Tafssir Al Coran

  • April 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Tafssir Al Coran as PDF for free.

More details

  • Words: 328,578
  • Pages: 2,071
‫بسم ال الرحن الرحيم‬ ‫التفسي اليسر‬ ‫ت بمد ال ومنته ف شهر صفر من عام ‪ 1425‬نقل هذا التفسي‬ ‫الهم من موقع ممع اللك فهد لطباعة الصحف نقله أحد مب القرآن‬ ‫الكري‬ ‫فل تنسوه من دعائكم ول تنسوا من كان سببا ف ذلك‬ ‫جعلن ال وإياكم من أهل القرآن حقا‬ ‫من وجد خطأ فليسله على العنوان التال‬ ‫‪bnm678@gawab,com‬‬ ‫ونن له من الشاكرين‬ ‫ومن كان لديه اقتراح فليتفضل به على العنوان السابق‬

‫‪1‬‬

‫‪ -1‬سورة الفاتة‬ ‫)بسم ال الرحن الرحيم (‪)1‬‬ ‫سورة الفاتة سيت هذه السورة بالفاتة; لنه يفتتح با القرآن العظيم‪,‬‬ ‫وتسمى الثان; لنا تقرأ ف كل ركعة‪ ,‬ولا أساء أخر‪ .‬أبتدئ قراءة‬ ‫القرآن باسم ال مستعينا به‪( ,‬الِ) علم على الرب ‪-‬تبارك وتعال‪-‬‬ ‫العبود بق دون سواه‪ ,‬وهو أخص أساء ال تعال‪ ,‬ول يسمى به غيه‬ ‫سبحانه‪( .‬الرّحْمَنِ) ذي الرحة العامة الذي وسعت رحته جيع اللق‪,‬‬ ‫(الرّحِيمِ) بالؤمني‪ ,‬وها اسان من أسائه تعال‪ ،‬يتضمنان إثبات صفة‬ ‫الرحة ل تعال كما يليق بلله‪.‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)2‬‬ ‫اْلحَمْدُ لِّلهِ رَ ّ‬ ‫(الَمْ ُد لِ رَبّ العَالَ ِميَ) الثناء على ال بصفاته الت كلّها أوصاف‬ ‫كمال‪ ,‬وبنعمه الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬وف ضمنه أَمْ ٌر لعباده‬ ‫أن يمدوه‪ ,‬فهو الستحق له وحده‪ ,‬وهو سبحانه النشئ للخلق‪ ,‬القائم‬ ‫بأمورهم‪ ,‬الرب لميع خلقه بنعمه‪ ,‬ولوليائه باليان والعمل الصال‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرّ ْحمَنِ الرّحِي ِم (‪)3‬‬ ‫(الرّحْمَنِ) الذي وسعت رحته جيع اللق‪( ,‬الرّحِيمِ)‪ ,‬بالؤمني‪ ,‬وها‬ ‫اسان من أساء ال تعال‪.‬‬ ‫مَالِكِ َيوْمِ الدّينِ (‪)4‬‬ ‫وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة‪ ,‬وهو يوم الزاء على العمال‪.‬‬ ‫وف قراءة السلم لذه الية ف كل ركعة من صلواته تذكي له باليوم‬ ‫الخر‪ ,‬وحثّ له على الستعداد بالعمل الصال‪ ,‬والكف عن العاصي‬ ‫والسيئات‪.‬‬

‫ستَ ِعيُ ( ‪)5‬‬ ‫ِإيّاكَ نَ ْعُبدُ وَِإيّاكَ َن ْ‬ ‫إنا نصك وحدك بالعبادة‪ ,‬ونستعي بك وحدك ف جيع أمورنا‪ ,‬فالمر‬ ‫كله بيدك‪ ,‬ل يلك منه أحد مثقال ذرة‪ .‬وف هذه الية دليل على أن‬ ‫العبد ل يوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والستغاثة‬

‫‪3‬‬

‫والذبح والطواف إل ل وحده‪ ,‬وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغي‬ ‫اله‪ ,‬ومن أمراض الرياء والعجب‪ ,‬والكبياء‪.‬‬ ‫اهْ ِدنَا الصّرَاطَ الْ ُمسْتَقِي َم (‪)6‬‬ ‫ُدلّنا‪ ,‬وأرشدنا‪ ,‬ووفقنا إل الطريق الستقيم‪ ,‬وثبتنا عليه حت نلقاك‪ ,‬وهو‬ ‫السلم‪ ،‬الذي هو الطريق الواضح الوصل إل رضوان ال وإل جنته‪,‬‬ ‫الذي د ّل عليه خات رسله وأنبيائه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فل سبيل‬ ‫إل سعادة العبد إل بالستقامة عليه‪.‬‬ ‫ب عََلْيهِ ْم وَل الضّاّليَ (‪)7‬‬ ‫ط الّذِينَ َأنْعَ ْمتَ عََلْيهِ ْم َغيْ ِر الْمَغْضُو ِ‬ ‫صِرَا َ‬ ‫طريق الذين أنعمت عليهم من النبيي والصدّيقي والشهداء والصالي‪,‬‬ ‫فهم أهل الداية والستقامة‪ ,‬ول تعلنا من سلك طريق الغضوب‬ ‫عليهم‪ ,‬الذين عرفوا الق ول يعملوا به‪ ,‬وهم اليهود‪ ,‬ومن كان على‬ ‫شاكلتهم‪ ,‬والضالي‪ ,‬وهم الذين ل يهتدوا‪ ,‬فضلوا الطريق‪ ,‬وهم‬ ‫النصارى‪ ,‬ومن اتبع سنتهم‪ .‬وف هذا الدعاء شفاء لقلب السلم من‬ ‫مرض الحود والهل والضلل‪ ,‬ودللة على أن أعظم نعمة على‬ ‫الطلق هي نعمة السلم‪ ,‬فمن كان أعرف للحق وأتبع له‪ ,‬كان أول‬ ‫‪4‬‬

‫بالصراط الستقيم‪ ,‬ول ريب أن أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم هم أول الناس بذلك بعد النبياء عليهم السلم‪ ,‬فدلت الية على‬ ‫فضلهم‪ ,‬وعظيم منلتهم‪ ,‬رضي ال عنهم‪ .‬ويستحب للقارئ أن يقول‬ ‫ف الصلة بعد قراءة الفاتة‪( :‬آمي)‪ ,‬ومعناها‪ :‬اللهم استجب‪ ,‬وليست‬ ‫آية من سورة الفاتة باتفاق العلماء; ولذا أجعوا على عدم كتابتها ف‬ ‫الصاحف‪.‬‬

‫‪ -2‬سورة البقرة‬ ‫ال (‪)1‬‬ ‫هذه الروف وغيها من الروف القطّعة ف أوائل السور فيها إشارة إل‬ ‫إعجاز القرآن; فقد وقع به تدي الشركي‪ ,‬فعجزوا عن معارضته‪ ,‬وهو‬ ‫مركّب من هذه الروف الت تتكون منها لغة العرب‪ .‬فدَلّ عجز العرب‬ ‫عن التيان بثله ‪-‬مع أنم أفصح الناس‪ -‬على أن القرآن وحي من ال‪.‬‬ ‫ب فِيهِ ُهدًى لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)2‬‬ ‫َذلِكَ الْ ِكتَابُ ل َريْ َ‬ ‫ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي ل َشكّ أنه من عند ال‪ ,‬فل يصح‬ ‫‪5‬‬

‫أن يرتاب فيمه أحمد لوضوحمه‪ ,‬ينتفمع بمه التقون بالعلم النافمع والعممل‬ ‫الصال وهم الذين يافون ال‪ ,‬ويتبعون أحكامه‪.‬‬ ‫ب َويُقِيمُونَ الصّلة وَمِمّا َرزَ ْقنَاهُمْ يُنفِقُونَ (‪)3‬‬ ‫الّذِينَ ُيؤْ ِمنُونَ بِالْ َغيْ ِ‬ ‫ُصمدّقون بالغيمب الذي ل تدركمه حواسمّهم ول عقولمم‬ ‫وهمم الذيمن ي َ‬ ‫وحد ها; ل نه ل يُعْرف إل بو حي ال إل ر سله‪ ,‬م ثل اليان باللئ كة‪,‬‬ ‫والنة‪ ,‬والنار‪ ,‬وغي ذلك ما أخب ال به أو أخب به رسوله‪( ،‬واليان‪:‬‬ ‫كل مة جام عة للقرار بال وملئك ته وكت به ور سله واليوم ال خر والقدر‬ ‫خيه وشره‪ ،‬وتصديق القرار بالقول والعمل بالقلب واللسان والوارح)‬ ‫و هم مع ت صديقهم بالغ يب يافظون على أداء ال صلة ف مواقيت ها أداءً‬ ‫صمحيحًا وَف ْق مما شرع ال لنمبيه مممد صملى ال عليمه وسملم‪ ,‬ومام‬ ‫أعطيناهم من الال يرجون صدقة أموالم الواجبة والستحبة‪.‬‬ ‫ك َوبِالخرَةِ هُ مْ يُوِقنُونَ‬ ‫وَالّذِي نَ ُيؤْ ِمنُو نَ ِبمَا ُأنْزِلَ ِإَليْ كَ وَمَا ُأْنزِلَ مِ ْن َقبِْل َ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫صدّقون با أُنزل إليك أيها الرسول من القرآن‪ ,‬وبا أنزل إليك‬ ‫والذين يُ َ‬ ‫من الكمة‪ ,‬وهي السنة‪ ,‬وبكل ما أُنزل مِن قبلك على الرسل من‬ ‫كتب‪ ,‬كالتوراة والنيل وغيها‪ ,‬ويُصَدّقون بدار الياة بعد الوت وما‬ ‫‪6‬‬

‫فيها من الساب والزاء‪ ،‬تصديقا بقلوبم يظهر على ألسنتهم‬ ‫وجوارحهم وخص يوم الخرة; لن اليان به من أعظم البواعث على‬ ‫فعل الطاعات‪ ,‬واجتناب الحرمات‪ ,‬وماسبة النفس‪.‬‬ ‫ك هُمْ الْمُفِْلحُونَ (‪)5‬‬ ‫ك عَلَى هُدًى مِنْ َرّبهِمْ وَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أصحاب هذه الصفات يسيون على نور من ربم وبتوفيق مِن خالقهم‬ ‫وهاديهم‪ ,‬وهم الفائزون الذين أدركوا ما طلبوا‪ ,‬وَنجَوا من شرّ ما منه‬ ‫هربوا‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِينَ كَفَرُوا َسوَاءٌ عََلْيهِمْ ءأَن َذ ْرتَهُمْ أَ ْم لَمْ تُن ِذرْهُ ْم ل ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)6‬‬ ‫إن الذين جحدوا ما أُنزل إليك من ربك استكبارًا وطغيانًا‪ ,‬لن يقع منهم‬ ‫اليان‪ ,‬سمواء أخوّفتهمم وحذرتمم ممن عذاب ال‪ ,‬أم تركمت ذلك؛‬ ‫لصرارهم على باطلهم‪.‬‬

‫ُمم‬ ‫سممْ ِعهِ ْم وَعَلَى َأبْصمَارِهِ ْم ِغشَاوَةٌ َوَله ْ‬ ‫ِمم وَعَلَى َ‬ ‫ّهم عَلَى قُلُوِبه ْ‬ ‫َمم الل ُ‬ ‫َخت َ‬ ‫ب عَظِيمٌ (‪)7‬‬ ‫عَذَا ٌ‬ ‫ط بع ال على قلوب هؤلء وعلى سعهم‪ ,‬وج عل على أب صارهم غطاء;‬ ‫‪7‬‬

‫بسبب كفرهم وعنادهم مِن بعد ما تبيّن لم الق‪ ,‬فلم يوفقهم للهدى‪,‬‬ ‫ولم عذاب شديد ف نار جهنم‪.‬‬ ‫وَمِنْ النّاسِ مَ ْن يَقُولُ آ َمنّا بِالّلهِ َوبِاْلَيوْمِ الخِ ِر وَمَا هُ ْم بِ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)8‬‬ ‫و من الناس فر يق يتردد متحيّرًا ب ي الؤمن ي والكافر ين‪ ,‬و هم النافقون‬ ‫الذ ين يقولون بأل سنتهم‪ :‬صدّ ْقنَا بال وباليوم ال خر‪ ,‬و هم ف باطن هم‬ ‫كاذبون ل يؤمنوا‪.‬‬ ‫سهُمْ وَمَا َيشْعُرُو نَ (‬ ‫ُيخَادِعُو نَ اللّ هَ وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَمَا َيخْدَعُو نَ إِلّ أَنفُ َ‬ ‫‪)9‬‬ ‫يعتقدون بهلهمم أنمم يادعون ال والذيمن آمنوا بإظهارهمم اليان‬ ‫وإضمار هم الك فر‪ ,‬و ما يدعون إل أنف سهم; لن عاق بة خداع هم تعود‬ ‫عليهم‪ .‬ومِن فرط جهلهم ل ُيحِسّون بذلك; لفساد قلوبم‪.‬‬ ‫ِيمم بِمَا كَانُوا‬ ‫َابمَأل ٌ‬ ‫ُمم عَذ ٌ‬ ‫ّهم َمرَضا َوَله ْ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫َضم فَزَادَه ْ‬ ‫ِمم مَر ٌ‬ ‫فِي ُقلُوبِه ْ‬ ‫يَكْ ِذبُونَ (‪)10‬‬ ‫ف قلوب م شكّ وف ساد فاْبتُلوا بالعا صي الوج بة لعقوبت هم‪ ,‬فزاد هم ال‬ ‫شكًا‪ ,‬ولم عقوبة موجعة بسبب كذبم ونفاقهم‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم ل تُ ْفسِدُوا فِي ا َلرْضِ قَالُوا ِإنّمَا َنحْنُ مُصِْلحُونَ (‪)11‬‬ ‫وإذا نُ صحوا ليكفّوا عن الف ساد ف الرض بالك فر والعا صي‪ ,‬وإفشاء‬ ‫أسمرار الؤمنيم‪ ,‬وموالة الكافريمن‪ ,‬قالوا كذبًا وجدال إنام ننم أهمل‬ ‫الصلح‪.‬‬ ‫أَل ِإّنهُ ْم هُ ْم الْمُ ْفسِدُونَ َولَكِنْ ل َيشْعُرُونَ (‪)12‬‬ ‫إنّ هذا الذي يفعلو نه ويزعمون أ نه إ صلح هو ع ي الف ساد‪ ,‬لكن هم‬ ‫حسّون‪.‬‬ ‫بسبب جهلهم وعنادهم ل ُي ِ‬ ‫وَإِذَا قِيلَ َلهُ مْ آ ِمنُوا كَمَا آمَ َن النّا سُ قَالُوا َأُنؤْمِ نُ كَمَا آمَ نَ ال سّ َفهَاءُ أَل‬ ‫ِإّنهُ ْم هُمْ السّ َفهَاءُ َولَكِنْ ل يَ ْعلَمُونَ (‪)13‬‬ ‫وإذا قيمل للمنافقيم‪ :‬آ ِمنُوا ‪-‬مثمل إيان الصمحابة‪ ،‬وهمو اليان بالقلب‬ ‫واللسان والوارح‪ ,-‬جادَلوا وقالوا‪َ :‬أنُ صَدّق مثل تصديق ضعاف العقل‬ ‫والرأي‪ ,‬فنكون ن ن و هم ف ال سّفَهِ سواء؟ فردّ ال علي هم بأن ال سّ َفهَ‬ ‫مقصور عليهم‪ ,‬وهم ل يعلمون أن ما هم فيه هو الضلل والسران‪.‬‬ ‫وَِإذَا لَقُوا الّذِي نَ آ َمنُوا قَالُوا آ َمنّا َوإِذَا خََلوْا ِإلَى َشيَاطِيِنهِ مْ قَالُوا ِإنّا مَ َعكُ مْ‬ ‫‪9‬‬

‫سَتهْ ِزئُونَ ( ‪)14‬‬ ‫ِإنّمَا َنحْنُ ُم ْ‬ ‫هؤلء النافقون إذا قابلوا الؤمنيم قالوا‪ :‬صمدّقنا بالسملم مثلكمم‪ ,‬وإذا‬ ‫ان صرفوا وذهبوا إل زعمائ هم الكفرة التمرد ين على ال أكّدوا ل م أن م‬ ‫ستَخِفّون بالؤمني‪ ,‬ويسخرون‬ ‫على ملة الكفر ل يتركوها‪ ,‬وإنا كانوا يَ ْ‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫سَتهْزِئُ ِبهِ ْم َويَمُدّ ُهمْ فِي طُ ْغيَانِهِ ْم يَعْ َمهُونَ (‪)15‬‬ ‫الّلهُ َي ْ‬ ‫ال يسمتهزئ بمم ويُمهلهمم; ليزدادوا ضلل و َحيْرة وترددًا‪ ,‬ويازيهمم‬ ‫على استهزائهم بالؤمني‪.‬‬ ‫ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ ا ْشتَ َروْا الضّللَةَ بِاْلهُدَى فَمَا َربِحَ تْ ِتجَا َرتُهُ مْ وَمَا كَانُوا‬

‫ُم ْهتَدِينَ (‪)16‬‬

‫أولئك النافقون باعوا أنفسهم ف صفقة خاسرة‪ ,‬فأخذوا الكفر‪ ,‬وتركوا‬ ‫اليان‪ ,‬فما كسبوا شيئًا‪ ,‬بل َخسِروا الداية‪ .‬وهذا هو السران البي‪.‬‬ ‫ب اللّهُ ِبنُورِهِمْ‬ ‫ت مَا َح ْولَهُ ذَ َه َ‬ ‫َمثَُلهُ ْم كَ َمثَلِ الّذِي ا ْسَتوْقَدَ نَارا فَلَمّا َأضَاءَ ْ‬ ‫ت ل ُيبْصِرُونَ (‪)17‬‬ ‫َوتَرَ َكهُمْ فِي ظُلُمَا ٍ‬ ‫‪10‬‬

‫حال النافقي الذين آمنوا ‪-‬ظاهرًا ل باطنًا‪ -‬برسالة ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬ث كفروا‪ ,‬فصاروا يتخبطون ف ظلماتِ ضللم وهم ل‬ ‫يشعرون‪ ,‬ول أمل لم ف الروج منها‪ُ ,‬تشْبه حالَ جاعة ف ليلة مظلمة‪,‬‬ ‫وأوقد أحدهم نارًا عظيمة للدفء والضاءة‪ ,‬فلما سطعت النار وأنارت‬ ‫ما حوله‪ ,‬انطفأت وأعتمت‪ ,‬فصار أصحابا ف ظلمات ل يرون شيئًا‪,‬‬ ‫ول يهتدون إل طريق ول مرج‪.‬‬ ‫صُمّ ُبكْمٌ ُعمْيٌ َفهُمْ ل يَرْجِعُونَ (‪)18‬‬ ‫هم صُمّ عن ساع الق ساع تدبر‪ ,‬بُكْم عن النطق به‪ ,‬عُمْي عن إبصار‬ ‫نور الداية; لذلك ل يستطيعون الرجوع إل اليان الذي تركوه‪,‬‬ ‫واستعاضوا عنه بالضلل‪.‬‬ ‫ت َورَعْدٌ َوبَرْ قٌ َيجْعَلُو نَ أَ صَابِ َعهُمْ فِي‬ ‫صيّبٍ مِ نْ ال سّمَاءِ فِي ِه ظُلُمَا ٌ‬ ‫َأوْ كَ َ‬ ‫آذَاِنهِمْ مِنْ الصّوَاعِقِ حَ َذرَ الْ َموْتِ وَالّلهُ ُمحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (‪)19‬‬ ‫أو ُتشْبه حالُ فريق آخر من النافقي يظهر لم الق تارة‪ ,‬ويشكون فيه‬ ‫تارة أخرى‪ ,‬حا َل جاعة يشون ف العراء‪ ,‬فينصب عليهم مطر شديد‪,‬‬ ‫تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض‪ ,‬مع قصف الرعد‪ ,‬ولعان البق‪,‬‬ ‫‪11‬‬

‫والصواعق الحرقة‪ ,‬الت تعلهم من شدة الول يضعون أصابعهم ف‬ ‫آذانم; خوفًا من اللك‪ .‬وال تعال ميط بالكافرين ل يفوتونه ول‬ ‫يعجزونه‪.‬‬ ‫شوْا فِيهِ وَِإذَا َأظْلَ َم عََلْيهِ ْم‬ ‫ق َيخْطَفُ َأبْصَارَهُمْ كُلّمَا َأضَاءَ َلهُمْ َم َ‬ ‫يَكَادُ اْلبَرْ ُ‬ ‫قَامُوا َولَوْ شَاءَ اللّ هُ لَذَهَ بَ بِ سَمْ ِعهِمْ وََأبْ صَارِهِمْ إِنّ اللّ هَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫قَدِيرٌ (‪)20‬‬

‫يقارب البق ‪-‬من شدة لعانه‪ -‬أن يسلب أبصارهم‪ ,‬ومع ذلك فكلّما‬ ‫شوْا ف ضوئه‪ ,‬وإذا ذهب أظلم الطريق عليهم فيقفون ف‬ ‫أضاء لم م َ‬ ‫أماكنهم‪ .‬ولول إمهال ال لم لسلب سعهم وأبصارهم‪ ,‬وهو قادر على‬ ‫ذلك ف كل وقتٍ‪ ,‬إنه على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ ا ْعبُدُوا َربّكُ مْ الّذِي َخلَقَكُ ْم وَالّذِي نَ مِ ْن َقبْلِ ُك مْ لَعَلّكُ مْ‬ ‫َتتّقُونَ (‪)21‬‬ ‫نداء من ال للبشر جيعًا‪ :‬أن اعبدوا ال الذي ربّاكم بنعمه‪ ,‬وخافوه ول‬ ‫تالفوا دينه; فقد أوجدكم من العدم‪ ,‬وأوجد الذين من قبلكم; لتكونوا‬ ‫من التقي الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫السممَاءِ مَا ًء‬ ‫ِنم ّ‬ ‫َالسممَاءَ ِبنَاءً وََأنْزَلَ م ْ‬ ‫ْضم ِفرَاشا و ّ‬ ‫ُمم ا َلر َ‬ ‫الّذِي جَعَ َل لَك ْ‬ ‫فََأخْرَ جَ بِ هِ مِ نْ الثّمَرَا تِ ِرزْقا لَكُ مْ فَل َتجْعَلُوا لِلّ هِ أَندَادا وََأْنتُ مْ تَعَْلمُو نَ (‬ ‫‪)22‬‬ ‫ربكم الذي جعل لكم الرض بساطًا; لتسهل حياتكم عليها‪ ,‬والسماء‬ ‫مكمة البناء‪ ,‬وأنزل الطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان‬ ‫الثمرات وأنواع النبات رزقًا لكم‪ ,‬فل تعلوا ل نظراء ف العبادة‪ ,‬وأنتم‬ ‫تعلمون تفرّده باللق والرزق‪ ,‬واستحقاقِه العبودية‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وَإِ نْ كُنتُ ْم فِي َريْ بٍ ِممّا َن ّزْلنَا عَلَى َعبْ ِدنَا فَ ْأتُوا بِ سُورَةٍ مِ ْن ِمثْلِ ِه وَادْعُوا‬ ‫ُشهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الّلهِ ِإنْ كُنتُ ْم صَادِِقيَ (‪)23‬‬ ‫وإن كن تم ‪-‬أي ها الكافرون العاندون‪ -‬ف شَكّ من القرآن الذي نَزّلناه‬ ‫على عبدنا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وتزعمون أنه ليس من عند ال‪,‬‬ ‫فهاتوا سورة تا ثل سورة من القرآن‪ ,‬وا ستعينوا ب ن تقدرون عل يه مِن‬ ‫أعوانكم‪ ,‬إن كنتم صادقي ف دعواكم‬

‫‪13‬‬

‫حجَارَةُ‬ ‫ّاسم وَالْ ِ‬ ‫َنم تَفْعَلُوا فَاتّقُوا النّارَ الّتِي وَقُودُهَا الن ُ‬ ‫َمم تَفْعَلُوا َول ْ‬ ‫ِنم ل ْ‬ ‫َفإ ْ‬ ‫أُعِدّتْ لِلْكَافِرِي َن ( ‪)24‬‬ ‫فإن عجَزتم الن ‪-‬وسمتعجزون مسمتقبل ل مالة‪ -‬فاتقوا النار باليان‬ ‫بالنب صلى ال عليه وسلم وطاعة ال تعال‪ .‬هذه النار الت حَ َطبُها الناس‬ ‫والجارة‪ ,‬أُعِدّتْ للكافرين بال ورسله‬ ‫حتِهَا‬ ‫ت َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫َوَبشّرْ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ أَنّ َلهُ مْ َجنّا ٍ‬ ‫ا َلْنهَارُ كُلّمَا ُرزِقُوا ِمنْهَا مِن ْمَثمَرَةٍ ِرزْقا قَالُوا هَذَا الّذِي ُرزِقْنَا مِن ْم َقبْلُ‬ ‫وَُأتُوا ِبهِ ُمَتشَابِها َوَلهُمْ فِيهَا َأ ْزوَاجٌ مُ َطهّرٌَة وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)25‬‬

‫وأخب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أهل اليان والعمل الصال خبًا يلؤهم سرورًا‪,‬‬ ‫بأن لم ف الخرة حدائق عجيبة‪ ,‬تري النار تت قصورها العالية‬ ‫وأشجارها الظليلة‪ .‬كلّما رزقهم ال فيها نوعًا من الفاكهة اللذيذة قالوا‪:‬‬ ‫قد َرزَقَنا ال هذا النوع من قبل‪ ,‬فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا ف طعمه‬ ‫ولذته‪ ,‬وإن تشابه مع سابقه ف اللون والنظر والسم‪ .‬ولم ف النّات‬ ‫زوجات مطهّرات من كل ألوان الدنس السيّ كالبول واليض‪,‬‬ ‫والعنوي كالكذب وسوء الُلُق‪ .‬وهم ف النة ونعيمها دائمون‪ ,‬ل‬ ‫يوتون فيها ول يرجون منها‪.‬‬ ‫‪14‬‬

‫ضةً فَمَا َفوْقَهَا فَأَمّ ا الّذِي َن‬ ‫ل مَا بَعُو َ‬ ‫حيِي أَ نْ يَضْ ِر بَ َمثَ ً‬ ‫ستَ ْ‬ ‫إِنّ اللّ هَ ل يَ ْ‬ ‫آ َمنُوا َفيَعَْلمُو نَ َأنّ هُ الْحَقّ مِ ْن َربّهِ ْم وَأَمّا الّذِي نَ كَفَرُوا َفيَقُولُو نَ مَاذَا َأرَادَ‬ ‫ل يُضِلّ بِ هِ َكثِيا َوَيهْدِي بِ هِ َكثِيا وَمَا يُضِلّ بِ هِ إِ ّل الْفَا سِ ِقيَ‬ ‫اللّ هُ ِبهَذَا َمثَ ً‬ ‫(‪)26‬‬ ‫إن ال تعال ل يستحيي من الق أن يذكر شيئًا ما‪ ,‬قلّ أو كثر‪ ,‬ولو‬ ‫كان تثيل بأصغر شيء‪ ,‬كالبعوضة والذباب ونو ذلك‪ ,‬ما ضربه ال‬ ‫مثل لِعَجْز كل ما يُ ْعبَد من دون ال‪ .‬فأما الؤمنون فيعلمون حكمة ال‬ ‫ف التمثيل بالصغي والكبي من خلقه‪ ,‬وأما الكفار َفَيسْخرون ويقولون‪:‬‬ ‫ما مراد ال مِن ضَرْب الثل بذه الشرات القية؟ وييبهم ال بأن الراد‬ ‫هو الختبار‪ ,‬وتييز الؤمن من الكافر; لذلك يصرف ال بذا الثل ناسًا‬ ‫كثيين عن الق لسخريتهم منه‪ ,‬ويوفق به غيهم إل مزيد من اليان‬ ‫والداية‪ .‬وال تعال ل يظلم أحدًا; لنه ل يَصْرِف عن الق إل الارجي‬ ‫عن طاعته‪.‬‬ ‫الّذِي نَ يَنقُضُو نَ َعهْدَ اللّ هِ مِ ْن بَعْدِ مِيثَاقِ هِ َويَقْطَعُو نَ مَا أَ َمرَ اللّ هُ بِ هِ أَ نْ‬ ‫ك هُمْ اْلخَاسِرُونَ (‪)27‬‬ ‫يُوصَلَ َويُ ْفسِدُونَ فِي ا َلرْضِ ُأ ْوَلئِ َ‬

‫‪15‬‬

‫الذين ينكثون عهد ال الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة‪ ,‬وقد أكّده‬ ‫بإرسال الرسل‪ ,‬وإنزال الكتب‪ ,‬ويالفون دين ال كقطع الرحام ونشر‬ ‫الفساد ف الرض‪ ,‬أولئك هم الاسرون ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫حيِيكُ ْم ثُمّ‬ ‫َكيْ فَ تَكْ ُفرُو نَ بِاللّ هِ وَكُنتُ مْ أَ ْموَاتا فََأ ْحيَاكُ مْ ثُمّ يُمِيتُكُ ْم ثُمّ ُي ْ‬ ‫ِإَلْيهِ تُ ْرجَعُونَ (‪)28‬‬ ‫كيف تنكرون ‪-‬أيّها الشركون‪ -‬وحدانية ال تعال‪ ,‬وتشركون به غيه‬ ‫ف العبادة مع البهان القاطع عليها ف أنفسكم؟ فلقد كنتم أمواتًا‬ ‫فأوجدكم ونفخ فيكم الياة‪ ,‬ث ييتكم بعد انقضاء آجالكم الت حددها‬ ‫لكم‪ ,‬ث يعيدكم أحياء يوم البعث‪ ,‬ث إليه ترجعون للحساب والزاء‪.‬‬ ‫السممَاءِ‬ ‫اسمَتوَى ِإلَى ّ‬ ‫ْضم َجمِيعا ثُمّ ْ‬ ‫ُمم مَا فِي ا َلر ِ‬ ‫َقم لَك ْ‬ ‫ُهوَ الّذِي خَل َ‬ ‫سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ ُهوَ ِبكُلّ شَ ْي ٍء عَلِي ٌم (‪)29‬‬ ‫َف َ‬ ‫الُ وحده الذي خَلَق لجلكم كل ما ف الرض من النّعم الت تنتفعون‬ ‫با‪ ,‬ث قصد إل خلق السموات‪ ,‬فسوّاهنّ سبع سوات‪ ,‬وهو بكل شيء‬ ‫عليم‪ .‬فعِلْمُه ‪-‬سبحانه‪ -‬ميط بميع ما خلق‬

‫‪16‬‬

‫ك لِلْمَلئِ َكةِ ِإنّ ي جَاعِلٌ فِي ا َلرْ ضِ خَلِي َفةً قَالُوا َأَتجْعَلُ فِيهَا‬ ‫وَإِ ْذ قَالَ َربّ َ‬ ‫ك قَالَ‬ ‫سبّ ُح ِبحَمْدِ َك َونُقَدّ سُ لَ َ‬ ‫مَ نْ يُفْ سِ ُد فِيهَا َويَ سْفِكُ الدّمَاءَ َونَحْ نُ نُ َ‬ ‫ِإنّي أَعْلَ ُم مَا ل تَعْلَمُونَ ( ‪)30‬‬ ‫واذ كر ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬للناس ح ي قال ر بك للملئ كة‪ :‬إ ن جا عل ف‬ ‫الرض قومًا يلف بعضهم بعضًا لعمارتا‪ .‬قالت‪ :‬يا ربّنا علّمْنا وَأرْشِدْنا‬ ‫ما الكمة ف خلق هؤلء‪ ,‬مع أنّ من شأنم الفساد ف الرض واراقة‬ ‫الدماء ظلمما وعدوانًا وننم طوع أمرك‪ ,‬ننّهمك التنيمه اللئق بمدك‬ ‫وجللك‪ ،‬ونجّدك بكل صفات الكمال واللل؟ قال ال لم‪ :‬إن أعلم‬ ‫ما ل تعلمون من الكمة البالغة ف خلقهم‬ ‫ضهُ مْ َعلَى الْمَلئِ َك ِة فَقَالَ َأْنِبئُونِي بَِأ سْمَاءِ‬ ‫وَعَلّ مَ آدَ َم الَ سْمَاءَ كُّلهَا ثُمّ عَ َر َ‬ ‫َهؤُلء ِإنْ كُنتُ ْم صَادِِقيَ (‪)31‬‬ ‫وبيانًا لف ضل آدم عل يه ال سلم علّ مه ال أ ساء الشياء كل ها‪ ,‬ث عرض‬ ‫م سمياتا على اللئ كة قائل ل م‪ :‬أ خبون بأ ساء هؤلء الوجودات‪ ,‬إن‬ ‫كنتم صادقي ف أنكم َأوْل بالستخلف ف الرض منهم‬ ‫قَالُوا ُسْبحَانَكَ ل عِلْ َم َلنَا إِلّ مَا عَلّ ْمَتنَا ِإنّكَ َأْنتَ الْعَلِيمُ اْلحَكِيمُ (‪)32‬‬

‫‪17‬‬

‫قالت اللئكة‪ :‬ننّهك يا ربّنا‪ ,‬ليس لنا علم إل ما علّمتنا إياه‪ .‬إنك أنت‬ ‫وحدك العليم بشئون خلقك‪ ,‬الكيم ف تدبيك‪.‬‬ ‫قَالَ يَا آدَمُ َأْنِبْئهُ ْم بِأَسْمَاِئهِمْ َفلَمّا َأْنبَأَهُمْ بَِأسْمَاِئهِ ْم قَالَ َألَمْ َأقُلْ لَكُمْ ِإنّي‬ ‫ب ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَأَ ْعلَ ُم مَا ُتبْدُو نَ وَمَا كُنتُ ْم تَ ْكتُمُو نَ (‬ ‫أَعَْل ُم َغيْ َ‬ ‫‪)33‬‬ ‫قال ال‪ :‬يا آدم أخبهم بأساء هذه الشياء الت عجَزوا عن معرفتها‪.‬‬ ‫فلما أخبهم آدم با‪ ,‬قال ال للملئكة‪ :‬لقد أخبتكم أن أعلم ما خفي‬ ‫عنكم ف السموات والرض‪ ,‬وأعلم ما تظهرونه وما تفونه‪.‬‬ ‫سجَدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ َأبَى وَا ْستَ ْكَبرَ وَكَانَ‬ ‫وَِإذْ ُق ْلنَا لِلْمَلئِ َكةِ ا ْسجُدُوا لدَمَ فَ َ‬ ‫مِنْ الْكَافِرِينَ (‪)34‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس تكري ال لدم حي قال سبحانه‬ ‫للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله‪ ,‬فأطاعوا جيعًا إل‬ ‫إبليس امتنع عن السجود تكبًا وحسدًا‪ ,‬فصار من الاحدين بال‪,‬‬ ‫العاصي لمره‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫جّنةَ وَكُل ِمْنهَا رَغَدا َحيْ ثُ ِشْئُتمَا‬ ‫ك اْل َ‬ ‫ت َو َزوْجُ َ‬ ‫وَقُ ْلنَا يَا آدَ مُ ا سْكُنْ َأنْ َ‬ ‫شجَرَةَ َفتَكُونَا مِ نْ الظّالِمِيَ (‬ ‫وَل تَقْرَبَا هَذِ هِ الشّجَرَ َة وَل تَقْرَبَا هَذِ ِه ال ّ‬ ‫‪)35‬‬ ‫وقال ال‪ :‬يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء النة‪ ,‬وتتعا بثمارها تتعًا‬ ‫هنيئًا واسعًا ف أي مكان تشاءان فيها‪ ,‬ول تقربا هذه الشجرة حت ل‬ ‫تقعا ف العصية‪ ,‬فتصيا من التجاوزين أمر ال‪.‬‬ ‫شيْطَا نُ َعنْهَا فََأخْ َر َجهُمَا ِممّ ا كَانَا فِي هِ وَُقلْنَا ا ْهبِطُوا بَعْضُكُ مْ‬ ‫َفَأزَّلهُمَا ال ّ‬ ‫ي ( ‪)36‬‬ ‫ستَقَرّ وَ َمتَاعٌ ِإلَى ِح ٍ‬ ‫ض ُم ْ‬ ‫ِلبَعْضٍ عَ ُدوّ َولَكُ ْم فِي الَرْ ِ‬ ‫فأوقعهما الشيطان ف الطيئة‪ :‬بأنْ وسوس لما حت أكل من الشجرة‪,‬‬ ‫فتسبب ف إخراجهما من النة ونعيمها‪ .‬وقال ال لم‪ :‬اهبطوا إل‬ ‫الرض‪ ,‬يعادي بعضكم بعضًا ‪-‬أي آدم وحواء والشيطان‪ -‬ولكم ف‬ ‫الرض استقرار وإقامة‪ ,‬وانتفاع با فيها إل وقت انتهاء آجالكم‪.‬‬ ‫ت َفتَابَ َعَلْيهِ ِإّنهُ ُهوَ الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪)37‬‬ ‫َفَتلَقّى آدَمُ مِ ْن َرّبهِ كَلِمَا ٍ‬ ‫فتل قى آد ُم بالقبول كلما تٍ‪ ,‬أل مه ال إيا ها تو بة وا ستغفارًا‪ ,‬و هي قوله‬ ‫‪19‬‬

‫َمم تَغْفِ ْر لَنَا وتَ ْرحَمْنَا َلنَكُونَنّ مِن‬ ‫ِنم ل ْ‬ ‫ُسمنَا وإ ْ‬ ‫تعال‪( :‬ربّنَا ظَلَمْنَا َأنْف َ‬ ‫الَا سِرِينَ) فتاب ال عل يه‪ ,‬وغ فر له ذن به إ نه تعال هو التواب ل ن تاب‬ ‫مِن عباده‪ ,‬الرحيم بم‬ ‫ي فَل‬ ‫ُقلْنَا ا ْهبِطُوا ِمنْهَا جَمِيعا َفإِمّ ا يَ ْأِتَينّكُ مْ ِمنّ ي هُدًى فَمَ نْ َتبِ عَ ُهدَا َ‬ ‫ف عََلْيهِمْ وَل ُهمْ َيحْ َزنُونَ (‪)38‬‬ ‫َخوْ ٌ‬ ‫قال ال لم‪ :‬اهبطوا من النة جيعًا‪ ,‬وسيأتيكم أنتم وذرياتكم التعاقبة ما‬ ‫فيه هدايتكم إل ال ق‪ .‬ف من ع مل با فل خوف علي هم في ما يستقبلونه‬ ‫من أمر الخرة ول هم يزنون على ما فاتم من أمور الدنيا‬ ‫ب النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُو نَ (‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَالّذِي نَ كَفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا ُأ ْوَلئِ كَ أَ ْ‬ ‫‪)39‬‬ ‫والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا التلوة ودلئل توحيدنا‪ ,‬أولئك الذين‬ ‫يلزمون النار‪ ,‬هم فيها خالدون‪ ,‬ل يرجون منها‪.‬‬ ‫ت عََليْكُ ْم وََأوْفُوا بِ َعهْدِي أُو فِ‬ ‫يَا َبنِي ِإ سْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْ َمتِي اّلتِي َأنْ َعمْ ُ‬

‫بِ َعهْدِكُ ْم وَِإيّايَ فَارْ َهبُونِ (‪)40‬‬

‫‪20‬‬

‫يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثية عليكم‪ ,‬واشكروا ل‪ ,‬وأتوا وصيت‬ ‫لكمم‪ :‬بأن تؤمنوا بكتمب ورسملي جيعًا‪ ,‬وتعملوا بشرائعمي‪ .‬فإن فعلتمم‬ ‫ذلك أُتم لكم ما وعدتكم به من الرحة ف الدنيا‪ ,‬والنجاة ف الخرة‪.‬‬ ‫ي ‪-‬وحدي‪ -‬فخافو ن‪ ,‬واحذروا نقم ت إن نقض تم الع هد‪ ,‬وكفر ت‬ ‫وإيّا َ‬ ‫ب‬ ‫ِهم وَل‬ ‫ُمم وَل تَكُونُوا َأوّلَ كَافِ ٍر ب ِ‬ ‫ُصمدّقا لِمَا مَعَك ْ‬ ‫ْتم م َ‬ ‫وَآ ِمنُوا بِمَا أَن َزل ُ‬ ‫ل وَِإيّايَ فَاتّقُونِ (‪)41‬‬ ‫شتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنا قَلِي ً‬ ‫َت ْ‬ ‫وآمنوا‪ -‬يا بن إسرائيل‪ -‬بالقرآن الذي أن َزْلتُه على ممد نب ال ورسوله‪,‬‬ ‫موافقًا لا تعلمونه من صحيح التوراة‪ ,‬ول تكونوا أول فريق من أهل‬ ‫الكتاب يكفر به‪ ,‬ول تستبدلوا بآيات ثنًا قليل من حطام الدنيا الزائل‪,‬‬ ‫وإياي وحدي فاعملوا بطاعت واتركوا معصيت‪.‬‬ ‫وَل تَ ْلِبسُوا الْحَقّ بِاْلبَاطِلِ َوتَ ْكتُمُوا الْحَقّ وََأْنُتمْ تَعَْلمُونَ (‪)42‬‬ ‫ول تلِطوا القم الذي بيّنتمه لكمم بالباطمل الذي افتريتموه‪ ,‬واحذروا‬ ‫كتمان الق الصريح من صفة نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫الت ف كتبكم‪ ,‬وأنتم تدونا مكتوبة عندكم‪ ،‬فيما تعلمون من الكتب‬ ‫الت بأيديكم‪.‬‬ ‫‪21‬‬

‫وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَارْكَعُوا مَ َع الرّاكِ ِعيَ (‪)43‬‬ ‫وادخلوا ف دين السلم‪ :‬بأن تقيموا الصلة على الوجه الصحيح‪ ,‬كما‬ ‫جاء با نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وتؤدوا الزكاة‬ ‫الفروضة على الوجه الشروع‪ ,‬وتكونوا مع الراكعي من أمته صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫سوْنَ أَن ُفسَ ُكمْ وََأْنتُ ْم َتتْلُونَ الْ ِكتَابَ أَفَل تَعْقِلُونَ (‬ ‫َأتَأْمُرُونَ النّاسَ بِاْلبِرّ َوتَن َ‬ ‫‪)44‬‬ ‫مما أقبمح حالَكمم وحالَ علمائكمم حيم تأمرون الناس بعممل اليات‪,‬‬ ‫وتتركون أنفسمكم‪ ,‬فل تأمرونام باليم العظيمم‪ ,‬وهمو السملم‪ ,‬وأنتمم‬ ‫تقرءون التوراة‪ ,‬الت فيها صفات ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ووجوب‬ ‫اليان به!! أفل تستعملون عقولكم استعمال صحيحًا‬ ‫ِالصمبْرِ وَالصمّلةِ وَِإنّهَا لَ َكبِيَةٌ إِ ّل عَلَى اْلخَاشِعِيَ (‪)45‬‬ ‫َاسمتَعِينُوا ب ّ‬ ‫و ْ‬ ‫الّذِينَ يَ ُظنّونَ َأّنهُ ْم مُلقُو َرّبهِمْ وََأّنهُمْ ِإَلْيهِ رَاجِعُونَ (‪)46‬‬

‫‪22‬‬

‫واستعينوا ف كل أموركم بالصب بميع أنواعه‪ ,‬وكذلك الصلة‪ .‬وإنا‬ ‫لشاقة إل على الاشعي الذين يشون ال ويرجون ما عنده‪ ,‬ويوقنون‬ ‫أنم ملقو ربّهم ج ّل وعل بعد الوت‪ ,‬وأنم إليه راجعون يوم القيامة‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ت عََليْكُ ْم وََأنّي فَضّ ْلتُكُ ْم عَلَى‬ ‫يَا َبنِي ِإ سْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْ َمتِي اّلتِي َأنْ َعمْ ُ‬

‫الْعَالَ ِميَ (‪)47‬‬ ‫يما ذريمة يعقوب تذكّروا نعممي الكثية عليكمم‪ ,‬واشكروا ل عليهما‪,‬‬ ‫وتذكروا أن فَضّلْتكم على عالَمي زمانكم بكثرة النبياء‪ ,‬والكتب النّلة‬ ‫كالتوراة والنيل‬

‫ْسم َشيْئا وَل يُ ْقبَ ُل ِمنْهَا شَفَاعَةٌ وَل‬ ‫َنم نَف ٍ‬ ‫ْسم ع ْ‬ ‫وَاتّقُوا َيوْما ل َتجْزِي نَف ٌ‬ ‫ُيؤْخَ ُذ ِمْنهَا عَدْلٌ وَل ُهمْ يُنصَرُونَ (‪)48‬‬ ‫وخافوا يوم القيامة‪ ,‬يوم ل يغن أحد عن أحد شيئًا‪ ,‬ول يقبل ال شفاعة‬ ‫ف الكافرين‪ ,‬ول يقبل منهم فدية‪ ,‬ولو كانت أموال الرض جيعًا‪ ,‬ول‬ ‫يلك أحد ف هذا اليوم أن يتقدم لنصرتم وإنقاذهم من العذاب‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫جْينَاكُ مْ مِ نْ آ ِل فِرْ َعوْ نَ يَ سُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَا بِ يُ َذّبحُو نَ َأْبنَاءَكُ مْ‬ ‫وَِإذْ َن ّ‬ ‫حيُونَ ِنسَاءَكُمْ وَفِي َذلِكُ ْم بَلءٌ مِ ْن َربّكُمْ عَظِي ٌم (‪)49‬‬ ‫َوَيسَْت ْ‬ ‫واذكروا نعمت نا علي كم ح ي أنقذنا كم من ب طش فرعون وأتبا عه‪ ,‬و هم‬ ‫يُذيقونكمم أشدّ العذاب‪ ,‬فيُكثِرون م ِن ذَبْمح أبنائكمم‪ ,‬وترك بناتكمم‬ ‫للخد مة والمتهان‪ .‬و ف ذلك اختبار ل كم من رب كم‪ ,‬و ف إنائ كم م نه‬ ‫نعمة عظيمة‪ ,‬تستوجب شكر ال تعال ف كل عصوركم وأجيالكم‬ ‫جْينَاكُ ْم وَأَغْرَقْنَا آ َل ِفرْ َعوْ نَ وََأْنُت مْ تَنظُرُو نَ (‬ ‫وَِإذْ َفرَقْنَا بِكُ ْم اْلبَحْ َر فََأْن َ‬

‫‪)50‬‬ ‫واذكروا نعمت نا علي كم‪ ,‬ح ي فَ صَلْنا ب سببكم الب حر‪ ,‬وجعل نا ف يه طرقًا‬ ‫يابسةً‪ ,‬فعبت‪ ,‬وأنقذناكم من فرعون وجنوده‪ ,‬ومن اللك ف الاء‪ .‬فلما‬ ‫دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم ف الاء أمام أعينكم‬ ‫وَِإذْ وَاعَ ْدنَا مُوسَى َأ ْربَ ِعيَ َليَْلةً ثُ ّم اتّخَ ْذُتمْ الْ ِعجْلَ مِ ْن بَعْدِ ِه وََأْنتُمْ ظَالِمُونَ‬

‫(‪)51‬‬

‫واذكروا نعمتنا عليكم‪ :‬حي واعدنا موسى أربعي ليلة لنزال التوراة‬ ‫هدايةً ونورًا لكم‪ ,‬فإذا بكم تنتهزون فرصة غيابه هذه الدة القليلة‪,‬‬ ‫‪24‬‬

‫وتعلون العجل الذي صنعتموه بأيديكم معبودًا لكم من دون ال ‪-‬‬ ‫وهذا أشنع الكفر بال‪ -‬وأنتم ظالون باتاذكم العجل إلًا‪.‬‬ ‫ك لَعَلّكُ ْم َتشْكُرُونَ (‪)52‬‬ ‫ثُ ّم عَ َف ْونَا َعنْكُ ْم مِنْ بَ ْعدِ َذلِ َ‬ ‫ثّ تاوزنا عن هذه الفعلة النكرة‪ ,‬وَقبِ ْلنَا توبتكم بعد عودة موسى; رجاءَ‬ ‫أن تشكروا ال على نعمه وأفضاله‪ ,‬ول تتمادوا ف الكفر والطغيان‪.‬‬ ‫وَِإذْ آَتْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلّكُمْ َت ْهتَدُونَ (‪)53‬‬ ‫م موسمى الكتاب الفارق بيم القم‬ ‫م علي كم حيم أعطين ا‬ ‫واذكروا نعمتن ا‬ ‫والباطل ‪-‬وهو التوراة‪ ;-‬لكي تتدوا من الضللة‬ ‫وَِإذْ قَالَ مُو سَى لِ َقوْمِ هِ يَا َقوْ مِ ِإنّكُ مْ ظََل ْمتُ مْ أَنفُ سَكُمْ بِاّتخَاذِكُ ْم الْ ِعجْلَ‬ ‫َفتُوبُوا ِإلَى بَا ِرئِكُ ْم فَا ْقتُلُوا أَنفُ سَكُمْ َذلِكُ مْ َخْيرٌ لَكُ مْ ِعْندَ بَا ِرئِكُ ْم َفتَا بَ‬

‫عََليْكُمْ ِإّنهُ ُه َو الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪)54‬‬

‫واذكروا نعمتنا عليكم حي قال موسى لقومه‪ :‬إنكم ظلمتم أنفسكم‬ ‫باتاذكم العجل إلًا‪ ,‬فتوبوا إل خالقكم‪ :‬بأن يَقْتل بعضكم بعضًا‪ ,‬وهذا‬ ‫خي لكم عند خالقكم من اللود البدي ف النار‪ ,‬فامتثلتم ذلك‪ ,‬فمنّ‬ ‫‪25‬‬

‫ال عليكم بقَبول توبتكم‪ .‬إنه تعال هو التواب لن تاب مِن عباده‪,‬‬ ‫الرحيم بم‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ّهم َجهْرَ ًة فََأخَ َذتْك ْ‬ ‫َكم َحتّىم َنرَى الل َ‬ ‫ِنم ل َ‬ ‫َنم ُنؤْم َ‬ ‫ُمم يَا مُوسمَى ل ْ‬ ‫وَِإذْ ُق ْلت ْ‬ ‫الصّاعِ َقةُ وََأْنتُ ْم تَنظُرُونَ (‪)55‬‬ ‫واذكروا إذ قلتم‪ :‬يا موسى لن نصدقك ف أن الكلم الذي نسمعه منك‬ ‫هو كلم ال‪ ,‬حت نرى ال ِعيَانًا‪ ,‬فنلت نار من السماء رأيتموها‬ ‫بأعينكم‪ ,‬ف َقتََلتْكم بسبب ذنوبكم‪ ,‬وجُرْأتكم على ال تعال‪.‬‬ ‫ثُ ّم بَ َعْثنَاكُمْ مِ ْن بَعْدِ َم ْوتِكُمْ لَعَلّ ُكمْ َتشْكُرُونَ (‪)56‬‬ ‫ث أحييناكم مِن بعد موتكم بالصاعقة; لتشكروا نعمة ال عليكم‪ ,‬فهذا‬ ‫الوت عقوبة لم‪ ,‬ث بعثهم ال لستيفاء آجالم‪.‬‬ ‫ت مَا‬ ‫َوظَلّ ْلنَا َعَليْكُ مْ الْغَمَا َم وَأَن َزْلنَا عََليْ ُك ْم الْمَنّ وَال سّ ْلوَى كُلُوا مِ نْ َطّيبَا ِ‬ ‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪)57‬‬ ‫َرزَ ْقنَاكُ ْم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَن ُف َ‬ ‫واذكروا نعمتنا عليكم حي كنتم تتيهون ف الرض; إذ جعلنا السحاب‬ ‫مظلل علي كم من حَرّ الش مس‪ ,‬وأنزل نا علي كم النّ‪ ,‬و هو ش يء يش به‬ ‫‪26‬‬

‫الصّمغ طعمه كالعسل‪ ,‬وأنزلنا عليكم السّلوى وهو طي يشبه السّمانَى‪,‬‬ ‫وقلنا لكم‪ :‬كلوا من طيّبات ما رزقناكم‪ ,‬ول تالفوا دينكم‪ ,‬فلم تتثلوا‪.‬‬ ‫ومما ظلمونما بكفران النعمم‪ ,‬ولكمن كانوا أنفسمهم يظلمون; لن عاقبمة‬ ‫الظلم عائدة عليهم‬ ‫وَِإذْ ُق ْلنَا ا ْدخُلُوا هَذِهِ الْقَ ْرَيةَ فَ ُكلُوا ِمْنهَا َحيْثُ ِشْئتُمْ رَغَدا وَادْ ُخلُوا اْلبَابَ‬ ‫سِنيَ (‪)58‬‬ ‫حِ‬ ‫ُسجّدا وَقُولُوا حِ ّطةٌ نَغْفِرْ لَ ُكمْ خَطَايَاكُمْ َو َسنَزِي ُد الْ ُم ْ‬ ‫واذكروا نعمتنا عليكم حي قلنا‪ :‬ادخلوا مدينة "بيت القدس" فكلوا من‬ ‫طيباتا ف أي مكان منها أكل هنيئًا‪ ,‬وكونوا ف دخولكم خاضعي ل‪,‬‬ ‫ذليلي له‪ ,‬وقولوا‪ :‬ربّنا ضَ ْع عنّا ذنوبنا‪ ,‬نستجب لكم ونعف ونسترها‬ ‫عليكم‪ ,‬وسنيد الحسني بأعمالم خيًا وثوابًا‬ ‫ِينم ظَلَمُوا‬ ‫ُمم فَأَن َزلْن َا عَلَى الّذ َ‬ ‫ِينم ظَلَمُوا َقوْلً َغْيرَ الّذِي قِيلَ َله ْ‬ ‫َفَبدّلَ الّذ َ‬ ‫رِجْزا مِنْ السّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَ ْفسُقُونَ (‪)59‬‬ ‫فبدّل الائرون الضالون من بن إسرائيل قول ال‪ ,‬وحرّفوا القول والفعل‬ ‫جيعًا‪ ,‬إذ دخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا‪ :‬حبة ف شعرة‪,‬‬ ‫واستهزءوا بدين ال‪ .‬فأنزل ال عليهم عذابًا من السماء; بسبب تردهم‬ ‫وخروجهم عن طاعة ال‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫ت ِمنْ ُه‬ ‫وَِإذْ ا ْسَتسْقَى مُو سَى لِقَوْمِ هِ فَقُ ْلنَا اضْرِ بْ بِعَ صَاكَ اْلحَجَرَ فَانفَجَ َر ْ‬ ‫اْثَنتَا َعشْرَةَ َعيْنا قَ ْد عَلِ مَ كُلّ ُأنَا سٍ َمشْ َرَبهُ ْم كُلُوا وَاشْ َربُوا مِ ْن ِرزْ قِ اللّ هِ‬ ‫وَل تَ ْعَثوْا فِي ا َلرْضِ مُ ْفسِدِينَ (‪)60‬‬ ‫واذكروا نعمتنا عليكم ‪-‬وأنتم عطاش ف الّتيْه‪ -‬حي دعانا موسى‬ ‫بضراعة‪ -‬أن نسقي قومه‪ ,‬فقلنا‪ :‬اضرب بعصاك الجر‪ ,‬فضرب‪,‬‬‫فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا‪ ,‬بعدد القبائل‪ ,‬مع إعلم كل قبيلة بالعي‬ ‫الاصة با حت ل يتنازعوا‪ .‬وقلنا لم‪ :‬كلوا واشربوا من رزق ال‪ ,‬ول‬ ‫تسعوا ف الرض مفسدين‪.‬‬ ‫ك ُيخْرِ جْ َلنَا‬ ‫ع َلنَا َربّ َ‬ ‫صبِ َر عَلَى طَعَا مٍ وَاحِدٍ فَادْ ُ‬ ‫وَِإذْ ُق ْلتُ مْ يَا مُو سَى لَ نْ نَ ْ‬ ‫ت ا َلرْ ضُ مِ نْ بَقِْلهَا وَِقثّاِئهَا وَفُو ِمهَا‬ ‫ت ا َلرْ ضُ ُيخْرِ جْ َلنَا مِمّا ُتْنبِ ُ‬ ‫مِمّا ُتْنبِ ُ‬ ‫سَتبْ ِدلُونَ الّذِي ُهوَ أَدْنَى بِالّذِي ُهوَ َخيْرٌ ا ْهبِطُوا‬ ‫وَعَدَ ِسهَا َوبَ صَِلهَا قَالَ َأتَ ْ‬ ‫مِصْرا َفِإنّ لَكُمْ مَا سََأْلتُمْ َوضُ ِرَبتْ عََلْيهِ ْم ال ّذلّةُ وَالْمَسْ َكَنةُ َوبَاءُوا بِغَضَبٍ‬ ‫ت اللّ هِ َويَ ْقتُلُو نَ الّنِبيّيَ بِ َغيْ ِر الْحَقّ‬ ‫ك بَِأّنهُ مْ كَانُوا يَكْفُرُو نَ بِآيَا ِ‬ ‫مِ نْ اللّ هِ َذلِ َ‬ ‫صوْا وَكَانُوا يَ ْعتَدُونَ (‪)61‬‬ ‫ك بِمَا عَ َ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫واذكروا حي أنزلنا عليكم الطعام اللو‪ ,‬والطي الشهي‪ ,‬فبطِرت النعمة‬ ‫كعادتكم‪ ,‬وأصابكم الضيق واللل‪ ,‬فقلتم‪ :‬يا موسى لن نصب على طعام‬ ‫‪28‬‬

‫ثابت ل يتغي مع اليام‪ ,‬فادع لنا ربك يرج لنا من نبات الرض طعامًا‬ ‫من البقول والُضَر‪ ,‬والقثاء والبوب الت تؤكل‪ ,‬والعدس‪ ,‬والبصل‪ .‬قال‬ ‫مو سى ‪-‬م ستنكرًا علي هم‪ :-‬أتطلبون هذه الطع مة ال ت هي أ قل قدرًا‪,‬‬ ‫وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره ال لكم؟ اهبطوا من هذه البادية‬ ‫إل أي مدينة‪ ,‬تدوا ما اشتهيتم كثيًا ف القول والسواق‪ .‬ولا هبطوا‬ ‫ميّن لمم أنمم يُقَدّمون اختيارهمم ‪-‬فم كمل موطمن‪ -‬على اختيار ال‪,‬‬ ‫تب‬ ‫وُي ْؤثِرون شهواتم على ما اختاره ال لم; لذلك لزمتهم صِ َفةُ الذل وفقر‬ ‫النفوس‪ ,‬وان صرفوا ورجعوا بغ ضب من ال; لعراض هم عن د ين ال‪,‬‬ ‫ولن م كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون ال نبيي ظلمًا وعدوانًا; وذلك‬ ‫بسبب عصيانم وتاوزهم حدود ربم‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي نَ هَادُوا وَالنّ صَارَى وَال صّاِبِئيَ مَ نْ آمَ َن بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ‬ ‫الخِ ِر وَعَمِلَ صَالِحا وَ َعمِلَ صَالِحا َفَلهُ مْ أَجْرُ ُه مْ ِعنْ َد َرّبهِ مْ وَل َخوْ فٌ‬ ‫عََلْيهِمْ وَل هُمْ َيحْ َزنُونَ (‪)62‬‬ ‫إن الؤمن ي من هذه ال مة‪ ,‬الذ ين صدّقوا بال ور سله‪ ,‬وعملوا بشر عه‪,‬‬ ‫والذين كانوا قبل بعثة ممد صلى ال عليه وسلم من المم السالفة من‬ ‫اليهود‪ ,‬والن صارى‪ ,‬وال صابئي‪ -‬و هم قوم باقون على فطرت م‪ ,‬ول د ين‬ ‫مقرر لم يتبعونه‪ -‬هؤلء جيعًا إذا صدّقوا بال تصديقًا صحيحًا خالصًا‪,‬‬ ‫‪29‬‬

‫وبيوم الب عث والزاء‪ ,‬وعملوا عمل مرضيًا ع ند ال‪ ,‬فثواب م ثا بت ل م‬ ‫ع ند رب م‪ ,‬ول خوف علي هم في ما ي ستقبلونه من أ مر الخرة‪ ،‬ول هم‬ ‫يزنون على ما فاتم من أمور الدنيا‪ .‬وأما بعد بعثة ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم خاتًا للنبيي والرسلي إل الناس كافة‪ ,‬فل يقبل ال من أحد دينًا‬ ‫غي ما جاء به‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬ ‫وَِإذْ َأخَ ْذنَا مِيثَاقَكُمْ َورَفَ ْعنَا َفوْقَكُمْ الطّورَ خُذُوا مَا آَتْينَاكُ ْم بِ ُقوّةٍ وَاذْكُرُوا‬ ‫مَا فِيهِ لَعَلّ ُكمْ َتتّقُونَ (‪)63‬‬ ‫واذكروا ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬حي أَ َخذْنا العهد الؤكّد منكم باليان بال‬ ‫وإفراده بالعبادة‪ ,‬ورفع نا ج بل الطور فوق كم‪ ,‬وقل نا ل كم‪ :‬خذوا الكتاب‬ ‫الذي أعطينا كم ب ٍد واجتهاد واحفظوه‪ ,‬وإل أطبق نا علي كم ال بل‪ ،‬ول‬ ‫تنسوا التوراة قول وعمل كي تتقون وتافوا عقاب‪.‬‬ ‫ثُمّ َت َوّلْيتُم ْم مِن ْمبَ ْعدِ َذلِكَم فََلوْل فَضْ ُل اللّهِم عََليْكُم ْم َورَ ْح َمتُهُملَكُنتُم ْم مِن ْم‬ ‫الْخَاسِرِينَ (‪)64‬‬ ‫ث خالف تم وع صيتم مرة أخرى‪ ,‬ب عد أَخْ ِذ اليثاق ورَفْع ال بل كشأن كم‬ ‫دائمًا‪ .‬فلول فَضْلُ ال علي كم ورح ته بالتو بة‪ ,‬والتجاوز عن خطايا كم‪,‬‬ ‫لصرت من الاسرين ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫ُمم كُونُوا قِ َردَةً‬ ‫السمْتِ فَقُلْنَا َله ْ‬ ‫ُمم فِي ّب‬ ‫ِينم ا ْعتَ َدوْا ِمنْك ْ‬ ‫ُمم الّذ َ‬ ‫َولَقَدْ َعلِ ْمت ْ‬

‫خَا ِسِئيَ (‪)65‬‬

‫ولقد علمتم ‪-‬يا معشر اليهود‪ -‬ما حلّ من البأس بأسلفكم من أهل‬ ‫القرية الت عصت ال‪ ،‬فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت‪ ،‬فاحتالوا‬ ‫لصطياد السمك ف يوم السبت ‪ ،‬بوضع الشّباك وحفر البِرَك‪ ،‬ث‬ ‫اصطادوا السمك يوم الحد حيلة إل الحرم‪ ،‬فلما فعلوا ذلك‪ ،‬مسخهم‬ ‫ال قردة منبوذين‪.‬‬ ‫َفجَعَ ْلنَاهَا نَكَالً لِمَا َبيْنَ َي َدْيهَا وَمَا خَلْ َفهَا وَ َموْعِ َظةً لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)66‬‬ ‫فجعلنا هذه القرية عبة لن بضرتا من القرى‪ ,‬يبلغهم خبها وما حلّ‬ ‫با‪ ,‬وعبة لن يعمل بعدها مثل تلك الذّنوب‪ ,‬وجعلناها تذكرة‬ ‫للصالي; ليعلموا أنم على الق‪ ,‬فيثبتوا عليه‪.‬‬ ‫وَإِ ْذ قَالَ مُوسَى لِ َقوْ ِمهِ ِإنّ الّلهَ يَأْمُرُكُمْ َأنْ َت ْذَبحُوا بَقَرَ ًة قَالُوا َأَتّتخِ ُذنَا هُزُوا‬ ‫قَالَ أَعُو ُذ بِاللّهِ َأنْ أَكُونَ مِنْ اْلجَاهِِليَ (‪)67‬‬ ‫‪31‬‬

‫واذكروا يا بن إسرائيل جناية أسلفكم‪ ,‬وكثرة تعنتهم وجدالم لوسى‬ ‫عليه الصلة والسلم‪ ,‬حي قال لم‪ :‬إن ال يأمركم أن تذبوا بقرة‪,‬‬ ‫فقالوا ‪-‬مستكبين‪ :-‬أتعلنا موضعًا للسخرية والستخفاف؟ فردّ عليهم‬ ‫موسى بقوله‪ :‬أستجي بال أن أكون من الستهزئي‪.‬‬ ‫ك ُيَبيّ نْ َلنَا مَا هِ يَ قَالَ ِإنّ هُ يَقُولُ ِإّنهَا بَ َقرَةٌ ل فَارِ ضٌ وَل‬ ‫ع َلنَا َربّ َ‬ ‫قَالُوا ادْ ُ‬

‫بِكْ ٌر َعوَانٌ َبيْنَ َذلِكَ فَافْ َعلُوا مَا ُتؤْمَرُونَ (‪)68‬‬ ‫قالوا‪ :‬ادع ل نا ربّ ك يو ضح ل نا صفة هذه البقرة‪ ,‬فأجاب م‪ :‬إن ال يقول‬ ‫لكم‪ :‬صفتها أل تكون مسنّة َهرِمة‪ ,‬ول صغية َفِتيّة‪ ,‬وإنا هي متوسطة‬ ‫بينهما‪ ,‬فسارِعوا إل امتثال أمر ربكم‪.‬‬ ‫ك ُيَبيّ نْ َلنَا مَا َل ْونُهَا قَالَ ِإنّ هُ يَقُولُ ِإّنهَا بَقَرٌَة صَفْرَاءُ فَاِقعٌ‬ ‫ع َلنَا َربّ َ‬ ‫قَالُوا ادْ ُ‬ ‫َلوُْنهَا َتسُرّ النّاظِرِينَ ( ‪)69‬‬ ‫فعادوا إل جدالم قائلي‪ :‬ادع لنا ربك يوضح لنا لونا‪ .‬قال‪ :‬إنه يقول‪:‬‬ ‫إنا بقرة صفراء شديدة الصّفْرة‪َ ,‬تسُرّ مَن ينظر إليها‪.‬‬ ‫قَالُوا ا ْد عُ َلنَا َربّ كَ ُيَبيّ نْ َلنَا مَا هِ يَ ِإنّ اْلبَقَ َر َتشَابَ هَ عََلْينَا وَِإنّا إِ نْ شَاءَ اللّ هُ‬ ‫لَ ُم ْهتَدُونَ ( ‪)70‬‬ ‫‪32‬‬

‫قال بنو إسرائيل لوسى‪ :‬ادع لنا ربك يوضح لنا صفات أخرى غي ما‬ ‫سبق; لن البقر ‪-‬بذه الصفات‪ -‬كثي فا ْشَتَبهَ علينا ماذا نتار؟ وإننا ‪-‬إن‬ ‫شاء ال‪ -‬لهتدون إل البقرة الأمور بذبها‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّ هُ يَقُولُ ِإّنهَا بَ َقرَةٌ ل َذلُولٌ ُتثِ ُي ا َلرْ ضَ وَل تَ سْقِي اْلحَرْ ثَ مُ سَلّ َمةٌ‬ ‫ل ِشَيةَ فِيهَا قَالُوا النَ ِجْئتَ بِاْلحَقّ فَ َذَبحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْ َعلُونَ (‪)71‬‬ ‫قال لمم موسمى‪ :‬إن ال يقول‪ :‬إنام بقرة غيم مذللة للعممل فم حراثمة‬ ‫الرض للزرا عة‪ ,‬وغ ي معدة لل سقي من ال ساقية‪ ,‬وخال ية من العيوب‬ ‫جيع ها‪ ,‬ول يس في ها عل مة من لون غ ي لون جلد ها‪ .‬قالوا‪ :‬الن جئت‬ ‫بقيقة وصف البقرة‪ ,‬فاضطروا إل ذبها بعد طول الراوغة‪ ,‬وقد قاربوا‬ ‫أل يفعلوا ذلك لعنادهم‪ .‬وهكذا شددوا فشدّد ال عليهم‬ ‫وَِإذْ َقتَ ْلُتمْ نَفْسا فَادّارَْأتُمْ فِيهَا وَالّلهُ ُمخْ ِرجٌ مَا كُنتُ ْم تَ ْكتُمُونَ (‪)72‬‬ ‫واذكروا إذ قتلتم نفسًا فتنازعتم بشأنا‪ ,‬كلّ يدفع عن نفسه تمة القتل‪,‬‬ ‫وال مرج ما كنتم تفون مِن َقتْل القتيل‪.‬‬ ‫ك ُيحْ يِ اللّ هُ الْ َموْتَى َويُرِيكُ مْ آيَاتِ هِ لَعَلّ ُك مْ‬ ‫َفقُلْنَا اضْ ِربُو هُ ِببَعْضِهَا كَ َذلِ َ‬ ‫‪33‬‬

‫تَعْقِلُونَ (‪)73‬‬ ‫فقلنا‪ :‬اضربوا القتيل بزء من هذه البقرة الذبوحة‪ ,‬فإن ال سيبعثه حيًا‪,‬‬ ‫ويبكم عن قاتله‪ .‬فضربوه ببعضها فأحياه ال وأخب بقاتله‪ .‬كذلك‬ ‫يُحيي ال الوتى يوم القيامة‪ ,‬ويريكم‪ -‬يا بن إسرائيل‪ -‬معجزاته الدالة‬ ‫على كمال قدرته تعال; لكي تتفكروا بعقولكم‪ ,‬فتمتنعوا عن معاصيه‪.‬‬ ‫سوَةً وَِإنّ مِ ْن‬ ‫ت قُلُوبُكُ مْ مِ نْ بَ ْعدِ َذلِ كَ َفهِ َي كَاْلحِجَارَةِ َأوْ أَشَ ّد قَ ْ‬ ‫ثُمّ قَ سَ ْ‬ ‫حجَارَةِ لَمَا َيتَ َفجّرُ ِمنْ هُ ا َلْنهَارُ وَإِنّ ِمنْهَا لَمَا َيشّقّ قُ َفَيخْرُ جُ ِمنْ هُ الْمَاءُ‬ ‫الْ ِ‬

‫شَيةِ الّلهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِ ٍل عَمّا تَ ْعمَلُونَ (‪)74‬‬ ‫وَِإنّ ِمْنهَا لَمَا َي ْهبِطُ مِنْ َخ ْ‬

‫ولكنكم ل تنتفعوا بذلك; إذ بعد كل هذه العجزات الارقة اشتدت‬ ‫قلوبكم وغلظت‪ ,‬فلم َينْفُذ إليها خي‪ ,‬ول تَلِنْ أمام اليات الباهرة الت‬ ‫أريتكموها‪ ,‬حت صارت قلوبكم مثل الجارة الصمّاء‪ ,‬بل هي أشد‬ ‫منها غلظة; لن من الجارة ما يتسع وينفرج حت تنصبّ منه الياه‬ ‫صبًا‪ ,‬فتصي أنارًا جاريةً‪ ,‬ومن الجارة ما يتصدع فينشق‪ ,‬فتخرج منه‬ ‫العيون والينابيع‪ ,‬ومن الجارة ما يسقط من أعال البال مِن خشية ال‬ ‫تعال وتعظيمه‪ .‬وما ال بغافل عما تعملون‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫أََفتَطْمَعُو نَ أَ نْ ُيؤْ ِمنُوا لَكُ مْ وََقدْ كَا نَ َفرِي قٌ ِمْنهُ مْ يَ سْمَعُونَ كَل مَ اللّ هِ ثُمّ‬ ‫ُيحَرّفُوَنهُ مِنْ بَعْ ِد مَا عَقَلُو ُه وَهُمْ يَعَْلمُونَ (‪)75‬‬ ‫أيها السلمون أنسيتم أفعال بن إسرائيل‪ ,‬فطمعت نفوسكم أن يصدّق‬ ‫اليهودُ بدين كم؟ و قد كان علماؤ هم ي سمعون كلم ال من التوراة‪ ,‬ث‬ ‫يرفونه بِصَ ْرفِه إل غي معناه الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته‪ ,‬أو بتحريف‬ ‫ألفاظه‪ ,‬وهم يعلمون أنم يرفون كلم رب العالي عمدًا وكذبًا‬ ‫م قَالُوا‬ ‫م ِإلَى بَعْض ٍ‬ ‫ضهُم ْ‬ ‫م آ َمنُوا قَالُوا آ َمنّام َوإِذَا خَل بَعْ ُ‬ ‫وَِإذَا لَقُوا الّذِين َ‬ ‫َأُتحَ ّدثُوَنهُ مْ بِمَا َفتَ َح اللّ هُ َعَليْكُ مْ ِلُيحَاجّوكُ مْ بِ هِ ِعْندَ َربّكُ مْ أَفَل تَعْقِلُو نَ (‬ ‫‪)76‬‬ ‫هؤلء اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانم‪ :‬آمنّا بدينكم ورسولكم‬ ‫البشّر به ف التوراة‪ ,‬وإذا خل بعض هؤلء النافقي من اليهود إل بعض‬ ‫قالوا ف إنكار‪ :‬أتدّثون الؤمني با بيّن ال لكم ف التوراة من أمر ممد;‬ ‫لتكون لم الجة عليكم عند ربكم يوم القيامة؟ أفل تفقهون فتحذروا؟‬ ‫َأوَل يَعْلَمُونَ َأنّ الّلهَ يَعَْلمُ مَا ُيسِرّونَ وَمَا يُعِْلنُونَ (‪)77‬‬

‫‪35‬‬

‫أيفعلون كلّ هذه الرائم‪ ,‬ول يعلمون أن ال يعلم جيع ما يفونه وما‬ ‫يظهرونه؟‬ ‫وَ ِمْنهُمْ أُ ّميّونَ ل يَعَْلمُونَ الْ ِكتَابَ إِلّ أَمَانِيّ وَِإنْ هُمْ إِ ّل يَ ُظنّونَ (‪)78‬‬ ‫ومن اليهود جاعة يهلون القراءة والكتابة‪ ,‬ول يعلمون التوراة وما فيها‬ ‫من صفات نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما عندهم من‬ ‫ذلك إل أكاذيبُ وظنون فاسدة‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫ِنم ِعنْدِ الل ِ‬ ‫ُونم َهذَا م ْ‬ ‫ِمم ثُمّ يَقُول َ‬ ‫َابم بَِأيْدِيه ْ‬ ‫ُونم الْ ِكت َ‬ ‫ِينم يَ ْكُتب َ‬ ‫َف َويْلٌ لِلّذ َ‬ ‫ُمم مِمّام‬ ‫ِمم َو َويْلٌ َله ْ‬ ‫َتم َأيْدِيه ْ‬ ‫ُمم مِمّام َكَتب ْ‬ ‫ِهم َثمَنا قَلِيلً َف َويْلٌ َله ْ‬ ‫شتَرُوا ب ِ‬ ‫ِليَ ْ‬ ‫سبُونَ (‪)79‬‬ ‫يَ ْك ِ‬ ‫فهلك ووعيد شديد لحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب‬ ‫بأيديهم‪ ,‬ث يقولون‪ :‬هذا من عند ال وهو مالف لا أنزل ال على نبيّه‬ ‫موسى عليه الصلة والسلم; ليأخذوا ف مقابل هذا عرض الدنيا‪ .‬فلهم‬ ‫عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم هذا الباطل بأيديهم‪ ,‬ولم عقوبة مهلكة‬ ‫بسبب ما يأخذونه ف القابل من الال الرام‪ ,‬كالرشوة وغيها‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫سنَا النّارُ إِلّ َأيّاما مَعْدُودَ ًة قُلْ أَاّتخَ ْذتُ مْ ِعنْ َد اللّ هِ َعهْدا فَلَ نْ‬ ‫وَقَالُوا لَ نْ َتمَ ّ‬

‫ُيخْلِفَ الّلهُ َعهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ َعلَى الّلهِ مَا ل تَعْلَمُونَ (‪)80‬‬

‫وقال بنو إسرائيل‪ :‬لن تصيبنا النار ف الخرة إل أيامًا قليلة العدد‪ .‬قل لم‬ ‫أيها الرسول مبطل دعواهم‪ :-‬أعندكم عهد من ال بذا‪ ,‬فإن ال ل‬‫يلف عهده؟ بل إنكم تقولون على ال ما ل تعلمون بافترائكم الكذب‪.‬‬ ‫صحَابُ النّارِ هُ مْ‬ ‫ب َسّيَئةً وَأَحَاطَ تْ بِ هِ خَطِيَئتُ هُ فَُأ ْوَلئِ كَ أَ ْ‬ ‫بَلَى مَ نْ كَ سَ َ‬ ‫فِيهَا خَالِدُونَ (‪)81‬‬ ‫فحُكْ ُم ال ثابت‪ :‬أن من ارتكب الثام حت جَرّته إل الكفر‪ ,‬واستولت‬ ‫عليه ذنوبه مِن جيع جوانبه وهذا ل يكون إل فيمن أشرك بال‪,‬‬ ‫فالشركون والكفار هم الذين يلزمون نار جهنم ملزمة دائمةً ل‬ ‫تنقطع‪.‬‬ ‫ُمم فِيه َا‬ ‫جّنةِ ه ْ‬ ‫َصمحَابُ الْ َ‬ ‫ِكم أ ْ‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّاِلحَاتِ ُأ ْوَلئ َ‬ ‫وَالّذ َ‬ ‫خَالِدُونَ (‪)82‬‬ ‫‪37‬‬

‫ت ف مقابل هذا‪ :‬أنّ الذين صدّقوا بال ورسله تصديقًا‬ ‫وحكم ال الثاب ُ‬ ‫خالصًا‪ ,‬وعملوا العمال التفقة مع شريعة ال الت أوحاها إل رسله‪,‬‬ ‫هؤلء يلزمون النة ف الخرة ملزمةً دائم ًة ل تنقطع‪.‬‬ ‫ق بَنِي إِ سْرَائِيلَ ل تَ ْعبُدُو نَ إِ ّل اللّ هَ َوبِالْوَالِ َديْ نِ ِإحْ سَانا‬ ‫وَِإذْ َأخَذْنَا مِيثَا َ‬ ‫وَذِي الْقُرْبَى وَالَْيتَامَى وَالْمَ سَا ِكيِ وَقُولُوا لِلنّا سِ حُ سْنا وَأَقِيمُوا ال صّلةَ‬ ‫ل ِمنْكُ ْم وََأْنتُ ْم مُعْ ِرضُونَ (‪)83‬‬ ‫وَآتُوا الزّكَاةَ ُثمّ َت َوّلْيتُمْ إِ ّل قَلِي ً‬

‫واذكروا يا بن إسرائيل حي أ َخذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا‪ :‬بأن تعبدوا ال‬ ‫وحده ل شريك له‪ ,‬وأن تسنوا للوالدين‪ ,‬وللقربي‪ ,‬وللولد الذين‬ ‫مات آباؤهم وهم دون بلوغ اللم‪ ,‬وللمساكي‪ ,‬وأن تقولوا للناس‬ ‫أطيب الكلم‪ ,‬مع أداء الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬ث أَعْ َرضْتم ونقضتم العهد‬ ‫إل قليل منكم ثبت عليه‪ -‬وأنتم مستمرون ف إعراضكم‪.‬‬‫وَإِذْ أَ َخذْنَا مِيثَاقَكُم ْم ل تَس ْمفِكُونَ دِمَاءَكُم ْم وَل ُتخْرِجُونَمأَنفُسَمكُ ْم مِن ْم‬ ‫شهَدُونَ (‪)84‬‬ ‫ِديَارِكُمْ ثُمّ أَ ْق َر ْرتُمْ وََأْنتُ ْم َت ْ‬

‫‪38‬‬

‫واذكروا ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬حي أَ َخذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا ف التوراة‪:‬‬ ‫يرم سفك بعضكم دم بعض‪ ,‬وإخراج بعضكم بعضًا من دياركم‪ ,‬ث‬ ‫اعترفتم بذلك‪ ,‬وأنتم تشهدون على صحته‪.‬‬ ‫ثُمّ َأْنتُ ْم َهؤُلء تَ ْقتُلُو نَ أَنفُ سَكُ ْم َوُتخْرِجُو نَ فَرِيقا ِمنْكُ ْم مِ نْ ِديَارِهِ ْم‬ ‫َتتَظَاهَرُو نَ عََلْيهِ ْم بِا ِلثْ مِ وَالْعُ ْدوَا نِ وَإِ نْ يَ ْأتُوكُ مْ ُأ سَارَى تُفَادُوهُ مْ وَ ُهوَ‬ ‫ب َوتَكْفُرُو نَ ِببَعْ ضٍ َفمَا‬ ‫ُمحَرّ ٌم عََليْكُ مْ إِ ْخرَا ُجهُ مْ أََفُتؤْ ِمنُو نَ ِببَعْ ضِ الْ ِكتَا ِ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ يُ َردّونَ‬ ‫ي فِي الْ َ‬ ‫َجزَاءُ مَنْ يَ ْفعَلُ َذلِكَ ِمنْ ُكمْ إِلّ خِ ْز ٌ‬

‫ِإلَى أَشَ ّد الْعَذَابِ وَمَا الّلهُ بِغَافِلٍ َعمّا تَعْمَلُونَ ( ‪)85‬‬

‫ث أنتم يا هؤلء يقتل بعضكم بعضًا‪ ,‬ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم‪,‬‬ ‫وَيتَ َقوّى كل فريق منكم على إخوانه بالعداء بغيًا وعدوانًا‪ .‬وأن يأتوكم‬ ‫أسارى ف يد العداء سعيتم ف تريرهم من السر‪ ,‬بدفع الفدية‪ ,‬مع أنه‬ ‫مرم عليكم إخراجهم من ديارهم‪ .‬ما أقبح ما تفعلون حي تؤمنون‬ ‫ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها! فليس جزاء مَن يفعل ذلك‬ ‫منكم إل ذُل وفضيحة ف الدنيا‪ .‬ويوم القيامة يردّهم ال إل أفظع‬ ‫العذاب ف النار‪ .‬وما ال بغافل عما تعملون‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫ب وَل‬ ‫حيَاةَ ال ّدْنيَا بِالخِرَ ِة فَل ُيخَفّ فُ َعْنهُ مْ الْعَذَا ُ‬ ‫ك الّذِي نَ ا ْشتَ َروْا الْ َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫هُ ْم يُنصَرُونَ (‪)86‬‬ ‫أولئك هم الذين آثروا الياة الدنيا على الخرة‪ ,‬فل يفف عنهم‬ ‫العذاب‪ ,‬وليس لم ناصر ينصرهم مِن عذاب ال‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ وَقَ ّفيْنَا مِ نْ بَ ْعدِ ِه بِالرّ سُ ِل وَآَتيْنَا عِي سَى ابْ َن‬ ‫ت وََأيّ ْدنَا هُ بِرُو حِ الْقُدُ سِ أَفَكُلّمَا جَاءَكُ مْ رَ سُولٌ ِبمَا ل َت ْهوَى‬ ‫مَ ْريَ َم اْلَبيّنَا ِ‬ ‫أَن ُفسُكُمْ ا ْستَ ْكبَ ْرتُ ْم فَ َفرِيقا كَ ّذْبُتمْ وَفَرِيقا تَ ْقتُلُونَ ( ‪)87‬‬ ‫ولقد أعطينا موسى التوراة‪ ,‬وأتبعناه برسل من بن إسرائيل‪ ,‬وأعطينا‬ ‫عيسى ابن مري العجزات الواضحات‪ ,‬وقوّيناه ببيل عليه السلم‪.‬‬ ‫أفكلما جاءكم رسول بوحي من عند ال ل يوافق أهواءكم‪ ,‬استعليتم‬ ‫عليه‪ ,‬فكذّبتم فريقًا وتقتلون فريقًا؟‬ ‫وَقَالُوا قُلُوُبنَا غُلْفٌ بَ ْل لَ َعَنهُمْ الّلهُ بِكُفْرِهِ ْم فَقَلِيلً مَا ُيؤْ ِمنُونَ (‪)88‬‬ ‫وقال بنو إسرائيل لنب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قلوبنا‬ ‫مغطاة‪ ,‬ل َينْفُذ إليها قولك‪ .‬وليس المر كما ادّ َعوْا‪ ,‬بل قلوبم ملعونة‪,‬‬ ‫‪40‬‬

‫مطبوع عليها‪ ,‬وهم مطرودون من رحة ال بسبب جحودهم‪ ,‬فل‬ ‫يؤمنون إل إيانًا قليل ل ينفعهم‪.‬‬ ‫صدّقٌ لِمَا مَ َعهُ مْ وَكَانُوا مِ نْ َقبْ ُل‬ ‫َولَمّ ا جَاءَهُ ْم ِكتَا بٌ مِ ْن ِعنْدِ اللّ هِ مُ َ‬ ‫ستَ ْفِتحُونَ عَلَى الّذِي نَ كَ َفرُوا فَلَمّا جَاءَهُ مْ مَا عَ َرفُوا كَفَرُوا بِ هِ فَلَ ْعَنةُ اللّ هِ‬ ‫يَ ْ‬ ‫عَلَى الْكَافِرِي َن (‪)89‬‬ ‫وحي جاءهم القرأن من عند ال مصدقا لا معهم من التوراة جحدوه‪,‬‬ ‫وأنكروا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكانوا قبل بعثته يستنصرون به‬ ‫ب مبعث نبّ آخرِ الزمان‪ ,‬وسنتبعه‬ ‫على مشركي العرب‪ ,‬ويقولون‪ :‬قَرُ َ‬ ‫ونقاتلكم معه‪ .‬فلمّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا‬ ‫به وكذبوه‪ .‬فلعنةُ ال على كل مَن كفر بنب ال ورسوله ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ,‬وكتابه الذي أوحاه ال إليه‪.‬‬ ‫سهُمْ أَ نْ يَكْفُرُوا ِبمَا أَنزَ َل اللّ هُ بَغْيا أَ نْ ُينَزّ َل اللّ هُ مِ نْ‬ ‫ِبئْ سَمَا ا ْشَت َروْا بِ هِ أَنفُ َ‬ ‫ضبٍ عَلَى‬ ‫فَضْلِهِ أَنْ ُينَزّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ ِعبَادِ ِه َفبَاءُوا بِغَ َ‬ ‫ب ُم ِهيٌ (‪)90‬‬ ‫ب وَلِلْكَاِفرِينَ عَذَا ٌ‬ ‫غَضَ ٍ‬

‫‪41‬‬

‫َقبُ َح ما اختاره بنو إسرائيل لنفسهم; إذ استبدلوا الكفر باليان ظلمًا‬ ‫وحسدًا لنزال ال من فضله القرآن على نب ال ورسوله ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ,‬فرجعوا بغضب من ال عليهم بسبب جحودهم بالنب ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بعد غضبه عليهم بسبب تريفهم التوراة‪.‬‬ ‫ب يذلّهم ويزيهم‪.‬‬ ‫وللجاحدين نبوّة ممد صلى ال عليه وسلم عذا ٌ‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ مْ آ ِمنُوا بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا ُنؤْمِ نُ بِمَا أُنزِ َل عََليْنَا َويَكْفُرُو نَ‬ ‫بِمَا َورَاءَهُ وَ ُهوَ اْلحَقّ مُصَدّقا لِمَا مَ َعهُ ْم قُلْ فَلِ َم تَ ْقتُلُونَ َأْنِبيَاءَ اللّهِ مِ ْن َقبْلُ‬

‫ِإنْ كُنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪)91‬‬

‫وإذا قال بعض السلمي لليهود‪ :‬صدّقوا با أنزل ال من القرآن‪ ,‬قالوا‪:‬‬ ‫نن نصدّق با أنزل ال على أنبيائنا‪ ,‬ويحدون ما أنزل ال بعد ذلك‪,‬‬ ‫وهو الق مصدقًا لا معهم‪ .‬فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حقًا لمنوا‬ ‫بالقرآن الذي صدّقها‪ .‬قل لم ‪-‬يا ممد‪ :-‬إن كنتم مؤمني با أنزل ال‬ ‫عليكم‪ ,‬فلماذا قتلتم أنبياء ال مِن قبل؟‬ ‫َولَقَدْ جَاءَكُ ْم مُوسَى بِاْلَبيّنَاتِ ثُمّ اّتخَ ْذتُمْ الْ ِعجْلَ مِنْ بَ ْعدِ ِه وََأْنتُ ْم ظَالِمُونَ‬

‫(‪)92‬‬

‫‪42‬‬

‫ولقد جاءكم نب ال موسى بالعجزات الواضحات الدالة على صدقه‪,‬‬ ‫كالطوفان والراد والقُمّل والضفادع‪ ,‬وغي ذلك ما ذكره ال ف القرآن‬ ‫العظيم‪ ,‬ومع ذلك اتذت العجل معبودًا‪ ,‬بعد ذهاب موسى إل ميقات‬ ‫ربه‪ ,‬وأنتم متجاوزون حدود ال‪.‬‬ ‫ُمم بِ ُقوّ ٍة‬ ‫ُمم الطّورَ خُذُوا م َا آَتْينَاك ْ‬ ‫ُمم َورَفَعْن َا َفوْقَك ْ‬ ‫وَِإذْ َأخَذْن َا مِيثَاقَك ْ‬ ‫صْينَا وَأُ ْش ِربُوا فِي قُلُوِبهِ مْ الْ ِعجْلَ بِ ُكفْرِهِ مْ قُلْ‬ ‫وَا سْ َمعُوا قَالُوا سَمِ ْعنَا وَعَ َ‬ ‫ِبْئسَمَا يَأْمُرُكُ ْم ِبهِ ِإيَانُكُمْ ِإنْ كُنتُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)93‬‬ ‫واذكروا حي أَ َخذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بقَبول ما جاءكم به موسى من‬ ‫التوراة‪ ,‬فنقضتم العهد‪ ,‬فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم‪ ,‬وقلنا لكم‪:‬‬ ‫خذوا ما آتيناكم بدّ‪ ,‬واسعوا وأطيعوا‪ ,‬وإل أسقطنا البل عليكم‪,‬‬ ‫فقلتم‪ :‬سعنا قولك وعصينا أمرك; لن عبادة العجل قد امتزجت‬ ‫بقلوبكم بسبب تاديكم ف الكفر‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪َ :-‬قبُ َح ما‬ ‫يأمركم به إيانكم من الكفر والضلل‪ ,‬إن كنتم مصدّقي با أنزل ال‬ ‫عليكم‪.‬‬ ‫ت لَكُ مْ الدّارُ الخِرَ ُة ِعنْ َد اللّ هِ خَالِ صَةً مِ نْ دُو نِ النّا سِ َفَت َمّنوْا‬ ‫قُلْ إِ نْ كَانَ ْ‬ ‫‪43‬‬

‫الْ َموْتَ ِإنْ كُنُتمْ صَادِِقيَ (‪)94‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود الذين يدّعون أن النة خاصة بم; لزعمهم‬ ‫أنم أولياء ال من دون الناس‪ ,‬وأنم أبناؤه وأحباؤه‪ :‬إن كان المر‬ ‫كذلك فادْعُوا على الكاذبي منكم أو من غيكم بالوت‪ ,‬إن كنتم‬ ‫صادقي ف دعواكم هذه‪.‬‬ ‫َولَنْ َيتَ َمّنوْهُ َأبَدا ِبمَا قَدّمَتْ َأيْدِيهِ ْم وَالّلهُ عَلِي ٌم بِالظّالِ ِميَ (‪)95‬‬ ‫ولن يفعلوا ذلك أبدًا; لا يعرفونه من صدق النب ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم ومن كذبم وافترائهم‪ ,‬وبسبب ما ارتكبوه من الكفر والعصيان‪,‬‬ ‫الؤَ ّدَييْن إل حرمانم من النة ودخول النار‪ .‬وال تعال عليم بالظالي‬ ‫من عباده‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫َوَلَتجِ َدّنهُ مْ َأحْرَ صَ النّا سِ عَلَى َحيَاةٍ وَمِ نْ الّذِي نَ أَشْرَكُوا َيوَدّ َأحَدُهُ ْم َلوْ‬ ‫يُعَمّرُ َألْ فَ َسَنةٍ وَمَا ُه َو بِمُ َزحْ ِزحِ هِ مِ نْ الْعَذَا بِ أَ نْ يُعَمّرَ وَاللّ هُ بَ صِيٌ بِمَا‬ ‫يَعْمَلُونَ (‪)96‬‬ ‫ولتعلمَنّ ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬أن اليهود أ شد الناس رغ بة ف طول الياة أيّ ا‬ ‫كانت هذه الياة من الذلّة والهانة‪ ,‬بل تزيد رغبتهم ف طول الياة على‬ ‫‪44‬‬

‫رغبات الشركيم‪ .‬يتمنم اليهودي أن يعيمش ألف سمنة‪ ,‬ول ُيبْعده هذا‬ ‫الع مر الطو يل إن ح صل من عذاب ال‪ .‬وال تعال ل ي فى عل يه ش يء‬ ‫من أعمالم وسيجازيهم عليها با يستحقون من العذاب‪.‬‬ ‫صدّقا لِمَا َبيْنَ‬ ‫ك ِبإِ ْذنِ الّلهِ مُ َ‬ ‫جبْرِيلَ َفِإنّهُ َن ّزلَهُ َعلَى قَ ْلبِ َ‬ ‫قُ ْل مَنْ كَانَ عَ ُدوّا لِ ِ‬ ‫يَ َدْيهِ وَهُدًى َوُبشْرَى لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)97‬‬ ‫قل‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود حي قالوا‪ :‬إن جبيل هو عدونا من اللئكة‪:‬‬ ‫من كان عدوًا لبيل فإنه نزّل القرآن على قلبك بإذن ال تعال مصدّقًا‬ ‫لا سبقه من كتب ال‪ ,‬وهاديًا إل الق‪ ,‬ومبشرًا للمصدّقي به بكل خي‬ ‫ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫مَ ْن كَا نَ َع ُدوّا لِلّ هِ وَمَلئِ َكتِ هِ َورُ سُِل ِه وَ ِجبْرِيلَ وَمِيكَالَ َفإِنّ اللّ هَ عَ ُدوّ‬ ‫لِلْكَافِرِينَ ( ‪)98‬‬ ‫من عادى ال وملئكته‪ ،‬ورسله من اللئكة أو البشر‪ ،‬وباصة الَلَكان‬ ‫جبيلُ وميكالُ؛ لن اليهود زعموا أن جبيل عدوهم‪ ،‬وميكال وليّهم ‪،‬‬ ‫فأعلمهم ال أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الخر‪ ،‬وعادى ال‬

‫‪45‬‬

‫أيضًا‪ ،‬فإن ال عدو للجاحدين ما أنزل على رسوله ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫َولَقَدْ أَن َزْلنَا ِإَليْكَ آيَاتٍ َبّينَاتٍ وَمَا َيكْفُرُ ِبهَا إِلّ الْفَاسِقُونَ (‪)99‬‬ ‫ولقد أنزلنا إليك‪-‬أيها الرسول‪ -‬آيات بينات واضحات تدل على أنّك‬ ‫رسول من ال صدقا وحقا‪ ،‬وما ينكر تلك اليات إل الارجون عن‬ ‫دين ال‪.‬‬ ‫َأوَكُلّمَا عَاهَدُوا َعهْدا َنبَذَهُ فَرِيقٌ ِمْنهُ ْم بَلْ أَ ْكثَرُ ُهمْ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)100‬‬ ‫ما أقبح حال بن إسرائيل ف نقضهم للعهود!! فكلما عاهدوا عهدًا طرح‬ ‫ذلك العهد فريق منهم‪ ,‬ونقضوه‪ ,‬فتراهم ُيبْرِمون العهد اليوم وينقضونه‬ ‫غدًا‪ ,‬بل أكثرهم ل يصدّقون با جاء به نب ال ورسوله ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫َولَمّا جَاءَهُ ْم رَ سُولٌ مِ نْ ِعْندِ اللّ هِ مُ صَدّقٌ لِمَا مَ َعهُ ْم َنبَ َذ فَرِي قٌ مِ نْ الّذِي نَ‬ ‫ب ِكتَابَ الّلهِ َورَاءَ ُظهُورِهِمْ كََأّنهُمْ ل يَعْلَمُونَ ( ‪)101‬‬ ‫أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬ ‫‪46‬‬

‫ول ا جاء هم م مد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بالقرآن الوا فق ل ا‬ ‫مع هم من التوراة طرح فر يق من هم كتاب ال‪ ,‬وجعلوه وراء ظهور هم‪,‬‬ ‫شأنم شأن الهال الذين ل يعلمون حقيقته‬ ‫شيَاطِيُ َعلَى ُملْ كِ سَُليْمَانَ وَمَا كَفَ َر سَُلْيمَانُ َولَكِنّ‬ ‫وَاّتبَعُوا مَا َتتْلُو ال ّ‬ ‫ْنم ِببَابِلَ‬ ‫السمحْرَ وَمَا أُنزِلَ َعلَى الْمَلَ َكي ِ‬ ‫ّاسم ّ‬ ‫ُونم الن َ‬ ‫شيَاطِيَ كَفَرُوا يُ َعلّم َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ت وَمَا يُعَلّمَا نِ مِ نْ أَحَدٍ َحتّ ى يَقُول ِإنّمَا َنحْ نُ ِفْتَنةٌ فَل‬ ‫ت وَمَارُو َ‬ ‫هَارُو َ‬ ‫تَكْفُ ْر َفَيتَعَلّمُو نَ ِمْنهُمَا مَا يُفَرّقُو نَ بِ هِ َبيْ نَ الْمَ ْر ِء َوزَوْجِ ِه وَمَا هُ مْ بِضَارّي نَ‬ ‫بِ هِ مِ نْ أَحَدٍ إِ ّل ِبإِذْ نِ اللّ هِ َوَيتَعَلّمُو نَ مَا يَضُرّهُ ْم وَل يَنفَ ُعهُ ْم وَلَقَ ْد عَلِمُوا‬ ‫سهُمْ َلوْ‬ ‫ق َولَِبئْ سَ مَا شَ َروْا بِ هِ أَنفُ َ‬ ‫لَمَ نْ ا ْشتَرَا ُه مَا لَ هُ فِي الخِرَ ِة مِ نْ خَل ٍ‬ ‫كَانُوا يَعَْلمُونَ (‪)102‬‬ ‫واتبع اليهود ما ُتحَدّث الشياطيُ به السحرةَ على عهد ملك سليمان بن‬ ‫داود‪ .‬و ما ك فر سليمان و ما تَعَلّم ال سّحر‪ ,‬ولكنّ الشياط ي هم الذ ين‬ ‫كفروا بال حيم علّموا الناس السمحر; إفسمادًا لدينهمم‪ .‬وكذلك اتبمع‬ ‫اليهود ال سّحر الذي أُنزل على اللَكَ ي هاروت وماروت‪ ,‬بأرض "با بل"‬ ‫ف "العراق"; امتحانًا وابتلء من ال لعباده‪ ,‬و ما يعلّم اللكان من أ حد‬ ‫حت ينصحاه ويذّراه من تعلم السحر‪ ,‬ويقول له‪ :‬ل تكفر بتعلم السّحر‬ ‫وطاعة الشياطي‪ .‬فيتعلم الناس من اللكي ما ُيحْدِثون به الكراهية بي‬ ‫‪47‬‬

‫الزوج ي ح ت يتفر قا‪ .‬ول ي ستطيع ال سحرة أن يضروا به أحدًا إل بإذن‬ ‫ال وقضائه‪ .‬و ما يتعلم ال سحرة إل شرًا يضر هم ول ينفع هم‪ ,‬و قد نقل ته‬ ‫الشياطي إل اليهود‪ ,‬فشاع فيهم حت فضّلوه على كتاب ال‪ .‬ولقد علم‬ ‫اليهود أن من اختار ال سّحر وترك ال ق ما له ف الخرة من ن صيب ف‬ ‫الي‪ .‬ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر عوضًا عن اليان‬ ‫ومتابعة الرسول‪ ,‬لو كان لم عِ ْلمٌ يثمر العمل با وُعِظوا‪.‬‬ ‫م(‬ ‫م َخْيرٌ َلوْ كَانُوا يَ ْعلَمُون َ‬ ‫ِنم ِعْندِ اللّه ِ‬ ‫م آ َمنُوا وَاتّ َقوْا لَ َمثُوَبةٌ م ْ‬ ‫َوَلوْ َأّنهُم ْ‬

‫‪)103‬‬

‫ولو أن اليهود آمنوا وخافوا ال ليقنوا أن ثواب ال خي لم من السّحر‬ ‫وما اكتسبوه به‪ ,‬لو كانوا يعلمون ما يصل باليان والتقوى من الثواب‬ ‫والزاء علما حقيقيا لمنوا‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَا سْمَعُوا َولِلْكَافِرِي نَ‬ ‫عَذَابٌ َألِيمٌ (‪)104‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا للرسول ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬راعنا‪,‬‬ ‫أي‪ :‬راعنا سعك‪ ،‬فافهم عنا وأفهمنا; لن اليهود كانوا يقولونا للنب‬ ‫‪48‬‬

‫صلى ال عليه وسلم يلوون ألسنتهم با‪ ,‬يقصدون سبّه ونسبته إل‬ ‫الرعونة‪ ,‬وقولوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بدل منها‪ :‬انظرنا‪ ,‬أي انظر إلينا‬ ‫وتعهّدْنا‪ ,‬وهي تؤدي العن الطلوب نفسه واسعوا ما يتلى عليكم من‬ ‫كتاب ربكم وافهموه‪ .‬وللجاحدين عذاب موجع‪.‬‬ ‫مَا َيوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْ ِل الْ ِكتَابِ وَل الْ ُمشْرِ ِكيَ َأنْ ُينَزّلَ عََليْ ُك ْم مِ ْن‬ ‫ختَ صّ ِبرَحْ َمتِ ِه مَ نْ َيشَاءُ وَاللّ هُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِي مِ (‬ ‫َخيْ ٍر مِ نْ َربّكُ ْم وَاللّ هُ َي ْ‬ ‫‪)105‬‬ ‫ما يب الكفار من أهل الكتاب والشركي أن يُنّل عليكم أدن خي من‬ ‫ربكم قرآنًا أو علمًا‪ ,‬أو نصرًا أو بشارة‪ .‬وال يتص برحته مَن يشاء مِن‬ ‫عباده بالنبوة والرسالة‪ .‬وال ذو العطاء الكثي الواسع‪.‬‬ ‫ت ِبخَيْ ٍر ِمْنهَا َأوْ ِمثِْلهَا َألَمْ تَعَْلمْ َأ ّن الّلهَ عَلَى‬ ‫سهَا نَأْ ِ‬ ‫مَا نَنسَ ْخ مِنْ آَيةٍ َأوْ نُن ِ‬ ‫كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)106‬‬ ‫ما نبدّل من آية أو نُزِلا من القلوب والذهان نأت بأنفع لكم منها‪ ,‬أو‬ ‫نأت بثلها ف التكليف والثواب‪ ,‬ولكلٍ حكمة‪ .‬أل تعلم ‪-‬أيها النب‪-‬‬ ‫أنت وأمتك أن ال قادر ل يعجزه شيء؟‬ ‫‪49‬‬

‫ض وَمَا لَكُ مْ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مِ نْ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َألَ مْ تَعْلَ مْ َأنّ اللّ هَ لَ هُ مُ ْل كُ ال سّ َموَا ِ‬

‫َولِيّ وَل نَصِيٍ (‪)107‬‬

‫ت ‪-‬أيها النب‪ -‬أنت وأمتك أن ال تعال هو الالك التصرف ف‬ ‫أما علم َ‬ ‫السموات والرض؟ يفعل ما يشاء‪ ,‬ويكم ما يريد‪ ,‬ويأمر عباده‬ ‫وينهاهم كيفما شاء‪ ,‬وعليهم الطاعة والقَبول‪ .‬وليعلم من عصى أن ليس‬ ‫لحد من دون ال من ولّ يتولهم‪ ,‬ول نصي ينعهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫أَ مْ تُرِيدُو نَ أَ نْ تَ سَْألُوا رَ سُولَكُ ْم كَمَا ُسئِ َل مُو سَى مِ نْ َقبْلُ وَمَ ْن َيَتبَدّلْ‬ ‫سبِيلِ (‪)108‬‬ ‫الْكُفْرَ بِالِيَانِ فَقَ ْد ضَلّ َسوَاءَ ال ّ‬ ‫بل أتريدون‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن تطلبوا من رسولكم ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم أشياء بقصد العناد والكابرة‪ ,‬كما طُِلبَ مثل ذلك من موسى‪.‬‬ ‫علموا أن من يتر الكفر ويترك اليان فقد خرج عن صراط ال الستقيم‬ ‫إل الهل والضّلل‪.‬‬ ‫وَ ّد َكثِيٌ مِنْ أَهْ ِل الْ ِكتَابِ َلوْ يَ ُردّونَكُ ْم مِ ْن بَعْدِ إِيَانِكُمْ كُفّارا حَسَدا مِ ْن‬ ‫سهِمْ مِ نْ بَ ْعدِ مَا َتَبيّ نَ لَهُ ْم الْحَقّ فَاعْفُوا وَا صْ َفحُوا َحتّى يَ ْأتِ َي اللّ هُ‬ ‫ِعنْدِ أَنفُ ِ‬ ‫‪50‬‬

‫بِأَمْرِهِ ِإنّ الّلهَ عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِيرٌ (‪)109‬‬ ‫تن كثي من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيانكم كفارًا كما كنتم‬ ‫من قب ُل تعبدون الصنام; بسبب القد الذي امتلت به نفوسهم من بعد‬ ‫ما تبيّن لم صدق نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم فيما جاء‬ ‫به‪ ,‬فتجاوزوا عمّا كان منهم من إساءة وخطأ‪ ,‬واصفحوا عن جهلهم‪,‬‬ ‫حت يأت ال بكمه فيهم بقتالم (وقد جاء ووقع)‪ ,‬وسيعاقبهم لسوء‬ ‫أفعالم‪ .‬إن ال على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫وََأقِيمُوا ال صّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَمَا تُقَدّمُوا لَنفُ سِكُ ْم مِ نْ َخْيرٍ َتجِدُو هُ ِعْندَ‬ ‫اللّهِ ِإنّ الّلهَ بِمَا تَعْ َملُونَ بَصِ ٌي (‪)110‬‬ ‫واشتغلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بأداء الصلة على وجهها الصحيح‪ ,‬وإعطاء‬ ‫الزكاة الفروضة‪ .‬واعلموا أ ّن كل خي تقدمونه لنفسكم تدون ثوابه‬ ‫عند ال ف الخرة‪ .‬إنه تعال بصي بكل أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫جّنةَ إِ ّل مَ ْن كَا نَ هُودا َأوْ نَ صَارَى تِلْ كَ أَمَاِنيّهُ مْ قُلْ‬ ‫وَقَالُوا لَ نْ يَ ْدخُلَ الْ َ‬ ‫هَاتُوا ُبرْهَانَكُمْ ِإ ْن كُنتُمْ صَادِِقيَ (‪)111‬‬ ‫‪51‬‬

‫ادّعى ك ّل من اليهود والنصارى أن النة خاصة بطائفته ل يدخلها‬ ‫غيهم‪ ,‬تلك أوهامهم الفاسدة‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أحضروا‬ ‫دليلكم على صحة ما تدّعون إن كنتم صادقي ف دعواكم‪.‬‬ ‫بَلَى مَ نْ َأ سَْلمَ وَ ْجهَ هُ لِلّ هِ وَ ُهوَ ُمحْ سِنٌ فَلَ هُ َأجْرُ ُه ِعنْ َد َربّ هِ وَل َخوْ فٌ‬ ‫عََلْيهِمْ وَل هُمْ َيحْ َزنُونَ (‪)112‬‬ ‫ليس المر كما زعموا أ ّن النة تتص بطائفة دون غيها‪ ,‬وإنا يدخل‬ ‫النّة مَن أخلص ل وحده ل شريك له‪ ,‬وهو متبع للرسول ممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم ف كل أقواله وأعماله‪ .‬فمن فعل ذلك فله ثواب عمله‬ ‫عند ربه ف الخرة‪ ,‬وهو دخول النة‪ ,‬وهم ل يافون فيما يستقبلونه‬ ‫من أمر الخرة‪ ,‬ول هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫ْسم ْ‬ ‫ت‬ ‫َتم النّصمَارَى َلي َ‬ ‫ْسمتْ النّصمَارَى َعلَى شَ ْيءٍ وَقَال ْ‬ ‫َتم اْلَيهُودُ َلي َ‬ ‫وَقَال ْ‬ ‫ب كَ َذلِ كَ قَالَ الّذِي نَ ل يَعَْلمُو نَ ِمثْلَ‬ ‫الَْيهُودُ عَلَى شَ ْيءٍ وَهُ مْ َيتْلُو نَ الْ ِكتَا َ‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)113‬‬ ‫َق ْوِلهِمْ فَالّلهُ َيحْكُمُ َبْيَنهُ ْم َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َي ْ‬ ‫وقالت اليهود‪ :‬ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح‪ ,‬وكذلك‬ ‫قالت النصارى ف اليهود وهم يقرؤون التوراة والنيل‪ ,‬وفيهما وجوب‬ ‫‪52‬‬

‫اليان بالنبياء جيعًا‪ .‬كذلك قال الذين ل يعلمون من مشركي العرب‬ ‫وغيهم مثل قولم‪ ,‬أي قالوا لكل ذي دين‪ :‬لست على شيء‪ ,‬فال‬ ‫يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه مِن أمر الدين‪ ,‬ويازي كل‬ ‫بعمله‪.‬‬ ‫وَمَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ َمنَ َع مَسَاجِ َد اللّهِ أَنْ يُذْكَ َر فِيهَا اسْ ُم ُه وَسَعَى فِي خَرَاِبهَا‬ ‫ي وََلهُ مْ‬ ‫ك مَا كَا نَ لَهُ مْ أَ نْ يَ ْدخُلُوهَا إِلّ خَائِ ِفيَ َلهُ ْم فِي ال ّدْنيَا خِ ْز ٌ‬ ‫ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ب عَظِيمٌ (‪)114‬‬ ‫فِي الخِرَ ِة عَذَا ٌ‬ ‫ل أحد أظلم من الذين منعوا ذِ ْكرَ ال ف الساجد من إقام الصلة‪,‬‬ ‫وتلوة القرآن‪ ,‬ونو ذلك‪ ,‬وجدّوا ف تريبها بالدم أو الغلق‪ ,‬أو بنع‬ ‫الؤمني منها‪ .‬أولئك الظالون ما كان ينبغي لم أن يدخلوا الساجد إل‬ ‫على خوف ووجل من العقوبة‪ ,‬لم بذلك صَغار وفضيحة ف الدنيا‪,‬‬ ‫ولم ف الخرة عذاب شديد‪.‬‬ ‫َولِلّ هِ الْ َمشْرِ قُ وَالْمَغْ ِر بُ َفَأْينَمَا ُت َولّوا َفَثمّ وَجْ ُه اللّ هِ ِإنّ اللّ هَ وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‬ ‫‪)115‬‬ ‫ول جهتا شروق الشمس وغروبا وما بينهما‪ ,‬فهو مالك الرض كلها‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫فأي جهة توجهتم إليها ف الصلة بأمر ال لكم فإنكم مبتغون وجهه‪ ,‬ل‬ ‫ترجوا عن ملكه وطاعته‪ .‬إن ال واسع الرحة بعباده‪ ,‬عليم بأفعالم‪ ,‬ل‬ ‫يغيب عنه منها شيء‬ ‫ض كُلّ لَ هُ‬ ‫وَقَالُوا اّتخَ َذ اللّ هُ َولَدا ُسْبحَانَهُ بَ ْل لَ هُ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ِ‬ ‫قَاِنتُونَ (‪)116‬‬ ‫وقالت اليهود والنصمارى والشركون‪ :‬اتذم ال لنفسمه ولدًا‪ ,‬تنّه ال‬ ‫ سبحانه‪ -‬عن هذا القول البا طل‪ ,‬بل كل مَن ف ال سموات والرض‬‫ملكه وعبيده‪ ,‬وهم جيعًا خاضعون له‪ ,‬مسخّرون تت تدبيه‬ ‫بَدِي عُ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ لَ هُ كُ نْ َفَيكُو نُ (‬ ‫‪)117‬‬ ‫وال تعال هو خالق السموات والرض على غي مثال سبق‪ .‬وإذا قدّر‬ ‫أمرًا وأراد كونه فإنا يقول له‪" :‬كن" فيكون‪.‬‬ ‫ك قَالَ الّذِي َن‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ ل يَعَْلمُو نَ َلوْل يُكَلّمُنَا اللّ هُ َأ ْو تَ ْأتِينَا آَيةٌ َك َذلِ َ‬ ‫مِ نْ َقبِْل ِه مْ ِمثْلَ َقوِْلهِ ْم َتشَاَبهَ تْ قُلُوُبهُ مْ َقدْ َبّينّ ا اليَا تِ لِ َقوْ مٍ يُوِقنُو نَ (‬ ‫‪54‬‬

‫‪)118‬‬ ‫وقال الهلة من أهل الكتاب وغيهم لنب ال ورسوله ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم على سبيل العناد‪ :‬هل يكلمنا ال مباشرة ليخبنا أنك‬ ‫رسوله‪ ,‬أو تأتينا معجزة من ال تدل على صدقك‪ .‬ومثل هذا القول قالته‬ ‫المم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة; بسبب تشابه قلوب السابقي‬ ‫واللحقي ف الكفر والضّلل‪ ,‬قد أوضحنا اليات للذين يصدّقون‬ ‫تصديقًا جازمًا؛ لكونم مؤمني بال تعال‪ ،‬متّبعي ما شرعه لم‪.‬‬ ‫جحِي مِ (‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا ِ‬ ‫ِإنّ ا َأ ْر سَ ْلنَاكَ بِاْلحَقّ َبشِيا َونَذِيرا وَل تُ سْأَلُ عَ نْ أَ ْ‬ ‫‪)119‬‬ ‫إنا أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالدين الق الؤيد بالجج والعجزات‪,‬‬ ‫فبلّغه للناس مع تبشي الؤمني بيي الدنيا والخرة‪ ,‬وتويف العاندين‬ ‫با ينتظرهم من عذاب ال‪ ,‬ولست ‪-‬بعد البلغ‪ -‬مسئول عن كفر مَن‬ ‫كفر بك; فإنم يدخلون النار يوم القيامة‪ ،‬ول يرجون منها‪.‬‬ ‫َولَنْ َت ْرضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل النّصَارَى َحتّى َتّتبِعَ ِمّلَتهُ ْم قُلْ ِإنّ هُدَى اللّهِ‬ ‫ُهوَ اْلهُدَى َوَلئِ نْ اّتبَعْ تَ أَ ْهوَاءَهُ مْ بَ ْعدَ الّذِي جَاءَ كَ مِ ْن الْعِ ْل ِم مَا لَ كَ مِ نْ‬ ‫‪55‬‬

‫اللّهِ مِنْ َولِيّ وَل نَصِيٍ (‪)120‬‬ ‫ولن ترضى عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليهود ول النصارى إل إذا تركت‬ ‫دينك واتبعتَ دينهم‪ .‬قل لم‪ :‬إن دين السلم هو الدين الصحيح‪ .‬ولئن‬ ‫اتبعت أهواء هؤلء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند ال مِن ولّ‬ ‫ينفعك‪ ,‬ول نصي ينصرك‪ .‬هذا موجه إل المّة عامة وإن كان خطابًا‬ ‫للنب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ب َيتْلُونَهُ حَقّ تِل َوتِهِ ُأ ْوَلئِكَ ُيؤْ ِمنُونَ بِ ِه وَمَنْ يَكْفُ ْر بِهِ‬ ‫الّذِينَ آَتْينَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬

‫فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْخَاسِرُونَ (‪)121‬‬ ‫الذيمن أعطيناهمم الكتاب ممن اليهود والنصمارى‪ ,‬يقرؤونمه القراءة‬ ‫الصحيحة‪ ,‬ويتبعونه حق التباع‪ ,‬ويؤمنون با جاء فيه من اليان برسل‬ ‫ال‪ ,‬ومنهم خاتهم نبينا ورسولنا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ول يرفون‬ ‫ول يبدّلون ما جاء ف يه‪ .‬هؤلء هم الذ ين يؤمنون بال نب م مد صلى ال‬ ‫عليمه وسملم وبام أنزل عليمه‪ ,‬وأمما الذيمن بدّلوا بعمض الكتاب وكتموا‬ ‫بعضه‪ ,‬فهؤلء كفار بنب ال ممد صلى ال عليه وسلم وبا أنزل عليه‪,‬‬ ‫ومن يكفر به فأولئك هم أشد الناس خسرانًا عند ال‬ ‫ت عََليْكُ ْم وََأنّي فَضّ ْلتُكُ ْم عَلَى‬ ‫يَا َبنِي ِإ سْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْ َمتِي اّلتِي َأنْ َعمْ ُ‬ ‫‪56‬‬

‫الْعَالَ ِميَ (‪)122‬‬ ‫يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثية عليكم‪ ,‬وأن فَضّلتكم على عالَمي‬ ‫زمانكم بكثرة أنبيائكم‪ ,‬وما أُنزل عليهم من الكتب‪.‬‬ ‫ْسم َشيْئا وَل يُ ْقبَ ُل ِمنْه َا عَدْ ٌل وَل‬ ‫َنم نَف ٍ‬ ‫ْسم ع ْ‬ ‫وَاتّقُوا َيوْما ل َتجْزِي نَف ٌ‬ ‫تَنفَ ُعهَا شَفَا َعةٌ وَل هُ ْم يُنصَرُونَ (‪)123‬‬ ‫وخافوا أهوال يوم الساب إذ ل تغن نفس عن نفس شيئًا‪ ,‬ول يقبل ال‬ ‫منها فدية تنجيها من العذاب‪ ,‬ول تنفعها وساطة‪ ,‬ول أحد ينصرها‪.‬‬ ‫ك لِلنّا سِ إِمَاما‬ ‫ت فََأتَ ّمهُنّ قَالَ ِإنّ ي جَاعِلُ َ‬ ‫وَِإذْ اْبتَلَى ِإبْرَاهِي َم َربّ هُ ِبكَلِمَا ٍ‬

‫قَالَ وَمِنْ ُذ ّرّيتِي قَالَ ل َينَالُ َعهْدِي الظّالِ ِميَ (‪)124‬‬

‫واذكر‪-‬أيها النب‪ -‬حي اختب ال إبراهيم با شرع له من تكاليف‪,‬‬ ‫فأدّاها وقام با خي قيام‪ .‬قال ال له‪ :‬إن جاعلك قدوة للناس‪ .‬قال‬ ‫إبراهيم‪ :‬ربّ اجعل بعض نسلي أئمة فضل منك‪ ,‬فأجابه ال سبحانه أنه‬ ‫ل تصل للظالي المامةُ ف الدين‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫وَِإذْ جَعَلْنَا اْلَبيْ تَ َمثَاَبةً لِلنّا سِ وَأَمْنا وَاّتخِذُوا مِ نْ مَقَا مِ ِإبْرَاهِي مَ مُ صَلّى‬ ‫َنم َطهّرَا َبيْتِي لِلطّائِفِيَ وَالْعَاكِفِيَ‬ ‫ِسممَاعِيلَ أ ْ‬ ‫ِيمم وَإ ْ‬ ‫وَ َعهِدْنَا ِإلَى ِإبْرَاه َ‬ ‫سجُودِ (‪)125‬‬ ‫وَالرّكّ ِع ال ّ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي جعلنا الكعبة مرجعًا للناس‪ ,‬يأتونه‪ ,‬ث يرجعون‬ ‫إل أهليهم‪ ,‬ث يعودون إليه‪ ,‬وممعًا لم ف الج والعمرة والطواف‬ ‫والصلة‪ ,‬وأمنًا لم‪ ,‬ل يُغِي عليهم عدو فيه‪ .‬وقلنا‪ :‬اتِذوا من مقام‬ ‫إبراهيم مكانًا للصلة فيه‪ ,‬وهو الجر الذي وقف عليه إبراهيم عند بنائه‬ ‫الكعبة‪ .‬وأوحينا إل إبراهيم وابنه إساعيل‪ :‬أن طهّرا بيت من كل رجس‬ ‫ودنس; للمتعبدين فيه بالطواف حول الكعبة‪ ,‬أو العتكاف ف السجد‪,‬‬ ‫والصلة فيه‪.‬‬ ‫ت مَ نْ‬ ‫وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِي مُ َربّ اجْعَ ْل هَذَا بَلَدا آمِنا وَارْزُ قْ أَهْلَ ُه مِ نْ الثّمَرَا ِ‬ ‫ل ثُمّ َأضْطَرّ هُ ِإلَى‬ ‫آمَ نَ ِمْنهُ ْم بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر قَالَ وَمَ نْ كَ َفرَ فَأُ َمتّعُ ُه قَلِي ً‬ ‫ب النّارِ َوِبْئسَ الْمَصِ ُي (‪)126‬‬ ‫عَذَا ِ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي قال إبراهيم داعيًا‪ :‬ربّ اجعل "مكة" بلدًا آمنًا‬ ‫من الوف‪ ,‬وارزق أهله من أنواع الثمرات‪ ,‬وخُصّ بذا الرزق مَن آمن‬ ‫منهم بال واليوم الخر‪ .‬قال ال‪ :‬ومن كفر منهم فأرزقه ف الدنيا وأُمتعه‬ ‫‪58‬‬

‫متاعًا قليل ث أُلئُه مرغمًا إل عذاب النار‪ .‬وبئس الرجع والقام هذا‬ ‫الصي‪.‬‬ ‫ت وَإِ سْمَاعِيلُ َرّبنَا تَ َقبّلْ ِمنّا ِإنّ كَ َأنْ تَ‬ ‫وَِإذْ يَ ْرفَ عُ ِإْبرَاهِي ُم الْ َقوَاعِدَ مِ نْ اْلَبيْ ِ‬ ‫السّمِي ُع الْعَلِيمُ (‪)127‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي رفع إبراهيم وإساعيل أسس الكعبة‪ ,‬وها‬ ‫يدعوان ال ف خشوع‪ :‬ربنا تقبل منّا صال أعمالنا ودعاءنا‪ ,‬إنك أنت‬ ‫السميع لقوال عبادك‪ ,‬العليم بأحوالم‪.‬‬ ‫ك وََأرِنَا َمنَا سِ َكنَا‬ ‫َربّنَا وَاجْعَلْنَا مُ سْلِ َميْ ِن لَ كَ وَمِ نْ ُذ ّرّيتِنَا أُ ّمةً مُ سْلِ َمةً لَ َ‬ ‫ت التّوّابُ الرّحِيمُ (‪)128‬‬ ‫َوتُبْ عََلْينَا ِإنّكَ َأنْ َ‬ ‫ربنا واجعلنا ثابَتيْن على السلم‪ ,‬منقا َديْن لحكامك‪ ,‬واجعل من ذريتنا‬ ‫أمة منقادة لك‪ ,‬باليان‪ ,‬وبصّرْنا بعال عبادتنا لك‪ ,‬وتاوز عن ذنوبنا‪.‬‬ ‫إنك أنت كثي التوبة والرحة لعبادك‪.‬‬ ‫ك َويُعَلّ ُمهُ مْ الْ ِكتَا بَ‬ ‫َربّنَا وَابْعَ ثْ فِيهِ ْم رَ سُولً ِمْنهُ مْ َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ َ‬ ‫‪59‬‬

‫ت الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)129‬‬ ‫وَاْلحِكْ َمةَ َويُزَكّيهِمْ ِإنّكَ َأنْ َ‬ ‫ربنا وابعث ف هذه المة رسول من ذرية إساعيل يتلو عليهم آياتك‬ ‫ويعلمهم القرآن والسنة‪ ,‬ويطهرهم من الشرك وسوء الخلق‪ .‬إنك‬ ‫أنت العزيز الذي ل يتنع عليه شيء‪ ,‬الكيم الذي يضع الشياء ف‬ ‫مواضعها‪.‬‬ ‫سهُ َولَقَدْ اصْطَ َفْينَاهُ فِي ال ّدْنيَا‬ ‫ب عَنْ ِمّلةِ ِإبْرَاهِيمَ إِلّ مَنْ سَ ِفهَ نَفْ َ‬ ‫وَمَنْ يَرْ َغ ُ‬ ‫وَِإّنهُ فِي الخِرَ ِة لَمِنْ الصّاِلحِيَ (‪)130‬‬ ‫ول أحد يُعرض عن دين إبراهيم ‪-‬وهو السلم‪ -‬إل سفيه جاهل‪ ,‬ولقد‬ ‫اخترنا إبراهيم ف الدنيا نبيّا ورسول وإنه ف الخرة لن الصالي الذين‬ ‫لم أعلى الدرجات‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ لَهُ َرّبهُ أَسِْلمْ قَالَ أَسَْلمْتُ لِ َربّ الْعَالَ ِميَ (‪)131‬‬ ‫وسبب هذا الختيار مسارعته للسلم دون تردد‪ ,‬حي قال له ربه‪:‬‬ ‫أخلص نفسك ل منقادًا له‪ .‬فاستجاب إبراهيم وقال‪ :‬أسلمت لرب‬ ‫العالي إخلصًا وتوحيدًا ومبة وإنابة‪.‬‬ ‫‪60‬‬

‫ب يَا َبنِيّ ِإنّ اللّ هَ ا صْطَفَى لَكُ مْ الدّي نَ فَل‬ ‫َووَ صّى ِبهَا ِإْبرَاهِي مُ َبنِي هِ َويَعْقُو ُ‬

‫تَمُوتُنّ إِ ّل وََأْنتُمْ ُمسْلِمُونَ (‪)132‬‬

‫وحثّ إبراهي ُم ويعقوبُ أبناءها على الثبات على السلم قائَليْن‪ :‬يا‬ ‫أبناءنا إن ال اختار لكم هذا الدين‪ -‬وهو دين السلم الذي جاء به‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ -‬فل تفارقوه أيام حياتكم‪ ,‬ول يأتكم الوت‬ ‫إل وأنتم عليه‪.‬‬ ‫أَ مْ كُنتُ مْ ُشهَدَاءَ إِذْ حَضَ َر يَعْقُو بَ الْ َموْ تُ إِ ْذ قَالَ ِلَبنِي هِ مَا تَ ْعبُدُو نَ مِ ْن‬ ‫ِسمحَقَ ِإلَها‬ ‫ِسممَاعِيلَ وَإ ْ‬ ‫ِيمم وَإ ْ‬ ‫ِكم ِإبْرَاه َ‬ ‫َهم آبَائ َ‬ ‫َكم وَِإل َ‬ ‫بَعْدِي قَالُوا نَ ْعُبدُ ِإَله َ‬ ‫وَاحِدا َونَحْنُ َلهُ ُمسْلِمُونَ (‪)133‬‬

‫أكنتم أيها اليهود حاضرين حي جاء الوتُ يعقوبَ‪ ,‬إذ جع أبناءه‬ ‫وسألم ما تعبدون من بعد موت؟ قالوا‪ :‬نعبد إلك وإله آبائك إبراهيم‬ ‫وإساعيل وإسحاق إلًا واحدًا‪ ,‬ونن له منقادون خاضعون‪.‬‬ ‫سْبتُمْ وَل تُ سَْألُونَ َعمّ ا‬ ‫سبَتْ َولَكُ ْم مَا كَ َ‬ ‫تِ ْل كَ أُ ّمةٌ قَدْ خَلَ تْ لَهَا مَا كَ َ‬

‫كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)134‬‬

‫‪61‬‬

‫ضتْ‪ ,‬لم أعمالم‪ ,‬ولكم أعمَالكم‪ ,‬ول‬ ‫تلك أُمّة من أسلفكم قد م َ‬ ‫ُتسْألون عن أعمالم‪ ,‬وهم ل ُيسْألون عن أعمالكم‪ ,‬وكلّ سيجازى با‬ ‫فعله‪ ,‬ل يؤاخذ أحد بذنب أحد‪ ,‬ول ينفعُ أحدًا إل إيانُه وتقواه‪.‬‬ ‫م َحنِيفا وَمَما‬ ‫وَقَالُوا كُونُوا هُودا َأوْ نَصمَارَى َت ْهتَدُوا قُلْ بَ ْل مِّلةَ ِإْبرَاهِيم َ‬ ‫كَانَ مِ ْن الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)135‬‬ ‫وقالت اليهود لمّة ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ادخلوا ف دين اليهودية‬ ‫تدوا الداية‪ ,‬وقالت النصارى لم مثل ذلك‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪:-‬‬ ‫بل الداية أن نتبع‪ -‬جيعًا‪ -‬ملة إبراهيم‪ ,‬الذي مال عن كل دين باطل‬ ‫إل دين الق‪ ,‬وما كان من الشركي بال تعال‪.‬‬ ‫قُولُوا آ َمنّا بِاللّ هِ وَمَا أُنزِلَ ِإَلْينَا وَمَا أُنزِلَ ِإلَى ِإْبرَاهِي مَ وَِإ سْمَاعِيلَ وَإِ ْسحَ َق‬ ‫ب وَالَ ْسبَاطِ وَمَا أُوتِ َي مُو سَى وَعِي سَى وَمَا أُوتِيَ الّنِبيّونَ مِ ْن َربّهِمْ‬ ‫َويَعْقُو َ‬ ‫ل نُفَرّقُ َبيْنَ أَ َحدٍ ِمْنهُ ْم َونَحْنُ َلهُ ُمسْلِمُونَ (‪)136‬‬ ‫قولوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬لؤلء اليهود والنّصارى‪ :‬صدّقنا بال الواحد‬ ‫العبود بق‪ ,‬وبا أنزل إلينا من القرآن الذي أوحاه ال إل نبيه ورسوله‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما أنزل من الصحف إل إبراهيم وابنيه‬ ‫‪62‬‬

‫إساعيل وإسحاق‪ ,‬وإل يعقوب والسباط ‪-‬وهم النبياء مِن ولد‬ ‫يعقوب الذين كانوا ف قبائل بن إسرائيل الثنت عشرة‪ -‬وما أُعطي‬ ‫موسى من التوراة‪ ,‬وعيسى من النيل‪ ,‬وما أُعطي النبياء جيعًا من‬ ‫وحي ربم‪ ,‬ل نفرق بي أحد منهم ف اليان‪ ,‬ونن خاضعون ل‬ ‫بالطاعة والعبادة‪.‬‬ ‫َفإِ نْ آ َمنُوا ِب ِمثْلِ مَا آمَنُت مْ بِ هِ َفقَدْ ا ْهتَدَوا وَإِ ْن َتوَّلوْا َفِإنّمَا هُ ْم فِي شِقَا قٍ‬ ‫سيَكْفِي َكهُمْ الّلهُ وَ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِي ُم (‪)137‬‬ ‫َف َ‬ ‫فإنْ آمن الكفار من اليهود والنصارى وغيهم بثل الذي آمنتم به‪ ,‬ما‬ ‫جاء به الرسول‪ ,‬فقد اهتدوا إل الق‪ ,‬وإن أعرضوا فإنا هم ف خلف‬ ‫شديد‪ ,‬فسيكفيك ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شرّهم وينصرك عليهم‪ ,‬وهو‬ ‫السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأحوالكم‪.‬‬ ‫صبْ َغةً َوَنحْنُ َلهُ عَابِدُونَ (‪)138‬‬ ‫صبْ َغةَ الّلهِ وَمَنْ أَ ْحسَنُ مِنْ الّلهِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزموا دين ال الذي فطركم عليه‪ ,‬فليس هناك أحسنُ مِن فطرة ال الت‬ ‫فطر الناس عليها‪ ,‬فالزموها وقولوا نن خاضعون مطيعون لربنا ف اتباعنا‬ ‫ملّة إبراهيم‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫قُلْ َأُتحَاجّونَنَا فِي اللّ هِ وَ ُهوَ َربّنَا َو َربّكُ ْم َولَنَا أَعْمَالُنَا َولَكُ مْ أَ ْعمَالُكُ مْ‬

‫َونَحْنُ َلهُ ُمخْلِصُونَ (‪)139‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول لهل الكتاب‪ :-‬أتادلوننا ف توحيد ال والخلص‬ ‫له‪ ,‬وهو رب العالي جيعًا‪ ,‬ل يتص بقوم دون قوم‪ ,‬ولنا أعمالنا ولكم‬ ‫أعمالكم‪ ,‬ونن ل ملصو العبادة والطّاعة ل نشرك به شيئًا‪ ,‬ول نعبد‬ ‫أحدًا غيه‪.‬‬ ‫ب وَالَ ْسبَاطَ كَانُوا هُودا‬ ‫أَ ْم تَقُولُونَ ِإنّ ِإبْرَاهِيمَ وَِإسْمَاعِيلَ وَِإ ْسحَقَ َويَعْقُو َ‬ ‫َأوْ نَ صَارَى قُلْ أََأْنتُ مْ أَعْلَ مُ َأ ْم اللّ هُ وَمَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ نْ َكتَ مَ َشهَادَةً ِعنْدَ هُ مِ نْ‬ ‫اللّهِ وَمَا الّلهُ بِغَافِلٍ َعمّا تَعْمَلُونَ (‪)140‬‬

‫بل أتقولون مادلي ف ال‪ :‬إن إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب‬ ‫والسباط‪ -‬وهم النبياء الذين كانوا ف قبائل بن إسرائيل الثنت عشرة‬ ‫من ولد يعقوب‪ -‬كانوا على دين اليهود أو النصارى؟ وهذا كذب; فقد‬ ‫بُعِثوا وماتوا قبل نزول التوراة والنيل‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أأنتم‬ ‫أعلم بدينهم أم ال تعال؟ وقد أخب ف القرآن بأنم كانوا حنفاء‬ ‫مسلمي‪ ,‬ول أحد أظلم منكم حي تفون شهادة ثابتة عندكم من ال‬ ‫‪64‬‬

‫تعال‪ ,‬وتدّعون خلفها افتراء على ال‪ .‬وما ال بغافل عن شيء من‬ ‫أعمالكم‪ ,‬بل هو ُمحْصٍ لا ومازيكم عليها‪.‬‬ ‫سْبتُمْ وَل تُ سَْألُونَ َعمّ ا‬ ‫سبَتْ َولَكُ ْم مَا كَ َ‬ ‫تِ ْل كَ أُ ّمةٌ قَدْ خَلَ تْ لَهَا مَا كَ َ‬ ‫كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)141‬‬ ‫ضتْ‪ ,‬لم أعمالم ولكم أعمالكم‪ ,‬ول‬ ‫تلك أُمّة من أسلفكم قد م َ‬ ‫ُتسْألون عن أعمالم‪ ,‬وهم ل ُيسْألون عن أعمالكم‪ .‬وف الية قطع‬ ‫للتعلق بالخلوقي‪ ,‬وعدم الغترار بالنتساب إليهم‪ ,‬وأن العبة باليان‬ ‫بال وعبادته وحده‪ ,‬واتباع رسله‪ ,‬وأن من كفر برسول منهم فقد كفر‬ ‫بسائر الرسل‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫الزء الثان‪:‬‬ ‫َسيَقُولُ ال سّ َفهَاءُ مِ نْ النّا سِ مَا وَلّهُ مْ عَ ْن ِقبَْلِتهِ ْم اّلتِي كَانُوا عََلْيهَا قُ ْل لِلّ هِ‬ ‫ستَقِيمٍ (‪)142‬‬ ‫صرَاطٍ ُم ْ‬ ‫ب َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ ِإلَى ِ‬ ‫الْ َمشْرِقُ وَالْمَغْرِ ُ‬ ‫سيقول الهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالم‪ ,‬ف سخرية‬ ‫واعتراض‪ :‬ما الذي صرف هؤلء السلمي عن قبلتهم الت كانوا يُصَلّون‬ ‫إل جهتها أول السلم; (وهي "بيت القدس") قل لم ‪-‬أيها الرسول‪:-‬‬ ‫الشرق والغرب وما بينهما ملك ل‪ ,‬فليست جهة من الهات خارجة‬ ‫عن ملكه‪ ,‬يهدي مَن يشاء من عباده إل طريق الداية القوي‪ .‬وف هذا‬ ‫إشعار بأن الشأن كله ل ف امتثال أوامره‪ ,‬فحيثما َو ّجهَنا َتوَ ّجهْنا‪.‬‬ ‫ُونم‬ ‫ّاسم َويَك َ‬ ‫ُمم أُ ّمةً وَسمَطا ِلتَكُونُوا ُشهَدَاءَ عَلَى الن ِ‬ ‫ِكم جَعَ ْلنَاك ْ‬ ‫وَكَ َذل َ‬ ‫الرّ سُولُ َعَليْكُ مْ َشهِيدا وَمَا جَعَلْنَا الْ ِقبَْلةَ اّلتِي كُن تَ عََلْيهَا إِلّ ِلنَعَْل َم مَ نْ‬ ‫ت لَ َكبِيَةً إِ ّل عَلَى الّذِي نَ‬ ‫َيّتبِ عُ الرّ سُولَ مِمّ نْ يَنقَِل بُ عَلَى عَ ِقَبيْ هِ وَإِ نْ كَانَ ْ‬ ‫هَدَى اللّ هُ وَمَا كَا نَ اللّ هُ ِليُضِي عَ إِيَانَكُ مْ ِإنّ اللّ هَ بِالنّا سِ لَ َرءُو فٌ رَحِي ٌم (‬ ‫‪)143‬‬ ‫‪66‬‬

‫وكما هديناكم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬إل الطريق الصحيح ف الدين‪,‬‬ ‫جعلناكم أمة خيارًا عدول لتشهدوا على المم ف الخرة أن رسلهم‬ ‫بلّغتهم رسالت ربم‪ ,‬ويكون الرسول ف الخرة كذلك شهيدًا عليكم‬ ‫أنّه بلّغكم رسالة ربه‪ .‬وما جعلنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قبلة "بيت القدس" الت‬ ‫كنت عليها‪ ,‬ث صرفناك عنها إل الكعبة بم "مكة"‪ ,‬إل ليظهر ما‬ ‫علمناه ف الزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك‬ ‫ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت‪ ,‬ومَن هو ضعيف اليان فينقلب‬ ‫مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه‪ .‬وإن هذه الال الت هي تول السلم ف‬ ‫صلته من استقبال بيت القدس إل استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إل على‬ ‫الذين هداهم ومنّ عليهم باليان والتقوى وما كان ال ليضيع إيانكم به‬ ‫واتباعكم لرسوله‪ ,‬ويبطل صلتكم إل القبلة السابقة‪ .‬إنه سبحانه وتعال‬ ‫بالناس لرءوف رحيم‪.‬‬ ‫ب وَ ْجهِ كَ فِي ال سّمَاءِ فََلُن َوّلَينّ كَ ِقبَْلةً تَ ْرضَاهَا َفوَلّ وَ ْجهَ َ‬ ‫ك‬ ‫َقدْ َنرَى تَ َقلّ َ‬ ‫شَطْ َر الْمَسْجِ ِد اْلحَرَامِ وَ َحْيثُ مَا كُنُتمْ َف َولّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَ ُه وَِإنّ الّذِينَ‬ ‫أُوتُوا الْ ِكتَا بَ َليَعْلَمُو نَ َأنّ ُه اْلحَقّ مِ نْ َرّبهِ مْ وَمَا اللّ هُ بِغَافِلٍ عَمّا يَعْمَلُو نَ (‬ ‫‪)144‬‬ ‫قد نرى توّل وج هك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف جهة السماء‪ ,‬مرة بعد مرة;‬ ‫‪67‬‬

‫انتظارًا لنول الوحي إليك ف شأن القبلة‪ ,‬فلنصرفنك عن "بيت القدس"‬ ‫إل قبلة تب ها وترضا ها‪ ,‬و هي وج هة ال سجد الرام ب م "م كة"‪ ,‬فولّ‬ ‫وج هك إلي ها‪ .‬و ف أي مكان كن تم ‪-‬أي ها ال سلمون‪ -‬وأرد ت ال صلة‬ ‫فتوجهوا نوم السمجد الرام‪ .‬وإن الذيمن أعطاهمم ال علم الكتاب ممن‬ ‫اليهود والنصمارى لَيعلمون أن تويلك إل الكعبمة همو القم الثابمت فم‬ ‫كتبهمم‪ .‬ومما ال بغافمل عمما يعممل هؤلء العترضون الشككون‪,‬‬ ‫وسيجازيهم على ذلك‬ ‫ت ِبتَابِ ٍع‬ ‫ك وَمَا َأنْ َ‬ ‫ب بِكُلّ آَيةٍ مَا َتبِعُوا ِقبَْلَت َ‬ ‫ت الّذِي نَ أُوتُوا ال ِكتَا َ‬ ‫َوَلئِ نْ َأَتيْ َ‬ ‫ض َوَلئِ نْ اّتبَعْ تَ أَ ْهوَاءَهُ مْ مِ ْن بَعْ ِد مَا‬ ‫ضهُ ْم ِبتَابِ عٍ ِقبَْلةَ بَعْ ٍ‬ ‫ِقبَْلَتهُ مْ وَمَا بَعْ ُ‬ ‫جَاءَكَ مِ ْن الْعِلْمِ ِإنّكَ إِذا لَمِنْ الظّالِ ِميَ (‪)145‬‬ ‫ولئن جئت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذين أُعطوا التوراة والنيل بكل حجة‬ ‫وبرهان على أن توجّهك إل الكعبة ف الصلة هو الق من عند ال‪ ,‬ما‬ ‫تبعوا قبلتك عنادًا واستكبارًا‪ ,‬وما أنت بتابع قبلتهم مرة أخرى‪ ,‬وما‬ ‫بعضهم بتابع قبلة بعض‪ .‬ولئن اتبعت أهواءهم ف شأن القبلة وغيها بعد‬ ‫ما جاءك من العلم بأنك على الق وهم على الباطل‪ ,‬إنك حينئذ لن‬ ‫الظالي لنفسهم‪ .‬وهذا خطاب لميع المة وهو تديد ووعيد لن يتبع‬ ‫أهواء الخالفي لشريعة السلم‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫ب يَعْرِفُونَ هُ كَمَا يَ ْعرِفُو نَ َأْبنَاءَهُ مْ وَإِنّ فَرِيقا ِمْنهُ مْ‬ ‫الّذِي نَ آَتْينَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬

‫َليَ ْكتُمُونَ اْلحَقّ وَهُمْ يَعَْلمُونَ ( ‪)146‬‬

‫الذين أعطيناهم التوراة والنيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى‬ ‫يعرفون أنّ ممدًا صلى ال عليه وسلم رسول ال بأوصافه الذكورة ف‬ ‫كتبهم‪ ,‬مثل معرفتهم بأبنائهم‪ .‬وإن فريقًا منهم ليكتمون الق وهم‬ ‫يعلمون صِدْقه‪ ,‬وثبوت أوصافه‪.‬‬ ‫اْلحَقّ مِنْ َربّكَ فَل َتكُونَنّ مِنْ الْمُ ْمتَرِينَ (‪)147‬‬ ‫الذي أنزل إليك ‪-‬أيها النب‪ -‬هو الق من ربك‪ ,‬فل تكونن من‬ ‫الشاكي فيه‪ .‬وهذ وإن كان خطابا للرسول صلى ال عليه وسلم فهو‬ ‫موجه للمة‪.‬‬ ‫خيْرَاتِ َأيْنَ مَا تَكُونُوا يَ ْأتِ بِ ُكمْ اللّهُ‬ ‫َولِكُلّ وِ ْج َهةٌ ُهوَ ُموَلّيهَا فَا ْسَتبِقُوا الْ َ‬ ‫َجمِيعا ِإ ّن الّلهَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِي ٌر (‪)148‬‬

‫‪69‬‬

‫ولكل أمة من المم قبلة يتوجّه إليها كل واحد منها ف صلته‪ ,‬فبادروا‬ ‫ أيها الؤمنون‪ -‬متسابقي إل فِعْل العمال الصالة الت شرعها ال‬‫لكم ف دين السلم‪ .‬وسيجمعكم ال جيعا يوم القيامة من أي موضع‬ ‫كنتم فيه‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫وَمِ نْ َحْي ثُ َخرَجْ تَ َفوَلّ وَ ْجهَ كَ شَطْرَ الْمَ سْجِ ِد اْلحَرَا ِم وَِإنّ هُ لَ ْلحَقّ مِ نْ‬

‫َربّكَ وَمَا الّلهُ بِغَافِلٍ َعمّا تَعْمَلُونَ (‪)149‬‬

‫ومن أي مكان خَرَ ْجتَ ‪-‬أيها النب‪ -‬مسافرًا‪ ,‬وأردت الصلة‪ ,‬فوجّه‬ ‫وجهك نو السجد الرام‪ .‬وإنّ توجّهك إليه لو الق الثابت من ربك‪.‬‬ ‫وما ال بغافل عما تعملونه‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬ ‫وَمِنْ َحْيثُ َخرَجْتَ َفوَلّ وَ ْجهَكَ شَطْرَ الْ َمسْجِ ِد اْلحَرَا ِم وَ َحيْثُ مَا كُنتُ ْم‬ ‫جةٌ إِلّ الّذِي نَ ظَلَمُوا‬ ‫ل يَكُو نَ لِلنّا سِ َعَليْكُ مْ ُح ّ‬ ‫َف َولّوا ُوجُوهَكُ مْ شَطْرَ هُ ِلئَ ّ‬ ‫شوْنِي وَ ُلتِمّ نِعْمَتِي عََليْ ُك ْم وَلَعَلّ ُك ْم َت ْهتَدُو نَ (‬ ‫خشَوْهُ مْ وَا ْخ َ‬ ‫ِمْنهُ ْم فَل َت ْ‬ ‫‪)150‬‬ ‫ومن أى مكان خرجت ‪-‬أيها النب‪ -‬فتوجّه إل السجد الرام‪ ,‬وحيثما‬ ‫كنتم ‪-‬أيها السلمون‪ ,-‬بأي قطر من أقطار الرض فولّوا وجوهكم نو‬ ‫‪70‬‬

‫السجد الرام; لكي ل يكون للناس الخالفي لكم احتجاج عليكم‬ ‫بالخاصمة والجادلة‪ ,‬بعد هذا التوجه إليه‪ ,‬إل أهل الظلم والعناد منهم‪,‬‬ ‫فسيظلّون على جدالم‪ ,‬فل تافوهم وخافون بامتثال أمري‪ ,‬واجتناب‬ ‫نيي; ولكي أت نعمت عليكم باختيار أكمل الشرائع لكم‪ ,‬ولعلكم‬ ‫تتدون إل الق والصواب‪.‬‬ ‫كَمَا َأ ْر سَ ْلنَا فِيكُ ْم رَ سُولً ِمنْكُ مْ َيتْلُو َعَليْكُ مْ آيَاِتنَا َويُزَكّي ُك ْم َويُعَلّمُكُ مْ‬ ‫ب وَاْلحِكْ َمةَ َويُعَلّمُ ُكمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (‪)151‬‬ ‫الْ ِكتَا َ‬ ‫كما أنعمنا عليكم باستقبال الكعبة أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو‬ ‫عليكم اليات البينة للحق من الباطل‪ ,‬ويطهركم من دنس الشرك وسوء‬ ‫الخلق‪ ,‬ويعلمكم الكتاب والسنة وأحكام الشريعة‪ ,‬ويعلمكم من‬ ‫أخبار النبياء‪ ,‬وقصص المم السابقة ما كنتم تهلونه‪.‬‬ ‫فَاذْ ُكرُونِي َأذْكُرْكُ ْم وَاشْكُرُوا لِي وَل تَكْفُرُونِ (‪)152‬‬ ‫أمر تعال الؤمني بذكره‪ ،‬ووعد عليه أفضل الزاء‪ ،‬وهو الثناء ف الل‬ ‫العلى على مَنْ ذكره‪ ,‬وخصون ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بالشكر قول وعمل‬ ‫ول تحدوا نعمي عليكم‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫صبْرِ وَال صّلةِ إِنّ اللّ هَ مَ عَ ال صّابِرِينَ (‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْستَعِينُوا بِال ّ‬

‫‪)153‬‬

‫يا أيها الؤمنون اطلبوا العون من ال ف كل أموركم‪ :‬بالصب على‬ ‫النوائب والصائب‪ ,‬وترك العاصي والذنوب‪ ,‬والصب على الطاعات‬ ‫والقربات‪ ,‬والصلة الت تطمئن با النفس‪ ,‬وتنهى عن الفحشاء والنكر‪.‬‬ ‫إن ال مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده‪ .‬وف الية‪ :‬إثبات معيّة ال‬ ‫الاصة بالؤمني‪ ,‬القتضية لا سلف ذكره; أما العية العامة‪ ,‬القتضية‬ ‫للعلم والحاطة فهي لميع اللق‪.‬‬ ‫وَل تَقُولُوا لِمَنْ يُ ْقتَلُ فِي َسبِيلِ اللّهِ أَ ْموَاتٌ بَلْ أَ ْحيَاءٌ َولَكِنْ ل َتشْعُرُونَ (‬ ‫‪)154‬‬ ‫ول تقولوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬فيمن يُقتلون ماهدين ف سبيل ال‪ :‬هم‬ ‫أموات‪ ,‬بل هم أحياء حياة خاصة بم ف قبورهم‪ ,‬ل يعلم كيفيتها إل‬ ‫ال ‪ -‬تعال‪ ,-‬ولكنكم ل تُحسّون با‪ .‬وف هذا دليل على نعيم القب‪.‬‬ ‫خوْ فِ وَالْجُو عِ َونَقْ صٍ مِ ْن الَ ْموَالِ وَالَنفُ سِ‬ ‫َوَلَنبُْل َونّكُ مْ ِبشَ ْيءٍ مِ ْن اْل َ‬ ‫‪72‬‬

‫وَالثّمَرَاتِ َوَبشّرْ الصّابِرِينَ (‪)155‬‬ ‫ولنختبنكم بشيء يسي من الوف‪ ،‬ومن الوع‪ ,‬وبنقص من الموال‬ ‫بتعسر الصول عليها‪ ,‬أو ذهابا‪ ,‬ومن النفس‪ :‬بالوت أو الشهادة ف‬ ‫سبيل ال‪ ,‬وبنقص من ثرات النخيل والعناب والبوب‪ ,‬بقلّة ناتها أو‬ ‫فسادها‪ .‬وبشّر ‪-‬أيها النب‪ -‬الصابرين على هذا وأمثاله با يفرحهم‬ ‫وَيسُرّهم من حسن العاقبة ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫الّذِينَ ِإذَا َأصَاَبْتهُمْ مُصِيَبةٌ قَالُوا ِإنّا لِّلهِ وَِإنّا ِإَلْيهِ رَاجِعُونَ (‪)156‬‬ ‫من صفة هؤلء الصابرين أنم إذا أصابم شيء يكرهونه قالوا‪ :‬إنّا عبيد‬ ‫ملوكون ل‪ ,‬مدبّرون بأمره وتصريفه‪ ,‬يفعل بنا ما يشاء‪ ,‬وإنا إليه‬ ‫راجعون بالوت‪ ,‬ث بالبعث للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ُونم (‬ ‫ُمم الْ ُم ْهتَد َ‬ ‫ِكم ه ْ‬ ‫ِمم َورَحْ َمةٌ وَُأ ْوَلئ َ‬ ‫ِنم َرّبه ْ‬ ‫صمَلوَاتٌ م ْ‬ ‫ِمم َ‬ ‫ِكم عََلْيه ْ‬ ‫ُأوَْلئ َ‬ ‫‪)157‬‬ ‫أولئك الصابرون لم ثناء من ربم ورحة عظيمة منه سبحانه‪ ,‬وأولئك‬ ‫هم الهتدون إل الرشاد‪.‬‬ ‫‪73‬‬

‫إِنّ ال صّفَا وَالْمَ ْروَةَ مِ نْ شَعَائِرِ اللّ هِ فَمَ نْ حَجّ الَْبيْ تَ َأوْ ا ْعتَمَ َر فَل ُجنَا حَ‬

‫ف ِبهِمَا وَمَنْ تَ َطوّعَ َخيْرا َفِإنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (‪)158‬‬ ‫عََلْيهِ َأنْ يَ ّطوّ َ‬

‫إن الصفا والروة‪ -‬وها جبلن صغيان قرب الكعبة من جهة الشرق‪-‬‬ ‫من معال دين ال الظاهرة الت تعبّد ال عباده بالسعي بينهما‪ .‬فمَن قصد‬ ‫الكعبة حاجّا أو معتمرًا‪ ,‬فل إث عليه ول حرج ف أن يسعى بينهما‪ ,‬بل‬ ‫يب عليه ذلك‪ ,‬ومن فعل الطاعات طواعية من نفسه ملصًا با ل‬ ‫تعال‪ ,‬فإن ال تعال شاكر يثيب على القليل بالكثي‪ ,‬عليم بأعمال عباده‬ ‫فل بضيعها‪ ,‬ول يبخس أحدًا مثقال ذرة‪.‬‬ ‫ت وَاْلهُدَى مِ ْن بَعْ ِد مَا َبّينّا هُ لِلنّا سِ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن يَ ْكتُمُو نَ مَا أَن َزْلنَا مِ ْن اْلَبّينَا ِ‬ ‫فِي الْ ِكتَابِ ُأ ْوَلئِكَ يَلْ َعُنهُ ْم الّلهُ َويَلْ َعُنهُمْ اللّ ِعنُونَ (‪)159‬‬ ‫إن الذين ُيخْفون ما أنزلنا من اليات الواضحات الدالة على نبوة ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وما جاء به‪ ,‬وهم أحبار اليهود وعلماء النصارى‬ ‫وغيهم من يكتم ما أنزل ال من بعد ما أظهرناه للناس ف التوراة‬ ‫والنيل‪ ,‬أولئك يطردهم ال من رحته‪ ,‬ويدعو عليهم باللعنة جيع‬ ‫الليقة‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫صَلحُوا َوَبّينُوا فَُأ ْوَلئِكَ َأتُوبُ عََلْيهِمْ وََأنَا التّوّابُ الرّحِيمُ‬ ‫إِلّ الّذِينَ تَابُوا وَأَ ْ‬

‫(‪)160‬‬

‫إل الذين رجعوا مستغفرين ال من خطاياهم‪ ,‬وأصلحوا ما أفسدوه‪,‬‬ ‫وَبيّنوا ما كتموه‪ ,‬فأولئك أقبل توبتهم وأجازيهم بالغفرة‪ ,‬وأنا التواب‬ ‫على من تاب من عبادي‪ ,‬الرحيم بم; إذ وفقتُهم للتوبة وقبلتها منهم‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُ ْم كُفّارٌ ُأ ْوَلئِ كَ عََلْيهِ ْم لَ ْعَنةُ اللّ هِ وَالْمَلئِ َكةِ‬ ‫وَالنّاسِ َأجْمَ ِعيَ (‪)161‬‬ ‫إن الذين جحدوا اليان وكتموا الق‪ ,‬واستمروا على ذلك حت ماتوا‪,‬‬ ‫أولئك عليهم لعنة ال واللئكة والناس أجعي بالطرد من رحته‪.‬‬ ‫خَالِدِي َن فِيهَا ل ُيخَفّفُ َعْنهُ ْم الْعَذَابُ وَل ُهمْ يُنظَرُونَ (‪)162‬‬ ‫دائمي ف اللعنة والنار‪ ,‬ل يفف عنهم العذاب‪ ,‬ول هم يهلون بعذرة‬ ‫يعتذرون با‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫وَِإَلهُكُمْ ِإَلهٌ وَاحِ ٌد ل ِإَلهَ إِلّ ُهوَ الرّ ْحمَنُ الرّحِي ُم (‪)163‬‬ ‫وإلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إله واحد متفرد ف ذاته وأسائه وصفاته وأفعاله‬ ‫وعبودية خلقه له‪ ,‬ل معبود بق إل هو‪ ,‬الرحن التصف بالرحة ف ذاته‬ ‫وأفعاله لميع اللق‪ ,‬الرحيم بالؤمني‪.‬‬ ‫ف الّليْلِ وَالّنهَارِ وَالْفُلْ كِ الّتِي‬ ‫ض وَا ْختِل ِ‬ ‫إِنّ فِي خَلْ قِ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ِ‬ ‫َتجْرِي فِي اْلَبحْرِ بِمَا يَن َف عُ النّا سَ وَمَا أَنزَلَ اللّ هُ مِ ْن ال سّمَاءِ مِ نْ مَاءٍ َفأَ ْحيَا‬ ‫بِهِ ا َلرْضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا َوبَثّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَاّبةٍ َوتَصْرِيفِ ال ّريَاحِ وَالسّحَابِ‬ ‫ض ليَاتٍ لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)164‬‬ ‫الْ ُمسَخّرِ َبيْ َن السّمَاءِ وَالَرْ ِ‬

‫إن ف خلق السموات بارتفاعها واتساعها‪ ,‬والرض ببالا وسهولا‬ ‫وبارها‪ ,‬وف اختلف الليل والنهار من الطول والقصر‪ ,‬والظلمة والنور‪,‬‬ ‫وتعاقبهما بأن يلف كل منهما الخر‪ ,‬وف السفن الارية ف البحار‪,‬‬ ‫الت تمل ما ينفع الناس‪ ,‬وما أنزل ال من السماء من ماء الطر‪ ,‬فأحيا‬ ‫به الرض‪ ,‬فصارت مضرّة ذات بجة بعد أن كانت يابسة ل نبات‬ ‫فيها‪ ,‬وما نشره ال فيها من كل ما دبّ على وجه الرض‪ ,‬وما أنعم به‬ ‫عليكم من تقليب الرياح وتوجيهها‪ ,‬والسحاب السيّر بي السماء‬ ‫والرض ‪-‬إن ف كل الدلئل السابقة لياتٍ على وحدانية ال‪ ,‬وجليل‬ ‫‪76‬‬

‫نعمه‪ ,‬لقوم يعقلون مواضع الجج‪ ,‬ويفهمون أدلته سبحانه على‬ ‫وحدانيته‪ ,‬واستحقاقه وحده للعبادة‪.‬‬ ‫حبّونَهُ مْ َكحُبّ اللّ هِ وَالّذِي َن‬ ‫وَمِ نْ النّا سِ مَ ْن َيّتخِذُ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ أَندَادا ُي ِ‬ ‫آ َمنُوا َأشَدّ ُحبّا لِلّ هِ َوَلوْ يَرَى الّذِي نَ ظَلَمُوا ِإذْ َي َروْ نَ الْعَذَا بَ أَنّ الْ ُقوّةَ لِلّ هِ‬ ‫ب (‪)165‬‬ ‫َجمِيعا وََأنّ الّلهَ َشدِي ُد الْعَذَا ِ‬ ‫ومع هذه الباهي القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون ال أصنامًا‬ ‫وأوثانًا وأولياء يعلونم نظراء ل تعال‪ ,‬ويعطونم من الحبة والتعظيم‬ ‫والطاعة‪ ,‬ما ل يليق إل بال وحده‪ .‬والؤمنون أعظم حبا ل من حب‬ ‫هؤلء الكفار ل وللتهم; لن الؤمني أخلصوا الحبة كلها ل‪ ,‬وأولئك‬ ‫أشركوا ف الحبة‪ .‬ولو يعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ف الياة‬ ‫الدنيا‪ ,‬حي يشاهدون عذاب الخرة‪ ,‬أن ال هو التفرد بالقوة جيعًا‪,‬‬ ‫وأن ال شديد العذاب‪ ,‬لا اتذوا من دون ال آلة يعبدونم من دونه‪,‬‬ ‫ويتقربون بم إليه‪.‬‬ ‫ِمم‬ ‫َتم ِبه ْ‬ ‫َابم َوتَقَطّع ْ‬ ‫ِينم اّتبَعُوا َورََأوْا الْعَذ َ‬ ‫ِنم الّذ َ‬ ‫ِينم اّتبِعُوا م ْ‬ ‫إِذْ َتَبرّأَ الّذ َ‬

‫الَ ْسبَابُ (‪)166‬‬

‫‪77‬‬

‫عند معاينتهم عذاب الخرة يتبأ الرؤساء التبوعون من اتبعهم على‬ ‫الشرك‪ ,‬وتنقطع بينهم كل الصلت الت ارتبطوا با ف الدنيا‪ :‬من‬ ‫القرابة‪ ,‬والتّباع‪ ,‬والدين‪ ,‬وغي ذلك‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ اّتبَعُوا َلوْ أَنّ لَنَا كَرّ ًة َفَنَتبَرّأَ ِمْنهُ مْ كَمَا َتبَ ّرءُوا ِمنّ ا كَ َذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫ِنم النّارِ (‬ ‫ُمم ِبخَارِجِيَ م ْ‬ ‫ِمم وَمَا ه ْ‬ ‫ت عََلْيه ْ‬ ‫َسمرَا ٍ‬ ‫ُمم ح َ‬ ‫ّهمأَعْمَالَه ْ‬ ‫ِمم الل ُ‬ ‫يُرِيه ْ‬ ‫‪)167‬‬

‫وقال التابعون‪ :‬يا ليت لنا عودة إل الدنيا‪ ,‬فنعلن براءتنا من هؤلء‬ ‫الرؤساء‪ ,‬كما أعلنوا براءتم ِمنّا‪ .‬وكما أراهم ال شدة عذابه يوم القيامة‬ ‫يريهم أعمالم الباطلة ندامات عليهم‪ ,‬وليسوا بارجي من النار أبدًا‪.‬‬ ‫َاتم‬ ‫ْضم حَل ًل َطيّبا وَل َتّتبِعُوا خُ ُطو ِ‬ ‫ّاسم كُلُوا مِمّام فِي ا َلر ِ‬ ‫يَا َأيّهَا الن ُ‬ ‫حشَاءِ‬ ‫شيْطَا نِ ِإنّ هُ لَكُ ْم عَ ُدوّ ُمبِيٌ (‪ِ )168‬إنّمَا يَأْ ُمرُكُ ْم بِال سّوءِ وَالْفَ ْ‬ ‫ال ّ‬ ‫وََأنْ تَقُولُوا عَلَى الّلهِ مَا ل تَ ْعلَمُونَ (‪)169‬‬ ‫يا أيها الناس كلوا من رزق ال الذي أباحه لكم ف الرض‪ ,‬وهو الطاهر‬ ‫غي النجس‪ ,‬النافع غي الضار‪ ,‬ول تتبعوا طرق الشيطان ف التحليل‬ ‫والتحري‪ ,‬والبدع والعاصي‪ .‬إنه عدو لكم ظاهر العداوة إنا يأمركم‬ ‫‪78‬‬

‫الشيطان بكل ذنب قبيح يسوءُكم‪ ,‬وبكل معصية بالغة القبح‪ ,‬وبأن‬ ‫تفتروا على ال الكذب من تري اللل وغيه بدون علم‪.‬‬

‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم اّتبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا بَلْ َنّتبِ عُ مَا َألْ َفْينَا عََليْ هِ آبَا َءنَا َأ َوَلوْ‬ ‫كَانَ آبَاؤُهُ ْم ل يَعْقِلُونَ َشيْئا وَل َي ْهتَدُونَ (‪)170‬‬ ‫وإذا قال الؤمنون ناصحي أهل الضلل‪ :‬اتبعوا ما أنزل ال من القرآن‬ ‫والدى‪ ,‬أصرّوا على تقليد أسلفهم الشركي قائلي‪ :‬ل نتبع دينكم‪ ,‬بل‬ ‫نتبع ما وجدنا عليه آباءنا‪ .‬أيتبعون آباءهم ولو كانوا ل يعقلون عن ال‬ ‫شيئًا‪ ,‬ول يدركون رشدًا؟‬ ‫صمّ‬ ‫وَ َمثَلُ الّذِي نَ كَ َفرُوا كَ َمثَلِ الّذِي َينْعِ قُ بِمَا ل يَ سْمَعُ إِلّ دُعَاءً َونِدَاءً ُ‬ ‫بُكْ ٌم عُمْ ٌي َفهُمْ ل يَعْقِلُونَ (‪)171‬‬ ‫وصمفة الذيمن كفروا وداعيهمم إل الدى واليان كصمفة الراعمي الذي‬ ‫يصيح بالبهائم ويزجرها‪ ,‬وهي ل تفهم معان كلمه‪ ,‬وإنا تسمع النداء‬ ‫و َدوِيّ الصوت فقط‪ .‬هؤلء الكفار صُمّ سدّوا أساعهم عن الق‪ ,‬بُكْم‬ ‫أخرسوا ألسنتهم عن النطق به‪ُ ,‬عمْي ل ترى أعينهم براهينه الباهرة‪ ,‬فهم‬ ‫‪79‬‬

‫ل يعملون عقولم فيما ينفعهم‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا كُلُوا مِ نْ َطّيبَا تِ مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ وَاشْ ُكرُوا لِلّ هِ إِ نْ كُنتُ مْ‬ ‫ِإيّاهُ تَ ْعبُدُونَ ( ‪)172‬‬ ‫يا أيها الؤمنون كلوا من الطعمة الستلَذّة اللل الت رزقناكم‪ ,‬ول‬ ‫تكونوا كالكفار الذين يرمون الطيبات‪ ,‬ويستحِلّون البائث‪ ,‬واشكروا‬ ‫ل نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم‪ ,‬إن كنتم حقًا‬ ‫منقادين لمره‪ ,‬سامعي مطيعي له‪ ,‬تعبدونه وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫ِإنّمَا َحرّ مَ َعَليْكُ مْ الْ َمْيَتةَ وَالدّ مَ َوَلحْ مَ الْخِنِيرِ وَمَا أُهِلّ بِ هِ لِ َغيْ ِر اللّ هِ فَمَ نْ‬

‫اضْطُرّ َغيْ َر بَاغٍ وَل عَا ٍد فَل ِإْثمَ عََلْيهِ ِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)173‬‬

‫إنا حرم ال عليكم ما يضركم كاليتة الت ل تذبح بطريقة شرعية‪,‬‬ ‫والدم السفوح‪ ,‬ولم النير‪ ,‬والذبائح الت ذبت لغي ال‪ .‬ومِ ْن فَضْلِ‬ ‫ال عليكم وتيسيه أنه أباح لكم أكل هذه الحرمات عند الضرورة‪.‬‬ ‫فمن ألأته الضرورة إل أكل شيء منها‪ ,‬غي ظال ف أكله فوق حاجته‪,‬‬ ‫ول متجاوز حدود ال فيما أُبيح له‪ ,‬فل ذنب عليه ف ذلك‪ .‬إن ال‬ ‫غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫شتَرُونَ بِ ِه ثَمَنا قَلِيلً ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ك‬ ‫ِإنّ الّذِينَ يَ ْكتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِ ْن الْ ِكتَابِ َوَي ْ‬ ‫مَا يَأْكُلُو نَ فِي بُطُونِهِ مْ إِ ّل النّارَ وَل يُكَلّ ُمهُ ْم اللّ هُ َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ وَل ُيزَكّيهِ مْ‬ ‫َولَهُ ْم عَذَابٌ َألِيمٌ (‪)174‬‬ ‫إن الذين ُيخْفون ما أنزل ال ف كتبه من صفة ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم وغي ذلك من الق‪ ,‬ويرصون على أخذ عوض قليل من عرض‬ ‫الياة الدنيا مقابل هذا الخفاء‪ ,‬هؤلء ما يأكلون ف مقابلة كتمان الق‬ ‫إل نار جهنم تتأجج ف بطونم‪ ,‬ول يكلمهم ال يوم القيامة لغضبه‬ ‫وسخطه عليهم‪ ,‬ول يطهرهم من دنس ذنوبم وكفرهم‪ ,‬ولم عذاب‬ ‫موجع‪.‬‬ ‫صبَرَ ُهمْ‬ ‫ب بِالْمَغْ ِفرَةِ فَمَا أَ ْ‬ ‫ك الّذِي نَ ا ْشتَ َروْا الضّللَةَ بِاْلهُدَى وَالْعَذَا َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫عَلَى النّارِ (‪)175‬‬ ‫أولئك التصفون بذه الصفات استبدلوا الضللة بالدى وعذاب ال‬ ‫بغفرته‪ ,‬فما أشد جراءتم على النار بعملهم أعمال أهل النار!! يعجب‬ ‫ال من إقدامهم على ذلك‪ ,‬فاعجبوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬من جراءتم‪ ,‬ومن‬

‫‪81‬‬

‫صبهم على النار ومكثهم فيها‪ .‬وهذا على وجه الستهانة بم‪,‬‬ ‫والستخفاف بأمرهم‪.‬‬ ‫َذلِ كَ بَِأنّ اللّ هَ نَزّلَ الْ ِكتَا بَ بِاْلحَقّ وَِإنّ الّذِي نَ ا ْختَلَفُوا فِي الْ ِكتَا بِ لَفِي‬ ‫ق بَعِيدٍ (‪)176‬‬ ‫شِقَا ٍ‬ ‫ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن ال تعال نزّل كتبه على رسله‬ ‫مشتملة على الق البي‪ ,‬فكفروا به‪ .‬وإن الذين اختلفوا ف الكتاب‬ ‫فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه‪ ,‬لفي منازعة ومفارقة بعيدة عن الرشد‬ ‫والصواب‪.‬‬ ‫ب َولَكِنّ اْلبِرّ مَ نْ آمَ َن‬ ‫ق وَالْمَ ْغرِ ِ‬ ‫َليْ سَ اْلبِرّ أَ نْ ُت َولّوا وُجُوهَكُ مْ ِقبَ َل الْ َمشْرِ ِ‬ ‫ب وَالّنِبيّيَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى ُحبّ هِ‬ ‫بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر وَالْمَلئِ َك ِة وَالْ ِكتَا ِ‬ ‫سبِيلِ وَال سّائِِليَ وَفِي الرّقَا بِ‬ ‫َذوِي الْقُرْبَى وَاْلَيتَامَى وَالْمَ سَا ِكيَ وَابْ نَ ال ّ‬ ‫وَأَقَا مَ ال صّلةَ وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُو نَ بِ َعهْدِهِ مْ إِذَا عَاهَدُوا وَال صّابِرِينَ فِي‬ ‫ك هُ ْم الْ ُمتّقُونَ (‬ ‫صدَقُوا وَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫الْبَأْسَاءِ وَالضّرّاءِ َو ِحيَ اْلبَأْسِ ُأ ْوَلئِكَ الّذِينَ َ‬ ‫‪)177‬‬

‫‪82‬‬

‫ليس الي عند ال‪ -‬تعال‪ -‬ف التوجه ف الصلة إل جهة الشرق‬ ‫والغرب إن ل يكن عن أمر ال وشرعه‪ ,‬وإنا الي كل الي هو إيان‬ ‫من آمن بال وصدّق به معبودًا وحدَه ل شريك له‪ ,‬وآمن بيوم البعث‬ ‫والزاء‪ ,‬وباللئكة جيعًا‪ ,‬وبالكتب النلة كافة‪ ,‬وبميع النبيي من غي‬ ‫تفريق‪ ,‬وأعطى الال تطوّعًا ‪-‬مع شدة حبه‪ -‬ذوي القرب‪ ,‬واليتامى‬ ‫الحتاجي الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ‪ ,‬والساكي الذين‬ ‫أرهقهم الفقر‪ ,‬والسافرين الحتاجي الذين بَعُدوا عن أهلهم ومالم‪,‬‬ ‫والسائلي الذين اضطروا إل السؤال لشدة حاجتهم‪ ,‬وأنفق ف ترير‬ ‫الرقيق والسرى‪ ,‬وأقام الصلة‪ ,‬وأدى الزكاة الفروضة‪ ,‬والذين يوفون‬ ‫بالعهود‪ ,‬ومن صب ف حال فقره ومرضه‪ ,‬وف شدة القتال‪ .‬أولئك‬ ‫التصفون بذه الصفات هم الذين صدقوا ف إيانم‪ ,‬وأولئك هم الذين‬ ‫اتقَوا عقاب ال فتجنبوا معاصيه‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ُكتِ بَ عََلْيكُ مْ الْقِ صَاصُ فِي الْ َقتْلَى الْحُ ّر بِاْلحُرّ وَالْ َعبْ ُد‬ ‫ع بِالْمَ ْعرُو فِ‬ ‫بِالْ َعبْ ِد وَالُنثَى بِالُنثَى فَمَ نْ عُفِ يَ لَ هُ مِ نْ أَخِي هِ َش ْيءٌ فَاّتبَا ٌ‬ ‫ك َتخْفِي فٌ مِ نْ َربّكُ ْم َورَحْ َمةٌ َفمَ نْ ا ْعتَدَى بَعْدَ‬ ‫وَأَدَاءٌ ِإَليْ هِ ِبإِحْ سَانٍ َذلِ َ‬ ‫ك فََلهُ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)178‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫‪83‬‬

‫يا أيها الذين صدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه فرض ال عليكم أن‬ ‫تقتصوا من القاتل عمدا بقتله‪ ,‬بشرط الساواة والماثلة‪ :‬يُقتل الر بثله‪,‬‬ ‫والعبد بثله‪ ,‬والنثى بثلها‪ .‬فمن سامه ول القتول بالعفو عن‬ ‫القتصاص منه والكتفاء بأخذ الدية ‪-‬وهي قدر مال مدد يدفعه الان‬ ‫مقابل العفو عنه‪ -‬فليلتزم الطرفان بسن اللق‪ ,‬فيطالب الول بالدية من‬ ‫غي عنف‪ ,‬ويدفع القاتل إليه حقه بإحسان‪ ,‬مِن غي تأخي ول نقص‪.‬‬ ‫ذلك العفو مع أخذ الدية تفيف من ربكم ورحة بكم; لا فيه من‬ ‫التسهيل والنتفاع‪ .‬فمَن قتل القاتل بعد العفو عنه وأَ ْخذِ الدية فله عذاب‬ ‫أليم بقتله قصاصًا ف الدنيا‪ ,‬أو بالنار ف الخرة‪.‬‬ ‫ب لَعَلّكُمْ َتتّقُونَ (‪)179‬‬ ‫َولَكُ ْم فِي الْقِصَاصِ َحيَاةٌ يَا ُأ ْولِي ا َلْلبَا ِ‬ ‫ولكم ف تشريع القصاص وتنفيذه حياة آمنة ‪-‬يا أصحاب العقول‬ ‫السليمة‪ ;-‬رجاء تقوى ال وخشيته بطاعته دائمًا‪.‬‬ ‫صّيةُ لِ ْلوَالِ َديْ نِ‬ ‫ضرَ أَحَدَ ُك ْم الْ َموْ تُ إِ نْ َترَ كَ َخيْرا اْلوَ ِ‬ ‫ُكتِ بَ َعَليْكُ مْ ِإذَا حَ َ‬ ‫وَالَقْ َرِبيَ بِالْمَ ْعرُوفِ حَقّا عَلَى الْ ُمتّ ِقيَ (‪)180‬‬

‫‪84‬‬

‫فرض ال عليكم إذا حضر أحدكم علمات الوت ومقدماته ‪-‬إن ترك‬ ‫مال‪ -‬الوصية بزء من ماله للوالدين والقربي مع مراعاة العدل; فل‬ ‫يدع الفقي ويوصي للغن‪ ,‬ول يتجاوز الثلث‪ ,‬وذلك حق ثابت يعمل به‬ ‫أهل التقوى الذين يافون ال‪ .‬وكان هذا قبل نزول آيات الواريث الت‬ ‫حدّد ال فيها نصيب كل وارث‪.‬‬ ‫َفمَ ْن بَ ّدلَهُ بَ ْعدَمَا َسمِ َعهُ َفِإنّمَا ِإثْمُهُ عَلَى الّذِينَ ُيبَ ّدلُونَهُ ِإنّ اللّهَ سَمِي ٌع عَلِيمٌ‬ ‫(‪)181‬‬ ‫فمَن َغيّر وصية اليت بعدما سعها منه قبل موته‪ ,‬فإنا الذنب على مَن‬ ‫غيّر وبدّل‪ .‬إن ال سيع لوصيتكم وأقوالكم‪ ,‬عليم با تفيه صدوركم‬ ‫من اليل إل الق والعدل أو الور واليف‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬ ‫َفمَ نْ خَا فَ مِ نْ مُو صٍ َجنَفا َأوْ ِإثْما فَأَ صَْلحَ َبْيَنهُ مْ فَل ِإثْ َم عََليْ هِ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)182‬‬ ‫فمَن علم مِن موصٍ ميل عن الق ف وصيته على سبيل الطأ أو العمد‪,‬‬ ‫فنصح الوصيَ وقت الوصية با هو العدل‪ ،‬فإن ل يصل له ذلك‬ ‫‪85‬‬

‫فأصلح بي الطراف بتغيي الوصية; لتوافق الشريعة‪ ,‬فل ذنب عليه ف‬ ‫هذا الصلح‪ .‬إن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫صيَامُ كَمَا ُكِت بَ عَلَى الّذِي نَ مِ نْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ُكتِ بَ عََلْيكُ مْ ال ّ‬ ‫َقبْلِ ُكمْ لَعَلّكُ ْم َتتّقُونَ (‪)183‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬فرض ال عليكم‬ ‫الصيام كما فرضه على المم قبلكم; لعلكم تتقون ربكم‪ ,‬فتجعلون‬ ‫بينكم وبي العاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده‪.‬‬ ‫ت فَمَ نْ كَا نَ ِمنْ ُك ْم مَرِيضا َأوْ عَلَى سَفَ ٍر فَعِدّ ٌة مِ نْ َأيّا مٍ ُأخَ َر‬ ‫َأيّاما مَعْدُودَا ٍ‬ ‫وَعَلَى الّذِي نَ يُطِيقُونَ هُ فِ ْدَي ٌة طَعَا مُ مِ سْ ِكيٍ فَمَ نْ تَ َطوّ عَ َخيْرا َف ُهوَ َخيْ ٌر لَ هُ‬ ‫وََأنْ تَصُومُوا َخيْ ٌر لَكُمْ ِإنْ كُنتُمْ تَ ْعلَمُونَ (‪)184‬‬ ‫فرض ال عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان‪ .‬فمن‬ ‫كان منكم مريضًا يشق عليه الصوم‪ ,‬أو مسافرًا فله أن يفطر‪ ,‬وعليه‬ ‫صيام عدد من أيام ُأخَر بقدر الت أفطر فيها‪ .‬وعلى الذين يتكلفون‬ ‫الصيام ويشقّ عليهم مشقة غي متملة كالشيخ الكبي‪ ,‬والريض الذي ل‬ ‫يُرْجَى شفاؤه‪ ,‬فدية عن كل يوم يفطره‪ ,‬وهي طعام مسكي‪ ,‬فمن زاد‬ ‫‪86‬‬

‫ف قدر الفدية تبعًا منه فهو خي له‪ ,‬وصيامكم خي لكم ‪-‬مع تمّل‬ ‫الشقة‪ -‬من إعطاء الفدية‪ ,‬إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند‬ ‫ال تعال‪.‬‬ ‫َشهْرُ رَمَضَانَم الّذِي أُنزِلَ فِيهِم الْقُرْآنُم هُدًى لِلنّاسِم َوَبّينَاتٍم مِن ْم اْلهُدَى‬ ‫وَالْفُرْقَا نِ َفمَ نْ َشهِدَ ِمنْ ُك مْ الشّهْ َر فَ ْليَ صُ ْم ُه وَمَ نْ كَا نَ مَرِيضا َأوْ عَلَى سَ َفرٍ‬ ‫فَعِدّ ٌة مِ نْ َأيّا مٍ ُأخَرَ ُيرِيدُ اللّ هُ بِ ُك مْ اْليُ سْرَ وَل يُرِيدُ بِكُ ْم الْعُ سْرَ َوِلتُكْمِلُوا‬ ‫الْعِدّةَ َوِلتُ َكبّرُوا الّلهَ َعلَى مَا َهدَاكُمْ َولَعَلّكُ ْم َتشْكُرُونَ (‪)185‬‬ ‫شهر رمضان الذي ابتدأ ال فيه إنزال القرآن ف ليلة القدر; هداية للناس‬ ‫إل الق‪ ,‬فيه أوضح الدلئل على هدى ال‪ ,‬وعلى الفارق بي الق‬ ‫والباطل‪ .‬فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم ناره‪.‬‬ ‫ويُرخّص للمريض والسافر ف الفطر‪ ,‬ث يقضيان عدد تلك اليام‪ .‬يريد‬ ‫ال تعال بكم اليسر والسهولة ف شرائعه‪ ,‬ول يريد بكم العسر والشقة‪,‬‬ ‫ولتكملوا عدة الصيام شهرًا‪ ,‬ولتختموا الصيام بتكبي ال ف عيد الفطر‪,‬‬ ‫ولتعظموه على هدايته لكم‪ ,‬ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم‬ ‫من الداية والتوفيق والتيسي‪.‬‬

‫‪87‬‬

‫وَِإذَا سََألَكَ ِعبَادِي َعنّ ي َفِإنّ ي َقرِي بٌ ُأجِي بُ دَ ْعوَةَ الدّاعِي إِذَا دَعَانِي‬ ‫سَتجِيبُوا لِي َوْلُيؤْ ِمنُوا بِي لَعَّلهُمْ َيرْشُدُونَ (‪)186‬‬ ‫فَ ْلَي ْ‬ ‫وإذا سألك ‪-‬أيها النب‪ -‬عبادي عن فقل لم‪ :‬إن قريب منهم‪ ,‬أُجيب‬ ‫دعوة الداعي إذا دعان‪ ,‬فليطيعون فيما أمرتم به ونيتهم عنه‪ ,‬وليؤمنوا‬ ‫ب‪ ,‬لعلهم يهتدون إل مصال دينهم ودنياهم‪ .‬وف هذه الية إخبار منه‬ ‫سبحانه عن قربه من عباده‪ ,‬القرب اللئق بلله‪.‬‬ ‫صيَامِ الرَّف ثُ ِإلَى نِ سَائِكُ ْم هُنّ ِلبَا سٌ لَكُ مْ وََأْنُت مْ ِلبَا سٌ‬ ‫أُحِلّ لَكُ ْم َليَْلةَ ال ّ‬ ‫ب عََليْكُ ْم وَعَفَا َعنْكُ مْ‬ ‫ختَانُو نَ أَنفُ سَكُ ْم َفتَا َ‬ ‫َلهُنّ َعلِ مَ اللّ هُ َأنّكُ مْ كُنتُ ْم َت ْ‬ ‫فَال نَ بَاشِرُوهُنّ وَاْبتَغُوا مَا َكتَ بَ اللّ هُ لَكُ ْم وَكُلُوا وَاشْ َربُوا َحتّ ى َيَتَبيّ نَ‬ ‫صيَامَ ِإلَى‬ ‫خيْ طِ الَ ْسوَ ِد مِ نْ الْ َفجْرِ ثُمّ َأتِمّوا ال ّ‬ ‫خيْ طُ ا َلْبيَ ضُ مِ نْ اْل َ‬ ‫لَكُ مْ اْل َ‬ ‫الّليْلِ وَل ُتبَاشِرُوهُنّ وََأْنتُ ْم عَاكِفُو نَ فِي الْمَ سَاجِدِ ِتلْ كَ حُدُو ُد اللّ هِ فَل‬ ‫ك ُيَبيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَّلهُ ْم َيتّقُونَ (‪)187‬‬ ‫تَقْ َربُوهَا كَ َذلِ َ‬ ‫أباح ال لكم ف ليال شهر رمضان جاعَ نسائكم‪ ,‬هنّ ستر وحفظ‬ ‫لكم‪ ,‬وأنتم ستر وحفظ لن‪ .‬علم ال أنكم كنتم تونون أنفسكم;‬ ‫بخالفة ما حرّمه ال عليكم من مامعة النساء بعد العشاء ف ليال الصيام‬ ‫وكان ذلك ف أول السلم‪ ,-‬فتاب ال عليكم ووسّع لكم ف المر‪,‬‬‫‪88‬‬

‫فالن جامعوهن‪ ,‬واطلبوا ما قدّره ال لكم من الولد‪ ,‬وكلوا واشربوا‬ ‫حت يتَبيّن ضياء الصباح من سواد الليل‪ ،‬بظهور الفجر الصادق‪ ,‬ث أتوا‬ ‫الصيام بالمساك عن الفطرات إل دخول الليل بغروب الشمس‪ .‬ول‬ ‫تامعوا نساءكم أو تتعاطوا ما يفضي إل جاعهن إذا كنتم معتكفي ف‬ ‫الساجد; لن هذا يفسد العتكاف (وهو القامة ف السجد مدة معلومة‬ ‫بنيّة التقرب إل ال تعال)‪ .‬تلك الحكام الت شرعها ال لكم هي‬ ‫حدوده الفاصلة بي اللل والرام‪ ,‬فل تقربوها حت ل تقعوا ف الرام‪.‬‬ ‫بثل هذا البيان الواضح يبي ال آياته وأحكامه للناس; كي يتقوه‬ ‫ويشَوْه‪.‬‬ ‫وَل تَأْكُلُوا أَ ْموَالَكُ ْم َبْينَكُ ْم بِاْلبَاطِلِ َوتُ ْدلُوا ِبهَا ِإلَى اْلحُكّا مِ ِلتَأْكُلُوا فَرِيقا‬ ‫مِنْ َأ ْموَالِ النّاسِ بِا ِلثْمِ وََأْنتُ ْم تَعْلَمُونَ (‪)188‬‬ ‫ول يأكل بعضكم مال بعض بسبب باطل كاليمي الكاذبة‪ ,‬والغصب‪,‬‬ ‫والسرقة‪ ,‬والرشوة‪ ,‬والربا ونو ذلك‪ ,‬ول تلقوا بالجج الباطلة إل‬ ‫الكام; لتأكلوا عن طريق التخاصم أموال طائفة من الناس بالباطل‪,‬‬ ‫وأنتم تعلمون تري ذلك عليكم‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫يَ سَْألُونَكَ عَ نْ الَهِّلةِ قُلْ هِ َي َموَاقِي تُ لِلنّا سِ وَالْحَجّ َولَيْ سَ اْلبِرّ بِأَ نْ تَ ْأتُوا‬ ‫ت مِ نْ ُظهُورِهَا َولَكِنّ الْبِ ّر مَ نْ اتّقَى وَْأتُوا اْلُبيُو تَ مِ نْ َأْبوَاِبهَا وَاتّقُوا‬ ‫الُْبيُو َ‬ ‫اللّهَ لَعَلّ ُكمْ تُفِْلحُونَ (‪)189‬‬ ‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ :-‬عن الهلة وتغيّر أحوالا‪ ,‬قل لم‪ :‬جعل‬ ‫الُ الهلة علمات يعرف با الناس أوقات عباداتم الحددة بوقت مثل‬ ‫الصيام والج‪ ,‬ومعاملتم‪ .‬وليس الي ما تعودت عليه ف الاهلية وأول‬ ‫السلم من دخول البيوت من ظهورها حي ُتحْرِمون بالج أو العمرة‪,‬‬ ‫ظاني أن ذلك قربة إل ال‪ ,‬ولكن الي هو فِعْلُ مَنِ اتقى ال واجتنب‬ ‫العاصي‪ ,‬وادخلوا البيوت من أبوابا عند إحرامكم بالج أو العمرة‪,‬‬ ‫واخشوا ال تعال ف كل أموركم‪ ,‬لتفوزوا بكل ما تبون من خيي‬ ‫الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫مِيلِ اللّهِم الّذِينَميُقَاتِلُونَكُم ْم وَل تَ ْعتَدُوا إِنّ اللّهَم ل ُيحِبّ‬ ‫وَقَاتِلُوا فِي سَب‬ ‫الْمُ ْعتَدِينَ (‪)190‬‬ ‫وقاتلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬لنصرة دين ال الذين يقاتلونكم‪ ,‬ول ترتكبوا‬ ‫الناهي من ا ُلثْلة‪ ،‬والغُلول‪ ،‬وَقتْلِ من ل يل قتله من النساء والصبيان‬

‫‪90‬‬

‫والشيوخ‪ ،‬ومن ف حكمهم‪ .‬إن ال ل يب الذين ياوزون حدوده‪,‬‬ ‫فيستحلون ما حرّم ال ورسوله‪.‬‬ ‫ث ثَقِ ْفتُمُوهُ مْ وََأخْ ِرجُوهُ ْم مِ نْ َحْي ثُ أَ ْخرَجُوكُ مْ وَالْ ِفْتنَ ُة‬ ‫وَا ْقتُلُوهُ مْ َحيْ ُ‬ ‫سجِدِ الْحَرَامِ َحتّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ َفإِنْ‬ ‫أَ َشدّ مِنْ الْ َقتْلِ وَل تُقَاتِلُوهُمْ ِعنْ َد الْمَ ْ‬ ‫قَاتَلُوكُمْ فَا ْقتُلُو ُهمْ كَ َذلِكَ َجزَاءُ الْكَافِرِي َن (‪)191‬‬ ‫واقتلوا الذين يقاتلونكم من الشركي حيث وجدتوهم‪ ,‬وأخرجوهم من‬ ‫الكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة"‪ .‬والفتنة ‪-‬وهي الكفر والشرك‬ ‫والصد عن السلم‪ -‬أشد من قتلكم إياهم‪ .‬ول تبدؤوهم بالقتال عند‬ ‫السجد الرام تعظيمًا لرماته حت يبدؤوكم بالقتال فيه‪ ,‬فإن قاتلوكم‬ ‫ف السجد الرام فاقتلوهم فيه‪ .‬مثل ذلك الزاء الرادع يكون جزاء‬ ‫الكافرين‪.‬‬ ‫َفِإنْ انَت َهوْا َفِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)192‬‬ ‫فإن تركوا ما هم فيه من الكفر وقتالكم عند السجد الرام‪ ,‬ودخلوا ف‬ ‫اليان‪ ,‬فإن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل تَكُونَ ِفْتَنةٌ َويَكُونَ الدّينُ لِلّهِ َفإِنْ انَت َهوْا فَل عُ ْدوَانَ إِلّ‬

‫عَلَى الظّالِ ِميَ (‪)193‬‬

‫واستمروا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف قتال الشركي العتدين‪ ,‬حت ل تكون فتنة‬ ‫للمسلمي عن دينهم ول شرك بال‪ ,‬ويبقى الدين ل وحده خالصًا ل‬ ‫يُ ْعبَد معه غيه‪ .‬فإن كفّوا عن الكفر والقتال فكُفّوا عنهم; فالعقوبة ل‬ ‫تكون إل على الستمرين على كفرهم وعدوانم‪.‬‬ ‫ت قِ صَاصٌ فَمَ ْن ا ْعتَدَى عََليْكُ ْم‬ ‫شهْرِ اْلحَرَا مِ وَاْلحُرُمَا ُ‬ ‫الشّهْ ُر الْحَرَا مُ بِال ّ‬ ‫َعم‬ ‫ّهم م َ‬ ‫ّهم وَاعْلَمُوا أَنّ الل َ‬ ‫ُمم وَاتّقُوا الل َ‬ ‫ْهم بِ ِمثْلِ مَا ا ْعتَدَى عََليْك ْ‬ ‫فَا ْعتَدُوا عََلي ِ‬

‫الْ ُمتّ ِقيَ (‪)194‬‬

‫قتالكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬للمشركي ف الشهر الذي حرّم ال القتال فيه‬ ‫هو جزاء لقتالم لكم ف الشهر الرام‪ .‬والذي يعتدي على ما َحرّم ال‬ ‫من الكان والزمان‪ ,‬يعاقب بثل فعله‪ ,‬ومن جنس عمله‪ .‬فمن اعتدى‬ ‫عليكم بالقتال أو غيه فأنزلوا به عقوبة ماثلة لنايته‪ ,‬ول حرج عليكم‬ ‫ف ذلك; لنم هم البادئون بالعدوان‪ ,‬وخافوا ال فل تتجاوزوا الماثلة‬

‫‪92‬‬

‫ف العقوبة‪ ,‬واعلموا أن ال مع الذين يتقونه ويطيعونه بأداء فرائضه‬ ‫وتنب مارمه‪.‬‬ ‫سنُوا إِنّ اللّ هَ‬ ‫وَأَنفِقُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَل تُلْقُوا بَِأْيدِيكُ مْ ِإلَى الّتهْلُ َكةِ وََأحْ ِ‬ ‫حسِِنيَ (‪)195‬‬ ‫ُيحِبّ الْ ُم ْ‬ ‫واستمروا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف إنفاق الموال لنصرة دين ال تعال‪,‬‬ ‫والهاد ف سبيله‪ ,‬ول توقعوا أنفسكم ف الهالك بترك الهاد ف سبيل‬ ‫ال‪ ,‬وعدم النفاق فيه‪ ,‬وأحسنوا ف النفاق والطاعة‪ ,‬واجعلوا عملكم‬ ‫كله خالصًا لوجه ال تعال‪ .‬إن ال يب أهل الخلص والحسان‪.‬‬ ‫ي وَل‬ ‫وََأِتمّوا اْلحَجّ وَالْعُمْرَةَ لِلّ هِ َفإِ نْ أُحْ صِ ْرتُ ْم فَمَا ا ْسَتْيسَرَ مِ نْ الْهَ ْد ِ‬ ‫َتحْلِقُوا ُرءُو سَكُمْ َحتّى َيبْلُ غَ اْلهَدْ يُ َمحِلّ هُ فَمَ نْ كَا نَ ِمْنكُ ْم مَرِيضا َأوْ بِ هِ‬ ‫ك َفإِذَا أَمِنتُ ْم َفمَ نْ َت َمتّ عَ‬ ‫صيَامٍ َأوْ صَدََقةٍ َأوْ نُ سُ ٍ‬ ‫أَذًى مِ نْ رَْأ ِسهِ فَفِ ْدَيةٌ مِ نْ ِ‬ ‫صيَا ُم ثَلَثةِ َأيّا مٍ‬ ‫بِالْعُ ْمرَةِ ِإلَى الْحَجّ َفمَا ا ْسَتْيسَرَ مِ نْ اْلهَدْ يِ َفمَ نْ لَ مْ َيجِ ْد فَ ِ‬ ‫ك َعشَرَةٌ كَامَِلةٌ َذلِ كَ لِمَ نْ لَ ْم يَكُ نْ أَهْلُ هُ‬ ‫فِي اْلحَجّ وَ َسبْ َعةٍ ِإذَا رَجَ ْعتُ ْم تِلْ َ‬ ‫سجِدِ اْلحَرَا مِ وَاتّقُوا اللّ هَ وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ شَدِي ُد الْعِقَا بِ (‬ ‫حَاضِرِي الْمَ ْ‬ ‫‪)196‬‬

‫‪93‬‬

‫وأدّوا الج والعمرة تا ّميْنِ‪ ,‬خالصي لوجه ال تعال‪ .‬فإن منعكم عن‬ ‫الذهاب لتامهما بعد الحرام بما مانع كالعدو والرض‪ ,‬فالواجب‬ ‫عليكم َذْبحُ ما تيسر لكم من البل أو البقر أو الغنم تقربًا إل ال تعال;‬ ‫لكي َتخْرُجوا من إحرامكم بلق شعر الرأس أو تقصيه‪ ,‬ول تلقوا‬ ‫رؤوسكم إذا كنتم مصرين حت ينحر الحصر هديه ف الوضع الذي‬ ‫حُصر فيه ث يل من إحرامه‪ ,‬كما نر النب صلى ال عليه وسلم ف‬ ‫"الديبية" ث حلق رأسه‪ ,‬وغي الحصر ل ينحر الدي إل ف الرم‪,‬‬ ‫الذي هو مله ف يوم العيد‪ ,‬اليوم العاشر وما بعده من أيام التشريق‪.‬‬ ‫فمن كان منكم مريضًا‪ ,‬أو به أذى من رأسه يتاج معه إل اللق ‪-‬وهو‬ ‫ُمحْرِم‪ -‬حَلَق‪ ,‬وعليه فدية‪ :‬بأن يصوم ثلثة أيام‪ ,‬أو يتصدق على ستة‬ ‫مساكي لكل مسكي نصف صاع من طعام‪ ,‬أو يذبح شاة لفقراء‬ ‫الرم‪ .‬فإذا كنتم ف أمن وصحّة‪ :‬فمن استمتع بالعمرة إل الج وذلك‬ ‫باستباحة ما حُرّم عليه بسبب الحرام بعد انتهاء عمرته‪ ,‬فعليه ذبح ما‬ ‫تيسر من الدي‪ ,‬فمن ل يد هَ ْديًا يذبه فعليه صيام ثلثة أيام ف أشهر‬ ‫الج‪ ,‬وسبعة إذا فرغتم من أعمال الج ورجعتم إل أهليكم‪ ,‬تلك‬ ‫ي وما ترتب عليه من الصيام‬ ‫عشرة كاملة ل بد من صيامها‪ .‬ذلك الَدْ ُ‬ ‫لن ل يكن أهله من ساكن أرض الرم‪ ,‬وخافوا ال تعال وحافظوا على‬

‫‪94‬‬

‫امتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬واعلموا أن ال شديد العقاب لن خالف‬ ‫أمره‪ ,‬وارتكب ما عنه زجر‪.‬‬ ‫اْلحَجّ َأ ْشهُرٌ مَعْلُومَا تٌ َفمَ نْ َفرَ ضَ فِيهِنّ اْلحَجّ فَل رَفَ ثَ وَل فُ سُوقَ وَل‬ ‫ِجدَالَ فِي اْلحَجّ وَمَا تَ ْفعَلُوا مِ نْ َخيْرٍ يَ ْعلَمْ هُ اللّ هُ َوتَ َزوّدُوا َفإِنّ َخْيرَ الزّادِ‬ ‫ب (‪)197‬‬ ‫التّ ْقوَى وَاتّقُونِي يَا ُأ ْولِي ا َلْلبَا ِ‬ ‫وقت الج أشهر معلومات‪ ,‬وهي‪ :‬شوال‪ ,‬وذو القعدة‪ ,‬وعشر من ذي‬ ‫الجة‪ .‬فمن أوجب الج على نفسه فيهن بالحرام‪ ,‬فيحرم عليه الماع‬ ‫ومقدماته القولية والفعلية‪ ,‬ويرم عليه الروج عن طاعة ال تعال بفعل‬ ‫العاصمي‪ ,‬والدال فم الجم الذي يؤدي إل الغضمب والكراهيمة‪ .‬ومما‬ ‫تفعلوا ممن خيم يعلممه ال‪ ,‬فيجازي كل على عمله‪ .‬وخذوا لنفسمكم‬ ‫زادًا ممن الطعام والشراب لسمفر الجم‪ ,‬وزادًا ممن صمال العمال للدار‬ ‫الخرة‪ ,‬فإن خي الزاد تقوى ال‪ ,‬وخافون يا أصحاب العقول السليمة‬ ‫ضتُ ْم مِ ْن عَرَفَا ٍ‬ ‫ت‬ ‫ل مِ نْ َربّ ُك ْم َفإِذَا َأفَ ْ‬ ‫َليْ سَ َعَليْكُ مْ ُجنَا حٌ أَ نْ َتْبتَغُوا فَضْ ً‬ ‫فَاذْكُرُوا اللّ هَ ِعْندَ الْ َمشْعَرِ اْلحَرَا ِم وَاذْكُرُو هُ كَمَا َهدَاكُ ْم وَإِ نْ كُنتُ مْ مِ نْ‬

‫َقبِْلهِ لَمِ ْن الضّالّيَ (‪)198‬‬

‫‪95‬‬

‫ليس عليكم حرج ف أن تطلبوا رزقًا من ربكم بالربح من التجارة ف‬ ‫أيام الج‪ .‬فإذا دفعتم بعد غروب الشمس راجعي من "عرفات" ‪-‬وهي‬ ‫الكان الذي يقف فيه الجاج يوم التاسع من ذي الجة‪ -‬فاذكروا ال‬ ‫بالتسبيح والتلبية والدعاء عند الشعر الرام ‪"-‬الزدلفة"‪ ,-‬واذكروا ال‬ ‫على الوجه الصحيح الذي هداكم إليه‪ ,‬ولقد كنتم من قبل هذا الدى‬ ‫ف ضلل ل تعرفون معه الق‪.‬‬ ‫ثُمّ َأفِيضُوا مِ نْ َحْي ثُ أَفَا ضَ النّا سُ وَا ْستَغْ ِفرُوا اللّ هَ ِإنّ اللّ هَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‬

‫‪)199‬‬

‫وليكن اندفاعكم من "عرفات" الت أفاض منها إبراهيم عليه السلم‬ ‫مالفي بذلك من ل يقف با من أهل الاهلية‪ ,‬واسألوا ال أن يغفر لكم‬ ‫ذنوبكم‪ .‬إن ال غفور لعباده الستغفرين التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ُممَأوْ أَ َشدّ ذِكْرا‬ ‫ُمم آبَاءَك ْ‬ ‫ّهم كَذِكْرِك ْ‬ ‫َاسمكَكُ ْم فَاذْكُرُوا الل َ‬ ‫ُمم َمن ِ‬ ‫ضْيت ْ‬ ‫َفإِذَا قَ َ‬ ‫ق(‬ ‫فَمِ نْ النّا سِ مَ نْ يَقُولُ َرّبنَا آِتنَا فِي ال ّدْنيَا وَمَا لَ هُ فِي الخِرَ ِة مِ نْ خَل ٍ‬ ‫‪)200‬‬

‫‪96‬‬

‫فإذا أتمتم عبادتكم‪ ,‬وفرغتم من أعمال الج‪ ,‬فأكثروا من ذكر ال‬ ‫والثناء عليه‪ ,‬مثل ذكركم مفاخر آبائكم وأعظم من ذلك‪ .‬فمن الناس‬ ‫فريق يعل هه الدنيا فقط‪ ,‬فيدعو قائل ربنا آتنا ف الدنيا صحة‪ ,‬ومال‬ ‫وأولدًا‪ ,‬وهؤلء ليس لم ف الخرة حظ ول نصيب; لرغبتهم عنها‬ ‫وقَصْ ِر هَمّهم على الدنيا‪.‬‬ ‫سَنةً وَقِنَا‬ ‫سَنةً وَفِي الخِرَةِ حَ َ‬ ‫وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ يَقُولُ َربّنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا حَ َ‬ ‫ب النّارِ (‪)201‬‬ ‫عَذَا َ‬ ‫ومن الناس فريق مؤمن يقول ف دعائه‪ :‬ربنا آتنا ف الدنيا عافية ورزقًا‬ ‫وعلمًا نافعًا‪ ,‬وعمل صالًا‪ ,‬وغي ذلك من أمور الدين والدنيا‪ ,‬وف‬ ‫الخرة النة‪ ,‬واصرف عنّا عذاب النار‪ .‬وهذا الدعاء من أجع الدعية‪,‬‬ ‫ولذا كان أكثر دعاء النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كما ثبت ف‬ ‫الصحيحي‪.‬‬ ‫ب (‪)202‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫سبُوا وَالّلهُ سَرِي ُع الْ ِ‬ ‫ب مِمّا َك َ‬ ‫ك َلهُمْ نَصِي ٌ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬

‫‪97‬‬

‫أولئك الداعون بذا الدعاء لم ثواب عظيم بسبب ما كسبوه من‬ ‫العمال الصالة‪ .‬وال سريع الساب‪ُ ,‬محْصٍ أعمال عباده‪ ,‬ومازيهم‬ ‫با‪.‬‬ ‫ت فَمَ ْن تَ َعجّلَ فِي َيوْ َميْنِ فَل ِإثْ َم عََليْهِ وَمَ ْن‬ ‫وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي َأيّامٍ مَعْدُودَا ٍ‬ ‫تَأَخّرَ فَل ِإْث مَ عََليْ ِه لِمَ نْ اتّقَى وَاتّقُوا اللّ هَ وَاعْلَمُوا َأنّكُ مْ ِإَليْ هِ ُتحْشَرُو نَ (‬ ‫‪)203‬‬

‫واذكروا ال تسبيحًا وتكبيًا ف أيام قلئل‪ ,‬وهي أيام التشريق‪ :‬الادي‬ ‫عشر والثان عشر والثالث عشر من شهر ذي الجة‪ .‬فمن أراد التعجل‬ ‫وخرج من "مِن" قبل غروب شس اليوم الثان عشر بعد رمي المار فل‬ ‫ذنب عليه‪ ,‬ومن تأخر بأن بات بم "مِن" حت يرمي المار ف اليوم‬ ‫الثالث عشر فل ذنب عليه‪ ,‬لن اتقى ال ف حجه‪ .‬والتأخر أفضل; لنه‬ ‫تزوّد ف العبادة واقتداء بفعل النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬وخافوا ال‪-‬‬ ‫أيها السلمون‪ -‬وراقبوه ف كل أعمالكم‪ ,‬واعلموا أنكم إليه وحده‬ ‫ُتحْشَرون بعد موتكم للحساب والزاء‪.‬‬ ‫شهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي َق ْلبِهِ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوُي ْ‬ ‫جبُكَ َق ْولُهُ فِي الْ َ‬ ‫وَمِنْ النّاسِ مَنْ يُ ْع ِ‬ ‫‪98‬‬

‫وَ ُهوَ َألَدّ اْلخِصَامِ (‪)204‬‬ ‫وبعض الناس من النافقي يعجبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كلمه الفصيح الذي‬ ‫يريد به حظّا من حظوظ الدنيا ل الخرة‪ ,‬ويلف مستشهدًا بال على ما‬ ‫ف قلبه من مبة السلم‪ ,‬وف هذا غاية الرأة على ال‪ ,‬وهو شديد‬ ‫العداوة والصومة للسلم والسلمي‪.‬‬ ‫ث وَالنّسْلَ وَاللّهُ ل‬ ‫ك اْلحَرْ َ‬ ‫وَِإذَا َت َولّى سَعَى فِي ا َلرْضِ ِليُفْسِدَ فِيهَا َوُيهْلِ َ‬ ‫ُيحِبّ الْ َفسَا َد (‪)205‬‬ ‫وإذا خرج من عندك أيها الرسول‪َ ,‬جدّ وَنشِط ف الرض ليفسد فيها‪,‬‬ ‫ويتلف زروع الناس‪ ,‬ويقتل ماشيتهم‪ .‬وال ل يب الفساد‪.‬‬ ‫سبُهُ َج َهنّ مُ َوَلِبئْ سَ الْ ِمهَا ُد (‬ ‫وَِإذَا قِيلَ لَ هُ اتّ قِ اللّ هَ َأخَ َذتْ هُ الْعِزّ ُة بِالِثْ ِم َفحَ ْ‬ ‫‪)206‬‬ ‫وإذا نُصِح ذلك النافق الفسد‪ ,‬وقيل له‪ :‬اتق ال واحذر عقابه‪ ,‬وكُ ّ‬ ‫ف‬ ‫عن الفساد ف الرض‪ ,‬ل يقبل النصيحة‪ ,‬بل يمله الكب وحيّة الاهلية‬ ‫سبُه جهنم وكافيته عذابًا‪ ,‬ولبئس الفراش هي‪.‬‬ ‫حْ‬ ‫على مزيد من الثام‪َ ,‬ف َ‬ ‫‪99‬‬

‫سهُ اْبتِغَاءَ َم ْرضَاةِ اللّ هِ وَاللّ هُ َرءُو فٌ بِالْ ِعبَادِ (‬ ‫وَمِ نْ النّا سِ مَ ْن َيشْرِي نَفْ َ‬

‫‪)207‬‬

‫وبعض الناس يبيع نفسه طلبًا لرضا ال عنه‪ ,‬بالهاد ف سبيله‪ ,‬والتزام‬ ‫طاعته‪ .‬وال رءوف بالعباد‪ ,‬يرحم عباده الؤمني رحة واسعة ف‬ ‫عاجلهم وآجلهم‪ ,‬فيجازبم أحسن الزاء‪.‬‬ ‫شيْطَا نِ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ادْخُلُوا فِي ال سّلْمِ كَاّفةً وَل َتّتبِعُوا خُ ُطوَا تِ ال ّ‬ ‫ي (‪)208‬‬ ‫ِإّنهُ لَكُ ْم عَ ُدوّ ُمِب ٌ‬ ‫يا أيها الذين آمنوا بال ربًا وبحمد نبيًا ورسول وبالسلم دينًا‪ ,‬ادخلوا‬ ‫ف جيع شرائع السلم‪ ,‬عاملي بميع أحكامه‪ ,‬ول تتركوا منها شيئًا‪,‬‬ ‫ول تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من العاصي‪ .‬إنه لكم عدو‬ ‫ظاهر العداوة فاحذروه‪.‬‬ ‫َفإِ نْ َزلَ ْلتُ مْ مِ ْن بَعْ ِد مَا جَا َءتْكُ ْم الَْبّينَا تُ فَاعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ عَزِيزٌ حَكِي مٌ (‬ ‫‪)209‬‬ ‫‪100‬‬

‫فإن انرفتم عن طريق الق‪ ,‬من بعد ما جاءتكم الجج الواضحة من‬ ‫القرآن والسنة‪ ,‬فاعلموا أن ال عزيز ف ملكه ل يفوته شيء‪ ,‬حكيم ف‬ ‫أمره ونيه‪ ,‬يضع كل شيء ف موضعه الناسب له‪.‬‬ ‫هَلْ يَنظُرُو نَ إِلّ أَ نْ يَ ْأِتَيهُ مْ اللّ هُ فِي ظُلَلٍ مِ ْن الْغَمَا مِ وَالْمَلئِ َكةُ وَقُضِ يَ‬ ‫الَمْرُ وَِإلَى الّلهِ ُترْجَ ُع الُمُورُ (‪)210‬‬ ‫ما ينتظر هؤلء العاندون الكافرون بعد قيام الدلة البينة إل أن يأتيهم ال‬ ‫عز وجل على الوجه اللئق به سبحانه ف ظُلَل من السحاب يوم القيامة;‬ ‫ليفصل بينهم بالقضاء العادل‪ ,‬وأن تأت اللئكة‪ ,‬وحينئذ يقضي ال تعال‬ ‫فيهم قضاءه‪ .‬وإليه وحده ترجع أمور اللئق جيعها‪.‬‬ ‫سَلْ َبنِي إِ سْرَائِيلَ كَ مْ آَتْينَاهُ مْ مِ نْ آَيةٍ َبّيَنةٍ وَمَ نْ ُيبَدّلْ نِ ْع َمةَ اللّ هِ مِ نْ بَعْدِ‬ ‫مَا جَا َءْتهُ َفِإنّ الّلهَ َشدِيدُ الْعِقَابِ (‪)211‬‬ ‫سل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بن إسرائيل العاندين لك‪ :‬كم أعطيناهم من آيات‬ ‫واضحات ف كتبهم تديهم إل الق‪ ,‬فكفروا با كلها‪ ,‬وأعرضوا عنها‪,‬‬ ‫وحَرّفوها عن مواضعها‪ .‬ومن يبدل نعمة ال ‪-‬وهي دينه‪ -‬ويكفر با من‬ ‫بعد معرفتها‪ ,‬وقيام الجة عليه با‪ ,‬فإن ال تعال شديد العقاب له‪.‬‬ ‫‪101‬‬

‫سخَرُونَ مِ نْ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي نَ اتّ َقوْا‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا َويَ ْ‬ ‫ُزيّ نَ لِلّذِي نَ كَ َفرُوا الْ َ‬

‫ب (‪)212‬‬ ‫َفوَْقهُ ْم َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ وَالّلهُ يَ ْرزُقُ مَ ْن َيشَاءُ بِ َغيْرِ ِحسَا ٍ‬

‫ُحسّن للذين جحدوا وحدانية ال الياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات‬ ‫واللذات‪ ,‬وهم يستهزئون بالؤمني‪ .‬وهؤلء الذين يشون ربم فوق‬ ‫جيع الكفار يوم القيامة; حيث يدخلهم ال أعلى درجات النة‪ ,‬وينل‬ ‫الكافرين أسفل دركات النار‪ .‬وال يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغي‬ ‫حساب‪.‬‬ ‫ث اللّ هُ الّنِبّييَ ُمَبشّرِي نَ وَمُن ِذرِي نَ وَأَنزَ َل مَ َعهُ ْم‬ ‫كَا نَ النّا سُ أُ ّمةً وَاحِدَ ًة َفبَعَ َ‬ ‫ف فِي هِ إِلّ‬ ‫ب بِاْلحَقّ ِليَحْكُ َم َبيْ نَ النّا سِ فِيمَا ا ْختَلَفُوا فِي هِ وَمَا ا ْختَلَ َ‬ ‫الْ ِكتَا َ‬ ‫الّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَ ْعدِ مَا جَا َءتْهُ ْم اْلبَّينَاتُ بَغْيا َبْيَنهُمْ َفهَدَى اللّهُ الّذِينَ آ َمنُوا‬ ‫ستَقِيمٍ‬ ‫ط مُ ْ‬ ‫لِمَا ا ْختَلَفُوا فِي ِه مِ ْن اْلحَقّ ِبإِ ْذنِهِ وَاللّهُ َيهْدِي مَ ْن َيشَاءُ ِإلَى صِرَا ٍ‬ ‫(‪)213‬‬ ‫كان الناس جاعة واحدة‪ ,‬متفقي على اليان بال ث اختلفوا ف دينهم‪,‬‬ ‫فبعث ال النبيي دعاة لدين ال‪ ,‬مبشرين مَن أطاع ال بالنة‪ ,‬ومذرين‬ ‫من كفر به وعصاه النار‪ ,‬وأنزل معهم الكتب السماوية بالق الذي‬ ‫‪102‬‬

‫اشتملت عليه; ليحكموا با فيها بي الناس فيما اختلفوا فيه‪ ,‬وما ا ْختَلَف‬ ‫ف أمر ممد صلى ال عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إل الذين‬ ‫أعطاهم ال التوراة‪ ,‬وعرفوا ما فيها من الجج والحكام‪ ,‬فوفّق ال‬ ‫الؤمني بفضله إل تييز الق من الباطل‪ ,‬ومعرفة ما اختلفوا فيه‪ .‬وال‬ ‫يوفّق من يشاء من عباده إل طريق مستقيم‪.‬‬ ‫جنّةَ َولَمّ ا يَ ْأتِ ُك مْ َمثَلُ الّذِي نَ خََلوْا مِ نْ َقبْلِكُ ْم‬ ‫سْبتُمْ أَ نْ َتدْخُلُوا اْل َ‬ ‫أَ مْ حَ ِ‬ ‫سْتهُمْ اْلبَأْ سَاءُ وَالضّرّاءُ َو ُزلْزِلُوا َحتّ ى يَقُولَ الرّ سُولُ وَالّذِي نَ آ َمنُوا مَعَ هُ‬ ‫مَ ّ‬ ‫ب (‪)214‬‬ ‫صرُ الّلهِ أَل ِإنّ نَصْ َر الّلهِ قَرِي ٌ‬ ‫َمتَى نَ ْ‬

‫بل أظننتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن تدخلوا النة‪ ,‬ولّا يصبكم من البتلء‬ ‫مثل ما أصاب الؤمني الذين مضوا من قبلكم‪ :‬من الفقر والمراض‬ ‫والوف والرعب‪ ,‬وزُلزلوا بأنواع الخاوف‪ ,‬حت قال رسولم والؤمنون‬ ‫معه ‪-‬على سبيل الستعجال للنصر من ال تعال‪ :-‬مت نصر ال؟ أل إن‬ ‫نصر ال قريب من الؤمني‪.‬‬ ‫ْنم وَالَقْ َربِيَ‬ ‫ِنم َخيْرٍ فَلِ ْلوَالِ َدي ِ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫ُونم قُ ْل مَا أَنفَ ْقت ْ‬ ‫ك مَاذَا يُنفِق َ‬ ‫َسمأَلُونَ َ‬ ‫ي ْ‬ ‫سبِيلِ وَمَا تَفْ َعلُوا مِ نْ َخيْ ٍر َفِإنّ اللّ هَ بِ هِ عَلِي ٌم (‬ ‫وَاْلَيتَامَى وَالْمَ سَا ِكيِ وَابْ نِ ال ّ‬ ‫‪103‬‬

‫‪)215‬‬ ‫يسلك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ -‬أي شيء ينفقون من أصناف أموالم تقربًا‬ ‫إل ال تعال‪ ,‬وعلى مَن ينفقون؟ قل لم‪ :‬أنفقوا أيّ خي يتيسر لكم من‬ ‫أصناف الال اللل الطيب‪ ,‬واجعلوا نفقتكم للوالدين‪ ,‬والقربي من‬ ‫أهلكم وذوي أرحامكم‪ ,‬واليتامى‪ ,‬والفقراء‪ ,‬والسافر الحتاج الذي بَعُدَ‬ ‫عن أهله وماله‪ .‬وما تفعلوا من خي فإن ال تعال به عليم‪.‬‬ ‫ُكتِ بَ َعَليْكُ مْ الْ ِقتَالُ وَ ُهوَ ُكرْ ٌه لَكُ ْم وَعَ سى أَ نْ تَ ْكرَهُوا َشيْئا وَ ُهوَ َخيْ ٌر‬ ‫حبّوا َشيْئا وَ ُهوَ شَ ّر لَكُ ْم وَاللّ هُ يَعْلَ مُ وََأْنُت ْم ل تَعَْلمُو نَ (‬ ‫لَكُ ْم وَعَ سَى أَ نْ ُت ِ‬ ‫‪)216‬‬ ‫فرض ال عليكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قتال الكفار‪ ,‬والقتال مكروه لكم من‬ ‫جهة الطبع; لشقته وكثرة ماطره‪ ,‬وقد تكرهون شيئًا وهو ف حقيقته‬ ‫خي لكم‪ ,‬وقد تبون شيئًا لا فيه من الراحة أو اللذة العاجلة‪ ,‬وهو شر‬ ‫لكم‪ .‬وال تعال يعلم ما هو خي لكم‪ ,‬وأنتم ل تعلمون ذلك‪ .‬فبادروا‬ ‫إل الهاد ف سبيله‪.‬‬ ‫شهْرِ الْحَرَا ِم ِقتَالٍ فِي هِ قُ ْل ِقتَالٌ فِي هِ َكبِ ٌي وَ صَدّ عَ نْ َسبِيلِ‬ ‫يَ سَْألُونَكَ عَ نْ ال ّ‬ ‫‪104‬‬

‫اللّ هِ وَكُ ْفرٌ بِ هِ وَالْمَ سْجِ ِد الْحَرَا مِ وَِإخْرَا جُ أَ ْهلِ هِ ِمنْ هُ أَ ْكَبرُ ِعنْ َد اللّ هِ وَالْ ِفْتَنةُ‬ ‫ِنم‬ ‫ُمم إ ْ‬ ‫َنم دِينِك ْ‬ ‫ُمم ع ْ‬ ‫ُمم َحتّىم يَرُدّوك ْ‬ ‫ُونم يُقَاتِلُونَك ْ‬ ‫ِنم الْ َقتْلِ وَل يَزَال َ‬ ‫أَ ْكبَ ُر م ْ‬ ‫ت وَ ُهوَ كَافِ ٌر فَُأ ْوَلئِ كَ َحبِطَ تْ‬ ‫ا ْستَطَاعُوا وَمَ نْ َي ْرتَدِ ْد ِمنْكُ ْم عَ نْ دِينِ ِه َفيَمُ ْ‬ ‫ب النّارِ هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ (‬ ‫صحَا ُ‬ ‫أَعْمَاُلهُ ْم فِي ال ّدنْيَا وَال ِخرَةِ وَُأ ْوَلئِ كَ أَ ْ‬ ‫‪)217‬‬ ‫يسألك الشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن الشهر الرام‪ :‬هل يل فيه‬ ‫القتال؟ قل لم‪ :‬القتال ف الشهر الرام عظيم عند ال استحلله وسفك‬ ‫الدماء فيه‪ ,‬و َمنْعكم الناس من دخول السلم بالتعذيب والتخويف‪,‬‬ ‫وجحودكم بال وبرسوله وبدينه‪ ,‬و َمنْع السلمي من دخول السجد‬ ‫الرام‪ ,‬وإخراج النب والهاجرين منه وهم أهله وأولياؤه‪ ,‬ذلك أكب‬ ‫ذنبًا‪ ,‬وأعظم جرمًا عند ال من القتال ف الشهر الرام‪ .‬والشرك الذي‬ ‫أنتم فيه أكب وأشد من القتل ف الشهر الرام‪ .‬وهؤلء الكفار ل‬ ‫يرتدعوا عن جرائمهم‪ ,‬بل هم مستمرون عليها‪ ,‬ول يزالون يقاتلونكم‬ ‫حت يردوكم عن السلم إل الكفر إن استطاعوا تقيق ذلك‪ .‬ومن‬ ‫أطاعهم منكم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬وارت ّد عن دينه فمات على الكفر‪ ,‬فقد‬ ‫ذهب عمله ف الدنيا والخرة‪ ,‬وصار من اللزمي لنار جهنم ل يرج‬ ‫منها أبدًا‪.‬‬ ‫‪105‬‬

‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي نَ هَاجَرُوا َوجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ ُأ ْولَئِ كَ َيرْجُو نَ‬ ‫رَحْ َمةَ الّلهِ وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)218‬‬ ‫إن الذين صَدّقوا بال ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا ديارهم‪,‬‬ ‫وجاهدوا ف سبيل ال‪ ,‬أولئك يطمعون ف فضل ال وثوابه‪ .‬وال غفور‬ ‫لذنوب عباده الؤمني‪ ,‬رحيم بم رحة واسعة‪.‬‬ ‫يَسَْألُونَكَ عَنْ اْلخَمْرِ وَالْ َميْسِرِ قُلْ فِيهِمَا ِإثْمٌ َكبِ ٌي وَ َمنَافِعُ لِلنّاسِ وَِإثْ ُمهُمَا‬ ‫ك ُيَبيّ نُ اللّ هُ لَكُ مْ‬ ‫ك مَاذَا يُنفِقُو نَ قُ ْل الْعَ ْفوَ كَ َذلِ َ‬ ‫أَ ْكبَ ُر مِ ْن نَفْ ِعهِمَا َويَ سْأَلُونَ َ‬

‫اليَا تِ لَعَلّ ُك ْم َتتَفَكّرُو نَ (‪ )219‬فِي ال ّدنْيَا وَال ِخرَةِ َويَ سْأَلُونَكَ عَ ْن‬ ‫َمم‬ ‫ّهم يَعْل ُ‬ ‫ُمم وَالل ُ‬ ‫ُمم َفإِ ْخوَانُك ْ‬ ‫ِنم ُتخَالِطُوه ْ‬ ‫ُمم َخيْرٌ َوإ ْ‬ ‫ح لَه ْ‬ ‫الَْيتَامَى قُلْ إِصمْل ٌ‬ ‫ِيمم (‬ ‫ّهم َعزِيزٌ حَك ٌ‬ ‫ُمم إِنّ الل َ‬ ‫ّهم لَ ْعَنتَك ْ‬ ‫ُصملِ ِح َولَوْ شَاءَ الل ُ‬ ‫ِنم الْم ْ‬ ‫ْسمدَ م ْ‬ ‫الْمُف ِ‬

‫‪)220‬‬ ‫يسألك السلمون ‪-‬أيها النب‪ -‬عن حكم تعاطي المر شربًا وبيعًا‬ ‫وشراءً‪ ,‬والمر كل مسكر خامر العقل وغطاه مشروبًا كان أو مأكول‬ ‫ويسألونك عن حكم القمار ‪-‬وهو أَ ْخذُ الال أو إعطاؤه بالقامرة وهي‬ ‫الغالبات الت فيها عوض من الطرفي‪ ,-‬قل لم‪ :‬ف ذلك أضرار ومفاسد‬ ‫كثية ف الدين والدنيا‪ ,‬والعقول والموال‪ ,‬وفيهما منافع للناس من جهة‬ ‫‪106‬‬

‫كسب الموال وغيها‪ ,‬وإثهما أكب من نفعهما; إذ يصدّان عن ذكر‬ ‫ال وعن الصلة‪ ,‬ويوقعان العداوة والبغضاء بي الناس‪ ,‬ويتلفان الال‪.‬‬ ‫وكان هذا تهيدًا لتحريهما‪ .‬ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من‬ ‫أموالم تبعًا وصدقة‪ ,‬قل لم‪ :‬أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم‪.‬‬ ‫مثل ذلك البيان الواضح يبيّن ال لكم اليات وأحكام الشريعة; لكي‬ ‫تتفكروا فيما ينفعكم ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ويسألونك ‪-‬أيها النب‪ -‬عن اليتامى كيف يتصرفون معهم ف معاشهم‬ ‫وأموالم؟ قل لم‪ :‬إصلحكم لم خي‪ ,‬فافعلوا النفع لم دائمًا‪ ,‬وإن‬ ‫تالطوهم ف سائر شؤون العاش فهم إخوانكم ف الدين‪ .‬وعلى الخ أن‬ ‫يرعى مصلحة أخيه‪ .‬وال يعلم الضيع لموال اليتامى من الريص على‬ ‫إصلحها‪ .‬ولو شاء ال لضيّق وش ّق عليكم بتحري الالطة‪ .‬إن ال عزيز‬ ‫ف ملكه‪ ,‬حكيم ف خلقه وتدبيه وتشريعه‪.‬‬ ‫وَل تَن ِكحُوا الْ ُمشْرِكَا تِ َحتّ ى ُيؤْمِنّ وَلَ َمةٌ ُمؤْ ِمَنةٌ َخيْ ٌر مِ نْ ُمشْرِ َكةٍ َوَلوْ‬ ‫ِنم‬ ‫ِنم َخيْرٌ م ْ‬ ‫ُمم وَل تُن ِكحُوا الْ ُمشْرِكِي َ َحتّىم ُيؤْ ِمنُوا َولَ َعبْدٌ ُمؤْم ٌ‬ ‫جَبتْك ْ‬ ‫أَ ْع َ‬ ‫جّنةِ‬ ‫ّهم يَدْعُو ِإلَى الْ َ‬ ‫ُونم ِإلَى النّارِ وَالل ُ‬ ‫ِكم َيدْع َ‬ ‫ُمم ُأ ْوَلئ َ‬ ‫جبَك ْ‬ ‫ِكم َوَلوْ أَ ْع َ‬ ‫ُمشْر ٍ‬ ‫وَالْمَغْ ِفرَةِ ِبإِ ْذِنهِ َوُيَبيّنُ آيَاِتهِ لِلنّاسِ لَعَّلهُمْ َيتَذَكّرُونَ (‪)221‬‬ ‫‪107‬‬

‫ول تتزوجوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬الشركات عابدات الوثان‪ ,‬حت يدخلن‬ ‫ف السلم‪ .‬واعلموا أن امرأة ملوكة ل مال لا ول حسب‪ ,‬مؤمنةً بال‪,‬‬ ‫خي من امرأة مشركة‪ ,‬وإن أعجبتكم الشركة الرة‪ .‬ول تُ َزوّجوا‬ ‫نساءكم الؤمنات ‪-‬إماء أو حرائر‪ -‬للمشركي حت يؤمنوا بال‬ ‫ورسوله‪ .‬واعلموا أن عبدًا مؤمنًا مع فقره‪ ,‬خي من مشرك‪ ,‬وإن‬ ‫أعجبكم الشرك‪ .‬أولئك التصفون بالشرك رجال ونساءً يدعون كل مَن‬ ‫يعاشرهم إل ما يؤدي به إل النار‪ ,‬وال سبحانه يدعو عباده إل دينه‬ ‫الق الؤدي بم إل النة ومغفرة ذنوبم بإذنه‪ ,‬ويبي آياته وأحكامه‬ ‫للناس; لكي يتذكروا‪ ,‬فيعتبوا‪.‬‬ ‫َويَ سْأَلُونَكَ عَ نْ الْ َمحِي ضِ قُ ْل ُهوَ َأذًى فَا ْعتَ ِزلُوا النّ سَاءَ فِي الْ َمحِي ضِ وَل‬ ‫تَقْ َربُوهُنّ َحتّى يَ ْطهُرْ نَ َفإِذَا تَ َطهّرْ نَ فَ ْأتُوهُنّ مِ نْ َحيْ ثُ أَمَرَ ُك مْ اللّ هُ ِإنّ اللّ هَ‬

‫ُيحِبّ الّتوّاِبيَ َوُيحِبّ الْ ُمتَ َطهّرِينَ (‪)222‬‬

‫ويسألونك عن اليض‪ -‬وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء ِجبِلّة ف‬ ‫أوقات مصوصة‪ ,-‬قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬هو أذى مستقذر يضر من‬ ‫يَقْ َربُه‪ ,‬فاجتنبوا جاع النساء مدة اليض حت ينقطع الدم‪ ,‬فإذا انقطع‬ ‫الدم‪ ,‬واغتسلن‪ ,‬فجامعوهن ف الوضع الذي أحلّه ال لكم‪ ,‬وهو القبل‬ ‫‪108‬‬

‫ل الدبر‪ .‬إن ال يب عباده الكثرين من الستغفار والتوبة‪ ,‬ويب عباده‬ ‫التطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والقذار‪.‬‬ ‫ث لَكُ مْ فَ ْأتُوا حَ ْرثَ ُك مْ َأنّ ى ِشْئتُ مْ وََقدّمُوا لَنفُ سِكُمْ وَاتّقُوا‬ ‫نِ سَاؤُكُمْ َحرْ ٌ‬ ‫اللّهَ وَاعْلَمُوا َأنّكُ ْم مُلقُو ُه َوبَشّ ْر الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)223‬‬ ‫نساؤكم موضع زرع لكم‪ ,‬تضعون النطفة ف أرحامهن‪َ ,‬فَيخْرج منها‬ ‫الولد بشيئة ال‪ ,‬فجامعوهن ف مل الماع فقط‪ ,‬وهو القبل بأي‬ ‫كيفية شئتم‪ ,‬وقَدّموا لنفسكم أعمال صالة براعاة أوامر ال‪ ,‬وخافوا‬ ‫ال‪ ,‬واعلموا أنكم ملقوه للحساب يوم القيامة‪ .‬وبشّر الؤمني ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ -‬با يفرحهم ويسرّهم من حسن الزاء ف الخرة‪.‬‬ ‫ضةً َليْمَانِ ُك مْ أَ نْ َتَبرّوا َوَتتّقُوا َوتُ صِْلحُوا َبيْ نَ النّا سِ‬ ‫وَل َتجْعَلُوا اللّ هَ عُ ْر َ‬ ‫وَالّلهُ سَمِي ٌع عَلِي ٌم (‪)224‬‬ ‫ول تعلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬حلفكم بال مانعًا لكم من الب وصلة الرحم‬ ‫والتقوى والصلح بي الناس‪ :‬بأن ُتدْعَوا إل فعل شيء منها‪ ,‬فتحتجوا‬ ‫بأنكم أقسمتم بال أل تفعلوه‪ ,‬بل على الالف أن يعدل عن حلفه‪,‬‬ ‫‪109‬‬

‫ويفعل أعمال الب‪ ,‬ويكفر عن يينه‪ ,‬ول يعتاد ذلك‪ .‬وال سيع‬ ‫لقوالكم‪ ,‬عليم بميع أحوالكم‪.‬‬ ‫َسمتْ‬ ‫ُممبِمَا ك َبَ‬ ‫ِنمُيؤَا ِخذُك ْ‬ ‫ّهم بِاللّ ْغوِ فِي َأيْمَانِكُم ْم َولَك ْ‬ ‫ل ُيؤَاخِذُكُم ْم الل ُ‬ ‫قُلُوبُكُ ْم وَالّلهُ غَفُورٌ حَلِي ٌم (‪)225‬‬ ‫ل يعاقبكم ال بسبب أيانكم الت تلفونا بغي قصد‪ ,‬ولكن يعاقبكم با‬ ‫ق ص َدتْه قلوب كم‪ .‬وال غفور ل ن تاب إل يه‪ ,‬حل يم ب ن ع صاه ح يث ل‬ ‫يعاجله بالعقوبة‪.‬‬ ‫لِلّذِي نَ ُي ْؤلُو نَ مِ ْن نِ سَائِهِ ْم تَ َربّ صُ َأ ْربَ َعةِ َأ ْشهُرٍ َفإِ نْ فَاءُوا َفإِنّ اللّ هَ غَفُورٌ‬ ‫رَحِي ٌم (‪)226‬‬ ‫للذيمن يلفون بال أن ل يامعوا نسماءهم‪ ,‬انتظار أربعمة أشهمر‪ ,‬فإن‬ ‫رجعوا قبل فوات الشهر الربعة‪ ,‬فإن ال غفور لا وقع منهم من اللف‬ ‫بسبب رجوعهم‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫وَِإنْ َعزَمُوا الطّلقَ َفِإنّ الّلهَ َسمِيعٌ َعلِيمٌ (‪)227‬‬ ‫‪110‬‬

‫وإن عقدوا عزمهم على الطلق‪ ,‬باستمرارهم ف اليمي‪ ,‬وترك الماع‪,‬‬ ‫فإن ال سيع لقوالم‪ ,‬عليم بقاصدهم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫سهِنّ ثَلَثةَ قُرُوءٍ وَل َيحِلّ َلهُنّ أَ نْ َي ْكتُمْ نَ مَا‬ ‫وَالْمُطَلّقَا تُ َيتَ َربّ صْ َن بِأَنفُ ِ‬ ‫خَلَ قَ اللّ هُ فِي َأرْحَا ِمهِنّ إِ نْ كُنّ ُيؤْمِنّ بِاللّ هِ وَاْليَوْ مِ الخِ ِر َوبُعُوَلُتهُنّ أَحَقّ‬ ‫بِرَدّهِنّ فِي َذلِ كَ إِ نْ َأرَادُوا إِ صْلحا وََلهُنّ ِمثْلُ الّذِي عََلْيهِنّ بِالْمَعْرُو فِ‬ ‫َولِلرّجَالِ عََلْيهِنّ َدرَ َجةٌ وَالّلهُ َعزِيزٌ حَكِي ٌم (‪)228‬‬

‫والطلقات ذوات ال يض‪ ,‬ي ب أن ينتظرن دون نكاح ب عد الطلق مدة‬ ‫ثلثمة أطهار أو ثلث حيضات على سمبيل العدة; ليتأكدن ممن فراغ‬ ‫الرحم من المل‪ .‬ول يوز لن تزوج رجل آخر ف أثناء هذه العدة حت‬ ‫تنت هي‪ .‬ول ي ل ل ن أن يف ي ما خلق ال ف أرحام هن من ال مل أو‬ ‫اليمض‪ ,‬إن كانمت الطلقات مؤمنات حقًا بال واليوم الخمر‪ .‬وأزواج‬ ‫الطلقات أحمق براجعتهمن فم العدة‪ .‬وينبغمي أن يكون ذلك بقصمد‬ ‫الصملح واليم‪ ,‬وليمس بقصمد الضرار تعذيب ًا لنم بتطويمل العدة‪.‬‬ ‫وللن ساء حقوق على الزواج‪ ,‬م ثل ال ت علي هن‪ ,‬على الو جه العروف‪,‬‬ ‫وللرجال على الن ساء منلة زائدة من ح سن ال صحبة والعشرة بالعروف‬ ‫والقِوا مة على الب يت وملك الطلق‪ .‬وال عز يز له العزة القاهرة‪ ,‬حك يم‬ ‫يضع كل شيء ف موضعه الناسب‪.‬‬ ‫‪111‬‬

‫الطّل قُ مَ ّرتَا نِ فَإمْ سَاكٌ بِمَ ْعرُو فٍ َأوْ تَ سْرِي ٌح ِبإِحْ سَانٍ وَل َيحِلّ لَكُ مْ أَ نْ‬ ‫تَأْ ُخذُوا مِمّا آَتْيتُمُوهُنّ َشيْئا إِلّ أَ نْ َيخَافَا أَ ّل يُقِيمَا حُدُو َد اللّ هِ َفإِ نْ خِ ْفتُ مْ‬ ‫أَلّ يُقِيمَا ُحدُودَ الّلهِ فَل ُجنَاحَ عََلْيهِمَا فِيمَا ا ْفَتدَتْ ِب ِه تِلْكَ حُدُودُ الّلهِ فَل‬ ‫تَ ْعتَدُوهَا وَمَنْ َيتَعَدّ ُحدُودَ الّلهِ فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الظّالِمُونَ (‪)229‬‬ ‫الطلق الذي ت صل به الرج عة مرتان‪ ,‬واحدة ب عد الخرى‪ ,‬فح كم ال‬ ‫بعد كل طلقة هو إمساك الرأة بالعروف‪ ,‬وحسن العشرة بعد مراجعتها‪,‬‬ ‫أو تلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها‪ ,‬وأل يذكرها مطلقها‬ ‫بسوء‪ .‬ول يل لكم‪ -‬أيها الزواج‪ -‬أن تأخذوا شيئًا ما أعطيتموهن من‬ ‫م بالقوق الزوجيمة‪ ,‬فحينئذ‬ ‫الهمر ونوه‪ ,‬إل أن ياف الزوجان أل يقوم ا‬ ‫يعرضان أمرهام على الولياء‪ ,‬فإن خاف الولياء عدم إقاممة الزوجيم‬ ‫حدود ال‪ ,‬فل حرج على الزوجيم فيمما تدفعمه الرأة للزوج مقابمل‬ ‫طلق ها‪ .‬تلك الحكام هي حدود ال الفا صلة ب ي اللل والرام‪ ,‬فل‬ ‫تتجاوزو ها‪ ,‬و من يتجاوز حدود ال تعال فأولئك هم الظالون أنف سهم‬ ‫بتعريضها لعذاب ال‪.‬‬ ‫َفإِ نْ طَلّ َقهَا فَل َتحِلّ لَ هُ مِ نْ بَعْدُ َحتّى تَنكِ حَ َزوْجا َغيْرَ ُه َفإِ نْ طَلّ َقهَا فَل‬ ‫ُجنَا حَ عََلْيهِمَا أَ نْ َيتَرَاجَعَا إِ نْ َظنّا أَ نْ يُقِيمَا حُدُو َد اللّ هِ َوتِ ْل كَ حُدُو ُد اللّ هِ‬ ‫‪112‬‬

‫ُيَبّيُنهَا لِ َقوْمٍ يَعَْلمُونَ (‪)230‬‬ ‫فإن طلّق الر جل زوج ته الطل قة الثال ثة‪ ,‬فل ت ّل له إل إذا تزو جت رجل‬ ‫غيه زواجًا صحيحًا وجامعها فيه ويكون الزواج عن رغبة‪ ,‬ل بنية تليل‬ ‫الرأة لزوج ها الول‪ ,‬فإن طلق ها الزوج ال خر أو مات عن ها وانق ضت‬ ‫عدتا‪ ,‬فل إث على الرأة وزوجها الول أن يتزوجا بعقد جديد‪ ,‬ومهر‬ ‫جديد‪ ,‬إن غلب على ظنهما أن يقيما أحكام ال الت شرعها للزوجي‪.‬‬ ‫وتلك أحكام ال الحددة يبينهما لقوم يعلمون أحكاممه وحدوده; لنمم‬ ‫النتفعون با‪.‬‬ ‫وَِإذَا طَلّ ْقتُ ْم النّ سَاءَ َفبَلَغْ نَ أَ َجَلهُنّ فََأمْ سِكُوهُنّ بِمَ ْعرُو فٍ َأوْ سَرّحُوهُ ّن‬ ‫سهُ‬ ‫ك فَقَ ْد ظَلَ َم نَفْ َ‬ ‫بِمَعْرُو فٍ وَل ُتمْ سِكُوهُنّ ضِرَارا ِلتَ ْعتَدُوا وَمَ نْ يَفْعَلْ َذلِ َ‬ ‫ت اللّ هِ هُزُوا وَاذْكُرُوا نِعْ َمةَ اللّ هِ عََليْكُ مْ وَمَا أَنزَ َل عََليْكُ مْ‬ ‫وَل َتّتخِذُوا آيَا ِ‬ ‫مِ نْ الْ ِكتَا بِ وَالْحِكْ َمةِ يَعِظُ ُك مْ بِ هِ وَاتّقُوا اللّ هَ وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ هَ بِكُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫عَلِي ٌم (‪)231‬‬ ‫وإذا طَلّقتم النساء فقاربن انتهاء عدتن‪ ,‬فراجعوهن‪ ,‬ونيتكم القيام‬ ‫بقوقهن على الوجه الستحسن شرعًا وعرفًا‪ ,‬أو اتركوهن حت تنقضي‬ ‫عدتن‪ .‬واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الضرار بن لجل العتداء‬ ‫‪113‬‬

‫على حقوقهن‪ .‬ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه باستحقاقه العقوبة‪ ,‬ول‬ ‫تتخذوا آيات ال وأحكامه لعبًا ولوًا‪ .‬واذكروا نعمة ال عليكم بالسلم‬ ‫وتفصيل الحكام‪ .‬واذكروا ما أنزل ال عليكم من القرآن والسنة‪,‬‬ ‫واشكروا له سبحانه على هذه النعم الليلة‪ ,‬يُذكّركم ال بذا‪ ,‬ويوفكم‬ ‫من الخالفة‪ ,‬فخافوا ال وراقبوه‪ ,‬واعلموا أن ال عليم بكل شيء‪ ,‬ل‬ ‫يفى عليه شيء‪ ,‬وسيجازي كل با يستحق‪.‬‬ ‫وَِإذَا طَلّ ْقتُ ْم النّ سَاءَ َفبَلَغْ نَ أَ َجَلهُنّ فَل تَعْضُلُوهُنّ أَ نْ يَن ِكحْ نَ َأ ْزوَا َجهُنّ ِإذَا‬ ‫ظ بِهِ مَنْ كَانَ ِمنْكُ ْم ُيؤْمِنُ بِاللّهِ وَاْلَيوْمِ‬ ‫ضوْا َبْيَنهُمْ بِالْمَعْرُوفِ َذلِكَ يُوعَ ُ‬ ‫تَرَا َ‬ ‫الخِرِ َذلِكُمْ َأزْكَى لَكُ ْم وََأ ْطهَرُ وَالّلهُ يَعْلَ ُم وََأْنتُمْ ل تَعْلَمُونَ (‪)232‬‬ ‫واذا طلّقتم نساءكم دون الثلث وانتهت عدتن من غي مراجعة لن‪,‬‬ ‫فل تضيقوا ‪-‬أيها الولياء‪ -‬على الطلقات بنعهن من العودة إل‬ ‫أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك‪ ,‬وحدث التراضي شرعًا وعرفًا‪.‬‬ ‫ذلك يوعظ به من كان منكم صادق اليان بال واليوم الخر‪ .‬إن تَرْكَ‬ ‫العضل وتكي الزواج من نكاح زوجاتم أكثر ناء وطهارة‬ ‫لعراضكم‪ ,‬وأعظم منفعة وثوابًا لكم‪ .‬وال يعلم ما فيه صلحكم وأنتم‬ ‫ل تعلمون ذلك‪.‬‬ ‫‪114‬‬

‫ت يُ ْرضِعْ نَ َأوْلدَهُنّ َحوَْليْ نِ كَامَِليْ نِ لِمَ نْ َأرَادَ أَ ْن ُيتِمّ ال ّرضَا َع َة‬ ‫وَاْلوَالِدَا ُ‬ ‫ْسم إِلّ‬ ‫ّفم نَف ٌ‬ ‫ُوفم ل تُكَل ُ‬ ‫ِسمَوُتهُنّ بِالْمَعْر ِ‬ ‫َهم ِرزُْقهُنّ وَك ْ‬ ‫وَعَلَى الْ َم ْولُودِ ل ُ‬ ‫ِثم ِمثْلُ‬ ‫ِهم وَعَلَى اْلوَار ِ‬ ‫َهم ِبوَلَد ِ‬ ‫ُسمَعهَا ل تُضَارّ وَالِدَةٌ ِب َولَدِهَا وَل َم ْولُودٌ ل ُ‬ ‫و ْ‬ ‫ك َفإِ نْ َأرَادَا فِ صَالً عَ ْن تَرَا ضٍ ِمْنهُمَا َوَتشَاوُرٍ فَل ُجنَا حَ عََلْيهِمَا وَإِ نْ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫ستَ ْرضِعُوا َأوْلدَ ُك مْ فَل ُجنَا حَ َعَليْكُ مْ إِذَا سَلّ ْمُتمْ مَا آَتْيُت مْ‬ ‫َأرَ ْدتُ مْ أَ نْ تَ ْ‬ ‫بِالْمَ ْعرُوفِ وَاتّقُوا الّلهَ وَاعْلَمُوا َأنّ اللّهَ ِبمَا تَعْمَلُونَ بَصِ ٌي (‪)233‬‬ ‫وعلى الوالدات إرضاع أولدهن مدة سنتي كاملتي لن أراد إتام‬ ‫الرضاعة‪ ,‬ويب على الباء أن يكفُلوا للمرضعات الطلقات طعامهن‬ ‫وكسوتن‪ ,‬على الوجه الستحسن شرعًا وعرفًا; لن ال ل يكلف نفسًا‬ ‫إل قدر طاقتها‪ ,‬ول يل للوالدين أن يعلوا الولود وسيلة للمضارة‬ ‫بينهما‪ ,‬ويب على الوارث عند موت الوالد مثل ما يب على الوالد‬ ‫قبل موته من النفقة والكسوة‪ .‬فإن أراد الوالدان فطام الولود قبل انتهاء‬ ‫السنتي فل حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا ف ذلك; ليصل إل ما فيه‬ ‫مصلحة الولود‪ .‬وإن اتفق الوالدان على إرضاع الولود من مرضعة‬ ‫أخرى غي والدته فل حرج عليهما‪ ,‬إذا سلّم الوالد للم حقّها‪ ،‬وسلّم‬ ‫للمرضعة أجرها با يتعارفه الناس‪ .‬وخافوا ال ف جيع أحوالكم‪,‬‬ ‫واعلموا أن ال با تعملون بصي‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬ ‫‪115‬‬

‫سهِنّ َأ ْربَ َعةَ َأ ْشهُ ٍر‬ ‫وَالّذِي نَ ُيَتوَّفوْ نَ ِمنْكُ مْ َويَ َذرُو نَ َأ ْزوَاجا َيتَ َربّ صْ َن بِأَنفُ ِ‬ ‫ُسمهِنّ‬ ‫ْنم فِي أَنف ِ‬ ‫ُمم فِيمَا فَعَل َ‬ ‫َاحم عََليْك ْ‬ ‫ْنمأَ َجَلهُنّ فَل ُجن َ‬ ‫وَ َعشْرا َفإِذَا بَلَغ َ‬ ‫بِالْمَ ْعرُوفِ وَالّلهُ بِمَا تَعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)234‬‬ ‫والذين يوتون منكم‪ ,‬ويتركون زوجات بعدهم‪ ,‬يب عليهن النتظار‬ ‫بأنفسهن مدة أربعة أشهر وعشرة أيام‪ ,‬ل يرجن من منل الزوجية‪ ,‬ول‬ ‫يتزيّنّ‪ ,‬ول يتزوجن‪ ,‬فإذا انتهت الدة الذكورة فل إث عليكم يا أولياء‬ ‫النساء فيما يفعلن ف أنفسهن من الروج‪ ,‬والتزين‪ ,‬والزواج على الوجه‬ ‫القرر شرعًا‪ .‬وال سبحانه وتعال خبي بأعمالكم ظاهرها وباطنها‪,‬‬ ‫وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫ضتُم ْم بِهِم مِن ْم خِ ْطَبةِ النّسمَاءِ َأوْ أَ ْكنَنتُم ْم فِي‬ ‫وَل ُجنَاحَم عََليْكُم ْم فِيمَا َع ّر ْ‬ ‫أَنفُ سِكُمْ عَِل َم اللّ هُ َأنّ ُك ْم َستَذْكُرُوَنهُنّ َولَكِ نْ ل ُتوَاعِدُوهُنّ سِرّا إِلّ أَ نْ‬ ‫َهم‬ ‫َابمَأجَل ُ‬ ‫ُغم الْ ِكت ُ‬ ‫َاحم َحتّىم َيبْل َ‬ ‫تَقُولُوا َقوْلً مَعْرُوفا وَل تَعْزِمُوا عُ ْقدَةَ النّك ِ‬ ‫وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ يَعْلَ ُم مَا فِي أَنفُ سِ ُكمْ فَا ْح َذرُو هُ وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ غَفُورٌ‬ ‫حَلِيمٌ (‪)235‬‬

‫‪116‬‬

‫ول إث عليكم ‪-‬أيها الرجال‪ -‬فيما تَُلمّحون به مِن طلب الزواج بالنساء‬ ‫التوفّى عنهنّ أزواجهن‪ ،‬أو الطلقات طلقًا بائنًا ف أثناء عدتن‪ ,‬ول‬ ‫ذنب عليكم أيضًا فيما أضمرتوه ف أنفسكم من نية الزواج بن بعد‬ ‫انتهاء عدتن‪ .‬علم ال أنكم ستذكرون النساء العتدّات‪ ,‬ولن تصبوا‬ ‫على السكوت عنهن‪ ,‬لضعفكم; لذلك أباح لكم أن تذكروهن تلميحًا‬ ‫أو إضمارًا ف النفس‪ ,‬واحذروا أن تواعدوهن على النكاح سرًا بالزن أو‬ ‫التفاق على الزواج ف أثناء العدة‪ ,‬إل أن تقولوا قول يُ ْفهَم منه أن مثلها‬ ‫ب فيها الزواج‪ ,‬ول تعزموا على عقد النكاح ف زمان العدة حت‬ ‫يُرْغَ ُ‬ ‫تنقضي مدتا‪ .‬واعلموا أن ال يعلم ما ف أنفسكم فخافوه‪ ,‬واعلموا أن‬ ‫ال غفور لن تاب من ذنوبه‪ ,‬حليم على عباده ل يعجل عليهم بالعقوبة‪.‬‬ ‫ض ًة‬ ‫ل ُجنَاحَ عََليْكُمْ ِإنْ طَلّ ْقتُ ْم النّسَاءَ مَا لَمْ َت َمسّوهُنّ َأوْ تَفْ ِرضُوا َلهُنّ فَرِي َ‬ ‫وَ َمتّعُوهُنّ عَلَى الْمُو ِسعِ َق َدرُ هُ وَعَلَى الْمُ ْقتِرِ قَ َدرُ هُ َمتَاعا بِالْمَعْرُو فِ حَقّا‬ ‫سِنيَ (‪)236‬‬ ‫حِ‬ ‫عَلَى الْ ُم ْ‬ ‫ل إث عليكم ‪-‬أيها الزواج‪ -‬إن طلقتم النساء بعد العقد عليهن‪ ,‬وقبل‬ ‫أن تامعوهن‪ ,‬أو تددوا مهرًا لن‪ ,‬ومتّعوهن بشيء ينتفعن به جبًا لن‪,‬‬ ‫ودفعًا لوحشة الطلق‪ ,‬وإزالة للحقاد‪ .‬وهذه التعة تب بسب حال‬ ‫الرجل الطلّق‪ :‬على الغن قَدْر سَعَة رزقه‪ ,‬وعلى الفقي قَدْر ما يلكه‪,‬‬ ‫‪117‬‬

‫متاعًا على الوجه العروف شرعًا‪ ,‬وهو حق ثابت على الذين يسنون إل‬ ‫الطلقات وإل أنفسهم بطاعة ال‪.‬‬ ‫ضةً َفنِصْفُ مَا‬ ‫ضتُ ْم َلهُنّ َفرِي َ‬ ‫وَإِنْ طَلّ ْقتُمُوهُنّ مِنْ َقبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ وََقدْ َف َر ْ‬ ‫ضتُ مْ إِلّ أَ نْ يَعْفُو نَ َأ ْو يَعْ ُفوَ الّذِي ِبَيدِ هِ عُ ْقدَةُ النّكَا حِ وَأَ نْ تَعْفُوا أَقْ َر بُ‬ ‫فَ َر ْ‬ ‫سوْا الْفَضْلَ َبْينَ ُكمْ ِإنّ الّلهَ ِبمَا تَعْمَلُونَ بَصِيٌ ( ‪)237‬‬ ‫لِلتّ ْقوَى وَل تَن َ‬ ‫وإن طلّقتم النساء بعد العقد عليهن‪ ,‬ول تامعوهن‪ ,‬ولكنكم ألزمتم‬ ‫أنفسكم بهر مدد لن‪ ,‬فيجب عليكم أن تعطوهن نصف الهر التفق‬ ‫عليه‪ ,‬إل أنْ تُسامِح الطلقات‪ ,‬فيتركن نصف الهر الستحق لن‪ ,‬أو‬ ‫يسمح الزوج بأن يترك للمطلقة الهر كله‪ ,‬وتسامكم أيها الرجال‬ ‫والنساء أقرب إل خشية ال وطاعته‪ ,‬ول تنسوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬الفضل‬ ‫والحسان بينكم‪ ,‬وهو إعطاء ما ليس بواجب عليكم‪ ,‬والتسامح ف‬ ‫القوق‪ .‬إن ال با تعملون بصي‪ ,‬يُرغّبكم ف العروف‪ ,‬ويثّكم على‬ ‫الفضل‪.‬‬ ‫ت وَالصّل ِة اْلوُسْطَى وَقُومُوا لِّلهِ قَاِنتِيَ (‪)238‬‬ ‫حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَا ِ‬

‫‪118‬‬

‫حافظوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬على الصلوات المس الفروضة بالداومة على‬ ‫أدائها ف أوقاتا بشروطها وأركانا وواجباتا‪ ,‬وحافظوا على الصلة‬ ‫التوسطة بينها وهي صلة العصر‪ ,‬وقوموا ف صلتكم مطيعي ل‪,‬‬ ‫خاشعي ذليلي‪.‬‬ ‫َفإِ نْ خِ ْفتُ ْم فَ ِرجَالً َأوْ رُ ْكبَانا َفإِذَا أَمِنتُ ْم فَاذْكُرُوا اللّ هَ كَمَا عَلّمَكُ ْم مَا لَ مْ‬

‫تَكُونُوا تَ ْعلَمُونَ (‪)239‬‬

‫فإن خفتم من عدو لكم فصلوا صلة الوف ماشي‪ ,‬أو راكبي‪ ,‬على‬ ‫أي هيئة تستطيعونا ولو بالياء‪ ,‬أو إل غي جهة القبلة‪ ,‬فإذا زال‬ ‫خوفكم فصلّوا صلة المن‪ ,‬واذكروا ال فيها‪ ,‬ول تنقصوها عن هيئتها‬ ‫الصلية‪ ,‬واشكروا له على ما علّمكم من أمور العبادات والحكام ما ل‬ ‫تكونوا على علم به‪.‬‬ ‫ِمم َمتَاعا ِإلَى‬ ‫َصمّيةً َل ْزوَا ِجه ْ‬ ‫ُونم َأ ْزوَاجا و ِ‬ ‫ُمم َويَ َذر َ‬ ‫ْنم ِمنْك ْ‬ ‫ِينم ُيَتوَّفو َ‬ ‫وَالّذ َ‬ ‫سهِنّ‬ ‫حوْلِ َغيْرَ إِ ْخرَاجٍ َفإِنْ خَ َرجْنَ فَل ُجنَاحَ َعَليْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَن ُف ِ‬ ‫الْ َ‬ ‫مِنْ مَ ْعرُوفٍ وَالّلهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (‪)240‬‬

‫‪119‬‬

‫والزواج الذين يوتون ويتركون زوجات بعدهم‪ ,‬فعليهم وصيةً لنّ‪ :‬أن‬ ‫يُ َمتّعن سنه تامة من يوم الوفاة‪ ,‬بالسكن ف منل الزوج من غي إخراج‬ ‫الورثة لن مدة السنة; جبًا لاطر الزوجة‪ ,‬وبرًا بالتوفّى‪ .‬فإن خرجت‬ ‫الزوجات باختيارهن قبل انقضاء السنة فل إث عليكم ‪-‬أيها الورثة‪ -‬ف‬ ‫ذلك‪ ,‬ول حرج على الزوجات فيما فعلن ف أنفسهن من أمور مباحة‪.‬‬ ‫وال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف أمره ونيه‪ .‬وهذه الية منسوخة بقوله‬ ‫تعال‪ ( :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة‬ ‫أشهر وعشرًا)‪.‬‬ ‫ت َمتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّا عَلَى الْ ُمتّ ِقيَ (‪)241‬‬ ‫َولِلْمُطَلّقَا ِ‬ ‫وللمطلقات متاع من كسوة ونفقة على الوجه العروف الستحسن‬ ‫شرعًا‪ ,‬حقًا على الذين يافون ال ويتقونه ف أمره ونيه‪.‬‬ ‫ك ُيَبيّنُ الّلهُ لَكُمْ آيَاِتهِ لَعَلّ ُكمْ تَعْقِلُونَ (‪)242‬‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫مثل ذلك البيان الواضح ف أحكام الولد والنساء‪ ,‬يبيّن ال لكم آياته‬ ‫وأحكامه ف كل ما تتاجونه ف معاشكم ومعادكم; لكي تعقلوها‬ ‫وتعملوا با‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫ت فَقَالَ َلهُ ْم‬ ‫َألَمْ تَرَ ِإلَى الّذِينَ خَ َرجُوا مِنْ ِديَارِهِمْ وَهُمْ ُألُوفٌ حَ َذرَ الْ َموْ ِ‬ ‫اللّ هُ مُوتُوا ثُمّ َأ ْحيَاهُ مْ ِإنّ اللّ هَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّا سِ َولَكِنّ أَ ْكَثرَ النّا سِ ل‬ ‫َيشْكُرُونَ (‪)243‬‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قصة الذين فرّوا من أرضهم ومنازلم‪ ,‬وهم‬ ‫ألوف كثية; خشية الوت من الطاعون أو القتال‪ ,‬فقال لم ال‪ :‬موتوا‪,‬‬ ‫فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر ال‪ ,‬ث أحياهم ال تعال‬ ‫بعد مدة; ليستوفوا آجالم‪ ,‬وليتعظوا ويتوبوا؟ إن ال لذو فضل عظيم‬ ‫على الناس بنعمه الكثية‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون فضل ال‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ الّلهِ وَاعْلَمُوا َأنّ الّلهَ سَمِي ٌع عَلِي ٌم (‪)244‬‬ ‫وقاتلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬الكفار لنصرة دين ال‪ ,‬واعلموا أن ال سيع‬ ‫لقوالكم‪ ,‬عليم بنيّاتكم وأعمالكم‪.‬‬ ‫ض اللّ هَ قَرْضا حَ سَنا َفيُضَاعِفَ هُ لَ هُ َأضْعَافا َكثِيَةً وَاللّ هُ‬ ‫مَ نْ ذَا الّذِي يُقْرِ ُ‬

‫يَ ْقبِضُ َوَيْبسُطُ وَِإَلْيهِ تُ ْرجَعُونَ (‪)245‬‬ ‫‪121‬‬

‫من ذا الذي ينفق ف سبيل ال إنفاقًا حسنًا احتسابًا للجر‪ ,‬فيضاعفه له‬ ‫أضعافا كثية ل تصى من الثواب وحسن الزاء؟ وال يقبض ويبسط‪,‬‬ ‫فأنفقوا ول تبالوا; فإنه هو الرزاق‪ ,‬يُضيّق على مَن يشاء من عباده ف‬ ‫الرزق‪ ,‬ويوسعه على آخرين‪ ,‬له الكمة البالغة ف ذلك‪ ,‬وإليه وحده‬ ‫ترجعون بعد الوت‪ ,‬فيجازيكم على أعمالكم‪.‬‬ ‫َألَمْ َترَ ِإلَى الْمَلٍ مِنْ َبنِي إِ ْسرَائِيلَ مِ ْن بَعْدِ مُوسَى ِإذْ قَالُوا ِلنَبِيّ َلهُ ْم ابْعَ ْ‬ ‫ث‬ ‫ب عََليْكُ ْم الْ ِقتَالُ أَلّ‬ ‫سْيتُمْ إِ نْ ُكتِ َ‬ ‫َلنَا َملِكا نُقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ قَالَ هَلْ عَ َ‬ ‫مِيلِ اللّهِم وَقَدْ أُ ْخرِجْنَا مِن ْم ِديَارِنَا‬ ‫تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلّ نُقَاتِلَ فِي سَب‬ ‫ب عََلْيهِ ْم الْ ِقتَالُ َت َولّوْا إِلّ قَلِيلً ِمْنهُ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِ ِميَ‬ ‫وََأْبنَاِئنَا فَلَمّا ُكتِ َ‬ ‫(‪)246‬‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قصة الشراف والوجهاء من بن إسرائيل من‬ ‫بعد زمان موسى; حي طلبوا من نبيهم أن يول عليهم ملكا‪ ,‬يتمعون‬ ‫تت قيادته‪ ,‬ويقاتلون أعداءهم ف سبيل ال‪ .‬قال لم نبيهم‪ :‬هل المر‬ ‫كما أتوقعه إنْ ُفرِض عليكم القتال ف سبيل ال أنكم ل تقاتلون; فإن‬ ‫أتوقع جبنكم وفراركم من القتال‪ ,‬قالوا مستنكرين توقع نبيهم‪ :‬وأي‬ ‫مانع ينعنا عن القتال ف سبيل ال‪ ,‬وقد أَ ْخرَ َجنَا عدوّنا من ديارنا‪,‬‬ ‫وأبعدنا عن أولدنا بالقتل والسر؟ فلما فرض ال عليهم القتال مع اللِك‬ ‫‪122‬‬

‫الذي عيّنه لم َجبُنوا وفرّوا عن القتال‪ ,‬إل قليل منهم ثبتوا بفضل ال‪.‬‬ ‫وال عليم بالظالي الناكثي عهودهم‪.‬‬ ‫ث لَكُ ْم طَالُو تَ مَلِكا قَالُوا َأنّى يَكُو نُ لَ هُ‬ ‫وَقَالَ َلهُ مْ َنِبّيهُ مْ ِإنّ اللّ هَ قَدْ بَ َع َ‬ ‫ت سَ َعةً مِ نْ الْمَالِ قَالَ ِإنّ‬ ‫ك عََلْينَا َونَحْ نُ َأحَقّ بِالْمُلْ كِ ِمنْ هُ َولَ مْ ُيؤْ َ‬ ‫الْمُلْ ُ‬ ‫اللّ هَ اصْطَفَاهُ عََليْ ُكمْ َوزَادَهُ بَسْ َطةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ ُي ْؤتِي مُ ْلكَهُ مَنْ‬

‫َيشَاءُ وَالّلهُ وَاسِعٌ َعلِيمٌ (‪)247‬‬

‫وقال لم نبيهم‪ :‬إن ال قد أرسل إليكم طالوت مَلِكًا إجابة لطلبكم‪,‬‬ ‫يقودكم لقتال عدوكم كما طلبتم‪ .‬قال كباء بن إسرائيل‪ :‬كيف يكون‬ ‫طالوت مَِلكًا علينا‪ ,‬وهو ل يستحق ذلك؟ لنه ليس من سبط اللوك‪,‬‬ ‫ول من بيت النبوة‪ ,‬ول يُعْط كثرة ف الموال يستعي با ف ملكه‪,‬‬ ‫فنحن أحق باللك منه; لننا من سبط اللوك ومن بيت النبوة‪ .‬قال لم‬ ‫نبيهم‪ :‬إن ال اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده‪ ,‬وزاده سَعَة‬ ‫ف العلم وقوة ف السم ليجاهد العدو‪ .‬وال مالك اللك يعطي ملكه مَن‬ ‫يشاء من عباده‪ ,‬وال واسع الفضل والعطاء‪ ,‬عليم بقائق المور‪ ,‬ل‬ ‫يفى عليه شيء‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫ت فِي هِ سَكِيَنةٌ مِ نْ َربّكُ ْم‬ ‫وَقَالَ َلهُ مْ َنِبّيهُ مْ ِإنّ آَيةَ ُملْكِ هِ أَ نْ يَ ْأِتيَ ُك مْ التّابُو ُ‬ ‫ك لَيةً‬ ‫َوبَ ِقّيةٌ مِمّا تَ َر كَ آ ُل مُو سَى وَآ ُل هَارُو نَ َتحْمِلُ هُ الْمَلئِ َكةُ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫لَكُمْ ِإنْ كُنتُمْ ُمؤْ ِمِنيَ ( ‪)248‬‬ ‫وقال لم نبيهم‪ :‬إن علمة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه التوراة‬ ‫وكان أعداؤهم قد انتزعوه منهم‪ -‬فيه طمأنينة من ربكم تثبت قلوب‬‫الخلصي‪ ,‬وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى وآل هارون‪ ,‬مثل‬ ‫العصا وفُتات اللواح تمله اللئكة‪ .‬إن ف ذلك لعظم برهان لكم‬ ‫على اختيار طالوت ملكًا عليكم بأمر ال‪ ,‬إن كنتم مصدقي بال‬ ‫ورسله‪.‬‬ ‫ب ِمنْ ُه‬ ‫جنُودِ قَالَ إِنّ اللّ هَ ُمْبتَلِيكُ ْم ِبَنهَرٍ فَمَ نْ شَرِ َ‬ ‫َفلَمّ ا فَ صَ َل طَالُو تُ بِالْ ُ‬ ‫فََليْسَ ِمنّي وَمَ ْن لَ ْم يَطْعَمْهُ َفِإنّهُ ِمنّي إِلّ مَنْ ا ْغتَرَفَ غُ ْرَفةً ِبيَدِ ِه َفشَ ِربُوا ِمنْهُ‬ ‫ل ِمْنهُ مْ َفلَمّ ا جَاوَزَ هُ ُهوَ وَالّذِي نَ آ َمنُوا مَعَ ُه قَالُوا ل طَاَقةَ لَنَا اْليَوْ مَ‬ ‫إِلّ قَلِي ً‬ ‫ِبجَالُو تَ وَ ُجنُودِ ِه قَالَ الّذِي نَ يَ ُظنّو نَ َأّنهُ مْ مُلقُو اللّ هِ كَ ْم مِ نْ ِفَئ ٍة قَلِيَلةٍ‬ ‫ت ِفَئةً َكثِيَةً ِبإِ ْذنِ الّلهِ وَالّلهُ مَعَ الصّابِرِينَ (‪)249‬‬ ‫غََلبَ ْ‬

‫فلما خرج طالوت بنوده لقتال العمالقة قال لم‪ :‬إن ال متحنكم على‬ ‫الصب بنهر أمامكم تعبونه; ليتميّز الؤمن من النافق‪ ,‬فمن شرب منكم‬ ‫‪124‬‬

‫من ماء النهر فليس من‪ ,‬ول يصلح للجهاد معي‪ ,‬ومن ل يذق الاء فإنه‬ ‫من; لنه مطيع لمري وصال للجهاد‪ ,‬إل مَن ترخّص واغترف غُرْفة‬ ‫واحدة بيده فل لوم عليه‪ .‬فلما وصلوا إل النهر انكبوا على الاء‪,‬‬ ‫وأفرطوا ف الشرب منه‪ ,‬إل عددًا قليل منهم صبوا على العطش والر‪,‬‬ ‫واكتفوا بغُرْفة اليد‪ ,‬وحينئذ تلف العصاة‪ .‬ولا عب طالوت النهر هو‬ ‫والقلة الؤمنة معه ‪-‬وهم ثلثائة وبضعة عشر رجل للقاة العدو‪ ,‬ورأوا‬ ‫كثرة عدوهم وعدّتم‪ ,‬قالوا‪ :‬ل قدرة لنا اليوم بالوت وجنوده الشداء‪,‬‬ ‫فأجاب الذين يوقنون بلقاء ال‪ُ ,‬يذَكّرون إخوانم بال وقدرته قائلي‪:‬‬ ‫كم من جاعة قليلة مؤمنة صابرة‪ ,‬غلبت بإذن ال وأمره جاعة كثية‬ ‫كافرة باغية‪ .‬وال مع الصابرين بتوفيقه ونصره‪ ,‬وحسن مثوبته‪.‬‬ ‫صبْرا َوَثبّ تْ أَقْدَا َمنَا‬ ‫غ عََلْينَا َ‬ ‫َولَمّا بَ َرزُوا ِلجَالُو تَ وَ ُجنُودِ ِه قَالُوا َرّبنَا َأفْرِ ْ‬

‫وَانْصُ ْرنَا عَلَى الْ َقوْمِ الْكَافِرِينَ (‪)250‬‬

‫ولا ظهروا لالوت وجنوده‪ ,‬ورأوا الطر رأي العي‪ ,‬فزعوا إل ال‬ ‫بالدعاء والضراعة قائلي‪ :‬ربنا أنزل على قلوبنا صبًا عظيمًا‪ ,‬وثبت‬ ‫أقدامنا‪ ,‬واجعلها راسخة ف قتال العدو‪ ,‬ل تفر مِن هول الرب‪,‬‬ ‫وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين‪.‬‬ ‫‪125‬‬

‫َف َهزَمُوهُ ْم ِبإِذْ نِ اللّ هِ وََقتَلَ دَاوُودُ جَالُو تَ وَآتَا هُ اللّ هُ الْمُلْ كَ وَالْحِكْ َم َة‬ ‫ت ا َلرْ ضُ‬ ‫ض لَفَ سَدَ ْ‬ ‫ضهُ ْم ِببَعْ ٍ‬ ‫وَعَلّمَ ُه مِمّ ا َيشَاءُ َوَلوْل دَ ْف ُع اللّ هِ النّا سَ بَعْ َ‬ ‫َولَكِنّ الّلهَ ذُو فَضْلٍ َعلَى الْعَالَ ِميَ (‪)251‬‬ ‫ت قائدَ البابرة‪,‬‬ ‫فهزموهم بإذن ال‪ ,‬وقتل داود ‪-‬عليه السلم‪ -‬جالو َ‬ ‫وأعطى ال عز وجل داود بعد ذلك اللك والنبوة ف بن إسرائيل‪,‬‬ ‫وعَلّمه ما يشاء من العلوم‪ .‬ولول أن يدفع ال ببعض الناس ‪-‬وهم أهل‬ ‫الطاعة له واليان به‪ -‬بعضًا‪ ,‬وهم أهل العصية ل والشرك به‪ ,‬لفسدت‬ ‫الرض بغلبة الكفر‪ ,‬وتكّن الطغيان‪ ,‬وأهل العاصي‪ ,‬ولكن ال ذو فضل‬ ‫على الخلوقي جيعًا‪.‬‬ ‫ي (‪)252‬‬ ‫ك لَمِنْ الْمُرْسَِل َ‬ ‫ك بِاْلحَقّ وَِإنّ َ‬ ‫ت الّلهِ َنتْلُوهَا عََليْ َ‬ ‫تِ ْلكَ آيَا ُ‬ ‫تلك حجج ال وبراهينه‪ ,‬نقصّها عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬بالصدق‪ ,‬وإنك لن‬ ‫الرسلي الصادقي‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫الزء الثالث‬ ‫ضهُ ْم‬ ‫ضهُمْ عَلَى بَعْضٍ ِمْنهُمْ مَنْ َكلّمَ الّلهُ َورَفَ َع بَعْ َ‬ ‫تِلْكَ الرّسُلُ فَضّ ْلنَا بَعْ َ‬ ‫ت وََأيّ ْدنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ َوَلوْ شَاءَ‬ ‫ت وَآَتْينَا عِيسَى ابْنَ مَ ْرَيمَ اْلَبّينَا ِ‬ ‫َدرَجَا ٍ‬ ‫اللّهُ مَا ا ْقَتتَلَ الّذِينَ مِنْ بَ ْعدِهِمْ مِ ْن بَعْ ِد مَا جَا َءْتهُمْ اْلَبّينَاتُ َولَكِنْ ا ْختَلَفُوا‬ ‫فَ ِمْنهُ ْم مَنْ آمَ َن وَ ِمْنهُمْ مَ ْن كَفَرَ َوَلوْ شَاءَ الّلهُ مَا ا ْقَتتَلُوا َولَكِنّ الّلهَ يَفْعَلُ‬ ‫مَا يُرِي ُد (‪)253‬‬ ‫هؤلء الرسل الكرام فضّل ال بعضهم على بعض‪ ,‬بسب ما منّ ال به‬ ‫عليهم‪ :‬فمنهم مَن كلمه ال كموسى وممد عليهما الصلة والسلم‪,‬‬ ‫وف هذا إثبات صفة الكلم ل عز وجل على الوجه اللئق بلله‪,‬‬ ‫ت عاليةً كمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بعموم‬ ‫ومنهم مَن رفعه ال درجا ٍ‬ ‫رسالته‪ ,‬وختم النبوة به‪ ,‬وتفضيل أمته على جيع المم‪ ,‬وغي ذلك‪.‬‬ ‫وآتى ال تعال عيسى ابن مري عليه السلم البينات العجزات الباهرات‪,‬‬ ‫كإبراء مَن ولد أعمى بإذن ال تعال‪ ,‬ومَن به برص بإذن ال‪ ,‬وكإحيائه‬ ‫الوتى بإذن ال‪ ,‬وأيده ببيل عليه السلم‪ .‬ولو شاء ال أل يقتتل الذين‬ ‫جاؤوا مِن بعد هؤلء الرسل مِن بعد ما جاءتم البينات ما اقتتلوا‪ ,‬ولكن‬ ‫وقع الختلف بينهم‪ :‬فمنهم مَن ثبت على إيانه‪ ,‬ومنهم مَن أصر على‬ ‫‪127‬‬

‫كفره‪ .‬ولو شاء ال بعد ما وقع الختلف بينهم‪ ,‬الوجب للقتتال‪ ,‬ما‬ ‫اقتتلوا‪ ,‬ولكن ال يوفق مَن يشاء لطاعته واليان به‪ ,‬ويذل مَن يشاء‪,‬‬ ‫فيعصيه ويكفر به‪ ،‬فهو يفعل ما يشاء ويتار‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا أَنفِقُوا مِمّا رَزَ ْقنَاكُمْ مِنْ َقبْلِ َأنْ يَ ْأتِيَ َيوْ ٌم ل َبيْ ٌع فِيهِ‬ ‫وَل ُخّلةٌ وَل شَفَا َعةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظّالِمُونَ (‪)254‬‬ ‫يا من آمنتم بال وصدّقتم رسوله وعملتم بديه أخرجوا الزكاة‬ ‫الفروضة‪ ,‬وتصدّقوا ما أعطاكم ال قبل ميء يوم القيامة حي ل بيع‬ ‫فيكون ربح‪ ,‬ول مال تفتدون به أنفسكم مِن عذاب ال‪ ,‬ول صداقة‬ ‫صديق تُنقذكم‪ ,‬ول شافع يلك تفيف العذاب عنكم‪ .‬والكافرون هم‬ ‫الظالون التجاوزون حدود ال‪.‬‬ ‫الّلهُ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو اْلحَيّ الْ َقيّومُ ل تَ ْأخُذُهُ ِسَنةٌ وَل َنوْمٌ َلهُ مَا فِي‬ ‫ض مَنْ ذَا الّذِي َيشْفَ ُع ِعنْدَهُ إِلّ ِبإِ ْذِنهِ يَعَْلمُ مَا َبيْنَ‬ ‫السّ َموَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ‬ ‫َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَ ْل َفهُمْ وَل ُيحِيطُونَ ِبشَ ْيءٍ مِ ْن عِلْ ِمهِ إِلّ ِبمَا شَاءَ وَ ِسعَ‬

‫‪128‬‬

‫كُرْ ِسّي ُه السّ َموَاتِ وَالَرْضَ وَل َيئُودُهُ حِفْ ُظهُمَا وَ ُهوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ (‬ ‫‪)255‬‬ ‫ال الذي ل يستحق اللوهية والعبودية إل هو‪ ,‬اليّ الذي له جيع معان‬ ‫الياة الكاملة كما يليق بلله‪ ,‬القائم على كل شيء‪ ,‬ل تأخذه ِسنَة‬ ‫أي‪ :‬نعاس‪ ,‬ول نوم‪ ,‬كل ما ف السموات وما ف الرض ملك له‪ ,‬ول‬ ‫يتجاسر أحد أن يشفع عنده إل بإذنه‪ ,‬ميط علمه بميع الكائنات‬ ‫ماضيها وحاضرها ومستقبلها‪ ,‬يعلم ما بي أيدي اللئق من المور‬ ‫الستقبلة‪ ,‬وما خلفهم من المور الاضية‪ ,‬ول يَطّلعُ أحد من اللق على‬ ‫شيء من علمه إل با أعلمه ال وأطلعه عليه‪ .‬وسع كرسيه السموات‬ ‫والرض‪ ,‬والكرسي‪ :‬هو موضع قدمي الرب ‪-‬جل جلله‪ -‬ول يعلم‬ ‫كيفيته إل ال سبحانه‪ ,‬ول يثقله سبحانه حفظهما‪ ,‬وهو العلي بذاته‬ ‫وصفاته على جيع ملوقاته‪ ,‬الامع لميع صفات العظمة والكبياء‪.‬‬ ‫وهذه الية أعظم آية ف القرآن‪ ,‬وتسمى‪( :‬آية الكرسي)‪.‬‬ ‫ل إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَدْ َتَبيّنَ الرّشْدُ مِ ْن الغَيّ فَمَ ْن يَكْفُ ْر بِالطّاغُوتِ َوُيؤْمِنْ‬ ‫بِالّلهِ فَقَدْ ا ْستَ ْمسَكَ بِالْعُ ْروَةِ اْل ُوثْقَى ل انفِصَامَ َلهَا وَاللّهُ سَمِي ٌع عَلِي ٌم (‬ ‫‪)256‬‬ ‫‪129‬‬

‫لكمال هذا الدين واتضاح آياته ل يُحتاج إل الكراه عليه لن تُقبل‬ ‫منهم الزية‪ ,‬فالدلئل بينة يتضح با الق من الباطل‪ ,‬والدى من‬ ‫الضلل‪ .‬فَمَن يكفر بكل ما ُعبِد من دون ال ويؤمن بال‪ ,‬فقد ثبت‬ ‫واستقام على الطريقة الثلى‪ ,‬واستمسك من الدين بأقوى سبب ل‬ ‫انقطاع له‪ .‬وال سيع لقوال عباده‪ ,‬عليم بأفعالم ونياتم‪ ,‬وسيجازيهم‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫الّلهُ َولِيّ الّذِينَ آ َمنُوا ُيخْرِ ُجهُ ْم مِنْ الظّلُمَاتِ ِإلَى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوا‬ ‫صحَابُ‬ ‫َأ ْوِليَاؤُهُ ْم الطّاغُوتُ ُيخْرِجُوَنهُ ْم مِنْ النّورِ ِإلَى الظّلُمَاتِ ُأ ْوَلئِكَ َأ ْ‬ ‫النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪)257‬‬ ‫ال يتول الؤمني بنصره وتوفيقه وحفظه‪ ,‬يرجهم من ظلمات الكفر‪,‬‬ ‫إل نور اليان‪ .‬والذين كفروا أنصارهم وأولياؤهم النداد والوثان‬ ‫الذين يعبدونم من دون ال‪ ,‬يُخرجونم من نور اليان إل ظلمات‬ ‫الكفر‪ ,‬أولئك أصحاب النار اللزمون لا‪ ,‬هم فيها باقون بقاء أبديًا ل‬ ‫يرجون منها‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫َألَمْ تَرَ ِإلَى الّذِي حَاجّ ِإْبرَاهِيمَ فِي َرّبهِ َأنْ آتَا ُه الّلهُ الْمُ ْلكَ ِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ‬ ‫حيِي َويُمِيتُ قَالَ َأنَا ُأ ْحيِي َوأُمِيتُ قَالَ ِإبْرَاهِي ُم َفِإنّ الّلهَ يَ ْأتِي‬ ‫َربّي الّذِي ُي ْ‬ ‫ب َفُبهِتَ الّذِي كَفَ َر وَالّلهُ ل‬ ‫بِالشّ ْمسِ مِ ْن الْ َمشْ ِرقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِ ْن الْمَ ْغرِ ِ‬ ‫َيهْدِي الْ َقوْمَ الظّالِ ِميَ (‪)258‬‬ ‫هل رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم‬ ‫عليه السلم ف توحيد ال تعال وربوبيته; لن ال أعطاه الُلْك فتجبّر‬ ‫وسأل إبراهيمَ‪ :‬مَن ربّك؟ فقال عليه السلم‪ :‬رب الذي ييي اللئق‬ ‫فتحيا‪ ,‬ويسلبها الياة فتموت‪ ,‬فهو التفرد بالحياء والماتة‪ ,‬قال‪ :‬أنا‬ ‫ت َقتْلَه‪ ,‬وأستبقي مَن أردت استبقاءه‪,‬‬ ‫أحيي وأميت‪ ,‬أي أقتل مَن أرد ُ‬ ‫فقال له إبراهيم‪ :‬إن ال الذي أعبده يأت بالشمس من الشرق‪ ,‬فهل‬ ‫سنّة اللية بأن تعلها تأت من الغرب; فتحيّر هذا‬ ‫تستطيع تغيي هذه ال ّ‬ ‫الكافر وانقطعت حجته‪ ,‬شأنه شأن الظالي ل يهديهم ال إل الق‬ ‫والصواب‪.‬‬ ‫حيِي َهذِ ِه‬ ‫َأوْ كَالّذِي َمرّ عَلَى قَ ْرَي ٍة وَهِيَ خَا ِوَيةٌ عَلَى عُرُو ِشهَا قَالَ َأنّى ُي ْ‬ ‫ت َيوْما‬ ‫اللّهُ بَ ْعدَ َم ْوِتهَا فَأَمَاَتهُ الّلهُ مِاَئةَ عَامٍ ثُ ّم بَ َعَثهُ قَالَ كَ ْم َلِبثْتَ قَالَ َلبِثْ ُ‬ ‫ت مِاَئةَ عَامٍ فَانظُرْ ِإلَى طَعَامِكَ وَ َشرَابِكَ لَمْ‬ ‫ض َيوْمٍ قَالَ بَلْ َلِبثْ َ‬ ‫َأوْ بَعْ َ‬ ‫‪131‬‬

