وعلقته ‪،‬‬ ‫أو لمعلّم ومتعلّم لغرض التّعليم ‪ ،‬أو كان حمله في حال الحدث غير مقصود ‪ ،‬كأن كان في‬ ‫ل هذه‬ ‫صندوق ضمن المتعة ‪ ،‬ويكون القصد حمل المتعة وفي داخلها قرآن ‪ .‬ولتفصيل ك ّ‬ ‫المسائل مع آراء الفقهاء راجع مصطلح ( مصحف ) ‪ - 27 .‬ويجوز مسّ وحمل كتب‬ ‫التّفسير ورسائل فيها قرآن في حالة الحدث إذا كان التّفسير أكثر من القرآن عند جمهور‬ ‫الفقهاء ‪ .‬أمّا إذا كان القرآن أكثر أو مساويا للتّفسير أو يكون القرآن مكتوبا على الدّراهم‬ ‫والدّنانير ففي مسّه للمحدث تفصيل وخلف ينظر في مصطلح ( مصحف ) ‪ - 28 .‬هذا وما‬

‫يحرم على المحدث حدثا أصغر يحرم على المحدث حدثا أكبر ( الجنب والحائض والنّفساء )‬ ‫ن الحدث الكبر أغلظ من الحدث الصغر ‪ .‬وزيادة على ذلك يحرم على‬ ‫بطريق الولى ‪ ،‬ل ّ‬ ‫المحدث حدثا أكبر ما يأتي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تلوة القرآن الكريم بقصد التّلوة ‪ ( .‬ر ‪ :‬تلوة ) ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬العتكاف ‪ :‬كما فصّل في مصطلح ( اعتكاف ) ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المكث في المسجد باتّفاق الفقهاء ‪ .‬أمّا دخول المسجد عبورا أو مجتازا ‪ ،‬فأجازه الشّافعيّة‬ ‫ل لضرورة ‪ .‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ المسجد ل‬ ‫والحنابلة ومنعه الحنفيّة والمالكيّة إ ّ‬ ‫يحلّ لجنب ول لحائض } ‪ .‬وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬مسجد ) ‪ .‬ويحرم بالحيض والنّفاس‬ ‫علوة على ذلك الصّيام ‪ ( .‬ر ‪ :‬حيض ‪ ،‬ونفاس ) ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬ما يرفع به الحدث ‪:‬‬ ‫‪ - 29‬يرفع الحدث الكبر بالغسل ‪ ،‬والصغر بالغسل وبالوضوء باتّفاق الفقهاء ‪ .‬وينظر‬ ‫تفصيلهما في مصطلحي ‪ ( :‬غسل ‪ ،‬ووضوء ) ‪ .‬أمّا التّيمّم فهو بدل من الغسل والوضوء ‪،‬‬ ‫وجمهور الفقهاء على أنّه بدل ضروريّ ل يرفع الحدث لكنّه يباح للمتيمّم الصّلة به ونحوها‬ ‫ن التّيمّم بدل مطلق للوضوء والغسل ‪،‬‬ ‫للضّرورة مع قيام الحدث حقيقة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫فيرفع الحدث إلى وقت وجود الماء ‪ ،‬فيجوز به ما يجوز بالوضوء والغسل مطلقا ‪ .‬وتفصيله‬ ‫في مصطلح ‪ ( :‬تيمّم ) ‪.‬‬ ‫حدّ الحرابة انظر ‪ :‬حرابة‬ ‫حدّ ال ّردّة انظر ‪ :‬ردّة‬ ‫حدّ الزّنى انظر ‪ :‬زنى‬ ‫حدّ السّكر انظر ‪ :‬سكر‬ ‫حدّ القذف انظر ‪ :‬قذف‬ ‫( حدود )‬ ‫التّعريف‬ ‫سجّان حدّادا ‪،‬‬ ‫ل من البوّاب وال ّ‬ ‫‪ - 1‬الحدود جمع حدّ ‪ ،‬وهو في اللّغة المنع ‪ ،‬ومنه سمّي ك ّ‬ ‫لمنع الوّل من الدّخول ‪ ،‬والثّاني من الخروج ‪ .‬وسمّي المعرّف للماهيّة حدّا ‪ ،‬لمنعه من‬

‫الدّخول والخروج ‪ .‬وحدود اللّه تعالى محارمه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬تلك حدود اللّه فل تقربوها }‬ ‫‪ .‬والحدّ في الصطلح ‪ :‬عقوبة مقدّرة وجبت حقّا للّه تعالى ‪ ،‬وعرّفه الشّافعيّة والحنابلة بأنّه‬ ‫عقوبة مقدّرة على ذنب وجبت حقّا للّه تعالى كما في الزّنى ‪ ،‬أو اجتمع فيها حقّ اللّه وحقّ‬ ‫العبد كالقذف فليس منه التّعزير لعدم تقديره ‪ ،‬ول القصاص لنّه حقّ خالص لدميّ ‪ .‬وعند‬ ‫بعض الفقهاء ‪ :‬هو عقوبة مقدّرة بتقدير الشّارع ‪ ،‬فيدخل القصاص ‪ .‬ويطلق لفظ الحدّ على‬ ‫جرائم الحدود مجازا ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ارتكب الجاني حدّا ‪ ،‬ويقصد أنّه ارتكب جريمة ذات عقوبة‬ ‫مقدّرة شرعا ‪ ( .‬اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬القصاص ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬القصاص لغة المماثلة ‪ ،‬واصطلحا ‪ :‬أن يوقع على الجاني مثل ما جنى كالنّفس بالنّفس‬ ‫والجرح بالجرح ‪ .‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب } وقوله‬ ‫تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ } ‪ .‬فالقصاص غير الح ّد لنّه عقوبة‬ ‫مقدّرة وجبت حقّا للعباد ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬التّعزير ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬أصله من العزر وهو في اللّغة بمعنى ال ّردّ والمنع ‪ ،‬وذلك لنّه يمنع من معاودة القبيح ‪،‬‬ ‫ويطلق أيضا على التّفخيم والتّعظيم ‪ ،‬ومنه قوله تعالى { وتعزّروه وتوقّروه } ‪ ،‬فهو من‬ ‫الضداد ‪ .‬وشرعا ‪ :‬تأديب دون الحدّ ‪ ،‬فالتّعزير في بعض إطلقاته اللّغويّة حدّ ‪ .‬وأمّا في‬ ‫الشّرع فليس بحدّ ‪ ،‬لنّه ليس بمقدّر ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬العقوبة ‪:‬‬ ‫ص معاقبة وعقابا ‪ ،‬والسم العقوبة ‪ ،‬وهي اللم الّذي يلحق‬ ‫‪ - 4‬العقوبة من عاقبت اللّ ّ‬ ‫النسان مستحقّا على الجناية ‪ ،‬ويكون بالضّرب ‪ ،‬أو القطع ‪ ،‬أو الرّجم ‪ ،‬أو القتل ‪ ،‬سمّي بها‬ ‫لنّها تتلو الذّنب من تعقّبه إذا تبعه ‪ ،‬فالعقوبة أع ّم من الحدود ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬الجناية ‪:‬‬ ‫شرّ ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬اسم لفعل محرّم وقع على مال أو‬ ‫‪ - 5‬الجناية لغة ‪ :‬اسم لما يكتسب من ال ّ‬ ‫ل حدّ‬ ‫نفس ‪ .‬فبين الجناية والح ّد على الطلق المجازيّ عموم وخصوص من وجه إذ ك ّ‬ ‫ل جناية حدّا ‪ ،‬وأمّا على الطلق الوّل فبينهما تباين ‪.‬‬ ‫جناية وليس ك ّ‬ ‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬ ‫سنّة والجماع ‪ ،‬والمعقول ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬إقامة الحدود فرض على وليّ المر ودليل ذلك الكتاب وال ّ‬ ‫أمّا الكتاب فمنه قوله تعالى في الزّنى ‪ { :‬الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة }‬ ‫‪ .‬وفي السّرقة { والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا } الية وفي حدّ القذف ‪:‬‬

‫{ والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم‬ ‫شهادة أبدا ‪ } ...‬وفي قطع الطّريق ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ‪ ،‬ويسعون في‬ ‫سنّة ‪ :‬فحديث ماعز والغامديّة ‪ ،‬والعسيف‬ ‫الرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا } الية ‪ .‬وأمّا ال ّ‬ ‫وغيرها من الحاديث المشهورة ‪ .‬وقد وقع الجماع على وجوب إقامة الحدود ‪ .‬وأمّا المعقول‬ ‫ن الطّباع البشريّة ‪ ،‬والشّهوة النّفسانيّة مائلة إلى قضاء الشّهوة ‪ ،‬واقتناص الملذ ‪،‬‬ ‫‪ :‬فهو أ ّ‬ ‫وتحصيل مقصودها ومحبوبها من الشّرب والزّنى والتّشفّي بالقتل وأخذ مال الغير ‪،‬‬ ‫والستطالة على الغير بالشّتم والضّرب ‪ ،‬فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حسما لهذا الفساد‬ ‫‪ ،‬وزجرا عن ارتكابه ‪ ،‬ليبقى العالم على نظم الستقامة ‪ ،‬فإنّ إخلء العالم عن إقامة الزّاجر‬ ‫يؤدّي إلى انحرافه ‪ ،‬وفيه من الفساد ما ل يخفى ‪ .‬ولذا قال صاحب الهداية ‪ :‬والمقصد‬ ‫الصليّ من شرعه النزجار عمّا يتضرّر به العباد ‪.‬‬ ‫أنواع الحدود ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّ ما يطبّق على جريمة كلّ من الزّنى والقذف ‪ ،‬والسّكر ‪ ،‬والسّرقة ‪،‬‬ ‫وقطع الطّريق يعتبر حدّا ‪ ،‬واختلفوا فيما وراء ذلك ‪ .‬فذهب الحنفيّة إلى أنّها ستّة ‪ ،‬وذلك‬ ‫ن الحدود سبعة ‪ ،‬فيضيفون إلى المتّفق‬ ‫بإضافة حدّ الشّرب للخمر خاصّة ‪ .‬ويرى المالكيّة أ ّ‬ ‫عليه ال ّردّة والبغي ‪ ،‬في حين يعتبر بعض الشّافعيّة القصاص أيضا من الحدود ‪ ،‬حيث قالوا‬ ‫‪ :‬الحدود ثمانية وعدّوه بينها ‪ .‬واعتبر المالكيّة والشّافعيّة قتل تارك الصّلة عمدا من الحدود‬ ‫أوجه الخلف بين الحدّ والقصاص ‪:‬‬ ‫ن المام ل يقضي بعلمه في الحدود بخلف القصاص ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬أ ‪ -‬يرى جمهور الفقهاء أ ّ‬ ‫ب ‪ -‬ل تورث الحدود في الجملة ‪ ،‬وأمّا القصاص فيورث ‪ .‬وفي حدّ القذف خلف ينظر في‬ ‫( القذف ) ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬ل يصحّ العفو في الحدود في الجملة بخلف القصاص ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬التّقادم ل يمنع من الشّهادة بالقتل في القصاص بخلف الحدود عند بعض الفقهاء ‪ ،‬سوى‬ ‫حدّ القذف ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬يثبت القصاص بالشارة والكتابة من الخرس بخلف الحدود ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬ل تجوز الشّفاعة في الحدود ‪ ،‬وتجوز في القصاص ‪.‬‬ ‫ز ‪ -‬ل تتوقّف الحدود ‪ -‬ما عدا حدّ القذف ‪ -‬على الدّعوى بخلف القصاص ‪ .‬ح ‪ -‬يجوز‬ ‫الرّجوع عن القرار في الحدود ول تجوز في القصاص ‪ .‬ومردّ ذلك كلّه أنّ الحدود حقّ اللّه‬

‫تعالى بخلف القصاص ‪ ،‬فإنّه حقّ للعبد ‪ ،‬والتّفصيل في أبواب الحدود من كتب الفقه ‪ ( ،‬و‬ ‫ر ‪ :‬قصاص ) ‪.‬‬ ‫أوجه الخلف بين التّعزير والحدود ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬يختلف التّعزير عن الحدود في أمور يرجع إليها في مصطلح ‪ ( :‬تعزير ) ‪.‬‬ ‫تداخل الحدود ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على أنّ ما يوجب الح ّد من الزّنى والسّرقة ‪ ،‬والقذف ( إذا وقع على‬ ‫شخص واحد ) وشرب الخمر إذا تكرّر قبل إقامة الحدّ ‪ ،‬أجزأ حدّ واحد بغير خلف ‪ ،‬وبه‬ ‫قال عطاء والزّهريّ ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬وأبو ثور وابن المنذر ‪ .‬أمّا إذا وقع القذف على أكثر من‬ ‫واحد ففيه خلف وتفصيل ‪ ،‬ينظر في مصطلح ‪ ( :‬قذف ) ‪ .‬والصل قاعدة ‪ :‬إذا اجتمع‬ ‫أمران من جنس واحد ‪ ،‬ولم يختلف مقصودهما ‪ ،‬دخل أحدهما في الخر غالبا ‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫فيكتفى بحدّ واحد لجنايات اتّحد جنسها بخلف ما اختلف جنسها ‪ ،‬لنّ المقصود من إقامة‬ ‫الحدّ هو الزّجر وأنّه يحصل بحدّ واحد ‪ .‬وإن أقيم عليه الحدّ ‪ ،‬ثمّ حدثت منه جناية أخرى‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫ففيها حدّها ‪ ،‬لعموم النّصوص ولوجود الموجب ‪ ،‬ولما روي { أ ّ‬ ‫وسلم سئل عن المة تزني قبل أن تحصن قال ‪ :‬إن زنت فاجلدوها ‪ ،‬ثمّ إن زنت فاجلدوها ‪،‬‬ ‫ن تداخل الحدود إنّما يكون مع اجتماعها ‪ ،‬وهذا الح ّد الثّاني‬ ‫ثمّ إن زنت فاجلدوها } ‪ .‬ول ّ‬ ‫وجب بعد سقوط الوّل باستيفائه ‪ .‬وفي حالة اجتماع الحدود المختلفة كما لو زنى ‪ ،‬وسرق‬ ‫وشرب الخمر ‪ ،‬أو اجتماعها مع القصاص والتّعزير خلف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح‬ ‫‪ ( :‬تداخل ) ( وتعزير ) ‪.‬‬ ‫عدم جواز الشّفاعة في الحدود ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬ل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّه ل تجوز الشّفاعة في الحدود بعد وصولها للحاكم ‪،‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم { أنكر على أسامة‬ ‫والثّبوت عنده ‪ ،‬لنّه طلب ترك الواجب ‪ ،‬ل ّ‬ ‫بن زيد حين شفع في المخزوميّة الّتي سرقت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتشفع في ح ّد من حدود اللّه تعالى } ‪.‬‬ ‫وقال ابن عمر رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬من حالت شفاعته دون حدّ من حدود اللّه تعالى فقد‬ ‫ضادّ اللّه في خلقه ‪ .‬وأمّا قبل الوصول إليه ‪ ،‬فعند جمهور الفقهاء تجوز الشّفاعة عند الرّافع‬ ‫له إلى الحاكم ليطلقه ‪ ،‬لنّ وجوب الحدّ قبل ذلك لم يثبت ‪ .‬فالوجوب ل يثبت بمجرّد الفعل ‪.‬‬ ‫وقال مالك ‪ :‬إن عرف بشرّ وفساد فل أحبّ أن يشفع له أحد ‪ ،‬ولكن يترك ليقام عليه الح ّد ‪.‬‬ ‫أثر التّوبة على الحدود ‪:‬‬

‫ن حدّ قطّاع الطّريق وال ّردّة يسقطان بالتّوبة إذا تحقّقت توبة‬ ‫‪ - 12‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫القاطع قبل القدرة عليه ‪ ،‬وكذلك ح ّد ترك الصّلة عند من اعتبره حدّا ‪ ،‬وذلك لقوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫ن اللّه غفور رحيم } ‪ .‬وذهب جمهور‬ ‫إلّ الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ‪ ،‬فاعلموا أ ّ‬ ‫ن بقيّة الحدود بعد رفعها إلى الحاكم ل تسقط بالتّوبة ‪ ،‬أمّا قبل ذلك ‪ :‬فذهب‬ ‫الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫الحنفيّة والشّافعيّة في مقابل الظهر ‪ ،‬والحنابلة في رواية إلى أنّ الحدّ يسقط بالتّوبة ‪ .‬وذهب‬ ‫المالكيّة والشّافعيّة في الظهر ‪ ،‬والحنابلة في رواية أخرى إلى أنّه ل يسقط بالتّوبة ولو كان‬ ‫ل يتّخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود والزّواجر ‪.‬‬ ‫قبل الرّفع إلى المام ‪ .‬لئ ّ‬ ‫سقوط الحدود بالشّبهة ‪:‬‬ ‫‪ - 13‬أجمع الفقهاء على أنّ الحدود تدرأ بالشّبهات ‪ .‬والشّبهة ما يشبه الثّابت وليس بثابت ‪،‬‬ ‫سواء كانت في الفاعل ‪ :‬كمن وطئ امرأة ظنّها حليلته ‪ .‬أو في المحلّ ‪ :‬بأن يكون للواطئ‬ ‫فيها ملك أو شبهة ملك كالمة المشتركة ‪ .‬أو في الطّريق ‪ :‬بأن يكون حراما عند قوم ‪ ،‬حلل‬ ‫عند آخر ‪ .‬وفي الموضوع تفصيل يرجع إلى " شبهة » ‪ .‬والصل في ذلك قوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬ادرءوا الحدود بالشّبهات } وفي حديث عائشة رضي ال تعالى عنها ‪:‬‬ ‫{ ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ‪ ،‬فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله ‪ ،‬فإنّ المام أن‬ ‫يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة } ‪ .‬والحديث المرويّ في ذلك متّفق عليه ‪،‬‬ ‫وتلقّته المّة بالقبول ‪.‬‬ ‫سقوط الحدود بالرّجوع عن القرار ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬إذا ثبتت الحدود بالقرار ‪ ،‬فل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّها تسقط بالرّجوع ‪ ،‬إذا‬ ‫ن ماعزا لمّا أقرّ بين يدي‬ ‫كان الح ّد حقّا للّه تعالى ‪ .‬والحدود تندرئ بالشّبهات ‪ ،‬لما روي أ ّ‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالزّنى ‪ ،‬لقّنه الرّجوع ‪ ،‬فلو لم يكن محتمل للسّقوط‬ ‫بالرّجوع ما كان للتّلقين فائدة ‪ .‬ولنّه يورث الشّبهة ‪ ،‬والرّجوع عن القرار قد يكون نصّا ‪،‬‬ ‫وقد يكون دللة ‪ ،‬بأن يأخذ النّاس في رجمه ‪ ،‬فيهرب ول يرجع ‪ ،‬أو يأخذ الجلّاد في الجلد‬ ‫ن الهرب في هذه الحالة دللة الرّجوع ‪ .‬واستثنوا‬ ‫فيهرب ‪ ،‬ول يرجع ‪ ،‬فل يتعرّض له ‪ ،‬ل ّ‬ ‫حدّ القذف ‪ ،‬فإنّه ل يسقط بالرّجوع ‪ ،‬لنّه حقّ العبد ‪ ،‬وهو ل يحتمل السّقوط بالرّجوع بعدما‬ ‫ثبت كالقصاص ‪ .‬وإذا ثبت الح ّد بالبيّنة أو الحمل في الزّنى ‪ -‬عند من يقول به ‪ -‬لم يسقط‬ ‫ل من النّصاب بعد‬ ‫بالرّجوع ‪ .‬ويسقط الحدّ برجوع الشّهود كلّهم أو بعضهم إذا كان الباقي أق ّ‬ ‫القضاء ‪ ،‬قبل المضاء ‪ .‬وتفصيل ذلك في " كتاب الشّهادات " من كتب الفقه ‪.‬‬ ‫سقوط الحدود بموت الشّهود ‪:‬‬

‫‪ - 15‬يسقط حدّ الرّجم خاصّة بموت الشّهود ‪ -‬عند من يشترطون لقامة الحدّ البداية بالشّهود‬ ‫وهم الحنفيّة ‪ -‬لنّ بالموت قد فاتت البداية على وجه ل يتصوّر عوده ‪ ،‬فسقط الحدّ ضرورة‬ ‫‪.‬‬ ‫سقوط الحدود بالتّكذيب وغيره ‪:‬‬ ‫‪ - 16‬تكذيب المزنيّ بها للمقرّ بالزّنى قبل إقامة الحدّ عليه ‪ ،‬وتكذيب المقذوف شهوده على‬ ‫القذف ‪ ،‬وهي البيّنة بأن يقول ‪ :‬شهودي زور ‪ ،‬وادّعاء النّكاح والمهر قبل إقامة حدّ الزّنى‬ ‫تعتبر من مسقطات الحدود عند الحنفيّة ‪ ،‬وقد فصّلت في أبوابها ‪ .‬و ( ر ‪ :‬زنى ‪ ،‬قذف ) ‪.‬‬ ‫عدم إرث الحدود ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬ل خلف بين جمهور الفقهاء في أنّ الحدود ل تورث ‪ ،‬وكذا ل يؤخذ عنها عوض ‪،‬‬ ‫ن الغالب فيه‬ ‫ول صلح فيها ول عفو ‪ ،‬لنّها حقّ الشّرع ‪ .‬واستثنى الشّافعيّة ح ّد القذف ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ح العفو عنه ‪ .‬والحنابلة مع الشّافعيّة في جواز العفو عن حدّ‬ ‫عندهم حقّ العبد فيورث ويص ّ‬ ‫القذف ‪ .‬واختلفت الرّوايات عن مالك في ذلك ‪ :‬فقال في رواية ‪ :‬له العفو ما لم يبلغ المام ‪،‬‬ ‫فإن بلغه فل عفو ‪ ،‬وفي رواية أخرى عنه ‪ :‬قال ‪ :‬له العفو مطلقا ‪ ،‬بلغ ذلك المام أو لم‬ ‫يبلغ ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( قذف ) ‪.‬‬ ‫التّلف بسبب الحدّ ‪:‬‬ ‫ن الحدود إذا أتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة أنّه‬ ‫‪ - 18‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫ل يضمن من تلف بها ‪ ،‬وذلك لنّه فعلها بأمر اللّه وأمر رسوله ‪ ،‬فل يؤاخذ به ‪ ،‬ولنّه نائب‬ ‫عن اللّه تعالى ‪ ،‬ومأمور بإقامة الح ّد ‪ ،‬وفعل المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة ‪ .‬وإن زاد على‬ ‫الحدّ فتلف وجب الضّمان بغير خلف ‪.‬‬ ‫الحدود كفّارات للذّنوب ‪:‬‬ ‫‪ - 19‬يرى جمهور الفقهاء أنّ الحدّ المقدّر في ذنب كفّارة لذلك الذّنب ‪ ،‬وعند الحنفيّة ‪ ،‬الحدّ‬ ‫غير مطهّر ‪ ،‬بل المطهّر التّوبة ‪ ،‬فإذا حدّ ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية عندهم ‪ ،‬كما قال‬ ‫اللّه تعالى في حدّ قطّاع الطّريق ‪ { :‬ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم }‬ ‫‪.‬‬ ‫الثبات في الحدود ‪:‬‬

‫ن الحدود تثبت بالبيّنة أو القرار عند استجماع شرائطهما ‪،‬‬ ‫‪ - 20‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫واختلفوا فيما وراء ذلك كعلم المام وقرينة الحبل وغيرهما ‪ :‬أوّل ‪ -‬البيّنة وشروطها في‬ ‫الحدود ‪ :‬تنقسم شروط البيّنة إلى قسمين ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ما يعمّ الحدود كلّها ‪:‬‬ ‫‪ - 21‬وهي الذّكورة عند الئمّة الربعة ‪ ،‬فل تقبل شهادة النّساء في الحدود ‪ .‬والصالة عند‬ ‫الحنفيّة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة والمذهب لدى الحنابلة ‪ ،‬فل تقبل الشّهادة على الشّهادة ‪،‬‬ ‫ول كتاب القاضي إلى القاضي ‪ ،‬لتمكّن زيادة شبهة فيها ‪ ،‬والحدود تدرأ بالشّبهات ‪ .‬ويرى‬ ‫المالكيّة والشّافعيّة في قول عدم اشتراط الصالة ‪ ،‬وهذا إذا تعذّر أداء الشّهادة من الشّاهد‬ ‫الوّل لمرض أو غيبة أو موت ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬شهادة ) ‪.‬‬ ‫ما تختصّ به بعض الحدود ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬عدد الربعة ) ‪:‬‬ ‫ل عدد الشّهود عن أربعة لقوله‬ ‫‪ - 22‬اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في حدّ الزّنى أن ل يق ّ‬ ‫ن أربعة منكم } ‪ { .‬وقال سعد بن‬ ‫تعالى ‪ { :‬واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليه ّ‬ ‫عبادة لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إن وجدت مع امرأتي رجل أأمهله‬ ‫حتّى آتي بأربعة شهداء ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم } ‪.‬‬ ‫ب ‪ ( -‬اتّحاد المجلس ) ‪:‬‬ ‫‪ - 23‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ) إلى أنّه ل بدّ أن يكون الشّهود مجتمعين‬ ‫في مجلس واحد عند أداء الشّهادة ‪ ،‬فإن جاءوا متفرّقين يشهدون واحدا بعد واحد ‪ ،‬ل تقبل‬ ‫شهادتهم ‪ ،‬ويحدّون وإن كثروا ‪ .‬ويرى الشّافعيّة أنّه ل يشترط ذلك لقوله تعالى ‪ { :‬لول‬ ‫جاءوا عليه بأربعة شهداء ‪ } ...‬ولم يذكر المجالس ‪ ،‬وإليه ذهب ابن المنذر والب ّتيّ ‪.‬‬ ‫ج ‪ ( -‬عدم التّقادم ) ‪:‬‬ ‫‪ - 24‬يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬أنّ الشّهود لو شهدوا بزنى قديم ‪ ،‬وجب الحدّ ‪،‬‬ ‫لعموم الية ‪ .‬ولنّ التّأخير يجوز أن يكون لعذر أو غيبة ‪ ،‬والحدّ ل يسقط بمطلق الحتمال ‪،‬‬ ‫فإنّه لو سقط بكلّ احتمال لم يجب حدّ أصل ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّ عدم التّقادم في البيّنة‬ ‫شرط ‪ ،‬وذلك في ح ّد الزّنى والسّرقة وشرب الخمر ‪ ،‬وليس بشرط في حدّ القذف ‪ ،‬وذكر ابن‬ ‫ن الشّاهد إذا عاين الجريمة فهو مخيّر بين أداء‬ ‫أبي موسى أنّه مذهب لحمد ‪ .‬ووجه ذلك ‪ :‬أ ّ‬ ‫الشّهادة حسبة للّه تعالى ‪ { :‬وأقيموا الشّهادة للّه } وبين السّتر على أخيه المسلم لقوله عليه‬ ‫الصلة والسلم ‪ { :‬من ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة } فلمّا لم يشهد على فور المعاينة‬ ‫ن الضّغينة حملته على ذلك ‪،‬‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫دلّ ذلك على اختيار جهة السّتر ‪ ،‬فإذا شهد بعد ذلك د ّ‬

‫فل تقبل شهادته ‪ ،‬لما روي عن عمر رضي ال عنه أنّه قال ‪ :‬أيّما قوم شهدوا على حدّ لم‬ ‫يشهدوا عند حضرته ‪ ،‬فإنّما شهدوا عن ضغن ‪ ،‬ول شهادة لهم ‪ ،‬ولم ينقل أنّه أنكر عليه‬ ‫ن التّأخير والحالة هذه يورث تهمة ‪ ،‬ول شهادة للمتّهم ‪ .‬وهناك‬ ‫أحد ‪ ،‬فيكون إجماعا ‪ .‬ول ّ‬ ‫تفصيلت وشروط فيها خلف ينظر في ( شهادة ) ( وزنى ) ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬القرار ‪:‬‬ ‫‪ - 25‬شروط القرار في الحدود قسمان ‪ :‬شروط تعمّ الحدود كلّها ‪ :‬وهي البلوغ والعقل‬ ‫ن سبب وجوب الح ّد ل بدّ أن يكون جناية ‪ ،‬وفعل‬ ‫ح إقرار الصّبيّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫والنّطق ‪ ،‬فل يص ّ‬ ‫الصّبيّ ل يوصف بكونه جناية ‪ .‬وكذلك ل بدّ أن يكون القرار بالخطاب والعبارة دون‬ ‫الكتاب والشارة ‪ ،‬لنّ الشّرع علّق وجوب الحدّ بالبيان المتناهي ‪ ،‬ولذلك لو أقرّ بالوطء‬ ‫الحرام ل يقام عليه الحدّ ما لم يصرّح بالزّنى ‪ .‬ويقبل إقرار الخرس بالشارة المفهمة عند‬ ‫الحنابلة والشّافعيّة ول تقبل عند الحنفيّة والمالكيّة وهو احتمال للخرقيّ من الحنابلة وتفصيله‬ ‫في ‪ ( :‬إقرار ) ‪.‬‬ ‫شروط تخصّ بعض الحدود منها ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬تكرار القرار ) ‪:‬‬ ‫‪ - 26‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط أن يقرّ الزّاني أو الزّانية أربع مرّات ‪ ،‬وبهذا قال‬ ‫ن تكرار القرار ليس بشرط ‪،‬‬ ‫الحكم وابن أبي ليلى وإسحاق ‪ .‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة أ ّ‬ ‫ويكتفى بإقراره مرّة واحدة ‪ ،‬وبه قال الحسن وحمّاد وأبو ثور والطّبريّ وابن المنذر وجماعة‬ ‫‪ .‬لنّ القرار إنّما صار حجّة في الشّرع لرجحان جانب الصّدق فيه على جانب الكذب ‪،‬‬ ‫وهذا المعنى عند التّكرار والتّوحيد سواء ‪ ،‬ولنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬اغد يا‬ ‫أنيس إلى امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعترفت فارجمها } فعلّق الرّجم على مجرّد العتراف ‪ .‬واستدلّ‬ ‫الحنفيّة والحنابلة بما روي { أنّ ماعزا جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم فأقرّ بالزّنى ‪،‬‬ ‫فأعرض عنه النّبيّ صلى ال عليه وسلم بوجهه الكريم إلى الربع } ‪ ،‬فلو كان القرار مرّة‬ ‫موجبا للحدّ لما أخّره إلى الربع ‪.‬‬ ‫ب ‪ ( -‬اشتراط عدد المجالس ) ‪:‬‬ ‫‪ - 27‬اختلف في اشتراط عدد مجالس القرار عند من اشترط تكراره ‪ ،‬وكون القرار بين‬ ‫يدي المام ‪ ،‬وكون الزّاني والمزنيّ بها ممّن يقدر على دعوى الشّبهة ‪ ،‬وكون الزّاني ممّن‬ ‫ل حدّ من الحدود وفي مصطلح ‪:‬‬ ‫يتصوّر منه وجود الزّنى ‪ ،‬وفي ذلك تفصيل ذكر في ك ّ‬ ‫( إقرار ) ‪.‬‬

‫أثر علم المام أو نائبه في الحدود ‪:‬‬ ‫‪ - 28‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول ‪ :‬إلى أنّه ليس للمام أو نائبه إقامة‬ ‫ن أربعة منكم } وقال أيضا ‪ { :‬فإذ لم يأتوا‬ ‫الحدّ بعلمه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فاستشهدوا عليه ّ‬ ‫صدّيق رضي ال عنه ‪ .‬وقال‬ ‫بالشّهداء فأولئك عند اللّه هم الكاذبون } وبه قال أبو بكر ال ّ‬ ‫الشّافعيّة في قول آخر ‪ :‬له إقامته بعلمه ‪ ،‬وهو قول أبي ثور ‪ .‬لنّه إذا جازت له إقامته بالبيّنة‬ ‫ن ‪ ،‬فما يفيد العلم هو أولى ‪.‬‬ ‫والعتراف الّذي ل يفيد إلّ الظّ ّ‬ ‫مدى ثبوت الحدود بالقرائن ‪:‬‬ ‫‪ - 29‬تختلف القرائن المعتبرة في الحدود ‪ -‬عند من يقول بها ‪ -‬من ح ّد لخر ‪ .‬فالقرينة‬ ‫المعتبرة في الزّنى ‪ :‬هي ظهور الحمل في امرأة غير متزوّجة أو ل يعرف لها زوج ‪.‬‬ ‫والقرينة في الشّرب ‪ :‬الرّائحة ‪ ،‬والقيء ‪ ،‬والسّكر ‪ ،‬ووجود الخمر عند المتّهم ‪ ،‬وفي السّرقة‬ ‫وجود المال المسروق عند المتّهم ‪ ،‬ووجود أثر للمتّهم في موضع السّرقة وغير ذلك ‪ ،‬وفي‬ ‫ل حدّ من الحدود وفي‬ ‫كلّ اختلف الفقهاء على أقوال فصّلت في مواطنها ‪ ،‬وتنظر في ك ّ‬ ‫مصطلح ‪ ( :‬قرينة ) ‪.‬‬ ‫أنواع الحدود ‪ :‬الحدود الشّرعيّة هي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الرّجم ‪:‬‬ ‫ص والجماع والمعقول ‪ ،‬ول خلف بين الفقهاء في أنّه يجب على‬ ‫‪ - 30‬الرّجم ثابت بالنّ ّ‬ ‫الزّاني إذا كان محصنا ‪ ،‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬زنى ورجم ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الجلد ‪:‬‬ ‫‪ - 31‬اتّفق الفقهاء على أنّ عقوبة الزّاني البكر مائة جلدة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬الزّانية والزّاني‬ ‫فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة } ‪ .‬واختلفوا في الجمع بين الرّجم والجلد في عقوبة الزّاني‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫المحصن ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجلد ل يجتمع مع الرّجم ‪ ،‬ل ّ‬ ‫وسلم رجم ماعزا والغامديّة وغيرهما ‪ ،‬ولم يرد أنّه جلد واحدا منهم ‪ ،‬ولنّ الح ّد إنّما وضع‬ ‫للزّجر ‪ ،‬ول تأثير للزّجر بالضّرب مع الرّجم ‪ ،‬واختار هذا من الحنابلة أبو إسحاق‬ ‫الجوزجانيّ وأبو بكر الثرم ‪ .‬ويرى الحنابلة في رواية أنّ الجلد يجتمع مع الرّجم وبه قال‬ ‫الحسن البصريّ وإسحاق ‪ ،‬فيجلد الزّاني المحصن أوّل ‪ ،‬ث ّم يرجم ‪ ،‬واستدلّوا بحديث عبادة‬ ‫ي رضي ال عنه ‪،‬‬ ‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ال ّثيّب بال ّثيّب جلد مائة والرّجم } ‪ .‬وبفعل عل ّ‬ ‫وهو أنّه جلد شراحة يوم الخميس ثمّ رجمها يوم الجمعة ‪ ،‬ثمّ قال جلدتها بكتاب اللّه ‪،‬‬ ‫ورجمتها بسنّة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وبه قال ابن عبّاس وأبيّ بن كعب ‪ ،‬وأبو‬

‫ذرّ ‪ ،‬وإليه ذهب إسحاق وابن المنذر ‪ .‬وكذلك اتّفقوا على أنّ الجلد عقوبة القذف والشّرب ‪،‬‬ ‫ثمّ اختلفوا في مقداره في الشّرب وينظر تفصيله في أبوابه من كتب الفقه ‪ ( ،‬و ر ‪ :‬قذف ) (‬ ‫وشرب ) ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬التّغريب ‪:‬‬ ‫‪ - 32‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجتمع مع الجلد تغريب الزّاني البكر ‪ ،‬فالتّغريب عندهم‬ ‫يعتبر حدّا كالجلد ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة } ‪،‬‬ ‫وروي ذلك أيضا عن الخلفاء الرّاشدين ‪ ،‬وبه قال ابن مسعود ‪ ،‬وابن عمر رضي ال عنهما ‪،‬‬ ‫وإليه ذهب عطاء وطاوس ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬وابن أبي ليلى والوزاعيّ ‪ ،‬وإسحاق وأبو ثور ‪ .‬إلّ‬ ‫ن المالكيّة يفرّقون بين الرّجل والمرأة ‪ ،‬فيقولون بتغريب الرّجل دون المرأة ‪ ،‬لنّ المرأة‬ ‫أّ‬ ‫ل بمحرم ‪ ،‬وهو يفضي إلى تغريب من ليس‬ ‫محتاجة إلى حفظ وصيانة ‪ ،‬فل يجوز تغريبها إ ّ‬ ‫بزان ‪ ،‬ونفي من ل ذنب له ‪ ،‬ولنّها عورة ‪ ،‬وفي نفيها تضييع لها وتعريضها للفتنة ‪ ،‬ولهذا‬ ‫ن التّغريب ليس واجبا ‪ ،‬وليس حدّا كالجلد ‪،‬‬ ‫نهيت عن السّفر مع غير محرم ‪ .‬ويرى الحنفيّة أ ّ‬ ‫وإنّما هي عقوبة تعزيريّة يجوز للمام أن يجمع بينه وبين الجلد إن رأى في ذلك مصلحة ‪،‬‬ ‫ن عليّا رضي ال عنه قال ‪ :‬حسبهما من الفتنة أن ينفيا ‪ .‬وعن ابن المسيّب أنّ عمر رضي‬ ‫لّ‬ ‫ال عنه غرّب ربيعة بن أميّة بن خلف في الخمر إلى خيبر ‪ ،‬فلحق بهرقل فتنصّر ‪ ،‬فقال‬ ‫ن اللّه تعالى أمر بالجلد دون‬ ‫عمر رضي ال عنه ل أغرّب مسلما بعد هذا أبدا ‪ ،‬ول ّ‬ ‫التّغريب ‪ ،‬فإيجاب التّغريب زيادة على النّصّ ‪ .‬ويرجع لتفصيل ذلك إلى موطنه من كتب‬ ‫الفقه ‪ .‬و ( ر ‪ :‬زنى ) ( وتغريب ) ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬القطع ‪:‬‬ ‫ص ‪ ،‬والجماع ‪ .‬أمّا النّصّ ‪:‬‬ ‫ن السّرقة موجبة للقطع بالنّ ّ‬ ‫‪ - 33‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫فقوله تعالى ‪ { :‬والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من اللّه } ‪ .‬ولقوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا } ‪ .‬وأجمع المسلمون على وجوب‬ ‫ل القطع وموضعه وغير ذلك والتّفصيل في " سرقة‬ ‫قطع السّارق في الجملة ‪ ،‬واختلفوا في مح ّ‬ ‫» ‪ .‬وكذلك يقطع المحارب من خلف إذا أخذ المال ولم يقتل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‬ ‫ن المام مخيّر في عقابه بأيّة عقوبة جاءت بها آية‬ ‫وبه قال ابن المنذر ‪ .‬ويرى المالكيّة أ ّ‬ ‫المحاربة ما عدا النّفي ‪ ،‬فل تخيير فيه ‪ ،‬وينظر التّفصيل في ( حرابة ) ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬القتل والصّلب ‪:‬‬

‫‪ - 34‬إذا قتل المحارب وأخذ المال فإنّه يقتل ويصلب ‪ ،‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع على هذا كلّ‬ ‫من نحفظ عنه من أهل العلم ‪ ،‬وروي أيضا عن عمر ‪ ،‬وبه قال سليمان بن موسى الزّهريّ ‪.‬‬ ‫وإذا قتل ولم يأخذ المال فإنّه يقتل ول يصلب ‪ ،‬وفي رواية عن أحمد يصلب ‪ ،‬لنّه محارب‬ ‫يجب قتله ‪ ،‬فيصلب كالّذي أخذ المال ‪ .‬وينظر التّفصيل في ( تصليب ) ‪ .‬والقتل كذلك عقوبة‬ ‫ح ّديّة لل ّردّة بالنّسبة للرّجل ‪ .‬والمرأة كالرّجل عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫ي رضي ال تعالى عنهما ‪ ،‬وبه قال‬ ‫{ من بدّل دينه فاقتلوه } روي ذلك عن أبي بكر وعل ّ‬ ‫ي وإسحاق ‪ .‬ويرى‬ ‫الحسن ‪ ،‬والزّهريّ ‪ ،‬والنّخعيّ ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬وحمّاد ‪ ،‬واللّيث ‪ ،‬والوزاع ّ‬ ‫ن الرّسول‬ ‫ن المرأة ل تقتل بال ّردّة ‪ ،‬بل تجبر على السلم بالحبس والضّرب ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الحنفيّة أ ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم { نهى عن قتل المرأة الكافرة } ‪ .‬ولنّها ل تقتل بالكفر الصليّ ‪ ،‬فل‬ ‫تقتل بالطّارئ كالصّبيّ ‪ .‬وفي قتل البغاة ‪ ،‬وهم المحاربون على التّأويل خلف وتفصيل ينظر‬ ‫في مصطلح ‪ ( :‬بغي ) ‪.‬‬ ‫شروط وجوب الحدّ ‪:‬‬ ‫ن الحدّ ل يجب إلّ على مكلّف ‪ ،‬وهو العاقل البالغ ‪ ،‬لنّه إذا‬ ‫‪ - 35‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫سقط التّكليف عن غير العاقل البالغ في العبادات ‪ ،‬وسقط الثم عنه في المعاصي ‪ ،‬فالحدّ‬ ‫ن الحدود تقام على‬ ‫المبنيّ على الدّرء بالشّبهات أولى ‪ .‬وأمّا السلم فالصل عند أبي حنيفة أ ّ‬ ‫ل حدّ القذف فيقام عليه باتّفاق فقهاء الحنفيّة ‪ .‬ول يقام على‬ ‫ال ّذ ّميّين ول تقام على مستأمن ‪ ،‬إ ّ‬ ‫الكافر حدّ الشّرب عندهم ‪ .‬وفي حدّ الزّنى تفصيل ‪ :‬قال أبو حنيفة ‪ :‬إذا زنى الحربيّ‬ ‫ي بمستأمنة يحدّ ال ّذ ّميّ ول تحدّ‬ ‫( المستأمن ) بذ ّميّة تحدّ ال ّذ ّميّة ول يحدّ الحربيّ ‪ .‬وإذا زنى ذ ّم ّ‬ ‫المستأمنة ‪ .‬وقال أبو يوسف كلهما يحدّان ‪ .‬وقال محمّد في الصّورة الولى ‪ :‬ل تحدّ ال ّذ ّميّة‬ ‫أيضا لنّ المرأة تابعة للرّجل فامتناع الح ّد في حقّ الصل يوجب امتناعه في حقّ الفرع ‪.‬‬ ‫ل حدّ في مصطلحه ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّ الكافر يقام عليه حدّ القذف والسّرقة‬ ‫وتفصيل ك ّ‬ ‫ل إذا‬ ‫والقتل ول يسقط عنه بإسلمه ‪ .‬أمّا ح ّد الزّنى فإنّه يؤدّب فيه فقط ول يقام عليه الحدّ إ ّ‬ ‫اغتصب امرأة مسلمة فإنّه يقتل لنقضه العهد ‪ .‬وكذلك لو ارتكب جريمة اللّواط فإنّه يرجم ‪.‬‬ ‫ول حدّ عليه في شرب الخمر ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬يستوفى من ال ّذ ّميّ ما ثبت ولو حدّ زنى أو‬ ‫قطع سرقة ‪ ،‬ول يح ّد بشرب خمر لقوّة أدلّة حلّه في عقيدتهم ‪ .‬ول يشترط في إحصان الرّجم‬ ‫أن يكون مسلما ‪ .‬ول يقام على المستأمن حدّ الزّنى على المشهور عند الشّافعيّة ‪ .‬ويحدّ‬ ‫ل حدّ في مصطلحه ‪ .‬وعند الحنابلة إذا رفع‬ ‫الكافر حدّ القذف ذ ّميّا كان أو معاهدا ‪ .‬وتفصيل ك ّ‬ ‫إلى الحاكم من أهل ال ّذمّة من فعل محرّما يوجب عقوبة ممّا هو محرّم عليهم في دينهم‬ ‫كالزّنى والسّرقة والقذف والقتل فعليه إقامة حدّه عليه لما روى ابن عمر { أنّ النّبيّ صلى ال‬

‫عليه وسلم أتي بيهوديّين فجرا بعد إحصانهما فأمر بهما فرجما } ‪ .‬وإن كان يعتقد إباحته‬ ‫كشرب خمر لم يحدّ ‪ ،‬وإن تحاكم مسلم وذ ّميّ وجب الحكم بينهم بغير خلف ‪ .‬ويقطع ال ّذمّيّ‬ ‫بالسّرقة ‪ .‬وكذلك المستأمن ‪ .‬وقال ابن حامد ‪ :‬ل يقطع المستأمن ‪ .‬وقد نصّ أحمد على أنّه ل‬ ‫يقام حدّ الزّنى على المستأمن ‪ .‬ودليل وجوب القطع أنّه حدّ يطالب به ‪ ،‬فوجب عليه كحدّ‬ ‫ل على من علم التّحريم ‪ ،‬وبهذا قال عامّة أهل العلم ‪ ،‬لقول عمر‬ ‫القذف ‪ .‬ول يجب الحدّ إ ّ‬ ‫ل على من علمه ‪ .‬فإن ادّعى الزّاني الجهل‬ ‫وعثمان وعليّ رضي ال عنهم ‪ :‬ل حدّ إ ّ‬ ‫بالتّحريم وكان يحتمل أن يجهله كحديث العهد بالسلم ‪ ،‬قبل منه ‪ ،‬لنّه يجوز أن يكون‬ ‫صادقا ‪ ،‬وإن كان ممّن ل يخفى عليه كالمسلم النّاشئ بين المسلمين ‪ ،‬لم يقبل منه ‪ ،‬لنّ‬ ‫تحريم الزّنى ل يخفى على من هو كذلك ( كما أجمع أهل العلم على أنّه ل حدّ على مكرهة )‬ ‫‪ .‬وروي ذلك عن عمر رضي ال عنه والزّهريّ ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والثّوريّ لقوله تعالى ‪ { :‬ول‬ ‫ن فإنّ اللّه‬ ‫تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا ومن يكرهه ّ‬ ‫ن اللّه وضع عن أمّتي‬ ‫من بعد إكراههنّ غفور رحيم } ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬ ‫الخطأ والنّسيان ‪ ،‬وما استكرهوا عليه } ‪ .‬وعن عبد الجبّار بن وائل عن أبيه { أنّ امرأة‬ ‫استكرهت على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فدرأ عنها الحدّ } ‪ .‬وفي حدّ المكره على‬ ‫الزّنى خلف يرجع فيه إلى مصطلح ( إكراه ) ( و ر ‪ :‬زنى ) وهناك شروط أخرى لوجوب‬ ‫كلّ حدّ فصّل ‪ ،‬الكلم عليها في أبوابها ‪.‬‬ ‫ما يراعى في إقامة الحدّ ‪ :‬يراعى في إقامة الحدّ أمور منها ما يعمّ الحدود كلّها ‪ ،‬ومنها ما‬ ‫يخصّ البعض دون البعض ‪ :‬ما يراعى في الحدود كلّها ‪ :‬المامة ‪:‬‬ ‫‪ - 36‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل يقيم الحدّ إلّ المام أو نائبه ‪ ،‬وذلك لمصلحة العباد ‪ ،‬وهي‬ ‫صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ‪ .‬والمام قادر على القامة لشوكته ‪ ،‬ومنعته ‪ ،‬وانقياد‬ ‫ن تهمة الميل والمحاباة والتواني عن القامة منتفية في حقّه ‪،‬‬ ‫الرّعيّة له قهرا وجبرا ‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان‬ ‫فيقيمها على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين ‪ ،‬ول ّ‬ ‫يقيم الحدود ‪ ،‬وكذا خلفاؤه من بعده ‪ ،‬وصرّح الحنفيّة باشتراط المام أو نائبه لقامة الحدّ ‪.‬‬ ‫أهليّة الشّهادة عند القامة ‪:‬‬ ‫‪ - 37‬لو بطلت أهليّة الشّهادة بالفسق أو ال ّردّة ‪ ،‬أو الجنون ‪ ،‬أو العمى ‪ ،‬أو الخرس ‪ ،‬أو حدّ‬ ‫القذف ‪ ،‬أو غيرها بالنّسبة لكلّهم أو بعضهم بحيث ينقص النّصاب ل يقام الحدّ على المشهود‬ ‫ن اعتراض أسباب الجرح على الشّهادة عند إمضاء الحدّ بمنزلة اعتراضها عند‬ ‫عليه ‪ ،‬ل ّ‬

‫القضاء به ‪ ،‬واعتراضها عند القضاء يبطل الشّهادة ‪ ،‬فكذا عند المضاء في باب الحدود ‪ .‬ر‬ ‫‪ ( :‬قذف ) ‪ .‬هذا عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬ولم نعثر على قول للشّافعيّة والحنابلة في ذلك ‪.‬‬ ‫شروط تخصّ بعض الحدود ‪ :‬البداية من الشّهود في ح ّد الرّجم ‪:‬‬ ‫ن الزّنى إذا ثبت‬ ‫‪ - 38‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وهو رواية عن أبي يوسف إلى أ ّ‬ ‫بالشّهود ‪ ،‬فالبداية منهم ليست بشرط ‪ ،‬ولكن يستحبّ حضورهم ‪ ،‬وابتداؤهم بالرّجم ‪ ،‬وهذا‬ ‫ن الرّجم أحد نوعي الح ّد فيعتبر بالنّوع الخر وهو الجلد ‪ ،‬والبداية من الشّهود ليست بشرط‬ ‫لّ‬ ‫ن البداية‬ ‫فيه فكذا في الرّجم ‪ .‬ويرى أبو حنيفة ومحمّد وهو إحدى الرّوايتين عن أبي يوسف أ ّ‬ ‫من الشّهود شرط في حدّ الرّجم ‪ ،‬حتّى لو امتنع الشّهود عن ذلك ‪ ،‬أو ماتوا ‪ ،‬أو غابوا كلّهم‬ ‫أو بعضهم ‪ ،‬ل يقام الرّجم على المشهود عليه ‪ ،‬لما روي عن عليّ رضي ال عنه أنّه قال ‪:‬‬ ‫يرجم الشّهود أوّل ‪ ،‬ثمّ المام ‪ ،‬ثمّ النّاس ‪ .‬وكلمة ‪ :‬ثمّ " للتّرتيب ‪ .‬وفي رواية أنّه قال ‪ :‬يا‬ ‫ن الزّنى زناءان ‪ :‬زنى س ّر وزنى علنية ; فزنى السّرّ أن يشهد الشّهود ‪،‬‬ ‫أيّها النّاس ‪ :‬إ ّ‬ ‫فيكون الشّهود أوّل من يرمي ‪ ،‬وزنى العلنية أن يظهر الحبل أو العتراف ‪ ،‬فيكون المام‬ ‫أوّل من يرمي ‪ .‬وكان ذلك بمحضر من الصّحابة ‪ ،‬ولم ينقل أنّه أنكر عليه أحد فيكون‬ ‫ن الشّهود إذا بدءوا بالرّجم ‪،‬‬ ‫إجماعا ‪ .‬ولنّ في اعتبار هذا الشّرط احتياطا في درء الحدّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ربّما استعظموا فعله ‪ ،‬فيحملهم ذلك على الرّجوع عن الشّهادة ‪ ،‬فيسقط الحدّ عن المشهود‬ ‫عليه ‪ .‬وإن ثبت الزّنى بالعتراف ‪ ،‬فالخلف في حضور المام ‪ ،‬والبداية منه كالخلف في‬ ‫حضور الشّهود والبداية منهم ‪ .‬عدم خوف الهلك من إقامة الجلد ‪:‬‬ ‫ن هذا النّوع من الحدود شرع‬ ‫‪ - 39‬يشترط أن ل يكون في إقامة الجلد خوف الهلك ‪ .‬ل ّ‬ ‫زاجرا ل مهلكا ‪ ،‬وفي الجلد في الحرّ الشّديد ‪ ،‬والبرد الشّديد ‪ ،‬وجلد المريض ‪ ،‬والنّفساء‬ ‫خلف وتفصيل يرجع فيه إلى ‪ :‬زنى " " وقذف » ‪.‬‬ ‫الدّعوى في الحدود والشّهادة بها ‪:‬‬ ‫‪ - 40‬الحدود ‪ -‬سوى حدّ القذف ‪ -‬ل تتوقّف على الدّعوى لنّها لحقّ اللّه تعالى فتقبل‬ ‫الشّهادة فيها حسبة ‪ ،‬وإنّما شرطت الدّعوى في حدّ القذف وإن كان حقّ اللّه تعالى فيه غالبا‬ ‫عند بعض الفقهاء ‪ ،‬لنّ المقذوف يطالب القاذف دفعا للعار عن نفسه ظاهرا وغالبا فيحصل‬ ‫ما هو المقصود من شرع الحدّ ‪ .‬واختلفوا في السّرقة ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى‬ ‫أنّه ل يقطع حتّى يدّعيه المالك ‪ ،‬وقال المالكيّة يقطع ‪ ،‬وبه قال أبو بكر وأبو ثور وابن المنذر‬ ‫ن موجب القطع قد ثبت ‪ .‬وأمّا الشّهادة بالحدود سوى القذف فتجوز بل‬ ‫‪ ،‬لعموم الية ‪ ،‬ول ّ‬ ‫دعوى من غير خلف بين الفقهاء ‪ ،‬لشهادة أبي بكرة ‪ ،‬وأصحابه على المغيرة من غير تقدّم‬

‫دعوى ‪ ،‬ولشهادة الجارود وصاحبه على قدامة بن مظعون بشرب الخمر ‪ ،‬ولم يتقدّمها دعوى‬ ‫ن في‬ ‫ن الحقّ حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬فلم تفتقر الشّهادة به إلى تقدّم دعوى كالعبادات ‪ .‬ول ّ‬ ‫‪ ،‬ول ّ‬ ‫ق فيه لحد من الدميّين فيدّعيه ‪ .‬التّأخير‬ ‫سائر الحقوق إنّما تكون من المستحقّ ‪ ،‬وهذا ل ح ّ‬ ‫ن الحدّ تجب إقامته على الفور إلّ إذا كان هناك‬ ‫في إقامة الحدود ‪ :‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫عذر كالمرض وما شابهه ‪ ،‬والحمل ‪ ،‬والسّكر ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬إقامة الحدّ على المريض ومن شابهه ‪:‬‬ ‫ن نفسه مستوفاة ‪ ،‬فل‬ ‫‪ - 41‬الصّحيح الّذي قطع به الجمهور هو أنّ الرّجم ل يؤخّر للمرض ل ّ‬ ‫فرق بينه وبين الصّحيح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن ثبت الحدّ بالقرار أخّر حتّى يبرأ ‪ ،‬لنّه ربّما رجع في‬ ‫أثناء الرّمي ‪ ،‬ومثل هذا الخلف في مسألة الرّجم في شدّة الحرّ أو البرد ‪ .‬وإن كان الواجب‬ ‫الجلد أو القطع ‪ ،‬فإن كان المرض ممّا يرجى برؤه ‪ ،‬فيرى الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪ ،‬والشّافعيّة‬ ‫تأخيره وهو قول الخرقيّ من الحنابلة ‪ .‬وقال جمهور الحنابلة ‪ :‬يقام الحدّ ول يؤخّر ‪ ،‬كما قال‬ ‫أبو بكر في النّفساء ‪ ،‬وهذا قول إسحاق وأبي ثور ‪ ،‬لنّ عمر رضي ال عنه أقام الح ّد على‬ ‫قدامة بن مظعون في مرضه ‪ ،‬ولنّ ما أوجبه اللّه تعالى ل يؤخّر بغير حجّة ‪ .‬وإن كان‬ ‫المرض ممّا ل يرجى برؤه ‪ ،‬أو كان الجاني ضعيف الخلقة ل يحتمل السّياط ‪ ،‬فهذا يقام عليه‬ ‫الحدّ في الحال ‪ ،‬إذ ل غاية تنتظر ‪ ،‬ولكن إذا كان الحدّ جلدا يضرب ضربا يؤمن معه‬ ‫التّلف ‪ ،‬كالقضيب الصّغير وشمراخ النّخل ‪ .‬فإن خيف عليه من ذلك قال الشّافعيّة والحنابلة ‪:‬‬ ‫جمع ضغث فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة ‪ .‬وفي الموضوع تفصيل يرجع فيه‬ ‫إلى مصطلح ( جلد ) ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إقامة الحدّ على الحبلى ‪:‬‬ ‫‪ - 42‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع أهل العلم على أنّه ل يقام الحدّ رجما كان أو غيره على حبلى‬ ‫ل يتعدّى إلى الحمل ‪ ،‬لنّه نفس محترمة ل جريمة منه ‪ .‬ثمّ إن‬ ‫ولو من زنى حتّى تضع ‪ ،‬لئ ّ‬ ‫كان الح ّد رجما لم ترجم حتّى تسقيه اللّبأ ‪ ،‬ثمّ إذا سقته اللّبأ ‪ ،‬فإن كان له من يرضعه ‪ ،‬أو‬ ‫ن النّبيّ صلى‬ ‫ل تركت حتّى تفطمه ليزول عنه الضّرر ‪ .‬ل ّ‬ ‫تكفّل أحد برضاعه رجمت ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ال عليه وسلم رجم الغامديّة بعدما فطمت المولود ‪ ،‬وفي حديث آخر قال ‪ { :‬ل نرجمها وندع‬ ‫ولدها صغيرا ليس له من يرضعه ‪ ،‬فقال له رجل من النصار ‪ ،‬إليّ رضاعه ‪ ،‬فرجمها } ‪.‬‬ ‫وإن كان الحدّ جلدا ‪ ،‬فتحدّ بعد الوضع وانقطاع النّفاس إذا كانت قويّة يؤمن معه تلفها ‪،‬‬ ‫ن أمة لرسول اللّه صلى ال عليه وسلم زنت ‪ ،‬فأمرني‬ ‫ي رضي ال عنه قال ‪ { :‬إ ّ‬ ‫لحديث عل ّ‬ ‫أن أجلدها ‪ ،‬فإذا هي حديث عهد بنفاس ‪ ،‬فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها ‪ ،‬فذكرت ذلك للنّبيّ‬

‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬أحسنت } أمّا إن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف عليها ‪،‬‬ ‫فالجمهور على أنّه ل يقام عليها الحدّ حتّى تطهر وتقوى ليستوفى الحدّ على وجه الكمال من‬ ‫غير خوف فواته ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إقامة الحدّ على السّكران ‪:‬‬ ‫ن إقامة الحدّ على السّكران تؤخّر حتّى يصحو ليحصل‬ ‫‪ - 43‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫المقصود من إقامة الحدّ ‪ ،‬وهو الزّجر ‪ ،‬والرّدع ‪ ،‬لنّ غيبوبة العقل أو غلبة النّشوة والطّرب‬ ‫تخفّف اللم ‪.‬‬ ‫إقامة الحدود في المساجد ‪:‬‬ ‫‪ - 44‬اتّفق الفقهاء على أنّه تحرم إقامة الحدود في المساجد ‪ ،‬لما روى حكيم بن حزام ‪ { :‬أنّ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى عن إقامة الحدّ في المساجد } ‪ .‬ولما روى ابن عبّاس أنّ‬ ‫ن تعظيم المسجد‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬ل تقام الحدود في المساجد } ول ّ‬ ‫واجب ‪ .‬وفي إقامة الحدود فيه ترك تعظيمه ‪ .‬ول خلف في إقامتها في الحرم على من‬ ‫ارتكب موجب الحدّ فيه ‪ ،‬أمّا من ارتكبه خارج الحرم ولجأ إليه فقد اختلف الفقهاء ‪ :‬فذهب‬ ‫جمهور الفقهاء إلى أنّه ل يستوفى فيه حدّ لقوله تعالى ‪ { :‬ومن دخله كان آمنا } ‪ ،‬ولقوله‬ ‫ل لمرئ يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسفك بها دما } ( أي‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل يح ّ‬ ‫مكّة ) ‪ .‬وقالوا ‪ :‬يقاطع فل يبايع ول يشارى ول يطعم ول يؤوى ويضيّق عليه حتّى يخرج‬ ‫فيستوفى منه الحدّ ‪ .‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّه تستوفى الحدود فيه ‪ ،‬لما روى أنس { أنّ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل مكّة وعلى رأسه مغفر ‪ ،‬فلمّا نزع المغفر ‪ ،‬جاءه رجل فقال‬ ‫‪ :‬ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة فقال ‪ :‬اقتلوه } ‪.‬‬ ‫ما يراعى عند استيفاء كلّ نوع من أنواع الحدود ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬حدّ الرّجم ‪ :‬يراعى في استيفاء الرّجم ما يلي ‪:‬‬ ‫‪ - 45‬أن يكون الرّجم في مكان واسع ‪ ،‬لنّه أمكن في رجمه ‪ ،‬ولئلّ يصيب بعضهم بعضا‬ ‫ويحيطون بالمرجوم عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يصطفّون كصفوف الصّلة‬ ‫لرجمه ‪ ،‬كلّما رجم قوم تنحّوا ورجم آخرون ‪ ،‬وأن يكون الرّجم بحجارة معتدلة قدر ما يطيق‬ ‫الرّامي بدون تكلّف ‪ ،‬ل بكبيرة خشية التّشويه أو التّذفيف ( الجهاز عليه مرّة واحدة ) ول‬ ‫بصغيرة خشية التّعذيب ‪ .‬ويحفر للمرأة إلى صدرها ‪ ،‬هذا عند الحنفيّة والشّافعيّة في قول ‪:‬‬ ‫وهو أيضا قول لدى المالكيّة ‪ ،‬لكونه أستر لها ‪ ،‬وجاز تركه لسترها بثيابها ‪ .‬ويرى المالكيّة‬ ‫ن أكثر‬ ‫في المشهور ‪ ،‬والحنابلة في المذهب ‪ ،‬وهو قول آخر للشّافعيّة ‪ :‬أنّه ل يحفر لها ل ّ‬

‫ح عندهم ‪ :‬أنّه إن ثبت الحدّ بالقرار لم‬ ‫الحاديث على تركه ‪ .‬وللشّافعيّة قول ثالث وهو الص ّ‬ ‫يحفر لها ‪ ،‬وإن ثبت بالبيّنة حفر لها إلى صدرها ‪ ،‬وهو قول للمالكيّة والحنابلة أيضا ‪ ،‬قال‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬رجم‬ ‫ح عندي ‪ .‬لما روى بريدة أ ّ‬ ‫أبو الخطّاب ‪ :‬وهذا أص ّ‬ ‫امرأة فحفر لها } ولنّه أستر لها ‪ ،‬ول حاجة إلى تمكينها من الهرب لكون الحدّ قد ثبت بالبيّنة‬ ‫فل يسقط بفعل من جهتها ‪ ،‬بخلف الثّابت بالقرار ‪ ،‬فإنّها تترك على حال لو أرادت الهرب‬ ‫تمكّنت منه ‪ ،‬لنّ رجوعها عن إقرارها مقبول ‪ .‬وأمّا الرّجل فل يحفر له عند الجمهور وفي‬ ‫ن الرّسول صلى ال عليه وسلم لم يحفر‬ ‫قول للمالكيّة ‪ :‬يحفر للمشهود عليه دون المقرّ ل ّ‬ ‫لماعز ‪ ،‬قال أبو سعيد رضي ال عنه ‪ { :‬لمّا أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم برجم‬ ‫ماعز خرجنا به إلى البقيع ‪ ،‬فواللّه ما حفرنا له ول أوثقناه ‪ ،‬ولكن قام لنا } ‪ .‬ولنّ الحفر‬ ‫له ‪ ،‬ودفن بعضه عقوبة لم يرد بها الشّرع في حقّه ‪ ،‬فوجب أن ل تثبت ‪ .‬وينظر تفاصيل‬ ‫الموضوع في مصطلح ‪ ( :‬زنى ) ( ورجم ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الجلد ‪ :‬يراعى في استيفائه ما يلي ‪:‬‬ ‫‪ - 46‬أن يكون الضّرب بسوط ل عقدة له ‪ ،‬ويكون حجمه بين القضيب والعصا ‪ ،‬لرواية‬ ‫أنس أنّه { كان يؤمر بالسّوط ‪ ،‬فتقطع ثمرته } ‪ ،‬وثمرته ‪ :‬عقدة أطرافه ‪ ،‬ثمّ يدقّ بين حجرين‬ ‫حتّى يلين ‪ ،‬ثمّ يضرب به ‪ .‬وأن يكون الضّرب ضربا متوسّطا ‪ ،‬لقول عليّ رضي ال عنه‬ ‫ضرب بين ضربين ‪ ،‬وسوط بين سوطين يعني وسطا ‪ .‬ولذلك فل يبدي الضّارب إبطه في‬ ‫ن ذلك مبالغة في الضّرب ‪ .‬وأن يفرّق الجلد على بدنه خل‬ ‫رفع يده ‪ ،‬بحيث يظهر إبطه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن جمعه على عضو واحد قد‬ ‫رأسه ‪ ،‬ووجهه وفرجه ‪ ،‬وصدره ‪ ،‬وبطنه ‪ ،‬وموضع القتل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ل يشقّ الجلد ‪ ،‬أو يؤدّي إلى القتل ‪ .‬وأيضا ضرب‬ ‫يفسده ‪ .‬وليأخذ كلّ عضو منه حظّه ‪ ،‬ولئ ّ‬ ‫ما استثني قد يؤدّي إلى الهلك حقيقة أو معنى بإفساد بعض الحواسّ الظّاهرة أو الباطنة ‪،‬‬ ‫ولقول عليّ رضي ال عنه ‪ :‬اضرب وأوجع ‪ ،‬واتّق الرّأس والوجه ‪ .‬ول يجوز تفريق‬ ‫ل يوم سوطا أو سوطين ‪ ،‬لنّه ل يحصل به اليلم ‪.‬‬ ‫الضّرب على اليّام بأن يضرب في ك ّ‬ ‫ول خلف بين الفقهاء في أنّه ل يمدّ المحدود ول يربط ول تشدّ يده ‪ .‬واختلفوا في تجريده ‪:‬‬ ‫‪ - 47‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ينزع ثياب الرّجل خل إزاره ليستر عورته ‪ ،‬وأمّا‬ ‫المرأة فل تنزع ثيابها إلّ الفرو والحشو ‪ .‬ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ل يجرّد من ثيابه ‪،‬‬ ‫لقول ابن مسعود ‪ :‬ليس في ديننا مدّ ‪ ،‬ول قيد ول تجريد ‪ ،‬بل يكون عليه غير ثياب الشّتاء‬ ‫كالقميص والقميصين ‪ ،‬صيانة له عن التّجريد ‪ ،‬وإن كان عليه فروة ‪ ،‬أو جبّة محشوّة نزعت‬ ‫‪ ،‬لنّه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضّرب ‪ .‬والرّجل يضرب قائما ‪ ،‬والمرأة جالسة ‪ ،‬وتشدّ‬ ‫ي رضي ال عنه ‪ :‬تضرب المرأة جالسة ‪،‬‬ ‫عليها ثيابها ‪ ،‬وتمسك يداها لئلّ تنكشف ‪ ،‬لقول عل ّ‬

‫والرّجل قائما في الحدود ‪ ،‬ولنّ المرأة عورة وهذا أستر لها ‪ - 48 .‬وأشدّ الجلد في الحدود‬ ‫ن اللّه تعالى خصّ الزّنى بمزيد من التّأكيد بقوله‬ ‫جلد الزّنى ‪ ،‬فجلد القذف ‪ ،‬فجلد الشّرب ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن ما دونه أخفّ منه عددا ‪ ،‬فل يجوز أن يزيد‬ ‫‪ { :‬ول تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه } ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن جناية الزّنى‬ ‫ف في عدده كان أخفّ في صفته ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن ما كان أخ ّ‬ ‫في إيلمه ووجعه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫أعظم من جناية الشّرب والقذف ‪ :‬أمّا أنّها أعظم من جناية القذف ‪ ،‬فلنّ القذف نسبة إلى‬ ‫الزّنى ‪ ،‬فكان دون حقيقة الزّنى ‪ .‬وأمّا أنّه أعظم من جناية الشّرب فلنّ الجلد في الزّنى ثبت‬ ‫بنصّ الكتاب العزيز ‪ ،‬ول نصّ في الشّرب ‪ ،‬وإنّما استخرجه الصّحابة الكرام بالجتهاد ‪،‬‬ ‫والستدلل بالقذف فقالوا ‪ :‬إذا سكر هذى ‪ ،‬وإذا هذى افترى ‪ ،‬وح ّد المفتري ثمانون ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬القطع ‪:‬‬ ‫‪ - 49‬تقطع يمين السّارق من زنده وهو مفصل الرّسغ ‪ ،‬وتحسم ول تقطع في حرّ وبرد‬ ‫شديدين ‪ ،‬لنّ الحدّ زاجر ل متلف ‪ .‬ويقطع بأسهل ما يمكن ‪ ،‬فيجلس ويضبط ‪ ،‬لئلّ يتحرّك‬ ‫ف من مفصل الذّراع ‪ ،‬ثمّ‬ ‫فيجني على نفسه وتشدّ يده بحبل ‪ ،‬وتجرّ حتّى يبين مفصل الك ّ‬ ‫يوضع بينهما سكّين حادّ ‪ ،‬ويدقّ فوقهما بقوّة ‪ ،‬ليقطع في مرّة واحدة ‪ .‬وإن علم قطع أسرع‬ ‫من هذا قطع به ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬التّغريب ‪: :‬‬ ‫‪ - 50‬يغرّب الزّاني البكر ‪ -‬عند من يقول بذلك ‪ -‬إلى مسافة القصر حول كامل وفي تغريب‬ ‫المرأة وكيفيّته خلف وتفصيل سبق إجماله فقرة ( ‪ . ) 32‬وينظر تفصيله في ( زنى وتغريب‬ ‫)‪.‬‬ ‫إقامة الحدود في مل من النّاس ‪:‬‬ ‫‪ - 51‬اتّفق الفقهاء على أنّ الحدود تقام في مل من النّاس ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وليشهد عذابهما‬ ‫طائفة من المؤمنين } والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى لكنّه يشمل سائر الحدود دللة ‪ ،‬لنّ‬ ‫المقصود من الحدود كلّها واحد ‪ ،‬وهو زجر العامّة ‪ ،‬وذلك ل يحصل إلّ أن تكون القامة‬ ‫ن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ‪ ،‬والغيّب ينزجرون بإخبار‬ ‫على رأس العامّة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الحضور ‪ ،‬فيحصل الزّجر للكلّ ‪ ،‬وفيه منع الجلّاد من مجاوزة الحدّ الّذي جعل له ‪ ،‬ودفع‬ ‫التّهمة والميل ‪ .‬وفي المراد بالطّائفة في الية خلف قيل ‪ :‬الطّائفة أقلّها واحد ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫اثنان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثلثة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أربعة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬خمسة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عشرة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬نفر ‪ .‬وينظر‬ ‫تفصيل القائلين بها وأدلّتهم في ( زنى ) ‪.‬‬

‫آثار الحدّ ‪:‬‬ ‫‪ - 52‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحدّ إن كان رجما يدفع المرجوم بعد قتله إلى أهله ‪،‬‬ ‫فيصنعون به ما يصنع بسائر الموتى ‪ ،‬فيغسّلونه ‪ ،‬ويكفّنونه ‪ ،‬ويصلّون عليه ‪ ،‬ويدفنونه ‪ ،‬لما‬ ‫ن ماعزا لمّا رجم قال عليه الصلة والسلم ‪ :‬اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم }‬ ‫روي { أ ّ‬ ‫ي رضي ال عنه على شراحة ‪ .‬ولنّه مسلم لو مات قبل الحدّ صلّي عليه ‪ ،‬فيصلّى‬ ‫وصلّى عل ّ‬ ‫ن من قتله المام في حدّ ل يصلّي المام عليه ‪ ،‬لنّ‬ ‫عليه بعده كالسّارق ‪ .‬ويرى المالكيّة أ ّ‬ ‫جابرا قال في حديث { ماعز ‪ :‬فرجم حتّى مات ‪ ،‬فقال له النّبيّ صلى ال عليه وسلم خيرا‬ ‫ولم يصلّ عليه } ‪ .‬وإن كان جلدا فحكم المحدود وغيره سواء في سائر الحكام من الشّهادة‬ ‫وغيرها بشروطها إلّ المحدود في القذف خاصّة في أداء الشّهادة ‪ ،‬فإنّه تبطل شهادته على‬ ‫التّأبيد ‪ ،‬وفي قبول شهادته بعد التّوبة خلف وتفصيل ذكر في كتاب الشّهادات من كتب الفقه‬ ‫‪ .‬وينظر في مصطلح ‪ ( :‬قذف وشهادة ) ‪.‬‬ ‫حديث النّفس انظر ‪ :‬نيّة ‪.‬‬ ‫حرابة‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحرابة من الحرب الّتي هي نقيض السّلم ‪ :‬يقال ‪ :‬حاربه محاربة ‪ ،‬وحرابا ‪ ،‬أو من‬ ‫الحرب ‪ .‬بفتح الرّاء ‪ :‬وهو السّلب ‪ .‬يقال ‪ :‬حرب فلنا ماله أي سلبه فهو محروب وحريب ‪.‬‬ ‫والحرابة في الصطلح وتسمّى قطع الطّريق عند أكثر الفقهاء هي البروز لخذ مال ‪ ،‬أو‬ ‫لقتل ‪ ،‬أو لرعاب على سبيل المجاهرة مكابرة ‪ ،‬اعتمادا على القوّة مع البعد عن الغوث ‪.‬‬ ‫وزاد المالكيّة محاولة العتداء على العرض مغالبة ‪ .‬وجاء في المدوّنة من كابر رجل على‬ ‫ماله بسلح أو غيره في زقاق أو دخل على حريمه في المصر حكم عليه بحكم الحرابة ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬البغي ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬البغي في اللّغة ‪ :‬الجور ‪ ،‬والظّلم ‪ ،‬والعدول عن الحقّ ‪ .‬وفي الصطلح الشّرعيّ ‪ :‬هو‬ ‫الخروج عن طاعة إمام أهل العدل بتأويل غير مقطوع الفساد ‪ .‬وفرّق المام مالك بين‬ ‫الحرابة والبغي بقوله ‪ :‬البغي يكون بالخروج على تأويل ‪ -‬غير قطعيّ الفساد ‪ -‬والمحاربون‬ ‫خرجوا فسقا وخلوعا على غير تأويل " ب ‪ -‬السّرقة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬السّرقة في اللّغة ‪ :‬أخذ الشّيء خفية ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬أخذه خفية ظلما في حرز‬ ‫مثله ‪ ،‬بشروط تذكر في بابها ‪ .‬فالفرق أنّ الحرابة فيها مجاهرة ومكابرة وسلح ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬النّهب ‪ ،‬والختلس ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬النّهب لغة ‪ :‬الغلبة على المال ‪ .‬واصطلحا ‪ :‬أخذ الشّيء علنية دون رضا ‪.‬‬ ‫والختلس ‪ :‬خطف الشّيء بسرعة على غفلة من صاحبه ‪ ،‬مع العتماد على الهرب ‪.‬‬ ‫فالنّهب والختلس كلهما أخذ الشّيء علنية ‪ ،‬والفرق بينهما هو ‪ :‬سرعة الخذ في‬ ‫الختلس بخلف النّهب فإن ذلك غير معتبر فيه ‪ .‬أمّا الحرابة فهي الخذ على سبيل المغالبة‬ ‫‪.‬‬ ‫د ‪ -‬الغصب ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬الغصب أخذ الشّيء ظلما مع المجاهرة ‪ .‬وشرعا ‪ :‬الستيلء على حقّ الغير بغير حقّ ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬هو إزالة يد المالك عن ماله المتقوّم على سبيل المجاهرة ‪ .‬فالغصب قد يكون بسلح‬ ‫أو بغير سلح مع إمكان الغوث ‪.‬‬ ‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬الحرابة من الكبائر ‪ ،‬وهي من الحدود باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬وسمّى القرآن مرتكبيها ‪:‬‬ ‫محاربين للّه ورسوله ‪ ،‬وساعين في الرض بالفساد ‪ ،‬وغلّظ عقوبتها أشدّ التّغليظ ‪ ،‬فقال عزّ‬ ‫من قائل ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتّلوا أو‬ ‫يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض } إلخ ‪ .‬ونفى الرّسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم انتسابهم إلى السلم فقال في الحديث المتّفق عليه ‪ { :‬من حمل علينا السّلح‬ ‫فليس منّا } ‪ .‬الصل في جزاء الحرابة ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬الصل في بيان جزاء الحرابة قوله تعالى ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله‬ ‫ويسعون في الرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا‬ ‫من الرض ‪ } ...‬إلخ ‪ .‬وقد أجمع الفقهاء على مشروعيّة حدّ قاطع الطّريق كما سيأتي ‪.‬‬ ‫وحديث العرنيّين عن أبي قلبة عن أنس رضي ال عنه قال ‪ { :‬قدم رهط من عكل على‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم كانوا في الصّفّة ‪ ،‬فاجتووا المدينة فقالوا ‪ :‬يا رسول اللّه أبغنا‬ ‫ل أن تلحقوا بإبل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأتوها فشربوا‬ ‫رسل ‪ ،‬فقال ما أجد لكم إ ّ‬ ‫من ألبانها وأبوالها حتّى صحّوا وسمنوا وقتلوا الرّاعي واستاقوا الذّود ‪ ،‬فأتى النّبيّ صلى ال‬ ‫عليه وسلم الصّريخ ‪ ،‬فبعث الطّلب في آثارهم ‪ ،‬فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم ‪ ،‬فأمر‬ ‫بمسامير فأحميت فكحّلهم وقطّع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ‪ ،‬ثمّ ألقوا في الحرّة يستسقون ‪،‬‬ ‫فما سقوا حتّى ماتوا ‪ .‬وقال أبو قلبة ‪ :‬سرقوا وقتلوا وحاربوا اللّه ورسوله } ‪.‬‬ ‫من يعتبر محاربا ‪:‬‬

