UTOPIA ناجي صوراتي كأن غولبنكيان أضحى قطعة من العالم الخارجي ،يسكنه مسّ تراجيدي .أجساد غضة مألت خشبة المسرح ،حرّ ة ،تطير وتتحرك ،تنضبط وتنفلت في إخراج بديع ،حديث ،مدھش. كأن االجساد الغضة المحترقة في لھيب الحرب على غزة ليست أجساداً غضة أخرى ،تصطدم بالقضبان على المسرح في حركة ال تھدأ ،كأنھا الوجود المتحرك الى المنتھي .كأنھا االمر الممتد من أول المسافة الى آخرھا في طول وعرض الكوكب األرضي كله ،بمدنه وغربائه ،بشوارعه وقراه وحاراته. مكان الى آخر فقط ،كانت أشمل من المكان ،تخرج من القوة الى الفعل ،على سؤال النص ،جعل للحركة على المسرح مبدأ .لم تكن حركة نقلية من ٍ ً نحو متدرج لتحكي مأساة ضحايا العصر ،في كل زاويا العالم ،ضحايا يقومون من اليأس ليبدأوا من جديد ولكن ال ينتھون أبدا الى االمان. ٍ إنھا التراجيديا اإلنسانية .العالم باتت عناصره معروفة ،تتشابه الضحايا ،في نظام ّ يقطع مجرى الحياة ليقضي على أي اقتراب من الشعور ٍ االنساني ،يقولون ان االنسان ھو كل شيء .ال تستطيع وأنت في عمق مبنى غولبنكيان ان تنسى. المربّعات الحديدية الفارغة ،المنتصبة ،أجزاء متشابھة ،ھي المدن ،البيوت ،الحقب ،ھي كل داخل .يمكن ان يحل بعضھا محل اآلخر ،فال يتغير النص ،وال تتبدل المأساة .كأن االمكنة على المسرح ال تمثل مكانا ً واحداً ،ھي كل االمكنة البصرية ،واالمكنة السمعية ،واللمسية -الحسية .أصبح مسرح غولبنكيان يستحوذ على نقاط اتصالك بالعالم. ّ األخاذ في انتظام االجساد على مُشاھد خفيّ ،يترك لخياله العنان .ال ينسى صرخات الوجع الواصلة إليه من الخارج ،من زحمة الموت .السحر ّ ً ً يعظم الشعور المأسوي في الحياة .يقولون بحناجر مبحوحة أنھم وجدوا عالما بال نفر ،أسيرا لفخ نصبه المسرح ،وانسجامھا بوتيرة ،سريعة، بنفسه .يدورون حول القضبان ،يتنادون ،ينزلون ويصعدون ولكن ..ماذا بقي من االنسانية اليوم .لعبة االشرعة واإلضاءة المثيرة تعيد صورة الوجع الخارجي على وقع موسيقى تشدّك خيوطھا حتى انتفاخ األوداج وحنين أناشيد الطفولة والذكريات المبعثرة ،في ثنايا الضياع بين الموت والحياة .يسألون وما الجدوى؟ إنه ،من جديد ،طوفان المأساة ،أو مأساة الطوفان ،ال فرق .فلنكتب .يجب ان يجدي ذلك نفعا ً. دھشة األضواء ،وشبكة نجوم ليل بيروت ،كانت تخلط الحركة بالسكون ،والسكون بالحركة ،والصراخ بالصمت .نصّ يوتوبيا يرسّخ األلم في ّ المعذبين التائھين في التفتيش عن الھوية ،والعالقة باآلخر .أُخضِ َع الجس ُد للنص ،فتحرر من قيوده العروق ،يفتح شرايين القلب على أصوات واستسلم إلبداع مھووس ال تكف رموزه عن التدفق ليعبّر المبدع بالكلمة والحركة ،بالجسد والنص ،عن تراجيديا خالدة. الوجع الكئيب لفّ المشھد على مسرح غولبنكيان .وفي الخارج أوجاع .الوجع الكئيب في الخارج ال يتدرج ،يلسع .القوة المستفحلة الوحشية تستحق األجساد الغضة .القوة المستفحلة تغوى القتل والدمار ،ھل تقرأون أبعاد حروبھا التوراتية المخيفة؟ إنھم يحللون المجازر منذ أول ممارسات الجيش اإلسرائيلي في القرى الفلسطينية المحتلة .ھل تذكرون؟ فلنكتب .اكتبوا حتى ال تمر اآلالم بصمت .أكتبوا ألن ما يحدث يتعذر نسيانه .أكتبوا وراكموا أعماالً فنية عمالقة بدون أي ھدف .سوى ان تكونوا ذاتكم ،لتتغلبوا على التدمير واإلجرام في عصر حقوق االنسان .أوالً لماذا لديكم لغة؟ لماذا تلك العطيه .لماذا الفكر؟ كيف تبدّلون طاقتكم وال تكتبون ألجل الذين ماتوا قھراً ورعباً؟ لھذه القطعة من العالم ،لھذه المدينة ،يجب ان نرسم خارطة ،يجب ان ندوّ ن .قد تطلع البجعة كما على مسرح غولبنكيان . •غولبنكيان :مسرح جامعة L.A.Uبيروت قدّم مسرحية يوتوبيا .إخراج ناجي صوراتي عمل مسرحي تجريبي .ال يستند الى نص معين ،وليست له حبكة معينة . مصدر" :البيان"http://www.albayanlebanon.com/news.php?IssueAr=74&id=3167&idC=3 .........