‫ك آَيةً لِلنّاسِ وَانظُرْ ِإلَى الْعِظَامِ َكيْ َ‬ ‫ف‬ ‫سنّهْ وَانظُرْ ِإلَى حِمَارِكَ َوِلنَجْعَلَ َ‬ ‫َيَت َ‬ ‫نُنشِزُهَا ثُمّ َن ْكسُوهَا َلحْما َفلَمّا َتَبيّنَ َلهُ قَالَ أَعْلَمُ َأنّ الّلهَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫قَدِيرٌ (‪)259‬‬ ‫أو هل رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مثل الذي مرّ على قرية قد تدّمت دورها‪,‬‬ ‫و َخوَتْ على عروشها‪ ,‬فقال‪ :‬كيف ييي ال هذه القرية بعد موتا؟‬ ‫فأماته ال مائة عام‪ ,‬ث ردّ إليه روحه‪ ,‬وقال له‪ :‬كم قدر الزمان الذي‬ ‫لبثت ميتًا؟ قال‪ :‬بقيت يومًا أو بعض يوم‪ ,‬فأخبه بأنه بقي ميتًا مائة‬ ‫عام‪ ,‬وأمره أن ينظر إل طعامه وشرابه‪ ,‬وكيف حفظهما ال من التغيّر‬ ‫هذه الدة الطويلة‪ ,‬وأمره أن ينظر إل حاره كيف أحياه ال بعد أن كان‬ ‫عظامًا متفرقة؟ وقال له‪ :‬ولنجعلك آية للناس‪ ,‬أي‪ :‬دللة ظاهرة على‬ ‫قدرة ال على البعث بعد الوت‪ ,‬وأمره أن ينظر إل العظام كيف يرفع‬ ‫ال بعضها على بعض‪ ,‬ويصل بعضها ببعض‪ ,‬ث يكسوها بعد اللتئام‬ ‫لمًا‪ ,‬ث يعيد فيها الياة؟ فلما اتضح له ذلك عِيانًا اعترف بعظمة ال‪,‬‬ ‫وأنه على كل شيء قدير‪ ,‬وصار آية للناس‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َربّ َأ ِرنِي َكيْفَ ُتحْيِ الْ َم ْوتَى قَالَ َأ َولَمْ ُتؤْمِنْ قَالَ بَلَى‬ ‫ك ثُمّ اجْعَلْ‬ ‫َولَكِنْ ِليَطْ َمئِنّ قَ ْلبِي قَالَ َفخُذْ َأ ْربَ َعةً مِنْ ال ّطيْرِ فَصُرْهُنّ ِإَليْ َ‬ ‫‪132‬‬

‫عَلَى كُلّ َجبَ ٍل ِمْنهُنّ جُزْءا ثُمّ ادْ ُعهُنّ يَ ْأتِينَكَ سَعْيا وَاعْلَمْ َأنّ الّلهَ عَزِيزٌ‬ ‫حَكِيمٌ (‪)260‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث‪ ,‬فقال‬ ‫ال له‪َ :‬أوَل تؤمن؟ قال‪ :‬بلى‪ ,‬ولكن أطلب ذلك لزداد يقينًا على يقين‪,‬‬ ‫قال‪ :‬فخذ أربعة من الطي فاضممهن إليك واذبهن وقطعهن‪ ,‬ث اجعل‬ ‫على كل جبل منهن جزءًا‪ ,‬ث نادِهن يأتينك مسرعات‪ .‬فنادى إبراهيم‬ ‫عليه السلم‪ ,‬فإذا كل جزء يعود إل موضعه‪ ,‬وإذا با تأت مسرعة‪.‬‬ ‫واعلم أن ال عزيز ل يغلبه شيء‪ ,‬حكيم ف أقواله وأفعاله وشرعه‬ ‫وقدره‪.‬‬ ‫َمثَ ُل الّذِينَ يُنفِقُونَ أَ ْموَاَلهُمْ فِي َسبِيلِ الّلهِ كَ َمثَلِ َحّبةٍ َأْنَبتَتْ َسبْعَ َسنَابِلَ‬ ‫ف لِمَنْ َيشَاءُ وَالّلهُ وَاسِ ٌع عَلِي ٌم (‬ ‫فِي كُلّ ُسْنبَُلةٍ مِائَةُ َحّبةٍ وَالّلهُ يُضَاعِ ُ‬ ‫‪)261‬‬ ‫ومِن أعظم ما ينتفع به الؤمنون النفاقُ ف سبيل ال‪ .‬ومثل الؤمني‬ ‫ت ف أرض طيبة‪ ,‬فإذا‬ ‫الذين ينفقون أموالم ف سبيل ال كمثل حبة زُرِع ْ‬ ‫با قد أخرجت ساقًا تشعب منها سبع شعب‪ ,‬لكل واحدة سنبلة‪ ,‬ف‬ ‫كل سنبلة مائة حبة‪ .‬وال يضاعف الجر لن يشاء‪ ,‬بسب ما يقوم‬ ‫‪133‬‬

‫بقلب النفق من اليان والخلص التام‪ .‬وفضل ال واسع‪ ,‬وهو سبحانه‬ ‫عليم بن يستحقه‪ ,‬مطلع على نيات عباده‪.‬‬ ‫الّذِينَ يُنفِقُونَ أَ ْموَاَلهُ ْم فِي َسبِيلِ الّلهِ ثُ ّم ل ُيْتبِعُونَ مَا أَنفَقُوا َمنّا وَل َأذًى‬ ‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ ( ‪)262‬‬ ‫َلهُمْ َأجْرُهُ ْم ِعنْ َد َربّهِ ْم وَل َخوْ ٌ‬ ‫الذين يرجون أموالم ف الهاد وأنواع الي‪ ,‬ث ل يتبعون ما أنفقوا من‬ ‫اليات َمنّا على مَن أعطَوه ول أذى بقول أو فِعْلٍ يشعره بالتفضل‬ ‫عليه‪ ,‬لم ثوابم العظيم عند ربم‪ ,‬ول خوف عليهم فيما يستقبلونه من‬ ‫أمر الخرة‪ ,‬ول هم يزنون على شيء فاتم ف هذه الدنيا‪.‬‬ ‫َقوْ ٌل مَعْرُوفٌ وَمَغْ ِفرَةٌ َخيْ ٌر مِنْ صَدََق ٍة َيْتبَ ُعهَا أَذًى وَالّلهُ َغنِيّ َحلِيمٌ (‬ ‫‪)263‬‬ ‫ف ف السؤال‪ ,‬خي من‬ ‫كلم طيب وعفو عما بدر مِن السائل مِن إلا ٍ‬ ‫صدقة يتبعها من التصدق أذى وإساءة‪ .‬وال غن عن صدقات العباد‪,‬‬ ‫حليم ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫‪134‬‬

‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل ُتبْطِلُوا صَدَقَاتِكُ ْم بِالْمَنّ وَالَذَى كَالّذِي يُنفِقُ مَالَهُ‬ ‫ِرئَاءَ النّاسِ وَل ُيؤْمِنُ بِالّلهِ وَاْليَوْمِ الخِرِ فَ َمثَُلهُ َك َمثَلِ صَ ْفوَانٍ َعَلْيهِ تُرَابٌ‬ ‫سبُوا وَالّلهُ ل‬ ‫فََأصَاَبهُ وَابِلٌ َفتَرَ َكهُ صَلْدا ل يَقْ ِدرُونَ عَلَى شَ ْيءٍ ِممّا َك َ‬ ‫َيهْدِي الْ َقوْمَ الْكَافِرِينَ (‪)264‬‬ ‫يا من آمنتم بال واليوم الخر ل تُذْ ِهبُوا ثواب ما تتصدقون به بال ّن‬ ‫والذى‪ ,‬فهذا شبيه بالذي يرج ماله لياه الناس‪ ,‬فيُثنوا عليه‪ ,‬وهو ل‬ ‫يؤمن بال ول يوقن باليوم الخر‪ ,‬فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه‬ ‫تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب‪ ,‬فتركه أملس ل شيء‬ ‫عليه‪ ,‬فكذلك هؤلء الراؤون تضمحلّ أعمالم عند ال‪ ,‬ول يدون‬ ‫شيئًا من الثواب على ما أنفقوه‪ .‬وال ل يوفق الكافرين لصابة الق ف‬ ‫نفقاتم وغيها‪.‬‬ ‫سهِمْ كَ َمثَلِ‬ ‫وَ َمثَلُ الّذِينَ يُنفِقُونَ أَ ْموَاَلهُمْ اْبتِغَاءَ مَ ْرضَاةِ الّلهِ َوَتْثبِيتا مِنْ َأنْ ُف ِ‬ ‫صْبهَا وَابِلٌ فَطَلّ‬ ‫َجّنةٍ ِب َرْبوَةٍ َأصَاَبهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكَُلهَا ضِعْ َفيْنِ َفِإنْ لَمْ يُ ِ‬

‫وَالّلهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪)265‬‬

‫ومثل الذين ينفقون أموالم طلبًا لرضا ال واعتقادًا راسخًا بصدق وعده‪,‬‬ ‫كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة‪,‬‬ ‫‪135‬‬

‫فتضاعفت ثراته‪ ,‬وإن ل تسقط عليه المطار الغزيرة فيكفيه رذاذ الطر‬ ‫ليعطي الثمرة الضاعفة‪ ,‬وكذلك نفقات الخلصي تُقبل عند ال‬ ‫وتُضاعف‪ ,‬قلّت أم كثُرت‪ ,‬فال الُطّلِع على السرائر‪ ,‬البصي بالظواهر‬ ‫والبواطن‪ ,‬يثيب كل بسب إخلصه‪.‬‬ ‫َأَيوَدّ َأحَدُكُمْ َأنْ تَكُونَ َلهُ َجّنةٌ مِنْ َنخِيلٍ وَأَ ْعنَابٍ َتجْرِي مِ ْن َتحِْتهَا‬ ‫ا َلْنهَارُ َلهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ وََأصَاَبهُ الْ ِكبَرُ َوَلهُ ُذ ّرّيةٌ ضُعَفَاءُ فََأصَاَبهَا‬ ‫ك ُيَبيّنُ اللّهُ لَ ُكمْ اليَاتِ لَعَلّ ُكمْ َتتَفَكّرُونَ (‬ ‫ت كَ َذلِ َ‬ ‫إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَا ْحَترَقَ ْ‬ ‫‪)266‬‬

‫أيرغب الواحد منكم أن يكون له بستان فيه النخيل والعناب‪ ,‬تري‬ ‫من تت أشجارِه الياه العذبة‪ ,‬وله فيه من كل ألوان الثمرات‪ ,‬وقد بلغ‬ ‫ال ِكبَر‪ ,‬ول يستطيع أن يغرس مثل هذا الغرس‪ ,‬وله أولد صغار ف حاجة‬ ‫إل هذا البستان وف هذه الالة هبّت عليه ريح شديدة‪ ,‬فيها نار مرقة‬ ‫فأحرقته; وهكذا حال غي الخلصي ف نفقاتم‪ ,‬يأتون يوم القيامة ول‬ ‫حسنة لم‪ .‬وبثل هذا البيان يبيّن ال لكم ما ينفعكم; كي تتأملوا‪,‬‬ ‫فتخلصوا نفقاتكم ل‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫سْبتُمْ وَمِمّا أَخْ َر ْجنَا لَكُ ْم مِنْ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا أَنفِقُوا مِنْ َطّيبَاتِ مَا َك َ‬ ‫ستُمْ بِآ ِخذِيهِ إِلّ َأنْ تُغْمِضُوا‬ ‫خبِيثَ ِمْنهُ تُنفِقُونَ َوَل ْ‬ ‫ا َلرْضِ وَل َتيَمّمُوا اْل َ‬ ‫فِيهِ وَاعْلَمُوا َأ ّن الّلهَ َغنِيّ َحمِيدٌ (‪)267‬‬ ‫يا من آمنتم ب واتبعتم رسلي أنفقوا من اللل الطيب الذي كسبتموه‬ ‫وما أخرجنا لكم من الرض‪ ,‬ول تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء‪,‬‬ ‫ولو أُعطِيتموه ل تأخذوه إل إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة ونقص‪.‬‬ ‫فكيف ترضون ل ما ل ترضونه لنفسكم؟ واعلموا أن ال الذي رزقكم‬ ‫غن عن صدقاتكم‪ ,‬مستحق للثناء‪ ,‬ممود ف كل حال‪.‬‬ ‫حشَاءِ وَالّلهُ يَعِدُ ُكمْ مَغْ ِفرَةً ِمْنهُ‬ ‫شيْطَانُ يَعِدُكُ ْم الْفَقْرَ َويَأْمُرُ ُكمْ بِالْفَ ْ‬ ‫ال ّ‬

‫ل وَالّلهُ وَاسِ ٌع عَلِي ٌم (‪)268‬‬ ‫وَفَضْ ً‬

‫هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يوفكم الفقر‪,‬‬ ‫ويغريكم بالبخل‪ ,‬ويأمركم بالعاصي ومالفة ال تعال‪ ,‬وال سبحانه‬ ‫وتعال يعدكم على إنفاقكم غفرانًا لذنوبكم ورزقا واسعا‪ .‬وال واسع‬ ‫الفضل‪ ,‬عليم بالعمال والنيّات‪.‬‬

‫‪137‬‬

‫ت الْحِكْ َمةَ فَقَدْ أُوتِيَ َخيْرا َكثِيا وَمَا‬ ‫ُي ْؤتِي اْلحِكْ َمةَ مَنْ َيشَاءُ وَمَنْ ُيؤْ َ‬ ‫ب (‪)269‬‬ ‫يَذّكّرُ إِلّ ُأ ْولُوا ا َلْلبَا ِ‬ ‫يؤت ال الصابة ف القول والفعل مَن يشاء من عباده‪ ,‬ومن أنعم ال‬ ‫عليه بذلك فقد أعطاه خيًا كثيًا‪ .‬وما يتذكر هذا وينتفع به إل أصحاب‬ ‫العقول الستنية بنور ال وهدايته‪.‬‬ ‫وَمَا أَنفَ ْقتُمْ مِ ْن نَفَ َقةٍ َأ ْو نَ َذ ْرتُمْ مِ ْن نَ ْذرٍ َفِإنّ الّلهَ يَعْلَ ُم ُه وَمَا لِلظّالِ ِميَ مِنْ‬ ‫أَنصَارٍ ( ‪)270‬‬ ‫وما أعطيتم من مال أو غيه كثي أو قليل تتصدقون به ابتغاء مرضات‬ ‫ال أو أوجبتم على أنفسكم شيئًا من مال أو غيه‪ ,‬فإن ال يعلمه‪ ,‬وهو‬ ‫الُطّلِع على نياتكم‪ ,‬وسوف يثيبكم على ذلك‪ .‬ومَن منع حق ال فهو‬ ‫ظال‪ ,‬والظالون ليس لم أنصار ينعونم من عذاب ال‪.‬‬ ‫ِإنْ ُتبْدُوا الصّدَقَاتِ َفنِعِمّا هِ َي وَِإنْ ُتخْفُوهَا َوُت ْؤتُوهَا الْفُقَرَاءَ َف ُهوَ َخيْرٌ‬

‫لَكُمْ َويُكَفّرُ َعنْكُ ْم مِنْ َسّيئَاتِكُمْ وَالّلهُ بِمَا تَعْ َملُونَ َخبِيٌ ( ‪)271‬‬

‫‪138‬‬

‫إن تظهروا ما تتصدقون به ل فنِعْ َم ما تصدقتم به‪ ,‬وإن تسرّوا با‪,‬‬ ‫وتعطوها الفقراء فهذا أفضل لكم; لنه أبعد عن الرياء‪ ,‬وف الصدقة‬ ‫مع الخلص‪ -‬مو لذنوبكم‪ .‬وال الذي يعلم دقائق المور‪ ,‬ل يفى‬‫عليه شيء من أحوالكم‪ ,‬وسيجازي كل بعمله‪.‬‬ ‫ك هُدَاهُ ْم َولَكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَ ْن َيشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ َخيْ ٍر‬ ‫َلْيسَ عََليْ َ‬ ‫فَلَن ُفسِكُ ْم وَمَا تُنفِقُونَ إِ ّل اْبتِغَاءَ وَ ْج ِه الّلهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ َخْيرٍ ُيوَفّ‬ ‫ِإَليْكُ ْم وََأْنتُمْ ل تُظْلَمُونَ ( ‪)272‬‬ ‫لست ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مسئول عن توفيق الكافرين للهداية‪ ,‬ولكن ال‬ ‫يشرح صدور مَن يشاء لدينه‪ ,‬ويوفقه له‪ .‬وما تبذلوا من مال يَ ُعدْ عليكم‬ ‫نَفْعُه من ال‪ ,‬والؤمنون ل ينفقون إل طلبًا لرضاة ال‪ .‬وما تنفقوا من‬ ‫مال ‪-‬ملصي ل‪ -‬توفوا ثوابه‪ ,‬ول ُتنْقَصُوا شيئا من ذلك‪ .‬وف الية‬ ‫إثبات صفة الوجه ل تعال على ما يليق به سبحانه‪.‬‬

‫‪139‬‬

‫ضرْبا فِي ا َلرْ ِ‬ ‫ض‬ ‫ستَطِيعُونَ َ‬ ‫صرُوا فِي َسبِيلِ الّلهِ ل َي ْ‬ ‫لِلفُقَرَاءِ الّذِينَ أُحْ ِ‬ ‫سُبهُمْ اْلجَاهِلُ أَ ْغِنيَاءَ مِ ْن التّعَفّفِ تَعْرُِف ُهمْ ِبسِيمَاهُمْ ل َيسَْألُونَ النّاسَ‬ ‫َيحْ َ‬ ‫ِإْلحَافا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ َخيْرٍ َفإِنّ الّلهَ ِبهِ عَلِيمٌ ( ‪)273‬‬ ‫اجعلوا صدقاتكم لفقراء السلمي الذين ل يستطيعون السفر; طلبًا للرزق‬ ‫لشتغالم بالهاد ف سبيل ال‪ ,‬يظنهم مَن ل يعرفهم غي متاجي إل‬ ‫الصدقة; لتعففهم عن السؤال‪ ,‬تعرفهم بعلماتم وآثار الاجة فيهم‪ ,‬ل‬ ‫يسألون الناس بالكُليّة‪ ,‬وإن سألوا اضطرارًا ل يُِلحّوا ف السؤال‪ .‬وما‬ ‫تنفقوا مِن مال ف سبيل ال فل يفى على ال شيء منه‪ ,‬وسيجزي عليه‬ ‫أوفر الزاء وأتّه يوم القيامة‪.‬‬ ‫الّذِينَ يُنفِقُونَ أَ ْموَاَلهُمْ بِالّليْلِ وَالّنهَارِ سِرّا وَعَلِنَيةً فََلهُمْ َأجْرُهُ ْم ِعنْدَ‬ ‫َرّبهِمْ وَل َخوْفٌ عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ (‪ )274‬الّذِينَ يَأْكُلُونَ ال ّربَا‬ ‫ك بَِأّنهُمْ‬ ‫شيْطَانُ مِنْ الْ َمسّ َذلِ َ‬ ‫خبّ ُطهُ ال ّ‬ ‫ل يَقُومُونَ إِ ّل كَمَا يَقُومُ الّذِي َيَت َ‬ ‫قَالُوا ِإنّمَا اْلَبيْعُ ِمثْلُ ال ّربَا وََأحَلّ الّلهُ الَْبيْ َع وَحَرّمَ ال ّربَا فَمَنْ جَاءَهُ َموْعِ َظةٌ‬ ‫صحَابُ‬ ‫مِنْ َرّبهِ فَانَتهَى َفَلهُ مَا َسلَفَ وَأَ ْمرُهُ ِإلَى الّلهِ وَمَنْ عَادَ فَُأوَْلئِكَ َأ ْ‬ ‫النّارِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪)275‬‬

‫‪140‬‬

‫الذين ُيخْرجون أموالم مرضاة ل ليل ونارًا مسرّين ومعلني‪ ,‬فلهم‬ ‫أجرهم عند ربم‪ ,‬ول خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الخرة‪ ,‬ول‬ ‫هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪ .‬ذلك التشريع اللي الكيم‬ ‫هو منهاج السلم ف النفاق لا فيه مِن سدّ حاجة الفقراء ف كرامة‬ ‫وعزة‪ ,‬وتطهي مال الغنياء‪ ,‬وتقيق التعاون على الب والتقوى; ابتغاء‬ ‫وجه ال دون قهر أو إكراه الذين يتعاملون بالربا ‪-‬وهو الزيادة على‬ ‫رأس الال‪ -‬ل يقومون ف الخرة من قبورهم إل كما يقوم الذي‬ ‫يتخبطه الشيطان من النون; ذلك لنم قالوا‪ :‬إنا البيع مثل الربا‪ ,‬ف أن‬ ‫كل منهما حلل‪ ,‬ويؤدي إل زيادة الال‪ ,‬فأكذبم ال‪ ,‬وبيّن أنه أحل‬ ‫البيع وحرّم الربا; لا ف البيع والشراء من نفع للفراد والماعات‪ ,‬ولا ف‬ ‫الربا من استغلل وضياع وهلك‪ .‬فمن بلغه ني ال عن الربا فارتدع‪,‬‬ ‫فله ما مضى قبل أن يبلغه التحري ل إث عليه فيه‪ ,‬وأمره إل ال فيما‬ ‫يستقبل من زمانه‪ ,‬فإن استمرّ على توبته فال ل يضيع أجر الحسني‪,‬‬ ‫ومن عاد إل الربا ففعله بعد بلوغه ني ال عنه‪ ,‬فقد استوجب العقوبة‪,‬‬ ‫ب النّارِ هُ ْم فِيهَا‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وقامت عليه الجة‪ ,‬ولذا قال سبحانه‪( :‬فَأُوَلئِكَ َأ ْ‬ ‫خَالِدُونَ)‬

‫‪141‬‬

‫ت وَاللّهُ ل ُيحِبّ كُ ّل كَفّارٍ َأثِيمٍ (‬ ‫يَ ْمحَقُ الّلهُ ال ّربَا َويُ ْربِي الصّدَقَا ِ‬ ‫‪)276‬‬ ‫يذهب ال الربا كله أو يرم صاحبه بركة ماله‪ ,‬فل ينتفع به‪ ،‬وينمي‬ ‫الصدقات ويكثرها‪ ،‬ويضاعف الجر للمتصدقي‪ ,‬ويبارك لم ف‬ ‫سَتحِلّ أكل الربا‪ ,‬متمادٍ‬ ‫أموالم‪ .‬وال ل يب كل مُصِرّ على كفره‪ُ ,‬م ْ‬ ‫ف الث والرام ومعاصي ال‪.‬‬ ‫ت وَأَقَامُوا الصّلةَ وَآَتوْا الزّكَاةَ لَهُمْ‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬

‫ف عََلْيهِمْ وَل هُمْ َيحْ َزنُونَ ( ‪)277‬‬ ‫َأجْرُهُ ْم ِعنْدَ َرّبهِ ْم وَل َخوْ ٌ‬

‫إن الذين صدقوا ال ورسوله‪ ,‬وعملوا العمال الطيبة‪ ,‬وأدّوا الصلة‬ ‫كما أمر ال ورسوله‪ ,‬وأخرجوا زكاة أموالم‪ ,‬لم ثواب عظيم خاص‬ ‫بم عند ربم ورازقهم‪ ,‬ول يلحقهم خوف ف آخرتم‪ ,‬ول حزن على‬ ‫ما فاتم من حظوظ دنياهم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا الّلهَ وَ َذرُوا مَا بَقِ َي مِنْ ال ّربَا ِإنْ كُنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‬ ‫‪)278‬‬ ‫‪142‬‬

‫يا من آمنتم بال واتبعتم رسوله خافوا ال‪ ,‬واتركوا طلب ما بقي لكم‬ ‫من زيادة على رؤوس أموالكم الت كانت لكم قبل تري الربا‪ ,‬إن كنتم‬ ‫مققي إيانكم قول وعمل‪.‬‬ ‫َفِإنْ لَ ْم تَفْعَلُوا فَ ْأ َذنُوا ِبحَ ْربٍ مِ ْن الّلهِ َورَسُوِلهِ وَِإنْ ُتْبتُ ْم فَلَكُ ْم ُرءُوسُ‬ ‫أَ ْموَالِكُمْ ل تَظْلِمُونَ وَل تُظْلَمُونَ ( ‪)279‬‬ ‫فإن ل ترتدعوا عما ناكم ال عنه فاستيقنوا برب من ال ورسوله‪ ,‬وإن‬ ‫رجعتم إل ربكم وتركتم أَكْلَ الربا فلكم َأخْ ُذ ما لكم من ديون دون‬ ‫زيادة‪ ,‬ل تَظْلمون أحدًا بأخذ ما زاد على رؤوس أموالكم‪ ,‬ول يظلمكم‬ ‫أحد بنقص ما أقرضتم‪.‬‬ ‫وَِإنْ كَانَ ذُو ُعسْرَةٍ َفنَظِرَةٌ ِإلَى َمْيسَرَةٍ وََأنْ تَصَدّقُوا َخيْ ٌر لَكُمْ ِإنْ كُنتُمْ‬ ‫تَعْلَمُونَ (‪)280‬‬ ‫وإن كان الدين غي قادر على السداد فأمهلوه إل أن ييسّر ال له رزقًا‬ ‫فيدفع إليكم مالكم‪ ,‬وإن تتركوا رأس الال كله أو بعضه وتضعوه عن‬

‫‪143‬‬

‫الدين فهو أفضل لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون فَضْلَ ذلك‪ ,‬وأنّه خي لكم ف‬ ‫الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫سبَتْ وَهُ ْم ل‬ ‫وَاتّقُوا َيوْما تُ ْرجَعُونَ فِيهِ ِإلَى اللّهِ ُثمّ ُتوَفّى كُلّ نَ ْفسٍ مَا َك َ‬ ‫يُظْلَمُونَ (‪)281‬‬ ‫واحذروا ‪-‬أيها الناس‪ -‬يومًا ترجعون فيه إل ال‪ ,‬وهو يوم القيامة‪,‬‬ ‫حيث تعرضون على ال ليحاسبكم‪ ,‬فيجازي كل واحد منكم با عمل‬ ‫من خي أو شر دون أن يناله ظلم‪ .‬وف الية إشارة إل أن اجتناب ما‬ ‫حرم ال من الكاسب الربوية‪ ,‬تكميل لليان وحقوقه من إقام الصلة‬ ‫وإيتاء الزكاة وعمل الصالات‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َتدَايَنتُمْ بِ َديْنٍ ِإلَى َأجَلٍ ُمسَمّى فَا ْكُتبُوهُ َوْليَ ْكتُ ْ‬ ‫ب‬ ‫ب كَمَا عَلّ َمهُ الّلهُ فَ ْليَ ْكتُبْ‬ ‫ب كَاتِبٌ َأنْ يَ ْكتُ َ‬ ‫ب بِالْعَدْلِ وَل يَأْ َ‬ ‫َبْينَكُمْ كَاتِ ٌ‬ ‫خسْ ِمْنهُ َشيْئا َفِإنْ كَانَ‬ ‫َولْيُمْلِ ْل الّذِي عََلْي ِه اْلحَقّ َوْلَيتّقِ الّلهَ َرّبهُ وَل َيْب َ‬ ‫ستَطِيعُ َأنْ يُمِ ّل ُهوَ فَ ْلُيمْلِلْ َوِلّيهُ‬ ‫الّذِي عََلْي ِه اْلحَقّ سَفِيها َأوْ ضَعِيفا َأوْ ل َي ْ‬ ‫بِالْعَدْ ِل وَا ْسَتشْهِدُوا َشهِي َديْنِ مِنْ رِجَالِكُ ْم َفِإنْ لَمْ يَكُونَا رَجَُليْ ِن فَ َرجُلٌ‬ ‫‪144‬‬

‫شهَدَاءِ َأنْ تَضِلّ إِ ْحدَاهُمَا َفتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا‬ ‫ضوْنَ مِ ْن ال ّ‬ ‫وَامْرََأتَانِ مِمّنْ َت ْر َ‬ ‫الُخْرَى وَل يَ ْأبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَل َتسْأَمُوا َأنْ تَ ْكُتبُوهُ صَغِيا َأوْ‬ ‫شهَادَ ِة وَأَ ْدنَى أَ ّل تَ ْرتَابُوا إِلّ‬ ‫ط ِعنْ َد اللّهِ َوأَ ْقوَمُ لِل ّ‬ ‫َكبِيا ِإلَى َأجَِلهِ َذلِكُمْ أَ ْقسَ ُ‬ ‫َأنْ تَكُونَ ِتجَارَةً حَاضِرَةً ُتدِيرُوَنهَا َبْينَ ُكمْ َفَلْيسَ عََليْكُمْ ُجنَاحٌ أَ ّل تَ ْكُتبُوهَا‬ ‫ب وَل َشهِي ٌد وَِإنْ تَفْعَلُوا َفِإنّهُ ُفسُوقٌ‬ ‫وَأَ ْشهِدُوا إِذَا َتبَايَ ْعتُمْ وَل يُضَارّ كَاتِ ٌ‬ ‫بِكُ ْم وَاتّقُوا الّلهَ َويُعَلّمُ ُكمْ الّلهُ وَالّلهُ بِكُلّ شَ ْي ٍء عَلِي ٌم (‪)282‬‬ ‫يا من آمنتم بال واتبعتم رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم إذا تعاملتم‬ ‫ب َديْن إل وقت معلوم فاكتبوه; حفظًا للمال ودفعًا للناع‪ .‬ولْيقُم بالكتابة‬ ‫رجل أمي ضابط‪ ,‬ول يتنع مَن علّمه ال الكتابة عن ذلك‪ ,‬ولْيقم الدين‬ ‫بإملء ما عليه من ال ّديْن‪ ,‬ولياقب ربه‪ ,‬ول ينقص من دينه شيئا‪ .‬فإن‬ ‫كان الدين مجورًا عليه لتبذيره وإسرافه‪ ,‬أو كان صغيًا أو منونًا‪ ,‬أو ل‬ ‫يستطيع النطق لرس به أو عدم قدرة كاملة على الكلم‪ ,‬فليتولّ الملء‬ ‫عن الدين القائم بأمره‪ ,‬واطلبوا شهادة رجلي مسل َميْن بالِ َغيْن عاقَليْن‬ ‫من أهل العدالة‪ .‬فإن ل يوجد رجلن‪ ,‬فاطلبوا شهادة رجل وامرأتي‬ ‫سيَتْ إحداها ذكّرتا الخرى‪ ,‬وعلى‬ ‫ترضون شهادتم‪ ,‬حت إذا َن ِ‬ ‫الشهداء أن ييبوا مَن دعاهم إل الشهادة‪ ,‬وعليهم أداؤها إذا ما دعوا‬ ‫إليها‪ ,‬ول َتمَلّوا من كتابة الدّين قليل أو كثيًا إل وقته العلوم‪ .‬ذلكم‬ ‫أعدل ف شرع ال وهديه‪ ,‬وأعظم عونًا على إقامة الشهادة وأدائها‪,‬‬ ‫‪145‬‬

‫وأقرب إل نفي الشك ف جنس الدّين وقدره وأجله‪ .‬لكن إن كانت‬ ‫السألة مسألة بيع وشراء‪ ،‬بأخذ سلعة ودفع ثنها ف الال‪ ،‬فل حاجة إل‬ ‫الكتابة‪ ,‬ويستحب الشهاد على ذلك منعًا للناع والشقاق‪ ،‬ومن‬ ‫الواجب على الشاهد والكاتب أداء الشهادة على وجهها والكتابة كما‬ ‫أمر ال‪ .‬ول يوز لصاحب الق ومَن عليه الق الضرار بال ُكتّاب‬ ‫والشهود‪ ،‬وكذلك ل يوز لل ُكتّاب والشهود أن يضارّوا بن احتاج إل‬ ‫كتابتهم أو شهادتم‪ ،‬وإن تفعلوا ما نيتم عنه فإنه خروج عن طاعة ال‪،‬‬ ‫وعاقبة ذلك حالّة بكم‪ .‬وخافوا ال ف جيع ما أمركم به‪ ،‬وناكم عنه‪،‬‬ ‫ويعلمكم ال جيع ما يصلح دنياكم وأخراكم‪ .‬وال بكل شيء عليم‪،‬‬ ‫فل يفى عليه شيء من أموركم‪ ،‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬ ‫ضةٌ َفِإنْ أَمِ َن بَعْضُكُ ْم‬ ‫وَِإنْ كُنتُ ْم عَلَى سَ َفرٍ َولَمْ ِتدُوا كَاتِبا فَرِهَانٌ مَ ْقبُو َ‬ ‫شهَادَ َة وَمَنْ‬ ‫بَعْضا فَ ْلُيؤَدّ الّذِي ا ْؤتُمِنَ أَمَاَنَتهُ َوْلَيتّقِ الّلهَ َرّبهُ وَل تَ ْكُتمُوا ال ّ‬ ‫يَ ْكتُ ْمهَا َفِإّنهُ آثِ ٌم قَ ْلُب ُه وَالّلهُ بِمَا تَ ْعمَلُونَ عَلِي ٌم (‪)283‬‬ ‫وإن كنتم مسافرين ول تدوا مَن يكتب لكم فادفعوا إل صاحب الق‬ ‫شيئًا يكون عنده ضمانًا لقّه إل أن يردّ الدي ُن ما عليه من دين‪ ,‬فإن‬ ‫وثق بعضكم ببعض فل حرج ف ترك الكتابة والشهاد والرهن‪ ,‬ويبقى‬ ‫‪146‬‬

‫الدّين أمانة ف ذمّة الدين‪ ,‬عليه أداؤه‪ ,‬وعليه أن يراقب ال فل يون‬ ‫صاحبه‪ .‬فإن أنكر الدين ما عليه من دين‪ ,‬وكان هناك مَن حضر‬ ‫وشهد‪ ,‬فعليه أن يظهر شهادته‪ ,‬ومن أخفى هذه الشهادة فهو صاحب‬ ‫قلب غادر فاجر‪ .‬وال الُطّلِع على السرائر‪ ,‬الحيط علمه بكل أموركم‪,‬‬ ‫سيحاسبكم على ذلك‪.‬‬ ‫ض وَِإنْ ُتبْدُوا مَا فِي أَن ُفسِ ُكمْ َأ ْو‬ ‫لِّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي الَرْ ِ‬ ‫ب مَنْ َيشَاءُ وَالّلهُ عَلَى‬ ‫ُتخْفُوهُ ُيحَا ِسبْ ُكمْ ِبهِ الّلهُ َفيَغْ ِفرُ لِمَنْ َيشَاءُ َويُعَذّ ُ‬ ‫كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)284‬‬

‫ل ملك السموات والرض وما فيهما ملكًا وتدبيًا وإحاطة‪ ,‬ل يفى‬ ‫عليه شيء‪ .‬وما تظهروه ما ف أنفسكم أو تفوه فإن ال يعلمه‪,‬‬ ‫وسيحاسبكم به‪ ,‬فيعفو عمن يشاء‪ ,‬ويؤاخذ من يشاء‪ .‬وال قادر على‬ ‫كل شيء‪ ,‬وقد أكرم ال السلمي بعد ذلك فعفا عن حديث النفس‬ ‫وخطرات القلب ما ل يتبعها كلم أو عمل‪ ,‬كما ثبت ذلك عن رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪147‬‬

‫آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنزِلَ ِإَليْهِ مِ ْن َرّبهِ وَالْ ُمؤْ ِمنُونَ كُلّ آمَنَ بِالّلهِ وَمَلئِ َكِت ِه‬ ‫وَ ُكُتبِهِ َورُسُِل ِه ل نُفَرّقُ َبيْنَ أَ َحدٍ مِ ْن رُسُِلهِ وَقَالُوا سَمِ ْعنَا وََأطَ ْعنَا غُفْرَاَنكَ‬ ‫ك الْمَصِيُ (‪)285‬‬ ‫َرّبنَا وَِإَليْ َ‬ ‫صدّق وأيقن رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم با أوحي إليه من ربه‬ ‫وحُقّ له أن يُوقن‪ ,‬والؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن العظيم‪ ,‬كل‬ ‫منهم صدّق بال ربا وإلًا متصفًا بصفات اللل والكمال‪ ,‬وأن ل‬ ‫ملئكة كرامًا‪ ,‬وأنه أنزل كتبًا‪ ,‬وأرسل إل خلقه رسل ل نؤمن ‪-‬نن‬ ‫الؤمني‪ -‬ببعضهم وننكر بعضهم‪ ,‬بل نؤمن بم جيعًا‪ .‬وقال الرسول‬ ‫والؤمنون‪ :‬سعنا يا ربنا ما أوحيت به‪ ,‬وأطعنا ف كل ذلك‪ ,‬نرجو أن‬ ‫تغفر ‪-‬بفضلك‪ -‬ذنوبنا‪ ,‬فأنت الذي ربّيتنا با أنعمت به علينا‪ ,‬وإليك‬ ‫وحدك‪ -‬مرجعنا ومصينا‪.‬‬‫ت َرّبنَا‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ت وَعََلْيهَا مَا ا ْكتَ َ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ف الّلهُ نَفْسا إِلّ وُ ْس َعهَا َلهَا مَا َك َ‬ ‫ل يُكَلّ ُ‬ ‫ل ُتؤَاخِ ْذنَا ِإنْ َنسِينَا َأوْ َأخْطَ ْأنَا َرّبنَا وَل َتحْمِلْ عََلْينَا ِإصْرا َكمَا َحمَ ْلَتهُ‬ ‫ف َعنّا وَاغْفِرْ‬ ‫عَلَى الّذِينَ مِنْ َقبِْلنَا َرّبنَا وَل ُتحَمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا ِبهِ وَاعْ ُ‬ ‫ت َموْلنَا فَانصُ ْرنَا عَلَى الْ َقوْمِ الْكَافِرِينَ ( ‪)286‬‬ ‫َلنَا وَارْحَ ْمنَا َأنْ َ‬

‫‪148‬‬

‫دين ال يسر ل مشقة فيه‪ ,‬فل يطلب ال مِن عباده ما ل يطيقونه‪ ,‬فمن‬ ‫فعل خيًا نال خيًا‪ ,‬ومن فعل شرّا نال شرّا‪ .‬ربنا ل تعاقبنا إن نسينا‬ ‫شيئًا ما افترضته علينا‪ ,‬أو أخطأنا ف فِعْل شيء نيتنا عن فعله‪ ,‬ربّنا ول‬ ‫تكلفنا من العمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لم‪ ,‬ربنا‬ ‫ول ُتحَمّ ْلنَا ما ل نستطيعه من التكاليف والصائب‪ ,‬وامح ذنوبنا‪ ,‬واستر‬ ‫عيوبنا‪ ,‬وأحسن إلينا‪ ,‬أنت مالك أمرنا ومدبره‪ ,‬فانصرنا على مَن‬ ‫جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك‪ ,‬وكذّبوا نبيك ممدًا صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬واجعل العاقبة لنا عليهم ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -3‬سورة آل عمران‬ ‫ال (‪)1‬‬ ‫سبق الكلم عليها ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫الّلهُ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو اْلحَيّ الْ َقيّومُ (‪)2‬‬ ‫‪149‬‬

‫هو ال‪ ,‬ل معبود بق إل هو‪ ,‬التصف بالياة الكاملة كما يليق بلله‪,‬‬ ‫القائم على كل شيء‪.‬‬ ‫ب بِاْلحَقّ مُ صَدّقا لِمَا َبيْ نَ َي َديْ هِ وََأْنزَلَ التّ ْورَاةَ وَا ِلنْجِيلَ‬ ‫نَزّ َل عََليْ كَ الْ ِكتَا َ‬ ‫(‪ )3‬مِنْ َقبْلُ ُهدًى لِلنّاسِ وََأنْزَلَ الْفُرْقَانَ ِإنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ‬ ‫عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالّلهُ عَزِيزٌ ذُو اْنتِقَامٍ (‪)4‬‬ ‫نَزّل عيك القرآن بالق الذي ل ريب فيه‪ ,‬مصدّقًا لا قبله من كتب‬ ‫ورسل‪ ,‬وأنزل التوراة على موسى علبه السلم‪ ,‬والنيل على عيسى‬ ‫عليه السلم من قبل نزول القرآن; لرشاد التقي إل اليان‪ ,‬وصلح‬ ‫دينهم ودنياهم‪ ,‬وأنزل ما يفرق بي الق والباطل‪ .‬والذين كفروا بآيات‬ ‫ال النلة‪ ,‬لم عذاب عظيم‪ .‬وال عزيز ل يُغَالَب‪ ,‬ذو انتقام بن جحد‬ ‫حججه وأدلته‪ ,‬وتفرّده باللوهية‪.‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ ل َيخْفَى عََلْيهِ شَ ْيءٌ فِي ا َلرْضِ وَل فِي السّمَاءِ (‪)5‬‬ ‫إن ال ميط علمه باللئق‪ ,‬ل يفى عليه شيء ف الرض ول ف‬ ‫السماء‪ ,‬قلّ أو كثر‪.‬‬ ‫‪150‬‬

‫ف َيشَاءُ ل ِإلَهَ إِ ّل ُهوَ الْعَزِي ُز اْلحَكِيمُ‬ ‫ص ّورُكُ ْم فِي ا َلرْحَا ِم َكيْ َ‬ ‫ُهوَ الّذِي يُ َ‬

‫(‪)6‬‬

‫هو وحده الذي يلقكم ف أرحام أمهاتكم كما يشاء‪ ,‬من ذكر وأنثى‪,‬‬ ‫وحسن وقبيح‪ ,‬وشقي وسعيد‪ ,‬ل معبود بق سواه‪ ,‬العزيز الذي ل‬ ‫يُغالَب‪ ,‬الكيم ف أمره وتدبيه‪.‬‬ ‫ب وَأُ َخ ُر‬ ‫ت هُنّ أُمّ الْ ِكتَا ِ‬ ‫ت ُمحْكَمَا ٌ‬ ‫ب ِمنْهُ آيَا ٌ‬ ‫ك الْ ِكتَا َ‬ ‫ُهوَ الّذِي َأْنزَلَ عََليْ َ‬ ‫ت فَأَمّا الّذِي نَ فِي قُلُوِبهِ مْ َزيْ ٌغ َفَيّتبِعُو نَ مَا َتشَابَ هَ ِمنْ ُه اْبتِغَاءَ الْ ِفْتَنةِ‬ ‫ُمَتشَاِبهَا ٌ‬ ‫وَاْبتِغَاءَ تَ ْأوِيلِ هِ وَمَا يَعَْل ُم تَ ْأوِيلَ هُ إِلّ اللّ هُ وَالرّا ِسخُونَ فِي الْعِلْ مِ يَقُولُو نَ آ َمنّا‬

‫ِبهِ كُلّ مِ ْن ِعنْدِ َرّبنَا وَمَا يَذّكّرُ إِلّ ُأ ْولُوا ا َلْلبَابِ (‪)7‬‬

‫هو وحده الذي أنزل عليك القرآن‪ :‬منه آيات واضحات الدللة‪ ,‬هن‬ ‫أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الشتباه‪ ,‬ويُرَ ّد ما خالفه إليه‪ ,‬ومنه‬ ‫آيات أخر متشابات تتمل بعض العان‪ ,‬ل يتعيّن الراد منها إل بضمها‬ ‫إل الحكم‪ ,‬فأصحاب القلوب الريضة الزائغة‪ ,‬لسوء قصدهم يتبعون‬ ‫هذه اليات التشابات وحدها; ليثيوا الشبهات عند الناس‪ ,‬كي‬ ‫يضلوهم‪ ,‬ولتأويلهم لا على مذاهبهم الباطلة‪ .‬ول يعلم حقيقة معان‬ ‫‪151‬‬

‫هذه اليات إل ال‪ .‬والتمكنون ف العلم يقولون‪ :‬آمنا بذا القرآن‪ ,‬كله‬ ‫قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬ ‫ويردّون متشابه إل مكمه‪ ,‬وإنا يفهم ويعقل ويتدبر العان على وجهها‬ ‫الصحيح أولو العقول السليمة‪.‬‬ ‫َرّبنَا ل ُتزِ غْ قُلُوَبنَا بَعْدَ إِ ْذ هَ َدْيَتنَا وَهَ بْ َلنَا مِ ْن لَ ُدنْ كَ رَ ْح َمةً ِإنّ كَ َأْن تَ‬

‫الْوَهّابُ (‪)8‬‬

‫ويقولون‪ :‬يا ربنا ل تَصْرِف قلوبنا عن اليان بك بعد أن مننت علينا‬ ‫بالداية لدينك‪ ,‬وامنحنا من فضلك رحة واسعة‪ ,‬إنك أنت الوهاب‪:‬‬ ‫كثي الفضل والعطاء‪ ,‬تعطي مَن تشاء بغي حساب‪.‬‬ ‫ف الْمِيعَا َد (‪)9‬‬ ‫َرّبنَا ِإنّكَ جَامِعُ النّاسِ ِلَيوْمٍ ل َريْبَ فِيهِ ِإنّ الّلهَ ل ُيخْلِ ُ‬ ‫ك فيه‪ ,‬وهو يوم‬ ‫يا ربنا إنا نُقِ ّر ونشهد بأنك ستجمع الناس ف يوم ل شَ ّ‬ ‫ت به عبادك‪.‬‬ ‫القيامة‪ ,‬إنّك ل تُخلف ما وعَدْ َ‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا لَ نْ تُ ْغنِ يَ َعْنهُ مْ أَ ْموَاُلهُ مْ وَل َأوْلدُ ُه ْم مِ ْن اللّ هِ َشيْئا‬ ‫‪152‬‬

‫وَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم وَقُودُ النّارِ (‪)10‬‬ ‫إن الذين جحدوا الدين الق وأنكروه‪ ,‬لن تنفعهم أموالم ول أولدهم‬ ‫من عذاب ال شيئًا إن وقع بم ف الدنيا‪ ,‬ولن تدفعه عنهم ف الخرة‪,‬‬ ‫وهؤلء هم حطب النار يوم القيامة‪.‬‬ ‫كَ َدأْبِ آ ِل فِرْ َعوْنَ وَالّذِينَ مِ ْن َقبِْلهِمْ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَأَ َخذَهُ ْم اللّهُ بِ ُذنُوِبهِمْ‬ ‫ب (‪)11‬‬ ‫وَالّلهُ شَدِي ُد الْعِقَا ِ‬ ‫شأن الكافرين ف تكذيبهم وما ينل بم‪ ,‬شأن آل فرعون والذين من‬ ‫قبلهم من الكافرين‪ ,‬أنكروا آيات ال الواضحة‪ ,‬فعاجلهم بالعقوبة‬ ‫بسبب تكذيبهم وعنادهم‪ .‬وال شديد العقاب لن كفر به وكذّب‬ ‫رسله‪.‬‬ ‫قُ ْل لِلّذِينَ كَفَرُوا َستُغَْلبُونَ َوُتحْشَرُونَ ِإلَى َج َهنّمَ َوِبْئسَ الْ ِمهَادُ (‪)12‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬للذين كفروا من اليهود وغيهم والذين استهانوا‬ ‫بن صرك ف "بَدْر"‪ :‬إن كم سُتهْزَمون ف الدن يا و ستموتون على الك فر‪,‬‬ ‫وتشرون إل نار جهنم; لتكون فراشًا دائمًا لكم‪ ,‬وبئس الفراش‬ ‫‪153‬‬

‫َقدْ كَا نَ لَ ُك ْم آَيةٌ فِي ِفَئَتيْ نِ اْلتَ َقتَا ِفَئةٌ تُقَاتِلُ فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَُأخْرَى كَافِرَ ٌة‬ ‫ي الْ َعيْ نِ وَاللّ هُ ُي َؤيّدُ ِبنَ صْرِ ِه مَ نْ َيشَاءُ ِإنّ فِي َذلِ كَ لَ ِعبْرَةً‬ ‫يَ َر ْوَنهُ مْ ِمثَْلْيهِ ْم رَأْ َ‬ ‫ُلوْلِي ا َلبْصَارِ (‪)13‬‬ ‫قد كان لكم ‪-‬أيها اليهود التكبون العاندون‪ -‬دللة عظيمة ف جاعتي‬ ‫تقابلتا ف معركة "بَدْر"‪ :‬جاعة تقاتل من أجل دين ال‪ ,‬وهم ممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬وجاعة أخرى كافرة بال‪ ,‬تقاتل من أجل‬ ‫الباطل‪ ,‬ترى الؤمني ف العدد مثليهم رأي العي‪ ,‬وقد جعل ال ذلك‬ ‫سببًا لنصر السلمي علبهم‪ .‬وال يؤيّد بنصره من يشاء من عباده‪ .‬إن ف‬ ‫هذا الذي حدث لَعِظة عظيمة لصحاب البصائر الذين يهتدون إل‬ ‫حكم ال وأفعاله‪.‬‬ ‫شهَوَا تِ مِ نْ النّ سَاءِ وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِيِ الْمُ َقنْطَرَ ِة مِ ْن‬ ‫ُزيّ نَ لِلنّا سِ حُبّ ال ّ‬ ‫حيَاةِ‬ ‫ع الْ َ‬ ‫سوّ َمةِ وَا َلنْعَا ِم وَاْلحَرْ ثِ َذلِ كَ َمتَا ُ‬ ‫خيْلِ الْمُ َ‬ ‫ضةِ وَاْل َ‬ ‫الذّهَ بِ وَالْفِ ّ‬ ‫ب (‪)14‬‬ ‫ال ّدْنيَا وَالّلهُ ِعنْدَهُ ُحسْنُ الْمَآ ِ‬ ‫ُحسّن للناس حبّ الشهوات من النساء والبني‪ ,‬والموال الكثية من‬ ‫الذهب والفضة‪ ,‬واليل السان‪ ,‬والنعام من البل والبقر والغنم‪,‬‬

‫‪154‬‬

‫والرض الّتخَذة للغراس والزراعة‪ .‬ذلك زهرة الياة الدنيا وزينتها‬ ‫الفانية‪ .‬وال عنده حسن الرجع والثواب‪ ,‬وهو النّة‪.‬‬ ‫خيْرٍ مِ نْ َذلِكُ ْم لِلّذِي َن اتّ َقوْا ِعْندَ َرّبهِ مْ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ ْن‬ ‫قُلْ َأ ُؤَنّبئُكُ مْ ِب َ‬ ‫حتِهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِي َن فِيهَا خَالِدِي نَ فِيهَا وََأ ْزوَا جٌ مُ َطهّرٌَة َو ِرضْوَا نٌ مِ نْ‬ ‫َت ْ‬ ‫اللّهِ وَالّلهُ بَصِيٌ بِالْ ِعبَادِ (‪)15‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أأخبكم بي ما ُزيّن للنّاس ف هذه الياة الدنيا‪,‬‬ ‫لن راقب ال وخاف عقابه جنات تري من تت قصورها وأشجارها‬ ‫النار‪ ,‬خالدين فيها‪ ,‬ولم فيها أزواج مطهرات من اليض والنفاس‬ ‫وسوء اللق‪ ,‬ولم أعظم من ذلك‪ :‬رضوان من ال‪ .‬وال مطّلِع على‬ ‫سرائر خلقه‪ ,‬عال بأحوالم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫الّذِينَ يَقُولُونَ َرّبنَا ِإّننَا آ َمنّا فَاغْفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَِقنَا َعذَابَ النّارِ (‪)16‬‬ ‫هؤلء العباد التقون يقولون‪ :‬إننا آمنا بك‪ ,‬واتبعنا رسولك ممدًا صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ ,‬فامْ ُح عنا ما اقترفناه من ذنوب‪ ,‬وننا من عذاب النار‪.‬‬

‫‪155‬‬

‫َسمحَارِ (‬ ‫ُسمغْفِرِينَ بِال ْ‬ ‫الصمّابِرِينَ وَالصمّادِِقيَ وَالْقَاِنتِيَ وَالْ ُمنْفِقِيَ وَالْم ْتَ‬ ‫‪)17‬‬ ‫هم الذين اتصفوا بالصب على الطاعات‪ ,‬وعن العاصي‪ ,‬وعلى ما‬ ‫يصيبهم من أقدار ال الؤلة‪ ,‬وبالصدق ف القوال والفعال وبالطاعة‬ ‫التامة‪ ,‬وبالنفاق سرا وعلنية‪ ,‬وبالستغفار ف آخر الليل; لنه مَ ِظنّة‬ ‫القبول وإجابة الدعاء‪.‬‬ ‫َشهِدَ اللّ هُ َأنّ هُ ل ِإلَ هَ إِلّ ُه َو وَالْمَلئِ َك ُة وَُأوْلُوا الْعِلْ ِم قَائِما بِالْقِ سْطِ ل ِإلَ هَ‬

‫إِلّ ُه َو الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ ( ‪)18‬‬ ‫شهد ال أنه التفرد باللية‪ ,‬وقَرَ نَ شهادته بشهادة اللئكة وأهل العلم‪,‬‬ ‫على أج ّل مشهود عليه‪ ,‬وهو توحيده تعال وقيامه بالعدل‪ ,‬ل إله إل هو‬ ‫العزيز الذي ل يتنع عليه شيء أراده‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‬ ‫ِإنّ الدّي َن ِعنْدَ اللّ هِ الِ سْلمُ وَمَا ا ْختَلَ فَ الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ إِ ّل مِ ْن بَعْ ِد‬ ‫سمرِيعُ‬ ‫ّهم َ‬ ‫ّهم َفإِنّ الل َ‬ ‫َاتم الل ِ‬ ‫َنم يَكْفُ ْر بِآي ِ‬ ‫ُمم وَم ْ‬ ‫ْمم بَغْيا َبْيَنه ْ‬ ‫ُمم الْعِل ُ‬ ‫مَا جَاءَه ْ‬ ‫ب (‪)19‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫الْ ِ‬

‫‪156‬‬

‫إن الدين الذي ارتضاه ال للقه وأرسل به رسله‪ ,‬ول يَ ْقبَل غيه هو‬ ‫السلم‪ ,‬وهو النقياد ل وحده بالطاعة والستسلم له بالعبودية‪,‬‬ ‫واتباع الرسل فيما بعثهم ال به ف كل حي حت خُتموا بحمد صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ ,‬الذي ل يقبل ال مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى السلم‬ ‫الذي أُرسل به‪ .‬وما وقع اللف بي أهل الكتاب من اليهود‬ ‫والنصارى‪ ,‬فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إل من بعد ما قامت الجة عليهم‬ ‫بإرسال الرسل وإنزال الكتب; بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا‪ .‬ومن يحد‬ ‫آيات ال النلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته‪ ,‬فإن ال سريع‬ ‫الساب‪ ,‬وسيجزيهم با كانوا يعملون‪.‬‬ ‫ت وَجْهِي لِلّ هِ وَمَ نْ اّتبَعَنِي وَقُلْ لِلّذِي نَ أُوتُوا‬ ‫َفإِ نْ حَاجّو كَ فَقُلْ َأ سَْلمْ ُ‬ ‫الْ ِكتَا بَ وَالُ ّمّييَ أَأَ سْلَ ْمُتمْ َفإِ نْ أَ سْلَمُوا فَقَ ْد ا ْهتَدَوا وَإِ نْ َت َوّلوْا َفِإنّمَا عََلْي كَ‬ ‫الْبَلغُ وَالّلهُ بَصِيٌ بِالْ ِعبَا ِد (‪)20‬‬

‫فإن جادلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أهل الكتاب ف التوحيد بعد أن أقمت‬ ‫الجة عليهم فقل لم‪ :‬إنن أخلصت ل وحده فل أشرك به أحدًا‪,‬‬ ‫وكذلك من اتبعن من الؤمني‪ ,‬أخلصوا ل وانقادوا له‪ .‬وقل لم‬ ‫ولشركي العرب وغيهم‪ :‬إن أسلمتم فأنتم على الطريق الستقيم‬ ‫والدى والق‪ ,‬وإن توليتم فحسابكم على ال‪ ,‬وليس عل ّي إل البلغ‪,‬‬ ‫‪157‬‬

‫وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الجة‪ .‬وال بصي بالعباد‪ ,‬ل يفى عليه من‬ ‫أمرهم شيء‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن يَكْفُرُو نَ بِآيَا تِ اللّ هِ َويَ ْقتُلُو نَ النِّبّييَ بِ َغيْرِ حَقّ َويَ ْقتُلُو نَ الّذِي نَ‬ ‫ط مِنْ النّاسِ َفَبشّرْهُمْ بِ َعذَابٍ َألِيمٍ (‪)21‬‬ ‫يَأْمُرُونَ بِالْقِسْ ِ‬ ‫إن الذين يحدون بالدلئل الواضحة وما جاء به الرسلون‪ ,‬ويقتلون‬ ‫أنبياء ال ظلمًا بغي حق‪ ,‬ويقتلون الذين يأمرون بالعدل واتباع طريق‬ ‫النبياء‪ ,‬فبشّرهم بعذاب موجع‪.‬‬ ‫ك الّذِينَ َحبِطَتْ أَعْمَاُلهُمْ فِي ال ّدْنيَا وَالخِرَ ِة وَمَا لَهُ ْم مِنْ نَاصِرِينَ (‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫‪)22‬‬ ‫أولئك الذين بطلت أعمالم ف الدنيا والخرة‪ ,‬فل يُقبل لم عمل‪ ,‬وما‬ ‫لم من ناصرٍ ينصرهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫ب اللّ هِ‬ ‫ب يُدْ َعوْ نَ ِإلَى ِكتَا ِ‬ ‫َألَ مْ َترَى ِإلَى الّذِي نَ أُوتُوا نَ صِيبا مِ نْ الْ ِكتَا ِ‬ ‫ِليَحْكُ َم َبْيَنهُمْ ثُ ّم َيَت َولّى فَرِي ٌق ِمْنهُمْ وَهُ ْم مُعْ ِرضُونَ ( ‪)23‬‬ ‫‪158‬‬

‫أرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجب من حال هؤلء اليهود الذين أتاهم ال‬ ‫حظا من الكتاب فعلموا أن ما جئت به هو الق‪ ,‬يُدْعون إل ما جاء ف‬ ‫كتاب ال ‪-‬وهو القرآن‪ -‬ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه‪ ,‬فإن ل يوافق‬ ‫أهواءهم يَ ْأبَ كثي منهم حكم ال; لن من عادتم العراض عن الق؟‬ ‫ت وَغَرّهُ ْم فِي دِيِنهِمْ مَا‬ ‫سنَا النّارُ إِلّ َأيّاما َمعْدُودَا ٍ‬ ‫َذلِكَ بَِأّنهُ ْم قَالُوا لَنْ تَ َم ّ‬

‫كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)24‬‬

‫ذلك النصراف عن الق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب; بأنم لن‬ ‫يعذّبوا إل أيامًا قليلة‪ ,‬وهذا العتقاد أدى إل جرأتم على ال‬ ‫واستهانتهم بدينه‪ ,‬واستمرارهم على دينهم الباطل الذي خَدَعوا به‬ ‫أنفسهم‪.‬‬ ‫سبَتْ وَهُمْ‬ ‫س مَا َك َ‬ ‫َف َكيْفَ إِذَا جَمَ ْعنَاهُمْ ِلَيوْمٍ ل َريْبَ فِي ِه َووُّفيَتْ كُلّ نَ ْف ٍ‬ ‫ل يُظْلَمُونَ (‪)25‬‬ ‫فكيف يكون حالم إذا جعهم ال ليحاسَبوا ف يوم ل شك ف وقوعه‬ ‫وهو يوم القيامة‪ ،-‬وأخذ كل واحد جزاءَ ما اكتسب‪ ,‬وهم ل‬‫يظلمون شيئا؟‬ ‫‪159‬‬

‫قُ ْل الّلهُمّ مَالِ كَ الْمُلْ كِ ُت ْؤتِي الْمُلْ كَ مَ نْ َتشَاءُ َوَتنْزِ عُ الْمُلْ كَ ِممّ ْن َتشَا ُء‬ ‫خيْرُ ِإنّ كَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‬ ‫َوتُعِزّ مَ نْ َتشَاءُ َوتُذِلّ مَ نْ َتشَاءُ ِبَيدِ َك الْ َ‬ ‫‪)26‬‬ ‫قل ‪-‬أيها النب متوجها إل ربك بالدعاء‪ :-‬يا مَن لك اللك كلّه‪ ,‬أنت‬ ‫الذي تنح اللك والال والتمكي ف الرض مَن تشاء مِن خلقك‪,‬‬ ‫وتسلب اللك من تشاء‪ ,‬وتب العزة ف الدنيا والخرة مَن تشاء‪ ,‬وتعل‬ ‫الذلّة على من تشاء‪ ,‬بيدك الي‪ ,‬إنك ‪-‬وحدك‪ -‬على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫وف الية إثبات لصفة اليد ل تعال على ما يليق به سبحانه‪.‬‬ ‫تُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ َوتُولِ ُج النّهَارَ فِي الّليْلِ َوُتخْرِ جُ اْلحَيّ مِ نْ الْ َميّ تِ‬ ‫ب (‪)27‬‬ ‫ت مِنْ اْلحَيّ َوتَ ْرزُقُ مَ ْن َتشَاءُ بِ َغْيرِ ِحسَا ٍ‬ ‫َوتُخْ ِرجُ الْ َميّ َ‬ ‫ومن دلئل قدرتك أنك تُدخل الليل ف النهار‪ ,‬وتُدخل النهار ف الليل‪,‬‬ ‫فيطول هذا ويقصر ذاك‪ ,‬وتُخرج الي من اليت الذي ل حياة فيه‪,‬‬ ‫كإخراج الزرع من الب‪ ,‬والؤمن من الكافر‪ ,‬وتُخرج اليت من الي‬ ‫كإخراج البيض من الدجاج‪ ,‬وترزق من تشاء مَن خلقك بغي حساب‪.‬‬

‫‪160‬‬

‫ل َيّتخِذْ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ الْكَافِرِي نَ َأ ْوِليَاءَ مِ نْ دُو نِ الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَمَ نْ يَفْعَلْ َذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫سهُ وَِإلَى‬ ‫فََليْسَ مِ ْن اللّهِ فِي شَ ْيءٍ إِلّ أَنْ َتتّقُوا ِمْنهُ ْم تُقَاةً َوُيحَ ّذرُكُ ْم اللّهُ نَفْ َ‬ ‫اللّهِ الْمَصِ ُي (‪)28‬‬ ‫ينهى ال الؤمني أن يتخذوا الكافرين أولياء بالحبة والنصرة من دون‬ ‫الؤمني‪ ,‬ومَن يتولم فقد برِئ من ال‪ ,‬وال برِيء منه‪ ,‬إل أن تكونوا‬ ‫ضعافًا خائفي فقد رخّص ال لكم ف مهادنتهم اتقاء لشرهم‪ ,‬حت‬ ‫تقوى شوكتكم‪ ,‬ويذركم ال نفسه‪ ,‬فاتقوه وخافوه‪ .‬وإل ال وحده‬ ‫رجوع اللئق للحساب والزاء‪.‬‬ ‫قُلْ إِن ْمُتخْفُوا مَا فِي صُمدُورِكُمْ َأوْ ُتبْدُوهُم يَ ْعلَمْهُم اللّهُم َويَعْلَمُم مَا فِي‬

‫السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ وَالّلهُ عَلَى كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)29‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬للمؤمني‪ :‬إن تكتموا ما استقر ف قلوبكم من مالة‬ ‫الكافرين ونصرتم أم تظهروا ذلك ل َيخْفَ على ال منه شيء‪ ,‬فإنّ‬ ‫علمه ميط بكل ما ف السماوات وما ف الرض‪ ,‬وله القدرة التامة على‬ ‫كل شيء‪.‬‬ ‫ت مِ نْ َخْيرٍ ُمحْضَرا وَمَا َعمِلَ تْ مِ نْ سُوءٍ‬ ‫َيوْ مَ َتجِدُ كُ ّل نَفْ سٍ مَا عَ ِملَ ْ‬ ‫‪161‬‬

‫سهُ وَاللّ هُ َرءُو فٌ‬ ‫َتوَدّ َلوْ أَنّ َبْينَهَا َوَبْينَ هُ أَمَدا بَعِيدا َويُحَ ّذرُكُ مْ اللّ هُ نَفْ َ‬ ‫بِالْ ِعبَادِ (‪)30‬‬ ‫وف يوم القيامة بوم الزاء تد كل نفس ما عملت من خي ينتظرها‬ ‫موفرًا لتُجزَى به‪ ,‬وما عملت من عمل سيّئ تده ف انتظارها أيضًا‪,‬‬ ‫فتتمن لو أن بينها وبي هذا العمل زمنًا بعيدًا‪ .‬فاستعدوا لذا اليوم‪,‬‬ ‫وخافوا بطش الله البار‪ .‬ومع شدّة عقابه فإنه سبحانه رءوف بالعباد‪.‬‬ ‫حِببْكُ ْم اللّ هُ َويَغْفِرْ لَكُ مْ ُذنُوبَكُ ْم وَاللّ هُ‬ ‫حبّو نَ اللّ هَ فَاّتبِعُونِي ُي ْ‬ ‫قُلْ إِ نْ ُكْنتُ مْ ُت ِ‬

‫غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)31‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن كنتم تبون ال حقا فاتبعون وآمنوا ب ظاهرًا‬ ‫وباطنًا‪ ,‬يببكم ال‪ ,‬وي ُح ذنوبكم‪ ,‬فإنه غفور لذنوب عباده الؤمني‪,‬‬ ‫رحيم بم‪ .‬وهذه الية الكرية حاكمة على كل من ادعى مبة ال‬ ‫تعال‪ -‬وليس متبعًا لنبيه مصد صلى ال عيه وسلم حق التباع‪ ,‬مطيعًا‬‫له ف أمره ونيه‪ ,‬فإنه كاذب ف دعواه حت يتابع الرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم حق التباع‪.‬‬ ‫قُلْ َأطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ َفإِنْ َت َوّلوْا َفِإنّ الّلهَ ل ُيحِبّ الْكَافِرِينَ (‪)32‬‬ ‫‪162‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أطيعوا ال باتباع كتابه‪ ,‬وأطيعوا الرسول باتباع‬ ‫سنته ف حياته وبعد ماته‪ ,‬فإن هم أعرضوا عنك‪ ,‬وأصروا على ما هم‬ ‫عليه مِن كفر وضلل‪ ,‬فليسوا أهل لحبة ال; فإن ال ل يب الكافرين‪.‬‬ ‫إِنّ اللّ هَ ا صْطَفَى آدَ َم َونُوحا وَآلَ ِإبْرَاهِي مَ وَآلَ ِعمْرَا نَ عَلَى الْعَالَمِيَ (‬ ‫‪)33‬‬ ‫إن ال اختار آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران‪ ,‬وجعلهم أفضل أهل‬ ‫زمانم‪.‬‬ ‫ضهَا مِ ْن بَعْضٍ وَالّلهُ سَمِيعٌ عَلِي ٌم (‪)34‬‬ ‫ُذ ّريّةً بَعْ ُ‬ ‫هؤلء النبياء والرسل سلسلة ُطهْر متواصلة ف الخلص ل وتوحيده‬ ‫والعمل بوحيه‪ .‬وال سيع لقوال عباده‪ ,‬عليم بأفعالم‪ ,‬وسيجازيهم على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ تْ امْ َرأَةُ ِعمْرَا نَ رَبّ ِإنّ ي نَ َذرْ تُ لَ كَ مَا فِي بَطْنِي ُمحَرّرا َفتَ َقبّلْ‬ ‫ت السّمِي ُع الْعَلِيمُ (‪)35‬‬ ‫ِمنّي ِإنّكَ َأنْ َ‬ ‫‪163‬‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر مري وأمها وابنها عيسى عليه‬ ‫السلم; لتردّ بذلك على من ادعوا أُلوهية عيسى أو بنوّته ل سبحانه‪ ,‬إذ‬ ‫قالت امرأة عمران حي حلت‪ :‬يا ربّ إن جعلت لك ما ف بطن‬ ‫خالصا لك‪ ,‬لدمة "بيت القدس"‪ ,‬فتقبّل من; إنك أنت وحدك السميع‬ ‫لدعائي‪ ,‬العليم بنيت‪.‬‬ ‫ت رَبّ ِإنّي َوضَ ْعُتهَا ُأْنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا َوضَعَتْ َوَليْ َ‬ ‫س‬ ‫َفلَمّا َوضَ َعْتهَا قَالَ ْ‬ ‫ِنم‬ ‫ِكم وَ ُذ ّرّيتَهَا م ْ‬ ‫َمم َوِإنّيمأُعِيذُهَا ب َ‬ ‫سمّمْيُتهَا َم ْري َ‬ ‫الذّكَرُ كَا ُلنْثَى وَِإنّيم َ‬

‫شيْطَانِ الرّجِيمِ (‪)36‬‬ ‫ال ّ‬

‫فلما تّ حلها ووضعت مولودها قالت‪ :‬ربّ إن وضعتها أنثى ل تصلح‬ ‫للخدمة ف "بيت القدس" ‪-‬وال أعلم با وضَعَتْ‪ ,‬وسوف يعل ال لا‬ ‫شأنًا‪ -‬وقالت‪ :‬وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالنثى ف ذلك; لن‬ ‫الذكر أقوى على الدمة وأ ْقوَم با‪ ,‬وإن سّيتها مري‪ ,‬وإن حصّنتها بك‬ ‫هي وذريّتها من الشيطان الطرود من رحتك‪.‬‬ ‫َفتَ َقبَّلهَا َرّبهَا بِ َقبُولٍ حَسَنٍ َوَأْنَبَتهَا َنبَاتا حَسَنا وَكَفَّلهَا زَكَ ِريّا كُلّمَا دَخَ َل‬ ‫ك هَذَا قَالَتْ‬ ‫ب وَ َجدَ ِعنْدَهَا ِرزْقا قَالَ يَا مَ ْرَيمُ َأنّى لَ ِ‬ ‫عََلْيهَا زَكَ ِريّا الْمِحْرَا َ‬ ‫‪164‬‬

‫ق مَنْ َيشَاءُ بِ َغيْرِ ِحسَابٍ (‪)37‬‬ ‫ُهوَ مِنْ ِعْندِ الّلهِ ِإنّ الّلهَ يَ ْرزُ ُ‬ ‫فاستجاب ال دعاءها وقبل منها نَذْرها أحسن قَبول‪ ,‬وتولّى ابنتها مري‬ ‫بالرعاية فأنبتها نباتًا حسنًا‪ ,‬ويسّر ال لا زكريا عليه السلم كافل‬ ‫فأسكنها ف مكان عبادته‪ ,‬وكان كلّما دخل عليها هذا الكان وجد‬ ‫عندها رزقًا هنيئًا معدّا قال‪ :‬يا مري من أين لكِ هذا الرزق الطيب؟‬ ‫قالت‪ :‬هو رزق من عند ال‪ .‬إن ال ‪-‬بفضله‪ -‬يرزق مَن يشاء مِن خلقه‬ ‫بغي حساب‪.‬‬ ‫ُهنَالِ كَ دَعَا زَكَ ِريّ ا َربّ هُ قَالَ رَبّ هَ بْ لِي مِ ْن لَ ُدنْ كَ ُذ ّرّيةً َطّيبَةً ِإنّ كَ‬ ‫سَمِيعُ الدّعَاءِ (‪)38‬‬ ‫عندما رأى زكريا ما أكرم ال به مري مِن رزقه وفضله توجه إل ربه‬ ‫قائل يا ربّ أعطن من عندك ولدًا صالًا مباركًا‪ ,‬إنك سيع الدعاء لن‬ ‫دعاك‪.‬‬ ‫صلّي فِي الْ ِمحْرَا بِ أَنّ اللّ هَ ُيَبشّرُ كَ ِبَيحْيَى‬ ‫َفنَا َدتْ ُه الْمَلئِ َكةُ وَ ُهوَ قَائِ مٌ يُ َ‬ ‫حيَ (‪)39‬‬ ‫مُصَدّقا بِكَِل َمةٍ مِنْ الّلهِ وَ َسيّدا وَحَصُورا َوَنِبيّا مِ ْن الصّالِ ِ‬ ‫‪165‬‬

‫فنادته اللئكة وهو واقف بي يدي ال ف مكان صلته يدعوه‪ :‬أن ال‬ ‫يبك بب يسرّك‪ ,‬وهو أنك سترزق بولد اسه يي‪ ,‬يُصَدّق بكلمة من‬ ‫ال ‪-‬وهو عيسى ابن مري عليه السلم‪ ،-‬ويكون يي سيدًا ف قومه‪ ,‬له‬ ‫الكانة والنلة العالية‪ ,‬وحصورًا ل يأت الذنوب والشهوات الضارة‪,‬‬ ‫ويكون نبيّا من الصالي الذين بلغوا ف الصّلح ذروته‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ َأنّى يَكُونُ لِي غُلمٌ وَقَ ْد بَلَ َغنِي الْ ِكبَ ُر وَامْرََأتِي عَاقِرٌ قَالَ كَ َذلِكَ‬ ‫اللّ هُ يَ ْفعَلُ مَا َيشَاءُ (‪ )40‬قَالَ رَبّ اجْعَلْ لِي آَيةً قَالَ آَيُت كَ أَ ّل تُكَلّ َم‬ ‫ك َكثِيا َو َسبّ ْح بِالْعَشِيّ وَا ِلبْكَارِ (‬ ‫النّا سَ ثَلَثةَ َأيّا مٍ إِ ّل رَمْزا وَاذْكُ ْر َربّ َ‬ ‫‪)41‬‬ ‫قال زكريا فرحًا متعجبًا‪ :‬ربّ أنّى يكون ل غلم مع أن الشيخوخة قد‬ ‫بلغت من مبلغها‪ ,‬وامرأت عقيم ل تلد؟ قال‪ :‬كذلك يفعل ال ما يشاء‬ ‫من الفعال العجيبة الخالفة للعادة قال زكريّا‪ :‬رب اجعل ل علمةً‬ ‫أستدلّ با على وجود الولد من; ليحصل ل السرور والستبشار‪ ,‬قال‪:‬‬ ‫علمتك الت طلبتها‪ :‬أل تستطيع التحدث إل الناس ثلثة أيام إل بإشارة‬ ‫ي صحيح‪ ,‬وف هذه الدة أكثِرْ من ذكر ربك‪ ,‬وصلّ‬ ‫إليهم‪ ,‬مع أنك سو ّ‬ ‫له أواخر النهار وأوائله‪.‬‬ ‫‪166‬‬

‫ت الْمَلئِ َكةُ يَا َم ْريَ مُ إِنّ اللّ هَ ا صْطَفَا ِك وَ َطهّرَ كِ وَا صْطَفَاكِ َعلَى‬ ‫وَإِ ْذ قَالَ ْ‬

‫ِنسَاءِ الْعَالَ ِميَ (‪)42‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قالت اللئكة‪ :‬يا مري إن ال اختار ِك‬ ‫لطاعته وطهّركِ من الخلق الرذيلة‪ ,‬واختاركِ على نساء العالي ف‬ ‫زمانك‪.‬‬ ‫ك وَا ْسجُدِي وَارْكَعِي َمعَ الرّاكِ ِعيَ (‪)43‬‬ ‫يَا َم ْريَمُ ا ْقُنتِي لِ َربّ ِ‬ ‫يما مريم داوممي على الطاعمة لربمك‪ ,‬وقوممي فم خشوع وتواضمع‪,‬‬ ‫واسجدي واركعي مع الراكعي; شكرًا ل على ما أولكِ من نعمه‬ ‫ك مِ نْ أْنبَاءِ الْ َغيْ بِ نُوحِي هِ ِإَليْ كَ وَمَا ُكنْ تَ لَ َدْيهِ مْ ِإذْ يُلْقُو نَ أَقْل َمهُ مْ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫ت لَ َدْيهِمْ إِ ْذ َيخْتَصِمُونَ ( ‪)44‬‬ ‫َأّيهُ ْم يَكْفُلُ مَ ْرَيمَ وَمَا ُكنْ َ‬ ‫ذلك الذي قصصناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبار الغيب الت أوحاها‬ ‫ال إليك‪ ,‬إذ ل تكن معهم حي اختلفوا ف كفالة مري أيّهم أحق با‬ ‫وأول‪ ,‬ووقع بينهم الصام‪ ,‬فأ ْج َروْا القرعة للقاء أقلمهم‪ ,‬ففاز زكريا‬ ‫عليه السلم بكفالتها‪.‬‬ ‫‪167‬‬

‫ت الْمَلئِ َكةُ يَا َم ْريَ مُ إِنّ اللّ هَ ُيَبشّرُ ِك بِكَِل َمةٍ ِمنْ هُ ا سْ ُم ُه الْمَ سِيحُ‬ ‫إِذْ قَالَ ْ‬

‫عِيسَى ابْنُ مَ ْرَيمَ وَجِيها فِي ال ّدْنيَا وَالخِرَ ِة وَمِنْ الْمُقَ ّرِبيَ (‪)45‬‬

‫وما كنت ‪ -‬يا نب ال ‪ -‬هناك حي قالت اللئكة‪ :‬يا مري إن ال‬ ‫ُيَبشّرْكِ بولد يكون وجوده بكلمة من ال‪ ,‬أي يقول له‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون‪,‬‬ ‫اسه السيح عيسى ابن مري‪ ,‬له الاه العظيم ف الدنيا والخرة‪ ,‬ومن‬ ‫القربي عند ال يوم القيامة‪.‬‬ ‫ل وَمِنْ الصّاِلحِيَ (‪)46‬‬ ‫َويُكَلّمُ النّاسَ فِي الْ َمهْ ِد وَكَهْ ً‬ ‫ويكلم الناس ف الهد بعد ولدته‪ ,‬وكذلك يكلمهم ف حال كهولته با‬ ‫أوحاه ال إليه‪ .‬وهذا تكليم النبوّة والدعوة والرشاد‪ ,‬وهو معدود من‬ ‫أهل الصلح والفضل ف قوله وعمله‪.‬‬ ‫ك اللّ هُ َيخْلُ قُ‬ ‫سنِي َبشَرٌ قَالَ َك َذلِ ِ‬ ‫سْ‬ ‫قَالَ تْ رَبّ َأنّى يَكُو نُ لِي َولَدٌ َولَ مْ يَمْ َ‬ ‫مَا َيشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ َلهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)47‬‬ ‫قالت مر ي متعج بة من هذا ال مر‪ :‬أنّ ى يكون ل ولد وأ نا ل ست بذات‬ ‫زوج ول بَغِيّ؟ قال ل ا الَلَك‪ :‬هذا الذي يدث ل كِ ل يس ب ستبعد على‬ ‫‪168‬‬

‫الله القادر‪ ,‬الذي يوجِد ما يشاء من العدم‪ ,‬فإذا أراد إياد ش يء فإن ا‬ ‫يقول له‪" :‬كُن" فيكون‬ ‫ب وَاْلحِكْ َمةَ وَالتّ ْورَاةَ وَالِنِيلَ (‪)48‬‬ ‫َويُعَلّ ُم ُه الْ ِكتَا َ‬ ‫ويعلمه الكتابة‪ ,‬والسداد ف القول والفعل‪ ,‬والتوراة الت أوحاها ال إل‬ ‫موسى عليه السلم‪ ,‬والنيل الذي أنزل ال عليه‪.‬‬ ‫َورَ سُولً ِإلَى َبنِي إِ سْرَائِيلَ َأنّي َقدْ ِجْئتُكُ مْ بِآَيةٍ مِ نْ َربّكُ مْ َأنّي أَ ْخلُ قُ لَ ُك ْم‬ ‫ئ الَكْمَ هَ‬ ‫مِ ْن الطّيِ َك َهْيَئةِ ال ّطيْرِ فَأَن ُف ُخ فِي هِ َفيَكُو نُ َطيْرا ِبإِذْ نِ اللّ هِ وَُأبْرِ ُ‬ ‫وَا َلبْرَ صَ وَُأحْ ِي الْ َم ْوتَى ِبإِذْ نِ اللّ هِ وَُأَنّبئُ ُك ْم بِمَا تَأْ ُكلُو نَ وَمَا َتدّخِرُو نَ فِي‬

‫ُبيُوتِكُمْ ِإنّ فِي َذلِكَ لَيةً لَكُمْ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُمؤْمِنيَ (‪)49‬‬

‫ويعله رسول إل بن إسرائيل‪ ,‬ويقول لم‪ :‬إن قد جئتكم بعلمة من‬ ‫ربكم تدلّ على أن مرسل من ال‪ ,‬وهي أن أصنع لكم من الطي مثل‬ ‫شكل الطي‪ ,‬فأنفخ فيه فيكون طيًا حقيقيا بإذن ال‪ ,‬وأَشفي مَن وُلِد‬ ‫أعمى‪ ,‬ومَن به برص‪ ,‬وأُحيي من كان ميتًا بإذن ال‪ ,‬وأخبكم با‬ ‫تأكلون وتدّخرون ف بيوتكم من طعامكم‪ .‬إن ف هذه المور العظيمة‬

‫‪169‬‬

‫الت ليست ف قدرة البشر لدليل على أن نب ال ورسوله‪ ,‬إن كنتم‬ ‫مصدّقي حجج ال وآياته‪ ,‬مقرّين بتوحيده‪.‬‬ ‫ض الّذِي حُرّ مَ عََلْيكُ مْ‬ ‫وَمُ صَدّقا لِمَا َبيْ نَ يَ َديّ مِ نْ الّت ْورَاةِ وَ ُلحِلّ لَكُ ْم بَعْ َ‬ ‫وَ ِجْئتُكُ ْم بِآَيةٍ مِنْ َربّكُ ْم فَاتّقُوا الّلهَ وََأطِيعُونِ (‪)50‬‬ ‫وجئتكم مصدقًا با ف التوراة‪ ,‬ولحلّ لكم بوحي من ال بعض ما‬ ‫حرّمه ال عليكم تفيفًا من ال ورحة‪ ,‬وجئتكم بجة من ربكم على‬ ‫صدق ما أقول لكم‪ ,‬فاتقوا ال ول تالفوا أمره‪ ,‬وأطيعون فيما أبلغكم‬ ‫به عن ال‪.‬‬ ‫ستَقِي ٌم (‪)51‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ َربّي َورَبّكُ ْم فَا ْعبُدُوهُ َهذَا صِرَاطٌ ُم ْ‬ ‫إن ال الذي أدعوكم إليه هو وحده رب وربكم فاعبدوه‪ ,‬فأنا وأنتم‬ ‫سواء ف العبودية والضوع له‪ ,‬وهذا هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه‪.‬‬ ‫َفلَمّا َأحَسّ عِيسَى ِمْنهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ َأنْصَارِي ِإلَى اللّهِ قَالَ اْلحَوَا ِريّونَ‬ ‫َنحْنُ َأنْصَارُ الّلهِ آ َمنّا بِالّلهِ وَا ْشهَ ْد بَِأنّا ُمسْلِمُونَ (‪)52‬‬ ‫‪170‬‬

‫فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى ف أصحابه الُلّص‪:‬‬ ‫مَن يكون معي ف نصرة دين ال؟ قال أصفياء عيسى‪ :‬نن أنصار دين‬ ‫ال والداعون إليه‪ ,‬صدّقنا بال واتبعناك‪ ,‬واشهد أنت يا عيسى بأنا‬ ‫مستسلمون ل بالتوحيد والطاعة‪.‬‬ ‫ت وَاّتبَ ْعنَا الرّسُولَ فَا ْكُتبْنَا َمعَ الشّاهِدِينَ (‪)53‬‬ ‫َرّبنَا آ َمنّا بِمَا َأنْ َزلْ َ‬ ‫ربنا صدّقنا با أنزلت من النيل‪ ,‬واتبعنا رسولك عيسى عليه السلم‪,‬‬ ‫فاجعلنا من شهدوا لك بالوحدانية ولنبيائك بالرسالة‪ ,‬وهم أمة ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم الذين يشهدون للرسل بأنم بلّغوا أمهم‪.‬‬ ‫وَمَكَرُوا وَمَكَ َر الّلهُ وَالّلهُ َخيْرُ الْمَاكِرِينَ (‪)54‬‬ ‫ومكر الذين كفروا من بن إسرائيل بعيسى عليه السلم‪ ,‬بأن وكّلوا به‬ ‫من يقتله ِغيْلة‪ ,‬فألقى ال َشبَه عيسى على رجل دلّهم عليه فأمسكوا به‪,‬‬ ‫وقتلوه وصلبوه ظنا منهم أنه عيسى عليه السلم‪ ,‬وال خي الاكرين‪.‬‬ ‫وف هذا إثبات صفة الكر ل ‪-‬تعال‪ -‬على ما يليق بلله وكماله; لنه‬ ‫مكر بق‪ ,‬وف مقابلة مكر الاكرين‪.‬‬ ‫‪171‬‬

‫ك َورَافِعُ كَ ِإلَيّ وَمُ َطهّرُ َك مِ ْن الّذِي َن‬ ‫إِذْ قَالَ اللّ هُ يَا عِي سَى ِإنّ ي ُمَتوَفّي َ‬ ‫كَفَرُوا وَجَاعِلُ الّذِي نَ اّتبَعُو كَ َفوْ قَ الّذِي نَ كَفَرُوا ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَامَةِ ثُمّ ِإلَيّ‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)55‬‬ ‫مَ ْرجِعُكُ ْم فََأحْكُ ُم َبْينَكُمْ فِيمَا ُكْنتُ ْم فِيهِ َت ْ‬ ‫ومكر ال بم حي قال ال لعيسى‪ :‬إن قابضك من الرض من غي أن‬ ‫ل ببدنك وروحك‪ ,‬وملصك من الذين كفروا‬ ‫ينالك سوء‪ ,‬ورافعك إ ّ‬ ‫بك‪ ,‬وجاعل الذين اتبعوك أي على دينك وما جئت به عن ال من‬ ‫الدين والبشارة بحمد صلى ال عليه وسلم وآمَنوا بحمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬بعد بعثنه‪ ,‬والتزموا شريعته ظاهرين على الذين جحدوا نبوتك‬ ‫إل يوم القيامة‪ ,‬ث إلّ مصيكم جيعًا يوم الساب‪ ,‬فأفصِل بينكم فيما‬ ‫كنتم فيه تتلفون من أمر عيسى عليه السلم‪.‬‬ ‫َفأَمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَأُ َع ّذُبهُ ْم عَذَابا شَدِيدا فِي ال ّدْنيَا وَال ِخرَةِ وَمَا َلهُمْ مِنْ‬ ‫نَاصِرِينَ (‪)56‬‬ ‫فأمّا الذين كفروا بالسيح من اليهود أو غَلَوا فيه من النصارى‪ ,‬فأعذبم‬ ‫عذابًا شديدًا ف الدنيا‪ :‬بالقتل وس ْلبِ الموال وإزالة اللك‪ ,‬وف الخرة‬ ‫بالنار‪ ,‬وما لم مِن ناصر ينصرهم ويدفع عنهم عذاب ال‪.‬‬ ‫‪172‬‬

‫ت َفُيوَفّيهِ مْ أُجُورَهُ مْ وَاللّ هُ ل ُيحِبّ‬ ‫وَأَمّ ا الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَا ِ‬

‫الظّالِ ِميَ (‪)57‬‬

‫وأما الذين آمنوا بال ورسله وعملوا العمال الصالة‪ ,‬فيعطيهم ال‬ ‫ثواب أعمالم كامل غي منقوص‪ .‬وال ل يب الظالي بالشرك‬ ‫والكفر‪.‬‬ ‫ت وَالذّ ْكرِ الْحَكِي ِم (‪)58‬‬ ‫َذلِكَ َنتْلُوهُ عَلْيكَ مِ ْن اليَا ِ‬ ‫ذلك الذي نقصّه عليك ف شأن عيسى‪ ,‬من الدلئل الواضحة على‬ ‫صحة رسالتك‪ ,‬وصحة القرآن الكيم الذي يفصل بي الق والباطل‪,‬‬ ‫فل شك فيه ول امتراء‪.‬‬ ‫ب ثُمّ قَالَ لَ هُ كُ نْ‬ ‫إِنّ َمثَلَ عِي سَى ِعنْ َد اللّ هِ كَ َمثَلِ آدَ مَ خَلَقَ هُ مِ ْن تُرَا ٍ‬

‫َفيَكُونُ (‪)59‬‬

‫إنّ خَلْقَ ال لعيسى من غي أب مثَلُه كمثل خلق ال لدم من غي أب‬ ‫ول أم‪ ,‬إذ خلقه من تراب الرض‪ ,‬ث قال له‪" :‬كن بشرًا" فكان‪.‬‬ ‫‪173‬‬

‫فدعوى إلية عيسى لكونه خلق من غي أب دعوى باطلة; فآدم عليه‬ ‫السلم خلق من غي أب ول أم‪ ,‬واتفق الميع على أنه َعبْد من عباد‬ ‫ال‪.‬‬ ‫اْلحَقّ مِنْ َربّكَ فَل َتكُنْ مِنْ الْمُ ْمَترِينَ (‪)60‬‬ ‫الق الذي ل شك فيه ف أمر عيسى هو الذي جاءك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫من ربك‪ ,‬فدم على يقينك‪ ,‬وعلى ما أنت عليه من ترك الفتراء‪ ,‬ول‬ ‫تكن من الشاكّي‪ ,‬وف هذا تثبيت وطمأنة لرسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫ك فِي ِه مِ ْن بَعْدِ مَا جَاءَ كَ مِ نْ الْعِلْ مِ فَقُ ْل تَعَاَلوْا نَ ْد عُ َأْبنَاءَنَا‬ ‫َفمَ نْ حَاجّ َ‬ ‫سنَا وََأنْفُسَكُ ْم ثُمّ َنْبَتهِلْ َفَنجْعَلْ لَ ْعَنةَ اللّهِ‬ ‫وََأْبنَاءَكُ ْم َونِسَا َءنَا َونِسَاءَكُمْ وََأنْفُ َ‬ ‫عَلَى الْكَا ِذِبيَ (‪)61‬‬ ‫فمَن جادلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف السيح عيسى ابن مري من بعد ما‬ ‫جاءك من العلم ف أمر عيسى عليه السلم‪ ,‬فقل لم‪ :‬تعالوا ُنحْضِر أبناءنا‬ ‫وأبناءكم‪ ,‬ونساءنا ونساءكم‪ ,‬وأنفسنا وأنفسكم‪ ,‬ث نتجه إل ال‬ ‫‪174‬‬

‫بالدعاء أن يُنل عقوبته ولعنته على الكاذبي ف قولم‪ ,‬الصرّين على‬ ‫عنادهم‪.‬‬ ‫إِنّ هَذَا َلهُوَ الْقَ صَصُ اْلحَقّ وَمَا مِ نْ ِإلَ هٍ إِلّ اللّ هُ َوإِنّ اللّ هَ َل ُهوَ الْعَزِيزُ‬ ‫الْحَكِي ُم (‪)62‬‬ ‫إن هذا الذي أنبأتك به من أمر عيسى لو النبأ الق الذي ل شك فيه‪,‬‬ ‫وما من معبود يستحق العبادة إل ال وحده‪ ,‬وإن ال لو العزيز ف‬ ‫ملكه‪ ,‬الكيم ف تدبيه وفعله‪.‬‬ ‫َفِإنْ َت َوّلوْا َفإِنّ الّلهَ عَلِيمٌ بِالْمُ ْفسِدِينَ (‪)63‬‬ ‫فإن أعرضوا عن ت صديقك واتبا عك ف هم الف سدون‪ ,‬وال عل يم ب م‪,‬‬ ‫وسيجازيهم على ذلك‬ ‫ب تَعَاَلوْا ِإلَى كَِل َمةٍ َسوَاءٍ َبْينَنَا َوَبْينَكُ مْ أَ ّل نَ ْعبُدَ إِلّ اللّ َه‬ ‫قُ ْل يَا أَهْلَ الْ ِكتَا ِ‬ ‫ضنَا بَعْضا َأ ْربَابا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َفإِ نْ َت َوّلوْا‬ ‫وَل ُنشْرِ َك بِ هِ َشيْئا وَل َيّتخِذَ بَعْ ُ‬ ‫فَقُولُوا ا ْشهَدُوا بَِأنّا ُمسْلِمُونَ (‪)64‬‬

‫‪175‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ :‬تعاَلوْا إل كلمة‬ ‫عدل وحق نلتزم با جيعًا‪ :‬وهي أن َنخُص ال وحده بالعبادة‪ ,‬ول نتخذ‬ ‫أي شريك معه‪ ,‬من وثن أو صنم أو صليب أو طاغوت أو غي ذلك‪,‬‬ ‫ول يدين بعضنا لبعض بالطاعة من دون ال‪ .‬فإن أعرضوا عن هذه‬ ‫الدعوة الطيبة فقولوا لم ‪ -‬أيها الؤمنون ‪ : -‬اشهدوا علينا بأنا مسلمون‬ ‫منقادون لربنا بالعبودية والخلص‪ .‬والدعوة إل كلمة سواء‪ ,‬كما تُوجّه‬ ‫إل اليهود والنصارى‪ ,‬توجّه إل من جرى مراهم‪.‬‬ ‫ت التّ ْورَاةُ وَالِنِيلُ إِلّ‬ ‫يَا أَهْلَ الْ ِكتَا بِ لِ مَ ُتحَاجّو نَ فِي ِإبْرَاهِي َم وَمَا ُأنْ ِزلَ ْ‬ ‫مِنْ بَعْدِهِ َأفَل تَعْ ِقلُونَ (‪)65‬‬ ‫يا أصحاب الكتب النلة من اليهود والنصارى‪ ,‬كيف يادل كل منكم‬ ‫ف أن إبراهيم عليه السلم كان على ملّته‪ ,‬وما أُنزلت التوراة والنيل‬ ‫إل من بعده؟ أفل تفقهون خطأ قولكم‪ :‬إن إبراهيم كان يهوديا أو‬ ‫نصرانيا‪ ,‬وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بي؟‬ ‫جتُ ْم فِيمَا لَ ُكمْ بِهِ عِ ْلمٌ َفلِمَ ُتحَاجّونَ فِيمَا َليْسَ لَكُ ْم بِهِ‬ ‫هَاَأْنتُ ْم َهؤُلءِ حَا َج ْ‬

‫عِلْ ٌم وَالّلهُ يَعَْلمُ وََأْنتُ ْم ل تَ ْعلَمُونَ (‪)66‬‬ ‫‪176‬‬

‫ها أنتم يا هؤلء جادلتم رسول ال ممدًا صلى ال عليه وسلم فيما لكم‬ ‫به علم مِن أمر دينكم‪ ,‬ما تعتقدون صحته ف كتبكم‪ ,‬فِلمَ تادلون فيما‬ ‫ليس لكم به علم من أمر إبراهيم؟ وال يعلم المور على خفائها‪ ,‬وأنتم‬ ‫ل تعلمون‪.‬‬ ‫مَا كَا نَ ِإْبرَاهِي مُ َيهُو ِديّا وَل نَ صْرَاِنيّا َولَكِ نْ كَا نَ َحنِيفا مُ سْلِما وَمَا كَا نَ‬

‫مِنْ الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)67‬‬

‫ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا‪ ,‬فلم تكن اليهودية ول النصرانية إل‬ ‫من بعده‪ ,‬ولكن كان متبعًا لمر ال وطاعته‪ ,‬مستسلمًا لربه‪ ,‬وما كان‬ ‫من الشركي‪.‬‬ ‫ِإنّ َأ ْولَى النّا سِ ِبِإبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اّتبَعُو هُ وَهَذَا الّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَاللّ هُ َولِيّ‬ ‫الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)68‬‬ ‫إنّ أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به‪ ,‬الذين آمنوا به وصدقوا برسالته‬ ‫واتبعوه على دينه‪ ,‬وهذا النب ممد صلى ال عليه وسلم والذين آمنوا‬ ‫به‪ .‬وال ولّ الؤمني به التبعي شرعه‪.‬‬ ‫‪177‬‬

‫سهُ ْم وَمَا‬ ‫ب َلوْ يُضِلّونَكُ مْ وَمَا يُضِلّو نَ إِلّ َأنْفُ َ‬ ‫وَدّ تْ طَائِ َفةٌ مِ نْ أَهْ ِل الْ ِكتَا ِ‬

‫َيشْعُرُونَ (‪)69‬‬

‫تنّت جاعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم ‪ -‬أيها السلمون ‪ -‬عن‬ ‫السلم‪ ,‬وما يضلون إل أنفسهم وأتباعهم‪ ,‬وما يدرون ذلك ول‬ ‫يعلمونه‪.‬‬ ‫شهَدُونَ (‪)70‬‬ ‫يَا أَهْلَ الْ ِكتَابِ لِمَ تَ ْكفُرُونَ بِآيَاتِ الّلهِ وََأْنتُ ْم َت ْ‬ ‫يا أهل التوراة والنيل ل تحدون آيات ال الت أنزلا على رسله ف‬ ‫كتبهم‪ ,‬وفيها أن ممدًا صلى ال عليه وسلم هو الرسول النتظر‪ ,‬وأن ما‬ ‫جاءكم به هو الق‪ ,‬وأنتم تشهدون بذلك؟ ولكنكم تنكرونه‪.‬‬ ‫يَا أَهْلَ الْ ِكتَا بِ لِ َم تَ ْلبِ سُونَ الْحَقّ بِاْلبَاطِلِ َوتَ ْكتُمُونَ الْحَقّ َوَأْنتُ ْم تَعْلَمُونَ‬

‫(‪)71‬‬

‫‪178‬‬

‫يا أهل التوراة والنيل لِمَ تلطون الق ف كتبكم با حرفتموه‬ ‫وكتبتموه من الباطل بأيديكم‪ ,‬وُتخْفون ما فيهما من صفة ممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ ,‬وأن دينه هو الق‪ ,‬وأنتم تعلمون ذلك؟‬ ‫ت طَائِفَةٌ مِ نْ أَهْلِ الْ ِكتَا بِ آ ِمنُوا بِالّذِي ُأنْزِ َل عَلَى الّذِي نَ آ َمنُوا وَجْ هَ‬ ‫وَقَالَ ْ‬ ‫الّنهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَ ُه لَعَّلهُمْ َيرْجِعُونَ (‪)72‬‬ ‫وقالت جاعة من أهل الكتاب من اليهود‪ :‬صدّقوا بالذي أُنزل على‬ ‫الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره; لعلهم يتشككون ف دينهم‪,‬‬ ‫ويرجعون عنه‪.‬‬ ‫وَل ُتؤْ ِمنُوا إِ ّل لِمَ نْ َتبِ عَ دِينَكُ ْم قُلْ إِنّ الْهُدَى هُدَى اللّ هِ أَ نْ ُيؤْتَى َأحَ ٌد‬ ‫ِمثْلَ مَا أُوتِيتُ مْ َأ ْو ُيحَاجّوكُ ْم ِعنْدَ َربّ ُك مْ قُلْ ِإنّ الْفَضْلَ ِبيَدِ اللّ هِ ُي ْؤتِي هِ مَ نْ‬ ‫َيشَاءُ وَالّلهُ وَاسِعٌ َعلِيمٌ (‪)73‬‬ ‫ول تصدّقوا تصديقًا صحيحًا إل لَن تبع دينكم فكان يهوديا‪ ,‬قل لم‬ ‫أيها الرسول‪ : -‬إن الدى والتوفيق هدى ال وتوفيقه لليان الصحيح‪.‬‬‫وقالوا‪ :‬ل تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمي فيتعلمون منكم‬ ‫فيساووكم ف العلم به‪ ,‬وتكون لم الفضلية عليكم‪ ,‬أو أن يتخذوه‬ ‫‪179‬‬

‫حجة عند ربكم يغلبونكم با‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن الفضل‬ ‫والعطاء والمور كلها بيد ال وتت تصرفه‪ ,‬يؤتيها من يشاء من آمن به‬ ‫وبرسوله‪ .‬وال واسع عليم‪َ ,‬يسَ ُع بعلمه وعطائه جيع ملوقاته‪ ,‬من‬ ‫يستحق فضله ونعمه‪.‬‬ ‫ختَصّ بِ َرحْ َمِتهِ مَ ْن َيشَاءُ وَالّلهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (‪)74‬‬ ‫َي ْ‬ ‫إن ال يتص مِن خلقه مَن يشاء بالنبوة والداية إل أكمل الشرائع‪ ,‬وال‬ ‫ذو الفضل العظيم‪.‬‬ ‫وَمِ نْ أَهْلِ الْ ِكتَا بِ مَ نْ إِ نْ تَأْ َمنْ هُ بِقِنطَارٍ ُيؤَدّ هِ ِإَليْ كَ وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ إِ نْ تَأْ َمنْ ُه‬ ‫ك بَِأّنهُ ْم قَالُوا َليْ سَ عََلْينَا‬ ‫ت عََليْ هِ قَائِما َذلِ َ‬ ‫بِدِينَارٍ ل ُيؤَدّ هِ ِإَليْ كَ إِلّ مَا دُ ْم َ‬ ‫فِي الُ ّميّيَ َسبِيلٌ َويَقُولُونَ عَلَى الّلهِ الْكَ ِذبَ وَهُ ْم يَعْلَمُونَ (‪)75‬‬ ‫ومن أهل الكتاب من اليهود مَن إنْ تأمنه على كثي من الال يؤدّه إليك‬ ‫من غي خيانة‪ ,‬ومنهم مَن إ ْن تأمنه على دينار واحد ل يؤدّه اليك‪ ,‬إل‬ ‫إذا بذلت غاية الهد ف مطالبته‪ .‬وسبب ذلك عقيدة فاسدة تعلهم‬ ‫يستحلّون أموال العرب بالباطل‪ ,‬ويقولون‪ :‬ليس علينا ف أكل أموالم إث‬ ‫‪180‬‬

‫ول حرج; لن ال أحلّها لنا‪ .‬وهذا كذب على ال‪ ,‬يقولونه بألسنتهم‪,‬‬ ‫وهم يعلمون أنم كاذبون‪.‬‬ ‫بَلَى مَنْ َأوْفَى بِ َعهْدِ ِه وَاتّقَى َفِإنّ الّلهَ ُيحِبّ الْ ُمتّ ِقيَ (‪)76‬‬ ‫ليس المر كما زعم هؤلء الكاذبون‪ ,‬فإن التقي حقا هو من أوف با‬ ‫عاهد ال عليه من أداء المانة واليان به وبرسله والتزم هديه وشرعه‪,‬‬ ‫وخاف ال عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نى عنه‪ .‬وال يب التقي‬ ‫الذين يتقون الشرك والعاصي‪.‬‬ ‫ق لَهُ ْم‬ ‫شتَرُو نَ بِ َعهْ ِد اللّ هِ وََأيْمَاِنهِ مْ ثَمَنا قَلِيلً ُأ ْوَلئِ كَ ل خَل َ‬ ‫إِنّ الّذِي َن َي ْ‬ ‫فِي الخِرَ ِة وَل يُكَلّ ُمهُ ْم اللّهُ وَل َينْظُرُ ِإَليْهِ ْم َيوْمَ الْ ِقيَامَةِ وَل ُيزَكّيهِمْ َوَلهُمْ‬ ‫عَذَابٌ َألِيمٌ (‪)77‬‬ ‫إن الذين يستبدلون بعهد ال ووصيته الت أوصى با ف الكتب الت أنزلا‬ ‫على أنبيانم‪ ,‬عوضًا وبدل خسيسًا من عرض الدنيا وحطامها‪ ,‬أولئك ل‬ ‫نصيب لم من الثواب ف الخرة‪ ,‬ول يكلمهم ال با يسرهم‪ ,‬ول ينظر‬ ‫إليهم يوم القيامة بعي الرحة‪ ,‬ول يطهرهم من دنس الذنوب والكفر‪,‬‬ ‫ولم عذاب موجع‪.‬‬ ‫‪181‬‬

‫سبُوهُ مِنْ الْ ِكتَابِ وَمَا ُه َو‬ ‫ب ِلتَحْ َ‬ ‫سَنَتهُمْ بِالْ ِكتَا ِ‬ ‫وَِإنّ ِمْنهُ ْم لَفَرِيقا يَ ْلوُونَ َألْ ِ‬ ‫مِنْ الْ ِكتَابِ َويَقُولُونَ ُهوَ مِ ْن ِعنْدِ اللّهِ وَمَا ُهوَ مِنْ ِعنْ ِد اللّهِ َويَقُولُونَ عَلَى‬ ‫اللّهِ الْكَ ِذبَ وَهُ ْم يَعْلَمُونَ (‪)78‬‬ ‫وإن مِن اليهود لَجماعةً يرفون الكلم عن مواضعه‪ ,‬ويبدلون كلم ال;‬ ‫ليوهوا غيهم أن هذا من الكلم النل‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬وما هو منها ف‬ ‫شيء‪ ,‬ويقولون‪ :‬هذا من عند ال أوحاه ال إل نبيه موسى‪ ,‬وما هو من‬ ‫عند ال‪ ,‬وهم لجل دنياهم يقولون على ال الكذب وهم يعلمون أنم‬ ‫كاذبون‪.‬‬ ‫مَا كَا نَ ِلَبشَرٍ أَ ْن ُي ْؤِتيَ هُ اللّ هُ الْ ِكتَا بَ وَالْحُكْ َم وَالّنُبوّةَ ثُمّ يَقُولَ لِلنّا ِ‬ ‫س‬ ‫كُونُوا ِعبَادا لِي مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َولَكِ نْ كُونُوا َربّانِيّيَ بِمَا ُكْنتُ مْ تُعَلّمُو نَ‬ ‫ب َوبِمَا كُنتُمْ َت ْدرُسُونَ (‪)79‬‬ ‫الْ ِكتَا َ‬ ‫ما ينبغي لحد من البشر أن يُنّل ال عليه كتابه ويعله حكمًا بي خلقه‬ ‫ويتاره نبيا‪ ,‬ث يقول للناس‪ :‬اعبدون من دون ال‪ ,‬ولكن يقول‪ :‬كونوا‬ ‫حكماء فقهاء علماء با كنتم تُعَلّمونه غيكم من وحي ال تعال‪ ,‬وبا‬ ‫تدرسونه منه حفظًا وعلمًا وفقهًا‪.‬‬ ‫‪182‬‬

‫وَل يَأْ ُمرَكُ مْ أَ نْ َتّتخِذُوا الْمَلئِ َكةَ وَالّنِبيّيَ َأ ْربَابا َأيَأْ ُمرُكُ ْم بِالْكُفْ ِر بَعْدَ إِذْ‬

‫َأْنتُ ْم ُمسْلِمُونَ ( ‪)80‬‬

‫وما كان لحد منهم أن يأمركم باتاذ اللئكة والنبيي أربابًا تعبدونم‬ ‫من دون ال‪َ .‬أيُعْقَ ُل ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن يأمركم بالكفر بال بعد انقيادكم‬ ‫لمره؟‬ ‫وَِإذْ َأخَ َذ اللّ هُ مِيثَا قَ الّنِبيّيَ لَمَا آَتْيتُ ُك مْ مِ ْن ِكتَا بٍ وَحِ ْك َمةٍ ثُمّ جَاءَكُ ْم‬ ‫رَ سُولٌ مُ صَدّقٌ لِمَا مَعَكُ مْ َلُتؤْ ِمنُنّ بِ هِ َوَلَتنْ صُ ُرّنهُ قَالَ أَأَ ْق َر ْرتُ ْم وَأَ َخ ْذتُ ْم عَلَى‬ ‫َذلِكُمْ ِإصْرِي قَالُوا أَقْ َر ْرنَا قَالَ فَا ْشهَدُوا وََأنَا مَعَ ُكمْ مِ ْن الشّاهِدِينَ (‪)81‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ أخذ ال سبحانه العهد الؤكد على جيع‬ ‫النبياء‪َ :‬لئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة‪ ,‬ث جاءكم رسول من عندي‪,‬‬ ‫مصدق لا معكم لتؤمنن به ولتنصرنّه‪ .‬فهل أقررت واعترفتم بذلك‬ ‫وأخذت على ذلك عهدي الوثق؟ قالوا‪ :‬أقررنا بذلك‪ ,‬قال‪ :‬فليشهدْ‬ ‫بعضكم على بعض‪ ,‬واشهدوا على أمكم بذلك‪ ,‬وأنا معكم من‬ ‫الشاهدين عليكم وعليهم‪ .‬وف هذا أن ال أخذ اليثاق على كل نب أن‬ ‫يؤمن بحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأخذ اليثاق على أمم النبياء بذلك‪.‬‬ ‫‪183‬‬

‫ك فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْفَاسِقُونَ (‪)82‬‬ ‫َفمَنْ َت َولّى بَعْدَ َذلِ َ‬ ‫فمن أعرض عن دعوة السلم بعد هذا البيان وهذا العهد الذي أخذه‬ ‫ال على أنبيائه‪ ,‬فأولئك هم الارجون عن دين ال وطاعة ربم‪.‬‬ ‫أَفَ َغيْرَ دِينِ اللّهِ َيبْغُونَ َولَهُ أَسَْلمَ مَنْ فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ َطوْعا وَكَرْها‬

‫وَِإَلْيهِ يُرْجَعُونَ (‪)83‬‬

‫أيريد هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب غي دين ال ‪-‬وهو السلم الذي‬ ‫بعث ال به ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ،-‬مع أن كل مَن ف السموات‬ ‫والرض استسلم وانقاد وخضع ل طواعية ‪-‬كالؤمني‪ -‬ورغمًا عنهم‬ ‫عند الشدائد‪ ,‬حي ل ينفعهم ذلك وهم الكفار‪ ,‬كما خضع له سائر‬ ‫الكائنات‪ ,‬وإليه يُرجَعون يوم العاد‪ ,‬فيجازي كل بعمله‪ .‬وهذا تذير من‬ ‫ال تعال للقه أن يرجع إليه أحد منهم على غي ملة السلم‪.‬‬ ‫قُلْ آ َمنّا بِاللّ هِ وَمَا ُأنْزِ َل عََلْينَا وَمَا ُأنْزِ َل عَلَى ِإبْرَاهِي َم وَإِ سْمَاعِيلَ وَِإ ْسحَقَ‬ ‫َويَعْقُوبَ وَالَ ْسبَاطِ وَمَا أُوتِ َي مُوسَى وَعِيسَى وَالّنِبيّونَ مِ ْن َرّبهِمْ ل نُ َفرّقُ‬

‫َبيْنَ َأحَ ٍد ِمْنهُمْ َوَنحْنُ َلهُ ُمسْلِمُونَ (‪)84‬‬ ‫‪184‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬صدّقنا بال وأطعنا‪ ,‬فل رب لنا غيه‪ ,‬ول‬ ‫معبود لنا سواه‪ ,‬وآمنّا بالوحي الذي أنزله ال علينا‪ ,‬والذي أنزله على‬ ‫إبراهيم خليل ال‪ ,‬وابنيه إساعبل وإسحاق‪ ,‬وابن ابنه يعقوب بن‬ ‫إسحاق‪ ,‬والذي أنزله على السباط ‪-‬وهم النبياء الذين كانوا ف قبائل‬ ‫بن إسرائيل الثنت عشرة مِن ولد يعقوب‪ -‬وما أوت موسى وعيسى من‬ ‫التوراة والنيل‪ ,‬وما أنزله ال على أنبيائه‪ ,‬نؤمن بذلك كله‪ ,‬ول نفرق‬ ‫بي أحد منهم‪ ,‬ونن ل وحده منقادون بالطاعة‪ ,‬مُقِرّون له بالربوبية‬ ‫واللوهية والعبادة‪.‬‬ ‫وَمَنْ َيْبتَ ِغ َغيْ َر الِسْلمِ دِينا فَلَنْ يُ ْقبَلَ ِمنْهُ وَ ُهوَ فِي الخِرَ ِة مِ ْن اْلخَاسِرِينَ‬ ‫(‪)85‬‬ ‫ومن يطلب دينًا غي دين السلم الذي هو الستسلم ل بالتوحيد‬ ‫والنقياد له بالطاعة‪ ,‬والعبودية‪ ,‬ولرسوله النب الات ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم باليان به وبتابعته ومبته ظاهرًا وباطنًا‪ ,‬فلن يُقبل منه ذلك‪ ,‬وهو‬ ‫ف الخرة من الاسرين الذين بسوا أنفسهم حظوظها‪.‬‬ ‫ِمم َو َشهِدُوا أَنّ الرّسمُولَ حَقّ‬ ‫ّهم َقوْما كَفَرُوا بَ ْعدَ ِإيَاِنه ْ‬ ‫ْفم َيهْدِي الل ُ‬ ‫َكي َ‬ ‫‪185‬‬

‫ت وَالّلهُ ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الظّالِ ِميَ (‪)86‬‬ ‫وَجَاءَهُمْ اْلَبّينَا ُ‬ ‫كيف بوفق ال لليان به وبرسوله قومًا جحدوا نبوة ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم بعد إيانم به‪ ,‬وشهدوا أن ممدًا صلى ال علبه وسلم حق‬ ‫وما جاء به هو الق‪ ,‬وجاءهم الجج من عند ال والدلئل بصحة‬ ‫ذلك؟ وال ل يوفق للحق والصواب الماعة الظلمة‪ ,‬وهم الذين عدلوا‬ ‫عن الق إل الباطل‪ ,‬فاختاروا الكفر على اليان‪.‬‬ ‫ُأوَْلئِكَ َجزَاؤُهُمْ َأنّ عََلْيهِ ْم لَ ْعَنةَ اللّهِ وَالْمَلئِ َكةِ وَالنّاسِ أَ ْجمَ ِعيَ (‪)87‬‬ ‫أولئك الظالون جزاؤهم أنّ عليهم لعنة ال واللئكة والناسِ أجعي‪,‬‬ ‫فهم مطرودون من رحة ال‪.‬‬ ‫خَالِدِي َن فِيهَا ل ُيخَفّفُ َعْنهُ ْم الْعَذَابُ وَل ُهمْ ُينْظَرُونَ (‪)88‬‬ ‫ماكثي ف النار‪ ,‬ل يُرفع عنهم العذاب قليل ليستريوا‪ ,‬ول يُؤخر عنهم‬ ‫لعذرة يعتذرون با‪.‬‬ ‫إِلّ الّذِينَ تَابُوا مِ ْن بَعْدِ َذلِكَ َوَأصَْلحُوا َفِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)89‬‬ ‫‪186‬‬

‫إل الذين رجعوا إل ربم بالتوبة النصوح من بعد كفرهم وظلمهم‪,‬‬ ‫وأصلحوا ما أفسدوه بتوبتهم فإن ال يقبلها‪ ,‬فهو غفور لذنوب عباده‪,‬‬ ‫رحيم بم‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا بَعْدَ إِيَاِنهِ ْم ثُمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَ نْ تُ ْقبَلَ َت ْوَبُتهُ مْ وَُأ ْوَلئِ كَ‬ ‫هُ ْم الضّالّونَ (‪)90‬‬ ‫إن الذين كفروا بعد إيانم واستمروا على الكفر إل المات لن تُقبل لم‬ ‫توبة عند حضور الوت‪ ,‬وأولئك هم الذين ضلّوا السبيل‪ ,‬فأخ َطؤُوا‬ ‫منهجه‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُ مْ كُفّارٌ َفلَ نْ يُ ْقبَ َل مِ نْ أَ َحدِهِ مْ مِ ْلءُ ا َلرْ ضِ‬ ‫ك َلهُمْ عَذَابٌ َألِي ٌم وَمَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪)91‬‬ ‫ذَهَبا وََلوْ ا ْفتَدَى ِبهِ ُأ ْولَئِ َ‬ ‫إن الذين جحدوا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وماتوا على الكفر‬ ‫بال ورسوله‪ ,‬فلن يُقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الرض ذهبًا;‬ ‫ليفتدي به نفسه من عذاب ال‪ ,‬ولو افتدى به نفسه ِفعْل‪ .‬أولئك لم‬ ‫عذاب موجع‪ ,‬وما لم من أحد ينقذهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫‪187‬‬

188

‫الزء الرابع ‪:‬‬ ‫حبّو نَ وَمَا ُتنْفِقُوا مِ نْ شَ ْيءٍ َفإِنّ اللّ هَ بِ هِ‬ ‫لَ نْ َتنَالُوا الْبِرّ َحتّ ى ُتنْفِقُوا مِمّ ا ُت ِ‬ ‫عَلِي ٌم (‪)92‬‬ ‫لن تدركوا النة حت تتصدقوا ما تبون‪ ,‬وأي شيء تتصدقوا به مهما‬ ‫كان قليل أو كثيًا فإن ال به عليم‪ ,‬وسيجازي كل منفق بسب عمله‪.‬‬ ‫سهِ مِ نْ‬ ‫ل ِلَبنِي ِإ سْرَائِيلَ إِ ّل مَا حَرّ مَ إِ ْسرَائِيلُ َعلَى نَفْ ِ‬ ‫كُلّ الطّعَا مِ كَا نَ حِ ّ‬ ‫َقبْلِ َأنْ ُتنَزّلَ الّتوْرَاةُ قُ ْل فَ ْأتُوا بِالّت ْورَاةِ فَاتْلُوهَا ِإنْ ُكْنتُ ْم صَادِِقيَ (‪)93‬‬ ‫كل الطعمة الطيّبة كانت حلل لبناء يعقوب عليه السلم إل ما حرّم‬ ‫يعقوب على نفسه لرض نزل به‪ ,‬وذلك مِن قبل أن ُتنَزّل التوراة‪ .‬فلما‬ ‫نُزّلت التوراة حرّم ال على بن إسرائيل بعض الطعمة الت كانت حلل‬ ‫لم; وذلك لظلمهم وبغيهم‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬هاتوا التوراة‪,‬‬ ‫واقرؤوا ما فيها إن كنتم مقي ف دعواكم أن ال أنزل فيها تري ما‬ ‫حرّمه يعقوب على نفسه‪ ,‬حت تعلموا صدق ما جاء ف القرآن من أن‬ ‫‪189‬‬

‫ال ل يرم على بن إسرائيل شيئًا من قبل نزول التوراة‪ ,‬إل ما حرّمه‬ ‫يعقوب على نفسه‪.‬‬ ‫َفمَ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ الكَذِ بَ مِ نْ بَعْدِ َذلِ كَ فَُأ ْوَلئِ كَ هُ مْ الظّالِمُو نَ (‬ ‫‪)94‬‬ ‫فمَن كذب على ال من بعد قراءة التوراة ووضوح القيقة‪ ,‬فأولئك هم‬ ‫الظالون القائلون على ال بالباطل‪.‬‬ ‫قُ ْل صَمدَقَ اللّهُم فَاّتبِعُوا مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَم َحنِيفا وَمَا كَانَم مِن ْم الْ ُمشْرِكِيَ (‬ ‫‪)95‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬صَدَق ال فيما أخب به وفيما شرعه‪ .‬فإن كنتم‬ ‫صادقي ف مبتكم وانتسابكم لليل ال إبراهيم عليه السلم فاتبعوا ملّته‬ ‫الت شرعها ال على لسان ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإنا الق الذي‬ ‫ل شك فيه‪ .‬وما كان إبراهيم عليه السلم من الشركي بال ف توحيده‬ ‫وعبادته أحدًا‪.‬‬

‫‪190‬‬

‫ت ُوضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي ِببَ ّكةَ ُمبَارَكا وَهُدًى لِلْعَالَ ِميَ (‪)96‬‬ ‫ِإنّ َأوّلَ َبيْ ٍ‬ ‫إن أول بيت بُن لعبادة ال ف الرض لو بيت ال الرام الذي ف‬ ‫"مكة"‪ ,‬وهذا البيت مبارك تضاعف فيه السنات‪ ,‬وتتنل فيه الرحات‪,‬‬ ‫وف استقباله ف الصلة‪ ,‬وقصده لداء الج والعمرة‪ ,‬صلح وهداية‬ ‫للناس أجعي‪.‬‬ ‫فِيهِ آيَاتٌ َبّينَاتٌ مَقَامُ ِإْبرَاهِي َم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا َولِلّهِ عَلَى النّاسِ ِحجّ‬ ‫الَْبيْ تِ مَ نْ ا ْستَطَاعَ ِإَليْ هِ َسبِيلً وَمَ نْ كَفَ َر َفإِنّ اللّ هَ َغنِيّ عَ نْ الْعَالَمِيَ (‬

‫‪)97‬‬

‫ف هذا البيت دللت ظاهرات أنه من بناء إبراهيم‪ ,‬وأن ال عظّمه‬ ‫لجَر الذي كان يقف‬ ‫وشرّفه‪ ,‬منها‪ :‬مقام إبراهيم عليه السلم‪ ,‬وهو ا َ‬ ‫عليه حي كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إساعيل‪ ,‬ومن دخل‬ ‫هذا البيت أَمِنَ على نفسه فل يناله أحد بسوء‪ .‬وقد أوجب ال على‬ ‫الستطيع من الناس ف أي مكان قَصْدَ هذا البيت لداء مناسك الج‪.‬‬ ‫ومن جحد فريضة الج فقد كفر‪ ,‬وال غن عنه وعن حجّه وعمله‪,‬‬ ‫وعن سائر خَلْقه‪.‬‬

‫‪191‬‬

‫ب لِمَ َتكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ َشهِيدٌ َعلَى مَا تَعْ َملُونَ (‬ ‫قُ ْل يَا أَهْلَ الْ ِكتَا ِ‬ ‫‪)98‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ :‬لِمَ تحدون‬ ‫حجج ال الت دلّتْ على أن دين ال هو السلم‪ ,‬وتنكرون ما ف كتبهم‬ ‫من دلئل وبراهي على ذلك‪ ,‬وأنتم تعلمون؟ وال شهيد على صنيعكم‪.‬‬ ‫وف ذلك تديد ووعيد لم‪.‬‬ ‫ب لِ مَ تَ صُدّونَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ مَ نْ آمَ نَ َتبْغُونَهَا ِعوَجا‬ ‫قُ ْل يَا أَهْلَ الْ ِكتَا ِ‬

‫وََأْنتُمْ ُشهَدَاءُ وَمَا الّلهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَ ْعمَلُونَ (‪)99‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود والنصارى‪ :‬لِمَ تنعون من السلم من يريد‬ ‫الدخول فيه تطلبون له زيغًا وميل عن القصد والستقامة‪ ,‬وأنتم تعلمون‬ ‫ت به هو الق؟ وما ال بغافل عما تعملون‪ ,‬وسوف يازيكم‬ ‫أن ما جئ ُ‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫ب يَرُدّوكُمْ بَ ْعدَ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِإنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬ ‫إِيَانِكُ ْم كَافِرِينَ ( ‪)100‬‬ ‫‪192‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن تطيعوا جاعة من‬ ‫اليهود والنصارى من آتاهم ال التوراة والنيل‪ ,‬يضلوكم‪ ,‬ويلقوا إليكم‬ ‫شبَه ف دينكم; لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمني به‪ ,‬فل‬ ‫ال ّ‬ ‫تأمنوهم على دينكم‪ ,‬ول تقبلوا لم رأيًا أو مشورة‪.‬‬ ‫صمْ‬ ‫وَ َكيْفَ تَكْفُرُونَ وََأْنتُمْ ُتتْلَى عََليْكُمْ آيَاتُ الّلهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَ ْعتَ ِ‬

‫ستَقِيمٍ (‪)101‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫بِالّلهِ فَقَدْ ُهدِيَ ِإلَى صِرَا ٍ‬

‫وكيف تكفرون بال ‪-‬أيها الؤمنون ‪ ،-‬وآيات القرآن تتلى عليكم‪,‬‬ ‫وفيكم رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم يبلغها لكم؟ ومَن يتوكل‬ ‫على ال ويستمسك بالقرآن والسنة فقد وُفّق لطريق واضح‪ ,‬ومنهاج‬ ‫مستقيم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّ هَ حَقّ تُقَاتِ هِ وَل تَمُوتُنّ إِلّ وََأْنُت ْم مُ سْلِمُونَ (‬ ‫‪)102‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله‪ ،‬وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا ال حق خوفه‪:‬‬ ‫وذلك بأن يطاع فل يُعصى‪ ,‬ويُشكَر فل يكفر‪ ,‬ويُذكَر فل ينسى‪,‬‬ ‫‪193‬‬

‫وداوموا على تسككم بإسلمكم إل آخر حياتكم; لتلقوا ال وأنتم‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ُمم ِإ ْذ‬ ‫ّهم عََليْك ْ‬ ‫ّهم جَمِيعا وَل تَفَرّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْ َمةَ الل ِ‬ ‫حبْلِ الل ِ‬ ‫َصممُوا ِب َ‬ ‫وَا ْعت ِ‬ ‫حتُمْ ِبنِ ْع َمتِ هِ ِإ ْخوَانا وَ ُكْنتُ مْ عَلَى شَفَا‬ ‫صَب ْ‬ ‫ف َبيْ نَ قُلُوبِكُ ْم فَأَ ْ‬ ‫ُكْنتُ مْ أَعْدَاءً فََألّ َ‬ ‫ك ُيَبيّ نُ اللّ هُ لَكُ ْم آيَاتِ هِ لَعَلّكُ مْ َت ْهتَدُو نَ‬ ‫حُ ْفرَةٍ مِ نْ النّارِ فََأنْ َقذَكُ مْ ِمْنهَا َك َذلِ َ‬

‫(‪)103‬‬

‫وتسّكوا جيعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم‪ ,‬ول تفعلوا ما يؤدي إل‬ ‫فرقتكم‪ .‬واذكروا نعمة جليلة أنعم ال با عليكم‪ :‬إذ كنتم ‪-‬أيها‬ ‫الؤمنون‪ -‬قبل السلم أعداء‪ ,‬فجمع ال قلوبكم على مبته ومبة‬ ‫رسوله‪ ,‬وألقى ف قلوبكم مبة بعضكم لبعض‪ ,‬فأصبحتم ‪-‬بفضله‪-‬‬ ‫إخوانا متحابي‪ ,‬وكنتم على حافة نار جهنم‪ ,‬فهداكم ال بالسلم‬ ‫ونّاكم من النار‪ .‬وكما بيّن ال لكم معال اليان الصحيح فكذلك يبيّن‬ ‫لكم كل ما فيه صلحكم; لتهتدوا إل سبيل الرشاد‪ ,‬وتسلكوها‪ ,‬فل‬ ‫تضلوا عنها‪.‬‬ ‫خيْرِ َويَأْمُرُو نَ بِالْمَعْرُو فِ َوَيْن َهوْ نَ عَ نْ‬ ‫َوْلتَكُ نْ ِمنْكُ مْ أُ ّم ٌة يَدْعُو نَ ِإلَى اْل َ‬ ‫‪194‬‬

‫ك هُمْ الْمُفِْلحُونَ (‪)104‬‬ ‫الْ ُمنْكَرِ وَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ولتكن منكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬جاعة تدعو إل الي وتأمر بالعروف‪,‬‬ ‫وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقل وتنهى عن النكر‪ ,‬وهو ما عُرف‬ ‫قبحه شرعًا وعقل وأولئك هم الفائزون بنات النعيم‪.‬‬ ‫ت وَُأوَْلئِ كَ‬ ‫وَل تَكُونُوا كَالّذِي نَ تَفَرّقُوا وَا ْخَتلَفُوا مِ نْ بَعْ ِد مَا جَاءَهُ مْ اْلَبيّنَا ُ‬ ‫ب عَظِيمٌ ( ‪)105‬‬ ‫َلهُمْ عَذَا ٌ‬ ‫ول تكونوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة‬ ‫والبغضاء فتفرّقوا شيعًا وأحزابًا‪ ,‬واختلفوا ف أصول دينهم من بعد أن‬ ‫اتضح لم الق‪ ,‬وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع‪.‬‬ ‫ت وُجُو ُههُمْ أَكَفَ ْرتُ ْم بَعْدَ‬ ‫سوَ ّد وُجُوهٌ فَأَمّا الّذِينَ ا ْسوَدّ ْ‬ ‫َيوْمَ َتْبيَضّ وُجُوٌه َوتَ ْ‬ ‫ب بِمَا ُكْنتُ ْم تَكْفُرُونَ ( ‪)106‬‬ ‫إِيَانِكُ ْم َفذُوقُوا الْعَذَا َ‬ ‫يوم القيامة َتْبيَضّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬وامتثلوا‬ ‫أمره‪ ,‬وَتسْوَ ّد وجوه أهل الشقاوة من كذبوا رسوله‪ ,‬وعصوا أمره‪ .‬فأما‬

‫‪195‬‬

‫الذين اسودّت وجوههم‪ ,‬فيقال لم توبيخًا‪ :‬أكفرت بعد إيانكم‪ ,‬فاخترت‬ ‫الكفر على اليان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم‪.‬‬ ‫ُونم (‬ ‫ُمم فِيهَا خَالِد َ‬ ‫ّهم ه ْ‬ ‫ُمم فَفِي رَحْ َمةِ الل ِ‬ ‫ّتم وُجُو ُهه ْ‬ ‫ِينم اْبيَض ْ‬ ‫وَأَمّام الّذ َ‬ ‫‪)107‬‬ ‫وأما الذين ابيضّتْ وجوهم بنضرة النعيم‪ ,‬وما ُبشّروا به من الي‪ ,‬فهم‬ ‫ف جنة ال ونعيمها‪ ,‬وهم باقون فيها‪ ,‬ل يرجون منها أبدًا‪.‬‬ ‫ت اللّ هِ َنتْلُوهَا عََليْ كَ بِالْحَقّ وَمَا اللّ هُ ُيرِيدُ ظُلْما لِلْعالَمِيَ (‬ ‫ك آيَا ُ‬ ‫تِ ْل َ‬ ‫‪)108‬‬ ‫هذه آيات ال وبراهينه الساطعة‪ ,‬نتلوها ونقصّها عليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫بالصدق واليقي‪ .‬وما ال بظال أحدًا من خلقه‪ ,‬ول بنقص شيئًا من‬ ‫أعمالم; لنه الاكم العدل الذي ل يور‪.‬‬ ‫ت وَمَا فِي ا َلرْضِ وَِإلَى الّلهِ تُ ْرجَعُ الُمُورُ (‪)109‬‬ ‫َولِّلهِ مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫ملكم له وحده خلقًا وتدبيًا‪,‬‬ ‫ول مما فم السمموات ومما فم الرض‪ٌ ,‬‬ ‫‪196‬‬

‫ومصي جيع اللئق إليه وحده‪ ,‬فيجازي كل على قدر استحقاقه‬ ‫ت لِلنّا سِ تَ ْأمُرُو نَ بِالْمَ ْعرُو فِ َوَتْن َهوْ نَ عَ ْن الْمُن َك ِر‬ ‫ُكْنتُ مْ َخيْرَ أُ ّمةٍ ُأخْ ِرجَ ْ‬ ‫َوُتؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وََلوْ آمَ نَ أَهْلُ الْ ِكتَا بِ لَكَا نَ َخيْرا َلهُ مْ ِمْنهُ ْم الْ ُمؤْ ِمنُو نَ‬ ‫وَأَ ْكثَرُهُ ْم الْفَاسِقُونَ (‪)110‬‬ ‫أنتم ‪ -‬يا أمة ممد ‪ -‬خي المم وأنفع الناس للناس‪ ,‬تأمرون بالعروف‪,‬‬ ‫وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقل وتنهون عن النكر‪ ,‬وهو ما عُرف‬ ‫قبحه شرعًا وعقل وتصدقون بال تصديقًا جازمًا يؤيده العمل‪ .‬ولو آمن‬ ‫أهل الكتاب من اليهود والنصارى بحمد صلى ال عليه وسلم وما‬ ‫جاءهم به من عند ال كما آمنتم‪ ,‬لكان خيا لم ف الدنيا والخرة‪,‬‬ ‫منهم الؤمنون الصدقون برسالة ممد صلى ال عليه وسلم العاملون با‪,‬‬ ‫وهم قليل‪ ,‬وأكثرهم الارجون عن دين ال وطاعته‪.‬‬ ‫لَ نْ يَضُرّوكُ مْ إِلّ أَذًى وَإِ نْ يُقَاتِلُوكُ ْم ُيوَلّوكُ ْم الَ ْدبَارَ ثُمّ ل ُينْ صَرُونَ (‬ ‫‪)111‬‬

‫‪197‬‬

‫لن يضركم هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب إل ما يؤذي أساعكم من‬ ‫ألفاظ الشرك والكفر وغي ذلك‪ ,‬فإن يقاتلوكم ُيهْزَموا‪ ,‬ويهربوا مولّي‬ ‫الدبار‪ ,‬ث ل ينصرون عليكم بأي حال‪.‬‬ ‫حبْلٍ مِ نْ اللّ هِ وَ َحبْلٍ مِ نْ النّا ِ‬ ‫س‬ ‫ضُ ِرَب تْ عََلْيهِ ْم ال ّذلّةُ َأيْ نَ مَا ثُقِفُوا إِلّ ِب َ‬ ‫ُمم كَانُوا‬ ‫ِكم بَِأّنه ْ‬ ‫َسم َكَنةُ َذل َ‬ ‫ِمم الْم ْ‬ ‫َتم عََلْيه ْ‬ ‫ّهم َوضُ ِرب ْ‬ ‫ِنم الل ِ‬ ‫َبم م ْ‬ ‫َوبَاءُوا بِغَض ٍ‬ ‫صوْا وَكَانُوا‬ ‫ك بِمَا عَ َ‬ ‫ت اللّ هِ َويَ ْقتُلُو نَ الَنِبيَاءَ بِ َغْيرِ حَقّ َذلِ َ‬ ‫يَكْفُرُو نَ بِآيَا ِ‬ ‫يَ ْعتَدُونَ (‪)112‬‬ ‫جعل ال الوان والصغار أمرًا لزمًا ل يفارق اليهود‪ ,‬فهم أذلء متقرون‬ ‫أينما ُوجِدوا‪ ,‬إل بعهد من ال وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم‬ ‫وأموالم‪ ,‬وذلك هو عقد الذمة لم وإلزامهم أحكام السلم‪ ,‬ورجعوا‬ ‫بغضب من ال مستحقي له‪ ,‬وضُربت عليهم الذلّة والسكنة‪ ,‬فل ترى‬ ‫اليهوديّ إل وعليه الوف والرعب من أهل اليان; ذلك الذي جعله ال‬ ‫عليهم بسبب كفرهم بال‪ ,‬وتاوزهم حدوده‪ ,‬وَقتْلهم النبياء ظلمًا‬ ‫واعتداء‪ ,‬وما جرّأهم على هذا إل ارتكابم للمعاصي‪ ,‬وتاوزهم حدود‬ ‫ال‪.‬‬

‫‪198‬‬

‫َليْ سُوا َسوَاءً مِ نْ أَهْ ِل الْ ِكتَا بِ أُ ّمةٌ قَائِ َم ٌة َيتْلُو نَ آيَا تِ اللّ هِ آنَاءَ الّليْلِ وَهُ مْ‬ ‫َيسْجُدُونَ (‪)113‬‬ ‫ليس أهل الكتاب متساوين‪ :‬فمنهم جاعة مستقيمة على أمر ال مؤمنة‬ ‫برسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يقومون الليل مرتلي آيات القرآن‬ ‫الكري‪ ,‬مقبلي على مناجاة ال ف صلواتم‪.‬‬ ‫ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر َويَأْمُرُو نَ بِالْمَ ْعرُو فِ َوَيْن َهوْ نَ عَ نْ الْ ُمنْ َكرِ‬ ‫حيَ (‪)114‬‬ ‫ت وَُأ ْوَلئِكَ مِ َن الصّالِ ِ‬ ‫َوُيسَارِعُونَ فِي اْلخَيْرَا ِ‬ ‫يؤمنون بال واليوم الخر‪ ,‬ويأمرون بالي كله‪ ,‬وينهون عن الشر كلّه‪,‬‬ ‫ويبادرون إل فعل اليات‪ ,‬وأولئك مِن عباد ال الصالي‪.‬‬ ‫وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ َخْيرٍ َفلَنْ يُكْفَرُو ُه وَالّلهُ عَلِيمٌ بِالْ ُمتّ ِقيَ (‪)115‬‬ ‫وأيّ عمل ق ّل أو َكثُر من أعمال الي تعمله هذه الطائفة الؤمنة فلن‬ ‫يضيع عند ال‪ ,‬بل يُشكر لم‪ ,‬ويازون عليه‪ .‬وال عليم بالتقي الذين‬ ‫فعلوا اليات وابتعدوا عن الحرمات; ابتغاء رضوان ال‪ ,‬وطلبًا لثوابه‪.‬‬

‫‪199‬‬

‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا لَ نْ تُ ْغنِ يَ َعْنهُ مْ أَ ْموَاُلهُ مْ وَل َأوْلدُ ُه ْم مِ ْن اللّ هِ َشيْئا‬ ‫صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)116‬‬ ‫وَُأ ْوَلئِكَ َأ ْ‬ ‫إن الذين كفروا بآيات ال‪ ,‬وكذبوا رسله‪ ,‬لن تدفع عنهم أموالم ول‬ ‫أولدهم شيئًا من عذاب ال ف الدنيا ول ف الخرة‪ ,‬وأولئك أصحاب‬ ‫النار اللزمون لا‪ ,‬ل يرجون منها‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا كَ َمثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرّ َأصَابَتْ حَرْ َ‬ ‫ث‬ ‫َمثَ ُل مَا ُينْفِقُونَ فِي هَذِهِ اْل َ‬ ‫سهُ ْم يَظْلِمُو نَ (‬ ‫سهُمْ فَأَهَْل َكتْ هُ وَمَا ظَلَ َمهُ مْ اللّ هُ َولَكِ نْ َأنْفُ َ‬ ‫َقوْ مٍ ظَلَمُوا َأنْفُ َ‬

‫‪)117‬‬

‫َمثَلُ ما ينفق الكافرون ف وجوه الي ف هذه الياة الدنيا وما يؤملونه‬ ‫ت على زرع قوم كانوا يرجون‬ ‫من ثواب‪ ,‬كمثل ريح فيها برد شديد َهبّ ْ‬ ‫خيه‪ ,‬وبسبب ذنوبم ل ُتبْقِ الريح منه شيئًا‪ .‬وهؤلء الكافرون ل‬ ‫يدون ف الخرة ثوابًا‪ ,‬وما ظلمهم ال بذلك‪ ,‬ولكنهم ظلموا أنفسهم‬ ‫بكفرهم وعصيانم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َتّتخِذُوا بِطَانَةً مِ نْ دُونِكُ ْم ل يَ ْألُونَكُ مْ َخبَالً وَدّوا‬ ‫صدُورُهُمْ أَ ْكبَ ُر َقدْ َبّينّا‬ ‫ت اْلبَغْضَاءُ مِنْ أَ ْفوَا ِههِمْ وَمَا ُتخْفِي ُ‬ ‫مَا َعِنتّ ْم قَ ْد بَدَ ْ‬ ‫‪200‬‬

‫لَكُمْ اليَاتِ ِإنْ ُكْنتُمْ تَ ْعقِلُونَ ( ‪)118‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تتخذوا الكافرين‬ ‫أولياء من دون الؤمني‪ ,‬تُطْلعونم على أسراركم‪ ,‬فهؤلء ل يَ ْفتُرون عن‬ ‫إفساد حالكم‪ ,‬وهم يفرحون با يصيبكم من ضرر ومكروه‪ ,‬وقد‬ ‫ظهرت شدة البغض ف كلمهم‪ ,‬وما تفي صدورهم من العداوة لكم‬ ‫أكب وأعظم‪ .‬قد بّينّا لكم الباهي والجج‪ ,‬لتتعظوا وتذروا‪ ,‬إن كنتم‬ ‫تعقلون عن ال مواعظه وأمره ونيه‪.‬‬ ‫حبّونَكُمْ َوُتؤْ ِمنُونَ بِالْ ِكتَابِ كُلّهِ َوإِذَا لَقُوكُ ْم‬ ‫حبّونَهُ ْم وَل ُي ِ‬ ‫هَاَأْنتُمْ ُأوْلءِ ُت ِ‬ ‫قَالُوا آ َمنّ ا وَإِذَا خََلوْا عَضّوا عََليْكُ ْم ا َلنَامِلَ مِ نْ ال َغيْ ظِ قُ ْل مُوتُوا بِ َغيْظِكُ مْ‬

‫ت الصّدُورِ ( ‪)119‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ عَلِي ٌم بِذَا ِ‬

‫ها هوذا الدليل على خطئكم ف مبتهم‪ ,‬فأنتم تبونم وتسنون إليهم‪,‬‬ ‫وهم ل يبونكم ويملون لكم العداوة والبغضاء‪ ,‬وأنتم تؤمنون بالكتب‬ ‫النلة كلها ومنها كتابم‪ ,‬وهم ل يؤمنون بكتابكم‪ ,‬فكيف تبونم؟‬ ‫وإذا لقوكم قالوا ‪-‬نفاقًا‪ : -‬آمنّا وصدّقْنا‪ ,‬وإذا خل بعضهم إل بعض‬ ‫بدا عليهم الغم والزن‪ ,‬فعَضّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب‪ ,‬لا‬ ‫يرون من ألفة السلمي واجتماع كلمتهم‪ ,‬وإعزاز السلم‪ ,‬وإذللم به‪.‬‬ ‫‪201‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬موتوا بشدة غضبكم‪ .‬إن ال مطّلِع على ما‬ ‫تفي الصدور‪ ,‬وسيجازي كل على ما قدّم مِن خي أو شر‪.‬‬ ‫صبِرُوا‬ ‫صبْكُ ْم َسّيَئةٌ يَفْرَحُوا ِبهَا وَإِ نْ تَ ْ‬ ‫سؤْهُ ْم وَإِ نْ تُ ِ‬ ‫سَنةٌ تَ ُ‬ ‫سسْكُمْ حَ َ‬ ‫إِ نْ تَمْ َ‬ ‫َوَتتّقُوا ل يَضُرّكُ ْم َكيْدُهُمْ َشيْئا ِإنّ الّلهَ بِمَا يَ ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ (‪)120‬‬ ‫ومن عداوة هؤلء أنكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن‬ ‫نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والزن‪ ,‬وإن وقع بكم مكروه من‬ ‫هزية أو نقص ف الموال والنفس والثمرات فرحوا بذلك‪ ,‬وإن تصبوا‬ ‫على ما أصابكم‪ ,‬وتتقوا ال فيما أمركم به وناكم عنه‪ ,‬ل يضركم أذى‬ ‫مكرهم‪ .‬وال بميع ما يعمل هؤلء الكفار من الفساد ميط‪,‬‬ ‫وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫ك ُتَبوّئُ الْ ُمؤْ ِمِنيَ مَقَاعِ َد لِلْ ِقتَالِ وَاللّ هُ َسمِيعٌ َعلِي مٌ (‬ ‫وَِإذْ غَ َد ْو تَ مِ نْ أَهْلِ َ‬ ‫‪)121‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي خَرَ ْجتَ من بيتك لبسًا عُدّة الرب‪ ,‬تنظم‬ ‫صفوف أصحابك‪ ,‬وُتنْزِل كل واحد ف منله للقاء الشركي ف غزوة‬ ‫"أُحُد"‪ .‬وال سيع لقوالكم‪ ,‬عليم بأفعالكم‪.‬‬ ‫‪202‬‬

‫إِذْ َهمّت ْم طَائِ َفتَانِم ِمنْكُم ْمأَن ْمتَ ْفشَل وَاللّهُم َوِليّهُمَا وَعَلَى اللّهِم فَ ْلَيَتوَكّلْ‬

‫الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)122‬‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر بن سَلِمة وبن حارثة حي‬ ‫حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم النافق عبد ال بن ُأبّ; خوفًا من‬ ‫لقاء العدو‪ ,‬ولكن ال عصمهم وحفظهم‪ ,‬فساروا معك متوكلي على‬ ‫ال‪ .‬وعلى ال وحده فليتوكل الؤمنون‪.‬‬ ‫صرَكُمْ الّلهُ ِببَ ْد ٍر وََأْنتُمْ أَ ِذّلةٌ فَاتّقُوا الّلهَ لَعَلّ ُكمْ َتشْكُرُونَ (‪)123‬‬ ‫َولَقَدْ نَ َ‬ ‫ولقد نصركم ال ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بم "بدر" على أعدائكم الشركي‬ ‫مع قلة َعدَدكم وعُدَدكم‪ ,‬فخافوا ال بفعل أوامره واجتناب نواهيه;‬ ‫لعلكم تشكرون له نعمه‪.‬‬ ‫إِذْ تَقُولُ لِ ْل ُمؤْ ِمنِيَ َألَن ْم يَكْ ِفيَكُم ْمأَن ْم يُ ِمدّكُم ْم َربّكُم ْم ِبثَلَثةِ آلفٍم مِن ْم‬ ‫الْمَلئِ َكةِ ُمنْ َزِليَ (‪)124‬‬

‫‪203‬‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر أصحابك ف "بدر" حي ش ّق‬ ‫عليهم أن يأت مَدَد للمشركي‪ ,‬فأوحينا إليك أن تقول لم‪ :‬ألن تكفيكم‬ ‫معونة ربكم بأن يدكم بثلثة آلف من اللئكة ُمنْزَلي من السماء إل‬ ‫أرض العركة‪ ,‬يثبتونكم‪ ,‬ويقاتلون معكم‪.‬‬ ‫سةِ‬ ‫صِبرُوا َوَتتّقُوا َويَ ْأتُوكُمْ مِ ْن َف ْورِهِ ْم هَذَا ُيمْدِدْ ُك ْم َربّكُ ْم ِبخَمْ َ‬ ‫بَلَى إِنْ تَ ْ‬

‫سوّ ِميَ (‪)125‬‬ ‫آلفٍ مِنْ الْمَلئِ َكةِ ُم َ‬

‫بلى يكفيكم هذا الَدَد‪ .‬وبشارة أخرى لكم‪ :‬إن تصبوا على لقاء العدو‬ ‫وتتقوا ال بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما ناكم عنه‪ ,‬ويأت كفار‬ ‫"مكة" على الفور مسرعي لقتالكم‪ ,‬يظنون أنم يستأصلونكم‪ ,‬فإن ال‬ ‫يدكم بمسة آلف من اللئكة مسوّمي أي‪ :‬قد أعلموا أنفسهم‬ ‫وخيولم بعلمات واضحات‪.‬‬ ‫وَمَا جَعَلَ هُ اللّ هُ إِلّ ُبشْرَى لَكُ مْ َوِلتَطْ َمئِنّ ُقلُوبُكُ ْم بِ هِ وَمَا النّ صْرُ إِلّ مِ نْ‬ ‫ِعنْدِ الّلهِ الْعَزِي ِز الْحَكِي ِم (‪)126‬‬

‫‪204‬‬

‫وما جعل ال هذا المداد باللئكة إل بشرى لكم يبشركم با ولتطمئن‬ ‫قلوبكم‪ ,‬وتطيب بوعد ال لكم‪ .‬وما النصر إل من عند ال العزيز الذي‬ ‫ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف تدبيه وفعله‪.‬‬ ‫ِليَقْطَعَ طَرَفا مِ ْن الّذِي َن كَفَرُوا َأوْ َي ْكِبَتهُمْ َفَينْقَِلبُوا خَاِئبِيَ (‪)127‬‬ ‫وكان نصر ال لكم بم "بدْر" ليهلك فريقًا من الكفار بالقتل‪ ,‬ومن نا‬ ‫من هم من الق تل ر جع حزينًا قد ضا قت عل يه نف سه‪ ,‬يَظْ هر عل يه الزي‬ ‫والعار‬

‫َليْ سَ لَ كَ مِ نْ الَمْرِ َش ْيءٌ َأوْ َيتُو بَ َعَلْيهِ مْ َأوْ يُعَ ّذَبهُ مْ َفِإّنهُ مْ ظَالِمُو نَ (‬

‫‪)128‬‬

‫ليس لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أمر العباد شيء‪ ,‬بل المر كله ل تعال‬ ‫وحده ل شريك له‪ ,‬ولعل بعض هؤلء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم‬ ‫للسلم فيسلموا‪ ,‬فيتوب ال عليهم‪ .‬ومن بقي على كفره يعذبه ال ف‬ ‫الدنيا والخرة بسبب ظلمه وبغيه‪.‬‬

‫‪205‬‬

‫ت وَمَا فِي ا َلرْ ضِ يَغْفِ ُر لِمَ نْ َيشَاءُ َويُ َعذّ بُ مَ نْ َيشَاءُ‬ ‫َولِلّ هِ مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)129‬‬ ‫ول وحده ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬يغفر لن يشاء من عباده‬ ‫برحته‪ ,‬ويعذب من يشاء بعدله‪ .‬وال غفور لذنوب عباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَأْكُلُوا الرّبَا َأضْعَافا مُضَاعَ َفةً وَاتّقُوا اللّ هَ لَعَلّكُ مْ‬ ‫تُفِْلحُونَ (‪)130‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بميع‬ ‫أنواعه‪ ,‬ول تأخذوا ف القرض زيادة على رؤوس أموالكم وإن قلّت‪,‬‬ ‫فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟‬ ‫واتقوا ال بالتزام شرعه; لتفوزوا ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫وَاتّقُوا النّارَ اّلتِي أُعِدّتْ لِلْكَافِرِي َن (‪)131‬‬ ‫اجعلوا لنفسكم وقاية بينكم وبي النار الت ُهيّئت للكافرين‪.‬‬ ‫وََأطِيعُوا الّلهَ وَالرّسُو َل لَعَلّكُمْ ُترْحَمُونَ (‪)132‬‬ ‫‪206‬‬

‫وأطيعوا ال ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬فيما أمركم به من الطاعات وفيما ناكم‬ ‫عنه من أكل الربا وغيه من الشياء‪ ,‬وأطيعوا الرسول; لترحوا‪ ,‬فل‬ ‫تعذبوا‪.‬‬ ‫ت وَالَرْ ضُ أُعِدّ تْ‬ ‫ضهَا ال سّ َموَا ُ‬ ‫وَ سَارِعُوا ِإلَى مَ ْغفِرَةٍ مِ ْن َربّكُ مْ َو َجّنةٍ عَ ْر ُ‬ ‫لِلْ ُمتّ ِقيَ ( ‪)133‬‬ ‫وبادروا بطاعتكم ل ورسوله لغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة‬ ‫واسعة‪ ,‬عرضها السموات والرض‪ ,‬أعدها ال للمتقي‪.‬‬ ‫ظ وَالْعَاِفيَ عَ نْ النّا سِ‬ ‫الّذِي نَ ُينْفِقُو نَ فِي ال سّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَالْكَاظِ ِميَ الْ َغيْ َ‬ ‫سِنيَ (‪)134‬‬ ‫حِ‬ ‫ب الْ ُم ْ‬ ‫وَالّلهُ ُيحِ ّ‬ ‫الذين ينفقون أموالم ف اليسر والعسر‪ ,‬والذين يسكون ما ف أنفسهم‬ ‫من الغيظ بالصب‪ ,‬وإذا قَدَروا عَفَوا عمّن ظلمهم‪ .‬وهذا هو الحسان‬ ‫الذي يب ال أصحابه‪.‬‬ ‫متَ ْغفَرُوا‬ ‫م فَاس ْ‬ ‫مهُمْ ذَكَرُوا اللّه َ‬ ‫شةً َأ ْو ظَلَمُوا َأنْفُس َ‬ ‫م إِذَا فَعَلُوا فَا ِح َ‬ ‫وَالّذِين َ‬ ‫‪207‬‬

‫ُمم‬ ‫ُصمرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَه ْ‬ ‫َمم ي ِ‬ ‫ّهم وَل ْ‬ ‫ُوبمإِلّ الل ُ‬ ‫َنم يَغْفِ ُر ال ّذن َ‬ ‫ِمم وَم ْ‬ ‫لِ ُذنُوبِه ْ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)135‬‬ ‫والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه‪,‬‬ ‫ذكروا وعد ال ووعيده فلجأوا إل ربم تائبي‪ ,‬يطلبون منه أن يغفر لم‬ ‫ذنوبم‪ ,‬وهم موقنون أنه ل يغفر الذنرب إل ال‪ ,‬فهم لذلك ل يقيمون‬ ‫على معصية‪ ,‬وهم يعلمون أنم إن تابوا تاب ال عليهم ‪.‬‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ‬ ‫ِنم َت ْ‬ ‫ّاتم َتجْرِي م ْ‬ ‫ِمم وَ َجن ٌ‬ ‫ِنم َرّبه ْ‬ ‫ُمم مَغْفِرَ ٌة م ْ‬ ‫ِكم جَزَاؤُه ْ‬ ‫ُأوَْلئ َ‬

‫خَالِدِينَ فِيهَا َونِعْمَ َأجْرُ الْعَامِِليَ (‪)136‬‬

‫أولئك الوصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر ال ذنوبم‪,‬‬ ‫ولم جنات تري من تت أشجارها وقصورها الياه العذبة‪ ,‬خالدين‬ ‫فيها ل يرجون منها أبدًا‪ .‬ونِعْمَ أجر العاملي الغفرة والنة‪.‬‬ ‫ت مِ ْن َقبْلِ ُك ْم ُسنَنٌ فَ سِيُوا فِي الَرْ ضِ فَانْظُروا َكيْ فَ كَا نَ عَاِقَبةُ‬ ‫قَدْ خََل ْ‬

‫الْمُكَ ّذِبيَ (‪)137‬‬

‫‪208‬‬

‫ياطب ال الؤمني لممّا أُصيبوا يوم "أُحد" تعزية لم بأنه قد مضت من‬ ‫قبلكم أمم‪ ,‬ابتُلي الؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لم‪,‬‬ ‫فسيوا ف الرض معتبين با آل إليه أمر أولئك الكذبي بال ورسله‪.‬‬ ‫َهذَا َبيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَ َموْعِ َظةٌ لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)138‬‬ ‫هذا القرآن بيان وإرشاد إل طريق الق‪ ,‬وتذكي تشع له قلوب التقي‪,‬‬ ‫وهم الذين يشون ال‪ ,‬وخُصّوا بذلك; لنم هم النتفعون به دون‬ ‫غيهم‪.‬‬ ‫وَل َت ِهنُوا وَل َتحْ َزنُوا وََأْنتُ ْم الَعَْلوْنَ ِإنْ ُكْنتُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)139‬‬ ‫ول تضْعُفوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن قتال عدوكم‪ ,‬ول تزنوا لا أصابكم‬ ‫ف "أُحد"‪ ,‬وأنتم الغالبون والعاقبة لكم‪ ,‬إن كنتم مصدقي بال ورسوله‬ ‫متّبعي شرعه‪.‬‬ ‫ك ا َليّا مُ ُندَاوُِلهَا َبيْ نَ‬ ‫سسْكُمْ َقرْ حٌ فَقَ ْد مَ سّ الْ َقوْ مَ قَرْ حٌ ِمثْلُ ُه َوتِلْ َ‬ ‫إِ نْ يَمْ َ‬ ‫ّهم ل ُيحِب ّ‬ ‫ُمم ُشهَدَاءَ وَالل ُ‬ ‫ِينم آ َمنُوا َوَيّتخِذَ ِمنْك ْ‬ ‫ّهم الّذ َ‬ ‫َمم الل ُ‬ ‫ّاسم َوِليَعْل َ‬ ‫الن ِ‬ ‫‪209‬‬

‫الظّالِ ِميَ (‪)140‬‬ ‫إن أصابتكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬جراح أو قتل ف غزوة "أُحد" فحزنتم‬ ‫لذلك‪ ,‬فقد أصاب الشركي جراح وقتل مثل ذلك ف غزوة "بدر"‪.‬‬ ‫صرّفها ال بي الناس‪ ,‬نصر مرة وهزية أخرى‪ ,‬لا ف ذلك‬ ‫وتلك اليام يُ َ‬ ‫من الكمة‪ ,‬حت يظهر ما علمه ال ف الزل ليميز ال الؤمن الصادق‬ ‫مِن غيه‪ ,‬ويُكْ ِرمَ أقوامًا منكم بالشهادة‪ .‬وال ل يب الذين ظلموا‬ ‫أنفسهم‪ ,‬وقعدوا عن القتال ف سبيله‪.‬‬ ‫َوِليُ َمحّصَ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا َويَ ْمحَقَ الْكَافِرِي َن (‪)141‬‬ ‫وهذه الزية الت وقعت ف "أُحد" كانت اختبارًا وتصفية للمؤمني‪,‬‬ ‫وتليصًا لم من النافقي وهلكًا للكافرين‪.‬‬ ‫جنّةَ َولَمّا يَعَْل مْ اللّ هُ الّذِي نَ جَاهَدُوا ِمنْ ُك مْ َويَعَْل مَ‬ ‫سْبتُمْ أَ نْ َتدْخُلُوا اْل َ‬ ‫أَ مْ حَ ِ‬ ‫الصّابِرِينَ (‪)142‬‬ ‫يا أصحاب ممد ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أظننتم أن تدخلوا النة‪ ,‬ول‬ ‫ُتْبتَلوا بالقتال والشدائد؟ ل يصل لكم دخولا حت ُتبْتلوا‪ ,‬ويعلم ال‬ ‫‪210‬‬

‫علما ظاهرا للخلق‪ -‬الجاهدين منكم ف سبيله‪ ,‬والصابرين على‬‫مقاومة العداء‪.‬‬ ‫ت مِ ْن َقبْلِ أَنْ تَلْ َقوْهُ فَ َقدْ رََأْيتُمُوهُ وََأْنتُمْ َتنْظُرُونَ (‬ ‫َولَقَدْ ُكْنتُمْ َتتَ َمّنوْن الْ َموْ َ‬ ‫‪)143‬‬ ‫ولقد كنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قبل غزوة "أُحد" تتمنون لقاء العدو; لتنالوا‬ ‫شرف الهاد والستشهاد ف سبيل ال الذي حَظِي به إخوانكم ف غزوة‬ ‫"بدر"‪ ,‬فها هو ذا قد حصل لكم الذي تنيتموه وطلبتموه‪ ,‬فدونكم‬ ‫فقاتلوا وصابروا‪.‬‬ ‫وَمَا ُمحَمّدٌ إِ ّل رَسمُولٌ َقدْ خَلَت ْم مِن ْم َقبْلِهِم الرّ سُلُ َأَفإِيْن مَاتَمَأوْ ُقتِ َل‬ ‫ّهم َشيْئا‬ ‫َنم يَضُ ّر الل َ‬ ‫ْهم فَل ْ‬ ‫ِبم عَلَى عَ ِقَبي ِ‬ ‫َنم َينْقَل ْ‬ ‫ُمم وَم ْ‬ ‫ُمم عَلَى أَعْقَابِك ْ‬ ‫انْقََلْبت ْ‬ ‫وَ َسَيجْزِي الّلهُ الشّاكِرِينَ (‪)144‬‬ ‫وما ممد إل رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه‪ .‬أفإن‬ ‫مات بانقضاء أجله أو ُقتِل كما أشاعه العداء رجعتم عن دينكم‪,,‬‬ ‫تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن يرجِعُ منكم عن دينه فلن يضر ال‬ ‫‪211‬‬

‫شيئًا‪ ,‬إنا يضر نفسه ضررًا عظيمًا‪ .‬أما مَن ثبت على اليان وشكر ربه‬ ‫على نعمة السلم‪ ,‬فإن ال يزيه أحسن الزاء‪.‬‬ ‫ل وَمَ نْ ُيرِدْ َثوَا َ‬ ‫ب‬ ‫وَمَا كَا نَ ِلنَفْ سٍ أَ نْ تَمُو تَ إِ ّل ِبإِذْ نِ اللّ هِ ِكتَابا ُمؤَجّ ً‬ ‫ال ّدْنيَا ُن ْؤتِ هِ ِمْنهَا وَمَ نْ ُيرِدْ َثوَا بَ ال ِخرَةِ ُن ْؤتِ هِ ِمْنهَا وَ َسَنجْزِي الشّاكِرِي نَ (‬ ‫‪)145‬‬ ‫لن يوت أحد إل بإذن ال وقدره وحت يستوف الدة الت قدرها ال له‬ ‫كتابًا مؤجّل‪ .‬ومن يطلب بعمله عَرَض الدنيا‪ ,‬نعطه ما قسمناه له من‬ ‫رزق‪ ,‬ول حظّ له ف الخرة‪ ,‬ومن يطلب بعمله الزاء من ال ف الخرة‬ ‫ننحه ما طلبه‪ ,‬ونؤته جزاءه وافرًا مع ما لَه ف الدنيا من رزق مقسوم‪,‬‬ ‫فهذا قد شَكَرَنا بطاعته وجهاده‪ ,‬وسنجزي الشاكرين خيًا‪.‬‬ ‫وَكََأيّ نْ مِ ْن َنبِيّ قَاتَلَ مَعَ ُه ِرّبيّو نَ َكثِيٌ فَمَا وَ َهنُوا لِمَا أَ صَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ‬ ‫اللّهِ وَمَا ضَ ُعفُوا وَمَا ا ْستَكَانُوا وَالّلهُ ُيحِبّ الصّابِرِينَ (‪)146‬‬ ‫كثي من النبياء السابقي قاتل معهم جوع كثية من أصحابم‪ ,‬فما‬ ‫ضعفوا لِمَا نزل بم من جروح أو قتل; لن ذلك ف سبيل ربم‪ ,‬وما‬ ‫‪212‬‬

‫َعجَزوا‪ ,‬ول خضعوا لعدوهم‪ ,‬إنا صبوا على ما أصابم‪ .‬وال يب‬ ‫الصابرين‪.‬‬ ‫وَمَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِلّ أَنْ قَالُوا َرّبنَا اغْ ِفرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَإِسْرَاَفنَا فِي أَمْ ِرنَا َوَثبّتْ‬ ‫أَ ْقدَا َمنَا وَانْصُ ْرنَا َعلَى الْ َقوْمِ الْكَافِرِينَ ( ‪)147‬‬ ‫وما كان قول هؤلء الصابرين إل أن قالوا‪ :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬وما‬ ‫وقع منا مِن تاوزٍ ف أمر ديننا‪ ,‬وثبّت أقدامنا حت ل نفرّ من قتال‬ ‫عدونا‪ ,‬وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك‪.‬‬ ‫سِنيَ (‬ ‫ب ال ّدْنيَا وَحُ سْنَ َثوَا بِ الخِرَ ِة وَاللّ هُ ُيحِبّ الْمُحْ ِ‬ ‫فَآتَاهُ مْ اللّ هُ َثوَا َ‬ ‫‪)148‬‬ ‫فأعطى ال أولئك الصابرين جزاءهم ف الدنيا بالنصر على أعدائهم‪,‬‬ ‫وبالتمكي لم ف الرض‪ ,‬وبالزاء السن العظيم ف الخرة‪ ,‬وهو‬ ‫جنات النعيم‪ .‬وال يب كلّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته للقه‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم عَلَى أَعْقَابِك ْ‬ ‫ِينم كَفَرُوا يَ ُردّوك ْ‬ ‫ِنم تُطِيعُوا الّذ َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا إ ْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫‪213‬‬

‫َفَتنْقَِلبُوا خَاسِرِينَ (‪)149‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬إن تطيعوا الذين‬ ‫جحدوا ألوهيت‪ ,‬ول يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى والنافقي‬ ‫والشركي فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه‪ ,‬يضلوكم عن طريق الق‪,‬‬ ‫وترتدّوا عن دينكم‪ ,‬فتعودوا بالسران البي واللك الحقق‪.‬‬ ‫بَلْ الّلهُ َموْلكُمْ وَ ُهوَ َخيْرُ النّاصِرِينَ (‪)150‬‬ ‫إنم لن ينصروكم‪ ,‬بل ال ناصركم‪ ,‬وهو خي ناصر‪ ,‬فل يتاج معه إل‬ ‫نصرة أحد‪.‬‬ ‫ب بِمَا أَشْرَكُوا بِاللّ هِ مَا لَ مْ ُيَنزّلْ بِ هِ‬ ‫ب الّذِي نَ كَفَرُوا الرّعْ َ‬ ‫َسنُلْقِي فِي قُلُو ِ‬

‫سُلْطَانا وَمَ ْأوَاهُ ْم النّارُ َوِبئْسَ َمْثوَى الظّالِ ِميَ (‪)151‬‬

‫سنقذف ف قلوب الذين كفروا أشدّ الفزع والوف بسبب إشراكهم‬ ‫بال آلة مزعومة‪ ,‬ليس لم دليل أو برهان على استحقاقها للعبادة مع‬ ‫ال‪ ,‬فحالتهم ف الدنيا‪ :‬رعب وهلع من الؤمني‪ ,‬أما مكانم ف الخرة‬

‫‪214‬‬

‫الذي يأوون إليه فهو النار; وذلك بسبب ظلمهم وعدوانم‪ ,‬وساء هذا‬ ‫القام مقامًا لم‪.‬‬ ‫َولَقَدْ صَدََقكُمْ اللّ هُ وَعْدَ هُ إِ ْذ َتحُ سّوَنهُمْ ِبإِ ْذنِ هِ َحتّ ى إِذَا َفشِ ْلتُ مْ َحتّ ى إِذَا‬ ‫حبّونَ ِمنْ ُك ْم مَنْ‬ ‫صْيتُمْ مِنْ بَعْ ِد مَا َأرَاكُ ْم مَا ُت ِ‬ ‫َفشِ ْلتُمْ َوَتنَازَ ْعتُمْ فِي الَمْرِ وَعَ َ‬ ‫صرَفَكُ ْم َعْنهُ مْ ِلَيْبتَِليَكُ ْم َولَقَدْ عَفَا‬ ‫يُرِي ُد ال ّدْنيَا وَ ِمنْ ُك مْ مَ ْن يُرِيدُ الخِرَ َة ثُمّ َ‬ ‫َعنْكُ ْم وَالّلهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)152‬‬

‫ولقد حقق ال لكم ما وعدكم به من نصر‪ ,‬حي كنتم تقتلون الكفار ف‬ ‫غزوة "أُحد" بإذنه تعال‪ ,‬حت إذا َجبُنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم‪:‬‬ ‫هل تبقون ف مواقعكم أو تتركونا لمع الغنان مع مَن يمعها؟ وعصيتم‬ ‫أمر رسولكم حي أمركم أل تفارفوا أماكنكم بأي حال‪ ,‬حلّت بكم‬ ‫الزية من بعد ما أراكم ما تبون من النصر‪ ,‬وتبيّن أن منكم مَن يريد‬ ‫الغنائم‪ ,‬وأن منكم مَن يطلب الخرة وثوابا‪ ,‬ث صرف ال وجوهكم‬ ‫عن عدوكم; ليختبكم‪ ,‬وقد علم ال ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم‪ ,‬وال‬ ‫ذو فضل عظيم على الؤمني‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم ف ِي ُأخْرَاك ْ‬ ‫ُونم َعلَى أَحَ ٍد وَالرّسمُولُ َيدْعُوك ْ‬ ‫ُصمعِدُونَ وَل تَ ْلو َ‬ ‫إِذْ ت ْ‬ ‫‪215‬‬

‫فََأثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِ َكيْل َتحْ َزنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَل مَا أَصَابَكُ ْم وَاللّهُ َخبِيٌ‬ ‫بِمَا تَعْ َملُونَ (‪)153‬‬ ‫اذكروا ‪-‬يا أصحاب ممد‪ -‬ما كان مِن أمركم حي أخذت تصعدون‬ ‫البل هاربي من أعدائكم‪ ,‬ول تلتفتون إل أحد لِمَا اعتراكم من‬ ‫الدهشة والوف والرعب‪ ,‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم ثابت ف‬ ‫ل عبادَ ال‪ ,‬وأنتم ل تسمعون ول‬ ‫اليدان يناديكم من خلفكم قائل إ ّ‬ ‫تنظرون‪ ,‬فكان جزاؤكم أن أنزل ال بكم ألًا وضيقًا وغمّا; لكي ل‬ ‫تزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة‪ ,‬ول ما حلّ بكم من خوف‬ ‫وهزية‪ .‬وال خبي بميع أعمالكم‪ ,‬ل يفى عليه منها شيء‪.‬‬ ‫ثُمّ َأنْزَلَ َعَليْكُ ْم مِ نْ بَعْ ِد الْغَمّ أَ َمَنةً نُعَاسا يَ ْغشَى طَائِفَةً ِمْنكُ ْم َوطَائِ َفةٌ َق ْد‬ ‫سهُمْ يَ ُظنّو نَ بِاللّ هِ َغيْرَ اْلحَقّ ظَنّ اْلجَاهِِليّةِ يَقُولُو نَ هَلْ َلنَا مِ نْ‬ ‫أَهَ ّمْتهُ مْ َأنْفُ ُ‬ ‫سهِمْ مَا ل ُيبْدُونَ لَكَ‬ ‫الَمْرِ مِنْ شَ ْيءٍ قُلْ ِإنّ الَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ ُيخْفُونَ فِي َأنْفُ ِ‬ ‫يَقُولُونَ َلوْ كَانَ َلنَا مِنْ الَ ْمرِ َش ْيءٌ مَا ُقتِ ْلنَا هَا ُهنَا قُلْ َلوْ ُكْنتُمْ فِي ُبيُوتِكُمْ‬ ‫ّهم م َا ف ِي‬ ‫ِيم الل ُ‬ ‫ِمم َوِلَيْبتَل َ‬ ‫ِمم الْ َقتْلُ ِإلَى مَضَاجِ ِعه ْ‬ ‫ِبم َعَلْيه ْ‬ ‫ِينم ُكت َ‬ ‫َلبَ َرزَ الّذ َ‬ ‫صُدُورِكُمْ َوِليُ َمحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَاللّهُ َعلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪)154‬‬

‫‪216‬‬

‫ث كان من رحة ال بالؤمني الخلصي أن ألقى ف قلوبم من بعد ما‬ ‫نزل با من ه ّم وغمّ اطمئنانًا وثقة ف وعد ال‪ ,‬وكان من أثره نعاس‬ ‫َغشِي طائفة منهم‪ ,‬وهم أهل الخلص واليقي‪ ,‬وطائفة أُخرى أهّهم‬ ‫خلص أنفسهم خاصة‪ ,‬وضَعُ َفتْ عزيتهم وشُغِلوا بأنفسهم‪ ,‬وأساؤوا‬ ‫الظن بربم وبدينه وبنبيه‪ ,‬وظنوا أن ال ل ُيتِمّ أمر رسوله‪ ,‬وأن السلم‬ ‫لن نقوم له قائمة‪ ,‬ولذلك تراهم نادمي على خروجهم‪ ,‬يقول بعضهم‬ ‫لبعض‪ :‬هل كان لنا من اختيار ف الروج للقتال؟ قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ : -‬إن المر كلّه ل‪ ,‬فهو الذي قدّر خروجكم وما حدث‬ ‫لكم‪ ,‬وهم ُيخْفون ف أنفسهم ما ل يظهرونه لك من السرة على‬ ‫خروجهم للقتال‪ ,‬يقولون‪ :‬لو كان لنا أدن اختيار ما ُقتِلنا هاهنا‪ .‬قل‬ ‫لم‪ :‬إن الجال بيد ال‪ ,‬ولو كنتم ف بيوتكم‪ ,‬وقدّر ال أنكم توتون‪,‬‬ ‫لرج الذين كتب ال عليهم الوت إل حيث يُقْتلون‪ ,‬وما جعل ال‬ ‫ذلك إل ليختب ما ف صدوركم من الشك والنفاق‪ ,‬وليميز البيث من‬ ‫الطيب‪ ,‬ويظهر أمر الؤمن من النافق للناس ف القوال والفعال‪ .‬وال‬ ‫عليم با ف صدور خلقه‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمورهم‪.‬‬ ‫شيْطَا نُ ِببَعْ ضِ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن َتوَّلوْا ِمنْكُ ْم َيوْ مَ اْلتَقَى الْجَمْعَا نِ ِإنّمَا ا ْستَ َزّلهُمْ ال ّ‬ ‫سبُوا َولَقَ ْد عَفَا الّلهُ َعْنهُمْ ِإنّ الّلهَ غَفُورٌ حَلِي ٌم (‪)155‬‬ ‫مَا َك َ‬ ‫‪217‬‬

‫إن الذين فرّوا منكم ‪-‬يا أصحاب‪ -‬ممد عن القتال يوم التقى الؤمنون‬ ‫والشركون ف غزوة "أُحد"‪ ,‬إنا أوقعهم الشيطان ف هذا الذنب ببعض‬ ‫ما عملوا من الذنوب‪ ,‬ولقد تاوز ال عنهم فلم يعاقبهم‪ .‬إن ال غفور‬ ‫للمذنبي التائبي‪ ,‬حليم ل يعاجل من عصاه بالعقوبة‪.‬‬ ‫ض َربُوا‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَكُونُوا كَالّذِي نَ كَ َفرُوا وَقَالُوا لِ ْخوَاِنهِ مْ إِذَا َ‬ ‫فِي ا َلرْ ضِ َأوْ كَانُوا غُزّى َلوْ كَانُوا ِعنْ َدنَا مَا مَاتُوا وَمَا ُقتِلُوا ِلَيجْعَلَ اللّ هُ‬ ‫ت وَاللّ هُ بِمَا تَعْمَلُو نَ بَ صِيٌ (‬ ‫َذلِ كَ حَ سْرَ ًة فِي قُلُوِبهِ مْ وَاللّ هُ ُيحْ يِ َويُمِي ُ‬

‫‪)156‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تُشابوا الكافرين‬ ‫الذين ل يؤمنون بربم‪ ,‬فهم يقولون لخوانم من أهل الكفر إذا خرجوا‬ ‫يبحثون ف أرض ال عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة القاتلي فماتوا أو‬ ‫ُقتِلوا‪ :‬لو ل يرج هؤلء ول يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا‪.‬‬ ‫وهذا القول يزيدهم ألًا وحزنًا وحسرة تستقر ف قلوبم‪ ,‬أما الؤمنون‬ ‫فإنم يعلمون أن ذلك بقدر ال فيهدي ال قلوبم‪ ,‬ويفف عنهم‬ ‫الصيبة‪ ,‬وال ييي مَن قدّر له الياة ‪-‬وإن كان مسافرًا أو غازيًا‪ -‬وييت‬ ‫مَنِ انتهى أجله ‪-‬وإن كان مقيمًا‪ -‬وال بكل ما تعملونه بصي‪,‬‬ ‫فيجازيكم به‪.‬‬ ‫‪218‬‬

‫َوَلئِ نْ ُقتِ ْلتُ ْم فِي َسبِيلِ اللّ هِ َأ ْو ُمتّ ْم لَمَغْفِرَةٌ مِ نْ اللّ هِ َورَحْ َمةٌ َخيْرٌ ِممّام‬

‫َيجْمَعُونَ (‪)157‬‬

‫ولئن ُقتِلتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬وأت تاهدون ف سبيل ال أو متم ف أثناء‬ ‫القتال‪ ,‬ليغفرن ال لكم ذنوبكم‪ ,‬وليحنكم رحة من عنده‪ ,‬فتفوزون‬ ‫بنات النعيم‪ ,‬وذلك خي من الدنيا وما يمعه أهلها‪.‬‬ ‫حشَرُونَ (‪)158‬‬ ‫َوَلئِنْ ُمتّمْ َأوْ ُقِت ْلتُمْ ٍللَى الّلهِ ُت ْ‬ ‫ولئن انقضت آجالكم ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬فمتم على فُرُشكم‪ ,‬أو قتلتم‬ ‫ف ساحة القتال‪ ,‬لل ال وحده تُحشرون‪ ,‬فيجازيكم بأعمالكم‪.‬‬ ‫ب لنْفَضّوا مِ ْن‬ ‫ظ الْقَلْ ِ‬ ‫ت فَظّا غَلِي َ‬ ‫َفِبمَا َرحْ َمةٍ مِ نْ اللّ هِ ِلنْ تَ َلهُ ْم َولَوْ ُكْن َ‬ ‫ْتم‬ ‫ُمم فِي الَمْ ِر َفإِذَا عَ َزم َ‬ ‫ُمم وَشَا ِورْه ْ‬ ‫َاسمغْفِرْ َله ْ‬ ‫ُمم و ْتَ‬ ‫ْفم َعْنه ْ‬ ‫ِكم فَاع ُ‬ ‫َح ْول َ‬

‫َفَتوَكّلْ عَلَى اللّهِ ِإنّ الّلهَ ُيحِبّ الْ ُمَتوَكِّليَ (‪)159‬‬

‫فبحة من ال لك ولصحابك ‪-‬أيها النب‪ -‬م ّن ال عليك فكنت رفيقًا‬ ‫صرَفَ أصحابك من‬ ‫بم‪ ,‬ولو كنت سيّئ الُلق قاسي القلب‪ ,‬لنْ َ‬ ‫‪219‬‬

‫حولك‪ ,‬فل تؤاخذهم با كان منهم ف غزوة "أُحد"‪ ,‬واسأل ال ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ -‬أن يغفر لم‪ ,‬وشاورهم ف المور الت تتاج إل مشورة‪ ,‬فإذا‬ ‫عزمت على أمر من المور ‪-‬بعد الستشارة‪ -‬فأَمْضِه معتمدًا على ال‬ ‫وحده‪ ,‬إن ال يب التوكلي عليه‪.‬‬ ‫ب لَكُ مْ وَإِ نْ َيخْ ُذلْكُ ْم فَمَ نْ ذَا الّذِي َينْ صُرُكُمْ‬ ‫إِ نْ َينْ صُرْكُ ْم اللّ هُ فَل غَالِ َ‬

‫مِنْ بَعْدِ ِه وَعَلَى الّلهِ فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)160‬‬

‫إن يددكم ال بنصره ومعونته فل أحد يستطيع أن يغلبكم‪ ,‬وإن يذلكم‬ ‫فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلنه لكم؟ وعلى ال‬ ‫وحده فليتوكل الؤمنون‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ ِلَنبِيّ أَ نْ يَغُ ّل وَمَ نْ يَ ْغلُلْ يَأْ تِ ِبمَا غَ ّل َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ ثُمّ ُتوَفّى كُلّ‬ ‫ت وَهُمْ ل يُظْلَمُونَ (‪)161‬‬ ‫سبَ ْ‬ ‫نَ ْفسٍ مَا َك َ‬ ‫وما كان لنبّ أن َيخُونَ أصحابه بأن يأخذ شيئًا من الغنيمة غي ما‬ ‫اختصه ال به‪ ,‬ومن يفعل ذلك منكم يأت با أخذه حامل له يوم‬ ‫القيامة; ليُفضَح به ف الوقف الشهود‪ ,‬ث تُعطى كل نفس جزاءَ ما‬ ‫كسبت وافيًا غي منقوص دون ظلم‪.‬‬ ‫‪220‬‬

‫سخَطٍ مِ ْن اللّ هِ وَمَ ْأوَا هُ َج َهنّ مُ َوِبئْ سَ‬ ‫ضوَا نَ اللّ هِ كَمَ نْ بَاءَ بِ َ‬ ‫أَفَمَ نْ اّتبَ َع ِر ْ‬

‫الْمَصِيُ (‪)162‬‬

‫ل يستوي من كان قصده رضوان ال ومن هو مُكِبٌ على العاصي‪,‬‬ ‫مسخط لربه‪ ,‬فاستحق بذلك سكن جهنم‪ ,‬وبئس الصي‪.‬‬ ‫ُهمْ َد َرجَاتٌ ِعنْ َد الّلهِ وَالّلهُ بَصِيٌ ِبمَا يَعْمَلُونَ (‪)163‬‬ ‫أصحاب النة التبعون لا يرضي ال متفاوتون ف الدرجات‪ ,‬وأصحاب‬ ‫النار التبعون لا يسخط ال متفاوتون ف الدركات‪ ,‬ل يستوون‪ .‬وال‬ ‫بصي بأعمالم ل يفى عليه منها شيء‪.‬‬ ‫سهِمْ َيتْلُوا َعَلْيهِ ْم‬ ‫لَقَ ْد مَنّ اللّهُ عَلَى الْ ُمؤْ ِمنِيَ إِذْ بَ َعثَ فِيهِمْ رَسُولً مِنْ َأنْفُ ِ‬ ‫ب وَاْلحِكْ َمةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ لَفِي ضَللٍ‬ ‫آيَاتِهِ َويُزَكّيهِمْ َويُعَلّ ُمهُ ْم الْ ِكتَا َ‬

‫ُمِبيٍ (‪)164‬‬

‫لقد أنعم ال على الؤمني من العرب; إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم‪,‬‬ ‫يتلو عليهم آيات القرآن‪ ,‬ويطهرهم من الشرك والخلق الفاسدة‪,‬‬ ‫‪221‬‬

‫ويعلمهم القرآن والسنة‪ ,‬وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيّ وجهل‬ ‫ظاهر‪.‬‬ ‫صْبتُمْ ِمثَْليْهَا ُق ْلتُ مْ َأنّ ى َهذَا قُلْ ُه َو مِ نْ ِعنْدِ‬ ‫َأوَلَمّ ا أَ صَاَبتْكُمْ مُ صِيَبةٌ َقدْ أَ َ‬ ‫َأنْ ُفسِكُمْ ِإنّ الّلهَ عَلَى كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ ( ‪)165‬‬ ‫أولا أصابتكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬مصيبة‪ ,‬وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد"‬ ‫قد أصبتم مثليها من الشركي ف يوم "بدْر"‪ ,‬قلتم متعجبي‪ :‬كيف‬ ‫يكون هذا ونن مسلمون ورسول ال صلى ال عليه وسلم فينا وهؤلء‬ ‫مشركون؟ قل لم ‪-‬أيها النب‪ : -‬هذا الذي أصابكم هو من عند‬ ‫أنفسكم بسبب مالفتكم أمْ َر رسولكم وإقبالكم على جع الغنائم‪ .‬إن‬ ‫ال يفعل ما يشاء ويكم ما يريد‪ ,‬ل معقّب ‌‌لكمه‪.‬‬ ‫وَمَا َأصَابَكُمْ َيوْمَ اْلتَقَى اْلجَمْعَانِ َفِبإِ ْذنِ الّلهِ َوِليَعْلَ َم الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)166‬‬ ‫وما وقع بكم مِن جراح أو قتل ف غزوة "أُحد" يوم التقى َجمْعُ الؤمني‬ ‫وجع الشركي فكان النصر للمؤمني أول ث للمشركي ثانيًا‪ ,‬فذلك‬ ‫كله بقضاء ال وقدره‪ ,‬وليظهر ما علمه ال ف الزل؛ ليميز الؤمني‬ ‫الصادقي منكم‪.‬‬ ‫‪222‬‬

‫َوِليَعْلَ مَ الّذِي نَ نَافَقُوا وَقِي َل لَهُ مْ تَعَاَلوْا قَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ َأوْ ادْفَعُوا قَالُوا‬ ‫ب ِمْنهُ ْم لِلِيَا نِ يَقُولُو نَ‬ ‫َلوْ نَعْلَ ُم ِقتَالً لّتبَ ْعنَاكُ مْ هُ ْم لِلْكُفْ ِر َيوْ َمئِذٍ َأقْرَ ُ‬ ‫بِأَفْوا ِههِمْ مَا َلْيسَ فِي قُلُوِبهِ ْم وَالّلهُ أَ ْعلَمُ ِبمَا يَ ْكتُمُونَ (‪)167‬‬ ‫وليعلم النافقي الذين كشف ال ما ف قلوبم حي قال الؤمنون لم‪:‬‬ ‫تعالوا قاتلوا معنا ف سبيل ال‪ ,‬أو كونوا عونًا لنا بتكثيكم سوادنا‪,‬‬ ‫فقالوا‪ :‬لو نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم عليهم‪ ,‬هم للكفر ف هذا‬ ‫اليوم أقرب منهم لليان; لنم يقولون بأفواههم ما ليس ف قلوبم‪ .‬وال‬ ‫أعلم با يُخفون ف صدورهم‪.‬‬

‫َنم‬ ‫ِمم وَقَعَدُوا َلوْ َأطَاعُون َا م َا ُقتِلُوا قُلْ فَا ْد َرءُوا ع ْ‬ ‫ِينم قَالُوا لِ ْخوَاِنه ْ‬ ‫الّذ َ‬ ‫َأنْ ُفسِكُ ْم الْ َموْتَ ِإنْ ُكْنُتمْ صَادِِقيَ ( ‪)168‬‬ ‫هؤلء النافقون هم الذين قعدوا وقالوا لخوانم الذين أصيبوا مع‬ ‫السلمي ف حربم الشركي يوم "أُحد"‪ :‬لو أطاعَنا هؤلء ما قتلوا‪ .‬قل‬ ‫لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬فادفعوا عن أنفسكم الوت إن كنتم صادقي ف‬

‫‪223‬‬

‫دعواكم أنم لو أطاعوكم ما قتلوا‪ ,‬وأنكم قد نوت منه بقعودكم عن‬ ‫القتال‪.‬‬ ‫سبَنّ الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِي ِل اللّهِ أَ ْموَاتا بَلْ َأ ْحيَاءٌ ِعنْدَ َرّبهِ ْم يُ ْرزَقُونَ‬ ‫وَل َتحْ َ‬ ‫(‪)169‬‬ ‫ول تظنّنّ ‪-‬أيها النب‪ -‬أن الذين قتلوا ف سبيل ال أموات ل ُيحِسّون‬ ‫شيئًا‪ ,‬بل هم أحياء حياة برزخية ف جوار ربم الذي جاهدوا من أجله‪,‬‬ ‫وماتوا ف سبيله‪ ,‬يري عليهم رزقهم ف النة‪ ,‬ويُنعّمون‪.‬‬ ‫سَتْبشِرُونَ بِالّذِي نَ لَ مْ َي ْلحَقُوا ِبهِ ْم مِ نْ‬ ‫َفرِ ِحيَ ِبمَا آتَاهُ مْ اللّ هُ مِ ْن فَضْلِ هِ َويَ ْ‬ ‫ف عََلْيهِمْ وَل هُمْ َيحْ َزنُونَ (‪)170‬‬ ‫خَلْ ِف ِهمْ أَلّ َخوْ ٌ‬ ‫لقد َعمّتهم السعادة حي مَ ّن ال عليهم‪ ,‬فأعطاهم مِن عظيم جوده‬ ‫وواسع كرمه من النعيم والرضا ما تَقَ ّر به أعينهم‪ ,‬وهم يفرحون‬ ‫بإخوانم الجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء; ليفوزوا كما فازوا‪,‬‬ ‫لِعِلْمِهم أنم سينالون من الي الذي نالوه‪ ,‬إذا استشهدوا ف سبيل ال‬ ‫ملصي له‪ ,‬وأن ل خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الخرة‪ ,‬ول‬ ‫هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫‪224‬‬

‫مبْشِرُونَ ِبنِعْ َمةٍ مِن ْم اللّهِم وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَم ل يُضِيعُمأَ ْجرَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‬ ‫يَس َْت‬

‫‪)171‬‬

‫وإنم ف فرحة غامرة با أُعطوا من نعم ال وجزيل عطائه‪ ,‬وأن ال ل‬ ‫يضيع أجر الؤمني به‪ ,‬بل ينمّيه ويزيده من فضله‪.‬‬ ‫سنُوا‬ ‫الّذِي نَ ا ْسَتجَابُوا لِلّ هِ وَالرّ سُولِ مِ نْ بَ ْعدِ مَا أَ صَابَهُ ْم الْقَرْ حُ لِلّذِي نَ َأحْ َ‬ ‫ِمْنهُمْ وَاتّ َقوْا َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪)172‬‬ ‫الذين لبّوا نداء ال ورسوله وخرجوا ف أعقاب الشركي إل "حراء‬ ‫السد" بعد هزيتهم ف غزوة "أُحد" مع ما كان بم من آلم وجراح‪,‬‬ ‫وبذلوا غاية جهدهم‪ ,‬والتزموا بدي نبيهم‪ ,‬للمحسني منهم والتقي‬ ‫ثواب عظيم‪.‬‬ ‫شوْهُ مْ فَزَادَهُ مْ إِيَانا‬ ‫الّذِي نَ قَالَ َلهُ ْم النّا سُ ِإنّ النّا سَ قَدْ َجمَعُوا لَكُ مْ فَا ْخ َ‬ ‫سُبنَا الّلهُ َونِعْمَ اْلوَكِيلُ (‪)173‬‬ ‫وَقَالُوا َح ْ‬

‫‪225‬‬

‫وهم الذين قال لم بعض الشركي‪ :‬إن أبا سفيان ومن معه قد أجعوا‬ ‫أمرهم على الرجوع إليكم لستئصالكم‪ ,‬فاحذروهم واتقوا لقاءهم‪ ,‬فإنه‬ ‫ل طاقة لكم بم‪ ,‬فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا بوعد ال لم‪,‬‬ ‫ول َيْثنِهم ذلك عن عزمهم‪ ,‬فساروا إل حيث شاء ال‪ ,‬وقالوا‪ :‬حسبنا‬ ‫ال أي‪ :‬كافينا‪ ,‬ونِعْم الوكيل الفوّض إليه تدبي عباده‪.‬‬ ‫ضوَا نَ اللّ هِ‬ ‫سسْهُ ْم سُوءٌ وَاتّبَعُوا ِر ْ‬ ‫فَانْقََلبُوا ِبنِعْ َم ٍة مِ ْن اللّ هِ وَفَضْلٍ لَ مْ يَمْ َ‬ ‫وَالّلهُ ذُو فَضْلٍ عَظِي ٍم (‪)174‬‬ ‫فرجعوا من "حراء السد" إل "الدينة" بنعمة من ال بالثواب الزيل‬ ‫وبفضل منه بالنلة العالية‪ ,‬وقد ازدادوا إيانًا ويقينًا‪ ,‬وأذلوا أعداء ال‪,‬‬ ‫وفازوا بالسلمة من القتل والقتال‪ ,‬واتبعوا رضوان ال بطاعتهم له‬ ‫ولرسوله‪ .‬وال ذو فضل عظيم عليهم وعلى غيهم‪.‬‬ ‫خوّ فُ َأوِْليَاءَ هُ فَل َتخَافُوهُ مْ وَخَافُونِي إِ نْ ُكْنتُ مْ‬ ‫شيْطَا نُ ُي َ‬ ‫ِإنّمَا َذلِكُ ْم ال ّ‬ ‫ُمؤْ ِمِنيَ (‪)175‬‬

‫‪226‬‬

‫إنّما الثبّط لكم ف ذلك هو الشيطان جاءكم يوّفكم أنصاره‪ ,‬فل تافوا‬ ‫الشركي; لنّهم ضعاف ل ناصر لم‪ ,‬وخافون بالقبال على طاعت إن‬ ‫كنتم مصدّقي ب‪ ,‬ومتبعي رسول‪.‬‬ ‫ك الّذِي نَ يُ سَارِعُونَ فِي الْكُ ْفرِ ِإّنهُ مْ لَ نْ يَضُرّوا اللّ هَ َشيْئا يُرِيدُ‬ ‫وَل َيحْ ُزْن َ‬ ‫ب عَظِي ٌم (‪ )176‬إِنّ‬ ‫اللّ هُ أَ ّل َيجْعَلَ لَهُ مْ حَظّا فِي الخِرَ ِة وََلهُ مْ عَذَا ٌ‬ ‫ضرّوا اللّهَم َشيْئا َولَهُم ْم َعذَابٌمَألِيمٌم (‬ ‫الّذِينَم ا ْشَت َروْا الْكُفْ َر بِالِيَانِملَن ْم يَ ُ‬ ‫‪)177‬‬ ‫ل يُ ْدخِل الزنَ إل قلبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الكفارُ بسارعتهم ف‬ ‫الحود والضلل‪ ,‬إنم بذلك لن يضروا ال‪ ,‬إنا يضرون أنفسهم‬ ‫برمانا حلوة اليان وعظيم الثواب‪ ,‬يريد ال أل يعل لم ثوابًا ف‬ ‫الخرة; لنم انصرفوا عن دعوة الق‪ ,‬ولم عذاب شديد ‪ ،‬إن الذين‬ ‫استبدلوا الكفر باليان لن يضروا ال شيئًا‪ ,‬بل ضرر فِعْلِهم يعود على‬ ‫أنفسهم‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب موجع‪.‬‬ ‫سهِمْ ِإنّمَا نُ ْملِي َلهُ مْ‬ ‫سبَنّ الّذِي نَ كَفَرُوا َأنّمَا نُمْلِي َلهُ مْ َخيْرٌ َلنْفُ ِ‬ ‫وَل َيحْ َ‬ ‫ِليَزْدَادُوا ِإثْما َوَلهُمْ عَذَابٌ ُم ِهيٌ ( ‪)178‬‬ ‫‪227‬‬

‫ول يظننّ الاحدون أننا إذا َأطَلْنا أعمارهم‪ ,‬ومتعناهم بُتع الدنيا‪ ,‬ول‬ ‫تؤاخذهم بكفرهم وذنوبم‪ ,‬أنم قد نالوا بذلك خيًا لنفسهم‪ ,‬إنا‬ ‫نؤخر عذابم وآجالم; ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا‪ ,‬ولم عذاب يهينهم‬ ‫ويذلّهم‪.‬‬

‫ث مِ ْن‬ ‫خبِي َ‬ ‫مَا كَا نَ اللّ هُ ِليَ َذرَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ َعلَى مَا َأْنتُ ْم عََليْ هِ َحتّ ى يَمِي َز الْ َ‬ ‫جَتبِي مِ ْن رُ ُسِلهِ‬ ‫ب َولَكِنّ اللّ هَ َي ْ‬ ‫ال ّطيّ بِ وَمَا كَا نَ اللّ هُ ِليُطْلِعَكُ مْ عَلَى الْ َغيْ ِ‬ ‫ِيمم (‬ ‫ُمم َأجْرٌ عَظ ٌ‬ ‫ِنم ُتؤْ ِمنُوا َوَتتّقُوا فَلَك ْ‬ ‫ُسمِلهِ وَإ ْ‬ ‫ّهم وَر ُ‬ ‫َنم َيشَاءُ فَآ ِمنُوا بِالل ِ‬ ‫م ْ‬

‫‪)179‬‬

‫ما كان ال ليَدَعَكم أيها الصدقون بال ورسوله العاملون بشرعه على ما‬ ‫أنتم عليه من التباس الؤمن منكم بالنافق حت يَمِيزَ البيث من الطيب‪,‬‬ ‫فيُعرف النافق من الؤمن الصادق‪ .‬وما كان مِن حكمة ال أن يطلعكم‬ ‫أيها الؤمنون‪ -‬على الغيب الذي يعلمه من عباده‪ ,‬فتعرفوا الؤمن منهم‬‫من النافق‪ ,‬ولكنه ييزهم بالحن والبتلء‪ ,‬غي أن ال تعال يصطفي من‬ ‫رسله مَن يشاء؛ ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه‪ ,‬فآمنوا بال‬ ‫‪228‬‬

‫ورسوله‪ ,‬وإن تؤمنوا إيانًا صادقًا وتتقوا ربكم بطاعته‪ ,‬فلكم أجر عظيم‬ ‫عند ال‪.‬‬ ‫حسَبَنّ الّذِينَ َيْبخَلُونَ بِمَا آتَاهُ ْم الّلهُ مِ ْن فَضِْلهِ ُهوَ َخيْرا لَهُمْ بَ ْل ُهوَ‬ ‫وَل َي ْ‬ ‫السمَموَاتِ‬ ‫َاثم ّ‬ ‫ّهم مِي ُ‬ ‫ْمم الْ ِقيَا َمةِ َولِل ِ‬ ‫ِهم َيو َ‬ ‫سميُ َطوّقُونَ مَا َبخِلُوا ب ِ‬ ‫ُمم َ‬ ‫شَ ّر َله ْ‬ ‫وَالَرْضِ وَالّلهُ بِمَا تَ ْعمَلُونَ َخبِ ٌي (‪)180‬‬ ‫ول يظنن الذين يبخلون با أنعم ال به عليهم تفضل منه أن هذا البخل‬ ‫خي لم‪ ,‬بل هو شرّ لم; لن هذا الال الذي جعوه سيكون طوقًا من‬ ‫نار يوضع ف أعناقهم يوم القيامة‪ .‬وال سبحانه وتعال هو مالك اللك‪,‬‬ ‫وهو الباقي بعد فناء جيع خلقه‪ ,‬وهو خبي بأعمالكم جيعها‪,‬‬ ‫وسيجازي كل على قدر استحقاقه‪.‬‬ ‫لَقَ ْد سَمِ َع اللّ هُ َقوْلَ الّذِي نَ قَالُوا إِنّ اللّ هَ فَقِيٌ َوَنحْ نُ أَ ْغِنيَاءُ َسنَ ْكُتبُ مَا‬ ‫ب الْحَرِيقِ (‪)181‬‬ ‫قَالُوا وََقتَْلهُ ْم ا َلْنِبيَاءَ بِ َغيْرِ حَ ّق َونَقُولُ ذُوقُوا عَذَا َ‬ ‫لقد سع ال قول اليهود الذين قالوا‪ :‬إن ال فقي إلينا يطلب منا أن‬ ‫نقرضه أموال ونن أغنياء‪ .‬سنكتب هذا القول الذي قالوه‪ ,‬وسنكتب‬ ‫أنم راضون با كان مِن َقتْل آبائهم لنبياء ال ظلمًا وعدوانًا‪ ,‬وسوف‬ ‫‪229‬‬

‫نؤاخذهم بذلك ف الخرة‪ ,‬ونقول لم وهم ف النار يعذبون‪ :‬ذوقوا‬ ‫عذاب النار الحرقة‪.‬‬ ‫َذلِكَ بِمَا قَدّ َمتْ َأْيدِيكُ ْم وََأنّ اللّهَ َلْيسَ بِظَلّ ٍم لِلْ َعبِيدِ (‪)182‬‬ ‫ذلك العذاب الشديد بسبب ما قدّمتموه ف حياتكم الدنيا من العاصي‬ ‫القولية والفعلية والعتقادية‪ ,‬وأن ال ليس بظلم للعببد‪.‬‬ ‫الّذِي نَ قَالُوا ِإنّ اللّ هَ َعهِدَ ِإَلْينَا أَلّ ُنؤْمِ نَ لِرَ سُولٍ َحتّى يَ ْأِتَينَا بِقُ ْربَا نٍ تَأْكُلُ هُ‬ ‫النّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُ مْ رُ سُ ٌل مِ نْ َقبْلِي بِاْلبَّينَا تِ َوبِالّذِي قُ ْلتُ ْم فَلِ َم َقتَ ْلُتمُوهُ مْ‬ ‫ِإنْ ُكْنتُ ْم صَادِِقيَ ( ‪)183‬‬ ‫هؤلء اليهود حي دُعُوا إل السلم قالوا‪ :‬إن ال أوصانا ف التوراة أل‬ ‫نصدّق مَن جاءنا يقول‪ :‬إنه رسول من ال‪ ,‬حت يأتينا بصدقة يتقرب با‬ ‫إل ال‪ ,‬فتنل نار من السماء فتحرقها‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أنتم‬ ‫كاذبون ف قولكم; لنه قد جاء آباءكم رس ٌل من قِبلي بالعجزات‬ ‫والدلئل على صدقهم‪ ,‬وبالذي قلتم من التيان بالقربان الذي تأكله‬ ‫النار‪ ,‬فَلِ َم َقتَل آباؤكم هؤلء النبياء إن كنتم صادقي ف دعواكم؟‬ ‫‪230‬‬

‫ب رُ سُ ٌل مِ نْ َقبْلِكَ جَاءُوا بِاْلَبّينَاتِ وَال ّزبُرِ وَالْ ِكتَا بِ‬ ‫َفإِنْ كَ ّذبُو َك فَقَ ْد كُذّ َ‬

‫الْ ُمنِيِ (‪)184‬‬

‫فإن كذّبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء اليهود وغيهم من أهل الكفر‪ ,‬فقد‬ ‫كذّب البطلون كثيًا من الرسلي مِن قبلك‪ ,‬جاءوا أقوامهم بالعجزات‬ ‫الباهرات والجج الواضحات‪ ,‬والكتب السماوية الت هي نور يكشف‬ ‫الظلمات‪ ,‬والكتابِ البيّن الواضح‪.‬‬ ‫كُلّ نَفْ سٍ ذَائِقَةُ الْ َموْ تِ وَِإنّمَا ُتوَّفوْ نَ أُجُورَكُ مْ َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ َفمَ نْ ُزحْزِ َ‬ ‫ح‬ ‫َاعم الْغُرُورِ (‬ ‫حيَاةُ ال ّدنْيَما إِ ّل َمت ُ‬ ‫م اْل َ‬ ‫جّنةَ فَ َقدْ فَازَ وَمَ ا‬ ‫َنم النّارِ وَأُ ْدخِلَ الْ َ‬ ‫ع ْ‬

‫‪)185‬‬

‫كل نفس ل بدّ أن تذوق الوت‪ ,‬وبذا يرجع جيع اللق إل ربم;‬ ‫ليحاسبهم‪ .‬وإنا تُوفّون أجوركم على أعمالكم وافية غي منقوصة يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬فمن أكرمه ربه ونّاه من النار وأدخله النة فقد نال غاية ما‬ ‫يطلب‪ .‬وما الياة الدنيا إل متعة زائلة‪ ,‬فل تغترّوا با‪.‬‬ ‫ب مِ نْ‬ ‫َلُتبَْلوُنّ فِي أَ ْموَالِكُ ْم وََأنْفُ سِكُ ْم َوَلتَ سْمَعُنّ مِ نْ الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬ ‫‪231‬‬

‫صبِرُوا َوَتتّقُوا َفِإنّ َذلِ كَ مِ نْ‬ ‫َقبْلِ ُك ْم وَمِ نْ الّذِي نَ أَ ْشرَكُوا أَذًى َكثِيا وَإِ نْ تَ ْ‬ ‫عَزْ ِم الُمُورِ (‪)186‬‬ ‫خَتبَ ُرنّ ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف أموالكم بإخراج النفقات الواجبة‬ ‫َلتُ ْ‬ ‫والستحبّة‪ ,‬وبالوائح الت تصيبها‪ ,‬وف أنفسكم با يب عليكم من‬ ‫الطاعات‪ ,‬وما يلّ بكم من جراح أو قتل وفَقْد للحباب‪ ,‬وذلك حت‬ ‫يتميّز الؤمن الصادق من غيه‪ .‬ولتَسمعُنّ من اليهود والنصارى‬ ‫والشركي ما يؤذي أساعكم من ألفاظ الشرك والطعن ف دينكم‪ .‬وإن‬ ‫تصبوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬على ذلك كله‪ ,‬وتتقوا ال بلزوم طاعته‬ ‫واجتناب معصيته‪ ,‬فإن ذلك من المور الت يُعزم عليها‪ ,‬وينافس فيها‪.‬‬ ‫َهم‬ ‫ّاسم وَل تَ ْكُتمُون ُ‬ ‫ّهملِلن ِ‬ ‫َابمَلُتَبّيُنن ُ‬ ‫ِينمأُوتُوا الْ ِكت َ‬ ‫َاقم الّذ َ‬ ‫ّهم مِيث َ‬ ‫وَِإذْ َأخَ َذ الل ُ‬ ‫شتَرُونَ (‪)187‬‬ ‫ل َفِبْئسَ مَا َي ْ‬ ‫َفَنبَذُوهُ َورَاءَ ُظهُورِهِمْ وَا ْشَت َروْا ِبهِ ثَمَنا قَلِي ً‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ أخذ ال العهد الوثق على الذين آتاهم ال‬ ‫الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬فلليهود التوراة وللنصارى النيل;‬ ‫ليعملوا بما‪ ,‬ويبينوا للناس ما فيهما‪ ,‬ول يكتموا ذلك ول يفوه‪,‬‬ ‫فتركوا العهد ول يلتزموا به‪ ,‬وأخذوا ثنا بسًا مقابل كتمانم الق‬

‫‪232‬‬

‫وتريفهم الكتاب‪ ,‬فبئس الشراء يشترون‪ ,‬ف تضييعهم اليثاق‪ ,‬وتبديلهم‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫حبّو نَ أَ نْ ُيحْمَدُوا بِمَا لَ ْم يَفْعَلُوا‬ ‫سبَنّ الّذِي نَ يَفْ َرحُو نَ بِمَا َأتَوا َوُي ِ‬ ‫ل َتحْ َ‬ ‫سَبّنهُمْ ِبمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ َوَلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)188‬‬ ‫فَل َتحْ َ‬ ‫ول تظنن الذين يفرحون با َأتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والنافقي‬ ‫وغيهم‪ ,‬ويبون أن يثن عليهم الناس با ل يفعلوا‪ ,‬فل تظنهم ناجي من‬ ‫عذاب ال ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب موجع‪ .‬وف الية وعيد‬ ‫شديد لكل آت لفعل السوء معجب به‪ ,‬ولكل مفتخر با ل يعمل‪ ,‬ليُثنَ‬ ‫عليه الناس ويمدوه‪.‬‬ ‫ض وَالّلهُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‪)189‬‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َولِّلهِ مُ ْلكُ السّ َموَا ِ‬ ‫ول وحده ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬وال على كل شيء‬ ‫قدير‪.‬‬ ‫ت لُولِي‬ ‫ف الّليْلِ وَالّنهَارِ ليَا ٍ‬ ‫إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَا ْختِل ِ‬ ‫‪233‬‬

‫الَْلبَابِ (‪)190‬‬ ‫إن ف خلق السموات والرض على غي مثال سابق‪ ,‬وف تعاقُب الليل‬ ‫والنهار‪ ,‬واختلفهما طول وقِصَرًا لدلئل وبراهي عظيمة على وحدانية‬ ‫ال لصحاب العقول السليمة‪.‬‬ ‫الّذِي نَ يَذْكُرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَقُعُودا وَعَلَى ُجنُوِبهِ مْ َوَيتَفَكّرُو نَ فِي خَلْ ِق‬ ‫ك فَ ِقنَا عَذَا بَ النّارِ‬ ‫ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ َرّبنَا مَا خَلَقْ تَ َهذَا بَاطِلً ُسْبحَانَ َ‬ ‫(‪)191‬‬ ‫الذين يذكرون ال ف جيع أحوالم‪ :‬قيامًا وقعودًا وعلى جنوبم‪ ,‬وهم‬ ‫يتدبرون ف خلق السموات والرض‪ ,‬قائلي‪ :‬يا ربنا ما أوجدت هذا‬ ‫اللق عبثًا‪ ,‬فأنت منّه عن ذلك‪ ,‬فاصْرِف عنا عذاب النار‪.‬‬ ‫َرّبنَا ِإنّكَ مَنْ ُتدْخِ ْل النّارَ فَقَدْ َأخْ َزْيَتهُ وَمَا لِلظّالِ ِميَ مِنْ َأنْصَارٍ (‪)192‬‬ ‫يا ربنا نّنا من النار‪ ,‬فإنك ‪-‬يا أل‪ -‬مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته‬ ‫وأهنته‪ ,‬وما للمذنبي الظالي لنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب ال‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪234‬‬

‫َرّبنَا ِإّننَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا ُينَادِي لِلِيَانِ أَنْ آ ِمنُوا ِب َربّكُمْ فَآ َمنّا َرّبنَا فَاغْ ِفرْ َلنَا‬

‫ُذنُوَبنَا وَكَفّرْ َعنّا َسّيئَاِتنَا َوَتوَّفنَا مَ َع ا َلبْرَارِ (‪)193‬‬

‫يا ربنا إننا سعنا مناديا ‪-‬هو نبيك ممد صلى ال عليه وسلم‪ -‬ينادي‬ ‫الناس للتصديق بك‪ ,‬والقرار بوحدانيتك‪ ,‬والعمل بشرعك‪ ,‬فأجبنا‬ ‫دعوته وصدّقنا رسالته‪ ,‬فاغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬واستر عيوبنا‪ ,‬وألقنا‬ ‫بالصالي‪.‬‬ ‫ك وَل ُتخْ ِزنَا َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ كَ ل ُتخْلِ فُ‬ ‫َرّبنَا وَآِتنَا مَا وَعَ ْدَتنَا عَلَى ُر سُلِ َ‬ ‫الْمِيعَادَ (‪)194‬‬ ‫يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتكي وتوفيق‬ ‫وهداية‪ ,‬ول تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة‪ ,‬فإنك كري ل ُتخْلف وعدًا‬ ‫ت به عبادك‪.‬‬ ‫وَعَدْ َ‬ ‫ب لَهُ ْم َرّبهُ مْ َأنّ ي ل ُأضِي عُ َعمَلَ عَامِلٍ ِمنْ ُك مْ مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ ُأنْثَى‬ ‫فَا ْسَتجَا َ‬ ‫ِمم وَأُوذُوا فِي‬ ‫ِنم ِديَارِه ْ‬ ‫بَعْضُكُم ْم مِن ْم بَعْضٍم فَالّذِينَم هَاجَرُوا وَُأخْ ِرجُوا م ْ‬ ‫َسبِيلِي وَقَاتَلُوا وَُقتِلُوا لكَفّرَنّ َعْنهُ مْ َسّيئَاِتهِمْ وَلدْ ِخَلّنهُ مْ َجنّا تٍ َتجْرِي‬ ‫‪235‬‬

‫ب (‪)195‬‬ ‫حِتهَا ا َلْنهَارُ َثوَابا مِنْ ِعنْ ِد اللّهِ وَالّلهُ ِعنْدَهُ ُحسْنُ الّثوَا ِ‬ ‫مِنْ َت ْ‬ ‫فأجاب ال دعاءهم بأنه ل يضيع جهد مَن عمل منهم عمل صالًا ذكرًا‬ ‫كان أو أنثى‪ ,‬وهم ف أُ ُخوّة الدين وقَبول العمال والزاء عليها سواء‪,‬‬ ‫فالذين هاجروا رغبةً ف رضا ال تعال‪ ,‬وأُخرجوا من ديارهم‪ ,‬وأوذوا‬ ‫ف طاعة ربم وعبادتم إيّاه‪ ,‬وقاتلوا وُقتِلوا ف سبيل ال لعلء كلمته‪,‬‬ ‫ليسترنّ ال عليهم ما ارتكبوه من العاصي‪ ,‬كما سترها عليهم ف الدنيا‪,‬‬ ‫فل ياسبهم عليها‪ ,‬وليدخلنّهم جنات تري من تت قصورها‬ ‫وأشجارها النار جزاء من عند ال‪ ,‬وال عنده حسن الثواب‪.‬‬ ‫ب الّذِينَ كَفَرُوا فِي اْلبِلدِ (‪)196‬‬ ‫ك تَقَلّ ُ‬ ‫ل يَغُ ّرنّ َ‬ ‫ل تغتر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬با عليه أهل الكفر بال من بسطة ف العيش‪,‬‬ ‫وسَعَة ف الرزق‪ ,‬وانتقالم من مكان إل مكان للتجارات وطلب الرباح‬ ‫والموال‪ ,‬فعمّا قليل يزول هذا كلّه عنهم‪ ,‬ويصبحون مرتني بأعمالم‬ ‫السيئة‪.‬‬ ‫ع قَلِيلٌ ُثمّ مَ ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم َوِبئْسَ الْ ِمهَادُ (‪)197‬‬ ‫َمتَا ٌ‬ ‫‪236‬‬

‫متاع قليل زائل‪ ,‬ث يكون مصيهم يوم القيامة إل النار‪ ,‬وبئس الفراش‪.‬‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ‬ ‫ت َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫لَكِ نْ الّذِي نَ اتّ َقوْا َرّبهُ ْم لَهُ مْ َجنّا ٌ‬ ‫لبْرَارِ (‪)198‬‬ ‫فِيهَا نُزُلً مِنْ ِعنْ ِد الّلهِ وَمَا ِعْندَ الّلهِ َخْيرٌ لِ َ‬ ‫لكن الذين خافوا ربم‪ ,‬وامتثلوا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه‪ ,‬قد أع ّد ال لم‬ ‫جنات تري من تت أشجارها النار‪ ,‬هي منلم الدائم ل يرجون‬ ‫منه‪ .‬وما عد ال أعظم وأفضل لهل الطاعة ما يتقلب فيه الذين كفروا‬ ‫من نعيم الدنيا‪.‬‬ ‫وَِإنّ مِ نْ أَهْلِ الْ ِكتَا بِ لَمَ ْن ُيؤْمِ نُ بِاللّ هِ وَمَا ُأنْزِلَ ِإَليْكُ مْ وَمَا ُأنْزِلَ ِإَلْيهِ ْم‬ ‫شتَرُو نَ بِآيَا تِ اللّ هِ ثَمَنا قَلِيلً ُأ ْوَلئِ كَ َلهُ مْ أَ ْجرُهُ مْ ِعْندَ‬ ‫خَاشِعِيَ لِلّ هِ ل َي ْ‬ ‫ب (‪)199‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫َرّبهِمْ ِإنّ الّلهَ َسرِي ُع اْل ِ‬ ‫وإن بعضًا من أهل الكتاب لَيصدّق بال ربّا واحدًا وإلًا معبودًا‪ ,‬وبا‬ ‫أُنزِل إليكم من هذا القرآن‪ ,‬وبا أُنزِل إليهم من التوراة والنيل متذللي‬ ‫ل‪ ,‬خاضعي له‪ ,‬ل يشترون بآيات ال ثنًا قليل من حطام الدنيا‪ ,‬ول‬ ‫يكتمون ما أنزل ال‪ ,‬ول يرفونه كغيهم من اهل الكتاب‪ .‬أولئك لم‬ ‫‪237‬‬

‫ثواب عظيم عنده يوم يلقونه‪ ,‬فيوفيهم إياه غي منقوص‪ .‬إنّ ال سريع‬ ‫الساب‪ ,‬ل يعجزه إحصاء أعمالم‪ ,‬وماسبتهم عليها‪.‬‬ ‫صبِرُوا وَ صَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّ هَ لَعَلّ ُك ْم تُفِْلحُو نَ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْ‬ ‫(‪)200‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه اصبوا على طاعة‬ ‫ربكم‪ ,‬وعلى ما ينل بكم من ضر وبلء‪ ,‬وصابروا أعداءكم حت ل‬ ‫يكونوا أشد صبًا منكم‪ ,‬وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم‪ ,‬وخافوا‬ ‫ال ف جيع أحوالكم; رجاء أن تفوزوا برضاه ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -4‬سورة النساء‬

‫س وَاحِدَةٍ َوخَلَ قَ ِمنْهَا‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ اتّقُوا َربّكُ ْم الّذِي خَلَقَكُ ْم مِ نْ نَفْ ٍ‬ ‫َزوْجَهَا َوبَثّ ِمْنهُمَا ِرجَالً َكثِيا َونِ سَاءً وَاتّقُوا اللّ هَ الّذِي َتتَ سَا َءلُونَ بِ هِ‬ ‫‪238‬‬

‫وَالَرْحَامَ ِإنّ الّلهَ كَانَ َعَليْكُمْ رَقِيبا (‪)1‬‬ ‫يا أيها الناس خافوا ال والتزموا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه; فهو الذي‬ ‫خلقكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلم‪ ,‬وخلق منها زوجها وهي‬ ‫حواء‪ ,‬ونشر منهما ف أناء الرض رجال كثيًا ونساء كثيات‪ ,‬وراقبوا‬ ‫ال الذي َيسْأل به بعضكم بعضًا‪ ,‬واحذروا أن تقطعوا أرحامكم‪ .‬إن ال‬ ‫مراقب لميع أحوالكم‪.‬‬ ‫خبِي ثَ بِال ّطيّ بِ وَل تَأْكُلُوا أَ ْموَاَلهُ مْ‬ ‫وَآتُوا اْلَيتَامَى أَ ْموَالَهُ ْم وَل َتَتبَ ّدلُوا اْل َ‬

‫ِإلَى أَ ْموَالِكُمْ ِإّنهُ كَانَ حُوبا َكبِيا ( ‪)2‬‬

‫وأعطوا مَن مات آباؤهم وهم دون البلوغ‪ ,‬وكنتم عليهم أوصياء‪,‬‬ ‫أموالم إذا وصلوا سن البلوغ‪ ,‬ورأيتم منهم قدرة على حفظ أموالم‪,‬‬ ‫ول تأخذوا اليّد من أموالم‪ ,‬وتعلوا مكانه الرديء من أموالكم‪ ,‬ول‬ ‫تلطوا أموالم بأموالكم; لتحتالوا بذلك على أكل أموالم‪ .‬إن من ترأ‬ ‫على ذلك فقد ارتكب إثًا عظيمًا‪.‬‬ ‫وَإِ نْ خِ ْفُت مْ أَلّ تُقْ سِطُوا فِي اْلَيتَامَى فَان ِكحُوا مَا طَا بَ لَكُ مْ مِ نَ النّ سَا ِء‬ ‫َمْثنَى َوثُل ثَ َو ُربَا عَ َفإِ نْ خِ ْفتُ مْ أَلّ تَعْ ِدلُوا َفوَا ِحدَةً َأ ْو مَا مَلَ َك تْ َأيْمَانُكُ مْ‬ ‫‪239‬‬

‫َذلِكَ أَ ْدنَى أَ ّل تَعُولُوا (‪)3‬‬ ‫وإن خفتم أل تعدلوا ف يتامى النساء اللت تت أيديكم بأن ل تعطوهن‬ ‫مهورهن كغيهن‪ ,‬فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء من‬ ‫غيهن‪ :‬اثنتي أو ثلثًا أو أربعًا‪ ,‬فإن خشيتم أل تعدلوا بينهن فاكتفوا‬ ‫بواحدة‪ ,‬أو با عندكم من الماء‪ .‬ذلك الذي شرعته لكم ف اليتيمات‬ ‫والزواج من واحدة إل أربع‪ ,‬أو القتصار على واحدة أو ملك اليمي‪,‬‬ ‫ل ْورِ والتعدي‪.‬‬ ‫أقرب إل عدم ا َ‬ ‫وَآتُوا النّ سَاءَ صَدُقَاِتهِنّ ِنحَْلةً َفإِ نْ ِطبْ نَ لَكُ ْم عَ نْ شَ ْيءٍ ِمنْ هُ نَفْسا فَ ُكلُو هُ‬ ‫َهنِيئا مَرِيئا (‪)4‬‬ ‫وأعطوا النساء مهورهن‪ ,‬عطية واجبة وفريضة لزمة عن طيب نفس‬ ‫منكم‪ .‬فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من الهر فو َهبْنه لكم فخذوه‪,‬‬ ‫وتصرّفوا فيه‪ ,‬فهو حلل طيب‪.‬‬ ‫وَل ُت ْؤتُوا ال سّ َفهَاءَ أَ ْموَالَكُ مْ الّتِي جَعَلَ اللّ هُ لَكُ مْ ِقيَاما وَارْزُقُوهُ ْم فِيهَا‬ ‫وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا َلهُمْ َقوْلً مَ ْعرُوفا (‪)5‬‬ ‫‪240‬‬

‫ول تؤتوا ‪-‬أيها الولياء‪ -‬من ُيبَذّر من الرجال والنساء والصبيان أموالم‬ ‫الت تت أيديكم فيضعوها ف غي وجهها‪ ,‬فهذه الموال هي الت عليها‬ ‫قيام حياة الناس‪ ,‬وأنفقوا عليهم منها واكسوهم‪ ,‬وقولوا لم قول معروفًا‬ ‫من الكلم الطيب واللق السن‪.‬‬ ‫ستُ ْم ِمْنهُ ْم رُشْدا فَادْفَعُوا‬ ‫وَاْبتَلُوا الَْيتَامَى َحتّ ى إِذَا بَلَغُوا النّكَا حَ َفإِ نْ آنَ ْ‬ ‫ِإَلْيهِ مْ َأ ْموَاَلهُ مْ وَل تَأْكُلُوهَا إِ سْرَافا َوبِدَارا أَ ْن يَ ْكبَرُوا وَمَ نْ كَا نَ َغِنيّا‬ ‫ستَعْفِفْ وَمَ ْن كَا نَ فَقِيا فَ ْليَأْكُلْ بِالْمَعْرُو فِ َفإِذَا دَفَ ْعُت مْ ِإَلْيهِ مْ أَ ْموَالَهُ مْ‬ ‫فَ ْليَ ْ‬ ‫فَأَ ْش ِهدُوا عََلْيهِمْ وَكَفَى بِالّلهِ َحسِيبا (‪)6‬‬

‫واختبوا مَن تت أيديكم من اليتامى لعرفة قدرتم على حسن التصرت‬ ‫ف أموالم‪ ,‬حت إذا وصلوا إل سن البلوغ‪ ,‬وعَلمتم منهم صلحًا ف‬ ‫دينهم‪ ,‬وقدرة على حفظ أموالم‪ ,‬فسلّموها لم‪ ,‬ول تعتدوا عليها‬ ‫بإنفاقها ف غي موضعها إسرافًا ومبادرة لكلها قبل أن يأخذوها منكم‪.‬‬ ‫ومَن كان صاحب مال منكم فليستعفف بغناه‪ ,‬ول يأخذ من مال اليتيم‬ ‫شيئًا‪ ,‬ومن كان فقيًا فليأخذ بقدر حاجته عند الضرورة‪ .‬فإذا علمتم‬ ‫أنم قادرون على حفظ أموالم بعد بلوغهم الُلُم وسلمتموها إليهم‪,‬‬ ‫فأَ ْشهِدوا عليهم; ضمانًا لوصول حقهم كامل إليهم; لئل ينكروا ذلك‪.‬‬ ‫ويكفيكم أن ال شاهد عليكم‪ ,‬وماسب لكم على ما فعلتم‪.‬‬ ‫‪241‬‬

‫ب مِمّ ا تَرَ كَ اْلوَالِدَا نِ وَالَقْ َربُو نَ َولِلنّ سَاءِ نَ صِيبٌ ِممّ ا تَ َر كَ‬ ‫لِلرّجَالِ نَ صِي ٌ‬ ‫الْوَالِدَانِ وَالَقْ َربُونَ مِمّا قَلّ ِمْنهُ َأوْ َكثُ َر نَصِيبا مَ ْفرُوضا (‪)7‬‬

‫للذكور ‪-‬صغارًا أو كبارًا‪ -‬نصيب ‪+‬شرعه ال فيما تركه الوالدان‬ ‫والقربون من الال‪ ,‬قليل كان أو كثيًا‪ ,‬ف أنصبة مددة واضحة فرضها‬ ‫ال عز وجل لؤلء‪ ,‬وللنساء كذلك‪.‬‬ ‫ضرَ الْقِس ْمَمةَ ُأ ْولُوا الْقُرْبَى وَاْلَيتَامَى وَالْمَسمَا ِكيُ فَا ْرزُقُوهُم ْم ِمنْهُم‬ ‫وَِإذَا حَ َ‬ ‫وَقُولُوا َلهُمْ َقوْ ًل مَعْرُوفا (‪)8‬‬ ‫وإذا حضر قسمةَ الياث أقاربُ اليت من ل حقّ لم ف التركة‪ ,‬أو‬ ‫حضرها من مات آباؤهم وهم صغار‪ ,‬أو مَن ل مال لم فأعطوهم شيئًا‬ ‫من الال على وجه الستحباب قبل تقسيم التركة على أصحابا‪ ,‬وقولوا‬ ‫لم قول حسنًا غي فاحش ول قبيح‪.‬‬ ‫َوْلَيخْ شَ الّذِي نَ َلوْ تَرَكُوا مِ نْ خَلْ ِفهِ مْ ُذ ّرّيةً ضِعَافا خَافُوا عََلْيهِ مْ َف ْلَيتّقُوا‬ ‫اللّهَ َوْليَقُولُوا َقوْلً سَدِيدا (‪)9‬‬ ‫‪242‬‬

‫ولَْيخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا‬ ‫عليهم الظلم والضياع‪ ,‬فلياقبوا ال فيمن تت أيديهم من اليتامى‬ ‫وغيهم‪ ,‬وذلك بفظ أموالم‪ ,‬وحسن تربيتهم‪ ,‬و َدفْع الذى عنهم‪,‬‬ ‫وليقولوا لم قول موافقا للعدل والعروف‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن يَأْكُلُو نَ أَ ْموَالَ الَْيتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُو نَ فِي بُطُوِنهِ ْم نَارا‬

‫وَ َسيَصَْل ْونَ سَعِيا (‪)10‬‬

‫إن الذين ي ْعتَدون على أموال اليتامى‪ ,‬فيأخذونا بغي حق‪ ,‬إنا يأكلون‬ ‫نارًا تتأجّج ف بطونم يوم القيامة‪ ,‬وسيدخلون نارا يقاسون حرّها‪.‬‬ ‫يُو صِيكُمْ اللّ هُ فِي َأوْلدِكُ مْ لِلذّكَرِ ِمثْلُ حَظّ الُنَثَييْ نِ َفإِ نْ كُنّ نِ سَاءً َفوْ َ‬ ‫ق‬ ‫اْثَنَتيْ نِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا َترَ َك وَإِ نْ كَانَ تْ وَا ِحدَةً َفلَهَا النّ صْفُ وَ َلَب َويْ هِ لِكُلّ‬ ‫س مِمّا تَ َركَ إِنْ كَانَ لَهُ َولَدٌ َفإِنْ لَ ْم يَكُنْ لَهُ َولَدٌ َو َو ِرثَهُ‬ ‫وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا السّدُ ُ‬ ‫صيّةٍ يُوصِي‬ ‫ث َفإِنْ كَانَ لَهُ ِإ ْخوَةٌ فَلُمّهِ ال سّدُسُ مِ نْ بَ ْعدِ وَ ِ‬ ‫َأَبوَا هُ فَلُمّهِ الثّلُ ُ‬ ‫ضةً مِنْ‬ ‫ب لَكُمْ نَفْعا َفرِي َ‬ ‫ِبهَا َأوْ َديْ ٍن آبَاؤُكُمْ وََأْبنَاؤُكُمْ ل َت ْدرُونَ َأّيهُمْ َأقْرَ ُ‬ ‫اللّهِ ِإنّ الّلهَ كَانَ عَلِيما حَكِيما (‪)11‬‬

‫‪243‬‬

‫يوصيكم ال ويأمركم ف شأن أولدكم‪ :‬إذا مات أحد منكم وترك‬ ‫أولدًا‪ :‬ذكورًا وإناثًا‪ ,‬فمياثه كله لم‪ :‬للذكر مثل نصيب النثيي‪ ,‬إذا ل‬ ‫يكن هناك وارث غيهم‪ .‬فإن ترك بنات فقط فللبنتي فأكثر ثلثا ما‬ ‫ترك‪ ,‬وإن كانت ابنة واحدة‪ ,‬فلها النصف‪ .‬ولوالِدَي اليت لكل واحد‬ ‫منهما السدس إن كان له ولد‪ :‬ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬واحدًا أو أكثر‪ .‬فإن‬ ‫ل يكن له ولد وورثه والداه فلمه الثلث ولبيه الباقي‪ .‬فإن كان للميت‬ ‫إخوة اثنان فأكثر‪ ,‬ذكورًا كانوا أو إناثًا‪ ,‬فلمه السدس‪ ,‬وللب الباقي‬ ‫ول شيء للخوة‪ .‬وهذا التقسيم للتركة إنا يكون بعد إخراج وصية‬ ‫اليت ف حدود الثلث أو إخراج ما عليه من َديْن‪ .‬آباؤكم وأبْناؤكم‬ ‫الذين فُرِض لم الرث ل تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا ف دنياكم‬ ‫وأخراكم‪ ,‬فل تفضلوا واحدًا منهم على الخر‪ .‬هذا الذي أوصيتكم به‬ ‫مفروض عليكم من ال‪ .‬إن ال كان عليمًا بلقه‪ ,‬حكيمًا فيما شرعه‬ ‫لم‪.‬‬ ‫َولَكُ ْم نِ صْفُ مَا َترَ كَ َأ ْزوَاجُ ُك مْ إِ نْ لَ مْ يَكُ ْن لَهُنّ َولَدٌ َفإِ نْ كَا نَ َلهُنّ َولَدٌ‬ ‫صّيةٍ يُوصِيَ ِبهَا َأوْ َديْنٍ َوَلهُنّ ال ّربُعُ ِممّا‬ ‫فَلَ ُكمْ ال ّربُ ُع مِمّا تَرَكْ َن مِنْ بَعْ ِد وَ ِ‬ ‫تَرَ ْكتُ مْ إِ نْ لَ مْ يَكُ نْ لَكُ ْم َولَدٌ َفإِ نْ كَا نَ لَكُ ْم َولَدٌ فََلهُنّ الثّمُ نُ مِمّا تَرَ ْكتُ مْ‬ ‫ث كَلَلةً َأوْ امْ َرأَةٌ‬ ‫صّيةٍ تُو صُونَ ِبهَا َأوْ َديْ نٍ وَإِ نْ كَا نَ رَجُلٌ يُورَ ُ‬ ‫مِ نْ بَعْ ِد وَ ِ‬ ‫‪244‬‬

‫ت فَلِكُلّ وَا ِحدٍ ِمْنهُمَا ال سّدُسُ َفإِ نْ كَانُوا أَ ْكثَرَ مِ نْ َذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫َولَ هُ أَ خٌ َأوْ أُ ْخ ٌ‬ ‫صّيةً‬ ‫صيّةٍ يُوصَى ِبهَا َأوْ َديْ ٍن َغيْرَ مُضَارّ وَ ِ‬ ‫َفهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثّلُثِ مِ ْن بَعْ ِد وَ ِ‬ ‫مِنْ الّلهِ وَالّلهُ َعلِيمٌ حَلِي ٌم (‪)12‬‬ ‫ولكم ‪-‬أيها الرجال‪ -‬نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتن إن ل يكن‬ ‫لن ولد ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬فإن كان لن ولد فلكم الربع ما تركن‪,‬‬ ‫ترثونه من بعد إنفاذ وصيتهن الائزة‪ ,‬أو ما يكون عليهن من َديْن‬ ‫لستحقيه‪ .‬ولزواجكم ‪ -‬أيها الرجال ‪ -‬الربع ما تركتم‪ ,‬إن ل يكن‬ ‫لكم ابن أو ابنة منهن أو من غيهن‪ ,‬فإن كان لكم ابن أو ابنة فلهن‬ ‫الثمن ما تركتم‪ ,‬يقسم الربع أو الثمن بينهن‪ ,‬فإن كانت زوجة واحدة‬ ‫كان هذا مياثًا لا‪ ,‬من بعد إنفاذ ما كنتم أوصيتم به من الوصايا‬ ‫الائزة‪ ,‬أو قضاء ما يكون عليكم من َديْن‪ .‬وإن مات رجل أو امراة‬ ‫وليس له أو لا ولد ول والد‪ ,‬وله أو لا أخ أو أخت من أم فلكل واحد‬ ‫منهما السدس‪ .‬فإن كان الخوة أو الخوات لم أكثر من ذلك فهم‬ ‫شركاء ف الثلث يقسم بينهم بالسوية ل فرق بي الذكر والنثى‪ ,‬وهذا‬ ‫الذي فرضه ال للخوة والخوات لم يأخذونه مياثًا لم من بعد قضاء‬ ‫ديون اليت‪ ,‬وإنفاذ وصيته إن كان قد أوصى بشيء ل ضرر فيه على‬ ‫الورثة‪ .‬بذا أوصاكم ربكم وصية نافعة لكم‪ .‬وال عليم با يصلح خلقه‪,‬‬ ‫حليم ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬ ‫‪245‬‬

‫تِ ْل كَ حُدُو ُد اللّ هِ وَمَ ْن يُطِ عْ اللّ هَ َورَ سُولَهُ ُيدْخِلْ هُ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن َتحِْتهَا‬

‫ك الْ َفوْزُ الْعَظِيمُ (‪)13‬‬ ‫ا َلْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَ َذلِ َ‬

‫تلك الحكام اللية الت شرعها ال ف اليتامى والنساء والواريث‪,‬‬ ‫شرائعه الدالة على أنا مِن عند ال العلبم الكيم‪ .‬ومَن يطع ال ورسوله‬ ‫فيما شرع لعباده من هذه الحكام وغيها‪ ,‬يدخله جنات كثية‬ ‫الشجار والقصور‪ ,‬تري من تتها النار بياهها العذبة‪ ,‬وهم باقون ف‬ ‫هذا النعيم‪ ,‬ل يرجون منه‪ ,‬وذلك الثواب هو الفلح العظيم‪.‬‬ ‫وَمَن ْميَعْصِم اللّهَم َورَسمُوَلهُ َوَيتَعَدّ حُدُودَهُمُيدْخِلْهُمنَارا خَالِدا فِيهَا َولَهُم‬

‫ب ُم ِهيٌ (‪)14‬‬ ‫عَذَا ٌ‬

‫ومَن يَعْصِ ال ورسوله‪ ,‬بإنكاره لحكام ال‪ ,‬وتاوزه ما شرعه ال‬ ‫لعباده بتغييها‪ ,‬أو تعطيل العمل با‪ ,‬يدخله نارًا ماكثًا فيها‪ ,‬وله عذاب‬ ‫يزيه ويهينه‪.‬‬ ‫شهِدُوا عََلْيهِنّ َأ ْربَ َعةً ِمنْكُ مْ َفإِ نْ‬ ‫شةَ مِ ْن نِ سَائِكُمْ فَا ْسَت ْ‬ ‫لتِي يَ ْأِتيَ الْفَا ِح َ‬ ‫وَال ّ‬ ‫َشهِدُوا َفأَمْ سِكُوهُنّ فِي اْلُبيُو تِ َحتّى َيَتوَفّاهُنّ الْ َموْ تُ َأوْ َيجْعَلَ اللّ هُ َلهُنّ‬ ‫‪246‬‬

‫ل (‪)15‬‬ ‫َسبِي ً‬ ‫واللت يزني من نسائكم‪ ,‬فاستشهدوا ‪-‬أيها الولة والقضاة‪ -‬عليهن‬ ‫أربعة رجال عدول من السلمي‪ ,‬فإن شهدوا عليهن بذلك فاحبسوهن‬ ‫ف البيوت حت تنتهي حياتن بالوت‪ ,‬أو يعل ال لن طريقًا للخلص‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫وَاللّذَانِ يَ ْأِتيَانِهَا ِمنْكُ ْم فَآذُوهُمَا َفإِنْ تَابَا وَأَصَْلحَا فَأَعْ ِرضُوا َعْنهُمَا ِإنّ اللّهَ‬ ‫كَانَ َتوّابا رَحِيما (‪)16‬‬ ‫واللذان يقعان ف فاحشة الزن‪ ,‬فآذُوها بالضرب والجر والتوبيخ‪ ,‬فإن‬ ‫تابا عمّا وقع منهما وأصلحا با يقدّمان من العمال الصالة فاصفحوا‬ ‫عن أذاها‪ .‬ويستفاد من هذه الية والت قبلها أن الرجال إذا فعلوا‬ ‫حَبسْنَ ويُؤ َذيْنَ‪ ,‬فالبس غايتة الوت‪ ,‬والذية‬ ‫الفاحشة ُيؤْ َذوْن‪ ,‬والنساء ُي ْ‬ ‫نايتها إل التوبة والصلح‪ .‬وكان هذا ف صدر السلم‪ ,‬ث نُسخ با‬ ‫شرع ال ورسوله‪ ,‬وهو الرجم للمحصن والحصنة‪ ,‬وها الران البالغان‬ ‫العاقلن‪ ,‬اللذان جامعا ف نكاح صحيح‪ ,‬واللدُ مائة جلدة‪ ,‬وتغريب‬ ‫عام لغيها‪ .‬إن ال كان توابا على عباده التائبي‪ ,‬رحيمًا بم‪.‬‬

‫‪247‬‬

‫جهَاَلةٍ ثُمّ َيتُوبُو نَ مِ نْ قَرِي بٍ‬ ‫ِإنّمَا التّ ْوَبةُ عَلَى اللّ هِ لِلّذِي نَ يَعْمَلُو نَ ال سّوءَ ِب َ‬ ‫ب اللّهُ َعَلْيهِمْ وَكَانَ الّلهُ عَلِيما حَكِيما (‪)17‬‬ ‫فَُأ ْوَلئِكَ َيتُو ُ‬ ‫إنّما يقبل ال التوبة من الذين يرتكبون العاصي والذنوب بهل منهم‬ ‫لعاقبتها‪ ,‬وإيابا لسخط ال ‪-‬فكل عاص ل مطئًا أو متعمّدًا فهو جاهل‬ ‫بذا العتبار‪ ,‬وإن كان عالًا بالتحري ‪-‬ث يرجعون إل ربم بالنابة‬ ‫والطاعة قبل معاينة الوت‪ ,‬فأولئك يقبل ال توبتهم‪ .‬وكان ال عليمًا‬ ‫بلقه‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه وتقديره‪.‬‬ ‫سّيئَاتِ َحتّ ى إِذَا حَضَرَ أَ َحدَهُ ْم الْ َموْ ُ‬ ‫ت‬ ‫َوَليْ سَتْ الّتوَْبةُ لِلّذِي نَ يَ ْعمَلُو نَ ال ّ‬ ‫ت النَ وَل الّذِينَ َيمُوتُونَ وَهُ ْم كُفّارٌ ُأ ْوَلئِكَ أَ ْعتَ ْدنَا َلهُمْ َعذَابا‬ ‫قَالَ ِإنّي ُتْب ُ‬

‫َألِيما (‪)18‬‬

‫وليس قَبول التوبة للذين يُصِرّون على ارتكاب العاصي‪ ,‬ول يرجعون‬ ‫إل ربم إل أن تأتيهم سكرات الوت‪ ,‬فيقول أحدهم‪ :‬إن تبت الن‪,‬‬ ‫كما ل تُقبل توبة الذين يوتون وهم جاحدون‪ ,‬منكرون لوحدانية ال‬ ‫ورسالة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬أولئك الصرّون على العاصي‬ ‫إل أن ماتوا‪ ,‬والاحدون الذين يوتون وهم كفار‪ ,‬أعتدنا لم عذابًا‬ ‫موجعًا‪.‬‬ ‫‪248‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َيحِلّ لَكُ مْ أَ نْ تَ ِرثُوا النّ سَاءَ َكرْها وَل تَعْضُلُوهُنّ‬ ‫شةٍ ُمَبّيَنةٍ وَعَاشِرُوهُنّ‬ ‫َنم يَ ْأتِيَ بِفَا ِح َ‬ ‫ْضم مَا آَتْيتُمُوهُنّ إِلّ أ ْ‬ ‫ِلتَذْ َهبُوا ِببَع ِ‬ ‫بِالْمَ ْعرُوفِ َفإِنْ كَرِ ْهُتمُوهُنّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا َشيْئا َوَيجْعَلَ اللّهُ فِيهِ َخيْرا‬ ‫َكثِيا (‪)19‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ل يوز لكم أن تعلوا نساء آبائكم من جلة‬ ‫تَرِكتهم‪ ,‬تتصرفون فيهن بالزواج منهن‪ ,‬أو النع لن‪ ,‬أو تزويهن‬ ‫للخرين‪ ,‬وهن كارهات لذلك كله‪ ,‬ول يوز لكم أن تصارّوا‬ ‫أزواجكم وأنتم كارهون لن; ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر‬ ‫ونوه‪ ,‬إل أن يرتكب أمرا فاحشا كالزن‪ ,‬فلكم حيننذ إمساكهن حت‬ ‫تأخذوا ما أعطيتموهن‪ .‬ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكري‬ ‫والحبة‪ ,‬وأداء ما لن من حقوق‪ .‬فإن كرهتموهن لسبب من السباب‬ ‫الدنيوية فاصبوا; فعسى أن تكرهوا أمرًا من المور ويكون فيه خي‬ ‫كثي‪.‬‬ ‫وَِإنْ َأرَ ْدتُمْ ا ْسِتبْدَالَ َزوْجٍ َمكَانَ َز ْوجٍ وَآَتْيتُمْ إِ ْحدَاهُنّ قِنطَارا فَل تَأْ ُخذُوا‬

‫ِمْنهُ َشيْئا َأتَ ْأخُذُوَنهُ ُب ْهتَانا وَِإثْما ُمبِينا (‪)20‬‬ ‫‪249‬‬

‫وإن أردت استبدال زوجة مكان أخرى‪ ,‬وكنتم قد أعطيتم مَن تريدون‬ ‫طلقها مال كثيًا مهرًا لا‪ ,‬فل يل لكم أن تأخذوا منه شيئًا‪ ,‬أتأخذونه‬ ‫كذبًا وافتراءً واضحًا؟‬ ‫وَ َكيْ فَ تَ ْأخُذُونَ هُ وََقدْ َأفْضَى بَعْضُ ُك مْ ِإلَى بَعْ ضٍ وََأخَذْ نَ ِمنْ ُك مْ مِيثَاقا‬ ‫غَلِيظا (‪)21‬‬ ‫وكيف يلّ لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهن من مهر‪ ,‬وقد استمتع كل‬ ‫منكما بالخر بالماع‪ ,‬وأ َخ ْذنَ منكم ميثاقًا غليظًا من إمساكهن‬ ‫بعروف أو تسريهن بإحسان؟‬ ‫شةً‬ ‫وَل تَن ِكحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النّسَاءِ إِلّ مَا قَ ْد سَلَفَ ِإنّ ُه كَانَ فَا ِح َ‬ ‫وَمَقْتا وَسَاءَ َسبِيلً (‪)22‬‬ ‫ول تتزوجوا مَن تزوجه آباؤكم من النساء إل ما قد سلف منكم ومضى‬ ‫ف الاهلية فل مؤاخذة فيه‪ .‬إن زواج البناء من زوجات آبائهم أمر‬ ‫قبيح يفحش ويعظم قبحه‪ ,‬وبغيض يقت ال فاعله‪ ,‬وبئس طريقًا‬ ‫ومنهجًا ما كنتم تفعلونه ف جاهليتكم‪.‬‬ ‫‪250‬‬

‫ُمم‬ ‫ُمم وَخَالتُك ْ‬ ‫ُمم وَعَمّاتُك ْ‬ ‫ُمم وََأ َخوَاتُك ْ‬ ‫ُمم َوَبنَاتُك ْ‬ ‫ُممُأ ّمهَاتُك ْ‬ ‫َتم عََليْك ْ‬ ‫حُرّم ْ‬ ‫لتِي َأ ْرضَ ْعنَكُ مْ وََأ َخوَاتُكُ ْم مِ نْ‬ ‫ت وَأُ ّمهَاتُكُ ْم ال ّ‬ ‫َوَبنَا تُ الَ خِ َوَبنَا تُ الُ ْخ ِ‬ ‫لتِي فِي ُحجُورِكُ مْ مِ نْ نِ سَائِكُمْ‬ ‫ال ّرضَا َعةِ وَأُ ّمهَا تُ نِ سَائِكُ ْم َو َربَاِئبُكُ مْ ال ّ‬ ‫لتِي دَخَ ْلُت ْم ِبهِنّ َفإِ نْ لَ ْم تَكُونُوا دَخَ ْلُت ْم ِبهِنّ فَل ُجنَا حَ عََليْكُ مْ َوحَلئِلُ‬ ‫ال ّ‬ ‫َأْبنَائِكُ ْم الّذِينَ مِنْ أَصْلبِ ُكمْ وَأَنْ َتجْمَعُوا َبيْ َن الُ ْخَتيْنِ إِلّ مَا قَ ْد سَلَفَ ِإنّ‬ ‫اللّهَ كَانَ غَفُورا رَحِيما (‪)23‬‬ ‫حرّم ال عليكم نكاح أمهاتكم‪ ,‬ويدخل ف ذلك الدّات مِن جهة الب‬ ‫أو الم‪ ,‬وبناتكم‪ :‬ويشمل بنات الولد وإن نزلن‪ ,‬وأخواتكم الشقيقات‬ ‫أو لب أو لم‪ ,‬وعماتكم‪ :‬أخوات آبائكم وأجدادكم‪ ,‬وخالتكم‪:‬‬ ‫أخوات أمهاتكم وجداتكم‪ ,‬وبنات الخ‪ ,‬وبنات الخت‪ :‬ويدخل ف‬ ‫ذلك أولدهن‪ ,‬وأمهاتكم اللت أرضعنكم‪ ,‬وأخواتكم من الرضاعة‬ ‫وقد حرّم رسول ال صلى ال عليه وسلم من الرضاع ما يرم من‬‫النسب‪ -‬وأمهات نسائكم‪ ,‬سواء دخلتم بنسائكم‪ ,‬أم ل تدخلوا بن‪,‬‬ ‫وبنات نسائكم من غيكم اللت يترّبيْنَ غالبًا ف بيوتكم وتت‬ ‫رعايتكم‪ ,‬وهن مُحرّمَات فإن ل يكنّ ف حجوركم‪ ,‬ولكن بشرط‬ ‫الدخول بأمهاتن‪ ,‬فإن ل تكونوا دخلتم بأمهاتن وطلقتموهن أو متْنَ‬ ‫قبل الدخول فل جناح عليكم أن تنكحوهن‪ ,‬كما حرّم ال عليكم أن‬ ‫‪251‬‬

‫تنكحوا زوجات أبنائكم الذين من أصلبكم‪ ,‬ومن أُلق بم مِن أبنائكم‬ ‫من الرضاع‪ ,‬وهذا التحري يكون بالعقد عليها‪ ,‬دخل البن با أم ل‬ ‫يدخل‪ ,‬وحرّم عليكم كذلك المع ف وقت واحد بي الختي بنسب‬ ‫أو رضاع إل ما قد سلف ومضى منكم ف الاهلية‪ .‬ول يوز كذلك‬ ‫المع بي الرأة وعمتها أو خالتها كما جاء ف السنة‪ .‬إن ال كان‬ ‫غفورًا للمذنبي إذا تابوا‪ ,‬رحيمًا بم‪ ,‬فل يكلفهم ما ل يطيقون‪.‬‬

‫‪252‬‬

‫الزء الامس ‪:‬‬ ‫ب اللّ هِ َع َليْكُ مْ‬ ‫صنَاتُ مِ نْ النّ سَاءِ إِ ّل مَا مَلَكَ تْ َأيْمَانُكُ ْم ِكتَا َ‬ ‫وَالْمُحْ َ‬ ‫صنِيَ َغيْرَ ُم سَافِحِيَ‬ ‫َوأُحِلّ لَكُ ْم مَا َورَاءَ َذلِكُ ْم أَ نْ َتبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُ ْم مُحْ ِ‬

‫فَمَا ا ْستَ ْمتَ ْعتُمْ بِهِ ِم ْن ُهنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَ ُهنّ َفرِيضَةً وَل ُجنَاحَ َعلَيْكُمْ فِيمَا‬ ‫ض ْيتُمْ بِهِ ِمنْ بَعْ ِد الْفَرِيضَةِ ِإنّ اللّهَ كَانَ َعلِيما حَكِيما ( ‪)24‬‬ ‫َترَا َ‬ ‫ويرم عليكم نكاح التزوجات من النساء‪ ,‬إل َمنْ َسَب ْيتُم منهن ف‬ ‫الهاد‪ ,‬فإنه يل لكم نكاحهن‪ ,‬بعد استباء أرحامهن بيضة‪ ,‬كتب‬

‫ال عليكم تري نكاح هؤلء‪ ,‬وأجاز لكم نكاح مَن سواهن‪ ,‬مّا أحله‬ ‫ال لكم أن تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الرام‪ .‬فما استمتعتم‬

‫به منهن بالنكاح الصحيح‪ ,‬فأعطوهن مهورهن‪ ,‬الت فرض ال لن‬ ‫عليكم‪ ,‬ول إث عليكم فيما تّ التراضي به بينكم‪ ,‬من الزيادة أو‬

‫النقصان ف الهر‪ ,‬بعد ثبوت الفريضة‪ .‬إن ال تعال كان عليمًا بأمور‬ ‫عباده‪ ,‬حكيما ف أحكامه وتدبيه‪.‬‬

‫‪253‬‬

‫صنَاتِ الْمُؤْ ِمنَا تِ فَمِ نْ مَا‬ ‫ستَطِ ْع ِمنْكُ مْ طَوْ ًل أَ نْ يَنكِ حَ اْلمُحْ َ‬ ‫وَمَ نْ لَ ْم يَ ْ‬ ‫ت وَاللّهُ أَ ْعلَمُ بِِإيَانِكُمْ بَ ْعضُكُ ْم مِنْ‬ ‫َملَكَتْ َأيْمَانُكُمْ مِنْ فََتيَاتِكُمْ الْمُؤْ ِمنَا ِ‬

‫صنَاتٍ‬ ‫ض فَانكِحُو ُهنّ بِِإذْ نِ أ ْهلِ ِهنّ وَآتُو ُهنّ أُجُورَ ُهنّ بِالْمَ ْعرُو فِ مُحْ َ‬ ‫بَعْ ٍ‬

‫صنّ فَإِ نْ َأَتيْ نَ بِفَاحِشَةٍ‬ ‫ت وَل ُمتّخِذَا تِ أَ ْخدَا نٍ فَإِذَا أُحْ ِ‬ ‫َغ ْيرَ مُ سَافِحَا ٍ‬

‫صنَاتِ مِ نْ الْعَذَا بِ َذلِ كَ لِمَ نْ خَشِ يَ‬ ‫فَعَ َليْهِنّ نِ صْفُ مَا َعلَى الْمُحْ َ‬ ‫صبِرُوا َخ ْيرٌ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ‪)25‬‬ ‫الْ َعنَتَ ِمنْكُمْ َوَأ ْن َت ْ‬ ‫ومن ل قدرة له على مهور الرائر الؤمنات‪ ,‬فله أن ينكح غيهن‪,‬‬ ‫من فتياتكم الؤمنات الملوكات‪ .‬وال تعال هو العليم بقيقة إيانكم‪,‬‬ ‫بعضكم من بعض‪ ,‬فتزوجوهن بوافقة أهلهن‪ ,‬وأعطوهن مهورهن‬

‫على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم‪ ,‬متعففات عن الرام‪ ,‬غي‬

‫ماهرات بالزن‪ ,‬ول مسرات به باتاذ أخلء‪ ,‬فإذا تزوجن وأتي‬

‫بفاحشة الزن فعليهن من ال ّد نصف ما على الرائر‪ .‬ذلك الذي‬

‫أبيح مِن نكاح الماء بالصفة التقدمة إنا أبيح لن خاف على نفسه‬ ‫الوقوع ف الزن‪ ,‬وشق عليه الصب عن الماع‪ ,‬والصب عن نكاح‬

‫الماء مع العفة أول وأفضل‪ .‬وال تعال غفور لكم‪ ,‬رحيم بكم إذ‬

‫أذن لكم ف نكاحهن عند العجز عن نكاح الرائر‪.‬‬

‫‪254‬‬

‫ب َع َليْكُ مْ‬ ‫ُيرِيدُ اللّ هُ ِلُيبَيّ نَ لَكُ ْم َوَيهْ ِديَكُ مْ ُسَننَ الّذِي نَ مِ نْ َقبْلِكُ مْ َوَيتُو َ‬ ‫وَاللّهُ َعلِي ٌم حَكِيمٌ ( ‪)26‬‬ ‫يريد ال تعال بذه التشريعات‪ ,‬أن يوضح لكم معال دينه القوي‪,‬‬ ‫وشرعه الكيم‪ ,‬ويدلكم على طرق النبياء والصالي من قبلكم ف‬ ‫اللل والرام‪ ,‬ويتوب عليكم بالرجوع بكم إل الطاعات‪ ,‬وهو‬

‫سبحانه عليم با يصلح شأن عباده‪ ,‬حكيم فيما شرعه لكم‪.‬‬ ‫ت أَ نْ تَمِيلُوا‬ ‫شهَوَا ِ‬ ‫ب َع َليْكُ مْ َوُيرِيدُ الّذِي نَ َيّتبِعُو نَ ال ّ‬ ‫وَاللّ هُ ُيرِيدُ أَ نْ َيتُو َ‬

‫َميْلً َعظِيما ( ‪)27‬‬

‫وال يريد أن يتوب عليكم‪ ,‬ويتجاوز عن خطاياكم‪ ,‬ويريد الذين‬

‫ينقادون لشهواتم وملذاتم أن تنحرفوا عن الدين انرافًا كبيًا‪.‬‬ ‫ُيرِيدُ اللّهُ َأنْ ُيخَفّفَ َعنْكُ ْم وَ ُخلِقَ الِنسَانُ ضَعِيفا ( ‪)28‬‬

‫يريد ال تعال با شرعه لكم التيسي‪ ,‬وعدم التشديد عليكم; لنكم‬ ‫خلقتم ضعفاء‬

‫‪255‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْأكُلُوا أَمْوَالَكُ ْم َبيْنَكُ مْ بِاْلبَاطِلِ إِلّ أَ ْن تَكُو نَ‬ ‫تِجَا َرةً عَ ْن َترَاضٍ ِمنْكُمْ وَل تَ ْقتُلُوا أَنفُسَ ُكمْ ِإنّ اللّهَ كَانَ بِكُ ْم رَحِيما (‬ ‫‪)29‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل يل لكم أن‬

‫يأكل بعضكم مال بعض بغي حق‪ ,‬إل أن يكون َو ْفقَ الشرع‬

‫والكسب اللل عن تراض منكم‪ ,‬ول يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا‬

‫أنفسكم بارتكاب مارم ال ومعاصيه‪ .‬إن ال كان بكم رحيمًا ف كل‬

‫ما أمركم به‪ ,‬وناكم عنه‪.‬‬ ‫صلِيهِ نَارا َوكَا نَ َذلِ كَ َعلَى‬ ‫ك عُدْوَانا وَ ُظلْما فَ سَ ْوفَ نُ ْ‬ ‫وَمَ نْ يَفْعَلْ َذلِ َ‬

‫اللّهِ َيسِيا ( ‪)30‬‬

‫ومن يرتكب ما نى ال عنه من أخذ الال الرام كالسرقة والغصب‬ ‫والغش معتديًا متجاوزًا حد الشرع‪ ,‬فسوف يدخله ال نارًا يقاسي‬

‫حرّها‪ ,‬وكان ذلك على ال يسيًا‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫سمّيئَاتِكُمْ َونُدْ ِخلْك ْ‬ ‫ُمم َ‬ ‫ْهم نُكَ ّفرْ َعنْك ْ‬ ‫ْنم َعن ُ‬ ‫جَتنِبُوا َكبَاِئرَ مَا ُت ْنهَو َ‬ ‫ِنم َت ْ‬ ‫إ ْ‬ ‫‪256‬‬

‫ل َكرِيا ( ‪)31‬‬ ‫مُدْخَ ً‬ ‫إن تبتعدوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن كبائر الذنوب كالشراك بال‬

‫وعقوق الوالدين و َقتْلِ النفس بغي الق وغي ذلك‪ ,‬نكفّر عنكم ما‬

‫دونا من الصغائر‪ ,‬وندخلكم مدخل كريًا‪ ,‬وهو النّة‪.‬‬ ‫ض لِلرّجَالِ نَ صِيبٌ ِممّ ا‬ ‫وَل َتتَ َمنّوْا مَا َفضّلَ اللّ هُ بِ ِه بَ ْعضَكُ مْ َعلَى بَعْ ٍ‬

‫س ْبنَ وَا سَْألُوا اللّ هَ مِ نْ َفضْلِ هِ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫سبُوا َولِلنّ سَا ِء نَ صِيبٌ مِمّا ا ْكتَ َ‬ ‫ا ْكتَ َ‬ ‫كَانَ بِكُلّ شَ ْيءٍ َعلِيما ( ‪)32‬‬ ‫ول تتمنوا ما فضّل ال به بعضكم على بعض‪ ,‬ف الواهب والرزاق‬ ‫وغي ذلك‪ ,‬فقد جعل ال للرجال نصيبًا مق ّدرًا من الزاء بسب‬

‫عملهم‪ ,‬وجعل للنساء نصيبًا ما عملن‪ ,‬واسألوا ال الكري الوهاب‬

‫يُ ْعطِكم من فضله بدل من التمن‪ .‬إن ال كان بكل شيء عليمًا‪ ,‬وهو‬ ‫أعلم با يصلح عباده فيما قسمه لم من خي‪.‬‬

‫َولِكُ ّل جَ َعلْنَا مَوَالِ َي مِمّ ا َترَ َك الْوَالِدَا نِ وَا َل ْق َربُو نَ وَالّذِي نَ عَقَدَ تْ‬ ‫َأيْمَانُكُ ْم فَآتُوهُمْ َنصِيَبهُمْ ِإنّ اللّهَ كَانَ َعلَى كُلّ َشيْءٍ َشهِيدا ( ‪)33‬‬ ‫‪257‬‬

‫ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون ما ترك الوالدان والقربون‪,‬‬ ‫والذين تالفتم معهم باليان الؤكدة على النصرة وإعطائهم شيئًا من‬ ‫الياث فأعطوهم ما قُدّر لم‪ .‬والياث بالتحالف كان ف أول‬

‫السلم‪ ,‬ث رُفع حكمه بنول آيات الواريث‪ .‬إن ال كان ُمطّلِعًا على‬

‫كل شيء من أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ض َوبِمَا‬ ‫ضهُ ْم َعلَى بَعْ ٍ‬ ‫الرّجَالُ قَوّامُو نَ َعلَى النّ سَا ِء بِمَا َفضّ َل اللّ هُ بَ ْع َ‬ ‫ظ اللّهُ‬ ‫ت حَا ِفظَاتٌ ِللْ َغيْبِ بِمَا حَ ِف َ‬ ‫أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَاِلهِمْ فَالصّالِحَاتُ قَاِنتَا ٌ‬

‫ِعم‬ ‫جرُوهُن ّ ف ِي الْ َمضَاج ِ‬ ‫ُونم نُشُوزَهُن ّ فَعِظُوهُن ّ وَا ْه ُ‬ ‫وَاللّت ِي تَخَاف َ‬ ‫ل إِنّ اللّ هَ كَا َن َع ِليّا‬ ‫وَاضْ ِربُوهُنّ فَإِ نْ أَطَ ْعنَكُ مْ فَل َتبْغُوا َع َليْهِنّ َسبِي ً‬

‫َكبِيا ( ‪)34‬‬

‫الرجال قوّامون على توجيه النساء ورعايتهن‪ ,‬با خصهم ال به من‬ ‫خصائص القِوامَة والتفضيل‪ ,‬وبا أعطوهن من الهور والنفقات‪.‬‬ ‫فالصالات الستقيمات على شرع ال منهن‪ ,‬مطيعات ل تعال‬

‫ولزواجهن‪ ,‬حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن با اؤتنّ عليه‬ ‫بفظ ال وتوفيقه‪ ,‬واللت تشون منهن ترفّعهن عن طاعتكم‪,‬‬ ‫فانصحوهن بالكلمة الطيبة‪ ,‬فإن ل تثمر معهن الكلمة الطيبة‪,‬‬ ‫‪258‬‬

‫فاهجروهن ف الفراش‪ ,‬ول تقربوهن‪ ,‬فإن ل يؤثر فعل الِجْران فيهن‪,‬‬ ‫فاضربوهن ضربًا ل ضرر فيه‪ ,‬فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن‪ ,‬فإن ال‬ ‫العل ّي الكبي وليّهن‪ ,‬وهو منتقم مّن ظلمهنّ وبغى عليهن‪.‬‬

‫ق َبيِْنهِمَا فَابْ َعثُوا حَكَما مِ نْ أَ ْهلِ هِ وَحَكَما مِ نْ أَ ْه ِلهَا إِ نْ‬ ‫َوإِ نْ خِ ْفتُ ْم شِقَا َ‬ ‫ُيرِيدَا ِإصْلحا يُ َو ّف ْق اللّهُ َبيَْنهُمَا ِإ ّن اللّهَ كَانَ َعلِيما َخبِيا ( ‪)35‬‬ ‫وإن علمتم ‪-‬يا أولياء الزوجي‪ -‬شقاقًا بينهما يؤدي إل الفراق‪,‬‬ ‫فأرسلوا إليهما حكمًا عدل من أهل الزوج‪ ,‬وحكمًا عدل من أهل‬

‫الزوجة; لينظرا ويكما با فيه الصلحة لما‪ ,‬وبسبب رغبة الكمي‬ ‫ف الصلح‪ ,‬واستعمالما السلوب الطيب يوفق ال بي الزوجي‪ .‬إن‬

‫ال تعال عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمر عباده‪ ,‬خبي با تنطوي‬ ‫عليه نفوسهم‪.‬‬

‫ش ِركُوا بِ هِ َشيْئا َوبِالْوَالِ َديْ نِ إِحْ سَانا َوبِذِي الْقُرْبَى‬ ‫وَا ْعبُدُوا اللّ هَ وَل تُ ْ‬

‫جنُ بِ‬ ‫وَاْليَتَامَى وَاْلمَ سَاكِيِ وَاْلمَ سَاكِيِ وَاْلجَارِ ذِي الْ ُقرْبَى وَالْجَارِ اْل ُ‬ ‫حبّ‬ ‫سبِيلِ وَمَا َملَكَتْ َأيْمَانُكُمْ ِإنّ اللّهَ ل يُ ِ‬ ‫جنْبِ وَابْنِ ال ّ‬ ‫وَالصّا ِحبِ بِاْل َ‬

‫ختَا ًل فَخُورا ( ‪)36‬‬ ‫َمنْ كَانَ مُ ْ‬

‫‪259‬‬

‫واعبدوا ال وانقادوا له وحده‪ ,‬ول تعلوا له شريكًما فم الربوبيمة‬ ‫والعبادة‪ ,‬وأح سنوا إل الوالد ين‪ ,‬وأدّوا حقوقه ما‪ ,‬وحقوق القرب ي‪,‬‬ ‫واليتامى والحتاجي‪ ,‬والار القريب منكم والبعيد‪ ,‬والرفيق ف السفر‬ ‫وف الضر‪ ,‬والسافر الحتاج‪ ,‬والماليك من فتيانكم وفتياتكم‪ .‬إن ال‬

‫تعال ل يب التكبين من عباده‪ ,‬الفتخرين على الناس‪.‬‬

‫خلُو نَ َويَأْ ُمرُو نَ النّا سَ بِاْلبُخْ ِل َويَ ْكتُمُو نَ مَا آتَاهُ مْ اللّ هُ مِ نْ‬ ‫الّذِي نَ َيبْ َ‬

‫َفضْلِهِ َوأَ ْعتَ ْدنَا ِللْكَا ِفرِينَ عَذَابا ُمهِينا ( ‪)37‬‬

‫الذين يتنعون عن النفاق والعطاء ما رزقهم ال‪ ,‬ويأمرون غيهم‬

‫بالبخل‪ ,‬ويحدون نِعَ َم ال عليهم‪ ,‬ويفون فضله وعطاءه‪ .‬وأعددنا‬ ‫للجاحدين عذابًا مزيًا‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَاَلهُمْ ِرئَا َء النّاسِ وَل يُؤْ ِمنُونَ بِاللّهِ وَل بِاْليَوْمِ ال ِخرِ‬

‫ش ْيطَانُ لَهُ َقرِينا فَسَاءَ َقرِينا ( ‪)38‬‬ ‫وَ َمنْ يَ ُكنْ ال ّ‬

‫وأعتدنا هذا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالم رياءً وسعةً‪ ,‬ول‬

‫يصدقون بال اعتقادًا وعمل ول بيوم القيامة‪ .‬وهذه العمال السيئة‬ ‫ما يدعو إليها الشيطان‪ .‬ومن يكن الشيطان له ملزمًا فبئس اللزم‬ ‫والقرين‪.‬‬

‫‪260‬‬

‫وَمَاذَا َعلَ ْيهِم ْم لَ ْو آ َمنُوا بِاللّهِم وَاْليَوْمِم ال ِخرِ َوأَنفَقُوا ِممّام رَ َزقَهُم ْم اللّهُم‬

‫َوكَا َن اللّهُ ِبهِمْ َعلِيما ( ‪)39‬‬

‫وأيّ ضرر يلحقهم لو صدّقوا بال واليوم الخر اعتقادًا وعمل‬

‫وأنفقوا ما أعطاهم ال باحتساب وإخلص‪ ,‬وال تعال عليم بم وبا‬ ‫يعملون‪ ,‬وسيحاسبهم على ذلك‪.‬‬ ‫سنَةً ُيضَاعِ ْفهَا َويُؤْ تِ مِ نْ لَ ُدنْ هُ‬ ‫ك حَ َ‬ ‫ِإنّ اللّ هَ ل َيظْلِ مُ ِمثْقَا َل ذَ ّرةٍ َوإِ نْ تَ ُ‬

‫أَجْرا َعظِيما ( ‪)40‬‬

‫إن ال تعال ل ينقص أحدًا من جزاء عمله مقدار ذرة‪ ,‬وإن تكن زنة‬ ‫الذرة حسنة فإنه سبحانه يزيدها ويكثرها لصاحبها‪ ,‬ويتفضل عليه‬

‫بالزيد‪ ,‬فيعطيه من عنده ثوابًا كبيًا هو النة‪.‬‬ ‫شهِيدٍ وَ ِجئْنَا ِب كَ َعلَى هَؤُلءِ َشهِيدا (‬ ‫فَ َكيْ فَ ِإذَا ِجئْنَا مِ نْ كُلّ أُمّةٍ بِ َ‬

‫‪)41‬‬

‫‪261‬‬

‫فكيف يكون حال الناس يوم القيامة‪ ,‬إذا جاء ال من كل أمة برسولا‬ ‫ليشهد عليها با عملت‪ ,‬وجاء بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتكون شهيدًا‬ ‫على أمتك أنك بلغتهم رسالة ربّك‪.‬‬

‫يَوْ َمئِذٍ يَ َودّ الّذِي نَ كَ َفرُوا وَعَ صَوْا الرّ سُولَ لَوْ تُ سَوّى ِبهِ مْ ا َلرْ ضُ وَل‬ ‫يَ ْكتُمُو َن اللّهَ حَدِيثا ( ‪)42‬‬ ‫يوم يكون ذلك‪ ,‬يتمن الذين كفروا بال تعال وخالفوا الرسول ول‬ ‫يطيعوه‪ ,‬لو يعلهم ال والرض سواء‪ ,‬فيصيون ترابًا‪ ,‬حت ل يبعثوا‬ ‫وهم ل يستطيعون أن يُخفوا عن ال شيئًا ما ف أنفسهم‪ ,‬إذ ختم ال‬

‫ت عليهم جوارحهم با كانوا يعملون‪.‬‬ ‫على أفواههم‪ ,‬و َشهِدَ ْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَقْ َربُوا ال صّل َة َوَأْنتُ مْ سُكَارَى َحتّ ى تَ ْعلَمُوا مَا‬

‫سلُوا َوإِ نْ كُنتُ مْ َمرْضَى أَوْ‬ ‫تَقُولُو نَ وَل ُجنُبا إِ ّل عَاِبرِي َسبِيلٍ َحتّى تَ ْغتَ ِ‬

‫ستُمْ النّسَاءَ َفلَ ْم تَجِدُوا‬ ‫َعلَى سَ َفرٍ أَوْ جَاءَ أَحَ ٌد ِمنْكُ مْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ ل َم ْ‬

‫سحُوا بِوُجُوهِكُ مْ َوَأيْدِيكُ مْ إِنّ اللّ هَ كَا نَ‬ ‫مَاءً َفَتيَمّمُوا صَعِيدا َطيّبا فَامْ َ‬ ‫عَفُوّا غَفُورا ( ‪)43‬‬ ‫‪262‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا بال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل تقربوا الصلة‬ ‫ول تقوموا إليها حال السكر حت تيزوا وتعلموا ما تقولون‪ ,‬وقد‬

‫كان هذا قبل التحري القاطع للخمر ف كل حال‪ ,‬ول تقربوا الصلة‬ ‫ف حال النابة‪ ,‬ول تقربوا مواضعها وهي الساجد‪ ,‬إل من كان منكم‬

‫متازًا من باب إل باب‪ ,‬حت تتطهروا‪ .‬وإن كنتم ف حال مرض ل‬

‫تقدرون معه على استعمال الاء‪ ,‬أو حال سفر‪ ,‬أو جاء أحد منكم من‬ ‫الغائط‪ ,‬أو جامعتم النساء‪ ,‬فلم تدوا ماء للطهارة فاقصدوا ترابًا‬

‫طاهرًا‪ ,‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‪ .‬إن ال تعال كان عفوّا‬

‫عنكم‪ ,‬غفورًا لكم‪.‬‬

‫شَترُو نَ الضّللَةَ َوُيرِيدُو نَ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫َألَ ْم َترَ ِإلَى الّذِي نَ أُوتُوا نَ صِيبا مِ نْ الْ ِكتَا ِ‬ ‫سبِيلَ ( ‪)44‬‬ ‫ضلّوا ال ّ‬ ‫َأنْ َت ِ‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر اليهود الذين أُعطوا حظّا من العلم ما‬ ‫جاءهم من التوراة‪ ,‬يستبدلون الضللة بالدى‪ ,‬ويتركون ما لديهم من‬

‫الجج والباهي‪ ,‬الدالة على صدق رسالة الرسول ممد صلى ال‬

‫عليه وسلم‪ ,‬ويتمنون لكم ‪-‬أيها الؤمنون الهتدون‪ -‬أن تنحرفوا عن‬ ‫الطريق الستقيم; لتكونوا ضالي مثلهم‪.‬‬ ‫‪263‬‬

‫وَاللّهُ أَ ْعلَمُ بَِأعْدَائِكُمْ َوكَفَى بِاللّهِ َوِليّا َوكَفَى بِاللّهِ َنصِيا ( ‪)45‬‬ ‫وال سبحانه وتعال أعلم منكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بعداوة هؤلء اليهود‬ ‫لكم‪ ,‬وكفى بال وليّا يتولكم‪ ,‬وكفى به نصيًا ينصركم على‬ ‫أعدائكم‪.‬‬

‫ص ْينَا‬ ‫ح ّرفُونَ الْ َكلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ َويَقُولُونَ سَمِ ْعنَا َوعَ َ‬ ‫مِنْ الّذِينَ هَادُوا يُ َ‬ ‫سَنتِهِمْ َوطَعْنا فِي الدّي نِ َولَ ْو َأنّهُ مْ‬ ‫سمَعٍ َورَاعِنَا َليّا بَِألْ ِ‬ ‫وَا سْمَ ْع َغ ْيرَ مُ ْ‬

‫قَالُوا سَمِ ْعنَا َوَأطَعْنَا وَا سْمَ ْع وَان ُظرْنَا لَكَا نَ َخيْرا َلهُ مْ َوَأقْوَ مَ َولَكِ نْ‬ ‫ل ( ‪)46‬‬ ‫لَ َعنَهُمْ اللّهُ بِكُ ْفرِهِمْ فَل يُؤْ ِمنُونَ إِ ّل قَلِي ً‬ ‫من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلم ال وتغييه عمّا هو عليه‬ ‫افتراء على ال‪ ,‬ويقولون للرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬سعنا قولك‬

‫وعصينا أمرك واسع منّا ل سعت‪ ,‬ويقولون‪ :‬راعنا سعك أي‪ :‬افهم‬ ‫عنا وأفهمنا‪ ,‬يلوون ألسنتهم بذلك‪ ,‬وهم يريدون الدعاء عليه‬

‫بالرعونة حسب لغتهم‪ ,‬والطعن ف دين السلم‪ .‬ولو أنم قالوا‪ :‬سعنا‬ ‫وأطعنا‪ ,‬بدل و"عصينا"‪ ,‬واسع دون "غي مسمع"‪ ,‬وانظرنا بدل‬

‫"راعنا" لكان ذلك خيًا لم عند ال وأعدل قول ولكن ال طردهم‬ ‫‪264‬‬

‫من رحته; بسبب كفرهم وجحودهم نبوة ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬فل يصدقون بالق إل تصديقًا قليل ل ينفعهم‪.‬‬ ‫ب آ ِمنُوا بِمَا َنزّْلنَا مُ صَدّقا لِمَا مَعَكُ مْ مِ ْن قَبْلِ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬

‫س وُجُوها َفَنرُدّهَا َعلَى َأ ْدبَارِهَا أَ ْو َنلْعََنهُ ْم كَمَا لَ َعنّا أَ صْحَابَ‬ ‫أَ نْ َنطْ ِم َ‬ ‫س ْبتِ َوكَانَ أَ ْمرُ اللّهِ مَفْعُو ًل ( ‪)47‬‬ ‫ال ّ‬

‫يا أهل الكتاب‪ ,‬صدّقوا واعملوا با نزّلنا من القرآن‪ ,‬مصدقًا لا معكم‬

‫ممن الكتمب ممن قبمل أن نأخذكمم بسموء صمنيعكم‪ ,‬فنمحمو الوجوه‬

‫ونولا ِقبَلَ الظهور‪ ,‬أو نلعن هؤلء الفسدين بسخهم قردة وخنازير‪,‬‬ ‫كما لعنّا اليهود مِن أصحاب السبت‪ ,‬الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم‬ ‫ينتهوا‪ ,‬فغضب ال عليهم‪ ,‬وطردهم من رحته‪ ,‬وكان أمر ال نافذًا ف‬

‫كل حال‬ ‫شرَ كَ بِ ِه َويَغْ ِفرُ مَا دُو نَ َذلِ كَ لِمَ ْن يَشَا ُء وَمَ نْ‬ ‫إِنّ اللّ هَ ل يَغْ ِفرُ أَ نْ يُ ْ‬

‫شرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ا ْفتَرَى ِإثْما َعظِيما ( ‪)48‬‬ ‫يُ ْ‬

‫إن ال تعال ل يغفر ول يتجاوز عمّن أشرك به أحدًا من ملوقاته‪ ,‬أو‬

‫كفر بأي نوع من أنواع الكفر الكب‪ ,‬ويتجاوز ويعفو عمّا دون‬ ‫‪265‬‬

‫الشرك من الذنوب‪ ,‬لن يشاء من عباده‪ ,‬ومن يشرك بال غيه فقد‬ ‫اختلق ذنبًا عظيمًا‪.‬‬ ‫سهُمْ بَلْ اللّهُ ُي َزكّي مَنْ يَشَاءُ وَل ُي ْظلَمُونَ‬ ‫َألَمْ َترَ ِإلَى الّذِينَ ُي َزكّونَ أَنفُ َ‬

‫ل ( ‪)49‬‬ ‫فَتِي ً‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك الذين يُثنون على أنفسهم‬

‫وأعمالم‪ ,‬ويصفونا بالطهر والبعد عن السوء؟ بل ال تعال وحده هو‬

‫الذي يثن على مَن يشاء مِن عباده‪ ,‬لعلمه بقيقة أعمالم‪ ,‬ول‬

‫يُنقَصون من أعمالم شيئًا مقدار اليط الذي يكون ف شق نَواة‬ ‫التمرة‪.‬‬ ‫ان ُظرْ َكيْفَ يَ ْفتَرُونَ َعلَى اللّهِ الْكَ ِذبَ َوكَفَى بِ ِه ِإثْما ُمبِينا ( ‪)50‬‬ ‫انظر إليهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجبًا من أمرهم‪ ,‬كيف يتلقون على‬ ‫ال الكذب‪ ,‬وهو النّه عن كل ما ل يليق به؟ وكفى بذا الختلق‬

‫ذنبًا كبيًا كاشفًا عن فساد معتقدهم‪.‬‬

‫‪266‬‬

‫ج ْبتِ وَالطّاغُوتِ‬ ‫ب يُؤْ ِمنُونَ بِاْل ِ‬ ‫َألَ ْم َترَ ِإلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا ِمنْ الْ ِكتَا ِ‬ ‫َويَقُولُونَ ِللّذِينَ كَ َفرُوا هَؤُل ِء أَهْدَى ِم ْن الّذِينَ آ َمنُوا َسبِيلً ( ‪)51‬‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك اليهود الذين أُعطوا حظّا من‬ ‫العلم يصدقون بكل ما يُعبد من دون ال من الصنام وشياطي النس‬ ‫والن تصديقا يملهم على التحاكم إل غي شرع ال‪ ,‬ويقولون‬

‫للذين كفروا بال تعال وبرسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬هؤلء‬ ‫الكافرون أقْومُ‪ ,‬وأعد ُل طريقًا من أولئك الذين آمنوا؟‬

‫ك الّذِينَ لَ َعنَهُمْ اللّهُ وَ َمنْ َيلْ َع ْن اللّهُ فَ َلنْ تَجِ َد لَهُ َنصِيا ( ‪)52‬‬ ‫أُ ْوَلئِ َ‬ ‫أولئك الذين َكُثرَ فسادهم وع ّم ضللم‪ ,‬طردهم ال نعال من رحته‪,‬‬ ‫ومَن يطرده ال من رحته فلن تد له من ينصره‪ ,‬ويدفع عنه سوء‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫س نَقِيا ( ‪)53‬‬ ‫أَ ْم َلهُمْ َنصِيبٌ ِم ْن الْ ُملْكِ فَإِذا ل يُ ْؤتُونَ النّا َ‬ ‫بل ألم حظ من اللك‪ ,‬ولو أوتوه لا أعطوا أحدًا منه شيئًا‪ ,‬ولو كان‬ ‫مقدار النقرة الت تكون ف ظهر النّواة‪.‬‬ ‫‪267‬‬

‫حسُدُونَ النّاسَ َعلَى مَا آتَاهُ ْم اللّهُ ِمنْ َفضْلِهِ فَقَدْ آَت ْينَا آ َل ِإْبرَاهِيمَ‬ ‫أَ ْم يَ ْ‬

‫الْ ِكتَابَ وَاْلحِكْمَةَ وَآَتيْنَاهُمْ ُملْكا َعظِيما ( ‪)54‬‬

‫بل أيسدون ممدًا صلى ال عليه وسلم على ما أعطاه ال من نعمة‬

‫النبوة والرسالة‪ ,‬ويسدون أصحابه على نعمة التوفيق إل اليان‪,‬‬

‫والتصديق بالرسالة‪ ,‬واتباع الرسول‪ ,‬والتمكي ف الرض‪ ,‬ويتمنون‬

‫زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلم ‪-‬من‬ ‫قَبْلُ‪ -‬الكتب‪ ,‬الت أنزلا ال عليهم وما أوحي إليهم ما ل يكن كتابا‬ ‫مقروءا‪ ,‬وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا‪.‬‬

‫ج َهنّمَ سَعِيا ( ‪)55‬‬ ‫فَ ِم ْنهُمْ َمنْ آ َمنَ بِ ِه وَ ِمنْهُمْ َم ْن صَدّ َعنْهُ َوكَفَى ِب َ‬ ‫فمن هؤلء الذين أوتوا حظّا من العلم‪ ,‬مَن صدّق برسالة ممد صلى‬

‫ال عليه وسلم‪ ,‬وعمل بشرعه‪ ,‬ومنهم مَن أعرض ول يستجب‬

‫لدعوته‪ ,‬ومنع الناس من اتباعه‪ .‬وحسبكم ‪-‬أيها الكذبون‪ -‬نار جهنم‬ ‫تسعّر بكم‪.‬‬

‫صلِيهِ ْم نَارا كُلّمَا َنضِجَ تْ ُجلُودُهُ مْ‬ ‫إِنّ الّذِي نَ كَ َفرُوا بِآيَاتِنَا سَ ْوفَ نُ ْ‬ ‫‪268‬‬

‫ب إِنّ اللّ هَ كَا نَ َعزِيزا حَكِيما (‬ ‫بَ ّدْلنَاهُ مْ ُجلُودا َغ ْيرَهَا ِليَذُوقُوا الْعَذَا َ‬ ‫‪)56‬‬ ‫إن الذين جحدوا ما أنزل ال من آياته ووحي كتابه ودلئله‬ ‫وحججه‪ ,‬سوف ندخلهم نارًا يقاسون حرّها‪ ,‬كلما احترقت جلودهم‬

‫ب ّدلْناهم جلودًا أخرى; ليستمر عذابم وألهم‪ .‬إن ال تعال كان عزيزًا‬ ‫ل يتنع عليه شيء‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه وقضائه‪.‬‬ ‫حِتهَا‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَ َع ِملُوا ال صّالِحَاتِ َسنُدْ ِخلُهُمْ َجنّا تٍ َت ْ‬

‫ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا َلهُ ْم فِيهَا َأزْوَا جٌ ُمطَ ّه َرةٌ َونُدْ ِخلُهُ مْ ظِلّ َظلِيلً‬ ‫( ‪)57‬‬ ‫والذين اطمأنت قلوبم باليان بال تعال والتصديق برسالة رسوله‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واستقاموا على الطاعة‪ ,‬سندخلهم جنات‬

‫تري من تتها النار‪ ,‬ينعمون فيها أبدًا ول يرجون منها‪ ,‬ولم فيها‬ ‫أزواج طهرها ال مِن كل أذى‪ ,‬وندخلهم ظل كثيفًا متدًا ف النة‪.‬‬

‫ت ِإلَى أَ ْه ِلهَا َوِإذَا حَكَ ْمتُ ْم َبيْنَ النّاسِ‬ ‫ِإنّ اللّهَ يَأْ ُم ُركُمْ أَنْ تُ َؤدّوا الَمَانَا ِ‬ ‫‪269‬‬

‫أَ نْ َتحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ِإنّ اللّ هَ نِعِمّا يَ ِعظُكُ مْ بِ هِ ِإنّ اللّ هَ كَا نَ سَمِيعا بَ صِيا‬ ‫( ‪)58‬‬

‫إن ال تعال يأمركمم بأداء متلف المانات‪ ,‬التم اؤتنتمم عليهما إل‬

‫أصمحابا‪ ,‬فل تفرطوا فيهما‪ ,‬ويأمركمم بالقضاء بيم الناس بالعدل‬ ‫والقسط‪ ,‬إذا قضيتم بينهم‪ ,‬ونِعْ َم ما يعظكم ال به ويهديكم إليه‪ .‬إن‬ ‫ال تعال كان سيعًا لقوالكم‪ُ ,‬مطّلعًا على سائر أعمالكم‪ ,‬بصيًا با‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا أَطِيعُوا اللّ هَ َوأَطِيعُوا الرّ سُولَ َوأُ ْولِي الَ ْمرِ ِمنْكُ مْ‬