‫‪ - 8‬المحارب عند الجمهور ‪ :‬هو كلّ ملتزم مكلّف أخذ المال بقوّة في البعد عن الغوث ‪.‬‬ ‫وللفقهاء تعريفات أخرى ل تخرج في مفهومها عن هذا المعنى ‪ .‬ول بدّ من توافر شروط في‬ ‫المحاربين حتّى يحدّوا حدّ الحرابة ‪ .‬وهذه الشّروط في الجملة هي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬اللتزام ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬التّكليف ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬وجود السّلح معهم ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬البعد عن العمران ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬الذّكورة ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬المجاهرة ‪ .‬ولم يتّفق الفقهاء على هذه الشّروط كلّها ‪ ،‬بل بينهم في بعضها اختلف بيانه‬ ‫كما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬اللتزام ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يشترط في المحارب ‪ :‬أن يكون ملتزما بأحكام الشّريعة ‪،‬‬ ‫بأن يكون مسلما ‪ ،‬أو ذ ّميّا ‪ ،‬أو مرتدّا ‪ ،‬فل يحدّ الحربيّ ‪ ،‬ول المعاهد ‪ ،‬ول المستأمن ‪.‬‬ ‫ل الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } وهؤلء تقبل توبتهم قبل‬ ‫واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬ ‫القدرة ‪ ،‬وبعدها ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ولخبر ‪:‬‬ ‫{ السلم يجبّ ما كان قبله } ‪ .‬ولم يلتزموا أحكام الشّريعة ‪ ،‬أمّا ال ّذ ّميّ فقد التزم أحكام‬ ‫ن ال ّذمّيّ حكمه كحكم‬ ‫الشّريعة فله ما لنا ‪ ،‬وعليه ما علينا ‪ .‬وظاهر عبارة أكثر الشّافعيّة أ ّ‬ ‫المسلم في أحكام الحرابة ‪ .‬وأمّا المستأمن فقد وقع الخلف بينهم في أنّه يكون محاربا أو ل‬ ‫‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬التّكليف ‪:‬‬ ‫ن البلوغ والعقل شرطان في عقوبة الحرابة لنّهما شرطا‬ ‫‪ - 10‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫التّكليف الّذي هو شرط في إقامة الحدود ‪ .‬واختلفوا في ح ّد من اشترك مع الصّبيّ والمجنون‬ ‫ن الحدّ ل يسقط عنهم وعليهم الحدّ ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لنّها‬ ‫في قطع الطّريق ‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أ ّ‬ ‫ص بها واحد فلم يسقط الحدّ عن الباقين ‪ .‬كما لو اشتركوا في الزّنى بامرأة ‪ .‬نصّ‬ ‫شبهة اخت ّ‬ ‫ص الشّافعيّة على أنّ شريك‬ ‫على ذلك الحنابلة ‪ ،‬وهو مقتضى كلم الشّافعيّة والمالكيّة حيث ن ّ‬ ‫ص منه ‪ ،‬وحصروا مسقطات الحدّ على قاطع الطّريق في توبته قبل القدرة عليه‬ ‫الصّبيّ يقت ّ‬ ‫ولم يذكروا مسقطا آخر ‪ ،‬ونصّوا على أنّه إذا أمسك رجل هاربا وقتله صبيّ يقتل الممسك‬ ‫عندهم ‪ .‬ومقتضى ذلك كلّه أنّ شريك الصّبيّ في قطع الطّريق يحدّ ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إذا كان‬ ‫في القطّاع صبيّ أو مجنون أو ذو رحم محرم من أحد المارّة فل حدّ على أحد منهم ‪ ،‬باشر‬

‫العقلء الفعل أم لم يباشروا ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لنّها جناية واحدة قامت بالكلّ ‪ ،‬فإن لم يقع فعل‬ ‫بعضهم موجبا للحدّ ‪ ،‬كان فعل الباقين بعض العلّة فلم يثبت به الحكم ‪ .‬وقال وأبو يوسف ‪:‬‬ ‫إذا باشر العقلء الفعل يحدّون ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الذّكورة ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يشترط في المحارب الذّكورة ‪ .‬فلو اجتمع‬ ‫ن قوّة ومنعة فهنّ قاطعات طريق ول تأثير للنوثة على الحرابة ‪ ،‬فقد يكون للمرأة‬ ‫نسوة له ّ‬ ‫من القوّة والتّدبير ما للرّجل فيجري عليها ما يجري على الرّجل من أحكام الحرابة ‪ .‬وقال‬ ‫الحنفيّة ‪ :‬يشترط في المحارب الذّكورة ‪ :‬فل تحدّ المرأة وإن وليت القتال وأخذ المال ‪ ،‬لنّ‬ ‫ركن الحرابة هو ‪ :‬الخروج على وجه المحاربة والمغالبة ول يتحقّق ذلك في النّساء عادة‬ ‫ن ‪ ،‬فل يكنّ من أهل الحرابة ‪ .‬ولهذا ل يقتلن في دار الحرب ‪،‬‬ ‫ن وضعف بنيته ّ‬ ‫لرقّة قلوبه ّ‬ ‫ن في القطع من الرّجال ‪ ،‬عند أبي حنيفة ومحمّد ‪ .‬سواء باشروا‬ ‫ول يحدّ كذلك من يشاركه ّ‬ ‫الجريمة أم لم يباشروا ‪ .‬وقال أبو يوسف ‪ :‬إذا باشرت المرأة القتال وأخذ المال ‪ ،‬يحدّ الرّجال‬ ‫الّذين يشاركونها ‪ ،‬لنّ امتناع وجوب الحدّ على المرأة ليس لعدم الهليّة ‪ ،‬لنّها من أهل‬ ‫التّكليف ‪ ،‬بل لعدم المحاربة عادة ‪ ،‬وهذا لم يوجد في الرّجال الّذين يشاركونها ‪ ،‬فل يمتنع‬ ‫وجوب الحدّ عليهم ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬السّلح ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬اختلف الفقهاء في اشتراط السّلح في المحارب ‪ .‬فقال الحنفيّة والحنابلة ‪ :‬يشترط أن‬ ‫يكون مع المحارب سلح ‪ ،‬والحجارة والعصيّ سلح " هنا " فإن تعرّضوا للنّاس بالعصيّ‬ ‫والحجار فهم محاربون ‪ .‬أمّا إذا لم يحملوا شيئا ممّا ذكر فليسوا بمحاربين ‪ .‬ول يشترط‬ ‫المالكيّة والشّافعيّة حمل السّلح بل يكفي عندهم القهر والغلبة وأخذ المال ولو باللّكز والضّرب‬ ‫بجمع الكفّ ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬البعد عن العمران ‪:‬‬ ‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو رأي أبي يوسف من الحنفيّة وكثير من أصحاب أحمد إلى‬ ‫أنّه ل يشترط البعد عن العمران وإنّما يشترط فقد الغوث ‪ .‬ولفقد الغوث أسباب كثيرة ‪ ،‬ول‬ ‫ينحصر في البعد عن العمران ‪ .‬فقد يكون للبعد عن العمران أو السّلطان ‪ .‬وقد يكون لضعف‬ ‫أهل العمران ‪ ،‬أو لضعف السّلطان ‪ .‬فإن دخل قوم بيتا وشهروا السّلح ومنعوا أهل البيت‬ ‫ن ذلك‬ ‫من الستغاثة فهم قطّاع طرق في حقّهم ‪ .‬واستدلّ الجمهور بعموم آية المحاربة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫إذا وجد في العمران والمصار والقرى كان أعظم خوفا وأكثر ضررا ‪ ،‬فكان أولى بحدّ‬

‫الحرابة ‪ .‬وذهب الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط البعد عن العمران ‪ .‬فإن‬ ‫حصل منهم الرعاب وأخذ المال في القرى والمصار فليسوا بمحاربين ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لنّ‬ ‫ن من في‬ ‫الواجب يسمّى ح ّد قطّاع الطّرق ‪ ،‬وقطع الطّريق إنّما هو في الصّحراء ‪ ،‬ول ّ‬ ‫القرى والمصار يلحقه الغوث غالبا فتذهب شوكة المعتدين ‪ ،‬ويكونون مختلسين وهو ليس‬ ‫بقاطع ‪ ،‬ول حدّ عليه ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬المجاهرة ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬المجاهرة أن يأخذ قطّاع الطّريق المال جهرا فإن أخذوه مختفين فهم سرّاق ‪ ،‬وإن‬ ‫اختطفوا وهربوا فهم منتهبون ول قطع عليهم ‪ .‬وكذلك إن خرج الواحد ‪ ،‬والثنان على آخر‬ ‫قافلة ‪ ،‬فاستلبوا منها شيئا ‪ ،‬فليسوا بمحاربين لنّهم ل يعتمدون على قوّة ومنعة ‪ .‬وإن‬ ‫تعرّضوا لعدد يسير فقهروهم ‪ ،‬فهم قطّاع طرق ‪.‬‬ ‫حكم الرّدء ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬اختلف الفقهاء في حكم الرّدء أي المعين للقاطع بجاهه أو بتكثير السّواد أو بتقديم أيّ‬ ‫ن حكمه حكم المباشر ‪،‬‬ ‫عون لهم ولم يباشر القطع ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫لنّهم متمالئون وقطع الطّريق يحصل بالكلّ ‪ ،‬ولنّ من عادة القطّاع أن يباشر البعض ‪،‬‬ ‫ويدفع عنهم البعض الخر ‪ ،‬فلو لم يلحق الرّدء بالمباشر في سبب وجوب الحدّ لدّى ذلك إلى‬ ‫انفتاح باب قطع الطّريق ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يحدّ الرّدء ‪ ،‬وإنّما يعزّر كسائر الجرائم الّتي ل‬ ‫حدّ فيها ‪.‬‬ ‫عقوبة المحاربين ‪:‬‬ ‫ن عقوبة المحارب حدّ من حدود اللّه ل تقبل السقاط ول‬ ‫‪ - 16‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫العفو ما لم يتوبوا قبل القدرة عليهم ‪ .‬والصل في ذلك قوله تعالى ‪ { :‬إنّما جزاء الّذين‬ ‫يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم‬ ‫وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الخرة عذاب‬ ‫ن اللّه غفور رحيم } ‪.‬‬ ‫عظيم إلّ الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أ ّ‬ ‫‪ - 17‬واختلف الفقهاء في هذه العقوبات ‪ :‬أهي على التّخيير أم على التّنويع ‪ .‬فذهب الشّافعيّة‬ ‫ن " أو " في الية على ترتيب الحكام ‪ ،‬وتوزيعها على‬ ‫والحنابلة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫ما يليق بها في الجنايات ‪ :‬فمن قتل وأخذ المال ‪ ،‬قتل وصلب ‪ .‬ومن اقتصر على أخذ المال‬ ‫قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ‪ .‬ومن أخاف الطّريق ‪ ،‬ولم يقتل ‪ ،‬ولم يأخذ مال نفي من‬ ‫الرض ‪ .‬والنّفي في هذه الحالة عند الشّافعيّة تعزير وليس حدّا ‪ ،‬فيجوز التّعزير بغيره‬

‫ويجوز تركه إن رأى المام المصلحة في ذلك ‪ .‬وقالوا ‪ :‬بهذا فسّر ابن عبّاس الية فقال ‪:‬‬ ‫المعنى ‪ :‬أن يقتّلوا إن قتلوا ‪ .‬أو يصلّبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال ‪ .‬أو تقطّع أيديهم‬ ‫وأرجلهم من خلف ‪ ،‬إن اقتصروا على أخذ المال ‪ ،‬أو ينفوا من الرض ‪ ،‬إن أرعبوا ‪ ،‬ولم‬ ‫يأخذوا شيئا ولم يقتلوا ‪ ،‬وحملوا كلمة " أو " على التّنويع ل التّخيير ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى } أي قالت اليهود ‪ :‬كونوا هودا وقالت النّصارى ‪ :‬كونوا‬ ‫نصارى ولم يقع تخييرهم بين اليهوديّة ‪ ،‬والنّصرانيّة ‪ .‬وقالوا أيضا ‪ :‬إنّه ل يمكن إجراء الية‬ ‫ن الجزاء على قدر الجناية ‪،‬‬ ‫على ظاهر التّخيير في مطلق المحارب لمرين ‪ :‬الوّل ‪ :‬أ ّ‬ ‫يزداد بزيادة الجناية ‪ ،‬وينقص بنقصانها بمقتضى العقل والسّمع أيضا قال تعالى ‪ { :‬وجزاء‬ ‫سيّئة سيّئة مثلها } فالتّخيير في جزاء الجناية القاصرة بما يشمل جزاء الجناية الكاملة ‪ ،‬وفي‬ ‫الجناية الكاملة بما يشمل جزاء الجناية القاصرة خلف المعهود في الشّرع ‪ .‬يزيد هذا إجماع‬ ‫المّة على أنّ قطّاع الطّرق إذا قتلوا وأخذوا المال ‪ ،‬ل يكون جزاؤهم المعقول النّفي وحده ‪،‬‬ ‫وهذا يدلّ على أنّه ل يمكن العمل بظاهر التّخيير ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أنّ التّخيير الوارد في الحكام‬ ‫المختلفة بحرف التّخيير إنّما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحدا كما في كفّارة‬ ‫اليمين وكفّارة جزاء الصّيد ‪ ،‬أمّا إذا كان السّبب مختلفا ‪ ،‬فإنّه يخرج التّخيير عن ظاهره‬ ‫ل واحد في نفسه ‪ .‬وقطع الطّريق متنوّع ‪ ،‬وبين أنواعه تفاوت‬ ‫ويكون الغرض بيان الحكم لك ّ‬ ‫في الجريمة ‪ ،‬فقد يكون بأخذ المال فقط ‪ ،‬وقد يكون بالقتل ل غير ‪ ،‬وقد يكون بالجمع بين‬ ‫المرين ‪ ،‬وقد يكون بالتّخويف فحسب ‪ ،‬فكان سبب العقاب مختلفا ‪ .‬فتحمل الية على بيان‬ ‫حكم كلّ نوع فيقتّلون ويصلّبون إن قتلوا وأخذوا المال ‪ ،‬وتقطّع أيديهم وأرجلهم من خلف إن‬ ‫أخذوا المال ل غير ‪ ،‬وينفون من الرض ‪ ،‬إن أخافوا الطّريق ‪ ،‬ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا‬ ‫ن اللّه سبحانه وتعالى ‪ :‬بدأ بالغلظ فالغلظ والمعهود من‬ ‫مال ‪ .‬ويدلّ أيضا على ذلك ‪ :‬أ ّ‬ ‫القرآن فيما أريد به التّخيير ‪ ،‬البداءة بالخفّ ككفّارة اليمين ‪ ،‬وما أريد به التّرتيب يبدأ فيه‬ ‫بالغلظ فالغلظ ككفّارة الظّهار ‪ ،‬والقتل ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬إن أخذ قبل قتل نفس أو أخذ‬ ‫شيء حبس بعد التّعزير حتّى يتوب ‪ ،‬وهو المراد بالنّفي في الية ‪ ،‬وإن أخذ مال معصوما‬ ‫بمقدار النّصاب قطعت يده ورجله من خلف ‪ ،‬وإن قتل معصوما ولم يأخذ مال قتل ‪ .‬أمّا إن‬ ‫قتل النّفس وأخذ المال ‪ ،‬وهو المحارب الخاصّ فالمام مخيّر في أمور ثلثة ‪ :‬إن شاء قطع‬ ‫أيديهم وأرجلهم من خلف ثمّ قتلهم ‪ ،‬وإن شاء قتلهم فقط ‪ ،‬وإن شاء صلبهم ‪ ،‬والمراد‬ ‫بالصّلب هنا طعنه وتركه حتّى يموت ول يترك أكثر من ثلثة أيّام ‪ .‬ول يجوز عنده إفراد‬ ‫القطع في هذه الحالة بل ل ب ّد من انضمام القتل أو الصّلب إليه ‪ ،‬لنّ الجناية قتل وأخذ مال ‪،‬‬ ‫والقتل وحده فيه القتل ‪ ،‬وأخذ المال وحده فيه القطع ‪ ،‬ففيهما مع الخاقة ل يعقل القطع وحده‬

‫‪ .‬وقال ‪ :‬صاحباه في هذه الصّورة ‪ :‬يصلبون ويقتلون ول يقطعون ‪ .‬وقال قوم من السّلف ‪:‬‬ ‫ل على التّخيير بين الجزاءات الربعة ‪ .‬فإذا خرجوا لقطع الطّريق وقدر عليهم‬ ‫ن الية تد ّ‬ ‫إّ‬ ‫المام ‪ ،‬خيّر بين أن يجري عليهم أي هذه الحكام إن رأى فيه المصلحة وإن لم يقتلوا ولم‬ ‫يأخذوا مال ‪ .‬وإلى هذا ذهب المام مالك على التّفصيل التّالي ‪ :‬وهو إن قتل فل بدّ من قتله ‪،‬‬ ‫ن في إبقائه مصلحة أعظم من قتله ‪ .‬وليس له تخيير في قطعه ‪ ،‬ول‬ ‫إلّ إن رأى المام أ ّ‬ ‫نفيه ‪ ،‬وإنّما التّخيير في قتله أو صلبه ‪ .‬وإن أخذ المال ولم يقتل ل تخيير في نفيه ‪ ،‬وإنّما‬ ‫التّخيير في قتله ‪ ،‬أو صلبه ‪ ،‬أو قطعه من خلف ‪ ،‬وإن أخاف السّبيل فقط فالمام مخيّر بين‬ ‫قتله ‪ ،‬أو صلبه ‪ ،‬أو قطعه ‪ ،‬باعتبار المصلحة ‪ .‬هذا في حقّ الرّجال ‪ .‬أمّا المرأة فل‬ ‫تصلب ‪ ،‬ول تنفى ‪ ،‬وإنّما حدّها ‪ :‬القطع من خلف ‪ ،‬أو القتل المجرّد واستدلّوا بظاهر‬ ‫ن اللّه تعالى ذكر هذه العقوبات بكلمة " أو " وهي موضوعة للتّخيير ‪ ،‬وهو مذهب‬ ‫الية ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫سعيد بن المسيّب ومجاهد ‪ ،‬والحسن وعطاء بن أبي رباح ‪ .‬وقال ابن عبّاس ‪ :‬ما كان في‬ ‫القرآن " أو " فصاحبه بالخيار ‪.‬‬ ‫كيفيّة تنفيذ العقوبة ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬النّفي ) ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إن أخاف الطّريق ولم يأخذ مال ولم يقتل نفسا فعقوبته‬ ‫النّفي من الرض ‪ .‬واختلفوا في معنى النّفي فقال أبو حنيفة ‪ :‬نفيه حبسه حتّى تظهر توبته أو‬ ‫ن المراد بالنّفي إبعاده عن بلده إلى مسافة البعد ‪ ،‬وحبسه فيه ‪.‬‬ ‫يموت ‪ .‬وذهب مالك ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫وقال الشّافعيّ ‪ :‬المراد بالنّفي الحبس أو غيره كالتّغريب كما في الزّنى ‪ .‬وقال الحنابلة ‪:‬‬ ‫نفيهم ‪ :‬أن يشرّدوا فل يتركوا يستقرّون في بلد ‪ .‬ويروى ذلك عن ابن عبّاس ‪ ،‬وهو قول‬ ‫النّخعيّ وقتادة ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وروي عن ابن عبّاس ‪ :‬أنّه ينفى من بلده إلى بلد غيره كنفي‬ ‫الزّاني ‪ .‬وأمّا المرأة فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تغرّب واستدلّوا لذلك بعموم النّصّ { أو‬ ‫ينفوا من الرض } ‪ .‬واشترطوا لتغريب المرأة أن يخرج معها محرمها فإن لم يخرج معها‬ ‫محرمها فعند أحمد رواية أنّها تغرّب إلى دون مسافة القصر لتقرب من أهلها فيحفظوها ‪.‬‬ ‫وعند الشّافعيّة يؤخّر التّغريب ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه ل تغريب على المرأة ول صلب ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬القتل ‪:‬‬ ‫‪ - 19‬اختلف الفقهاء فيما يغلّب في قتل قاطع الطّريق ‪ ،‬إذا قتل فقط ‪ .‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة‬ ‫وهو قول عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إلى أنّه يغلّب الحدّ ‪ ،‬فيقتل وإن قتل بمثقل ‪ ،‬ول يشترط‬ ‫التّكافؤ بين القاتل والمقتول ‪ ،‬فيقتل الحرّ بالعبد ‪ ،‬والمسلم بال ّذ ّميّ ‪ ،‬كما ل عبرة بعفو مستحقّ‬

‫القود ‪ .‬وقال الشّافعيّة في الرّاجح عندهم ‪ ،‬والحنابلة في إحدى روايتين لحمد ‪ :‬يغلّب جانب‬ ‫القصاص لنّه حقّ آدميّ ‪ ،‬وهو مبنيّ على المضايقة فيقتل قصاصا أوّل ‪ ،‬فإذا عفا مستحقّ‬ ‫القصاص عنه يقتل حدّا ‪ ،‬ويشترط التّكافؤ بين القاتل والمقتول ‪ ،‬لخبر ‪ { :‬ل يقتل مسلم بكافر‬ ‫} وعلى هذا إذا قتل مسلم ذ ّميّا ‪ ،‬أو الحرّ غير حرّ ‪ ،‬ولم يأخذ مال ‪ ،‬لم يقتل قصاصا ‪،‬‬ ‫ويغرم دية ال ّذ ّميّ ‪ ،‬وقيمة الرّقيق ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬القطع من خلف ‪:‬‬ ‫‪ - 20‬يراعى في كيفيّة القطع ما يراعى في قطع السّارق ‪ .‬وينظر مصطلح ‪ ( :‬سرقة ) ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬الصّلب ‪:‬‬ ‫‪ - 21‬اختلف الفقهاء في وقت الصّلب ‪ ،‬ومدّته ‪ :‬فقال الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬يصلب حيّا ‪ ،‬ويقتل‬ ‫مصلوبا ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يترك مصلوبا ثلثة أيّام بعد موته ‪ .‬وعند المالكيّة تحدّد مدّة الصّلب‬ ‫باجتهاد المام ‪ .‬وفي قول للشّافعيّة ‪ :‬إنّه يصلب حيّا للتّشهير به ثمّ ينزل فيقتل ‪ .‬وقال‬ ‫الشّافعيّة في المعتمد والحنابلة ‪ :‬يصلب بعد القتل ‪ ،‬لنّ اللّه تعالى قدّم القتل على الصّلب لفظا‬ ‫ن الصّفا والمروة من شعائر اللّه } ‪.‬‬ ‫‪ .‬فيجب تقديم ما ذكر أوّل في الفعل كقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ن اللّه كتب الحسان على كلّ‬ ‫ن في صلبه حيّا تعذيبا له ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ول ّ‬ ‫شيء ‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة } ‪ .‬وعلى هذا الرّأي ‪ :‬يقتل ‪ ،‬ثمّ يغسّل ‪ ،‬ويكفّن ‪ ،‬ويصلّى‬ ‫عليه ‪ ،‬ثمّ يصلب ‪ ،‬ويترك مصلوبا ثلثة أيّام بلياليها ول يجوز الزّيادة عليها ‪ .‬وينظر تفصيل‬ ‫ما يتّصل بالصّلب في مصطلح ‪ ( :‬تصليب ) ‪.‬‬ ‫ضمان المال والجراحات بعد إقامة الحدّ ‪:‬‬ ‫‪ - 22‬إذا أقيم الحدّ على المحارب ‪ ،‬فهل يضمن ما أخذه من المال ‪ ،‬ويقتصّ منه للجراحات ؟‬ ‫اختلف الئمّة في ذلك ‪ :‬فقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إذا أخذ المحاربون مال وأقيم‬ ‫عليهم الحدّ ضمنوا المال مطلقا ‪ .‬ثمّ صرّح الحنابلة أنّه يجب الضّمان على الخذ فقط ‪ ،‬ل‬ ‫على من كان معه ولم يباشر الخذ ‪ ،‬وهو مقتضى كلم الشّافعيّة ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لنّ وجود‬ ‫الضّمان ليس بحدّ فل يتعلّق بغير المباشر له كالغصب والسّرقة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يعتبر كلّ‬ ‫واحد منهم ضامنا للمال المأخوذ بفعله أو بفعل صاحبه لنّهم كالحملء ( الكفلء ) فكلّ من‬ ‫قدر عليه منهم أخذ بجميع ما أخذه هو وأصحابه لتقوّي بعضهم ببعض ‪ ،‬ومن دفع أكثر ممّا‬ ‫أخذ يرجع على أصحابه ‪ .‬أمّا الجراحات فقال الشّافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ :‬إذا جرح جرحا فيه قود‬ ‫فاندمل لم يتحتّم به قصاص في الظهر عند الشّافعيّة بل يتخيّر المجروح بين القود والعفو‬ ‫ن الشّرع لم‬ ‫ص بالنّفس كالكفّارة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن التّحتّم تغليظ لحقّ اللّه ‪ ،‬فاخت ّ‬ ‫على مال أو غيره ل ّ‬

‫يرد بشرع الحدّ في حقّ المحارب بالجراح ‪ ،‬فبقي على أصله في غير الحرابة ‪ .‬وفي قول‬ ‫عند الشّافعيّة وإحدى روايتين لحمد ‪ :‬يتحتّم فيه القصاص كالنّفس لنّ الجراح تابعة للقتل‬ ‫فيثبت فيها مثل حكمه ‪ .‬والقول الثّالث للشّافعيّة ‪ :‬يتحتّم في اليدين والرّجلين لنّهما ممّا‬ ‫يستحقّان في المحاربة دون غيرهما ‪ .‬أمّا إذا سرى الجرح إلى النّفس فمات المجروح يتحتّم‬ ‫القتل ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا أخذ المحاربون مال وأقيم عليهم الحدّ فإن كان المال قائما‬ ‫ردّوه ‪ ،‬وإن كان تالفا أو مستهلكا ل يضمنونه ‪ ،‬لنّه ل يجمع عندهم بين الح ّد والضّمان ‪،‬‬ ‫وكذلك الجراحات سواء كانت خطأ أم عمدا ‪ ،‬لنّه إذا كانت خطأ ‪ ،‬فإنّها توجب الضّمان ‪،‬‬ ‫وإن كانت عمدا ‪ ،‬فإنّ الجناية فيما دون النّفس يسلك بها مسلك الموال ‪ ،‬ول يجب ضمان‬ ‫المال مع إقامة الحدّ فكذلك الجراحات ‪.‬‬ ‫ما تثبت به الحرابة ‪:‬‬ ‫ن جريمة الحرابة تثبت قضاء بالقرار ‪ ،‬أو بشهادة عدلين ‪.‬‬ ‫‪ - 23‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫وتقبل شهادة الرّفقة في الحرابة ‪ ،‬فإذا شهد على المحارب اثنان من المقطوع عليهم لغيرهما‬ ‫ولم يتعرّضا لنفسهما في الشّهادة قبلت شهادتهما ‪ ،‬وليس على القاضي البحث عن كونهما من‬ ‫المقطوع عليهم ‪ ،‬وإن بحث لم يلزمهم الجابة ‪ ،‬أمّا إذا تعرّضوا لنفسهما بأن يقول ‪ :‬قطعوا‬ ‫ق غيرهما للعداوة ‪ .‬وقال‬ ‫علينا الطّريق ‪ ،‬ونهبوا أموالنا لم يقبل ‪ ،‬ل في حقّهما ول في ح ّ‬ ‫مالك ‪ :‬تقبل شهادتهم في هذه الحالة ‪ ،‬وتقبل عنده في الحرابة شهادة السّماع ‪ .‬حتّى لو شهد‬ ‫اثنان عند الحاكم على رجل اشتهر بالحرابة أنّه هو المشتهر بالحرابة تثبت الحرابة بشهادتهما‬ ‫وإن لم يعايناه ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلحي ‪ ( :‬شهادة وإقرار ) ‪.‬‬ ‫سقوط عقوبة الحرابة ‪:‬‬ ‫‪ - 24‬يسقط حدّ الحرابة عن المحاربين بالتّوبة قبل القدرة عليهم ‪ ،‬وذلك في شأن ما وجب‬ ‫ل اتّفاق‬ ‫عليهم حقّا للّه ‪ ،‬وهو تحتّم القتل ‪ ،‬والصّلب ‪ ،‬والقطع من خلف ‪ ،‬والنّفي ‪ ،‬وهذا مح ّ‬ ‫ل الّذين تابوا من قبل أن تقدروا‬ ‫بين أصحاب المذاهب الربعة ‪ .‬واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬ ‫عليهم } فاللّه سبحانه وتعالى قد أوجب عليهم الحدّ ‪ ،‬ثمّ استثنى التّائبين قبل القدرة عليهم ‪ .‬أمّا‬ ‫حقوق الدميّين فل تسقط بالتّوبة ‪ .‬فيغرمون ما أخذوه من المال عند الجمهور وعند الحنفيّة‬ ‫إن كان المال قائما ‪ ،‬ويقتصّ منهم إذا قتلوا على التّفصيل السّابق ‪ ،‬ول يسقط إلّ بعفو‬ ‫مستحقّ الحقّ في مال أو قصاص ‪.‬‬ ‫حراسة‬ ‫التّعريف‬

‫‪ - 1‬الحراسة في اللّغة اسم مصدر من حرس الشّيء يحرسه ويحرسه حرسا ‪ ،‬حفظه حفظا‬ ‫مستمرّا ‪ ،‬وهو أن يصرف الفات عن الشّيء قبل أن تصيبه صرفا مستمرّا ‪ ،‬فإذا أصابته‬ ‫فصرفها عنه سمّي تخليصا ‪ ،‬واشتقاقه من الحرس وهو الدّهر ‪ .‬وحرس أيضا إذا سرق‬ ‫فالفعل من الضداد عند العرب ‪ ،‬ويطلقون على الشّاة يدركها اللّيل قبل رجوعها إلى مأواها‬ ‫فتسرق ‪ ،‬حريسة ‪ .‬وفي الصطلح ل يخرج عن المعنى اللّغويّ وهو حفظه الشّيء حفظا‬ ‫مستمرّا ( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الرّباط ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬هو القامة بالثّغر تقوية للمسلمين على الكفّار ‪ ،‬والثّغر كلّ مكان يخيف أهله العدوّ‬ ‫ويخيفهم ‪ ،‬وأصل الرّباط من رباط الخيل لنّ هؤلء يربطون خيولهم وهؤلء يربطون‬ ‫خيولهم كلّ يعدّ لصاحبه فسمّي المقام بالثّغر رباطا وإن لم يكن فيه خيل ‪ .‬وقد روي في فضل‬ ‫الرّباط أحاديث منها ما روى سلمان رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫وسلم يقول ‪ { :‬رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ‪ ،‬وإن مات جرى عليه عمله الّذي‬ ‫كان يعمله ‪ ،‬وأجري عليه رزقه وأمن الفتّان } ‪ .‬فالرّباط أخصّ من الحراسة لنّه حراسة‬ ‫لثغر بالقامة فيه ب ‪ -‬الحمى ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الحمى يكون في بقعة موات لرعي نعم جزية أو صدقة ‪ ،‬ويكون بمنع المام النّاس من‬ ‫ن الزّهريّ‬ ‫رعيها إذا لم يضرّ بهم ‪ ،‬لنّه { حمى النّقيع لخيل المسلمين } ‪ .‬وعن البخاريّ أ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم حمى النّقيع } ‪ ،‬وأنّ عمر حمى الشّرف والرّبذة ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬بلغنا { أ ّ‬ ‫فالحمى حراسة بقعة معيّنة حتّى ل يرعاها غير نعم الجزية أو الصّدقة ‪.‬‬ ‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬يختلف حكم الحراسة باختلف أحوالها وتعتريها الحكام الخمسة ‪ :‬فتكون الحراسة‬ ‫واجبة كحراسة طائفة من الجيش للخرى الّتي تصلّي صلة الخوف عمل بقول ربّنا جلّ‬ ‫وعل { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا‬ ‫فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم‬ ‫و ّد الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ول جناح عليكم‬ ‫ن اللّه أعدّ‬ ‫إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إ ّ‬ ‫للكافرين عذابا مهينا } ‪ .‬وفي تفصيل ذلك ينظر مصطلح ( صلة الخوف ) ‪ .‬وتكون مستحبّة‬ ‫كالحراسة والمرابطة في الثّغور تطوّعا وفي غير تهديد العد ّو لنا ‪ ،‬لحديث سلمان رضي ال‬ ‫عنه السّابق ‪ .‬ومنها الحراسة في الغزو تطوّعا جاء في فضلها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪ { :‬من حرس من وراء المسلمين متطوّعا ل يأخذه سلطان لم ير النّار بعينيه إلّ تحلّة القسم }‬

‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬عينان ل تمسّهما النّار عين بكت من خشية اللّه وعين باتت‬ ‫تحرس في سبيل اللّه } ‪ .‬وتكون مباحة كمن يؤجّر نفسه لحراسة مباح كحارس الثّمار‬ ‫والسواق وما شابه ذلك ‪ .‬وتكون محرّمة كحراسة ما يؤدّي إلى فساد الدّين ‪ ...‬ومن ذلك‬ ‫حراسة أماكن اللّهو المحرّم والخمر والفجور ونحوها ‪.‬‬ ‫حكم استخدام الكلب وما شابه للحراسة ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء في الجملة على جواز استخدام الكلب للحراسة ‪ ،‬لحديث أبي هريرة مرفوعا‬ ‫ل كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كلّ يوم قيراط } أمّا في‬ ‫{ من اتّخذ كلبا إ ّ‬ ‫حكم ضمان الحارس فخلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬ضمان ) و ( وديعة ) ‪.‬‬ ‫حرام انظر ‪ :‬تحريم ‪.‬‬ ‫حرب انظر ‪ :‬جهاد‬ ‫حربيّ انظر ‪ :‬أهل الحرب ‪ ،‬دار الحرب ‪.‬‬ ‫حرج‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحرج في اللّغة بمعنى الضّيق يقال حرج الرّجل ‪ :‬أثم ‪ ،‬وصدر حرج ‪ :‬ضيّق ‪ ،‬ورجل‬ ‫حرج ‪ :‬آثم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬تحرّج النسان تحرّجا أي فعل فعل جانب به الحرج ‪ ،‬وهذا ممّا ورد‬ ‫لفظه مخالفا لمعناه ‪ ،‬ويطلق الحرج في اللّغة على معان أخرى لكنّها ل تخرج في دللتها عن‬ ‫معنى الضّيق وما يلزمه من المعاني المجازيّة كالثم والحرام ‪ .‬ومن إطلقاته أيضا ‪:‬‬ ‫الموضع الّذي فيه أشجار كثيرة ل تصل إليه الرّاعية ‪ ،‬يقال ‪ :‬هذا مكان حرج أي ضيّق كثير‬ ‫ل ما تسبّب في الضّيق ‪،‬‬ ‫الشّجر ‪ .‬ويفهم من استعمالت الفقهاء لكلمة الحرج أنّه يطلق على ك ّ‬ ‫سواء أكان واقعا على البدن ‪ ،‬أم على النّفس ‪ ،‬أم عليهما معا ‪ .‬وأمّا عند الصوليّين ‪ :‬فهو‬ ‫كّليّ مشكّك بعض أفراده أقوى من بعض ول يعتبر كلّ مرتبة منه ‪ ،‬بل ما ثبت من الشّارع‬ ‫سنّة ‪:‬‬ ‫اعتباره حرجا ‪ .‬ورود لفظ الحرج في الكتاب وال ّ‬ ‫‪ - 2‬ورد لفظ الحرج في القرآن الكريم ‪ ،‬فتارة فسّر بمعنى الثم كما في قوله تعالى ‪ { :‬ليس‬ ‫على الضّعفاء ول على المرضى ول على الّذين ل يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا للّه‬ ‫شدّة والضّيق كما في قوله تعالى ‪ { :‬فل وربّك ل يؤمنون‬ ‫ورسوله } ‪ ،‬وتارة فسّر بمعنى ال ّ‬ ‫حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ ل يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما } ‪.‬‬

‫سنّة ‪ :‬وردت كلمة الحرج بكثرة وأغلبها يعود إلى المعاني التّالية ‪ - :‬الثم ‪ :‬كما‬ ‫وكذلك في ال ّ‬ ‫في قوله صلى ال عليه وسلم { حدّثوا عن بني إسرائيل ول حرج } أي ول إثم عليكم أن‬ ‫تحدّثوا عنهم ما سمعتم ‪ - .‬الحرام ‪ :‬كما روى أبو هريرة مرفوعا { اللّهمّ إنّي أحرّج حقّ‬ ‫شدّة ‪ :‬كقول ابن عبّاس حينما سئل عن‬ ‫الضّعيفين ‪ :‬اليتيم والمرأة } ‪ :‬أي أحرّم ‪ - .‬الضّيق وال ّ‬ ‫ي على الصّلة ‪ :‬إنّي كرهت‬ ‫أسباب أمره المؤذّن أن يقول ‪ :‬صلّوا في بيوتكم " بدل من " ح ّ‬ ‫أن أخرجكم فتمشون في الطّين والدّحض ( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الرّخصة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الرّخصة في اللّغة اليسر والسّهولة يقال ‪ :‬رخص السّعر إذا تراجع ‪ ،‬وسهل الشّراء ‪.‬‬ ‫وفي الشّريعة ‪ :‬عبارة عمّا وسّع للمكلّف في فعله لعذر ‪ ،‬وعجز عنه مع قيام السّبب المحرّم ‪.‬‬ ‫كتناول الميتة عند الضطرار ‪ ،‬وسقوط أداء رمضان عن المسافر ‪ .‬وهذا هو المراد من‬ ‫عبارات الصوليّين ‪ ،‬وهو المعنى الحقيقيّ للرّخصة ‪ .‬والعلقة بين الرّخصة والحرج الضّدية‬ ‫‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬رخصة ) والملحق الصوليّ ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬العزيمة ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬العزيمة في اللّغة عبارة عن القصد المؤكّد ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬ولم نجد له عزما } ‪.‬‬ ‫ن العزيمة عبارة عمّا‬ ‫وفي الشّريعة لها تعريفات كثيرة أقربها ما عرّفها به الغزاليّ وهو ‪ :‬أ ّ‬ ‫لزم العباد بإيجاب اللّه تعالى » ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬عزيمة ) والملحق الصوليّ‬ ‫‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬المشقّة ‪:‬‬ ‫شدّة ‪ ،‬يقال ‪ :‬شقّ عليه الشّيء يشقّ شقّا ‪،‬‬ ‫‪ - 5‬المشقّة في اللّغة بمعنى الجهد والعناء وال ّ‬ ‫ل بشقّ النفس } ‪.‬‬ ‫ومشقّة إذا أتعبه ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬لم تكونوا بالغيه إ ّ‬ ‫د ‪ -‬الضّرورة ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬الضّرورة اسم من الضطرار ومأخوذة من الضّرر ‪ ،‬وهو ضدّ النّفع ‪ .‬وفي الشّرع‬ ‫بلوغ النسان حدّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب ‪ ،‬وهذا يبيح تناول الحرام ‪ .‬وتعتبر‬ ‫حالة الضّرورة من أعلى أنواع الحرج الموجبة للتّخفيف ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪:‬‬ ‫( ضرورة ) والملحق الصوليّ ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬الحاجة ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬الحاجة في الصل ‪ :‬الفتقار إلى الشّيء الّذي يوفّر تحقّقه رفع الضّيق المؤدّي في‬ ‫الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب ‪ ،‬ولكنّها لو لم تراع لم يدخل على المكلّف‬

‫الفساد العظيم المتحقّق لفقدان المصالح الضّروريّة ‪ .‬كالجائع الّذي لو لم يأكل لم يهلك ‪.‬‬ ‫والحاجة قد تنزّل منزلة الضّرورة لعتبارات معيّنة ‪.‬‬ ‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬ ‫‪ - 8‬الحرج مرفوع شرعا لقوله تعالى ‪ { :‬يريد اللّه بكم اليسر ول يريد بكم العسر } قوله‬ ‫تعالى ‪ { :‬وما جعل عليكم في الدّين من حرج } ومنه القاعدة الفقهيّة ‪ :‬المشقّة تجلب التّيسير "‬ ‫قال الفقهاء ‪ :‬على هذه القاعدة يتخرّج جميع رخص الشّرع كالتّخفيف لجل السّفر والمرض‬ ‫ونحوها ‪ .‬ومثلها قاعدة ‪ :‬الضّرورات تبيح المحظورات » ‪ .‬كأكل الميتة عند المخمصة‬ ‫وإساغة اللّقمة بالخمر ونحوها ‪ .‬وتفصيل ذلك وما يترتّب على الحرج من أحكام في الملحق‬ ‫الصوليّ ‪.‬‬ ‫حرّ‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحرّ من الرّجال خلف العبد ‪ ،‬وسمّي حرّا لخلوصه من ال ّرقّ ‪ ،‬وهو مأخوذ من قولهم‬ ‫‪ :‬رجل حرّ إذا خلص من الختلط بغيره ‪ ،‬وجمع الحرّ أحرار ‪ ،‬والحرّة خلف المة ‪،‬‬ ‫والحرّة أيضا الكريمة ‪ ،‬وجمعها حرائر على خلف القياس ‪ ،‬كشجرة مرّة وشجر مرائر ‪،‬‬ ‫ويستعار الحرّ أيضا للكريم ‪ ،‬كالعبد للّئيم ‪ .‬وهو في اصطلح الفقهاء ‪ :‬من خلصت ذاته عن‬ ‫شائبة ال ّرقّ والملك ‪ ،‬وهو ضربان ‪ :‬ضرب استقرّت له الحرّيّة فذاك ‪ ،‬وضرب يحكم بح ّريّته‬ ‫ظاهرا كاللّقيط ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬المبعّض ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬المبعّض هو من بعضه حرّ وبعضه مملوك ‪ ،‬وتعرف أحكامه بالرّجوع إلى مصطلح‬ ‫( تبعيض ) ب ‪ -‬العبد ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬العبد هو المملوك من الذّكور خاصّة ‪ .‬قال الزّرقانيّ ‪ :‬وإن كان لفظ العبد يشمل النثى‬ ‫شرعا نحو { وما ربّك بظلّام للعبيد } لكنّ العرف أصل من أصول الشّرع يخصّص العامّ‬ ‫ويقيّد المطلق ‪ .‬وهو يصدق على القنّ ‪ ،‬وهو من ملك هو وأبواه ‪ ،‬أو هو الّذي لم ينعقد له‬ ‫سبب الح ّريّة ‪ .‬وعلى المدبّر ‪ :‬وهو من علق عتقه بالموت الّذي هو دبر الحياة ‪ .‬وعلى‬ ‫المكاتب ‪ :‬وهو من علق عتقه بلفظ الكتابة وبعوض منجّم بنجمين فأكثر ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬المة ‪:‬‬

‫‪ - 4‬المة وهي النثى من المماليك سواء أكانت كاملة العبوديّة أم مكاتبة أم مدبّرة ‪ ،‬ولفظ‬ ‫المة يصدق على أمّ الولد ‪ ،‬وهي الّتي أحبلها سيّدها فولدت حيّا أو ميّتا ‪ ،‬أو ما تجب فيه‬ ‫غرّة كمضغة فيها صورة آدميّ ظاهرة أو خفيّة أخبر بها القوابل ‪ .‬الحكام الجماليّة ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬الصل في النسان الح ّريّة ‪ ،‬وال ّرقّ طارئ على النسان ‪ ،‬والصل في أحكام الشّريعة‬ ‫أنّها للحرار ‪ ،‬ويوافق الرّقيق الحرار في أغلب الحكام ‪ ،‬وهناك أحكام يختصّ بها الرّقيق‬ ‫تنظر في مصطلح ‪ ( :‬رقّ ) ‪ .‬الحرّ ل يدخل تحت اليد ‪:‬‬ ‫ن الحرّ ل يستولى عليه استيلء‬ ‫‪ - 6‬وهي قاعدة فقهيّة تذكرها كتب القواعد ومعناها ‪ :‬أ ّ‬ ‫الغصب والملك فل يباع ول يشترى ‪ ،‬ومن فروعها أنّه لو حبس إنسان حرّا ولم يمنعه الطّعام‬ ‫حتّى مات حتف أنفه أو بانهدام حائط ونحوه لم يضمنه ‪ ،‬ولو كان عبدا ضمنه ‪ ،‬ول يضمن‬ ‫ن ثياب‬ ‫منافعه ما دام في حبسه إذا لم يستوفها ‪ ،‬ويضمن منافع العبد ‪ .‬ومن فروعها أيضا أ ّ‬ ‫الحرّ وما في يده من المال ل يدخل في ضمان الغاصب ‪ ،‬لنّها في يد الحرّ حقيقة ‪ ،‬وكذا لو‬ ‫كان صغيرا أو مجنونا على الصحّ ‪.‬‬ ‫حرز‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحرز في اللّغة ‪ :‬الموضوع الّذي يحفظ فيه الشّيء ‪ ،‬والجمع أحراز ‪ ،‬تقول ‪ :‬أحرزت‬ ‫الشّيء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الخذ ‪ .‬وللحرز معان أخرى منها‬ ‫‪ :‬الموضع الحصين ‪ :‬يقال ‪ :‬هذا حرز حريز ‪ ،‬للتّأكيد ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬حصن حصين ‪.‬‬ ‫والتّعويذة ‪ .‬والنّصيب ‪ ،‬كما يقال ‪ .‬أخذ حرزه ‪ .‬أي نصيبه ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬هو ما نصب‬ ‫عادة لحفظ أموال النّاس ‪ ،‬كالدّار ‪ ،‬والحانوت ‪ ،‬والخيمة ‪ ،‬والشّخص ‪ .‬وقال ابن رشد ‪:‬‬ ‫الشبه أن يقال في ح ّد الحرز ‪ :‬إنّه ما شأنه أن تحفظ به الموال كي يعسر أخذها مثل‬ ‫ن تحديد الحرز مرجعه إلى العرف والعادة ‪ .‬قال‬ ‫الغلق والحظائر ‪ .‬والفقهاء متّفقون على أ ّ‬ ‫الغزاليّ ‪ :‬والحرز ما ل يعدّ المالك أنّه مضيّع لماله إذا وضعه فيه ‪ .‬ومرجعه العرف لنّه‬ ‫ليس له ضابط لغة ول شرعا ‪ ،‬كالقبض في المبيع والحياء في الموات ‪ .‬والعرف يتفاوت ‪،‬‬ ‫ولذلك فهو يختلف باختلف الحوال ‪ ،‬والوقات ‪.‬‬ ‫( الحكم الجماليّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الخذ من الحرز شرط من شروط القطع في السّرقة للمال المملوك عند جمهور الفقهاء ‪،‬‬ ‫فل يجب القطع حتّى ينفصل المال عن جميع الحرز ‪ ،‬ولذلك إذا جمع المتاع ولم يخرج به‬ ‫من الحرز ل يجب القطع ‪ ،‬وإليه ذهب عطاء ‪ ،‬والشّعبيّ ‪ ،‬وأبو السود الدّؤليّ ‪ ،‬وعمر بن‬ ‫عبد العزيز ‪ ،‬والزّهريّ ‪ ،‬وعمرو بن دينار ‪ ،‬والثّوريّ ‪ ،‬ومالك والشّافعيّ ‪ ،‬وأهل الرّأي ‪.‬‬

‫ل قول حكي عن عائشة والحسن‬ ‫قال ابن قدامة ‪ :‬ل نعلم لحد من أهل العلم خلفا ‪ ،‬إ ّ‬ ‫والنّخعيّ فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع ‪ .‬والصل في اشتراط الحرز‬ ‫ما روي في الموطّأ عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬ل قطع في ثمر معلّق ول في‬ ‫ن } وروي عنه عليه‬ ‫حريسة جبل ‪ ،‬فإذا آواه المراح أو الجرين ‪ ،‬فالقطع فيما بلغ ثمن المج ّ‬ ‫ل فيما آواه الجرين ‪ .‬فما‬ ‫الصلة والسلم أنّه قال ‪ { :‬ليس في شيء من الثّمر المعلّق قطع إ ّ‬ ‫ن ففيه غرامة مثليّة‬ ‫أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجنّ ففيه القطع ‪ ،‬وما لم يبلغ ثمن المج ّ‬ ‫وجلدات نكال } ‪ .‬واختلف الفقهاء فيما يعتبر به المال محرزا ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬يعتبر محرزا‬ ‫بالملحظة أو حصانة الموضع ‪ .‬وفي المسألة تفصيل ينظر في سرقة وقطع ‪.‬‬ ‫أنواع الحرز ‪ :‬الحرز نوعان ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الحرز بالمكان ‪:‬‬ ‫ل بإذن كالدّور ‪،‬‬ ‫‪ - 3‬وهو كلّ بقعة معدّة للحراز ممنوع الدّخول فيها أو الخذ منها إ ّ‬ ‫والحوانيت ‪ ،‬والخيم ‪ ،‬والخزائن ‪ ،‬والصّناديق ‪ .‬فهذا النّوع يكون حرزا بنفسه سواء وجد‬ ‫ن البناء يقصد به الحراز وهو المعتبر‬ ‫حافظ أم ل ‪ ،‬وسواء كان الباب مغلقا ‪ ،‬أو مفتوحا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫بنفسه ‪ ،‬بدون صاحبه ‪ ،‬لنّه عليه الصلة والسلم علق القطع بإيواء الجرين والمراح من‬ ‫ل منهما حرزا ‪.‬‬ ‫غير شرط وجود الحافظ ‪ ،‬لصيرورة ك ّ‬ ‫‪ - 2‬الحرز بالحافظ ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬ويكون في كلّ مكان غير معدّ للحراز ‪ ،‬يدخل إليه بل إذن ‪ ،‬ول يمنع منه كالمساجد‬ ‫والطّرق ‪ ،‬فهذا النّوع حكمه حكم المفاوز والصّحراء إن لم يكن هناك حافظ قريب من المال‬ ‫يمكنه حفظه ‪ ،‬فإن كان فهو محرز به ‪ .‬وفي المسألة تفصيل وخلف ينظر في ( سرقة ‪،‬‬ ‫وقطع ) ‪ .‬والفرق بين النّوعين ‪ :‬أنّ القطع ل يجب بالخذ من الحرز بالمكان إلّ بالخراج‬ ‫ن يد المالك قائمة ما لم يخرجه ‪ ،‬فلم تت ّم السّرقة ‪ .‬وأمّا المحرز‬ ‫منه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن يد المالك تزال بمجرّد الخذ ‪ ،‬فتمّت السّرقة ‪.‬‬ ‫بالحافظ فيجب القطع بمجرّد أخذه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫مواطن البحث ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬فصّل الفقهاء الكلم حول الحرز في باب السّرقة عند الكلم عن شروطها ‪ ،‬وفي العقود‬ ‫الّتي لها ضمان كالوديعة وغيرها ‪ .‬وباب السّير عند الكلم عن الغنيمة ‪ .‬وينظر مصطلح‬ ‫( قبض ) ‪.‬‬ ‫حرفة‬ ‫التّعريف‬

‫‪ - 1‬الحرفة اسم من الحتراف وهو الكتساب ‪ ،‬يقال ‪ :‬هو يحرف لعياله ويحترف ‪.‬‬ ‫والمحترف ‪ :‬الصّانع ‪ ،‬وفلن حريفيّ ‪ ،‬أي معامليّ ‪ ،‬وجمعه حرفاء ‪ .‬والمحرّف ‪ :‬الّذي نما‬ ‫ماله وصلح ‪ ،‬والسم ‪ :‬الحرفة ‪ .‬والحرفة ‪ :‬الصّناعة وجهة الكسب ‪ .‬وفي حديث عائشة ‪:‬‬ ‫لمّا استخلف أبو بكر رضي ال عنهما قال ‪ :‬لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة‬ ‫أهلي ‪ ،‬وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ‪ ،‬واحترف للمسلمين فيه ‪.‬‬ ‫أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم وتثمير مكاسبهم وأرزاقهم ‪ .‬ول يخرج استعمال‬ ‫الفقهاء للفظ الحرفة عن المعنى اللّغويّ فهم يعتبرون كلّ ما كان طريقا للكتساب حرفة ومن‬ ‫ذلك الوظائف ‪ .‬يقول ابن عابدين ‪ :‬الوظائف تعتبر من الحرف ‪ ،‬لنّها صارت طريقا‬ ‫للكتساب ‪ .‬وفي نهاية المحتاج ‪ :‬الحرفة هي ما يتحرّف به لطلب الرّزق من الصّنائع‬ ‫وغيرها ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬صنعة ‪ -‬كسب ‪ -‬عمل ‪ -‬مهنة ‪ :‬هذه اللفاظ ترادف الحرفة بمعنى الطّريقة الّتي‬ ‫ل منها حرفة‬ ‫يكتسب بها ‪ .‬وقد يكون الكسب والعمل والمهنة أعمّ من الحرفة إذ قد يكون ك ّ‬ ‫وقد ل يكون ‪ .‬والحرفة أع ّم من الصّنعة ‪ .‬إذ الصّنعة تكون في العمل باليد في حين أنّ‬ ‫الحرفة قد تكون باليد قد تكون بالعقل والتّفكير ‪ .‬وينظر تفصيل معاني هذه اللفاظ في أبحاث‬ ‫( احتراف ‪ -‬اكتساب ‪ -‬امتهان ) ‪ .‬الحكم التّكليفيّ للقيام بالحرف ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬القيام بالحرف في الجملة فرض كفاية وقد ينقلب إلى فرض عين ‪ ،‬وتفصيل ذلك في‬ ‫مصطلح ‪ :‬احتراف فقرة ‪. 10‬‬ ‫ما يتعلّق بالحرفة من أحكام ‪ :‬أوّل ‪ :‬الصّلة بثياب الحرفة ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬طهارة الثّوب والبدن والمكان شرط من شروط الصّلة ‪ .‬ومن كانت حرفته تصيب‬ ‫النّجاسة بسببها ثوبه ‪ ،‬أو بدنه كالجزّار والكنّاس فإنّه يجعل لنفسه ثوبا طاهرا للصّلة فيه ‪ ،‬أو‬ ‫يجتهد في إبعاد ثوبه عن النّجاسة ‪ .‬فإن تعذّر إعداد ثوب آخر ‪ ،‬وتعذّر إبعاد ثوبه عن‬ ‫النّجاسة ‪ .‬وغلب وصول النّجاسة للثّوب فإنّه يصلّي فيه ‪ ،‬ويعفى عن النّجاسة بالنّسبة إليه‬ ‫لدفع الحاجة ‪ .‬بهذا صرّح المالكيّة ‪ .‬وقال ابن قدامة ‪ :‬من لم يجد إلّ ثوبا نجسا قال أحمد ‪:‬‬ ‫يصلّي فيه ول يصلّي عريانا وهو قول المزنيّ ‪ .‬وقال الشّافعيّ وأبو ثور ‪ :‬يصلّي عريانا ول‬ ‫يعيد لنّها سترة نجسة فلم تجز له الصّلة فيها كما لو قدر على غيرها ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬إن‬ ‫كان جميع الثّوب نجسا فهو مخيّر في الفعلين ‪ ،‬لنّه ل بدّ من ترك واجب في كل الفعلين ‪،‬‬ ‫وإن كان صلته في الثّوب النّجس أولى ‪ ،‬لنّه بالصّلة في الثّوب النّجس يستر عورته وستر‬ ‫العورة واجب في الصّلة وخارجها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬وقت الصّلة للمحترف ‪:‬‬ ‫ل مسلم مكلّف ‪ .‬وصاحب الحرفة إذا كان أجيرا خاصّا‬ ‫‪ - 5‬الصّلة في أوقاتها واجبة على ك ّ‬ ‫لمدّة معيّنة فإنّ الجارة ل تمنعه من أداء المفروض عليه من الصّلة ول يحتاج لذن‬ ‫المستأجر في ذلك ‪ ،‬ول ينقص ذلك من أجره ‪ .‬وفي أداء السّنن خلف ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك‬ ‫في ( إجارة ‪ ،‬صلة ) ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬صيام أصحاب الحرف ‪:‬‬ ‫ل مسلم مكلّف ‪ ،‬ول يعفى من أداء الصّيام في وقته إلّ‬ ‫‪ - 6‬صيام رمضان فرض على ك ّ‬ ‫أصحاب العذار المرخّص لهم في الفطر كالمريض والمسافر ‪ .‬أمّا بالنّسبة لصحاب الحرف‬ ‫فمفاد نصوص الفقهاء أنّه إن كان هناك حاجة شديدة لعمله في نهار رمضان ‪ ،‬أو خشي تلف‬ ‫المال إن لم يعالجه ‪ ،‬أو سرقة الزّرع إن لم يبادر لحصاده ‪ ،‬فله أن يعمل مع الصّوم ولو أدّاه‬ ‫العمل إلى الفطر حين يخاف الجهد ‪ .‬وليس عليه ترك العمل ليقدر على إتمام الصّوم ‪ ،‬وإذا‬ ‫أفطر فعليه القضاء فقط ‪ .‬وفيما يلي بعض النّصوص في ذلك ‪ :‬فقد نقل ابن عابدين عن‬ ‫الفتاوى ‪ :‬سئل عليّ بن أحمد عن المحترف إذا كان يعلم أنّه لو اشتغل بحرفته يلحقه مرض‬ ‫يبيح الفطر وهو محتاج للنّفقة هل يباح له الكل قبل أن يمرض فمنع من ذلك أشدّ المنع ‪،‬‬ ‫وهكذا حكاه عن أستاذه الوبريّ ‪ .‬وسئل أبو حامد عن خبّاز يضعف في آخر النّهار هل له‬ ‫أن يعمل هذا العمل قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكن يخبز نصف النّهار ويستريح الباقي ‪ ،‬فإن قال ل يكفيه‬ ‫كذّب بأيّام الشّتاء فإنّها أقصر فما يفعله فيها يفعله اليوم ‪ .‬وقال الرّمليّ في جامع الفتاوى ‪ :‬لو‬ ‫ل يوم نصف صاع إذا لم‬ ‫ضعف عن الصّوم لشتغاله بالمعيشة ‪ ،‬فله أن يفطر ويطعم لك ّ‬ ‫يدرك عدّة من أيّام أخر يمكنه الصّوم فيها وإلّ وجب عليه القضاء ‪ .‬وعلى هذا الحصاد إذا لم‬ ‫يقدر عليه مع الصّوم ويهلك الزّرع بالتّأخير ‪ ،‬ل شكّ في جواز الفطر والقضاء ‪ ،‬وكذا الخبّاز‬ ‫ن طول النّهار وقصره ل دخل له في الكفاية ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬والّذي‬ ‫وفي تكذيبه نظر ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ينبغي في مسألة المحترف ‪ -‬حيث كان الظّاهر أنّ ما مرّ من تفقّهات المشايخ ل من منقول‬ ‫المذهب ‪ -‬أن يقال ‪ :‬إذا كان عنده ما يكفيه وعياله ل يحلّ له الفطر ‪ ،‬لنّه يحرم عليه السّؤال‬ ‫ل فله العمل بقدر ما يكفيه ‪ ،‬كأن يعلم أنّ صيامه مع العمل‬ ‫من النّاس فالفطر أولى ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫سيؤدّيه إلى الفطر يحلّ له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك ممّا ل يؤدّيه إلى الفطر ‪ ،‬وكذا لو‬ ‫خاف هلك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل وهو يقدر عليها ‪ .‬ولو آجر‬ ‫ن له الفطر ‪ ،‬وإن كان عنده ما يكفيه إذا‬ ‫نفسه في العمل مدّة معلومة فجاء رمضان فالظّاهر أ ّ‬ ‫لم يرض المستأجر بفسخ الجارة ‪ ،‬كما في الظّئر فإنّه يجب عليها الرضاع بالعقد ‪ ،‬ويحلّ‬

‫لها الفطار إذا خافت على الولد فيكون خوفه على نفسه أولى ‪ .‬وفي التّاج والكليل من كتب‬ ‫المالكيّة ‪ :‬نقل ابن محرز عن مالك في الّذي يعالج من صنعته فيعطش فيفطر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل‬ ‫ينبغي للنّاس أن يتكلّفوا من علج الصّنعة ما يمنعهم من الفرائض وشدّد في ذلك ‪ .‬فقال ابن‬ ‫محرز ‪ :‬يحتمل أن يكون إنّما شدّد في ذلك لمن كان في كفاية من عيشه أو كان يمكنه من‬ ‫التّسبّب ما ل يحتاج معه إلى الفطر ‪ ،‬وإلّ كره له ‪ .‬بخلف ربّ الزّرع فل حرج عليه ‪ .‬وفي‬ ‫ن الحصاد المحتاج له الحصاد ‪ ،‬أي ولو أدّى به إلى الفطر‬ ‫نوازل البرزليّ ‪ :‬الفتوى عندنا أ ّ‬ ‫ل كره له ‪ ،‬بخلف ربّ الزّرع فل حرج عليه مطلقا لحراسة ماله ‪ ،‬وقد نهى عن إضاعة‬ ‫وإ ّ‬ ‫المال ‪ .‬وفي حاشية الجمل من كتب الشّافعيّة ‪ :‬يباح ترك الصّوم لنحو حصاد ‪ ،‬أو بناء لنفسه‬ ‫أو لغيره تبرّعا أو بأجرة ‪ ،‬وإن لم ينحصر المر فيه وقد خاف على المال إن صام وتعذّر‬ ‫العمل ليل ‪ ،‬أو لم يكفه فيؤدّي لتلفه أو نقصه نقصا ل يتغابن بمثله ‪ .‬هذا هو الظّاهر من‬ ‫كلمهم ‪ ،‬ويؤيّده إباحة الفطر لنقاذ محترم ‪ ،‬خلفا لمن أطلق في نحو الحصاد المنع ‪ ،‬ولمن‬ ‫أطلق الجواز ‪ .‬ولو توقّف كسبه لنحو قوته المضطرّ إليه هو أو مموّنه على فطره ‪ ،‬فظاهر‬ ‫ن له الفطر لكن بقدر الضّرورة ‪ .‬وفي كشّاف القناع ‪ :‬قال أبو بكر الج ّريّ ‪ :‬من صنعته‬ ‫أّ‬ ‫شاقّة فإن خاف بالصّوم تلفا أفطر وقضى إن ضرّه ترك الصّنعة ‪ ،‬فإن لم يضرّه تركها أثم‬ ‫بالفطر ويتركها ‪ ،‬وإن لم ينتف التّضرّر بتركها فل إثم عليه بالفطر للعذر ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ :‬ما يتعلّق بالزّكاة ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬أ ‪ -‬يرى الفقهاء أنّه ل زكاة في آلت العمل للمحترفين ‪ ،‬لنّها من الحاجات الصليّة‬ ‫الّتي ل تجب فيها الزّكاة ‪ .‬يقول ابن عابدين ‪ :‬سبب وجوب الزّكاة ملك نصاب فارغ عن دين‬ ‫ن المشغول بها كالمعدوم ‪ ،‬والحاجة الصليّة هي ما يدفع الهلك‬ ‫وعن حاجته الصليّة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫عن النسان تحقيقا كالنّفقة ‪ ،‬ودور السّكنى ‪ ،‬وآلت الحرب ‪ ،‬وكآلت الحرفة ‪ ،‬وكتب العلم‬ ‫لهلها ‪ ..‬هذا إذا كانت آلت الحرف لم تقتن بنيّة التّجارة وإلّ ففيها الزّكاة كباقي عروض‬ ‫التّجارة وينظر تفصيل ذلك في ( زكاة ) ‪.‬‬ ‫ن الفقير من الصناف المستحقّة للزّكاة ‪ .‬ويرى جمهور الفقهاء من المالكيّة‬ ‫ب ‪ -‬من المعلوم أ ّ‬ ‫ن من له حرفة يكسب منها ما يكفيه فل يعتبر فقيرا ول يستحقّ الزّكاة‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬أ ّ‬ ‫‪ .‬أمّا إن كان ما يكسبه من حرفته ل يكفيه فإنّه يعطى من الزّكاة تمّام كفايته ‪ ،‬ويصدّق إن‬ ‫ادّعى كساد الحرفة ‪ .‬وإن كان يحسن حرفة ويحتاج إلى اللة فإنّه يعطى من الزّكاة ثمن آلة‬ ‫حرفته وإن كثرت ‪ ،‬وكذا إن كان يحسن تجارة فيعطى رأس مال يكفيه ربحه غالبا باعتبار‬ ‫عادة بلده ‪ .‬ويعتبر الحنفيّة أنّ الفقير الّذي يستحقّ الزّكاة من كان يملك أقلّ من نصاب ‪ ،‬وإن‬

‫كان مكتسبا ‪ ،‬لنّه فقير ‪ ،‬والفقراء هم من المصارف ‪ ،‬ولنّ حقيقة الحاجة ل يوقف عليها ‪،‬‬ ‫فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النّصاب ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( زكاة ) ‪.‬‬ ‫ج بالنّسبة لصحاب الحرف ‪:‬‬ ‫خامسا ‪ :‬الح ّ‬ ‫‪ - 8‬من شروط وجوب الحجّ الستطاعة بالزّاد والرّاحلة ‪ ،‬ومن لم يجد زادا وراحلة ل يجب‬ ‫ج ‪ ،‬وهذا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬لكن من كان صاحب حرفة يمكنه أن يكتسب منها أثناء‬ ‫عليه الح ّ‬ ‫ج ؟ ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه‬ ‫سفره للحجّ ما يكفيه فهل يعتبر مستطيعا ويجب عليه الح ّ‬ ‫يعتبر مستطيعا ويجب عليه الحجّ إذا كانت الحرفة ل تزري به ويكتسب منها ‪ ،‬أثناء سفره‬ ‫ن عدم كسادها ‪ .‬وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل يعتبر‬ ‫وعودته ما يكفيه وعلم أو ظ ّ‬ ‫ن الستطاعة ملك الزّاد والرّاحلة ‪ .‬لكن يستحبّ أن يحجّ‬ ‫مستطيعا ول يجب عليه الحجّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫لنّه يقدر على إسقاط الفرض بمشقّة ل يكره تحمّلها ‪ ،‬فاستحبّ له إسقاط الفرض كالمسافر‬ ‫إذا قدر على الصّوم كما يقول الشّافعيّة ‪ .‬وخروجا من الخلف كما يقول الحنابلة ‪ .‬وينظر‬ ‫تفصيل ذلك في مصطلح ( حجّ ) ‪.‬‬ ‫سادسا ‪ :‬القيام بالحرف في المساجد ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬للمساجد حرمة لنّها بيوت اللّه أقيمت للعبادة والذّكر والتّسبيح ‪ ،‬ويجب صيانتها عن كلّ‬ ‫ما يشغل عن ذلك ‪ .‬لكن هل يعتبر القيام بالحرف سواء أكانت تجارة أم صناعة في المساجد‬ ‫منافيا لحرمتها ؟ أمّا بالنّسبة للبيع والشّراء فقد اتّفق الفقهاء على منعه ‪ .‬واستدلّوا جميعا بما‬ ‫روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال ‪ { :‬نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن البيع‬ ‫والشتراء في المسجد } ‪ .‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول اللّه صلى ال‬ ‫عليه وسلم يقول ‪ { :‬إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا ‪ :‬ل أربح اللّه تجارتك ‪.‬‬ ‫وإذا رأيتم من ينشد ضالّة في المسجد فقولوا ‪ :‬ل ردّ اللّه عليك } وقد رأى عمر رضي ال‬ ‫عنه رجل ( يسمّى القصير ) يبيع في المسجد فقال له ‪ :‬يا هذا إنّ هذا سوق الخرة فإن‬ ‫أردت البيع فاخرج إلى سوق الدّنيا ‪ .‬واختلفوا في صفة المنع ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة‬ ‫والشّافعيّة إلى الكراهة ‪ ،‬وذهب الحنابلة إلى التّحريم ‪ .‬وهذا بالنّسبة لغير المعتكف ‪ .‬أمّا‬ ‫بالنّسبة للمعتكف فعند الحنفيّة والشّافعيّة يجوز له من ذلك ما يحتاج إليه لنفسه وعياله ‪ ،‬فإن‬ ‫كان لتجارة كره ‪ ،‬وقيّد الحنفيّة جواز ما يحتاج إليه من البيع والشّراء أثناء العتكاف بعدم‬ ‫ن المسجد محرز عن حقوق العباد وفيه شغله بها ‪.‬‬ ‫إحضار السّلعة إلى المسجد وإلّ كره ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ولم يفرّق المالكيّة والحنابلة بين المعتكف وغيره ‪.‬‬

‫‪ - 10‬أمّا بالنّسبة للقيام بالصّنعة فيه ‪ ،‬فإنّه يكره عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬لكن قال المالكيّة ‪:‬‬ ‫ص بنفعه آحاد النّاس ممّا يتكسّب به ‪ ،‬فأمّا‬ ‫إنّما يمنع في المساجد من عمل الصّناعات ما يخت ّ‬ ‫إن كان يشمل المسلمين في دينهم مثل إصلح آلت الجهاد ممّا ل امتهان للمسجد في عمله‬ ‫فيه فل بأس به ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬ل يكره للمعتكف الصّنائع في المسجد كالخياطة والكتابة ما‬ ‫لم يكثر ‪ ،‬فإن أكثر منها كرهت لحرمته ‪ ،‬إلّ كتابة العلم ثمّ قالوا ‪ :‬تكره الحرفة كخياطة‬ ‫ونحوها في المسجد كالمعاوضة من بيع وشراء بل حاجة وإن قلّت صيانة له ‪ .‬وقال الحنابلة‬ ‫‪ :‬ل يجوز التّكسّب في المسجد بالصّنعة كخياطة وغيرها قليل كان ذلك أو كثيرا لحاجة‬ ‫وغيرها ‪ ،‬وفي المستوعب ‪ :‬سواء كان الصّانع يراعي المسجد بكنس أو رشّ ونحوه أم لم‬ ‫يكن ‪ ،‬لنّه بمنزلة التّجارة بالبيع والشّراء فل يجوز أن يتّخذ المسجد مكانا للمعايش ‪ ،‬لنّه لم‬ ‫صنّاع والفعلة فيه ينتظرون من يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه‬ ‫يبن لذلك ‪ .‬وقعود ال ّ‬ ‫ي المر منعهم من ذلك كسائر المحرّمات ‪ ،‬والمساجد إنّما‬ ‫ينتظرون من يشتريها ‪ ،‬وعلى ول ّ‬ ‫بنيت للذّكر والتّسبيح والصّلة فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه لقوله تعالى ‪ { :‬فإذا قضيت‬ ‫الصّلة فانتشروا في الرض وابتغوا من فضل اللّه } ‪ .‬ويجب أن يصان المسجد عن عمل‬ ‫صنعة لتحريمها فيه ‪ .‬ول يكره اليسير من العمل في المسجد لغير التّكسّب كرقع ثوبه‬ ‫وخصف نعله ومثل أن ينحلّ شيء يحتاج إلى ربط فيربطه ‪ ،‬أو أن ينشقّ قميصه فيخيطه ‪.‬‬ ‫ويحرم فعل ذلك للتّكسّب ‪.‬‬ ‫سابعا ‪ :‬اعتبار الحرفة في النّكاح ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬الكفاءة في الحرفة معتبرة في النّكاح عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‬ ‫ن المرأة الشّريفة تعيّر بذلك ‪ ،‬ول تعتبر‬ ‫في رواية ‪ ،‬وهي معتبرة في حقّ الرّجال للنّساء ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن الولد يشرف بشرف أبيه ل أمّه فلم يعتبر ذلك في المّ ‪.‬‬ ‫الكفاءة في حقّ المرأة للرّجل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫وقد بنى الفقهاء اعتبار الكفاءة في الحرفة على العرف وعادة أهل البلد ‪ .‬هذا والمعتبر في‬ ‫ن المدار على عارها وعدمه ‪ ،‬وذلك إنّما يعرف‬ ‫الحرفة هو عرف بلد الزّوجة ل بلد العقد ‪ ،‬ل ّ‬ ‫بالنّسبة لعرف بلدها ‪ ،‬أي الّتي هي بها حالة العقد ‪ .‬واعتبار الحرفة في الكفاءة عند القائلين‬ ‫بذلك إنّما هو عند ابتداء العقد ول يض ّر زوالها بعد العقد ‪ ،‬فلو كان الزّوج كفئا وقت العقد ثمّ‬ ‫زالت الكفاءة لم يفسخ العقد ‪ .‬لكن لو بقي أثر الحرفة لم يكن كفئا ‪ .‬أمّا لو كان الزّوج حال‬ ‫العقد غير كفء في حرفته فقد اختلف الفقهاء في بطلن النّكاح أو ثبوت الخيار وينظر‬ ‫تفصيل ذلك في ( نكاح ‪ -‬كفاءة ) ‪.‬‬ ‫كون النتفاع بالحرفة مهرا ‪:‬‬