‫فَإِ نْ َتنَازَ ْعتُ مْ فِي شَيْ ٍء فَ ُردّو هُ ِإلَى اللّ هِ وَالرّ سُولِ إِ نْ كُنتُ مْ تُؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ‬ ‫ل ( ‪)59‬‬ ‫سنُ تَأْوِي ً‬ ‫وَاْليَوْمِ ال ِخرِ َذلِكَ َخيْرٌ َوأَ ْح َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬استجيبوا لوامر ال‬ ‫تعال ول تعصوه‪ ,‬واستجيبوا للرسول صلى ال عليه وسلم فيما جاء‬

‫به من الق‪ ,‬وأطيعوا ولة أمركم ف غي معصية ال‪ ,‬فإن اختلفتم ف‬ ‫شيء بينكم‪ ,‬فأرجعوا الكم فيه إل كتاب ال تعال وسنة رسوله‬

‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬إن كنتم تؤمنون حق اليان بال تعال‬

‫وبيوم الساب‪ .‬ذلك الردّ إل الكتاب والسنة خي لكم من التنازع‬ ‫والقول بالرأي‪ ،‬وأحسن عاقبة ومآل‪.‬‬ ‫‪270‬‬

‫َألَ مْ َترَ ِإلَى الّذِي نَ َيزْعُمُو نَ َأّنهُ ْم آ َمنُوا بِمَا أُنزِلَ ِإَليْ كَ وَمَا أُنزِلَ مِ نْ‬

‫قَ ْبلِ كَ ُيرِيدُو نَ أَ نْ َيتَحَاكَمُوا ِإلَى الطّاغُو تِ َوقَدْ أُ ِمرُوا أَ نْ يَكْ ُفرُوا بِ هِ‬ ‫ش ْيطَانُ َأنْ ُيضِ ّلهُمْ ضَل ًل بَعِيدا ( ‪)60‬‬ ‫َوُيرِيدُ ال ّ‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك النافقي الذين يدّعون اليان با‬ ‫أُنزل إليك ‪-‬وهو القرآن‪ -‬وبا أُنزل إل الرسل من قبلك‪ ,‬وهم‬

‫يريدون أن يتحاكموا ف َفصْل الصومات بينهم إل غي ما شرع ال‬ ‫من الباطل‪ ,‬وقد أُمروا أن يكفروا بالباطل؟ ويريد الشيطان أن يبعدهم‬ ‫عن طريق الق‪ ,‬بعدًا شديدًا‪ .‬وف هذه الية دليل على أن اليان‬ ‫الصادق‪ ,‬يقتضي النقياد لشرع ال‪ ,‬والكم به ف كل أمر من‬

‫المور‪ ,‬فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم ال‪,‬‬ ‫فهو كاذب ف زعمه‪.‬‬ ‫َوِإذَا قِيلَ َلهُ مْ تَعَالَوْا ِإلَى مَا أَنزَ َل اللّ هُ َوِإلَى الرّ سُولِ َرَأيْ تَ الْ ُمنَافِقِيَ‬

‫ك صُدُودا ( ‪)61‬‬ ‫َيصُدّونَ َعنْ َ‬

‫‪271‬‬

‫وإذا نُصح هؤلء‪ ,‬وقيل لم‪ :‬تعالوا إل ما أنزل ال‪ ,‬وإل الرسول‬ ‫صرْتَ الذين يظهرون اليان‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهديه‪ ,‬أب َ‬

‫ويبطنون الكفر‪ ,‬يعرضون عنك إعراضًا‪.‬‬

‫حلِفُو نَ‬ ‫فَ َكيْ فَ ِإذَا أَ صَابَ ْتهُمْ مُ صِيبَةٌ بِمَا قَدّمَ تْ َأيْدِيهِ مْ ثُمّ جَاءُو َك يَ ْ‬ ‫بِاللّهِ ِإنْ َأرَ ْدنَا إِ ّل إِحْسَانا َوتَ ْوفِيقا ( ‪)62‬‬ ‫فكيف يكون حال أولئك الناففي‪ ,‬إذا حلّت بم مصيبة بسبب ما‬ ‫اقترفوه بأيديهم‪ ,‬ث جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يعتذرون‪ ,‬ويؤكدون لك‬ ‫أنم ما قصدوا بأعمالم تلك إل الحسان والتوفيق بي الصوم‪.‬‬

‫أُ ْوَلئِكَ الّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوِبهِمْ فَأَ ْعرِضْ َع ْنهُمْ َو ِعظْهُمْ َوقُلْ َلهُمْ‬ ‫سهِمْ قَوْلً َبلِيغا ( ‪)63‬‬ ‫فِي أَنفُ ِ‬

‫أولئك هم الذين يعلم ال حقيقة ما ف قلوبم من النفاق‪ ,‬فتولّ عنهم‪,‬‬ ‫وحذّرهم من سوء ما هم عليه‪ ,‬وقل لم قول مؤثرًا فيهم زاجرًا لم‪.‬‬ ‫ُمم ِإذْ َظلَمُوا‬ ‫ّهم َولَ ْو َأّنه ْ‬ ‫ْنم الل ِ‬ ‫َاعم بِِإذ ِ‬ ‫ِنم رَسمُولٍ إِ ّل ِلُيط َ‬ ‫ْسمْلنَا م ْ‬ ‫وَمَا َأر َ‬

‫سهُمْ جَاءُو كَ فَا ْستَغْفَرُوا اللّ هَ وَا ْستَغْ َفرَ َلهُ مْ الرّ سُولُ لَوَجَدُوا اللّ هَ‬ ‫أَنفُ َ‬ ‫‪272‬‬

‫تَوّابا رَحِيما ( ‪)64‬‬ ‫وما ب َع ْثنَا من رسول من رسلنا‪ ,‬إل ليستجاب له‪ ,‬بأمر ال تعال‬

‫وقضائه‪ .‬ولو أن هؤلء الذين ظلموا أنفسهم باقتراف السيئات‪,‬‬ ‫جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف حياتك تائبي سائلي ال أن يغفر لم‬

‫ذنوبم‪ ,‬واستغفرت لم‪ ,‬لوجدوا ال توابًا رحيمًا‪.‬‬

‫جرَ َبيَْنهُ مْ ثُمّ ل َيجِدُوا‬ ‫ك ل يُؤْ ِمنُو نَ َحتّ ى ُيحَكّمُو كَ فِيمَا َش َ‬ ‫فَل َو َربّ َ‬ ‫سلِيما ( ‪)65‬‬ ‫سلّمُوا تَ ْ‬ ‫ضيْتَ َويُ َ‬ ‫سهِمْ َحرَجا ِممّا َق َ‬ ‫فِي أَنفُ ِ‬ ‫أقسم ال تعال بنفسه الكرية أن هؤلء ل يؤمنون حقيقة حت يعلوك‬ ‫حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع ف حياتك‪ ,‬ويتحاكموا إل سنتك بعد‬

‫ماتك‪ ,‬ث ل يدوا ف أنفسهم ضيقًا ما انتهى إليه حكمك‪ ,‬وينقادوا‬ ‫مع ذلك انقيادًا تاما‪ ,‬فالكم با جاء به رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم من الكتاب والسنة ف كل شأن من شؤون الياة من صميم‬ ‫اليان مع الرضا والتسليم‪.‬‬ ‫َولَ ْو َأنّ ا كََتبْنَا َعلَ ْيهِ ْم أَ نْ ا ْقتُلُوا أَنفُ سَكُمْ أَ ْو ا ْخرُجُوا مِ ْن ِديَا ِركُ ْم مَا‬ ‫‪273‬‬

‫فَعَلُو هُ إِلّ َقلِيلٌ ِم ْنهُ مْ َولَوْ َأّنهُ مْ فَ َعلُوا مَا يُو َعظُو نَ بِ هِ لَكَا نَ َخيْرا َلهُ مْ‬ ‫ِنم لَ ُدنّام أَجْرا َعظِيما (‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫َوأَشَدّ َت ْثبِيتا ( ‪َ )66‬وإِذا لَت ْينَاه ْ‬

‫ستَقِيما ( ‪)68‬‬ ‫َوَلهَ َديْنَاهُ ْم صِرَاطا مُ ْ‬

‫‪)67‬‬

‫ولو أوجبنا على هؤلء النافقي التحاكمي إل الطاغوت أن يقتل‬

‫بعضهم بعضًا‪ ,‬أو أن يرجوا من ديارهم‪ ,‬ما استجاب لذلك إل عدد‬ ‫قليل منهم‪ ,‬ولو أنم استجابوا لا يُنصحون به لكان ذلك نافعًا لم‪,‬‬

‫وأقوى ليانم‪ ,‬ولعطيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا ف الدنيا والخرة‪,‬‬ ‫ولرشدناهم ووفقناهم إل طريق ال القوي‪.‬‬ ‫وَمَنْ ُيطِ ْع اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُ ْولَئِكَ َم َع الّذِينَ َأنْعَمَ اللّهُ َعلَ ْيهِمْ مِنْ الّنبِيّيَ‬

‫سنَ أُ ْوَلئِكَ َرفِيقا ( ‪)69‬‬ ‫شهَدَاءِ وَالصّاِلحِيَ وَ َح ُ‬ ‫وَالصّدّيقِيَ وَال ّ‬

‫ومن يستجب لوامر ال تعال وهدي رسوله ممد صلى ال عليه‬

‫وسلم فأولئك الذين َعظُمَ شأنم وقدرهم‪ ,‬فكانوا ف صحبة مَن أنعم‬ ‫ال تعال عليهم بالنة من النبياء والصديقي الذين كمُل تصديقهم با‬ ‫جاءت به الرسل‪ ،‬اعتقادًا وقول وعمل والشهداء ف سبيل ال وصال‬

‫سنَ هؤلء رفقاء ف النة‪.‬‬ ‫الؤمني‪ ,‬وحَ ُ‬ ‫‪274‬‬

‫ك الْ َفضْلُ ِم ْن اللّهِ َوكَفَى بِاللّهِ َعلِيما ( ‪)70‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫ذلك العطاء الزيل من ال وحده‪ .‬وكفى بال عليما يعلم أحوال‬ ‫عباده‪ ,‬ومَن يَستحقّ منهم الثواب الزيل با قام به من العمال‬ ‫الصالة‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا خُذُوا حِ ْذ َركُ مْ فَانفِرُوا ُثبَا تٍ أَوْ ان ِفرُوا َجمِيعا (‬ ‫‪)71‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالستعداد لعدوكم‪ ,‬فاخرجوا‬ ‫للقاته جاعة بعد جاعة أو متمعي‪.‬‬ ‫َوِإنّ ِمنْكُ ْم لَمَ ْن َليَُب ّطَئنّ فَإِنْ أَصَاَبتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ َأنْعَ َم اللّهُ َعلَيّ ِإذْ‬

‫لَمْ َأ ُكنْ مَ َعهُمْ َشهِيدا ( ‪)72‬‬

‫وإنّ منكم لنفرًا يتأخر عن الروج للقاة العداء متثاقل ويثبط غيه‬ ‫عن عمد وإصرار‪ ,‬فإن قُدّر عليكم وُأصِبتم بقتل وهزية‪ ,‬قال‬

‫‪275‬‬

‫مستبشرًا‪ :‬قد حفظن ال‪ ,‬حي ل أكن حاضرًا مع أولئك الذين وقع‬ ‫لم ما أكرهه لنفسي‪ ,‬وسرّه تلفه عنكم‪.‬‬ ‫َوَلئِنْ أَصَابَكُمْ َفضْلٌ مِنَ اللّهِ َليَقُولَنّ كَأَ ْن لَمْ تَكُنْ َب ْينَكُمْ َوَب ْينَهُ مَ َو ّدةٌ يَا‬

‫َليَْتنِي كُنتُ مَ َعهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزا َعظِيما ( ‪)73‬‬

‫ولئن نالكم فضل من ال وغنيمة‪ ,‬ليقولن ‪-‬حاسدًا متحسرًا‪ ,‬كأن ل‬ ‫تكن بينكم وبينه مودة ف الظاهر‪ : -‬يا ليتن كنت معهم فأظفر با‬ ‫ظَفِروا به من النجاة والنصرة والغنيمة‪.‬‬ ‫حيَاةَ ال ّدْنيَا بِال ِخ َرةِ وَمَ نْ يُقَاتِلْ‬ ‫شرُو نَ اْل َ‬ ‫َفلْيُقَاتِلْ فِي َسبِي ِل اللّ هِ الّذِي نَ يَ ْ‬

‫فِي َسبِيلِ اللّهِ َفيُ ْقتَلْ أَ ْو يَ ْغلِبْ فَسَ ْوفَ نُ ْؤتِيهِ أَجْرا َعظِيما ( ‪)74‬‬

‫فليجاهد ف سبيل نصرة دين ال‪ ,‬وإعلء كلمته‪ ,‬الذين يبيعون الياة‬

‫الدنيا بالدار الخرة وثوابا‪ .‬ومن ياهد ف سبيل ال ملصًا‪ ,‬فيُ ْقتَلْ أو‬ ‫يَ ْغلِبْ‪ ,‬فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا‪.‬‬ ‫سَتضْعَفِيَ مِ ْن الرّجَالِ وَالنّسَاءِ‬ ‫وَمَا لَكُمْ ل تُقَاِتلُونَ فِي َسبِي ِل اللّهِ وَالْمُ ْ‬ ‫‪276‬‬

‫وَالْ ِولْدَا نِ الّذِي نَ يَقُولُو نَ َربّنَا أَ ْخرِجْنَا مِ ْن هَذِ هِ الْ َق ْريَةِ الظّالِ مِ أَ ْهلُهَا‬ ‫ك َنصِيا ( ‪)75‬‬ ‫وَاجْعَل َلنَا ِمنْ لَ ُدْنكَ َوِليّا وَاجْعَل َلنَا ِمنْ لَ ُدنْ َ‬ ‫وما الذي ينعكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن الهاد ف سبيل نصرة دين ال‪,‬‬ ‫ونصرة عباده الستضعفي من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي‬ ‫عليهم‪ ,‬ول حيلة لم ول وسيلة لديهم إل الستغاثة بربم‪ ,‬يدعونه‬

‫قائلي‪ :‬ربنا أخرجنا من هذه القرية ‪-‬يعن "مكة "‪ -‬الت َظلَم أهلها‬ ‫أنفسهم بالكفر والؤمني بالذى‪ ,‬واجعل لنا من عندك وليّا يتول‬

‫أمورنا‪ ,‬ونصيًا ينصرنا على الظالي‪.‬‬ ‫الّذِي نَ آ َمنُوا يُقَاِتلُو نَ فِي َسبِي ِل اللّ هِ وَالّذِي نَ كَفَرُوا يُقَاِتلُو نَ فِي َسبِيلِ‬

‫َانم ضَعِيفا (‬ ‫َانم ك َ‬ ‫ش ْيط ِ‬ ‫َانم إِنّ َكيْدَ ال ّ‬ ‫ش ْيط ِ‬ ‫ُوتم فَقَاتِلُوا أَ ْوِليَا َء ال ّ‬ ‫الطّاغ ِ‬ ‫‪)76‬‬ ‫الذين صدَقُوا ف إيانم اعتقادًا وعمل ياهدون ف سبيل نصرة الق‬ ‫وأهله‪ ,‬والذين كفروا يقاتلون ف سبيل البغي والفساد ف الرض‪,‬‬ ‫فقاتلوا أيها الؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولّون الشيطان‪,‬‬

‫ويطيعون أمره‪ ,‬إن تدبي الشيطان لوليائه كان ضعيفًا‪.‬‬ ‫‪277‬‬

‫َألَ ْم َترَ ِإلَى الّذِي نَ قِيلَ َلهُ مْ كُفّوا َأيْ ِديَكُ مْ َوَأقِيمُوا ال صّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ‬

‫شيَةِ اللّ هِ‬ ‫س كَخَ ْ‬ ‫فَلَمّا ُكتِ بَ َع َل ْيهِ مْ الْ ِقتَالُ ِإذَا َفرِي قٌ ِم ْنهُ مْ َيخْشَوْ َن النّا َ‬ ‫شيَةً َوقَالُوا َرّبنَا لِ مَ َكَتبْ تَ َع َل ْينَا الْ ِقتَالَ لَوْل أَ ّخ ْرتَنَا ِإلَى أَجَلٍ‬ ‫أَوْ أَشَ ّد خَ ْ‬

‫قَرِي بٍ قُلْ َمتَا عُ ال ّدْنيَا قَلِيلٌ وَال ِخ َرةُ َخ ْيرٌ لِمَ ْن اتّقَى وَل ُت ْظلَمُو نَ َفتِيلً‬ ‫( ‪)77‬‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك الذين قيل لم قبل الذن بالهاد‪:‬‬ ‫امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من الشركي‪ ,‬وعليكم أداء ما‬

‫فرضه ال عليكم من الصلة‪ ,‬والزكاة‪ ,‬فلما فرض عليهم القتال إذا‬ ‫جاعة منهم قد تغي حالم‪ ,‬فأصبحوا يافون الناس ويرهبونم‪,‬‬

‫كخوفهم من ال أو أشد‪ ,‬ويعلنون عما اعتراهم من شدة الوف‪,‬‬ ‫فيقولون‪ :‬ربنا لِ َم أَوْ َج ْبتَ علينا القتال؟ هل أمهلتنا إل وقت قريب‪,‬‬

‫رغبة منهم ف متاع الياة الدنيا‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬متاع‬

‫الدنيا قليل‪ ,‬والخرة وما فيها أعظم وأبقى لن اتقى‪ ,‬فعمل با أُمر به‪,‬‬ ‫واجتنب ما نُهي عنه‪ ,.‬ل يظلم ربك أحدًا شيئًا‪ ,‬ولو كان مقدار‬ ‫اليط الذي يكون ف شق نَواة التمرة‪.‬‬

‫‪278‬‬

‫ص ْبهُمْ‬ ‫شيّ َدةٍ َوإِ ْن تُ ِ‬ ‫َأْينَمَا تَكُونُوا يُ ْد ِركّ مْ الْمَوْ تُ َولَ ْو كُنتُ مْ فِي ُبرُو جٍ مُ َ‬ ‫ص ْبهُمْ َسّيئَةٌ يَقُولُوا هَذِ هِ مِ نْ‬ ‫سنَةٌ يَقُولُوا هَذِ ِه مِ نْ ِعنْدِ اللّ هِ َوإِ نْ تُ ِ‬ ‫حَ َ‬

‫ِعنْدِكَم قُلْ كُلّ مِن ْم ِعنْدِ اللّه ِم فَمَا ِل هَؤُلءِ الْقَوْمِم ل يَكَادُون َم يَفْ َقهُون َم‬

‫حَدِيثا ( ‪)78‬‬ ‫أينما تكونوا يلحقكم الوت ف أي مكان كنتم فيه عند حلول‬ ‫آجالكم‪ ,‬ولو كنتم ف حصون منيعة بعيدة عن ساحة العارك والقتال‪.‬‬

‫وإن يصل لم ما يسرّهم من متاع هذه الياة‪ ,‬ينسبوا حصوله إل ال‬ ‫تعال‪ ,‬وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إل الرسول ممد صلى ال‬

‫عليه وسلم جهالة وتشاؤمًا‪ ,‬وما علموا أن ذلك كله من عند ال‬

‫ي حديث تدثهم‬ ‫وحده‪ ,‬بقضائه وقدره‪ ,‬فما بالم ل يقاربون فَهْمَ أ ّ‬

‫به‪.‬‬

‫سكَ‬ ‫سنَةٍ فَمِ نْ اللّ هِ وَمَا أَ صَابَكَ مِ نْ َسيّئَةٍ فَمِ نْ نَفْ ِ‬ ‫مَا أَ صَابَكَ مِ نْ حَ َ‬ ‫َوَأرْسَ ْلنَاكَ لِلنّاسِ رَسُو ًل َوكَفَى بِاللّهِ َشهِيدا ( ‪)79‬‬ ‫ما أصابك ‪-‬أيها النسان‪ -‬مِن خي ونعمة فهو من ال تعال وحده‪,‬‬ ‫فضل وإحسانًا‪ ,‬وما أصابك من جهد وشدة فبسبب عملك السيئ‪,‬‬ ‫وما اقترفته يداك من الطايا والسيئات‪ .‬وبعثناك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫‪279‬‬

‫لعموم الناس رسول تبلغهم رسالة ربك‪ ,‬وكفى بال شهيدًا على‬ ‫صدق رسالتك‪.‬‬ ‫مَ نْ ُيطِ ْع الرّ سُولَ فَقَدْ أَطَا عَ اللّ هَ وَمَ نْ تَ َولّى فَمَا َأرْ َسلْنَا َك َع َل ْيهِ مْ‬

‫حَفِيظا ( ‪)80‬‬

‫من يستجب للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويعمل بديه‪ ,‬فقد‬

‫استجاب ل تعال وامتثل أمره‪ ,‬ومن أعرض عن طاعة ال ورسوله فما‬

‫بعثناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على هؤلء العترضي رقيبًا تفظ أعمالم‬ ‫وتاسبهم عليها‪ ,‬فحسابم علينا‪.‬‬

‫ُمم َغيْرَ الّذِي‬ ‫ّتم طَائِفَةٌ ِم ْنه ْ‬ ‫ِكم َبي َ‬ ‫ِنم ِعنْد َ‬ ‫ُونم طَاعَةٌ فَِإذَا َبرَزُوا م ْ‬ ‫َويَقُول َ‬ ‫تَقُولُ وَاللّ هُ يَ ْكتُ بُ مَا ُيَبّيتُو نَ فَأَ ْعرِ ضْ َع ْنهُ مْ َوتَ َوكّلْ َعلَى اللّ هِ َوكَفَى‬

‫ل ( ‪)81‬‬ ‫بِاللّهِ َوكِي ً‬

‫وُيظْهر هؤلء العرضون‪ ,‬وهم ف ملس رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم‪ ,‬طاعتهم للرسول وما جاء به‪ ,‬فإذا ابتعدوا عنه وانصرفوا عن‬

‫ملسه‪ ,‬دبّر جاعة منهم ليل غي ما أعلنوه من الطاعة‪ ,‬وما علموا أن‬ ‫‪280‬‬

‫ال يصي عليهم ما يدبرون‪ ,‬وسيجازيهم عليه أت الزاء‪ ,‬فتول عنهم‬ ‫أيها الرسول‪ -‬ول تبال بم‪ ,‬فإنم لن يضروك‪ ,‬وتوكل على ال‪,‬‬‫وحسبك به وليّا وناصرًا‪.‬‬

‫َأفَل َيتَ َدبّرُو نَ الْقُرْآ نَ َولَوْ كَا نَ مِ نْ ِعنْدِ َغ ْيرِ اللّ هِ لَوَجَدُوا فِي هِ ا ْختِلفا‬ ‫َكثِيا ( ‪)82‬‬ ‫أفل ينظر هؤلء ف القرآن‪ ,‬وما جاء به من الق‪ ,‬نظر تأمل وتدبر‪,‬‬ ‫حيث جاء على نسق مكم يقطع بأنه من عند ال وحده؟ ولو كان‬ ‫مِن عند غيه لوجدوا فيه اختلفًا كثيًا‪.‬‬

‫ّوهم ِإلَى‬ ‫ِهم َولَوْ َرد ُ‬ ‫ْفم َأذَاعُوا ب ِ‬ ‫ْنم أَ ْو الْخَو ِ‬ ‫ِنم الَم ِ‬ ‫ُمم أَ ْمرٌ م َ‬ ‫َوِإذَا جَاءَه ْ‬ ‫سَت ْنبِطُونَهُ ِم ْنهُ ْم َولَوْل‬ ‫الرّ سُولِ َوِإلَى أُ ْولِي الَ ْمرِ ِم ْنهُ مْ لَ َعلِمَ هُ الّذِي َن يَ ْ‬ ‫ش ْيطَانَ إِ ّل قَلِيلً ( ‪)83‬‬ ‫َفضْلُ اللّهِ َع َليْكُمْ َورَحْ َمتُهُ لّتبَ ْعتُمْ ال ّ‬

‫وإذا جاء هؤلء الذين ل يستقر اليان ف قلوبم أمْرٌ يب كتمانه‬

‫متعلقًا بالمن الذي يعود خيه على السلم والسلمي‪ ,‬أو بالوف‬ ‫الذي يلقي ف قلوبم عدم الطمئنان‪ ,‬أفشوه وأذاعوا به ف الناس‪,‬‬ ‫‪281‬‬

‫ولو ردّ هؤلء ما جاءهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وإل أهل‬ ‫العلم والفقه لَعَلِ َم حقيقة معناه أهل الستنباط منهم‪ .‬ولول أنْ تَ َفضّلَ‬ ‫ال عليكم ورحكم لتبعتم الشيطان ووساوسه إل قليل منكم‪.‬‬

‫فَقَاتِلْ فِي َسبِي ِل اللّهِ ل تُ َكلّفُ إِ ّل نَفْسَكَ َو َحرّضْ الْمُؤْ ِمنِيَ عَسَى اللّهُ‬ ‫ل ( ‪)84‬‬ ‫َأنْ يَكُفّ بَ ْأسَ الّذِينَ كَ َفرُوا وَاللّهُ أَشَدّ بَأْسا َوأَشَدّ تَنكِي ً‬ ‫فجاهد ‪-‬أيها النب‪ -‬ف سبيل ال لعلء كلمته‪ ,‬ل تلزم فعل غيك‬ ‫ول تؤاخذ به‪ ,‬وحُضّ الؤمني على القتال والهاد‪ ,‬ورغّبهم فيه‪ ,‬لعل‬

‫ال ينع بك وبم بأس الكافرين وشدتم‪ .‬وال تعال أشد قوة وأعظم‬ ‫عقوبة للكافرين‪.‬‬

‫سنَةً يَكُ نْ لَ هُ نَ صِيبٌ ِمنْهَا وَمَ ْن يَشْفَ ْع شَفَاعَةً َسيّئَةً‬ ‫مَ نْ َيشْفَ عْ شَفَاعَةً َح َ‬

‫يَ ُكنْ لَهُ كِفْلٌ ِم ْنهَا َوكَانَ اللّهُ َعلَى كُلّ َشيْءٍ مُقِيتا ( ‪)85‬‬

‫من يَسْ َع لصول غيه على الي يكن له بشفاعته نصيب من الثواب‪,‬‬ ‫ومن يَسْعَ ليصال الشر إل غيه يكن له نصيب من الوزر والث‪.‬‬

‫وكان ال على كل شيء شاهدًا وحفيظًا‪.‬‬ ‫‪282‬‬

‫س َن ِمنْهَا أَ ْو رُدّوهَا ِإنّ اللّهَ كَا َن َعلَى كُلّ‬ ‫حيّوا بِأَحْ َ‬ ‫حيّةٍ فَ َ‬ ‫َوِإذَا ُحيّيتُمْ ِبتَ ِ‬

‫شَيْ ٍء حَسِيبا ( ‪)86‬‬

‫وإذا سلّم عليكم السلم فردّوا عليه بأفضل ما سلّم لفظًا وبشاشةً‪ ,‬أو‬ ‫ردوا عليه بثل ما سلّم‪ ,‬ولكل ثوابه وجزاؤه‪ .‬إن ال تعال كان على‬

‫كل شيء مازيًا‪.‬‬ ‫اللّ هُ ل ِإلَهَ إِلّ هُ َو َليَجْمَ َعنّكُمْ ِإلَى يَ ْو ِم الْقِيَامَةِ ل َريْ بَ فِي هِ وَمَنْ أَصْدَقُ‬

‫ِم ْن اللّهِ حَدِيثا ( ‪)87‬‬

‫ال وحده التفرد باللوهية لميع اللق‪ ,‬ليجمعنكم يوم القيامة‪ ,‬الذي‬

‫ل شك فيه‪ ,‬للحساب والزاء‪ .‬ول أحد أصدق من ال حديثًا فيما‬ ‫أخب به‪.‬‬

‫سبُوا َأُترِيدُو نَ أَ نْ‬ ‫سهُمْ بِمَا كَ َ‬ ‫فَمَا لَكُ مْ فِي الْ ُمنَافِقِيَ ِفَئتَيْ نِ وَاللّ هُ َأ ْركَ َ‬

‫ل ( ‪)88‬‬ ‫َتهْدُوا َمنْ َأضَلّ اللّهُ وَ َم ْن ُيضْلِلْ اللّهُ فَ َلنْ َتجِدَ لَ ُه َسبِي ً‬

‫‪283‬‬

‫فما لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف شأن النافقي إذ اختلفتم فرقتي‪ :‬فرقة‬ ‫تقول بقتالم وأخرى ل تقول بذلك؟ وال تعال قد أوقعهم ف الكفر‬ ‫والضلل بسبب سوء أعمالم‪ .‬أتودون هداية من صرف ال تعال‬

‫قلبه عن دينه؟ ومن خذله ال عن دينه‪ ,‬واتباع ما أمره به‪ ,‬فل طريق‬ ‫له إل الدى‪.‬‬

‫خذُوا ِم ْنهُ مْ أَ ْوِليَاءَ‬ ‫َودّوا لَ ْو تَكْ ُفرُو نَ كَمَا كَ َفرُوا فَتَكُونُو نَ سَوَا ًء فَل َتتّ ِ‬ ‫مِيلِ اللّهِم فَإِن ْمتَ َولّوْا فَخُذُوهُم ْم وَا ْقتُلُوهُم ْم َحيْثُم‬ ‫َحتّىمُيهَا ِجرُوا فِي سَب‬

‫وَجَ ْدتُمُوهُ ْم وَل َتتّخِذُوا ِم ْنهُمْ َوِليّا وَل َنصِيا ( ‪)89‬‬

‫تنّى النافقون لكم أيها الؤمنون‪ ,‬لو تنكرون حقيقة ما آمنت به‬

‫قلوبكم‪ ,‬مثلما أنكروه بقلوبم‪ ,‬فتكونون معهم ف النكار سواء‪ ,‬فل‬

‫تتخذوا منهم أصفياء لكم‪ ,‬حت يهاجروا ف سبيل ال‪ ,‬برهانًا على‬ ‫صدق إيانم‪ ,‬فإن أعرضوا عما دعوا إليه‪ ,‬فخذوهم أينما كانوا‬

‫واقتلوهم‪ ,‬ول تتخذوا منهم وليّا من دون ال ول نصيًا تستنصرونه‬

‫به‪.‬‬

‫صرَتْ‬ ‫ق أَوْ جَاءُوكُ مْ حَ ِ‬ ‫صلُونَ ِإلَى قَوْ مٍ َب ْينَكُ مْ َوَب ْينَهُ مْ مِيثَا ٌ‬ ‫إِ ّل الّذِي نَ يَ ِ‬ ‫‪284‬‬

‫َسمّل َطهُمْ‬ ‫ّهم ل َ‬ ‫ُمم َولَ ْو شَاءَ الل ُ‬ ‫ُمم أَوْ يُقَاِتلُوا قَوْ َمه ْ‬ ‫َنم يُقَاِتلُوك ْ‬ ‫صمدُورُهُمْ أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سلَمَ‬ ‫َع َليْكُ مْ فَلَقَاَتلُوكُ مْ فَإِ نْ ا ْعتَ َزلُوكُ مْ َفلَ مْ يُقَاِتلُوكُ مْ َوَألْقَوْا ِإَليْكُ مْ ال ّ‬

‫ل ( ‪)90‬‬ ‫فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُ ْم َع َليْهِمْ َسبِي ً‬

‫لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فل تقاتلوهم‪,‬‬ ‫وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن‬

‫يقاتلوكم‪ ,‬كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم‪ ,‬فلم يكونوا معكم ول مع‬

‫قومهم‪ ,‬فل تقاتلوهم‪ ,‬ولو شاء ال تعال لسلّطهم عليكم‪ ,‬فلقاتلوكم‬ ‫مع أعدائكم من الشركي‪ ,‬ولكن ال تعال صرفهم عنكم بفضله‬

‫وقدرته‪ ,‬فإن تركوكم فلم يقاتلوكم‪ ,‬وانقادوا اليكم مستسلمي‪,‬‬ ‫فليس لكم عليهم من طريق لقتالم‪.‬‬ ‫َستَجِدُونَ آ َخرِي نَ ُيرِيدُو نَ أَ نْ يَأْ َمنُوكُ مْ َويَأْ َمنُوا قَوْ َمهُ مْ كُلّ مَا ُردّوا‬

‫سلَمَ َويَكُفّوا‬ ‫ِإلَى الْ ِف ْتنَةِ ُأرْكِ سُوا فِيهَا فَإِ نْ لَ مْ يَ ْعَت ِزلُوكُ ْم َويُلْقُوا ِإَليْكُ مْ ال ّ‬

‫َأيْ ِدَيهُم ْم فَخُذُوهُم ْم وَا ْقتُلُوهُم ْم َحيْثُمثَقِ ْفتُمُوهُم ْم َوأُ ْوَلئِكُم ْم جَ َعلْنَا لَكُم ْم‬ ‫َع َليْهِمْ ُس ْلطَانا ُمبِينا ( ‪)91‬‬

‫ستجدون قومًا آخرين من النافقي يودون الطمئنان على أنفسهم من‬

‫جانبكم‪ ,‬فيظهرون لكم اليان‪ ,‬ويودون الطمئنان على أنفسهم من‬ ‫‪285‬‬

‫جانب قومهم الكافرين‪ ,‬فيظهرون لم الكفر‪ ,‬كلما أعيدوا إل موطن‬ ‫الكفر والكافرين‪ ,‬وقعوا ف أسوأ حال‪ .‬فهؤلء إن ل ينصرفوا عنكم‪,‬‬

‫ويقدموا إليكم الستسلم التام‪ ,‬وينعوا أنفسهم عن قتالكم فخذوهم‬

‫بقوة واقتلوهم أينما كانوا‪ ,‬وأولئك الذين بلغوا ف هذا السلك‬

‫السيّئ حدّا ييزهم عمّن عداهم‪ ,‬فهم الذين جعلنا لكم الجة البينة‬ ‫على قتلهم وأسرهم‪.‬‬ ‫حرِيرُ‬ ‫وَمَا كَا نَ لِمُؤْمِ نٍ أَ نْ يَ ْقتُلَ مُؤْمِنا إِ ّل َخطَأً وَمَ نْ َقتَلَ مُؤْمِنا َخطَأً َفتَ ْ‬

‫سلّمَ ٌة ِإلَى أَ ْهلِ هِ إِ ّل أَ ْن يَ صّ ّدقُوا فَإِ نْ كَا نَ مِ نْ قَوْ مٍ‬ ‫رَ َقبَةٍ مُؤْ ِمنَةٍ َو ِديَةٌ مُ َ‬ ‫حرِيرُ َرقَبَةٍ مُؤْ ِمنَةٍ َوإِ نْ كَا نَ مِ نْ قَوْ مٍ َب ْينَكُ مْ‬ ‫عَدُ ّو لَكُ ْم وَهُوَ مُؤْمِ نٌ فَتَ ْ‬

‫حرِيرُ َرقَبَةٍ مُؤْ ِمنَةٍ فَمَ نْ لَ ْم يَجِدْ‬ ‫سلّمَةٌ ِإلَى أَ ْهلِ هِ َوتَ ْ‬ ‫َوَبيَْنهُ مْ مِيثَا قٌ فَ ِديَةٌ ُم َ‬ ‫َفصِيَا ُم َشهْ َرْينِ ُمَتتَابِعَ ْينِ تَ ْوبَةً ِمنْ اللّهِ َوكَانَ اللّهُ َعلِيما حَكِيما ( ‪)92‬‬ ‫ول يق لؤمن العتداء على أخيه الؤمن وقتله بغي حق‪ ,‬إل أن يقع‬ ‫منه ذلك على وجه الطأ الذي ل عمد فيه‪ ,‬ومن وقع منه ذلك الطأ‬

‫فعليه عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬وتسليم دية مقدرة إل أوليائه‪ ,‬إل أن يتصدقوا‬ ‫با عليه ويعفوا عنه‪ .‬فإن كان القتول من قوم كفار أعداء للمؤمني‪,‬‬

‫وهو مؤمن بال تعال‪ ,‬وبا أنزل من الق على رسوله ممد صلى ال‬ ‫‪286‬‬

‫عليه وسلم‪ ,‬فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬وإن كان من قوم بينكم‬ ‫وبينهم عهد وميثاق‪ ,‬فعلى قاتله دية تسلم إل أوليائه وعتق رقبة‬

‫مؤمنة‪ ,‬فمن ل يد القدرة على عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬فعليه صيام شهرين‬ ‫متتابعي; ليتوب ال تعال عليه‪ .‬وكان ال تعال عليما بقيقة شأن‬

‫عباده‪ ,‬حكيمًا فيما شرعه لم‪.‬‬

‫جزَاؤُ هُ َج َهنّ مُ خَالِدا فِيهَا َو َغضِ بَ اللّ هُ َعلَيْ هِ‬ ‫وَمَ نْ يَ ْقتُلْ مُؤْمِنا ُمتَعَمّدا فَ َ‬ ‫َولَ َعنَهُ َوأَعَدّ لَ ُه عَذَابا َعظِيما ( ‪)93‬‬ ‫ومن يَ ْعتَدِ على مؤمن فيقتله عن عمد بغي حق فعاقبته جهنم‪ ,‬خالدًا‬ ‫فيها مع سخط ال تعال عليه و َط ْردِهِ من رحته‪ ,‬إن جازاه على ذنبه‬

‫وأعدّ ال له أشد العذاب بسبب ما ارتكبه من هذه الناية العظيمة‪.‬‬

‫ولكنه سبحانه يعفو ويتفضل على أهل اليان فل يازيهم باللود ف‬

‫جهنم‪.‬‬

‫ضرَْبتُ مْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ فََتَبيّنُوا وَل تَقُولُوا لِمَ نْ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإذَا َ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا فَعِنْدَ اللّ هِ‬ ‫ستَ مُؤْمِنا َت ْبتَغُو نَ َعرَ ضَ اْل َ‬ ‫َألْقَى ِإَليْكُ مْ ال سّل َم لَ ْ‬

‫ك كُنتُمْ مِ ْن قَبْلُ فَ َمنّ اللّهُ َع َليْكُمْ َفتََبّينُوا ِإنّ اللّهَ كَانَ‬ ‫يةٌ كَ َذلِ َ‬ ‫مَغَانِمُ َكثِ َ‬ ‫‪287‬‬

‫بِمَا تَعْ َملُونَ َخبِيا ( ‪)94‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه إذا خرجتم ف‬

‫الرض ماهدين ف سبيل ال فكونوا على بينة ما تأتون وتتركون‪ ,‬ول‬

‫تنفوا اليان عمن بدا منه شيء من علمات السلم ول يقاتلكم;‬

‫لحتمال أن يكون مؤمنًا يفي إيانه‪ ,‬طالبي بذلك متاع الياة الدنيا‪,‬‬ ‫وال تعال عنده من الفضل والعطاء ما يغنيكم به‪ ,‬كذلك كنتم ف بدء‬ ‫السلم تفون إيانكم عن قومكم من الشركي ف َمنّ ال عليكم‪,‬‬

‫وأعزّكم باليان والقوة‪ ,‬فكونوا على بيّنة ومعرفة ف أموركم‪ .‬إن ال‬ ‫تعال عليم بكل أعمالكم‪ ,‬مطّلع على دقائق أموركم‪ ,‬وسيجازيكم‬

‫عليها‪.‬‬ ‫ضرَرِ وَالْ ُمجَاهِدُو نَ فِي‬ ‫ستَوِي الْقَاعِدُو َن مِ نْ الْمُؤْ ِمنِيَ َغيْرُ أُ ْولِي ال ّ‬ ‫ل يَ ْ‬

‫سهِمْ‬ ‫سهِمْ َفضّ َل اللّهُ الْ ُمجَاهِدِينَ بِأَمْوَاِلهِمْ َوأَنفُ ِ‬ ‫َسبِي ِل اللّهِ بِأَمْوَاِلهِمْ َوأَنفُ ِ‬ ‫سنَى َو َفضّلَ اللّ هُ الْ ُمجَاهِدِي نَ‬ ‫ل وَعَ َد اللّ هُ الْحُ ْ‬ ‫َعلَى الْقَاعِدِي َن دَرَجَةً َوكُ ّ‬

‫َعلَى الْقَاعِدِي َن أَجْرا َعظِيما ( ‪)95‬‬

‫ل يتساوى التخلفون عن الهاد ف سبيل ال ‪-‬غي أصحاب العذار‬

‫منهم‪ -‬والجاهدون ف سبيل ال‪ ,‬بأموالم وأنفسهم‪ ,‬فضّل ال تعال‬ ‫‪288‬‬

‫الجاهدين على القاعدين‪ ,‬ورفع منلتهم درجة عالية ف النة‪ ,‬وقد‬ ‫وعد ال كل من الجاهدين بأموالم وأنفسهم والقاعدين من أهل‬

‫العذار النة لِما بذلوا وضحّوا ف سبيل الق‪ ,‬وفضّل ال تعال‬ ‫الجاهدين على القاعدين ثوابًا جزيل‪.‬‬ ‫َدرَجَاتٍ ِمنْهُ وَمَغْ ِف َرةً َورَحْمَةً َوكَانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما ( ‪)96‬‬

‫هذا الثواب الزيل منازل عالية ف النات من ال تعال لاصة عباده‬ ‫الجاهدين ف سبيله‪ ,‬ومغفرة لذنوبم ورحة واسعة ينعمون فيها‪.‬‬

‫وكان ال غفورًا لن تاب إليه وأناب‪ ,‬رحيمًا بأهل طاعته‪ ,‬الجاهدين‬ ‫ف سبيله‪.‬‬ ‫سهِمْ قَالُوا فِي مَ كُنتُ مْ قَالُوا ُكنّ ا‬ ‫إِنّ الّذِي نَ تَ َوفّاهُ ْم الْمَلئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُ ِ‬

‫ض اللّ هِ وَا سِعَةً َفتُهَا ِجرُوا فِيهَا‬ ‫سَتضْعَفِيَ فِي ا َلرْ ضِ قَالُوا َألَ مْ تَكُ نْ َأرْ ُ‬ ‫مُ ْ‬

‫ك مَأْوَاهُمْ َج َهنّمُ وَسَاءَتْ َمصِيا ( ‪)97‬‬ ‫فَأُ ْولَئِ َ‬ ‫إن الذين توفّاهم اللئكة وقد ظلموا أنفسهم بقعودهم ف دار الكفر‬ ‫وترك الجرة‪ ,‬تقول لم اللئكة توبيخًا لم‪ :‬ف أي شيء كنتم من أمر‬ ‫‪289‬‬

‫دينكم؟ فيقولون‪ :‬كنا ضعفاء ف أرضنا‪ ,‬عاجزين عن دفع الظلم‬ ‫والقهر عنا‪ ,‬فيقولون لم توبيخا‪ :‬أل تكن أرض ال واسعة فتخرجوا‬ ‫من أرضكم إل أرض أخرى بيث تأمنون على دينكم؟ فأولئك‬

‫مثواهم النار‪ ,‬وقبح هذا الرجع والآب‪.‬‬ ‫سَتطِيعُونَ حِيلَةً‬ ‫سَتضْعَفِيَ مِ نْ الرّجَالِ وَالنّ سَاءِ وَالْ ِولْدَا نِ ل يَ ْ‬ ‫إِ ّل الْمُ ْ‬

‫وَل َي ْهتَدُونَ َسبِيلً ( ‪)98‬‬

‫ويعذر من ذاك الصي العجزة من الرجال والنساء والصغار الذين ل‬

‫يقدرون على دفع القهر والظلم عنهم‪ ,‬ول يعرفون طريقًا يلصهم ما‬ ‫هم فيه من العاناة‪.‬‬ ‫فَأُ ْوَلئِكَ عَسَى اللّهُ َأنْ يَعْفُ َو َع ْنهُمْ َوكَا َن اللّهُ عَفُوّا غَفُورا ( ‪)99‬‬ ‫فهؤلء الضعفاء هم الذين يُرجى لم من ال تعال العفو; لعلمه تعال‬ ‫بقيقة أمرهم‪ .‬وكان ال عفوًا غفورًا‪.‬‬ ‫وَمَ نْ ُيهَا ِجرْ فِي َسبِي ِل اللّ هِ يَجِ ْد فِي ا َلرْ ضِ ُمرَاغَما َكثِيا وَ سَعَةً وَمَ نْ‬ ‫‪290‬‬

‫ت فَقَدْ َوقَ عَ‬ ‫خرُ جْ مِ نْ َب ْيتِ هِ ُمهَاجِرا ِإلَى اللّ هِ َورَ سُولِهِ ثُمّ يُ ْد ِركْ هُ اْلمَوْ ُ‬ ‫يَ ْ‬ ‫أَ ْجرُهُ َعلَى اللّهِ َوكَا َن اللّهُ غَفُورا رَحِيما ( ‪)100‬‬ ‫ومَن يرج من أرض الشرك إل أرض السلم فرارًا بدينه‪ ,‬راجيًا‬ ‫فضل ربه‪ ,‬قاصدًا نصرة دينه‪ ,‬يد ف الرض مكانًا ومتحول ينعم فيه‬ ‫با يكون سببًا ف قوته وذلة أعدائه‪ ,‬مع السعة ف رزقه وعيشه‪ ,‬ومن‬ ‫يرج من بيته قاصدًا نصرة دين ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪,‬‬

‫وإعلء كلمة ال‪ ,‬ث يدركه الوت قبل بلوغه مقصده‪ ,‬فقد ثبت له‬

‫جزاء عمله على ال‪ ,‬فضل منه وإحسانًا‪ .‬وكان ال غفورًا رحيمًا‬

‫بعباده‪.‬‬

‫صرُوا مِ ْن ال صّلةِ‬ ‫س َع َليْكُ ْم ُجنَا حٌ أَ نْ تَقْ ُ‬ ‫ض َربْتُ مْ فِي ا َلرْ ضِ فَ َليْ َ‬ ‫َوِإذَا َ‬ ‫إِ نْ خِ ْفتُ مْ أَ نْ يَ ْفتِنَكُ مْ الّذِي نَ كَفَرُوا ِإنّ الْكَا ِفرِي نَ كَانُوا لَكُ مْ عَدُوّا ُمبِينا‬ ‫( ‪)101‬‬

‫وإذا سافرت ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف أرض ال‪ ,‬فل حرج ول إث عليكم‬

‫ف قصر الصلة إن خفتم من عدوان الكفار عليكم ف حال صلتكم‪,‬‬ ‫وكانت غالب أسفار السلمي ف بدء السلم موفة‪ ,‬والقصر رخصة‬ ‫‪291‬‬

‫ف السفر حال المن أو الوف‪ .‬إن الكافرين ماهرون لكم بعداوتم‪,‬‬ ‫فاحذروهم‪.‬‬ ‫َكم‬ ‫ُمم مَع َ‬ ‫ُمم طَائِفَةٌ ِمنْه ْ‬ ‫ُمم الصمّلةَ َف ْلتَق ْ‬ ‫ْتم َله ْ‬ ‫ِمم فََأقَم َ‬ ‫ُنتم فِيه ْ‬ ‫َوِإذَا ك َ‬

‫حَتهُمْ فَِإذَا َسجَدُوا َف ْليَكُونُوا مِ نْ َورَائِكُ مْ َوْلتَأْ تِ طَائِفَةٌ‬ ‫َوْليَأْخُذُوا أَ ْسلِ َ‬ ‫حتَهُ ْم َودّ‬ ‫َسملِ َ‬ ‫ُمم َوأ ْ‬ ‫َكم َوْليَأْخُذُوا ِح ْذرَه ْ‬ ‫ُصملّوا مَع َ‬ ‫ُصملّوا َفلْي َ‬ ‫َمم ي َ‬ ‫أُ ْخرَى ل ْ‬

‫حتِكُمْ َوأَ ْمتِ َعتِكُ ْم فَيَمِيلُونَ َع َليْكُ ْم َميْلَةً‬ ‫الّذِينَ كَ َفرُوا لَوْ تَغْ ُفلُونَ عَنْ أَ ْسلِ َ‬ ‫وَاحِ َدةً وَل ُجنَا حَ َع َليْكُ مْ إِ نْ كَا نَ بِكُ ْم َأذًى مِ نْ َم َطرٍ أَوْ كُنتُ مْ َمرْضَى‬

‫حتَكُمْ وَخُذُوا حِ ْذ َركُم ْمإِنّ اللّهَمَأعَدّ ِللْكَافِرِينَم عَذَابا‬ ‫أَن ْمَتضَعُوا أَس ْملِ َ‬ ‫ُمهِينا ( ‪)102‬‬ ‫وإذا كنت ‪-‬أيها النب‪ -‬ف ساحة القتال‪ ,‬فأردت أن تصلي بم‪,‬‬ ‫فلتقم جاعة منهم معك للصلة‪ ,‬وليأخذوا سلحهم‪ ,‬فإذا سجد‬

‫هؤلء فلتكن الماعة الخرى من خلفكم ف مواجهة عدوكم‪ ,‬وتتم‬ ‫الماعة الول ركعتهم الثانية ويُسلّمون‪ ,‬ث تأت الماعة الخرى الت‬

‫ل تبدأ الصلة فليأتوا بك ف ركعتهم الول‪ ,‬ث يكملوا بأنفسهم‬ ‫ركعتهم الثانية‪ ,‬وليحذروا مِن عدوهم وليأخذوا أسلحتهم‪ .‬ودّ‬

‫الاحدون لدين ال أن تغفُلوا عن سلحكم وزادكم; ليحملوا عليكم‬ ‫‪292‬‬

‫حلة واحلة فيقضوا عليكم‪ ,‬ول إث عليكم حيننذ إن كان بكم أذى‬ ‫من مطر‪ ,‬أو كنتم ف حال مرض‪ ,‬أن تتركوا أسلحتكم‪ ,‬مع أخذ‬

‫الذر‪ .‬إن ال تعال أعدّ للجاحدين لدينه عذابًا يهينهم‪ ,‬ويزيهم‪.‬‬ ‫فَِإذَا َقضَ ْيتُم ْم الصمّلةَ فَا ْذكُرُوا اللّه َم ِقيَاما َوقُعُودا َو َعلَى ُجنُوبِكُم ْم فَِإذَا‬ ‫اطْمَ ْأنَنتُمْ فََأقِيمُوا الصّلةَ ِإنّ الصّل َة كَانَتْ َعلَى الْمُؤْ ِمنِيَ ِكتَابا مَ ْوقُوتا‬

‫( ‪)103‬‬

‫فإذا أدّيتم الصلة‪ ,‬فأديوا ذكر ال ف جيع أحوالكم‪ ,‬فإذا زال‬

‫الوف فأدّوا الصلة كاملة‪ ,‬ول تفرّطوا فيها فإنا واجبة ف أوقات‬

‫معلومة ف الشرع‪.‬‬ ‫ُونم كَمَا‬ ‫ُمم يَ ْأَلم َ‬ ‫ُونم فَِإّنه ْ‬ ‫ِنم تَكُونُوا تَ ْألَم َ‬ ‫ْمم إ ْ‬ ‫وَل َتهِنُوا فِي اْبتِغَاءِ الْقَو ِ‬

‫تَ ْألَمُو َن َوَترْجُو نَ مِ ْن اللّ هِ مَا ل َيرْجُو نَ َوكَا نَ اللّ هُ َعلِيما حَكِيما (‬ ‫‪)104‬‬ ‫ول تضعفوا ف طلب عدوكم وقتاله‪ ,‬إن تكونوا تتألون من القتال‬ ‫وآثاره‪ ,‬فأعداؤكم كذلك يتألون منه أشد الل‪ ,‬ومع ذلك ل يكفون‬ ‫‪293‬‬

‫عن قتالكم‪ ,‬فأنتم أول بذلك منهم‪ ,‬لا ترجونه من الثواب والنصر‬ ‫والتأييد‪ ,‬وهم ل يرجون ذلك‪ .‬وكان ال عليمًا بكل أحوالكم‪,‬‬ ‫حكيمًا ف أمره وتدبيه‪.‬‬

‫س بِمَا َأرَا َك اللّ هُ وَل‬ ‫حقّ ِلتَحْكُ مَ َبيْ نَ النّا ِ‬ ‫ك الْ ِكتَا بَ بِالْ َ‬ ‫ِإنّا أَنزَْلنَا ِإَليْ َ‬ ‫تَ ُكنْ ِللْخَاِئنِيَ َخصِيما ( ‪)105‬‬ ‫إنا أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن مشتمل على الق; لتفصل‬ ‫بي الناس جيعًا با أوحى ال إليك‪ ,‬وَبصّرك به‪ ,‬فل تكن للذين‬

‫يونون أنفسهم ‪-‬بكتمان الق‪ -‬مدافعًا عنهم با أيدوه لك من القول‬ ‫الخالف للحقيقة‪.‬‬ ‫وَا ْستَغْ ِف ْر اللّهَ ِإنّ اللّهَ كَا َن غَفُورا رَحِيما ( ‪)106‬‬ ‫واطلب من ال تعال الغفرة ف جيع أحوالك‪ ,‬إن ال تعال كان غفورًا‬ ‫لن يرجو فضله ونوال مغفرته‪ ,‬رحيمًا به‪.‬‬ ‫سهُ ْم إِنّ اللّ هَ ل ُيحِبّ مَ نْ كَا نَ‬ ‫ختَانُو نَ أَنفُ َ‬ ‫وَل تُجَادِلْ عَ نْ الّذِي نَ َي ْ‬ ‫‪294‬‬

‫خَوّانا َأثِيما ( ‪)107‬‬ ‫ول تدافع عن الذين يونون أنفسهم بعصية ال‪ .‬إن ال ‪-‬سبحانه‪-‬‬

‫ل يب مَن َعظُ َمتْ خيانته‪ ,‬وكثر ذنبه‪.‬‬

‫ستَخْفُونَ مِ نْ اللّ هِ وَهُ َو مَ َعهُ مْ ِإذْ ُيبَّيتُو نَ مَا‬ ‫سَتخْفُونَ مِ نْ النّا سِ وَل يَ ْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ل َي ْرضَى ِمنْ الْقَوْلِ َوكَا َن اللّهُ ِبمَا يَعْ َملُونَ مُحِيطا ( ‪)108‬‬ ‫يستترون من الناس خوفًا من اطلعهم على أعمالم السيئة‪ ,‬ول‬ ‫يستترون من ال تعال ول يستحيون منه‪ ,‬وهو عزّ شأنه معهم بعلمه‪,‬‬

‫مطلع عليهم حي يدبّرون ‪-‬ليل‪ -‬ما ل يرضى من القول‪ ,‬وكان ال‬ ‫‪-‬تعال‪ -‬ميطًا بميع أقوالم وأفعالم‪ ,‬ل يفى عليه منها شيء‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدْنيَا فَمَ نْ يُجَادِلُ اللّ هَ َع ْنهُ مْ‬ ‫هَاَأْنتُ مْ هَؤُل ِء جَا َدْلتُ مْ َع ْنهُ مْ فِي اْل َ‬

‫يَوْمَ الْ ِقيَامَةِ أَ ْم َمنْ يَكُونُ َعلَ ْيهِمْ َوكِيلً ( ‪)109‬‬

‫ها أنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قد حاججتم عن هؤلء الائني لنفسهم ف‬ ‫هذه الياة الدنيا‪ ,‬فمن ياجج ال تعال عنهم يوم البعث والساب؟‬ ‫ومن ذا الذي يكون على هؤلء الائني وكيل يوم القيامة؟‬ ‫‪295‬‬

‫ستَغْ ِفرْ اللّ هَ يَجِ ْد اللّ هَ غَفُورا‬ ‫وَمَ نْ يَعْمَلْ سُوءا أَوْ َي ْظلِ مْ نَفْ سَهُ ثُمّ َي ْ‬

‫رَحِيما ( ‪)110‬‬

‫ومن يُقْدِ ْم على عمل سيّئ قبيح‪ ,‬أو يظلم نفسه بارتكاب ما يالف‬

‫حكم ال وشرعه‪ ,‬ث يرجع إل ال نادمًا على ما عمل‪ ,‬راجيًا مغفرته‬

‫وستر ذنبه‪ ,‬يد ال تعال غفورًا له‪ ,‬رحيمًا به‪.‬‬ ‫سبُهُ َعلَى نَفْسِ ِه َوكَانَ اللّهُ َعلِيما حَكِيما (‬ ‫سبْ ِإثْما فَِإنّمَا يَ ْك ِ‬ ‫وَمَنْ يَكْ ِ‬ ‫‪)111‬‬

‫ومن يعمد إل ارتكاب ذنب فإنا يضر بذلك نفسه وحدها‪ ,‬وكان ال‬ ‫تعال عليمًا بقيقة أمر عباده‪ ,‬حكيمًا فيما يقضي به بي خلقه‪.‬‬

‫سبْ َخطِيئَةً أَ ْو ِإثْما ثُمّ َيرْ مِ بِ هِ َبرِيئا فَقَدْ ا ْحتَمَلَ ُب ْهتَانا َوِإثْما‬ ‫وَمَ نْ يَكْ ِ‬ ‫ُمبِينا ( ‪)112‬‬ ‫ومن يعمل خطيئة بغي عمد‪ ,‬أو يرتكب ذنبًا متعمدًا ث يقذف با‬ ‫ارتكبه نفسًا بريئة ل جناية لا‪ ,‬فقد تمّل كذبًا وذنبًا بيّنا‪.‬‬ ‫‪296‬‬

‫ضلّو كَ وَمَا‬ ‫َولَوْل َفضْلُ اللّ هِ َع َليْ كَ َورَحْ َمتُ ُه َلهَمّ تْ طَائِفَةٌ ِم ْنهُ مْ أَ نْ ُي ِ‬

‫ضرّونَ كَ مِنْ شَ ْيءٍ َوأَنزَلَ اللّ هُ َعلَيْكَ الْ ِكتَابَ‬ ‫سهُمْ وَمَا َي ُ‬ ‫ُيضِلّونَ إِلّ أَنفُ َ‬

‫ك مَا لَ ْم تَكُ نْ تَ ْعلَ مُ َوكَا نَ َفضْ ُل اللّ هِ َع َليْ كَ َعظِيما (‬ ‫وَالْحِكْمَ َة وَ َعلّمَ َ‬ ‫‪)113‬‬

‫ولول أن ال تعال قد َمنّ عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ورحك بنعمة‬

‫النبوة‪ ,‬فعصمك بتوفيقه با أوحى إليك‪ ,‬لعزمت جاعة من الذين‬ ‫يونون أنفسهم أن ُي ِزلّوكَ عن طريق الق‪ ,‬وما ُيزِلّونَ بذلك إل‬

‫أنفسهم‪ ,‬وما يقدرون على إيذائك لعصمة ال لك‪ ,‬وأنزل ال عليك‬

‫القرآن والسنة البينة له‪ ,‬وهداك إل علم ما ل تكن تعلمه مِن قبل‪,‬‬ ‫وكان ما خصّك ال به من فضلٍ أمرًا عظيمًا‪.‬‬

‫ُوفم أَوْ‬ ‫ِصم َدقَةٍ أَوْ مَ ْعر ٍ‬ ‫َنم أَ َمرَ ب َ‬ ‫ُمم إِ ّل م ْ‬ ‫ِنم َنجْوَاه ْ‬ ‫ل َخ ْيرَ ف ِي َكثِيٍ م ْ‬ ‫ك اْبتِغَاءَ َم ْرضَاةِ اللّ هِ فَ سَ ْوفَ نُ ْؤتِي هِ‬ ‫إِ صْلحٍ َبيْ نَ النّا سِ وَمَ نْ يَفْعَلْ َذلِ َ‬ ‫أَجْرا َعظِيما ( ‪)114‬‬

‫ل نفع ف كثي من كلم الناس سرّا فيما بينهم‪ ,‬إل إذا كان حديثًا‬

‫داعيًا إل بذل العروف من الصدقة‪ ,‬أو الكلمة الطيبة‪ ,‬أو التوفيق بي‬ ‫‪297‬‬

‫الناس‪ ,‬ومن يفعل تلك المور طلبًا لرضا ال تعال راجيًا ثوابه‪,‬‬ ‫فسوف نؤتيه ثوابًا جزيل واسعًا‪.‬‬ ‫وَمَ نْ يُشَاقِ قْ الرّ سُولَ مِ ْن بَعْدِ مَا َتَبيّ نَ لَ هُ اْلهُدَى َوَيّتبِ ْع َغ ْيرَ َسبِيلِ‬

‫صلِهِ َج َهنّمَ وَسَا َءتْ َمصِيا ( ‪)115‬‬ ‫الْمُؤْ ِمنِيَ نُ َولّهِ مَا تَ َولّى َوُن ْ‬

‫ومن يالف الرسول صلى ال عليه وسلم من بعد ما ظهر له الق‪,‬‬

‫ويسلك طريقًا غي طريق الؤمني‪ ,‬وما هم عليه من الق‪ ,‬نتركه وما‬

‫توجّه إليه‪ ,‬فل نوفقه للخي‪ ,‬وندخله نار جهنم يقاسي حرّها‪ ,‬وبئس‬

‫هذا الرجع والآل‪.‬‬

‫شرَ كَ بِ ِه َويَغْ ِفرُ مَا دُو نَ َذلِ كَ لِمَ ْن يَشَا ُء وَمَ نْ‬ ‫إِنّ اللّ هَ ل يَغْ ِفرُ أَ نْ يُ ْ‬ ‫شرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَل ًل بَعِيدا ( ‪)116‬‬ ‫يُ ْ‬ ‫إن ال تعال ل يغفر أن يشرك به‪ ,‬ويغفر ما دون الشرك من الذنوب‬ ‫لن يشاء من عباده‪ .‬ومن يعل ل تعال الواحد الحد شريكًا من‬ ‫خلقه‪ ,‬فقد بَعُ َد عن الق بعدًا كبيًا‪.‬‬

‫‪298‬‬

‫ِإنْ يَ ْدعُونَ ِمنْ دُونِهِ إِ ّل ِإنَاثا َوِإنْ يَدْعُو َن إِلّ َش ْيطَانا َمرِيدا ( ‪)117‬‬ ‫ما يعبد الشركون من دون ال تعال إل أوثانًا ل تنفع ول تضر‪ ,‬وما‬

‫يعبدون إل شيطانًا متمردًا على ال‪ ,‬بلغ ف الفساد والفساد حدّا‬ ‫كبيًا‪.‬‬ ‫لَ َعنَهُ اللّهُ َوقَالَ َلتّخِ َذنّ ِمنْ ِعبَادِ َك َنصِيبا مَ ْفرُوضا ( ‪)118‬‬

‫طرده ال تعال من رحته‪ .‬وقال الشيطان‪ :‬لتذن مِن عبادك جزءًا‬ ‫معلومًا ف إغوائهم قول وعمل‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫َامم وَل ُم َرّنه ْ‬ ‫َانم ا َلنْع ِ‬ ‫ُمم َفلَُيَبتّكُنّ آذ َ‬ ‫ُمم وَل ُم َرّنه ْ‬ ‫ُمم وَل َمّنَينّه ْ‬ ‫ض ّلنّه ْ‬ ‫وَل ِ‬

‫سرَ‬ ‫ش ْيطَا نَ َوِليّا مِ نْ دُو ِن اللّ هِ فَقَدْ خَ ِ‬ ‫فَ َليُغَّيرُنّ َخلْ قَ اللّ هِ وَمَ ْن َيتّخِذْ ال ّ‬ ‫سرَانا ُمبِينا ( ‪)119‬‬ ‫خُ ْ‬ ‫ولصر َفنّ مَن تبعن منهم عن الق‪ ,‬ولعِ َدنّهم بالمان الكاذبة‪,‬‬ ‫ولدعونّهم إل تقطيع آذان النعام وتشقيقها لا أزينه لم من الباطل‪,‬‬ ‫ولدعونّهم إل تغيي خلق ال ف الفطرة‪ ,‬وهيئة ما عليه اللق‪ .‬ومن‬

‫‪299‬‬

‫يستجب للشيطان ويتخذه ناصرًا له من دون ال القوي العزيز‪ ,‬فقد‬ ‫هلك هلكًا بّينًا‪.‬‬ ‫شيْطَانُ إِ ّل ُغرُورا ( ‪)120‬‬ ‫يَعِدُهُ ْم َويُ َمنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ال ّ‬ ‫يعد الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة‪ ,‬ويغريهم بالمان الباطلة‬ ‫الادعة‪ ,‬وما يَعِدهم إل خديعة ل صحة لا‪ ,‬ول دليل عليها‪.‬‬ ‫ك مَأْوَاهُمْ َج َهنّمُ وَل يَجِدُونَ َعنْهَا َمحِيصا ( ‪)121‬‬ ‫أُ ْوَلئِ َ‬ ‫أولئك مآلم جهنم‪ ,‬ول يدون عنها معدل ول ملجأً‪.‬‬ ‫حِتهَا‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَ َع ِملُوا ال صّالِحَاتِ َسنُدْ ِخلُهُمْ َجنّا تٍ َت ْ‬ ‫ل(‬ ‫ا َلْنهَار خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا َوعْدَ اللّ هِ حَقّا وَمَ نْ أَ صْدَقُ مِ ْن اللّ هِ قِي ً‬ ‫‪)122‬‬

‫والذين صَدَقوا ف إيانم بال تعال‪ ,‬وأتبعوا اليان بالعمال الصالة‬ ‫سيدخلهم ال ‪-‬بفضله‪ -‬جنات تري من نت أشجارها النار‬ ‫‪300‬‬

‫ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وعدا من ال تعال الذي ل يلف وعده‪ .‬ول أحد‬ ‫أصدق من ال تعال ف قوله ووعده‪.‬‬ ‫جزَ بِ ِه وَل‬ ‫ب مَ نْ يَ ْعمَلْ سُوءا ُي ْ‬ ‫َليْ سَ بِأَمَاِنيّكُ مْ وَل أَمَانِيّ أَهْ ِل الْ ِكتَا ِ‬

‫يَجِ ْد لَهُ ِمنْ دُونِ اللّهِ َوِليّا وَل َنصِيا ( ‪)123‬‬

‫ل يُنال هذا الفضل العظيم بالمان الت تتمنونا أيها السلمون‪ ,‬ول‬

‫بأمان أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬وإنا يُنال باليان الصادق‬ ‫بال تعال‪ ,‬وإحسان العمل الذي يرضيه‪ .‬ومن يعمل عمل سيئًا يز‬

‫به‪ ,‬ول يد له سوى ال تعال وليّا يتول أمره وشأنه‪ ,‬ول نصيًا‬ ‫ينصره‪ ,‬ويدفع عنه سوء العذاب‪.‬‬

‫ِكم‬ ‫ِنم فَأُ ْولَئ َ‬ ‫ِنم َذ َكرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْم ٌ‬ ‫تم ْ‬ ‫ِنم الصمّالِحَا ِ‬ ‫َنم يَعْمَلْ م ْ‬ ‫وَم ْ‬

‫جنّةَ وَل ُيظْلَمُونَ نَقِيا ( ‪)124‬‬ ‫يَدْ ُخلُونَ الْ َ‬

‫ومن يعمل من العمال الصالة من ذكر أو أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بال‬

‫تعال وبا أنزل من الق‪ ,‬فأولئك يدخلهم ال النة دار النعيم القيم‪,‬‬

‫‪301‬‬

‫ول ُينْقَصون من ثواب أعمالم شيئًا‪ ,‬ولو كان مقدار النقرة ف ظهر‬ ‫النواة‪.‬‬ ‫س ٌن وَاّتبَ عَ ِملّةَ ِإْبرَاهِي مَ‬ ‫سنُ دِينا مِمّ نْ أَ ْسلَمَ وَ ْجهَ هُ ِللّ هِ وَهُوَ ُمحْ ِ‬ ‫وَمَ نْ أَ ْح َ‬ ‫َحنِيفا وَاتّخَ َذ اللّهُ ِإْبرَاهِيمَ َخلِيلً ( ‪)125‬‬

‫ل أحد أحسن دينًا من انقاد بقلبه وسائر جوارحه ل تعال وحده‪,‬‬

‫وهو مسن‪ ,‬واتبع دين إبراهيم وشرعه‪ ,‬مائل عن العقائد الفاسدة‬

‫والشرائع الباطلة‪ .‬وقد اصطفى ال إبراهيم ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬

‫للّة ل‬ ‫واتذه صفيّا من بي سائر خلقه‪ .‬وف هذه الية‪ ,‬إثبات صفة ا ُ‬ ‫‪-‬تعال‪ -‬وهي أعلى مقامات الحبة‪ ,‬والصطفاء‪.‬‬

‫ت وَمَا فِي ا َلرْضِ َوكَانَ اللّهُ بِكُ ّل شَيْ ٍء مُحِيطا (‬ ‫َوِللّهِ مَا فِي السّمَوَا ِ‬ ‫‪)126‬‬

‫ول جيع ما ف هذا الكون من الخلوقات‪ ,‬فهي ملك له تعال وحده‪.‬‬

‫وكان ال تعال بكل شيء ميطًا‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمور خلقه‪.‬‬

‫‪302‬‬

‫ستَ ْفتُونَكَ فِي النّ سَا ِء قُلْ اللّ هُ يُ ْفتِيكُ مْ فِيهِنّ وَمَا ُي ْتلَى َع َليْكُ مْ فِي‬ ‫َويَ ْ‬ ‫لتِي ل تُ ْؤتُوَن ُهنّ مَا ُكتِبَ َل ُهنّ َوَترْ َغبُونَ أَنْ‬ ‫ب فِي َيتَامَى النّسَاءِ ال ّ‬ ‫الْ ِكتَا ِ‬

‫ط وَمَا‬ ‫ي مِنْ الْ ِولْدَانِ َوأَنْ تَقُومُوا لِ ْلَيتَامَى بِالْقِسْ ِ‬ ‫سَتضْعَفِ َ‬ ‫تَنكِحُو ُهنّ وَالْمُ ْ‬ ‫تَفْعَلُوا ِم ْن َخيْرٍ فَِإنّ اللّهَ كَانَ بِهِ َعلِيما ( ‪)127‬‬ ‫يطلب الناس منك ‪-‬أيها النب‪ -‬أن تبي لم ما أشكل عليهم َفهْمُه من‬ ‫قضايا النساء وأحكامهن‪ ,‬قل ال تعال يبيّن لكم أمورهن‪ ,‬وما يتلى‬ ‫عليكم ف الكتاب ف يتامى النساء اللت ل تعطونن ما فرض ال‬

‫تعال لن من الهر والياث وغي ذلك من القوق‪ ,‬وتبون نكاحهن‬

‫أو ترغبون عن نكاحهن‪ ,‬ويبيّن ال لكم أمر الضعفاء من الصغار‪,‬‬

‫ووجوب القيام لليتامى بالعدل وترك الور عليهم ف حقوقهم‪ .‬وما‬

‫تفعلوا من خي فإن ال تعال كان به عليمًا‪ ,‬ل يفى عليه شيء منه‬ ‫ول من غيه‪.‬‬

‫َوإِ نْ ا ْم َرَأةٌ خَافَ تْ مِ نْ بَ ْعلِهَا نُشُوزا أَوْ إِ ْعرَاضا فَل ُجنَا حَ َعلَ ْيهِمَا أَ نْ‬

‫س الشّحّ َوإِ نْ‬ ‫ضرَ تْ الَنفُ ُ‬ ‫صلْحُ َخ ْيرٌ َوأُ ْح ِ‬ ‫يُ صْلِحَا َب ْينَهُمَا صُلْحا وَال ّ‬ ‫سنُوا َوَتتّقُوا فَِإنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْ َملُونَ َخبِيا ( ‪)128‬‬ ‫تُحْ ِ‬

‫‪303‬‬

‫وإن علمت امرأة من زوجها ترفعًا عنها‪ ,‬وتعاليًا عليها أو انصرافًا‬ ‫عنها فل إث عليهما أن يتصالا على ما تطيب به نفوسهما من القسمة‬ ‫أو النفقة‪ ,‬والصلح أول وأفضل‪ .‬وجبلت النفوس على الشح‬

‫والبخل‪ .‬وإن تسنوا معاملة زوجاتكم وتافوا ال فيهن‪ ,‬فإن ال كان‬

‫با تعملون من ذلك وغيه عالًا ل يفى عليه شيء‪ ,‬وسيجازيكم على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫َولَن ْم تَس ْمتَطِيعُوا أَن ْم تَعْ ِدلُوا َبيْن َم النّسمَاءِ َولَ ْو َحرَص ْمتُمْ فَل تَمِيلُوا كُلّ‬

‫صلِحُوا َوَتتّقُوا فَإِنّ اللّ هَ كَا نَ غَفُورا‬ ‫الْ َميْلِ َفتَذَرُوهَا كَالْمُ َعلّقَةِ َوإِ نْ تُ ْ‬ ‫رَحِيما ( ‪)129‬‬ ‫ولن تقدروا ‪-‬أيها الرجال‪ -‬على تقيق العدل التام بي النساء ف‬ ‫الحبة وميل القلب‪ ,‬مهما بذلتم ف ذلك من الهد‪ ,‬فل تعرضوا عن‬

‫الرغوب عنها كل العراض‪ ,‬فتتركوها كالرأة الت ليست بذات‬ ‫زوج ول هي مطلقة فتأثوا‪ .‬وإن تصلحوا أعمالكم فتعدلوا ف‬

‫قَسْمكم بي زوجاتكم‪ ,‬وتراقبوا ال تعال وتشوه فيهن‪ ,‬فإن ال تعال‬ ‫كان غفورًا لعباده‪ ,‬رحيمًا بم‪.‬‬

‫‪304‬‬

‫ّهم وَاسمِعا حَكِيما (‬ ‫َانم الل ُ‬ ‫سمَعتِهِ َوك َ‬ ‫ِنم َ‬ ‫ّهم ُكلّ م ْ‬ ‫ْنم الل ُ‬ ‫ِنم َيتَفَرّقَا يُغ ِ‬ ‫َوإ ْ‬ ‫‪)130‬‬ ‫وإن وقعت الفرقة بي الرجل وامرأته‪ ,‬فإن ال تعال يغن كل منهما‬ ‫من فضله وسعته; فإنه سبحانه وتعال واسع الفضل والنة‪ ,‬حكيم فيما‬

‫يقضي به بي عباده‪.‬‬

‫ت وَمَا فِي ا َلرْضِم َولَقَدْ وَصّمْينَا الّذِينَمأُوتُوا‬ ‫َوِللّهِم مَا فِي السّممَوَا ِ‬ ‫ب مِ نْ َق ْبلِكُ مْ َوِإيّاكُ مْ أَ ْن اتّقُوا اللّ هَ َوإِ نْ تَكْ ُفرُوا فَإِنّ ِللّ هِ مَا فِي‬ ‫الْ ِكتَا َ‬ ‫ت وَمَا فِي ا َل ْرضِ َوكَانَ اللّهُ َغِنيّا َحمِيدا ( ‪)131‬‬ ‫السّمَوَا ِ‬

‫ول ملك ما ف السموات وما ف الرض وما بينهما‪ .‬ولقد عهدنا إل‬

‫الذين أُعطوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى‪ ,‬وعهدنا إليكم‬ ‫كذلك ‪-‬يا أمة ممد‪ -‬بتقوى ال تعال‪ ,‬والقيام بأمره واجتناب نيه‪,‬‬

‫وبيّنّا لكم أنكم إن تحدوا وحدانية ال تعال وشرعه فإنه سبحانه غن‬ ‫عنكم; لن له جيع ما ف السموات والرض‪ .‬وكان ال غنيّا عن‬

‫خلقه‪ ,‬حيدًا ف صفاته وأفعاله‪.‬‬

‫‪305‬‬

‫ل ( ‪)132‬‬ ‫ت وَمَا فِي ا َل ْرضِ َوكَفَى بِاللّهِ َوكِي ً‬ ‫َوِللّهِ مَا فِي السّمَوَا ِ‬ ‫ول ملك ما ف هذا الكون من الكائنات‪ ,‬وكفى به سبحانه قائمًا‬ ‫بشؤون خلقه حافظًا لا‪.‬‬

‫ك قَدِيرا‬ ‫س َويَأْتِ بِآ َخرِينَ َوكَانَ اللّهُ َعلَى َذلِ َ‬ ‫إِنْ يَشَ ْأ يُذْ ِهبْكُمْ َأّيهَا النّا ُ‬ ‫( ‪)133‬‬ ‫إن يشأ ال يُهلكّم أيها الناس‪ ,‬ويأت بقوم آخرين غيكم‪ .‬وكان ال‬ ‫على ذلك قديرًا‪.‬‬ ‫ب ال ّدْنيَا فَ ِعنْ َد اللّ هِ ثَوَا بُ ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ َوكَا نَ اللّ هُ‬ ‫مَ نْ كَا نَ ُيرِيدُ ثَوَا َ‬

‫سَمِيعا َبصِيا ( ‪)134‬‬

‫من يرغب منكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف ثواب الدنيا ويعرض عن الخرة‪,‬‬

‫فعند ال وحده ثواب الدنيا والخرة‪ ,‬فليطلب من ال وحده خيي‬ ‫الدنيا والخرة‪ ,‬فهو الذي يلكهما‪ .‬وكان ال سيعًا لقوال عباده‪,‬‬ ‫بصيًا بأعمالم ونياتم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫‪306‬‬

‫ّهم َولَوْ َعلَى‬ ‫ط ُشهَدَاءَ ِلل ِ‬ ‫ِسم ِ‬ ‫ِينم آ َمنُوا كُونُوا قَوّامِي َ بِالْق ْ‬ ‫ي َا َأيّه َا الّذ َ‬ ‫أَنفُ سِكُمْ أَ ْو الْوَالِ َديْ نِ وَا َلقْ َربِيَ إِ ْن يَكُ نْ َغِنيّا أَوْ فَقِيا فَاللّ هُ أَ ْولَى ِبهِمَا‬

‫فَل َتّتبِعُوا اْلهَوَى أَ نْ تَعْ ِدلُوا َوإِ نْ َتلْوُوا أَ ْو تُ ْعرِضُوا فَإِنّ اللّ هَ كَا نَ بِمَا‬

‫تَعْ َملُونَ َخبِيا ( ‪)135‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬كونوا قائمي‬ ‫بالعدل‪ ,‬مؤدين للشهادة لوجه ال تعال‪ ,‬ولو كانت على أنفسكم‪ ,‬أو‬

‫على آبائكم وأمهاتكم‪ ,‬أو على أقاربكم‪ ,‬مهما كان شأن الشهود‬ ‫عليه غنيّا أو فقيًا; فإن ال تعال أول بما منكم‪ ,‬وأعلم با فيه‬

‫صلحهما‪ ,‬فل يملنّكم الوى والتعصب على ترك العدل‪ ,‬وإن‬

‫ترفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا با على غي حقيقتها‪ ,‬أو تعرضوا‬ ‫عنها بترك أدائها أو بكتمانا‪ ,‬فإن ال تعال كان عليمًا بدقائق‬ ‫أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم با‪.‬‬ ‫َابم الّذِي َنزّلَ َعلَى‬ ‫ّهم َورَسمُولِهِ وَالْ ِكت ِ‬ ‫ِينم آ َمنُوا آ ِمنُوا بِالل ِ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬

‫رَ سُولِهِ وَالْ ِكتَا بِ الّذِي أَنزَلَ مِ نْ َقبْلُ وَمَ ْن يَكْ ُفرْ بِاللّ هِ وَمَلئِ َكتِ هِ َو ُكتُبِ هِ‬ ‫َورُسُلِهِ وَاْليَوْ ِم ال ِخرِ وَاْليَوْمِ ال ِخرِ فَقَدْ ضَلّ ضَل ًل بَعِيدا ( ‪)136‬‬

‫‪307‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه داوموا على ما أنتم‬ ‫عليه من التصديق الازم بال تعال وبرسوله ممد صلى ال عليه‬

‫وسلم‪ ,‬ومن طاعتهما‪ ,‬وبالقرآن الذي نزله عليه‪ ,‬وبميع الكتب الت‬

‫أنزلا ال على الرسل‪ .‬ومن يكفر بال تعال‪ ,‬وملئكته الكرمي‪,‬‬

‫وكتبه الت أنزلا لداية خلقه‪ ,‬ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته‪,‬‬

‫واليوم الخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتم للعرض والساب‪ ,‬فقد‬ ‫خرج من الدين‪ ,‬وبَعُدَ بعدًا كبيًا عن طريق الق‪.‬‬

‫إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا ثُمّ كَ َفرُوا ثُمّ آ َمنُوا ثُمّ كَ َفرُوا ثُمّ ا ْزدَادُوا كُفْرا لَ مْ‬ ‫ل ( ‪)137‬‬ ‫يَ ُك ْن اللّهُ ِليَغْفِرَ َلهُمْ وَل ِلَيهْ ِديَهُمْ َسبِي ً‬ ‫إن الذين دخلوا ف اليان‪ ,‬ث رجعوا عنه إل الكفر‪ ,‬ث عادوا إل‬ ‫اليان‪ ,‬ث رجعوا إل الكفر مرة أخرى‪ ,‬ث أصرّوا على كفرهم‬

‫واستمروا عليه‪ ,‬ل يكن ال ليغفر لم‪ ,‬ول ليدلم على طريق من طرق‬

‫الداية‪ ,‬الت ينجون با من سوء العاقبة‪.‬‬ ‫شرْ اْل ُمنَافِقِيَ بَِأ ّن َلهُمْ عَذَابا َألِيما ( ‪)138‬‬ ‫بَ ّ‬ ‫‪308‬‬

‫بشّر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النافقي ‪-‬وهم الذين يظهرون اليان ويبطنون‬ ‫الكفر‪ -‬بأن لم عذابًا موجعًا‪.‬‬ ‫الّذِي نَ َيتّخِذُو َن الْكَافِرِي نَ أَ ْوِليَا َء مِ نْ دُو نِ الْمُؤْ ِمنِيَ َأَيبْتَغُو نَ ِعنْدَهُ مْ‬

‫الْ ِعزّةَ فَِإنّ الْ ِع ّزةَ لِلّهِ َجمِيعا ( ‪)139‬‬

‫الذين يوالون الكافرين‪ ,‬ويتخذونم أعوانًا لم‪ ,‬ويتركون ولية‬

‫الؤمني‪ ,‬ول يرغبون ف مودتم‪ .‬أيطلبون بذلك النصرة والنعة عند‬ ‫الكافرين؟ إنم ل يلكون ذلك‪ ,‬فالنصرة والعزة والقوة جيعها ل‬ ‫تعال وحده‪.‬‬

‫ّهم يُكْ َفرُ بِهَا‬ ‫َاتم الل ِ‬ ‫سممِ ْعتُمْ آي ِ‬ ‫َنم ِإذَا َ‬ ‫َابم أ ْ‬ ‫ُمم فِي الْ ِكت ِ‬ ‫َوقَدْ َنزّلَ َع َليْك ْ‬ ‫سَتهْ َزأُ بِهَا فَل تَقْعُدُوا مَ َعهُ مْ َحتّ ى َيخُوضُوا فِي حَدِي ثٍ َغ ْيرِ هِ ِإنّكُ مْ‬ ‫َويُ ْ‬

‫إِذا ِمثْ ُلهُم ْم إِنّ اللّه َم جَامِعُم الْ ُمنَافِقِيَ وَالْكَافِرِين َم فِي َج َهنّم َم َجمِيعا (‬ ‫‪)140‬‬ ‫وقد نزل عليكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف كتاب ربكم أنه إذا سعتم الكفر‬ ‫بآيات ال والستهزاء با فل تلسوا مع الكافرين والستهزئي‪ ,‬إل إذا‬ ‫‪309‬‬

‫أخذوا ف حديث غي حديث الكفر والستهزاء بآيات ال‪ .‬إنكم إذا‬ ‫جالستموهم‪ ,‬وهم على ما هم عليه‪ ,‬فأنتم مثلهم; لنكم رضيتم‬

‫بكفرهم واستهزائهم‪ ,‬والراضي بالعصية كالفاعل لا‪ .‬إن ال تعال‬ ‫جامع النافقي والكافرين ف نار جهنم جيعًا‪ ,‬يلْقَون فيها سوء‬ ‫العذاب‪.‬‬

‫الّذِينَ َيتَ َربّصُونَ بِ ُك ْم فَإِنْ كَانَ لَ ُك ْم فَتْحٌ مِ ْن اللّهِ قَالُوا َألَمْ نَكُ ْن مَعَكُمْ‬ ‫ستَحْ ِوذْ َع َليْكُ مْ َونَ ْمنَعْكُ ْم مِ نْ‬ ‫َوإِ نْ كَا نَ ِللْكَافِرِي نَ نَ صِيبٌ قَالُوا َألَ مْ نَ ْ‬

‫الْمُؤْ ِمنِيَ فَاللّهُ يَحْكُمُ َب ْينَكُ ْم يَوْ َم الْ ِقيَامَةِ َولَنْ َيجْعَ َل اللّهُ ِللْكَافِرِينَ َعلَى‬ ‫ل ( ‪)141‬‬ ‫الْمُؤْ ِمنِيَ َسبِي ً‬ ‫النافقون هم الذين ينتظرون ما يلّ بكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬من الفت‬ ‫والرب‪ ,‬فإن منّ ال عليكم بفضله‪ ,‬ونصركم على عدوكم وغنمتم‪,‬‬

‫قالوا لكم‪ :‬أل نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لذا الدين‬ ‫قَدْرٌ من النصر والغنيمة‪ ,‬قالوا لم‪ :‬أل نساعدكم با قدّمناه لكم‬

‫ونَحْ ِمكُم من الؤمني؟ فال تعال يقضي بينكم وبينهم يوم القيامة‪,‬‬ ‫ولن يعل ال للكافرين طريقًا للغلبة على عباده الصالي‪ ,‬فالعاقبة‬

‫للمتقي ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪310‬‬

‫ُمم َوِإذَا قَامُوا ِإلَى الصمّلةِ‬ ‫ّهم وَهُوَ خَادِ ُعه ْ‬ ‫ُونم الل َ‬ ‫إِنّ اْل ُمنَافِقِيَ ُيخَادِع َ‬

‫ل ( ‪)142‬‬ ‫قَامُوا كُسَالَى ُيرَاءُونَ النّاسَ وَل يَ ْذ ُكرُونَ اللّهَ إِ ّل قَلِي ً‬

‫إنّ طريقة هؤلء النافقي مادعة ال تعال‪ ,‬با يظهرونه من اليان وما‬

‫يبطنونه من الكفر‪ ,‬ظنّا أنه يفى على ال‪ ,‬والال أن ال خادعهم‬

‫ومازيهم بثل عملهم‪ ,‬وإذا قام هؤلء النافقون لداء الصلة‪ ,‬قاموا‬ ‫إليها ف فتور‪ ,‬يقصدون بصلتم الرياء والسمعة‪ ,‬ول يذكرون ال‬ ‫تعال إل ذكرًا قليل‪.‬‬ ‫ضلِلْ اللّ هُ َفلَ نْ‬ ‫مُ َذبْ َذبِيَ َبيْ نَ َذلِ كَ ل ِإلَى هَؤُل ِء وَل ِإلَى هَؤُل ِء وَمَ نْ ُي ْ‬

‫تَجِ َد لَهُ َسبِيلً ( ‪)143‬‬

‫ليْرة والضطراب‪ ,‬ل يستقرون‬ ‫إنّ مِن شأن هؤلء النافقي التردد وا َ‬

‫على حال‪ ,‬فل هم مع الؤمني ول هم مع الكافرين‪ .‬ومن يصرف ال‬

‫قلبه عن اليان به والستمساك بديه‪ ,‬فلن تد له طريقًا إل الداية‬ ‫واليقي‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَم آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا الْكَافِرِينَمأَ ْوِليَا َء مِن ْم دُو نِ الْمُؤْ ِمنِيَ‬ ‫‪311‬‬

‫َأُترِيدُونَ َأ ْن تَجْ َعلُوا ِللّهِ َع َليْكُمْ ُس ْلطَانا ُمبِينا ( ‪)144‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل توالوا الاحدين‬

‫لدين ال‪ ,‬وتتركوا موالة الؤمني ومودتم‪ .‬أتريدون بودّة أعدائكم‬

‫أن تعلوا ل تعال عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم ف إيانكم؟‬ ‫إِنّ اْل ُمنَافِقِيَ فِي ال ّدرْ ِك الَ سْفَلِ مِ نْ النّارِ َولَ نْ َتجِدَ َلهُ مْ نَ صِيا (‬ ‫‪)145‬‬

‫إن النافقي ف أسفل منازل النار يوم القيامة‪ ,‬ولن تد لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬ناصرًا يدفع عنهم سوء هذا الصي‪.‬‬

‫ّهم‬ ‫ُمم ِلل ِ‬ ‫ّهم َوأَ ْخلَصمُوا دِيَنه ْ‬ ‫َصممُوا بِالل ِ‬ ‫َصملَحُوا وَا ْعت َ‬ ‫ِينم تَابُوا َوأ ْ‬ ‫إِ ّل الّذ َ‬ ‫ّهم الْمُؤْ ِمنِيَ أَجْرا َعظِيما (‬ ‫ْتم الل ُ‬ ‫َسم ْوفَ يُؤ ِ‬ ‫َعم الْمُؤْ ِمنِيَ و َ‬ ‫ِكم م َ‬ ‫فَأُ ْولَئ َ‬ ‫‪)146‬‬

‫إل الذين رجعوا إل ال تعال وتابوا إليه‪ ,‬وأصلحوا ما أفسدوا من‬

‫أحوالم باطنًا وظاهرًا‪ ,‬ووالوا عباده الؤمني‪ ,‬واستمسكوا بدين ال‪,‬‬

‫‪312‬‬

‫وأخلصوا له سبحانه‪ ,‬فأولئك مع الؤمني ف الدنيا والخرة‪ ,‬وسوف‬ ‫يعطي ال الؤمني ثوابًا عظيمًا‪.‬‬ ‫مَا يَفْعَ ُل اللّ هُ بِعَذَابِكُ مْ إِ نْ شَ َك ْرتُ مْ وَآ َمنْتُ مْ َوكَا نَ اللّ هُ شَاكِرا َعلِيما (‬ ‫‪)147‬‬

‫ما يفعل ال بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بال ورسوله‪ ,‬فإن ال‬

‫سبحانه غن عمّن سواه‪ ,‬وإنا يعذب العباد بذنوبم‪ .‬وكان ال شاكرًا‬

‫لعباده على طاعتهم له‪ ,‬عليمًا بكل شيء‪.‬‬

‫الزء السادس ‪:‬‬

‫ل ُيحِبّ اللّ هُ اْلجَهْ َر بِال سّوءِ مِ نْ الْ َقوْلِ إِلّ مَ نْ ظُلِ مَ وَكَا نَ اللّ هُ َسمِيعا‬ ‫عَلِيما (‪)148‬‬

‫‪313‬‬

‫ب ال أن يَجهر أح ٌد بقول السوء‪ ,‬لكن يُباح للمظلوم أن يَذكُر‬ ‫ل ُيحِ ّ‬ ‫ظاله با فيه من السوء; ليبيّن مَظْلمته‪ .‬وكان ال سيعًا لا تهرون به‪,‬‬ ‫عليمًا با تفون من ذلك‪.‬‬ ‫إِ نْ ُتبْدُوا َخيْرا َأوْ ُتخْفُو هُ َأوْ تَعْفُوا عَ ْن سُوءٍ َفِإنّ اللّ هَ كَا نَ َع ُفوّا َقدِيرا (‬ ‫‪)149‬‬ ‫نَدَب ال تعال إل العفو‪ ,‬ومهّد له بأنّ الؤمن‪ :‬إمّا أن يُظهر الي‪ ,‬وإمّا‬ ‫أن يُخفيه‪ ,‬وكذلك مع الساءة‪ :‬إما أن يظهرها ف حال النتصاف من‬ ‫السيء‪ ,‬وإما أن يعفو ويصفح‪ ,‬والعفوُ أفضلُ; فإن من صفاته تعال العفو‬ ‫عن عباده مع قدرته عليهم‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن يَكْفُرُو نَ بِاللّ هِ َورُ سُِلهِ َويُرِيدُو نَ أَ نْ يُفَرّقُوا َبيْ نَ اللّ هِ َورُ سُِلهِ‬ ‫َويَقُولُونَ ُنؤْمِنُ ِببَعْضٍ َونَكْفُ ُر ِببَعْضٍ َويُرِيدُونَ أَنْ َيّتخِذُوا َبيْنَ َذلِكَ َسبِيلً‬ ‫(‪)150‬‬ ‫إن الذين يكفرون بال ورسله من اليهود والنصارى‪ ,‬ويريدون أن يفرقوا‬ ‫بي ال ورسله بأن يؤمنوا بال ويكذبوا رسله الذين أرسلهم إل خلقه‪,‬‬ ‫أو يعترفوا بصدق بعض الرسل دون بعض‪ ,‬ويزعموا أ ّن بعضهم افتروا‬ ‫‪314‬‬

‫على ربّهم‪ ,‬ويريدون أن يتخذوا طريقًا إل الضللة الت أحدثوها والبدعة‬ ‫الت ابتدعوها‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْكَافِرُونَ حَقّا وَأَ ْعَت ْدنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابا ُمهِينا (‪)151‬‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك هم أهل الكفر الحقّق الذي ل شك فيه‪ ,‬وأعتدنا للكافرين عذابًا‬ ‫يزيهم ويهينهم‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ هِ َورُ سُِلهِ َولَ مْ يُفَرّقُوا َبيْ نَ أَحَ ٍد ِمْنهُ مْ ُأ ْوَلئِ كَ َسوْفَ‬ ‫ُي ْؤتِيهِمْ ُأجُورَهُمْ وَكَانَ الّلهُ غَفُورا رَحِيما (‪)152‬‬ ‫صدّقوا بوحدانية ال‪ ,‬وأقرّوا بنبوّة رسله أجعي‪ ,‬ول يفرقوا بي‬ ‫والذين َ‬ ‫أحد منهم‪ ,‬وعملوا بشريعة ال‪ ,‬أولئك سوف يعطيهم جزاءهم وثوابم‬ ‫على إيانم به وبرسله‪ .‬وكان ال غفورًا رحيمًا‪.‬‬ ‫يَسَْألُكَ أَهْلُ الْ ِكتَابِ أَنْ ُتَنزّلَ عََلْيهِ ْم ِكتَابا مِنْ السّمَاءِ فَقَدْ سََألُوا مُوسَى‬ ‫معِقَةُ بِظُ ْل ِمهِم ْمثُمّ‬ ‫أَ ْكبَ َر مِن ْم َذلِكَم فَقَالُوا َأرِنَا اللّهَم َجهْرَةً فَأَ َخ َذْتهُم ْم الصّا‬ ‫ك وَآَتْينَا مُوسَى‬ ‫اتّخَذُوا الْ ِعجْلَ مِنْ بَعْ ِد مَا جَاءَْتهُ ْم اْلَبّينَاتُ َفعَ َف ْونَا عَنْ َذلِ َ‬ ‫‪315‬‬

‫سُلْطَانا ُمبِينا (‪)153‬‬ ‫يسألك اليهود ‪-‬أيها الرسول‪ -‬معجزة مثل معجزة موسى تشهد لك‬ ‫صحُفًا من ال مكتوبةً‪ ,‬مثل ميء موسى‬ ‫بالصدق‪ :‬بأن تنل عليهم ُ‬ ‫باللواح من عند ال‪ ,‬فل تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فقد سأل أسلفهم‬ ‫موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬ما هو أعظم‪ :‬سألوه أن يريهم ال علنيةً‪,‬‬ ‫فَصُعِقوا بسبب ظلمهم أنفسهم حي سألوا أمرًا ليس من حقّهم‪ .‬وبعد‬ ‫أن أحياهم ال بعد الصعق‪ ,‬وشاهدوا اليات البينات على يد موسى‬ ‫القاطعة بنفي الشرك‪ ,‬عبدوا العجل من دون ال‪ ,‬فعَفونا عن عبادتم‬ ‫العجل بسبب توبتهم‪ ,‬وآتينا موسى حجة عظيمة تؤيّد صِدق ُنُب ّوتِه‪.‬‬ ‫ب ُسجّدا وَقُ ْلنَا َلهُ مْ‬ ‫َورَفَ ْعنَا َفوَْقهُ ْم الطّورَ بِمِيثَاِقهِ ْم وَقُ ْلنَا َلهُ مْ ا ْدخُلُوا الْبَا َ‬ ‫سبْتِ وََأخَ ْذنَا ِمْنهُ ْم مِيثَاقا غَلِيظا (‪)154‬‬ ‫ل تَعْدُوا فِي ال ّ‬ ‫ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حي امتنعوا عن اللتزام بالعهد الؤكد‬ ‫الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة‪ ,‬وأمرناهم أن يدخلوا باب "بيت‬ ‫القدس" ُسجّدًا‪ ,‬فدخلوا يزحفون على أستاههم‪ ,‬وأمرناهم أل يَ ْعَتدُوا‬ ‫بالصيد ف يوم السبت فاعتدَوا‪ ,‬وصادوا‪ ,‬وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا‪,‬‬ ‫فنقضوه‪.‬‬ ‫‪316‬‬

‫ضهِ مْ مِيثَاَقهُم ْم وَكُفْرِهِم ْمبِآيَاتِم اللّهِم وََقتِْلهِ مْ ا َلْنِبيَاءَ بِ َغيْرِ حَقّ‬ ‫َفبِمَا نَقْ ِ‬ ‫ل(‬ ‫ف بَلْ َطبَ عَ اللّ هُ عََلْيهَا بِكُفْرِ ِه مْ فَل ُيؤْ ِمنُو نَ إِ ّل قَلِي ً‬ ‫وََق ْولِهِ ْم قُلُوُبنَا غُلْ ٌ‬ ‫‪)155‬‬ ‫فلعنّاهم بسبب نقضهم للعهود‪ ,‬وكفرهم بآيات ال الدالة على صدق‬ ‫رسله‪ ,‬وقتلهم للنبياء ظلمًا واعتداءً‪ ,‬وقولم‪ :‬قلوبنا عليها أغطية فل‬ ‫تفقه ما تقول‪ ,‬بل طمس ال عليها بسبب كفرهم‪ ,‬فل يؤمنون إل إيانًا‬ ‫قليل ل ينفعهم‪.‬‬ ‫َوبِكُفْرِ ِهمْ وََق ْوِلهِمْ عَلَى مَ ْرَيمَ ُب ْهتَانا عَظِيما (‪)156‬‬ ‫وكذلك لعنّاهم بسبب كفرهم وافترائهم على مري با نسبوه إليها من‬ ‫الزن‪ ,‬وهي بريئة منه‪.‬‬ ‫وََق ْوِلهِ مْ ِإنّ ا َقتَلْنَا الْمَ سِيحَ عِي سَى ابْ نَ مَ ْريَ َم رَ سُولَ اللّ هِ وَمَا َقتَلُو هُ وَمَا‬ ‫صََلبُوهُ َولَكِ نْ ُشبّ هَ َلهُ ْم وَِإنّ الّذِي نَ ا ْختَلَفُوا فِي هِ لَفِي َشكّ ِمنْ هُ مَا َلهُ ْم بِ هِ‬ ‫مِنْ عِ ْلمٍ إِ ّل اّتبَاعَ الظّنّ وَمَا َقتَلُوهُ يَقِينا (‪)157‬‬ ‫‪317‬‬

‫وبسبب قولم ‪-‬على سبيل التهكم والستهزاء‪ : -‬هذا الذي يدعي‬ ‫لنفسه هذا النصب (قتلناه)‪ ,‬وما قتلوا عيسى وما صلبوه‪ ,‬بل صلبوا‬ ‫رجل شبيهًا به ظنّا منهم أنه عيسى‪ .‬ومن ادّعى َقتَْلهُ من اليهود‪ ,‬ومن‬ ‫أسلمه إليهم من النصارى‪ ,‬كلهم واقعون ف شك و َحيْرَة‪ ,‬ل عِ ْلمَ لديهم‬ ‫إل اتباع الظن‪ ,‬وما قتلوه متيقني بل شاكي متوهي‪.‬‬ ‫بَلْ رَفَ َع ُه اللّهُ ِإَلْيهِ وَكَانَ الّلهُ عَزِيزا َحكِيما (‪)158‬‬ ‫بل رفع ال عيسى إليه ببدنه وروحه حيّا‪ ,‬وطهّره من الذين كفروا‪.‬‬ ‫وكان ال عزيزًا ف ملكه‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه وقضائه‪.‬‬ ‫وَإِ نْ مِ نْ أَهْلِ الْ ِكتَا بِ إِلّ َلُيؤْ ِمنَنّ بِ هِ َقبْلَ َم ْوتِ هِ َوَيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ يَكُو نُ عََلْيهِ مْ‬ ‫َشهِيدا (‪)159‬‬ ‫وإنه ل يبقى أح ٌد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى آخر الزمان إل آمن‬ ‫به قبل موته عليه السلم‪ ,‬ويوم القيامة يكون عيسى ‪-‬عليه السلم‪-‬‬ ‫شهيدًا بتكذيب مَن كذّبه‪ ,‬وتصديق مَن صدّقه‪.‬‬

‫‪318‬‬

‫ت لَهُ مْ َوبِ صَدّهِ ْم عَ نْ‬ ‫َفبِظُ ْل ٍم مِ ْن الّذِي نَ هَادُوا حَرّ ْمنَا عََلْيهِ ْم َطّيبَا تٍ أُحِلّ ْ‬ ‫َسبِيلِ الّلهِ َكثِيا (‪)160‬‬ ‫فبسبب ظلم اليهود با ارتكبوه من الذنوب العظيمة حَرّم ال عليهم‬ ‫طيبات من الأكل كانت حلل لم‪ ,‬وبسبب صدّهم أنفسهم وغيهم‬ ‫عن دين ال القوي‪.‬‬ ‫ّاسم بِاْلبَاطِلِ وَأَ ْعتَدْنَا‬ ‫ِمم َأ ْموَالَ الن ِ‬ ‫ْهم وَأَكِْله ْ‬ ‫ِمم الرّبَا وَقَ ْد ُنهُوا َعن ُ‬ ‫وََأخْذِه ْ‬ ‫لِلْكَافِرِينَ ِمْنهُ ْم عَذَابا َألِيما ( ‪)161‬‬ ‫وبسبب تناولم الربا الذي نوا عنه‪ ,‬واستحللم أموال الناس بغي‬ ‫استحقاق‪ ,‬وأعتدنا للكافرين بال ورسوله مِن هؤلء اليهود عذابًا موجعًا‬ ‫ف الخرة‪.‬‬ ‫ك وَمَا‬ ‫لَكِ نْ الرّا ِسخُونَ فِي الْعِلْ ِم ِمْنهُ ْم وَالْ ُمؤْ ِمنُو نَ ُيؤْ ِمنُو نَ ِبمَا أُنزِلَ ِإَليْ َ‬ ‫ّهم‬ ‫ُونم بِالل ِ‬ ‫ِنم َقبْلِكَم وَالْمُقِيمِيَ الصمّلةَ وَالْ ُم ْؤتُونَم الزّكَاةَ وَالْ ُمؤْ ِمن َ‬ ‫أُنزِ َل م ْ‬ ‫وَاْلَيوْمِ ال ِخرِ ُأ ْوَلئِكَ َسُن ْؤتِيهِمْ َأجْرا عَظِيما (‪)162‬‬

‫‪319‬‬

‫لكنِ التمكنون ف العلم بأحكام ال من اليهود‪ ,‬والؤمنون بال ورسوله‪,‬‬ ‫يؤمنون بالذي أنزله ال إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وهو القرآن‪ ,‬وبالذي أنزل‬ ‫إل الرسل من قبلك كالتوراة والنيل‪ ,‬ويؤدّون الصلة ف أوقاتا‪,‬‬ ‫ويرجون زكاة أموالم‪ ,‬ويؤمنون بال وبالبعث والزاء‪ ,‬أولئك‬ ‫سيعطيهم ال ثوابًا عظيمًا‪ ,‬وهو النة‪.‬‬ ‫ِإنّ ا َأ ْو َحيْنَا ِإَليْ كَ كَمَا َأوْ َحيْنَا ِإلَى نُو حٍ وَالّنِبيّيَ مِ ْن بَعْدِ هِ وََأوْ َحيْنَا ِإلَى‬ ‫ِإبْرَاهِي مَ وَِإ ْسمَاعِيلَ وَإِ ْسحَقَ َويَعْقُو بَ وَالَ ْسبَاطِ وَعِي سَى وََأيّو بَ َويُونُ سَ‬ ‫وَهَارُونَ وَسَُليْمَانَ وَآَتْينَا دَاوُودَ َزبُورا (‪)163‬‬

‫إنا أوحينا اليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بتبليغ الرسالة كما أوحينا إل نوح‬ ‫والنبيي من بعده‪ ,‬وأوحينا إل إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب‬ ‫والسباط ‪-‬وهم النبياء الذين كانوا ف قبائل بن إسرائيل الثنت عشرة‬ ‫من ولد يعقوب‪ -‬وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان‪ .‬وآتينا‬ ‫داود زبورًا‪ ,‬وهو كتاب وصحف مكتوبة‪.‬‬ ‫صهُ ْم عََليْ كَ وَكَلّ مَ‬ ‫ل لَ ْم نَقْ صُ ْ‬ ‫صنَاهُ ْم عََليْ كَ مِ نْ َقبْ ُل وَرُ سُ ً‬ ‫َورُ سُلً قَدْ قَ صَ ْ‬

‫اللّهُ مُوسَى تَ ْكلِيما (‪)164‬‬

‫‪320‬‬

‫وأرسلنا رسل قد قصصناهم عليك ف القرآن من قبل هذه الية‪ ,‬ورسل‬ ‫ل نقصصهم عليك لكمة أردناها‪ .‬وكلم ال موسى تكليمًا؛ تشريفًا له‬ ‫بذه الصفة‪ .‬وف هذه الية الكرية‪ ,‬إثبات صفة الكلم ل ‪-‬تعال‪ -‬كما‬ ‫يليق بلله‪ ,‬وأنه سبحانه كلم نبيه موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬حقيقة بل‬ ‫وساطة‪.‬‬ ‫جةٌ بَ ْعدَ الرّ سُلِ‬ ‫رُ ُسلً ُمَبشّرِي نَ وَمُن ِذرِي نَ لَ ّل يَكُو نَ لِلنّا سِ َعلَى اللّ هِ ُح ّ‬ ‫وَكَانَ الّلهُ عَزِيزا حَكِيما (‪)165‬‬ ‫أرسَ ْلتُ رسل إل خَلْقي مُبشّرين بثواب‪ ,‬ومنذرين بعقاب; لئل يكون‬ ‫للبشر حجة يعتذرون با بعد إرسال الرسل‪ .‬وكان ال عزيزًا ف ملكه‪,‬‬ ‫حكيمًا ف تدبيه‪.‬‬ ‫شهَدُو نَ وَكَفَى‬ ‫شهَدُ بِمَا أَنزَلَ ِإَليْ كَ أَن َزلَ هُ بِعِلْمِ هِ وَالْمَلئِ َكةُ َي ْ‬ ‫لَكِ نْ اللّ هُ َي ْ‬ ‫بِالّلهِ َشهِيدا (‪)166‬‬ ‫إن يكفر بك اليهود وغيهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فال يشهد لك بأنك‬ ‫رسوله الذي َأنْزَ َل عليه القرآن العظيم‪ ,‬أنزله بعلمه‪ ,‬وكذلك اللئكة‬ ‫يشهدون بصدق ما أوحي إليك‪ ,‬وشهادة ال وحدها كافية‪.‬‬ ‫‪321‬‬

‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا َوصَدّوا عَنْ َسبِيلِ الّلهِ قَ ْد ضَلّوا ضَللً بَعِيدا (‪)167‬‬ ‫إن الذين جحدوا ُنُبوّتك‪ ,‬وصدوا الناس عن السلم‪ ,‬قد بَعُدوا عن‬ ‫طريق الق بُ ْعدًا شديدًا‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا َوظَلَمُوا لَ ْم يَكُ ْن اللّ هُ ِليَغْفِرَ َلهُ مْ وَل ِلَيهْ ِدَيهُ ْم طَرِيقا (‬

‫‪)168‬‬

‫إن الذين كفروا بال وبرسوله‪ ,‬وظلموا باستمرارهم على الكفر‪ ,‬ل يكن‬ ‫ال ليغفر ذنوبم‪ ,‬ول ليدلم على طريق ينجيهم‪.‬‬ ‫ّهم يَسمِيا (‬ ‫ِكم عَلَى الل ِ‬ ‫َانم َذل َ‬ ‫ِينم فِيهَا َأبَدا وَك َ‬ ‫ّمم خَالِد َ‬ ‫ِيقم َج َهن َ‬ ‫إِلّ طَر َ‬ ‫‪)169‬‬ ‫إل طريق جهنم ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وكان ذلك على ال يسيًا‪ ,‬فل يعجزه‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا النّاسُ قَدْ جَاءَكُ ْم الرّسُولُ بِاْلحَقّ مِنْ َربّكُ ْم فَآ ِمنُوا َخيْرا لَكُمْ وَإِنْ‬ ‫‪322‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ وَكَا نَ اللّ هُ عَلِيما حَكِيما (‬ ‫تَكْفُرُوا َفإِنّ لِلّ هِ مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫‪)170‬‬ ‫يا أيها الناس قد جاءكم رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم بالسلم دين‬ ‫الق من ربكم‪ ,‬فَصَدّقوه واتبعوه‪ ,‬فإن اليان به خيلكم‪ ,‬وإن تُصرّوا‬ ‫على كفركم فإن ال غن عنكم وعن إيانكم; لنه مالك ما ف‬ ‫السموات والرض‪ .‬وكان ال عليمًا بأقوالكم وأفعالكم‪ ,‬حكيمًا ف‬ ‫تشريعه وأمره‪ .‬فإذا كانت السموات والرض قد خضعتا ل تعال كونًا‬ ‫وقدرًا خضوع سائر ملكه‪ ,‬فأول بكم أن تؤمنوا بال وبرسوله ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وبالقرآن الذي أنزله عليه‪ ,‬وأن تنقادوا لذلك‬ ‫شرعًا حت يكون الكون كلّه خاضعًا ل قدرًا وشرعًا‪ .‬وف الية دليل‬ ‫على عموم رسالة نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫يَا أَهْلَ الْ ِكتَا بِ ل تَ ْغلُوا فِي دِينِكُ ْم وَل تَقُولُوا عَلَى اللّ هِ إِلّ اْلحَقّ ِإنّمَا‬ ‫الْمَ سِي ُح عِي سَى ابْ نُ َم ْريَ مَ رَ سُو ُل اللّ هِ وَكَلِ َمتُ هُ َألْقَاهَا ِإلَى مَ ْرَي مَ َورُو حٌ ِمنْ هُ‬ ‫فَآ ِمنُوا بِاللّ هِ َورُ سُِلهِ وَل تَقُولُوا ثَلَثةٌ انَتهُوا َخيْرا لَ ُك مْ ِإنّمَا اللّ هُ ِإلَ هٌ وَاحِدٌ‬ ‫ت وَمَا فِي ا َلرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ‬ ‫ُسْبحَاَنهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَ ٌد لَهُ مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫وَكِيلً (‪)171‬‬ ‫‪323‬‬

‫يا أهل النيل ل تتجاوزوا العتقاد الق ف دينكم‪ ,‬ول تقولوا على ال‬ ‫إل الق‪ ,‬فل تعلوا له صاحبةً ول ولدًا‪ .‬إنا السيح عيسى ابن مري‬ ‫رسول ال أرسله ال بالق‪ ,‬وخَلَقَه بالكلمة الت أرسل با جبيل إل‬ ‫مري‪ ,‬وهي قوله‪" :‬كن"‪ ,‬فكان‪ ,‬وهي نفخة من ال تعال نفخها جبيل‬ ‫بأمر ربه‪ ,‬فَصدّقوا بأن ال واحد وأسلموا له‪ ,‬وصدّقوا رسله فيما‬ ‫جاؤوكم به من عند ال واعملوا به‪ ,‬ول تعلوا عيسى وأمه مع ال‬ ‫شريكي‪ .‬انتهوا عن هذه القالة خيًا لكم ما أنتم عليه‪ ,‬إنا ال إله واحد‬ ‫سبحانه‪ .‬ما ف السموات والرض مُلْكُه‪ ,‬فكيف يكون له منهم صاحبة‬ ‫أو ولد؟ وكفى بال وكيل على تدبي خلقه وتصريف معاشهم‪ ,‬فتوكّلوا‬ ‫عليه وحده فهو كافيكم‪.‬‬ ‫ستَنكِفَ الْمَ سِيحُ أَ نْ يَكُو نَ َعبْدا لِلّ هِ وَل الْمَلئِ َكةُ الْمُقَ ّربُو نَ وَمَ نْ‬ ‫لَ نْ يَ ْ‬

‫حشُرُهُمْ ِإَلْيهِ َجمِيعا (‪)172‬‬ ‫سيَ ْ‬ ‫ستَ ْكبِ ْر َف َ‬ ‫ستَنكِفْ عَنْ ِعبَا َدِتهِ َوَي ْ‬ ‫َي ْ‬

‫لن يَأْنف ولن يتنع السيح أن يكون عبدًا ل‪ ,‬وكذلك لن يأنَفَ اللئكة‬ ‫الُقَرّبون من القرار بالعبودية ل تعال‪ .‬ومن يأنف عن النقياد والضوع‬ ‫ويستكب فسيحشرهم كلهم إليه يوم القيامة‪ ,‬ويفصلُ بينهم بكمه‬ ‫العادل‪ ,‬ويازي كل با يستحق‪.‬‬ ‫‪324‬‬

‫ت َفُيوَفّيهِ مْ أُجُورَهُ ْم َويَزِيدُهُ ْم مِ ْن‬ ‫َفأَمّ ا الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَا ِ‬ ‫فَضْلِ هِ وََأمّا الّذِي نَ ا ْستَنكَفُوا وَا ْستَ ْكبَرُوا َفيُ َع ّذُبهُ مْ َعذَابا َألِيما وَل َيجِدُو نَ‬ ‫َلهُمْ مِنْ دُونِ الّلهِ َوِليّا وَل نَصِيا (‪)173‬‬ ‫فأمّا الذين صَدّقوا بال اعتقادًا وقول وعمل واستقاموا على شريعته‬ ‫فيوفيهم ثواب أعمالم‪ ,‬ويزيدُهم من فضله‪ ,‬وأما الذين امتنعوا عن طاعة‬ ‫ال‪ ,‬واستكبوا عن التذلل له فيعذبم عذابًا موجعًا‪ ,‬ول يدون لم وليّا‬ ‫ينجيهم من عذابه‪ ,‬ول ناصرًا ينصرهم من دون ال‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ قَدْ جَاءَكُ ْم بُرْهَا نٌ مِ نْ َربّكُ مْ وَأَن َزلْنَا ِإَليْكُ ْم نُورا ُمبِينا (‬

‫‪)174‬‬

‫يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم‪ ,‬وهو رسولنا ممد‪ ,‬وما جاء‬ ‫به من البينات والجج القاطعة‪ ,‬وأعظمها القرآن الكري‪ ,‬ما يشهد‬ ‫بصدق نبوته ورسالته الاتة‪ ,‬وأنزلنا إليكم القرآن هدًى ونورًا مبينًا‪.‬‬ ‫سيُدْخُِلهُ ْم فِي رَ ْح َمةٍ ِمنْ ُه وَفَضْلٍ‬ ‫َفأَمّ ا الّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ هِ وَا ْعتَ صَمُوا بِ هِ فَ َ‬

‫ستَقِيما (‪)175‬‬ ‫َوَيهْدِيهِمْ ِإَلْيهِ صِرَاطا ُم ْ‬ ‫‪325‬‬

‫فأمّا الذين صدّقوا بال اعتقادًا وقول وعمل واستمسكوا بالنور الذي‬ ‫أُنزل إليهم‪ ,‬فسيدخلهم النة رحة منه وفضل ويوفقهم إل سلوك‬ ‫الطريق الستقيم الفضي إل روضات النات‪.‬‬ ‫ك قُلْ اللّ هُ يُ ْفتِيكُ ْم فِي الْكَللَةِ إِ نْ امْ ُرؤٌ هََل كَ َليْ سَ لَ هُ َولَدٌ َولَ هُ‬ ‫ستَ ْفتُونَ َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ُأخْتٌ فََلهَا نِصْفُ مَا تَرَ َك وَ ُهوَ يَ ِرُثهَا إِنْ لَمْ َيكُنْ َلهَا َولَ ٌد َفإِنْ كَانَتَا اْثَنَتيْنِ‬ ‫فََلهُمَا الثُّلثَا نِ مِمّا تَرَ َك وَإِ نْ كَانُوا إِ ْخوَ ًة رِجَالً َونِ سَاءً َفلِلذّكَ ِر ِمثْلُ حَظّ‬ ‫الُنَثَييْنِ ُيَبيّنُ الّلهُ لَكُمْ َأنْ تَضِلّوا وَالّلهُ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِي ٌم (‪)176‬‬ ‫م الرسمول‪ -‬عمن حكمم مياث الكللة‪ ,‬وهمو ممن مات‬ ‫يسمألونك ‪-‬أيه ا‬ ‫ول يس له ول ٌد ول والد‪ ,‬قل‪ :‬ال يُبيّن ل كم ال كم في ها‪ :‬إن مات امرؤ‬ ‫ليس له ولد ول والد‪ ,‬وله أخت لبيه وأمه‪ ,‬أو لبيه فقط‪ ,‬فلها نصف‬ ‫تركته‪ ,‬ويرث أخوها شقيقًا كان أو لب جيع مالا إذا ماتت وليس لا‬ ‫ولد ول والد‪ .‬فإن كان لنم مات كللةً أختان فلهمما الثلثان مام ترك‪.‬‬ ‫وإذا اجت مع الذكور من الخوة لغ ي أم مع الناث فللذ كر م ثل ن صيب‬ ‫النثيي من أخواته‪ .‬يُبيّن ال ل كم قسمة الوار يث وح كم الكللة‪ ,‬لئل‬ ‫تضلوا عن القّ ف أمر الواريث‪ .‬وال عال بعواقب المور‪ ,‬وما فيها من‬ ‫الي لعباده‪.‬‬ ‫‪326‬‬

‫‪ – 5‬سورة الائدة‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َأوْفُوا بِالْعُقُودِ ُأحِلّ تْ لَكُ مْ َبهِي َمةُ ا َلنْعَا مِ إِ ّل مَا ُيتْلَى‬ ‫صيْدِ وََأْنتُمْ ُحرُمٌ ِإنّ اللّهَ َيحْكُ ُم مَا يُرِيدُ (‪)1‬‬ ‫عََليْكُ ْم َغيْ َر ُمحِلّي ال ّ‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬أتِمّوا عهود ال الوثقة‪,‬‬ ‫من اليان بشرائع الدين‪ ,‬والنقياد لا‪ ,‬وأَدّوا العهود لبعضكم على بعض‬ ‫من المانات‪ ,‬والبيوع وغي ها‪ ,‬م ا ل يالف كتاب ال‪ ,‬و سنة ر سوله‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد أحَ ّل ال لكم البهيمة من النعام‪ ,‬وهي‬ ‫البلُ والب قر والغ نم‪ ,‬إل ما بيّ نه ل كم من تر ي الي تة والدم وغ ي ذلك‪,‬‬ ‫و من تر ي ال صيد وأن تم مرمون‪ .‬إن ال ي كم ما يشاء وَفْق حكم ته‬ ‫وعدله‪.‬‬ ‫شهْرَ الْحَرَا مَ وَل اْلهَدْ يَ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل ُتحِلّوا شَعَائِرَ اللّ هِ وَل ال ّ‬ ‫‪327‬‬

‫ضوَانا وَِإذَا‬ ‫وَل الْقَلئِدَ وَل آ ّميَ اْلَبيْ تَ الْحَرَا مَ َيْبتَغُو نَ فَضْلً مِ نْ َرّبهِ مْ َو ِر ْ‬ ‫حََل ْلتُ ْم فَا صْطَادُوا وَل َيجْرِ َمنّكُ مْ َشنَآ نُ َقوْ مٍ أَ نْ صَدّوكُ ْم عَ ْن الْمَ سْجِدِ‬ ‫م‬ ‫م تَ ْعتَدُوا َوتَعَا َونُوا عَلَى اْلبِرّ وَالتّ ْقوَى وَل تَعَا َونُوا عَلَى ا ِلثْم ِ‬ ‫م أَن ْ‬ ‫الْحَرَام ِ‬ ‫ب (‪)2‬‬ ‫وَالْعُ ْدوَانِ وَاتّقُوا الّلهَ ِإنّ الّلهَ شَدِي ُد الْعِقَا ِ‬ ‫يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله وعملوا بشر عه ل تتعدّوا حدود ال‬ ‫محِلّوا القتال فم الشهمر الرم‪ ,‬وهمي‪ :‬ذو القعدة وذو‬ ‫ومعالهم‪ ,‬ول تس ت‬ ‫ال جة والحرم ور جب‪ ,‬وكان ذلك ف صدر ال سلم‪ ,‬ول ت ستحِلّوا‬ ‫حرمة الَدْي‪ ,‬ول ما قُلّ َد منه; إذ كانوا يضعون القلئد‪ ,‬وهي ضفائر من‬ ‫صوف أو َوبَر ف الرقاب علمةً على أن البهيمة َهدْ يٌ وأن الرجل يريد‬ ‫ستَحِلّوا قتال قاصدي البيت الرام الذين يبتغون من فضل ال‬ ‫الج‪ ,‬ول َت ْ‬ ‫ما ي صلح معايش هم وير ضي رب م‪ .‬وإذا حلل تم من إحرام كم حلّ ل كم‬ ‫ال صيد‪ ,‬ول يمَِلنّ كم بُغْض قوم من أ جل أن منعو كم من الو صول إل‬ ‫السمجد الرام ‪-‬كمما حدث عام "الديبيمة"‪ -‬على ترك العدل فيهمم‪.‬‬ ‫وتعاونوا ‪-‬أي ها الؤمنون في ما بين كم‪ -‬على فِعْل ال ي‪ ,‬وتقوى ال‪ ,‬ول‬ ‫تعاونوا على ما ف يه إ ث ومع صية وتاوز لدود ال‪ ,‬واحذروا مال فة أ مر‬ ‫ال فإنه شديد العقاب‪.‬‬ ‫ِهم‬ ‫ّهم ب ِ‬ ‫ْمم اْلخِنِيرِ وَم َا أُهِلّ لِ َغيْ ِر الل ِ‬ ‫ّمم َوَلح ُ‬ ‫ُمم الْ َمْيَتةُ وَالد ُ‬ ‫َتم عََليْك ْ‬ ‫حُرّم ْ‬ ‫‪328‬‬

‫سبُعُ إِلّ مَا ذَ ّكْيتُ ْم‬ ‫خنِ َقةُ وَالْ َموْقُوذَ ُة وَالْ ُمتَ َر ّدَيةُ وَالنّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ ال ّ‬ ‫وَالْ ُمْن َ‬ ‫ستَقْسِمُوا بِا َلزْل مِ َذلِكُ ْم فِ سْقٌ اْلَيوْ مَ َيئِ سَ‬ ‫وَمَا ُذبِ َح عَلَى النّ صُبِ َوأَ نْ تَ ْ‬ ‫شوْنِي اْليَوْ مَ أَ ْكمَلْ تُ لَكُ مْ‬ ‫شوْهُ مْ وَا ْخ َ‬ ‫خَ‬ ‫الّذِي نَ كَفَرُوا مِ نْ دِينِكُ مْ فَل َت ْ‬ ‫دِينَكُ مْ وََأْتمَمْ تُ َعَليْكُ مْ نِعْمَتِي َو َرضِي تُ لَكُ مْ الِ سْلمَ دِينا فَمَ نْ اضْطُرّ‬ ‫صةٍ َغيْ َر ُمَتجَانِفٍ ِلْثمٍ َفِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)3‬‬ ‫فِي َمخْمَ َ‬ ‫حرّم ال عليكم اليتة‪ ,‬وهي اليوان الذي تفارقه الياة بدون ذكاة‪,‬‬ ‫وحرّم عليكم الدم السائل الُراق‪ ,‬ولم النير‪ ,‬وما ذُكِر عليه غي اسم‬ ‫ال عند الذبح‪ ,‬والنخنقة الت ُحبِس نَ َفسُها حت ماتت‪ ,‬والوقوذة وهي‬ ‫الت ضُربت بعصا أو حجر حت ماتت‪ ,‬وا ُلتَرَدّية وهي الت سقطت من‬ ‫مكان عال أو َهوَت ف بئر فماتت‪ ,‬والنطيحة وهي الت ضَ َرَبتْها أخرى‬ ‫بقرنا فماتت‪ ,‬وحرّم ال عليكم البهيمة الت أكلها السبُع‪ ,‬كالسد‬ ‫والنمر والذئب‪ ,‬ونو ذلك‪ .‬واستثن ‪-‬سبحانه‪ -‬ما حرّمه من النخنقة‬ ‫وما بعدها ما أدركتم ذكاته قبل أن يوت فهو حلل لكم‪ ,‬وحرّم ال‬ ‫عليكم ما ُذبِح لغي ال على ما يُنصب للعبادة من حجر أو غيه‪ ,‬وحرّم‬ ‫ال عليكم أن تطلبوا عِلْم ما ُقسِم لكم أو ل يقسم بالزلم‪ ,‬وهي‬ ‫القداح الت كانوا يستقسمون با إذا أرادوا أمرًا قبل أن يقدموا عليه‪.‬‬ ‫ذلكم الذكور ف الية من الحرمات ‪-‬إذا ارتُكبت‪ -‬خروج عن أمر ال‬ ‫وطاعته إل معصيته‪ .‬الن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه‬ ‫‪329‬‬

‫ص ْرتُكم عليهم‪ ,‬فل تافوهم وخافون‪ .‬اليوم أكملت‬ ‫إل الشرك بعد أن ن َ‬ ‫لكم دينكم دين السلم بتحقيق النصر وإتام الشريعة‪ ,‬وأتمت عليكم‬ ‫نعمت بإخراجكم من ظلمات الاهلية إل نور اليان‪ ,‬ورضيت لكم‬ ‫السلم دينًا فالزموه‪ ,‬ول تفارقوه‪ .‬فمن اضطرّ ف ماعة إل أكل اليتة‪,‬‬ ‫وكان غي مائل عمدًا لث‪ ,‬فله تناوله‪ ,‬فإن ال غفور له‪ ,‬رحيم به‪.‬‬ ‫ت وَمَا عَلّ ْمتُ ْم مِنْ اْلجَوَارِ ِ‬ ‫ح‬ ‫يَسَْألُونَكَ مَاذَا أُحِ ّل لَهُ ْم قُلْ أُحِلّ لَ ُكمْ ال ّطّيبَا ُ‬ ‫مُكَّلِبيَ تُعَلّمُوَنهُنّ مِمّا عَلّمَكُ ْم اللّ هُ فَكُلُوا مِمّا أَمْ سَكْنَ عََليْ ُك مْ وَاذْكُرُوا‬ ‫ب (‪)4‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫اسْ َم اللّهِ َعَلْيهِ وَاتّقُوا الّلهَ ِإنّ الّلهَ سَرِي ُع الْ ِ‬

‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ : -‬ماذا ُأحِلّ لم أَكْلُه؟ قل لم‪ُ :‬أحِلّ لكم‬ ‫الطيبات وصي ُد ما َدرّبتموه من ذوات الخالب والنياب من الكلب‬ ‫والفهود والصقور ونوها ما يُعَلّم‪ ,‬تعلمونن طلب الصيد لكم‪ ,‬ما‬ ‫علمكم ال‪ ,‬فكلوا ما أمسكن لكم‪ ,‬واذكروا اسم ال عند إرسالا‬ ‫للصيد‪ ,‬وخافوا ال فيما أمركم به وفيما ناكم عنه‪ .‬إن ال سريع‬ ‫الساب‪.‬‬ ‫اْلَيوْمَ ُأحِلّ لَكُ ْم ال ّطّيبَاتُ َوطَعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ حِ ّل لَكُمْ َوطَعَامُكُمْ‬ ‫‪330‬‬

‫ِينمأُوتُوا‬ ‫ِنم الّذ َ‬ ‫ْصمَاتُ م ْ‬ ‫َاتم وَالْ ُمح َن‬ ‫ِنم الْ ُمؤْ ِمن ِ‬ ‫ْصمَاتُ م ْ‬ ‫ُمم وَالْ ُمح َن‬ ‫حِ ّل لَه ْ‬ ‫صِنيَ َغيْ َر مُ سَاِفحِيَ وَل‬ ‫ب مِ نْ َقبِْلكُ مْ إِذَا آَتْيُتمُوهُنّ ُأجُورَهُنّ ُمحْ ِ‬ ‫الْ ِكتَا َ‬ ‫ط عَمَلُ هُ وَ ُهوَ فِي ال ِخرَةِ مِ نْ‬ ‫ُمّتخِذِي أَ ْخدَا نٍ وَمَ ْن يَكْفُ ْر بِالِيَا نِ فَقَدْ َحِب َ‬ ‫الْخَاسِرِينَ (‪)5‬‬ ‫ومن تام نعمة ال عليكم اليوم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن أَحَلّ لكم اللل‬ ‫الطيب‪ ,‬وذبائحُ اليهود والنصارى ‪-‬إن ذكّوها َحسَبَ شرعهم‪ -‬حلل‬ ‫لكم وذبائحكم حلل لم‪ .‬وَأحَلّ لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬نكاح‬ ‫الحصنات‪ ,‬وهُنّ الرائر من النساء الؤمنات‪ ,‬العفيفات عن الزن‪,‬‬ ‫وكذلك نكاحَ الرائر العفيفات من اليهود والنصارى إذا أعطيتموهُنّ‬ ‫مهورهن‪ ,‬وكنتم أعِفّاء غي مرتكبي للزن‪ ,‬ول متخذي عشيقات‪,‬‬ ‫وأمِنتم من التأثر بدينهن‪ .‬ومن يحد شرائع اليان فقد بطل عمله‪ ,‬وهو‬ ‫يوم القيامة من الاسرين‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا قُ ْمتُمْ ِإلَى الصّل ِة فَاغْسِلُوا ُوجُوهَكُمْ وََأْي ِديَكُمْ ِإلَى‬ ‫الْمَرَافِقِم وَامْسَمحُوا بِ ُرءُوسِمكُ ْم وََأرْجُلَكُم ْمِإلَى الْكَ ْعَبيْنِم وَإِن ْم ُكْنتُم ْم ُجنُبا‬ ‫فَاطّهّرُوا وَإِنْ ُكْنتُمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى سَفَرٍ َأوْ جَاءَ َأحَدٌ ِمنْكُ ْم مِنْ الْغَائِطِ َأوْ‬ ‫سحُوا ِب ُوجُوهِكُ مْ‬ ‫ستُ ْم النّ سَاءَ فََل ْم َتجِدُوا مَاءً َفَتيَمّمُوا صَعِيدا َطيّبا فَامْ َ‬ ‫لمَ ْ‬ ‫وََأيْدِيكُ ْم ِمنْ هُ مَا ُيرِيدُ اللّ هُ ِلَيجْعَلَ عََليْكُ ْم مِ نْ حَرَ جٍ َولَكِ نْ يُرِي ُد ِليُ َطهّرَكُ مْ‬ ‫‪331‬‬

‫َولُِيتِ ّم نِعْ َمَتهُ عََليْ ُكمْ لَعَلّ ُكمْ َتشْكُرُونَ (‪)6‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا إذا أردت القيام إل الصلة‪ ,‬وأنتم على غي طهارة‬ ‫فاغسلوا وجوهكم وأيديكم مع الرافق (والِرْفَق‪ :‬الِفْصَل الذي بي‬ ‫الذراع والعَضُد) وامسحوا رؤوسكم‪ ,‬واغسلوا أرجلكم مع الكعبي‬ ‫(وها‪ :‬العظمان البارزان عند ملتقى الساق بالقدم) ‪ .‬وإن أصابكم‬ ‫الدث الكب فتطهروا بالعتسال منه قبل الصلة‪ .‬فإن كنتم مرضى‪ ,‬أو‬ ‫على سفر ف حال الصحة‪ ,‬أو قضى أحدكم حاجته‪ ,‬أو جامع زوجته‬ ‫فلم تدوا ماء فاضربوا بأيديكم وجه الرض‪ ,‬وامسحوا وجوهكم‬ ‫ضيّق عليكم‪ ,‬بل أباح‬ ‫وأيديكم منه‪ .‬ما يريد ال ف أمر الطهارة أن يُ َ‬ ‫التيمم توسعةً عليكم‪ ,‬ورحة بكم‪ ,‬إذ جعله بديل للماء ف الطهارة‪,‬‬ ‫فكانت رخصة التيمّم من تام النعم الت تقتضي شكر النعم; بطاعته فيما‬ ‫أمر وفيما نى‪.‬‬ ‫سممِ ْعنَا‬ ‫ُمم َ‬ ‫ِهم إِ ْذ قُ ْلت ْ‬ ‫ُمم ب ِ‬ ‫َهم الّذِي وَاثَقَك ْ‬ ‫ُمم وَمِيثَاق ُ‬ ‫ّهم عََليْك ْ‬ ‫وَاذْكُرُوا نِ ْع َمةَ الل ِ‬

‫ت الصّدُورِ (‪)7‬‬ ‫وََأطَ ْعنَا وَاتّقُوا الّلهَ ِإنّ الّلهَ عَلِي ٌم بِذَا ِ‬

‫واذكروا نعمة ال عليكم فيما َشرَعه لكم‪ ,‬واذكروا عهده الذي أخذه‬ ‫تعال عليكم من اليان بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬ ‫‪332‬‬

‫والسمع والطاعة لما‪ ,‬واتقوا ال فيما أمركم به وناكم عنه‪ .‬إن ال‬ ‫علي ٌم با ُتسِرّونه ف نفوسكم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِيَ لِلّ هِ ُشهَدَاءَ بِالْقِ سْطِ وَل َيجْرِ َمنّكُ ْم‬ ‫ب لِلتّ ْقوَى وَاتّقُوا اللّ هَ إِنّ اللّ هَ‬ ‫َشنَآ نُ َقوْ ٍم عَلَى أَلّ تَ ْع ِدلُوا اعْ ِدلُوا ُهوَ أَقْ َر ُ‬ ‫َخبِ ٌي بِمَا تَعْمَلُونَ (‪)8‬‬ ‫يا أيها الذين آمَنوا بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم كونوا قوّامي‬ ‫بالق‪ ,‬ابتغاء وجه ال‪ ,‬شُهداء بالعدل‪ ,‬ول يملنكم بُغْضُ قوم على أل‬ ‫تعدلوا‪ ,‬اعدِلوا بي العداء والحباب على درجة سواء‪ ,‬فذلك العدل‬ ‫أقرب لشية ال‪ ,‬واحذروا أن توروا‪ .‬إن ال خبي با تعملون‪,‬‬ ‫وسيجازيكم به‪.‬‬ ‫ت لَهُ ْم مَغْفِرٌَة وَأَ ْجرٌ عَظِي ٌم (‪)9‬‬ ‫وَعَ َد الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬ ‫وعد ال الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا الصالات أن يغفر لم‬ ‫ذنوبم‪ ,‬وأن يثيبهم على ذلك النة‪ ,‬وال ل يلف وعده‪.‬‬

‫‪333‬‬

‫جحِيمِ (‪)10‬‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَالّذِينَ كَفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا ُأ ْوَلئِكَ َأ ْ‬ ‫والذين جحدوا وحدانية ال الدالة على الق البي‪ ,‬وكذّبوا بأدلته الت‬ ‫جاءت با الرسل‪ ,‬هم أهل النار اللزمون لا‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اذْكُرُوا نِ ْع َمةَ اللّهِ عََليْ ُكمْ إِ ْذ هَمّ َقوْمٌ أَنْ َيبْسُطُوا ِإَليْكُ ْم‬ ‫َأيْ ِدَيهُ ْم فَكَفّ َأيْ ِدَيهُ ْم َعنْكُ ْم وَاتّقُوا اللّ هَ وَعَلَى اللّ هِ فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ (‬ ‫‪)11‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه اذكروا ما أنعم ال به‬ ‫عليكم من نعمة المنِ‪ ,‬وإلقاءِ الرعب ف قلوب أعدائكم الذين أرادوا أن‬ ‫يبطشوا بكم‪ ,‬فصرفهم ال عنكم‪ ,‬وحال بينهم وبي ما أرادوه بكم‪,‬‬ ‫واتقوا ال واحذروه‪ ,‬وتوكلوا على ال وحده ف أموركم الدينية‬ ‫والدنيوية‪ ,‬وثِقوا بعونه ونصره‪.‬‬ ‫َولَقَدْ أَ َخذَ اللّهُ مِيثَاقَ َبنِي إِسْرَائِيلَ َوبَ َعْثنَا ِمْنهُمْ اْثنَيْ َعشَرَ نَقِيبا وَقَالَ اللّ ُه‬ ‫ِإنّي مَعَ ُك ْم َلئِ نْ َأقَ ْمتُ مْ ال صّلةَ وَآَتْيتُ مْ الزّكَاةَ وَآ َمْنتُ ْم بِ ُر سُلِي وَعَ ّز ْرتُمُوهُ مْ‬ ‫ضُت مْ اللّ هَ قَرْضا حَ سَنا لكَفّرَنّ َعنْكُ ْم َسّيئَاتِكُ ْم وَلدْخَِلنّ ُك مْ َجنّا تٍ‬ ‫وَأَقْ َر ْ‬ ‫سموَاءَ‬ ‫ُمم َفقَدْ ضَلّ َ‬ ‫ِكم ِمنْك ْ‬ ‫َنم كَفَ َر بَعْدَ َذل َ‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ فَم ْ‬ ‫ِنم َت ْ‬ ‫َتجْرِي م ْ‬ ‫‪334‬‬

‫سبِيلِ (‪)12‬‬ ‫ال ّ‬ ‫ولقد أخذ ال العهد الؤكّد على بن إسرائيل أن يلصوا له العبادة‬ ‫وحده‪ ,‬وأمر ال موسى أن يعل عليهم اثن عشر عريفًا بعدد فروعهم‪,‬‬ ‫يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة ل ولرسوله ولكتابه‪ ,‬وقال ال‬ ‫لبن إسرائيل‪ :‬إن معكم بفظي ونصري‪ ,‬لئن أقمتم الصلة‪ ,‬وأعطيتم‬ ‫الزكاة الفروضة مستحقيها‪ ,‬وصدّقتم برسلي فيما أخبوكم به‬ ‫ونصرتوهم‪ ,‬وأنفقتم ف سبيلي‪ ,‬لكفّرنّ عنكم سيئاتكم‪ ,‬ول ْدخَِلنّكُم‬ ‫جناتٍ تري من تت قصورها النار‪ ,‬فمن جحد هذا اليثاق منكم فقد‬ ‫عدل عن طريق الق إل طريق الضلل‪.‬‬ ‫ضهِ مْ مِيثَاَقهُ مْ لَ َعنّاهُ مْ وَجَعَ ْلنَا قُلُوَبهُ مْ قَا ِسَيةً ُيحَرّفُو نَ الْكَِل َم عَ ْن‬ ‫َفِبمَا نَقْ ِ‬ ‫َموَاضِعِ هِ َونَ سُوا حَظّا مِمّا ذُكّرُوا بِ هِ وَل َتزَالُ تَطّلِ ُع عَلَى خَاِئَنةٍ ِمْنهُ مْ إِلّ‬ ‫سِنيَ (‪)13‬‬ ‫حِ‬ ‫ب الْ ُم ْ‬ ‫ل ِمْنهُمْ فَاعْفُ َعْنهُ ْم وَاصْ َفحْ ِإنّ الّلهَ ُيحِ ّ‬ ‫قَلِي ً‬ ‫فبسبب نقض هؤلء اليهود لعهودهم الؤكّدة طردناهم من رحتنا‪,‬‬ ‫وجعلنا قلوبم غليظة ل تلي لليان‪ ,‬يبدلون كلم ال الذي أنزله على‬ ‫موسى‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬وتركوا نصيبًا ما ذُكّروا به‪ ,‬فلم يعملوا به‪ .‬ول‬ ‫تزال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تد من اليهود خيانةً وغَدرًا‪ ,‬فهم على منهاج‬ ‫‪335‬‬

‫أسلفهم إل قليل منهم‪ ,‬فاعف عن سوء معاملتهم لك‪ ,‬واصفح عنهم‪,‬‬ ‫فإن ال يب مَن أحسن العفو والصفح إل من أساء إليه‪( .‬وهكذا يد‬ ‫أهل الزيغ سبيل إل مقاصدهم السيئة بتحريف كلم ال وتأويله على‬ ‫غي وجهه‪ ,‬فإن عجَزوا عن التحريف والتأويل تركوا ما ل يتفق مع‬ ‫أهوائهم مِن شرع ال الذي ل يثبت عليه إل القليل من عصمه ال‬ ‫منهم)‪.‬‬ ‫وَمِ نْ الّذِي نَ قَالُوا ِإنّا نَ صَارَى أَخَ ْذنَا مِيثَاَقهُ مْ َفنَ سُوا حَظّا مِمّا ذُكّرُوا بِ ِه‬ ‫فَأَغْ َريْنَا َبْيَنهُ ْم الْعَدَاوَةَ وَاْلبَغْضَاءَ ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَا َمةِ وَ َسوْفَ ُيَنّبُئهُ مْ اللّ هُ بِمَا‬ ‫صنَعُونَ (‪)14‬‬ ‫كَانُوا يَ ْ‬ ‫وأخذنا على الذين ادّعوا أنم أتباع السيح عيسى ‪-‬وليسوا كذلك‪-‬‬ ‫العهد الؤكد الذي أخذناه على بن إسرائيل‪ :‬بأن يُتابعوا رسولم‬ ‫وينصروه ويؤازروه‪ ,‬فبدّلوا دينهم‪ ,‬وتركوا نصيبًا ما ذكروا به‪ ,‬فلم‬ ‫يعملوا به‪ ,‬كما صنع اليهود‪ ,‬فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬وسوف ينبئهم ال با كانوا يصنعون يوم الساب‪ ,‬وسيعاقبهم‬ ‫على صنيعهم‪.‬‬

‫‪336‬‬

‫يَا أَهْلَ الْ ِكتَا بِ َقدْ جَاءَكُ مْ رَ سُوُلنَا ُيَبيّ نُ لَكُ ْم َكثِيا ِممّ ا ُكْنتُ مْ ُتخْفُو َن‬ ‫ب ُمبِيٌ (‬ ‫مِ نْ الْ ِكتَا بِ َويَعْفُو عَ ْن َكثِيٍ قَدْ جَاءَكُ ْم مِ نْ اللّ هِ نُورٌ وَ ِكتَا ٌ‬ ‫‪)15‬‬ ‫يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬قد جاءكم رسولنا ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم يبيّن لكم كثيًا ما كنتم ُتخْفونه عن الناس ما ف التوراة‬ ‫والنيل‪ ,‬ويترك بيان ما ل تقتضيه الكمة‪ .‬قد جاءكم من ال نور‬ ‫وكتاب مبي‪ :‬وهو القرآن الكري‪.‬‬ ‫ضوَانَهُ ُسبُ َل السّلمِ َوُيخْرِ ُجهُمْ مِنْ الظّلُمَاتِ ِإلَى‬ ‫َيهْدِي بِهِ اللّهُ مَنْ اّتبَ َع ِر ْ‬ ‫ستَقِي ٍم (‪)16‬‬ ‫النّورِ ِبإِ ْذِنهِ َوَيهْدِيهِمْ ِإلَى صِرَاطٍ ُم ْ‬ ‫يهدي ال بذا الكتاب البي من اتبع رضا ال تعال‪ ,‬طرق المن‬ ‫والسلمة‪ ,‬ويرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إل نور اليان‪ ,‬ويوفقهم‬ ‫إل دينه القوي‪.‬‬ ‫لَقَدْ كَ َفرَ الّذِينَ قَالُوا ِإنّ اللّهَ ُهوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَ ْريَمَ قُلْ فَمَنْ َيمْلِكُ مِنْ اللّ ِه‬ ‫ك الْمَ سِي َح ابْ نَ مَ ْرَي مَ وَأُمّ ُه وَمَ نْ فِي الَرْ ضِ جَمِيعا‬ ‫َشيْئا إِ نْ َأرَادَ أَ نْ ُيهْلِ َ‬ ‫ت وَالَرْ ضِ وَمَا َبْيَنهُمَا يْلُ قُ مَا َيشَاءُ وَاللّ هُ عَلَى كُلّ‬ ‫ك ال سّ َموَا ِ‬ ‫َولِلّ هِ مُ ْل ُ‬ ‫‪337‬‬

‫شَ ْي ٍء قَدِي ٌر (‪)17‬‬ ‫لقد كفر النصارى القائلون بأن ال هو السيح ابن مري‪ ,‬قل ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬لؤلء الهلة من النصارى‪ :‬لو كان السيح إلًا كما يدّعون‬ ‫لقَدرَ أن يدفع قضاء ال إذا جاءه بإهلكه وإهلك ُأمّه ومَن ف الرض‬ ‫جيعًا‪ ,‬وقد ماتت أم عيسى فلم يدفع عنها الوت‪ ,‬كذلك ل يستطيع أن‬ ‫يدفع عن نفسه; لنما عبدان من عباد ال ل يقدران على دفع اللك‬ ‫عنهما‪ ,‬فهذا دليلٌ على أنه بشر كسائر بن آدم‪ .‬وجيع الوجودات ف‬ ‫السموات والرض ملك ل‪ ,‬يلق ما يشاء ويوجده‪ ,‬وهو على كل‬ ‫شيء قدير‪ .‬فحقيقة التوحيد توجب تفرّد ال تعال بصفات الربوبية‬ ‫واللوهية‪ ,‬فل يشاركه أحد من خلقه ف ذلك‪ ,‬وكثيًا ما يقع الناس ف‬ ‫الشرك والضلل بغلوهم ف النبياء والصالي‪ ,‬كما غل النصارى ف‬ ‫السيح‪ ,‬فالكون كله ل‪ ,‬واللق بيده وحده‪ ,‬وما يظهر من خوارق‬ ‫وآيات َمرَدّه إل ال‪ .‬يلق سبحانه ما يشاء‪ ,‬ويفعل ما يريد‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِمم يُعَ ّذبُك ْ‬ ‫ُهم قُلْ فَل َ‬ ‫ّهم وَأَ ِحبّاؤ ُ‬ ‫ْنم َأْبنَاءُ الل ِ‬ ‫َتم اْليَهُودُ وَالنّصمَارَى َنح ُ‬ ‫وَقَال ْ‬ ‫ب مَ نْ َيشَاءُ وَلِلّ هِ‬ ‫بِ ُذنُوبِكُ ْم بَلْ َأْنتُ ْم َبشَرٌ ِممّ نْ َخلَ قَ يَغْفِ ُر لِمَ نْ َيشَاءُ َويُعَذّ ُ‬ ‫ت وَالَرْضِ وَمَا َبْيَنهُمَا وَِإَلْيهِ الْمَصِيُ (‪)18‬‬ ‫ك السّ َموَا ِ‬ ‫مُلْ ُ‬ ‫‪338‬‬

‫وزعم اليهود والنصارى أنم أبناء ال وأحباؤه‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫‪ :‬فَليّ شيء يعذّبكم بذنوبكم؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم‪ ,‬فال ل‬ ‫يب إل من أطاعه‪ ,‬وقل لم‪ :‬بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بن آدم‪ ,‬إن‬ ‫أحسنتُم جوزيتم بإحسانكم خيا‪ ,‬وإن أسَ ْأتُم جوزيتم بإساءتكم شرّا‪,‬‬ ‫فال يغفر لن يشاء‪ ,‬ويعذب من يشاء‪ ,‬وهو مالك اللك‪ ,‬يُصَرّفه كما‬ ‫يشاء‪ ,‬وإليه الرجع‪ ,‬فيحكم بي عباده‪ ,‬ويازي كل با يستحق‪.‬‬ ‫يَا أَهْلَ الْ ِكتَا بِ َقدْ جَاءَكُ ْم رَ سُوُلنَا ُيَبيّ نُ لَكُ ْم عَلَى َفتْرَ ٍة مِ نْ الرّ سُلِ أَ نْ‬ ‫تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِ نْ َبشِيٍ وَل َنذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُ ْم َبشِيٌ َونَذِيرٌ وَاللّ هُ َعلَى‬ ‫كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)19‬‬ ‫يا أيها اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬ ‫يُبيّن لكم الق والدى بعد مُدّة من الزمن بي إرساله بإرسال عيسى ابن‬ ‫مري; لئل تقولوا‪ :‬ما جاءنا من بشي ول نذير‪ ,‬فل عُذرَ لكم بعد إرساله‬ ‫إلبكم‪ ,‬فقد جاءكم من ال رسو ٌل يبشّر مَن آمن به‪ ,‬ويُنذِز مَن عصاه‪.‬‬ ‫وال على كل شيء قدير من عقاب العاصي وثواب الطيع‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَ مُو سَى لِ َقوْمِ هِ يَا َقوْ مِ اذْكُرُوا نِعْ َم َة اللّ هِ عََلْيكُ مْ إِذْ جَعَلَ فِيكُ مْ‬ ‫‪339‬‬

‫َأْنِبيَاءَ وَجَعَلَ ُكمْ مُلُوكا وَآتَاكُمْ مَا لَ ْم ُيؤْتِ أَحَدا مِنْ الْعَالَ ِميَ (‪)20‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قال موسى عليه السلم لقومه‪ :‬يا بن إسرائيل‬ ‫اذكروا نعمة ال عليكم‪ ,‬إذ جعل فيكم أنبياء‪ ,‬وجعلكم ملوكًا تلكون‬ ‫أمركم بعد أن كنتم ملوكي لفرعون وقومه‪ ,‬وقد منحكم من نعمه‬ ‫صنوفًا ل ينحها أحدًا من عالَمي زمانكم‪.‬‬ ‫ب اللّ هُ لَكُ مْ وَل َت ْرتَدّوا عَلَى‬ ‫ض الْمُ َقدّ َسةَ الّتِي َكتَ َ‬ ‫يَا َقوْ مِ ادْ ُخلُوا الَرْ َ‬ ‫أَ ْدبَارِكُمْ َفَتنْقَِلبُوا خَا ِسرِينَ ( ‪)21‬‬ ‫يا قوم ادخلوا الرض القدسة ‪-‬أي الطهرة‪ ,‬وهي "بيت القدس" وما‬ ‫حولا‪ -‬الت وعد ال أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار‪ ,‬ول‬ ‫ترجعوا عن قتال البارين‪ ,‬فتخسروا خي الدنيا وخي الخرة‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا مُوسَى ِإنّ فِيهَا َقوْما َجبّارِينَ وَِإنّا لَنْ نَ ْدخَُلهَا َحتّى َيخْرُجُوا ِمْنهَا‬ ‫َفِإنْ َيخْرُجُوا ِمْنهَا َفِإنّا دَاخِلُونَ (‪)22‬‬ ‫قالوا‪ :‬يا موسى‪ ,‬إن فيها قومًا أشداء أقوياء‪ ,‬ل طاقة لنا بربم‪ ,‬وإنّا لن‬ ‫نستطيع دخولا وهم فيها‪ ,‬فإن يرجوا منها فإنّا داخلون‪.‬‬ ‫‪340‬‬

‫قَالَ َرجُلنِ مِنْ الّذِينَ َيخَافُونَ َأنْعَ َم الّلهُ عََلْيهِمَا ادْ ُخلُوا عََلْيهِمْ اْلبَابَ َفإِذَا‬

‫َدخَ ْلتُمُوهُ َفِإنّ ُكمْ غَاِلبُونَ وَعَلَى الّلهِ َفَتوَكّلُوا ِإنْ كُنتُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)23‬‬

‫قال رجلن من الذين يشون ال تعال‪ ,‬أنعم ال عليهما بطاعته وطاعة‬ ‫نبيّه‪ ,‬لبن إسرائيل‪ :‬ادخلوا على هؤلء البارين باب مدينتهم‪ ,‬أخْذًا‬ ‫بالسباب‪ ,‬فإذا دخلتم الباب غلبتموهم‪ ,‬وعلى ال وحده فتوكّلوا‪ ,‬إن‬ ‫كنتم مُصدّقي رسوله فيما جاءكم به‪ ,‬عاملي بشرعه‪.‬‬ ‫ت َو َربّ كَ‬ ‫قَالُوا يَا مُو سَى ِإنّ ا لَ نْ نَ ْدخُلَهَا َأبَدا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَ بْ َأنْ َ‬ ‫فَقَاتِل ِإنّا هَا ُهنَا قَاعِدُونَ (‪)24‬‬ ‫قال قوم موسى له‪ :‬إنا لن ندخل الدينة أبدًا ما دام البارون فيها‪,‬‬ ‫فاذهب أنت وربك فقاتلهم‪ ,‬أما نن فقاعدون هاهنا ولن نقاتلهم‪.‬‬ ‫وهذا إصرارٌ منهم على مالفة موسى عليه السلم‪.‬‬ ‫ق َبْيَننَا َوَبيْنَ الْ َقوْ ِم الْفَاسِ ِقيَ‬ ‫قَالَ َربّ ِإنّي ل أَمْلِكُ إِلّ نَفْسِي وََأخِي فَافْ ُر ْ‬ ‫(‪)25‬‬ ‫‪341‬‬

‫توجّه موسى إل ربه داعيًا‪ :‬إن ل أقدر إل على نفسي وأخي‪ ,‬فاحكم‬ ‫بيننا وبي القوم الفاسقي‪.‬‬ ‫س عَلَى‬ ‫ض فَل تَأْ َ‬ ‫قَالَ َفِإنّهَا ُمحَرّ َمةٌ عََلْيهِ مْ َأ ْربَعِيَ َسَنةً َيتِيهُو نَ فِي ا َلرْ ِ‬ ‫الْقَوْمِ الْفَاسِ ِقيَ (‪)26‬‬ ‫قال ال لنبيه موسى عليه السلم‪ :‬إن الرض القدّسة مرّم على هؤلء‬ ‫اليهود دخولا أربعي سنة‪ ,‬يتيهون ف الرض حائرين‪ ,‬فل تأسف ‪-‬يا‬ ‫موسى‪ -‬على القوم الارجي عن طاعت‪.‬‬ ‫وَاتْلُ عََلْيهِ مْ َنبََأ اْبنَ يْ آدَ َم بِالْحَقّ إِ ْذ قَرّبَا قُ ْربَانا َفتُ ُقبّلَ مِ نْ َأحَدِهِمَا َولَ مْ‬ ‫ك قَالَ ِإنّمَا َيتَ َقبّلُ الّلهُ مِنْ الْ ُمتّ ِقيَ (‪)27‬‬ ‫ُيتَ َقبّلْ مِنْ ال َخرِ قَالَ لَ ْقتَُلنّ َ‬ ‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على بن إسرائيل َخبَر ابنَيْ آدم قابيل وهابيل‪,‬‬ ‫وهو خبٌ حقٌ‪ :‬حي قَدّم كلّ منهما قربانًا ‪-‬وهو ما ُيتَقرّب به إل ال‬ ‫تعال ‪ -‬فتقبّل ال قُربان هابيل; لنه كان تقيّا‪ ,‬ول يتقبّل قُربان قابيل;‬ ‫لنه ل يكن تقيّا‪ ,‬فحسد قابيلُ أخاه‪ ,‬وقال‪ :‬لقتلنّك‪ ,‬فَر ّد هابيل‪ :‬إنا‬ ‫يتقبل ال من يشونه‪.‬‬ ‫‪342‬‬

‫ك لَ ْقتَُل كَ ِإنّ ي‬ ‫ط يَدِي ِإَليْ َ‬ ‫َلئِ نْ بَ سَطتَ ِإلَيّ َيدَ َك ِلتَ ْقتُلَنِي مَا أَنَا ِببَا سِ ٍ‬

‫َأخَافُ الّلهَ رَبّ الْعَالَ ِميَ ( ‪)28‬‬

‫وقال هابيلُ واعظًا أخاه‪ :‬لَئنْ مَدَ ْدتَ إلّ يد َك لتقتُلن ل َتجِدُ من مثل‬ ‫فعْلك‪ ,‬وإن أخشى ال ربّ اللئق أجعي‪.‬‬ ‫ب النّارِ وَ َذلِ كَ جَزَاءُ‬ ‫صحَا ِ‬ ‫ك َفتَكُو نَ مِ نْ أَ ْ‬ ‫ِإنّي ُأرِيدُ أَ نْ َتبُوءَ ِبِإثْمِي وَِإثْمِ َ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)29‬‬ ‫إن أريد أن ترجع حامل إث َقتْلي‪ ,‬وإثك الذي عليك قبل ذلك‪ ,‬فتكون‬ ‫من أهل النار وملزميها‪ ,‬وذلك جزاء العتدين‪.‬‬ ‫صَبحَ مِنْ اْلخَاسِرِينَ (‪)30‬‬ ‫سهُ َقتْلَ أَخِيهِ َف َقتََلهُ فََأ ْ‬ ‫ت َلهُ نَ ْف ُ‬ ‫فَ َطوّعَ ْ‬ ‫فَ َزيّنت لقابيلَ نفسُه أن يقتل أخاه‪ ,‬فقتله‪ ,‬فأصبح من الاسرين الذين‬ ‫باعوا آخرتم بدنياهم‪.‬‬ ‫َفبَ َعثَ اللّهُ غُرَابا َيْبحَثُ فِي ا َلرْضِ ِليُ ِريَهُ َكيْفَ ُيوَارِي َسوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا‬ ‫‪343‬‬

‫صبَ َح مِ نْ‬ ‫ب فَُأوَارِ يَ َسوْأَةَ َأخِي فَأَ ْ‬ ‫َويَْلتَا أَ َعجَزْ تُ أَ نْ أَكُو نَ ِمثْ َل هَذَا الْغُرَا ِ‬ ‫النّادِ ِميَ (‪)31‬‬ ‫لا قتل قابيلُ أخاه ل يعرف ما يصنع بسده‪ ,‬فأرسل ال غرابًا يفر‬ ‫حفرةً ف الرض ليدفن فيها غرابًا َمّيتًا; ليدل قابيل كيف يدفن جُثمان‬ ‫أخيه؟ فتعجّب قابيل‪ ,‬وقال‪ :‬أعجزتُ أن أصنع مثل صنيع هذا الغراب‬ ‫فأسُترَ عورة أخي؟ فدَفَنَ قابيل أخاه‪ ,‬فعاقبه ال بالندامة بعد أن رجع‬ ‫بالسران‪.‬‬ ‫ك َكَتْبنَا َعلَى َبنِي ِإ سْرَائِيلَ َأنّ هُ مَ ْن َقتَلَ نَفْسا بِ َغْيرِ نَفْ سٍ َأ ْو‬ ‫مِ نْ أَجْلِ َذلِ َ‬ ‫فَ سَادٍ فِي ا َلرْ ضِ فَ َكَأنّمَا َقتَلَ النّا سَ َجمِيعا وَمَ نْ أَ ْحيَاهَا فَكََأنّمَا َأحْيَا‬ ‫النّا سَ جَمِيعا َولَقَدْ جَا َءتْهُ مْ رُ سُُلنَا بِاْلبَّينَا تِ ثُمّ ِإنّ َكثِيا ِمْنهُ ْم بَعْدَ َذلِ كَ‬ ‫ض لَ ُمسْرِفُونَ (‪)32‬‬ ‫فِي الَرْ ِ‬ ‫بسبب جناية القتل هذه َشرَعْنا لبن اسرائيل أنه من قتل نفسا بغي سبب‬ ‫من قصاص‪ ,‬أو فساد ف الرض بأي نوع من أنواع الفساد‪ ,‬الوجب‬ ‫للقتل كالشرك والحاربة فكأنا قتل الناس جيعًا فيما استوجب من‬ ‫عظيم العقوبة من ال‪ ,‬وأنه من امتنع عن َقتْل نفس حرّمها ال فكأنا‬ ‫أحيا الناس جيعًا; فالفاظ على حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات‬ ‫‪344‬‬

‫الناس كلهم‪ .‬ولقد أتت بن إسرائيل رسلُنا بالجج والدلئل على صحة‬ ‫ض عليهم‪ ,‬ث إن كثيًا منهم‬ ‫ما دعَوهم إليه من اليان بربم‪ ,‬وأداء ما فُرِ َ‬ ‫بعد ميء الرسل إليهم لتجاوزون حدود ال بارتكاب مارم ال وترك‬ ‫أوامره‪.‬‬ ‫ض فَ سَادا أَ نْ‬ ‫ِإنّمَا َجزَاءُ الّذِي نَ ُيحَا ِربُو نَ اللّ هَ َورَ سُولَهُ َويَ سْ َع ْونَ فِي الَرْ ِ‬ ‫ِنم خِلفٍمَأوْ يُن َفوْا مِن ْم‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫يُ َقتّلُوا َأوْ يُصَمّلبُوا َأوْ تُقَطّعَمَأيْدِيهِم ْم وََأرْ ُجُله ْ‬ ‫ب عَظِيمٌ (‪)33‬‬ ‫ك لَهُمْ ِخزْيٌ فِي الدّنيَا َوَلهُمْ فِي الخِرَ ِة عَذَا ٌ‬ ‫ا َلرْضِ َذلِ َ‬ ‫إنا جزاء الذين ياربون ال‪ ,‬ويبارزونه بالعداوة‪ ,‬ويعتدون على أحكامه‪,‬‬ ‫وعلى أحكام رسوله‪ ,‬ويفسدون ف الرض بقتل النفس‪ ,‬وسلب‬ ‫الموال‪ ,‬أن يُ َقتّلوا‪ ,‬أو يُصَلّبوا مع القتل (والصلب‪ :‬أن ُيشَدّ الان على‬ ‫خشبة) أو تُقْطَع ي ُد الحارب اليمن ورجله اليسرى‪ ,‬فإن ل َيُتبْ تُقطعْ‬ ‫يدُه اليسرى ورجلُه اليمن‪ ,‬أو يُنفَوا إل بلد غي بلدهم‪ ,‬ويُحبسوا ف‬ ‫سجن ذلك البلد حت تَظهر توبتُهم‪ .‬وهذا الزاء الذي أعدّه ال‬ ‫للمحاربي هو ذ ّل ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب شديد إن ل يتوبوا‪.‬‬ ‫إِلّ الّذِي نَ تَابُوا مِ ْن َقبْلِ أَ نْ تَقْ ِدرُوا عََلْيهِ مْ فَاعْلَمُوا َأنّ اللّ هَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‬ ‫‪345‬‬

‫‪)34‬‬ ‫لكن مَن أتى من الحاربي من قبل أن تقدروا عليهم وجاء طائعًا نادمًا‬ ‫فإنه يسقط عنه ما كان ل‪ ,‬فاعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن ال غفور‬ ‫لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّ هَ وَاْبتَغُوا ِإَليْ هِ اْلوَ سِيَلةَ َوجَاهِدُوا فِي َسبِيِلهِ‬ ‫لَعَلّكُ ْم تُفِْلحُونَ ( ‪)35‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا ال‪ ,‬وتَقَرّبوا إليه‬ ‫بطاعته والعمل با يرضيه‪ ,‬وجاهدوا ف سبيله; كي تفوزوا بناته‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا َلوْ َأنّ َلهُ مْ مَا فِي ا َلرْ ضِ جَمِيعا وَ ِمثْلَ هُ مَعَ هُ ِليَ ْفتَدُوا بِ هِ‬

‫مِنْ عَذَابِ َيوْمِ الْ ِقيَا َمةِ مَا تُ ُقبّلَ ِمْنهُ ْم َولَهُ ْم عَذَابٌ َألِيمٌ (‪)36‬‬

‫إن الذين جحدوا وحدانية ال‪ ,‬وشريعته‪ ,‬لو أنم سلكوا جيع ما ف‬ ‫الرض‪ ,‬وملكوا مثله معه‪ ,‬وأرادوا أن يفتدوا أنفسهم يوم القيامة من‬ ‫عذاب ال با ملكوا‪ ,‬ما تَقبّل ال ذلك منهم‪ ,‬ولم عذاب مُوجع‪.‬‬

‫‪346‬‬

‫يُرِيدُو نَ أَنْ َيخْرُجُوا مِ نْ النّارِ وَمَا هُ مْ ِبخَارِ ِجيَ ِمْنهَا وََلهُ مْ عَذَا بٌ مُقِي مٌ‬ ‫(‪)37‬‬ ‫يريد هؤلء الكافرون الروج من النار لا يلقونه من أهوالا‪ ,‬ول سبيل‬ ‫لم إل ذلك‪ ,‬ولم عذاب دائم‪.‬‬ ‫سبَا نَكَالً مِنْ اللّ هِ وَاللّ هُ‬ ‫ق وَال سّارَِقةُ فَاقْطَعُوا َأيْ ِدَيهُمَا َجزَاءً بِمَا كَ َ‬ ‫وَالسّارِ ُ‬ ‫عَزِيزٌ حَكِيمٌ (‪)38‬‬ ‫والسارق والسارقة فاقطعوا ‪-‬يا ولة المر‪ -‬أيديهما بقتضى الشرع‪,‬‬ ‫مازاة لما على أَخْذها أموال الناس بغي حق‪ ,‬وعقوبةً ينع ال با‬ ‫غيها أن يصنع مثل صنيعهما‪ .‬وال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف أمره‬ ‫ونيه‪.‬‬ ‫ب عََليْهِ ِإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‬ ‫ب مِ ْن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَ َح َفِإنّ اللّهَ َيتُو ُ‬ ‫َفمَ ْن تَا َ‬ ‫(‪)39‬‬ ‫فمن تاب مِن بعد سرقته‪ ,‬وأصلح ف كل أعماله‪ ,‬فإن ال يقبل توبته‪ .‬إن‬ ‫ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫‪347‬‬

‫ب مَنْ َيشَاءُ َويَغْفِرُ لِمَنْ‬ ‫ض يُعَذّ ُ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َألَمْ تَعْلَمْ َأنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ السّ َموَا ِ‬

‫َيشَاءُ وَالّلهُ عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِي ٌر (‪)40‬‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال خالق الكون ومُدبّره ومالكه‪ ,‬وأنه تعال‬ ‫الفعّال لا يريد‪ ,‬يعذب من يشاء‪ ,‬ويغفر لن يشاء‪ ,‬وهو على كل شيء‬ ‫قدير‪.‬‬ ‫ك الّذِي نَ يُ سَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِ نْ الّذِي َن قَالُوا‬ ‫يَا َأيّهَا الرّ سُولُ ل َيحْ ُزنْ َ‬ ‫آ َمنّ ا بِأَ ْفوَا ِههِ مْ َولَ ْم ُتؤْمِ نْ قُلُوُبهُ مْ وَمِ نْ الّذِي نَ هَادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِ بِ‬ ‫سَمّاعُونَ لِ َقوْ مٍ آخَرِي َن لَ ْم يَ ْأتُو كَ ُيحَرّفُو نَ الْكَلِ َم مِ ْن بَعْ ِد َموَاضِعِ هِ يَقُولُو نَ‬ ‫إِ نْ أُوتِيتُ ْم هَذَا َفخُذُو هُ وَإِ نْ لَ مْ ُت ْؤَتوْ هُ فَاحْ َذرُوا وَمَ نْ يُرِ ْد اللّ هُ ِفْتَنتَ هُ فَلَ نْ‬ ‫ك الّذِينَ لَمْ يُ ِردْ اللّهُ أَنْ يُ َطهّ َر قُلُوَبهُمْ َلهُ ْم فِي‬ ‫ك لَهُ مِ ْن اللّهِ َشيْئا ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫تَمِْل َ‬ ‫ب عَظِيمٌ (‪)41‬‬ ‫ال ّدْنيَا خِ ْزيٌ َوَلهُمْ فِي الخِرَ ِة عَذَا ٌ‬ ‫يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف جحود نبوتك من النافقي‬ ‫الذين أظهروا السلم وقلوبم خالية منه‪ ,‬فإن ناصرك عليهم‪ .‬ول‬ ‫يزنك تسرّع اليهود إل إنكار نبوتك‪ ,‬فإنم قوم يستمعون للكذب‪,‬‬ ‫ويقبلون ما يَ ْفتَريه أحبارُهم‪ ,‬ويستجيبون لقوم آخرين ل يضرون‬ ‫‪348‬‬

‫ملسك‪ ,‬وهؤلء الخرون ُيبَدّلون كلم ال من بعد ما عَقَلوه‪ ,‬ويقولون‪:‬‬ ‫إن جاءكم من ممد ما يوافق الذي بدّلناه وحرّفناه من أحكام التوراة‬ ‫فاعملوا به‪ ,‬وإن جاءكم منه ما يالفه فاحذروا قبوله‪ ,‬والعمل به‪ .‬ومن‬ ‫يشأ ال ضللته فلن تستطيع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬دَ ْفعَ ذلك عنه‪ ,‬ول تقدر‬ ‫على هدايته‪ .‬وإنّ هؤلء النافقي واليهود ل يُ ِردِ ال أن يطهّر قلوبم من‬ ‫دنس الكفر‪ ,‬لم الذلّ والفضيحة ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب‬ ‫عظيم‪.‬‬ ‫ت َفإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ َبْيَنهُمْ َأوْ أَعْرِ ْ‬ ‫ض‬ ‫سَمّاعُونَ لِلْكَ ِذبِ أَكّالُونَ لِلسّحْ ِ‬ ‫ض َعْنهُ ْم فَلَ نْ يَضُرّو كَ َشيْئا وَإِ نْ حَ َكمْ تَ فَاحْكُ مْ َبْيَنهُ مْ‬ ‫َعْنهُ ْم وَإِ نْ تُ ْعرِ ْ‬ ‫بِالْ ِقسْطِ ِإنّ الّلهَ ُيحِبّ الْمُ ْقسِطِيَ (‪)42‬‬ ‫هؤلء اليهود يمعون بي استماع الكذب وأكل الرام‪ ,‬فإن جاؤوك‬ ‫يتحاكمون إليك فاقض بينهم‪ ,‬أو اتركهم‪ ,‬فإن ل تكم بينهم فلن‬ ‫يقدروا على أن يضروك بشيء‪ ,‬وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل‪ .‬إن‬ ‫ال يب العادلي‪.‬‬ ‫وَ َكيْ فَ ُيحَكّمُوَن كَ وَ ِعنْدَهُ ْم التّ ْورَاةُ فِيهَا ُحكْ مُ اللّ هِ ثُمّ َيَت َولّوْ نَ مِ نْ بَ ْعدِ‬ ‫‪349‬‬

‫ك وَمَا ُأ ْوَلئِكَ بِالْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)43‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫إنّ صنيع هؤلء اليهود عجيب‪ ,‬فهم يتكمون إليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫وهم ل يؤمنون بك‪ ,‬ول بكتابك‪ ,‬مع أن التوراة الت يؤمنون با عندهم‪,‬‬ ‫فيها حكم ال‪ ,‬ث يتولّون مِن بعد حكمك إذا ل يُرضهم‪ ,‬فجمعوا بي‬ ‫الكفر بشرعهم‪ ,‬والعراض عن حكمك‪ ,‬وليس أولئك التصفون بتلك‬ ‫الصفات‪ ,‬بالؤمني بال وبك وبا تكم به‪.‬‬ ‫ِإنّا أَن َزْلنَا التّ ْورَاةَ فِيهَا ُهدًى َونُورٌ َيحْكُ مُ ِبهَا الّنِبيّونَ الّذِي نَ أَ سْلَمُوا لِلّذِي نَ‬ ‫ب اللّ هِ وَكَانُوا عََليْ هِ‬ ‫هَادُوا وَال ّربّاِنيّو نَ وَالَ ْحبَارُ بِمَا ا ْسُتحْفِظُوا مِ نْ ِكتَا ِ‬ ‫شتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنا َقلِيلً وَمَنْ لَمْ‬ ‫ش ْونِي وَل َت ْ‬ ‫شوْا النّاسَ وَا ْخ َ‬ ‫خَ‬ ‫ُشهَدَاءَ فَل َت ْ‬

‫ك هُ ْم الْكَافِرُونَ (‪)44‬‬ ‫َيحْكُمْ بِمَا أَنزَ َل الّلهُ فَُأوَْلئِ َ‬

‫إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضللة‪ ,‬وبيان للحكام‪ ,‬وقد حكم با‬ ‫النبيّون ‪-‬الذين انقادوا لكم ال‪ ,‬وأقروا به‪ -‬بي اليهود‪ ,‬ول يرجوا‬ ‫عن حكمها ول ُيحَرّفوها‪ ,‬وحكم با ُعبّاد اليهود وفقهاؤهم الذين‬ ‫يربّون الناس بشرع ال; ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم على تبليغ‬ ‫التوراة‪ ,‬وفِقْه كتاب ال والعمل به‪ ,‬وكان الربانيون والحبار شهداء‬ ‫على أن أنبياءهم قد قضوا ف اليهود بكتاب ال‪ .‬ويقول تعال لعلماء‬ ‫‪350‬‬

‫اليهود وأحبارهم‪ :‬فل تشوا الناس ف تنفيذ حكمي; فإنم ل يقدرون‬ ‫على نفعكم ول ضَرّكم‪ ,‬ولكن اخشون فإن أنا النافع الضار‪ ,‬ول‬ ‫تأخذوا بترك الكم با أنزلتُ عوضًا حقيًا‪ .‬الكم بغي ما أنزل ال من‬ ‫أعمال أهل الكفر‪ ،‬فالذين يبدلون حكم ال الذي أنزله ف كتابه‪,‬‬ ‫فيكتمونه ويحدونه ويكمون بغيه معتقدين حله وجوازه فأولئك هم‬ ‫الكافرون‪.‬‬ ‫وَ َكَتبْنَا عََلْيهِ مْ فِيهَا أَنّ النّفْ سَ بِالنّفْ سِ وَالْ َعيْ نَ بِالْ َعيْ نِ وَالَن فَ بِالَن فِ‬ ‫ق بِ هِ َف ُهوَ‬ ‫وَالُذُ نَ بِالُذُ نِ وَال سّنّ بِال سّنّ وَاْلجُرُو حَ قِ صَاصٌ فَمَ ْن تَ صَدّ َ‬ ‫كَفّارَةٌ لَهُ وَمَ ْن لَمْ َيحْكُمْ ِبمَا أَنزَ َل الّلهُ فَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الظّالِمُونَ (‪)45‬‬ ‫وفَرَضنا عليهم ف التوراة أن النفس تُ ْقتَل بالنفس‪ ,‬والعي تُ ْفقَأ بالعي‪,‬‬ ‫والنف ُيجْدَع بالنف‪ ,‬والذُن تُقْطع بالذُن‪ ,‬والسنّ تُ ْقلَعُ بالسنّ‪ ,‬وأنّه‬ ‫يُ ْقتَصّ ف الروح‪ ,‬فمن تاوز عن حقه ف القتصاص من الُعتدي فذلك‬ ‫تكفي لبعض ذنوب العتدى عليه وإزالةٌ لا‪ .‬ومن ل يكم با أنزل ال ف‬ ‫القصاص وغيه‪ ,‬فأولئك هم التجاوزون حدود ال‪.‬‬ ‫وَقَ ّفيْنَا عَلَى آثَارِهِ مْ بِعِي سَى ابْ نِ مَ ْريَ َم مُ صَدّقا لِمَا َبيْ نَ َي َديْ هِ مِ نْ الّتوْرَاةِ‬ ‫‪351‬‬

‫وَآَتْينَا هُ الِنِيلَ فِي هِ هُدًى َونُورٌ وَمُ صَدّقا لِمَا َبيْ نَ َي َديْ هِ مِ نْ الّتوْرَاةِ وَهُدًى‬ ‫ي (‪)46‬‬ ‫وَ َموْعِظَةً لِلْ ُمتّ ِق َ‬ ‫وأتبعنا أنبياء بن إسرائيل عيسى ابن مري مؤمنًا با ف التوراة‪ ,‬عامل با‬ ‫فيها ما ل ينسخه كتابه‪ ,‬وأنزلنا إليه النيل هاديا إل الق‪ ,‬ومبّينًا لا‬ ‫جهله الناس مِن حكم ال‪ ,‬وشاهدًا على صدق التوراة با اشتمل عليه‬ ‫من أحكامها‪ ,‬وقد جعلناه بيانًا للذين يافون ال وزاجرًا لم عن‬ ‫ارتكاب الحرّمات‪.‬‬ ‫َوْلَيحْكُ مْ أَهْ ُل الِنِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ فِي هِ وَمَ نْ لَ ْم َيحْكُ مْ بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ‬ ‫فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْفَاسِقُونَ (‪)47‬‬ ‫وليحكم أهل النيل الذين أُرسِل إليهم عيسى با أنزل ال فيه‪ .‬ومن ل‬ ‫يكم با أنزل ال فأولئك هم الارجون عن أمره‪ ,‬العاصون له‪.‬‬ ‫وَأَن َزْلنَا ِإَليْ كَ الْ ِكتَا بَ بِاْلحَقّ مُ صَدّقا لِمَا َبيْ نَ يَ َديْ هِ مِ نْ الْ ِكتَا بِ وَ ُم َهيْمِنا‬ ‫عََليْ هِ فَا ْحكُ مْ َبْيَنهُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ وَل َتّتبِ عْ أَ ْهوَاءَهُ مْ عَمّا جَاءَ كَ مِ ْن اْلحَقّ‬ ‫ُمم أُ ّمةً وَا ِحدَةً‬ ‫ّهم َلجَعَلَك ْ‬ ‫ُمم شِرْ َع ًة وَ ِمْنهَاجا َولَوْ شَاءَ الل ُ‬ ‫لِكُلّ جَ َعلْن َا ِمنْك ْ‬ ‫خيْرَا تِ ِإلَى اللّ هِ مَ ْرجِعُكُ مْ َجمِيعا‬ ‫َولَكِ نْ ِليَبُْلوَكُ ْم فِي مَا آتَاكُ مْ فَا ْسَتبِقُوا اْل َ‬ ‫‪352‬‬

‫ختَلِفُونَ (‪)48‬‬ ‫َفُيَنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم فِيهِ َت ْ‬ ‫وأنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن‪ ,‬وكل ما فيه ح ّق يشهد على صدق‬ ‫الكتب قبله‪ ,‬وأنا من عند ال‪ ,‬مصدقًا لا فيها من صحة‪ ،‬ومبّينًا لا فيها‬ ‫من تريف‪ ،‬ناسخًا لبعض شرائعها‪ ,‬فاحكم بي الحتكمي إليك من‬ ‫اليهود با أنزل ال إليك ف هذا القرآن‪ ,‬ول تنصرف عن الق الذي‬ ‫أمرك ال به إل أهوائهم وما اعتادوه‪ ,‬فقد جعلنا لكل أمة شريعة‪,‬‬ ‫وطريقة واضحة يعملون با‪ .‬ولو شاء ال لعل شرائعكم واحدة‪ ,‬ولكنه‬ ‫تعال خالف بينها ليختبكم‪ ,‬فيظهر الطيع من العاصي‪ ,‬فسارعوا إل ما‬ ‫هو خي لكم ف الدارين بالعمل با ف القرآن‪ ,‬فإن مصيكم إل ال‪,‬‬ ‫فيخبكم با كنتم فيه تتلفون‪ ,‬ويزي كل بعمله‪.‬‬ ‫وَأَ نْ احْ ُك ْم َبْيَنهُ مْ ِبمَا أَنزَلَ اللّ هُ وَل َتّتبِ عْ أَ ْهوَاءَهُ ْم وَاحْ َذرْهُ مْ أَ نْ يَ ْفِتنُو َك‬ ‫عَ نْ بَعْ ضِ مَا أَنزَ َل اللّ هُ ِإَليْ كَ َفإِ نْ َت َوّلوْا فَاعْلَ مْ َأنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ أَ نْ يُ صِيَبهُمْ‬ ‫ِببَعْضِ ُذنُوِبهِ ْم وَِإنّ َكثِيا مِ ْن النّاسِ لَفَاسِقُونَ (‪)49‬‬ ‫واحكم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بي اليهود با أنزل ال إليك ف القرآن‪ ,‬ول تتبع‬ ‫أهواء الذين يتكمون إليك‪ ,‬واحذرهم أن يصدّوك عن بعض ما أنزل‬ ‫ال إليك فتترك العمل به‪ ,‬فإن أعرض هؤلء عمّا تكم به فاعلم أن ال‬ ‫‪353‬‬

‫ب اكتسبوها من قبل‪ .‬وإن كثيًا‬ ‫يريد أن يصرفهم عن الدى بسبب ذنو ٍ‬ ‫من الناس لَخارجون عن طاعة ربم‪.‬‬ ‫أََفحُكْ مَ اْلجَاهِِلّيةِ َيبْغُو نَ وَمَ نْ َأحْ سَنُ مِ نْ اللّ هِ حُكْما لِ َقوْ مٍ يُوِقنُو نَ (‬ ‫‪)50‬‬ ‫أيريد هؤلء اليهود أن تكم بينهم با تعارف عليه الشركون عبد ُة‬ ‫الوثان من الضللت والهالت؟! ل يكون ذلك ول يليق أبدًا ومَن‬ ‫أعدل مِن ال ف حكمه لن عقل عن ال شَرْعه‪ ,‬وآمن به‪ ,‬وأيقن أن‬ ‫حكم ال هو الق؟‬ ‫ُممَأ ْوِليَا ُء‬ ‫ضه ْ‬ ‫ِينم آ َمنُوا ل َتّتخِذُوا الَْيهُودَ وَالنّصمَارَى َأ ْوِليَاءَ بَعْ ُ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫ض وَمَ نْ َيَت َوّلهُ ْم ِمنْكُ مْ َفِإنّ هُ ِمْنهُ مْ إِنّ اللّ هَ ل َيهْدِي الْ َقوْ مَ الظّالِمِيَ (‬ ‫بَعْ ٍ‬ ‫‪)51‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى حلفاءَ وأنصارًا على أهل‬ ‫اليان; ذلك أنم ل يُوادّون الؤمني‪ ,‬فاليهود يوال بعضهم بعضًا‪,‬‬ ‫وكذلك النصارى‪ ,‬وكل الفريقي يتمع على عداوتكم‪ .‬وأنتم ‪-‬أيها‬ ‫الؤمنون‪ -‬أجدرُ بأن ينصر بعضُكم بعضًا‪ .‬ومن يتولم منكم فإنه يصي‬ ‫‪354‬‬

‫من جلتهم‪ ,‬وحكمه حكمهم‪ .‬إن ال ل يوفق الظالي الذين يتولون‬ ‫الكافرين‪.‬‬ ‫خشَى أَ ْن تُصِيَبنَا‬ ‫َفَترَى الّذِينَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ َن ْ‬ ‫صِبحُوا عَلَى مَا َأسَرّوا‬ ‫دَائِرَ ٌة فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْأتِ َي بِالْ َفتْحِ َأوْ أَمْ ٍر مِنْ ِعْندِهِ َفيُ ْ‬ ‫سهِمْ نَادِ ِميَ (‪)52‬‬ ‫فِي أَن ُف ِ‬ ‫يب ال تعال عن جاعة من النافقي أنم كانوا يبادرون ف موادة اليهود‬ ‫لا ف قلوبم من الشكّ والنفاق‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنا نوادّهم خشية أن يظفروا‬ ‫بالسلمي فيصيبونا معهم‪ ,‬قال ال تعال ذكره‪ :‬فعسى ال أن يأت بالفتح‬ ‫أي فتح "مكة"‪ -‬وينصر َنِبيّه‪ ,‬ويُ ْظهِر السلم والسلمي على الكفار‪,‬‬‫أو يُهيّئ من المور ما تذهب به قو ُة اليهود والنّصارى‪ ,‬فيخضعوا‬ ‫للمسلمي‪ ,‬فحينئذٍ يندم النافقون على ما أضمروا ف أنفسهم من‬ ‫موالتم‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِمم ِإّنه ْ‬ ‫ّهم َجهْدَ َأيْمَاِنه ْ‬ ‫ْسممُوا بِالل ِ‬ ‫ِينم أَق َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا أَ َهؤُلءِ الّذ َ‬ ‫َويَقُولُ الّذ َ‬ ‫صَبحُوا خَاسِرِينَ ( ‪)53‬‬ ‫لَمَعَكُمْ َحبِطَتْ أَ ْعمَاُلهُمْ فََأ ْ‬

‫‪355‬‬

‫وحينئذ يقول بعض الؤمني لبعض مُتعجّبي من حال النافقي ‪-‬إذا‬ ‫ُكشِف أمرهم‪ :-‬أهؤلء الذين أقسموا بأغلظ اليان إنم لَمَعَنا؟! بطلت‬ ‫أعمال النافقي الت عملوها ف الدنيا‪ ,‬فل ثواب لم عليها; لنم عملوها‬ ‫على غي إيان‪ ,‬فخسروا الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫سوْفَ يَأْتِي اللّ هُ بِ َقوْ ٍم‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا مَ نْ يَ ْرتَ ّد ِمنْكُ مْ عَ نْ دِينِ هِ فَ َ‬ ‫حبّونَ هُ أَ ِذّلةٍ عَلَى الْ ُمؤْ ِمنِيَ أَعِزّ ٍة عَلَى الْكَافِرِي َن ُيجَاهِدُو نَ فِي‬ ‫حبّهُ ْم َويُ ِ‬ ‫ُي ِ‬ ‫ك فَضْلُ اللّ هِ ُي ْؤتِي هِ مَ نْ َيشَاءُ وَاللّ هُ‬ ‫َسبِيلِ اللّ هِ وَل َيخَافُو نَ َلوْ َمةَ لئِ مٍ َذلِ َ‬ ‫وَاسِعٌ َعلِيمٌ (‪)54‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم عن‬ ‫دينه‪ ,‬ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غي ذلك‪ ,‬فلن يضرّوا ال‬ ‫حبّهم ويبونه‪ ,‬رحاء بالؤمني‬ ‫شيئًا‪ ,‬وسوف يأت ال بقوم خي منهم ُي ِ‬ ‫أشدّاء على الكافرين‪ ,‬ياهدون أعداء ال‪ ,‬ول يافون ف ذات ال أحدًا‪.‬‬ ‫ذلك النعام مِن فضل ال يؤتيه من أراد‪ ,‬وال واسع الفضل‪ ,‬عليم بن‬ ‫يستحقه من عباده‪.‬‬ ‫ِإنّمَا َوِليّكُ مْ اللّ هُ َورَ سُولُهُ وَالّذِي نَ آ َمنُوا الّذِي نَ يُقِيمُو نَ ال صّلةَ َوُي ْؤتُو نَ‬ ‫‪356‬‬

‫الزّكَاةَ وَ ُهمْ رَاكِعُونَ (‪)55‬‬ ‫إنا ناصركم ‪-‬أيّها الؤمنون‪ -‬ال ورسوله‪ ,‬والؤمنون الذين يافظون‬ ‫على الصلة الفروضة‪ ,‬ويؤدون الزكاة عن رضا نفس‪ ,‬وهم خاضعون‬ ‫ل‪.‬‬ ‫وَمَ نْ َيَتوَلّ اللّ هَ َورَ سُوَلهُ وَالّذِي نَ آ َمنُوا َفإِنّ ِحزْ بَ اللّ هِ ُه ْم الْغَاِلبُو نَ (‬ ‫‪)56‬‬ ‫ومن وثق بال وتولّى ال ورسوله والؤمني‪ ,‬فهو من حزب ال‪ ,‬وحزب‬ ‫ال هم الغالبون النتصرون‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتّتخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ ُهزُوا َولَعِبا مِنْ الّذِي َن‬ ‫أُوتُوا الْ ِكتَا بَ مِ نْ َقبِْلكُ ْم وَالْكُفّارَ َأ ْوِليَاءَ وَاتّقُوا اللّ هَ إِ نْ كُنتُ مْ ُمؤْ ِمنِيَ (‬ ‫‪)57‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تتخذوا الذين‬ ‫يستهزئون ويتلعبون بدينكم من أهل الكتاب والكفارَ أولياءَ‪ ,‬وخافوا‬ ‫ال إن كنتم مؤمني به وبشرعه‪.‬‬ ‫‪357‬‬

‫وَِإذَا نَا َدْيتُ مْ ِإلَى ال صّلةِ اّتخَذُوهَا ُهزُوا َولَعِبا َذلِ كَ بَِأّنهُ مْ َقوْ مٌ ل يَعْقِلُو نَ‬

‫(‪)58‬‬

‫وإذا أذّن مؤذنكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بالصلة سخر اليهود والنصارى‬ ‫والشركون واستهزؤوا من دعوتكم إليها؛ وذلك بسبب جهلهم بربم‪،‬‬ ‫وأنم ل يعقلون حقيقة العبادة‪.‬‬ ‫ب هَلْ تَنقِمُو نَ ِمنّا إِلّ أَ نْ آ َمنّا بِاللّ هِ وَمَا أُنزِلَ ِإَلْينَا وَمَا‬ ‫قُ ْل يَا أَهْ َل الْ ِكتَا ِ‬ ‫ُأنْزِ َل مِنْ َقبْ ُل وََأنّ أَ ْكثَرَكُ ْم فَاسِقُونَ ( ‪)59‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الستهزئي من أهل الكاب‪ :‬ما َتجِدُونه مطعنًا‬ ‫أو عيبًا هو ممدة لنا‪ :‬من إياننا بال وكتبه النلة علينا‪ ,‬وعلى من كان‬ ‫قبلنا‪ ,‬وإياننا بأن أكثركم خارجون عن الطريق الستقيم!‬ ‫ب عََليْ هِ‬ ‫قُ ْل هَلْ ُأَنّبئُ ُك ْم ِبشَرّ مِ نْ َذلِ كَ َمثُوَبةً ِعنْ َد اللّ هِ مَ نْ لَ َعنَ هُ اللّ هُ وَغَضِ َ‬ ‫خنَازِي َر وَ َعبَدَ الطّاغُوتَمُأوَْلئِكَم شَرّ مَكَانا وََأضَلّ‬ ‫وَجَعَلَ ِمْنهُم ْم الْقِ َردَةَ وَالْ َ‬ ‫سبِيلِ (‪)60‬‬ ‫عَنْ َسوَاءِ ال ّ‬ ‫‪358‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬للمؤمني‪ :‬هل أخبكم بن يُجازَى يوم القيامة جزاءً‬ ‫أشدّ مِن جزاء هؤلء الفاسقي؟ إنم أسلفهم الذين طردهم ال من‬ ‫رحته وغَضِب عليهم‪ ,‬و َمسَخَ خَلْقهم‪ ,‬فجعل منهم القردة والنازير‪,‬‬ ‫بعصيانم وافترائهم وتكبهم‪ ,‬كما كان منهم ُعبّاد الطاغوت (وهو كل‬ ‫ما ُعبِد من دون ال وهو راضٍ)‪ ,‬لقد ساء مكانم ف الخرة‪ ,‬وضلّ‬ ‫سَ ْعيُهم ف الدنيا عن الطريق الصحيح‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫ِهم وَالل ُ‬ ‫ُمم قَدْ َخرَجُوا ب ِ‬ ‫ُمم قَالُوا آ َمنّام وَقَدْ َدخَلُوا بِالْكُفْرِ وَه ْ‬ ‫وَِإذَا جَاءُوك ْ‬

‫أَعَْلمُ بِمَا كَانُوا يَ ْكتُمُونَ ( ‪)61‬‬

‫وإذا جاءكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬منافقو اليهود‪ ,‬قالوا‪ :‬آمنّا‪ ,‬وهم مقيمون‬ ‫على كفرهم‪ ,‬قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبم‪ ,‬ث‬ ‫خرجوا وهم مصرّون عليه‪ ,‬وال أعلم بسرائرهم‪ ,‬وإن أظهروا خلف‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫سحْتَ َلِبئْ سَ‬ ‫َوتَرَى َكثِيا ِمْنهُ مْ يُ سَارِعُونَ فِي ا ِلثْ مِ وَالْعُ ْدوَا نِ وَأَكِْلهِ ْم ال ّ‬ ‫مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)62‬‬

‫‪359‬‬

‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كثيًا من اليهود يبادرون إل العاصي من قول‬ ‫الكذب والزور‪ ,‬والعتداء على أحكام ال‪ ,‬وأكْل أموال الناس بالباطل‪,‬‬ ‫لقد ساء عملهم واعتداؤهم‪.‬‬ ‫سحْتَ َلِبئْ سَ‬ ‫َلوْل َيْنهَاهُ ْم ال ّربّاِنيّو نَ وَالَ ْحبَارُ عَ نْ َق ْولِهِ مْ ا ِلثْ مَ وَأَكِْلهِ مْ ال ّ‬ ‫صنَعُونَ (‪)63‬‬ ‫مَا كَانُوا يَ ْ‬ ‫هل ينهى هؤلء الذين يسارعون ف الث والعدوان أئمتُهم وعلماؤهم‪,‬‬ ‫عن قول الكذب والزور‪ ,‬وأكل أموال الناس بالباطل‪ ,‬لقد ساء صنيعهم‬ ‫حي تركوا النهي عن النكر‪.‬‬ ‫َاهم‬ ‫ِمم َولُ ِعنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَد ُ‬ ‫ّتمَأيْدِيه ْ‬ ‫ّهم مَغْلُولَةٌ غُل ْ‬ ‫َتم اْلَيهُودُ يَ ُد الل ِ‬ ‫وَقَال ْ‬ ‫َمبْسُو َطتَانِ يُنفِ ُق َكيْفَ َيشَاءُ وََليَزِي َدنّ َكثِيا ِمْنهُ ْم مَا أُنزِلَ ِإَليْكَ مِنْ َربّكَ‬ ‫م الْ ِقيَا َمةِ كُلّمَما‬ ‫م الْعَدَاوَةَ وَاْلبَغْضَاءَ ِإلَى َيوْم ِ‬ ‫طُ ْغيَانا وَكُفْرا وََألْ َقيْنَما َبْيَنهُم ْ‬ ‫َأوْقَدُوا نَارا لِ ْلحَرْ بِ َأطْفَأَهَا اللّ هُ َويَ سْ َعوْنَ فِي ا َلرْ ضِ فَ سَادا وَاللّ هُ ل‬ ‫ُيحِبّ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)64‬‬ ‫يُطلع ال َنِبيّه على شيء من مآث اليهود ‪-‬وكان ما يُسرّونه فيما بينهم‪-‬‬ ‫أنم قالوا‪ :‬يد ال مبوسة عن فعل اليات‪َ ,‬بخِلَ علينا بالرزق‬ ‫‪360‬‬

‫والتوسعة‪ ,‬وذلك حي لقهم جَدْب وقحط‪ .‬غُلّتْ أيديهم‪ ,‬أي‪:‬‬ ‫حبست أيديهم هم عن فِعْلِ اليات‪ ,‬وطردهم ال من رحته بسبب‬ ‫قولم‪ .‬وليس المر كما يفترونه على ربم‪ ,‬بل يداه مبسوطتان ل َحجْرَ‬ ‫عليه‪ ,‬ول مانع ينعه من النفاق‪ ,‬فإنه الواد الكري‪ ,‬ينفق على مقتضى‬ ‫الكمة وما فيه مصلحة العباد‪ .‬وف الية إثبات لصفة اليدين ل سبحانه‬ ‫وتعال كما يليق به من غي تشبيه ول تكييف‪ .‬لكنهم سوف يزدادون‬ ‫طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم; لن ال قد اصطفاك بالرسالة‪.‬‬ ‫ويب تعال أن طوائف اليهود سيظلون إل يوم القيامة يعادي بعضهم‬ ‫بعضًا‪ ,‬وينفر بعضهم من بعض‪ ,‬كلما تآمروا على الكيد للمسلمي‬ ‫بإثارة الفت وإشعال نار الرب ر ّد ال كيدهم‪ ,‬وفرّق شلهم‪ ,‬ول يزال‬ ‫اليهود يعملون بعاصي ال ما ينشأ عنها الفساد والضطراب ف الرض‪.‬‬ ‫وال تعال ل يب الفسدين‪.‬‬ ‫َوَلوْ أَنّ أَهْلَ الْ ِكتَا بِ آ َمنُوا وَاتّ َقوْا لَكَفّرْنَا َعْنهُ مْ َسّيئَاتِهِ ْم وَلَدْخَ ْلنَاهُ مْ‬ ‫ت النّعِي ِم (‪)65‬‬ ‫َجنّا ِ‬ ‫ولو أن اليهود والنصارى صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وامتثلوا أوامر ال واجتنبوا‬ ‫نواهيه‪ ,‬لكفّرنا عنهم ذنوبم‪ ,‬ولدخلناهم جنات النعيم ف الدار الخرة‪.‬‬ ‫‪361‬‬

‫َوَلوْ َأّنهُ مْ أَقَامُوا التّ ْورَاةَ وَالِنِيلَ وَمَا أُنزِلَ ِإَليْهِ ْم مِ نْ َرّبهِ مْ لَكَلُوا مِ ْن‬ ‫مءَ مَا‬ ‫َفوِْقهِم ْم وَمِن ْمَتحْتِمَأ ْرجُِلهِم ْم ِمْنهُم ْمأُ ّم ٌة مُ ْقتَصِمدَةٌ وَ َكثِيٌ ِمْنهُم ْم سَا‬ ‫يَعْمَلُونَ (‪)66‬‬ ‫ولو أنّهم عملوا با ف التوراة والنيل‪ ,‬وبا ُأنْزِل عليك أيها الرسول ‪-‬‬ ‫وهو القرآن الكري ‪ -‬ل ُرزِقوا من ك ّل سبيلٍ‪ ,‬فأنزلنا عليهم الطر‪ ,‬وأنبتنا‬ ‫لم الثمر‪ ,‬وهذا جزاء الدنيا‪ .‬وإنّ مِن أهل الكتاب فريقًا معتدل ثابتًا‬ ‫على الق‪ ,‬وكثي منهم ساء عملُه‪ ,‬وضل عن سواء السبيل‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الرّ سُولُ بَلّ ْغ مَا أُنزِلَ ِإَليْ كَ مِ نْ َربّ كَ وَإِ نْ لَ مْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْ تَ‬

‫ك مِنْ النّاسِ ِإنّ الّلهَ ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الْكَافِرِينَ (‪)67‬‬ ‫رِسَالََتهُ وَالّلهُ يَعْصِمُ َ‬ ‫يا أيها الرسول بلّغ وحي ال الذي أنزِل إليك من ربك‪ ,‬وإن قصّرت ف‬ ‫ت منه شيئًا‪ ,‬فإنك ل ُتبَلّغ رسالة ربّك‪ ,‬وقد بلّغ صلى ال‬ ‫البلغ َف َكتَمْ َ‬ ‫عليه وسلم رسالة ربه كاملة‪ ,‬فمن زعم أنه كتم شيئًا ما أنزِل عليه‪ ,‬فقد‬ ‫أعظم على ال ورسوله الفرية‪ .‬وال تعال حافظك وناصرك على‬ ‫أعدائك‪ ,‬فليس عليك إل البلغ‪ .‬إن ال ل يوفق للرشد مَن حاد عن‬ ‫سبيل الق‪ ,‬وجحد ما جئت به من عند ال‪.‬‬ ‫‪362‬‬

‫ستُمْ عَلَى شَ ْيءٍ َحتّ ى تُقِيمُوا الّت ْورَاةَ وَالِنِيلَ وَمَا‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫قُ ْل يَا أَهْلَ الْ ِكتَا ِ‬ ‫ك طُ ْغيَانا‬ ‫ك مِ ْن َربّ َ‬ ‫أُنزِلَ ِإَليْكُ ْم مِنْ َربّكُ ْم َوَليَزِي َدنّ َكثِيا ِمْنهُ ْم مَا أُنزِلَ ِإَليْ َ‬ ‫وَكُفْرا فَل تَأْسَ عَلَى الْقَوْ ِم الْكَافِرِي َن (‪)68‬‬ ‫ظ من الدين‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود والنصارى‪ :‬إنكم لستم على ح ّ‬ ‫ما دمتم ل تعملوا با ف التوراة والنيل‪ ,‬وما جاءكم به ممد من‬ ‫القرآن‪ ,‬وإن كثيًا من أهل الكتاب ل يزيدهم إنزالُ القرآن إليك إل‬ ‫تبّرًا وجحودًا‪ ,‬فهم يسدونك; لن ال بعثك بذه الرسالة الاتة‪ ,‬الت‬ ‫َبيّن فيها معايبهم‪ ,‬فل تزن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على تكذيبهم لك‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاْلَيوْمِ‬ ‫الخِ ِر وَعَمِلَ صَالِحا فَل َخوْفٌ َعَلْيهِمْ وَل ُهمْ َيحْ َزنُونَ (‪)69‬‬ ‫إن الذين آمنوا (وهم السلمون) واليهود‪ ,‬والصابئي (وهم قوم باقون‬ ‫على فطرتم‪ ,‬ول دين مقرر لم يتبعونه) والنصارى (وهم أتباع السيح)‬ ‫من آمن منهم بال اليان الكامل‪ ,‬وهو توحيد ال والتصديق بحمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم وبا جاء به‪ ,‬وآمن باليوم الخر‪ ,‬وعمل العمل‬

‫‪363‬‬

‫الصال‪ ,‬فل خوف عليهم من أهوال يوم القيامة‪ ,‬ول هم يزنون على ما‬ ‫تركوه وراءهم ف الدنيا‪.‬‬ ‫ل كُلّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ‬ ‫لَقَدْ َأخَ ْذنَا مِيثَاقَ َبنِي ِإسْرَائِيلَ وََأرْسَ ْلنَا ِإَليْهِ ْم رُسُ ً‬ ‫سهُمْ فَرِيقا كَ ّذبُوا وَفَرِيقا يَ ْقتُلُونَ (‪)70‬‬ ‫بِمَا ل َتهْوَى أَن ُف ُ‬ ‫لقد أخذنا العهد الؤكّد على بن إسرائيل ف التوراة بالسمع والطاعة‪,‬‬ ‫وأرسلنا إليهم بذلك رسلنا‪َ ,‬فنَقَضوا ما أُخذ عليهم من العهد‪ ,‬واتبعوا‬ ‫أهواءهم‪ ,‬وكانوا كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل با ل تشتهيه‬ ‫أنفسهم عا َدوْه‪ :‬فكذبوا فريقًا من الرسل‪ ,‬وقتلوا فريقًا آخر‪.‬‬ ‫ب اللّ هُ عََلْيهِ مْ ثُمّ عَمُوا‬ ‫سبُوا أَ ّل تَكُو نَ ِفْتَنةٌ فَ َعمُوا وَ صَمّوا ثُمّ تَا َ‬ ‫وَحَ ِ‬ ‫َوصَمّوا َكثِيٌ ِمْنهُ ْم وَالّلهُ بَصِيٌ ِبمَا يَعْمَلُونَ (‪)71‬‬ ‫وظنّ هؤلء العُصاة أن ال لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانم و ُعُتوّهم‪,‬‬ ‫فمضوا ف شهواتم‪ ,‬وعمُوا عن الدى فلم يبصروه‪ ,‬وصَمّوا عن ساع‬ ‫القّ فلم ينتفعوا به‪ ,‬فأنزل ال بم بأسه‪ ,‬فتابوا فتاب ال عليهم‪ ,‬ث عَمِي‬ ‫كثيٌ منهم‪ ,‬وصمّوا‪ ,‬بعدما تبي لم القّ‪ ,‬وال بصي بأعمالم خيها‬ ‫وشرها وسيجازيهم عليها‪.‬‬ ‫‪364‬‬

‫لَقَدْ كَ َفرَ الّذِي نَ قَالُوا ِإنّ اللّ هَ ُهوَ الْمَ سِيحُ ابْ نُ مَ ْريَ مَ وَقَالَ الْمَ سِيحُ يَا َبنِي‬ ‫إِ سْرَائِيلَ ا ْعبُدُوا اللّ هَ َربّي َو َربّكُ مْ ِإنّ هُ مَ نْ ُيشْرِ كْ بِاللّ هِ فَ َقدْ حَرّ مَ اللّ هُ َعَليْ هِ‬ ‫جّنةَ وَمَ ْأوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِ ِميَ مِنْ أَنصَارٍ (‪)72‬‬ ‫الْ َ‬ ‫يقسم ال تعال بأن الذين قالوا‪ :‬إن ال هو السيح ابن مري‪ ,‬قد كفروا‬ ‫بقالتهم هذه‪ ,‬وأخب تعال أن السيح قال لبن إسرائيل‪ :‬اعبدوا ال وحده‬ ‫ل شريك له‪ ,‬فأنا وأنتم ف العبودية سواء‪ .‬إنه من يعبد مع ال غيه فقد‬ ‫حرّم ال عليه النة‪ ,‬وجعل النار مُستَقَرّه‪ ,‬وليس له ناصرٌ يُنقذُه منها‪.‬‬ ‫لَقَ ْد كَفَ َر الّذِينَ قَالُوا ِإنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلَث ٍة وَمَا مِنْ ِإلَهٍ إِلّ ِإلَهٌ وَاحِ ٌد وَإِ ْن لَمْ‬

‫يَنَتهُوا َعمّا يَقُولُونَ َليَ َمسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِمْنهُ ْم عَذَابٌ َألِيمٌ (‪)73‬‬

‫لقد كفر من النصارى من قال‪ :‬إ ّن ال مموع ثلثة أشياء‪ :‬هي الب‪,‬‬ ‫والبن‪ ,‬وروح القدس‪ .‬أما عَلِ َم هؤلء النصارى أنه ليس للناس سوى‬ ‫معبود واحد‪ ,‬ل يلد ول يولد‪ ,‬وإن ل ينته أصحاب هذه القالة عن‬ ‫افترائهم وكذبم ليُصِيَبنّهم عذاب مؤل موجع بسبب كفرهم بال‪.‬‬ ‫ستَغْفِرُوَنهُ وَاللّهُ َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)74‬‬ ‫أَفَل َيتُوبُونَ ِإلَى الّلهِ َوَي ْ‬ ‫‪365‬‬

‫أفل يرجع هؤلء النصارى إل ال تعال‪ ,‬ويتولون عمّا قالوا‪ ,‬ويسألون‬ ‫ال تعال الغفرة؟ وال تعال متجاوز عن ذنوب التائبي‪ ,‬رحيمٌ بم‬ ‫مَا الْمَ سِي ُح ابْ نُ َم ْريَ مَ إِ ّل رَ سُولٌ قَدْ خَلَ تْ مِ نْ َقبْلِ هِ الرّ سُلُ وَُأمّ هُ صِدّي َق ٌة‬ ‫ت ثُمّ انظُرْ َأنّى ُيؤْفَكُو نَ (‬ ‫كَانَا يَأْكُل نِ الطّعَامَانظُرْ َكيْ فَ ُنَبيّ ُن لَهُ ْم اليَا ِ‬ ‫‪)75‬‬ ‫ما السيح ابن مري عليه السلم إل رسولٌ كمن تقدمه من الرسل‪ ,‬وأُمّه‬ ‫قد صَدّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعمل وها كغيها من البشر يتاجان‬ ‫إل الطعام‪ ,‬ول يكون إلًا مَن يتاج ال الطعام ليعيش‪ .‬فتأمّل ‪-‬أيها‬ ‫ت الدالةَ على‬ ‫الرسول‪ -‬حال هؤلء الكفار‪ .‬لقد وضحنا العلما ِ‬ ‫وحدانيتنا‪ ,‬وبُطلن ما يَدّعونه ف أنبياء ال‪ .‬ث هم مع ذلك يَضِلّون عن‬ ‫الق الذي نَهديهم إليه‪ ,‬ث انظر كيف يُصرفون عن الق بعد هذا‬ ‫البيان؟‬ ‫ك لَكُ ْم ضَرّا وَل نَفْعا وَاللّ هُ ُهوَ‬ ‫قُلْ َأتَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا ل يَمِْل ُ‬ ‫السّمِي ُع الْعَلِيمُ (‪)76‬‬

‫‪366‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكفرة‪ :‬كيف تشركون مع ال من ل يَقْ ِد ُر‬ ‫على ضَرّكم‪ ,‬ول على جَلْبِ نفع لكم؟ وال هو السميع لقوال عباده‪,‬‬ ‫العليم بأحوالم‪.‬‬ ‫ب ل تَغْلُوا فِي دِينِ ُك مْ َغيْ َر الْحَقّ وَل َتّتبِعُوا أَ ْهوَاءَ َقوْ مٍ‬ ‫قُ ْل يَا أَهْ َل الْ ِكتَا ِ‬ ‫سبِيلِ (‪)77‬‬ ‫قَ ْد ضَلّوا مِنْ َقبْلُ وََأضَلّوا َكثِيا َوضَلّوا عَنْ َسوَاءِ ال ّ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للنصارى‪ :‬ل تتجاوزوا القّ فيما تعتقدونه من أمر‬ ‫السيح‪ ,‬ول تتبعوا أهواءكم‪ ,‬كما اتّبع اليهود أهواءهم ف أمر الدين‪,‬‬ ‫فوقعوا ف الضلل‪ ,‬وحلوا كثيًا من الناس على الكفر بال‪ ,‬وخرجوا‬ ‫عن طريق الستقامة ال طريق الغَواية والضلل‪.‬‬ ‫لُعِ نَ الّذِي نَ كَفَرُوا مِ نْ َبنِي إِ سْرَائِيلَ عَلَى لِ سَانِ دَاوُو َد وَعِي سَى ابْ نِ مَ ْريَ مَ‬ ‫صوْا وَكَانُوا يَ ْعتَدُونَ (‪)78‬‬ ‫ك بِمَا عَ َ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫يب تعال أنه طرد من رحته الكافرين من بن إسرائيل ف الكتاب الذي‬ ‫أنزله على داود ‪-‬عليه السلم‪ -‬وهو الزّبور‪ ,‬وف الكتاب الذي أنزله‬ ‫على عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو النيل; بسبب عصيانم واعتدائهم‬ ‫على حرمات ال‪.‬‬ ‫‪367‬‬

‫كَانُوا ل َيَتنَا َهوْنَ عَ ْن مُنكَ ٍر فَعَلُوهُ َلِبْئسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (‪)79‬‬ ‫كان هؤلء اليهود يُجاهرون بالعاصي ويرضونا‪ ,‬ول َينْهى بعضُهم‬ ‫بعضًا عن أيّ منكر فعلوه‪ ,‬وهذا من أفعالم السيئة‪ ,‬وبه استحقوا أن‬ ‫يُطْرَدُوا من رحة ال تعال‪.‬‬ ‫تَرَى َكثِيا ِمْنهُ مْ َيَت َوّلوْ نَ الّذِي نَ كَ َفرُوا َلبِئْ سَ مَا قَدّ َم تْ َلهُ مْ أَنفُ سُهُمْ أَ نْ‬ ‫ط الّلهُ عََلْيهِ ْم وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (‪)80‬‬ ‫َسخِ َ‬ ‫تَرَى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كثيًا من هؤلء اليهود يتخذون الشركي أولياء‬ ‫لم‪ ,‬ساء ما عملوه من الوالة الن كانت سببًا ف غضب ال عليهم‪,‬‬ ‫وخلودهم ف عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬ ‫َوَلوْ كَانُوا ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَالّنبِيّ وَمَا أُنزِلَ ِإَليْ هِ مَا اّتخَذُوهُ مْ َأ ْولِيَاءَ َولَكِنّ‬

‫َكثِيا ِمْنهُ ْم فَاسِقُونَ (‪)81‬‬

‫ولو أن هؤلء اليهود الذين يناصرون الشركي كانوا قد آمنوا بال تعال‬ ‫والنب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأقرّوا با أنزل إليه ‪-‬وهو القرآن‬ ‫‪368‬‬

‫الكري‪ -‬ما اتذوا الكفار أصحابًا وأنصارًا‪ ,‬ولكن كثيًا منهم خارجون‬ ‫عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫َلَتجِدَنّ أَ َشدّ النّا سِ عَدَاوَةً لِلّذِي نَ آ َمنُوا اْلَيهُودَ وَالّذِي نَ أَ ْشرَكُوا َولََتجِدَنّ‬ ‫أَ ْق َرَبهُمْ َموَدّ ًة لِلّذِينَ آ َمنُوا الّذِينَ قَالُوا ِإنّا نَصَارَى َذلِكَ بَِأنّ ِمْنهُ ْم قِسّيسِيَ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)82‬‬ ‫َورُ ْهبَانا وََأّنهُ ْم ل َي ْ‬ ‫لتجدنّ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أش ّد الناس عداوة للذين صدّقوك وآمنوا بك‬ ‫واتبعوك‪ ,‬اليهودَ; لعنادهم‪ ,‬وجحودهم‪ ,‬وغمطهم الق‪ ,‬والذين أشركوا‬ ‫مع ال غيه‪ ,‬كعبدة الوثان وغيهم‪ ,‬ولتجدنّ أقربم مودة للمسلمي‬ ‫الذين قالوا‪ :‬إنا نصارى‪ ,‬ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين وعبّادًا‬ ‫ف الصوامع متنسكي‪ ,‬وأنم متواضعون ل يستكبون عن قَبول الق‪,‬‬ ‫وهؤلء هم الذين قبلوا رسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وآمنوا با‪.‬‬

‫‪369‬‬

‫الزء السابع ‪:‬‬ ‫وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ ِإلَى الرّسُولِ تَرَى أَ ْعُيَنهُمْ تَفِيضُ مِ ْن الدّمْعِ ِممّا عَرَفُوا‬ ‫مِنْ اْلحَقّ يَقُولُونَ َرّبنَا آ َمنّا فَا ْكُتْبنَا َمعَ الشّاهِدِينَ (‪)83‬‬ ‫وما يدل على قرب مودتم للمسلمي أن فريقًا منهم (وهم وفد البشة‬ ‫لا سعوا القرآن) فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه حقّ منل من عند‬ ‫ال تعال‪ ,‬وصدّقوا بال واتبعوا رسوله‪ ,‬وتضرعوا إل ال أن يكرمهم‬ ‫بشرف الشهادة مع أمّة ممد عليه السلم على المم يوم القيامة‪.‬‬ ‫وَمَا َلنَا ل ُنؤْمِ نُ بِاللّ هِ وَمَا جَا َءنَا مِ نْ الْحَقّ َونَطْمَ عُ أَ نْ يُدْ ِخَلنَا َرّبنَا َم عَ‬ ‫حيَ (‪)84‬‬ ‫الْقَوْمِ الصّالِ ِ‬ ‫ي لوم علينا ف إياننا بال‪ ,‬وتصديقنا بالق الذي جاءنا به‬ ‫وقالوا‪ :‬وأ ّ‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم من عند ال‪ ,‬واتباعنا له‪ ,‬ونرجو أن يدخلنا‬ ‫ربنا مع أهل طاعته ف جنته يوم القيامة؟‬

‫‪370‬‬

‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا‬ ‫َفَأثَابَهُ ْم اللّ هُ بِمَا قَالُوا َجنّا تٍ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫حسِِنيَ (‪)85‬‬ ‫وَ َذلِكَ جَزَاءُ الْ ُم ْ‬ ‫فجزاهم ال با قالوا من العتزاز بإيانم بالسلم‪ ,‬وطلبهم أن يكونوا‬ ‫مع القوم الصالي‪ ,‬جنات تري من تت أشجارها النار‪ ,‬ماكثي فيها‬ ‫ل يرجون منها‪ ,‬ول يُحوّلون عنها‪ ,‬وذلك جزاء إحسانم ف القول‬ ‫والعمل‪.‬‬ ‫جحِيمِ (‪)86‬‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَالّذِينَ كَفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا ُأ ْوَلئِكَ َأ ْ‬ ‫والذين جحدوا وحدانية ال وأنكروا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬ ‫وكذّبوا بآياته النلة على رسله‪ ,‬أولئك هم أصحاب النار اللزمون لا‪.‬‬ ‫ت مَا َأحَلّ اللّ هُ لَكُ ْم وَل تَ ْعتَدُوا إِنّ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل ُتحَرّمُوا َطّيبَا ِ‬ ‫اللّهَ ل ُيحِبّ الْمُ ْعتَدِي َن (‪)87‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا ل ترّموا طيبات أحلّها ال لكم من الطاعم‬ ‫والشارب ونكاح النساء‪ ,‬فتضيقوا ما وسّع ال عليكم‪ ,‬ول تتجاوزوا‬ ‫حدود ما حرّم ال‪ .‬إن ال ل يب العتدين‪.‬‬ ‫‪371‬‬

‫وَكُلُوا مِمّ ا رَزَقَ ُك مْ اللّ هُ حَللً َطيّبا وَاتّقُوا اللّ هَ الّذِي َأْنتُ ْم بِ هِ ُمؤْ ِمنُو نَ (‬

‫‪)88‬‬

‫وتتعوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬باللل الطيب ما أعطاكم ال ومنحكم إياه‪,‬‬ ‫واتقوا ال بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه; فإن إيانكم بال يوجب‬ ‫عليكم تقواه ومراقبته‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم بِمَا عَقّ ْدت ْ‬ ‫ِنم ُيؤَا ِخذُك ْ‬ ‫ُمم َولَك ْ‬ ‫ّهم بِاللّ ْغوِ فِي َأيْمَانِك ْ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫ل ُيؤَاخِذُك ْ‬ ‫ا َليْمَانَ فَكَفّا َرتُهُ ِإطْعَامُ َعشَرَةِ مَسَا ِكيَ مِنْ َأ ْوسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِي ُكمْ َأوْ‬ ‫ِكم كَفّارَةُ‬ ‫ّامم َذل َ‬ ‫َصميَامُ ثَلَثةِ َأي ٍ‬ ‫َمم َيجِدْ ف ِ‬ ‫َنم ل ْ‬ ‫ِسموَُتهُمْ َأوْ َتحْرِي ُر رََقَبةٍ فَم ْ‬ ‫ك ْ‬ ‫َأيْمَانِكُ مْ ِإذَا حََل ْفتُ مْ وَاحْفَظُوا َأيْمَانَكُ مْ َك َذلِ كَ ُيَبيّ نُ اللّ هُ لَكُ ْم آيَاتِ هِ لَعَلّ ُك مْ‬ ‫َتشْكُرُونَ (‪)89‬‬ ‫ل يعاقبكم ال ‪-‬أيها السلمون‪ -‬فيما ل تقصدون عَقْدَه من اليان‪ ,‬مثل‬ ‫قول بعضكم‪ :‬ل وال‪ ,‬وبلى وال‪ ,‬ولكن يعاقبكم فيما قصدت عقده‬ ‫بقلوبكم‪ ,‬فإذا ل تَفُوا باليمي فإث ذلك يحوه ال با تقدّمونه ما شرعه‬ ‫ال لكم كفارة من إطعام عشرة مساكي‪ ,‬لكل سكي نصف صاع من‬ ‫أوسط طعام أهل البلد‪ ,‬أو كسوتم‪ ,‬لكل مسكي ما يكفي ف الكسوة‬ ‫‪372‬‬

‫عُرفًا‪ ,‬أو إعتاق ملوك من الرق‪ ,‬فالالف الذي ل يف بيمينه مي بي‬ ‫هنا المور الثلثة‪ ,‬فمن ل يد شيئًا من ذلك فعليه صيام ثلثة أيام‪ .‬تلك‬ ‫مكفرات عدم الوفاء بأيانكم‪ ,‬واحفظوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬أيانكم‪:‬‬ ‫باجتناب اللف‪ ,‬أو الوفاء إن حلفتم‪ ,‬أو الكفارة إذا ل تفوا با‪ .‬وكما‬ ‫بيّن ال لكم حكم اليان والتحلل منها يُبيّن لكم أحكام دينه; لتشكروا‬ ‫له على هدايته إياكم إل الطريق الستقيم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّمَا اْلخَمْرُ وَالْ َميْ سِ ُر وَالَن صَابُ وَا َلزْل مُ رِجْ سٌ مِ نْ‬

‫شيْطَانِ فَا ْجَتِنبُوهُ لَعَلّ ُكمْ تُفِْلحُونَ (‪)90‬‬ ‫عَمَلِ ال ّ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬إنا المر‪ :‬وهي كل‬ ‫مسكر يغطي العقل‪ ,‬واليسر‪ :‬وهو القمار‪ ,‬وذلك يشمل الراهنات‬ ‫ونوها‪ ,‬ما فيه عوض من الانبي‪ ,‬وصدّ عن ذكر ال‪ ,‬والنصاب‪:‬‬ ‫وهي الجارة الت كان الشركون يذبون عندها تعظيمًا لا‪ ,‬وما ينصب‬ ‫للعبادة تقربًا إليه‪ ,‬والزلم‪ :‬وهي القِداح الت يستقسم با الكفار قبل‬ ‫القدام على الشيء‪ ,‬أو الحجام عنه‪ ,‬إن ذلك كله إ ٌث مِن تزيي‬ ‫الشيطان‪ ,‬فابتعدوا عن هذه الثام‪ ,‬لعلكم تفوزون بالنة‪.‬‬

‫‪373‬‬

‫شيْطَا نُ أَ نْ يُوِق َع َبْينَكُ ْم الْعَدَاوَةَ وَاْلبَغْضَاءَ فِي الْخَ ْمرِ وَالْ َميْ سِرِ‬ ‫ِإنّمَا ُيرِيدُ ال ّ‬ ‫َويَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْ ِر الّلهِ وَعَنْ الصّلةِ َفهَلْ َأْنتُمْ مُنَتهُونَ (‪)91‬‬ ‫إنا يريد الشيطان بتزيي الثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة‬ ‫والبغضاء‪ ,‬بسبب شرب المر ولعب اليسر‪ ,‬ويصرفكم عن ذكر ال‬ ‫وعن الصلة بغياب العقل ف شرب المر‪ ,‬والشتغال باللهو ف لعب‬ ‫اليسر‪ ,‬فانتهوا عن ذلك‪.‬‬ ‫ُمم فَاعْلَمُوا َأنّمَا عَلَى‬ ‫ِنم َت َوّلْيت ْ‬ ‫ّهم وََأطِيعُوا الرّسمُولَ وَا ْح َذرُوا َفإ ْ‬ ‫وََأطِيعُوا الل َ‬

‫غ الْ ُمِبيُ (‪)92‬‬ ‫رَسُوِلنَا اْلبَل ُ‬

‫وامتثلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬طاعة ال وطاعة رسوله ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم ف كل ما تفعلون وتتركون‪ ,‬واتقوا ال وراقبوه ف ذلك‪ ,‬فإن‬ ‫أعرضتم عن المتثال فعملتم ما نيتم عنه‪ ,‬فاعلموا أنا على رسولنا ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم البلغ البي‪.‬‬ ‫َليْسَ َعلَى الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ُجنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتّ َقوْا‬ ‫سنُوا وَاللّ هُ ُيحِبّ‬ ‫وَآ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ ثُمّ اتّ َقوْا وَآ َمنُوا ثُمّ اتّ َقوْا وََأحْ َ‬ ‫سِنيَ (‪)93‬‬ ‫حِ‬ ‫الْمُ ْ‬ ‫‪374‬‬

‫ليس على الؤمني الذين شربوا المر قبل تريها إث ف ذلك‪ ,‬إذا‬ ‫تركوها واتقوا سخط ال وآمنوا به‪ ,‬وقدّموا العمال الصالة الت تدل‬ ‫على إيانم ورغبتهم ف رضوان ال تعال عنهم‪ ,‬ث ازدادوا بذلك مراقبة‬ ‫ل عز وجل وإيانا به‪ ,‬حت أصبحوا مِن يقينهم يعبدونه‪ ,‬وكأنم يرونه‪.‬‬ ‫وإن ال تعال يب الذين بلغوا درجة الحسان حت أصبح إيانم‬ ‫بالغيب كالشاهدة‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُهم َأيْدِيك ْ‬ ‫الصميْدِ َتنَال ُ‬ ‫ِنم ّ‬ ‫ّهم ِبشَ ْيءٍ م ْ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫ِينم آ َمنُوا َليَبُْل َونّك ْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫ب فَمَ ْن ا ْعتَدَى بَعْدَ َذلِ كَ فَلَ هُ عَذَا بٌ‬ ‫َورِمَا ُحكُ مْ ِليَعْلَ َم اللّ هُ مَ نْ َيخَافُ هُ بِالْ َغيْ ِ‬ ‫َألِيمٌ ( ‪)94‬‬ ‫يا أيها الذين صدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ليبلونكم ال بشيء من‬ ‫الصيد يقترب منكم على غي العتاد حيث تستطيعون َأخْ َذ صغاره بغي‬ ‫سلح وأخذ كباره بالسلح; ليعلم ال علمًا ظاهرًا للخلق الذين يافون‬ ‫ربم بالغيب‪ ,‬ليقينهم بكمال علمه بم‪ ,‬وذلك بإمساكهم عن الصيد‪,‬‬ ‫وهم مرمون‪ .‬فمن تاوز حَدّه بعد هذا البيان فأقدم على الصيد ‪-‬وهو‬ ‫ُمحْرِم‪ -‬فإنه يستحق العذاب الشديد‪.‬‬

‫‪375‬‬

‫صيْدَ وََأْنتُ مْ حُرُ مٌ وَمَ نْ َقتَلَ هُ ِمنْ ُك ْم ُمتَعَمّدا‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْقُتلُوا ال ّ‬ ‫َفجَزَاءٌ ِمثْلُ مَا َقتَلَ مِ نْ النّعَ مِ َيحْكُ مُ بِ هِ َذوَا عَدْ ٍل ِمنْكُ مْ َهدْيا بَالِ َغ الْكَ ْعَبةِ‬ ‫صيَاما ِليَذُو قَ َوبَالَ أَ ْمرِ هِ عَفَا اللّ هُ‬ ‫ك ِ‬ ‫َأوْ كَفّارَةٌ طَعَا مُ مَ سَا ِكيَ َأوْ عَدْلُ َذلِ َ‬ ‫عَمّا سَلَفَ وَمَ ْن عَادَ َفيَنتَ ِقمُ الّلهُ ِمْنهُ وَالّلهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (‪)95‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تقتلوا صيد الب‪,‬‬ ‫ي نوعٍ من‬ ‫وأنتم مرمون بج أو عمرة‪ ,‬أو كنتم داخل الرم ومَن قتل أ ّ‬ ‫صيد البّ متعمدًا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من بيمة النعام‪:‬‬ ‫البل أو البقر أو الغنم‪ ,‬بعد أن يُقَدّره اثنان عدلن‪ ,‬وأن يهديه لفقراء‬ ‫الرم‪ ,‬أو أن يشتري بقيمة مثله طعامًا يهديه لفقراء الرم لكل مسكي‬ ‫نصف صاع‪ ,‬أو يصوم بدل من ذلك يوما عن كل نصف صاع من‬ ‫ذلك الطعام‪ ,‬فَ َرضَ ال عليه هذا الزاء; ليلقى بإياب الزاء الذكور‬ ‫عاقبة فِعْله‪ .‬والذين وقعوا ف شيء من ذلك قبل التحري فإن ال تعال قد‬ ‫عفا عنهم‪ ,‬ومَن عاد إل الخالفة متعمدًا بعد التحري‪ ,‬فإنه مُ َعرّض‬ ‫ي منيع ف سلطانه‪ ,‬ومِن عزته أنه‬ ‫لنتقام ال منه‪ .‬وال تعال عزيز قو ّ‬ ‫ينتقم من عصاه إذا أراد‪ ,‬ل ينعه من ذلك مانع‪.‬‬ ‫صيْدُ‬ ‫سيّارَةِ َوحُرّ َم عََليْكُ ْم َ‬ ‫صيْ ُد اْلَبحْرِ َوطَعَامُ هُ َمتَاعا لَكُ ْم وَلِل ّ‬ ‫أُحِلّ لَكُ ْم َ‬ ‫‪376‬‬

‫الْبَ ّر مَا دُ ْمُتمْ حُرُما وَاتّقُوا الّلهَ الّذِي ِإَلْيهِ ُتحْشَرُونَ (‪)96‬‬ ‫أحل ال لكم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬ف حال إحرامكم صيد البحر‪ ,‬وهو ما‬ ‫يصاد منه حيّا‪ ,‬وطعامه‪ :‬وهو اليت منه; من أجل انتفاعكم به مقيمي أو‬ ‫مسافرين‪ ,‬وحرم عليكم صيد البَ ّر ما دمتم مرمي بج أو عمرة‪.‬‬ ‫واخشوا ال ونفذوا جيع أوامِره‪ ,‬واجتنبوا جيع نواهيه; حت تظفَروا‬ ‫بعظيم ثوابه‪ ,‬وتَسْلموا من أليم عقابه عندما تشرون للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ْيم‬ ‫َامم وَاْلهَد َ‬ ‫ّاسم وَالشّهْ َر الْحَر َ‬ ‫َامم ِقيَاما لِلن ِ‬ ‫ْتم اْلحَر َ‬ ‫ّهم الْكَ ْعَبةَ اْلَبي َ‬ ‫جَعَلَ الل ُ‬ ‫ك ِلتَعْلَمُوا َأنّ اللّ هَ يَعَْلمُ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْ ضِ وََأنّ‬ ‫وَالْقَلئِدَ َذلِ َ‬ ‫اللّهَ ِبكُلّ شَ ْي ٍء عَلِي ٌم (‪)97‬‬ ‫امتّ ال على عباده بأن جعل الكعبة البيت الرام صلحًا لدينهم‪ ,‬وأمنًا‬ ‫لياتم; وذلك حيث آمنوا بال ورسوله وأقاموا فرائضه‪ ,‬وحرّم العدوان‬ ‫والقتال ف الشهر الرم (وهي ذو القعدة وذو الجة والحرم ورجب)‬ ‫فل يعتدي فيها أحد على أحد‪ ,‬وحرّم تعال العتداء على ما يُهدَى إل‬ ‫الرم من بيمة النعام‪ ,‬وحرّم كذلك العتداء على القلئد‪ ,‬وهي ما قُلّد‬ ‫إشعارًا بأنه بقصد به النسك; ذلك لتعلموا أن ال يعلم جيع ما ف‬

‫‪377‬‬

‫السموات وما ف الرض‪ ,‬ومن ذلك ما شرعه لماية خلقه بعضهم من‬ ‫بعض‪ ,‬وأن ال بكل شيء عليم‪ ,‬فل تفى عليه خافية‪.‬‬ ‫اعْلَمُوا َأنّ الّلهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وََأنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)98‬‬ ‫اعلموا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن ال جل وعل شديد العقاب لن عصاه‪ ,‬وأن ال‬ ‫غفور رحيم لن تاب وأناب‪.‬‬ ‫غ وَالّلهُ يَعَْلمُ مَا ُتْبدُونَ وَمَا تَ ْكُتمُونَ (‪)99‬‬ ‫مَا َعلَى الرّسُولِ إِلّ اْلبَل ُ‬ ‫يبيّن ال تعال أن مهمة رسوله صلى ال عليه وسلم هداية الدللة‬ ‫والتبليغ‪ ,‬وبيد ال ‪-‬وحده‪ -‬هداية التوفيق‪ ,‬وأن ما تنطوي عليه نفوس‬ ‫الناس ما يُسرون أو يعلنون من الداية أو الضلل يعلمه ال‪.‬‬ ‫ث فَاتّقُوا اللّ هَ يَا‬ ‫خبِي ِ‬ ‫جبَكَ َكثْرَ ُة الْ َ‬ ‫خبِيثُ وَال ّطيّبُ َوَلوْ أَ ْع َ‬ ‫ستَوِي الْ َ‬ ‫قُ ْل ل يَ ْ‬

‫ب لَعَلّكُ ْم تُفِْلحُونَ ( ‪)100‬‬ ‫أُولِي ا َلْلبَا ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل يستوي البيث والطيب من كل شيء‪ ,‬فالكافر‬ ‫ل يساوي الؤمن‪ ,‬والعاصي ل يساوي الطيع‪ ,‬والاهل ل يساوي‬ ‫‪378‬‬

‫العال‪ ,‬والبتدع ل يساوي التبع‪ ,‬والال الرام ل يساوي اللل‪ ,‬ولو‬ ‫أعجبك ‪-‬أيها النسان‪ -‬كثرة البيث وعدد أهله‪ .‬فاتقوا ال يا أصحاب‬ ‫العقول الراجحة باجتناب البائث‪ ,‬وفعل الطيبات; لتفلحوا بنيل‬ ‫القصود العظم‪ ,‬وهو رضا ال تعال والفوز بالنة‪.‬‬ ‫سؤْكُمْ وَإِنْ تَسَْألُوا‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تَسَْألُوا عَنْ أَ ْشيَاءَ إِ ْن ُتبْدَ لَكُ ْم تَ ُ‬ ‫ِيمم (‬ ‫ّهم غَفُورٌ حَل ٌ‬ ‫ّهم َعنْهَا وَالل ُ‬ ‫ُمم عَفَا الل ُ‬ ‫ْآنم ُتبْ َد لَك ْ‬ ‫َعنْهَا حِيَ ُينَزّ ُل الْقُر ُ‬ ‫‪)101‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تسألوا عن أشياء من‬ ‫أمور الدين ل تؤمروا فيها بشيء‪ ,‬كالسؤال عن المور غي الواقعة‪ ,‬أو‬ ‫الت يترتب عليها تشديدات ف الشرع‪ ,‬ولو كُلّفتموها لشقّتْ عليكم‪,‬‬ ‫وإن تسألوا عنها ف حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وحي نزول‬ ‫القرآن عليه تُبيّن لكم‪ ,‬وقد تُكلّفونا فتعجزون عنها‪ ,‬تركها ال معافيًا‬ ‫لعباده منها‪ .‬وال غفور لعباده إذا تابوا‪ ,‬حليم عليهم فل يعاقبهم وقد‬ ‫أنابوا إليه‪.‬‬ ‫صَبحُوا ِبهَا كَافِرِينَ (‪)102‬‬ ‫َقدْ سََأَلهَا َقوْمٌ مِنْ َقبْلِكُ ْم ثُمّ َأ ْ‬ ‫‪379‬‬

‫إن مثل تلك السئلة قد سألا قو ٌم مِن قبلكم رسلَهم‪ ,‬فلما ُأمِروا با‬ ‫جحدوها‪ ,‬ول ينفذوها‪ ,‬فاحذروا أن تكونوا مثلهم‪.‬‬ ‫مَا جَعَلَ اللّ هُ مِ ْن َبحِيَةٍ وَل سَاِئَبةٍ وَل وَ صِيَلةٍ وَل حَا ٍم َولَكِنّ الّذِي نَ‬ ‫كَفَرُوا يَ ْفتَرُونَ عَلَى الّلهِ الْكَذِبَ َوأَ ْكثَرُهُ ْم ل يَعْقِلُونَ (‪)103‬‬ ‫ما شرع ال للمشركي ما ابتدعوه ف بيمة النعام مِن تَرْك النتفاع‬ ‫ببعضها وجعلها للصنام‪ ,‬وهي‪ :‬البَحية الت تُقطع أذنا إذا ولدت عددًا‬ ‫من البطون‪ ,‬والسائبة وهي الت تُترك للصنام‪ ,‬والوصيلة وهي الت تتصل‬ ‫ولدتا بأنثى بعد أنثى‪ ,‬والامي وهو الذكر من البل إذا وُلد من صلبه‬ ‫عدد من البل‪ ,‬ولكن الكفار نسبوا ذلك إل ال تعال افتراء عليه‪,‬‬ ‫وأكثر الكافرين ل ييزون الق من الباطل‪.‬‬ ‫َسمُبنَا م َا‬ ‫ّهم وَِإلَى الرّسمُولِ قَالُوا ح ْ‬ ‫ُمم تَعَاَلوْا ِإلَى م َا أَنزَ َل الل ُ‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َله ْ‬ ‫ُونم (‬ ‫ُونم َشيْئا وَل َي ْهتَد َ‬ ‫ُمم ل يَعَْلم َ‬ ‫َانم آبَاؤُه ْ‬ ‫ْهم آبَاءَنَا َأ َوَلوْ ك َ‬ ‫وَجَدْنَا عََلي ِ‬ ‫‪)104‬‬ ‫وإذا قيل لؤلء الكفار الحرّمي ما أحل ال‪ :‬تعالوا إل تنيل ال وإل‬ ‫رسوله ليتبي لكم اللل والرام‪ ,‬قالوا‪ :‬يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من‬ ‫‪380‬‬

‫قول وعمل‪ ,‬أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم ل يعلمون شيئًا أي‪ :‬ل‬ ‫يفهمون حقّا ول يعرفونه‪ ,‬ول يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونم‪ ,‬والالة‬ ‫هذه؟ فإنه ل يتبعهم إل من هو أجهل منهم وأضل سبيل‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا عََليْكُ مْ أَنفُ سَكُ ْم ل يَضُرّ ُك مْ مَ نْ ضَلّ إِذَا ا ْهتَ َدْيتُ مْ ِإلَى‬ ‫اللّهِ مَرْجِ ُعكُمْ جَمِيعا َفُيَنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)105‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ألزموا أنفسكم بالعمل‬ ‫بطاعة ال واجتناب معصيته‪ ,‬وداوموا على ذلك وإن ل يستجب الناس‬ ‫لكم‪ ,‬فإذا فعلتم ذلك فل يضركم ضلل مَن ضلّ إذا لزمتم طريق‬ ‫الستقامة‪ ,‬وأمرت بالعروف ونيتم عن النكر‪ ,‬إل ال مرجعكم جيعًا ف‬ ‫الخرة‪ ,‬فيخبكم بأعمالكم‪ ,‬ويازيكم عليها‪.‬‬ ‫صيّ ِة‬ ‫ضرَ أَحَدَ ُكمْ الْ َموْ تُ ِحيَ اْلوَ ِ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َشهَادَةُ َبْينِكُ مْ ِإذَا حَ َ‬ ‫ض َرْبتُ مْ فِي ا َلرْ ضِ‬ ‫اْثنَا نِ َذوَا َعدْلٍ ِمنْ ُك مْ َأوْ آ َخرَا نِ مِ نْ َغيْرِكُ مْ إِ نْ َأْنتُ مْ َ‬ ‫حبِ سُوَنهُمَا مِ ْن بَعْ ِد ال صّلةِ َفيُقْ سِمَانِ بِاللّ هِ إِ نْ‬ ‫فَأَ صَابَتْكُ ْم مُ صِيَبةُ الْ َموْ تِ َت ْ‬ ‫شتَرِي بِ هِ ثَمَنا َولَوْ كَا نَ ذَا قُ ْربَى وَل نَ ْكتُ مُ َشهَادَةَ اللّ هِ ِإنّا إِذا‬ ‫ا ْرتَْبتُ ْم ل َن ْ‬

‫لَمِنْ الثِ ِميَ ( ‪)106‬‬

‫‪381‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه إذا قرب الوت من‬ ‫شهِد على وصيته اثني أميني من السلمي أو آخرين من‬ ‫أحدكم‪ ,‬ف ْلُي ْ‬ ‫غي السلمي عند الاجة‪ ,‬وعدم وجود غيها من السلمي‪ ,‬تُشهدونما‬ ‫إن أنتم سافرت ف الرض فحلّ بكم الوت‪ ,‬وإن ارتبتم ف شهادتما‬ ‫فقفوها من بعد الصلة ‪-‬أي صلة السلمي‪ ,‬وباصة صلة العصر‪،-‬‬ ‫فيقسمان بال قسمًا خالصًا ل يأخذان به عوضًا من الدنيا‪ ,‬ول يابيان‬ ‫به ذا قرابة منهما‪ ,‬ول يكتمان به شهادة ل عندها‪ ,‬وأنما إن فَعَل ذلك‬ ‫فهما من الذنبي‪.‬‬ ‫َفإِ نْ ُعثِ َر عَلَى َأّنهُمَا ا ْسَتحَقّا ِإثْما فَآ َخرَا نِ يَقُومَا نِ مَقَا َمهُمَا مِ ْن الّذِي َن‬ ‫شهَا َدُتنَا أَحَقّ مِ نْ َشهَا َدِتهِمَا وَمَا‬ ‫ا ْسَتحَقّ عََلْيهِ مْ ا َل ْوَليَا نِ َفيُقْ سِمَانِ بِاللّ هِ َل َ‬ ‫ا ْعتَ َدْينَا ِإنّا إِذا لَمِ ْن الظّالِ ِميَ (‪)107‬‬ ‫فإن اطلع أولياء اليت على أن الشاهدين الذكورين قد أثا باليانة ف‬ ‫الشهادة أو الوصية فليقم مقامهما ف الشهادة اثنان من أولياء اليت‬ ‫فيقسمان بال‪ :‬لَشهادتنا الصادقة أول بالقبول من شهادتما الكاذبة‪,‬‬ ‫وما تاوزنا الق ف شهادتنا‪ ,‬إنا إن اعتدينا وشهدنا بغي الق لن‬ ‫الظالي التجاوزين حدود ال‪.‬‬ ‫‪382‬‬

‫شهَادَةِ عَلَى وَ ْج ِههَا َأوْ َيخَافُوا أَ نْ ُترَدّ َأيْمَا نٌ بَ ْعدَ‬ ‫َذلِ كَ أَ ْدنَى أَ نْ يَ ْأتُوا بِال ّ‬

‫َأيْمَاِنهِمْ وَاتّقُوا الّلهَ وَاسْمَعُوا وَالّلهُ ل َيهْدِي الْقَوْ َم الْفَاسِ ِقيَ ( ‪)108‬‬

‫ذلك الكم عند الرتياب ف الشاهدين من اللف بعد الصلة وعدم‬ ‫قبول شهادتما‪ ,‬أقرب إل أن يأتوا بالشهادة على حقيقتها خوفًا من‬ ‫عذاب الخرة‪ ,‬أو خشية من أن ترد اليمي الكاذبة من ِقبَل أصحاب‬ ‫الق بعد حلفهم‪ ,‬فيفتضح الكاذب الذي ردت يينه ف الدنيا وقت‬ ‫ظهور خيانته‪ .‬وخافوا ال ‪-‬أيها الناس‪ -‬وراقبوه أن تلفوا كذبًا‪ ,‬وأن‬ ‫تقتطعوا بأيانكم مال حرامًا‪ ,‬واسعوا ما توعظون به‪ .‬وال ل يهدي‬ ‫القوم الفاسقي الارجي عن طاعته‪.‬‬ ‫ت عَلّمُ‬ ‫َيوْمَ َيجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ َفيَقُولُ مَاذَا ُأ ِجْبتُ ْم قَالُوا ل عِلْمَ َلنَا ِإنّكَ َأنْ َ‬ ‫ب (‪)109‬‬ ‫الْ ُغيُو ِ‬ ‫واذكروا ‪-‬أيها الناس‪ -‬يوم القيامة يوم يمع ال الرسل عليهم السلم‪,‬‬ ‫فيسألم عن جواب أمهم لم حينما دعوهم إل التوحيد فيجيبون‪ :‬ل‬ ‫علم لنا‪ ,‬فنحن ل نعلم ما ف صدور الناس‪ ,‬ول ما أحدثوا بعدنا‪ .‬إنك‬ ‫أنت عليم بكل شيء ما ظهر وخفي‪.‬‬ ‫‪383‬‬

‫ك وَعَلى وَالِ َدتِ كَ إِ ْذ‬ ‫إِذْ قَالَ اللّ هُ يَا عِي سَى ابْ نَ مَ ْريَ مَ اذْكُ ْر نِعْمَتِي عََليْ َ‬ ‫ك الْ ِكتَا بَ‬ ‫ك بِرُو حِ الْقُدُ سِ تُكَلّ مُ النّا سَ فِي الْ َمهْدِ وَ َكهْلً وَِإذْ عَلّ ْمتُ َ‬ ‫َأيّدتّ َ‬ ‫ِنم الطّي ِ َك َهْيَئةِ ال ّطيْرِ ِبإِذْن ِي‬ ‫ُقم م ْ‬ ‫وَاْلحِكْ َمةَ وَالتّ ْورَاةَ وَالِنِيلَ وَِإذْ َتخْل ُ‬ ‫ئ الَكْمَ َه وَا َلبْرَصَ ِبإِ ْذنِي وَإِ ْذ ُتخْرِجُ‬ ‫َفتَنفُخُ فِيهَا َفتَكُونُ َطيْرا ِبإِ ْذنِي َوُتبْرِ ُ‬ ‫ت بَنِي إِ سْرَائِيلَ َعنْ كَ إِذْ ِجْئَتهُ مْ بِاْلَبيّنَا تِ فَقَالَ‬ ‫الْ َموْتَى ِبإِذْنِي وَِإذْ كَفَ ْف ُ‬ ‫الّذِينَ كَفَرُوا ِمْنهُمْ ِإنْ هَذَا إِلّ ِسحْرٌ ُمِبيٌ (‪)110‬‬ ‫إذ قال ال يرم القيامة‪ :‬يا عيسى ابن مري اذكر نعمت عليك إذ خلقتك‬ ‫من غي أب‪ ,‬وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء العالي‪ ,‬وبرأتا‬ ‫ما ُنسِب إليها‪ ,‬ومن هذه النعم على عيسى أنه قوّاه وأعانه ببيل عليه‬ ‫السلم‪ ,‬يكلم الناس وهو رضيع‪ ,‬ويدعوهم إل ال وهو كبي با أوحاه‬ ‫ال إليه من التوحيد‪ ,‬ومنها أن ال تعال علّمه الكتابة والط بدون معلم‪,‬‬ ‫ووهبه قوة الفهم والدراك‪ ,‬وعَلّمه التوراة الت أنزلا على موسى عليه‬ ‫السلم‪ ,‬والنيل الذي أنزل عليه هداية للناس‪ ,‬ومن هذه النعم أنه يصوّر‬ ‫من الطي كهيئة الطي فينفخ ف تلك اليئة‪ ,‬فتكون طيًا بإذن ال‪ ,‬ومنها‬ ‫أنه يشفي الذي ُولِد أعمى فيبصر‪ ,‬ويشفي البرص‪ ,‬فيعود جلده سليمًا‬ ‫بإذن ال‪ ,‬ومنها أنه يدعو ال أن يي َي الوتى فيقومون من قبورهم أحياء‪,‬‬ ‫وذلك كله بإرادة ال تعال وإذنه‪ ,‬وهي معجزات باهرة تؤيد نبوة عيسى‬ ‫‪384‬‬

‫عليه السلم‪ ,‬ث يذكّره ال جل وعل نعمته عليه إذ منع بن إسرائيل حي‬ ‫هّوا بقتله‪ ,‬وقد جاءهم بالعجزات الواضحة الدالة على نبوته‪ ,‬فقال‬ ‫الذين كفروا منهم‪ :‬إ ّن ما جاء به عيسى من البينات سحر ظاهر‪.‬‬ ‫حوَا ِرّييَ أَنْ آ ِمنُوا بِي َوبِ َرسُولِي قَالُوا آ َمنّا وَا ْشهَدْ بَِأّننَا‬ ‫وَِإذْ َأ ْو َحيْتُ ِإلَى اْل َ‬ ‫ُمسْلِمُونَ (‪)111‬‬ ‫واذكر نعمت عليك‪ ,‬إذ ألمتُ‪ ,‬وألقيتُ ف قلوب جاعة من خلصائك‬ ‫أن يصدقوا بوحدانية ال تعال ونبوتك‪ ,‬فقالوا‪ :‬صدّقنا يا ربنا‪ ,‬واشهد‬ ‫بأننا خاضعون لك منقادون لمرك‪.‬‬ ‫ستَطِيعُ َربّ كَ أَ نْ ُينَزّ َل عََلْينَا‬ ‫حوَا ِريّو نَ يَا عِي سَى ابْ نَ مَ ْريَ مَ هَ ْل يَ ْ‬ ‫إِذْ قَالَ اْل َ‬ ‫مَائِدَةً مِ ْن السّمَاءِ قَالَ اتّقُوا الّلهَ ِإنْ كُنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪)112‬‬ ‫واذكر إذ قال الواريون‪ :‬يا عيسى ابن مري هل يستطيع ربك إن سألته‬ ‫أن ينل علينا مائدة طعام من السماء؟ فكان جوابه أن أمرهم بأن يتقوا‬ ‫عذاب ال تعال‪ ,‬إن كانوا مؤمني حقّ اليان‪.‬‬

‫‪385‬‬

‫صدَ ْقَتنَا َونَكُو نَ‬ ‫قَالُوا نُرِيدُ أَ نْ نَأْكُلَ ِمنْهَا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوبُنَا َونَعْلَ مَ أَ نْ قَ ْد َ‬ ‫عََلْيهَا مِنْ الشّاهِدِينَ (‪)113‬‬ ‫قال الواريون‪ :‬نريد أن نأكل من الائدة وتسكن قلوبنا لرؤيتها‪ ,‬ونعلم‬ ‫يقينا صدقك ف نبوتك‪ ,‬وأن نكون من الشاهدين على هذه الية أن ال‬ ‫أنزلا حجة له علينا ف توحيده وقدرته على ما يشاء‪ ,‬وحجة لك على‬ ‫صدقك ف نبوتك‪.‬‬ ‫قَالَ عِي سَى ابْ نُ مَ ْريَ مَ الّلهُمّ َرّبنَا أَنزِلْ عََلْينَا مَائِدَةً مِ نْ ال سّمَاءِ تَكُو نُ َلنَا‬

‫ك وَا ْرزُ ْقنَا وََأنْتَ خَيُ الرّازِِقيَ (‪)114‬‬ ‫عِيدا َلوِّلنَا وَآ ِخ ِرنَا وَآَيةً ِمنْ َ‬

‫أجاب عيسى ابن مري طلب الواريي فدعا ربه جل وعل قائل ربنا‬ ‫أنزل علينا مائدة طعام من السماء‪ ,‬نتخذ يوم نزولا عيدًا لنا‪ ,‬نعظمه نن‬ ‫ومَن بعدنا‪ ,‬وتكون الائدة علمة وحجة منك يا أل على وحدانيتك‬ ‫وعلى صدق نبوت‪ ,‬وامنحنا من عطائك الزيل‪ ,‬وأنت خي الرازقي‪.‬‬ ‫قَالَ اللّ هُ ِإنّ ي ُمنَ ّزلُهَا َعَليْكُ مْ َفمَ نْ َيكْفُرْ بَ ْعدُ ِمنْ ُك ْم َفِإنّ ي أُعَ ّذبُ هُ عَذَابا ل‬ ‫أُعَ ّذُبهُ أَحَدا مِ ْن الْعَالَ ِميَ ( ‪)115‬‬ ‫‪386‬‬

‫قال ال تعال‪ :‬إن منل مائدة الطعام عليكم‪ ,‬فمن يحد منكم وحدانيت‬ ‫ونبوة عيسى عليه السلم بعد نزول الائدة فإن أعذبه عذابًا شديدًا‪ ,‬ل‬ ‫أعذبه أحدًا من العالي‪ .‬وقد نزلت الائدة كما وعد ال‪.‬‬ ‫ت لِلنّا سِ اّتخِذُونِي وَأُمّي ِإَل َهيْ ِن‬ ‫وَِإذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْ نَ مَ ْريَمَ َأأَنتَ ُقلْ َ‬ ‫ك مَا َيكُو نُ لِي أَ نْ َأقُولَ مَا َليْ سَ لِي ِبحَقّ إِ نْ‬ ‫مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قَالَ ُسْبحَانَ َ‬ ‫ت قُ ْلتُ هُ فَ َقدْ عَِل ْمتَ هُ تَ ْعلَ ُم مَا فِي نَفْ سِي وَل أَ ْعلَ ُم مَا فِي نَفْ سِكَ ِإنّ كَ‬ ‫كُن ُ‬ ‫ب ( ‪)116‬‬ ‫ت عَلّ ُم الْ ُغيُو ِ‬ ‫َأنْ َ‬ ‫واذكر إذ قال ال تعال يوم القيامة‪ :‬يا عيسى ابن مري أأنت قلت للناس‬ ‫اجعلون وأمي معبودين من دون ال؟ فأجاب عيسى ‪-‬منّهًا ال تعال‪:-‬‬ ‫ما ينبغي ل أن أقول للناس غي الق‪ .‬إن كنتُ قلتُ هذا فقد علمتَه;‬ ‫لنه ل يفى عليك شيء‪ ,‬تعلم ما تضمره نفسي‪ ,‬ول أعلم أنا ما ف‬ ‫نفسك‪ .‬إنك أنت عالٌ بكل شيء ما ظهر أو خفي‪.‬‬ ‫ت َلهُ مْ إِلّ مَا أَ َم ْرَتنِي بِ هِ أَ نْ ا ْعبُدُوا اللّ هَ َربّي َو َربّكُ مْ وَكُن تُ عََلْيهِ ْم‬ ‫مَا قُ ْل ُ‬ ‫ت عَلَى‬ ‫َشهِيدا مَا دُ ْم تُ فِيهِ مْ َفلَمّا َتوَّفْيَتنِي كُن تَ َأْن تَ الرّقِي بَ عََلْيهِ ْم وََأنْ َ‬

‫كُلّ َش ْيءٍ َشهِي ٌد (‪)117‬‬

‫‪387‬‬

‫ب ما قلتُ لم إل ما أوحيته إلّ‪ ,‬وأمرتن‬ ‫قال عيسى عليه السلم‪ :‬يا ر ّ‬ ‫بتبليغه من إفرادك بالتوحيد والعبادة‪ ,‬وكنتُ على ما يفعلونه ‪-‬وأنا بي‬ ‫أظهرهم‪ -‬شاهدًا عليهم وعلى أفعالم وأقوالم‪ ,‬فلما وفيتن أجلي على‬ ‫الرض‪ ,‬ورفعتن إل السماء حيّا‪ ,‬كنت أنت الطّلِع على سرائرهم‪,‬‬ ‫وأنت على كل شيء شهيد‪ ,‬ل تفى عليك خافية ف الرض ول ف‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫ت الْعَزِيزُ اْلحَكِي مُ (‬ ‫إِ نْ تُعَ ّذْبهُ مْ َفِإّنهُ مْ ِعبَادُ كَ َوإِ نْ تَغْفِ ْر لَهُ ْم َفِإنّ كَ َأنْ َ‬

‫‪)118‬‬

‫إنك يا أل إن تعذبم فإنم عبادك ‪-‬وأنت أعلم بأحوالم‪ ،-‬تفعل بم ما‬ ‫تشاء بعدلك‪ ,‬وإن تغفر برحتك لن أتى منهم بأسباب الغفرة‪ ,‬فإنك‬ ‫أنت العزيز الذي ل يغالَبُ‪ ,‬الكيم ف تدبيه وأمره‪ .‬وهذه الية ثناء‬ ‫على ال ‪-‬تعال‪ -‬بكمته وعدله‪ ,‬وكمال علمه‪.‬‬ ‫حِتهَا‬ ‫ي صِ ْدُقهُمْ َلهُ مْ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫قَالَ اللّ هُ هَذَا َيوْ مُ يَنفَ عُ ال صّادِِق َ‬ ‫الَنَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا َرضِ َي اللّ هُ َعْنهُ ْم َو َرضُوا َعنْ هُ َذلِ كَ الْ َف ْوزُ الْعَظِي مُ‬

‫(‪)119‬‬

‫‪388‬‬

‫قال ال تعال لعيسى عليه السلم يوم القيامة‪ :‬هذا يوم الزاء الذي ينفع‬ ‫الوحدين توحيدهم ربم‪ ,‬وانقيادهم لشرعه‪ ,‬وصدقهم ف نياتم وأقوالم‬ ‫وأعمالم‪ ,‬لم جنات تري من تت قصورها النار‪ ,‬ماكثي فيها أبدًا‪,‬‬ ‫رضي ال عنهم فقبل حسناتم‪ ,‬ورضوا عنه با أعطاهم من جزيل ثوابه‪.‬‬ ‫ذلك الزاء والرضا منه عليهم هو الفوز العظيم‪.‬‬ ‫ْضم وَمَا فِيهِنّ وَ ُهوَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‬ ‫السمَموَاتِ وَا َلر ِ‬ ‫ْكم ّ‬ ‫ّهم مُل ُ‬ ‫لِل ِ‬ ‫‪)120‬‬ ‫ل وحده ل شريك له ملك السموات والرض وما فيهن‪ ,‬وهو‬ ‫‪-‬سبحانه‪ -‬على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫‪ -6‬سورة النعام‬

‫ت وَا َلرْ ضَ وَجَعَلَ الظّلُمَا تِ وَالنّورَ ثُمّ‬ ‫الْحَمْ ُد لِلّ هِ الّذِي خَلَ قَ ال سّ َموَا ِ‬ ‫‪389‬‬

‫الّذِينَ كَفَرُوا بِ َرّبهِ ْم يَعْ ِدلُونَ (‪)1‬‬ ‫الثناء على ال بصفاته الت كلّها أوصاف كمال‪ ،‬وبنعمه الظاهرة‬ ‫والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬الذي أنشأ السموات والرض وما فيهن‪,‬‬ ‫وخلق الظلمات والنور‪ ,‬وذلك بتعاقب الليل والنهار‪ .‬وف هذا دللة على‬ ‫عظمة ال تعال‪ ,‬واستحقاقه وحده العبادة‪ ,‬فل يوز لحد أن يشرك به‬ ‫غيه‪ .‬ومع هذا الوضوح فإن الكافرين يسوون بال غيه‪ ,‬ويشركون به‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َخلَقَكُ ْم مِ نْ ِطيٍ ثُمّ قَضَى أَ َجلً وََأجَلٌ مُ سَمّى ِعنْدَ ُه ثُمّ َأْنتُ مْ‬

‫تَ ْمتَرُونَ (‪)2‬‬

‫هو الذي خلق أباكم آدم من طي وأنتم سللة منه‪ ,‬ث كتب مدة‬ ‫بقائكم ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وكتب أجل آخر مدّدًا ل يعلمه إل هو‬ ‫جل وعل وهو يوم القيامة‪ ,‬ث أنتم بعد هذا تشكّون ف قدرة ال تعال‬ ‫على البعث بعد الوت‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ اللّ هُ فِي ال سّ َموَاتِ وَفِي ا َلرْ ضِ يَعْلَ ُم ِسرّكُمْ َو َجهْرَكُ مْ َويَعَْل مُ مَا‬ ‫سبُونَ (‪)3‬‬ ‫تَ ْك ِ‬ ‫‪390‬‬

‫وال سبحانه هو الله العبود ف السموات والرض‪ .‬ومن دلئل ألوهيته‬ ‫أنه يعلم جيع ما تفونه ‪-‬أيها الناس‪ -‬وما تعلنونه‪ ,‬ويعلم جيع أعمالكم‬ ‫من خي أو شر; ولذا فإنه ‪-‬جلّ وعل‪ -‬وحده هو الله الستحق‬ ‫للعبادة‪.‬‬ ‫ضيَ (‪)4‬‬ ‫وَمَا تَ ْأتِيهِ ْم مِنْ آَيةٍ مِ ْن آيَاتِ َرّبهِمْ إِلّ كَانُوا َعْنهَا مُعْ ِر ِ‬ ‫هؤلء الكفار الذين يشركون مع ال تعال غيه قد جاءتم الجج‬ ‫الواضحة والدللت البينة على وحدانية ال ‪-‬جل وعل‪ -‬وصِدْقِ ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم ف نبوته‪ ,‬وما جاء به‪ ,‬ولكن ما إن جاءتم حت‬ ‫أعرضوا عن قبولا‪ ,‬ول يؤمنوا با‪.‬‬ ‫ِهم‬ ‫ِمم َأْنبَاءُ م َا كَانُوا ب ِ‬ ‫َسموْفَ يَ ْأتِيه ْ‬ ‫ُمم ف َ‬ ‫َفقَدْ َك ّذبُوا بِاْلحَق ّ لَمّام جَاءَه ْ‬ ‫ستَهْ ِزئُون (‪)5‬‬ ‫َي ْ‬ ‫لقد جحد هؤلء الكفار القّ الذي جاءهم به ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫وسخروا من دعائه; جهل منهم بال واغترارًا بإمهاله إياهم‪ ,‬فسوف‬ ‫يرون ما استهزءوا به أنه الق والصدق‪ ,‬ويبي ال للمكذبي كذبم‬ ‫وافتراءهم‪ ,‬ويازيهم عليه‪.‬‬ ‫‪391‬‬

‫َألَمْ َي َروْا كَمْ أَهَْل ْكنَا مِنْ َقبِْل ِه ْم مِنْ قَرْنٍ مَ ّكنّاهُ ْم فِي ا َلرْضِ مَا لَمْ ُنمَكّ ْن‬ ‫حتِهِ مْ‬ ‫لَكُ ْم وََأرْ َس ْلنَا ال سّمَاءَ َعَلْيهِ ْم مِ ْدرَارا وَجَعَلْنَا ا َلْنهَارَ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫فَأَهْلَ ْكنَاهُ ْم بِ ُذنُوِبهِمْ وَأَنشَ ْأنَا مِنْ بَ ْعدِهِ ْم قَرْنا آ َخرِينَ (‪)6‬‬ ‫أل يعلم هؤلء الذين يحدون وحدانية ال تعال واستحقاقه وحده‬ ‫العبادة‪ ,‬ويكذبون رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم ما ح ّل بالمم‬ ‫الكذبة قبلهم من هلك وتدمي‪ ,‬وقد مكنّاهم ف الرض ما ل نكن لكم‬ ‫أيها الكافرون‪ ,‬وأنعمنا عليهم بإنزال المطار وجريان النار من تت‬ ‫مساكنهم؛ استدراجًا وإمل ًء لم‪ ,‬فكفروا بنعم ال وكذبوا الرسل‪,‬‬ ‫فأهلكناهم بسبب ذنونم‪ ,‬وأنشأنا من بعدهم أمًا أخرى خلفوهم ف‬ ‫عمارة الرض؟‬ ‫ك ِكتَابا فِي ِق ْرطَا سٍ فََلمَ سُوهُ بَِأيْدِيهِ مْ لَقَالَ الّذِي نَ كَ َفرُوا‬ ‫َوَلوْ نَ ّزلْنَا عََلْي َ‬ ‫ِإنْ هَذَا إِلّ ِسحْرٌ ُمِبيٌ ( ‪)7‬‬ ‫ولو نزّلنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كتابًا من السماء ف أوراق فلمسه‬ ‫هؤلء الشركون بأيديهم لقالوا‪ :‬إنّ ما جئت به ‪-‬أيها الرسول‪ -‬سحر‬ ‫واضح بيّن‪.‬‬ ‫‪392‬‬

‫ك وََلوْ أَن َزْلنَا مَلَكا لَقُضِ َي الَمْرُ ُثمّ ل يُنظَرُونَ (‬ ‫وَقَالُوا َلوْل أُنزِلَ عََليْهِ مََل ٌ‬

‫‪)8‬‬

‫وقال هؤلء الشركون‪ :‬هل أنزل ال تعال على ممد مََلكًا من السماء;‬ ‫ليصدقه فيما جاء به من النبوة‪ ,‬ولوأنزلنا مََلكّا من السماء إجابة لطلبهم‬ ‫لقضي المر بإهلكهم‪ ,‬ث ل يهلون لتوبة‪ ,‬فقد سبق ف علم ال أنم ل‬ ‫يؤمنون‪.‬‬ ‫سنَا عََلْيهِ ْم مَا يَ ْلِبسُونَ (‪)9‬‬ ‫َوَلوْ جَ َع ْلنَاهُ مَلَكا لَجَعَ ْلنَاهُ رَ ُجلً َولََلَب ْ‬ ‫ولو جعلنا الرسول الرسل إليهم مَلَكًا إذ ل يقتنعوا بحمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬لعلنا ذلك اللك ف صورة البشر‪ ,‬حت يستطيعوا السماع منه‬ ‫وماطبته; إذ ليس بإمكانم رؤية اللك على صورته اللئكية‪ ,‬ولو‬ ‫جاءهم اللك بصورة رجل لشتبه المر عليهم‪ ,‬كما اشتبه عليهم أمر‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ئ بِ ُر سُلٍ مِ نْ َقبْلِ كَ َفحَا قَ بِالّذِي نَ َسخِرُوا ِمْنهُ مْ مَا كَانُوا بِ هِ‬ ‫َولَقَدْ ا ْسُتهْزِ َ‬

‫ستَهْ ِزئُون (‪)10‬‬ ‫َي ْ‬

‫‪393‬‬

‫ولّا كان طلبهم إنزال اللك على سبيل الستهزاء بحمد صلى ال عليه‬ ‫وسلم بيّن ال تعال له أن الستهزاء بالرسل عليهم السلم ليس أمرا‬ ‫حادثا‪ ,‬بل قد وقع من الكفار السابقي مع أنبيائهم‪ ,‬فأحاط بم العذاب‬ ‫الذي كانوا يهزؤون به وينكرون وقوعه‪.‬‬ ‫قُلْ سِيُوا فِي ا َلرْضِ ثُ ّم انظُرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُكَ ّذِبيَ (‪)11‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬سيوا ف الرض ث انظروا كيف أعقب ال‬ ‫الكذبي اللك والزي؟ فاحذروا مثل مصارعهم‪ ,‬وخافوا أن يلّ بكم‬ ‫مثل الذي حل بم‪.‬‬ ‫سهِ الرّحْ َم َة‬ ‫قُ ْل لِمَ نْ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ قُلْ لِلّ هِ َكَت بَ عَلَى نَفْ ِ‬ ‫سهُمْ َفهُ مْ ل‬ ‫ب فِي ِه الّذِي نَ خَ سِرُوا أَنفُ َ‬ ‫َليَجْمَ َعنّ ُك مْ ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَا َمةِ ل َريْ َ‬ ‫ُيؤْ ِمنُونَ (‪)12‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬لن مُلكُ السموات والرض وما‬ ‫فيهن؟ قل‪ :‬هو ل كما تقرون بذلك وتعلمونه‪ ,‬فاعبدوه وحده‪ .‬كتب‬ ‫ال على نفسه الرحة فل بعجل على عباده بالعقوبة‪ .‬ليجمعنكم إل يوم‬ ‫القيامة الذي ل شك فيه للحساب والزاء‪ .‬الذين أشركوا بال أهلكوا‬ ‫‪394‬‬

‫أنفسهم‪ ,‬فهم ل يوحدون ال‪ ,‬ول يصدقون بوعده ووعيده‪ ,‬ول يقرون‬ ‫بنبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َوَلهُ مَا َسكَنَ فِي الّليْلِ وَالّنهَارِ وَ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِي ُم (‪)13‬‬ ‫ول ملك كل شيء ف السموات والرض‪ ,‬سكن أو ترك‪ ,‬خفي أو‬ ‫ظهر‪ ,‬الميع عبيده وخلقه‪ ,‬وتت قهره وتصرفه وتدبيه‪ ,‬وهو السميع‬ ‫لقوال عباده‪ ,‬الليم بركاتم وسرائرهم‪.‬‬ ‫قُلْ أَ َغيْ َر اللّ هِ َأّتخِذُ َوِليّا فَاطِرِ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَ ُهوَ يُطْعِ ُم وَل يُطْعَ مُ‬ ‫قُلْ ِإنّي أُمِرْتُ َأنْ أَكُونَ َأوّلَ مَنْ أَسْلَ َم وَل تَكُونَنّ مِ ْن الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)14‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي مع ال تعال غيه‪ :‬أغي ال تعال‬ ‫أتذ وليّا ونصيًا‪ ,‬وهو خالق السموات والرض وما فيهن‪ ,‬وهو الذي‬ ‫يرزق خلقه ول يرزقه أحد؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن أُمِ ْرتُ أن أكون‬ ‫أول مَن خضع وانقاد له بالعبودية من هذه المة‪ ,‬ونيت أن أكون من‬ ‫الشركي معه غيه‪.‬‬

‫‪395‬‬

‫صْيتُ َربّي َعذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ (‪)15‬‬ ‫قُلْ ِإنّي َأخَافُ ِإنْ عَ َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي مع ال غيه‪ :‬إن أخاف إن عصيت‬ ‫رب‪ ,‬فخالفت أمره‪ ,‬وأشركت معه غيه ف عبادته‪ ,‬أن ينل ب عذاب‬ ‫عظيم يوم القيامة‪.‬‬ ‫ك الْفَ ْوزُ الْ ُمِبيُ (‪)16‬‬ ‫ف َعْنهُ َيوْ َمئِذٍ َفقَدْ َرحِ َمهُ وَ َذلِ َ‬ ‫مَ ْن يُصْرَ ْ‬ ‫من يصرف ال عنه ذلك العذاب الشديد فقد رحه‪ ,‬وذلك الصرف هو‬ ‫الظفر البي بالنجاة من العذاب العظيم‪.‬‬ ‫خيْرٍ َف ُهوَ‬ ‫ك ِب َ‬ ‫سسْ َ‬ ‫ك اللّ هُ بِضُرّ فَل كَا ِش فَ لَ هُ إِ ّل ُهوَ وَإِ نْ يَمْ َ‬ ‫وَإِ نْ َيمْ سَسْ َ‬

‫عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِي ٌر (‪)17‬‬

‫وإن يصبك ال تعال ‪-‬أيها النسان‪ -‬بشيء يضرك كالفقر والرض فل‬ ‫كاشف له إل هو‪ ,‬وإن يصبك بي كالغن والصحة فل راد لفضله ول‬ ‫مانع لقضائه‪ ,‬فهو ‪-‬جل وعل‪ -‬القادر على كل شيء‪.‬‬ ‫خبِيُ (‪)18‬‬ ‫ق ِعبَادِهِ وَ ُهوَ اْلحَكِيمُ اْل َ‬ ‫وَ ُهوَ الْقَاهِرُ َفوْ َ‬ ‫‪396‬‬

‫ت له‬ ‫وال سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده; خضعت له الرقاب و َذلّ ْ‬ ‫البابرة‪ ,‬وهو الكيم الذي يضع الشياء مواضعها وَفْق حكمت‪ ,‬البي‬ ‫الذي ل يفى عليه شيء‪ .‬ومن اتصف بذه الصفات يب أل يشرك به‪.‬‬ ‫وف هذه الية إثبات الفوقية ل ‪-‬تعال‪ -‬على جيع خلقه‪ ,‬فوقية مطلقة‬ ‫تليق بلله سبحانه‪.‬‬ ‫قُلْ أَيّ َش ْيءٍ أَ ْكبَرُ َشهَادَةً قُلْ اللّ هُ َشهِي ٌد َبيْنِي َوَبْينَكُ ْم وَأُوحِ يَ ِإلَيّ َهذَا‬ ‫شهَدُو نَ َأنّ َم َع اللّ هِ آِل َهةً أُ ْخرَى قُلْ‬ ‫الْقُرْآ نُ لُن ِذرَكُ مْ بِ هِ وَمَ ْن بَلَ غَ َأِئنّ ُك ْم َلتَ ْ‬ ‫ل َأ ْشهَدُ قُلْ ِإنّمَا ُهوَ ِإَلهٌ وَا ِحدٌ وَِإّننِي بَرِيءٌ مِمّا ُتشْرِكُونَ (‪)19‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول لؤلء الشركي‪ :-‬أيّ شيء أعظم شهادة ف إثبات‬ ‫صدقي فيما أخبتكم به أن رسول ال؟ قل‪ :‬ال شهيد بين وبينكم أي‪:‬‬ ‫هو العال با جئتكم به وما أنتم قائلونه ل‪ ,‬وأوحى ال إلّ هذا القرآن‬ ‫مِن أجل أن أنذركم به عذابه أن يلّ بكم‪ ,‬وأنذر به مَن وصل إليه من‬ ‫المم‪ .‬إنكم لتقرون أن مع ال معبودات أخرى تشركونا به‪ .‬قل لم‬ ‫أيها الرسول‪ :-‬إن ل أشهد على ما أقررت به‪ ,‬إنا ال إله واحد ل‬‫شريك له‪ ,‬وإنن بريء من كل شريك تعبدونه معه‪.‬‬

‫‪397‬‬

‫ب يَعْرِفُونَ هُ كَمَا يَ ْعرِفُو نَ َأْبنَاءَهُ مْ الّذِي نَ خَ سِرُوا‬ ‫الّذِي نَ آَتْينَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬ ‫سهُمْ َفهُمْ ل ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)20‬‬ ‫أَن ُف َ‬ ‫الذين آتيناهم التوراة والنيل‪ ,‬يعرفون ممدًا صلى ال عليه وسلم‬ ‫بصفاته الكتوبة عندهم كمعرفتهم أبناءهم‪ ,‬فكما أن أبناءهم ل يشتبهون‬ ‫أمامهم بغيهم‪ ,‬فكذلك ممد صلى ال عليه وسلم ل يشتبه بغيه لدقة‬ ‫وصفه ف كتبهم‪ ,‬ولكنهم اتبعوا أهواءهم‪ ,‬فخسروا أنفسهم حب كفروا‬ ‫بحمد صلى ال عليه وسلم وبا جاء به‪.‬‬ ‫وَمَن ْمَأظْلَمُم ِممّن ْم ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِم كَذِبا َأوْ كَذّبَمبِآيَاتِهِمِإنّهُم ل يُفْلِحُم‬ ‫الظّالِمُونَ (‪)21‬‬ ‫ل أحد أشد ظلمًا مّن تَ َقوّلَ الكذب على ال تعال‪ ,‬فزعم أن له شركاء‬ ‫ف العبادة‪ ,‬أو ادّعى أن له ولدًا أو صاحبة‪ ,‬أو كذب بباهينه وأدلته الت‬ ‫أيّد با رسله عليهم السلم‪ .‬إنه ل يفلح الظالون الذين افتروا الكذب‬ ‫على ال‪ ,‬ول يظفرون بطالبهم ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬ ‫حشُرُهُ مْ جَمِيعا ثُمّ نَقُولُ لِلّذِي نَ َأشْرَكُوا َأيْ نَ شُرَكَاؤُكُ ْم الّذِي نَ‬ ‫َوَيوْ مَ َن ْ‬ ‫كُنتُمْ َتزْعُمُونَ (‪)22‬‬ ‫‪398‬‬

‫وليحذر هؤلء الشركون الكذبون بآيات ال تعال يوم نشرهم ث‬ ‫نقول لم‪ :‬أين آلتكم الت كنتم تدّعون أنم شركاء مع ال تعال‬ ‫ليشفعوا لكم؟‬ ‫ثُ ّم لَمْ تَكُ ْن ِفْتَنُتهُمْ إِلّ َأ ْن قَالُوا وَالّلهِ َرّبنَا مَا ُكنّا ُمشْرِ ِكيَ (‪)23‬‬ ‫ث ل تكن إجابتهم حي فتنوا واختبوا بالسؤال عن شركائهم إل أن‬ ‫تبؤوا منهم‪ ,‬وأقسموا بال ربم أنم ل يكونوا مشركي مع ال غيه‪.‬‬ ‫سهِ ْم َوضَلّ َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)24‬‬ ‫انظُ ْر َكيْفَ كَ َذبُوا عَلَى أَن ُف ِ‬ ‫تأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كذب هؤلء الشركون على أنفسهم وهم‬ ‫ف الخرة قد تبؤوا من الشرك؟ وذهب وغاب عنهم ما كانوا يظنونه‬ ‫من شفاعة آلتهم‪.‬‬ ‫ستَمِعُ ِإَليْ كَ َوجَعَلْنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ أَ ِكّنةً أَ نْ يَفْ َقهُو هُ وَفِي‬ ‫وَ ِمْنهُ ْم مَ نْ يَ ْ‬ ‫آذَاِنهِ مْ وَقْرا َوإِ نْ يَ َروْا كُلّ آَيةٍ ل ُيؤْ ِمنُوا ِبهَا َحتّى إِذَا جَاءُو َك ُيجَا ِدلُونَ كَ‬ ‫يَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا ِإنْ َهذَا إِلّ َأسَاطِيُ ا َل ّولِيَ (‪)25‬‬ ‫‪399‬‬

‫ومن هؤلء الشركي من يستمع إليك القرآن ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬فل يصل‬ ‫إل قلوبم; لنم بسبب اتباعهم أهواءهم جعلنا على قلوبم أغطية; لئل‬ ‫يفقهوا القرآن‪ ,‬وجعلنا ف آذانم ثقل وصممًا فل تسمع ول تعي شيئًا‪,‬‬ ‫وإن يروا اليات الكثية الدالة على صدق ممد صلى ال عليه وسلم ل‬ ‫يصدقوا با‪ ,‬حت إذا جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعد معاينة اليات الدالة‬ ‫على صدقك ياصمونك‪ :‬يقول الذين جحدوا آيات ال‪ :‬ما هذا الذي‬ ‫نسمع إل ما تناقله الولون من حكايات ل حقيقة لا‪.‬‬ ‫سهُمْ وَمَا َيشْعُرُو نَ (‬ ‫وَهُ ْم َيْن َهوْ نَ َعنْ هُ َوَينَْأوْ نَ َعنْ هُ وَإِ نْ ُيهْلِكُو نَ إِلّ أَنفُ َ‬ ‫‪)26‬‬ ‫وهؤلء الشركون ينهون الناس عن اتباع ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫والستماع إليه‪ ,‬ويبتعدون بأنفسهم عنه‪ ,‬وما يهلكون ‪-‬بصدهم عن‬ ‫سبيل ال‪ -‬إل أنفسهم‪ ,‬وما يسون أنم يعملون للكها‪.‬‬ ‫َوَلوْ تَرَى ِإذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقَالُوا يَا َلْيتَنَا نُ َردّ وَل ُنكَذّ بَ بِآيَا تِ َربّنَا‬ ‫َونَكُونَ مِ ْن الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)27‬‬

‫‪400‬‬

‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي يوم القيامة لرأيت أمرًا‬ ‫حبَسون على النار‪ ,‬ويشاهدون ما فيها من‬ ‫عظيمًا‪ ,‬وذلك حي ُي ْ‬ ‫السلسل والغلل‪ ,‬ورأوا بأعينهم تلك المور العظام والهوال‪ ,‬فعند‬ ‫ذلك قالوا‪ :‬ياليتنا نُعاد إل الياة الدنيا‪ ,‬فنصدق بآيات ال ونعمل با‪,‬‬ ‫ونكون من الؤمني‪.‬‬ ‫ْهم‬ ‫ِنم َقبْلُ َوَلوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا ُنهُوا َعن ُ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫ُمم مَا كَانُوا ُيخْف َ‬ ‫بَلْ َبدَا َله ْ‬ ‫وَِإّنهُمْ لَكَا ِذبُونَ (‪)28‬‬ ‫ليس المر كذلك‪ ,‬بل ظهر لم يوم القيامة ما كانوا يعلمونه من أنفسهم‬ ‫من صدق ما جاءت به الرسل ف الدنيا‪ ,‬وإن كانوا يظهرون لتباعه‬ ‫خلفه‪ .‬ولو فرض أن أعيدوا إل الدنيا فأمهلوا لرجعوا إل العناد بالكفر‬ ‫والتكذيب‪ .‬وإنم لكاذبون ف قولم‪ :‬لو رددنا إل الدنيا ل نكذب‬ ‫بآيات ربنا‪ ,‬وكنا من الؤمني‪.‬‬ ‫وَقَالُوا ِإنْ هِيَ إِلّ َحيَاُتنَا ال ّدْنيَا وَمَا َنحْنُ بِ َمبْعُوِثيَ (‪)29‬‬ ‫وقال هؤلء الشركون النكرون للبعث‪ :‬ما الياة إل هذه الياة الت نن‬ ‫فيها‪ ,‬وما نن ببعوثي بعد موتنا‪.‬‬ ‫‪401‬‬

‫َوَلوْ تَرَى ِإذْ وُقِفُوا عَلَى َرّبهِ مْ قَالَ َأَليْ سَ َهذَا بِالْحَقّ قَالُوا بَلَى َو َرّبنَا قَالَ‬

‫ب بِمَا كُنتُ ْم تَكْفُرُونَ (‪)30‬‬ ‫فَذُوقُوا الْعَذَا َ‬

‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬منكري البعث إذ حُبسوا بي يدي ال تعال‬ ‫لقضائه فيهم يوم القيامة‪ ,‬لرأيت أسوأ حال‪ ,‬إذ يقول ال جل وعل أليس‬ ‫هذا بالق‪ ,‬أي‪ :‬أليس هذا البعث الذي كنتم تنكرونه ف الدنيا حقّا؟‬ ‫قالوا‪ :‬بلى وربنا إنه لق‪ ,‬قال ال تعال‪ :‬فذوقوا العذاب با كنتم‬ ‫تكفرون أي‪ :‬العذاب الذي كنتم تكذبون به ف الدنيا بسبب جحودكم‬ ‫بال تعال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َقدْ خَ سِرَ الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِِلقَاءِ اللّ هِ َحتّ ى إِذَا جَا َءتْهُ ْم ال سّاعَةُ بَ ْغَت ًة قَالُوا يَا‬ ‫حَ سْ َرَتنَا عَلَى مَا فَ ّرطْنَا فِيهَا وَهُ مْ َيحْمِلُو نَ َأ ْوزَارَهُ مْ عَلَى ُظهُورِهِ مْ أَل‬ ‫سَاءَ مَا َي ِزرُونَ (‪)31‬‬ ‫قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الوت‪ ,‬حت إذا قامت القيامة‪,‬‬ ‫وفوجئوا بسوء الصي‪ ,‬نادَوا على أنفسهم بالسرة على ما ضيّعوه ف‬ ‫حياتم الدنيا‪ ,‬وهم يملون آثامهم على ظهورهم‪ ,‬فما أسوأ الحال‬ ‫الثقيلة السيئة الت يملونا!!‬ ‫‪402‬‬

‫حيَاةُ ال ّدنْيَا إِ ّل لَعِ بٌ َوَل ْهوٌ وَلَلدّارُ ال ِخرَةُ َخيْ ٌر لِلّذِي نَ َيتّقُو نَ أَفَل‬ ‫وَمَا اْل َ‬

‫تَعْقِلُونَ (‪)32‬‬

‫وما الياة الدنيا ف غالب أحوالا إل غرور وباطل‪ ,‬والعمل الصال للدار‬ ‫الخرة خي للذين يشون ال‪ ,‬فيتقون عذابه بطاعته واجتناب معاصيه‪.‬‬ ‫أفل تعقلون ‪-‬أيها الشركون الغترون بزينة الياة الدنيا‪ -‬فتقدّموا ما‬ ‫يبقى على ما يفن؟‬ ‫َقدْ نَعَْل مُ ِإنّ هُ َليَحْ ُزُن كَ الّذِي يَقُولُو نَ َفِإّنهُ مْ ل يُكَ ّذبُونَ كَ َولَكِنّ الظّالِ ِميَ‬ ‫جحَدُونَ (‪)33‬‬ ‫بِآيَاتِ الّلهِ َي ْ‬ ‫إنا نعلم إنه ليُدْخل الزنَ إل قلبك تكذيبُ قومك لك ف الظاهر‪,‬‬ ‫فاصب واطمئن; فإنم ل يكذبونك ف قرارة أنفسهم‪ ,‬بل يعتقدون‬ ‫صدقك‪ ,‬ولكنهم لظلمهم وعدوانم يحدون الباهي الواضحة على‬ ‫صدقك‪ ,‬فيكذبونك فيما جئت به‪.‬‬ ‫صَبرُوا عَلَى مَا كُ ّذبُوا وَأُوذُوا َحتّى َأتَاهُ مْ‬ ‫َولَقَدْ كُ ّذَب تْ رُ سُلٌ مِ نْ َقبِْل كَ فَ َ‬

‫ت اللّهِ َولَقَدْ جَاءَكَ مِ ْن َنَبإِ الْمُرْسَِليَ (‪)34‬‬ ‫نَصْ ُرنَا وَل ُمَبدّلَ لِكَلِمَا ِ‬ ‫‪403‬‬

‫ولقد كذّب الكفارُ رسل من قبلك أرسلهم ال تعال إل أمهم وأوذوا‬ ‫ف سبيله‪ ,‬فصبوا على ذلك ومضوا ف دعوتم وجهادهم حت أتاهم‬ ‫نصر ال‪ .‬ول مبدل لكلمات ال‪ ,‬وهي ما أنزل على نبيه ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم مِن وعده إياه بالنصر على مَن عاداه‪ .‬ولقد جاءك ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬مِن خب مَن كان قبلك من الرسل‪ ,‬وما تقق لم من نصر ال‪,‬‬ ‫وما جرى على مكذبيهم من نقمة ال منهم وغضبه عليهم‪ ,‬فلك فيمن‬ ‫تقدم من الرسل أسوة وقدوة‪ .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫ضهُ ْم َفإِ نْ ا ْستَطَعْتَ أَ نْ َتْبتَغِ يَ نَفَقا فِي الَرْ ِ‬ ‫ض‬ ‫وَإِنْ كَا نَ َكبُ َر عََليْ كَ إِعْرَا ُ‬ ‫َأوْ سُلّما فِي ال سّمَاءِ َفتَ ْأِتَيهُ ْم بِآَيةٍ َولَوْ شَاءَ اللّ هُ َلجَمَ َعهُ ْم عَلَى اْلهُدَى فَل‬ ‫تَكُونَنّ مِنْ اْلجَاهِِليَ (‪)35‬‬ ‫وإن كان عَظُمَ عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬صدود هؤلء الشركي‬ ‫وانصرافهم عن الستجابة لدعوتك‪ ,‬فإن استطعت أن تتخذ نفقًا ف‬ ‫الرض‪ ,‬أو مصعدًا تصعد فيه إل السماء‪ ,‬فتأتيهم بعلمة وبرهان على‬ ‫صحة قولك غي الذي جئناهم به فافعل‪ .‬ولو شاء ال َلجَمعهم على‬ ‫الدى الذي أنتم عليه ووفّقهم لليان‪ ,‬ولكن ل يشأ ذلك لكمة يعلمها‬ ‫‪404‬‬

‫سبحانه‪ ,‬فل تكونن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من الاهلي الذين اشتد حزنم‪,‬‬ ‫وتسّروا حت أوصلهم ذلك إل الزع الشديد‪.‬‬ ‫ب الّذِي نَ يَ سْمَعُونَ وَالْ َم ْوتَى َيبْ َعُثهُ ْم اللّ هُ ثُمّ ِإَليْ هِ ُيرْجَعُو نَ (‬ ‫سَتجِي ُ‬ ‫ِإنّمَا يَ ْ‬ ‫‪)36‬‬ ‫إنا ييبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل ما دعوت إليه من الدى الذين يسمعون‬ ‫الكلم ساع قبول‪ .‬أما الكفار فهم ف عداد الوتى; لن الياة القيقية‬ ‫إنا تكون بالسلم‪ .‬والوتى يرجهم ال من قبورهم أحياء‪ ,‬ث يعودون‬ ‫إليه يوم القيامة ليوفوا حسابم وجزاءهم‪.‬‬ ‫َنم ُينَزّ َل آَيةً‬ ‫ّهم قَا ِدرٌ عَلَى أ ْ‬ ‫ّهم قُلْ إِنّ الل َ‬ ‫ِنم َرب ِ‬ ‫ْهم آَيةٌ م ْ‬ ‫وَقَالُوا َلوْل نُزّ َل عََلي ِ‬ ‫َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل يَعَْلمُونَ (‪)37‬‬ ‫وقال الشركون ‪-‬تعنتًا واستكبارًا‪ :-‬هل أنزل ال علمة تدل على‬ ‫صدق ممد صلى ال عليه وسلم من نوع العلمات الارقة‪ ,‬قل لم‬ ‫أيها الرسول‪ :-‬إن ال قادر على أن ينل عليهم آية‪ ,‬ولكن أكثرهم ل‬‫يعلمون أن إنزال اليات إنا يكون وَفْق حكمته تعال‪.‬‬ ‫‪405‬‬

‫جنَا َحيْ هِ إِلّ أُمَ مٌ أَ ْمثَالُكُ مْ مَا‬ ‫وَمَا مِ نْ دَاّبةٍ فِي ا َلرْ ضِ وَل طَائِرٍ يَطِيُ ِب َ‬

‫ب مِنْ شَ ْيءٍ ثُمّ ِإلَى َرّبهِ ْم ُيحْشَرُونَ (‪)38‬‬ ‫فَ ّر ْطنَا فِي الْ ِكتَا ِ‬

‫ليس ف الرض حيوان يَدِبّ على الرض أو طائر يطي ف السماء‬ ‫بناحيه إل جاعات متجانسة اللق مثلكم‪ .‬ما تركنا ف اللوح الحفوظ‬ ‫شيئًا إل أثبتناه‪ ,‬ث إنم إل ربم يشرون يوم القيامة‪ ,‬فيحاسب ال كل‬ ‫با عمل‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا صُمّ َوبُ ْك مٌ فِي الظّلُمَا تِ مَ ْن َيشَأْ اللّ هُ يُضْلِلْ هُ وَمَ نْ‬ ‫ستَقِي ٍم (‪)39‬‬ ‫َيشَأْ َيجْعَ ْلهُ عَلَى صِرَاطٍ ُم ْ‬ ‫والذين كذبوا بجج ال تعال صمّ ل يسمعون ما ينفعهم‪ ,‬بُ ْكمٌ ل‬ ‫يتكلمون بالق‪ ,‬فهم حائرون ف الظلمات‪ ,‬ل يتاروا طريقة الستقامة‪.‬‬ ‫من يشأ ال إضلله يضلله‪ ,‬ومن يشأ هدايته يعله على صراط مستقيم‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتَكُ مْ إِ نْ َأتَاكُ مْ عَذَا بُ اللّ هِ َأوْ َأَتتْكُ ْم ال سّاعَةُ أَ َغيْرَ اللّ هِ تَدْعُو نَ إِ نْ‬ ‫ي (‪)40‬‬ ‫كُنتُمْ صَادِِق َ‬ ‫‪406‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن جاءكم عذاب ال ف‬ ‫الدنيا أو جاءتكم الساعة الت تبعثون فيها‪ :‬أغي ال تدعون هناك لكشف‬ ‫ما نزل بكم من البلء‪ ,‬إن كتم مقي ف زعمكم أن آلتكم الت تعبدونا‬ ‫من دون ال تنفع أو تضر؟‬ ‫بَلْ ِإيّا هُ َتدْعُو نَ َفيَ ْكشِ فُ مَا تَدْعُو نَ ِإَليْ هِ إِ نْ شَاءَ َوتَن سَ ْونَ مَا ُتشْرِكُو نَ (‬

‫‪)41‬‬

‫بل تدعون ‪-‬هناك‪ -‬ربكم الذي خلقكم ل غيه‪ ,‬وتستغيثون به‪ ,‬فيفرج‬ ‫عنكم البلء العظيم النازل بكم إن شاء; لنه القادر على كل شيء‪,‬‬ ‫وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأولياءكم‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم بِاْلبَأْسمَاءِ وَالضّرّاءِ لَعَّله ْ‬ ‫ِكم فَأَ َخ ْذنَاه ْ‬ ‫ِنم َقبْل َ‬ ‫َمم م ْ‬ ‫ْسمْلنَا ِإلَى أُم ٍ‬ ‫َولَقَدْ َأر َ‬ ‫َيتَضَرّعُونَ (‪)42‬‬ ‫ولقد بعثنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل جاعات من الناس من قبلك رسل‬ ‫يدعونم إل ال تعال‪ ,‬فكذّبوهم‪ ,‬فابتليناهم ف أموالم بشدة الفقر‬ ‫وضيق العيشة‪ ,‬وابتليناهم ف أجسامهم بالمراض واللم; رجاء أن‬ ‫يتذللوا لربم‪ ,‬ويضعوا له وحده بالعبادة‪.‬‬ ‫‪407‬‬

‫شيْطَا نُ‬ ‫َفَلوْل إِذْ جَاءَهُ مْ بَ ْأ ُسنَا تَضَرّعُوا َولَكِ نْ قَ سَتْ ُقلُوبُهُ مْ َو َزيّ نَ َلهُ مْ ال ّ‬

‫مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)43‬‬

‫فهل إذ جاء هذه المم الكذبة بلؤنا تذللوا لنا‪ ,‬ولكن قست قلوبم‪,‬‬ ‫وزيّن لم الشيطان ما كانوا يعملون من العاصي‪ ,‬ويأتون من الشرك‪.‬‬ ‫حنَا عََلْيهِ مْ َأْبوَا بَ كُلّ شَ ْيءٍ َحتّى ِإذَا َفرِحُوا‬ ‫َفلَمّا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َفَت ْ‬ ‫بِمَا أُوتُوا َأخَ ْذنَاهُ ْم بَ ْغَتةً َفإِذَا ُهمْ ُمبِْلسُونَ (‪)44‬‬ ‫فلما تركوا العمل بأوامر ال تعال معرضي عنها‪ ,‬فتحنا عليهم أبواب‬ ‫كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً ف العيش‪ ,‬وبالضراء صحة‬ ‫ف الجسام; استدراجا منا لم‪ ,‬حت إذا بطروا‪ ,‬وأعجبوا با أعطيناهم‬ ‫من الي والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة‪ ,‬فإذا هم آيسون منقطعون من‬ ‫كل خي‪.‬‬ ‫َفقُطِعَ دَابِرُ الْ َقوْمِ الّذِينَ ظَلَمُوا وَاْلحَمْ ُد لِّلهِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)45‬‬

‫‪408‬‬

‫فاستؤصل هؤلء القوم وأُهلكوا إذ كفروا بال وكذّبوا رسله‪ ,‬فلم يبق‬ ‫منهم أحد‪ .‬والشكر والثناء ل تعال ‪-‬خالق كل شيء ومالكه‪ -‬على‬ ‫نصرة أوليائه وهلك أعدائه‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ إِ نْ أَخَ َذ اللّ هُ سَمْ َعكُمْ َوَأبْ صَارَكُ ْم وَ َختَ َم عَلَى قُلُوبِكُ مْ مَ نْ ِإلَ هٌ‬ ‫ف اليَاتِ ثُ ّم هُ ْم يَصْدِفُونَ (‪)46‬‬ ‫َغيْرُ الّلهِ يَ ْأتِي ُكمْ ِبهِ انظُ ْر َكيْفَ نُصَرّ ُ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن أذهب ال سعكم‬ ‫فأصمّكم‪ ,‬وذهب بأبصاركم فأعماكم‪ ,‬وطبع على قلوبكم فأصبحتم ل‬ ‫ي إله غي ال جل وعل يقدر على ردّ ذلك لكم؟! انظر‬ ‫تفقهون قول أ ّ‬ ‫أيها الرسول‪ -‬كيف ننوّع لم الجج‪ ,‬ث هم بعد ذلك يعرضون عن‬‫التذكر والعتبار؟‬ ‫قُلْ َأرََأْيتَكُ مْ إِ نْ َأتَاكُ مْ عَذَا بُ اللّ هِ بَ ْغَتةً َأوْ َجهْرَ ًة هَلْ ُيهْلَ كُ إِلّ الْ َقوْ مُ‬ ‫الظّالِمُونَ (‪)47‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن نزل بكم عقاب اللة‬ ‫فجأة وأنتم ل تشعرون به‪ ,‬أو ظاهرًا عِيانًا وأنتم تنظرون إليه‪ :‬هل يُهلك‬ ‫‪409‬‬

‫إل القوم الظالون الذين تاوزوا الد‪ ,‬بصرفهم العبادة لغي ال تعال‬ ‫وبتكذيبهم رسله؟‬ ‫وَمَا نُرْ سِلُ الْمُ ْر سَِليَ إِلّ ُمَبشّرِي نَ وَمُن ِذرِي نَ فَمَ نْ آمَ نَ وَأَ صْلَ َح فَل َخوْ فٌ‬ ‫عََلْيهِمْ وَل هُمْ َيحْ َزنُونَ (‪)48‬‬ ‫وما نرسل رسلنا إل مبشرين أهل طاعتنا بالنعيم القيم‪ ,‬ومنذرين أهل‬ ‫العصية بالعذاب الليم‪ ,‬فمن آمن وصدّق الرسل وعمل صالًا فأولئك‬ ‫ل يافون عند لقاء ربم‪ ,‬ول يزنون على شيء فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫ب بِمَا كَانُوا يَ ْفسُقُونَ (‪)49‬‬ ‫سهُمْ الْعَذَا ُ‬ ‫وَالّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا يَ َم ّ‬ ‫والذين كذّبوا بآياتنا من القرآن والعجزات فأولئك يصيبهم العذاب يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬بسبب كفرهم وخروجهم عن طاعة ال تعال‪.‬‬ ‫ب وَل َأقُولُ لَكُ مْ ِإنّي‬ ‫قُ ْل ل أَقُولُ لَكُ مْ عِندِي خَزَائِ نُ اللّ هِ وَل أَعْلَ ُم الْ َغيْ َ‬ ‫َصميُ أَفَل‬ ‫َسموِي الَعْمَى وَالْب ِ‬ ‫ِعمإِ ّل مَا يُوحَى ِإَليّقُلْ هَلْ ي ْتَ‬ ‫ِنمَأّتب ُ‬ ‫َكم إ ْ‬ ‫مَل ٌ‬ ‫َتتَفَكّرُونَ (‪)50‬‬ ‫‪410‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن ل أدّعي أن أملك خزائن‬ ‫السموات والرض‪ ,‬فأتصرف فيها‪ ,‬ول أدّعي أن أعلم الغيب‪ ,‬ول‬ ‫أدّعي أن ملك‪ ,‬وإنا أنا رسول من عند ال‪ ,‬أتبع ما يوحى إلّ‪ ,‬وأبلّغ‬ ‫وحيه إل الناس‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬هل يستوي‬ ‫الكافر الذي َعمِي عن آيات ال تعال فلم يؤمن با والؤمن الذي أبصر‬ ‫آيات ال فآمن با؟ أفل تتفكرون ف آيات ال; لتبصروا الق فتؤمنوا به؟‬ ‫حشَرُوا ِإلَى َربّهِ ْم َليْ سَ َلهُ ْم مِ نْ دُونِ هِ َولِيّ‬ ‫وَأَن ِذرْ بِ هِ الّذِي نَ َيخَافُو نَ أَ نْ ُي ْ‬

‫وَل شَفِيعٌ لَعَّلهُ ْم َيتّقُونَ (‪)51‬‬

‫وخوّف ‪-‬أيها النب‪ -‬بالقرآن الذين يعلمون أنم يُحشرون إل ربم‪ ,‬فهم‬ ‫مصدّقون بوعد ال ووعيده‪ ,‬ليس لم غي ال ولّ ينصرهم‪ ,‬ول شفيع‬ ‫يشفع لم عنده تعال‪ ,‬فيخلصهم من عذابه; لعلهم يتقون ال تعال بفعل‬ ‫الوامر واجتناب النواهي‪.‬‬ ‫وَل تَطْ ُردْ الّذِي نَ يَدْعُو نَ َرّبهُ مْ بِالْغَدَاةِ وَالْ َعشِيّ يُرِيدُو نَ وَ ْجهَ هُ مَا عََلْي َ‬ ‫ك‬ ‫ك عََلْيهِ مْ مِ نْ شَ ْي ٍء َفتَطْرُدَ ُه مْ‬ ‫مِ نْ حِ سَاِبهِمْ مِ نْ شَ ْي ٍء وَمَا مِ نْ حِ سَابِ َ‬

‫َفتَكُونَ مِنْ الظّالِ ِميَ (‪)52‬‬

‫‪411‬‬

‫ول ُتبْعد ‪-‬أيها النب‪ -‬عن مالستك ضعفاء السلمي الذين يعبدون ربم‬ ‫أول النهار وآخره‪ ,‬يريدون بأعمالم الصالة وجه ال‪ ,‬ما عليك من‬ ‫حساب هؤلء الفقراء من شيء‪ ,‬إنا حسابم على ال‪ ,‬وليس عليهم‬ ‫شيء من حسابك‪ ,‬فإن أبعدتم فإنك تكون من التجاوزين حدود ال‪,‬‬ ‫الذين يضعون الشيء ف غي موضعه‪.‬‬ ‫ضهُمْ ِببَعْضٍ ِليَقُولُوا أَ َهؤُلءِ مَنّ اللّهُ عََلْيهِمْ مِنْ َبْيِننَا َأَليْسَ‬ ‫وَكَ َذلِكَ َفَتنّا بَعْ َ‬ ‫اللّهُ بِأَ ْعلَمَ بِالشّاكِرِينَ (‪)53‬‬ ‫وكذالك ابتلى ال تعال بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من الرزاق‬ ‫والخلق‪ ,‬فجعل بعضهم غنيّا وبعضهم فقيًا‪ ,‬وبعضهم قويّا وبعضهم‬ ‫ضعيفًا‪ ,‬فأحوج بعضهم إل بعض اختبارًا منه لم بذلك; ليقول‬ ‫الكافرون الغنياء‪ :‬أهؤلء الضعفاء مَ ّن ال عليهم بالداية إل السلم مِن‬ ‫بيننا؟ أليس ال تعال بأعلم بن يشكرون نعمته‪ ,‬فيوفقهم إل الداية‬ ‫لدينه؟‬ ‫وَِإذَا جَاءَ كَ الّذِي نَ ُيؤْ ِمنُو نَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلمٌ َعَليْكُ ْم َكتَ بَ َربّكُ ْم عَلَى‬ ‫جهَاَلةٍ ثُمّ تَابَ مِ ْن بَعْدِ ِه وَأَصْلَحَ‬ ‫سهِ الرّحْ َمةَ َأنّهُ مَنْ َعمِلَ ِمنْكُ ْم سُوءا ِب َ‬ ‫نَفْ ِ‬ ‫‪412‬‬

‫فََأّنهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)54‬‬ ‫وإذا جاءك ‪-‬أيها النب‪ -‬الذين صَدّقوا بآيات ال الشاهدة على صدقك‬ ‫من القرآن وغيه مستفتي عن التوبة من ذنوبم السابقة‪ ,‬فأكرِمْهم بردّ‬ ‫السلم عليهم‪ ,‬وَبشّرهم برحة ال الواسعة; فإنه جلّ وعل قد كتب على‬ ‫نفسه الرحة بعباده تفضل أنه من اقترف ذنبًا بهالة منه لعاقبتها وإيابا‬ ‫لسخط ال ‪-‬فكل عاص ل مطئًا أو متعمدًا فهو جاهل بذا العتبار‬ ‫وإن كان عالًا بالتحري‪ -‬ث تاب من بعده وداوم على العمل الصال‪,‬‬ ‫فإنه تعال يغفر ذنبه‪ ,‬فهو غفور لعباده التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ي (‪)55‬‬ ‫ستَِبيَ َسبِيلُ الْمُجْرِ ِم َ‬ ‫ك نُفَصّلُ اليَاتِ َوِلَت ْ‬ ‫وَكَ َذلِ َ‬ ‫ومثل هذا البيان الذي بّينّاه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نبيّن الجج الواضحة‬ ‫على كل حق ينكره أهل الباطل; ليتبي الق‪ ,‬وليظهر طريق أهل الباطل‬ ‫الخالفي للرسل‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّي ُنهِي تُ أَ نْ أَ ْعُبدَ الّذِي نَ تَدْعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قُ ْل ل َأّتِب عُ أَ ْهوَاءَكُ مْ‬ ‫قَ ْد ضَلَلْتُ إِذا وَمَا َأنَا مِنْ الْ ُم ْهتَدِينَ (‪)56‬‬ ‫‪413‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن ال عز وجل نان أن أعبد‬ ‫الوثان الت تعبدونا من دونه‪ ,‬وقل لم‪ :‬ل أتبع أهواءكم قد ضللت عن‬ ‫الصراط الستقيم إن اتبعت أهواءَكم‪ ,‬وما أنا من الهتدين‪.‬‬ ‫ستَعْجِلُونَ بِ هِ إِ نْ‬ ‫قُلْ ِإنّ ي عَلَى َبّينَةٍ مِ نْ َربّ ي وَكَ ّذْبتُ ْم بِ هِ مَا عِندِي مَا تَ ْ‬ ‫ص الْحَقّ وَ ُهوَ َخيْرُ الْفَاصِِليَ (‪)57‬‬ ‫الْحُكْمُ إِلّ لِّلهِ يَقُ ّ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول لؤلء الشركي‪ :-‬إن على بصية واضحة من شريعة‬ ‫ال الت أوحاها إلّ‪ ,‬وذلك بإفراده وحده بالعبادة‪ ,‬وقد كذّبتم بذا‪,‬‬ ‫وليس ف قدرت إنزال العذاب الذي تستعجلون به‪ ,‬وما الكم ف تأخر‬ ‫ذلك إل إل ال تعال‪ ,‬يقصّ القّ‪ ,‬وهو خي مَن يفصل بي الق‬ ‫والباطل بقضائه وحكمه‪.‬‬ ‫ستَ ْعجِلُونَ بِ هِ لَقُضِ يَ الَمْ ُر َبْينِي َوَبْينَكُ ْم وَاللّ هُ أَ ْعلَ مُ‬ ‫قُ ْل َلوْ َأنّ عِندِي مَا تَ ْ‬ ‫بِالظّالِ ِميَ (‪)58‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬لو أنن أملك إنزال العذاب الذي تستحجلونه‬ ‫لنزلته بكم‪ ,‬وقضي المر بين وبينكم‪ ,‬ولكن ذلك إل ال تعال‪ ,‬وهو‬ ‫أعلم بالظالي الذين تاوزوا حدّهم فأشركوا معه غيه‪.‬‬ ‫‪414‬‬

‫وَ ِعنْدَ هُ مَفَاتِ حُ الْ َغيْ بِ ل يَعْلَمُهَا إِلّ ُه َو َويَعْلَ ُم مَا فِي اْلبَرّ وَاْلبَحْرِ وَمَا‬ ‫ت ا َلرْ ضِ وَل َرطْ بٍ وَل‬ ‫تَ سْقُطُ مِ ْن َورَقَةٍ إِلّ يَعَْل ُمهَا وَل َحّبةٍ فِي ظُلُمَا ِ‬ ‫ب ُمِبيٍ (‪)59‬‬ ‫يَابِسٍ إِلّ فِي ِكتَا ٍ‬ ‫وعند ال ‪-‬جل وعل‪ -‬مفاتح الغيب أي‪ :‬خزائن الغيب‪ ,‬ل يعلمها إل‬ ‫هو‪ ,‬ومنها‪ :‬علم الساعة‪ ,‬ونزول الغيث‪ ,‬وما ف الرحام‪ ,‬والكسب ف‬ ‫الستقبل‪ ,‬ومكان موت النسان‪ ,‬ويعلم كل ما ف الب والبحر‪ ,‬وما‬ ‫تسقط من ورقة من نبتة إل يعلمها‪ ,‬فكل حبة ف خفايا الرض‪ ,‬وكل‬ ‫رطب ويابس‪ ,‬مثبت ف كتاب واضح ل َلبْس فيه‪ ,‬وهو اللوح الحفوظ‪.‬‬ ‫ِيهم‬ ‫ُمم ف ِ‬ ‫ُمم بِالّنهَارِ ثُمّ َيبْ َعثُك ْ‬ ‫َمم مَا جَ َر ْحت ْ‬ ‫ُمم بِالّليْلِ َويَعْل ُ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َيَتوَفّاك ْ‬ ‫ِليُقْضَى َأجَلٌ مُ سَمّى ثُمّ ِإَليْ هِ مَ ْرجِعُكُ ْم ثُمّ ُيَنّبئُ ُك مْ بِمَا كُنتُ مْ تَعْ َملُو نَ (‬ ‫‪)60‬‬ ‫وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل با يشبه قبضها عند الوت‪,‬‬ ‫ويعلم ما اكتسبتم ف النهار من العمال‪ ,‬ث يعيد أرواحكم إل‬ ‫أجسامكم باليقظة من النوم نارًا با يشبه الحياء بعد الوت; لتُقضى‬ ‫آجالكم الحددة ف الدنيا‪ ,‬ث إل ال تعال معادكم بعد بعثكم من‬ ‫‪415‬‬

‫قبوركم أحياءً‪ ,‬ث يبكم با كنتم تعملون ف حياتكم الدنيا‪ ,‬ث يازيكم‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الْقَاهِرُ َفوْقَم ِعبَادِهِم َويُرْسِملُ عََليْكُم ْم حَفَ َظةً َحتّىمِإذَا جَاءَ أَحَدَكُم ْم‬ ‫الْ َموْتُ َتوَّفْتهُ رُسُُلنَا وَ ُهمْ ل يُ َف ّرطُونَ (‪)61‬‬ ‫وال تعال هو القاهر فوق عباده‪ ,‬فوقية مطلقة من كل وجه‪ ,‬تليق بلله‬ ‫سبحانه وتعال‪ .‬كل شيء خاضع للله وعظمته‪ ,‬ويرسل على عباده‬ ‫ملئكة‪ ,‬يفظون أعمالم ويُحْصونا‪ ,‬حت إذا نزل الوت بأحدهم قبض‬ ‫روحَه مَلكُ الوت وأعوانه‪ ,‬وهم ل يضيعون ما أُمروا به‪.‬‬ ‫ع اْلحَا ِسِبيَ (‬ ‫ثُمّ رُدّوا ِإلَى اللّ هِ َموْلهُ ْم الْحَقّ أَل لَ هُ الْحُكْ ُم وَ ُهوَ أَ ْسرَ ُ‬ ‫‪)62‬‬ ‫ث أعيد هؤلء التوفون إل ال تعال مولهم الق‪ .‬أل له القضاء والفصل‬ ‫يوم القيامة بي عباده وهو أسرع الاسبي‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫َهم تَضَرّعا وَخُ ْفَيةً َلئ ْ‬ ‫َاتم اْلبَ ّر وَاْلَبحْرِ تَدْعُون ُ‬ ‫ِنم ظُُلم ِ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫َنم ُيَنجّيك ْ‬ ‫قُ ْل م ْ‬ ‫‪416‬‬

‫أَنَانَا مِنْ هَذِ ِه َلنَكُونَنّ مِنْ الشّاكِرِينَ ( ‪)63‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬من ينقذكم من ماوف ظلمات‬ ‫الب والبحر؟ أليس هو اللع تعال الذي تدعونه ف الشدائد متذللي جهرًا‬ ‫وسرّا؟ تقولون‪ :‬لئن أنانا ربنا من هذه الخاوف لنكونن من الشاكرين‬ ‫بعبادته عز وجل وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫قُ ْل الّلهُ ُينَجّيكُ ْم ِمْنهَا وَمِنْ كُلّ كَ ْربٍ ُثمّ َأْنُتمْ ُتشْرِكُونَ (‪)64‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬ال وحده هو الذي ينقذكم من هذه الخاوف‬ ‫ومن كل شدة‪ ,‬ث أنتم بعد ذلك تشركون معه ف العبادة غيه‪.‬‬ ‫ث عََليْكُ مْ َعذَابا مِ ْن َفوْقِ ُك مْ َأوْ مِ نْ َتحْ تِ‬ ‫قُ ْل ُهوَ الْقَا ِدرُ عَلَى أَ نْ َيبْ َع َ‬ ‫ف نُصَرّفُ‬ ‫ض انظُرْ َكيْ َ‬ ‫َأرْجُِلكُمْ َأوْ يَ ْلبِسَكُمْ ِشيَعا َويُذِيقَ بَعْضَكُ ْم بَأْسَ بَعْ ٍ‬ ‫ت لَعَّلهُمْ يَفْ َقهُونَ (‪)65‬‬ ‫اليَا ِ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬ال عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل‬ ‫عليكم عذابًا مِن فوقكم كالرّجْم أو الطوفان‪ ,‬وما أشبه ذلك‪ ,‬أو من‬ ‫تت أرجلكم كالزلزل والسف‪ ,‬أو يلط أمركم عليكم فتكونوا فرقًا‬ ‫‪417‬‬

‫متناحرة يقتل بعضكم بعضًا‪ .‬انظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف نُنوّع حججنا‬ ‫الواضحات لؤلء الشركي لعلهم يفهمون فيعتبوا؟‬ ‫وَكَذّبَ ِبهِ َقوْمُكَ وَ ُهوَ اْلحَقّ قُلْ َلسْتُ عََلْيكُمْ ِبوَكِيلٍ (‪)66‬‬ ‫وكذّب بذا القرآن الكفارُ مِن قومك أيها الرسول‪ ,‬وهو الكتاب‬ ‫الصادق ف كل ما جاء به‪ .‬قل لم‪ :‬لست عليكم بفيظ ول رقيب‪,‬‬ ‫وإنا أنا رسول ال أبلغكم ما أرسلت إليكم‪.‬‬ ‫ستَقَرّ َو َسوْفَ تَعْلَمُونَ ( ‪)67‬‬ ‫لِكُلّ َنَبإٍ ُم ْ‬ ‫لكل خب قرار يستقر عنده‪ ,‬وناية ينتهي إليها‪ ,‬فيتبيّن الق من الباطل‪,‬‬ ‫وسوف تعلمون ‪-‬أيها الكفار‪ -‬عاقبة أمركم عند حلول عذاب ال‬ ‫بكم‪.‬‬ ‫ض َعْنهُ مْ َحتّى َيخُوضُوا فِي‬ ‫ت الّذِي نَ َيخُوضُو نَ فِي آيَاِتنَا فَأَعْرِ ْ‬ ‫وَِإذَا رََأيْ َ‬ ‫شيْطَا نُ فَل تَقْ ُعدْ بَ ْعدَ الذّكْرَى مَ َع الْقَوْ مِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫سَينّ َ‬ ‫َحدِي ثٍ َغْيرِ هِ وَإِمّ ا يُن ِ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)68‬‬ ‫‪418‬‬

‫وإذا رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الشركي الذين يتكلمون ف آيات القرآن‬ ‫بالباطل والستهزاء‪ ,‬فابتعد عنهم حت يأخذوا ف حديث آخر‪ ,‬وإن‬ ‫أنساك الشيطان هذا المر فل تقعد بعد تذكرك مع القوم العتدين‪ ,‬الذين‬ ‫تكلموا ف آيات ال بالباطل‪.‬‬ ‫وَمَا عَلَى الّذِينَ َيتّقُونَ مِنْ حِسَاِبهِمْ مِنْ شَ ْي ٍء َولَكِنْ ذِ ْكرَى لَعَّلهُمْ َيتّقُونَ‬

‫(‪)69‬‬

‫وما على الؤمني الذين يافون ال تعال‪ ,‬فيطيعون أوامره‪ ,‬ويتنبون‬ ‫نواهيه من حساب ال للخائضي الستهزئي بآيات ال من شيء‪ ,‬ولكن‬ ‫عليهم أن يعظوهم ليمسكوا عن ذلك الكلم الباطل‪ ,‬لعلهم يتقون ال‬ ‫تعال‪.‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا وَذَكّرْ بِ هِ أَ ْن‬ ‫وَ َذرِ الّذِي نَ اّتخَذُوا دِيَنهُ ْم لَعِبا َولَهْوا وَغَ ّرْتهُ ْم الْ َ‬ ‫ت َليْسَ َلهَا مِنْ دُونِ اللّهِ َولِيّ وَل شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ُتبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَ َ‬ ‫ب مِ نْ‬ ‫سبُوا َلهُ مْ شَرَا ٌ‬ ‫كُلّ عَدْ ٍل ل ُيؤْ َخذْ ِمْنهَا ُأ ْوَلئِ كَ الّذِي نَ ُأبْ سِلُوا ِبمَا كَ َ‬ ‫َحمِيمٍ وَعَذَابٌ َألِي ٌم بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (‪)70‬‬

‫‪419‬‬

‫واترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي الذين جعلوا دين السلم لعبًا‬ ‫ولوًا; مستهزئي بآيات ال تعال‪ ,‬وغرّتم الياة الدنيا بزينتها‪ ,‬وذكّر‬ ‫بالقرآن هؤلء الشركي وغيهم; كي ل ترتن نفس بذنوبا وكفرها‬ ‫بربا‪ ,‬ليس لا غي ال ناصر ينصرها‪ ,‬فينقذها من عذاب‪ ,‬ول شافع‬ ‫يشفع لا عنده‪ ,‬وإن تَ ْفتَدِ بأي فداء ل يُ ْقبَل منها‪ .‬أولئك الذين ارتُهِنوا‬ ‫بذنوبم‪ ,‬لم ف النار شراب شديد الرارة وعذاب موجع; بسبب‬ ‫كفرهم بال تعال ورسوله ممّد صلى ال عليه وسلم وبدين السلم‪.‬‬ ‫قُلْ َأنَدْعُو مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا ل يَنفَ ُعنَا وَل يَضُ ّرنَا َونُرَ ّد عَلَى أَعْقَاِبنَا بَعْدَ إِ ْذ‬ ‫صحَابٌ‬ ‫شيَاطِيُ فِي ا َلرْ ضِ َحْيرَا نَ لَ هُ أَ ْ‬ ‫هَدَانَا اللّ هُ كَالّذِي ا ْسَت ْهوَْتهُ ال ّ‬ ‫يَدْعُونَ هُ ِإلَى اْلهُدَى اْئِتنَا قُلْ ِإنّ ُهدَى اللّ هِ ُه َو اْلهُدَى وَأُمِ ْرنَا ِلنُ سْلِ َم لِرَبّ‬ ‫الْعَالَ ِميَ (‪)71‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أنعبد من دون ال تعال أوثانًا ل‬ ‫تنفع ول تضر؟ ونرجع إل الكفر بعد هداية ال تعال لنا إل السلم‪,‬‬ ‫فنشبه ‪-‬ف رجوعنا إل الكفر‪ -‬مَن فسد عقله باستهواء الشياطي له‪,‬‬ ‫فَضَلّ ف الرض‪ ,‬وله رفقة عقلء مؤمنون يدعونه إل الطريق الصحيح‬ ‫الذي هم عليه فيأب‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إ ّن هدى ال‬ ‫‪420‬‬

‫الذي بعثن به هو الدى الق‪ ,‬وأُمِرنا جيعًا لنسلم ل تعال رب العالي‬ ‫بعبادته وحده ل شريك له‪ ,‬فهو رب كل شيء ومالكه‪.‬‬ ‫وََأنْ أَقِيمُوا الصّلةَ وَاتّقُوهُ وَ ُهوَ الّذِي ِإَلْيهِ ُتحْشَرُونَ (‪)72‬‬ ‫وكذلك أُمرنا بأن نقيم الصلة كاملة‪ ,‬وأن نشاه بفعل أوامره واجتناب‬ ‫حشَرُ جيع اللئق يوم القيامة‪.‬‬ ‫نواهيه‪ .‬وهو ‪-‬جل وعل‪ -‬الذي إليه ُت ْ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَ َق ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ بِالْحَقّ َوَيوْ مَ يَقُولُ كُ ْن َفيَكُو نُ َق ْولُ هُ‬ ‫شهَادَةِ وَ ُهوَ‬ ‫ْبم وَال ّ‬ ‫ِمم الْ َغي ِ‬ ‫َخم فِي الصمّورِ عَال ُ‬ ‫ْمميُنف ُ‬ ‫ْكم َيو َ‬ ‫َهم الْمُل ُ‬ ‫الْحَقّ َول ُ‬ ‫خبِيُ (‪)73‬‬ ‫الْحَكِي ُم اْل َ‬ ‫وال سبحانه هو الذي خلق السموات والرض بالق‪ ,‬واذكر ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬يوم القيامة إذ يقول ال‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون عن أمره كلمح البصر‬ ‫أو هو أقرب‪ ,‬قوله هو الق الكامل‪ ,‬وله اللك سبحانه وحده‪ ,‬يوم ينفخ‬ ‫الَلَك ف "القرن" النفخة الثانية الت تكون با عودة الرواح إل‬ ‫الجسام‪ .‬وهو سبحانه الذي يعلم ما غاب عن حواسكم ‪-‬أيها الناس ‪-‬‬ ‫وما تشاهدونه‪ ,‬وهو الكيم الذي يضع المور ف مواضعها‪ ,‬البي‬ ‫بأمور خلقه‪ .‬وال تعال هو الذي يتص بذه المور وغيها بدءًا وناية‪,‬‬ ‫‪421‬‬

‫نشأة ومصيًا‪ ,‬وهو وحده الذي يب على العباد النقياد لشرعه‪,‬‬ ‫والتسليم لكمه‪ ,‬والتطلع لرضوانه ومغفرته‪.‬‬ ‫صنَاما آِل َهةً ِإنّ ي َأرَا كَ وََقوْمَ كَ فِي‬ ‫وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِي ُم َلبِي هِ آ َزرَ َأَتّتخِذُ أَ ْ‬ ‫ضَللٍ ُمِبيٍ (‪)74‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مُحاجّة إبراهيم عليه السلم لبيه آزر‪ ,‬إذ قال‬ ‫له‪ :‬أتعل من الصنام آلة تعبدها من دون ال تعال؟ إن أراك وقومك‬ ‫ف ضلل بيّن عن طريق الق‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضِ َوِليَكُونَ مِ ْن الْمُوِقِنيَ‬ ‫وَكَ َذلِكَ نُرِي ِإبْرَاهِي َم مَلَكُوتَ السّ َموَا ِ‬ ‫(‪)75‬‬ ‫وكما هدينا إبراهيم عليه السلم إل الق ف أمر العبادة نُريه ما تتوي‬ ‫عليه السموات والرض من ملك عظيم‪ ,‬وقدرة باهرة‪ ,‬ليكون من‬ ‫الراسخي ف اليان‪.‬‬ ‫َفلَمّ ا جَنّ عََليْ هِ الّليْلُ رَأَى َكوْكَبا قَالَ َهذَا َربّ ي فََلمّ ا َأفَلَ قَالَ ل أُحِبّ‬ ‫‪422‬‬

‫الفِِليَ (‪)76‬‬ ‫فلما أظلم على إبراهيم عليه السلم الليل وغطّاه ناظر قومه; ليثبت لم‬ ‫أن دينهم باطل‪ ,‬وكانوا يعبدون النجوم‪ .‬رأى إبراهيم عليه السلم‬ ‫كوكبًا‪ ,‬فقال ‪-‬مستدرجا قومه للزامهم بالتوحيد‪ :-‬هذا رب‪ ,‬فلما‬ ‫غاب الكوكب‪ ,‬قال‪ :‬ل أحب اللة الت تغيب‪.‬‬ ‫َفلَمّ ا رَأَى الْقَ َمرَ بَازِغا قَالَ هَذَا َربّ ي فَلَمّ ا أَفَ َل قَالَ َلئِ نْ لَ مْ َيهْدِنِي َربّ ي‬ ‫لَكُونَنّ مِنْ الْ َقوْمِ الضّالّيَ (‪)77‬‬ ‫فلما رأى إبراهيم القمر طالعًا قال لقومه ‪-‬على سبيل استدراج‬ ‫الصم‪ :-‬هذا رب‪ ,‬فلما غاب‪ ,‬قال ‪-‬مفتقرا إل هداية ربه‪ :-‬لئن ل‬ ‫يوفقن رب إل الصواب ف توحيده‪ ,‬لكونن من القوم الضالي عن سواء‬ ‫السبيل بعبادة غي ال تعال‪.‬‬ ‫س بَازِ َغةً قَالَ َهذَا َربّي هَذَا أَ ْكبَ ُر فَلَمّا أَفََل تْ قَالَ يَا َقوْ مِ‬ ‫َفلَمّا رَأَى الشّمْ َ‬

‫ِإنّي بَرِيءٌ مِمّا ُتشْرِكُونَ (‪)78‬‬

‫‪423‬‬

‫فلما رأى الشمس طالعة قال لقومه‪ :‬هذا رب‪ ,‬هذا أكب من الكوكب‬ ‫والقمر‪ ,‬فلما غابت‪ ,‬قال لقومه‪ :‬إن بريء ما تشركون من عبادة‬ ‫الوثان والنجوم والصنام الت تعبدونا من دون ال تعال‪.‬‬ ‫ِإنّ ي وَ ّج ْه تُ وَجْهِي لِلّذِي فَطَ َر ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ َحنِيفا وَمَا أَنَا مِ نْ‬ ‫الْ ُمشْرِكِيَ (‪)79‬‬ ‫إن توجّهت بوجهي ف العبادة ل عز وجل وحده‪ ,‬فهو الذي خلق‬ ‫السموات والرض‪ ,‬مائل عن الشرك إل التوحيد‪ ,‬وما أنا من الشركي‬ ‫مع ال غيه‪.‬‬ ‫َافم م َا‬ ‫ّهم وََقدْ َهدَان ِي وَل َأخ ُ‬ ‫ُهم قَالَ َأُتحَاجّون ِي ف ِي الل ِ‬ ‫ّهم َقوْم ُ‬ ‫وَحَاج ُ‬ ‫َسمعَ َربّيم كُلّ شَ ْي ٍء عِلْما أَفَل‬ ‫َنم َيشَاءَ َربّيم َشيْئا و ِ‬ ‫ِهم إِلّ أ ْ‬ ‫ُونم ب ِ‬ ‫ُتشْرِك َ‬ ‫َتتَذَكّرُونَ (‪)80‬‬ ‫وجادله قومه ف توحيد ال تعال قال‪ :‬أتادلونن ف توحيدي ل‬ ‫بالعبادة‪ ,‬وقد وفقن إل معرفة وحدانيته‪ ,‬فإن كنتم توفونن بآلتكم أن‬ ‫توقع ب ضررًا فإنن ل أرهبها فلن تضرن‪ ,‬إل أن يشاء رب شيئًا‪ .‬وسع‬ ‫‪424‬‬

‫رب كل شيء علمًا‪ .‬أفل تتذكرون فتعلموا أنه وحده العبود الستحق‬ ‫للعبودية؟‬ ‫ف مَا َأشْرَ ْكتُ ْم وَل َتخَافُونَ َأنّ ُكمْ أَشْرَ ْكُتمْ بِاللّ هِ وَل َتخَافُو َن‬ ‫وَ َكيْ فَ أَخَا ُ‬ ‫َأنّكُ مْ َأشْرَ ْكتُ ْم بِاللّ هِ مَا لَ مْ ُينَزّلْ بِ ِه عََليْكُ ْم سُلْطَانا فَأَيّ الْفَرِي َقيْ نِ أَحَقّ‬ ‫بِالَمْنِ ِإنْ كُنتُ ْم تَعْلَمُونَ (‪)81‬‬ ‫وكيف أخاف أوثانكم وأنتم ل تافون رب الذي خلقكم‪ ,‬وخلق‬ ‫أوثانكم الت أشركتموها معه ف العبادة‪ ,‬من غي حجة لكم على ذلك؟‬ ‫فأي الفريقي‪ :‬فريق الشركي وفريق الوحدين أحق بالطمأنينة والسلمة‬ ‫والمن من عذاب ال؟ إن كنتم تعلمون صدق ما أقول فأخبون‪.‬‬ ‫الّذِي نَ آ َمنُوا َولَ مْ َي ْلبِ سُوا ِإيَاَنهُ مْ بِظُلْ مٍ ُأ ْوَلئِ كَ َلهُ مْ الَمْ نُ وَ ُه مْ ُم ْهتَدُو نَ (‬ ‫‪)82‬‬ ‫الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ول يلطوا إيانم بشرك‪,‬‬ ‫أولئك لم الطمأنينة والسلمة‪ ,‬وهم الوفقون إل طريق الق‪.‬‬

‫‪425‬‬

‫جُتنَا آَتْينَاهَا ِإبْرَاهِي َم عَلَى َقوْمِهِ نَ ْرفَعُ َدرَجَاتٍ مَنْ َنشَاءُ ِإنّ َربّكَ‬ ‫َوتِلْكَ ُح ّ‬ ‫حَكِيمٌ عَلِيمٌ (‪)83‬‬ ‫وتلك الجة الت حاجّ با إبراهيم عليه السلم قومه هي حجتنا الت‬ ‫وفقناه إليها حت انقطعت حجتهم‪ .‬نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب ف‬ ‫الدنيا والخرة‪ .‬إن ربك حكيم ف تدبي خلقه‪ ,‬عليم بم‪.‬‬ ‫ب كُلّ َه َدْينَا َونُوحا َه َدْينَا مِ نْ َقبْ ُل وَمِ نْ ُذ ّرّيتِ هِ‬ ‫َووَ َهْبنَا لَ هُ إِ ْسحَقَ َويَعْقُو َ‬ ‫ِكم َنجْزِي‬ ‫ُونم وَكَ َذل َ‬ ‫ف وَمُوسمَى وَهَار َ‬ ‫ُوسم َ‬ ‫ّوبم َوي ُ‬ ‫َسمَلْيمَانَ َوَأي َ‬ ‫دَاوُودَ و ُ‬

‫سِنيَ (‪)84‬‬ ‫حِ‬ ‫الْمُ ْ‬

‫ومننّا على إبراهيم عليه السلم بأن رزقناه إسحاق ابنًا ويعقوب حفيدًا‪,‬‬ ‫ووفّقنا كل منهما لسبيل الرشاد‪ ,‬وكذلك وفّقنا للحق نوحًا ‪-‬من قبل‬ ‫إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ -‬وكذلك وفّقنا للحق من ذرية نوح داود‬ ‫وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون عليهم السلم‪ ,‬وكما جزينا‬ ‫هؤلء النبياء لحسانم نزي كل مسن‪.‬‬ ‫حيَى وَعِيسَى وَِإْليَاسَ كُ ّل مِنْ الصّاِلحِيَ (‪)85‬‬ ‫َوزَكَ ِريّا َوَي ْ‬ ‫‪426‬‬

‫وكذلك هدينا زكريا ويي وعيسى وإلياس‪ ,‬وكل هؤلء النبياء عليهم‬ ‫السلم من الصالي‪.‬‬ ‫ل فَضّ ْلنَا عَلَى الْعَالَ ِميَ (‪)86‬‬ ‫وَِإسْمَاعِيلَ وَالَْيسَعَ َويُوُنسَ َولُوطا وَكُ ّ‬ ‫ن آبَا ِئهِمْ وَذُ ّريّاتِه وهدينا كذلك إساعيل واليسع ويونس ولوطا‪,‬‬ ‫وَمِ ْ‬ ‫وكل هؤلء الرسل فضّلناهم على أهل زمانم‪.‬‬ ‫ستَقِيمٍ (‪)87‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫ِمْ َوإِ ْخوَاِنهِمْ وَا ْجَتَبْينَاهُمْ وَهَ َدْينَاهُمْ ِإلَى صِرَا ٍ‬ ‫وكذلك وفّقنا للحق من شئنا هدايته من آباء هؤلء وذرياتم وإخوانم‪,‬‬ ‫واخترناهم لديننا وإبلغ رسالتنا إل مَن أرسلناهم إليهم‪ ,‬وأرشدناهم إل‬ ‫طريق صحيح‪ ,‬ل عوج فيه‪ ,‬وهو توحيد ال تعال وتنيهه عن الشرك‪.‬‬ ‫ط َعْنهُ مْ‬ ‫حبِ َ‬ ‫ك هُدَى اللّ هِ َيهْدِي بِ هِ مَ نْ َيشَاءُ مِ ْن ِعبَادِ ِه َولَوْ أَشْرَكُوا َل َ‬ ‫َذلِ َ‬

‫مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)88‬‬

‫‪427‬‬

‫ذلك الدى هو توفيق ال‪ ,‬الذي يوفق به من يشاء من عباده‪ .‬ولو أن‬ ‫هؤلء النبياء أشركوا بال ‪-‬على سبيل الفرض والتقدير‪ -‬لبطل عملهم;‬ ‫لن ال تعال ل يقبل مع الشرك عمل‪.‬‬ ‫ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ آَتْينَاهُ ْم الْ ِكتَا بَ وَالْحُكْ مَ وَالّنبُوّةَ َفإِ نْ يَكْفُ ْر ِبهَا َهؤُلءِ فَ َقدْ‬ ‫وَكّ ْلنَا ِبهَا َقوْما َلْيسُوا ِبهَا بِكَافِرِي َن (‪)89‬‬ ‫أولئك النبياء الذين أنعمنا عليهم بالداية والنبوة هم الذين آتيناهم‬ ‫الكتاب كصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنيل عيسى‪,‬‬ ‫وآتيناهم َفهْ َم هذه الكتب‪ ,‬واخترناهم لبلغ وحينا‪ ,‬فإن يحد ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬بآيات هذا القرآن الكفارُ من قومك‪ ,‬فقد وكلنا با قومًا‬ ‫آخرين ‪-‬أي‪ :‬الهاجرين والنصار وأتباعهم إل يوم القيامة‪ -‬ليسوا با‬ ‫بكافرين‪ ,‬بل مؤمنون با‪ ,‬عاملون با تدل عليه‪.‬‬ ‫ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ هَدَى اللّ هُ َفِبهُدَاهُ مْ ا ْقَتدِ ِه قُلْ ل أَ سَْألُكُ ْم عََليْ هِ أَجْرا إِ نْ ُهوَ‬ ‫إِلّ ذِكْرَى لِلْعَالَ ِميَ (‪)90‬‬ ‫أولئك النبياء الذكورون هم الذين وفقهم ال تعال لدينه الق‪ ,‬فاتبع‬ ‫هداهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬واسلك سبيلهم‪ .‬قل للمشركي‪ :‬ل أطلب منكم‬ ‫‪428‬‬

‫على تبليغ السلم عوضًا من الدنيا‪ ,‬إنْ أجري إل على ال‪ ,‬وما السلم‬ ‫إل دعوة جيع الناس إل الطريق الستقيم وتذكي لكم ولكل مَن كان‬ ‫مثلكم‪ ,‬من هو مقيم على باطل‪ ,‬لعلكم تتذكرون به ما ينفعكم‪.‬‬ ‫وَمَا قَ َدرُوا اللّهَ حَقّ قَ ْدرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى َبشَرٍ مِنْ شَ ْيءٍ قُلْ مَ ْن‬ ‫أَنزَ َل الْ ِكتَا بَ الّذِي جَاءَ بِ هِ مُو سَى نُورا وَهُدًى لِلنّا سِ َتجْعَلُونَ هُ قَرَاطِي سَ‬ ‫ُتبْدُوَنهَا َوُتخْفُونَ َكثِيا وَعُلّ ْمُتمْ مَا لَ ْم تَعْلَمُوا َأْنتُمْ وَل آبَاؤُكُ ْم قُلْ اللّهُ ثُمّ‬ ‫ضهِمْ يَلْ َعبُونَ (‪)91‬‬ ‫َذرْهُ ْم فِي َخ ْو ِ‬ ‫وما عَظّم هؤلء الشركون ال حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون ال‬ ‫تعال قد أنزل على أحد من البشر شيئًا من وحيه‪ .‬قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ : -‬إذا كان المر كما تزعمون‪ ,‬فمن الذي أنزل الكتاب الذي‬ ‫جاء به موسى إل قومه نورًا للناس وهداية لم؟ ث توجه الطاب إل‬ ‫اليهود زَ ْجرًا لم بقوله‪ :‬تعلون هذا الكتاب ف قراطيس متفرقة‪,‬‬ ‫تظهرون بعضها‪ ,‬وتكتمون كثيًا منها‪ ,‬وما كتموه الخبار عن صفة‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم ونبوته‪ ,‬وعلّمكم ال معشر العرب بالقرآنِ‬ ‫الذي أنزله عليكم‪ ,‬فيه خب مَن قبلكم ومَن بعدكم‪ ,‬وما يكون بعد‬‫موتكم‪ -‬ما ل تعلموه أنتم ول آباؤكم‪ ,‬قل‪ :‬ال هو الذي أنزله‪ ,‬ث دع‬ ‫هؤلء ف حديثهم الباطل يوضون ويلعبون‪.‬‬ ‫‪429‬‬

‫صدّقُ الّذِي َبيْ نَ يَ َديْ ِه وَِلتُن ِذرَ أُمّ الْقُرَى وَمَ نْ‬ ‫وَهَذَا ِكتَا بٌ أَن َزْلنَا هُ ُمبَارَ كٌ مُ َ‬ ‫َح ْوَلهَا وَالّذِينَ ُيؤْ ِمنُونَ بِالخِرَ ِة ُيؤْ ِمنُونَ بِ ِه وَهُ ْم عَلَى صَلِتهِ ْم ُيحَافِظُونَ (‬ ‫‪)92‬‬ ‫وهذا القرآن كتاب أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عظيم النفع‪ ,‬مصدق لا‬ ‫تقدمه من الكتب السماوية‪ ,‬أنزلناه لنخوّف به من عذاب ال وبأسه أهل‬ ‫"مكة" ومن حولا من أهل أقطار الرض كلها‪ .‬والذين يصدقون بالياة‬ ‫الخرة‪ ,‬يصدقون بأن القرآن كلم ال‪ ,‬ويافظون على إقام الصلة ف‬ ‫أوقاتا‪.‬‬ ‫وَمَ نْ َأظْلَ مُ ِممّ نْ ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا َأوْ قَالَ أُوحِ يَ ِإلَيّ َولَ مْ يُو حَ ِإَليْ ِه‬ ‫ُونم ف ِي‬ ‫ّهم َوَلوْ تَرَى ِإذْ الظّالِم َ‬ ‫سمأُنزِلُ ِمثْلَ م َا أَنزَلَ الل ُ‬ ‫َنم قَالَ َ‬ ‫شَ ْي ٌء وَم ْ‬ ‫ْمم‬ ‫ُسمكُمْ اْلَيو َ‬ ‫ِمم أَخْ ِرجُوا أَنف َ‬ ‫َاسمطُوا َأيْدِيه ْ‬ ‫ْتم وَالْمَلئِ َكةُ ب ِ‬ ‫َاتم الْ َمو ِ‬ ‫غَمَر ِ‬ ‫ُتجْ َزوْ نَ عَذَا بَ اْلهُو نِ بِمَا كُنتُ ْم تَقُولُو نَ َعلَى اللّ هِ َغيْرَ اْلحَقّ وَكُنتُ مْ عَ نْ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)93‬‬ ‫آيَاِتهِ َت ْ‬ ‫ومَن أشدّ ظلمّا مّن اختلق على ال تعال قول كذبًا‪ ,‬فادعى أنه ل يبعث‬ ‫رسول من البشر‪ ,‬أو ادعى كذبًا أن ال أوحى إليه ول يُوحِ إليه شيئًا‪,‬‬ ‫‪430‬‬

‫أو ادّعى أنه قادر على أن ُينْزل مثل ما أنزل ال من القرآن؟ ولو أنك‬ ‫أبصرت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء التجاوزين ال ّد وهم ف أهوال الوت‬ ‫لرأيت أمرًا هائل واللئكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم‬ ‫بالعذاب قائلي لم‪ :‬أخرجوا أنفسكم‪ ,‬اليوم تانون غاية الهانة‪ ,‬كما‬ ‫كنتم تكذبون على ال‪ ,‬وتستكبون عن اتباع آياته والنقياد لرسله‪.‬‬ ‫َولَقَدْ ِجْئتُمُونَا ُفرَادَى َكمَا َخلَ ْقنَاكُ مْ َأوّلَ َمرّةٍ َوتَرَ ْكتُ ْم مَا َخ ّولْنَاكُ مْ َورَاءَ‬ ‫ُظهُورِكُ ْم وَمَا نَرَى مَ َعكُمْ شُ َفعَاءَكُمْ الّذِينَ زَعَ ْمتُمْ َأّنهُمْ فِيكُمْ ُشرَكَاءُ لَقَدْ‬

‫تَقَطّعَ َبْينَ ُكمْ َوضَلّ عَن ُكمْ مَا كُنتُ ْم تَزْعُمُونَ (‪)94‬‬

‫ولقد جئتمونا للحساب والزاء فرادى كما أوجدناكم ف الدنيا أول‬ ‫مرة حفاة عراة‪ ,‬وتركتم وراء ظهوركم ما مكنّاكم فيه ما تتباهون به‬ ‫من أموال ف الدنيا‪ ,‬وما نرى معكم ف الخرة أوثانكم الت كنتم‬ ‫تعتقدون أنا تشفع لكم‪ ,‬وتَدّعون أنا شركاء مع ال ف العبادة‪ ,‬لقد‬ ‫زال تَواصُلُكم الذي كان بينكم ف الدنيا‪ ,‬وذهب عنكم ما كنتم تَدّعون‬ ‫من أن آلتكم شركاء ل ف العبادة‪ ,‬وظهر أنكم الاسرون لنفسكم‬ ‫وأهليكم وأموالكم‪.‬‬

‫‪431‬‬

‫ِإنّ اللّهَ فَالِقُ اْلحَبّ وَالنّوَى ُيخْرِجُ اْلحَيّ مِ ْن الْ َميّتِ وَ ُمخْرِجُ الْ َميّتِ مِنْ‬ ‫الْحَيّ َذلِكُمْ الّلهُ فََأنّا ُتؤْفَكُونَ (‪)95‬‬ ‫إن ال تعال يشق الب‪ ,‬فيخرج منه الزرع‪ ,‬ويشق النوى‪ ,‬فيخرج منه‬ ‫الشجر‪ ,‬يرج الي من اليت كالنسان واليوان مثل من النطفة‪,‬‬ ‫ويرج اليت من الي كالنطفة من النسان واليوان‪ ,‬ذلكم ال أي‪:‬‬ ‫فاعل هذا هو ال وحده ل شريك له الستحق للعبادة‪ ,‬فكيف تُصْرَفون‬ ‫عن الق إل الباطل فتعبدون معه غيه؟‬ ‫ك تَقْدِيرُ‬ ‫سبَانا َذلِ َ‬ ‫صبَاحِ َوجَعَلَ الّليْلَ سَكَنا وَالشّمْ سَ وَالْقَمَرَ حُ ْ‬ ‫فَالِ قُ الِ ْ‬ ‫الْعَزِيزِ الْعَلِي ِم (‪)96‬‬ ‫وال سبحانه وتعال هو الذي شق ضياء الصباح من ظلم الليل‪ ,‬وجعل‬ ‫الليل مستقرًا‪ ,‬يسكن فيه كل متحرك ويهدأ‪ ,‬وجعل الشمس والقمر‬ ‫يريان ف فلكيهما بساب متقن مقدّر‪ ,‬ل يتغي ول يضطرب‪ ,‬ذلك‬ ‫تقدير العزيز الذي ع ّز سلطانه‪ ,‬العليم بصال خلقه وتدبي شئونم‪.‬‬ ‫والعزيز والعليم من أساء ال السن يدلن على كمال العز والعلم‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي جَعَ َل لَكُم ْم الّنجُومَمِلَت ْهتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِم اْلبَرّ وَاْلبَحْ ِر قَدْ‬ ‫‪432‬‬

‫فَصّ ْلنَا اليَاتِ لِ َقوْمٍ يَ ْعلَمُونَ (‪)97‬‬ ‫وال سبحانه هو الذي جعل لكم أيها الناس النجوم علمات‪ ,‬تعرفون با‬ ‫الطرق ليل إذا ضللتم بسبب الظلمة الشديدة ف الب والبحر‪ ,‬قد بّينّا‬ ‫الباهي الواضحة; ليتدبرها منكم أولو العلم بال وشرعه‪.‬‬ ‫َصمْلنَا‬ ‫ع قَ ْد ف ّ‬ ‫ُسمَتوْدَ ٌ‬ ‫ُسمتَقَرّ وَم ْ‬ ‫ْسم وَاحِدَةٍ فَم ْ‬ ‫ِنم نَف ٍ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي أَنشَأَك ْ‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يَفْ َقهُونَ (‪)98‬‬ ‫اليَا ِ‬ ‫وال سبحانه هو الذي ابتدأ خلقكم أيها الناس من آدم عليه السلم; إذ‬ ‫خلقه من طي‪ ,‬ث كنتم سللة ونسل منه‪ ,‬فجعل لكم مستقَرًا تستقرون‬ ‫فيه‪ ,‬وهو أرحام النساء‪ ,‬ومُستودعًا تُحفَظُون فيه‪ ,‬وهو أصلب الرجال‪,‬‬ ‫قد بينا الجج وميزنا الدلة‪ ,‬وأحكمناها لقوم يفهمون مواقع الجج‬ ‫ومواضع العب‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي أَنزَ َل مِ ْن السّمَاءِ مَاءً فَأَخْ َر ْجنَا بِهِ َفأَخْ َر ْجنَا بِهِ َنبَاتَ كُلّ شَ ْي ٍء‬ ‫فََأخْرَ ْجنَا ِمنْهُ خَضِرا ُنخْرِجُ ِمنْهُ َحبّا ُمَترَاكِبا وَمِنْ النّخْلِ مِ ْن طَلْ ِعهَا ِقْنوَانٌ‬ ‫شَتبِها وَ َغيْرَ ُمَتشَابِ هٍ انظُرُوا‬ ‫دَاِنَيةٌ وَ َجنّا تٍ مِ نْ أَ ْعنَا بٍ وَال ّزْيتُو نَ وَالرّمّا نَ ُم ْ‬ ‫ِإلَى َثمَرِهِ إِذَا َأثْمَ َر َوَينْ ِعهِ ِإنّ فِي َذلِكُ ْم ليَاتٍ لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)99‬‬ ‫‪433‬‬

‫وال سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل‬ ‫شيء‪ ,‬فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر‪ ,‬ث أخرح من الزرع َحبّا‬ ‫يركب بعضه بعضًا‪ ,‬كسنابل القمح والشعي والرز‪ ,‬وأخرج من طلع‬ ‫النخل ‪-‬وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب‪ -‬عذوقًا قريبة التناول‪ ,‬وأخرج‬ ‫سبحانه بساتي من أعناب‪ ,‬وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه‬ ‫ف ورقه ويتلف ف ثره شكل وطعمًا وطبعًا‪ .‬انظروا أيها الناس إل ثر‬ ‫هذا النبات إذا أثر‪ ,‬وإل نضجه وبلوغه حي يبلغ‪ .‬إن ف ذلكم ‪ -‬أيها‬ ‫الناس ‪ -‬لدللت على كمال قدرة خالق هذه الشياء وحكمته ورحته‬ ‫لقوم يصدقون به تعال ويعملون بشرعه‪.‬‬ ‫وَ َجعَلُوا لِلّ هِ شُرَكَاءَ اْلجِنّ وَخَلَ َقهُ ْم وَخَرَقُوا لَ هُ َبنِيَ َوَبنَا تٍ بِ َغْيرِ عِ ْل مٍ‬ ‫ُسْبحَانَهُ َوتَعَالَى عَمّا يَصِفُونَ (‪)100‬‬ ‫وجعل هؤلء الشركون الن شركاء ل تعال ف العبادة; اعتقادًا منهم‬ ‫أنم ينفعون أو يضرون‪ ,‬وقد خلقهم ال تعال وما يعبدون من العدم‪,‬‬ ‫فهو الستقل باللق وحده‪ ,‬فيجب أن يستقل بالعبادة وحده ل شريك‬ ‫له‪ .‬ولقد كذب هؤلء الشركون على ال تعال حي نسبوا إليه البني‬ ‫والبنات; جهل منهم با يب له من صفات الكمال‪ ,‬تنّه وعل عما‬ ‫نسبه إليه الشركون من ذلك الكذب والفتراء‪.‬‬ ‫‪434‬‬

‫بَدِي عُ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ َأنّى يَكُو نُ لَ هُ َولَ ٌد وَلَ ْم تَكُ نْ لَ هُ صَا ِحَبةٌ وَ َخلَ قَ‬

‫كُلّ َش ْيءٍ وَ ُهوَ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِي ٌم (‪)101‬‬

‫وال تعال هو الذي أوجد السموات والرض وما فيهن على غي مثال‬ ‫سابق‪ .‬كيف يكون له ولد ول تكن له صاحبة؟ تعال ال عما يقول‬ ‫الشركون علوّا كبيًا‪ ,‬وهو الذي خلق كل شيء من العدم‪ ,‬ول يفى‬ ‫عليه شيء من أمور اللق‪.‬‬ ‫َذلِكُ مْ اللّ هُ َربّكُ مْ ل ِإلَ هَ إِ ّل ُهوَ خَالِ قُ كُلّ شَ ْيءٍ فَا ْعبُدُو ُه وَ ُهوَ عَلَى كُلّ‬ ‫شَ ْي ٍء وَكِيلٌ (‪)102‬‬ ‫ذلكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬هو ربكم جل وعل ل معبود بق سواه‪ ,‬خالق‬ ‫كل شيء فانقادوا واخضعوا له بالطاعة والعبادة‪ .‬وهو سبحانه على كل‬ ‫شيء وكيل وحفيظ‪ ,‬يدبر أمور خلقه‪.‬‬ ‫خبِيُ (‪)103‬‬ ‫ل تُ ْدرِ ُكهُ ا َلبْصَارُ وَ ُهوَ يُ ْدرِ ُك ا َلبْصَارَ وَ ُهوَ اللّطِيفُ الْ َ‬

‫‪435‬‬

‫ل ترى الَ البصارُ ف الدنيا‪ ,‬أما ف الدار الخرة فإن الؤمني يرون‬ ‫ربم بغي إحاطة‪ ,‬وهو سبحانه يدرك البصار وييط با‪ ,‬ويعلمها على‬ ‫ما هي عليه‪ ,‬وهو اللطيف بأوليائه الذي يعلم دقائق الشياء‪ ،‬البي الذي‬ ‫يعلم بواطنها‪.‬‬ ‫سهِ وَمَنْ عَمِ َي فَعََلْيهَا وَمَا َأنَا‬ ‫َقدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِ ْن َربّكُمْ فَمَنْ َأبْصَرَ فَِلنَفْ ِ‬

‫عََليْكُ ْم ِبحَفِيظٍ (‪)104‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬قد جاءتكم براهي ظاهرة تبصرون‬ ‫با الدى من الضلل‪ ,‬ما اشتمل عليها القرآن‪ ,‬وجاء با الرسول عليه‬ ‫الصلة والسلم‪ ,‬فمَن تبيّن هذه الباهي وآمن بدلولا فنَفْغُ ذلك لنفسه‪,‬‬ ‫ومَن ل يبصر الدى بعد ظهور الجة عليه فعلى نفسه جن‪ ,‬وما أنا‬ ‫عليكم بافظ أحصي أعمالكم‪ ,‬وإنا أنا مبلغ‪ ,‬وال يهدي مَن يشاء‬ ‫ويضل مَن يشاء وَفْق علمه وحكمته‪.‬‬ ‫وَكَ َذلِكَ نُصَرّفُ اليَاتِ َوِليَقُولُوا َدرَ ْستَ َوِلُنَبّيَنهُ لِقَوْ ٍم يَعْلَمُونَ (‪)105‬‬ ‫وكما بّينّا ف هذا القرآن للمشركي الباهي الظاهرة ف أمر التوحيد‬ ‫والنبوة والعاد نبيّن لم الباهي ف كل ما جهلوه فيقولون عند ذلك‬ ‫‪436‬‬

‫كذبًا‪ :‬تعلمت من أهل الكتاب‪ ,‬ولنبي ‪-‬بتصريفنا اليات‪ -‬القّ لقوم‬ ‫يعلمونه‪ ,‬فيقبلونه ويتبعونه‪ ,‬وهم الؤمنون برسول ال ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم وما أنزل عليه‪.‬‬ ‫ك ل ِإلَ هَ إِ ّل ُهوَ وَأَعْرِ ضْ عَ نْ الْ ُمشْرِ ِكيَ (‬ ‫ك مِ ْن َربّ َ‬ ‫اّتبِ عْ مَا أُو ِح يَ ِإَليْ َ‬ ‫‪)106‬‬ ‫اتبع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما أوحيناه إليك من الوامر والنواهي الت أعظمُها‬ ‫توحيد ال سبحانه والدعوة إليه‪ ,‬ول تُبال بعناد الشركي‪ ,‬وادعائهم‬ ‫الباطل‪.‬‬ ‫ت عََلْيهِ مْ‬ ‫َولَوْ شَاءَ اللّ هُ مَا أَ ْشرَكُوا وَمَا جَعَ ْلنَا َك عََلْيهِ مْ حَفِيظا وَمَا َأنْ َ‬ ‫ِبوَكِيلٍ (‪)107‬‬ ‫ولو شاء ال تعال أن ل يشرك هؤلء الشركون لا أشركوا‪ ,‬لكنه تعال‬ ‫عليم با سيكون من سوء اختيارهم واتباعهم أهواءهم النحرفة‪ .‬وما‬ ‫جعلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم رقيبًا تفظ عليهم أعمالم‪ ,‬وما أنت‬ ‫ب َقيّمٍ عليهم تدبر مصالهم‪.‬‬ ‫‪437‬‬

‫سبّوا اللّهَ عَدْوا بِ َغْيرِ عِ ْل ٍم كَ َذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫سبّوا الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َفيَ ُ‬ ‫وَل تَ ُ‬ ‫َزّينّا لِكُلّ أُ ّمةٍ عَ َمَلهُ مْ ثُمّ ِإلَى َرّبهِ ْم مَ ْرجِ ُعهُ مْ َفُيَنّبُئهُ ْم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُو نَ (‬ ‫‪)108‬‬ ‫ول تسبوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬الوثان الت يعبدها الشركون ‪-‬سدّا‬ ‫للذريعة‪ -‬حت ل يتسبب ذلك ف سبهم ال جهل واعتداءً‪ :‬بغي علم‪.‬‬ ‫سنّا‬ ‫سنّا لؤلء عملهم السيئ عقوبة لم على سوء اختيارهم‪ ,‬ح ّ‬ ‫وكما ح ّ‬ ‫لكل أمة أعمالا‪ ,‬ث إل ربم معادهم جيعًا فيخبهم بأعمالم الت كانوا‬ ‫يعملونا ف الدنيا‪ ,‬ث يازيهم با‪.‬‬ ‫وََأقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ َلئِنْ جَا َءْتهُ ْم آَيةٌ َلُيؤْ ِمنُنّ ِبهَا قُلْ ِإنّمَا اليَا تُ‬ ‫ت ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)109‬‬ ‫ِعنْدَ الّلهِ وَمَا ُيشْعِرُكُمْ َأّنهَا ِإذَا جَاءَ ْ‬ ‫وأقسم هؤلء الشركون بأيان مؤكّدة‪ :‬لئن جاءنا ممد بعلمة خارقة‬ ‫لنصدقنّ با جاء به‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إنا ميء العجزات الارقة‬ ‫من عند ال تعال‪ ,‬هو القادر على الجيء با إذا شاء‪ ,‬وما يدريكم أيها‬ ‫الؤمنون‪ :‬لعل هذه العجزات إذا جاءت ل يصدّق با هؤلء الشركون‪.‬‬

‫‪438‬‬

‫َونُقَلّ بُ أَ ْفئِ َدَتهُ مْ وََأبْ صَارَهُمْ كَمَا لَ ْم ُيؤْ ِمنُوا بِ هِ َأوّلَ مَرّ ٍة َونَ َذرُهُ ْم فِي‬ ‫طُ ْغيَاِنهِمْ يَ ْع َمهُونَ (‪)110‬‬ ‫ونقلب أفئدت م وأب صارهم‪ ,‬فنحول بين ها وب ي النتفاع بآيات ال‪ ,‬فل‬ ‫يؤمنون ب ا ك ما ل يؤمنوا بآيات القرآن ع ند نزول ا أول مرة‪ ,‬ونترك هم‬ ‫ف ترّدهم على ال متحيّرين‪ ,‬ل يهتدون إل الق والصواب‪.‬‬

‫‪439‬‬

‫الزء الثامن ‪:‬‬

‫َولَوْ َأّننَا نَ ّزْلنَا ِإَلْيهِ مْ الْمَلئِ َكةَ وَكَلّ َمهُ ْم الْ َم ْوتَى وَ َحشَ ْرنَا عََلْيهِ ْم كُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫جهَلُونَ (‪)111‬‬ ‫ل مَا كَانُوا ِلُيؤْ ِمنُوا إِلّ َأنْ َيشَاءَ الّلهُ َولَكِنّ أَ ْكثَرَ ُهمْ َي ْ‬ ‫ُقبُ ً‬ ‫ولو أننا أجبنا طلب هؤلء‪ ,‬فنّلنا إليهم اللئكة من السماء‪ ,‬وأحيينا لم‬ ‫الوتى‪ ,‬فكلموهم‪ ,‬وجعنا لم كل شيء طلبوه فعاينوه مواجهة‪ ,‬ل‬ ‫يصدّقوا با دعوتم إليه ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ول يعملوا به‪ ,‬إل من شاء ال له‬ ‫الداية‪ ,‬ولكن أكثر هؤلء الكفار يهلون الق الذي جئت به من عند‬ ‫ال تعال‪.‬‬ ‫ضهُ ْم‬ ‫وَكَ َذلِ كَ جَعَلْنَا لِكُلّ َنبِيّ عَ ُدوّا َشيَاطِيَ الِن سِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْ ُ‬ ‫ك مَا فَعَلُو ُه فَ َذرْهُ مْ وَمَا‬ ‫ف الْ َقوْلِ ُغرُورا َولَوْ شَاءَ َربّ َ‬ ‫ِإلَى بَعْ ضٍ زُ ْخرُ َ‬ ‫يَ ْفتَرُونَ (‪)112‬‬

‫‪440‬‬

‫وكما ابتليناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بأعدائك من الشركي ابتلينا جيع النبياء‬ ‫عليهم السلم‪ -‬بأعداء مِن مردة قومهم وأعداء من مردة الن‪ ,‬يُلقي‬‫بعضهم إل بعض القول الذي زيّنوه بالباطل; ليغتر به سامعه‪ ,‬فيضل عن‬ ‫سبيل ال‪ .‬ولو أراد ربك ‪-‬جلّ وعل‪ -‬لال بينهم وبي تلك العداوة‪,‬‬ ‫ولكنه البتلء من ال‪ ,‬فدعهم وما يتلقون مِن كذب وزور‪.‬‬ ‫ضوْ هُ َوِليَ ْقتَرِفُوا مَا هُ مْ‬ ‫َوِلتَ صْغَى ِإَليْ هِ أَ ْفئِدَ ُة الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِال ِخرَةِ َوِليَ ْر َ‬ ‫مُ ْقتَرِفُونَ (‪)113‬‬ ‫ولِتميل إليه قلوب الكفار الذين ل يصدقون بالياة الخرة ول يعملون‬ ‫لا‪ ,‬ولتحبّه أنفسهم‪ ,‬وليكتسبوا من العمال السيئة ما هم مكتسبون‪.‬‬ ‫وف هذا تديد عظيم لم‪.‬‬ ‫أَفَ َغيْ َر اللّ هِ َأْبتَغِي حَكَما وَ ُهوَ الّذِي أَنزَلَ ِإَليْكُ مْ الْ ِكتَا بَ مُفَ صّلً وَالّذِي نَ‬ ‫ِنم‬ ‫ّكم بِاْلحَقّ فَل تَكُونَنّ م ْ‬ ‫ِنم َرب َ‬ ‫ّهم ُمنَزّ ٌل م ْ‬ ‫ُونمَأن ُ‬ ‫َابم يَعَْلم َ‬ ‫ُمم الْ ِكت َ‬ ‫آَتْينَاه ْ‬ ‫الْمُ ْمتَرِينَ (‪)114‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أغي ال إلي وإلكم أطلب َحكَمًا‬ ‫بين وبينكم‪ ,‬وهو سبحانه الذي أنزل إليكم القرآن مبينًا فيه الكم فيما‬ ‫‪441‬‬

‫تتصمون فيه من أمري وأمركم؟ وبنو إسرائيل الذين آتاهم ال التوراة‬ ‫والنيل يعلمون علمًا يقينًا أن هذا القرآن منل عليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫من ربك بالق‪ ,‬فل تكونن من الشاكّي ف شيء ما أوحينا إليك‪.‬‬ ‫ت كَلِ َمةُ َربّ كَ صِدْقا وَعَدْلً ل ُمبَدّلَ لِكَِلمَاتِ هِ وَ ُهوَ ال سّمِي ُع الْعَلِي مُ (‬ ‫َوتَمّ ْ‬ ‫‪)115‬‬ ‫وتت كلمة ربك ‪-‬وهي القرآن‪ -‬صدقًا ف الخبار والقوال‪ ,‬وعدل ف‬ ‫الحكام‪ ,‬فل يستطيع أحد أن يبدّل كلماته الكاملة‪ .‬وال تعال هو‬ ‫السميع لا يقول عباده‪ ,‬الليم بظواهر أمورهم وبواطنها‪.‬‬ ‫وَإِنْ تُطِعْ أَ ْكثَ َر مَنْ فِي ا َلرْضِ يُضِلّو َك عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ إِنْ َيّتبِعُونَ إِ ّل الظّنّ‬ ‫وَِإنْ هُمْ إِلّ َيخْ ُرصُونَ (‪)116‬‬ ‫ولو فُرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنك أطعت أكثر أهل الرض لضلّوك عن‬ ‫دين ال‪ ,‬ما يسيون إل على ما ظنوه حقّا بتقليدهم أسلفهم‪ ,‬وما هم‬ ‫إل يظنون ويكذبون‪.‬‬

‫‪442‬‬

‫ِإنّ َربّكَ ُهوَ أَعْلَ ُم مَنْ يَضِلّ عَنْ َسبِيِلهِ وَ ُهوَ أَعْلَ ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)117‬‬ ‫إن ربك هو أعلم بالضالي عن سبيل الرشاد‪ ,‬وهو أعلم منكم ومنهم‬ ‫بن كان على استقامة وسداد‪ ,‬ل يفى عليه منهم أحد‪.‬‬ ‫َفكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ الّلهِ عََلْيهِ ِإنْ كُنتُ ْم بِآيَاتِهِ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)118‬‬ ‫فكلوا من الذبائح الت ذُكِرَ اسم ال عليها‪ ,‬إن كنتم بباهي ال تعال‬ ‫الواضحة مصدقي‪.‬‬ ‫وَمَا لَكُ مْ أَ ّل تَأْكُلُوا مِمّ ا ذُكِرَ ا ْسمُ اللّ هِ عََليْ هِ وََقدْ فَ صّ َل لَكُ مْ مَا حَرّ َم‬ ‫عََليْكُ مْ إِ ّل مَا اضْطُ ِر ْرتُ مْ ِإَليْ هِ وَإِنّ َكثِيا َليُضِلّو نَ بِأَ ْهوَاِئهِ مْ بِ َغيْ ِر عِلْ مٍ إِنّ‬

‫َربّكَ ُهوَ أَعْلَ ُم بِالْمُ ْعَتدِينَ (‪)119‬‬

‫وأيّ شيء ينعكم أيها السلمون من أن تأكلوا ما ذكر اسم ال عليه‪,‬‬ ‫وقد بيّن ال سبحانه لكم جيع ما حرّم عليكم؟ لكن ما دعت إليه‬ ‫الضرورة بسبب الجاعة‪ ,‬ما هو مرم عليكم كاليتة‪ ,‬فإنه مباح لكم‪.‬‬ ‫وإنّ كثيًا من الضالي ليضلون عن سبيل ال أشياعهم ف تليل الرام‬

‫‪443‬‬

‫وتري اللل بأهوائهم؛ جهل منهم‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو أعلم‬ ‫بن تاوز حده ف ذلك‪ ,‬وهو الذي يتول حسابه وجزاءه‪.‬‬ ‫سبُونَ ا ِلثْ َم َسُيجْ َز ْونَ بِمَا كَانُوا‬ ‫وَ َذرُوا ظَاهِرَ ا ِلثْ مِ َوبَا ِطنَ هُ ِإنّ الّذِي نَ يَكْ ِ‬ ‫يَ ْقتَرِفُونَ (‪)120‬‬ ‫واتركوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬جيع العاصي‪ ,‬ما كان منها علنية وما كان‬ ‫سرّا‪ .‬إن الذين يفعلون العاصي سيعاقبهم ربم; بسبب ما كانوا يعملونه‬ ‫من السيئات‪.‬‬ ‫شيَاطِيَ‬ ‫وَل تَأْكُلُوا مِمّاملَم ْمُيذْكَرْ اس ْممُ اللّهِم عََليْهِم وَِإنّهُملَفِس ْمقٌ َوإِنّ ال ّ‬ ‫َليُوحُو نَ ِإلَى َأ ْوِليَائِهِ ْم ِليُجَا ِدلُوكُ ْم وَإِ نْ َأطَ ْعتُمُوهُ مْ ِإنّ ُك مْ لَ ُمشْرِكُو نَ (‬ ‫‪)121‬‬ ‫ول تأكلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬من الذبائح الت ل يذكر اسم ال عليها‬ ‫عند الذبح‪ ,‬كاليتة وما ذبح للوثان والن‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬وإن الكل من‬ ‫تلك الذبائح لروج عن طاعة ال تعال‪ .‬وإن مردة الن َليُلْقون إل‬ ‫أوليائهم من شياطي النس بالشبهات حول تري أكل اليتة‪ ,‬فيأمرونم‬ ‫أن يقولوا للمسلمي ف جدالم معهم‪ :‬إنكم بعدم أكلكم اليتة ل‬ ‫‪444‬‬

‫تأكلون ما قتله ال‪ ,‬بينما تأكلون ما تذبونه‪ ,‬وإن أطعتموهم ‪-‬أيها‬ ‫السلمون ف تليل اليتة‪ -‬فأنتم وهم ف الشرك سواء‪.‬‬ ‫َأوَمَ نْ كَا نَ َميْتا فََأ ْحَيْينَا هُ وَجَعَ ْلنَا لَ هُ نُورا يَ ْمشِي بِ هِ فِي النّا سِ كَمَ ْن َمثَلُ ُه‬ ‫ت َليْسَ ِبخَارِجٍ ِمْنهَا كَ َذلِكَ ُزيّنَ لِلْكَافِرِي َن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‬ ‫فِي الظّلُمَا ِ‬ ‫‪)122‬‬ ‫أوَمن كان ميتًا ف الضللة هالكا حائرا‪ ,‬فأحيينا قلبه باليان‪ ,‬وهديناه‬ ‫له‪ ,‬ووفقناه لتباع رسله‪ ,‬فأصبح يعيش ف أنوار الداية‪ ,‬كمن مثله ف‬ ‫الهالت والهواء والضللت التفرقة‪ ,‬ل يهتدي إل منفذ ول ملص‬ ‫له ما هو فيه؟ ل يستويان‪ ,‬وكما خذلتُ هذا الكافر الذي يادلكم‬ ‫ت للجاحدين‬ ‫أيها الؤمنون‪ -‬فزّينْتُ له سوء عمله‪ ,‬فرآه حسنًا‪ ,‬زّينْ ُ‬‫أعمالم السيئة; ليستوجبوا بذلك العذاب‪.‬‬ ‫وَكَ َذلِ كَ جَعَ ْلنَا فِي كُ ّل قَ ْرَيةٍ أَكَابِرَ ُمجْرِمِيهَا ِليَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا َيمْكُرُو نَ‬ ‫سهِ ْم وَمَا َيشْعُرُونَ (‪)123‬‬ ‫إِلّ بِأَن ُف ِ‬

‫‪445‬‬

‫ومثل هذا الذي حصل مِن زعماء الكفار ف "مكة" من الصدّ عن دين‬ ‫ال تعال‪ ,‬جعلنا ف كل قرية مرمي يتزعمهم أكابرهم; ليمكروا فيها‬ ‫حسّون بذلك‪.‬‬ ‫بالصد عن دين ال‪ ,‬وما يكيدون إل أنفسهم‪ ,‬وما ُي ِ‬ ‫وَِإذَا جَا َءْتهُ مْ آَي ٌة قَالُوا لَ نْ ُنؤْمِ نَ َحتّى ُن ْؤتَى ِمثْ َل مَا أُوتِ َي رُ سُلُ اللّ هِ اللّ هُ‬ ‫ب الّذِينَ أَ ْجرَمُوا صَغَارٌ ِعنْ َد اللّهِ وَعَذَابٌ‬ ‫أَعَْلمُ َحيْثُ َيجْعَلُ رِسَاَلتَهُ َسيُصِي ُ‬ ‫شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَ ْمكُرُونَ (‪)124‬‬

‫وإذا جاءت هؤلء الشركي من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال بعض كبائهم‪ :‬لن نصدّق بنبوته حت‬ ‫يعطينا ال من النبوة والعجزات مثل ما أعطى رسله السابقي‪ .‬فردّ ال‬ ‫تعال عليهم بقوله‪ :‬ال أعلم حيث يعل رسالته أي‪ :‬بالذين هم أهل‬ ‫لمل رسالته وتبليغها إل الناس‪ .‬سينال هؤلء الطغاة الذل‪ ,‬ولم عذاب‬ ‫موجع ف نار جهنم; بسبب كيدهم للسلم وأهله‪.‬‬ ‫َفمَ ْن يُرِ ْد اللّ هُ أَ نْ يَه ِديَ ُه َيشْرَ حْ صَ ْدرَهُ لِلِ سْل ِم وَمَ نْ ُيرِدْ أَ نْ يُضِلّ هُ َيجْعَ ْل‬ ‫ك َيجْعَلُ اللّ هُ الرّجْ سَ‬ ‫ضيّقا حَرَجا كََأنّمَا يَ صّعّدُ فِي ال سّمَاءِ َك َذلِ َ‬ ‫صَ ْدرَ ُه َ‬

‫عَلَى الّذِينَ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)125‬‬

‫‪446‬‬

‫فمن يشأ ال أن يوفقه لقَبول الق يشرح صدره للتوحيد واليان‪ ,‬ومن‬ ‫يشأ أن يضله يعل صدره ف حال شديدة من النقباض عن قَبول‬ ‫الدى‪ ,‬كحال مَن يصعد ف طبقات الو العليا‪ ,‬فيصاب بضيق شديد ف‬ ‫التنفس‪ .‬وكما يعل ال صدور الكافرين شديدة الضيق والنقباض‪,‬‬ ‫كذلك يحل العذاب على الذين ل يؤمنون به‪.‬‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يَذّكّرُونَ (‪)126‬‬ ‫ستَقِيما َقدْ فَصّ ْلنَا اليَا ِ‬ ‫وَهَذَا صِرَاطُ َربّكَ ُم ْ‬ ‫وهذا الذي بّينّاه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو الطريق الوصل إل رضا ربك‬ ‫وجنته‪ .‬قد بينّا الباهي لن يتذكر من أهل العقول الراجحة‪.‬‬ ‫َلهُمْ دَارُ السّل ِم ِعنْدَ َرّبهِمْ وَ ُهوَ َوِلّيهُمْ ِبمَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)127‬‬ ‫للمتذكرين عند ربم جل وعل يوم القيامة دار السلمة والمان من كل‬ ‫مكروه وهي النة‪ ,‬وهو سبحانه ناصرهم وحافظهم جزاءً لم; بسبب‬ ‫أعمالم الصالة‪.‬‬ ‫َوَيوْ مَ َيحْشُرُ ُه مْ جَمِيعا يَا مَ ْعشَرَ اْلجِنّ َقدْ ا ْستَ ْكثَ ْرتُ ْم مِ ْن الِن سِ وَقَالَ‬ ‫‪447‬‬

‫ض َوبَلَ ْغنَا َأجََلنَا الّذِي َأجّ ْل َ‬ ‫ت‬ ‫ضنَا ِببَعْ ٍ‬ ‫َأ ْوِليَاؤُهُ مْ مِ نْ الِن سِ َرّبنَا ا ْستَ ْمَتعَ بَعْ ُ‬ ‫َلنَا قَالَ النّارُ َمْثوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلّ مَا شَاءَ اللّ هُ ِإنّ َربّكَ حَكِيمٌ عَلِي ٌم (‬ ‫‪)128‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم يشر ال تعال الكفار وأولياءهم من شياطي‬ ‫الن فيقول‪ :‬يا معشر الن قد أضللتم كثيًا من النس‪ ,‬وقال أولياؤهم‬ ‫من كفار النس‪ :‬ربنا قد انتفع بعضنا من بعض‪ ,‬وبلغنا الجل الذي‬ ‫أجّ ْلتَه لنا بانقضاء حياتنا الدنيا‪ ,‬قال ال تعال لم‪ :‬النار مثواكم‪ ,‬أي‪:‬‬ ‫مكان إقامتكم خالدين فيها‪ ,‬إل مَن شاء ال عدم خلوده فيها من عصاة‬ ‫الوحدين‪ .‬إن ربك حكيم ف تدبيه وصنعه‪ ,‬عليم بميع أمور عباده‪.‬‬ ‫سبُونَ (‪)129‬‬ ‫ك ُنوَلّي بَعْضَ الظّالِ ِميَ بَعْضا بِمَا كَانُوا َي ْك ِ‬ ‫وَكَ َذلِ َ‬ ‫وكما سلّطْنا شياطي الن على كفار النس‪ ,‬فكانوا أولياء لم‪ ,‬نسلّط‬ ‫الظالي من النس بعضهم على بعض ف الدنيا; بسبب ما يعملونه من‬ ‫العاصي‪.‬‬ ‫يَا مَ ْعشَ َر الْجِنّ وَالِن سِ َألَ ْم يَ ْأتِكُ مْ ُر سُلٌ ِمنْكُ ْم يَقُ صّونَ عََليْكُ ْم آيَاتِي‬ ‫حيَاةُ‬ ‫ُمم اْل َ‬ ‫ُسمَا وَغَ ّرْته ْ‬ ‫ُمم َهذَا قَالُوا َشهِدْنَا عَلَى أَنف ِن‬ ‫ُمملِقَاءَ َيوْمِك ْ‬ ‫َويُن ِذرُونَك ْ‬ ‫‪448‬‬

‫سهِمْ َأّنهُ ْم كَانُوا كَاِفرِينَ (‪)130‬‬ ‫ال ّدْنيَا َو َشهِدُوا عَلَى أَن ُف ِ‬ ‫أيها الشركون من الن والنس‪ ,‬أل يأتكم رسل من جلتكم ‪-‬وظاهر‬ ‫النصوص يدلّ على أنّ الرسل من النس فقط‪ ,-‬يبونكم بآيات‬ ‫الواضحة الشتملة على المر والنهي وبيان الي والشر‪ ,‬ويذرونكم لقاء‬ ‫عذاب ف يوم القيامة؟ قال هؤلء الشركون من النس والن‪َ :‬شهِدْنا‬ ‫على أنفسنا بأن رسلك قد بلغونا آياتك‪ ,‬وأنذرونا لقاء يومنا هذا‪,‬‬ ‫فكذبناهم‪ ,‬وخدعت هؤلء الشركي زينةُ الياة الدنيا‪ ,‬وشهدوا على‬ ‫أنفسهم أنم كانوا جاحدين وحدانية ال تعال ومكذبي لرسله عليهم‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫ك الْقُرَى بِظُ ْلمٍ وَأَهُْلهَا غَافِلُونَ (‪)131‬‬ ‫ك ُمهْلِ َ‬ ‫َذلِكَ َأنْ لَ ْم يَكُنْ َربّ َ‬ ‫إنا أعذرنا إل الثقلي بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ,‬لئل يؤاخَذَ أحد‬ ‫بظلمه‪ ,‬وهو ل تبلغه دعوة‪ ,‬ولكن أعذرنا إل المم‪ ,‬وما عذّبنا أحدًا إل‬ ‫بعد إرسال الرسل إليهم‪.‬‬ ‫ك بِغَافِلٍ عَمّا يَ ْعمَلُونَ (‪)132‬‬ ‫َولِكُلّ َد َرجَاتٌ ِممّا عَمِلُوا وَمَا َربّ َ‬ ‫‪449‬‬

‫ولكل عامل ف طاعة ال تعال أو معصيته مراتب من عمله‪ ,‬يبلّغه ال‬ ‫إياها‪ ,‬ويازيه عليها‪ .‬وما ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بغافل عما يعمل عباده‪.‬‬ ‫سَتخْلِفْ مِ ْن بَعْدِكُ ْم مَا‬ ‫َو َربّ كَ الْ َغنِيّ ذُو الرّ ْح َمةِ إِ نْ َيشَأْ ُيذْ ِهبْكُ مْ َويَ ْ‬ ‫َيشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ُذ ّرّيةِ َقوْمٍ آخَرِي َن (‪)133‬‬ ‫وربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذي أمر الناس بعبادته‪ ,‬هو الغن وحده‪ ,‬وكل‬ ‫خلقه متاجون إليه‪ ,‬وهو سبحانه ذو الرحة الواسعة‪ ,‬لو أراد لهلككم‪,‬‬ ‫وأوجد قومًا غيكم يلفونكم من بعد فنائكم‪ ,‬ويعملون بطاعته تعال‪,‬‬ ‫كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم‪.‬‬ ‫ت وَمَا َأْنتُ ْم بِمُ ْعجِزِينَ (‪)134‬‬ ‫ِإنّ مَا تُوعَدُونَ ل ٍ‬ ‫إن الذي يوعدكم به ربكم ‪ -‬أيها الشركون ‪ -‬من العقاب على‬ ‫كفركم واقع بكم‪ ,‬ولن تُعجِزوا ربكم هربًا‪ ,‬فهو قادر على إعادتكم‪,‬‬ ‫وإن صرت ترابًا وعظامًا‪.‬‬ ‫ف تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ‬ ‫قُ ْل يَا َقوْمِ ا ْعمَلُوا عَلَى مَكَاَنتِكُمْ ِإنّي عَامِلٌ فَسَوْ َ‬ ‫‪450‬‬

‫عَاِقَبةُ الدّارِ ِإّنهُ ل يُفِْلحُ الظّالِمُونَ (‪)135‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬يا قوم اعملوا على طريقتكم فإن عامل على‬ ‫طريقت الت شرعها ل رب جل وعل فسوف تعلمون ‪-‬عند حلول‬ ‫النقمة بكم‪ -‬مَنِ الذي تكون له العاقبة السنة؟ إنه ل يفوز برضوان ال‬ ‫تعال والنة مَن تاوز حده وظلم‪ ,‬فأشرك مع ال غيه‪.‬‬ ‫ث وَا َلنْعَا مِ نَ صِيبا فَقَالُوا َهذَا لِلّ هِ بِزَعْ ِم ِه ْم‬ ‫وَ َجعَلُوا لِلّ هِ مِمّا َذرَأَ مِ ْن اْلحَرْ ِ‬ ‫وَهَذَا ِلشُرَكَاِئنَا َفمَا كَا نَ لِشُرَكَاِئهِ مْ فَل يَ صِلُ ِإلَى اللّ هِ وَمَا كَا نَ لِلّ هِ َف ُهوَ‬

‫يَصِلُ ِإلَى شُرَكَاِئهِمْ سَاءَ مَا َيحْكُمُونَ (‪)136‬‬

‫وجعل الشركون ل ‪-‬ج ّل وعل‪ -‬جزءًا ما خلق من الزروع والثمار‬ ‫والنعام يقدمونه للضيوف والساكي‪ ,‬وجعلوا قسمًا آخر من هذه‬ ‫الشياء لشركائهم من الوثان والنصاب‪ ,‬فما كان مصصًا لشركائهم‬ ‫فإنه يصل إليها وحدها‪ ,‬ول يصل إل ال‪ ,‬وما كان مصصا ل تعال‬ ‫فإنه يصل إل شركائهم‪ .‬بئس حكم القوم وقسمتهم‪.‬‬ ‫ك َزيّ نَ لِ َكثِيٍ مِ نْ الْ ُمشْرِكِيَ َقتْلَ َأوْلدِهِ مْ شُرَكَاؤُهُ مْ ِليُ ْردُوهُ ْم‬ ‫وَكَ َذلِ َ‬ ‫َولِيَ ْلبِ سُوا عََلْيهِ مْ دِيَنهُ ْم وََلوْ شَاءَ اللّ هُ مَا فَعَلُو هُ فَ َذرْهُ مْ وَمَا يَ ْفتَرُو نَ (‬ ‫‪451‬‬

‫‪)137‬‬ ‫وكما زيّن الشيطان للمشركي أن يعلوا ل تعال من الرث والنعام‬ ‫نصيبًا‪ ,‬ولشركائهم نصيبًا‪ ,‬زيّنت الشياطي لكثي من الشركي َقتْلَ‬ ‫أولدهم خشية الفقر; ليوقعوا هؤلء الباء ف اللك بقتل النفس الت‬ ‫حرم ال قتلها إل بالق‪ ,‬وليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس‪ ,‬فيضلوا‬ ‫ويهلكوا‪ ,‬ولو شاء ال أل يفعلوا ذلك ما فعلوه‪ ,‬ولكنه قدّر ذلك لعلمه‬ ‫بسوء حالم ومآلم‪ ,‬فاتركهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وشأنم فيما يفترون من‬ ‫كذب‪ ,‬فسيحكم ال بينك وبينهم‪.‬‬ ‫وَقَالُوا َهذِ هِ َأنْعَا مٌ وَحَ ْر ثٌ ِحجْ ٌر ل يَطْعَ ُمهَا إِ ّل مَ نْ َنشَاءُ بِزَ ْع ِمهِ ْم وََأنْعَا ٌم‬ ‫ُحرّمَتْ ُظهُورُهَا َوَأنْعَا مٌ ل يَذْكُرُونَ ا ْسمَ اللّ هِ عََلْيهَا ا ْفتِرَاءً عََليْهِ َسَيجْزِيهِمْ‬ ‫بِمَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)138‬‬ ‫وقال الشركون‪ :‬هذه إبل وزرع حرام‪ ,‬ل يأكلها إل مَن يأذنون له‬ ‫حسب ادعائهم‪ -‬مِن سدنة الوثان وغيهم‪ .‬وهذه إبل حُرّمت‬‫ظهورها‪ ,‬فل يل ركوبا والم ُل عليها بال من الحوال‪ .‬وهذه إبل ل‬ ‫يَذكرون اسم ال تعال عليها ف أي شأن من شئونا‪ .‬فعلوا ذلك كذبًا‬

‫‪452‬‬

‫منهم على ال‪ ,‬سيجزيهم ال بسبب ما كانوا يفترون من كذبٍ عليه‬ ‫سبحانه‪.‬‬ ‫صةٌ لِذُكُو ِرنَا وَ ُمحَرّ ٌم عَلَى َأ ْزوَا ِجنَا‬ ‫وَقَالُوا مَا فِي بُطُو نِ َهذِ هِ ا َلنْعَا مِ خَالِ َ‬ ‫وَإِ نْ يَكُ نْ َمْيَتةً َفهُ مْ فِي هِ شُرَكَاءُ َسَيجْزِيهِمْ وَ صْ َفهُمْ ِإنّ هُ حَكِي مٌ عَلِي مٌ (‬ ‫‪)139‬‬ ‫وقال الشركون‪ :‬ما ف بطون النعام من أجنّة مباح لرجالنا‪ ,‬ومرم على‬ ‫نسائنا‪ ,‬إذا ولد حيّا‪ ,‬ويشركون فيه إذا ولد ميتًا‪ .‬سيعاقبهم ال إذ شرّعوا‬ ‫لنفسهم من التحليل والتحري ما ل يأذن به ال‪ .‬إنه تعال حكيم ف‬ ‫تدبي أمور خلقه‪ ,‬عليم بم‪.‬‬ ‫َقدْ خَ سِ َر الّذِي نَ َقَتلُوا َأوْلدَهُ مْ سَفَها بِ َغيْرِ عِ ْل ٍم وَحَرّمُوا مَا َرزََقهُ مْ اللّ هُ‬ ‫ا ْفتِرَاءً عَلَى الّلهِ قَ ْد ضَلّوا وَمَا كَانُوا ُم ْهتَدِي َن (‪)140‬‬ ‫قد خسر وهلك الذين قتلوا أولدهم لضعف عقولم وجهلهم‪ ,‬وحرموا‬ ‫ما رزقهم ال كذبًا على ال‪ .‬قد بَعُدوا عن الق‪ ,‬وما كانوا من أهل‬ ‫الدى والرشاد‪ .‬فالتحليل والتحري من خصائص اللوهية ف التشريع‪,‬‬ ‫‪453‬‬

‫واللل ما أحله ال‪ ,‬والرام ما حرّمه ال‪ ,‬وليس لحد من َخلْقه فردًا‬ ‫كان أو جاعة أن يشرع لعباده ما ل يأذن به ال‪.‬‬ ‫ْعم‬ ‫َاتم وَالّنخْلَ وَال ّزر َ‬ ‫َاتم وَ َغيْ َر مَعْرُوش ٍ‬ ‫ّاتم مَعْرُوش ٍ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َأْنشَأَ َجن ٍ‬ ‫ختَلِفا أُ ُكلُ هُ وَال ّزْيتُو نَ وَالرّمّا نَ ُمَتشَابِها وَ َغيْ َر ُمَتشَابِ هٍ كُلُوا مِ ْن ثَمَرِ هِ إِذَا‬ ‫ُم ْ‬ ‫ُسمرِِفيَ (‬ ‫ّهم ل ُيحِبّ الْم ْ‬ ‫ُسمرِفُوا ِإن ُ‬ ‫ْمم حَصمَادِ ِه وَل ت ْ‬ ‫ّهم َيو َ‬ ‫َأثْ َمرَ وَآتُوا َحق ُ‬ ‫‪)141‬‬

‫وال سبحانه وتعال هو الذي أوجد لكم بساتي‪ :‬منها ما هو مرفوع‬ ‫عن الرض كالعناب‪ ,‬ومنها ما هو غي مرفوع‪ ,‬ولكنه قائم على سوقه‬ ‫كالنخل والزرع‪ ,‬متنوعًا طعمه‪ ,‬والزيتون والرمان متشابًا منظره‪,‬‬ ‫ومتلفًا ثره وطعمه‪ .‬كلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬مِن ثره إذا أثر‪ ,‬وأعطوا زكاته‬ ‫الفروضة عليكم يوم حصاده وقطافه‪ ,‬ول تتجاوزوا حدود العتدال ف‬ ‫إخراج الال وأكل الطعام وغي ذلك‪ .‬إنه تعال ل يب التجاوزين‬ ‫حدوده بإنفاق الال ف غي وجهه‪.‬‬ ‫وَمِ نْ ا َلنْعَا مِ حَمُوَلةً وَفَرْشا كُلُوا مِمّ ا رَزَقَ ُك مْ اللّ هُ وَل َتّتبِعُوا خُ ُطوَا تِ‬

‫شيْطَانِ ِإّنهُ لَكُمْ َع ُدوّ ُمِبيٌ (‪)142‬‬ ‫ال ّ‬ ‫‪454‬‬

‫وأوجد من النعام ما هو مهيّأ للحمل عليه لكبه وارتفاعه كالبل‪,‬‬ ‫ومنها ما هو مهيّأ لغي المل لصغره وقربه من الرض كالبقر والغنم‪,‬‬ ‫كلوا ما أباحه ال لكم وأعطاكموه من هذه النعام‪ ,‬ول ترموا ما أحلّ‬ ‫ال منها اتباعًا لطرق الشيطان‪ ,‬كما فعل الشركون‪ .‬إن الشيطان لكم‬ ‫عدو ظاهر العداوة‪.‬‬ ‫ثَمَاِنَيةَ َأ ْزوَا جٍ مِ نْ الضّأْ نِ اْثَنيْ نِ وَمِ ْن الْمَ ْعزِ اْثَنيْ نِ قُلْ أَالذّكَ َريْ نِ حَرّ مَ أَ ْم‬ ‫ي(‬ ‫ا ُلْنَثَييْنِ أَمّا ا ْشتَ َملَتْ َعَليْهِ َأرْحَا ُم الُنثََييْنِ َنّبئُونِي بِعِ ْلمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِِق َ‬

‫‪)143‬‬

‫هذه النعام الت رزقها ال عباده من البل والبقر والغنم ثانية أصناف‪:‬‬ ‫أربعة منها من الغنم‪ ,‬وهي الضأن ذكورًا وإناثًا‪ ,‬والعز ذكورًا وإناثًا‪ .‬قل‬ ‫أيها الرسول‪ -‬لولئك الشركي‪ :‬هل َحرّم ال الذكرين من الغنم؟ فإن‬‫قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا ف ذلك; لنم ل يرمون كل ذكر من الضأن‬ ‫والعز‪ ,‬وقل لم‪ :‬هل َحرّم ال النثيي من الغنم؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد‬ ‫كذبوا أيضًا; لنم ل يرمون كل أنثى من ولد الضأن والعز‪ ,‬وقل لم‪:‬‬ ‫هل حَرّم ال ما اشتملت عليه أرحام النثيي من الضأن والعز من‬ ‫المل؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا أيضًا; لنم ل يرمون كل حَمْل مِن‬ ‫‪455‬‬

‫ذلك‪ ,‬خبّرون بعلم يدل على صحة ما ذهبتم إليه‪ ,‬إن كنتم صادقي‬ ‫فيما تنسبونه إل ربكم‪.‬‬ ‫وَمِ نْ ا ِلبِلِ اْثَنيْ نِ وَمِ نْ اْلبَقَرِ اْثَنيْ نِ قُلْ أَالذّكَ َريْ نِ َحرّ مَ أَ مْ الُنَثَييْ نِ أَمّ ا‬ ‫ت عََليْ هِ َأرْحَا مُ الُنَثَييْ نِ أَ مْ كُنتُ مْ ُشهَدَاءَ ِإذْ وَ صّاكُ ْم اللّ هُ ِبهَذَا َفمَ نْ‬ ‫ا ْشتَمََل ْ‬ ‫َأظْلَ مُ ِممّ نْ ا ْفَترَى َعلَى اللّ هِ كَذِبا ِليُضِلّ النّا سَ بِ َغيْ ِر عِلْ مٍ ِإنّ اللّ هَ ل َيهْدِي‬ ‫الْقَوْمَ الظّالِ ِميَ (‪)144‬‬

‫والصناف الربعة الخرى‪ :‬هي اثنان من البل ذكورًا وإناثًا‪ ,‬واثنان من‬ ‫البقر ذكورًا وإناثًا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لولئك الشركي‪ :‬أحَرّم ال‬ ‫الذكرين أم النثيي؟ أم حرّم ما اشتملت عليه أرحام النثيي ذكورًا‬ ‫وإناثًا؟ أم كنتم أيها الشركون حاضرين‪ ,‬إذ وصاكم الد بذا التحري‬ ‫للنعام‪ ,‬فل أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال الكذب; ليصرف الناس‬ ‫بهله عن طريق الدى‪ .‬إن ال تعال ل يوفق للرشد مَن تاوز حدّه‪,‬‬ ‫فكذب على ربه‪ ,‬وأضلّ الناس‪.‬‬ ‫قُ ْل ل أَجِ ُد فِي مَا أُوحِ يَ ِإلَيّ ُمحَرّما عَلَى طَاعِ مٍ يَطْ َعمُ هُ إِلّ أَ نْ يَكُو نَ‬ ‫َمْيَتةً َأوْ دَما مَسْفُوحا َأ ْو لَحْمَ خِنِي ٍر َفِإنّهُ رِجْسٌ َأوْ فِسْقا أُهِلّ لِ َغيْ ِر اللّهِ بِهِ‬ ‫‪456‬‬

‫فَمَ ْن اضْطُرّ َغيْ َر بَاغٍ وَل عَا ٍد َفِإنّ َربّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)145‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ل أجد فيما أوحى ال إلّ شيئًا مرمًا على من‬ ‫يأكله ما تذكرون أنه ُحرّم من النعام‪ ,‬إل أن يكون قد مات بغي‬ ‫تذكية‪ ,‬أو يكون دمًا مراقًا‪ ,‬أو يكون لم خنير فإنه نس‪ ,‬أو الذي‬ ‫كانت ذكاته خروجًا عن طاعة ال تعال; كما إذا كان الذبوح قد ذكر‬ ‫عليه اسم غي ال عند الذبح‪ .‬فمن اضطر إل الكل من هذه الحرمات‬ ‫بسبب الوع الشديد غي طالب بأكله منها تلذذًا‪ ,‬ول متجاوز حد‬ ‫الضرورة‪ ,‬فإن ال تعال غفور له‪ ,‬رحيم به‪ .‬وقد ثبت ‪ -‬فيما بعد ‪-‬‬ ‫بالسنة تري كل ذي ناب من السباع‪ ,‬وملب من الطي‪ ,‬والمر‬ ‫الهلية‪ ,‬والكلب‪.‬‬ ‫وَعَلَى الّذِي نَ هَادُوا َحرّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُرٍ وَمِ نْ اْلبَقَرِ وَالْ َغنَ مِ حَرّمْنَا عََلْيهِ ْم‬ ‫ط بِعَظْ مٍ َذلِ كَ‬ ‫حوَايَا َأوْ مَا ا ْختََل َ‬ ‫ُشحُو َمهُمَا إِلّ مَا َحمَلَ تْ ُظهُورُهُمَا َأ ْو اْل َ‬ ‫َج َزْينَاهُمْ ِببَ ْغِيهِمْ وَِإنّا لَصَادِقُونَ (‪)146‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي ما حرمّنا على اليهود من البهائم‬ ‫والطي‪ :‬وهو كل ما ل يكن مشقوق الصابع كالبل والنّعام‪ ,‬وشحوم‬ ‫البقر والغنم‪ ,‬إل ما عَلِق من الشحم بظهورها أو أمعائها‪ ,‬أو اختلط‬ ‫‪457‬‬

‫بعظم اللْية والنب ونو ذلك‪ .‬ذلك التحرم الذكور على اليهود عقوبة‬ ‫ِمنّا لم بسبب أعمالم السيئة‪ ,‬وإنّا لصادقون فيما أخبنا به عنهم‪.‬‬ ‫ْمم‬ ‫َنم الْقَو ِ‬ ‫ْسمهُ ع ْ‬ ‫َاسمَعةٍ وَل يُرَ ّد بَأ ُ‬ ‫ُمم ذُو رَحْ َمةٍ و ِ‬ ‫ُوكم فَقُلْ َربّك ْ‬ ‫ِنم كَ ّذب َ‬ ‫َفإ ْ‬ ‫ي (‪)147‬‬ ‫الْمُجْرِ ِم َ‬ ‫فإن كذبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مالفوك من الشركي واليهود‪ ,‬وغيهم‪,‬‬ ‫فقل لم‪ :‬ربكم جل وعل ذو رحة واسعة‪ ,‬ول يُدْفع عقابه عن القوم‬ ‫الذين أجرموا‪ ,‬فاكتسبوا الذنوب‪ ,‬واجترحوا السيئات‪ .‬وف هذا تديد‬ ‫لم لخالفتهم الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َسيَقُولُ الّذِي نَ أَ ْشرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّ هُ مَا َأشْرَ ْكنَا وَل آبَاؤُنَا وَل َحرّ ْمنَا مِ ْن‬ ‫ك كَذّبَ الّذِينَ مِ ْن َقبِْلهِمْ َحتّى ذَاقُوا بَ ْأ َسنَا قُ ْل هَلْ ِعنْدَ ُك ْم مِنْ‬ ‫شَ ْي ٍء كَ َذلِ َ‬ ‫عِلْ ٍم َفُتخْرِجُو ُه َلنَا ِإنْ َتّتبِعُونَ إِلّ الظّنّ وَِإنْ َأْنتُمْ إِلّ َتخْ ُرصُونَ (‪)148‬‬ ‫سيقول الذين أشركوا‪ :‬لو أراد ال أن ل نشرك ‪-‬نن وآباؤنا‪ -‬وأن ل‬ ‫نرم شيئًا مِن دونه ما فعلنا ذلك‪ ,‬وردّ ال عليهم ببيان أن هذه الشبهة‬ ‫قد أثارها الكفار مِن قبلهم‪ ,‬وكذّبوا با دعوة رسلهم‪ ,‬واست َمرّوا على‬ ‫ذلك‪ ,‬حت نزل بم عذاب ال‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هل عندكم‬ ‫‪458‬‬

‫فيما حرّمتم من النعام والرث‪ ,‬وفيما زعمتم من أن ال قد شاء لكم‬‫الكفر‪ ,‬ورضيه منكم وأحبه لكم‪ -‬من علم صحيح فتظهرره لنا؟ إن‬ ‫تتبعون ف أمور هذا الدين إل مرد الظن‪ ,‬وإن أنتم إل تكذبون‪.‬‬ ‫ي (‪)149‬‬ ‫حجّةُ اْلبَالِ َغةُ فََلوْ شَاءَ َلهَدَاكُمْ أَجْمَ ِع َ‬ ‫قُ ْل فَلِّل ِه اْل ُ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬فلله جل وعل الجة القاطعة الت يقطع با‬ ‫ظنونكم‪ ,‬فلو شاء لوفّقكم جيعًا إل طريق الستقامة‪.‬‬ ‫شهَدُو نَ أَنّ اللّ هَ حَرّ َم هَذَا َفإِ نْ َشهِدُوا فَل‬ ‫قُ ْل هَلُمّ ُشهَدَاءَكُ ْم الّذِي نَ َي ْ‬ ‫ُونم‬ ‫ِينم ل ُيؤْ ِمن َ‬ ‫ِينم َك ّذبُوا بِآيَاتِن َا وَالّذ َ‬ ‫ِعم أَ ْهوَاءَ الّذ َ‬ ‫ُمم وَل َتّتب ْ‬ ‫شهَدْ مَ َعه ْ‬ ‫َت ْ‬ ‫بِالخِرَ ِة وَهُمْ بِ َرّبهِ ْم يَعْ ِدلُونَ (‪)150‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن‬ ‫ال تعال هو الذي حرّم ما حرّمتم من الرث والنعام‪ ,‬فإن شهدوا‬ ‫كذبًا وزورًا‪ -‬فل تصدقهم‪ ,‬ول توافق الذين حكّموا أهواءهم‪ ,‬فكذبوا‬‫بآيات ال فيما ذهبوا إليه من تري ما أحل ال‪ ,‬وتليل ما حرم ال‪ ,‬ول‬ ‫تتبع الذين ل يصدقون بالياة الخرة ول يعملون لا‪ ,‬والذين هم بربم‬ ‫يشركون فيعبدون معه غيه‪.‬‬ ‫‪459‬‬

‫ْنم‬ ‫ِهم َشيْئا َوبِاْلوَالِ َدي ِ‬ ‫ُممأَ ّل ُتشْرِكُوا ب ِ‬ ‫ُمم عََليْك ْ‬ ‫ّمم َربّك ْ‬ ‫قُ ْل تَعَالَوْا َأتْ ُل مَا َحر َ‬ ‫ق َنحْ نُ نَ ْرزُقُكُ ْم وَِإيّاهُ مْ وَل تَ ْق َربُوا‬ ‫ِإحْ سَانا وَل تَ ْقتُلُوا َأوْلدَكُ ْم مِ نْ ِإمْل ٍ‬ ‫الْفَوَاحِ شَ مَا ظَهَ َر ِمنْهَا وَمَا بَطَ نَ وَل تَ ْقتُلُوا النّفْ سَ الّتِي حَرّ َم اللّ هُ إِلّ‬ ‫بِاْلحَقّ َذلِكُ ْم َوصّاكُ ْم ِبهِ لَعَلّكُ ْم تَعْقِلُونَ (‪)151‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم‪ :‬أن ل تشركوا‬ ‫معه شيئًا من ملوقاته ف عبادته‪ ,‬بل اصرفوا جيع أنواع العبادة له‬ ‫وحده‪ ,‬كالوف والرجاء والدعاء‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬وأن تسنوا إل الوالدين‬ ‫بالب والدعاء ونو ذلك من الحسان‪ ,‬ول تقتلوا أولدكم مِن أجل فقر‬ ‫نزل بكم; فإن ال يرزقكم وإياهم‪ ,‬ول تقربوا ما كان ظاهرًا من كبي‬ ‫الثام‪ ,‬وما كان خفيّا‪ ,‬ول تقتلوا النفس الت حرم ال قتلها إل بالق‪,‬‬ ‫وذلك ف حال القصاص من القاتل أو الزن بعد الحصان أو الردة عن‬ ‫السلم‪ ,‬ذلكم الذكور ما ناكم ال عنه‪ ,‬وعهد إليكم باجتنابه‪ ,‬وما‬ ‫أمركم به‪ ,‬وصّاكم به ربكم; لعلكم تعقلون أوامره ونواهيه‪.‬‬ ‫وَل تَ ْق َربُوا مَالَ الَْيتِيمِ إِلّ بِاّلتِي هِيَ َأحْسَنُ َحتّى َيبْلُغَ أَ ُشدّهُ وََأوْفُوا الْ َكيْلَ‬ ‫وَالْمِيزَا نَ بِالْقِ سْطِ ل نُ َكلّ فُ نَفْسا إِلّ وُ ْس َعهَا َوإِذَا ُق ْلتُ مْ فَاعْ ِدلُوا َوَلوْ كَا نَ‬ ‫ذَا قُ ْربَى َوبِ َعهْ ِد الّلهِ َأوْفُوا َذلِكُ ْم َوصّاكُمْ ِبهِ لَعَلّكُ ْم تَذَكّرُونَ (‪)152‬‬ ‫‪460‬‬

‫ول تقربوا أيها الوصياء مال اليتيم إل بالال الت تصلح با أمواله‬ ‫وَيْنتَفِع با‪ ,‬حت يصل إل سن البلوغ ويكون راشدًا‪ ,‬فإذا بلغ ذلك‬ ‫فسلموا إليه ماله‪ ,‬وأوفوا الكيل والوزن بالعدل الذي يكون به تام‬ ‫الوفاء‪ .‬وإذا بذلتم جهدكم فل حرج عليكم فيما قد يكون من نقص‪ ,‬ل‬ ‫نكلف نفسًا إل وسعها‪ .‬وإذا قلتم فتحرّوا ف قولكم العدل دون ميل عن‬ ‫الق ف خب أو شهادة أو حكم أو شفاعة‪ ,‬ولو كان الذي تعلق به‬ ‫القول ذا قرابة منكم‪ ,‬فل تيلوا معه بغي حق‪ ,‬وأوفوا با عهد ال به‬ ‫إليكم من اللتزام بشريعته‪ .‬ذلكم التلوّ عليكم من الحكام‪ ,‬وصّاكم به‬ ‫ربكم; رجاء أن تتذكروا عاقبة أمركم‪.‬‬ ‫ق بِكُ مْ عَ نْ‬ ‫سبُلَ َفتَ َفرّ َ‬ ‫ستَقِيما فَاّتبِعُو هُ وَل َتّتبِعُوا ال ّ‬ ‫وَأَنّ َهذَا صِرَاطِي مُ ْ‬ ‫َسبِيِلهِ َذلِكُمْ َوصّاكُمْ ِب ِه لَعَلّكُمْ َتتّقُونَ (‪)153‬‬ ‫وما وصاكم ال به أن هذا السلم هو طريق ال تعال الستقيم‬ ‫فاسلكوه‪ ,‬ول تسلكوا سبل الضلل‪ ,‬فتفرقكم‪ ,‬وتبعدكم عن سبيل ال‬ ‫الستقيم‪ .‬ذلكم التوجه نو الطريق الستقيم هو الذي وصّاكم ال به;‬ ‫لتتقوا عذابه بفعل أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫‪461‬‬

‫ثُمّ آَتيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ تَمَاما عَلَى الّذِي َأحْ سَنَ َوتَفْ صِيلً لِكُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫وَهُدًى َورَحْ َمةً لَعَّلهُمْ ِبلِقَاءِ َربّهِ ْم ُيؤْ ِمنُونَ (‪)154‬‬ ‫ث قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن ال تعال هو الذي أتى‬ ‫موسى التوراة تامًا لنعمته على الحسني من أهل ملته‪ ,‬وتفصيل لكل‬ ‫شيء من أمور دينهم‪ ,‬وهدى ودللة على الطريق الستقيم ورحة لم;‬ ‫رجاء أن يصدّقوا بالبعث بعد الوت والساب والزاء‪ ,‬ويعملوا لذلك‪.‬‬ ‫وَهَذَا ِكتَابٌ أَن َزْلنَاهُ ُمبَارَكٌ فَاّتبِعُوهُ وَاتّقُوا لَعَلّكُ ْم تُرْ َحمُونَ (‪)155‬‬ ‫وهذا القرآن كتاب أنزلناه على نبينا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬خيه‬ ‫كثي فاتبعوه فيما يأمر به وينهى عنه‪ ,‬واتقوا ال أن تالفوا له أمرًا; رجاء‬ ‫أن ترحوا فتنجوا من عذابه‪ ,‬وتظفروا بثوابه‪.‬‬ ‫َنم‬ ‫ِنم ُكنّام ع ْ‬ ‫ِنم َقبْلِنَا وَإ ْ‬ ‫ْنم م ْ‬ ‫َابم عَلَى طَائِ َفَتي ِ‬ ‫َنم تَقُولُوا ِإنّمَا أُنزِ َل الْ ِكت ُ‬ ‫أ ْ‬ ‫ِدرَا َسِتهِمْ لَغَافِِليَ (‪)156‬‬

‫‪462‬‬

‫وأنزلنا هذا القرآن; لئل تقولوا ‪-‬يا كفار العرب‪ :-‬إنا أُنزل الكتاب من‬ ‫السماء على اليهود والنصارى‪ ,‬وقد كنا عن قراءة كتبهم ف شغل‪ ،‬ونن‬ ‫ليس لنا با علم ول معرفة‪.‬‬ ‫َأوْ تَقُولُوا َلوْ َأنّ ا أُنزِ َل عََليْنَا الْ ِكتَا بُ لَ ُكنّ ا أَهْدَى ِمْنهُ ْم فَ َقدْ جَاءَكُ مْ َبّيَن ٌة‬ ‫ب بِآيَا تِ اللّ هِ وَ صَدَفَ‬ ‫مِ نْ َربّكُ ْم وَهُدًى َورَحْ َمةٌ َفمَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ ْن كَذّ َ‬ ‫ب بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ‬ ‫َعْنهَا َسَنجْزِي الّذِي َن يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاِتنَا سُوءَ الْعَذَا ِ‬ ‫(‪)157‬‬ ‫ولئل تقولوا ‪-‬أيها الشركون‪ : -‬لو أنّا أُنزل علينا كتاب من السماء‪,‬‬ ‫كما أُنزل على اليهود والنصارى‪ ,‬لكنّا أشدّ استقامة على طريق الق‬ ‫منهم‪ ,‬فقد جاءكم كتاب بلسانكم عرب مبي‪ ,‬وذلك حجة واضحة مِن‬ ‫ربكم وإرشاد إل طريق الق‪ ,‬ورحةٌ لذه المة‪ .‬فل أحد أشد ظلمًا‬ ‫وعدوانًا من كذّب بجج ال تعال وأعرض عنها!! فهؤلء العرضون‬ ‫سنعاقبهم عقابًا شديدًا ف نار جهنم; بسبب إعراضهم عن آياتنا‪,‬‬ ‫وصدّهم عن سبيلنا‪.‬‬ ‫هَ ْل يَنظُرُو نَ إِلّ أَ ْن تَ ْأِتَيهُ مْ الْمَلئِ َكةُ َأوْ يَ ْأتِ يَ َربّ كَ َأوْ يَ ْأِت يَ بَعْ ضُ آيَا تِ‬ ‫‪463‬‬

‫ك ل يَنفَ ُع نَفْسا ِإيَاُنهَا لَ ْم تَكُ نْ آ َمَنتْ مِ نْ‬ ‫َربّ كَ َيوْ مَ يَ ْأتِي بَعْ ضُ آيَا تِ َربّ َ‬ ‫سبَتْ فِي ِإيَاِنهَا َخيْرا قُلْ انتَظِرُوا ِإنّا مُنتَظِرُونَ (‪)158‬‬ ‫َقبْلُ َأوْ َك َ‬ ‫هل ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل ال إل أن يأتيهم ملك الوت‬ ‫وأعوانه لقبض أرواحهم‪ ,‬أو يات ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للفصل بي عباده‬ ‫يوم القيامة‪ ,‬أو يأت بعض أشراط الساعة وعلماتا الدالة على ميئها‪,‬‬ ‫وهي طلوع الشمس من مغربا؟ فحي يكون ذلك ل ينفع نفسا إيانا‪,‬‬ ‫إن ل تكن آمنت من قبل‪ ,‬ول يُقبل منها إن كانت مؤمنة كسب عمل‬ ‫صال إن ل تكن عاملة به قبل ذلك‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬انتظروا‬ ‫ميء ذلك; لتعلموا الحق من البطل‪ ,‬والسيء من الحسن‪ ,‬إنا منتظرون‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ت ِمْنهُ مْ فِي َش ْيءٍ ِإنّمَا أَمْرُ ُه مْ‬ ‫إِنّ الّذِي َن فَرّقُوا دِيَنهُ مْ وَكَانُوا ِشيَعا لَ سْ َ‬ ‫ِإلَى الّلهِ ثُ ّم ُيَنّبُئهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( ‪)159‬‬ ‫إن الذين فرقوا دينهم بعد ما كانوا متمعي على توحيد ال والعمل‬ ‫بشرعه‪ ,‬فأصبحوا فرقا وأحزابا‪ ,‬إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بريء منهم‪ ,‬إنا‬ ‫حكمهم إل ال تعال‪ ,‬ث يبهم بأعمالم‪ ,‬فيجازي من تاب منهم‬ ‫وأحسن بإحسانه‪ ,‬ويعاقب السيء بإساءته‪.‬‬ ‫‪464‬‬

‫سّيَئةِ فَل ُيجْزَى إِلّ ِمثَْلهَا‬ ‫سَنةِ فَلَ ُه َعشْرُ أَ ْمثَاِلهَا وَمَنْ جَاءَ بِال ّ‬ ‫مَنْ جَاءَ بِاْلحَ َ‬

‫وَهُمْ ل يُظْلَمُونَ (‪)160‬‬

‫من لقي ربه يوم القيامة بسنة من العمال الصالة فله عشر حسنات‬ ‫أمثالا‪ ,‬ومن لقي ربه بسيئة فل يعاقب إل بثلها‪ ,‬وهم ل يظلمون مثقال‬ ‫ذرة‪.‬‬ ‫ستَقِيمٍ دِينا ِقيَما مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَ َحنِيفا وَمَا‬ ‫ط مُ ْ‬ ‫قُلْ ِإّننِي هَدَانِي َربّي ِإلَى صِرَا ٍ‬ ‫كَانَ مِ ْن الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)161‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنن أرشدن رب إل الطريق القوي‬ ‫الوصل إل جنته‪ ,‬وهو دين السلم القائم بأمر الدنيا والخرة‪ ,‬وهو دين‬ ‫التوحيد دين إبراهيم عليه السلم‪ ,‬وما كان إبراهيم عليه السلم من‬ ‫الشركي مع ال غيه‪.‬‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)162‬‬ ‫حيَاي وَمَمَاتِي لِّلهِ رَ ّ‬ ‫قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُسُكِي وَ َم ْ‬

‫‪465‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن صلت‪ ,‬ونسكي‪ ,‬أي‪ :‬ذبي ل‬ ‫وحده‪ ,‬ل للصنام‪ ,‬ول للموات‪ ,‬ول للجن‪ ,‬ول لغي ذلك ما تذبونه‬ ‫لغي ال‪ ,‬وعلى غي اسه كما تفعلون‪ ,‬وحيات وموت ل تعال رب‬ ‫العالي‪.‬‬ ‫ل شَرِيكَ َلهُ َوبِ َذلِكَ أُمِ ْرتُ وََأنَا َأوّلُ الْ ُمسْلِ ِميَ (‪)163‬‬ ‫ل شريك له ف ألوهيته ول ف ربوبيته ول ف صفاته وأسائه‪ ,‬وبذلك‬ ‫التوحيد الالص أمرن رب جل وعل وأنا أول من أقر وانقاد ل من هذه‬ ‫المة‪.‬‬ ‫قُلْ أَ َغيْ َر اللّ هِ َأبْغِي َربّا وَ ُهوَ رَبّ كُلّ شَ ْيءٍ وَل تَكْ سِبُ كُ ّل نَفْ سٍ إِ ّل‬ ‫عََليْهَا وَل تَ ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْرَ أُخْرَى ثُمّ ِإلَى َربّكُ مْ َمرْجِعُ ُك مْ َفُيَنّبئُ ُك مْ بِمَا‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)164‬‬ ‫كُنتُمْ فِيهِ َت ْ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أغي ال أطلب إلا‪ ,‬وهو خالق كل شيء ومالكه‬ ‫ومدبره؟ ول يعمل أي إنسان عمل سيئا إل كان إثه عليه‪ ,‬ول تمل‬ ‫نفس آثة إث نفس أخرى‪ ,‬ث إل ربكم معادكم يوم القيامة‪ ,‬فيخبكم با‬ ‫كنتم تتلفون فيه من أمر الدين‪.‬‬ ‫‪466‬‬

‫ضكُ ْم َفوْ قَ بَعْ ضٍ َد َرجَا ٍ‬ ‫ت‬ ‫ف ا َلرْ ضِ َورَفَ عَ بَعْ َ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي جَعََلكُ مْ خَلئِ َ‬ ‫ِلَيبُْلوَكُم ْم فِي مَا آتَاكُم ْمإِنّ َربّكَم سَمرِيعُ الْعِقَابِم وَِإنّهُملَغَفُورٌ َرحِيمٌم (‬ ‫‪)165‬‬ ‫وال سبحانه هو الذي جعلكم تلفون من سبقكم ف الرض بعد أن‬ ‫أهلكهم ال‪ ,‬واستخلفكم فيها; لتعمروها بعدهم بطاعة ربكم‪ ,‬ورفع‬ ‫حكم ف الرزق والقوة فوق بعض درجات‪ ,‬ليبلوكم فيما أعطاكم من‬ ‫نعمه‪ ,‬فيظهر للناس الشاكر من غيه‪ .‬إن ربك سريع العقاب لن كفر به‬ ‫وعصاه‪ ,‬وإنه لغفور لن آمن به وعمل صالا وتاب من الوبقات‪ ,‬رحيم‬ ‫به‪ ,‬والغفور والرحيم اسان كريان من أساء ال السن‪.‬‬

‫‪ - 7‬سورة العراف‬

‫‪467‬‬

‫الص (‪)1‬‬ ‫سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ِكتَا بٌ أُنزِلَ ِإَليْ كَ فَل يَكُ نْ فِي صَ ْدرِكَ َحرَ جٌ ِمنْ هُ ِلتُن ِذرَ بِ ِه وَذِكْرَى‬

‫لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ ( ‪)2‬‬

‫هذا القرآن كتاب عظيم أنزله ال عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فل يكن ف‬ ‫صدرك شك منه ف أنه أنزل من عند ال‪ ،‬ول تتحرج ف إبلغه والنذار‬ ‫به‪ ،‬أنزلناه إليك; لتخوف به الكافرين وتذكر الؤمني‪.‬‬ ‫ِهم َأ ْوِليَاءَ قَلِيلً مَا‬ ‫ِنم دُون ِ‬ ‫ُمم وَل َتّتبِعُوا م ْ‬ ‫ِنم َربّك ْ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫اّتبِعُوا مَا ُأْنزِلَ ِإَليْك ْ‬

‫تَذَكّرُونَ (‪)3‬‬

‫اتبعوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ما أُنزل إليكم من ربكم من الكتاب والسنة بامتثال‬ ‫الوامر واجتناب النواهي‪ ،‬ول تتبعوا من دون ال أولياء كالشياطي‬ ‫والحبار والرهبان‪ .‬إنكم قليل ما تتعظون‪ ،‬وتعتبون‪ ،‬فترجعون إل‬ ‫الق‪.‬‬

‫‪468‬‬

‫وَكَ ْم مِنْ َق ْرَيةٍ أَهْلَ ْكنَاهَا َفجَاءَهَا بَأْ ُسنَا َبيَاتا َأ ْو هُ ْم قَائِلُونَ (‪)4‬‬ ‫وكثي من القرى أهلكنا أهلها بسبب مالفة رسلنا وتكذيبهم‪ ،‬فأعقبهم‬ ‫ذلك خزي الدنيا موصول بذلّ الخرة‪ ،‬فجاءهم عذابنا مرة وهم نائمون‬ ‫ليل ومرة وهم نائمون نارًا‪ .‬وخَصّ ال هذين الوقتي; لنما وقتان‬ ‫للسكون والستراحة‪ ،‬فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد‪.‬‬ ‫َفمَا كَانَ دَ ْعوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَ ْأ ُسنَا إِلّ َأنْ قَالُوا ِإنّا ُكنّا ظَالِ ِميَ (‪)5‬‬ ‫فما كان قولم عند ميء العذاب إل القرار بالذنوب والساءة‪ ،‬وأنم‬ ‫حقيقون بالعذاب الذي نزل بم‪.‬‬ ‫َفَلَنسْأَلَنّ الّذِينَ ُأ ْرسِلَ ِإَلْيهِمْ َوَلَنسْأَلَنّ الْمُ ْرسَِليَ (‪)6‬‬ ‫الرسلون‪ :‬ماذا أجبتم رسلنا إليكم؟ ولنسْألَنّ الرسلي عن تبليغهم‬ ‫لرسالت ربم‪ ،‬وعمّا أجابتهم به أمهم‪.‬‬ ‫َفَلنَقُصّنّ عََلْيهِ ْم بِعِلْ ٍم وَمَا ُكنّا غَاِئبِيَ (‪)7‬‬

‫‪469‬‬

‫فلَنقُصّنّ على اللق كلهم ما عملوا بعلم منا لعمالم ف الدنيا فيما‬ ‫أمرناهم به‪ ،‬وما نيناهم عنه‪ ،‬وما كنا غائبي عنهم ف حال من‬ ‫الحوال‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْمُفِْلحُونَ (‪)8‬‬ ‫وَاْل َوزْنُ َيوْ َمئِ ٍذ الْحَقّ َفمَنْ ثَقَُلتْ َموَازِينُهُ فَُأ ْولَئِ َ‬ ‫ووزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بيزان حقيقي بالعدل والقسط‬ ‫الذي ل ظلم فيه‪ ،‬فمن ثقلت موازين أعماله ‪-‬لكثرة حسناته‪ -‬فأولئك‬ ‫هم الفائزون‪.‬‬ ‫سهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا‬ ‫ك الّذِي نَ خَ سِرُوا أَنفُ َ‬ ‫ت َموَازِينُ هُ فَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫وَمَ نْ خَفّ ْ‬ ‫يَظْلِمُونَ (‪)9‬‬ ‫ومن خَفّتْ موازين أعماله ‪-‬لكثرة سيئاته‪ -‬فأولئك هم الذين أضاعوا‬ ‫حظّهم من رضوان ال تعال‪ ،‬بسبب تاوزهم الد بحد آيات ال تعال‬ ‫وعدم النقياد لا‪.‬‬ ‫َولَقَدْ مَ ّكنّاكُ مْ فِي ا َلرْ ضِ وَجَعَ ْلنَا لَكُ مْ فِيهَا مَعَايِ شَ َقلِيلً مَا َتشْكُرُو نَ (‬ ‫‪470‬‬

‫‪)10‬‬ ‫ولقد م ّكنّا لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف الرض‪ ،‬وجعلناها قرارًا لكم‪ ،‬وجعلنا‬ ‫لكم فيها ما تعيشون به من مطاعم ومشارب‪ ،‬ومع ذلك فشكركم لنعم‬ ‫ال قليل‪.‬‬ ‫سجَدُوا‬ ‫ص ّو ْرنَاكُمْ ُثمّ قُ ْلنَا لِلْمَلئِ َكةِ ا ْسجُدُوا لدَ مَ فَ َ‬ ‫َولَقَدْ خَلَ ْقنَاكُ مْ ثُمّ َ‬ ‫إِلّ ِإبْلِيسَ لَمْ َيكُنْ مِنْ السّا ِجدِينَ ( ‪)11‬‬ ‫ولقد أنعمنا عليكم بلق أصلكم ‪-‬وهو أبوكم آدم من العدم‪ -‬ث‬ ‫صوّرناه على هيئته الفضلة على كثي من اللق‪ ،‬ث أمرنا ملئكتنا عليهم‬ ‫السلم بالسجود له ‪-‬إكرامًا واحترامًا وإظهارًا لفضل آدم‪ -‬فسجدوا‬ ‫جيعًا‪ ،‬لكنّ إبليس الذي كان معهم ل يكن من الساجدين لدم; حسدًا‬ ‫له على هذا التكري العظيم‪.‬‬ ‫سجُدَ ِإذْ َأمَ ْرتُ كَ قَالَ أَنَا َخيْ ٌر ِمنْ هُ خَلَ ْقتَنِي مِ نْ نَارٍ‬ ‫قَالَ مَا َمنَ َع كَ أَلّ تَ ْ‬

‫وَخَلَ ْقَتهُ مِ ْن ِطيٍ (‪)12‬‬

‫‪471‬‬

‫قال تعال منكرًا على إبليس تَرْ َك السجود‪ :‬ما منعك أل تسجد إذ‬ ‫أمرتك؟ فقال إبليس‪ :‬أنا أفضل منه خلقًا; لن ملوق من نار‪ ,‬وهو‬ ‫ملوق من طي‪ .‬فرأى أن النار أشرف من الطي‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫ّكم م ْ‬ ‫ُجمِإن َ‬ ‫َنم َتتَ َكبّرَ فِيهَا فَاخْر ْ‬ ‫َكم أ ْ‬ ‫ُونم ل َ‬ ‫ِطم ِمنْهَا فَمَا يَك ُ‬ ‫قَالَ فَا ْهب ْ‬ ‫الصّاغِرِينَ (‪)13‬‬ ‫قال ال لبليس‪ :‬فاهبط من النة‪ ,‬فما يصح لك أن تتكب فيها‪ ,‬فاخرج‬ ‫من النة‪ ,‬إنك من الذليلي القيين‪.‬‬ ‫قَالَ أَنظِ ْرنِي ِإلَى َيوْمِ ُيبْ َعثُونَ (‪)14‬‬ ‫قال إبليس ل ‪-‬جل وعل‪ -‬حينما يئس من رحته‪ :‬أمهلن إل يوم‬ ‫البعث; وذلك لتكن من إغواء مَن أقدر عليه من بن آدم‪.‬‬ ‫ك مِنْ الْمُنظَرِينَ (‪)15‬‬ ‫قَالَ ِإنّ َ‬ ‫قال ال تعال‪ :‬إنك من كتبتُ عليهم تأخي الجل إل النفخة الول ف‬ ‫القرن‪ ,‬إذ يوت اللق كلهم‪.‬‬ ‫‪472‬‬

‫ستَقِيمَ (‪)16‬‬ ‫صرَاطَكَ الْ ُم ْ‬ ‫قَالَ َفبِمَا أَ ْغ َوْيَتنِي لَقْعُ َدنّ َلهُمْ ِ‬ ‫قال إبليس لعنه ال‪ :‬فبسبب ما أضللتن لجتهدنّ ف إغواء بن آدم عن‬ ‫طريقك القوي‪ ,‬ولص ّدنّهم عن السلم الذي فطرتم عليه‪.‬‬ ‫ثُمّ لِتَيّنهُمْ مِنْ َبيْنِ َأيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْ ِفهِ ْم وَعَنْ َأيْمَاِنهِ ْم وَعَنْ شَمَائِِلهِمْ وَل‬

‫َتجِدُ أَ ْكَثرَهُمْ شَاكِرِينَ (‪)17‬‬

‫ث لتينّهم من جيع الهات والوانب‪ ,‬فأصدهم عن الق‪ ,‬وأُحسّن لم‬ ‫الباطل‪ ,‬وأرغبهم ف الدنيا‪ ,‬وأشككهم ف الخرة‪ ,‬ول تد أكثر بن آدم‬ ‫شاكرين لك نعمتك‪.‬‬ ‫لنّ َج َهنّ َم ِمنْكُ مْ‬ ‫ك ِمْنهُ مْ لَ ْم َ‬ ‫قَالَ اخْرُ جْ ِمْنهَا مَ ْذءُوما مَ ْدحُورا لَمَ نْ َتبِعَ َ‬ ‫َأجْمَ ِعيَ ( ‪)18‬‬ ‫قال ال تعال لبليس‪ :‬اخرج من النة مقوتًا مطرودًا‪ ,‬لملنّ جهنم‬ ‫منك ومن تبعك من بن آدم أجعي‪.‬‬

‫‪473‬‬

‫ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء النة‪ ,‬فكُل من ثارها حيث شئتما‪,‬‬ ‫ول تأكل من ثرة شجرة ( َعيّنها لما)‪ ,‬فإن فعلتما ذلك كنتما من‬ ‫الظالي التجاوزين حدود ال‪.‬‬ ‫جّنةَ فَكُل مِ نْ َحيْ ثُ ِشْئتُمَا وَل تَ ْقرَبَا‬ ‫ت َو َزوْجُ كَ الْ َ‬ ‫وَيَا آدَ مُ ا سْكُنْ َأنْ َ‬ ‫شجَرَةَ َفتَكُونَا مِ ْن الظّالِ ِميَ (‪)19‬‬ ‫هَذِ ِه ال ّ‬ ‫فألقى الشيطان لدم وحواء وسوسة ليقاعهما ف معصية ال تعال‬ ‫بالكل من تلك الشجرة الت ناها ال عنها; لتكون عاقبتهما انكشاف‬ ‫ما سُتر من عوراتما‪ ,‬وقال لما ف ماولة الكر بما‪ :‬إنا ناكما ربكما‬ ‫عن الكل مِن ثر هذه الشجرة مِن أجل أن ل تكونا ملَكي‪ ,‬ومِن أجل‬ ‫أن ل تكونا من الالدين ف الياة‪.‬‬ ‫ي َعْنهُمَا مِنْ َسوْآِتهِمَا وَقَالَ‬ ‫ي َلهُمَا مَا وُورِ َ‬ ‫شيْطَانُ ِلُيبْدِ َ‬ ‫َف َو ْسوَسَ َلهُمَا ال ّ‬ ‫مَا َنهَاكُمَا َربّكُمَا عَ نْ َهذِ هِ الشّجَرَةِ إِلّ أَ نْ تَكُونَا مَلَ َكيْ نِ َأوْ تَكُونَا مِ نْ‬ ‫الْخَالِدِينَ (‪)20‬‬ ‫وأقسم الشيطان لدم وحواء بال إنه من ينصح لما ف مشورته عليهما‬ ‫بالكل من الشجرة‪ ,‬وهو كاذب ف ذلك‪.‬‬ ‫‪474‬‬

‫حيَ (‪)21‬‬ ‫وَقَا َس َمهُمَا ِإنّي لَكُمَا لَمِنْ النّاصِ ِ‬ ‫وأقسم الشيطان لدم وحواء بال إنه من ينصح لما ف مشورته عليهما‬ ‫بالكل من الشجرة‪ ,‬وهو كاذب ف ذلك‪.‬‬ ‫َفدَلّهُمَا بِغُرُورٍ فََلمّا ذَاقَا الشّجَرَ َة بَدَ تْ َلهُمَا َسوْآُتهُمَا َوطَفِقَا َيخْ صِفَانِ‬ ‫شجَرَةِ‬ ‫جّنةِ َونَادَاهُمَا َربّهُمَا َألَ مْ َأْنهَكُمَا عَ نْ تِلْ ُكمَا ال ّ‬ ‫ق الْ َ‬ ‫عََلْيهِمَا مِ نْ َورَ ِ‬ ‫ي (‪)22‬‬ ‫وَأَقُلْ لَكُمَا ِإنّ الشّيْطَانَ لَكُمَا عَ ُدوّ ُمِب ٌ‬ ‫فجرّأها وغرّها‪ ,‬فأكل من الشجرة الت ناها ال عن القتراب منها‪,‬‬ ‫فلما أكل منها انكشفت لما عوراتما‪ ,‬وزال ما سترها ال به قبل‬ ‫الخالفة‪ ,‬فأخذا يلزقان بعض ورق النة على عوراتما‪ ,‬وناداها ربما‬ ‫جل وعل أل أنكما عن الكل من تلك الشجرة‪ ,‬وأقل لكما‪ :‬إن‬ ‫الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وف هذه الية دليل على أن كشف‬ ‫جنًا ف الطباع‪,‬‬ ‫العورة من عظائم المور‪ ,‬وأنه كان ول يزل مسته َ‬ ‫مستقبَحًا ف العقول‪.‬‬ ‫سنَا وَِإنْ لَ ْم تَغْفِرْ َلنَا َوتَرْحَ ْمنَا َلنَكُونَنّ مِنْ اْلخَاسِرِينَ (‬ ‫قَال َرّبنَا ظَلَ ْمنَا أَنفُ َ‬ ‫‪475‬‬

‫‪)23‬‬ ‫قال آدم وحواء‪ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا بالكل من الشجرة‪ ,‬وإن ل تغفر لنا‬ ‫وترحنا لنكونن من أضاعوا حظّهم ف دنياهم وأخراهم‪( .‬وهذه‬ ‫الكلمات هي الت تلقاها آدم من ربه‪ ,‬فدعا با فتاب ال عليه)‪.‬‬ ‫ستَقَرّ وَ َمتَا عٌ ِإلَى‬ ‫قَالَ ا ْهبِطُوا بَعْضُكُ مْ ِلبَعْ ضٍ عَ ُد ّو وَلَكُ مْ فِي ا َلرْ ضِ مُ ْ‬ ‫ِحيٍ (‪)24‬‬ ‫قال تعال ماطبًا آدم وحواء لبليس‪ :‬اهبطوا من السماء إل الرض‪,‬‬ ‫وسيكون بعضكم لبعض عدوًا‪ ,‬ولكم ف الرض مكان تستقرون فيه‪,‬‬ ‫وتتمتعون إل انقضاء آجالكم‪.‬‬ ‫قَالَ فِيهَا َتحَْي ْونَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَ ِمْنهَا ُتخْرَجُونَ (‪)25‬‬ ‫قال ال تعال لدم وحوّاء وذريتهما‪ :‬فيها تيون‪ ,‬أي‪ :‬ف الرض‬ ‫تقضون أيام حياتكم الدنيا‪ ,‬وفيها تكون وفاتكم‪ ,‬ومنها يرجكم ربكم‪,‬‬ ‫ويشركم أحياء يوم البعث‪.‬‬

‫‪476‬‬

‫يَا َبنِي آدَمَ قَدْ أَن َزْلنَا عََليْ ُك ْم ِلبَاسا ُيوَارِي َسوْآتِ ُكمْ َورِيشا َولِبَاسُ التّ ْقوَى‬ ‫ت اللّهِ لَعَّلهُ ْم يَذّكّرُونَ (‪)26‬‬ ‫ك مِنْ آيَا ِ‬ ‫َذلِكَ َخيْرٌ َذلِ َ‬ ‫يا بن آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم‪ ,‬وهو لباس الضرورة‪,‬‬ ‫ولباسًا للزينة والتجمل‪ ,‬وهو من الكمال والتنعم‪ .‬ولباسُ تقوى ال تعال‬ ‫بفعل الوامر واجتناب النواهي هو خي لباس للمؤمن‪ .‬ذلك الذي مَنّ‬ ‫ال به عليكم من الدلئل على ربوبية ال تعال ووحدانيته وفضله ورحته‬ ‫بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم‪ ,‬فتشكروا ل عليها‪ .‬وف ذلك امتنان‬ ‫من ال تعال على خَلْقه بذه النعم‪.‬‬ ‫جّنةِ يَنِ ُ‬ ‫ع‬ ‫يَا بَنِي آدَ مَ ل يَ ْفِتَننّكُ مْ الشّيْطَا نُ كَمَا َأخْرَ جَ َأَب َويْكُ مْ مِ نْ الْ َ‬ ‫ثل‬ ‫َعْنهُمَا ِلبَا َسهُمَا ِليُ ِرَيهُمَا َسوْآِتهِمَا ِإنّ هُ يَرَاكُ مْ ُه َو وََقبِيلُ هُ مِ نْ َحيْ ُ‬ ‫شيَا ِطيَ َأ ْوِليَاءَ لِلّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)27‬‬ ‫تَ َر ْوَنهُمْ ِإنّا جَعَ ْلنَا ال ّ‬ ‫يا بن آدم ل يدعنّكم الشيطان‪ ,‬فيزين لكم العصية‪ ,‬كما زيّنها لبويكم‬ ‫آدم وحواء‪ ,‬فأخرجهما بسببها من النة‪ ,‬ينع عنهما لباسهما الذي‬ ‫سترها ال به; لتنكشف لما عوراتما‪ .‬إن الشيطان يراكم هو وذريته‬ ‫وجنسه وأنتم ل ترونم فاحذروهم‪ .‬إنّا جعلنا الشياطي أولياء للكفار‬ ‫الذين ل يوحدون ال‪ ,‬ول يصدقون رسله‪ ,‬ول يعملون بديه‪.‬‬ ‫‪477‬‬

‫شةً قَالُوا وَ َج ْدنَا عََلْيهَا آبَا َءنَا وَاللّ هُ أَ َم َرنَا ِبهَا قُلْ ِإنّ اللّ هَ ل‬ ‫وَِإذَا فَعَلُوا فَا ِح َ‬

‫حشَاءِ َأتَقُولُونَ عَلَى الّلهِ مَا ل تَعْلَمُونَ (‪)28‬‬ ‫يَأْمُ ُر بِالْ َف ْ‬

‫وإذا أتى الكفار قبيحًا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه ما ورثوه عن‬ ‫آبائهم‪ ,‬وأنه ما أمر ال به‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ال تعال ل‬ ‫يأمر عباده بقبائح الفعال ومساوئها‪ ,‬أتقولون على ال ‪-‬أيها‬ ‫الشركون‪ -‬ما ل تعلمون كذبًا وافتراءً؟‬ ‫ُوهم‬ ‫َسمجِ ٍد وَادْع ُ‬ ‫ُمم ِعنْ َد كُلّ م ْ‬ ‫ِسمطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَك ْ‬ ‫قُلْ أَ َمرَ َربّيم بِالْق ْ‬ ‫صيَ َلهُ الدّينَ َكمَا بَدَأَ ُكمْ تَعُودُونَ (‪)29‬‬ ‫ُمخْلِ ِ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أمر رب بالعدل‪ ,‬وأمركم بأن‬ ‫تلصوا له العبادة ف كل موضع من مواضعها‪ ,‬وباصة ف الساجد‪ ,‬وأن‬ ‫تدعوه ملصي له الطاعة والعبادة‪ ,‬وأن تؤمنوا بالبعث بعد الوت‪ .‬وكما‬ ‫أن ال أوجدكم من العدم فإنه قادر على إعادة الياة إليكم مرة أخرى‪.‬‬ ‫شيَا ِطيَ َأ ْوِليَاءَ مِنْ‬ ‫َفرِيقا َهدَى وَفَرِيقا حَقّ عََلْيهِ ْم الضّللَةُ ِإّنهُ ْم اتّخَذُوا ال ّ‬

‫سبُونَ َأّنهُمْ ُم ْهتَدُونَ (‪)30‬‬ ‫حَ‬ ‫دُونِ الّلهِ َويَ ْ‬ ‫‪478‬‬

‫جعل ال عباده فريقي‪ :‬فريقًا وفّقهم للهداية إل الصراط الستقيم‪,‬‬ ‫وفريقًا وجبت عليهم الضللة عن الطريق الستقيم‪ ,‬إنم اتذوا الشياطي‬ ‫أولياء من دون ال‪ ,‬فأطاعوهم جهل منهم وظنًا بأنم قد سلكوا سبيل‬ ‫الداية‪.‬‬ ‫يَا َبنِي آدَمَ خُذُوا زِيَنتَكُ ْم ِعنْدَ كُ ّل مَسْجِ ٍد وَكُلُوا وَاشْ َربُوا وَل تُسْرِفُوا ِإنّهُ‬ ‫ي (‪)31‬‬ ‫ب الْ ُمسْرِِف َ‬ ‫ل ُيحِ ّ‬

‫يا بن آدم كونوا عند أداء كل صلة على حالة من الزينة الشروعة من‬ ‫ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونو ذلك‪ ,‬وكلوا واشربوا من‬ ‫طيبات ما رزقكم ال‪ ,‬ول تتجاوزوا حدود العتدال ف ذلك‪ .‬إن ال ل‬ ‫يب التجاوزين السرفي ف الطعام والشراب وغي ذلك‪.‬‬ ‫ت مِ نْ ال ّرزْ قِ قُ ْل هِ َي‬ ‫قُ ْل مَ نْ حَرّ َم زِينَةَ اللّ هِ الّتِي َأخْرَ جَ لِ ِعبَادِ هِ وَال ّطّيبَا ِ‬ ‫ك نُفَ صّلُ اليَا تِ‬ ‫صةً َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ كَ َذلِ َ‬ ‫لِلّذِي نَ آ َمنُوا فِي اْلحَيَاةِ ال ّدنْيَا خَالِ َ‬ ‫لِ َقوْمٍ يَعْلَمُونَ ( ‪)32‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الهلة من الشركي‪ :‬مَن الذي حرم عليكم‬ ‫اللباس السن الذي جعله ال تعال زينة لكم؟ ومَن الذي حرّم عليكم‬ ‫‪479‬‬

‫التمتع باللل الطيب من رزق ال تعال؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء‬ ‫الشركي‪ :‬إ ّن ما أحله ال من اللبس والطيبات من الطاعم والشارب‬ ‫حق للذين آمنوا ف الياة الدنيا يشاركهم فيها غيهم‪ ,‬خالصة لم يوم‬ ‫القيامة‪ .‬مثل ذلك التفصيل يفصّل ال اليات لقوم يعلمون ما يبيّن لم‪,‬‬ ‫ويفقهون ما ييز لم‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّمَا حَرّ َم َربّي الْ َفوَاحِ شَ مَا َظهَرَ ِمْنهَا وَمَا بَطَ نَ وَا ِلثْ مَ وَاْلبَغْ يَ بِ َغيْ ِر‬ ‫الْحَقّ َوأَ نْ ُتشْرِكُوا بِاللّ هِ وَأَ نْ ُتشْرِكُوا بِاللّ هِ مَا لَ مْ ُينَزّ ْل بِ هِ ُسلْطَانا وَأَ نْ‬

‫تَقُولُوا عَلَى الّلهِ مَا ل تَعَْلمُونَ (‪)33‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنا حَرّم ال القبائح من العمال‪,‬‬ ‫ما كان منها ظاهرًا‪ ,‬وما كان خفيّا‪ ,‬و َحرّم العاصي كلها‪ ,‬ومِن أعظمها‬ ‫العتداء على الناس‪ ,‬فإن ذلك مانب للحق‪ ,‬وحرّم أن تعبدوا مع ال‬ ‫تعال غيه ما ل ُينَزّل به دليل وبرهانًا‪ ,‬فإنه ل حجة لفاعل ذلك‪ ,‬وحرّم‬ ‫أن تنسبوا إل ال تعال ما ل يشرعه افتراءً وكذبًا‪ ,‬كدعوى أن ل ولدًا‪,‬‬ ‫وتري بعض اللل من اللبس والآكل‪.‬‬ ‫ستَقْدِمُونَ (‬ ‫ستَأْخِرُونَ سَا َعةً وَل يَ ْ‬ ‫َولِكُلّ أُ ّمةٍ أَجَ ٌل َفإِذَا جَاءَ َأجَُلهُ مْ ل يَ ْ‬ ‫‪480‬‬

‫‪)34‬‬ ‫ولكل جاعة اجتمعت على الكفر بال تعال وتكذيب رسله ‪-‬عليهم‬ ‫الصلة والسلم‪ -‬وقت للول العقوبة بم‪ ,‬فإذا جاء الوقت الذي وقّته‬ ‫ال لهلكهم ل يتأخرون عنه لظة‪ ,‬ول يتقدمون عليه‪.‬‬ ‫يَا بَنِي آدَ مَ إِمّ ا يَ ْأِتَينّ ُك مْ رُ سُ ٌل ِمنْكُ ْم يَقُ صّونَ َعَليْكُ ْم آيَاتِي فَمَ ْن اتّقَى‬ ‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ (‪)35‬‬ ‫وََأصْلَ َح فَل َخوْ ٌ‬ ‫يا بن آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم‪ ,‬يتلون عليكم آيات كتاب‪,‬‬ ‫ويبينون لكم الباهي على صدق ما جاؤوكم به فأطيعوهم‪ ,‬فإنه من‬ ‫اتقى سخطي وأصلح عمله فل خوف عليهم يوم القيامة من عقاب ال‬ ‫تعال‪ ,‬ول ههم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫ب النّارِ هُ ْم فِيهَا‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَالّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَا ْستَ ْكبَرُوا َعنْهَا ُأ ْوَلئِ كَ أَ ْ‬ ‫خَالِدُونَ (‪)36‬‬ ‫والكفار الذين كذّبوا بالدلئل على توحيد ال‪ ,‬واستعلَوا عن اتباعها‪,‬‬ ‫أولئك أصحاب النار ماكثي فيها‪ ,‬ل يرجون منها أبدًا‪.‬‬ ‫‪481‬‬

‫ب بِآيَاتِ هِ ُأ ْوَلئِ كَ َينَاُلهُ مْ‬ ‫َفمَ نْ َأظَْل مُ مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا َأوْ كَذّ َ‬ ‫نَ صِيُبهُ ْم مِ نْ الْ ِكتَا بِ َحتّى إِذَا جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلنَا َيَتوَّف ْوَنهُ ْم قَالُوا َأيْ نَ مَا كُنتُ مْ‬ ‫سهِمْ َأّنهُ مْ كَانُوا‬ ‫تَدْعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قَالُوا ضَلّوا َعنّ ا وَ َشهِدُوا عَلَى َأنْفُ ِ‬ ‫كَافِرِينَ (‪)37‬‬ ‫ل أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال تعال الكذب‪ ,‬أو كذّب بآياته‬ ‫النلة‪ ,‬أولئك يصل إليهم حظّهم من العذاب ما كتب لم ف اللوح‬ ‫الحفوظ‪ ,‬حت إذا جاءهم ملك الوت وأعوانه يقبضون أرواحهم قالوا‬ ‫لم‪ :‬أين الذين كنتم تعبدونم من دون ال من الشركاء والولياء‬ ‫والوثان ليخلّصوكم ما أنتم فيه؟ قالوا‪ :‬ذهبوا عنا‪ ,‬واعترفوا على‬ ‫أنفسهم حينئذ أنم كانوا ف الدنيا جاحدين مكذبي وحدانية ال تعال‪.‬‬ ‫ت مِ نْ َقبْلِكُ مْ مِ نْ اْلجِنّ وَالِن سِ فِي النّارِ‬ ‫قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَ مٍ قَدْ خََل ْ‬ ‫َتم‬ ‫َتم ُأ ْختَهَا َحتّىم إِذَا ادّارَكُوا فِيهَا جَمِيعا قَال ْ‬ ‫َتم أُ ّمةٌ لَ َعن ْ‬ ‫كُلّمَا َدخَل ْ‬ ‫ُأخْرَاهُ مْ لُولهُ ْم َربّنَا َهؤُلءِ َأضَلّونَا فَآِتهِ ْم عَذَابا ضِعْفا مِ نْ النّارِ قَالَ‬ ‫لِكُلّ ضِعْفٌ َولَكِنْ ل تَعْلَمُونَ ( ‪)38‬‬

‫‪482‬‬

‫قال ال تعال ‪-‬لؤلء الشركي الفترين‪ : -‬ادخلوا النار ف جلة‬ ‫جاعات من أمثالكم ف الكفر‪ ,‬قد سلفت من قبلكم من الن والنس‪,‬‬ ‫كلما دخلت النارَ جاعةٌ من أهل ملة لعنت نظيتا الت ضلّتْ بالقتداء‬ ‫با‪ ,‬حت إذا تلحق ف النار الولون من أهل اللل الكافرة والخرون‬ ‫منهم جيعًا‪ ,‬قال الخرون التبعون ف الدنيا لقادتم‪ :‬ربنا هؤلء هم‬ ‫الذين أضلونا عن الق‪ ,‬فآتم عذابًا مضاعفا من النار‪ ,‬قال ال تعال‪:‬‬ ‫لكل ضعف‪ ,‬أي‪ :‬لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار‪ ,‬ولكن ل‬ ‫تدركون أيها التباع ما لكل فريق منكم من العذاب واللم‪.‬‬ ‫وَقَالَ تْ أُولهُ مْ ُلخْرَاهُ مْ َفمَا كَا نَ لَ ُك ْم عََلْينَا مِ نْ فَضْ ٍل فَذُوقُوا الْعَذَا بَ‬ ‫سبُونَ (‪)39‬‬ ‫بِمَا كُنتُ ْم تَ ْك ِ‬ ‫وقال التبوعون من الرؤساء وغيهم لتباعهم‪ :‬نن وأنتم متساوون ف‬ ‫الغيّ والضلل‪ ،‬وف فِعْلِ أسباب العذاب فل فَضْلَ لكم علينا‪ ,‬قال ال‬ ‫تعال لم جيعًا‪ :‬فذوقوا العذاب أي عذاب جهنم; بسبب ما كسبتم من‬ ‫العاصي‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا وَا ْستَ ْكبَرُوا َعْنهَا ل تُ َفتّ حُ َلهُ مْ َأْبوَا بُ ال سّمَاءِ وَل‬ ‫‪483‬‬

‫ِكم َنجْزِي‬ ‫َاطم وَكَ َذل َ‬ ‫خي ِ‬ ‫سممّ اْل ِ‬ ‫ِجم اْلجَمَلُ ف ِي َ‬ ‫جنّةَ َحتّىم يَل َ‬ ‫ُونم اْل َ‬ ‫يَدْ ُخل َ‬ ‫ي (‪)40‬‬ ‫الْمُجْرِ ِم َ‬ ‫إن الكفار الذين ل يصدّقوا بججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا‪ ,‬ول‬ ‫يعملوا بشرعنا تكبًا واستعلءً‪ ,‬ل تُفتّح لعمالم ف الياة ول‬ ‫لرواحهم عند المات أبواب السماء‪ ,‬ول يكن أن يدخل هؤلء الكفار‬ ‫النة إل إذا دخل المل ف ثقب البرة‪ ,‬وهذا مستحيل‪ .‬ومثل ذلك‬ ‫الزاء نزي الذين كثر إجرامهم‪ ,‬واشت ّد طغيانم‪.‬‬ ‫َلهُ مْ مِ نْ َج َهنّ َم ِمهَادٌ وَمِ نْ َفوِْقهِ مْ َغوَا شٍ وَكَ َذلِ كَ َنجْزِي الظّالِمِيَ (‬ ‫‪)41‬‬ ‫هؤلء الكفار ملدون ف النار‪ ,‬لم مِن جهنم فراش مِن تتهم‪ ,‬ومن‬ ‫فوقهم أغطية تغشاهم‪ .‬وبثل هذا العقاب الشديد يعاقب ال تعال‬ ‫صوْه‪.‬‬ ‫الظالي الذين تاوزوا حدوده فكفروا به وع َ‬ ‫ِكم‬ ‫ُسمَعهَا ُأ ْوَلئ َ‬ ‫ّفم نَفْسما إِلّ و ْ‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّاِلحَاتِ ل ُنكَل ُ‬ ‫وَالّذ َ‬ ‫صحَابُ اْلجَّنةِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ ( ‪)42‬‬ ‫َأ ْ‬ ‫‪484‬‬

‫والذين آمنوا بال وعملوا العمال الصالة ف حدود طاقاتم ‪-‬ل يكلف‬ ‫ال نفسًا من العمال إل ما تطيق‪ -‬أولئك أهل النة‪ ,‬هم فيها ماكثون‬ ‫أبدًا ل يرجون منها‪.‬‬ ‫حتِهِمْ ا َلْنهَارُ وَقَالُوا الْحَمْ ُد‬ ‫صدُورِهِمْ مِنْ غِلّ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫َونَزَ ْعنَا مَا فِي ُ‬ ‫ي لَوْل أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ‬ ‫لِلّهِ الّذِي َهدَانَا ِلهَذَا وَمَا ُكنّا ِلَن ْهتَدِ َ‬ ‫جّنةُ أُو ِرْثتُمُوهَا بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)43‬‬ ‫َرّبنَا بِاْلحَقّ َونُودُوا َأنْ تِلْكُ ْم الْ َ‬

‫وأذهب ال تعال ما ف صدور أهل النة من حقد وضغائن‪ ,‬ومن كمال‬ ‫نعيمهم أن النار تري ف النة من تتهم‪ .‬وقال أهل النة حينما‬ ‫دخلوها‪ :‬المد ل الذي وفّقنا للعمل الصال الذي أكسبنا ما نن فيه‬ ‫من النعيم‪ ,‬وما كنا لنوفّق إل سلوك الطريق الستقيم لول َأنْ هدانا ال‬ ‫سبحانه لسلوك هذا الطريق‪ ,‬ووفّقنا للثبات عليه‪ ,‬لقد جاءت رسل ربنا‬ ‫بالق من الخبار بوعد أهل طاعته ووعيد أهل معصيته‪ ,‬ونُودوا تنئة لم‬ ‫وإكرامًا‪ :‬أن تلكم النة أورثكم ال إياها برحته‪ ,‬وبا قدّمتموه من‬ ‫اليان والعمل الصال‪.‬‬ ‫ب النّارِ أَ ْن قَ ْد وَجَ ْدنَا مَا وَعَ َدنَا َرّبنَا حَقّا‬ ‫صحَا َ‬ ‫جّنةِ أَ ْ‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫َونَادَى أَ ْ‬ ‫‪485‬‬

‫َفهَلْ وَ َج ْدتُ مْ مَا وَعَدَ َربّكُ مْ حَقّا قَالُوا نَ َع مْ فَأَذّ نَ ُمؤَذّ نٌ َبْيَنهُ مْ أَ نْ لَ ْعَنةُ اللّ هِ‬ ‫عَلَى الظّالِ ِميَ (‪)44‬‬ ‫ونادى أصحاب النة ‪-‬بعد دخولم فيها‪ -‬أهلَ النار قائلي لم‪ :‬إنا قد‬ ‫وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله حقًا من إثابة أهل طاعته‪ ,‬فهل‬ ‫وجدت ما وعدكم ربكم على ألسنة رسله حقًا من عقاب أهل معصيته؟‬ ‫فأجابم أهل النار قائلي‪ :‬نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا‪ .‬فأذّن مؤذن‬ ‫بي أهل النة وأهل النار‪ :‬أنْ لعنة ال على الظالي الذين تاوزوا حدود‬ ‫ال‪ ,‬وكفروا بال ورسله‪.‬‬ ‫الّذِي نَ يَ صُدّونَ عَ ْن َسبِيلِ اللّ هِ َوَيبْغُونَهَا ِعوَجا وَهُ ْم بِالخِرَةِ كَاِفرُو نَ (‬

‫‪)45‬‬

‫هؤلء الكافرون هم الذين كانوا يُ ْعرِضون عن طريق ال الستقيم‪,‬‬ ‫وينعون الناس من سلوكه‪ ,‬ويطلبون أن تكون السبيل معوجة حت ل‬ ‫يتبينها أحد‪ ,‬وهم بالخرة ‪-‬وما فيها‪ -‬جاحدون‪.‬‬ ‫ِسممَاهُمْ َونَا َدوْا‬ ‫ُونم كُلّ ب ِي‬ ‫َافم رِجَالٌ يَعْرِف َ‬ ‫َابم وَعَلَى الَعْر ِ‬ ‫َوَبْينَهُمَا ِحج ٌ‬ ‫صحَابَ اْلجَّنةِ َأنْ سَل ٌم عََليْكُ ْم لَمْ َيدْخُلُوهَا وَهُ ْم يَطْمَعُونَ ( ‪)46‬‬ ‫َأ ْ‬ ‫‪486‬‬

‫وبي أصحاب النة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له العراف‪,‬‬ ‫وعلى هذا الاجز رجال يعرفون أهل النة وأهل النار بعلماتم‪,‬‬ ‫كبياض وجوه أهل النة‪ ,‬وسواد وجوه أهل النار‪ ,‬وهؤلء الرجال قوم‬ ‫استوت حسناتم وسيئاتم يرجون رحة ال تعال‪ .‬ونادى رجال‬ ‫العراف أهل النة بالتحية قائلي لم‪ :‬سلم عليكم‪ ,‬وأهل العراف ل‬ ‫يدخلوا النة بعد‪ ,‬وهم يرجون دخولا‪.‬‬ ‫ب النّارِ قَالُوا َرّبنَا ل َتجْعَ ْلنَا َم َع الْ َقوْمِ‬ ‫صحَا ِ‬ ‫صرِفَتْ َأبْصَارُهُ ْم تِلْقَاءَ أَ ْ‬ ‫وَِإذَا ُ‬

‫الظّالِ ِميَ (‪)47‬‬

‫وإذا ُح ّولَتْ أبصار رجال العراف جهة أهل النار قالوا‪ :‬ربنا ل تُصيّرنا‬ ‫مع القوم الظالي بشركهم وكفرهم‪.‬‬ ‫ُمم بِسمِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى‬ ‫َافم رِجَالً يَعْرِفُوَنه ْ‬ ‫ب الَعْر ِ‬ ‫َصمحَا ُ‬ ‫َونَادَى أ ْ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)48‬‬ ‫َعنْكُمْ جَ ْمعُكُ ْم وَمَا كُنتُمْ َت ْ‬ ‫ونادى أهل العراف رجال من قادة الكفار الذين ف النار‪ ,‬يعرفونم‬ ‫بعلمات خاصة تيزهم‪ ,‬قالوا لم‪ :‬ما نفعكم ما كنتم تمعون من‬ ‫‪487‬‬

‫الموال والرجال ف الدنيا‪ ,‬وما نفعكم استعلؤكم عن اليان بال‬ ‫وقَبول الق‪.‬‬ ‫ْفم‬ ‫جّنةَ ل َخو ٌ‬ ‫ّهم بِرَ ْح َمةٍ ادْ ُخلُوا اْل َ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫ْسم ْمتُ ْم ل َينَالُه ْ‬ ‫ِينم أَق َ‬ ‫أَ َهؤُلءِ الّذ َ‬ ‫عََليْكُ ْم وَل َأْنتُ ْم َتحْ َزنُونَ (‪)49‬‬ ‫أهؤلء الضعفاء والفقراء من أهل النة الذين أقسمتم ف الدنيا أن ال ل‬ ‫يشملهم يوم القيامة برحة‪ ,‬ولن يدخلهم النة؟ ادخلوا النة يا أصحاب‬ ‫العراف فقد غُ ِفرَ لكم‪ ,‬ل خوف عليكم من عذاب ال‪ ,‬ول أنتم‬ ‫تزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫جّنةِ أَ نْ أَفِيضُوا عََلْينَا مِ ْن الْمَاءِ َأوْ مِمّا‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا َ‬ ‫ب النّارِ أَ ْ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫َونَادَى أَ ْ‬ ‫َرزَقَكُمْ الّلهُ قَالُوا ِإنّ الّلهَ َحرّ َمهُمَا عَلَى الْكَافِرِي َن (‪)50‬‬ ‫واستغاث أهل النار بأهل النة طالبي منهم أن يُفيضوا عليهم من الاء‪,‬‬ ‫أو ما رزقهم ال من الطعام‪ ,‬فأجابوهم بأن ال تعال قد حَرّم الشراب‬ ‫والطعام على الذين جحدوا توحيده‪ ,‬وكذّبوا رسله‪.‬‬

‫‪488‬‬

‫حيَاةُ ال ّدنْيَا فَاْلَيوْ مَ نَن سَاهُمْ‬ ‫الّذِي نَ اتّخَذُوا دِيَنهُ مْ َلهْوا َولَعِبا وَغَ ّرْتهُ مْ اْل َ‬ ‫جحَدُونَ (‪)51‬‬ ‫كَمَا َنسُوا لِقَاءَ َيوْ ِمهِ ْم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاِتنَا َي ْ‬ ‫الذين حَرَمهم ال تعال من نعيم الخرة هم الذين جعلوا الدين الذي‬ ‫أمرهم ال باتباعه باطل ولوًا‪ ,‬وخدعتهم الياة الدنيا وشغلوا بزخارفها‬ ‫عن العمل للخرة‪ ,‬فيوم القيامة ينساهم ال تعال ويتركهم ف العذاب‬ ‫الوجع‪ ,‬كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا‪ ,‬ولكونم بأدلة ال وبراهينه‬ ‫ينكرون مع علمهم بأنا حق‪.‬‬ ‫ب فَ صّ ْلنَاهُ َعلَى عِ ْل مٍ ُهدًى َورَ ْح َمةً لِ َقوْ مٍ ُيؤْ ِمنُو نَ (‬ ‫َولَقَدْ ِجْئنَاهُ مْ بِ ِكتَا ٍ‬ ‫‪)52‬‬ ‫ولقد جئنا الكفار بقرآن أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بّينّاه مشتمل على‬ ‫علم عظيم‪ ,‬هاديًا من الضللة إل الرشد ورحة لقوم يؤمنون بال‬ ‫ويعملون بشرعه‪ .‬وخصّهم دون غيهم; لنم هم النتفعون به‪.‬‬ ‫هَ ْل يَنظُرُو نَ إِ ّل تَ ْأوِيلَ هُ َيوْ مَ يَأْتِي تَ ْأوِيلُ هُ يَقُولُ الّذِي نَ نَ سُوهُ مِ نْ َقبْلُ قَ ْد‬ ‫جَاءَ تْ رُ سُلُ َربّنَا بِالْحَقّ َفهَلْ لَنَا مِ نْ شُفَعَاءَ َفَيشْفَعُوا لَنَا َأوْ ُنرَدّ َفنَعْمَلَ‬ ‫سهُمْ َوضَلّ َعْنهُ مْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُو نَ (‬ ‫َغيْرَ الّذِي ُكنّا نَ ْعمَلُ َقدْ خَ سِرُوا أَنفُ َ‬ ‫‪489‬‬

‫‪)53‬‬ ‫هل ينتظر الكفار إل ما وُعِدوا به ف القرآن من العقاب الذي يؤول إليه‬ ‫أمرهم؟ يوم يأت ما يئول إليه المر من الساب والثواب والعقاب يوم‬ ‫القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن‪ ,‬وكفروا به ف الياة الدنيا‪ :‬قد‬ ‫تبيّن لنا الن أ ّن رسل ربنا قد جاؤوا بالق‪ ,‬ونصحوا لنا‪ ,‬فهل لنا من‬ ‫أصدقاء وشفعاء‪ ,‬فيشفعوا لنا عند ربنا‪ ,‬أو نعاد إل الدنيا مرة أخرى‬ ‫فنعمل فيها با يرضي ال عنا؟ قد خسروا أنفسهم بدخولم النار‬ ‫وخلودهم فيها‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون ال‪ ,‬ويفترونه‬ ‫ف الدنيا ما يَ ِعدُهم به الشيطان‪.‬‬ ‫إِنّ َربّكُ مْ اللّ هُ الّذِي خَلَ قَ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ ثُمّ ا ْسَتوَى‬ ‫عَلَى الْعَرْشِميُغْشِي الّليْلَ الّنهَارَ يَطُْلبُهُم َحثِيثا وَالشّمْسَم وَالْقَمَ َر وَالّنجُومَم‬ ‫سخّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَل َلهُ اْلخَلْقُ وَالَمْرُ َتبَارَكَ الّلهُ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)54‬‬ ‫ُم َ‬ ‫إن ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬هو ال الذي أوجد السموات والرض من العدم‬ ‫ف ستة أيام‪ ,‬ث استوى ‪-‬سبحانه‪ -‬على العرش ‪-‬أي عل وارتفع‪-‬‬ ‫استواءً يليق بلله وعظمته‪ ,‬يُدخل سبحانه الليل على النهار‪ ,‬فيلبسه إياه‬ ‫حت يذهب نوره‪ ,‬ويُدخل النهار على الليل فيذهب ظلمه‪ ,‬وكل واحد‬ ‫‪490‬‬

‫منهما يطلب الخر سريعًا دائمًا‪ ,‬وهو ‪-‬سبحانه‪ -‬الذي خلق الشمس‬ ‫والقمر والنجوم مذللت له يسخرهن ‪-‬سبحانه‪ -‬كما يشاء‪ ,‬وهنّ من‬ ‫آيات ال العظيمة‪ .‬أل له سبحانه وتعال اللق كله وله المر كله‪ ,‬تعال‬ ‫ال وتعاظم وتنّه عن كل نقص‪ ,‬رب اللق أجعي‪.‬‬ ‫ادْعُوا َربّكُ ْم تَضَرّعا وَخُ ْفَيةً ِإّن ُه ل ُيحِبّ الْمُ ْعتَدِي َن (‪)55‬‬ ‫ادعوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ربكم متذللي له خفية وسرّا‪ ,‬وليكن الدعاء‬ ‫بشوع وبُعْدٍ عن الرياء‪ .‬إن ال تعال ل يب التجاوزين حدود شرعه‪,‬‬ ‫وأعظم التجاوز الشرك بال‪ ,‬كدعاء غي ال من الموات والوثان‪ ,‬ونو‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وَل تُفْ سِدُوا فِي ا َلرْ ضِ بَ ْعدَ إِ صْل ِحهَا وَادْعُو هُ َخوْفا َوطَمَعا ِإنّ رَ ْح َمةَ‬ ‫سنِيَ (‪)56‬‬ ‫حِ‬ ‫ب مِنْ الْ ُم ْ‬ ‫اللّهِ قَرِي ٌ‬ ‫ي نوع من أنواع الفساد‪ ,‬بعد إصلح ال إياها‬ ‫ول تُفْسدوا ف الرض بأ ّ‬ ‫ببعثة الرسل ‪-‬عليهم السلم‪ -‬وعُمْرانا بطاعة ال‪ ,‬وادعوه ‪-‬سبحانه‪-‬‬ ‫ملصي له الدعاء; خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه‪ .‬إن رحة ال قريب من‬ ‫الحسني‪.‬‬ ‫‪491‬‬

‫ت َسحَابا‬ ‫ي رَحْ َمتِ هِ َحتّى إِذَا أَقَلّ ْ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي يُرْ سِلُ ال ّريَا حَ ُبشْرا َبيْ نَ َيدَ ْ‬ ‫ثِقَالً سُمْقنَاهُ ِلبَلَدٍ َميّتٍم فَأَن َزلْنَا بِهِم الْمَاءَ فََأخْرَجْنَا بِهِم مِن ْم كُلّ الثّمَرَاتِم‬ ‫كَ َذلِكَ ُنخْ ِرجُ الْ َم ْوتَى لَعَلّ ُكمْ تَذَكّرُونَ (‪)57‬‬ ‫وال تعال هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي‬ ‫تثيه بإذن ال‪ ,‬فيستبشر اللق برحة ال‪ ,‬حت إذا حلت الريح السحاب‬ ‫الحمل بالطر ساقه ال با لحياء بلد‪ ,‬قد أجدبت أرضه‪ ,‬وَيبِست‬ ‫أشجاره وزرعه‪ ,‬فأنزل ال به الطر‪ ,‬فأخرج به الكل والشجار‬ ‫والزروع‪ ,‬فعادت أشجاره مملة بأنواع الثمرات‪ .‬كما نيي هذا البلد‬ ‫اليت بالطر نرج الوتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم; لتتعظوا‪,‬‬ ‫فتستدلوا على توحيد ال وقدرته على البعث‪.‬‬ ‫وَاْلبَلَدُ ال ّطيّ بُ َيخْرُ جُ َنبَاتُ هُ ِبإِذْ نِ َربّ هِ وَالّذِي َخُب ثَ ل َيخْرُ جُ إِلّ نَكِدا‬ ‫ت لِقَوْ ٍم َيشْكُرُونَ (‪)58‬‬ ‫صرّفُ اليَا ِ‬ ‫كَ َذلِكَ نُ َ‬ ‫والرض النقية إذا نزل عليها الطر ُتخْرج نباتًا ‪-‬بإذن ال ومشيئته‪ -‬طيبًا‬ ‫ميسرًا‪ ,‬وكذلك الؤمن إذا نزلت عليه آيات ال انتفع با‪ ,‬وأثرت فيه‬ ‫سبِخة الرديئة فإنا ل تُخرج النبات إل عسرًا‬ ‫حياة صالة‪ ,‬أما الرض ال ّ‬ ‫‪492‬‬

‫رديئا ل نفع فيه‪ ,‬ول تُخرج نباتًا طيبًا‪ ,‬وكذلك الكافر ل ينتفع بآيات‬ ‫ال‪ .‬مثل ذلك التنويع البديع ف البيان نُنوّع الجج والباهي لثبات‬ ‫الق لناس يشكرون نعم ال‪ ,‬ويطيعونه‪.‬‬ ‫لَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا نُوحا ِإلَى َقوْمِ هِ فَقَالَ يَا َقوْ مِ ا ْعبُدُوا اللّ هَ مَا لَكُ مْ مِ نْ ِإلَ هٍ َغيْرُ هُ‬ ‫ب َيوْمٍ عَظِي ٍم (‪)59‬‬ ‫ف عََليْكُ ْم عَذَا َ‬ ‫ِإنّي أَخَا ُ‬ ‫لقد بعثنا نوحًا إل قومه; ليدعوهم إل توحيد ال سبحانه وإخلص‬ ‫العبادة له‪ ,‬فقال‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق‬ ‫العبادة غيه جل وعل فأخلصوا له العبادة فإن ل تفعلوا وبقيتم على‬ ‫عبادة أوثانكم‪ ,‬فإنن أخاف أن يلّ عليكم عذاب يوم يعظم فيه‬ ‫بلؤكم‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫قَالَ الْمَل مِنْ َقوْ ِمهِ ِإنّا َلنَرَاكَ فِي ضَللٍ ُمِبيٍ (‪)60‬‬ ‫قال له سادتم وكباؤهم‪ :‬إنا لنعتقد ‪-‬يا نوح‪ -‬أنك ف ضلل بيّن عن‬ ‫طريق الصواب‪.‬‬

‫‪493‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)61‬‬ ‫قَالَ يَا َقوْمِ َلْيسَ بِي ضَللَةٌ َولَ ِكنّي رَسُولٌ مِنْ رَ ّ‬ ‫قال نوح‪ :‬يا قوم لست ضال ف مسألة من السائل بوجه من الوجوه‪,‬‬ ‫ولكن رسول من رب العالي رب وربكم ورب جيع اللق‪.‬‬ ‫ُأبَلّغُكُ ْم رِسَالتِ َربّي وَأَنصَ ُح لَكُمْ وَأَعَْلمُ مِ ْن الّلهِ مَا ل تَعَْلمُونَ (‪)62‬‬ ‫أُبلّغكم ما أُرسلت به من رب‪ ,‬وأنصح لكم مذرًا لكم من عذاب ال‬ ‫ومبشرًا بثوابه‪ ,‬وأعلم من شريعته ما ل تعلمون‪.‬‬ ‫جْبتُ مْ أَ نْ جَاءَكُ مْ ذِكْ ٌر مِ نْ َربّكُ ْم عَلَى رَجُلٍ ِمنْ ُك مْ ِليُن ِذرَكُ مْ َوِلَتتّقُوا‬ ‫َأوَعَ ِ‬ ‫َولَعَلّكُمْ ُترْحَمُونَ (‪)63‬‬ ‫وهل أثار عجبكم أن أنزل ال تعال إليكم ما يذكركم با فيه الي لكم‪,‬‬ ‫على لسان رجل منكم‪ ,‬تعرفون نسبه وصدقه; ليخوّفكم بأس ال تعال‬ ‫وعقابه‪ ,‬ولتتقوا سخطه باليان به‪ ,‬ورجاء أن تظفروا برحته وجزيل‬ ‫ثوابه؟‬ ‫ك وَأَغْ َر ْقنَا الّذِي َن كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا ِإّنهُمْ‬ ‫َفكَ ّذبُو ُه فَأَ َنْينَا هُ وَالّذِي َن مَعَ هُ فِي الْفُلْ ِ‬ ‫‪494‬‬

‫كَانُوا َقوْما عَ ِميَ (‪)64‬‬ ‫فكذبوا نوحًا فأنيناه ومَن آمن معه ف السفينة‪ ,‬وأغرقنا الكفار الذين‬ ‫كذبوا بججنا الواضحة‪ .‬إنم كانوا عُمْيَ القلوب عن رؤية الق‪.‬‬ ‫وَِإلَى عَادٍ َأخَاهُ مْ هُودا قَالَ يَا َقوْ مِ ا ْعبُدُوا اللّ هَ مَا لَكُ ْم مِ نْ ِإلَ هٍ َغيْرُ هُ َأفَل‬ ‫َتتّقُونَ (‪)65‬‬ ‫ولقد أرسلنا إل قبيلة عاد أخاهم هودا حي عبدوا الوثان من دون ال‪,‬‬ ‫فقال لم‪ :‬اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه جل‬ ‫وعل فأخلصوا له العبادة أفل تتقون عذاب ال وسخطه عليكم؟‬ ‫ك مِ نْ‬ ‫قَالَ الْمَل الّذِي نَ كَ َفرُوا مِ ْن َقوْمِ هِ ِإنّا َلنَرَا كَ فِي َسفَاهَةٍ وَِإنّا َلنَ ُظنّ َ‬

‫الْكَا ِذِبيَ (‪)66‬‬

‫قال الكباء الذين كفروا من قوم هود‪ :‬إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا إل‬ ‫ترك عبادة آلتنا وعبادة ال وحده ناقص العقل‪ ,‬وإنا لنعتقد أنك من‬ ‫الكاذبي على ال فيما تقول‪.‬‬

‫‪495‬‬

‫قَالَ يَا َقوْمِ َلْيسَ بِي سَفَا َهةٌ َولَ ِكنّي رَسُولٌ مِنْ َربّ الْعَالَ ِميَ (‪)67‬‬ ‫قال هود‪ :‬يا قوم ليس ب نقص ف عقلي‪ ,‬ولكن رسول إليكم من رب‬ ‫اللق أجعي‪.‬‬ ‫ُأبَلّغُكُ ْم رِسَالتِ َربّي وََأنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَ ِميٌ (‪)68‬‬ ‫أُبلّغكم ما أرسلن به رب إليكم‪ ,‬وأنا لكم ‪ -‬فيما دعوتكم إليه من‬ ‫توحيد ال والعمل بشريعته ‪ -‬ناصح‪ ,‬أمي على وحي ال تعال‪.‬‬ ‫جْبتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْ ٌر مِنْ َربّكُ ْم عَلَى رَجُلٍ ِمنْ ُكمْ ِليُن ِذرَكُمْ وَاذْكُرُوا‬ ‫َأوَعَ ِ‬ ‫إِذْ جَ َعلَكُ مْ خُلَفَاءَ مِ ْن بَعْ ِد َقوْ مِ نُو حٍ َوزَادَكُ مْ فِي الْخَلْ قِ بَ سْ َطةً فَاذْ ُكرُوا‬ ‫آلءَ الّلهِ لَعَلّكُ ْم تُفِْلحُونَ (‪)69‬‬

‫وهل أثار عجبكم أن أنزل ال تعال إليكم ما يذكركم با فيه الي لكم‪,‬‬ ‫على لسان رجل منكم‪ ,‬تعرفون نسبه وصدقه; ليخوّفكم بأس ال‬ ‫وعقابه؟ واذكروا نعمة ال عليكم إذ جعلكم تلفون ف الرض مَن‬ ‫قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح‪ ,‬وزاد ف أجسامكم قوة وضخامة‪,‬‬

‫‪496‬‬

‫فاذكروا نِ َعمَ ال الكثية عليكم; رجاء أن تفوزوا الفوز العظيم ف الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫قَالُوا َأ ِجْئَتنَا ِلنَ ْعبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ َونَ َذرَ مَا كَانَ يَ ْعبُ ُد آبَا ُؤنَا فَ ْأِتنَا بِمَا تَعِ ُدنَا إِنْ‬ ‫ي (‪)70‬‬ ‫كُنتَ مِنْ الصّادِِق َ‬ ‫قالت عاد لود عليه السلم‪ :‬أدعوتنا لعبادة ال وحله و َهجْر عبادة‬ ‫الصنام الت ورثنا عبادتا عن آبائنا؟ فأتنا بالعذاب الذي توفنا به إن‬ ‫كنت من أهل الصدق فيما تقول‪.‬‬ ‫قَالَ قَ ْد وَقَ عَ َعَليْكُ مْ مِ نْ َربّكُ مْ ِرجْ سٌ وَغَضَ بٌ َأُتجَادِلُونَنِي فِي َأ سْمَا ٍء‬ ‫سَ ّمْيتُمُوهَا َأْنُت ْم وَآبَاؤُكُ مْ مَا نَزّلَ اللّ هُ ِبهَا مِ نْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا ِإنّي مَعَ ُك مْ‬ ‫مِنْ الْمُنتَظِرِينَ (‪)71‬‬ ‫قال هود لقومه‪ :‬قد حلّ بكم عذاب وغضب من ربكم جل وعل‬ ‫أتادلونن ف هذه الصنام الت سيتموها آلة أنتم وآباؤكم؟ ما نزّل ال‬ ‫با من حجة ول برهان; لنا ملوقة ل تضر ول تنفع‪ ,‬وإنا العبود‬ ‫وحده هو الالق سبحانه‪ ,‬فانتظروا نزول العذاب عليكم فإن منتظر‬ ‫معكم نزوله‪ ,‬وهذا غاية ف التهديد والوعيد‪.‬‬ ‫‪497‬‬

‫َفأَ َنْينَا هُ وَالّذِي نَ مَعَ ُه بِرَ ْح َمةٍ ِمنّ ا وَقَطَعْنَا دَابِ َر الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا‬

‫كَانُوا ُمؤْ ِمِنيَ (‪)72‬‬

‫فوقع عذاب ال بإرسال الريح الشديدة عليهم‪ ,‬فأنى ال هودًا والذين‬ ‫آمنوا معه برحة عظيمة منه تعال‪ ,‬وأهلك الكفار من قومه جيعا‬ ‫ودمّرهم عن آخرهم‪ ,‬وما كانوا مؤمني لمعهم بي التكذيب بآيات ال‬ ‫وترك العمل الصال‪.‬‬ ‫وَِإلَى ثَمُودَ أَخَاهُ ْم صَالِحا قَالَ يَا َقوْ مِ ا ْعبُدُوا اللّ هَ مَا لَكُ ْم مِ نْ ِإلَ هٍ َغيْرُ ُه‬ ‫قَدْ جَا َءتْكُ ْم َبّيَنةٌ مِنْ َربّكُ ْم هَذِهِ نَاَقةُ اللّهِ لَكُ ْم آَيةً َف َذرُوهَا تَأْكُلْ فِي َأرْضِ‬

‫اللّهِ وَل تَ َمسّوهَا ِبسُوءٍ َفيَ ْأخُذَكُ ْم عَذَابٌ َألِي ٌم (‪)73‬‬

‫ولقد أرسلنا إل قبيلة ثود أخاهم صالًا لممّا عبدوا الوثان من دون‬ ‫ال تعال‪ .‬فقال صال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده; ليس لكم من إله‬ ‫يستحق العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬قد جئتكم بالبهان‬ ‫على صدق ما أدعوكم إليه‪ ,‬إذ دعوتُ ال أمامكم‪ ,‬فأخرج لكم من‬ ‫الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم‪ ,‬فاتركوها تأكل ف أرض ال من‬

‫‪498‬‬

‫الراعي‪ ,‬ول تتعرضوا لا بأي أذى‪ ,‬فيصيبكم بسبب ذلك عذاب‬ ‫موجع‪.‬‬ ‫وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَ ُكمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَ ْعدِ عَا ٍد َوَبوّأَكُمْ فِي ا َلرْضِ َتّتخِذُونَ مِ ْن‬ ‫جبَالَ ُبيُوتا فَاذْكُرُوا آل َء اللّ هِ وَل تَ ْعَثوْا فِي‬ ‫حتُو نَ الْ ِ‬ ‫ُسهُوِلهَا قُ صُورا َوَتْن ِ‬ ‫ا َلرْضِ مُ ْفسِدِينَ (‪)74‬‬ ‫واذكروا نعمة ال عليكم‪ ,‬إذ جعلكم َتخْلُفون ف الرض مَن قبلكم‪ ,‬من‬ ‫بعد قبيلة عاد‪ ,‬ومكّن لكم ف الرض الطيبة تنلونا‪ ,‬فتبنون ف سهولا‬ ‫البيوت العظيمة‪ ,‬وتنحتون من جبالا بيوتًا أخرى‪ ,‬فاذكروا نِ َعمَ ال‬ ‫عليكم‪ ,‬ول َتسْعَوا ف الرض بالفساد‪.‬‬ ‫قَالَ الْمَل الّذِي نَ ا ْستَ ْكبَرُوا مِ ْن َقوْمِ هِ لِلّذِي نَ ا ْستُضْعِفُوا لِمَ نْ آمَ َن ِمْنهُ مْ‬ ‫َأتَعَْلمُونَ َأنّ صَالِحا ُمرْسَلٌ مِ ْن َرّبهِ قَالُوا ِإنّا ِبمَا ُأرْسِ َل ِبهِ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)75‬‬ ‫قال السادة والكباء من الذين استعلَوا ‪-‬من قوم صال‪ -‬للمؤمني الذين‬ ‫استضعفوهم‪ ,‬واستهانوا بم‪ :‬أتعلمون حقيقة أن صالًا قد أرسله ال‬ ‫إلينا؟ قال الذين آمنوا‪ :‬إنا مصدقون با أرسله ال به‪ ,‬متّبعون لشرعه‪.‬‬ ‫‪499‬‬

‫قَالَ الّذِينَ ا ْستَ ْكبَرُوا ِإنّا بِالّذِي آمَنُتمْ ِبهِ كَافِرُونَ (‪)76‬‬ ‫قال الذين استعَلوْا‪ :‬إنّا بالذي صدّقتم به واتبعتموه من نبوة صال‬ ‫جاحدون‪.‬‬ ‫َفعَقَرُوا النّاَقةَ وَ َعَتوْا عَ نْ أَ ْمرِ َرّبهِ ْم وَقَالُوا يَا صَالِحُ اْئتِنَا بِمَا تَ ِعدُنَا إِ نْ‬

‫ي (‪)77‬‬ ‫كُنتَ مِنْ الْمُرْسَِل َ‬

‫فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صال‪ ,‬واستكبوا عن امتثال أمر‬ ‫ربم‪ ,‬وقالوا على سبيل الستهزاء واستبعاد العذاب‪ :‬يا صال ائتنا با‬ ‫تتوعّدنا به من العذاب‪ ,‬إن كنت مِن رسل ال‪.‬‬ ‫صَبحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِ ِميَ (‪)78‬‬ ‫َفأَخَ َذْتهُمْ الرّجْ َفةُ فََأ ْ‬ ‫فأخذَت الذين كفروا الزلزلةُ الشديدة الت خلعت قلوبم‪ ,‬فأصبحوا ف‬ ‫بلدهم هالكي‪ ,‬لصقي بالرض على رُكَبهم ووجوههم‪ ,‬ل يُفْلِت منهم‬ ‫أحد‪.‬‬

‫‪500‬‬

‫ت لَكُ ْم َولَكِ نْ‬ ‫َفَت َولّى َعْنهُ مْ وَقَالَ يَا َقوْ مِ لَقَدْ َأبْلَ ْغتُكُ مْ ِر سَالَةَ َربّي َونَ صَحْ ُ‬ ‫حيَ (‪)79‬‬ ‫حبّونَ النّاصِ ِ‬ ‫ل ُت ِ‬ ‫فأعرض صال عليه السلم عن قومه ‪-‬حي عقروا الناقة وحل بم‬ ‫اللك‪ -‬وقال لم‪ :‬يا قوم لقد أبلغتكم ما أمرن رب بإبلغه من أمره‬ ‫ونيه‪ ,‬وبَ َذلْت لكم وسعي ف الترغيب والترهيب والنصح‪ ,‬ولكنكم ل‬ ‫تبون الناصحي‪ ,‬فرددت قولم‪ ,‬وأطعتم كل شيطان رجيم‪.‬‬ ‫شةَ مَا َسبَقَ ُكمْ ِبهَا مِنْ أَ َحدٍ مِنْ الْعَالَ ِميَ‬ ‫َولُوطا ِإذْ قَالَ لِ َقوْمِهِ َأتَ ْأتُونَ الْفَا ِح َ‬ ‫(‪)80‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لوطًا عليه السلم حي قال لقومه‪ :‬أتفعلون‬ ‫الفعلة النكرة الت بلغت ناية القبح؟ ما فعلها مِن أحد قبلكم من‬ ‫الخلوقي‪.‬‬ ‫ِإنّكُ مْ َلتَ ْأتُو نَ الرّجَالَ َش ْهوَةً مِ نْ دُو نِ النّ سَاءِ بَلْ َأْنُت مْ َقوْ ٌم مُ سْرِفُونَ (‬

‫‪)81‬‬

‫‪501‬‬

‫إنكم لتأتون الذكور ف أدبارهم‪ ,‬شهوة منكم لذلك‪ ,‬غي مبالي‬ ‫بقبحها‪ ,‬تاركي الذي أحلّه ال لكم من نسائكم‪ ,‬بل أنتم قوم‬ ‫متجاوزون لدود ال ف السراف‪ .‬إن إتيان الذكور دون الناث من‬ ‫الفواحش الت ابتدعها قوم لوط‪ ,‬ول يسبقهم با أحد من اللق‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ َجوَا بَ َقوْمِ هِ إِلّ أَ نْ قَالُوا أَخْ ِرجُوهُ مْ مِ نْ َق ْرَيتِكُ مْ ِإّنهُ مْ ُأنَا سٌ‬

‫َيتَ َطهّرُونَ (‪)82‬‬

‫وما كان جواب قوم لوط حي أنكر عليهم فعلهم الشنيع إل أن قال‬ ‫بعضهم لبعض‪ :‬أخرجوا لوطًا وأهله من بلدكم‪ ,‬إنه ومن تبعه أناس‬ ‫يتنهون عن إتيان أدبار الرجال والنساء‪.‬‬ ‫ت مِنْ الْغَابِرِينَ (‪)83‬‬ ‫َفأَ َنْينَاهُ َوأَهَْلهُ إِ ّل امْرََأَتهُ كَانَ ْ‬ ‫فأنى ال لوطًا وأهله من العذاب حيث أمره بغادرة ذلك البلد‪ ,‬إل‬ ‫امرأته‪ ,‬فإنا كانت من الالكي الباقي ف عذاب ال‪.‬‬ ‫وَأَمْ َط ْرنَا عََلْيهِمْ مَطَرا فَانظُ ْر َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْ ُمجْرِ ِميَ (‪)84‬‬ ‫‪502‬‬

‫وعذّب ال الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطرًا من الجارة‪,‬‬ ‫وقلب بلدهم‪ ,‬فجعل عاليها سافلها‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف‬ ‫صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي ال وكذبوا رسله‪.‬‬ ‫وَِإلَى مَ ْديَنَ َأخَاهُمْ شُ َعيْبا قَالَ يَا َقوْمِ ا ْعبُدُوا اللّهَ مَا لَكُمْ مِنْ ِإلَهٍ َغيْرُهُ قَ ْد‬ ‫ّاسم‬ ‫َانم وَل َتْبخَسمُوا الن َ‬ ‫ُمم فََأوْفُوا الْ َكيْلَ وَالْمِيز َ‬ ‫ِنم َربّك ْ‬ ‫ُمم َبّيَنةٌ م ْ‬ ‫جَا َءتْك ْ‬ ‫أَ ْشيَاءَهُ ْم وَل تُفْسِدُوا فِي ا َلرْضِ بَعْدَ إِصْل ِحهَا َذلِكُمْ َخيْ ٌر لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ‬ ‫ُمؤْ ِمِنيَ (‪)85‬‬ ‫ولقد أرسلنا إل قبيلة "مدين" أخاهم شعيبًا عليه السلم‪ ,‬فقال لم‪ :‬يا‬ ‫قوم اعبدوا ال وحده ل شريك له; ليس لكم مِن إله يستحق العبادة‬ ‫غيه جل وعل فأخلصوا له العبادة‪ ,‬قد جاءكم برهان من ربكم على‬ ‫صِدْق ما أدعوكم إليه‪ ,‬فأدوا للناس حقوقهم بإيفاء الكيل‪ ,‬اليزان‪ ,‬ول‬ ‫تنقصوهم حقوقهم فتظلموهم‪ ,‬ول تفسدوا ف الرض ‪-‬بالكفر والظلم‪-‬‬ ‫بعد إصلحها بشرائع النبياء السابقي عليهم السلم‪ .‬ذلك الذي‬ ‫دعوتكم إليه خي لكم ف دنياكم وأخراكم‪ ,‬إن كنتم مصدقيّ فيما‬ ‫دعوتكم إليه‪ ,‬عاملي بشرع ال‪.‬‬

‫‪503‬‬

‫وَل تَقْ ُعدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُو نَ َوتَ صُدّونَ عَ ْن َسبِيلِ اللّ هِ مَ نْ آمَ نَ بِ ِه‬ ‫َانم‬ ‫ْفم ك َ‬ ‫ُمم وَانظُرُوا َكي َ‬ ‫ل فَ َكثّرَك ْ‬ ‫ُمم قَلِي ً‬ ‫َوَتبْغُونَهَا ِعوَجا وَاذْكُرُوا ِإذْ كُنت ْ‬ ‫عَاِقَبةُ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)86‬‬ ‫ول تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل‪ ,‬إن ل يعطوكم أموالم‪,‬‬ ‫وتصدّون عن سبيل ال القوي من صدّق به عز وجل‪ ,‬وعمل صالًا‪,‬‬ ‫وتبغون سبيل ال أن تكون معوجة‪ ,‬وتيلونا اتباعًا لهوائكم‪ ,‬وتنفّرون‬ ‫الناس عن اتباعها‪ .‬واذكروا نعمة ال تعال عليكم إذ كان عددكم قليل‬ ‫فكثّركم‪ ,‬فأصبحتم أقوياء عزيزين‪ ,‬وانظروا كيف كان عاقبة الفسدين‬ ‫ف الرض‪ ,‬وما حلّ بم من اللك والدمار؟‬ ‫َمم ُيؤْ ِمنُوا‬ ‫ِهم َوطَائِفَةٌ ل ْ‬ ‫ْسملْتُ ب ِ‬ ‫ُمم آ َمنُوا بِالّذِي ُأر ِ‬ ‫َانم طَائِفَةٌ ِمنْك ْ‬ ‫ِنم ك َ‬ ‫وَإ ْ‬ ‫صبِرُوا َحتّى َيحْكُمَ الّلهُ َبْيَننَا وَ ُهوَ َخْيرُ اْلحَاكِ ِميَ (‪)87‬‬ ‫فَا ْ‬ ‫وإن كان جاعة منكم صدّقوا بالذي أرسلن ال به‪ ,‬وجاعة ل يصدّقوا‬ ‫بذلك‪ ,‬فانتظروا أي ها الكذبون قضاء ال الفا صل بين نا وبين كم ح ي يلّ‬ ‫علي كم عذا به الذي أنذرت كم به‪ .‬وال ‪-‬ج ّل وعل‪ -‬هو خ ي الاكم ي‬ ‫بي عباده‪.‬‬

‫‪504‬‬

‫الزء التاسع ‪:‬‬ ‫ب وَالّذِي نَ آ َمنُوا‬ ‫قَالَ الْمَل الّذِي نَ ا ْستَ ْكبَرُوا مِ نْ َقوْمِ هِ َلنُخْ ِر َجنّ كَ يَا شُ َعيْ ُ‬ ‫ك مِنْ َق ْرَيِتنَا َأوْ َلتَعُو ُدنّ فِي مِّلِتنَا قَالَ َأ َولَوْ ُكنّا كَارِ ِهيَ (‪)88‬‬ ‫مَعَ َ‬ ‫قال السادة والكباء من قوم شعيب الذين تكبوا عن اليان بال واتباع‬ ‫رسوله شعيب عليه السلم‪ :‬لنخرجنك يا شعيب ومَن معك من الؤمني‬ ‫من ديارنا‪ ,‬إل إذا صرت إل ديننا‪ ,‬قال شُعيب منكرًا ومتعجبًا من قولم‪:‬‬ ‫أنتابعكم على دينكم ومِلّتكم الباطلة‪ ,‬ولو كنا كارهي لا لعِلْمِنا‬ ‫ببطلنا؟‬ ‫َقدْ ا ْفَت َرْينَا عَلَى اللّ هِ كَذِبا إِنْ عُ ْدنَا فِي مِّلتِ ُك ْم بَعْدَ إِ ْذ َنجّانَا اللّ هُ ِمْنهَا وَمَا‬ ‫يَكُو نُ َلنَا أَ نْ نَعُودَ فِيهَا إِلّ أَ ْن َيشَاءَ اللّ هُ َرّبنَا َو سِعَ َرّبنَا كُلّ شَ ْيءٍ عِلْما‬ ‫حيَ (‬ ‫عَلَى اللّ هِ َتوَكّ ْلنَا َرّبنَا ا ْفتَ ْح َبْيَننَا َوَبيْ نَ َقوْ ِمنَا بِاْلحَقّ وََأنْ تَ َخيْ ُر الْفَاِت ِ‬ ‫‪)89‬‬

‫‪505‬‬

‫وقال شعيب لقومه مستدركًا‪ :‬قد اختلقنا على ال الكذب إن عُدْنا إل‬ ‫دينكم بعد أن أنقذنا ال منه‪ ,‬وليس لنا أن نتحول إل غي دين ربنا إل‬ ‫أن يشاء ال ربنا‪ ,‬وقد وسع ربنا كل شيء علمًا‪ ,‬فيعلم ما يصلح للعباد‪,‬‬ ‫على ال وحده اعتمادنا هداية ونصرة‪ ,‬ربنا احكم بيننا وبي قومنا‬ ‫بالق‪ ,‬وأنت خي الاكمي‪.‬‬ ‫وَقَالَ الْمَل الّذِي نَ كَفَرُوا مِ نْ َقوْمِ هِ َلئِ نْ اّتبَ ْعتُ مْ شُ َعيْبا ِإنّ ُك مْ إِذا َلخَا سِرُونَ‬ ‫(‪)90‬‬ ‫وقال السادة والكباء الكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعانًا ف العت ّو‬ ‫والتمرد‪ ,‬مذرين من اتباع شعيب‪ :‬لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لالكون‪.‬‬ ‫صَبحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِ ِميَ (‪)91‬‬ ‫َفأَخَ َذْتهُمْ الرّجْ َفةُ فََأ ْ‬ ‫ت قومَ شعيب الزلزلةُ الشديدة‪ ,‬فأصبحوا ف دارهم صرعى ميتي‪.‬‬ ‫فأخذَ ْ‬ ‫الّذِي نَ كَ ّذبُوا شُ َعيْبا كَأَ نْ لَ ْم يَ ْغَنوْا فِيهَا الّذِي نَ كَ ّذبُوا شُ َعيْبا كَانُوا ُه مْ‬ ‫الْخَاسِرِينَ (‪)92‬‬ ‫‪506‬‬

‫الذين كذّبوا شعيبًا كأنم ل يقيموا ف ديارهم‪ ,‬ول يتمتعوا فيها‪ ,‬حيث‬ ‫استؤصلوا‪ ,‬فلم يبق لم أثر‪ ,‬وأصابم السران واللك ف الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫صحْتُ لَ ُك مْ‬ ‫َفَت َولّى َعْنهُ ْم وَقَالَ يَا َقوْ ِم لَقَدْ َأبَْل ْغتُكُ مْ ِر سَالتِ َربّ ي َونَ َ‬ ‫فَ َكيْفَ آسَى عَلَى َقوْمٍ كَاِفرِينَ (‪)93‬‬ ‫فأعرض شعيب عنهم حينما أيقن بلول العذاب بم‪ ,‬وقال‪ :‬يا قوم لقد‬ ‫أبلغتكم رسالت رب‪ ,‬ونصحت لكم بالدخول ف دين ال والقلع‬ ‫عما أنتم عليه‪ ,‬فلم تسمعوا ول تطيعوا‪ ,‬فكيف أحزن على قوم جحدوا‬ ‫وحدانية ال وكذبوا رسله؟‬ ‫وَمَا َأرْ سَ ْلنَا فِي قَ ْرَيةٍ مِ نْ َنبِيّ إِلّ َأخَذْنَا أَهْلَهَا بِاْلبَأْ سَاءِ وَالضّرّاءِ لَعَّلهُ مْ‬ ‫يَضّرّعُونَ (‪)94‬‬ ‫وما أرسلنا ف قرية من نب يدعوهم إل عبادة ال‪ ,‬وينهاهم عمّا هم فيه‬ ‫من الشرك‪ ,‬فكذّبه قومه‪ ,‬إل ابتليناهم بالبأساء والضراء‪ ,‬فأصبناهم ف‬ ‫أبدانم بالمراض والسقام‪ ,‬وف أموالم بالفقر والاجة; رجاء أن‬ ‫يستكينوا‪ ,‬وينيبوا إل ال‪ ,‬ويرجعوا إل الق‪.‬‬ ‫‪507‬‬

‫سَنةَ َحتّ ى عَفَوا وَقَالُوا َقدْ مَ سّ آبَاءَنَا الضّرّاءُ‬ ‫سّيَئةِ الْحَ َ‬ ‫ثُمّ بَ ّدلْنَا مَكَا نَ ال ّ‬

‫وَالسّرّاءُ فََأخَ ْذنَاهُمْ بَ ْغَتةً وَ ُهمْ ل َيشْعُرُونَ (‪)95‬‬

‫ث بدّلنا الالة الطيبة الول مكان الالة السيئة‪ ,‬فأصبحوا ف عافية ف‬ ‫أبدانم‪ ,‬وسَعَة ورخاء ف أموالم; إمهال لم‪ ,‬ولعلهم يشكرون‪ ,‬فلم يُفِد‬ ‫معهم كل ذلك‪ ,‬ول يعتبوا ول ينتهوا عمّا هم فيه‪ ,‬وقالوا‪ :‬هذه عادة‬ ‫الدهر ف أهله‪ ,‬يوم خي ويوم شر‪ ,‬وهو ما جرى لبائنا من قبل‪,‬‬ ‫فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون‪ ,‬ل يطر لم اللك على بال‪.‬‬ ‫السممَا ِء‬ ‫ِنم ّ‬ ‫َاتم م ْ‬ ‫ِمم بَرَك ٍ‬ ‫َوَلوْ أَن ّ أَهْلَ الْقُرَى آ َمنُوا وَاتّ َقوْا لَ َفتَحْن َا َعَلْيه ْ‬ ‫ِنم َك ّذبُوا‬ ‫ْضم َولَك ْ‬ ‫السممَاءِ وَالَر ِ‬ ‫ِنم ّ‬ ‫َاتم م ْ‬ ‫ِمم بَرَك ٍ‬ ‫ْضملَ َفَتحْنَا عََلْيه ْ‬ ‫وَالَر ِ‬ ‫سبُونَ (‪)96‬‬ ‫فََأخَ ْذنَاهُمْ ِبمَا كَانُوا يَ ْك ِ‬ ‫ولو أنّ أهل القرى صدّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما ناهم ال عنه‪,‬‬ ‫لفتح ال لم أبواب الي من ك ّل وجه‪ ,‬ولكنهم كذّبوا‪ ,‬فعاقبهم ال‬ ‫بالعذاب الهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم‪.‬‬ ‫أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى َأنْ يَ ْأِتَيهُمْ بَ ْأ ُسنَا َبيَاتا وَهُمْ نَائِمُونَ (‪)97‬‬ ‫‪508‬‬

‫أيظن أهل القرى أنم ف منجاة ومأمن من عذاب ال‪ ,‬أن يأتيهم ليل‬ ‫وهم نائمون؟‬ ‫ضحًى وَهُمْ يَ ْل َعبُونَ (‪)98‬‬ ‫َأوَأَمِنَ أَهْ ُل الْقُرَى َأنْ يَ ْأِتَيهُمْ بَ ْأ ُسنَا ُ‬ ‫أوَأمن أهل القرى أن يأتيهم عذاب ال وقت الضحى‪ ,‬وهم غافلون‬ ‫ص ال هذين الوقتي بالذكر‪ ,‬لن النسان‬ ‫متشاغلون بأمور دنياهم؟ وخ ّ‬ ‫يكون أغْفَل ما يكون فيهما‪ ,‬فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد‪.‬‬ ‫أَفَأَ ِمنُوا مَكْ َر الّلهِ فَل يَأْمَنُ مَ ْكرَ الّلهِ إِ ّل الْقَوْ ُم اْلخَاسِرُونَ (‪)99‬‬ ‫أفأمن أهل القرى الكذبة َمكْرَ ال وإمهاله لم; استدراجًا لم با أنعم‬ ‫عليهم ف دنياهم عقوبة لكرهم؟ فل يأمن مكر ال إل القوم الالكون‪.‬‬ ‫منَاهُمْ‬ ‫َأوَلَم ْمَيهْ ِد لِلّذِينَميَ ِرثُونَم ا َلرْضَم مِن ْمبَ ْعدِ أَهْلِهَا أَن ْمَلوْ َنشَاءُ أَصَْب‬

‫بِ ُذنُوِبهِمْ َونَ ْطبَعُ َعلَى ُقلُوِبهِمْ َفهُ ْم ل َيسْمَعُونَ (‪)100‬‬

‫أوَل يتبي للذين سكنوا الرض من بعد إهلك أهلها السابقي بسبب‬ ‫معاصيهم‪ ,‬فساروا سيتم‪ ,‬أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبم كما فعلنا‬ ‫‪509‬‬

‫بأسلفهم‪ ,‬ونتم على قلوبم‪ ,‬فل يدخلها الق‪ ,‬ول يسمعون موعظة‬ ‫ول تذكيًا؟‬ ‫تِ ْل كَ الْقُرَى نَقُ صّ عََلْي كَ مِ نْ َأْنبَاِئهَا َولَقَدْ جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلَبّينَا تِ فَمَا‬ ‫ب الْكَافِرِينَ (‬ ‫ك يَ ْطبَعُ اللّهُ عَلَى قُلُو ِ‬ ‫كَانُوا ِلُيؤْ ِمنُوا ِبمَا كَ ّذبُوا مِنْ َقبْلُ كَ َذلِ َ‬ ‫‪)101‬‬ ‫تلك القرى الت تَقَدّم ذِكْرُها‪ ,‬وهي قرى قوم نوح وهود وصال ولوط‬ ‫وشعيب‪ ,‬نقصّ عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبارها‪ ,‬وما كان من أَمْر‬ ‫رسل ال الت أرسلت إليهم‪ ,‬ما يصل به عبة للمعتبين وازدجار‬ ‫للظالي‪ .‬ولقد جاءت أه َل القرى رسلنا بالجج البينات على صدقهم‪,‬‬ ‫فما كانوا ليؤمنوا با جاءتم به الرسل; بسبب طغيانم وتكذيبهم بالق‪,‬‬ ‫ومثل َخْتمِ ال على قلوب هؤلء الكافرين الذكورين يتم ال على‬ ‫قلوب الكافرين بحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وَمَا وَ َج ْدنَا لَ ْكثَرِهِ ْم مِنْ َعهْ ٍد وَِإنْ وَ َج ْدنَا أَ ْكثَرَهُ ْم لَفَاسِ ِقيَ (‪)102‬‬ ‫وما وَجَدْنا لكثر الم الاضية من أمانة ول وفاء بالعهد‪ ,‬وما وجدنا‬ ‫أكثرهم إل فسقة عن طاعة ال وامتثال أمره‪.‬‬ ‫‪510‬‬

‫ثُمّ بَ َعثْنَا مِ نْ بَعْدِ ِه ْم مُو سَى بِآيَاتِنَا ِإلَى فِرْ َعوْ نَ وَمََلئِ هِ فَظََلمُوا بِهَا فَانظُرْ‬

‫َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)103‬‬

‫ث بعثنا من بعد الرسل التقدم ذِكْرهم موسى بن عمران بعجزاتنا البينة‬ ‫إل فرعون وقومه‪ ,‬فجحدوا وكفروا با ظلمًا منهم وعنادًا‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬متبصرًا كيف فعلنا بم وأغرقناهم عن آخرهم برأى من‬ ‫موسى وقومه؟ وتلك ناية الفسدين‪.‬‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)104‬‬ ‫وَقَالَ مُوسَى يَا ِفرْ َع ْونُ ِإنّي رَسُولٌ مِنْ رَ ّ‬ ‫وقال موسى لفرعون ماورًا مبلّغًا‪ :‬إن رسولٌ من ال خالق اللق‬ ‫أجعي‪ ,‬ومدبّر أحوالم ومآلم‪.‬‬ ‫حَقِي ٌق عَلَى أَ نْ ل أَقُولَ َعلَى اللّ هِ إِلّ اْلحَقّ َقدْ ِجْئتُكُ ْم ِبَبّيَنةٍ مِ ْن َربّكُ مْ‬

‫فََأرْسِلْ مَعِي َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)105‬‬

‫‪511‬‬

‫جدير بأن ل أقول على ال إل الق‪ ,‬وحريّ ب أن ألتزمه‪ ,‬قد جئتكم‬ ‫ببهان وحجة باهرة من ربكم على صِدْق ما أذكره لكم‪ ,‬فأطلق ‪-‬يا‬ ‫فرعون‪ -‬معي بن إسرائيل مِن أَسْرك وَقهْرك‪ ,‬وخلّ سبيلهم لعبادة ال‪.‬‬ ‫ت بِآَيةٍ فَ ْأتِ ِبهَا ِإ ْن كُنتَ مِ ْن الصّادِِقيَ (‪)106‬‬ ‫قَالَ ِإنْ كُنتَ ِجئْ َ‬ ‫قال فرعرن لوسى‪ :‬إن كنتَ جئتَ بآية حسب زعمك فأتن با‪,‬‬ ‫وأحضرها عندي; لتصحّ دعواك ويثبت صدقك‪ ,‬إن كنت صادقًا فيما‬ ‫ادّعيت أنك رسول رب العالي‪.‬‬ ‫َفَألْقَى عَصَاهُ َفإِذَا هِيَ ثُ ْعبَانٌ ُمِبيٌ (‪)107‬‬ ‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فتحولت حيّة عظيمة ظاهرة للعيان‪.‬‬ ‫َونَ َزعَ يَدَ ُه َفإِذَا هِ َي َبيْضَاءُ لِلنّاظِرِينَ (‪)108‬‬ ‫وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللب من غي برص‬ ‫آية لفرعون‪ ,‬فإذا ردّها عادت إل لونا الول‪ ,‬كسائر بدنه‪.‬‬

‫‪512‬‬

‫قَالَ الْمَل مِنْ َقوْمِ ِفرْ َعوْنَ ِإنّ هَذَا َلسَاحِ ٌر عَلِي ٌم (‪)109‬‬ ‫قال الشراف من قوم فرعون‪ :‬إن موسى لساحر يأخذ بأعي الناس‬ ‫بداعه إياهم‪ ,‬حت ييل إليهم أن العصا حية‪ ,‬والشيء بلف ما هو‬ ‫عليه‪ ,‬وهو واسع العلم بالسحر ماهر به‪.‬‬ ‫يُرِيدُ َأنْ ُيخْرِجَكُ ْم مِنْ َأ ْرضِكُمْ فَمَاذَا تَأْ ُمرُونَ (‪)110‬‬ ‫يريد أن يرجكم جيعًا من أرضكم‪ ,‬قال فرعون‪ :‬فبماذا تشيون عليّ‬ ‫أيها الل ف أمر موسى؟‬ ‫قَالُوا َأرْ ِجهِ َوأَخَاهُ وََأرْسِ ْل فِي الْ َمدَائِنِ حَا ِشرِينَ (‪)111‬‬ ‫قال مَن حضر مناظرة موسى مِن سادة قوم فرعون وكبائهم‪ :‬أَخّر‬ ‫موسى وأخاه هارون‪ ,‬وابعث ف مدائن "مصر" وأقاليمها الشّرَط‪.‬‬ ‫يَ ْأتُو َك بِكُلّ سَاحِرٍ َعلِيمٍ (‪)112‬‬ ‫ليجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر‪.‬‬ ‫‪513‬‬

‫ْنم الْغَاِلبِيَ (‬ ‫ِنم ُكنّام َنح ُ‬ ‫ْنم قَالُوا إِنّ لَنَا لَجْرا إ ْ‬ ‫السمحَرَةُ فِرْ َعو َ‬ ‫وَجَاءَ ّ‬

‫‪)113‬‬

‫وجاء السحرة فرعون قالوا‪ :‬أئ ّن لنا لائزة ومال إن غََلبْنا موسى؟‬ ‫قَالَ نَ َعمْ وَِإنّ ُكمْ لَمِ ْن الْمُ َق ّرِبيَ (‪)114‬‬ ‫قال فرعون‪ :‬نعم لكم الجر والقرب من إن غََلْبتُموه‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا مُوسَى إِمّا َأنْ تُلْقِ َي وَإِمّا َأنْ نَكُونَ َنحْنُ الْمُلْ ِقيَ (‪)115‬‬ ‫قال سحرة فرعون لوسى على سبيل التكب وعدم البالة‪ :‬يا موسى اختر‬ ‫أن تُلقي عصاك أول أو نُلقي نن أول‪.‬‬ ‫سحْرٍ‬ ‫قَالَ َألْقُوا فَلَمّ ا َألْ َقوْا َسحَرُوا أَ ْعيُ نَ النّا سِ وَا ْستَرْ َهبُوهُمْ َوجَاءُوا بِ ِ‬

‫عَظِيمٍ (‪)116‬‬

‫‪514‬‬

‫قال موسى للسحرة‪ :‬ألقوا أنتم‪ ,‬فلما ألقَوا البال والعصيّ سحروا أعي‬ ‫خيّل إل البصار أن ما فعلوه حقيقة‪ ,‬ول يكن إل مرد صنعة‬ ‫الناس‪ ,‬ف ُ‬ ‫وخيال‪ ,‬وأرهبوا الناس إرهابًا شديدًا‪ ,‬وجاؤوا بسحر قوي كثي‪.‬‬ ‫وََأ ْو َحْينَا ِإلَى مُوسَى َأنْ َألْقِ عَصَاكَ َفإِذَا هِيَ تَلْ َقفُ مَا يَ ْأفِكُونَ (‪)117‬‬ ‫وأوحى ال إل عبده ورسوله موسى عليه السلم ف ذلك الوقف العظيم‬ ‫الذي فرّق ال فيه بي الق والباطل‪ ,‬يأمره بأن يُلقي ما ف يينه وهي‬ ‫عصاه‪ ,‬فألقاها فإذا هي تبلع ما يلقونه‪ ,‬ويوهون الناس أنه حق وهو‬ ‫باطل‪.‬‬ ‫َفوََقعَ اْلحَقّ َوبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)118‬‬ ‫فظهر الق واستبان لن شهده وحضره ف أمر موسى عليه السلم‪ ,‬وأنه‬ ‫رسول ال يدعو إل الق‪ ,‬وبطل الكذب الذي كانوا يعملونه‪.‬‬ ‫ك وَانقََلبُوا صَاغِرِينَ (‪)119‬‬ ‫َفغُِلبُوا ُهنَالِ َ‬

‫‪515‬‬

‫فغُِلبَ جيع السحرة ف مكان اجتماعهم‪ ,‬وانصرف فرعون وقومه أذلء‬ ‫مقهورين مغلوبي‪.‬‬ ‫سحَرَةُ سَاجِدِينَ (‪)120‬‬ ‫وَُألْقِ َي ال ّ‬ ‫وخَ ّر السحرة ُسجّدًا على وجوههم ل رب العالي لِمَا عاينوا من عظيم‬ ‫قدرة ال‪.‬‬ ‫قَالُوا آ َمنّا بِ َربّ الْعَالَ ِميَ (‪)121‬‬ ‫قالوا‪ :‬آمنا برب العالي‪.‬‬ ‫ب مُوسَى وَهَارُونَ (‪)122‬‬ ‫رَ ّ‬ ‫وهو رب موسى وهارون‪ ,‬وهو الذي يب أن تصرف له العبادة وحده‬ ‫دون مَن سواه‪.‬‬ ‫قَالَ ِفرْ َعوْنُ آمَنتُمْ بِهِ َقبْلَ أَنْ آذَنَ لَ ُكمْ ِإنّ َهذَا لَمَكْ ٌر مَ َك ْرتُمُو ُه فِي الْمَدِيَنةِ‬ ‫سوْفَ تَعَْلمُونَ ( ‪)123‬‬ ‫ِلتُخْ ِرجُوا ِمْنهَا أَهَْلهَا َف َ‬ ‫‪516‬‬

‫قال فرعون للسحرة‪ :‬آمنتم بال قبل أن آذن لكم باليان به؟ إن إيانكم‬ ‫بال وتصديقكم لوسى وإقراركم بنبوته ليلة احتلتموها أنتم وموسى;‬ ‫لتخرجوا أهل مدينتكم منها‪ ,‬وتكونوا الستأثرين بياتا‪ ,‬فسوف‬ ‫تعلمون ‪-‬أيها السحرة‪ -‬ما يلّ بكم من العذاب والنكال‪.‬‬ ‫لقَطّعَنّ َأيْ ِديَ ُكمْ وََأرْ ُجلَكُ ْم مِنْ خِلفٍ ُثمّ لصَّلَبنّ ُكمْ َأجْمَ ِعيَ (‪)124‬‬ ‫لقطعنّ أيديكم وأرجلكم ‪-‬أيها السحرة‪ -‬من خلف‪ :‬بقطع اليد اليمن‬ ‫والرجل اليسرى‪ ,‬أو اليد اليسرى والرجل اليمن‪ ,‬ث لعلقنّكم جيعًا‬ ‫على جذوع النخل; تنكيل بكم وإرهابًا للناس‪.‬‬ ‫قَالُوا ِإنّا ِإلَى َرّبنَا مُن َقِلبُونَ (‪)125‬‬ ‫قال السحرة لفرعون‪ :‬قد تققنا أنّا إل ال راجعون‪ ,‬وأن عذابه أشد من‬ ‫عذابك‪ ,‬فلنصبنّ اليوم على عذابك; لِننجو من عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬ ‫صبْرا‬ ‫وَمَا تَنقِ ُم ِمنّا إِلّ أَ نْ آ َمنّا بِآيَا تِ َرّبنَا لَمّا جَا َءْتنَا َرّبنَا أَفْ ِر غْ عََلْينَا َ‬ ‫َوَتوَّفنَا ُمسْلِ ِميَ (‪)126‬‬ ‫‪517‬‬

‫ولستَ تعيب منا وتنكر ‪-‬يا فرعون‪ -‬إل إياننا وتصديقنا بجج ربنا‬ ‫وأدلته الت جاء با موسى ول تقدر على مثلها أنت ول أحد آخر سوى‬ ‫ال الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬ربنا َأفِضْ علينا صبًا عظيمًا وثباتا‬ ‫عليه‪ ,‬وتوفّنا منقادين لمرك متبعي رسولك‪.‬‬ ‫وَقَالَ الْمَل مِ نْ َقوْ مِ ِفرْ َعوْنَمَأَت َذرُ مُو سَى وََقوْمَ هُ ِليُفْسِمدُوا فِي ا َلرْ ضِ‬ ‫ُمم‬ ‫َسمحْيِ نِسمَاءَهُ ْم وَِإنّام َفوَْقه ْ‬ ‫ُمم َون َْت‬ ‫سم َقتّلُ َأْبنَاءَه ْ‬ ‫َكم قَالَ َنُ‬ ‫َكم وَآِل َهت َ‬ ‫َويَ َذر َ‬ ‫قَاهِرُونَ (‪)127‬‬ ‫وقال السادة والكباء من قوم فرعون لفرعون‪َ :‬أتَدَعُ موسى وقومه من‬ ‫بن إسرائيل ليفسدوا الناس ف أرض "مصر" بتغيي دينهم بعبادة ال‬ ‫وحده ل شريك له‪ ,‬وترك عبادتك وعبادة آلتك؟ قال فرعون‪ :‬سنُ َقتّل‬ ‫أبناء بن إسرائيل ونستبقي نساءهم أحياء للخدمة‪ ,‬وإنّا عالون عليهم‬ ‫بقهر الُ ْلكِ والسلطان‪.‬‬ ‫صبِرُوا ِإنّ ا َلرْضَ لِلّهِ يُو ِرثُهَا مَنْ َيشَاءُ‬ ‫قَالَ مُوسَى لِ َقوْمِهِ ا ْستَعِينُوا بِاللّهِ وَا ْ‬ ‫مِنْ ِعبَادِ ِه وَالْعَاِقَبةُ لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)128‬‬

‫‪518‬‬

‫قال موسى لقومه ‪-‬من بن إسرائيل‪ :-‬استعينوا بال على فرعون وقومه‪,‬‬ ‫واصبوا على ما نالكم من فرعون من الكاره ف أنفسكم وأبنائكم‪ .‬إن‬ ‫الرض كلها ل يورثها من يشاء من عباده‪ ,‬والعاقبة الحمودة لن اتقى‬ ‫ال ففعل أوامره واجتنب نواهيه‪.‬‬ ‫قَالُوا أُوذِينَا مِ ْن َقبْلِ أَ نْ تَ ْأِتيَنَا وَمِ نْ بَعْ ِد مَا ِجْئتَنَا قَالَ عَ سَى َربّكُ مْ أَ نْ‬

‫ف تَعْمَلُونَ (‪)129‬‬ ‫سَتخْلِفَكُمْ فِي ا َلرْضِ َفيَنظُرَ َكيْ َ‬ ‫ُيهْلِكَ َع ُدوّكُمْ َوَي ْ‬

‫قال قوم موسى ‪-‬من بن إسرائيل‪ -‬لنبيهم موسى‪ :‬ابتُلينا وأُوذينا بذبح‬ ‫أبنائنا واستحياء نسائنا على يد فرعون وقومه‪ ,‬من قبل أن تأتينا‪ ,‬ومن‬ ‫بعد ما جئتنا‪ ,‬قال موسى لم‪ :‬لعل ربكم أن يهلك عدوكم فرعون‬ ‫وقومه‪ ,‬ويستخلفكم ف أرضهم بعد هلكهم‪ ,‬فينظر كيف تعملون‪ ,‬هل‬ ‫تشكرون أو تكفرون؟‬ ‫ت لَعَّلهُ ْم يَذّكّرُو نَ (‬ ‫سِنيَ َونَقْ صٍ مِ ْن الثّ َمرَا ِ‬ ‫َولَقَدْ أَ َخ ْذنَا آ َل فِرْ َعوْ نَ بِال ّ‬ ‫‪)130‬‬ ‫ولقد ابتلينا فرعون وقومه بالقحط والدب‪ ,‬ونَقْص ثارهم وغَلتم;‬ ‫ليتذكروا‪ ,‬وينجروا عن ضللتم‪ ,‬ويفزعوا إل ربم بالتوبة‪.‬‬ ‫‪519‬‬

‫صْبهُمْ َسّيَئةٌ يَ ّطيّرُوا ِبمُو سَى‬ ‫سَنةُ قَالُوا لَنَا َهذِ ِه وَإِ نْ تُ ِ‬ ‫َفإِذَا جَا َءْتهُ ْم اْلحَ َ‬

‫وَمَنْ مَ َعهُ أَل ِإنّمَا طَائِرُ ُهمْ ِعنْ َد الّلهِ وَلَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل يَعَْلمُونَ (‪)131‬‬

‫صبُ والرزقُ قالوا‪ :‬هذا لنا با نستحقه‪ ,‬وإن‬ ‫فإذا جاء فرعونَ وقومَه الِ ْ‬ ‫صبْهم جدب وقحط يتشاءموا‪ ,‬ويقولوا‪ :‬هذا بسبب موسى ومَن معه‪.‬‬ ‫يُ ِ‬ ‫أل إ ّن ما يصيبهم من الدب والقحط إنا هو بقضاء ال وقدره‪ ,‬وبسبب‬ ‫ذنوبم وكفرهم‪ ,‬ولكن أكثر قوم فرعون ل يعلمون ذلك; لنغمارهم ف‬ ‫الهل والضلل‪.‬‬ ‫ك بِ ُمؤْ ِمنِيَ (‬ ‫سحَ َرنَا بِهَا فَمَا َنحْ نُ لَ َ‬ ‫وَقَالُوا َمهْمَا تَ ْأتِنَا بِ هِ مِ نْ آَيةٍ ِلتَ ْ‬ ‫‪)132‬‬

‫وقال قوم فرعون لوسى‪ :‬أي آية تأتِنا با‪ ,‬ودللة وحجة أقمتها لتصرفنا‬ ‫عما نن عليه من دين فرعون‪ ,‬فما نن لك بصدّقي‪.‬‬ ‫َاتم‬ ‫ّمم آي ٍ‬ ‫ِعم وَالد َ‬ ‫َانم وَاْلجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَاد َ‬ ‫ِمم الطّوف َ‬ ‫ْسمْلنَا عََلْيه ْ‬ ‫َفَأر َ‬ ‫مُفَصّلتٍ فَا ْسَت ْكبَرُوا وَكَانُوا َقوْما ُمجْرِ ِميَ (‪)133‬‬ ‫‪520‬‬

‫فأرسلنا عليهم سيل جارفًا أغرق الزروع والثمار‪ ,‬وأرسلنا الراد‪ ,‬فأكل‬ ‫زروعهم وثارهم وأبوابم وسقوفهم وثيابم‪ ,‬وأرسلنا القُمّل الذي يفسد‬ ‫الثمار ويقضي على اليوان والنبات‪ ,‬وأرسلنا الضفادع فملت آنيتهم‬ ‫وأطعمتهم ومضاجعهم‪ ,‬وأرسلنا أيضًا الدم فصارت أنارهم وآبارهم‬ ‫دمًا‪ ,‬ول يدوا ماء صالًا للشرب‪ ,‬هذه آيات من آيات ال ل يقدر‬ ‫عليها غيه‪ ,‬مفرقات بعضها عن بعض‪ ,‬ومع كل هذا ترفّع قوم فرعون‪,‬‬ ‫فاستكبوا عن اليان بال‪ ,‬وكانوا قومًا يعملون با ينهى ال عنه من‬ ‫العاصي والفسق عتوّا وتردًا‪.‬‬ ‫ع َلنَا َربّكَ بِمَا َعهِدَ ِعنْ َدكَ َلئِنْ‬ ‫َولَمّا وَقَ َع عََلْيهِ ْم الرّجْ ُز قَالُوا يَا مُوسَى ادْ ُ‬ ‫َكشَفْتَ َعنّا الرّجْزَ َلُنؤْ ِمنَنّ لَكَ َوَلنُرْ ِسلَنّ مَ َعكَ َبنِي إِ ْسرَائِيلَ (‪)134‬‬ ‫ولا نزل العذاب على فرعون وقومه فزعوا إل موسى وقالوا‪ :‬يا موسى‬ ‫ادع لنا ربك با أوحى به إليك مِن رَفْع العذاب بالتوبة‪ ,‬لئن رفعت عنا‬ ‫العذاب الذي نن فيه لنصدّق ّن با جئت به‪ ,‬ونتبع ما دعوت إليه‪,‬‬ ‫ولنطلقنّ معك بن إسرائيل‪ ,‬فل ننعهم من أن يذهبوا حيث شاؤوا‪.‬‬ ‫َفلَمّا َكشَ ْفنَا َعْنهُمْ الرّجْزَ ِإلَى َأجَلٍ هُ ْم بَالِغُوهُ إِذَا ُهمْ يَن ُكثُونَ (‪)135‬‬ ‫‪521‬‬

‫فلما رفع ال عنهم العذاب الذى أنزله بم إل أجلٍ هم بالغوه ل مالة‬ ‫فيعذبون فيه‪ ,‬ل ينفعهم ما تقدّم لم من المهال و َكشْفِ العذاب إل‬ ‫حلوله‪ ,‬إذا هم ينقضون عهودهم الت عاهدوا عليها ربم وموسى‪,‬‬ ‫ويقيمون على كفرهم وضللم‪.‬‬ ‫ُمم كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا َعنْهَا‬ ‫ُمم فِي اْليَمّ بَِأّنه ْ‬ ‫ُمم فَأَ ْغرَ ْقنَاه ْ‬ ‫فَانتَقَمْنَا ِمْنه ْ‬

‫غَافِِليَ (‪)136‬‬

‫فانتقمنا منهم حي جاء الجل الحدد لهلكهم‪ ,‬وذلك بإحلل نقمتنا‬ ‫عليهم‪ ,‬وهي إغراقهم ف البحر; بسبب تكذيبهم بالعجزات الت ظهرت‬ ‫على يد موسى‪ ,‬وكانوا عن هذه العجزات غافلي‪ ,‬وتلك الغفلة هي‬ ‫سبب التكذيب‪.‬‬ ‫ستَضْعَفُونَ َمشَارِ قَ ا َلرْ ضِ وَمَغَا ِربَهَا الّتِي‬ ‫وََأ ْو َرثْنَا الْقَوْ مَ الّذِي نَ كَانُوا يُ ْ‬ ‫صبَرُوا‬ ‫سنَى عَلَى بَنِي إِ ْسرَائِيلَ بِمَا َ‬ ‫ت كَلِ َم ُة َربّ كَ الْحُ ْ‬ ‫بَارَكْنَا فِيهَا َوتَمّ ْ‬ ‫صنَ ُع فِرْ َع ْونُ وََقوْ ُمهُ وَمَا كَانُوا يَعْ ِرشُونَ (‪)137‬‬ ‫وَدَمّ ْرنَا مَا كَانَ يَ ْ‬ ‫وأررثنا بن إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلّون للخدمة‪ ,‬مشارق الرض‬ ‫ومغاربا (وهي بلد "الشام") الت باركنا فيها‪ ,‬بإخراج الزروع والثمار‬ ‫‪522‬‬

‫والنار‪ ,‬وتت كلمة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬السن على بن إسرائيل‬ ‫بالتمكي لم ف الرض; بسبب صبهم على أذى فرعون وقومه‪,‬‬ ‫ودمّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والزارع‪ ,‬وما كانوا‬ ‫يبنون من البنية والقصور وغي ذلك‪.‬‬ ‫صنَامٍ َلهُ مْ‬ ‫وَجَا َوزْنَا ِببَنِي ِإ سْرَائِيلَ اْلبَحْ َر فََأَتوْا عَلَى َقوْ مٍ يَ ْعكُفُو نَ َعلَى أَ ْ‬ ‫جهَلُو نَ (‬ ‫قَالُوا يَا مُو سَى اجْعَل لَنَا ِإلَها كَمَا َلهُ مْ آِل َهةٌ قَالَ ِإنّكُ مْ َقوْ مٌ َت ْ‬ ‫‪)138‬‬ ‫وقطعنا ببن إسرائيل البحر‪ ,‬فمرّوا على قوم يقيمون ويواظبون على‬ ‫عبادة أصنام لم‪ ,‬قال بنو إسرائيل‪ :‬اجعل لنا يا موسى صنمًا نعبده‬ ‫ونتخذه إلًا‪ ,‬كما لؤلء القوم أصنام يعبدونا‪ ,‬قال موسى لم‪ :‬إنكم‬ ‫أيها القوم تهلون عظمة ال‪ ,‬ول تعلمون أن العبادة ل تنبغي إل ل‬ ‫الواحد القهار‪.‬‬ ‫ِإنّ َهؤُلءِ ُمَتبّرٌ مَا هُمْ فِيهِ َوبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪)139‬‬

‫‪523‬‬

‫إن هؤلء القيمي على هذه الصنام ُمهْلَك ما هم فيه من الشرك‪,‬‬ ‫ومدمّر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتم لتلك الصنام‪ ,‬الت ل تدفع‬ ‫عنهم عذاب ال إذا نزل بم‪.‬‬ ‫قَالَ أَ َغيْ َر الّلهِ َأبْغِيكُمْ ِإلَها وَ ُهوَ فَضّلَ ُكمْ عَلَى الْعَالَ ِميَ (‪)140‬‬ ‫قال موسى لقومه‪ :‬أغي ال أطلب لكم معبودًا تعبدونه من دونه‪ ,‬وال‬ ‫هو الذي خلقكم‪ ,‬وفضّلكم على عالي زمانكم بكثرة النبياء فيكم‪,‬‬ ‫وإهلك عدوكم وما خصّكم به من اليات؟‬ ‫ب يُ َقتّلُو نَ َأْبنَاءَكُ مْ‬ ‫وَِإذْ أَ َنْينَاكُ مْ مِ نْ آ ِل فِرْ َعوْ نَ يَ سُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَا ِ‬ ‫حيُونَ ِنسَاءَكُمْ وَفِي َذلِكُ ْم بَلءٌ مِ ْن َربّكُمْ عَظِي ٌم (‪)141‬‬ ‫َوَيسَْت ْ‬ ‫واذكروا ‪ -‬يا بن إسرائيل ‪ -‬نِعَمنا عليكم إذ أنقذناكم من َأسْر فرعون‬ ‫وآله‪ ,‬وما كنتم فيه من الوان والذلة من تذبيح أبنائكم واستبقاء نسائكم‬ ‫للخدمة‪ ,‬وف حَمْلِكم على أقبح العذاب وأسوئه‪ ,‬ث إنائكم‪ ,‬اختبار من‬ ‫ال لكم ونعمة عظيمة‪.‬‬

‫‪524‬‬

‫ت َربّ هِ َأ ْربَ ِعيَ َليْلَ ًة‬ ‫َووَاعَ ْدنَا مُو سَى ثَلِثيَ َليْلَةً َوَأتْمَ ْمنَاهَا بِ َعشْ ٍر َفتَمّ مِيقَا ُ‬ ‫وَقَالَ مُو سَى لَخِي هِ هَارُو نَ اخْلُفْنِي فِي َقوْمِي وَأَ صِْلحْ وَل َتّتِب عْ َسبِيلَ‬ ‫الْمُ ْفسِدِينَ (‪)142‬‬ ‫وواعد ال سبحانه وتعال موسى لناجاة ربه ثلثي ليلة‪ ,‬ث زاده ف‬ ‫الجل بعد ذلك عشر ليال‪ ,‬فت ّم ما وَّقتَه ال لوسى لتكليمه أربعي ليلة‪.‬‬ ‫وقال موسى لخيه هارون ‪-‬حي أراد الضيّ لناجاة ربه‪ :-‬كن خليفت‬ ‫ف قومي حت أرجع‪ ,‬وأحِلَهم على طاعة ال وعبادته‪ ,‬ول تسلكْ طريق‬ ‫الذين يفسدون ف الرض‪.‬‬ ‫َولَمّا جَاءَ مُو سَى لِمِيقَاِتنَا وَكَلّمَ هُ َربّ هُ قَالَ َربّ َأ ِرنِي أَنظُرْ ِإَليْ كَ قَالَ لَ ْن‬ ‫ف تَرَانِي فَلَمّا َتجَلّى‬ ‫جبَلِ َفإِ نْ ا ْستَ َقرّ مَكَانَ هُ فَ سَوْ َ‬ ‫تَرَانِي َولَكِ نْ انظُرْ ِإلَى الْ َ‬ ‫ك ُتبْ تُ‬ ‫ق قَالَ ُسْبحَانَ َ‬ ‫جبَلِ جَعَلَ هُ دَكّا وَ َخرّ مُو سَى صَعِقا فَلَمّا َأفَا َ‬ ‫َربّ هُ لِ ْل َ‬ ‫ِإَليْكَ َوَأنَا َأوّلُ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)143‬‬ ‫ولا جاء موسى ف الوقت الحدد وهو تام أربعي ليلة‪ ,‬وكلّمه ربه با‬ ‫كلّمه من وحيه وأمره ونيه‪ ,‬طمع ف رؤية ال فطلب النظر إليه‪ ,‬قال ال‬ ‫له‪ :‬لن تران‪ ,‬أي لن تقدر على رؤيت ف الدنيا‪ ,‬ولكن انظر إل البل‪,‬‬ ‫ت له فسوف تران‪ ,‬فلما تلّى ربه للجبل جعله‬ ‫فإن استقر مكانه إذا تلّي ُ‬ ‫‪525‬‬

‫دكّا مستويًا بالرض‪ ,‬وسقط موسى مغشيّا عليه‪ ,‬فلما أفاق من غشيته‬ ‫قال‪ :‬تنيهًا لك يا رب عما ل يليق بللك‪ ,‬إن تبت إليك من مسألت‬ ‫إياك الرؤية ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وأنا أول الؤمني بك من قومي‪.‬‬ ‫ك عَلَى النّا سِ ِبرِ سَالتِي َوبِكَلمِي َفخُ ْذ مَا‬ ‫قَالَ يَا مُو سَى ِإنّ ي ا صْطَ َفْيتُ َ‬ ‫ك وَكُنْ مِنْ الشّاكِرِينَ (‪)144‬‬ ‫آَتْيتُ َ‬ ‫قال ال يا موسى‪ :‬إن اخترتك على الناس برسالت إل خلقي الذين‬ ‫أرسلتك إليهم وبكلمي إياك مِن غي وساطة‪ ,‬فخذ ما أعطيتك مِن‬ ‫أمري ونيي‪ ,‬وتسّك به‪ ,‬واعمل به‪ ,‬وكن من الشاكرين ل تعال على‬ ‫ما آتاك من رسالته‪ ,‬وخصّك بكلمه‪.‬‬ ‫ل لِكُلّ شَ ْي ٍء َفخُذْهَا‬ ‫وَ َكَتْبنَا لَ هُ فِي ا َلْلوَا حِ مِ نْ كُلّ شَ ْيءٍ َموْعِ َظةً َوتَفْ صِي ً‬ ‫سِنهَا سَُأرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِ ِقيَ (‪)145‬‬ ‫ك يَأْ ُخذُوا بِأَ ْح َ‬ ‫بِ ُقوّةٍ وَأْمُ ْر َقوْمَ َ‬ ‫وكتبنا لوسى ف التوراة من كل ما يتاج إليه ف دينه من الحكام‪,‬‬ ‫موعظة للزدجار والعتبار وتفصيل لتكاليف اللل والرام والمر‬ ‫والنهي والقصص والعقائد والخبار والغيبات‪ ,‬قال ال له‪ :‬فخذها بقوة‪,‬‬ ‫أي‪ :‬خذ التوراة بد واجتهاد‪ ,‬وأمر قومك يعملوا با شرع ال فيها; فإن‬ ‫‪526‬‬

‫مَن أشرك منهم ومِن غيهم فإن سأريه ف الخرة دار الفاسقي‪ ,‬وهي‬ ‫نار ال الت أعدّها لعدائه الارجي عن طاعته‪.‬‬ ‫ف عَنْ آيَاتِي الّذِينَ َيتَ َكبّرُونَ فِي ا َلرْضِ بِ َغيْ ِر الْحَقّ وَإِنْ َي َروْا كُ ّل‬ ‫سََأصْرِ ُ‬ ‫آَيةٍ ل ُيؤْ ِمنُوا ِبهَا وَإِ نْ يَ َروْا َسبِيلَ الرّشْ ِد ل َيّتخِذُو هُ َسبِيلً وَإِ نْ َي َروْا َسبِيلَ‬ ‫ك بَِأّنهُ مْ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا َعنْهَا غَافِلِيَ (‬ ‫الغَيّ َيّتخِذُو هُ َسبِيلً َذلِ َ‬

‫‪)146‬‬

‫سأصرف عن َفهْم الجج والدلة الدالة على عظمت وشريعت وأحكامي‬ ‫قلوب التكبين عن طاعت‪ ,‬والتكبين على الناس بغي الق‪ ,‬فل يتبعون‬ ‫نبيًا ول يصغون إليه لتكبهم‪ ,‬وإنْ يَ َر هؤلء التكبون عن اليان كل‬ ‫آية ل يؤمنوا با لعراضهم ومادّتم ل ورسوله‪ ,‬وإن يروا طريق‬ ‫الصلح ل يتخذوه طريقًا‪ ,‬وإن يروا طريق الضلل‪ ,‬أي الكفر يتخذوه‬ ‫طريقًا ودينًا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات ال وغفلتهم عن النظر فيها‬ ‫والتفكر ف دللتا‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َولِقَاءِ الخِرَةِ َحبِطَ تْ أَعْمَاُلهُ مْ هَلْ ُيجْ َزوْ نَ إِ ّل مَا‬ ‫كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)147‬‬

‫‪527‬‬

‫والذين كذّبوا بآيات ال وحججه وبلقاء ال ف الخرة حبطت أعملهم;‬ ‫بسبب فَ ْقدِ شرطها‪ ,‬وهو اليان بال والتصديق بزائه‪ ,‬ما يزون ف‬ ‫الخرة إل جزاء ما كانوا يعملونه ف الدنيا من الكفر والعاصي‪ ,‬وهو‬ ‫اللود ف النار‪.‬‬ ‫وَاّتخَذَ َقوْ ُم مُو سَى مِ نْ بَعْدِ ِه مِ نْ حُِلّيهِ مْ ِعجْلً جَ سَدا لَ هُ ُخوَارٌ َألَ ْم يَ َروْا‬

‫ل اتّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِ ِميَ ( ‪)148‬‬ ‫َأّنهُ ل يُكَلّ ُمهُ ْم وَل َيهْدِيهِمْ َسبِي ً‬

‫واتذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضيًا لناجاة ربه معبودًا مِن ذهبهم‬ ‫عِجل جسدًا بل روح‪ ,‬له صوت‪ ,‬أل يعلموا أنه ل يكلمهم‪ ,‬ول‬ ‫يرشدهم إل خي؟ أَقْدَمُوا على ما أقدموا عليه من هذا المر الشنيع‪,‬‬ ‫وكانوا ظالي لنفسهم واضعي الشيء ف غي موضعه‪.‬‬ ‫َولَمّ ا ُسقِطَ فِي َأيْدِيهِ مْ َورََأوْا َأّنهُ ْم َقدْ ضَلّوا قَالُوا َلئِ نْ لَ ْم يَ ْرحَمْنَا َربّنَا‬ ‫َويَغْفِرْ َلنَا َلنَكُونَنّ مِنْ اْلخَاسِرِي َن (‪)149‬‬ ‫ولا ندم الذين عبدوا العجل مِن دون ال عند رجوع موسى إليهم‪,‬‬ ‫ورأوا أنم قد ضلّوا عن قصد السبيل‪ ,‬وذهبوا عن دين ال‪ ,‬أخذوا ف‬ ‫‪528‬‬

‫القرار بالعبودية والستغفار‪ ,‬فقالوا‪ :‬لئن ل يرحنا ربنا بقَبول توبتنا‪,‬‬ ‫ويستر با ذنوبنا‪ ,‬لنكونن من الالكي الذين ذهبت أعمالم‪.‬‬ ‫ضبَا نَ أَ سِفا قَالَ ِبئْ سَمَا خَلَ ْفتُمُونِي مِ نْ‬ ‫َولَمّ ا رَ َج عَ مُو سَى ِإلَى َقوْمِ هِ غَ ْ‬ ‫بَعْدِي أَ َعجِ ْلتُ مْ أَمْ َر َربّكُ ْم وََألْقَى ا َللْوَا حَ وَأَ َخذَ بِ َرأْ سِ أَخِي هِ َيجُرّ هُ ِإَليْ هِ قَالَ‬ ‫ت بِي الَعْدَاءَ وَل‬ ‫ابْنَ أُمّ ِإنّ الْ َقوْمَ ا ْستَضْ َعفُونِي وَكَادُوا يَ ْقتُلُوَننِي فَل ُتشْ ِم ْ‬

‫َتجْعَ ْلنِي مَ َع الْ َقوْمِ الظّالِ ِميَ (‪)150‬‬

‫ولا رجع موسى إل قومه مِن بن إسرائيل غضبان حزينًا; لن ال قد‬ ‫أخبه أنه قد ُفتِن قومه‪ ,‬وأن السامريّ قد أضلّهم‪ ,‬قال موسى‪ :‬بئس‬ ‫اللفة الت خلفتمون مِن بعدي‪ ,‬أعجلتم أَمْر ربكم؟ أي‪ :‬أستعجلتم‬ ‫ميئي إليكم وهو مقدّر من ال تعال؟ وألقى موسى ألواح التوراة غضبا‬ ‫على قومه الذين عبدوا العجل‪ ,‬وغضبًا على أخيه هارون‪ ,‬وأمسك برأس‬ ‫أخيه يره إليه‪ ,‬قال هارون مستعطفًا‪ :‬يا ابن أمي‪ :‬إن القوم استذلون‬ ‫وعدّون ضعيفًا وقاربوا أن يقتلون‪ ,‬فل تَسرّ العداء با تفعل ب‪ ,‬ول‬ ‫تعلن ف غضبك مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ اغْفِ ْر لِي وَلَخِي وَأَ ْدخِ ْلنَا فِي رَحْ َمِتكَ وََأْنتَ َأ ْرحَمُ الرّا ِح ِميَ (‬ ‫‪529‬‬

‫‪)151‬‬ ‫قال موسى لا تبي له عذر أخيه‪ ,‬وعلم أنه ل يُفَرّط فيما كان عليه من‬ ‫أمر ال‪ :‬ربّ اغفر ل غضب‪ ,‬واغفر لخي ما سبق بينه وبي بن‬ ‫إسرائيل‪ ,‬وأدخلنا ف رحتك الواسعة‪ ,‬فإنك أرحم بنا من كل راحم‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا‬ ‫ِإنّ الّذِي َن اتّخَذُوا الْ ِعجْلَ َسَينَاُلهُ ْم غَضَبٌ مِنْ َرّبهِمْ وَ ِذّلةٌ فِي الْ َ‬ ‫وَكَ َذلِكَ َنجْزِي الْمُ ْفتَرِينَ (‪)152‬‬ ‫إن الذين اتذوا العجل إلًا سينالم غضب شديد مِن ربم وهوان ف‬ ‫الياة الدنيا; بسبب كفرهم بربم‪ ,‬وكما فعلنا بؤلء نفعل بالفترين‬ ‫البتدعي ف دين ال‪ ,‬فكل صاحب بدعة ذليل‪.‬‬ ‫ك مِ نْ بَ ْعدِهَا‬ ‫ت ثُمّ تَابُوا مِ نْ بَ ْعدِهَا وَآ َمنُوا إِنّ َربّ َ‬ ‫سّيئَا ِ‬ ‫وَالّذِي نَ عَمِلُوا ال ّ‬ ‫لَغَفُورٌ َرحِيمٌ ( ‪)153‬‬ ‫والذين عملوا السيئات من الكفر والعاصي‪ ,‬ث رجعوا مِن بعد فعلها إل‬ ‫اليان والعمل الصال‪ ,‬إن ربك من بعد التوبة النصوح لغفور لعمالم‬ ‫غي فاضحهم با‪ ,‬رحيم بم وبكل مَن كان مثلهم من التائبي‪.‬‬ ‫‪530‬‬

‫خِتهَا ُهدًى‬ ‫ت عَن ْم مُوسمَى الْغَضَبُمأَ َخذَ ا َلْلوَاحَم وَفِي نُس ْم َ‬ ‫َولَمّام سَمكَ َ‬

‫َورَحْ َمةٌ لِلّذِينَ ُهمْ لِ َرّبهِ ْم يَرْ َهبُونَ (‪)154‬‬

‫ولا سكن عن موسى غضبه أخذ اللواح بعد أن ألقاها على الرض‪,‬‬ ‫وفيها بيان للحق ورحة للذين يافون ال‪ ,‬ويشون عقابه‪.‬‬ ‫ل لِمِيقَاِتنَا فََلمّا أَخَ َذْتهُ مْ الرّجْ َفةُ قَالَ رَبّ‬ ‫وَا ْختَارَ مُو سَى َقوْمَ هُ َسبْ ِعيَ رَجُ ً‬ ‫َلوْ ِشئْتَ أَهْلَ ْكَتهُ ْم مِنْ َقبْلُ وَِإيّايَ َأُتهْلِ ُكنَا بِمَا َفعَلَ السّ َفهَاءُ ِمنّا ِإنْ هِيَ إِلّ‬ ‫ت َوِليّنَا فَاغْفِرْ َلنَا وَارْ َح ْمنَا‬ ‫ِفْتَنتُ كَ تُضِلّ ِبهَا مَ ْن َتشَاءُ َوَتهْدِي مَ ْن َتشَاءُ َأْن َ‬ ‫وََأنْتَ َخيْ ُر الْغَاِفرِينَ (‪)155‬‬ ‫واختار موسى من قومه سبعي رجل مِن خيارهم‪ ,‬وخرج بم إل طور‬ ‫"سيناء" للوقت والجل الذي واعده ال أن يلقاه فيه بم للتوبة ما كان‬ ‫من سفهاء بن إسرائيل من عبادة العجل‪ ,‬فلما أتوا ذلك الكان قالوا‪ :‬لن‬ ‫نؤمن لك ‪-‬يا موسى‪ -‬حت نرى ال جهرة فإنك قد كلّمته فأ ِرنَاهُ‪,‬‬ ‫فأخذتم الزلزلة الشديدة فماتوا‪ ,‬فقام موسى يتضرع إل ال ويقول‪:‬‬ ‫ت خيارهم؟ لو شئت‬ ‫رب ماذا أقول لبن إسرائيل إذا أتيتُهم‪ ,‬وقد أهلك َ‬ ‫أهلكتهم جيعًا من قبل هذا الال وأنا معهم‪ ,‬فإن ذلك أخف عليّ‪,‬‬ ‫‪531‬‬

‫أتلكنا با فعله سفهاء الحلم منا؟ ما هذه الفعلة الت فعلها قومي من‬ ‫عبادتم العجل إل ابتلءٌ واختبارٌ‪ ,‬تضلّ با مَن تشاء مِن خلقك‪ ,‬وتدي‬ ‫با من تشاء هدايته‪ ,‬أنت وليّنا وناصرنا‪ ,‬فاغفر ذنوبنا‪ ,‬وارحنا برحتك‪,‬‬ ‫وأنت خي مَن صفح عن جُرْم‪ ,‬وستر عن ذنب‪.‬‬ ‫سَنةً وَفِي الخِرَةِ ِإنّا هُ ْدنَا ِإَليْ كَ قَالَ َعذَابِي‬ ‫وَا ْكتُ بْ َلنَا فِي هَذِ ِه ال ّدْنيَا حَ َ‬ ‫ب بِ هِ مَ نْ أَشَاءُ َورَحْ َمتِي وَ سِ َعتْ كُلّ شَ ْيءٍ فَ سَأَ ْكُتُبهَا لِلّذِي نَ َيتّقُو نَ‬ ‫أُ صِي ُ‬ ‫َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ ُهمْ بِآيَاِتنَا ُيؤْ ِمنُونَ (‪)156‬‬ ‫ت له الصالات من العمال ف الدنيا وف الخرة‪ ,‬إنا‬ ‫واجعلنا من كتب َ‬ ‫رجعنا تائبي إليك‪ ,‬قال ال تعال لوسى‪ :‬عذاب أصيب به مَن أشاء مِن‬ ‫خلقي‪ ,‬كما أصبتُ هؤلء الذين أصبتهم من قومك‪ ,‬ورحت وسعت‬ ‫خلقي كلّهم‪ ,‬فسأكتبها للذين يافون ال‪ ,‬ويشون عقابه‪ ,‬فيؤدون‬ ‫فرائضه‪ ,‬ويتنبون معاصيه‪ ,‬والذين هم بدلئل التوحيد وبراهينه‬ ‫يصدقون‪.‬‬ ‫الّذِي نَ َيّتبِعُو نَ الرّ سُولَ الّنبِيّ الُمّيّ الّذِي َيجِدُونَ هُ مَ ْكتُوبا ِعنْدَهُ ْم فِي‬ ‫ُمم‬ ‫َنم الْمُنكَ ِر َويُحِلّ َله ْ‬ ‫ُمم ع ْ‬ ‫ُوفم َوَيْنهَاه ْ‬ ‫ُمم بِالْمَعْر ِ‬ ‫الّت ْورَاةِ وَالِنِيلِ يَأْ ُمرُه ْ‬ ‫‪532‬‬

‫ال ّطّيبَا تِ َوُيحَرّ مُ َعَلْيهِ مْ اْلخَبَائِ ثَ َويَضَ ُع َعْنهُ مْ إِ صْرَهُ ْم وَالَغْللَ الّتِي‬ ‫ت عََلْيهِ ْم فَالّذِي نَ آ َمنُوا بِ هِ وَعَ ّزرُو هُ َونَ صَرُوهُ وَاّتبَعُوا النّورَ الّذِي أُنزِلَ‬ ‫كَانَ ْ‬ ‫ك هُمْ الْمُفِْلحُونَ (‪)157‬‬ ‫مَ َعهُ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫هذه الرحة سأكتبها للذين يافون ال ويتنبون معاصيه‪ ,‬ويتبعون‬ ‫الرسول النب المي الذي ل يقرأ ول يكتب‪ ,‬وهو ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬الذي يدون صفته وأمره مكتوَبيْن عندهم ف التوراة والنيل‪,‬‬ ‫يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف ُحسْنه‪ ,‬وينهاهم عن الشرك‬ ‫والعصية وكل ما عرف ُقبْحه‪ ,‬وُيحِلّ لم الطيبات من الطاعم‬ ‫والشارب والناكح‪ ,‬ويُحرّم عليهم البائث منها كلحم النير‪ ,‬وما‬ ‫كانوا يستحلّونه من الطاعم والشارب الت حرّمها ال‪ ,‬ويذهب عنهم‬ ‫ما كُلّفوه من المور الشاقة كقطع موضع النجاسة من الثوب‪ ,‬وإحراق‬ ‫الغنائم‪ ,‬والقصاص حتمًا من القاتل عمدًا كان القتل أم خطأ‪ ,‬فالذين‬ ‫صدّقوا بالنب المي ممد صلى ال عليه وسلم وأقروا بنبوته‪ ,‬ووقروه‬ ‫وعظّموه ونصروه‪ ,‬واتبعوا القرآن النل عليه‪ ,‬وعملوا بسنته‪ ,‬أولئك هم‬ ‫الفائزون با وعد ال به عباده الؤمني‪.‬‬ ‫ك ال سّ َموَا ِ‬ ‫ت‬ ‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّا سُ ِإنّي رَ سُولُ اللّ هِ ِإَليْكُ مْ جَمِيعا الّذِي لَ هُ مُلْ ُ‬ ‫وَالَرْ ضِ ل ِإلَ هَ إِ ّل ُهوَ ُيحْ يِ َويُمِي تُ فَآ ِمنُوا بِاللّ هِ َورَ سُولِهِ الّنبِيّ الُمّيّ‬ ‫‪533‬‬

‫الّذِي ُيؤْمِنُ بِالّلهِ وَكَلِمَاِتهِ وَاّتبِعُوهُ لَعَلّكُمْ َت ْهتَدُونَ (‪)158‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس كلهم‪ :‬إن رسول ال إليكم جيعًا ل إل‬ ‫بعضكم دون بعض‪ ,‬الذي له ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬ل‬ ‫ينبغي أن تكون اللوهية والعبادة إل له جل ثناؤه‪ ,‬القادر على إياد‬ ‫اللق وإفنائه وبعثه‪ ,‬فصدّقوا بال وأقرّوا بوحدانيته‪ ,‬وصدّقوا برسوله‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم النب الم ّي الذي يؤمن بال وما أنزل إليه من‬ ‫ربه وما أنزل على النبيي من قبله‪ ,‬واتبعوا هذا الرسول‪ ,‬والتزموا العمل‬ ‫با أمركم به من طاعة ال‪ ,‬رجاء أن توفقوا إل الطريق الستقيم‪.‬‬ ‫وَمِنْ َقوْمِ مُوسَى أُ ّمةٌ َيهْدُونَ بِاْلحَقّ َوِبهِ يَ ْع ِدلُونَ (‪)159‬‬ ‫ومِن بن إسرائيل من قوم موسى جاعة يستقيمون على الق‪ ,‬يهدون‬ ‫الناس به‪ ,‬ويعدلون به ف الكم ف قضاياهم‪.‬‬ ‫وَقَطّ ْعنَاهُ ْم اْثَنتَ يْ َعشْرَةَ أَ ْسبَاطا أُمَما وََأوْ َحيْنَا ِإلَى مُو سَى ِإذْ ا ْسَتسْقَا ُه‬ ‫حجَرَ فَاْنَبجَ سَتْ ِمنْ هُ اْثَنتَا َعشْرَةَ َعيْنا قَ ْد عَلِ مَ‬ ‫َقوْمُ هُ أَ نْ اضْرِب بِعَ صَا َك الْ َ‬ ‫كُلّ ُأنَا سٍ َمشْ َرَبهُ ْم َوظَلّلْنَا عََلْيهِ مْ الْغَمَا مَ وَأَن َزلْنَا عََلْيهِ مْ الْمَنّ وَال سّ ْلوَى‬ ‫سهُمْ يَظْلِمُونَ (‬ ‫كُلُوا مِ ْن َطّيبَاتِ مَا َرزَ ْقنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا َولَكِنْ كَانُوا أَنفُ َ‬ ‫‪534‬‬

‫‪)160‬‬ ‫وفرّقنا قوم موسى مِن بن إسرائيل اثنت عشرة قبيلة بعدد السباط ‪-‬وهم‬ ‫أبناء يعقوب‪ -‬كل قبيلة معروفة من جهة نقيبها‪ .‬وأوحينا إل موسى إذ‬ ‫طلب منه قومه السقيا حي عطشوا ف الّتيْه‪ :‬أن اضرب بعصاك الجر‪,‬‬ ‫فضربه‪ ،‬فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا من الاء‪ ,‬قد علمت كل قبيلة من‬ ‫القبائل الثنت عشرة مشربم‪ ,‬ل تدخل قبيلة على غيها ف شربا‪,‬‬ ‫وظلّلنا عليهم السحاب‪ ,‬وأنزلنا عليهم النّ ‪-‬وهو شيء يشبه الصّمغ‪,‬‬ ‫طعمه كالعسل ‪ -‬والسلوى‪ ,‬وهو طائر يشبه السّمَانَى‪ ,‬وقلنا لم‪ :‬كلوا‬ ‫من طيبات ما رزقناكم‪ ,‬فكرهوا ذلك وملّوه من طول الداومة عليه‪,‬‬ ‫وقالوا‪ :‬لن نصب على طعام واحد‪ ,‬وطلبوا استبدال الذي هو أدن بالذي‬ ‫هو خي‪ .‬وما ظلمونا حي ل يشكروا ل‪ ,‬ول يقوموا با أوجب ال‬ ‫عليهم‪ ,‬ولكن كانوا أنفسهم يظلمون; إذ فوّتوا عليها كل خي‪,‬‬ ‫وعرّضوها للشر والنقمة‪.‬‬ ‫وَِإذْ قِي َل لَهُ مْ ا سْ ُكنُوا هَذِ هِ الْقَ ْرَيةَ وَكُلُوا ِمنْهَا َحيْ ثُ ِشْئتُ ْم وَقُولُوا حِ ّطةٌ‬ ‫سِنيَ (‪)161‬‬ ‫حِ‬ ‫وَادْخُلُوا اْلبَابَ ُسجّدا نَغْفِ ْر لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ َسنَزِي ُد الْمُ ْ‬

‫‪535‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عصيان بن إسرائيل لربم سبحانه وتعال ولنبيهم‬ ‫موسى عليه السلم‪ ,‬وتبديلهم القول الذي أمروا أن يقولوه حي قال ال‬ ‫لم‪ :‬اسكنوا قرية "بيت القدس"‪ ,‬وكلوا من ثارها وحبوبا ونباتا أين‬ ‫ط عنا ذنوبنا‪ ,‬وادخلوا الباب خاضعي ل‪,‬‬ ‫شئتم ومت شئتم‪ ,‬وقولوا‪ :‬حُ ّ‬ ‫نغفر لكم خطاياكم‪ ,‬فل نؤاخذكم عليها‪ ,‬وسنيد الحسني مِن َخيْ َريِ‬ ‫الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫َفَبدّلَ الّذِي نَ ظَلَمُوا ِمْنهُ ْم َقوْلً َغيْ َر الّذِي قِيلَ َلهُ مْ فََأرْ َس ْلنَا عََلْيهِ مْ رِجْزا‬

‫مِنْ السّمَاءِ ِبمَا كَانُوا يَظِْلمُونَ (‪)162‬‬

‫فغيّر الذين كفروا بال منهم ما أمرهم ال به من القول‪ ,‬ودخلوا الباب‬ ‫يزحفون على أستاههم‪ ,‬وقالوا‪ :‬حبة ف شعرة‪ ,‬فأرسلنا عليهم عذابًا من‬ ‫السماء‪ ,‬أهلكناهم به; بسبب ظلمهم وعصيانم‪.‬‬ ‫سبْتِ إِ ْذ‬ ‫وَا سَْأْلهُمْ عَ ْن الْقَ ْرَيةِ اّلتِي كَانَ تْ حَاضِرَ َة اْلبَحْرِ إِ ْذ يَعْدُو نَ فِي ال ّ‬ ‫سِبتُونَ ل تَ ْأتِيهِ مْ كَ َذلِ كَ‬ ‫تَ ْأتِيهِ مْ حِيتَاُنهُ ْم َيوْ مَ َسْبِتهِمْ شُرّعا َوَيوْ َم ل يَ ْ‬ ‫َنبْلُوهُمْ ِبمَا كَانُوا يَ ْفسُقُونَ (‪)163‬‬

‫‪536‬‬

‫واسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء اليهود عن خب أهل القرية الت كانت‬ ‫بقرب البحر‪ ,‬إذ يعتدي أهلها ف يوم السبت على حرمات ال‪ ,‬حيث‬ ‫أمرهم أن يعظموا يوم السبت ول يصيدوا فيه سكًا‪ ,‬فابتلهم ال‬ ‫وامتحنهم; فكانت حيتانم تأتيهم يوم السبت كثية طافية على وجه‬ ‫البحر‪ ,‬وإذا ذهب يوم السبت تذهب اليتان ف البحر‪ ,‬ول يرون منها‬ ‫شيئًا‪ ,‬فكانوا يتالون على حبسها ف يوم السبت ف حفائر‪ ,‬ويصطادونا‬ ‫بعده‪ .‬وكما وصفنا لكم من الختبار والبتلء‪ ,‬لظهار السمك على‬ ‫ظهر الاء ف اليوم الحرم عليهم صيده فيه‪ ,‬وإخفائه عليهم ف اليوم‬ ‫الحلل لم فيه صيده‪ ,‬كذلك نتبهم بسبب فسقهم عن طاعة ال‬ ‫وخروجهم عنها‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَت ْمأُ ّم ٌة ِمْنهُم ْملِمَمتَعِظُونَم َقوْما اللّهُم ُمهْلِ ُكهُم ْمَأ ْو مُعَ ّذُبهُم ْم عَذَابا‬

‫شَدِيدا قَالُوا مَعْ ِذرَةً ِإلَى َربّكُ ْم َولَعَّلهُمْ َيتّقُونَ (‪)164‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قالت جاعة منهم لماعة أخرى كانت تعظ‬ ‫العتدين ف يوم السبت‪ ,‬وتنهاهم عن معصية ال فيه‪ :‬لِ َم تعظون قومًا ال‬ ‫مهلكهم ف الدنيا بعصيتهم إياه أو معذبم عذابا شديدًا ف الخرة؟ قال‬ ‫الذين كانوا ين َهوْنم عن معصية ال‪ :‬نَعِظهم وننهاهم ِلنُعْذَر فيهم‪,‬‬ ‫ونؤدي فرض ال علينا ف المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ,‬ورجاء أن‬ ‫‪537‬‬

‫يتقوا ال‪ ,‬فيخافوه‪ ,‬ويتوبوا من معصيتهم ربم وتعذّيهم على ما حرّم‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫جيْنَا الّذِي نَ َيْن َهوْ نَ عَ نْ ال سّوءِ وََأخَذْنَا الّذِي نَ‬ ‫َفلَمّ ا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َأْن َ‬ ‫ب َبئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَ ْفسُقُونَ (‪)165‬‬ ‫ظَلَمُوا بِعَذَا ٍ‬ ‫فلما تركت الطائفة الت اعتدت ف يوم السبت ما ذُكّرت به‪ ,‬واستمرت‬ ‫على غيّها واعتدائها فيه‪ ,‬ول تستجب لا وَعَ َظتْها به الطائفة الواعظة‪,‬‬ ‫أنى ال الذين ينهون عن معصيته‪ ,‬وأخذ الذين اعت َدوْا ف يوم السبت‬ ‫بعذاب أليم شديد; بسبب مالفتهم أمر ال وخروجهم عن طاعته‪.‬‬ ‫َفلَمّا َعَتوْا عَنْ مَا ُنهُوا َعْنهُ قُ ْلنَا َلهُمْ كُونُوا قِ َردَةً خَا ِسِئيَ (‪)166‬‬ ‫فلما تردت تلك الطائفة‪ ,‬وتاوزت ما ناها ال عنه من عدم الصيد ف‬ ‫يوم السبت‪ ,‬قال لم ال‪ :‬كونوا قردة خاسئي مبعدين من كل خي‪,‬‬ ‫فكانوا كذلك‪.‬‬ ‫ك َليَبْ َعثَنّ عََلْيهِ مْ ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَا َمةِ مَ نْ يَ سُو ُمهُمْ سُوءَ الْعَذَا بِ‬ ‫وَإِ ْذ تَأَذّ نَ َربّ َ‬ ‫‪538‬‬

‫ك لَسَرِي ُع الْعِقَابِ وَِإّنهُ لَغَفُورٌ رَحِي ٌم ( ‪)167‬‬ ‫ِإنّ َربّ َ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ علم ذلك إعلمًا صريًا ليبعثن على اليهود مَن‬ ‫يذيقهم سوء العذاب والذلل إل يوم القيامة‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫لسريع العقاب لِمَن استحقه بسبب كفره ومعصيته‪ ,‬وإنه لغفور عن‬ ‫ذنوب التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ك َوبََل ْونَاهُمْ‬ ‫وَقَطّ ْعنَاهُمْ فِي ا َلرْضِ أُمَما ِمْنهُمْ الصّاِلحُونَ وَ ِمْنهُمْ دُونَ َذلِ َ‬ ‫ت لَعَّلهُمْ يَ ْرجِعُونَ (‪)168‬‬ ‫سّيئَا ِ‬ ‫ت وَال ّ‬ ‫سنَا ِ‬ ‫حَ‬ ‫بِاْل َ‬ ‫وفرّقنا بن إسرائيل ف الرض جاعات‪ ,‬منهم القائمون بقوق ال‬ ‫وحقوق عباده‪ ,‬ومنهم القصّرون الظالون لنفسهم‪ ,‬واختبنا هؤلء‬ ‫بالرخاء ف العيش والسّعَة ف الرزق‪ ,‬واختبناهم أيضًا بالشدة ف العيش‬ ‫والصائب والرزايا; رجاء أن يرجعوا إل طاعة ربم ويتوبوا من معاصيه‪.‬‬ ‫ب يَأْخُذُو نَ عَرَ ضَ َهذَا الَدْنَى‬ ‫ف َو ِرثُوا الْ ِكتَا َ‬ ‫َفخَلَ فَ مِ نْ بَ ْعدِهِ مْ َخلْ ٌ‬ ‫ض ِمثْلُ ُه يَأْخُذُو هُ‬ ‫َويَقُولُو نَ َسيُغْفَ ُر َلنَا َويَقُولُو نَ َسيُ ْغفَرُ َلنَا وَإِ نْ يَ ْأِتهِ مْ َعرَ ٌ‬ ‫ق الْ ِكتَا بِ أَ نْ ل يَقُولُوا عَلَى اللّ هِ إِلّ الْحَقّ وَ َدرَ سُوا‬ ‫َألَ مْ ُي ْؤخَذْ َعَلْيهِ مْ مِيثَا ُ‬ ‫مَا فِيهِ وَالدّارُ الخِرَةُ َخيْ ٌر لِلّذِينَ َيتّقُونَ َأفَل تَ ْعقِلُونَ (‪)169‬‬ ‫‪539‬‬

‫فجاء من بعد هؤلء الذين وصفناهم بَدَلُ سوء أخذوا الكتاب من‬ ‫أسلفهم‪ ,‬فقرءوه وعلموه‪ ,‬وخالفوا حكمه‪ ,‬يأخذون ما يعرض لم من‬ ‫متاع الدنيا من دنء الكاسب كالرشوة وغيها; وذلك لشدة حرصهم‬ ‫وَنهَمهم‪ ,‬ويقولون مع ذلك‪ :‬إن ال سيغفر لنا ذنوبنا تنيًا على ال‬ ‫ع زائلٌ من أنواع الرام يأخذوه‬ ‫الباطيل‪ ,‬وإن يأت هؤلء اليهودَ متا ٌ‬ ‫ويستحلوه‪ ,‬مصرّين على ذنوبم وتناولم الرام‪ ,‬ألَ ْم يؤخذ على هؤلء‬ ‫العهود بإقامة التوراة والعمل با فيها‪ ,‬وأل يقولوا على ال إل الق وأل‬ ‫يكذبوا عليه‪ ,‬وعلموا ما ف الكتاب فضيعوه‪ ,‬وتركوا العمل به‪ ,‬وخالفوا‬ ‫عهد ال إليهم ف ذلك؟ والدار الخرة خي للذين يتقون ال‪ ,‬فيمتثلون‬ ‫أوامره‪ ,‬ويتنبون نواهيه‪ ,‬أفل يعقل هؤلء الذين يأخذون دنء الكاسب‬ ‫أن ما عند ال خي وأبقى للمتقي؟‬ ‫حيَ (‬ ‫ب وَأَقَامُوا الصّلةَ ِإنّا ل نُضِيعُ أَ ْجرَ الْمُصِْل ِ‬ ‫وَالّذِينَ يُ َمسّكُونَ بِالْ ِكتَا ِ‬ ‫‪)170‬‬ ‫والذين يتمسّكون بالكتاب‪ ,‬ويعملون با فيه من العقائد والحكام‪,‬‬ ‫ويافظون على الصلة بدودها‪ ,‬ول يضيعون أوقاتا‪ ,‬فإن ال يثيبهم‬ ‫على أعمالم الصالة‪ ,‬ول يضيعها‪.‬‬ ‫‪540‬‬

‫وَِإذْ َنتَ ْقنَا اْلجَبَلَ َفوَْقهُ مْ كََأنّ هُ ظُّلةٌ َو َظنّوا َأنّ هُ وَاقِ ٌع ِبهِ مْ خُذُوا مَا آَتْينَاكُ مْ‬

‫بِ ُقوّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلّكُ ْم َتتّقُونَ (‪)171‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ رفعنا البل فوق بن إسرائيل كأنه سحابة‬ ‫تظلهم‪ ,‬وأيقنوا أنه واقع بم إن ل يقبلوا أحكام التوراة‪ ,‬وقلنا لم‪ :‬خذوا‬ ‫ما آتيناكم بقوة‪ ,‬أي اعملوا با أعطيناكم باجتهاد منكم‪ ,‬واذكروا ما ف‬ ‫كتابنا من العهود والواثيق الت أخذناها عليكم بالعمل با فيه; كي تتقوا‬ ‫ربكم فتنجوا من عقابه‪.‬‬ ‫سهِ ْم‬ ‫ك مِنْ َبنِي آدَ َم مِنْ ُظهُورِهِمْ ُذ ّرّيَتهُمْ وََأ ْشهَدَهُ ْم عَلَى أَنفُ ِ‬ ‫وَإِذْ أَ َخذَ َربّ َ‬ ‫ت بِ َربّكُ مْ قَالُوا بَلَى َشهِدْنَا أَ نْ تَقُولُوا َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ ا ُكنّ ا عَ نْ َهذَا‬ ‫َألَ سْ ُ‬ ‫غَافِِليَ (‪)172‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬إذ استخرج ربك أولد آدم مِن أصلب آبائهم‪,‬‬ ‫وقررهم بتوحيده با أودعه ف فطرهم من أنه ربم وخالقهم ومليكهم‪,‬‬ ‫فأقروا له بذلك‪ ,‬خشية أن ينكروا يوم القيامة‪ ,‬فل يقروا بشيء فيه‪,‬‬ ‫ويزعموا أن حجة ال ما قامت عليهم‪ ,‬ول عندهم علم با‪ ,‬بل كانوا‬ ‫عنها غافلي‪.‬‬ ‫‪541‬‬

‫َأوْ تَقُولُوا ِإنّمَا أَشْ َر َك آبَا ُؤنَا مِ ْن َقبْلُ وَ ُكنّا ُذ ّريّةً مِ نْ بَ ْعدِهِ مْ َأَفُتهْلِ ُكنَا بِمَا‬