‫‪ - 12‬يجوز عند الشّافعيّة والحنابلة أن يكون النتفاع بالحرفة مهرا ‪ ،‬فيصحّ أن يتزوّج الرّجل‬ ‫المرأة على عمل معلوم كخياطة ثوب معيّن ‪ ،‬وبناء دار وتعليم صنعة وغير ذلك من كلّ ما‬ ‫هو مباح ‪ ،‬ويجوز أخذ الجرة عليه لقوله تعالى حكاية عن شعيب مع موسى عليهما الصلة‬ ‫والسلم ‪ { :‬إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } ‪ .‬ولنّ‬ ‫منفعة الح ّر يجوز أخذ العوض عنها في الجارة فجازت صداقا وعند الحنفيّة خلف ملخّصه‬ ‫ن ما هو مال أو منفعة يمكن تسليمها يجوز التّزوّج عليها ‪ ،‬وما ل يمكن تسليمه ل يجوز‬ ‫أّ‬ ‫ن موضوع الزّوجيّة أن تكون هي‬ ‫ولذلك ل يجوز أن يتزوّج الحرّ على خدمته إيّاها سنة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫خادمة له ل بالعكس ‪ .‬لنّ خدمة الزّوج لزوجته ‪ -‬كما قيل قلب للوضاع ‪ -‬لنّ المفروض‬ ‫أن تخدمه هي ل العكس ‪ .‬وأمّا إذا سمّى إيجار بيت أو غير ذلك من منافع العيان فإنّ هذا‬ ‫جائز عندهم ‪ .‬وأمّا ما تردّد بين أن يكون خدمة أو ل كرعي غنمها أو زراعة أرضها ‪ ،‬فإنّ‬ ‫الرّوايات قد اختلفت في ذلك ‪ ،‬كما اختلفوا فيما هو الرجح ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إذا تزوّج الحرّ امرأة‬ ‫على أن يخدمها هو سنة مثل فهذه التّسمية عند الشّيخين فاسدة والعقد صحيح ووجب عليه إمّا‬ ‫مهر المثل في بعض الرّوايات ‪ ،‬أو قيمة خدمته المدّة المنصوص عليها في عقد الزّواج ‪.‬‬ ‫كذلك اختلف المالكيّة في جعل الصّداق خدمته لها في زرع أو في بناء دار أو تعليمها فمنعه‬ ‫مالك وهو المعتمد في المذهب ‪ ،‬وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ ‪ .‬قال اللّخميّ ‪ :‬وعلى قول‬ ‫مالك يفسخ النّكاح قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل ‪ .‬وقال ابن الحاجب على القول بالمنع‬ ‫‪ :‬النّكاح صحيح قبل البناء وبعده ‪ ،‬ويمضي بما وقع به من المنافع للختلف فيه ‪ .‬وهذا هو‬ ‫المشهور ‪.‬‬ ‫ثامنا ‪ :‬شهادة أهل الحرف ‪:‬‬ ‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على ردّ شهادة صاحب الحرفة المحرّمة كالمنجّم والعرّاف ‪ ،‬وكذلك‬ ‫صاحب الحرفة الّتي يكثر فيها الرّبا كالصّائغ والصّيرفيّ إذا لم يتوقّيا ذلك ‪ .‬واختلفوا في‬ ‫ح عند الحنفيّة‬ ‫قبول شهادة أصحاب الحرف الدّنيئة ‪ ،‬كالحائك ‪ ،‬والحجّام ‪ ،‬وال ّزبّال ‪ .‬فالص ّ‬ ‫والشّافعيّة وهو مذهب المالكيّة وفي وجه عند الحنابلة أنّه تقبل شهادتهم ‪ ،‬لنّه قد تولّى هذه‬ ‫الحرف قوم صالحون فما لم يعلم القادح ل يبنى على ظاهر الصّناعة ‪ ،‬فالعبرة للعدالة ل‬ ‫للحرفة ‪ ،‬فكم من دنيء الصّناعة أتقى من ذي منصب ووجاهة ‪ ،‬وقد قال اللّه تعالى ‪ { :‬إنّ‬ ‫أكرمكم عند اللّه أتقاكم } ‪ .‬لكن يقول المالكيّة والشّافعيّة ‪ :‬إذا كان من يقوم بهذه الحرف ممّن‬ ‫ل تليق به ‪ ،‬ورضيها اختيارا بأن كان من غير أهلها ولم يتوقّف قوته وقوت عياله عليها لم‬ ‫ن ذلك يدلّ على قلّة المبالة وعلى خبل في عقله ‪ ،‬وتقبل إن كان من أهلها‬ ‫تقبل شهادته ‪ ،‬ل ّ‬ ‫أو اضطرّ إليها ‪ .‬ومقابل الصحّ عند الحنفيّة والشّافعيّة والوجه الخر عند الحنابلة أنّه ل تقبل‬

‫شهادتهم ‪ ،‬لنّ القيام بهذه الحرف يسقط المروءة وخاصّة إذا كان في الحرفة مباشرة النّجاسة‬ ‫ن شهادة الجير الخاصّ لمستأجره ل تقبل ‪ ،‬لنّ المنافع بينهم متّصلة ‪ ،‬ولقول النّبيّ‬ ‫‪ .‬كما أ ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تجوز شهادة الوالد لولده ‪ ،‬ول الولد لوالده ‪ ،‬ول المرأة لزوجها ‪،‬‬ ‫سيّد لعبده ‪ ،‬ول الشّريك لشريكه ‪ ،‬ول الجير‬ ‫ول الزّوج لمرأته ‪ ،‬ول العبد لسيّده ‪ ،‬ول ال ّ‬ ‫لمن استأجره } ‪ .‬ولنّ الجير يستحقّ الجرة في مدّة أداء الشّهادة ‪ ،‬فصار كالمستأجر لداء‬ ‫الشّهادة ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة والحنابلة ‪ .‬وتقبل شهادته لمستأجره عند المالكيّة إن كان الجير‬ ‫مبرّزا في العدالة ولم يكن في عيال المشهود له ‪.‬‬ ‫تاسعا ‪ :‬بيع آلة الحرفة على المفلس وإجباره على الحتراف ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬من الحكام الّتي تتعلّق بالحجر على المفلس بيع ماله لسداد ديون الغرماء ‪ .‬وقد اختلف‬ ‫الفقهاء في بيع آلة الحرفة للمحترف ‪ .‬فعند الشّافعيّة تباع آلة حرفته لسداد ديونه ‪ .‬وهو رأي‬ ‫المالكيّة إن كثرت قيمتها أو لم يحتج إليها ‪ .‬فإن كان محتاجا لها أو قلّت قيمتها فل تباع ‪.‬‬ ‫ص في ذلك عند الحنفيّة ‪ .‬وإذا‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬تترك له آلة حرفته ول تباع ‪ .‬ولم يعثر على ن ّ‬ ‫فرّق مال المفلس على الغرماء وبقيت عليه ديون ‪ ،‬وكانت له صنعة فهل يجبره الحاكم على‬ ‫التّكسّب أو إيجار نفسه ليقضي دينه ؟ ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عند‬ ‫الحنابلة إلى أنّه ل يجبر على ذلك ‪ ،‬ول يلزم بتجر أو عمل أو إيجار نفسه لتوفية ما بقي عليه‬ ‫لغرمائه من ديونهم ‪ ،‬لنّ الدّيون إنّما تعلّقت بذمّته ل ببدنه لقوله تعالى ‪ { :‬وإن كان ذو‬ ‫ن رجل أصيب في ثمار ابتاعها فكثر‬ ‫عسرة فنظرة إلى ميسرة } ‪ ،‬ولما روى أبو سعيد { أ ّ‬ ‫دينه فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬تصدّقوا عليه فتصدّق النّاس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء‬ ‫ل ذلك } ‪ ،‬ولنّ هذا‬ ‫دينه ‪ ،‬فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬خذوا ما وجدتم وليس لكم إ ّ‬ ‫تكسّب للمال ‪ ،‬فل يجبره عليه الحاكم ‪ ،‬كقبول الهبة والصّدقة ‪ .‬وقال اللّخميّ من المالكيّة ‪:‬‬ ‫يجبر الصّانع ‪ -‬ل التّاجر ‪ -‬على العمل إن كان غرماؤه قد عاملوه على ذلك ‪ .‬والرّواية‬ ‫ن الحاكم يجبره على الكسب ‪.‬‬ ‫الثّانية للحنابلة أ ّ‬ ‫عاشرا ‪ :‬تضمين أصحاب الحرف ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على أنّ صاحب الحرفة يضمن ما هلك في يده من مال ‪ ،‬أو ما هلك بعمله‬ ‫إذا كان الهلك بسبب إهمال منه أو تعدّ ‪ ،‬وسواء أكان أجيرا خاصّا أم أجيرا مشتركا ‪ ،‬أمّا ما‬ ‫هلك بغير تعدّ أو تفريط فل ضمان عليه في الجملة ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلحي‬ ‫( إجارة ف ‪ 133 - 107‬وضمان )‬ ‫حادي عشر ‪ :‬التّسعير على أهل الحرف ‪:‬‬

‫ل إذا احتاج النّاس إلى حرفة طائفة‬ ‫‪ - 16‬ل يجوز التّسعير على أهل الحرف والصّنائع إ ّ‬ ‫ي المر يجبرهم على ذلك بأجرة المثل ‪،‬‬ ‫ن ول ّ‬ ‫كالفلحة ‪ ،‬والنّساجة ‪ ،‬والبناء وغيرها ‪ .‬فإ ّ‬ ‫وهذا من التّسعير الواجب كما يقول ابن القيّم ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( تسعير ف‬ ‫‪. ) 14‬‬ ‫حرق انظر ‪ :‬إحراق ‪.‬‬ ‫حرم‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحرم بفتحتين من حرم الشّيء حرما وحراما وحرم حرما وحراما أي امتنع فعله ‪ .‬ومنه‬ ‫الحرام بمعنى الممنوع ‪ .‬والحرمة ما ل يحلّ انتهاكه ‪ .‬والحرمة أيضا المهابة ‪ ،‬وهي اسم‬ ‫بمعنى الحترام ‪ ،‬مثل الفرقة والفتراق ‪ ،‬والجمع حرمات ‪ .‬وفي الصطلح يطلق الحرم‬ ‫على أمور ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬مكّة وما حولها ‪ ،‬وهذا المعنى هو المراد عند إطلق كلمة الحرم يقول الماورديّ ‪ ( :‬أمّا‬ ‫الحرم فمكّة وما طاف بها من جوانبها إلى أنصاب الحرم ) وعلى ذلك فمكّة جزء من الحرم‬ ‫‪ .‬قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف النّاس من‬ ‫حولهم } هي مكّة ‪ ،‬وهم قريش ‪ .‬أمّنهم اللّه تعالى فيها ‪ .‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫ن اللّه‬ ‫ل لحد قبلي ول تحلّ لحد بعدي } ‪ .‬وجه تسمية الحرم هو أ ّ‬ ‫ن اللّه حرّم مكّة فل تح ّ‬ ‫إّ‬ ‫سبحانه وتعالى حرّم فيه كثيرا ممّا ليس بمحرّم في غيره ‪ ،‬كالصّيد وقطع النّبات ونحوهما ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬المدينة وما حولها ‪ ،‬كما قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬المدينة حرم من كذا إلى‬ ‫كذا ل يقطع شجرها ‪ ،‬ول يحدث فيها حدث ‪ .‬من أحدث حدثا فعليه لعنة اللّه والملئكة‬ ‫والنّاس أجمعين } ‪ .‬وسيأتي بيان حدوده ‪ .‬أوّل ‪ :‬حرم مكّة ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬دليل تحريمه ) ‪:‬‬ ‫ن مكّة وما حولها أي الحرم الم ّكيّ حرام بتحريم اللّه تعالى إيّاه ‪ .‬وقد‬ ‫‪ - 2‬صرّح الفقهاء بأ ّ‬ ‫وردت في ذلك آيات وأحاديث منها ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطّف‬ ‫النّاس من حولهم } قال القرطبيّ ‪ :‬أي جعلت لهم حرما آمنا أمنوا فيه من السّبي والغارة‬ ‫والقتل ‪ .‬ومنها قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ هذا البلد حرّمه اللّه تعالى يوم خلق‬ ‫السّماوات والرض } وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ اللّه حرّم مكّة فلم تحلّ لحد قبلي‬ ‫ول تحلّ لحد بعدي ‪ ،‬وإنّما أحلّت لي ساعة من نهار } ‪ .‬وذكر الزّركشيّ في حكمته وجوها‬ ‫منها ‪ :‬التزام ما ثبت له من أحكام ‪ ،‬وتبيين ما اختصّ به من البركات ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تحديد حرم مكّة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬حدّ الحرم من جهة المدينة المنوّرة عند التّنعيم وهو على ثلثة أميال ‪ .‬وفي كتب المالكيّة‬ ‫أنّه أربعة أو خمسة أميال ‪ .‬ومبدأ التّنعيم من جهة مكّة عند بيوت السّقيا ‪ ،‬ويقال لها بيوت‬ ‫نفار ‪ ،‬ويعرف الن بمسجد عائشة ‪ ،‬فما بين الكعبة المشرّفة والتّنعيم حرم ‪ .‬والتّنعيم من الحلّ‬ ‫‪ .‬ومن جهة اليمن سبعة أميال عند أضاة لبن ( بكسر فسكون كما في القاموس وشفاء الغرام )‬ ‫ومن جهة جدّة عشرة أميال عند منقطع العشاش لخر الحديبية ‪ ،‬فهي من الحرم ‪ .‬ومن جهة‬ ‫الجعرانة تسعة أميال في شعب عبد اللّه بن خالد ‪ .‬ومن جهة العراق سبعة أميال على ثنيّة‬ ‫بطرف جبل المقطّع ‪ ،‬وذكر في كتب المالكيّة أنّه ثمانية أميال ‪ .‬ومن جهة الطّائف على‬ ‫ل الختلف في تحديد الميال‬ ‫عرفات من بطن نمرة سبعة أميال عند طرف عرنة ‪ .‬ولع ّ‬ ‫يرجع إلى الختلف في تحديد أذرع الميل وأنواعها ‪ .‬وابتداء الميال من الحجر السود ‪.‬‬ ‫هذا وقد حدّد الحرم الم ّكيّ الن من مختلف الجهات بأعلم بيّنة مبيّنة على أطرافه مثل المنار‬ ‫مكتوب عليها اسم العلم باللّغات العربيّة والعجميّة ‪ .‬وانظر مصطلح ( أعلم الحرم ) ‪.‬‬ ‫دخول الحرم الم ّكيّ ‪:‬‬ ‫ج أو العمرة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدّخول بقصد الح ّ‬ ‫‪ - 4‬اتّفق الفقهاء على أنّ من أراد دخول الحرم بقصد الحجّ أو العمرة فعليه أن يحرم من‬ ‫المواقيت المحدّدة أو قبلها ‪ .‬ومن جاوز الميقات بغير إحرام فعليه أن يعود إليه ويحرم منه ‪.‬‬ ‫ل أنّه إذا‬ ‫فإن لم يرجع فعليه دم سواء أترك العود بعذر أم بغير عذر ‪ ،‬عامدا كان أم ناسيا ‪ .‬إ ّ‬ ‫خاف فوات الوقوف بعرفة لضيق الوقت أو المرض الشّاقّ فيحرم من مكانه وعليه الدّم ‪.‬‬ ‫وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الدّخول لغراض أخرى ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬يجوز لمن كان داخل المواقيت ( بين الميقات والحرم ) أن يدخل الحرم بغير إحرام‬ ‫لحاجته ‪ ،‬لنّه يتكرّر دخوله لحوائجه فيحرج في ذلك ‪ ،‬والحرج مرفوع ‪ ،‬فصار كالم ّكيّ إذا‬ ‫ج لنّه ل يتكرّر ‪ ،‬فإنّه ل يكون في السّنة إلّ مرّة ‪.‬‬ ‫خرج ثمّ دخل ‪ ،‬بخلف ما إذا دخل للح ّ‬ ‫ل ( داخل‬ ‫وكذا لداء العمرة لنّه التزمها لنفسه ‪ .‬كما يجوز لمن يخرج من الحرم إلى الح ّ‬ ‫المواقيت ) أن يدخل الحرم بغير إحرام ‪ ،‬ولو لم يكن من أهل الحرم ‪ ،‬كالفاقيّ المفرد‬ ‫بالعمرة ‪ ،‬والمتمتّع ‪ ،‬وهذا باتّفاق الفقهاء ‪ .‬كذلك يجوز دخول الحرم لقتال مباح أو خوف من‬ ‫صيّادين ونحوهما بغير إحرام ‪ { ،‬لنّ النّبيّ صلى ال‬ ‫ظالم أو لحاجة متكرّرة كالحطّابين وال ّ‬ ‫عليه وسلم دخل مكّة يوم الفتح بغير إحرام } ‪ ،‬وفي وجوب الحرام على من تتكرّر حاجته‬ ‫مشقّة ‪ - 6 .‬أمّا الفاقيّ ومن في حكمه ‪ -‬غير من تقدّم ذكره ‪ -‬ممّن يمرّون على المواقيت‬

‫إذا أرادوا دخول الحرم لحاجة أخرى غير النّسك فجمهور الفقهاء ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‬ ‫وهو قول عند الشّافعيّة ) يرون وجوب الحرام عليهم بأحد النّسكين ‪ ،‬ول يجوز لهم مجاوزة‬ ‫الميقات بغير إحرام ‪ .‬وفي قول آخر للشّافعيّة وهو المشهور عندهم ‪ :‬أنّه يجوز دخول الحرم‬ ‫للفاقيّ أيضا بغير إحرام لكنّه يستحبّ له أن يحرم ‪ .‬وهذا في الجملة ‪ ،‬وتفصيله كالتّالي ‪:‬‬ ‫قال الحنفيّة ‪ :‬الفاقيّ إذا أراد دخول الحرم بغير النّسك كمجرّد الرّؤية أو النّزهة أو التّجارة‬ ‫ن فائدة التّأقيت هذا ‪ ،‬لنّه يجوز تقديم الحرام‬ ‫ل يجوز له أن يتجاوز الميقات إلّ محرما ‪ ،‬ل ّ‬ ‫على المواقيت ‪ .‬لما روي أنّ النّبيّ عليه الصلة والسلم قال ‪ { :‬ل تجاوز الموقّت إلّ بإحرام‬ ‫} فإن جاوزها الفاقيّ بغير إحرام فعليه شاة ‪ .‬فإن عاد فأحرم منه سقط الدّم ‪ .‬أمّا لو قصد‬ ‫ل به التحق بأهله فله‬ ‫موضعا من الحلّ ‪ ،‬كخليص وجدّة حلّ له مجاوزته بل إحرام ‪ .‬فإذا ح ّ‬ ‫دخول الحرم بل إحرام ‪ .‬قالوا ‪ :‬وهو الحيلة لمريد ذلك بقصد أولى ‪ ،‬كما إذا كان قصده لجدّة‬ ‫مثل لبيع أو شراء ‪ ،‬وإذا فرغ منه يدخل مكّة ثانيا ‪ ،‬إذ لو كان قصده الوّليّ دخول مكّة ومن‬ ‫ضرورته أن يمرّ بالحلّ فل يحلّ له تجاوز الميقات بدون إحرام ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إنّ كلّ‬ ‫مكلّف ح ّر أراد دخول مكّة فل يدخلها إلّ بإحرام بأحد النّسكين وجوبا ‪ ،‬ول يجوز له تعدّي‬ ‫ل أن يكون من المتردّدين أو يعود إلى مكّة بعد خروجه منها من مكان‬ ‫الميقات بل إحرام ‪ ،‬إ ّ‬ ‫قريب ( أي دون مسافة القصر ) لم يمكث فيه كثيرا فل يجب عليه ‪ ،‬وكذلك ل يجب على‬ ‫غير المكلّف كصبيّ ومجنون ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل يجوز لمن أراد دخول مكّة أو الحرم أو‬ ‫ل لقتال مباح لدخوله صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكّة وعلى‬ ‫أراد نسكا تجاوز الميقات ‪ ..‬إ ّ‬ ‫رأسه المغفر ‪ .‬أو لخوف ‪ ،‬أو حاجة متكرّرة كحطّاب ‪ ،‬وناقل الميرة ‪ ،‬ولصيد ‪،‬‬ ‫واحتشاش ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬وم ّكيّ يتردّد إلى قريته بالحلّ ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ -‬كما نصّ عليه‬ ‫ن من أراد دخول مكّة لحاجة ل تتكرّر كزيارة ‪ ،‬أو تجارة ‪ ،‬أو رسالة ‪ ،‬أو كان‬ ‫النّوويّ ‪ : -‬إ ّ‬ ‫ل فقد‬ ‫م ّكيّا عائدا من سفره يستحبّ له أن يحرم ‪ .‬وفي قول ‪ :‬يجب عليه الحرام ‪ .‬وعلى ك ّ‬ ‫نصّوا أنّه لو جاوز الميقات بغير إحرام ثمّ أراد النّسك فميقاته موضعه ول يكلّف العود إلى‬ ‫الميقات ‪.‬‬ ‫دخول الكافر للحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز لغير المسلم السّكنى والقامة في الحرم لقوله تعالى ‪ { :‬يا‬ ‫أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } والمراد‬ ‫بالمسجد الحرام الحرم بدليل قوله سبحانه وتعالى بعده ‪ { :‬وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه‬ ‫من فضله } أي إن خفتم فقرا وضررا بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان يحصل لكم بما‬ ‫يجلبونه إليكم من المكاسب فسوف يغنيكم اللّه من فضله ‪ .‬ومعلوم أنّ الجلب إنّما يجلب إلى‬

‫البلد والحرم ‪ ،‬ل إلى المسجد نفسه ‪ .‬والمعنى في ذلك أنّهم أخرجوا النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫وسلم منه ‪ ،‬فعوقبوا بالمنع من دخوله بكلّ حال ‪ .‬صلى ال عليه وسلم واختلفوا في اجتياز‬ ‫الكافر الحرم بصفة مؤقّتة ‪ ،‬فذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول عند المالكيّة ‪ :‬إلى منع دخول‬ ‫الكفّار إلى الحرم مطلقا ‪ ،‬لعموم الية ‪ .‬فإن أراد كافر الدّخول إلى الحرم منع منه ‪ .‬فإن‬ ‫كانت معه ميرة أو تجارة خرج إليه من يشتري منه ولم يترك هو يدخل ‪ .‬وإن كان رسول‬ ‫إلى إمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته ويبلّغها إيّاه ‪ .‬فإن قال ‪ :‬ل بدّ لي من لقاء المام‬ ‫وكانت المصلحة في ذلك خرج إليه المام ‪ ،‬ولم يأذن له بالدّخول ‪ .‬وإذا أراد مشرك دخول‬ ‫الحرم ليسلم فيه منع منه حتّى يسلم قبله ‪ .‬قال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬وإذا دخل المشرك الحرم‬ ‫بغير إذن عزّر ولم يستبح به قتله ‪ ،‬وإن دخله بإذن لم يعزّر وينكر على من أذن له ‪ .‬وقال‬ ‫الحنفيّة ‪ :‬ل يمنع ال ّذ ّميّ من دخول الحرم ‪ ،‬ول يتوقّف جواز دخوله على إذن مسلم ولو كان‬ ‫المسجد الحرام ‪ .‬يقول الجصّاص في تفسير قوله تعالى ‪ { :‬إنّما المشركون نجس فل يقربوا‬ ‫المسجد الحرام } ‪ :‬يجوز لل ّذ ّميّ دخول سائر المساجد ‪ ،‬وإنّما معنى الية على أحد الوجهين ‪:‬‬ ‫إمّا أن يكون النّهي خاصّا في المشركين الّذين كانوا ممنوعين من دخول مكّة وسائر‬ ‫ل السلم أو السّيف وهم مشركو‬ ‫المساجد ‪ ،‬لنّهم لم تكن لهم ذمّة ‪ ،‬وكان ل يقبل منهم إ ّ‬ ‫العرب ‪ .‬أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكّة للحجّ ‪ ،‬ويدلّ على ذلك قوله تعالى ‪ { :‬وإن‬ ‫ج ‪ ،‬لنّهم‬ ‫خفتم عيلة } الية ‪ ،‬وإنّما كانت خشية العيلة لنقطاع تلك المواسم بمنعهم من الح ّ‬ ‫ج‪.‬‬ ‫كانوا ينتفعون بالتّجارات الّتي كانت في مواسم الح ّ‬ ‫مرض الكافر في الحرم وموته ‪:‬‬ ‫‪ - 8‬تقدّم أنّ الكافر ل يجوز له الدّخول إلى الحرم عند الجمهور ‪ .‬فلو دخل مستورا ومرض‬ ‫أخرج إلى الحلّ ‪ .‬وإذا مات في الحرم حرم دفنه فيه ‪ ،‬فإن دفن نبش قبره ونقل إلى الحلّ ‪،‬‬ ‫إلّ أن يكون قد بلي فيترك كما ترك أموات الجاهليّة ‪.‬‬ ‫القتال في الحرم ‪:‬‬ ‫ن من دخل الحرم مقاتل وبدأ القتال فيه ‪ ،‬يقاتل ‪ ،‬لقوله تعالى‬ ‫‪ - 9‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫‪ { :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ‪ .‬وكذلك من‬ ‫ارتكب في الحرم جريمة من جرائم الحدود أو القصاص ممّا يوجب القتل فإنّه يقتل فيه اتّفاقا‬ ‫لستخفافه بالحرم ‪ ،‬كما سيأتي في الفقرة التّالية ‪ .‬واختلفوا في قتال الكفّار والبغاة على أهل‬ ‫العدل في الحرم إذا لم يبدءوا بالقتال ‪ .‬فذهب طاووس والحنفيّة ‪ ،‬وهو قول ابن شاس وابن‬ ‫الحاجب من المالكيّة ‪ ،‬وصحّحه القرطبيّ ‪ ،‬وقول القفّال والماورديّ من الشّافعيّة ‪ ،‬وبعض‬

‫الحنابلة إلى أنّه يحرم قتالهم في الحرم مع بغيهم ‪ .‬ولكنّهم ل يطعمون ول يسقون ول يؤوون‬ ‫ول يبايعون حتّى يخرجوا من الحرم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى‬ ‫يقاتلوكم فيه } قال مجاهد ‪ :‬الية محكمة ‪ ،‬فل يجوز قتال أحد إلّ بعد أن يقاتل ‪ .‬لقوله تعالى‬ ‫‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا } ‪ .‬ولقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ هذا البلد حرّمه اللّه‬ ‫تعالى يوم خلق السّموات والرض ‪ ،‬فهو حرام بحرمة اللّه تعالى إلى يوم القيامة ‪ ،‬وإنّه لم‬ ‫ل لي إلّ ساعة من نهار } ‪ .‬وقال الشّافعيّة في المشهور‬ ‫يحلّ القتال فيه لحد قبلي ‪ ،‬ولم يح ّ‬ ‫عندهم وصوّبه النّوويّ ‪ :‬إنّه إذا التجأ إلى الحرم طائفة من الكفّار والعياذ باللّه ‪ ،‬أو طائفة من‬ ‫البغاة ‪ ،‬أو قطّاع الطّريق يجوز قتالهم في الحرم فقد ورد عن أبي شريح العدويّ عن رسول‬ ‫ن مكّة حرّمها اللّه ولم يحرّمها النّاس ‪ ،‬فل يحلّ لمرئ‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬إ ّ‬ ‫يؤمن باللّه واليوم الخر أن يسفك بها دما ‪ ،‬ول يعضد بها شجرة ‪ .‬فإن أحد ترخّص لقتال‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم فقولوا له ‪ :‬إنّ اللّه أذن لرسوله صلى ال عليه وسلم ولم‬ ‫يأذن لكم ‪ ،‬وإنّما أذن لي ساعة من نهار ‪ ،‬وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالمس } ‪.‬‬ ‫وهذا قول سند وابن عبد البرّ من المالكيّة ‪ ،‬وصوّبه ابن هارون في الحاصر من الحجّ ‪،‬‬ ‫وحكى الحطّاب عن مالك جواز قتال أهل مكّة إذا بغوا على أهل العدل ‪ ،‬قال ‪ :‬وهو قول‬ ‫عكرمة وعطاء ‪ .‬وهذا قول للحنابلة أيضا ‪ ،‬فقد جاء في تحفة الرّاكع والسّاجد ‪ :‬فإن بغوا‬ ‫على أهل العدل قاتلهم على بغيهم إذا لم يمكن ردّهم عن البغي إلّ بالقتال ‪ .‬واستدلّ من أجاز‬ ‫القتال في الحرم بقوله تعالى ‪ { :‬فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }‬ ‫ن هذه الية ناسخة لقوله تعالى ‪ { :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام } ‪ .‬وقالوا أيضا‬ ‫وقالوا ‪ :‬إ ّ‬ ‫ن ابن خطل متعلّق‬ ‫‪ { :‬إنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم دخل مكّة وعليه المغفر ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إ ّ‬ ‫بأستار الكعبة فقال ‪ :‬اقتلوه } ‪ .‬وأجابوا عن الحاديث الواردة في تحريم القتال بمكّة أنّ‬ ‫معناها تحريم نصب القتال عليهم بما يعمّ كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلح الحال بدون ذلك‬ ‫ن قتال أهل البغي من حقوق اللّه تعالى الّتي ل يجوز أن تضاع ‪ ،‬ولن تكون محفوظة‬ ‫‪ .‬ول ّ‬ ‫في حرمه أولى من أن تكون مضاعة فيه ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬قطع نبات الحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬واتّفق الفقهاء على تحريم قطع أو قلع نبات الحرم إذا كان ممّا ل يستنبته النّاس عادة‬ ‫وهو رطب ‪ ،‬كالطّرفاء ‪ ،‬والسّلم ‪ ،‬والبقل ‪ ،‬الب ّريّ ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬سواء أكان شجرا أم غيره ‪،‬‬ ‫ن النّبيّ‬ ‫والصل فيه قوله تعالى ‪ { :‬أولم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا } ‪ .‬ولما ورد في الحديث أ ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬حرّم اللّه مكّة } إلى قوله ‪ { :‬ل يختلى خلها ول يعضد شجرها‬ ‫} ‪ .‬ويستوي في الحرمة المحرّم وغيره ‪ ،‬لنّه ل تفصيل في النّصوص المقتضية للمن ‪.‬‬

‫ن حرمة التّعرّض لجل الحرم ‪ ،‬فيستوي فيه المحرّم وغيره باتّفاق الفقهاء ‪ .‬واستثني من‬ ‫ول ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا قال في الحديث السّابق ‪ { :‬ل يعضد‬ ‫ذلك الذخر ‪ ،‬لما ورد أ ّ‬ ‫ل الذخر يا رسول اللّه فإنّه متاع لهل مكّة لحيّهم‬ ‫شجرها قال العبّاس رضي ال عنه إ ّ‬ ‫وميّتهم ‪ ،‬فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إلّ الذخر } ‪ .‬والمعنى فيه ما أشار إليه العبّاس‬ ‫رضي ال عنه وهو حاجة أهل مكّة إلى ذلك في حياتهم ومماتهم ‪ .‬وألحق بعض الفقهاء‬ ‫سنّا والسّواك والعصا وما أزيل من النّبات بقصد السّكنى بموضعه‬ ‫( المالكيّة ) بالذخر ال ّ‬ ‫للضّرورة ‪ .‬كما ألحق به جمهور الشّافعيّة والقاضي وأبو الخطّاب من الحنابلة الشّوك‬ ‫كالعوسج وغيره من كلّ ما هو مؤذ ‪ .‬وأطلق غيرهم القول بالحرمة ليشمل سائر الشجار‬ ‫ص باستثنائه وهو الذخر ‪ ،‬وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة ‪:‬‬ ‫ل ما ورد النّ ّ‬ ‫والحشيش إ ّ‬ ‫ن الغالب في شجر الحرم الشّوك ‪ ،‬فلمّا حرّم النّبيّ صلى‬ ‫{ ول يختلى شوكها } أي مكّة ‪ .‬ول ّ‬ ‫ال عليه وسلم قطع شجره والشّوك غالبه كان ظاهرا في تحريمه ‪ .‬ول بأس بأخذ الكمأة‬ ‫( الفقع ) لنّهما ل أصل لهما فليسا بشجر ول حشيش ‪ .‬أمّا اليابس من شجر الحرم وحشيشه‬ ‫فل يحرم النتفاع به عند جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) ‪ ،‬لنّه بمنزلة الميّت‬ ‫لخروجه عن حدّ النّم ّو ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل فرق بين أخضره ويابسه ‪ .‬ويجوز قطع وقلع ما‬ ‫يستنبته النّاس عادة كخسّ ‪ ،‬وبقل ‪ ،‬وكرّات ‪ ،‬وحنطة ‪ ،‬وبطّيخ ‪ ،‬وقثّاء ونخل وعنب ‪ ،‬وإن‬ ‫ن النّاس من لدن رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫لم يعالج بأن نبت بنفسه ‪ ،‬اعتبارا بأصله ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫وسلم إلى يومنا هذا يزرعونه في الحرم ويحصدونه من غير نكير من أحد ‪ .‬ول فرق في‬ ‫ن ما استنبته الدميّ‬ ‫الجواز بين الشّجر وغيره عند جمهور الفقهاء ‪ .‬والمذهب عند الشّافعيّة أ ّ‬ ‫من الشّجر كغير المستنبت في الحرمة والضّمان ‪ ،‬لعموم الحديث المانع من قطع الشّجر ‪.‬‬ ‫والقول الثّاني عندهم ‪ :‬قياسه بالزّرع كالحنطة والشّعير والخضراوات ‪ ،‬فإنّه يجوز قطعه ول‬ ‫ضمان فيه بل خلف ‪ .‬وإذا كان أصل الشّجرة في الحرم وأغصانها في الحلّ فهي من شجر‬ ‫الحرم ‪ ،‬وإن كان أصلها في الحلّ وأغصانها في الحرم فهي من الحلّ اعتبارا للصل ‪.‬‬ ‫رعي حشيش الحرم والحتشاش فيه ‪ - 11‬يجوز رعي حشيش الحرم عند جمهور الفقهاء‬ ‫ن الهدي‬ ‫( المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬وهو وجه عند الحنابلة ‪ ،‬وقول أبي يوسف من الحنفيّة ) ل ّ‬ ‫كان يدخل إلى الحرم فيكثر فيه فلم ينقل أنّهم كانوا يكمّون أفواهه ‪ ،‬ولنّ بهم حاجة إلى ذلك‬ ‫أشبه الذخر ‪ .‬ول يجوز ذلك عند أبي حنيفة ومحمّد ‪ ،‬وفي رواية عند الحنابلة ‪ ،‬لنّه لمّا منع‬ ‫ن فعل‬ ‫من التّعرّض لحشيش الحرم استوى فيه التّعرّض بنفسه وبإرسال البهيمة عليه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫البهيمة يضاف إلى صاحبها ‪ ،‬كما في الصّيد فإنّه لمّا حرم عليه التّعرّض استوى فيه‬ ‫اصطياده بنفسه ‪ ،‬وبإرسال الكلب ‪ ،‬كذا هذا ‪ .‬أمّا الحتشاش أي قطع نبات الحرم للبهائم‬

‫فمنعه الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو رواية عند الشّافعيّة ) لقوله صلى ال عليه‬ ‫ل أخذ نباته من حشيش أو نحوه بالقطع‬ ‫وسلم { ل يختلى خلها } وفي الصحّ عند الشّافعيّة ح ّ‬ ‫ل بالقلع لعلف البهائم للحاجة إليه كالذخر ‪ .‬والخلف فيما ل يستنبته النّاس عادة ‪ :‬أمّا ما‬ ‫يستنبته النّاس عادة فيجوز فيه الحتشاش اتّفاقا ‪.‬‬ ‫ضمان قطع النّبات في الحرم ‪:‬‬ ‫ن من قطع ما يحرم من نبات‬ ‫‪ - 12‬ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ‬ ‫الحرم فعليه ضمانه محرما كان أو حلل ‪ .‬واستدلّوا بفعل عمر ‪ ،‬وعبد اللّه بن الزّبير رضي‬ ‫ال عنهما فقد أمر عمر بشجر كان في المسجد يضمر بأهل الطّواف فقطع وفداه ‪ .‬ويقول ابن‬ ‫عبّاس ‪ :‬في الدّوحة بقرة ‪ ،‬وفي الجزلة شاة ‪ .‬والدّوحة الشّجرة العظيمة ‪ ،‬والجزلة الصّغيرة ‪.‬‬ ‫ثمّ اختلفوا في نوع الضّمان ‪ :‬فقال الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬تضمن الشّجرة الكبيرة والمتوسّطة‬ ‫عرفا ببقرة ‪ ،‬والصّغيرة بشاة ‪ ،‬لما تقدّم عن ابن عبّاس رضي ال عنهما ‪ .‬ويضمن الغصن‬ ‫بما نقص ‪ .‬وإن قلع شجرا من الحرم فغرسه في الحلّ لزمه ردّه ‪ ،‬فإن تعذّر أو يبست وجب‬ ‫الضّمان ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬الضّمان في جميع الصّور بالقيمة ‪ .‬واتّفق الجمهور على أنّه ل‬ ‫ن حرمته بسبب الحرم ل بالحرام ‪،‬‬ ‫يكون للصّوم في جزاء قطع نبات الحرم مدخل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ولهذا يجب على المحرم والحلل على السّواء ‪ .‬أمّا المالكيّة فمع قولهم بحرمة قطع نبات‬ ‫الحرم الّذي يحرم قطعه ‪ .‬قالوا ‪ :‬إن فعل فليستغفر اللّه ‪ ،‬ول جزاء عليه ‪.‬‬ ‫صيد الحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم في الحرم صيد الحيوان البرّيّ ‪ ،‬وهو ما يكون توالده‬ ‫وتناسله في البرّ دون البحريّ وهو ما يكون توالده في البحر ‪ .‬والمراد بصيد الحيوان الب ّريّ‬ ‫أن يكون الحيوان متوحّشا في أصل الخلقة ‪ ،‬ولو صار مستأنسا ‪ ،‬نحو الظّبي المستأنس ‪.‬‬ ‫ويستوي عند الحنفيّة والمالكيّة أن يكون مأكول اللّحم أو غير مأكول اللّحم ‪ .‬وقيّده الشّافعيّة‬ ‫والحنابلة بأن يكون مأكول اللّحم ‪ ،‬فل يحرم صيد الحيوان الب ّريّ غير مأكول اللّحم عندهم ‪.‬‬ ‫ودليل حرمة صيد الحرم قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إنّ هذا البلد حرّمه اللّه تعالى يوم خلق‬ ‫السّموات والرض } إلى قوله ‪ { :‬ل يختلى خلها ول يعضد شوكها ول ينفّر صيدها } ‪.‬‬ ‫وحرمة صيد الحرم تشمل المحرم والحلل ‪ ،‬كما تشمل الحرمة إيذاء الصّيد أو الستيلء‬ ‫عليه وتنفيره أو المساعدة على الصّيد بأيّ وجه من الوجوه ‪ ،‬مثل الدّللة عليه ‪ ،‬أو الشارة‬ ‫ل فأراد أن يدخل به الحرم لزمه رفع يده عنه‬ ‫إليه أو المر بقتله ‪ .‬ومن ملك صيدا في الح ّ‬ ‫وإرساله عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪ ،‬لنّ الحرم سبب محرّم للصّيد ويوجب ضمانه ‪،‬‬

‫فحرم استدامة إمساكه كالحرام ‪ ،‬فإن لم يرسله وتلف فعليه ضمانه ‪ ،‬فإن باعه ردّ البيع إن‬ ‫بقي ‪ ،‬وإن فات فعليه الجزاء ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬لو أدخل الحلل معه إلى الحرم صيدا مملوكا‬ ‫له ل يضمنه ‪ ،‬بل له إمساكه فيه والتّصرّف فيه كيف شاء ‪ ،‬لنّه صيد حلّ ‪ .‬ولو رمى من‬ ‫الحلّ صيدا في الحرم ضمنه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬لنّه صيد الحرم ‪ .‬وكذا لو رمى من‬ ‫ن بداية الرّمي من الحرم ‪ .‬وقال أشهب من المالكيّة‬ ‫الحرم صيدا في الحلّ عند الجمهور ‪ ،‬ل ّ‬ ‫وهو رواية عند الحنابلة ‪ :‬ل يضمن نظرا لنتهاء الرّمية ‪ .‬وضمان الصّيد يكون بالمثل فيما‬ ‫له مثل من النّعم ‪ ،‬أو القيمة فيه ‪ ،‬وفيما ل مثل له بتقويم رجلين عدلين يتصدّق بها على‬ ‫المساكين على النّحو المبيّن في جزاء الحرام ‪ .‬ينظر في مصطلح ( إحرام ‪ :‬ف ‪164 - 160‬‬

‫) ‪ .‬وفي الزّيلعيّ ول يجزيه الصّوم لنّه غرامة كغرامة الموال وشجر الحرم ‪ .‬والجامع‬ ‫أنّهما ضمان المحلّ ل جزاء الفعل ‪.‬‬ ‫‪ - 14‬ول يجوز للمحرم ول للحلل أكل لحم صيد الحرم الب ّريّ ‪ ،‬ول النتفاع به بأيّ وجه‬ ‫ل لكم صيد‬ ‫من الوجوه ‪ .‬أمّا صيد البحر فحلل أكله للمحرم والحلل لقوله تعالى ‪ { :‬أح ّ‬ ‫سيّارة ‪ ،‬وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما } ‪ .‬أمّا إذا صاد‬ ‫البحر وطعامه متاعا لكم ولل ّ‬ ‫الحلل صيدا خارج الحرم فهل يحلّ للمحرم أكله أم ل ؟ فيه خلف وتفصيل سبق في‬ ‫مصطلح ‪ ( :‬إحرام ) وتفصيل أحكام الصّيد في مصطلح ‪ ( :‬صيد ) ‪.‬‬ ‫ما يجوز قتله في الحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على جواز قتل الغراب والحدأة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والحيّة ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫العقور ‪ ،‬والذّئب في الحلّ والحرم ‪ ،‬لما ورد في الحديث المتّفق عليه أ ّ‬ ‫ب ليس على المحرم في قتلهنّ جناح ‪ :‬الغراب ‪ ،‬والحدأة ‪،‬‬ ‫وسلم قال ‪ { :‬خمس من الدّوا ّ‬ ‫والعقرب ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور } وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬خمس‬ ‫ل والحرم ‪ :‬الحيّة ‪ ،‬والغراب البقع ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪،‬‬ ‫فواسق يقتلن في الح ّ‬ ‫والحديّا } ‪ .‬والغراب البقع هو الّذي يأكل الجيف ‪ ،‬فل يجوز صيد الغراب الصّغير الّذي‬ ‫يأكل الحبّ ‪ .‬وفي قول عند المالكيّة ‪ :‬ل يجوز قتل الحدأة الصّغيرة أيضا لنتفاء اليذاء منها‬ ‫‪ .‬وأجاز جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) قتل كلّ مؤذ بطبعه كالسد والنّمر‬ ‫والفهد وسائر السّباع ‪ ،‬خلفا للحنفيّة في السّباع غير الصّائلة ونحوها كالبازي والصّقر ‪ .‬كما‬ ‫أجاز الجمهور قتل سائر الهوامّ والحشرات ‪ .‬واستثنى المالكيّة من الجواز قتل ما ل يكون‬ ‫مؤذيا منها ‪ .‬وقد سبق تفصيله في مصطلح ( إحرام ) ‪.‬‬ ‫نقل تراب الحرم ‪:‬‬

‫‪ - 16‬صرّح الشّافعيّة بحرمة نقل تراب الحرم وأحجاره وما عمل من طينه ‪ -‬كالباريق‬ ‫وغيرها ‪ -‬إلى الحلّ ‪ ،‬فيجب ردّه إلى الحرم ‪ ،‬ونقل عن بعض الشّافعيّة كراهته ‪ .‬قال‬ ‫الزّركشيّ في إعلم السّاجد ‪ :‬يحرم نقل تراب الحرم وأحجاره عنه إلى جميع البلدان ‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الصحّ والّذي أورده الرّافعيّ كراهته ‪ .‬وعند الحنفيّة أنّه ل بأس بإخراج أحجار الحرم‬ ‫وترابه ‪ ،‬نقله الشّافعيّ في المّ ‪ ،‬وهو المنقول عن عمر وابن عبّاس ‪ ،‬لكنّهما كرهاه ‪ .‬وذهب‬ ‫الحنابلة إلى أنّه ل يخرج من تراب الحرم ‪ ،‬ول يدخل إليه من الحلّ ‪ ،‬ول يخرج من حجارة‬ ‫مكّة إلى الحلّ ‪ ،‬والخراج أشدّ في الكراهة ‪ .‬أمّا نقل تراب الحلّ إلى الحرم فجوّزه الفقهاء ‪،‬‬ ‫ل يحدث لها حرمة لم تكن ‪.‬‬ ‫لكنّه قال بعضهم ‪ :‬مكروه ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬خلف الولى ‪ ،‬لئ ّ‬ ‫ول خلف في جواز نقل ماء زمزم إلى الحلّ لنّه يستخلف ‪ ،‬فهو كالثّمرة ‪ .‬وروي عن‬ ‫عائشة رضي ال عنها أنّها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان‬ ‫ص في الموضوع ‪.‬‬ ‫يحمله ‪ .‬ولم نعثر في كتب الحنفيّة والمالكيّة على ن ّ‬ ‫بيع رباع الحرم وكراؤها ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬يرى الحنفيّة وهو المشهور عن مالك ورواية عن أحمد ‪ ،‬أنّه ل يجوز بيع رباع الحرم‬ ‫وبقاع المناسك ول كراؤها ‪ ،‬لحديث ‪ { :‬مكّة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها }‬ ‫وروي عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة قال ‪ { :‬توفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫وأبو بكر وعمر ودور مكّة كانت تدعى السّوائب ‪ ،‬من احتاج سكن ومن استغنى أسكن } ‪.‬‬ ‫قال في البدائع ‪ :‬ثبت عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قوله ‪ { :‬إنّ مكّة حرام } وهي اسم‬ ‫للبقعة ‪ ،‬والحرام ل يكون محلّا للتّمليك ‪ .‬وعلّل البهوتيّ التّحريم بأنّ مكّة فتحت عنوة ولم‬ ‫تقسم بين الغانمين فصارت وقفا على المسلمين ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عن مالك وأحمد‬ ‫وهو غير المشهور ‪ ،‬عن أبي حنيفة إنّه يجوز بيع وإجارة دور الحرم ‪ ،‬لنّها على ملك‬ ‫أربابها ‪ ،‬يجوز لهم التّصرّف فيها ببيع ‪ ،‬ورهن ‪ ،‬وإجارة ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬للفقراء‬ ‫المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم } فنسب الدّيار إلى المالكين ‪ .‬وقال النّبيّ صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬من دخل دار أبي سفيان فهو آمن } نسب الدّار إلى مالكها ‪ .‬وقال صلى ال‬ ‫عليه وسلم أيضا ‪ « :‬وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور » ‪ .‬واستدلّوا للجواز أيضا بعموم‬ ‫ن الصل في الراضي أن تكون محلّا‬ ‫النّصوص الواردة في جواز البيع من غير فصل ‪ .‬ول ّ‬ ‫للتّمليك ‪ ،‬إلّ أنّه امتنع تملّك بعضها شرعا لعارض الوقف كالمساجد ‪ ،‬ولم يوجد في الحرم ‪.‬‬ ‫وقال بعض الفقهاء ‪ :‬بالجواز مع الكراهة ‪ .‬وقيّد بعض الفقهاء ‪ ،‬منهم أبو حنيفة ومحمّد وهو‬ ‫ج والمعتمر ‪ ،‬لكثرة احتياج‬ ‫رواية عن مالك ‪ -‬كراهة إجارة بيوت مكّة بالموسم من الحا ّ‬ ‫النّاس إليها ‪ -‬أمّا من المقيم والمجاور فل بأس بها ‪ .‬هذا ‪ ،‬وقد بحث الزّركشيّ هذا‬

‫الموضوع مع اتّجاهات الفقهاء وأدلّتهم بإسهاب ‪ .‬وينظر تفصيله أيضا في مصطلح ‪:‬‬ ‫( رباع ) ‪.‬‬ ‫ما اختصّ به الحرم من أحكام أخرى ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬نذر المشي إلى الحرم والصّلة فيه ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬جمهور الفقهاء على أنّه لو نذر المشي إلى بيت اللّه أو إتيانه ولم ينو شيئا آخر ولم‬ ‫يعيّنه فعليه أحد النّسكين ‪ ( :‬الحجّ أو العمرة ) لنّه قد تعورف إيجاب النّسك بهذا اللّفظ فكان‬ ‫كقوله ‪ :‬عليّ أحد النّسكين ‪ .‬ولما ورد من حديث { أخت عقبة أنّها نذرت أن تمشي إلى بيت‬ ‫اللّه فأمرها النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن تمشي وتركب } ‪ .‬وكذا إذا نذر المشي إلى مكّة أو‬ ‫إلى الكعبة فهو كقوله إلى بيت اللّه ‪ .‬أمّا إذا نذر التيان أو المشي إلى الحرم أو المسجد‬ ‫الحرام أو غير ذلك ‪ ،‬أو نوى ببيت اللّه مسجد المدينة أو المسجد القصى ‪ ،‬أو سائر المساجد‬ ‫فاختلفت عبارات الفقهاء ‪ :‬قال الحنفيّة ‪ :‬لو قال ‪ :‬عليّ المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام ل‬ ‫شيء عليه عند أبي حنيفة لعدم العرف في التزام النّسك به ‪ .‬وقال الصّاحبان ‪ :‬يلزمه النّسك‬ ‫أخذا بالحتياط لنّه ل يتوصّل إلى الحرم ول المسجد الحرام إلّ بالحرام فكان بذلك ملتزما‬ ‫للحرام ‪ ،‬ولو نوى بقوله ( بيت اللّه ) مسجد المدينة المنوّرة أو بيت المقدس أو مسجدا‬ ‫غيرهما لم يلزمه شيء ‪ ،‬لنّ النّذر إنّما يجب وفاؤه ‪ -‬عند الحنفيّة ‪ -‬إذا كان من جنسه‬ ‫واجب ‪ ،‬إذ المساجد كلّها بيوت اللّه ‪ ،‬وسائر المساجد يجوز الدّخول فيها بل إحرام فل يصير‬ ‫به ملتزما للحرام ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه لو نذر المشي إلى مسجد مكّة ولو لصلة يلزمه ‪،‬‬ ‫كما يلزم ناذر المشي إلى مكّة أو البيت الحرام أو جزئه المتّصل به كبابه ‪ ،‬وركنه ‪ ،‬وملتزمه‬ ‫‪ ،‬وشاذروانه وحجره ‪ .‬ول يلزم المشي لغير ذلك ‪ ،‬سواء أكان في المسجد الحرام والحرم ‪،‬‬ ‫كزمزم والمقام ‪ ،‬والصّفا والمروة ‪ ،‬أو خارجا عن الحرم كعرفة ‪ .‬وقال الشّافعيّة ‪ :‬إذا نذر‬ ‫المشي إلى بيت اللّه أو إتيانه وقصد البيت الحرام ‪ ،‬أو صرّح بلفظ الحرام ‪ ،‬فالمذهب وجوب‬ ‫ج أو عمرة ‪ .‬أمّا إذا لم يقل البيت الحرام ول نواه ‪ ،‬أو نذر أن يأتي عرفات ولم ينو‬ ‫إتيانه بح ّ‬ ‫ن بيت اللّه تعالى يصدق على بيته الحرام وعلى سائر المساجد ‪ ،‬ولم‬ ‫ج لم ينعقد نذره ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الح ّ‬ ‫يقيّده بلفظ ول نيّة ‪ .‬ولو نذر إتيان مكان من الحرم كالصّفا أو المروة ‪ ،‬أو مسجد الخيف ‪ ،‬أو‬ ‫منى ‪ ،‬أو مزدلفة ‪ ،‬لزمه إتيان الحرم بحجّ أو عمرة ‪ ،‬لنّ القربة إنّما تتمّ في إتيان بنسكه ‪،‬‬ ‫والنّذر محمول على الواجب ‪ .‬وحرمة الحرم شاملة لجميع ما ذكر من المكنة ونحوها في‬ ‫تنفير الصّيد وغيره ‪ .‬وتفصيل المسألة في مصطلح ; ( نذر ) وانظر أيضا مصطلح ‪:‬‬ ‫( المسجد الحرام ) ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬لقطة الحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 19‬اللّقطة هي المال الضّائع من ربّه يلتقطه غيره ‪ .‬ول فرق عند جمهور الفقهاء بين لقطة‬ ‫ن أخذها من غير نيّة التّملّك مأذون فيه شرعا ‪ ،‬وصرّح‬ ‫الحرم والحلّ في الحكام الفقهيّة من أ ّ‬ ‫بعضهم بوجوب الخذ إذا خاف الضّياع ‪ ،‬وهي أمانة في يد الخذ ( الملتقط ) ويشهد على‬ ‫أخذها ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ‪ ،‬ول يكتم‬ ‫ل يؤتيه من يشاء }‬ ‫‪ ،‬ول يغيّب ‪ ،‬فإن وجد صاحبها فليردّها عليه ‪ ،‬وإلّ فهو مال اللّه عزّ وج ّ‬ ‫‪ .‬ويجب تعريف اللّقطة إلى سنة أو إلى أن يغلب على ظنّه أنّ صاحبها ل يطلبها ‪ .‬وتختلف‬ ‫بعض أحكامها على حسب اختلف نوعيّة اللّقطة وقيمتها ‪ ،‬وهل يملكها بعد التّعريف أو‬ ‫يتصدّق بها أو يحبسها في ذلك خلف وتفصيل ‪ ،‬ينظر في مصطلح ‪ ( :‬لقطة ) ‪ .‬وفي‬ ‫الصّحيح عند الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد وقول الباجيّ وابن رشد وابن العربيّ من المالكيّة‬ ‫ن هذا بلد‬ ‫‪ :‬إنّه ل تحلّ لقطة الحرم للتّملّك بل تؤخذ للحفظ ويجب تعريفها أبدا ‪ ،‬لحديث ‪ { :‬فإ ّ‬ ‫حرّم اللّه ‪ ،‬ل يلتقط لقطته إلّ من عرّفها } ففرّق بينها وبين لقطة غير الحرم ‪ ،‬وأخبر أنّها ل‬ ‫تحلّ إلّ للتّعريف ‪ ،‬ولم يوقّت التّعريف بسنة كغيرها ‪ .‬فدلّ على أنّه أراد التّعريف على الدّوام‬ ‫‪ .‬والمعنى فيه أنّ حرم مكّة شرّفها اللّه تعالى مثابة للنّاس يعودون إليه المرّة بعد الخرى ‪،‬‬ ‫فربّما يعود مالكها أو يبعث في طلبها بعد السّنة ‪.‬‬ ‫الغسل لدخول الحرم ‪:‬‬ ‫ن الغسل لدخول الحرم ‪ ،‬وذلك تعظيما لحرمته ‪ ،‬قال‬ ‫‪ - 20‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يس ّ‬ ‫الزّركشيّ ‪ :‬ويستحبّ الغسل لدخول مكّة اتّفاقا لما في الصّحيحين عن { ابن عمر أنّه كان ل‬ ‫يقدم مكّة إلّ بات بذي طوى حتّى يصبح ويغتسل ثمّ يدخل مكّة نهارا ‪ ،‬ويذكر عن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم أنّه فعله } ‪ .‬ول فرق بين أن يكون الدّاخل محرما أو حلل ‪.‬‬ ‫المؤاخذة بالهمّ ‪:‬‬ ‫ن النسان إذا ه ّم بسيّئة فيه يؤاخذ به وإن لم يفعلها ‪ ،‬بخلف‬ ‫‪ - 21‬من اختصاصات الحرم أ ّ‬ ‫سائر البلدان فإنّه إذا ه ّم النسان فيها بسيّئة ل يؤاخذ بهمّه ما لم يفعلها ‪ .‬ووجه المؤاخذة بالهمّ‬ ‫في الحرم قوله تعالى ‪ { :‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } ‪ .‬وروى أحمد من‬ ‫ن رجل همّ فيه بإلحاد وهو‬ ‫حديث عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه في الية قال ‪ ( :‬لو أ ّ‬ ‫بعدن أبين لذاقه اللّه عذابا أليما ) وذلك تعظيما لحرمة الحرم ‪ -‬وكذلك فعل اللّه بأصحاب‬ ‫الفيل ‪.‬‬ ‫المجاورة بمكّة والحرم ‪:‬‬

‫‪ - 22‬تستحبّ المجاورة بمكّة والحرم عند جمهور الفقهاء ( الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف‬ ‫ومحمّد وهو قول ابن القاسم من المالكيّة ) وذلك لما يحصل من الطّاعات الّتي ل تحصل في‬ ‫غيرها من الطّواف وتضعيف الصّلوات والحسنات ‪ .‬وحكي عن بعض الفقهاء منهم أبو حنيفة‬ ‫كراهة المجاورة بالحرم خوفا من التّقصير في حرمته والتّبرّم واعتياد المكان ‪ .‬ولما يحصل‬ ‫بالمفارقة من تهييج الشّوق وانبعاث داعية العود ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس‬ ‫وأمنا } أي يثوبون إليه ‪ ،‬ويتردّدون إليه مرّة بعد أخرى ‪ .‬وعلّل بعضهم الكراهة بالخوف من‬ ‫ركوب الخطايا والذّنوب فيه ‪.‬‬ ‫تضاعف الصّلة والحسنات في الحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 23‬اتّفق الفقهاء على أنّ صلة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلة فيما سواه من‬ ‫المساجد ‪ ،‬لما ورد فيها من أحاديث ‪ :‬منها قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬صلة في مسجدي‬ ‫ن الصّلة فيه تفضل على‬ ‫ل المسجد الحرام } والمعنى أ ّ‬ ‫هذا خير من ألف صلة فيما سواه إ ّ‬ ‫مسجد الرّسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وذكر بعض الفقهاء أنّ حرم مكّة كالمسجد الحرام في‬ ‫المضاعفة المذكورة بناء على أنّ المسجد الحرام في الخبر المراد به جميع الحرم ‪ ،‬ويتأيّد‬ ‫بقوله تعالى ‪ { :‬والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والبّاد } وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ سبحان الّذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى المسجد القصى } ‪ ،‬وكان ذلك من‬ ‫بيت أمّ هانئ ‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد به مسجد الجماعة الّذي يحرم على الجنب القامة فيه ‪ .‬وقد‬ ‫ل المسجد الكعبة } ورواه مسلم عنها‬ ‫ذكر في رواية النّسائيّ في سننه من حديث ميمونة ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ن المضاعفة تختصّ بمسجد الجماعة بالنّسبة‬ ‫ب الطّبريّ أ ّ‬ ‫ل مسجد الكعبة } ‪ .‬ورجّح المح ّ‬ ‫‪{:‬إّ‬ ‫إلى الصّلة ‪ .‬هذا وقد ورد عن ابن عبّاس رضي ال عنهما عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫ل خطوة سبعمائة حسنة‬ ‫ج من مكّة ماشيا حتّى يرجع إلى مكّة كتب اللّه له بك ّ‬ ‫قال ‪ { :‬من ح ّ‬ ‫ل حسنة مائة‬ ‫من حسنات الحرم } فقال بعضهم لبن عبّاس ‪ :‬وما حسنات الحرم ؟ قال ‪ :‬بك ّ‬ ‫ألف حسنة ‪ ،‬وهذا الحديث يدلّ على أنّ المراد بالمسجد الحرام في تضعيف الصّلة الحرم‬ ‫ن حسنة الحرم مطلقا بمائة‬ ‫جميعه ‪ ،‬قال الزّركشيّ نقل عن المحبّ الطّبريّ ‪ :‬نقول بموجبه إ ّ‬ ‫ن الصّلة في مسجد الجماعة تزيد على ذلك ‪ .‬ولهذا قال ‪ :‬بمائة صلة في مسجدي‬ ‫ألف لك ّ‬ ‫ولم يقل حسنة ‪ .‬وصلة في مسجده صلى ال عليه وسلم بألف صلة ‪ ،‬كلّ صلة بعشر‬ ‫حسنات ‪ ،‬فتكون الصّلة في مسجده صلى ال عليه وسلم بعشرة آلف حسنة ‪ ،‬وتكون في‬ ‫المسجد الحرام بألف ألف حسنة إمّا مسجد الجماعة وإمّا الكعبة على اختلف القولين ‪ .‬ومثله‬ ‫ما ورد في شفاء الغرام ‪ .‬وتفصيل الموضوع في مصطلح ‪ :‬المسجد الحرام "‬

‫سيّئات بالحرم ‪:‬‬ ‫مضاعفة ال ّ‬ ‫سيّئات تضاعف بمكّة كما تضاعف الحسنات ‪ .‬ممّن‬ ‫‪ - 24‬ذهب جماعة من العلماء إلى أنّ ال ّ‬ ‫قال ذلك ابن مسعود وابن عبّاس ومجاهد وأحمد بن حنبل وغيرهم لتعظيم البلد ‪ .‬وسئل ابن‬ ‫سيّئات كما تضاعف الحسنات ؟‬ ‫عبّاس عن مقامه بغير مكّة فقال ‪ :‬مالي ولبلد تضاعف فيه ال ّ‬ ‫سيّئات بالحرم ‪ ،‬ثمّ قيل ‪ :‬تضعيفها كمضاعفة الحسنات بالحرم‬ ‫فحمل ذلك منه على مضاعفة ال ّ‬ ‫‪ .‬وقيل ‪ :‬بل كخارجه ‪ ،‬ومن أخذ بالعمومات لم يحكم بالمضاعفة قال تعالى ‪ { :‬ومن جاء‬ ‫سيّئة بمكّة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل مثلها } ‪ .‬وقال الفاسيّ ‪ :‬والصّحيح من مذاهب العلماء أ ّ‬ ‫بالسّيّئة فل يجزى إ ّ‬ ‫كغيرها ‪.‬‬ ‫ل تمتّع ول قران على أهل مكّة ‪:‬‬ ‫ج مفردا فقط‬ ‫‪ - 25‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل تمتّع ول قران على أهل مكّة ‪ ،‬فالم ّكيّ يحرم بالح ّ‬ ‫ول دم عليه ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ‪ .‬وهل يجوز‬ ‫لهل الحرم أن يحرم بالتّمتّع أو القران أو ل يجوز ؟ خلف وتفصيل ينظر في مصطلحي ‪:‬‬ ‫( تمتّع وقران ) ‪.‬‬ ‫ذبح الهدي والفدية في الحرم ‪:‬‬ ‫‪ - 26‬الهدي هو ما يهدى إلى البيت من بهيمة النعام ‪ ،‬سواء أكان تطوّعا أم هدي تمتّع ‪ ،‬أم‬ ‫ص بالحرم لقوله تعالى ‪ { :‬هديا بالغ‬ ‫ن ذبحه يخت ّ‬ ‫قران أم جزاء صيد ‪ .‬وقد ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫الكعبة } وقوله ‪ { :‬ول تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } وقوله ‪ { :‬ثمّ محلّها إلى البيت‬ ‫ص بمنى { لقول النّبيّ صلى‬ ‫العتيق } ‪ .‬ويجوز الذّبح في أيّ موضع شاء من الحرم ول يخت ّ‬ ‫ال عليه وسلم ‪ :‬نحرت هاهنا ومنى كلّها منحر وك ّل فجاج مكّة طريق ومنحر } والفضل‬ ‫للحاجّ أن يذبح بمنى ‪ ،‬وللمعتمر أن يذبح بمكّة ‪ .‬وهذا في غير المحصر ‪ ،‬أمّا المحصر ففي‬ ‫ذبحه خارج الحرم أو داخله خلف ينظر في ( إحصار ) ‪ .‬وأمّا ما يذبح في فدية الذى فقد‬ ‫اختلف فيه الفقهاء ‪ ،‬ففي قول الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬يجب ذبحه بمكّة وهو الظهر عند الشّافعيّة‬ ‫ورواية عن أحمد ‪ .‬وحكم الطّعام كحكم الفدية في أنّه يوزّع على مساكين الحرم ‪ .‬وأمّا‬ ‫الصّيام فيجوز فعله في الحرم وخارجه ‪ .‬وللتّفصيل انظر ( فدية ) ( وصيام ) ‪ .‬وفي بيان‬ ‫أنواع الهدي ووقت ذبحه ‪ ،‬ومن يتصدّق عليهم بالهدي تفصيل وخلف ينظر في مصطلحات‬ ‫‪ ( :‬حجّ ‪ ،‬هدي ‪ ،‬فدية ‪ ،‬نذر ) ‪ ،‬ويراجع أيضا مصطلح ‪ ( :‬إحصار ف ‪. ) 39 ، 38‬‬ ‫تغليظ الدّية في الحرم ‪:‬‬

‫‪ - 27‬يرى بعض الفقهاء تغليظ الدّية على الجناية الّتي ترتكب في الحرم ‪ ،‬فقد قضى عمر بن‬ ‫الخطّاب رضي ال عنه فيمن قتل في الحرم بالدّية وثلث الدّية ‪ .‬وقال بعضهم ل تغلّظ الدّية‬ ‫في الحرم ‪ .‬وفي كيفيّة تغليظها خلف ‪ ،‬تفصيله في مصطلح ‪ ( :‬دية ) ‪ .‬هذا ‪ ،‬وهناك أحكام‬ ‫أخرى بعضها يختصّ بالمسجد الحرام ‪ ،‬كجواز قصده بالزّيارة وشدّ الرّحال إليه ‪ ،‬وتقدّم‬ ‫المام على المأموم ‪ ،‬وعدم كراهة الصّلة فيه في الوقات المكروهة ‪ ،‬فصّلها الزّركشيّ في‬ ‫إعلم السّاجد ‪ .‬وينظر تفصيلها أيضا في مصطلح ‪ ( :‬المسجد الحرام ) ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬حرم المدينة ‪:‬‬ ‫ن المدينة المنوّرة حرم ‪ ،‬له‬ ‫‪ - 28‬ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أ ّ‬ ‫حدود وأحكام ‪ ،‬تختلف عن سائر البقاع ‪ ،‬كما تختلف عن الحرم الم ّكيّ في بعض الحكام ‪،‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬إنّي حرّمت المدينة كما حرّم‬ ‫وذلك لما ورد في الحديث أ ّ‬ ‫إبراهيم مكّة ‪ ،‬وإنّي دعوت في صاعها ومدّها بمثلي ما دعا به إبراهيم لهل مكّة } وعلى‬ ‫ذلك فل يحلّ صيدها ول يعضد شجرها ‪ .‬أمّا الحنفيّة فقالوا ‪ :‬ليس للمدينة المنوّرة حرم ‪ ،‬ول‬ ‫يمنع أحد من أخذ صيدها وشجرها ‪ .‬وإنّما أراد النّبيّ صلى ال عليه وسلم بحديثه المتقدّم بقاء‬ ‫زينتها ‪ ،‬كما ورد في حديث آخر من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تهدموا الطام فإنّها‬ ‫ل صيدها حديث أنس قال ‪ { :‬كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫ل على ح ّ‬ ‫زينة المدينة } ‪ .‬ويد ّ‬ ‫أحسن النّاس خلقا ‪ ،‬وكان لي أخ يقال له أبو عمير ‪ ،‬قال أحسبه فطيما ‪ ،‬وكان إذا جاء قال ‪:‬‬ ‫يا أبا عمير ما فعل النّغير ؟ } ونغير بالغين المعجمة طائر صغير كان يلعب به ‪.‬‬ ‫حدود الحرم المدنيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 29‬يرى الجمهور أنّ حدّ حرم المدينة ما بين ثور إلى عير ‪ ،‬لما ورد من حديث عليّ‬ ‫رضي ال عنه مرفوعا ‪ { :‬حرم المدينة ما بين ثور إلى عير } ‪ .‬وورد في حديث آخر { أنّ‬ ‫الحرم ما بين لبتي المدينة } ‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه‬ ‫وسلم ‪ { :‬ما بين لبتيها حرام } ‪ ،‬واللّابة الحرّة ‪ ،‬وهي أرض تركبها حجارة سود ‪ .‬وورد في‬ ‫رواية ‪ { :‬ما بين جبليه } ‪ ..‬وقدره بريد في بريد أي اثنا عشر ميل من كلّ جهة ‪.‬‬ ‫ما يختلف فيه الحرم المدنيّ عن الحرم الم ّكيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 30‬يختلف الحرم المدنيّ عن الحرم الم ّكيّ عند من يقول بوجود حرم للمدينة في بعض‬ ‫الحكام منها ما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬يجوز أخذ ما تدعو إليه الحاجة من شجر المدينة للرّحل ‪ ،‬وآلة الحرث ‪ ،‬كآلة الدّياس‬ ‫والجذاذ ‪ ،‬والحصاد ‪ ،‬والعارضة لسقف المحمل ‪ ،‬والمساند من القائمتين ‪ ،‬والعارضة بينهما‬

‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا حرّم المدينة‬ ‫ونحو ذلك ‪ ،‬لما روى جابر رضي ال عنه { أ ّ‬ ‫قالوا ‪ :‬يا رسول اللّه إنّا أصحاب عمل ‪ ،‬وأصحاب نضح ‪ ،‬وإنّا ل نستطيع أرضا غير أرضنا‬ ‫فرخّص لنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬القائمتان والوسادة والعارضة والمسند ‪ ،‬أمّا غير ذلك فل يعضد } ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬يجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه من حشيشها للعلف ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم في‬ ‫ن المدينة‬ ‫حديث عليّ ‪ { :‬ول يصلح أن يقطع منها شجرة إلّ أن يعلف رجل بعيره } ‪ .‬ول ّ‬ ‫يقرب منها شجر وزرع ‪ ،‬فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الحرج ‪ ،‬بخلف حرم مكّة ففيه‬ ‫تفصيل تقدّم بيانه ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬من أدخل إليها صيدا فله إمساكه وذبحه ‪ ،‬وخصّه المالكيّة بساكني المدينة ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬ل جزاء فيما حرم من صيدها وشجرها وحشيشها عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬بخلف حرم‬ ‫مكّة ‪ .‬وفي القول القديم للشّافعيّ ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة فيه الجزاء ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬يجوز دخول المدينة بغير إحرام بل خلف ‪ - .‬ول يمنع الكافر من دخول المدينة من‬ ‫أجل المصلحة مؤقّتا من غير استيطان باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬بخلف حرم مكّة المكرمة ‪.‬‬ ‫ص حرم المدينة بالنّسك وذبح الهدايا ‪ ،‬كما هو الحكم في حرم مكّة ‪ .‬ح ‪ -‬ليس‬ ‫ز ‪ -‬ل يخت ّ‬ ‫للقطة الحرم المدنيّ حكم خاصّ كالحرم الم ّكيّ من عدم تملّكها ووجوب تعريفها للبد ‪ ،‬كما‬ ‫ذهب إليه الشّافعيّة ‪ .‬هذا ‪ ،‬وقد ذكر الزّركشيّ في أعلم السّاجد سائر خصائص الحرم المدنيّ‬ ‫وأحكامه بإسهاب ‪ .‬وبعض هذه الحكام تختصّ بمسجد النّبيّ صلى ال عليه وسلم كمضاعفة‬ ‫الثّواب ‪ ،‬والعقاب ‪ ،‬وجواز شدّ الرّحال إليه ونحوهما ‪ .‬وينظر التّفصيل هناك وفي مصطلح ‪:‬‬ ‫( مسجد ) ومصطلح ‪ ( :‬المسجد الحرام ) ‪.‬‬ ‫حرير‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحرير معروف وهو مأخوذ من دودة تسمّى دودة القزّ ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬

‫البريسم ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬البريسم بفتح السّين وضمّها ‪ :‬الحرير وخصّه بعضهم بالخام ‪ .‬الستبرق ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الستبرق ‪ :‬غليظ الدّيباج فارسيّ معرّب ‪.‬‬

‫الخزّ‬

‫‪ - 4‬الخزّ من الثّياب ما ينسج من صوف وإبريسم ‪ ،‬أو من خالص البريسم ‪ .‬وفي اللّسان ‪،‬‬ ‫الخزّ ينسج من صوف وغيره ويحمل عليه ما ورد أنّ الصّحابة لبسوه ‪.‬‬

‫الدّيباج ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬الدّيباج ‪ :‬ثوب سداه ولحمته إبريسم ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬السّندس ‪ :‬ضرب من رقيق الدّيباج ‪.‬‬

‫السّندس‬ ‫القزّ ‪:‬‬

‫ن القزّ هو نوع من الحرير كمد اللّون‬ ‫‪ - 7‬القزّ البريسم ‪ :‬وجاء في بعض الكتب الفقهيّة أ ّ‬ ‫وهو ما قطعته الدّودة وخرجت منه ‪ .‬والحرير ما يحلّ بعد موتها ‪.‬‬