‫فَعَلَ الْ ُمبْطِلُونَ (‪)173‬‬

‫أو لئل تقولوا‪ :‬إنا أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد‪ ,‬فاقتدينا بم من‬ ‫بعدهم‪ ,‬أفتعذبنا با فعل الذين أبطلوا أعمالم بعلهم مع ال شريكا ف‬ ‫العبادة؟‬ ‫ك نُفَصّلُ اليَاتِ َولَعَّلهُمْ َيرْجِعُونَ (‪)174‬‬ ‫وَكَ َذلِ َ‬ ‫وكما فَصّلْنا اليات‪ ,‬وبّينّا فيها ما فعلناه بالمم السابقة‪ ,‬كذلك نفصّل‬ ‫اليات ونبيّنها لقومك أيها الرسول; رجاء أن يرجعوا عن شركهم‪,‬‬ ‫وينيبوا إل ربم‪.‬‬ ‫شيْطَانُ فَكَانَ مِنْ‬ ‫وَاتْلُ عََلْيهِمْ َنبََأ الّذِي آَتْينَاهُ آيَاِتنَا فَان سََلخَ ِمْنهَا فََأْتبَعَ هُ ال ّ‬

‫الْغَاوِينَ (‪)175‬‬

‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على أمتك خب رجل من بن إسرائيل أعطيناه‬ ‫حججنا وأدلتنا‪ ,‬فتعلّمها‪ ,‬ث كفر با‪ ,‬ونبذها وراء ظهره‪ ,‬فاستحوذ عليه‬ ‫‪542‬‬

‫الشيطان‪ ,‬فصار من الضالي الالكي; بسبب مالفته أمر ربه وطاعته‬ ‫الشيطان‪.‬‬ ‫َوَلوْ ِشئْنَا لَرَفَ ْعنَا ُه بِهَا َولَ ِكنّ هُ َأخْلَدَ ِإلَى ا َلرْ ضِ وَاّتبَ َع َهوَا هُ َف َمثَلُ ُه كَ َمثَ ِل‬ ‫الْكَلْ بِ إِ نْ َتحْمِلْ عََليْ هِ يَ ْلهَ ثْ َأ ْو َتتْرُكْ هُ يَ ْلهَ ثْ َذلِ كَ َمثَلُ الْقَوْ ِم الّذِي نَ‬ ‫كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَّلهُمْ َيتَفَكّرُونَ (‪)176‬‬ ‫ولو شئنا أن نرفع قدره با آتيناه من اليات لفعلنا‪ ,‬ولكنه رَكَنَ إل الدنيا‬ ‫واتبع هواه‪ ,‬وآثر لَذّاته وشهواته على الخرة‪ ,‬وامتنع عن طاعة ال‬ ‫وخالف أمره‪ .‬فَ َمثَلُ هذا الرجل مثل الكلب‪ ,‬إن تطرده أو تتركه ُيخْرج‬ ‫لسانه ف الالي لهثًا‪ ,‬فكذلك الذي انسلخ من آيات ال يظل على‬ ‫كفره إن اجته ْدتَ ف دعوتك له أو أهلته‪ ,‬هذا الوصف ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫وصف هؤلء القوم الذين كانوا ضالي قبل أن تأتيهم بالدى والرسالة‪,‬‬ ‫فاقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أخبار المم الاضية‪ ,‬ففي إخبارك بذلك أعظم‬ ‫معجزة‪ ,‬لعل قومك يتدبرون فيما جئتهم به فيؤمنوا لك‪.‬‬ ‫سهُ ْم كَانُوا يَظْلِمُونَ (‪)177‬‬ ‫ل الْ َقوْمُ الّذِي َن كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا وَأَن ُف َ‬ ‫سَاءَ َمثَ ً‬

‫‪543‬‬

‫َقبُ َح مثل مثلُ القوم الذين كذّبوا بجج ال وأدلته‪ ,‬فجحدوها‪ ,‬وأنفسهم‬ ‫كانوا يظلمونا; بسبب تكذيبهم بذه الجج والدلة‪.‬‬ ‫َاسمرُونَ (‬ ‫ُمم اْلخ ِ‬ ‫ِكم ه ْ‬ ‫َنم يُضْلِلْ َفُأوَْلئ َ‬ ‫ّهم َف ُهوَ الْ ُم ْهتَدِي وَم ْ‬ ‫َنم َيهْدِ الل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫‪)178‬‬ ‫من يوفقه ال لليان به وطاعته فهو الوفّق‪ ,‬ومن يذله فلم يوفقه فهو‬ ‫الاسر الالك‪ ,‬فالداية والضلل من ال وحده‪.‬‬ ‫ب ل يَفْ َقهُو نَ ِبهَا‬ ‫ج َهنّ َم َكثِيا مِ نْ الْجِنّ وَالِن سِ َلهُ مْ قُلُو ٌ‬ ‫َولَقَدْ َذرَْأنَا ِل َ‬ ‫ب ل يَفْ َقهُو نَ بِهَا َولَهُ مْ أَ ْعيُ نٌ ل ُيبْ صِرُونَ بِهَا وََلهُ مْ آذَا نٌ ل‬ ‫َلهُ مْ قُلُو ٌ‬ ‫ك هُ ْم الْغَافِلُونَ (‪)179‬‬ ‫ك كَا َلنْعَامِ بَلْ هُمْ َأضَلّ ُأوَْلئِ َ‬ ‫َيسْمَعُونَ ِبهَا ُأ ْولَئِ َ‬ ‫ولقد خلقنا للنار ‪-‬الت يعذّب ال فيها مَن يستحق العذاب ف الخرة ‪-‬‬ ‫كثيًا من الن والنس‪ ,‬لم قلوب ل يعقلون با‪ ,‬فل يرجون ثوابًا ول‬ ‫يافون عقابًا‪ ,‬ولم أعي ل ينظرون با إل آيات ال وأدلته‪ ,‬ولم آذان‬ ‫ل يسمعون با آيات كتاب ال فيتفكروا فيها‪ ,‬هؤلء كالبهائم الت ل‬ ‫تَفْ َقهُ ما يقال لا‪ ,‬ول تفهم ما تبصره‪ ,‬ول تعقل بقلوبا الي والشر‬ ‫فتميز بينهما‪ ,‬بل هم أضل منها; لن البهائم تبصر منافعها ومضارها‬ ‫‪544‬‬

‫وتتبع راعيها‪ ,‬وهم بلف ذلك‪ ,‬أولئك هم الغافلون عن اليان بال‬ ‫وطاعته‪.‬‬ ‫سنَى فَادْعُو هُ بِهَا وَ َذرُوا الّذِي نَ ُي ْلحِدُو نَ فِي أَ سْمَاِئهِ‬ ‫َولِلّ هِ الَ سْمَاءُ اْلحُ ْ‬ ‫َسُيجْ َز ْونَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪)180‬‬ ‫ول سبحانه وتعال الساء السن‪ ,‬الدالة على كمال عظمته‪ ,‬وكل‬ ‫أسائه حسن‪ ,‬فاطلبوا منه بأسائه ما تريدون‪ ,‬واتركوا الذين يُغيّرون ف‬ ‫أسائه بالزيادة أو النقصان أو التحريف‪ ,‬كأن يُسمّى با من ل يستحقها‪,‬‬ ‫كتسمية الشركي با آلتهم‪ ,‬أو أن يعل لا معن ل يُردْه ال ول‬ ‫رسوله‪ ,‬فسوف يزون جزاء أعمالم السيئة الت كانوا يعملونا ف الدنيا‬ ‫من الكفر بال‪ ,‬واللاد ف أسائه وتكذيب رسوله‪.‬‬ ‫وَمِمّنْ خَلَ ْقنَا أُ ّمةٌ َيهْدُونَ بِالْحَقّ َوِبهِ يَعْ ِدلُونَ (‪)181‬‬ ‫ومن الذين خََلقْنا جاعة فاضلة يهتدون بالق ويَدْعون إليه‪ ,‬وبه يقضون‬ ‫وينصفون الناس‪ ,‬وهم أئمة الدى من أنعم ال عليهم باليان والعمل‬ ‫الصال‪.‬‬ ‫‪545‬‬

‫ستَ ْدرِ ُجهُ ْم مِنْ َحيْثُ ل يَعْلَمُونَ (‪)182‬‬ ‫وَالّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا َسَن ْ‬ ‫والذين كذّبوا بآياتنا‪ ,‬فجحدوها‪ ,‬ول يتذكروا با‪ ,‬سنفتح لم أبواب‬ ‫الرزق ووجوه العاش ف الدنيا‪ ,‬استدراجًا لم حت يغتروا با هم فيه‬ ‫ويعتقدوا أنم على شيء‪ ,‬ث نعاقبهم على غِرّة من حيث ل يعلمون‪.‬‬ ‫وهذه عقوبة من ال على التكذيب بجج ال وآياته‪.‬‬ ‫وَأُ ْملِي َلهُمْ ِإنّ َكيْدِي َمِتيٌ (‪)183‬‬ ‫وأمهل هؤلء الذين كذبوا بآياتنا حت يظنوا أنم ل يعاقبون‪ ,‬فيزدادوا‬ ‫كفرًا وطغيانًا‪ ,‬وبذلك يتضاعف لم العذاب‪ .‬إن كيدي متي‪ ,‬أي‪ :‬قوي‬ ‫شديد ل يُدْفع بقوة ول بيلة‪.‬‬ ‫ي (‪)184‬‬ ‫َأوَلَ ْم َيتَفَكّرُوا مَا بِصَا ِحِبهِ ْم مِنْ ِجّنةٍ ِإنْ ُهوَ إِلّ َنذِيرٌ ُمِب ٌ‬ ‫أول يتفكر هؤلء الذين كذبوا بآياتنا فيتدبروا بعقولم‪ ,‬ويعلموا أنه ليس‬ ‫بحمد جنون؟ ما هو إل نذير لم من عقاب ال على كفرهم به إن ل‬ ‫يؤمنوا‪ ,‬ناصح مبي‪.‬‬ ‫‪546‬‬

‫َأوَلَ مْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُو تِ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَمَا خَلَ َق اللّ هُ مِ نْ شَ ْي ٍء‬ ‫وَأَ نْ عَ سَى أَ نْ يَكُو نَ قَ ْد ا ْقتَرَ بَ أَجَُلهُ مْ َفبِأَيّ َحدِي ثٍ بَعْدَ هُ ُيؤْ ِمنُو نَ (‬ ‫‪)185‬‬ ‫أول ينظر هؤلء الكذبون بآيات ال ف ملك ال العظيم وسلطانه القاهر‬ ‫ف السموات والرض‪ ,‬وما خلق ال ‪-‬ج ّل ثناؤه‪ -‬من شيء فيهما‪,‬‬ ‫فيتدبروا ذلك ويعتبوا به‪ ,‬وينظروا ف آجالم الت عست أن تكون‬ ‫قَ ُرَبتْ فيهلكوا على كفرهم‪ ,‬ويصيوا إل عذاب ال وأليم عقابه؟ فبأي‬ ‫تويف وتذير بعد تذير القرآن يصدقون ويعملون؟‬ ‫ي َلهُ َويَ َذرُهُمْ فِي طُ ْغيَانِهِ ْم يَعْ َمهُونَ (‪)186‬‬ ‫مَ ْن يُضْلِلْ الّلهُ فَل هَادِ َ‬ ‫مَن يضلله ال عن طريق الرشاد فل هادي له‪ ,‬ويتركُهم ف كفرهم‬ ‫يتحيون ويترددون‪.‬‬ ‫ك عَ نْ ال سّا َعةِ َأيّا نَ ُمرْ سَاهَا قُلْ ِإنّمَا عِ ْل ُمهَا ِعنْ َد َربّي ل ُيجَلّيهَا‬ ‫يَ سْأَلُونَ َ‬ ‫ض ل تَ ْأتِيكُ مْ إِ ّل بَ ْغَتةً يَ سْأَلُونَكَ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫ِلوَ ْقتِهَا إِ ّل ُهوَ ثَقَُل تْ فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫كََأنّكَ حَفِيّ َعْنهَا قُلْ ِإنّمَا عِلْ ُمهَا ِعنْ َد اللّهِ َولَكِنّ أَ ْكثَرَ النّاسِ ل يَ ْعلَمُونَ (‬ ‫‪547‬‬

‫‪)187‬‬ ‫يسألك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كفار "مكة" عن الساعة مت قيامها؟ قل لم‪:‬‬ ‫عِلْ ُم قيامها عند ال ل يظهرها إل هو‪ ,‬ثَقُ َل علمها‪ ,‬وخفي على أهل‬ ‫السموات والرض‪ ,‬فل يعلم وقت قيامها ملَك مقرّب ول نب مرسل‪,‬‬ ‫ل تيء الساعة إل فجأة‪ ,‬يسألك هؤلء القوم عنها كأنك حريص على‬ ‫العلم با‪ ,‬مستقص بالسؤال عنها‪ ,‬قل لم‪ :‬إنا علمها عند ال الذي يعلم‬ ‫غيب السموات والرض‪ ,‬ولكنّ أكثر الناس ل يعلمون أن ذلك ل يعلمه‬ ‫إل ال‪.‬‬ ‫ضرّا إِلّ مَا شَاءَ اللّهُ َوَلوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْ َغيْ َ‬ ‫ب‬ ‫قُ ْل ل أَمْلِكُ ِلنَفْسِي نَفْعا وَل َ‬ ‫مِي السمّوءُ إِن ْمأَنَا إِ ّل نَذِي ٌر َوَبشِيٌ لِقَوْمٍم‬ ‫خيْرِ وَمَا مَسّن‬ ‫ت مِن ْم الْ َ‬ ‫م ْكثَرْ ُ‬ ‫لس ْتَ‬ ‫ُيؤْ ِمنُونَ (‪)188‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل أقدرُ على جَ ْلبِ خي لنفسي ول دفع شر يل با‬ ‫إل ما شاء ال‪ ,‬ولو كنت أعلم الغيب لفعلت السباب الت أعلم أنا‬ ‫تكثّر ل الصال والنافع‪ ,‬ولتّقيتُ ما يكون من الشر قبل أن يقع‪ ,‬ما أنا‬ ‫إل رسول ال أرسلن إليكم‪ ,‬أخوّف من عقابه‪ ,‬وأبشر بثوابه قومًا‬ ‫يصدقون بأن رسول ال‪ ,‬ويعملون بشرعه‪.‬‬ ‫‪548‬‬

‫ُهوَ الّذِي َخلَقَكُ مْ مِ نْ نَفْ سٍ وَاحِدَ ٍة وَجَعَلَ ِمنْهَا َزوْجَهَا ِليَ سْكُنَ ِإَليْهَا‬ ‫ت بِهِ فََلمّا َأثْقََلتْ دَ َعوَا اللّهَ َرّبهُمَا‬ ‫فَلَمّا تَ َغشّاهَا حَمََلتْ حَمْلً خَفِيفا فَ َمرّ ْ‬ ‫َلئِنْ آَتْيَتنَا صَالِحا َلنَكُونَنّ مِنْ الشّاكِرِينَ ( ‪)189‬‬ ‫هو الذي خلقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من نفس واحدة‪ ,‬وهي آدم عليه السلم‬ ‫وخَلَق منها زوجها‪ ,‬وهي حواء; ليأنس با ويطمئن‪ ,‬فلما جامعها‬ ‫والراد جنس الزوجي من ذرية آدم‪ -‬حلت ماءً خفيفًا‪ ,‬فقامت به‬‫وقعدت وأتت المل‪ ,‬فلما قَرُبت ولدتا وأثقلت دعا الزوجان ربما‪:‬‬ ‫لئن أعطيتنا بشرًا سويًا صالًا لنكونن من يشكرك على ما وهبت لنا من‬ ‫الولد الصال‪.‬‬ ‫ّهم َعمّام‬ ‫َهم ُشرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا َفتَعَالَى الل ُ‬ ‫َفلَمّام آتَاهُمَا صمَالِحا جَ َعلَ ل ُ‬ ‫ُيشْرِكُونَ (‪)190‬‬ ‫فلما رزق ال الزوجي ولدًا صالًا‪ ,‬جعل ل شركاء ف ذلك الولد الذي‬ ‫انفرد ال بلقه فعبّداه لغي ال‪ ,‬فتعال ال وتنه عن كل شرك‪.‬‬ ‫َأُيشْرِكُونَ مَا َل َيخْلُقُ َشيْئا وَهُمْ ُيخْلَقُونَ (‪)191‬‬ ‫‪549‬‬

‫أيشرك هؤلء الشركون ف عبادة ال ملوقاته‪ ,‬وهي ل تقدر على خَلْق‬ ‫شيء‪ ,‬بل هي ملوقة؟‬ ‫صرُونَ (‪)192‬‬ ‫سهُمْ يَن ُ‬ ‫ستَطِيعُونَ َلهُمْ نَصْرًا وَلَ أَن ُف َ‬ ‫وَلَ َي ْ‬ ‫ول تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوءًا‪ ,‬فإذا كانت ل‬ ‫تلق شيئًا‪ ,‬بل هي ملوقة‪ ,‬ول تستطيع أن تدفع الكروه عمن يعبدها‪,‬‬ ‫ول عن نفسها‪ ,‬فكيف ُتتّخذ مع ال آلة؟ إنْ هذا إل أظلم الظلم وأسفه‬ ‫السّفَه‪.‬‬ ‫وَإِن َتدْعُوهُ مْ ِإلَى الْهُدَى لَ َيّتبِعُوكُ ْم َسوَاء عََليْ ُك مْ َأدَ َع ْوتُمُوهُ مْ أَ مْ أَنتُ مْ‬ ‫صَا ِمتُونَ (‪)193‬‬ ‫وإن ندعوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬هذه الصنام الت عبدتوها من دون ال إل‬ ‫الدى‪ ,‬ل تسمع دعاءكم ول تتبعكم; يستوي دعاؤكم لا وسكوتكم‬ ‫عنها; لنا ل تسمع ول تبصر ول تَهدِي ول تُهدى‪.‬‬ ‫سَتجِيبُواْ لَكُ مْ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن تَدْعُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ ِعبَادٌ أَ ْمثَالُكُ ْم فَادْعُوهُ ْم فَ ْليَ ْ‬ ‫‪550‬‬

‫إِن كُنتُ ْم صَادِِقيَ ( ‪)194‬‬ ‫إن الذين تعبدون من غي ال ‪-‬أيها الشركون‪ -‬هم ملوكون لربم كما‬ ‫أنكم ملوكون لربكم‪ ,‬فإن كنتم كما تزعمون صادقي ف أنا تستحق‬ ‫من العبادة شيئًا فادعوهم فليستجيبوا لكم‪ ,‬فإن استجابوا لكم وحصّلوا‬ ‫مطلوبكم‪ ,‬وإل تبي أنكم كاذبون مفترون على ال أعظم الفرية‪.‬‬ ‫َألَهُ مْ َأرْجُ ٌل يَ ْمشُو نَ ِبهَا َأ مْ َلهُ مْ َأيْدٍ َيبْ ِطشُو نَ ِبهَا أَ مْ َلهُ مْ أَ ْعيُ نٌ ُيبْ صِرُونَ‬ ‫بِهَا أَ مْ َلهُ مْ آذَا نٌ يَ سْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُ ْم ثُمّ كِيدُونِي فَل‬

‫تُنظِرُونِ (‪)195‬‬

‫ألذه اللة والصنام أرجل يسعَوْن با معكم ف حوائجكم؟ أم لم أي ٍد‬ ‫يدفعون با عنكم وينصرونكم على من يريد بكم شرًا ومكروهًا؟ أم لم‬ ‫أعي ينظرون با فيعرّفونكم ما عاينوا وأبصروا ما يغيب عنكم فل‬ ‫ترونه؟ أم لم آذان يسمعون با فيخبونكم با ل تسمعوه؟ فإذا كانت‬ ‫آلتكم الت تعبدونا ليس فيها شيء من هذه اللت‪ ,‬فما وجه عبادتكم‬ ‫إياها‪ ,‬وهي خالية من هذه الشياء الت با يتوصل إل جلب النفع أو دفع‬ ‫الضر؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي من عبدة الوثان‪ :‬ادعوا‬ ‫آلتكم الذين جعلتموهم ل شركاء ف العبادة‪ ,‬ث اجتمعوا على إيقاع‬ ‫‪551‬‬

‫السوء والكروه ب‪ ,‬فل تؤخرون وعجّلوا بذلك‪ ,‬فإن ل أبال بآلتكم;‬ ‫لعتمادي على حفظ ال وحده‪.‬‬ ‫حيَ (‪)196‬‬ ‫ِإنّ وَِليّي الّلهُ الّذِي نَزّلَ الْ ِكتَابَ وَ ُهوَ َيَت َولّى الصّاِل ِ‬ ‫إن وليّيَ ال‪ ,‬الذي يتول حفظي ونصري‪ ,‬هو الذي نزّل عل ّي القرآن‬ ‫بالق‪ ,‬وهو يتول الصالي مِن عباده‪ ,‬وينصرهم على أعدائهم ول‬ ‫يذلم‪.‬‬ ‫سهُمْ يَن صُرُونَ (‬ ‫ستَطِيعُونَ نَ صْرَ ُكمْ وَل أَنفُ َ‬ ‫وَالّذِي نَ َتدْعُو نَ مِ نْ دُونِ هِ ل يَ ْ‬ ‫‪)197‬‬ ‫والذين تدعون ‪-‬أنتم أيها الشركون‪ -‬مِن غي ال من اللة ل‬ ‫يستطيعون نصركم‪ ,‬ول يقدرون على نصرة أنفسهم‪.‬‬ ‫ُمم ل‬ ‫ْكم وَه ْ‬ ‫ُونمِإَلي َ‬ ‫ُمم يَنظُر َ‬ ‫َسممَعُوا َوتَرَاه ْ‬ ‫ُممِإلَى الْهُدَى ل ي ْ‬ ‫ِنم َتدْعُوه ْ‬ ‫وَإ ْ‬ ‫ُيبْصِرُونَ (‪)198‬‬

‫‪552‬‬

‫وإن تدعوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬آلتكم إل الستقامة والسداد ل يسمعوا‬ ‫دعاءكم‪ ,‬وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬آلة هؤلء الشركي مِن عبدة الوثان‬ ‫يقابلونك كالناظر إليك وهم ل يبصرون; لنم ل أبصار لم ول بصائر‪.‬‬ ‫ض عَنْ الْجَاهِِليَ (‪)199‬‬ ‫ف وَأَعْرِ ْ‬ ‫خُ ْذ الْعَ ْفوَ وَأْ ُمرْ بِالْعُرْ ِ‬ ‫ا ْقبَلْ ‪-‬أيها النب أنت وأمتك‪ -‬الفضل من أخلق الناس وأعمالم‪ ,‬ول‬ ‫تطلب منهم ما يشق عليهم حت ل ينفروا‪ ,‬وأْمر بكل قول حسن وفِعْلٍ‬ ‫جيل‪ ,‬وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الهلة الغبياء‪.‬‬ ‫شيْطَانِ نَ ْزغٌ فَا ْستَعِذْ بِالّلهِ ِإّنهُ سَمِي ٌع عَلِي ٌم (‪)200‬‬ ‫وَإِمّا يَنَ َغنّكَ مِ ْن ال ّ‬ ‫وإما يصيبنّك ‪-‬أيها النب‪ -‬من الشيطان غضب أو ُتحِس منه بوسوسة‬ ‫وتثبيط عن الي أو حث على الشرّ‪ ,‬فالأ إل ال مستعيذًا به‪ ,‬إنه سيع‬ ‫لكل قول‪ ,‬عليم بكل فعل‪.‬‬ ‫شيْطَا نِ َتذَكّرُوا َفإِذَا ُه مْ ُمبْ صِرُونَ‬ ‫سهُ ْم طَائِ فٌ مِ ْن ال ّ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن اتّ َقوْا إِذَا مَ ّ‬ ‫(‪)201‬‬ ‫‪553‬‬

‫إن الذين اتقوا ال مِن خلقه‪ ,‬فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب‬ ‫نواهيه‪ ,‬إذا أصابم عارض من وسوسة الشيطان تذكّروا ما أوجب ال‬ ‫عليهم من طاعته‪ ,‬والتوبة إليه‪ ,‬فإذا هم منتهون عن معصية ال على‬ ‫بصية‪ ,‬آخذون بأمر ال‪ ,‬عاصون للشيطان‪.‬‬ ‫وَِإ ْخوَانُهُ ْم يَمُدّوَنهُ ْم فِي الغَ ّي ثُمّ ل يُقْصِرُونَ (‪)202‬‬ ‫وإخوان الشياطي‪ ,‬وهم الفجّار من ضلل النس تدهم الشياطي من‬ ‫الن ف الضللة والغَواية‪ ,‬ول تدّخر شياطي الن وُسْعًا ف مدّهم‬ ‫شياطي النس ف الغيّ‪ ,‬ول تدّخر شياطي النس وُسْعًا ف عمل ما‬ ‫توحي به شياطي الن‪.‬‬ ‫وَِإذَا لَ مْ تَ ْأِتهِ ْم بِآَيةٍ قَالُوا َلوْل ا ْجَتَبْيتَهَا قُلْ ِإنّمَا َأّتبِ عُ مَا يُوحَى ِإلَيّ مِ نْ‬ ‫َربّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ َربّكُ ْم وَهُدًى َورَحْ َمةٌ لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)203‬‬ ‫وإذا ل تئ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي بآية قالوا‪ :‬هل أح َدثْتها‬ ‫واختلقتها من عند نفسك‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن هذا ليس ل‪,‬‬ ‫ول يوز ل فِعْله; لن ال إنا أمرن باتباع ما يوحى إلّ من عنده‪ ,‬وهو‬ ‫‪554‬‬

‫هذا القرآن الذي أتلوه عليكم حججًا وبراهي من ربكم‪ ,‬وبيانًا يهدي‬ ‫الؤمني إل الطريق الستقيم‪ ,‬ورحة يرحم ال با عباده الؤمني‪.‬‬ ‫صتُوا لَعَلّكُ ْم تُرْ َحمُونَ (‪)204‬‬ ‫وَِإذَا قُ ِرئَ الْقُرْآنُ فَا ْستَمِعُوا َلهُ وَأَن ِ‬ ‫وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا‪ ,‬لتعقلوه رجاء أن‬ ‫يرحكم ال به‪.‬‬ ‫جهْرِ مِ نْ الْ َقوْلِ بِالْغُ ُدوّ‬ ‫ك تَضَرّعا وَخِي َفةً وَدُو نَ الْ َ‬ ‫وَاذْكُ ْر َربّ كَ فِي نَفْ سِ َ‬ ‫وَالصَالِ وَل تَكُ ْن مِنْ الْغَافِِليَ (‪)205‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ربك ف نفسك تشعًا وتواضعًا ل خائفًا وجل‬ ‫القلب منه‪ ،‬وادعه متوسطًا بي الهر والخافتة ف أول النهار وآخره‪,‬‬ ‫ول تكن من الذين يَغْفُلون عن ذكر ال‪ ,‬ويلهون عنه ف سائر أوقاتم‪.‬‬ ‫سجُدُونَ (‬ ‫سبّحُوَنهُ وََلهُ يَ ْ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ عَ ْن ِعبَا َدتِهِ َوُي َ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ِعنْدَ َربّكَ ل يَ ْ‬ ‫‪)206‬‬

‫‪555‬‬

‫إن الذين عند ربك من اللئكة ل يستكبون عن عبادة ال‪ ,‬بل ينقادون‬ ‫لوامره‪ ,‬ويسبحونه بالليل والنهار‪ ,‬وينهونه عما ل يليق به‪ ,‬وله وحده‬ ‫ل شريك له يسجدون‪.‬‬

‫‪ -8‬سورة النفال‬ ‫صِلحُوا ذَا تَ‬ ‫يَ سَْألُونَكَ عَ نْ ا َلنْفَالِ قُلْ ا َلنْفَالُ لِلّ هِ وَالرّ سُولِ فَاتّقُوا اللّ هَ وَأَ ْ‬

‫َبْينِكُمْ َوَأطِيعُوا الّلهَ َورَسُولَهُ ِإنْ كُنتُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)1‬‬

‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ -‬عن الغنائم يوم "بدر" كيف تقسمها‬ ‫بينهم؟ قل لم‪ :‬إنّ أمرها إل ال ورسوله‪ ,‬فالرسول يتول قسمتها بأمر‬ ‫ربه‪ ,‬فاتقوا عقاب ال ول تُقَدموا على معصيته‪ ,‬واتركوا النازعة‬ ‫والخاصمة بسبب هذه الموال‪ ,‬وأصلحوا الال بينكم‪ ,‬والتزموا طاعة‬ ‫ال ورسوله إن كنتم مؤمني; فإن اليان يدعو إل طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫‪556‬‬

‫ِإنّمَا الْ ُمؤْ ِمنُونَ الّذِينَ ِإذَا ذُ ِكرَ اللّهُ وَجَِلتْ ُقلُوُبهُمْ وَإِذَا تُِليَتْ َعَلْيهِمْ آياتُهُ‬

‫زَا َدْتهُمْ ِإيَانَا وَعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُونَ (‪)2‬‬

‫إنا الؤمنون بال حقًا هم الذين إذا ذُكِر ال فزعت قلوبم‪ ,‬وإذا تليت‬ ‫عليهم آيات القرآن زادتم إيانًا مع إيانم‪ ,‬لتدبرهم لعانيه وعلى ال‬ ‫تعال يتوكلون‪ ,‬فل يرجون غيه‪ ,‬ول يرهبون سواه‪.‬‬ ‫الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلةَ وَ ِممّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُونَ (‪)3‬‬ ‫الذين يداومون على أداء الصلوات الفروضة ف أوقاتا‪ ,‬وما رزقناهم من‬ ‫الموال ينفقون فيما أمرناهم به‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْ ُمؤْ ِمنُو نَ حَقّا َلهُ مْ َد َرجَا تٌ ِعنْ َد َرّبهِ مْ وَمَغْفِرٌَة َو ِرزْ قٌ كَ ِريٌ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫هؤلء الذين يفعلون هذه الفعال هم الؤمنون حقًا ظاهرًا وباطنًا با أنزل‬ ‫ال عليهم‪ ,‬لم منازل عالية عند ال‪ ,‬وعفو عن ذنوبم‪ ,‬ورزق كري‪,‬‬ ‫وهو النة‪.‬‬ ‫‪557‬‬

‫كَمَا َأخْ َرجَ كَ َربّ كَ مِ نْ َبْيتِ كَ بِاْلحَقّ وَِإنّ فَرِيقا مِ ْن الْ ُمؤْ ِمِنيَ لَكَارِهُو نَ‬

‫(‪)5‬‬

‫كما أنكم لا اختلفتم ف الغان فانتزعها ال منكم‪ ,‬وجعلها إل َقسْمه‬ ‫وَقسْم رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كذلك أمرك ربك ‪-‬أيها النب‪-‬‬ ‫بالروج من "الدينة" للقاء ِعيْر قريش‪ ,‬وذلك بالوحي الذي أتاك به‬ ‫جبيل مع كراهة فريق من الؤمني للخروج‪.‬‬ ‫ت وَهُ مْ‬ ‫ك فِي الْحَقّ بَعْ َد مَا َتَبيّ نَ كََأنّمَا يُ سَاقُونَ ِإلَى الْ َموْ ِ‬ ‫ُيجَا ِدلُونَ َ‬ ‫يَنظُرُونَ (‪)6‬‬ ‫يادلك ‪-‬أيها النب‪ -‬فريق من الؤمني ف القتال مِن بعد ما تبيّن لم أن‬ ‫ذلك واقع‪ ,‬كأنم يساقون إل الوت‪ ,‬وهم ينظرون إليه عِيانًا‪.‬‬ ‫َاتم‬ ‫ّونم أَنّ َغيْرَ ذ ِ‬ ‫ُمم َوَتوَد َ‬ ‫ْنم َأنّهَا لَك ْ‬ ‫ّهم ِإحْدَى الطّائِ َفَتي ِ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫وَِإذْ يَعِدُك ْ‬ ‫َعم دَابِرَ‬ ‫ِهم َويَقْط َ‬ ‫َنم ُيحِقّ الْحَقّ بِكَِلمَات ِ‬ ‫ّهم أ ْ‬ ‫ُمم َويُرِي ُد الل ُ‬ ‫ُونملَك ْ‬ ‫شوْ َكةِ تَك ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫الْكَافِرِي َن (‪)7‬‬ ‫‪558‬‬

‫واذكروا ‪-‬أيها الجادلون‪ -‬وَعْدَ ال لكم بالظّفْر بإحدى الطائفتي‪ :‬العي‬ ‫وما تمله مِن أرزاق‪ ,‬أو النفي‪ ,‬وهو قتال العداء والنتصار عليهم‪,‬‬ ‫وأنتم تبون الظّفْر بالعي دون القتال‪ ,‬ويريد ال أن يق السلم‪ ,‬ويُعْليه‬ ‫بأمره إياكم بقتال الكفار‪ ,‬ويستأصل الكافرين باللك‪.‬‬ ‫ِلُيحِقّ اْلحَقّ َوُيبْطِلَ اْلبَاطِلَ َوَلوْ كَرِ َه الْ ُمجْرِمُونَ (‪)8‬‬ ‫ليعزّ ال السلم وأهله‪ ,‬ويذهب الشرك وأهله‪ ,‬ولو كره الشركون‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ب لَكُ مْ َأنّ ي ُممِدّكُ ْم بَِألْ فٍ مِ نْ الْمَلئِ َكةِ‬ ‫ستَغِيثُونَ َربّكُ مْ فَا ْسَتجَا َ‬ ‫إِذْ تَ ْ‬ ‫مُرْ ِدِفيَ (‪)9‬‬ ‫اذكروا نعمة ال عليكم يوم "بدر" إذ تطلبون النصر على عدوكم‪,‬‬ ‫فاستجاب ال لدعائكم قائل إن مدّكم بألف من اللئكة من السماء‪,‬‬ ‫يتبع بعضهم بعضًا‪.‬‬ ‫وَمَا جَعَلَ ُه اللّ هُ إِلّ ُبشْرَى َوِلتَطْ َمئِنّ بِ هِ قُلُوبُكُ ْم وَمَا النّ صْرُ إِ ّل مِ نْ ِعنْ ِد اللّ هِ‬ ‫‪559‬‬

‫ِإنّ الّلهَ عَزِيزٌ َحكِيمٌ ( ‪)10‬‬ ‫وما جعل ال ذلك المداد إل بشارة لكم بالنصر‪ ,‬ولتسكن به قلوبكم‪,‬‬ ‫وتوقنوا بنصر ال لكم‪ ,‬وما النصر إل من عند ال‪ ,‬ل بشدة بأسكم‬ ‫وقواكم‪ .‬إن ال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف تدبيه وشرعه‪.‬‬ ‫إِ ْذ يُ َغشّيكُ مْ النّعَا سَ أَ َمَنةً ِمنْ ُه َوُينَزّلُ عََليْكُ ْم مِ نْ ال سّمَاءِ مَاءً ِليُ َطهّرَكُ ْم بِ هِ‬ ‫ت بِ هِ الَقْدَا مَ (‬ ‫شيْطَا نِ َوِليَ ْربِ طَ َعلَى ُقلُوبِكُ مْ َوُيَثبّ َ‬ ‫ب عَنكُ ْم رِجْ َز ال ّ‬ ‫َويُذْهِ َ‬ ‫‪)11‬‬ ‫إذ يُلْقي ال عليكم النعاس أمانًا منه لكم من خوف عدوكم أن يغلبكم‪,‬‬ ‫وينل عليكم من السحاب ماء طهورًا‪ ,‬ليطهركم به من الحداث‬ ‫الظاهرة‪ ,‬ويزيل عنكم ف الباطن وساوس الشيطان وخواطره‪ ,‬وليشدّ‬ ‫على قلوبكم بالصب عند القتال‪ ,‬ويثبت به أقدام الؤمني بتلبيد الرض‬ ‫الرملية بالطر حت ل تنلق فيها القدام‪.‬‬ ‫إِذْ يُوحِي َربّ كَ ِإلَى الْمَلئِ َكةِ َأنّ ي مَعَكُ ْم َفَثّبتُوا الّذِي نَ آ َمنُوا سَُألْقِي فِي‬ ‫ق الَ ْعنَا قِ وَاضْ ِربُوا ِمْنهُ ْم كُلّ‬ ‫قُلُو بِ الّذِي نَ كَفَرُوا الرّعْ بَ فَاضْ ِربُوا َف ْو َ‬ ‫َبنَانٍ (‪)12‬‬ ‫‪560‬‬

‫إذ يوحي ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬إل اللئكة الذين أمدّ ال بم السلمي ف‬ ‫غزوة "بدر" أن معكم أُعينكم وأنصركم‪ ,‬فقوّوا عزائم الذين آمنوا‪,‬‬ ‫سألقي ف قلوب الذين كفروا الوف الشديد والذلة والصّغَار‪ ,‬فاضربوا‬ ‫أيها الؤمنون‪ -‬رؤوس الكفار‪ ,‬واضربوا منهم كل طرف ومِفْصل‪.‬‬‫ك بَِأّنهُ مْ شَاقّوا اللّ هَ َورَ سُوَلهُ وَمَ نْ ُيشَاقِ قْ اللّ هَ َورَ سُوَلهُ َفِإنّ اللّ هَ َشدِيدُ‬ ‫َذلِ َ‬

‫ب (‪)13‬‬ ‫الْعِقَا ِ‬

‫ذلك الذي حدث للكفار من ضَرْب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم;‬ ‫بسبب مالفتهم لمر ال ورسوله‪ ,‬ومَن يالف أمر ال ورسوله‪ ,‬فإن ال‬ ‫شديد العقاب له ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ب النّارِ (‪)14‬‬ ‫َذلِكُمْ َفذُوقُوهُ وََأنّ لِلْكَافِرِي َن عَذَا َ‬ ‫ذلكم العذاب الذي عجّلته لكم ‪-‬أيها الكافرون الخالفون لوامر ال‬ ‫ورسوله ف الدنيا‪ -‬فذوقوه ف الياة الدنيا‪ ,‬ولكم ف الخرة عذاب‬ ‫النار‪.‬‬

‫‪561‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا لَقِيتُ ْم الّذِي نَ كَفَرُوا زَحْفا فَل ُت َولّوهُ ْم الَ ْدبَارَ (‬ ‫‪)15‬‬ ‫يا أيها الذين صَدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا قابلتم الذين كفروا‬ ‫ف القتال متقاربي منكم فل ُتوَلّوهم ظهوركم‪ ,‬فتنهزموا عنهم‪ ,‬ولكن‬ ‫اثبتوا لم‪ ,‬فإن ال معكم وناصركم عليهم‪.‬‬ ‫م إِ ّل ُمَتحَرّفا لِ ِقتَالٍ َأوْ ُمَتحَيّزا ِإلَى ِفَئةٍ فَ َقدْ بَاءَ‬ ‫ِمم َيوْ َمئِذٍ ُدبُرَه ُ‬ ‫َنم ُي َوّله ْ‬ ‫وَم ْ‬ ‫ب مِنْ الّلهِ وَمَ ْأوَاهُ َج َهنّ ُم َوِبْئسَ الْمَصِ ُي (‪)16‬‬ ‫بِغَضَ ٍ‬ ‫ومن ُي َولّهم منكم ظهره وقت الزحف إل منعطفًا لكيدة الكفار أو‬ ‫منحازًا إل جاعة السلمي حاضري الرب حيث كانوا‪ ,‬فقد استحق‬ ‫الغضب من ال‪ ,‬ومقامه جهنم‪ ,‬وبئس الصي والنقلب‪.‬‬ ‫ت َولَكِنّ اللّ هَ رَمَى‬ ‫َفلَ ْم تَ ْقتُلُوهُ مْ َولَكِنّ اللّ هَ َقتََلهُ مْ وَمَا رَ َميْ تَ إِ ْذ رَ َميْ َ‬ ‫َولُِيبْلِ َي الْ ُمؤْ ِمنِيَ ِمْن ُه بَلءً َحسَنا ِإنّ الّلهَ َسمِيعٌ َعلِيمٌ (‪)17‬‬ ‫فلم تقتلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬الشركي يوم "بدر"‪ ,‬ولكن ال قتلهم‪ ,‬حيث‬ ‫أعانكم على ذلك‪ ,‬وما رميت حي رميت ‪-‬أيها النب‪ -‬ولكن ال رمى‪,‬‬ ‫‪562‬‬

‫حيث أوصل الرمية الت رميتها إل وجوه الشركي; وليختب الؤمني‬ ‫بال ورسوله ويوصلهم بالهاد إل أعلى الدرجات‪ ,‬ويعرّفهم نعمته‬ ‫عليهم‪ ,‬فيشكروا له سبحانه على ذلك‪ .‬إن ال سيع لدعائكم وأقوالكم‬ ‫ما أسررت به وما أعلنتم‪ ,‬عليم با فيه صلح عباده‪.‬‬ ‫َذلِكُمْ وََأنّ الّلهَ مُوهِنُ َكيْ ِد الْكَافِرِينَ (‪)18‬‬ ‫هذا الفعل مِن قتل الشركي ورميهم حي انزموا‪ ,‬والبلء السن بنصر‬ ‫الؤمني على أعدائهم‪ ,‬هو من ال للمؤمني‪ ,‬وأن ال ‪-‬فيما ُيسْتقبل‪-‬‬ ‫مُضعِف ومُبطِل مكر الكافرين حت يَ ِذلّوا وينقادوا للحق أو يهلكوا‪.‬‬ ‫ستَ ْفتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُ مْ الْ َفتْ ُح وَإِ ْن تَنَتهُوا َف ُهوَ َخيْ ٌر لَكُ ْم وَإِ نْ تَعُودُوا‬ ‫إِ نْ تَ ْ‬ ‫ت وَأَنّ اللّ هَ مَ عَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‬ ‫نَعُ ْد وَلَ نْ تُ ْغنِ َي عَنكُ مْ ِفَئتُ ُك مْ َشيْئا وََلوْ َكثُ َر ْ‬ ‫‪)19‬‬ ‫إن تطلبوا ‪-‬أيها الكفار‪ -‬من ال أن يوقع بأسه وعذابه على العتدين‬ ‫الظالي فقد أجاب ال طلبكم‪ ,‬حي أوقع بكم مِن عقابه ما كان نكال‬ ‫لكم وعبة للمتقي‪ ,‬فإن تنتهوا ‪-‬أيها الكفار‪ -‬عن الكفر بال ورسوله‬ ‫وقتال نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهو خي لكم ف دنياكم‬ ‫‪563‬‬

‫وأخراكم‪ ,‬وإن تعودوا إل الرب وقتال ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫وقتال أتباعه الؤمني نَ ُعدْ بزيتكم كما هُزمتم يوم "بدر"‪ ,‬ولن تغن‬ ‫عنكم جاعتكم شيئًا‪ ,‬كما ل تغن عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم‬ ‫وعتادكم وقلة عدد الؤمني وعدتم‪ ,‬وأن ال مع الؤمني بتأييده‬ ‫ونصره‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َأطِيعُوا اللّ هَ َورَ سُوَلهُ وَل َت َوّلوْا َعنْ هُ وََأْنتُ مْ تَ سْمَعُونَ (‬ ‫‪)20‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله أطيعوا ال ورسوله فيما أمركم به‬ ‫وناكم عنه‪ ,‬ول تتركوا طاعة ال وطاعة رسوله‪ ,‬وأنتم تسمعون ما يتلى‬ ‫عليكم ف القرآن من الجج والباهي‪.‬‬ ‫وَل تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِ ْعنَا وَهُ ْم ل َيسْمَعُونَ (‪)21‬‬ ‫ول تكونوا أيها الؤمنون ف مالفة ال ورسوله ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم كالشركي والنافقي الذين إذا سعوا كتاب ال يتلى عليهم قالوا‪:‬‬ ‫سعنا بآذاننا‪ ,‬وهم ف القيقة ل يتدبرون ما سعوا‪ ,‬ول يفكرون فيه‪.‬‬ ‫‪564‬‬

‫ِإنّ شَ ّر ال ّدوَابّ ِعنْ َد اللّهِ الصّ ّم اْلبُكْ ُم الّذِينَ ل يَعْقِلُونَ (‪)22‬‬ ‫ب على الرض ‪-‬مِنْ خَلْق ال‪ -‬عند ال الص ّم الذين انسدّت‬ ‫إنّ شر ما د ّ‬ ‫آذانم عن ساع الق فل يسمعون‪ ,‬البكم الذين خرست ألسنتهم عن‬ ‫النطق به فل ينطقون‪ ,‬هؤلء هم الذين ل يعقلون عن ال أمره ونيه‪.‬‬ ‫َولَوْ عَِل َم اللّ هُ فِيهِ مْ َخيْرا لَ سْمَ َعهُ ْم وََلوْ َأ ْسمَ َعهُمْ َلَت َولّوا وَهُ مْ مُ ْع ِرضُو نَ (‬ ‫‪)23‬‬ ‫ولو علم ال ف هؤلء خيًا لسعهم مواعظ القرآن وعبه حت يعقلوا‬ ‫عن ال عز وجل حججه وبراهينه‪ ,‬ولكنه علم أنه ل خي فيهم وأنم ل‬ ‫يؤمنون‪ ,‬ولو أسعهم ‪-‬على الفرض والتقدير‪ -‬لتولّوا عن اليان قصدًا‬ ‫وعنادًا بعد فهمهم له‪ ,‬وهم معرضون عنه‪ ,‬ل التفات لم إل الق بوجه‬ ‫من الوجوه‪.‬‬ ‫حيِيكُ مْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْسَتجِيبُوا لِلّ هِ وَلِلرّ سُولِ إِذَا دَعَاكُ ْم لِمَا ُي ْ‬ ‫وَاعْلَمُوا َأنّ الّلهَ َيحُولُ َبيْ َن الْ َم ْرءِ وَقَ ْلِبهِ وََأّنهُ ِإَلْيهِ ُتحْشَرُونَ (‪)24‬‬ ‫‪565‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا بال ربًا وبحمد نبيًا ورسول استجيبوا ل وللرسول‬ ‫بالطاعة إذا دعاكم لا يييكم من الق‪ ,‬ففي الستجابة إصلح حياتكم‬ ‫ف الدنيا والخرة‪ ,‬واعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن ال تعال هو التصرف‬ ‫ف جيع الشياء‪ ,‬والقادر على أن يول بي النسان وما يشتهيه قلبه‪,‬‬ ‫فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت‬ ‫كل شيء‪ ,‬واعلموا أنكم تُجمعون ليوم ل ريب فيه‪ ,‬فيجازي كل با‬ ‫يستحق‪.‬‬ ‫صةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ َشدِيدُ‬ ‫وَاتّقُوا ِفْتَنةً ل تُ صِيبَنّ الّذِي نَ ظَلَمُوا ِمنْكُ مْ خَا ّ‬ ‫ب (‪)25‬‬ ‫الْعِقَا ِ‬ ‫واحذروا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬اختبارًا ومنة يُ َعمّ با السيء وغيه ل ُيخَص‬ ‫با أهل العاعي ول مَن باشر الذنب‪ ,‬بل تصيب الصالي معهم إذا‬ ‫قدروا على إنكار الظلم ول ينكروه‪ ,‬واعلموا أن ال شديد العقاب لن‬ ‫خالف أمره ونيه‪.‬‬ ‫ستَضْعَفُونَ فِي ا َلرْ ضِ َتخَافُو نَ أَ نْ َيَتخَطّفَكُ ْم‬ ‫وَاذْكُرُوا إِذْ َأْنتُ مْ قَلِيلٌ مُ ْ‬ ‫النّا سُ فَآوَاكُ ْم وََأيّدَكُ مْ ِبنَ صْرِهِ َو َرزَقَكُ مْ مِ نْ ال ّطّيبَا تِ لَعَلّ ُك ْم َتشْكُرُو نَ (‬ ‫‪566‬‬

‫‪)26‬‬ ‫واذكروا أيها الؤمنون نِعَم ال عليكم إذ أنتم بم"مكة" قليلو العدد‬ ‫مقهورون‪ ,‬تافون أن يأخذكم الكفار بسرعة‪ ,‬فجعل لكم مأوى تأوون‬ ‫إليه وهو "الدينة"‪ ,‬وقوّاكم بنصره عليهم يوم "بدر"‪ ,‬وأطعمكم من‬ ‫الطيبات ‪-‬الت من جلتها الغنائم‪ ;-‬لكي تشكروا له على ما رزقكم‬ ‫وأنعم به عليكم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َتخُونُوا اللّ هَ وَالرّ سُولَ َوَتخُونُوا أَمَانَاتِكُ مْ وََأْنُت مْ‬

‫تَعْلَمُونَ (‪)27‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تونوا ال ورسوله‬ ‫بترك ما أوجبه ال عليكم وِفعْل ما ناكم عنه‪ ,‬ول تفرطوا فيما ائتمنكم‬ ‫ال عليه‪ ,‬وأنتم تعلمون أنه أمانة يب الوفاء با‪.‬‬ ‫وَاعْلَمُوا َأنّمَا أَ ْموَالُكُمْ َوَأوْلدُكُمْ ِفْتَنةٌ وََأنّ اللّهَ ِعْندَهُ أَجْ ٌر عَظِيمٌ (‪)28‬‬ ‫واعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن أموالكم الت استخلفكم ال فيها‪,‬‬ ‫وأولدكم الذين وهبهم ال لكم اختبار من ال وابتلء لعباده; ليعلم‬ ‫‪567‬‬

‫أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها‪ ,‬أو ينشغلون با عنه؟ واعلموا أن ال‬ ‫عنده خي وثواب عظيم لن اتقاه وأطاعه‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم ُفرْقَانا َويُكَفّ ْر عَنك ْ‬ ‫ّهم َيجْعَلْ لَك ْ‬ ‫ِنم َتتّقُوا الل َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا إ ْ‬ ‫ي َا َأيّه َا الّذ َ‬ ‫َسّيئَاتِكُ ْم َويَغْفِرْ لَكُ ْم وَالّلهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِي ِم (‪)29‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه إن تتقوا ال بفعل‬ ‫أوامره واجتناب نواهيه يعل لكم فصل بي الق والباطل‪ ,‬ويَمحُ عنكم‬ ‫ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم‪ ,‬فل يؤاخذكم با‪ .‬وال ذو‬ ‫الفضل العظيم‪.‬‬ ‫ك الّذِي نَ كَفَرُوا ِلُيْثِبتُو كَ َأوْ يَ ْقتُلُو كَ َأوْ ُيخْرِجُو كَ َويَمْ ُكرُو نَ‬ ‫وَِإذْ يَ ْمكُرُ ِب َ‬ ‫َويَمْكُ ُر اللّهُ وَالّلهُ َخْيرُ الْمَاكِرِينَ (‪)30‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي يكيد لك مشركو قومك بم"مكّة";‬ ‫ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك‪ .‬ويكيدون لك‪ ,‬وردّ ال‬ ‫مكرهم عليهم جزاء لم‪ ,‬ويكر ال‪ ,‬وال خي الاكرين‪.‬‬

‫‪568‬‬

‫وَإِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاُتنَا قَالُوا َقدْ سَمِ ْعنَا َلوْ َنشَاءُ لَقُ ْلنَا ِمثْ َل هَذَا إِ نْ هَذَا إِلّ‬ ‫أَسَاطِيُ ا َل ّولِيَ ( ‪)31‬‬ ‫وإذا تتلى على هؤلء الذين كفروا بال آيات القرآن العزيز قالوا جهل‬ ‫منهم وعنادًا للحق‪ :‬قد سعنا هذا من قبل‪ ,‬لو نشاء لقلنا مثل هذا‬ ‫القرآن‪ ,‬ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا ‪-‬يا ممد‪ -‬إل أكاذيب الولي‪.‬‬ ‫قَالُوا اللّهُمّ إِ نْ كَا نَ َهذَا ُهوَ اْلحَقّ مِ نْ ِعنْدِ كَ فَأَمْطِرْ َعَليْنَا ِحجَارَةً مِ نْ‬ ‫السّمَاءِ َأ ْو اْئِتنَا بِ َعذَابٍ َألِيمٍ (‪)32‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قول الشركي من قومك داعي ال‪ :‬إن كان ما‬ ‫جاء به ممد هو الق مِن عندك فأمطر علينا حجارة من السماء‪ ,‬أو ائتنا‬ ‫بعذاب شديد موجع‪.‬‬ ‫ستَغْفِرُونَ‬ ‫وَمَا كَانَ اللّهُ ِليُعَ ّذَبهُمْ وََأنْتَ فِيهِ ْم وَمَا كَانَ الّلهُ مُعَ ّذَبهُمْ وَهُمْ َي ْ‬ ‫(‪)33‬‬

‫‪569‬‬

‫وما كان ال سبحانه وتعال ليعذّب هؤلء الشركي‪ ,‬وأنت ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬بي ظهراَنيْهم‪ ,‬وما كان ال معذّبم‪ ,‬وهم يستغفرون من‬ ‫ذنوبم‪.‬‬ ‫صدّونَ عَ ْن الْمَ سْجِدِ اْلحَرَا مِ وَمَا كَانُوا‬ ‫وَمَا َلهُ مْ أَلّ يُعَ ّذَبهُ ْم اللّ هُ وَهُ مْ يَ ُ‬ ‫َأ ْوِليَاءَهُ ِإنْ َأ ْوِليَاؤُهُ إِ ّل الْ ُمتّقُونَ َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل يَعْلَمُونَ ( ‪)34‬‬ ‫وكيف ل يستحقّون عذاب ال‪ ,‬وهم يصدون أولياءه الؤمني عن‬ ‫الطواف بالكعبة والصلة ف السجد الرام؟ وما كانوا أولياء ال‪ ,‬إنْ‬ ‫أولياء ال إل الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬ولكن أكثر‬ ‫الكفار ل يعلمون; فلذلك ادّعوا لنفسهم أمرًا‪ ,‬غيهم أول به‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ صَلُتهُ ْم ِعنْدَ اْلَبيْ تِ إِلّ مُكَاءً َوتَ صْ ِدَيةً فَذُوقُوا الْعَذَا بَ بِمَا‬ ‫كُنتُمْ تَكْ ُفرُونَ (‪)35‬‬ ‫وما كان صلتم عند السجد الرام إل صفيًا وتصفيقًا‪ .‬فذوقوا عذاب‬ ‫القتل والسر يوم "بدر" ; بسبب جحودكم وأفعالكم الت ل يُقْدم عليها‬ ‫إل الكفرة‪ ,‬الاحدون توحيد ربم ورسالة نبيهم‪.‬‬ ‫‪570‬‬

‫سيُنفِقُوَنهَا ثُمّ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا ُينْفِقُو نَ أَ ْموَالَهُ ْم ِليَ صُدّوا عَ نْ َسبِي ِل اللّ هِ فَ َ‬ ‫حشَرُو نَ (‬ ‫تَكُو نُ عََلْيهِ مْ حَ سْرَ ًة ثُمّ يُغَْلبُو نَ وَالّذِي نَ كَفَرُوا ِإلَى َج َهنّ مَ ُي ْ‬ ‫‪)36‬‬ ‫إن الذين جحدوا وحدانية ال وعصوا رسوله ينفقون أموالم فيعطونا‬ ‫أمثالم من الشركي وأهل الضلل‪ ,‬ليصدوا عن سبيل ال وينعوا‬ ‫الؤمني عن اليان بال ورسوله‪ ,‬فينفقون أموالم ف ذلك‪ ,‬ث تكون‬ ‫عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم; لن أموالم تذهب‪ ,‬ول‬ ‫يظفرون با يأمُلون مِن إطفاء نور ال والصد عن سبيله‪ ,‬ث يهزمهم‬ ‫الؤمنون آخر المر‪ .‬والذين كفروا إل جهنم يشرون فيعذبون فيها‪.‬‬ ‫خبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ َفيَرْ ُكمَهُ‬ ‫ب َويَجْعَلَ اْل َ‬ ‫خبِيثَ مِنْ ال ّطيّ ِ‬ ‫ِليَمِي َز اللّهُ الْ َ‬ ‫ك هُ ْم اْلخَاسِرُونَ (‪)37‬‬ ‫َجمِيعا َفَيجْعََلهُ فِي َج َهنّمَ ُأوَْلئِ َ‬ ‫يشر ال ويزي هؤلء الذين كفروا بربم‪ ,‬وأنفقوا أموالم لنع الناس‬ ‫عن اليان بال والصد عن سبيله; ليميز ال تعال البيث من الطيب‪,‬‬ ‫ويعل ال الال الرام الذي أُنفق للص ّد عن دين ال بعضه فوق بعض‬

‫‪571‬‬

‫متراكمًا متراكبًا‪ ,‬فيجعله ف نار جهنم‪ ,‬هؤلء الكفار هم الاسرون ف‬ ‫الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ِنم يَعُودُوا فَقَدْ‬ ‫ف وَإ ْ‬ ‫سملَ َ‬ ‫ُمم مَا قَدْ َ‬ ‫ِنم يَنَتهُوا يُغْ َفرْ َله ْ‬ ‫ِينم كَفَرُوا إ ْ‬ ‫قُ ْل لِلّذ َ‬ ‫مَضَتْ ُسّنةُ ا َل ّولِيَ (‪)38‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين جحدوا وحدانية ال مِن مشركي قومك‪ :‬إن‬ ‫ينجروا عن الكفر وعداوة النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويرجعوا إل‬ ‫اليان بال وحده وعدم قتال الرسول والؤمني‪ ,‬يغفر ال لم ما سبق‬ ‫من الذنوب‪ ,‬فالسلم ُيبّ ما قبله‪ .‬وإن يَعُ ْد هؤلء الشركون لقتالك‬ ‫أيها الرسول‪ -‬بعد الوقعة الت أوقعتها بم يوم "بدر" فقد سبقت طريقة‬‫الولي‪ ,‬وهي أنم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم‬ ‫بالعذاب والعقوبة‪.‬‬ ‫وَقَاتِلُوهُ مْ َحتّى ل تَكُو نَ ِفْتَنةٌ َويَكُو نَ الدّي نُ كُلّ هُ لِلّ هِ َفإِ نْ انَت َهوْا َفإِنّ اللّ هَ‬ ‫بِمَا يَعْ َملُونَ بَصِ ٌي (‪)39‬‬ ‫وقاتلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬الشركي حت ل يكون شِرْ ٌك وصدّ عن سبيل‬ ‫ال; ول يُ ْعبَ َد إل ال وحده ل شريك له‪ ,‬فيتفع البلء عن عباد ال ف‬ ‫‪572‬‬

‫الرض‪ ,‬وحت يكون الدين والطاعة والعبادة كلها ل خالصة دون غيه‪,‬‬ ‫فإن انزجروا عن قتنة الؤمني وعن الشرك بال وصاروا إل الدين الق‬ ‫معكم‪ ,‬فإن ال ل يفى عليه ما يعملون مِن ترك الكفر والدخول ف‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫وَِإنْ َت َوّلوْا فَاعْلَمُوا َأنّ الّلهَ َموْلكُ ْم نِعْ َم الْ َم ْولَى َونِعْ َم النّصِيُ (‪)40‬‬ ‫وإن أعرض هؤلء الشركون عمّا دعوتوهم إليه ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬من‬ ‫اليان بال ورسوله وترك قتالكم‪ ,‬وأَبوْا إل الصرار على الكفر‬ ‫وقتالكم‪ ,‬فأيقِنوا أن ال معينكم وناصركم عليهم‪ .‬نِعْمَ العي والناصر‬ ‫لكم ولوليائه على أعدائكم‪.‬‬

‫‪573‬‬

‫الزء العاشر ‪:‬‬ ‫سهُ َولِلرّ سُولِ َولِذِي الْقُرْبَى‬ ‫وَاعْلَمُوا َأنّمَا َغنِ ْمتُ مْ مِ نْ شَ ْيءٍ َفأَنّ لِلّ هِ خُمُ َ‬ ‫سبِيلِ إِ نْ كُنتُ مْ آ َمْنتُ ْم بِاللّ هِ وَمَا أَن َزلْنَا عَلَى‬ ‫وَاْلَيتَامَى وَالْمَ سَا ِكيِ وَابْ نِ ال ّ‬ ‫َعبْ ِدنَا َيوْمَ الْفُرْقَانِ َيوْمَ اْلتَقَى اْلجَمْعَانِ وَالّلهُ عَلَى كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)41‬‬

‫واعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن ما ظَفِرت به مِن عدوكم بالهاد ف سبيل‬ ‫ال فأربعة أخاسه للمقاتلي الذين حضروا العركة‪ ,‬والمس الباقي يزّأُ‬ ‫خسة أقسام‪ :‬الول ل وللرسول‪ ,‬فيجعل ف مصال السلمي العامة‪,‬‬ ‫والثان لذوي قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهم بنو هاشم وبنو‬ ‫الطلب‪ ,‬جُعِل لم المس مكان الصدقة فإنا ل تلّ لم‪ ,‬والثالث‬ ‫لليتامى‪ ,‬والرابع للمساكي‪ ,‬والامس للمسافر الذي انقطعت به النفقة‪,‬‬ ‫إن كنتم مقرّين بتوحيد ال مطيعي له‪ ,‬مؤمني با أنزل على عبده ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم من اليات والدد والنصر يوم َفرَق بي الق‬ ‫والباطل بم"بدر"‪ ,‬يوم التقى جَمْ ُع الؤمني وجَمْعُ الشركي‪ .‬وال على‬ ‫كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫‪574‬‬

‫صوَى وَالرّكْ بُ أَ سْفَ َل ِمنْكُ ْم َولَ ْو‬ ‫إِذْ َأْنتُ مْ بِالْعُ ْدوَةِ ال ّدْنيَا وَهُ مْ بِالْعُ ْدوَةِ الْقُ ْ‬ ‫َتوَاعَدتّمْ ل ْختَلَ ْفتُ ْم فِي الْمِيعَا ِد وَلَكِنْ ِليَقْضِ َي اللّهُ أَمْرا كَانَ مَفْعُولً ِلَيهْلِكَ‬ ‫حيَا مَنْ حَيّ عَ ْن َبّيَنةٍ وَِإنّ الّلهَ لَسَمِي ٌع عَلِي ٌم (‪)42‬‬ ‫مَنْ هََلكَ عَ ْن َبّينَةٍ َوَي ْ‬ ‫واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي القرب إل "الدينة"‪ ,‬وعدوكم‬ ‫نازل بانب الوادي القصى‪ ,‬وعِي التجارة ف مكان أسفل منكم إل‬ ‫ساحل "البحر الحر"‪ ,‬ولو حاولتم أن تضعوا موعدًا لذا اللقاء‬ ‫لختلفتم‪ ,‬ولكنّ ال جعكم على غي ميعاد; ليقضي أمرًا كان مفعول‬ ‫بنصر أوليائه‪ ,‬وخِذْلن أعدائه بالقتل والسر; وذلك ليهلك من هلك‬ ‫منهم عن حجة ل ثبتت له فعاينها وقطعت عذره‪ ,‬وليحيا مَن ح ّي عن‬ ‫حجة ل قد ثبتت وظهرت له‪ .‬وإن ال لسميع لقوال الفريقي‪ ,‬ل يفى‬ ‫عليه شيء‪ ,‬عليم بنيّاتم‪.‬‬ ‫إِ ْذ يُرِي َكهُ ْم اللّ هُ فِي َمنَامِ كَ َقلِيلً َوَلوْ َأرَا َكهُ مْ َكثِيا لَفَشِ ْلتُ ْم َوَلتَنَازَ ْعتُ مْ فِي‬ ‫ت الصّدُورِ (‪)43‬‬ ‫الَمْرِ َولَكِنّ الّلهَ سَلّمَ ِإّنهُ عَلِي ٌم بِذَا ِ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حينما أراك ال قلة عدد عدوك ف منامك‪ ,‬فأخبت‬ ‫الؤمني بذلك‪ ,‬فقوِيت قلوبم‪ ,‬واجترؤوا على حربم‪ ,‬ولو أراك ربك‬ ‫كثرة عددهم لتردد أصحابك ف ملقاتم‪ ,‬و َجبُنتم واختلفتم ف أمر‬ ‫‪575‬‬

‫القتال‪ ,‬ولكن ال سلّم من الفشل‪ ,‬ونّى من عاقبة ذلك‪ .‬إنه عليم بفايا‬ ‫القلوب وطبائع النفوس‪.‬‬ ‫ل َويُقَلّلُكُ ْم فِي أَ ْعُيِنهِ ْم َويُقَلّلُكُمْ‬ ‫وَِإذْ يُرِي ُكمُوهُمْ إِ ْذ اْلتَ َقْيتُ ْم فِي أَ ْعُينِكُ ْم قَلِي ً‬ ‫فِي أَ ْعُيِنهِمْ ِليَقْضِ َي الّلهُ أَمْرا كَانَ مَفْعُولً وَِإلَى الّلهِ تُ ْرجَ ُع الُمُورُ (‪)44‬‬ ‫واذكر أيضًا حينما برز العداء إل أرض العركة فرأيتموهم قليل‬ ‫فاجترأت عليهم‪ ,‬وقلّلكم ف أعينهم‪ ,‬ليتركوا الستعداد لربكم; ليقضي‬ ‫ال أمرًا كان مفعول فيتحقق وَعْدُ ال لكم بالنصر والغلبة‪ ,‬فكانت كلمة‬ ‫ال هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى‪ .‬وإل ال مصي المور كلها‪,‬‬ ‫فيجازي كل با يستحق‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ّهم َكثِيا لَعَلّك ْ‬ ‫ُمم ِفَئةً فَاْثُبتُوا وَاذْكُرُوا الل َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا إِذَا لَقِيت ْ‬ ‫ي َا َأيّه َا الّذ َ‬ ‫تُفِْلحُونَ (‪)45‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا لقيتم جاعة من‬ ‫أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم‪ ,‬فاثبتوا ول تنهزموا عنهم‪ ,‬واذكروا ال‬ ‫كثيًا داعي مبتهلي لنزال النصر عليكم والظّفَر بعدوكم; لكي تفوزوا‪.‬‬ ‫‪576‬‬

‫صبِرُوا ِإنّ‬ ‫ب رِيُكُ ْم وَا ْ‬ ‫وََأطِيعُوا اللّ هَ َورَ سُوَلهُ وَل َتنَازَعُوا َفتَ ْفشَلُوا َوتَذْ َه َ‬

‫اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ (‪)46‬‬

‫والتزموا طاعة ال وطاعة رسوله ف كل أحوالكم‪ ,‬ول تتلفوا فتتفرق‬ ‫كلمتكم وتتلف قلوبكم‪ ,‬فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم‪ ,‬واصبوا‬ ‫عند لقاه العدو‪ .‬إن ال مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد‪ ,‬ولن‬ ‫يذلم‪.‬‬ ‫وَل تَكُونُوا كَالّذِينَ َخرَجُوا مِنْ ِديَارِهِمْ بَطَرا َو ِرئَاءَ النّاسِ َويَصُدّونَ عَنْ‬ ‫ط (‪)47‬‬ ‫َسبِيلِ الّلهِ وَالّلهُ بِمَا يَعْمَلُونَ ُمحِي ٌ‬ ‫ول تكونوا مثل الشركي الذين خرجوا من بلدهم كبًا ورياءً; ليمنعوا‬ ‫الناس عن الدخول ف دين ال‪ .‬وال با يعملون ميط ل يغيب عنه‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫شيْطَانُ أَعْمَالَهُ ْم وَقَالَ ل غَالِبَ لَكُ ْم اْليَوْمَ مِنْ النّاسِ وَِإنّي‬ ‫وَإِ ْذ َزيّنَ لَهُ ْم ال ّ‬ ‫ص عَلَى عَ ِقَبيْ هِ وَقَالَ ِإنّ ي بَرِيءٌ ِمنْكُ مْ‬ ‫جَارٌ لَكُ ْم فَلَمّ ا تَرَاءَ تْ الْ ِفَئتَا نِ نَكَ َ‬

‫ِإنّي َأرَى مَا ل تَ َر ْونَ ِإنّي َأخَافُ الّلهَ وَالّلهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( ‪)48‬‬ ‫‪577‬‬

‫واذكروا حي حسّن الشيطان للمشركي ما جاؤوا له وما هّوا به‪ ,‬وقال‬ ‫لم‪ :‬لن يغلبكم أحد اليوم‪ ,‬فإن ناصركم‪ ,‬فلما تقابل الفريقان‪:‬‬ ‫الشركون ومعهم الشيطان‪ ,‬والسلمون ومعهم اللئكة‪ ,‬رجع الشيطان‬ ‫مُدْبرًا‪ ,‬وقال للمشركي‪ :‬إن بريء منكم‪ ,‬إن أرى ما ل ترون من‬ ‫اللئكة الذين جاؤوا مددًا للمسلمي‪ ,‬إن أخاف ال‪ ,‬فخذلم وتبأ‬ ‫منهم‪ .‬وال شديد العقاب لن عصاه ول يتب توبة نصوحًا‪.‬‬ ‫إِذْ يَقُولُ الْ ُمنَافِقُونَم وَالّذِينَم فِي قُلُوِبهِم ْم َمرَضٌم غَ ّر َهؤُلءِ دِيُنهُم ْم وَمَن ْم‬

‫َيَتوَكّلْ عَلَى الّلهِ َفِإنّ الّلهَ عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)49‬‬

‫واذكروا حي يقول أهل الشرك والنفاق ومرضى القلوب‪ ,‬وهم يرون‬ ‫قلة السلمي وكثرة عدوهم‪ :‬غرّ هؤلء السلمي دينُهم‪ ,‬فأوردهم هذه‬ ‫الوارد‪ ,‬ول يدرك هؤلء النافقون أنه من يتوكل على ال ويثق بوعده‬ ‫فإن ال لن يذله‪ ,‬فإن ال عزيز ل يعجزه شيء‪ ,‬حكيم ف تدبيه‬ ‫وصنعه‪.‬‬ ‫َوَلوْ تَرَى ِإذْ َيَتوَفّ ى الّذِي نَ كَ َفرُوا الْمَلئِ َكةُ يَضْ ِربُو نَ وُجُو َههُ ْم وَأَ ْدبَارَهُ مْ‬

‫ب الْحَرِيقِ (‪)50‬‬ ‫وَذُوقُوا عَذَا َ‬

‫‪578‬‬

‫ولو تعاين ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حال قبض اللئكة أرواح الكفار وانتزاعها‪,‬‬ ‫وهم يضربون وجوههم ف حال إقبالم‪ ,‬ويضربون ظهورهم ف حال‬ ‫فرارهم‪ ,‬ويقولون لم‪ :‬ذوقوا العذاب الحرق‪ ,‬لرأيت أمرًا عظيمًا‪ ،‬وهذا‬ ‫السياق وإن كان سببه وقعة "بدر" ‪ ،‬ولكنه عام ف حق كلّ كافر‪.‬‬ ‫ك بِمَا َقدّمَتْ َأيْدِي ُكمْ وََأنّ الّلهَ َلْيسَ بِظَلّمٍ لِلْ َعبِي ِد (‪)51‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫ذلك الزاء الذي أصاب الشركي فبسبب أعمالم السيئة ف حياتم‬ ‫الدنيا‪ ,‬ول يظلم ال أحدًا من خَلْقه مثقال ذرة‪ ,‬بل هو الَكَ ُم العدل‬ ‫الذي ل يور‪.‬‬ ‫كَ َدأْ بِ آلِ ِفرْ َعوْ نَ وَالّذِي نَ مِ ْن َقبِْلهِ ْم كَفَرُوا بِآيَا تِ اللّ هِ َفأَخَذَ ُه مْ اللّ هُ‬ ‫ب (‪)52‬‬ ‫بِ ُذنُوِبهِمْ ِإ ّن الّلهَ َقوِيّ شَدِي ُد الْعِقَا ِ‬ ‫إنّ ما نزل بالشركي يومئذ ُسنّة ال ف عقاب الطغاة من المم السابقة‬ ‫من أمثال فرعون والسابقي له‪ ,‬عندما كذّبوا رسل ال وجحدوا آياته‪,‬‬ ‫فإن ال أنزل بم عقابه بسبب ذنوبم‪ .‬إن ال قوي ل يُقْهر‪ ,‬شديد‬ ‫العقاب لن عصاه ول يتب من ذنبه‪.‬‬ ‫‪579‬‬

‫َذلِكَم بِأَنّ اللّهَملَم ْميَكُم مُ َغيّرا نِ ْع َمةً َأنْعَمَهَا عَلَى َقوْمٍم َحتّىميُ َغيّرُوا مَا‬

‫سهِمْ وََأنّ الّلهَ َسمِيعٌ َعلِيمٌ (‪)53‬‬ ‫بِأَن ُف ِ‬

‫ذلك الزاء السيّئ بأن ال إذا أنعم على قوم نعمة ل يسلبها منهم حت‬ ‫يغيّروا حالم الطيبة إل حال سيئة‪ ,‬وأن ال سيع لقوال خلقه‪ ,‬عليم‬ ‫بأحوالم‪ ،‬فيجري عليهم ما اقتضاه علمه ومشيئته‪.‬‬ ‫كَ َدأْ بِ آ ِل فِرْ َعوْ نَ وَالّذِي نَ مِ ْن َقبِْلهِ مْ كَ ّذبُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ فَأَهَْل ْكنَاهُ مْ‬ ‫بِ ُذنُوِبهِمْ وَأَ ْغرَ ْقنَا آلَ فِرْ َع ْونَ وَكُلّ كَانُوا ظَالِ ِميَ (‪)54‬‬ ‫شأن هؤلء الكافرين ف ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى‪,‬‬ ‫وشأن الذين كذبوا رسلهم من المم السابقة فأهلكهم ال بسبب‬ ‫ذنوبم‪ ,‬وأغرق آل فرعون ف البحر‪ ,‬وكل منهم كان فاعل ما ل يكن‬ ‫له فِعْلُه من تكذيبهم رسل ال وجحودهم آياته‪ ,‬وإشراكهم ف العبادة‬ ‫غيه‪.‬‬ ‫ِإنّ شَرّ ال ّدوَابّ ِعْندَ الّلهِ الّذِينَ كَفَرُوا َف ُهمْ ل ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)55‬‬ ‫‪580‬‬

‫ب على الرض عند ال الكفار الصرّون على الكفر‪ ,‬فهم ل‬ ‫إن شر ما د ّ‬ ‫يصدقون رسل ال‪ ,‬ول يُقرون بوحدانيته‪ ,‬ول يتبعون شرعه‪.‬‬ ‫الّذِي نَ عَاهَ ْد تَ ِمْنهُ ْم ثُمّ يَنقُضُو نَ َعهْدَ ُه مْ فِي كُلّ َمرّةٍ وَهُ ْم ل َيتّقُو نَ (‬ ‫‪)56‬‬ ‫مِن أولئك الشرار اليهود الذين دخلوا معك ف العاهدات بأن ل‬ ‫ياربوك ول يظاهروا عليك أحدًا‪ ,‬ث ينقضون عهدهم الرة تلو الرة‪,‬‬ ‫وهم ل يافون ال‪.‬‬ ‫ب َفشَرّدْ ِبهِ ْم مَنْ َخلْ َفهُمْ لَعَّلهُ ْم يَذّكّرُونَ (‪)57‬‬ ‫َفإِمّا َتثْقَ َفّنهُ ْم فِي الْحَرْ ِ‬ ‫فإن واجهت هؤلء الناقضي للعهود والواثيق ف العركة‪ ,‬فأنزِلْ بم من‬ ‫العذاب ما ُيدْخل الرعب ف قلوب الخرين‪ ,‬ويشتت جوعهم; لعلهم‬ ‫يذّكرون‪ ,‬فل يترئون على مثل الذي أقدم عليه السابقون‪.‬‬ ‫وَإِمّ ا َتخَافَنّ مِ ْن َقوْ مٍ ِخيَانَةً فَاْنبِذْ ِإَلْيهِ مْ َعلَى َسوَاءٍ إِنّ اللّ هَ ل ُيحِبّ‬ ‫الْخَاِئنِيَ (‪)58‬‬ ‫‪581‬‬

‫وإن خفت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من قو ٍم خيانة ظهرت بوادرها فألق إليهم‬ ‫عهدهم‪ ,‬كي يكون الطرفان مستويي ف العلم بأنه ل عهد بعد اليوم‪.‬‬ ‫إن ال ل يب الائني ف عهودهم الناقضي للعهد واليثاق‪.‬‬ ‫سبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا َسبَقُوا ِإّنهُمْ ل يُ ْعجِزُونَ (‪)59‬‬ ‫حَ‬ ‫وَل َي ْ‬ ‫ول يظنن الذين جحدوا آيات ال أنم فاتوا و َنوْا‪ ,‬وأن ال ل يقدر‬ ‫عليهم‪ ,‬إنم لن يُفْلِتوا من عذاب ال‪.‬‬ ‫خيْلِ تُرْ ِهبُو نَ بِ هِ َع ُدوّ اللّ هِ‬ ‫وَأَعِدّوا َلهُ مْ مَا ا ْستَطَ ْعتُمْ مِ ْن ُقوّةٍ وَمِ نْ ِربَا طِ الْ َ‬ ‫وَعَ ُدوّكُ مْ وَآخَرِي نَ مِ نْ دُوِنهِ مْ ل تَعْلَمُوَنهُ مْ اللّ هُ يَعَْل ُمهُ مْ وَمَا تُنفِقُوا مِ نْ‬ ‫شَ ْي ٍء فِي َسبِيلِ الّلهِ ُيوَفّ ِإَليْكُ ْم وََأْنتُ ْم ل تُظْلَمُونَ (‪)60‬‬ ‫وأعدّوا ‪ -‬يا معشر السلمي ‪ -‬لواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه‬ ‫مِن عدد وعدة‪ ,‬لتُدْخلوا بذلك الرهبة ف قلوب أعداء ال وأعدائكم‬ ‫التربصي بكم‪ ,‬وتيفوا آخرين ل تظهر لكم عداوتم الن‪ ,‬لكن ال‬ ‫يعلمهم ويعلم ما يضمرونه‪ .‬وما تبذلوا من مال وغيه ف سبيل ال قليل‬ ‫أو كثيًا يلفه ال عليكم ف الدنيا‪ ,‬ويدخر لكم ثوابه إل يوم القيامة‪,‬‬ ‫وأنتم ل ُتنْقصون من أجر ذلك شيئًا‪.‬‬ ‫‪582‬‬

‫وَإِ نْ َجَنحُوا لِل سّلْ ِم فَا ْجَن ْح لَهَا َوَتوَكّلْ عَلَى اللّ هِ ِإنّ هُ ُه َو ال سّمِيعُ الْعَلِي مُ (‬

‫‪)61‬‬

‫وإن مالوا إل ترك الرب ورغبوا ف مسالتكم فمِ ْل إل ذلك ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ -‬وَفوّضْ أمرك إل ال‪ ,‬وثق به‪ .‬إنه هو السميع لقوالم‪ ,‬العليم‬ ‫بنيّاتم‪.‬‬ ‫َصمرِهِ‬ ‫َكم ِبن ْ‬ ‫ّهم ُه َو الّذِي َأيّد َ‬ ‫َسمبَكَ الل ُ‬ ‫ُوكم َفإِنّ ح ْ‬ ‫َنم َيخْدَع َ‬ ‫ِنم يُرِيدُوا أ ْ‬ ‫وَإ ْ‬ ‫َوبِالْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪ )62‬وََألّفَ َبيْنَ قُلُوِبهِمْ َلوْ أَنفَ ْقتَ مَا فِي ا َلرْضِ جَمِيعا مَا‬ ‫ف َبْيَنهُمْ ِإّنهُ َعزِيزٌ حَكِي ٌم ( ‪)63‬‬ ‫ت َبيْنَ قُلُوِبهِمْ َولَكِنّ الّلهَ َألّ َ‬ ‫َألّفْ َ‬ ‫وإن أراد الذين عاهدوك الكر بك فإن ال سيكفيك خداعهم; إنه هو‬ ‫الذي أنزل عليك نصره وقوّاك بالؤمني من الهاجرين والنصار‪ ,‬و َجمَع‬ ‫بي قلوبم بعد التفرق‪ ,‬لو أنفقت مال الدنيا على جع قلوبم ما‬ ‫استطعت إل ذلك سبيل ولكن ال جع بينها على اليان فأصبحوا‬ ‫إخوانًا متحابي‪ ,‬إنه عزيز ف مُلْكه‪ ,‬حكيم ف أمره وتدبيه‪.‬‬ ‫ك مِنْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)64‬‬ ‫سبُكَ الّلهُ وَمَنْ اّتبَعَ َ‬ ‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ َح ْ‬ ‫‪583‬‬

‫يا أيها النب إن ال كافيك‪ ,‬وكاف الذين معك من الؤمني شرّ أعدائكم‪.‬‬ ‫ُونم‬ ‫ُمم ِعشْر َ‬ ‫ُنم ِمنْك ْ‬ ‫ِنم يَك ْ‬ ‫ّضم الْ ُمؤْ ِمنِيَ عَلَى الْ ِقتَالِ إ ْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّنبِيّ َحر ْ‬ ‫صَابِرُونَ يَغِْلبُوا مِاَئَتيْ نِ وَإِ نْ يَكُ نْ ِمنْكُ مْ مِاَئةٌ يَغِْلبُوا َألْفا مِ ْن الّذِي نَ كَ َفرُوا‬ ‫بَِأّنهُمْ َقوْ ٌم ل يَفْ َقهُونَ (‪)65‬‬ ‫ث الؤمني بك على القتال‪ ,‬إن يكن منكم عشرون‬ ‫يا أيها النب حُ ّ‬ ‫صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتي منهم‪ ,‬فإن يكن منكم مائة ماهدة‬ ‫صابرة يغلبوا ألفًا من الكفار; لنم قوم ل ِعلْم ول فهم عندهم لا أعدّ‬ ‫ال للمجاهدين ف سبيله‪ ,‬فهم يقاتلون من أجل العلو ف الرض والفساد‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫ف اللّ هُ عَنكُ مْ وَعَِل مَ َأنّ فِيكُ مْ ضَعْفا َفإِ نْ يَكُ نْ ِمنْ ُك ْم مِاَئةٌ صَابِرَ ٌة‬ ‫ال نَ َخفّ َ‬ ‫يَغِْلبُوا مِاَئَتيْنِم وَإِن ْميَكُن ْم ِمنْكُم ْمَألْفٌميَغِْلبُوا َألْ َفيْنِمِبإِذْنِم اللّهِم وَاللّهُم مَعَم‬ ‫الصّابِرِينَ (‪)66‬‬ ‫الن خفف ال عنكم أيها الؤمنون لا فيكم من الضعف‪ ,‬فإن يكن منكم‬ ‫مائة صابرة يغلبوا مائتي من الكافرين‪ ,‬وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفي‬ ‫منهم بإذن ال تعال‪ .‬وال مع الصابرين بتأييده ونصره‪.‬‬ ‫‪584‬‬

‫ض تُرِيدُو نَ َعرَ ضَ‬ ‫مَا كَا نَ ِلَنبِيّ أَنْ يَكُو نَ لَ هُ أَ سْرَى َحتّى ُيْثخِ نَ فِي ا َلرْ ِ‬

‫ال ّدْنيَا وَالّلهُ يُرِيدُ الخِرَ َة وَالّلهُ َعزِيزٌ حَكِي ٌم (‪)67‬‬

‫ل ينبغي لنب أن يكون له أسرى مِن أعدائه حت يبالغ ف القتل; لدخال‬ ‫الرعب ف قلوبم ويوطد دعائم الدين‪ ,‬تريدون ‪-‬يا معشر السلمي‪-‬‬ ‫بأخذكم الفداء من أسرى "بدر" متاع الدنيا‪ ,‬وال يريد إظهار دينه‬ ‫الذي به تدرك الخرة‪ .‬وال عزيز ل يُقْهر‪ ,‬حكيم ف شرعه‪.‬‬ ‫َلوْل ِكتَابٌ مِ ْن الّلهِ َسبَقَ لَ َمسّكُ ْم فِيمَا أَ َخ ْذتُمْ َعذَابٌ عَظِي ٌم (‪)68‬‬ ‫لول كتاب من ال سبق به القضاء والقدر بإباحة الغنيمة وفداء السرى‬ ‫لذه المة‪ ,‬لنالكم عذاب عظيم بسبب أخْذكم الغنيمة والفداء قبل أن‬ ‫ينل بشأنما تشريع‪.‬‬ ‫َفكُلُوا مِمّا َغِن ْمتُمْ حَل ًل َطيّبا وَاتّقُوا الّلهَ ِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)69‬‬ ‫فكلوا من الغنائم وفداء السرى فهو حلل طيب‪ ,‬وحافظوا على أحكام‬ ‫دين ال وتشريعاته‪ .‬إن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫‪585‬‬

‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ قُلْ لِمَ نْ فِي َأيْدِي ُك ْم مِ نْ ا َل سْرَى إِ نْ يَعَْل ْم اللّ هُ فِي قُلُوبِكُ مْ‬

‫َخيْرا ُي ْؤتِكُمْ َخيْرا ِممّا ُأخِذَ ِمْنكُمْ َويَغْ ِفرْ لَكُ ْم وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)70‬‬ ‫يا أيها النب قل لن أسرتوهم ف "بدر"‪ :‬ل تأسوا على الفداء الذي أخذ‬ ‫منكم‪ ,‬إن يعلم ال تعال ف قلوبكم خيًا يؤتكم خيًا ما أُخذ منكم من‬ ‫الال بأن ُيَيسّر لكم من فضله خيًا كثيًا ‪-‬وقد أنز ال وعده للعباس‬ ‫رضي ال عنه وغيه‪ ,-‬ويغفر لكم ذنوبكم‪ .‬وال سبحانه غفور لذنوب‬ ‫عباده إذا تابوا‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ك فَقَدْ خَانُوا اللّ هَ مِ نْ َقبْ ُل فَأَمْكَ َن ِمْنهُ مْ وَاللّ هُ عَلِي مٌ‬ ‫وَإِ نْ ُيرِيدُوا ِخيَاَنتَ َ‬

‫حَكِيمٌ (‪)71‬‬

‫وإن يرد الذين َأطْلَقْتَ صراحهم ‪-‬أيها النب‪ -‬من السرى الغدر بك مرة‬ ‫أخرى فل َتيْئسْ‪ ,‬فقد خانوا ال من قبل وحاربوك‪ ,‬فنصرك ال عليهم‪.‬‬ ‫وال عليم با تنطوي عليه الصدور‪ ,‬حكيم ف تدبي شؤون عباده‪.‬‬ ‫سهِمْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ‬ ‫إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَ ْموَاِلهِ مْ وَأَنفُ ِ‬ ‫َمم‬ ‫ِينم آ َمنُوا َول ْ‬ ‫ْضم وَالّذ َ‬ ‫ُممَأ ْولِيَاءُ بَع ٍ‬ ‫ضه ْ‬ ‫ِكم بَعْ ُ‬ ‫َصمرُوا ُأوَْلئ َ‬ ‫ِينم آوَوا َون َ‬ ‫وَالّذ َ‬ ‫‪586‬‬

‫ُيهَاجَرُوا مَا لَكُ ْم مِ نْ وَلَيِتهِ مْ مِ نْ شَ ْيءٍ َحتّى ُيهَا ِجرُوا وَإِ نْ ا ْستَنصَرُوكُ ْم‬ ‫فِي الدّي ِن فَعََليْكُ ْم النّ صْرُ إِ ّل عَلَى َقوْ مٍ َبْينَكُ ْم َوَبْيَنهُ مْ مِيثَا قٌ وَاللّ هُ بِمَا‬ ‫تَعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪)72‬‬ ‫إن الذين صدّقوا ال‪ ,‬ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬وهاجروا إل دار‬ ‫السلم‪ ,‬أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربم‪ ،‬وجاهدوا ف سبيل ال‬ ‫بالال والنفس‪ ,‬والذين أنزلوا الهاجرين ف دورهم‪ ,‬وواسوهم بأموالم‪,‬‬ ‫ونصروا دين ال‪ ,‬أولئك بعضهم نصراء بعض‪ .‬أما الذين آمنوا ول‬ ‫يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفي بمايتهم ونصرتم حت يهاجروا‪,‬‬ ‫وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لم‪ ,‬إل على‬ ‫قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد ل ينقضوه‪ .‬وال بصي بأعمالكم‪ ,‬بزي‬ ‫كل على قدر نيته وعمله‪.‬‬ ‫ضهُم ْمَأ ْوِليَاءُ بَعْ ضٍ إِلّ تَفْعَلُو هُ تَكُ نْ ِفْتَنةٌ فِي الَرْ ضِ‬ ‫وَالّذِينَم كَ َفرُوا بَعْ ُ‬ ‫وََفسَادٌ َكبِيٌ (‪)73‬‬ ‫والذين كفروا بعضهم نصراء بعض‪ ,‬وإن ل تكونوا ‪-‬أيها الؤمنون‪-‬‬ ‫نصراء بعض تكن ف الرض فتنة للمؤمني عن دين ال‪ ,‬وفساد عريض‬ ‫بالصد عن سبيل ال وتقوية دعائم الكفر‪.‬‬ ‫‪587‬‬

‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَهَاجَرُوا َوجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَالّذِي نَ آوَوا َونَ صَرُوا‬

‫ق كَ ِريٌ ( ‪)74‬‬ ‫ُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْ ُمؤْ ِمنُونَ حَقّا َلهُ ْم مَغْفِرٌَة َورِزْ ٌ‬

‫والذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬وتركوا ديارهم قاصدين دار السلم أو بلدًا‬ ‫يتمكنون فيه من عبادة ربم‪ ,‬وجاهدوا لعلء كلمة ال‪ ,‬والذين نصروا‬ ‫إخوانم الهاجرين وآووهم وواسوهم بالال والتأييد‪ ,‬أولئك هم الؤمنون‬ ‫الصادقون حقًا‪ ,‬لم مغفرة لذنوبم‪ ,‬ورزق كري واسع ف جنات النعيم‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا مِ نْ بَ ْعدُ وَهَا َجرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُ مْ فَُأ ْوَلئِ كَ ِمنْكُ ْم وَُأ ْولُوا‬ ‫ب اللّ هِ إِنّ اللّ هَ بِكُلّ شَ ْي ٍء عَلِي ٌم (‬ ‫ض فِي ِكتَا ِ‬ ‫ضهُ مْ َأ ْولَى ِببَعْ ٍ‬ ‫ا َلرْحَا مِ بَعْ ُ‬

‫‪)75‬‬

‫والذين آمنوا مِن بعد هؤلء الهاجرين والنصار‪ ,‬وهاجروا وجاهدوا‬ ‫معكم ف سبيل ال‪ ,‬فأولئك منكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬لم ما لكم وعليهم‬ ‫ما عليكم‪ ,‬وأولو القرابة بعضهم أول ببعض ف التوارث ف حكم ال من‬ ‫عامة السلمي‪ .‬إن ال بكل شيء عليم يعلم ما يصلح عباده مِن توريث‬

‫‪588‬‬

‫بعضهم من بعض ف القرابة والنسب دون التوارث بالِلْف‪ ,‬وغي ذلك‬ ‫ما كان ف أول السلم‪.‬‬

‫‪ -9‬سورة التوبة‬ ‫بَرَاءَةٌ مِنْ الّلهِ َورَسُوِلهِ ِإلَى الّذِينَ عَاهَدتّ ْم مِنْ الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)1‬‬ ‫هذه براءة من ال ورسوله‪ ,‬وإعلن بالتخلي عن العهود الت كانت بي‬ ‫السلمي والشركي‪.‬‬ ‫فَسِيحُوا فِي الَرْضِ َأ ْربَ َعةَ أَ ْش ُهرٍ وَاعْلَمُوا َأنّ ُكمْ َغْيرُ مُ ْعجِزِي اللّهِ وََأنّ اللّهَ‬

‫ُمخْزِي الْكَافِرِي َن (‪)2‬‬

‫فسيوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬ف الرض مدّة أربعة أشهر‪ ,‬تذهبون حيث‬ ‫شئتم آمني من الؤمني‪ ,‬واعلموا أنكم لن تُفْلِتوا من العقوبة‪ ,‬وأن ال‬ ‫مذل الكافرين ومورثهم العار ف الدنيا‪ ,‬والنار ف الخرة‪ .‬وهذه الية‬ ‫‪589‬‬

‫لذوي العهود الطلقة غي الؤقتة‪ ,‬أو من له عهد دون أربعة أشهر‪,‬‬ ‫فيكمّل له أربعة أشهر‪ ،‬أو مَن كان له عهد فنقضه‪.‬‬ ‫وََأذَا نٌ مِ نْ اللّ هِ َورَ سُوِلهِ ِإلَى النّا سِ َيوْ مَ اْلحَجّ الَ ْكبَرِ أَنّ اللّ هَ بَرِيءٌ مِ نْ‬ ‫الْ ُمشْرِكِيَ َورَسُوُلهُ َفإِنْ ُتْبتُمْ َف ُهوَ َخيْ ٌر لَكُ ْم وَإِنْ َتوَّلْيتُ ْم فَاعْلَمُوا َأنّ ُكمْ َغْيرُ‬ ‫مُ ْعجِزِي الّلهِ َوَبشّ ْر الّذِينَ كَ َفرُوا بِعَذَابٍ َألِيمٍ (‪)3‬‬ ‫وإعلم من ال ورسوله وإنذار إل الناس يوم النحر أن ال بريء من‬ ‫الشركي‪ ,‬ورسوله بريء منهم كذلك‪ .‬فإن رجعتم ‪-‬أيها الشركون‪-‬‬ ‫إل الق وتركتم شرككم فهو خي لكم‪ ,‬وإن أعرضتم عن قَبول الق‬ ‫وأبيتم الدخول ف دين ال فاعلموا أنكم لن تُفْلِتوا من عذاب ال‪ .‬وأنذر‬ ‫أيها الرسول‪ -‬هؤلء العرضي عن السلم عذاب ال الوجع‪.‬‬‫إِلّ الّذِي نَ عَاهَدتّ ْم مِ نْ الْ ُمشْرِكِيَ ثُمّ لَ مْ يَنقُ صُوكُمْ َشيْئا َولَ مْ يُظَاهِرُوا‬ ‫ب الْ ُمتّ ِقيَ (‪)4‬‬ ‫عََليْكُمْ َأحَدا فََأتِمّوا ِإَليْهِ ْم َعهْدَهُمْ ِإلَى ُم ّدِتهِمْ ِإنّ الّلهَ ُيحِ ّ‬ ‫ويُستثن من الكم السابق الشركون الذين دخلوا معكم ف عهد مدد‬ ‫بدة‪ ,‬ول يونوا العهد‪ ,‬ول يعاونوا عليكم أحدا من العداء‪ ,‬فأكملوا‬ ‫‪590‬‬

‫لم عهدهم إل نايته الحدودة‪ .‬إن ال يب التقي الذين أدّوا ما أمروا‬ ‫به‪ ,‬واتقوا الشرك واليانة‪ ,‬وغي ذلك من العاصي‪.‬‬ ‫م‬ ‫م وَ َج ْدتُمُوهُم ْ‬ ‫م فَا ْقتُلُوا الْ ُمشْرِكِيَم َحيْث ُ‬ ‫ملَخَ الَ ْشهُ ُر الْحُرُم ُ‬ ‫َفإِذَا انس َ‬ ‫وَخُذُوهُ مْ وَاحْ صُرُوهُ ْم وَاقْعُدُوا َلهُ ْم كُلّ مَرْ صَ ٍد َفإِ نْ تَابُوا وَأَقَامُوا ال صّلةَ‬ ‫وَآَتوْا الزّكَاةَ َفخَلّوا َسبِيَلهُمْ ِإنّ اللّهَ َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)5‬‬ ‫فإذا انقضت الشهر الربعة الت أمّنتم فيها الشركي‪ ,‬فأعلنوا الرب‬ ‫على أعداء ال حيث كانوا‪ ,‬واقصدوهم بالصار ف معاقلهم‪ ,‬وترصدوا‬ ‫لم ف طرقهم‪ ,‬فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا السلم والتزموا شرائعه‬ ‫من إقام الصلة وإخراج الزكاة‪ ,‬فاتركوهم‪ ,‬فقد أصبحوا إخوانكم ف‬ ‫السلم‪ ,‬إن ال غفور لن تاب وأناب‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫وَإِ نْ أَ َحدٌ مِ نْ الْ ُمشْرِكِيَ ا ْسَتجَارَكَ فََأجِرْ هُ َحتّ ى يَ سْمَعَ كَل مَ اللّ هِ ثُمّ‬ ‫ك بَِأّنهُمْ َقوْ ٌم ل يَعَْلمُونَ ( ‪)6‬‬ ‫َأبْلِ ْغهُ مَأْ َمَنهُ َذلِ َ‬ ‫وإذا طلب أحد من الشركي الذين استبيحت دماؤهم وأموالم الدخول‬ ‫ف جوارك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ورغب ف المان‪ ,‬فأجبه إل طلبه حت‬ ‫يسمع القرآن الكري ويطّلع على هدايته‪ ,‬ث أَعِدْه من حيث أتى آمنًا;‬ ‫‪591‬‬

‫وذلك لقامة الجة عليه; ذلك بسبب أن الكفار قوم جاهلون بقائق‬ ‫السلم‪ ,‬فربا اختاروه إذا زال الهل عنهم‪.‬‬ ‫ف يَكُو نُ لِلْ ُمشْرِكِيَ َعهْدٌ ِعْندَ اللّ هِ وَ ِعنْدَ رَ سُوِلهِ إِ ّل الّذِي نَ عَاهَ ْدتُ ْم‬ ‫َكيْ َ‬ ‫سجِدِ اْلحَرَا مِ فَمَا ا ْستَقَامُوا لَ ُك مْ فَا ْستَقِيمُوا لَهُ مْ إِنّ اللّ هَ ُيحِبّ‬ ‫ِعنْدَ الْمَ ْ‬ ‫الْ ُمتّ ِقيَ (‪)7‬‬ ‫ل ينبغي أن يكون للمشركي عهد عند ال وعند رسوله‪ ,‬إل الذين‬ ‫عاهدت عند السجد الرام ف صلح (الديبية) فما أقاموا على الوفاء‬ ‫بعهدكم فأقيموا لم على مثل ذلك‪ .‬إن ال يب التقي الوفّي‬ ‫بعهودهم‪.‬‬ ‫م‬ ‫م إِلّ وَل ذِ ّمةً يُ ْرضُونَكُم ْ‬ ‫م ل يَ ْرُقبُوا فِيكُم ْ‬ ‫م يَ ْظهَرُوا عََليْكُم ْ‬ ‫م وَإِن ْ‬ ‫َكيْف َ‬ ‫بِأَ ْفوَا ِههِمْ َوتَ ْأبَى قُلُوُبهُمْ وَأَ ْكثَرُ ُهمْ فَا ِسقُونَ (‪)8‬‬ ‫إن شأن الشركي أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيهم‪ ,‬أما إذا‬ ‫شعروا بالقوة على الؤمني فإنم ل يراعون القرابة ول العهد‪ ,‬فل‬ ‫يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الوف منكم‪ ,‬فإنم يقولون لكم‬ ‫‪592‬‬

‫كلمًا بألسنتهم; لترضوا عنهم‪ ,‬ولكن قلوبم تأب ذلك‪ ,‬وأكثرهم‬ ‫متمردون على السلم ناقضون للعهد‪.‬‬ ‫مءَ مَا كَانُوا‬ ‫مِيِلهِ ِإّنهُم ْم سَا‬ ‫ل فَصَمدّوا عَن ْم سَب‬ ‫ا ْشَت َروْا بِآيَاتِم اللّهِمثَمَنا قَلِي ً‬ ‫يَعْمَلُونَ (‪)9‬‬ ‫استبدلوا بآيات ال عرض الدنيا التافه‪ ,‬فأعرضوا عن الق ومنعوا‬ ‫الراغبي ف السلم عن الدخول فيه‪ ,‬لقد َقبُح فعلهم‪ ,‬وساء صنيعهم‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْمُ ْعَتدُونَ (‪)10‬‬ ‫ل يَرُْقبُونَ فِي ُمؤْمِنٍ إِ ّل وَل ذِ ّم ًة وَُأوَْلئِ َ‬ ‫إن هؤلء الشركي حرب على اليان وأهله‪ ,‬فل يقيمون وزنًا لقرابة‬ ‫الؤمن ول لعهده‪ ,‬وشأنم العدوان والظلم‪.‬‬ ‫َصملُ‬ ‫ّينم َونُف ّ‬ ‫ُمم فِي الد ِ‬ ‫ِنم تَابُوا وََأقَامُوا الصمّلةَ وَآَتوْا الزّكَاةَ َفإِ ْخوَانُك ْ‬ ‫َفإ ْ‬

‫ت لِ َقوْمٍ يَعْلَمُونَ (‪)11‬‬ ‫اليَا ِ‬

‫‪593‬‬

‫فإن أقلعوا عن عبادة غي ال‪ ,‬ونطقوا بكلمة التوحيد‪ ,‬والتزموا شرائع‬ ‫السلم من إقام الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬فإنم إخوانكم ف السلم‪ .‬ونبي‬ ‫اليات‪ ,‬ونوضحها لقوم ينتفعون با‪.‬‬ ‫ُمم فَقَاتِلُوا َأئِ ّمةَ‬ ‫ِمم َوطَ َعنُوا فِي دِينِك ْ‬ ‫ِنم بَعْ ِد َعهْدِه ْ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫ِنم نَ َكثُوا َأيْمَاَنه ْ‬ ‫وَإ ْ‬ ‫الْكُفْرِ ِإّنهُ ْم ل َأيْمَانَ َلهُمْ لَعَّلهُمْ يَنَتهُونَ (‪)12‬‬ ‫وإنْ نَقَضَ هؤلء الشركون العهود الت أبرمتموها معهم‪ ,‬وأظهروا‬ ‫الطعن ف دين السلم‪ ,‬فقاتلوهم فإنم رؤساء الضلل‪ ,‬ل عهد لم ول‬ ‫ذمة‪ ,‬حت ينتهوا عن كفرهم وعداوتم للسلم‪.‬‬ ‫أَل تُقَاتِلُو نَ َقوْما نَ َكثُوا َأيْمَاَنهُ مْ وَهَمّوا ِبإِخْرَا جِ الرّ سُولِ وَ ُه مْ بَ َدءُوكُ مْ‬ ‫شوْهُ ِإنْ كُنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪)13‬‬ ‫خَ‬ ‫ش ْونَهُ ْم فَالّلهُ َأحَقّ َأنْ َت ْ‬ ‫خَ‬ ‫َأوّلَ َمرّةٍ َأَت ْ‬ ‫ل تترددوا ف قتال هؤلء القوم الذين نقضوا عهودهم‪ ,‬وعملوا على‬ ‫إخراج الرسول من (مكة)‪ ,‬وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول المر‪,‬‬ ‫أتافونم أو تافون ملقاتم ف الرب؟ فال أحق أن تافوه إن كنتم‬ ‫مؤمني حقًا‪.‬‬ ‫‪594‬‬

‫صدُورَ‬ ‫قَاتِلُوهُ ْم يُعَ ّذْبهُ ْم اللّهُ بَِأْيدِيكُ ْم َويُخْزِهِ ْم َوَينْصُرْكُ ْم عََلْيهِمْ َوَيشْفِ ُ‬

‫ب َغيْ ظَ ُقلُوبِهِ مْ َوَيتُو بُ اللّ هُ عَلَى مَ نْ َيشَاءُ‬ ‫َقوْ ٍم ُمؤْ ِمنِيَ (‪َ )14‬ويُذْ ِه ْ‬ ‫وَالّلهُ عَلِيمٌ حَكِي ٌم (‪)15‬‬

‫يا معشر الؤمني قاتلوا أعداء ال يعذبم عز وجل بأيديكم‪ ,‬ويذلم‬ ‫بالزية والزي‪ ,‬وينصركم عليهم‪ ,‬ويُعْلِ كلمته‪ ,‬ويشف بزيتهم‬ ‫صدوركم الت طالا لق با الزن والغم من كيد هؤلء الشركي‪,‬‬ ‫ويُذْهِب عن قلوب الؤمني الغيظ‪ .‬ومن تاب من هؤلء العاندين فإن ال‬ ‫يتوب على من يشاء‪ .‬وال عليم بصدق توبة التائب‪ ,‬حكيم ف تدبيه‬ ‫وصنعه و َوضْع تشريعاته لعباده‪.‬‬

‫سْبتُمْ أَ نْ ُتتْرَكُوا َولَمّا يَعَْل ْم اللّ هُ الّذِي نَ جَاهَدُوا ِمنْكُ مْ َولَ مْ َيّتخِذُوا‬ ‫أَ مْ حَ ِ‬ ‫جةً وَاللّ هُ َخبِيٌ بِمَا تَ ْعمَلُو نَ (‬ ‫مِ نْ دُو نِ اللّ هِ وَل رَ سُوِلهِ وَل الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَلِي َ‬ ‫‪)16‬‬ ‫مِن سنة ال البتلء‪ ,‬فل تظنوا يا معشر الؤمني أن يترككم ال دون‬ ‫اختبار; ليعلم ال علمًا ظاهرًا للخلق الذين أخلصوا ف جهادهم‪ ,‬ول‬ ‫‪595‬‬

‫يتخذوا غي ال ورسوله والؤمني بطانة وأولياء‪ .‬وال خبي بميع‬ ‫أعمالكم ومازيكم با‪.‬‬ ‫ُسمهِمْ‬ ‫ِينم عَلَى أَنف ِ‬ ‫ّهم شَاهِد َ‬ ‫َنم يَعْمُرُوا مَسمَاجِ َد الل ِ‬ ‫َانملِلْ ُمشْرِكِيَ أ ْ‬ ‫مَا ك َ‬ ‫بِالْكُفْرِ ُأ ْوَلئِكَ َحبِطَتْ أَعْمَاُلهُمْ وَفِي النّارِ هُمْ خَالِدُونَ (‪)17‬‬ ‫ليس من شأن الشركي إعمار بيوت ال‪ ,‬وهم يعلنون كفرهم بال‬ ‫ويعلون له شركاء‪ .‬هؤلء الشركون بطلت أعمالم يوم القيامة‪,‬‬ ‫ومصيهم اللود ف النار‪.‬‬ ‫ِإنّمَا يَعْ ُمرُ مَ سَاجِ َد اللّ هِ مَ نْ آمَ َن بِاللّ هِ وَاْليَوْ مِ الخِ ِر وَأَقَا مَ ال صّلةَ وَآتَى‬ ‫الزّكَاةَ َولَ ْم َيخْشَ إِلّ الّلهَ فَ َعسَى ُأ ْوَلئِكَ َأنْ َيكُونُوا مِ ْن الْ ُم ْهتَدِي َن (‪)18‬‬ ‫ل يعتن ببيوت ال ويعمرها إل الذين يؤمنون بال واليوم الخر‪,‬‬ ‫ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة‪ ,‬ول يافون ف ال لومة لئم‪ ,‬هؤلء‬ ‫العُمّار هم الهتدون إل الق‪.‬‬ ‫أَجَعَ ْلُت مْ ِسقَايَةَ اْلحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَ سْجِ ِد اْلحَرَا مِ كَمَ نْ آمَ نَ بِاللّ هِ وَالَْيوْ مِ‬ ‫‪596‬‬

‫سَتوُونَ ِعنْ َد اللّ هِ وَاللّ هُ ل َيهْدِي الْ َقوْ مَ‬ ‫الخِ ِر وَجَاهَدَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ ل يَ ْ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)19‬‬ ‫أجعلتم ‪-‬أيها القوم‪ -‬ما تقومون به من سقي الجيج وعِمارة السجد‬ ‫الرام كإيان من آمن بال واليوم الخر وجاهد ف سبيل ال؟ ل‬ ‫تتساوى حال الؤمني وحال الكافرين عند ال‪ ,‬لن ال ل يقبل عمل‬ ‫بغي اليان‪ .‬وال سبحانه ل يوفق لعمال الي القوم الظالي لنفسهم‬ ‫بالكفر‪.‬‬ ‫سهِمْ أَعْ َظ مُ‬ ‫الّذِي نَ آ َمنُوا وَهَا َجرُوا وَجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ بِأَ ْموَالِهِ ْم وَأَنفُ ِ‬ ‫َدرَ َجةً ِعْندَ الّلهِ وَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الْفَائِزُونَ (‪)20‬‬ ‫الذين آمنوا بال وتركوا دار الكفر قاصدين دار السلم‪ ,‬وبذلوا أموالم‬ ‫وأنفسهم ف الهاد لعلء كلمة ال‪ ,‬هؤلء أعظم درجه عند ال‪,‬‬ ‫وأولئك هم الفائزون برضوانه‪.‬‬ ‫ضوَانٍ َو َجنّاتٍ َلهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (‪)21‬‬ ‫ُيَبشّرُهُ ْم َرّبهُمْ بِ َرحْ َمةٍ ِمْن ُه وَ ِر ْ‬

‫‪597‬‬

‫إن هؤلء الؤمني الهاجرين لم البشرى من ربم بالرحة الواسعة‬ ‫والرضوان الذي ل سخط بعده‪ ,‬ومصيهم إل جنات اللد والنعيم‬ ‫الدائم‪.‬‬ ‫خَالِدِي َن فِيهَا َأبَدا ِإنّ الّلهَ ِعنْدَهُ َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪)22‬‬ ‫ماكثي ف تلك النان ل ناية لقامتهم وتنعمهم‪ ,‬وذلك ثواب ما قدّموه‬ ‫من الطاعات والعمل الصال ف حياتم الدنيا‪ .‬إن ال تعال عنده أجر‬ ‫عظيم لن آمن وعمل صالا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫حبّوا‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َتّتخِذُوا آبَاءَكُ مْ وَِإ ْخوَانَكُ مْ َأ ْوِليَاءَ إِ نْ ا ْسَت َ‬ ‫الْكُفْرَ عَلَى الِيَانِ وَمَنْ َيَت َولّهُ ْم ِمنْكُ ْم فَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الظّالِمُونَ (‪)23‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تتخذوا أقرباءكم‬ ‫من الباء والخوان وغيهم‪ -‬أولياء‪ ,‬تفشون إليهم أسرار السلمي‪,‬‬‫وتستشيونم ف أموركم‪ ,‬ما داموا على الكفر معادين للسلم‪ .‬ومن‬ ‫يتخذهم أولياء ويُلْقِ إليهم الودة فقد عصى ال تعال‪ ,‬وظلم نفسه ظلمًا‬ ‫عظيمًا‪.‬‬ ‫‪598‬‬

‫قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وََأْبنَاؤُكُمْ وَِإ ْخوَانُكُمْ وََأ ْزوَاجُكُ ْم وَ َعشِ َيتُكُمْ وَأَ ْموَا ٌل‬ ‫ض ْوَنهَا أَ َحبّ ِإَليْكُ ْم مِنْ‬ ‫شوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَ ْر َ‬ ‫خَ‬ ‫ا ْقتَرَ ْفتُمُوهَا َوِتجَارَةٌ َت ْ‬ ‫اللّ هِ َورَ سُوِلهِ وَ ِجهَادٍ فِي َسبِيِلهِ َفتَ َربّ صُوا َحتّ ى يَ ْأِت يَ اللّ هُ بِأَمْرِ ِه وَاللّ هُ ل‬ ‫َيهْدِي الْ َقوْمَ الْفَاسِ ِقيَ (‪)24‬‬ ‫قل ‪-‬يا أيها الرسول‪ -‬للمؤمني‪ :‬إن فَضّلتم الباء والبناء والخوان‬ ‫والزوجات والقرابات والموال الت جعتموها والتجارة الت تافون عدم‬ ‫رواجها والبيوت الفارهة الت أقمتم فيها‪ ,‬إن فَضّلتم ذلك على حب ال‬ ‫ورسوله والهاد ف سبيله فانتظروا عقاب ال ونكاله بكم‪ .‬وال ل يوفق‬ ‫الارجي عن طاعته‪.‬‬ ‫جَبتْكُ ْم َكثْ َرتُكُ ْم فََل ْم‬ ‫لَقَ ْد نَصَرَكُ ْم اللّهُ فِي َموَاطِنَ َكثِيَةٍ َوَيوْمَ ُحَنيْنٍ إِذْ أَ ْع َ‬ ‫ت ثُمّ وَّلْيتُ ْم مُ ْدبِرِي نَ (‬ ‫تُغْ نِ َعنْكُ مْ َشيْئا َوضَاقَ تْ عََلْيكُ مْ ا َلرْ ضُ ِبمَا رَ ُحبَ ْ‬ ‫‪)25‬‬ ‫لقد أنزل ال نَصْرَه عليكم ف مواقع كثية عندما أخذت بالسباب‬ ‫ب اليوم ‪ 0‬من قلة‪,‬‬ ‫وتوكلتم على ال‪ .‬ويوم غزوة (حني) قلتم‪ :‬لن نُغْلَ َ‬

‫‪599‬‬

‫فغرّتكم الكثرة فلم تنفعكم‪ ,‬وظهر عليكم العدو فلم تدوا ملجأً ف‬ ‫الرض الواسعة ففررت منهزمي‪.‬‬ ‫ثُمّ أَنزَلَ اللّهُ سَكِيَنَتهُ عَلَى رَسُوِلهِ وَعَلَى الْ ُمؤْ ِمِنيَ وَأَنزَلَ ُجنُودا لَمْ تَ َروْهَا‬ ‫ب الّذِينَ كَفَرُوا وَ َذلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (‪)26‬‬ ‫وَعَذّ َ‬ ‫ث أنزل ال الطمأنينة على رسوله وعلى الؤمني فثبتوا‪ ,‬وأمدّهم بنود‬ ‫من اللئكة ل يروها‪ ,‬فنصرهم على عدوهم‪ ,‬وعذّب الذين كفروا‪.‬‬ ‫وتلك عقوبة ال للصادّين عن دينه‪ ,‬الكذّبي لرسوله‪.‬‬ ‫ثُ ّم َيتُوبُ الّلهُ مِ ْن بَعْدِ َذلِكَ عَلَى مَ ْن َيشَاءُ وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)27‬‬ ‫ومن رجع عن كفره بعد ذلك ودخل السلم فإن ال يقبل توبة مَن‬ ‫يشاء منهم‪ ,‬فيغفر ذنبه‪ .‬وال غفور رحيم‪.‬‬ ‫سجِدَ الْحَرَا َم‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّمَا الْ ُمشْرِكُو نَ َنجَ سٌ فَل يَقْ َربُوا الْمَ ْ‬ ‫ف يُ ْغنِيكُمْ اللّهُ مِ ْن فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ِإنّ‬ ‫سوْ َ‬ ‫بَعْ َد عَا ِمهِمْ هَذَا َوإِنْ خِ ْفتُ ْم َعيَْلةً فَ َ‬ ‫اللّهَ َعلِيمٌ حَكِي ٌم (‪)28‬‬ ‫‪600‬‬

‫يا معشر الؤمني إنا الشركون ِرجْس و َخبَث فل تكنوهم من القتراب‬ ‫من الرم بعد هذا العام التاسع من الجرة‪ ,‬وإن خفتم فقرًا لنقطاع‬ ‫غارتم عنكم‪ ,‬فإن ال سيعوضكم عنها‪ ,‬ويكفيكم من فضله إن شاء‪,‬‬ ‫إن ال عليم بالكم‪ ,‬حكيم ف تدبي شؤونكم‪.‬‬ ‫قَاتِلُوا الّذِي نَ ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَل بِاْلَيوْ مِ ال ِخرِ وَل ُيحَرّمُو نَ مَا حَرّ مَ اللّ هُ‬ ‫َورَ سُوُلهُ وَل يَدِينُو نَ دِي نَ اْلحَقّ مِ نْ الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ َحتّ ى يُعْطُوا‬ ‫الْجِ ْزَيةَ عَنْ َيدٍ وَهُ ْم صَاغِرُونَ (‪)29‬‬ ‫أيها السلمون قاتلوا الكفار الذين ل يؤمنون بال‪ ,‬ول يؤمنون بالبعث‬ ‫والزاء‪ ,‬ول يتنبون ما نى ال عنه ورسوله‪ ,‬ول يلتزمون أحكام شريعة‬ ‫السلم من اليهود والنصارى‪ ,‬حت يدفعوا الزية الت تفرضونا عليهم‬ ‫بأيديهم خاضعي أذلء‪.‬‬ ‫ت اْليَهُودُ ُع َزيْ ٌر ابْ نُ اللّ هِ وَقَالَ تْ النّ صَارَى الْمَ سِي ُح ابْ نُ اللّ هِ َذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫وَقَالَ ْ‬ ‫َق ْوُلهُ مْ بَِأ ْفوَاهِهِ مْ يُضَا ِهئُو نَ َقوْلَ الّذِي نَ كَفَرُوا مِ نْ َقبْ ُل قَاتََلهُ ْم اللّ هُ َأنّ ى‬ ‫ُيؤْفَكُونَ (‪)30‬‬

‫‪601‬‬

‫لقد أشرك اليهود بال عندما زعموا أن عزيرًا ابن ال‪ .‬وأشرك النصارى‬ ‫بال عندما ادّعوا أن السيح ابن ال‪ .‬وهذا القول اختلقوه من عند‬ ‫أنفسهم‪ ,‬وهم بذلك ل يشابون قول الشركي من قبلهم‪ .‬قَاتَلَ ال‬ ‫الشركي جيعًا كيف يعدلون عن الق إل الباطل؟‬ ‫اّتخَذُوا َأ ْحبَارَهُ ْم َورُ ْهبَاَنهُ مْ َأ ْربَابا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ وَالْمَ سِي َح ابْ نَ مَ ْريَ َم وَمَا‬ ‫ُونم (‬ ‫سمْبحَاَنهُ عَمّام ُيشْرِك َ‬ ‫َهم إِلّ ُهوَ ُ‬ ‫أُمِرُوا إِلّ ِليَ ْعبُدُوا ِإلَها وَاحِدا ل ِإل َ‬ ‫‪)31‬‬ ‫اتذ اليهو ُد والنصارى العلماءَ وال ُعبّادَ أربابًا ُيشَرّعون لم الحكام‪,‬‬ ‫فيلتزمون با ويتركون شرائع ال‪ ,‬واتذوا السيح عيسى ابن مري إلًا‬ ‫فعبدوه‪ ,‬وقد أمرهم ال بعبادته وحده دون غيه‪ ،‬فهو الله الق ل إله‬ ‫إل هو‪ .‬تنّه وتقدّس عما يفتريه أهل الشرك والضلل‪.‬‬ ‫يُرِيدُو نَ أَ نْ يُطْ ِفئُوا نُورَ اللّ هِ بِأَ ْفوَا ِههِ ْم َويَأْبَى اللّ هُ إِلّ أَ نْ ُيتِمّ نُورَ هُ َولَوْ‬ ‫كَرِهَ الْكَافِرُونَ (‪)32‬‬

‫‪602‬‬

‫يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين السلم‪ ,‬ويبطلوا حجج ال‬ ‫وبراهينه على توحيده الذي جاء به ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويأب ال‬ ‫إل أن يتم دينه ويظهره‪ ,‬ويعلي كلمته‪ ,‬ولو كره ذلك الاحدون‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َأرْ سَ َل رَ سُولَهُ بِاْلهُدَى َودِي نِ الْحَقّ ِليُ ْظهِرَ هُ عَلَى الدّي نِ كُلّ هِ َوَلوْ‬ ‫كَرِهَ الْ ُمشْرِكُونَ (‪)33‬‬ ‫هو الذي أرسل رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم بالقرآن ودين‬ ‫السلم; ليعليه على الديان كلها‪ ,‬ولو كره الشركون دين الق‬ ‫السلم‪ -‬وظهوره على الديان‪.‬‬‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّ َكثِيا مِ نْ الَ ْحبَارِ وَالرّ ْهبَا نِ َليَأْكُلُو نَ أَ ْموَالَ النّا سِ‬ ‫ضةَ وَل‬ ‫بِاْلبَاطِلِ َويَ صُدّونَ عَ ْن َسبِيلِ اللّ هِ وَالّذِي َن يَ ْكنِزُو نَ الذّهَ بَ وَالْفِ ّ‬ ‫يُنفِقُوَنهَا فِي َسبِيلِ الّلهِ َفَبشّرْهُ ْم بِعَذَابٍ َألِيمٍ (‪)34‬‬ ‫يا أيها الذين صَدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن كثيًا من علماء‬ ‫أهل الكتاب و ُعبّادهم ليأخذون أموال الناس بغي حق كالرشوة وغيها‪,‬‬ ‫وينعون الناس من الدخول ف السلم‪ ,‬ويصدون عن سبيل ال‪ .‬والذين‬ ‫‪603‬‬

‫يسكون الموال‪ ,‬ول يؤدون زكاتا‪ ,‬ول ُيخْرجون منها القوق‬ ‫الواجبة‪ ,‬فبشّرهم بعذاب موجع‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم وَ ُجنُوُبه ْ‬ ‫ّمم َفتُ ْكوَى بِه َا ِجبَا ُهه ْ‬ ‫ْمم ُيحْم َى عََليْه َا ف ِي نَارِ َج َهن َ‬ ‫َيو َ‬ ‫َوظُهُورُهُمْ هَذَا مَا َكنَ ْزتُ ْم لَن ُفسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُ ْم تَ ْكنِزُونَ (‪)35‬‬ ‫يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة ف النار‪ ,‬فإذا اشتدت حرارتا‬ ‫أُحرقت با جباه أصحابا وجنوبم وظهورهم‪ .‬وقيل لم توبيخًا‪ :‬هذا‬ ‫مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق ال‪ ,‬فذوقوا العذاب الوجع;‬ ‫بسبب كنكم وإمساككم‪.‬‬ ‫َقم‬ ‫ْمم خَل َ‬ ‫ّهم َيو َ‬ ‫َابم الل ِ‬ ‫ّهم اثْنَا َعشَرَ َشهْرا فِي ِكت ِ‬ ‫شهُورِ ِعنْ َد الل ِ‬ ‫إِنّ عِدّةَ ال ّ‬ ‫ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ ِمنْهَا َأ ْربَ َعةٌ ُحرُ مٌ َذلِ كَ الدّي نُ الْ َقيّ مُ فَل تَظْلِمُوا فِيهِنّ‬ ‫َأنْفُ سَكُمْ وَقَاتِلُوا الْ ُمشْرِكِيَ كَاّفةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُ مْ كَاّفةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ‬ ‫مَ َع الْ ُمتّ ِقيَ (‪)36‬‬ ‫إنّ عدة الشهور ف حكم ال وفيما كُتب ف اللوح الحفوظ اثنا عشر‬ ‫شهرًا‪ ,‬يوم خلق السموات والرض‪ ,‬منها أربعة ُحرُم; حرّم ال فيهنّ‬ ‫القتال (هي‪ :‬ذو القعدة وذو الجة والحرم ورجب) ذلك هو الدين‬ ‫‪604‬‬

‫الستقيم‪ ,‬فل تظلموا فيهن أنفسكم; لزيادة تريها‪ ,‬وكون الظلم فيها‬ ‫أشد منه ف غيها‪ ,‬ل أنّ الظلم ف غيها جائز‪ .‬وقاتلوا الشركي جيعًا‬ ‫كما يقاتلونكم جيعًا‪ ,‬واعلموا أن ال مع أهل التقوى بتأييده ونصره‪.‬‬ ‫ِإنّمَا النّ سِيءُ ِزيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِ هِ الّذِي َن كَفَرُوا ُيحِلّونَ هُ عَاما ُيحِلّونَ ُه‬ ‫عَاما َوُيحَرّمُونَ هُ عَاما ِلُيوَاطِئُوا عِدّ َة مَا حَرّ مَ اللّ هُ َفُيحِلّوا مَا حَرّ مَ اللّ هُ ُزيّ نَ‬

‫َلهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِ ْم وَالّلهُ ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الْكَافِرِينَ ( ‪)37‬‬

‫إن الذي كانت تفعله العرب ف الاهلية من تري أربعة أشهر من السنة‬ ‫عددًا ل تديدًا بأساء الشهر الت حرّمها ال‪ ,‬فيؤخرون بعضها أو‬ ‫يقدّمونه ويعلون مكانه من أشهر الل ما أرادوا حسب حاجتهم‬ ‫للقتال‪ ,‬إن ذلك زيادة ف الكفر‪ ,‬يضل الشيطان به الذين كفروا‪ ,‬يلون‬ ‫الذي أخروا تريه من الشهر الربعة عامًا‪ ,‬ويرمونه عاما; ليوافقوا‬ ‫عدد الشهور الربعة‪ ,‬فيحلوا ما حرّم ال منها‪َ .‬زيّن لم الشيطان‬ ‫العمال السيئة‪ .‬وال ل يوفق القوم الكافرين إل الق والصواب‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا مَا لَكُ مْ إِذَا قِيلَ لَكُ مْ انفِرُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ اثّاقَ ْلتُ مْ ِإلَى‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا فِي‬ ‫ا َلرْ ضِ َأ َرضِيتُ مْ بِاْلحَيَاةِ ال ّدنْيَا مِ نْ ال ِخرَةِ فَمَا َمتَا عُ اْل َ‬ ‫‪605‬‬

‫الخِرَةِ إِلّ قَلِيلٌ (‪)38‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ما بالكم إذا قيل لكم‪:‬‬ ‫اخرجوا إل الهاد ف سبيل ال لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم‬ ‫مساكنكم؟ هل آثرت حظوظكم الدنيوية على نعيم الخرة؟ فما‬ ‫تستمتعون به ف الدنيا قليل زائل‪ ,‬أما نعيم الخرة الذي أعده ال‬ ‫للمؤمني الجاهدين فكثي دائم‪.‬‬ ‫ضرّو هُ َشيْئا‬ ‫ستَبْدِ ْل َقوْما َغْيرَكُ مْ وَل تَ ُ‬ ‫إِلّ تَنفِرُوا يُ َع ّذبْكُ مْ َعذَابا َألِيما َويَ ْ‬

‫وَالّلهُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‪)39‬‬

‫إن ل تنفروا أيها الؤمنون إل قتال عدوكم ينلِ ال عقوبته بكم‪ ,‬ويأت‬ ‫بقوم آخرين ينفرون إذ ا اسُتنْفروا‪ ,‬ويطيعون ال ورسوله‪ ,‬ولن تضروا‬ ‫ال شيئًا بتولّيكم عن الهاد‪ ,‬فهو الغن عنكم وأنتم الفقراء إليه‪ .‬وما‬ ‫يريده ال يكون ل مالة‪ .‬وال على كل شيء قدير من نصر دينه ونبيه‬ ‫دونكم‪.‬‬ ‫صرُوهُ فَ َقدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ َأخْرَجَهُ الّذِي َن كَفَرُوا ثَانِ َي اْثَنيْنِ ِإذْ هُمَا فِي‬ ‫إِلّ تَن ُ‬ ‫الْغَارِ ِإذْ يَقُولُ لِ صَا ِحِب ِه ل َتحْزَ نْ إِنّ اللّ هَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّ هُ َسكِيَنَتهُ عََليْ هِ‬ ‫‪606‬‬

‫وََأيّدَ ُه ِبجُنُو ٍد لَ مْ تَ َروْهَا وَجَعَ َل كَلِ َمةَ الّذِي نَ كَ َفرُوا ال سّفْلَى وَكَلِ َمةُ اللّ هِ‬ ‫هِيَ الْعُ ْليَا وَالّلهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (‪)40‬‬ ‫يا معشر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إن ل تنفروا معه أيها‬ ‫الؤمنون إذا اسَتنْفَركم‪ ,‬وإن ل تنصروه; فقد أيده ال ونصره يوم أخرجه‬ ‫الكفار من قريش من بلده (مكة)‪ ,‬وهو ثان اثني (هو وأبو بكر الصديق‬ ‫رضي ال عنه) وألؤوها إل نقب ف جبل ثور "بكة"‪ ،‬فمكثا فيه ثلث‬ ‫ليال‪ ,‬إذ يقول لصاحبه (أب بكر) لا رأى منه الوف عليه‪ :‬ل تزن إن‬ ‫ال معنا بنصره وتأييده‪ ,‬فأنزل ال الطمأنينة ف قلب رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ,‬وأعانه بنود ل يرها أحد من البشر وهم اللئكة‪ ,‬فأناه ال‬ ‫من عدوه وأذل ال أعداءه‪ ,‬وجعل كلمة الذين كفروا السفلى‪ .‬وكلمةُ‬ ‫ال هي العليا‪ ,,‬ذلك بإعلء شأن السلم‪ .‬وال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم‬ ‫ف تدبي شؤون عباده‪ .‬وف هذه الية منقبة عظيمة لب بكر الصديق‬ ‫رضي ال عنه‪.‬‬ ‫انفِرُوا خِفَافا َوثِقَالً وَجَاهِدُوا بَِأ ْموَالِكُ ْم وَأَنفُ سِكُمْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َذلِكُ مْ‬ ‫َخيْ ٌر لَكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم تَعْلَمُونَ (‪)41‬‬

‫‪607‬‬

‫اخرجوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬للجهاد ف سبيل ال شبابًا وشيوخًا ف العسر‬ ‫واليسر‪ ,‬على أي حال كنتم‪ ,‬وأنفقوا أموالكم ف سبيل ال‪ ,‬وقاتلوا‬ ‫بأيديكم لعلء كلمة ال‪ ,‬ذلك الروج والبذل خي لكم ف حالكم‬ ‫ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا ل ورسوله‪.‬‬ ‫ت عََلْيهِ مْ الشّقّ ُة‬ ‫َلوْ كَا نَ َعرَضا َقرِيبا وَ سَفَرا قَا صِدا لّتبَعُو كَ َولَكِ نْ بَ ُعدَ ْ‬ ‫سهُ ْم وَاللّ هُ يَعَْل مُ‬ ‫وَ َسَيحْلِفُونَ بِاللّ هِ َلوْ ا ْستَطَ ْعنَا َلخَرَ ْجنَا مَعَ ُك مْ ُيهْلِكُو نَ أَنفُ َ‬ ‫ِإّنهُ ْم لَكَا ِذبُونَ ( ‪)42‬‬ ‫وبّخ ال جلّ جلله جاعة من النافقي استأذنوا رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم ف التخلف عن غزوة (تبوك) مبينًا أنه لو كان خروجهم إل غنيمة‬ ‫قريبة سهلة النال لتبعوك‪ ,‬ولكن لا دعوا إل قتال الروم ف أطراف بلد‬ ‫(الشام) ف وقت الر تاذلوا‪ ,‬وتلفوا‪ ,‬وسيعتذرون لتخلفهم عن‬ ‫الروج حالفي بأنم ل يستطيعون ذلك‪ ,‬يهلكون أنفسهم بالكذب‬ ‫والنفاق‪ ,‬وال يعلم إنم لكاذبون فيما يبدون لك من العذار‪.‬‬ ‫ك الّذِينَ صَدَقُوا َوتَعْلَمَ الْكَا ِذِبيَ‬ ‫ت َلهُمْ َحتّى َيَتَبيّنَ لَ َ‬ ‫عَفَا اللّهُ َعنْكَ لِمَ َأذِن َ‬

‫(‪)43‬‬

‫‪608‬‬

‫عفا ال عنك ‪-‬أيها النب‪ -‬عمّا وقع منك مِن تَرْك الول والكمل‪ ,‬وهو‬ ‫إذنك للمنافقي ف القعود عن الهاد‪ ,‬لي سبب َأ ِذنْتَ لؤلء بالتخلف‬ ‫عن الغزوة‪ ,‬حت يظهر لك الذين صدقوا ف اعتذارهم وتعلم الكاذبي‬ ‫منهم ف ذلك؟‬ ‫ك الّذِي نَ ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ ال ِخرِ أَ نْ ُيجَاهِدُوا بِأَ ْموَاِلهِ مْ‬ ‫ستَأْ ِذنُ َ‬ ‫ل يَ ْ‬

‫سهِمْ وَالّلهُ عَلِيمٌ بِالْ ُمتّ ِقيَ (‪)44‬‬ ‫وَأَن ُف ِ‬

‫ليس من شأن الؤمني بال ورسوله واليوم الخر أن يستأذنوك ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ -‬ف التخلف عن الهاد ف سبيل ال بالنفس والال‪ ,‬وإنا هذا من‬ ‫شأن النافقي‪ .‬وال عليم بن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫ت قُلُوُبهُ ْم َفهُ مْ‬ ‫ك الّذِي نَ ل ُيؤْ ِمنُونَ بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِرِ وَا ْرتَابَ ْ‬ ‫ستَأْ ِذنُ َ‬ ‫ِإنّمَا يَ ْ‬ ‫فِي َرْيبِهِ ْم َيتَرَدّدُونَ (‪)45‬‬ ‫إنا يطلب الذن للتخلف عن الهاد الذين ل يصدّقون بال ول باليوم‬ ‫الخر‪ ,‬ول يعملون صالًا‪ ,‬وشكّتْ قلوبم ف صحة ما جئت به ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ -‬من السلم وشرائعه‪ ,‬فهم ف شكهم يتحيّرون‪.‬‬ ‫‪609‬‬

‫َوَلوْ َأرَادُوا الْخُرُو جَ لَ َعدّوا لَ هُ عُدّ ًة َولَكِ نْ كَرِ هَ اللّ هُ اْنبِعَاَثهُ مْ َفَثبّ َطهُ مْ‬

‫وَقِيلَ اقْعُدُوا َمعَ الْقَاعِدِينَ (‪)46‬‬

‫ولو أراد النافقون الروج معك ‪-‬أيها النب‪ -‬إل الهاد لتأهّبوا له بالزاد‬ ‫والراحلة‪ ,‬ولكن ال كره خروجهم فثَقُلَ عليهم الروج قضاء وقدرًا‪,‬‬ ‫وإن كان أمرهم به شرعا‪ ,‬وقيل لم‪ :‬تلفوا مع القاعدين من الرضى‬ ‫والضعفاء والنساء والصبيان‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم َيبْغُونَك ْ‬ ‫ُمم إِلّ َخبَالً وَ َل ْوضَعُوا خِللَك ْ‬ ‫ُمم مَا زَادُوك ْ‬ ‫َلوْ خَرَجُوا فِيك ْ‬ ‫الْ ِفتَْنةَ وَفِي ُكمْ َسمّاعُونَ َلهُمْ وَالّلهُ عَلِي ٌم بِالظّالِ ِميَ (‪)47‬‬ ‫لو خرج النافقون معكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬للجهاد لنشروا الضطراب ف‬ ‫الصفوف والشر والفساد‪ ,‬ولسرعوا السي بينكم بالنميمة والبغضاء‪,‬‬ ‫يبغون فتنتكم بتثبيطكم عن الهاد ف سبيل ال‪ ,‬وفيكم ‪-‬أيها الؤمنون‪-‬‬ ‫عيون لم يسمعون أخباركم‪ ,‬وينقلونا إليهم‪ .‬وال عليم بؤلء النافقي‬ ‫الظالي‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫لَقَ ْد اْبتَ َغوْا الْ ِفْتَنةَ مِ ْن َقبْلُ وَقَّلبُوا لَ كَ الُمُورَ َحتّ ى جَاءَ الْحَقّ َوظَهَرَ أَمْرُ‬ ‫‪610‬‬

‫اللّهِ وَ ُهمْ كَارِهُونَ (‪)48‬‬ ‫لقد ابتغى النافقون فتنة الؤمني عن دينهم وصدهم عن سبيل ال من‬ ‫قبل غزوة (تبوك)‪ ,‬وكشف أمرهم‪ ,‬وصرّفوا لك ‪-‬أيها النب‪ -‬المور ف‬ ‫إبطال ما جئت به‪ ,‬كما فعلوا يوم (أحد) ويوم (الندق)‪ ,‬ودبّروا لك‬ ‫الكيد حت جاء النصر من عند ال‪ ,‬وأعز جنده ونصر دينه‪ ,‬وهم‬ ‫كارهون له‪.‬‬ ‫وَ ِمْنهُ ْم مَ نْ يَقُولُ ائْذَ نْ لِي وَل تَ ْفِتنّ ي أَل فِي الْ ِفتَْنةِ سَقَطُوا َوإِنّ َج َهنّ مَ‬

‫لَ ُمحِي َطةٌ بِالْكَافِرِينَ ( ‪)49‬‬

‫ومِن هؤلء النافقي من يطلب الذن للقعود عن الهاد ويقول‪ :‬ل‬ ‫توقعْن ف البتلء با يعرض ل ف حالة الروج من فتنة النساء‪ .‬لقد‬ ‫سقط هؤلء النافقون ف فتنة النفاق الكبى‪ .‬فإن جهنم لحيطة‬ ‫بالكافرين بال واليوم الخر‪ ,‬فل يُ ْفلِت منهم أحد‪.‬‬ ‫ك مُ صِيَبةٌ يَقُولُوا قَدْ َأخَ ْذنَا أَمْ َرنَا مِ نْ‬ ‫صبْ َ‬ ‫سَنةٌ تَ سُؤْهُ ْم وَإِ نْ تُ ِ‬ ‫صبْكَ حَ َ‬ ‫إِ نْ تُ ِ‬ ‫َقبْلُ َوَيَت َولّوا وَهُ ْم فَ ِرحُونَ (‪)50‬‬ ‫‪611‬‬

‫إن يصبك ‪-‬أيها النب‪ -‬سرور وغنيمة يزن النافقون‪ ,‬وإن يلحق بك‬ ‫مكروه من هزية أو شدة يقولوا‪ :‬نن أصحاب رأي وتدبي قد احتطنا‬ ‫لنفسنا بتخلفنا عن ممد‪ ,‬وينصرفوا وهم مسرورون با صنعوا وبا‬ ‫أصابك من السوء‪.‬‬ ‫ّهم َف ْلَيَتوَكّلْ‬ ‫ّهم لَنَا ُهوَ َموْلنَا وَعَلَى الل ِ‬ ‫َبم الل ُ‬ ‫َنم يُصمِيَبنَا إِلّ مَا َكت َ‬ ‫قُ ْل ل ْ‬

‫الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)51‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬لؤلء التخاذلي زجرًا لم وتوبيخًا‪ :‬لن يصيبنا إل ما‬ ‫قدّره ال علينا وكتبه ف اللوح الحفوظ‪ ,‬هو ناصرنا على أعدائنا‪ ,‬وعلى‬ ‫ال‪ ,‬وحده فليعتمد الؤمنون به‪.‬‬ ‫َنم‬ ‫ُمم أ ْ‬ ‫ّصم بِك ْ‬ ‫ْنم َنتَ َرب ُ‬ ‫ُسمَنَييْنِ َوَنح ُ‬ ‫قُ ْل هَلْ َتتَربّصمُونَ بِنَا إِلّ ِإحْدَى الْح ْ‬ ‫يُ صِيبَكُمْ اللّ هُ بِ َعذَا بٍ مِ ْن ِعنْدِ هِ َأوْ بَِأيْدِينَا َفَت َربّ صُوا ِإنّا مَعَ ُك مْ ُمَت َربّ صُونَ (‬ ‫‪)52‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬هل تنتظرون بنا إل شهادة أو ظفرًا بكم؟ ونن‬ ‫ننتظر بكم أن يصيبكم ال بعقوبة مِن عنده عاجلة تلككم أو بأيدينا‬ ‫‪612‬‬

‫فنقتلكم‪ ,‬فانتظروا إنا معكم منتظرون ما ال فاعل بكل فريق منا‬ ‫ومنكم‪.‬‬ ‫قُلْ أَنفِقُوا َطوْعا َأ ْو كَرْها لَ نْ ُيتَ َقبّلَ ِمنْ ُك مْ ِإنّكُ مْ كُنتُ مْ َقوْما فَا سِ ِقيَ (‬ ‫‪)53‬‬ ‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬للمنافقي‪ :‬أنفقوا أموالكم كيف شئتم‪ ,‬وعلى أي حال‬ ‫شئتم طائعي أو كارهي‪ ,‬لن يقبل ال منكم نفقاتكم; لنكم قوم‬ ‫خارجون عن دين ال وطاعته‪.‬‬ ‫وَمَا َمنَ َعهُ مْ أَ نْ تُ ْقبَ َل ِمْنهُ مْ نَفَقَاُتهُ مْ إِلّ َأّنهُ ْم كَفَرُوا بِاللّ هِ َوبِرَ سُوِلهِ وَل‬ ‫يَ ْأتُونَ الصّلةَ إِلّ وَهُ ْم ُكسَالَى وَل يُنفِقُونَ إِلّ وَهُ ْم كَارِهُونَ (‪)54‬‬ ‫وسبب عدم قَبول نفقاتم أنم أضمروا الكفر بال عز وجل وتكذيب‬ ‫رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ول يأتون الصلة إل وهم متثاقلون‪,‬‬ ‫ول ينفقون الموال إل وهم كارهون‪ ,‬فهم ل يرجون ثواب هذه‬ ‫الفرائض‪ ,‬ول يشون على تركها عقابًا بسبب كفرهم‪.‬‬

‫‪613‬‬

‫حيَاةِ‬ ‫جبْ كَ أَ ْموَاُلهُ مْ وَل َأوْلدُهُ مْ ِإنّمَا ُيرِيدُ اللّ هُ ِليُعَ ّذَبهُ ْم ِبهَا فِي اْل َ‬ ‫فَل تُ ْع ِ‬ ‫سهُمْ وَهُ ْم كَافِرُونَ (‪)55‬‬ ‫ال ّدْنيَا َوتَزْهَقَ أَن ُف ُ‬ ‫فل تعجبك ‪-‬أيها النب‪ -‬أموال هؤلء النافقي ول أولدهم‪ ,‬إنا يريد‬ ‫ال أن يعذبم با ف الياة الدنيا بالتعب ف تصيلها وبالصائب الت تقع‬ ‫فيها‪ ,‬حيث ل يتسبون ذلك عند ال‪ ,‬وترج أنفسهم‪ ,‬فيموتوا على‬ ‫كفرهم بال ورسوله‪.‬‬ ‫َويَحْلِفُونَ بِالّلهِ ِإّنهُمْ لَ ِمنْ ُكمْ وَمَا ُهمْ ِمنْ ُكمْ َولَ ِكّنهُمْ َقوْ ٌم يَفْرَقُونَ (‪)56‬‬ ‫ويلف هؤلء النافقون بال لكم أيها الؤمنون كذبًا وباطل إنم لنكم‪,‬‬ ‫وليسوا منكم‪ ,‬ولكنهم قوم يافون فيحلفون تَ ِقيّة لكم‪.‬‬ ‫ُونم (‬ ‫ُمم َيجْ َمح َ‬ ‫ْهم وَه ْ‬ ‫َاتم َأوْ مُدّ َخلً َل َولّوْا ِإَلي ِ‬ ‫ُونم مَ ْلجَأً َأ ْو مَغَار ٍ‬ ‫َلوْ َيجِد َ‬ ‫‪)57‬‬ ‫لو يد هؤلء النافقون مأمنًا وحصنًا يفظهم‪ ,‬أو كهفًا ف جبل يؤويهم‪,‬‬ ‫أو نفقًا ف الرض ينجيهم منكم‪ ,‬لنصرفوا إليه وهم يسرعون‪.‬‬

‫‪614‬‬

‫وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ يَلْ ِمزُ َك فِي ال صّدَقَاتِ َفإِ نْ أُعْطُوا ِمنْهَا َرضُوا وَإِ نْ لَ ْم يُعْ َطوْا‬ ‫سخَطُونَ (‪)58‬‬ ‫ِمْنهَا إِذَا هُمْ َي ْ‬ ‫ومن النافقي مَن يعيبك ف قسمة الصدقات‪ ,‬فإن نالم نصيب منها‬ ‫رضوا وسكتوا‪ ,‬وإن ل يصبهم حظ منها سخطوا عليك وعابوك‪.‬‬ ‫سُبنَا اللّهُ َسُي ْؤتِينَا اللّهُ مِنْ‬ ‫َوَلوْ َأّنهُمْ َرضُوا مَا آتَاهُ ْم اللّهُ َورَسُوُلهُ وَقَالُوا حَ ْ‬ ‫فَضِْلهِ َورَسُوُلهُ ِإنّا ِإلَى الّلهِ رَا ِغبُونَ (‪)59‬‬ ‫ولو أن هؤلء الذين يعيبونك ف قسمة الصدقات رضوا با قسم ال‬ ‫ورسوله لم‪ ,‬وقالوا‪ :‬حسبنا ال‪ ,‬سيؤتينا ال من فضله‪ ,‬ويعطينا رسوله‬ ‫ما آتاه ال‪ ,‬إنا نرغب أن يوسع ال علينا‪ ,‬فيغنينا عن الصدقة وعن‬ ‫صدقات الناس‪ .‬لو فعلوا ذلك لكان خيًا لم وأجدى‪.‬‬ ‫ِإنّمَا ال صّدَقَاتُ لِلْفُ َقرَاءِ وَالْمَ سَا ِكيِ وَالْعَامِلِيَ عََليْهَا وَالْ ُم َؤلّ َفةِ قُلُوُبهُ ْم‬ ‫ضةً مِ ْن اللّ هِ وَاللّ هُ‬ ‫سبِيلِ فَرِي َ‬ ‫ب وَالْغَارِ ِميَ وَفِي َسبِيلِ اللّ هِ وَِابْ نِ ال ّ‬ ‫وَفِي الرّقَا ِ‬ ‫عَلِيمٌ حَكِيمٌ (‪)60‬‬

‫‪615‬‬

‫إنا تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجي الذين ل يلكون شيئًا‪,‬‬ ‫وللمساكي الذين ل يلكون كفايتهم‪ ,‬وللسعاة الذين يمعونا‪ ,‬وللذين‬ ‫تؤلّفون قلوبم با من يُ ْرجَى إسلمه أو قوة إيانه أو نفعه للمسلمي‪ ,‬أو‬ ‫تدفعون با شرّ أحد عن السلمي‪ ,‬وتعطى ف عتق رقاب الرقاء‬ ‫والكاتبي‪ ,‬وتعطى للغارمي لصلح ذات البي‪ ,‬ولن أثقَلتْهم الديون ف‬ ‫غي فساد ول تبذير فأعسروا‪ ,‬وللغزاة ف سبيل ال‪ ,‬وللمسافر الذي‬ ‫انقطعت به النفقة‪ ,‬هذه القسمة فريضة فرضها ال وقدّرها‪ .‬وال عليم‬ ‫بصال عباده‪ ,‬حكيم ف تدبيه وشرعه‪.‬‬ ‫وَ ِمْنهُ ْم الّذِينَ ُيؤْذُونَ الّنبِيّ َويَقُولُونَ ُهوَ أُ ُذنٌ قُلْ أُ ُذنُ َخيْ ٍر لَكُمْ ُيؤْمِنُ بِالّلهِ‬ ‫َوُيؤْمِ نُ لِلْ ُمؤْ ِمنِيَ وَرَ ْح َمةٌ لِلّذِي نَ آ َمنُوا ِمنْكُ مْ وَالّذِي نَ ُيؤْذُو نَ رَ سُولَ اللّ هِ‬ ‫َلهُمْ عَذَابٌ َألِي ٌم ( ‪)61‬‬ ‫ومن النافقي قوم يؤذون رسول ال صلى ال عليه وسلم بالكلم‪,‬‬ ‫ويقولون‪ :‬إنه يستمع لكل ما يقال له فيصدقه‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬إن‬ ‫ممدًا هو أذن تستمع لكل خي‪ ,‬يؤمن بال ويصدق الؤمني فيما‬ ‫يبونه‪ ,‬وهو رحة لن اتبعه واهتدى بداه‪ .‬والذين يؤذون رسول ال‬ ‫ممدًا صلى ال عليه وسلم بأي نوع من أنواع اليذاء‪ ,‬لم عذاب مؤل‬ ‫موجع‪.‬‬ ‫‪616‬‬

‫َيحْلِفُو نَ بِاللّ هِ لَكُ مْ ِليُ ْرضُوكُ ْم وَاللّ هُ َورَ سُوُلهُ أَحَقّ أَ نْ يُ ْرضُو هُ إِ نْ كَانُوا‬ ‫ُمؤْ ِمِنيَ (‪)62‬‬

‫يلف النافقون اليان الكاذبة‪ ,‬ويقدمون العذار اللفقة; ليُرضُوا‬ ‫الؤمني‪ ,‬وال ورسوله أحق وأول أن يُرضُوها باليان بما وطاعتهما‪,‬‬ ‫إن كانوا مؤمني حقًا‪.‬‬ ‫َألَمْ يَ ْعلَمُوا َأنّهُ مَنْ ُيحَادِدْ اللّهَ َورَسُولَهُ فََأنّ لَهُ نَارَ َج َهنّمَ خَالِدا فِيهَا َذلِكَ‬ ‫ي الْعَظِي ُم (‪)63‬‬ ‫الْخِزْ ُ‬ ‫أل يعلم هؤلء النافقون أن مصي الذين ياربون ال ورسوله نارُ جهنم‬ ‫لم العذاب الدائم فيها؟ ذلك الصب هو الوان والذل العظيم‪ ,‬ومن‬ ‫الحاربة أ ِذيّة رسول ال صلى ال عليه وسلم بسبه والقدح فيه‪ ,‬عياذًا‬ ‫بال من ذلك‪.‬‬ ‫ِمم قُلْ‬ ‫ُمم بِمَا فِي ُقلُوبِه ْ‬ ‫ِمم سمُورَةٌ ُتَنّبئُه ْ‬ ‫َنم ُتنَزّ َل عََلْيه ْ‬ ‫ُونم أ ْ‬ ‫َيحْ َذرُ الْ ُمنَافِق َ‬ ‫ا ْسَتهْ ِزئُوا ِإنّ الّلهَ ُمخْ ِرجٌ مَا َتحْ َذرُونَ (‪)64‬‬ ‫‪617‬‬

‫ياف النافقون أن تنل ف شأنم سورة تبهم با يضمرونه ف قلوبم‬ ‫من الكفر‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬استمروا على ما أنتم عليه من الستهزاء‬ ‫والسخرية‪ ,‬إن ال مرج حقيقة ما تذرون‪.‬‬ ‫َوَلئِ نْ سََأْلَتهُمْ َليَقُولُنّ ِإنّمَا ُكنّا َنخُو ضُ َونَلْ َع بُ قُلْ َأبِاللّ هِ وَآيَاتِ هِ َورَ سُوِلهِ‬ ‫سَتهْ ِزئُونَ (‪)65‬‬ ‫كُنتُمْ َت ْ‬ ‫ولئن سألتهم ‪-‬أيها النب‪ -‬عما قالوا من القَدْح ف حقك وحق أصحابك‬ ‫َليَقولُنّ‪ :‬إنا كنا نتحدث بكلم ل قصد لنا به‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها النب‪:-‬‬ ‫أبال عز وجل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟‬ ‫ل تَ ْعتَ ِذرُوا قَ ْد كَفَ ْرتُم ْمبَعْدَ إِيَانِكُم ْمإِن ْمنَعْفُم عَن ْم طَائِ َفةٍ ِمنْكُم ْمنُعَذّب ْم‬ ‫طَائِ َفةً بَِأّنهُ ْم كَانُوا ُمجْرِ ِميَ (‪)66‬‬ ‫ل تعتذروا ‪-‬معشر النافقي‪ -‬فل جدوى مِن اعتذاركم‪ ,‬قد كفرت بذا‬ ‫القال الذي استهزأت به‪ ,‬إن نعف عن جاعة منكم طلبت العفو‬ ‫وأخلصت ف توبتها‪ ,‬نعذب جاعة أخرى بسبب إجرامهم بذه القالة‬ ‫الفاجرة الاطئة‪.‬‬ ‫‪618‬‬

‫ضهُ مْ مِ ْن بَعْ ضٍ يَأْمُرُو نَ بِالْ ُمنْكَ ِر َوَينْ َهوْ نَ عَ ْن‬ ‫ت بَعْ ُ‬ ‫الْ ُمنَافِقُو نَ وَالْ ُمنَافِقَا ُ‬ ‫سَيهُمْ ِإنّ الْ ُمنَافِ ِقيَ هُ ْم الْفَاسِقُونَ‬ ‫ف َويَ ْقبِضُونَ َأيْ ِدَيهُمْ نَسُوا اللّهَ َفنَ ِ‬ ‫الْمَعْرُو ِ‬ ‫(‪)67‬‬ ‫النافقون والنافقات صنف واحد ف إعلنم اليان واستبطانم الكفر‪,‬‬ ‫يأمرون بالكفر بال ومعصية رسوله وينهون عن اليان والطاعة‪,‬‬ ‫ويسكون أيديهم عن النفقة ف سبيل ال‪ ,‬نسوا ال فل يذكرونه‪,‬‬ ‫فنسيهم من رحته‪ ,‬فلم يوفقهم إل خي‪ .‬إن النافقي هم الارجون عن‬ ‫اليان بال ورسوله‪.‬‬ ‫وَعَ َد اللّ هُ الْ ُمنَافِقِيَ وَالْ ُمنَافِقَا تِ وَالْكُفّارَ نَارَ َج َهنّ مَ خَالِدِي نَ فِيهَا هِ يَ‬ ‫ب مُقِي ٌم (‪)68‬‬ ‫سُبهُمْ َولَ َعَنهُمْ الّلهُ َوَلهُمْ عَذَا ٌ‬ ‫َح ْ‬ ‫وعد ال النافقي والنافقات والكفار بأن مصيهم إل نار جهنم خالدين‬ ‫فيها أبدًا‪ ,‬هي كافيتهم; عقابًا على كفرهم بال‪ ,‬وطردهم ال مِن رحته‪,‬‬ ‫ولم عذاب دائم‪.‬‬ ‫كَالّذِي نَ مِ نْ َقبْلِ ُك ْم كَانُوا أَشَ ّد ِمنْكُ مْ ُقوّةً وَأَ ْكثَرَ أَ ْموَالً وََأوْلدا فَا ْسَت ْمتَعُوا‬ ‫‪619‬‬

‫ِبخَلِقهِ مْ فَا ْستَ ْمتَ ْعتُ ْم ِبخَلقِكُ ْم كَمَا ا ْسَت ْمتَعَ الّذِي نَ مِ ْن َقبْلِ ُك مْ ِبخَلِقهِ ْم‬ ‫ُمم فِي ال ّدنْيَا وَالخِرَةِ‬ ‫َتمأَعْمَالُه ْ‬ ‫ِكم َحبِط ْ‬ ‫ُمم كَالّذِي خَاضُوا ُأ ْوَلئ َ‬ ‫ضت ْ‬ ‫وَخُ ْ‬ ‫وَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الْخَاسِرُونَ (‪)69‬‬ ‫إن أفعالكم ‪-‬معشر النافقي‪ -‬من الستهزاء والكفر كأفعال المم‬ ‫السابقة الت كانت على جانب من القوة والال والولد أشد منكم‪,‬‬ ‫فاطْمَأنوا إل الياة الدنيا‪ ,‬وتَمتّعوا با فيها من الظوظ واللذات‪,‬‬ ‫فاستمعتم أيها النافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية كاستمتاع الذين‬ ‫من قبلكم بظوظهم الفانية‪ ,‬وخضتم بالكذب على ال كخوض تلك‬ ‫المم قبلكم‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه الخلق هم الذين ذهبت حسناتم‬ ‫ف الدنيا والخرة‪ ,‬وأولئك هم الاسرون ببيعهم نعيم الخرة بظوظهم‬ ‫من الدنيا‪.‬‬ ‫َألَ مْ يَ ْأِتهِ مْ َنبَُأ الّذِي نَ مِ نْ َقْبِلهِ مْ َقوْ ِم نُو حٍ وَعَا ٍد َوثَمُودَ وََقوْ مِ ِإبْرَاهِي َم‬ ‫ت فَمَا كَا نَ اللّ هُ‬ ‫ب مَ ْديَ َن وَالْ ُم ْؤتَفِكَا تِ َأَتْتهُ مْ رُ سُُل ُهمْ بِالَبيّنَا ِ‬ ‫صحَا ِ‬ ‫وَأَ ْ‬

‫سهُمْ يَظْلِمُونَ ( ‪)70‬‬ ‫ِليَظْلِ َمهُمْ َولَكِنْ كَانُوا أَن ُف َ‬

‫أل يأت هؤلء النافقي خ ُب الذين مضوا مِن قوم نوح وقبيلة عاد وقبيلة‬ ‫ثود وقوم إبراهيم وأصحاب (مدين) وقوم لوط عندما جاءهم الرسلون‬ ‫‪620‬‬

‫بالوحي وبآيات ال فكذّبوهم؟ فأنزل ال بؤلء جيعًا عذابه; انتقامًا‬ ‫منهم لسوء عملهم‪ ,‬فما كان ال ليظلمهم‪ ,‬ولكن كانوا هم الظالي‬ ‫لنفسهم بالتكذيب والخالفة‪.‬‬ ‫ضهُ مْ َأ ْوِليَاءُ بَعْ ضٍ يَ ْأمُرُو نَ بِالْمَ ْعرُو فِ َوَيْن َهوْ َن‬ ‫وَالْ ُمؤْ ِمنُو نَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تُ بَعْ ُ‬ ‫عَنْ الْمُنكَ ِر َويُقِيمُونَ الصّل َة َوُيؤْتُونَ الزّكَاةَ َويُطِيعُونَ اللّهَ َورَسُوَلهُ ُأ ْوَلئِكَ‬ ‫َسيَ ْرحَ ُمهُ ْم الّلهُ ِإنّ الّلهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (‪)71‬‬

‫والؤمنون والؤمنات بال ورسوله بعضهم أنصار بعض‪ ,‬يأمرون الناس‬ ‫باليان والعمل الصال‪ ,‬وينهونم عن الكفر والعاصي‪ ,‬ويؤدون الصلة‪,‬‬ ‫ويعطون الزكاة‪ ,‬ويطيعون ال ورسوله‪ ,‬وينتهون عما نُهوا عنه‪ ,‬أولئك‬ ‫سيحهم ال فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته‪ .‬إن ال عزيز ف ملكه‪,‬‬ ‫حكيم ف تشريعاته وأحكامه‪.‬‬ ‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ‬ ‫ت َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫وَعَ َد اللّ هُ الْ ُمؤْ ِمِنيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تِ َجنّا ٍ‬ ‫ضوَا نٌ مِ نْ اللّ هِ أَ ْكبَرُ َذلِ كَ ُهوَ‬ ‫ت عَدْ نٍ َو ِر ْ‬ ‫فِيهَا وَمَ سَاكِنَ َطّيَبةً فِي َجنّا ِ‬ ‫الْفَ ْوزُ الْعَظِيمُ (‪)72‬‬

‫‪621‬‬

‫وعد ال الؤمني والؤمنات بال ورسوله جنات تري من تتها النار‬ ‫ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬ل يزول عنهم نعيمها‪ ,‬ومساكن حسنة البناء طيبة‬ ‫القرار ف جنات إقامة‪ ,‬ورضوان من ال أكب وأعظم ما هم فيه من‬ ‫النعيم‪ .‬ذلك الوعد بثواب الخرة هو الفلح العظيم‪.‬‬ ‫ظ عََلْيهِ مْ وَمَ ْأوَاهُ مْ َج َهنّ مُ‬ ‫يَا َأيّهَا الّنبِيّ جَاهِدْ الْكُفّارَ وَالْ ُمنَافِقِيَ وَاغْلُ ْ‬

‫َوِبْئسَ الْمَصِ ُي (‪)73‬‬

‫يا أيها النب جاهد الكفار بالسيف والنافقي باللسان والجة‪ ,‬واشدد‬ ‫على كل الفريقي‪ ,‬ومقرّهم جهنم‪ ,‬وبئس الصي مصيهم‪.‬‬ ‫ّهم م َا قَالُوا وَلَقَ ْد قَالُوا كَِل َمةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَ ْعدَ إِسمْل ِم ِه ْم‬ ‫ُونم بِالل ِ‬ ‫َيحْلِف َ‬ ‫وَهَمّوا بِمَا لَ ْم َينَالُوا وَمَا نَ َقمُوا إِلّ أَ نْ أَ ْغنَاهُ مْ اللّ هُ َورَ سُوُلهُ مِ ْن فَضْلِ ِه َفإِ نْ‬ ‫ّهم عَذَابا َألِيما فِي ال ّدنْيَا‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫ِنم َيَت َولّوْا يُعَ ّذْبه ْ‬ ‫ُمم وَإ ْ‬ ‫ُنم َخيْرا لَه ْ‬ ‫َيتُوبُوا يَك ْ‬ ‫ض مِنْ َولِيّ وَل نَصِيٍ (‪)74‬‬ ‫وَالخِرَةِ وَمَا َلهُ ْم فِي الَرْ ِ‬ ‫يلف النافقون بال أنم ما قالوا شيئًا يسيء إل الرسول وإل السلمي‪,‬‬ ‫إنم لكاذبون; فلقد قالوا كلمة الكفر وارتدوا با عن السلم وحاولوا‬ ‫الضرار برسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلم يكنهم ال من‬ ‫‪622‬‬

‫ذلك‪ ,‬وما وجد النافقون شيئًا يعيبونه‪ ,‬وينتقدونه‪ ,‬إل أن ال ‪-‬تعال‪-‬‬ ‫تفضل عليهم‪ ,‬فأغناهم با فتح على نبيه صلى ال عليه وسلم من الي‬ ‫والبكة‪ ,‬فإن يرجع هؤلء الكفار إل اليان والتوبة فهو خي لم‪ ,‬وإن‬ ‫يعرضوا‪ ,‬أو يستمروا على حالم‪ ,‬يعذبم ال العذاب الوجع ف الدنيا‬ ‫على أيدي الؤمني‪ ,‬وف الخرة بنار جهنم‪ ,‬وليس لم منقذ ينقذهم ول‬ ‫ناصر يدفع عنهم سوء العذاب‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫َصمدّقَنّ َوَلنَكُونَنّ م ْ‬ ‫ِهم َلن ّ‬ ‫ِنم فَضْل ِ‬ ‫ِنم آتَانَا م ْ‬ ‫ّهم َلئ ْ‬ ‫َنم عَاهَدَ الل َ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫وَ ِمْنه ْ‬

‫حيَ (‪)75‬‬ ‫الصّالِ ِ‬

‫ومن فقراء النافقي مَن يقطع العهد على نفسه‪ :‬لئن أعطاه ال الال‬ ‫ليصدّقنّ منه‪ ,‬وليعمَلنّ ما يعمل الصالون ف أموالم‪ ,‬وليس َينّ ف طريق‬ ‫الصلح‪.‬‬ ‫فَلَمّا آتَاهُمْ مِ ْن فَضِْلهِ َبخِلُوا ِبهِ َوَت َولّوا وَهُ ْم مُعْ ِرضُونَ (‪)76‬‬ ‫فلما أعطاهم ال من فضله بلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق الال ف الي‪,‬‬ ‫وتولّوا وهم معرضون عن السلم‪.‬‬ ‫‪623‬‬

‫فَأَعْ َقَبهُ ْم نِفَاقا فِي قُلُوِبهِمْ ِإلَى َيوْ ِم يَلْ َق ْونَهُ بِمَا َأخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ َوبِمَا‬

‫كَانُوا يَ ْك ِذبُونَ (‪)77‬‬

‫فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم َأنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم‪ ,‬ل يستطيعون‬ ‫التخلص منه إل يوم الساب; وذلك بسبب إخلفهم الوعد الذي‬ ‫قطعوه على أنفسهم‪ ,‬وبسبب نفاقهم وكذبم‪.‬‬ ‫ب (‪)78‬‬ ‫جوَاهُ ْم وََأنّ الّلهَ عَلّ ُم الْ ُغيُو ِ‬ ‫َألَمْ يَعْلَمُوا َأنّ الّلهَ يَعْلَمُ سِرّ ُهمْ َوَن ْ‬ ‫أل يعلم هؤلء النافقون أن ال يعلم ما يفونه ف أنفسهم وما يتحدثون‬ ‫به ف مالسهم من الكيد والكر‪ ,‬وأن ال علم الغيوب؟ فسيجازيهم‬ ‫على أعمالم الت أحصاها عليهم‪.‬‬ ‫الّذِي نَ يَلْمِزُو نَ الْمُطّوّ ِعيَ مِ ْن الْ ُمؤْ ِمِنيَ فِي ال صّدَقَاتِ وَالّذِي نَ ل َيجِدُو نَ‬

‫سخَرُونَ ِمْنهُمْ َسخِ َر الّلهُ ِمْنهُمْ َوَلهُمْ عَذَابٌ َألِي ٌم ( ‪)79‬‬ ‫إِلّ ُجهْدَهُ ْم َفَي ْ‬

‫ومع بل النافغي ل َيسْلَم التصدقون من أذاهم; فإذا تصدق الغنياء‬ ‫بالال الكثي عابوهم واتموهم بالرياء‪ ,‬وإذا تصدق الفقراء با ف طاقتهم‬ ‫‪624‬‬

‫استهزؤوا بم‪ ,‬وقالوا سخرية منهم‪ :‬ماذا تدي صدقتهم هذه؟ سخر ال‬ ‫من هؤلء النافقي‪ ,‬ولم عذاب مؤل موجع‪.‬‬ ‫ستَغْفِ ْر لَهُ ْم َسبْ ِعيَ َمرّةً َفلَ نْ يَغْفِ َر اللّ هُ‬ ‫ستَغْفِرْ َلهُ مْ إِ نْ تَ ْ‬ ‫ا ْستَغْفِ ْر َلهُ مْ َأ ْو ل تَ ْ‬ ‫ك بَِأّنهُ مْ كَ َفرُوا بِاللّ هِ َورَ سُوِلهِ وَاللّ هُ ل َيهْدِي الْ َقوْ مَ الْفَا سِ ِقيَ (‬ ‫َلهُ مْ َذلِ َ‬ ‫‪)80‬‬ ‫استغفر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمنافقي أو ل تستغفر لم‪ ,‬فلن يغفر ال لم‪,‬‬ ‫مهما كثر استغفارك لم وتكرر; لنم كفروا بال ورسوله‪ .‬وال‬ ‫سبحانه وتعال ل يوفق للهدى الارجي عن طاعته‪.‬‬ ‫َفرِحَم الْ ُمخَلّفُونَمبِ َمقْعَدِهِم ْم خِلفَم رَسمُولِ اللّهِم وَكَرِهُوا أَن ْمُيجَاهِدُوا‬ ‫بِأَ ْموَاِلهِ مْ َوأَنفُ سِهِ ْم فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَقَالُوا ل تَنفِرُوا فِي الْحَ ّر قُلْ نَارُ َج َهنّ مَ‬ ‫أَ َشدّ حَرّا َلوْ كَانُوا يَفْ َقهُونَ ( ‪)81‬‬ ‫فرح الخلفون الذين تلفوا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بقعودهم‬ ‫ف (الدينة) مالفي لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكرهوا أن‬ ‫ياهدوا معه بأموالم وأنفسهم ف سبيل ال‪ ,‬وقال بعضهم لبعض‪ :‬ل‬ ‫‪625‬‬

‫تنفروا ف الرّ‪ ,‬وكانت غزوة (تبوك) ف وقت شدة الرّ‪ .‬قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ :-‬نار جهنم أشد حرًا‪ ,‬لو كانوا يعلمون ذلك‪.‬‬ ‫سبُونَ (‪)82‬‬ ‫ضحَكُوا قَلِيلً َوْلَيبْكُوا َكثِيا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَ ْك ِ‬ ‫َف ْليَ ْ‬ ‫فليضحك هؤلء النافقون الذين تلفوا عن رسول ال ف غزوة (تبوك)‬ ‫قليل ف حياتم الدنيا الفانية‪ ,‬وليبكوا كثيًا ف نار جهنم; جزاءً با كانوا‬ ‫يكسبون ف الدنيا من النفاق والكفر‪.‬‬ ‫َفإِ نْ رَجَ َع كَ اللّ هُ ِإلَى طَائِ َفةٍ ِمْنهُ ْم فَا ْستَأْ َذنُو َك لِ ْلخُرُو جِ َفقُلْ لَ نْ َتخْرُجُوا‬ ‫مَعِي َأبَدا َولَ نْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَ ُدوّا ِإنّكُ مْ َرضِيتُ ْم بِالْقُعُودِ َأوّلَ َمرّةٍ فَاقْ ُعدُوا‬ ‫مَ َع اْلخَالِ ِفيَ (‪)83‬‬ ‫فإنْ رَدّك ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مِن غزوتك إل جاعة من النافقي الثابتي‬ ‫على النفاق‪ ,‬فاستأذنوك للخروج معك إل غزوة أخرى بعد غزوة‬ ‫(تبوك) فقل لم‪ :‬لن ترجوا معي أبدًا ف غزوة من الغزوات‪ ,‬ولن تقاتلوا‬ ‫معي عدوًا من العداء; إنكم رضيتم بالقعود أول مرة‪ ,‬فاقعدوا مع الذين‬ ‫تلفوا عن الهاد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪626‬‬

‫وَل تُصَلّ عَلَى َأحَ ٍد ِمْنهُ ْم مَاتَ َأبَدا وَل تَ ُق ْم عَلَى َقبْرِهِ ِإّنهُمْ كَ َفرُوا بِاللّهِ‬

‫َورَسُوِلهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَا ِسقُونَ (‪)84‬‬

‫ول تصلّ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أبدًا على أحد مات من النافقي‪ ,‬ول تقم‬ ‫على قبه لتدعو له; لنم كفروا بال تعال وبرسوله صلى ال عليه‬ ‫وسلم وماتوا وهم فاسقون‪ .‬وهذا حكم عام ف كل من عُلِ َم نفاقه‪.‬‬ ‫جبْ كَ أَ ْموَاُلهُ مْ وََأوْلدُهُ مْ ِإنّمَا يُرِي ُد اللّ هُ أَ نْ يُعَ ّذَبهُ مْ ِبهَا فِي ال ّدْنيَا‬ ‫وَل تُ ْع ِ‬ ‫سهُ ْم وَهُمْ كَافِرُونَ (‪)85‬‬ ‫َوتَزْهَقَ أَن ُف ُ‬ ‫ول تعجبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أموال هؤلء النافقي وأولدهم‪ ,‬إنا يريد‬ ‫ال أن يعذبم با ف الدنيا بكابدتم الشدائد ف شأنا‪ ,‬وبوتم على‬ ‫كفرهم بال ورسوله‪.‬‬ ‫وَِإذَا أُن ِزلَ تْ سُورَةٌ أَ نْ آ ِمنُوا بِاللّ هِ َوجَاهِدُوا مَ عَ رَ سُولِهِ ا ْستَأْ َذَنكَ ُأ ْولُوا‬ ‫ال ّطوْلِ ِمْنهُ ْم وَقَالُوا َذ ْرنَا نَكُنْ َمعَ الْقَاعِدِينَ (‪)86‬‬

‫‪627‬‬

‫وإذا أنزلت سورة على ممد صلى ال عليه ول تأمر باليان بال‬ ‫والخلص له والهاد مع رسول ال‪ ,‬طلب الذن منك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫أولو اليسار من النافقي‪ ,‬وقالوا‪ :‬اتركنا مع القاعدين العاجزين عن‬ ‫الروج‪.‬‬ ‫خوَالِ فِ َوطُبِ َع عَلَى قُلُوِبهِ مْ َفهُ مْ ل يَفْ َقهُو نَ (‬ ‫َرضُوا بِأَ نْ يَكُونُوا َم عَ الْ َ‬ ‫‪)87‬‬

‫رضي هؤلء النافقون لنفسهم بالعار‪ ,‬وهو أن يقعدوا ف البيوت مع‬ ‫النساء والصبيان وأصحاب العذار‪ ,‬وختم ال على قلوبم; بسبب‬ ‫نفاقهم وتلفهم عن الهاد والروج مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫ف سبيل ال‪ ,‬فهم ل يفقهون ما فيه صلحهم ورشادهم‪.‬‬ ‫سهِمْ وَُأ ْوَلئِكَ َلهُمْ‬ ‫لَكِنْ الرّسُولُ وَالّذِينَ آ َمنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَ ْموَاِلهِمْ َوأَنفُ ِ‬ ‫ك هُ ْم الْمُ ْفِلحُونَ (‪)88‬‬ ‫ت وَُأوَْلئِ َ‬ ‫خيْرَا ُ‬ ‫الْ َ‬ ‫إنْ تلّف هؤلء النافقون عن الغزو‪ ,‬فقد جاهد رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم والؤمنون معه بأموالم وأنفسهم‪ ,‬وأولئك لم النصر والغنيمة ف‬ ‫الدنيا‪ ,‬والنة والكرامة ف الخرة‪ ,‬وأولئك هم الفائزون‪.‬‬ ‫‪628‬‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َذلِ كَ الْ َفوْزُ‬ ‫ت َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫أَعَدّ اللّ هُ لَهُ مْ َجنّا ٍ‬

‫الْعَظِي ُم (‪)89‬‬

‫أع ّد ال لم يوم القيامة جنات تري مِن تت أشجارها النار ماكثي‬ ‫فيها أبدًا‪ .‬وذلك هو الفلح العظيم‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫ِينم كَ َذبُوا الل َ‬ ‫ُمم وَقَ َعدَ الّذ َ‬ ‫َنم َله ْ‬ ‫َابم ِليُؤْذ َ‬ ‫ِنم الَعْر ِ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫وَجَاءَ الْمُعَ ّذر َ‬ ‫َورَسُوَلهُ َسيُصِيبُ الّذِينَ كَ َفرُوا ِمْنهُمْ عَذَابٌ َألِي ٌم (‪)90‬‬ ‫وجاء جاعة من أحياء العرب حول (الدينة) يعتذرون إل رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة‬ ‫على الروج للغزو‪ ,‬وقعد قوم بغي عذر أظهروه جرأة على رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬سيصيب الذين كفروا من هؤلء عذاب أليم ف‬ ‫الدنيا بالقتل وغيه‪ ,‬وف الخرة بالنار‪.‬‬ ‫ُونم مَا‬ ‫ِينم ل َيجِد َ‬ ‫ْسم عَلَى الضّعَفَاءِ وَل َعلَى الْمَرْض َى وَل عَلَى الّذ َ‬ ‫َلي َ‬ ‫سِنيَ مِ ْن َسبِيلٍ وَاللّ هُ‬ ‫صحُوا لِلّ هِ َورَ سُوِلهِ مَا عَلَى الْ ُمحْ ِ‬ ‫يُنفِقُو نَ حَرَ جٌ إِذَا نَ َ‬ ‫غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)91‬‬

‫‪629‬‬

‫ليس على أهل العذار مِن الضعفاء والرضى والفقراء الذين ل يلكون‬ ‫من الال ما يتجهزون به للخروج إث ف القعود إذا أخلصوا ل ورسوله‪,‬‬ ‫وعملوا بشرعه‪ ,‬ما على مَن أحسن من منعه العذر عن الهاد مع رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهو ناصح ل ولرسوله من طريق يعاقب مِن‬ ‫ِقبَلِه ويؤاخذ عليه‪ .‬وال غفور للمحسني‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ت ل أَ ِجدُ مَا أَحْ ِملُكُ ْم عََليْهِ َت َولّوا‬ ‫وَل عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا َأَتوْكَ ِلَتحْمَِلهُ ْم قُلْ َ‬ ‫ض مِنْ الدّمْعِ حَزَنا أَ ّل َيجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (‪)92‬‬ ‫وَأَ ْعُيُنهُمْ تَفِي ُ‬ ‫وكذلك ل إث على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بملهم إل‬ ‫الهاد قلت لم‪ :‬ل أجد ما أحلكم عليه من الدوابّ‪ ,‬فانصرفوا عنك‪,‬‬ ‫وقد فاضت أعينهم دَمعًا أسفًا على ما فاتم من شرف الهاد وثوابه;‬ ‫لنم ل يدوا ما ينفقون‪ ,‬وما يملهم لو خرجوا للجهاد ف سبيل ال‪.‬‬ ‫ستَأْ ِذنُونَكَ وَهُ مْ أَ ْغِنيَاءُ َرضُوا بِأَ نْ يَكُونُوا َم عَ‬ ‫سبِيلُ عَلَى الّذِي نَ يَ ْ‬ ‫ِإنّمَا ال ّ‬ ‫خوَالِفِ َو َطبَعَ الّلهُ عَلَى قُلُوِبهِ ْم َفهُ ْم ل يَعْلَمُونَ (‪)93‬‬ ‫الْ َ‬ ‫إنا الث واللوم على الغنياء الذين جاءوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يطلبون‬ ‫الذن بالتخلف‪ ,‬وهم النافقون الغنياء اختاروا لنفسهم القعود مع‬ ‫‪630‬‬

‫النساء وأهل العذار‪ ,‬وختم ال على قلوبم بالنفاق‪ ,‬فل يدخلها إيان‪,‬‬ ‫فهم ل يعلمون سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم الهاد معك‪.‬‬

‫‪631‬‬

‫الزء الادي عشر ‪:‬‬ ‫يَ ْعتَ ِذرُو نَ ِإَليْكُ مْ إِذَا رَجَ ْعُت مْ ِإَلْيهِ ْم قُلْ ل تَ ْعتَ ِذرُوا لَ نْ ُنؤْمِ َن لَكُ ْم قَ ْد َنبّأَنَا‬ ‫اللّ هُ مِ نْ َأ ْخبَارِكُ ْم وَ َسيَرَى اللّ هُ عَمَلَ ُك مْ َورَ سُوُلهُ ثُمّ ُترَدّو نَ ِإلَى عَالِ مِ‬ ‫شهَادَةِ َفُيَنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)94‬‬ ‫الْ َغيْبِ وَال ّ‬

‫يعتذر إليكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬هؤلء التخلفون عن جهاد الشركي‬ ‫بالكاذيب عندما تعودون مِن جهادكم من غزوة (تبوك)‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ :-‬ل تعتذروا لن نصدقكم فيما تقولون‪ ,‬قد نبأنا ال من أمركم‬ ‫ما حقق لدينا كذبكم‪ ,‬وسيى ال عملكم ورسوله‪ ,‬إن كنتم تتوبون‬ ‫من نفاقكم‪ ,‬أو تقيمون عليه‪ ,‬وسيُظهر للناس أعمالكم ف الدنيا‪ ,‬ث‬ ‫ترجعون بعد ماتكم إل الذي ل تفى عليه بواطن أموركم وظواهرها‪,‬‬ ‫فيخبكم بأعمالكم كلها‪ ,‬ويازيكم عليها‪.‬‬ ‫َسَيحْلِفُونَ بِاللّ هِ لَكُ مْ إِذَا انقََلْبتُ مْ ِإَلْيهِ مْ ِلتُعْ ِرضُوا َعْنهُ ْم فَأَعْ ِرضُوا َعْنهُ مْ‬ ‫سبُونَ (‪)95‬‬ ‫ِإّنهُ ْم رِ ْجسٌ وَمَ ْأوَاهُمْ َج َهنّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَ ْك ِ‬ ‫‪632‬‬

‫سيحلف لكم النافقون بال ‪-‬كاذبي معتذرين‪ -‬إذا رجعتم إليهم من‬ ‫الغزو; لتتركوهم دون مساءلة‪ ,‬فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم احتقارًا لم‪,‬‬ ‫إنم خبثاء البواطن‪ ,‬ومكانم الذي يأوون إليه ف الخرة نار جهنم;‬ ‫جزاء با كانوا يكسبون من الثام والطايا‪.‬‬ ‫ضوْا َعْنهُ ْم َفإِنّ اللّ هَ ل يَرْضَى عَ نْ‬ ‫ضوْا َعْنهُ مْ َفإِ نْ تَ ْر َ‬ ‫َيحْلِفُو نَ لَكُ مْ ِلتَ ْر َ‬

‫الْقَوْمِ الْفَاسِ ِقيَ (‪)96‬‬

‫يلف لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬هؤلء النافقون كذبًا; لتَرضَوا عنهم‪ ,‬فإن‬ ‫رضيتم عنهم ‪-‬لنكم ل تعلمون كذبم‪ -‬فإن ال ل يرضى عن هؤلء‬ ‫وغيهم من استمروا على الفسوق والروج عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬ ‫الَعْرَابُمأَشَ ّد كُفْرا َونِفَاقا وََأجْ َدرُ أَلّ يَعَْلمُوا حُدُو َد مَا أَنزَ َل اللّهُم عَلَى‬ ‫رَسُولِهِ وَالّلهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (‪)97‬‬ ‫العراب سكان البادية أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الاضرة‪ ,‬وذلك‬ ‫لفائهم وقسوة قلوبم وبُعدهم عن العلم والعلماء‪ ,‬ومالس الوعظ‬ ‫والذكر‪ ,‬فهم لذلك أحق بأن ل يعلموا حدود الدين‪ ,‬وما أنزل ال من‬ ‫‪633‬‬

‫الشرائع والحكام‪ .‬وال عليم بال هؤلء جيعًا‪ ,‬حكيم ف تدبيه لمور‬ ‫عباده‪.‬‬ ‫ص بِكُ ْم ال ّدوَائِرَ َعَلْيهِ مْ‬ ‫وَمِ نْ الَعْرَا بِ مَ نْ َيّتخِ ُذ مَا يُنفِ قُ مَ ْغرَما َوَيتَ َربّ ُ‬ ‫س ْوءِ وَالّلهُ َسمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)98‬‬ ‫دَائِرَ ُة ال ّ‬ ‫ومن العراب مَن يتسب ما ينفق ف سبيل ال غرامة وخسارة ل يرجو‬ ‫له ثوابًا‪ ,‬ول يدفع عن نفسه عقابًا‪ ,‬وينتظر بكم الوادث والفات‪,‬‬ ‫ولكن السوء دائر عليهم ل بالسلمي‪ .‬وال سيع لا يقولون عليم بنياتم‬ ‫الفاسدة‪.‬‬ ‫ت ِعنْ َد‬ ‫وَمِ نْ الَعْرَا بِ مَ نْ ُيؤْمِ ُن بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ الخِرِ َوَيّتخِذُ مَا يُنفِ قُ ُق ُربَا ٍ‬ ‫اللّهِ وَصََلوَاتِ الرّسُولِ أَل ِإّنهَا قُ ْرَبةٌ َلهُ ْم َسيُ ْدخُِلهُ ْم اللّهُ فِي رَ ْح َمتِهِ ِإنّ اللّهَ‬ ‫غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)99‬‬ ‫ومن العراب مَن يؤمن بال ويقرّ بوحدانيته وبالبعث بعد الوت‪,‬‬ ‫والثواب والعقاب‪ ,‬ويتسب ما ينفق من نفقة ف جهاد الشركي قاصدًا‬ ‫با رضا ال ومبته‪ ,‬ويعلها وسيلة إل دعاء الرسول صلى ال عليه‬ ‫‪634‬‬

‫وسلم له‪ ,‬أل إن هذه العمال تقربم إل ال تعال‪ ,‬سيدخلهم ال ف‬ ‫جنته‪ .‬إن ال غفور لا فعلوا من السيئات‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫وَال سّابِقُونَ ا َل ّولُو نَ مِ ْن الْ ُمهَا ِجرِي نَ وَالَن صَارِ وَالّذِي نَ اّتبَعُوهُ مْ ِبإِحْ سَا ٍن‬ ‫حتَهَا ا َلْنهَارُ‬ ‫َرضِيَم اللّهُم َعْنهُم ْم َو َرضُوا َعنْهُم وَأَعَ ّد لَهُم ْم َجنّاتٍمَتجْرِي َت ْ‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا َذلِكَ الْ َف ْوزُ الْعَظِي ُم (‪)100‬‬ ‫والذين سبقوا الناس أول إل اليان بال ورسوله من الهاجرين الذين‬ ‫هجروا قومهم وعشيتم وانتقلوا إل دار السلم‪ ,‬والنصار الذين‬ ‫نصروا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أعدائه الكفار‪ ,‬والذين‬ ‫اتبعوهم بإحسان ف العتقاد والقوال والعمال طلبًا لرضاة ال سبحانه‬ ‫وتعال‪ ,‬أولئك الذين رضي ال عنهم لطاعتهم ال ورسوله‪ ,‬ورضوا عنه‬ ‫لا أجزل لم من الثواب على طاعتهم وإيانم‪ ,‬وأعدّ لم جنات تري‬ ‫تتها النار خالدين فيها أبدًا‪ ,‬ذلك هو الفلح العظيم‪ .‬وف هذه الية‬ ‫تزكية للصحابة ‪-‬رضي ال عنهم‪ -‬وتعديل لم‪ ,‬وثناء عليهم; ولذا فإن‬ ‫توقيهم من أصول اليان‪.‬‬ ‫ِنم أَهْلِ الْمَدِيَنةِ َمرَدُوا عَلَى‬ ‫ُونم وَم ْ‬ ‫َابم ُمنَافِق َ‬ ‫ِنم الَعْر ِ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫ّنم َح ْولَك ْ‬ ‫وَمِم ْ‬ ‫‪635‬‬

‫ق ل تَعْلَ ُم ُه مْ َنحْ نُ نَعْلَ ُمهُ ْم َسنُ َع ّذُبهُمْ َم ّرَتيْ نِ ثُمّ يُرَدّو نَ ِإلَى عَذَا بٍ‬ ‫النّفَا ِ‬ ‫عَظِيمٍ (‪)101‬‬ ‫ومن القوم الذين حول (الدينة) أعراب منافقون‪ ,‬ومن أهل (الدينة)‬ ‫منافقون أقاموا على النفاق‪ ,‬وازدادوا فيه طغيانًا‪ ,‬بيث يفى عليك‬ ‫أيها الرسول‪ -‬أمرهم‪ ,‬نن نعلمهم‪ ,‬سنعذبم مرتي‪ :‬بالقتل والسب‬‫والفضيحة ف الدنيا‪ ,‬وبعذاب القب بعد الوت‪ ,‬ث يُرَدّون يوم القيامة إل‬ ‫عذاب عظيم ف نار جهنم‪.‬‬ ‫وَآخَرُو نَ ا ْعتَ َرفُوا بِ ُذنُوِبهِ مْ خَلَطُوا عَ َملً صَالِحا وَآ َخرَ َسيّئا عَ سَى اللّ هُ‬ ‫ب عََلْيهِمْ ِإنّ اللّهَ َغفُورٌ َرحِيمٌ ( ‪)102‬‬ ‫َأنْ َيتُو َ‬ ‫وآخرون من أهل (الدينة) ومن حولا‪ ,‬اعترفوا بذنوبم وندموا عليها‬ ‫وتابوا منها‪ ,‬خلطوا العمل الصال ‪-‬وهو التوبة والندم والعتراف‬ ‫بالذنب وغي ذلك من العمال الصالة‪ -‬بآخر سيّئ‪ -‬وهو التخلف عن‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وغيه من العمال السيئة ‪-‬عسى ال أن‬ ‫يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم‪ .‬إن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫خُ ْذ مِ نْ أَ ْموَاِلهِ مْ صَدََقةً تُ َطهّرُهُ مْ َوتُزَكّيهِ مْ ِبهَا وَ صَلّ عََلْيهِ مْ ِإنّ صَلتَكَ‬ ‫‪636‬‬

‫سَكَ ٌن لَهُ ْم وَالّلهُ سَمِي ٌع عَلِي ٌم (‪)103‬‬ ‫خذ ‪-‬أيها النب‪ -‬من أموال هؤلء التائبي الذين خلطوا عمل صالا‬ ‫وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبم‪ ,‬وترفعهم عن منازل‬ ‫النافقي إل منازل الخلصي‪ ,‬وادع لم بالغفرة لذنوبم واستغفر لم‬ ‫منها‪ ,‬إن دعاءك واستغفارك رحة وطمأنينة لم‪ .‬وال سيع لكل دعاء‬ ‫وقول‪ ,‬عليم بأحوال العباد ونياتم‪ ,‬وسيجازي ك ّل عامل بعمله‪.‬‬ ‫ت وََأنّ اللّ هَ‬ ‫َألَ مْ يَ ْعلَمُوا َأنّ اللّ هَ ُهوَ يَ ْقبَ ُل الّت ْوَبةَ عَ ْن ِعبَادِ هِ َويَ ْأخُ ُذ ال صّدَقَا ِ‬

‫ب الرّحِي ُم (‪)104‬‬ ‫ُهوَ التّوّا ُ‬

‫أل يعلم هؤلء التخلفون عن الهاد وغيهم أن ال وحده هو الذي‬ ‫يقبل توبة عباده‪ ,‬ويأخذ الصدقات ويثيب عليها‪ ,‬وأن ال هو التواب‬ ‫لعباده إذا رجعوا إل طاعته‪ ,‬الرحيم بم إذا أنابوا إل رضاه؟‬ ‫سيَرَى اللّهُ عَمَلَ ُكمْ َورَسُولُهُ وَالْ ُمؤْ ِمنُونَ َو َستُرَدّونَ ِإلَى عَالِمِ‬ ‫وَقُ ْل اعْمَلُوا فَ َ‬

‫شهَادَةِ َفُيَنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)105‬‬ ‫الْ َغيْبِ وَال ّ‬

‫‪637‬‬

‫وقل ‪-‬أيها النب‪ -‬لؤلء التخلّفي عن الهاد‪ :‬اعملوا ل با يرضيه من‬ ‫طاعته‪ ،‬وأداء فرائضه‪ ،‬واجتناب العاصي‪ ,‬فسيى ال عملكم ورسوله‬ ‫والؤمنون‪ ,‬وسيتبي أمركم‪ ,‬وسترجعون يوم القيامة إل مَن يعلم سركم‬ ‫وجهركم‪ ,‬فيخبكم با كنتم تعملون‪ .‬وف هذا تديد ووعيد لن استمر‬ ‫على باطله وطغيانه‪.‬‬ ‫ب عََلْيهِ مْ وَاللّ هُ عَلِي مٌ‬ ‫وَآخَرُو نَ ُمرْ َجوْ نَ لَمْرِ اللّ هِ إِمّ ا يُعَ ّذُبهُ مْ وَإِمّ ا َيتُو ُ‬ ‫حَكِيمٌ (‪)106‬‬ ‫ومن هؤلء التخلفي عنكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف غزوة (تبوك) آخرون‬ ‫مؤخرون; ليقضي ال فيهم ما هو قاض‪ .‬وهؤلء هم الذين ندموا على ما‬ ‫فعلوا‪ ,‬وهم‪ :‬مُرارة بن الربيع‪ ,‬وكعب بن مالك‪ ,‬وهلل بن أُميّة‪ ,‬إما‬ ‫يعذبم ال‪ ,‬وإما يعفو عنهم‪ .‬وال عليم بن يستحق العقوبة أو العفو‪,‬‬ ‫حكيم ف كل أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ اّتخَذُوا مَ سْجِدا ضِرَارا وَكُفْرا َوتَفْرِيقا َبيْ نَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَِإرْ صَادا‬ ‫سنَى وَاللّ هُ‬ ‫ب اللّ هَ َورَ سُوَلهُ مِ نْ َقبْلُ َوَليَحْلِفُنّ إِ نْ َأرَ ْدنَا إِ ّل الْحُ ْ‬ ‫لِمَ نْ حَارَ َ‬ ‫شهَدُ ِإّنهُ ْم لَكَا ِذبُونَ (‪)107‬‬ ‫َي ْ‬

‫‪638‬‬

‫والنافقون الذين بنوا مسجدًا; مضارة للمؤمني وكفرًا بال وتفريقًا بي‬ ‫الؤمني‪ ,‬ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد (قباء) الذي يصلي فيه‬ ‫السلمون‪ ,‬فيختلف السلمون ويتفرقوا بسبب ذلك‪ ,‬وانتظارا لن حارب‬ ‫ال ورسوله من قبل ‪-‬وهو أبو عامر الراهب الفاسق‪ -‬ليكون مكانًا‬ ‫للكيد للمسلمي‪ ,‬وليحلفنّ هؤلء النافقون أنم ما أرادوا ببنائه إل الي‬ ‫والرفق بالسلمي والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السي إل مسجد‬ ‫(قباء)‪ ,‬وال يشهد إنم لكاذبون فيما يلفون عليه‪ .‬وقد هُدِم السجد‬ ‫وأُحرِق‪.‬‬ ‫سجِدٌ ُأ ّسسَ عَلَى التّ ْقوَى مِ نْ َأوّلِ َيوْ مٍ َأحَقّ أَ ْن تَقُو مَ‬ ‫ل تَقُ مْ فِي هِ َأبَدا لَمَ ْ‬ ‫حبّونَ َأنْ َيتَ َطهّرُوا وَالّلهُ ُيحِبّ الْمُ ّطهّرِينَ (‪)108‬‬ ‫فِيهِ فِي ِه رِجَالٌ ُي ِ‬ ‫ل تقم ‪-‬أيها النب‪ -‬للصلة ف ذلك السجد أبدًا; فإن السجد الذي‬ ‫س على التقوى من أول يوم ‪-‬وهو مسجد (قباء)‪ -‬أول أن تقوم فيه‬ ‫أُ ّس َ‬ ‫للصلة‪ ,‬ففي هذا السجد رجال يبون أن يتطهروا بالاء من النجاسات‬ ‫والقذار‪ ,‬كما يتطهرون بالتورع والستغفار من الذنوب والعاصي‪.‬‬ ‫وال يب التطهرين‪ .‬وإذا كان مسجد (قباء) قد ُأ ّسسَ على التقوى من‬ ‫أول يوم‪ ,‬فمسجد رسول ال‪ ,‬صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كذلك بطريق‬ ‫الول والحرى‪.‬‬ ‫‪639‬‬

‫س ُبْنيَانَ هُ‬ ‫ضوَا نٍ َخيْرٌ أَ مْ مَ نْ َأ ّس َ‬ ‫أَفَمَ نْ َأ ّسسَ ُبْنيَانَ هُ عَلَى تَ ْقوَى مِ نْ اللّ هِ َو ِر ْ‬ ‫ْمم‬ ‫ّهم ل َيهْدِي الْ َقو َ‬ ‫ّمم وَالل ُ‬ ‫ِهم فِي نَارِ َج َهن َ‬ ‫ُفم هَارٍ فَاْنهَارَ ب ِ‬ ‫عَلَى شَفَا جُر ٍ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)109‬‬ ‫ل يستوي مَن أسّس بنيانه على تقوى ال وطاعته ومرضاته‪ ,‬ومن أسّس‬ ‫بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط‪ ,‬فبن مسجدًا ضرارًا وكفرًا‬ ‫وتفريقًا بي السلمي‪ ,‬فأدّى به ذلك إل السقوط ف نار جهنم‪ .‬وال ل‬ ‫يهدي القوم الظالي التجاوزين حدوده‪.‬‬ ‫ل يَزَالُ ُبْنيَاُنهُمْ الّذِي َبَنوْا رِيَبةً فِي قُلُوِبهِمْ إِلّ أَنْ تَقَطّعَ قُلُوُبهُمْ وَاللّهُ َعلِيمٌ‬ ‫حَكِيمٌ (‪)110‬‬

‫ل يزال بنيان النافقي الذي بنوه مضارّة لسجد (قباء) شكًا ونفاقًا ماكثًا‬ ‫ف قلوبم‪ ,‬إل أن تتقطع قلوبم بقتلهم أو موتم‪ ,‬أو بندمهم غاية الندم‪,‬‬ ‫وتوبتهم إل ربم‪ ,‬وخوفهم منه غاية الوف‪ .‬وال عليم با عليه هؤلء‬ ‫النافقون من الشك وما قصدوا ف بنائهم‪ ,‬حكيم ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬ ‫جنّةَ يُقَاتِلُو نَ‬ ‫سهُ ْم وَأَ ْموَاَلهُ مْ بَِأنّ لَهُ مْ اْل َ‬ ‫ِإنّ اللّ هَ ا ْشتَرَى مِ ْن الْ ُمؤْ ِمِنيَ أَنفُ َ‬ ‫‪640‬‬

‫ْهم حَقّا فِي التّ ْورَاةِ وَالِنِي ِل‬ ‫ُونم وَعْدا عََلي ِ‬ ‫ُونم َويُ ْقتَل َ‬ ‫ّهم َفيَ ْقتُل َ‬ ‫سمِيلِ الل ِ‬ ‫فِي َب‬ ‫وَالْقُرْآ نِ وَمَ نْ َأوْفَى بِ َعهْدِ هِ مِ نْ اللّ هِ فَا ْسَتْبشِرُوا ِبَبيْعِكُ مْ الّذِي بَايَ ْعتُ ْم بِ هِ‬ ‫وَ َذلِكَ ُه َو الْ َف ْوزُ الْعَظِيمُ (‪)111‬‬ ‫إن ال اشترى من الؤمني أنفسهم بأن لم ف مقابل ذلك النة‪ ,‬وما أعد‬ ‫ال فيها من النعيم لبذلم نفوسهم وأموالم ف جهاد أعدائه لعلء‬ ‫كلمته وإظهار دينه‪ ,‬فيَقْتلون ويُقتَلون‪ ,‬وعدًا عليه حقًا ف التوراة النلة‬ ‫على موسى عليه السلم‪ ,‬والنيل النل على عيسى عليه السلم‪,‬‬ ‫والقرآن النل على ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ول أحد أوف بعهده من‬ ‫ال لن وفّى با عاهد ال عليه‪ ,‬فأظهِروا السرور‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ببيعكم‬ ‫الذي بايعتم ال به‪ ,‬وبا وعدكم به من النة والرضوان‪ ,‬وذلك البيع هو‬ ‫الفلح العظيم‪.‬‬ ‫التّائِبُو نَ الْعَابِدُو نَ الْحَامِدُو نَ ال سّائِحُونَ الرّاكِعُو نَ ال سّا ِجدُونَ المِرُو َن‬ ‫بِالْمَ ْعرُو فِ وَالنّاهُو نَ عَ نْ الْمُنكَرِ وَاْلحَافِظُو نَ لِحُدُو ِد اللّ هِ َوبَشّ ْر الْ ُمؤْ ِمنِيَ‬ ‫(‪)112‬‬

‫ومن صفات هؤلء الؤمني الذين لم البشارة بدخول النة أنم التائبون‬ ‫الراجعون عما كرهه ال إل ما يبه ويرضاه‪ ,‬الذين أخلصوا العبادة ل‬ ‫‪641‬‬

‫وحده وجدوا ف طاعته‪ ,‬الذين يمدون ال على كل ما امتحنهم به من‬ ‫خي أو شر‪ ,‬الصائمون‪ ,‬الراكعون ف صلتم‪ ,‬الساجدون فيها‪ ,‬الذين‬ ‫يأمرون الناس بكل ما أمر ال ورسوله به‪ ,‬وينهونم عن كل ما نى ال‬ ‫عنه ورسوله‪ ,‬الؤدون فرائض ال النتهون إل أمره ونيه‪ ,‬القائمون على‬ ‫طاعته‪ ,‬الواقفون عند حدوده‪ .‬وبشّر ‪-‬أيها النب‪ -‬هؤلء الؤمني‬ ‫التصفي بذه الصفات برضوان ال وجنته‪.‬‬ ‫ستَغْفِرُوا لِلْ ُمشْرِكِيَ َولَوْ كَانُوا ُأ ْولِي‬ ‫مَا كَا نَ لِلّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا أَ نْ يَ ْ‬

‫جحِيمِ (‪)113‬‬ ‫ب الْ َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫قُ ْربَى مِنْ بَ ْعدِ مَا َتَبيّنَ َلهُمْ َأّنهُمْ َأ ْ‬

‫ما كان ينبغي للنب ممد صلى ال عليه وسلم والذين آمنوا أن يدعوا‬ ‫بالغفرة للمشركي‪ ,‬ولو كانوا ذوي قرابة لم مِن بعد ما ماتوا على‬ ‫شركهم بال وعبادة الوثان‪ ,‬وتبي لم أنم أصحاب الحيم لوتم على‬ ‫الشرك‪ ,‬وال ل يغفر للمشركي‪ ,‬كما قال تعال‪ِ( :‬إنّ الَ ل يَغْفِرُ َأنْ‬ ‫ُيشْرَكَ ِبهِ) وكما قال سبحانه‪ِ( :‬إّنهُ مَن ُيشْرِكْ بِالِ فَ َقدْ حَرّ َم الُ َعَلْيهِ‬ ‫لّنةَ)‪.‬‬ ‫اَ‬ ‫وَمَا كَا نَ ا ْستِغْفَارُ ِإْبرَاهِي مَ َلبِي هِ إِ ّل عَ نْ َموْعِدَ ٍة وَعَدَهَا ِإيّا هُ فَلَمّا َتَبيّ نَ لَ هُ‬ ‫‪642‬‬

‫َأّنهُ َع ُدوّ لِّلهِ َتبَرَّأ ِمْنهُ ِإنّ ِإبْرَاهِي َم َلوّاهٌ حَلِي ٌم ( ‪)114‬‬ ‫وما كان استغفار إبراهيم عليه السلم لبيه الشرك‪ ,‬إل عن موعدة‬ ‫وعدها إياه‪ ,‬وهي قوله‪" :‬سََأ ْستَغْفِ ُر لَكَ َربّي ِإّنهُ كَانَ بِي حَ ِفيّا" ‪ .‬فلما‬ ‫تبيّن لبراهيم أن أباه عدو ل ول ينفع فيه الوعظ والتذكي‪ ,‬وأنه‬ ‫سيموت كافرًا‪ ,‬تركه وترك الستغفار له‪ ,‬وتبأ منه‪ .‬إن إبراهيم عليه‬ ‫السلم عظيم التضرع ل‪ ,‬كثي الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلت‪.‬‬ ‫وَمَا كَانَ اللّهُ ِليُضِلّ َقوْما بَعْدَ إِ ْذ هَدَاهُمْ َحتّى ُيَبيّنَ َلهُمْ مَا َيتّقُونَ ِإنّ اللّهَ‬

‫بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِي ٌم (‪)115‬‬

‫وما كان ال ليضلّ قومًا بعد أن مَنّ عليهم بالداية والتوفيق حت يبيّن لم‬ ‫ما يتقونه به‪ ,‬وما يتاجون إليه ف أصول الدين وفروعه‪ .‬إن ال بكل‬ ‫شيء عليم‪ ,‬فقد علّمكم ما ل تكونوا تعلمون‪ ,‬وبيّن لكم ما به تنتفعون‪,‬‬ ‫وأقام الجة عليكم بإبلغكم رسالته‪.‬‬ ‫ت وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ‬ ‫ت وَالَرْضِ ُيحْ ِي َويُمِي ُ‬ ‫ِإنّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السّ َموَا ِ‬ ‫مِنْ َولِيّ وَل نَصِ ٍي (‪)116‬‬ ‫‪643‬‬

‫إن ل مالك السموات والرض وما فيهن ل شريك له ف اللق والتدبي‬ ‫والعبادة والتشريع‪ ,‬ييي مَن يشاء وييت مَن يشاء‪ ,‬وما لكم مِن أحد‬ ‫غي ال يتول أموركم‪ ,‬ول نصي ينصركم على عدوكم‪.‬‬ ‫لَقَ ْد تَا بَ اللّ هُ عَلَى النّبِيّ وَالْ ُمهَاجِرِي َن وَالَن صَارِ الّذِي نَ اّتبَعُو هُ فِي سَا َعةِ‬ ‫ب عََلْيهِ مْ ِإنّ هُ ِبهِ مْ‬ ‫الْعُ سْرَةِ مِ نْ بَعْ ِد مَا كَادَ يَزِي ُغ قُلُو بُ َفرِي قٍ ِمْنهُ ْم ثُمّ تَا َ‬

‫ف رَحِيمٌ (‪)117‬‬ ‫َرءُو ٌ‬

‫لقد وفّق ال نبيه ممدا صلى ال عليه وسلم إل النابة إليه وطاعته‪,‬‬ ‫وتاب ال على الهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيتم إل دار‬ ‫السلم‪ ,‬وتاب على أنصار رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين‬ ‫خرجوا معه لقتال العداء ف غزوة (تبوك) ف حرّ شديد‪ ,‬وضيق من‬ ‫الزاد وال ّظهْر‪ ,‬لقد تاب ال عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم‬ ‫عن الق‪ ,‬فيميلون إل الدّعة والسكون‪ ,‬لكن ال ثبتهم وقوّاهم وتاب‬ ‫عليهم‪ ,‬إنه بم رؤوف رحيم‪ .‬ومن رحته بم أ ْن مَنّ عليهم بالتوبة‪,‬‬ ‫وَقبِلَها منهم‪ ,‬وثبّتهم عليها‪.‬‬ ‫وَعَلَى الثّلثَةِ الّذِي نَ ُخلّفُوا َحتّ ى إِذَا ضَاقَ تْ َعَلْيهِ ْم الَرْ ضُ بِمَا رَ ُحبَ تْ‬ ‫‪644‬‬

‫ب عََلْيهِمْ‬ ‫سهُمْ َو َظنّوا أَنْ ل مَ ْلجَأَ مِنْ اللّهِ إِلّ ِإَليْهِ ُثمّ تَا َ‬ ‫ت عََلْيهِمْ أَن ُف ُ‬ ‫َوضَاقَ ْ‬ ‫ِلَيتُوبُوا ِإنّ الّلهَ ُهوَ الّتوّابُ الرّحِي ُم ( ‪)118‬‬ ‫وكذلك تاب ال على الثلثة الذين ُخلّفوا من النصار ‪-‬وهم كعب بن‬ ‫مالك وهلل بن أُميّة ومُرَارة بن الربيع‪ -‬تلّفوا عن رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ,‬وحزنوا حزنًا شديدًا‪ ,‬حت إذا ضاقت عليهم الرض بسَعَتها‬ ‫غمّا وندمًا بسبب تلفهم‪ ,‬وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابم من الم‪,‬‬ ‫وأيقنوا أن ل ملجأ من ال إل إليه‪ ,‬وفّقهم ال سبحانه وتعال إل الطاعة‬ ‫والرجوع إل ما يرضيه سبحانه‪ .‬إن ال هو التواب على عباده‪ ,‬الرحيم‬ ‫بم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا الّلهَ وَكُونُوا َمعَ الصّادِِقيَ (‪)119‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬امتثلوا أوامر ال‬ ‫واجتنبوا نواهيه ف كل ما تفعلون وتتركون‪ ,‬وكونوا مع الصادقي ف‬ ‫أَيانم وعهودهم‪ ,‬وف كل شأن من شؤونم‪.‬‬ ‫مَا كَا نَ لَهْلِ الْمَدِيَنةِ وَمَ نْ َح ْوَلهُ مْ مِ نَ الَعْرَا بِ أَ نْ َيَتخَلّفُوا عَ نْ َر سُولِ‬ ‫ك بَِأّنهُ ْم ل يُصِيُبهُمْ ظَمَأٌ وَل نَصَبٌ‬ ‫سهِ َذلِ َ‬ ‫سهِمْ عَنْ نَفْ ِ‬ ‫اللّهِ وَل يَرْ َغبُوا بِأَنفُ ِ‬ ‫‪645‬‬

‫ظ الْكُفّارَ وَل َينَالُونَ مِ ْن‬ ‫ص ٌة فِي َسبِيلِ اللّهِ وَل يَ َطئُونَ َموْطِئا يَغِي ُ‬ ‫وَل َمخْمَ َ‬ ‫سِنيَ (‬ ‫ب َلهُ ْم بِهِ َعمَلٌ صَالِحٌ ِإنّ اللّهَ ل يُضِيعُ أَ ْجرَ الْ ُمحْ ِ‬ ‫عَ ُدوّ َنيْلً إِ ّل ُكتِ َ‬ ‫‪)120‬‬ ‫ما كان ينبغي لهل مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم ومَن حولم‬ ‫من سكان البادية أن يتخلّفوا ف أهلهم ودورهم عن رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ,‬ول يرضوا لنفسهم بالراحة والرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫ف تعب ومشقة; ذلك بأنم ل يصيبهم ف سفرهم وجهادهم عطش ول‬ ‫ضبُ الكفارَ وطؤهم‬ ‫تعب ول ماعة ف سبيل ال‪ ,‬ول يطؤون أرضًا يُغ ِ‬ ‫إياها‪ ,‬ول يصيبون مِن عدو ال وعدوهم قتل أو هزيةً إل ُكتِب لم‬ ‫بذلك كله ثواب عمل صال‪ .‬إن ال ل يضيع أجر الحسني‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِبمَله ْ‬ ‫ُونم وَادِيا إِلّ ُكت َ‬ ‫صمغِيَ ًة وَل َكبِيَةً وَل يَقْطَع َ‬ ‫ُونم نَفَ َقةً َ‬ ‫وَل يُنفِق َ‬ ‫ِليَجْ ِزَيهُ ْم الّلهُ أَ ْحسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ‪)121‬‬ ‫ول ينفقون نفقة صغية ول كبية ف سبيل ال‪ ,‬ول يقطعون واديًا ف‬ ‫سيهم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ف جهاده‪ ,‬إل ُكتِب لم أجر‬ ‫عملهم; ليجزيهم ال أحسن ما ُيجْزَون به على أعمالم الصالة‪.‬‬

‫‪646‬‬

‫ُمم طَائِ َف ٌة‬ ‫ِنم كُلّ ِفرَْقةٍ ِمْنه ْ‬ ‫ُونمِليَنفِرُوا كَاّفةً فََلوْل نَفَرَ م ْ‬ ‫َانم الْ ُمؤْ ِمن َ‬ ‫وَمَا ك َ‬ ‫ِلَيتَفَ ّقهُوا فِي الدّي نِ َوِليُن ِذرُوا َقوْ َمهُ مْ إِذَا رَجَعُوا ِإَلْيهِ مْ لَعَّلهُ ْم َيحْ َذرُو نَ (‬ ‫‪)122‬‬ ‫وما كان ينبغي للمؤمني أن يرجوا جيعًا لقتال عدوّهم‪ ,‬كما ل يستقيم‬ ‫لم أن يقعدوا جيعًا‪ ,‬فهل خرج من كل فرقة جاعة تصل بم الكفاية‬ ‫والقصود; وذلك ليتفقه النافرون ف دين ال وما أنزل على رسوله‪,‬‬ ‫وينذروا قومهم با تعلموه عند رجوعهم إليهم‪ ,‬لعلهم يذرون عذاب‬ ‫ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا قَاتِلُوا الّذِي نَ َيلُونَكُ مْ مِ ْن الْكُفّارِ َوْليَجِدُوا فِيكُ مْ ِغلْ َظةً‬

‫وَاعْلَمُوا َأنّ الّلهَ مَ َع الْ ُمتّ ِقيَ (‪)123‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ابدؤوا بقتال القرب‬ ‫فالقرب إل دار السلم من الكفار‪ ,‬وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة‪,‬‬ ‫واعلموا أن ال مع التقي بتأييده ونصره‪.‬‬ ‫وَِإذَا مَا أُن ِزلَ تْ سُورَةٌ َف ِمْنهُ ْم مَ ْن يَقُولُ َأيّكُ مْ زَا َدتْ هُ هَذِ هِ ِإيَانا فَأَمّا الّذِي نَ‬ ‫سَتْبشِرُونَ (‪)124‬‬ ‫آ َمنُوا فَزَا َدْتهُمْ ِإيَانا وَهُمْ َي ْ‬ ‫‪647‬‬

‫وإذا ما أنزل ال سورة من سور القرآن على رسوله‪ ,‬فمِن هؤلء النافقي‬ ‫من يقول‪- :‬إنكارًا واستهزاءً‪ -‬أيّكم زادته هذه السورة تصديقًا بال‬ ‫وآياته؟ فأما الذين آمنوا بال ورسوله فزادهم نزول السورة إيانًا بالعلم‬ ‫با وتدبرها واعتقادها والعمل با‪ ,‬وهم يفرحون با أعطاهم ال من‬ ‫اليان واليقي‪.‬‬ ‫سهِ ْم وَمَاتُوا وَهُ مْ‬ ‫ض فَزَا َدْتهُ مْ رِجْسا ِإلَى رِجْ ِ‬ ‫وَأَمّا الّذِي نَ فِي قُلُوِبهِ مْ مَ َر ٌ‬ ‫كَافِرُونَ (‪)125‬‬ ‫وأما الذين ف قلوبم نفاق وشك ف دين ال‪ ,‬فإن نزول السورة يزيدهم‬ ‫نفاقًا وشكًا إل ما هم عليه من قبلُ من النفاق والشك‪ ,‬وهلك هؤلء‬ ‫وهم جاحدون بال وآياته‪.‬‬ ‫َأوَل يَ َروْ نَ َأّنهُ ْم يُ ْفَتنُو نَ فِي كُلّ عَا ٍم مَرّةً َأوْ َم ّرَتيْ نِ ثُمّ ل َيتُوبُو نَ وَل ُه مْ‬ ‫يَذّكّرُونَ (‪)126‬‬ ‫أول يرى النافقون أن ال يبتليهم بالقحط والشدة‪ ,‬وبإظهار ما يبطنون‬ ‫من النفاق مرة أو مرتي ف كل عام؟ ث هم مع ذلك ل يتوبون مِن‬ ‫‪648‬‬

‫كفرهم ونفاقهم‪ ,‬ول هم يتعظون ول يتذكرون با يعاينون من آيات‬ ‫ال‪.‬‬ ‫ض هَلْ يَرَاكُ ْم مِ نْ أَحَ ٍد ثُمّ‬ ‫ضهُ مْ ِإلَى بَعْ ٍ‬ ‫وَِإذَا مَا أُن ِزلَ تْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْ ُ‬ ‫ف الّلهُ قُلُوَبهُمْ بَِأّنهُ ْم َقوْمٌ ل يَفْ َقهُونَ (‪)127‬‬ ‫انصَرَفُوا صَرَ َ‬ ‫وإذا ما أُنزلت سورة تغَامَ َز النافقون بالعيون إنكارًا لنولا وسخرية‬ ‫وغيظًا; لِمَا نزل فيها مِن ذِكْر عيوبم وأفعالم‪ ,‬ث يقولون‪ :‬هل يراكم‬ ‫من أحد إن قمتم من عند الرسول؟ فإن ل يرهم أحد قاموا وانصرفوا من‬ ‫عنده عليه الصلة والسلم مافة الفضيحة‪ .‬صرف ال قلوبم عن اليان;‬ ‫بسبب أنم ل يفهمون ول يتدبرون‪.‬‬ ‫لَقَدْ جَاءَكُ مْ رَ سُو ٌل مِ نْ أَنفُ سِكُ ْم عَزِيزٌ عََليْ هِ مَا َعِنتّ مْ حَرِي صٌ َعَليْكُ مْ‬ ‫بِالْ ُمؤْ ِمِنيَ َرءُوفٌ رَحِي ٌم (‪)128‬‬ ‫لقد جاءكم أيها الؤمنون رسول من قومكم‪ ,‬يشق عليه ما تلقون من‬ ‫الكروه والعنت‪ ,‬حريص على إيانكم وصلح شأنكم‪ ,‬وهو بالؤمني‬ ‫كثي الرأفة والرحة‪.‬‬ ‫‪649‬‬

‫سبِي اللّ هُ ل ِإلَ هَ إِلّ ُهوَ عََليْ هِ َتوَكّلْ تُ وَ ُهوَ رَبّ الْعَرْ شِ‬ ‫َفإِ نْ َتوَّلوْا فَقُلْ حَ ْ‬

‫الْعَظِي ِم (‪)129‬‬

‫فإن أعرض الشركون والنافقون عن اليان بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فقل‬ ‫لم‪ :‬حسب ال‪ ,‬يكفين جيع ما أهّن‪ ,‬ل معبود بق إل هو‪ ,‬عليه‬ ‫اعتمدت‪ ,‬وإليه َف ّوضْتُ جيع أموري; فإنه ناصري ومعين‪ ,‬وهو رب‬ ‫العرش العظيم‪ ,‬الذي هو أعظم الخلوقات‪.‬‬

‫‪ -10‬سورة يونس‬

‫‪650‬‬

‫ب اْلحَكِيمِ (‪)1‬‬ ‫ت الْ ِكتَا ِ‬ ‫ك آيَا ُ‬ ‫الر تِلْ َ‬ ‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫هذه آيات الكتاب الحكم الذي أحكمه ال وبيّنه لعباده‪.‬‬ ‫أَكَانَ لِلنّاسِ َعجَبا أَنْ َأوْ َحْينَا ِإلَى رَجُلٍ ِمْنهُمْ أَنْ َأْن ِذرْ النّاسَ َوَبشّرْ الّذِي َن‬ ‫ق ِعنْدَ َرّبهِ ْم قَالَ الْكَافِرُو نَ ِإنّ هَذَا لَ سَاحِ ٌر ُمِبيٌ (‬ ‫آ َمنُوا َأنّ َلهُ مْ قَدَ َم صِدْ ٍ‬ ‫‪)2‬‬ ‫أكان أمرًا عجبًا للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم ينذرهم‬ ‫عقاب ال‪ ,‬ويبشّر الذين آمنوا بال ورسله أن لم أجرًا حسنًا با قدّموا‬ ‫من صال العمال؟ فلما أتاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بوحي ال‬ ‫وتله عليهم‪ ,‬قال النكرون‪ :‬إنّ ممدًا ساحر‪ ,‬وما جاء به سحر ظاهر‬ ‫البطلن‪.‬‬ ‫إِنّ َربّكُ مْ اللّ هُ الّذِي خَلَ قَ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ ثُمّ ا ْسَتوَى‬ ‫عَلَى الْعَرْ شِ ُي َدبّرُ الَمْ َر مَا مِ نْ شَفِي عٍ إِ ّل مِ نْ بَعْدِ ِإ ْذنِ هِ َذلِكُ ْم اللّ هُ َربّكُ مْ‬ ‫فَا ْعبُدُوهُ َأفَل تَذَكّرُونَ (‪)3‬‬ ‫‪651‬‬

‫إن ربكم ال الذي أوجد السموات والرض ف ستة أيام‪ ,‬ث استوى‬ ‫أي عل وارتفع‪ -‬على العرش استواء يليق بلله وعظمته‪ ,‬يدبر أمور‬‫خلقه‪ ,‬ل يضادّه ف قضائه أحد‪ ,‬ول يشفع عنده شافع يوم القيامة إل‬ ‫من بعد أن يأذن له بالشفاعة‪ ,‬فاعبدوا ال ربكم التصف بذه الصفات‪,‬‬ ‫وأخلصوا له العبادة‪ .‬أفل تتعظون وتعتبون بذه اليات والجج؟‬ ‫ِإَليْ هِ َمرْجِعُ ُك مْ جَمِيعا وَعْدَ اللّ هِ حَقّا ِإنّ هُ َيبْدَُأ الْخَلْ قَ ثُمّ يُعِيدُ ُه ِليَجْزِ َ‬ ‫ي‬ ‫ت بِالْقِ سْطِ وَالّذِي نَ كَ َفرُوا لَهُ مْ شَرَا بٌ مِ نْ‬ ‫الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا ال صّاِلحَا ِ‬ ‫َحمِيمٍ وَعَذَابٌ َألِي ٌم بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (‪)4‬‬

‫إل ربكم معادكم يوم القيامة جيعًا‪ ,‬وهذا وعد ال الق‪ ,‬هو الذي يبدأ‬ ‫إياد اللق ث يعيده بعد الوت‪ ,‬فيوجده حيًا كهيئته الول‪ ,‬ليجزي مَن‬ ‫صَدّق ال ورسوله‪ ,‬وعمل العمال السنة أحسن الزاء بالعدل‪ .‬والذين‬ ‫جحدوا وحدانية ال ورسالة رسوله لم شراب من ماء شديد الرارة‬ ‫يشوي الوجوه ويقطّع المعاء‪ ,‬ولم عذاب موجع بسبب كفرهم‬ ‫وضللم‪.‬‬ ‫َهم َمنَازِلَ ِلتَعْلَمُوا عَدَدَ‬ ‫ضيَاءً وَالْقَ َمرَ نُورا وَقَ ّدر ُ‬ ‫ْسم ِ‬ ‫ُهوَ الّذِي َجعَلَ الشّم َ‬ ‫‪652‬‬

‫ت لِ َقوْ مٍ‬ ‫ب مَا َخلَ قَ اللّ هُ َذلِ كَ إِلّ بِاْلحَقّ يُفَ صّ ُل اليَا ِ‬ ‫سِنيَ وَاْلحِ سَا َ‬ ‫ال ّ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)5‬‬ ‫ال هو الذي جعل الشمس ضياء‪ ,‬وجعل القمر نورًا‪ ,‬وقدّر القمر‬ ‫منازل‪ ,‬فبالشمس تعرف اليام‪ ,‬وبالقمر تعرف الشهور والعوام‪ ,‬ما‬ ‫خلق ال تعال الشمس والقمر إل لكمة عظيمة‪ ,‬ودللة على كمال‬ ‫قدرة ال وعلمه‪ ,‬يبيّن الجج والدلة لقوم يعلمون الكمة ف إبداع‬ ‫اللق‪.‬‬ ‫ف الّليْلِ وَالّنهَارِ وَمَا خَلَ قَ اللّ هُ فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ‬ ‫إِنّ فِي ا ْختِل ِ‬ ‫ليَاتٍ لِ َقوْمٍ َيتّقُونَ (‪)6‬‬ ‫إن ف تعاقب الليل والنهار وما خلق ال ف السموات والرض من‬ ‫عجائب اللق وما فيهما من إبداع ونظام‪ ,‬لدلة وحججًا واضحة لقوم‬ ‫يشون عقاب ال وسخطه وعذابه‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَاطْمََأنّوا بِهَا وَالّذِي نَ‬ ‫إِنّ الّذِي َن ل يَ ْرجُو نَ لِقَاءَنَا َو َرضُوا بِالْ َ‬ ‫هُ ْم عَنْ آيَاِتنَا غَافِلُونَ (‪)7‬‬ ‫‪653‬‬

‫إن الذين ل يطمعون ف لقائنا ف الخرة للحساب‪ ,‬وما يتلوه من الزاء‬ ‫على العمال لنكارهم البعث‪ ,‬ورضوا بالياة الدنيا عوضًا عن الخرة‪,‬‬ ‫وركنوا إليها‪ ,‬والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون‪.‬‬ ‫سبُونَ (‪)8‬‬ ‫ك مَ ْأوَاهُمْ النّارُ ِبمَا كَانُوا يَ ْك ِ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك مقرّهم نار جهنم ف الخرة; جزاء با كانوا يكسبون ف دنياهم‬ ‫من الثام والطايا‪.‬‬ ‫ت َيهْدِيهِ مْ َرّبهُ مْ ِبإِيَاِنهِ مْ َتجْرِي مِ نْ‬ ‫إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَا ِ‬ ‫ت النّعِيمِ (‪)9‬‬ ‫حتِهِ ْم ا َلْنهَارُ فِي َجنّا ِ‬ ‫َت ْ‬ ‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالات يدلم ربم إل طريق‬ ‫النة ويوفقهم إل العمل الوصل إليه؛ بسبب إيانم ‪ ،‬ث يثيبهم بدخول‬ ‫النة وإحلل رضوانه عليهم‪ ,‬تري من تتهم النار ف جنات النعيم‪.‬‬ ‫حّيُتهُ ْم فِيهَا سَلمٌ وَآ ِخرُ دَ ْعوَاهُ مْ أَ نْ‬ ‫ك الّلهُمّ َوَت ِ‬ ‫دَ ْعوَاهُ مْ فِيهَا ُسْبحَانَ َ‬ ‫الْحَمْ ُد لِّلهِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)10‬‬ ‫‪654‬‬

‫دعاؤهم ف النة التسبيح (سبحانك اللهم)‪ ،‬وتية ال وملئكته لم‪,‬‬ ‫وتية بعضهم بعضًا ف النة (سلم)‪ ،‬وآخر دعائهم قولم‪" :‬المد ل‬ ‫رب العالي" أي‪ :‬الشكر والثناء ل خالق الخلوقات ومربّيها بنعمه‪.‬‬ ‫خيْرِ لَقُضِ يَ ِإَلْيهِ مْ َأجَُلهُ مْ َفنَ َذرُ‬ ‫َوَلوْ يُ َعجّلُ اللّ هُ لِلنّا سِ الشّرّ ا ْستِ ْعجَالَهُ ْم بِاْل َ‬ ‫الّذِينَ ل يَ ْرجُونَ لِقَا َءنَا فِي طُ ْغيَاِنهِمْ يَ ْع َمهُونَ (‪)11‬‬ ‫ولو يعجّل ال للناس إجابة دعائهم ف الشر كاستعجاله لم ف الي‬ ‫بالجابة للكوا‪ ,‬فنترك الذين ل يافون عقابنا‪ ,‬ول يوقنون بالبعث‬ ‫والنشور ف ترّدهم وعتوّهم‪ ,‬يترددون حائرين‪.‬‬ ‫جنْبِ هِ َأوْ قَاعِدا َأوْ قَائِما فََلمّا َكشَ ْفنَا َعنْ هُ‬ ‫س ا ِلنْ سَانَ الضّرّ دَعَانَا ِل َ‬ ‫وَإِذَا مَ ّ‬ ‫سهُ كَ َذلِ كَ ُزيّ نَ لِلْمُ سْ ِرِفيَ مَا كَانُوا‬ ‫ضُرّ ُه مَ ّر كَأَ نْ لَ مْ َيدْعُنَا ِإلَى ضُ ّر مَ ّ‬ ‫يَعْمَلُونَ (‪)12‬‬ ‫وإذا أصاب النسانَ الشدةُ استغاث بنا ف كشف ذلك عنه مضطجعًا‬ ‫لنبه أو قاعدًا أو قائمًا‪ ,‬على حسب الال الت يكون با عند نزول‬ ‫ذلك الض ّر به‪ .‬فلما كشفنا عنه الشدة الت أصابته استمرّ على طريقته‬ ‫الول قبل أن يصيبه الضر‪ ,‬ونسي ما كان فيه من الشدة والبلء‪ ,‬وترك‬ ‫‪655‬‬

‫الشكر لربه الذي فرّج عنه ما كان قد نزل به من البلء‪ ,‬كما ُزيّن لذا‬ ‫النسان استمراره على جحوده وعناده بعد كشف ال عنه ما كان فيه‬ ‫من الضر‪ُ ,‬زيّن للذين أسرفوا ف الكذب على ال وعلى أنبيائه ما كانوا‬ ‫يعملون من معاصي ال والشرك به‪.‬‬ ‫َولَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُو نَ مِ نْ َقْبلِكُ ْم لَمّ ا ظَلَمُوا وَجَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلَبّينَا تِ‬

‫وَمَا كَانُوا ِلُيؤْ ِمنُوا َك َذلِكَ َنجْزِي الْ َقوْمَ الْ ُمجْرِ ِميَ (‪)13‬‬

‫ولقد أهلكنا المم الت كذّبت رسل ال من قبلكم ‪-‬أيها الشركون‬ ‫بربم‪ -‬لممّا أشركوا‪ ,‬وجاءتم رسلهم من عند ال بالعجزات‬ ‫الواضحات والجج الت تبي صدق مَن جاء با‪ ,‬فلم تكن هذه المم‬ ‫الت أهلكناها لتصدق رسلها وتنقاد لا‪ ,‬فاستحقوا اللك‪ ,‬ومثل ذلك‬ ‫الهلك نزي كل مرم متجاوز حدود ال‪.‬‬ ‫ف تَعْمَلُو نَ (‬ ‫ف فِي ا َلرْ ضِ مِ ْن بَعْدِهِ مْ ِلَننْظُ َر َكيْ َ‬ ‫ثُمّ جَعَ ْلنَاكُ مْ خَلئِ َ‬ ‫‪)14‬‬ ‫ث جعلناكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬خَلَفًا ف الرض من بعد القرون الم ُمهْلَكة‪,‬‬ ‫لننظر كيف تعملون‪ :‬أخيًا أم شرًا‪ ,‬فنجازيكم بذلك حسب عملكم‪.‬‬ ‫‪656‬‬

‫وَِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِمْ آيَاُتنَا َبّينَاتٍ قَالَ الّذِينَ ل يَ ْرجُونَ لِقَا َءنَا ائْتِ بِ ُقرْآنٍ َغيْ ِر‬ ‫هَذَا َأوْ بَ ّدلْ هُ قُلْ مَا يَكُو نُ لِي أَ نْ ُأبَ ّدلَ هُ مِ نْ تِلْقَاءِ نَفْ سِي إِ نْ َأّتِب عُ إِلّ مَا‬ ‫ب َيوْمٍ عَظِي ٍم (‪)15‬‬ ‫صيْتُ َربّي عَذَا َ‬ ‫يُوحَى ِإلَيّ ِإنّي َأخَافُ ِإنْ عَ َ‬ ‫وإذا تتلى على الشركي آيات ال الت أنزلناها إليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫واضحات‪ ,‬قال الذين ل يافون الساب‪ ,‬ول يرجون الثواب‪ ,‬ول‬ ‫يؤمنون بيوم البعث والنشور‪ :‬ائت بقرآن غي هذا‪ ,‬أو بدّل هذا القرآن‪:‬‬ ‫بأن تعل اللل حرامًا‪ ,‬والرام حلل والوعد وعيدًا‪ ,‬والوعيد وعدًا‪,‬‬ ‫وأن ُتسْقط ما فيه مِن عيب آلتنا وتسفيه أحلمنا‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ : -‬إن ذلك ليس إلّ‪ ,‬وإنا أتبع ف كل ما آمركم به وأناكم‬ ‫عنه ما ينله عل ّي رب ويأمرن به‪ ,‬إن أخشى من ال ‪-‬إن خالفت أمره‪-‬‬ ‫عذاب يوم عظيم وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫قُ ْل َلوْ شَاءَ اللّهُ مَا تََل ْوتُهُ َعَليْكُمْ وَل أَ ْدرَاكُ ْم بِهِ َفقَدْ َلِبثْتُ فِيكُ ْم عُمُرا مِنْ‬ ‫َقبِْلهِ أَفَل تَعْقِلُونَ (‪)16‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬لو شاء ال ما تلوت هذا القرآن عليكم‪ ,‬ول‬ ‫أعلمكم ال به‪ ,‬فاعلموا أنه الق من ال‪ ,‬فإنكم تعلمون أنن مكثت‬ ‫‪657‬‬

‫ل رب‪ ,‬ومن قبل أن أتلوه عليكم‪,‬‬ ‫فيكم زمنًا طويل من قبل أن يوحيه إ ّ‬ ‫أفل تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر؟‬ ‫ِحم‬ ‫ّهم ل يُفْل ُ‬ ‫ِهمِإن ُ‬ ‫ّبم بِآيَات ِ‬ ‫ّهم كَذِبا َأوْ َكذ َ‬ ‫ّنم ا ْفَترَى َعلَى الل ِ‬ ‫َمم مِم ْ‬ ‫َنمَأظْل ُ‬ ‫فَم ْ‬ ‫الْمُجْرِمُونَ (‪)17‬‬ ‫ل أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال الكذب أو كذّب بآياته إنه ل‬ ‫ينجح مَن كذّب أنبياء ال ورسله‪ ,‬ول ينالون الفلح‪.‬‬ ‫ُونم َهؤُلءِ‬ ‫ُمم َويَقُول َ‬ ‫ُمم وَل َينْفَ ُعه ْ‬ ‫ّهم مَا ل يَضُرّه ْ‬ ‫ُونم الل ِ‬ ‫ِنم د ِ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫َويَ ْعبُد َ‬ ‫شُفَعَاؤُنَا ِعنْ َد اللّ هِ قُلْ َأُتَنّبئُو نَ اللّ هَ بِمَا ل يَعَْل مُ فِي ال سّ َموَاتِ وَل فِي‬ ‫ا َلرْضِ ُسْبحَانَهُ َوتَعَالَى عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)18‬‬ ‫ويعبد هؤلء الشركون من دون ال ما ل يضرهم شيئًا‪ ,‬ول ينفعهم ف‬ ‫الدنيا والخرة‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنا نعبدهم ليشفعوا لنا عند ال‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ : -‬أتبون ال تعال بشيء ل يعلمه مِن أمر هؤلء الشفعاء ف‬ ‫السموات أو ف الرض؟ فإنه لو كان فيهما شفعاء يشفعون لكم عنده‬ ‫لكان أعلم بم منكم‪ ,‬فال تعال منّه عما يفعله هؤلء الشركون من‬ ‫إشراكهم ف عبادته ما ل يضر ول ينفع‪.‬‬ ‫‪658‬‬

‫وَمَا كَا نَ النّا سُ إِلّ أُ ّمةً وَاحِدَ ًة فَا ْختَلَفُوا َوَلوْل كَلِ َم ٌة َسبَ َقتْ مِ نْ َربّ كَ‬

‫ختَلِفُونَ ( ‪)19‬‬ ‫لَقُضِيَ َبْيَنهُمْ فِيمَا فِيهِ َي ْ‬

‫كان الناس على دين واحد وهو السلم‪ ,‬ث اختلفوا بعد ذلك‪ ,‬فكفر‬ ‫بعضهم‪ ,‬وثبت بعضهم على الق‪ .‬ولول كلمة سبقت من ال بإمهال‬ ‫العاصي وعدم معاجلتهم بذنوبم لقُضِ َي بينهم‪ :‬بأن ُيهْلك أهل الباطل‬ ‫منهم‪ ,‬وينجي أهل الق‪.‬‬ ‫َويَقُولُو نَ لَوْل ُأنْزِلَ عََليْ هِ آَيةٌ مِ نْ َربّ هِ فَقُلْ ِإنّمَا الْ َغيْ بُ لِلّ هِ فَاْنتَظِرُوا ِإنّ ي‬ ‫مَعَكُ ْم مِنْ الْ ُمْنتَظِرِينَ (‪)20‬‬ ‫ويقول هؤلء الكفرة العاندون‪ :‬هلّ أُنزل على ممد علم ودليل‪ ,‬وآية‬ ‫حسية من ربه نعلم با أنه على حق فيما يقول‪ ,‬فقل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ :-‬ل يعلم الغيب أحد إل ال‪ ,‬فإن شاء فعل وإن شاء ل يفعل‪,‬‬ ‫فانتظروا ‪-‬أيها القوم‪ -‬قضاء ال بيننا وبينكم بتعجيل عقوبته للمبطل‬ ‫منا‪ ,‬ونصرة صاحب الق‪ ,‬إن منتظر ذلك‪.‬‬ ‫سْتهُمْ إِذَا لَهُ ْم مَكْ ٌر فِي آيَاِتنَا قُلْ‬ ‫وَِإذَا َأذَ ْقنَا النّا سَ رَ ْح َمةً مِ نْ بَ ْعدِ ضَرّاءَ مَ ّ‬ ‫‪659‬‬

‫اللّهُ أَ ْسرَعُ َمكْرا ِإنّ رُسَُلنَا يَ ْكُتبُونَ مَا َتمْكُرُونَ (‪)21‬‬ ‫وإذا أذقنا الشركي يسرًا وفرجًا ورخاءً بعد عسر وشدة وكرب‬ ‫أصابم‪ ,‬إذا هم يكذّبون‪ ,‬ويستهزئون بآيات ال‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫لؤلء الشركي الستهزئي‪ :‬ال أسرع مكرًا واستدراجًا وعقوبة لكم‪.‬‬ ‫إن حَفَ َظتَنا الذين نرسلهم إليكم يكتبون عليكم ما تكرون ف آياتنا‪ ,‬ث‬ ‫ناسبكم على ذلك‪.‬‬ ‫ك وَ َج َريْنَ ِبهِ ْم‬ ‫سيّرُ ُكمْ فِي اْلبَ ّر وَاْلَبحْرِ َحتّى إِذَا ُكْنُت ْم فِي الْفُلْ ِ‬ ‫ُهوَ الّذِي يُ َ‬ ‫بِرِي حٍ َطّيَبةٍ وَفَ ِرحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِي حٌ عَا صِفٌ وَجَاءَهُ مْ الْ َموْ جُ مِ نْ كُلّ‬ ‫جْيَتنَا مِنْ‬ ‫صيَ لَهُ الدّينَ َلئِنْ َأْن َ‬ ‫مَكَانٍ َوظَنّوا َأّنهُمْ ُأحِيطَ ِبهِمْ دَ َعوْا اللّهَ ُمخْلِ ِ‬ ‫هَذِ ِه َلنَكُونَنّ مِ ْن الشّاكِرِينَ (‪)22‬‬

‫هو الذي يسيّركم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف الب على الدواب وغيها‪ ,‬وف البحر‬ ‫ف السّفُن‪ ,‬حت إذا كنتم فيها وجرت بريح طيبة‪ ,‬وفرح ركاب السفن‬ ‫بالريح الطيبة‪ ,‬جاءت هذه السفنَ ريحٌ شديدة‪ ,‬وجاء الركابَ الوجُ‬ ‫(وهو ما ارتفع من الاء) من كل مكان‪ ,‬وأيقنوا أن اللك قد أحاط بم‪,‬‬ ‫أخلصوا الدعاء ل وحده‪ ,‬وتركوا ما كانوا يعبدون‪ ,‬وقالوا‪ :‬لئن أنيتنا‬ ‫من هذه الشدة الت نن فيها لنكونن من الشاكرين لك على نِعَمك‪.‬‬ ‫‪660‬‬

‫َفلَمّ ا َأْنجَاهُ مْ إِذَا ُه مْ َيبْغُو نَ فِي ا َلرْ ضِ بِ َغيْ ِر اْلحَقّ يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّمَا‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا ثُمّ ِإَليْنَا َمرْجِعُ ُك مْ َفُنَنّبئُكُ مْ بِمَا‬ ‫بَ ْغيُكُ ْم عَلَى َأنْفُ سِكُمْ َمتَا عَ الْ َ‬ ‫ُكْنتُمْ تَ ْعمَلُونَ (‪)23‬‬ ‫فلما أناهم ال من الشدائد والهوال إذا هم يعملون ف الرض بالفساد‬ ‫وبالعاصي‪ .‬يا أيها الناس إنا وَبالُ بغيكم راجع على أنفسكم‪ ,‬لكم‬ ‫متاع ف الياة الدنيا الزائلة‪ ,‬ث إلينا مصيكم ومرجعكم‪ ,‬فنخبكم‬ ‫بميع أعمالكم‪ ,‬وناسبكم عليها‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا كَمَاءٍ َأْن َزْلنَا هُ مِ ْن ال سّمَاءِ فَا ْخَتلَ طَ بِ ِه َنبَا تُ ا َلرْ ضِ‬ ‫ِإنّمَا َمثَلُ اْل َ‬ ‫ض زُخْرَُفهَا وَا ّزّينَ تْ َوظَنّ‬ ‫ت الَرْ ُ‬ ‫مِمّا يَأْكُ ُل النّا سُ وَا َلنْعَا مُ َحتّى إِذَا أَ َخذَ ْ‬ ‫أَهُْلهَا َأّنهُ ْم قَا ِدرُونَ عََلْيهَا َأتَاهَا أَ ْم ُرنَا َليْلً َأ ْو َنهَارا َفجَعَ ْلنَاهَا حَصِيدا كَأَنْ‬ ‫ت لِقَوْ ٍم َيتَفَكّرُونَ ( ‪)24‬‬ ‫لَمْ تَغْنَ بِالَ ْمسِ َك َذلِكَ نُفَصّلُ اليَا ِ‬ ‫إنا مثل الياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال‪ ,‬كمثل مطر‬ ‫أنزلناه من السماء إل الرض‪ ,‬فنبتت به أنواع من النبات متلط بعضها‬ ‫ببعض ما يقتات به الناس من الثمار‪ ,‬وما تأكله اليوانات من النبات‪,‬‬ ‫حت إذا ظهر ُحسْنُ هذه الرض وباؤها‪ ,‬وظن أهل هذه الرض أنم‬ ‫‪661‬‬

‫قادرون على حصادها والنتفاع با‪ ,‬جاءها أمرنا وقضاؤنا بلك ما‬ ‫عليها من النبات‪ ,‬والزينة إما ليل وإما نارًا‪ ,‬فجعلنا هذه النباتات‬ ‫والشجار مصودة مقطوعة ل شيء فيها‪ ,‬كأن ل تكن تلك الزروع‬ ‫والنباتات قائمة قبل ذلك على وجه الرض‪ ,‬فكذلك يأت الفناء على ما‬ ‫تتباهَون به من دنياكم وزخارفها فيفنيها ال ويهلكها‪ .‬وكما بيّنا لكم‬ ‫أيها الناس‪َ -‬مثَلَ هذه الدنيا وعرّفناكم بقيقتها‪ ,‬نبيّن حججنا وأدلتنا‬‫لقوم يتفكرون ف آيات ال‪ ,‬ويتدبرون ما ينفعهم ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ُسمتَقِيمٍ (‬ ‫صمرَاطٍ م ْ‬ ‫َنم َيشَاءُ ِإلَى ِ‬ ‫ّهم يَدْعُو ِإلَى دَارِ السمّلمِ َوَيهْدِي م ْ‬ ‫وَالل ُ‬ ‫‪)25‬‬ ‫وال يدعوكم إل جناته الت أعدها لوليائه‪ ,‬ويهدي مَن يشاء مِن خَلْقه‪,‬‬ ‫فيوفقه لصابة الطريق الستقيم‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬ ‫سنُوا الْحُ سْنَى َوزِيَادَةٌ وَل يَرْهَ ُق وُجُو َههُ ْم َقتَ ٌر وَل ِذّلةٌ ُأ ْوَلئِ كَ‬ ‫لِلّذِي نَ َأحْ َ‬ ‫صحَابُ اْلجَّنةِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ ( ‪)26‬‬ ‫َأ ْ‬ ‫للمؤمني الذين أحسنوا عبادة ال فأطاعوه فيما أمر ونى‪ ,‬النةُ‪ ,‬وزيادة‬ ‫عليها‪ ,‬وهي النظر إل وجه ال تعال ف النة‪ ,‬والغفر ُة والرضوان‪ ,‬ول‬ ‫‪662‬‬

‫يغشى وجوههم غبار ول ذلة‪ ,‬كما يلحق أهل النار‪ .‬هؤلء التصفون‬ ‫بذه الصفات هم أصحاب النة ماكثون فيها أبدًا‪.‬‬ ‫سّيئَاتِ جَزَاءُ َسّيَئةٍ بِ ِمثِْلهَا َوتَرْهَ ُقهُ مْ ِذّلةٌ مَا َلهُ مْ مِ نْ اللّ هِ‬ ‫سبُوا ال ّ‬ ‫وَالّذِي نَ كَ َ‬ ‫ِكم‬ ‫ِنم الّليْلِ مُظْلِما ُأوَْلئ َ‬ ‫ُمم قِطَعا م ْ‬ ‫َتم وُجُو ُهه ْ‬ ‫شي ْ‬ ‫َاصمٍم كََأنّم َا أُ ْغ ِ‬ ‫ِنم ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ‪)27‬‬ ‫َأ ْ‬ ‫والذين عملوا السيئات ف الدنيا فكفروا وعصَوا ال لم جزاء أعمالم‬ ‫السيئة الت عملوها بثلها من عقاب ال ف الخرة‪ ,‬وتغشاهم ذلّة‬ ‫وهوان‪ ,‬وليس لم مِن عذاب ال مِن مانع ينعهم إذا عاقبهم‪ ,‬كأنا‬ ‫أُلبست وجوههم طائفة من سواد الليل الظلم‪ .‬هؤلء هم أهل النار‬ ‫ماكثون فيها أبدًا‪.‬‬ ‫م‬ ‫م َأْنتُم ْ‬ ‫م َأشْرَكُوا مَكَانَكُم ْ‬ ‫م جَمِيعا ثُمّم نَقُولُ لِلّذِين َ‬ ‫م َنحْشُرُهُم ْ‬ ‫َوَيوْم َ‬ ‫وَشُرَكَاؤُكُمْ فَ َزيّ ْلنَا َبْيَنهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا ُكْنتُمْ ِإيّانَا تَ ْعبُدُونَ (‪)28‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم نشر اللق جيعا للحساب والزاء‪ ,‬ث‬ ‫نقول للذين أشركوا بال‪ :‬الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم الذين كنتم‬ ‫تعبدونم من دون ال حت تنظروا ما يُفْعل بكم‪ ,‬فَ َفرّقْنا بي الشركي‬ ‫‪663‬‬

‫ومعبوديهم‪ ,‬وتبّأ مَن ُعبِدُوا مِن دون ال من كانوا يعبدونم‪ ,‬وقالوا‬ ‫للمشركي‪ :‬ما كنتم إيانا تعبدون ف الدنيا‪.‬‬ ‫َفكَفَى بِالّلهِ َشهِيدا َبْيَننَا َوَبْينَكُمْ ِإنْ ُكنّا عَنْ ِعبَا َدتِكُ ْم لَغَافِِليَ (‪)29‬‬ ‫فكفى بال شهيدًا بيننا وبينكم‪ ,‬إننا ل نكن نعلم ما كنتم تقولون‬ ‫وتفعلون‪ ,‬ولقد كنّا عن عبادتكم إيانا غافلي‪ ,‬ل نشعر با‪.‬‬ ‫ُهنَالِ كَ َتبْلُو كُلّ نَفْ سٍ مَا أَ سْلَ َفتْ َورُدّوا ِإلَى اللّ هِ َموْلهُ ْم الْحَقّ َوضَلّ‬ ‫َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)30‬‬ ‫ف ذلك الوقف للحساب تتفقد كل نفس أحوالا وأعمالا الت سلفت‬ ‫وتعاينها‪ ,‬وتازى بسبها‪ :‬إن خيًا فخي‪ ,‬وإن شرًا فشر‪ ,‬ورُدّ الميع‬ ‫إل ال الكم العدل‪ ,‬فأُدخِلَ أهل النةِ النةَ وأهل النار النار‪ ,‬وذهب‬ ‫عن الشركي ما كانوا يعبدون من دون ال افتراء عليه‪.‬‬ ‫قُ ْل مَ ْن يَ ْرزُقُكُ مْ مِ نْ ال سّمَاءِ وَا َلرْ ضِ أَمّ ْن يَمْلِ كُ ال سّ ْمعَ وَا َلبْ صَارَ وَمَ ْن‬ ‫ُيخْرِجُم اْلحَيّ مِ نْ الْ َميّ تِ َوُيخْرِجُم الْ َميّ تَ مِ نْ اْلحَيّ وَمَ نْ يُ َدبّ ُر الَمْرَ‬ ‫‪664‬‬

‫سيَقُولُونَ الّلهُ فَقُلْ أَفَل َتتّقُونَ (‪)31‬‬ ‫َف َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬مَن يرزقكم من السماء‪ ,‬با يُنله‬ ‫من الطر‪ ,‬ومن الرض با ينبته فيها من أنواع النبات والشجر تأكلون‬ ‫منه أنتم وأنعامكم؟ ومَن يلك ما تتمتعون به أنتم وغيكم من حواسّ‬ ‫السمع والبصار؟ ومن ذا الذي يلك الياة والوت ف الكون كلّه‪,‬‬ ‫فيخرج الحياء والموات بعضها من بعض فيما تعرفون من الخلوقات‪,‬‬ ‫وفيما ل تعرفون؟ ومَن يدبّر أمر السماء والرض وما فيهن‪ ,‬وأمركم‬ ‫وأمر الليقة جيعًا؟ فسوف ييبونك بأن الذي يفعل ذلك كله هو ال‪,‬‬ ‫فقل لم‪ :‬أفل تافون عقاب ال إن عبدت معه غيه؟‬ ‫َف َذلِكُ مْ اللّ هُ َربّكُ ْم الْحَقّ َفمَاذَا بَعْ َد اْلحَقّ إِ ّل الضّل ُل فََأنّ ا تُ صْ َرفُونَ (‬ ‫‪)32‬‬ ‫فذلكم ال ربكم هو الق الذي ل ريب فيه‪ ,‬السَتحِق للعبادة وحده ل‬ ‫شريك له‪ ,‬فأي شيء سوى الق إل الضلل؟‪ ,‬فكيف تُصْرَفون عن‬ ‫عبادته إل عبادة ما سواه؟‬ ‫ك عَلَى الّذِينَ َفسَقُوا َأّنهُمْ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)33‬‬ ‫كَ َذلِكَ َحقّتْ َكلِ َمةُ َربّ َ‬ ‫‪665‬‬

‫كما كفر هؤلء الشركون واستمرّوا على شركهم‪ ,‬حقت كلمة ربك‬ ‫وحكمه وقضاؤه على الذين خرجوا عن طاعة ربم إل معصيته وكفروا‬ ‫به أنّهم ل يصدقون بوحدانية ال‪ ,‬ول بنبوة نبيّه ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬ول يعملون بديه‪.‬‬ ‫قُ ْل هَلْ مِ نْ ُشرَكَائِكُ ْم مَ ْن َيبْدَُأ الْخَلْ قَ ثُمّ يُعِيدُ هُ قُ ْل اللّ هُ َيبْدَُأ الْخَلْ قَ ثُمّ‬

‫يُعِيدُهُ فََأنّا ُتؤْفَكُونَ (‪)34‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬هل من آلتكم ومعبوداتكم مَن يبدأ َخلْق أي‬ ‫شيء من غي أصل‪ ,‬ث يفنيه بعد إنشائه‪ ,‬ث يعيده كهيئته قبل أن يفنيه؟‬ ‫فإنم ل يقدرون على دعوى ذلك‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ال تعال وحده‬ ‫هو الذي ينشئ اللق ث يفنيه ث يعيده‪ ,‬فكيف تنصرفون عن طريق الق‬ ‫إل الباطل‪ ,‬وهو عبادة غي ال؟‬ ‫قُ ْل هَلْ مِ نْ شُرَكَائِكُ ْم مَ نْ َيهْدِي ِإلَى اْلحَقّ قُلْ اللّ هُ َيهْدِي لِ ْلحَقّ أََفمَ نْ‬ ‫َيهْدِي ِإلَى اْلحَقّ أَحَقّ أَنْ ُيّتبَعَ أَمّنْ ل َيهِدّي إِلّ أَنْ ُيهْدَى فَمَا لَكُ ْم َكيْفَ‬ ‫َتحْكُمُونَ (‪)35‬‬

‫‪666‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬هل مِن شركائكم مَن يرشد إل‬ ‫الطريق الستقيم؟ فإنم ل يقدرون على ذلك‪ ,‬قل لم‪ :‬ال وحده يهدي‬ ‫الضال عن الدى إل الق‪ .‬أيهما أحق بالتباع‪ :‬مَن يهدي وحده للحق‬ ‫أم من ل يهتدي لعدم علمه ولضلله‪ ,‬وهي شركاؤكم الت ل تَهدي ول‬ ‫تَهتدي إل أن تُهدَى؟ فما بالكم كيف سوّيتم بي ال وخلقه؟ وهذا‬ ‫حكم باطل‪.‬‬ ‫وَمَا َيّتبِ عُ أَ ْكثَرُ ُه مْ إِلّ َظنّا ِإنّ الظّنّ ل يُ ْغنِي مِ ْن الْحَقّ َشيْئا ِإنّ اللّ هَ عَلِي مٌ‬

‫بِمَا يَفْعَلُونَ (‪)36‬‬

‫وما يتبع أكثر هؤلء الشركي ف جعلهم الصنام آلة واعتقادهم بأنا‬ ‫تقرّب إل ال إل ترصًا وظنًا‪ ,‬وهو ل يغن من اليقي شيئًا‪ .‬إن ال عليم‬ ‫با يفعل هؤلء الشركون من الكفر والتكذيب‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ هَذَا الْقُرْآ نُ أَ نْ يُ ْفتَرَى مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َولَكِ نْ تَ صْدِيقَ الّذِي َبيْ نَ‬ ‫يَ َدْيهِ َوتَفْصِيلَ الْ ِكتَابِ ل َريْبَ فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)37‬‬ ‫وما كان يتهيّأ لحد أن يأت بذا القرآن مِن عند غي ال‪ ,‬لنه ل يقدر‬ ‫على ذلك أحد من اللق‪ ,‬ولكن ال أنزله مصدّقا للكتب الت أنزلا على‬ ‫‪667‬‬

‫أنبيائه; لن دين ال واحد‪ ,‬وف هذا القرآن بيان وتفصيل لا شرعه ال‬ ‫لمة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ل شك ف أن هذا القرآن موح ًى من‬ ‫رب العالي‪.‬‬ ‫أَ ْم يَقُولُونَ ا ْفَترَا هُ قُلْ فَ ْأتُوا بِسُورَةٍ ِمثْلِهِ وَادْعُوا مَ ْن ا ْستَطَ ْعُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ‬ ‫ِإنْ ُكْنتُ ْم صَادِِقيَ ( ‪)38‬‬ ‫بل أيقولون‪ :‬إن هذا القرآن افتراه ممد من عند نفسه؟ فإنم يعلمون أنه‬ ‫بشر مثلهم!! قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬فأتوا أنتم بسورة واحدة من‬ ‫جنس هذا القرآن ف نظمه وهدايته‪ ,‬واستعينوا على ذلك بكل مَن قَ َدرْت‬ ‫عليه من دون ال من إنس وجن‪ ,‬إن كنتم صادقي ف دعواكم‪.‬‬ ‫ب الّذِي نَ‬ ‫ك كَذّ َ‬ ‫بَلْ َك ّذبُوا بِمَا لَ مْ ُيحِيطُوا بِعِلْمِ هِ َولَمّا يَ ْأِتهِ ْم تَ ْأوِيلُ هُ كَ َذلِ َ‬ ‫مِنْ َقبِْل ِهمْ فَانْظُ ْر َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الظّالِ ِميَ (‪)39‬‬ ‫بل سارَعوا إل التكذيب بالقرآن أول ما سعوه‪ ,‬قبل أن يتدبروا آياته‪,‬‬ ‫وكفروا با ل ييطوا بعلمه من ذكر البعث والزاء والنة والنار وغي‬ ‫ذلك‪ ,‬ول يأتم بعدُ حقيقة ما وُعِدوا به ف الكتاب‪ .‬وكما كذّب‬ ‫الشركون بوعيد ال كذّبت المم الت خلت قبلهم‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها‬ ‫‪668‬‬

‫الرسول‪ -‬كيف كانت عاقبة الظالي؟ فقد أهلك ال بعضهم بالسف‪,‬‬ ‫وبعضهم بالغرق‪ ,‬وبعضهم بغي ذلك‪.‬‬ ‫وَ ِمْنهُ ْم مَ نْ ُيؤْمِ نُ بِ هِ وَ ِمْنهُ ْم مَ نْ ل ُيؤْمِ نُ بِ ِه َورَبّ كَ أَعَْل مُ بِالْمُفْ سِدِينَ (‬ ‫‪)40‬‬ ‫ومِن قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مَن يصدّق بالقرآن‪ ,‬ومنهم من ل يصدّق به‬ ‫حت يوت على ذلك ويبعث عليه‪ ,‬وربك أعلم بالفسدين الذين ل‬ ‫يؤمنون به على وجه الظلم والعناد والفساد‪ ,‬فيجازيهم على فسادهم‬ ‫بأشد العذاب‪.‬‬ ‫وَإِ نْ َك ّذبُو كَ فَقُ ْل لِي عَمَلِي َولَكُ مْ َعمَلُكُ مْ َأْنتُ ْم بَرِيئُو نَ مِمّا أَعْمَلُ وََأنَا‬ ‫بَرِي ٌء مِمّا تَعْ َملُونَ (‪)41‬‬ ‫وإن كذّبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركون فقل لم‪ :‬ل دين وعملي‪,‬‬ ‫ولكم دينكم وعملكم‪ ,‬فأنتم ل تؤاخَذون بعملي‪ ,‬وأنا ل أؤاخَذ‬ ‫بعملكم‪.‬‬

‫‪669‬‬

‫ستَمِعُونَ ِإَليْ كَ أَفََأنْ تَ تُ سْمِ ُع ال صّمّ َوَلوْ كَانُوا ل يَعْقِلُو نَ (‬ ‫وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ يَ ْ‬ ‫‪)42‬‬ ‫ومِنَ الكفار مَن يسمعون كلمك الق‪ ,‬وتلوتك القرآن‪ ,‬ولكنهم ل‬ ‫يهتدون‪ .‬أفأنت تَقْدر على إساع الصم؟ فكذلك ل تقدر على هداية‬ ‫هؤلء إل أن يشاء ال هدايتهم; لنم ص ّم عن ساع الق‪ ,‬ل يعقلونه‪.‬‬ ‫ْصمرُونَ (‬ ‫ْيم َوَلوْ كَانُوا ل ُيب ِ‬ ‫ْتم َتهْدِي الْعُم َ‬ ‫ْكمأَفََأن َ‬ ‫َنم َينْظُرُ ِإَلي َ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫وَ ِمْنه ْ‬ ‫‪)43‬‬ ‫ومِنَ الكفار مَن ينظر إليك وإل أدلة نبوتك الصادقة‪ ,‬ولكنه ل يبصر ما‬ ‫آتاك ال من نور اليان‪ ,‬أفأنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تقدر على أن تلق‬ ‫للعمي أبصارًا يهتدون با؟ فكذلك ل تقدر على هدايتهم إذا كانوا‬ ‫فاقدي البصية‪ ,‬وإنا ذلك كلّه ل وحده‪.‬‬ ‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪)44‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ ل يَظْلِ ُم النّاسَ َشيْئا َولَكِنّ النّاسَ َأنْ ُف َ‬

‫‪670‬‬

‫إن ال ل يظلم الناس شيئًا بزيادة ف سيئاتم أو نقص من حسناتم‪,‬‬ ‫ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بالكفر والعصية ومالفة أمر ال‬ ‫ونيه‪.‬‬ ‫َوَيوْ مَ َيحْشُرُ ُه ْم كَأَ نْ لَ مْ يَ ْلَبثُوا إِ ّل سَاعَةً مِ نْ الّنهَارِ َيتَعَارَفُو نَ َبْيَنهُ مْ قَدْ‬ ‫َخسِ َر الّذِينَ كَ ّذبُوا بِلِقَاءِ الّلهِ وَمَا كَانُوا ُم ْهتَدِينَ (‪)45‬‬ ‫ويوم يَحشر ال هؤلء الشركي يوم البعث والساب‪ ,‬كأنم قبل ذلك‬ ‫ل يكثوا ف الياة الدنيا إل قدر ساعة من النهار‪ ,‬يعرف بعضهم بعضًا‬ ‫كحالم ف الدنيا‪ ,‬ث انقطعت تلك العرفة وانقضت تلك الساعة‪ .‬قد‬ ‫خسر الذين كفروا وكذّبوا بلقاء ال وثوابه وعقابه‪ ,‬وما كانوا موفّقي‬ ‫لصابة الرشد فيما فعلوا‪.‬‬ ‫ك َفِإَلْينَا َمرْجِ ُعهُ ْم ثُمّ اللّهُ َشهِيدٌ‬ ‫ك بَعْضَ الّذِي نَ ِعدُهُمْ َأوْ َنَتوَّفَينّ َ‬ ‫وَإِمّا نُ ِرَينّ َ‬ ‫عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (‪)46‬‬ ‫وإمّا نرينّك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف حياتك بعض الذي نَعِدُهم من العقاب‬ ‫ف الدنيا‪ ,‬أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك فيهم‪ ,‬فإلينا وحدنا يرجع‬ ‫‪671‬‬

‫أمرهم ف الالتي‪ ,‬ث ال شهيد على أفعالم الت كانوا يفعلونا ف الدنيا‪,‬‬ ‫ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬فيجازيهم با جزاءهم الذي يستحقونه‪.‬‬ ‫ُمم ل‬ ‫ِسمطِ وَه ْ‬ ‫ُمم بِالْق ْ‬ ‫ِيم َبْيَنه ْ‬ ‫َولِكُلّ أُ ّم ٍة رَسمُولٌ َفإِذَا جَاءَ رَسمُولُهُ ْم قُض َ‬ ‫يُظْلَمُونَ (‪)47‬‬ ‫ت قبلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬رسول أرسلتُه إليهم‪ ,‬كما أرسلت‬ ‫ولكل أمة خَلَ ْ‬ ‫ممدًا إليكم يدعو إل دين ال وطاعته‪ ,‬فإذا جاء رسولم ف الخرة‬ ‫قُضِ َي حينئذ بينهم بالعدل‪ ,‬وهم ل يُظلمون مِن جزاء أعمالم شيئًا‪.‬‬ ‫ي (‪)48‬‬ ‫َويَقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ ُكْنتُمْ صَادِِق َ‬ ‫ويقول الشركون من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬مت قيام الساعة إن كنت‬ ‫أنت ومَن تبعك من الصادقي فيما تَعِدوننا به؟‬ ‫قُ ْل ل أَمْلِكُ ِلنَفْسِي ضَرّا وَل نَفْعا إِلّ مَا شَاءَ اللّهُ لِكُلّ أُ ّمةٍ َأجَلٌ إِذَا جَاءَ‬ ‫ستَقْدِمُونَ ( ‪)49‬‬ ‫ستَأْ ِخرُونَ سَا َعةً وَل َي ْ‬ ‫َأجَُلهُمْ فَل َي ْ‬

‫‪672‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل أستطيع أن أدفع عن نفسي ضرًا‪ ,‬ول أجلب‬ ‫لا نفعًا‪ ,‬إل ما شاء ال أن يدفع عن مِن ض ّر أو يلب ل من نفع‪ .‬لكل‬ ‫قوم وقت لنقضاء مدتم وأجلهم‪ ,‬إذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء‬ ‫أعمارهم‪ ,‬فل يستأخرون عنه ساعة فُيمْهلون‪ ,‬ول يتقدم أجلهم عن‬ ‫الوقت العلوم‪.‬‬ ‫ستَعْجِلُ ِمنْ هُ الْ ُمجْرِمُو نَ (‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ إِ نْ َأتَاكُ مْ عَذَابُ هُ َبيَاتا َأ ْو َنهَارا مَاذَا يَ ْ‬ ‫‪)50‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن أتاكم عذاب ال ليل‬ ‫أو نارًا‪ ,‬فأي شيء تستعجلون أيها الجرمون بنول العذاب؟‬ ‫ستَ ْعجِلُونَ (‪)51‬‬ ‫َأثُمّ إِذَا مَا وََقعَ آ َمْنتُمْ ِبهِ أَالنَ وََقدْ ُكْنتُ ْم ِبهِ َت ْ‬ ‫أبعدما وقع عذاب ال بكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬آمنتم ف وقت ل ينفعكم‬ ‫فيه اليان؟ وقيل لكم حينئذ‪ :‬آلن تؤمنون به‪ ,‬وقد كنتم من قبل‬ ‫تستعجلون به؟‬

‫‪673‬‬

‫ُمم‬ ‫ْنم إِ ّل بِمَا ُكْنت ْ‬ ‫َابم اْلخُلْدِ هَلْ ُتجْ َزو َ‬ ‫ِينم ظَلَمُوا ذُوقُوا َعذ َ‬ ‫ثُمّ قِيلَ لِلّذ َ‬ ‫سبُونَ (‪)52‬‬ ‫تَ ْك ِ‬ ‫ث قيل للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بال‪ :‬ترّعوا عذاب ال الدائم لكم‬ ‫أبدًا‪ ,‬فهل تُعاقَبون إل با كنتم تعملون ف حياتكم من معاصي ال؟‬ ‫سَتْنِبئُونَكَ َأحَقّ ُهوَ قُلْ إِي َو َربّي ِإّنهُ َلحَقّ وَمَا َأْنتُ ْم بِمُ ْعجِزِينَ (‪)53‬‬ ‫َوَي ْ‬ ‫ويستخبك هؤلء الشركون من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن العذاب يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬أح ّق هو؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬نعم ورب إنه لق ل شك‬ ‫فيه‪ ,‬وما أنتم بعجزين ال أن يبعثكم ويازيكم‪ ,‬فأنتم ف قبضته‬ ‫وسلطانه‪.‬‬ ‫ت مَا فِي ا َلرْ ضِ ل ْفتَ َد تْ بِ هِ وََأ سَرّوا النّدَا َمةَ لَمّا‬ ‫س ظَلَمَ ْ‬ ‫َوَلوْ َأنّ لِكُلّ نَفْ ٍ‬ ‫رََأوْا الْعَذَابَ وَقُضِ َي َبْيَنهُمْ بِالْ ِقسْطِ وَهُمْ ل يُظْلَمُونَ (‪)54‬‬ ‫ولو أن لكل نفس أشركت وكفرت بال جيع ما ف الرض‪ ,‬وأمكنها‬ ‫أن تعله فداء لا من ذلك العذاب لفتدت به‪ ,‬وأخفى الذين ظلموا‬

‫‪674‬‬

‫حسرتم حي أبصروا عذاب ال واقعا بم جيعًا‪ ,‬وقضى ال عز وجل‬ ‫بينهم بالعدل‪ ,‬وهم ل يُظلَمون؛ لن ال تعال ل يعاقب أحدا إل بذنبه‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضِ أَل ِإنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُمْ‬ ‫أَل ِإنّ لِلّهِ مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫ل يَعَْلمُونَ (‪)55‬‬ ‫أل إن كل ما ف السموات وما ف الرض ملك ل تعال‪ ,‬ل شيء من‬ ‫ذلك لحد سواه‪ .‬أل إن لقاء ال تعال وعذابه للمشركي كائن‪ ,‬ولكن‬ ‫أكثرهم ل يعلمون حقيقة ذلك‪.‬‬ ‫ُهوَ ُيحْ ِي َويُمِيتُ َوِإَليْهِ ُترْجَعُونَ (‪)56‬‬ ‫إن ال هو الحيي والميت ل يتعذّر عليه إحياء الناس بعد موتم‪ ,‬كما ل‬ ‫تعجزه إماتتهم إذا أراد ذلك‪ ,‬وهم إليه راجعون بعد موتم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ قَدْ جَا َءتْكُ ْم َموْعِ َظةٌ مِ نْ َربّ ُك ْم وَشِفَاءٌ لِمَا فِي ال صّدُورِ‬ ‫وَهُدًى َورَحْ َمةٌ لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)57‬‬

‫‪675‬‬

‫يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم تذكّركم عقاب ال وتوفكم‬ ‫وعيده‪ ,‬وهي القرآن وما اشتمل عليه من اليات والعظات لصلح‬ ‫أخلقكم وأعمالكم‪ ,‬وفيه دواء لا ف القلوب من الهل والشرك وسائر‬ ‫المراض‪ ,‬ورشد لن اتبعه من اللق فينجيه من اللك‪ ,‬جعله سبحانه‬ ‫وتعال نعمة ورحة للمؤمني‪ ,‬وخصّهم بذلك; لنم النتفعون باليان‪,‬‬ ‫وأما الكافرون فهو عليهم عَمَى‪.‬‬ ‫ك فَ ْليَ ْفرَحُوا ُهوَ َخيْ ٌر مِمّا َيجْمَعُونَ (‪)58‬‬ ‫قُ ْل بِفَضْلِ الّلهِ َوبِرَ ْح َمِتهِ َفبِ َذلِ َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لميع الناس‪ :‬بفضل ال وبرحته‪ ,‬وهو ما جاءهم‬ ‫من ال من الدى ودين الق وهو السلم‪ ,‬فبذلك فليفرحوا; فإن‬ ‫السلم الذي دعاهم ال إليه‪ ,‬والقرآن الذي أنزله على ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ,‬خي ما يمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية‬ ‫الذاهبة‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ مَا َأنْزَلَ اللّ هُ لَكُ ْم مِ نْ ِرزْ قٍ َفجَعَ ْلتُ مْ ِمنْ هُ حَرَاما وَحَل ًل قُلْ أَاللّ هُ‬ ‫أَ ِذنَ لَ ُكمْ أَ ْم عَلَى الّلهِ تَ ْفتَرُونَ (‪)59‬‬

‫‪676‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الاحدين للوحي‪ :‬أخبون عن هذا الرزق‬ ‫الذي خلقه ال لكم من اليوان والنبات واليات فحلّلتم بعض ذلك‬ ‫لنفسكم وحرّمتم بعضه‪ ,‬قل لم‪ :‬آل أذن لكم بذلك‪ ,‬أم تقولون على‬ ‫ال الباطل وتكذبون؟ وإنم ليقولون على ال الباطل ويكذبون‪.‬‬ ‫وَمَا ظَنّ الّذِي َن يَ ْفتَرُو نَ عَلَى اللّ هِ الْكَذِ بَ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ ِإنّ اللّ هَ لَذُو فَضْلٍ‬

‫عَلَى النّاسِ َولَكِنّ أَ ْكثَرَ ُهمْ ل َيشْ ُكرُونَ (‪)60‬‬

‫وما ظنّ هؤلء الذين يتخرصون على ال الكذب يوم الساب‪,‬‬ ‫فيضيفون إليه تري ما ل يرمه عليهم من الرزاق والقوات‪ ,‬أن ال‬ ‫فاعل بم يوم القيامة بكذبم وفِ ْرَيتِهم عليه؟ أيسبون أنه يصفح عنهم‬ ‫ويغفر لم؟ إن ال لذو فضل على خلقه; بتركه معاجلة مَن افترى عليه‬ ‫الكذب بالعقوبة ف الدنيا وإمهاله إياه‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون‬ ‫ال على تفضله عليهم بذلك‪.‬‬ ‫وَمَا تَكُونُ فِي َشأْنٍ وَمَا َتتْلُوا ِمنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَل تَ ْعمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلّ ُكنّا‬ ‫عََليْكُ مْ ُشهُودا إِ ْذ تُفِيضُو نَ فِي هِ وَمَا يَعْ ُز بُ عَ ْن َربّ كَ مِ ْن ِمثْقَالِ َذرّةٍ فِي‬ ‫ب ُمِبيٍ‬ ‫ك وَل أَ ْكبَرَ إِ ّل فِي ِكتَا ٍ‬ ‫ا َلرْ ضِ وَل فِي ال سّمَاءِ وَل أَ صْغَرَ مِ نْ َذلِ َ‬ ‫‪677‬‬

‫(‪)61‬‬ ‫وما تكون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف أمر مِن أمورك وما تتلو من كتاب ال من‬ ‫آيات‪ ,‬وما يعمل أحد من هذه المة عمل من خي أو شر إل كنا‬ ‫عليكم شهودًا مُطّلِعي عليه‪ ,‬إذ تأخذون ف ذلك‪ ,‬وتعملونه‪ ,‬فنحفظه‬ ‫عليكم ونزيكم به‪ ,‬وما يغيب عن علم ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من زنة‬ ‫نلة صغية ف الرض ول ف السماء‪ ,‬ول أصغر الشياء ول أكبها‪ ,‬إل‬ ‫ف كتاب عند ال واضح جلي‪ ,‬أحاط به علمه وجرى به قلمه‪.‬‬ ‫أَل ِإنّ َأ ْولِيَاءَ الّلهِ ل َخوْفٌ عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ (‪)62‬‬ ‫أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ف الخرة من عقاب ال‪ ,‬ول هم‬ ‫يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫الّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ (‪)63‬‬ ‫وصفات هؤلء الولياء‪ ,‬أنم الذين صدّقوا ال واتبعوا رسوله وما جاء به‬ ‫من عند ال‪ ,‬وكانوا يتقون ال بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب معاصيه‪.‬‬

‫‪678‬‬

‫ت اللّ هِ َذلِ كَ‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي ال ِخرَةِ ل َتبْدِيلَ لِكَلِمَا ِ‬ ‫َلهُ مْ اْلبُشْرَى فِي الْ َ‬ ‫ُهوَ الْ َفوْزُ الْعَظِيمُ (‪)64‬‬ ‫لؤلء الولياء البشارة من ال ف الياة الدنيا با يسرّهم‪ ,‬وف الخرة‬ ‫بالنة‪ ,‬ل يلف ال وعده ول يغيّره‪ ,‬ذلك هو الفوز العظيم; لنه اشتمل‬ ‫على النجاة مِن كل مذور‪ ,‬والظّفَر بكل مطلوب مبوب‪.‬‬ ‫وَل َيحْ ُزْنكَ َق ْوُلهُمْ ِإنّ الْعِزّ َة لِّلهِ َجمِيعا ُه َو السّمِي ُع الْعَلِي ُم (‪)65‬‬ ‫ول يزنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قول الشركي ف ربم وافتراؤهم عليه‬ ‫وإشراكهم معه الوثان والصنام; فإن ال تعال هو التفرد بالقوة الكاملة‬ ‫والقدرة التامة ف الدنيا والخرة‪ ,‬وهو السميع لقوالم‪ ,‬العليم بأفعالم‬ ‫ونياتم‪.‬‬ ‫ض وَمَا َيّتبِعُ الّذِي َن يَدْعُونَ مِنْ‬ ‫أَل ِإنّ لِلّهِ مَنْ فِي السّ َموَاتِ وَمَ ْن فِي ا َلرْ ِ‬ ‫دُونِ الّلهِ شُرَكَاءَ ِإنْ َيّتبِعُونَ إِلّ الظّنّ وَِإنْ هُمْ إِلّ َيخْ ُرصُونَ (‪)66‬‬

‫‪679‬‬

‫أل إن ل كل مَن ف السموات ومن ف الرض من اللئكة‪ ,‬والنس‪,‬‬ ‫والن وغي ذلك‪ .‬وأي شيء يتّبع مَن يدعو غي ال من الشركاء؟ ما‬ ‫يتّبعون إل الشك‪ ,‬وإن هم إل يكذبون فيما ينسبونه إل ال‪.‬‬ ‫ِكم‬ ‫ِيهم وَالّنهَارَ ُمبْصمِرا إِنّ فِي َذل َ‬ ‫َسم ُكنُوا ف ِ‬ ‫ُمم الّليْلَ ِلت ْ‬ ‫ُهوَ الّذِي َجعَلَ لَك ْ‬ ‫ليَاتٍ لِ َقوْمٍ َيسْمَعُونَ (‪)67‬‬ ‫هو الذي جعل لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬الليل لتسكنوا فيه وتدؤوا من عناء‬ ‫الركة ف طلب العاش‪ ,‬وجعل لكم النهار; لتبصروا فيه‪ ,‬ولتس َعوْا‬ ‫لطلب رزقكم‪ .‬إن ف اختلف الليل والنهار وحال أهلهما فيهما لَدللةً‬ ‫وحججًا على أن ال وحده هو الستحق للعبادة‪ ,‬لقوم يسمعون هذه‬ ‫الجج‪ ,‬ويتفكرون فيها‪.‬‬ ‫قَالُوا اتّخَ َذ اللّ هُ َولَدا ُسْبحَاَنهُ ُهوَ الْ َغنِيّ لَ هُ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَمَا فِي‬ ‫ا َلرْ ضِ إِ نْ ِعنْدَ ُك ْم مِ ْن ُسلْطَانٍ ِبهَذَا َأتَقُولُو نَ َعلَى اللّ هِ مَا ل تَعْلَمُو نَ (‬ ‫‪)68‬‬ ‫قال الشركون‪ :‬اتذ ال ولدًا‪ ,‬كقولم‪ :‬اللئكة بنات ال‪ ,‬أو السيح ابن‬ ‫ال‪ .‬تقدّس ال عن ذلك كله وتنّه‪ ,‬هو الغن عن كل ما سواه‪ ,‬له كل‬ ‫‪680‬‬

‫ما ف السموات والرض‪ ,‬فكيف يكون له ولد من خلق وكل شيء‬ ‫ملوك له؟ وليس لديكم دليل على ما تفترونه من الكذب‪ ,‬أتقولون على‬ ‫ال ما ل تعلمون حقيقته وصحته؟‬ ‫قُلْ ِإنّ الّذِينَ يَ ْفتَرُونَ عَلَى الّلهِ الْكَ ِذبَ ل يُ ْفِلحُونَ (‪)69‬‬ ‫قل‪ :‬إن الذين يفترون على ال الكذب باتاذ الولد وإضافة الشريك إليه‪,‬‬ ‫ل ينالون مطلوبم ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬ ‫َمتَا عٌ فِي ال ّدْنيَا ثُمّ ِإَلْينَا مَرْجِ ُع ُه ْم ثُمّ نُذِي ُقهُ مْ الْعَذَا بَ الشّدِيدَ بِمَا كَانُوا‬ ‫يَكْفُرُونَ (‪)70‬‬ ‫إنا يتمتعون ف الدنيا بكفرهم وكذبم متاعًا قصيًا‪ ,‬ث إذا انقضى أجلهم‬ ‫فإلينا مصيهم‪ ,‬ث نذيقهم عذاب جهنم بسبب كفرهم بال وتكذيبهم‬ ‫رسل ال‪ ,‬وجحدهم آياته‪.‬‬ ‫وَاتْلُ عََلْيهِ مْ َنبََأ نُو حٍ إِ ْذ قَالَ لِ َقوْمِ هِ يَا َقوْ مِ إِ نْ كَا نَ َكبُ َر عََليْكُ مْ مَقَامِي‬ ‫َوتَذْكِيِي بِآيَا تِ اللّ هِ فَعَلَى اللّ هِ َتوَكّلْ تُ َفأَجْمِعُوا أَمْرَكُ مْ َوشُرَكَاءَكُ ْم ثُمّ‬ ‫‪681‬‬

‫ل يَكُنْ أَمْرُ ُكمْ عََليْ ُكمْ غُ ّم ًة ثُمّ اقْضُوا ِإلَيّ وَل ُتنْظِرُونِ (‪)71‬‬ ‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على كفار "مكة" خب نوح ‪-‬عليه السلم‪-‬‬ ‫مع قومه حي قال لم‪ :‬إن كان عَظُ َم عليكم مقامي فيكم وتذكيي‬ ‫إياكم بجج ال وبراهينه فعلى ال اعتمادي وبه ثقت‪ ,‬فأعدّوا أمركم‪,‬‬ ‫وادعوا شركاءكم‪ ,‬ث ل تعلوا أمركم عليكم مستترًا بل ظاهرًا‬ ‫منكشفًا‪ ,‬ث اقضوا عليّ بالعقوبة والسوء الذي ف إمكانكم‪ ,‬ول تهلون‬ ‫ساعة من نار‪.‬‬ ‫َفإِ نْ َت َوّلْيتُ مْ فَمَا سََأْلتُكُ ْم مِ نْ أَجْرٍ إِ نْ أَ ْجرِي إِلّ عَلَى اللّ هِ وَأُمِ ْر تُ أَ نْ‬ ‫أَكُونَ مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ ( ‪)72‬‬ ‫فإن أعرضتم عن دعوت فإنن ل أسألكم أجرًا; لن ثواب عند رب‬ ‫وأجري عليه سبحانه‪ ,‬وحده ل شريك له‪ ,‬وأمرت أن أكون من‬ ‫النقادين لكمه‪.‬‬ ‫ك وَجَعَ ْلنَاهُ مْ خَلئِ فَ وَأَ ْغرَ ْقنَا الّذِي نَ‬ ‫جْينَا هُ وَمَ نْ مَعَ هُ فِي الْفُلْ ِ‬ ‫َفكَ ّذبُو هُ َفَن ّ‬ ‫كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَانْظُرْ َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْ ُمنْ َذرِينَ (‪)73‬‬ ‫‪682‬‬

‫فكذب نوحًا قومُه فيما أخبهم به عن ال‪ ,‬فنجّيناه هو ومن معه ف‬ ‫السفينة‪ ,‬وجعلناهم َيخْلُفون الكذبي ف الرض‪ ,‬وأغرقنا الذين جحدوا‬ ‫حججنا‪ ,‬فتأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان عاقبة القوم الذين أنذرهم‬ ‫رسولم عذاب ال وبأسه؟‬ ‫ت فَمَا كَانُوا ِلُيؤْ ِمنُوا‬ ‫ثُمّ بَ َعْثنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلً ِإلَى َقوْ ِمهِمْ َفجَاءُوهُ ْم بِاْلَبّينَا ِ‬

‫ب الْمُ ْعَتدِينَ (‪)74‬‬ ‫بِمَا كَ ّذبُوا ِبهِ مِنْ َقبْلُ َك َذلِكَ نَ ْطبَ ُع عَلَى قُلُو ِ‬

‫ث بعثنا من بعد نوح رسل إل أقوامهم (هودًا وصالًا وإبراهيم ولوطًا‬ ‫وشعيبًا وغيَهم) فجاء كل رسول قومه بالعجزات الدالة على رسالته‪,‬‬ ‫وعلى صحة ما دعاهم إليه‪ ,‬فما كانوا ليصدّقوا ويعملوا با كذّب به قوم‬ ‫نوح ومَن سبقهم من المم الالية‪ .‬وكما ختم ال على قلوب هؤلء‬ ‫القوام فلم يؤمنوا‪ ,‬كذلك يتم على قلوب مَن شابهم من بعدهم من‬ ‫الذين تاوزوا حدود ال‪ ,‬وخالفوا ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته‬ ‫عقوبة لم على معاصيهم‪.‬‬ ‫ثُمّ بَ َعْثنَا مِ نْ بَ ْعدِهِ ْم مُو سَى وَهَارُو نَ ِإلَى ِفرْ َعوْ نَ وَمََلئِ ِه بِآيَاتِنَا فَا ْسَت ْكبَرُوا‬

‫وَكَانُوا َقوْما ُمجْرِ ِميَ (‪)75‬‬

‫‪683‬‬

‫ث بعثنا مِن بعد أولئك الرسل موسى وهارون عليهما السلم إل فرعون‬ ‫وأشراف قومه بالعجزات الدالة على صدقهما‪ ,‬فاستكبوا عن قَبول‬ ‫الق‪ ,‬وكانوا قومًا مشركي مرمي مكذبي‪.‬‬ ‫سحْرٌ ُمِبيٌ (‪)76‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَهُمْ الْحَقّ مِ ْن ِعنْ ِدنَا قَالُوا ِإنّ هَذَا َل ِ‬ ‫فلما أتى فرعونَ وقومَه القّ الذي جاء به موسى قالوا‪ :‬إن الذي جاء به‬ ‫موسى من اليات إنا هو سحر ظاهر‪.‬‬ ‫قَالَ مُو سَى َأتَقُولُو نَ لِ ْلحَقّ لَمّا جَاءَكُ مْ أَ ِسحْرٌ َهذَا وَل يُفِْل حُ ال سّاحِرُونَ‬ ‫(‪)77‬‬ ‫قال لم موسى متعجبًا مِن قولم‪ :‬أتقولون للحق لا جاءكم‪ :‬إنه سحر‬ ‫مبي؟ انظروا َوصْفَ ما جاءكم وما اشتمل عليه تدوه الق‪ .‬ول يفلح‬ ‫الساحرون‪ ,‬ول يفوزون ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬ ‫قَالُوا َأ ِجْئتَنَا ِلتَلْ ِفتَنَا َعمّ ا وَجَدْنَا َعَليْ هِ آبَاءَنَا َوتَكُو نَ لَكُمَا الْ ِكبْ ِريَاءُ فِي‬ ‫ا َلرْضِ وَمَا َنحْنُ لَكُمَا بِ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)78‬‬ ‫‪684‬‬

‫قال فرعون وملؤه لوسى‪ :‬أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا من‬ ‫عبادة غي ال‪ ,‬وتكون لكما أنت وهارون العظمة والسلطان ف أرض‬ ‫"مصر"؟ وما نن لكما بقرّين بأنكما رسولن أُرسلتما إلينا; لنعبد ال‬ ‫وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫وَقَالَ ِفرْ َع ْونُ اْئتُونِي بِكُلّ سَاحِرٍ َعلِيمٍ (‪)79‬‬ ‫وقال فرعون‪ :‬جيئون بكل ساحر متقن للسحر‪.‬‬ ‫سحَرَةُ قَالَ َلهُمْ مُوسَى َألْقُوا مَا َأْنتُ ْم مُلْقُونَ (‪)80‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَ ال ّ‬ ‫فلما جاء السحرة فرعون قال لم موسى‪ :‬ألقوا على الرض ما معكم‬ ‫من حبالكم وعصيّكم‪.‬‬ ‫سحْرُ إِنّ اللّ هَ َسُيبْطُِلهُ إِنّ اللّ هَ ل‬ ‫َفلَمّ ا َألْ َقوْا قَالَ مُو سَى مَا ِجْئتُ ْم بِ هِ ال ّ‬

‫يُصْلِ ُح عَمَلَ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)81‬‬

‫‪685‬‬

‫فلما ألقَوا حبالم وعصيّهم قال لم موسى‪ :‬إنّ الذي جئتم به وألقيتموه‬ ‫هو السحر‪ ,‬إن ال سيُذْهب ما جئتم به وسيُبطله‪ ,‬إن ال ل يصلح عمل‬ ‫مَن سعى ف أرض ال با يكرهه‪ ,‬وأفسد فيها بعصيته‪.‬‬ ‫َوُيحِقّ الّلهُ اْلحَقّ بِكَلِمَاِتهِ َوَلوْ كَرِ َه الْ ُمجْرِمُونَ (‪)82‬‬ ‫ويثبّت ال الق الذي جئتكم به من عنده فيُعليه على باطلكم بكلماته‬ ‫وأمره‪ ,‬ولو كره الجرمون أصحاب العاصي مِن آل فرعون‪.‬‬ ‫ف مِ نْ ِفرْ َعوْ نَ وَمََلِئهِ مْ أَ نْ‬ ‫َفمَا آمَ َن لِمُو سَى إِلّ ُذ ّرّيةٌ مِ ْن َقوْمِ هِ عَلَى َخوْ ٍ‬ ‫يَ ْفِتَنهُمْ وَِإنّ فِرْ َع ْونَ لَعَالٍ فِي ا َلرْضِ وَِإّن ُه لَمِنْ الْ ُمسْرِِفيَ (‪)83‬‬ ‫فما آمن لوسى عليه السلم مع ما أتاهم به من الجج والدلة إل ذرية‬ ‫من قومه من بن إسرائيل‪ ,‬وهم خائفون من فرعون وملئه أن يفتنوهم‬ ‫بالعذاب‪ ,‬فيصدّوهم عن دينهم‪ ,‬وإن فرعون لَجبار مستكب ف الرض‪,‬‬ ‫وإنه لن التجاوزين الد ف الكفر والفساد‪.‬‬ ‫وَقَالَ مُو سَى يَا َقوْ مِ إِ نْ ُكْنتُ مْ آ َمْنتُ ْم بِاللّ هِ فَعََليْ هِ َتوَكّلُوا إِ نْ ُكْنتُ ْم مُ سْلِ ِميَ‬ ‫‪686‬‬

‫(‪)84‬‬ ‫وقال موسى‪ :‬يا قومي إن صدقتم بال ‪-‬جلّ وعل‪ -‬وامتثلتم شرعه فثقوا‬ ‫به‪ ,‬وسلّموا لمره‪ ,‬وعلى ال توكلوا إن كنتم مذعني له بالطاعة‪.‬‬ ‫َفقَالُوا عَلَى الّلهِ َتوَكّ ْلنَا َرّبنَا ل َتجْعَ ْلنَا ِفْتَنةً لِلْ َقوْ ِم الظّالِ ِميَ (‪)85‬‬ ‫فقال قوم موسى له‪ :‬على ال وحده ل شريك له اعتمدنا‪ ,‬وإليه فوّضنا‬ ‫أمرنا‪ ,‬ربنا ل تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين‪ ،‬أو يُفت‬ ‫الكفارُ بنصرهم‪ ،‬فيقولوا‪ :‬لو كانوا على حق لا غُلبوا‪.‬‬ ‫جنَا بِرَ ْح َمتِكَ مِنْ الْ َقوْمِ الْكَافِرِي َن (‪)86‬‬ ‫َوَن ّ‬ ‫ونّنا برحتك من القوم الكافرين فرعون وملئه; لنم كانوا يأخذونم‬ ‫بالعمال الشاقة‪.‬‬ ‫ِصمَر ُبيُوتا وَاجْعَلُوا‬ ‫َنم َتَبوّأَا لِ َقوْمِكُمَا بِم ْ‬ ‫ِيهم أ ْ‬ ‫وََأ ْو َحيْنَا ِإلَى مُوسمَى وََأخ ِ‬ ‫ُبيُوتَكُمْ ِقْبَلةً وَأَقِيمُوا الصّلةَ َوَبشّ ْر الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)87‬‬

‫‪687‬‬

‫وأوحينا إل موسى وأخيه هارون أن اتذا لقومكما بيوتًا ف "مصر"‬ ‫تكون مساكن وملجئ تعتصمون با‪ ,‬واجعلوا بيوتكم أماكن تصلّون‬ ‫فيها عند الوف‪ ,‬وأدّوا الصلة الفروضة ف أوقاتا‪ .‬وبشّر الؤمني‬ ‫الطيعي ل بالنصر الؤزر‪ ,‬والثواب الزيل منه سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫وَقَالَ مُو سَى َرّبنَا ِإنّ كَ آَتيْ تَ فِرْ َعوْ نَ وَمَلَ هُ زِيَنةً وَأَ ْموَالً فِي اْلحَيَاةِ ال ّدْنيَا‬ ‫ك َرّبنَا اطْمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِمْ وَاشْ ُددْ عَلَى ُقلُوبِهِ ْم فَل‬ ‫َرّبنَا ِليُضِلّوا عَنْ َسبِيلِ َ‬ ‫ُيؤْ ِمنُوا َحتّى َي َروْا الْعَذَابَ ا َللِيمَ (‪)88‬‬ ‫وقال موسى‪ :‬ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من متاع‬ ‫الدنيا; فلم يشكروا لك‪ ,‬وإنا استعانوا با على الضلل عن سبيلك‪,‬‬ ‫ربنا اطمس على أموالم‪ ,‬فل ينتفعوا با‪ ,‬واختم على قلوبم حت ل‬ ‫تنشرح لليان‪ ,‬فل يؤمنوا حت يروا العذاب الشديد الوجع‪.‬‬ ‫قَالَ قَدْ أُجِيَب تْ دَ ْع َوتُكُمَا فَا ْستَقِيمَا وَل َتّتبِعَا نِ َسبِيلَ الّذِي نَ ل يَعَْلمُو نَ (‬ ‫‪)89‬‬ ‫قال ال تعال لما‪ :‬قد أجيبت دعوتكما ف فرعون وملئه وأموالم‬ ‫وكان موسى يدعو‪ ,‬وهارون يؤمّن على دعائه‪ ,‬فمن هنا نسبت‬‫‪688‬‬

‫الدعوة إل الثني‪ -‬فاستقيما على دينكما‪ ,‬واستمرّا على دعوتكما‬ ‫فرعون وقومه إل توحيد ال وطاعته‪ ,‬ول تسلكا طريق مَن ل يعلم‬ ‫حقيقة وعدي ووعيدي‪.‬‬ ‫وَجَا َو ْزنَا ِبَبنِي ِإ ْسرَائِيلَ اْلَبحْرَ َفَأْتبَ َعهُ ْم فِرْ َعوْ نُ َو ُجنُودُ ُه بَغْيا وَعَدْوا َحتّى‬ ‫ق قَالَ آ َمْنتُ َأنّ ُه ل ِإلَهَ إِ ّل الّذِي آ َمنَتْ بِ ِه َبنُو إِ ْسرَائِيلَ وََأنَا‬ ‫إِذَا أَ ْدرَكَهُ الْغَرَ ُ‬ ‫مِنْ الْ ُمسْلِ ِميَ (‪)90‬‬

‫وقطَعْنا ببن إسرائيل البحر حت جاوزوه‪ ,‬فأتبعهم فرعون وجنوده ظلمًا‬ ‫وعدوانًا‪ ,‬فسلكوا البحر وراءهم‪ ,‬حت إذا أحاط بفرعون الغرق قال‪:‬‬ ‫آمنتُ أنه ل إله إل الذي آمنتْ به بنو إسرائيل‪ ,‬وأنا من الوحدين‬ ‫الستسلمي بالنقياد والطاعة‪.‬‬ ‫ت مِنْ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)91‬‬ ‫ت َقبْلُ وَ ُكنْ َ‬ ‫صيْ َ‬ ‫أَالنَ وََقدْ عَ َ‬ ‫آلن يا فرعون‪ ,‬وقد نزل بك الوت تق ّر ل بالعبودية‪ ,‬وقد عصيته قبل‬ ‫نزول عذابه بك‪ ,‬وكنت من الفسدين الصادين عن سبيله!! فل تنفعك‬ ‫التوبة ساعة الحتضار ومشاهدة الوت والعذاب‪.‬‬ ‫‪689‬‬

‫ك آَيةً وَِإنّ َكثِيا مِ نْ النّا سِ عَ نْ‬ ‫فَاْلَيوْ مَ ُنَنجّي كَ ِببَ َدِن كَ ِلتَكُو نَ لِمَ نْ َخلْفَ َ‬

‫آيَاِتنَا لَغَافِلُونَ (‪)92‬‬

‫فاليوم نعلك على مرتفع من الرض ببدنك‪ ,‬ينظر إليك من كذّب‬ ‫بلكك; لتكون لن بعدك من الناس عبة يعتبون بك‪ .‬فإن كثيًا من‬ ‫الناس عن حججنا وأدلتنا لَغافلون‪ ,‬ل يتفكرون فيها ول يعتبون‪.‬‬ ‫ق َورَزَ ْقنَاهُ مْ مِ نْ الطّّيبَا تِ َفمَا ا ْخَتلَفُوا‬ ‫َولَقَدْ َبوّْأنَا َبنِي ِإ ْسرَائِيلَ ُمَبوّأَ صِدْ ٍ‬ ‫ك يَقْضِي َبْيَنهُ مْ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِي هِ‬ ‫َحتّ ى جَاءَهُ ْم الْعِلْ مُ إِنّ َربّ َ‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)93‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ولقد أنزلنا بن إسرائيل منل صالًا متارًا ف بلد "الشام" و"مصر"‪,‬‬ ‫ورزقناهم الرزق اللل الطيب من خيات الرض الباركة‪ ,‬فما اختلفوا‬ ‫ف أمر دينهم إل مِن بعد ما جاءهم العلم الوجب لجتماعهم وائتلفهم‪,‬‬ ‫ومن ذلك ما اشتملت عليه التوراة من الخبار بنبوة ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يقضي بينهم يوم القيامة‪ ,‬ويَفْصِل فيما‬ ‫كانوا يتلفون فيه من أمرك‪ ,‬فيدخل الكذبي النار والؤمني النة‪.‬‬

‫‪690‬‬

‫ب مِ نْ‬ ‫ت فِي شَكّ ِممّا َأنْ َزْلنَا ِإَليْ كَ فَا سْأَ ْل الّذِي نَ يَقْ َرءُو نَ الْ ِكتَا َ‬ ‫َفإِ نْ ُكنْ َ‬ ‫ك لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقّ مِ ْن َربّكَ فَل تَكُونَنّ مِ ْن الُ ْمتَرِينَ (‪)94‬‬ ‫َقبْلِ َ‬ ‫فإن كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف ريب من حقيقة ما أخبناك به فاسأل‬ ‫الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والنيل‪ ,‬فإن ذلك‬ ‫ثابت ف كتبهم‪ ,‬لقد جاءك الق اليقي من ربك بأنك رسول ال‪ ,‬وأن‬ ‫هؤلء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك‪ ,‬ويدون صفتك ف كتبهم‪,‬‬ ‫ولكنهم ينكرون ذلك مع علمهم به‪ ,‬فل تكوننّ من الشاكّي ف صحة‬ ‫ذلك وحقيقته‪.‬‬ ‫وَل تَكُونَنّ مِنْ الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِ الّلهِ َفَتكُونَ مِ ْن الْخَاسِرِينَ (‪)95‬‬ ‫ول تكونن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من الذين كذّبوا بجج ال وأدلته فتكون من‬ ‫خطَ ال عليهم ونالوا عقابه‪.‬‬ ‫الاسرين الذين س ِ‬ ‫ك ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)96‬‬ ‫ِإنّ الّذِينَ حَقّتْ عََلْيهِ ْم كَلِ َمةُ َربّ َ‬

‫‪691‬‬

‫إن الذين حقّت عليهم كلمة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بطردهم من رحته‬ ‫وعذابه لم‪ ,‬ل يؤمنون بجج ال‪ ,‬ول يقرّون بوحدانيته‪ ,‬ول يعملون‬ ‫بشرعه‪.‬‬ ‫َوَلوْ جَا َءْتهُمْ كُلّ آَيةٍ َحتّى يَ َروْا الْعَذَابَ ا َللِيمَ (‪)97‬‬ ‫ولو جاءتم كل موعظة وعبة حت يعاينوا العذاب الوجع‪ ,‬فحينئذ‬ ‫يؤمنون‪ ,‬ول ينفعهم إيانم‪.‬‬ ‫ت َفنَفَعَهَا إِيَانُهَا إِلّ َقوْ مَ يُونُ سَ لَمّ ا آ َمنُوا َكشَ ْفنَا‬ ‫ت قَ ْرَيةٌ آ َمنَ ْ‬ ‫َفَلوْل كَانَ ْ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَ َمتّ ْعنَاهُمْ ِإلَى ِحيٍ (‪)98‬‬ ‫َعْنهُمْ َعذَابَ اْلخِزْيِ فِي اْل َ‬ ‫ل ينفع اليان أهل قرية آمنوا عند معاينة العذاب إل أهل قرية يونس بن‬ ‫َمتّى‪ ,‬فإنم لممّا أيقنوا أن العذاب نازل بم تابوا إل ال تعال توبة‬ ‫نصوحا‪ ,‬فلمّا تبيّن منهم الصدق ف توبتهم كشف ال عنهم عذاب‬ ‫الزي بعد أن اقترب منهم‪ ,‬وتركهم ف الدنيا يستمتعون إل وقت إناء‬ ‫آجالم‪.‬‬

‫‪692‬‬

‫ت تُكْرِ ُه النّا سَ‬ ‫َوَلوْ شَاءَ َربّ كَ لمَ نَ مَ نْ فِي ا َلرْ ضِ كُّلهُ مْ َجمِيعا أَفََأنْ َ‬ ‫َحتّى يَكُونُوا ُمؤْ ِمِنيَ (‪)99‬‬ ‫ولو شاء ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليان لهل الرض كلهم لمنوا جيعًا‬ ‫با جئتهم به‪ ,‬ولكن له حكمة ف ذلك; فإنه يهدي من يشاء ويضل من‬ ‫يشاء وَفْق حكمته‪ ,‬وليس ف استطاعتك أن تُكْره الناس على اليان‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ ِلنَفْ سٍ أَ نْ ُتؤْمِ نَ إِلّ ِبإِذْ نِ اللّ هِ َويَجْعَلُ الرّجْ سَ عَلَى الّذِي َن ل‬ ‫يَعْقِلُونَ (‪)100‬‬ ‫وما كان لنفس أن تؤمن بال إل بإذنه وتوفيقه‪ ,‬فل تُجهد نفسك ف‬ ‫ذلك‪ ,‬فإن أمرهم إل ال‪ .‬ويعل ال العذاب والزي على الذين ل‬ ‫يعقلون أمره ونيه‪.‬‬ ‫ت وَالَرْ ضِ وَمَا تُ ْغنِي اليَا تُ وَالنّ ُذرُ عَ نْ َقوْ مٍ‬ ‫قُ ْل انْظُرُوا مَاذَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)101‬‬

‫‪693‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك‪ :‬تفكروا واعتبوا با ف السموات والرض‬ ‫من آيات ال البينات‪ ,‬ولكن اليات والعب والرسل النذرة عباد ال‬ ‫عقابه‪ ,‬ل تنفع قومًا ل يؤمنون بشيء من ذلك؛ لعراضهم وعنادهم‪.‬‬ ‫َفهَ ْل َيْنتَظِرُونَ إِلّ ِمثْلَ َأيّا مِ الّذِي نَ خََلوْا مِ نْ َقبِْلهِ ْم قُلْ فَاْنتَظِرُوا ِإنّي مَ َعكُ مْ‬ ‫مِنْ الْ ُمْنتَظِرِينَ (‪)102‬‬ ‫فهل ينتظر هؤلء إل يومًا يعاينون فيه عذاب ال مثل أيام أسلفهم‬ ‫الكذبي الذين مَضَوا قبلهم؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬فانتظروا عقاب‬ ‫ال إن معكم من النتظرين عقابكم‪.‬‬ ‫ثُ ّم ُنَنجّي رُسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا كَ َذلِكَ َحقّا عََلْينَا ُنْنجِ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)103‬‬ ‫ث ننجّي رسلنا والذين آمنوا معهم‪ ,‬وكما نينا أولئك ننجّيك ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬ومن آمن بك تفضل منّا ورحة‪.‬‬ ‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ إِنْ ُكْنتُمْ فِي شَكّ مِنْ دِينِي فَل أَ ْعُبدُ الّذِينَ تَ ْعبُدُونَ مِ ْن‬ ‫دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَ ْعُبدُ اللّهَ الّذِي َيَتوَفّاكُ ْم وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‬ ‫‪694‬‬

‫‪)104‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الناس‪ :‬إن كنتم ف شك من صحة دين الذي‬ ‫دعوتكم إليه‪ ,‬وهو السلم ومن ثبات واستقامت عليه‪ ,‬وترجون تويلي‬ ‫عنه‪ ,‬فإن ل أعبد ف حال من الحوال أحدًا من الذين تعبدونم ما‬ ‫اتذت من الصنام والوثان‪ ,‬ولكن أعبد ال وحده الذي ييتكم ويقبض‬ ‫أرواحكم‪ ,‬وأُمِرْت أن أكون من الصدّقي به العاملي بشرعه‪.‬‬ ‫ك لِلدّينِ َحنِيفا وَل تَكُونَنّ مِ ْن الْ ُمشْرِكِيَ (‪)105‬‬ ‫وََأنْ أَقِ ْم وَ ْجهَ َ‬ ‫وأن أقم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نفسك على دين السلم مستقيمًا عليه غي‬ ‫مائل عنه إل يهودية ول نصرانية ول عبادة غيه‪ ,‬ول تكونن من يشرك‬ ‫ف عبادة ربه اللة والنداد‪ ,‬فتكون من الالكي‪ .‬وهذا وإن كان خطابًا‬ ‫للرسول صلى ال عليه وسلّم فإنه موجّه لعموم المة ‪.‬‬ ‫ك وَل يَضُرّ َك َفإِ نْ فَعَ ْل تَ َفِإنّ كَ إِذا مِ نْ‬ ‫ع مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا ل َينْفَعُ َ‬ ‫وَل تَدْ ُ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)106‬‬

‫‪695‬‬

‫ع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من دون ال شيئًا من الوثان والصنام; لنا‬ ‫ول تَدْ ُ‬ ‫ل تنفع ول تضرّ‪ ,‬فإن فعَلْت ذلك ودعوتا من دون ال فإنك إذًا من‬ ‫الشركي بال‪ ,‬الظالي لنفسهم بالشرك والعصية‪ .‬وهذا وإن كان‬ ‫خطابًا للرسول صلى ال عليه وسلّم فإنه موجّه لعموم المة ‪.‬‬ ‫خيْ ٍر فَل رَادّ‬ ‫ف لَ هُ إِ ّل ُهوَ وَإِ نْ يُرِدْ كَ ِب َ‬ ‫سسْكَ اللّ هُ بِضُرّ فَل كَا ِش َ‬ ‫وَإِ نْ َيمْ َ‬

‫ب ِبهِ مَنْ َيشَاءُ مِنْ ِعبَادِهِ وَ ُهوَ الْغَفُورُ الرّحِي ُم ( ‪)107‬‬ ‫لِفَضِْلهِ يُصِي ُ‬

‫وإن يصبك ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بشدة أو بلء فل كاشف لذلك إل هو‬ ‫ج ّل وعل وإن ُيرِدْك برخاء أو نع مة ل ين عه ع نك أ حد‪ ,‬ي صيب ال عز‬ ‫وجمل بالسمراء والضراء ممن يشاء ممن عباده‪ ,‬وهمو الغفور لذنوب مَن‬ ‫تاب‪ ,‬الرحيم بن آمن به وأطاعه‪.‬‬ ‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّا سُ قَدْ جَاءَكُ مْ اْلحَقّ مِ ْن َربّكُ مْ فَمَ نْ ا ْهتَدَى َفِإنّمَا َي ْهتَدِي‬ ‫سهِ وَمَنْ ضَ ّل َفِإنّمَا يَضِلّ عََلْيهَا وَمَا َأنَا عََليْكُ ْم ِبوَكِيلٍ ( ‪)108‬‬ ‫ِلنَفْ ِ‬ ‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لؤلء الناس‪ :‬قد جاء كم ر سول ال بالقرآن الذي‬ ‫فيمه بيان هدايتكمم‪ ,‬فممن اهتدى بدي ال فإنام ثرة عمله راجعمة إليمه‪,‬‬ ‫وممن انرف عمن القم وأصمرّ على الضلل فإنام ضلله وضرره على‬ ‫‪696‬‬

‫نف سه‪ ,‬و ما أ نا موكّ ل ب كم ح ت تكونوا مؤمن ي‪ ,‬إن ا أ نا ر سول مبلّغ‬ ‫أبلّغكم ما ُأرْسِلْت به‪.‬‬ ‫صبِرْ َحتّ ى َيحْكُ َم اللّ هُ وَ ُهوَ َخيْ ُر الْحَاكِمِيَ (‬ ‫وَاّتبِ عْ مَا يُوحَى ِإَليْ كَ وَا ْ‬ ‫‪)109‬‬ ‫وات بع ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬و حي ال الذي يوح يه إل يك فاع مل به‪ ,‬وا صب‬ ‫على طاعمة ال تعال‪ ،‬وعمن معصميته‪ ،‬وعلى أذى ممن آذاك فم تبليمغ‬ ‫رسمالته‪ ,‬حتم يقضمي ال فيهمم وفيمك أمره‪ ,‬وهمو ‪-‬عزّ وجمل‪ -‬خيم‬ ‫الاكمي; فإن حكمه مشتمل على العدل التام‪.‬‬

‫‪ -11‬سورة هود‬ ‫ت مِنْ لَ ُدنْ َحكِيمٍ َخبِيٍ (‪)1‬‬ ‫ت آيَاتُهُ ُثمّ فُصّلَ ْ‬ ‫الر ِكتَابٌ أُحْ ِكمَ ْ‬ ‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫هذا الكتاب الذي أنزله ال على مممد صملى ال عليمه وسملم أُحكممت‬ ‫‪697‬‬

‫آياته من اللل والباطل‪ ,‬ث ُبيّنت بالمر والنهي وبيان اللل والرام من‬ ‫عند ال‪ ,‬الكيم بتدبي المور‪ ,‬البي با تؤول إليه عواقبها‪.‬‬ ‫أَلّ تَ ْعبُدُوا إِلّ الّلهَ ِإّننِي لَكُمْ ِمْنهُ َنذِيرٌ َوَبشِيٌ (‪)2‬‬ ‫وإنزال القرآن وبيان أحكا مه وتف صيلها وإحكام ها; ل جل أن ل تعبدوا‬ ‫إل ال وحده ل شر يك له‪ .‬إن ن ل كم ‪-‬أي ها الناس‪ -‬من ع ند ال نذ ير‬ ‫ينذركم عقابه‪ ,‬وبشي يبشّركم بثوابه‪.‬‬ ‫وَأَنْ ا ْستَغْفِرُوا َربّكُمْ ثُمّ تُوبُوا ِإَليْهِ ُي َمتّعْكُمْ َمتَاعا حَسَنا ِإلَى أَجَلٍ مُسَمّى‬ ‫ت كُلّ ذِي فَضْ ٍل فَضْلَ ُه وَإِ نْ َت َوّلوْا َفِإنّ ي أَخَا فُ عََلْيكُ ْم عَذَا بَ َيوْ مٍ‬ ‫َوُيؤْ ِ‬ ‫َكبِيٍ (‪)3‬‬ ‫واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬ث ارجعوا إليه نادمي يتعْكم ف دنياكم‬ ‫ط كل ذي‬ ‫متاعًا ح سنًا بالياة الطي بة في ها‪ ,‬إل أن ي ي أجل كم‪ ,‬ويُع ِ‬ ‫فضل من علم وعمل جزاء فضله كامل ل نقص فيه‪ ,‬وإن تعرضوا عمّا‬ ‫أدعو كم إل يه فإ ن أخ شى علي كم عذاب يوم شد يد‪ ,‬و هو يوم القيا مة‪.‬‬ ‫وهذا تديد شديد لن تولّى عن أوامر ال تعال وكذّب رسله‪.‬‬ ‫‪698‬‬

‫ِإلَى الّلهِ مَرْ ِجعُكُ ْم وَ ُهوَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ قَدِي ٌر (‪)4‬‬ ‫إل ال رجوعكم بعد موتكم جيعًا فاحذروا عقابه‪ ,‬وهو سبحانه قادر‬ ‫على بعثكم وحشركم وجزائكم‪.‬‬ ‫ستَ ْغشُونَ ِثيَاَبهُ مْ يَ ْعلَ مُ‬ ‫أَل ِإّنهُ مْ َيْثنُو نَ صُدُورَهُمْ ِليَ سَْتخْفُوا ِمنْ هُ أَل ِحيَ يَ ْ‬

‫ت الصّدُورِ (‪)5‬‬ ‫مَا ُيسِرّونَ وَمَا يُعِْلنُونَ ِإّنهُ عَلِيمٌ بِذَا ِ‬

‫إن هؤلء الشرك ي يضمرون ف صدورهم الك فر; ظنًا من هم أ نه ي فى‬ ‫على ال ما تضمره نفو سهم‪ ,‬أل يعلمون ح ي يغطّون أج سادهم بثياب م‬ ‫أن ال ل يفى عليه سِرّهم وعلنيتهم؟ إنه عليم بكل ما تُ ِكنّه صدورهم‬ ‫من النيات والضمائر والسرائر‪.‬‬

‫‪699‬‬

‫الزء الثان عشر ‪:‬‬ ‫سَتوْدَ َعهَا‬ ‫ستَقَرّهَا وَ ُم ْ‬ ‫وَمَا مِنْ دَاّبةٍ فِي ا َلرْضِ إِلّ عَلَى الّلهِ رِزُْقهَا َويَعْلَ ُم ُم ْ‬ ‫كُلّ فِي ِكتَابٍ ُمِبيٍ (‪)6‬‬ ‫لقد تكفّل ال برزق جيع ما دبّ على وجه الرض‪ ,‬تفضل منه‪ ,‬ويعلم‬ ‫مكان استقراره ف حياته وبعد موته‪ ,‬ويعلم الوضع الذي يوت فيه‪ ,‬كل‬ ‫ذلك مكتوب ف كتاب عند ال مبي عن جيع ذلك‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَ َق السّ َموَاتِ وَا َلرْضَ فِي ِسّتةِ َأيّامٍ وَكَانَ عَرْ ُش ُه عَلَى‬ ‫ل وََلئِنْ ُقلْتَ ِإنّكُ ْم َمبْعُوثُونَ مِ ْن بَعْدِ‬ ‫الْمَاءِ ِلَيبُْلوَكُمْ َأيّكُمْ أَ ْحسَنُ َعمَ ً‬ ‫الْ َموْتِ َليَقُولَنّ الّذِينَ كَ َفرُوا َليَقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِإنْ َهذَا إِلّ ِسحْ ٌر ُمِبيٌ (‬ ‫‪)7‬‬ ‫وهو الذي خلق السموات والرض وما فيهن ف ستة أيام‪ ,‬وكان عرشه‬ ‫على الاء قبل ذلك; ليختبكم أيكم أحسن له طاعةً وعمل وهو ما كان‬ ‫‪700‬‬

‫خالصًا ل موافقًا لا كان عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ولئن‬ ‫قلت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي من قومك‪ :‬إنكم مبعوثون أحياءً‬ ‫بعد موتكم‪ ,‬لسارعوا إل التكذيب وقالوا‪ :‬ما هذا القرآن الذي تتلوه‬ ‫علينا إل سحر بيّن‪.‬‬ ‫سهُ أَل َيوْمَ‬ ‫حبِ ُ‬ ‫َوَلئِنْ َأخّ ْرنَا َعْنهُ ْم الْعَذَابَ ِإلَى أُ ّمةٍ مَ ْعدُودَةٍ َليَقُولُنّ مَا َي ْ‬

‫ستَهْ ِزئُون (‪)8‬‬ ‫يَ ْأتِيهِمْ َلْيسَ مَصْرُوفا َعْنهُمْ َوحَاقَ ِبهِ ْم مَا كَانُوا ِب ِه َي ْ‬

‫ولئن أخّرنا عن هؤلء الشركي العذاب إل أجل معلوم فاستبطؤوه‪,‬‬ ‫ليقولُنّ استهزاء وتكذيبًا‪ :‬أي شيء ينع هذا العذاب من الوقوع إن كان‬ ‫حقًا؟ أل يوم يأتيهم ذلك العذاب ل يستطيع أن يصرفه عنهم صارف‪,‬‬ ‫ول يدفعه دافع‪ ,‬وأحاط بم من كل جانب عذاب ما كانوا يستهزئون‬ ‫به قبل وقوعه بم‪.‬‬ ‫َوَلئِنْ أَ َذ ْقنَا الِنسَانَ ِمنّا رَحْ َم ًة ثُمّ َنزَ ْعنَاهَا ِمْنهُ ِإّنهُ َلَيئُوسٌ كَفُورٌ (‪)9‬‬ ‫ولئن أعطينا النسان ِمنّا نعمة من صحة وأمن وغيها‪ ,‬ث سلبناها منه‪,‬‬ ‫إنه لَشديد اليأس من رحة ال‪ ,‬جَحود بالنعم الت أنعم ال با عليه‪.‬‬ ‫‪701‬‬

‫سّيئَاتُ َعنّي ِإّنهُ لَفَ ِرحٌ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫سْتهُ َليَقُولَنّ ذَهَ َ‬ ‫َوَلئِنْ أَ َذ ْقنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْ َد ضَرّاءَ َم ّ‬

‫َفخُورٌ (‪)10‬‬

‫ولئن بسطنا للنسان ف دنياه ووسّعنا عليه ف رزقه بعد ضيق من العيش‪,‬‬ ‫ليقولَنّ عند ذلك‪ :‬ذهب الضيق عن وزالت الشدائد‪ ,‬إنه لبَطِر بالنعم‪,‬‬ ‫مبالغ ف الفخر والتعال على الناس‪.‬‬ ‫ك لَهُ ْم مَغْفِرٌَة وَأَ ْجرٌ َكبِيٌ (‬ ‫صبَرُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَاتِ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫إِلّ الّذِينَ َ‬ ‫‪)11‬‬ ‫لكن الذين صبوا على ما أصابم من الضراء إيانًا بال واحتسابًا للجر‬ ‫عنده‪ ,‬وعملوا الصالات شكرا ل على نعمه‪ ,‬هؤلء لم مغفرة لذنوبم‬ ‫وأجر كبي ف الخرة‪.‬‬ ‫ض مَا يُوحَى ِإَليْكَ َوضَائِقٌ ِبهِ صَ ْدرُكَ َأنْ يَقُولُوا لَوْل أُنزِلَ‬ ‫فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْ َ‬ ‫ت نَذِي ٌر وَالّلهُ َعلَى كُلّ شَ ْيءٍ وَكِيلٌ (‬ ‫عََلْيهِ كَنٌ َأوْ جَاءَ َم َعهُ مَلَكٌ ِإنّمَا َأنْ َ‬ ‫‪)12‬‬ ‫‪702‬‬

‫فلعلك ‪-‬أيها الرسول لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب‪ -‬تارك‬ ‫بعض ما يوحى إليك ما أنزله ال عليك وأمرك بتبليغه‪ ,‬وضائق به‬ ‫صدرك; خشية أن يطلبوا منك بعض الطالب على وجه التعنت‪ ,‬كأن‬ ‫يقولوا‪ :‬لول أُنزل عليه مال كثي‪ ,‬أو جاء معه ملك يصدقه ف رسالته‪,‬‬ ‫فبلغهم ما أوحيته إليك; فإنه ليس عليك إل النذار با أُوحي إليك‪ .‬وال‬ ‫على كل شيء حفيظ ي َدبّر جيع شؤون خلقه‪.‬‬ ‫ت وَادْعُوا مَنْ ا ْستَطَ ْعتُمْ‬ ‫أَمْ يَقُولُونَ ا ْفَترَاهُ قُلْ فَ ْأتُوا بِ َعشْرِ ُسوَرٍ ِمثِْلهِ مُ ْفتَ َريَا ٍ‬

‫مِنْ دُونِ الّلهِ ِإنْ كُنُتمْ صَادِِقيَ (‪)13‬‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون من أهل "مكة"‪ :‬إن ممدًا قد افترى هذا‬ ‫القرآن؟ قل لم‪ :‬إن كان المر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله‬ ‫مفتريات‪ ,‬وادعوا من استطعتم من جيع خلق ال ليساعدوكم على‬ ‫التيان بذه السور العشر‪ ,‬إن كنتم صادقي ف دعواكم‪.‬‬ ‫ستَجِيبُوا لَ ُكمْ فَاعْلَمُوا َأنّمَا أُنزِلَ بِعِ ْلمِ الّلهِ وََأنْ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو َفهَلْ‬ ‫َفِإلّ ْم َي ْ‬ ‫َأْنتُ ْم ُمسْلِمُونَ ( ‪)14‬‬

‫‪703‬‬

‫فإن ل يستجب هؤلء الشركون لكم ‪-‬أيها الرسول ومَن آمن معك‪-‬‬ ‫لا تدعونم إليه; لِ َعجْز الميع عن ذلك‪ ,‬فاعلموا أن هذا القرآن إنا أنزله‬ ‫ال على رسوله بعلمه وليس من قول البشر‪ ,‬واعلموا أن ل إله يُعبد بق‬ ‫إل ال‪ ,‬فهل أنتم ‪-‬بعد قيام هذه الجة عليكم‪ -‬مسلمون منقادون ل‬ ‫ورسوله؟‬ ‫حيَاةَ ال ّدْنيَا َوزِيَنتَهَا ُنوَفّ ِإَليْهِمْ أَعْمَاَلهُمْ فِيهَا وَهُ ْم فِيهَا‬ ‫مَ ْن كَانَ ُيرِيدُ اْل َ‬ ‫خسُونَ (‪)15‬‬ ‫ل ُيْب َ‬ ‫من كان يريد بعمله الياة الدنيا و ُمتَعها نعطهم ما ُقسِم لم من ثواب‬ ‫أعمالم ف الياة الدنيا كامل غي منقوص‪.‬‬ ‫صنَعُوا فِيهَا َوبَاطِلٌ‬ ‫ك الّذِينَ َليْسَ َلهُ ْم فِي الخِرَةِ إِلّ النّارُ َو َحبِطَ مَا َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)16‬‬ ‫أولئك ليس لم ف الخرة إل نار جهنم يقاسون حرّها‪ ,‬وذهب عنهم‬ ‫نَفْع ما عملوه‪ ,‬وكان عملهم باطل لنه ل يكن لوجه ال‪.‬‬

‫‪704‬‬

‫أَفَمَنْ كَانَ عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َرّبهِ َوَيتْلُوهُ شَاهِدٌ ِمْنهُ وَمِنْ َقبِْلهِ ِكتَابُ مُوسَى‬ ‫ب فَالنّارُ َموْعِدُهُ‬ ‫إِمَاما َورَ ْح َمةً ُأ ْوَلئِكَ ُيؤْ ِمنُونَ ِبهِ وَمَنْ يَكْ ُفرْ ِبهِ مِ ْن الَحْزَا ِ‬ ‫ك وَلَكِنّ أَ ْكثَرَ النّاسِ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‬ ‫فَل تَكُنْ فِي ِم ْرَيةٍ ِمْنهُ ِإّنهُ اْلحَقّ مِنْ َربّ َ‬ ‫‪)17‬‬ ‫أفمَن كان على حجة وبصية من ربه فيما يؤمن به‪ ,‬ويدعو إليه بالوحي‬ ‫الذي أنزل ال فيه هذه البينة‪ ,‬ويتلوها برهان آخر شاهد منه‪ ,‬وهو‬ ‫جبيل أو ممد عليهما السلم‪ ,‬ويؤيد ذلك برهان ثالث من قبل القرآن‪,‬‬ ‫وهو التوراة ‪-‬الكتاب الذي أنزل على موسى إمامًا ورحة لن آمن به‪,-‬‬ ‫كمن كان هه الياة الفانية بزينتها؟ أولئك يصدّقون بذا القرآن‬ ‫ويعملون بأحكامه‪ ,‬ومن يكفر بذا القرآن من الذين تزّبوا على رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم فجزاؤه النار‪ ,‬يَرِدُها ل مالة‪ ,‬فل تك ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬ف شك من أمر القرآن وكونه من عند ال تعال بعد ما‬ ‫شهدت بذلك الدلة والجج‪ ,‬واعلم أن هذا الدين هو الق من ربك‪,‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يصدّقون ول يعملون با أُمروا به‪ .‬وهذا توجيه عام‬ ‫لمة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وَمَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ ا ْفتَرَى عَلَى الّلهِ كَذِبا ُأ ْوَلئِكَ يُعْ َرضُونَ عَلَى َرّبهِ ْم‬ ‫َويَقُولُ الَ ْشهَادُ َهؤُلءِ الّذِينَ كَ َذبُوا عَلَى َرّبهِمْ أَل لَ ْعنَةُ الّلهِ عَلَى الظّالِ ِميَ‬ ‫‪705‬‬

‫(‪)18‬‬ ‫ول أحد أظلم من اختلق على ال كذبًا‪ ,‬أولئك سيعرضون على ربم‬ ‫يوم القيامة; ليحاسبهم على أعمالم‪ ,‬ويقول الشهاد من اللئكة‬ ‫والنبيي وغيهم‪ :‬هؤلء الذين كذبوا على ربم ف الدنيا قد سخط ال‬ ‫عليهم‪ ,‬ولعنهم لعنة ل تنقطع; لن ظلمهم صار وصفًا ملزمًا لم‪.‬‬ ‫الّذِينَ يَصُدّونَ عَنْ َسبِيلِ الّلهِ َوَيبْغُونَهَا ِعوَجا وَهُ ْم بِالخِرَةِ ُهمْ كَافِرُونَ‬ ‫(‪)19‬‬ ‫هؤلء الظالون الذين ينعون الناس عن سبيل ال الوصلة إل عبادته‪,‬‬ ‫ويريدون أن تكون هذه السبيل عوجاء بوافقتها لهوائهم‪ ,‬وهم كافرون‬ ‫بالخرة ل يؤمنون ببعث ول جزاء‪.‬‬ ‫ك لَمْ يَكُونُوا مُ ْعجِزِينَ فِي ا َلرْضِ وَمَا كَانَ َلهُمْ مِنْ دُونِ الّلهِ مِنْ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫ستَطِيعُونَ السّ ْمعَ وَمَا كَانُوا‬ ‫َأ ْوِليَاءَ يُضَاعَفُ َلهُ ْم الْعَذَابُ مَا كَانُوا َي ْ‬ ‫ُيبْصِرُونَ (‪)20‬‬

‫‪706‬‬

‫أولئك الكافرون ل يكونوا ليفوتوا ال ف الدنيا هربًا‪ ,‬وما كان لم مِن‬ ‫أنصار ينعونم من عقابه‪ .‬يضاعَفُ لم العذاب ف جهنم; لنم كانوا ل‬ ‫يستطيعون أن يسمعوا القرآن ساع منتفع‪ ,‬أو يبصروا آيات ال ف هذا‬ ‫الكون إبصار مهتد; لشتغالم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمي‪.‬‬ ‫سهُ ْم َوضَلّ َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)21‬‬ ‫ك الّذِينَ َخسِرُوا أَن ُف َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك الذين خسروا أنفسهم بافترائهم على ال‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا‬ ‫يفترون من اللة الت يدّعون أنا تشفع لم‪.‬‬ ‫ل جَ َرمَ َأّنهُ ْم فِي الخِرَ ِة هُ ْم الَ ْخسَرُونَ (‪)22‬‬ ‫حقًا أنم ف الخرة أخسر الناس صفقة; لنم استبدلوا الدركات‬ ‫بالدرجات‪ ,‬فكانوا ف جهنم‪ ,‬وذلك هو السران البي‪.‬‬ ‫صحَابُ‬ ‫ت وَأَ ْخَبتُوا ِإلَى َرّبهِمْ ُأ ْوَلئِكَ َأ ْ‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬ ‫جّنةِ هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪)23‬‬ ‫الْ َ‬

‫‪707‬‬

‫إن الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا العمال الصالة‪ ,‬وخضعوا ل ف‬ ‫كل ما أُمروا به ونُهوا عنه‪ ,‬أولئك هم أهل النة‪ ,‬ل يوتون فيها‪ ,‬ول‬ ‫َيخْرجون منها أبدًا‪.‬‬ ‫سَتوِيَانِ َمثَلً أَفَل‬ ‫َمثَ ُل الْفَرِي َقيْ ِن كَالَعْمَى وَا َلصَمّ وَاْلبَصِيِ وَالسّمِيعِ هَ ْل َي ْ‬ ‫تَذَكّرُونَ (‪)24‬‬ ‫مثل فريقَي الكفر واليان كمثل العمى الذي ل يرى والصم الذي ل‬ ‫يسمع والبصي والسميع‪ :‬ففريق الكفر ل يبصر الق فيتبعه‪ ,‬ول يسمع‬ ‫داعي ال فيهتدي به‪ ,‬أما فريق اليان فقد أبصر حجج ال وسع داعي‬ ‫ال فأجابه‪ ,‬هل يستوي هذان الفريقان؟ أفل تعتبون وتتفكرون؟‬ ‫َولَقَدْ َأرْسَ ْلنَا نُوحا ِإلَى َقوْ ِمهِ ِإنّي لَكُمْ َنذِيرٌ ُمِبيٌ (‪)25‬‬ ‫ولقد أرسلنا نوحًا إل قومه فقال لم‪ :‬إن نذير لكم من عذاب ال‪ ,‬مبيّن‬ ‫لكم ما أُرسلت به إليكم من أمر ال ونيه‪.‬‬ ‫ب َيوْمٍ َألِيمٍ (‪)26‬‬ ‫َأنْ ل تَ ْعبُدُوا إِلّ الّلهَ ِإنّي َأخَافُ عََليْكُ ْم عَذَا َ‬ ‫‪708‬‬

‫آمركم أل تعبدوا إل ال‪ ,‬إن أخاف عليكم ‪-‬إن ل تفردوا ال وحده‬ ‫بالعبادة‪ -‬عذاب يوم موجع‪.‬‬ ‫َفقَالَ الْمَل الّذِينَ كَفَرُوا مِ ْن َقوْ ِمهِ مَا َنرَاكَ إِ ّل َبشَرا ِمثَْلنَا وَمَا نَرَا َك‬ ‫اّتبَعَكَ إِلّ الّذِينَ هُمْ َأرَا ِذُلنَا بَادِي الرّْأيِ وَمَا نَرَى لَكُ ْم عََلْينَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ‬ ‫نَ ُظنّكُمْ كَا ِذِبيَ (‪)27‬‬ ‫فقال رؤساء الكفر من قومه‪ :‬إنك لست َبلَك ولكنك بشر‪ ,‬فكيف‬ ‫أُوحي إليك مِن دوننا؟ وما نراك اتبعك إل الذين هم أسافلنا وإنا اتبعوك‬ ‫من غي تفكر ول رويّة‪ ,‬وما نرى لكم علينا من فضل ف رزق ول مال‬ ‫لممّا دخلتم ف دينكم هذا‪ ,‬بل نعتقد أنكم كاذبون فيما تدّعون‪.‬‬ ‫قَالَ يَا َقوْمِ َأرََأْيُتمْ ِإ ْن كُنتُ عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّي وَآتَانِي رَحْ َمةً مِنْ ِعنْدِهِ‬ ‫فَعُ ّمَيتْ عََليْ ُكمْ َأنُلْزِمُ ُكمُوهَا وََأْنتُمْ َلهَا كَارِهُونَ (‪)28‬‬ ‫قال نوح‪ :‬يا قومي أرأيتم إن كنتُ على حجة ظاهرة من رب فيما‬ ‫جئتكم به تبيّن لكم أنن على الق من عنده‪ ,‬وآتان رحة من عنده‪,‬‬ ‫وهي النبوة والرسالة فأخفاها عليكم بسبب جهلكم وغروركم‪ ,‬فهل‬ ‫‪709‬‬

‫يصح أن نُلْزمكم إياها بالكراه وأنتم جاحدون با؟ ل نفعل ذلك‪,‬‬ ‫ولكن نَكِل أمركم إل ال حت يقضي ف أمركم ما يشاء‪.‬‬ ‫َويَا َقوْ ِم ل َأسَْألُكُمْ َعَلْيهِ مَالً ِإنْ أَ ْجرِي إِلّ عَلَى الّلهِ وَمَا َأنَا بِطَارِدِ الّذِينَ‬ ‫جهَلُونَ (‪)29‬‬ ‫آ َمنُوا ِإّنهُ ْم مُلقُو َربّهِ ْم َولَ ِكنّي َأرَاكُمْ َقوْما َت ْ‬ ‫قال نوح عليه السلم لقومه‪ :‬يا قوم ل أسألكم على دعوتكم لتوحيد ال‬ ‫وإخلص العبادة له مالً تؤدونه إلّ بعد إيانكم‪ ,‬ولكن ثواب نصحي‬ ‫لكم على ال وحده‪ ,‬وليس من شأن أن أطرد الؤمني‪ ,‬فإنم ملقو ربم‬ ‫يوم القيامة‪ ,‬ولكن أراكم قومًا تهلون; إذ تأمرونن بطرد أولياء ال‬ ‫وإبعادهم عن‪.‬‬ ‫َويَا َقوْ ِم مَنْ يَنصُ ُرنِي مِنْ الّلهِ ِإنْ طَ َر ْدُتهُمْ َأفَل تَذَكّرُونَ (‪)30‬‬ ‫ويا قوم مَن ينعن من ال إن عاقبن على طردي الؤمني؟ أفل تتدبرون‬ ‫المور فتعلموا ما هو النفع لكم والصلح؟‬ ‫وَل أَقُولُ لَكُ ْم عِندِي َخزَائِنُ الّلهِ وَل أَعْلَ ُم الْ َغيْبَ وَل أَقُولُ ِإنّي مَلَكٌ‬ ‫‪710‬‬

‫وَل أَقُو ُل لِلّذِينَ تَزْ َدرِي أَ ْعُينُ ُكمْ لَنْ ُي ْؤِتَيهُمْ الّلهُ َخيْرا الّلهُ أَ ْعلَمُ ِبمَا فِي‬ ‫سهِمْ ِإنّي إِذا لَمِنْ الظّالِ ِميَ (‪)31‬‬ ‫أَن ُف ِ‬ ‫ول أقول لكم‪ :‬إن أملك التصرف ف خزائن ال‪ ,‬ول أعلم الغيب‪,‬‬ ‫ولست بَلَك من اللئكة‪ ,‬ول أقول لؤلء الذين تتقرون من ضعفاء‬ ‫الؤمني‪ :‬لن يؤتيكم ال ثوابًا على أعمالكم‪ ,‬فال وحده أعلم با ف‬ ‫صدورهم وقلوبم‪ ,‬ولئن فعلتُ ذلك إن إذًا لن الظالي لنفسهم‬ ‫ولغيهم‪.‬‬ ‫ت مِنْ‬ ‫قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَا َدْلَتنَا فَأَ ْكثَ ْرتَ جِدَاَلنَا فَ ْأِتنَا بِمَا تَعِ ُدنَا ِإنْ كُن َ‬ ‫الصّادِِقيَ (‪)32‬‬ ‫قالوا‪ :‬يا نوح قد حاججتنا فأكثرت جدالنا‪ ,‬فأتنا با تعدنا من العذاب‬ ‫إن كنت من الصادقي ف دعواك‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّمَا يَ ْأتِي ُكمْ ِبهِ الّلهُ ِإنْ شَاءَ وَمَا َأْنتُ ْم بِمُ ْعجِزِينَ (‪)33‬‬

‫‪711‬‬

‫قال نوح لقومه‪ :‬إن ال وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إذا شاء‪ ,‬ولستم‬ ‫بفائتيه إذا أراد أن يعذبكم; لنه سبحانه ل يعجزه شيء ف الرض ول‬ ‫ف السماء‪.‬‬ ‫صحِي ِإنْ َأرَ ْدتُ َأنْ أَنصَ َح لَكُمْ ِإنْ كَانَ الّلهُ ُيرِيدُ َأنْ‬ ‫وَل يَنفَ ُعكُمْ نُ ْ‬ ‫يُ ْغ ِويَكُمْ ُه َو َربّكُمْ وَِإَلْيهِ تُ ْرجَعُونَ (‪)34‬‬ ‫ول ينفعكم نصحي واجتهادي ف دعوتكم لليان‪ ,‬إن كان ال يريد أن‬ ‫يضلّكم ويهلككم‪ ,‬هو سبحانه مالككم‪ ,‬وإليه تُرجَعون ف الخرة‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫أَ ْم يَقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ قُلْ ِإنْ ا ْفَت َرْيُتهُ فَعَلَيّ ِإجْرَامِي َوَأنَا بَرِيءٌ مِمّا ُتجْرِمُونَ (‬ ‫‪)35‬‬ ‫بل أيقول هؤلء الشركون من قوم نوح‪ :‬افترى نوح هذا القول؟ قل‬ ‫لم‪ :‬إن كنتُ قد افتريتُ ذلك على ال فعليّ وحدي إث ذلك‪ ,‬وإذا‬ ‫كنتُ صادقًا فأنتم الجرمون الثون‪ ,‬وأنا بريء مِن كفركم وتكذيبكم‬ ‫وإجرامكم‪.‬‬ ‫‪712‬‬

‫وَأُوحِيَ ِإلَى نُوحٍ َأّنهُ لَنْ ُيؤْمِنَ مِنْ َقوْمِكَ إِلّ مَ ْن قَدْ آمَنَ فَل َتْبَتِئسْ ِبمَا‬

‫كَانُوا يَفْعَلُونَ (‪)36‬‬

‫وأوحى ال سبحانه وتعال إل نوح ‪-‬عليه السلم‪ -‬لممّا حق على‬ ‫قومه العذاب‪ ,‬أنه لن يؤمن بال إل مَن قد آمن مِن قبل‪ ,‬فل تزن يا‬ ‫نوح على ما كانوا يفعلون‪.‬‬ ‫صنَعْ الْفُلْكَ بِأَ ْعُيِننَا َووَ ْحِينَا وَل ُتخَا ِطْبنِي فِي الّذِي َن ظَلَمُوا ِإّنهُمْ مُغْرَقُونَ‬ ‫وَا ْ‬ ‫(‪)37‬‬ ‫واصنع السفينة برأى منّا وبأمرنا لك ومعونتنا‪ ،‬وأنت ف حفظنا‬ ‫وكلءتنا‪ ,‬ول تطلب من إمهال هؤلء الذين ظلموا أنفسهم من قومك‬ ‫بكفرهم‪ ,‬فإنم مغرقون بالطوفان‪ .‬وف الية إثبات صفة العي ل تعال‬ ‫على ما يليق به سبحانه‪.‬‬ ‫صنَ ُع الْفُ ْلكَ وَكُلّمَا مَرّ َعَلْيهِ مَلٌَأ مِنْ َقوْ ِمهِ َسخِرُوا ِمْنهُ قَالَ ِإ ْن َتسْخَرُوا‬ ‫َويَ ْ‬ ‫سخَرُونَ (‪)38‬‬ ‫سخَرُ ِمنْكُ ْم كَمَا َت ْ‬ ‫ِمنّا َفِإنّا َن ْ‬ ‫‪713‬‬

‫ويصنع نوح السفينة‪ ,‬وكلّما مر عليه جاعة من كباء قومه سخروا منه‪,‬‬ ‫قال لم نوح‪ :‬إن تسخروا منا اليوم لهلكم بصدق وعد ال‪ ,‬فإنا نسخر‬ ‫منكم غدًا عند الغرق كما تسخرون منا‪.‬‬ ‫ف تَعْلَمُونَ مَنْ يَ ْأتِيهِ َعذَابٌ ُيخْزِيهِ َوَيحِلّ عََلْيهِ َعذَابٌ مُقِيمٌ (‪)39‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫َف َ‬ ‫فسوف تعلمون إذا جاء أمر ال بذلك‪ :‬من الذي يأتيه ف الدنيا عذاب‬ ‫ال الذي يُهينه‪ ,‬وينل به ف الخرة عذاب دائم ل انقطاع له؟‬ ‫َحتّى إِذَا جَاءَ َأمْ ُرنَا وَفَارَ التّنّورُ قُ ْلنَا احْمِلْ فِيهَا مِ ْن كُلّ َزوْ َجيْنِ اْثَنيْنِ‬ ‫وَأَهْلَكَ إِ ّل مَنْ َسبَ َق عََلْيهِ الْ َقوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَ َعهُ إِلّ قَلِي ٌل (‪)40‬‬ ‫حت إذا جاء أمرنا بإهلكهم كما وَعدْنا نوحًا بذلك‪ ,‬ونبع الاء بقوة‬ ‫من التنور ‪-‬وهو الكان الذي يبز فيه‪ -‬علمة على ميء العذاب‪ ,‬قلنا‬ ‫لنوح‪ :‬احل ف السفينة من كل نوع من أنواع اليوانات ذكرًا وأنثى‪,‬‬ ‫واحل فيها أهل بيتك‪ ,‬إل مَن سبق عليهم القول من ل يؤمن بال كابنه‬ ‫وامرأته‪ ,‬واحل فيها من آمن معك من قومك‪ ,‬وما آمن معه إل قليل مع‬ ‫طول الدة والقام فيهم‪.‬‬ ‫‪714‬‬

‫وَقَالَ ارْ َكبُوا فِيهَا ِباِسْمِ الّلهِ َمجْرَاهَا وَمُ ْرسَاهَا ِإنّ َربّي لَغَفُورٌ رَحِي ٌم (‬

‫‪)41‬‬

‫وقال نوح لن آمن معه‪ :‬اركبوا ف السفينة‪ ,‬باسم ال يكون جريها على‬ ‫وجه الاء‪ ,‬وباسم ال يكون منتهى سيها ورُسوّها‪ .‬إن رب لَغفور ذنوب‬ ‫من تاب وأناب إليه من عباده‪ ,‬رحيم بم أن يعذبم بعد التوبة‪.‬‬ ‫جبَالِ َونَادَى نُوحٌ اْبنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِ ٍل يَا‬ ‫وَهِ َي َتجْرِي ِبهِ ْم فِي َم ْوجٍ كَاْل ِ‬ ‫ُبنَيّ ارْكَبْ مَ َعنَا وَل تَكُنْ َمعَ الْكَافِرِينَ (‪)42‬‬ ‫وهي تري بم ف موج يعلو ويرتفع حت يصي كالبال ف علوها‪,‬‬ ‫ونادى نوح ابنه ‪-‬وكان ف مكانٍ َعزَل فيه نفسه عن الؤمني‪ -‬فقال له‪:‬‬ ‫يا بن اركب معنا ف السفينة‪ ,‬ول تكن مع الكافرين بال فتغرق‪.‬‬ ‫قَالَ سَآوِي ِإلَى َجبَلٍ يَعْصِ ُمنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ ل عَاصِ َم اْليَوْمَ مِنْ أَ ْمرِ الّلهِ‬ ‫إِلّ مَنْ رَحِ َم وَحَالَ َبْيَنهُمَا الْ َم ْوجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْ َرِقيَ (‪)43‬‬

‫‪715‬‬

‫قال ابن نوح‪ :‬سألأ إل جبل أتصّن به من الاء‪ ,‬فيمنعن من الغرق‪,‬‬ ‫فأجابه نوح‪ :‬ل مانع اليوم من أمر ال وقضائه الذي قد نزل باللق من‬ ‫الغرق واللك إل مَن رحه ال تعال‪ ,‬فآمِنْ واركب ف السفينة معنا‪,‬‬ ‫وحال الوج الرتفع بي نوح وابنه‪ ,‬فكان من الغرقي الالكي‪.‬‬ ‫ض الْمَاءُ وَقُضِ َي الَمْرُ‬ ‫وَقِيلَ يَا َأرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ َويَاسَمَاءُ َأقْلِعِي وَغِي َ‬

‫ي وَقِيلَ بُعْدا لِلْ َقوْمِ الظّالِ ِميَ (‪)44‬‬ ‫وَا ْسَتوَتْ عَلَى الْجُودِ ّ‬

‫وقال ال للرض ‪-‬بعد هلك قوم نوح ‪ :-‬يا أرض اشرب ماءك‪ ,‬ويا‬ ‫ساء أمسكي عن الطر‪ ,‬ونقص الاء ونضب‪ ,‬وقُضي أمر ال بلك قوم‬ ‫نوح‪ ,‬ورست السفينة على جبل الوديّ‪ ,‬وقيل‪ :‬هلكًا وبعدًا للقوم‬ ‫الظالي الذين تاوزوا حدود ال‪ ,‬ول يؤمنوا به‪.‬‬ ‫َونَادَى نُوحٌ َرّبهُ فَقَالَ رَبّ ِإنّ اْبنِي مِنْ أَهْلِي َوِإنّ وَعْدَكَ اْلحَقّ وََأنْتَ‬ ‫َأحْكَ ُم اْلحَاكِ ِميَ (‪)45‬‬ ‫ونادى نوح ربه فقال‪ :‬رب إنك وعَدْتن أن تنجين وأهلي من الغرق‬ ‫واللك‪ ,‬وإن ابن هذا من أهلي‪ ,‬وإن وعدك الق الذي ل خُلْف فيه‪,‬‬ ‫وأنت أحكم الاكمي وأعدلم‪.‬‬ ‫‪716‬‬

‫قَالَ يَا نُوحُ ِإّنهُ َلْيسَ مِنْ أَهِْلكَ ِإّنهُ عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ فَل َتسْأَْلنِي مَا َليْسَ‬

‫لَكَ ِبهِ ِعلْمٌ ِإنّي أَعِظُكَ َأنْ تَكُونَ مِنْ اْلجَاهِِليَ ( ‪)46‬‬

‫قال ال‪ :‬يا نوح إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك أن‬ ‫أنيهم; وذلك بسبب كفره‪ ,‬وعمله عمل غي صال‪ ,‬وإن أناك أن‬ ‫تسألن أمرًا ل علم لك به‪ ,‬إن أعظك لئل تكون من الاهلي ف‬ ‫مسألتك إياي عن ذلك‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ ِإنّي أَعُو ُذ بِكَ َأنْ َأسَْألَكَ مَا َليْسَ لِي ِبهِ عِلْ ٌم وَإِلّ تَغْ ِفرْ لِي‬ ‫َوتَرْ َح ْمنِي أَكُ ْن مِنْ اْلخَاسِرِي َن (‪)47‬‬ ‫قال نوح‪ :‬يا رب إن أعتصم وأستجي بك أن أسألك ما ليس ل به‬ ‫علم‪ ,‬وإن ل تغفر ل ذنب‪ ,‬وترحن برحتك‪ ,‬أكن من الذين َغبَنوا‬ ‫أنفسهم حظوظها وهلكوا‪.‬‬ ‫ك وَأُمَمٌ‬ ‫قِي َل يَا نُوحُ ا ْهبِطْ ِبسَل ٍم ِمنّا َوبَرَكَاتٍ عََلْيكَ وَعَلَى أُ َممٍ مِمّ ْن مَعَ َ‬ ‫سهُمْ ِمنّا َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)48‬‬ ‫َسنُ َمتّ ُعهُ ْم ثُ ّم يَ َم ّ‬ ‫‪717‬‬

‫قال ال‪ :‬يا نوح اهبط من السفينة إل الرض بأمن وسلمة منّا وبركات‬ ‫عليك وعلى أمم من معك‪ .‬وهناك أمم وجاعات من أهل الشقاء‬ ‫سنمتعهم ف الياة الدنيا‪ ,‬إل أن يبلغوا آجالم‪ ,‬ث ينالم منا العذاب‬ ‫الوجع يوم القيامة‪.‬‬ ‫ت تَعْلَ ُمهَا َأْنتَ وَل َقوْمُكَ مِنْ‬ ‫ك مَا كُن َ‬ ‫تِ ْلكَ مِنْ َأْنبَاءِ الْ َغيْبِ نُوحِيهَا ِإَليْ َ‬

‫صبِرْ ِإنّ الْعاِقَبةَ لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)49‬‬ ‫َقبْلِ َهذَا فَا ْ‬

‫تلك القصة الت قصصناها عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن نوح وقومه هي‬ ‫من أخبار الغيب السالفة‪ ،‬نوحيها إليك‪ ,‬ما كنت تعلمها أنت ول قومك‬ ‫مِن قبل هذا البيان‪ ,‬فاصب على تكذيب قومك وإيذائهم لك‪ ,‬كما صب‬ ‫النبياء من قبل‪ ,‬إن العاقبة الطيبة ف الدنيا والخرة للمتقي الذين يشون‬ ‫ال‪.‬‬ ‫وَِإلَى عَادٍ َأخَاهُمْ هُودا قَالَ يَا َقوْمِ ا ْعبُدُوا الّلهَ مَا لَكُ ْم مِنْ ِإَلهٍ َغيْرُهُ ِإنْ‬ ‫َأْنتُمْ إِلّ مُ ْفتَرُونَ (‪)50‬‬

‫‪718‬‬

‫وأرسلنا إل عاد أخاهم هودًا‪ ،‬قال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس‬ ‫لكم من إله يستحق العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬فما‬ ‫أنتم إل كاذبون ف إشراككم بال‪.‬‬ ‫يَا َقوْمِ ل أَسَْألُكُ ْم عََلْيهِ َأجْرا ِإنْ أَجْرِي إِلّ عَلَى الّذِي فَطَ َرنِي أَفَل‬ ‫تَعْقِلُونَ (‪)51‬‬ ‫يا قوم ل أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلص العبادة ل وترك‬ ‫عبادة الوثان أجرًا‪ ,‬ما أجري على دعوت لكم إل على ال الذي‬ ‫خلقن‪ ،‬أفل تعقلون فتميّزوا بي الق والباطل؟‬ ‫َويَا َقوْمِ ا ْستَغْفِرُوا َربّكُ ْم ثُ ّم تُوبُوا ِإَلْيهِ يُ ْرسِلْ السّمَاءَ َعَليْكُ ْم مِ ْدرَارا‬ ‫َويَزِدْكُ ْم ُقوّةً ِإلَى ُق ّوتِكُ ْم وَل َتَت َولّوْا ُمجْرِ ِميَ (‪)52‬‬ ‫ويا قوم اطلبوا مغفرة ال واليان به‪ ,‬ث توبوا إليه من ذنوبكم‪ ,‬فإنكم إن‬ ‫فعلتم ذلك يرسل الطر عليكم متتابعًا كثيًا‪ ,‬فتكثر خياتكم‪ ،‬ويزدكم‬ ‫قوة إل قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النّعم عليكم‪ ,‬ول تُعرضوا عما‬ ‫دعوتكم إليه مصرّين على إجرامكم‪.‬‬ ‫‪719‬‬

‫ك وَمَا َنحْنُ‬ ‫قَالُوا يَا هُودُ مَا ِجْئَتنَا ِبَبّيَنةٍ وَمَا َنحْنُ ِبتَارِكِي آِل َهِتنَا عَنْ َقوْلِ َ‬

‫لَكَ بِ ُمؤْ ِمِنيَ ( ‪)53‬‬

‫قالوا‪ :‬يا هود ما جئتنا بجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه‪ ,‬وما نن‬ ‫بتاركي آلتنا الت نعبدها من أجل قولك‪ ,‬وما نن بصدّقي لك فيما‬ ‫تدّعيه‪.‬‬ ‫ِإنْ نَقُولُ إِلّ ا ْعتَرَا َك بَعْضُ آِل َهِتنَا ِبسُوءٍ قَالَ ِإنّي أُ ْشهِ ُد الّلهَ وَا ْشهَدُوا َأنّي‬ ‫بَرِي ٌء مِمّا ُتشْرِكُونَ (‪ )54‬مِنْ دُوِنهِ فَكِيدُونِي جَمِيعا ثُ ّم ل ُتنْظِرُونِ (‬ ‫‪)55‬‬ ‫ما نقول إل أن بعض آلتنا أصابك بنون بسبب نيك عن عبادتا‪ .‬قال‬ ‫لم‪ :‬إن أُشهد ال على ما أقول‪ ,‬وأُشهدكم على أنن بريء ما‬ ‫تشركون‪ ,‬مِن دون ال من النداد والصنام‪ ,‬فانظروا واجتهدوا أنتم‬ ‫ومَن زعمتم من آلتكم ف إلاق الضرر ب‪ ,‬ث ل تؤخروا ذلك طرفة‬ ‫عي؛ ذلك أن هودًا واثق كل الوثوق أنه ل يصيبه منهم ول من آلتهم‬ ‫أذى‪.‬‬

‫‪720‬‬

‫صَيِتهَا ِإنّ‬ ‫ت عَلَى الّلهِ َربّي َورَبّكُ ْم مَا مِنْ دَاّبةٍ إِ ّل ُهوَ آ ِخذٌ ِبنَا ِ‬ ‫ِإنّي َتوَكّلْ ُ‬ ‫ستَقِي ٍم (‪)56‬‬ ‫َربّي عَلَى صِرَاطٍ ُم ْ‬ ‫إن توكلت على ال رب وربكم مالك كل شيء والتصرف فيه‪ ,‬فل‬ ‫يصيبن شيء إل بأمره‪ ,‬وهو القادر على كل شيء‪ ,‬فليس من شيء‬ ‫يدِبّ على هذه الرض إل وال مالكه‪ ,‬وهو ف سلطانه وتصرفه‪ .‬إن رب‬ ‫على صراط مستقيم‪ ,‬أي عدل ف قضائه وشرعه وأمره‪ .‬يازي الحسن‬ ‫بإحسانه والسيء بإساءته‪.‬‬ ‫ستَخْلِفُ َربّي َقوْما‬ ‫ت ِبهِ ِإَليْكُ ْم َوَي ْ‬ ‫َفِإنْ َت َوّلوْا فَقَدْ َأبْلَ ْغتُ ُكمْ مَا ُأرْسِلْ ُ‬ ‫ظ (‪)57‬‬ ‫َغيْرَكُ ْم وَل تَضُرّوَنهُ َشيْئا ِإنّ َربّي عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ حَفِي ٌ‬ ‫فإن تُعرضوا عما أدعوكم إليه من توحيد ال وإخلص العبادة له فقد‬ ‫أبلغتكم رسالة رب إليكم‪ ,‬وقامت عليكم الجة‪ ,‬وحيث ل تؤمنوا بال‬ ‫فسيهلككم ويأت بقوم آخرين يلفونكم ف دياركم وأموالكم‪,‬‬ ‫ويلصون ل العبادة‪ ,‬ول تضرونه شيئًا‪ ,‬إن رب على كل شيء حفيظ‪,‬‬ ‫فهو الذي يفظن من أن تنالون بسوء‪.‬‬ ‫جْينَاهُ ْم مِنْ‬ ‫جْينَا هُودا وَالّذِينَ آ َمنُوا َم َعهُ بِ َرحْ َمةٍ ِمنّا َوَن ّ‬ ‫َولَمّا جَاءَ أَمْ ُرنَا َن ّ‬ ‫‪721‬‬

‫ظ (‪)58‬‬ ‫ب غَلِي ٍ‬ ‫عَذَا ٍ‬ ‫ولا جاء أمرنا بعذاب قوم هود نّينا منه هودًا والؤمني بفضل منّا عليهم‬ ‫ورحة‪ ,‬ونّيناهم من عذاب شديد أحله ال بعادٍ فأصبحوا ل يُرى إل‬ ‫مساكنُهم‪.‬‬ ‫صوْا رُ ُسَلهُ وَاّتبَعُوا أَمْرَ كُلّ َجبّارٍ‬ ‫ك عَادٌ َجحَدُوا بِآيَاتِ َرّبهِ ْم وَعَ َ‬ ‫َوتِلْ َ‬ ‫َعنِيدٍ (‪)59‬‬ ‫وتلك عاد كفروا بآيات ال وعصَوا رسله‪ ,‬وأطاعوا أمر كل مستكب‬ ‫على ال ل يقبل الق ول يُذْعن له‪.‬‬ ‫وَُأْتبِعُوا فِي هَذِ ِه ال ّدْنيَا لَ ْعنَةً َوَيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ أَل ِإنّ عَادا كَ َفرُوا َرّبهُمْ أَل‬

‫بُعْدا لِعَادٍ َقوْمِ هُودٍ (‪)60‬‬

‫وأُتبعوا ف هذه الدنيا لعنة من ال وسخطًا منه يوم القيامة‪ .‬أل إن عادًا‬ ‫جحدوا ربم وكذّبوا رسله‪ .‬أل بُعْدًا وهلكًا لعاد قوم هود; بسبب‬ ‫شركهم وكفرهم نعمة ربم‪.‬‬

‫‪722‬‬

‫وَِإلَى ثَمُودَ أَخَاهُ ْم صَالِحا قَالَ يَا َقوْمِ ا ْعبُدُوا الّلهَ مَا لَكُ ْم مِنْ ِإَلهٍ َغيْرُهُ‬ ‫ُهوَ أَنشَأَكُ ْم مِنْ ا َلرْضِ وَا ْستَعْ َمرَكُمْ فِيهَا فَا ْستَغْفِرُو ُه ثُمّ تُوبُوا ِإَلْيهِ ِإنّ‬ ‫ب (‪)61‬‬ ‫َربّي َقرِيبٌ ُمجِي ٌ‬ ‫وأرسلنا إل ثود أخاهم صالًا‪ ,‬فقال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده ليس‬ ‫لكم من إله يستحق العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬هو‬ ‫الذي بدأ خَلْقكم من الرض بلق أبيكم آدم منها‪ ,‬وجعلكم ُعمّارا لا‪,‬‬ ‫فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬وارجعوا إليه بالتوبة النصوح‪ .‬إن رب‬ ‫قريب لن أخلص له العبادة‪ ,‬ورغب إليه ف التوبة‪ ,‬ميب له إذا دعاه‪.‬‬ ‫ت فِينَا مَ ْر ُجوّا َقبْلَ هَذَا َأَتْنهَانَا َأ ْن نَ ْعبُدَ مَا يَ ْعبُدُ‬ ‫قَالُوا يَا صَالِ ُح َقدْ كُن َ‬

‫آبَا ُؤنَا وَِإّننَا لَفِي َشكّ مِمّا تَدْعُونَا ِإَلْيهِ مُرِيبٍ (‪)62‬‬

‫قالت ثود لنبيّهم صال‪ :‬لقد كنا نرجو أن تكون فينا سيدًا مطاعًا قبل‬ ‫هذا القول الذي قلته لنا‪ ,‬أتنهانا أن نعبد اللة الت كان يعبدها آباؤنا؟‬ ‫وإننا لفي شكّ مريب مِن دعوتك لنا إل عبادة ال وحده‪.‬‬ ‫ت عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّي وَآتَانِي ِمْن ُه رَحْ َمةً َفمَنْ‬ ‫قَالَ يَا َقوْمِ َأرََأْيتُمْ ِإنْ كُن ُ‬ ‫خسِيٍ (‪)63‬‬ ‫صْيُتهُ َفمَا تَزِيدُوَننِي َغيْرَ َت ْ‬ ‫يَنصُ ُرنِي مِنْ الّلهِ ِإنْ عَ َ‬ ‫‪723‬‬

‫قال صال لقومه‪ :‬يا قوم أخبون إن كنت على برهان من ال وآتان منه‬ ‫النبوة والكمة‪ ,‬فمن الذي يدفع عن عقاب ال تعال إن عصيته فلم أبلّغ‬ ‫الرسالة وأنصحْ لكم؟ فما تزيدونن غي تضليل وإبعاد عن الي‪.‬‬ ‫َويَا َقوْ ِم هَذِهِ نَاَقةُ الّلهِ لَكُ ْم آَيةً َف َذرُوهَا تَأْكُلْ فِي َأرْضِ الّلهِ وَل تَ َمسّوهَا‬ ‫ب (‪)64‬‬ ‫ِبسُوءٍ َفيَأْخُذَ ُكمْ عَذَابٌ َقرِي ٌ‬ ‫ويا قوم هذه ناقة ال جعلها لكم حجة وعلمة تدلّ على صدقي فيما‬ ‫أدعوكم إليه‪ ,‬فاتركوها تأكل ف أرض ال فليس عليكم رزقها‪ ,‬ول‬ ‫تسّوها بعَقْر‪ ,‬فإنكم إن فعلتم ذلك يأخذكم من ال عذاب قريب من‬ ‫عَقْرها‪.‬‬ ‫ك وَعْدٌ َغيْ ُر مَكْذُوبٍ (‬ ‫َفعَقَرُوهَا فَقَالَ تَ َمتّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَثةَ َأيّامٍ َذلِ َ‬ ‫‪)65‬‬ ‫فكذّبوه ونروا الناقة‪ ,‬فقال لم صال‪ :‬استمتعوا بياتكم ف بلدكم ثلثة‬ ‫أيام‪ ,‬فإن العذاب نازل بكم بعدها‪ ,‬وذلك وَعْدٌ من ال غي مكذوب‪ ,‬ل‬ ‫بد من وقوعه‪.‬‬ ‫‪724‬‬

‫جْينَا صَالِحا وَالّذِينَ آ َمنُوا مَ َعهُ ِبرَ ْح َمةٍ ِمنّا وَمِنْ خِزْيِ‬ ‫َفلَمّا جَاءَ أَمْ ُرنَا َن ّ‬

‫َيوْ ِمئِذٍ ِإنّ َربّكَ ُهوَ الْ َقوِيّ الْعَزِي ُز (‪)66‬‬

‫فلما جاء أمرنا بلك ثود نينا صالًا والذين آمنوا معه من اللك برحة‬ ‫منا‪ ,‬ونيناهم من هوان ذلك اليوم وذلّته‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو‬ ‫القوي العزيز‪ ,‬ومِن قوته وعزته أن أهلك المم الطاغية‪ ,‬ونّى الرسل‬ ‫وأتباعهم‪.‬‬ ‫صَبحُوا فِي ِديَارِهِمْ جَاثِ ِميَ (‪)67‬‬ ‫حةُ فََأ ْ‬ ‫صْي َ‬ ‫وََأخَ َذ الّذِي َن ظَلَمُوا ال ّ‬ ‫وأخذت الصيحة القوية ثود الظالي‪ ,‬فأصبحوا ف ديارهم موتى هامدين‬ ‫ساقطي على وجوههم ل ِحرَاك لم‪.‬‬ ‫كََأنْ لَمْ يَ ْغَنوْا فِيهَا أَل ِإنّ َثمُودَ كَ َفرُوا َربّهُمْ أَل بُعْدا ِلثَمُو َد (‪)68‬‬ ‫كأنم ف سرعة زوالم وفنائهم ل يعيشوا فيها‪ .‬أل إن ثود جحدوا‬ ‫بآيات ربم وحججه‪ .‬أل بُعْدًا لثمود وطردًا لم من رحة ال‪ ,‬فما‬ ‫أشقاهم وأذلّهم!!‬ ‫‪725‬‬

‫َولَقَدْ جَاءَتْ رُ ُسُلنَا ِإبْرَاهِي َم بِاْلُبشْرَى قَالُوا سَلما قَالَ سَلمٌ َفمَا َلبِثَ َأنْ‬

‫جَاءَ بِ ِعجْلٍ َحنِيذٍ (‪)69‬‬

‫ولقد جاءت اللئكة إبراهيم يبشرونه هو وزوجته بإسحاق‪ ,‬ويعقوبَ‬ ‫بعده‪ ,‬فقالوا‪ :‬سلمًا‪ ,‬قال ردّا على تيتهم‪ :‬سلم‪ ,‬فذهب سريعًا‬ ‫وجاءهم بعجل سي مشويّ ليأكلوا منه‪.‬‬ ‫فَلَمّا رَأَى َأيْ ِدَيهُ ْم ل تَصِلُ ِإَليْهِ نَ ِكرَهُ ْم وََأوْ َجسَ ِمْنهُمْ خِي َفةً قَالُوا ل َتخَفْ‬ ‫ِإنّا ُأ ْرسِ ْلنَا ِإلَى َقوْمِ لُوطٍ (‪)70‬‬ ‫فلما رأى إبراهيم أيديهم ل تَصِل إل العجل الذي أتاهم به ول يأكلون‬ ‫منه‪ ,‬أنكر ذلك منهم‪ ,‬وأحس ف نفسه خيفة وأضمرها‪ ,‬قالت اللئكة‬ ‫لا رأت ما بإبراهيم من الوف‪ :-‬ل َتخَفْ إنا ملئكة ربك أُرسلنا إل‬‫قوم لوط لهلكهم‪.‬‬ ‫ب(‬ ‫ت َفَبشّ ْرنَاهَا ِبإِ ْسحَقَ وَمِنْ َورَاءِ إِ ْسحَقَ يَعْقُو َ‬ ‫ضحِكَ ْ‬ ‫وَامْرََأُت ُه قَائِ َمةٌ فَ َ‬ ‫‪)71‬‬ ‫‪726‬‬

‫وامرأة إبراهيم ‪-‬سارة‪ -‬كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلم‪,‬‬ ‫فضحكت تعجبًا ما سعت‪ ,‬فبشرناها على ألسنة اللئكة بأنا ستلد مِن‬ ‫زوجها إبراهيم ولدًا يسمى إسحاق‪ ,‬وسيعيش ولدها‪ ,‬وسيكون لا بعد‬ ‫إسحاق حفيد منه‪ ,‬وهو يعقوب‪.‬‬ ‫ت يَا َويَْلتَا أََألِ ُد وََأنَا َعجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي َشيْخا ِإنّ َهذَا َلشَ ْيءٌ َعجِيبٌ (‬ ‫قَالَ ْ‬

‫‪)72‬‬

‫قالت سارة لا ُبشّرت بإسحاق متعجبة‪ :‬يا ويلتا كيف يكون ل ولد‬ ‫وأنا عجوز‪ ,‬وهذا زوجي ف حال الشيخوخة والكب؟ إن إناب الولد‬ ‫مِن مثلي ومثل زوجي مع كب السن لَشيء عجيب‪.‬‬ ‫جِبيَ مِنْ َأمْرِ الّلهِ رَ ْح َمةُ الّلهِ َوبَرَكَاتُهُ عََلْيكُمْ أَهْلَ اْلَبيْتِ ِإّنهُ‬ ‫قَالُوا َأتَ ْع َ‬ ‫َحمِيدٌ َمجِي ٌد (‪)73‬‬ ‫قالت الرسل لا‪ :‬أتعجبي من أمر ال وقضائه؟ رحة ال وبركاته عليكم‬ ‫معشر أهل بيت النبوة‪ .‬إنه سبحانه وتعال حيد الصفات والفعال‪ ,‬ذو‬ ‫َمجْد وعظمة فيها‪.‬‬ ‫‪727‬‬

‫َفلَمّا ذَ َهبَ عَنْ ِإبْرَاهِيمَ ال ّروْعُ وَجَا َءْتهُ اْلبُشْرَى ُيجَا ِدلُنَا فِي َقوْ ِم لُوطٍ (‬

‫‪)74‬‬

‫فلما ذهب عن إبراهيم الوف الذي انتابه لعدم أكل الضيوف الطعام‪,‬‬ ‫وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب‪ ,‬ظلّ يادل رسلنا فيما أرسلناهم به‬ ‫من عقاب قوم لوط وإهلكهم‪.‬‬ ‫ب (‪)75‬‬ ‫ِإنّ ِإبْرَاهِي َم لَحَلِيمٌ َأوّاهٌ ُمنِي ٌ‬ ‫إن إبراهيم كثي اللم ل يب العاجلة بالعقاب‪ ,‬كثي التضرع إل ال‬ ‫والدعاء له‪ ,‬تائب يرجع إل ال ف أموره كلها‪.‬‬ ‫ب َغيْرُ‬ ‫ض عَنْ هَذَا ِإّنهُ َقدْ جَاءَ أَمْ ُر َربّكَ وَِإّنهُ ْم آتِيهِ ْم عَذَا ٌ‬ ‫يَا ِإبْرَاهِيمُ أَعْرِ ْ‬ ‫مَرْدُودٍ (‪)76‬‬ ‫قالت رسل ال‪ :‬يا إبراهيم أعرض عن هذا الدال ف أمر قوم لوط‬ ‫والتماس الرحة لم; فإنه قد حق عليهم العذاب‪ ,‬وجاء أمر ربك الذي‬

‫‪728‬‬

‫قدّره عليهم بلكهم‪ ,‬وإنم نازل بم عذاب من ال غي مصروف عنهم‬ ‫ول مدفوع‪.‬‬ ‫ت رُسُُلنَا لُوطا سِي َء ِبهِمْ َوضَاقَ ِبهِمْ َذرْعا وَقَالَ َهذَا َيوْمٌ‬ ‫َولَمّا جَاءَ ْ‬ ‫ب (‪)77‬‬ ‫عَصِي ٌ‬ ‫ولا جاءت ملئكتنا لوطًا ساءه ميئهم واغتمّ لذلك; وذلك لنه ل يكن‬ ‫يعلم أنم رسل ال‪ ,‬فخاف عليهم من قومه‪ ,‬وقال‪ :‬هذا يوم بلء وشدة‪.‬‬ ‫ت قَالَ يَا َقوْمِ‬ ‫سيّئَا ِ‬ ‫وَجَاءَهُ َقوْ ُمهُ ُيهْرَعُونَ ِإَلْيهِ وَمِنْ َقبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ ال ّ‬ ‫ضيْفِي َأَلْيسَ‬ ‫َهؤُلءِ َبنَاتِي هُنّ َأ ْطهَ ُر لَكُمْ فَاتّقُوا الّلهَ وَل ُتخْزُونِي فِي َ‬ ‫ِمنْكُ ْم رَجُلٌ رَشِيدٌ (‪)78‬‬ ‫وجاء قومُ لوط يسرعون الشي إليه لطلب الفاحشة‪ ,‬وكانوا مِن قبل‬ ‫ميئهم يأتون الرجال شهوة دون النساء‪ ,‬فقال لوط لقومه‪ :‬هؤلء بنات‬ ‫تَ َزوّجوهن فهنّ أطهر لكم ما تريدون‪ ,‬وساهن بناته; لن نب المة بنلة‬ ‫الب لم‪ ,‬فاخشوا ال واحذروا عقابه‪ ,‬ول تفضحون بالعتداء على‬ ‫ضيفي‪ ,‬أليس منكم رجل ذو رشد‪ ,‬ينهى من أراد ركوب الفاحشة‪,‬‬ ‫فيحول بينهم وبي ذلك؟‬ ‫‪729‬‬

‫ك َلتَعْلَ ُم مَا نُرِي ُد (‪)79‬‬ ‫ك مِنْ حَقّ وَِإنّ َ‬ ‫ت مَا َلنَا فِي َبنَاتِ َ‬ ‫قَالُوا لَقَدْ عَِلمْ َ‬ ‫ت من قبلُ أنه ليس لنا ف النساء من حاجة أو‬ ‫قال قوم لوط له‪ :‬لقد علم َ‬ ‫رغبة‪ ,‬وإنك لتعلم ما نريد‪ ,‬أي ل نريد إل الرجال ول رغبة لنا ف نكاح‬ ‫النساء‪.‬‬ ‫قَالَ َلوْ َأنّ لِي بِكُ ْم ُقوّةً َأوْ آوِي ِإلَى رُكْنٍ شَدِي ٍد (‪)80‬‬ ‫قال لم حي أبوا إل فعل الفاحشة‪ :‬لو أن ل بكم قوة وأنصارًا معي‪ ,‬أو‬ ‫ت بينكم وبي ما تريدون‪.‬‬ ‫أركَن إل عشية تنعن منكم‪ ,‬لَحُلْ ُ‬ ‫ك فَأَ ْسرِ بِأَهِْلكَ بِقِطْ ٍع مِنْ الّليْلِ‬ ‫ك لَنْ يَصِلُوا ِإَليْ َ‬ ‫قَالُوا يَا لُوطُ ِإنّا رُسُلُ َربّ َ‬ ‫ت ِمنْكُمْ َأحَدٌ إِلّ امْ َرَأتَكَ ِإّنهُ مُصِيُبهَا مَا َأصَابَهُمْ ِإنّ َموْعِدَ ُهمْ‬ ‫وَل يَ ْلتَفِ ْ‬ ‫صبْحُ بِ َقرِيبٍ (‪)81‬‬ ‫الصّبْحُ َأَلْيسَ ال ّ‬ ‫قالت اللئكة‪ :‬يا لوط إنّا رسل ربك َأرْسَلَنا لهلك قومك‪ ,‬وإنم لن‬ ‫يصلوا إليك‪ ,‬فاخرج من هذه القرية أنت وأهلك ببقية من الليل‪ ,‬ول‬ ‫يلتفت منكم أحد وراءه; لئل يرى العذاب فيصيبه‪ ,‬لكنّ امرأتك الت‬ ‫‪730‬‬

‫خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من اللك‪ ,‬إن موعد‬ ‫هلكهم الصبح‪ ,‬وهو موعد قريب اللول‪.‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَ أَمْ ُرنَا جَعَ ْلنَا عَاِلَيهَا سَافَِلهَا وَأَمْطَ ْرنَا عََلْيهَا ِحجَارَةً مِنْ ِسجّيلٍ‬ ‫َمنْضُودٍ (‪ُ )82‬مسَوّ َمةً ِعنْ َد َربّكَ وَمَا ِهيَ مِ ْن الظّالِ ِميَ ِببَعِيدٍ (‪)83‬‬ ‫فلما جاء أمرنا بنول العذاب بم جعلنا عال قريتهم الت كانوا يعيشون‬ ‫فيها سافلها فقلبناها‪ ,‬وأمطرنا عليهم حجارة من طي متصلّب متي‪ ,‬قد‬ ‫صُفّ بعضها إل بعض متتابعة‪ ,‬معلّمة عند ال بعلمة معروفة ل تشاكِل‬ ‫حجارة الرض‪ ,‬وما هذه الجارة الت أمطرها ال على قوم لوط من‬ ‫كفار قريش ببعيد أن ُيمْطَروا بثلها‪ .‬وف هذا تديد لكل عاص متمرّد‬ ‫على ال‪.‬‬ ‫وَِإلَى مَ ْديَنَ أَخَاهُمْ شُ َعيْبا قَالَ يَا َقوْمِ ا ْعبُدُوا الّلهَ مَا لَكُ ْم مِنْ ِإَلهٍ َغيْرُهُ وَل‬ ‫خيْ ٍر وَِإنّي أَخَافُ َعَليْكُمْ َعذَابَ‬ ‫تَنقُصُوا الْمِ ْكيَالَ وَالْمِيزَانَ ِإنّي َأرَاكُمْ ِب َ‬ ‫َيوْمٍ ُمحِيطٍ (‪)84‬‬ ‫وأرسلنا إل "مدين" أخاهم شعيبًا‪ ,‬فقال‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس‬ ‫لكم مِن إله يستحق العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ،‬ول‬ ‫‪731‬‬

‫تنقصوا الناس حقوقهم ف مكاييلهم وموازينهم‪ ,‬إن أراكم ف سَعَة‬ ‫عيش‪ ,‬وإن أخاف عليكم ‪-‬بسبب إنقاص الكيال واليزان‪ -‬عذاب يوم‬ ‫ييط بكم‪.‬‬ ‫خسُوا النّاسَ أَ ْشيَاءَهُمْ‬ ‫َويَا َقوْمِ َأوْفُوا الْمِ ْكيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْ ِقسْطِ وَل َتْب َ‬ ‫وَل تَ ْعَثوْا فِي ا َلرْضِ مُ ْفسِدِينَ (‪)85‬‬ ‫ويا قوم أتممّوا الكيال واليزان بالعدل‪ ,‬ول ُتنْقِصوا الناس حقهم ف‬ ‫عموم أشيائهم‪ ,‬ول تسيوا ف الرض تعملون فيها بعاصي ال ونشر‬ ‫الفساد‪.‬‬ ‫ظ (‪)86‬‬ ‫بَ ِقّيةُ الّلهِ َخيْرٌ لَكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ وَمَا َأنَا عََلْيكُمْ ِبحَفِي ٍ‬ ‫إن ما يبقى لكم بعد إيفاء الكيل واليزان من الربح اللل خي لكم‬ ‫مممّا تأخذونه بالتطفيف ونوه من الكسب الرام‪ ,‬إن كنتم تؤمنون‬ ‫بال حقا‪ ,‬فامتثلوا أمره‪ ,‬وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم‪.‬‬ ‫ك تَأْمُرُكَ َأنْ َنتْرُ َك مَا يَ ْعبُ ُد آبَا ُؤنَا َأوْ َأنْ نَ ْفعَلَ فِي‬ ‫قَالُوا يَا شُ َعْيبُ َأصَلتُ َ‬ ‫‪732‬‬

‫ت الْحَلِيمُ الرّشِي ُد (‪)87‬‬ ‫أَ ْموَاِلنَا مَا َنشَاءُ ِإنّكَ َلنْ َ‬ ‫قالوا‪ :‬يا شعيب أهذه الصلة الت تداوم عليها تأمرك بأن نترك ما يعبده‬ ‫آباؤنا من الصنام والوثان‪ ,‬أو أن نتنع عن التصرف ف كسب أموالنا‬ ‫با نستطيع من احتيال ومكر؟ وقالوا ‪-‬استهزاءً به‪ :-‬إنك لنت الليم‬ ‫الرشيد‪.‬‬ ‫قَالَ يَا َقوْمِ َأرََأْيُتمْ ِإ ْن كُنتُ عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّي َورَزََقنِي ِمْنهُ ِرزْقا َحسَنا‬ ‫وَمَا ُأرِيدُ َأنْ ُأخَالِفَ ُكمْ ِإلَى مَا َأْنهَاكُمْ َعْنهُ ِإنْ ُأرِيدُ إِلّ ا ِلصْلحَ مَا‬ ‫ت وَِإَليْهِ ُأنِيبُ (‪)88‬‬ ‫ت وَمَا َتوْفِيقِي إِلّ بِالّلهِ عََلْيهِ َتوَكّلْ ُ‬ ‫ا ْستَطَعْ ُ‬

‫قال شعيب‪ :‬يا قوم أرأيتم إن كنت على طريق واضح من رب فيما‬ ‫أدعوكم إليه من إخلص العبادة له‪ ,‬وفيما أناكم عنه من إفساد الال‪,‬‬ ‫ورزقن منه رزقًا واسعًا حلل طيبًا؟ وما أريد أن أخالفكم فأرتكب أمرًا‬ ‫نيتكم عنه‪ ,‬وما أريد فيما آمركم به وأناكم عنه إل إصلحكم قَدْر‬ ‫طاقت واستطاعت‪ ,‬وما توفيقي ‪-‬ف إصابة الق وماولة إصلحكم‪ -‬إل‬ ‫بال‪ ,‬على ال وحده توكلت وإليه أرجع بالتوبة والنابة‪.‬‬ ‫ب َقوْمَ نُوحٍ َأوْ‬ ‫َويَا َقوْ ِم ل َيجْرِ َمنّكُمْ شِقَاقِي َأنْ يُصِيبَ ُكمْ ِمثْلُ مَا َأصَا َ‬ ‫‪733‬‬

‫َقوْمَ هُودٍ َأوْ َقوْمَ صَالِحٍ وَمَا َقوْ ُم لُوطٍ ِمنْكُ ْم ِببَعِيدٍ (‪)89‬‬ ‫ويا قوم ل تملنّكم عداوت وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه على‬ ‫العناد والصرار على ما أنتم عليه من الكفر بال‪ ,‬فيصيبكم مثلُ ما‬ ‫أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صال من اللك‪ ,‬وما قوم لوط وما‬ ‫حلّ بم من العذاب ببعيدين عنكم ل ف الدار ول ف الزمان‪.‬‬ ‫وَا ْستَغْ ِفرُوا َربّكُمْ ثُ ّم تُوبُوا ِإَلْيهِ ِإنّ َربّي رَحِيمٌ وَدُو ٌد (‪)90‬‬ ‫واطلبوا من ربّكم الغفرة لذنوبكم‪ ,‬ث ارجعوا إل طاعته واستمروا‬ ‫عليها‪ .‬إن ربّي رحيم كثي الودة والحبة لن تاب إليه وأناب‪ ,‬يرحه‬ ‫ويقبل توبته‪ .‬وف الية إثبات صفة الرحة والودة ل تعال‪ ,‬كما يليق به‬ ‫سبحانه‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا شُ َعْيبُ مَا نَفْ َق ُه َكثِيا ِممّا تَقُولُ وَِإنّا َلنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفا َوَلوْل‬ ‫رَهْطُكَ لَ َرجَ ْمنَاكَ وَمَا َأْنتَ عََلْينَا بِ َعزِي ٍز (‪)91‬‬

‫‪734‬‬

‫قالوا‪ :‬يا شعيب ما نفقه كثيًا ما تقول‪ ,‬وإننا لَنراك فينا ضعيفًا لست من‬ ‫الكباء ول من الرؤساء‪ ,‬ولول مراعاة عشيتك لقتلناك َرجْما بالجارة‬ ‫وكان رهطه من أهل ملتهم‪ ،-‬وليس لك قَدْر واحترام ف نفوسنا‪.‬‬‫قَالَ يَا َقوْمِ َأرَهْطِي أَعَ ّز عََليْكُ ْم مِنْ الّلهِ وَاّتخَ ْذتُمُوهُ َورَاءَكُ ْم ظِهْ ِريّا ِإنّ‬ ‫َربّي بِمَا تَ ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ (‪)92‬‬ ‫قال‪ :‬يا قوم أعشيت أعزّ وأكرم عليكم من ال؟ ونبذت أمر ربكم‬ ‫فجعلتموه خلف ظهوركم‪ ,‬ل تأترون به ول تنتهون بنهيه‪ ,‬إن رب با‬ ‫تعملون ميط‪ ,‬ل يفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة‪ ,‬وسيجازيكم عليها‬ ‫عاجل وآجل‪.‬‬ ‫َويَا َقوْ ِم اعْمَلُوا عَلَى مَكَاَنتِكُمْ ِإنّي عَامِلٌ َسوْفَ تَعَْلمُونَ مَنْ يَ ْأتِيهِ عَذَابٌ‬ ‫ب (‪)93‬‬ ‫ب وَا ْرتَ ِقبُوا ِإنّي مَعَ ُكمْ رَقِي ٌ‬ ‫ُيخْزِيهِ وَمَنْ ُهوَ كَاذِ ٌ‬ ‫ويا قوم اعملوا كل ما تستطيعون على طريقتكم وحالتكم‪ ,‬إن عامل‬ ‫مثابر على طريقت وما وهبن رب مِن دعوتكم إل التوحيد‪ ,‬سوف‬ ‫تعلمون مَن منا يأتيه عذاب يذلّه‪ ,‬ومَن منا كاذب ف قوله‪ ,‬أنا أم أنتم؟‬ ‫وانتظروا ما سيحل بكم إن معكم من النتظرين‪ .‬وهذا تديد شديد لم‪.‬‬ ‫‪735‬‬

‫جْينَا شُ َعيْبا وَالّذِينَ آ َمنُوا مَ َعهُ بِ َرحْ َمةٍ ِمنّا وََأخَ َذتْ الّذِينَ‬ ‫َولَمّا جَاءَ أَمْ ُرنَا َن ّ‬

‫صَبحُوا فِي ِديَارِهِمْ جَاثِ ِميَ (‪)94‬‬ ‫حةُ فََأ ْ‬ ‫صيْ َ‬ ‫ظَلَمُوا ال ّ‬

‫ولا جاء أمرنا بإهلك قوم شعيب نّينا رسولنا شعيبًا والذين آمنوا معه‬ ‫برحة منا‪ ,‬وأخذت الذين ظلموا الصيحة من السماء‪ ,‬فأهلكتهم‪,‬‬ ‫فأصبحوا ف ديارهم باركي على رُكَبهم ميتي ل ِحرَاك بم‪.‬‬ ‫ت ثَمُودُ (‪)95‬‬ ‫كََأنْ لَ ْم يَ ْغَنوْا فِيهَا أَل بُعْدا لِ َم ْديَنَ كَمَا بَ ِعدَ ْ‬ ‫كأن ل يقيموا ف ديارهم وقتًا من الوقات‪ .‬أل بُعدًا لم "مدين" ‪-‬إذ‬ ‫أهلكها ال وأخزاها‪ -‬كما بَعِدت ثود‪ ,‬فقد اشتركت هاتان القبيلتان ف‬ ‫البعد واللك‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْسَ ْلنَا مُوسَى بِآيَاِتنَا وَسُلْطَانٍ ُمِبيٍ (‪)96‬‬ ‫ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا وحجة تبي لن عاينها وتأملها‬ ‫ب كلّ من ادّعى‬ ‫بقلب صحيح‪ -‬أنا تدل على وحدانية ال‪ ,‬وكَذِ ِ‬‫الربوبية دونه سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫‪736‬‬

‫ِإلَى فِرْ َع ْونَ وَمََلِئهِ فَاّتبَعُوا أَمْرَ فِرْ َع ْونَ وَمَا أَ ْمرُ ِفرْ َع ْونَ بِرَشِي ٍد (‪)97‬‬ ‫أرسلنا موسى إل فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه‪ ,‬فكفر فرعون‬ ‫وأمر قومه أن يتبعوه‪ ,‬فأطاعوه‪ ,‬وخالفوا أمر موسى‪ ,‬وليس ف أمر‬ ‫فرعون رشد ول هدى‪ ,‬وإنا هو جهل وضلل وكفر وعناد‪.‬‬ ‫يَ ْقدُمُ َقوْ َمهُ َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ فََأ ْورَدَهُ ْم النّارَ َوِبْئسَ الْ ِورْدُ الْ َم ْورُودُ (‪)98‬‬ ‫يَقْدُم فرعون قومه يوم القيامة حت يدخلهم النار‪ ,‬وقبُح الدخل الذي‬ ‫يدخلونه‪.‬‬ ‫وَُأْتبِعُوا فِي هَذِ ِه لَ ْعَنةً َوَيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ ِبْئسَ الرّفْ ُد الْمَرْفُو ُد (‪)99‬‬ ‫وأتبعهم ال ف هذه الدنيا مع العذاب الذي عجّله لم فيها من الغرق ف‬ ‫البحر لعنةً‪ ,‬ويوم القيامة كذلك لعنة أخرى بإدخالم النار‪ ,‬وبئس ما‬ ‫اجتمع لم وترادَف عليهم من عذاب ال‪ ,‬ولعنة الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫صهُ َعَليْكَ ِمْنهَا قَائِمٌ وَحَصِي ٌد (‪)100‬‬ ‫َذلِكَ مِنْ َأْنبَاءِ الْقُرَى نَقُ ّ‬ ‫‪737‬‬

‫ذلك الذي ذكرناه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبار القرى الت أهلكنا‬ ‫حيَتْ‬ ‫أهلها نبك به‪ ,‬ومن تلك القرى ما له آثار باقية‪ ,‬ومنها ما قد ُم ِ‬ ‫آثاره‪ ,‬فلم َيبْق منه شيء‪.‬‬ ‫سهُمْ َفمَا أَ ْغَنتْ َعْنهُ ْم آِل َهتُهُ ْم فَمَا أَ ْغنَ ْ‬ ‫ت‬ ‫وَمَا ظَلَ ْمنَاهُ ْم َولَكِنْ ظَلَمُوا أَن ُف َ‬ ‫َعْنهُمْ آِل َهُتهُمْ اّلتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الّلهِ مِنْ َش ْيءٍ لَمّا جَاءَ أَمْ ُر َربّكَ وَمَا‬

‫زَادُوهُمْ َغيْ َر َتْتبِيبٍ (‪)101‬‬

‫وما كان إهلكهم بغي سبب وذنب يستحقونه‪ ,‬ولكن ظلموا أنفسهم‬ ‫بشركهم وإفسادهم ف الرض‪ ,‬فما نفعتهم آلتهم الت كانوا يدعُونا‬ ‫ويطلبون منها أن تدفع عنهم الضر لممّا جاء أمر ربك بعذابم‪ ,‬وما‬ ‫زادتم آلتهم غي تدمي وإهلك وخسران‪.‬‬ ‫وَكَ َذلِكَ َأخْذُ َربّكَ ِإذَا َأخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِ َمةٌ ِإنّ أَخْذَهُ َألِيمٌ شَدِيدٌ (‬ ‫‪)102‬‬ ‫ت أهل القرى الظالة بالعذاب لخالفتهم أمري وتكذيبهم‬ ‫وكما أخذ ُ‬ ‫برسلي‪ ,‬آخذ غيهم مِن أهل القرى إذا ظلموا أنفسهم بكفرهم بال‬ ‫ومعصيتهم له وتكذيبهم لرسله‪ .‬إنّ أَخْذه بالعقوبة لليم موجع شديد‪.‬‬ ‫‪738‬‬

‫ع لَهُ النّاسُ‬ ‫ك َيوْمٌ َمجْمُو ٌ‬ ‫ك لَيةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الخِرَةِ َذلِ َ‬ ‫ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫شهُو ٌد (‪)103‬‬ ‫وَ َذلِكَ َيوْ ٌم َم ْ‬

‫إن ف أخذنا لهل القرى السابقة الظالة لعبةً وعظة لن خاف عقاب‬ ‫ال وعذابه ف الخرة‪ ,‬ذلك اليوم الذي يُجمع له الناس جيعًا للمحاسبة‬ ‫والزاء‪ ,‬ويشهده اللئق كلهم‪.‬‬ ‫وَمَا ُنؤَخّرُهُ إِلّ َلجَلٍ مَ ْعدُودٍ (‪)104‬‬ ‫وما نؤخر يوم القيامة عنكم إل لنتهاء مدة معدودة ف علمنا‪ ,‬ل تزيد‬ ‫ول تنقص عن تقديرنا لا بكمتنا‪.‬‬ ‫َيوْمَ يَ ْأتِ ل تَكَلّ ُم نَ ْفسٌ إِ ّل ِبإِ ْذِنهِ َف ِمْنهُمْ َشقِيّ وَسَعِيدٌ (‪)105‬‬ ‫يوم يأت يوم القيامة‪ ,‬ل تتكلم نفس إل بإذن ربا‪ ,‬فمنهم شقي متسحق‬ ‫للعذاب‪ ,‬وسعيد متفضّل عليه بالنعيم‪.‬‬ ‫َفأَمّا الّذِينَ شَقُوا َففِي النّارِ َلهُمْ فِيهَا زَفِيٌ وَ َشهِيقٌ (‪)106‬خَالِدِينَ فِيهَا‬ ‫‪739‬‬

‫ت وَالَرْضُ إِلّ مَا شَاءَ َربّكَ ِإنّ َربّكَ فَعّالٌ لِمَا يُرِي ُد (‬ ‫مَا دَا َمتْ السّ َموَا ُ‬ ‫‪)107‬‬ ‫فأما الذين شَقُوا ف الدنيا لفساد عقيدتم وسوء أعمالم‪ ,‬فالنار‬ ‫مستقرهم‪ ,‬لم فيها من شدة ما هم فيه من العذاب زفي وشهيق‪ ,‬وها‬ ‫أشنع الصوات وأقبحها‪ ,‬ماكثي ف النار أبدًا ما دامت السموات‬ ‫والرض‪ ,‬فل ينقطع عذابم ول ينتهي‪ ,‬بل هو دائم مؤكّد‪ ,‬إل ما شاء‬ ‫ربك من إخراج عصاة الوحدين بعد مدّة من مكثهم ف النار‪ .‬إن ربك‬ ‫أيها الرسول‪ -‬فعّال لا يريد‪.‬‬‫ت السّ َموَاتُ وَا َلرْضُ‬ ‫جّنةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَ ْ‬ ‫وَأَمّا الّذِينَ سُ ِعدُوا فَفِي الْ َ‬

‫ك عَطَاءً َغْيرَ َمجْذُو ٍذ (‪)108‬‬ ‫إِلّ مَا شَاءَ َربّ َ‬

‫وأما الذين رزقهم ال السعادة فيدخلون النة خالدين فيها ما دامت‬ ‫السموات والرض‪ ,‬إل الفريق الذي شاء ال تأخيه‪ ,‬وهم عصاة‬ ‫الوحدين‪ ,‬فإنم يبقون ف النار فترة من الزمن‪ ,‬ث يرجون منها إل النة‬ ‫بشيئة ال ورحته‪ ,‬ويعطي ربك هؤلء السعداء ف النة عطاء غي‬ ‫مقطوع عنهم‪.‬‬

‫‪740‬‬

‫فَل تَكُ ْن فِي مِ ْرَيةٍ ِممّا يَ ْعبُدُ َهؤُلءِ مَا يَ ْعبُدُونَ إِلّ َكمَا يَ ْعبُ ُد آبَاؤُهُمْ مِنْ‬ ‫َقبْلُ وَِإنّا لَ ُموَفّوهُ ْم نَصِيَبهُمْ َغيْ َر مَنقُوصٍ (‪)109‬‬ ‫فل تكن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف شك من بطلن ما يعبد هؤلء الشركون‬ ‫من قومك‪ ,‬ما يعبدون من الوثان إل مثل ما يعبد آباؤهم من قبل‪ ,‬وإنا‬ ‫لوفوهم ما وعدناهم تاما غي منقوص‪ .‬وهذا توجيه لميع المة‪ ،‬وإن‬ ‫كان لفظه موجهًا إل الرسول صلى ال عليه وسلّم‪.‬‬ ‫ف فِيهِ َوَلوْل كَلِ َمةٌ َسبَقَتْ مِنْ َربّكَ‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ فَا ْختُلِ َ‬

‫ك ِمْنهُ مُرِيبٍ ( ‪)110‬‬ ‫لَقُضِيَ َبْيَنهُمْ وَِإّنهُ ْم لَفِي شَ ّ‬

‫ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة‪ ,‬فاختلف فيه قومه‪ ,‬فآمن به‬ ‫جاعة وكفر به آخرون كما فعل قومك بالقرآن‪ .‬ولول كلمة سبقت‬ ‫من ربك بأنه ل يعجل للقه العذاب‪ ,‬ل ّل بم ف دنياهم قضاء ال‬ ‫بإهلك الكذّبي وناة الؤمني‪ .‬وإن الكفار من اليهود والشركي ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬لفي شك ‪-‬من هذا القرآن‪ -‬مريب‪.‬‬ ‫وَِإنّ ُكلّ لَمّا َلُيوَّفَيّنهُمْ َربّكَ أَعْمَاَلهُمْ ِإّن ُه بِمَا يَعْ َملُونَ َخبِيٌ (‪)111‬‬ ‫‪741‬‬

‫وإن كل أولئك القوام الختلفي الذين ذكرنا لك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫أخبارهم ليوفينهم ربك جزاء أعمالم يوم القيامة‪ ,‬إن خيًا فخي‪ ,‬وإن‬ ‫شرًا فشر‪ ,‬إن ربك با يعمل هؤلء الشركون خبي‪ ,‬ل يفى عليه شيء‬ ‫من عملهم‪ .‬وف هذا تديد ووعيد لم‪.‬‬ ‫فَا ْستَقِمْ َكمَا أُ ِمرْتَ وَمَ ْن تَابَ مَ َعكَ وَل تَطْ َغوْا ِإّنهُ بِمَا تَعْ َملُونَ بَصِ ٌي (‬

‫‪)112‬‬

‫فاستقم ‪-‬أيها النب‪ -‬كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك‪ ,‬ول‬ ‫تتجاوزوا ما حدّه ال لكم‪ ,‬إن ربّكم با تعملون من العمال كلها‬ ‫بصي‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫وَل َترْ َكنُوا ِإلَى الّذِينَ ظَلَمُوا َفَت َمسّكُمْ النّارُ وَمَا لَكُ ْم مِنْ دُونِ الّلهِ مِنْ‬ ‫صرُونَ ( ‪)113‬‬ ‫َأ ْوِليَاءَ ثُ ّم ل تُن َ‬ ‫ول تيلوا إل هؤلء الكفار الظلمة‪ ,‬فتصيبكم النار‪ ,‬وما لكم من دون‬ ‫ال من ناصر ينصركم‪ ,‬ويتول أموركم‪.‬‬

‫‪742‬‬

‫ت يُذْ ِهبْنَ السّّيئَاتِ‬ ‫حسَنَا ِ‬ ‫وََأقِمْ الصّل َة طَرَفِي الّنهَارِ َو ُزلَفا مِنْ الّليْلِ ِإنّ اْل َ‬ ‫َذلِكَ ذِكْرَى لِلذّاكِرِينَ (‪)114‬‬ ‫وأ ّد الصلة ‪-‬أيها النب‪ -‬على أتّ وجه طَرَفَي النهار ف الصباح والساء‪,‬‬ ‫وف ساعات من الليل‪ .‬إ ّن فِعْلَ اليات يكفّر الذنوب السالفة ويحو‬ ‫آثارها‪ ,‬والمر بإقامة الصلة وبيان أن السنات يذهب السيئات‪ ,‬موعظة‬ ‫لن اتعظ با وتذكر‪.‬‬ ‫سِنيَ (‪)115‬‬ ‫صبِرْ َفإِنّ الّلهَ ل يُضِيعُ أَجْ َر الْ ُمحْ ِ‬ ‫وَا ْ‬ ‫واصب ‪-‬أيها النب‪ -‬على الصلة‪ ,‬وعلى ما َتلْقى من الذى من مشركي‬ ‫قومك; فإن ال ل يضيع ثواب الحسني ف أعمالم‪.‬‬ ‫َفَلوْل كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ َقبْلِ ُكمْ ُأوْلُوا بَ ِقّيةٍ َيْن َهوْنَ عَ ْن الْفَسَادِ فِي‬ ‫جْينَا ِمْنهُ ْم وَاّتبَعَ الّذِينَ ظَلَمُوا مَا ُأتْرِفُوا فِيهِ‬ ‫ل مِمّنْ َأْن َ‬ ‫ا َلرْضِ إِلّ قَلِي ً‬ ‫وَكَانُوا ُمجْرِ ِميَ (‪)116‬‬ ‫ل وُجد من القرون الاضية بقايا من أهل الي والصلح‪ ,‬ينهون أهل‬ ‫فه ّ‬ ‫الكفر عن كفرهم‪ ,‬وعن الفساد ف الرض‪ ,‬ل يوجد من أولئك القوام‬ ‫‪743‬‬

‫إل قليل من آمن‪ ,‬فنجّاهم ال بسبب ذلك مِن عذابه حي أخذ الظالي‪.‬‬ ‫واتّبع عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم ما ُمتّعوا فيه من لذات الدنيا‬ ‫ونعيمها‪ ,‬وكانوا مرمي ظالي باتباعهم ما تنعموا فيه‪ ,‬فحقّ عليهم‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫ك ِلُيهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْ ٍم وَأَهُْلهَا مُصِْلحُونَ (‪)117‬‬ ‫وَمَا كَانَ َربّ َ‬ ‫وما كان ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ليهلك قرية من القرى وأهلها مصلحون‬ ‫ف الرض‪ ,‬متنبون للفساد والظلم‪ ,‬وإنا يهلكهم بسبب ظلمهم‬ ‫وفسادهم‪.‬‬ ‫ختَلِ ِفيَ (‪)118‬‬ ‫ك لَجَعَلَ النّاسَ أُ ّمةً وَاحِدَ ًة وَل يَزَالُونَ ُم ْ‬ ‫َوَلوْ شَاءَ َربّ َ‬ ‫ولو شاء ربك لعل الناس كلهم جاعة واحدة على دين واحد وهو دين‬ ‫السلم‪ ,‬ولكنه سبحانه ل يشأ ذلك‪ ,‬فل يزال الناس متلفي ف أديانم;‬ ‫وذلك مقتضى حكمته‪.‬‬ ‫لنّ َج َهنّ َم مِنْ‬ ‫ك َولِ َذلِكَ خَلَ َقهُمْ َوتَمّتْ كَِل َمةُ َربّكَ لَ ْم َ‬ ‫إِلّ مَنْ َرحِمَ َربّ َ‬ ‫‪744‬‬

‫جّنةِ وَالنّاسِ َأجْمَ ِعيَ (‪)119‬‬ ‫الْ ِ‬ ‫إل مَن رحم ربك فآمنوا به واتبعوا رسله‪ ,‬فإنم ل يتلفون ف توحيد ال‬ ‫وما جاءت به الرسل من عند ال‪ ,‬وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعال‬ ‫أنه خَلَقهم متلفي‪ :‬فريق شقيّ وفريق سعيد‪ ,‬وكل ميسر لا خُلِق له‪.‬‬ ‫وبذا يتحقق وعد ربك ف قضائه وقدره‪ :‬أنه سبحانه سيمل جهنم من‬ ‫الن والنس الذين اتبعوا إبليس وجنده ول يهتدوا لليان‪.‬‬ ‫ت ِبهِ ُفؤَادَ َك وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ‬ ‫ل نَقُصّ عََلْيكَ مِنْ َأْنبَاءِ الرّسُلِ مَا ُنَثبّ ُ‬ ‫وَكُ ّ‬

‫الْحَقّ وَ َموْعِ َظةٌ وَذِكْرَى لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)120‬‬

‫ونقصّ عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك‪ ,‬كل ما‬ ‫تتاج إليه ما يقوّي قلبك للقيام بأعباء الرسالة‪ ,‬وقد جاءك ف هذه‬ ‫السورة وما اشتملت عليه من أخبار‪ ,‬بيان الق الذي أنت عليه‪ ,‬وجاءك‬ ‫فيها موعظة يرتدع با الكافرون‪ ,‬وذكرى يتذكر با الؤمنون بال‬ ‫ورسله‪.‬‬ ‫وَقُ ْل لِلّذِينَ ل ُيؤْ ِمنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَاَنتِكُمْ ِإنّا عَامِلُونَ (‪)121‬‬

‫وَانتَظِرُوا ِإنّا مُنتَظِرُونَ (‪)122‬‬

‫‪745‬‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للكافرين الذين ل يقرّون بوحدانية ال‪ :‬اعملوا ما‬ ‫أنتم عاملون على حالتكم وطريقتكم ف مقاومة الدعوة وإيذاء الرسول‬ ‫والستجيبي له‪ ,‬فإنّا عاملون على مكانتنا وطريقتنا من الثبات على ديننا‬ ‫وتنفيذ أمر ال‪ .‬وانتظروا عاقبة أمرنا‪ ,‬فإنّا منتظرون عاقبة أمركم‪ .‬وف‬ ‫هذا تديد ووعيد لم‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْضِ وَِإَلْيهِ يُ ْرجَ ُع الَمْرُ كُّل ُه فَا ْعبُدْهُ َوَتوَكّلْ‬ ‫ب السّ َموَا ِ‬ ‫َولِّلهِ َغيْ ُ‬ ‫ك بِغَافِلٍ عَمّا تَ ْعمَلُونَ (‪)123‬‬ ‫عََلْيهِ وَمَا َربّ َ‬ ‫ول سبحانه وتعال علم كل ما غاب ف السموات والرض‪ ,‬وإليه يُ ْرجَع‬ ‫المر كله يوم القيامة‪ ,‬فاعبده ‪-‬أيها النب‪ -‬وفوّض أمرك إليه‪ ,‬وما ربك‬ ‫بغافل عما تعملون من الي والشر‪ ,‬وسيجازي كلّ بعمله‪.‬‬

‫‪ – 12‬سورة يوسف‬

‫‪746‬‬

‫ب الْ ُمِبيِ (‪)1‬‬ ‫ت الْ ِكتَا ِ‬ ‫ك آيَا ُ‬ ‫الر تِلْ َ‬ ‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫هذه آيات الكتاب البيّن الواضح ف معانيه وحلله وحرامه وهداه‪.‬‬ ‫ِإنّا أَن َزْلنَاهُ قُرْآنا عَ َرِبيّا لَعَلّكُ ْم تَعْقِلُونَ (‪)2‬‬ ‫إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب‪ ,‬لعلكم ‪-‬أيها العرب‪ -‬تعقلون معانيه‬ ‫وتفهمونا‪ ,‬وتعملون بديه‪.‬‬ ‫ك هَذَا الْقُرْآنَ َوِإنْ‬ ‫َنحْنُ نَقُصّ َعَليْكَ أَ ْحسَنَ الْقَصَصِ بِمَا َأوْ َحْينَا ِإَليْ َ‬ ‫كُنتَ مِنْ َقبِْلهِ لَمِ ْن الْغَافِِليَ (‪)3‬‬ ‫نن نقصّ عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أحسن القصص بوحينا إليك هذا‬ ‫القرآن‪ ,‬وإن كنت قبل إنزاله عليك لن الغافلي عن هذه الخبار‪ ,‬ل‬ ‫تدري عنها شيئًا‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ يُوسُفُ َلبِيهِ يَا َأبَتِ ِإنّي رََأيْتُ أَ َحدَ َعشَ َر َكوْكَبا وَالشّ ْمسَ‬ ‫‪747‬‬

‫وَالْقَ َمرَ رََأْيُتهُمْ لِي سَا ِجدِينَ (‪)4‬‬ ‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك قول يوسف لبيه‪ :‬إن رأيت ف النام أحد‬ ‫عشر كوكبًا‪ ,‬والشمس والقمر رأيتهم ل ساجدين‪ .‬فكانت هذه الرؤيا‬ ‫بشرى لِمَا وصل إليه يوسف عليه السلم من علوّ النلة ف الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫ك َكيْدا ِإنّ‬ ‫ك َفيَكِيدُوا لَ َ‬ ‫ص ُر ْؤيَا َك عَلَى إِ ْخ َوتِ َ‬ ‫قَالَ يَا ُبنَيّ ل تَقْصُ ْ‬ ‫شيْطَانَ لِلِنسَانِ َع ُدوّ ُمِبيٌ (‪)5‬‬ ‫ال ّ‬ ‫إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم‪ :‬إن يوسف وأخاه الشقيق أحب‬ ‫إل أبينا منا‪ ,‬يفضّلهما علينا‪ ,‬ونن جاعة ذوو عدد‪ ,‬إن أبانا لفي خطأ‬ ‫بيّن حيث فضّلهما علينا من غي موجب نراه‪.‬‬ ‫ك َويُعَلّ ُمكَ مِنْ تَ ْأوِيلِ ا َلحَادِيثِ َوُيتِ ّم نِعْ َمَتهُ َعَليْكَ‬ ‫جَتبِيكَ َربّ َ‬ ‫وَكَ َذلِكَ َي ْ‬ ‫ب كَمَا َأَت ّمهَا َعلَى َأَب َويْكَ مِ ْن َقبْلُ ِإْبرَاهِيمَ وَِإ ْسحَقَ ِإنّ‬ ‫وَعَلَى آ ِل يَعْقُو َ‬

‫َربّكَ عَلِيمٌ حَكِي ٌم (‪)6‬‬

‫‪748‬‬

‫وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسي ما يراه‬ ‫الناس ف منامهم من الرؤى ما تؤول إليه واقعًا‪ ,‬ويتم نعمته عليك وعلى‬ ‫آل يعقوب بالنبوة والرسالة‪ ,‬كما أتها من قبل على أبويك إبراهيم‬ ‫وإسحاق بالنبوة والرسالة‪ .‬إن ربك عليم بن يصطفيه من عباده‪ ,‬حكيم‬ ‫ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬ ‫لَقَ ْد كَانَ فِي يُو ُسفَ وَِإ ْخ َوِتهِ آيَاتٌ لِلسّائِِليَ (‪)7‬‬ ‫لقد كان ف قصة يوسف وإخوته عب وأدلة تدل على قدرة ال وحكمته‬ ‫لن يسأل عن أخبارهم‪ ,‬ويرغب ف معرفتها‪.‬‬ ‫صَبةٌ ِإنّ َأبَانَا لَفِي‬ ‫إِذْ قَالُوا َليُوسُفُ وََأخُوهُ َأحَبّ ِإلَى َأبِينَا ِمنّا َوَنحْنُ عُ ْ‬ ‫ضَللٍ ُمِبيٍ (‪)8‬‬ ‫إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم‪ :‬إن يوسف وأخاه الشقيق أحب‬ ‫إل أبينا منا‪ ,‬يفضّلهما علينا‪ ,‬ونن جاعة ذوو عدد‪ ,‬إن أبانا لفي خطأ‬ ‫بيّن حيث فضّلهما علينا من غي موجب نراه‪.‬‬

‫‪749‬‬

‫ا ْقتُلُوا يُو ُسفَ َأ ْو اطْ َرحُوهُ َأرْضا َيخْلُ لَكُ ْم وَ ْجهُ َأبِيكُ ْم َوتَكُونُوا مِ ْن بَعْدِهِ‬ ‫َقوْما صَاِلحِيَ (‪)9‬‬ ‫اقتلوا يوسف أو ألقوا به ف أرض مهولة بعيدة عن العُمران يلُص لكم‬ ‫حب أبيكم وإقباله عليكم‪ ,‬ول يلتفت عنكم إل غيكم‪ ,‬وتكونوا مِنْ‬ ‫بعد َقتْل يوسف أو إبعاده تائبي إل ال‪ ,‬مستغفرين له من بعد ذنبكم‪.‬‬ ‫ب يَ ْلتَقِ ْطهُ بَعْضُ‬ ‫قَالَ قَائِلٌ ِمْنهُمْ ل تَ ْقتُلُوا يُوسُفَ َوَألْقُوهُ فِي َغيَاَبةِ الْجُ ّ‬ ‫سيّارَةِ ِإنْ كُنتُمْ فَاعِِليَ (‪)10‬‬ ‫ال ّ‬ ‫قال قائل من إخوة يوسف‪ :‬ل تقتلوا يوسف وألقوه ف جوف البئر‬ ‫يلتقطه بعض الارّة من السافرين فتستريوا منه‪ ,‬ول حاجة إل قتله‪ ,‬إن‬ ‫كنتم عازمي على فعل ما تقولون‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا َأبَانَا مَا لَكَ ل تَ ْأ َمنّا عَلَى يُوسُفَ وَِإنّا َلهُ َلنَاصِحُونَ (‪)11‬‬ ‫قال إخوة يوسف ‪-‬بعد اتفاقهم على إبعاده‪ :-‬يا أبانا ما لك ل تعلنا‬ ‫أمناء على يوسف مع أنه أخونا‪ ,‬ونن نريد له الي ونشفق عليه‬ ‫ونرعاه‪ ,‬ونصه بالص النصح؟‬ ‫‪750‬‬

‫َأرْسِ ْلهُ مَ َعنَا غَدا َي ْرتَعْ َويَلْ َعبْ وَِإنّا َلهُ َلحَافِظُونَ (‪)12‬‬ ‫أرسله معنا غدًا عندما نرج إل مراعينا َيسْعَ وينشط ويفرح‪ ,‬ويلعب‬ ‫بالستباق ونوه من اللعب الباح‪ ,‬وإنا لافظون له من كل ما تاف‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّي َلَيحْ ُزُننِي َأنْ تَذْ َهبُوا ِبهِ وََأخَافُ َأنْ يَأْكَُل ُه ال ّذئْبُ وََأْنتُ ْم َعْنهُ‬ ‫غَافِلُونَ (‪)13‬‬ ‫قال يعقوب‪ :‬إن لَيؤل نفسي مفارقته ل إذا ذهبتم به إل الراعي‪,‬‬ ‫وأخشى أن يأكله الذئب‪ ,‬وأنتم عنه غافلون منشغلون‪.‬‬ ‫صَبةٌ ِإنّا إِذا َلخَا ِسرُونَ (‪)14‬‬ ‫ب َونَحْنُ عُ ْ‬ ‫قَالُوا َلئِنْ أَكََلهُ ال ّذئْ ُ‬ ‫قال إخوة يوسف لوالدهم‪ :‬لئن أكله الذئب‪ ,‬ونن جاعة قوية إنا إذًا‬ ‫لاسرون‪ ,‬ل خي فينا‪ ,‬ول نفع ُيرْجَى منا‪.‬‬ ‫َفلَمّا ذَ َهبُوا ِب ِه وَأَجْ َمعُوا َأنْ َيجْعَلُوهُ فِي َغيَاَبةِ اْلجُبّ وََأ ْو َحْينَا ِإَلْيهِ َلُتَنّبئَّنهُمْ‬ ‫‪751‬‬

‫بِأَمْرِهِ ْم هَذَا وَهُمْ ل َيشْعُرُونَ (‪)15‬‬ ‫فأرْسََلهُ معهم‪ .‬فلما ذهبوا به وأجعوا على إلقائه ف جوف البئر‪ ,‬وأوحينا‬ ‫إل يوسف لتخبنّ إخوتك مستقبل بفعلهم هذا الذي فعلوه بك‪ ,‬وهم‬ ‫حسّون بذلك المر ول يشعرون به‪.‬‬ ‫ل ُي ِ‬ ‫وَجَاءُوا َأبَاهُ ْم ِعشَاءً َيبْكُونَ (‪)16‬‬ ‫وجاء إخوة يوسف إل أبيهم ف وقت العِشاء من أول الليل‪ ,‬يبكون‬ ‫ويظهرون السف والزع‪.‬‬ ‫ستَبِقُ َوتَرَ ْكنَا يُو ُسفَ ِعنْ َد َمتَا ِعنَا فَأَكََلهُ ال ّذئْبُ‬ ‫قَالُوا يَا َأبَانَا ِإنّا ذَ َهْبنَا َن ْ‬

‫ت بِ ُمؤْمِنٍ َلنَا َوَلوْ ُكنّا صَادِِقيَ (‪)17‬‬ ‫وَمَا َأنْ َ‬

‫لرْي والرمي بالسهام‪ ,‬وتركنا يوسف‬ ‫قالوا‪ :‬يا أبانا إنا ذهبنا نتسابق ف ا َ‬ ‫عند زادنا وثيابنا‪ ,‬فلم نقصّر ف حفظه‪ ,‬بل تركناه ف مأمننا‪ ,‬وما فارقناه‬ ‫إل وقتًا يسيًا‪ ,‬فأكله الذئب‪ ,‬وما أنت بصدّق لنا ولو كنا موصوفي‬ ‫بالصدق; لشدة حبك ليوسف‪.‬‬

‫‪752‬‬

‫صبْرٌ‬ ‫ت لَكُمْ أَن ُفسُكُمْ أَمْرا فَ َ‬ ‫صهِ ِبدَمٍ َكذِبٍ قَالَ بَلْ َس ّولَ ْ‬ ‫وَجَاءُوا عَلَى قَمِي ِ‬ ‫ستَعَانُ َعلَى مَا تَصِفُونَ (‪)18‬‬ ‫َجمِيلٌ وَالّلهُ الْ ُم ْ‬ ‫وجاؤوا بقميصه ملطخًا بدم غي دم يوسف; ليشهد على صدقهم‪ ,‬فكان‬ ‫دليل على كذبم; لن القميص ل يُ َمزّقْ‪ .‬فقال لم أبوهم يعقوب عليه‬ ‫السلم‪ :‬ما المر كما تقولون‪ ,‬بل زيّنت لكم أنفسكم المّارة بالسوء‬ ‫أمرًا قبيحًا ف يوسف‪ ,‬فرأيتموه حسنًا وفعلتموه‪ ,‬فصبي صب جيل ل‬ ‫شكوى معه لحد من اللق‪ ,‬وأستعي بال على احتمال ما تصفون من‬ ‫الكذب‪ ,‬ل على حول وقوت‪.‬‬ ‫وَجَاءَتْ َسيّارَةٌ فََأرْ َسلُوا وَارِدَهُ ْم فََأ ْدلَى َدْلوَهُ قَالَ يَا ُبشْرَى هَذَا غُلمٌ‬

‫وَأَ َسرّوهُ بِضَا َعةً وَالّلهُ عَلِي ٌم بِمَا يَ ْعمَلُونَ (‪)19‬‬

‫وجاءت جاعة من السافرين‪ ,‬فأرسلوا مَن يطلب لم الاء‪ ,‬فلما أرسل‬ ‫دلوه ف البئر تعلّق با يوسف‪ ,‬فقال واردهم‪ :‬يا بشراي هذا غلم نفيس‪,‬‬ ‫ف من بقية السافرين فلم يظهروه لم‪,‬‬ ‫وأخفى الواردُ وأصحابه يوس َ‬ ‫وقالوا‪ :‬إن هذه بضاعة استبضعناها‪ ,‬وال عليم با يعملونه بيوسف‪.‬‬ ‫خسٍ َدرَاهِ َم مَعْدُودَ ٍة وَكَانُوا فِي ِه مِنْ الزّاهِدِينَ (‪)20‬‬ ‫وَ َش َروْهُ ِبثَمَنٍ َب ْ‬ ‫‪753‬‬

‫وباعه إخوته للواردين من السافرين بثمن قليل من الدراهم‪ ,‬وكانوا‬ ‫زاهدين فيه راغبي ف التخلص منه; وذلك أنم ل يعلمون منلته عند‬ ‫ال‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي ا ْشتَرَاهُ مِ ْن مِصْرَ لمْرََأِتهِ أَكْرِمِي َمْثوَاهُ َعسَى َأنْ يَنفَ َعنَا َأوْ‬ ‫ك مَ ّكنّا ِليُوسُفَ فِي ا َلرْضِ َوِلنُعَلّ َمهُ مِنْ تَ ْأوِيلِ‬ ‫َنّتخِذَهُ َولَدا وَكَ َذلِ َ‬

‫ث وَالّلهُ غَالِبٌ َعلَى أَمْرِهِ َولَكِنّ أَ ْكثَرَ النّاسِ ل يَعَْلمُونَ (‪)21‬‬ ‫الَحَادِي ِ‬

‫ولا ذهب السافرون بيوسف إل "مصر" اشتراه منهم عزيزها‪ ,‬وهو‬ ‫الوزير‪ ,‬وقال لمرأته‪ :‬أحسن معاملته‪ ,‬واجعلي مقامه عندنا كريًا‪ ,‬لعلنا‬ ‫نستفيد من خدمته‪ ,‬أو نقيمه عندنا مقام الولد‪ ,‬وكما أنينا يوسف‬ ‫وجعلنا عزيز "مصر" يَعْطِف عليه‪ ,‬فكذلك مكنّا له ف أرض "مصر"‪,‬‬ ‫وجعلناه على خزائنها‪ ,‬ولنعلّمه تفسي الرؤى فيعرف منها ما سيقع‬ ‫مستقبل‪ .‬وال غالب على أمره‪ ,‬فحكمه نافذ ل يبطله مبطل‪ ,‬ولكن‬ ‫أكثر الناس ل يعلمون أن المر كله بيد ال‪.‬‬ ‫سنِيَ (‪)22‬‬ ‫حِ‬ ‫ك َنجْزِي الْ ُم ْ‬ ‫َولَمّا بَلَغَ َأشُدّ ُه آَتْينَاهُ حُكْما وَعِلْما وَكَ َذلِ َ‬

‫‪754‬‬

‫ولا بلغ يوسف منتهى قوته ف شبابه أعطيناه فهمًا وعلمًا‪ ,‬ومثل هذا‬ ‫الزاء الذي جزينا به يوسف على إحسانه نزي الحسني على‬ ‫إحسانم‪ .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ت لَكَ‬ ‫ت َهيْ َ‬ ‫ب وَقَالَ ْ‬ ‫ت ا َلبْوَا َ‬ ‫سهِ وَغَلّقَ ْ‬ ‫َورَاوَ َدْتهُ اّلتِي ُهوَ فِي َبْيِتهَا عَ ْن نَ ْف ِ‬ ‫قَالَ مَعَا َذ الّلهِ ِإّنهُ َربّي َأ ْحسَنَ َمْثوَايَ ِإّنهُ ل يُفِْلحُ الظّالِمُونَ (‪)23‬‬ ‫ودعت امرأة العزيز ‪-‬برفق ولي‪ -‬يوسف الذي هو ف بيتها إل نفسها;‬ ‫لبها الشديد له وحسن بائه‪ ,‬وغلّقت البواب عليها وعلى يوسف‪,‬‬ ‫وقالت‪ :‬هل ّم إلّ‪ ,‬فقال‪ :‬معاذ ال أعتصم به‪ ,‬وأستجي مِن الذي تدعينن‬ ‫إليه‪ ,‬من خيانة سيدي الذي أحسن منلت وأكرمن فل أخونه ف أهله‪,‬‬ ‫إنه ل يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله‪.‬‬ ‫ك ِلنَصْرِفَ َعْنهُ‬ ‫ت ِبهِ وَهَمّ ِبهَا َلوْل َأنْ رَأَى ُبرْهَانَ َرّبهِ كَ َذلِ َ‬ ‫َولَقَدْ َهمّ ْ‬ ‫صيَ (‪)24‬‬ ‫حشَاءَ ِإّن ُه مِنْ ِعبَا ِدنَا الْ ُمخْلَ ِ‬ ‫السّوءَ وَالْ َف ْ‬ ‫ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة‪ ,‬وحدّثت يوسفَ نفسُه حديث‬ ‫خطرات للستجابة‪ ,‬لول أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمّا حدثته‬ ‫به نفسه‪ ,‬وإنا أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة ف جيع أموره‪,‬‬ ‫‪755‬‬

‫إنه من عبادنا الطهرين الصطفَي للرسالة الذين أخلصوا ف عبادتم ل‬ ‫وتوحيده‪.‬‬ ‫ب قَالَتْ مَا‬ ‫صهُ مِنْ ُدبُ ٍر وََألْ َفيَا َسيّدَهَا لَدَى اْلبَا ِ‬ ‫وَا ْسَتبَقَا اْلبَابَ وَقَدّتْ قَمِي َ‬ ‫سجَنَ َأوْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)25‬‬ ‫َجزَاءُ مَنْ َأرَا َد بِأَهْلِكَ سُوءا إِلّ َأنْ ُي ْ‬ ‫وأسرع يوسف إل الباب يريد الروج‪ ,‬وأسرعت تاول المساك به‪,‬‬ ‫وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبي الروج فشقّته‪ ,‬ووجدا‬ ‫زوجها عند الباب فقالت‪ :‬ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إل أن‬ ‫يسجن أو يعذب العذاب الوجع‪.‬‬ ‫صهُ ُقدّ‬ ‫قَالَ ِهيَ رَاوَ َدْتنِي عَنْ نَ ْفسِي وَ َشهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهِْلهَا ِإنْ كَانَ قَمِي ُ‬ ‫مِنْ ُقبُ ٍل فَصَدََقتْ وَ ُهوَ مِ ْن الْكَا ِذِبيَ (‪)26‬‬ ‫قال يوسف‪ :‬هي الت طلبت من ذلك‪ ,‬فشهد صب ف الهد مِن أهلها‬ ‫فقال‪ :‬إن كان قميصه شُقّ من المام فصدقت ف اتّهامها له‪ ,‬وهو من‬ ‫الكاذبي‪.‬‬

‫‪756‬‬

‫ت وَ ُهوَ مِنْ الصّادِِقيَ (‪)27‬‬ ‫صهُ قُ ّد مِنْ ُدبُرٍ فَكَ َذبَ ْ‬ ‫وَِإنْ كَانَ َقمِي ُ‬ ‫وإن كان قميصه شُقّ من اللف فكذبت ف قولا‪ ,‬وهو من الصادقي‪.‬‬ ‫صهُ قُ ّد مِنْ ُدبُرٍ قَالَ ِإّنهُ مِنْ َكْيدِكُنّ ِإنّ َكيْدَكُ ّن عَظِيمٌ (‬ ‫َفلَمّا رَأَى َقمِي َ‬

‫‪)28‬‬

‫فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقّ من خلفه علم براءة يوسف‪ ,‬وقال‬ ‫لزوجته‪ :‬إن هذا الكذب الذي اتمتِ به هذا الشاب هو مِن جلة‬ ‫مكركن ‪-‬أيتها النساء‪ ,-‬إنّ مكركن عظيم‪.‬‬ ‫ت مِنْ اْلخَا ِطِئيَ (‬ ‫يُوسُفُ أَ ْعرِضْ عَ ْن هَذَا وَا ْستَغْ ِفرِي لِ َذْنِبكِ ِإنّكِ كُن ِ‬

‫‪)29‬‬

‫قال عزيز "مصر"‪ :‬يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فل تذكره لحد‪,‬‬ ‫ت من الثي ف مراودة‬ ‫واطلب ‪-‬أيتها الرأة‪ -‬الغفرة لذنبك؛ إنك كن ِ‬ ‫يوسف عن نفسه‪ ,‬وف افترائك عليه‪.‬‬ ‫سهِ قَدْ شَغَ َفهَا ُحبّا‬ ‫سوَةٌ فِي الْمَدِيَنةِ امْرَأَ ُة الْعَزِيزِ ُترَاوِدُ َفتَاهَا عَنْ نَ ْف ِ‬ ‫وَقَالَ ِن ْ‬ ‫‪757‬‬

‫ي (‪)30‬‬ ‫ِإنّا َلنَرَاهَا فِي ضَللٍ ُمِب ٍ‬ ‫ووصل الب إل نسوة ف الدينة فتحدثن به‪ ,‬وقلن منكرات على امرأة‬ ‫العزيز‪ :‬امرأة العزيز تاول غلمها عن نفسه‪ ,‬وتدعوه إل نفسها‪ ,‬وقد‬ ‫بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلفه)‪ ,‬إنا لَنراها ف هذا الفعل لفي‬ ‫ضلل واضح‪.‬‬ ‫ت كُلّ‬ ‫ت لَهُنّ ُمتّ َكأً وَآتَ ْ‬ ‫ت بِمَ ْكرِهِنّ َأرْ َسلَتْ ِإَلْيهِنّ وَأَ ْعَتدَ ْ‬ ‫َفلَمّا سَمِعَ ْ‬ ‫وَاحِدَ ٍة ِمْنهُنّ سِكّينا وَقَالَتْ اخْ ُرجْ َعَلْيهِنّ فَلَمّا رََأْيَنهُ أَ ْكبَ ْرَنهُ وَقَطّعْنَ‬

‫َأيْ ِدَيهُنّ وَقُلْنَ حَاشَ لِّلهِ مَا َهذَا َبشَرا ِإنْ هَذَا إِلّ مََلكٌ َك ِريٌ (‪)31‬‬

‫فلما سعت امرأة العزيز ب ِغيْبتهن إياها واحتيالن ف ذمّها‪ ,‬أرسلت إليهن‬ ‫تدعوهن لزيارتا‪ ,‬وهيّأت لن ما يتكئن عليه من الوسائد‪ ,‬وما يأكلنه من‬ ‫الطعام‪ ,‬وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطّعن الطعام‪ ,‬ث قالت‬ ‫ليوسف‪ :‬اخرج عليهن‪ ,‬فلما رأينه أعظمنه وأجللنه‪ ,‬وأ َخذَهن حسنه‬ ‫وجاله‪ ,‬فجرحن أيديهن وهن يُقَطّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول‪,‬‬ ‫وقلن متعجبات‪ :‬معاذ ال‪ ,‬ما هذا من جنس البشر; لن جاله غي‬ ‫معهود ف البشر‪ ,‬ما هو إل مَلَك كري من اللئكة‪.‬‬

‫‪758‬‬

‫سهِ فَا ْستَعْصَ َم َوَلئِنْ لَمْ‬ ‫ت فَ َذلِكُنّ الّذِي لُ ْمُتّننِي فِي ِه وَلَقَ ْد رَاوَدّتهُ عَ ْن نَ ْف ِ‬ ‫قَالَ ْ‬ ‫جنَنّ َوَليَكُونَ مِنَ الصّاغِرِينَ (‪)32‬‬ ‫سَ‬ ‫يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ َلُي ْ‬ ‫قالت امرأة العزيز للنسوة اللت قطّعن أيديهن‪ :‬فهذا الذي أصابكن ف‬ ‫رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفت الذي لُمُتنّن ف الفتتان به‪ ,‬ولقد طلبته‬ ‫وحاولت إغراءه; ليستجيب ل فامتنع وأب‪ ,‬ولئن ل يفعل ما آمره به‬ ‫مستقبل لَيعاَقبَنّ بدخول السجن‪ ,‬ولَيكونن من الذلء‪.‬‬ ‫ف َعنّي َكْيدَهُنّ‬ ‫قَالَ َربّ السّجْنُ َأحَبّ ِإلَيّ ِممّا يَدْعُوَننِي ِإَليْهِ َوإِلّ تَصْرِ ْ‬

‫َأصْبُ ِإَلْيهِنّ وَأَكُنْ مِ ْن اْلجَاهِلِيَ (‪)33‬‬

‫ل ما‬ ‫ب السجنُ أحب إ ّ‬ ‫قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن‪ :‬يا ر ّ‬ ‫يدعونن إليه من عمل الفاحشة‪ ,‬وإن ل تدفع عن مكرهن أَمِ ْل إليهن‪,‬‬ ‫وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الث لهلهم‪.‬‬ ‫ف َعْنهُ َكيْدَهُنّ ِإّنهُ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ (‪)34‬‬ ‫ب لَهُ َرّبهُ فَصَرَ َ‬ ‫فَا ْسَتجَا َ‬ ‫فاستجاب ال ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز‬ ‫وصواحباتا من معصية ال‪ .‬إن ال هو السميع لدعاء يوسف‪ ,‬ودعاء‬ ‫‪759‬‬

‫كل داع مِن خلقه‪ ,‬العليم بطلبه وحاجته وما يصلحه‪ ,‬وباجة جيع‬ ‫خلقه وما يصلحهم‪.‬‬ ‫سجُُنّنهُ َحتّى ِحيٍ (‪)35‬‬ ‫ثُ ّم بَدَا َلهُ ْم مِنْ بَعْ ِد مَا رََأوْا اليَاتِ َلَي ْ‬ ‫ث ظهر للعزيز وأصحابه ‪-‬من بعد ما رأوا الدلة على براءة يوسف‬ ‫وعفته‪ -‬أن يسجنوه إل زمن يطول أو يقصر; منعًا للفضيحة‪.‬‬ ‫سجْنَ َفَتيَانِ قَالَ أَ َحدُهُمَا ِإنّي َأرَانِي أَعْصِرُ خَمْرا وَقَا َل‬ ‫وَ َدخَلَ مَ َع ُه ال ّ‬ ‫الخَرُ ِإنّي َأرَانِي َأحْمِلُ َفوْقَ رَْأسِي ُخبْزا تَأْكُلُ ال ّطيْرُ ِمْنهُ َنّبْئنَا ِبتَ ْأوِيِلهِ ِإنّا‬ ‫سِنيَ (‪)36‬‬ ‫نَرَاكَ مِ ْن الْ ُمحْ ِ‬ ‫ودخل السجن مع يوسف َفتَيان‪ ,‬قال أحدها‪ :‬إن رأيت ف النام أن‬ ‫أعصر عنبًا ليصي خرًا‪ ,‬وقال الخر‪ :‬إن رأيت أن أحل فوق رأسي‬ ‫خبزًا تأكل الطي منه‪ ,‬أخبنا ‪-‬يا يوسف ‪-‬بتفسي ما رأينا‪ ,‬إنا نراك من‬ ‫الذين يسنون ف عبادتم ل‪ ,‬ومعاملتهم للقه‪.‬‬ ‫قَالَ ل يَ ْأتِيكُمَا طَعَامٌ ُت ْرزَقَانِهِ إِلّ َنبّ ْأتُكُمَا ِبتَ ْأوِيِلهِ َقبْلَ َأنْ يَ ْأِتيَ ُكمَا َذلِكُمَا‬ ‫‪760‬‬

‫ت مِّلةَ َقوْ ٍم ل ُيؤْ ِمنُونَ بِالّلهِ وَهُ ْم بِالخِرَ ِة هُمْ‬ ‫مِمّا عَلّ َمنِي َربّي ِإنّي تَرَكْ ُ‬ ‫كَافِرُونَ (‪)37‬‬ ‫قال لما يوسف‪ :‬ل يأتيكما طعام ترزقانه ف حال من الحوال إل‬ ‫أخبتكما بتفسيه قبل أن يأتيكما‪ ,‬ذلكما التعبي الذي سأعبّره لكما ما‬ ‫علّمن رب; إن آمنت به‪ ,‬وأخلصت له العبادة‪ ,‬وابتعدت عن دين قوم‬ ‫ل يؤمنون بال‪ ,‬وهم بالبعث والساب جاحدون‪.‬‬ ‫ت مِّلةَ آبَائِي ِإبْرَاهِيمَ وَِإ ْسحَقَ َويَعْقُوبَ مَا كَانَ َلنَا َأنْ ُنشْرِ َك بِاللّهِ‬ ‫وَاّتبَعْ ُ‬ ‫ك مِنْ فَضْ ِل الّلهِ عََلْينَا وَعَلَى النّاسِ وَلَكِنّ أَ ْكثَرَ النّاسِ ل‬ ‫مِنْ شَ ْيءٍ َذلِ َ‬ ‫َيشْكُرُونَ (‪)38‬‬ ‫واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت ال وحده‪ ,‬ما‬ ‫كان لنا أن نعل ل شريكًا ف عبادته‪ ,‬ذلك التوحيد بإفراد ال بالعبادة‪,‬‬ ‫ما تفضل ال به علينا وعلى الناس‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون ال‬ ‫على نعمة التوحيد واليان‪.‬‬ ‫ب ُمتَفَرّقُونَ َخيْرٌ أَمْ الّلهُ اْلوَا ِحدُ الْ َقهّارُ (‪)39‬‬ ‫سجْنِ َأَأ ْربَا ٌ‬ ‫يَا صَا ِحبَ ِي ال ّ‬ ‫‪761‬‬

‫وقال يوسف لل َفتَيي اللذين معه ف السجن‪ :‬أعبادةُ آلةٍ ملوقة شت خي‬ ‫أم عبادة ال الواحد القهار؟‬ ‫مَا تَ ْعُبدُونَ مِنْ دُوِنهِ إِلّ َأسْمَاءً َس ّمْيتُمُوهَا َأْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم مَا أَنزَلَ الّلهُ ِبهَا‬ ‫ك الدّي ُن الْ َقيّمُ‬ ‫مِنْ سُلْطَانٍ ِإنْ الْحُكْمُ إِلّ لِّلهِ أَمَرَ أَلّ تَ ْعُبدُوا إِلّ ِإيّاهُ َذلِ َ‬ ‫َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل يَعَْلمُونَ (‪)40‬‬ ‫ما تعبدون من دون ال إل أساءً ل معان وراءها‪ ,‬جعلتموها أنتم‬ ‫وآباؤكم أربابًا جهل منكم وضلل‪ ،‬ما أنزل ال من حجة أو برهان‬ ‫على صحتها‪ ,‬ما الكم الق إل ل تعال وحده‪ ,‬ل شريك له‪ ,‬أمر أل‬ ‫تنقادوا ول تضعوا لغيه‪ ,‬وأن تعبدوه وحده‪ ,‬وهذا هو الدين القيم‬ ‫الذي ل عوج فيه‪ ,‬ولكن أكثر الناس يهلون ذلك‪ ,‬فل يعلمون حقيقته‪.‬‬ ‫سجْنِ أَمّا أَ َحدُكُمَا َفَيسْقِي َربّهُ خَمْرا وَأَمّا الخَ ُر َفيُصْلَبُ‬ ‫يَا صَا ِحبَ ِي ال ّ‬ ‫ستَ ْفِتيَانِ (‪)41‬‬ ‫ضيَ الَمْ ُر الّذِي فِي ِه َت ْ‬ ‫َفتَأْكُلُ ال ّطيْرُ مِ ْن رَأْ ِسهِ قُ ِ‬ ‫يا صاحبّ ف السجن‪ ,‬إليكما تفسيَ رؤياكما‪ :‬أما الذي رأى أنه يعصر‬ ‫العنب ف رؤياه فإنه يرج من السجن ويكون ساقي المر للملك‪ ,‬وأما‬ ‫‪762‬‬

‫الخر الذي رأى أنه يمل على رأسه خبزًا فإنه يُصْلب وُيتْرك‪ ,‬وتأكل‬ ‫الطي من رأسه‪ ,‬قُضي المر الذي فيه تستفتيان وفُرغ منه‪.‬‬ ‫شيْطَانُ ذِكْرَ‬ ‫ك فَأَنسَاهُ ال ّ‬ ‫وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ َأّن ُه نَاجٍ ِمْنهُمَا اذْكُ ْرنِي ِعْندَ َربّ َ‬ ‫سجْنِ بِضْعَ ِسِنيَ (‪)42‬‬ ‫ث فِي ال ّ‬ ‫َرّبهِ فََلبِ َ‬ ‫وقال يوسف للذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه‪ :‬اذكرن عند سيّدك اللك‬ ‫وأخبه بأن مظلوم مبوس بل ذنب‪ ,‬فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن‬ ‫يذكر للملك حال يوسف‪ ,‬فمكث يوسف بعد ذلك ف السجن عدة‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫ف وَ َسبْ َع‬ ‫وَقَالَ الْمَلِكُ ِإنّي َأرَى َسبْ َع بَقَرَاتٍ ِسمَانٍ يَأْكُُلهُنّ َسبْ ٌع ِعجَا ٌ‬ ‫ت يَا َأّيهَا الْمَل أَ ْفتُونِي فِي ُر ْؤيَاي ِإنْ كُنُتمْ‬ ‫ُسْنبُلتٍ خُضْ ٍر وَأُخَ َر يَاِبسَا ٍ‬ ‫لِل ّر ْؤيَا تَ ْعبُرُونَ (‪)43‬‬ ‫وقال اللك‪ :‬إن رأيت ف منامي سبع بقرات سان‪ ,‬يأكلهن سبع بقرات‬ ‫نيلت من المهُزال‪ ,‬ورأيت سبع سنبلت خضر‪ ,‬وسبع سنبلت‬ ‫يابسات‪ ,‬يا أيها السادة والكباء أخبون عن هذه الرؤيا‪ ,‬إن كنتم‬ ‫للرؤيا تُ َفسّرون‪.‬‬ ‫‪763‬‬

‫قَالُوا َأضْغَاثُ أَحْلمٍ وَمَا َنحْنُ ِبتَ ْأوِيلِ الَحْلمِ بِعَالِ ِميَ (‪)44‬‬ ‫قالوا‪ :‬رؤياك هذه أخلط أحلم ل تأويل لا‪ ,‬وما نن بتفسي الحلم‬ ‫بعالي‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي َنجَا ِمْنهُمَا وَاِدّكَرَ بَ ْعدَ أُ ّمةٍ َأنَا ُأَنّبئُ ُكمْ ِبتَ ْأوِيِلهِ فََأ ْرسِلُونِ (‬

‫‪)45‬‬

‫وقال الذي نا من القتل من صاحبَي يوسف ف السجن وتذكر بعد مدة‬ ‫ما نسي من أمر يوسف‪ :‬أنا أخبكم بتأويل هذه الرؤيا‪ ,‬فابعثون إل‬ ‫يوسف لتيكم بتفسيها‪.‬‬ ‫يُوسُفُ َأّيهَا الصّدّيقُ أَ ْفِتنَا فِي َسْبعِ بَ َقرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُُلهُنّ َسْبعٌ ِعجَافٌ‬ ‫ت لَعَلّي َأ ْرجِعُ ِإلَى النّاسِ لَعَّلهُمْ‬ ‫وَ َسبْعِ ُسْنبُلتٍ خُضْرٍ َوأُخَ َر يَاِبسَا ٍ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)46‬‬

‫وعندما وصل الرجل إل يوسف قال له‪ :‬يوسف أيها الصديق فسّر لنا‬ ‫رؤيا مَن رأى سبع بقرات سان يأكلهن سبع بقرات هزيلت‪ ,‬ورأى‬ ‫‪764‬‬

‫سبع سنبلت خضر وأخر يابسات; لعلي أرجع إل اللك وأصحابه‬ ‫فأخبهم; ليعلموا تأويل ما سألتك عنه‪ ,‬وليعلموا مكانتك وفضلك‪.‬‬ ‫ص ْدتُمْ فَ َذرُوهُ فِي ُسْنبُِلهِ إِلّ َقلِيلً ِممّا‬ ‫قَالَ َت ْزرَعُونَ َسبْعَ ِسِنيَ َدأَبا َفمَا حَ َ‬ ‫تَأْكُلُونَ (‪)47‬‬ ‫قال يوسف لسائله عن رؤيا اللك‪ :‬تفسي هذه الرؤيا أنكم تزرعون سبع‬ ‫سني متتابعة جادّين ليَ ْكثُر العطاء‪ ,‬فما حصدت منه ف كل مرة‬ ‫فادّخِروه‪ ,‬واتركوه ف سنبله; ليتمّ حفظه من التسوّس‪ ,‬وليكون أبقى‪ ,‬إل‬ ‫قليل ما تأكلونه من البوب‪.‬‬ ‫ل مِمّا‬ ‫ثُ ّم يَ ْأتِي مِنْ بَعْدِ َذلِكَ َسبْعٌ ِشدَادٌ يَأْكُلْ َن مَا قَدّ ْمُتمْ َلهُنّ إِ ّل قَلِي ً‬ ‫صنُونَ (‪)48‬‬ ‫ُتحْ ِ‬ ‫ث يأت بعد هذه السني الِصْبة سبع سني شديدة الَدْب‪ ,‬يأكل أهلها‬ ‫كل ما ادّخرت لن من قبل‪ ,‬إل قليل ما تفظونه وتدّخرونه ليكون‬ ‫بذورًا للزراعة‪.‬‬

‫‪765‬‬

‫صرُونَ (‪)49‬‬ ‫ث النّاسُ وَفِيهِ يَعْ ِ‬ ‫ك عَامٌ فِيهِ يُغَا ُ‬ ‫ثُ ّم يَ ْأتِي مِنْ بَعْدِ َذلِ َ‬ ‫ث يأت من بعد هذه السني الجدبة عام يغاث فيه الناس بالطر‪ ,‬فيفع ال‬ ‫تعال عنهم الشدة‪ ,‬ويعصرون فيه الثمار من كثرة الِصْب والنماء‪.‬‬ ‫ك فَاسَْأْلهُ مَا‬ ‫ك اْئتُونِي ِبهِ فََلمّا جَاءَهُ الرّسُو ُل قَالَ ارْجِعْ ِإلَى َربّ َ‬ ‫وَقَالَ الْمَلِ ُ‬ ‫لتِي قَطّعْنَ َأيْ ِدَيهُنّ ِإ ّن َربّي بِ َكيْدِهِنّ َعلِيمٌ (‪)50‬‬ ‫سوَةِ ال ّ‬ ‫بَالُ الّن ْ‬ ‫وقال اللك لعوانه‪ :‬أخرجوا الرجل العبّر للرؤيا من السجن وأحضروه‬ ‫ل‪ ,‬فلما جاءه رسول اللك يدعوه قال يوسف للرسول‪ :‬ارجع إل‬ ‫سيدك اللك‪ ,‬واطلب منه أن يسأل النسوة اللت جرحن أيديهن عن‬ ‫حقيقة أمرهن وشأنن معي; لتظهر القيقة للجميع‪ ,‬وتتضح براءت‪ ,‬إن‬ ‫رب عليم بصنيعهن وأفعالن ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬ ‫سهِ قُلْنَ حَاشَ لِّلهِ مَا عَلِ ْمنَا‬ ‫قَالَ مَا خَ ْطبُكُنّ إِ ْذ رَاوَدتّنّ يُو ُسفَ عَنْ نَ ْف ِ‬ ‫صحَصَ الْحَقّ َأنَا رَاوَدّتهُ عَنْ‬ ‫عََلْيهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْ َرأَةُ الْعَزِي ِز النَ حَ ْ‬

‫سهِ وَِإّنهُ لَمِنْ الصّادِِقيَ (‪)51‬‬ ‫نَ ْف ِ‬

‫‪766‬‬

‫قال اللك للنسوة اللت جرحن أيديهن‪ :‬ما شأنكن حي راودتنّ يوسف‬ ‫عن نفسه يوم الضيافة؟ فهل رأيت منه ما يريب؟ قلن‪ :‬معاذ ال ما علمنا‬ ‫عليه أدن شيء يَشينه‪ ,‬عند ذلك قالت امراة العزيز‪ :‬الن ظهر الق بعد‬ ‫خفائه‪ ,‬فأنا الت حاولت فتنته بإغرائه فامتنع‪ ,‬وإنه لن الصادقي ف كل‬ ‫ما قاله‪.‬‬ ‫َذلِكَ ِليَعْلَمَ َأنّي لَمْ َأ ُخْنهُ بِالْ َغيْبِ وََأنّ الّلهَ ل َيهْدِي َكيْ َد الْخَاِئنِيَ (‪)52‬‬ ‫ذلك القول الذي قلته ف تنيهه والقرار على نفسي ليعلم زوجي أن ل‬ ‫أخنه بالكذب عليه‪ ,‬ول تقع من الفاحشة‪ ,‬وأنن راودته‪ ,‬واعترفت‬ ‫بذلك لظهار براءت وبراءته‪ ,‬وأن ال ل يوفق أهل اليانة‪ ,‬ول يرشدهم‬ ‫ف خيانتهم‪.‬‬

‫‪767‬‬

‫الزء الثالث عشر ‪:‬‬ ‫ئ نَفْسِي ِإنّ النّفْسَ لَمّارَةٌ بِالسّوءِ إِلّ مَا رَ ِح َم َربّي ِإنّ َربّي غَفُورٌ‬ ‫وَمَا ُأبَرّ ُ‬ ‫رَحِي ٌم (‪)53‬‬ ‫قالت امرأة العزيز‪ :‬وما أزكي نفسي ول أبرئها‪ ,‬إن النفس لكثية المر‬ ‫لصاحبها بعمل العاصي طلبا للذاتا‪ ,‬إل مَن عصمه ال‪ .‬إن ال غفور‬ ‫لذنوب مَن تاب مِن عباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ك اْلَيوْمَ لَ َدْينَا‬ ‫صهُ ِلنَفْسِي َفلَمّا كَلّمَ ُه قَالَ ِإنّ َ‬ ‫وَقَالَ الْمَلِكُ اْئتُونِي بِهِ أَ ْسَتخْلِ ْ‬ ‫مَ ِكيٌ َأ ِميٌ (‪)54‬‬ ‫وقال اللك الاكم لم "مصر" حي بلغته براءة يوسف‪ :‬جيئون به‬ ‫أجعله من خلصائي وأهل مشورت‪ ,‬فلما جاء يوسف وكلّمه اللك‪,‬‬ ‫وعرف براءته‪ ,‬وعظيم أمانته‪ ,‬وحسن خلقه‪ ,‬قال له‪ :‬إنك اليوم عندنا‬ ‫عظيم الكانة‪ ,‬ومؤتن على كل شيء‪.‬‬

‫‪768‬‬

‫قَالَ اجْعَ ْلنِي عَلَى خَزَائِنِ ا َلرْضِ ِإنّي حَفِيظٌ َعلِيمٌ (‪)55‬‬ ‫وأراد يوسف أن ينفع العباد‪ ,‬ويقيم العدل بينهم‪ ,‬فقال للملك‪ :‬اجعلن‬ ‫واليًا على خزائن "مصر"‪ ,‬فإن خازن أمي‪ ,‬ذو علم وبصية با أتوله‪.‬‬ ‫ْثم َيشَاءُ نُصمِيبُ‬ ‫ْضم َيَتَبوُّأ ِمنْهَا َحي ُ‬ ‫ُوسمفَ فِي ا َلر ِ‬ ‫ِكم مَ ّكنّام ِلي ُ‬ ‫وَكَ َذل َ‬ ‫سنِيَ (‪)56‬‬ ‫حِ‬ ‫بِرَ ْح َمِتنَا مَنْ َنشَاءُ وَل نُضِيعُ أَ ْجرَ الْ ُم ْ‬ ‫وكما أنعم ال على يوسف باللص من السجن مكّن له ف أرض‬ ‫"مصر" ينل منها أي منل شاءه‪ .‬يصيب ال برحته من يشاء من عباده‬ ‫التقي‪ ,‬ول يضيع أجر مَن أحسن شيئًا مِن العمل الصال‪.‬‬ ‫وَلَ ْجرُ ال ِخرَةِ َخيْرٌ لِلّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ (‪)57‬‬ ‫ولَثواب الخرة عند ال أعظم من ثواب الدنيا لهل اليان والتقوى‬ ‫الذين يافون عقاب ال‪ ,‬ويطيعونه ف أمره ونيه‪.‬‬ ‫ف فَ َدخَلُوا عََلْيهِ فَعَرََفهُ ْم وَهُمْ َلهُ مُن ِكرُونَ (‪)58‬‬ ‫وَجَاءَ ِإ ْخوَةُ يُوسُ َ‬

‫‪769‬‬

‫وقدِمَ إخوة يوسف إل "مصر" ‪-‬بعد أن حلّ بم الدب ف أرضهم‪;-‬‬ ‫ليجلبوا منها الطعام‪ ,‬فدخلوا عليه فعرفهم‪ ,‬ول يعرفوه لطول الدة وتغيّر‬ ‫هيئته‪.‬‬ ‫جهَازِهِ مْ قَالَ اْئتُونِي بِأَ خٍ لَكُ ْم مِ نْ َأبِيكُ مْ أَل تَ َروْ نَ َأنّي‬ ‫َولَمّا َجهّزَهُ مْ ِب َ‬ ‫أُوفِي الْ َكيْلَ َوَأنَا َخيْ ُر الْمُ ِنلِيَ ( ‪)59‬‬ ‫وقد أمر يوسف بإكرامهم وحسن ضيافتهم‪ ,‬ث أعطاهم من الطعام ما‬ ‫طلبوا‪ ,‬وكانوا قد أخبوه أن لم أخًا من أبيهم ل يُحضروه معهم‬ ‫يريدون شقيقه‪ -‬فقال‪ :‬ائتون بأخيكم من أبيكم‪ ,‬أل تروا أن أوفيتُ‬‫لكم الكيل وأكرمتكم ف الضيافة‪ ,‬وأنا خي الضيفي لكم؟‬ ‫َفِإنْ لَ ْم تَ ْأتُونِي ِبهِ فَل َكيْلَ لَكُ ْم عِندِي وَل تَقْ َربُونِ (‪)60‬‬ ‫فإن ل تأتون به فليس لكم عندي طعام أكيله لكم‪ ,‬ول تأتوا إلّ‪.‬‬ ‫قَالُواْ َسنُرَاوِ ُد َعْنهُ َأبَاهُ وَِإنّا لَفَاعِلُونَ (‪)61‬‬ ‫قالوا‪ :‬سنبذل جهدنا لقناع أبيه أن يرسله معنا‪ ,‬ولن نقصّر ف ذلك‪.‬‬ ‫‪770‬‬

‫وَقَالَ لِ ِفْتيَانِهِ اجْ َعلُواْ بِضَا َعتَهُمْ فِي رِحَاِلهِمْ لَعَّلهُمْ يَعْ ِرفُونَهَا إِذَا انقََلبُواْ ِإلَى‬

‫أَهِْلهِ ْم لَعَّلهُمْ يَ ْرجِعُونَ ( ‪)62‬‬

‫وقال يوسف لغلمانه‪ :‬اجعلوا ثن ما أخذوه ف أمتعتهم سرًا; رجاء أن‬ ‫يعرفوه إذا رجعوا إل أهلهم‪ ,‬ويقدّروا إكرامنا لم؛ ليجعوا طمعًا ف‬ ‫عطائنا‪.‬‬ ‫َفلَمّ ا رَجِعُوا ِإلَى َأبِيهِ ْم قَالُواْ يَا َأبَانَا ُمِن عَ ِمنّ ا الْ َكيْلُ فََأرْ سِ ْل مَعَنَا َأخَانَا‬ ‫نَ ْكتَلْ وَِإنّا َلهُ َلحَافِظُونَ (‪)63‬‬ ‫فلما رجعوا إل أبيهم قصّوا عليه ما كان من إكرام العزيز لم‪ ,‬وقالوا‪:‬‬ ‫إنه لن يعطينا مستقبَل إل إذا كان معنا أخونا الذي أخبناه به‪ ,‬فأرسلْه‬ ‫معنا نضر الطعام وافيًا‪ ,‬ونتعهد لك بفظه‪.‬‬ ‫قَالَ هَلْ آ َمنُكُمْ َعَليْهِ إِلّ كَمَا أَمِنتُ ُك ْم عَلَى أَخِيهِ مِن َقبْلُ فَالّلهُ َخْيرٌ حَافِظًا‬ ‫وَ ُهوَ َأرْ َحمُ الرّاحِ ِميَ (‪)64‬‬

‫‪771‬‬

‫قال لم أبوهم‪ :‬كيف آمنكم على "بنيامي" وقد أمنتكم على أخيه‬ ‫يوسف من قبل‪ ,‬والتزمتم بفظه فلم تفوا بذلك؟ فل أثق بالتزامكم‬ ‫وحفظكم‪ ,‬ولكن أثق بفظ ال‪ ,‬خي الافظي وأرحم الراحي‪ ,‬أرجو‬ ‫أن يرحن فيحفظه ويرده عليّ‪.‬‬ ‫َولَمّا َفَتحُوا َمتَا َعهُ مْ وَ َجدُوا بِضَا َعتَهُ مْ رُدّ تْ ِإَلْيهِ ْم قَالُوا يَا َأبَانَا مَا َنبْغِي‬ ‫هَذِ ِه بِضَا َعتُنَا رُدّتْ ِإَلْينَا َونَمِيُ أَهَْلنَا َوَنحْفَظُ َأخَانَا َونَزْدَا ُد َكيْلَ بَعِيٍ َذلِكَ‬ ‫َكيْلٌ َيسِيٌ (‪)65‬‬ ‫ولا فتحوا أوعيتهم وجدوا ثن بضاعتهم الذي دفعوه قد رُدّ إليهم قالوا‪:‬‬ ‫يا أبانا ماذا نطلب أكثر من هذا؟ هذا ثن بضاعتنا ردّه العزيز إلينا‪ ,‬فكن‬ ‫مطمئنًا على أخينا‪ ,‬وأرسله معنا; لنجلب طعامًا وفيًا لهلنا‪ ,‬ونفظ‬ ‫أخانا‪ ,‬ونزداد ِحمْلَ بعي له; فإن العزيز يكيل لكل واحد حِمْ َل بعي‪,‬‬ ‫وذلك كيل يسي عليه‪.‬‬ ‫قَالَ لَ نْ ُأرْ سَِلهُ مَ َعكُ مْ َحتّ ى ُت ْؤتُونِي َم ْوثِقا مِ نْ اللّ هِ َلتَ ْأتُونَنِي بِ هِ إِلّ أَ نْ‬ ‫ُيحَاطَ بِ ُكمْ َفلَمّا آَتوْهُ َم ْوثِ َقهُمْ قَالَ الّلهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (‪)66‬‬

‫‪772‬‬

‫قال لم يعقوب‪ :‬لن أتركه يذهب معكم حت تتعهدوا وتلفوا ل بال‬ ‫أن تردوه إلّ‪ ,‬إل أن تُغْلبوا عليه فل تستطيعوا تليصه‪ ,‬فلما أع َطوْه عهد‬ ‫ال على ما طلب‪ ,‬قال يعقوب‪ :‬ال على ما نقول وكيل‪ ,‬أي تكفينا‬ ‫شهادته علينا وحفظه لنا‪.‬‬ ‫وَقَالَ يَا بَنِي ل تَ ْدخُلُوا مِ نْ بَا بٍ وَاحِ ٍد وَادْخُلُوا مِ نْ َأْبوَا بٍ ُمتَفَرَّقةٍ وَمَا‬ ‫أُغْنِي عَنكُ ْم مِ نْ اللّ هِ مِ نْ شَ ْيءٍ إِ نْ اْلحُكْ مُ إِلّ لِلّ هِ عََليْ هِ َتوَكّ ْل تُ وَعََليْ هِ‬ ‫فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمَتوَكّلُونَ (‪)67‬‬ ‫وقال لم أبوهم‪ :‬يا أبنائي إذا دخلتم أرض "مصر" فل تدخلوا مِن باب‬ ‫واحد‪ ,‬ولكن ادخلوها من أبواب متفرقة‪ ,‬حت ل تصيبكم العي‪ ,‬وإن‬ ‫إذ أوصيكم بذا ل أدفع عنكم شيئًا قضاه ال عليكم‪ ,‬فما الكم إل ل‬ ‫وحده‪ ,‬عليه اعتمدت ووثقت‪ ,‬وعليه وحده يعتمد الؤمنون‪.‬‬ ‫َولَمّ ا َدخَلُوا مِ نْ َحيْ ثُ أَ َمرَهُ مْ َأبُوهُ مْ مَا كَا نَ يُغْنِي َعْنهُ مْ مِ ْن اللّ هِ مِ ْن‬ ‫شَ ْيءٍ إِلّ حَا َجةً فِي نَفْسِ يَعْقُو بَ قَضَاهَا وَِإنّ هُ لَذُو عِلْ ٍم لِمَا عَلّ ْمنَا هُ َولَكِنّ‬ ‫أَ ْكثَ َر النّاسِ ل يَ ْعلَمُونَ ( ‪)68‬‬

‫‪773‬‬

‫ولا دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم‪ ,‬ما كان ذلك ليدفع‬ ‫قضاء ال عنهم‪ ,‬ولكن كان شفقة ف نفس يعقوب عليهم أن تصيبهم‬ ‫العي‪ ,‬وإن يعقوب لصاحب عل ٍم عظيم بأمر دينه علّمه ال له و ْحيًا‪,‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون عواقب المور ودقائق الشياء‪ ,‬وما يعلمه‬ ‫يعقوب ‪-‬عليه السلم‪ -‬مِن أمر دينه‪.‬‬ ‫ف آوَى ِإَليْ هِ َأخَا هُ قَالَ ِإنّ ي أَنَا َأخُو َك فَل َتْبَتئِ سْ‬ ‫َولَمّ ا دَ َخلُوا عَلَى يُو سُ َ‬ ‫بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪)69‬‬ ‫ولا دخل إخوة يوسف عليه ف منل ضيافته ومعهم شقيقه‪ ,‬ضم يوسف‬ ‫إليه شقيقه‪ ,‬وقال له سرًا‪ :‬إن أنا أخوك فل تزن‪ ,‬ول تغتمّ با صنعوه ب‬ ‫فيما مضى‪ .‬وأمره بكتمان ذلك عنهم‪.‬‬ ‫َفلَمّا َجهّزَهُ ْم ِبجَهَازِهِمْ َجعَلَ السّقَاَيةَ فِي رَحْلِ َأخِيهِ ثُمّ َأذّنَ ُمؤَذّنٌ َأّيُتهَا‬ ‫الْعِيُ ِإنّكُ ْم َلسَارِقُونَ (‪)70‬‬ ‫فلما جهزّهم يوسف‪ ,‬وحّل إبلهم بالطعام‪ ,‬أمر عماله‪ ,‬فوضعوا الناء‬ ‫الذي كان يكيل للناس به ف متاع أخيه "بنيامي" من حيث ل يشعر‬ ‫‪774‬‬

‫أحد‪ ,‬ولا ركبوا ليسيوا نادى منا ٍد قائل يا أصحاب هذه العي الحمّلة‬ ‫بالطعام‪ ,‬إنكم لسارقون‪.‬‬ ‫قَالُوا وَأَ ْقبَلُوا عََلْيهِ ْم مَاذَا تَفْ ِقدُونَ (‪)71‬‬ ‫قال أولد يعقوب مقبلي على النادي‪ :‬ما الذي تفقدونه؟‬ ‫ك وَلِمَنْ جَاءَ ِبهِ حِمْلُ بَعِ ٍي وََأنَا ِبهِ زَعِي ٌم (‪)72‬‬ ‫صوَاعَ الْمَلِ ِ‬ ‫قَالُوا نَفْقِ ُد ُ‬ ‫قال النادي ومَن بضرته‪ :‬نفقد الكيال الذي يكيل اللك به‪ ,‬ومكافأة‬ ‫من يضره مقدار حِمْل بعي من الطعام‪ ,‬وقال النادي‪ :‬وأنا بِمْل البعي‬ ‫من الطعام ضامن وكفيل‪.‬‬ ‫قَالُوا تَاللّ هِ لَقَدْ عَِل ْمتُ مْ مَا ِجئْنَا ِلنُفْ سِدَ فِي ا َلرْ ضِ وَمَا ُكنّ ا سَارِِقيَ (‬ ‫‪)73‬‬ ‫قال إخوة يوسف‪ :‬وال لقد تققتم ما شاهدتوه منا أننا ما جئنا أرض‬ ‫"مصر" من أجل الفساد فيها‪ ,‬وليس من صفاتنا أن نكون سارقي‪.‬‬

‫‪775‬‬

‫قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ ِإنْ كُنتُمْ كَا ِذِبيَ (‪)74‬‬ ‫قال الكلّفون بالبحث عن الكيال لخوة يوسف‪ :‬فما عقوبة السارق‬ ‫عندكم إن كنتم كاذبي ف قولكم‪ :‬لسنا بسارقي؟‬ ‫قَالُوا َجزَاؤُ هُ مَ نْ وُ ِجدَ فِي رَحْلِ ِه َف ُهوَ َجزَاؤُ هُ كَ َذلِ كَ َنجْزِي الظّالِمِيَ (‬ ‫‪)75‬‬ ‫قال إخوة يوسف‪ :‬جزاء السارق مَن وُجِد السروق ف رحله فهو‬ ‫جزاؤه‪ .‬أي يسلّم بسرقته إل مَن سرق منه حت يكون عبدًا عنده‪ ,‬مثل‬ ‫هذا الزاء ‪-‬وهو السترقاق‪ -‬نزي الظالي بالسرقة‪ ,‬وهذا ديننا وسنتنا‬ ‫ف أهل السرقة‪.‬‬ ‫َفَبدََأ بَِأوْ ِعَيتِهِ مْ َقبْ َل وِعَاءِ أَخِي هِ ثُمّ ا ْسَتخْرَ َجهَا مِ نْ وِعَاءِ أَخِي هِ كَ َذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫كِ ْدنَا ِليُو سُفَ مَا كَا نَ ِليَأْ ُخذَ أَخَا هُ فِي دِي ِن الْمَلِ كِ إِلّ أَ نْ َيشَاءَ اللّ هُ نَرَْف عُ‬ ‫ت مَنْ َنشَاءُ وََفوْقَ كُلّ ذِي عِلْ ٍم عَلِي ٌم (‪)76‬‬ ‫َدرَجَا ٍ‬ ‫ورجعوا بإخوة يوسف إليه‪ ,‬فقام بنفسه يفتش أمتعتهم‪ ,‬فبدأ بأمتعتهم‬ ‫قبل متاع شقيقه; إحكامًا لا دبّره لستبقاء أخيه معه‪ ,‬ث انتهى بوعاء‬ ‫‪776‬‬

‫أخيه‪ ,‬فاستخرج الناء منه‪ ,‬كذلك يسّرنا ليوسف هذا التدبي الذي‬ ‫توصّل به لخذ أخيه‪ ,‬وما كان له أن يأخذ أخاه ف حكم مَلِك "مصر";‬ ‫لنه ليس من دينه أن يتملك السارق‪ ,‬إل أن مشيئة ال اقتضت هذا‬ ‫التدبي والحتكام إل شريعة إخوة يوسف القاضية ب ِرقّ السارق‪ .‬نرفع‬ ‫منازل مَن نشاء ف الدنيا على غيه كما رفعنا منلة يوسف‪ .‬وفوق كل‬ ‫ذي عل ٍم من هو أعلم منه‪ ,‬حت ينتهي العلم إل ال تعال عال الغيب‬ ‫والشهادة‪.‬‬ ‫سهِ وَلَ مْ‬ ‫ف فِي نَفْ ِ‬ ‫ق فَ َقدْ سَ َرقَ أَ خٌ لَ هُ مِ نْ َقبْلُ فََأ سَرّهَا يُو سُ ُ‬ ‫قَالُوا إِ نْ يَ سْرِ ْ‬ ‫ُيبْدِهَا َلهُمْ قَالَ َأْنتُمْ شَ ّر مَكَانا وَالّلهُ أَعْلَ ُم بِمَا تَصِفُونَ (‪)77‬‬ ‫قال إخوة يوسف‪ :‬إنْ سرق هذا فقد سرق أخ شقيق له من قبل‬ ‫(يقصدون يوسف عليه السلم) فأخفى يوسف ف نفسه ما سعه‪,‬‬ ‫وحدّث نفسه قائل أنتم أسوأ منلة من ذكرت‪ ,‬حيث دبّرت ل ما كان‬ ‫منكم‪ ,‬وال أعلم با تصفون من الكذب والفتراء‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا َأّيهَا الْعَزِيزُ ِإنّ لَهُ أَبا َشيْخا َكبِيا َفخُذْ َأحَ َدنَا َمكَانَهُ ِإنّا نَرَا َك مِنْ‬

‫سِنيَ (‪)78‬‬ ‫حِ‬ ‫الْمُ ْ‬

‫‪777‬‬

‫قالوا مستعطفي ليوفوا بعهد أبيهم‪ :‬يا أيها العزيز إن له والدًا كبيًا ف‬ ‫السن يبه ول يطيق بُعده‪ ,‬فخُذْ أحدنا بدل من "بنيامي"‪ ,‬إنا نراك من‬ ‫الحسني ف معاملتك لنا ولغينا‪.‬‬ ‫قَالَ مَعَاذَ اللّ هِ أَ نْ نَ ْأخُذَ إِلّ مَ ْن وَجَدْنَا َمتَاعَنَا ِعنْدَ هُ ِإنّ ا إِذا لَظَالِمُو نَ (‬ ‫‪)79‬‬ ‫قال يوسف‪ :‬نعتصم بال ونستجي به أن نأخذ أحدًا غي الذي وجدنا‬ ‫الكيال عنده ‪-‬كما حكمتم أنتم‪ ,-‬فإننا إن فعلنا ما تطلبون نكون ف‬ ‫عداد الظالي‪.‬‬ ‫جيّا قَالَ َكبِيُهُ مْ َألَ مْ تَعَْلمُوا أَنّ َأبَاكُ ْم قَ ْد‬ ‫َفلَمّ ا ا ْسَتْيَئسُوا ِمنْ هُ خَلَ صُوا َن ِ‬ ‫ف فَلَ نْ َأبْرَ حَ‬ ‫َأخَذَ َعَليْكُ مْ َم ْوثِقا مِ نْ اللّ هِ وَمِ نْ َقبْ ُل مَا َفرّطتُ مْ فِي يُو سُ َ‬ ‫ا َلرْضَ َحتّى يَأْ َذنَ لِي َأبِي َأوْ َيحْكُمَ الّلهُ لِي وَ ُهوَ َخيْ ُر الْحَاكِ ِميَ (‪)80‬‬ ‫فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس‪ ,‬وأخذوا‬ ‫يتشاورون فيما بينهم‪ ,‬قال كبيهم ف السن‪ :‬أل تعلموا أن أباكم قد‬ ‫أخذ عليكم العهد الؤكد لتر ّدنّ أخاكم إل أن تُغلبوا‪ ,‬ومن قبل هذا كان‬ ‫تقصيكم ف يوسف وغدركم به; لذلك لن أفارق أرض "مصر" حت‬ ‫‪778‬‬

‫يأذن ل أب ف مفارقتها‪ ,‬أو يقضي ل رب بالروج منها‪ ,‬وأتكن مِن‬ ‫َأخْذِ أخي‪ ,‬وال خيُ مَن حَ َكمَ‪ ,‬وأعدل مَن فَصَ َل بي الناس‪.‬‬ ‫ك سَ َرقَ وَمَا َشهِدْنَا إِ ّل بِمَا‬ ‫ارْجِعُوا ِإلَى َأبِيكُ ْم فَقُولُوا يَا َأبَانَا إِنّ اْبنَ َ‬ ‫عَلِ ْمنَا وَمَا ُكنّا لِلْ َغيْبِ حافِ ِظيَ (‪)81‬‬ ‫ارجعوا أنتم إل أبيكم‪ ,‬وأخبوه با جرى‪ ,‬وقولوا له‪ :‬إن ابنك "بنيامي"‬ ‫قد سرق‪ ,‬وما شهدنا بذلك إل بعد أن َتيَ ّقنّا‪ ,‬فقد رأينا الكيال ف رحله‪,‬‬ ‫وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حي عاهدناك على ردّه‪.‬‬ ‫وَاسْأَ ْل الْقَ ْرَيةَ اّلتِي ُكنّا فِيهَا وَالْعِيَ اّلتِي أَ ْقَب ْلنَا فِيهَا وَِإنّا لَصَادِقُونَ (‪)82‬‬ ‫واسأل ‪-‬يا أبانا‪ -‬أهل "مصر"‪ ,‬ومَن كان معنا ف القافلة الت كنا فيها‪,‬‬ ‫وإننا صادقون فيما أخبناك به‪.‬‬ ‫صبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْأِتَينِي ِبهِمْ‬ ‫ت لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرا فَ َ‬ ‫قَالَ بَ ْل َسوّلَ ْ‬ ‫َجمِيعا ِإّن ُه ُهوَ الْعَلِيمُ اْلحَكِيمُ (‪)83‬‬

‫‪779‬‬

‫ولا رجعوا وأخبوا أباهم قال لم‪ :‬بل َزّينَت لكم أنفسكم المّارة‬ ‫بالسوء مكيدة دبّرتوها كما فعلتم مِن قبل مع يوسف‪ ,‬فصبي صب‬ ‫ل أبنائي الثلثة‬ ‫جيل ل جزع فيه ول شكوى معه‪ ,‬عسى ال أن يردّ إ ّ‬ ‫وهم يوسف وشقيقه وأخوهم الكبي التخلف من أجل أخيه‪ -‬إنه هو‬‫العليم بال‪ ,‬الكيم ف تدبيه‪.‬‬ ‫ت َعْينَا هُ مِ نَ اْلحُزْ نِ َف ُهوَ‬ ‫ف وَاْبيَضّ ْ‬ ‫َوَت َولّى َعْنهُ مْ وَقَالَ يَا أَ سَفَى عَلَى يُو سُ َ‬ ‫كَظِيمٌ (‪)84‬‬ ‫وأعرض يعقوب عنهم‪ ,‬وقد ضاق صدره با قالوه‪ ،‬وقال‪ :‬يا حسرتا‬ ‫ت عيناه‪ ,‬بذهاب سوادها مِن شدة الزن فهو متلئ‬ ‫على يوسف وابيضّ ْ‬ ‫القلب حزنًا‪ ,‬ولكنه شديد الكتمان له‪.‬‬ ‫قَالُوا تَاللّ هِ تَ ْفتَُأ تَذْكُ ُر يُو سُفَ َحتّى تَكُو نَ حَرَضا َأوْ َتكُو نَ مِ ْن الْهَالِكِيَ‬ ‫(‪)85‬‬ ‫قال بنوه‪ :‬تال ما تزال تتذكر يوسف‪ ,‬ويشتدّ حزنك عليه حت ُتشْرِف‬ ‫على اللك أو تلك فعل فخفف عن نفسك‪.‬‬ ‫‪780‬‬

‫قَالَ ِإنّمَا أَشْكُو َبثّ ي وَحُزْنِي ِإلَى اللّ هِ وَأَ ْعلَ مُ مِ نْ اللّ هِ مَا ل تَعَْلمُو نَ (‬

‫‪)86‬‬

‫قال يعقوب ميبًا لم‪ :‬ل أظهر هّي وحزن إل ل وحده‪ ,‬فهو كاشف‬ ‫الضرّ والبلء‪ ,‬وأعلم من رحة ال وفرجه ما ل تعلمونه‪.‬‬ ‫يَا َبنِي اذْ َهبُوا َفَتحَ سّسُوا مِ نْ يُو ُسفَ وََأخِي هِ وَل َتْيئَ سُوا مِ ْن َروْ حِ اللّ هِ ِإنّ هُ‬ ‫ل َيْيَئسُ مِ ْن رَ ْوحِ الّلهِ إِ ّل الْ َقوْمُ الكَافِرُونَ (‪)87‬‬ ‫قال يعقوب‪ :‬يا أبنائي عودوا إل "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف‬ ‫وأخيه‪ ,‬ول تقطعوا رجاءكم من رحة ال‪ ,‬إنه ل يقطع الرجاء من رحة‬ ‫ال إل الاحدون لقدرته‪ ,‬الكافرون به‪.‬‬ ‫سنَا وَأَهْلَنَا الضّرّ وَ ِجئْنَا ِببِضَاعَةٍ‬ ‫َفلَمّ ا دَ َخلُوا عََليْ هِ قَالُوا يَا َأيّهَا الْعَزِي ُز مَ ّ‬

‫ق عََلْينَا ِإنّ الّلهَ َيجْزِي الْ ُمتَصَدِّقيَ (‪)88‬‬ ‫ف َلنَا الْ َكيْلَ َوتَصَدّ ْ‬ ‫مُ ْزجَاةٍ فََأوْ ِ‬ ‫فذهبوا إل "مصر"‪ ,‬فلما دخلوا على يوسف قالوا‪ :‬يا أيها العزيز أصابنا‬ ‫وأهلنا القحط والدب‪ ,‬وجئناك بثمن رديء قليل‪ ,‬فأعطنا به ما كنت‬ ‫‪781‬‬

‫ق علينا بقبض هذه الدراهم الزجاة‬ ‫تعطينا من قبل بالثمن اليد‪ ,‬وتصدّ ْ‬ ‫وتوّز فيها‪ ,‬إن ال تعال يثيب التفضّلي على أهل الاجة بأموالم‪.‬‬ ‫قَالَ هَ ْل عَلِ ْمُتمْ مَا فَعَ ْلتُ ْم ِبيُوسُفَ وََأخِيهِ ِإذْ َأْنُتمْ جَاهِلُونَ (‪)89‬‬ ‫فلما سع مقالتهم رقّ لم‪ ,‬وعرّفهم بنفسه وقال‪ :‬هل تذكرون الذي‬ ‫فعلتموه بيوسف وأخيه من الذى ف حال َجهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟‬ ‫ف وَهذَا َأخِي قَ ْد مَنّ اللّهُ عََلْينَا ِإنّهُ‬ ‫ت يُوسُفُ قَالَ َأنَا يُوسُ ُ‬ ‫ك َلنْ َ‬ ‫قَالُوا َأِئنّ َ‬ ‫سنِيَ (‪)90‬‬ ‫حِ‬ ‫صبِ ْر َفِإنّ اللّهَ ل يُضِيعُ أَ ْجرَ الْ ُم ْ‬ ‫مَنْ َيتّقِ َويَ ْ‬ ‫قالوا‪ :‬أإنّك لنت يوسف؟ قال‪ :‬نعم أنا يوسف‪ ,‬وهذا شقيقي‪ ,‬قد‬ ‫تفضّل ال علينا‪ ,‬فجمع بيننا بعد الفرقة‪ ,‬إنه من يتق ال‪ ,‬ويصب على‬ ‫الحن‪ ,‬فإن ال ل يذهب ثواب إحسانه‪ ,‬وإنا يزيه أحسن الزاء‪.‬‬ ‫قَالُوا تَالّلهِ لَقَ ْد آثَرَ َك الّلهُ عََلْينَا وَِإنْ ُكنّا َلخَا ِطئِيَ (‪)91‬‬ ‫قالوا‪ :‬تال لقد فَضّلك ال علينا وأعزّك بالعلم واللم والفضل‪ ,‬وإن كنا‬ ‫لاطئي با فعلناه عمدًا بك وبأخيك‪.‬‬ ‫‪782‬‬

‫ي (‪)92‬‬ ‫ب عََليْكُ ْم اْليَوْ َم يَغْفِرُ الّلهُ لَكُ ْم وَ ُهوَ َأرْ َحمُ الرّاحِ ِم َ‬ ‫قَالَ ل َتثْرِي َ‬ ‫قال لم يوسف‪ :‬ل تأنيب عليكم اليوم‪ ,‬يغفر ال لكم‪ ,‬وهو أرحم‬ ‫الراحي لن تاب من ذنبه وأناب إل طاعته‪.‬‬ ‫اذْ َهبُوا بِ َقمِي صِي هَذَا فََألْقُو هُ عَلَى وَجْ هِ َأبِي يَ ْأ تِ بَ صِيا وَْأتُونِي بِأَهْلِ ُك مْ‬

‫َأجْمَ ِعيَ ( ‪)93‬‬

‫ولا سألم عن أبيه أخبوه بذهاب بصره من البكاء عليه‪ ,‬فقال لم‪:‬‬ ‫عودوا إل أبيكم ومعكم قميصي هذا فاطرحوه على وجه أب يَ ُعدْ إليه‬ ‫ل جيع أهلكم‪.‬‬ ‫بصره‪ ,‬ث أحضروا إ ّ‬ ‫ف َلوْل أَ نْ تُ َفنّدُو نِ (‬ ‫َولَمّا فَ صََلتْ الْعِيُ قَالَ َأبُوهُ مْ ِإنّي َلجِدُ رِي حَ يُو سُ َ‬ ‫‪)94‬‬ ‫ولا خرجت القافلة من أرض "مصر"‪ ,‬ومعهم القميص قال يعقوب لن‬ ‫حضره‪ :‬إن لجد ريح يوسف لول أن تسفهون وتسخروا من‪,‬‬ ‫وتزعموا أن هذا الكلم صدر من من غي شعور‪.‬‬ ‫‪783‬‬

‫ك الْقَ ِديِ (‪)95‬‬ ‫قَالُوا تَالّلهِ ِإنّكَ لَفِي ضَللِ َ‬ ‫قال الاضرون عنده‪ :‬تال إنك ل تزال ف خطئك القدي مِن حب‬ ‫يوسف‪ ,‬وأنك ل تنساه‪.‬‬ ‫َفلَمّا أَ نْ جَاءَ اْلبَشِيُ َألْقَا هُ َعلَى َو ْجهِ هِ فَا ْرتَدّ بَ صِيا قَالَ َألَ مْ أَقُلْ لَكُ مْ ِإنّي‬

‫أَعَْلمُ مِنْ الّلهِ مَا ل تَعْلَمُونَ ( ‪)96‬‬

‫فلما أن جاء من يُبشّر يعقوب بأن يوسف حيّ‪ ,‬وطرح قميص يوسف‬ ‫على وجهه فعاد يعقوب مبصرًا‪ ,‬وعمّه السرور فقال لن عنده‪ :‬ألممْ‬ ‫أخبكم أن أعلم من ال ما ل تعلمونه من فضل ال ورحته وكرمه؟‬ ‫قَالُوا يَا َأبَانَا ا ْستَغْفِ ْر َلنَا ُذنُوَبنَا ِإنّا ُكنّا خَا ِطِئيَ (‪)97‬‬ ‫قال بنوه‪ :‬يا أبانا سل لنا ربك أن يعفو عنا ويستر علينا ذنوبنا‪ ,‬إنا كنا‬ ‫خاطئي فيما فعلناه بيوسف وشقيقه‪.‬‬ ‫قَالَ َسوْفَ أَ ْستَغْفِ ُر لَكُ ْم َربّي ِإّنهُ ُه َو الْغَفُورُ الرّحِي ُم (‪)98‬‬ ‫‪784‬‬

‫قال يعقوب‪ :‬سوف أسأل رب أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬إنه هو الغفور‬ ‫لذنوب عباده التائبي‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬ ‫ف آوَى ِإَليْ هِ َأَب َويْ هِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِ صْرَ إِ نْ شَاءَ اللّ هُ‬ ‫َفلَمّا َدخَلُوا عَلَى يُو سُ َ‬ ‫آ ِمِنيَ (‪)99‬‬ ‫وخرج يعقوب وأهله إل "مصر" قاصدين يوسف‪ ,‬فلما وصلوا إليه ض ّم‬ ‫يوسف إليه أبويه‪ ,‬وقال لم‪ :‬ادخلوا "مصر" بشيئة ال‪ ,‬وأنتم آمنون من‬ ‫الهد والقحط‪ ,‬ومن كل مكروه‪.‬‬ ‫َتم َهذَا تَ ْأوِيلُ‬ ‫سمجّدا وَقَالَ يَا َأب ِ‬ ‫َهم ُ‬ ‫ْشم وَخَرّوا ل ُ‬ ‫ْهم عَلَى الْعَر ِ‬ ‫َعم َأَب َوي ِ‬ ‫َورَف َ‬ ‫ُر ْؤيَاي مِن ْم َقبْلُ قَدْ جَعَلَهَا َربّيم حَقّا وَقَدْ أَحْسَمنَ بِي ِإذْ َأخْ َرجَنِي مِن ْم‬ ‫شيْطَانُ َبْينِي َوَبيْنَ إِ ْخ َوتِي‬ ‫غ ال ّ‬ ‫سجْنِ وَجَاءَ بِكُ ْم مِنْ اْلبَ ْدوِ مِنْ بَ ْعدِ أَنْ نَزَ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫ِإنّ َربّي لَطِيفٌ لِمَا َيشَاءُ ِإّنهُ ُه َو الْعَلِيمُ الْحَكِي ُم ( ‪)100‬‬ ‫س أباه وأمه على سرير ملكه بانبه; إكرامًا لما‪ ,‬وحيّاه أبواه‬ ‫وأجَْل َ‬ ‫وإخوته الحد عشر بالسجود له تية وتكريًا‪ ,‬ل عبادة وخضوعًا‪,‬‬ ‫وكان ذلك جائزًا ف شريعتهم‪ ,‬وقد حَرُم ف شريعتنا; سدًا لذريعة‬ ‫الشرك بال‪ .‬وقال يوسف لبيه‪ :‬هذا السجود هو تفسي رؤياي الت‬ ‫‪785‬‬

‫قصصتها عليك من قبل ف صغري‪ ,‬قد جعلها رب صدقًا‪ ,‬وقد تفضّل‬ ‫ل من البادية‪ ,‬من بعد أن‬ ‫عليّ حي أخرجن من السجن‪ ,‬وجاء بكم إ ّ‬ ‫أفسد الشيطان رابطة الخوة بين وبي إخوت‪ .‬إن رب لطيف التدبي لا‬ ‫يشاء‪ ,‬إنه هو العليم بصال عباده‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫ك وَعَلّ ْمَتنِي مِ ْن تَ ْأوِيلِ الَحَادِيثِ فَاطِ َر السّ َموَا ِ‬ ‫ت‬ ‫رَبّ قَدْ آَتْيَتنِي مِنْ الْمُ ْل ِ‬ ‫حيَ‬ ‫ت وَلِيّ فِي ال ّدْنيَا وَالخِرَةِ َتوَّفنِي مُسْلِما وََأْلحِ ْقنِي بِالصّالِ ِ‬ ‫وَالَرْضِ َأْن َ‬ ‫(‪)101‬‬ ‫ث دعا يوسف ربه قائل ربّ قد أعطيتن من ملك "مصر"‪ ,‬وعلّمتن من‬ ‫تفسي الرؤى وغي ذلك من العلم‪ ,‬يا خالق السموات والرض‬ ‫ومبدعهما‪ ,‬أنت متول جيع شأن ف الدنيا والخرة‪ ,‬توفن إليك‬ ‫مسلمًا‪ ,‬وألقن بعبادك الصالي من النبياء البرار والصفياء الخيار‪.‬‬ ‫ت لَ َدْيهِ مْ ِإذْ أَجْمَعُوا أَمْرَ ُه مْ‬ ‫ك وَمَا كُن َ‬ ‫ب نُوحِي هِ ِإَليْ َ‬ ‫َذلِ كَ مِ نْ َأْنبَاءِ الْ َغيْ ِ‬ ‫وَهُمْ َيمْكُرُونَ (‪)102‬‬ ‫ذلك الذكور من قصة يوسف هو من أخبار الغيب نبك به ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬وحيًا‪ ,‬وما كنت حاضرًا مع إخوة يوسف حي دبّروا له‬ ‫‪786‬‬

‫اللقاء ف البئر‪ ,‬واحتالوا عليه وعلى أبيه‪ .‬وهذا يدل على صدقك‪ ,‬وأن‬ ‫ال يُوحِي إليك‪.‬‬ ‫ت بِ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)103‬‬ ‫وَمَا أَ ْكثَرُ النّاسِ وََلوْ حَ َرصْ َ‬ ‫وما أكثرُ الشركي من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بصدّقيك ول متبعيك‪,‬‬ ‫ولو حَ َرصْتَ على إيانم‪ ,‬فل تزن على ذلك‪.‬‬ ‫وَمَا َتسَْأُلهُمْ عََلْيهِ مِنْ َأجْرٍ ِإنْ ُهوَ إِلّ ذِكْ ٌر لِلْعَالَ ِميَ (‪)104‬‬ ‫ت به‬ ‫وما تطلب من قومك أجرة على إرشادهم لليان‪ ,‬إن الذي أُرسل َ‬ ‫من القرآن والدى عظة للناس أجعي يتذكرون به ويهتدون‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْضِ يَمُرّونَ عََلْيهَا وَهُمْ َعْنهَا مُعْ ِرضُونَ‬ ‫وَكََأيّنْ مِ ْن آَيةٍ فِي السّ َموَا ِ‬ ‫(‪)105‬‬ ‫وكثي من الدلئل الدالة على وحدانية ال وقدرته منتشرة ف السموات‬ ‫والرض‪ ,‬كالشمس والقمر والبال والشجار‪ ,‬يشاهدونا وهم عنها‬ ‫معرضون‪ ,‬ل يفكرون فيها ول يعتبون‪.‬‬ ‫‪787‬‬

‫وَمَا ُيؤْمِنُ أَ ْكثَرُهُ ْم بِالّلهِ إِلّ وَهُ ْم ُمشْرِكُونَ (‪)106‬‬ ‫وما يُقِ ّر هؤلء العرضون عن آيات ال بأن ال خالقهم ورازقهم وخالق‬ ‫كل شيء ومستحق للعبادة وحده إل وهم مشركون ف عبادتم الوثان‬ ‫والصنام‪ .‬تعال ال عن ذلك علوّا كبيا‪.‬‬ ‫أَفَأَ ِمنُوا أَ نْ تَ ْأِتَيهُ ْم غَا ِشَيةٌ مِ نْ َعذَا بِ اللّ هِ َأ ْو تَ ْأِتَيهُ مْ ال سّا َعةُ بَ ْغَتةً وَهُ ْم ل‬ ‫َيشْعُرُونَ (‪)107‬‬ ‫فهل عندهم ما يعلهم آمني أن ينل بم عذاب من ال يعُمّهم‪ ,‬أو أن‬ ‫تأتيهم القيامة فجأة‪ ,‬وهم ل يشعرون ول ُيحِسّون بذلك‪.‬‬ ‫قُ ْل هَذِ هِ َسبِيلِي أَدْعُو ِإلَى اللّ هِ عَلَى بَ صِيَةٍ َأنَا وَمَ نْ اّتبَ َعنِي وَ ُسْبحَانَ اللّ هِ‬ ‫وَمَا َأنَا مِ ْن الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)108‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هذه طريقت‪ ,‬أدعو إل عبادة ال وحده‪ ,‬على‬ ‫حجة من ال ويقي‪ ,‬أنا ومن اقتدى ب‪ ,‬وأنزّه ال سبحانه وتعال عن‬ ‫ت من الشركي مع ال غيه‪.‬‬ ‫الشركاء‪ ,‬ولس ُ‬ ‫‪788‬‬

‫وَمَا َأرْسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِكَ إِلّ رِجَا ًل نُوحِي ِإَليْهِ ْم مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفََلمْ يَسِيُوا‬ ‫ف كَا نَ عَاِقَبةُ الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ ْم َولَدَارُ الخِرَةِ َخيْرٌ‬ ‫ض َفَينْظُرُوا َكيْ َ‬ ‫فِي ا َلرْ ِ‬ ‫لِلّذِينَ اتّ َقوْا أَفَل تَعْقِلُونَ ( ‪)109‬‬ ‫وما أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس إل رجال منهم ننل عليهم‬ ‫وحينا‪ ,‬وهم من أهل الاضرة‪ ,‬فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة‪,‬‬ ‫يصدقهم الهتدون للحق‪ ,‬ويكذبم الضالون عنه‪ ,‬أفلم يشوا ف الرض‪,‬‬ ‫فيعاينوا كيف كان مآل الكذبي السابقي وما حلّ بم من اللك؟‬ ‫ولَثواب الدار الخرة أفضل من الدنيا وما فيها للذين آمنوا وخافوا ربم‪.‬‬ ‫أفل تتفكرون فتعتبوا؟‬ ‫َحتّى إِذَا ا ْسَتْيَئسَ الرّ سُ ُل َو َظنّوا َأّنهُ ْم قَ ْد كُ ِذبُوا جَاءَهُ مْ نَ صْ ُرنَا َفُنجّ َي مَ نْ‬ ‫َنشَاءُ وَل ُيرَدّ بَ ْأ ُسنَا عَنْ الْ َقوْمِ الْ ُمجْرِ ِميَ (‪)110‬‬ ‫ول تستعجل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النصر على مكذبيك‪ ,‬فإن الرسل قبلك ما‬ ‫كان يأتيهم النصر عاجل لكمة نعلمها‪ ,‬حت إذا يئس الرسل من‬ ‫قومهم‪ ,‬وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ول أمل ف إيانم‪ ,‬جاءهم نصرنا‬

‫‪789‬‬

‫عند شدة الكرب‪ ,‬فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم‪ ,‬ول ُيرَدّ عذابنا‬ ‫عمّن أجرم وترّأ على ال‪ .‬وف هذا تسلية للنب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ب مَا كَا نَ حَدِيثا يُ ْفتَرَى َولَكِ نْ‬ ‫صهِمْ ِعبْرٌَة ُل ْولِي ا َللْبَا ِ‬ ‫لَقَ ْد كَا نَ فِي قَ صَ ِ‬ ‫تَصْدِي َق الّذِي َبيْنَ يَ َدْيهِ َوتَفْصِيلَ كُلّ شَ ْيءٍ وَهُدًى َورَ ْح َمةً لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ (‬ ‫‪)111‬‬ ‫لقد كان ف نبأ الرسلي الذي قصصناه عليك وما ح ّل بالكذبي عظة‬ ‫لهل العقول السليمة‪ .‬ما كان هذا القرآن حديثًا مكذوبًا متلَقًا‪ ,‬ولكن‬ ‫أنزلناه مصدقًا لا سبقه من الكتب السماوية‪ ,‬وبيانًا لكل ما يتاج إليه‬ ‫العباد من تليل وتري‪ ,‬ومبوب ومكروه وغي ذلك‪ ,‬وإرشادًا من‬ ‫الضلل‪ ,‬ورحة لهل اليان تتدي به قلوبم‪ ,‬فيعملون با فيه من‬ ‫الوامر والنواهي‪.‬‬

‫‪ -13‬سورة الرعد‬

‫‪790‬‬

‫ك الْحَقّ َولَكِنّ أَ ْكثَرَ‬ ‫ك مِ نْ َربّ َ‬ ‫ت الْ ِكتَا بِ وَالّذِي أُنزِلَ ِإَليْ َ‬ ‫ال ر تِ ْل كَ آيَا ُ‬

‫النّاسِ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)1‬‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫هذه آيات القرآن الرفيعة القدر‪ ,‬وهذا القرآن النل عليك ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬هو الق‪ ,‬ل كما يقول الشركون‪ :‬إنك تأت به مِن عند‬ ‫نفسك‪ ,‬ومع هذا فأكثر الناس ل يصدّقون به ول يعملون‪.‬‬ ‫ْشم‬ ‫اسموَى عَلَى الْعَر ِ‬ ‫السمَموَاتِ بِ َغْيرِ َعمَدٍ َت َر ْونَهَا ثُمّ َْت‬ ‫َعم ّ‬ ‫ّهم الّذِي رَف َ‬ ‫الل ُ‬ ‫َصملُ‬ ‫ُسممّى يُ َدبّرُ الَمْ َر يُف ّ‬ ‫ْسم وَالْقَ َمرَ كُلّ َيجْرِي َلجَلٍ م َ‬ ‫َسمخّ َر الشّم َ‬ ‫و َ‬ ‫ت لَعَلّكُ ْم بِلِقَاءِ َربّكُمْ تُوِقنُونَ (‪)2‬‬ ‫اليَا ِ‬ ‫ال تعال هو الذي رفع السموات السبع بقدرته من غي عمد كما‬ ‫ترونا‪ ,‬ث استوى ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬على العرش استواء يليق بلله‬ ‫وعظمته‪ ,‬وذلّل الشمس والقمر لنافع العباد‪ ,‬كلّ منهما يدور ف فلكه‬ ‫إل يوم القيامة‪ .‬يدبّر سبحانه أمور الدنيا والخرة‪ ,‬يوضح لكم اليات‬ ‫الدالة على قدرته وأنه ل إله إل هو; لتوقنوا بال والعاد إليه‪ ,‬فتصدقوا‬ ‫بوعده ووعيده وُتخْلصوا العبادة له وحده‪.‬‬ ‫‪791‬‬

‫وَ ُهوَ الّذِي مَ ّد الَرْ ضَ وَجَعَ َل فِيهَا َروَا سِيَ وََأْنهَارا وَمِ ْن كُلّ الثّمَرَا ِ‬ ‫ت‬ ‫جَعَ َل فِيهَا َزوْ َجيْ نِ اْثَنيْ نِ يُغْشِي الّليْلَ النّهَارَ إِنّ فِي َذلِ كَ ليَا تٍ لِ َقوْ مٍ‬ ‫َيتَفَكّرُونَ (‪)3‬‬ ‫وهو سبحانه الذي جعل الرض متسعة متدة‪ ,‬وهيأها لعاشكم‪ ,‬وجعل‬ ‫فيها جبال تُثّبتُها وأنارًا لشربكم ومنافعكم‪ ,‬وجعل فيها من كل‬ ‫الثمرات صنفي اثني‪ ,‬فكان منها البيض والسود واللو والامض‪,‬‬ ‫وجعل الليل يغطي النهار بظلمته‪ ,‬إن ف ذلك كله لَعظات لقوم‬ ‫يتفكرون فيها‪ ,‬فيتعظون‪.‬‬ ‫صْنوَانٌ‬ ‫ت مِ نْ أَ ْعنَا بٍ َو َزرْ عٌ َوَنخِيلٌ ِ‬ ‫وَفِي ا َلرْ ضِ قِطَ ٌع ُمَتجَا ِورَا تٌ وَ َجنّا ٌ‬ ‫ضهَا عَلَى بَعْ ضٍ فِي الُكُلِ ِإنّ‬ ‫صْنوَانٍ يُ سْقَى بِمَاءٍ وَاحِ ٍد َونُفَضّلُ بَعْ َ‬ ‫وَ َغيْرُ ِ‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)4‬‬ ‫فِي َذلِكَ ليَا ٍ‬ ‫وف الرض قطع ياور بعضها بعضًا‪ ,‬منها ما هو طيّب يُنبتُ ما ينفع‬ ‫الناس‪ ,‬ومنها َسبِخة مِلْحة ل تُنبت شيئًا‪ ,‬وف الرض الطيبة بساتي من‬ ‫أعناب‪ ,‬وجعل فيها زروعًا متلفة ونيل متمعًا ف منبت واحد‪ ,‬وغي‬ ‫متمع فيه‪ ,‬كل ذلك ف تربة واحدة‪ ,‬ويشرب من ماء واحد‪ ,‬ولكنه‬ ‫‪792‬‬

‫يتلف ف الثمار والجم والطعم وغي ذلك‪ ,‬فهذا حلو وهذا حامض‪,‬‬ ‫وبعضها أفضل من بعض ف الكل‪ ,‬إن ف ذلك لَعلمات لن كان له‬ ‫قلب يعقل عن ال تعال أمره ونيه‪.‬‬ ‫ب فَ َعجَ بٌ َق ْوُلهُ مْ َأئِذَا ُكنّ ا تُرَابا َأِئنّ ا لَفِي خَلْ قٍ َجدِيدٍ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ك‬ ‫وَإِ نْ تَ ْعجَ ْ‬ ‫صحَابُ النّارِ‬ ‫الّذِي نَ كَفَرُوا ِب َرّبهِ ْم وَُأ ْوَلئِ كَ الَغْل ُل فِي أَ ْعنَاِقهِ مْ َوُأوَْلئِ كَ أَ ْ‬ ‫هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪)5‬‬

‫وإن تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عدم إيانم بعد هذه الدلة فالعجب‬ ‫الش ّد من قول الكفار‪ :‬أإذا متنا وكنا ترابا نُبعث من جديد؟ أولئك هم‬ ‫الاحدون بربم الذي أوجدهم من العدم‪ ,‬وأولئك تكون السلسل من‬ ‫النار ف أعناقهم يوم القيامة‪ ,‬وأولئك يدخلون النار‪ ,‬ول يرجون منها‬ ‫أبدًا‪.‬‬ ‫سَنةِ وَقَدْ خََل تْ مِ ْن َقبِْلهِ ْم الْ َمثُل تُ َوِإنّ‬ ‫سّيَئةِ َقبْلَ اْلحَ َ‬ ‫ك بِال ّ‬ ‫ستَ ْعجِلُونَ َ‬ ‫َويَ ْ‬ ‫ب (‪)6‬‬ ‫َربّكَ لَذُو َمغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلَى ظُلْ ِمهِ ْم وَِإنّ َربّكَ َلشَدِي ُد الْعِقَا ِ‬ ‫ويستعجلك الكذّبون بالعقوبة الت ل أعاجلهم با قبل اليان الذي‬ ‫يرجى به المان والسنات‪ ,‬وقد مضت عقوبات الكذبي مِن قبلهم‪,‬‬ ‫‪793‬‬

‫ب مَن‬ ‫فكيف ل يعتبون بم؟ وإن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لَذو مغفرة لذنو ِ‬ ‫تاب مِن ذنوبه من الناس على ظلمهم‪ ,‬يفتح لم باب الغفرة‪ ,‬ويدعوهم‬ ‫إليها‪ ,‬وهم يظلمون أنفسهم بعصيانم ربم‪ ,‬وإن ربك لشديد العقاب‬ ‫على مَن أصرّ على الكفر والضلل ومعصية ال‪.‬‬ ‫ت مُن ِذرٌ َولِكُلّ‬ ‫َويَقُولُ الّذِي نَ كَفَرُوا َلوْل أُنزِلَ عََليْ هِ آَي ٌة مِ نْ َربّ هِ ِإنّمَا َأنْ َ‬

‫َقوْمٍ هَا ٍد (‪)7‬‬

‫ويقول كفار "مكة"‪ :‬هل جاءته معجزة مسوسة كعصا موسى وناقة‬ ‫صال‪ ,‬وليس ذلك بيدك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فما أنت إل مبلّغ لم‪ ,‬وموّف‬ ‫مِن بأس ال‪ .‬ولكل أمة رسول يرشدهم إل ال تعال‪.‬‬ ‫ض ا َلرْحَا مُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ َش ْيءٍ‬ ‫اللّ هُ يَ ْعلَ ُم مَا َتحْمِلُ كُلّ أُنثَى وَمَا تَغِي ُ‬ ‫ِعنْدَهُ ِبمِقْدَارٍ (‪)8‬‬ ‫ال تعال يعلم ما تمل كلّ أنثى ف بطنها‪ ,‬أذكر هو أم أنثى؟ وشقي هو‬ ‫أم سعيد؟ ويعلم ما تنقصه الرحام‪ ,‬فيسقط أو يولد قبل تسعة أشهر‪,‬‬ ‫وما يزيد حله عليها‪ .‬وكل شيء مقدّر عند ال بقدار من النقصان أو‬ ‫الزيادة ل يتجاوزه‪.‬‬ ‫‪794‬‬

‫شهَادَ ِة الْ َكبِيُ الْ ُمتَعَالِي (‪)9‬‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫عَالِمُ الْ َغيْ ِ‬ ‫ال عال با خفي عن البصار‪ ,‬وبا هو مشاهَد‪ ,‬الكبي ف ذاته وأسائه‬ ‫وصفاته‪ ,‬التعال على جيع خلقه بذاته وقدرته وقهره‪.‬‬ ‫ف بِالّليْلِ‬ ‫مخْ ٍ‬ ‫سَموَاءٌ ِمنْكُم ْم مَن ْمأَسَمرّ الْ َقوْلَ وَمَن ْم َجهَ َر بِهِم وَمَن ْم ُهوَ مُس ْتَ‬

‫وَسَارِبٌ بِالنّهَارِ (‪)10‬‬

‫يستوي ف علمه تعال مَن أخفى القول منكم ومَن جهر به‪ ,‬ويستوي‬ ‫عنده مَن استتر بأعماله ف ظلمة الليل‪ ,‬ومن جهر با ف وضح النهار‪.‬‬ ‫ت مِنْ َبيْنِ َي َديْهِ وَمِنْ َخلْفِهِ َيحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْ ِر اللّهِ ِإنّ اللّهَ ل يُ َغيّ ُر‬ ‫لَهُ مُعَ ّقبَا ٌ‬ ‫سهِمْ وَِإذَا َأرَادَ اللّهُ بِ َقوْمٍ سُوءا فَل َمرَدّ لَهُ وَمَا‬ ‫مَا بِ َقوْمٍ َحتّى يُ َغيّرُوا مَا بِأَنفُ ِ‬ ‫َلهُمْ مِنْ دُوِنهِ مِنْ وَالٍ ( ‪)11‬‬ ‫ل تعال ملئكة يتعاقبون على النسان من بي يديه ومن خلفه‪ ,‬يفظونه‬ ‫بأمر ال ويصون ما يصدر عنه من خي أو شر‪ .‬إن ال سبحانه وتعال‬ ‫ل يغيّر نعمة أنعمها على قوم إل إذا غيّروا ما أمرهم به فعصوه‪ .‬وإذا‬ ‫‪795‬‬

‫أراد ال بماعةٍ بلءً فل مف ّر منه‪ ,‬وليس لم مِن دون ال مِن وال يتول‬ ‫أمورهم‪ ,‬فيجلب لم الحبوب‪ ,‬ويدفع عنهم الكروه‪.‬‬ ‫سحَابَ الثّقَالَ (‪)12‬‬ ‫ُهوَ الّذِي يُرِي ُكمْ اْلبَرْقَ َخوْفا وَطَمَعا َوُيْنشِئُ ال ّ‬ ‫هو الذي يريكم من آياته البق ‪-‬وهو النور اللمع من خلل السحاب‪-‬‬ ‫فتخافون أن تنل عليكم منه الصواعق الحرقة‪ ,‬وتطمعون أن ينل معه‬ ‫الطر‪ ,‬وبقدرته سبحانه يوجد السحاب الحمّل بالاء الكثي لنافعكم‪.‬‬ ‫صوَاعِقَ َفيُ صِيبُ‬ ‫َويُ سَبّحُ الرّعْدُ ِبحَ ْمدِ ِه وَالْمَلئِ َك ُة مِ نْ خِي َفتِ هِ َويُرْ سِلُ ال ّ‬ ‫ِبهَا مَنْ َيشَاءُ وَ ُهمْ ُيجَا ِدلُونَ فِي الّلهِ وَ ُهوَ شَدِيدُ الْ ِمحَالِ (‪)13‬‬ ‫ويسبّح الرعد بمد ال تسبيحًا يدل على خضوعه لربه‪ ,‬وتنّه اللئكة‬ ‫ربا مِن خوفها من ال‪ ,‬ويرسل ال الصواعق الهلكة فيهلك با مَن يشاء‬ ‫من خلقه‪ ,‬والكفار يادلون ف وحدانية ال وقدرته على البعث‪ ,‬وهو‬ ‫شديد الول والقوة والبطش بن عصاه‪.‬‬ ‫سَتجِيبُونَ َلهُ ْم ِبشَ ْيءٍ إِلّ‬ ‫لَ هُ دَ ْعوَةُ اْلحَقّ وَالّذِي نَ يَدْعُو نَ مِ نْ دُونِ هِ ل يَ ْ‬ ‫‪796‬‬

‫ط كَ ّفيْهِ ِإلَى الْمَاءِ ِلَيبْلُ َغ فَا ُه وَمَا ُهوَ ِببَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلّ فِي‬ ‫َكبَاسِ ِ‬ ‫ضَللٍ (‪)14‬‬ ‫ل سبحانه وتعال وحده دعوة التوحيد (ل إله إل ال)‪ ,‬فل يُعبد ول‬ ‫يُدعى إل هو‪ ,‬واللة الت يعبدونا من دون ال ل تيب دعاء مَن‬ ‫دعاها‪ ,‬وحالم معها كحال عطشان يد يده إل الاء من بعيد; ليصل إل‬ ‫فمه فل يصل إليه‪ ,‬وما سؤال الكافرين لا إل غاية ف البعد عن الصواب‬ ‫لشراكهم بال غيه‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْ ضِ َطوْعا وَكَرْها َوظِللُهُ ْم بِالْغُ ُدوّ‬ ‫سجُدُ مَ نْ فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫َولِلّ هِ يَ ْ‬ ‫وَالصَالِ (‪)15‬‬ ‫ول وحده يسجد خاضعًا منقادًا كُ ّل مَن ف السموات والرض‪ ,‬فيسجد‬ ‫ويضع له الؤمنون طوعًا واختيارًا‪ ،‬ويضع له الكافرون رغمًا عنهم;‬ ‫لنم يستكبون عن عبادته‪ ,‬وحالم وفطرتم تكذّبم ف ذلك‪ ,‬وتنقاد‬ ‫لعظمته ظلل الخلوقات‪ ,‬فتتحرك بإرادته أول النهار وآخره‪.‬‬ ‫قُ ْل مَ ْن رَبّ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ قُلْ اللّ هُ قُلْ أَفَاّتخَ ْذتُ مْ مِ نْ دُونِ هِ َأ ْوِليَاءَ ل‬ ‫سَتوِي الَعْمَى وَاْلبَ صِيُ أَ مْ هَلْ‬ ‫سهِمْ نَفْعا وَل ضَرّا قُ ْل هَلْ يَ ْ‬ ‫يَمْلِكُو نَ لَنفُ ِ‬ ‫‪797‬‬

‫َهم‬ ‫ِهم َفَتشَاب َ‬ ‫ّهم شُرَكَاءَ خَلَقُوا َكخَلْق ِ‬ ‫َمم جَعَلُوا لِل ِ‬ ‫َاتم وَالنّورُ أ ْ‬ ‫َسموِي الظّلُم ُ‬ ‫ت َْت‬ ‫الْخَلْقُ عََلْيهِ ْم قُلْ الّلهُ خَالِقُ كُلّ شَ ْيءٍ وَ ُهوَ اْلوَاحِدُ الْ َقهّارُ (‪)16‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركي‪ :‬مَن خالق السّموات والرض ومدبّرها؟‬ ‫قل‪ :‬ال هو الالق الدبر لما‪ ,‬وأنتم تقرون بذلك‪ ,‬ث قل لم ملزمًا‬ ‫بالجة‪ :‬أجعلتم غيه معبودين لكم‪ ,‬وهم ل يَقْدرون على نفع أنفسهم‬ ‫أو ضرها فضل عن نفعكم أو ضركم‪ ,‬وتركتم عبادة مالكها؟ قل لم‬ ‫أيها الرسول‪ :-‬هل يستوي عندكم الكافر ‪-‬وهو كالعمى‪ -‬والؤمن‬‫وهو كالبصي؟ أم هل يستوي عندكم الكفر ‪-‬وهو كالظلمات‪-‬‬ ‫واليان ‪-‬وهو كالنور؟ أم أن أولياءهم الذين جعلوهم شركاء ل يلقون‬ ‫مثل خَلْقه‪ ,‬فتشابه عليهم خَلْق الشركاء بلق ال‪ ,‬فاعتقدوا استحقاقهم‬ ‫للعبادة؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ال تعال خالق كل كائن من العدم‪,‬‬ ‫وهو الستحق للعبادة وحده‪ ,‬وهو الواحد القهار الذي يستحق اللوهية‬ ‫والعبادة‪ ,‬ل الصنام والوثان الت ل تض ّر ول تنفع‪.‬‬ ‫سيْلُ َزبَدا رَابِيا‬ ‫أَنزَلَ مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً فَ سَالَتْ َأوْ ِدَيةٌ بِ َق َدرِهَا فَا ْحتَمَ َل ال ّ‬ ‫ك يَضْ ِربُ‬ ‫وَمِمّا يُوقِدُونَ عََليْهِ فِي النّارِ اْبتِغَاءَ حِ ْلَيةٍ َأوْ َمتَاعٍ َزبَ ٌد ِمثْلُ ُه كَ َذلِ َ‬ ‫اللّ هُ اْلحَقّ وَاْلبَاطِلَ فَأَمّا ال ّزبَدُ َفيَذْهَ بُ جُفَاءً وَأَمّا مَا يَنفَ ُع النّا سَ َفيَ ْمكُ ثُ‬ ‫‪798‬‬

‫ب الّلهُ الَ ْمثَالَ (‪)17‬‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ض كَ َذلِكَ يَ ْ‬ ‫فِي الَرْ ِ‬ ‫ث ضرب ال سبحانه مثل للحق والباطل باء أنزله من السماء‪ ,‬فجَرَت‬ ‫به أودية الرض بقدر صغرها وكبها‪ ,‬فحمل السيل غثاء طافيًا فوقه ل‬ ‫نفع فيه‪ .‬وضرب مثل آخر‪ :‬هو العادن يوقِدون عليها النار لصهرها طلبًا‬ ‫للزينة كما ف الذهب والفضة‪ ,‬أو طلبًا لنافع ينتفعون با كما ف‬ ‫النحاس‪ ,‬فيخرج منها خبثها ما ل فائدة فيه كالذي كان مع الاء‪ ,‬بثل‬ ‫هذا يضرب ال الثل للحق والباطل‪ :‬فالباطل كغثاء الاء يتلشى أو يُرْمى‬ ‫إذ ل فائدة منه‪ ,‬والق كالاء الصاف‪ ,‬والعادن النقية تبقى ف الرض‬ ‫للنتفاع با‪ ,‬كما بيّن لكم هذه المثال‪ ,‬كذلك يضربا للناس; ليتضح‬ ‫الق من الباطل والدى من الضلل‪.‬‬ ‫سَتجِيبُوا لَهُ َلوْ َأنّ َلهُ ْم مَا فِي‬ ‫سنَى وَالّذِينَ لَمْ يَ ْ‬ ‫لِلّذِي َن ا ْسَتجَابُوا لِ َرّبهِمْ اْلحُ ْ‬ ‫ب وَمَ ْأوَاهُ مْ‬ ‫ا َلرْ ضِ جَمِيعا وَ ِمثْلَ هُ مَعَ هُ ل ْفَت َدوْا بِ هِ ُأوَْلئِ كَ َلهُ مْ سُوءُ الْحِ سَا ِ‬ ‫َج َهنّ ُم َوِبْئسَ الْ ِمهَادُ (‪)18‬‬ ‫للمؤمني الذين أطاعوا ال ورسوله النة‪ ,‬والذين ل يطيعوا وكفروا به‬ ‫لم النار‪ ,‬ولو كانوا يلكون كل ما ف الرض وضِعْفه معه لبذلوه فداء‬ ‫لنفسهم من عذاب ال يوم القيامة‪ ,‬ولن ُيتَقبل منهم‪ ,‬أولئك ياسَبون‬ ‫‪799‬‬

‫على كل ما أسلفوه من عمل سيّئ‪ ,‬ومسكنهم ومقامهم جهنم تكون‬ ‫لم فراشًا‪ ,‬وبئس الفراش الذي مهدوه لنفسهم‪.‬‬ ‫ك الْحَقّ كَمَ ْن ُهوَ أَ ْعمَى ِإنّمَا َيتَذَكّرُ‬ ‫ك مِ ْن َربّ َ‬ ‫أَفَمَ نْ يَعْلَ مُ َأنّمَا أُنزِلَ ِإَليْ َ‬ ‫ب ( ‪ )19‬الّذِي نَ يُوفُو نَ بِ َعهْ ِد اللّ هِ وَل يَنقُضُو نَ الْمِيثَا قَ (‬ ‫ُأ ْولُوا ا َلْلبَا ِ‬ ‫‪)20‬‬ ‫هل الذي يعلم أن ما جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عند ال هو الق فيؤمن‬ ‫به‪ ,‬كالعمى عن الق الذي ل يؤمن؟ إنا يتعظ أصحاب العقول‬ ‫السليمة الذين يوفون بعهد ال الذي أمرهم به‪ ,‬ول ينكثون العهد الؤكد‬ ‫الذي عاهدوا ال عليه‪.‬‬ ‫شوْ نَ َرّبهُ مْ َوَيخَافُو نَ سُوءَ‬ ‫خَ‬ ‫وَالّذِي نَ يَ صِلُونَ مَا أَ َمرَ اللّ هُ بِ هِ أَ نْ يُو صَلَ َويَ ْ‬ ‫ب (‪)21‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫الْ ِ‬ ‫وهم الذين يَصِلون ما أمرهم ال بوصله كالرحام والحتاجي‪ ,‬ويراقبون‬ ‫ربم‪ ,‬ويشون أن ياسبهم على كل ذنوبم‪ ,‬ول يغفر لم منها شيئًا‪.‬‬

‫‪800‬‬

‫صبَرُوا اْبتِغَاءَ وَجْ ِه َربّهِ مْ وََأقَامُوا ال صّلةَ وَأَنفَقُوا ِممّ ا َرزَ ْقنَاهُ مْ‬ ‫وَالّذِي نَ َ‬ ‫سّيَئةَ ُأ ْوَلئِكَ َلهُ ْم عُ ْقبَى الدّارِ (‪)22‬‬ ‫سَنةِ ال ّ‬ ‫سِرّا وَعَلِنَيةً َويَ ْد َرءُونَ بِاْلحَ َ‬ ‫وهم الذين صبوا على الذى وعلى الطاعة‪ ,‬وعن العصية طلبًا لرضا‬ ‫ربم‪ ,‬وأدّوا الصلة على أ ّت وجوهها‪ ,‬وأدّوا من أموالم زكاتم‬ ‫الفروضة‪ ,‬والنفقات الستحبة ف الفاء والعلن‪ ,‬ويدفعون بالسنة السيئة‬ ‫فتمحوها‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه الصفات لم العاقبة الحمودة ف‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫َجنّا تُ َعدْ نٍ يَدْ ُخلُونَهَا وَمَ نْ صََلحَ مِ ْن آبَاِئهِ مْ وََأ ْزوَا ِجهِ مْ وَ ُذ ّريّاِتهِ مْ‬ ‫وَالْمَلِئ َكةُ يَدْ ُخلُونَ َعَلْيهِمْ مِ ْن كُلّ بَابٍ (‪)23‬‬ ‫تلك العاقبة هي جنات عدن يقيمون فيها ل يزولون عنها‪ ,‬ومعهم‬ ‫الصالون من الباء والزوجات والذريات من الذكور والنات‪ ,‬وتدخل‬ ‫اللئكة عليهم من كل باب; لتهنئتهم بدخول النة‪.‬‬ ‫صبَ ْرتُ ْم َفنِ ْعمَ عُ ْقبَى الدّارِ (‪)24‬‬ ‫سَل ٌم عََليْكُ ْم بِمَا َ‬

‫‪801‬‬

‫تقول اللئكة لم‪ :‬سَلِمْتم من كل سوء بسبب صبكم على طاعة ال‪,‬‬ ‫فنِعْ َم عاقبة الدار النة‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ يَنقُضُو نَ َعهْدَ اللّ هِ مِ نْ بَ ْعدِ مِيثَاقِ هِ َويَقْطَعُو نَ مَا أَ َمرَ اللّ هُ بِ هِ أَ نْ‬ ‫ك لَهُ ُم اللّ ْعنَةُ َوَلهُمْ سُوءُ الدّارِ (‪)25‬‬ ‫يُوصَلَ َويُ ْفسِدُونَ فِي ا َلرْضِ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫أما الشقياء فقد ُوصِفوا بضد صفات الؤمني‪ ,‬فهم الذين ل يوفون‬ ‫بعهد ال بإفراده سبحانه بالعبادة بعد أن أكدوه على أنفسهم‪ ,‬وهم‬ ‫الذين يقطعون ما أمرهم ال بوصله مِن صلة الرحام وغيها‪ ,‬ويفسدون‬ ‫ف الرض بعمل العاصي‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه الصفات القبيحة لم‬ ‫الطرد من رحة ال‪ ,‬ولم ما يسوءهم من العذاب الشديد ف الدار‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫حيَاةُ‬ ‫اللّ هُ َيبْ سُطُ ال ّرزْ قَ لِمَ ْن َيشَاءُ َويَقْ ِدرُ وََفرِحُوا بِاْلحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَمَا الْ َ‬ ‫ع (‪)26‬‬ ‫ال ّدْنيَا فِي ال ِخرَةِ إِلّ َمتَا ٌ‬ ‫ال وحده يوسّع الرزق لن يشاء من عباده‪ ,‬ويضيّق على مَن يشاء منهم‪,‬‬ ‫وفرح الكفار بالسّعة ف الياة الدنيا‪ ,‬وما هذه الياة الدنيا بالنسبة‬ ‫للخرة إل شيء قليل يتمتع به‪ ,‬سُرعان ما يزول‪.‬‬ ‫‪802‬‬

‫َويَقُولُ الّذِي نَ كَفَرُوا َلوْل أُنزِلَ عََليْ هِ آَي ٌة مِ نْ َربّ هِ قُلْ إِنّ اللّ هَ يُضِلّ مَ نْ‬

‫َيشَاءُ َوَيهْدِي ِإَلْيهِ مَنْ َأنَابَ (‪)27‬‬

‫ويقول الكفار عنادًا‪ :‬هل أُنزل على ممد معجزة مسوسة كمعجزة‬ ‫موسى وعيسى‪ .‬قل لم‪ :‬إن ال يضل مَن يشاء من العاندين عن الداية‬ ‫ول تنفعه العجزات‪ ,‬ويهدي إل دينه الق مَن رجع إليه وطلب‬ ‫رضوانه‪.‬‬ ‫ب(‬ ‫الّذِي نَ آ َمنُوا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبهُ مْ بِذِ ْكرِ اللّ هِ أَل بِذِكْ ِر اللّ هِ تَطْ َمئِنّ الْقُلُو ُ‬ ‫‪)28‬‬ ‫ويهدي الذين تسكن قلوبم بتوحيد ال وذكره فتطمئن‪ ,‬أل بطاعة ال‬ ‫وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس‪.‬‬ ‫ب (‪)29‬‬ ‫الّذِينَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ طُوبَى َلهُمْ َو ُحسْنُ مَآ ٍ‬ ‫الذين صدّقوا بال ورسوله‪ ,‬وعملوا العمال الصالات لم فرح وقرة‬ ‫عي‪ ,‬وحال طيبة‪ ,‬ومرجع حسن إل جنة ال ورضوانه‪.‬‬ ‫‪803‬‬

‫كَ َذلِكَ َأرْسَ ْلنَاكَ فِي أُ ّمةٍ قَدْ َخلَتْ مِنْ َقبِْلهَا ُأمَمٌ ِلَتتُْلوَ عََلْيهِ ْم الّذِي َأوْ َحْينَا‬ ‫ِإَليْ كَ وَ ُه مْ يَكْ ُفرُو نَ بِالرّ ْحمَ نِ قُ ْل ُهوَ َربّ ي ل ِإلَ هَ إِلّ ُه َو عََليْ هِ َتوَكّلْ تُ‬ ‫وَِإَلْيهِ َمتَابِ (‪)30‬‬ ‫كما أرسلنا الرسلي قبلك أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف أمة قد مضت‬ ‫مِن قبلها أمم الرسلي; لتتلو على هذه المة القرآن النل عليك‪ ,‬وحال‬ ‫قومك الحود بوحدانية الرحن‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬الرحن الذي‬ ‫ل تتخذوه إلًا واحدًا هو رب وحده ل معبود بق سواه‪ ,‬عليه اعتمدت‬ ‫ووثقت‪ ,‬وإليه مرجعي وإنابت‪.‬‬ ‫ت بِ هِ ا َلرْ ضُ َأوْ ُكلّ مَ بِ ِه الْ َم ْوتَى‬ ‫جبَالُ َأ ْو قُطّعَ ْ‬ ‫َوَلوْ َأنّ ُقرْآنا ُسيّ َرتْ بِ هِ اْل ِ‬ ‫بَلْ لِلّ هِ الَ ْمرُ جَمِيعا أَفََل ْم َيْيئَ سْ الّذِي نَ آ َمنُوا أَ ْن لَوْ َيشَاءُ اللّ هُ َلهَدَى النّا سَ‬ ‫صمعُوا قَارِعَةٌ َأوْ َتحُلّ قَرِيبا‬ ‫ُصمُبهُمْ بِمَا َنَ‬ ‫ِينم كَفَرُوا ت ِي‬ ‫َجمِيعا وَل َيزَالُ الّذ َ‬ ‫ف الْمِيعَا َد (‪)31‬‬ ‫مِنْ دَارِهِمْ َحتّى يَ ْأتِيَ وَعْ ُد الّلهِ ِإنّ الّلهَ ل ُيخْلِ ُ‬ ‫ير ّد ال ‪-‬تعال‪ -‬على الكافرين الذين طلبوا إنزال معجزات مسوسة‬ ‫على النب صلى ال عليه وسلم فيقول لم‪ :‬ولو أن ثة قرآنًا يقرأ‪ ,‬فتزول‬ ‫به البال عن أماكنها‪ ,‬أو تتشقق به الرض أنارًا‪ ,‬أو ييا به الوتى‬ ‫‪804‬‬

‫وتُكَلّم ‪-‬كما طلبوا منك‪ -‬لكان هذا القرآن هو التصف بذلك دون‬ ‫غيه‪ ,‬ولا آمنوا به‪ .‬بل ل وحده المر كله ف العجزات وغيها‪ .‬أفلم‬ ‫يعلم الؤمنون أن ال لو يشاء لمن أهل الرض كلهم من غي معجزة؟‬ ‫ول يزال الكفار تنل بم مصيبة بسبب كفرهم كالقتل والسر ف‬ ‫غزوات السلمي‪ ,‬أو تنل تلك الصيبة قريبًا من دارهم‪ ,‬حت يأت وعد‬ ‫ال بالنصر عليهم‪ ,‬إن ال ل يلف اليعاد‪.‬‬ ‫ئ بِ ُرسُلٍ مِنْ َقبْلِكَ فََأمَْليْتُ لِلّذِينَ كَفَرُوا ثُمّ أَ َخ ْذُتهُ ْم فَ َكيْفَ‬ ‫َولَقَدْ ا ْسُتهْزِ َ‬

‫كَانَ عِقَابِ (‪)32‬‬

‫وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فلقد َسخِرَتْ أمم‬ ‫من قبلك برسلهم‪ ,‬فل تزن فقد أمهلتُ الذين كفروا‪ ,‬ث أخذتُهم‬ ‫بعقاب‪ ,‬وكان عقابًا شديدًا‪.‬‬ ‫ّهم ُشرَكَاءَ قُ ْل‬ ‫َسمبَتْ وَجَ َعلُوا لِل ِ‬ ‫ْسم بِم َا ك َ‬ ‫ِمم َعلَى كُلّ نَف ٍ‬ ‫َنم ُهوَ قَائ ٌ‬ ‫أَفَم ْ‬ ‫سَمّو ُهمْ أَ ْم ُتَنّبئُونَ هُ بِمَا ل يَ ْعلَ مُ فِي ا َلرْ ضِ أَ مْ بِظَاهِرٍ مِ نْ الْ َقوْلِ بَ ْل ُزيّ نَ‬ ‫ضلِلْ اللّ هُ َفمَا لَهُ مِ ْن هَادٍ‬ ‫سبِيلِ وَمَ نْ يُ ْ‬ ‫لِلّذِي َن كَفَرُوا مَكْرُ ُه ْم وَ صُدّوا عَنْ ال ّ‬ ‫(‪)33‬‬

‫‪805‬‬

‫أفمن هو قائم على كل نفس يُحصي عليها ما تعمل‪ ,‬أحق أن يعبد‪ ,‬أم‬ ‫هذه الخلوقات العاجزة؟ وهم ‪-‬من جهلهم‪ -‬جعلوا ل شركاء مِن‬ ‫خَلْقه يعبدونم‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬اذكروا أساءهم وصفاتم‪ ,‬ولن‬ ‫يدوا من صفاتم ما يعلهم أهل للعبادة‪ ,‬أم تبون ال بشركاء ف‬ ‫أرضه ل يعلمهم‪ ,‬أم تسمونم شركاء بظاهر من اللفظ من غي أن يكون‬ ‫لم حقيقة‪ .‬بل حسّن الشيطان للكفار قولم الباطل وصدّهم عن سبيل‬ ‫ال‪ .‬ومَن ل يوفّقه ال لدايته فليس له أحد يهديه‪ ,‬ويوفقه إل الق‬ ‫والرشاد‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َولَعَذَا بُ الخِرَةِ أَشَقّ وَمَا َلهُ ْم مِ نْ اللّ هِ مِ نْ‬ ‫َلهُ مْ َعذَا بٌ فِي اْل َ‬ ‫وَاقٍ (‪)34‬‬ ‫لؤلء الكفار الصادين عن سبيل ال عذاب شاق ف الياة الدنيا بالقتل‬ ‫والسر والزي‪ ,‬ولَعذابم ف الخرة أثقل وأشد‪ ,‬وليس لم مانع ينعهم‬ ‫من عذاب ال‪.‬‬ ‫ِمم‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ أُ ُكلُهَا دَائ ٌ‬ ‫ِنم َت ْ‬ ‫ُونم َتجْرِي م ْ‬ ‫جّنةِ الّتِي وُعِ َد الْ ُمتّق َ‬ ‫َمثَ ُل اْل َ‬

‫َوظِلّهَا تِ ْلكَ عُ ْقبَى الّذِينَ اتّقَوا وَعُ ْقبَى الْكَافِرِينَ النّارُ (‪)35‬‬ ‫‪806‬‬

‫صفة النة الت وعد ال با الذين يشونه أنا تري من تت أشجارها‬ ‫وقصورها النار‪ ,‬ثرها ل ينقطع‪ ,‬وظلها ل يزول ول ينقص‪ ,‬تلك‬ ‫الثوبة بالنة عاقبة الذين خافوا ال‪ ,‬فاجتنبوا معاصيه وأدّوا فرائضه‪,‬‬ ‫وعاقبة الكافرين بال النار‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ آَتْينَاهُمْ الْ ِكتَابَ يَ ْفرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ ِإَليْكَ وَمِنْ الَ ْحزَابِ مَ ْن يُنكِ ُر‬ ‫ب(‬ ‫بَعْضَ هُ قُلْ ِإنّمَا أُمِرْ تُ أَ نْ أَ ْعبُدَ اللّ هَ وَل ُأشْرِ كَ بِ هِ ِإَليْ هِ أَدْعُو وَِإَليْ هِ مَآ ِ‬ ‫‪)36‬‬ ‫والذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى مَن آمن منهم بك كعبد‬ ‫ال بن سلم والنجاشي‪ ,‬يستبشرون بالقرآن النل عليك لوافقته ما‬ ‫عندهم‪ ,‬ومن التحزبي على الكفر ضدك‪ ,‬كالسّيد والعاقب‪ ,‬أُسْقفَي‬ ‫"نران"‪ ,‬وكعب بن الشرف‪ ,‬مَن ينكر بعض النل عليك‪ ,‬قل لم‪ :‬إنا‬ ‫أمرن ال أن أعبده وحده‪ ,‬ول أشرك به شيئًا‪ ,‬إل عبادته أدعو الناس‪,‬‬ ‫وإليه مرجعي ومآب‪.‬‬ ‫وَكَ َذلِ كَ أَن َزْلنَا هُ ُحكْما عَ َرِبيّا َوَلئِ نْ اّتبَعْ تَ أَ ْهوَاءَهُ مْ بَ ْعدَمَا جَاءَ َك مِ نْ‬

‫ك مِنْ الّلهِ مِنْ َولِيّ وَل وَاقٍ (‪)37‬‬ ‫الْعِلْمِ مَا لَ َ‬ ‫‪807‬‬

‫وكما أنزلنا الكتب على النبياء بلسانم أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫القرآن بلغة العرب; لتحكم به‪ ,‬ولئن اتبعت أهواء الشركي ف عبادة‬ ‫غي ال ‪-‬بعد الق الذي جاءك من ال‪ -‬ليس لك ناصر ينصرك وينعك‬ ‫من عذابه‪.‬‬ ‫َانم‬ ‫ُممَأ ْزوَاجا وَ ُذ ّرّيةً وَمَا ك َ‬ ‫ِكم وَجَعَلْنَا َله ْ‬ ‫ِنم َقبْل َ‬ ‫ُسملً م ْ‬ ‫ْسمْلنَا ر ُ‬ ‫َولَقَدْ َأر َ‬

‫لِرَسُولٍ َأ ْن يَ ْأتِيَ بِآَيةٍ إِلّ ِبإِ ْذنِ الّلهِ لِكُلّ َأجَلٍ ِكتَابٌ ( ‪)38‬‬

‫وإذا قالوا‪ :‬ما لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تتزوج النساء؟ فلقد بعثنا قبلك رسل‬ ‫من البشر وجعلنا لم أزواجًا وذرية‪ ,‬وإذا قالوا‪ :‬لو كان رسول لتى با‬ ‫طلبنا من العجزات‪ ,‬فليس ف وُسْع رسولٍ أن يأت بعجزةٍ أرادها قومه‬ ‫إل بإذن ال‪ .‬لكل أمر قضاه ال كتاب وأجل قد كتبه ال عنده‪ ,‬ل‬ ‫يتقدم ول يتأخر‪.‬‬ ‫يَ ْمحُوا الّلهُ مَا َيشَاءُ َوُيْثبِتُ وَ ِعنْدَهُ أُمّ الْ ِكتَابِ (‪)39‬‬ ‫يحو ال ما يشاء من الحكام وغيها‪ ,‬وُيبْقي ما يشاء منها لكمة‬ ‫يعلمها‪ ,‬وعنده أمّ الكتاب‪ ,‬وهو اللوح الحفوظ‪.‬‬ ‫‪808‬‬

‫غ وَعََلْينَا‬ ‫ك َفِإنّمَا عََلْيكَ اْلبَل ُ‬ ‫ك بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ َأوْ َنَتوَّفَينّ َ‬ ‫وَإِنْ مَا نُ ِرَينّ َ‬

‫ب (‪)40‬‬ ‫حسَا ُ‬ ‫الْ ِ‬

‫وإن أريناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعض العقاب الذي توعّدْنا به أعداءك من‬ ‫الزي والنّكال ف الدنيا فذلك العجّل لم‪ ,‬وإن توفيناك قبل أن ترى‬ ‫ذلك‪ ,‬فما عليك إل تبليغ الدعوة‪ ,‬وعلينا الساب والزاء‪.‬‬ ‫صهَا مِ نْ َأطْرَاِفهَا وَاللّ هُ َيحْكُ ُم ل مُ َعقّ بَ‬ ‫َأوَلَ مْ يَ َروْا َأنّا نَ ْأتِي ا َلرْ ضَ َننْقُ ُ‬ ‫لِحُكْ ِم ِه وَ ُهوَ سَرِيعُ اْلحِسَابِ ( ‪)41‬‬ ‫أول يبصر هؤلء الكفار أنا نأت الرض ننقصها من أطرافها‪ ,‬وذلك‬ ‫بفتح السلمي بلد الشركي وإلاقها ببلد السلمي؟ وال سبحانه‬ ‫يكم ل معقّب لكمه وقضائه‪ ,‬وهو سريع الساب‪ ,‬فل يستعجلوا‬ ‫بالعذاب; فإن كل آت قريب‪.‬‬ ‫وَقَ ْد مَكَ َر الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ مْ فَلِلّ ِه الْمَكْرُ جَمِيعا يَعْلَ مُ مَا تَكْ سِبُ كُلّ نَفْ سٍ‬ ‫وَ َسيَعْلَ ُم الْكُفّارُ لِمَ ْن عُ ْقبَى الدّارِ (‪)42‬‬ ‫‪809‬‬

‫ولقد دبّر الذين من قبلهم الكايد لرسلهم‪ ,‬كما فعل هؤلء معك‪ ,‬فلله‬ ‫الكر جيعًا‪ ,‬فيبطل مكرهم‪ ,‬ويعيده عليهم باليبة والندم‪ ,‬يعلم سبحانه‬ ‫ما تكسب كل نفس من خي أو شر فتجازى عليه‪ .‬وسيعلم الكفار ‪-‬إذا‬ ‫قدموا على ربم‪ -‬لن تكون العاقبة الحمودة بعد هذه الدنيا؟ إنا لتباع‬ ‫الرسل‪ .‬وف هذا تديد ووعيد للكافرين‪.‬‬ ‫ل قُلْ كَفَى بِاللّ هِ َشهِيدا َبيْنِي َوَبْينَكُ مْ‬ ‫َويَقُولُ الّذِي نَ كَ َفرُوا لَ سْتَ مُ ْر سَ ً‬ ‫ب (‪)43‬‬ ‫وَمَنْ ِعنْدَ ُه عِلْ ُم الْ ِكتَا ِ‬ ‫ويقول الذين كفروا لنب ال‪- :‬يا ممد‪ -‬ما أرسلك ال‪ ,‬قل لم‪ :‬كفى‬ ‫بال شهيدًا بصدقي وكذبكم‪ ,‬وكَفَتْ شهادة مَن عنده علم الكتاب من‬ ‫اليهود والنصارى من آمن برسالت‪ ,‬وما جئتُ به من عند ال‪ ,‬واتبع‬ ‫الق فصرّح بتلك الشهادة‪ ,‬ول يكتمها‪.‬‬

‫‪810‬‬

‫‪ -14‬سورة إبراهيم‬

‫الر ِكتَا بٌ أَن َزْلنَا هُ ِإَليْ كَ ِلُتخْرِ جَ النّا سَ مِ ْن الظّلُمَا تِ ِإلَى النّورِ ِبإِذْ نِ َربّهِ مْ‬

‫ِإلَى صِرَاطِ الْعَزِي ِز الْحَمِي ِد ( ‪ )1‬اللّ هِ الّذِي لَ هُ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَمَا فِي‬ ‫ا َلرْضِ َو َويْلٌ لِلْكَاِفرِينَ مِنْ َعذَابٍ شَدِي ٍد (‪)2‬‬ ‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫هذا القرآن كتاب أوحيناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتُخرج به البشر من‬ ‫الضلل والغ ّي إل الدى والنور ‪-‬بإذن ربم وتوفيقه إياهم‪ -‬إل السلم‬ ‫الذي هو طريق ال الغالب الحمود ف كل حال‪ ,‬ال الذي له ما ف‬ ‫السموات وما ف الرض‪ ,‬خلقًا وملكًا وتصرّفًا‪ ,‬فهو الذي يب أن‬ ‫تكون العبادة له وحده‪ .‬وسوف يصيب الذين ل يؤمنوا بال ول يتبعوا‬ ‫رسله يوم القيامة هلك وعذاب شديد‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫سمِيلِ الل ِ‬ ‫َنم َب‬ ‫َصمدّونَ ع ْ‬ ‫حيَاةَ ال ّدنْيَا عَلَى الخِرَةِ َوي ُ‬ ‫حبّونَ الْ َ‬ ‫َسم ِ‬ ‫ِينم ي َْت‬ ‫الّذ َ‬ ‫َوَيبْغُونَهَا ِعوَجا ُأ ْوَلئِكَ فِي ضَل ٍل بَعِي ٍد (‪)3‬‬ ‫‪811‬‬

‫وهؤلء الذين أعرضوا ول يؤمنوا بال ويتبعوا رسله هم الذين يتارون‬ ‫الياة الدنيا الفانية‪ ,‬ويتركون الخرة الباقية‪ ,‬وينعون الناس عن اتباع‬ ‫دين ال‪ ,‬ويريدونه طريقًا معوجًا ليوافق أهواءهم‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه‬ ‫الصفات ف ضلل عن الق بعيد عن كل أسباب الداية‪.‬‬ ‫وَمَا َأرْ سَ ْلنَا مِ نْ رَ سُولٍ إِ ّل بِلِ سَانِ َقوْمِ ِه ِليَُبيّ نَ َلهُ مْ َفيُضِلّ اللّ هُ مَ نْ َيشَاءُ‬ ‫َوَيهْدِي مَ ْن َيشَاءُ وَ ُهوَ الْعَزِي ُز الْحَكِي ُم (‪)4‬‬

‫وما أرسلنا مِن رسولٍ قبلك ‪-‬أيها النب‪ -‬إل بلُغة قومه; ليوضّح لم‬ ‫شريعة ال‪ ,‬فيضل ال من يشاء عن الدى‪ ,‬ويهدي من يشاء إل الق‪,‬‬ ‫وهو العزيز ف ملكه‪ ,‬الكيم الذي يضع المور ف مواضعها وَفْق‬ ‫الكمة‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا مُو سَى بِآيَاتِنَا أَ نْ َأخْرِ جْ َقوْمَ كَ مِ ْن الظّلُمَا تِ ِإلَى النّورِ‬ ‫صبّارٍ شَكُورٍ (‪)5‬‬ ‫ك ليَاتٍ لِكُلّ َ‬ ‫وَذَكّرْهُ ْم بَِأيّامِ الّلهِ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫ولقد أرسلنا موسى إل بن إسرائيل وأيدناه بالعجزات الدالة على‬ ‫صدقه‪ ,‬وأمرناه بأن يدعوهم إل اليان؛ ليخرجهم من الضلل إل‬ ‫الدى‪ ,‬ويذكّرهم بنعم ال ونقمه ف أيامه‪ ,‬إن ف هذا التذكي با‬ ‫‪812‬‬

‫لَدللت لكل صبّار على طاعة ال‪ ،‬وعن مارمه‪ ،‬وعلى أقداره‪ ،‬شكور‬ ‫قائم بقوق ال‪ ،‬يشكر ال على نعمه‪ ,‬وخصّهم بذلك؛ لنم هم الذين‬ ‫يعتبون با‪ ,‬ول يَ ْغفُلون عنها‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَ مُوسَى لِ َقوْمِهِ اذْكُرُوا نِ ْع َمةَ اللّهِ عََليْ ُكمْ إِذْ أَنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْ َعوْ َن‬ ‫حيُونَ نِ سَاءَكُمْ وَفِي‬ ‫سَت ْ‬ ‫يَ سُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَا بِ َويُ َذّبحُو نَ َأْبنَاءَكُ ْم َويَ ْ‬ ‫َذلِكُ ْم بَلءٌ مِ ْن َربّكُمْ عَظِي ٌم (‪)6‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك قصة موسى حي قال لبن إسرائيل‪:‬‬ ‫اذكروا نعمة ال عليكم حي أناكم من فرعون وأتباعه يذيقونكم أشد‬ ‫العذاب‪ ,‬ويذبّحون أبناءكم الذكور‪ ,‬حت ل يأت منهم من يستول على‬ ‫مُلْك فرعون‪ ,‬ويبقون الناث على قيد الياة ذليلت‪ ,‬وف ذلكم البلء‬ ‫والناء اختبار لكم من ربكم عظيم‪.‬‬ ‫وَِإذْ تَأَذّ َن َربّكُ مْ َلئِ نْ َشكَ ْرتُ ْم َلزِي َدنّكُ مْ َوَلئِ نْ كَفَ ْرُت مْ ِإنّ َعذَابِي َلشَدِيدٌ (‬ ‫‪)7‬‬

‫‪813‬‬

‫وقال لم موسى‪ :‬واذكروا حي أعلم ربكم إعلمًا مؤكّدًا‪ :‬لئن شكرتوه‬ ‫على نعمه ليزيدنكم من فضله‪ ,‬ولئن جحدت نعمة ال ليعذبنّكم عذابًا‬ ‫شديدًا‪.‬‬ ‫وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْ ُفرُوا َأْنتُمْ وَمَنْ فِي ا َلرْضِ جَمِيعا َفِإنّ اللّهَ لَ َغنِيّ حَمِيدٌ‬ ‫(‪)8‬‬ ‫وقال لم‪ :‬إن تكفروا بال أنتم وجيع أهل الرض فلن تضروا ال شيئًا;‬ ‫فإن ال لغن عن خلقه‪ ,‬مستحق للحمد والثناء‪ ,‬ممود ف كل حال‪.‬‬ ‫َألَمْ يَ ْأتِكُ ْم َنبَأُ الّذِينَ مِ ْن َقبْلِكُ ْم َقوْ ِم نُوحٍ وَعَا ٍد َوثَمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَ ْعدِهِ ْم‬ ‫ل يَعَْل ُمهُ مْ إِلّ اللّ هُ جَا َءْتهُ ْم رُ سُُلهُ ْم بِاْلبَّينَا تِ َفرَدّوا َأيْ ِدَيهُ مْ فِي أَ ْفوَا ِههِ مْ‬ ‫وَقَالُوا ِإنّا كَ َف ْرنَا بِمَا ُأرْ سِ ْلتُ ْم بِ هِ وَِإنّا لَفِي شَكّ مِمّا تَدْعُوَننَا ِإَليْ هِ ُمرِي بٍ (‬ ‫‪)9‬‬ ‫أل يأتكم ‪-‬يا أمّة ممد‪ -‬خب المم الت سبقتكم‪ ,‬قوم نوح وقوم هود‬ ‫وقوم صال‪ ,‬والمم الت بعدهم‪ ,‬ل يصي عددهم إل ال‪ ,‬جاءتم‬ ‫رسلهم بالباهي الواضحات‪ ,‬فعضّوا أيديهم غيظًا واستنكافًا عن قَبول‬ ‫‪814‬‬

‫ك ما‬ ‫اليان‪ ,‬وقالوا لرسلهم‪ :‬إنا ل نصدّق با جئتمونا به‪ ,‬وإنا لفي ش ّ‬ ‫تدعوننا إليه من اليان والتوحيد موجب للريبة‪.‬‬ ‫قَالَتْ رُسُُلهُمْ َأفِي اللّهِ َشكّ فَاطِ ِر السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ يَدْعُوكُ ْم ِليَغْفِرَ لَكُ ْم‬ ‫ُممإِلّ َبشَ ٌر ِمثْلُنَا‬ ‫ِنمَأْنت ْ‬ ‫ُسممّى قَالُوا إ ْ‬ ‫ُممِإلَى أَجَ ٍل م َ‬ ‫ُمم َوُيؤَخّرَك ْ‬ ‫ِنم ُذنُوبِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صدّونَا عَمّا كَانَ يَ ْعبُدُ آبَا ُؤنَا فَ ْأتُونَا ِبسُلْطَانٍ ُمِبيٍ (‪)10‬‬ ‫تُرِيدُونَ َأنْ تَ ُ‬ ‫قالت لم رسلهم‪ :‬أف ال وعبادته ‪-‬وحده‪ -‬ريب‪ ,‬وهو خالق السموات‬ ‫والرض‪ ,‬ومنشئهما من العدم على غي مثال سابق‪ ,‬وهو يدعوكم إل‬ ‫اليان; ليغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬ويؤخر بقاءكم ف الدنيا إل أجل قدّره‪,‬‬ ‫وهو ناية آجالكم‪ ,‬فل يعذبكم ف الدنيا؟ فقالوا لرسلهم‪ :‬ما نراكم إل‬ ‫بشرًا صفاتكم كصفاتنا‪ ,‬ل فضل لكم علينا يؤهلكم أن تكونوا رسل ‪.‬‬ ‫تريدون أن تنعونا من عبادة ما كان يعبده آباونا من الصنام والوثان‪,‬‬ ‫فأتونا بجة ظاهرة تشهد على صحة ما تقولون‪.‬‬ ‫قَالَ تْ َلهُ ْم رُ ُسُلهُمْ إِ نْ َنحْ نُ إِلّ َبشَ ٌر ِمثْلُكُ مْ َولَكِنّ اللّ هَ يَمُنّ عَلَى مَ ْن‬ ‫َيشَاءُ مِ نْ ِعبَادِ هِ وَمَا كَا نَ َلنَا أَ نْ نَ ْأِتيَكُ مْ بِ سُلْطَانٍ إِ ّل ِبإِذْ نِ اللّ هِ وَعَلَى اللّ هِ‬ ‫فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)11‬‬

‫‪815‬‬

‫ولا سع الرسل ما قاله أقوامهم قالوا لم‪ :‬حقًا ما نن إل بشر مثلكم‬ ‫كما قلتم‪ ,‬ولكن ال يتفضل بإنعامه على مَن يشاء من عباده فيصطفيهم‬ ‫لرسالته‪ ,‬وما طلبتم من البهان البي‪ ,‬فل يكن لنا ول نستطيع أن‬ ‫نأتيكم به إل بإذن ال وتوفيقه‪ ,‬وعلى ال وحده يعتمد الؤمنون ف كل‬ ‫أمورهم‪.‬‬ ‫صبِ َرنّ عَلَى مَا آ َذْيتُمُونَا‬ ‫وَمَا َلنَا أَ ّل َنَتوَكّلَ َعلَى اللّ هِ وَقَدْ َهدَانَا ُسبَُلنَا َوَلنَ ْ‬ ‫وَعَلَى الّلهِ فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمَتوَكّلُونَ (‪)12‬‬ ‫وكيف ل نعتمد على ال‪ ,‬وهو الذي أرشدنا إل طريق النجاة من عذابه‬ ‫باتباع أحكام دينه؟ ولنصبنّ على إيذائكم لنا بالكلم السيئ وغيه‪,‬‬ ‫وعلى ال وحده يب أن يعتمد الؤمنون ف نصرهم‪ ,‬وهزية أعدائهم‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا لِ ُر سُِلهِ ْم َلنُخْرِ َجنّكُ مْ مِ نْ َأ ْرضِنَا َأوْ َلتَعُودُنّ فِي مِّلتِنَا‬ ‫فََأوْحَى ِإَلْيهِمْ َرّبهُ ْم َلنُهْلِكَنّ الظّالِ ِميَ (‪)13‬‬ ‫وضاقت صدور الكفار ما قاله الرسل فقالوا لم‪ :‬لنطردنكم من بلدنا‬ ‫حت تعودوا إل ديننا‪ ,‬فأوحى ال إل رسله أنه سيهلك الاحدين الذين‬ ‫كفروا به وبرسله‪.‬‬ ‫‪816‬‬

‫َوَلنُ سْ ِكَننّكُ ْم الَرْضَ مِنْ بَعْدِ ِهمْ َذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِي ِد (‬

‫‪)14‬‬

‫ولنجعلن العاقبة السنة للرسل وأتباعهم بإسكانم أرض الكافرين بعد‬ ‫إهلكهم‪ ,‬ذلك الهلك للكفار‪ ,‬وإسكان الؤمني أرضهم أمر مؤكد‬ ‫لن خاف مقامه بي يديّ يوم القيامة‪ ,‬وخشي وعيدي وعذاب‪.‬‬ ‫وَا ْستَ ْفَتحُوا وَخَابَ كُلّ َجبّارٍ َعنِي ٍد (‪)15‬‬ ‫ولأ الرسل إل ربم وسألوه النصر على أعدائهم والكم بينهم‪،‬‬ ‫فاستجاب لم‪ ,‬وهلك كل متكب ل يقبل الق ول ُيذْعن له‪ ,‬ول يقر‬ ‫بتوحيد ال وإخلص العبادة له‪.‬‬ ‫صدِيدٍ (‪)16‬‬ ‫مِ ْن َورَاِئهِ َج َهنّ ُم َوُيسْقَى مِنْ مَاءٍ َ‬ ‫ومِن أمام هذا الكافر جهنم يَلْقى عذابا; ويُسقى فيها من القيح والدم‬ ‫الذي َيخْرج من أجسام أهل النار‪.‬‬

‫‪817‬‬

‫ت مِ نْ كُ ّل مَكَا نٍ وَمَا ُهوَ بِ َميّ تٍ‬ ‫َيَتجَرّعُ هُ وَل يَكَا ُد يُ سِي ُغهُ َويَ ْأتِي هِ الْ َموْ ُ‬ ‫وَمِنْ َورَاِئهِ َعذَابٌ غَلِيظٌ (‪)17‬‬ ‫ياول التكب ابتلع القيح والدم وغي ذلك ما يسيل من أهل النار مرة‬ ‫بعد مرة‪ ,‬فل يستطيع أن يبتلعه; لقذارته وحرارته‪ ,‬ومرارته‪ ,‬ويأتيه‬ ‫العذاب الشديد من كل نوع ومن كل عضو من جسده‪ ,‬وما هو بيت‬ ‫فيستريح‪ ,‬وله من بعد هذا العذاب عذاب آخر مؤل‪.‬‬ ‫َمثَ ُل الّذِينَم كَ َفرُوا بِ َرّبهِم ْمأَعْمَاُلهُم ْم كَرَمَادٍ ا ْشتَدّت ْمبِهِم الرّيحُم فِي َيوْمٍم‬ ‫ِكم ُه َو الضّل ُل اْلبَعِي ُد (‬ ‫َسمُوا عَلَى شَ ْيءٍ َذل َ‬ ‫ُونم ِممّام ك َب‬ ‫َاصمفٍ ل يَقْ ِدر َ‬ ‫ع ِ‬ ‫‪)18‬‬ ‫صفة أعمال الكفار ف الدنيا كالب وصلة الرحام كصفة رماد اشتدت‬ ‫به الريح ف يوم ذي ريح شديدة‪ ,‬فلم تترك له أثرًا‪ ,‬فكذلك أعمالم ل‬ ‫يدون منها ما ينفعهم عند ال‪ ,‬فقد أذهبها الكفر كما أذهبت الريح‬ ‫الرماد‪ ,‬ذلك السعي والعمل على غي أساس‪ ,‬هو الضلل البعيد عن‬ ‫الطريق الستقيم‪.‬‬ ‫َألَ مْ َترَى َأنّ اللّهَ خَلَقَ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْضَ بِاْلحَقّ إِنْ َيشَأْ ُيذْ ِهبْكُمْ َويَأْتِ‬ ‫‪818‬‬

‫ِبخَلْقٍ َجدِيدٍ (‪)19‬‬ ‫أل تعلم أيها الخاطب ‪-‬والراد عموم الناس‪ -‬أن ال أوجد السموات‬ ‫والرض على الوجه الصحيح الدال على حكمته‪ ,‬وأنه ل يلقهما عبثًا‪,‬‬ ‫بل للستدلل بما على وحدانيته‪ ,‬وكمال قدرته‪ ,‬فيعبدوه وحده‪ ,‬ول‬ ‫يشركوا به شيئًا؟ إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيكم يطيعون ال ‪.‬‬ ‫وَمَا َذلِكَ عَلَى الّلهِ بِعَزِي ٍز (‪)20‬‬ ‫وما إهلككم والتيان بغيكم بمتنع على ال‪ ,‬بل هو سهل يسي‪.‬‬ ‫َوبَ َرزُوا لِلّ هِ جَمِيعا فَقَالَ الضّعَفَاءُ لِلّذِي نَ ا ْستَ ْكبَرُوا ِإنّا ُكنّا لَكُ ْم َتبَعا َفهَلْ‬ ‫ب اللّ هِ مِ نْ شَ ْي ٍء قَالُوا َلوْ هَدَانَا اللّ هُ َلهَ َدْينَاكُ مْ‬ ‫َأْنتُ مْ مُ ْغنُو نَ َعنّ ا مِ نْ عَذَا ِ‬ ‫صبَ ْرنَا مَا َلنَا مِ ْن َمحِيصٍ (‪)21‬‬ ‫َسوَاءٌ عََلْينَا َأجَزِ ْعنَا أَمْ َ‬

‫وخرجت اللئق من قبورهم‪ ,‬وظهروا كلهم يوم القيامة ل الواحد‬ ‫القهار; ليحكم بينهم‪ ,‬فيقول التباع لقادتم‪ :‬إنّا كنّا لكم ف الدنيا‬ ‫أتباعًا‪ ,‬نأتر بأمركم‪ ,‬فهل أنتم ‪-‬اليوم‪ -‬دافعون عنا من عذاب ال شيئًا‬ ‫كما كنتم تَعِدوننا؟ فيقول الرؤساء‪ :‬لو هدانا ال إل اليان لرشدناكم‬ ‫‪819‬‬

‫إليه‪ ,‬ولكنه ل يوفقنا‪ ,‬فضللنا وأضللناكم‪ ,‬يستوي علينا وعليكم‬ ‫المجَزَع والصب عليه‪ ,‬فليس لنا مهرب من العذاب ول منجى‪.‬‬ ‫شيْطَا نُ لَمّ ا قُضِ يَ الَمْرُ إِنّ اللّ هَ وَعَدَكُ مْ وَعْ َد الْحَقّ َووَعَ ْدتُكُ ْم‬ ‫وَقَالَ ال ّ‬ ‫جْبتُمْ لِي‬ ‫فََأخْلَ ْفتُكُ مْ وَمَا كَانَ لِي عََليْ ُك ْم مِ ْن سُلْطَانٍ إِلّ أَنْ دَ َع ْوتُكُ مْ فَا ْسَت َ‬ ‫صرِخِيّ ِإنّي‬ ‫فَل تَلُومُونِي َولُومُوا َأنْفُ سَكُمْ مَا َأنَا بِمُ صْ ِرخِكُ ْم وَمَا َأْنتُ ْم بِمُ ْ‬

‫ت بِمَا أَشْرَ ْكُتمُونِي مِنْ َقبْلُ ِإنّ الظّالِ ِميَ َلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)22‬‬ ‫كَفَرْ ُ‬

‫وقال الشيطان ‪-‬بعد أن قضى ال المر وحاسب َخلْقه‪ ,‬ودخل أه ُل‬ ‫النة النةَ وأهلُ النارِ النارَ‪ :-‬إن ال وعدكم وعدًا حقًا بالبعث والزاء‪,‬‬ ‫ث ول جزاء‪ ,‬فأخلفتكم وعدي‪ ,‬وما‬ ‫ووعدتكم وعدًا باطل أنه ل بَعْ َ‬ ‫كان ل عليكم من قوة أقهركم با على اتباعي‪ ,‬ول كانت معي حجة‪,‬‬ ‫ولكن دعوتكم إل الكفر والضلل فاتبعتمون‪ ,‬فل تلومون ولوموا‬ ‫أنفسكم‪ ,‬فالذنب ذنبكم‪ ,‬ما أنا بغيثكم ول أنتم بغيثيّ من عذاب ال‪,‬‬ ‫إن تبّأت مِن جَعْلِكم ل شريكًا مع ال ف طاعته ف الدنيا‪ .‬إن الظالي‬ ‫ف إعراضهم عن الق واتباعهم الباطل‪ -‬لم عذاب مؤل موجع‪.‬‬‫حتِهَا ا َلْنهَارُ‬ ‫ت َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫وَُأدْخِلَ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا ٍ‬ ‫‪820‬‬

‫حّيُتهُمْ فِيهَا سَل ٌم (‪)23‬‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا ِبإِ ْذنِ َرّبهِمْ َت ِ‬ ‫وأُدخل الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا الصالات جنات تري من‬ ‫تت أشجارها وقصورها النار‪ ,‬ل يرجون منها أبدًا ‪-‬بإذن ربم‬ ‫حّيوْن فيها بسلم من ال وملئكته والؤمني‪.‬‬ ‫وحوله وقوته‪ُ -‬ي َ‬ ‫شجَرَةٍ َطّيَبةٍ أَ صُْلهَا ثَابِ تٌ‬ ‫ف ضَرَ بَ اللّ هُ َمثَلً كَِل َمةً َطّيبَةً َك َ‬ ‫َألَ مْ َترَى َكيْ َ‬ ‫وَفَرْ ُعهَا فِي السّمَاءِ (‪)24‬‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف ضرب ال مثل لكلمة التوحيد (ل إله إل‬ ‫ال) بشجرة عظيمة‪ ,‬وهي النخلة‪ ,‬أصلها متمكن ف الرض‪ ,‬وأعلها‬ ‫مرتفع علوّا نو السماء؟‬ ‫ُتؤْتِي أُكُلَهَا كُلّ حِيٍ ِبإِذْ نِ َربّهَا َويَضْرِ بُ اللّ هُ الَ ْمثَالَ لِلنّا سِ لَعَّلهُ مْ‬ ‫َيتَذَكّرُونَ (‪)25‬‬ ‫تعطي ثارها كل وقت بإذن ربا‪ ,‬وكذلك شجرة اليان أصلها ثابت ف‬ ‫قلب الؤمن علمًا واعتقادًا‪ ,‬وفرعها من العمال الصالة والخلق‬

‫‪821‬‬

‫الرضية يُرفع إل ال وينال ثوابه ف كل وقت‪ .‬ويضرب ال المثال‬ ‫للناس; ليتذكروا ويتعظوا‪ ,‬فيعتبوا‪.‬‬ ‫شجَرَةٍ َخبِيَثةٍ ا ْجُتثّ تْ مِ نْ َفوْ قِ ا َلرْ ضِ مَا لَهَا مِ نْ‬ ‫وَ َمثَلُ كَِل َمةٍ َخبِيَثةٍ َك َ‬ ‫قَرَارٍ (‪)26‬‬ ‫ومثل كلمة خبيثة ‪-‬وهي كلمة الكفر‪ -‬كشجرة خبيثة الأكل والطعم‪,‬‬ ‫وهي شجرة النظل‪ ,‬اقتلعت من أعلى الرض؛ لن عروقها قريبة من‬ ‫سطح الرض ما لا أصل ثابت‪ ,‬ول فرع صاعد‪ ,‬وكذلك الكافر ل‬ ‫ثبات له ول خي فيه‪ ,‬ول ُيرْفَع له عمل صال إل ال‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي ال ِخرَةِ‬ ‫ِتم فِي الْ َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا بِالْ َقوْلِ الثّاب ِ‬ ‫ّهم الّذ َ‬ ‫ّتم الل ُ‬ ‫ُيَثب ُ‬ ‫َويُضِلّ اللّهُ الظّالِ ِميَ َويَفْعَ ُل الّلهُ مَا َيشَاءُ (‪)27‬‬ ‫يثبّت ال الذين آمنوا بالقول الق الراسخ‪ ,‬وهو شهادة أن ل إله إل ال‬ ‫وأن ممدًا رسول ال‪ ,‬وما جاء به من الدين الق يثبتهم ال به ف الياة‬ ‫الدنيا‪ ,‬وعند ماتم بالاتة السنة‪ ,‬وف القب عند سؤال الَلَكي بدايتهم‬ ‫إل الواب الصحيح‪ ,‬ويضل ال الظالي عن الصواب ف الدنيا والخرة‪,‬‬ ‫ويفعل ال ما يشاء من توفيق أهل اليان وخِذْلن أهل الكفر والطغيان‪.‬‬ ‫‪822‬‬

‫ُمم دَارَ اْلَبوَارِ (‬ ‫ّهم كُفْرا وََأحَلّوا َقوْ َمه ْ‬ ‫ِينم بَ ّدلُوا نِ ْع َمةَ الل ِ‬ ‫َمم َترَى ِإلَى الّذ َ‬ ‫َأل ْ‬

‫صَل ْونَهَا َوِبْئسَ الْقَرَارُ (‪)29‬‬ ‫‪َ )28‬ج َهنّمَ يَ ْ‬

‫أل تنظر أيها الخاطب ‪-‬والراد العموم‪ -‬إل حال الكذبي من كفار‬ ‫قريش الذين استبدلوا الكفر بال بدل عن شكره على نعمة المن بالرم‬ ‫وبعثة النب ممد صلى ال عليه وسلم فيهم؟ وقد أنمزلوا أتباعهم دار‬ ‫اللك حي تَسببوا بإخراجهم إل "بدر" ف ُقتِلوا وصار مصيهم دار‬ ‫البوار‪ ،‬وهي جهنم‪ ,‬يدخلونا ويقاسون حرها‪ ,‬وَقبُ َح الستقر مستقرهم‪.‬‬ ‫وَجَعَلُوا لِلّ هِ أَندَادا ِليُضِلّوا عَ ْن َسبِيِلهِ قُ ْل تَ َمتّعُوا َفِإنّ مَ صِيَكُمْ ِإلَى النّارِ (‬ ‫‪)30‬‬

‫وجعل هؤلء الكفار ل شركاء عبدوهم معه; لُيبْعدوا الناس عن دينه‪.‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬استمتعوا ف الياة الدنيا; فإنا سريعة الزوال‪,‬‬ ‫وإن مردّكم ومرجعكم إل عذاب جهنم‪.‬‬ ‫قُلْ لِ ِعبَادِي الّذِي نَ آ َمنُوا يُقِيمُوا ال صّلةَ َويُنفِقُوا مِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم ِسرّا وَعَلِنَيةً‬ ‫مِنْ َقبْلِ َأنْ يَ ْأتِ َي َيوْمٌ ل َبيْ ٌع فِيهِ وَل خِل ٌل (‪)31‬‬ ‫‪823‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعبادي الذين آمنوا‪ :‬يؤدوا الصلة بدودها‪,‬‬ ‫ويرجوا بعض ما أعطيناهم من الال ف وجوه الي الواجبة والستحبة‬ ‫مسرّين ذلك ومعلني‪ ,‬من قبل أن يأت يوم القيامة الذي ل ينفع فيه فداء‬ ‫ول صداقة‪.‬‬ ‫ج بِهِ مِ ْن‬ ‫اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّ َموَاتِ وَا َلرْضَ وَأَنزَ َل مِنْ السّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَ َ‬ ‫ي فِي اْلَبحْرِ بِأَمْرِ هِ َو َسخّرَ‬ ‫ت ِرزْقا لَكُ مْ وَ َسخّرَ لَكُ مْ الْفُلْ كَ ِلَتجْرِ َ‬ ‫الثّ َمرَا ِ‬ ‫لَكُمْ الَنَارَ ( ‪)32‬‬ ‫ال تعال الذي خلق السموات والرض وأوجدها من العدم‪ ,‬وأنزل‬ ‫الطر من السحاب فأحيا به الرض بعد موتا‪ ,‬وأخرج لكم منها‬ ‫أرزاقكم‪ ,‬وذلّل لكم السفن; لتسي ف البحر بأمره لنافعكم‪ ,‬وذلّل لكم‬ ‫النار لسقياكم وسقيا دوابكم وزروعكم وسائر منافعكم‪.‬‬ ‫وَ َسخّرَ لَكُ ْم الشّ ْمسَ وَالْقَمَرَ دَاِئَبيْنِ وَ َسخّ َر لَكُمْ الّليْلَ وَالّنهَارَ (‪)33‬‬ ‫وذلّل ال لكم الشمس والقمر ل يَ ْفتُران عن حركتهما; لتتحقق الصال‬ ‫بما‪ ,‬وذلّل لكم الليل; لتسكنوا فيه وتستريوا‪ ,‬والنهار; لتبتغوا من‬ ‫فضله‪ ,‬وتدبّروا معايشكم‪.‬‬ ‫‪824‬‬

‫وَآتَاكُمْ مِنْ كُ ّل مَا سََأْلتُمُوهُ َوإِنْ تَعُدّوا نِ ْع َمةَ اللّهِ ل ُتحْصُوهَا ِإنّ الِنسَانَ‬

‫لَظَلُومٌ كَفّارٌ ( ‪)34‬‬

‫وأعطاكم من كل ما طلبتموه‪ ,‬وإن تعدّوا نِعَم ال عليكم ل تطيقوا‬ ‫عدها ول إحصاءها ول القيام بشكرها; لكثرتا وتنوّعها‪ .‬إن النسان‬ ‫لَكثي الظلم لنفسه‪ ,‬كثي الحود لنعم ربه‪.‬‬ ‫َنم نَ ْعبُدَ‬ ‫ِيمم رَب ّ اجْعَ ْل هَذَا اْلبَلَدَ آمِنا وَا ْجُنبْن ِي َوَبنِي ّ أ ْ‬ ‫وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاه ُ‬ ‫صنَامَ (‪)35‬‬ ‫ا َل ْ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قال إبراهيم داعيًا ربه ‪-‬بعد أن أسكن ابنه‬ ‫إساعيل وأمه "هاجَر" وادي "مكة" ‪ :-‬رب اجعل "مكة" بلدَ أمنٍ يأمن‬ ‫كل مَن فيها‪ ,‬وأبعِدن وأبنائي عن عبادة الصنام‪.‬‬ ‫ضلَلْ َن َكثِيا مِ نْ النّا سِ فَمَ نْ َتبِعَنِي َفِإنّ هُ ِمنّ ي وَمَ ْن عَ صَانِي‬ ‫رَبّ ِإّنهُنّ َأ ْ‬ ‫َفِإنّكَ َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)36‬‬

‫‪825‬‬

‫ت ف إبعاد كثي من الناس عن طريق الق‪ ,‬فمن‬ ‫ربّ إن الصنام تسبّب ْ‬ ‫اقتدى ب ف التوحيد فهو على دين و ُسنّت‪ ,‬ومَن خالفن فيما دون‬ ‫الشرك‪ ,‬فإنك غفور لذنوب الذنبي ‪-‬بفضلك‪ -‬رحيم بم‪ ,‬تعفو عمن‬ ‫تشاء منهم‪.‬‬ ‫ك الْمُحَرّ مِ َرّبنَا‬ ‫ع ِعنْ َد َبْيتِ َ‬ ‫َرّبنَا ِإنّي َأ سْكَنتُ مِ نْ ُذ ّرّيتِي ِبوَادٍ َغيْرِ ذِي َزرْ ٍ‬ ‫ِليُقِيمُوا الصّل َة فَاجْعَلْ أَ ْفئِدَ ًة مِنْ النّاسِ َت ْهوِي ِإَلْيهِمْ وَا ْرزُ ْقهُمْ مِنْ الثّمَرَاتِ‬ ‫لَعَّلهُمْ َيشْكُرُونَ ( ‪)37‬‬ ‫ربنا إن أسكنت من ذريت بوادٍ ليس فيه زرع ول ماء بوار بيتك‬ ‫الحرم‪ ,‬ربنا إنن فعلت ذلك بأمرك; لكي يؤدوا الصلة بدودها‪,‬‬ ‫فاجعل قلوب بعض خلقك تَنع إليهم وتنّ‪ ,‬وارزقهم ف هذا الكان‬ ‫من أنواع الثمار; لكي يشكروا لك على عظيم نعمك‪ .‬فاستجاب ال‬ ‫دعاءه‪.‬‬ ‫َربّنَا ِإنّ كَ تَعَْل مُ مَا ُنخْفِي وَمَا نُعْلِ نُ وَمَا َيخْفَى عَلَى اللّ هِ مِ نْ شَ ْيءٍ فِي‬ ‫ا َلرْضِ وَل فِي السّمَاءِ (‪)38‬‬

‫‪826‬‬

‫ربنا إنك تعلم كل ما نفيه وما نظهره‪ .‬وما يغيب عن علم ال شيء من‬ ‫الكائنات ف الرض ول ف السماء‪.‬‬ ‫اْلحَمْدُ لِلّهِ الّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْ ِكبَرِ ِإسْمَاعِيلَ وَإِ ْسحَقَ ِإنّ َربّي لَسَمِيعُ‬ ‫الدّعَاءِ (‪)39‬‬ ‫ُيثْن إبراهيم على ال تعال‪ ,‬فيقول‪ :‬المد ل الذي رزقن على ِكبَر سن‬ ‫ولديّ إساعيل وإسحاق بعد دعائي أن يهب ل من الصالي‪ ,‬إن رب‬ ‫لسميع الدعاء من دعاه‪ ,‬وقد دعوته ول ييّب رجائي‪.‬‬ ‫رَبّ اجْعَ ْلنِي مُقِي َم الصّلةِ وَمِنْ ُذ ّرّيتِي َرّبنَا َوتَ َقبّلْ دُعَاءِ (‪)40‬‬ ‫رب اجعلن مداومًا على أداء الصلة على أت وجوهها‪ ,‬واجعل من‬ ‫ذريت مَن يافظ عليها‪ ,‬ربنا واستجب دعائي وتقبّل عبادت‪.‬‬ ‫ب (‪)41‬‬ ‫حسَا ُ‬ ‫َرّبنَا اغْفِ ْر لِي َولِوَالِدَيّ َولِلْ ُمؤْ ِمِنيَ َيوْمَ يَقُو ُم الْ ِ‬