‫الدّمقس ‪:‬‬

‫‪ - 8‬الدّمقس ‪ :‬البريسم أو القزّ أو الدّيباج ‪ ،‬أو الكتّان ‪.‬‬

‫ما يتعلّق بالحرير من أحكام‬ ‫لبس الحرير المصمت واستعماله ‪:‬‬ ‫ل الحرير المصمت أي الخالص للنّساء لبسا واستعمال ‪ .‬لما روى‬ ‫‪ - 9‬اتّفق الفقهاء على ح ّ‬ ‫ل الذّهب والحرير لناث من أمّتي وحرّم‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬أح ّ‬ ‫أبو موسى أ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أخذ‬ ‫على ذكورها } ‪ .‬ولما روي عن عليّ رضي ال عنه { أ ّ‬ ‫حريرا فجعله في يمينه وذهبا في شماله ‪ ،‬ثمّ رفع يديه بهما فقال ‪ :‬إنّ هذين حرام على ذكور‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫أمّتي حلّ لناثهم } ‪ .‬ولحديث زيد بن أرقم وواثلة بن السقع أ ّ‬ ‫قال ‪ { :‬الذّهب والحرير حلّ لناث أمّتي حرام على ذكورها } ‪ .‬ولما روي عن أنس ( أنّه‬ ‫رأى على أمّ كلثوم بنت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم برد حرير سيراء ) ولما روي عنه‬ ‫أيضا قال ‪ ( :‬رأيت على زينب بنت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قميص حرير سيراء )‬ ‫واتّفقوا على حرمة لبس الحرير المصمت على الرّجال ثيابا وغطاء للرّأس واشتمال ولو‬ ‫بحائل للحاديث السّابقة الّتي تصرّح بحرمته على الرّجال ‪ .‬وهذا في غير حالة الحرب أو‬ ‫المرض أو ما في معناهما ‪ .‬أمّا في الحرب فإنّه يجوز لبس الحرير للرّجال عند أبي يوسف‬ ‫ومحمّد وابن الماجشون من المالكيّة مطلقا ‪ .‬وعند الحنابلة بقيد ‪ ،‬وهو ما إذا كانت باللّابس‬ ‫ن المنع‬ ‫حاجة إليه ‪ .‬فإذا لم تكن باللّابس حاجة إليه فعلى وجهين عندهم ‪ .‬أحدهما ‪ :‬الباحة ل ّ‬ ‫من لبسه للخيلء ‪ ،‬والخيلء وقت الحرب غير مذمومة ‪ .‬والوجه الخر ‪ :‬الحرمة وظاهر‬ ‫كلم أحمد إباحته مطلقا ‪ .‬وأضاف ابن حبيب من المالكيّة حال الحكّة ‪ .‬وهذا موافق لرواية‬ ‫عند الحنابلة لما روى أنس رضي ال عنه { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬رخّص لعبد‬ ‫الرّحمن بن عوف والزّبير رضي ال عنهما في لبس الحرير لحكّة كانت بهما } ‪ .‬والرّواية‬

‫الخرى عندهم أنّه ل يباح للمرض لحتمال أن تكون الرّخصة خاصّة بهذين الصّحابيّين ‪.‬‬ ‫وتوسّع الشّافعيّة في حال العذر المبيح مع التّقييد فقالوا ‪ :‬كحرّ وبرد مضرّين إذا لم يجد غيره‬ ‫‪ ،‬وحاجة كجرب إن آذى المريض غيره ‪ .‬وعند أبي حنيفة والمشهور عند المالكيّة أنّه ل‬ ‫يجوز لبس ثياب الحرير المصمت مطلقا لعموم الخبر ‪.‬‬ ‫إلباس الحرير لصغار الذّكور ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬يذهب الحنفيّة وهو قول عند المالكيّة ووجه عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ :‬إلى أنّه ل يجوز‬ ‫إلباس الصّغير الذّكر الحرير ‪ .‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أدار الحرمة على الذّكورة ‪ .‬إلّ‬ ‫ن اللّابس إذا كان صغيرا فالثم على من ألبسه ل عليه ‪ .‬لنّه ليس مكلّفا ‪ .‬ولعموم قول النّبيّ‬ ‫أّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وحرّم على ذكورها } ‪ .‬ولما رواه أبو داود بإسناده عن { جابر قال‬ ‫‪ :‬كنّا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري } والجواري البنات الصّغيرات ‪ .‬ومن قال‬ ‫من المالكيّة بذلك استثنى الرّضيع للمشقّة الدّاخلة على أمّه ‪ .‬ويذهب الشّافعيّة إلى جواز إلباسه‬ ‫صغار الذّكور ‪ .‬وهذا قول للمالكيّة ‪ ،‬ووجه عند الحنابلة لنّه غير مكلّف فل يتعلّق التّحريم‬ ‫ي سبع سنوات يحرم إلباسه‬ ‫بلبسهم ‪ .‬وهناك وجه ثالث عند الشّافعيّة ‪ ،‬وهو أنّه إذا بلغ الصّب ّ‬ ‫ثوب حرير ‪.‬‬ ‫أعلم الحرير في الثّوب غير الحرير ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬العلم جمع علم ‪ .‬وهو القطعة في الثّوب من غير جنسه أو من غير لونه ‪ .‬يذهب‬ ‫الحنفيّة والشّافعيّة وهو قول عند المالكيّة ‪ :‬إلى أنّ أعلم الحرير في الثّوب غير الحرير جائزة‬ ‫إذا كانت قدر أربع أصابع فما دونها ‪ .‬لما روى عمر أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬نهى‬ ‫ل البخاريّ ‪ .‬وزاد‬ ‫عن لبس الحرير إلّ موضع إصبعين أو ثلث أو أربع } رواه الجماعة إ ّ‬ ‫ن لبسه‬ ‫ن هذه العلم تابعة ‪ .‬والعبرة للمتبوع ‪ .‬ول ّ‬ ‫فيه أحمد وأبو داود { وأشار بكفّه } ول ّ‬ ‫ل يسمّى لبس حرير ‪ .‬وقال ابن حبيب من المالكيّة ‪ :‬ل بأس بالعلم الحرير في الثّوب وإن‬ ‫عظم ‪ .‬وتباح العرى والزرار عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو المعتمد عند المالكيّة‬ ‫لنّها تبع ويسير ‪ .‬وتباح أيضا لبنة جيب ‪ -‬بكسر اللّام وسكون الموحّدة ‪ -‬وهو الزّيق المحيط‬ ‫بالعنق ‪ .‬والجيب وهو ما يفتح على نحر أو طوق عند الحنفيّة والشّافعيّة وقول عند المالكيّة ‪.‬‬ ‫وقيّدته بعض كتب الحنابلة بما إذا كان قدر أربع أصابع مضمومة فما دونها ‪ .‬والقول الخر‬ ‫للمالكيّة إنّه ل يجوز ‪.‬‬ ‫لبس الثّياب المنسوجة من الحرير وغيره ‪:‬‬

‫ن الثّوب إن كانت لحمته حريرا وسداه غير حرير ‪ ،‬فإنّه ل يكره‬ ‫‪ - 12‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫لبسه في حال الحرب لدفع مضرّة السّلح وتهيّب العدوّ ‪ .‬أمّا في غير حال الحرب فمكروه ‪-‬‬ ‫كراهة التّحريم ‪ -‬لنعدام الضّرورة ‪ .‬وإن كان سداه حريرا ولحمته غير حرير ل يكره في‬ ‫ن الثّوب يصير ثوبا باللّحمة ‪ .‬لنّه إنّما يصير ثوبا بالنّسج ‪ .‬والنّسج‬ ‫حال الحرب وغيرها ‪ .‬ل ّ‬ ‫تركيب اللّحمة بالسّدى ‪ .‬فكانت اللّحمة كالوصف الخير فيضاف الحكم إليه ‪ .‬وأظهر القوال‬ ‫ن لبس هذه الثّياب مكروه يؤجر على‬ ‫وأولها بالصّواب عند المالكيّة كما قال ابن رشد ‪ ،‬أ ّ‬ ‫تركه ول يأثم في فعله ‪ .‬لنّه من المشتبهات المتكافئة أدلّة حرمتها وأدلّة حلّها الّتي قال فيها‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه } ‪ .‬وذهب‬ ‫ن ما أكثره من الحرير يحرم تغليبا للكثر ‪ .‬بخلف ما أكثره من‬ ‫الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ن الحرير‬ ‫ل ‪ .‬وتغليبا للكثر ‪ .‬ول ّ‬ ‫غيره ‪ .‬لنّ كلّا منهما ل يسمّى ثوب حرير ‪ .‬والصل الح ّ‬ ‫مستهلك في غيره ‪ .‬أمّا المستوي منهما فإنّ الشّافعيّة يبيحونه ‪ .‬والتّفصيل الّذي قال به‬ ‫الشّافعيّة كما ورد في المجموع أنّه إذا كان بعض الثّوب حريرا وبعضه غيره ونسج منهما‬ ‫ففيه طريقان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬إن كان الحرير ظاهرا يشاهد حرم وإن قلّ وزنه ‪ ،‬وإن استتر لم‬ ‫يحرم وإن كثر وزنه لنّ الخيلء والمظاهر إنّما تحصل بالظّاهر ‪ .‬والطّريق الثّاني ‪ :‬وهو‬ ‫ن العتبار بالوزن فإن كان الحرير أقلّ وزنا حلّ ‪ ،‬وإن كان أكثر حرم ‪،‬‬ ‫الصّحيح المشهور أ ّ‬ ‫ن الشّرع إنّما حرّم ثوب الحرير ‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫وإن استويا فوجهان ‪ .‬الصّحيح منهما الحلّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫بحرير ‪ .‬وللمالكيّة في المخلوط بالحرير وغيره سواء كان مساويا له أو أكثر منه عدّة أقوال ‪:‬‬ ‫قول بالجواز ‪ ،‬وقول بالكراهة ‪ ،‬وقول بالحرمة ‪ ،‬واختاره بعضهم لما ثبت عن كثير من‬ ‫الصّحابة ‪ .‬وعند الحنابلة فيما استوى فيه الحرير وغيره وجهان ‪ .‬وقال ابن عقيل من الحنابلة‬ ‫‪ :‬الشبه التّحريم لنّ النّصف كثير ‪ .‬وقال الثرم ‪ :‬سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن لبس الخزّ‬ ‫فلم ير به بأسا ‪ .‬ويراد بالخزّ هنا ما كان سداه حريرا ولحمته صوفا أو قطنا أو غيرهما ‪.‬‬ ‫وأطلق ابن عبّاس جواز السّدى والعلم من الحرير دون تقييد ‪ .‬فعنه أنّه قال ‪ { :‬إنّما نهى‬ ‫رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الثّوب المصمت من قزّ } ‪ .‬قال ابن عبّاس ‪ :‬أمّا السّدى‬ ‫والعلم فل نرى به بأسا رواه أحمد وأبو داود وأخرجه الحاكم بإسناد صحيح ‪ ،‬والطّبرانيّ‬ ‫بإسناد حسن ‪.‬‬ ‫استعمال الحرير في غير اللّباس ‪:‬‬ ‫ن ذلك بمنزلة‬ ‫‪ - 13‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة وجمهور المالكيّة والصّاحبان من الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫اللّباس فيكون محرّما على الرّجال ‪ .‬واستدلّوا لذلك بقول حذيفة رضي ال عنه ‪ { :‬نهانا النّبيّ‬ ‫أن نشرب في آنية الذّهب والفضّة وأن نأكل فيها ‪ ،‬وعن لبس الحرير والدّيباج وأن نجلس‬

‫عليه } ‪ .‬وقول عليّ رضي ال عنه ‪ { :‬نهاني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن لبس‬ ‫سيّ ‪ ،‬وعن جلوس على المياثر } ‪ .‬وذهب أبو حنيفة وبعض المالكيّة إلى جواز استعمال‬ ‫الق ّ‬ ‫ن النّهي خاصّ باللّبس ولما روي عن ابن عبّاس أنّه‬ ‫الحرير في البسط والفتراش والوسائد ل ّ‬ ‫ن فرشه استخفاف به فصار كالتّصاوير على‬ ‫كان له مرفقة من حرير على بساطه ‪ ،‬ول ّ‬ ‫البساط فإنّه يجوز الجلوس عليه ‪.‬‬ ‫كسوة الكعبة بالحرير ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على جواز كسوة الكعبة المشرّفة بالحرير بل صرّح بعضهم بأنّه مندوب‬ ‫تعظيما لها ‪.‬‬ ‫تبطين الثّياب بالحرير ‪:‬‬ ‫ن لبس الثّوب المبطّن‬ ‫‪ - 15‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز تبطين الثّياب بالحرير ‪ .‬ل ّ‬ ‫لبس للحرير حقيقة ‪ .‬ومعنى التّنعّم حاصل للتّزيّن بالحرير ولطفه ‪ .‬وقيّد المالكيّة عدم الجواز‬ ‫بما إذا كان كثيرا ‪ .‬وقول المالكيّة قريب ممّا يقول الشّافعيّة إذ قيّدوا عدم الجواز بمخالفة‬ ‫العادة ‪.‬‬ ‫استعمال الحرير رباطا للسّراويل ‪:‬‬ ‫‪ - 16‬وهو الّذي يطلق عليه ‪ -‬ال ّتكّة ‪ -‬تكره في الصّحيح عند الحنفيّة ‪ .‬وقيل ل بأس بها‬ ‫عندهم ‪ .‬وهذا القول موافق لما يقول الشّافعيّة ‪ .‬وتحرم عند الحنابلة وهو الظّاهر من عبارات‬ ‫المالكيّة ‪.‬‬ ‫عصب الجراحة بالحرير ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬قد صرّح ابن عابدين بأنّه مختلف فيه ‪ .‬ولم نجد لغيرهم تصريحا بذلك ‪ .‬استعمالت‬ ‫أخرى ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬اتّفق الفقهاء على جواز خياطة الثّياب بالحرير واتّخاذه كيسا للمصحف واتّخاذ الرّاية‬ ‫منه ‪ ،‬كما يجوز حشو الجباب والفرش به ‪ .‬لنّه ل فخر فيه ول خيلء ول عجب وليس لبسا‬ ‫له ول افتراشا إلّ أنّ المالكيّة قيّدوا الجواز بما إذا لم يكن كثيرا أمّا إذا كان كثيرا فل يجوز ‪.‬‬ ‫ل من الحنفيّة والشّافعيّة وبعض الحنابلة ‪،‬‬ ‫ويجوز اتّخاذ خيط حرير وشرابه للمسبّحة عند ك ّ‬ ‫وأكثر الحنابلة منع ذلك ‪ .‬ولم نجد للمالكيّة نصّا في إباحة ذلك أو منعه ‪ .‬وأجاز الحنفيّة‬ ‫والمالكيّة تزيين الجدران بالحرير ومنعه الشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬مواطن البحث ‪ - 19‬تذكر‬ ‫الحكام المتعلّقة بالحرير في باب الحظر والباحة أو الكراهة أو الستحسان عند الحنفيّة ‪.‬‬

‫وباب ستر العورة عند كلّ من المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في بعض الكتب ‪ ،‬وفي بعض آخر‬ ‫كتاب اللّباس ‪.‬‬ ‫حريم‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬للحريم في اللّغة معان متعدّدة منها ‪ :‬ما حرّم فل ينتهك ‪ ،‬والحريم أيضا ما يتجرّد عنه‬ ‫المحرم من ثياب ‪ ،‬وفناء الدّار أو المسجد ‪ ،‬وحريم الرّجل ما يقاتل عنه ويحميه ‪ ،‬والحريم‬ ‫أيضا الحمى ‪ ،‬وجمعه حرم ‪ .‬وفي الصطلح ‪ :‬حريم الشّيء ‪ :‬ما حوله من حقوقه‬ ‫ومرافقه ‪ ،‬سمّي بذلك لنّه يحرم على غير مالكه أن يستب ّد بالنتفاع به ‪ .‬وعرّف الشّافعيّة‬ ‫الحريم بأنّه ما تمسّ الحاجة إليه لتمام النتفاع وإن حصل أصل النتفاع بدونه ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬

‫الحمى ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الحمى بمعنى المحميّ ‪ ،‬مصدر يراد به اسم المفعول ‪ ،‬أو المراد به الحماية والتّحجير ‪.‬‬ ‫يقال ‪ :‬هذا شيء حمى ‪ .‬أي محظور ل يقرب ‪ .‬وشرعا ‪ :‬أن يحمي المام أرضا من‬ ‫الموات ‪ ،‬فيمنع النّاس من رعي ما فيها من الكل ليختصّ بها دونهم لمصلحة المسلمين ل‬ ‫لنفسه ‪ .‬وعرّف المالكيّة الحمى الشّرعيّ بقولهم ‪ :‬أن يحمي المام مكانا خاصّا لحاجة‬ ‫المسلمين ‪ .‬وحمى اللّه محارمه كما في الحديث ‪ { :‬المعاصي حمى اللّه ‪ ،‬من يرتع حول‬ ‫الحمى يوشك أن يواقعه } ‪ .‬فالحمى والحريم في بعض إطلقاتهما اللّغويّة متّفقان ‪ .‬وأمّا في‬ ‫الصطلح فمختلفان ‪.‬‬ ‫( الحكم التّكليفيّ ) ‪:‬‬ ‫ل مملوك‬ ‫‪ - 3‬ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يجوز إحياء حريم البئر والنّهر ‪ ،‬والعين ‪ ،‬وك ّ‬ ‫ل يجوز إحياء ما تعلّق بمصالحه ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من أحيا أرضا ميّتة في‬ ‫غير حقّ مسلم فهي له } ‪ .‬لنّه تابع للمملوك ‪ ،‬فلو جوّز إحياؤه لبطل الملك في العامر على‬ ‫أهله ‪ .‬وكذلك اتّفق جمهور الفقهاء على أنّه ل يجوز تملّك حريم الراضي العامرة لنّه تابع‬ ‫للعامر ‪ ،‬فل يملك ‪ ،‬لكنّ صاحب الراضي أحقّ به من غيره ‪ .‬وقال الشّافعيّ ‪ :‬يملك وهو‬ ‫ظاهر قول الخرقيّ من الحنابلة في حريم البئر ‪ ،‬والنّهر ‪ ،‬لنّه مكان استحقّه بالحياء ‪ ،‬فملكه‬ ‫كالمحميّ ‪ ،‬ولنّ معنى الملك موجود فيه ‪ ،‬لنّه يدخل في البيع يختصّ به صاحبها ‪.‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جعل للبئر والعين وكلّ‬ ‫‪ - 4‬والصل في مشروعيّة الحريم أ ّ‬ ‫أرض حريما ‪ ،‬بقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا‬

‫لماشيته } ‪ .‬وشروط تملّك حريم البئر وما في معناه كالعيون ‪ ،‬والنهار وغيرها ‪ ،‬فإنّه‬ ‫يرجع فيها إلى شروط تملّك الرض الموات بإحيائها ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪:‬‬ ‫( إحياء الموات ) ‪.‬‬ ‫مقدار الحريم ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬يختلف مقدار الحريم باختلف ما يتعلّق به الحريم كالبئر ‪ ،‬والنّهر ‪ ،‬والعين ‪ ،‬والشّجر‬ ‫وغيرها ‪ ،‬وفي كلّ خلف وتفصيل على النّحو التّالي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬حريم البئر ‪:‬‬ ‫ن حريم بئر‬ ‫‪ - 6‬اختلف الئمّة في مقدار حريم البئر على التّفصيل التي ‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫العطن أربعون ذراعا من كلّ جانب ‪ ،‬وقيل من الجوانب كلّها ‪ :‬أي من كلّ جانب عشرة‬ ‫أذرع لظاهر قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته }‬ ‫والصّحيح الوّل ‪ ،‬لنّ المقصود من الحريم دفع الضّرر ‪ ،‬كي ل يحفر بحريمه أحد بئرا‬ ‫أخرى فيتحوّل إليها ماء بئره ‪ ،‬وهذا الضّرر ل يندفع بعشرة أذرع من كلّ جانب ‪ ،‬فإنّ‬ ‫الراضي تختلف بالصّلبة والرّخاوة ‪ ،‬وأيضا فإنّ حافر البئر يحتاج أن يقف على شفير البئر‬ ‫ليستقي الماء ‪ ،‬وإلى أن يبني على شفير البئر ما يركّب عليه البكرة ‪ ،‬وإلى أن يبني حوضا‬ ‫يجتمع فيه الماء ‪ ،‬وإلى موضع تقف فيه مواشيه حالة الشّرب وبعده ‪ ،‬فقدّره الشّارع بأربعين‬ ‫ذراعا ‪ .‬ثمّ اختلف أئمّة الحنفيّة في بئر النّاضح ‪ -‬وهي البئر الّتي ينزع الماء منها بالبعير ‪-‬‬ ‫ن حريم بئر النّاضح ستّون‬ ‫فذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل فرق ‪ ،‬وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أ ّ‬ ‫ذراعا ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬حريم العين خمسمائة ذراع ‪ ،‬وحريم بئر العطن‬ ‫أربعون ذراعا ‪ ،‬وحريم بئر النّاضح ستّون ذراعا } ولنّه يحتاج فيه إلى أن يسيّر دابّته‬ ‫للستسقاء ‪ ،‬وأمّا بئر العطن فالستسقاء منه باليد ‪ ،‬فقلّت الحاجة ‪ ،‬فل ب ّد من التّفاوت ‪.‬‬ ‫وذكر ابن عابدين نقل عن التتارخانية أنّه يفتى بقول الصّاحبين ‪ ،‬وفي الشرنبللية أنّه يفتى‬ ‫بقول المام ‪ .‬وهناك قول آخر ذكره القهستانيّ وعزاه للهداية ‪ :‬وهو أنّ التّقدير في البئر بما‬ ‫ل ينتقل الماء إلى‬ ‫ذكر في أراضيهم لصلبتها ‪ ،‬أمّا في أراضينا ففيها رخوة ‪ ،‬فيزداد ‪ ،‬لئ ّ‬ ‫الثّاني ويرى المالكيّة في المذهب والشّافعيّة أنّ البئر ليس لها حريم مقدّر ‪ .‬فقد قال المالكيّة ‪:‬‬ ‫ن حريم البئر ما حوله ‪ ،‬فهو يختلف بقدر كبر البئر ‪ ،‬وصغرها ‪ ،‬وشدّة الرض ورخاوتها ‪،‬‬ ‫إّ‬ ‫وما يضيق على وارد لشرب أو سقي ‪ .‬قال عياض ‪ :‬حريم البئر ما يتّصل بها من الرض‬ ‫الّتي من حقّها أن ل يحدث فيها ما يضرّ بها ل باطنا كحفر بئر ينشّف ماءها أو يذهبه ‪ ،‬أو‬ ‫يغيّره كحفر مرحاض تطرح النّجاسات فيه ‪ ،‬ويصل إليها وسخها ‪ .‬وصرّح الشّافعيّة بأنّ‬ ‫حريم البئر المحفورة في الموات موقف النّازح منها ( وهو القائم على رأس البئر ليستقي ) ‪،‬‬

‫والحوض ( وهو ما يصبّ النّازح فيه ما يخرجه من البئر ) وموضع الدّولب ‪ ،‬ومجتمع‬ ‫الماء الّذي يطرح فيه من الحوض لسقي الماشية والزّرع ‪ ،‬ومتردّد البهيمة إن كان الستقاء‬ ‫ل ذلك غير محدّد ‪ ،‬وإنّما هو بحسب‬ ‫بها ‪ .‬وحريم بئر الشّرب ‪ :‬موضع المستقي منها ‪ ،‬وك ّ‬ ‫الحاجة عند الشّافعيّة في المشهور من المذهب ‪ ،‬وهل من سائر الجوانب ‪ ،‬أو جانب واحد ؟‬ ‫القرب اعتبار العادة في مثل ذلك المحلّ ‪ .‬وفي مخالف المشهور ‪ :‬حريم البئر قدر عمقها‬ ‫من كلّ جانب ‪ .‬وأمّا الحنابلة فقد فرّقوا بين البئر القديمة ‪ ،‬والبئر البديء أي الّتي ابتدئ‬ ‫ن حريم البئر القديمة‬ ‫عملها ‪ :‬فذهب جمهور الحنابلة وهو قول ابن نافع من المالكيّة ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫خمسون ذراعا من كلّ جانب ‪ ،‬والمقصود بالبئر القديمة هي الّتي انطمّت وذهب ماؤها فجدّد‬ ‫حفرها وعمارتها ‪ .‬وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعا من كلّ جانب ‪ ،‬لما روي عن‬ ‫سنّة في حريم القليب ‪ -‬البئر العاديّة ‪ -‬خمسون ذراعا ‪ ،‬وحريم‬ ‫سعيد بن المسيّب قال ‪ :‬ال ّ‬ ‫ن الحاجة إلى البئر‬ ‫البديء خمسة وعشرون ذراعا ‪ ،‬وحريم بئر الزّرع ثلثمائة ذراع " ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ل تنحصر في ترقية الماء ‪ ،‬فإنّه يحتاج إلى ما حولها عطنا لبله ‪ ،‬وموقفا لدوابّه وغنمه ‪،‬‬ ‫وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته ‪ ،‬وأشباه ذلك ‪ ،‬فل يختصّ الحريم بما يحتاج‬ ‫إليه لترقية الماء فقط ‪ .‬وقال القاضي أبو يعلى وأبو الخطّاب ‪ :‬ليس هذا على طريق التّحديد ‪،‬‬ ‫بل حريمها في الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولب فقدر م ّد الثّور أو‬ ‫غيره ‪ ،‬وإن كان بساقيّة فبقدر طول البئر ‪ ،‬لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪:‬‬ ‫{ حريم البئر قدر رشائها } ‪ .‬ولنّه المكان الّذي تمشي إليه البهيمة ‪ .‬وإن كان يستقي منها‬ ‫بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها ‪ .‬وانظر مصطلح ( إحياء الموات ) فقرة ‪. 18‬‬ ‫ب ‪ -‬حريم العين ‪:‬‬ ‫ل جانب ‪،‬‬ ‫ن حريم العين خمسمائة ذراع من ك ّ‬ ‫‪ - 7‬صرّح الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة بأ ّ‬ ‫ل ناحية ‪ .‬فيمنع غيره من الحفر فيه ‪ ،‬وله‬ ‫لقول الزّهريّ ‪ :‬حريم العين خمسمائة ذراع من ك ّ‬ ‫تضمين المعتدي ‪ ،‬أو ردم الحفرة ‪ .‬والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬حريم‬ ‫ن العين تستخرج للزّراعة فل بدّ من موضع يجتمع فيه الماء ‪،‬‬ ‫العين خمسمائة ذراع } ‪ .‬ول ّ‬ ‫ومن موضع يجري إليه ومنه إلى المزرعة ‪ ،‬فقدّره الشّارع بخمسمائة ذراع ‪ ،‬ول مدخل‬ ‫للرّأي في المقادير فاقتصر عليه ‪ .‬وفي قول عند الحنابلة ‪ :‬هو القدر الّذي يحتاج إليه صاحبها‬ ‫للنتفاع بها ‪ ،‬ولو على ألف ذراع ‪ .‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّه ليس لذلك حدّ مقدّر ‪،‬‬ ‫والمرجع فيه إلى العرف ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬حريم القناة ‪:‬‬

‫‪ - 8‬اختلف الحنفيّة في حريم القناة على أقوال ‪ :‬فقيل ‪ :‬يكون حريمها بقدر ما يصلحها للقاء‬ ‫ص في الشّرع ‪.‬‬ ‫الطّين ونحوه ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنّ لها حريما مفوّضا إلى رأي المام ‪ ،‬لنّه ل ن ّ‬ ‫وقيل ‪ :‬حكم القناة عند خروج الماء كالعين ‪ ،‬وقبله مفوّض إلى رأي المام ‪ ،‬قيل ‪ :‬هذا‬ ‫قولهما ‪ ،‬أمّا على قول أبي حنيفة فل حريم للقناة ما لم يظهر الماء ‪ ،‬لنّه نهر مطويّ فيعتبر‬ ‫بالنّهر الظّاهر ‪ ،‬ول حريم للنّهر عنده في قول كما سيأتي ‪ .‬وروي عن محمّد ‪ :‬أنّها كالبئر ‪.‬‬ ‫ن حريم القناة المحيّاة ‪ ،‬ل للستسقاء منها القدر الّذي لو حفر فيه لنقص‬ ‫وذهب الشّافعيّة إلى أ ّ‬ ‫ماؤها ‪ ،‬أو خيف منه انهيار أو انكباس ‪ ،‬ويختلف ذلك بصلبة الرض ورخاوتها ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الصحّ ‪ ،‬وفي وجه حريمها حريم البئر الّتي يستقى منها ‪ ،‬ول يمنع من الحفر إذا جاوره وإن‬ ‫نقص الماء ‪ ،‬وبهذا الوجه قطع الشّيخ أبو حامد ومن تابعه ‪ .‬ويرى الحنابلة أنّ حكمها حكم‬ ‫العين ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬حريم النّهر ‪:‬‬ ‫ن للنّهر حريما بقدر ما يحتاج إليه للقاء الطّين ونحوه ‪ ،‬فيما لو‬ ‫ح عند الحنفيّة أ ّ‬ ‫‪ - 9‬الص ّ‬ ‫أحياه في أرض موات ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل حريم له عند أبي حنيفة ‪ .‬ثمّ اختلف أئمّة الحنفيّة فيما لو‬ ‫كان النّهر في ملك الغير ‪ :‬فعند أبي حنيفة ل حريم للنّهر في ملك الغير إلّ ببرهان ‪ ،‬لنّ‬ ‫الظّاهر ل يشهد له ‪ ،‬بل لصاحب الرض ‪ ،‬لنّه من جنس أرضه ‪ ،‬والقول لمن يشهد له‬ ‫ل أن يقيم البيّنة على ذلك ‪ .‬وقال أبو يوسف ومحمّد ‪ :‬له حريم من الجانبين ‪ ،‬لنّ‬ ‫الظّاهر ‪ ،‬إ ّ‬ ‫استحقاق الحريم للحاجة ‪ ،‬وصاحب النّهر يحتاج إليه كصاحب البئر والعين ‪ ،‬إذ إنّه يحتاج‬ ‫إلى المشي على حافّتي النّهر ‪ ،‬كما يحتاج إلى موضع للقاء الطّين عليه عند كري النّهر ‪ .‬ثمّ‬ ‫اختلفا في مقداره ‪ :‬فقدّره محمّد بقدر عرض النّهر من كلّ جانب ‪ ،‬واختاره الكرخيّ ‪ ،‬وهو‬ ‫أرفق ‪ ،‬لنّه قد ل يمكنه إلقاء التّراب من الجانبين فيحتاج إلى إلقائه في أحدهما ‪ ،‬وقدّره أبو‬ ‫يوسف بنصف عرضه واختاره الطّحاويّ ‪ ،‬لنّ المعتبر الحاجة الغالبة وذلك بنقل ترابه إلى‬ ‫حافّتيه ‪ ،‬وعليه الفتوى ‪ .‬وذكر ابن عابدين قول القهستانيّ الّذي عزاه إلى أبي جعفر‬ ‫ن الختلف المذكور بين الحنفيّة في نهر كبير ل يحتاج إلى كريه ( حفره ) في‬ ‫الهندوانيّ ‪ :‬أ ّ‬ ‫ل حين فله حريم بالتّفاق ‪.‬‬ ‫كلّ حين ‪ ،‬وأمّا لو كان النّهر صغيرا يحتاج إلى كريه في ك ّ‬ ‫وحريم النّهر عند المالكيّة ما ل يضيق على من يرده من الدميّين ‪ ،‬والبهائم ‪ ،‬وقيل ألفا ذراع‬ ‫ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّ حريم النّهر من حافّتيه ما يحتاج إليه النّهر للقاء الطّين‬ ‫‪ .‬ون ّ‬ ‫وما يخرج منه بحسب العرف ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬حريم الشّجر ‪:‬‬

‫ن حريم الشّجرة المغروسة بالذن السّلطانيّ في الراضي الموات‬ ‫‪ - 10‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جعل حريم الشّجرة خمسة أذرع ‪،‬‬ ‫من كلّ جهة خمسة أذرع ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ولنّه يحتاج إلى الحريم لجذاذ ثمره ‪ ،‬والوضع فيه ‪ .‬وفي رواية ل تقدير له ‪ ،‬لنّه يختلف‬ ‫الحال بكبر الشّجرة وصغرها ‪ .‬وعند المالكيّة ما كان فيه مصلحة عرفا لشجرة من نخل أو‬ ‫غيرها ‪ ،‬ويترك ما أضرّ بها ‪ .‬ويسأل عن ذلك أهل العلم به ‪ ،‬فيكون الحريم لكلّ شجرة بقدر‬ ‫ن الصل في تقدير الحريم الرّجوع إلى‬ ‫مصلحتها ‪ .‬وهو الموافق لما ذهب إليه الشّافعيّة من أ ّ‬ ‫العرف ‪ ،‬حتّى إنّ المنصوص عليه قد روعي فيه العرف والحاجة ‪ .‬وقد قال المالكيّة في‬ ‫النّخلة ‪ :‬إنّ حريمها من اثني عشر ذراعا من نواحيها كلّها إلى عشرة أذرع ‪ ،‬قال الموّاق ‪:‬‬ ‫وذلك حسن ‪ .‬وأمّا عند الحنابلة فحريم الشّجرة قدر ما تمدّ إليه أغصانها حواليها ‪ ،‬وفي النّخلة‬ ‫قدر مدّ جريدها ‪ ،‬لما روى أبو داود بإسناده عن أبي سعيد قال ‪ :‬اختصم إلى النّبيّ صلى ال‬ ‫عليه وسلم في حريم نخلة ‪ ،‬فأمر بجريدة من جرائدها ‪ ،‬فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة‬ ‫‪ ،‬فقضى بذلك ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬حريم الدّار ‪:‬‬ ‫ن حريم الدّار المحفوفة بالموات ما يرتفق به من مطرح تراب‬ ‫‪ - 11‬ذهب الجمهور إلى أ ّ‬ ‫ن هذا كلّه يرتفق به ساكنها ‪.‬‬ ‫وكناسة وثلج ‪ ،‬أو مصبّ ميزاب ‪ ،‬وممرّ في صوب الباب ل ّ‬ ‫ن من بنى دارا في مفازة ل يستحقّ حريما ‪ ،‬وإن احتاجه للقاء‬ ‫وأمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بأ ّ‬ ‫الكناسة ‪ .‬ول تختصّ الدّار المحفوفة بملك الغير من كلّ جانب بالحريم ‪ ،‬لنتفاء المرجّح لها‬ ‫على غيرها ‪ ،‬لنّ الملك متعارضة ‪ ،‬وليس جعل موضع حريما لدار أولى من جعله حريما‬ ‫لخرى ‪ ،‬وكلّ واحد من الملّاك يتصرّف في ملكه على العادة في التّصرّف ‪.‬‬ ‫ز ‪ -‬حريم القرية ‪:‬‬ ‫ن حريم القرية محتطبها ومرعاها ونحو‬ ‫‪ - 12‬صرّح المالكيّة وهو المتبادر من كلم الحنفيّة بأ ّ‬ ‫ذلك على العادة من الذّهاب والياب مع مراعاة المصلحة ‪ ،‬فيختصّون به ‪ ،‬ولهم منع غيرهم‬ ‫ص به بعضهم دون بعض ‪ ،‬لنّه مباح للجميع ‪ .‬ومن أتى منه بحطب أو‬ ‫منه ‪ ،‬ول يخت ّ‬ ‫حشيش أو نحو ذلك ملكه وحده ‪.‬‬ ‫ح ‪ -‬حريم أرض الزّراعة ‪:‬‬ ‫‪ - 13‬قال أبو حنيفة ‪ :‬حريم أرض الزّرع ما بعد منها ولم يبلغه ماؤها ‪ ،‬وقال أبو يوسف ‪:‬‬ ‫ن حريم‬ ‫حريمها ما انتهى إليه صوت المنادي من حدودها ‪ .‬وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأ ّ‬

‫أرض الزّراعة قدر ما يحتاجه زرّاعها لسقيها ‪ ،‬وربط دوابّها ‪ ،‬وطرح سبخها ونحوه ‪ ،‬لنّ‬ ‫كلّ المذكور من مرافقها ‪.‬‬ ‫البناء في حريم النّهر والدّار والنتفاع به ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬يجوز البناء في حريم الدّار ‪ ،‬ويمتنع في حريم النّهر ‪ ،‬ولو مسجدا ‪ ،‬ويهدم ما بني فيه‬ ‫عند الفقهاء ‪ ،‬وإن بعد عنه الماء ‪ ،‬لحتمال عوده إليه ‪ .‬ويقول الشبراملسي ‪ :‬ويؤخذ من ذلك‬ ‫أنّه لو أيس من عوده جاز ‪ .‬ول تحرم الصّلة في حريم النّهر ‪ ،‬فكذلك في المسجد الّذي بني‬ ‫فيه ‪ ،‬وإن كان واجب الهدم ‪ .‬أمّا النتفاع بحريم النهار كحافّاتها بوضع الحمال والثقال ‪،‬‬ ‫وجعل زريبة من قصب ونحوه لحفظ المتعة فيها فيجوز بشرط أن يفعله للرتفاق به ول‬ ‫يضرّ بانتفاع غيره ‪ ،‬ول يضيق على المارّة ونحوهم ‪ ،‬ول يعطّل أو ينقص منفعة النّهر ‪ .‬فإذا‬ ‫ل حرم ‪،‬‬ ‫كان النتفاع من الحريم بهذه الصّفة فل يجوز أخذ عوض منه على ذلك ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ولزمته الجرة لمصالح المسلمين ‪.‬‬ ‫استعمالت أخرى لكلمة الحريم ‪ :‬استعمل بعض الفقهاء كلمة الحريم في مواضع أخرى ‪:‬‬ ‫كحريم المصلّي ‪ ،‬وحريم النّجاسة وغيرها ‪ ،‬نجملها فيما يلي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬حريم المصلّي ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬صرّح الدّسوقيّ من المالكيّة بأنّ الفقهاء اختلفوا في حريم المصلّي الّذي يمنع المرور‬ ‫فيه ‪ :‬قال ابن هلل ‪ :‬كان ابن عرفة يقول ‪ :‬هو ما ل يشوّش عليه المرور فيه ‪ ،‬ويحدّه بنحو‬ ‫ن حريم المصلّي قدر ما يحتاجه لقيامه وركوعه‬ ‫عشرين ذراعا ‪ .‬واختار ابن العربيّ ‪ :‬أ ّ‬ ‫وسجوده ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنّ قدره رمية الحجر أو السّهم ‪ ،‬أو المضاربة بالسّيف ‪ .‬وهناك قول آخر‬ ‫عندهم وهو ‪ :‬أنّ حريم المصلّي غاية إمكان سجوده المقدّر بثلثة أذرع ‪ .‬والئمّة الثّلثة وإن‬ ‫لم يستعملوا هذا الطلق إلّ أنّهم قدّروا هذه المسافة بثلثة أذرع ‪ ،‬وأقلّها عند الحنفيّة ذراع‬ ‫واحد ‪ .‬والظّاهر أنّ المراد بالذّراع ذراع اليد ‪ -‬كما صرّح به الشّافعيّة ‪ -‬وهو شبران ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬حريم النّجاسة ‪:‬‬ ‫ن النّجاسة ل حريم لها يجتنب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يجب التّباعد عن‬ ‫‪ - 16‬صرّح جمهور الشّافعيّة بأ ّ‬ ‫ن ترا ّد الماء يوجب تساوي‬ ‫حريم النّجاسة ‪ ،‬وهو ما تغيّر شكله بسبب النّجاسة ‪ .‬ودليلهم ‪ :‬أ ّ‬ ‫أجزائه في النّجاسة ‪ ،‬فالقريب ‪ ،‬والبعيد سواء ‪ .‬وأمّا الفقهاء في المذاهب الخرى فقد‬ ‫تعرّضوا لهذا الموضوع دون استعمال كلمة الحريم ‪.‬‬ ‫حريم الحرام ‪ ،‬والواجب ‪ ،‬والمكروه ‪:‬‬

‫‪ - 17‬حكم الحريم حكم ما هو حريم له ‪ ،‬قال الزّركشيّ ‪ :‬الحريم يدخل في الواجب والمكروه‬ ‫ل محرّم له حريم يحيط به ‪ ،‬والحريم هو المحيط بالحرام كالفخذين ‪ :‬فإنّهما حريم للعورة‬ ‫‪ ،‬فك ّ‬ ‫الكبرى ‪ .‬وحريم الواجب ‪ ،‬ما ل يتمّ الواجب إلّ به ‪ ،‬وأمّا الباحة فل حريم لها لسعتها ‪،‬‬ ‫وعدم الحجر فيها ‪ .‬والصل في ذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الحلل بيّن والحرام بيّن‬ ‫وبينهما مشتبهات ل يعلمهنّ كثير من النّاس ‪ ،‬فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه ‪،‬‬ ‫ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ‪ ،‬كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه } ‪.‬‬ ‫حسب‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحسب لغة ‪ :‬الكرم وهو الشّرف الثّابت في الباء ‪ ،‬ويقال ‪ :‬الحسب في الصل الشّرف‬ ‫بالباء وبالقارب ‪ ،‬مأخوذ من الحساب لنّهم كانوا إذا تفاخروا عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم‬ ‫وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره ‪ .‬وقيل الحسب ‪ :‬هو الفعال الصّالحة ‪ .‬قال‬ ‫سكّيت ‪ :‬والحسب والكرم يكونان في الرّجل وإن لم يكن لبائه شرف ‪ ،‬والشّرف والمجد‬ ‫ابن ال ّ‬ ‫ل يكونان إلّ بالباء ‪ ،‬ولهذا قيل ‪ :‬الحسب ‪ :‬هو المال فجعل المال بمنزلة شرف النّفس أو‬ ‫الباء ‪ .‬وقال الزهريّ ‪ :‬الحسب ‪ :‬الشّرف الثّابت للشّخص ولبائه ‪ .‬وفرّق بعضهم بين‬ ‫الحسب والنّسب ‪ .‬فجعل النّسب عدد الباء والمّهات إلى حيث انتهى ‪ .‬والحسب ‪ ،‬الفعال‬ ‫الحسنة مثل الشّجاعة والجود وحسن الخلق والوفاء ‪ .‬وغالب استعمال الفقهاء للحسب‬ ‫بالمعنى الوّل وهو مآثر الباء والجداد أي شرف النّسب ‪ .‬الحكام المتعلّقة بالحسب ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬اختلف الفقهاء في اعتبار الكفاءة في الحسب في الزّواج ‪ .‬فذهب الجمهور من الحنفيّة‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة إلى اعتبار الكفاءة في الحسب ‪ -‬وهو النّسب ‪ -‬لقول عمر رضي ال عنه‬ ‫ن خروج ذوات الحساب إلّ من الكفاء ‪ -‬قال الرّاوي ‪ -‬قيل له ‪ :‬وما الكفاء ؟ قال‬ ‫‪ :‬لمنع ّ‬ ‫ن أهل السلم كلّهم أكفاء‬ ‫ن الكفاءة في الدّين وحده ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫‪ :‬في الحساب ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫بعضهم لبعضهم ول اعتبار للحسب ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم } ولقول‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلّ تفعلوا تكن فتنة‬ ‫في الرض وفساد كبير } وفي رواية ‪ { :‬وفساد عريض ‪ :‬قالوا يا رسول اللّه ‪ :‬وإن كان فيه‬ ‫؟ قال ‪ :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه } ‪ .‬الحديث وكرّره ثلث مرّات ‪ .‬ولنّ‬ ‫الرّسول صلى ال عليه وسلم وصحابته رضي ال عنهم كانوا يزوّجون من هم دونهم في‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن‬ ‫الحسب ‪ ،‬فقد روي { أ ّ‬ ‫زيد موله فنكحها بأمره } وقدّمه على أكفائها ‪ ،‬كمعاوية وأبي جهم ‪ { ،‬وزوّج النّبيّ صلى ال‬ ‫عليه وسلم زيد بن حارثة ابنة عمّته زينب بنت جحش رضي ال عنهم جميعا } ‪ .‬وإلى هذا‬

‫ذهب عمر بن الخطّاب وعبد اللّه بن مسعود رضي ال عنهما ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز ومحمّد‬ ‫بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان ‪ ،‬وهو أحد القولين للشّافعيّ ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح‬ ‫( نكاح وكفاءة ) ‪.‬‬ ‫حسبة‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحسبة لغة ‪ :‬اسم من الحتساب ‪ ،‬ومن معانيها الجر وحسن التّدبير والنّظر ‪ ،‬ومنه‬ ‫قولهم ‪ :‬فلن حسن الحسبة في المر إذا كان حسن التّدبير له ‪ .‬ومن معاني الحتساب البدار‬ ‫إلى طلب الجر وتحصيله ‪ ،‬وفي حديث عمر ‪ :‬أيّها النّاس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب‬ ‫عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته ‪ .‬واسم الفاعل المحتسب أي طالب الجر ‪ .‬ومن‬ ‫معانيها النكار يقال ‪ :‬احتسب عليه المر إذا أنكره عليه ‪ .‬والختبار يقال ‪ :‬احتسبت فلنا أي‬ ‫اختبرت ما عنده ‪ .‬والحسبة اصطلحا ‪ :‬عرّفها جمهور الفقهاء بأنّها المر بالمعروف إذا‬ ‫ظهر تركه ‪ ،‬والنّهي عن المنكر إذا ظهر فعله ‪.‬‬

‫( اللفاظ ذات الصّلة )‬ ‫أوّل ‪:‬‬

‫القضاء ‪:‬‬

‫ي على سبيل اللزام ‪ ،‬وهو باب من أبواب المر‬ ‫‪ - 2‬القضاء هو الخبار عن حكم شرع ّ‬ ‫ن الحسبة كذلك قاعدتها وأصلها المر بالمعروف والنّهي‬ ‫بالمعروف والنّهي عن المنكر كما أ ّ‬ ‫عن المنكر ‪ .‬وقد فرّق العلماء بين الوليتين فرقا يتحدّد به معالم كلّ ولية قال الماورديّ ‪:‬‬ ‫فأمّا ما بينها وبين القضاء فهي موافقة لحكام القضاء من وجهين ‪ ،‬ومقصورة عنه من‬ ‫وجهين ‪ ،‬وزائدة عليه من وجهين ‪ :‬فأمّا الوجهان في موافقتها لحكام القضاء ‪ :‬فأحدهما ‪:‬‬ ‫جواز الستعداء إليه وسماعه دعوى المستعدي على المستعدى عليه من حقوق الدميّين ‪،‬‬ ‫ن له إلزام المدّعى عليه للخروج من الحقّ‬ ‫وليس في عموم الدّعاوى ‪ .‬والوجه الثّاني ‪ :‬أ ّ‬ ‫الّذي عليه وليس على العموم في كلّ الحقوق ‪ ،‬وإنّما هو خاصّ في الحقوق الّتي جاز له‬ ‫سماع الدّعوى فيها إذا وجبت باعتراف وإقرار مع المكان واليسار ‪ ،‬فيلزم المقرّ الموسر‬ ‫ن في تأخيره لها منكرا هو منصوب لزالته ‪ .‬وأمّا‬ ‫الخروج منها ودفعها إلى مستحقّها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الوجهان في قصورها عن أحكام القضاء فأحدهما ‪ :‬قصورها عن سماع عموم الدّعاوى‬ ‫الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدّعاوى في العقود والمعاملت وسائر الحقوق‬ ‫والمطالبات ‪ .‬والوجه الثّاني ‪ :‬أنّها مقصورة على الحقوق المعترف بها ‪ ،‬فأمّا ما تداخله جحد‬ ‫وإنكار فل يجوز له النّظر فيها ‪ .‬وأمّا الوجهان في زيادتها على أحكام القضاء ‪ :‬فأحدهما ‪:‬‬

‫أنّه يجوز للنّاظر فيها أن يتعرّض بتصفّح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من المنكر‬ ‫ل بحضور خصم يجوز له‬ ‫وإن لم يحضره خصم مستعد ‪ ،‬وليس للقاضي أن يتعرّض لذلك إ ّ‬ ‫سماع الدّعوى منه ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أنّ الحسبة موضوعة للرّهبة فل يكون خروج المحتسب إليها‬ ‫بالغلظة تجوّزا فيها ‪ .‬والقضاء موضوع للمناصفة فهو بالناة والوقار أخصّ ‪ .‬ثانيا ‪ :‬المظالم‬ ‫‪ - 3‬ولية المظالم قود المتظالمين إلى التّناصف بالرّهبة ‪ ،‬وزجر المتنازعين عن التّجاحد‬ ‫بالهيبة ‪ .‬وقد بيّن الماورديّ الصّلة بين الحسبة وبين المظالم فقال ‪ :‬بينهما شبه مؤتلف وفرق‬ ‫مختلف ‪ ،‬فأمّا الشّبه الجامع بينهما فمن وجهين ‪ :‬فأحدهما ‪ :‬أنّ موضوعهما على الرّهبة‬ ‫المختصّة بقوّة السّلطنة ‪ .‬والثّاني ‪ :‬جواز التّعرّض فيهما لسباب المصالح ‪ ،‬والتّطلّع إلى‬ ‫إنكار العدوان الظّاهر ‪ .‬وأمّا الفرق بينهما فمن وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنّ النّظر في المظالم‬ ‫موضوع لما عجز عنه القضاة ‪ ،‬والنّظر في الحسبة موضوع لما رفه عنه القضاة ‪ ،‬ولذلك‬ ‫كانت رتبة المظالم أعلى ورتبة الحسبة أخفض ‪ ،‬وجاز لوالي المظالم أن يوقع إلى القضاة‬ ‫والمحتسب ‪ ،‬ولم يجز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم ‪ ،‬وجاز له أن يوقع إلى المحتسب ‪،‬‬ ‫ولم يجز للمحتسب أن يوقع إلى واحد منهما ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أنّه يجوز لوالي المظالم أن يحكم ‪،‬‬ ‫ول يجوز ذلك للمحتسب ‪ .‬ثالثا ‪ :‬الفتاء ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الفتاء تبليغ عن اللّه ورسوله ‪ ،‬والمفتي هو المتمكّن من درك أحكام الوقائع على يسر‬ ‫من غير معاناة تعلّم ‪ ،‬ويتعيّن على المفتي فتوى من استفتاه إن لم يكن بالموضع الّذي هو فيه‬ ‫ن الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما ب ّينّاه‬ ‫مفت سواه لقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬ ‫للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون } وقال قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬وإذ أخذ‬ ‫اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ول تكتمونه } الية ‪ ،‬هذا ميثاق أخذه اللّه على‬ ‫أهل العلم ‪ ،‬فمن علم علما فليعلّمه ‪ ،‬وإيّاكم وكتمان العلم فإنّها هلكة ‪ ،‬ول يتكلّفنّ الرّجل ما ل‬ ‫يعلم فيخرج من دين اللّه ويكون من المتكلّفين ‪ .‬ولما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي ال‬ ‫عنهما قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة‬ ‫بلجام من نار } ‪ .‬وعلى هذا يكون بين الفتاء وبين الحسبة معنى جامع هو التّبليغ عن اللّه‬ ‫ورسوله ‪ ،‬والكشف عن الحقّ ‪ ،‬وإرشاد المستعلم الجاهل ‪ ،‬فالفتاء باب من أبواب الحسبة‬ ‫ودونها في وسائل الكشف والبانة لنّه ل يتعدّى التّعريف بالحكم والحتساب يكون التّعريف‬ ‫أولى مراتبه ‪ .‬رابعا ‪ :‬الشّهادة ‪:‬‬ ‫ن أو شكّ‬ ‫‪ - 5‬الشّهادة في الصطلح هي إخبار الشّاهد الحاكم إخبارا ناشئا عن علم ل عن ظ ّ‬ ‫ت الحكم ‪ .‬وهي‬ ‫‪ ،‬وعرّفها بعضهم بأنّها إخبار بما حصل فيه التّرافع وقصد به القضاء وب ّ‬ ‫مشروعة بقوله تعالى ‪ { :‬وأشهدوا إذا تبايعتم } ولها حالتان حالة تحمّل وحالة أداء ‪ ،‬وحكم‬

‫تحمّلها الوجوب على جهة الوجوب الكفائيّ إن وجد غيره ‪ ،‬وإلّ تعيّن لقوله تعالى ‪ { :‬وأقيموا‬ ‫الشّهادة للّه } وأمّا الداء ففرض عين لقوله تعالى ‪ { :‬ول يأب الشّهداء إذا ما دعوا } ويجب‬ ‫المبادرة إلى أدائها في حقوق اللّه الّتي يستدام فيها التّحريم حسبة ‪ .‬أمّا ما ل يستدام فيه‬ ‫التّحريم كالحدود والسّرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخيّر بين أن يشهد حسبة للّه تعالى‬ ‫ل واحد منهما أمر مندوب إليه قال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من ستر‬ ‫وبين أن يستر ‪ ،‬لنّ ك ّ‬ ‫على مسلم ستره اللّه في الدّنيا والخرة } ‪ .‬وقد ندبه الشّارع إلى كلّ واحد منهما إن شاء‬ ‫اختار جهة الحسبة فأقامها للّه تعالى ‪ ،‬وإن شاء اختار جهة السّتر فيستر على أخيه المسلم ‪.‬‬ ‫فتكون الشّهادة مرتبة من مراتب الحسبة ‪ ،‬ووسيلة من وسائل تغيير المنكر ‪.‬‬ ‫مشروعيّة الحسبة ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬شرعت الحسبة طريقا للرشاد والهداية والتّوجيه إلى ما فيه الخير ومنع الضّرر ‪ .‬وقد‬ ‫حبّب اللّه إلى عباده الخير وأمرهم بأن يدعوا إليه ‪ ،‬وكرّه إليهم المنكر والفسوق والعصيان‬ ‫ونهاهم عنه ‪ ،‬كما أمرهم بمنع غيرهم من اقترافه ‪ ،‬وأمرهم بالتّعاون على البرّ والتّقوى ‪،‬‬ ‫فقال تعالى ‪ { :‬وتعاونوا على البرّ والتّقوى ‪ ،‬ول تعاونوا على الثم والعدوان } وقال جلّ‬ ‫شأنه ‪ { :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك‬ ‫هم المفلحون } ووصف المؤمنين والمؤمنات بها ‪ ،‬وقرنها بإقامة الصّلة وإيتاء الزّكاة وطاعة‬ ‫اللّه ‪ ،‬مع تقديمها في الذّكر في قوله تعالى ‪ { :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‬ ‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلة ويؤتون الزّكاة ويطيعون اللّه ورسوله‬ ‫أولئك سيرحمهم اللّه إنّ اللّه عزيز حكيم } ووصف المنافقين بكونهم عاملين على خلف ذلك‬ ‫في قوله تعالى { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن‬ ‫المعروف ويقبضون أيديهم نسوا اللّه فنسيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون } وذمّ من تركها وجعل‬ ‫تركها سببا للّعنة في قوله تعالى { لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى‬ ‫ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ‪ ،‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا‬ ‫يفعلون } وجعل تركها من خطوات الشّيطان وشيعته في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل‬ ‫تتّبعوا خطوات الشّيطان ومن يتّبع خطوات الشّيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر } وفضّل من‬ ‫يقوم بها من المم على غيرهم في قوله تعالى ‪ { :‬كنتم خير أمة أخرجت للنّاس تأمرون‬ ‫بالمعروف وتنهون عن المنكر } وامتدح من يقوم بها من المم على غيرهم في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون يؤمنون باللّه واليوم‬ ‫الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين‬ ‫} وجعل القيام بها سببا للنّجاة في قوله تعالى ‪ { :‬فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون‬

‫عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } وإلى ذلك كلّه جاء في القرآن‬ ‫أنّها شرعة فرضت على غيرنا من المم وذلك في قوله تعالى ‪ { :‬يا بنيّ أقم الصّلة وأمر‬ ‫بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم المور } وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من‬ ‫ل على شرعها من الكتاب الحكيم ‪ .‬ولقد سلكت‬ ‫النّاس فبشّرهم بعذاب أليم } ذلك بعض ما يد ّ‬ ‫سنّة في دللتها على ذلك مسلك الكتاب من المر بها ‪ ،‬والتّشديد على التّهاون فيها ‪ ،‬روى‬ ‫ال ّ‬ ‫مسلم من حديث طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم‬ ‫قال ‪ { :‬من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه ‪،‬‬ ‫وذلك أضعف اليمان } ‪ .‬وجاء في التّحذير من تركها ما رواه ابن مسعود قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يدي الظّالم‬ ‫ولتأطرنّه على الحقّ أطرا } ‪.‬‬ ‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬الحسبة واجبة في الجملة من حيث هي ل بالنّظر إلى متعلّقها إذ إنّها قد تتعلّق بواجب‬ ‫يؤمر به ‪ ،‬أو مندوب يطلب عمله ‪ ،‬أو حرام ينهى عنه ‪ ،‬فإذا تعلّقت بواجب أو حرام‬ ‫فوجوبها حينئذ على القادر عليها ظاهر ‪ ،‬وإذا تعلّقت بمندوب أو بمكروه فل تكون حينئذ‬ ‫واجبة ‪ ،‬بل تكون أمرا مستحبّا مندوبا إليه تبعا لمتعلّقها ‪ ،‬إذ الغرض منها الطّاعة والمتثال ‪،‬‬ ‫والمتثال في ذلك ليس واجبا بل أمرا مستحبّا ‪ ،‬فتكون الوسيلة إليه كذلك أمرا مستحبّا ‪ .‬وقد‬ ‫يترتّب عليها من المفسدة ما يجعل القدام عليها داخل في المحظور المنهيّ عنه فتكون حراما‬ ‫‪ .‬وقد استدلّ العلماء على وجوب الحسبة في الجملة من حيث هي بالدلّة الّتي وردت جملة‬ ‫ن الحكم بين‬ ‫وتفصيل في المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ ،‬قال ابن القيّم ‪ :‬والمقصود أ ّ‬ ‫النّاس في النّوع الّذي ل يتوقّف على الدّعوى هو المعروف بولية الحسبة ‪ .‬وقاعدته وأصله‬ ‫‪ :‬المر بالمعروف والنّهي عن المنكر الّذي بعث اللّه به رسله وأنزل به كتبه ‪ .‬ووجوب‬ ‫سنّة والجماع قال الجصّاص ‪ :‬وقد ذكر‬ ‫المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ثبت بالكتاب وال ّ‬ ‫اللّه تعالى فرض المر بالمعروف والنّهي عن المنكر في مواضع من كتابه ‪ ،‬وبيّنه رسول‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم في أخبار متواترة ‪ ،‬وأجمع السّلف وفقهاء المصار على وجوبه ‪.‬‬ ‫سنّة‬ ‫وقال النّوويّ ‪ :‬وقد تطابق على وجوب المر بالمعروف والنّهي عن المنكر الكتاب وال ّ‬ ‫وإجماع المّة ‪ ،‬وهو أيضا من النّصيحة الّتي هي الدّين ‪ .‬وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ‬ ‫الحسبة فرض على الكفاية ‪ ،‬وقد تكون فرض ‪ ،‬عين في الحالت التية ‪ ،‬وفي حقّ طائفة‬ ‫مخصوصة كما يلي ‪ :‬الولى ‪ :‬الئمّة والولة ومن ينتدبهم أو يستنيبهم وليّ المر عنه ‪ ،‬لنّ‬

‫هؤلء متمكّنون بالولية ووجوب الطّاعة ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬الّذين إن م ّكنّاهم في الرض‬ ‫ن من أنواع القيام بذلك‬ ‫أقاموا الصّلة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } فإ ّ‬ ‫ما يدعو إلى الستيلء ‪ ،‬وإقامة الحدود والعقوبات ممّا ل يفعله إلّ الولة والحكّام ‪ ،‬فل عذر‬ ‫لمن قصّر منهم عند اللّه تعالى ‪ ،‬لنّه إذا أهمل الولة والحكّام القيام بذلك فجدير أل يقدر عليه‬ ‫من هو دونهم من رعيّتهم ‪ ،‬فيوشك أن تضيع حرمات الدّين ويستباح حمى الشّرع والمسلمين‬ ‫‪ .‬الثّانية ‪ :‬من يكون في موضع ل يعلم بالمعروف والمنكر إلّ هو ‪ ،‬أو ل يتمكّن من إزالته‬ ‫غيره كالزّوج والب ‪ ،‬وكذلك كلّ من علم أنّه يقبل منه ويؤتمر بأمره ‪ ،‬أو عرف من نفسه‬ ‫صلحيّة النّظر والستقلل بالجدال ‪ ،‬أو عرف ذلك منه ‪ ،‬فإنّه يتعيّن عليه المر والنّهي ‪.‬‬ ‫الثّالثة ‪ :‬أنّ الحسبة قد تجب على غير المنصوب لها بحسب عقد آخر ‪ ،‬وعلى المنصوب لهل‬ ‫تجب ابتداء ‪ ،‬كما إذا رأى المودع سارقا يسرق الوديعة فلم يمنعه وهو يقدر على منعه ‪،‬‬ ‫وكذلك إذا صال فحل على مسلم فإنّه يلزمه أن يدفعه عنه وإن أدّى إلى قتله ‪ ،‬سواء كان‬ ‫ن دفعه فرض‬ ‫القاتل هو أو الّذي صال عليه الفحل ‪ ،‬أو معيّنا له من الخلق ول ضمان ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يلزم جميع المسلمين فناب عنهم فيه ‪ .‬الحالة الرّابعة ‪ :‬النكار بالقلب فرض عين على كلّ‬ ‫مكلّف ول يسقط أصل ‪ ،‬إذ هو كراهة المعصية وهو واجب على كلّ مكلّف ‪ .‬وقال المام‬ ‫ل على وجوب‬ ‫ن ترك النكار بالقلب كفر لحديث { وهو أضعف اليمان } الّذي يد ّ‬ ‫أحمد ‪ :‬إ ّ‬ ‫إنكار المنكر بحسب المكان والقدرة عليه ‪ ،‬فالنكار بالقلب ل ب ّد منه فمن لم ينكر قلبه المنكر‬ ‫دلّ على ذهاب اليمان من قلبه ‪ .‬وقد استدلّ الجمهور على أنّها فرض كفاية لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم‬ ‫ن الخطاب موجّه إلى الكلّ مع إسناد الدّعوة إلى البعض بما‬ ‫المفلحون } ‪ .‬ووجه الستدلل أ ّ‬ ‫يحقّق معنى فرضيّتها على الكفاية ‪ ،‬وأنّها واجبة على الكلّ ‪ ،‬لكن بحيث إن أقامها البعض‬ ‫سقطت عن الباقين ‪ ،‬ولو أخلّ بها الك ّل أثموا جميعا ‪ .‬ولنّها من عظائم المور وعزائمها‬ ‫الّتي ل يتولّاها إلّ العلماء العالمون بأحكام الشّريعة ‪ ،‬ومراتب الحتساب ‪ ،‬فإنّ من ل يعلمها‬ ‫يوشك أن يأمر بمنكر وينهى عن معروف ‪ ،‬ويغلظ في مقام اللّين ‪ ،‬ويلين في مقام الغلظة ‪،‬‬ ‫ل التّمادي والصرار ‪ .‬ويكون الحتساب حراما في حالتين‬ ‫وينكر على من ل يزيده النكار إ ّ‬ ‫‪ :‬الولى ‪ :‬في حقّ الجاهل بالمعروف والمنكر الّذي ل يميّز موضوع أحدهما من الخر فهذا‬ ‫يحرم في حقّه ‪ ،‬لنّه قد يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ‪ .‬والثّانية ‪ :‬أن يؤدّي إنكار المنكر‬ ‫إلى منكر أعظم منه مثل أن ينهى عن شرب الخمر فيؤدّي نهيه عن ذلك إلى قتل النّفس فهذا‬ ‫يحرم في حقّه ‪ .‬ويكون الحتساب مكروها إذا أدّى إلى الوقوع في المكروه ‪ .‬ويكون‬ ‫الحتساب مندوبا في حالتين ‪ :‬الولى ‪ :‬إذا ترك المندوب أو فعل المكروه فإنّ الحتساب‬

‫فيهما مستحبّ أو مندوب إليه واستثني من هذه الحالة وجوب المر بصلة العيد وإن كانت‬ ‫سنّة ‪ ،‬لنّها من الشّعار الظّاهر فيلزم المحتسب المر بها وإن لم تكن واجبة ‪ .‬وحملوا كون‬ ‫المر في المستحبّ مستحبّا على غير المحتسب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنّ المام إذا أمر بنحو صلة‬ ‫الستسقاء أو صومه صار واجبا ‪ ،‬ولو أمر به بعض الحاد لم يصر واجبا ‪ .‬والثّانية ‪ :‬إذا‬ ‫سقط وجوب الحتساب ‪ ،‬كما إذا خاف على نفسه ويئس من السّلمة وأدّى النكار إلى تلفها ‪.‬‬ ‫ن تحقيق المصلحة ودرء‬ ‫ويكون حكم الحتساب التّوقّف إذا تساوت المصلحة والمفسدة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫المفسدة أمر مطلوب في المر والنّهي ‪ ،‬فإذا اجتمعت المصالح والمفاسد ‪ ،‬فإن أمكن تحصيل‬ ‫المصالح ودرء المفاسد فعل ذلك امتثال لمر اللّه تعالى لقوله ‪ { :‬فاتّقوا اللّه ما استطعتم }‬ ‫وإن تعذّر الدّرء درئت المفسدة ولو فاتت المصلحة قال تعالى ‪ { :‬يسألونك عن الخمر‬ ‫والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما } حرّم الخمر والميسر لنّ‬ ‫مفسدتهما أكبر من نفعهما ‪ .‬وإذا اجتمعت المفاسد المحضة ‪ ،‬فإن أمكن درؤها درئت ‪ ،‬وإن‬ ‫تعذّر درء الجميع درئ الفسد فالفسد ‪ ،‬والرذل فالرذل ‪ ،‬وإن تساوت فقد يتوقّف ‪ ،‬وقد‬ ‫يتخيّر ‪ ،‬وقد يختلف التّساوي والتّفاوت ‪ .‬ويقول ابن تيميّة ‪ :‬وجماع ذلك داخل في القاعدة‬ ‫سيّئات ‪ ،‬أو تزاحمت ‪ ،‬فإنّه يجب‬ ‫العامّة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد ‪ ،‬والحسنات وال ّ‬ ‫ن المر والنّهي وإن كان‬ ‫ترجيح الرّاجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫متضمّنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة ‪ ،‬فينظر في المعارض له ‪ ،‬فإن كان الّذي يفوت من‬ ‫المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ‪ ،‬بل يكون محرّما إذا كانت مفسدته‬ ‫أكثر من مصلحته ‪ ،‬لكنّ اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشّريعة فمتى قدّر‬ ‫ل اجتهد رأيه لمعرفة الشباه والنّظائر ‪،‬‬ ‫لنسان على اتّباع النّصوص لم يعدل عنها ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫وعلى هذا إذا كان الشّخص أو الطّائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث ل يفرّقون بينهما ‪،‬‬ ‫بل إمّا أن يفعلوهما جميعا ‪ ،‬أو يتركوهما جميعا لم يجز أن يؤمروا بمعروف ول أن ينهوا‬ ‫عن منكر ‪ ،‬بل ينظر ‪ ،‬فإن كان المعروف أكثر أمر به ‪ ،‬وإن استلزم ما هو دونه من المنكر‬ ‫صدّ‬ ‫ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ‪ ،‬بل يكون النّهي حينئذ من باب ال ّ‬ ‫عن سبيل اللّه والسّعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات ‪ ،‬وإن كان‬ ‫المنكر أغلب نهي عنه وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ‪ ،‬ويكون المر بذلك‬ ‫المعروف المستلزم للمنكر الزّائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية اللّه ورسوله ‪ .‬وإن تكافأ‬ ‫المعروف والمنكر المتلزمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما ‪ .‬فتارة يصلح المر ‪ ،‬وتارة‬ ‫يصلح النّهي ‪ ،‬وتارة ل يصلح ل أمر ول نهي ‪ .‬وإذا اشتبه المر استبان المؤمن حتّى يتبيّن‬ ‫ل بعلم ونيّة ‪ ،‬وإذا تركها كان عاصيا ‪ ،‬فترك المر الواجب‬ ‫له الحقّ ‪ ،‬فل يقدم على الطّاعة إ ّ‬

‫معصية ‪ ،‬وفعل ما نهي عنه من المر معصية وهذا باب واسع ‪.‬‬ ‫حكمة مشروعيّة الحسبة ‪:‬‬ ‫‪ - 8‬ما برح النّاس ‪ -‬في مختلف العصور ‪ -‬في حاجة إلى من يعلّمهم إذا جهلوا ‪ ،‬ويذكّرهم‬ ‫ف بأسهم إذا أضلّوا ‪ ،‬وإذا سهل تعليم الجاهل ‪ ،‬وتذكير‬ ‫إذا نسوا ‪ ،‬ويجادلهم إذا ضلّوا ‪ ،‬ويك ّ‬ ‫ل ذو بصيرة وحكمة وبيان ‪.‬‬ ‫ل ل يستطيعهما إ ّ‬ ‫ن جدال الضّالّ وكفّ بأس المض ّ‬ ‫النّاسي ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ولمنع هذا شرعت ال ّديّانات ‪ ،‬وقامت النّبوّات وظهرت الرّسالت آمرة بالمعروف ‪ ،‬وناهية‬ ‫عن المنكر ‪ ،‬ليكون المن والسّلم ‪ ،‬والستقرار والنّظام ‪ ،‬وصلح العباد والنّجاة من العذاب‬ ‫‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا‬ ‫بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } ‪ .‬ومن هذا كان المر بالمعروف والنّهي عن المنكر سبيل‬ ‫النّبيّين والمرسلين ‪ ،‬وطريق المرشدين ‪ .‬الصّادقين ‪ ،‬ومنهاج الهادين الصّالحين ‪ ،‬وكان أمرا‬ ‫متّبعا وشريعة ضروريّة ومذهبا واجبا ‪ ،‬سواء في ذلك أسمّيت باسم " الحسبة " أو باسم آخر‬ ‫كالمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ ،‬وقد صارت بسببها هذه المّة خير أمّة أخرجت للنّاس‬ ‫قال تعالى ‪ { :‬كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون‬ ‫باللّه } ‪ .‬وروي { أنّ أبا بكر رضي ال عنه خطب النّاس فقال ‪ :‬يا أيّها النّاس إنّكم تقرءون‬ ‫هذه الية ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم ل يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم } فتضعونها في‬ ‫غير موضعها ‪ ،‬وإنّي سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬إنّ النّاس إذا رأوا‬ ‫المنكر ول يغيّروه أوشك اللّه أن يعمّهم بعقابه } ‪ .‬وفي سنن أبي داود من حديث العرس بن‬ ‫عميرة الكنديّ رضي ال عنه قال ‪ { :‬قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إذا عملت‬ ‫الخطيئة في الرض كان من شهدها فكرهها } ( وفي رواية ) ‪ { -‬فأنكرها كان كمن غاب‬ ‫عنها ‪ ،‬ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها } ‪ .‬لجل ذلك عهد الشّارع الحكيم إلى‬ ‫المّة أن تقوم طائفة منها على الدّعوة إلى الخير وإسداء النّصح للفراد والجماعات ‪ ،‬ول‬ ‫تخلص من عهدتها حتّى تؤدّيها طائفة على النّحو الّذي هو أبلغ أثرا في استجابة الدّعوة‬ ‫وامتثال الوامر واجتناب النّواهي ‪ .‬والحسبة ولية شرعيّة ‪ ،‬ووظيفة دينيّة تلي في المرتبة‬ ‫وظيفة القضاء ‪ ،‬إذ إنّ وليات رفع المظالم عن النّاس على العموم على ثلث مراتب ‪:‬‬ ‫أسماها وأقواها ولية المظالم ‪ ،‬وتليها ولية القضاء ‪ ،‬وتليها ولية الحسبة ‪ .‬والحسبة من‬ ‫الخطط الدّينيّة الشّرعيّة كالصّلة والفتيا والقضاء والجهاد ‪ ،‬وقد جمع بعض العلماء الوليات‬ ‫الشّرعيّة في عشرين ولية ‪ ،‬أعلها الخلفة العامّة ‪ ،‬والبقيّة كلّها مندرجة تحتها ‪ ،‬وهي‬ ‫الصل الجامع لها ‪ ،‬وكلّها متفرّعة عنها ‪ ،‬وداخلة فيها ‪ ،‬لعموم نظر المام في سائر أحوال‬ ‫المّة الدّينيّة والدّنيويّة ‪ ،‬وتنفيذ أحكام الشّرع فيها على العموم ‪ ،‬وقد عني الئمّة بولية‬

‫الحسبة عناية كبيرة ‪ ،‬ووضعوا فيها المؤلّفات مفصّلين أحكامها ومراتبها ‪ ،‬وأركانها ‪،‬‬ ‫وشرائطها ‪ ،‬وتأصيل مسائلها ‪ ،‬ووضع القواعد في مهمّاتها ‪.‬‬ ‫أنواع الحسبة ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬ولية الحسبة نوعان ‪ :‬ولية أصليّة مستحدثة من الشّارع ‪ ،‬وهي الولية الّتي اقتضاها‬ ‫التّكليف بها لتثبت لكلّ من طلبت منه ‪ .‬وولية مستمدّة وهي الولية الّتي يستمدّها من عهد‬ ‫إليه في ذلك من الخليفة أو المير وهو المحتسب ‪ ،‬وعلى ذلك فإنّه يجمع بين الوليتين ‪ ،‬لنّه‬ ‫مكلّف بها شخصيّا من جهة الشّارع ومكلّف بها كذلك من قبل من له المر ‪ .‬أمّا غيره من‬ ‫النّاس فليس له من ذلك إلّ الولية الّتي أضفاها الشّارع عليه وهي الولية الصليّة ‪ ،‬وهذه‬ ‫الولية كما تتضمّن المر بالمعروف والنّهي عن المنكر على وجه الطّلب مباشرة تتضمّن‬ ‫كذلك القيام بما يؤدّي إلى اجتناب المنكر ‪ ،‬ل على وجه الطّلب بل على وجه الدّعاء‬ ‫والستعداء ‪ ،‬وذلك يكون بالتّقدّم إلى القاضي بالدّعوى بالشّهادة لديه ‪ ،‬أو باستعداء‬ ‫المحتسب ‪ ،‬وتسمّى الدّعوى لدى القاضي بطلب الحكم بإزالة المنكر دعوى حسبة ‪ ،‬ول تكون‬ ‫ق وشاهدا به في وقت واحد ‪ .‬ويطلق الفقهاء‬ ‫إلّ فيما هو حقّ للّه ‪ ،‬وعندئذ يكون مدّعيا بالح ّ‬ ‫على من يقوم بالحتساب دون انتداب لها من المام أو نائبه المتطوّع ‪ ،‬أمّا من انتدبه المام‬ ‫وعهد إليه النّظر في أحوال الرّعيّة والكشف عن أمورهم ومصالحهم فهو المحتسب ‪.‬‬ ‫ن قيام المحتسب‬ ‫والفرق بينهما من عدّة أوجه كما بيّنه الماورديّ وغيره وهي ‪ :‬الوّل ‪ :‬أ ّ‬ ‫بالولية صار من الحقوق الّتي ل يسوغ أن يشتغل عنها بغيرها وقيام المتطوّع بها من نوافل‬ ‫عمله يجوز أن يشتغل عنها بغيرها ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أنّه منصوب للستعداء فيما يجب إنكاره ‪،‬‬ ‫ن على المحتسب بالولية إجابة من استعداه‬ ‫وليس المتطوّع منصوبا للستعداء ‪ .‬الثّالث ‪ :‬أ ّ‬ ‫وليس على المتطوّع إجابته ‪ .‬الرّابع ‪ :‬أنّ عليه أن يبحث عن المنكرات الظّاهرة ليصل إلى‬ ‫إنكارها ويفحص عمّا ترك من المعروف الظّاهر ليأمر بإقامته ‪ ،‬وليس على غيره من‬ ‫المتطوّعة بحث ول فحص ‪ .‬الخامس ‪ :‬أنّ له أن يتّخذ على النكار أعوانا ‪ ،‬لنّه عمل هو له‬ ‫منصوب وإليه مندوب ليكون عليه أقدر ‪ ،‬وليس للمتطوّع أن يندب لذلك أعوانا ‪ .‬السّادس ‪:‬‬ ‫ن له أن يعزّر في المنكرات الظّاهرة ول يتجاوز إلى الحدود ‪ ،‬وليس للمتطوّع أن يعزّر‬ ‫أّ‬ ‫ن له أن يرتزق على حسبته من بيت المال ‪ ،‬ول يجوز للمتطوّع أن‬ ‫على منكر ‪ .‬السّابع ‪ :‬أ ّ‬ ‫ن له اجتهاد رأيه فيما تعلّق بالعرف دون الشّرع كالمقاعد‬ ‫يرتزق على إنكار منكر ‪ .‬الثّامن ‪ :‬أ ّ‬ ‫في السواق ‪ ،‬وإخراج الجنحة فيقرّ وينكر من ذلك ما أدّاه إليه اجتهاده ‪ ،‬وليس هذا للمتطوّع‬ ‫‪.‬‬

‫أركان الحسبة ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬ذكر المام الغزاليّ أنّها أربعة ‪ :‬المحتسب ‪ ،‬والمحتسب عليه ‪ ،‬والمحتسب فيه ‪ ،‬ونفس‬ ‫الحتساب ‪ .‬ولكلّ ركن من هذه الركان حدود وأحكام وشروط تخصّه ‪ :‬الرّكن الوّل ‪:‬‬ ‫المحتسب وهو من نصّبه المام أو نائبه للنّظر في أحوال الرّعيّة والكشف عن أمورهم‬ ‫ومصالحهم ‪ ،‬وتصفّح أحوال السّوق في معاملتهم ‪ ،‬واعتبار موازينهم وغشّهم ‪ ،‬ومراعاة ما‬ ‫يسري عليه أمورهم ‪ ،‬واستتابة المخالفين ‪ ،‬وتحذيرهم بالعقوبة ‪ ،‬وتعزيرهم على حسب ما‬ ‫يليق من التّعزير على قدر الجناية ‪ .‬شروط المحتسب ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬اشترط الفقهاء في صاحب هذه الولية شروطا حتّى يتحقّق المقصود منها ‪ ،‬وهذه‬ ‫الشّروط هي ‪ :‬أوّل ‪ :‬السلم ‪ :‬السلم شرط لصحّة الحتساب لما فيه من السّلطنة وعزّ‬ ‫التّحكيم ‪ ،‬فخرج الكافر لنّه ذليل ل يستحقّ ع ّز التّحكيم على المسلمين قال تعالى ‪ { :‬ولن‬ ‫ن في المر والنّهي نصرة للدّين فل يكون من‬ ‫يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيل } ول ّ‬ ‫أهلها من هو جاحد لصل الدّين ‪.‬‬ ‫الشّرط الثّاني ‪ :‬التّكليف ( البلوغ والعقل ) ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬التّكليف طلب ما فيه كلفة ومشقّة وشرطه القدرة على فهم الخطاب ‪ ،‬وصلحية المكلّف‬ ‫لصدور الفعل منه على الوجه المطلوب شرعا ‪ ،‬ودعامته العقل الّذي هو أداة الفهم ‪ ،‬وقد‬ ‫جعله اللّه تعالى أصل للدّين وللدّنيا فأوجب التّكليف بكماله ‪ .‬فالتّكليف شرط لوجوب‬ ‫الحتساب وتولّي وليتها ‪ ،‬أمّا مجرّد المر والنّهي فإنّ الصّبيّ غير مخاطب ول يلزمه فعل‬ ‫ل العقل فإذا عقل القربة وعرف المناكر‬ ‫ذلك ‪ ،‬أمّا إمكان الفعل وجوازه في حقّه فل يستدعي إ ّ‬ ‫وطريق التّغيير فتبرّع به كان منه صحيحا سائغا ‪ ،‬فله إنكار المنكر ‪ ،‬وله أن يريق الخمر ‪،‬‬ ‫وكسر الملهي ‪ ،‬وإذا فعل ذلك نال به ثوابا ‪ ،‬ولم يكن لحد منعه من حيث إنّه ليس بمكلّف‬ ‫فإنّ هذه قربة وهو من أهلها كالصّلة والمامة وسائر القربات ‪ ،‬وليس حكمه حكم الوليات‬ ‫حتّى يشترط فيه التّكليف ‪ ،‬ولذلك جاز لحاد النّاس فعله وهو من جملتهم ‪ ،‬وإن كان فيه نوع‬ ‫ولية وسلطنة ‪ ،‬ولكنّها تستفاد بمجرّد اليمان كقتل المحارب ‪ ،‬وإبطال أسبابه ‪ ،‬وسلب‬ ‫أسلحته فإنّه للصّبيّ أن يفعل ذلك حيث ل يستض ّر به ‪ ،‬فالمنع من الفسق كالمنع من الكفر ‪.‬‬ ‫الشّرط الثّالث ‪ :‬العلم ‪ - 13‬العلم الّذي يشترط تحقّقه في المحتسب على ضربين ‪ :‬الضّرب‬ ‫ن الجاهل بها ربّما‬ ‫الوّل ‪ :‬أن يكون عارفا بأحكام الشّريعة ليعلم ما يأمر به وينهى عنه ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫استحسن ما قبّحه الشّرع وارتكب المحذور وهو غير مل ّم بالعلم به ولكن ل يشترط فيه بلوغ‬ ‫مرتبة الجتهاد الشّرعيّ على رأي جمهور الفقهاء بل يكتفى فيه أن يكون من أهل الجتهاد‬

‫ي ما ثبت حكمه بالعرف لقوله تعالى ‪ { :‬خذ العفو‬ ‫ن الجتهاد العرف ّ‬ ‫العرفيّ ‪ .‬والفرق بينهما أ ّ‬ ‫وأمر بالعرف } ‪ .‬والجتهاد الشّرعيّ ما روعي فيه أصل ثبت حكمه الشّرعيّ ‪ .‬وذهب أبو‬ ‫سعيد الصطخريّ من الشّافعيّة إلى اشتراط الجتهاد الشّرعيّ في المحتسب ليجتهد برأيه فيما‬ ‫اختلف فيه ‪ .‬ويظهر أثر الخلف في أنّ من اشترط فيه بلوغه مرتبة الجتهاد في المسائل‬ ‫المختلف فيها ‪ ،‬أمّا من لم يشترط ذلك فقد ذهب إلى عدم جواز حمل النّاس على رأيه ‪ .‬ول‬ ‫ل مجمعا على إنكاره أو ما يرى الفاعل تحريمه ‪ ،‬أمّا ما عدا ذلك فإنكاره‬ ‫ينكر المحتسب إ ّ‬ ‫يكون على سبيل النّدب على وجه النّصيحة والخروج من الخلف إن لم يقع في خلف آخر‬ ‫وترك سنّة ثابتة لتّفاق العلماء على استحباب الخروج من الخلف ‪ .‬ول يأمر ول ينهى في‬ ‫ل العلماء ‪ ،‬وكذلك ما اختصّ علمه بهم دون العامّة لجهلهم بها ‪ .‬فالعا ّميّ‬ ‫دقائق المور إ ّ‬ ‫ينبغي له أن ل يحتسب إلّ في الجليّات المعلومة كالصّوم والصّلة والزّنى وشرب الخمر‬ ‫ونحوه ‪ ،‬أمّا ما يعلم كونه معصية بالضافة إلى ما يطيف به من النفال ويفتقر إلى اجتهاد ‪،‬‬ ‫فالعاصي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه ‪ .‬الضّرب الثّاني ‪ :‬أن يعلم صفة‬ ‫ن أمره بالمعروف مؤثّر فيه‬ ‫التّغيير بأن يعلم أو يغلب على ظنّه أنّ إنكاره المنكر مزيل له وأ ّ‬ ‫ونافع ‪.‬‬ ‫الشّرط الرّابع ‪ :‬العدالة ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬العدالة هيئة راسخة في النّفس تمنع من اقتراف كبيرة أو صغيرة دالّة على الخسّة ‪ ،‬أو‬ ‫مباح يخلّ بالمروءة وقال الجصّاص ‪ :‬أصلها اليمان باللّه واجتناب الكبائر ومراعاة حقوق‬ ‫اللّه عزّ وجلّ في الواجبات والمسنونات وصدق اللّهجة والمانة ‪ .‬والعدل من يكون مجتنبا‬ ‫عن الكبائر ول يكون مصرّا على الصّغائر ‪ ،‬ويكون صلحه أكثر من فساده ‪ ،‬وصوابه‬ ‫أكثر من خطئه ‪ ،‬ويستعمل الصّدق ديانة ومروءة ويجتنب الكذب ديانة ومروءة ‪ .‬ولم يشترط‬ ‫جمهور الفقهاء تحقّق العدالة في المحتسب إذا كان متطوّعا غير صاحب ولية ‪ ،‬واشترطوها‬ ‫ل عند الضّرورة لما سيأتي ‪ :‬أمّا وجه عدم اشتراطها في الوّل ‪ ،‬فلنّ‬ ‫في صاحب الولية إ ّ‬ ‫الدلّة تشمل البرّ والفاجر ‪ ،‬وإن ترك النسان لبعض الفروض ل يسقط عنه فروضا غيرها ‪،‬‬ ‫فمن ترك الصّلة ل يسقط عنه فرض الصّوم وسائر العبادات ‪ ،‬فكذلك من لم يفعل سائر‬ ‫المعروف ولم ينته عن سائر المنكر ‪ ،‬فإن فرض المر بالمعروف والنّهي عن المنكر غير‬ ‫ن الرّسول صلى ال عليه وسلم أجرى فرض المر بالمعروف والنّهي عن‬ ‫ساقط عنه ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫المنكر مجرى سائر الفروض في لزوم القيام به مع التّقصير في بعض الواجبات ‪ .‬في قوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم { مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به ‪ ،‬وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه‬ ‫كلّه } ‪ .‬وقال أبو عبد اللّه العقبانيّ التّلمسانيّ المالكيّ ‪ :‬اختلف في العدالة هل هي شرط في‬

‫ن الفاسق ل يغيّر ‪ ،‬وأبى‬ ‫صفة المغيّر ( المحتسب ) أو ل ‪ .‬فاعتبر قوم شرطيّتها ‪ ،‬ورأوا أ ّ‬ ‫من اعتبارها آخرون ‪ ،‬وذلك الصّحيح المشهور عند أهل العلم ‪ ،‬لنّ ذلك من الشّروط الواجبة‬ ‫على الشّخص في رقبته كالصّلة فل يسقطه الفسق ‪ ،‬كما ل يسقط وجوب الصّلة بتعلّق‬ ‫التّكليف بأمر الشّرع ‪ .‬قال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من رأى منكم منكرا فليغيّره } وليس‬ ‫كونه فاسقا أو ممّن يفعل ذلك المنكر بعينه يخرجه عن خطاب التّغيير لنّ طريق الفرضيّة‬ ‫سنّة ‪ ،‬لنّ‬ ‫متغاير ‪ .‬وقال ابن العربيّ المالكيّ ‪ :‬وليس من شرطه أن يكون عدل عند أهل ال ّ‬ ‫العدالة محصورة في قليل من الخلق ‪ ،‬والنّهي عن المنكر عامّ في جميع النّاس ‪ .‬وقال المام‬ ‫الغزاليّ ‪ :‬الحقّ أنّ للفاسق أن يحتسب ‪ ،‬وبرهانه أن تقول ‪ :‬هل يشترط في الحتساب أن‬ ‫يكون متعاطيه معصوما عن المعاصي كلّها ؟ فإن شرط ذلك فهو خرق للجماع ‪ ،‬ثمّ حسم‬ ‫ن جنود المسلمين لم تزل‬ ‫لباب الحتساب ‪ ،‬إذ ل عصمة للصّحابة فضل عمّن دونهم ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫مشتملة على البرّ والفاجر ‪ ،‬وشارب الخمر ‪ ،‬وظالم اليتام ‪ ،‬ولم يمنعوا من الغزو ل في‬ ‫ن الحسبة تكون بالقول والفعل نحو إراقة‬ ‫عصر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ول بعده ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الخمر ‪ ،‬وكسر الملهي وغيرها ‪ ،‬فإذا منع الفاسق من الحسبة بالقول لما فيه من مخالفة قوله‬ ‫عمله فإنّه ل يمنع من الحسبة بالفعل ‪ ،‬لنّ المراد منه القهر ‪ ،‬وتمام القهر أن يكون بالفعل‬ ‫والحجّة جميعا وإن كان فاسقا ‪ .‬فإن قهر بالفعل فقد قهر بالحجّة ‪ ،‬وأنّ الحسبة القهريّة ل‬ ‫يشترط فيها ذلك ‪ ،‬فل حرج على الفاسق في إراقة الخمر وكسر الملهي إذا قدر ‪ .‬وكما إذا‬ ‫أخبر وليّ الدّم الفاسق بالعفو عن القصاص فله أن يدفع من أراد القصاص من الجاني ولو‬ ‫بالقتل إذا لم يصدّقه بعفو وليّ الدّم دفعا لمفسدة القتل بغير حقّ ‪ .‬أمّا من اشترطها في حالة‬ ‫التّطوّع والحتساب ‪ ،‬فقد استدلّ بالنّكير الوارد على من يأمر بما ل يفعله ‪ ،‬مثل قوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم } وقوله تعالى ‪ { :‬كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما ل‬ ‫تفعلون } وقوله تعالى ‪ :‬فيما أخبر به عن نبيّه شعيب عليه السلم لمّا نهى قومه عن بخس‬ ‫الموازين ونقص المكاييل ‪ { :‬وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } وبما روي عن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار‬ ‫قلت ‪ :‬ما هؤلء ؟ قال ‪ :‬هؤلء خطباء أمّتك من أهل الدّنيا ‪ ،‬كانوا يأمرون النّاس بالبرّ‬ ‫وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفل يعقلون } أمّا وجه الشتراط في صاحب الولية ‪،‬‬ ‫فلنّه كما قال صاحب تحفة النّاظر ‪ :‬إنّ ولية الحسبة من أشرف الوليات في السلم قدرا ‪،‬‬ ‫وأعظمها في هذه الملّة مكانة وفخرا ‪ ،‬فل بدّ أن يكون متولّيها متوفّرة فيه شروط الولية ‪،‬‬ ‫فل يصحّ أن يليها إلّ من طالت يده في الكمالت وبرز في الخير وأحرز أوصافه المرضيّة ‪،‬‬ ‫ن من شرف منزلة من تولّاها أن يحتسب على أئمّة‬ ‫ول تنعقد لمن لم تتوفّر فيه الشّروط ‪ ،‬ل ّ‬

‫ن سبيل عقد الولية الشّرعيّة أنّه ل يصحّ لمن قام بها‬ ‫المساجد وعلى قضاة المسلمين ‪ .‬ول ّ‬ ‫وصف فسق وفقد عدالة ‪ ،‬إذ العدالة مشترطة في سائر الوليات الشّرعيّة ‪ ،‬كالمامة الكبرى‬ ‫ن من انعقدت له الولية في القيام بحقّ من الحقوق المهمّة في الدّين صار‬ ‫فما دونها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ي أمين ‪ ،‬ول أمانة مع‬ ‫مفوّضا له فيما قدّم إليه النّيابة عن المسلمين ‪ ،‬فل بدّ أن يكون أمينا أ ّ‬ ‫من لم يقم به وصف العدالة ‪ .‬ولهذا اشترطها في والي الحسبة جمهور الفقهاء وأغفل‬ ‫ي وابن بسّام وأدار المحقّقون من العلماء حكمها كابن عبد السّلم ‪ ،‬وابن‬ ‫اشتراطها الشّيراز ّ‬ ‫تيميّة على رعاية المصلحة ودفع المفسدة ‪ ،‬ورفع المشقّة ‪ ،‬وأورد ابن عبد السّلم قاعدة عامّة‬ ‫في تعذّر العدالة في الوليات سواء أكانت عامّة أم خاصّة بتولية أقلّهم فسوقا ‪ .‬ولبن تيميّة‬ ‫كلم طويل في هذا الشّأن خلصته ‪ :‬أنّه يستعمل الصلح الموجود وقد ل يكون في موجوده‬ ‫من هو صالح لتلك الولية فيختار المثل فالمثل في كلّ منصب بحسبه ‪ .‬أمّا تفاصيل أحكام‬ ‫الولية ففي مصطلح ولية ‪.‬‬ ‫الشّرط الخامس ‪ :‬القدرة ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬قال ابن العربيّ ‪ :‬وأمّا القدرة فهي أصل وتكون منه في النّفس ‪ ،‬وتكون في البدن إن‬ ‫احتاج إلى النّهي عنه بيده ‪ ،‬فإن خاف على نفسه الضّرب ‪ ،‬أو القتل من تغييره ‪ ،‬فإن رجا‬ ‫زواله جاز عند أكثر العلماء القتحام عند هذا الغرر ‪ ،‬وإن لم يرج فأيّ فائدة فيه ‪ .‬ثمّ قال ‪:‬‬ ‫ن ال ّنيّة إذا خلصت فليقتحم كيفما كان ول يبالي ‪ .‬وعنده أنّ تخليص الدميّ أوجب من‬ ‫إّ‬ ‫تخليص حقّ اللّه تعالى ‪ .‬وللمام الغزاليّ تفصيل فيما تسقط به الحسبة وجوبا غير العجز‬ ‫الحسّيّ ‪ ،‬وهو أن يلحقه من الحتساب مكروه ‪ ،‬أو يعلم أنّ احتسابه ل يفيد ‪ ،‬وعنده أنّ‬ ‫صحّة ‪،‬‬ ‫المكروه هو ضدّ المطلوب ‪ ،‬ومطالب النسان ترجع إلى أربعة أمور ‪ :‬هي العلم وال ّ‬ ‫والثّروة ‪ ،‬والجاه ‪ ،‬وكلّ واحدة من هذه الربعة يطلبها النسان لنفسه ولقاربه المختصّين‬ ‫به ‪ ،‬والمكروه من هذه الربعة أمران أحدهما ‪ :‬زوال ما هو حاصل موجودا ‪ .‬والخر امتناع‬ ‫ما هو منتظر مفقود ‪ ،‬ثمّ يستطرد في بيان ما يعدّ مؤثّرا في إسقاط الحسبة وما ل يعدّ منها‬ ‫ن الستطاعة شرط في الحتساب ‪ ،‬كما أنّها شرط في جميع‬ ‫على ما سنذكره بعد والحقّ أ ّ‬ ‫التّكاليف الشّرعيّة ‪ ،‬وهي متحقّقة بأصحاب الوليات من الئمّة ‪ ،‬والولة ‪ ،‬والقضاة ‪ ،‬وسائر‬ ‫الحكّام ‪ ،‬فإنّهم متمكّنون بعل ّو اليد وامتثال المر ‪ ،‬ووجوب الطّاعة ‪ ،‬وانبساط الولية يدلّ‬ ‫عليه قوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬الّذين إن م ّكنّاهم في الرض أقاموا الصّلة وآتوا الزّكاة وأمروا‬ ‫بالمعروف ونهوا عن المنكر } ‪ .‬فإنّ من أنواع القيام بذلك ما يدعو إلى إقامة الحدود‬ ‫والعقوبات ممّا ل يفعله إلّ الولة والحاكم فل عذر لمن قصّر منهم عند اللّه تعالى ‪ ،‬لنّه إذا‬ ‫أهمل هؤلء القيام بذلك فجدير أل يقدر عليه من هو دونهم من رعيّتهم ‪ ،‬فيوشك أن تضيع‬

‫حرمات الدّين ويستباح حمى الشّرع والمسلمين ‪ .‬ولمّا كانت ولية الحسبة من الوليات‬ ‫الشّرعيّة وهي من وظائف المام وتفويضه إلى غيره من قبيل الستنابة ‪ ،‬ويقوم بها نيابة عنه‬ ‫وطبيعتها تقوم على الرّهبة ‪ ،‬واستطالة الحماة ‪ ،‬وسلطة السّلطنة ‪ ،‬واتّخاذ العوان ‪ ،‬كان‬ ‫القيام بالحسبة في حقّه من فرائض العيان الّتي ل تسقط عنه بحال ‪ ،‬بخلف الحاد فإنّه ل‬ ‫ل مع القدرة والسّلمة ‪ ،‬فمن علم أو غلب على ظنّه أنّه يصله مكروه في‬ ‫تلزمهم الحسبة إ ّ‬ ‫بدنه بالضّرب ‪ ،‬أو في ماله بالستهلك ‪ ،‬أو في جاهه بالستخفاف به بوجه يقدح في مروءته‬ ‫أو علم أنّ حسبته ل تفيد سقط عنه الوجوب ‪ ،‬أمّا إذا غلب على ظنّه أنّه ل يصاب بأذى فيما‬ ‫ذكر فل يسقط عنه الوجوب وكذلك إذا احتمل المران ‪ .‬وإذا سقط الوجوب هل يحسن‬ ‫ن التّرك أفضل ؟ من الفقهاء من قال بالوّل لقوله تعالى‬ ‫النكار ويكون أفضل من تركه ‪ ،‬أم إ ّ‬ ‫‪ { :‬واصبر على ما أصابك } ومنهم من قال التّرك أفضل لقوله تعالى ‪ { :‬ول تلقوا بأيديكم‬ ‫إلى التّهلكة } لكن ذهب ابن رشد إلى وجوب التّرك مع تيقّن الذى ل سقوط الوجوب وبقاء‬ ‫الستحباب فتلك طريقة ع ّز الدّين بن عبد السّلم وعين ما قاله الغزاليّ ‪.‬‬ ‫الشّرط السّادس ‪ :‬الذن من المام ‪:‬‬ ‫‪ - 16‬اشترط فريق من العلماء في المحتسب أن يكون مأذونا من جهة المام أو الوالي ‪،‬‬ ‫ل فيما كان محتاجا فيه إلى‬ ‫وقالوا ‪ :‬ليس للحاد من الرّعيّة الحسبة ‪ ،‬والجمهور على خلفه إ ّ‬ ‫الستعانة وجمع العوان ‪ ،‬وما كان خاصّا بالئمّة أو نوّابهم ‪ ،‬كإقامة الحدود ‪ ،‬وحفظ البيضة‬ ‫‪ ،‬وسدّ الثّغور وتسيير الجيوش ‪ ،‬أمّا ما ليس كذلك فإنّ لحاد النّاس القيام به ‪ ،‬لنّ الدلّة الّتي‬ ‫وردت في المر والنّهي والرّدع عامّة ‪ ،‬والتّخصيص بشرط التّفويض من المام تحكّم ل‬ ‫أصل له ‪ ،‬وأنّ احتساب السّلف على ولتهم قاطع بإجماعهم على الستفتاء عن التّفويض ‪.‬‬ ‫ن الحسبة لها خمس مراتب ‪ :‬أوّلها التّعريف ‪ ،‬والثّاني‬ ‫وشرح المام الغزاليّ ذلك فقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫الوعظ بالكلم اللّطيف ‪ ،‬والثّالث السّبّ والتّعنيف ‪ ،‬والرّابع المنع بالقهر بطريق المباشرة ‪،‬‬ ‫ككسر الملهي ونحوه ‪ ،‬والخامس التّخويف والتّهديد بالضّرب ‪ ،‬ثمّ قال ‪ :‬أمّا التّعريف‬ ‫والوعظ فل يحتاج إلى إذن المام ‪ ،‬وأمّا التّجهيل ‪ ،‬والتّحميق ‪ ،‬والنّسبة إلى الفسق ‪ ،‬وقلّة‬ ‫الخوف من اللّه وما يجري مجراه فهو كلم صدق ‪ ،‬والصّدق مستحقّ لحديث ‪ { :‬أفضل‬ ‫الجهاد كلمة حقّ عند إمام جائر } فإذا جاز الحكم على المام على مراغمته فكيف يحتاج إلى‬ ‫ن تعاطي ما يعرف كونه حقّا من غير‬ ‫إذنه ‪ ،‬وكذلك كسر الملهي ‪ ،‬وإراقة الخمور ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫اجتهاد فلم يفتقر إلى إذن المام ‪ ،‬وأمّا جمع العوان ‪ ،‬وشهر السلحة فذلك قد يجرّ إلى فتنة‬ ‫عامّة ففيه نظر وقد ذهب إلى اشتراط الذن في هذه الحالة جمهرة العلماء ‪ ،‬لنّه يؤدّي إلى‬ ‫الفتن وهيجان الفساد ‪ .‬وكذلك ما كان مختصّا بالئمّة والولة فل يستقلّ بها الحاد كالقصاص‬

‫ن النفراد باستيفائه محرّك للفتن ‪ ،‬ومثله ح ّد القذف‬ ‫‪ ،‬فإنّه ل يستوفى إلّ بحضرة المام ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ل ينفرد مستحقّه باستيفائه ‪ ،‬لنّه غير مضبوط في شدّة وقعه وإيلمه ‪ .‬وكذلك التّعزير ل‬ ‫يفوّض إلى مستحقّه إلّ أن يضبطه المام بالحبس في مكان معلوم في مدّة معلومة ‪ ،‬فيجوز له‬ ‫أن يتولّاه المستحقّ ‪ .‬أمّا لو فوّض المام قطع السّرقة إلى السّارق أو وكّل المجنيّ عليه‬ ‫الجاني في قطع العضو فوجهان ‪ :‬أحدهما يجوز لحصول المقصود باستيفائه ‪ ،‬والثّاني ل‬ ‫ن الستيفاء لغيره أزجر له ‪ .‬وقد بيّن إمام الحرمين ما يتعلّق بالئمّة من أصل‬ ‫يجوز ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الدّين وفروعه ‪ ،‬وما يتعلّق بهم من أحكام الدّنيا ‪ ،‬وما يلزمهم في حفظ أهل السلم عن‬ ‫النّوائب ‪ ،‬والتّغالب ‪ ،‬والتّقاطع ‪ ،‬والتّدابر ‪ ،‬والتّواصل ‪ ،‬وأنّ الحدود بجملتها منوطة إلى‬ ‫الئمّة والّذين يتولّون المور من جهتهم ‪.‬‬ ‫الشّرط السّابع ‪ :‬الذّكورة ‪.‬‬ ‫‪ - 17‬اشترطت طائفة فيمن يتولّى الحسبة أن يكون ذكرا ‪ ،‬وأيّده ابن العربيّ ‪ ،‬وتبعه‬ ‫ن المرأة ل يتأتّى منها أن تبرز إلى المجالس ‪ ،‬ول أن تخالط الرّجال ‪ ،‬ول‬ ‫القرطبيّ وقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫تفاوضهم مفاوضة النّظير للنّظير ‪ ،‬لنّها إن كانت فتاة حرم النّظر إليها وكلمها ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫متجالّة برزة لم يجمعها والرّجال مجلس تزدحم فيه معهم ‪ ،‬وتكون منظّرة لهم ‪ ،‬ولن يفلح قطّ‬ ‫من تصوّر هذا ول من اعتقده ‪ .‬واستدلّ على منعها من الولية بحديث ‪ { :‬لن يفلح قوم ولّوا‬ ‫ن عمر رضي ال عنه قدّم امرأة على حسبة السّوق إنّه‬ ‫أمرهم امرأة } وقال ‪ :‬فيما روي من أ ّ‬ ‫لم يصحّ وهو من دسائس المبتدعة ‪ .‬وأجاز توليتها آخرون لما ثبت من أنّ سمراء بنت شهيك‬ ‫السدية كانت تمرّ في السواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ‪ ،‬وتنهى النّاس عن ذلك‬ ‫بسوط معها ‪ .‬ويستدلّ على جواز وليتها وعدمه بالخلف الوارد في جواز توليتها المارة‬ ‫والقضاء ‪ .‬قال ابن حجر بعد أن نقل كلم الخطّابيّ ‪ :‬إنّ المرأة ل تلي المارة ول القضاء ‪،‬‬ ‫وأنّها ل تزوّج نفسها ول تلي العقد على غيرها ‪ ،‬والمنع من أن تلي المارة والقضاء قول‬ ‫الجمهور وأجازه الطّبريّ ‪ ،‬وهي رواية عن مالك ‪ ،‬وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه‬ ‫شهادة النّساء ‪.‬‬ ‫ارتزاق المحتسب ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬الرّزق ما يرتّبه المام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين فإن كان يخرجه كلّ‬ ‫شهر سمّي رزقا ‪ ،‬وإن كان يخرجه كلّ عام سمّي عطاء ‪ .‬وممّا جاء في ردّ المام أبي‬ ‫يوسف على الخليفة هارون الرّشيد في كتاب الخراج قوله ‪ :‬فاجعل ‪ -‬أعزّ اللّه أمير المؤمنين‬ ‫بطاعته ‪ -‬ما يجري على القضاة والولة من بيت مال المسلمين ‪ ،‬من جباية الرض أو من‬

‫خراج الرض والجزية ‪ ،‬لنّهم في عمل المسلمين فيجري عليهم من بيت مالهم ‪ ،‬يجري على‬ ‫ل رجل تصيّره في عمل المسلمين ‪ ،‬فأجر عليه‬ ‫كلّ والي مدينة وقاضيها بقدر ما يحتمل ‪ ،‬وك ّ‬ ‫من بيت مالهم ‪ .‬ويعطى المحتسب المنصوب كفايته في بيت المال من الجزية والخراج ‪ ،‬لنّه‬ ‫عامل للمسلمين محبوس لهم ‪ ،‬فتكون كفايته في مالهم كالولة ‪ ،‬والقضاة ‪ ،‬والغزاة ‪ ،‬والمفتين‬ ‫‪ ،‬والمعلّمين ‪ .‬وكذلك سبيل أرزاق أعوانه سبيل أرزاق العوان الّذين يوجّههم الحاكم في‬ ‫مصالح النّاس تكون لهم من بيت المال كأرزاق سائر العمّال والولة ‪ ،‬لنّ اشتغالهم بذلك‬ ‫يضيّع عليهم الزّمان في شأنه عن القيام بمعايشهم وطلب أقواتهم ‪ .‬ول يجوز للمحتسب ول‬ ‫لحد من أعوانه أخذ المال من النّاس لجل الحتساب ‪ ،‬لنّه من قبيل الرّشوة ‪ ،‬وهي حرام‬ ‫ن ما أخذه المحتسب ينظر فيه ‪ ،‬إن أخذه ليسامح في منكر ‪ ،‬أو يداهن فيه ‪ ،‬أو‬ ‫شرعا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يقصّر في معروف ‪ ،‬فهو أحد أنواع الرّشوة وأنّها حرام وإذا جعل لمن ولي في السّوق شيء‬ ‫من أهل السّوق فيما يشترونه سامحهم في الفساد بما له معهم فيه من النّصيب ‪ ،‬أمّا إذا لم يكن‬ ‫لهم رزق من بيت المال أو كان ل يكفيهم فإنّه ربّما يرخّص لهم بقدر ما يكفيهم ‪ ،‬لنّهم‬ ‫يعملون لهم ‪ ،‬فيأخذون كفايتهم ‪ ،‬أمّا الزّيادة على الكفاية فل تجوز ‪ ،‬لنّه مال مأخوذ من‬ ‫المسلم قهرا وغلبة بغير رضاه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّ أن تكون‬ ‫تجارة عن تراض منكم } وقد شدّد العلماء النّكير على أخذ المال من النّاس بدون وجه حقّ ‪.‬‬ ‫والرزاق ليست بمعاوضة ألبتّة لجوازها في أضيق المواضع المانعة من المعاوضة ‪ ،‬وهو‬ ‫القضاء والحكم بين النّاس ‪ ،‬فل ورع حينئذ في ترك تناول الرّزق والرزاق على المامة‬ ‫ن الرزاق ل يجوز‬ ‫من هذا الوجه ‪ ،‬وإنّما يقع الورع من جهة قيامه بالوظيفة خاصّة ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫تناولها إلّ لمن قام بذلك على الوجه الّذي صرّح به المام في إطلقه لتلك الرزاق ‪.‬‬ ‫آداب المحتسب ‪:‬‬ ‫‪ - 19‬المقصود من الداب الخذ بما يحمد قول وفعل ‪ ،‬والتّحلّي بمكارم الخلق ‪ ،‬فينبغي‬ ‫للمحتسب أخذ نفسه بها حتّى يكون عمله مقبول ‪ ،‬وقوله مسموعا ‪ ،‬وتحقّق وليته الهدف منها‬ ‫‪ ،‬وذلك بأن يكون عفيفا عن قبول الهدايا من أرباب الصّناعات والمهرة ‪ ،‬فإنّ ذلك أسلم‬ ‫لعرضه وأقوم لهيبته ‪ ،‬وأن يلزم السواق ‪ ،‬ويدور على الباعة ‪ ،‬ويكشف الدّكاكين‬ ‫والطّرقات ‪ ،‬ويتفقّد الموازين والطعمة ‪ ،‬ويقف على وسائل الغشّ في أوقات مختلفة ‪ ،‬وعلى‬ ‫غفلة من أهلها ‪ ،‬ويستعين في عمله بالمناء العارفين الثّقات ‪ ،‬ليعتمد على أقوالهم ويبالغ في‬ ‫الكشف فيها ‪ ،‬ويباشر ذلك بنفسه ‪ ،‬فقد ذكر أنّ عليّ بن عيسى الوزير وقع إلى محتسب كان‬ ‫في وقت وزارته يكثر الجلوس في داره ببغداد " الحسبة ل تحتمل الحجبة فطف السواق تحلّ‬ ‫لك الرزاق ‪ ،‬واللّه إن لزمت دارك نهارا لضرمنها عليك نارا والسّلم » ‪ .‬وأن يتّخذ أعوانا‬

‫يستعين بهم على قدر الحاجة ‪ ،‬ويشترط فيهم العفّة والصّيانة ‪ ،‬ويؤدّبهم ويهذّبهم ‪ ،‬ويعرّفهم‬ ‫كيف يتصرّفون بين يديه ‪ ،‬وكيف يخرجون في طلب الغرماء ‪ ،‬ول ينفرد أحد منهم بعمل إلّ‬ ‫سرّ إن استطاع ‪ ،‬ليكون أبلغ في الموعظة‬ ‫بعد مشورته ‪ .‬وأن يكون أمره ونهيه في ال ّ‬ ‫سرّ أمره بالعلنية ‪ ،‬وقد أوصى بعض الوزراء‬ ‫والنّصيحة ‪ ،‬فإن لم تنفعه الموعظة في ال ّ‬ ‫ن ظهور معاصيهم عيب في‬ ‫الصّالحين بعض من يأمر بالمعروف " اجتهد أن تستر العصاة فإ ّ‬ ‫أهل السلم " وأن يقصد من حسبته وجه اللّه تعالى وإعزاز دينه ‪ ،‬وينبغي أن يكون‬ ‫المحتسب عالما بما يأمر به وينهى عنه ‪ ،‬وأن يتحلّى بالرّفق واللّين والشّفقة ‪ ،‬ول يقصد إلّ‬ ‫ل إنسان وحاله ‪،‬‬ ‫الصلح ول يخشى في اللّه لومة لئم ‪ ،‬وتكون عقوبته مناسبة مع جرم ك ّ‬ ‫وما يليق به ‪ ،‬ويكون متأنّيا غير مبادر إلى العقوبة ‪ ،‬ول يؤاخذ أحدا بأوّل ذنب يصدر منه ‪،‬‬ ‫ول يعاقب بأوّل زلّة تبدو ‪ ،‬وإذا عثر على من نقص المكيال أو بخس الميزان أو غشّ‬ ‫بضاعة أو صناعة استتابه عن معصيته ‪ ،‬ووعظه وخوّفه وأنذره العقوبة والتّعزير ‪ ،‬فإن عاد‬ ‫إلى فعله عزّره على حسب ما يليق به من التّعزير بقدر الجناية ‪ .‬ومن آكد وألزم ما ينبغي‬ ‫أن يكون عليه المحتسب أن يكون متحلّيا بالعلم والرّفق والصّبر ‪ ،‬العلم قبل المر والنّهي ‪،‬‬ ‫والرّفق معه ‪ ،‬والصّبر بعده فإذا جمع إلى ذلك كلّه بعد النّظر مع الفطنة والصّدق في القول‬ ‫والعمل والصّرامة في الحقّ وأحكم أموره وتحرّى الصابة فيها فإنّه حريّ أن تثمر هذه‬ ‫الولية أطيب الثّمار ‪ ،‬وتحقّق الغاية المرجوّة منها ‪.‬‬ ‫عزل المحتسب ‪:‬‬ ‫‪ - 20‬أجمل الماورديّ أسباب العزل من الولية في عدّة أمور ‪ :‬أحدها الخيانة ‪ ،‬والثّاني أن‬ ‫يكون سببه العجز والقصور ‪ ،‬والثّالث والرّابع أن يكون السّبب اختلل العمل من عسف‬ ‫وجور ‪ ،‬أو ضعف وقلّة هيبة ‪ ،‬والخامس أن يكون سببه وجود من هو أكفأ منه ‪ .‬وذكر‬ ‫صاحب معالم القربة أنّه إذا بلغ المحتسب أمر وتركه أثم ‪ ،‬وإن تكرّر شكوى ذلك منه ولم‬ ‫يأخذ له بحقّه سقطت وليته شرعا ‪ ،‬أو خرج عن أهليّة الحسبة وسقطت مروءته وعدالته ‪،‬‬ ‫ي المر وهو المام أو نائبه ‪،‬‬ ‫ول يبقى محتسبا شرعا ‪ ،‬وإن عجز عن ذلك يرفعه إلى ول ّ‬ ‫والّذي يجب على السّلطان إدرار رزقه الّذي يكفيه وتعجيله ‪ ،‬وبسط يده ‪ ،‬وترك معارضته ‪،‬‬ ‫وردّ الشّفاعة عنده من الخاصّة والعامّة ‪.‬‬ ‫الرّكن الثّاني المحتسب فيه ‪:‬‬ ‫‪ - 21‬تجري الحسبة في كلّ معروف إذا ظهر تركه ‪ ،‬وفي كلّ منكر إذا ظهر فعله ‪،‬‬ ‫ويجمعها لفظ ( الخير ) في قوله تعالى ‪ { :‬ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون‬

‫بالمعروف وينهون عن المنكر } فالخير يشمل كلّ شيء يرغب فيه من الفعال الحسنة وكلّ‬ ‫ما فيه صلح دينيّ ودنيويّ وهو جنس يندرج تحته نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬التّرغيب في فعل ما‬ ‫ينبغي وهو المر بالمعروف ‪ .‬والثّاني ‪ :‬التّرغيب في ترك ما ل ينبغي وهو النّهي عن المنكر‬ ‫‪ .‬فذكر الحقّ جلّ وعل الجنس أوّل وهو الخير ‪ ،‬ثمّ أتبعه بنوعيه مبالغة في البيان ‪ .‬معنى‬ ‫المعروف والمراد منه ‪:‬‬ ‫‪ - 22‬ذكر العلماء جملة معان للمعروف بينها عموم وخصوص ‪ .‬فمنهم من قصره على‬ ‫اليمان باللّه ومنهم من قيّده بواجبات الشّرع ومنهم من جعله شامل لما طلبه الشّارع على‬ ‫سبيل الوجوب كالصّلوات الخمس ‪ ،‬وبرّ الوالدين ‪ ،‬وصلة الرّحم ‪ ،‬أو على سبيل النّدب‬ ‫ل ما‬ ‫كالنّوافل وصدقات التّطوّع ومنهم من جعله أشمل وأعمّ من ذلك فقال ‪ :‬هو اسم جامع لك ّ‬ ‫عرف من طاعة اللّه والتّقرّب إليه ‪ ،‬والحسان إلى النّاس بكلّ ما ندب إليه الشّرع ‪ ،‬ونهى‬ ‫عنه من المحسّنات والمقبّحات ‪ ،‬وهو من الصّفات الغالبة أي أمر معروف بين النّاس إذا رأوه‬ ‫ل ينكرونه ‪ ،‬والمعروف النّصف ( العدل ) وحسن الصّحبة مع الهل وغيرهم من النّاس‬ ‫ل عاقل صوابه ‪ ،‬وقيل المعروف‬ ‫وقال ابن الجوزيّ في التّفسير ‪ :‬المعروف هو ما يعرف ك ّ‬ ‫هاهنا طاعة اللّه‬ ‫أقسام المعروف ‪ :‬ينقسم المعروف إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬ ‫‪ - 23‬أحدهما ‪ :‬ما يتعلّق بحقوق اللّه تعالى ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما يتعلّق بحقوق الدميّين ‪ .‬والثّالث ‪:‬‬ ‫ن التّكاليف‬ ‫ما يكون مشتركا بينهما ‪ .‬ومعنى حقّ اللّه أمره ونهيه ‪ ،‬وحقّ العبد مصالحه ‪ .‬ل ّ‬ ‫على ثلثة أقسام ‪ :‬قسم فيه حقّ اللّه تعالى فقط كاليمان وتحريم الكفر ‪ ،‬وقسم فيه حقّ العبد‬ ‫فقط كالدّيون والثمان ‪ ،‬وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حقّ اللّه أو حقّ العبد كحدّ القذف ‪،‬‬ ‫والفرق بين ما كان حقّا محضا للعبد وبين حقّ اللّه أنّ حقّ العبد المحض لو أسقطه لسقط ‪،‬‬ ‫ق للّه تعالى ‪ ،‬وهو أمره بإيصال ذلك الحقّ إلى مستحقّه‬ ‫ل وفيه ح ّ‬ ‫ل فما من حقّ للعبد إ ّ‬ ‫وإ ّ‬ ‫فيوجد حقّ اللّه تعالى دون حقّ العبد ‪ ،‬ول يوجد حقّ العبد إلّ وفيه حقّ اللّه تعالى ‪ ،‬وإنّما‬ ‫ل ما‬ ‫يعرف ذلك بصحّة السقاط ‪ ،‬فكلّ ما للعبد إسقاطه فهو الّذي يقصد به حقّ العبد ‪ ،‬وك ّ‬ ‫ن النّاس كلّهم خصوم في إثبات‬ ‫ق اللّه تعالى ‪ .‬وأ ّ‬ ‫ليس له إسقاطه فهو الّذي يقصد بأنّه ح ّ‬ ‫حقوق اللّه تعالى نيابة عنه تعالى لكونهم عبيده ‪ ،‬أمّا حقّ العبد فل ينتصب أحد خصما عن‬ ‫أحد لعدم ما يوجب انتصابه خصما ‪ .‬القسم الوّل ‪ :‬المتعلّق بحقوق اللّه تعالى وهو ضربان‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ - 24‬أحدهما ‪ :‬ما يلزم المر به في الجماعة دون النفراد وله أمثلة ‪ :‬المثال الوّل ‪ :‬صلة‬ ‫الجمعة وتلزم في وطن مسكون ‪ ،‬فإن كانوا عددا قد اتّفق على انعقاد الجمعة بهم كالربعين‬

‫فما زاد ‪ ،‬فواجب أن يأخذهم المحتسب بإقامتها ‪ ،‬ويأمرهم بفعلها ويؤدّب على الخلل بها ‪،‬‬ ‫وإن كانوا عددا قد اختلف في انعقاد الجمعة بهم فله فيهم أربعة أحوال ‪ :‬إحداها ‪ :‬أن يتّفق‬ ‫رأي المحتسب ورأي القوم على انعقاد الجمعة بذلك العدد ‪ ،‬فواجب عليه أن يأمرهم بإقامتها ‪،‬‬ ‫وعليهم أن يسارعوا إلى أمره بها ‪ ،‬ويكون في تأديبهم على تركها ألين منه في تأديبهم على‬ ‫ن الجمعة ل‬ ‫ترك ما انعقد الجماع عليه ‪ .‬الحالة الثّانية ‪ :‬أن يتّفق رأيه ورأي القوم على أ ّ‬ ‫تنعقد بهم ‪ ،‬فل يجوز أن يأمرهم بإقامتها وهو بالنّهي عنها لو أقيمت أحقّ ‪ .‬الحالة الثّالثة ‪:‬‬ ‫أن يرى القوم انعقاد الجمعة بهم ول يراه المحتسب ‪ ،‬فل يجوز له أن يعارضهم فيها ‪ ،‬ول‬ ‫يأمر بإقامتها ‪ ،‬لنّه ل يراه ‪ ،‬ول يجوز أن ينهاهم عنها ويمنعهم ممّا يرونه فرضا عليهم ‪.‬‬ ‫الحالة الرّابعة ‪ :‬أن يرى المحتسب انعقاد الجمعة بهم ول يراه القوم ‪ ،‬فهذا ممّا في استمرار‬ ‫تركه تعطيل الجمعة مع تطاول الزّمان وبعده وكثرة العدد وزيادته ‪ ،‬فهل للمحتسب أن‬ ‫يأمرهم بإقامتها اعتبارا بهذا المعنى أم ل ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على وجهين ‪ :‬أحدهما ‪:‬‬ ‫وهو قول أبي سعيد الصطخريّ أنّه يجوز له أن يأمرهم بإقامتها اعتبارا بالمصلحة لئلّ ينشأ‬ ‫الصّغير على تركها ‪ ،‬فيظنّ أنّها تسقط مع زيادة العدد كما تسقط بنقصانه ‪ .‬الوجه الثّاني ‪:‬‬ ‫أنّه ل يتعرّض لمرهم بها ‪ ،‬لنّه ليس له حمل النّاس على اعتقاده ‪ ،‬ول يقودهم إلى مذهبه ‪،‬‬ ‫ن نقصان العدد يمنع‬ ‫ول أن يأخذهم في الدّين برأيه مع تسويغ الجتهاد فيه ‪ ،‬وأنّهم يعتقدون أ ّ‬ ‫من إجزاء الجمعة ‪ .‬المثال الثّاني ‪ :‬صلة العيد وهل يكون المر بها من الحقوق اللّازمة ‪ ،‬أو‬ ‫من الحقوق الجائزة ؟ على وجهين ‪ :‬من قال إنّها مسنونة قال ‪ :‬يندب المر بها ‪ ،‬ومن قال‬ ‫إنّها من فروض الكفاية قال ‪ :‬المر بها يكون حتما ‪ .‬المثال الثّالث ‪ :‬صلة الجماعة ‪ :‬صلة‬ ‫الجماعة في المساجد وإقامة الذان فيها للصّلوات من شعائر السلم ‪ ،‬وعلمات متعبّداته‬ ‫الّتي فرّق بها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بين دار السلم ودار الشّرك ‪ ،‬فإذا اجتمع أهل‬ ‫محلّة أو بلد على تعطيل الجماعات في مساجدهم ‪ ،‬وترك الذان في أوقات صلواتهم ‪ ،‬كان‬ ‫المحتسب مندوبا إلى أمرهم بالذان والجماعة في الصّلوات ‪ ،‬وهل ذلك واجب عليه يأثم‬ ‫بتركه ‪ ،‬أو مستحبّ له يثاب على فعله ‪ ،‬على وجهين من اختلف الفقهاء في اتّفاق أهل بلد‬ ‫على ترك الذان والجماعة ‪ ،‬وهل يلزم السّلطان محاربتهم عليه أم ل ؟ فأمّا من ترك صلة‬ ‫الجماعة من آحاد النّاس أو ترك الذان والقامة لصلته ‪ ،‬فل اعتراض للمحتسب عليه إذا لم‬ ‫ل أن يقترن به استرابة ‪ ،‬أو يجعله‬ ‫يجعله عادة وإلفا ‪ ،‬لنّها من النّدب الّذي يسقط بالعذار ‪ ،‬إ ّ‬ ‫إلفا وعادة ويخاف تعدّي ذلك إلى غيره في القتداء به ‪ ،‬فيراعي حكم المصلحة به في زجره‬ ‫عمّا استهان به من سنن عبادته ‪ ،‬ويكون وعيده على ترك الجماعة معتبرا بشواهد حاله ‪،‬‬ ‫كالّذي روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬لقد هممت أن آمر فتياني أن يستعدّوا‬

‫إليّ بحزم من حطب ‪ ،‬ثمّ آمر رجل يصلّي بالنّاس ثمّ تحرّق بيوت على من فيها } ‪ .‬الضّرب‬ ‫الثّاني ‪ :‬ما يأمر به آحاد النّاس وأفرادهم كتأخير الصّلة حتّى يخرج وقتها ‪ ،‬فيذكّر بها ويأمر‬ ‫بفعلها ‪ ،‬ويراعي جوابه عنها ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬تركتها لنسيان ‪ ،‬حثّه على فعلها بعد ذكره ولم‬ ‫يؤدّبه ‪ ،‬وإن تركها لتوان أدّبه زجرا وأخذه بفعلها جبرا ‪ ،‬ول اعتراض على من أخّرها‬ ‫والوقت باق لختلف الفقهاء في فضل التّأخير بالنّسبة لبعض الصّلوات ‪ ،‬ولكن لو اتّفق أهل‬ ‫بلد أو محلّة على تأخير صلة الجماعات إلى آخر وقتها ‪ ،‬والمحتسب يرى فضل تعجيلها فهل‬ ‫له أن يأمرهم بالتّعجيل أو ل ؟ من رأى أنّه يأمرهم بذلك راعى أنّ اعتياد تأخيرها وإطباق‬ ‫ن الصّغير ينشأ وهو يعتقد أنّ هذا هو الوقت دون ما قبله ‪ ،‬ولو‬ ‫جميع النّاس عليه مفض إلى أ ّ‬ ‫عجّلها بعضهم ترك المحتسب من أخّرها منهم وما يراه من التّأخير ‪ .‬فأمّا الذان والقنوت في‬ ‫الصّلوات إذا خالف فيه رأي المحتسب ‪ ،‬فل اعتراض له فيه بأمر ول نهي ‪ ،‬وإن كان يرى‬ ‫خلفه ‪ ،‬إذا كان ما يفعل مسوّغا في الجتهاد ‪ ،‬وكذلك الطّهارة إذا فعلها على وجه سائغ‬ ‫يخالف فيه رأي المحتسب من إزالة النّجاسة بالمائعات ‪ ،‬والوضوء بماء تغيّر بالمذرورات‬ ‫الطّاهرات ‪ ،‬أو القتصار على مسح أقلّ الرّأس ‪ ،‬والعفو عن قدر الدّرهم من النّجاسة ‪ ،‬فل‬ ‫اعتراض له في شيء من ذلك بأمر ول نهي ‪.‬‬ ‫القسم الثّاني ما تعلّق بحقوق الدميّين ‪:‬‬ ‫ص ‪ .‬فأمّا العامّ فكالبلد إذا تعطّل‬ ‫‪ - 25‬المعروف المتعلّق بحقوق الدميّين ضربان ‪ :‬عامّ وخا ّ‬ ‫شربه ‪ ،‬أو استهدم سوره ‪ ،‬أو كان يطرقه بنو السّبيل من ذوي الحاجات فكفّوا عن معونتهم ‪،‬‬ ‫ن هذا حقّ مصروف إلى سهم المصالح وهو‬ ‫نظر المحتسب ذلك كلّه على حسب ما يجب ‪ ،‬ل ّ‬ ‫في بيت المال ‪ ،‬فإن كان في بيت المال مال لم يتوجّه عليهم فيه ضرر أمر بإصلح شربهم ‪،‬‬ ‫وبناء سورهم وبمعونة بني السّبيل في الجتياز بهم ‪ ،‬لنّها حقوق تلزم بيت المال دونهم ‪،‬‬ ‫وكذلك لو استهدمت مساجدهم وجوامعهم ‪ ،‬فأمّا إذا أعوز بيت المال كان المر ببناء‬ ‫سورهم ‪ ،‬وإصلح شربهم ‪ ،‬وعمارة مساجدهم وجوامعهم ‪ ،‬ومراعاة بني السّبيل فيهم متوجّها‬ ‫إلى كافّة ذوي المكنة منهم ‪ ،‬ول يتعيّن أحدهم في المر به ‪ ،‬فإن شرع ذوو المكنة في عملهم‬ ‫وفي مراعاة بني السّبيل ‪ ،‬وباشروا القيام به ‪ ،‬سقط عن المحتسب حقّ المر به ‪ ،‬ول يلزمهم‬ ‫الستئذان في مراعاة بني السّبيل ‪ ،‬ول في بناء ما كان مهدوما ‪ ،‬ولكن لو أرادوا هدم ما‬ ‫ل باستئذان وليّ المر‬ ‫يريدون بناءه من المسترمّ والمستهدم لم يكن لهم القدام على هدمه إ ّ‬ ‫دون المحتسب ‪ ،‬ليأذن لهم في هدمه بعد تضمينهم القيام بعمارته ‪ ،‬هذا في السّور والجوامع ‪،‬‬ ‫وأمّا المساجد المختصرة فل يستأذنون فيها ‪ .‬وعلى المحتسب أن يأخذهم ببناء ما هدموه‬ ‫وليس له أن يأخذهم بإتمام ما استأنفوه ‪ .‬فأمّا إذا كفّ ذوو المكنة عن بناء ما استهدم وعمارة‬

‫ما استرمّ ‪ ،‬فإن كان المقام في البلد ممكنا وكان الشّرب ‪ ،‬وإن فسد أو قلّ مقنعا تركهم وإيّاه ‪،‬‬ ‫وإن تعذّر المقام فيه لتعطّل شربه واندحاض سوره نظر ‪ ،‬فإن كان البلد ثغرا يضرّ بدار‬ ‫السلم تعطيله لم يجز لوليّ المر أن يفسح في النتقال عنه ‪ ،‬وكان حكمه حكم النّوازل إذا‬ ‫حدثت في قيام كافّة ذوي المكنة به ‪ ،‬وكان تأثير المحتسب في مثل هذا إعلم السّلطان‬ ‫وترغيب أهل المكنة في عمله ‪ ،‬وإن لم يكن البلد ثغرا مضرّا بدار السلم كان أمره أيسر‬ ‫وحكمه أخفّ ‪ ،‬ولم يكن للمحتسب أن يأخذ أهله جبرا بعمارته ‪ ،‬لنّ السّلطان أحقّ أن يقوم‬ ‫بعمارته ‪ ،‬وإن أعوزه المال فيقول لهم المحتسب ما دام عجز السّلطان عنه ‪ :‬أنتم مخيّرون‬ ‫بين النتقال عنه أو التزام ما يصرف في مصالحه الّتي يمكن معها دوام استيطانه ‪ .‬فإن‬ ‫أجابوا إلى التزام ذلك كلّف جماعتهم ما تسمح به نفوسهم من غير إجبار ويقول ‪ :‬ليخرج كلّ‬ ‫واحد منكم ما يسهل عليه وتطيب به نفسه ‪ ،‬ومن أعوزه المال أعان بالعمل حتّى إذا اجتمعت‬ ‫ل واحد من أهل المكنة قدرا طاب به نفسا ‪،‬‬ ‫كفاية المصلحة أو تعيّن اجتماعها بضمان ك ّ‬ ‫ل واحد من الجماعة بما التزم به ‪ ،‬وإن‬ ‫شرع المحتسب حينئذ في عمل المصلحة ‪ ،‬وأخذ ك ّ‬ ‫عمّت هذه المصلحة لم يكن للمحتسب أن يتقدّم بالقيام بها حتّى يستأذن السّلطان فيها ‪ ،‬لئلّ‬ ‫يصير بالتّفرّد مفتاتا عليه ‪ ،‬إذ ليست هذه المصلحة من معهود حسبته ‪ ،‬وإن قلّت وشقّ‬ ‫استئذان السّلطان فيها أو خيف زيادة الضّرر لبعد استئذانه جاز شروعه فيها من غير استئذان‬ ‫ص فكالحقوق إذا مطلت ‪ ،‬والدّيون إذا أخّرت ‪ ،‬فللمحتسب أن يأمر بالخروج منها‬ ‫‪ .‬وأمّا الخا ّ‬ ‫مع المكنة إذا استعداه أصحاب الحقوق ‪ ،‬وليس له أن يحبس عليها ‪ ،‬لنّ الحبس حكم وله أن‬ ‫ن لصاحب الحقّ أن يلزم وليس له الخذ بنفقات القارب لفتقار ذلك إلى‬ ‫يلزم عليها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫اجتهاد شرعيّ فيمن يجب له وعليه ‪ ،‬إلّ أن يكون الحاكم قد فرضها فيجوز أن يأخذ بأدائها ‪،‬‬ ‫وكذلك كفالة من تجب كفالته من الصّغار ل اعتراض له فيها حتّى يحكم بها الحاكم ‪ ،‬ويجوز‬ ‫حينئذ للمحتسب أن يأمر بالقيام بها على الشّروط المستحقّة فيها ‪ .‬فأمّا قبول الوصايا والودائع‬ ‫فليس له أن يأمر بها أعيان النّاس وآحادهم ‪ ،‬ويجوز أن يأمر بها على العموم حثّا على‬ ‫التّعاون بالبرّ والتّقوى ‪ ،‬ثمّ على هذا المثال تكون أوامره بالمعروف في حقوق الدميّين ‪.‬‬ ‫‪ - 26‬القسم الثّالث ‪ :‬ما كان مشتركا بين حقوق اللّه تعالى وحقوق الدميّين كأخذ الولياء‬ ‫ن إذا طلبن ‪ ،‬وإلزام النّساء أحكام العدد إذا فورقن ‪ ،‬وله تأديب من‬ ‫بإنكاح اليامى من أكفائه ّ‬ ‫خالف في العدّة من النّساء ‪ ،‬وليس له تأديب من امتنع من الولياء ‪ ،‬ومن نفى ولدا قد ثبت‬ ‫فراش أمّه ولحوق نسبه أخذه بأحكام الباء أو عزّره على النّفي أدبا ‪ ،‬ويأخذ أرباب البهائم‬ ‫بعلفها إذا قصّروا فيها ‪ ،‬وألّ يستعملوها فيما ل تطيق ‪ ،‬ومن أخذ لقيطا فقصّر في كفالته أمره‬ ‫أن يقوم بحقوق التقاطه من التزام كفالته أو تسليمه إلى من يلتزمها ويقوم بها ‪ ،‬وكذلك واجد‬

‫الضّوالّ إذا قصّر فيها أخذه بمثل ذلك من القيام بها أو تسليمها إلى من يقوم بها ‪ ،‬ويكون‬ ‫ضامنا للضّالّة بالتّقصير ول يكون به ضامنا للّقيط ‪ ،‬وإذا سلّم الضّالّة إلى غيره ضمنها ول‬ ‫يضمن اللّقيط بالتّسليم إلى غيره ‪ ،‬ث ّم على نظائر هذا المثال يكون أمره بالمعروف في الحقوق‬ ‫المشتركة ‪.‬‬ ‫معنى المنكر والمراد منه ‪ - 27‬المنكر ضدّ المعروف وقد اختلفت عبارات العلماء في تحديد‬ ‫معناه عموما وخصوصا ‪ ،‬فمنهم من قصره على الكفر ومنهم من جعله شامل لمحرّمات‬ ‫ل ما نهى عنه الشّرع ‪ .‬واستعمله آخرون في كلّ ما عرف‬ ‫الشّرع ومنهم من استعمله في ك ّ‬ ‫ل ما تقدّم ‪ ،‬هو ما تنكره النّفوس السّليمة‬ ‫بالعقل والشّرع قبحه وقال غيرهم هو أشمل من ك ّ‬ ‫وتتأذّى به ممّا حرّمه الشّرع ونافره الطّبع وتعاظم استكباره وقبح غاية القبح استظهاره في‬ ‫محلّ المل لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬البرّ حسن الخلق والثم ما حاك في صدرك‬ ‫وكرهت أن يطّلع عليه النّاس } ‪ .‬والمنكر منه ما هو مكروه ‪ ،‬ومنه ما هو محظور وهو‬ ‫المسمّى عند الحنفيّة بكراهة التّحريم وهو المراد من المكروه عند إطلقهم ‪ ،‬وعند غيرهم‬ ‫ن المنع من‬ ‫يساوي المحرّم ‪ ،‬ويسمّى أيضا معصية وذنبا والفرق بين المكروه والمحظور ‪ ،‬أ ّ‬ ‫المنكر المكروه مستحبّ ‪ ،‬والسّكوت عليه مكروه ‪ ،‬وليس بحرام ‪ ،‬وإذا لم يعلم الفاعل أنّه‬ ‫مكروه وجب ذكره له ‪ ،‬فإنّ للكراهة حكما في الشّرع يجب تبليغه إلى من ل يعرفه ‪ .‬أمّا‬ ‫المحظور فالنّهي عنه واجب والسّكوت عليه محظور إذا تحقّق شرطه ‪ ،‬وبهذا اشترط صاحب‬ ‫الفواكه الدّواني أن يكون المنكر مجمعا على تحريمه ‪ ،‬أو يكون مدرك عدم التّحريم فيه‬ ‫ضعيفا ‪.‬‬ ‫( شروط المنكر ) ‪:‬‬ ‫‪ - 28‬يشترط في المنكر المطلوب تغييره ما يلي ‪ :‬الشّرط الوّل ‪ :‬أن يكون منكرا بمعنى أن‬ ‫يكون محظورا في الشّرع ‪ ،‬وقال الغزاليّ ‪ :‬المنكر أع ّم من المعصية ‪ ،‬إذ من رأى صبيّا أو‬ ‫مجنونا يشرب الخمر فعليه أن يريق خمره ويمنعه ‪ ،‬وكذا إن رأى مجنونا يزني بمجنونة أو‬ ‫بهيمة فعليه أن يمنعه منه ‪ ،‬وهذا ل يسمّى معصية في حقّ المجنون ‪ ،‬إذ معصية ل عاصي‬ ‫بها محال ‪ ،‬ولهذا قال صاحبا الفروق والقواعد ‪ :‬ل يشترط في المر بالمعروف والنّهي عن‬ ‫المنكر أن يكون المأمور والمنهيّ عاصيين ‪ ،‬بل يشترط فيه أن يكون أحدهما ملبسا لمفسدة‬ ‫واجبة الدّفع والخر تاركا لمصلحة واجبة التّحصيل ‪ ،‬وساقا جملة أمثلة للمنكر الّذي يجب‬ ‫تغييره ممّن يملك ذلك ‪ .‬أحدها ‪ :‬أمر الجاهل بمعروف ل يعرف وجوبه ‪ ،‬ونهيه عن منكر ل‬ ‫يعرف تحريمه كنهي النبياء عليهم السلم أممهم أوّل بعثهم ‪ .‬الثّاني ‪ :‬قتال البغاة مع أنّه ل‬

‫إثم عليهم في بغيهم لتأوّلهم ‪ .‬الثّالث ‪ :‬ضرب الصّبيان على ملبسة الفواحش وترك الصّلة‬ ‫والصّيام وغير ذلك من المصالح ‪ .‬الرّابع ‪ :‬قتل الصّبيان والمجانين إذا صالوا على الدّماء‬ ‫والبضاع ولم يمكن دفعهم إلّ بقتلهم ‪ .‬الخامس ‪ :‬إذا وكّل وكيل في القصاص ثمّ عفا ولم‬ ‫يعلم الوكيل أو أخبره فاسق بالعفو فلم يصدّقه وأراد القتصاص ‪ ،‬فللفاسق أن يدفعه بالقتل إذا‬ ‫لم يمكن دفعه إلّ به دفعا لمفسدة القتل من غير حقّ ‪ .‬السّادس ‪ :‬ضرب البهائم في التّعليم‬ ‫والرّياضة دفعا لمفسدة الشّراس والجماح ‪ ،‬وكذلك ضربها حمل على السراع لمسّ الحاجة‬ ‫إليه على الكرّ والفرّ والقتال ‪ .‬ول يقتصر النكار على الكبيرة ‪ ،‬بل يجب النّهي عن الصّغائر‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫( الشّرط الثّاني ) ‪:‬‬ ‫‪ - 29‬أن يكون المنكر موجودا في الحال بأن يكون الفاعل مستمرّا على فعل المنكر ‪ ،‬فإن‬ ‫علم من حاله ترك الستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل ‪ ،‬وهو احتراز عن‬ ‫الحسبة على من فرغ من شرب الخمر ‪ ،‬واحتراز عمّا سيوجد ‪ ،‬كمن يعلم بقرينة الحال أنّه‬ ‫عازم على الشّرب في ليلة فل حسبة عليه إلّ بالوعظ ‪ ،‬وإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه‬ ‫ن بالمسلم ‪ ،‬وربّما صدّق في قوله ‪ ،‬وربّما ل يقدم على ما عزم عليه‬ ‫ن فيه إساءة ظ ّ‬ ‫أيضا ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫لعائق ‪ ،‬واستثني من ذلك حالتان ‪ :‬الحالة الولى ‪ :‬الصرار على فعل الحرام من غير إحداث‬ ‫توبة فهذا يجب النكار عليه وفي رفعه إلى وليّ المر خلف مبنيّ على وجوب السّتر‬ ‫واستحبابه وعلى سقوط الذّنب بالتّوبة وعدمه ‪ ،‬أمّا عن وجوب السّتر واستحبابه فإنّ للعلماء‬ ‫ن الشّاهد في حقوق اللّه ( أسباب الحدود )‬ ‫أقاويل نوجزها في التي ‪ :‬ذهب الحناف إلى أ ّ‬ ‫ن كلّ واحد منهما أمر‬ ‫مخيّر بين حسبتين ‪ :‬بين أن يشهد حسبة للّه تعالى وبين أن يستر ل ّ‬ ‫مندوب إليه ‪ .‬قال اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬وأقيموا الشّهادة } وقال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من‬ ‫ستر على مسلم ستره اللّه في الدّنيا والخرة } وقد ندبه الشّرع إلى كلّ واحد منهما إن شاء‬ ‫اختار جهة الحسبة فأقامها للّه تعالى ‪ ،‬وإن شاء اختار جهة السّتر فيستر على أخيه المسلم ‪،‬‬ ‫والسّتر أولى ‪ .‬وأمّا في حقوق اللّه تعالى من غير أسباب الحدود نحو طلق وإعتاق وظهار‬ ‫وإيلء ونحوها من أسباب الحرمات تلزمه إقامة الشّهادة حسبة للّه تبارك وتعالى عند الحاجة‬ ‫إلى إقامتها من غير طلب من أحد من العباد ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬تجب المبادرة لداء الشّهادة في‬ ‫حقّ اللّه إن استدام فيه التّحريم كالعتق والطّلق والرّضاع والوقف ‪ ،‬وإن كان التّحريم ينقضي‬ ‫بالفراغ من متعلّقه كالزّنى وشرب الخمر كان مخيّرا في الرّفع وعدمه ‪ ،‬والتّرك أولى لما فيه‬ ‫ن ستر النسان على نفسه‬ ‫من معنى السّتر المطلوب في غير المجاهر بالفسق ‪ .‬وفي الموّاق أ ّ‬ ‫وعلى غيره واجب حينئذ فيكون ترك الرّفع واجبا ‪ .‬وذكر العزّ بن عبد السّلم تفصيل‬

‫ن الزّواجر نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما هو زاجر عن الصرار على ذنب حاضر ‪ ،‬أو‬ ‫خلصته أ ّ‬ ‫مفسدة ملبسة ل إثم على فاعلها وهو ما قصد به دفع المفسدة الموجودة ويسقط باندفاعها ‪.‬‬ ‫‪ - 30‬النّوع الثّاني ‪ :‬ما يقع زاجرا عن مثل ذنب ماض منصرم أو عن مثل مفسدة ماضية‬ ‫ل بالستيفاء وهو ضربان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما يجب إعلم مستحقّه ليبرأ منه‬ ‫منصرمة ول يسقط إ ّ‬ ‫أو يستوفيه ‪ ،‬وذلك كالقصاص في النّفوس والطراف وكحدّ القذف ‪ ،‬فإنّه يلزم من وجب عليه‬ ‫أن يعرف مستحقّه ليستوفيه أو يعفو عنه ‪ .‬الضّرب الثّاني ‪ :‬ما الولى بالمتسبّب إليه ستره‬ ‫كحدّ الزّنى والخمر والسّرقة ‪ .‬ثمّ قال ‪ :‬وأمّا الشّهود على هذه الجرائم ‪ ،‬فإن تعلّق بها حقوق‬ ‫العباد لزمهم أن يشهدوا بها وأن يعرّفوا بها أربابها وإن كانت زواجرها حقّا محضا للّه فإن‬ ‫كانت المصلحة في إقامة الشّهادة بها ‪ ،‬فيشهدوا بها مثل أن يطّلعوا من إنسان على تكرّر‬ ‫الزّنى والسّرقة والدمان على شرب الخمور وإتيان الذّكور فالولى أن يشهدوا عليه دفعا لهذه‬ ‫المفاسد ‪ ،‬وإن كانت المصلحة في السّتر عليه مثل زلّة من هذه الزّلّات تقع ندرة من ذوي‬ ‫الهيئات ثمّ يقلع عنها ويتوب منها فالولى أن ل يشهدوا { لقوله صلى ال عليه وسلم لهزّال ‪:‬‬ ‫يا هزّال لو سترته بردائك كان خيرا لك } وحديث ‪ { :‬وأقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم }‬ ‫وحديث ‪ { :‬من ستر على مسلم ستره اللّه في الدّنيا والخرة } وقال ابن مفلح من الحنابلة ‪:‬‬ ‫عدم النكار والتّبليغ على الذّنب الماضي مبنيّ على سقوط الذّنب بالتّوبة ‪ ،‬فإن اعتقد الشّاهد‬ ‫ل رفعه ‪ .‬وأمّا إذا كان مصرّا على المحرّم لم يتب ‪ ،‬فهذا يجب إنكار‬ ‫سقوطه لم يرفعه وإ ّ‬ ‫فعله الماضي وإنكار إصراره ‪ - 31 .‬الحالة الثّانية المستثناة من اشتراط وجود المنكر في‬ ‫الحال ‪ :‬النكار على أرباب المذاهب الفاسدة والبدع المضلّة ‪ .‬قال إمام الحرمين في تفصيل‬ ‫ما إلى الئمّة والولة ‪ :‬فأمّا نظره في الدّين فينقسم إلى ‪ :‬النّظر في أصل الدّين ‪ ،‬وإلى النّظر‬ ‫في فروعه ‪ ،‬فأمّا القول في أصل الدّين فينقسم إلى حفظ الدّين بأقصى الوسع على المؤمنين‬ ‫ودفع شبهات الزّائفين ‪ ،‬وإلى دعاء الجاحدين والكافرين إلى التزام الحقّ المبين ‪ .‬قال‬ ‫الشّاطبيّ ‪ :‬من أظهر بدعته ودعا إليها فحكمه حكم سائر من تظاهر بمعصية صغيرة أو‬ ‫كبيرة أو دعا إليها ‪ ،‬يؤدّب ‪ ،‬أويزجر ‪ ،‬أو يقتل ‪ ،‬إن امتنع من فعل واجب أو ترك محرّم ‪.‬‬ ‫ويرى المام الغزاليّ أنّ البدع كلّها ينبغي أن تحسم أبوابها وتنكر على المبتدعين بدعهم وإن‬ ‫اعتقدوا أنّها الحقّ ‪ .‬ويرى ابن القيّم وجوب إتلف الكتب المشتملة على البدعة ‪ ،‬وأنّها أولى‬ ‫بذلك من إتلف آنية الخمر وآلت اللّهو والمعازف ‪ ،‬ولنّ الحسبة على أهل الضواء والبدع‬ ‫أهمّ من الحسبة على ك ّل المنكرات ‪.‬‬ ‫الشّرط الثّالث أن يكون المنكر ظاهرا للمحتسب بغير تجسّس ‪:‬‬

‫‪ - 32‬التّجسّس معناه طلب المارات المعرّفة فالمارة المعرّفة إن حصلت وأورثت المعرفة‬ ‫جاز العمل بمقتضاها ‪ ،‬أمّا طلبها فل رخصة فيه ‪ ،‬والحكمة من وراء ذلك أنّنا أمرنا أن‬ ‫نجري أحكام النّاس على الظّواهر من غير استكشاف عن المور الباطنة قال عمر رضي ال‬ ‫ن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول اللّه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وإنّ‬ ‫عنه ‪ :‬إ ّ‬ ‫الوحي قد انقطع وإنّما نأخذكم الن بما ظهر لنا من أعمالكم ‪ ،‬فمن أظهر لنا خيرا أ ّمنّاه‬ ‫وقرّبناه وليس إلينا من سريرته شيء ‪ ،‬اللّه يحاسب سريرته ‪ ،‬ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه‬ ‫ي في قوله تعالى ‪ { :‬ول تجسّسوا }‬ ‫ن سريرته حسنة ‪ .‬وقال القرطب ّ‬ ‫ولم نصدّقه وإن قال إ ّ‬ ‫خذوا ما ظهر ‪ ،‬ول تتّبعوا عورات المسلمين ‪ ،‬أي ل يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتّى يطّلع‬ ‫عليه بعد أن ستره اللّه فليس للمحتسب أن يتجسّس ول أن يبحث أو يقتحم على النّاس دورهم‬ ‫بظنّ أنّ فيها منكرا ‪ ،‬لنّ ذلك من قبيل التّجسّس المنهيّ عنه وفي حكمه من ابتعد عن‬ ‫النظار واستتر في موضع ل يعلم به غالبا غير من حضره ويكتمه ول يحدّث به ‪ .‬والنّاس‬ ‫ضربان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬مستور ل يعرف بشيء من المعاصي ‪ ،‬فإذا وقعت منه هفوة أو زلّة فإنّه‬ ‫ن ذلك غيبة ‪ ،‬وفي ذلك قال اللّه تعالى ‪ { :‬إنّ‬ ‫ل يجوز كشفها وهتكها ول التّحدّث بها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدّنيا والخرة } والمراد‬ ‫إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه أو اتّهم به وهو بريء منه ‪ .‬والثّاني ‪ :‬من‬ ‫كان مشتهرا بالمعاصي معلنا بها ول يبالي بما ارتكب منها ول بما قيل له ‪ ،‬فهذا هو الفاجر‬ ‫المعلن وليس له غيبة ‪ ،‬ومثل هذا فل بأس بالبحث عن أمره لتقام عليه الحدود ‪ .‬أمّا تسوّر‬ ‫الجدران على من علم اجتماعهم على منكر فقد أنكره الئمّة وهو داخل في التّجسّس المنهيّ‬ ‫عنه ويتحقّق الظهار في حالة ما إذا أتى معصية بحيث يراه النّاس في ذهابهم وإيابهم ‪ ،‬أو‬ ‫يعلم بها عن طريق الحواسّ الظّاهرة بحيث ل تخفى على من كان خارج الدّار ‪ ،‬وما ظهرت‬ ‫دللته فهو غير مستور بل هو مكشوف ‪ .‬قال الماورديّ ‪ :‬ليس للمحتسب أن يبحث عمّا لم‬ ‫يظهر من المحرّمات ‪ ،‬فإن غلب على الظّنّ استسرار قوم بها لمارة وآثار ظهرت فذلك‬ ‫ضربان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها ‪ ،‬مثل أن يخبره من يثق‬ ‫بصدقه أنّ رجل خل برجل ليقتله ‪ ،‬أو بامرأة ليزني بها ‪ ،‬فيجوز له في مثل هذه الحال أن‬ ‫يتجسّس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما ل يستدرك ‪ ،‬وكذا لو عرف ذلك غير‬ ‫المحتسب من المتطوّعة جاز لهم القدام على الكشف والنكار ‪ .‬والضّرب الثّاني ‪ :‬ما قصر‬ ‫عن هذه الرّتبة فل يجوز التّجسّس عليه ول كشف الستار عنه ‪ ،‬فإن سمع أصوات الملهي‬ ‫المنكرة من دار كان له أن ينكر ذلك من خارج الدّار وليس له أن يدخلها لنّ المنكر ظاهر‬ ‫وليس عليه أن يكشف عن الباطن ‪.‬‬