‫‪827‬‬

‫ربنا اغفر ل ما وقع من ما ل يسلم منه البشر واغفر لوالديّ‪( ,‬وهذا‬ ‫قبل أن يتبيّن له أن والده عدو ل) واغفر للمؤمني جيعًا يوم يقوم الناس‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫شخَ صُ‬ ‫ل عَمّا يَ ْعمَلُ الظّالِمُو نَ ِإنّمَا ُيؤَخّرُهُ ْم ِليَوْ مٍ َت ْ‬ ‫وَل َتحْ سَبَنّ اللّ هَ غَافِ ً‬ ‫فِيهِ ا َلبْصَارُ (‪)42‬‬ ‫ول تسب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال غافل عما يعمله الظالون‪ :‬من‬ ‫التكذيب بك وبغيك من الرسل‪ ,‬وإيذاء الؤمني وغي ذلك من‬ ‫العاصي‪ ,‬إنا يؤخّرُ عقابم ليوم شديد ترتفع فيه عيونم ول تَ ْغمَض; مِن‬ ‫هول ما تراه‪ .‬وف هذا تسلية لرسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ُمهْطِ ِعيَ مُ ْقنِعِي ُرءُو ِسهِمْ ل يَ ْرتَدّ ِإَلْيهِمْ طَرُْفهُ ْم وَأَ ْفئِ َدُتهُ ْم َهوَاءٌ (‪)43‬‬ ‫يوم يقوم الظالون من قبورهم مسرعي لجابة الداعي رافعي رؤوسهم‬ ‫ل يبصرون شيئًا لول الوقف‪ ,‬وقلوبم خالية ليس فيها شيء; لكثرة‬ ‫الوف والوجل من هول ما ترى‪.‬‬

‫‪828‬‬

‫وَأَن ِذرْ النّاسَ َيوْمَ يَ ْأتِيهِمْ الْعَذَابُ َفيَقُولُ الّذِينَ ظَلَمُوا َرّبنَا َأخّ ْرنَا ِإلَى أَجَ ٍل‬ ‫ك َوَنّتبِ عْ الرّ سُلَ َأ َولَ ْم تَكُونُوا أَقْ سَ ْمتُمْ مِ نْ َقبْ ُل مَا لَ ُك مْ‬ ‫ب ُنجِ بْ دَ ْع َوتَ َ‬ ‫قَرِي ٍ‬ ‫مِنْ َزوَالٍ (‪)44‬‬ ‫وأنذر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الناس الذين أرسلُتكَ إليهم عذاب ال يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬وعند ذلك يقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر‪ :‬ربنا أَ ْمهِلْنا إل‬ ‫وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك‪ .‬فيقال لم توبيخًا‪ :‬أل تقسموا‬ ‫ف حياتكم أنه ل زوال لكم عن الياة الدنيا إل الخرة‪ ,‬فلم تصدّقوا‬ ‫بذا البعث؟‬ ‫سهُمْ َوَتَبيّ نَ لَكُ مْ َكيْ فَ فَعَ ْلنَا ِبهِ مْ‬ ‫وَ سَكَنتُ ْم فِي مَ سَاكِنِ الّذِي نَ ظَلَمُوا أَنفُ َ‬

‫َوضَ َرْبنَا لَكُمْ الَ ْمثَالَ (‪)45‬‬

‫وحللتم ف مساكن الكافرين السابقي الذين ظلموا أنفسهم كقوم هود‬ ‫وصال‪ ,‬وعلمتم ‪-‬با رأيتم وأُخبت‪ -‬ما أنزلناه بم من اللك‪ ,‬وضربنا‬ ‫لكم المثال ف القرآن‪ ,‬فلم تعتبوا؟‬ ‫ْهم‬ ‫ُممِلتَزُولَ ِمن ُ‬ ‫َانم مَكْرُه ْ‬ ‫ِنم ك َ‬ ‫ُمم وَإ ْ‬ ‫ّهم مَكْرُه ْ‬ ‫ُمم وَ ِعنْ َد الل ِ‬ ‫وَقَ ْد مَكَرُوا مَ ْكرَه ْ‬ ‫جبَالُ (‪)46‬‬ ‫الْ ِ‬ ‫‪829‬‬

‫وقد دبّر الشركون الشرّ للرسول صلى ال عليه وسلم بقتله‪ ,‬وعند ال‬ ‫مكرهم فهو ميط به‪ ,‬وقد عاد مكرهم عليهم‪ ,‬وما كان مكرهم لتزول‬ ‫منه البال ول غيها لضعفه ووَهَنه‪ ,‬ول يضرّوا ال شيئًا‪ ,‬وإنا ضرّوا‬ ‫أنفسهم‪.‬‬ ‫سبَنّ اللّهَ ُمخْلِفَ وَعْدِ ِه رُسَُلهُ ِإنّ الّلهَ َعزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (‪)47‬‬ ‫حَ‬ ‫فَل َت ْ‬ ‫فل تسب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال يلف رسله ما وعدهم به من النصر‬ ‫وإهلك مكذبيهم‪ .‬إن ال عزيز ل يتنع عليه شيء‪ ,‬منتقم من أعدائه‬ ‫أشد انتقام‪.‬‬ ‫والطاب وإن كان خاصّا بالنب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهو موجّه لعموم‬ ‫المة‪.‬‬ ‫َيوْ مَ ُتبَدّلُ ا َلرْ ضُ َغيْ َر ا َلرْ ضِ وَال سّ َموَاتُ َوبَ َرزُوا لِلّ هِ اْلوَاحِ ِد الْ َقهّارِ (‬ ‫‪)48‬‬ ‫وانتقام ال تعال مِن أعدائه ف يوم القيامة يوم ُتبَدّل هذه الرض بأرض‬ ‫أخرى بيضاء نقيّة كالفضة‪ ,‬وكذلك ُتبَدّل السموات بغيها‪ ,‬وترج‬ ‫‪830‬‬

‫اللئق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء ال الواحد القهار‪ ,‬التفرد بعظمته‬ ‫وأسائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء‪.‬‬ ‫َوتَرَى الْ ُمجْرِ ِميَ َيوْ َمئِذٍ ُمقَ ّرِنيَ فِي ا َلصْفَادِ (‪)49‬‬ ‫وُتبْصِرُ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الجرمي يوم القيامة مقيدين بالقيود‪ ,‬قد ُقرِنت‬ ‫أيديهم وأرجلهم بالسلسل‪ ,‬وهم ف ذُ ّل وهوان‪.‬‬ ‫سَرَابِيُلهُمْ مِ ْن قَطِرَانٍ َوتَ ْغشَى وُجُو َههُ ْم النّارُ (‪)50‬‬ ‫ثيابم من القَطِران الشديد الشتعال‪ ,‬وتلفح وجوههم النار فتحرقها‪.‬‬ ‫ب (‪)51‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫سبَتْ ِإنّ الّلهَ َسرِي ُع اْل ِ‬ ‫ي الّلهُ كُلّ نَ ْفسٍ مَا َك َ‬ ‫ِليَجْزِ َ‬ ‫فَعَل ال ذلك بم; جزاء لم با كسبوا من الثام ف الدنيا‪ ,‬وال يازي‬ ‫كل إنسان با عمل مِن خي أو شر‪ ,‬إن ال سريع الساب‪.‬‬ ‫غ لِلنّا سِ وَِليُن َذرُوا بِ هِ َوِليَعْلَمُوا َأنّمَا ُهوَ ِإلَ هٌ وَاحِ ٌد َوِليَذّكّرَ ُأ ْولُوا‬ ‫َهذَا بَل ٌ‬ ‫الَْلبَابِ (‪)52‬‬ ‫‪831‬‬

‫هذا القرآن الذي أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بلغ وإعلم للناس;‬ ‫لنصحهم وتويفهم‪ ,‬ولكي يوقنوا أن ال هو الله الواحد‪ ,‬فيعبدوه‬ ‫وحده ل شريك له‪ ,‬وليتعظ به أصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫‪832‬‬

‫الزء الرابع عشر ‪:‬‬ ‫‪ -15‬سورة الجر‬ ‫ب وَقُرْآنٍ ُمِبيٍ (‪)1‬‬ ‫ت الْ ِكتَا ِ‬ ‫ك آيَا ُ‬ ‫الر تِلْ َ‬ ‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫تلك اليات العظيمة هي آيات الكتاب العزيز النل على ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وهي آيات قرآن موضّح للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه‬ ‫وأدلّه على القصود‪ .‬فالكتاب هو القرآن جع ال له بي السي‪.‬‬ ‫ُربَمَا َيوَ ّد الّذِينَ كَفَرُوا َلوْ كَانُوا ُمسِْل ِميَ (‪)2‬‬ ‫سيتمن الكفار حي يرون خروج عصاة الؤمني من النار أن لو كانوا‬ ‫موحدين؛ ليخرجوا كما خرجوا‪.‬‬ ‫ف يَعْلَمُونَ (‪)3‬‬ ‫َذرْهُمْ يَأْكُلُوا َوَيتَ َمتّعُوا َويُ ْل ِههِمْ الَمَلُ َفسَوْ َ‬ ‫‪833‬‬

‫اترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكفار يأكلوا‪ ,‬ويستمتعوا بدنياهم‪ ,‬ويشغلهم‬ ‫الطمع فيها عن طاعة ال‪ ,‬فسوف يعلمون عاقبة أمرهم الاسرة ف الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫وَمَا أَهْلَ ْكنَا مِنْ قَ ْرَيةٍ إِ ّل َولَهَا ِكتَابٌ مَعْلُومٌ (‪)4‬‬ ‫وإذا طلبوا نزول العذاب بم تكذيبًا لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فإنا ل ُنهْلك‬ ‫قرية إل ولهلكها أجل مقدّر‪ ,‬ل ُنهْلكهم حت يبلغوه‪ ،‬مثل مَن‬ ‫سبقهم‪.‬‬ ‫ستَأْ ِخرُونَ (‪)5‬‬ ‫سبِقُ مِنْ أُ ّمةٍ أَجََلهَا وَمَا َي ْ‬ ‫مَا َت ْ‬ ‫ل تتجاوز أمة أجلها فتزيد عليه‪ ,‬ول تتقدم عليه‪ ,‬فتنقص منه‪.‬‬ ‫جنُو نٌ (‪َ )6‬لوْ مَا تَ ْأتِينَا‬ ‫ك لَ َم ْ‬ ‫وَقَالُوا يَا َأيّهَا الّذِي نُزّ َل عََليْ هِ الذّكْرُ ِإنّ َ‬ ‫ت مِنْ الصّادِِقيَ (‪)7‬‬ ‫بِالْمَلئِ َكةِ ِإنْ ُكنْ َ‬

‫‪834‬‬

‫وقال الكذبون لحمد صلى ال عليه وسلم استهزاءً‪ :‬يا أيها الذي نُزّل‬ ‫عليه القرآن إنك لذاهب العقل‪ ,‬هل تأتينا باللئكة ‪-‬إن كنت صادقًا‪;-‬‬ ‫لتشهد أن ال أرسلك‪.‬‬ ‫مَا ُنَنزّلُ الْمَلئِ َكةَ إِلّ بِالْحَقّ وَمَا كَانُوا إِذا ُمنْظَرِينَ (‪)8‬‬ ‫وردّ ال عليهم‪ :‬إننا ل ننل اللئكة إل بالعذاب الذي ل إمهال فيه لن‬ ‫ل يؤمن‪ ,‬وما كانوا حي تنل اللئكة بالعذاب بِمُمْهلي‪.‬‬ ‫ِإنّا َنحْنُ َن ّزْلنَا الذّكْ َر وَِإنّا َلهُ لَحَافِظُونَ (‪)9‬‬ ‫إنّا نن نزّلنا القرآن على النب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنّا نتعهد‬ ‫بفظه مِن أن يُزاد فيه أو ُينْقَص منه‪ ,‬أو يضيع منه شيء‪.‬‬ ‫ك فِي ِشيَ ِع ا َلوِّليَ (‪ )10‬وَمَا يَ ْأتِيهِ ْم مِ نْ رَ سُولٍ‬ ‫َولَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا مِ ْن َقبْلِ َ‬ ‫سَتهْ ِزئُونَ (‪)11‬‬ ‫إِلّ كَانُوا ِبهِ َي ْ‬ ‫ولقد أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسل ف فِرَق الولي‪ ,‬فما من‬ ‫رسولٍ جاءهم إل كانوا منه يسخرون‪ .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال‬ ‫‪835‬‬

‫عليه وسلم‪ .‬فكما فَعَل بك هؤلء الشركون فكذلك فُعِلَ بن قبلك من‬ ‫الرسل‪.‬‬ ‫ك نَ سْلُ ُكهُ فِي قُلُو بِ الْ ُمجْرِ ِميَ (‪ )12‬ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِ ِه وَقَدْ خَلَ تْ‬ ‫كَ َذلِ َ‬

‫ُسّنةُ ا َل ّولِيَ (‪)13‬‬

‫كما أدخلنا الكفر ف قلوب المم السابقة بالستهزاء بالرسل وتكذيبهم‪,‬‬ ‫كذلك نفعل ذلك ف قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بال‬ ‫وتكذيب رسوله‪ ,‬ل يُصَدّقون بالذكر الذي أُنزل إليك‪ ,‬وقد مضت سنّة‬ ‫الولي بإهلك الكفار‪ ,‬وهؤلء ِمثْلهم‪َ ,‬سُيهْلك الستمرون منهم على‬ ‫الكفر والتكذيب‪.‬‬ ‫حنَا عََلْيهِ مْ بَابا مِ نْ ال سّمَاءِ فَظَلّوا فِي هِ يَ ْعرُجُو نَ (‪)14‬لَقَالُوا ِإنّمَا‬ ‫َوَلوْ َفَت ْ‬ ‫سحُورُونَ (‪)15‬‬ ‫سُكّرَتْ َأبْصَا ُرنَا بَلْ َنحْنُ َقوْمٌ َم ْ‬ ‫ولو فتحنا على كفار "مكة" بابًا من السماء فاستمروا صاعدين فيه حت‬ ‫يشاهدوا ما ف السماء من عجائب ملكوت ال‪ ,‬لا صدّقوا‪ ,‬ولقالوا‪:‬‬ ‫ت أبصارنا‪ ,‬حت رأينا ما ل نرَ‪ ,‬وما نن إل مسحورون ف عقولنا‬ ‫ُسحِرَ ْ‬ ‫من ممد‪.‬‬ ‫‪836‬‬

‫َولَقَدْ جَعَ ْلنَا فِي السّمَاءِ ُبرُوجا وَ َزّينّاهَا لِلنّاظِرِينَ (‪)16‬‬ ‫ومن أدلة قدرتنا‪ :‬أنا جعلنا ف السماء الدنيا منازل للكواكب تنل فيها‪,‬‬ ‫ويستدل بذلك على الطرقات والوقات والِصْب والَدْب‪ ,‬و َزّينّا هذه‬ ‫السماء بالنجوم لن ينظرون إليها‪ ,‬ويتأملون فيعتبون‪.‬‬ ‫وَ َحفِ ْظنَاهَا مِ ْن كُلّ َشيْطَانٍ رَجِي ٍم (‪)17‬‬ ‫وحفظنا السماء من كل شيطان مرجوم مطرود من رحة ال; كي ل‬ ‫يصل إليها‪.‬‬ ‫ق السّمْ َع فََأْتبَ َعهُ ِشهَابٌ ُمِبيٌ (‪)18‬‬ ‫إِلّ مَنْ ا ْستَرَ َ‬ ‫إل من اختلس السمع مِن كلم أهل الل العلى ف بعض الوقات‪,‬‬ ‫فأدركه ولقه كوكب مضيء يرقه‪ .‬وقد يُلْقي الشيطان إل وليه بعض‬ ‫ما استرقَه قبل أن يرقه الشهاب‪.‬‬ ‫وَا َلرْ ضَ مَ َد ْدنَاهَا َوَألْ َقْينَا فِيهَا َروَا سِ َي وََأْنَبْتنَا فِيهَا مِ نْ كُلّ شَ ْيءٍ َم ْوزُو نٍ‬ ‫‪837‬‬

‫(‪)19‬‬ ‫والرض مددناها متسعة‪ ,‬وألقينا فيها جبال تثبتها‪ ,‬وأنبتنا فيها من كل‬ ‫أنواع النبات ما هو مقدّر معلوم ما يتاج إليه العباد‪.‬‬ ‫ستُ ْم لَهُ ِبرَازِِقيَ (‪)20‬‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَ ْن لَ ْ‬ ‫لرْث‪ ،‬ومن الاشية‪ ،‬ومن أنواع‬ ‫وجعلنا لكم فيها ما به تعيشون من ا َ‬ ‫ب ما تنتفعون‬ ‫الكاسب وغيها‪ ,‬وخلقنا لكم من الذرية والدم والدوا ّ‬ ‫به‪ ,‬وليس رزقهم عليكم‪ ,‬وإنا هو على ال رب العالي تفضل منه‬ ‫وتكرمًا‪.‬‬ ‫وَِإنْ مِنْ شَ ْيءٍ إِلّ ِعْن َدنَا َخزَاِئنُهُ وَمَا ُنَن ّزلُهُ إِلّ بِقَ َد ٍر مَعْلُومٍ (‪)21‬‬ ‫وما من شيء من منافع العباد إل عندنا خزائنه من جيع الصنوف‪ ,‬وما‬ ‫ننله إل بقدار مدد كما نشاء وكما نريد‪ ,‬فالزائن بيد ال يعطي من‬ ‫يشاء وينع من يشاء‪ ,‬بسب رحته الواسعة‪ ,‬وحكمته البالغة‪.‬‬ ‫وََأرْ سَ ْلنَا ال ّريَا حَ َلوَاقِ َح فََأنْ َزْلنَا مِ نْ ال سّمَاءِ مَاءً َفأَ ْس َقْينَاكُمُو ُه وَمَا َأْنُت ْم لَ هُ‬ ‫‪838‬‬

‫ِبخَا ِزِنيَ (‪)22‬‬ ‫وأرسلنا الرياح وسخرناها تُلَقّح السحاب‪ ,‬وتمل الطر والي والنفع‪,‬‬ ‫فأنزلنا من السحاب ماء أعددناه لشرابكم وأرضكم ومواشيكم‪ ,‬وما‬ ‫أنتم بقادرين على خزنه وادّخاره‪ ،‬ولكن نزنه لكم رحة بكم‪ ،‬وإحسانًا‬ ‫إليكم‪.‬‬ ‫ت َوَنحْنُ اْلوَا ِرثُونَ (‪)23‬‬ ‫وَِإنّا َلَنحْنُ ُنحْيِ َونُمِي ُ‬ ‫وإنّا لنحن نيي مَن كان ميتًا بلقه من العدم‪ ,‬ونيت من كان حيًا بعد‬ ‫انقضاء أجله‪ ,‬ونن الوارثون الرض ومَن عليها‪.‬‬ ‫ستَأْخِرِينَ (‪)24‬‬ ‫ستَقْدِ ِميَ ِمنْكُ ْم َولَقَدْ عَِل ْمنَا الْ ُم ْ‬ ‫َولَقَدْ َعلِ ْمنَا الْ ُم ْ‬ ‫ولقد علمنا مَن هلك منكم مِن لدن آدم‪ ,‬ومَن هو حيّ‪ ,‬ومَن سيأت إل‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫حشُرُهُمْ ِإّنهُ َحكِيمٌ َعلِيمٌ (‪)25‬‬ ‫ك ُهوَ َي ْ‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬

‫‪839‬‬

‫وإن ربك هو يشرهم للحساب والزاء‪ ,‬إنه حكيم ف تدبيه‪ ,‬عليم ل‬ ‫يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫سنُونٍ (‪)26‬‬ ‫َولَقَدْ خَلَ ْقنَا ا ِلْنسَانَ مِ ْن صَلْصَالٍ مِنْ حَ َمإٍ َم ْ‬ ‫ولقد خلقنا آدم مِن طي يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت‪ ,‬وهذا الطي‬ ‫اليابس من طي أسود متغيّر لونه وريه; مِن طول مكثه‪.‬‬ ‫وَالْجَانّ خَلَ ْقنَاهُ مِنْ َقبْلُ مِ ْن نَارِ السّمُومِ (‪)27‬‬ ‫وخلقنا أبا الن‪ ,‬وهو إبليس مِن َقبْل خلق آدم من نار شديدة الرارة ل‬ ‫دخان لا‪.‬‬ ‫سنُونٍ (‬ ‫ك لِلْمَلئِ َكةِ ِإنّي خَالِقٌ َبشَرا مِ ْن صَلْصَالٍ مِنْ حَ َمإٍ مَ ْ‬ ‫وَِإذْ قَالَ َربّ َ‬ ‫‪)28‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي قال ربك للملئكة‪ :‬إن خالق إنسانًا من طي‬ ‫يابس‪ ,‬وهذا الطي اليابس من طي أسود متغيّر اللون‪.‬‬

‫‪840‬‬

‫َفإِذَا َس ّوْيُتهُ َونَ َفخْتُ فِي ِه مِنْ رُوحِي فَقَعُوا َلهُ سَا ِجدِينَ (‪)29‬‬ ‫فإذا سوّيته وأكملت صورته ونفخت فيه الروح‪ ,‬فخُرّوا له ساجدين‬ ‫سجود تية وتكري‪ ,‬ل سجود عبادة‪.‬‬ ‫سجَدَ الْمَلئِ َكةُ كُّلهُ مْ أَ ْجمَعُو نَ (‪ )30‬إِلّ ِإبْلِي سَ أَبَى أَ نْ يَكُو نَ مَ عَ‬ ‫فَ َ‬ ‫السّاجِدِينَ (‪)31‬‬ ‫فسجد اللئكة كلهم أجعون كما أمرهم ربم ل يتنع منهم أحد‪ ,‬لكن‬ ‫إبليس امتنع أن يسجد لدم مع اللئكة الساجدين‪.‬‬ ‫قَالَ يَا ِإبْلِيسُ مَا لَكَ أَ ّل تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ (‪)32‬‬ ‫قال ال لبليس‪ :‬ما لك أل تسجد مع اللئكة؟‬ ‫سنُونٍ (‪)33‬‬ ‫قَالَ لَمْ أَكُنْ َل ْسجُدَ ِلَبشَرٍ خَلَ ْقَتهُ مِ ْن صَلْصَالٍ مِنْ حَ َمإٍ َم ْ‬ ‫قال إبليس مظهرًا كبه وحسده‪ :‬ل يليق ب أن أسجد لنسان أَوج ْدَتهُ‬ ‫من طي يابس كان طينًا أسود متغيًا‪.‬‬ ‫‪841‬‬

‫ك اللّ ْعَنةَ ِإلَى َيوْمِ الدّينِ (‬ ‫ك رَجِي ٌم (‪َ )34‬وِإنّ عََليْ َ‬ ‫قَالَ فَاخْرُجْ ِمْنهَا َفِإنّ َ‬ ‫‪)35‬‬ ‫قال ال تعال له‪ :‬فاخرج من النة‪ ,‬فإنك مطرود من كل خي‪ ,‬وإن‬ ‫عليك اللعنة والبعد من رحت إل يوم ُيبْعَث الناس للحساب والزاء‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ فََأنْظِ ْرنِي ِإلَى َيوْمِ ُيبْ َعثُونَ (‪)36‬‬ ‫قال إبليس‪ :‬رب أخّرن ف الدنيا إل اليوم الذي َتبْعَث فيه عبادك‪ ,‬وهو‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫ت الْمَعْلُو ِم (‪)38‬‬ ‫قَالَ َفِإنّكَ مِ ْن الْ ُمنْظَرِي َن (‪ِ )37‬إلَى َيوْمِ اْلوَقْ ِ‬ ‫قال ال له‪ :‬فإنك من أخّ ْرتُ هلكهم إل اليوم الذي يوت فيه كل‬ ‫ب إل ذلك‬ ‫اللق بعد النفخة الول‪ ,‬ل إل يوم البعث‪ ,‬وإنا أُجي َ‬ ‫استدراجًا له وإمهال وفتنة للثقلي‪.‬‬ ‫قَالَ رَبّ بِمَا أَ ْغ َوْيتَنِي ل َزّينَنّ َلهُ مْ فِي ا َلرْ ضِ وَل ْغ ِوَينّهُ مْ أَ ْجمَعِيَ (‬ ‫‪842‬‬

‫‪ )39‬إِ ّل ِعبَادَكَ ِمْنهُ ْم الْ ُمخْلَصِيَ (‪)40‬‬ ‫سنَنّ لذرية آدم‬ ‫ب بسبب ما أغويتن وأضللتن لح ّ‬ ‫قال إبليس‪ :‬ر ّ‬ ‫معاصيك ف الرض‪ ,‬ولضلنهم أجعي عن طريق الدى‪ ,‬إل عبادك‬ ‫الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك‪.‬‬ ‫ك عََلْيهِمْ سُلْطَانٌ‬ ‫ستَقِي ٌم (‪ِ )41‬إنّ ِعبَادِي َليْسَ لَ َ‬ ‫قَالَ َهذَا صِرَاطٌ َعلَيّ ُم ْ‬

‫إِلّ مَنْ اّتبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ ( ‪)42‬‬

‫قال ال‪ :‬هذا طريق مستقيم معتدل موصل إلّ وإل دار كرامت‪ .‬إن‬ ‫عبادي الذين أخلصوا ل ل أجعل لك سلطانًا على قلوبم تضلّهم به عن‬ ‫الصراط الستقيم‪ ,‬لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِ َن الضالي الشركي‬ ‫الذين رضوا بوليتك وطاعتك بدل من طاعت‪.‬‬ ‫ب ِمْنهُ مْ‬ ‫ب لِكُلّ بَا ٍ‬ ‫وَِإنّ َج َهنّ مَ لَ َموْعِدُ ُه مْ َأجْمَ ِعيَ (‪َ )43‬لهَا َسبْ َعةُ َأْبوَا ٍ‬ ‫ُج ْزءٌ مَ ْقسُومٌ (‪)44‬‬

‫‪843‬‬

‫وإن النار الشديدة لَموع ُد إبليس وأتباعه أجعي‪ ,‬لا سبعة أبواب كل‬ ‫باب أسفل من الخر‪ ,‬لكل بابٍ مِن أتباع إبليس قسم ونصيب بسب‬ ‫أعمالم‪.‬‬ ‫إِنّ الْ ُمتّقِيَ فِي َجنّا تٍ وَ ُعيُو نٍ (‪ )45‬ا ْدخُلُوهَا بِ سَلمٍ آ ِمنِيَ ( ‪)46‬‬ ‫َونَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِ نْ غِلّ إِ ْخوَانا عَلَى ُس ُررٍ ُمتَقَابِلِيَ (‪ )47‬ل‬

‫صبٌ وَمَا هُ ْم ِمْنهَا بِ ُمخْ َر ِجيَ (‪)48‬‬ ‫سهُمْ فِيهَا نَ َ‬ ‫يَ َم ّ‬

‫إن الذين اتقوا ال بامتثال ما أمر واجتناب ما نى ف بساتي وأنار‬ ‫جارية يقال لم‪ :‬ادخلوا هذه النات سالي من كل سوء آمني من كل‬ ‫عذاب‪ .‬ونزعنا ما ف قلوبم من حقد وعداوة‪ ,‬يعيشون ف النة إخوانًا‬ ‫متحابي‪ ,‬يلسون على أسرّة عظيمة‪ ,‬تتقابل وجوههم تواصل وتاببًا‪,‬‬ ‫ل يصيبهم فيها تعب ول إعياء‪ ,‬وهم باقون فيها أبدًا‪.‬‬ ‫ب ا َللِيمُ‬ ‫َنبّ ْئ ِعبَادِي َأنّي َأنَا الْغَفُورُ الرّحِيمُ (‪َ )49‬وَأنّ عَذَابِي ُه َو الْعَذَا ُ‬

‫ضيْفِ ِإبْرَاهِيمَ (‪)51‬‬ ‫(‪َ )50‬وَنّبْئهُ ْم عَنْ َ‬

‫أخب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادي أن أنا الغفور للمؤمني التائبي‪ ,‬الرحيم‬ ‫بم‪ ،‬وأن عذاب هو العذاب الؤل الوجع لغي التائبي‪ .‬وأخبهم ‪-‬أيها‬ ‫‪844‬‬

‫الرسول‪ -‬عن ضيوف إبراهيم من اللئكة الذين بشّروه بالولد‪ ,‬وبلك‬ ‫قوم لوط‪.‬‬ ‫إِذْ دَخَلُوا َعَلْيهِ فَقَالُوا سَلما قَالَ ِإنّا ِمْنكُمْ َوجِلُونَ (‪)52‬‬ ‫حي دخلوا عليه فقالوا‪ :‬سلمًا; فرد عليهم السلم‪ ,‬ث قدّم لم الطعام‬ ‫فلم يأكلوا‪ ,‬قال‪ :‬إنا منكم فزعون‪.‬‬ ‫قَالُوا ل َتوْجَلْ ِإنّا ُنَبشّرُ َك بِغُلمٍ َعلِيمٍ (‪)53‬‬ ‫قالت اللئكة له‪ :‬ل تفزع إنّا جئنا نبشرك بولد كثي العلم بالدين‪ ,‬هو‬ ‫إسحاق‪.‬‬ ‫سنِي الْ ِكبَرُ َفِبمَ ُتَبشّرُونَ (‪)54‬‬ ‫قَالَ َأَبشّ ْرتُمُونِي عَلَى َأ ْن َم ّ‬ ‫قال إبراهيم متعجبًا‪ :‬أبشّرتون بالولد‪ ,‬وأنا كبي وزوجت كذلك‪ ,‬فبأي‬ ‫أعجوبة تبشّرونن؟‬ ‫قَالُوا َبشّ ْرنَاكَ بِالْحَقّ فَل تَكُنْ مِنْ الْقَانِ ِطيَ (‪)55‬‬ ‫‪845‬‬

‫قالوا‪ :‬بشّرناك بالق الذي أعلمَنا به ال‪ ,‬فل تكن من اليائسي أن يولد‬ ‫لك‪.‬‬ ‫قَالَ وَمَ ْن يَ ْقنَ طُ مِ ْن رَحْ َمةِ َربّ هِ إِلّ الضّالّو نَ (‪ )56‬قَالَ فَمَا خَ ْطبُكُ مْ‬

‫َأّيهَا الْمُرْسَلُونَ ( ‪)57‬‬

‫قال‪ :‬ل ييئس من رحة ربه إل الاطئون النصرفون عن طريق الق‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فما المر الطي الذي جئتم من أجله ‪-‬أيها الرسلون‪ -‬من عند‬ ‫ال؟‬ ‫قَالُوا ِإنّ ا ُأ ْر سِ ْلنَا ِإلَى َقوْ مٍ ُمجْرِمِيَ (‪ )58‬إِلّ آ َل لُو طٍ ِإنّ ا لَ ُمَنجّوهُ مْ‬ ‫َأجْمَ ِعيَ ( ‪ )59‬إِ ّل امْرََأَتهُ قَ ّد ْرنَا ِإّنهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ (‪)60‬‬ ‫قالوا‪ :‬إن ال أرسلنا لهلك قوم لوط الشركي الضالي إل لوطًا وأهله‬ ‫الؤمني به‪ ,‬فلن نلكهم وسننجيهم أجعي‪ ,‬لكن زوجته الكافرة قضينا‬ ‫بأمر ال بإهلكها مع الباقي ف العذاب‪.‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (‪ )61‬قَالَ ِإنّكُمْ َقوْمٌ ُمنْ َكرُونَ (‪)62‬‬ ‫‪846‬‬

‫فلما وصل اللئكة الرسلون إل لوط‪ ,‬قال لم‪ :‬إنكم قوم غي معروفي‬ ‫ل‪.‬‬ ‫َاكم بِاْلحَقّ وَِإنّام‬ ‫ُونم (‪ )63‬وََأَتْين َ‬ ‫ِيهم َي ْمتَر َ‬ ‫َاكم بِمَا كَانُوا ف ِ‬ ‫قَالُوا بَلْ ِجْئن َ‬

‫ك بِقِطْعٍ مِ ْن الّليْلِ وَاّتبِعْ أَ ْدبَارَهُمْ وَل يَ ْلتَفِتْ‬ ‫لَصَا ِدقُونَ ( ‪ )64‬فََأسْ ِر بِأَهْلِ َ‬ ‫ِمنْكُمْ َأحَدٌ وَامْضُوا َحْيثُ ُتؤْمَرُونَ (‪)65‬‬ ‫قالوا‪ :‬ل َتخَفْ‪ ,‬فإنّا جئنا بالعذاب الذي كان يشك فيه قومك ول‬ ‫يُصَدّقون‪ ,‬وجئناك بالق من عند ال‪ ,‬وإنا لصادقون‪ ,‬فاخرج مِن بينهم‬ ‫ومعك أهلك الؤمنون‪ ,‬بعد مرور جزء من الليل‪ ,‬وسر أنت وراءهم;‬ ‫لئل يتخلف منهم أحد فيناله العذاب‪ ,‬واحذروا أن يلتفت منكم أحد‪,‬‬ ‫وأسرعوا إل حيث أمركم ال; لتكونوا ف مكان أمي‪.‬‬ ‫صِبحِيَ (‪)66‬‬ ‫ضْينَا ِإَليْهِ َذلِكَ الَمْرَ َأنّ دَابِ َر َهؤُلءِ مَقْطُوعٌ مُ ْ‬ ‫وَقَ َ‬ ‫وأوحينا إل لوط أن قومك مستأصَلون باللك عن آخرهم عند طلوع‬ ‫الصبح‪.‬‬

‫‪847‬‬

‫سَتْبشِرُونَ (‪)67‬‬ ‫وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِيَنةِ َي ْ‬ ‫وجاء أهل مدينة لوط إل لوط حي علموا بن عنده من الضيوف‪ ,‬وهم‬ ‫فرحون يستبشرون بضيوفه; ليأخذوهم ويفعلوا بم الفاحشة‪.‬‬ ‫ضحُو نِ (‪ )68‬وَاتّقُوا اللّ هَ وَل ُتخْزُو نِ (‬ ‫ضيْفِي فَل تَفْ َ‬ ‫قَالَ إِنّ َهؤُلءِ َ‬ ‫‪)69‬‬ ‫قال لم لوط‪ :‬إن هؤلء ضيفي وهم ف حايت فل تفضحون‪ ,‬وخافوا‬ ‫عقاب ال‪ ,‬ول تتعرضوا لم‪ ,‬فتوقعون ف الذل والوان بإيذائكم‬ ‫لضيوف‪.‬‬ ‫ك عَنْ الْعَالَ ِميَ (‪)70‬‬ ‫قَالُوا َأ َولَمْ َنْنهَ َ‬ ‫ك أن تضيّف أحدا من العالي; لنّا نريد منهم‬ ‫قال قومه‪ :‬أول َنْنهَ َ‬ ‫الفاحشة؟‬ ‫قَالَ َهؤُلءِ َبنَاتِي ِإنْ ُكْنتُمْ فَاعِِليَ (‪)71‬‬ ‫قال لوط ل م‪ :‬هؤلء ن ساؤكم بنا ت فتزوّجو هن إن كن تم تريدون قضاء‬ ‫‪848‬‬

‫وطر كم‪ ,‬و ساهن بنا ته؛ لن نب ال مة بنلة الب ل م‪ ,‬ول تفعلوا ما‬ ‫حرّم ال عليكم من إتيان الرجال‪.‬‬ ‫حةُ ُمشْرِِقيَ‬ ‫صْي َ‬ ‫لَعَ ْمرُ كَ ِإّنهُ مْ لَفِي سَكْ َرِتهِ ْم يَعْ َمهُو نَ (‪ )72‬فََأخَ َذْتهُ مْ ال ّ‬

‫(‪)73‬‬

‫يقسمم الالق بنم يشاء وبام يشاء‪ ,‬أمما الخلوق فل يوز له القسمم إل‬ ‫بال‪ ,‬وقد أقسم ال تعال بياة ممد صلى ال عليه وسلم تشريفًا له‪ .‬إن‬ ‫قوم لوط فم غفلة شديدة يترددون ويتمادون‪ ,‬حتم حلّت ْم بمم صماعقة‬ ‫العذاب وقت شروق الشمس‪.‬‬ ‫َفجَعَ ْلنَا عَاِلَيهَا سَافَِلهَا وَأَمْطَ ْرنَا عََلْيهِمْ ِحجَارَةً مِنْ ِسجّيلٍ (‪)74‬‬ ‫فقلب نا قُرا هم فجعل نا عالي ها سافلها‪ ,‬وأمطر نا علي هم حجارة من ط ي‬ ‫متصلب متي‪.‬‬ ‫ت لِلْ ُمَتوَ سّ ِميَ (‪ )75‬وَِإّنهَا َلبِ سَبِيلٍ مُقِي ٍم ( ‪ِ )76‬إنّ‬ ‫ك ليَا ٍ‬ ‫ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫فِي َذلِكَ لَيةً لِ ْل ُمؤْ ِمنِيَ (‪)77‬‬ ‫‪849‬‬

‫إن فيما أصابم لَعظا تٍ للناظرين العتبين‪ ,‬وإن قراهم لفي طريق ثابت‬ ‫يرا ها ال سافرون الارّون ب ا‪ .‬إن ف إهلك نا ل م لَدللةً بيّنةً للم صدقي‬ ‫العاملي بشرع ال‪.‬‬ ‫صحَابُ ا َليْ َكةِ لَظَالِ ِميَ (‪ )78‬فَاْنتَقَ ْمنَا ِمْنهُ مْ وَِإّنهُمَا َلبِإِمَا مٍ‬ ‫وَإِ نْ كَا نَ أَ ْ‬ ‫ُمِبيٍ (‪)79‬‬ ‫و قد كان أ صحاب الدي نة اللت فة الش جر ‪-‬و هم قوم شع يب‪ -‬ظال ي‬ ‫لنفسهم لكفرهم بال ورسولم الكري‪ ,‬فانتقمنا منهم بالرجفة وعذاب‬ ‫يوم الظلة‪ ,‬وإن م ساكن قوم لوط وشع يب ل في طر يق وا ضح ي ّر ب ما‬ ‫الناس ف سفرهم فيعتبون‪.‬‬ ‫حجْرِ الْمُ ْرسَِليَ (‪)80‬‬ ‫صحَابُ الْ ِ‬ ‫َولَقَدْ َكذّبَ َأ ْ‬ ‫لجْر" صالًا عليه السلم‪ ,‬وهم ثود فكانوا‬ ‫ولقد كذّب سكان "وادي ا ِ‬ ‫بذلك مكذب ي ل كل الر سلي; لن من كذّب نبيًا ف قد كذّب ال نبياء‬ ‫كلهم; لنم على دين واحد‪.‬‬

‫‪850‬‬

‫ي (‪)81‬‬ ‫ض َ‬ ‫وَآَتْينَاهُمْ آيَاِتنَا َفكَانُوا َعْنهَا مُعْ ِر ِ‬ ‫وآتي نا قوم صال آيات نا الدالة على صحة ما جاء هم به صال من ال ق‪,‬‬ ‫ومن جلتها الناقة‪ ,‬فلم يعتبوا با‪ ,‬وكانوا عنها مبتعدين معرضي‪.‬‬ ‫جبَالِ ُبيُوتا آ ِمِنيَ (‪)82‬‬ ‫حتُونَ مِنْ الْ ِ‬ ‫وَكَانُوا َيْن ِ‬ ‫وكانوا ينحتون البال‪ ,‬فيتخذون من ها بيوتًا‪ ,‬و هم آمنون من أن ت سقط‬ ‫عليهم أو ترب‪.‬‬ ‫سبُونَ‬ ‫حيَ (‪َ )83‬فمَا أَ ْغنَى َعْنهُ ْم مَا كَانُوا يَكْ ِ‬ ‫صِب ِ‬ ‫حةُ مُ ْ‬ ‫صيْ َ‬ ‫َفأَخَ َذْتهُ مْ ال ّ‬ ‫(‪)84‬‬ ‫فأخذتم صاعقة العذاب وقت الصباح مبكرين‪ ,‬فما دفع عنهم عذا بَ‬ ‫ال الموالُ والصونُ ف البال‪ ,‬ول ما أُعطوه من قوة وجاه‪.‬‬ ‫ض وَمَا َبْيَنهُمَا إِلّ بِاْلحَقّ وَِإنّ ال سّا َعةَ لِتَيةٌ‬ ‫وَمَا خَلَ ْقنَا ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ َ‬ ‫فَاصْفَ ْح الصّ ْفحَ الْجَمِي َل (‪)85‬‬ ‫و ما خلَقْ نا ال سموات والرض و ما بينه ما إل بال ق دالت ي على كمال‬ ‫‪851‬‬

‫خالقهما واقتداره‪ ,‬وأنه الذي ل تنبغي العبادة إل له وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫وإن ال ساعة ال ت تقوم في ها القيا مة لت ية ل مالة; لتوفّ ى كل ن فس ب ا‬ ‫عملت‪ ,‬فا عف ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬عن الشرك ي‪ ,‬وا صفح عن هم وتاوز‬ ‫عما يفعلونه‪.‬‬ ‫ِإنّ َربّكَ ُهوَ اْلخَلّقُ الْعَلِي ُم (‪)86‬‬ ‫إنّ ربك هو اللّق لكل شيء‪ ,‬العليم به‪ ,‬فل يعجزه شيء ف الرض‬ ‫ول ف السماء‪ ,‬ول يفى عليه‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَاكَ َسبْعا مِنْ الْ َمثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِي َم (‪)87‬‬ ‫ول قد آتيناك ‪-‬أي ها ال نب‪ -‬فات ة القرآن‪ ,‬و هي سبع آيات تكرر ف كل‬ ‫صلة‪ ,‬وآتيناك القرآن العظيم‪.‬‬ ‫ل تَمُ ّدنّ َعْيَنيْكَ ِإلَى مَا َمتّ ْعنَا بِهِ َأ ْزوَاجا ِمْنهُمْ وَل َتحْزَنْ عََلْيهِمْ وَاخْفِضْ‬ ‫َجنَا َحكَ لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)88‬‬ ‫ل تنظر بعينيك وتتمنّ ما َمتّعْنا به أصنافًا من الكفار مِن ُمتَع الدنيا‪ ,‬ول‬ ‫‪852‬‬

‫تزن على كفرهم‪ ,‬وتواضَ ْع للمؤمني بال ورسوله‪.‬‬ ‫وَقُلْ ِإنّي َأنَا النّذِيرُ الْ ُمِبيُ (‪ )89‬كَمَا َأنْ َزْلنَا عَلَى الْمُ ْقَتسِ ِميَ (‪)90‬‬ ‫وقمل‪ :‬إنم أنما النذر الوضّحم لام يهتدي بمه الناس إل اليان بال رب‬ ‫العالي‪ ,‬ومنذركم أن يصيبكم العذاب‪ ,‬كما أنزله ال على الذين قسّموا‬ ‫القرآن‪ ,‬فآمنوا ببعضمه‪ ,‬وكفروا ببعضمه الخمر ممن اليهود والنصمارى‬ ‫وغيهم‪.‬‬ ‫ضيَ (‪)91‬‬ ‫الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِ ِ‬ ‫وهمم الذيمن جعلوا القرآن أقسمامًا وأجزاء‪ ,‬فمنهمم ممن يقول‪ :‬سمحر‪,‬‬ ‫ومن هم من يقول َكهَا نة‪ ,‬ومن هم من يقول غ ي ذلك‪ ،‬ي صرّفونه ب سب‬ ‫أهوائهم; ليصدوا الناس عن الدى‪.‬‬ ‫ك َلنَسَْأَلّنهُمْ َأجْمَ ِعيَ (‪َ )92‬عمّا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)93‬‬ ‫َف َو َربّ َ‬ ‫فوربك لنحاسبنّهم يوم القيامة ولنجزينهم أجعي‪ ,‬عن تقسيمهم للقرآن‬ ‫بافتراءاتمم‪ ,‬وتريفمه وتبديله‪ ,‬وغيم ذلك مام كانوا يعملونمه ممن عبادة‬ ‫‪853‬‬

‫الوثان‪ ,‬و من العا صي والثام‪ .‬و ف هذا تره يب وز جر ل م من القا مة‬ ‫على هذه الفعال القبيحة‪.‬‬ ‫فَاصْ َدعْ بِمَا ُتؤْمَرُ وَأَ ْعرِضْ عَ ْن الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)94‬‬ ‫فاجهر بدعوة الق الت أمرك ال با‪ ,‬ول تبال بالشركي‪ ,‬فقد برّأك ال‬ ‫مّا يقولون‪.‬‬ ‫سوْفَ‬ ‫سَتهْ ِزِئيَ (‪ )95‬الّذِي نَ َيجْعَلُونَ مَ َع اللّ هِ ِإلَها آخَرَ فَ َ‬ ‫ِإنّا كَ َفْينَا كَ الْمُ ْ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)96‬‬

‫إنّا كَ َفيْناك الستهزئي الساخرين من زعماء قريش‪ ,‬الذين اتذوا شريكًا‬ ‫ممع ال ممن الوثان وغيهما‪ ,‬فسموف يعلمون عاقبمة عملهمم فم الدنيما‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫ك يَضِيقُ صَ ْدرُكَ ِبمَا يَقُولُونَ (‪)97‬‬ ‫َولَقَدْ نَ ْعلَمُ َأنّ َ‬ ‫ولقد نعلم بانقباض صدرك ‪-‬أيها الرسول‪ ;-‬بسبب ما يقوله الشركون‬ ‫فيك وف دعوتك‪.‬‬ ‫‪854‬‬

‫سبّحْ ِبحَمْ ِد َربّكَ وَكُنْ مِ ْن السّاجِدِينَ (‪)98‬‬ ‫َف َ‬ ‫فافزع إل ر بك ع ند ض يق صدرك‪ ,‬و َسبّح بمده شاكرًا له مثن يا عل يه‪,‬‬ ‫وكن من الصلّي ل العابدين له‪ ,‬فإن ذلك يكفيك ما أهّك‪.‬‬ ‫ك اْليَقِيُ (‪)99‬‬ ‫وَا ْعبُدْ َربّكَ َحتّى يَ ْأِتيَ َ‬ ‫وا ست ِمرّ ف عبادة ر بك مدة حيا تك ح ت يأت يك اليق ي‪ ,‬و هو الوت‪.‬‬ ‫وامتثل رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر ربه‪ ,‬فلم يزل دائبًا ف عبادة‬ ‫ال‪ ,‬حت أتاه اليقي من ربه‪.‬‬

‫‪ -16‬سورة النحل‬ ‫ستَعْجِلُوهُ ُسْبحَاَنهُ َوتَعَالَى عَمّا ُيشْرِكُونَ ( ‪)1‬‬ ‫َأتَى أَمْ ُر الّلهِ فَل َت ْ‬ ‫قَرُب قيام السماعة وقضاء ال بعذابكمم ‪-‬أيهما الكفار‪ -‬فل تسمتعجلوا‬ ‫العذاب استهزاء بوعيد الرسول لكم‪ .‬تنّه ال سبحانه وتعال عن الشرك‬ ‫‪855‬‬

‫والشركاء‪.‬‬ ‫ُينَزّ ُل الْمَلئِ َكةَ بِالرّو حِ مِ نْ أَمْرِ هِ َعلَى مَ نْ َيشَاءُ مِ ْن ِعبَادِ هِ أَ نْ أَن ِذرُوا َأنّ هُ‬ ‫ل ِإَلهَ إِلّ َأنَا فَاتّقُونِ (‪)2‬‬ ‫ينّل ال اللئكة بالوحي مِن أمره على مَن يشاء من عباده الرسلي‪ :‬بأن‬ ‫خوّفوا الناس من الشرك‪ ,‬وأنه ل معبود بق إل أنا‪ ,‬فاتقون بأداء فرائضي‬ ‫وإفرادي بالعبادة والخلص‪.‬‬ ‫خَلَقَ السّ َموَاتِ وَا َلرْضَ بِاْلحَقّ تَعَالَى عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)3‬‬ ‫خلق ال السمموات والرض بالقم; ليسمتدِل بمما العباد على عظممة‬ ‫خالقهمما‪ ,‬وأنمه وحده السمتحق للعبادة‪ ,‬تنّه ‪-‬سمبحانه‪ -‬وتعاظمم عمن‬ ‫شركهم‪.‬‬ ‫خَلَقَ الِنسَانَ مِ ْن نُطْ َفةٍ َفإِذَا ُهوَ خَصِي ٌم ُمِبيٌ (‪)4‬‬ ‫خَلَق النسان من ماء مهي فإذا به يَقْوى ويغترّ‪ ,‬فيصبح شديد الصومة‬ ‫والدال لر به ف إنكار الب عث‪ ,‬وغ ي ذلك‪ ,‬كقوله‪" :‬مَن ُيحْ يِ الْعِظَا مَ‬ ‫‪856‬‬

‫وَهِيَ رَمِيمٌ"‪ ،‬ونسي ال الذي خلقه من العدم‪.‬‬ ‫فءٌ وَ َمنَافِعُ وَ ِمْنهَا تَأْكُلُونَ (‪)5‬‬ ‫وَا َلنْعَامَ َخلَ َقهَا لَكُمْ فِيهَا دِ ْ‬ ‫والنعا مَ من البل والبقر والغنم خلقها ال لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬وجعل ف‬ ‫أ صوافها وأوبار ها الد فء‪ ,‬ومنا فع أُ خر ف ألبان ا وجلود ها وركوب ا‪,‬‬ ‫ومنها ما تأكلون‪.‬‬ ‫ي َتسْرَحُونَ (‪)6‬‬ ‫َولَكُ ْم فِيهَا جَمَالٌ ِحيَ تُرِيُونَ وَ ِح َ‬ ‫ول كم في ها زي نة ُتدْ خل ال سرور علي كم عند ما تَ ُردّون ا إل منازل ا ف‬ ‫الساء‪ ,‬وعندما ُتخْرجونا للمرعى ف الصباح‪.‬‬ ‫َوَتحْمِلُ َأثْقَالَكُ مْ ِإلَى بََلدٍ لَ ْم تَكُونُوا بَالِغِي هِ إِ ّل ِبشِقّ الَنفُ سِ إِنّ َربّكُ مْ‬ ‫لَ َرءُوفٌ رَحِي ٌم ( ‪)7‬‬ ‫وتمل هذه النعام ما ثَقُل من أمتعتكم إل بلد بعيد‪ ,‬ل تكونوا‬ ‫مستطيعي الوصول إليه إل بهد شديد من أنفسكم ومشقة عظيمة‪ ,‬إن‬

‫‪857‬‬

‫ربكم لَرؤوف رحيم بكم‪ ,‬حيث سخّر لكم ما تتاجون إليه‪ ,‬فله المد‬ ‫وله الشكر‪.‬‬ ‫خيْلَ وَاْلبِغَالَ وَالْحَمِ َي ِلتَرْ َكبُوهَا َوزِيَنةً َويَخْلُقُ مَا ل تَعَْلمُونَ (‪)8‬‬ ‫وَالْ َ‬ ‫وخلق لكم اليل والبغال والمي; لكي تركبوها‪ ,‬ولتكون جَال لكم‬ ‫ومنظرًا حسنًا; ويلق لكم من وسائل الركوب وغيها ما ل عِلْمَ لكم‬ ‫به; لتزدادوا إيانًا به وشكرا له‪.‬‬ ‫سبِيلِ وَ ِمْنهَا جَائِرٌ َوَلوْ شَاءَ َلهَدَاكُمْ أَ ْجمَ ِعيَ (‪)9‬‬ ‫وَعَلَى الّلهِ قَصْ ُد ال ّ‬ ‫وعلى ال بيان الطريق الستقيم لِهدايتكم‪ ,‬وهو السلم‪ ,‬ومن الطرق ما‬ ‫هو مائل ل يُوصل إل الداية‪ ,‬وهو كل ما خالف السلم من اللل‬ ‫والنحل‪ .‬ولو شاء ال هدايتكم لداكم جيعًا لليان‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي أَنزَلَ مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً لَكُ ْم ِمنْ هُ شَرَا بٌ وَ ِمنْ هُ َشجَ ٌر فِي ِه تُ سِيمُونَ‬ ‫(‪)10‬‬

‫‪858‬‬

‫هو الذي أنزل لكم من السحاب مطرًا‪ ,‬فجعل لكم منه ماءً تشربونه‪,‬‬ ‫وأخرج لكم به شجرًا تَرْ َعوْن فيه دوابّكم‪ ,‬ويعود عليكم َدرّها ونفْعُها‪.‬‬ ‫ب وَمِ نْ كُلّ الثّمَرَا تِ ِإنّ‬ ‫ع وَال ّزْيتُو نَ وَالّنخِيلَ وَالَ ْعنَا َ‬ ‫ت لَكُ مْ بِ ِه ال ّزرْ َ‬ ‫ُيْنبِ ُ‬ ‫فِي َذلِكَ لَيةً لِ َقوْمٍ َيتَ َفكّرُونَ (‪)11‬‬ ‫يُخرج لكم من الرض بذا الاء الواحد الزروع الختلفة‪ ,‬ويُخرج به‬ ‫الزيتون والنخيل والعناب‪ ,‬ويُخرج به كل أنواع الثمار والفواكه‪ .‬إن‬ ‫ف ذلك الخراج لدللةً واضحة لقوم يتأملون‪ ,‬فيعتبون‪.‬‬ ‫ت بِأَمْرِهِ ِإنّ‬ ‫سخّرَا ٌ‬ ‫وَ َسخّ َر لَكُمْ الّليْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومُ مُ َ‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)12‬‬ ‫فِي َذلِكَ ليَا ٍ‬ ‫وسخّر لكم الليل لراحتكم‪ ,‬والنهار لعاشكم‪ ,‬وسخّر لكم الشمس‬ ‫ضياء‪ ,‬والقمر نورًا ولعرفة السني والساب‪ ,‬وغي ذلك من النافع‪,‬‬ ‫والنجوم ف السماء مذللت لكم بأمر ال لعرفة الوقات‪ ,‬ونضج الثمار‬ ‫والزروع‪ ,‬والهتداء با ف الظلمات‪ .‬إن ف ذلك التسخي لَدلئلَ‬ ‫واضحةً لقوم سيعقلون عن ال حججه وبراهينه‪.‬‬ ‫‪859‬‬

‫ك لَيةً لِ َقوْ مٍ يَذّكّرُو نَ‬ ‫ختَلِفا َأْلوَانُ هُ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫ض ُم ْ‬ ‫وَمَا َذرََأ لَكُ ْم فِي ا َلرْ ِ‬

‫(‪)13‬‬

‫ب والثمار والعادن‪ ,‬وغي ذلك‬ ‫وسخّر ما خلقه لكم ف الرض من الدوا ّ‬ ‫ما تتلف ألوانه ومنافعه‪ .‬إن ف ذلك الَلْق واختلف اللوان والنافع‬ ‫لَعبةً لقوم يتعظون‪ ,‬ويعلمون أ ّن ف تسخي هذه الشياء علماتٍ على‬ ‫وحدانية ال تعال وإفراده بالعبادة‪.‬‬ ‫سَتخْرِجُوا ِمنْ هُ حِ ْلَي ًة‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َسخّ َر اْلَبحْرَ ِلتَأْكُلُوا ِمنْ هُ َلحْما طَ ِريّا َوتَ ْ‬ ‫ضلِ هِ َولَعَلّكُ مْ َتشْ ُكرُو نَ (‬ ‫تَ ْلبَ سُوَنهَا َوتَرَى الْفُلْ كَ َموَا ِخرَ فِي هِ َوِلَتْبتَغُوا مِ نْ فَ ْ‬ ‫‪)14‬‬

‫وهو الذي سخّر لكم البحر; لتأكلوا ما تصطادون من سكه لمًا طريًا‪,‬‬ ‫وتستخرجوا منه زينة تَ ْلبَسونا كاللؤلؤ والرجان‪ ,‬وترى السفن العظيمة‬ ‫تشق وجه الاء تذهب وتيء‪ ,‬وتركبونا; لتطلبوا رزق ال بالتجارة‬ ‫والربح فيها‪ ,‬ولعلكم تشكرون ل تعال على عظيم إنعامه عليكم‪ ,‬فل‬ ‫تعبدون غيه‪.‬‬

‫‪860‬‬

‫وََألْقَى فِي الَرْضِ َروَاسِيَ أَنْ تَمِي َد بِكُمْ وََأْنهَارا وَ ُسبُلً لّعَلّ ُك ْم َت ْهتَدُونَ (‬ ‫‪)15‬‬ ‫وأرسى ف الرض جبال تثبتها حت ل تيل بكم‪ ,‬وجعل فيها أنارًا;‬ ‫لتشربوا منها‪ ,‬وجعل فيها طرقًا; لتهتدوا با ف الوصول إل الماكن الت‬ ‫تقصدونا‪.‬‬ ‫ت َوبِالّنجْمِ ُهمْ َي ْهتَدُونَ (‪)16‬‬ ‫وَعَلمَا ٍ‬ ‫وجعل ف الرض معال تستدلّون با على الطرق نارًا‪ ,‬كما جعل‬ ‫النجوم للهتداء با ليل‪.‬‬ ‫أَفَمَنْ َيخْلُقُ َكمَنْ ل َيخْلُقُ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)17‬‬ ‫أتعلون ال الذي يلق كل هذه الشياء وغيها ف استحقاق العبادة‬ ‫كاللة الزعومة الت ل تلق شيئًا؟ أفل تتذكرون عظمة ال‪ ,‬فتفردوه‬ ‫بالعبادة؟‬ ‫وَِإنْ تَ ُعدّوا نِعْ َمةَ الّلهِ ل ُتحْصُوهَا ِإنّ الّلهَ لَغَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)18‬‬ ‫‪861‬‬

‫صرَ نِعَم ال عليكم ل تَفُوا بَصْرها; لكثرتا وتنوعها‪ .‬إن‬ ‫وإن تاولوا حَ ْ‬ ‫ال لَغفور لكم رحيم بكم؛ إذ يتجاوز عن تقصيكم ف أداء شكر النعم‪,‬‬ ‫ول يقطعها عنكم لتفريطكم‪ ,‬ول يعاجلكم بالعقوبة‪.‬‬ ‫وَالّلهُ يَعْلَ ُم مَا ُتسِرّونَ وَمَا تُعِْلنُونَ (‪)19‬‬ ‫وال سبحانه يعلم كل أعمالكم‪ ,‬سواء ما تفونه منها ف نفوسكم وما‬ ‫تظهرونه لغيكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الّلهِ ل َيخْلُقُونَ َشيْئا وَهُ ْم ُيخْلَقُونَ (‪)20‬‬ ‫واللة الت يعبدها الشركون ل تلق شيئًا وإن صَغُر‪ ,‬فهي ملوقات‬ ‫صنعها الكفار بأيديهم‪ ,‬فكيف يعبدونا؟‬ ‫أَ ْموَاتٌ َغيْرُ َأ ْحيَاءٍ وَمَا َيشْعُرُونَ َأيّانَ ُيبْ َعثُونَ (‪)21‬‬ ‫هم جيعًا جادات ل حياة فيها ول تشعر بالوقت الذي يبعث ال فيه‬ ‫عابديها‪ ,‬وهي معهم ليُلقى بم جيعًا ف النار يوم القيامة‪.‬‬

‫‪862‬‬

‫ُمم‬ ‫ُمم مُنكِرٌَة وَه ْ‬ ‫ُونم بِالخِرَ ِة قُلُوُبه ْ‬ ‫ِينم ل ُيؤْ ِمن َ‬ ‫َهم وَاحِ ٌد فَالّذ َ‬ ‫ُمم ِإل ٌ‬ ‫ِإلَهُك ْ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)22‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫إلكم الستحق وحده للعبادة هو ال الله الواحد‪ ,‬فالذين ل يؤمنون‬ ‫بالبعث قلوبم جاحدة وحدانيته سبحانه; لعدم خوفهم من عقابه‪ ,‬فهم‬ ‫متكبون عن قبول الق‪ ,‬وعبادة ال وحده‪.‬‬ ‫ستَ ْكبِرِينَ (‬ ‫ل جَ َر مَ َأنّ اللّ هَ يَعْلَ مُ مَا يُ سِرّونَ وَمَا يُعِْلنُو نَ ِإنّ هُ ل ُيحِبّ الْمُ ْ‬ ‫‪)23‬‬ ‫حقًا أ ّن ال يعلم ما يفونه مِن عقائد وأقوال وأفعال‪ ,‬وما يظهرونه منها‪,‬‬ ‫وسيجازيهم على ذلك‪ ,‬إنه عز وجل ل يب الستكبين عن عبادته‬ ‫والنقياد له‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم مَاذَا أَنزَ َل َربّكُمْ قَالُوا َأسَاطِيُ ا َل ّولِيَ (‪)24‬‬ ‫وإذا ُسئِل هؤلء الشركون عمّا نزل على النب ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم قالوا كذبًا وزورًا‪ :‬ما أتى إل بقصص السابقي وأباطيلهم‪.‬‬

‫‪863‬‬

‫ُمم بِ َغْيرِ‬ ‫ِينم يُضِلّوَنه ْ‬ ‫ِنمَأ ْوزَارِ الّذ َ‬ ‫ْمم الْ ِقيَامَةِ وَم ْ‬ ‫ُمم كَامَِلةً َيو َ‬ ‫ِلَيحْمِلُوا َأ ْوزَارَه ْ‬ ‫عِلْمٍ أَل سَاءَ مَا يَ ِزرُونَ (‪)25‬‬ ‫ستكون عاقبتهم أن يملوا آثامهم كاملة يوم القيامة ‪-‬ل يُ ْغفَر لم منها‬ ‫شيء ‪ -‬وَيحْملوا من آثام الذين كذبوا عليهم; ليبعدوهم عن السلم‬ ‫من غي نقص من آثامهم‪ .‬أل َقبُحَ ما يملونه من آثام‪.‬‬ ‫َقدْ َمكَرَ الّذِينَم مِن ْم َقبِْلهِم ْم فَأَتَى اللّهُمُبْنيَاَنهُم ْم مِنَم الْ َقوَاعِدِ َفخَرّ عََلْيهِم ْم‬ ‫ب مِنْ َحيْثُ ل َيشْعُرُونَ (‪)26‬‬ ‫السّقْفُ مِنْ َفوِْقهِ ْم وََأتَاهُمْ الْعَذَا ُ‬ ‫قد دبّر الكفار من َقبْل هؤلء الشركي الكايد لرسلهم‪ ,‬وما جاؤوا به‬ ‫من دعوة الق‪ ,‬فأتى ال بنيانم من أساسه وقاعدته‪ ,‬فسقط عليهم‬ ‫السقف مِن فوقهم‪ ,‬وأتاهم اللك مِن مأمنهم‪ ,‬من حيث ل يتسبون‬ ‫ول يتوقعون أنه يأتيهم منه‪.‬‬ ‫ثُمّ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ ُيخْزِيهِ مْ َويَقُولُ َأيْ نَ شُرَكَائِي الّذِي َن ُكْنتُ ْم ُتشَاقّو نَ فِيهِ مْ‬

‫ي اْليَوْ مَ وَال سّوءَ عَلَى الْكَافِرِي نَ (‪)27‬‬ ‫قَالَ الّذِي نَ أُوتُوا الْعِلْ مَ إِنّ اْلخِزْ َ‬ ‫سهِ ْم فََألْ َقوْا ال سّلَ َم مَا ُكنّ ا نَعْمَ ُل مِ نْ‬ ‫الّذِي نَ َتَتوَفّاهُ مْ الْمَلئِ َكةُ ظَالِمِي أَنفُ ِ‬ ‫سُوءٍ بَلَى ِإنّ الّلهَ عَلِي ٌم بِمَا ُكْنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)28‬‬ ‫‪864‬‬

‫ث يوم القيامة يفضحهم ال بالعذاب ويذلّهم به‪ ,‬ويقول‪ :‬أين شركائي‬ ‫من اللة الت عبدتوها من دون; ليدفعوا عنكم العذاب‪ ,‬وقد كنتم‬ ‫تاربون النبياء والؤمني وتعادونم لجلهم؟ قال العلماء الربانيون‪ :‬إن‬ ‫الذل ف هذا اليوم والعذاب على الكافرين بال ورسله‪ ,‬الذين تقبض‬ ‫اللئكة أرواحهم ف حال ظلمهم لنفسهم بالكفر‪ ,‬فاستسْلَموا لمر ال‬ ‫حي رأوا الوت‪ ,‬وأنكروا ما كانوا يعبدون من دون ال‪ ,‬وقالوا‪ :‬ما كنا‬ ‫نعمل شيئًا من العاصي‪ ,‬فيقال لم‪ :‬كَ َذبْتم‪ ,‬قد كنتم تعملونا‪ ,‬إن ال‬ ‫عليم بأعمالكم كلها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫فَا ْدخُلُوا َأْبوَابَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َفَلِبْئسَ َمْثوَى الْ ُمتَ َكبّرِي َن (‪)29‬‬ ‫فادخلوا أبواب جهنم‪ ,‬ل ترجون منها أبدًا‪ ,‬فلبئست مقرًا للذين تكبّروا‬ ‫عن اليان بال وعن عبادته وحده وطاعته‪.‬‬ ‫سنُوا فِي َهذِ هِ‬ ‫وَقِيلَ لِلّذِي نَ اتّ َقوْا مَاذَا َأنْزَلَ َربّكُ مْ قَالُوا َخيْرا لِلّذِي نَ َأحْ َ‬ ‫سَنةٌ وَلَدَارُ ال ِخرَةِ َخيْرٌ َوَلنِعْمَ دَارُ الْ ُمتّ ِقيَ (‪)30‬‬ ‫ال ّدْنيَا َح َ‬ ‫وإذا قيل للمؤمني الائفي من ال‪ :‬ما الذي أنزل ال على النب ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم؟ قالوا‪ :‬أنزل ال عليه الي والدى‪ .‬للذين آمنوا‬ ‫‪865‬‬

‫بال ورسوله ف هذه الدنيا‪ ,‬ودَ َعوْا عباد ال إل اليان والعمل الصال‪,‬‬ ‫مَكْرُمَة كبية من النصر لم ف الدنيا‪ ,‬وسَعَة الرزق‪ ,‬ولَدار الخرة لم‬ ‫خي وأعظم ما أُوتوه ف الدنيا‪ ,‬وَلنِعْم دارُ التقي الائفي من ال‬ ‫الخرةُ‪.‬‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ َلهُ مْ فِيهَا مَا َيشَاءُو نَ‬ ‫ت عَدْ نٍ يَ ْدخُلُونَهَا َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫َجنّا ُ‬

‫ُمم الْمَلئِ َكةُ َطّيبِيَ‬ ‫ِينم َتَتوَفّاه ْ‬ ‫ّهم الْ ُمتّقِيَ (‪ )31‬الّذ َ‬ ‫ِكم َيجْزِي الل ُ‬ ‫كَ َذل َ‬ ‫جّنةَ بِمَا كُنُتمْ تَعْ َملُونَ (‪)32‬‬ ‫يَقُولُونَ سَلمٌ عََليْ ُكمْ ا ْدخُلُوا الْ َ‬ ‫جنات إقامة لم‪ ,‬يستقرون فيها‪ ,‬ل يرجون منها أبدًا‪ ,‬تري من تت‬ ‫أشجارها وقصورها النار‪ ,‬لم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم‪ ,‬بثل هذا‬ ‫الزاء الطيب يزي ال أهل خشيته وتقواه الذين تقبض اللئكةُ‬ ‫أرواحَهم‪ ,‬وقلوبُهم طاهرة من الكفر‪ ,‬تقول اللئكة لم‪ :‬سلم عليكم‪,‬‬ ‫تية خاصة لكم وسلمة من كل آفة‪ ,‬ادخلوا النة با كنتم تعملون من‬ ‫اليان بال والنقياد لمره‪.‬‬

‫ك فَعَ َل الّذِينَ‬ ‫هَ ْل يَنظُرُونَ إِلّ أَ ْن تَ ْأِتَيهُمْ الْمَلئِ َكةُ َأوْ يَ ْأتِيَ أَمْ ُر َربّكَ كَ َذلِ َ‬ ‫سهُمْ يَظِْلمُونَ (‪)33‬‬ ‫مِنْ َقبِْل ِهمْ وَمَا ظَلَ َمهُ ْم اللّهُ َولَكِنْ كَانُوا َأنْ ُف َ‬ ‫‪866‬‬

‫ما ينتظر الشركون إل أن تأتيهم اللئكة; لتقبض أرواحهم وهم على‬ ‫الكفر‪ ,‬أو يأت أمر ال بعذاب عاجل يهلكهم‪ ,‬كما كذّب هؤلء كذّب‬ ‫الكفار مِن قبلهم‪ ,‬فأهلكهم ال‪ ,‬وما ظلمهم ال بإهلكهم‪ ,‬وإنزال‬ ‫العذاب بم‪ ,‬ولكنهم هم الذين كانوا يظلمون أنفسهم با جعلهم أهل‬ ‫للعذاب‪.‬‬ ‫سَتهْ ِزئُون (‪)34‬‬ ‫ق ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ َي ْ‬ ‫َفَأصَابَهُمْ َسّيئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَا َ‬ ‫فنلت بم عقوبة ذنوبم الت عملوها‪ ,‬وأحاط بم العذاب الذي كانوا‬ ‫يسخرون منه‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ َأشْرَكُوا َلوْ شَاءَ اللّ هُ مَا َعَب ْدنَا مِ نْ دُونِ هِ مِ نْ شَ ْي ٍء َنحْ نُ وَل‬ ‫آبَاؤُنَا وَل َحرّمْنَا مِ نْ دُونِ هِ مِ نْ َش ْيءٍ كَ َذلِ كَ فَعَ َل الّذِي نَ مِ نْ َقبِْل ِه ْم َفهَلْ‬ ‫عَلَى الرّسُلِ إِ ّل الْبَلغُ الْ ُمِبيُ (‪)35‬‬ ‫وقال الشركون‪ :‬لو شاء ال أن نعبده وحده ما عبدنا أحدًا غيه‪ ,‬ل نن‬ ‫ول آباؤنا مِن قبلنا‪ ,‬ول حَرّمَنا شيئًا ل يرمه‪ ,‬بثل هذا الحتجاج‬ ‫الباطل احتج الكفار السابقون‪ ,‬وهم كاذبون; فإن ال أمرهم وناهم‬ ‫ومكّنهم من القيام با كلّفهم به‪ ,‬وجعل لم قوة ومشيئة تصدر عنها‬ ‫‪867‬‬

‫أفعالم‪ ,‬فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل الباطل من بعد إنذار‬ ‫الرسل لم‪ ,‬فليس على الرسل النذِرين لم إل التبليغ الواضح لا كُلّفوا‬ ‫به‪.‬‬ ‫ت فَ ِمْنهُ ْم‬ ‫َولَقَدْ بَ َعْثنَا فِي كُلّ أُ ّمةٍ رَ سُولً أَ نْ اُ ْعبُدُوا اللّ هَ وَا ْجَتِنبُوا الطّاغُو َ‬ ‫مَنْ هَدَى اللّهُ وَ ِمْنهُمْ مَنْ حَقّتْ عََليْ ِه الضّلَلةُ فَسِيُوا فِي ا َلرْضِ فَانْظُرُوا‬

‫َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُكَ ّذِبيَ (‪)36‬‬

‫ولقد بعثنا ف كل أمة سب َقتْ رسول آمرًا لم بعبادة ال وطاعته وحده‬ ‫وتَرْكِ عبادة غيه من الشياطي والوثان والموات وغي ذلك ما يتخذ‬ ‫من دون ال وليًا‪ ,‬فكان منهم مَن هدى ال‪ ,‬فاتبع الرسلي‪ ,‬ومنهم‬ ‫العاند الذي اتبع سبيل الغيّ‪ ,‬فوجبت عليه الضللة‪ ,‬فلم يوفقه ال‪.‬‬ ‫فامشوا ف الرض‪ ,‬وأبصروا بأعينكم كيف كان مآل هؤلء الكذبي‪,‬‬ ‫وماذا حلّ بم مِن دمار; لتعتبوا؟‬ ‫ِإنْ َتحْرِصْ عَلَى هُدَاهُ ْم َفِإنّ الّلهَ ل َيهْدِي مَنْ يُضِلّ وَمَا َلهُمْ مِ ْن نَاصِرِينَ‬ ‫(‪)37‬‬

‫‪868‬‬

‫إن تبذل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أقصى جهدك لداية هؤلء الشركي فاعلم أن‬ ‫ال ل يهدي مَن يضلّ‪ ,‬وليس لم من دون ال أحد ينصرهم‪ ,‬وينع‬ ‫عنهم عذابه‪.‬‬ ‫ت بَلَى وَعْدا عََليْ هِ‬ ‫وََأقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ ل َيبْعَ ثُ اللّ هُ مَ نْ َيمُو ُ‬ ‫حَقّا َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل يَ ْعلَمُونَ (‪)38‬‬ ‫وحلف هؤلء الشركون بال أيانًا مغلّظة أن ال ل يبعث مَن يوت‬ ‫بعدما بَِليَ وتفرّق‪ ,‬بلى سيبعثهم ال حتمًا‪ ,‬وعدًا عليه حقًا‪ ,‬ولكن أكثر‬ ‫الناس ل يعلمون قدرة ال على البعث‪ ,‬فينكرونه‪.‬‬ ‫ِلُيَبيّ نَ َلهُ مْ الّذِي َيخْتَلِفُو نَ فِي هِ َوِليَعْلَ َم الّذِي نَ كَفَرُوا َأّنهُ ْم كَانُوا كَا ِذِبيَ (‬ ‫‪)39‬‬ ‫يبعث ال جيع العباد; ليبي لم حقيقة البعث الذي اختلفوا فيه‪ ,‬ويعلم‬ ‫الكفار النكرون له أنم على باطل‪ ,‬وأنم كاذبون حي حلفوا أ ْن ل‬ ‫بعث‪.‬‬

‫‪869‬‬

‫ِإنّمَا َق ْوُلنَا لِشَ ْيءٍ إِذَا َأرَ ْدنَاهُ َأنْ نَقُولَ َلهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)40‬‬ ‫إنّ أمر البعث يسي علينا‪ ,‬فإنّا إذا أردنا شيئًا فإنا نقول له‪" :‬كن"‪ ،‬فإذا‬ ‫هو كائن موجود‪.‬‬ ‫سَنةً‬ ‫وَالّذِي نَ هَاجَرُوا فِي اللّ هِ مِ نْ بَ ْعدِ مَا ظُلِمُوا َلُنبَ ّوَئّنهُ مْ فِي ال ّدنْيَا حَ َ‬ ‫وَلَجْرُ الخِرَةِ أَ ْكبَ ُر َلوْ كَانُوا يَعَْلمُونَ (‪)41‬‬ ‫والذين تركوا ديارهم مِن أجل ال‪ ,‬فهاجروا بعدما وقع عليهم الظلم‪,‬‬ ‫لنسكننهم ف الدنيا دارًا حسنة‪ ,‬ولجر الخرة أكب; لن ثوابم فيها‬ ‫النة‪ .‬لو كان التخلفون عن الجرة يعلمون علم يقي ما عند ال من‬ ‫الجر والثواب للمهاجرين ف سبيله‪ ,‬ما تلّف منهم أحد عن ذلك‪.‬‬ ‫صبَرُوا وَعَلَى َرّبهِمْ َيَتوَكّلُونَ (‪)42‬‬ ‫الّذِينَ َ‬ ‫هؤلء الهاجرون ف سبيل ال هم الذين صبوا على أوامر ال وعن‬ ‫نواهيه وعلى أقداره الؤلة‪ ,‬وعلى ربم وحده يعتمدون‪ ,‬فاستحقوا هذه‬ ‫النلة العظيمة‪.‬‬

‫‪870‬‬

‫وَمَا َأرْ سَ ْلنَا مِ ْن َقبِْل كَ إِلّ رِجَا ًل نُوحِي ِإَلْيهِ ْم فَا سَْألُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِ نْ‬ ‫ُكْنتُمْ ل تَعْلَمُونَ (‪)43‬‬ ‫وما أرسلنا ف السابقي قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل رسل من الرجال ل‬ ‫من اللئكة‪ ,‬نوحي إليهم‪ ,‬وإن كنتم ‪-‬يا مشركي قريش‪ -‬ل تصدقون‬ ‫بذلك فاسألوا أهل الكتب السابقة‪ ,‬يبوكم أن النبياء كانوا بشرًا‪ ,‬إن‬ ‫كنتم ل تعلمون أنم بشر‪ .‬والية عامة ف كل مسألة من مسائل الدين‪,‬‬ ‫إذا ل يكن عند النسان علم منها أن يسأل من يعلمها من العلماء‬ ‫الراسخي ف العلم ‪.‬‬ ‫بِاْلَبّينَا تِ وَال ّزبُرِ وَأَن َزلْنَا ِإَليْ كَ الذّكْ َر ِلتَُبيّ نَ لِلنّا سِ مَا نُزّلَ ِإَليْهِ مْ َولَعَّلهُ مْ‬

‫َيتَفَكّرُونَ (‪)44‬‬

‫وَأرْسَلْنا الرسل السابقي بالدلئل الواضحة وبالكتب السماوية‪ ,‬وأنزلنا‬ ‫إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن; لتوضح للناس ما خفي مِن معانيه‬ ‫وأحكامه‪ ,‬ولكي يتدبروه ويهتدوا به‪.‬‬ ‫سّيئَاتِ أَ نْ َيخْ سِفَ اللّ هُ ِبهِ ْم ا َلرْ ضَ َأوْ يَ ْأِتَيهُ مْ‬ ‫أَفَأَمِ نَ الّذِي نَ مَ َكرُوا ال ّ‬ ‫ث ل َيشْعُرُو نَ (‪َ )45‬أ ْو يَأْخُذَ ُه مْ فِي تَقَّلِبهِ ْم فَمَا هُ مْ‬ ‫الْعَذَا بُ مِ نْ َحيْ ُ‬ ‫‪871‬‬

‫بِمُ ْعجِزِي نَ (‪َ )46‬أ ْو يَأْخُذَ ُه ْم عَلَى َتخَوّ فٍ َفِإنّ َربّ ُك ْم لَ َرءُو فٌ رَحِي ٌم (‬ ‫‪)47‬‬ ‫أفأمن الكفار الدبّرون للمكايد أن يسف ال بم الرض كما فعل‬ ‫حسّونه ول يتوقعونه‪ ,‬أو‬ ‫بقارون‪ ,‬أو يأتيهم العذاب من مكان ل ُي ِ‬ ‫يأخذهم العذاب‪ ,‬وهم يتقلبون ف أسفارهم وتصرفهم؟ فما هم بسابقي‬ ‫ال ول فائتيه ول ناجي من عذابه; لنه القوي الذي ل يعجزه شيء‪ ,‬أو‬ ‫يأخذهم ال بنقص من الموال والنفس والثمرات‪ ،‬أو ف حال خوفهم‬ ‫من أخذه لم‪ ,‬فإن ربكم لرؤوف بلقه‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫َأوَلَ ْم يَ َروْا ِإلَى مَا خَلَ َق اللّ هُ مِ نْ َش ْيءٍ َيتَ َفيّأُ ظِللُ هُ عَ نْ اْليَمِيِ وَالشّمَائِلِ‬ ‫ُسجّدا لِّلهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (‪)48‬‬ ‫أَعَ ِميَ هؤلء الكفار‪ ,‬فلم ينظروا إل ما خلق ال من شيء له ظل‪,‬‬ ‫كالبال والشجار‪ ,‬تيل ظللا تارة يينًا وتارة شال تبعًا لركة الشمس‬ ‫نارًا والقمر ليل كلها خاضعة لعظمة ربا وجلله‪ ,‬وهي تت تسخيه‬ ‫وتدبيه وقهره؟‬ ‫ت وَمَا فِي ا َلرْضِ مِنْ دَابّةٍ وَالْمَلئِ َكةُ وَهُ ْم ل‬ ‫سجُدُ مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫َولِلّهِ يَ ْ‬ ‫‪872‬‬

‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)49‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ول وحده يسجد كل ما ف السموات وما ف الرض مِن دابة‪,‬‬ ‫واللئكة يسجدون ل‪ ,‬وهم ل يستكبون عن عبادته‪ .‬وخصّهم بالذكر‬ ‫بعد العموم لفَضْلهم وشرفهم وكثرة عبادتم‪.‬‬ ‫َيخَافُونَ َرّبهُ ْم مِنْ َفوِْقهِ ْم َويَفْعَلُونَ مَا ُيؤْمَرُونَ (‪)50‬‬ ‫ياف اللئكة ربم الذي هو فوقهم بالذات والقهر وكمال الصفات‪,‬‬ ‫ويفعلون ما ُيؤْمرون به من طاعة ال‪ .‬وف الية‪ :‬إثبات صفة العلو‬ ‫والفوقية ل على جيع خلقه‪ ,‬كما يليق بلله وكماله‪.‬‬ ‫وَقَالَ اللّ هُ ل َتّتخِذُوا ِإَل َهيْ نِ اْثَنيْ نِ ِإنّمَا ُهوَ ِإلَ هٌ وَاحِ ٌد َفِإيّا يَ فَارْ َهبُو نِ (‬

‫‪)51‬‬

‫وقال ال لعباده‪ :‬ل تعبدوا إلي اثني‪ ,‬إنا معبودكم إله واحد‪ ,‬فخافون‬ ‫دون سواي‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضِ َوَلهُ الدّينُ وَاصِبا أََف َغيْرَ الّلهِ َتتّقُونَ (‪)52‬‬ ‫َوَلهُ مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫‪873‬‬

‫ول كل ما ف السموات والرض خلقًا وملكًا وعبيدًا‪ ,‬وله وحده العبادة‬ ‫والطاعة والخلص دائمًا‪ ,‬أيليق بكم أن تافوا غي ال وتعبدوه؟‬ ‫وَمَا بِ ُكمْ مِ ْن نِعْ َمةٍ َفمِنْ الّلهِ ثُمّ إِذَا َمسّ ُكمْ الضّرّ َفإَِلْيهِ َتجَْأرُونَ (‪)53‬‬ ‫وما بكم مِن نعم ِة هدايةٍ‪ ,‬أو صحة جسم‪ ,‬وسَعَة رزقٍ وولد‪ ,‬وغي‬ ‫ذلك‪ ,‬فمِنَ ال وحده‪ ,‬فهو ا ُلنْعِم با عليكم‪ ,‬ث إذا نزل بكم السقم‬ ‫ضجّون بالدعاء ‪.‬‬ ‫والبلء والقحط فإل ال وحده تَ ِ‬ ‫ثُمّ ِإذَا َكشَفَ الضّرّ َعنْ ُكمْ إِذَا َفرِيقٌ ِمنْكُ ْم بِ َرّبهِ ْم ُيشْرِكُونَ (‪)54‬‬ ‫ث إذا كشف عنكم البلء والسقم‪ ,‬إذا جاعة منكم بربم ا ُلنْعِم عليهم‬ ‫بالنجاة يتخذون معه الشركاء والولياء‪.‬‬ ‫سوْفَ تَعْلَمُونَ (‪)55‬‬ ‫ِليَكْفُرُوا ِبمَا آَتْينَاهُمْ َفَت َمتّعُوا َف َ‬ ‫ليجحدوا نعمنا عليهم‪ ,‬ومنها َكشْفُ البلء عنهم‪ ,‬فاستمتعوا بدنياكم‪,‬‬ ‫ومصيها إل الزوال‪ ,‬فسوف تعلمون عاقبة كفركم وعصيانكم‪.‬‬

‫‪874‬‬

‫َوَيجْعَلُو نَ لِمَا ل يَعَْلمُو نَ نَ صِيبا مِمّ ا َرزَ ْقنَاهُ مْ تَاللّ هِ َلتُ سْأَلُنّ عَمّ ا ُكْنتُ مْ‬ ‫تَ ْفتَرُونَ (‪)56‬‬ ‫ومِن قبيح أعمالم أنم يعلون للصنام الت اتذوها آلة‪ ,‬وهي ل تعلم‬ ‫شيئًا ول تنفع ول تضر‪ ,‬جزءًا من أموالم الت رزقهم ال با تقربًا إليها‪.‬‬ ‫تال لتسألُنّ يوم القيامة عما كنتم تتلقونه من الكذب على ال‪.‬‬ ‫شَتهُونَ (‪)57‬‬ ‫َوَيجْعَلُونَ لِّلهِ اْلَبنَاتِ ُسْبحَاَنهُ َوَلهُمْ مَا َي ْ‬ ‫ويعل الكفار ل البنات‪ ,‬فيقولون‪ :‬اللئكة بنات ال‪ ,‬تنّه ال عن‬ ‫قولم‪ ,‬ويعلون لنفسهم ما يبون من البني‪.‬‬ ‫وَِإذَا ُبشّرَ أَحَدُ ُهمْ بِالُنثَى ظَلّ وَ ْج ُههُ ُمسْوَدّا وَ ُهوَ كَظِيمٌ (‪)58‬‬ ‫وإذا جاء مَن يب أحدهم بولدة أنثى اسودّ وجهه; كراهية لا سع‪,‬‬ ‫وامتل غمّا وحزنًا‪.‬‬ ‫َيَتوَارَى مِ نْ الْ َقوْ مِ مِ ْن سُوءِ مَا ُبشّ َر بِ هِ َأيُمْ سِ ُك ُه عَلَى هُو نٍ أَ مْ يَ ُد ّسهُ فِي‬ ‫التّرَابِ أَل سَاءَ مَا َيحْكُمُونَ (‪)59‬‬ ‫‪875‬‬

‫يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا با ساءه من الزن والعار؛‬ ‫بسبب البنت الت وُلِدت له‪ ,‬ومتحيًا ف أمر هذه الولودة‪ :‬أيبقيها حية‬ ‫على ذلّ وهوان‪ ,‬أم يدفنها حية ف التراب؟ أل بئس الكم الذي‬ ‫حكموه مِن جَعْل البنات ل والذكور لم‪.‬‬ ‫ّهم الْ َمثَلُ الَعْلَى وَ ُهوَ الْعَزِيزُ‬ ‫السم ْوءِ وَلِل ِ‬ ‫ُونم بِال ِخرَةِ َمثَ ُل ّ‬ ‫ِينم ل ُيؤْ ِمن َ‬ ‫لِلّذ َ‬

‫الْحَكِي ُم (‪)60‬‬

‫للذين ل يؤمنون بالخرة ول يعملون لا‪ ,‬الصفة القبيحة من العجز‬ ‫والاجة والهل والكفر‪ ,‬ول الصفات العليا من الكمال والستغناء عن‬ ‫خلقه‪ ,‬وهو العزيز ف ملكه‪ ,‬الكيم ف تدبيه‪.‬‬ ‫َولَوْ ُيؤَا ِخذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْ ِمهِ ْم مَا تَ َركَ عََلْيهَا مِنْ دَاّبةٍ َولَكِنْ ُيؤَخّرُهُمْ ِإلَى‬ ‫َسمتَقْدِمُونَ (‬ ‫َسمتَأْخِرُونَ سمَا َعةً وَل ي ْ‬ ‫ُمم ل ي ْ‬ ‫ُسممّى َفإِذَا جَاءَ أَ َجُله ْ‬ ‫َأجَلٍ م َ‬ ‫‪)61‬‬ ‫ولو يؤاخذ ال الناس بكفرهم وافترائهم ما ترك على الرض مَن يتحرّك‪,‬‬ ‫ولكن يبقيهم إل وقت مدد هو ناية آجالم‪ ,‬فإذا جاء أجلهم ل‬ ‫يتأخرون عنه وقتًا يسيًا‪ ,‬ول يتقدمون‪.‬‬ ‫‪876‬‬

‫سنَى ل‬ ‫سَنُتهُمْ الْكَذِ بَ َأنّ َلهُ مْ اْلحُ ْ‬ ‫َويَجْعَلُو نَ لِلّ هِ مَا يَ ْكرَهُو نَ َوتَ صِفُ َألْ ِ‬ ‫َجرَمَ َأ ّن لَهُ ْم النّارَ وََأّنهُمْ ُمفْ َرطُونَ (‪)62‬‬

‫ومن قبائحهم‪ :‬أنم يعلون ل ما يكرهونه لنفسهم من البنات‪ ,‬وتقول‬ ‫ألسنتهم كذبًا‪ :‬إن لم حسن العاقبة‪ ,‬حقًا أن لم النار‪ ,‬وأنم فيها‬ ‫َمتْروكون َمنْسيون‪.‬‬ ‫شيْطَا نُ أَ ْعمَاَلهُ مْ َف ُهوَ‬ ‫تَاللّ هِ لَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا ِإلَى أُمَ ٍم مِ نْ َقْبلِ كَ فَ َزيّ نَ َلهُ مْ ال ّ‬ ‫َولِّيهُ ْم اْلَيوْمَ َوَلهُمْ عَذَابٌ َألِي ٌم (‪)63‬‬ ‫تال لقد أرسلنا رسل إل أمم مِن قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فحسّن لم‬ ‫الشيطان ما عملوه من الكفر والتكذيب وعبادة غي ال‪ ,‬فهو متولّ‬ ‫إغواءهم ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب أليم موجع‪.‬‬ ‫وَمَا أَن َزْلنَا عََليْ كَ الْ ِكتَا بَ إِ ّل ِلُتَبيّ نَ َلهُ ْم الّذِي ا ْختَلَفُوا فِي هِ وَهُدًى َورَ ْح َمةً‬ ‫لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)64‬‬

‫‪877‬‬

‫وما أنزلنا عليك القرآن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل لتوضح للناس ما اختلفوا فيه‬ ‫من الدين والحكام; لتقوم الجة عليهم ببيانك ورشدًا ورحة لقوم‬ ‫يؤمنون‪.‬‬ ‫ك لَيةً‬ ‫وَاللّ هُ أَنزَلَ مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً فََأ ْحيَا بِ هِ ا َلرْ ضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫لِ َقوْمٍ َيسْمَعُونَ ( ‪)65‬‬ ‫وال أنزل من السحاب مطرًا‪ ,‬فأخرج به النبات من الرض بعد أن‬ ‫كانت قاحلة يابسة‪ ,‬إن ف إنزال الطر وإنبات النبات لَدليل على قدرة‬ ‫ال على البعث وعلى الوحدانية‪ ,‬لقوم يسمعون‪ ,‬ويتدبرون‪ ,‬ويطيعون‬ ‫ال‪ ,‬ويتقونه‪.‬‬ ‫وَِإنّ لَكُ ْم فِي ا َلنْعَامِ لَ ِعبْرَةً ُنسْقِيكُ ْم مِمّا فِي بُطُوِنهِ مِنْ َبيْ ِن فَ ْرثٍ وَدَ ٍم َلبَنا‬ ‫خَالِصا سَائِغا لِلشّا ِرِبيَ (‪)66‬‬ ‫وإن لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف النعام ‪-‬وهي البل والبقر والغنم‪ -‬لَعظة‪,‬‬ ‫فقد شاهدت أننا نسقيكم من ضروعها لبنًا خارجًا من بي َفرْث ‪-‬وهو‬ ‫ص به مَن‬ ‫ما ف الكَرِش‪ -‬وبي دم خالصًا من كل الشوائب‪ ,‬لذيذًا ل يَغَ ّ‬ ‫شَ ِربَه‪.‬‬ ‫‪878‬‬

‫ب َتّتخِذُو نَ ِمنْ هُ سَكَرا َو ِرزْقا حَ سَنا ِإنّ فِي‬ ‫ت الّنخِيلِ وَالَ ْعنَا ِ‬ ‫وَمِ نْ َثمَرَا ِ‬

‫ك لَيةً لِقَوْ ٍم يَعْقِلُونَ (‪)67‬‬ ‫َذلِ َ‬

‫ومِن نِعَمنا عليكم ما تأخذونه من ثرات النخيل والعناب‪ ,‬فتجعلونه‬ ‫خرًا ُمسْكِرًا ‪-‬وهذا قبل تريها‪ -‬وطعامًا طيبًا‪ .‬إن فيما ذكر لَدليل على‬ ‫قدرة ال لِقومٍ يعقلون الباهي فيعتبون با‪.‬‬ ‫جبَالِ ُبيُوتا وَمِ نْ الشّجَ ِر وَمِمّا‬ ‫وََأ ْوحَى َربّ كَ ِإلَى الّنحْلِ أَ نْ اّتخِذِي مِ ْن الْ ِ‬ ‫يَعْرِشُونَ (‪)68‬‬ ‫وأْلهَمَ ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬النحل بأن اجعلي لك بيوتًا ف البال‪ ,‬وف‬ ‫الشجر‪ ,‬وفيما يبن الناس من البيوت والسّقُف‪.‬‬ ‫ت فَا سُْلكِي ُسبُلَ َربّ كِ ُذلُلً َيخْرُ جُ مِ ْن بُطُوِنهَا‬ ‫ثُمّ كُلِي مِ نْ كُلّ الثّمَرَا ِ‬ ‫ك لَيةً لِ َقوْ مٍ َيتَفَكّرُو نَ (‬ ‫ختَلِ فٌ َأْلوَانُ هُ فِي هِ شِفَاءٌ لِلنّا سِ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫ب ُم ْ‬ ‫شَرَا ٌ‬ ‫‪)69‬‬

‫‪879‬‬

‫ث كُلي مِن كل ثرة تشتهينها‪ ,‬فاسلكي طرق ربك مذللة لك; لطلب‬ ‫الرزق ف البال وخلل الشجر‪ ,‬وقد جعلها سهلة عليكِ‪ ,‬ل تضلي ف‬ ‫العَوْد إليها وإن بَعُدَتْ‪ .‬يرج من بطون النحل عسل متلف اللوان مِن‬ ‫بياض وصفرة وحرة وغي ذلك‪ ,‬فيه شفاء للناس من المراض‪ .‬إن فيما‬ ‫يصنعه النحل لَدللة قوية على قدرة خالقها لقوم يتفكرون‪ ,‬فيعتبون‪.‬‬ ‫وَاللّ هُ خَلَقَكُ مْ ُثمّ َيَتوَفّاكُ مْ وَ ِمنْ ُك ْم مَ ْن يُرَدّ ِإلَى َأرْذَلِ الْعُمُ ِر لِكَ يْ ل يَعْلَ مَ‬ ‫بَعْ َد عِلْمٍ َشيْئا ِإنّ الّلهَ عَلِيمٌ قَدِي ٌر (‪)70‬‬ ‫وال سجانه وتعال خلقكم ث ييتكم ف ناية أعماركم‪ ,‬ومنكم مَن‬ ‫يصي إل أردأ العمر وهو الرم‪ ,‬كما كان ف طفولته ل يعلم شيئًا ما‬ ‫كان يعلمه‪ ,‬إن ال عليم قدير‪ ,‬أحاط علمه وقدرته بكل شيء‪ ,‬فال‬ ‫الذي ر ّد النسان إل هذه الالة قادر على أن ييته‪ ,‬ث يبعثه‪.‬‬ ‫ِينم فُضّلُوا بِرَادّي‬ ‫ْقم فَمَا الّذ َ‬ ‫ْضم فِي ال ّرز ِ‬ ‫ُمم عَلَى بَع ٍ‬ ‫ّهم فَضّلَ بَعْضَك ْ‬ ‫وَالل ُ‬ ‫جحَدُو نَ (‬ ‫ِرزِْقهِ مْ عَلَى مَا مَلَ َك تْ َأيْمَاُنهُ مْ َفهُ ْم فِي هِ َسوَاءٌ أََفِبنِعْ َمةِ اللّ هِ َي ْ‬ ‫‪)71‬‬

‫‪880‬‬

‫وال فَضّل بعضكم على بعض فيما أعطاكم ف الدنيا من الرزق‪ ,‬فمنكم‬ ‫غن ومنكم فقي‪ ,‬ومنكم مالك ومنكم ملوك‪ ,‬فل يعطي الالكون‬ ‫ملوكيهم ما أعطاهم ال ما يصيون به شركاء لم متساوين معهم ف‬ ‫الال‪ ,‬فإذا ل يرضوا بذلك لنفسهم‪ ,‬فلماذا رضوا أن يعلوا ل شركاء‬ ‫من عبيده؟ إن هذا لَمن أعظم الظلم والحود لِنعم ال عز وجل‪.‬‬ ‫وَاللّ هُ جَعَلَ لَكُ مْ مِ نْ أَنفُ سِكُمْ َأ ْزوَاجا وَ َجعَلَ لَكُ ْم مِ نْ َأ ْزوَاجِكُ مْ َبنِيَ‬ ‫وَحَفَدَ ًة َورَزَقَ ُك مْ مِ ْن ال ّطّيبَا تِ أََفبِاْلبَاطِلِ ُيؤْ ِمنُو نَ َوِبنِعْ َمةِ اللّ هِ هُ ْم يَكْفُرُو نَ‬ ‫(‪)72‬‬

‫وال سبحانه جعل مِن جنسكم أزواجا; لتستريح نفوسكم معهن‪,‬‬ ‫وجعل لكم منهن البناء ومِن نسلهنّ الحفاد‪ ,‬ورزقكم من الطعمة‬ ‫الطيبة من الثمار والبوب واللحوم وغي ذلك‪ .‬أفبالباطل من ألوهية‬ ‫شركائهم يؤمنون‪ ,‬وبنعم ال الت ل تصى يحدون‪ ,‬ول يشكرون له‬ ‫بإفراده جل وعل بالعبادة؟‬ ‫ت وَالَرْ ضِ‬ ‫ك َلهُ ْم رِزْقا مِ ْن ال سّ َموَا ِ‬ ‫َويَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا ل يَمِْل ُ‬ ‫ستَطِيعُونَ (‪)73‬‬ ‫َشيْئا وَل َي ْ‬

‫‪881‬‬

‫ويعبد الشركون أصنامًا ل تلك أن تعطيهم شيئًا من الرزق من السماء‬ ‫كالطر‪ ,‬ول من الرض كالزرع‪ ,‬فهم ل يلكون شيئًا‪ ,‬ول يتأتى منهم‬ ‫أن يلكوه; لنم ل يقدرون‪.‬‬ ‫ض ِربُوا لِّلهِ الَ ْمثَالَ ِإ ّن الّلهَ يَعَْلمُ وََأْنُتمْ ل تَ ْعلَمُونَ (‪)74‬‬ ‫فَل تَ ْ‬ ‫وإذا َعلِمتم أن الصنام والوثان ل تنفع‪ ,‬فل تعلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ل‬ ‫أشباهًا ماثلي له مِن خَلْقه تشركونم معه ف العبادة‪ .‬إن ال يعلم ما‬ ‫تفعلون‪ ,‬وأنتم غافلون ل تعلمون خطأكم وسوء عاقبتكم‪.‬‬ ‫ل َعبْدا مَمْلُوكا ل يَقْ ِد ُر عَلَى شَ ْيءٍ وَمَ نْ َرزَ ْقنَا هُ ِمنّا ِرزْقا‬ ‫ضَ َر بَ اللّ هُ َمثَ ً‬ ‫سَتوُونَ اْلحَمْ ُد لِلّ هِ بَلْ أَ ْكثَرُهُ مْ ل‬ ‫حَ سَنا َف ُهوَ يُنفِ قُ ِمنْ ُه سِرّا وَ َجهْرا هَلْ يَ ْ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)75‬‬ ‫ضرب ال مثل بيّن فيه فساد عقيدة أهل الشرك‪ :‬رجل ملوكًا عاجزًا‬ ‫عن التصرف ل يلك شيئًا‪ ,‬ورجل آخر حرًا‪ ,‬له مال حلل رزَقَه ال‬ ‫به‪ ,‬يلك التصرف فيه‪ ,‬ويعطي منه ف الفاء والعلن‪ ،‬فهل يقول عاقل‬ ‫بالتساوي بي الرجلي؟ فكذلك ال الالق الالك التصرف ل يستوي‬ ‫سوّون بينهما؟ المد ل وحده‪ ,‬فهو الستحق‬ ‫مع خلقه وعبيده‪ ,‬فكيف ُت َ‬ ‫‪882‬‬

‫للحمد والثناء‪ ,‬بل أكثر الشركي ل يعلمون أن المد والنعمة ل‪ ,‬وأنه‬ ‫وحده الستحق للعبادة‪.‬‬ ‫ل رَجَُليْنِمأَحَدُهُمَا َأبْكَمُم ل يَقْ ِدرُ عَلَى َش ْيءٍ وَ ُهوَ كَ ّل‬ ‫َوضَرَبَم اللّهُم َمثَ ً‬ ‫سَتوِي ُه َو وَمَ نْ يَأْ ُمرُ بِالْعَدْلِ‬ ‫خيْرٍ هَ ْل يَ ْ‬ ‫عَلَى َموْل هُ َأْينَمَا ُي َوجّهّ ل يَأْ تِ ِب َ‬ ‫ستَقِيمٍ (‪)76‬‬ ‫وَ ُهوَ عَلَى صِرَاطٍ ُم ْ‬ ‫وضرب ال مثل آخر لبطلن الشرك رجلي‪ :‬أحدها أخرس أصم ل‬ ‫يَ ْفهَم ول يُ ْفهِم‪ ,‬ل يقدر على منفعة نفسه أو غيه‪ ,‬وهو عبء ثقيل على‬ ‫مَن يَلي أمره ويعوله‪ ,‬إذا أرسله لمر يقضيه ل ينجح‪ ,‬ول يعود عليه‬ ‫بي‪ ,‬ورجل آخر سليم الواس‪ ,‬ينفع نفسه وغيه‪ ,‬يأمر بالنصاف‪,‬‬ ‫وهو على طريق واضح ل عوج فيه‪ ,‬فهل يستوي الرجلن ف نظر‬ ‫سوّون بي الصنم البكم الصمّ وبي ال القادر النعم‬ ‫العقلء؟ فكيف ُت َ‬ ‫بكل خي؟‬ ‫ت وَا َلرْ ضِ وَمَا أَمْ ُر ال سّاعَةِ إِلّ كََلمْ ِح اْلبَ صَرِ َأوْ ُهوَ‬ ‫ب ال سّ َموَا ِ‬ ‫َولِلّ هِ َغيْ ُ‬ ‫أَ ْقرَبُ ِإنّ الّلهَ عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِي ٌر ( ‪)77‬‬

‫‪883‬‬

‫ول سبحانه وتعال عِلْ ُم ما غاب ف السموات والرض‪ ,‬وما شأن‬ ‫القيامة ف سرعة ميئها إل كنظرة سريعة بالبصر‪ ,‬بل هو أسرع من‬ ‫ذلك‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫وَاللّ هُ َأخْرَ َجكُ مْ مِ ْن بُطُو نِ أُ ّمهَاتِكُ مْ ل تَعْلَمُو نَ َشيْئا وَجَعَلَ لَكُ ْم ال سّ ْمعَ‬ ‫وَا َلبْصَارَ وَالَ ْفئِدَةَ لَعَلّ ُكمْ َتشْكُرُونَ (‪)78‬‬ ‫وال سبحانه وتعال أخرجكم مِن بطون أمهاتكم بعد مدة المل‪ ,‬ل‬ ‫تدركون شيئًا ما حولكم‪ ,‬وجعل لكم وسائل الدراك من السمع‬ ‫والبصر والقلوب; لعلكم تشكرون ل تعال على تلك النعم‪ ,‬وتفردونه‬ ‫عز وجل بالعبادة‪.‬‬ ‫سخّرَاتٍ فِي َجوّ ال سّمَاءِ مَا يُمْ سِ ُكهُنّ إِلّ اللّ هُ إِنّ‬ ‫َألَ مْ َي َروْا ِإلَى ال ّطيْرِ مُ َ‬ ‫ت لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)79‬‬ ‫فِي َذلِكَ ليَا ٍ‬ ‫أل ينظر الشركون إل الطي مذللت للطيان ف الواء بي السماء‬ ‫والرض بأمر ال؟ ما يسكهن عن الوقوع إل هو سبحانه با خَلَقه لا‪,‬‬ ‫وأقدرها عليه‪ .‬إن ف ذلك التذليل والمساك لَدللت لقوم يؤمنون با‬ ‫يرونه من الدلة على قدرة ال‪.‬‬ ‫‪884‬‬

‫وَاللّ هُ جَعَلَ لَكُ مْ مِ نْ ُبيُوتِكُ مْ سَكَنا وَجَعَلَ لَكُ مْ مِ نْ جُلُو ِد ا َلنْعَا مِ ُبيُوتا‬ ‫صوَاِفهَا وََأ ْوبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا‬ ‫سَتخِفّونَهَا َيوْ َم ظَ ْعنِكُ ْم َوَيوْ مَ إِقَا َمتِكُ مْ وَمِ نْ أَ ْ‬ ‫تَ ْ‬ ‫َأثَاثا وَ َمتَاعا ِإلَى ِحيٍ ( ‪)80‬‬ ‫وال سبحانه جعل لكم من بيوتكم راحة واستقرارًا مع أهلكم‪ ,‬وأنتم‬ ‫مقيمون ف الضر‪ ,‬وجعل لكم ف سفركم خيامًا وقبابًا من جلود‬ ‫النعام‪َ ,‬يخِفّ عليكم حِمْلها وقت َترْحالكم‪ ,‬ويف عليكم نَصْبها‬ ‫وقت إقامتكم بعد التّرْحال‪ ,‬وجعل لكم من أصواف الغنم‪ ,‬وأوبار‬ ‫البل‪ ,‬وأشعار العز أثاثًا لكم من أكسية وألبسة وأغطية وفرش وزينة‪,‬‬ ‫تتمتعون با إل أجل مسمّى ووقت معلوم‪.‬‬ ‫جبَالِ أَ ْكنَانا وَجَعَ َل‬ ‫وَاللّ هُ جَعَ َل لَكُ مْ ِممّ ا خَلَ َق ظِللً وَجَعَ َل لَكُ مْ مِ ْن الْ ِ‬ ‫ك ُيتِمّ نِعْ َمتَ هُ‬ ‫لَكُ ْم سَرَابِيلَ تَقِيكُ مْ اْلحَرّ وَ سَرَابِيلَ تَقِيكُ مْ بَ ْأ َسكُمْ َك َذلِ َ‬ ‫عََليْكُ ْم لَعَلّكُ ْم ُتسْلِمُونَ (‪)81‬‬ ‫وال جعل لكم ما تستظلّون به من الشجار وغيها‪ ,‬وجعل لكم ف‬ ‫البال من الغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الاجة‪ ,‬وجعل‬ ‫لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيها‪ ,‬تفظكم من الر والبد‪ ,‬وجعل‬ ‫‪885‬‬

‫لكم من الديد ما يردّ عنكم الطعن والذى ف حروبكم‪ ,‬كما أنعم ال‬ ‫عليكم بذه النعم يتمّ نعمته عليكم ببيان الدين الق; لتستسلموا لمر ال‬ ‫وحده‪ ,‬ول تشركوا به شيئًا ف عبادته‪.‬‬ ‫ك اْلبَلغُ الْ ُمِبيُ (‪)82‬‬ ‫َفِإنْ َت َوّلوْا َفِإنّمَا عََليْ َ‬ ‫فإن أعرضوا عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعدما رأوا من اليات فل تزن‪ ,‬فما‬ ‫عليك إل البلغ الواضح لا ُأرْسِ ْلتَ به‪ ,‬وأما الداية فإلينا‪.‬‬ ‫يَ ْعرِفُونَ نِعْ َمةَ الّلهِ ثُ ّم يُنكِرُوَنهَا وَأَ ْكثَرُهُ ْم الْكَافِرُونَ (‪)83‬‬ ‫يعرف هؤلء الشركون نعمة ال عليهم بإرسال ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم إليهم‪ ,‬ث يحدون نبوته‪ ,‬وأكثر قومه الاحدون لنبوته‪ ,‬ل القرون‬ ‫با‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِينم كَفَرُوا وَل ه ْ‬ ‫َنم لِلّذ َ‬ ‫ِنم كُلّ أُ ّمةٍ َشهِيدا ثُمّ ل ُيؤْذ ُ‬ ‫َثم م ْ‬ ‫ْمم َنبْع ُ‬ ‫َوَيو َ‬ ‫ستَ ْعَتبُونَ (‪)84‬‬ ‫ُي ْ‬

‫‪886‬‬

‫واذكر لم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما يكون يوم القيامة‪ ,‬حي نبعث من كل أمة‬ ‫رسولا شاهدًا على إيان من آمن منها‪ ,‬وكُفْر مَن كَفَر‪ ,‬ث ل يُؤذن‬ ‫للذين كفروا بالعتذار عما وقع منهم‪ ,‬ول يُطْلب منهم إرضاءُ ربم‬ ‫بالتوبة والعمل الصال‪ ,‬فقد مضى أوان ذلك‪.‬‬ ‫وَِإذَا رَأَى الّذِينَم ظَلَمُوا الْعَذَابَم فَل ُيخَفّفُم َعْنهُم ْم وَل هُم ْميُنظَرُونَم (‬

‫‪)85‬‬

‫وإذا شاهد الذين كفروا عذاب ال ف الخرة فل يفف عنهم منه‬ ‫شيء‪ ,‬ول ُيمْهلون‪ ,‬ول يؤخر عذابم‪.‬‬ ‫وَِإذَا رَأَى الّذِي نَ أَ ْشرَكُوا شُرَكَاءَهُ ْم قَالُوا َرّبنَا َهؤُلء شُرَكَا ُؤنَا الّذِي نَ ُكنّا‬ ‫نَدْعُو مِ نْ دُونِ كَ فََألْ َقوْا ِإَلْيهِ مْ الْ َقوْلَ ِإنّكُ مْ لَكَا ِذبُو نَ (‪ )86‬وََألْ َقوْا ِإلَى‬ ‫اللّهِ َيوْ َمئِ ٍذ السّلَ َم َوضَلّ َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)87‬‬ ‫وإذا أبصر الشركون يوم القيامة آلتهم الت عبدوها مع ال‪ ,‬قالوا‪ :‬ربنا‬ ‫ت اللة بتكذيب‬ ‫هؤلء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم مِن دونك‪ ,‬فنطقَ ِ‬ ‫مَن عبدوها‪ ,‬وقالت‪ :‬إنكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬لَكاذبون‪ ,‬حي جعلتمونا‬ ‫شركاء ل وعبدتونا معه‪ ,‬فلم نأمركم بذلك‪ ,‬ول زعمنا أننا مستحقون‬ ‫‪887‬‬

‫لللوهية‪ ,‬فاللوم عليكم ‪ ،‬وأظهر الشركون الستسلم والضوع ل يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬وغاب عنهم ما كانوا يتلقونه من الكاذيب‪ ,‬وأن آلتهم تشفع‬ ‫لم‪.‬‬

‫ق العَذَا بِ بِمَا‬ ‫الّذِي نَ كَفَرُوا وَ صَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّ هِ زِ ْدنَاهُ ْم عَذَابا َفوْ َ‬ ‫كَانُوا يُ ْفسِدُونَ (‪)88‬‬ ‫الذين جحدوا وحدانية ال ونبوتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وكذّبوك‪ ,‬ومنعوا‬ ‫غيهم عن اليان بال ورسوله‪ ,‬زدناهم عذابا على كفرهم وعذابًا على‬ ‫صدّهم الناس عن اتباع الق; وهذا بسبب تعمّدهم الفساد وإضلل‬ ‫العباد بالكفر والعصية‪.‬‬ ‫سهِ ْم وَ ِجئْنَا ِب كَ َشهِيدا‬ ‫َوَيوْ مَ َنبْعَ ثُ فِي كُلّ أُ ّمةٍ َشهِيدا َعَلْيهِ ْم مِ نْ أَنفُ ِ‬ ‫م ِتْبيَانا لِكُلّ شَ ْيءٍ وَ ُهدًى َورَ ْح َمةً‬ ‫عَلَى َهؤُلء َونَ ّزلْنَما عََليْك مَ الْ ِكتَاب َ‬ ‫ي (‪)89‬‬ ‫َوُبشْرَى لِلْ ُمسْلِ ِم َ‬

‫‪888‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي نبعث يوم القيامة ف كل أمة من المم‬ ‫شهيدًا عليهم‪ ,‬هو الرسول الذي بعثه ال إليهم من أنفسهم وبلسانم‪,‬‬ ‫وجئنا بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شهيدًا على أمتك‪ ,‬وقد َن ّزلْنا عليك القرآن‬ ‫توضيحًا لكل أمر يتاج إل بيان‪ ,‬كأحكام اللل والرام‪ ,‬والثواب‬ ‫والعقاب‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬وليكون هداية من الضلل‪ ,‬ورحة لن صدّق‬ ‫وعمل به‪ ,‬وبشارة طيبة للمؤمني بسن مصيهم‪.‬‬ ‫إِنّ اللّ هَ يَأْ ُمرُ بِالْعَدْلِ وَالِحْ سَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى َوَينْهَى عَ نْ الْ َفحْشَاءِ‬

‫وَالْمُن َكرِ وَاْلبَغْيِ يَعِظُكُ ْم لَعَلّكُمْ َتذَكّرُونَ (‪)90‬‬

‫إن ال سبحانه وتعال يأمر عباده ف هذا القرآن بالعدل والنصاف ف‬ ‫حقه بتوحيده وعدم الشراك به‪ ,‬وف حق عباده بإعطاء كل ذي حق‬ ‫حقه‪ ,‬ويأمر بالحسان ف حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه‬ ‫الشروع‪ ,‬وإل اللق ف القوال والفعال‪ ,‬ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما‬ ‫به صلتهم وبرّهم‪ ,‬وينهى عن كل ما َقُبحَ قول أو عمل وعما ينكره‬ ‫الشرع ول يرضاه من الكفر والعاصي‪ ,‬وعن ظلم الناس والتعدي‬ ‫عليهم‪ ,‬وال ‪-‬بذا المر وهذا النهي‪ -‬يَعِظكم ويذكّركم العواقب; لكي‬ ‫تتذكروا أوامر ال وتنتفعوا با‪.‬‬ ‫‪889‬‬

‫َانم بَعْ َد َتوْكِيدِه َا وَقَدْ‬ ‫ُمم وَل تَنقُضُوا ا َليْم َ‬ ‫ّهم إِذَا عَاهَ ْدت ْ‬ ‫وََأوْفُوا بِ َعهْ ِد الل ِ‬

‫جَعَ ْلُتمْ الّلهَ عََليْ ُكمْ كَفِيلً ِإنّ الّلهَ يَعْلَ ُم مَا تَفْعَلُونَ (‪)91‬‬

‫والتزموا الوفاء بكل عهد أوجبتموه على أنفسكم بينكم وبي ال‬ ‫تعال‪ -‬أو بينكم وبي الناس فيما ل يالف كتاب ال وسنة نبيه‪ ,‬ول‬‫ترجعوا ف اليان بعد أن أكّدْتوها‪ ,‬وقد جعلتم ال عليكم كفيل‬ ‫وضامنًا حي عاهدتوه‪ .‬إن ال يعلم ما تفعلونه‪ ,‬وسيجزيكم عليه‪.‬‬ ‫ت غَ ْزلَهَا مِ نْ بَعْ ِد ُقوّةٍ أَنكَاثا َتّتخِذُو نَ َأْيمَانَكُ ْم‬ ‫ض ْ‬ ‫وَل تَكُونُوا كَالّتِي نَقَ َ‬ ‫َدخَلً َبْينَ ُك مْ أَ ْن تَكُو نَ أُ ّم ٌة هِ يَ َأ ْربَى مِ نْ أُ ّمةٍ ِإنّمَا َيبْلُوكُ ْم اللّ هُ بِ هِ َوَلُيَبّينَنّ‬

‫ختَلِفُونَ ( ‪)92‬‬ ‫لَكُمْ َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ مَا ُكْنتُ ْم فِيهِ َت ْ‬

‫ول ترجعوا ف عهودكم‪ ,‬فيكون َمثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْل‬ ‫وأحكمته‪ ,‬ث نقضته‪ ,‬تعلون أيانكم الت حلفتموها عند التعاهد خديعة‬ ‫لن عاهدتوه‪ ,‬وتنقضون عهدكم إذا وجدت جاعة أكثر مال ومنفعة من‬ ‫الذين عاهدتوهم‪ ,‬إنا يتبكم ال با أمركم به من الوفاء بالعهود وما‬ ‫ناكم عنه مِن نقضها‪ ,‬وليبيّن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تتلفون ف‬ ‫الدنيا من اليان بال ونبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪890‬‬

‫َنم‬ ‫َنم َيشَاءُ َوَيهْدِي م ْ‬ ‫ِنم يُضِلّ م ْ‬ ‫ُمم أُ ّمةً وَاحِدَ ًة َولَك ْ‬ ‫ّهم َلجَعَلَك ْ‬ ‫َوَلوْ شَاءَ الل ُ‬

‫َيشَاءُ َوَلُتسْأَلُنّ عَمّا كُنتُمْ تَ ْعمَلُونَ (‪)93‬‬

‫ولو شاء ال لوفّقكم كلكم‪ ,‬فجعلكم على ملة واحدة‪ ,‬وهي السلم‬ ‫واليان‪ ,‬وألزمكم به‪ ,‬ولكنه سبحانه يُض ّل مَن يشاء من علم منه إيثار‬ ‫الضلل‪ ,‬فل يهديه عدل منه‪ ,‬ويهدي مَن يشاء مِمّن علم منه إيثار‬ ‫الق‪ ,‬فيوفقه فضل منه‪ ,‬وليسألنّكم ال جيعًا يوم القيامة عما كنتم‬ ‫تعملون ف الدنيا فيما أمركم به‪ ,‬وناكم عنه‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬ ‫ل َبْينَكُ ْم َفتَزِ ّل قَدَ ٌم بَعْ َد ُثبُوتِهَا َوتَذُوقُوا ال سّوءَ‬ ‫وَل َتّتخِذُوا َأْيمَانَكُ مْ دَخَ ً‬

‫بِمَا صَ َد ْدتُمْ عَنْ َسبِيلِ الّلهِ َولَكُمْ َعذَابٌ عَظِيمٌ (‪)94‬‬

‫ول تعلوا من اليان الت تلفونا خديعة لن حلفتم لم‪ ,‬فتهلكوا بعد‬ ‫أن كنتم آمني‪ ,‬كمن زلقت قدمه بعد ثبوتا‪ ,‬وتذوقوا ما يسوؤكم من‬ ‫العذاب ف الدنيا; با تسببتم فيه مِن َمنْع غيكم عن هذا الدين لا رأوه‬ ‫منكم من الغدر‪ ,‬ولكم ف الخرة عذاب عظيم‪.‬‬ ‫شتَرُوا بِ َعهْ ِد اللّ هِ ثَمَنا قَلِيلً ِإنّمَا ِعنْ َد اللّ هِ ُهوَ َخيْ ٌر لَكُ مْ إِ نْ كُنتُ مْ‬ ‫وَل َت ْ‬ ‫‪891‬‬

‫تَعْلَمُونَ (‪)95‬‬ ‫ول تنقضوا عهد ال; لتستبدلوا مكانه عرضًا قليل من متاع الدنيا‪ ,‬إن ما‬ ‫عند ال من الثواب على الوفاء أفضل لكم من هذا الثمن القليل‪ ,‬إن‬ ‫كنتم من أهل العلم‪ ,‬فتدبّروا الفرق بي خْيرَي الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫صَبرُوا أَ ْجرَهُ ْم بِأَحْسَنِ‬ ‫مَا ِعْندَكُمْ يَن َفدُ وَمَا ِعنْ َد اللّهِ بَاقٍ َوَلنَجْ ِزيَنّ الّذِينَ َ‬ ‫مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)96‬‬ ‫ما عندكم من حطام الدنيا يذهب‪ ,‬وما عند ال لكم من الرزق والثواب‬ ‫ل يزول‪ .‬ولُنثِيبّ الذين تمّلوا مشاق التكاليف ‪-‬ومنها الوفاء بالعهد‪-‬‬ ‫ثوابم بأحسن أعمالم‪ ,‬فنعطيهم على أدناها‪ ,‬كما نعطيهم على أعلها‬ ‫تفضّل‪.‬‬ ‫ّهم َحيَاةً َطّيَبةً‬ ‫حِيَين ُ‬ ‫ِنم فََلُن ْ‬ ‫ِنم ذَ َكرٍ َأوْ أُنث َى وَ ُهوَ ُمؤْم ٌ‬ ‫َنم عَمِلَ صمَالِحا م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َولََنجْ ِزَيّنهُمْ أَجْرَ ُهمْ بَِأ ْحسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪)97‬‬

‫‪892‬‬

‫مَن عمل عمل صالًا ذكرًا كان أم أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بال ورسوله‪,‬‬ ‫فلنحيينه ف الدنيا حياة سعيدة مطمئنة‪ ,‬ولو كان قليل الال‪ ,‬ولنجزينّهم‬ ‫ف الخرة ثوابم بأحسن ما عملوا ف الدنيا‪.‬‬ ‫شيْطَانِ الرّجِيمِ (‪)98‬‬ ‫ت الْقُرْآ َن فَا ْستَعِ ْذ بِالّلهِ مِ ْن ال ّ‬ ‫َفإِذَا قَ َرأْ َ‬ ‫فإذا أردت ‪-‬أيها الؤمن‪ -‬أن تقرأ شيئًا من القرآن فاستعذ بال مِن شرّ‬ ‫الشيطان الطرود من رحة ال قائل أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪.‬‬ ‫ِإنّ هُ َليْ سَ لَ هُ سُلْطَانٌ عَلَى الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُو نَ ( ‪ِ )99‬إنّمَا‬ ‫سُلْطَاُنهُ عَلَى الّذِينَ َيَتوَّل ْوَنهُ وَالّذِينَ ُهمْ ِبهِ ُمشْرِكُونَ (‪)100‬‬ ‫إن الشيطان ليس له تسلّطٌ على الؤمني بال ورسوله‪ ,‬وعلى ربم وحده‬ ‫يعتمدون‪ .‬إنا تسلّطه على الذين جعلوه مُعينًا لم وأطاعوه‪ ,‬والذين هم‬ ‫بسبب طاعته‪ -‬مشركون بال تعال‪.‬‬‫وَِإذَا بَ ّدلْنَا آَيةً مَكَا نَ آَيةٍ وَاللّ هُ أَعَْل مُ بِمَا ُينَزّلُ قَالُوا ِإنّمَا َأنْ تَ مُ ْفتَرٍ بَلْ‬ ‫أَ ْكثَرُ ُهمْ ل يَ ْعلَمُونَ ( ‪)101‬‬ ‫‪893‬‬

‫وإذا بدّلنا آية بآية أخرى‪ ,‬وال الالق أعلم بصلحة خَلْقه با ينله من‬ ‫الحكام ف الوقات الختلفة‪ ,‬قال الكفار‪ :‬إنا أنت ‪-‬يا ممد‪ -‬كاذب‬ ‫متَلِق على ال ما ل يَقُلْه‪ .‬وممد صلى ال عليه وسلم ليس كما‬ ‫يزعمون‪ .‬بل أكثرهم ل عِلْم لم بربم ول بشرعه وأحكامه‪.‬‬ ‫ك بِالْحَقّ ِليَُثبّتَ الّذِينَ آ َمنُوا وَهُدًى َوُبشْرَى‬ ‫قُ ْل نَ ّزلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ َربّ َ‬

‫لِلْ ُمسْلِ ِميَ ( ‪)102‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ليس القرآن متلَقًا مِن عندي‪ ,‬بل َنزّله جبيل‬ ‫مِن ربك بالصدق والعدل; تثبيتًا للمؤمني‪ ,‬وهداية من الضلل‪ ,‬وبشارة‬ ‫طيبة لن أسلموا وخضعوا ل رب العالي‪.‬‬ ‫ْهم‬ ‫ُونمِإَلي ِ‬ ‫ُهم َبشَ ٌر لِسمَانُ الّذِي يُ ْلحِد َ‬ ‫ُونمِإنّمَا يُعَلّم ُ‬ ‫ُمم يَقُول َ‬ ‫َممَأّنه ْ‬ ‫َولَقَدْ نَ ْعل ُ‬ ‫أَ ْعجَمِ ّي وَهَذَا ِلسَانٌ عَ َربِ ّي ُمِبيٌ ( ‪)103‬‬ ‫ولقد نعلم أن الشركي يقولون‪ :‬إن النب يتلقى القرآن مِن بشر مِن بن‬ ‫آدم‪ .‬كذبوا; فإن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النب صلى ال عليه وسلم‬ ‫أعجمي ل يُفصح‪ ,‬والقرآن عرب غاية ف الوضوح والبيان‪.‬‬ ‫‪894‬‬

‫ت اللّ هِ ل َيهْدِيهِ ْم اللّ هُ َوَلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ (‬ ‫إِنّ الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِآيَا ِ‬

‫‪)104‬‬

‫إن الكفار الذين ل يصدقون بالقرآن ل يوفقهم ال لصابة الق‪ ,‬ولم‬ ‫ف الخرة عذاب مؤل موجع‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْكَا ِذبُونَ (‬ ‫ت اللّهِ وَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ب الّذِينَ ل ُيؤْ ِمنُونَ بِآيَا ِ‬ ‫ِإنّمَا يَ ْفَترِي الْكَ ِذ َ‬ ‫‪)105‬‬ ‫ب مَن ل يؤمن بال وآياته‪ ,‬وأولئك هم الكاذبون ف‬ ‫إنا يتلق الكذ َ‬ ‫قولم ذلك‪ .‬أما ممد صلى ال عليه وسلم الؤمن بربه الاضع له فمحال‬ ‫أن يكذب على ال‪ ,‬ويقول عليه ما ل يقله‪.‬‬ ‫مَ نْ كَفَ َر بِاللّ هِ مِ نْ بَعْدِ إِيَانِ هِ إِ ّل مَ نْ أُكْرِ هَ وَقَ ْلبُ هُ مُطْ َمئِنّ بِالِيَا نِ َولَكِ ْن‬ ‫مَ نْ شَرَ حَ بِالْكُفْرِ صَدْرا فَعََلْيهِ ْم غَضَ بٌ مِ نْ اللّ هِ َوَلهُ ْم عَذَا بٌ عَظِي مٌ (‬ ‫حيَاةَ ال ّدنْيَا عَلَى الخِرَ ِة وَأَنّ اللّ هَ ل‬ ‫حبّوا اْل َ‬ ‫‪َ )106‬ذلِ كَ بَِأّنهُ ْم ا ْسَت َ‬ ‫َيهْدِي الْ َقوْمَ الْكَافِرِينَ (‪)107‬‬ ‫‪895‬‬

‫إنا يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدّ بعد إيانه‪ ,‬فعليهم‬ ‫غضب من ال‪ ,‬إل مَن أُرغم على النطق بالكفر‪ ,‬فنطق به خوفًا من‬ ‫اللك وقلبه ثابت على اليان‪ ,‬فل لوم عليه‪ ,‬لكن من نطق بالكفر‬ ‫واطمأن قلبه إليه‪ ,‬فعليهم غضب شديد من ال‪ ,‬ولم عذاب عظيم;‬ ‫وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها‪ ,‬وتفضيلهم إياها على الخرة‬ ‫وثوابا‪ ,‬وأن ال ل يهدي الكافرين‪ ,‬ول يوفقهم للحق والصواب‪.‬‬ ‫ك هُ مْ‬ ‫ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ َطبَ عَ اللّ هُ عَلَى قُلُوِبهِ ْم وَ َسمْ ِعهِمْ وََأبْ صَارِهِمْ وَُأ ْوَلئِ َ‬

‫الْغَافِلُونَ (‪)108‬‬

‫أولئك هم الذين ختم ال على قلوبم بالكفر وإيثار الدنيا على الخرة‪,‬‬ ‫فل يصل إليها نور الداية‪ ,‬وأصم سعهم عن آيات ال فل يسمعونا‬ ‫ساع تدبّر‪ ,‬وأعمى أبصارهم‪ ,‬فل يرون الباهي الدالة على ألوهية ال‪,‬‬ ‫وأولئك هم الغافلون عمّا أع ّد ال لم من العذاب‪.‬‬ ‫ل جَ َرمَ َأّنهُ ْم فِي الخِرَ ِة هُ ْم اْلخَاسِرُونَ (‪)109‬‬ ‫حقًا إنم ف الخرة هم الاسرون الالكون‪ ,‬الذين صرفوا حياتم إل ما‬ ‫فيه عذابم وهلكهم‪.‬‬ ‫‪896‬‬

‫صبَرُوا ِإنّ َربّكَ‬ ‫ثُمّ ِإنّ َربّكَ لِلّذِينَ هَا َجرُوا مِ ْن بَعْدِ مَا ُفِتنُوا ُثمّ جَاهَدُوا َو َ‬

‫مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)110‬‬

‫ث إن ربك للمستضعفي ف "مكة" الذين عذّبم الشركون‪ ,‬حت‬ ‫وافقوهم على ما هم عليه ظاهرًا‪ ,‬ففتنوهم بالتلفظ با يرضيهم‪ ,‬وقلوبم‬ ‫مطمئنة باليان‪ ,‬ولّا أمكنهم اللص هاجروا إل "الدينة"‪ ,‬ث جاهدوا‬ ‫ف سبيل ال‪ ,‬وصبوا على مشاق التكاليف‪ ,‬إن ربك ‪-‬من بعد توبتهم‪-‬‬ ‫لَغفور لم‪ ,‬رحيم بم ‪.‬‬ ‫ت وَهُ مْ‬ ‫سهَا َوُتوَفّى كُلّ نَفْسٍ مَا َعمِلَ ْ‬ ‫س ُتجَادِلُ عَ ْن نَفْ ِ‬ ‫َيوْ مَ تَ ْأتِي كُلّ نَفْ ٍ‬

‫ل يُظْلَمُونَ (‪)111‬‬

‫وذكرهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بيوم القيامة حي تأت كل نفس تاصم عن‬ ‫ذاتا‪ ,‬وتعتذر بكل العاذير‪ ,‬ويوف ال كل نفس جزاء ما عَمَِلتْه من غي‬ ‫ظلم لا‪ ,‬فل يزيدهم ف العقاب‪ ,‬ول ينقصهم من الثواب‪.‬‬ ‫ل قَ ْرَيةً كَانَ تْ آ ِمَنةً مُطْ َمِئّنةً يَ ْأتِيهَا ِرزْقُهَا رَغَدا مِ ْن كُ ّل‬ ‫ب اللّ هُ َمثَ ً‬ ‫َوضَ َر َ‬ ‫ف بِمَا كَانُوا‬ ‫مَكَا نٍ فَكَ َفرَ تْ بَِأنْ ُع مِ اللّ هِ فََأذَاَقهَا اللّ هُ ِلبَا سَ الْجُو عِ وَاْلخَوْ ِ‬ ‫‪897‬‬

‫صنَعُونَ (‪)112‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫وضرب ال مثل بلدة "مكة" كانت ف أمان من العتداء‪ ,‬واطمئنان مِن‬ ‫ضيق العيش‪ ,‬يأتيها رزقها هنيئًا سهل من كل جهة‪ ,‬فجحد أهلُها نِعَمَ‬ ‫ال عليهم‪ ,‬وأشركوا به‪ ,‬ول يشكروا له‪ ,‬فعاقبهم ال بالوع‪ ,‬والوف‬ ‫من سرايا رسول ال صلى ال عليه وسلم وجيوشه‪ ,‬الت كانت تيفهم;‬ ‫وذلك بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل‪.‬‬ ‫َولَقَدْ جَاءَهُ ْم رَ سُولٌ ِمْنهُ مْ فَكَ ّذبُو هُ فََأخَذَهُ مْ الْعَذَا بُ وَهُ مْ ظَالِمُو نَ (‬

‫‪)113‬‬

‫ولقد أرسل ال إل أهل "مكة" رسول منهم‪ ,‬هو النب ممد صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬يعرفون نسبه وصدقه وأمانته‪ ,‬فلم يقبلوا ما جاءهم به‪ ,‬ول‬ ‫يصدقوه‪ ,‬فأخذهم العذاب من الشدائد والوع والوف‪ ,‬وَقتْل‬ ‫عظمائهم ف "بدر" وهم ظالون لنفسهم بالشرك بال‪ ,‬والصدّ عن‬ ‫سبيله‪.‬‬ ‫َفكُلُوا مِمّ ا َرزَقَكُ ْم اللّ هُ حَللً َطيّبا وَا ْشكُرُوا نِعْ َمةَ اللّ هِ إِ ْن ُكْنتُ مْ ِإيّا هُ‬ ‫تَ ْعبُدُونَ (‪)114‬‬ ‫‪898‬‬

‫فكلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ما رزقكم ال‪ ,‬وجعله لكم حلل مستطابًا‪,‬‬ ‫واشكروا نعمة ال عليكم بالعتراف با وصَرْفها ف طاعة ال‪ ,‬إن كنتم‬ ‫حقّا منقادين لمره سامعي مطيعي له‪ ،‬تعبدونه وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫خنْزِي ِر وَمَا أُهِلّ لِ َغيْ ِر اللّ هِ بِ هِ فَمَ نْ‬ ‫ِإنّمَا َحرّ مَ َعَليْكُ مْ الْ َمْيَتةَ وَالدّ مَ َوَلحْ مَ الْ ِ‬ ‫اضْطُرّ َغيْ َر بَاغٍ وَل عَا ٍد َفِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)115‬‬ ‫إنا حرّم ال عليكم اليتة من اليوان‪ ,‬والدم السفوح من الذبيح عند‬ ‫ذبه‪ ,‬ولم النير‪ ,‬وما ذبح لغي ال‪ ,‬لكن مَن ألأته ضرورة الوف‬ ‫من الوت إل أَكْلِ شيء مِن هذه الحرمات وهو غي ظال‪ ,‬ول متجاوزٍ‬ ‫حدّ الضرورة‪ ,‬فإن ال غفور له‪ ,‬رحيم به‪ ,‬ل يعاقبه على ما فعل‪.‬‬ ‫سَنتُكُ ْم الْكَذِ بَ هَذَا حَل ٌل وَهَذَا حَرَا ٌم ِلتَ ْفتَرُوا‬ ‫وَل تَقُولُوا لِمَا تَ صِفُ َألْ ِ‬ ‫ُونم (‬ ‫ِبم ل يُفِْلح َ‬ ‫ّهم الْكَذ َ‬ ‫ُونم َعلَى الل ِ‬ ‫ِينم يَ ْفَتر َ‬ ‫ِبمإِنّ الّذ َ‬ ‫ّهم الْكَذ َ‬ ‫عَلَى الل ِ‬ ‫‪)116‬‬ ‫ول تقولوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬للكذب الذي تصفه ألسنتكم‪ :‬هذا حلل‬ ‫لِما حرّمه ال‪ ,‬وهذا حرام لِما أحَلّه ال; لتختلقوا على ال الكذب بنسبة‬ ‫‪899‬‬

‫التحليل والتحري إليه‪ ,‬إن الذين يتلقون على ال الكذب ل يفوزون بي‬ ‫ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬ ‫ع قَلِيلٌ َوَلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)117‬‬ ‫َمتَا ٌ‬ ‫متاعهم ف الدنيا متاع زائل ضئيل‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب موجع‪.‬‬ ‫ك مِ ْن َقبْلُ وَمَا ظَلَ ْمنَاهُ ْم َولَكِنْ‬ ‫صنَا عََلْي َ‬ ‫وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَرّ ْمنَا مَا قَصَ ْ‬ ‫كَانُوا أَن ُفسَهُ ْم يَظْلِمُونَ (‪)118‬‬ ‫وعلى اليهود َحرّمنا ما أخبناك به ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مِن قبل‪ ,‬وهو كل‬ ‫ذي ظُفُر‪ ,‬وشحوم البقر والغنم‪ ,‬إل ما حَمََلتْه ظهورها أو أمعاؤها أو‬ ‫كان متلطًا بعظم‪ ,‬وما ظلمناهم بتحري ذلك عليهم‪ ,‬ولكن كانوا ظالي‬ ‫لنفسهم بالكفر والبغي‪ ,‬فاستحقوا التحري عقوبة لم‪.‬‬ ‫ك وَأَصَْلحُوا‬ ‫ك لِلّذِينَ َعمِلُوا السّوءَ ِبجَهَالَةٍ ُثمّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ َذلِ َ‬ ‫ثُمّ ِإنّ َربّ َ‬ ‫ك مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ( ‪)119‬‬ ‫ِإنّ َربّ َ‬

‫‪900‬‬

‫ث إن ربك للذين فعلوا العاصي ف حال جهلهم لعاقبتها وإيابا لسخط‬ ‫ال ‪-‬فكل عاص ل مطئًا أو متعمدًا فهو جاهل بذا العتبار وإن كان‬ ‫عالًا بالتحري‪ ،-‬ث رجعوا إل ال عمّا كانوا عليه من الذنوب‪,‬‬ ‫وأصلحوا نفوسهم وأعمالم‪ ,‬إن ربك ‪-‬مِن بعد توبتهم وإصلحهم‪-‬‬ ‫لَغفور لم‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ِإنّ ِإبْرَاهِي َم كَا نَ أُ ّمةً قَانِتا لِلّ هِ َحنِيفا َولَ مْ َيكُ نْ مِ نَ الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)120‬‬ ‫ستَقِي ٍم (‪ )121‬وَآَتْينَا هُ فِي‬ ‫صرَاطٍ مُ ْ‬ ‫شَاكِرا َلنْعُمِ هِ ا ْجَتبَا هُ وَ َهدَا هُ ِإلَى ِ‬

‫سَنةً وَِإّنهُ فِي الخِرَ ِة لَمِنْ الصّاِلحِيَ (‪)122‬‬ ‫ال ّدْنيَا َح َ‬

‫إن إبراهيم كان إمامًا ف الي‪ ,‬وكان طائعا خاضعًا ل‪ ,‬ل ييل عن دين‬ ‫السلم موحّدًا ل غي مشرك به‪ ,‬وكان شاكرًا لنعم ال عليه‪ ,‬اختاره‬ ‫ال لرسالته‪ ,‬وأرشده إل الطريق الستقيم‪ ,‬وهو السلم‪ ,‬وآتيناه ف الدنيا‬ ‫نعمة حسنة من الثناء عليه ف الخِرين والقدوة به‪ ,‬والولد الصال‪ ,‬وإنه‬ ‫عند ال ف الخرة لن الصالي أصحاب النازل العالية‪.‬‬ ‫ثُمّ َأ ْو َحْينَا ِإَليْ كَ أَ نْ اّتبِ عْ مِّلةَ ِإبْرَاهِي مَ َحنِيفا وَمَا كَا نَ مِ ْن الْ ُمشْرِكِيَ (‬

‫‪)123‬‬

‫‪901‬‬

‫ث أوحينا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن اتبع دين السلم كما اتبعه إبراهيم‪,‬‬ ‫وأن استقم عليه‪ ,‬ول َتحِدْ عنه‪ ,‬فإن إبراهيم ل يكن من الشركي مع ال‬ ‫غيه‪.‬‬ ‫ك َلَيحْكُ ُم َبْيَنهُ مْ َيوْ مَ‬ ‫ت عَلَى الّذِي نَ ا ْختَلَفُوا فِي هِ وَِإنّ َربّ َ‬ ‫سبْ ُ‬ ‫ِإنّمَا جُعِلَ ال ّ‬ ‫الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِي ِه َيخْتَلِفُونَ (‪)124‬‬ ‫إنا جعل ال تعظيم يوم السبت بالتفرغ للعبادة فيه على اليهود الذين‬ ‫اختلفوا فيه على نبيهم‪ ,‬واختاروه بدل يوم المعة الذي أُمِروا بتعظيمه‪.‬‬ ‫فإن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لَيحكم بي الختلفي يوم القيامة فيما اختلفوا‬ ‫فيه على نبيهم‪ ,‬ويازي كل با يستحقه‪.‬‬ ‫سَنةِ وَجَا ِدْلهُ مْ بِالّتِي هِ َي‬ ‫ك بِاْلحِكْ َمةِ وَالْ َموْعِظَةِ اْلحَ َ‬ ‫ا ْد عُ ِإلَى َسبِيلِ َربّ َ‬ ‫َأحْ سَنُ إِنّ َربّ كَ ُهوَ أَعَْل مُ بِمَ ْن ضَلّ عَ نْ َسبِيِلهِ وَ ُهوَ أَعَْل مُ بِالْ ُم ْهتَدِي نَ (‬ ‫‪)125‬‬ ‫ع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنت ومَنِ اتبعك إل دين ربك وطريقه الستقيم‪,‬‬ ‫اد ُ‬ ‫بالطريقة الكيمة الت أوحاها ال إليك ف الكتاب والسنة‪ ,‬وخاطِب‬ ‫الناس بالسلوب الناسب لم‪ ,‬وانصح لم نصحًا حسنًا‪ ,‬يرغبهم ف‬ ‫‪902‬‬

‫الي‪ ,‬وينفرهم من الشر‪ ,‬وجادلم بأحسن طرق الجادلة من الرفق‬ ‫واللي‪ .‬فما عليك إل البلغ‪ ,‬وقد بلّغْتَ‪ ,‬أما هدايتهم فعلى ال وحده‪,‬‬ ‫فهو أعلم بن ضلّ عن سبيله‪ ,‬وهو أعلم بالهتدين‪.‬‬ ‫صبَ ْرُتمْ َل ُهوَ َخْيرٌ لِلصّابِرِينَ (‬ ‫وَإِنْ عَاَقْبتُ ْم فَعَاِقبُوا بِ ِمثْ ِل مَا عُوِقْبتُ ْم بِهِ َولَئِنْ َ‬ ‫‪)126‬‬ ‫وإن أردت ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬القصاص من اعتدوا عليكم‪ ,‬فل تزيدوا عما‬ ‫فعلوه بكم‪ ,‬ولئن صبت لو خي لكم ف الدنيا بالنصر‪ ,‬وف الخرة‬ ‫بالجر العظيم‪.‬‬ ‫ضيْ قٍ ِممّ ا‬ ‫صْبرُكَ إِلّ بِاللّ هِ وَل َتحْزَ نْ عََلْيهِ مْ وَل َت كُ فِي َ‬ ‫صبِرْ وَمَا َ‬ ‫وَا ْ‬ ‫يَمْكُرُونَ (‪)127‬‬ ‫واصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما أصابك مِن أذى ف ال حت يأتيك‬ ‫الفرج‪ ,‬وما صبك إل بال‪ ,‬فهو الذي يعينك عليه ويثبتك‪ ,‬ول تزن‬ ‫على مَن خالفك ول يستجب لدعوتك‪ ,‬ول تغتم مِن مكرهم وكيدهم;‬ ‫فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال‪.‬‬ ‫‪903‬‬

‫سنُونَ (‪)128‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ َمعَ الّذِينَ اتّ َقوْا وَالّذِينَ هُمْ ُمحْ ِ‬ ‫إن ال سبحانه وتعال مع الذ ين اتقوه بامتثال ما أ مر واجتناب ما ن ى‬ ‫بالن صر والتأي يد‪ ,‬و مع الذ ين ي سنون أداء فرائ ضه والقيام بقو قه ولزوم‬ ‫طاعته‪ ,‬بعونه وتوفيقه ونصره‪.‬‬

‫‪904‬‬

‫الزء الامس عشر ‪:‬‬ ‫‪ -17‬سورة السراء‬ ‫َسمجِدِ‬ ‫َامم ِإلَى الْم ْ‬ ‫َسمجِدِ الْحَر ِ‬ ‫ِنم الْم ْ‬ ‫ِهم َليْلً م ْ‬ ‫َسمرَى بِ َعبْد ِ‬ ‫سمْبحَانَ الّذِي أ ْ‬ ‫ُ‬

‫الَقْصَى الّذِي بَارَ ْكنَا َحوَْلهُ ِلنُ ِرَيهُ مِ ْن آيَاِتنَا ِإنّه ُهوَ السّمِيعُ اْلبَصِيُ (‪)1‬‬

‫يجّد ال نفسه ويعظم شأنه‪ ،‬لقدرته على ما ل يقدر عليه أحد سواه‪ ،‬ل‬ ‫إله غيه‪ ،‬ول رب سواه‪ ،‬فهو الذي أسرى بعبده ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم زمنًا من الليل بسده وروحه‪ ،‬يقظة ل منامًا‪ ،‬من السجد الرام‬ ‫بم "مكة" إل السجد القصى بم "بيت القدس" الذي بارك ال حوله‬ ‫ف الزروع والثمار وغي ذلك‪ ،‬وجعله مل لكثي من النبياء؛ ليشاهد‬ ‫عجائب قدرة ال وأدلة وحدانيته‪ .‬إن ال سبحانه وتعال هو السميع‬ ‫لميع الصوات‪ ،‬البصي بكل ُمبْصَر‪ ،‬فيعطي كُل ما يستحقه ف الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫وَآَتْينَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ وَجَعَ ْلنَا ُه هُدًى ِلَبنِي ِإ سْرَائِيلَ أَ ّل َتتّخِذُوا مِ نْ دُونِي‬ ‫‪905‬‬

‫وَكِيلً (‪)2‬‬ ‫وكما كرّم ال ممدًا صلى ال عليه وسلم بالسراء‪َ ،‬كرّم موسى عليه‬ ‫السلم بإعطائه التوراة‪ ،‬وجعلها بيانًا للحق وإرشادًا لبن إسرائيل‪،‬‬ ‫متضمنة نيهم عن اتاذ غي ال تعال وليًا أو معبودًا يفوضون إليه‬ ‫أمورهم‪.‬‬ ‫ُذ ّريّةَ مَنْ َحمَ ْلنَا مَ َع نُوحٍ ِإّنهُ كَانَ َعبْدا شَكُورا (‪)3‬‬ ‫يا سللة الذين أنيناهم وحَ َملْناهم مع نوح ف السفينة ل تشركوا بال‬ ‫ف عبادته‪ ،‬وكونوا شاكرين لنعمه‪ ،‬مقتدين بنوح عليه السلم؛ إنه كان‬ ‫عبدًا شكورًا ل بقلبه ولسانه وجوارحه‪.‬‬ ‫ب َلتُفْ سِ ُدنّ فِي ا َلرْ ضِ مَ ّرَتيْ نِ َوَلتَعْلُنّ‬ ‫ضْينَا ِإلَى َبنِي إ سْرائِيلَ فِي الْ ِكتَا ِ‬ ‫وَقَ َ‬ ‫عُُلوّا َكبِيا (‪)4‬‬ ‫وأخبنا بن إسرائيل ف التوراة الت أُنزلت عليهم بأنه ل بد أن يقع منهم‬ ‫إفساد مرتي ف "بيت القدس" وما واله بالظلم‪ ،‬وَقتْل النبياء والتكب‬ ‫والطغيان والعدوان‪.‬‬ ‫‪906‬‬

‫َفإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولهُمَا بَ َعْثنَا عََليْ ُك ْم ِعبَادا َلنَا أُولِي بَأْ سٍ َشدِيدٍ َفجَا سُوا‬

‫خِللَ ال ّديَارِ وَكَانَ وَعْدا مَفْعُولً (‪)5‬‬

‫فإذا وقع منهم الفساد الول سَلّطْنا عليهم عبادًا لنا ذوي شجاعة وقوة‬ ‫شديدة‪ ،‬يغلبونم ويقتلونم ويشردونم‪ ،‬فطافوا بي ديارهم مفسدين‪،‬‬ ‫وكان ذلك وعدًا ل بدّ مِن وقوعه؛ لوجود سببه منهم‪.‬‬ ‫ثُمّ رَ َددْنَا لَكُ مْ الْكَرّ َة عََلْيهِ ْم وَأَمْ َد ْدنَاكُ ْم بِأَ ْموَالٍ َوَبنِيَ وَجَعَ ْلنَاكُ مْ أَ ْكَثرَ‬ ‫نَفِيا (‪)6‬‬ ‫ث رَدَدْنا لكم ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬الغلبة والظهور على أعدائكم الذين‬ ‫سُلّطوا عليكم‪ ،‬وأكثرنا أرزاقكم وأولدكم‪ ،‬وَقوّيناكم وجعلناكم أكثر‬ ‫عددًا من عدوكم؛ وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم ل‪.‬‬ ‫إِ نْ َأحْ سَنتُمْ أَحْ سَنتُمْ لَنفُ سِ ُكمْ وَإِ نْ أَ سَ ْأتُ ْم فَلَهَا َفإِذَا جَاءَ وَعْدُ الخِرَ ِة‬ ‫سجِدَ كَمَا َدخَلُو هُ َأوّلَ مَرّ ٍة َوِلُيتَبّرُوا مَا‬ ‫ِليَ سُوءُوا وُجُوهَكُ مْ َوِليَدْ ُخلُوا الْمَ ْ‬ ‫عََلوْا َتْتبِيا (‪)7‬‬ ‫‪907‬‬

‫إن أحسنتم أفعالكم وأقوالكم فقد أحسنتم لنفسكم؛ لن ثواب ذلك‬ ‫عائد إليكم‪ ،‬وإن أسأت فعقاب ذلك عائد عليكم‪ ،‬فإذا حان موعد‬ ‫الفساد الثان سَلّطْنا عليكم أعداءكم مرة أخرى؛ ليذلوكم ويغلبوكم‪،‬‬ ‫فتظهر آثار الهانة والذلة على وجوهكم‪ ،‬وليدخلوا عليكم "بيت‬ ‫القدس" فيخرّبوه‪ ،‬كما خرّبوه أول مرة‪ ،‬وليدمروا كل ما وقع تت‬ ‫أيديهم تدميًا كامل‪.‬‬ ‫عَ سَى َربّكُ مْ أَ ْن يَرْ َحمَكُ ْم وَإِ نْ عُ ْدتُ ْم عُدْنَا َوجَعَلْنَا َج َهنّ َم لِلْكَافِرِي نَ‬

‫حَصِيا (‪)8‬‬

‫عسى ربكم ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬أن يرحكم بعد انتقامه إن تبتم‬ ‫وأصلحتم‪ ،‬وإن عدت إل الفساد والظلم عُدْنا إل عقابكم ومذلّتكم‪.‬‬ ‫وجعلنا جهنم لكم وللكافرين عامة سجنًا ل خروج منه أبدا‪ .‬وف هذه‬ ‫الية وما قبلها‪ ،‬تذير لذه المة من العمل بالعاصي؛ لئل يصيبها مثل ما‬ ‫أصاب بن إسرائيل‪ ،‬فسنن ال واحدة ل تبدل ول تغي‪.‬‬ ‫إِنّ هَذَا الْقُرْآ نَ َيهْدِي لِلّتِي ِه يَ َأ ْقوَ مُ َوُيَبشّرُ الْ ُمؤْ ِمنِيَ الّذِي َن يَعْمَلُو نَ‬

‫ال صّاِلحَاتِ أَنّ َلهُ مْ أَجْرا َكبِيا (‪َ )9‬وأَنّ الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِالخِرَةِ‬ ‫‪908‬‬

‫أَ ْعتَ ْدنَا َلهُ ْم عَذَابا َألِيما ( ‪)10‬‬ ‫إن هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا ممد يرشد الناس إل أحسن‬ ‫الطرق‪ ،‬وهي ملة السلم‪ ،‬ويبشر الؤمني الذين يعملون با أمرهم ال‬ ‫به‪ ،‬وينتهون عمّا ناهم عنه‪ ،‬بأن لم ثوابًا عظيمًا‪ ،‬وأن الذين ل يصدقون‬ ‫بالدار الخرة وما فيها من الزاء أعددنا لم عذابًا موجعًا ف النار‪.‬‬ ‫خيْرِ وَكَانَ الِنسَانُ َعجُولً (‪)11‬‬ ‫َويَ ْدعُ الِنسَانُ بِالشّرّ دُعَاءَهُ بِالْ َ‬ ‫ويدعو النسان أحيانًا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر‪ ،‬وذلك عند‬ ‫الغضب‪ ،‬مثل ما يدعو بالي‪ ،‬وهذا من جهل النسان وعجلته‪ ،‬ومن‬ ‫رحة ال به أنه يستجيب له ف دعائه بالي دون الشر؛ لنه يعلم منه‬ ‫عدم القصد إل إرادة ذلك‪ ،‬وكان النسان بطبعه عجول‪.‬‬ ‫حوْنَا آَي َة الّليْلِ َوجَعَلْنَا آَيةَ الّنهَارِ ُمبْ صِرَ ًة‬ ‫وَ َجعَلْنَا الّليْلَ وَالّنهَارَ آَيَتيْ نِ فَ َم َ‬ ‫السمنِيَ وَالْحِسمَابَ وَكُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫ُمم َوِلتَعْلَمُوا عَ َددَ ّ‬ ‫ِنم َربّك ْ‬ ‫ضلً م ْ‬ ‫ِلَتْبتَغُوا فَ ْ‬ ‫ل (‪)12‬‬ ‫فَصّ ْلنَاهُ تَفْصِي ً‬

‫‪909‬‬

‫حوْنا‬ ‫وجعلنا الليل والنهار علمتي دالّتي على وحدانيتنا وقدرتنا‪ ،‬ف َم َ‬ ‫علمة الليل ‪-‬وهي القمر‪ -‬وجعلنا علمة النهار ‪-‬وهي الشمس‪-‬‬ ‫مضيئة؛ ليبصر النسان ف ضوء النهار كيف يتصرف ف شؤون معاشه‪،‬‬ ‫ويلد ف الليل إل السكن والراحة‪ ،‬وليعلم الناس ‪-‬من تعاقب الليل‬ ‫والنهار‪ -‬عدد السني وحساب الشهر واليام‪ ،‬فيتبون عليها ما‬ ‫يشاؤون من مصالهم‪ .‬وكل شيء بيّناه تبيينًا كافيًا‪.‬‬ ‫وَكُلّ إِن سَانٍ َألْزَ ْمنَا هُ طَائِرَ ُه فِي ُعنُقِ هِ َوُنخْرِ جُ لَ هُ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ ِكتَابا َيلْقَا هُ‬

‫مَنشُورا (‪)13‬‬

‫وكل إنسان يعل ال ما عمله مِن خي أو شر ملزمًا له‪ ،‬فل ياسَب‬ ‫بعمل غيه‪ ،‬ول ياسَب غيه بعمله‪ ،‬ويرج ال له يوم القيامة كتابًا قد‬ ‫ُسجّلت فيه أعماله يراه مفتوحًا‪.‬‬ ‫ك اْليَوْمَ َعَليْكَ َحسِيبا (‪)14‬‬ ‫ك كَفَى ِبنَ ْفسِ َ‬ ‫ا ْقرَأْ ِكتَابَ َ‬ ‫يقال له‪ :‬اقرأ كتاب أعمالك‪ ،‬فيقرأ‪ ،‬وإن ل يكن يعرف القراءة ف‬ ‫الدنيا‪ ،‬تكفيك نفسك اليوم مصية عليك عملك‪ ،‬فتعرف ما عليها من‬ ‫‪910‬‬

‫جزاء‪ .‬وهذا من أعظم العدل والنصاف أن يقال للعبد‪ :‬حا ِسبْ نفسك‪،‬‬ ‫كفى با حسيبًا عليك‪.‬‬ ‫َنم ضَلّ َفِإنّمَا يَضِ ّل عََليْهَا وَل تَ ِزرُ‬ ‫ْسمهِ وَم ْ‬ ‫َنم ا ْهتَدَى َفِإنّمَا َي ْهتَدِي ِلنَف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ أُ ْخرَى وَمَا ُكنّا مُعَ ّذِبيَ َحتّى َنبْ َعثَ رَسُولً (‪)15‬‬ ‫من اهتدى فاتبع طريق الق فإنا يعود ثواب ذلك عليه وحده‪ ،‬ومن حاد‬ ‫واتبع طريق الباطل فإنا يعود عقاب ذلك عليه وحده‪ ،‬ول تمل نفس‬ ‫مذنبة إث نفس مذنبة أخرى‪ .‬ول يعذب ال أحدًا إل بعد إقامة الجة‬ ‫عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬ ‫وَِإذَا َأرَ ْدنَا أَ نْ ُنهْلِ كَ قَ ْرَيةً َأمَ ْرنَا ُمتْ َرفِيهَا فَفَ سَقُوا فِيهَا َفحَقّ عََلْيهَا الْقَوْلُ‬ ‫فَدَمّ ْرنَاهَا َتدْمِيا (‪)16‬‬ ‫وإذا أردنا إهلك أهل قرية لظلمهم أَ َمرْنا مترفيهم بطاعة ال وتوحيده‬ ‫وتصديق رسله‪ ،‬وغيهم تبع لم‪ ،‬فعصَوا أمر ربم وكذّبوا رسله‪ ،‬فحقّ‬ ‫عليهم القول بالعذاب الذي ل مردّ له‪ ،‬فاستأصلناهم باللك التام‪.‬‬

‫‪911‬‬

‫ك بِ ُذنُوبِ ِعبَادِهِ َخبِيا‬ ‫وَكَمْ أَهْلَ ْكنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَ ْعدِ نُوحٍ وَكَفَى ِب َربّ َ‬ ‫بَصِيا (‪)17‬‬ ‫وكثيا أهلكنا من المم الكذبة رسلها مِن بعد نب ال نوح‪ .‬وكفى‬ ‫بربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنه عال بميع أعمال عباده‪ ،‬ل تفى عليه خافية‪.‬‬ ‫مَ ْن كَا نَ ُيرِيدُ الْعَاجَِلةَ َعجّلْنَا لَ هُ فِيهَا مَا َنشَاءُ لِمَ نْ نُرِي ُد ثُمّ جَعَلْنَا لَ هُ‬ ‫َج َهنّ َم يَصْلهَا َمذْمُوما مَ ْدحُورا (‪)18‬‬ ‫من كان طلبه الدنيا العاجلة‪ ،‬وسعى لا وحدها‪ ،‬ول يصدّق بالخرة‪،‬‬ ‫ول يعمل لا‪ ،‬عجّل ال له فيها ما يشاؤه اللّه ويريده ما كتبه له ف‬ ‫اللوح الحفوظ‪ ،‬ث يعل ال له ف الخرة جهنم‪ ،‬يدخلها ملومًا مطرودًا‬ ‫من رحته عز وجل؛ وذلك بسبب إرادته الدنيا وسعيه لا دون الخرة‪.‬‬ ‫وَمَ نْ َأرَادَ الخِرَ َة وَ سَعَى لَهَا سَ ْعَيهَا وَ ُهوَ ُمؤْمِ نٌ فَُأ ْوَلئِ كَ كَا نَ سَ ْعُيهُمْ‬ ‫َمشْكُورا (‪)19‬‬

‫‪912‬‬

‫ومَن قصد بعمله الصال ثواب الدار الخرة الباقية‪ ،‬وسعى لا بطاعة ال‬ ‫تعال‪ ،‬وهو مؤمن بال وثوابه وعظيم جزائه‪ ،‬فأولئك كان عملهم مقبول‬ ‫مُدّخرًا لم عند ربم‪ ،‬وسيثابون عليه‪.‬‬ ‫ل نُ ِمدّ َهؤُلء وَ َهؤُلءِ مِنْ عَطَاءِ َربّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ َربّكَ َمحْظُورا (‬ ‫كُ ّ‬ ‫‪)20‬‬ ‫كل فريق من العاملي للدنيا الفانية‪ ،‬والعاملي للخرة الباقية نزيده مِن‬ ‫رزقنا‪ ،‬فنرزق الؤمني والكافرين ف الدنيا؛ فإن الرزق مِن عطاء ربك‬ ‫تفضل منه‪ ،‬وما كان عطاء ربك منوعا من أحد مؤمنًا كان أم كافرًا‪.‬‬ ‫َاتم وَأَ ْكبَرُ‬ ‫ْضم َولَل ِخرَةُ أَ ْكَبرُ َد َرج ٍ‬ ‫ُمم عَلَى بَع ٍ‬ ‫ضه ْ‬ ‫ْفم فَضّلْنَا بَعْ َ‬ ‫انظُ ْر َكي َ‬ ‫تَفْضِيلً (‪)21‬‬ ‫تأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف كيفية تفضيل ال بعض الناس على بعض ف‬ ‫الدنيا ف الرزق والعمل‪ ،‬ولَلخرة أكبُ درجات للمؤمني وأكب‬ ‫تفضيل‪.‬‬

‫‪913‬‬

‫ل َتجْعَلْ مَعَ الّلهِ ِإلَها آخَ َر َفتَقْ ُعدَ َمذْمُوما َمخْذُولً (‪)22‬‬ ‫ل تعل ‪-‬أيها النسان‪ -‬مع ال شريكًا له ف عبادته‪ ،‬فتبوء بالذمة‬ ‫والِذْلن‪.‬‬ ‫وَقَضَى َربّكَ أَلّ تَ ْعبُدُوا إِلّ ِإيّا ُه َوبِاْلوَالِ َديْنِ ِإ ْحسَانا إِمّا َيبْلُغَ ّن ِعنْدَ َك الْ ِكبَرَ‬ ‫َأحَدُهُمَا َأوْ كِل ُهمَا فَل تَقُلْ َلهُمَا أُفّ وَل َتْنهَرْهُمَا وَقُلْ َلهُمَا َقوْلً كَرِيا‬ ‫(‪)23‬‬ ‫وأَمَر ربك ‪-‬أيها النسان‪ -‬وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعال‬ ‫وحده بالعبادة‪ ،‬وأمر بالحسان إل الب والم‪ ،‬وباصة حالةُ‬ ‫الشيخوخة‪ ،‬فل تضجر ول تستثقل شيئًا تراه من أحدها أو منهما‪ ،‬ول‬ ‫تسمعهما قول سيئًا‪ ،‬حت ول التأفيف الذي هو أدن مراتب القول‬ ‫السيئ‪ ،‬ول يصدر منك إليهما فعل قبيح‪ ،‬ولكن ارفق بما‪ ،‬وقل لما‬ ‫دائما‪ -‬قول لينًا لطيفًا‪.‬‬‫وَاخْفِ ضْ َلهُمَا َجنَا حَ الذّلّ مِ نْ الرّ ْح َمةِ وَقُلْ رّبّ ارْحَ ْم ُهمَا كَمَا َرّبيَانِي‬ ‫صَغِيا (‪)24‬‬ ‫‪914‬‬

‫وكُنْ لمك وأبيك ذليل متواضعًا رحة بما‪ ،‬واطلب من ربك أن‬ ‫يرحهما برحته الواسعة أحياءً وأمواتًا‪ ،‬كما صبا على تربيتك طفل‬ ‫ضعيف الول والقوة‪.‬‬ ‫لوّابِيَ‬ ‫َربّكُ مْ أَعْلَ مُ بِمَا فِي نُفُو سِ ُكمْ إِ نْ تَكُونُوا صَاِلحِيَ َفِإنّ هُ كَا نَ لِ َ‬ ‫غَفُورا (‪)25‬‬ ‫ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أعلم با ف ضمائركم من خي وشر‪ .‬إن تكن‬ ‫إرادتكم ومقاصدكم مرضاة ال وما يقربكم إليه‪ ،‬فإنه كان ‪-‬سبحانه‪-‬‬ ‫للراجعي إليه ف جيع الوقات غفورًا‪ ،‬فمَن عَلِ َم ال أنه ليس ف قلبه إل‬ ‫النابة إليه ومبته‪ ،‬فإنه يعفو عنه‪ ،‬ويغفر له ما يعرض من صغائر‬ ‫الذنوب‪ ،‬ما هو من مقتضى الطبائع البشرية‪.‬‬ ‫سبِيلِ وَل ُتبَ ّذ ْر َتبْذِيرا (‪)26‬‬ ‫وَآتِ ذَا الْقُ ْربَى َح ّقهُ وَالْ ِمسْ ِكيَ وَابْنَ ال ّ‬ ‫وأحسِنْ إل كل مَن له صلة قرابة بك‪ ،‬وأعطه حقه من الحسان والب‪،‬‬ ‫وأعط السكي الحتاج والسافر النقطع عن أهله وماله‪ ،‬ول تنفق مالك‬ ‫ف غي طاعة ال‪ ،‬أو على وجه السراف والتبذير‪.‬‬ ‫‪915‬‬

‫شيْطَانُ لِ َرّبهِ كَفُورا ( ‪)27‬‬ ‫شيَاطِيِ وَكَانَ ال ّ‬ ‫ِإنّ الْ ُمبَ ّذرِينَ كَانُوا إِ ْخوَانَ ال ّ‬ ‫إن السرفي والنفقي أموالم ف معاصي ال هم أشباه الشياطي ف الشر‬ ‫والفساد والعصية‪ ،‬وكان الشيطان كثي الكفران شدي َد الحود لنعمة‬ ‫ربه‪.‬‬ ‫ك تَ ْرجُوهَا فَقُلْ َلهُمْ َقوْلً َمْيسُورا‬ ‫وَإِمّا تُعْ ِرضَنّ َعْنهُ ْم اْبتِغَاءَ رَ ْح َمةٍ مِنْ َربّ َ‬ ‫(‪)28‬‬ ‫وإن أعرضت عن إعطاء هؤلء الذين أُمِرْت بإعطائهم؛ لعدم وجود ما‬ ‫تعطيهم منه طلبًا لرزق تنتظره من عند ربك‪ ،‬فقل لم قول لّينًا لطيفًا‪،‬‬ ‫كالدعاء لم بالغن وسعة الرزق‪ ،‬وعِدْهم بأن ال إذا أيسر من فضله‬ ‫رزقًا أنك تعطيهم منه‪.‬‬ ‫ك وَل َتبْ سُطْهَا كُلّ اْلبَ سْطِ َفتَقْ ُعدَ مَلُوما‬ ‫وَل َتجْعَلْ َيدَ كَ مَ ْغلُوَلةً ِإلَى ُعنُقِ َ‬ ‫حسُورا (‪)29‬‬ ‫َم ْ‬

‫‪916‬‬

‫ول تسك يدك عن النفاق ف سبيل الي‪ ،‬مضيّقًا على نفسك وأهلك‬ ‫والحتاجي‪ ،‬ول تسرف ف النفاق‪ ،‬فتعطي فوق طاقتك‪ ،‬فتقعد ملومًا‬ ‫يلومك الناس ويذمونك‪ ،‬نادمًا على تبذيرك وضياع مالك‪.‬‬ ‫ق لِمَ نْ َيشَاءُ َويَقْ ِدرُ ِإنّ هُ كَا نَ بِ ِعبَادِ هِ َخبِيا بَ صِيا (‬ ‫ِإنّ َربّ كَ َيبْ سُطُ ال ّرزْ َ‬ ‫‪)30‬‬ ‫إن ربك يوسّع الرزق على بعض الناس‪ ،‬ويضيّقه على بعضهم‪ ،‬وَفْق‬ ‫علمه وحكمته سبحانه وتعال‪ .‬إنه هو الطّلِع على خفايا عباده‪ ،‬ل يغيب‬ ‫عن علمه شيء من أحوالم‪.‬‬ ‫ق َنحْ نُ نَ ْرزُُقهُ مْ َوِإيّاكُ مْ إِنّ َقتَْلهُ ْم كَا نَ‬ ‫شَيةَ إِمْل ٍ‬ ‫وَل تَ ْقتُلُوا َأوْلدَ ُك مْ َخ ْ‬ ‫خِطْئا َكبِيا (‪)31‬‬ ‫وإذا علمتم أن الرزق بيد ال سبحانه فل تقتلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أولدكم‬ ‫خوفًا من الفقر؛ فإنه ‪-‬سبحانه‪ -‬هو الرزاق لعباده‪ ،‬يرزق البناء كما‬ ‫يرزق الباء‪ ،‬إنّ َقتْ َل الولد ذنب عظيم‪.‬‬

‫‪917‬‬

‫شةً وَسَاءَ َسبِيلً (‪)32‬‬ ‫وَل تَ ْق َربُوا ال ّزنَى ِإّنهُ كَانَ فَا ِح َ‬ ‫ول تقربوا الزن ودواعيه؛ كي ل تقعوا فيه‪ ،‬إنه كان فعل بالغ القبح‪،‬‬ ‫وبئس الطريق طريقه‪.‬‬ ‫وَل تَ ْقتُلُوا النّفْ سَ اّلتِي َحرّ َم اللّ هُ إِ ّل بِالْحَقّ وَمَ نْ ُقتِ َل مَظْلُوما فَ َقدْ جَعَ ْلنَا‬ ‫ِلوَِلّيهِ سُلْطَانا فَل ُيسْ ِرفْ فِي الْ َقتْلِ ِإّنهُ كَانَ مَنصُورا ( ‪)33‬‬ ‫ول تقتلوا النفس الت حرم ال َقتْلها إل بالق الشرعي كالقصاص أو‬ ‫رجم الزان الحصن أو قتل الرتد‪ .‬ومن ُقتِل بغي حق شرعي فقد جعلنا‬ ‫لول أمره مِن وارث أو حاكم حجة ف طلب َقتْل قاتله أو الدية‪ ،‬ول‬ ‫يصح لول أمر القتول أن ياوز حدّ ال ف القصاص كأن يقتل بالواحد‬ ‫اثني أو جاعة‪ ،‬أو يُ َمثّل بالقاتل‪ ،‬إن ال معي ولّ القتول على القاتل‬ ‫حت يتمكن مِن َقتْله قصاصًا‪.‬‬ ‫ّهم وََأوْفُوا‬ ‫ُغمأَ ُشد ُ‬ ‫ْسمنُ َحتّىم َيبْل َ‬ ‫ِيمَأح َ‬ ‫ِيممإِلّ بِالّتِي ه َ‬ ‫وَل تَ ْق َربُوا مَالَ الَْيت ِ‬

‫سئُولً (‪)34‬‬ ‫بِالْ َعهْدِ ِإنّ الْ َعهْدَ كَانَ َم ْ‬

‫‪918‬‬

‫ول تتصرّفوا ف أموال الطفال الذين مات آباؤهم‪ ،‬وصاروا ف‬ ‫كفالتكم‪ ،‬إل بالطريقة الت هي أحسن لم‪ ،‬وهي التثمي والتنمية‪ ،‬حت‬ ‫يبلغ الطفل اليتيم س ّن البلوغ‪ ،‬وحسن التصرف ف الال‪ ،‬وأتوا الوفاء‬ ‫بكل عهد التزمتم به‪ .‬إن العهد يسأل ال عنه صاحبه يوم القيامة‪ ،‬فيثيبه‬ ‫إذا أته ووفّاه‪ ،‬ويعاقبه إذا خان فيه‪.‬‬ ‫ستَقِيمِ َذلِ كَ َخْيرٌ وََأحْ سَنُ‬ ‫وََأوْفُوا الْ َكيْلَ ِإذَا كِ ْلتُ مْ َو ِزنُوا بِالْقِ سْطَاسِ الْمُ ْ‬ ‫تَ ْأوِيلً (‪)35‬‬ ‫وأتوا الكيل‪ ،‬ول تنقصوه إذا كِلْتم لغيكم‪ ،‬وزِنوا باليزان السوي‪ ،‬إن‬ ‫العدل ف الكيل والوزن خي لكم ف الدنيا‪ ،‬وأحسن عاقبة عند ال ف‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫ك بِ هِ عِلْ مٌ إِنّ ال سّمْعَ وَاْلبَ صَرَ وَالْ ُفؤَا َد كُلّ ُأ ْوَلئِ كَ‬ ‫وَل تَ ْق فُ مَا َليْ سَ لَ َ‬ ‫سئُولً (‪)36‬‬ ‫كَانَ َعْن ُه َم ْ‬ ‫ول تتبع ‪-‬أيها النسان‪ -‬ما ل تعلم‪ ،‬بل تأكّد وتثبّت‪ .‬إن النسان‬ ‫مسؤول عما استعمَل فيه سعه وبصره وفؤاده‪ ،‬فإذا استعمَلها ف الي‬ ‫نال الثواب‪ ،‬وإذا استعملها ف الشر نال العقاب‪.‬‬ ‫‪919‬‬

‫جبَالَ‬ ‫وَل َتمْ شِ فِي ا َلرْ ضِ مَرَحا ِإنّ كَ لَ نْ َتخْ ِر قَ ا َلرْ ضَ َولَ نْ َتبْلُ َغ اْل ِ‬

‫طُولً (‪)37‬‬

‫ول تش ف الرض متال متكبا؛ فإنك لن َتخْرِق الرض بالشي عليها‪،‬‬ ‫ولن تبلغ البال طول خيلء وتكبًا‪.‬‬ ‫ك مَكْرُوها (‪)38‬‬ ‫كُلّ َذلِكَ كَانَ َسّيُئهُ ِعْندَ َربّ َ‬ ‫جيع ما تقدّم ذِكْرُه من أوامر ونواهٍ‪ ،‬يكره ال سّيئَه‪ ،‬ول يرضاه لعباده‪.‬‬ ‫ك َربّ كَ مِ ْن اْلحِكْ َمةِ وَل َتجْعَلْ َم عَ اللّ هِ ِإلَها آخَرَ‬ ‫َذلِ كَ مِمّ ا َأوْحَى ِإَليْ َ‬ ‫َفتُلْقَى فِي َج َهنّ َم مَلُوما َمدْحُورا (‪)39‬‬ ‫ذلك الذي بيّناه ووضّحناه من هذه الحكام الليلة‪ ،‬من المر بحاسن‬ ‫العمال‪ ،‬والنهي عن أراذل الخلق ما أوحيناه إليك أيها النب‪ .‬ول‬ ‫تعل ‪-‬أيها النسان‪ -‬مع ال تعال شريكًا له ف عبادته‪ ،‬فُتقْذف ف نار‬ ‫جهنم تلومك نفسك والناس‪ ،‬وتكون مطرودًا مبعدًا من كل خي‪.‬‬

‫‪920‬‬

‫أَفَأَ صْفَاكُمْ َربّكُ ْم بِالَْبنِيَ وَاّتخَذَ مِ نْ الْمَلئِ َكةِ ِإنَاثا ِإنّ ُك مْ َلتَقُولُو نَ َقوْلً‬ ‫عَظِيما (‪)40‬‬ ‫أفخصّكم ربكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬بإعطائكم البني‪ ،‬واتذ لنفسه‬ ‫اللئكة بنات؟ إن قولكم هذا بالغ القبح والبشاعة‪ ،‬ل يليق بال سبحانه‬ ‫وتعال‪.‬‬ ‫صرّ ْفنَا فِي هَذَا الْقُرْآ ِن ِليَذّكّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِ ّل نُفُورا (‪)41‬‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫ضحْنا ونوّعْنا ف هذا القرآن الحكام والمثال والواعظ؛ ليتعظ‬ ‫ولقد و ّ‬ ‫الناس ويتدبروا ما ينفعهم فيأخذوه‪ ،‬وما يضرهم فيدَعوه‪ ،‬وما يزيد البيان‬ ‫والتوضيح الظالي إل تباعدًا عن الق‪ ،‬وغفلة عن النظر والعتبار‪.‬‬ ‫ل(‬ ‫قُ ْل َلوْ كَا نَ مَعَ ُه آِلهَةٌ كَمَا يَقُولُو نَ إِذا لْبتَ َغوْا ِإلَى ذِي الْعَرْ شِ َسبِي ً‬ ‫‪)42‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركي‪ :‬لو أن مع ال آلة أخرى‪ ،‬إذًا لطلبَتْ‬ ‫تلك اللة طريقًا إل مغالبة ال ذي العرش العظيم‪.‬‬

‫‪921‬‬

‫ُسْبحَاَنهُ َوتَعَالَى عَمّا يَقُولُونَ عُُلوّا َكبِيا (‪)43‬‬ ‫تنّه ال وتقدّس َعمّا يقوله الشركون وتعال علوًا كبيًا‪.‬‬ ‫سبّحُ‬ ‫سبْعُ وَا َلرْ ضُ وَمَ نْ فِيهِنّ وَإِ نْ مِ نْ شَ ْيءٍ إِ ّل يُ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫سبّحُ لَ هُ ال سّ َموَا ُ‬ ‫تُ َ‬

‫حهُمْ ِإّنهُ كَانَ حَلِيما غَفُورا (‪)44‬‬ ‫سبِي َ‬ ‫ِبحَمْدِهِ َولَكِنْ ل تَفْ َقهُونَ َت ْ‬

‫سبّح له ‪-‬سبحانه‪ -‬السموات السبع والرضون‪ ،‬ومَن فيهن مِن جيع‬ ‫ُت َ‬ ‫الخلوقات‪ ،‬وكل شيء ف هذا الوجود ينه ال تعال تنيهًا مقرونًا‬ ‫بالثناء والمد له سبحانه‪ ،‬ولكن ل تدركون ‪-‬أيها الناس‪ -‬ذلك‪ .‬إنه‬ ‫سبحانه كان حليمًا بعباده ل يعاجل مَن عصاه بالعقوبة‪ ،‬غفورًا لم‪.‬‬ ‫ت الْقُرْآ نَ جَعَلْنَا َبْينَ كَ َوَبيْ نَ الّذِي نَ ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِالخِرَةِ ِحجَابا‬ ‫وَِإذَا قَ َرأْ َ‬

‫ستُورا (‪)45‬‬ ‫َم ْ‬

‫وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلء الشركون‪ ،‬جعلنا بينك وبي الذين ل‬ ‫يؤمنون بالخرة حجابًا ساترًا يجب عقولم عن َفهْمِ القرآن؛ عقابًا لم‬ ‫على كفرهم وإنكارهم‪.‬‬

‫‪922‬‬

‫وَ َجعَلْنَا عَلَى ُقلُوبِهِ مْ أَ ِكّنةً أَ ْن يَفْ َقهُو هُ وَفِي آذَاِنهِ ْم وَقْرا وَإِذَا ذَكَرْ تَ‬ ‫َربّكَ فِي الْقُرْآنِ وَ ْحدَهُ َوّلوْا عَلَى أَ ْدبَارِهِمْ نُفُورا (‪)46‬‬ ‫وجعلنا على قلوب الشركي أغطية؛ لئل يفهموا القرآن‪ ،‬وجعلنا ف‬ ‫ت ربك ف القرآن داعيًا لتوحيده‬ ‫آذانم صممًا؛ لئل يسمعوه‪ ،‬وإذا ذَكَرْ َ‬ ‫ناهيًا عن الشرك به رجعوا على أعقابم نافرين من قولك؛ استكبارًا‬ ‫واستعظامًا من أن يوحّدوا ال تعال ف عبادته‪.‬‬ ‫جوَى إِذْ يَقُولُ‬ ‫ستَمِعُونَ ِإَليْ كَ وَِإذْ ُه مْ َن ْ‬ ‫ستَمِعُونَ بِ هِ إِ ْذ يَ ْ‬ ‫َنحْ نُ أَ ْعلَ مُ ِبمَا يَ ْ‬

‫سحُورا (‪)47‬‬ ‫الظّالِمُونَ ِإنْ َتّتبِعُونَ إِلّ رَ ُجلً َم ْ‬

‫نن أعلم بالذي يستمعه رؤساء قريش‪ ،‬إذ يستمعون إليك‪ ،‬ومقاصدهم‬ ‫سيئة‪ ،‬فليس استماعهم لجل السترشاد وقَبول الق‪ ،‬ونعلم تَناجيهم‬ ‫حي يقولون‪ :‬ما تتبعون إل رجل أصابه السحر فاختلط عقله‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ َسبِيلً (‪)48‬‬ ‫ك الَ ْمثَالَ فَضَلّوا فَل َي ْ‬ ‫انظُ ْر َكيْفَ ضَ َربُوا لَ َ‬ ‫تفكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجبًا من قولم‪ :‬إن ممدًا ساحر شاعر منون!!‬ ‫فجاروا وانرفوا‪ ،‬ول يهتدوا إل طريق الق والصواب‪.‬‬ ‫‪923‬‬

‫وَقَالُوا َأئِذَا ُكنّا عِظَاما َورُفَاتا َأِئنّا لَ َمبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا (‪)49‬‬ ‫وقال الشركون منكرين أن ُيخْلَقوا خَلْقًا جديدًا بعد أن تبلى عظامهم‪،‬‬ ‫وتصي فُتاتًا‪ :‬أئِنا لبعوثون يوم القيامة بعثًا جديدًا؟‬ ‫قُ ْل كُونُوا ِحجَارَةً َأوْ َحدِيدا (‪)50‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على جهة التعجيز‪ :‬كونوا حجارة أو حديدًا ف‬ ‫الشدة والقوة ‪-‬إن قَ َدرْت على ذلك‪ -‬فإن ال يُعيدكم كما بدأكم‪،‬‬ ‫وذلك هيّن عليه يسي‪.‬‬ ‫سيَقُولُونَ مَنْ يُعِي ُدنَا قُلْ الّذِي فَطَرَكُ ْم‬ ‫صدُورِكُمْ فَ َ‬ ‫َأوْ خَلْقا ِممّا يَ ْكبُ ُر فِي ُ‬ ‫َنم‬ ‫ُونم مَتَى ُهوَ قُلْ عَسمَى أ ْ‬ ‫ُوسمهُ ْم َويَقُول َ‬ ‫ْكم ُرء َ‬ ‫َسمنْغِضُونَ ِإَلي َ‬ ‫َأوّلَ َمرّةٍ ف َُي‬ ‫يَكُونَ قَرِيبا (‪)51‬‬ ‫سَتبْعَد ف عقولكم قبوله للبعث‪ ،‬فال تعال قادر‬ ‫أو كونوا خلقًا يَعْظُم وُي ْ‬ ‫على إعادتكم وبعثكم‪ ،‬وحي تقوم عليهم الجة ف قدرة ال على‬ ‫البعث والحياء فسيقولون ‪-‬منكرين‪ :-‬مَن يردّنا إل الياة بعد الوت؟‬ ‫‪924‬‬

‫قل لم‪ :‬يعيدكم ويرجعكم ال الذي أنشأكم من العدم أول مرة‪ ،‬وعند‬ ‫ساعهم هذا الرد فسَيهُزّون رؤوسهم ساخرين متعجبي ويقولون‬ ‫مستبعدين‪ :-‬مت يقع هذا البعث؟ قل‪ :‬هو قريب؛ فإن كل آتٍ‬‫قريب‪.‬‬ ‫ل (‪)52‬‬ ‫سَتجِيبُونَ ِبحَمْدِ ِه َوتَ ُظنّونَ ِإ ْن َلبِْثتُمْ إِلّ قَلِي ً‬ ‫َيوْمَ َيدْعُوكُمْ َفَت ْ‬ ‫يوم يناديكم خالقكم للخروج من قبوركم‪ ،‬فتستجيبون لمر ال‪،‬‬ ‫وتنقادون له‪ ،‬وله المد على كل حال‪ ،‬وتظنون ‪-‬لول يوم القيامة‪-‬‬ ‫أنكم ما أقمتم ف الدنيا إل زمنًا قليل؛ لطول لبثكم ف الخرة‪.‬‬ ‫شيْطَانَ يَنَغُ َبْيَنهُمْ ِإنّ الشّيْطَانَ‬ ‫وَقُ ْل لِ ِعبَادِي يَقُولُوا اّلتِي هِيَ َأحْسَنُ ِإنّ ال ّ‬ ‫كَانَ لِلِنسَانِ عَ ُدوّا ُمبِينا (‪)53‬‬ ‫وقل لعبادي الؤمني يقولوا ف تاطبهم وتاورهم الكلم السن الطيب؛‬ ‫فإنم إن ل يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والصام‪.‬‬ ‫إن الشيطان كان للنسان عدوًا ظاهر العداوة‪.‬‬

‫‪925‬‬

‫َربّكُ مْ أَعْلَ مُ بِ ُك مْ إِ نْ َيشَ ْأ يَرْ َحمْكُ مْ َأوْ إِ نْ َيشَأْ يُعَ ّذبْ ُك ْم وَمَا َأ ْر سَ ْلنَاكَ‬ ‫ل (‪)54‬‬ ‫عََلْيهِمْ وَكِي ً‬ ‫ربكم أعلم بكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إن يشأ يرحكم‪ ،‬فيوفقكم لليان‪ ،‬أو إن‬ ‫يشأ يتكم على الكفر‪ ،‬فيعذبكم‪ ،‬وما أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم‬ ‫وكيل تدبّر أمرهم وتازيهم على أفعالم‪ ،‬وإنا مهمتك تبليغ ما ُأرْسلتَ‬ ‫به‪ ،‬وبيان الصراط الستقيم‪.‬‬ ‫َو َربّ كَ أَعْلَ ُم بِمَ نْ فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ َولَقَدْ فَضّ ْلنَا بَعْ ضَ الّنِبيّيَ عَلَى‬

‫بَعْضٍ وَآَتْينَا دَاوُودَ َزبُورا (‪)55‬‬

‫وربك ‪-‬أيها النب‪ -‬أعلم بَن ف السموات والرض‪ .‬ولقد فَضّلْنا بعض‬ ‫النبيي على بعض بالفضائل وكثرة التباع وإنزال الكتب‪ ،‬وأعطينا داود‬ ‫الزبور‪.‬‬ ‫قُلْ ادْعُوا الّذِي نَ زَعَ ْمتُ ْم مِ نْ دُونِ هِ فَل َيمْلِكُو نَ َكشْ فَ الضّرّ عَن ُك مْ وَل‬

‫ل (‪)56‬‬ ‫َتحْوِي ً‬

‫‪926‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬إن هذه العبودات الت تنادونا‬ ‫لكشف الضرّ عنكم ل تلك ذلك‪ ،‬ول تقدر على تويله عنكم إل‬ ‫غيكم‪ ،‬ول تقدر على تويله من حال إل حال‪ ،‬فالقادر على ذلك هو‬ ‫ال وحده‪ .‬وهذه الية عامة ف كل ما يُدْعى من دون ال‪ ،‬ميتًا كان أو‬ ‫غائبًا‪ ،‬من النبياء والصالي وغيهم‪ ،‬بلفظ الستغاثة أو الدعاء أو‬ ‫غيها‪ ،‬فل معبود بق إل ال‪.‬‬ ‫ب َويَرْجُو نَ‬ ‫ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ يَدْعُو نَ َيْبتَغُو نَ ِإلَى َرّبهِ ْم اْلوَ سِيَلةَ َأّيهُ مْ أَقْ َر ُ‬

‫ك كَانَ َمحْذُورا (‪)57‬‬ ‫رَحْ َمَتهُ َوَيخَافُونَ َعذَاَبهُ ِإنّ عَذَابَ َربّ َ‬

‫أولئك الذين يدعوهم الشركون من النبياء والصالي واللئكة مع ال‪،‬‬ ‫يتنافسون ف القرب من ربم با يقدرون عليه من العمال الصالة‪،‬‬ ‫ويأمُلون رحته ويافون عذابه‪ ،‬إن عذاب ربك هو ما ينبغي أن يذره‬ ‫العباد‪ ،‬ويافوا منه‪.‬‬ ‫ْمم الْ ِقيَا َمةِ َأوْ مُ َع ّذبُوهَا عَذَابا‬ ‫ْنم ُمهْلِكُوهَا َقبْ َل َيو ِ‬ ‫ِنم قَ ْرَيةٍ إِلّ َنح ُ‬ ‫ِنم م ْ‬ ‫وَإ ْ‬ ‫ب َمسْطُورا (‪)58‬‬ ‫ك فِي الْ ِكتَا ِ‬ ‫شَدِيدا كَانَ َذلِ َ‬

‫‪927‬‬

‫ويتوعّد ال الكفار بأنه ما من قريةٍ كافرة مكذبة للرسل إل وسينل با‬ ‫عقابه باللك ف الدنيا قبل يوم القيامة أو بالعذاب الشديد لهلها‪،‬‬ ‫كتاب كتبه ال وقضاء أبرمه ل بد مِن وقوعه‪ ،‬وهو مسطور ف اللوح‬ ‫الحفوظ‪.‬‬ ‫ب ِبهَا ا َلوّلُونَ وَآَتْينَا ثَمُودَ النّاَقةَ‬ ‫وَمَا َمنَ َعنَا أَنْ ُنرْسِ َل بِاليَاتِ إِلّ أَنْ كَذّ َ‬

‫ُمبْصِرَ ًة فَظَلَمُوا ِبهَا وَمَا نُ ْرسِلُ بِاليَاتِ إِ ّل َتخْوِيفا (‪)59‬‬

‫وما منعَنا من إنزال العجزات الت سألا الشركون إل تكذيب مَن‬ ‫سبقهم من المم‪ ،‬فقد أجابم ال إل ما طلبوا فكذّبوا وهلكوا‪ .‬وأعطينا‬ ‫ثود ‪-‬وهم قوم صال‪ -‬معجزة واضحة وهي الناقة‪ ،‬فكفروا با‬ ‫فأهلكناهم‪ .‬وما إرسالنا الرسل باليات والعب والعجزات الت جعلناها‬ ‫على أيديهم إل تويف للعباد؛ ليعتبوا ويتذكروا‪.‬‬ ‫وَِإذْ ُق ْلنَا لَكَ ِإنّ َربّكَ َأحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَ ْلنَا ال ّر ْؤيَا اّلتِي َأ َرْينَاكَ إِلّ ِفْتَنةً‬ ‫شجَرَةَ الْمَلْعُوَنةَ فِي الْقُرْآ نِ َوُنخَوُّفهُ مْ فَمَا َيزِيدُهُ مْ إِلّ طُ ْغيَانا‬ ‫لِلنّا سِ وَال ّ‬ ‫َكبِيا (‪)60‬‬

‫‪928‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قلنا لك‪ :‬إن ربك أحاط بالناس علمًا‬ ‫وقدرة‪ .‬وما جعلنا الرؤيا الت أريناكها عِيانًا ليلة السراء والعراج من‬ ‫عجائب الخلوقات إل اختبارًا للناس؛ ليتميز كافرهم من مؤمنهم‪ ،‬وما‬ ‫جعلنا شجرة الزقوم اللعونة الت ذكرت ف القرآن إل ابتلء للناس‪.‬‬ ‫ونوّف الشركي بأنواع العذاب واليات‪ ،‬ول يزيدهم التخويف إل‬ ‫تاديًا ف الكفر والضلل‪.‬‬ ‫سجَدُوا إِلّ ِإبْلِي سَ قَالَ أََأ ْسجُدُ لِمَ نْ‬ ‫وَِإذْ ُقلْنَا لِلْمَلئِ َكةِ ا ْسجُدُوا لدَ مَ فَ َ‬

‫خَلَ ْقتَ طِينا (‪)61‬‬

‫واذكر قولنا للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم تية وتكريًا‪ ،‬فسجدوا جيعًا إل‬ ‫إبليس‪ ،‬استكب وامتنع عن السجود قائل على سبيل النكار والستكبار‪:‬‬ ‫أأسجد لذا الضعيف‪ ،‬الخلوق من الطي؟‬ ‫ْمم الْ ِقيَامَةِ‬ ‫ِنم أَخّ ْرتَن ِي ِإلَى َيو ِ‬ ‫ْتم عَلَي ّ َلئ ْ‬ ‫َكم هَذَا الّذِي كَرّم َ‬ ‫قَالَ َأرََأْيت َ‬ ‫لَ ْحَتنِكَنّ ُذ ّرّيَتهُ إِلّ قَلِيلً (‪)62‬‬

‫‪929‬‬

‫وقال إبليس جراءة على ال وكفرًا به‪ :‬أرأيت هذا الخلوق الذي ميزته‬ ‫عليّ؟ لئن أبقيتن حيًا إل يوم القيامة لستوليّ على ذريته بالغواء‬ ‫والفساد‪ ،‬إل الخلصي منهم ف اليان‪ ،‬وهم قليل‪.‬‬ ‫قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ َتبِ َعكَ ِمْنهُ ْم َفِإنّ َج َهنّمَ َجزَاؤُكُمْ َجزَاءً َموْفُورا (‪)63‬‬ ‫قال ال تعال مهددًا إبليس وأتباعه‪ :‬اذهب فمَن تبعك مِن ذرية آدم‪،‬‬ ‫فأطاعك‪ ،‬فإن عقابك وعقابم وافر ف نار جهنم‪.‬‬ ‫ك َورَجِلِ َ‬ ‫ك‬ ‫خيْلِ َ‬ ‫ب عََلْيهِ ْم ِب َ‬ ‫ك وَأَجِْل ْ‬ ‫ص ْوتِ َ‬ ‫وَا ْستَفْ ِززْ مَ نْ ا ْستَطَعْتَ ِمْنهُ ْم بِ َ‬ ‫شيْطَا نُ إِلّ ُغرُورا‬ ‫وَشَارِكْهُ مْ فِي الَ ْموَالِ وَالَولدِ وَعِدْ ُه ْم وَمَا يَعِدُ ُه ْم ال ّ‬ ‫(‪)64‬‬ ‫واسَتخْفِف كل مَن تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إل معصيت‪،‬‬ ‫واجع عليهم كل ما تقدر عليه مِن جنودك من كل راكب وراجل‪،‬‬ ‫واجعل لنفسك شِرْكة ف أموالم بأن يكسبوها من الرام‪ ،‬و ِشرْكة ف‬ ‫الولد بتزيي الزن والعاصي‪ ،‬ومالفة أوامر ال حت يكثر الفجور‬ ‫والفساد‪ ،‬وعِدْ أتباعك مِن ذرية آدم الوعود الكاذبة‪ ،‬فكل وعود‬ ‫الشيطان باطلة وغرور‪.‬‬ ‫‪930‬‬

‫ك وَكِيلً (‪)65‬‬ ‫ك عََلْيهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِ َربّ َ‬ ‫ِإنّ ِعبَادِي َلْيسَ لَ َ‬ ‫إن عبادي الؤمني الخلصي الذين أطاعون ليس لك قدرة على‬ ‫إغوائهم‪ ،‬وكفى بربك ‪-‬أيها النب‪ -‬عاصمًا وحافظًا للمؤمني مِن كيد‬ ‫الشيطان وغروره‪.‬‬ ‫ضلِ هِ ِإنّ هُ كَانَ بِكُ مْ‬ ‫ك فِي الَْبحْرِ ِلَتْبتَغُوا مِ نْ فَ ْ‬ ‫َربّكُ ْم الّذِي ُيزْجِي لَكُ مْ الْفُلْ َ‬ ‫رَحِيما (‪)66‬‬ ‫سيّر لكم السفن ف البحر؛ لتطلبوا رزق‬ ‫ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬هو الذي ُي َ‬ ‫ال ف أسفاركم وتاراتكم‪ .‬إن ال سبحانه كان رحيمًا بعباده‪.‬‬ ‫وَِإذَا مَ سّكُ ْم الضّ ّر فِي الَْبحْرِ ضَ ّل مَ نْ تَدْعُو نَ إِلّ ِإيّا هُ فَلَمّ ا َنجّاكُ مْ ِإلَى‬ ‫ضُتمْ وَكَانَ ا ِلنْسَانُ كَفُورا (‪)67‬‬ ‫الْبَرّ أَعْ َر ْ‬ ‫وإذا أصابتكم شدة ف البحر حت أشرفتم على الغرق واللك‪ ،‬غاب عن‬ ‫عقولكم الذين تعبدونم من اللة‪ ،‬وتذكّرت ال القدير وحده؛ ليغيثكم‬ ‫وينقذكم‪ ،‬فأخلصتم له ف طلب العون والغاثة‪ ،‬فأغاثكم ونّاكم‪ ،‬فلمّا‬ ‫‪931‬‬

‫ناكم إل الب أعرضتم عن اليان والخلص والعمل الصال‪ ،‬وهذا من‬ ‫جهل النسان وكفره‪ .‬وكان النسان جحودًا لنعم ال ع ّز وجل‪.‬‬ ‫ب اْلبَرّ َأوْ ُيرْ سِلَ َعَليْكُ مْ حَا صِبا ثُمّ ل‬ ‫أَفَأَمِنتُ مْ أَ نْ َيخْ سِفَ بِكُ مْ جَانِ َ‬ ‫ل (‪)68‬‬ ‫َتجِدُوا لَكُمْ وَكِي ً‬ ‫أغَفَلْتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬عن عذاب ال‪ ،‬فأمنتم أن تنهار بكم الرض‬ ‫خسفًا‪ ،‬أو ُيمْطركم ال بجارة من السماء فتقتلكم‪ ،‬ث ل تدوا أحدًا‬ ‫يفظكم مِن عذابه؟‬ ‫أَ مْ أَمِنتُ مْ أَ نْ يُعِيدَ ُك ْم فِي ِه تَارَةً أُخْرَى َفيُرْ سِلَ عََليْ ُك ْم قَا صِفا مِ ْن الرّي حِ‬ ‫َفيُغْ ِرقَكُ ْم بِمَا كَفَ ْرُتمْ ثُ ّم ل َتجِدُوا لَكُ ْم عََلْينَا ِبهِ َتبِيعا (‪)69‬‬ ‫أم أمنتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ربكم‪ ،‬وقد كفرت به أن يعيدكم ف البحر مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬فيسل عليكم ريًا شديدة‪ ،‬تكسّر كل ما أتت عليه‪ ،‬فيغرقكم‬ ‫بسبب كفركم‪ ،‬ث ل تدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛ فإن ال ل‬ ‫يظلمكم مثقال ذرة؟‬

‫‪932‬‬

‫َولَقَدْ َكرّ ْمنَا َبنِي آدَ َم وَ َحمَ ْلنَاهُ ْم فِي اْلبَرّ وَاْلبَحْ ِر وَ َرزَ ْقنَاهُ ْم مِ ْن ال ّطّيبَا تِ‬ ‫ل (‪)70‬‬ ‫وَفَضّ ْلنَاهُمْ عَلَى َكثِيٍ ِممّنْ خَلَ ْقنَا تَفْضِي ً‬ ‫ولقد كرّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل‪ ،‬و َسخّرنا لم جيع ما ف‬ ‫الكون‪ ،‬و َسخّرنا لم الدواب ف الب والسفن ف البحر لملهم‪،‬‬ ‫ورزقناهم من طيبات الطاعم والشارب‪ ،‬وفضّلناهم على كثي من‬ ‫الخلوقات تفضيل عظيمًا‪.‬‬ ‫َيوْ مَ نَدْعُو كُلّ ُأنَا سٍ ِبإِمَا ِمهِ ْم فَمَ نْ أُوتِ يَ ِكتَابَ هُ ِبيَمِينِ هِ فَُأ ْوَلئِ كَ يَقْ َرءُو نَ‬

‫ل (‪)71‬‬ ‫ِكتَابَهُ ْم وَل يُظْلَمُونَ َفتِي ً‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم البعث مبشرًا وموفًا‪ ،‬حي يدعو ال عز وجل‬ ‫كل جاعة من الناس مع إمامهم الذي كانوا يقتدون به ف الدنيا‪ ،‬فمن‬ ‫كان منهم صالًا‪ ،‬وأُعطي كتاب أعماله بيمينه‪ ،‬فهؤلء يقرؤون كتاب‬ ‫حسناتم فرحي مستبشرين‪ ،‬ول ُينْقَصون من ثواب أعمالم الصالة‬ ‫شيئًا‪ ،‬وإن كان مقدارَ اليط الذي يكون ف شَقّ النواة‪.‬‬ ‫وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى َف ُهوَ فِي ال ِخرَةِ أَعْمَى وََأضَلّ َسبِيلً (‪)72‬‬ ‫‪933‬‬

‫ومن كان ف هذه الدنيا أعمى القلب عن دلئل قدرة ال فلم يؤمن با‬ ‫جاء به الرسول ممد صلى ال عليه وسلم فهو ف يوم القيامة أشدّ عمى‬ ‫عن سلوك طريق النة‪ ،‬وأضل طريقًا عن الداية والرشاد‪.‬‬ ‫وَإِ نْ كَادُوا َليَ ْفِتنُونَ كَ عَ ْن الّذِي َأ ْو َحيْنَا ِإَليْ كَ ِلتَ ْفتَرِي عََليْنَا َغْيرَ هُ وَإِذا‬ ‫لّتخَذُوكَ َخلِيلً (‪)73‬‬ ‫ولقد قارب الشركون أن يصرفوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن القرآن الذي‬ ‫أنزله ال إليك؛ لتختلق علينا غي ما أوحينا إليك‪ ،‬ولو فعلت ما أرادوه‬ ‫لتذوك حبيبًا خالصًا‪.‬‬ ‫َولَوْل َأنْ َثّبْتنَا َك لَقَدْ كِ ْدتَ َترْكَنُ ِإَلْيهِمْ َشيْئا قَلِيلً (‪)74‬‬ ‫ولول أن ثبّتناك على الق‪ ،‬وعصمناك عن موافقتهم‪ ،‬لَقاربْتَ أن تيل‬ ‫إليهم ميل قليل من كثرة العالة ورغبتك ف هدايتهم‪.‬‬ ‫ك عََلْينَا نَ صِيا‬ ‫ت ثُمّ ل َتجِدُ لَ َ‬ ‫ف الْمَمَا ِ‬ ‫حيَاةِ َوضِعْ َ‬ ‫ف الْ َ‬ ‫إِذا لَذَ ْقنَا كَ ضِعْ َ‬ ‫(‪)75‬‬ ‫‪934‬‬

‫ولو رَكَنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل هؤلء الشركي ركونًا قليل فيما‬ ‫سألوك‪ ،‬إذًا لذقناك ِمثْلَي عذاب الياة ف الدنيا ومثْلَي عذاب المات ف‬ ‫الخرة؛ وذلك لكمال نعمة ال عليك وكمال معرفتك‪ ،‬ث ل تد أحدًا‬ ‫ينصرك ويدفع عنك عذابنا‪.‬‬ ‫ُونم‬ ‫ُوكم ِمنْهَا وَإِذا ل يَ ْلَبث َ‬ ‫ْضمِليُخْ ِرج َ‬ ‫ِنم ا َلر ِ‬ ‫َسمفِزّونَكَ م ْ‬ ‫ِنم كَادُوا َلي ْتَ‬ ‫وَإ ْ‬

‫ل (‪)76‬‬ ‫خِلفَكَ إِلّ قَلِي ً‬

‫ولقد قارب الكفار أن يرجوك من "مكة" بإزعاجهم إيّاك‪ ،‬ولو‬ ‫أخرجوك منها ل يكثوا فيها بعدك إل زمنًا قليل حت تل بم العقوبة‬ ‫العاجلة‪.‬‬ ‫ل (‪)77‬‬ ‫سّنِتنَا َتحْوِي ً‬ ‫ُسّنةَ مَنْ َقدْ َأرْسَ ْلنَا َقبَْلكَ مِ ْن رُسُِلنَا وَل َتجِدُ ِل ُ‬ ‫تلك سنة ال تعال ف إهلك المة الت تُخرج رسولا من بينها‪ ،‬ولن تد‬ ‫أيها الرسول‪ -‬لسنتنا تغييًا‪ ،‬فل خلف ف وعدنا‪.‬‬‫أَقِ ْم الصّل َة لِ ُدلُوكِ الشّمْسِ ِإلَى غَسَقِ الّليْلِ وَقُرْآنَ الْ َفجْرِ ِإنّ قُرْآنَ الْ َفجْرِ‬ ‫‪935‬‬

‫شهُودا (‪)78‬‬ ‫كَانَ َم ْ‬ ‫أقم الصلة تامة من وقت زوال الشمس عند الظهية إل وقت ظلمة‬ ‫الليل‪ ،‬ويدخل ف هذا صلة الظهر والعصر والغرب والعشاء‪ ،‬وأقم‬ ‫صلة الفجر‪ ،‬وَأطِلِ القراءة فيها؛ إن صلة الفجر تضرها ملئكة الليل‬ ‫وملئكة النهار‪.‬‬ ‫ك َربّ كَ مَقَاما َمحْمُودا (‬ ‫وَمِ نْ الّليْلِ َفَت َهجّدْ بِ ِه نَافَِلةً لَ كَ عَ سَى أَ نْ َيبْ َعثَ َ‬ ‫‪)79‬‬ ‫وقم ‪-‬أيها النب‪ -‬من نومك بعض الليل‪ ،‬فاقرأ القرآن ف صلة الليل؛‬ ‫لتكون صلة الليل زيادة لك ف علو القدر ورفع الدرجات‪ ،‬عسى أن‬ ‫يبعثك ال شافعًا للناس يوم القيامة؛ ليحهم ال ما يكونون فيه‪ ،‬وتقوم‬ ‫مقامًا يمدك فيه الولون والخرون‪.‬‬ ‫ق وَاجْعَلْ لِي مِنْ‬ ‫صدْ ٍ‬ ‫صدْقٍ وََأخْ ِر ْجنِي ُمخْرَجَ ِ‬ ‫وَقُ ْل رَبّ َأدْخِ ْلنِي مُ ْدخَلَ ِ‬

‫لَ ُدنْكَ سُلْطَانا نَصِيا ( ‪)80‬‬

‫‪936‬‬

‫وقل‪ :‬ربّ أدخلن فيما هو خي ل مدخل صدق‪ ،‬وأخرجن ما هو شر‬ ‫ل مرج صدق‪ ،‬واجعل ل مِن لدنك حجة ثابتة‪ ،‬تنصرن با على جيع‬ ‫مَن خالفن‪.‬‬ ‫وَقُلْ جَاءَ الْحَقّ َوزَهَقَ اْلبَاطِلُ ِإنّ اْلبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا (‪)81‬‬ ‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركي‪ :‬جاء السلم وذهب الشرك‪ ،‬إن‬ ‫الباطل ل بقاء له ول ثبات‪ ،‬والق هو الثابت الباقي الذي ل يزول‪.‬‬ ‫َوُننَزّلُ مِ نْ الْقُرْآ نِ مَا ُهوَ شِفَاءٌ َورَحْ َمةٌ لِلْ ُمؤْ ِمنِيَ وَل َيزِيدُ الظّالِمِيَ إِلّ‬ ‫َخسَارا (‪)82‬‬ ‫وننل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِنَ المراض‪ ،‬كالشك‬ ‫والنفاق والهالة‪ ،‬وما يشفي البدان ب ُرقْيتها به‪ ،‬وما يكون سببًا للفوز‬ ‫برحة ال با فيه من اليان‪ ،‬ول يزيد هذا القرآن الكفار عند ساعه إل‬ ‫كفرًا وضلل؛ لتكذيبهم به وعدم إيانم‪.‬‬ ‫سهُ الشّرّ كَانَ َيئُوسا‬ ‫ض َونَأَى ِبجَاِنبِهِ وَِإذَا مَ ّ‬ ‫وَإِذَا َأنْعَ ْمنَا عَلَى الِنسَانِ أَ ْعرَ َ‬ ‫‪937‬‬

‫(‪)83‬‬ ‫وإذا أنعمنا على النسان من حيث هو بال وعافية ونوها‪ ،‬تولّى‬ ‫وتباعد عن طاعة ربه‪ ،‬وإذا أصابته شدة مِن فقر أو مرض كان قنوطًا؛‬ ‫لنه ل يثق بفضل ال تعال‪ ،‬إل من عصم ال ف حالت سرّائه وضرّائه‪.‬‬ ‫قُ ْل كُلّ يَعْمَ ُل عَلَى شَاكَِلِتهِ فَ َربّكُمْ أَعْلَ ُم بِمَنْ ُهوَ أَهْدَى َسبِيلً (‪)84‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬كل واحد منكم يعمل على ما يليق به من‬ ‫الحوال‪ ،‬فربكم أعلم بن هو أهدى طريقًا إل الق‪.‬‬ ‫َويَ سْأَلُونَكَ عَ ْن الرّو حِ قُلْ الرّو حُ مِ نْ أَمْ ِر َربّ ي وَمَا أُوتِيتُ ْم مِ نْ الْعِلْ مِ إِلّ‬ ‫ل (‪)85‬‬ ‫قَلِي ً‬

‫ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا‪ ،‬فأجبهم بأن حقيقة الروح‬ ‫وأحوالا من المور الت استأثر ال بعلمها‪ ،‬وما أُعطيتم أنتم وجيع الناس‬ ‫من العلم إل شيئًا قليل‪.‬‬ ‫َوَلئِ نْ ِشْئنَا َلنَذْ َهبَنّ بِالّذِي َأ ْو َحْينَا ِإَليْ كَ ُثمّ ل َتجِدُ لَ كَ بِ هِ عََلْينَا وَكِيلً (‬ ‫‪938‬‬

‫‪)86‬‬ ‫حوَ القرآن من قلبك لَق َدرْنا على ذلك‪ ،‬ث ل تد لنفسك‬ ‫ولئن شئنا َم ْ‬ ‫ناصرًا ينعنا من فعل ذلك‪ ،‬أو يرد عليك القرآن‪.‬‬ ‫إِلّ رَحْ َم ًة مِنْ َربّكَ ِإنّ فَضَْل ُه كَانَ عََلْيكَ َكبِيا (‪)87‬‬ ‫لكنّ ال رحك‪ ،‬فأثبت ذلك ف قلبك‪ ،‬إن فضله كان عليك عظيمًا؛‬ ‫فقد أعطاك هذا القرآن العظيم‪ ،‬والقام الحمود‪ ،‬وغي ذلك ما ل يؤته‬ ‫أحدًا من العالي‪.‬‬ ‫قُ ْل َلئِ نْ ا ْجتَمَ َع تْ الِن سُ وَالْجِنّ عَلَى أَ نْ يَ ْأتُوا بِ ِمثْ ِل هَذَا الْقُرْآ نِ ل يَ ْأتُو نَ‬

‫ضهُمْ ِلبَعْضٍ َظهِيا (‪)88‬‬ ‫بِ ِمثِْلهِ َوَلوْ كَانَ بَعْ ُ‬

‫قل‪ :‬لو اتفقت النس والن على ماولة التيان بثل هذا القرآن العجز‬ ‫ل يستطيعون التيان به‪ ،‬ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك‪.‬‬ ‫صرّ ْفنَا لِلنّا سِ فِي هَذَا الْقُرْآ نِ مِ ْن كُلّ َمثَلٍ فَأَبَى أَ ْكثَرُ النّا سِ إِلّ‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫كُفُورا (‪)89‬‬ ‫‪939‬‬

‫ولقد بّينّا وَنوّعنا للناس ف هذا القرآن من كل مثل ينبغي العتبار به؛‬ ‫احتجاجًا بذلك عليهم؛ ليتبعوه ويعملوا به‪ ،‬فأب أكثر الناس إل جحودًا‬ ‫للحق وإنكارًا لجج ال وأدلته‪.‬‬ ‫ض َيْنبُوعا (‪)90‬‬ ‫وَقَالُوا لَنْ ُنؤْمِنَ لَكَ َحتّى تَ ْفجُرَ َلنَا مِ ْن الَرْ ِ‬ ‫ولا أعجز القرآن الشركي وغلبهم أخذوا يطلبون معجزات وَفْق‬ ‫أهوائهم فقالوا‪ :‬لن نصدقك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ونعمل با تقول حت تفجر‬ ‫لنا من أرض "مكة" عينًا جارية‪.‬‬ ‫َبم َفتُ َفجّرَ الَنَارَ خِللَهَا تَ ْفجِيا (‬ ‫ِنم َنخِيلٍ وَ ِعن ٍ‬ ‫َكم َجّنةٌ م ْ‬ ‫ُونم ل َ‬ ‫َأوْ تَك َ‬ ‫‪)91‬‬ ‫أو تكون لك حديقة فيها أنواع النخيل والعناب‪ ،‬وتعل النار تري‬ ‫ف وسطها بغزارة‪.‬‬ ‫ت عََلْينَا كِسَفا َأوْ تَ ْأتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلئِ َكةِ َقبِيلً‬ ‫َأوْ تُسْقِطَ السّمَاءَ كَمَا زَعَمْ َ‬ ‫(‪)92‬‬ ‫‪940‬‬

‫أو تسقط السماء علينا قطعًا كما زَعَمْتَ‪ ،‬أو تأت لنا بال وملئكته‪،‬‬ ‫فنشاهدهم مقابلة وعِيانًا‪.‬‬ ‫َأوْ يَكُو نَ لَ كَ َبيْ تٌ مِ نْ ُزخْرُ فٍ َأ ْو تَرْقَى فِي ال سّمَاءِ َولَ نْ ُنؤْمِ نَ لِرُِقيّ َ‬ ‫ك‬ ‫َحتّى ُتنَزّلَ عََلْينَا ِكتَابا نَ ْق َرؤُه قُ ْل ُسْبحَانَ َربّي هَلْ كُن تُ إِلّ َبشَرا رَ سُولً‬ ‫(‪)93‬‬ ‫أو يكون لك بيت من ذهب‪ ،‬أو تصعد ف درج إل السماء‪ ،‬ولن‬ ‫نصدّقك ف صعودك حت تعود‪ ،‬ومعك كتاب من ال منشور نقرأ فيه‬ ‫أنك رسول ال حقا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجبًا مِن تعنّت هؤلء‬ ‫الكفار‪ :‬سبحان رب!! هل أنا إل عبد من عباده مبلّغ رسالته؟ فكيف‬ ‫أقدر على فعل ما تطلبون؟‬ ‫وَمَا َمنَ عَ النّا سَ أَ نْ ُيؤْ ِمنُوا إِذْ جَاءَهُ مْ الْهُدَى إِلّ أَ نْ قَالُوا َأبَعَ ثَ اللّ هُ َبشَرا‬ ‫رَسُولً (‪)94‬‬ ‫وما منع الكفارَ من اليان بال ورسوله وطاعتهما‪ ،‬حي جاءهم البيان‬ ‫الكاف من عند ال‪ ،‬إل قولم جهل وإنكارًا‪ :‬أبعث ال رسول من جنس‬ ‫البشر؟‬ ‫‪941‬‬

‫ِنم‬ ‫ِمم م ْ‬ ‫ُونم مُطْ َمِئنّيَ َلنَ ّزلْنَا َعَلْيه ْ‬ ‫ْضم مَلئِ َكةٌ يَ ْمش َ‬ ‫َانم فِي ا َلر ِ‬ ‫قُ ْل َلوْ ك َ‬

‫السّمَاءِ مَلَكا رَسُولً (‪)95‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ردّا على الشركي إنكارهم أن يكون الرسول من‬ ‫البشر‪ :‬لو كان ف الرض ملئكة يشون عليها مطمئني‪ ،‬لرسلنا إليهم‬ ‫رسول من جنسهم‪ ،‬ولكنّ أهل الرض بشر‪ ،‬فالرسول إليهم ينبغي أن‬ ‫يكون من جنسهم؛ ليمكنهم ماطبته وَفهْم كلمه‪.‬‬ ‫قُ ْل كَفَى بِالّلهِ َشهِيدا َبْينِي َوَبْينَكُمْ ِإّن ُه كَانَ بِ ِعبَادِهِ َخبِيا بَصِيا (‪)96‬‬ ‫قل لم‪ :‬كفى بال شهيدًا بين وبينكم على صِدْقي وحقيقة نبوّت‪ .‬إنه‬ ‫سبحانه خبي بأحوال عباده‪ ،‬بصي بأعمالم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬ ‫وَمَ نْ َيهْ ِد اللّ هُ َف ُهوَ الْ ُم ْهتَدِي وَمَ ْن يُضْلِلْ فَلَ ْن َتجِدَ َلهُ مْ َأوِْليَاءَ مِ نْ دُونِ ِه‬ ‫حشُرُهُ ْم َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ عَلَى وَجُو ِههِ ْم عُمْيا َوبُكْما وَ صُمّا مَ ْأوَاهُ مْ َج َهنّ مُ‬ ‫َونَ ْ‬ ‫ت زِ ْدنَاهُمْ َسعِيا (‪)97‬‬ ‫كُلّمَا َخبَ ْ‬

‫‪942‬‬

‫ومن يهده ال فهو الهتدي إل الق‪ ،‬ومن يضلله فيخذلْه ويَكِلْه إل‬ ‫نفسه فل هادي له من دون ال‪ ،‬وهؤلء الضّلل يبعثهم ال يوم القيامة‪،‬‬ ‫ويشرهم على وجوههم‪ ،‬وهم ل يرون ول ينطقون ول يسمعون‪،‬‬ ‫مصيهم إل نار جهنم اللتهبة‪ ،‬كلما سكن ليبها‪ ،‬وخدت نارها‪،‬‬ ‫زدناهم نارًا ملتهبة متأججة‪.‬‬ ‫َذلِ كَ جَزَاؤُهُ مْ بَِأّنهُ ْم كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا َأئِذَا ُكنّام عِظَاما َورُفَاتا َأِئنّ ا‬ ‫لَ َمبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا ( ‪)98‬‬ ‫هذا الذي ُوصِف من العذاب عقاب للمشركي؛ بسبب كفرهم بآيات‬ ‫ال وحججه‪ ،‬وتكذيبهم رسله الذين دَ َعوْهم إل عبادته‪ ،‬وقولم‬ ‫استنكارًا ‪ -‬إذا أُمروا بالتصديق بالبعث ‪ :-‬أإذا متنا وصِرْنا عظامًا بالية‬ ‫وأجزاءً متفتتة نُبعث بعد ذلك خَلْقًا جديدًا؟‬ ‫َأوَلَ ْم يَ َروْا أَنّ اللّ هَ الّذِي خَلَ َق ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ قَا ِد ٌر عَلَى أَ نْ َيخْلُ قَ‬ ‫ب فِيهِ فََأبَى الظّالِمُونَ إِ ّل كُفُورا (‪)99‬‬ ‫ل ل َريْ َ‬ ‫ِمثَْلهُمْ َوجَعَلَ َلهُمْ أَجَ ً‬ ‫أَغَفَل هؤلء الشركون‪ ،‬فلم يتبصروا ويعلموا أن ال الذي خلق‬ ‫السموات والرض وما فيهن من الخلوقات على غي مثال سابق‪ ،‬قادر‬ ‫‪943‬‬

‫على أن يلق أمثالم بعد فنائهم؟ وقد جعل ال لؤلء الشركي وقتًا‬ ‫مددًا لوتم وعذابم‪ ،‬ل شك أنه آتيهم‪ ،‬ومع وضوح الق ودلئله أب‬ ‫الكافرون إل جحودًا لدين ال عزّ وجلّ‪.‬‬ ‫شَيةَ الِنفَاقِم‬ ‫قُ ْل َلوْ أَنتُم ْمتَمْلِكُونَم خَزَائِنَم رَحْ َم ِة َربّيمإِذا لَمْسَم ْكتُمْ َخ ْ‬ ‫وَكَانَ ا ِلْنسَانُ َقتُورا (‪)100‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي ‪ :‬لو كنتم تلكون خزائن رحة رب‬ ‫الت ل تنفد ول تبيد إذًا لبخلتم با‪ ،‬فلم تعطوا منها غيكم خوفًا مِن‬ ‫نفادها فتصبحوا فقراء‪ .‬ومن شأن النسان أنه بيل با ف يده إل مَن‬ ‫عصم ال باليان‪.‬‬ ‫ت َبّينَاتٍ فَاسْأ ْل َبنِي إِسْرَائِيلَ ِإذْ جَاءَهُ ْم فَقَالَ‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا مُوسَى تِسْعَ آيَا ٍ‬ ‫سحُورا ( ‪)101‬‬ ‫َلهُ فِرْ َع ْونُ ِإنّي َل ُظنّكَ يَا مُوسَى َم ْ‬ ‫ولقد آتينا موسى تسع معجزات واضحات شاهدات على صِدْق نبوته‬ ‫وهي‪ :‬العصا واليد والسنون ونقص الثمرات والطوفان والراد والقمل‬ ‫والضفادع والدم‪ ،‬فاسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليهود سؤال تقرير حي جاء‬ ‫موسى أسلفهم بعجزاته الواضحات‪ ،‬فقال فرعون لوسى‪ :‬إن لظنك‬ ‫‪944‬‬

‫يا موسى‪ -‬ساحرا‪ ،‬مدوعًا مغلوبًا على عقلك با تأتيه من غرائب‬‫الفعال‪.‬‬ ‫قَالَ لَقَدْ َعلِمْ تَ مَا أَنزَلَ َهؤُلء إِ ّل رَبّ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ بَ صَائِرَ وَِإنّي‬ ‫َل ُظنّكَ يَا ِفرْ َع ْونُ َمْثبُورا (‪)102‬‬ ‫فردّ عليه موسى‪ :‬لقد تيقّنتَ ‪-‬يا فرعون‪ -‬أنه ما أنزل تلك العجزات‬ ‫التسع الشاهدة على صدق نبوت إل رب السموات والرض؛ لتكون‬ ‫دللت يَستدِل با أولو البصائر على وحدانية ال تعال ف ربوبيته‬ ‫وألوهيته‪ ،‬وإن لعلى يقي أنك ‪-‬يا فرعون‪ -‬هالك ملعون مغلوب‪.‬‬ ‫ستَفِزّهُ ْم مِنْ ا َلرْضِ فَأَغْرَ ْقنَاهُ وَمَ ْن مَ َعهُ َجمِيعا (‪)103‬‬ ‫َفَأرَادَ َأنْ َي ْ‬ ‫فأراد فرعون أن يزعج موسى ويرجه مع بن إسرائيل مِن أرض "مصر"‪،‬‬ ‫فأغرقناه ومَن معه مِن جن ٍد ف البحر عقابًا لم‪.‬‬ ‫وَقُ ْلنَا مِ نْ بَعْدِ ِه ِلَبنِي ِإ سْرَائِيلَ ا سْ ُكنُوا ا َلرْ ضَ َفإِذَا جَاءَ وَعْدُ الخِرَةِ ِجْئنَا‬ ‫بِكُ ْم لَفِيفا (‪)104‬‬ ‫‪945‬‬

‫وقلنا من بعد هلك فرعون وجنده لبن إسرائيل‪ :‬اسكنوا أرض "الشام"‪،‬‬ ‫فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم جيعًا مِن قبوركم إل موقف الساب‪.‬‬ ‫َوبِالْحَقّ أَن َزْلنَاهُ َوبِالْحَقّ نَزَ َل وَمَا َأرْسَ ْلنَاكَ إِلّ ُمَبشّرا َونَذِيرا (‪)105‬‬ ‫وبالقم أنزلنما هذا القرآن على مممد صملى ال عليمه وسملم لمْرِ العباد‬ ‫ونيهم وثوابم وعقابم‪ ،‬وبالصدق والعدل والفظ من التغيي والتبديل‬ ‫نزل‪ .‬و ما أر سلناك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬إل مبشرًا بال نة ل ن أطاع‪ ،‬وموفًا‬ ‫بالنار لن عصى وكفر‪.‬‬ ‫وَُقرْآنا َفرَ ْقنَاهُ ِلتَقْرَأَ ُه عَلَى النّاسِ عَلَى مُ ْكثٍ َونَ ّزْلنَاهُ تَنِيلً (‪)106‬‬ ‫وأنزل نا إل يك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬قرآنًا بيّناه وأحكمناه وفَ صّلناه فارقًا ب ي‬ ‫الدى والضلل والقم والباطمل؛ لتقرأه على الناس فم تؤدة وتهّلم‪،‬‬ ‫ونَ ّزلْناه مفرّقًما‪ ،‬شيئًا بعمد شيمء‪ ،‬على حسمب الوادث ومقتضيات‬ ‫الحوال‪.‬‬ ‫قُلْ آ ِمنُوا بِ هِ َأوْ ل ُتؤْ ِمنُوا إِنّ الّذِي نَ أُوتُوا الْعِ ْل َم مِ نْ َقبْلِ هِ إِذَا ُيتْلَى عََلْيهِ مْ‬ ‫‪946‬‬

‫لذْقَانِ ُسجّدا (‪)107‬‬ ‫َيخِرّونَ لِ َ‬ ‫قمل ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬لؤلء الكذبيم‪ :‬آمِنوا بالقرآن أو ل تؤمنوا؛ فإن‬ ‫إيان كم ل يزيده كمال وتكذيب كم ل يُلْحِق به نق صًا‪ .‬إن العلماء الذ ين‬ ‫أوتوا الك تب ال سابقة مِن ق بل القرآن‪ ،‬وعرفوا حقي قة الو حي‪ ،‬إذا قرئ‬ ‫عليهم القرآن يشعون‪ ،‬فيسجدون على وجوههم ل سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫َويَقُولُونَ ُسْبحَانَ َرّبنَا ِإنْ كَانَ وَعْدُ َرّبنَا لَمَفْعُولً (‪)108‬‬ ‫ويقول هؤلء الذين أوتوا العلم عند ساع القرآن‪ :‬تنيهًا لرب نا وتبئة له‬ ‫م ا ي صفه الشركون به‪ ،‬ما كان و عد ال تعال من ثواب وعقاب إل‬ ‫واقعًا حقًا ‪.‬‬ ‫َويَخِرّونَ لِلَ ْذقَانِ َيبْكُونَ َويَزِيدُ ُهمْ ُخشُوعا (‪)109‬‬ ‫ويقمع هؤلء سماجدين على وجوههمم‪ ،‬يبكون تأثرًا بواعمظ القرآن‪،‬‬ ‫ويزيدهم ساع القرآن ومواعظه خضوعًا لمر ال وعظيم قدرته‪.‬‬ ‫قُلْ ادْعُوا اللّ هَ َأوْ ادْعُوا الرّحْمَ نَ َأيّا مَا تَدْعُوا فَلَ هُ الَ سْمَاءُ الْحُ سْنَى وَل‬ ‫‪947‬‬

‫ك وَل ُتخَافِتْ ِبهَا وَاْبتَغِ َبيْنَ َذلِكَ َسبِيلً (‪)110‬‬ ‫َتجْهَ ْر بِصَلتِ َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك الذين أنكروا عليك الدعاء بقولك‪:‬‬ ‫يا أل يا رحن‪ ،‬ادعوا ال‪ ،‬أو ادعوا الرحن‪ ،‬فبأي أسائه دعوتوه فإنكم‬ ‫تدعون رب ًا واحدًا؛ لن أسماءه كلهما حسمن‪ .‬ول تهمر بالقراءة فم‬ ‫ُسمّر بام فل يسممعك أصمحابك‪،‬‬ ‫صملتك‪ ،‬فيسممعك الشركون‪ ،‬ول ت ِ‬ ‫وكن وسطًا بي الهر والمس‪.‬‬ ‫ك َولَمْ‬ ‫وَقُ ْل اْلحَمْ ُد لِلّهِ الّذِي لَ ْم َيتّخِ ْذ َولَدا َولَمْ يَكُ ْن لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْ ِ‬

‫يَكُنْ َلهُ َولِيّ مِنْ الذّلّ وَ َكبّرْ ُه تَ ْكبِيا (‪)111‬‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬المد ل الذي له الكمال والثناء‪ ،‬الذي تنّه عن‬ ‫الولد والشر يك ف ألوهي ته‪ ،‬ول يكون له سبحانه ولّ مِن خل قه ف هو‬ ‫الغ ن القوي‪ ،‬و هم الفقراء الحتاجون إل يه‪ ،‬وعظّ مه تعظيمًا تامًا بالثناء‬ ‫عليه وعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬وإخلص الدين كله له‪.‬‬

‫‪948‬‬

‫‪ -18‬سورة الكهف‬ ‫ب َولَمْ َيجْعَلْ َلهُ ِعوَجَا (‪)1‬‬ ‫الْحَمْ ُد لِّلهِ الّذِي أَنزَلَ عَلَى َعبْدِ ِه الْ ِكتَا َ‬ ‫الثناء على ال بصمفاته التم كلّهما أوصماف كمال‪ ،‬وبنعممه الظاهرة‬ ‫والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬الذي تفضّل فأنزل على عبده ورسوله ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم القرآن‪ ،‬ول يعل فيه شيئًا من اليل عن الق‪.‬‬ ‫ُونم‬ ‫ِينم يَعْمَل َ‬ ‫ْهم َوُيَبشّرَ الْ ُمؤْ ِمنِي َ الّذ َ‬ ‫ِنم لَ ُدن ُ‬ ‫َقيّما ِليُن ِذرَ بَأْسما شَدِيدا م ْ‬ ‫الصّالِحَاتِ َأنّ َلهُمْ َأجْرا َحسَنا (‪ )2‬مَا ِكِثيَ فِيهِ َأبَدا (‪)3‬‬ ‫جعله ال كتابًا مستقيمًا‪ ،‬ل اختلف فيه ول تناقض؛ لينذر الكافرين من‬ ‫عذاب شد يد ممن عنده‪ ،‬ويبشمر الصمدقي بال ور سوله الذ ين يعملون‬ ‫العمال الصالات‪ ،‬بأن لم ثوابًا جزيل هو النة‪ ،‬يقيمون ف هذا النعيم‬ ‫ل يفارقونه أبدًا‪.‬‬ ‫َويُن ِذرَ الّذِينَ قَالُوا اتّخَ َذ الّلهُ وَلَدا (‪)4‬‬ ‫وينذر به الشركي الذين قالوا‪ :‬اتذ ال ولدا‪.‬‬ ‫‪949‬‬

‫مَا َلهُ ْم بِ هِ مِ نْ عِ ْل مٍ وَل لبَاِئهِ مْ َكُبرَ تْ َكلِ َمةً َتخْرُ جُ مِ نْ أَ ْفوَا ِههِ مْ إِ نْ‬

‫يَقُولُونَ إِ ّل كَذِبا (‪)5‬‬

‫ليس عند هؤلء الشركي شيء من العلم على ما يَدّعونه ل من اتاذ‬ ‫الولد‪ ،‬كما ل يكن عند أسلفهم الذين قلّدوهم‪ ،‬عَظُمت هذه القالة‬ ‫الشنيعة الت ترج من أفواههم‪ ،‬ما يقولون إل قول كاذبًا‪.‬‬ ‫ك بَاخِ ٌع نَفْ سَكَ عَلَى آثَارِهِ مْ إِ نْ لَ مْ ُيؤْ ِمنُوا ِبهَذَا اْلحَدِي ثِ أَ سَفا (‬ ‫َفلَعَلّ َ‬ ‫‪)6‬‬ ‫فلعلك ‪-‬أيها الرسول‪ُ -‬مهْلِك نفسك غمّا وحزنًا على أثر تولّي قومك‬ ‫وإعراضهم عنك‪ ،‬إن ل يصدّقوا بذا القرآن ويعملوا به‪.‬‬ ‫ل (‪)7‬‬ ‫ض زِينَةً َلهَا ِلَنبُْلوَهُمْ َأّيهُمْ َأ ْحسَنُ عَمَ ً‬ ‫ِإنّا جَعَ ْلنَا مَا عَلَى الَرْ ِ‬ ‫إنّا جعلنا ما على وجه الرض من الخلوقات جَمال لا‪ ،‬ومنفعة لهلها؛‬ ‫لنختبهم‪ :‬أيّهم أحسن عمل بطاعتنا‪ ،‬وأيهم أسوأ عمل بالعاصي‪،‬‬ ‫ونزي كل با يستحق‪.‬‬ ‫‪950‬‬

‫وَِإنّا َلجَاعِلُونَ مَا عََلْيهَا صَعِيدا ُجرُزا (‪)8‬‬ ‫وإنّا لاعلون ما على الرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا ترابًا‪ ،‬ل‬ ‫نبات فيه‪.‬‬ ‫صحَابَ الْ َكهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاِتنَا َعجَبا (‪)9‬‬ ‫سبْتَ َأنّ َأ ْ‬ ‫أَمْ َح ِ‬ ‫ل تظن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن قصة أصحاب الكهف واللوح الذي ُكتِبت‬ ‫فيه أساؤهم من آياتنا عجيبة وغريبة؛ فإن خلق السموات والرض وما‬ ‫فيهما أعجب من ذلك‪.‬‬ ‫ك رَحْ َمةً وَ َهيّ ْئ َلنَا مِنْ‬ ‫إِذْ َأوَى الْ ِفْتَيةُ ِإلَى الْ َكهْفِ َفقَالُوا َرّبنَا آِتنَا مِنْ لَ ُدنْ َ‬ ‫أَمْ ِرنَا رَشَدا (‪)10‬‬ ‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي لأ الشبّان الؤمنون إل الكهف؛ خشية من‬ ‫فتنة قومهم لم‪ ،‬وإرغامهم على عبادة الصنام‪ ،‬فقالوا‪ :‬ربنا أعطنا مِن‬ ‫عندك رحة‪ ،‬تثبتنا با‪ ،‬وتفظنا من الشر‪ ،‬ويسّر لنا الطريق الصواب‬ ‫الذي يوصلنا إل العمل الذي تب‪ ،‬فنكون راشدين غي ضالي‪.‬‬ ‫‪951‬‬

‫فَضَ َرْبنَا عَلَى آذَاِنهِمْ فِي الْ َكهْفِ ِسِنيَ َعدَدا (‪)11‬‬ ‫فألقينا عليهم النوم العميق‪ ،‬فبقوا ف الكهف سني كثية‪.‬‬ ‫ثُ ّم بَ َعْثنَاهُمْ ِلنَعْلَمَ َأيّ الْحِ ْزَبيْنِ أَحْصَى لِمَا َلِبثُوا أَمَدا (‪)12‬‬ ‫ث أيقظناهم مِن نومهم؛ لنُظهر للناس ما علمناه ف الزل؛ فتتميّز أي‬ ‫الطائفتي التنازعتي ف مدة لبثهم أضبط ف الحصاء‪ ،‬وهل لبثوا يومًا أو‬ ‫بعض يوم‪ ،‬أو مدة طويلة؟‬ ‫ك َنبَأَهُ مْ بِالْحَقّ ِإّنهُ مْ ِفْتَيةٌ آ َمنُوا بِ َرّبهِ ْم َوزِ ْدنَاهُ مْ ُهدًى (‬ ‫َنحْ نُ نَقُ صّ َعَليْ َ‬ ‫‪)13‬‬ ‫نن نقصّ عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خبهم بالصدق‪ .‬إن أصحاب الكهف‬ ‫ُشبّان صدّقوا ربم وامتثلوا أمره‪ ،‬وزِدْناهم هدى وثباتًا على الق‪.‬‬ ‫ت وَالَرْ ضِ لَ نْ‬ ‫َو َربَطْنَا َعلَى قُلُوِبهِ مْ ِإذْ قَامُوا فَقَالُوا َربّنَا رَبّ ال سّ َموَا ِ‬ ‫نَدْ ُعوَ مِنْ دُوِنهِ ِإلَها لَقَ ْد قُ ْلنَا إِذا شَطَطا (‪)14‬‬ ‫‪952‬‬

‫وقوّينا قلوبم باليان‪ ،‬وشددنا عزيتهم به‪ ،‬حي قاموا بي يدي اللك‬ ‫الكافر‪ ،‬وهو يلومهم على تَرْكِ عبادة الصنام فقالوا له‪ :‬ربنا الذي نعبده‬ ‫هو رب السموات والرض‪ ،‬لن نعبد غيه من اللة‪ ،‬لو قلنا غي هذا‬ ‫ل ُكنّا قد قلنا قول جائرًا بعيدًا عن الق‪.‬‬ ‫َهؤُلءِ َقوْ ُمنَا اّتخَذُوا مِ نْ دُونِ هِ آِل َهةً َلوْل يَ ْأتُو نَ عََلْيهِ ْم بِ سُلْطَانٍ َبيّ نٍ فَمَ نْ‬

‫َأظْلَ ُم مِمّنْ ا ْفَترَى َعلَى الّلهِ كَذِبا ( ‪)15‬‬

‫ث قال بعضهم لبعض‪ :‬هؤلء قومنا اتذوا لم آلة غي ال‪ ،‬فهل أَتوْا‬ ‫على عبادتم لا بدليل واضح‪ ،‬فل أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال‬ ‫الكذب بنسبة الشريك إليه ف عبادته‪.‬‬ ‫وَِإذْ ا ْعتَ َزْلتُمُوهُ ْم وَمَا يَ ْعبُدُونَ إِلّ اللّهَ فَ ْأوُوا ِإلَى الْ َكهْفِ يَنشُرْ لَكُ ْم َربّكُمْ‬ ‫مِنْ رَ ْح َمِتهِ َوُي َهيّئْ لَكُمْ مِنْ أَ ْمرِكُمْ مِرفَقا (‪)16‬‬ ‫وحي فارقتم قومكم بدينكم‪ ،‬وتركتم ما يعبدون من اللة إل عبادة‬ ‫ال‪ ،‬فالؤوا إل الكهف ف البل لعبادة ربكم وحده‪َ ،‬يبْسطْ لكم ربكم‬ ‫من رحته ما يستركم به ف الدارين‪ ،‬ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون‬ ‫به ف حياتكم من أسباب العيش‪.‬‬ ‫‪953‬‬

‫ت اْليَمِيِ وَإِذَا َغ َربَ ْ‬ ‫ت‬ ‫َوتَرَى الشّمْ سَ إِذَا طَلَعَ تْ َتتَزَا َورُ عَ نْ َكهْ ِفهِ مْ ذَا َ‬ ‫ت اللّ هِ مَ ْن َيهْدِ‬ ‫ك مِ نْ آيَا ِ‬ ‫ت الشّمَالِ وَهُ ْم فِي َفجْوَةٍ ِمنْ هُ َذلِ َ‬ ‫ضهُ مْ ذَا َ‬ ‫تَقْ ِر ُ‬ ‫اللّهُ َف ُهوَ الْ ُم ْهتَدِي وَمَنْ يُضْلِ ْل فَلَ ْن َتجِدَ َلهُ َولِيّا مُرْشِدا (‪)17‬‬ ‫فلما فعلوا ذلك ألقى ال عليهم النوم وحَفِظهم‪ .‬وترى ‪-‬أيها الشاهد‬ ‫لم‪ -‬الشمس إذا طلعت من الشرق تيل عن مكانم إل جهة اليمي‪،‬‬ ‫وإذا غربت تتركهم إل جهة اليسار‪ ،‬وهم ف متسع من الكهف‪ ،‬فل‬ ‫تؤذيهم حرارة الشمس ول ينقطع عنهم الواء‪ ،‬ذلك الذي فعلناه بؤلء‬ ‫الفتية من دلئل قدرة ال‪ .‬من يوفقه ال للهتداء بآياته فهو الوفّق إل‬ ‫الق‪ ،‬ومن ل يوفقه لذلك فلن تد له معينًا يرشده لصابة الق؛ لن‬ ‫التوفيق والِذْلن بيد ال وحده‪.‬‬ ‫َاتم الشّمَا ِل‬ ‫َاتم اْليَمِي ِ وَذ َ‬ ‫ُمم ذ َ‬ ‫ُمم رُقُو ٌد َونُقَّلُبه ْ‬ ‫ْسمُبهُمْ َأيْقَاظا وَه ْ‬ ‫َوَتح َ‬ ‫ت عََلْيهِ مْ َل َوّليْ تَ ِمْنهُ ْم فِرَارا‬ ‫وَكَ ْلُبهُ مْ بَا سِطٌ ِذرَا َعيْ هِ بِاْلوَ صِيدِ َلوْ اطّلَعْ َ‬ ‫َولَمُِلئْتَ ِمْنهُ ْم رُعْبا (‪)18‬‬ ‫وتظن ‪-‬أيها الناظر‪ -‬أهل الكهف أيقاظًا‪ ،‬وهم ف الواقع نيام‪ ،‬ونتعهدهم‬ ‫بالرعاية‪ ،‬فنُقَلّبهم حال نومهم مرة للجنب الين ومرة للجنب اليسر؛‬ ‫‪954‬‬

‫لئل تأكلهم الرض‪ ،‬وكلبهم الذي صاحَبهم مادّ ذراعيه بفناء الكهف‪،‬‬ ‫لو عاينتهم لدبرت عنهم هاربًا‪ ،‬ولَمُِلَئتْ نفسك منهم فزعًا‪.‬‬ ‫ك بَ َعْثنَاهُمْ ِلَيتَسَا َءلُوا َبْيَنهُمْ قَالَ قَائِلٌ ِمْنهُمْ َكمْ َلِبْثتُمْ قَالُوا َلِبْثنَا َيوْما‬ ‫وَكَ َذلِ َ‬ ‫َأوْ بَعْضَ َيوْمٍ قَالُوا َربّ ُكمْ أَعْلَمُ ِبمَا َلِبْثتُمْ فَابْ َعثُوا َأحَدَكُمْ ِب َورِقِكُمْ َهذِهِ ِإلَى‬ ‫ف وَل ُيشْعِ َرنّ‬ ‫الْمَدِيَنةِ فَ ْليَنظُرْ َأّيهَا َأزْكَى طَعَاما فَ ْليَ ْأتِكُمْ بِ ِرزْقٍ ِمنْهُ َوْلَيتَلَطّ ْ‬ ‫بِكُمْ أَحَدا (‪)19‬‬

‫وكما أنناهم وحفظناهم هذه الدة الطويلة أيقظناهم مِن نومهم على‬ ‫هيئتهم دون تغيّر؛ لكي يسأل بعضهم بعضًا‪ :‬كم من الوقت مكثنا‬ ‫نائمي هنا؟ فقال بعضهم‪ :‬مكثنا يوما أو بعض يوم‪ ،‬وقال آخرون التبس‬ ‫عليهم المر‪َ :‬فوّضوا عِلْم ذلك ل‪ ،‬فربكم أعلم بالوقت الذي مكثتموه‪،‬‬ ‫فأرسِلوا أحدكم بنقودكم الفضية هذه إل مدينتنا فلينظر‪ :‬أيّ أهل الدينة‬ ‫أحلّ وأطيب طعامًا؟ فليأتكم بقوت منه‪ ،‬وليتلطف ف شرائه مع البائع‬ ‫حت ل ننكشف‪ ،‬ويظهر أمرنا‪ ،‬ول يُعْلِمَنّ بكم أحدًا من الناس‪.‬‬ ‫ِإّنهُ مْ إِ نْ يَ ْظهَرُوا عََلْيكُ مْ َيرْجُمُوكُ مْ َأ ْو يُعِيدُوكُ مْ فِي مِّلِتهِ ْم َولَ نْ تُفِْلحُوا‬

‫إِذا َأبَدا ( ‪)20‬‬

‫‪955‬‬

‫إن قومكم إن يطّلعوا عليكم يرجوكم بالجارة‪ ،‬فيقتلوكم‪ ،‬أو يردوكم‬ ‫إل دينهم‪ ،‬فتصيوا كفارًا‪ ،‬ولن تفوزوا بطلبكم مِن دخول النة ‪-‬إن‬ ‫فعلتم ذلك‪ -‬أبدًا‪.‬‬ ‫وَكَ َذلِ كَ أَ ْعثَرْنَا َعَلْيهِ مْ ِليَعْلَمُوا أَنّ وَعْدَ اللّ هِ حَقّ وَأَنّ ال سّا َعةَ ل َريْ َ‬ ‫ب‬ ‫فِيهَا إِ ْذ َيَتنَازَعُو نَ َبْيَنهُ مْ أَمْرَهُ ْم فَقَالُوا اْبنُوا عََلْيهِ ْم ُبْنيَانا َربّهُ مْ أَعَْل مُ ِبهِ مْ‬ ‫قَالَ الّذِينَ غََلبُوا عَلَى أَ ْمرِهِمْ َلَنّتخِ َذنّ عََلْيهِمْ َمسْجِدا (‪)21‬‬

‫وكما أنناهم سني كثية‪ ،‬وأيقظناهم بعدها‪ ،‬أطْلَعنا عليهم أهل ذلك‬ ‫الزمان‪ ،‬بعد أن كشف البائع نوع الدراهم الت جاء با مبعوثهم؛ ليعلم‬ ‫الناس أنّ وَ ْعدَ ال بالبعث حق‪ ،‬وأن القيامة آتية ل شك فيها‪ ،‬إذ يتنازع‬ ‫ت لا ومِن‬ ‫الطّلِعون على أصحاب الكهف ف أمر القيامة‪ :‬فمِن ُمْثبِ ٍ‬ ‫ُمنْكِر‪ ،‬فجعل ال إطْلعهم على أصحاب الكهف حجة للمؤمني على‬ ‫الكافرين‪ .‬وبعد أن انكشف أمرهم‪ ،‬وماتوا قال فريق من الطّلِعي‬ ‫عليهم‪ :‬ابنوا على باب الكهف بناءً يجبهم‪ ،‬واتركوهم وشأنم‪ ،‬ربم‬ ‫أعلم بالم‪ ،‬وقال أصحاب الكلمة والنفوذ فيهم‪ :‬لنتخذنّ على مكانم‬ ‫مسجدًا للعبادة‪ .‬وقد نى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن اتاذ قبور‬ ‫النبياء والصالي مساجد‪ ،‬ولعن مَن فَعَلَ ذلك ف آخر وصاياه لمته‪،‬‬ ‫‪956‬‬

‫كما أنه نى عن البناء على القبور مطلقًا‪ ،‬وعن تصيصها والكتابة‬ ‫عليها؛ لن ذلك من الغلو الذي قد يؤدي إل عبادة مَن فيها‪.‬‬ ‫سةٌ سَادِ ُسهُ ْم كَ ْلُبهُ مْ رَجْما‬ ‫َسيَقُولُونَ ثَلَثةٌ رَابِ ُعهُ مْ كَ ْلُبهُ ْم َويَقُولُو نَ خَمْ َ‬ ‫بِالْ َغيْ بِ َويَقُولُو نَ َسبْ َعةٌ َوثَا ِمنُهُ مْ كَ ْلُبهُ مْ قُلْ َربّي أَعْلَ مُ بِ ِع ّدِتهِ ْم مَا يَعْلَ ُمهُ مْ‬ ‫ستَفْتِ فِيهِ مْ ِمْنهُ مْ أَحَدا (‬ ‫إِلّ قَلِيلٌ فَل تُمَارِ فِيهِ مْ إِلّ ِمرَاءً ظَاهِرا وَل تَ ْ‬ ‫‪)22‬‬

‫سيقول بعض الائضي ف شأنم من أهل الكتاب‪ :‬هم ثلثةٌ‪ ،‬رابعهم‬ ‫كلبهم‪ ،‬ويقول فريق آخر‪ :‬هم خسة‪ ،‬سادسهم كلبهم‪ ،‬وكلم الفريقي‬ ‫قول بالظن من غي دليل‪ ،‬وتقول جاعة ثالثة‪ :‬هم سبعة‪ ،‬وثامنهم‬ ‫كلبهم‪ ،‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬رب هو العلم بعددهم‪ ،‬ما يعلم عددهم‬ ‫إل قليل من خلقه‪ .‬فل تادل أهل الكتاب ف عددهم إل جدال ظاهرًا‬ ‫ل عمق فيه‪ ،‬بأن تَقُصّ عليهم ما أخبك به الوحي فحسب‪ ،‬ول تسألم‬ ‫عن عددهم وأحوالم؛ فإنم ل يعلمون ذلك‪.‬‬ ‫وَل تَقُولَنّ لِشَ ْيءٍ ِإنّ ي فَاعِلٌ َذلِ كَ غَدا (‪ )23‬إِلّ أَ نْ َيشَاءَ اللّ هُ وَاذْكُ ْر‬ ‫ت وَقُلْ عَ سَى أَ نْ َيهْ ِديَنِي َربّ ي َلقْرَ بَ مِ نْ َهذَا رَشَدا (‬ ‫َربّ كَ إِذَا نَ سِي َ‬ ‫‪957‬‬

‫‪)24‬‬ ‫ول تقولنّ لشيء تعزم على فعله‪ :‬إن فاعل ذلك الشيء غدًا إل أن تُعَلّق‬ ‫قولك بالشيئة‪ ،‬فتقول‪ :‬إن شاء ال‪ .‬واذكر ربك عند النسيان بقول‪ :‬إن‬ ‫شاء ال‪ ،‬وكلما نسيت فاذكر ال; فإن ذِكْ َر ال يُذهِب النسيان‪ ،‬وقل‪:‬‬ ‫عسى أن يهدين رب لقرب الطرق الوصلة إل الدى والرشاد‪.‬‬ ‫ث مِاَئةٍ ِسِنيَ وَازْدَادُوا ِتسْعا (‪)25‬‬ ‫َوَلِبثُوا فِي َكهْ ِفهِ ْم ثَل َ‬ ‫شبّان نيامًا ف كهفهم ثلثائة سنة وتسع سني‪.‬‬ ‫ومكث ال ّ‬ ‫ت وَالَرْ ضِ َأبْ صِرْ بِ هِ وََأ سْ ِمعْ مَا‬ ‫قُلْ اللّ هُ أَعْلَ مُ ِبمَا َلِبثُوا لَ هُ َغيْ بُ ال سّ َموَا ِ‬

‫َلهُمْ مِنْ دُوِنهِ مِنْ َولِيّ وَل ُيشْرِ ُك فِي حُ ْك ِمهِ َأحَدا (‪)26‬‬

‫وإذا سُئلت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن مدة لبثهم ف الكهف‪ ،‬وليس عندك علم‬ ‫ف ذلك وتوقيف من ال‪ ،‬فل تتقدم فيه بشيء‪ ،‬بل قل‪ :‬ال أعلم بدة‬ ‫لبثهم‪ ،‬له غيب السموات والرض‪َ ،‬أبْصِرْ به وأسع‪ ،‬أي‪ :‬تعجب من‬ ‫كمال بصره وسعه وإحاطته بكل شيء‪ .‬ليس للخلق أحد غيه يتول‬ ‫أمورهم‪ ،‬وليس له شريك ف حكمه وقضائه وتشريعه‪ ،‬سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫‪958‬‬

‫ك ل ُمبَدّ َل لِكَلِمَاتِ هِ َولَ نْ َتجِ َد مِ نْ‬ ‫وَاتْلُ مَا أُوحِ يَ ِإَليْ كَ مِ ْن ِكتَا بِ َربّ َ‬

‫دُوِنهِ مُ ْلَتحَدا (‪)27‬‬

‫واتل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما أوحاه ال إليك من القرآن‪ ،‬فإنه الكتاب الذي‬ ‫ل مبدّل لكلماته لصدقها وعدلا‪ ،‬ولن تد من دون ربك ملجًأ تلجأ‬ ‫إليه‪ ،‬ول معاذًا تعوذ به‪.‬‬ ‫ك مَ عَ الّذِي نَ يَدْعُو نَ َرّبهُ مْ بِالْغَدَاةِ وَالْ َعشِيّ يُرِيدُو نَ وَ ْجهَ ُه‬ ‫صبِرْ نَفْ سَ َ‬ ‫وَا ْ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَل تُطِ عْ مَ نْ أَغْفَ ْلنَا قَ ْلبَ هُ عَ نْ‬ ‫وَل تَعْ ُد َعْينَا كَ َعْنهُ مْ ُترِيدُ زِيَنةَ الْ َ‬ ‫ذِكْ ِرنَا وَاّتبَ َع َهوَاهُ وَكَانَ أَ ْمرُهُ ُفرُطا (‪)28‬‬ ‫واصب نفسك ‪-‬أيها النب‪ -‬مع أصحابك مِن فقراء الؤمني الذين‬ ‫يعبدون ربم وحده‪ ،‬ويدعونه ف الصباح والساء‪ ،‬يريدون بذلك وجهه‪،‬‬ ‫واجلس معهم وخالطهم‪ ،‬ول تصرف نظرك عنهم إل غيهم من الكفار‬ ‫لرادة التمتع بزينة الياة الدنيا‪ ،‬ول تُطِ ْع من جعلنا قلبه غافل عن‬ ‫ذكرنا‪ ،‬وآثَ َر هواه على طاعة موله‪ ،‬وصار أمره ف جيع أعماله ضياعًا‬ ‫وهلكًا‪.‬‬

‫‪959‬‬

‫وَقُ ْل اْلحَقّ مِ نْ َربّكُ مْ فَمَ نْ شَاءَ فَ ْلُيؤْمِ نْ وَمَ نْ شَاءَ فَ ْلَيكْفُرْ ِإنّ ا أَ ْعتَدْنَا‬ ‫مغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْ ُمهْلِ‬ ‫ِمم سُمرَادُِقهَا وَإِن ْم يَس ْتَ‬ ‫لِلظّالِمِيَ نَارا أَحَاطَم ِبه ْ‬ ‫ب وَسَاءَتْ ُم ْرتَفَقا (‪)29‬‬ ‫شوِي الْوُجُو َه ِبْئسَ الشّرَا ُ‬ ‫َي ْ‬ ‫وقل لؤلء الغافلي‪ :‬ما جئتكم به هو الق من ربكم‪ ،‬فمن أراد منكم‬ ‫أن يصدق ويعمل به‪ ،‬فليفعل فهو خي له‪ ،‬ومن أراد أن يحد فليفعل‪،‬‬ ‫فما ظَلَم إل نفسه‪ .‬إنا أعتدنا للكافرين نارًا شديدة أحاط بم سورها‪،‬‬ ‫وإن يستغث هؤلء الكفار ف النار بطلب الاء مِن شدة العطش‪ ،‬يُؤتَ‬ ‫لم باء كالزيت العَكِر شديد الرارة يشوي وجوههم‪َ .‬قبُح هذا‬ ‫ت النار منل لم‬ ‫الشراب الذي ل يروي ظمأهم بل يزيده‪ ،‬وَقُبحَ ْ‬ ‫ومقامًا‪ .‬وف هذا وعيد وتديد شديد لن أعرض عن الق‪ ،‬فلم يؤمن‬ ‫برسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يعمل بقتضاها‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ ِإنّا ل نُضِي عُ أَجْ َر مَ نْ أَحْ سَنَ عَ َملً (‬ ‫‪)30‬‬ ‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا العمال الصالات لم أعظم‬ ‫الثوبة‪ ،‬إنا ل نضيع أجورهم‪ ،‬ول ننقصها على ما أحسنوه من العمل‪.‬‬

‫‪960‬‬

‫حِتهِ مْ ا َلْنهَارُ ُيحَلّوْ نَ فِيهَا مِ ْن‬ ‫ت عَدْ نٍ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫ك َلهُ مْ َجنّا ُ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫ب َويَ ْلبَسُونَ ِثيَابا خُضْرا مِنْ سُندُسٍ وَإِ ْسَتْبرَقٍ ُمتّ ِكِئيَ فِيهَا‬ ‫أَسَا ِورَ مِنْ ذَهَ ٍ‬ ‫ت مُ ْرتَفَقا (‪)31‬‬ ‫سنَ ْ‬ ‫عَلَى الَرَائِكِ نِ ْعمَ الّثوَابُ وَ َح ُ‬ ‫أولئك الذين آمنوا لم جنات يقيمون فيها دائمًا‪ ،‬تري من تت غرفهم‬ ‫ومنازلم النار العذبة‪ُ ،‬يحَلّون فيها بأساور الذهب‪ ،‬ويَ ْلبَسون ثيابًا ذات‬ ‫لون أخضر نسجت من رقيق الرير وغليظه‪ ،‬يتكئون فيها على السِرّة‬ ‫ت النة منل ومكانًا‬ ‫الزدانة بالستائر الميلة‪ ،‬نِعْمَ الثواب ثوابم‪ ،‬و َحسُن ِ‬ ‫لم‪.‬‬ ‫ل رَجَُليْنِ َجعَ ْلنَا َلحَدِهِمَا َجّنَتيْنِ مِنْ أَ ْعنَابٍ َوحَفَ ْفنَاهُمَا‬ ‫وَاضْرِبْ َلهُمْ َمثَ ً‬

‫ِبَنخْلٍ َوجَعَ ْلنَا َبْيَنهُمَا َزرْعا (‪)32‬‬

‫واضرب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لكفار قومك مثل رجلي من المم السابقة‪:‬‬ ‫أحدها مؤمن‪ ،‬والخر كافر‪ ،‬وقد جعلنا للكافر حديقتي من أعناب‪،‬‬ ‫وأحطناها بنخل كثي‪ ،‬وأنبتنا وسطهما زروعًا متلفة نافعة‪.‬‬ ‫جّنَتيْ نِ آَت تْ أُكَُلهَا َولَ مْ تَظِْل ْم ِمنْ هُ َشيْئا وََفجّ ْرنَا خِللَهُمَا َنهَرا (‬ ‫كِ ْلتَا الْ َ‬ ‫‪)33‬‬ ‫‪961‬‬

‫وقد أثرت كل واحدة من الديقتي ثرها‪ ،‬ول ُتنْقِص منه شيئًا‪ ،‬وشققنا‬ ‫بينهما نرًا لسقيهما بسهولة ويسر‪.‬‬ ‫وَكَا نَ لَ هُ َثمَ ٌر فَقَالَ لِ صَا ِحِبهِ وَ ُهوَ ُيحَا ِورُ هُ َأنَا أَ ْكثَرُ ِمْن كَ مَالً وَأَ َعزّ نَفَرا‬ ‫(‪)34‬‬ ‫وكان لصاحب الديقتي ثر وأموال أخرى‪ ،‬فقال لصاحبه الؤمن‪ ،‬وهو‬ ‫ياوره ف الديث‪ ،‬والغرور يلؤه‪ :‬أنا أكثر منك مال وأعز أنصارًا‬ ‫وأعوانًا‪.‬‬ ‫سهِ قَالَ مَا َأظُنّ أَ نْ َتبِي َد هَذِ هِ َأبَدا (‪)35‬‬ ‫وَ َدخَلَ َجّنتَ هُ وَ ُهوَ ظَالِ مٌ ِلنَفْ ِ‬ ‫وَمَا َأظُنّ ال سّا َعةَ قَائِ َمةً َوَلئِ نْ رُدِدْ تُ ِإلَى َربّي لَ ِج َدنّ َخيْرا ِمْنهَا مُنقَلَبا (‬ ‫‪)36‬‬

‫ودخل حديقته‪ ،‬وهو ظال لنفسه بالكفر بالبعث‪ ،‬وشكه ف قيام الساعة‪،‬‬ ‫فأعجبته ثارها وقال‪ :‬ما أعتقد أن َتهْلِك هذه الديقة مدى الياة‪ ،‬وما‬ ‫ض وقوعها ‪-‬كما تزعم أيها الؤمن‪-‬‬ ‫أعتقد أن القيامة واقعة‪ ،‬وإن فُرِ َ‬ ‫ت إل رب لجدنّ عنده أفضل من هذه الديقة مرجعًا ومردًا؛‬ ‫ورُجع ُ‬ ‫لكرامت ومنلت عنده‪.‬‬ ‫‪962‬‬

‫ك مِ نْ تُرَا بٍ ثُمّ مِ نْ‬ ‫ت بِالّذِي خَلَقَ َ‬ ‫قَالَ لَ هُ صَا ِحُبهُ وَ ُهوَ ُيحَا ِورُ هُ أَكَ َفرْ َ‬

‫نُطْ َفةٍ ثُمّ َسوّاكَ رَ ُجلً (‪)37‬‬

‫قال له صاحبه الؤمن‪ ،‬وهو ياوره واعظًا له‪ :‬كيف تكفر بال الذي‬ ‫خلقك مِن تراب‪ ،‬ث مِن نطفة البوين‪ ،‬ث َسوّاك بشرًا معتدل القامة‬ ‫والَلْق؟ وف هذه الحاورة دليل على أن القادر على ابتداء اللق‪ ،‬قادر‬ ‫على إعادتم‪.‬‬ ‫لَ ِكنّا ُهوَ الّلهُ َربّي وَل ُأشْرِ ُك بِ َربّي أَحَدا ( ‪)38‬‬ ‫لكن أنا ل أقول بقالتك الدالة على كفرك‪ ،‬وإنا أقول‪ :‬النعم التفضل‬ ‫هو ال رب وحده‪ ،‬ول أشرك ف عبادت له أحدًا غيه‪.‬‬ ‫ت مَا شَاءَ اللّهُ ل ُقوّةَ إِ ّل بِاللّهِ إِنْ تُ َرنِي َأنَا َأقَلّ‬ ‫َوَلوْل إِذْ َدخَلْتَ َجّنتَكَ قُ ْل َ‬

‫ك َويُرْ سِلَ‬ ‫ِمنْ كَ مَالً َو َولَدا (‪ )39‬فَعَ سَى َربّي أَ نْ ُي ْؤِتَينِي َخيْرا مِ نْ َجّنتِ َ‬ ‫صبِحَ مَاؤُهَا‬ ‫صبِ َح صَعِيدا زَلَقا (‪َ )40‬أ ْو يُ ْ‬ ‫سبَانا مِ نْ ال سّمَاءِ َفتُ ْ‬ ‫عََلْيهَا حُ ْ‬ ‫ستَطِي َع لَهُ طَلَبا (‪)41‬‬ ‫َغوْرا فَلَ ْن َت ْ‬ ‫‪963‬‬

‫وهل حي دخَلْتَ حديقتك فأعجبتك حَمِدت ال‪ ،‬وقلت‪ :‬هذا ما شاء‬ ‫ال ل‪ ،‬ل قوة ل على تصيله إل بال‪ .‬إن كنت تران أقل منك مال‬ ‫وأولدًا‪ ،‬فعسى رب أن يعطين أفضل من حديقتك‪ ،‬ويسلبك النعمة‬ ‫بكفرك‪ ،‬ويرسل على حديقتك عذابا من السماء‪ ،‬فتصبح أرضًا ملساء‬ ‫جرداء ل تثبت عليها قدم‪ ،‬ول ينبت فيها نبات‪ ،‬أو يصي ماؤها الذي‬ ‫تُسقى منه غائرًا ف الرض‪ ،‬فل تقدر على إخراجه‪.‬‬ ‫ب كَ ّفيْ هِ َعلَى مَا أَنفَ قَ فِيهَا وَهِ يَ خَا ِوَيةٌ عَلَى‬ ‫صَبحَ يُقَلّ ُ‬ ‫وَُأحِي طَ ِبثَ َمرِ ِه فَأَ ْ‬

‫عُرُو ِشهَا َويَقُولُ يَا َلْيَتنِي لَمْ أُ ْشرِكْ بِ َربّي َأحَدا (‪)42‬‬

‫وتَقّقَ ما قاله الؤمن‪ ،‬ووقع الدمار بالديقة‪ ،‬فهلك كل ما فيها‪ ،‬فصار‬ ‫الكافر يُقَلّب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها‪ ،‬وهي خاوية قد‬ ‫سقط بعضها على بعض‪ ،‬ويقول‪ :‬يا ليتن عرفت نِعَمَ ال وقدرته فلم‬ ‫أشرك به أحدًا‪ .‬وهذا ندم منه حي ل ينفعه الندم‪.‬‬ ‫َولَمْ تَكُ ْن َلهُ ِفَئةٌ يَنصُرُوَنهُ مِنْ دُونِ الّلهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرا (‪)43‬‬ ‫ول تكن له جاعة من افتخر بم ينعونه مِن عقاب ال النازل به‪ ،‬وما‬ ‫كان متنعًا بنفسه وقوته‪.‬‬ ‫‪964‬‬

‫ُهنَالِكَ اْلوَليَةُ لِّلهِ اْلحَقّ ُهوَ َخْيرٌ َثوَابا وَ َخْيرٌ عُقْبا (‪)44‬‬ ‫ف مثل هذه الشدائد تكون الولية والنصرة ل الق‪ ،‬هو خي جزاءً‪،‬‬ ‫وخي عاقبة لن تولهم من عباده الؤمني‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا كَمَاءٍ أَن َزْلنَاهُ مِنْ السّمَاءِ فَا ْختَلَطَ بِ ِه َنبَا ُ‬ ‫ت‬ ‫ب َلهُمْ َمثَلَ اْل َ‬ ‫وَاضْرِ ْ‬ ‫صبَ َح َهشِيما َت ْذرُوهُ ال ّريَاحُ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ مُ ْقتَدِرا (‬ ‫ا َلرْضِ فَأَ ْ‬ ‫‪)45‬‬ ‫واضرب أيها الرسول للناس ‪-‬وباصة ذوو ال ِكبْر منهم ‪ -‬صفة الدنيا‬ ‫الت اغترّوا با ف بجتها وسرعة زوالا‪ ،‬فهي كماء أنزله ال من السماء‬ ‫فخرج به النبات بإذنه‪ ،‬وصار ُمخْضرّا‪ ،‬وما هي إل مدة يسية حت صار‬ ‫هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إل كل جهة‪ .‬وكان ال على‬ ‫كل شيء مقتدرًا‪ ،‬أي‪ :‬ذا قدرة عظيمة على كل شيء‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَالْبَاِقيَا تُ ال صّاِلحَاتُ َخيْرٌ ِعْندَ َربّ كَ‬ ‫الْمَالُ وَاْلَبنُو نَ زِينَةُ اْل َ‬ ‫ل (‪)46‬‬ ‫َثوَابا وَ َخيْرٌ أَمَ ً‬ ‫‪965‬‬

‫الموال والولد جَمال وقوة ف هذه الدنيا الفانية‪ ،‬والعمال الصالة‬ ‫وباصة التسبي ُح والتحميد والتكبي والتهليل‪ -‬أفضل أجرًا عند ربك‬‫من الال والبني‪ ،‬وهذه العمال الصالة أفضل ما يرجو النسان من‬ ‫الثواب عند ربه‪ ،‬فينال با ف الخرة ما كان يأمُله ف الدنيا‪.‬‬ ‫جبَالَ َوتَرَى ا َلرْضَ بَا ِرزَةً وَ َحشَ ْرنَاهُ ْم فََل ْم نُغَا ِدرْ ِمْنهُمْ َأحَدا‬ ‫سيّرُ الْ ِ‬ ‫َوَيوْمَ نُ َ‬ ‫(‪)47‬‬

‫واذكر لم يوم نُزيل البال عن أماكنها‪ ،‬وتبصر الرض ظاهرة‪ ،‬ليس‬ ‫عليها ما يسترها ما كان عليها من الخلوقات‪ ،‬وجعنا الولي والخِرين‬ ‫لوقف الساب‪ ،‬فلم نترك منهم أحدًا‪.‬‬ ‫ُمم َأوّلَ مَرّ ٍة بَلْ‬ ‫صمفّا لَقَدْ ِجْئتُمُون َا كَم َا خَلَ ْقنَاك ْ‬ ‫ّكم َ‬ ‫وَعُ ِرضُوا عَلَى َرب َ‬ ‫زَعَ ْمتُمْ َألّنْ َنجْعَلَ لَكُمْ َموْعِدا (‪)48‬‬ ‫وعُرِضوا جيعًا على ربك مصطَفّي ل يُحجب منهم أحد‪ ،‬لقد بعثناكم‪،‬‬ ‫وجئتم إلينا فرادى ل مال معكم ول ولد‪ ،‬كما خلقناكم أول مرة‪ ،‬بل‬ ‫ظننتم أن لن نعل لكم موعدًا نبعثكم فيه‪ ،‬ونازيكم على أعمالكم‪.‬‬ ‫‪966‬‬

‫َو ُوضِعَ الْ ِكتَابُ َفتَرَى الْ ُمجْرِ ِميَ ُمشْفِ ِقيَ مِمّا فِيهِ َويَقُولُونَ يَا َويَْلَتنَا مَا ِل‬ ‫ب ل يُغَا ِدرُ صَغِيَةً وَل َكبِيَةً إِلّ أَحْ صَاهَا َووَجَدُوا مَا عَمِلُوا‬ ‫هَذَا الْ ِكتَا ِ‬ ‫حَاضِرا وَل يَظْلِ ُم َربّكَ أَحَدا (‪)49‬‬ ‫و ُوضِع كتاب أعمال كل واحد ف يينه أو ف شاله‪ ،‬فتبصر العصاة‬ ‫خائفي ما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم‪ ،‬ويقولون حي يعاينونه‪ :‬يا‬ ‫هلكنا! ما لذا الكتاب ل يترك صغية مِن أفعالنا ول كبية إل أثبتها؟!‬ ‫ووجدوا كل ما عملوه ف الدنيا حاضرًا مثبتًا‪ .‬ول يظلم ربك أحدًا‬ ‫مثقال ذرة‪ ،‬فل يُنقَص طائع من ثوابه‪ ،‬ول يُزاد عاص ف عقابه‪.‬‬ ‫سجَدُوا إِلّ ِإبْلِي سَ كَا نَ مِ نْ اْلجِنّ‬ ‫وَِإذْ ُقلْنَا لِلْمَلئِ َكةِ ا ْسجُدُوا لدَ مَ فَ َ‬ ‫فَفَ سَقَ عَ نْ أَمْ ِر َربّ هِ َأَفَتتّخِذُونَ هُ وَ ُذ ّرّيتَ هُ َأ ْوِليَاءَ مِ نْ دُونِي وَهُ ْم لَكُ ْم عَ ُدوّ‬ ‫ِبْئسَ لِلظّالِ ِميَ بَدَ ًل (‪)50‬‬ ‫واذكر حي أمرنا اللئكة بالسجود لدم‪ ،‬تية له ل عبادة‪ ،‬وأمرنا إبليس‬ ‫با أُمِروا به‪ ،‬فسجد اللئكة جيعًا‪ ،‬لكن إبليس الذي كان من الن‬ ‫خرج عن طاعة ربه‪ ،‬ول يسجد كِبًا وحسدًا‪ .‬أفتجعلونه ‪-‬أيها الناس‪-‬‬

‫‪967‬‬

‫وذريته أعوانًا لكم تطيعونم وتتركون طاعت‪ ،‬وهم ألد أعدائكم؟ َقُبحَتْ‬ ‫طاعة الظالي للشيطان بدل عن طاعة الرحن‪.‬‬ ‫سهِ ْم وَمَا كُن تُ‬ ‫ت وَا َلرْ ضِ وَل َخلْ قَ أَنفُ ِ‬ ‫مَا َأ ْشهَ ْدُتهُ مْ خَلْ قَ ال سّ َموَا ِ‬ ‫ُمّتخِذَ الْمُضِّليَ عَضُدا (‪)51‬‬ ‫ما أحضرتُ إبليس وذريته ‪-‬الذين أطعتموهم‪ -‬خَلْقَ السموات‬ ‫والرض‪ ،‬فأستعي بم على خلقهما‪ ،‬ول أشهدتُ بعضهم على َخلْق‬ ‫بعض‪ ،‬بل تفردتُ بلق جيع ذلك‪ ،‬بغي معي ول ظهي‪ ،‬وما كنت‬ ‫متخذ الضلّي من الشياطي وغيهم أعوانًا‪ .‬فكيف تصرفون إليهم‬ ‫حقي‪ ،‬وتتخذونم أولياء من دون‪ ،‬وأنا خالق كل شيء؟‬ ‫سَتجِيبُوا َلهُ مْ‬ ‫َوَيوْ مَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الّذِي نَ زَعَ ْمتُ ْم فَدَ َعوْهُ ْم فََل مْ يَ ْ‬ ‫وَجَعَ ْلنَا َبْيَنهُ ْم َم ْوبِقا (‪)52‬‬ ‫واذكر لم إذ يقول ال للمشركي يوم القيامة‪ :‬نادوا شركائي الذين‬ ‫كنتم تزعمون أنم شركاء ل ف العبادة؛ لينصروكم اليوم من‪ ،‬فاستغاثوا‬ ‫بم فلم يغيثوهم‪ ،‬وجعلنا بي العابدين والعبودين مهلكًا ف جهنم‬ ‫يهلكون فيه جيعًا‪.‬‬ ‫‪968‬‬

‫َورَأَى الْ ُمجْرِمُو نَ النّارَ فَ َظنّوا َأّنهُ مْ ُموَاقِعُوهَا وَلَ مْ َيجِدُوا َعْنهَا مَ صْرِفا (‬

‫‪)53‬‬

‫وشاهد الجرمون النار‪ ،‬فأيقنوا أنم واقعون فيها ل مالة‪ ،‬ول يدوا عنها‬ ‫معدل للنصراف عنها إل غيها‪.‬‬ ‫َولَقَدْ صَرّ ْفنَا فِي هَذَا الْقُرْآ نِ لِلنّا سِ مِ نْ كُلّ َمثَلٍ وَكَا نَ الِن سَانُ أَ ْكثَرَ‬ ‫شَ ْيءٍ جَدَ ًل (‪)54‬‬ ‫ولقد وضّحنا ونوّعنا ف هذا القرآن للناس أنواعًا كثية من المثال؛‬ ‫ليتعظوا با ويؤمنوا‪ .‬وكان النسان أكثر الخلوقات خصومة وجدل‪.‬‬ ‫ستَغْفِرُوا َرّبهُ مْ إِلّ أَ نْ‬ ‫وَمَا َمنَ عَ النّا سَ أَ نْ ُيؤْ ِمنُوا إِذْ جَاءَهُ مْ الْهُدَى َويَ ْ‬ ‫تَ ْأِتَيهُمْ ُسّنةُ ا َلوِّليَ َأوْ يَ ْأِتَيهُ ْم الْعَذَابُ ُقُبلً (‪)55‬‬ ‫وما منع الناس من اليان ‪-‬حي جاءهم الرسول ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم ومعه القرآن‪ ، -‬واستغفار ربم طالبي عفوه عنهم‪ ،‬إل تدّيهم‬

‫‪969‬‬

‫للرسول‪ ،‬وطلبهم أن تصيبهم سنة ال ف إهلك السابقي عليهم‪ ،‬أو‬ ‫يصيبهم عذاب ال عِيانًا‪.‬‬ ‫وَمَا نُرْسِلُ الْمُ ْرسَِليَ إِلّ ُمَبشّرِينَ وَمُن ِذرِينَ َوُيجَادِلُ الّذِينَ كَ َفرُوا بِاْلبَاطِلِ‬ ‫ِليُدْحِضُوا ِبهِ اْلحَقّ وَاّتخَذُوا آيَاتِي وَمَا ُأْن ِذرُوا ُهزُوا ( ‪)56‬‬ ‫وما نبعث الرسل إل الناس إل ليكونوا مبشرين بالنة لهل اليان‬ ‫والعمل الصال‪ ،‬وموّفي بالنار لهل الكفر والعصيان‪ ،‬ومع وضوح الق‬ ‫ياصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا; ليزيلوا بباطلهم الق الذي‬ ‫جاءهم به الرسول‪ ،‬واتذوا كتاب وحججي وما ُخوّفوا به من العذاب‬ ‫سخرية واستهزاء‪.‬‬ ‫ض َعْنهَا َونَسِ َي مَا قَدّمَتْ َيدَاهُ ِإنّا‬ ‫ت َربّ هِ فَأَعْرَ َ‬ ‫وَمَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ ذُكّرَ بِآيَا ِ‬ ‫جَعَلْنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ أَ ِكّنةً أَ نْ يَفْ َقهُو هُ وَفِي آذَاِنهِ مْ وَقْرا وَإِ نْ َتدْ ُعهُ مْ ِإلَى‬ ‫الْهُدَى فَلَ ْن َي ْهتَدُوا إِذا َأبَدا (‪)57‬‬ ‫ول أحد أشد ظلمًا من وُعِظ بآيات ربه الواضحة‪ ،‬فانصرف عنها إل‬ ‫باطله‪ ،‬ونسي ما قدّمته يداه من الفعال القبيحة فلم يرجع عنها‪ ،‬إنّا‬ ‫جعلنا على قلوبم أغطية‪ ،‬فلم يفهموا القرآن‪ ،‬ول يدركوا ما فيه من‬ ‫‪970‬‬

‫الي‪ ،‬وجعلنا ف آذانم ما يشبه الصمم‪ ،‬فلم يسمعوه ول ينتفعوا به‪،‬‬ ‫وإن تَدْعُهم إل اليان فلن يستجيبوا لك‪ ،‬ولن يهتدوا إليه أبدًا‪.‬‬ ‫ب بَلْ‬ ‫سبُوا لَ َعجّلَ َلهُمْ الْعَذَا َ‬ ‫َو َربّكَ الْغَفُورُ ذُو الرّحْ َم ِة لَوْ ُيؤَا ِخذُهُ ْم بِمَا كَ َ‬ ‫ل ( ‪)58‬‬ ‫َلهُمْ َموْعِ ٌد لَنْ َيجِدُوا مِنْ دُوِنهِ َم ْوئِ ً‬ ‫وربك الغفور لذنوب عباده إذا تابوا‪ ،‬ذو الرحة بم‪ ،‬لو يعاقب هؤلء‬ ‫العرضي عن آياته با كسبوا من الذنوب والثام لعجّل لم العذاب‪،‬‬ ‫ولكنه تعال حليم ل يعجل بالعقوبة‪ ،‬بل لم موعد يازون فيه بأعمالم‪،‬‬ ‫ل مندوحة لم عنه ول ميد‪.‬‬ ‫ك الْقُرَى أَهْلَ ْكنَاهُ ْم لَمّا ظَلَمُوا وَجَعَ ْلنَا لِ َمهْلِ ِكهِ ْم َموْعِدا (‪)59‬‬ ‫َوتِلْ َ‬ ‫وتلك القرى القريبة منكم ‪-‬كقرى قوم هود وصال ولوط وشعيب‪-‬‬ ‫أهلكناها حي ظلم أهلها بالكفر‪ ،‬وجعلنا للكهم ميقاتًا وأجل حي‬ ‫بلغوه جاءهم العذاب فأهلكهم ال به‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَ مُو سَى لِ َفتَا هُ ل َأبْرَ حُ َحتّى َأبْلُ غَ َمجْمَ عَ اْلَبحْ َريْ نِ َأوْ أَمْضِ يَ حُقُبا‬ ‫‪971‬‬

‫(‪)60‬‬ ‫واذكر حي قال موسى لادمه يوشع بن نون‪ :‬ل أزال أتابع السي حت‬ ‫أصل إل ملتقى البحرين‪ ،‬أو أسي زمنًا طويل حت أصل إل العبد‬ ‫الصال؛ لتعلم منه ما ليس عندي من العلم‪.‬‬ ‫سيَا حُوَتهُمَا فَاتّخَ َذ َسبِيَلهُ فِي اْلَبحْرِ َسرَبا (‬ ‫َفلَمّ ا بَلَغَا َمجْمَ عَ َبْيِنهِمَا نَ ِ‬ ‫‪)61‬‬ ‫سيْر‪ ،‬فلما وصل ملتقى البحرين جلسا عند صخرة‪ ،‬ونسيا‬ ‫وجَدّا ف ال ّ‬ ‫حوتما الذي أُمر موسى بأخذه معه قوتًا لما‪ ،‬وحله يوشع ف مِ ْكتَل‪،‬‬ ‫فإذا الوت يصبح حيّا وينحدر ف البحر‪ ،‬ويتخذ له فيه طريقًا مفتوحًا‪.‬‬ ‫َفلَمّا جَاوَزَا قَالَ لِ َفتَاهُ آِتنَا غَدَا َءنَا لَقَ ْد لَقِينَا مِنْ سَفَ ِرنَا هَذَا نَصَبا (‪)62‬‬ ‫فلما فارقا الكان الذي نسيا فيه الوت وشعر موسى بالوع‪ ،‬قال‬ ‫لادمه‪ :‬أحضر إلينا غداءنا‪ ،‬لقد لقينا من سفرنا هذا تعبًا‪.‬‬ ‫ت وَمَا َأنْ سَانِي إِلّ‬ ‫ت اْلحُو َ‬ ‫قَالَ َأرََأيْ تَ ِإذْ َأ َويْنَا ِإلَى ال صّخْرَ ِة َفِإنّ ي نَ سِي ُ‬ ‫‪972‬‬

‫شيْطَانُ َأنْ أَذْ ُكرَهُ وَاّتخَذَ َسبِيَل ُه فِي اْلَبحْرِ َعجَبا (‪)63‬‬ ‫ال ّ‬ ‫قال له خادمه‪ :‬أتذكر حي لأنا إل الصخرة الت استرحنا عندها؟ فإن‬ ‫نسيت أن أخبك ما كان من الوت‪ ،‬وما أنسان أن أذكر ذلك لك إل‬ ‫الشيطان‪ ،‬فإن الوت اليت دبّتْ فيه الياة‪ ،‬وقفز ف البحر‪ ،‬واتذ له فيه‬ ‫ب منه‪.‬‬ ‫طريقًا‪ ،‬وكان أمره ما يُ ْعجَ ُ‬ ‫ك مَا ُكنّا َنبْ ِغ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصا (‪)64‬‬ ‫قَالَ َذلِ َ‬ ‫قال موسى‪ :‬ما حصل هو ما كنا نطلبه‪ ،‬فإنه علمة ل على مكان العبد‬ ‫الصال‪ ،‬فرجعا يقصان آثار مشيهما حت انتهيا إل الصخرة‪.‬‬ ‫َف َوجَدَا َعبْدا مِ نْ ِعبَا ِدنَا آَتْينَا هُ رَ ْح َمةً مِ ْن ِعنْ ِدنَا وَعَلّ ْمنَا هُ مِ نْ لَ ُدنّا عِلْما (‬

‫‪)65‬‬

‫فوجدا هناك عبدًا صالًا من عبادنا هو الَضِر عليه السلم ‪-‬وهو نب‬ ‫من أنبياء ال توفاه ال‪ ، -‬آتيناه رحة من عندنا‪ ،‬وعَلّمْناه مِن لدنّا علمًا‬ ‫عظيمًا‪.‬‬

‫‪973‬‬

‫ك عَلَى َأنْ تُعَلّ َمنِي مِمّا عُلّ ْمتَ رُشْدا (‪)66‬‬ ‫قَالَ َلهُ مُوسَى هَلْ َأّتبِعُ َ‬ ‫فسلّم عليه موسى‪ ،‬وقال له‪ :‬أتأذن ل أن أتبعك؛ لتعلمن من العلم الذي‬ ‫علمك ال إياه ما أسترشد به وأنتفع؟‬ ‫صبْرا (‪)67‬‬ ‫ستَطِي َع مَعِي َ‬ ‫ك لَنْ َت ْ‬ ‫قَالَ ِإنّ َ‬ ‫قال له الَضِر‪ :‬إنك ‪-‬يا موسى‪ -‬لن تطيق أن تصب على اتباعي‬ ‫وملزمت‪.‬‬ ‫صِبرُ عَلَى مَا لَ ْم ُتحِطْ ِبهِ ُخبْرا (‪)68‬‬ ‫وَ َكيْفَ تَ ْ‬ ‫وكيف لك الصب على ما سأفعله من أمور تفى عليك ما علمنيه ال‬ ‫تعال؟‬ ‫قَالَ َسَتجِ ُدنِي ِإنْ شَاءَ الّلهُ صَابِرا وَل أَعْصِي لَكَ أَمْرا (‪)69‬‬ ‫قال له موسى‪ :‬ستجدن إن شاء ال صابرًا على ما أراه منك‪ ،‬ول‬ ‫أخالف لك أمرًا تأمرن به‪.‬‬ ‫‪974‬‬

‫ث لَ كَ ِمنْ هُ ذِكْرا (‬ ‫قَالَ َفإِ نْ اّتبَ ْعتَنِي فَل تَ سْأَْلنِي عَ نْ شَ ْيءٍ َحتّ ى ُأحْدِ َ‬