‫ن نوعان ‪:‬‬ ‫النكار بغلبة الظّنّ ‪ :‬الظّ ّ‬ ‫‪ - 33‬نوع مذموم نهى الشّارع عن اتّباعه وأن يبنى عليه ما ل يجوز بناؤه عليه ‪ ،‬مثل أن‬ ‫يظنّ بإنسان أنّه زنى أو سرق أو قطع الطّريق أو قتل نفسا أو أخذ مال أو ثلب عرضا ‪،‬‬ ‫فأراد أن يؤاخذه بذلك من غير حجّة شرعيّة يستند إليها ظنّه ‪ ،‬وأراد أن يشهد عليه بذلك بناء‬ ‫على هذا الظّنّ فهذا هو الثم لقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظّنّ إنّ‬ ‫ن الظّنّ أكذب الحديث } ‪ .‬ونوع محمود أجمع‬ ‫ن إثم } وحديث ‪ { :‬إيّاكم والظّنّ فإ ّ‬ ‫بعض الظّ ّ‬ ‫ن معظم المصالح مبنيّة على الظّنون المضبوطة بالضّوابط‬ ‫المسلمون على وجوب اتّباعه ل ّ‬ ‫ن ترك العمل بهذا النّوع يؤدّي إلى تعطيل مصالح كثيرة غالبة خوفا من وقوع‬ ‫الشّرعيّة وإ ّ‬ ‫مفاسد قليلة نادرة وذلك على خلف حكمة الله الّذي شرع الشّرائع لجلها ومن هذا القبيل‬ ‫إنكار المنكر في مثل الحالت التية ‪ :‬الولى ‪ :‬لو رأى إنسانا يسلب ثياب إنسان لوجب عليه‬ ‫النكار عليه بناء على الظّنّ المستفاد من ظاهر يد المسلوب ‪ .‬الثّانية ‪ :‬لو رأى رجل يجرّ‬ ‫ن الصل عدم‬ ‫امرأة إلى منزله يزعم أنّها زوجته وهي تنكر ذلك ‪ ،‬فإنّه يجب النكار عليه ل ّ‬ ‫ما ادّعاه ‪ .‬الثّالثة ‪ :‬لو رأى إنسانا يقتل إنسانا يزعم أنّه كافر حربيّ دخل إلى دار السلم‬ ‫بغير أمان وهو يكذّبه في ذلك ‪ ،‬لوجب عليه النكار ‪ ،‬لنّ اللّه خلق عباده حنفاء ‪ ،‬والدّار دالّة‬ ‫على إسلم أهلها لغلبة المسلمين عليها ‪ .‬ففي هذه الحالت وأمثالها يعمل بالظّنون فإن أصاب‬ ‫من قام بها فقد أدّى ما أوجب اللّه عليه إذا قصد بذلك وجه اللّه تعالى ‪ ،‬وإن لم يصب كان‬ ‫معذورا ول إثم عليه في فعله ‪ .‬وللمحتسب أن يطوف في السّوق وأن يتفحّص أحوال أهله من‬ ‫غير أن يخبره أحد بخيانتهم ول يكون هذا من قبيل التّجسّس المنهيّ عنه بل هو من صميم‬ ‫عمله الّذي ينبغي أن ل يشغله عنه شاغل كما سبق في بحث آداب المحتسب ‪.‬‬ ‫‪ :‬الشّرط الرّابع ‪ :‬أن يكون المنكر معلوما بغير اجتهاد ‪ ،‬فكلّ ما هو محلّ للجتهاد فل حسبة‬ ‫فيه وعبّر صاحب الفواكه الدّواني عن هذا الشّرط بقوله ‪ :‬أن يكون المنكر مجمعا على‬ ‫ن الحكام الشّرعيّة على‬ ‫تحريمه ‪ ،‬أو يكون مدرك عدم التّحريم فيه ضعيفا وبيان ذلك ‪ :‬أ ّ‬ ‫ضربين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما كان من الواجبات الظّاهرة كالصّلة والصّيام والزّكاة والحجّ ‪ ،‬أو من‬ ‫‪ .‬المحرّمات المشهورة كالزّنى ‪ ،‬والقتل ‪ ،‬والسّرقة ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬وقطع الطّريق ‪،‬‬ ‫والغصب ‪ ،‬والرّبا ‪ ،‬وما أشبه ذلك فكلّ مسلم يعلم بها ول يختصّ الحتساب بفريق دون فريق‬ ‫‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما كان في دقائق الفعال والقوال ممّا ل يقف على العلم به سوى العلماء ‪ ،‬مثل‬ ‫فروع العبادات والمعاملت والمناكحات وغير ذلك من الحكام ‪ ،‬وهذا الضّرب على نوعين ‪:‬‬ ‫أحدهما ‪ :‬ما أجمع عليه أهل العلم وهذا ل خلف في تعلّق الحسبة فيه لهل العلم ولم يكن‬ ‫للعوامّ مدخل فيه ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما اختلف فيه أهل العلم ممّا يتعلّق بالجتهاد ‪ ،‬فكلّ ما هو محلّ‬

‫الجتهاد فل حسبة فيه ‪ .‬ولكنّ هذا القول ليس على إطلقه بل المراد به الخلف الّذي له دليل‬ ‫ن النكار إمّا أن يتوجّه إلى القول‬ ‫‪ ،‬أمّا ما ل دليل له فل يعتدّ به ويقرّر هذا المام ابن القيّم بأ ّ‬ ‫والفتوى ‪ ،‬أو العمل ‪ .‬أمّا الوّل فإذا كان القول يخالف سنّة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره‬ ‫اتّفاقا ‪ ،‬وإن لم يكن كذلك فإنّ بيان ضعفه ومخالفته للدّليل إنكار مثله ‪ ،‬وأمّا العمل فإذا كان‬ ‫على خلف سنّة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات النكار ‪ ،‬وكيف يقول فقيه ل إنكار‬ ‫في المسائل المختلف فيها ‪ ،‬والفقهاء من سائر الطّوائف قد صرّحوا بنقض حكم الحاكم إذا‬ ‫خالف كتابا أو سنّة ‪ ،‬وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء ‪ .‬وأمّا إذا لم يكن في المسألة سنّة‬ ‫أو إجماع وللجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلّدا وقال المام النّوويّ‬ ‫‪ :‬ول ينكر محتسب ول غيره على غيره ‪ ،‬وكذلك قالوا ‪ :‬ليس للمفتي ول للقاضي أن‬ ‫يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصّا أو إجماعا أو قياسا جليّا ‪ .‬وهذا الحكم متّفق عليه‬ ‫سنّة أو الجماع أو القياس‬ ‫عند الئمّة الربعة ‪ ،‬فإنّ الحكم ينقص إذا خالف الكتاب أو ال ّ‬ ‫وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح ( فتوى وقضاء ) ‪.‬‬ ‫أقسام المنكر ‪:‬‬ ‫‪ - 34‬المنكر على ثلثة أقسام ‪ :‬أحدها ‪ :‬ما كان من حقوق اللّه تعالى ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما كان من‬ ‫حقوق الدميّين ‪ .‬والثّالث ‪ :‬ما كان مشتركا بين الحقّين ‪ .‬فأمّا النّهي عنها في حقوق اللّه‬ ‫تعالى فعلى أقسام ‪ :‬أحدها ‪ :‬ما تعلّق بالعقائد ‪ .‬والثّاني ‪ :‬ما تعلّق بالعبادات ‪ .‬والثّالث ‪ :‬ما‬ ‫تعلّق بالمحظورات ‪ .‬والرّابع ‪ :‬ما تعلّق بالمعاملت ‪ .‬فأمّا المتعلّق بالعقائد فإنّ الحقّ فيها هو‬ ‫ص خصائصهم أنّهم يتّبعون أمّ‬ ‫سنّة والجماعة ‪ .‬ومن أخ ّ‬ ‫جملة ما عليه أهل الحديث وأهل ال ّ‬ ‫الكتاب ويتركون المتشابه ‪ ،‬وأمّ الكتاب يعمّ ما هو من الصول العتقاديّة والعمليّة ‪ .‬وأمّا‬ ‫المتعلّق بالعبادات فكالقاصد مخالفة هيئتها المشروعة والمتعمّد تغيير أوصافها المسنونة ‪ ،‬مثل‬ ‫أن يقصد الجهر في صلة السرار ‪ ،‬والسرار في صلة الجهر ‪ ،‬أو يزيد في الصّلة أو في‬ ‫الذان أذكارا غير مسنونة ‪ ،‬فللمحتسب إنكارها ‪ ،‬وتأديب المعاند فيها ‪ ،‬إذا لم يقل بما ارتكبه‬ ‫إمام متبوع ‪ .‬وأمّا ما تعلّق بالمحظورات فهو أن يمنع النّاس من مواقف الرّيب ومظانّ التّهمة‬ ‫‪ ،‬فقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك } فيقدّم النكار ول‬ ‫يعجّل بالتّأديب قبل النكار ‪ .‬وأمّا ما تعلّق بالعاملت المنكرة كالرّبا والبيوع الفاسدة ‪ ،‬وما‬ ‫منع الشّرع منه مع تراضي المتعاقدين به إذا كان متّفقا على حظره ‪ ،‬فعلى والي الحسبة‬ ‫إنكاره والمنع منه والزّجر عليه ‪ .‬وأمّا ما اختلف الفقهاء في حظره وإباحته فل مدخل له في‬ ‫إنكاره إلّ أن يكون بما ضعف الخلف فيه وكان ذريعة إلى محظور متّفق عليه ‪ ،‬كربا النّقد ‪،‬‬ ‫فالخلف فيه ضعيف ‪ ،‬وهو ذريعة إلى ربا النّساء المتّفق على تحريمه ‪ .‬وممّا هو عمدة‬

‫نظره المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصّنجات ‪ ،‬وله الدب عليه‬ ‫والمعاقبة فيه ‪ .‬ويجوز له إذا استراب بموازين أهل السّوق ومكاييلهم أن يختبرها ويعايرها ‪،‬‬ ‫ولو كان على ما عايره منها طابع معروف بين العامّة ل يتعاملون إلّ به كان أحوط وأسلم ‪.‬‬ ‫فإن فعل ذلك وتعامل قوم بغير ما طبع عليه طابعه توجّه النكار عليهم ‪ -‬إن كان مبخوسا ‪-‬‬ ‫من وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬لمخالفته في العدول عن مطبوعه وإنكاره من الحقوق السّلطانيّة ‪.‬‬ ‫والثّاني ‪ :‬للبخس والتّطفيف وإنكاره من الحقوق الشّرعيّة ‪ ،‬فإن كان ما تعاملوا به من غير‬ ‫المطبوع سليما من بخس ونقص توجّه النكار عليهم بحقّ السّلطنة وحدها لجل المخالفة ‪.‬‬ ‫وإن زوّر قوم على طابعه كان الزّور فيه كالمبهرج على طابع الدّراهم والدّنانير ‪ ،‬فإن قرن‬ ‫ق السّلطنة من‬ ‫التّزوير بغشّ كان النكار عليه والتّأديب مستحقّا من وجهين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬في ح ّ‬ ‫جهة التّزوير ‪ .‬والثّاني ‪ :‬من جهة الشّرع في الغشّ وهو أغلظ النّكرين ‪ ،‬وإن سلم التّزوير‬ ‫ش تفرّد بالنكار لحقّ السّلطنة خاصّة‬ ‫من غ ّ‬ ‫وأمّا الحسبة في حقوق الدميّين المحضة ‪ :‬فمنها ما يتعلّق بالجيران مثل أن يتعدّى رجل في‬ ‫حدّ لجاره ‪ ،‬أو في حريم لداره ‪ ،‬أو في وضع أجذاع على جداره ‪ ،‬فل اعتراض للمحتسب‬ ‫ح منه العفو عنه والمطالبة به ‪ ،‬فإن خاصمه‬ ‫فيه ما لم يستعده الجار ‪ ،‬لنّه حقّ يخصّه يص ّ‬ ‫إلى المحتسب نظر فيه ما لم يكن بينهما تنازع وتناكر ‪ ،‬وأخذ المتعدّي بإزالة تعدّيه ‪ ،‬وكان‬ ‫تأديبه عليه بحسب شواهد الحال ‪ .‬ومنها ما يتعلّق بأرباب المهن والصّناعات وهم ثلثة‬ ‫أصناف ‪ :‬منهم من يراعى عمله في الوفور والتّقصير ‪ .‬ومنهم من يراعى حاله في المانة‬ ‫والخيانة ‪ .‬ومنهم من يراعى عمله في الجودة والرّداءة ‪ .‬فأمّا من يراعى عمله في الوفور‬ ‫ن للطّبيب إقداما على النّفوس يفضي التّقصير فيه إلى تلف‬ ‫والتّقصير فكالطّبيب والمعلّمين ‪ ،‬ل ّ‬ ‫أو سقم ‪ ،‬وللمعلّمين من الطّرائق الّتي ينشأ الصّغار عليها ما يكون نقلهم عنه بعد الكبر‬ ‫عسيرا ‪ ،‬فيقرّ منهم من توفّر علمه وحسنت طريقته ‪ ،‬ويمنع من قصّر وأساء ‪ .‬وأمّا من‬ ‫صبّاغين ‪ ،‬لنّهم ربّما‬ ‫يراعى حاله في المانة والخيانة فمثل الصّاغة والحاكة والقصّارين وال ّ‬ ‫هربوا بأموال النّاس ‪ ،‬فيراعي أهل الثّقة والمانة منهم فيقرّهم ‪ ،‬ويبعد من ظهرت خيانته ‪.‬‬ ‫وأمّا من يراعى عمله في الجودة والرّداءة ممّا يتعلّق بفساد العمل ورداءته وإن لم يكن فيه‬ ‫مستعديا ‪ ،‬وإمّا في عمل مخصوص اعتاد الصّانع فيه الفساد والتّدليس ‪ ،‬فإذا استعداه الخصم‬ ‫قابل عليه بالنكار والزّجر ‪ ،‬فإن تعلّق بذلك غرم روعي حال الغرم ‪ ،‬فإن افتقر إلى تقدير أو‬ ‫تقويم لم يكن للمحتسب أن ينظر فيه لفتقاره إلى اجتهاد حكميّ ‪ ،‬وكان القاضي بالنّظر فيه‬ ‫أحقّ ‪ ،‬وإن لم يفتقر إلى تقدير ول تقويم واستحقّ فيه المثل الّذي ل اجتهاد فيه ول تنازع ‪،‬‬

‫فللمحتسب أن ينظر فيه بإلزام الغرم والتّأديب على فعله ‪ ،‬لنّه أخذ بالتّناصف وزجر عن‬ ‫التّعدّي ‪.‬‬ ‫وأمّا الحسبة في الحقوق المشتركة بين حقوق اللّه وحقوق الدميّين ‪ :‬فكالمنع من الشراف‬ ‫على منازل النّاس ‪ ،‬ول يلزم من عل بناؤه أن يستر سطحه وإنّما يلزم أن ل يشرف على‬ ‫غيره ‪ .‬وإذا كان في أئمّة المساجد السّابلة والجوامع الحافلة من يطيل الصّلة حتّى يعجز‬ ‫الضّعفاء وينقطع بها ذوو الحاجات أنكر ذلك ‪ ،‬وإذا كان في القضاة من يحجب الخصوم إذا‬ ‫قصدوه بمنع النّظر بينهم إذا تحاكموا إليه حتّى تقف الحكام ويتضرّر الخصوم فللمحتسب‬ ‫النكار عليه مع ارتفاع العذار ‪ ،‬ول يمنع علوّ رتبته من إنكار ما قصّر فيه ‪ .‬وإن كان في‬ ‫أرباب المواشي من يستعملها فيما ل تطيق الدّوام عليه أنكره المحتسب عليهم ومنعهم منه ‪.‬‬ ‫وللمحتسب أن يمنع أرباب السّفن من حمل ما ل تسعه ويخاف منه غرقها ‪ ،‬وكذلك يمنعهم‬ ‫من المسير عند اشتداد الرّيح ‪ ،‬وإذا حمل فيها الرّجال والنّساء حجز بينهم بحائل ‪ ،‬وإذا كان‬ ‫في أهل السواق من يختصّ بمعاملة النّساء راعى المحتسب سيرته وأمانته فإذا تحقّق منه‬ ‫أقرّه على معاملتهنّ ‪ .‬وإن بنى قوم في طريق سابل منع منه ‪ ،‬وإن اتّسع له الطّريق ‪،‬‬ ‫ويأخذهم بهدم ما بنوه ‪ .‬ولو كان المبنيّ مسجدا ‪ ،‬لنّ مرافق الطّريق للسّلوك ل للبنية ‪،‬‬ ‫ويجتهد المحتسب ‪ ،‬وإذا وضع النّاس المتعة وآلت البنية في مسالك الشّوارع والسواق‬ ‫ارتفاعا لينقلوه حال بعد حال مكّنوا منه إن لم يستض ّر به المارّة ‪ .‬ومنعوا منه إن استضرّوا‬ ‫به ‪ .‬وهكذا القول في إخراج الجنحة والسبطة ومجاري المياه يقرّ ما ل يضرّ ويمنع ما‬ ‫ضرّ ‪ ،‬ويجتهد رأيه فيما ضرّ ل يضرّ ‪ ،‬لنّه من الجتهاد العرفيّ دون الشّرعيّ ‪ .‬ولوالي‬ ‫الحسبة أن يمنع من نقل الموتى من قبورهم إذا دفنوا في ملك أو مباح إلّ من أرض مغصوبة‬ ‫فيكون لمالكها أن يأخذ من دفنه فيها بنقله منها ‪ .‬ويمنع من خصاء الدميّين والبهائم ويؤدّب‬ ‫عليه وإن استحقّ فيه قود أو دية استوفاه لمستحقّه ما لم يكن فيه تنازع وتناكر ‪ .‬ويمنع من‬ ‫التّكسّب بالكهانة واللّهو ‪ ،‬ويؤدّب عليه الخذ والمعطي ‪.‬‬ ‫الرّكن الثّالث ‪ :‬المحتسب عليه ‪:‬‬ ‫‪ - 35‬المحتسب عليه هو المأمور بالمعروف والمنهيّ عن المنكر وشرطه أن يكون ملبسا‬ ‫لمفسدة واجبة الدّفع ‪ ،‬أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول وقال الغزاليّ ‪ :‬وشرطه أن يكون‬ ‫بصفة مصير الفعل الممنوع في حقّه منكرا ‪ ،‬ول يشترط كونه مكلّفا ‪ ،‬ول يشترط في‬ ‫المأمور والمنهيّ أن يكونا عاصيين ‪ .‬ولهذا أمثلة تقدّمت في معنى المنكر والمراد منه ‪.‬‬ ‫أوّل ‪ -‬الحتساب على الصّبيان ‪:‬‬

‫‪ - 36‬صرّح ابن حجر الهيتميّ بالوجوب ‪ ،‬ونقل عن الئمّة أنّه يجب إنكار الصّغيرة والكبيرة‬ ‫‪ ،‬بل لو لم يكن الفعل معصية لخصوص الفاعل ‪ ،‬كمنع الصّغير والمجنون عن شرب الخمر‬ ‫والزّنى ‪ .‬ورجّح ابن مفلح والسّفارينيّ الوجوب عند ابن الجوزيّ ‪ ،‬ورجّح الحجّاويّ‬ ‫ب النكار على الولد الّذين دون البلوغ سواء أكانوا ذكورا أم إناثا‬ ‫الستحباب وقال ‪ :‬يستح ّ‬ ‫تأديبا لهم وتعليما ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬الحتساب على الوالدين ‪:‬‬ ‫ن النّصوص الواردة في المر والنّهي‬ ‫‪ - 37‬أجمع الفقهاء على أنّ للولد الحتساب عليهما ‪ ،‬ل ّ‬ ‫مطلقة تشمل الوالدين وغيرهما ‪ ،‬ولنّ المر والنّهي لمنفعة المأمور والمنهيّ ‪ ،‬والب والمّ‬ ‫أحقّ أن يوصل الولد إليهما المنفعة ولكن ل يتجاوز مرتبتي التّعرّف والتّعريف ‪ ،‬وقد اختلف‬ ‫الفقهاء فيما يجاوز ذلك بحيث يؤدّي إلى سخطهما بأن يكسر مثل عودا ‪ ،‬أو يريق خمرا ‪ ،‬أو‬ ‫يحلّ الخيوط عن ثيابه المنسوجة من الحرير ‪ ،‬أو يردّ ما يجده في بيتهما من المال الحرام ‪.‬‬ ‫وذهب الغزاليّ إلى أنّ للولد فعل ذلك لنّ هذه الفعال ل تتعلّق بذات الب ‪ .‬فسخط الب في‬ ‫هذه الحالة منشؤه حبّه للباطل وللحرام ‪ .‬وذهب آخرون إلى عدم جواز ذلك وهو مذهب‬ ‫الحنفيّة ونقله القرافيّ عن مالك وهو أيضا مذهب أحمد ‪ .‬قال صاحب نصاب الحتساب ‪:‬‬ ‫سنّة في أمر الوالدين بالمعروف أن يأمرهما به مرّة فإن قبل فبها ‪ ،‬وإن كرها سكت‬ ‫ال ّ‬ ‫عنهما ‪ ،‬واشتغل بالدّعاء والستغفار لهما ‪ ،‬فإنّه تعالى يكفيه ما يهمّه من أمرهما ‪ .‬وقال في‬ ‫موضع آخر ‪ :‬يجوز للولد أن يخبر المحتسب بمعصية والديه إذا علم الولد أن أبويه ل‬ ‫يمتنعان بموعظته ‪ .‬ونقل القرافيّ عن مالك أنّ الوالدين يؤمران بالمعروف وينهيان عن‬ ‫المنكر ويخفض لهما في ذلك جناح الذّلّ من الرّحمة ‪ .‬وروي عن أحمد مثل ذلك ‪ ،‬وفي‬ ‫رواية حنبل إذا رأى أباه على أمر يكرهه يكلّمه بغير عنف ول إساءة ‪ ،‬ول يغلّظ له في‬ ‫الكلم ‪ ،‬وليس الب كالجنبيّ ‪ ،‬وفي رواية يعقوب بن يوسف إذا كان أبواه يبيعان الخمر لم‬ ‫يأكل من طعامهما ‪ ،‬وخرج عنهما ‪ .‬أمّا الحتساب بالتّعنيف والضّرب والرهاق إلى ترك‬ ‫ن المر بالمعروف والنّهي‬ ‫ي يتّفق مع غيره في المنع منه حيث قال ‪ :‬إ ّ‬ ‫ن الغزال ّ‬ ‫الباطل ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫عن المنكر ورد عامّا ‪ ،‬وأمّا النّهي عن إيذاء البوين فقد ورد خاصّا في حقّهما ممّا يوجب‬ ‫ن الجلّاد ليس له أن يقتل أباه في الزّنى حدّا ‪،‬‬ ‫استثناءهما من ذلك العموم ‪ ،‬إذ ل خلف في أ ّ‬ ‫ول له أن يباشر إقامة الحدّ عليه ‪ ،‬بل ل يباشر قتل أبيه الكافر ‪ ،‬بل لو قطع يده لم يلزم‬ ‫قصاص ‪ ،‬ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته ‪ ،‬فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حقّ على جناية‬ ‫سابقة ‪ ،‬فل يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقّعة بل أولى وترخّص ابن‬ ‫شدّة ‪.‬‬ ‫حجر في حالة الضطرار مجاوزة الرّفق إلى ال ّ‬

‫ثالثا ‪ -‬احتساب التّلميذ على الشّيخ ‪ ،‬والزّوجة على زوجها ‪ ،‬والتّابع على المتبوع ‪:‬‬ ‫ن هذا‬ ‫ل منه وقال ‪ :‬اعلم أ ّ‬ ‫‪ - 38‬عقد النّوويّ في الذكار بابا في وعظ النسان من هو أج ّ‬ ‫الباب ممّا تتأكّد العناية به ‪ ،‬فيجب على النسان النّصيحة ‪ ،‬والوعظ ‪ ،‬والمر بالمعروف‬ ‫ل صغير وكبير ‪ ،‬إذا لم يغلب على ظنّه ترتّب مفسدة على وعظه ‪.‬‬ ‫والنّهي عن المنكر لك ّ‬ ‫وألحق المام الغزاليّ الزّوجة بالنّسبة لزوجها بالولد بالنّسبة لبيه ‪ .‬وقال في باب ما يقوله‬ ‫التّابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه ‪ :‬اعلم أنّه يستحبّ للتّابع إذا رأى شيخه وغيره ممّن‬ ‫يقتدي به شيئا في ظاهره مخالفة المعروف أن يسأله عنه بنيّة السترشاد ‪ ،‬فإن كان فعله ناسيا‬ ‫تداركه ‪ ،‬وإن فعله عامدا وهو صحيح في نفس المر بيّنه له ‪ ،‬وأورد جملة آثار في ذلك ‪.‬‬ ‫ن المحترم هو الستاذ المفيد للعلم من‬ ‫وللمام الغزاليّ تفصيل ‪ ،‬فبعد أن قرّر كأصل عامّ أ ّ‬ ‫حيث الدّين ‪ ،‬ول حرمة لعالم ل يعمل بعلمه ويعامله بموجب علمه الّذي تعلّمه منه ‪ .‬قال‬ ‫بسقوط الحسبة على المتعلّم إذا لم يجد إلّ معلّما واحدا ول قدرة له على الرّحلة إلى غيره ‪،‬‬ ‫ن المحتسب عليه قادر على أن يسدّ عليه طريق الوصول إليه ‪ ،‬ككون العالم مطيعا له‬ ‫وعلم أ ّ‬ ‫أو مستمعا لقوله ‪ ،‬فالصّبر على الجهل محذور ‪ ،‬والسّكوت على المنكر محذور ‪ ،‬ول يبعد أن‬ ‫يرجّح أحدهما ويختلف ذلك بتفاحش المنكر وشدّة الحاجة إلى العلم لتعلّقه بمهمّات الدّين ‪.‬‬ ‫وناط الحتساب وتركه باجتهاد المحتسب حتّى يستفتي فيها قلبه ‪ ،‬ويزن أحد المحذورين‬ ‫بالخر ويرجّح بنظر الدّين ل بموجب الهوى والطّبع ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ -‬احتساب الرّعيّة على الئمّة والولة ‪:‬‬ ‫‪ - 39‬أجمع الفقهاء على وجوب طاعة الئمّة والولة في غير معصية ‪ ،‬وعلى تحريمها في‬ ‫ن الجائز في الحسبة من الرّعيّة على الئمّة والولة رتبتان ‪:‬‬ ‫المعصية ويرى الغزاليّ أ ّ‬ ‫شرّ ‪ ،‬ويكون ما يتولّد منه من‬ ‫التّعريف والوعظ ‪ ،‬أمّا ما تجاوز ذلك فإنّه يحرّك الفتنة ويهيّج ال ّ‬ ‫ل على نفسه فهو جائز عند جمهور‬ ‫المحذور أكثر ‪ .‬وزاد ابن الجوزيّ ‪ :‬وإن لم يخف إ ّ‬ ‫الفقهاء ‪.‬‬ ‫خامسا ‪ -‬الحتساب على أهل ال ّذمّة ‪:‬‬ ‫‪ - 40‬أهل ال ّذمّة عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم اللّه ورسوله ‪ ،‬إذ هم مقيمون‬ ‫في الدّار الّتي يجري فيها حكم اللّه ورسوله بخلف أهل الهدنة فإنّهم صالحوا المسلمين على‬ ‫أن يكونوا في دارهم ‪ ،‬ول تجري عليهم أحكام السلم ‪ ،‬وبخلف المستأمنين فإنّ إقامتهم في‬ ‫بلد المسلمين من غير استيطان لها ‪ ،‬ولذلك كان لهل ال ّذمّة أحكام تخصّهم دون هؤلء ‪.‬‬ ‫ل ما‬ ‫ومن هذه الحكام أنّهم إن أقاموا مع المسلمين في مصر واحد فإنّه يحتسب عليهم في ك ّ‬

‫يحتسب فيه على المسلمين ‪ ،‬ولكن ل يتعرّض لهم فيما ل يظهرونه في كلّ ما اعتقدوا حلّه‬ ‫في دينهم ممّا ل أذى للمسلمين فيه من الكفر وشرب الخمر واتّخاذه ‪ ،‬ونكاح ذوات المحارم ‪،‬‬ ‫فل تعرّض لهم فيما التزمنا تركه ‪ ،‬وما أظهروه من ذلك تعيّن إنكاره عليهم ‪ ،‬ويمنعون من‬ ‫إظهار ما يحرم على المسلمين ‪ .‬وإذا انفردوا في مصرهم فل يمنعون من إظهار ذلك ‪،‬‬ ‫وكذلك في القرى ‪ ،‬ولو كان من بين سكّانها مسلمون ‪ ،‬لنّها ليست بموضع إعلم الدّين من‬ ‫إقامة الجمعة والعياد وإقامة الحدود وتنفيذ الحكام ‪ .‬وإذا أظهروا شيئا من الفسق في قراهم‬ ‫ن هذا ليس بديانة منهم ‪،‬‬ ‫ممّا لم يصالحوا عليه مثل الزّنى وإتيان الفواحش منعوا منه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ولكنّه فسق في الدّيانة فإنّهم يعتقدون حرمة ذلك كما يعتقده المسلمون ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬ ‫مصطلح " أهل ال ّذمّة » ‪.‬‬ ‫الرّكن الرّابع ‪ :‬في الحتساب ومراتبه ‪:‬‬ ‫‪ - 41‬القيام بالحسبة ‪ -‬وهو المر بالمعروف والنّهي عن المنكر ‪ -‬من أعظم الواجبات وأهمّ‬ ‫المحتسبات ذكره اللّه في كتابه مرّات كثيرة وامتدحه فيه بأساليب عديدة ‪ ،‬وكان حظّه مع ذلك‬ ‫سنّة أوفر وذكره فيها أكثر ‪ ،‬وذلك لعظم ما يترتّب عليه من مصالح ‪ ،‬وما يدرأ به من‬ ‫من ال ّ‬ ‫ل ما أمر به الدّين ‪ ،‬وحكمة كلّ ما نهى عنه ‪ .‬والمعتبر في ذلك هو‬ ‫مفاسد ‪ ،‬وذلك أساس ك ّ‬ ‫رجحان أحد النّوعين على الخر إذ ل يخلو كلّ أمر ونهي من مصلحة يحقّقها ومفسدة يترتّب‬ ‫عليه ‪ ،‬فإذا رجحت المصلحة أمر به ‪ ،‬وإذا رجحت المفسدة نهى عنه ‪ .‬كان كلّ من المر‬ ‫والنّهي في هذه الحال مشروعا وطاعة مطلوبة ‪ ،‬وكان تركها ‪ ،‬أو وضع أحدهما موضع‬ ‫ب الفساد ‪.‬‬ ‫ن مغبّة ذلك الفساد واللّه ل يح ّ‬ ‫الخر عصيانا وأمرا محرّما مطلوبا تركه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫مراتب الحتساب ‪ :‬ذكر بعض العلماء في مراتب التّغيير ما يمكن إيجازه فيما يلي ‪:‬‬ ‫‪ - 42‬النّوع الوّل ‪ :‬التّنبيه والتّذكير وذلك فيمن يعلم أنّه يزيل فساد ما وقع لصدور ذلك على‬ ‫غرّة وجهالة ‪ ،‬كما يقع من الجاهل بدقائق الفساد في البيوع ‪ ،‬ومسالك الرّبا الّتي يعلم خفاؤها‬ ‫عنه ‪ ،‬وكذلك ما يصدر من عدم القيام بأركان الصّلة وشروط العبادات فينبّهون بطريق ‪.‬‬ ‫التّلطّف والرّفق والستمالة ‪ - 43 .‬النّوع الثّاني ‪ :‬الوعظ والتّخويف من اللّه ويكون ذلك لمن‬ ‫عرف أنّه قد اقترف المنكر وهو عالم به من أنواع المعاصي الّتي ل تخفى على المسلم‬ ‫المكلّف فيتعاهده المحتسب بالعظة والخافة من ربّه ‪ - 44 .‬النّوع الثّالث ‪ :‬الزّجر والتّأنيب‬ ‫شدّة في التّهديد والنكار ‪ ،‬وذلك فيمن ل ينفع فيه وعظ‬ ‫والغلظ بالقول والتّقريع باللّسان وال ّ‬ ‫‪ ،‬ول ينجح في شأنه تحذير برفق ‪ ،‬بل يظهر عليه مبادئ الصرار على المنكر والستهزاء‬ ‫بالعظة ‪ ،‬ويكون ذلك بما ل يعدّ فحشا في القول ول إسرافا فيه خاليا من الكذب ‪ ،‬ومن أن‬ ‫ينسب إلى من نصحه ما ليس فيه مقتصرا على قدر الحاجة حتّى ل يكون من نتيجته إصرار‬

‫واستكبار ‪ - 45 .‬النّوع الرّابع ‪ :‬التّغيير باليد بإزالة ذلك المنكر وذلك فيمن كان حامل الخمر‬ ‫‪ ،‬أو ماسكا لمال مغصوب ‪ ،‬وعينه قائمة بيده ‪ ،‬وربّه متظلّم من بقاء ذلك بيده ‪ ،‬طالب رفع‬ ‫المنكر في بقائه تحت حوزه وتصرّفه ‪ ،‬فأمثال هذا ل بدّ فيه من الزّجر والغلظ من‬ ‫المباشرة للزالة باليد ‪ ،‬أو ما يقوم مقام اليد كأمر العوان الممتثلين أمر المغيّر في إزالة‬ ‫المنكر ‪ - 46 .‬النّوع الخامس ‪ :‬إيقاع العقوبة بالنّكال والضّرب ‪ .‬وذلك فيمن تجاهر بالمنكر‬ ‫وتلبّس بإظهاره ولم يقدر على دفعه إلّ بذلك ‪ - 47 .‬النّوع السّادس ‪ :‬الستعداء ورفع المر‬ ‫إلى الحاكم والمام لما له من عموم النّظر ونفوذ الكلمة ‪ ،‬ما لم تدع الضّرورة لترك النّصرة‬ ‫به لما يخشى من فوات التّغيير ‪ ،‬فيجب قيام المحتسب بما تدعو إليه الحاجة في الحال ‪- 48 .‬‬ ‫ن للمحتسب أن يتّخذ ما يلزمه من أمور الحسبة بما يرى فيه صلح‬ ‫وقد ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫ل معصية ل‬ ‫الرّعيّة ‪ ،‬وزجر المفسدين ‪ ،‬وله في سبيل ذلك ‪ -‬بوجه خاصّ ‪ -‬التّعزير في ك ّ‬ ‫حدّ فيها ول كفّارة ‪ ،‬ممّا ل يدخل في اختصاص القاضي ‪ ،‬ويكون التّعزير بالضّرب ‪ ،‬أو‬ ‫الحبس ‪ ،‬أو التلف ‪ ،‬أو القتل أو النّفي ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح " تعزير » ‪.‬‬ ‫خطأ المحتسب وما يترتّب عليه من الضّمان " ضمان الولة " ‪:‬‬ ‫ل من اقترف شيئا من المعاصي‬ ‫‪ - 49‬المحتسب مأمور بإزالة المنكر ‪ ،‬فله أن يحتسب على ك ّ‬ ‫وأن يعاقبه عليها بما يراه مناسبا ‪ ،‬وقد يحدث أثناء ذلك تجاوز في العقوبة ‪ ،‬فيتسبّب عنه‬ ‫تلف في المال أو في البدن فهل يضمن شيئا من ذلك ؟ اختلف الفقهاء في حكم التّجاوز في‬ ‫إتلف المال على الوجه التي ‪ :‬ذهب الحنفيّة وأحمد في إحدى الرّوايات عنه إلى عدم‬ ‫الضّمان مطلقا وقال الحنابلة ‪ :‬ل ضمان في إتلف خمر وخنزير ‪ ،‬وكذا لو كسر صليبا أو‬ ‫مزمارا أو طنبورا أو صنما ‪ .‬للنّهي عن بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام ‪ .‬ولحديث ‪:‬‬ ‫{ بعثت بمحق القينات والمعازف } وقال صاحب المغني ‪ :‬وفي كسر آنية الخمر روايتان ‪.‬‬ ‫وذهب المالكيّة والشّافعيّة وهي الرّواية الخرى عند الحنابلة إلى الضّمان إذا تجاوز المحتسب‬ ‫القدر المحتاج إليه ‪ .‬قال صاحب تحفة النّاظر من المالكيّة ‪ :‬إذا لم يقع التّمكّن من إراقة الخمر‬ ‫إلّ بكسر أنابيبها وتحريق وعائها ‪ ،‬فل ضمان على من فعل ذلك على الوجه المتقدّم في هذا‬ ‫النّوع ‪ ،‬وإن أمكن زوال عينها مع بقاء الوعاء سليما ولم يخف الفاعل مضايقة في الزّمان ول‬ ‫في المكان بتغلّب فاعله مع انتفاء هذه الموانع ضمن قيمته ‪ ،‬إن كان لمثاله قيمة وهو ينتفع‬ ‫في غير الخمر ‪ .‬وقال الغزاليّ ‪ :‬وفي إراقة الخمور يتوقّى كسر الواني إن وجد إليه سبيل‬ ‫وحيث كانت الراقة متيسّرة بل كسر ‪ ،‬فكسرها لزمه الضّمان ‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬الوالي له أن‬ ‫يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه ‪ ،‬وله أن يأمر بكسر الظّروف الّتي فيها الخمر زجرا ‪ ،‬وقد‬ ‫فعل ذلك في زمن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم تأكيدا للزّجر ‪ ،‬ولم يثبت نسخه ‪ ،‬ولكن‬

‫كانت الحاجة إلى الزّجر والفطام شديدة ‪ ،‬فإذا رأى الوالي باجتهاده مثل الحاجة جاز له مثل‬ ‫شقّ‬ ‫ذلك ‪ ،‬وإذا كان هذا منوطا بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لحاد الرّعيّة ‪ - 50 .‬أمّا ال ّ‬ ‫الخر وهو الضّمان في تلف النّفوس بسبب ما يقوم به المحتسب ‪ ،‬فإنّ للفقهاء أقوال في ذلك‬ ‫‪ :‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ من مات من التّعزير لم يجب ضمانه ‪ ،‬لنّها عقوبة مشروعة‬ ‫للرّدع والزّجر ‪ ،‬فلم يضمن من تلف بها كالحدّ ‪ ،‬ولنّه فعل ما فعل بأمر الشّرع ‪ ،‬وفعل‬ ‫ن اللّه أماته‬ ‫المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة ‪ ،‬ولنّه استوفى حقّ اللّه تعالى بأمره ‪ ،‬فصار كأ ّ‬ ‫من غير واسطة فل يجب الضّمان ‪ .‬أمّا المالكيّة فقد قال صاحب التّبصرة ‪ :‬فإن عزّر الحاكم‬ ‫أحدا فمات أو سرى ذلك إلى النّفس فعلى العاقلة ‪ ،‬وكذلك تحمل العاقلة الثّلث فأكثر ‪ ،‬وفي‬ ‫عيون المجالس للقاضي عبد الوهّاب إذا عزّر المام إنسانا فمات في التّعزير لم يضمن‬ ‫ن عدم الضّمان مبنيّ على‬ ‫المام شيئا ل دية ول كفّارة ‪ .‬وذهب المحقّقون من فقهائهم إلى أ ّ‬ ‫ظنّ السّلمة ‪ ،‬فإن شكّ فيها ضمن ما سرى على نفس أو عضو ‪ ،‬وإن ظنّ عدم السّلمة‬ ‫فالقصاص ‪ .‬والشّافعيّ يرى التّضمين في التّعزير إذا حصل به هلك ‪ ،‬لنّه مشروط بسلمة‬ ‫العاقبة ول يعفى من التّعزير إلّ أن يكون الهلك بنحو توبيخ بكلم وصفع فل شيء فيه ول‬ ‫ضمان على من عزّر غيره بإذنه ‪ ،‬ول على من عزّره ممتنعا من أداء حقّ عليه ‪ ،‬وإن أدّى‬ ‫إلى قتله قال الرّمليّ ‪ :‬للحاكم تعزير الممتنع من أداء دين عليه بعد طلب مستحقّه بحبس أو‬ ‫ضرب وإن زاد على التّعزير بل وإن أدّى إلى موته لنّه بحقّ ول ضمان عليه فيه ‪ .‬ول‬ ‫يكون التّعزير بما يقتل غالبا ‪ ،‬فإن ضربه ضربا يقتل غالبا أو بما يقتل غالبا أو قصد قتله‬ ‫وجب القصاص أو دية مغلّظة في ماله ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلحات ‪ ( :‬تعزير ‪ ،‬حدود ‪،‬‬ ‫ضمان ) ‪.‬‬ ‫مقدار الضّمان وعلى من يجب ‪:‬‬ ‫‪ - 51‬وحيث قيل بوجوب الضّمان ففي قدره قولن ‪ :‬الوّل ‪ :‬لزوم كامل الدّية لنّه قتل‬ ‫حصل من جهة اللّه وعدوان الضّارب ‪ ،‬فكان الضّمان على العادي ‪ ،‬كما لو ضرب مريضا‬ ‫سوطا فمات به ‪ ،‬ولنّه تلف بعدوان وغيره فأشبه ما لو ألقى على سفينة موقرة حجرا فغرّقها‬ ‫‪ ،‬وهو قول المالكيّة والحنابلة ‪ .‬والثّاني ‪ :‬عليه نصف الضّمان لنّه تلف بفعل مضمون وغير‬ ‫مضمون ‪ ،‬فكان الواجب نصف الدّية كما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمات وبهذا قال أبو‬ ‫حنيفة والشّافعيّ في أحد قوليه ‪ .‬والقول الخر ‪ :‬يجب من الدّية بقدر ما تعدّى به ‪.‬‬ ‫على من يجب الضّمان ‪:‬‬

‫‪ - 52‬في غير حالت التّعمّد والتّعدّي إذا قلنا يضمن المام فهل يلزم عاقلته أو بيت المال ؟‬ ‫اختلف العلماء على قولين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬هو في بيت المال لنّ خطأه يكثر فلو وجب ضمانه‬ ‫على عاقلته أجحف بهم وهو قول الحنفيّة ورواية عند الحنابلة ‪ .‬والثّانية ‪ :‬على عاقلته لنّها‬ ‫وجبت بخطئه فكانت على عاقلته ‪ ،‬كما لو رمى صيدا فقتل آدميّا ‪ .‬وهو قول المالكيّة‬ ‫والشّافعيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة ‪.‬‬ ‫حسد‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحسد بفتح السّين أكثر من سكونها مصدر حسد ‪ ،‬ومعناه في اللّغة أن يتمنّى الحاسد‬ ‫زوال نعمة المحسود ‪ .‬وأمّا معنى الحسد في الصطلح فل يخرج عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬التّمنّي ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬التّمنّي في اللّغة مأخوذ من المنا ‪ ،‬وهو القدر ‪ ،‬لنّ المتمنّي يقدّر حصول المر ‪،‬‬ ‫والسم المنية ‪ ،‬والمنيّة ‪ .‬وأمّا في الصطلح فهو طلب حصول الشّيء سواء كان ممكنا أو‬ ‫ي في المنثور ‪.‬‬ ‫ممتنعا ‪ ،‬والعلقة بينه وبين الحسد هي أنّ الحسد نوع منه كما ذكر الزّركش ّ‬ ‫ب الحقد ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الحقد في اللّغة النطواء على العداوة والبغضاء ‪ ،‬وهو مأخوذ من حقد من باب ضرب ‪،‬‬ ‫وفي لغة من باب تعب وجمعه أحقاد ‪ .‬وفي الصطلح طلب النتقام وتحقيقه أنّ الغضب إذا‬ ‫لزم كظمه لعجز عن التّشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا ‪ .‬وسوء‬ ‫ن الحقد‬ ‫الظّنّ في القلب على الخلئق لجل العداوة فهو ثمرة الغضب ‪ ،‬والحسد ثمرته ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يثمر ثمانية أمور من بينها الحسد ‪ ،‬وبيان ذلك كما جاء في الحياء أنّ الحقد يخمل صاحبه‬ ‫على تمنّي زوال النّعمة عن عدوّه فيغتمّ بالنّعمة الّتي تصيبه ويسرّ بالمصيبة الّتي تنزل به ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الشّماتة ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الشّماتة في اللّغة الفرح بما ينزل بالغير من المصائب ‪ ،‬والشّماتة والحسد يتلزمان ‪،‬‬ ‫ن الحسود يفرح بمصائب الغير ‪.‬‬ ‫لّ‬ ‫د ‪ -‬عين ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬المراد بها هنا الصابة بالعين الّتي يسمّى صاحبها عائنا ‪ ،‬يقال تعيّن الرّجل المال إذا‬ ‫أصابه بعين ‪ ،‬وعنت الرّجل أصبته بعيني ‪ ،‬فأنا عائن وهو معين ومعيون ‪ .‬والحاسد والعائن‬ ‫ن كلّا منهما تتكيّف نفسه وتتوجّه نحو من تريد أذاه ‪ ،‬إلّ أنّ العائن تتكيّف نفسه‬ ‫يشتركان في أ ّ‬ ‫عند مقابلة العين والمعاينة ‪ ،‬والحاسد يحصل جسده في الغيبة والحضور ‪ ،‬وأيضا العائن قد‬

‫ك من حسد مالكه ‪ .‬قال ابن القيّم ‪ :‬الحسد‬ ‫تزال ما ل يحسده من حيوان وزرع وإن كان ل ينف ّ‬ ‫أصل الصابة بالعين ‪ .‬وقد تزال الرّجل نفسه ‪ ،‬وقد تزال بغير إرادته بل بطبعه وهذا أردأ ما‬ ‫يكون من النّوع النسانيّ ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬الغبطة ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬الغبطة تسمّى حسدا مجازا ‪ ،‬ومعناها في اللّغة حسن الحال ‪ ،‬وهي اسم من غبطته غبطا‬ ‫من باب ضرب إذا تمنّيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه لما أعجبك منه وعظم‬ ‫عندك ‪ .‬وأمّا معناها في الصطلح فهو كمعناها في اللّغة ‪ ،‬أي أن يتمنّى أن يكون له مثل‬ ‫ما لغيره من غير أن يزول عنه ‪ ،‬والحرص على هذا يسمّى منافسة ‪ ،‬فإن كان في الطّاعة‬ ‫فهو محمود ‪ ،‬وإن كان في المعصية فهو مذموم ‪ ،‬وإن كان في الجائزات فهو مباح ‪.‬‬ ‫أسباب الحسد ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬سبب الحسد أنّ الطّباع مجبولة على حبّ التّرفّع على الجنس ‪ ،‬فإذا رأى لغيره ما ليس‬ ‫ي في الحياء‬ ‫له أحبّ أن يزول ذلك عنه إليه ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه ‪ .‬وذكر الغزال ّ‬ ‫ن من‬ ‫سبعة أسباب للحسد ‪ :‬السّبب الوّل ‪ :‬العداوة والبغضاء ‪ ،‬وهذا أشدّ أسباب الحسد ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫آذاه شخص بسبب من السباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه ‪ ،‬وغضب‬ ‫عليه ‪ ،‬ورسخ في نفسه الحقد ‪ .‬والحقد يقتضي التّشفّي والنتقام فإن عجز عن أن يتشفّى‬ ‫ب أن يتشفّى منه الزّمان ‪ .‬السّبب الثّاني ‪ :‬التّعزّز ‪ ،‬وهو أن يثقل عليه أن يترفّع‬ ‫بنفسه أح ّ‬ ‫عليه غيره ‪ ،‬فإذا أصاب بعض أمثاله ولية أو علما أو مال خاف أن يتكبّر عليه ‪ ،‬وهو ل‬ ‫يطيق تكبّره ‪ ،‬ول تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه ‪ ،‬وليس من غرضه أن يتكبّر ‪،‬‬ ‫بل غرضه أن يدفع كبره ‪ ،‬فإنّه قد رضي بمساواته مثل ‪ ،‬ولكن ل يرضى بالتّرفّع عليه ‪.‬‬ ‫السّبب الثّالث ‪ :‬الكبر ‪ ،‬وهو أن يكون في طبعه أن يتكبّر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقّع‬ ‫منه النقياد له والمتابعة في أغراضه ‪ ،‬ومن التّكبّر والتّعزّز كان حسد أكثر الكفّار لرسول‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم إذ قالوا ‪ :‬كيف يتقدّم علينا غلم يتيم وكيف نطأطئ رءوسنا له فقالوا‬ ‫‪ { :‬لول نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } السّبب الرّابع ‪ :‬التّعجّب ‪ ،‬كما أخبر‬ ‫اللّه تعالى عن المم السّالفة إذ قالوا ‪ { :‬ما أنتم إلّ بشر مثلنا } ‪ .‬وقالوا ‪ { :‬أنؤمن لبشرين‬ ‫مثلنا } ‪ { -‬ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنّكم إذا لخاسرون } ‪ ،‬فتعجّبوا من أن يفوز برتبة الرّسالة‬ ‫والوحي والقرب من اللّه تعالى بشر مثلهم ‪ ،‬فحسدوهم ‪ ،‬وأحبّوا زوال النّبوّة عنهم جزعا أن‬ ‫يفضّل عليهم من هو مثلهم في الخلقة ‪ ،‬ل عن قصد تكبّر ‪ ،‬وطلب رئاسة ‪ ،‬وتقدّم عداوة ‪،‬‬ ‫أو سبب آخر من سائر السباب ‪ .‬السّبب الخامس ‪ :‬الخوف من فوت المقاصد وذلك يختصّ‬ ‫ل واحد يحسد صاحبه في كلّ نعمة تكون عونا له في‬ ‫بمتزاحمين على مقصود واحد ‪ ،‬فإنّ ك ّ‬

‫النفراد بمقصوده ‪ ،‬ومن هذا الجنس تحاسد الضّرائر في التّزاحم على مقاصد الزّوجيّة ‪،‬‬ ‫ب الرّئاسة‬ ‫وتحاسد الخوة في التّزاحم على نيل المنزلة في قلب البوين ‪ .‬السّبب السّادس ‪ :‬ح ّ‬ ‫وطلب الجاه لنفسه من غير توصّل به إلى مقصود ‪ ،‬وذلك كالرّجل الّذي يريد أن يكون عديم‬ ‫النّظير في فنّ من الفنون إذا غلب عليه حبّ الثّناء واستفزّه الفرح بما يمدح به ‪ ،‬فإنّه لو سمع‬ ‫ب موته ‪ ،‬أو زوال النّعمة عنه ‪ .‬السّبب السّابع ‪:‬‬ ‫بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك ‪ ،‬وأح ّ‬ ‫خبث النّفس وشحّها بالخير لعباد اللّه تعالى ‪ ،‬فإنّك تجد من ل يشتغل برياسة وتكبّر ول طلب‬ ‫ق ذلك‬ ‫مال ‪ ،‬إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد اللّه تعالى فيما أنعم اللّه به عليه يش ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬وإذا وصف له اضطراب أمور النّاس ‪ ،‬وإدبارهم ‪ ،‬وفوات مقاصدهم ‪ ،‬وتنغّص‬ ‫عيشهم فرح به ‪ ،‬فهو أبدا يحبّ الدبار لغيره ‪ ،‬ويبخل بنعمة اللّه على عباده كأنّهم يأخذون‬ ‫ذلك من ملكه وخزائنه ‪.‬‬ ‫أقسام الحسد ‪:‬‬ ‫ن الحسد قسمان ‪ :‬أحدهما حقيقيّ ‪ :‬وهو أن يتمنّى زوال‬ ‫‪ - 8‬ذكر النّوويّ في شرح مسلم أ ّ‬ ‫النّعمة عن صاحبها ‪ .‬والثّاني مجازيّ ‪ :‬وهو أن يتمنّى مثل النّعمة الّتي عند غيره من غير‬ ‫زوالها عن صاحبها وهو المسمّى بالغبطة ‪.‬‬ ‫مراتب الحسد ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬مراتب الحسد أربعة ‪ :‬الولى ‪ :‬أن يحبّ الحاسد زوال النّعمة عن المحسود ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ذلك ل ينتقل إليه ‪ ،‬وهذا غاية الخبث ‪ .‬الثّانية ‪ :‬أن يحبّ زوال النّعمة عن المحسود إليه‬ ‫لرغبته في تلك النّعمة ‪ ،‬مثل رغبته في دار حسنة ‪ ،‬أو امرأة جميلة ‪ ،‬أو ولية نافذة ‪ ،‬أو‬ ‫سعة نالها غيره وهو يحبّ أن تكون له ومطلوبه تلك النّعمة ل زوالها عنه ‪ ،‬ومكروهه فقد‬ ‫النّعمة ل تنعّم غيره بها ‪ .‬الثّالثة ‪ :‬أن ل يشتهي الحاسد عين النّعمة لنفسه بل يشتهي مثلها ‪،‬‬ ‫فإن عجز عن مثلها أحبّ زوالها كي ل يظهر التّفاوت بينهما ‪ .‬الرّابعة ‪ :‬الغبطة ‪ ،‬وهي أن‬ ‫يشتهي لنفسه مثل النّعمة ‪ ،‬فإن لم تحصل فل يحبّ زوالها عنه ‪ .‬وهذا الخير هو المعفوّ‬ ‫عنه إن كان في شأن دنيويّ ‪ ،‬والمندوب إليه إن كان في شأن دينيّ ‪ ،‬والثّالثة فيها مذموم‬ ‫وغير مذموم ‪ ،‬والثّانية أخفّ من الثّالثة ‪ ،‬والولى مذمومة محضة ‪ .‬وتسمية هذه الرّتبة‬ ‫الخيرة حسدا فيه تجوّز وتوسّع ‪ ،‬ولكنّه مذموم لقوله تعالى ‪ { :‬ول تتمنّوا ما فضّل اللّه به‬ ‫بعضكم على بعض } فتمنّيه لمثل ذلك غير مذموم ‪ ،‬وأمّا تمنّيه عين ذلك فهو مذموم ‪.‬‬ ‫الحكم التّكليفيّ ‪:‬‬

‫‪ - 10‬الحسد إن كان حقيقيّا ‪ ،‬أي بمعنى تمنّي زوال النّعمة عن الغير فهو حرام بإجماع المّة‬ ‫‪ ،‬لنّه اعتراض على الحقّ ‪ ،‬ومعاندة له ‪ ،‬ومحاولة لنقض ما فعله ‪ ،‬وإزالة فضل اللّه عمّن‬ ‫سنّة والمعقول ‪ .‬أمّا الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪ { :‬ومن‬ ‫أهّله له ‪ ،‬والصل في تحريمه الكتاب وال ّ‬ ‫ش ّر حاسد إذا حسد } فقد أمرنا اللّه سبحانه وتعالى بالستعاذة من شرّ الحاسد ‪ ،‬وشرّه كثير ‪،‬‬ ‫فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين ‪ ،‬ومنه ما هو مكتسب كسعيه في تعطيل الخير‬ ‫عنه وتنقيصه عند النّاس ‪ ،‬وربّما دعا عليه أو بطش به إلى غير ذلك ‪ .‬وقد اختلف أهل‬ ‫التّأويل في الحاسد الّذي ورد المر بالستعاذة من شرّه ‪ :‬فقال قتادة ‪ :‬المراد شرّ عينه ونفسه‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم بهذه الية أن يستعيذ من شرّ اليهود الّذين‬ ‫‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬بل أمر النّب ّ‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم أمر‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫حسدوه ‪ ،‬والولى بالصّواب في ذلك كما قال الطّبريّ ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ل حاسد إذا حسد } ‪ .‬وإنّما كان ذلك أولى بالصّواب ‪ ،‬لنّ اللّه عزّ وجلّ‬ ‫بأن يستعيذ من شرّ ك ّ‬ ‫لم يخصص من قوله ‪ { :‬ومن شرّ حاسد إذا حسد } حاسدا دون حاسد بل ع ّم أمره إيّاه‬ ‫بالستعاذة من شرّ كلّ حاسد فذلك على عمومه ‪ .‬والحاسد كما قال القرطبيّ عد ّو نعمة اللّه ‪.‬‬ ‫قال بعض الحكماء ‪ :‬بارز الحاسد ربّه من خمسة أوجه ‪ :‬أحدها ‪ :‬أنّه أبغض كلّ نعمة ظهرت‬ ‫على غيره ‪ .‬ثانيها ‪ :‬أنّه ساخط لقسمة ربّه كأنّه يقول ‪ :‬لم قسمت هذه القسمة ؟ ثالثها ‪ :‬أنّه‬ ‫ن فضل اللّه يؤتيه من يشاء ‪ ،‬وهو يبخل بفضل اللّه ‪ .‬ورابعها ‪ :‬أنّه‬ ‫ضادّ فعل اللّه ‪ ،‬أي إ ّ‬ ‫خذل أولياء اللّه ‪ ،‬أو يريد خذلنهم وزوال النّعمة عنهم ‪ .‬وخامسها ‪ :‬أنّه أعان عدوّه إبليس ‪.‬‬ ‫سنّة فقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إيّاكم والحسد فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل‬ ‫وأمّا ال ّ‬ ‫ن الحاسد مذموم ‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬إنّ الحاسد ل ينال‬ ‫النّار الحطب أو العشب } ‪ .‬وأمّا المعقول فإ ّ‬ ‫في المجالس إلّ ندامة ‪ ،‬ول ينال عند الملئكة إلّ لعنة وبغضاء ‪ ،‬ول ينال في الخلوة إلّ‬ ‫ل حزنا واحتراقا ‪ ،‬ول ينال من اللّه إلّ بعدا ومقتا ‪.‬‬ ‫جزعا وغمّا ‪ ،‬ول ينال في الخرة إ ّ‬ ‫ويستثنى من تحريم الحسد ما إذا كانت النّعمة الّتي يتمنّى الحاسد زوالها عند كافر أو فاسق‬ ‫يستعين بها على معاصي اللّه تعالى ‪ .‬أمّا إذا كان الحسد مجازيّا ‪ ،‬أي بمعنى الغبطة فإنّه‬ ‫محمود في الطّاعة ‪ ،‬ومذموم في المعصية ‪ ،‬ومباح في الجائزات ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم ‪ { :‬ل حسد إلّ في اثنتين ‪ :‬رجل آتاه اللّه القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار ‪،‬‬ ‫ورجل آتاه اللّه مال فهو ينفقه آناء اللّيل وآناء النّهار } أي كأنّه قال ‪ :‬ل غبطة أعظم أو‬ ‫أفضل من الغبطة في هذين المرين ‪.‬‬ ‫علج الحسد ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬ذكر الغزاليّ في الحياء أنّ الحسد من المراض العظيمة للقلوب ‪ ،‬ول تداوى أمراض‬ ‫ل بالعلم والعمل ‪ ،‬والعلم النّافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أنّ الحسد ضرر‬ ‫القلوب إ ّ‬

‫على الحاسد في الدّنيا والدّين ‪ ،‬وأنّه ل ضرر فيه على المحسود في الدّنيا والدّين ‪ .‬أمّا كونه‬ ‫ن الحاسد بالحسد سخط قضاء اللّه تعالى ‪ ،‬وكره نعمته‬ ‫ضررا على الحاسد في الدّين ‪ ،‬فهو أ ّ‬ ‫الّتي قسمها بين عباده ‪ ،‬وعدله الّذي أقامه في ملكه بخفيّ حكمته ‪ ،‬فاستنكر ذلك واستبشعه‬ ‫وهذه جناية على حدقة التّوحيد ‪ ،‬وقذى في عين اليمان ‪ ،‬وكفى بهما جناية على الدّين ‪ .‬وأمّا‬ ‫كون الحسد ضررا على الحاسد في الدّنيا فهو أنّه يتألّم بحسده في الدّنيا ‪ ،‬أو يتعذّب به ول‬ ‫يزال في كمد وغ ّم ‪ ،‬إذ أعداؤه ل يخلّيهم اللّه تعالى عن نعم يفيضها عليهم ‪ ،‬فل يزال يتعذّب‬ ‫ل نعمة يراها ‪ ،‬ويتألّم بكلّ بليّة تنصرف عنهم فيبقى مغموما محروما متشعّب القلب ضيّق‬ ‫بك ّ‬ ‫الصّدر قد نزل به ما يشتهيه العداء له ويشتهيه لعدائه ‪ ،‬فقد كان يريد المحنة لعدوّه‬ ‫فتنجّزت في الحال محنته وغمّه نقدا ‪ ،‬ومع هذا فل تزول النّعمة عن المحسود بحسده ‪ .‬وأمّا‬ ‫أنّه ل ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح ‪ ،‬لنّ النّعمة ل تزال عنه بالحسد ‪ ،‬بل ما‬ ‫قدّره اللّه تعالى من إقبال ونعمة ‪ ،‬فل بدّ أن يدوم إلى أجل معلوم قدّره اللّه سبحانه فل حيلة‬ ‫ل أجل كتاب ‪ ،‬ومهما لم تزل النّعمة بالحسد لم يكن‬ ‫ل شيء عنده بمقدار ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫في دفعه ‪ ،‬بل ك ّ‬ ‫ن المحسود ينتفع به في‬ ‫على المحسود ضرر في الدّنيا ول يكون عليه إثم في الخرة ‪ ،‬وأمّا أ ّ‬ ‫الدّين والدّنيا فواضح ‪.‬‬ ‫القدر المعفوّ عنه من الحسد وعكسه وما فيه خلف ‪:‬‬ ‫ن المرء ل يمكنه نفي الحسد عن قلبه بالكّليّة ‪ ،‬بل يبقى دائما في نزاع‬ ‫‪ - 12‬ذكر الغزاليّ أ ّ‬ ‫ن للشّخص‬ ‫مع قلبه ‪ ،‬لنّه ل بدّ أن يبقى فيه شيء من الحسد لعدائه ‪ ،‬وذكر في هذا المقام أ ّ‬ ‫في أعدائه ثلثة أحوال ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يحبّ مساءتهم بطبعه ‪ ،‬ويكره حبّه لذلك وميل قلبه إليه‬ ‫بعقله ‪ ،‬ويمقت نفسه عليه ‪ ،‬ويودّ لو كانت له حيلة في إزالة ذلك الميل منه ‪ ،‬وهذا معفوّ عنه‬ ‫ب ذلك ويظهر الفرح بمساءته‬ ‫قطعا ‪ ،‬لنّه ل يدخل تحت الختيار أكثر منه ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أن يح ّ‬ ‫إمّا بلسانه أو بجوارحه فهذا ‪ .‬هو الحسد المحظور قطعا ‪ .‬الثّالث ‪ :‬وهو بين الطّرفين أن‬ ‫يحسد بالقلب من غير مقت لنفسه على حسده ‪ ،‬ومن غير إنكار منه على قلبه ‪ ،‬ولكن يحفظ‬ ‫ل الخلف ‪ ،‬والظّاهر أنّه ل يخلو عن‬ ‫جوارحه عن طاعة الحسد في مقتضاه ‪ ،‬وهذا في مح ّ‬ ‫إثم بقدر قوّة ذلك الحبّ وضعفه ‪.‬‬ ‫علج المحسود ممّا لحق به من أذى بسبب الحسد ‪:‬‬ ‫‪ - 13‬المقصود بالعلج هنا العلج النّبويّ لتلك العلّة وهو أنواع ‪ :‬أحدها ‪ :‬الكثار من التّعوّذ‬ ‫‪ ،‬ومن ذلك قراءة المعوّذتين ‪ ،‬وفاتحة الكتاب ‪ ،‬وآية الكرسيّ ‪ ،‬والتّعوّذات النّبويّة ‪ ،‬نحو‬ ‫أعوذ بكلمات اللّه التّامّات من شرّ ما خلق ‪ .‬الثّاني ‪ :‬الرّقى ‪ :‬ومن أمثلتها رقية جبريل عليه‬

‫السلم للنّبيّ صلى ال عليه وسلم الّتي رواها مسلم في صحيحه وهي ‪ { :‬باسم اللّه أرقيك من‬ ‫ل نفس أو عين حاسد ‪ ،‬اللّه يشفيك ‪ ،‬باسم اللّه أرقيك } ‪ .‬هذا وممّا‬ ‫كلّ شيء يؤذيك من شرّ ك ّ‬ ‫ل باللّه ‪.‬‬ ‫يدفع به ضرر الحاسد عن غيره دعاؤه لغيره بالبركة وقولة ‪ :‬ما شاء اللّه ل قوّة إ ّ‬ ‫كما في قوله صلى ال عليه وسلم لعامر بن ربيعة في الحديث الّذي رواه أبو أمامة عن أبيه ‪:‬‬ ‫{ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة } وكما في قوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫من حديث أنس ‪ { :‬من رأى شيئا فأعجبه فقال ‪ :‬ما شاء اللّه ل قوّة إلّ باللّه ‪ ،‬لم يضرّه } ‪.‬‬ ‫وروى هشام بن عروة عن أبيه أنّه كان إذا رأى شيئا يعجبه ‪ ،‬أو دخل حائطا من حيطانه قال‬ ‫‪ :‬ما شاء اللّه ل قوّة إلّ باللّه‬ ‫( الثار الفقهيّة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 14‬إذا أدّى الحسد إلى التّلف أو القتل أو اعترف الحاسد بأنّه قتله بالعين ففي وجوب‬ ‫القصاص أو الدّية خلف ‪ .‬فقال القرطبيّ كما ذكر الحافظ في الفتح ‪ :‬لو أتلف العائن شيئا‬ ‫ضمنه ‪ ،‬ولو قتل فعليه القصاص أو الدّية ‪ ،‬إذا تكرّر ذلك منه ‪ ،‬بحيث يصير عادة ‪ ،‬وهو في‬ ‫ذلك كالسّاحر ‪ .‬وتذكر كتب الشّافعيّة أنّ العائن إذا أصاب غيره بالعين واعترف بأنّه قتله‬ ‫بالعين فل قصاص ‪ ،‬وإن كانت العين حقّا ‪ ،‬لنّه ل يفضي إلى القتل غالبا ‪ ،‬ول يعدّ مهلكا ‪،‬‬ ‫ن الحكم إنّما يترتّب على منضبط عامّ دون ما يختصّ ببعض النّاس‬ ‫ول دية فيه ول كفّارة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫في بعض الحوال ‪ ،‬فما ل انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصل وإنّما غايته حسد وتمنّ‬ ‫لزوال النّعمة ‪.‬‬ ‫حسم‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحسم في اللّغة ‪ :‬يأتي بمعنى القطع ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم في شأن السّارق ‪:‬‬ ‫{ اقطعوه ثمّ احسموه } أي اكووه لينقطع الدّم ‪ ،‬وحسم العرق ‪ :‬قطعه ‪ ،‬ثمّ كواه لئلّ يسيل دمه‬ ‫‪ .‬ويأتي الحسم أيضا بمعنى المنع ‪ .‬وهو في الصطلح ‪ :‬أن يغمس موضع القطع من يد أو‬ ‫رجل في السّرقة ونحوها في زيت أو دهن مغليّ ‪ ،‬أو الكيّ بحديدة محماة لتنسدّ أفواه العروق‬ ‫وينقطع الدّم ‪ .‬حكم الحسم التّكليفيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو وجه عند الشّافعيّة في الحدّ إلى وجوب الحسم ‪ ،‬وإلى أنّه‬ ‫من تمام حدّ السّرقة ‪ ،‬لنّه لو لم يحسم العضو المقطوع من اليد أو الرّجل يؤدّي إلى التّلف ‪.‬‬ ‫والحدّ زاجر ل متلف ‪ .‬فعلى هذا لو ترك المام الحسم حيث يجب عليه فالظّاهر أنّه آثم إن‬ ‫تعمّد ‪ .‬وصرّح المالكيّة بأنّه يحتمل أن ل يكون الحسم من تمام حدّ السّرقة ‪ ،‬بل يكون واجبا‬

‫مستقلّا وعلى الكفاية يقوم به المام ‪ ،‬أو المقطوعة يده ‪ ،‬أو غيرهما ‪ .‬ويرى الشّافعيّة في‬ ‫الصحّ ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬أنّه مندوب ‪ ،‬لنّه حقّ للمقطوع ‪ ،‬ونظر له ‪ ،‬وتداو يدفع به الهلك‬ ‫بسبب نزف الدّم ‪ .‬فعلى هذا لو تركه المام ‪ ،‬فل شيء عليه ‪ ،‬لنّ عليه القطع ‪ ،‬ل مداواة‬ ‫المحدود ‪ .‬ويستحبّ للمقطوع حسم نفسه ‪ ،‬فإن لم يفعل لم يأثم ‪ ،‬لنّ في الحسم ألما شديدا ‪،‬‬ ‫وقد يهلك الضّعيف ‪ ،‬والمداواة بمثل هذا ل تجب بحال ‪.‬‬ ‫مئونة الحسم ‪:‬‬ ‫ح إلى أنّ ثمن زيت الحسم ‪ ،‬وكذا ثمن حطب وأجرة‬ ‫‪ - 3‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الص ّ‬ ‫إناء يغلي فيه الزّيت على السّارق ‪ ،‬لنّه المتسبّب ‪ .‬وصرّح الحنابلة والشّافعيّة في وجه بأنّ‬ ‫الزّيت يكون من بيت المال ‪ ،‬لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمر به القاطع ‪ ،‬وذلك يقتضي‬ ‫أن يكون من بيت المال ‪.‬‬ ‫( مواطن البحث ) ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬قد تكلّم الفقهاء على الحسم في الحدود عند الكلم عن السّرقة وقطع الطّريق ‪.‬‬ ‫حشرات‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحشرات ‪ :‬صغار دوابّ الرض ‪ ،‬وصغار هوامّها ‪ ،‬والواحدة حشرة بالتّحريك ‪ .‬وقيل‬ ‫الحشرات ‪ :‬هوامّ الرض ممّا ل سمّ له ‪ .‬قال الصمعيّ ‪ :‬الحشرات والحراش والحناش‬ ‫واحد ‪ ،‬وهو هوا ّم الرض ‪ ،‬وقيل من الحشرات ‪ :‬الفأر واليربوع والضّبّ ونحوها ‪.‬‬ ‫أ ‪ ( -‬أكل الحشرات ) ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬للفقهاء في أكل الحشرات اتّجاهان ‪ :‬التّجاه الوّل ‪ :‬هو حرمة أكل جميع الحشرات ‪،‬‬ ‫لستخباثها ونفور الطّباع السّليمة منها ‪ ،‬وفي التّنزيل في صفة النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫ويحرّم عليهم الخبائث } وهذا مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬واستثنوا من ذلك الجراد‬ ‫فإنّه ممّا أجمعت المّة على حلّ أكله ‪ ،‬لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أحلّت لنا ميتتان‬ ‫ودمان ‪ ،‬فأمّا الميتتان ‪ :‬فالحوت والجراد ‪ ،‬وأمّا الدّمان ‪ :‬فالكبد والطّحال } وزاد الشّافعيّة‬ ‫والحنابلة الضّبّ ‪ ،‬فإنّه من الحشرات الّتي يباح أكلها عندهم ‪ ،‬مستدلّين بحديث { ابن عبّاس‬ ‫رضي ال عنهما ‪ :‬قال ‪ :‬دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيت‬ ‫ميمونة ‪ ،‬فأتي بضبّ محنوذ ‪ ،‬فرفع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يده فقلت ‪ :‬أحرام هو يا‬ ‫رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ولكنّه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد ‪ :‬فاجتزرته فأكلته‬ ‫ورسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينظر } ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى حرمته على تفصيل ينظر في‬

‫مصطلح ( أطعمة ) ف ( ‪ . ) 54‬وقد استثنى الحنابلة أيضا اليربوع والوبر فقالوا ‪ :‬بإباحة‬ ‫أكلهما ‪ ،‬وزاد الشّافعيّة عليهما أمّ حبّين ‪ ،‬والقنفذ ‪ ،‬وبنت عرس فيباح أكلها ‪.‬‬ ‫ل جميع أصناف الحشرات ‪ ،‬وهو مذهب المالكيّة ‪ ،‬وهو في الصل‬ ‫‪ - 3‬التّجاه الثّاني ‪ :‬ح ّ‬ ‫إحدى الرّوايتين فيه ‪ ،‬ث ّم انعقد المذهب عليها ‪ .‬قال الطّرطوشيّ ‪ :‬انعقد المذهب في إحدى‬ ‫الرّوايتين وهي رواية العراقيّين ‪ ،‬أنّه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النّمل والدّود ‪ ،‬وما‬ ‫بين ذلك إلّ الخنزير فهو محرّم بالجماع ‪ .‬وقد ذهب بعض المالكيّة إلى حرمة الحشرات‬ ‫والهوامّ ‪ ،‬كابن عرفة والقرافيّ ‪ ،‬ولعلّهم أخذوا بالرّواية الخرى في المذهب ‪ .‬ثمّ إنّ القول‬ ‫بحلّ جميع الحشرات ليس على إطلقه ‪ ،‬فإنّهم قد اختلفوا في بعضها وذلك كالفأر فإنّهم‬ ‫اختلفوا فيه على قولين ‪ :‬الوّل ‪ :‬أنّه يكره إن كان يصل إلى النّجاسة بأن تحقّق أو ظنّ‬ ‫وصوله إليها ‪ ،‬فإن شكّ في وصوله إليها لم يكره ‪ ،‬وكذلك إن تحقّق عدم وصوله إليها من‬ ‫باب أولى ‪ .‬وقد شهر هذا القول الدّردير والخرشيّ والعدويّ ‪ .‬الثّاني ‪ :‬أنّه يحرم أكل الفأر‬ ‫مطلقا ‪ ،‬أي سواء كان يصل للنّجاسة أو ل ‪ ،‬وشهر هذا القول الدّسوقيّ ‪ ،‬ونقل الحطّاب عن‬ ‫ابن رشد استظهار التّحريم ‪ ،‬وكذا جواز أكل الحيّة عندهم مقيّد بأن يؤمن سمّها ‪ ،‬إلّ أن يكون‬ ‫بالكل مرض ينفعه ذلك فيجوز له أكلها بسمّها ‪ .‬وقال ابن حبيب ‪ :‬يكره أكلها لغير ضرورة‬ ‫‪ .‬وذكر الجهوريّ حرمة أكل بنت عرس ‪ .‬وللمالكيّة قول ‪ :‬بكراهة العقرب على خلف‬ ‫ن للّدود تفصيلت أخرى وأحكاما خاصّة ‪ ،‬وكثير من الفقهاء‬ ‫المشهور في المذهب ‪ .‬ثمّ إ ّ‬ ‫يفرّقون بين الدّود المتولّد في الطّعام وغيره ‪ ،‬وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( أطعمة ) ‪.‬‬ ‫ف ( ‪. ) 55‬‬ ‫ب ‪ ( -‬بيع الحشرات ) ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬اتّفق الفقهاء على عدم جواز بيع الحشرات الّتي ل نفع فيها ‪ ،‬إذ يشترط في المبيع أن‬ ‫يكون منتفعا به ‪ ،‬فل يجوز بيع الفئران ‪ ،‬والحيّات والعقارب ‪ ،‬والخنافس ‪ ،‬والنّمل ونحوها ‪،‬‬ ‫إذ ل نفع فيها يقابل بالمال ‪ ،‬أمّا إذا وجد من الحشرات ما فيه منفعة ‪ ،‬فإنّه يجوز بيعه كدود‬ ‫القزّ ‪ ،‬حيث يخرج منه الحرير الّذي هو أفخر الملبس ‪ ،‬والنّحل حيث ينتج العسل ‪ .‬وقد نصّ‬ ‫الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز بيع دود العلق ‪ ،‬لحاجة النّاس إليه للتّداوي بمصّه‬ ‫الدّم ‪ ،‬وزاد ابن عابدين من الحنفيّة دود القرمز ‪ .‬قال ‪ :‬وهو أولى من دود الق ّز وبيضه فإنّه‬ ‫ينتفع به في الحال ‪ ،‬ودود القزّ في المآل ‪ .‬كما نصّ الشّافعيّة على جواز بيع اليربوع والضّبّ‬ ‫ونحوه ممّا يؤكل ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬بجواز بيع الدّيدان لصيد السّمك ‪ .‬وقد عدّى الحنفيّة الحكم‬ ‫ل عدم الجواز عند‬ ‫إلى هوا ّم البحر أيضا ‪ ،‬كالسّرطان ونحوه ‪ ،‬فل يجوز بيعها عندهم ‪ .‬ومح ّ‬ ‫الشّافعيّة فيما ل يؤكل منها ‪ ،‬وأمّا ما يؤكل منها فإنّه يجوز بيعه مطلقا حتّى لو لم يعتد أكله‬

‫ن جواز‬ ‫كبنات عرس ‪ .‬وقد وضع الحصكفيّ من الحنفيّة ضابطا لبيع الحشرات ‪ ،‬فقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫البيع يدور مع حلّ النتفاع ‪.‬‬ ‫ج ‪ ( -‬ذكاة الحشرات ) ‪:‬‬ ‫ل إذا كانت لها نفس سائلة‬ ‫‪ - 5‬اتّفق القائلون بإباحة أكل الحشرات أو بعضها على أنّها ل تح ّ‬ ‫إلّ بالتّذكية ‪ ،‬فإن ماتت بدون تذكية لم يجز أكلها ‪ ،‬وكانت ميتة كسائر الميتات ‪ .‬أمّا ما ل‬ ‫نفس سائلة له ‪ ،‬كالجراد والجندب فما حلّ أكله منها ل تشترط تذكيته عند جمهور القائلين‬ ‫بإباحته ‪ ،‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل بدّ من تذكيته وتحصل عندهم بأيّ فعل يموت به ‪ ،‬من قطف‬ ‫ل في ماء‬ ‫رأس ‪ ،‬أو قلي ‪ ،‬أو شيّ ‪ ،‬أو إلقائه في ماء بارد ‪ ،‬وقال سحنون ‪ :‬ل يجوز ذلك إ ّ‬ ‫حارّ ‪ ،‬أو بقطع أرجله أو أجنحته ‪ ،‬وفي تلك الحالة ل يؤكل ما قطع منه ‪ ،‬إلّ أن يكون‬ ‫الرّأس أو النّصف فما فوقه فإنّه يؤكل ‪ ،‬ول بدّ من ال ّنيّة والتّسمية عند ذكاتها ‪ ،‬فل يكفي‬ ‫مجرّد أخذه على المشهور بل ل بدّ أن يقصد إزهاق روحه ‪ ،‬وأن يسمّي عند ذكاتها ‪ .‬وقد قيّد‬ ‫بعض المالكيّة الفعل بأن يكون ممّا يعجّل الموت ‪ ،‬فإن لم يعجّل الموت كان بمنزلة العدم ‪،‬‬ ‫ول بدّ من ذكاة أخرى بنيّة وتسمية ‪ .‬واعتمد بعضهم الطلق أي سواء عجّل الفعل الموت أم‬ ‫ل ‪ ،‬وهذا ما نصّ عليه الخرشيّ ووافقه عليه محشّيه العدويّ ‪ ،‬وضعّف قيد التّعجيل ‪ ،‬وهو‬ ‫سمّ لمن يضرّه‬ ‫ما مال إليه الدّسوقيّ ‪ .‬وقد شرط المالكيّة في ذكاة الحيّة الذّكاة الّتي يؤمن بها ال ّ‬ ‫ص من ذنبها ‪ .‬كما هو موضّح في باب المباح‬ ‫ذلك ‪ ،‬وذلك بأن تكون في حلقها وفي قدر خا ّ‬ ‫عندهم ‪.‬‬ ‫د ‪ ( -‬قتل الحشرات ) ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬قتل الحشرات ليس مأمورا به مطلقا ‪ ،‬ول منهيّا عنه مطلقا ‪ ،‬فقد ندب الشّارع إلى قتل‬ ‫بعض الحشرات ‪ ،‬كما أنّه نهى عن قتل بعضها أيضا ‪ .‬ما ندب قتله من الحشرات ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬من المندوب قتله من الحشرات الحيّة ‪ ،‬لما روت عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬عن النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم أنّه قال ‪ { :‬خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم ‪ :‬الحيّة ‪ ،‬والغراب‬ ‫البقع ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪ ،‬والحديّا } وعن ابن عمر رضي ال عنهما أنّه سمع النّبيّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم يخطب على المنبر يقول ‪ { :‬اقتلوا الحيّات واقتلوا ذا الطّفيتين والبتر ‪،‬‬ ‫فإنّهما يطمسان البصر ‪ ،‬ويستسقطان الحبل } قال { عبد اللّه ‪ :‬فبينا أنا أطارد حيّة لقتلها ‪،‬‬ ‫ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قد أمر بقتل‬ ‫فناداني أبو لبابة ‪ :‬ل تقتلها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إ ّ‬ ‫الحيّات ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت ‪ ،‬وهي العوامر } ‪ .‬من أجل ذلك فرّق‬ ‫الفقهاء غير الحنفيّة بين حيّات البيوت وغيرها ‪ ،‬فحيّات غير العمران تقتل مطلقا من غير‬

‫إنذار لبقائها على المر بقتلها ‪ ،‬وأمّا حيّات البيوت فتنذر قبل قتلها ثلثا لقوله صلى ال عليه‬ ‫ن شيء فاقتلوه } ‪.‬‬ ‫ن ثلثا ‪ ،‬فإن بدا لكم بعد ذلك منه ّ‬ ‫ن لبيوتكم عمّارا فحرّجوا عليه ّ‬ ‫وسلم ‪ { :‬إ ّ‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫ي ‪ :‬ل بأس بقتل الكلّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ولم يفرّق الحنفيّة بينهما ‪ ،‬قال الطّحاو ّ‬ ‫عاهد الجنّ أن ل يدخلوا بيوت أمّته ‪ ،‬ول يظهروا أنفسهم ‪ ،‬فإذا خالفوا فقد نقضوا عهدهم فل‬ ‫ن ل للحرمة ‪ ،‬بل لدفع‬ ‫حرمة لهم ‪ .‬ومع ذلك فالولى عندهم المساك عمّا فيه علمة الجا ّ‬ ‫الضّرر المتوهّم من جهتهم ‪ .‬وللفقهاء في حكم النذار وكيفيّته تفصيل ينظر في مواضعه من‬ ‫كتب الفقه ‪ .‬ويستحبّ كذلك قتل الوزغ ولو لم يحصل منه أذيّة ‪ ،‬لما روى سعد بن أبي‬ ‫وقّاص رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم { أمر بقتل الوزغ وسمّاه فويسقا } ‪.‬‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أمرها بقتل الوزاغ } ‪ .‬ومن المستحبّ قتله‬ ‫وعن { أمّ شريك أ ّ‬ ‫كذلك الفأر لحديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ { :‬أمر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بقتل‬ ‫خمس فواسق في الحلّ والحرم ‪ :‬الغراب ‪ ،‬والحدأة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والكلب العقور }‬ ‫ومن حيث العموم يستحبّ قتل كلّ ما فيه أذى من الحشرات كالعقرب ‪ ،‬والبرغوث ‪،‬‬ ‫والزّنبور ‪ ،‬والبقّ ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى الجواز لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم وقد { سئل‬ ‫عن حشرات الرض تؤذي أحدا فقال ‪ :‬ما يؤذيك فلك إذايته قبل أن يؤذيك }‬ ‫‪ 7‬م ‪ -‬ما يكره قتله من الحشرات ‪ :‬كره الشّارع قتل بعض الحشرات كالضّفدع لما روى عبد‬ ‫الرّحمن بن عثمان قال ‪ { :‬ذكر طبيب عند رسول اللّه صلى ال عليه وسلم دواء ‪ ،‬وذكر‬ ‫الضّفدع يجعل فيه ‪ ،‬فنهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن قتل الضّفدع } ‪ .‬وقال صاحب‬ ‫الداب الشّرعيّة ‪ :‬ظاهره التّحريم ‪ .‬وكره قتل النّمل والنّحل ‪ ،‬لما روى ابن عبّاس رضي ال‬ ‫ب ‪ :‬النّملة ‪،‬‬ ‫عنهما قال ‪ { :‬نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن قتل أربع من الدّوا ّ‬ ‫والنّحلة ‪ ،‬والهدهد ‪ ،‬والصّرد } ‪ .‬واستثنى الفقهاء النّمل في حالة الذيّة ‪ ،‬فإنّه حينئذ يجوز‬ ‫قتله ‪ .‬وفصّل المالكيّة ‪ ،‬فأجازوا قتل النّمل بشرطين ‪ :‬أن تؤذي ‪ ،‬وأن ل يقدر على تركها ‪،‬‬ ‫وكرهوه عند الذاية مع القدرة على تركها ‪ ،‬ومنعوه عند عدم الذاية ‪ ،‬ول فرق عندهم في‬ ‫ذلك بين أن تكون الذاية في البدن أو المال ‪ .‬وقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز قتل‬ ‫الحشرات ‪ ،‬لكنّ المالكيّة شرطوا لجواز قتل الحشرات المؤذية أن يقصد القاتل بالقتل دفع‬ ‫ل والحرم ‪ .‬وقسم‬ ‫ل منع حتّى الفواسق الخمس الّتي يباح قتلها في الح ّ‬ ‫اليذاء ل العبث ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫الشّافعيّة الحشرات إلى ثلثة أقسام ‪ :‬الوّل ‪ :‬ما هو مؤذ منها طبعا ‪ ،‬فيندب قتله كالفواسق‬ ‫الخمس ‪ ،‬لحديث عائشة قالت ‪ { :‬أمر الرّسول صلى ال عليه وسلم بقتل خمس فواسق في‬ ‫الحرم ‪ :‬الحدأة ‪ ،‬والغراب ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والكلب العقور } وألحق بها البرغوث‬ ‫ل مؤذ ‪ .‬الثّاني ‪ :‬ما ينفع ويض ّر فل يسنّ قتله ول يكره ‪ .‬الثّالث ‪ :‬ما ل‬ ‫والبقّ والزّنبور ‪ ،‬وك ّ‬

‫يظهر فيه نفع ول ضرر كالخنافس ‪ ،‬والجعلن ‪ ،‬والسّرطان فيكره قتله ‪ .‬ويحرم عندهم قتل‬ ‫النّمل السّليمانيّ ‪ ،‬والنّحل والضّفدع ‪ ،‬أمّا غير السّليمانيّ ‪ ،‬وهو الصّغير المسمّى بالذّرّ ‪،‬‬ ‫فيجوز قتله بغير الحراق ‪ ،‬وكذا بالحراق إن تعيّن طريقا لدفعه ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى‬ ‫ل ما كان طبعه الذى من الحشرات ‪ ،‬وإن لم يوجد منه أذى قياسا على‬ ‫استحباب قتل ك ّ‬ ‫الفواسق الخمس ‪ ،‬فيستحبّ عندهم قتل الحشرات المؤذية كالحيّة ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والزّنبور ‪،‬‬ ‫والبقّ ‪ ،‬والبعوض ‪ ،‬والبراغيث ‪ ،‬وأمّا ما ل يؤذي بطبعه كالدّيدان ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يجوز قتله ‪،‬‬ ‫ل من أذيّة شديدة ‪ ،‬فإنّه‬ ‫وقيل ‪ :‬يكره ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يحرم ‪ .‬وقد نصّوا على كراهة قتل النّمل إ ّ‬ ‫يجوز قتلهنّ ‪ ،‬وكذا القمّل ‪.‬‬ ‫ما يجوز للمحرم قتله من الحشرات ‪:‬‬ ‫ن الحشرات والهوامّ ل تدخل في الصّيد الوارد‬ ‫‪ - 8‬ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫تحريمه في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا ل تقتلوا الصّيد وأنتم حرم } ‪ .‬وذلك لعدم‬ ‫امتناعها عند الحنفيّة ‪ ،‬حيث إنّهم شرطوا في الصّيد أن يكون ممتنعا بجناحه أو قوائمه ‪،‬‬ ‫ولكونها غير مأكولة عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬حيث إنّهم اشترطوا في الصّيد أن يكون مأكول‬ ‫‪ .‬وقد صرّح الحنفيّة بأنّه ل يحلّ قتل ما ل يؤذي من الحشرات ‪ ،‬وإن لم يوجبوا فيها‬ ‫ن في قتل القمّل والجراد الجزاء ‪ ،‬غير أنّهم فرّقوا بين القليل‬ ‫الجزاء ‪ ،‬كما أنّهم نصّوا على أ ّ‬ ‫والكثير ‪ ،‬ففي القليل التّصدّق بما شاء ‪ ،‬وهو عندهم في الثّلث فما دونها ‪ ،‬وفي الكثير نصف‬ ‫صاع ‪ .‬ومذهب المالكيّة كمذهب الحنفيّة حيث إنّهم ل يجوّزون قتل ما ل يؤذي من‬ ‫ن للمحرم قتله إن قصد دفع الذاية ‪ ،‬أمّا لو‬ ‫الحشرات ويوجبون فيها الجزاء ‪ ،‬وأمّا المؤذي فإ ّ‬ ‫قتله بقصد الذّكاة فل يجوز وعليه الجزاء ‪ ،‬واستثنوا من ذلك الفأرة ‪ ،‬والحيّة ‪ ،‬والعقرب ‪،‬‬ ‫فإنّها تقتل مطلقا كبيرة كانت أو صغيرة بدأت بالذيّة أم ل ‪ ،‬وألحقوا بالفأرة ابن عرس وما‬ ‫يقرض الثّياب من الدّوابّ ‪ ،‬وبالعقرب الزّنبور والرّتيلى ‪ ،‬وهي دابّة صغيرة سوداء ربّما‬ ‫قتلت من لدغته ‪ .‬قال سند ‪ :‬الهوامّ على ضربين ‪ :‬ضرب يختصّ بالجسام ‪ ،‬ومنها يعيش فل‬ ‫يقتله المحرم ول يميطه عن الجسد المختصّ به إلى غيره ‪ ،‬فإن قتله أطعم وكذا إذا طرحه ‪،‬‬ ‫ص بالجسام كالنّمل ‪ ،‬وال ّذرّ ‪ ،‬والدّود وشبهه فإن قتله افتدى ‪ ،‬وإن طرحه فل‬ ‫وضرب ل يخت ّ‬ ‫شيء عليه إذ طرحه كتركه ‪ .‬ومذهب الشّافعيّة والحنابلة في المحرم كمذهبهم في غير المحرم‬ ‫‪ ،‬وقد سبق فيما يكره قتله من الحشرات ‪ ،‬وقد اتّفق الحنابلة على عدم تأثير ذلك في الحرام‬ ‫ن اللّه تعالى إنّما أوجب الجزاء في الصّيد ‪ ،‬وليس شيء‬ ‫والحرم ‪ ،‬وعدم الجزاء في ذلك ‪ ،‬ل ّ‬ ‫من ذلك بصيد ‪ .‬وعندهم في القمّل روايتان ‪ :‬إحداهما يباح قتلها ‪ ،‬والرّواية الثّانية ل يباح‬

‫قتلها وهي الصّحيحة في المذهب ‪ ،‬قال الزّركشيّ من الحنابلة ‪ :‬هي أنصّ الرّوايتين ‪ ،‬وإن‬ ‫قتلها فل جزاء عليه في إحدى الرّوايتين ‪ ،‬وهي المذهب ‪.‬‬ ‫حشفة‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحشفة في اللّغة ‪ :‬ما فوق الختان من الذّكر ‪ ،‬ويقال لها الكمرة أيضا ‪ .‬والحشفة أيضا‬ ‫واحدة الحشف ‪ ،‬وهو أردأ التّمر الّذي يجفّ من غير نضج ول إدراك ‪ ،‬فل يكون له لحم ‪.‬‬ ‫وفي عرف الفقهاء ‪ :‬هي ما تحت الجلدة المقطوعة من الذّكر في الختان ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الختان ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬الختان موضع قطع جلد القلفة ‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬إذا التقى الختانان ‪،‬‬ ‫أو مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل } فموضع القطع غير داخل في الحشفة ‪.‬‬ ‫أحكام تتعلّق بالحشفة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أحكام تتعلّق بإيلج الحشفة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬تترتّب أحكام كثيرة على إيلج الحشفة في القبل أو في الدّبر ( مع حرمة الوطء في‬ ‫الدّبر ) ‪ .‬وذكر منها ابن جزيّ ‪ :‬خمسين حكما ‪ ،‬والسّيوطيّ ‪ :‬مائة وخمسين حكما ‪ ،‬وقال‬ ‫صاحب كفاية الطّالب ‪ :‬إنّه يوجب نحو ستّين حكما ‪ ،‬ذكر منها سبعة وهي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬وجوب الغسل ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬أجمع الفقهاء على أنّه يجب الغسل بغيبوبة الحشفة كلّها في فرج آدميّ حيّ ‪ -‬على‬ ‫التّفصيل الّذي ذكر في باب الغسل ‪ -‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬إذا التقى الختانان ‪،‬‬ ‫وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل } ‪ .‬وكذا في الدّبر ( مع حرمته ) لقول عليّ رضي ال عنه‬ ‫‪ :‬توجبون فيه الحدّ ‪ ،‬ول توجبون فيه صاعا من ماء ؟ ول غسل بتغييب بعض الحشفة ‪.‬‬ ‫ولتغييب قدر الحشفة من مقطوعها حكم تغييب الحشفة عند الجمهور ‪ .‬وذهب الشّافعيّة في‬ ‫ن تغييب قدر الحشفة من ذكر مقطوع الحشفة ل يوجب الغسل ‪ ،‬وإنّما يوجبه‬ ‫قول ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫تغييب جميع الباقي إن كان قدر الحشفة فصاعدا ‪ .‬قال النّوويّ ‪ :‬هذا الوجه مشهور ‪ ،‬ولكنّ‬ ‫الوّل أصحّ ‪ .‬واختلفوا في وجوب الغسل بوطء البهيمة والميّتة ‪ :‬فذهب جمهور الفقهاء إلى‬ ‫أنّه ل فرق بين آدميّة وبهيمة ‪ ،‬ول بين حيّة وميّتة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬ل يجب الغسل بوطء‬ ‫ل أن يحصل إنزال ‪ -‬لنّه ليس بمقصود ‪ ،‬وأيضا لنّه ليس بمنصوص‬ ‫البهيمة والميّتة ‪ -‬إ ّ‬ ‫ول في معنى المنصوص ‪ .‬واختلفوا أيضا فيما إذا لفّ على الحشفة خرقة ‪ :‬فذهب الحنفيّة في‬

‫الصحّ والمالكيّة وهو وجه لدى الشّافعيّة إلى أنّه يجب الغسل إذا كانت الخرقة خفيفة يجد‬ ‫معها حرارة الفرج والّلذّة ‪ ،‬وإلّ فل يجب ‪ ،‬إلّ أن يحصل إنزال ‪ .‬وذهب الشّافعيّة في الصحّ‬ ‫إلى وجوب الغسل مطلقا ‪ :‬أي سواء أكانت الخرقة خفيفة أم غليظة ‪ ،‬وهذا جار في سائر‬ ‫الحكام كإفساد الصّوم ‪ ،‬والحجّ ‪ ،‬والعمرة ‪ .‬ويرى الحنابلة ‪ ،‬وهو قول آخر لدى الشّافعيّة‬ ‫عدم وجوب الغسل في هذه الحالة ‪ .‬وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأن تكون الحشفة‬ ‫أصليّة ‪ ،‬فل غسل بتغييب حشفة زائدة أو من خنثى مشكل لحتمال الزّيادة ‪ .‬وأمّا المالكيّة فل‬ ‫فرق عندهم بين أن يكون ذلك التّغييب من ذكر محقّق أو خنثى مشكل ‪ ،‬فيجب عليه الغسل‬ ‫بتغييب حشفته ‪ ،‬قياسا على من تيقّن الطّهارة ‪ ،‬وشكّ في الحدث ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬فساد الصّوم ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أنّ تغييب الحشفة في أحد السّبيلين في صوم رمضان مفسد للصّوم إذا‬ ‫ن النزال شبع ‪ ،‬وقضاء‬ ‫كان عامدا ‪ ،‬ويلزمه القضاء والكفّارة ‪ ،‬ول يشترط النزال ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الشّهوة يتحقّق بدونه ‪ ،‬وقد وجب به الحدّ وهو عقوبة محضة ‪ ،‬فالكفّارة الّتي فيها معنى‬ ‫ن الكفّارة إنّما وجبت‬ ‫العبادة أولى ‪ .‬ول كفّارة في غير رمضان ‪ ،‬بل فيه قضاء فقط ‪ ،‬ل ّ‬ ‫لهتك حرمة شهر رمضان ‪ ،‬فل تجب بإفساد قضائه ‪ ،‬ول بإفساد صوم غيره ‪ .‬والصل في‬ ‫ذلك { قوله صلى ال عليه وسلم للعرابيّ حين قال ‪ :‬واقعت أهلي نهار رمضان متعمّدا ‪،‬‬ ‫اعتق رقبة } ‪ .‬واختلفوا فيما إذا كان إيلج الحشفة نسيانا ‪ :‬فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في‬ ‫المذهب إلى عدم وجوب القضاء والكفّارة ‪ ،‬ويرى المالكيّة والشّافعيّة في قول ‪ :‬وجوب‬ ‫القضاء دون الكفّارة ‪ .‬وصرّح الحنابلة بوجوب القضاء والكفّارة ولو كان ناسيا للصّوم ‪.‬‬ ‫وكذلك اختلفوا في الميّتة والبهيمة ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ل فرق بين آدميّة وبهيمة ‪،‬‬ ‫ول بين حيّة وميّتة ‪ .‬أمّا عند الحنفيّة فل كفّارة بجماع بهيمة أو ميّتة ولو أنزل ‪ ،‬بل ل قضاء‬ ‫ما لم ينزل ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( صوم )‬ ‫‪ - 3‬فساد الحجّ ‪:‬‬ ‫ج ‪ .‬قال ابن‬ ‫‪ - 6‬اتّفق الفقهاء على أنّ تغييب الحشفة في الفرج قبل الوقوف بعرفة مفسد للح ّ‬ ‫ل الجماع ‪.‬‬ ‫ج ل يفسد بإتيان شيء في حال الحرام إ ّ‬ ‫المنذر ‪ :‬أجمع أهل العلم على أنّ الح ّ‬ ‫ن رجل سأله ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّي‬ ‫والصل في ذلك ما روي عن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما ‪ :‬أ ّ‬ ‫واقعت امرأتي ونحن محرمان ‪ ،‬فقال ‪ :‬أفسدت حجّك وكذلك قال ابن عبّاس ‪ ،‬وروي ذلك‬ ‫ي وإسحاق‬ ‫عن عمر رضي ال عنه أيضا ‪ .‬وبه قال ابن المسيّب وعطاء والنّخعيّ ‪ ،‬والثّور ّ‬ ‫وأبو ثور ‪ .‬ثمّ ل فرق عند الجمهور بين ما قبل الوقوف ‪ ،‬وكذا بعده قبل التّحلّل الوّل ‪ ،‬لنّه‬

‫ن الصّحابة لم يفرّقوا بين ما قبل الوقوف وما بعده ‪ .‬وقال‬ ‫جماع صادف إحراما تامّا ‪ ،‬ول ّ‬ ‫الحنفيّة ‪ :‬إن جامع قبل الوقوف فسد حجّه وعليه شاة ‪ ،‬ويمضي في حجّه ويقضيه ‪ ،‬وإذا‬ ‫جامع بعد الوقوف لم يفسد حجّه وعليه بدنة ‪ ،‬وأمّا بعد الحلق فعليه شاة لبقاء الحرام في حقّ‬ ‫النّساء ‪ .‬واختلفوا في تغييب الحشفة في البهيمة والدّبر ‪ :‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الحجّ‬ ‫ل يفسد بوطء البهيمة ‪ ،‬لنّه ل يوجب الحدّ ‪ ،‬فأشبه الوطء فيما دون الفرج ‪ .‬وذهب الشّافعيّة‬ ‫والحنابلة إلى أنّه ل فرق بين القبل والدّبر من آدميّ أو بهيمة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح‬ ‫( حجّ ‪ ،‬وعمرة ‪ ،‬وإحرام )‬ ‫‪ - 4‬وجوب كمال الصّداق ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬ل خلف بين الفقهاء في أنّ إيلج الحشفة في قبل المرأة الحيّة ‪ ،‬يوجب كمال الصّداق‬ ‫إذا كانا بالغين ‪ ،‬أو كان الزّوج بالغا ‪ ،‬والمرأة ممّن يوطأ مثلها ‪ .‬واختلفوا في تكميل الصّداق‬ ‫بإيلج الحشفة في دبر الزّوجة ( مع اتّفاقهم على حرمة ذلك ) ‪ :‬فذهب الجمهور إلى إيجاب‬ ‫كمال الصّداق ولو كان اليلج في الدّبر ‪ ،‬لنّه قد وجد استيفاء المقصود باستقرار العوض ‪.‬‬ ‫ويرى الحنفيّة أنّه ل يلزمه كمال المهر بالوطء في الدّبر لنّه ليس بمحلّ النّسل ‪ .‬وتفصيل‬ ‫ذلك في مصطلح ‪ ( :‬نكاح ومهر ) ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬التّحليل للزّوج الوّل ‪:‬‬ ‫ل بشروط ‪ :‬منها إيلج‬ ‫ن تحليل المطلّقة ثلثا ل يحصل إ ّ‬ ‫‪ - 8‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫الحشفة في قبل امرأة بل حائل يمنع الحرارة والّلذّة ‪ .‬ثمّ اختلفوا في اشتراط النزال مع‬ ‫اليلج ‪ :‬فذهب الجمهور إلى عدم اشتراطه ‪ ،‬لنّ الشّرط الذّوق ل الشّبع ‪ .‬ويرى المالكيّة‬ ‫اشتراطه ‪ .‬والصل في هذا الباب أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم علّق الحلّ على ذوق العسيلة‬ ‫ل بالوطء في الفرج ‪ ،‬وأدناه تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها ‪،‬‬ ‫منهما ‪ ،‬ول يحصل إ ّ‬ ‫ن الحكم يتعلّق‬ ‫ن أحكام الوطء تتعلّق به ‪ .‬ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحلّ له ‪ ،‬ل ّ‬ ‫لّ‬ ‫بذوق العسيلة ‪ ،‬ول تحصل من غير انتشار ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬طلق ) ‪.‬‬ ‫‪ - 6‬تحصين الزّوجين ‪:‬‬ ‫‪ - 9‬اتّفق الئمّة على أنّه يثبت الحصان بغيبوبة الحشفة في القبل على وجه يوجب الغسل‬ ‫سواء أنزل أم لم ينزل بشرط الح ّريّة والتّكليف وغيرهما من الشّروط المذكورة في موضعها‬ ‫‪ .‬والظّاهر أنّه ل يحصل تحصين الزّوجين بتغييبها ملفوفا عليها حائل كثيف ‪ ،‬وفي الخفيف‬ ‫خلف ‪ .‬وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( إحصان ) ‪.‬‬

‫‪ - 7‬وجوب الحدّ ‪:‬‬ ‫ن من شروط وجوب الح ّد في الزّنى تغييب حشفة أصليّة أو‬ ‫‪ - 10‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫قدرها من مقطوعها في فرج أصليّ ولو لم ينزل ‪ .‬فإن لم يغيّب أو غيّب بعضها فل حدّ ‪.‬‬ ‫ن ذلك ل يسمّى زنى ‪ ،‬إذ الوطء ل يتمّ بدون تغييب جميع الحشفة ‪ ،‬لنّه القدر الّذي تثبت‬ ‫لّ‬ ‫به أحكام الوطء ‪ ،‬ولذا لم يجب الغسل ولم يفسد الحجّ ‪ .‬واختلفوا في إيلجها في الدّبر من‬ ‫ذكر أو أنثى ‪ -‬مع حرمته ‪ : -‬فذهب الجمهور إلى أنّه ل فرق بين القبل والدّبر في وجوب‬ ‫الح ّد بتغييب الحشفة ‪ ،‬ويرى أبو حنيفة أنّه ل بدّ من إيلج الحشفة في القبل ‪ .‬وإن لفّ عليها‬ ‫خرقة كثيفة فذهب الحنفيّة في الصحّ والمالكيّة ‪ ،‬والحنابلة إلى عدم وجوب الح ّد قياسا على‬ ‫مسألة الغسل بل أولى ‪ .‬وأمّا بحائل خفيف ل يمنع الّلذّة فيجب الحدّ ‪ ،‬وفي قول عند المالكيّة‬ ‫ل يجب ‪ ،‬لنّ الحدود تدرأ بالشّبهات ‪ .‬ويرى الشّافعيّة وجوب الحدّ ‪ ،‬ولو كان الحائل غليظا‬ ‫‪ .‬ويشترط الحنفيّة والحنابلة النتشار أثناء تغييب الحشفة في وجوب الحدّ ‪ ،‬وهو غير شرط‬ ‫عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬زنى ) ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬ما يترتّب على قطع الحشفة ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬وجوب القصاص ‪:‬‬ ‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أنّه يجب القصاص بقطع جميع الحشفة عمدا إذ لها حدّ معلوم‬ ‫كالمفصل ‪ .‬واختلفوا في قطع بعضها ‪ :‬فذهب الجمهور إلى وجوب القصاص في قطع بعضها‬ ‫ص منه مثل ذلك ‪ ،‬ول يؤخذ‬ ‫أيضا ‪ ،‬ويقدّر بالجزاء كنصف وثلث ‪ ،‬وربع ‪ ،‬ويؤخذ من المقت ّ‬ ‫بالمساحة لئلّ يفضي إلى أخذ جميع عضو الجاني ببعض عضو المجنيّ عليه ‪ .‬لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫{ والجروح قصاص } ‪ .‬ول قصاص في قطع بعضها عند الحنفيّة ‪ ،‬لتعذّر المساواة وتجب‬ ‫الدّية ‪ ،‬لنّه متى تعذّر القصاص ‪ ،‬تجب الدّية كاملة ‪ ،‬لئلّ تخلو الجناية عن موجب ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وجوب الدّية ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬أجمع الفقهاء على أنّ في قطع الحشفة خطأ دية كاملة ‪ ،‬لنّها أصل في منفعة اليلج‬ ‫ن فيه إزالة الجمال على وجه‬ ‫والدّفق ‪ ،‬والقصبة كالتّابع لها كالكفّ مع الصابع ‪ .‬ول ّ‬ ‫ن معظم منافع الذّكر وهو لذّة المباشرة تتعلّق بها ‪ .‬وفي‬ ‫الكمال ‪ ،‬وتفويت جنس المنفعة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫قطع بعضها قسطه من الدّية عند الجمهور ‪ ،‬ويكون التّقسيط على الحشفة فقط ‪ ،‬لنّ الدّية‬ ‫تكمل بقطعها ‪ ،‬فقسّطت على أبعاضها ‪ .‬وفي قول عند الشّافعيّة ‪ :‬يكون التّقسيط على جملة‬ ‫ل فعليه أكثر المرين من قسطه من الدّية‬ ‫الذّكر ‪ .‬هذا إذا لم يختلّ مجرى البول ‪ ،‬فإن اخت ّ‬ ‫وحكومة فساد المجرى ‪ .‬وأمّا الحنفيّة فلم يفرّقوا في وجوب الدّية بين قطع الكلّ والبعض ‪.‬‬

‫حشيش انظر ‪ :‬كل ‪،‬‬ ‫حشيشة انظر ‪ :‬مخدّر‬ ‫حصاد‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحصاد بفتح الحاء وكسرها مصدر حصد الزّرع حصادا أي ‪ :‬جزّه ‪ ،‬وقطعه بالمنجل ‪،‬‬ ‫ومثله الحصد ‪ ،‬وحصائد اللسنة الّذي في الحديث ‪ :‬هو ما قيل في النّاس باللّسان ‪ ،‬والمحصد‬ ‫‪ :‬المنجل وزنا ومعنى ‪ ،‬والحصاد الزّرع المحصود ‪ ،‬والحصاد أيضا ‪ :‬أوان الحصاد ‪ ،‬ومنه‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬كلوا من ثمره إذا أثمر ‪ ،‬وآتوا حقّه يوم حصاده } والفقهاء يستعملون الحصاد‬ ‫لهذا المعنى ‪ .‬وأطلقوه أيضا على ما بقي في الرض بعد حصاد الزّرع توسّعا ‪ ،‬كما ذكره‬ ‫ي نقل عن شرح القدوريّ ‪.‬‬ ‫المطرّز ّ‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدّياس ‪:‬‬ ‫ب ‪ ،‬ويكرّر عليه الدّوس حتّى يصير تبنا ‪ .‬وهو‬ ‫‪ - 2‬الدّياس في الحبوب أن توطأ بقوائم الدّوا ّ‬ ‫عند الفقهاء من المواسم المعتادة يأتي بعد الحصاد ب ‪ -‬الجذاذ والجداد ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الجذاذ بضمّ الجيم وكسرها ‪ ،‬والجداد بفتح الجيم وكسرها ‪ ،‬بمعنى القطع ‪ ،‬ومنه ‪ :‬جدّ‬ ‫النّخل ‪ :‬أي صرمه ‪ ،‬أي قطع ثمره ‪ .‬وكذلك جذّ النّخل جذّا ‪ ،‬وجذاذا ‪ ،‬صرمه ‪ ،‬أي قطع‬ ‫ن الجذاذ ‪ ،‬والجداد خاصّان بالنّخل ونحوه ‪ ،‬والحصاد‬ ‫ثمره ‪ .‬والفرق بينهما وبين الحصاد أ ّ‬ ‫في الزّرع ‪ .‬في الحديث ‪ { :‬نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن جداد اللّيل } ‪ .‬ح ‪ -‬الجزاز‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الجزاز بفتح الجيم وكسرها كالحصاد ‪ ،‬واقع على الحين والوان ‪ ،‬قال الفرّاء ‪ :‬جاءنا‬ ‫وقت الجزاز ‪ ،‬أي ‪ :‬زمن الحصاد ‪ .‬وأجزّ النّخل ‪ ،‬والبرّ ‪ ،‬والغنم ‪ :‬حان له أن يجزّ ‪ ،‬وأجزّ‬ ‫البرّ والشّعير ‪ :‬أي حان حصاده ‪ .‬فالجزاز أع ّم من الحصاد والجذاذ ‪ ،‬لنّ الجذاذ أو الجداد‬ ‫خاصّ بالنّخل وأمثاله ‪ ،‬والحصاد ‪ :‬في الزّرع ‪ ،‬وأمّا الجزاز ‪ :‬ففي النّخل ‪ ،‬والزّرع‬ ‫والصّوف والشّعر ‪ .‬وفرّق محمّد بن الحسن بينهما ‪ ،‬فذكر أنّ الجداد قبل الدراك ‪ ،‬والجزاز‬ ‫بعده ‪ .‬وكلّ من الحصاد والدّياس والجذاذ والجزاز من المواسم المعتادة الّتي اختلف الفقهاء‬ ‫في جواز التّأجيل إليها في المعاملت وغيرها ‪.‬‬ ‫الحكم الجماليّ ‪:‬‬

‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أنّ الحصاد من الجال المجهولة جهالة متقاربة ‪ ،‬واختلفوا في جواز‬ ‫التّأجيل إليه ‪ :‬فذهب الحنفيّة ‪ ،‬والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة ‪ ،‬وابن المنذر إلى أنّه ل‬ ‫يجوز التّأجيل إلى الحصاد ونحوه في البيع والسّلم ‪ :‬وغيرهما لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫في السّلم { إلى أجل معلوم } ‪ .‬ولما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنه أنّه قال ‪ { :‬ل‬ ‫تتبايعوا إلى الحصاد والدّياس ‪ ،‬ول تتبايعوا إلّ إلى أجل معلوم } ‪ .‬ولنّ ذلك يختلف ‪،‬‬ ‫ويقرب ويبعد ‪ ،‬فل يجوز أن يكون أجل ‪ ،‬لنّه يؤدّي إلى المنازعة ‪ .‬ث ّم اختلف هؤلء الفقهاء‬ ‫في أثر اشتراط التّأجيل إلى الحصاد ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬أجل ) ‪.‬‬ ‫( مواطن البحث ) ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬قد فصّل الفقهاء الكلم على الحصاد في البيع عند الكلم عن خيار الشّرط وفي السّلم ‪،‬‬ ‫والجارة ‪ ،‬والمزارعة ‪ ،‬والمساقاة ‪ ،‬والزّكاة وغيرها وفي كلّ خلف وتفصيل يرجع فيها‬ ‫إلى مواطنها ‪.‬‬ ‫حصار‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحصار مصدر حاصر ‪ ،‬ومثله المحاصرة ‪ ،‬أي التّضييق على الشّخص والحاطة به ‪،‬‬ ‫والحصير في اللّغة المحبس ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا } أي محبسا ‪.‬‬ ‫وفي اصطلح الفقهاء هو التّضييق على العدوّ ‪ ،‬والحاطة به في بلد ‪ ،‬أو قلعة ‪ ،‬أو حصن ‪،‬‬ ‫أو غيرها ‪ ،‬ومنع الخروج والدّخول حتّى يستسلم ‪ ( .‬الحكم الشّرعيّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬ل خلف بين الفقهاء في أنّه يجوز للمام أو نائبه محاصرة الكفّار في بلدهم ‪،‬‬ ‫والحصون والقلع ‪ ،‬وتشديد المر عليهم بالمنع من الدّخول والخروج ‪ ،‬والمنع من الماء‬ ‫والطّعام حتّى يستسلموا وإن كان فيهم النّساء والصّبيان ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬فإذا انسلخ الشهر‬ ‫الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم } وقد حاصر الرّسول صلى‬ ‫ال عليه وسلم أهل الطّائف ‪ .‬وحاصر المسلمون بعده القدس في خلفة عمر رضي اللّه عنه‬ ‫وأرضاه ‪ .‬وعلى المام إذا حاصر حصنا أو مدينة أن يأخذه بواحدة من خصال خمس ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يسلّموا فيعصموا بالسلم دماءهم وأموالهم ‪ ،‬وأولدهم الصّغار ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أن يبذلوا مال على الموادعة فيجوز للمام قبوله منهم ‪ ،‬سواء جعلوه خراجا مستمرّا‬ ‫يؤخذ منهم كلّ عام ‪ ،‬أو دفعوه جملة ‪ ،‬ولهم أن يدفعوا جزية إن كانوا ممّن تقبل منهم الجزية‬ ‫فيقبل منهم وجوبا ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬أن يفتحه ‪.‬‬

‫د ‪ -‬أن يرى المصلحة في النصراف عنهم ‪ ،‬إمّا لضرر في القامة ‪ ،‬وإمّا لليأس منه ‪ ،‬وإمّا‬ ‫ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم حاصر‬ ‫لمصلحة تفوت بإقامته هناك فينصرف ‪ ،‬لما روي { أ ّ‬ ‫أهل الطّائف فلم ينل منهم شيئا ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّا قافلون إن شاء اللّه غدا ‪ ،‬فقال المسلمون أنرجع‬ ‫عنه ولم تفتحه ؟ فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اغدوا على القتال ‪ ،‬فغدوا عليه‬ ‫فأصابهم الجراح فقال لهم ‪ :‬إنّا قافلون غدا فأعجبهم فقفل } ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬أن ينزلوا على حكم حاكم فيجوز قبوله ‪ .‬لما روي { أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لمّا‬ ‫حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأجابهم إلى ذلك } ‪ .‬والتّفصيل‬ ‫في مصطلح ( تحكيم ) ‪ .‬ول يعتبر الحصار ظفرا بهم ‪ ،‬فإن أسلم المحصورون أثناء الحصار‬ ‫وقبل الستسلم عصموا دماءهم وأموالهم ‪ ،‬وأولدهم الصّغار ‪ ،‬فل يقتلون ول يستولى على‬ ‫أموالهم ‪ ،‬وإن كان الفتح قريبا ‪ .‬أمّا إذا أسلموا بعد الفتح فإنّهم يعصمون دماءهم دون أموالهم‬ ‫‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬جهاد ) ‪.‬‬ ‫حصار البغاة ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬ذهب الشّافعيّة إلى أنّه ل يجوز للمام حصار البغاة بمنع الطّعام ‪ ،‬أو الشّراب ‪ ،‬لنّ‬ ‫المقصود من قتالهم ردّهم إلى الطّاعة ل إهلكهم ‪ ،‬وهو مقتضى كلم الحنابلة ‪ .‬وقال‬ ‫المالكيّة ‪ :‬يجوز قتالهم بما يجوز قتال الكفّار به ‪ ،‬فيمنع عنهم الميرة والماء ‪ ،‬إلّ أن يكون‬ ‫معهم صبيان ونساء ‪ .‬والتّفصيل في ( بغاة ) ‪.‬‬ ‫فكّ حصار العد ّو بالمال ‪:‬‬ ‫ك الحصار عنهم لم يجبهم المام ‪ ،‬لما فيه من‬ ‫‪ - 4‬إذا حاصر العد ّو المسلمين وطلبوا مال لف ّ‬ ‫إعطاء الدّنيّة ‪ ،‬وإلحاق المذلّة بأهل السلم ‪ ،‬إلّ إذا خاف هلك المسلمين فيجوز ‪ .‬لنّ‬ ‫{ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أرسل إلى عيينة بن حصن ‪ ،‬والحارث بن عوف وهما قائدا‬ ‫غطفان لمّا اشتدّ البلء على المسلمين في وقعة الخندق ‪ ،‬وطلب منهما أن يرجعا بمن معهما‬ ‫ي صلى ال عليه وسلم سعد بن‬ ‫على أن يعطيهما كلّ سنة ثلث ثمار المدينة ‪ ،‬فاستشار النّب ّ‬ ‫معاذ ‪ ،‬وسعد بن عبادة فقال ‪ :‬يا رسول اللّه إن كان وحيا فامض لما أمرت به ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ل السّيف ‪ .‬فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنتم وذاك } ‪ .‬فقد مال النّبيّ‬ ‫رأيا رأيته ‪ ،‬ل نعطيهم إ ّ‬ ‫س الضّعف بالمسلمين ‪ ،‬فلمّا رأى‬ ‫صلى ال عليه وسلم إلى الصّلح بالمال في البتداء لمّا أح ّ‬ ‫قوّة المسلمين بما قال السّعدان امتنع عن ذلك ‪ ،‬ودفع الهلك عن المسلمين واجب بأيّ طريق‬ ‫ممكن ‪.‬‬ ‫حصر‬

‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحصر مصدر حصره العد ّو أو المرض ‪ ،‬أي حبسه عن السّفر ‪ .‬قال أبو إسحاق‬ ‫النّحويّ ‪ :‬الرّواية عند أهل اللّغة أن يقال للّذي يمنعه الخوف والمرض أحصر ‪ ،‬ويقال‬ ‫ن الرّجل إذا امتنع من التّصرّف فقد حصر نفسه ‪ ،‬فكأنّ‬ ‫للمحبوس حصر ‪ ،‬وإنّما كان كذلك ل ّ‬ ‫المرض أحبسه أي جعله يحبس نفسه ‪ ،‬وقولك ‪ :‬حصرته ‪ ،‬إنّما هو حبسته ‪ ،‬ل أنّه أحبس‬ ‫نفسه ‪ ،‬فل يجوز فيه أحصر ‪ .‬وقيل الحصر للحبس بالمرض ‪ ،‬والحصار للحبس بالعدوّ ‪.‬‬ ‫سكّيت ‪ :‬يقال أحصره المرض إذا منعه من السّفر ‪ ،‬أو من حاجة يريدها ‪،‬‬ ‫وقال ابن ال ّ‬ ‫وأحصره العد ّو إذا ضيّق عليه فحصر أي ضاق صدره ‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪ :‬حصر الرّجل في‬ ‫الحبس ‪ ،‬وأحصر في السّفر من مرض أو انقطاع به ‪ ،‬وأمّا الحصر فهو ضيق الصّدر ‪،‬‬ ‫والبخل ‪ ،‬والمنع من الشّيء عجزا ‪ ،‬أو حياء ‪ ،‬والعيّ في المنطق ‪ .‬ومنه حصر القارئ أي‬ ‫ي في كتبهم استعمال كثيرا ‪ .‬إلّ‬ ‫منع القراءة ‪ .‬واستعمل الفقهاء ( الحصر ) بالمعنى اللّغو ّ‬ ‫أنّهم غلّبوا استعمال هذه المادّة ( حصر ) ومشتقّاتها في باب الحجّ والعمرة للدّللة على منع‬ ‫المحرم من أركان النّسك ‪ ،‬وذلك اتّباعا للقرآن الكريم ‪ ،‬وتوافقت على ذلك عباراتهم حتّى‬ ‫أصبح ( الحصار ) اصطلحا فقهيّا مشهورا ‪ .‬ومسائل الحصار قد تمّ استيفاؤها في‬ ‫مصطلح ( إحصار ) ‪ .‬ولهذه الكلمة معان أخرى مختلفة بحسب العلم المبحوث فيه ‪.‬‬ ‫أحكام الحصر ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬فيما يلي بعض المثلة الّتي وردت في كتب الفقه من أبواب مختلفة ‪ ،‬وينظر تفصيلها في‬ ‫مواضعها من الموسوعة وغيرها من كتب الفقه ‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬جاء في حاشية ابن عابدين ‪ ،‬يجوز عند الصّاحبين أن يستخلف المام إذا حصر ببول أو‬ ‫غائط خلفا لبي حنيفة ‪ ( .‬انظر استخلف ‪ ،‬إمامة الصّلة ‪ ،‬حاقن ) ‪ .‬ب ‪ -‬وجاء فيها‬ ‫صدّيق‬ ‫أيضا ‪ :‬للمام أن يستخلف إذا حصر عن قراءة القدر المفروض ‪ ،‬لحديث { أبي بكر ال ّ‬ ‫س بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم حصر عن القراءة فتأخّر فتقدّم‬ ‫رضي ال عنه ‪ ،‬فإنّه لمّا أح ّ‬ ‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأتمّ الصّلة } ‪ ،‬ولو لم يكن جائزا لما فعله وأقرّه ‪ ( .‬انظر‬ ‫استخلف ‪ -‬إمامة ‪ -‬صلة ) ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬وذكر صاحب مواهب الجليل أنّه لو سها المام أو حصر فلم يكبّر في صلة العيد السّبع‬ ‫والخمس وجب على المأمومين أن يكبّروا ( انظر ‪ :‬صلة العيد ) ‪.‬‬

‫د ‪ -‬وعند الشّافعيّة يجب على المزكّي أن يستوعب آحاد كلّ صنف من مستحقّي الزّكاة إن‬ ‫كانوا محصورين ‪ -‬أي سهل عدّهم ‪ -‬في البلد الّذي وجبت فيه الزّكاة ‪ ،‬ووفّى بهم المال ‪،‬‬ ‫ل فيجب إعطاء ثلثة من كلّ صنف لذكره في الية بصيغة الجمع ‪ ( .‬وانظر ‪ :‬زكاة ) ‪.‬‬ ‫وإ ّ‬ ‫هـ ‪ -‬ل يكلّف القاضي غرماء المفلس ‪ ،‬وكذا غرماء الميّت ببيّنة تثبت حصر الدّائن فيهم ‪.‬‬ ‫ن الحاكم ل يقسم عليهم حتّى يكلّفهم ببيّنة تشهد بحصرهم ‪ ،‬وموت مورثهم‬ ‫بخلف الورثة فإ ّ‬ ‫ومرتبتهم من الميّت ‪ ،‬لنّ عددهم معلوم للجيران وأهل البلد فل كلفة في إثباته ‪ ،‬والدّين يقصد‬ ‫إخفاؤه ‪ -‬غالبا ‪ -‬فإثبات حصر الغرماء يتعسّر ‪ ( .‬انظر ‪ :‬إفلس ‪ ،‬إرث ‪ ،‬تركة ‪ ،‬حجر ‪،‬‬ ‫دين ) ‪.‬‬ ‫و ‪ -‬قال المالكيّة ‪ :‬إذا أوصى بثلثه لمجهول غير محصور كقبيلة كبيرة لم يلزم التّعميم ‪،‬‬ ‫وكغزاة أو فقراء أو مساكين ‪ ،‬فل يلزم تعميمهم ول التّسوية بينهم ‪ ،‬وإنّما يقسم بينهم باجتهاد‬ ‫الوصيّ ‪ ( .‬انظر ‪ :‬إيصاء ) ‪.‬‬ ‫ز ‪ -‬ل يكفي في اليمين الثبات ولو مع الحصر كقوله ‪ :‬ما بعت إلّ بكذا بل ل بدّ من‬ ‫ن اليمان ل يكتفى فيها باللّوازم ‪ ،‬بل‬ ‫التّصريح مع الثبات بنفي ما ادّعاه الخصم صريحا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن فيها نوعا من التّعبّد كقول البائع ‪ :‬واللّه ما بعت بكذا وإنّما بعت بكذا‬ ‫ل بدّ من الصّريح ‪ ،‬ل ّ‬ ‫‪ ( .‬انظر ‪ :‬أيمان ) ‪.‬‬ ‫ب أن يقضي‬ ‫ح ‪ -‬اختلف المالكيّة في جلوس أهل العلم مع القاضي ‪ ،‬فقال ابن الموّاز ‪ :‬ل أح ّ‬ ‫إلّ بحضرة أهل العلم ومشاورتهم ‪ ،‬وقال أشهب ‪ :‬إلّ أن يخاف الحصر ( أي الضّيق ) من‬ ‫جلوسهم عنده ‪ ،‬وقال سحنون ‪ :‬ل ينبغي أن يكون معه في مجلسه من يشغله عن النّظر ‪،‬‬ ‫كانوا أهل فقه أو غيرهم ‪ ،‬فإنّ ذلك يدخل عليه الحصر ‪ ،‬وقاله مطرّف وابن الماجشون‬ ‫وأضافا ‪ :‬لكن إذا ارتفع من مجلس القضاء شاور ‪ ( .‬انظر ‪ :‬قضاء ) ‪.‬‬ ‫ط ‪ -‬قال الشّافعيّة ‪ :‬العقود الّتي تفيد الكفّار المن ثلثة ‪ :‬أمان ‪ ،‬وجزية ‪ ،‬وهدنة ‪ ،‬لنّه إن‬ ‫ل فالجزية ‪،‬‬ ‫تعلّق بمحصور فالمان ‪ ،‬أو بغير محصور ‪ ،‬فإن كان إلى غاية فالهدنة ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫وهما مختصّان بالمام بخلف المان أي فإنّه يجوز لغير المام إعطاؤه إذا كان لحربيّين‬ ‫محصورين أي معدودين إلّ لنحو جاسوس وأسير ‪ ( .‬انظر ‪ :‬أمان ‪ ،‬جزية ‪ ،‬حصار ‪،‬‬ ‫هدنة ‪ ،‬معاهدة ) ‪.‬‬ ‫حضانة‬ ‫التّعريف‬

‫‪ - 1‬الحضانة في اللّغة ‪ :‬مصدر حضن ‪ ،‬ومنه حضن الطّائر بيضه إذا ضمّه إلى نفسه تحت‬ ‫جناحيه ‪ ،‬وحضنت المرأة بها إذا جعلته في حضنها أو ربّته ‪ ،‬والحاضن والحاضنة الموكّلن‬ ‫بالصّبيّ يحفظانه ويربّيانه ‪ ،‬وحضن الصّبيّ يحضنه حضنا ‪ :‬ربّاه ‪ .‬والحضانة شرعا ‪ :‬هي‬ ‫حفظ من ل يستقلّ بأموره ‪ ،‬وتربيته بما يصلحه ‪.‬‬ ‫( اللفاظ ذات الصّلة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الكفالة ‪ - 2‬الكفالة لغة الضّمّ ‪ ،‬وكفلت المال وبالمال ضمنته ‪ ،‬وكفلت الرّجل وبالرّجل‬ ‫كفل وكفالة ‪ ،‬وتكفّلت به ضمنته ‪ ،‬والكافل العائل ‪ ،‬والكافل والكفيل الضّامن ‪ .‬قال ابن‬ ‫العرابيّ ‪ :‬كفيل وكافل وضمين وضامن بمعنى واحد ‪ ،‬وفي التّهذيب ‪ :‬وأمّا الكافل فهو‬ ‫الّذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه ‪ ،‬وقال ابن بطّال ‪ :‬الكفالة بالولد أن يعوله ويقوم بأمره ‪،‬‬ ‫ضمّ والتّضمين ‪.‬‬ ‫ل على ال ّ‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وكفّلها زكريّا } وفي المغرب ‪ :‬وتركيبه يد ّ‬ ‫والفقهاء يفردون بابا للكفالة بالدّين أو بالنّفس ‪ ،‬ويعرّفونها بأنّها ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة‬ ‫الصيل في المطالبة مطلقا بنفس ‪ ،‬أو بدين ‪ ،‬أو عين كمغصوب ‪ .‬كما يستعملون لفظ الكفالة‬ ‫في باب الحضانة ‪ ،‬ويريدون بالكفيل من يعول الصّغير ويقوم بأموره ‪ .‬وعلى ذلك فلفظ‬ ‫الكفالة مشترك بين ضمّ ال ّذمّة وبين الحضانة ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الولية ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الولية لغة ‪ :‬النّصرة ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬القدرة على التّصرّف أو هي ‪ :‬تنفيذ القول على الغير‬ ‫‪ .‬وقد يكون مصدرها الشّرع كولية الب والجدّ ‪ ،‬وقد يكون مصدرها تفويض الغير‬ ‫كالوصاية ونظارة الوقف ‪ .‬والوليات متعدّدة كالولية في المال ‪ ،‬وفي النّكاح ‪ ،‬وفي‬ ‫الحضانة ‪ ،‬وتختلف من تثبت له الولية من نوع إلى نوع ‪ ،‬فقد تكون للرّجال فقط ‪ .‬وقد‬ ‫تكون للرّجال والنّساء ‪ .‬والحضانة نوع من أنواع الوليات الثّابتة بالشّرع ‪ ،‬ويقدّم فيها النّساء‬ ‫على الرّجال ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الوصاية ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الوصاية لغة ‪ :‬المر ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬المر بالتّصرّف بعد الموت ‪ ،‬كوصيّة النسان إلى من‬ ‫ل أنّها‬ ‫يغسّله ‪ ،‬أو يصلّي عليه إماما ‪ ،‬أو يزوّج بناته ونحو ذلك ‪ ،‬فالوصاية ولية كغيرها ‪ ،‬إ ّ‬ ‫تثبت بتفويض الغير ‪ ،‬أمّا الحضانة فهي ثابتة بالشّرع ‪ ،‬وقد يكون الوصيّ حاضنا ‪ .‬الحكم‬ ‫التّكليفيّ ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬الحضانة واجبة شرعا ‪ ،‬لنّ المحضون قد يهلك ‪ ،‬أو يتضرّر بترك الحفظ ‪ ،‬فيجب‬ ‫حفظه عن الهلك ‪ ،‬محكمها الوجوب العينيّ إذا لم يوجد إلّ الحاضن ‪ ،‬أو وجد ولكن لم يقبل‬ ‫الصّبيّ غيره ‪ ،‬والوجوب الكفائيّ عند تعدّد الحاضن ‪.‬‬

‫صفة المحضون ( من ثبت عليه الحضانة ) ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬تثبت الحضانة على الصّغير باتّفاق الفقهاء وكذلك الحكم عند الجمهور ‪ -‬الحنفيّة‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة وفي قول عند المالكيّة ‪ -‬بالنّسبة للبالغ المجنون والمعتوه ‪ .‬والمشهور عند‬ ‫المالكيّة أنّ الحضانة تنقطع في الذّكور بالبلوغ ولو كان زمنا أو مجنونا ‪.‬‬ ‫مقتضى الحضانة ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬مقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عمّا يؤذيه ‪ ،‬وتربيته لينمو ‪ ،‬وذلك بعمل ما‬ ‫يصلحه ‪ ،‬وتعهّده بطعامه وشرابه ‪ ،‬وغسله وغسل ثيابه ‪ ،‬ودهنه ‪ ،‬وتعهّد نومه ويقظته ‪.‬‬ ‫حقّ الحضانة ‪:‬‬ ‫ل من الحاضن والمحضون حقّ في الحضانة ‪ ،‬فهي حقّ الحاضن بمعنى أنّه لو امتنع‬ ‫‪ - 8‬لك ّ‬ ‫عن الحضانة ل يجبر عليها ‪ ،‬لنّها غير واجبة عليه ‪ ،‬ولو أسقط حقّه فيها سقط ‪ ،‬وإذا أراد‬ ‫العود وكان أهل لها عاد إليه حقّه عند الجمهور ‪ ،‬لنّه حقّ يتجدّد بتجدّد الزّمان ‪ .‬وهي حقّ‬ ‫المحضون بمعنى أنّه لو لم يقبل المحضون غير أمّه أو لم يوجد غيرها ‪ ،‬أو لم يكن للب ول‬ ‫للصّغير مال ‪ ،‬تعيّنت المّ للحضّانة وتجبر عليها ‪ ،‬ولذلك يقول الحنفيّة ‪ :‬لو اختلعت ‪.‬‬ ‫ح الخلع وبطل الشّرط ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة‬ ‫الزّوجة على أن تترك ولدها عند الزّوج ص ّ‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ .‬ويوافقهم المالكيّة في المشهور عندهم ‪ ،‬غير أنّهم يخالفون الجمهور في‬ ‫عودة الحقّ بعد السقاط ‪ ،‬فعندهم إذا أسقط الحاضن حقّه في الحضانة دون عذر بعد وجوبها‬ ‫سقط حقّه ول يعود إليه الحقّ بعد ذلك لو أراد ‪ ،‬ومقابل المشهور يعود إليه حقّه بناء على أنّها‬ ‫حقّ المحضون ‪.‬‬ ‫المستحقّون للحضانة وترتيبهم ‪:‬‬ ‫ن النّساء يقدّمن على الرّجال ‪،‬‬ ‫‪ - 9‬الحضانة تكون للنّساء والرّجال من المستحقّين لها ‪ ،‬إلّ أ ّ‬ ‫لنّهنّ أشفق وأرفق ‪ ،‬وبها أليق وأهدى إلى تربية الصّغار ‪ ،‬ثمّ تصرف إلى الرّجال لنّهم‬ ‫على الحماية والصّيانة وإقامة مصالح الصّغار أقدر ‪ .‬وحضانة الطّفل تكون للبوين إذا كان‬ ‫ن امرأة أتت رسول‬ ‫النّكاح قائما بينهما ‪ ،‬فإن افترقا فالحضانة ل ّم الطّفل باتّفاق ‪ ،‬لما ورد { أ ّ‬ ‫ن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له‬ ‫اللّه صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه ‪ :‬إ ّ‬ ‫حواء ‪ ،‬وثديي له سقاء ‪ ،‬وزعم أبوه أنّه ينزعه منّي ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت أحقّ به ما لم تنكحي } ‪.‬‬ ‫ل أهل مذهب طريقة خاصّة في ترتيب مستحقّي الحضانة بعد المّ ومن يقدّم عند الستواء‬ ‫ولك ّ‬ ‫ن الحضانة ل تنتقل من المستحقّ إلى من بعده من المستحقّين‬ ‫في الستحقاق ‪ .‬مع مراعاة أ ّ‬

‫إلّ إذا أسقط المستحقّ حقّه في الحضانة أو سقطت لمانع ‪ .‬وبيان ترتيب المذاهب للمستحقّين‬ ‫هو كما يلي ‪:‬‬ ‫ن أمّ المّ تلي المّ في الحضانة إذا سقطت حضانة المّ لمانع ‪ ،‬ثمّ أمّ‬ ‫‪ - 10‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫الب وإن علت ‪ ،‬ثمّ الخت لبوين ‪ ،‬ثمّ الخت لمّ ‪ ،‬ثمّ الخت لب ‪ ،‬ثمّ بنت الخت‬ ‫لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ الخالت لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ بنت الخت لب ( وتأخيرها عن‬ ‫الخالت هو الصّحيح ) ‪ .‬ثمّ بنات الخ لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ العمّات لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ‬ ‫‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ خالة المّ ‪ ،‬ثمّ خالة الب ‪ ،‬ثمّ عمّات المّهات والباء ‪ ،‬ثمّ العصبات من‬ ‫الرّجال بترتيب الرث ‪ ،‬فيقدّم الب ‪ ،‬ث ّم الجدّ ‪ ،‬ثمّ الخ الشّقيق ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ بنوه كذلك ‪ ،‬ثمّ‬ ‫ن ‪ ،‬ثمّ إذا لم يكن عصبة انتقل حقّ الحضانة‬ ‫العمّ ‪ ،‬ثمّ بنوه ‪ .‬وإذا اجتمعوا قدّم الورع ثمّ الس ّ‬ ‫لذوي الرحام الذّكور إذا كانوا من المحارم ‪ ،‬فيقدّم الج ّد لمّ ‪ ،‬ثمّ يقدّم الخ لمّ ‪ ،‬ثمّ لبنه ‪ ،‬ثمّ‬ ‫للعمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ للخال لبوين ‪ ،‬ثمّ للخال لمّ ‪ ،‬فإن تساووا فأصلحهم ‪ ،‬ثمّ أورعهم ثمّ أكبرهم ‪.‬‬ ‫‪ - 11‬وذهب المالكيّة إلى أنّ الحقّ بالحضانة بعد المّ أمّ المّ ‪ ،‬ثمّ جدّة المّ ‪ ،‬وتقدّم من كانت‬ ‫من جهة المّ على من كانت من جهة الب ‪ ،‬ثمّ خالة المحضون الشّقيقة ‪ ،‬ثمّ الّتي للمّ ‪ ،‬ثمّ‬ ‫الّتي للب ‪ ،‬ثمّ خالة المّ الشّقيقة ‪ ،‬ثمّ الّتي لل ّم ‪ ،‬ثمّ الّتي للب ‪ ،‬ثمّ عمّة المّ ‪ ،‬ثمّ الجدّة لب‬ ‫( وتشمل أمّ الب وأ ّم أمّه وأمّ أبيه وتقدّم القربى على البعدى ) ثمّ بعد الجدّة من جهة الب‬ ‫تكون الحضانة للب ‪ ،‬ثمّ أخت المحضون الشّقيقة ‪ ،‬ثمّ الّتي للمّ ‪ ،‬ثمّ الّتي للب ‪ ،‬ثمّ العمّة ‪،‬‬ ‫ثمّ عمّة الب على التّرتيب المذكور ‪ ،‬ثمّ خالة الب ‪ .‬ثمّ اختلف بعد ذلك في تقديم بنت الخ‬ ‫أو بنت الخت أو تقديم الكفأ منهنّ وهو أظهر القوال ‪ ،‬ثمّ الوصيّ ‪ ،‬ثمّ الخ ‪ ،‬ث ّم الجدّ من‬ ‫جهة الب ‪ ،‬ثمّ ابن الخ ‪ ،‬ثمّ العمّ ‪ ،‬ث ّم ابن العمّ ‪ ،‬ثمّ المولى العلى ‪ ،‬وهو المعتق ‪ ،‬ثمّ‬ ‫المولى السفل وهو المعتق ‪ .‬واختلف في حضانة الجدّ لمّ ‪ ،‬فمنع ذلك ابن رشد ‪ ،‬واختار‬ ‫اللّخميّ أنّ له حقّا في الحضانة ‪ ،‬ومرتبته تكون بعد مرتبة الجدّ لب ‪ .‬ويقدّم عند التّساوي‬ ‫الكثر صيانة وشفقة ‪ ،‬ثمّ الكبر سنّا عند التّساوي في ذلك ‪ ،‬ثمّ القرعة عند التّساوي في كلّ‬ ‫شيء ‪.‬‬ ‫‪ - 12‬وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الحقّ بالحضانة بعد المّ البنت ‪ ،‬ثمّ أمّهات المّ اللّاتي يدلين‬ ‫بإناث وارثات تقدّم القربى فالقربى ‪ ،‬ث ّم الصّحيح بعد ذلك ‪ -‬على الجديد ‪ -‬تنتقل الحضانة‬ ‫إلى أمّ الب ‪ ،‬وإنّما قدّمت أمّهات المّ على أمّ الب لوفور شفقتهنّ ولنّهنّ أقوى ميراثا من‬ ‫أمّهات الب ‪ ،‬ث ّم بعد أمّ الب أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ‪ ،‬ث ّم أمّ أبي الب ‪ ،‬ثمّ أمّهاتها‬ ‫المدليات بإناث وارثات ‪ ،‬ثمّ أ ّم أبي الجدّ ثمّ أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ‪ ،‬وتقدّم من كلّ‬ ‫ذلك القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الخت الشّقيقة ثمّ الّتي لب ‪ -‬على الصحّ ‪ -‬ثمّ الّتي لمّ ‪ ،‬ثمّ لخالة‬

‫بهذا التّرتيب على الصحّ ‪ ،‬ث ّم بنت الخت ‪ ،‬ثمّ بنت الخ ‪ ،‬ثمّ العمّة من الب والمّ ‪ ،‬ثمّ‬ ‫العمّة من الب ‪ ،‬ثمّ العمّة من المّ ‪ .‬وعلى القديم يقدّم الخوات والخالت على أمّهات الب‬ ‫ن اجتمعن معه في الصّلب والبطن ‪ ،‬وأمّا الخالت لقول النّبيّ‬ ‫والجدّ ‪ ،‬أمّا الخوات فلنّه ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬الخالة بمنزلة المّ } ‪ .‬والصحّ إثبات حقّ الحضانة للناث غير‬ ‫ن إلى‬ ‫ن بالقرابة وهدايته ّ‬ ‫المحارم كبنت الخالة ‪ ،‬وبنت العمّة ‪ ،‬وبنت الخال ‪ ،‬وبنت العمّ لشفقته ّ‬ ‫ن في الحضانة ‪ .‬أمّا بالنّسبة لحضانة الرّجال فقد‬ ‫ح ل حقّ له ّ‬ ‫التّربية بالنوثة ‪ ،‬ومقابل الص ّ‬ ‫ذكر الشّافعيّة أنّها تثبت لكلّ محرم وارث على ترتيب الرث عند الجتماع ‪ ،‬فيقدّم أب ‪ ،‬ثمّ‬ ‫جدّ وإن عل ‪ ،‬ثمّ أخ شقيق ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬وهكذا كترتيب ولية النّكاح ‪ ،‬كما تثبت الحضانة لغير‬ ‫المحرم إن كان وارثا كابن العمّ ‪ ،‬وهذا على الصّحيح لوفور شفقته بالولية ‪ ،‬ومقابل الصّحيح‬ ‫ل حضانة له لفقد المحرميّة ‪ .‬فإن فقد الذّكر الرث والمحرميّة معا كابن الخال وابن العمّة ‪،‬‬ ‫أو فقد الرث فقط مع بقاء المحرميّة كالخال وأبي المّ ‪ ،‬فل حضانة لهم في الصحّ ‪،‬‬ ‫ح لهم الحضانة لشفقتهم بالقرابة ‪ .‬وإذا اجتمع للمحضون مستحقّون من الذّكور‬ ‫ومقابل الص ّ‬ ‫والناث قدّمت المّ ‪ ،‬ثمّ أمّهات المّ المدليات بإناث ‪ ،‬ثمّ الب ‪ ،‬وقيل تقدّم الخالة والخت من‬ ‫المّ على الب ‪ ،‬ويقدّم الصل على الحاشية مطلقا ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬كالخ والخت لقوّة‬ ‫ح أن يقدّم من الحواشي القرب فالقرب‬ ‫الصول ‪ ،‬فإن فقد الصل وهناك حواش فالص ّ‬ ‫كالرث ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬وإن استووا وفيهم ذكر وأنثى ‪ ،‬فالنثى مقدّمة على الذّكر ‪ .‬وإن‬ ‫استوى اثنان من كلّ وجه كأخوين وأختين ‪ ،‬وخالتين ‪ ،‬أقرع بينهما قطعا للنّزاع ‪ .‬ومقابل‬ ‫ن نساء القرابة وإن بعدن أحقّ بالحضانة من الذّكور وإن كانوا عصبات ‪ ،‬لنّهنّ‬ ‫الصحّ أ ّ‬ ‫أصلح للحضانة ‪ .‬قال البيضاويّ ‪ :‬إن تزاحموا قدّمت في الصول المّ ما لم تنكح أجنبيّا ‪ ،‬ثمّ‬ ‫الجدّة ‪ ،‬ثمّ المدلية بها ‪ ،‬لنّها بالناث أليق ‪ ،‬ثمّ الب ‪ ،‬ثمّ المدلية به ‪ ،‬ثمّ الجدّ ‪ ،‬ثمّ المدلية‬ ‫به ‪ ،‬ثمّ الخت ‪ ،‬ثمّ الخ ‪ ،‬ثمّ الخالت ‪ ،‬ثمّ بنت الخت ‪ ،‬ثمّ بنت الخ ‪ ،‬ثمّ ابنه ‪ ،‬ثمّ العمّ ‪،‬‬ ‫ثمّ ابنته ‪ ،‬ثمّ ابنه ‪ ،‬وتسلّم المراهقة إلى ثقة ‪ ،‬وقدّم ولد البوين ثمّ الب ‪ ،‬ثمّ المّ ‪ .‬ثمّ أبو المّ‬ ‫‪ .‬ثمّ الخال ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل حقّ لهما ‪ ،‬ول لبن ولد المّ ‪ ،‬لعدم النوثة والرث ‪.‬‬ ‫ن الحقّ بالحضانة بعد المّ أمّهاتها القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الب ‪ ،‬ثمّ‬ ‫‪ - 13‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫أمّهات الب القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الجدّ ‪ ،‬ثمّ أمّهات الجدّ القربى فالقربى ‪ ،‬ثمّ الخت لبوين ‪،‬‬ ‫ثمّ الخت لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ الخالة لبوين ‪ ،‬ثمّ الخالة لمّ ‪ ،‬ثمّ الخالة لب ‪ ،‬ثمّ العمّة‬ ‫لبوين ‪ ،‬ثمّ لمّ ‪ ،‬ثمّ لب ‪ ،‬ثمّ خالة أمّه كذلك ‪ ،‬ثمّ خالة أبيه ‪ ،‬ث ّم عمّة أبيه ‪ ،‬ثمّ بنات إخوته‬ ‫وبنات أخواته ‪ ،‬ثمّ بنات أعمامه وبنات عمّاته ‪ ،‬ثمّ بنات أعمام أبيه وبنات عمّات أبيه ‪ ،‬تقدّم‬ ‫من كلّ ذلك من كانت لبوين ثمّ من كانت لمّ ‪ ،‬ث ّم من كانت لب ‪ .‬ثمّ تكون الحضانة لباقي‬

‫العصبة القرب فالقرب ‪ .‬فإن كان المحضون أنثى فالحضانة عليها للعصبة من محارمها‬ ‫ولو برضاع ونحوه كمصاهرة ‪ ،‬وهذا متى بلغت النثى المحضونة سبعا ‪ ،‬فل حضانة عليها‬ ‫بعد السّبع لبن الع ّم ونحوه إن لم يكن محرما لها برضاع أو مصاهرة ‪ .‬هذا ما حرّره‬ ‫صاحب كشّاف القناع ‪ ،‬وقال عنه ابن قدامة إنّه المشهور في المذهب ‪ .‬وذكر ابن قدامة‬ ‫ن أمّ الب وأمّهاتها مقدّمات على أمّ المّ ‪،‬‬ ‫بعض الرّوايات الخرى عن المام أحمد ‪ ،‬فعنه أ ّ‬ ‫وعلى هذه الرّواية يكون الب أولى بالتّقديم ‪ ،‬فيكون الب بعد المّ ثمّ أمّهاته ‪ .‬كما حكي عن‬ ‫ق منه ومن‬ ‫ن الخت من المّ والخالة أحقّ من الب ‪ ،‬فتكون الخت من البوين أح ّ‬ ‫أحمد أ ّ‬ ‫جميع العصبات ‪ .‬وأمّا ترتيب الرّجال فأولهم الب ‪ ،‬ثمّ الجدّ ‪ ،‬أبو الب وإن عل ‪ ،‬ثمّ الخ‬ ‫من البوين ‪ ،‬ث ّم الخ من الب ‪ ،‬ث ّم بنوهم وإن نزلوا على ترتيب الميراث ‪ ،‬ثمّ العمومة ‪ ،‬ثمّ‬ ‫بنوهم كذلك ‪ ،‬ثمّ عمومة الب ‪ ،‬ثمّ بنوهم ‪ .‬وإن اجتمع شخصان أو أكثر من أهل الحضانة‬ ‫ق منهم بالقرعة ‪ .‬وإذا لم يكن للحاضن أحد ممّن ذكر‬ ‫وتساووا ‪ ،‬كأخوين شقيقين قدّم المستح ّ‬ ‫انتقلت الحضانة لذوي الرحام في أحد الوجهين وهو الولى ‪ ،‬لنّ لهم رحما وقرابة يرثون‬ ‫بها عند عدم من هو أولى ‪ ،‬فيقدّم أبو أمّ ‪ ،‬ثمّ أمّهاته ‪ ،‬ث ّم أخ من أمّ ‪ ،‬ثمّ خال ‪ ،‬ثمّ حاكم‬ ‫يسلّمه إلى من يحضنه من المسلمين ‪ .‬وفي الوجه الخر ل حقّ لذوي الرحام من الرّجال‬ ‫ل موطن اجتمع فيه أخ وأخت ‪ ،‬أو عمّ وعمّة ‪ ،‬أو ابن أخ وبنت‬ ‫وينتقل المر للحاكم ‪ .‬وفي ك ّ‬ ‫أخ ‪ ،‬أو ابن أخت وبنت أخت قدّمت النثى على من في درجتها من الذّكور ‪ ،‬لنّ النوثة هنا‬ ‫مع التّساوي توجب الرّجحان ‪.‬‬ ‫ق الحضانة ‪:‬‬ ‫ما يشترط فيمن يستح ّ‬ ‫ل إذا‬ ‫‪ - 14‬الحضانة من الوليات والغرض منها صيانة المحضون ورعايته ‪ ،‬وهذا ل يتأتّى إ ّ‬ ‫كان الحاضن أهل لذلك ‪ ،‬ولهذا يشترط الفقهاء شروطا خاصّة ل تثبت الحضانة إلّ لمن‬ ‫توفّرت فيه ‪ ،‬وهي أنواع ثلثة ‪ :‬شروط عامّة في النّساء والرّجال ‪ ،‬وشروط خاصّة بالنّساء ‪،‬‬ ‫وشروط خاصّة بالرّجال ‪ .‬أمّا الشّروط العامّة فهي ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬السلم ‪ .‬وذلك إذا كان المحضون مسلما ‪ ،‬إذ ل ولية للكافر على المسلم ‪ ،‬وللخشية‬ ‫على المحضون من الفتنة في دينه ‪ ،‬وهذا شرط عند الشّافعيّة والحنابلة وبعض فقهاء‬ ‫المالكيّة ‪ ،‬ومثله مذهب الحنفيّة بالنّسبة للحاضن الذّكر ‪ ..‬أمّا عند المالكيّة في المشهور عندهم‬ ‫وعند الحنفيّة بالنّسبة للحاضنة النثى ‪ ،‬فل يشترط السلم إلّ أن تكون المرأة مرتدّة ‪ ،‬لنّها‬ ‫تحبس وتضرب ‪ -‬كما يقول الحنفيّة ‪ -‬فل تتفرّغ للحضانة ‪ .‬أمّا غير المسلمة ‪ -‬كتابيّة كانت‬ ‫أو مجوسيّة ‪ -‬فهي كالمسلمة في ثبوت حقّ الحضانة ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬ما لم يعقل المحضون‬ ‫الدّين ‪ ،‬أو يخشى أن يألف الكفر فإنّه حينئذ ينزع منها ويضمّ إلى أناس من المسلمين ‪ ،‬لكن‬

‫عند المالكيّة إن خيف عليه فل ينزع منها ‪ ،‬وإنّما تض ّم الحاضنة لجيران مسلمين ليكونوا‬ ‫رقباء عليها ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬البلوغ والعقل ‪ ،‬فل تثبت الحضانة لطفل ول لمجنون ‪ ،‬أو معتوه ‪ ،‬لنّ هؤلء عاجزون‬ ‫عن إدارة أمورهم وفي حاجة لمن يحضنهم ‪ ،‬فل توكل إليهم حضانة غيرهم ‪ ،‬وهذا باتّفاق‬ ‫ن للمالكيّة تفصيل في شرط البلوغ ‪.‬‬ ‫في الجملة حيث إ ّ‬ ‫ن الفاسق ل يؤتمن ‪ ،‬والمراد ‪ :‬الفسق الّذي‬ ‫‪ - 3‬المانة في الدّين ‪ ،‬فل حضانة لفاسق ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يضيع المحضون به ‪ ،‬كالشتهار بالشّرب ‪ ،‬والسّرقة ‪ ،‬والزّنى واللّهو المحرّم ‪ ،‬أمّا مستور‬ ‫الحال فتثبت له الحضانة ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬الحاصل أنّ الحاضنة إن كانت فاسقة فسقا يلزم‬ ‫ل فهي أحقّ به إلى أن يعقل الولد فجور أمّه فينزع‬ ‫منه ضياع الولد عندها سقط حقّها ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫منها ‪ ،‬وقال الرّمليّ ‪ :‬يكفي مستورها أي مستور العدالة ‪ .‬قال الدّسوقيّ ‪ :‬والحاضن محمول‬ ‫على المانة حتّى يثبت عدمها ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬القدرة على القيام بشأن المحضون ‪ ،‬فل حضانة لمن كان عاجزا عن ذلك لكبر سنّ ‪ ،‬أو‬ ‫مرض يعوق عن ذلك ‪ ،‬أو عاهة كالعمى والخرس والصّمم ‪ ،‬أو كانت الحاضنة تخرج كثيرا‬ ‫ل إذا كان لديهم من يعنى‬ ‫لعمل أو غيره وتترك الولد ضائعا ‪ ،‬فكلّ هؤلء ل حضانة لهم إ ّ‬ ‫بالمحضون ‪ ،‬ويقوم على شؤونه ‪ ،‬فحينئذ ل تسقط حضانتهم ‪.‬‬ ‫‪ -5‬ألّ يكون بالحاضن مرض معد ‪ ،‬أو منفّر يتعدّى ضرره إلى المحضون ‪ ،‬كالجذام ‪،‬‬ ‫والبرص وشبه ذلك من كلّ ما يتعدّى ضرره إلى المحضون ‪.‬‬ ‫‪ -6‬الرّشد ‪ :‬وهو شرط عند المالكيّة والشّافعيّة ‪ ،‬فل حضانة لسفيه مبذّر لئلّ يتلف مال‬ ‫المحضون ‪.‬‬ ‫‪ -7‬أمن المكان بالنّسبة للمحضون الّذي بلغ سنّا يخشى عليه فيه الفساد ‪ ،‬أو ضياع ماله ‪ ،‬فل‬ ‫حضانة لمن يعيش في مكان مخوف يطرقه المفسدون والعابثون ‪ .‬وقد صرّح بهذا الشّرط‬ ‫المالكيّة ‪.‬‬ ‫‪ -8‬عدم سفر الحاضن أو الوليّ سفر نقلة على التّفصيل المذكور في ( مكان الحضانة ) ‪ .‬أمّا‬ ‫الشّروط الخاصّة بالحاضنين من الرّجال فهي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يكون محرما للمحضون إذا كانت المحضونة أنثى مشتهاة فل حضانة لبن العمّ لنّه‬ ‫ليس محرما ‪ ،‬ولنّه يجوز له نكاحها فل يؤتمن عليها ‪ ،‬فإن كانت المحضونة صغيرة ل‬ ‫تشتهى ‪ ،‬ول يخشى عليها فل تسقط حضانة ابن عمّها ‪ .‬وإذا لم يكن للمشتهاة غير ابن العمّ ‪،‬‬ ‫وضعت عند أمينة يختارها ابن العمّ ‪ ،‬كما يقول الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬أو يختارها القاضي كما‬ ‫يقول الحنفيّة إذا لم يكن ابن عمّها أصلح لها ‪ ،‬وإلّ أبقاها القاضي عنده ‪ ،‬وعند المالكيّة يسقط‬

‫حقّ الحضانة لغير المحرم ‪ .‬وأجاز الشّافعيّة أن تضمّ لبن عمّها إذا كانت له بنت يستحى‬ ‫منها ‪ ،‬فإنّها تجعل عنده مع بنته ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬يشترط المالكيّة لثبوت الحضانة للذّكر أن يكون عنده من النّساء من يصلح للحضانة‬ ‫كزوجة ‪ ،‬أو أمة ‪ ،‬أو مستأجرة لذلك ‪ ،‬أو متبرّعة ‪ .‬وأمّا الشّروط الخاصّة بالحواضن من‬ ‫ل تكون الحاضنة متزوّجة من أجنبيّ من المحضون ‪ ،‬لنّها تكون‬ ‫النّساء فهي ‪ :‬أوّل ‪ -‬أ ّ‬ ‫مشغولة بحقّ الزّوج ‪ ،‬وقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬أنت أحقّ به ما لم تنكحي } ‪،‬‬ ‫ي من المحضون ‪ ،‬وتسقط حضانتها من حين العقد عند الحنفيّة‬ ‫فل حضانة لمن تزوّجت بأجنب ّ‬ ‫والشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وبالدّخول عند المالكيّة ‪ ،‬وهو احتمال لبن قدامة في المغني ‪ .‬واستثنى‬ ‫المالكيّة حالت ل يسقط فيها حقّ الحاضنة بتزوّجها من أجنبيّ من المحضون وهي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يعلم من له حقّ الحضانة بعدها بدخول زوجها بها ‪ ،‬وسقوط حقّها في الحضانة‬ ‫ويسكت ‪ -‬بعد علمه بذلك بل عذر ‪ -‬سنة فل تسقط حضانتها حينئذ ‪.‬‬ ‫ل يقبل المحضون غير مستحقّة الحضانة أمّا أو غيرها ‪ -‬فل تسقط بدخول الزّوج بها‬ ‫ب‪-‬أّ‬ ‫في هذه الحالة ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬أل تقبل المرضعة أن ترضعه عند بدل أمّه الّذي انتقلت له الحضانة بسبب تزوّج المّ ‪.‬‬ ‫د ‪ -‬ألّ يكون للولد حاضن غير الحاضنة الّتي دخل الزّوج بها ‪ ،‬أو يكون له حاضن غيرها‬ ‫ولكنّه غير مأمون ‪ ،‬أو عاجز عن القيام بمصالح المحضون ‪.‬‬ ‫هـ ‪ -‬ألّ تكون الحاضنة الّتي تزوّجت بأجنبيّ وصيّة على المحضون ‪ ،‬وذلك في رواية عند‬ ‫المالكيّة ‪ ،‬وفي رواية أخرى عندهم ل يشترط ذلك ‪ .‬هذا بالنّسبة لزواج الحاضنة من أجنبيّ‬ ‫من المحضون ‪ ،‬فإن تزوّجت بذي رحم محرم من المحضون كالجدّة إذا تزوّجت بجدّ‬ ‫الصّبيّ ‪ ،‬أو تزوّجت بقريب ولو غير محرم من المحضون كابن عمّه فل تسقط حضانتها ‪،‬‬ ‫وهذا عند الجمهور ‪ -‬المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة ‪ -‬في الصحّ ‪ ،‬ومقابل الصحّ عندهم‬ ‫يسقط حقّها لشتغالها بالزّوج ‪ .‬واشترط الشّافعيّة والحنابلة أن يكون من نكحته ممّن له حقّ‬ ‫في الحضانة ‪ ،‬لنّ شفقته تحمله على رعايته فيتعاونان على ذلك ‪ .‬كما اشترط الشّافعيّة رضا‬ ‫الزّوج ‪ ،‬وقيّد الحنفيّة بقاء الحضانة بما إذا كان الزّوج رحما محرما ‪ ،‬فلو كان غير محرم‬ ‫كابن العمّ سقطت حضانتها ‪ .‬ثانيا ‪ -‬أن تكون الحاضنة ذات رحم محرم من المحضون كأمّه‬ ‫وأخته ‪ ،‬فل حضانة لبنات العمّ والعمّة ‪ ،‬والخال والخالة ‪ ،‬وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة وليس‬ ‫هذا شرطا عند الشّافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وصرّح الشّافعيّة بأنّه ل تثبت الحضانة لبنت العمّ على‬ ‫ل تقيم الحاضنة بالمحضون‬ ‫الذّكر المشتهى ‪ ،‬وهو قول نقله ابن عابدين من الحنفيّة ‪ .‬ثالثا ‪ -‬أ ّ‬ ‫في بيت من يبغض المحضون ويكرهه ‪ ،‬كما لو تزوّجت المّ وأخذته أمّ المّ ‪ ،‬وأقامت‬

‫بالمحضون مع ال ّم فحينئذ تسقط حضانة أمّ المّ إذا كانت في عيال زوج المّ ‪ ،‬وهذا عند‬ ‫ل تمتنع الحاضنة عن إرضاع الطّفل إذا‬ ‫الحنفيّة ‪ .‬وهو المشهور عند المالكيّة ‪ .‬رابعا ‪ -‬أ ّ‬ ‫كانت أهل له ‪ ،‬وكان محتاجا للرّضاع وهذا في الصّحيح عند الشّافعيّة ‪.‬‬ ‫مكان الحضانة وحكم انتقال الحاضن أو الوليّ ‪:‬‬ ‫‪ - 15‬مكان الحضانة هو المسكن الّذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمّه وهي‬ ‫ن الزّوجة ملزمة بمتابعة‬ ‫في زوجيّة أبيه ‪ ،‬أو في عدّته من طلق رجعيّ أو بائن ‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫زوجها والقامة معه حيث يقيم ‪ ،‬والمعتدّة يلزمها البقاء في مسكن الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة‬ ‫ن ول يخرجن إلّ أن يأتين‬ ‫ن من بيوته ّ‬ ‫سواء مع الولد أو بدونه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ل تخرجوه ّ‬ ‫بفاحشة مبيّنة } ‪ .‬وإذا انقضت عدّة ال ّم فمكان الحضانة هو البلد الّذي يقيم فيه والد المحضون‬ ‫ن للب حقّ رؤية المحضون ‪ ،‬والشراف‬ ‫أو وليّه ‪ ،‬وكذلك إذا كانت الحاضنة غير المّ ‪ ،‬ل ّ‬ ‫على تربيته ‪ ،‬وذلك ل يتأتّى إلّ إذا كان الحاضن يقيم في بلد الب أو الوليّ ‪ .‬هذا قدر‬ ‫مشترك بين المذاهب ‪ ،‬وهو ما صرّح به الحنفيّة وتدلّ عليه عبارات المذاهب الخرى ‪ .‬أمّا‬ ‫مسألة انتقال الحاضن ‪ ،‬أو الوليّ إلى مكان آخر ففيه اختلف المذاهب ‪ ،‬وبيان ذلك كما يلي ‪:‬‬ ‫يفرّق جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬بين سفر الحاضنة ‪ ،‬أو الوليّ للنّقلة‬ ‫والنقطاع والسّكنى في مكان آخر ‪ ،‬وبين السّفر لحاجة كالتّجارة والزّيارة ‪ .‬فإن كان سفر‬ ‫أحدهما ( الحاضنة أو الوليّ ) للنّقلة والنقطاع سقطت حضانة المّ ‪ ،‬وتنتقل لمن هو أولى‬ ‫بالحضانة بعدها بشرط أن يكون الطّريق آمنا ‪ ،‬والمكان المنتقل إليه مأمونا بالنّسبة للصّغير ‪،‬‬ ‫والب هو الولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ‪ ،‬لنّ الب في العادة هو الّذي‬ ‫يقوم بتأديب الصّغير ‪ ،‬وحفظ نسبه ‪ ،‬فإذا لم يكن الولد في بلد الب ضاع ‪ ،‬لكن قيّد الحنابلة‬ ‫أولويّة الب بما إذا لم يرد مضارّة ال ّم وانتزاع الولد منها ‪ ،‬فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ‪ ،‬بل‬ ‫يعمل ما فيه مصلحة الولد ‪ .‬وإن سافرت المّ مع الب بقيت على حضانتها ‪ .‬هذا قول‬ ‫الجمهور ‪ ،‬لكنّهم اختلفوا في تحديد مسافة السّفر ‪ .‬فحدّدها المالكيّة بستّة برد فأكثر على‬ ‫المعتمد ‪ ،‬أو مسافة بريدين على قول ‪ ،‬والصحّ عند الشّافعيّة أنّه ل فرق بين السّفر الطّويل‬ ‫والقصير ‪ ،‬والصّحيح من المذهب عند الحنابلة التّحديد بمسافة القصر ‪ ،‬وهو قول عند‬ ‫الشّافعيّة ‪ ،‬والمنصوص عن المام أحمد أنّه إذا كان بين البلدين قرب بحيث يراهم الب كلّ‬ ‫يوم ويرونه فتكون المّ على حضانتها ‪ .‬وإن كان السّفر لحاجة كتجارة وزيارة كان الولد مع‬ ‫المقيم منهما حتّى يعود المسافر ‪ ،‬وسواء أكان السّفر طويل أم قصيرا ‪ ،‬وكذا يكون الولد مع‬ ‫المقيم لو كان الطّريق أو المكان المنتقل إليه غير آمن في سفر النّقلة والنقطاع ‪ .‬وإن اختلف‬ ‫الب والمّ فقال الب ‪ :‬سفري للقامة ‪ ،‬وقالت المّ سفرك للحاجة ‪ ،‬فالقول قول الب مع‬

‫يمينه ‪ .‬وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة وزاد الشّافعيّة أنّه إن كان المقيم المّ وكان في مقامه‬ ‫معها مفسدة أو ضياع مصلحة ‪ ،‬كعدم تعليم الصّبيّ القرآن ‪ ،‬أو حرفة حيث ل يقوم مقام الب‬ ‫غيره في ذلك ‪ ،‬فالمتّجه كما قال الزّركشيّ تمكين الب من السّفر به ‪ ،‬ل سيّما إن اختاره‬ ‫الولد ‪ .‬وعند المالكيّة إن كان سفر أحدهما ‪ -‬الحاضنة أو الوليّ ‪ -‬لتجارة أو زيارة فل تسقط‬ ‫حضانة المّ ‪ ،‬وتأخذه معها إن سافرت ‪ ،‬ويبقى معها إن سافر الب ‪ ،‬وسواء أكانت مسافة‬ ‫السّفر ستّة برد أم أقل أم أكثر على ما قاله الجهوريّ وعبد الباقي ‪ ،‬وقال إبراهيم اللّقانيّ‬ ‫ل إذا كان السّفر قريبا كبريد ‪ ،‬فإن بعد فل تأخذه ‪،‬‬ ‫والخرشيّ والعدويّ ‪ :‬ل تأخذ الولد معها إ ّ‬ ‫وإن كانت حضانتها باقية ‪ .‬أمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى أنّه ل يجوز للمّ الحاضنة الّتي في‬ ‫زوجيّة الب أو في عدّته الخروج إلى بلد آخر ‪ ،‬وللزّوج منعها من ذلك ‪ .‬أمّا إن كانت‬ ‫منقضية العدّة فإنّه يجوز لها الخروج بالمحضون إلى بلد آخر في الحوال التية ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬إذا خرجت إلى بلدة قريبة بحيث يمكن لبيه رؤيته والعودة في نهاره على ألّ يكون‬ ‫المكان الّذي انتقلت إليه أقلّ حال من المكان الّذي تقيم فيه حتّى ل تتأثّر أخلق الصّبيّ ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إذا خرجت إلى مكان بعيد مع تحقّق الشّروط التية ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أن يكون البلد الّذي انتقلت إليه وطنها ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬أن يكون الزّوج قد عقد نكاحه عليها في هذا البلد ‪.‬‬ ‫ل يكون المكان الّذي انتقلت إليه دار حرب إذا كان الزّوج مسلما أو ذ ّميّا ‪ .‬فإذا تحقّقت‬ ‫ج‪-‬أّ‬ ‫ن المانع من السّفر أصل‬ ‫هذه الشّروط جاز لها السّفر بالمحضون إلى هذا المكان البعيد ‪ ،‬ل ّ‬ ‫هو ضرر التّفريق بين الب وبين ولده ‪ ،‬وقد رضي به لوجود دليل الرّضا وهو التّزوّج بها‬ ‫في بلدها لنّ من تزوّج امرأة في بلدها فالظّاهر أنّه يقيم فيه ‪ ،‬والولد من ثمرات النّكاح فكان‬ ‫راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد ‪ ،‬فكان راضيا بالتّفريق ‪ ،‬وعلى ذلك فليس لها أن تنتقل‬ ‫بولدها إلى بلدها إذا لم يكن عقد النّكاح قد وقع فيه ‪ ،‬ول أن تنتقل إلى البلد الّذي وقع فيه عقد‬ ‫النّكاح إذا لم يكن بلدها ‪ ،‬لنّه لم يوجد دليل الرّضا من الزّوج ‪ ،‬فل بدّ من تحقّق الشّرطين‬ ‫على ما ذكر محمّد في الصل ‪ ،‬واعتبر أبو يوسف مكان العقد فقط ‪ .‬أمّا شرط ألّ يكون‬ ‫المكان حربيّا إذا كان الزّوج مسلما أو ذ ّميّا فلما في ذلك من إضرار بالصّبيّ لنّه يتخلّق‬ ‫بأخلق الكفّار ‪ .‬هذا إذا كانت الحاضنة هي المّ فإن كانت غيرها فل يجوز لها الخروج‬ ‫بالصّغير إلى أيّ مكان إلّ بإذن الب لعدم العقد بينهما كما يرى الحنفيّة أنّه ليس للب أو‬ ‫الوليّ أخذ الصّغير ممّن له الحضانة من النّساء والنتقال به من بلد أمّه بل رضاها ما بقيت‬ ‫حضانتها قائمة ‪ ،‬ول يسقط حقّها في الحضانة بانتقاله ‪ ،‬وسواء أكان المكان الّذي ينتقل إليه‬ ‫قريبا أم بعيدا ‪.‬‬

‫أجرة الحضانة ‪:‬‬ ‫ن الحاضنة لها الحقّ في طلب أجرة على الحضانة ‪،‬‬ ‫‪ - 16‬ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ن الحضانة غير واجبة على المّ ‪ ،‬ولو امتنعت من‬ ‫سواء أكانت الحاضنة أمّا أم غيرها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الحضانة لم تجبر عليها في الجملة ‪ .‬ومؤنة الحضانة تكون في مال المحضون ‪ .‬فإن لم يكن‬ ‫له مال فعلى من تلزمه نفقته ‪ ،‬لنّها من أسباب ‪ ،‬الكفاية كالنّفقة ‪ .‬والجرة على الحضانة للمّ‬ ‫هي أجرة المثل ‪ ،‬قال الحنابلة ‪ :‬ولو مع وجود متبرّعة بالحضانة ‪ ،‬لكنّ الشّافعيّة قيّدوا ذلك‬ ‫بما إذا لم توجد متبرّعة ‪ ،‬ول من ترضى بأقلّ من أجرة المثل ‪ ،‬فإن وجدت متبرّعة أو‬ ‫ن حضانة المّ ل تسقط‬ ‫وجدت من ترضى بأقلّ من أجرة المثل سقطت حضانة المّ وقيل ‪ :‬إ ّ‬ ‫وتكون أحقّ بالحضانة إذا طلبت أجرة المثل ‪ ،‬وإن تبرّعت بها أجنبيّة أو رضيت بأقلّ من‬ ‫أجرة المثل ‪ ،‬وهذا على ما بحثه أبو زرعة ‪ .‬وصرّح الحنفيّة بأنّه إذا كانت الحاضنة أمّا في‬ ‫عصمة أبي المحضون أو معتدّة رجعيّة منه فل تستحقّ أجرة على الحضانة لوجوب ذلك‬ ‫عليها ديانة ‪ ،‬لنّه يكون في معنى الرّشوة ‪ ،‬وهو رواية أيضا في المعتدّة من طلق بائن ‪.‬‬ ‫وإن كانت الحاضنة غير المّ أو كانت أمّا مطلّقة وانقضت عدّتها ‪ ،‬أو في عدّة الطّلق البائن‬ ‫ل فمن مال أبيه أو من‬ ‫في رواية ‪ ،‬فإنّها تستحقّ الجرة من مال الصّغير إن كان له مال ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫تلزمه نفقته ‪ ،‬وهذا ما لم توجد متبرّعة ‪ ،‬فإن وجدت متبرّعة بالحضانة ‪ ،‬فإن كانت غير‬ ‫محرم للمحضون فإنّ المّ تقدّم عليها ولو طلبت أجرا ‪ ،‬ويكون لها أجر المثل ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫المتبرّعة محرما للمحضون فإنّه يقال للمّ ‪ :‬إمّا أن تمسكيه مجّانا وإمّا أن تدفعيه للمتبرّعة ‪،‬‬ ‫ن هذا مقيّد بقيدين ‪:‬‬ ‫لك ّ‬ ‫أ ‪ -‬إعسار الب سواء أكان للصّغير مال أم ل ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬يسار الب مع وجود مال للصّغير صونا لمال الصّغير ‪ ،‬لنّها في هذه الحالة تكون في‬ ‫مال الصّغير ‪ .‬فإن كان الب موسرا ول مال للصّغير فتقدّم المّ وإن طلبت الجرة نظرا‬ ‫للصّغير ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أنّه ل أجرة على الحضانة وهو قول مالك الّذي رجع إليه ‪ ،‬وبه‬ ‫أخذ ابن القاسم ‪ ،‬وقال مالك أوّل ‪ :‬ينفق على الحاضنة من مال المحضون ‪ ،‬قال في المنح ‪:‬‬ ‫والخلف إذا كانت الحاضنة غنيّة ‪ ،‬أمّا إذا كانت فقيرة فينفق عليها من مال المحضون‬ ‫لعسرها ل للحضانة ‪.‬‬ ‫أجرة مسكن الحضانة ‪:‬‬ ‫‪ - 17‬اختلف فقهاء الحنفيّة في وجوب أجر المسكن للحاضنة إذا لم تكن في مسكن الب ‪،‬‬ ‫فقال بعضهم ‪ :‬على الب سكنى الحاضنة وهو المختار عند نجم الئمّة ‪ ،‬وبمثله قال أبو‬ ‫حفص فقد سئل عمّن لها إمساك الولد وليس لها مسكن مع الولد فقال ‪ :‬على الب سكناهما‬

‫جميعا ‪ ،‬واستظهر الخير الرّمليّ اللّزوم على من تلزمه نفقته ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬تجب أجرة‬ ‫ل فعلى من تجب نفقته ‪ .‬ونقل ابن عابدين عن البحر‬ ‫ي مال ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫السّكن للحاضنة إن كان للصّب ّ‬ ‫أنّه ل تجب في الحضانة أجرة المسكن ‪ ،‬ورجّح ذلك في النّهر ‪ ،‬لنّ وجوب الجر ( أي أجر‬ ‫الحضانة ) ل يستلزم وجوب المسكن واختاره ابن وهبان والطّرسوسيّ ‪ .‬قال ابن عابدين ‪-‬‬ ‫بعد نقله لهذه القوال ‪ : -‬والحاصل أنّ الوجه لزوم أجرة المسكن على من لزمه نفقة‬ ‫ن السّكن من النّفقة ‪ ،‬لكنّ هذا إذا لم يكن لها مسكن ‪ ،‬أمّا لو كان لها مسكن‬ ‫المحضون ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها فل تجب الجرة لعدم احتياجه إليه ‪ .‬قال ابن‬ ‫عابدين ‪ :‬فينبغي أن يكون هذا توفيقا بين القولين ‪ ،‬ول يخفى أنّ هذا هو الرفق للجانبين‬ ‫ص المحضون من أجرة المسكن فهو على الب‬ ‫فليكن عليه العمل ‪ .‬وعند المالكيّة ‪ :‬ما يخ ّ‬ ‫باتّفاق وإنّما الخلف فيما يخصّ الحاضنة من أجرة المسكن ‪ .‬ومذهب المدوّنة الّذي عليه‬ ‫ن أجرة المسكن على الب للمحضون والحاضنة معا ‪ .‬وقيل ‪ :‬تؤدّي الحاضنة‬ ‫الفتوى أ ّ‬ ‫حصّتها من الكراء ‪ .‬وقيل ‪ :‬تكون الجرة على قدر الرّءوس فقد يكون المحضون متعدّدا ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬للحاضنة السّكنى بالجتهاد ‪ ،‬أي على قدر ما يجتهد الحاكم ‪ .‬وأمّا الشّافعيّة والحنابلة‬ ‫فقد اعتبروا السّكنى من النّفقة ‪ ،‬فمن تجب عليه نفقة الحاضنة يجب عليه إسكانها ‪.‬‬ ‫سقوط الحضانة وعودها ‪:‬‬ ‫‪ - 18‬تسقط الحضانة بوجود مانع منها ‪ ،‬أو زوال شرط من شروط استحقاقها ‪ ،‬كأن تتزوّج‬ ‫الحاضنة بأجنبيّ عن المحضون ‪ ،‬وكأن يصاب الحاضن بآفة كالجنون والعته ‪ ،‬أو يلحقه‬ ‫مرض يضرّ بالمحضون كالجذام وغير ذلك ممّا سبق بيانه ‪ ،‬أو بسبب سفر الوليّ أو الحاضن‬ ‫ق لها ‪ .‬كذلك إذا‬ ‫حسب ما هو مبين في مكانه ‪ .‬وقد تسقط الحضانة بسبب إسقاط المستح ّ‬ ‫أسقط الحاضن حقّه ثمّ عاد وطلب أجيب إلى طلبه ‪ ،‬لنّه حقّ يتجدّد بتجدّد الزّمان كالنّفقة ‪.‬‬ ‫وإذا امتنعت الحضانة لمانع ثمّ زال المانع كأن عقل المجنون ‪ ،‬أو تاب الفاسق ‪ ،‬أو شفي‬ ‫المريض ‪ ..‬عاد حقّ الحضانة ‪ ،‬لنّ سبيلها قائم وأنّها امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحقّ‬ ‫بالسّبب السّابق الملزم طبقا للقاعدة المعروفة ( إذا زال المانع عاد الممنوع ) ‪ .‬وهذا كلّه‬ ‫متّفق عليه عند جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‪ -‬واختلفوا في بعض‬ ‫ق الحضانة يعود بطلق‬ ‫نحّ‬ ‫التّفصيلت ‪ .‬فقال الحنابلة وهو المذهب عند الشّافعيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫المنكوحة من أجنبيّ فور الطّلق ‪ ،‬سواء أكان بائنا أم رجعيّا دون انتظار انتهاء العدّة وذلك‬ ‫ن حقّ الحضانة يعود فور الطّلق البائن‬ ‫لزوال المانع ‪ .‬وعند الحنفيّة والمزنيّ من الشّافعيّة أ ّ‬ ‫ل بعد انتهاء العدّة ‪ .‬أمّا المالكيّة فإنّهم‬ ‫أمّا الطّلق الرّجعيّ فل يعود حقّ الحضانة بعده إ ّ‬ ‫يفرّقون بين زوال الحضانة لعذر اضطراريّ وبين زوالها لعذر اختياريّ ‪ .‬فإذا سقطت‬

‫الحضانة لعذر اضطراريّ ل يقدر معه الحاضن على القيام بحال المحضون كمرض الحاضن‬ ‫ي بالمحضون سفر نقلة ‪ ،‬أو سفر الحاضنة لداء فريضة الحجّ ‪ ،‬ثمّ زال العذر‬ ‫أو سفر الول ّ‬ ‫بشفاء الحاضنة من المرض ‪ ،‬أو عودة الوليّ من السّفر ‪ ،‬أو عودتها من أداء فريضة الحجّ ‪،‬‬ ‫عادت الحضانة للحاضن ‪ ،‬لنّ المانع كان هو العذر الضطراريّ وقد زال ‪ ،‬وإذا زال‬ ‫المانع عاد الممنوع ‪ .‬وإذا زالت الحضانة لمانع اختياريّ كأن تتزوّج الحاضنة بأجنبيّ من‬ ‫المحضون ثمّ طلقت ‪ ،‬أو أسقطت الحاضنة حقّها في الحضانة بإرادتها دون عذر ‪ ،‬ثمّ أرادت‬ ‫ن الحضانة حقّ للحاضن ‪،‬‬ ‫العود للحضانة ‪ .‬فل تعود الحضانة بعد زوال المانع بناء على أ ّ‬ ‫وهو المشهور في المذهب ‪ .‬وقيل ‪ :‬تعود بناء على أنّ الحضانة حقّ المحضون ‪ .‬لكنّهم قالوا‬ ‫‪ :‬إذا كانت الحضانة ل تعود للمطلّقة إلّ أنّه من حقّ من انتقلت له الحضانة ردّ المحضون‬ ‫لمن انتقلت عنه الحضانة ‪ ،‬فإن كان الرّدّ لل ّم فل مقال للب ‪ ،‬لنّه نقل لما هو أفضل ‪ ،‬وإن‬ ‫ن الحضانة ل تعود ‪ ،‬أي ل تجبر من‬ ‫كان ال ّردّ لختها مثل فللب المنع من ذلك ‪ ،‬فمعنى أ ّ‬ ‫انتقلت لها الحضانة على ردّ المحضون ‪ ،‬ولها الرّ ّد باختيارها ‪.‬‬ ‫انتهاء الحضانة ‪:‬‬ ‫ن الحضانة على‬ ‫ن النّساء أحقّ بالحضانة من الرّجال في الجملة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫‪ - 19‬من المقرّر أ ّ‬ ‫ن إنهاء حضانة النّساء على الصّغار حال افتراق الزّوجين‬ ‫الصّغار تبدأ منذ الولدة ‪ ،‬لك ّ‬ ‫ن حضانة النّساء على‬ ‫مختلف فيه بين المذاهب ‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي ‪ :‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫ل حتّى يستغني عن رعاية النّساء له فيأكل وحده ‪ ،‬ويشرب وحده ‪ ،‬ويلبس وحده ‪،‬‬ ‫الذّكر تظ ّ‬ ‫وقدّر ذلك بسبع سنين ‪ -‬وبه يفتى ‪ -‬لنّ الغالب الستغناء عن الحضانة في هذه السّنّ ‪ ،‬وقيل‬ ‫ل الحضانة على النثى قائمة حتّى تبلغ بالحيض أو الحتلم أو السّنّ ‪ ،‬وهذا‬ ‫تسع سنين ‪ .‬وتظ ّ‬ ‫كما في ظاهر الرّواية إن كانت الحاضنة ال ّم أو الجدّة ‪ ،‬أمّا غير المّ والجدّة فإنّهنّ أحقّ‬ ‫ن الحكم في المّ والجدّة‬ ‫بالصّغيرة حتّى تشتهى ‪ ،‬وقدّر بتسع سنين وبه يفتى ‪ .‬وعن محمّد أ ّ‬ ‫كالحكم في غيرهما ‪ ،‬فتنتهي حضانة النّساء مطلقا ‪ -‬أمّا أو غيرها ‪ -‬على الصّغيرة عند‬ ‫بلوغها حدّ الشتهاء الّذي قدّر بتسع سنين ‪ ،‬والفتوى على رواية محمّد لكثرة الفساد ‪ .‬فإذا‬ ‫انقضت حضانة النّساء فل يخيّر المحضون ذكرا كان أو أنثى بل يضمّ إلى الب ‪ ،‬لنّه‬ ‫لقصور عقله يختار من عنده اللّعب ‪ ،‬ولم ينقل أنّ الصّحابة رضي ال عنهم خيّروا وتظلّ‬ ‫ولية الب على الصّغير والصّغيرة إلى البلوغ ‪ ،‬فإذا بلغ الغلم مستغنيا برأيه مأمونا عليه‬ ‫فيخيّر حينئذ بين المقام مع وليّه ‪ ،‬أو مع حاضنته ‪ ،‬أو النفراد بنفسه ‪ ،‬وكذلك النثى إن‬ ‫كانت ثيّبا أو كانت بكرا طاعنة في السّنّ ولها رأي ‪ ،‬فإنّها تخيّر كما يخيّر الغلم ‪ .‬وإن كان‬ ‫الغلم أو ال ّثيّب أو البكر الطّاعنة في السّنّ غير مأمون عليهم لو انفردوا بأنفسهم بقيت ولية‬

‫سنّ ‪ ،‬وكذلك الحكم بالنّسبة‬ ‫الب عليهم ‪ ،‬كما تبقى الولية على البكر إذا كانت حديثة ال ّ‬ ‫ن حضانة النّساء على‬ ‫للمعتوه تبقى ولية الب عليه إلى أن يعقل ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬ ‫الذّكر تستمرّ إلى بلوغه وتنقطع حضانته بالبلوغ ولو مريضا أو مجنونا على المشهور ‪ .‬أمّا‬ ‫الحضانة بالنّسبة للنثى فتستم ّر إلى زواجها ودخول الزّوج بها ‪ .‬وقال ابن شعبان من المالكيّة‬ ‫‪ :‬أمد الحضانة على الذّكر حتّى يبلغ عاقل غير زمن ‪ .‬وعند الشّافعيّة تستمرّ الحضانة على‬ ‫المحضون حتّى التّمييز ذكرا كان المحضون أو أنثى ‪ ،‬فإذا بلغ حدّ التّمييز ‪ -‬وقدّر بسبع‬ ‫سنين أو ثمان غالبا ‪ -‬فإنّه يخيّر بين أبيه وأمّه ‪ ،‬فإن اختار أحدهما دفع إليه ‪ ،‬وإذا عاد‬ ‫واختار الثّاني نقل إليه ‪ ،‬وهكذا كلّما تغيّر اختياره ‪ ،‬لنّه قد يتغيّر حال الحاضن ‪ ،‬أو يتغيّر‬ ‫ن سببه قلّة تمييزه ‪ ،‬فإنّه‬ ‫رأي المحضون فيه بعد الختيار ‪ ،‬إلّ إن كثر ذلك منه بحيث يظنّ أ ّ‬ ‫يجعل عند ال ّم ويلغى اختياره ‪ .‬وإن امتنع المحضون عن الختيار فالمّ أولى ‪ ،‬لنّها أشفق ‪،‬‬ ‫واستصحابا لما كان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يقرع بينهما ‪ ،‬وإن اختارهما معا أقرع بينهما ‪ ،‬وإن امتنع‬ ‫المختار من كفالته كفله الخر ‪ ،‬فإن رجع الممتنع منهما أعيد التّخيير ‪ ،‬وإن امتنعا وبعدهما‬ ‫مستحقّان للحضّانة كجدّ وجدّة خيّر بينهما ‪ ،‬وإلّ أجبر عليها من تلزمه نفقته ‪ ،‬وتظلّ الولية‬ ‫عليه لمن بقي عنده إلى البلوغ ‪ .‬فإن بلغ ‪ ،‬فإن كان غلما وبلغ رشيدا ولي أمر نفسه‬ ‫لستغنائه عمّن يكفله فل يجبر على القامة عند أحد أبويه ‪ ،‬والولى أن ل يفارقهما ليبرّهما ‪.‬‬ ‫قال الماورديّ ‪ :‬وعند الب أولى للمجانسة ‪ ،‬نعم إن كان أمرد أو خيف من انفراده ففي كتاب‬ ‫صبّاغ أنّه يمنع من مفارقة البوين ‪ .‬ولو بلغ عاقل غير رشيد فأطلق مطلقون أنّه‬ ‫العدّة لبن ال ّ‬ ‫ج ‪ :‬إن كان لعدم إصلح ماله فكذلك ‪ ،‬وإن كان لدينه فقيل ‪ :‬تدام‬ ‫كالصّبيّ ‪ ،‬وقال ابن ك ّ‬ ‫حضانته إلى ارتفاع الحجر ‪ ،‬والمذهب أنّه يسكن حيث شاء ‪ .‬وإن كان أنثى ‪ ،‬فإن بلغت‬ ‫رشيدة فالولى أن تكون عند أحدهما حتّى تتزوّج إن كانا مفترقين ‪ ،‬وبينهما إن كانا مجتمعين‬ ‫‪ ،‬لنّه أبعد عن التّهمة ‪ ،‬ولها أن تسكن حيث شاءت ولو بأجرة ‪ ،‬هذا إذا لم تكن ريبة ‪ ،‬فإن‬ ‫ي من العصبة إسكانها معه إذا كان محرما لها‬ ‫كانت هناك ريبة فللمّ إسكانها معها ‪ ،‬وكذا للول ّ‬ ‫‪ ،‬فإن لم يكن محرما لها فيسكنها في موضع لئق بها ويلحظها دفعا لعار النّسب ‪ .‬وإن‬ ‫بلغت غير رشيدة ففيها التّفصيل الّذي قيل في الغلم ‪ .‬أمّا المجنون والمعتوه فل يخيّر وتظلّ‬ ‫الحضانة عليه لمّه إلى الفاقة ‪ .‬والحكم عند الحنابلة في الغلم أنّه يكون عند حاضنته حتّى‬ ‫ن السّابعة فإن اتّفق أبواه بعد ذلك أن يكون عند أحدهما جاز ‪ ،‬لنّ الحقّ في حضانته‬ ‫يبلغ س ّ‬ ‫إليهما ‪ ،‬وإن تنازعا خيّره الحاكم بينهما فكان مع من اختار منهما ‪ ،‬قضى بذلك عمر رضي‬ ‫ال عنه ورواه سعيد وعليّ ‪ ،‬وروى أبو هريرة قال ‪ { :‬جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى ال عليه‬ ‫وسلم فقالت ‪ :‬إنّ زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني ‪ ،‬فقال‬

‫النّبيّ صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هذا أبوك وهذه أمّك فخذ بيد أيّهما شئت فأخذ بيد أمّه فانطلقت به‬ ‫} ‪ .‬ولنّه إذا مال إلى أحد أبويه دلّ على أنّه أرفق به وأشفق ‪ ،‬وقيّد بالسّبع لنّها أوّل حال‬ ‫أمر الشّرع فيها بمخاطبته بالصّلة ‪ ،‬بخلف ال ّم فإنّها قدّمت في حال الصّغر لحاجته‬ ‫ومباشرة خدمته لنّها أعرف بذلك ‪ ،‬قال ابن عقيل ‪ :‬التّخيير إنّما يكون مع السّلمة من‬ ‫فساد ‪ ،‬فإن علم أنّه يختار أحدهما ليمكّنه من فساد ويكره الخر للتّأديب لم يعمل بمقتضى‬ ‫شهوته ‪ ،‬لنّ ذلك إضاعة له ‪ .‬ويكون الغلم عند من يختار فإن عاد فاختار الخر نقل إليه ‪،‬‬ ‫ن هذا اختيار تشهّ ‪ ،‬وقد يشتهي أحدهما في وقت‬ ‫وإن عاد فاختار الوّل ردّ إليه هكذا أبدا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫دون آخر فاتّبع بما يشتهيه ‪ ،‬فإن لم يختر أحدهما أو اختارهما معا أقرع بينهما ‪ ،‬لنّه ل مزيّة‬ ‫لحدهما على الخر ‪ ،‬ثمّ إن اختار غير من قدّم بالقرعة ردّ إليه ‪ ،‬ول يخيّر إذا كان أحد‬ ‫ن من ليس أهل للحضانة وجوده كعدمه ‪ .‬وإلّ اختار أباه ثمّ‬ ‫أبويه ليس من أهل الحضانة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫زال عقله ردّ إلى المّ لحاجته إلى من يتعهّده كالصّغير وبطل اختياره ‪ ،‬لنّه ل حكم لكلمه ‪.‬‬ ‫أمّا النثى فإنّها إذا بلغت سبع سنين فل تخيّر وإنّما تكون عند الب وجوبا إلى البلوغ ‪ ،‬وبعد‬ ‫ن الغرض من‬ ‫البلوغ تكون عنده أيضا إلى الزّفاف وجوبا ‪ ،‬ولو تبرّعت المّ بحضانتها ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الحضانة الحفظ ‪ ،‬والب أحفظ لها ‪ ،‬وإنّما تخطب منه ‪ ،‬فوجب أن تكون تحت نظره ليؤمن‬ ‫عليها من دخول الفساد لكونها معرّضة للفات ل يؤمن عليها للنخداع لغرّتها ‪ .‬والمعتوه ولو‬ ‫أنثى يكون عند أمّه ولو بعد البلوغ لحاجته إلى من يخدمه ويقوم بأمره ‪ ،‬والنّساء أعرف‬ ‫بذلك ‪.‬‬ ‫رؤية المحضون ‪ - 20 .‬لكلّ من أبوي المحضون إذا افترقا حقّ رؤيته وزيارته ‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫متّفق عليه بين الفقهاء ‪ ،‬لكنّهم يختلفون في بعض التّفاصيل ‪ .‬وبيان ذلك فيما يلي ‪ :‬يرى‬ ‫الشّافعيّة والحنابلة أنّ المحضون إن كان أنثى فإنّها تكون عند حاضنها ‪ -‬أمّا أو أبا ‪ -‬ليل‬ ‫ن تأديبها وتعليمها يكون داخل البيت ول حاجة بها إلى الخراج ‪ ،‬ول يمنع أحد‬ ‫ونهارا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ن المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرّحم ‪ ،‬ول يطيل‬ ‫البوين من زيارتها عند الخر ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الزّائر المقام ‪ ،‬لنّ المّ بالبينونة صارت أجنبيّة ‪ ،‬والورع إذا زارت المّ ابنتها أن تتحرّى‬ ‫أوقات خروج أبيها إلى معاشه ‪ .‬وإذا لم يأذن زوج المّ بدخول الب أخرجتها إليه ليراها ‪،‬‬ ‫ويتفقّد أحوالها ‪ ،‬وإذا بخل الب بدخول المّ إلى منزله أخرجها إليها لتراها ‪ ،‬وله منع البنت‬ ‫من زيارة أمّها إذا خشي الضّرر حفظا لها ‪ .‬والزّيارة عند الشّافعيّة تكون مرّة كلّ يومين‬ ‫ل يوم إذا كان البيت قريبا كما قال الماورديّ ‪.‬‬ ‫ل يوم ‪ .‬ول بأس أن يزورها ك ّ‬ ‫فأكثر ل في ك ّ‬ ‫وعند الحنابلة تكون الزّيارة على ما جرت به العادة كاليوم في السبوع ‪ .‬وإن كان المحضون‬ ‫ن المنع من‬ ‫ذكرا ‪ ،‬فإن كان عند أبيه كان عنده ليل ونهارا ‪ ،‬ول يمنعه من زيارة أمّه ‪ ،‬ل ّ‬

‫ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرّحم ‪ ،‬ول يكلّف المّ الخروج لزيارته ‪ ،‬والولد أولى منها‬ ‫بالخروج ‪ ،‬لنّه ليس بعورة ‪ .‬ولو أرادت المّ زيارته فل يمنعها الب من ذلك ‪ ،‬لما في ذلك‬ ‫من قطع الرّحم ‪ ،‬لكن ل تطيل المكث ‪ ،‬وإن بخل الب بدخولها إلى منزله أخرجه إليها ‪،‬‬ ‫والزّيارة تكون مرّة كلّ يومين فأكثر ‪ ،‬فإن كان منزل المّ قريبا فل بأس أن يزورها البن‬ ‫كلّ يوم ‪ ،‬كما قاله الماورديّ من الشّافعيّة أمّا الحنابلة فكما سبق تكون الزّيارة كلّ أسبوع ‪.‬‬ ‫وإن كان المحضون الذّكر عند أمّه كان عندها ليل ‪ ،‬وعند الب نهارا لتعليمه وتأديبه ‪ .‬وإن‬ ‫ل ففي‬ ‫مرض الولد كانت المّ أحقّ بالتّمريض في بيت الب إن كان عنده ورضي بذلك ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫بيتها يكون التّمريض ‪ ،‬وهذا كما يقول الشّافعيّة وعند الحنابلة يكون التّمريض في بيتها‬ ‫ويزوره الب إن كان التّمريض عند المّ مع الحتراز من الخلوة ‪ .‬وإن مرض أحد البوين‬ ‫والولد عند الخر لم يمنع من عيادته ‪ ،‬سواء أكان ذكرا أم أنثى ‪ .‬وإن مرضت المّ لزم الب‬ ‫أن يمكّن النثى من تمريضها إن أحسنت ذلك ‪ ،‬بخلف الذّكر ل يلزمه أن يمكّنه من ذلك‬ ‫ن الولد متى كان عند أحد‬ ‫وإن أحسن التّمريض ‪ ،‬وذلك كما يقول الشّافعيّة ‪ .‬ويقول الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫البوين فل يمنع الخر من رؤيته إليه وتعهّده إن أراد ذلك ‪ .‬ول يجبر أحدهما على إرساله‬ ‫إلى مكان الخر ‪ ،‬بل يخرجه كلّ يوم إلى مكان يمكن للخر أن يراه فيه ‪ .‬وعند المالكيّة إن‬ ‫كان المحضون عند المّ فل تمنعه من الذّهاب إلى أبيه يتعهّده ويعلّمه ‪ ،‬ث ّم يأوي إلى أمّه يبيت‬ ‫عندها ‪ .‬وإن كان عند الب فلها الحقّ في رؤيته كلّ يوم في بيتها لتفقّد حاله ‪ .‬ولو كانت‬ ‫متزوّجة من أجنبيّ من المحضون فل يمنعها زوجها من دخول ولدها في بيتها ‪ ،‬ويقضى لها‬ ‫بذلك إن منعها ‪.‬‬ ‫حطيطة انظر ‪ ( :‬وضيعة ) ‪.‬‬ ‫حطيم انظر ‪ ( :‬حجر ) ‪.‬‬ ‫حظر‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬من معاني الحظر في اللّغة ‪ :‬الحبس ‪ ،‬والحجر ‪ ،‬والحيازة ‪ ،‬والمنع ‪ ،‬وهو خلف‬ ‫الباحة ‪ ،‬والمحظور هو الممنوع ‪ .‬وأمّا المعنى الصطلحيّ فل يخرج عن المعنى اللّغويّ‬ ‫إلّ أن يقال ‪ :‬المحظور هو الممنوع شرعا ‪ ،‬وهو أعمّ من أن يكون حراما أو مكروها ‪،‬‬ ‫وقصره بعضهم على المحرّم فقط ‪ .‬قال الجرجانيّ ‪ :‬المحظور ما يثاب بتركه ويعاقب على‬ ‫ي ‪ :‬فقد عرّفه بأنّه ما يذمّ شرعا فاعله ‪ .‬وأمّا المحظور عند‬ ‫فعله ‪ .‬ومثل هذا ما قاله البيضاو ّ‬ ‫الصوليّين فقد عرّفه ‪ .‬المديّ بأنّه ما ينتهض فعله سببا لل ّذمّ شرعا بوجه ما من حيث هو‬

‫فعل له ‪ ،‬فالقيد الوّل فاصل له عن الواجب والمندوب وسائر الحكام ‪ ،‬والثّاني فاصل له عن‬ ‫المخيّر ‪ ،‬والثّالث أصل له عن المباح الّذي يستلزم فعله ترك واجب ‪ ،‬فإنّه يذمّ عليه لكن ل‬ ‫من جهة فعله بل لما لزمه من ترك الواجب والحظر فهو خطاب الشّارع بما فعله سبب لل ّذمّ‬ ‫شرعا بوجه ما من حيث هو فعله ‪ ،‬ومن أسمائه أنّه محرّم ‪ ،‬ومعصية ‪ ،‬وذنب ‪.‬‬ ‫اللفاظ ذات الصّلة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬التّحريم ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬التّحريم هو خطاب اللّه تعالى المتعلّق بمنع المكلّف من فعل الشّيء بحيث يستحقّ الثّواب‬ ‫على تركه والعقاب على فعله ‪ .‬وهذا يتّفق مع من سوّى بين الحظر والتّحريم فيكونان‬ ‫مترادفين ب ‪ -‬كراهية ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الكراهية هي خطاب اللّه تعالى المتعلّق بنهي المكلّف عن الفعل بحيث يستحقّ الثّواب‬ ‫على التّرك ول يستحقّ العقوبة على الفعل ‪ ،‬وإن كان قد يلم عليه ‪ .‬وهي بهذا المعنى أخصّ‬ ‫ن الحظر يتناول الكراهية ‪ ،‬والتّحريم عا ّم عند بعض العلماء أو يتناول التّحريم‬ ‫من الحظر ‪ ،‬ل ّ‬ ‫فقط عند بعضهم فيكون بهذا التّقديم قسيما للحظر ‪ .‬الثار الصوليّة والفقهيّة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الثار الصوليّة ‪:‬‬ ‫ن الحظر والمحظور عند الصوليّين معناهما واحد ‪ ،‬ومن أسماء المحظور عندهم‬ ‫‪ - 4‬سبق أ ّ‬ ‫محرّم ومعصية وذنب ‪ ،‬وقد ذكر فيه المديّ ثلث مسائل ‪ :‬الولى ‪ :‬في جواز أن يكون‬ ‫المحرّم أحد أمرين ل بعينه والخلف فيها مع المعتزلة ‪ .‬والثّانية ‪ :‬في استحالة الجمع بين‬ ‫الحظر والوجوب في فعل واحد من جهة واحدة ‪ .‬والثّالثة ‪ :‬في أنّ المحرّم بوصفه مضادّ‬ ‫لوجوب أصله والخلف فيها بين الشّافعيّة والحنفيّة ‪ .‬وتفصيل ذلك في الملحق الصوليّ ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الثار الفقهيّة ومواطن البحث ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬يعتبر مصطلح حظر من النّاحية الفقهيّة مقسما لما استخرج من مصطلحات أصليّة‬ ‫ن الحنفيّة أفردوا‬ ‫كمصطلح ‪ :‬نظر ‪ ،‬ولمس ‪ ،‬ولباس ‪ ،‬وغيرها ‪ .‬والنّاظر في كتب الفقه يجد أ ّ‬ ‫في كتبهم قسما خاصّا ذكروا فيه أحكاما تناولت الكثير من مسائل الفقه ‪ ،‬فإنّ منها ما يتعلّق‬ ‫س ‪ ،‬وقد ذكروا فيه حكم نظر الرّجل إلى الرّجل ‪ ،‬والمرأة إلى المرأة ‪ ،‬والرّجل‬ ‫بالنّظر والم ّ‬ ‫إلى المرأة ‪ ،‬والمرأة إلى الرّجل ‪ ،‬وما يتّصل بذلك من أحكام المسّ ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق باللّبس‬ ‫وما يكره منه وما ل يكره ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق باستعمال الذّهب والفضّة كالكل والشّرب في‬ ‫النية المصنوعة منهما وما يتعلّق به ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالكل ومراتبه وما يتّصل بذلك ‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلّق بالهدايا والضّيافات ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بنثر الدّراهم والسّكر وما يتّصل به ‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلّق بالحكام الّتي تعود على أهل ال ّذمّة كدخولهم المسجد الحرام أو سائر‬

‫المساجد ‪ ،‬ودخول المسلمين إلى بيعهم وكنائسهم ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالكسب وبيان أنواعه ‪،‬‬ ‫وأسبابه ‪ ،‬وبيان الفضل منها ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بزيارة القبور وقراءة القرآن في المقابر ‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلّق بالغناء واللّهو وسائر المعاصي والمر بالمعروف ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالتّداوي‬ ‫والمعالجات وفيه العزل وإسقاط الولد ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالختان والخصاء ‪ ،‬وقلم الظفار ‪،‬‬ ‫ص الشّارب ‪ ،‬وحلق الرّأس ‪ ،‬وحلق المرأة شعرها ‪ ،‬ووصلها شعر غيرها ‪ ،‬وما يتّصل به‬ ‫وق ّ‬ ‫‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالزّينة واتّخاذ الخادم للخدمة ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بما يسع من جراحات بني‬ ‫آدم والحيوانات ‪ ،‬وقتل الحيوانات ‪ ،‬وما ل يسع من ذلك ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بتسمية الولد‬ ‫وكناهم والعقيقة ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالغيبة والحسد والنّميمة والمدح ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بدخول‬ ‫الحمّام للنّساء والرّجال وما يتّصل به ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالبيع والستيام على سوم الغير ‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلّق بالرّجل الّذي يخرج إلى السّفر فيمنعه أبواه أو أحدهما أو الدّائن ‪ ،‬وفي سفر‬ ‫المرأة ومنع زوجها لها ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بالقرض والدّين ‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بملقاة الملوك‬ ‫والتّواضع لهم ‪ ،‬وتقبيل أيديهم أو يد غيرهم ‪ ،‬وتقبيل الرّجل وجه غيره وما يتّصل بذلك ‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلّق بالنتفاع بالشياء المشتركة ‪ ،‬ومسائل أخرى متفرّقة ‪ .‬والعمل بخبر الواحد ‪،‬‬ ‫وبغالب الرّأي ‪ ،‬وبالرّجل الّذي رأى رجل يقتل أباه وما يتّصل به ‪ ،‬وبالصّلة ‪ ،‬وبالتّسبيح ‪،‬‬ ‫وقراءة القرآن والذّكر والدّعاء ‪ ،‬ورفع الصّوت عند قراءة القرآن ‪ ،‬وبآداب المسجد ‪ ،‬والقبلة‬ ‫والمصحف ‪ ،‬وما كتب فيه شيء من القرآن نحو الدّراهم والقرطاس أو كتب فيه اسم اللّه‬ ‫تعالى ‪ ،‬وبالمسابقة والسّلم وتشميت العاطس ‪ .‬هذا والحنفيّة لم يتّفقوا على اسم معيّن يطلقونه‬ ‫على ذلك القسم الّذي ذكروا فيه تلك الحكام فبعضهم كصاحب ال ّدرّ المختار ومختصر‬ ‫القدوريّ والفتاوى البزّازيّة وغيرهم يلقّبونه بكتاب الحظر والباحة ‪ .‬وبعضهم كصاحب‬ ‫المبسوط وصاحب البدائع يلقّبونه بكتاب الستحسان ‪ ،‬وبعضهم كصاحب الكنز وصاحب‬ ‫الهداية وصاحب الختيار وصاحب الفتاوى الهنديّة يلقّبونه بكتاب الكراهية ‪ .‬وسبب هذا‬ ‫ن المسائل الّتي تذكر فيه من أجناس مختلفة‬ ‫الخلف كما جاء في حاشية ابن عابدين هو أ ّ‬ ‫فلقّب بذلك ‪ ،‬لما يوجد في عامّة مسائله من الكراهية والحظر والباحة والستحسان كما في‬ ‫ن فيه كثيرا من المسائل أطلقها الشّرع ‪،‬‬ ‫النّهاية ‪ ،‬ولقّبه بعضهم بكتاب الزّهد والورع ‪ ،‬ل ّ‬ ‫والزّهد والورع تركها ‪ .‬وأمّا غير الحنفيّة من الفقهاء فإنّهم ذكروا تلك المسائل في مواضع‬ ‫متفرّقة ولم يفردوا لها قسما مستقلّا ‪ ،‬ومن ذلك على سبيل المثال النّظر الّذي هو بمعنى الرّؤيا‬ ‫‪ ،‬فإنّهم ذكروا أحكامه في عدد من المواطن ‪ ،‬فالمالكيّة ذكروا تلك الحكام في نواقض‬ ‫الوضوء ‪ .‬وفي شرائط الصّلة عند الكلم على ستر العورة ‪ ،‬وفي النّكاح ‪ ،‬وفي تحمّل‬ ‫الشّهادة ‪ .‬والشّافعيّة ذكروا تلك الحكام في النّكاح وفي الشّهادات ‪ .‬وذكرها الحنابلة في‬

‫النّكاح ‪ .‬والتّفصيل محلّه المصطلحات الخاصّة بتلك المسائل ‪.‬‬ ‫حفظ‬ ‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬الحفظ لغة ‪ :‬من حفظ الشّيء حفظا إذا منعه من الضّياع والتّلف ‪ .‬ويأتي بمعنى التّعاهد‬ ‫وقلّة الغفلة ‪ ،‬يقال حفظ القرآن إذا وعاه عن ظهر قلب ‪ .‬ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن‬ ‫المعنى اللّغويّ الحكام المتعلّقة بالحفظ ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬يختلف الحكم التّكليفيّ بالنّسبة للحفظ تبعا لختلف ما يضاف إليه على النّحو التّالي ‪:‬‬ ‫حفظ ما يقرأ في الصّلة ‪:‬‬ ‫ن قراءة الفاتحة في الصّلة ركن من أركان الصّلة على‬ ‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء الّذين يرون أ ّ‬ ‫ل مكلّف يستطيع ذلك ‪ ،‬فإن لم يستطع قراءتها فيلزمه كسب‬ ‫وجوب قراءة الفاتحة على ك ّ‬ ‫القدرة إمّا بالتّعلّم أو التّوسّل إلى مصحف يقرؤها منه ‪ ،‬سواء قدر عليه بالشّراء أو الستئجار‬ ‫أو الستعارة ‪ ،‬فإن كان باللّيل أو كان في ظلمة فعليه تحصيل الضاءة ‪ ،‬فلو امتنع عن ذلك‬ ‫مع المكان فعليه إعادة كلّ صلة صلّاها إلى أن يقدر على قراءتها من حفظه ‪ ،‬أو من‬ ‫مصحف ‪ ،‬أو عن طريق التّلقين ‪ .‬ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه تتعيّن قراءة الفاتحة في كلّ‬ ‫ل ركعة مسبوق ‪ ،‬فإن جهل المصلّي الفاتحة وضاق الوقت عن تعلّمها‬ ‫ركعة من الصّلة إ ّ‬ ‫فسبع آيات ‪ ،‬فإن عجز أتى بذكر ‪ ،‬فإن لم يحسن شيئا وقف قدر الفاتحة ‪ .‬وذهب المالكيّة في‬ ‫المختار عندهم إلى أنّ القراءة تسقط عمّن عجز عنها ‪ ،‬واختار ابن سحنون أن يبدّل الذّكر‬ ‫بذلك ‪ .‬وذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه تجزئ قراءة آية طويلة أو ثلث آيات‬ ‫قصار من القرآن في الصّلة من أيّ موضع كان ‪ ،‬وأنّ الفاتحة ل تتعيّن ‪ ،‬وأنّه يفرض عينا‬ ‫ل واحد من المكلّفين بعينه حفظ آية من القرآن الكريم لتكون صلته صحيحة ‪ ،‬كما‬ ‫على ك ّ‬ ‫ذهب الحنفيّة إلى وجوب حفظ الفاتحة وسورة أخرى على كلّ واحد من المكلّفين ‪ ،‬لنّ قراءة‬ ‫الفاتحة في الصّلة عند الحنفيّة من واجباتها وليست من أركانها ‪ ،‬وكذلك السّورة وإن كانت‬ ‫أقصر سور القرآن أو ما يقوم مقامها من ثلث آيات قصار ‪.‬‬ ‫حكم تقديم الحفظ للقرآن لمامة الصّلة ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬اختلف الفقهاء فيمن يقدّم لمامة الصّلة ‪ :‬الحفظ أم الفقه ؟ فذهب جمهور الفقهاء وهم‬ ‫ح عندهم إلى أنّ الفقه ‪ :‬أي العلم بالحكام الشّرعيّة‬ ‫الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الص ّ‬ ‫أولى بالمامة في الصّلة من القرأ وإن كان حافظا لجميع القرآن ‪ ،‬وذلك إذا كان الفقه‬ ‫يحفظ ما تجوز به الصّلة من القرآن ‪ ،‬لنّ الحاجة إلى الفقه أهمّ لكون الواجب من القرآن في‬

‫الصّلة محصورا والحوادث فيها ل تنحصر فيفتقر إلى العلم ليتمكّن به من تدارك ما عسى‬ ‫ن " النّبيّ صلى ال عليه وسلم قدّم أبا بكر‬ ‫أن يعرض فيها من العوارض المختلفة ‪ .‬ول ّ‬ ‫رضي ال عنه في إمامة الصّلة على غيره من الصّحابة رضي ال عنهم " ‪ ،‬ومنهم من كان‬ ‫أحفظ منه للقرآن الكريم لكونه أفقههم جميعا ‪ .‬وذهب الحنابلة والشّافعيّة في مقابل الصحّ‬ ‫عندهم إلى أنّ القرأ والحفظ أولى بالمامة في الصّلة من الفقه لقوله صلى ال عليه وسلم‬ ‫سنّة ‪ ،‬فإن كانوا في‬ ‫‪ { :‬يؤ ّم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه ‪ ،‬فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بال ّ‬ ‫سنّة سواء فأقدمهم هجرة ‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما } ‪ .‬وقوله صلى ال‬ ‫ال ّ‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬إذا كانوا ثلثة فليؤمّهم أحدهم وأحقّهم بالمامة أقرؤهم } ‪ .‬وقوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬ليؤمّكم أكثركم قرآنا } ‪.‬‬ ‫الوقف والوصيّة على حفّاظ القرآن ‪:‬‬ ‫ن الوقف على القرّاء ‪ ،‬أو أهل القرآن أو الوصيّة لهم تصرف لحفّاظ كلّ‬ ‫‪ - 5‬يرى الشّافعيّة أ ّ‬ ‫القرآن عن ظهر الغيب ‪ ،‬ول يدخل فيهم القرّاء الّذين يقرءون القرآن من المصحف ‪ .‬وذهب‬ ‫الحنابلة كذلك إلى أنّ الوقف على القرّاء أو أهل القرآن الن أوالوصيّة لهم يصرف لحفّاظ‬ ‫القرآن كلّه ‪ .‬أمّا في الصّدر الوّل فكان الوقف على القرّاء أو أهل القرآن أو الوصيّة لهم‬ ‫ن القرأ في ذلك الزّمان كان فقيها لتلقّيهم القرآن بمعانيه وأحكامه ‪.‬‬ ‫يصرف للفقهاء ل ّ‬ ‫حكم جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬اختلف الفقهاء في جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة ‪ :‬فذهب الحنفيّة‬ ‫والمالكيّة في المشهور عندهم وأحمد في رواية عنه إلى عدم جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم‬ ‫ل بالموال لقوله تعالى ‪ { :‬وأحلّ لكم ما وراء ذلكم‬ ‫صداقا للمرأة ‪ ،‬لنّ الفروج ل تستباح إ ّ‬ ‫ن تحفيظ القرآن الكريم ل‬ ‫أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ول متّخذي أخدان } ول ّ‬ ‫يجوز أن يقع إلّ قربة لفاعله ‪ .‬وذهب الشّافعيّة وهو خلف المشهور عند بعض المالكيّة‬ ‫ن رسول اللّه‬ ‫وأحمد في رواية عنه إلى جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة " ل ّ‬ ‫صلى ال عليه وسلم زوّج رجل امرأة بما معه من القرآن بقوله صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬ ‫{ أملكناكها بما معك من القرآن } ‪ .‬ثمّ إنّ الذّاهبين إلى جواز ذلك اتّفقوا على أنّه ل بدّ من‬ ‫تعيين ما يحفّظها إيّاه من السّور واليات ‪ ،‬لنّ السّور واليات تختلف ‪ ،‬كما اتّفقوا على‬ ‫وجوب تحفيظها للقدر المتّفق عليه من السّور واليات ‪ ،‬ولكنّهم اختلفوا هل يشترط تعيين‬ ‫القراءة الّتي يعلّمها وفقا لها أم ل ؟ فذهب جمهور الشّافعيّة وهو أحد الوجهين عند الحنابلة‬ ‫ن النّبيّ صلى ال‬ ‫ن كلّ قراءة تنوب مناب القراءة الخرى ‪ " ،‬ول ّ‬ ‫إلى عدم اشتراط ذلك ل ّ‬

‫عليه وسلم لم يعيّن للمرأة قراءة معيّنة " وقد كانوا يختلفون في القراءة أشدّ من اختلف القرّاء‬ ‫اليوم ‪ .‬فيعلّمها ما شاء من القراءات المتواترة ‪ .‬ويرى بعضهم أنّه يجب تعيين قراءة بعينها‬ ‫لنّ الغراض تختلف ‪ ،‬والقراءات كذلك تختلف ‪ ،‬فمنها صعب ومنها سهل ‪ ،‬ونقل عن‬ ‫البصريّين من الشّافعيّة أنّه يعلّمها ما غلب على قراءة أهل البلد ‪ ،‬وإن لم يكن فيها أغلب‬ ‫علّمها ما شاء من القراءات ‪ ،‬وهذا إذا لم يتّفقوا على قراءة معيّنة ‪ ،‬أمّا إذا اتّفقوا على قراءة‬ ‫معيّنة فيجب عليه أن يحفّظها هذه القراءة ‪ ،‬فإن خالف وعلّمها قراءة أخرى غيرها فمتطوّع‬ ‫ويلزمه تعليمها القراءة المتّفق عليها عمل بالشّرط ‪.‬‬ ‫‪ -7‬واختلف القائلون بجواز جعل تعليم القرآن صداقا فيما لو أصدق زوجته الكتابيّة تعليم‬ ‫سورة من القرآن ‪ .‬فذهب الشّافعيّة إلى جواز ذلك إذا كان يتوقّع إسلمها لقوله تعالى ‪ { :‬وإن‬ ‫أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلم اللّه } أمّا إذا لم يتوقّع إسلمها فل يجوز‬ ‫ذلك ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى عدم جواز ذلك لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ل تسافروا بالقرآن‬ ‫إلى أرض العد ّو } وذلك مخافة أن تناله أيديهم فالتّحفيظ أولى أن يمنع منه ولها مهر المثل ‪.‬‬ ‫حكم حفظ القرآن الكريم ‪:‬‬ ‫ن حفظ ما عدا الفاتحة وسورة معها من القرآن الكريم فرض من‬ ‫‪ - 8‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫فروض الكفاية ‪ ،‬يجب على المسلمين كافّة أن يوجد بينهم عدد كاف يسقط بهم الفرض فإذا‬ ‫لم يوجد بينهم هذا العدد أثم الجميع ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلحات ‪ ( :‬صلة ‪ ،‬وقراءة ‪،‬‬ ‫وقرآن ‪. ) .‬‬ ‫( حفظ الوديعة ) ‪:‬‬ ‫ن الوديعة ‪ -‬وهي عقد استنابة حفظ المال ‪ -‬توجب على المودع أن‬ ‫‪ - 9‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬ ‫يحفظ المال في حرز مثله ‪ ،‬وأن ل يخالف في كيفيّة الحفظ عن أمر صاحب المال ‪ ،‬وأن ل‬ ‫ل للضّرورة ‪ .‬وأن ل ينقله من مكان الحفظ من‬ ‫يضع المال في يد ثالثة بدون إذن صاحبه إ ّ‬ ‫ن الوديعة أمانة ‪ ،‬فإذا تلفت بغير تفريط أو تعدّ من‬ ‫غير إذن صاحبه إلّ للضّرورة كذلك ‪ .‬وأ ّ‬ ‫المودع فليس عليه ضمان ‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ليس على المستودع ضمان } ‪.‬‬ ‫ن المستودع إنّما يحفظها لصاحبها متبرّعا من غير نفع يرجع عليه ‪ ،‬فلو لزمه الضّمان‬ ‫ول ّ‬ ‫لمتنع النّاس من قبول الودائع ‪ ،‬وذلك مضرّ لحاجة النّاس إليها ‪ ،‬فإنّه يتعذّر على جميعهم‬ ‫حفظ أموالهم بأنفسهم ‪ ،‬فأمّا إذا تلفت الوديعة بتفريط أو تعدّ من المودع فعليه الضّمان ‪.‬‬ ‫وتفصيل ذلك في مصطلحي ‪ ( :‬وديعة وضمان ) ‪.‬‬ ‫حفيد‬

‫التّعريف‬ ‫‪ - 1‬أصل الحفد في اللّغة ‪ :‬الخدمة ‪ ،‬والعمل ‪ ،‬والحفدة ‪ :‬العوان والخدم ‪ ،‬وواحدهم " حافد‬ ‫ل من عمل عمل أطاع فيه أمرا وسارع‬ ‫" قال ابن عرفة ‪ :‬الحفدة عند العرب ‪ :‬العوان ‪ ،‬فك ّ‬ ‫إليه فهو حافد ‪ .‬ومن هذا المعنى الدّعاء المأثور ‪ { :‬وإليك نسعى ونحفد } أي إلى طاعتك‬ ‫نسرع ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬الحفدة من خدمك من ولدك ‪ ،‬وولد ولدك ‪ .‬وقال الزهريّ في قوله‬ ‫تعالى ‪ { :‬وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } إنّ الحفدة أولد الولد ‪ ،‬قال القرطبيّ ‪ :‬هو‬ ‫ظاهر القرآن بل نصّه ‪ .‬وفي الصطلح الحفيد هو ولد الولد ‪.‬‬ ‫اللفاظ ذات الصّلة ‪ :‬السّبط ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬السّبط ‪ :‬يطلق في اللّغة على ولد الولد قال العسكريّ ‪ :‬وأكثر ما يستعمل السّبط في ولد‬ ‫البنت ‪ .‬وفي الصطلح يطلق عند الشّافعيّة على ولد البنت ‪ ،‬ومنه قيل للحسن والحسين‬ ‫رضي ال عنهما سبطا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وأمّا ولد البن فيطلق عليه عندهم‬ ‫ل من الحفيد والسّبط على ولد البن وولد البنت ‪ .‬النّافلة ‪:‬‬ ‫لفظ الحفيد ‪ .‬وعند الحنابلة يطلق ك ّ‬ ‫‪ - 3‬النّافلة في اللّغة الزّيادة ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة } أي زيادة‬ ‫لنّه دعا في إسحاق ‪ ،‬وزيد يعقوب من غير دعاء فكان ذلك نافلة ‪ ،‬أي زيادة على ما سأل ‪،‬‬ ‫ب هب لي من الصّالحين } ويقال ‪ :‬لولد الولد نافلة ‪ ،‬لنّه زيادة على الولد ‪.‬‬ ‫إذ قال ‪ { :‬ر ّ‬ ‫وهو في الصطلح كذلك ولد الولد ذكرا كان أو أنثى ‪ .‬الحكم الجماليّ ) ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الحفيد الّذي هو ابن البن من العصبات باتّفاق الفقهاء ‪ ،‬وينزّل منزلة البن للصّلب عند‬ ‫فقده ‪ ،‬ويعصب أخواته وبنات أعمامه اللّاتي في درجته ‪ ،‬كما أنّه يعصب من فوقه من عمّاته‬ ‫إن لم يكن لهنّ من فرض البنات شيء ( ر ‪ :‬ابن البن ) ‪ .‬أمّا ابن البنت فهو حفيد عند‬ ‫الحنابلة ‪ ،‬وهو في الميراث من ذوي الرحام ‪ ،‬ولهم أحكام خاصّة ( ر ‪ :‬إرث ‪ .‬وصيّة ‪.‬‬ ‫وقف ‪ .‬أرحام ) ‪ .‬والحفيدة ‪ :‬بنت البن ‪ ،‬تنزّل منزلة البنت عند عدم البنت ‪ ،‬وترث السّدس‬ ‫مع بنت الصّلب تكملة للثّلثين ‪ ،‬وتحجب بابن الصّلب ‪ ،‬وبالبنتين فأكثر ‪ ،‬ويعصبها أخوها ‪،‬‬ ‫وابن أخيها ‪ ،‬وابن عمّها الّذي هو في درجتها أو أنزل منها ‪ ( ،‬ر ‪ :‬بنت البن ) ‪..‬‬ ‫دخول الحفدة في الوقف على الولد ‪:‬‬ ‫‪ - 5‬اختلف الفقهاء في ذلك ‪ ،‬فذهب الحنابلة وهو ظاهر الرّواية المفتى به عند الحنفيّة إلى‬ ‫أنّه يدخل أولد البنين دون أولد البنات في الوقف على الولد ‪ .‬وذهب الشّافعيّة إلى أنّ‬ ‫الحفدة ل يدخلون في الوقف على الولد في الصحّ عندهم ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح‬ ‫( وقف ) ‪.‬‬

‫الموسوعة الفقهية ‪ /‬نهاية الجزء السابع عشر‬

Related Documents

017
April 2020 17
017
November 2019 23
017
November 2019 29
017
December 2019 28
017
November 2019 26
017
November 2019 22

More Documents from ""

C++.docx
October 2019 86
El Gran Aviso.pdf
June 2020 39
El Proyecto.docx
October 2019 70
Corrientes Inducidas.docx
October 2019 60