‫‪)70‬‬

‫فوافق الَضِر وقال له‪ :‬فإنْ صاحَبتن فل تسألن عن شيء تنكره‪ ،‬حت‬ ‫أبيّن لك من أمره ما خفي عليك دون سؤال منك‪.‬‬ ‫فَانطَلَقَا َحتّى إِذَا رَ ِكبَا فِي ال سّفِيَنةِ َخرََقهَا قَالَ أَخَ َر ْقَتهَا ِلتُغْ ِر قَ أَهَْلهَا لَقَدْ‬ ‫ِجْئتَ َشيْئا إِمْرا (‪)71‬‬ ‫فانطلقا يشيان على الساحل‪ ،‬فمرت بما سفينة‪ ،‬فطلبا من أهلها أن‬ ‫يركبا معهم‪ ،‬فلما ركبا قََلعَ الَضِر لوحًا من السفينة فخرقها‪ ،‬فقال له‬ ‫ت السفينة؛ لتُغرِق أهلَها‪ ،‬وقد حلونا بغي أجر؟ لقد فعلت‬ ‫موسى‪ :‬أَ َخرَقْ َ‬ ‫أمرًا منكرًا‪.‬‬ ‫صبْرا (‪)72‬‬ ‫ستَطِيعَ مَعِي َ‬ ‫قَالَ َألَمْ أَقُلْ ِإنّكَ لَنْ َت ْ‬ ‫قال له الَضِر‪ :‬لقد قلت لك من أول المر‪ :‬إنك لن تستطيع الصب على‬ ‫صحبت‪.‬‬ ‫‪975‬‬

‫ت وَل تُرْهِ ْقنِي مِنْ أَ ْمرِي ُعسْرا (‪)73‬‬ ‫قَالَ ل ُتؤَاخِ ْذنِي بِمَا َنسِي ُ‬ ‫قال موسى معتذرًا‪ :‬ل تؤاخذن بنسيان شرطك عليّ‪ ،‬ول تكلفن مشقةً‬ ‫ف تعلّمي منك‪ ،‬وعاملن بيسر ورفق‪.‬‬ ‫فَانطَلَقَا َحتّى إِذَا لَ ِقيَا غُلما فَ َقتَلَ ُه قَالَ َأَقتَلْ تَ نَفْسا زَ ِكيّةً بِ َغْيرِ نَفْ سٍ لَقَدْ‬

‫ِجْئتَ َشيْئا نُكْرا (‪)74‬‬

‫فقبل الَضِر عذره‪ ،‬ث خرجا من السفينة‪ ،‬فبينما ها يشيان على الساحل‬ ‫إذ أبصرا غلمًا يلعب مع الغلمان‪ ،‬فقتله الَضِر‪ ،‬فأنكر موسى عليه‬ ‫وقال‪ :‬كيف قتلت نفسًا طاهرة ل تبلغ ح ّد التكليف‪ ،‬ول تقتل نفسًا‪،‬‬ ‫حت تستحق القتل با؟ لقد فَعَلْتَ أمرًا منكرًا عظيمًا‪.‬‬

‫الزء السادس عشر ‪:‬‬ ‫صبْرا (‪)75‬‬ ‫ستَطِيعَ مَعِي َ‬ ‫قَالَ َألَمْ أَقُ ْل لَكَ ِإنّكَ لَنْ َت ْ‬ ‫‪976‬‬

‫قال الَضِر لوسى معاتبًا ومذكرًا‪ :‬أل أقل لك إنك لن تستطيع معي‬ ‫صبًا على ما ترى من أفعال ما ل تط به ُخْبرًا؟‬ ‫ك عَ نْ شَ ْيءٍ بَعْدَهَا فَل تُ صَا ِحْبنِي َقدْ بَلَ ْغ تَ مِ ْن لَ ُدنّي ُعذْرا‬ ‫قَالَ إِ نْ سََأْلتُ َ‬ ‫(‪)76‬‬ ‫قال موسى له‪ :‬إن سألتك عن شيء بعد هذه الرة فاتركن ول‬ ‫تصاحبن‪ ،‬قد بلغتَ العذر ف شأن ول تقصر؛ حيث أخبتَن أن لن‬ ‫أستطيع معك صبًا‪.‬‬ ‫ضيّفُوهُمَا‬ ‫َنم يُ َ‬ ‫اسمتَطْعَمَا أَهْلَهَا فََأَبوْا أ ْ‬ ‫فَانطَلَقَا َحتّىم إِذَا َأتَيَا أَهْ َل قَ ْرَيةٍ ْ‬ ‫َفوَ َجدَا فِيهَا ِجدَارا يُرِيدُ أَ نْ يَنقَضّ فَأَقَامَ هُ قَالَ َلوْ ِشئْ تَ لّتخَ ْذ تَ عََليْ هِ‬ ‫َأجْرا (‪)77‬‬ ‫فذهب موسى والَضِر حت أتيا أهل قرية‪ ،‬فطلبا منهم طعامًا على سبيل‬ ‫الضيافة‪ ،‬فامتنع أهل القرية عن ضيافتهما‪ ،‬فوجدا فيها حائطًا مائل‬ ‫يوشك أن يسقط‪ ،‬فعدّل الَضِر َميْلَه حت صار مستويًا‪ ،‬قال له موسى‪:‬‬ ‫لو شئت لخذت على هذا العمل أجرًا تصرفه ف تصيل طعامنا حيث‬ ‫ل يضيفونا‪.‬‬ ‫‪977‬‬

‫صبْرا (‬ ‫ستَطِعْ َعَليْ هِ َ‬ ‫ك َسُأَنّبئُكَ ِبتَ ْأوِيلِ مَا لَ ْم تَ ْ‬ ‫ق َبْينِي َوَبْينِ َ‬ ‫قَالَ َهذَا ِفرَا ُ‬

‫‪)78‬‬

‫قال الَضِر لوسى‪ :‬هذا وقت الفراق بين وبينك‪ ،‬سأخبك با أنكرت‬ ‫عل ّي من أفعال الت فعلتها‪ ،‬والت ل تستطع صبًا على ترك السؤال عنها‬ ‫والنكار عل ّي فيها‪.‬‬ ‫أَمّا السّفِيَنةُ فَكَانَتْ لِمَسَا ِكيَ يَعْ َملُونَ فِي اْلَبحْرِ فََأرَ ْدتُ أَنْ أَعِيَبهَا وَكَانَ‬ ‫ك يَأْخُ ُذ كُلّ سَفِيَنةٍ غَصْبا (‪)79‬‬ ‫َورَاءَهُمْ مَلِ ٌ‬ ‫أما السفينة الت خرقتها فإنا كانت لناس مساكي يعملون ف البحر‬ ‫عليها سعيًا وراء الرزق‪ ،‬فأردت أن أعيبها بذلك الرق؛ لن أمامهم‬ ‫ملكًا يأخذ كل سفينة صالة غصبًا من أصحابا‪.‬‬ ‫خشِينَا أَ نْ يُرْهِ َقهُمَا طُ ْغيَانا وَكُفْرا (‬ ‫وَأَمّ ا الْغُل ُم فَكَا نَ َأَبوَا هُ ُمؤْ ِمَنيْ نِ َف َ‬ ‫‪)80‬‬

‫‪978‬‬

‫وأما الغلم الذي قتلته فكان ف علم ال كافرًا‪ ،‬وكان أبوه وأمه مؤ ِمَنيْن‪،‬‬ ‫فخشينا لو بقي الغلم حيًا لَحمل والديه على الكفر والطغيان؛ لجل‬ ‫مبتهما إياه أو للحاجة إليه‪.‬‬ ‫ب رُحْما (‪)81‬‬ ‫َفَأرَ ْدنَا َأنْ ُيبْ ِدَلهُمَا َرّبهُمَا َخيْرا ِمْن ُه زَكَاةً وََأقْرَ َ‬ ‫فأردنا أن ُيبْدِل ال أبويه بن هو خي منه صلحًا ودينًا وبرًا بما‪.‬‬ ‫حتَ هُ كَنٌ َلهُمَا‬ ‫وَأَمّ ا اْلجِدَارُ فَكَا نَ لِغُل َميْ نِ َيتِي َميْ ِن فِي الْمَدِيَنةِ وَكَا نَ َت ْ‬ ‫سَتخْرِجَا كَنَهُمَا‬ ‫وَكَا نَ َأبُوهُمَا صَالِحا فََأرَا َد َربّ كَ أَ نْ َيبُْلغَا أَ ُشدّهُمَا َويَ ْ‬ ‫صبْرا‬ ‫ستَطِعْ عََليْهِ َ‬ ‫ك تَ ْأوِيلُ مَا لَمْ تَ ْ‬ ‫رَحْ َمةً مِنْ َربّكَ وَمَا فَعَ ْلتُهُ عَنْ أَ ْمرِي َذلِ َ‬ ‫(‪)82‬‬ ‫ت َميْلَه حت استوى فإنه كان لغلمي يتيمي ف‬ ‫وأما الائط الذي عدّل ُ‬ ‫القرية الت فيها الدار‪ ،‬وكان تته كن لما من الذهب والفضة‪ ،‬وكان‬ ‫أبوها رجل صالًا‪ ،‬فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتما‪ ،‬ويستخرجا‬ ‫كنها رحة من ربك بما‪ ،‬وما فعلتُ يا موسى جيع الذي رأيتَن فعلتُه‬ ‫عن أمري ومن تلقاء نفسي‪ ،‬وإنا فعلته عن أمر ال‪ ،‬ذلك الذي َبّينْتُ‬ ‫‪979‬‬

‫لك أسبابه هو عاقبة المور الت ل تستطع صبًا على ترك السؤال عنها‬ ‫والنكار عل ّي فيها‪.‬‬ ‫ك عَنْ ذِي الْقَ ْرَنيْنِ قُلْ سََأتْلُو عََليْكُ ْم ِمْنهُ ذِكْرا (‪)83‬‬ ‫َوَيسَْألُونَ َ‬ ‫ويسألك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركون من قومك عن خب ذي‬ ‫القرني اللك الصال‪ ،‬قل لم‪ :‬سأقصّ عليكم منه ذِكْرًا تتذكرونه‪،‬‬ ‫وتعتبون به‪.‬‬ ‫ِإنّا مَ ّكنّا َلهُ فِي ا َلرْضِ وَآَتْينَاهُ مِنْ كُلّ شَ ْيءٍ َسبَبا (‪)84‬‬ ‫إنا م ّكنّا له ف الرض‪ ،‬وآتيناه من كل شيء أسبابًا وطرقًا‪ ،‬يتوصل با‬ ‫إل ما يريد مِن َفتْح الدائن وقهر العداء وغي ذلك‪.‬‬ ‫َفَأْتبَعَ َسبَبا (‪)85‬‬ ‫فأخذ بتلك السباب والطرق بد واجتهاد‪.‬‬ ‫َحتّى إِذَا بَلَغَ مَ ْغرِبَ الشّمْسِ وَ َجدَهَا تَ ْغرُبُ فِي َعيْنٍ حَ ِمَئةٍ َووَ َجدَ ِعنْدَهَا‬ ‫‪980‬‬

‫ب وَإِمّا َأنْ َتّتخِ َذ فِيهِمْ ُحسْنا (‪)86‬‬ ‫َقوْما قُ ْلنَا يَا ذَا الْقَ ْرَنيْنِ إِمّا َأنْ تُ َعذّ َ‬ ‫حت إذا وصل ذو القرني إل مغرب الشمس وجدها ف مرأى العي‬ ‫كأنا تغرب ف عي حارة ذات طي أسود‪ ،‬ووجد عند مغربا قومًا‪.‬‬ ‫قلنا‪ :‬يا ذا القرني إما أن تعذبم بالقتل أو غيه‪ ،‬إن ل يقروا بتوحيد ال‪،‬‬ ‫وإما أن تسن إليهم‪ ،‬فتعلمهم الدى وتبصرهم الرشاد‪.‬‬ ‫سوْفَ نُ َع ّذبُ هُ ثُمّ يُرَدّ ِإلَى َربّ هِ َفيُ َع ّذبُ هُ عَذَابا ُنكْرا (‬ ‫قَالَ أَمّ ا مَ نْ ظََل مَ فَ َ‬ ‫‪)87‬‬ ‫قال ذو القرني‪ :‬أمّا مَن ظلم نفسه منهم فكفر بربه‪ ،‬فسوف نعذبه ف‬ ‫الدنيا‪ ،‬ث يرجع إل ربه‪ ،‬فيعذبه عذابًا عظيمًا ف نار جهنم‪.‬‬ ‫سنَى وَ َسنَقُولُ لَ هُ مِ نْ أَ ْمرِنَا‬ ‫وَأَمّ ا مَ نْ آمَ نَ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَ هُ جَزَاءً اْلحُ ْ‬ ‫ُيسْرا (‪)88‬‬ ‫وأما مَن آمن منهم بربه فصدّق به ووحّده وعمل بطاعته فله النة ثوابًا‬ ‫من ال‪ ،‬وسنحسن إليه‪ ،‬ونلي له ف القول ونيسّر له العاملة‪.‬‬

‫‪981‬‬

‫ثُمّ َأْتبَعَ َسبَبا (‪)89‬‬ ‫ث رجع ذو القرني إل الشرق متبعًا السباب الت أعطاه ال إياها‪.‬‬ ‫َحتّى إِذَا بَلَ غَ مَطِْل َع الشّمْ سِ وَجَدَهَا تَطْلُ عُ عَلَى َقوْ مٍ لَ مْ َنجْعَلْ َلهُ ْم مِ نْ‬

‫دُوِنهَا ِستْرا (‪)90‬‬

‫حت إذا وصل إل مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم ليس لم بناء‬ ‫يسترهم‪ ،‬ول شجر يظلهم من الشمس‪.‬‬ ‫ك وَقَدْ َأحَ ْطنَا بِمَا لَ َدْيهِ ُخبْرا (‪)91‬‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫كذلك وقد أحاط عِ ْلمُنا با عنده من الي والسباب العظيمة‪ ،‬حيثما‬ ‫توجّه وسار‪.‬‬ ‫ثُمّ َأْتبَعَ َسبَبا (‪)92‬‬ ‫ث سار ذو القرني آخذًا بالطرق والسباب الت منحناها إياه‪.‬‬

‫‪982‬‬

‫َحتّى إِذَا بََل َغ َبيْنَ السّ ّديْنِ َوجَدَ مِنْ دُوِنهِمَا َقوْما ل يَكَادُونَ يَفْ َقهُونَ َقوْلً‬ ‫(‪)93‬‬ ‫حت إذا وصل إل ما بي البلي الاجزين لا وراءها‪ ،‬وجد من دونما‬ ‫قومًا‪ ،‬ل يكادون يعرفون كلم غيهم‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا ذَا الْقَ ْرَنيْنِ ِإنّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ا َلرْضِ َفهَ ْل َنجْعَلُ‬ ‫لَكَ خَرْجا عَلَى َأنْ َتجْعَلَ َبْيَننَا َوَبْيَنهُمْ سَدّا ( ‪)94‬‬ ‫قالوا يا ذا القرني‪ :‬إ ّن يأجوج ومأجوج ‪-‬وها أمّتان عظيمتان من بن‬ ‫آدم‪ -‬مفسدون ف الرض بإهلك الرث والنسل‪ ،‬فهل نعل لك أجرًا‪،‬‬ ‫ونمع لك مال على أن تعل بيننا وبينهم حاجزًا يول بيننا وبينهم؟‬ ‫قَالَ مَا مَ ّكَننِي فِي هِ َربّي َخيْرٌ فَأَعِينُونِي بِ ُقوّةٍ أَ ْجعَلْ َبْينَكُ مْ َوَبْيَنهُ ْم رَدْما (‬ ‫‪)95‬‬ ‫قال ذو القرني‪ :‬ما أعطانيه رب من اللك والتمكي خي ل مِن مالكم‪،‬‬ ‫فأعينون بقوة منكم أجعل بينكم وبينهم سدًا‪.‬‬

‫‪983‬‬

‫آتُونِي ُزبَ َر اْلحَدِيدِ َحتّ ى ِإذَا سَاوَى َبيْ نَ ال صّدََفيْ ِن قَالَ ان ُفخُوا َحتّ ى إِذَا‬ ‫جَعََل ُه نَارا قَالَ آتُونِي أُفْ ِرغْ عََلْيهِ قِطْرا (‪)96‬‬ ‫أعطون قطع الديد‪ ،‬حت إذا جاؤوا به ووضعوه وحاذوا به جانب‬ ‫البلي‪ ،‬قال للعمال‪ :‬أجّجوا النار‪ ،‬حت إذا صار الديد كله نارًا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫أعطون ناسًا أُفرغه عليه‪.‬‬ ‫َفمَا ا ْستَطَاعُوا َأنْ يَ ْظهَرُوهُ وَمَا ا ْستَطَاعُوا لَهُ نَقْبا (‪)97‬‬ ‫فما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تصعد فوق السد؛ لرتفاعه‬ ‫وملسته‪ ،‬وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لبعد عرضه وقوته‪.‬‬ ‫قَالَ هَذَا رَحْ َمةٌ مِ ْن َربّي َفإِذَا جَاءَ وَعْدُ َربّي جَعَلَ هُ دَكّاءَ وَكَا نَ وَعْ ُد َربّي‬ ‫حَقّا (‪)98‬‬

‫قال ذو القرني‪ :‬هذا الذي بنيته حاجزًا عن فساد يأجوج ومأجوج رحة‬ ‫من رب بالناس‪ ،‬فإذا جاء وعد رب بروج يأجوج ومأجوج جعله دكاء‬ ‫منهدمًا مستويًا بالرض‪ ،‬وكان وعد رب حقّا‪.‬‬

‫‪984‬‬

‫ضهُ ْم َيوْ َمئِذٍ َيمُو جُ فِي بَعْ ضٍ َونُفِ خَ فِي ال صّورِ َفجَمَ ْعنَاهُ مْ‬ ‫َوتَرَكْنَا بَعْ َ‬ ‫َجمْعا (‪)99‬‬ ‫وتركنا يأجوج ومأجوج ‪-‬يوم يأتيهم وَعْدُنا‪ -‬يوج بعضهم ف بعض‬ ‫متلطي؛ لكثرتم‪ ،‬ونفخ ف "القرن" للبعث‪ ،‬فجمعنا اللق جيعًا‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ضنَا َج َهنّمَ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْكَافِرِينَ َعرْضا (‪)100‬‬ ‫وَعَ َر ْ‬ ‫وعرضنا جهنم للكافرين‪ ،‬وأبرزناها لم لنريهم سوء عاقبتهم‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ َسمْعا (‬ ‫الّذِينَ كَانَتْ أَ ْعُيُنهُ ْم فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا ل يَ ْ‬

‫‪)101‬‬

‫الذين كانت أعينهم ف الدنيا ف غطاء عن ذكري فل تبصر آيات‪،‬‬ ‫وكانوا ل يطيقون ساع حججي الوصلة إل اليان ب وبرسول‪.‬‬ ‫أََفحَ سِبَ الّذِي نَ كَفَرُوا أَ نْ َيّتخِذُوا ِعبَادِي مِ نْ دُونِي َأوِْليَاءَ ِإنّ ا أَ ْعَتدْنَا‬ ‫َج َهنّ َم لِلْكَافِرِينَ نُزُ ًل (‪)102‬‬ ‫‪985‬‬

‫أفظن الذين كفروا ب أن يتخذوا عبادي آلة من غيي؛ ليكونوا أولياء‬ ‫لم؟ إنا أعتدنا نار جهنم للكافرين منل‪.‬‬ ‫قُ ْل هَلْ ُنَنّبئُكُ ْم بِالَ ْخسَرِينَ أَ ْعمَالً (‪)103‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس مذرًا‪ :‬هل نُخبكم بأخسر الناس أعمال؟‬ ‫صنْعا‬ ‫سنُونَ ُ‬ ‫سبُونَ َأّنهُ ْم ُيحْ ِ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَهُ مْ َيحْ َ‬ ‫الّذِي نَ ضَلّ سَ ْعُيهُمْ فِي الْ َ‬ ‫(‪)104‬‬ ‫إنم الذين ضلّ عملهم ف الياة الدنيا ‪-‬وهم مشركو قومك وغيهم‬ ‫من ضلّ سواء السبيل‪ ،‬فلم يكن على هدى ول صواب‪ -‬وهم يظنون‬ ‫أنم مسنون ف أعمالم‪.‬‬ ‫حبِطَ تْ أَعْمَاُلهُ مْ فَل نُقِي ُم َلهُ مْ‬ ‫ك الّذِي نَ كَفَرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ ْم وَلِقَائِ هِ َف َ‬ ‫أُوَلئِ َ‬

‫َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ َوزْنا (‪)105‬‬

‫‪986‬‬

‫أولئك الخسرون أعمال هم الذين جحدوا بآيات ربم وكذّبوا با‪،‬‬ ‫وأنكروا لقاءه يوم القيامة‪ ،‬فبطلت أعمالم؛ بسبب كفرهم‪ ،‬فل نقيم لم‬ ‫يوم القيامة قدرًا‪.‬‬ ‫َذلِكَ جَزَاؤُهُمْ َج َهنّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتّخَذُوا آيَاتِي َورُسُلِي ُهزُوا (‪)106‬‬ ‫ذلك الذكور مِن حبوط أعمالم جزاؤهم نار جهنم؛ بسبب كفرهم‬ ‫بال واتاذهم آياته وحجج رسله استهزاءً وسخرية‪.‬‬ ‫س نُزُلً (‬ ‫ت كَانَ تْ َلهُ مْ َجنّا تُ الْفِرْ َدوْ ِ‬ ‫إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَا ِ‬ ‫‪)107‬‬ ‫إن الذين آمنوا ب‪ ،‬وصدّقوا رسلي‪ ،‬وعملوا الصالات‪ ،‬لم أعلى النة‬ ‫وأفضلها منل‪.‬‬ ‫خَالِدِي َن فِيهَا ل َيبْغُونَ َعْنهَا ِحوَلً (‪)108‬‬ ‫خالدين فيها أبدًا‪ ،‬ل يريدون عنها توّل؛ لرغبتهم فيها وحبهم لا‪.‬‬

‫‪987‬‬

‫ت َربّي َلنَفِدَ اْلبَحْ ُر َقبْلَ أَ نْ تَنفَ َد كَلِمَا تُ‬ ‫قُ ْل َلوْ كَا نَ اْلبَحْرُ مِدَادا لِكَلِمَا ِ‬ ‫َربّي َوَلوْ ِجْئنَا بِ ِمثِْل ِه مَدَدا (‪)109‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬لو كان ماء البحر حبًا للقلم الت يكتب با كلم‬ ‫ال‪ ،‬لنفِد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات ال‪ ،‬ولو جئنا بثل البحر بارًا‬ ‫أخرى مددًا له‪ .‬وف الية إثبات صفة الكلم ل ‪-‬تعال‪ -‬حقيقة كما‬ ‫يليق بلله وكماله‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّمَا أَنَا َبشَرٌ ِمْثلُكُ ْم يُوحَى ِإلَيّ َأنّمَا ِإَلهُكُ مْ ِإلَ هٌ وَاحِدٌ فَمَ نْ كَا نَ‬ ‫م أَحَدا (‬ ‫م بِ ِعبَادَ ِة َربّه ِ‬ ‫م فَ ْليَ ْعمَلْ عَ َملً صمَالِحا وَل ُيشْرِك ْ‬ ‫يَرْجُوا لِقَاءَ َربّه ِ‬ ‫‪)110‬‬ ‫ل من‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنا أنا بشر مثلكم يوحى إ ّ‬ ‫رب أنا إلكم إله واحد‪ ،‬فمَن كان ياف عذاب ربه ويرجو ثوابه يوم‬ ‫لقائه‪ ،‬فليعمل عمل صالًا لربه موافقًا لشرعه‪ ،‬ول يشرك ف العبادة معه‬ ‫أحدًا غيه‪.‬‬

‫‪988‬‬

‫‪ -19‬سورة مري‬ ‫كهيعص (‪)1‬‬ ‫(كهيعص) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ذِكْرُ رَ ْح َمةِ َربّكَ َعْبدَهُ زَكَ ِريّا (‪)2‬‬ ‫هذا ذِكْر رحة ربك عبده زكريا‪ ,‬سنقصه عليك‪ ,‬فإن ف ذلك عبة‬ ‫للمعتبين‪.‬‬ ‫إِذْ نَادَى َرّبهُ نِدَاءً خَ ِفيّا (‪)3‬‬ ‫إذ دعا ربه سرًا; ليكون أكمل وأت إخلصًا ل‪ ,‬وأرجى للجابة‪.‬‬ ‫قَالَ رَبّ ِإنّي وَهَ َن الْعَظْ مُ ِمنّي وَا ْشتَعَ َل الرّأْ سُ َشيْبا َولَ مْ أَكُ نْ بِدُعَائِ كَ‬

‫رَبّ شَ ِقيّا (‪)4‬‬

‫‪989‬‬

‫قال‪ :‬رب إن َكبِرْتُ‪ ,‬وضعف عظمي‪ ,‬وانتشر الشيب ف رأسي‪ ,‬ول‬ ‫أكن من قبل مرومًا من إجابة الدعاء‪.‬‬ ‫ب لِي مِ نْ‬ ‫ت امْرَأَتِي عَاقِرا َف َه ْ‬ ‫وَِإنّ ي خِفْ تُ الْ َموَالِ يَ مِ نْ َورَائِي وَكَانَ ْ‬ ‫لَ ُدنْكَ َوِليّا ( ‪)5‬‬ ‫وإن خفت أقارب وعصبت مِن بعد موت أن ل يقوموا بدينك حق‬ ‫القيام‪ ,‬ول يدعوا عبادك إليك‪ ,‬وكانت زوجت عاقرًا ل تلد‪ ,‬فارزقن مِن‬ ‫عندك ولدًا وارثًا ومعينًا‪.‬‬ ‫ضيّا (‪)6‬‬ ‫ب َر ِ‬ ‫ب وَاجْعَ ْلهُ رَ ّ‬ ‫ث مِنْ آ ِل يَعْقُو َ‬ ‫يَ ِرُثنِي َويَرِ ُ‬ ‫يرث نبوّت ونبوة آل يعقوب‪ ,‬واجعل هذا الولد مرضيًا منك ومن‬ ‫عبادك‪.‬‬ ‫حيَى لَمْ َنجْعَلْ َلهُ مِ ْن َقبْلُ َس ِميّا (‪)7‬‬ ‫يَا زَكَ ِريّا ِإنّا ُنَبشّرُكَ بِغُلمٍ ا ْس ُمهُ َي ْ‬ ‫يا زكريا إنّا نبشرك بإجابة دعائك‪ ,‬قد وهبنا لك غلمًا اسه يي‪ ,‬ل‬ ‫ُنسَمّ أحدًا قبله بذا السم‪.‬‬ ‫‪990‬‬

‫ت مِ ْن الْ ِكبَرِ‬ ‫ت امْرََأتِي عَاقِرا وََقدْ بَلَ ْغ ُ‬ ‫قَالَ َربّ َأنّى يَكُونُ لِي غُلمٌ وَكَانَ ْ‬

‫ِعِتيّا (‪)8‬‬

‫قال زكريا متعجبًا‪ :‬ربّ كيف يكون ل غلم‪ ,‬وكانت امرأت عاقرًا ل‬ ‫تلد‪ ,‬وأنا قد بلغت النهاية ف الكب ورقة العظم؟‬ ‫ك مِ نْ َقبْ ُل وَلَ ْم تَ كُ َشيْئا‬ ‫ك ُهوَ عََليّ َهيّ نٌ وََقدْ خَلَ ْقتُ َ‬ ‫قَالَ َك َذلِ كَ قَالَ َربّ َ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫قال الَلَك ميبًا زكريا عمّا تعجّب منه‪ :‬هكذا المر كما تقول مِن كون‬ ‫امرأتك عاقرًا‪ ,‬وبلوغك من الكب عتيًا‪ ,‬ولكنّ ربك قال‪ :‬خَلْقُ يي على‬ ‫هذه الكيفية أمر سهل هيّن عليّ‪ ,‬ث ذكر ال سبحانه لزكريا ما هو‬ ‫ك شيئًا‬ ‫أعجب ما سأل عنه فقال‪ :‬وقد خلقتك أنت من قبل يي‪ ,‬ول ت ُ‬ ‫مذكورًا ول موجودًا‪.‬‬ ‫ث َليَالٍ َس ِويّا (‬ ‫قَالَ رَبّ اجْعَل لِي آَيةً قَالَ آَيتُ كَ أَ ّل تُكَلّ مَ النّا سَ ثَل َ‬ ‫‪)10‬‬ ‫‪991‬‬

‫قال زكريا زيادة ف اطمئنانه‪ :‬ربّ اجعل ل علمة على تقّق ما َبشّ َرتْن‬ ‫به اللئكة‪ ,‬قال‪ :‬علمتك أن ل تقدر على كلم الناس مدة ثلث ليال‬ ‫وأيامها‪ ,‬وأنت صحيح معاف‪.‬‬ ‫شيّا (‬ ‫َفخَرَجَ َعلَى َقوْمِهِ مِنْ الْ ِمحْرَابِ فََأوْحَى ِإَلْيهِمْ أَنْ َسّبحُوا بُ ْكرَةً وَ َع ِ‬ ‫‪)11‬‬ ‫فخرج زكريا على قومه مِن مصله‪ ,‬وهو الكان الذي ُبشّر فيه بالولد‪,‬‬ ‫فأشار إليهم‪ :‬أن َسبّحوا ال صباحًا ومساءً شكرًا له تعال‪.‬‬ ‫صِبيّا (‪)12‬‬ ‫ب بِ ُقوّةٍ وَآَتْينَاهُ الْحُكْ َم َ‬ ‫حيَى خُ ْذ الْ ِكتَا َ‬ ‫يَا َي ْ‬ ‫فلما ولد يي‪ ،‬وبلغ مبلغًا يفهم فيه الطاب‪ ،‬أمره اللّه أن يأخذ التوراة‬ ‫بدّ واجتهاد بقوله‪ :‬يا يي خذ التوراة بد واجتهاد بفظ ألفاظها‪,‬‬ ‫وفهم معانيها‪ ,‬والعمل با‪ ,‬وأعطيناه الكمة وحسن الفهم‪ ,‬وهو صغي‬ ‫السن‪.‬‬ ‫وَ َحنَانَا مِنْ لَ ُدنّا َوزَكَاةً وَكَانَ تَ ِقيّا (‪)13‬‬ ‫‪992‬‬

‫وآتيناه رحة ومبة من عندنا وطهارة من الذنوب‪ ,‬وكان خائفًا مطيعًا ل‬ ‫تعال‪ ,‬مؤديًا فرائضه‪ ,‬متنبًا مارمه‪.‬‬ ‫صيّا (‪)14‬‬ ‫َوبَرّا ِبوَالِ َدْيهِ َولَ ْم يَكُنْ َجبّارا عَ ِ‬ ‫وكان بارّا بوالديه مطيعًا لما‪ ,‬ول يكن متكبًا عن طاعة ربه‪ ,‬ول عن‬ ‫طاعة والديه‪ ,‬ول عاصيًا لربه‪ ,‬ول لوالديه‪.‬‬ ‫ت َوَيوْمَ ُيبْعَثُ َحيّا (‪)15‬‬ ‫وَسَلمٌ عََلْي ِه َيوْمَ ُولِدَ َوَيوْمَ يَمُو ُ‬ ‫وسلم من ال على يي وأمان له يوم ُولِد‪ ,‬ويوم يوت‪ ,‬ويوم يُبعث مِن‬ ‫قبه حيًا‪.‬‬ ‫ت مِنْ أَهِْلهَا مَكَانا َشرِْقيّا (‪)16‬‬ ‫ب مَ ْريَمَ ِإذْ انَتبَذَ ْ‬ ‫وَاذْكُ ْر فِي الْ ِكتَا ِ‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف هذا القرآن خب مري إذ تباعدت عن أهلها‪,‬‬ ‫فاتذت لا مكانًا ما يلي الشرق عنهم‪.‬‬ ‫فَاّتخَذَ تْ مِ نْ دُوِنهِ مْ ِحجَابا فََأرْ سَ ْلنَا ِإَلْيهَا رُو َحنَا َفتَ َمثّلَ َلهَا َبشَرا َس ِويّا‬ ‫‪993‬‬

‫(‪)17‬‬ ‫فجعلت مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس‪ ,‬فأرسلنا إليها‬ ‫للْق‪.‬‬ ‫اللَك جبيل‪ ,‬فتمثّل لا ف صورة إنسان تام ا َ‬ ‫قَالَتْ ِإنّي أَعُوذُ بِالرّ ْحمَنِ ِمْنكَ ِإنْ كُنتَ تَ ِقيّا (‪)18‬‬ ‫قالت مري له‪ :‬إن أستجي بالرحن منك أن تنالن بسوء إن كنت من‬ ‫يتقي ال‪.‬‬ ‫ك غُلما زَ ِكيّا (‪)19‬‬ ‫قَالَ ِإنّمَا َأنَا رَسُولُ َربّكِ لَ َهبَ لَ ِ‬ ‫قال لا الَلَك‪ :‬إنا أنا رسول ربك بعثن إليك؛ لهب لك غلمًا طاهرًا‬ ‫من الذنوب‪.‬‬ ‫سنِي َبشَرٌ َولَمْ أَكُنْ بَ ِغيّا (‪)20‬‬ ‫سْ‬ ‫قَالَتْ َأنّى يَكُونُ لِي غُل ٌم وَلَ ْم يَ ْم َ‬ ‫قالت مري للمَلَك‪ :‬كيف يكون ل غلم‪ ,‬ول يسسن بشر بنكاحٍ‬ ‫حلل‪ ,‬ول أ ُك زانية؟‬ ‫‪994‬‬

‫قَالَ َك َذلِكِم قَالَ َربّكِم ُهوَ عَلَيّ َهيّنٌم َوِلَنجْعَلَهُم آَيةً لِلنّاسِم َورَحْ َمةً ِمنّام‬

‫ضيّا (‪)21‬‬ ‫وَكَانَ َأمْرا مَقْ ِ‬

‫قال لا الَلَك‪ :‬هكذا المر كما تصفي من أنه ل يسسك بشر‪ ,‬ول‬ ‫تكون بَ ِغيّا‪ ,‬ولكن ربك قال‪ :‬المر عليّ سهل; وليكون هذا الغلم‬ ‫علمة للناس تدل على قدرة ال تعال‪ ,‬ورحة منّا به وبوالدته وبالناس‪,‬‬ ‫وكان وجود عيسى على هذه الالة قضاء سابقًا مق ّدرًا‪ ,‬مسطورًا ف‬ ‫اللوح الحفوظ‪ ,‬فل بد مِن نفوذه‪.‬‬ ‫صيّا (‪)22‬‬ ‫ت ِبهِ مَكَانا قَ ِ‬ ‫َفحَ َمَلْتهُ فَانَتبَذَ ْ‬ ‫فحملت مري بالغلم بعد أن نفخ جبيل ف َجيْب قميصها‪ ,‬فوصلت‬ ‫النفخة إل رَ ِحمِها‪ ,‬فوقع المل بسبب ذلك‪ ,‬فتباعدت به إل مكان‬ ‫بعيد عن الناس‪.‬‬ ‫َفأَجَاءَهَا الْ َمخَا ضُ ِإلَى ِجذْ عِ الّنخَْلةِ قَالَ تْ يَا َلْيَتنِي ِمتّ َقبْ َل هَذَا وَكُن تُ‬ ‫سيّا (‪)23‬‬ ‫َنسْيا َمْن ِ‬ ‫‪995‬‬

‫ت قبل هذا اليوم‪,‬‬ ‫فألأها طَلْقُ المل إل جذع النخلة فقالت‪ :‬يا ليتن م ّ‬ ‫وكنت شيئًا ل يُعْرَف‪ ,‬ول يُذْكَر‪ ,‬ول يُ ْدرَى مَن أنا؟‬ ‫حتَكِ َس ِريّا (‪)24‬‬ ‫ك َت ْ‬ ‫حتِهَا أَ ّل َتحْ َزنِي َقدْ جَعَلَ َربّ ِ‬ ‫َفنَادَاهَا مِ ْن َت ْ‬ ‫فناداها جبيل أو عيسى‪ :‬أن ل تَحزن‪ ,‬قد جعل ربك تتك َجدْول ماء‪.‬‬ ‫ع الّنخَْلةِ ُتسَاِقطْ عََلْيكِ ُرطَبا َجِنيّا (‪)25‬‬ ‫ك ِبجِذْ ِ‬ ‫وَهُزّي ِإَليْ ِ‬ ‫وحَرّكي جذع النخلة ُتسَاِقطْ عليك رطبًا غَضّا ُجنِ َي مِن ساعته‪.‬‬ ‫َفكُلِي وَا ْش َربِي وَقَرّي َعيْنا َفإِمّا تَ َريْ نَ مِ نْ اْلبَشَرِ َأحَدا فَقُولِي ِإنّي َن َذرْ تُ‬ ‫سيّا ( ‪)26‬‬ ‫صوْما فَلَنْ أُكَلّمَ اْلَيوْمَ إِن ِ‬ ‫لِلرّ ْحمَنِ َ‬ ‫فكلي من الرطب‪ ,‬واشرب من الاء وطيمب نفسًا بالولود‪ ,‬فإن رأيت‬ ‫ت على نفسي ل‬ ‫من الناس أحدًا فسألك عن أمرك فقول له‪ :‬إن َأوْ َجبْ ُ‬ ‫سكوتًا‪ ,‬فلن أكلم اليوم أحدًا من الناس‪ .‬والسكوت كان تعبدًا ف‬ ‫شرعهم‪ ,‬دون شريعة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪996‬‬

‫َفَأتَتْ ِب ِه َقوْ َمهَا َتحْمُِلهُ قَالُوا يَا َم ْريَ ُم لَقَدْ ِجئْتِ َشيْئا َف ِريّا (‪)27‬‬ ‫فأتت مري قومها تمل مولودها من الكان البعيد‪ ,‬فلما رأوها كذلك‬ ‫قالوا لا‪ :‬يا مري لقد جئت أمرًا عظيمًا مفترى‪.‬‬ ‫ك بَ ِغيّا (‪)28‬‬ ‫يَا أُ ْختَ هَارُونَ مَا كَانَ َأبُو ِك امْرَأَ َس ْوءٍ وَمَا كَانَتْ أُمّ ِ‬ ‫يا أخت الرجل الصال هارون ما كان أبوك رجل سوء يأت الفواحش‪,‬‬ ‫وما كانت أمك امرأة سوء تأت البِغاء‪.‬‬ ‫صِبيّا (‪)29‬‬ ‫َفأَشَارَتْ ِإَليْهِ قَالُوا َكيْفَ نُ َكلّمُ مَ ْن كَانَ فِي الْ َمهْ ِد َ‬ ‫فأشارت مري إل مولودها عيسى ليسألوه ويكلموه‪ ,‬فقالوا منكرين‬ ‫عليها‪ :‬كيف نكلم مَن ل يزال ف مهده طفل رضيعًا؟‬ ‫قَالَ ِإنّي َعْبدُ الّلهِ آتَانِي الْ ِكتَابَ وَ َجعََلنِي َنِبيّا (‪)30‬‬ ‫قال عيسى وهو ف مهده يرضع‪ :‬إن عبد ال‪ ,‬قضى بإعطائي الكتاب‪,‬‬ ‫وهو النيل‪ ,‬وجعلن نبيًا‪.‬‬ ‫‪997‬‬

‫ت وََأ ْوصَانِي بِالصّلةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ َحيّا (‬ ‫وَ َجعََلنِي ُمبَارَكا َأيْ َن مَا كُن ُ‬

‫‪)31‬‬

‫وجعلن عظيم الي والنفع حيثما وُ ِجدْتُ‪ ,‬وأوصان بالحافظة على‬ ‫الصلة وإيتاء الزكاة ما بقيت حيًا‪.‬‬ ‫َوبَرّا ِبوَالِ َدتِي َولَمْ َيجْعَ ْلنِي َجبّارا شَ ِقيّا (‪)32‬‬ ‫وجعلن بارّا بوالدت‪ ,‬ول يعلن متكبًا ول شقيًا‪ ,‬عاصيًا لرب‪.‬‬ ‫ت َوَيوْمَ ُأبْعَثُ َحيّا (‪)33‬‬ ‫ت َويَوْمَ أَمُو ُ‬ ‫وَالسّل ُم عَلَ ّي َيوْمَ ُولِدْ ُ‬ ‫والسلمة والمان عليّ من ال يوم وُلِ ْدتُ‪ ,‬ويوم أموت‪ ,‬ويوم أُبعث حيًا‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫َذلِكَ عِيسَى ابْنُ َم ْريَمَ َقوْلَ الْحَقّ الّذِي فِيهِ يَ ْمتَرُونَ (‪)34‬‬

‫‪998‬‬

‫ذلك الذي قصصنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬صفتَه وخبَه هو عيسى ابن‬ ‫مري‪ ,‬مِن غي شك ول مرية‪ ,‬بل هو قولُ الق الذي شك فيه اليهود‬ ‫والنصارى‪.‬‬ ‫مَا كَا نَ لِلّ هِ أَ ْن َيتّخِ َذ مِ نْ َولَدٍ ُسْبحَاَنهُ ِإذَا قَضَى أَمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ لَ هُ كُ نْ‬ ‫َفيَكُونُ (‪)35‬‬ ‫ما كان ل تعال ول يليق به أن يتخذ مِن عباده وخَلْقه ولدًا‪ ,‬تنّه‬ ‫وتقدّس عن ذلك‪ ,‬إذا قضى أمرًا من المور وأراده‪ ,‬صغيًا أو كبيًا‪ ,‬ل‬ ‫يتنع عليه‪ ,‬وإنا يقول له‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون كما شاءه وأراده‪.‬‬ ‫ستَقِي ٌم (‪)36‬‬ ‫وَِإنّ الّلهَ َربّي َو َربّكُ ْم فَا ْعبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ ُم ْ‬ ‫وقال عيسى لقومه‪ :‬وإن ال الذي أدعوكم إليه هو وحده رب وربكم‬ ‫فاعبدوه وحده ل شريك له‪ ,‬فأنا وأنتم سواء ف العبودية والضوع له‪،‬‬ ‫هذا هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه‪.‬‬ ‫شهَدِ َيوْ ٍم عَظِي ٍم (‬ ‫ب مِ نْ َبْيِنهِ مْ َف َويْلٌ لِلّذِي نَ كَ َفرُوا مِ ْن َم ْ‬ ‫ف الَحْزَا ُ‬ ‫فَا ْختَلَ َ‬ ‫‪999‬‬

‫‪)37‬‬ ‫فاختلفت الفِرَق من أهل الكتاب فيما بينهم ف أمر عيسى عليه السلم‪,‬‬ ‫فمنهم غال فيه وهم النصارى‪ ,‬فمنهم من قال‪ :‬هو ال‪ ,‬ومنهم من قال‪:‬‬ ‫هو ابن ال‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬ثالث ثلثة ‪ -‬تعال ال عما يقولون ‪،-‬‬ ‫ف عنه وهم اليهود‪ ,‬قالوا‪ :‬ساحر‪ ,‬وقالوا‪ :‬ابن يوسف النجار‪,‬‬ ‫ومنهم جا ٍ‬ ‫فهلك للذين كفروا مِن شهود يوم عظيم الول‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫أَ سْ ِمعْ ِبهِ ْم وََأبْ صِرْ َيوْ َم يَ ْأتُونَنَا لَكِ نْ الظّالِمُو نَ اْلَيوْ مَ فِي ضَللٍ ُمبِيٍ (‬

‫‪)38‬‬

‫ما أش ّد سعَهم وبصرهم يوم القيامة‪ ,‬يوم يَقْدُمون على ال‪ ,‬حي ل‬ ‫ب بيّنٍ عن الق‪.‬‬ ‫ينفعهم ذلك!! لكنِ الظالون اليوم ف هذه الدنيا ف ذها ٍ‬ ‫وَأَن ِذرْهُ ْم َيوْ مَ اْلحَ سْرَةِ إِذْ قُضِ َي الَمْرُ وَهُ مْ فِي غَفَْلةٍ وَهُ مْ ل ُيؤْ ِمنُو نَ (‬ ‫‪)39‬‬ ‫وأنذر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬الناس يوم الندامة حي يُقضى المر‪ ,‬وُيجَا ُء‬ ‫بالوت كأنّه كبش أملح‪ ,‬فيُ ْذبَح‪ ,‬ويُفصل بي اللق‪ ,‬فيصي أهل اليان‬ ‫‪1000‬‬

‫إل النة‪ ,‬وأهل الكفر إل النار‪ ,‬وهم اليوم ف هذه الدنيا ف غفلة عمّا‬ ‫أُنذروا به‪ ,‬فهم ل يصدقون‪ ,‬ول يعملون العمل الصال‪.‬‬ ‫ض وَمَنْ عََلْيهَا وَِإَلْينَا ُيرْجَعُونَ (‪)40‬‬ ‫ث الَرْ َ‬ ‫ِإنّا َنحْنُ َنرِ ُ‬ ‫إنا نن الوارثون للرض ومَن عليها بفنائهم وبقائنا بعدهم وحُكْمنا‬ ‫فيهم‪ ,‬وإلينا مصيهم وحسابم‪ ,‬فنجازيهم على أعمالم‪.‬‬ ‫صدّيقا َنِبيّا (‪)41‬‬ ‫وَاذْكُرْ فِي الْ ِكتَابِ ِإبْرَاهِيمَ ِإّنهُ كَانَ ِ‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لقومك ف هذا القرآن قصة إبراهيم ‪ -‬عليه‬ ‫السلم ‪ -‬إنه كان عظيم الصدق‪ ,‬ومِن أرفع أنبياء ال تعال منلة‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ َلبِي هِ يَا َأبَتِ لِمَ تَ ْعُبدُ مَا ل يَسْمَعُ وَل ُيبْ صِ ُر وَل يُ ْغنِي َعنْكَ َشيْئا‬ ‫(‪)42‬‬ ‫إذ قال لبيه آزر‪ :‬يا أبت لي شيء تعبد من الصنام ما ل يسمع ول‬ ‫يبصر‪ ,‬ول يدفع عنك شيئًا من دون ال؟‬

‫‪1001‬‬

‫يَا َأبَتِ ِإنّي قَدْ جَا َءنِي مِنْ الْعِلْ ِم مَا لَمْ يَ ْأِتكَ فَاّتبِ ْعنِي أَهْ ِدكَ صِرَاطا َس ِويّا‬ ‫(‪)43‬‬ ‫يا أبت‪ ,‬إن ال أعطان من العلم ما ل يعطك‪ ,‬فاقبل من‪ ,‬واتبعن إل ما‬ ‫أدعوك إليه‪ ,‬أرشدك إل الطريق السوي الذي ل تضلّ فيه‪.‬‬ ‫صيّا (‪)44‬‬ ‫شيْطَانَ كَانَ لِلرّ ْحمَنِ عَ ِ‬ ‫شيْطَانَ ِإ ّن ال ّ‬ ‫يَا َأبَتِ ل تَ ْعبُ ْد ال ّ‬ ‫يا أبت‪ ,‬ل تطع الشيطان فتعبد هذه الصنام; إن الشيطان كان للرحن‬ ‫مالفًا مستكبًا عن طاعة ال‪.‬‬ ‫شيْطَانِ َوِليّا‬ ‫ب مِنْ الرّ ْحمَنِ َفتَكُونَ لِل ّ‬ ‫ك عَذَا ٌ‬ ‫يَا َأبَتِ ِإنّي أَخَافُ أَنْ يَمَسّ َ‬

‫(‪)45‬‬

‫يا أبت‪ ,‬إن أخاف أن توت على كفرك‪ ,‬في َمسّك عذاب من الرحن‪,‬‬ ‫فتكون للشيطان قرينًا ف النار‪.‬‬ ‫قَالَ َأرَاغِ بٌ َأْن تَ عَ ْن آِل َهتِي يَا ِإبْراهِي ُم َلئِ نْ لَ مْ تَنتَ هِ َلرْ ُج َمنّ كَ وَا ْهجُ ْرنِي‬ ‫مَِليّا (‪)46‬‬ ‫‪1002‬‬

‫قال أبو إبراهيم لبنه‪ :‬أمعرض أنت عن عبادة آلت يا إبراهيم؟ لئن ل‬ ‫تنته عن َسبّها لقتلنّك رميًا بالجارة‪ ,‬واذهب عن فل تلقن‪ ,‬ول‬ ‫تكلمن زمانًا طويل من الدهر‪.‬‬ ‫قَالَ سَل ٌم عََليْكَ سََأ ْستَغْفِ ُر لَكَ َربّي ِإّنهُ كَانَ بِي حَ ِفيّا (‪)47‬‬ ‫قال إبراهيم لبيه‪ :‬سلم عليك من فل ينالك من ما تكره‪ ,‬وسوف‬ ‫أدعو ال لك بالداية والغفرة‪ .‬إن رب كان رحيمًا رؤوفًا بال ييبن إذا‬ ‫دعوته‪.‬‬ ‫وَأَ ْعَت ِزلُكُ ْم وَمَا تَدْعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ وَأَدْعُو َربّي عَ سَى أَلّ أَكُو نَ بِدُعَاءِ‬ ‫َربّي شَ ِقيّا (‪)48‬‬ ‫وأفارقكم وآلتكم الت تعبدونا من دون ال‪ ,‬وأدعو رب ملصًا‪ ,‬عسى‬ ‫أن ل أشقى بدعاء رب‪ ,‬فل يعطين ما أسأله‪.‬‬ ‫ب وَكُلّ‬ ‫َفلَمّا ا ْعتَ َزلَهُ مْ وَمَا يَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ وَ َهْبنَا لَ هُ ِإ ْسحَقَ َويَعْقُو َ‬ ‫جَعَ ْلنَا َنِبيّا (‪)49‬‬ ‫‪1003‬‬

‫فلما فارقهم وآلتهم الت يعبدونا من دون ال رزقناه من الولد‪:‬‬ ‫إسحاق‪ ,‬ويعقوب بن إسحاق‪ ,‬وجعلناها نبيّي‪.‬‬ ‫ق عَِليّا (‪)50‬‬ ‫َووَ َهْبنَا َلهُمْ مِنْ رَ ْح َمِتنَا وَجَعَ ْلنَا َلهُ ْم لِسَانَ صِدْ ٍ‬ ‫ووهبنا لم جيعا من رحتنا فضل ل يصى‪ ,‬وجعلنا لم ذكرًا حسنًا‪,‬‬ ‫وثناءً جيل باقيًا ف الناس‪.‬‬ ‫ب مُوسَى ِإّنهُ كَانَ ُمخْلَصا وَكَانَ رَسُولً َنِبيّا (‪)51‬‬ ‫وَاذْكُ ْر فِي الْ ِكتَا ِ‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف القرآن قصة موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إنه‬ ‫كان مصطفى متارًا‪ ,‬وكان رسول نبيًا مِن أول العزم من الرسل‪.‬‬ ‫جيّا (‪)52‬‬ ‫َونَا َدْينَاهُ مِنْ جَانِبِ الطّورِ ا َليْمَ ِن وَقَ ّرْبنَاهُ َن ِ‬ ‫ونادينا موسى من ناحية جبل طور "سيناء" اليمن من مو سى‪ ,‬وقرّبناه‬ ‫فشرّفناه بناجاتنا له‪ .‬وف هذا إثبات صفة الكلم ل ‪ -‬تعال ‪ -‬كما يليق‬ ‫بلله وكماله‪.‬‬

‫‪1004‬‬

‫َووَ َهْبنَا َلهُ مِنْ رَحْ َمِتنَا أَخَاهُ هَارُونَ َنِبيّا (‪)53‬‬ ‫ووهبنا لوسى من رحتنا أخاه هارون نبيًا يؤيده ويؤازره‪.‬‬ ‫ق اْلوَعْ ِد وَكَا نَ رَ سُولً َنِبيّا (‬ ‫وَاذْكُ ْر فِي الْ ِكتَا بِ إِ ْسمَاعِيلَ ِإنّ هُ كَا نَ صَادِ َ‬

‫‪)54‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف هذا القرآن خب إساعيل عليه السلم‪ ,‬إنه‬ ‫كان صادقًا ف وعده فلم يَعِد شيئًا إل وفّى به‪ ,‬وكان رسول نبيًا‪.‬‬ ‫ضيّا (‪)55‬‬ ‫وَكَانَ يَأْمُرُ أَهَْلهُ بِالصّلةِ وَالزّكَاةِ وَكَانَ ِعنْ َد َرّبهِ مَ ْر ِ‬ ‫وكان يأ مر أهله بإقام ال صلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬وكان ع ند ر به عز و جل‬ ‫مرضيًا عنه‪.‬‬ ‫صدّيقا َنِبيّا (‪)56‬‬ ‫وَاذْكُ ْر فِي الْ ِكتَابِ إِ ْدرِيسَ ِإّنهُ كَانَ ِ‬ ‫واذ كر ‪ -‬أي ها الر سول ‪ -‬ف هذا القرآن خب إدر يس عل يه ال سلم‪ ,‬إ نه‬ ‫كان عظيم الصدق ف قوله وعمله‪ ,‬نبيًا يوحى إليه‪.‬‬ ‫‪1005‬‬

‫َورَفَ ْعنَاهُ مَكَانا َعِليّا (‪)57‬‬ ‫ورفَعْ نا ذِكْره ف العال ي‪ ,‬ومنل ته ب ي القرب ي‪ ,‬فكان عال الذ كر‪ ,‬عال‬ ‫النلة‪.‬‬ ‫ك الّذِي نَ َأنْعَ َم اللّ هُ عََلْيهِ مْ مِ ْن الّنِبّييَ مِ نْ ُذ ّريّةِ آدَ مَ وَ ِممّ نْ َحمَ ْلنَا مَ َع‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫نُو حٍ وَمِ نْ ُذ ّرّيةِ ِإبْرَاهِي مَ وَِإ ْسرَائِيلَ وَمِمّ ْن هَ َديْنَا وَا ْجَتَبيْنَا إِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ مْ‬ ‫آيَاتُ الرّحْمَنِ خَرّوا ُسجّدا َوبُ ِكيّا (‪)58‬‬ ‫ت عل يك خبهم أي ها الر سول‪ ,‬هم الذ ين أن عم ال‬ ‫هؤلء الذ ين ق صص ُ‬ ‫عليهم بفضله وتوفيقه‪ ,‬فجعلهم أنبياء من ذرية آدم‪ ,‬ومِن ذرية مَن حلنا‬ ‫مع نوح ف السفينة‪ ,‬ومن ذرية إبراهيم‪ ,‬ومن ذرية يعقوب‪ ,‬ومّن هدينا‬ ‫لليان واصطفينا للرسالة والنُبوّة‪ ,‬إذا تتلى عليهم آيات الرحن التضمنة‬ ‫لتوحيده وحججمه خرّوا سماجدين ل خضوعًا‪ ,‬واسمتكانة‪ ,‬وب َكوْا ممن‬ ‫خشيته سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫ش َهوَاتِم فَسَموْفَ‬ ‫َفخَلَ فَ مِ نْ بَ ْعدِهِم ْم َخلْفٌمَأضَاعُوا الصمّلةَ وَاّتبَعُوا ال ّ‬

‫يَلْ َق ْونَ َغيّا (‪)59‬‬

‫‪1006‬‬

‫فأ تى مِن ب عد هؤلء النعَم علي هم أتباع َسوْء تركوا ال صلة كل ها‪ ,‬أو‬ ‫فوتوا وقتهما‪ ,‬أو تركوا أركانام وواجباتام‪ ,‬واتبعوا مما يوافمق شهواتمم‬ ‫ويلئمها‪ ,‬فسوف يلقون شرًا وضلل وخيبة ف جهنم‪.‬‬ ‫جنّةَ وَل يُظَْلمُو نَ‬ ‫ب وَآمَ نَ وَعَمِ َل صَالِحا فَُأ ْوَلئِ كَ َيدْخُلُو نَ اْل َ‬ ‫إِلّ مَ نْ تَا َ‬ ‫َشيْئا (‪)60‬‬ ‫ل كن مَن تاب من هم مِن ذن به وآ من بر به وع مل صالًا ت صديقًا لتوب ته‪,‬‬ ‫فأولئك يقبل ال توبت هم‪ ,‬ويدخلون النة مع الؤمني ول يُنقَصون شيئًا‬ ‫من أعمالم الصالة‪.‬‬ ‫َجنّا تِ َعدْ نٍ الّتِي وَعَدَ الرّ ْحمَ نُ ِعبَادَ هُ بِالْ َغيْ بِ ِإنّ هُ كَا نَ وَعْدُ هُ مَ ْأِتيّا (‬ ‫‪)61‬‬ ‫جنات خلد وإقامة دائمة‪ ,‬وهي الت وعد الرحن با عباده بالغيب فآمَنوا‬ ‫ت ل مالة‪.‬‬ ‫با ول يروها‪ ,‬إن وعد ال لعباده بذه النة آ ٍ‬ ‫شيّا (‪)62‬‬ ‫ل َيسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوا إِلّ سَلما َولَهُ ْم ِرزُْقهُمْ فِيهَا بُكْرَ ًة وَ َع ِ‬ ‫‪1007‬‬

‫ل يسمع أهل النة فيها كلمًا باطل لكن يسمعون سلما تية لم‪ ,‬ولم‬ ‫رزقهم فيها من الطعام والشراب دائمًا‪ ,‬كلما شاؤوا بكرة وعشيًا‪.‬‬ ‫جنّةُ اّلتِي نُورِثُ مِ ْن ِعبَا ِدنَا مَنْ كَانَ تَ ِقيّا (‪)63‬‬ ‫تِ ْلكَ اْل َ‬ ‫تلك ال نة الو صوفة بتلك ال صفات‪ ,‬هي ال ت نورث ها ونعطي ها عباد نا‬ ‫التقي لنا‪ ,‬بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا‪.‬‬ ‫ك وَمَا‬ ‫ك لَ هُ مَا َبيْ نَ َأيْدِينَا وَمَا خَلْ َفنَا وَمَا َبيْ نَ َذلِ َ‬ ‫وَمَا َنَتنَزّلُ إِ ّل بِأَمْ ِر َربّ َ‬ ‫سيّا (‪)64‬‬ ‫ك َن ِ‬ ‫كَانَ َربّ َ‬ ‫وقل ‪ -‬يا جبيل ‪ -‬لحمد‪ :‬وما نتنل ‪ -‬نن اللئكة ‪ -‬من السماء إل‬ ‫الرض إل بأ مر ر بك ل نا‪ ,‬له ما ب ي أيدي نا م ا ي ستقبل من أ مر الخرة‪,‬‬ ‫وما خلفنا ما مضى من الدنيا‪ ,‬وما بي الدنيا والخرة‪ ,‬فله المر كله ف‬ ‫الزمان والكان‪ ,‬وما كان ربك ناسيًا لشيء من الشياء‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْ ضِ وَمَا َبْيَنهُمَا فَا ْعبُدْ هُ وَا صْ َطبِرْ لِ ِعبَا َدتِ هِ هَلْ تَعَْل ُم لَ هُ‬ ‫رَبّ ال سّ َموَا ِ‬ ‫سَ ِميّا (‪)65‬‬ ‫‪1008‬‬

‫فهو ال رب السموات والرض وما بينهما‪ ,‬ومالك ذلك كله وخالقه‬ ‫ومدبره‪ ,‬فاعبده وحده ‪ -‬أيها النب ‪ -‬واصب على طاعته أنت ومَن‬ ‫تبعك‪ ,‬ليس كمثله شيء ف ذاته وأسائه وصفاته وأفعاله‪.‬‬ ‫سوْفَ ُأخْ َرجُ َحيّا (‪)66‬‬ ‫َويَقُولُ الِنسَانُ َأِئذَا مَا ِمتّ َل َ‬ ‫ت وَفنِيتُ‬ ‫ويقول النسان الكافر منكرًا للبعث بعد الوت‪ :‬أإذا ما مِ ّ‬ ‫لسوف أُخرَج من قبي حيًا؟!‬ ‫َأوَل يَذْكُ ُر الِنسَانُ َأنّا خَلَ ْقنَاهُ مِنْ َقبْلُ َولَمْ يَكُنْ َشيْئا (‪)67‬‬ ‫كيف نسي هذا النسان الكافر نفسه؟ أول يَذْكُر أنا خلقناه أول مرة‪,‬‬ ‫ك شيئًا موجودًا؟‬ ‫ول ي ُ‬ ‫حشُ َرّنهُمْ وَالشّيَاطِيَ ُثمّ َلُنحْضِ َرّنهُمْ َحوْلَ َج َهنّمَ ِجِثيّا (‪)68‬‬ ‫ك َلنَ ْ‬ ‫َف َو َربّ َ‬ ‫فوربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لنجمعن هؤلء النكرين للبعث يوم القيامة مع‬ ‫الشياطي‪ ,‬ث لنأتي بم أجعي حول جهنم باركي على رُكَبهم; لشدة‬ ‫ما هم فيه من الول‪ ,‬ل يقدرون على القيام‪.‬‬ ‫‪1009‬‬

‫ثُ ّم َلنَنِعَنّ مِنْ كُلّ شِي َعةٍ َأّيهُمْ َأشَدّ َعلَى الرّ ْحمَنِ ِعِتيّا (‪)69‬‬ ‫ث لنأخذنّ مِن كل طائفة أشدّهم تردًا وعصيانًا ل‪ ,‬فنبدأ بعذابم‪.‬‬ ‫صِليّا (‪)70‬‬ ‫ثُ ّم َلَنحْنُ أَعْلَ ُم بِالّذِينَ ُهمْ َأوْلَى ِبهَا ِ‬ ‫ث لنحن أعلم بالذين هم َأوْل بدخول النار ومقاساة حرها‪.‬‬ ‫ضيّا (‪)71‬‬ ‫وَِإنْ ِمنْكُمْ إِ ّل وَارِدُهَا كَانَ عَلَى َربّكَ َحتْما مَقْ ِ‬ ‫وما منكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬أحد إل وارد النار بالرور على الصراط‬ ‫النصوب على مت جهنم‪ ,‬كل بسب عمله‪ ,‬كان ذلك أمرًا متومًا‪,‬‬ ‫قضى ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وحكم أنه ل بد من وقوعه ل مالة‪.‬‬ ‫ثُ ّم ُنَنجّي الّذِينَ اتّ َقوْا َونَ َذرُ الظّالِ ِميَ فِيهَا ِجِثيّا (‪)72‬‬ ‫ث ننجي الذين اتقوا ربم بطاعته والبعد عن معصيته‪ ,‬ونترك الظالي‬ ‫لنفسهم بالكفر بال ف النار باركي على رُكَبهم‪.‬‬ ‫‪1010‬‬

‫ت قَالَ الّذِي نَ كَ َفرُوا لِلّذِي نَ آ َمنُوا أَيّ الْفَرِي َقيْ نِ‬ ‫وَِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبّينَا ٍ‬

‫َخيْ ٌر مَقَاما َوأَ ْحسَنُ نَ ِديّا (‪)73‬‬

‫وإذا تتلى على الناس آياتنا النلت الواضحات قال الكفار بال للمؤمني‬ ‫به‪ :‬أيّ الفريقي منّا ومنكم أفضل منل وأحسن ملسًا؟‬ ‫وَكَمْ أَهْلَ ْكنَا َقبَْلهُمْ مِ ْن قَ ْرنٍ ُهمْ أَ ْحسَنُ َأثَاثا وَ ِرئْيا (‪)74‬‬ ‫وكثيًا أهلكنا قبل كفار قومك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من المم كانوا‬ ‫أحسن متاعًا منهم وأجل منظرًا‪.‬‬ ‫َنم َمدّا َحتّىم ِإذَا رََأوْا مَا‬ ‫َهم الرّحْم ُ‬ ‫َانم فِي الضّلَلةِ فَ ْليَ ْمدُ ْد ل ُ‬ ‫َنم ك َ‬ ‫قُ ْل م ْ‬ ‫سيَعْلَمُونَ مَ نْ ُهوَ شَ ّر مَكَانا وََأضْ َع فُ‬ ‫ب وَإِمّا ال سّا َعةَ فَ َ‬ ‫يُوعَدُو نَ إِمّا الْعَذَا َ‬ ‫جُندا (‪)75‬‬ ‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لم‪ :‬من كان ضال عن الق غي متبع طريق‬ ‫الدى‪ ,‬فال يهله ويلي له ف ضلله‪ ,‬حت إذا رأى ‪ -‬يقينا ‪ -‬ما توعّده‬

‫‪1011‬‬

‫ال به‪ :‬إما العذاب العاجل ف الدنيا‪ ,‬وإما قيام الساعة‪ ,‬فسيعلم ‪ -‬حينئذ‬ ‫ مَن هو شر مكانًا ومستقرًا‪ ,‬وأضعف قوة وجندًا‪.‬‬‫َويَزِي ُد اللّهُ الّذِينَ ا ْهتَ َدوْا هُدًى وَاْلبَاِقيَاتُ الصّاِلحَاتُ َخْيرٌ ِعنْ َد َربّكَ َثوَابا‬ ‫وَ َخيْ ٌر مَرَدّا (‪)76‬‬ ‫ويزيد ال عباده الذين اهتدوا لدينه هدى على هداهم با يتجدد لم من‬ ‫اليان بفرائض ال‪ ,‬والعمل با‪ .‬والعمالُ الباقيات الصالات خي ثوابًا‬ ‫عند ال ف الخرة‪ ,‬وخي مرجعًا وعاقبة‪.‬‬ ‫أَفَرََأْيتَ الّذِي كَفَ َر بِآيَاِتنَا وَقَالَ لوَتيَنّ مَالً َو َولَدا (‪)77‬‬ ‫أعَلِمْت ‪ -‬أي ها الر سول ‪ -‬وعج بت من هذا الكا فر "العاص بن وائل"‬ ‫وأمثاله؟ إذ ك فر بآيات ال وكذّب ب ا وقال‪ :‬لعطيّ ف الخرة أموال‬ ‫وأولدًا‪.‬‬ ‫أَاطّلَ َع الْ َغيْبَ َأمْ اّتخَذَ ِعنْدَ الرّحْمَ ِن َعهْدا (‪)78‬‬ ‫أطّلَع الغيب‪ ,‬فرأى أن له مال وولدًا‪ ,‬أم له عند ال عهد بذلك؟‬ ‫‪1012‬‬

‫كَلّ َسنَ ْكُتبُ مَا يَقُولُ َونَمُدّ َلهُ مِ ْن الْعَذَابِ َمدّا (‪)79‬‬ ‫ليس المر كما يزعم ذلك الكافر‪ ,‬فل علم له ول عهد عنده‪ ,‬سنكتب‬ ‫مما يقول مِمن كذب وافتراء على ال‪ ,‬ونزيده فم الخرة ممن أنواع‬ ‫العقوبات‪ ,‬كما ازداد من الغيّ والضلل‪.‬‬ ‫َونَ ِرُثهُ مَا يَقُولُ َويَ ْأتِينَا فَرْدا (‪)80‬‬ ‫ونرثه مالَه وولده‪ ,‬ويأتينا يوم القيامة فردًا وحده‪ ,‬ل مال معه ول ولد‪.‬‬ ‫وَاّتخَذُوا مِنْ دُونِ الّلهِ آِل َهةً ِليَكُونُوا َلهُمْ عِزّا (‪)81‬‬ ‫واتذ الشركون آلة يعبدونا من دون ال; لتنصرهم‪ ,‬ويعتزوا با‪.‬‬ ‫كَلّ َسيَ ْكفُرُونَ بِ ِعبَا َدِتهِمْ َويَكُونُونَ َعَلْيهِمْ ضِدّا (‪)82‬‬ ‫ليس المر كما يزعمون‪ ,‬لن تكون لم اللة عزًا‪ ,‬بل ستكفر هذه اللة‬ ‫ف الخرة بعبادت م ل ا‪ ,‬وتكون علي هم أعوانًا ف خ صومتهم وتكذيب هم‬ ‫بلف ما ظنوه فيها‪.‬‬ ‫‪1013‬‬

‫شيَاطِيَ َعلَى الْكَافِرِينَ َت ُؤزّهُمْ َأزّا (‪)83‬‬ ‫َألَمْ تَرَى َأنّا َأرْسَ ْلنَا ال ّ‬ ‫أل تر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أنّا سلّطْنا الشياطي على الكافرين بال ورسله;‬ ‫لتغويهم‪ ,‬وتدفعهم عن الطاعة إل العصية؟‬ ‫فَل تَ ْعجَلْ عََلْيهِمْ ِإنّمَا نَعُدّ َلهُ ْم عَدّا (‪)84‬‬ ‫فل تستعجل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بطلب العذاب على هؤلء الكافرين‪ ,‬إنا‬ ‫نصي أعمارهم وأعمالم إحصاءً ل تفريط فيه ول تأخي‪.‬‬ ‫حشُرُ الْ ُمتّقِيَ ِإلَى الرّحْمَ نِ وَفْدا (‪َ )85‬ونَ سُوقُ الْ ُمجْرِمِيَ ِإلَى‬ ‫َيوْ مَ َن ْ‬ ‫َج َهنّ َم ِورْدا (‪)86‬‬ ‫يوم نمع التقي إل ربم الرحيم بم وفودًا مكرمي‪ .‬ونسوق الكافرين‬ ‫بال سوقًا شديدًا إل النار مشاة عِطاشًا‪.‬‬ ‫ل يَمْلِكُونَ الشّفَا َعةَ إِ ّل مَنْ اّتخَذَ ِعنْدَ الرّحْمَ ِن َعهْدا (‪)87‬‬ ‫ل يلك هؤلء الكفار الشفا عة ل حد‪ ,‬إن ا يلك ها مَ ِن ات ذ ع ند الرح ن‬ ‫‪1014‬‬

‫عهدًا بذلك‪ ,‬وهم الؤمنون بال ورسله‪.‬‬ ‫وَقَالُوا اّتخَ َذ الرّحْمَنُ َولَدا (‪)88‬‬ ‫وقال هؤلء الكفار‪ :‬اتذ الرحن ولدًا‪.‬‬ ‫لَقَدْ ِجْئتُمْ َشيْئا إِدّا (‪)89‬‬ ‫لقد جئتم ‪ -‬أيها القائلون ‪ -‬بذه القالة شيئا عظيمًا منكرًا‪.‬‬ ‫جبَالُ َهدّا (‪)90‬‬ ‫ض َوتَخِ ّر اْل ِ‬ ‫ت َيتَفَطّرْ نَ ِمنْ هُ َوتَنشَقّ الَرْ ُ‬ ‫تَكَا ُد ال سّ َموَا ُ‬ ‫َأنْ دَ َعوْا لِلرّحْمَ ِن َولَدا ( ‪)91‬‬ ‫ْنم مِن فظاعمة ذلكمم القول‪ ,‬وتتصمدع الرض‪,‬‬ ‫تكاد السمموات يتشقّق َ‬ ‫سَبتِهم له الولد‪ .‬تعال ال عن‬ ‫وت سقط البال سقوطًا شديدًا غضبًا ل ِلنِ ْ‬ ‫ذلك علوًا كبيًا‪.‬‬ ‫وَمَا َيْنبَغِي لِلرّحْمَنِ َأنْ َيّتخِذَ َولَدا (‪)92‬‬ ‫‪1015‬‬

‫و ما ي صلح للرح ن‪ ,‬ول يل يق بعظم ته‪ ,‬أن يت خذ ولدًا; لن اتاذ الولد‬ ‫يدل على النقص والاجة‪ ,‬وال هو الغن الميد البأ عن كل النقائص‪.‬‬ ‫ِإنْ كُلّ مَنْ فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ إِلّ آتِي الرّ ْحمَنِ َعبْدا (‪)93‬‬ ‫ما كل مَن ف السموات من اللئكة‪ ,‬ومَن ف الرض من النس والن‪,‬‬ ‫إل سيأت ربه يوم القيامة عبدًا ذليل خاضعًا مقرًا له بالعبودية‪.‬‬ ‫لَقَدْ َأحْصَاهُمْ وَعَدّهُ ْم عَدّا (‪)94‬‬ ‫ل قد أح صى ال سبحانه وتعال خَلْقَه كل هم‪ ,‬وعلم عدد هم‪ ,‬فل ي فى‬ ‫عليه أحد منهم‪.‬‬ ‫وَكُّلهُ ْم آتِيهِ َيوْمَ الْ ِقيَامَةِ فَرْدا (‪)95‬‬ ‫و سوف يأ ت كل فرد من اللق ر به يوم القيا مة وحده‪ ,‬ل مال له ول‬ ‫ولد معه‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَاتِ َسَيجْعَلُ َلهُمْ الرّ ْحمَنُ وُدّا (‪)96‬‬ ‫‪1016‬‬

‫إن الذين آمنوا بال واّتبَعوا رسله وعملوا الصالات وَفْق شرعه‪ ,‬سيجعل‬ ‫لم الرحن مبة ومودة ف قلوب عباده‪.‬‬ ‫ك ِلُتبَشّ َر ِبهِ الْ ُمتّ ِقيَ َوتُن ِذرَ ِبهِ َقوْما لُدّا (‪)97‬‬ ‫َفِإنّمَا َيسّ ْرنَاهُ بِِلسَانِ َ‬ ‫فإنا ي سّرنا هذا القرآن بلسانك العرب أيها الرسول؛ لتبشر به التقي من‬ ‫أتباعك‪ ,‬وتوّف به الكذبي شديدي الصومة بالباطل‪.‬‬ ‫وَكَ مْ أَهْلَكْنَا َقبَْلهُ ْم مِ ْن قَرْ نٍ هَلْ ُتحِ سّ ِمْنهُ ْم مِ نْ أَ َحدٍ َأوْ تَ سْ َمعُ َلهُ مْ‬ ‫رِكْزا (‪)98‬‬ ‫وكثيًا أهلكنا ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من المم السابقة قبل قومك‪ ,‬ما ترى‬ ‫من هم أحدًا و ما ت سمع ل م صوتًا‪ ,‬فكذلك الكفار من قو مك‪ ,‬نلك هم‬ ‫كما أهلكنا السابقي من قبلهم‪ .‬وف هذا تديد ووعيد بإهلك الكذبي‬ ‫العاندين‪.‬‬

‫‪1017‬‬

‫‪ -20‬سورة طمه‬

‫طه (‪)1‬‬ ‫(طه) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ك الْقُرْآنَ ِلتَشْقَى (‪)2‬‬ ‫مَا َأنْ َزْلنَا عََليْ َ‬ ‫ما أنزلنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬القرآن; لتشقى با ل طاقة لك به من‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫خشَى (‪)3‬‬ ‫إِلّ تَذْكِرَ ًة لِمَنْ َي ْ‬ ‫لكمن أنزلناه موعظمة; ليتذكمر بمه م َن ياف عقاب ال‪ ,‬فيتقيمه بأداء‬ ‫الفرائض واجتناب الحارم‪.‬‬ ‫ض وَالسّ َموَاتِ الْعُل (‪)4‬‬ ‫ل مِمّنْ خَلَ َق الَرْ َ‬ ‫تَنِي ً‬ ‫‪1018‬‬

‫هذا القرآن تنيل من ال الذي خلق الرض والسموات العلى‪.‬‬ ‫الرّ ْحمَنُ عَلَى الْعَ ْرشِ ا ْسَتوَى (‪)5‬‬ ‫الرحن على العرش استوى أي ارتفع وعل استواء يليق بلله وعظمته‪.‬‬ ‫َلهُ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ وَمَا َبْيَنهُمَا وَمَا َتحْتَ الثّرَى (‪)6‬‬ ‫له ما ف السموات وما ف الرض وما بينه ما وما تت الرض‪ ,‬خَ ْلقًا‬ ‫ومُلْكًا وتدبيًا‪.‬‬ ‫جهَرْ بِالْ َقوْلِ َفِإّنهُ يَعْلَ ُم السّ ّر وَأَخْفَى (‪)7‬‬ ‫وَِإنْ َت ْ‬ ‫وإن ت هر ‪ -‬أي ها الر سول ‪ -‬بالقول‪ ,‬فتعل نه أو ت فه‪ ,‬فإن ال ل ي فى‬ ‫عليه شيء‪ ,‬يعلم السر وما هو أخفى من السر ما تدّث به نفسك‪.‬‬ ‫سنَى (‪)8‬‬ ‫حْ‬ ‫الّلهُ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو لَهُ الَ ْسمَاءُ الْ ُ‬ ‫ال الذي ل معبود بق إل هو‪ ,‬له وحده الساء الكاملة ف السن‪.‬‬ ‫‪1019‬‬

‫ث مُوسَى (‪)9‬‬ ‫وَهَلْ َأتَاكَ َحدِي ُ‬ ‫وهل أتاك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬خب موسى بن عمران عليه السلم؟‬ ‫ت نَارا لَعَلّي آتِي ُك ْم ِمْنهَا بِ َقبَ سٍ‬ ‫إِذْ رَأَى نَارا فَقَالَ لَ ْهلِ هِ امْ ُكثُوا ِإنّي آنَ سْ ُ‬ ‫َأوْ أَجِ ُد عَلَى النّارِ هُدًى ( ‪)10‬‬ ‫حيم رأى فم الليمل نارًا موقدة فقال لهله‪ :‬انتظروا لقمد أبصمرت نارًا‪,‬‬ ‫لعلي أجيئكمم منهما بشعلة تسمتدفئون بام‪ ,‬وتوقدون بام نارًا أخرى‪ ,‬أو‬ ‫أجد عندها هاديًا يدلنا على الطريق‪.‬‬ ‫ك فَاخَْل ْع نَعَْليْ كَ ِإنّ كَ‬ ‫َفلَمّ ا َأتَاهَا نُودِي يَا مُو سَى (‪ِ )11‬إنّ ي أَنَا َربّ َ‬

‫بِاْلوَادِي الْمُ َقدّسِ ُطوًى (‪)12‬‬

‫م أتمى موسمى تلك النار ناداه ال‪ :‬يما موسمى‪ ,‬إنم أنما ربمك فاخلع‬ ‫فلم ا‬ ‫نعل يك‪ ,‬إ نك الن بوادي "طوى" الذي بارك ته‪ ,‬وذلك ا ستعدادًا لناجاة‬ ‫ربه‪.‬‬

‫‪1020‬‬

‫ك فَا ْستَ ِمعْ لِمَا يُوحَى (‪)13‬‬ ‫وََأنَا ا ْختَ ْرتُ َ‬ ‫وإن اخترتك يا موسى لرسالت‪ ,‬فاستمع لا يوحى إليك من‪.‬‬ ‫ِإّننِي َأنَا الّلهُ ل ِإَلهَ إِلّ َأنَا فَا ْعبُ ْدنِي وَأَقِ ْم الصّلةَ لِذِكْرِي (‪)14‬‬ ‫إن ن أ نا ال ل معبود ب ق إل أ نا‪ ,‬ل شر يك ل‪ ,‬فاعبد ن وحدي‪ ,‬وأ قم‬ ‫الصلة لتذكرن فيها‪.‬‬ ‫ِإنّ السّاعَةَ آِتَيةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ِلُتجْزَى كُ ّل نَ ْفسٍ بِمَا َتسْعَى (‪)15‬‬ ‫إن الساعة الت يُبعث فيها الناس آتية ل بد من وقوعها‪ ,‬أكاد أخفيها من‬ ‫نف سي‪ ,‬فك يف يعلم ها أ حد من الخلوق ي; ل كي تُجزى كل ن فس ب ا‬ ‫عملت ف الدنيا من خي أو شر‪.‬‬ ‫ص ّدنّكَ َعْنهَا مَ ْن ل ُيؤْمِنُ ِبهَا وَاّتبَعَ َهوَاهُ َفَترْدَى (‪)16‬‬ ‫فَل يَ ُ‬ ‫فل يصرفنّك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬عن اليان با والستعداد لا مَن ل يصدق‬ ‫بوقوعها ول يعمل لا‪ ،‬واتبع هوى نفسه‪ ,‬فكذّب با‪ ,‬فتهلك‪.‬‬ ‫‪1021‬‬

‫وَمَا تِ ْلكَ ِبيَمِيِنكَ يَا مُوسَى (‪)17‬‬ ‫وما هذه الت ف يينك يا موسى؟‬ ‫قَالَ ِه يَ عَ صَايَ َأَتوَكّأُ عََليْهَا وَأَهُشّ بِهَا عَلَى َغنَمِي َولِ يَ فِيهَا مَآرِ بُ‬ ‫ُأخْرَى ( ‪)18‬‬ ‫قال موسى‪ :‬هي عصاي أعتمد عليها ف الشي‪ ,‬وأهزّ با الشجر; لترعى‬ ‫غنمي ما يتساقط من ورقه‪ ,‬ول فيها منافع أخرى‪.‬‬ ‫قَالَ َألْ ِقهَا يَا مُوسَى (‪)19‬‬ ‫قال ال لوسى‪ :‬ألق عصاك‪.‬‬ ‫َفَألْقَاهَا َفإِذَا هِيَ َحّيةٌ َتسْعَى (‪)20‬‬ ‫فألقاها موسى على الرض‪ ,‬فانقلبت بإذن ال حية تسعى‪ ,‬فرأى موسى‬ ‫أمرًا عظيمًا وول هاربًا‪.‬‬ ‫‪1022‬‬

‫قَالَ خُذْهَا وَل َتخَ فْ َسنُعِيدُهَا سِ َيَتهَا الُولَى (‪ )21‬وَاضْ ُم مْ يَدَ كَ ِإلَى‬ ‫َجنَا ِحكَ َتخْ ُرجْ َبيْضَاءَ مِنْ َغْيرِ سُوءٍ آَيةً ُأخْرَى (‪)22‬‬ ‫قال ال لو سى‪ :‬خذ ال ية‪ ,‬ول َتخَ فْ من ها‪ ,‬سوف نعيد ها ع صًا ك ما‬ ‫كا نت ف حالت ها الول‪ .‬واض مم يدك إل جن بك ت ت العَضُد ترج‬ ‫بيضاء كالثلج من غي برص; لتكون لك علمة أخرى‪.‬‬ ‫ك مِنْ آيَاِتنَا الْ ُكبْرَى (‪)23‬‬ ‫ِلنُ ِريَ َ‬ ‫فعل نا ذلك; ل كي نر يك ‪ -‬يا مو سى ‪ -‬من أدلت نا ال كبى ما يدلّ على‬ ‫قدرتنا‪ ,‬وعظيم سلطاننا‪ ,‬وصحة رسالتك‪.‬‬ ‫اذْ َهبْ ِإلَى فِرْ َع ْونَ ِإّنهُ طَغَى (‪)24‬‬ ‫اذ هب ‪ -‬يا مو سى ‪ -‬إل فرعون; إ نه قد تاوز قدره وترّد على ر به‪,‬‬ ‫فادعه إل توحيد ال وعبادته‪.‬‬ ‫قَالَ رَبّ ا ْشرَ حْ لِي صَ ْدرِي (‪َ )25‬ويَ سّ ْر لِي أَ ْمرِي ( ‪ )26‬وَاحْلُلْ‬ ‫‪1023‬‬

‫عُقْدَ ًة مِ نْ لِ سَانِي (‪ )27‬يَفْ َقهُوا َق ْولِي ( ‪ )28‬وَا ْجعَلْ لِي َوزِيرا مِ نْ‬ ‫أَهْلِي ( ‪ )29‬هَارُو نَ أَخِي ( ‪ )30‬اشْدُ ْد بِ هِ َأ ْزرِي ( ‪َ )31‬وأَشْرِكْ هُ فِي‬ ‫ك َكثِيا ( ‪َ )33‬ونَذْ ُكرَ َك َكثِيا ( ‪ِ )34‬إنّ كَ‬ ‫سبّحَ َ‬ ‫أَمْرِي ( ‪ )32‬كَ يْ نُ َ‬ ‫ُكنْتَ ِبنَا بَصِيا (‪)35‬‬ ‫وسمهّل ل أمري‪ ,‬وأطلق لسمان‬ ‫قال موسمى‪ :‬رب وسمّع ل صمدري‪َ ,‬‬ ‫بفصميح النطمق; ليفهموا كلممي‪ .‬واجعمل ل معينما ممن أهلي‪ ,‬هارون‬ ‫أخي‪َ .‬قوّن به وشدّ به ظهري‪ ,‬وأشركه معي ف النبوة وتبليغ الرسالة;‬ ‫كي نن هك بالت سبيح كثيًا‪ ,‬ونذكرك كثيا فنحمدك‪ .‬إ نك ك نت ب نا‬ ‫بصيًا‪ ,‬ل يفى عليك شيء من أفعالنا‪.‬‬ ‫ك يَا مُوسَى (‪)36‬‬ ‫قَالَ َقدْ أُوتِيتَ ُس ْؤلَ َ‬ ‫قال ال‪ :‬قد أعطيتك كل ما سألت يا موسى‪.‬‬ ‫ك مَرّةً أُ ْخرَى (‪)37‬‬ ‫َولَقَدْ َمَننّا عََليْ َ‬ ‫ول قد أنعم نا عل يك ‪ -‬يا مو سى ‪ -‬ق بل هذه النع مة نع مة أخرى‪ ,‬ح ي‬ ‫كنت رضيعًا‪ ,‬فأنيناك مِن بطش فرعون‪.‬‬ ‫‪1024‬‬

‫ك مَا يُوحَى (‪ )38‬أَ نْ ا ْقذِفِي ِه فِي التّابُو تِ فَا ْقذِفِي هِ فِي‬ ‫إِذْ َأوْ َحْينَا ِإلَى أُمّ َ‬ ‫حّبةً‬ ‫ك َم َ‬ ‫ت عََليْ َ‬ ‫الْيَمّ فَ ْليُلْقِ ِه اْليَمّ بِال سّاحِلِ يَ ْأخُذْ هُ َع ُدوّ لِي وَعَ ُد ّو لَ هُ وََألْ َقيْ ُ‬ ‫صنَعَ َعلَى َعْينِي (‪)39‬‬ ‫ِمنّي َوِلتُ ْ‬ ‫وذلك حي ألمْنا أمّك‪ :‬أن ضعي ابنك موسى بعد ولدته ف التابوت‪,‬‬ ‫ث اطرحيه ف النيل‪ ,‬فسوف يلقيه النيل على الساحل‪ ,‬فيأخذه فرعون‬ ‫عدوي وعدوه‪ .‬وألقيت عليك مبة من فصرت بذلك مبوبًا بي العباد‪,‬‬ ‫ولِترب على عين وف حفظي‪ .‬وف الية إثبات صفة العي ل ‪ -‬سبحانه‬ ‫وتعال ‪ -‬كما يليق بلله وكماله‪.‬‬ ‫ك َفتَقُولُ هَلْ أَ ُدلّكُ مْ عَلَى مَ ْن يَكْفُلُ هُ فَ َرجَ ْعنَا كَ ِإلَى أُمّ َ‬ ‫ك‬ ‫إِذْ َتمْشِي أُ ْخُت َ‬ ‫جْينَا كَ مِ ْن الْغَمّ وََفَتنّا كَ ُفتُونا‬ ‫ت نَفْ سا َفَن ّ‬ ‫كَ يْ تَ َقرّ َعْينُهَا وَل َتحْزَ نَ وََقتَلْ َ‬ ‫ت عَلَى قَ َدرٍ يَا مُوسَى (‪)40‬‬ ‫فََلِبثْتَ ِسِنيَ فِي أَهْلِ مَ ْديَ َن ثُمّ ِجئْ َ‬ ‫ومننّا عليك حي تشي أختك تتبعك ث تقول لن أخذوك‪ :‬هل أدلكم‬ ‫ت ف أيدي‬ ‫على من يكفُله‪ ,‬ويرضعه لكم؟ فرددناك إل أمّك بعد ما صر َ‬ ‫فرعون؛ كي تطيب نفسها بسلمتك من الغرق والقتل‪ ,‬ول تزن على‬ ‫فَقْدك‪ ,‬وقتلت الرجل القبطي خطأ فنجيناك من َغمّ ِفعْلك وخوف‬ ‫‪1025‬‬

‫القتل‪ ,‬وابتليناك ابتلء‪ ,‬فخرجت خائفًا إل أهل "مدين"‪ ,‬فمكثت سني‬ ‫فيهم‪ ,‬ث جئت من "مدين" ف الوعد الذي قدّرناه لرسالك ميئًا موافقًا‬ ‫لقدر ال وإرادته‪ ,‬والمر كله ل تبارك وتعال‪.‬‬ ‫وَاصْ َطنَ ْعتُكَ ِلنَ ْفسِي (‪)41‬‬ ‫وأنعمتُ عليك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬هذه النعم اجتباء من لك‪ ,‬واختيارًا‬ ‫لرسالت‪ ,‬والبلغ عن‪ ,‬والقيام بأمري ونيي‪.‬‬ ‫اذْ َهبْ َأنْتَ وََأخُو َك بِآيَاتِي وَل َتِنيَا فِي ذِكْرِي (‪ )42‬اذْ َهبَا ِإلَى ِفرْ َعوْنَ‬ ‫ِإّنهُ طَغَى (‪ )43‬فَقُول َلهُ َقوْلً َليّنا لَعَّلهُ َيتَذَكّرُ َأوْ َيخْشَى (‪)44‬‬ ‫اذهب ‪ -‬يا موسى ‪ -‬أنت وأخوك هارون بآيات الدالة على ألوهيت‬ ‫وكمال قدرت وصدق رسالتك‪ ,‬ول تَضْعُفا عن مداومة ذكري‪ .‬اذهبا‬ ‫معًا إل فرعون; إنه قد جاوز الد ف الكفر والظلم‪ ,‬فقول له قول‬ ‫لطيفًا; لعله يتذكر أو ياف ربه‪.‬‬ ‫ط عََلْينَا َأوْ َأنْ يَطْغَى (‪)45‬‬ ‫قَال َرّبنَا ِإّننَا َنخَافُ َأنْ يَفْ ُر َ‬ ‫‪1026‬‬

‫قال موسى وهارون‪ :‬ربنا إننا ناف أن يعاجلنا بالعقوبة‪ ,‬أو أن يتمرد‬ ‫على الق فل يقبله‪.‬‬ ‫قَالَ ل َتخَافَا ِإّننِي مَ َعكُمَا َأ سْ َمعُ وََأرَى (‪ )46‬فَ ْأِتيَا هُ فَقُول ِإنّا رَ سُول‬ ‫ك فََأرْ سِلْ مَعَنَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ وَل تُ َع ّذْبهُ ْم قَدْ ِجْئنَا كَ بِآَيةٍ مِ نْ َربّ كَ‬ ‫َربّ َ‬ ‫ب عَلَى‬ ‫وَال سّلمُ َعلَى مَ ْن اّتبَ عَ اْلهُدَى (‪ِ )47‬إنّا قَدْ أُوحِ يَ ِإَليْنَا َأنّ الْعَذَا َ‬ ‫مَنْ كَذّبَ َوَت َولّى (‪)48‬‬

‫قال ال لوسى وهارون‪ :‬ل تافا من فرعون; فإنن معكما أسع‬ ‫كلمكما وأرى أفعالكما‪ ,‬فاذهبا إليه وقول له‪ :‬إننا رسولن إليك من‬ ‫ربك أن أطلق بن إسرائيل‪ ,‬ول تكلّفهم ما ل يطيقون من العمال‪ ,‬قد‬ ‫أتيناك بدللة معجزة من ربك تدل على صدقنا ف دعوتنا‪ ,‬والسلمة من‬ ‫عذاب ال تعال لن اتبع هداه‪ .‬إن ربك قد أوحى إلينا أن عذابه على مَن‬ ‫كذّب وأعرض عن دعوته وشريعته‪.‬‬ ‫قَالَ فَمَنْ َربّكُمَا يَا مُوسَى (‪)49‬‬ ‫قال فرعون لما‪ :‬فمَن ربكما يا موسى؟‬ ‫‪1027‬‬

‫قَالَ َرّبنَا الّذِي أَعْطَى كُلّ شَ ْيءٍ خَلْ َق ُه ثُمّ َهدَى (‪)50‬‬ ‫قال له موسى‪ :‬ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَه اللئق به على حسن‬ ‫صنعه‪ ,‬ث هدى كل ملوق إل النتفاع با خلقه ال له‪.‬‬ ‫قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الُولَى (‪)51‬‬ ‫قال فرعون لوسى‪ :‬فما شأن المم السابقة؟ وما خب القرون الاضية‪,‬‬ ‫فقد سبقونا إل النكار والكفر؟‬ ‫قَالَ ِعلْ ُمهَا ِعنْ َد َربّي فِي ِكتَابٍ ل يَضِلّ َربّي وَل يَنسَى (‪)52‬‬ ‫قال موسى لفرعون‪ِ :‬علْمُ تلك القرون فيما فَعَلَت من ذلك عند رب ف‬ ‫اللوح الحفوظ‪ ,‬ول عِلْ َم ل به‪ ,‬ل يضل رب ف أفعاله وأحكامه‪ ,‬ول‬ ‫ينسى شيئًا مّا علمه منها‪.‬‬ ‫الّذِي جَعَ َل لَكُ مْ ا َلرْ ضَ َمهْدا وَ سََلكَ لَكُ ْم فِيهَا ُسُبلً وَأَنزَ َل مِ نْ ال سّمَاءِ‬ ‫مَاءً فََأخْرَ ْجنَا ِبهِ َأ ْزوَاجا مِ ْن َنبَاتٍ َشتّى (‪)53‬‬ ‫‪1028‬‬

‫هو الذي جعل لكم الرض ميسّرة للنتفاع با‪ ,‬وجعل لكم فيها طرقًا‬ ‫كثية‪ ,‬وأنزل من السماء مطرًا‪ ,‬فأخرج به أنواعًا متلفة من النبات‪.‬‬ ‫ك ليَاتٍ ُل ْولِي الّنهَى (‪)54‬‬ ‫كُلُوا وَارْ َعوْا َأنْعَامَكُمْ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫كلوا ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬من طيبات ما أنبتنا لكم‪ ,‬وارعوا حيواناتكم‬ ‫وبائمكم‪ .‬إن ف كل ما ذُكر لَعلمات على قدرة ال‪ ,‬ودعوة لوحدانيته‬ ‫وإفراده بالعبادة‪ ,‬لذوي العقول السليمة‪.‬‬ ‫ِمْنهَا خَلَ ْقنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُ ُكمْ وَ ِمْنهَا ُنخْرِجُ ُكمْ تَارَةً ُأخْرَى (‪)55‬‬ ‫من الرض خَلَقْناكم ‪ -‬أيها الناس ‪ ،-‬وفيها نعيدكم بعد الوت‪ ,‬ومنها‬ ‫نرجكم أحياء مرة أخرى للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ب وََأبَى (‪)56‬‬ ‫َولَقَدْ َأ َرْينَاهُ آيَاِتنَا كُّلهَا َفكَذّ َ‬ ‫ولقد أرينا فرعون أدلتنا وحججنا جيعها‪ ,‬الدالة على ألوهيتنا وقدرتنا‬ ‫ق رسالة موسى فكذّب با‪ ,‬وامتنع عن قَبول الق‪.‬‬ ‫وصِدْ ِ‬

‫‪1029‬‬

‫ضنَا ِبسِحْرِ َك يَا مُوسَى (‪)57‬‬ ‫قَالَ أَ ِجْئَتنَا ِلُتخْرِ َجنَا مِنْ َأ ْر ِ‬ ‫قال فرعون‪ :‬هل جئتنا ‪ -‬يا موسى ‪ -‬لتخرجنا من ديارنا بسحرك هذا؟‬ ‫ك َموْعِدا ل ُنخْلِفُهُ َنحْنُ وَل َأْنتَ‬ ‫سحْرٍ ِمثْلِ ِه فَاجْعَ ْل َبْيَننَا َوَبْينَ َ‬ ‫َفَلنَ ْأِتَينّكَ بِ ِ‬

‫مَكَانا ُسوًى (‪)58‬‬

‫فسوف نأتيك بسحر مثل سحرك‪ ,‬فاجعل بيننا وبينك موعدًا مددًا‪ ,‬ل‬ ‫نلفه نن ول تلفه أنت‪ ,‬ف مكان مستوٍ معتدل بيننا وبينك‪.‬‬ ‫ضحًى (‪)59‬‬ ‫حشَرَ النّاسُ ُ‬ ‫قَالَ َموْعِدُكُمْ َيوْ ُم الزّيَنةِ وََأنْ ُي ْ‬ ‫قال موسى لفرعون‪ :‬موعدكم للجتماع يوم العيد‪ ,‬حي يتزيّن الناس‪,‬‬ ‫ويتمعون من كل فج وناحية وقت الضحى‪.‬‬ ‫َفَت َولّى فِرْ َع ْونُ َفجَمَ َع َكيْدَهُ ُثمّ َأتَى (‪)60‬‬ ‫فأدبر فرعون معرضًا عما أتاه به موسى من الق‪ ,‬فجمع سحرته‪ ,‬ث‬ ‫جاء بعد ذلك لوعد الجتماع‪.‬‬ ‫‪1030‬‬

‫ب وَقَدْ‬ ‫حتَكُمْ بِ َعذَا ٍ‬ ‫سِ‬ ‫قَالَ َلهُ مْ مُو سَى َويْلَكُ ْم ل تَ ْفَترُوا عَلَى اللّ هِ كَذِبا َفيُ ْ‬

‫ب مَنْ ا ْفتَرَى (‪)61‬‬ ‫خَا َ‬

‫قال موسى لسحرة فرعون يعظهم‪ :‬احذروا‪ ,‬ل تتلقوا على ال الكذب‪,‬‬ ‫فيستأصلكم بعذاب مِن عنده ويُبيدكم‪ ,‬وقد خسر من اختلق على ال‬ ‫كذبًا‪.‬‬ ‫َفَتنَازَعُوا أَمْرَ ُه مْ َبْيَنهُ ْم وَأَ سَرّوا الّنجْوَى (‪ )62‬قَالُوا إِ نْ هَذَا نِ لَ سَا ِحرَانِ‬ ‫يُرِيدَا نِ أَ نْ ُيخْ ِرجَاكُ ْم مِ نْ َأ ْرضِكُ مْ بِ سِحْرِهِمَا َويَذْ َهبَا بِطَرِي َقتِ ُك ْم الْ ُمثْلَى (‬ ‫‪ )63‬فََأجْمِعُوا َكيْدَ ُك ْم ثُمّ اْئتُوا صَفّا وَقَدْ أَفَْل َح اْلَيوْ مَ مَ ْن ا ْستَعْلَى (‬ ‫‪)64‬‬

‫فتجاذب السحرة أمرهم بينهم وتادثوا سرًا‪ ,‬قالوا‪ :‬إن موسى وهارون‬ ‫ساحران يريدان أن يرجاكم من بلدكم بسحرها‪ ,‬ويذهبا بطريقة‬ ‫السحر العظيمة الت أنتم عليها‪ ,‬فأحكموا كيدكم‪ ,‬واعزموا عليه من غي‬ ‫اختلف بينكم‪ ,‬ث ائتوا صفًا واحدًا‪ ,‬وألقوا ما ف أيديكم مرة واحدة;‬ ‫لَتبْهَروا البصار‪ ,‬وتغلبوا سحر موسى وأخيه‪ ,‬وقد ظفر باجته اليوم مَن‬ ‫عل على صاحبه‪ ,‬فغلبه وقهره‪.‬‬ ‫‪1031‬‬

‫قَالُوا يَا مُوسَى إِمّا َأنْ تُلْقِ َي وَإِمّا َأنْ نَكُونَ َأوّلَ مَنْ َألْقَى (‪)65‬‬ ‫قال السحرة‪ :‬يا موسى إما أن تلقي عصاك أول وإما أن نبدأ نن فنلقي‬ ‫ما معنا‪.‬‬ ‫خيّلُ ِإَليْهِ مِنْ ِسحْرِهِمْ َأّنهَا تَسْعَى (‬ ‫صّيهُ ْم ُي َ‬ ‫قَالَ بَلْ َألْقُوا َفإِذَا ِحبَاُلهُمْ وَعِ ِ‬

‫سهِ خِي َفةً مُوسَى (‪)67‬‬ ‫‪ )66‬فََأ ْو َجسَ فِي نَ ْف ِ‬

‫قال لم موسى‪ :‬بل ألقُوا أنتم ما معكم أول فألقَوا حبالم وعصيّهم‪,‬‬ ‫فتخيل موسى مِن قوة سحرهم أنا حيات تسعى‪ ,‬فشعر موسى ف نفسه‬ ‫بالوف‪.‬‬ ‫ت الَعْلَى (‪)68‬‬ ‫ُق ْلنَا ل َتخَفْ ِإنّكَ َأنْ َ‬ ‫قال ال لوسى حينئذ‪ :‬ل َتخَفْ من شيء‪ ,‬فإنك أنت العلى على هؤلء‬ ‫السحرة وعلى فرعون وجنوده‪ ,‬وستغلبهم‪.‬‬ ‫صنَعُوا َكيْ ُد سَا ِحرٍ وَل يُفِْل حُ‬ ‫صنَعُوا ِإنّمَا َ‬ ‫وََألْ قِ مَا فِي َيمِينِ كَ تَ ْلقَ فْ مَا َ‬ ‫‪1032‬‬

‫السّاحِرُ َحْيثُ َأتَى (‪)69‬‬ ‫وألق عصاك الت ف يينك تبتلع حبالم وعصيهم‪ ,‬فما عملوه أمامك ما‬ ‫هو إل مكر ساحرٍ وتييل ِسحْرٍ‪ ,‬ول يظفر الساحر بسحره أين كان‪.‬‬ ‫سحَرَةُ ُسجّدا قَالُوا آ َمنّا بِ َربّ هَارُونَ وَمُوسَى (‪)70‬‬ ‫َفُألْقِيَ ال ّ‬ ‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فبلعت ما صنعوا‪ ,‬فظهر الق وقامت الجة‬ ‫عليهم‪ .‬فألقى السحرة أنفسهم على الرض ساجدين وقالوا‪ :‬آمنا برب‬ ‫هارون وموسى‪ ,‬لو كان هذا سحرًا ما غُِلبْنا‪.‬‬ ‫قَالَ آ َمْنتُم ْملَهُم َقبْلَ أَن ْم آذَنَملَكُم ْمِإنّهُملَ َكبِيُكُم ْم الّذِي عَلّمَكُم ْم السّمحْ َر‬ ‫ع الّنخْلِ‬ ‫ف وَل صَّلَبنّكُمْ فِي جُذُو ِ‬ ‫فَلقَطّعَنّ َأيْ ِديَ ُك مْ وََأ ْرجُلَكُ ْم مِ نْ خِل ٍ‬

‫َولَتَعَْلمُنّ َأّينَا أَشَ ّد عَذَابا وََأبْقَى (‪)71‬‬

‫قال فرعون للسحرة‪ :‬أصدّقتم بوسى‪ ,‬واتبعتموه‪ ,‬وأقررت له قبل أن آذن‬ ‫لكم بذلك؟ إن موسى لَعظيمكم الذي عَلّمكم السحر; فلذلك‬ ‫تابعتموه‪ ,‬فلقطعنّ أيديكم وأرجلكم مالفًا بينها‪ ,‬يدًا من جهة ورِجْل‬ ‫من الهة الخرى‪ ,‬ولصلبنّكم ‪ -‬بربط أجسادكم ‪ -‬على جذوع‬ ‫‪1033‬‬

‫النخل‪ ,‬ولتعلم ّن أيها السحرة أينا‪ :‬أنا أو رب موسى أشد عذابًا من‬ ‫الخر‪ ,‬وأدوم له؟‬ ‫ض مَا َأنْ تَ‬ ‫قَالُوا لَ نْ ُن ْؤثِرَ كَ عَلَى مَا جَا َءنَا مِ نْ اْلَبّينَا تِ وَالّذِي فَطَ َرنَا فَاقْ ِ‬ ‫قَاضٍ فَاقْضِ مَا َأْنتَ قَاضٍ ِإنّمَا تَقْضِي َهذِهِ اْلحَيَاةَ ال ّدْنيَا (‪)72‬‬ ‫قال السحرة لفرعون‪ :‬لن نفضلك‪ ,‬فنطيعك‪ ,‬ونتبع دينك‪ ,‬على ما جاءنا‬ ‫به موسى من البينات الدالة على صدقه ووجوب متابعته وطاعة ربه‪,‬‬ ‫ولن نُفَضّل ربوبيتك الزعومة على ربوبية الِ الذي خلقنا‪ ,‬فافعل ما أنت‬ ‫فاعل بنا‪ ,‬إنا سلطانك ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وما تفعله بنا‪ ,‬ما هو إل‬ ‫عذاب منت ٍه بانتهائها‪.‬‬ ‫ِإنّا آ َمنّا بِ َرّبنَا ِليَغْفِ َر َلنَا خَطَايَانَا وَمَا أَ ْكرَ ْهَتنَا عََليْ هِ مِ نْ ال سّحْ ِر وَاللّ هُ َخيْرٌ‬ ‫وََأبْقَى (‪)73‬‬ ‫إنّا آمنا بربنا وصدّقْنا رسوله وعملنا با جاء به; ليعفو ربّنا عن ذنوبنا‪,‬‬ ‫وما أكرهتنا عليه مِن عمل السحر ف معارضة موسى‪ .‬وال خي لنا منك‬ ‫ يا فرعون ‪ -‬جزاء لن أطاعه‪ ,‬وأبقى عذابًا لن عصاه وخالف أمره‪.‬‬‫‪1034‬‬

‫حيَا (‪)74‬‬ ‫ت فِيهَا وَل َي ْ‬ ‫ِإّنهُ مَنْ يَ ْأتِ َرّبهُ ُمجْرِما َفِإنّ لَهُ َج َهنّمَ ل يَمُو ُ‬ ‫إنه من يأت ربه كافرًا به فإن له نار جهنم يُعَذّب با‪ ,‬ل يوت فيها‬ ‫فيستريح‪ ,‬ول ييا حياة يتلذذ با‪.‬‬ ‫َاتم الْعُل (‬ ‫ُمم ال ّدرَج ُ‬ ‫ِكمَله ْ‬ ‫ِهم ُمؤْمِنا َقدْ عَمِ َل الصمّالِحَاتِ فَُأ ْوَلئ َ‬ ‫َنم يَ ْأت ِ‬ ‫وَم ْ‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا وَ َذلِ كَ جَزَاءُ‬ ‫‪َ )75‬جنّا تُ َعدْ نٍ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫مَنْ تَزَكّى (‪)76‬‬

‫ومن يأت ربه مؤمنًا به قد عمل العمال الصالة فله النازل العالية ف‬ ‫جنات القامة الدائمة‪ ,‬تري من تت أشجارها النار ماكثي فيها‬ ‫أبدًا‪ ,‬وذلك النعيم القيم ثواب من ال لن طهّر نفسه من الدنس والبث‬ ‫والشرك‪ ,‬وعبد ال وحده فأطاعه واجتنب معاصيه‪ ,‬ولقي ربه ل يشرك‬ ‫بعبادته أحدًا من خلقه‪.‬‬ ‫ب َلهُ ْم طَرِيقا فِي اْلَبحْرِ‬ ‫َولَقَدْ َأوْ َحْينَا ِإلَى مُو سَى أَ نْ أَ سْ ِر بِ ِعبَادِي فَاضْرِ ْ‬ ‫َيبَسا ل َتخَافُ َدرَكا وَل َتخْشَى (‪)77‬‬ ‫‪1035‬‬

‫ولقد أوحينا إل موسى‪ :‬أن اخرُج ليل بعبادي من بن إسرائيل من‬ ‫"مصر"‪ ,‬فاّتخِذْ لم ف البحر طريقًا يابسًا‪ ,‬ل تاف من فرعون وجنوده‬ ‫أن يلحقوكم فيدركوكم‪ ,‬ول تشى ف البحر غرقًا‪.‬‬ ‫شَيهُمْ (‪)78‬‬ ‫شَيهُمْ مِنْ اْليَمّ مَا َغ ِ‬ ‫جنُودِهِ فَ َغ ِ‬ ‫َفَأْتبَ َعهُمْ ِفرْ َعوْنُ ِب ُ‬ ‫فأسرى موسى ببن إسرائيل‪ ,‬وعب بم طريقًا ف البحر‪ ,‬فأتبعهم فرعون‬ ‫بنوده‪ ,‬فغمرهم من الاء ما ل يعلم كنهه إل ال‪ ,‬فغرقوا جيعًا ونا‬ ‫موسى وقومه‪.‬‬ ‫وََأضَ ّل فِرْ َع ْونُ َقوْ َمهُ وَمَا َهدَى (‪)79‬‬ ‫وأضلّ فرعون قومه با زيّنه لم من الكفر والتكذيب‪ ,‬وما سلك بم‬ ‫طريق الداية‪.‬‬ ‫يَا بَنِي إِس ْمرَائِيلَ قَدْ أَ َنْينَاكُم ْم مِن ْم عَ ُدوّكُم ْم َووَاعَ ْدنَاكُم ْم جَانِبَم الطّورِ‬ ‫ا َليْمَنَ َونَ ّزْلنَا عََليْكُ ْم الْمَنّ وَالسّ ْلوَى (‪)80‬‬

‫‪1036‬‬

‫يا بن إسرائيل اذكروا حي أنيناكم مِن عدوكم فرعون‪ ,‬وجَعَلْنا‬ ‫موعدكم بانب جبل الطور الين لنزال التوراة عليكم‪ ,‬ونزلنا عليكم‬ ‫ف التيه ما تأكلونه‪ ,‬ما يشبه الصّمغ طعمه كالعسل‪ ،‬والطي الذي يشبه‬ ‫السّمَانَى‪.‬‬ ‫ضبِي وَمَ نْ‬ ‫ت مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ وَل تَطْ َغوْا فِي هِ َفَيحِلّ َعَليْكُ مْ غَ َ‬ ‫كُلُوا مِ ْن َطّيبَا ِ‬

‫ضبِي فَقَ ْد َهوَى (‪)81‬‬ ‫َيحْلِلْ عََلْيهِ غَ َ‬

‫كلوا من رزقنا الطيب‪ ,‬ول تعتدوا فيه بأن يظلم بعضكم بعضًا‪ ,‬فينل‬ ‫بكم غضب‪ ,‬ومَن ينل به غضب فقد هلك وخسر‪.‬‬ ‫وَِإنّي لَغَفّارٌ لِمَ ْن تَابَ وَآمَ َن وَعَمِلَ صَالِحا ُثمّ ا ْهتَدَى (‪)82‬‬ ‫وإن لَغفار لن تاب من ذنبه وكفره‪ ,‬وآمن ب وعمل العمال الصالة‪,‬‬ ‫ث اهتدى إل الق واستقام عليه‪.‬‬ ‫ك يَا مُوسَى (‪)83‬‬ ‫وَمَا أَ ْعجَلَكَ عَ ْن َقوْمِ َ‬

‫‪1037‬‬

‫وأيّ شيء أعجلك عن قومك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬فسبقتَهم إل جانب الطور‬ ‫الين‪ ,‬وخلّفتَهم وراءك؟‬ ‫ب ِلتَ ْرضَى (‪)84‬‬ ‫قَالَ ُهمْ أُولءِ عَلَى َأثَرِي وَ َعجِلْتُ ِإَليْكَ رَ ّ‬ ‫قال‪ :‬إنم خلفي سوف يلحقون ب‪ ,‬وسبقتُهم إليك ‪ -‬يا رب ‪ -‬لتزداد‬ ‫عن رضا‪.‬‬ ‫ي (‪)85‬‬ ‫ك مِنْ بَ ْعدِكَ وََأضَّلهُ ْم السّامِرِ ّ‬ ‫قَالَ َفِإنّا قَ ْد َفَتنّا َقوْمَ َ‬ ‫قال ال لوسى‪ :‬فإنا قد ابتلينا قومك بعد فراقك إياهم بعبادة العجل‪,‬‬ ‫وإن السامري قد أضلهم‪.‬‬ ‫ضبَانَ أَسِفا قَالَ يَا َقوْمِ َألَ ْم يَعِدْكُ ْم َربّكُمْ وَعْدا‬ ‫َفرَ َجعَ مُوسَى ِإلَى َقوْمِهِ غَ ْ‬ ‫ض بٌ مِ ْن َربّكُ مْ‬ ‫حَ سَنا أَفَطَالَ عََليْكُ ْم الْ َعهْدُ أَ مْ َأرَ ْدتُ مْ أَ نْ َيحِلّ عََليْ ُك مْ غَ َ‬

‫فََأخْلَ ْفتُ ْم َموْعِدِي (‪)86‬‬

‫فرجع موسى إل قومه غضبان عليهم حزينًا‪ ,‬وقال لم‪ :‬يا قوم أل‬ ‫يَعِدْكم ربكم وعدًا حسنًا بإنزال التوراة؟ أفطال عليكم العهد واستبطأت‬ ‫‪1038‬‬

‫الوعد‪ ,‬أم أردت أن تفعلوا فعل يل عليكم بسببه غضب من ربكم‪,‬‬ ‫فأخلفتم موعدي وعبدت العجل‪ ,‬وتركتم اللتزام بأوامري؟‬ ‫قَالُوا مَا َأخْلَفْنَا َموْعِدَكَمبِمَ ْلكِنَا وَلَ ِكنّام حُمّلْنَا َأ ْوزَارا مِن ْم زِينَةِ الْ َقوْمِم‬ ‫فَقَ َذ ْفنَاهَا فَكَ َذلِكَ َألْقَى السّامِ ِريّ (‪)87‬‬ ‫قالوا‪ :‬يا موسى ما أخلفنا موعدك باختيارنا‪ ,‬ولكنّا ُحمّلنا أثقال مِن‬ ‫حليّ قوم فرعون‪ ,‬فألقيناها ف حفرة فيها نار بأمر السامري‪ ,‬فكذلك‬ ‫ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبيل عليه السلم‪.‬‬ ‫َفأَخْرَجَ َلهُ ْم ِعجْلً جَ سَدا لَ هُ ُخوَارٌ َفقَالُوا هَذَا ِإَلهُكُ مْ وَِإلَ هُ مُو سَى َفنَ سِيَ‬ ‫(‪)88‬‬ ‫فصنع السامري لبن إسرائيل من الذهب عجل جسدًا يور خوار البقر‪,‬‬ ‫فقال الفتونون به منهم للخرين‪ :‬هذا هو إلكم وإله موسى‪ ,‬نسيه‬ ‫وغَفَل عنه‪.‬‬ ‫أَفَل يَ َر ْونَ أَلّ َيرْ ِجعُ ِإَلْيهِمْ َقوْلً وَل يَمِْلكُ َلهُ ْم ضَرّا وَل نَفْعا (‪)89‬‬ ‫‪1039‬‬

‫أفل يرى الذين عبدوا العجل أنه ل يكلمهم ابتداء‪ ,‬ول ير ّد عليهم‬ ‫جوابًا‪ ,‬ول يقدر على دفع ضرّ عنهم‪ ,‬ول جلب نفع لم؟‬ ‫َولَقَدْ قَالَ َلهُ مْ هَارُو نُ مِ نْ َقبْلُ يَا َقوْ مِ ِإنّمَا ُفتِنتُ ْم بِ هِ وَِإنّ َربّكُ مْ الرّ ْحمَ نُ‬ ‫فَاّتبِعُونِي وََأطِيعُوا أَمْرِي (‪)90‬‬ ‫ولقد قال هارون لبن إسرائيل من قبل رجوع موسى إليهم‪ :‬يا قوم إنا‬ ‫اختُبت بذا العجل؛ ليظهر الؤمن منكم من الكافر‪ ,‬وإن ربكم الرحن ل‬ ‫غيه فاتبعون فيما أدعوكم إليه من عبادة ال‪ ,‬وأطيعوا أمري ف اتباع‬ ‫شرعه‪.‬‬ ‫قَالُوا لَنْ َنبْ َرحَ عََلْيهِ عَاكِ ِفيَ َحتّى يَ ْرجِعَ ِإَلْينَا مُوسَى (‪)91‬‬ ‫قال ُعبّاد العجل منهم‪ :‬لن نزال مقيمي على عبادة العجل حت يرجع‬ ‫إلينا موسى‪.‬‬ ‫صْيتَ‬ ‫قَالَ يَا هَارُو نُ مَا َمنَعَ كَ ِإذْ رََأْيَتهُ مْ ضَلّوا (‪ )92‬أَلّ َتّتبِعَنِي َأفَعَ َ‬ ‫أَمْرِي ( ‪)93‬‬ ‫‪1040‬‬

‫قال موسى لخيه هارون‪ :‬أيّ شيء منعك حي رأيتهم ضلّوا عن دينهم‬ ‫أن ل تتبعن‪ ,‬فتلحق ب وتتركهم؟ أفعصيت أمري فيما أمرتك به من‬ ‫خلفت والصلح بعدي؟‬ ‫ت َبيْ نَ‬ ‫حَيتِي وَل بِرَْأ سِي ِإنّي َخشِي تُ أَ نْ تَقُولَ فَرّقْ َ‬ ‫قَالَ َيْبَنؤُمّ ل تَ ْأخُ ْذ بِِل ْ‬ ‫ب َق ْولِي (‪)94‬‬ ‫َبنِي إِسْرَائِيلَ َولَمْ َترْقُ ْ‬ ‫ث أخذ موسى بلحية هارون ورأسه يرّه إليه‪ ,‬فقال له هارون‪ :‬يا ابن‬ ‫أمي ل تسك بلحيت ول بشعر رأسي‪ ,‬إن خفتُ ‪ -‬إن تركتهم ولقت‬ ‫بك ‪ -‬أن تقول‪ :‬فرّقت بي بن إسرائيل‪ ,‬ول تفظ وصيت بسن‬ ‫رعايتهم‪.‬‬ ‫ي (‪)95‬‬ ‫قَالَ فَمَا خَ ْطبُكَ يَا سَامِرِ ّ‬ ‫قال موسى للسامري‪ :‬فما شأنك يا سامري؟ وما الذي دعاك إل ما‬ ‫فعلته؟‬ ‫ضةً مِ نْ َأثَرِ الرّ سُولِ َفَنبَ ْذتُهَا‬ ‫ت َقبْ َ‬ ‫صرُوا بِ هِ فَ َقبَضْ ُ‬ ‫ت بِمَا لَ مْ َيبْ ُ‬ ‫صرْ ُ‬ ‫قَالَ بَ ُ‬ ‫‪1041‬‬

‫ت لِي نَ ْفسِي (‪)96‬‬ ‫وَكَ َذلِكَ َسوّلَ ْ‬ ‫قال السامري‪ :‬رأيت ما ل يروه ‪ -‬وهو جبيل عليه السلم ‪ -‬على‬ ‫فرس‪ ,‬وقت خروجهم من البحر وغرق فرعون وجنوده‪ ,‬فأخذتُ بكفي‬ ‫ترابا من أثر حافر فرس جبيل‪ ,‬فألقيته على الليّ الذي صنعت منه‬ ‫العجل‪ ,‬فكان عجل جسدًا له خوار؛ بلء وفتنة‪ ,‬وكذلك زيّنت ل‬ ‫نفسي المّارة بالسوء هذا الصنيع‪.‬‬ ‫حيَاةِ أَ نْ تَقُولَ ل مِ سَاسَ وَِإنّ لَ كَ َموْعِدا لَ نْ‬ ‫ك فِي الْ َ‬ ‫قَالَ فَاذْهَ بْ َفِإنّ لَ َ‬ ‫ت عََليْ ِه عَاكِفا َلنُحَرَّقنّ هُ ثُمّ َلنَن سِ َفنّهُ فِي‬ ‫ُتخْلَفَ هُ وَانظُرْ ِإلَى ِإَلهِ كَ الّذِي ظَلَ ْل َ‬ ‫الْيَ ّم َنسْفا (‪)97‬‬ ‫قال موسى للسامري‪ :‬فاذهب فإن لك ف حياتك أن تعيش منبوذًا تقول‬ ‫لكل أحد‪ :‬ل أَ َمسّ ول أُ َمسّ‪ ,‬وإن لك موعدا لعذابك وعقابك‪ ,‬لن‬ ‫ُيخْلفك ال إياه‪ ,‬وسوف تلقاه‪ ,‬وانظر إل معبودك الذي أقمت على‬ ‫عبادته لنُحرقنّه بالنار‪ ,‬ث لنُذرينّه ف اليمّ تذرية‪.‬‬ ‫ِإنّمَا ِإَلهُكُ ْم الّلهُ الّذِي ل ِإلَهَ إِلّ ُهوَ َوسِعَ كُلّ شَ ْي ٍء عِلْما (‪)98‬‬ ‫‪1042‬‬

‫إنا إلكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬هو ال الذي ل معبود بق إل هو‪ ,‬وسع علمه‬ ‫كل شيء‪.‬‬ ‫ك مِ نْ َأْنبَاءِ مَا قَ ْد َسبَقَ وَقَ ْد آَتْينَا كَ مِ نْ لَ ُدنّ ا ذِكْرا (‬ ‫كَ َذلِ كَ نَقُ صّ َعَليْ َ‬ ‫‪)99‬‬ ‫كما قصصنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أنباء موسى وفرعون وقومهما‪,‬‬ ‫نبك بأنباء السابقي لك‪ .‬وقد آتيناك مِن عندنا هذا القرآن ذكرى لن‬ ‫يتذكر‪.‬‬ ‫ض َعْنهُ َفِإّنهُ َيحْمِلُ َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ ِوزْرا (‪)100‬‬ ‫مَنْ أَعْرَ َ‬ ‫من أعرض عن هذا القرآن‪ ,‬ول يصدق به‪ ,‬ول يعمل با فيه‪ ,‬فإنه يأت‬ ‫ربه يوم القيامة يمل إثًا عظيمًا‪.‬‬ ‫خَالِدِي َن فِيهِ وَسَاءَ َلهُمْ َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ ِحمْلً (‪)101‬‬ ‫خالدين ف العذاب‪ ,‬وساءهم ذلك المل الثقيل من الثام حيث أوردهم‬ ‫النار‪.‬‬ ‫‪1043‬‬

‫حشُرُ الْ ُمجْرِ ِميَ َيوْ َمئِ ٍذ زُرْقا (‪)102‬‬ ‫َيوْمَ ُينْ َفخُ فِي الصّورِ َونَ ْ‬ ‫ك ف "القرن" لصيحة البعث‪ ,‬ونسوق الكافرين ذلكم اليوم‬ ‫يوم يَنفُخ اللَ ُ‬ ‫وهم زرق‪ ,‬تغيّرت ألوانم وعيونم; من شدة الحداث والهوال‪.‬‬ ‫َيَتخَاَفتُونَ َبْيَنهُمْ ِإنْ َلِبْثتُمْ إِلّ َعشْرا (‪)103‬‬ ‫يتهامسون بينهم‪ ,‬يقول بعضهم لبعض‪ :‬ما لبثتم ف الياة الدنيا إل عشرة‬ ‫أيام‪.‬‬ ‫ُمم إِ ّل َيوْما (‬ ‫ِنم َلِبْثت ْ‬ ‫ُمم طَرِي َقةً إ ْ‬ ‫ُونم ِإذْ يَقُولُ أَ ْمثَُله ْ‬ ‫َمم بِمَا يَقُول َ‬ ‫ْنم أَ ْعل ُ‬ ‫َنح ُ‬ ‫‪)104‬‬ ‫نن أعلم با يقولون وُيسِرّون حي يقول أعلمهم وأوفاهم عقل ما لبثتم‬ ‫إل يومًا واحدًا; لقِصَر مدة الدنيا ف أنفسهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫ك عَنْ اْلجِبَالِ فَقُ ْل يَنسِفُهَا َربّي َنسْفا (‪)105‬‬ ‫َوَيسَْألُونَ َ‬

‫‪1044‬‬

‫ويسألك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قومك عن مصي البال يوم القيامة‪ ،‬فقل‬ ‫لم‪ :‬يزيلها ربّي عن أماكنها فيجعلها هباء منبثًا‪.‬‬ ‫َفَي َذرُهَا قَاعا صَفْصَفا (‪ )106‬ل َترَى فِيهَا ِعوَجا وَل أَمْتا (‪)107‬‬ ‫فيترك الرض حينئذ منبسطة مستوية ملساء ل نبات فيها‪ ,‬ل يرى الناظر‬ ‫إليها مِن استوائها َميْل ول ارتفاعًا ول انفاضًا‪.‬‬ ‫َنم فَل‬ ‫َصموَاتُ لِلرّحْم ِ‬ ‫َتم ال ْ‬ ‫َهم وَ َخشَع ْ‬ ‫َجم ل ُ‬ ‫ُونم الدّاعِي ل ِعو َ‬ ‫َيوْ َمئِ ٍذ َيّتبِع َ‬ ‫َتسْمَعُ إِلّ َهمْسا (‪)108‬‬ ‫ف ذلك اليوم يتبع الناس صوت الداعي إل موقف القيامة‪ ,‬ل ميد عن‬ ‫دعوة الداعي; لنا حق وصدق لميع اللق‪ ,‬وسكنت الصوات‬ ‫خضوعًا للرحن‪ ,‬فل تسمع منها إل صوتًا خفيًا‪.‬‬ ‫َيوْ َمئِ ٍذ ل تَنفَ ُع الشّفَا َعةُ إِ ّل مَنْ َأ ِذنَ َلهُ الرّحْمَنُ َو َرضِيَ َلهُ َقوْ ًل (‪)109‬‬ ‫ف ذلك اليوم ل تنفع الشفاعة أحدًا من اللق‪ ,‬إل إذا أذن الرحن‬ ‫للشافع‪ ,‬ورضي عن الشفوع له‪ ,‬ول يكون ذلك إل للمؤمن الخلص‪.‬‬ ‫‪1045‬‬

‫يَعَْلمُ مَا َبيْنَ َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَلْ َف ُهمْ وَل ُيحِيطُونَ ِبهِ ِعلْما (‪)110‬‬ ‫يعلم ال ما بي أيدي الناس مِن أمر القيامة وما خلفهم من أمر الدنيا‪,‬‬ ‫ول ييط خلقه به علمًا سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫ت الْوُجُو ُه لِلْحَ ّي الْ َقيّومِ وََقدْ خَابَ مَنْ حَمَ َل ظُلْما (‪)111‬‬ ‫وَ َعنَ ْ‬ ‫وخضعت وجوه اللئق‪ ,‬وذلّت لالقها‪ ,‬الذي له جيع معان الياة‬ ‫الكاملة كما يليق بلله الذي ل يوت‪ ,‬القائم على تدبي كلّ شيء‪،‬‬ ‫الستغن عمّن سواه‪ .‬وقد خسر يوم القيامة مَن أشرك مع ال أحدًا من‬ ‫خلقه‪.‬‬ ‫ت وَ ُهوَ ُمؤْمِ نٌ فَل َيخَا فُ ظُلْما وَل هَضْما (‬ ‫وَمَ نْ يَعْمَ ْل مِ نْ ال صّاِلحَا ِ‬ ‫‪)112‬‬ ‫ومن يعمل صالات العمال وهو مؤمن بربه‪ ,‬فل ياف ظلمًا بزيادة‬ ‫سيئاته‪ ,‬ول هضمًا بنقص حسناته‪.‬‬

‫‪1046‬‬

‫وَكَ َذلِكَمأَن َزْلنَاهُم ُقرْآنا َع َرِبيّا وَصَمرّ ْفنَا فِيهِم مِن ْم اْلوَعِيدِ لَعَّلهُم ْمَيتّقُونَمَأوْ‬ ‫ُيحْدِثُ َلهُمْ ذِكْرا (‪)113‬‬ ‫وكما رغّبنا أهل اليان ف صالات العمال‪ ,‬وحذّرنا أهل الكفر من‬ ‫القام على معاصيهم وكفرهم بآياتنا‪ ,‬أنزلنا هذا القرآن باللسان العرب;‬ ‫ليفهموه‪ ,‬وفصّلنا فيه أنواعًا من الوعيد; رجاء أن يتقوا ربم‪ ,‬أو يُحدِث‬ ‫لم هذا القرآن تذكرة‪ ,‬فيتعظوا‪ ,‬ويعتبوا‪.‬‬ ‫ك الْحَقّ وَل تَ ْعجَلْ بِالْقُرْآ نِ مِ نْ َقبْلِ أَ نْ يُقْضَى ِإَليْ كَ‬ ‫َفتَعَالَى اللّ هُ الْمَلِ ُ‬

‫وَ ْحُيهُ وَقُلْ َربّ زِ ْدنِي عِلْما (‪)114‬‬

‫فتنّه ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وارتفع‪ ,‬وتقدّس عن كل نقص‪ ,‬اللك الذي قهر‬ ‫سلطانه كل ملك وجبار‪ ,‬التصرف بكل شيء‪ ,‬الذي هو حق‪ ,‬ووعده‬ ‫حق‪ ,‬ووعيده حق‪ ,‬وكل شيء منه حق‪ .‬ول تعجل ‪ -‬أيها الرسول ‪-‬‬ ‫ب زدن علمًا‬ ‫بسابقة جبيل ف تَلَقّي القرآن قبل أن يَفْرَغ منه‪ ,‬وقل‪ :‬ر ّ‬ ‫إل ما علمتن‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َع ِه ْدنَا ِإلَى آدَمَ مِ ْن َقبْلُ َفَنسِ َي َولَمْ َنجِدْ َلهُ عَزْما (‪)115‬‬ ‫‪1047‬‬

‫ولقد وصينا آدم مِن قَب ِل أن يأكل من الشجرة‪ ,‬أل يأكل منها‪ ,‬وقلنا له‪:‬‬ ‫إن إبليس عدو لك ولزوجك‪ ,‬فل يرجنكما من النة‪ ,‬فتشقى أنت‬ ‫وزوجك ف الدنيا‪ ,‬فوسوس إليه الشيطان فأطاعه‪ ,‬ونسي آدم الوصية‪,‬‬ ‫ول ند له قوة ف العزم يفظ با ما أُمر به‪.‬‬ ‫سجَدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ َأبَى (‪)116‬‬ ‫وَِإذْ ُق ْلنَا لِلْمَلئِ َكةِ ا ْسجُدُوا لدَمَ َف َ‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إذ قلنا للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم سجود تية‬ ‫وإكرام‪ ,‬فأطاعوا‪ ,‬وسجدوا‪ ,‬لكن إبليس امتنع من السجود‪.‬‬ ‫جنّةِ‬ ‫ِنم اْل َ‬ ‫ِكم فَل ُيخْرِ َجنّكُمَا م ْ‬ ‫َكم َولِ َزوْج َ‬ ‫َممإِنّ َهذَا عَ ُد ّو ل َ‬ ‫َفقُلْنَا يَا آد ُ‬ ‫َفَتشْقَى (‪)117‬‬ ‫فقلنا‪ :‬يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك‪ ,‬فاحذرا منه‪ ,‬ول تطيعاه‬ ‫بعصيت‪ ,‬فيخرجكما من النة‪ ,‬فتشقى إذا أُخرجت منها‪.‬‬ ‫ِإنّ لَكَ أَ ّل َتجُوعَ فِيهَا وَل تَ ْعرَى (‪)118‬‬

‫‪1048‬‬

‫إن لك ‪ -‬يا آدم ‪ -‬ف هذه النة أن تأكل فل توع‪ ,‬وأن تَ ْلبَس فل‬ ‫تَعْرى‪.‬‬ ‫ضحَى (‪)119‬‬ ‫وََأنّكَ ل تَظْمَأُ فِيهَا وَل تَ ْ‬ ‫وأن لك أل تعطش ف هذه النة ول يصيبك حر الشمس‪.‬‬ ‫كل‬ ‫شيْطَانُ قَالَ يَا آدَ ُم هَلْ َأ ُدلّكَ عَلَى َشجَرَةِ الْخُلْ ِد وَمُلْ ٍ‬ ‫َف َو ْسوَسَ ِإَليْهِ ال ّ‬ ‫َيبْلَى (‪)120‬‬ ‫فوسوس الشيطان لدم وقال له‪ :‬هل أدلك على شجرة‪ ,‬إن أكلت منها‬ ‫خُلّدتَ فلم تت‪ ,‬وملكت مُلْكًا ل ينقضي ول ينقطع؟‬ ‫ت لَهُمَا َسوْآُتهُمَا َوطَفِقَا َيخْ صِفَانِ عََلْيهِمَا مِ ْن َورَ قِ‬ ‫َفأَكَل ِمنْهَا َفَبدَ ْ‬ ‫جّنةِ وَعَصَى آدَمُ َرّبهُ فَ َغوَى (‪)121‬‬ ‫الْ َ‬ ‫فأكل آدم وحواء من الشجرة الت ناها ال عنها‪ ,‬فانكشفت لما‬ ‫عوراتما‪ ,‬وكانت مستورةً عن أعينهما‪ ,‬فأخذا ينعان من ورق أشجار‬

‫‪1049‬‬

‫النة ويلصقانه عليهما; ليسترا ما انكشف من عوراتما‪ ,‬وخالف آدم‬ ‫أمر ربه‪ ,‬فغوى بالكل من الشجرة الت ناه ال عن القتراب منها‪.‬‬ ‫ب عََلْيهِ وَهَدَى (‪)122‬‬ ‫ثُمّ ا ْجَتبَاهُ َرّبهُ َفتَا َ‬ ‫ث اصطفى ال آدم‪ ,‬وقرّبه‪ ,‬وَقبِل توبته‪ ,‬وهداه رشده‪.‬‬ ‫ضكُ ْم ِلبَعْضٍ َع ُدوّ َفإِمّا يَ ْأِتَينّكُ ْم ِمنّي هُدًى فَمَنْ‬ ‫قَالَ ا ْهبِطَا ِمْنهَا جَمِيعا بَعْ ُ‬ ‫اّتبَعَ هُدَايَ فَل يَضِلّ وَل َيشْقَى (‪)123‬‬ ‫قال ال تعال لدم وحواء‪ :‬اهبطا من النة إل الرض جيعًا مع إبليس‪,‬‬ ‫فأنتما وهو أعداء‪ ,‬فإن يأتكم من هدى وبيان فمن اتبع هداي وبيان‬ ‫وعمل بما فإنه يرشد ف الدنيا‪ ,‬ويهتدي‪ ,‬ول يشقى ف الخرة بعقاب‬ ‫ال‪.‬‬ ‫شةً ضَنكا َوَنحْشُرُ ُه َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ أَ ْعمَى‬ ‫ض عَنْ ذِ ْكرِي َفإِنّ لَهُ مَعِي َ‬ ‫وَمَنْ أَعْرَ َ‬ ‫(‪)124‬‬

‫‪1050‬‬

‫ومن تولّى عن ذكري الذي أذكّره به فإن له ف الياة الول معيشة‬ ‫ضيّقة شاقة ‪-‬وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار‪ ،-‬ويُضيّق قبه عليه‬ ‫ويعذّب فيه‪ ،‬ونشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الجة‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ لِمَ َحشَ ْرَتنِي أَعْمَى وَقَ ْد كُنتُ بَصِيا (‪)125‬‬ ‫قال العرِض عن ذكر ال‪ :‬ربّ لِمَ َحشَرْتن أعمى‪ ,‬وقد كنت بصيًا ف‬ ‫الدنيا؟‬ ‫قَالَ َك َذلِكَ َأَتتْكَ آيَاُتنَا َفَنسِيَتهَا وَكَ َذلِكَ اْلَيوْمَ تُنسَى (‪)126‬‬ ‫قال ال تعال له‪ :‬حشرتك أعمى; لنك أتتك آيات البينات‪ ,‬فأعرضت‬ ‫عنها‪ ,‬ول تؤمن با‪ ,‬وكما تركتَها ف الدنيا فكذلك اليوم تُترك ف النار‪.‬‬ ‫وَكَ َذلِ كَ َنجْزِي مَ نْ َأ سْ َرفَ َولَ ْم ُيؤْمِ نْ بِآيَا تِ َربّ هِ وَلَعَذَا بُ الخِرَةِ أَ َشدّ‬

‫وََأبْقَى (‪)127‬‬

‫‪1051‬‬

‫وهكذا نعاقب مَن أسرف على نفسه فعصى ربه‪ ,‬ول يؤمن بآياته‬ ‫بعقوبات ف الدنيا‪ ,‬ولَعذاب الخرة الع ّد لم أشد ألًا وأدوم وأثبت; لنه‬ ‫ل ينقطع ول ينقضي‪.‬‬ ‫أَفَلَمْ َيهْ ِد َلهُمْ َكمْ أَهْلَ ْكنَا َقبَْلهُمْ مِنْ الْقُرُونِ َي ْمشُونَ فِي َمسَا ِكِنهِمْ ِإنّ فِي‬ ‫ك ليَاتٍ ُل ْولِي النّهَى (‪)128‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫أفلم يدل قومك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬على طريق الرشاد كثرة مَن أهلكنا‬ ‫من المم الكذبة قبلهم وهم يشون ف ديارهم‪ ,‬ويرون آثار هلكهم؟‬ ‫إن ف كثرة تلك المم وآثار عذابم لَعبًا وعظاتٍ لهل العقول الواعية‪.‬‬ ‫ك لَكَانَ لِزَاما وََأجَلٌ ُمسَمّى (‪)129‬‬ ‫ت مِنْ َربّ َ‬ ‫َوَلوْل كَلِ َمةٌ َسبَقَ ْ‬ ‫ولول كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى عنده للزمهم اللك عاجل‪،‬‬ ‫لنم يستحقونه؛ بسبب كفرهم‪.‬‬ ‫ك َقبْلَ طُلُو عِ الشّمْ سِ وََقبْلَ‬ ‫صبِرْ عَلَى مَا يَقُولُو نَ وَ َسبّحْ ِبحَمْ ِد َربّ َ‬ ‫فَا ْ‬ ‫ف النّهَارِ لَعَلّكَ َت ْرضَى (‪)130‬‬ ‫سبّحْ وََأطْرَا َ‬ ‫غُرُوِبهَا وَمِنْ آنَاءِ الّليْلِ َف َ‬ ‫‪1052‬‬

‫فاصب ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬على ما يقوله الكذبون بك من أوصاف‬ ‫وأباطيل‪ ,‬وسبّح بمد ربك ف صلة الفجر قبل طلوع الشمس‪ ,‬وصلة‬ ‫العصر قبل غروبا‪ ,‬وصلة العشاء ف ساعات الليل‪ ,‬وصلة الظهر‬ ‫والغرب أطراف النهار; كي تثاب على هذه العمال با تَرْضى به‪.‬‬ ‫حيَاةِ الدّنيَا‬ ‫ُمم زَهْرَ َة اْل َ‬ ‫ِهم َأ ْزوَاجا ِمْنه ْ‬ ‫ْكم ِإلَى مَا َمتّعْنَا ب ِ‬ ‫وَل َتمُدّنّ َعْيَني َ‬

‫ِلنَ ْفِتنَهُ ْم فِيهِ َو ِرزْقُ َربّكَ َخيْ ٌر وََأبْقَى ( ‪)131‬‬

‫ول تنظر إل ما َمتّعْنا به هؤلء الشركي وأمثالم من أنواع التع‪ ,‬فإنا‬ ‫زينة زائلة ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬متعناهم با; لنبتليهم با‪ ,‬ورزق ربك‬ ‫وثوابه خي لك ما متعناهم به وأدوم; حيث ل انقطاع له ول نفاد‪.‬‬ ‫ُكم‬ ‫ْنم نَ ْرزُق َ‬ ‫َسمَألُكَ ِرزْقا َنح ُ‬ ‫َاصم َطبِ ْر عََليْهَا ل ن ْ‬ ‫َكم بِالصمّل ِة و ْ‬ ‫وَأْ ُمرْ أَهْل َ‬ ‫وَالْعَاِقَبةُ لِلتّ ْقوَى (‪)132‬‬ ‫وَأْمُ ْر ‪ -‬أيها النب ‪ -‬أهلك بالصلة‪ ,‬واصطب على أدائها‪ ,‬ل نسألك مال‬ ‫‪ ،‬نن نرزقك ونعطيك‪ .‬والعاقبة الصالة ف الدنيا والخرة لهل‬ ‫التقوى‪.‬‬ ‫‪1053‬‬

‫صحُفِ الُولَى (‬ ‫وَقَالُوا َلوْل يَ ْأتِينَا بِآَيةٍ مِ ْن َربّ هِ َأ َولَ مْ تَ ْأِتهِ ْم َبّيَنةُ مَا فِي ال ّ‬

‫‪)133‬‬

‫وقال مكذبوك ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬هل تأتينا بعلمة من ربك تدلّ على‬ ‫صدقك‪ ,‬أول يأتم هذا القرآن الصدق لا ف الكتب السابقة من الق؟‬ ‫َوَلوْ َأنّا أَهْلَ ْكنَاهُ مْ بِ َعذَا بٍ مِ ْن َقبْلِ هِ لَقَالُوا َرّبنَا َلوْل َأرْ سَ ْلتَ ِإَلْينَا رَ سُولً‬ ‫َفَنّتبِ َع آيَاتِكَ مِ ْن َقبْلِ َأنْ َنذِلّ َوَنخْزَى (‪)134‬‬ ‫ولو أنّا أهلكنا هؤلء الكذبي بعذاب من قبل أن نرسل إليهم رسول‬ ‫وننل عليهم كتابًا لقالوا‪ :‬ربنا هل أرسلت إلينا رسول من عندك‪,‬‬ ‫فنصدقه‪ ,‬ونتبع آياتك وشرعك‪ ,‬مِن قبل أن نَذلّ ونَخزى بعذابك‪.‬‬ ‫ي وَمَ نْ‬ ‫صحَابُ ال صّرَاطِ ال سّوِ ّ‬ ‫ستَعَْلمُونَ مَ نْ أَ ْ‬ ‫ص َفتَ َربّ صُوا فَ َ‬ ‫قُ ْل كُلّ ُمتَ َربّ ٌ‬

‫ا ْهتَدَى (‪)135‬‬

‫‪1054‬‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لؤلء الشركي بال‪ :‬كل منا ومنكم منتظر دوائر‬ ‫الزمان‪ ,‬ولن يكون النصر والفلح‪ ,‬فانتظروا‪ ,‬فستعلمون‪ :‬مَن أهل‬ ‫الطريق الستقيم‪ ,‬ومَن الهتدي للحق منا ومنكم؟‬

‫‪1055‬‬

‫الزء السابع عشر ‪:‬‬

‫‪ -21‬سورة النبياء‬ ‫ب لِلنّاسِ ِحسَاُبهُمْ وَهُ ْم فِي َغفَْلةٍ مُعْ ِرضُونَ (‪)1‬‬ ‫ا ْقتَرَ َ‬ ‫دنا وقت حساب الناس على ما قدّموا من عمل‪ ,‬ومع ذلك فالكفار‬ ‫يعيشون لهي عن هذه القيقة‪ ,‬معرضي عن هذا النذار‪.‬‬ ‫مَا يَ ْأتِيهِ ْم مِنْ ذِكْرٍ مِ ْن َرّبهِمْ ُمحْدَثٍ إِلّ ا ْستَمَعُوهُ وَهُ ْم يَلْ َعبُونَ (‪)2‬‬ ‫ما من شيء ينل من القرآن يتلى عليهم مدّدًا لم التذكي‪ ,‬إل كان‬ ‫ساعهم له ساع لعب واستهزاء‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِينم ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلّ َبشَ ٌر ِمثْلُك ْ‬ ‫جوَى الّذ َ‬ ‫َسمرّوا الّن ْ‬ ‫ُمم وَأ َ‬ ‫ل ِهَيةً ُقلُوُبه ْ‬ ‫‪1056‬‬

‫أََفتَ ْأتُونَ السّحْرَ َوَأْنتُمْ ُتبْصِرُونَ ( ‪)3‬‬ ‫قلوبم غافلة عن القرآن الكري‪ ,‬مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتا‪ ,‬ل‬ ‫يعقلون ما فيه‪ .‬بل إن الظالي من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيّ‪ :‬وهو‬ ‫إشاعة ما يصدّون به الناس عن اليان بحمد صلى ال عليه وسلم من‬ ‫أنه بشر مثلهم‪ ,‬ل يتلف عنهم ف شيء‪ ,‬وأن ما جاء به من القرآن‬ ‫سحر‪ ,‬فكيف تيئون إليه وتتبعونه‪ ,‬وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟‬ ‫قَالَ َربّي يَعْلَ ُم الْقَوْلَ فِي السّمَاءِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِي ُم (‪)4‬‬ ‫رد النب صلى ال عليه وسلم المرَ إل ربه سبحانه وتعال فقال‪ :‬رب‬ ‫يعلم القول ف السماء والرض‪ ,‬ويعلم ما أسررتوه من حديثكم‪ ,‬وهو‬ ‫السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأحوالكم‪ .‬وف هذا تديد لم ووعيد‪.‬‬ ‫بَلْ قَالُوا َأضْغَا ثُ أَحْل ٍم بَلْ ا ْفتَرَا هُ بَلْ ُهوَ شَاعِرٌ فَ ْليَ ْأتِنَا بِآَيةٍ كَمَا ُأرْ سِلَ‬ ‫ا َلوّلُونَ (‪)5‬‬ ‫بل جحد الكفار القرآن فمِن قائل‪ :‬إنه أخلط أحلم ل حقيقة لا‪ ,‬ومن‬ ‫قائل‪ :‬إنه اختلق وكذب وليس وحيًا‪ ,‬ومن قائل‪ :‬إن ممدًا شاعر‪,‬‬ ‫‪1057‬‬

‫وهذا الذي جاء به شعر‪ ,‬وإن أراد منا أن نصدّقه فليجئنا بعجزة‬ ‫مسوسة كناقة صال‪ ,‬وآيات موسى وعيسى‪ ,‬وما جاء به الرسل من‬ ‫قبله‪.‬‬ ‫ت َقبَْلهُمْ مِنْ قَ ْرَيةٍ أَهْلَ ْكنَاهَا َأَفهُمْ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)6‬‬ ‫مَا آ َمنَ ْ‬ ‫ما آمنت قبل كفار "مكة" من قرية طلب أهلها العجزات مِن رسولم‬ ‫وتققت‪ ,‬بل كذّبوا‪ ,‬فأهلكناهم‪ ,‬أفيؤمن كفار"مكة" إذا تققت‬ ‫العجزات الت طلبوها؟ كل إنم ل يؤمنون‪.‬‬ ‫وَمَا َأرْسَ ْلنَا َقبَْلكَ إِ ّل رِجَالً نُوحِي ِإَلْيهِمْ فَاسَْألُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِنْ كُنتُمْ ل‬ ‫تَعْلَمُونَ (‪)7‬‬ ‫وما أرسلنا قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل رجال من البشر نوحي إليهم‪,‬‬ ‫ول نرسل ملئكة‪ ,‬فاسألوا ‪ -‬يا كفار "مكة" ‪ -‬أهل العلم بالكتب‬ ‫النلة السابقة‪ ,‬إن كنتم تهلون ذلك‪.‬‬ ‫وَمَا جَعَ ْلنَاهُمْ َجسَدا ل يَأْكُلُونَ الطّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (‪)8‬‬ ‫‪1058‬‬

‫وما جعلنا أولئك الرسلي قبلك خارجي عن طباع البشر ل يتاجون‬ ‫إل طعام وشراب‪ ,‬وما كانوا خالدين ل يوتون‪.‬‬ ‫ي (‪)9‬‬ ‫ثُ ّم صَدَ ْقنَاهُ ْم الْوَعْ َد فَأَ َنْينَاهُمْ وَمَ ْن َنشَاءُ وَأَهْلَ ْكنَا الْ ُمسْرِِف َ‬ ‫ث أنزنا للنبياء وأتباعم ما وعدناهم به من النصر والنجاة‪ ,‬وأهلَكْنا‬ ‫السرفي على أنفسهم بكفرهم بربم‪.‬‬ ‫لَقَدْ أَن َزْلنَا ِإَليْكُ ْم ِكتَابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَل تَعْقِلُونَ (‪)10‬‬ ‫لقد أنزلنا إليكم هذا القرآن‪ ,‬فيه عزّكم وشرفكم ف الدنيا والخرة إن‬ ‫تذكرت به‪ ,‬أفل تعقلون ما فَضّلْتكم به على غيكم؟‬ ‫ت ظَالِ َمةً وَأَنشَ ْأنَا بَعْدَهَا َقوْما آخَرِينَ (‪)11‬‬ ‫وَكَ ْم قَصَ ْمنَا مِ ْن قَ ْرَيةٍ كَانَ ْ‬ ‫وكثي من القرى كان أهلها ظالي بكفرهم با جاءتم به رسلهم‪,‬‬ ‫فأهلكناهم بعذاب أبادهم جيعًا‪ ,‬وأوجدنا بعدهم قومًا آخرين سواهم‪.‬‬ ‫َفلَمّا َأ َحسّوا بَأْ َسنَا ِإذَا هُ ْم ِمْنهَا يَرْكُضُونَ (‪)12‬‬ ‫‪1059‬‬

‫فلما رأى هؤلء الظالون عذابنا الشديد نازل بم‪ ,‬وشاهدوا بوادره‪ ,‬إذا‬ ‫هم من قريتهم يسرعون هاربي‪.‬‬ ‫ل تَرْكُضُوا وَارْ ِجعُوا ِإلَى مَا ُأتْ ِر ْفتُ ْم فِي هِ وَمَ سَا ِكنِكُمْ لَعَلّ ُك ْم تُ سَْألُونَ (‬ ‫‪)13‬‬ ‫فنودوا ف هذه الال‪ :‬ل تربوا وارجعوا إل لذاتكم وتنعّمكم ف دنياكم‬ ‫اللهية ومساكنكم الشيّدة‪ ,‬لعلكم تُسألون من دنياكم شيئًا‪ ,‬وذلك على‬ ‫وجه السخرية والستهزاء بم‪.‬‬ ‫قَالُوا يَا َويَْلنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِ ِميَ (‪)14‬‬ ‫فلم يكن لم من جواب إل اعترافهم برمهم وقولم‪ :‬يا هلكنا‪ ,‬فقد‬ ‫ظلمنا أنفسنا بكفرنا‪.‬‬ ‫ت تِلْكَ دَ ْعوَاهُمْ َحتّى جَعَ ْلنَاهُمْ حَصِيدا خَامِدِينَ (‪)15‬‬ ‫َفمَا زَالَ ْ‬ ‫فما زالت تلك القالة ‪ -‬وهي الدعاء على أنفسهم باللك‪ ,‬والعتراف‬ ‫بالظلم ‪ -‬دَ ْع َوتَهم يرددونا حت جعلناهم كالزرع الحصود‪ ,‬خامدين ل‬ ‫‪1060‬‬

‫حياة فيهم‪ .‬فاحذروا ‪ -‬أيها الخاطبون ‪ -‬أن تستمروا على تكذيب‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيحلّ بكم ما حَ ّل بالمم قبلكم‪.‬‬ ‫وَمَا خَلَ ْقنَا السّمَاءَ وَا َلرْضَ وَمَا َبْيَنهُمَا ل ِعِبيَ (‪)16‬‬ ‫وما خلقنا السماء والرض وما بينهما عبثًا وباطل بل لقامة الجة‬ ‫عليكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ولتعتبوا بذلك كله‪ ,‬فتعلموا أن الذي خلق ذلك‬ ‫ل يشبهه شيء‪ ,‬ول تصلح العبادة إل له‪.‬‬ ‫َلوْ َأرَ ْدنَا َأنْ َنّتخِذَ َلهْوا لّتخَ ْذنَاهُ مِنْ لَ ُدنّا ِإ ْن ُكنّا فَاعِِليَ (‪)17‬‬ ‫لو أردنا أن نتخذ لوًا من الولد أو الصاحبة لتذناه من عندنا ل من‬ ‫عندكم‪ ,‬ما كنا فاعلي ذلك; لستحالة أن يكون لنا ولد أو صاحبة‪.‬‬ ‫ف بِالْحَقّ عَلَى اْلبَاطِلِ َفَيدْمَغُ ُه َفإِذَا ُهوَ زَاهِ قٌ وَلَكُ مْ اْل َويْلُ مِمّ ا‬ ‫بَلْ نَ ْقذِ ُ‬

‫تَصِفُونَ (‪)18‬‬

‫‪1061‬‬

‫بل نقذف بالق ونبيّنه‪ ,‬فيدحض الباطل‪ ,‬فإذا هو ذاهب مضمحل‪.‬‬ ‫ولكم العذاب ف الخرة ‪ -‬أيها الشركون ‪ -‬مِن َوصْفكم ربكم بغي‬ ‫صفته اللئقة به‪.‬‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ عَ نْ ِعبَا َدتِ هِ وَل‬ ‫ض وَمَ نْ ِعنْدَ ُه ل يَ ْ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َولَ هُ مَ نْ فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫حسِرُونَ (‪)19‬‬ ‫ستَ ْ‬ ‫َي ْ‬ ‫ول سبحانه كل مَن ف السموات والرض‪ ,‬والذين عنده من اللئكة ل‬ ‫يأنَفُون عن عبادته ول يلّونا‪ .‬فكيف يوز أن يشرك به ما هو عبده‬ ‫وخلقه؟‬ ‫سّبحُونَ الّليْلَ وَالّنهَارَ ل يَ ْفتُرُونَ (‪)20‬‬ ‫ُي َ‬ ‫يذكرون ال وينّهونه دائمًا‪ ,‬ل يضْعُفون ول يسأمون‪.‬‬ ‫أَمْ اّتخَذُوا آِلهَةً مِ ْن ا َلرْضِ هُ ْم يُنشِرُونَ (‪)21‬‬ ‫كيف يصح للمشركي أن يتخذوا آلة عاجزة من الرض ل تقدر على‬ ‫إحياء الوتى؟‬ ‫‪1062‬‬

‫محَانَ اللّهِم رَبّ الْعَرْشِم َعمّام‬ ‫َلوْ كَانَم فِيهِمَا آِل َهةٌ إِ ّل اللّهُملَفَسَمَدتَا فَسُبْ‬

‫يَصِفُونَ (‪)22‬‬

‫لو كان ف السموات والرض آلة غي ال سبحانه وتعال تدبر‬ ‫شؤونما‪ ,‬لخت ّل نظامهما‪ ,‬فتنّه ال رب العرش‪ ,‬وتقدّس عَمّا يصفه‬ ‫الاحدون الكافرون‪ ,‬من الكذب والفتراء وكل نقص‪.‬‬ ‫ل ُيسْأَلُ عَمّا يَفْعَ ُل وَهُمْ ُيسَْألُونَ (‪)23‬‬ ‫إن من دلئل تفرّده سبحانه باللق والعبادة أنه ل يُسأل عن قضائه ف‬ ‫خلقه‪ ,‬وجيع خلقه يُسألون عن أفعالم‪.‬‬ ‫أَ مْ اّتخَذُوا مِ نْ دُونِ هِ آِل َهةً قُ ْل هَاتُوا بُرْهَانَ ُك مْ هَذَا ذِكْ ُر مَ نْ مَعِي وَذِكْرُ‬ ‫مَنْ َقبْلِي بَلْ أَ ْكثَرُهُ ْم ل يَعَْلمُونَ اْلحَقّ َفهُ ْم مُعْ ِرضُونَ (‪)24‬‬ ‫هل اتذ هؤلء الشركون مِن غي ال آلة تنفع وتضر وتيي وتيت؟ قل‬ ‫ أيها الرسول ‪ -‬لم‪ :‬هاتوا ما لديكم من البهان على ما اتذتوه آلة‪,‬‬‫فليس ف القرآن الذي جئتُ به ول ف الكتب السابقة دليل على ما‬ ‫‪1063‬‬

‫ذهبتم إليه‪ ,‬وما أشركوا إل جهل وتقليدًا‪ ,‬فهم معرضون عن الق‬ ‫منكرون له‪.‬‬ ‫ك مِنْ رَسُولٍ إِ ّل نُوحِي ِإَليْهِ َأنّهُ ل ِإلَهَ إِلّ َأنَا فَا ْعبُدُونِ‬ ‫وَمَا َأرْسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِ َ‬ ‫(‪)25‬‬ ‫وما أرسلنا من قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من رسول إل نوحي إليه أنه ل‬ ‫معبود بق إل ال‪ ,‬فأخْلصوا العبادة له وحده‪.‬‬ ‫م (‪ )26‬ل‬ ‫مْبحَانَهُ بَ ْل ِعبَادٌ مُ ْكرَمُون َ‬ ‫م َولَدا س ُ‬ ‫وَقَالُوا اّتخَ َذ الرّحْمَن ُ‬ ‫سبِقُوَنهُ بِالْ َقوْلِ وَهُمْ بِأَ ْمرِهِ يَعْ َملُونَ (‪)27‬‬ ‫َي ْ‬ ‫وقال الشركون‪ :‬اتذ الرحن ولدًا بزعمهم أن اللئكة بنات ال‪ .‬تنّه‬ ‫ال عن ذلك; فاللئكة عباد ال مقربون مصصون بالفضائل‪ ,‬وهم ف‬ ‫حسن طاعتهم ل يتكلمون إل با يأمرهم به ربم‪ ,‬ول يعملون عمل‬ ‫حت يأذن لم‪.‬‬ ‫يَعَْل ُم مَا َبيْ نَ َأْيدِيهِ ْم وَمَا خَلْ َفهُ مْ وَل َيشْفَعُو نَ إِلّ لِمَ نْ ا ْرتَضَى وَهُ مْ مِ نْ‬ ‫‪1064‬‬

‫شَيِتهِ ُمشْفِقُونَ (‪)28‬‬ ‫َخ ْ‬ ‫وما من أعمال اللئكة عمل سابق أو لحق إل يعلمه ال سبحانه‬ ‫وتعال‪ ,‬ويصيه عليهم‪ ,‬ول يتقدمون بالشفاعة إل لن ارتضى ال‬ ‫شفاعتهم له‪ ,‬وهم من خوف ال حذرون من مالفة أمره ونيه‪.‬‬ ‫ك َنجْزِي‬ ‫ك َنجْزِي هِ َج َهنّ َم كَ َذلِ َ‬ ‫وَمَ نْ يَقُلْ ِمْنهُ مْ ِإنّ ي ِإلَ هٌ مِ نْ دُونِ هِ َف َذلِ َ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)29‬‬ ‫ومن يدّع من اللئكة أنه إله مع ال ‪ -‬على سبيل الفرض ‪ -‬فجزاؤه‬ ‫جهنم‪ ,‬مثل ذلك الزاء نزي كل ظال مشرك‪.‬‬ ‫َأوَلَ ْم يَرَى الّذِي نَ كَفَرُوا أَنّ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ كَانَتَا َرتْقا فَ َفتَ ْقنَاهُمَا‬

‫وَجَعَ ْلنَا مِ ْن الْمَاءِ كُلّ شَ ْيءٍ حَيّ أَفَل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)30‬‬

‫أول يعلم هؤلء الذين كفروا أن السموات والرض كانتا ملتصقتي ل‬ ‫فاصل بينهما‪ ,‬فل مطر من السماء ول نبات من الرض‪ ,‬ففصلناها‬ ‫بقدرتنا‪ ,‬وأنزلنا الطر من السماء‪ ,‬وأخرجنا النبات من الرض‪ ,‬وجعلنا‬

‫‪1065‬‬

‫من الاء كل شيء حي‪ ,‬أفل يؤمن هؤلء الاحدون فيصدقوا با‬ ‫يشاهدونه‪ ,‬ويصّوا ال بالعبادة؟‬ ‫وَ َجعَلْنَا فِي ا َلرْ ضِ َروَا سِيَ أَ نْ َتمِيدَ ِبهِ ْم وَجَعَلْنَا فِيهَا ِفجَاجا ُسبُلً‬ ‫لَعَّلهُمْ َي ْهتَدُونَ ( ‪)31‬‬ ‫وخلقنا ف الرض جبال تثبتها حت ل تضطرب‪ ,‬وجعلنا فيها طرقًا‬ ‫واسعة; رجاء اهتداء اللق إل معايشهم‪ ,‬وتوحيد خالقهم‪.‬‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا السّمَاءَ َسقْفا َمحْفُوظا وَهُمْ عَ ْن آيَاِتهَا ُمعْ ِرضُونَ (‪)32‬‬ ‫وجعلنا السماء سقفًا للرض ل يرفعها عماد‪ ,‬وهي مفوظة ل تسقط‪,‬‬ ‫ول تترقها الشياطي‪ ,‬والكفار عن العتبار بآيات السماء (الشمس‬ ‫والقمر والنجوم)‪ ,‬غافلون لهون عن التفكي فيها‪.‬‬ ‫سَبحُونَ (‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَ َق الّليْلَ وَالّنهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَ َر كُلّ فِي فََلكٍ يَ ْ‬ ‫‪)33‬‬

‫‪1066‬‬

‫وال تعال هو الذي خلق الليل; ليسكن الناس فيه‪ ,‬والنهار; ليطلبوا فيه‬ ‫العايش‪ ,‬وخلق الشمس آية للنهار‪ ,‬والقمر آية للّيل‪ ,‬ولكل منهما مدار‬ ‫سبَح ل ييد عنه‪.‬‬ ‫يري فيه َوَي ْ‬ ‫ك الْخُلْدَ أََفِإيْنْ ِمتّ َفهُ ْم الْخَالِدُونَ (‪)34‬‬ ‫وَمَا جَعَ ْلنَا ِلَبشَرٍ مِنْ َقبْلِ َ‬ ‫وما جعلنا لبشر من قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬دوام البقاء ف الدنيا‪ ,‬أفإن‬ ‫مت فهم يُؤمّلون اللود بعدك؟ ل يكون هذا‪ .‬وف هذه الية دليل على‬ ‫أن الضر عليه السلم قد مات; لنه بشر‪.‬‬ ‫خيْرِ ِفْتَنةً وَِإَليْنَا تُرْجَعُونَم (‬ ‫كُلّ نَفْسٍم ذَائِقَةُ الْ َموْتِم َوَنبْلُوكُم ْمبِالشّ ّر وَاْل َ‬ ‫‪)35‬‬ ‫كل نفس ذائقة الوت ل مالة مهما عُمّرت ف الدنيا‪ .‬وما وجودها ف‬ ‫الياة إل ابتلء بالتكاليف أمرًا ونيًا‪ ,‬وبتقلب الحوال خيًا وشرًا‪ ,‬ث‬ ‫الآل والرجع بعد ذلك إل ال ‪ -‬وحده ‪ -‬للحساب والزاء‪.‬‬ ‫وَِإذَا رَآ كَ الّذِي نَ كَ َفرُوا إِ نْ َيّتخِذُونَ كَ إِلّ هُزُوا أَ َهذَا الّذِي َيذْكُرُ آِل َهتَكُ مْ‬ ‫‪1067‬‬

‫وَهُمْ ِبذِكْرِ الرّ ْحمَنِ هُ ْم كَافِرُونَ (‪)36‬‬ ‫وإذا رآك الكفار ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أشاروا إليك ساخرين منك بقول‬ ‫بعضهم لبعض‪ :‬أهذا الرجل الذي يسبّ آلتكم؟ وجحدوا بالرحن‬ ‫ونعمه‪ ,‬وبا أنزله من القرآن والدى‪.‬‬ ‫ستَ ْعجِلُونِ (‪)37‬‬ ‫خُلِقَ الِنسَانُ مِ ْن َعجَلٍ سَُأرِيكُ ْم آيَاتِي فَل َت ْ‬ ‫خُلق النسان عجول يبادر الشياء ويستعجل وقوعها‪ .‬وقد استعجلت‬ ‫قريش العذاب واستبطأته‪ ,‬فأنذرهم ال بأنه سييهم ما يستعجلونه من‬ ‫العذاب‪ ,‬فل يسألوا ال تعجيله وسرعته‪.‬‬ ‫ي (‪)38‬‬ ‫َويَقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِِق َ‬ ‫ويقول الكفار ‪ -‬مستعجلي العذاب مستهزئي ‪ : -‬مت حصول ما‬ ‫تَعِدُنا به يا ممد‪ ,‬إن كنت أنت ومَن اتبعك من الصادقي؟‬ ‫َنم‬ ‫ِمم النّارَ وَل ع ْ‬ ‫َنم وُجُو ِهه ْ‬ ‫ّونم ع ْ‬ ‫ِينم كَفَرُوا حِيَ ل يَ ُكف َ‬ ‫َمم الّذ َ‬ ‫َلوْ يَعْل ُ‬ ‫ُظهُورِهِمْ وَل ُهمْ ُينْصَرُونَ (‪)39‬‬ ‫‪1068‬‬

‫لو يعلم هؤلء الكفار ما يلقونه عندما ل يستطيعون أن يدفعوا عن‬ ‫وجوههم وظهورهم النار‪ ,‬ول يدون لم ناصرًا ينصرهم‪ ,‬لا أقاموا على‬ ‫كفرهم‪ ,‬ولا استعجلوا عذابم‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ رَدّهَا وَل هُ ْم يُنظَرُونَ (‪)40‬‬ ‫بَلْ تَ ْأتِيهِ ْم بَ ْغَتةً َفَتْب َهُتهُمْ فَل َي ْ‬ ‫ولسوف تأتيهم الساعة فجأة‪ ,‬فيتحيّرون عند ذلك‪ ,‬ويافون خوفًا‬ ‫عظيمًا‪ ,‬ول يستطيعون َدفْعَ العذاب عن أنفسهم‪ ,‬ول يُمْهلون لستدراك‬ ‫توبة واعتذار‪.‬‬ ‫ئ بِ ُر سُلٍ مِ نْ َقبْلِ كَ َفحَا قَ بِالّذِي نَ َسخِرُوا ِمْنهُ مْ مَا كَانُوا بِ هِ‬ ‫َولَقَدْ ا ْسُتهْزِ َ‬ ‫ستَهْ ِزئُون (‪)41‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ولقد استهزئ برسل مِن قبلك أيها الرسول‪ ,‬فحلّ بالذين كانوا‬ ‫يستهزئون العذاب الذي كان مَثار سخريتهم واستهزائهم‪.‬‬ ‫ِمم‬ ‫َنم ذِكْ ِر َرّبه ْ‬ ‫ُمم ع ْ‬ ‫َنم بَ ْل ه ْ‬ ‫ِنم الرّ ْحم ِ‬ ‫ُمم بِالّليْلِ وَالّنهَارِ م ْ‬ ‫َنم يَكَْلؤُك ْ‬ ‫قُ ْل م ْ‬ ‫مُعْ ِرضُونَ (‪)42‬‬ ‫‪1069‬‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لؤلء الستعجلي بالعذاب‪ :‬ل أحد يفظكم‬ ‫ويرسكم ف ليلكم أو ناركم‪ ,‬ف نومكم أو يقظتكم‪ ,‬مِن بأس الرحن‬ ‫إذا نزل بكم‪ .‬بل هم عن القرآن ومواعظ ربم لهون غافلون‪.‬‬ ‫سهِمْ وَل ُه مْ ِمنّا‬ ‫ستَطِيعُونَ نَ صْرَ أَنفُ ِ‬ ‫أَ مْ َلهُ مْ آِل َهةٌ تَ ْمنَ ُعهُ ْم مِ نْ دُوِننَا ل يَ ْ‬ ‫حبُونَ (‪)43‬‬ ‫صَ‬ ‫يُ ْ‬ ‫َأَلهُمْ آلة تنعهم من عذابنا؟ إنّ آلتهم ل يستطيعون أن ينصروا أنفسهم‪,‬‬ ‫فكيف ينصرون عابديهم؟ وهم منا ل يُجارون‪.‬‬ ‫بَلْ َمتّعْنَا َهؤُلءِ وَآبَاءَهُم ْم َحتّىم طَالَ عََلْيهِم ْم الْعُمُرُ أَفَل يَ َروْنَمَأنّامنَأْتِي‬ ‫صهَا مِنْ َأطْرَاِفهَا َأَفهُمْ الْغَاِلبُونَ (‪)44‬‬ ‫ا َلرْضَ نَنقُ ُ‬ ‫لقد اغت ّر الكفار وآباؤهم بالمهال لِمَا رأوه من الموال والبني وطول‬ ‫العمار‪ ,‬فأقاموا على كفرهم ل َيبْرحونه‪ ,‬وظنوا أنم ل يُعذّبون وقد‬ ‫غَفَلوا عن ُسنّة ماضية‪ ,‬فال ينقص الرض من جوانبها با ينله‬ ‫بالشركي مِن بأس ف كل ناحية ومِن هزية‪ ,‬أيكون بوسع كفار "مكة"‬ ‫الروج عن قدرة ال‪ ,‬أو المتناع من الوت؟‬ ‫‪1070‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا أُن ِذرُكُ ْم بِاْلوَحْ ِي وَل َيسْمَ ُع الصّ ّم الدّعَاءَ إِذَا مَا يُن َذرُونَ (‪)45‬‬ ‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لن أُرسلتَ إليهم‪ :‬ما أُخوّفكم من العذاب إل‬ ‫بوحي من ال‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬ولكن الكفار ل يسمعون ما يُلقى إليهم‬ ‫ساع تدبر إذا أُنذِورا‪ ,‬فل ينتفعون به‪.‬‬ ‫حةٌ مِ ْن عَذَا بِ َربّ كَ َليَقُولُنّ يَا َويَْلنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِ ِميَ (‬ ‫سْتهُمْ نَ ْف َ‬ ‫َوَلئِ نْ مَ ّ‬ ‫‪)46‬‬ ‫لو أصاب الكفارَ نصيب من عذاب ال لعلموا عاقبة تكذيبهم‪ ,‬وقابلوا‬ ‫ذلك بالدعاء على أنفسهم باللك; بسبب ظلمهم لنفسهم بعبادتم غي‬ ‫ال‪.‬‬ ‫َونَضَ عُ الْ َموَازِي نَ الْقِ سْطَ ِلَيوْ ِم الْ ِقيَا َمةِ فَل تُظْلَ مُ نَفْ سٌ َشيْئا وَإِ نْ كَا نَ‬

‫ِمثْقَالَ َحّبةٍ مِنْ َخرْدَلٍ َأَتْينَا ِبهَا وَكَفَى ِبنَا حَا ِسِبيَ (‪)47‬‬

‫‪1071‬‬

‫ويضع ال تعال اليزان العادل للحساب ف يوم القيامة‪ ,‬ول يظلم هؤلء‬ ‫ول غيهم شيئًا‪ ,‬وإن كان هذا العمل ق ْدرَ ذرة مِن خي أو شر اعتبت‬ ‫ف حساب صاحبها‪ .‬وكفى بال مصيًا أعمال عباده‪ ,‬ومازيًا لم عليها‪.‬‬ ‫ضيَاءً وَذِكْرا لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪ )48‬الّذِينَ‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ َو ِ‬ ‫ش ْونَ َرّبهُمْ بِالْ َغيْبِ وَهُ ْم مِنْ السّا َعةِ ُمشْفِقُونَ (‪)49‬‬ ‫َيخْ َ‬ ‫ولقد آتينا موسى وهارون حجة ونصرًا على عدوها‪ ,‬وكتابًا ‪ -‬وهو‬ ‫التوراة ‪َ -‬فرَقْنا به بي الق والباطل‪ ,‬ونورًا يهتدي به التقون الذين‬ ‫يافون عقاب ربم‪ ,‬وهم من الساعة الت تقوم فيها القيامة خائفون‬ ‫وجلون‪.‬‬ ‫وَهَذَا ذِكْ ٌر ُمبَارَكٌ أَن َزْلنَاهُ أََفَأْنتُمْ َلهُ مُن ِكرُونَ (‪)50‬‬ ‫وهذا القرآن الذي أنزله ال على رسوله ممد صلى ال عليه وسلم ذِكْرٌ‬ ‫لن تذكّر به‪ ,‬وعمل بأوامره واجتنب نواهيه‪ ,‬كثي الي‪ ,‬عظيم النفع‪,‬‬ ‫أفتنكرونه وهو ف غاية اللء والظهور؟‬

‫‪1072‬‬

‫َولَقَدْ آَتْينَا ِإبْرَاهِي َم رُشْدَ ُه مِنْ َقبْلُ وَ ُكنّا ِبهِ عَالِ ِميَ (‪)51‬‬ ‫ولقد آتينا إبراهيم هداه‪ ,‬الذي دعا الناس إليه من قبل موسى وهارون‪,‬‬ ‫وكنّا عالي أنه أهل لذلك‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ َلبِيهِ وََقوْ ِمهِ مَا هَذِ ِه التّمَاثِيلُ اّلتِي َأْنُتمْ َلهَا عَاكِفُونَ (‪)52‬‬ ‫حي قال لبيه وقومه‪ :‬ما هذه الصنام الت صنعتموها‪ ,‬ث أقمتم على‬ ‫عبادتا ملزمي لا؟‬ ‫قَالُوا وَجَ ْدنَا آبَا َءنَا َلهَا عَابِدِي َن (‪)53‬‬ ‫قالوا‪ :‬وجدنا آباءنا عابدين لا‪ ,‬ونن نعبدها اقتداء بم‪.‬‬ ‫قَالَ لَقَ ْد كُنتُمْ َأْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم فِي ضَللٍ ُمِبيٍ (‪)54‬‬ ‫قال لم إبراهيم‪ :‬لقد كنتم أنتم وآباؤكم ف عبادتكم لذه الصنام ف‬ ‫بُعْد واضح بيّن عن الق‪.‬‬

‫‪1073‬‬

‫ت مِنْ اللّ ِعِبيَ (‪)55‬‬ ‫قَالُوا َأ ِجْئَتنَا بِاْلحَقّ أَمْ َأنْ َ‬ ‫قالوا‪ :‬أهذا القول الذي جئتنا به حق َوجِدّ‪ ,‬أم كلمك لنا كلم لعبٍ‬ ‫مستهزئ ل يدري ما يقول؟‬ ‫ت وَالَرْضِ الّذِي فَطَرَهُنّ وََأنَا عَلَى َذلِ ُك ْم مِنْ‬ ‫قَالَ بَل َربّكُمْ رَبّ السّ َموَا ِ‬ ‫الشّاهِدِينَ (‪)56‬‬ ‫قال لم إبراهيم عليه الصلة والسلم‪ :‬بل ربكم الذي أدعوكم إل‬ ‫عبادته هو رب السموات والرض الذي خلقهنّ‪ ,‬وأنا من الشاهدين‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫صنَامَكُ ْم بَعْدَ َأنْ ُت َولّوا ُم ْدبِرِينَ (‪)57‬‬ ‫َوتَالّلهِ لَكِي َدنّ َأ ْ‬ ‫وتال لمكرنّ بأصنامكم وأكسّرها بعد أن تتولّوا عنها ذاهبي‪.‬‬ ‫َفجَعََلهُمْ ُجذَاذا إِلّ َكبِيا لَهُ ْم لَعَّلهُمْ ِإَليْهِ َيرْجِعُونَ (‪)58‬‬ ‫فحطم إبراهيم الصنام وجعلها قطعًا صغية‪ ,‬وترك كبيها; كي يرجع‬ ‫القوم إليه ويسألوه‪ ،‬فيتبي عجزهم وضللم‪ ,‬وتقوم الجة عليهم‪.‬‬ ‫‪1074‬‬

‫قَالُوا مَنْ فَعَ َل هَذَا بِآِل َهِتنَا ِإّنهُ لَمِنْ الظّالِ ِميَ (‪)59‬‬ ‫ورجع القوم‪ ,‬ورأوا أصنامهم مطمة مهانة‪ ,‬فسأل بعضهم بعضًا‪ :‬مَن‬ ‫فعل هذا بآلتنا؟ إنه لظال ف اجترائه على اللة الستحقة للتعظيم‬ ‫والتوقي‪.‬‬ ‫قَالُوا سَ ِم ْعنَا َفتًى َيذْكُرُهُ ْم يُقَالُ َلهُ ِإبْرَاهِي ُم (‪)60‬‬ ‫قال مَن سع إبراهيم يلف بأنه سيكيد أصنامهم‪ :‬سعنا فت يقال له‬ ‫إبراهيم‪ ,‬يذكر الصنام بسوء‪.‬‬ ‫شهَدُونَ (‪)61‬‬ ‫قَالُوا فَ ْأتُوا ِبهِ عَلَى أَ ْعيُ ِن النّاسِ لَعَّلهُمْ َي ْ‬ ‫قال رؤساؤهم‪ :‬فَأْتوا بإبراهيم على مرأى من الناس; كي يشهدوا على‬ ‫اعترافه با قال; ليكون ذلك حجة عليه‪.‬‬ ‫ت هَذَا بِآِل َهِتنَا يَا ِإبْرَاهِي ُم (‪)62‬‬ ‫قَالُوا أََأْنتَ َفعَلْ َ‬

‫‪1075‬‬

‫وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين‪ :‬أأنت الذي كسّ ْرتَ آلتنا؟ يعنون‬ ‫أصنامهم‪.‬‬ ‫قَالَ بَ ْل فَعََلهُ َكبِيُ ُهمْ هَذَا فَاسَْألُوهُمْ ِإنْ كَانُوا يَنطِقُونَ (‪)63‬‬ ‫وتّ لبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم‪ .‬فقال متجًا‬ ‫عليهم مع ّرضًا بغباوتم‪ :‬بل الذي كسّرها هذا الصنم الكبي‪ ,‬فاسألوا‬ ‫آلتكم الزعومة عن ذلك‪ ,‬إن كانت تتكلم أو تُحي جوابًا‪.‬‬ ‫سهِ ْم فَقَالُوا ِإنّكُمْ َأْنتُمْ الظّالِمُونَ (‪)64‬‬ ‫َفرَجَعُوا ِإلَى أَن ُف ِ‬ ‫فأُسقِط ف أيديهم‪ ,‬وبدا لم ضللم; كيف يعبدونا‪ ,‬وهي عاجزة عن‬ ‫أن تدفع عن نفسها شيئًا أو أن تيب سائلها؟ وأقرّوا على أنفسهم‬ ‫بالظلم والشرك‪.‬‬ ‫ت مَا َهؤُلءِ يَنطِقُونَ (‪)65‬‬ ‫ثُ ّم نُ ِكسُوا عَلَى رُءُو ِسهِ ْم لَقَدْ عَِلمْ َ‬

‫‪1076‬‬

‫وسُرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم‪ ,‬فانقلبوا إل الباطل‪,‬‬ ‫واحتجّوا على إبراهيم با هو حجة له عليهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬كيف نسألا‪ ,‬وقد‬ ‫علمتَ أنا ل تنطق؟‬ ‫قَالَ أََفتَ ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل يَنفَعُ ُكمْ َشيْئا وَل يَضُرّ ُكمْ (‪ )66‬أُفّ‬ ‫لَكُمْ َولِمَا تَ ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ الّلهِ أَفَل تَعْقِلُونَ ( ‪)67‬‬ ‫قال إبراهيم مقّرًا لشأن الصنام‪ :‬كيف تعبدون أصنامًا ل تنفع إذا‬ ‫عُبدت‪ ,‬ول تضرّ إذا تُركت؟ قبحًا لكم وللتكم الت تعبدونا من دون‬ ‫ال تعال‪ ,‬أفل تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟‬ ‫قَالُوا َحرّقُو ُه وَانصُرُوا آِل َهتَكُمْ إِنْ كُنتُ ْم فَاعِِليَ (‪ )68‬قُ ْلنَا يَا نَارُ كُونِي‬ ‫بَرْدا وَسَلما عَلَى ِإْبرَاهِيمَ (‪)69‬‬ ‫لا بطلت حجتهم وظهر الق عدلوا إل استعمال سلطانم‪ ,‬وقالوا‪:‬‬ ‫َحرّقوا إبراهيم بالنار; غضبًا للتكم إن كنتم ناصرين لا‪ .‬فأ ْشعَلوا نارًا‬ ‫عظيمة وألقوه فيها‪ .‬فانتصر ال لرسوله وقال للنار‪ :‬كون بردًا وسلمًا‬ ‫على إبراهيم‪ ,‬فلم َينَلْه فيها أذى‪ ,‬ول يصبه مكروه‪.‬‬ ‫‪1077‬‬

‫وََأرَادُوا ِبهِ َكيْدا َفجَعَ ْلنَاهُ ْم الَ ْخسَرِينَ (‪)70‬‬ ‫وأراد القوم بإبراهيم اللك فأبطل ال كيدهم‪ ,‬وجعلهم الغلوبي‬ ‫السفلي‪.‬‬ ‫جْينَاهُ َولُوطا ِإلَى ا َلرْضِ اّلتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا لِلْعَالَ ِميَ (‪)71‬‬ ‫َوَن ّ‬ ‫ونينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من "العراق"‪ ،‬وأخرجناها إل أرض‬ ‫"الشام" الت باركنا فيها بكثرة اليات‪ ,‬وفيها أكثر النبياء عليهم‬ ‫الصلة والسلم‪.‬‬ ‫حيَ (‪)72‬‬ ‫ب نَافَِلةً وَكُلّ جَعَ ْلنَا صَالِ ِ‬ ‫َووَ َهْبنَا َلهُ إِ ْسحَقَ َويَعْقُو َ‬ ‫وأنعم ال على إبراهيم‪ ,‬فوهب له ابنه إسحاق حي دعاه‪ ,‬ووهب له من‬ ‫إسحاق يعقوب زيادة على ذلك‪ ,‬وكلّ من إبراهيم وإسحاق ويعقوب‬ ‫جعله ال صالًا مطيعًا له‪.‬‬ ‫َاتم َوإِقَا َمةِ‬ ‫ِمم فِعْلَ اْلخَيْر ِ‬ ‫ُونم بِأَمْرِن َا وََأوْ َحيْن َا ِإَلْيه ْ‬ ‫ُمم َأئِ ّمةً َيهْد َ‬ ‫وَ َجعَ ْلنَاه ْ‬ ‫‪1078‬‬

‫الصّلةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ وَكَانُوا َلنَا عَابِدِي َن (‪)73‬‬ ‫وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب قدوة للناس يدعونم إل عبادته‬ ‫وطاعته بإذنه تعال‪ ,‬وأوحينا إليهم ِفعْلَ اليات من العمل بشرائع‬ ‫النبياء‪ ,‬وإقام الصلة على وجهها‪ ,‬وإيتاء الزكاة‪ ,‬فامتثلوا لذلك‪ ,‬وكانوا‬ ‫منقادين مطيعي ل وحده دون سواه‪.‬‬ ‫خبَائِثَ‬ ‫ت تَعْمَلُ اْل َ‬ ‫جْينَاهُ مِ ْن الْقَ ْرَيةِ اّلتِي كَانَ ْ‬ ‫َولُوطا آَتْينَاهُ حُكْما وَعِلْما َوَن ّ‬ ‫ي (‪)74‬‬ ‫ِإّنهُ ْم كَانُوا َقوْمَ َس ْوءٍ فَاسِ ِق َ‬ ‫وآتينا لوطًا النبوة وفصل القضاء بي الصوم وعلمًا بأمر ال ودينه‪,‬‬ ‫ونيناه من قريته "سدوم" الت كان يعمل أهلها البائث‪ .‬إنم كانوا‬ ‫بسبب البائث والنكرات الت يأتونا أهل سوء وُقبْح‪ ,‬خارجي عن‬ ‫طاعة ال‪.‬‬ ‫حيَ (‪)75‬‬ ‫وََأدْخَ ْلنَاهُ فِي رَ ْح َمِتنَا ِإّنهُ مِ ْن الصّالِ ِ‬ ‫وأتّ ال عليه النعمة فأدخله ف رحته بإنائه مّا حلّ بقومه; لنه كان من‬ ‫الذين يعملون بطاعة ال‪.‬‬ ‫‪1079‬‬

‫جْينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِي ِم (‬ ‫جْبنَا لَهُ َفَن ّ‬ ‫َونُوحا إِ ْذ نَادَى مِ ْن َقبْلُ فَا ْسَت َ‬

‫‪)76‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬نوحا حي نادى ربه مِن قبلك ومِن قبل‬ ‫إبراهيم ولوط‪ ,‬فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬فنجيناه وأهله الؤمني به من الغم‬ ‫الشديد‪.‬‬ ‫َونَ صَ ْرنَاهُ مِ ْن الْقَوْ مِ الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا ِإّنهُ ْم كَانُوا َقوْ َم َس ْوءٍ فَأَغْرَ ْقنَاهُ مْ‬ ‫َأجْمَ ِعيَ ( ‪)77‬‬ ‫ونصرناه مِن كيد القوم الذين كذّبوا بآياتنا الدالة على صدقه‪ ,‬إنم كانوا‬ ‫أهل ُقبْح‪ ,‬فأغرقناهم بالطوفان أجعي‪.‬‬ ‫ت فِيهِ َغنَمُ الْ َقوْمِ وَ ُكنّا‬ ‫وَدَاوُودَ َوسَُليْمَانَ إِذْ َيحْكُمَانِ فِي الْحَ ْرثِ إِ ْذ نَ َفشَ ْ‬

‫لِحُكْ ِمهِمْ شَاهِدِي َن ( ‪)78‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬نب ال داود وابنه سليمان‪ ,‬إذ يكمان ف‬ ‫قضية ع َرضَها خصمان‪ ,‬عَدَت غنم أحدها على زرع الخر‪ ,‬وانتشرت‬ ‫‪1080‬‬

‫فيه ليل فأتلفت الزرع‪ ,‬فحكم داود بأن تكون الغنم لصاحب الزرع‬ ‫ب عنا‪.‬‬ ‫ملْكًا با أتلفته‪ ,‬فقيمتهما سواء‪ ,‬وكنّا لكمهم شاهدين ل يَغِ ْ‬ ‫جبَالَ‬ ‫َف َفهّ ْمنَاهَا سَُليْمَانَ وَكُلّ آَتيْنَا حُكْما وَعِلْما َو َسخّ ْرنَا َم عَ دَاوُودَ الْ ِ‬ ‫سبّحْنَ وَالطّيْ َر وَ ُكنّا فَاعِِليَ (‪)79‬‬ ‫ُي َ‬ ‫فَ َفهّمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفي مع العدل‪ ,‬فحكم على صاحب‬ ‫الغنم بإصلح الزرع التالف ف فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بنافع‬ ‫الغنم من لب وصوف ونوها‪ ,‬ث تعود الغنم إل صاحبها والزرع إل‬ ‫صاحبه; لساواة قيمة ما تلف من الزرع لنفعة الغنم‪ ,‬وكل من داود‬ ‫وسليمان أعطيناه حكمًا وعلمًا‪ ,‬ومننّا على داود بتطويع البال تسبّح‬ ‫معه إذا سبّح‪ ,‬وكذلك الطي تسبّح‪ ,‬وكنا فاعلي ذلك‪.‬‬ ‫صنَكُ ْم مِ نْ بَ ْأ سِكُ ْم َفهَلْ َأْنُت مْ شَاكِرُو نَ (‬ ‫صنْ َعةَ َلبُو سٍ لَكُ ْم ِلتُحْ ِ‬ ‫وَعَلّ ْمنَا ُه َ‬ ‫‪)80‬‬ ‫واختصّ ال داود عليه السلم بأن علّمه صناعة الدروع يعملها حِلَقًا‬ ‫متشابكة‪ ,‬تسهّل حركة السم; لتحمي الحاربي مِن وَقْع السلح‬ ‫‪1081‬‬

‫فيهم‪ ,‬فهل أنتم شاكرون نعمة ال عليكم حيث أجراها على يد عبده‬ ‫داود؟‬ ‫َولِسَُليْمَانَ الرّي َح عَاصِ َفةً َتجْرِي بَِأمْرِهِ ِإلَى ا َلرْضِ اّلتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَ ُكنّا‬ ‫بِكُلّ شَ ْيءٍ عَالِ ِميَ (‪)81‬‬ ‫وسخّرنا لسليمان الريح شديدة البوب تمله ومَن معه‪ ,‬تري بأمره إل‬ ‫أرض "بيت القدس" بم "الشام" الت باركنا فيها باليات الكثية‪ ،‬وقد‬ ‫أحاط علمنا بميع الشياء‪.‬‬ ‫ك وَ ُكنّ ا َلهُ مْ‬ ‫شيَاطِيِ مَ ْن يَغُو صُونَ لَ هُ َويَعْمَلُو نَ عَمَلً دُو نَ َذلِ َ‬ ‫وَمِ نْ ال ّ‬ ‫حَافِ ِظيَ (‪)82‬‬ ‫وسخّرنا لسليمان من الشياطي شياطي يستخدمهم فيما يَ ْعجِز عنه‬ ‫غيهم‪ ,‬فكانوا يغوصون ف البحر يستخرجون له الللئ والواهر‪,‬‬ ‫وكانوا يعملون كذلك ف صناعة ما يريده منهم‪ ,‬ل يقدرون على‬ ‫المتناع ما يريده منهم‪ ,‬حفظهم ال له بقوته وعزه سبحانه وتعال‪.‬‬

‫‪1082‬‬

‫سنِي الضّرّ وََأنْتَ َأرْ َحمُ الرّا ِح ِميَ (‪)83‬‬ ‫وََأيّوبَ ِإذْ نَادَى َرّبهُ َأنّي َم ّ‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬عبدنا أيوب‪ ,‬إذ ابتليناه بضر وسقم عظيم ف‬ ‫جسده‪ ,‬وفقد أهله وماله وولده‪ ,‬فصب واحتسب‪ ,‬ونادى ربه عز وجل‬ ‫أن قد أصابن الضر‪ ,‬وأنت أرحم الراحي‪ ,‬فاكشفه عن‪.‬‬ ‫فَا ْسَتجَْبنَا لَهُ فَ َكشَ ْفنَا مَا بِ ِه مِنْ ضُ ّر وَآَتْينَاهُ أَهْلَهُ وَ ِمثَْلهُ ْم مَ َعهُ ْم رَحْ َمةً مِنْ‬ ‫ِعنْ ِدنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (‪)84‬‬ ‫فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬ورفعنا عنه البلء‪ ,‬ورددنا عليه ما فقده من أهل‬ ‫وولد ومال مضاعفًا‪َ ,‬فعَلْنا به ذلك رحة منّا‪ ,‬وليكون قدوة لكل صابر‬ ‫على البلء‪ ,‬راجٍ رحة ربه‪ ,‬عابد له‪.‬‬ ‫وَِإسْمَاعِيلَ وَإِ ْدرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُ ّل مِنْ الصّابِرِينَ (‪)85‬‬ ‫واذكر إساعيل وإدريس وذا الكفل‪ ,‬كل هؤلء من الصابرين على طاعة‬ ‫ال سبحانه وتعال‪ ,‬وعن معاصيه‪ ,‬وعلى أقداره‪ ,‬فاستحقوا الذكر بالثناء‬ ‫الميل‪.‬‬

‫‪1083‬‬

‫حيَ (‪)86‬‬ ‫وََأدْخَ ْلنَاهُ ْم فِي رَحْ َمِتنَا ِإّنهُ ْم مِنْ الصّاِل ِ‬ ‫وأدخلناهم ف رحتنا‪ ,‬إنم من صلح باطنه وظاهره‪ ,‬فأطاع ال وعمل با‬ ‫أمره به‪.‬‬ ‫وَذَا النّو نِ ِإذْ ذَهَ بَ مُغَاضِبا فَظَنّ أَ نْ لَ نْ نَقْ ِدرَ عََليْ هِ َفنَادَى فِي الظّلُمَا تِ‬ ‫ت مِنْ الظّالِ ِميَ ( ‪)87‬‬ ‫َأنْ ل ِإَلهَ إِلّ َأنْتَ ُسْبحَانَكَ ِإنّي كُن ُ‬ ‫واذكر قصة صاحب الوت‪ ,‬وهو يونس بن َمتّى عليه السلم‪ ,‬أرسله‬ ‫ال إل قومه فدعاهم فلم يؤمنوا‪ ,‬فتوعّدهم بالعذاب فلم ينيبوا‪ ,‬ول يصب‬ ‫عليهم كما أمره ال‪ ,‬وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم‪ ,‬ضائقًا صدره‬ ‫بعصيانم‪ ,‬وظن أن ال لن يضيّق عليه ويؤاخذه بذه الخالفة‪ ,‬فابتله ال‬ ‫بشدة الضيق والبس‪ ,‬والتقمه الوت ف البحر‪ ,‬فنادى ربه ف ظلمات‬ ‫الليل والبحر وبطن الوت تائبًا معترفًا بظلمه; لتركه الصب على قومه‪,‬‬ ‫قائل‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك‪ ,‬إن كنت من الظالي‪.‬‬ ‫جيْنَاهُ مِ ْن الْغَ ّم وَكَ َذلِكَ ُنْنجِي الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)88‬‬ ‫فَا ْسَتجَْبنَا َلهُ َوَن ّ‬

‫‪1084‬‬

‫فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬وخلّصناه مِن غَم هذه الشدة‪ ,‬وكذلك ننجي‬ ‫الصدّقي العاملي بشرعنا‪.‬‬ ‫َوزَكَ ِريّا ِإذْ نَادَى َرّبهُ رَبّ ل تَ َذ ْرنِي َفرْدا وََأنْتَ َخيْ ُر اْلوَا ِرِثيَ (‪)89‬‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قصة عبد ال زكريا حي دعا ربه أن يرزقه‬ ‫الذرية لا َكبِرت سنّه قائل رب ل تتركن وحيدًا ل عقب ل‪ ,‬هب ل‬ ‫وارثًا يقوم بأمر الدين ف الناس من بعدي‪ ,‬وأنت خي الباقي وخي مَن‬ ‫خلفن بي‪.‬‬ ‫حنَا لَ هُ َزوْجَ هُ ِإّنهُ ْم كَانُوا يُ سَارِعُونَ‬ ‫حيَى وَأَ صَْل ْ‬ ‫فَا ْسَتجَْبنَا لَ هُ َووَ َهْبنَا لَ هُ َي ْ‬ ‫خيْرَاتِ َويَدْعُوَننَا رَغَبا َورَهَبا وَكَانُوا َلنَا خَاشِ ِعيَ (‪)90‬‬ ‫فِي اْل َ‬ ‫فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكب ابنه يي‪ ,‬وجعلنا زوجته صالة‬ ‫ف أخلقها وصالة للحمل والولدة بعد أن كانت عاقرًا‪ ,‬إنم كانوا‬ ‫يبادرون إل كل خي‪ ,‬ويدعوننا راغبي فيما عندنا‪ ,‬خائفي من عقوبتنا‪,‬‬ ‫وكانوا لنا خاضعي متواضعي‪.‬‬

‫‪1085‬‬

‫ت فَ ْرجَهَا َفنَ َفخْنَا فِيهَا مِ نْ رُوحِنَا َوجَعَ ْلنَاهَا وَاْبنَهَا آَيةً‬ ‫صنَ ْ‬ ‫وَالّتِي أَحْ َ‬ ‫لِلْعَالَ ِميَ ( ‪)91‬‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قصة مري ابنة عمران الت حفظت فرجها من‬ ‫الرام‪ ,‬ول تأتِ فاحشة ف حياتا‪ ,‬فأرسل ال إليها جبيل عليه السلم‪,‬‬ ‫فنفخ ف جيب قميصها‪ ,‬فوصلت النفخة إل رحها‪ ,‬فخلق ال بذلك‬ ‫النفخ السيح عيسى عليه السلم‪ ,‬فحملت به من غي زوج‪ ,‬فكانت هي‬ ‫وابنها بذلك علمة على قدرة ال‪ ,‬وعبة للخلق إل قيام الساعة‪.‬‬ ‫ِإنّ هَذِهِ أُ ّمتُكُمْ أُ ّمةً وَا ِحدَةً وََأنَا َربّكُ ْم فَا ْعبُدُونِ (‪)92‬‬ ‫هؤلء النبياء جيعًا دينهم واحد‪ ,‬السلم‪ ,‬وهو الستسلم ل بالطاعة‬ ‫وإفراده بالعبادة‪ ,‬وال سبحانه وتعال رب اللق فاعبدوه ‪ -‬أيها الناس ‪-‬‬ ‫وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫َوتَقَطّعُوا أَ ْمرَهُمْ َبْيَنهُ ْم كُلّ ِإَلْينَا رَاجِعُونَ (‪)93‬‬

‫‪1086‬‬

‫لكن الناس اختلفوا على رسلهم‪ ,‬وتفرّق كثي من أتباعهم ف الدين شيعًا‬ ‫وأحزابًا‪ ,‬فعبدوا الخلوقي والهواء‪ ,‬وكلهم راجعون إلينا وماسبون‬ ‫على ما فعلوا‪.‬‬ ‫َفمَ نْ يَعْمَ ْل مِ نْ ال صّاِلحَاتِ وَ ُهوَ ُمؤْمِ نٌ فَل كُ ْفرَا نَ لِ سَ ْعِيهِ وَِإنّا لَ هُ كَاِتبُو نَ‬ ‫(‪)94‬‬ ‫فمن التزم اليان بال ورسله‪ ,‬وعمل ما يستطيع من صال العمال طاعةً‬ ‫ل وعبادة له فل يضيع ال عمله ول يبطله‪ ،‬بل يضاعفه كله أضعافًا‬ ‫كثية‪ ,‬وسيجد ما عمله ف كتابه يوم ُيبْعث بعد موته‪.‬‬ ‫وَ َحرَامٌ عَلَى َق ْرَيةٍ أَهْلَ ْكنَاهَا َأّنهُ ْم ل َيرْجِعُونَ (‪)95‬‬ ‫ومتنع على أهل القرى الت أهلكناها بسبب كفرهم وظلمهم‪ ,‬رجوعهم‬ ‫إل الدنيا قبل يوم القيامة; ليستدركوا ما فرطوا فيه‪.‬‬ ‫ب يَن سِلُونَ (‪)96‬‬ ‫ت يَأْجُو جُ وَمَأْجُو جُ وَ ُه ْم مِ نْ كُلّ َحدَ ٍ‬ ‫َحتّى إِذَا ُفِتحَ ْ‬ ‫صةٌ َأبْ صَارُ الّذِي نَ كَفَرُوا يَا َويْلَنَا َقدْ‬ ‫ب اْلوَعْ ُد اْلحَقّ َفإِذَا هِ يَ شَاخِ َ‬ ‫وَا ْقتَرَ َ‬ ‫‪1087‬‬

‫ُكنّا فِي غَفَْلةٍ مِنْ َهذَا بَلْ ُكنّا ظَالِ ِميَ (‪)97‬‬ ‫فإذا ُفتِح سد يأجوج ومأجوج‪ ,‬وانطلقوا من مرتفعات الرض وانتشروا‬ ‫ت أهواله فإذا أبصار الكفار مِن‬ ‫ف جنباتا مسرعي‪ ,‬دنا يوم القيامة وبدَ ْ‬ ‫شدة الفزع مفتوحة ل تكاد تَطْرِف‪ ,‬يدعون على أنفسهم بالويل ف‬ ‫حسرة‪ :‬يا ويلنا قد كنا لهي غافلي عن هذا اليوم وعن العداد له‪,‬‬ ‫وكنا بذلك ظالي‪.‬‬ ‫صبُ َج َهنّمَ َأْنتُمْ َلهَا وَارِدُونَ (‪)98‬‬ ‫ِإنّكُمْ وَمَا تَ ْعُبدُونَ مِنْ دُونِ الّلهِ حَ َ‬ ‫إنكم ‪ -‬أيها الكفار ‪ -‬وما كنتم تعبدون من دون ال من الصنام ومَن‬ ‫رضي بعبادتكم إياه من الن والنس‪ ,‬وقود جهنم وحطبها‪ ,‬أنتم وهم‬ ‫فيها داخلون‪.‬‬ ‫َلوْ كَانَ َهؤُلءِ آِلهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)99‬‬ ‫لو كان هؤلء الذين عبدتوهم من دون ال تعال آلة تستحق العبادة ما‬ ‫دخلوا نار جهنم معكم أيها الشركون‪ ,‬إنّ كل من العابدين والعبودين‬ ‫خالدون ف نار جهنم‪.‬‬ ‫‪1088‬‬

‫َلهُمْ فِيهَا زَفِ ٌي وَهُمْ فِيهَا ل َيسْمَعُونَ (‪)100‬‬ ‫لؤلء العذبي ف النار آلم ينبئ عنها زفيهم الذي تتردد فيه أنفاسهم‪,‬‬ ‫وهم ف النار ل يسمعون; من هول عذابم‪.‬‬ ‫ك َعْنهَا ُمبْعَدُونَ (‪)101‬‬ ‫سنَى ُأ ْولَئِ َ‬ ‫ت َلهُمْ ِمنّا اْلحُ ْ‬ ‫ِإنّ الّذِينَ َسبَقَ ْ‬ ‫إن الذين سبقت لم منا سابقة السعادة السنة ف علمنا بكونم من أهل‬ ‫النة‪ ,‬أولئك عن النار مبعدون‪ ,‬فل يدخلونا ول يكونون قريبًا منها‪.‬‬ ‫سهُمْ خَالِدُونَ (‪)102‬‬ ‫ل َيسْمَعُونَ َحسِيسَهَا وَهُ ْم فِي مَا ا ْشَتهَتْ أَن ُف ُ‬ ‫ل يسمعون صوت ليبها واحتراق الجساد فيها فقد سكنوا منازلم ف‬ ‫النة‪ ,‬وأصبحوا فيما تشتهيه نفوسهم من نعيمها ولذاتا مقيمي إقامةً‬ ‫دائمة‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُمم الّذِي كُنت ْ‬ ‫ُمم الْمَلئِ َكةُ هَذَا َيوْمُك ْ‬ ‫َعم الَ ْكبَرُ َوَتتَلَقّاه ْ‬ ‫ُمم الْفَز ُ‬ ‫ل َيحْ ُزُنه ْ‬ ‫سجِلّ لِلْ ُكتُ بِ َكمَا بَدَْأنَا‬ ‫تُوعَدُو نَ (‪َ )103‬يوْ َم نَ ْطوِي ال سّمَاءَ كَطَيّ ال ّ‬ ‫‪1089‬‬

‫َأوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُ ُه وَعْدا عََلْينَا ِإنّا ُكنّا فَاعِِليَ (‪)104‬‬ ‫ل ييفهم الول العظيم يوم القيامة‪ ,‬بل تبشرهم اللئكة‪ :‬هذا يومكم‬ ‫الذي وُعِدتُم فيه الكرامة من ال وجزيل الثواب‪ .‬يوم نطوي السماء كما‬ ‫تُطْوى الصحيفة على ما كُتب فيها‪ ,‬ونبعث فيه اللق على هيئة خَلْقنا‬ ‫لم أول مرة كما ولدتم أمهاتم‪ ,‬ذلك وعد ال الذي ل يتخلّف‪,‬‬ ‫وَعَدْنا بذلك وعدًا حقًا علينا‪ ,‬إنا كنا فاعلي دائمًا ما نَعِ ُد به‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َكَتْبنَا فِي ال ّزبُورِ مِ ْن بَعْدِ الذّكْرِ َأنّ ا َلرْ ضَ َي ِرُثهَا ِعبَادِي ال صّاِلحُونَ‬ ‫(‪)105‬‬

‫ولقد كتبنا ف الكتب النلة من بعد ما ُكتِب ف اللوح الحفوظ‪ :‬أن‬ ‫الرض يرثها عباد ال الصالون الذين قاموا با أُمروا به‪ ,‬واجتنبوا ما‬ ‫نُهوا عنه‪ ,‬وهم أمة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ِإنّ فِي هَذَا َلبَلغا لِقَوْ ٍم عَابِدِينَ (‪)106‬‬ ‫إن ف هذا التلوّ من الوعظة لَعبة كافية لقوم عابدين ال با شرعه لم‬ ‫ورضيه منهم‪.‬‬ ‫‪1090‬‬

‫وَمَا َأرْسَ ْلنَاكَ إِ ّل رَحْ َمةً لِلْعَالَ ِميَ (‪)107‬‬ ‫وما أرسلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل رحة لميع الناس‪ ,‬فمن آمن بك‬ ‫سَعِد ونا‪ ,‬ومن ل يؤمن خاب وخسر‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّمَا يُوحَى ِإلَيّ َأنّمَا ِإَلهُكُمْ ِإَلهٌ وَاحِدٌ َفهَلْ َأْنتُ ْم ُمسْلِمُونَ (‪)108‬‬ ‫ل وبُعِثت به‪ :‬أن إلكم الذي يستحق العبادة‬ ‫قل‪ :‬إن الذي أُوحي إ ّ‬ ‫وحده هو ال‪ ,‬فأسلموا له‪ ,‬وانقادوا لعبادته‪.‬‬ ‫َفإِنْ َت َوّلوْا فَقُلْ آ َذْنتُكُ مْ َعلَى َسوَاءٍ َوإِنْ أَ ْدرِي أََقرِي بٌ أَ مْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ‬ ‫(‪)109‬‬ ‫فإن أعرض هؤلء عن السلم فقل لم‪ :‬أبلغكم جيعًا ما أوحاه ال تعال‬ ‫إلّ‪ ,‬فأنا وأنتم مستوون ف العلم لّا أنذرتكم وحذرتكم‪ ,‬ولستُ أعلم ‪-‬‬ ‫بعد ذلك ‪ -‬مت يل بكم ما وُعِ ْدتُم به من العذاب؟‬ ‫جهْرَ مِ ْن الْ َقوْلِ َويَعْلَ ُم مَا تَ ْكتُمُونَ (‪)110‬‬ ‫ِإّنهُ يَعْلَ ُم الْ َ‬ ‫‪1091‬‬

‫إن ال يعلم ما تهرون به من أقوالكم‪ ,‬وما تكتمونه ف سرائركم‪,‬‬ ‫وسيحاسبكم عليه‪.‬‬ ‫وَِإنْ أَ ْدرِي لَعَّلهُ ِفْتَنةٌ لَكُمْ وَ َمتَاعٌ ِإلَى ِحيٍ (‪)111‬‬ ‫ولست أدري لعل تأخي العذاب الذي استعجلتموه استدراج لكم‬ ‫وابتلء‪ ,‬وأن تتمتعوا ف الدنيا إل حي; لتزدادوا كفرًا‪ ,‬ث يكون أعظم‬ ‫لعقوبتكم‪.‬‬ ‫ستَعَانُ عَلَى مَا تَ صِفُونَ (‬ ‫قَالَ رَبّ احْ ُك مْ بِاْلحَقّ َو َربّنَا الرّ ْحمَ نُ الْمُ ْ‬ ‫‪)112‬‬ ‫قال النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬ربّ افصل بيننا وبي قومنا الكذبي‬ ‫بالقضاء الق‪ .‬ونسأل ربنا الرحن‪ ,‬ونستعي به على ما تَصِفونه ‪ -‬أيها‬ ‫الكفار ‪ -‬من الشرك والتكذيب والفتراء عليه‪ ،‬وما تتوعدونا به من‬ ‫الظهور والغلبة ‪.‬‬

‫‪1092‬‬

‫‪ -22‬سورة المج‬ ‫يَا َأّيهَا النّاسُ اتّقُوا َربّكُمْ ِإنّ َزلْ َزلَةَ السّاعَةِ شَ ْيءٌ عَظِي ٌم (‪)1‬‬ ‫يا أيها الناس احذروا عقاب ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬إن ما‬ ‫يدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للرض‪ ,‬تتصدع منها‬ ‫كل جوانبها‪ ,‬شيء عظيم‪ ,‬ل يُقْدر قدره ول ُيبْلغ كنهه‪ ،‬ول يعلم‬ ‫كيفيّته إل رب العالي‪.‬‬ ‫َاتم َحمْ ٍل‬ ‫َعم كُلّ ذ ِ‬ ‫َتم َوتَض ُ‬ ‫ْمم تَ َر ْونَهَا َتذْهَلُ كُلّ ُم ْرضِ َعةٍ عَمّامَأ ْرضَع ْ‬ ‫َيو َ‬ ‫َحمَْلهَا َوتَرَى النّا سَ سُكَارَى وَمَا هُ مْ بِ سُكَارَى َولَكِنّ عَذَا بَ اللّ هِ َشدِيدٌ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫يوم ترون قيام الساعة تنسى الوالد ُة رضيعَها الذي ألقمته ثديها؛ لِمَا نزل‬ ‫با من الكرب‪ ,‬وُتسْقط الامل حلها من الرعب‪ ,‬وتغيب عقول للناس‪,‬‬ ‫فهم كالسكارى من شدة الول والفزع‪ ,‬وليسوا بسكارى من المر‪,‬‬ ‫ولكن شدة العذاب أفقدتم عقولم وإدراكهم‪.‬‬

‫‪1093‬‬

‫وَمِنْ النّاسِ مَنْ ُيجَادِلُ فِي الّلهِ بِ َغيْرِ ِعلْمٍ َوَيّتبِ ُع كُلّ َشيْطَانٍ مَرِيدٍ (‪)3‬‬ ‫وبعض رؤوس الكفر من الناس ياصمون ويشككون ف قدرة ال على‬ ‫البعث; جهل منهم بقيقة هذه القدرة‪ ,‬واتباعًا لئمة الضلل من كل‬ ‫شيطان متمرد على ال ورسله‪.‬‬ ‫ب السّعِيِ (‪)4‬‬ ‫ب عََلْيهِ َأّنهُ مَنْ َتوَلّهُ فََأّنهُ يُضِّلهُ َوَيهْدِيهِ ِإلَى عَذَا ِ‬ ‫ُكتِ َ‬ ‫قضى ال وقدّر على هذا الشيطان أنه يُضِل كل من اتبعه‪ ,‬ول يهديه إل‬ ‫الق‪ ,‬بل يسوقه إل عذاب جهنم الوقدة جزاء اتباعه إياه‪.‬‬ ‫ث َفِإنّا َخلَ ْقنَاكُ مْ مِ نْ ُترَا بٍ ُثمّ‬ ‫يَا َأّيهَا النّا سُ إِ نْ ُكْنتُ ْم فِي َريْ بٍ مِ ْن اْلبَعْ ِ‬ ‫ض َغةٍ ُمخَلّ َقةٍ وَ َغيْرِ ُمخَلّ َقةٍ ِلُنَبيّ نَ لَكُ ْم َونُقِرّ‬ ‫مِ ْن نُطْ َفةٍ ثُمّ مِ ْن عَلَ َقةٍ ثُمّ مِ نْ مُ ْ‬ ‫ل ثُمّ ِلَتبْلُغُوا‬ ‫ُمم طِفْ ً‬ ‫ُسممّى ثُمّ ُنخْرِجُك ْ‬ ‫َامم مَا َنشَاءُ ِإلَى َأجَلٍ م َ‬ ‫فِي الَرْح ِ‬ ‫أَ ُشدّكُ ْم وَ ِمنْكُمْ مَ ْن ُيَتوَفّى وَ ِمنْكُ ْم مَنْ ُيرَدّ ِإلَى َأرْذَ ِل الْعُمُرِ لِ َكيْل يَعْلَ َم مِنْ‬ ‫بَعْ ِد عِلْ مٍ َشيْئا َوتَرَى ا َلرْ ضَ هَامِدَ ًة َفإِذَا أَن َزْلنَا عََلْيهَا الْمَاءَ ا ْهتَزّ تْ َو َربَ تْ‬ ‫وََأْنَبتَتْ مِنْ كُلّ َز ْوجٍ َبهِيجٍ (‪)5‬‬

‫‪1094‬‬

‫يا أيها الناس إن كنتم ف شك من أن ال يُحيي الوتى فإنّا خلقنا أباكم‬ ‫آدم من تراب‪ ,‬ث تناسلت ذريته من نطفة‪ ,‬هي النّ يقذفه الرجل ف‬ ‫رحم الرأة‪ ,‬فيتحول بقدرة ال إل علقة‪ ,‬وهي الدم الحر الغليظ‪ ,‬ث إل‬ ‫مضغة‪ ,‬وهي قطعة لم صغية َقدْر ما يُمْضَغ‪ ,‬فتكون تارة ملّقة‪ ,‬أي‬ ‫تامة اللق تنتهي إل خروح الني حيًا‪ ,‬وغي تامة اللق تارة أخرى‪,‬‬ ‫فتسقط لغي تام؛ لنبيّن لكم تام قدرتنا بتصريف أطوار اللق‪ ,‬ونبقي ف‬ ‫الرحام ما نشاء‪ ,‬وهو الخلّق إل وقت ولدته‪ ,‬وتكتمل الطوار بولدة‬ ‫الجنّة أطفال صغارًا تكبَرُ حت تبلغ الشد‪ ,‬وهو وقت الشباب والقوة‬ ‫واكتمال العقل‪ ,‬وبعض الطفال قد يوت قبل ذلك‪ ,‬وبعضهم يكبَ ُر حت‬ ‫يبلغ سن الرم وضَعْف العقل; فل يعلم هذا العمّر شيئًا ما كان يعلمه‬ ‫قبل ذلك‪ .‬وترى الرض يابسةً ميتة ل نبات فيها‪ ,‬فإذا أنزلنا عليها الاء‬ ‫تركت بالنبات تتفتح عنه‪ ,‬وارتفعت وزادت لرتوائها‪ ,‬وأنبتت من كل‬ ‫نوع من أنواع النبات السن الذي َيسُرّ الناظرين‪.‬‬ ‫ك بِأَنّ اللّ هَ ُه َو اْلحَقّ وََأنّ هُ ُيحْ يِ الْ َموْتَى وََأنّ هُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‬ ‫َذلِ َ‬ ‫‪)6‬‬

‫‪1095‬‬

‫ذلك الذكور ما تقدّم من آيات قدرة ال تعال‪ ,‬فيه دللة قاطعة على أن‬ ‫ال سبحانه وتعال هو الرب العبود بق‪ ,‬الذي ل تنبغي العبادة إل له‪,‬‬ ‫وهو يُحيي الوتى‪ ,‬وهو قادر على كل شيء‪.‬‬ ‫وََأنّ السّاعَةَ آِتَيةٌ ل َريْبَ فِيهَا وََأ ّن الّلهَ َيبْ َعثُ مَ ْن فِي الْ ُقبُورِ (‪)7‬‬ ‫وأن ساعة البعث آتية‪ ,‬ل شك ف ذلك‪ ,‬وأن ال يبعث الوتى مِن‬ ‫قبورهم لسابم وجزائهم‪.‬‬ ‫وَمِنْ النّاسِ مَنْ ُيجَادِلُ فِي اللّهِ بِ َغيْرِ ِعلْمٍ وَل هُدًى وَل ِكتَابٍ ُمنِ ٍي (‪)8‬‬ ‫ثَانِ يَ عِطْفِ هِ ِليُضِلّ عَ ْن َسبِيلِ اللّ هِ لَ هُ فِي ال ّدْنيَا ِخزْ يٌ َونُذِيقُ هُ َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ‬ ‫ب الْحَرِيقِ (‪)9‬‬ ‫عَذَا َ‬

‫ومن الكفار مَن يادل بالباطل ف ال وتوحيده واختياره رسوله صلى ال‬ ‫عليه وسلم وإنزاله القرآن‪ ،‬وذلك الدال بغي علم‪ ،‬ول بيان‪ ،‬ول كتاب‬ ‫من ال فيه برهان وحجة واضحة‪ ،‬لويًا عنقه ف تكب‪ ،‬معرضًا عن‬ ‫الق ؛ ليصد غيه عن الدخول ف دين ال‪ ،‬فسوف يلقى خزيًا ف الدنيا‬ ‫باندحاره وافتضاح أمره‪ ،‬ونرقه يوم القيامة بالنار‪.‬‬ ‫‪1096‬‬

‫َذلِكَ بِمَا قَدّ َمتْ يَدَا َك وََأنّ الّلهَ َليْسَ بِظَلّمٍ لِلْ َعبِي ِد (‪)10‬‬ ‫ويقال له‪ :‬ذلك العذاب بسبب ما فَعَ ْلتَ من العاصي واكتسبت من‬ ‫الثام‪ ،‬وال ل يعذب أحدًا بغي ذنب‪.‬‬ ‫ف َفإِ نْ أَ صَاَبهُ َخيْرٌ اطْمَأَنّ بِ هِ وَإِ ْن‬ ‫وَمِ نْ النّا سِ مَ نْ يَ ْعبُ ُد اللّ هَ عَلَى حَرْ ٍ‬ ‫ب عَلَى وَ ْجهِ هِ خَ سِ َر ال ّدنْيَا وَال ِخرَةَ َذلِ كَ ُهوَ اْلخُ سْرَانُ‬ ‫أَ صَاَبْتهُ ِفْتَنةٌ انقَلَ َ‬ ‫ك ُهوَ‬ ‫الْ ُمبِيُ (‪َ )11‬يدْعُوا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا ل يَضُرّ هُ وَمَا ل َينْفَعُ هُ َذلِ َ‬

‫ضرّ هُ أَقْ َر بُ مِ نْ نَ ْفعِ هِ َلِبئْ سَ الْ َم ْولَى‬ ‫الضّللُ الْبَعِي ُد (‪ )12‬يَدْعُوا لَمَ نْ َ‬

‫َولَِبْئسَ الْ َعشِيُ (‪)13‬‬ ‫ومن الناس مَن يدخل ف السلم على ضعف وشكّ‪ ،‬فيعبد ال على‬ ‫تردده‪ ،‬كالذي يقف على طرف جبل أو حائط ل يتماسك ف وقفته‪،‬‬ ‫ويربط إيانه بدنياه‪ ,‬فإن عاش ف صحة وسَعَة استمر على عبادته‪ ,‬وإن‬ ‫حصل له ابتلء بكروه وشدة عزا شؤم ذلك إل دينه‪ ,‬فرجع عنه كمن‬ ‫ينقلب على وجهه بعد استقامة‪ ،‬فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ ل يغيّر‬ ‫كفرُه ما قُدّر له ف دنياه‪ ,‬وخسر الخرة بدخوله النار‪ ،‬وذلك خسران‬ ‫بيّن واضح‪ .‬يعبد ذلك الاسر من دون ال ما ل يضره إن تركه‪ ،‬ول‬ ‫‪1097‬‬

‫ينفعه إذا عبده‪ ،‬ذلك هو الضلل البعيد عن الق‪ .‬يدعو مَن ضررُه‬ ‫الحقق أقرب من نفعه‪ ،‬قبح ذلك العبود نصيًا‪ ،‬وقبح عشيًا‪.‬‬ ‫حتِهَا‬ ‫ِإنّ اللّ هَ ُيدْخِلُ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫ا َلْنهَارُ ِإنّ الّلهَ يَفْعَلُ مَا يُرِي ُد (‪)14‬‬ ‫إن ال يدخل الذين آمنوا بال ورسوله‪ ،‬وثبتوا على ذلك‪ ،‬وعملوا‬ ‫الصالات‪ ،‬جنات تري من تت أشجارها النار‪ ،‬إن ال يفعل ما يريد‬ ‫من ثواب أهل طاعته تفضل وعقاب أهل معصيته عدل‪.‬‬ ‫سبَبٍ ِإلَى‬ ‫مَ ْن كَا نَ يَظُنّ أَ نْ لَ نْ يَن صُرَهُ اللّ هُ فِي ال ّدْنيَا وَالخِرَةِ فَ ْليَمْ ُددْ بِ َ‬ ‫السّمَاءِ ثُ ّم ِليَقْطَعْ فَ ْليَنظُ ْر هَلْ يُذْ ِهبَ ّن َكيْدُهُ مَا يَغِيظُ (‪)15‬‬ ‫من كان يعتقد أن ال تعال لن يؤيد رسوله ممدًا بالنصر ف الدنيا‬ ‫ب مَن كذّبه‪ ،‬ف ْليَم ُددْ‬ ‫بإظهار دينه‪ ,‬وف الخرة بإعلء درجته‪ ,‬وعذا ِ‬ ‫حبل إل سقف بيته وليخنق به نفسه‪ ,‬ث ليقطع ذلك البل‪ ،‬ث لينظر‪:‬‬ ‫هل يُذْ ِهبّ ذلك ما يد ف نفسه من الغيظ؟ فإن ال تعال ناصرٌ نبيه‬ ‫ممدًا صلى ال عليه وسلم ل مالة‪.‬‬ ‫‪1098‬‬

‫ت َبّينَاتٍ وََأنّ الّلهَ َيهْدِي مَنْ يُرِيدُ (‪)16‬‬ ‫وَكَ َذلِكَ أَن َزْلنَاهُ آيَا ٍ‬ ‫وكما أقام ال الجة من دلئل قدرته على الكافرين بالبعث أنزل‬ ‫القرآن‪ ،‬آياته واضحة ف لفظها ومعناها‪ ,‬يهدي با ال مَن أراد هدايته؛‬ ‫لنه ل هادي سواه‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي نَ هَادُوا وَال صّابِِئيَ وَالنّ صَارَى وَالْ َمجُو سَ وَالّذِي نَ‬ ‫أَ ْشرَكُوا ِإنّ اللّ هَ يَفْ صِلُ َبْيَنهُ ْم َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ اللّ هَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َشهِيدٌ (‬ ‫‪)17‬‬ ‫إن الذين آمنوا بال ورسوله ممدٍ صلى ال عليه وسلم واليهود‬ ‫والصابئي وهم‪( :‬قوم باقون على فطرتم ول دين مقرر لم يتبعونه)‬ ‫والنصارى والجوس (وهم عبدة النار) والذين أشركوا وهم‪ :‬عبدة‬ ‫الوثان‪ ،‬إنّ ال يفصل بينهم جيعًا يوم القيامة فيدخل الؤمني النة‪،‬‬ ‫ويدخل الكافرين النار‪ ،‬إن ال على كل شيء شهيد‪ ،‬شهد أعمال العباد‬ ‫كلّها‪ ،‬وأحصاها وحفظها‪ ،‬وسيجازي كل با يستحق جزاء وفاقًا‬ ‫للعمال الت عملوها‪.‬‬

‫‪1099‬‬

‫سجُدُ لَ هُ مَ نْ فِي ال سّ َموَاتِ وَمَ نْ فِي ا َلرْ ضِ وَالشّمْ ُ‬ ‫س‬ ‫َألَ مْ تَرَى َأنّ اللّ هَ يَ ْ‬ ‫شجَرُ وَال ّدوَابّ وَ َكثِيٌ مِ نْ النّا سِ وَ َكثِيٌ حَقّ‬ ‫جبَالُ وَال ّ‬ ‫وَالْقَ َمرُ وَالنّجُو مُ وَاْل ِ‬ ‫عََليْ هِ الْعَذَا بُ وَمَ ْن ُيهِ نْ اللّ هُ فَمَا لَ هُ مِ نْ ُمكْرِ مٍ إِنّ اللّ هَ يَفْعَلُ مَا َيشَاءُ (‬ ‫‪)18‬‬ ‫أل تعلم‪ -‬أيها النب‪ -‬أن ال سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن ف‬ ‫السموات من اللئكة ومَن ف الرض من الخلوقات والشمس والقمر‬ ‫والنجوم والبال والشجر والدواب؟ ول يسجد طاعة واختيارًا كثي من‬ ‫الناس‪ ،‬وهم الؤمنون‪ ،‬وكثي من الناس حق عليه العذاب فهو مهي‪،‬‬ ‫ي إنسان يهنه ال فليس له أحد يكرمه‪ .‬إن ال يفعل ف خلقه ما يشاء‬ ‫وأ ّ‬ ‫وَفْقَ حكمته‪.‬‬ ‫ب مِ نْ‬ ‫َهذَا نِ خَ صْمَانِ ا ْختَ صَمُوا فِي َرّبهِ ْم فَالّذِي نَ كَفَرُوا قُطّ َع تْ َلهُ مْ ِثيَا ٌ‬ ‫صهَرُ بِ هِ مَا فِي بُطُوِنهِ مْ‬ ‫ب مِ ْن َفوْ قِ ُرءُو ِسهِ ْم الْحَمِي مُ (‪ )19‬يُ ْ‬ ‫نَارٍ يُ صَ ّ‬ ‫َنم‬ ‫ِنم حَدِيدٍ ( ‪ )21‬كُلّمَا َأرَادُوا أ ْ‬ ‫ِعم م ْ‬ ‫ُمم َمقَام ُ‬ ‫وَاْلجُلُودُ (‪َ )20‬وَله ْ‬

‫ب الْحَرِيقِ (‪)22‬‬ ‫َيخْرُجُوا ِمْنهَا مِنْ َغمّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَا َ‬

‫هذان فريقان اختلفوا ف ربم‪ :‬أهل اليان وأهل الكفر‪ ,‬كل يدّعي أنه‬ ‫مقّ‪ ،‬فالذين كفروا ييط بم العذاب ف هيئة ثياب جُعلت لم من نار‬ ‫‪1100‬‬

‫يَ ْلبَسونا‪ ,‬فتشوي أجسادهم‪ ،‬ويُصبّ على رؤوسهم الاء التناهي ف‬ ‫حره‪ ،‬ويَنِل إل أجوافهم فيذيب ما فيها‪ ،‬حت ينفُذ إل جلودهم‬ ‫فيشويها فتسقط‪ ،‬وتضربم اللئكة على رؤوسهم بطارق من حديد‪.‬‬ ‫كلما حاولوا الروج من النار ‪-‬لشدة غمّهم وكربم‪ -‬أعيدوا للعذاب‬ ‫فيها‪ ,‬وقيل لم‪ :‬ذوقوا عذاب النار الحرق‪.‬‬ ‫حتِهَا‬ ‫ِإنّ اللّ هَ ُيدْخِلُ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫ب َولُ ْؤلُؤا َوِلبَا ُسهُ ْم فِيهَا َحرِي ٌر (‬ ‫ا َلْنهَارُ ُيحَّلوْ نَ فِيهَا مِ نْ َأ سَاوِرَ مِ نْ ذَهَ ٍ‬

‫‪)23‬‬

‫إن ال تعال يدخل أهل اليان والعمل الصال جنات نعيمها دائم‪ ،‬تري‬ ‫مِن تت أشجارها النار‪ ،‬يُ َزيّنون فيها بأساور الذهب وباللؤلؤ‪،‬‬ ‫ولباسهم العتاد ف النة الرير رجال ونساءً‪.‬‬ ‫صرَاطِ الْحَمِي ِد (‪)24‬‬ ‫ب مِنْ الْ َقوْلِ وَهُدُوا ِإلَى ِ‬ ‫وَهُدُوا ِإلَى الطّيّ ِ‬ ‫لقد هداهم ال ف الدنيا إل طيب القول‪ :‬من كلمة التوحيد و َحمْد ال‬ ‫والثناء عليه‪ ،‬وف الخرة إل حده على حسن العاقبة‪ ,‬كما هداهم من‬ ‫قبل إل طريق السلم الحمود الوصل إل النة‪.‬‬ ‫‪1101‬‬

‫سجِدِ الْحَرَامِ الّذِي َجعَ ْلنَاهُ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا َويَصُدّونَ عَنْ َسبِي ِل اللّهِ وَالْمَ ْ‬ ‫لِلنّا سِ َسوَاءً الْعَاكِ فُ فِي هِ وَاْلبَادِي وَمَ نْ يُرِ ْد فِي هِ ِبِإلْحَادٍ بِظُ ْل مٍ نُ ِذقْ هُ مِ نْ‬ ‫عَذَابٍ َألِيمٍ (‪)25‬‬ ‫إن الذين كفروا بال‪ ,‬وكذبوا با جاءهم به ممد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫وينعون غيهم من الدخول ف دين ال‪ ،‬ويصدون رسول ال صلى ال‬ ‫عليه وسلم والؤمني ف عام "الديبية" عن السجد الرام‪ ,‬الذي جعلناه‬ ‫لميع الؤمني‪ ،‬سواء القيم فيه والقادم إليه‪ ,‬لم عذاب أليم موجع‪ ،‬ومن‬ ‫يرد ف السجد الرام اليْلَ عن الق ظلمًا فيَعْصِ ال فيه‪ ,‬نُ ِذقْه مِن‬ ‫عذاب أليم موجع‪.‬‬ ‫ِكم بِي َشيْئا َوطَهّ ْر َبيْتِي‬ ‫َنم ل ُتشْر ْ‬ ‫ْتم أ ْ‬ ‫َانم اْلَبي ِ‬ ‫ِيمم مَك َ‬ ‫وَِإذْ َبوّأْنَا ِلبْرَاه َ‬ ‫سجُو ِد (‪)26‬‬ ‫لِلطّائِ ِفيَ وَالْقَائِ ِميَ وَالرّكّ ِع ال ّ‬ ‫واذكر‪ -‬أيها النب‪ -‬إذ َبيّنا لبراهيم ‪ -‬عليه السلم‪ -‬مكان البيت‪،‬‬ ‫وهيّأناه له وقد كان غي معروف‪ ،‬وأمرناه ببنائه على تقوى من ال‬ ‫وتوحيده وتطهيه من الكفر والبدع والنجاسات ؛ ليكون رحابًا‬ ‫للطائفي به‪ ,‬والقائمي الصلي عنده‪.‬‬ ‫‪1102‬‬

‫وََأذّ نْ فِي النّا سِ بِالْحَجّ يَ ْأتُو كَ رِجَالً وَعَلَى كُلّ ضَامِ ٍر يَ ْأِتيَ مِ نْ كُلّ فَجّ‬

‫شهَدُوا َمنَافِ عَ َلهُ ْم َويَذْكُرُوا ا سْ َم اللّ هِ فِي َأيّا مٍ مَعْلُومَا ٍ‬ ‫ت‬ ‫عَمِي قٍ (‪ِ )27‬لَي ْ‬ ‫عَلَى مَا َرزََقهُ مْ مِ نْ َبهِي َمةِ ا َلنْعَا مِ فَكُلُوا ِمنْهَا وََأطْعِمُوا اْلبَائِ سَ الْفَقِيَ (‬

‫‪)28‬‬

‫وأعلِمْ‪ -‬يا إبراهيم‪ -‬الناس بوجوب الج عليهم يأتوك على متلف‬ ‫أحوالم مشاةً وركبانًا على كل ضامر من البل‪ ،‬وهو‪( :‬الفيف اللحم‬ ‫سيْر والعمال ل من الُزال)‪ ،‬يأتي من كل طريق بعيد; ليحضروا‬ ‫من ال ّ‬ ‫سبِهم‬ ‫منافع لم من‪ :‬مغفرة ذنوبم‪ ،‬وثواب أداء نسكهم وطاعتهم‪ ،‬وت َك ّ‬ ‫ف تاراتم‪ ،‬وغي ذلك؛ وليذكروا اسم ال على َذبْح ما يتقربون به من‬ ‫البل والبقر والغنم ف أيام معيّنة هي‪ :‬عاشر ذي الجة وثلثة أيام بعده;‬ ‫شكرًا ل على نعمه‪ ،‬وهم مأمورون أن يأكلوا مِن هذه الذبائح‬ ‫استحبابًا‪ ،‬ويُطعموا منها الفقي الذي اشتد فقره‪.‬‬ ‫ت الْ َعتِيقِ (‪)29‬‬ ‫ثُ ّم ِليَقْضُوا تَ َفَثهُمْ َوْليُوفُوا ُنذُورَهُ ْم َوْليَ ّطوّفُوا بِالَْبيْ ِ‬ ‫ث ليكمل الجاج ما بقي عليهم من الّنسُك‪ ،‬بإحللم وخروجهم من‬ ‫إحرامهم‪ ،‬وذلك بإزالة ما تراكم مِن وسخ ف أبدانم‪ ،‬وقص أظفارهم‪،‬‬ ‫‪1103‬‬

‫وحلق شعرهم‪ ،‬وليوفوا با أوجبوه على أنفسهم من الج والعمرة‬ ‫والدايا‪ ،‬وليطوفوا بالبيت العتيق القدي‪ ،‬الذي أعتقه ال مِن تسلّط‬ ‫البارين عليه‪ ،‬وهو الكعبة‪.‬‬ ‫ت لَكُ مْ ا َلنْعَا ُم‬ ‫َذلِ كَ وَمَ نْ يُعَظّ مْ ُحرُمَا تِ اللّ هِ َف ُهوَ َخيْ ٌر لَ هُ ِعْندَ َربّ هِ وَُأحِلّ ْ‬ ‫إِلّ مَا ُيتْلَى َعَليْكُ مْ فَا ْجَتِنبُوا الرّجْ سَ مِ نْ ا َل ْوثَا نِ وَا ْجَتِنبُوا َقوْلَ الزّورِ (‬ ‫‪)30‬‬

‫ذلك الذي أمر ال به مِن قضاء التفث والوفاء بالنذور والطواف بالبيت‪،‬‬ ‫هو ما أوجبه ال عليكم فعظّموه‪ ،‬ومن يعظم حرمات ال‪ ،‬ومنها‬ ‫مناسكه بأدائها كاملة خالصة ل‪ ،‬فهو خي له ف الدنيا والخرة‪ .‬وأحلّ‬ ‫ال لكم أَكْ َل النعام إل ما حرّمه فيما يتلى عليكم ف القرآن من اليتة‬ ‫وغيها فاجتنبوه‪ ،‬وف ذلك إبطال ما كانت العرب ترّمه من بعض‬ ‫النعام‪ ،‬وابتعِدوا عن القذارة الت هي الوثان‪ ،‬وعن الكذب الذي هو‬ ‫الفتراء على ال‪.‬‬ ‫ُحنَفَاءَ لِلّ هِ َغيْرَ ُمشْرِكِيَ بِ هِ وَمَ نْ ُيشْرِ كْ بِاللّ هِ فَ َكَأنّمَا َخرّ مِ ْن ال سّمَاءِ‬

‫َفَتخْطَ ُفهُ ال ّطيْرُ َأوْ َت ْهوِي ِب ِه الرّيحُ فِي مَكَانٍ َسحِيقٍ (‪)31‬‬ ‫‪1104‬‬

‫مستقيمي ل على إخلص العمل له‪ ،‬مقبلي عليه بعبادته وحده وإفراده‬ ‫بالطاعة‪ ،‬معرضي عما سواه بنبذ الشرك‪ ،‬فإنّه من يشرك بال شيئًا‪،‬‬ ‫فمثله‪ -‬ف بُعْده عن الدى‪ ،‬وف هلكه وسقوطه من رفيع اليان بل‬ ‫حضيض الكفر‪ ،‬وتطّف الشياطي له من كل جانب‪ -‬كمثل مَن سقط‬ ‫من السماء‪ :‬فإما أن تطفه الطي فتقطع أعضاءه‪ ،‬وإما أن تأخذه عاصفة‬ ‫شديدة من الريح‪ ،‬فتقذفه ف مكان بعيد‪.‬‬ ‫ب (‪)32‬‬ ‫َذلِكَ وَمَنْ يُعَظّمْ شَعَائِ َر الّلهِ َفِإّنهَا مِ ْن تَ ْقوَى الْقُلُو ِ‬ ‫ذلك ما أمر ال به مِن توحيده وإخلص العبادة له‪ .‬ومن يتثل أمر ال‬ ‫ويُعَظّم معال الدين‪ ،‬ومنها أعمال الج وأماكنه‪ ،‬والذبائح الت ُت ْذبَح فيه‪،‬‬ ‫وذلك باستحسانا واستسمانا‪ ،‬فهذا التعظيم مِن أفعال أصحاب القلوب‬ ‫التصفة بتقوى ال وخشيته‪.‬‬ ‫لَكُ ْم فِيهَا َمنَافِعُ ِإلَى أَجَلٍ ُمسَمّى ثُ ّم َمحِّلهَا ِإلَى اْلَبيْتِ الْ َعتِيقِ (‪)33‬‬ ‫لكم ف هذه الدايا منافع تنتفعون با من الصوف واللب والركوب‪،‬‬ ‫وغي ذلك ما ل يضرها إل وقت ذبها عند البيت العتيق‪ ،‬وهو الرم‬ ‫كله‪.‬‬ ‫‪1105‬‬

‫َولِكُلّ أُ ّمةٍ جَعَلْنَا َمنْ سَكا ِليَذْكُرُوا ا سْ َم اللّ هِ عَلَى مَا َرزََقهُ مْ مِ نْ َبهِي َمةِ‬

‫خِبتِيَ (‪)34‬‬ ‫ا َلنْعَامِ َفِإلَهُكُمْ ِإَلهٌ وَاحِ ٌد فََلهُ أَسِْلمُوا َوَبشّرْ الْ ُم ْ‬

‫ولكل جاعة مؤمنة سلفت‪ ،‬جعلنا لا مناسك مِ َن الذبح وإراقة الدماء؛‬ ‫وذلك ليذكروا اسم ال تعال عند ذبح ما رزقهم مِن هذه النعام‬ ‫ويشكروا له‪ .‬فإلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إله واحد هو ال فانقادوا لمره وأمر‬ ‫رسوله‪ .‬وبشّر ‪ -‬أيها النب‪ -‬التواضعي الاضعي لربم بيَي الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫ت قُلُوُبهُ مْ وَال صّابِرِينَ عَلَى مَا أَ صَاَبهُمْ وَالْمُقِي مِ‬ ‫الّذِي نَ إِذَا ذُكِ َر اللّ هُ وَجَِل ْ‬

‫الصّلةِ وَمِمّا َرزَ ْقنَاهُمْ ُينْفِقُونَ (‪)35‬‬

‫هؤلء التواضعون الاشعون مِن صفاتم أنم إذا ذُكِر ال وحده خافوا‬ ‫عقابه‪ ,‬وحَذِروا مالفته‪ ،‬وإذا أصابم بأس وشدة صبوا على ذلك‬ ‫مؤملي الثواب من ال عز وجل‪ ،‬وأ ّدوْا الصلة تامة‪ ،‬وهم مع ذلك‬ ‫ينفقون ما رزقهم ال ف الواجب عليهم مِن زكاة ونفقة عيال‪ ،‬ومَن‬ ‫ت عليهم نفقته‪ ,‬وف سبيل ال‪ ,‬والنفقات الستحبة‪.‬‬ ‫وَ َجبَ ْ‬

‫‪1106‬‬

‫وَاْلبُدْ نَ جَعَ ْلنَاهَا لَكُ ْم مِ نْ شَعَائِرِ اللّ هِ لَكُ مْ فِيهَا َخيْ ٌر فَاذْكُرُوا ا ْسمَ اللّ هِ‬ ‫صوَافّ َفإِذَا َو َجبَ تْ ُجنُوبُهَا فَكُلُوا ِمنْهَا وََأطْعِمُوا الْقَانِ َع وَالْمُ ْعَترّ‬ ‫عََليْهَا َ‬ ‫كَ َذلِكَ َسخّ ْرنَاهَا لَكُمْ لَعَلّكُ ْم َتشْكُرُونَ (‪)36‬‬ ‫وجعلنا لكم َنحْرَ البُدْن من شعائر الدين وأعلمه؛ لتتقربوا با إل ال‪،‬‬ ‫لكم فيها‪ -‬أيها التقربون ‪-‬خي ف منافعها من الكل والصدقة والثواب‬ ‫والجر‪ ،‬فقولوا عند ذبها‪ :‬بسم ال‪ .‬وُتنْحَر البل واقفة قد صُفّتْ‬ ‫ثلث من قوائمها وُقيّدت الرابعة‪ ،‬فإذا سقطت على الرض جنوبا فقد‬ ‫ح ّل أكلها‪ ،‬فليأكل منها مقربوها تعبدًا ويُطْعِمُوا منها القانع ‪-‬وهو الفقي‬ ‫الذي ل يسأل تعففًا‪ -‬والعترّ الذي يسأل لاجته‪ ,‬هكذا سخّر ال البُدْن‬ ‫لكم‪ ،‬لعلكم تشكرون ال على تسخيها لكم‪.‬‬ ‫لَن ْمَينَالَ اللّهَملُحُومُهَا وَل دِمَاؤُهَا َولَكِن ْمَينَالُهُم التّ ْقوَى ِمنْكُم ْم َك َذلِكَم‬ ‫سِنيَ (‪)37‬‬ ‫حِ‬ ‫َسخّرَهَا لَكُ ْم ِلتُ َكبّرُوا اللّهَ َعلَى مَا هَدَاكُمْ َوَبشّ ْر الْ ُم ْ‬ ‫لن ينال الَ مِن لوم هذه الذبائح ول من دمائها شيء‪ ،‬ولكن يناله‬ ‫الخلص فيها‪ ،‬وأن يكون القصد با وجه ال وحده‪ ،‬كذلك ذللها لكم‬ ‫‪-‬أيها التقربون‪-‬؛ لتعظموا ال‪ ،‬وتشكروا له على ما هداكم من الق‪،‬‬

‫‪1107‬‬

‫فإنه أهلٌ لذلك‪ .‬وبشّر‪ -‬أيها النب‪ -‬الحسني بعبادة ال وحده‬ ‫والحسني إل خلقه بكل خي وفلح‪.‬‬ ‫ب كُلّ َخوّانٍ كَفُورٍ (‪)38‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ ُيدَافِعُ عَ ْن الّذِينَ آ َمنُوا ِإنّ الّلهَ ل ُيحِ ّ‬ ‫إن ال تعال يدفع عن الؤمني عدوان الكفار‪ ،‬وكيد الشرار; لنه عز‬ ‫وجل ل يب كل خوّان لمانة ربه‪ ،‬جحود لنعمته‪.‬‬ ‫أُ ِذنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بَِأّنهُمْ ظُلِمُوا َوِإنّ الّلهَ َعلَى نَصْرِ ِهمْ لَقَدِيرٌ (‪)39‬‬ ‫(كان السلمون ف أول أمرهم منوعي من قتال الكفار‪ ،‬مأمورين بالصب‬ ‫على أذاهم‪ ،‬فلما بلغ أذى الشركي مداه وخرج النب صلى ال عليه‬ ‫وسلم من "مكة" مهاجرًا إل "الدينة"‪ ،‬وأصبح للسلم قوة) َأ ِذنَ ال‬ ‫للمسلمي ف القتال؛ بسبب ما وقع عليهم من الظلم والعدوان‪ ،‬وإن ال‬ ‫تعال قادر على نصرهم وإذلل عدوّهم‪.‬‬ ‫الّذِي نَ ُأخْ ِرجُوا مِ نْ ِديَارِهِ ْم بِ َغيْرِ حَقّ إِلّ أَ نْ يَقُولُوا َربّنَا اللّ هُ َوَلوْل دَ ْف ُع‬ ‫صوَامِ ُع َوِبيَ ٌع وَصََلوَاتٌ وَمَسَاجِدُ ُيذْكَرُ‬ ‫ت َ‬ ‫ض َلهُدّمَ ْ‬ ‫ضهُ ْم ِببَعْ ٍ‬ ‫اللّهِ النّاسَ بَعْ َ‬ ‫‪1108‬‬

‫ي عَزِي ٌز (‪)40‬‬ ‫فِيهَا اسْ ُم الّلهِ َكثِيا َوَليَنصُ َرنّ الّلهُ مَ ْن يَنصُرُهُ ِإنّ الّلهَ لَقَوِ ّ‬ ‫الذين أُلئوا إل الروج من ديارهم‪ ،‬ل لشيء فعلوه إل لنم أسلموا‬ ‫وقالوا‪ :‬ربنا ال وحده‪ .‬ولول ما شرعه ال من َدفْع الظلم والباطل‬ ‫بالقتال َلهُزِم ال ّق ف كل أمة ولربت الرض‪ ،‬و ُهدّمت فيها أماكن‬ ‫العبادة من صوامع الرهبان‪ ،‬وكنائس النصارى‪ ،‬ومعابد اليهود‪ ،‬ومساجد‬ ‫السلمي الت يصلّون فيها‪ ،‬ويذكرون اسم ال فيها كثيًا‪ .‬ومن اجتهد ف‬ ‫نصرة دين ال‪ ،‬فإن ال ناصره على عدوه‪ .‬إن ال لَقوي ل يغالَب‪ ،‬عزيز‬ ‫ل يرام‪ ،‬قد قهر اللئق وأخذ بنواصيهم‪.‬‬ ‫ْضم أَقَامُوا الصمّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ وَأَ َمرُوا‬ ‫ُمم ف ِي ا َلر ِ‬ ‫ِنم مَ ّكنّاه ْ‬ ‫ِينم إ ْ‬ ‫الّذ َ‬

‫بِالْمَ ْعرُوفِ َوَن َهوْا عَ ْن الْ ُمنْكَرِ َولِّلهِ عَاِقَبةُ الُمُورِ (‪)41‬‬

‫الذين وعدناهم بنصرنا هم الذين إنْ م ّكنّاهم ف الرض‪ ،‬واستخلفناهم‬ ‫فيها بإظهارهم على عدوهم‪ ،‬أقاموا الصلة بأدائها ف أوقاتا بدودها‪،‬‬ ‫وأخرجوا زكاة أموالم إل أهلها‪ ،‬وأمروا بكل ما أمر ال به مِن حقوقه‬ ‫وحقوق عباده‪ ،‬وَنهَوْا عن كل ما نى ال عنه ورسوله‪ .‬ول وحده مصي‬ ‫المور كلها‪ ،‬والعاقبة للتقوى‪.‬‬

‫‪1109‬‬

‫ت َقبَْلهُ مْ َقوْ مُ نُو حٍ وَعَادٌ َوثَمُودُ (‪ )42‬وََقوْ مُ‬ ‫وَإِ نْ يُكَ ّذبُو كَ فَ َقدْ َك ّذبَ ْ‬ ‫ب مَ ْديَ نَ وَكُذّ بَ مُو سَى فَأَمَْلْي تُ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫ِإبْرَاهِي مَ وََقوْ مُ لُو طٍ ( ‪ )43‬وَأَ ْ‬ ‫ف كَانَ نَكِ ِي (‪)44‬‬ ‫لِلْكَافِرِينَ ثُمّ َأخَ ْذُتهُ ْم فَ َكيْ َ‬ ‫وإن يكذبك قومك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬فقد سبقهم ف تكذيب رسلهم قوم‬ ‫نوح‪ ,‬وعاد‪ ،‬وثود‪ ،‬وقوم إبراهيم‪ ،‬وقوم لوط‪ ،‬وأصحاب "مدين" الذين‬ ‫كذبوا شعيبًا‪ ,‬وكذّب فرعون وقومه موسى‪ ،‬فلم أعاجل هذه المم‬ ‫ت كل منهم بالعذاب‪ ،‬فكيف كان‬ ‫بالعقوبة‪ ،‬بل أمهلتها‪ ،‬ث أخذ ُ‬ ‫إنكاري عليهم كفرهم وتكذيبهم‪ ،‬وتبديل ما كان بم مِن نعمة‬ ‫بالعذاب واللك؟‬ ‫َفكََأيّ نْ مِ نْ قَ ْرَيةٍ أَ ْهلَ ْكنَاهَا وَهِ َي ظَالِ َمةٌ َفهِ يَ خَا ِويَةٌ َعلَى ُعرُوشِهَا َوِبئْرٍ‬ ‫مُعَطَّلةٍ وَقَصْ ٍر َمشِيدٍ (‪)45‬‬ ‫فكثيًا من القرى الظالة بكفرها أهلكنا أهلها‪ ،‬فديارهم مهدّمة َخلَ ْ‬ ‫ت‬ ‫مِن سكانا‪ ،‬وآبارها ل يُستقى منها‪ ،‬وقصورها العالية الزخرفة ل تدفع‬ ‫عن أهلها سوء العذاب‪.‬‬ ‫ب يَعْقِلُونَ ِبهَا َأوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ‬ ‫أَفَلَ ْم يَسِيُوا فِي ا َلرْضِ َفَتكُونَ َلهُ ْم قُلُو ٌ‬ ‫‪1110‬‬

‫ب الّتِي فِي ال صّدُورِ (‬ ‫بِهَا َفِإنّهَا ل تَعْمَى ا َلبْ صَارُ َولَكِ نْ تَعْمَى الْقُلُو ُ‬ ‫‪)46‬‬ ‫أفلم َيسِر الكذبون من قريش ف الرض ليشاهدوا آثار الهلكي‪،‬‬ ‫فيتفكروا بعقولم‪ ،‬فيعتبوا‪ ،‬ويسمعوا أخبارهم ساع تدبّر فيتعظوا؟ فإن‬ ‫العمى ليس عمى البصر‪ ،‬وإنا العمى ا ُلهْلِك هو عمى البصية عن إدراك‬ ‫الق والعتبار‪.‬‬ ‫ك بِالْعَذَا بِ َولَ نْ ُيخْلِ فَ اللّ هُ وَعْدَ هُ َوإِنّ َيوْما ِعنْ َد َربّ كَ‬ ‫ستَ ْعجِلُونَ َ‬ ‫َويَ ْ‬

‫كََألْفِ َسَنةٍ مِمّا تَعُدّونَ (‪)47‬‬

‫ويستعجلك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬كفار قريش ‪-‬لشدة جهلهم‪ -‬بالعذاب‬ ‫الذي أنذرتم به لممّا أصروا على الكفر‪ ،‬ولن يلف ال ما وعدهم به‬ ‫من العذاب فل بدّ من وقوعه‪ ،‬وقد عجّل لم ف الدينا ذلك ف يوم‬ ‫"بدر"‪ .‬وإن يومًا من اليام عند ال ‪ -‬وهو يوم القيامة‪ -‬كألف سنة ما‬ ‫تَعُدّون من سن الدنيا‪.‬‬ ‫ت َلهَا وَهِ َي ظَالِ َمةٌ ثُمّ َأخَ ْذُتهَا وَِإلَيّ الْمَصِيُ (‪)48‬‬ ‫وَكََأيّنْ مِ ْن قَ ْرَيةٍ أَمَْليْ ُ‬ ‫‪1111‬‬

‫وكثي من القرى كانت ظالة بإصرار أهلها على الكفر‪ ،‬فأمهلتهم ول‬ ‫أعاجلهم بالعقوبة فاغتروا‪ ،‬ث أخَ ْذتُهم بعذاب ف الدنيا‪ ،‬وإلّ مرجعهم‬ ‫بعد هلكهم‪ ،‬فأعذبم با يستحقون‪.‬‬ ‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّا سُ ِإنّمَا َأنَا لَكُ مْ نَذِيرٌ ُمِبيٌ (‪ )49‬فَالّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا‬ ‫الصمّالِحَاتِ َلهُم ْم مَغْفِرٌَة َورِزْقٌم كَرِيٌ (‪ )50‬وَالّذِينَم سَمَعوْا فِي آيَاتِنَا‬ ‫جحِي ِم (‪)51‬‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫مُعَاجِزِينَ ُأ ْوَلئِكَ َأ ْ‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ : -‬يا أيها الناس ما أنا إل منذر لكم مبلّغ عن ال‬ ‫رسالته‪ .‬فالذين آمنوا بال ورسوله‪ ،‬واستقر ذلك ف قلوبم‪ ،‬وعملوا‬ ‫العمال الصالة‪ ،‬لم عند ال عفو عن ذنوبم ومغفرة يستر با ما صدر‬ ‫عنهم من معصية‪ ،‬ورزق حسن ل ينقطع وهو النة‪ .‬والذين اجتهدوا ف‬ ‫الكيد لبطال آيات القرآن بالتكذيب مشاقي مغالبي‪ ،‬أولئك هم أهل‬ ‫النار الوقدة‪ ،‬يدخلونا ويبقون فيها أبدًا‪.‬‬ ‫شيْطَانُ فِي‬ ‫ك مِنْ رَسُولٍ وَل َنبِيّ إِلّ إِذَا َت َمنّى َألْقَى ال ّ‬ ‫وَمَا َأرْسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِ َ‬ ‫شيْطَانُ ثُمّ ُيحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‬ ‫أُ ْمِنّيتِهِ َفَينْسَ ُخ اللّهُ مَا يُلْقِي ال ّ‬ ‫(‪)52‬‬

‫‪1112‬‬

‫وما أرسلنا من قبلك‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من رسول ول نب إل إذا قرأ‬ ‫كتاب ال ألقى الشيطان ف قراءته الوساوس والشبهات؛ ليصدّ الناس‬ ‫عن اتباع ما يقرؤه ويتلوه‪ ،‬لكن ال يبطل كيد الشيطان‪ ،‬فيزيل‬ ‫وساوسه‪ ،‬ويثبت آياته الواضحات‪ .‬وال عليم با كان ويكون‪ ,‬ل تفى‬ ‫عليه خافية‪ ,‬حكيم ف تقديره وأمره‪.‬‬ ‫شيْطَا نُ ِفْتَنةً لِلّذِي نَ فِي قُلُوِبهِ مْ مَرَ ضٌ وَالْقَا ِسَيةِ قُلُوُبهُ مْ‬ ‫ِلَيجْعَلَ مَا ُيلْقِي ال ّ‬ ‫وَِإنّ الظّالِ ِميَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِي ٍد (‪)53‬‬ ‫وما كان هذا الفعل مِنَ الشيطان إل ليجعله ال اختبارًا للذين ف قلوبم‬ ‫شك ونفاق‪ ،‬ولقساة القلوب من الشركي الذين ل يؤثّ ُر فيهم زجر‪.‬‬ ‫وإن الظالي مِن هؤلء وأولئك ف عداوة شديدة ل ورسوله وخلفٍ‬ ‫للحق بعيد عن الصواب‪.‬‬ ‫ت لَ هُ‬ ‫خبِ َ‬ ‫َوِليَعْلَ مَ الّذِي نَ أُوتُوا الْعِلْ مَ َأنّ هُ اْلحَقّ مِ نْ َربّ كَ َفُيؤْ ِمنُوا بِ ِه َفُت ْ‬ ‫ستَقِي ٍم (‪)54‬‬ ‫قُلُوُبهُمْ وَِإ ّن الّلهَ َلهَادِ الّذِينَ آ َمنُوا ِإلَى صِرَاطٍ ُم ْ‬ ‫وليعلم أهل العلم الذين يفرقون بعلمهم بي الق والباطل أن القرآن‬ ‫الكري هو الق النازل من عند ال عليك أيها الرسول‪ ،‬ل شبهة فيه‪ ،‬ول‬ ‫‪1113‬‬

‫سبيل للشيطان إليه‪ ،‬فيزداد به إيانم‪ ،‬وتضع له قلوبم‪ .‬وإن ال لادي‬ ‫الذين آمنوا به وبرسوله إل طريق الق الواضح‪ ،‬وهو السلم ينقذهم به‬ ‫من الضلل‪.‬‬ ‫وَل َيزَالُ الّذِي نَ كَفَرُوا فِي مِ ْرَيةٍ ِمنْ هُ َحتّى تَ ْأِتَيهُ ْم ال سّا َعةُ بَ ْغَتةً َأ ْو يَ ْأِتَيهُ مْ‬ ‫ب َيوْمٍ عَقِي ٍم (‪)55‬‬ ‫عَذَا ُ‬ ‫ول يزال الكافرون الكذبون ف شك ما جئتهم به من القرآن إل أن‬ ‫تأتيهم الساعة فجأة‪ ،‬وهم على تكذيبهم‪ ،‬أو يأتيهم عذاب يوم ل خي‬ ‫فيه‪ ،‬وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫ت فِي‬ ‫الْمُلْكُمَيوْ َمئِ ٍذ لِلّهِمَيحْكُمُمَبْيَنهُم ْم فَالّذِينَم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّالِحَا ِ‬ ‫َجنّا تِ النّعِي ِم (‪ )56‬وَالّذِي نَ كَفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَُأ ْوَلئِ كَ َلهُ مْ عَذَا بٌ‬ ‫ُم ِهيٌ (‪)57‬‬ ‫الُلك والسلطان ف هذا اليوم ل وحده‪ ،‬وهو سبحانه يقضي بي الؤمني‬ ‫والكافرين‪ .‬فالذين آمنوا بال ورسوله وعملوا العمال الصالة‪ ،‬لم‬ ‫النعيم الدائم ف النات‪ .‬والذين جحدوا وحدانية ال وكذبوا رسوله‬ ‫وأنكروا آيات القرآن‪ ،‬فأولئك لم عذاب يزيهم ويهينهم ف جهنم‪.‬‬ ‫‪1114‬‬

‫وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ ثُمّ ُقتِلُوا َأوْ مَاتُوا َليَ ْرزَُقّنهُمْ اللّهُ ِرزْقا حَسَنا‬

‫وَِإنّ الّلهَ لَ ُهوَ َخيْرُ الرّازِِقيَ (‪)58‬‬

‫والذين خرجوا من ديارهم طلبًا لرضا ال‪ ،‬ونصرة لدينه‪ ،‬من قُتل منهم‬ ‫وهو ياهد الكفار‪ ،‬ومن مات منهم مِن غي قتال‪ ،‬لَيزَقنّهم ال النة‬ ‫ونعيمها الذي ل ينقطع ول يزول‪ ،‬وإن ال سبحانه وتعال لو خي‬ ‫الرازقي‪.‬‬ ‫ض ْوَنهُ وَِإنّ الّلهَ لَعَلِيمٌ حَلِي ٌم (‪)59‬‬ ‫ل يَ ْر َ‬ ‫َليُ ْدخَِلّنهُمْ ُمدْخَ ً‬ ‫ليُدخلنّهم ال الُدْخل الذي يبونه وهو النة‪ .‬وإن ال لَعليم بن يرج ف‬ ‫سبيله‪ ،‬ومن يرج طلبًا للدنيا‪ ،‬حليم عمن عصاه‪ ،‬فل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬ ‫ب بِ ِمثْلِ مَا عُوقِ بَ بِ هِ ثُمّ بُغِ يَ عََليْ هِ َليَن صُ َرّنهُ اللّ هُ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫ك وَمَ نْ عَاَق َ‬ ‫َذلِ َ‬

‫لَعَ ُفوّ غَفُورٌ (‪)60‬‬

‫ذلك المر الذي قصصنا عليك من إدخال الهاجرين النة‪ ،‬ومن اعتُدِي‬ ‫عليه وظُلم فقد أُذِن له أن يقابل الان بثل فعلته‪ ،‬ول حرج عليه‪ ،‬فإذا‬ ‫‪1115‬‬

‫عاد الان إل إيذائه وبغى‪ ،‬فإن ال ينصر الظلوم العتدى عليه; إذ ل‬ ‫يوز أن يُ ْعتَدى عليه بسبب انتصافه لنفسه‪ .‬إن ال لعفوٌ غفور‪ ،‬يعفو عن‬ ‫الذنبي فل يعاجلهم بالعقوبة‪ ,‬ويغفر ذنوبم‪.‬‬ ‫ك بِأَنّ اللّ هَ يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْلِ وَأَنّ اللّ هَ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫سَمِيعٌ بَصِ ٌي (‪)61‬‬ ‫ذلك الذي شرع لكم تلك الحكام العادلة هو الق‪ ،‬وهو القادر على‬ ‫ما يشاء‪ ,‬ومِن قدرته أنه يدخل ما ينقص من ساعات الليل ف ساعات‬ ‫النهار‪ ،‬ويدخل ما انتقص من ساعات النهار ف ساعات الليل‪ ،‬وأن ال‬ ‫سيع لكل صوت‪ ،‬بصي بكل فعل‪ ،‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫ك بَِأنّ اللّهَ ُه َو اْلحَقّ وََأنّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ُهوَ اْلبَاطِلُ وََأنّ اللّهَ ُهوَ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫الْعَلِيّ الْ َكبِيُ (‪)62‬‬ ‫ذلك بأن ال هو الله الق الذي ل تنبغي العبادة إل له‪ ،‬وأن ما يعبده‬ ‫الشركون من دونه من الصنام والنداد هو الباطل الذي ل ينفع ول‬ ‫يضرّ‪ ،‬وأن ال هو العليّ على خلقه ذاتًا وقدرًا وقهرًا‪ ،‬التعال عن الشباه‬ ‫والنداد‪ ،‬الكبي ف ذاته وأسائه فهو أكب من كلّ شيء‪.‬‬ ‫‪1116‬‬

‫صبِ ُح ا َلرْ ضُ ُمخْضَرّةً إِنّ اللّ هَ‬ ‫َألَ مْ َترَى أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً َفتُ ْ‬

‫لَطِيفٌ َخبِ ٌي ( ‪)63‬‬

‫أل ترَ‪ -‬أيها النب‪ -‬أن ال أنزل من السماء مطرًا‪ ،‬فتصبح الرض مضرة‬ ‫با ينبت فيها من النبات؟ إن ال لطيف بعباده باستخراج النبات من‬ ‫الرض بذلك الاء‪ ،‬خبي بصالهم‪.‬‬ ‫َلهُ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ وَِإنّ الّلهَ َلهُوَ الْ َغنِيّ اْلحَمِيدُ (‪)64‬‬ ‫ل سبحانه وتعال ما ف السموات والرض خلقًا وملكًا وعبودية‪ ،‬كلّ‬ ‫متاج إل تدبيه وإفضاله‪ .‬إن ال لو الغن الذي ل يتاج إل شيء‪،‬‬ ‫الحمود ف كل حال‪.‬‬ ‫َألَ مْ تَرَى أَنّ اللّ هَ َسخّرَ لَكُ ْم مَا فِي ا َلرْ ضِ وَالْفُ ْل كَ َتجْرِي فِي اْلَبحْ ِر‬ ‫بِأَمْرِ ِه َويُمْ سِكُ ال سّمَاءَ أَ نْ تَقَ َع عَلَى الَرْ ضِ إِلّ ِبإِ ْذنِ هِ إِنّ اللّ هَ بِالنّا سِ‬ ‫لَ َرءُوفٌ رَحِي ٌم (‪)65‬‬

‫‪1117‬‬

‫أل تر أن ال تعال ذلّل لكم ما ف الرض من الدواب والبهائم والزروع‬ ‫والثمار والماد لركوبكم وطعامكم وكل منافعكم‪ ،‬كما ذلّل لكم‬ ‫السفن تري ف البحر بقدرته وأمره فتحملكم مع أمتعتكم إل حيث‬ ‫تشاؤون من البلد والماكن‪ ،‬وهو الذي يسك السماء فيحفظها؛ حت‬ ‫ل تقع على الرض فيهلك مَن عليها إل بإذنه سبحانه بذلك؟ إن ال‬ ‫بالناس لرؤوف رحيم فيما سخر لم من هذه الشياء وغيها؛ تفضل‬ ‫منه عليهم‪.‬‬ ‫حيِيكُمْ ِإنّ الِنسَانَ لَكَفُورٌ (‪)66‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َأ ْحيَاكُمْ ثُ ّم يُمِيتُكُ ْم ثُمّ ُي ْ‬ ‫وهو ال تعال الذي أحياكم بأن أوجدكم من العدم‪ ،‬ث ييتكم عند‬ ‫انقضاء أعماركم‪ ،‬ث يييكم بالبعث لحاسبتكم على أعمالكم‪ .‬إن‬ ‫النسان لَجحود لا ظهر من اليات الدالة على قدرة ال ووحدانيته‪.‬‬ ‫لِكُلّ أُ ّمةٍ جَ َعلْنَا مَن سَكا هُ ْم نَا سِكُوهُ فَل ُينَازِ ُعنّ كَ فِي الَمْ ِر وَادْ عُ ِإلَى‬ ‫ستَقِي ٍم (‪)67‬‬ ‫َربّكَ ِإنّكَ لَعَلَى هُدًى ُم ْ‬ ‫لكل أمة من المم الاضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم با‪ ،‬فهم عاملون‬ ‫با‪ ،‬فل ينازعنك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬مشركو قريش ف شريعتك‪ ،‬وما أمرك‬ ‫‪1118‬‬

‫ال به ف الناسك وأنواع العبادات كلها‪ ,‬وادع إل توحيد ربك‬ ‫وإخلص العبادة له واتباع أمره‪ ,‬إنك لعلى دين قوي‪ ،‬ل اعوجاج فيه‪.‬‬ ‫وَِإنْ جَا َدلُوكَ فَقُ ْل الّلهُ أَعْلَ ُم بِمَا تَعْ َملُونَ (‪)68‬‬ ‫وإن أصرّوا على مادلتك بالباطل فيما تدعوهم إليه فل تادلم‪ ،‬بل قل‬ ‫لم‪ :‬ال أعلم با تعملونه من الكفر والتكذيب‪ ،‬فهم معاندون مكابرون‪.‬‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)69‬‬ ‫الّلهُ َيحْكُمُ َبْينَ ُكمْ َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا ُكْنتُ ْم فِيهِ َت ْ‬ ‫ال تعال يكم بي السلمي والكافرين يوم القيامة ف أمر اختلفهم ف‬ ‫الدين‪ .‬وف هذه الية أدب حسن ف الرد على مَن جادل تعنتًا‬ ‫واستكبارًا‪.‬‬ ‫َألَ مْ تَ ْعلَ مْ َأنّ اللّ هَ يَعَْل ُم مَا فِي ال سّمَاءِ وَا َلرْ ضِ ِإنّ َذلِ كَ فِي ِكتَا بٍ ِإنّ‬

‫ك عَلَى الّلهِ َيسِيٌ (‪)70‬‬ ‫َذلِ َ‬

‫‪1119‬‬

‫أل تعلم‪ -‬أيها النب‪ -‬أن ال يعلم ما ف السماء والرض علما كامل قد‬ ‫أثبته ف اللوح الحفوظ؟ إن ذلك العلم أمر سهل على ال‪ ،‬الذي ل‬ ‫يعجزه شيء‪.‬‬ ‫َويَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا لَ مْ ُينَزّ ْل بِ هِ سُلْطَانا وَمَا َليْ سَ َلهُ ْم بِ هِ ِعلْ ٌم وَمَا‬ ‫لِلظّالِ ِميَ مِنْ نَصِ ٍي ( ‪)71‬‬ ‫ويصر كفار قريش على الشرك بال مع ظهور بطلن ما هم عليه‪ ،‬فهم‬ ‫يعبدون آلة‪ ،‬ل َينْزِل ف كتاب مِن كتب ال برهان بأنا تصلح للعبادة‪،‬‬ ‫ول علم لم فيما اختلقوه‪ ،‬وافتروه على ال‪ ،‬وإنا هو أمر اتبعوا فيه‬ ‫آباءَهم بل دليل‪ .‬فإذا جاء وقت الساب ف الخرة فليس للمشركي‬ ‫ناصر ينصرهم‪ ،‬أو يدفع عنهم العذاب‪.‬‬ ‫وَِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاتُنَا َبّينَا تٍ تَ ْعرِ فُ فِي وُجُو ِه الّذِي نَ كَفَرُوا الْ ُمنْكَ َر‬ ‫يَكَادُو نَ يَ سْطُونَ بِالّذِي نَ َيتْلُو نَ َعَلْيهِ ْم آيَاِتنَا قُلْ أَفَُأَنّبئُكُ مْ ِبشَ ّر مِ نْ َذلِكُ مْ‬ ‫النّارُ وَعَدَهَا الّلهُ الّذِينَ كَفَرُوا َوِبْئسَ الْمَصِيُ (‪)72‬‬ ‫وإذا تتلى آيات القرآن الواضحة على هؤلء الشركي ترى الكراهة‬ ‫ظاهرة على وجوههم‪ ،‬يكادون يبطشون بالؤمني الذين يدعونم إل ال‬ ‫‪1120‬‬

‫تعال‪ ،‬ويتلون عليهم آياته‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أفل أخبكم با هو‬ ‫أشد كراهة إليكم من ساع الق ورؤية الداعي إليه؟ النار أعدّها ال‬ ‫للكافرين ف الخرة‪ ،‬وبئس الكان الذي يصيون إليه‪.‬‬ ‫ب َمثَلٌ فَا ْستَمِعُوا لَهُ ِإنّ الّذِي نَ تَدْعُونَ مِ نْ دُونِ اللّهِ لَنْ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫يَا َأّيهَا النّا سُ ُ‬ ‫ستَنقِذُوهُ ِمنْ هُ‬ ‫َيخْلُقُوا ُذبَابا َولَوْ ا ْجتَمَعُوا لَ هُ وَإِ نْ يَ سُْلْبهُمْ ال ّذبَا بُ َشيْئا ل يَ ْ‬ ‫ب (‪)73‬‬ ‫ب وَالْمَطْلُو ُ‬ ‫ضَعُفَ الطّالِ ُ‬

‫ضرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه‪ :‬إن الصنام والنداد الت‬ ‫يا أيها الناس ُ‬ ‫تعبدونا من دون ال لن تقدر متمعة على َخلْق ذبابة واحدة‪ ،‬فكيف‬ ‫بلق ما هو أكب؟ ول تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها‪ ،‬فهل‬ ‫ف الطالب الذي هو العبود‬ ‫بعد ذلك مِن َعجْز؟ فهما ضعيفان معًا‪ :‬ضَعُ َ‬ ‫من دون ال أن يستنقذ ما أخذه الذباب منه‪ ,‬وضَعُفَ الطلوب الذي هو‬ ‫الذباب‪ ،‬فكيف ُتتّخذ هذه الصنام والنداد آلة‪ ,‬وهي بذا الوان؟‬ ‫مَا قَ َدرُوا اللّهَ حَقّ قَ ْدرِهِ ِإنّ الّلهَ لَ َقوِيّ َعزِي ٌز (‪)74‬‬ ‫هؤلء الشركون ل يعظّموا ال حق تعظيمه‪ ,‬إذ جعلوا له شركاء‪ ،‬وهو‬ ‫القوي الذي خلق كل شيء‪ ،‬العزيز الذي ل يغالَب‪.‬‬ ‫‪1121‬‬

‫اللّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلئِ َك ِة رُ ُسلً وَمِنْ النّاسِ ِإنّ اللّهَ سَمِي ٌع بَصِ ٌي (‪)75‬‬ ‫يَعْلَ ُم مَا َبيْنَ َأْيدِيهِمْ وَمَا خَلْ َفهُ ْم وَِإلَى الّلهِ تُرْ َجعُ الُمُورُ (‪)76‬‬ ‫ال سبحانه وتعال يتار من اللئكة رسل إل أنبيائه‪ ,‬ويتار من الناس‬ ‫رسل لتبليغ رسالته إل اللق‪ ،‬إن ال سيع لقوال عباده‪ ،‬بصي بميع‬ ‫الشياء‪ ،‬وبن يتاره للرسالة مِن خلقه‪ .‬وهو سبحانه يعلم ما بي أيدي‬ ‫ملئكته ورسله من قبل أن يلقهم‪ ،‬ويعلم ما هو كائن بعد فنائهم‪ .‬وإل‬ ‫ال وحده ترجع المور‪.‬‬ ‫خيْرَ‬ ‫ُمم وَافْعَلُوا اْل َ‬ ‫َاسمجُدُوا وَا ْعبُدُوا َربّك ْ‬ ‫ِينم آ َمنُوا ارْكَعُوا و ْ‬ ‫ي َا َأيّه َا الّذ َ‬

‫لَعَلّكُ ْم تُفِْلحُو نَ ( ‪ )77‬وَجَاهِدُوا فِي اللّ هِ حَقّ ِجهَادِ هِ ُهوَ ا ْجَتبَاكُ مْ وَمَا‬ ‫سممّاكُمْ‬ ‫ِيمم ُهوَ َ‬ ‫ُمم ِإبْرَاه َ‬ ‫َجم مِّلةَ َأبِيك ْ‬ ‫ِنم َحر ٍ‬ ‫ّينم م ْ‬ ‫ُمم ف ِي الد ِ‬ ‫جَعَ َل عََليْك ْ‬ ‫ُمم َوتَكُونُوا‬ ‫ُونم الرّسمُولُ َشهِيدا عََليْك ْ‬ ‫ِنم َقبْ ُل وَفِي َهذَا ِليَك َ‬ ‫ُسملِميَ م ْ‬ ‫الْم ْ‬ ‫م ُهوَ‬ ‫ممُوا بِاللّه ِ‬ ‫م فَأَقِيمُوا الصمّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَا ْعتَص ِ‬ ‫ُشهَدَاءَ عَلَى النّاس ِ‬ ‫َموْلكُمْ َفنِ ْعمَ الْ َم ْولَى َونِعْ َم النّصِيُ (‪)78‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم اركعوا‬ ‫واسجدوا ف صلتكم‪ ،‬واعبدوا ربكم وحده ل شريك له‪ ,‬وافعلوا‬ ‫‪1122‬‬

‫الي; لتفلحوا‪ ،‬وجاهدوا أنفسكم‪ ،‬وقوموا قيامًا تامّا بأمر ال‪ ،‬وادعوا‬ ‫اللق إل سبيله‪ ،‬وجاهدوا بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم‪ ,‬ملصي فيه‬ ‫النية ل عز وجل‪ ،‬مسلمي له قلوبكم وجوارحكم‪ ،‬هو اصطفاكم لمل‬ ‫هذا الدين‪ ،‬وقد منّ عليكم بأن جعل شريعتكم سحة‪ ,‬ليس فيها تضييق‬ ‫ول تشديد ف تكاليفها وأحكامها‪ ,‬كما كان ف بعض المم قبلكم‪,‬‬ ‫هذه اللة السمحة هي ملة أبيكم إبراهيم‪ ،‬وقد سَمّاكم ال السلمي مِن‬ ‫قبلُ ف الكتب النلة السابقة‪ ,‬وف هذا القرآن‪ ،‬وقد اختصّكم بذا‬ ‫الختيار ; ليكون خات الرسل ممد صلى ال عليه وسلم شاهدًا عليكم‬ ‫بأنه بلّغكم رسالة ربه‪ ,‬وتكونوا شهداء على المم أن رسلهم قد بلّغتهم‬ ‫با أخبكم ال به ف كتابه‪ ،‬فعليكم أن تعرفوا لذه النعمة قدرها‪،‬‬ ‫فتشكروها‪ ,‬وتافظوا على معال دين ال بأداء الصلة بأركانا‬ ‫وشروطها‪ ,‬وإخراج الزكاة الفروضة‪ ,‬وأن تلجؤوا إل ال سبحانه‬ ‫وتعال‪ ,‬وتتوكلوا عليه‪ ,‬فهو نِعْ َم الول لن توله‪ ,‬ونعم النصي لن‬ ‫استنصره‪.‬‬

‫‪1123‬‬

‫الزء الثامن عشر ‪:‬‬

‫‪ -23‬سورة الؤمنون‬ ‫قَدْ أَ ْفلَ َح الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)1‬‬ ‫قد فاز الصدّقون بال وبرسوله العاملون بشرعه‪.‬‬ ‫الّذِينَ هُ ْم فِي صَلِتهِمْ خَاشِعُونَ (‪)2‬‬ ‫غ لا قلوبم‪ ,‬وتسكن‬ ‫الذين من صفاتم أنم ف صلتم خاشعون‪ ,‬تَفْ ُر ُ‬ ‫جوارحهم‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ هُ ْم عَنْ اللّ ْغوِ مُعْ ِرضُونَ (‪)3‬‬ ‫والذين هم تاركون لكل ما ل خي فيه من القوال والفعال‪.‬‬ ‫‪1124‬‬

‫وَالّذِينَ هُ ْم لِلزّكَاةِ فَاعِلُونَ (‪)4‬‬ ‫والذين هم مُ َطهّرون لنفوسهم وأموالم بأداء زكاة أموالم على اختلف‬ ‫أجناسها‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ هُ ْم لِفُرُو ِجهِمْ حَافِظُونَ (‪)5‬‬ ‫والذيمن همم لفروجهمم حافظون مام حرّم ال ممن الزنم واللواط وكمل‬ ‫الفواحش‪.‬‬ ‫إِلّ عَلَى َأ ْزوَا ِجهِمْ أ ْو مَا مََلكَتْ َأيْمَاُنهُمْ َفِإنّهُ ْم َغيْرُ مَلُو ِميَ (‪)6‬‬ ‫إل على زوجاتمم أو مما ملكمت أيانمم ممن الماء‪ ,‬فل لوم عليهمم ول‬ ‫حرج ف جاعهن والستمتاع بن; لن ال تعال أحلّهن‪.‬‬ ‫ك فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْعَادُونَ (‪)7‬‬ ‫َفمَنْ اْبتَغَى َورَاءَ َذلِ َ‬ ‫ف من طلب التم تع بغ ي زوج ته أو أمَتِه ف هو من الجاوز ين اللل إل‬ ‫الرام‪ ,‬وقد عرّض نفسه لعقاب ال وسخطه‪.‬‬ ‫‪1125‬‬

‫وَالّذِينَ هُ ْم لَمَانَاِتهِمْ وَ َعهْدِ ِهمْ رَاعُونَ (‪)8‬‬ ‫والذين هم حافظون لكل ما اؤتنوا عليه‪ ,‬موفّون بكل عهودهم‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ هُ ْم عَلَى صََلوَاتِهِ ْم ُيحَافِظُونَ (‪)9‬‬ ‫والذين هم يداومون على أداء صلتم ف أوقاتا على هيئتها الشروعة‪,‬‬ ‫الواردة عن النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ك هُ ْم اْلوَارِثُونَ (‪)10‬‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫هؤلء الؤمنون هم الوارثون النة‪.‬‬ ‫الّذِينَ يَ ِرثُونَ الْفِرْ َدوْسَ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)11‬‬ ‫الذ ين يرثون أعلى منازل ال نة وأو سطها‪ ,‬هم في ها خالدون‪ ,‬ل ينق طع‬ ‫نعيمهم ول يزول‪.‬‬

‫‪1126‬‬

‫َولَقَدْ خَلَ ْقنَا الِنسَانَ مِنْ سُلَلةٍ مِ ْن طِيٍ (‪)12‬‬ ‫ولقد خلقنا آدم من طي مأخوذ من جيع الرض‪.‬‬ ‫ي (‪)13‬‬ ‫ثُمّ َجعَ ْلنَاهُ نُطْ َفةً فِي قَرَارٍ مَ ِك ٍ‬ ‫ث خلقنا بن يه متنا سلي مِن نط فة‪ :‬هي من الرجال ترج من أ صلبم‪,‬‬ ‫فتستقر متمكنة ف أرحام النساء‪.‬‬ ‫ثُمّم َخلَقْنَما النّطْ َفةَ عَلَ َق ًة َفخَلَقْنَما الْعَلَ َقةَ مُضْ َغةً َفخَلَقْنَما الْمُضْ َغةَ عِظَاما‬ ‫سوْنَا الْعِظَا مَ َلحْما ثُمّ أَنشَ ْأنَا هُ خَلْقا آخَ َر َفَتبَارَ كَ اللّ هُ َأحْ سَنُ الْخَالِقِيَ‬ ‫فَكَ َ‬ ‫(‪)14‬‬ ‫ث خلق نا النط فة عل قة أي‪ :‬دمًا أح ر‪ ,‬فخلق نا العل قة ب عد أربع ي يومًا‬ ‫مضغمة أي‪ :‬قطعمة لمم َقدْر مما ُيمْضمغ‪ ,‬فخلقنما الضغمة اللينمة عظامًا‪,‬‬ ‫فكسونا العظام لمًا‪ ,‬ث أنشأناه خلقًا آخر بنفخ الروح فيه‪ ,‬فتبارك ال‪,‬‬ ‫الذي أحسن كل شيء خلقه‪.‬‬ ‫ك لَ َمّيتُونَ (‪)15‬‬ ‫ثُمّ ِإنّ ُكمْ بَ ْعدَ َذلِ َ‬ ‫‪1127‬‬

‫ث إنكم أيها البشر بعد أطوار الياة وانقضاء العمار لَميتون‪.‬‬ ‫ثُمّ ِإنّ ُكمْ َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ ُتبْ َعثُونَ (‪)16‬‬ ‫ث إنكم بعد الوت وانقضاء الدنيا ُتبْعثون يوم القيامة أحياء من قبوركم‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ي (‪)17‬‬ ‫َولَقَدْ خَلَ ْقنَا َفوْقَكُمْ َسبْ َع طَرَائِقَ وَمَا ُكنّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِِل َ‬ ‫ولقد خلقنا فوقكم سبع سوات بعضها فوق بعض‪ ,‬وما كنا عن اللق‬ ‫غافلي‪ ,‬فل نُغْفِلُ ملوقًا‪ ,‬ول ننساه‪.‬‬ ‫وَأَن َزلْنَا مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً بِقَ َدرٍ فَأَ سْ َكنّاهُ فِي ا َلرْ ضِ وَِإنّ ا َعلَى ذَهَا بٍ بِ هِ‬ ‫لَقَا ِدرُونَ ( ‪)18‬‬ ‫وأنزلنا من السماء ماء بقدر حاجة اللئق‪ ,‬وجعلنا الرض مستقرًا لذا‬ ‫الاء‪ ,‬وإنا على ذَهاب بالاء الستقر لَقادرون‪ .‬وف هذا تديد ووعيد‬ ‫للظالي‪.‬‬

‫‪1128‬‬

‫ب لَكُ ْم فِيهَا َفوَاكِ هُ َكثِيَةٌ وَ ِمْنهَا‬ ‫َفأَنشَ ْأنَا لَكُ ْم بِ هِ َجنّا تٍ مِ نْ َنخِيلٍ وَأَ ْعنَا ٍ‬ ‫تَأْكُلُونَ (‪)19‬‬ ‫فأنشأنا بذا الاء لكم بساتي النخيل والعناب‪ ,‬لكم فيها فواكه كثية‬ ‫النواع والشكال‪ ,‬ومنها تأكلون‪.‬‬ ‫صبْ ٍغ لِلكِِليَ (‪)20‬‬ ‫وَ َشجَرَ ًة َتخْ ُرجُ مِنْ طُورِ َسْينَاءَ َتْنبُتُ بِالدّهْنِ َو ِ‬ ‫وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون الت ترج حول جبل طور "سيناء"‪,‬‬ ‫يعصر منها الزيت‪ ,‬فيدّهن ويؤتدم به‪.‬‬ ‫وَإِنّ لَكُ ْم فِي ا َلنْعَا مِ لَ ِعبْرَةً نُ سقِيكُ ْم مِمّا فِي بُطُوِنهَا وَلَكُ ْم فِيهَا َمنَافِ عُ‬

‫َكثِيَةٌ وَ ِمْنهَا تَأْكُلُونَ (‪)21‬‬

‫وإن لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ف البل والبقر والغنم لَعبة تعتبون بلقها‪,‬‬ ‫نسقيكم ما ف بطونا من اللب‪ ,‬ولكم فيها منافع أخرى كثية‬ ‫كالصوف واللود‪ ,‬ونوها‪ ,‬ومنها تأكلون‪.‬‬ ‫وَعََلْيهَا وَعَلَى الْفُ ْلكِ ُتحْمَلُونَ (‪)22‬‬ ‫‪1129‬‬

‫وعلى البل والسفن ف الب والبحر ُتحْمَلون‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْ َس ْلنَا نُوحا ِإلَى َقوْ ِمهِ فَقَالَ يَا َقوْ ِم ا ْعبُدُوا اللّهَ مَا لَكُ ْم مِنْ ِإلَهٍ َغْيرُهُ‬ ‫أَفَل َتتّقُونَ ( ‪)23‬‬ ‫ولقد أرسلنا نوحًا إل قومه‪ ,‬بدعوة التوحيد فقال لم‪ :‬اعبدوا ال وحده‪,‬‬ ‫ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪،‬‬ ‫أفل تشون عذابه؟‬ ‫فَقَالَ الْمَل الّذِي نَ كَفَرُوا مِ نْ َقوْمِ هِ مَا هَذَا إِلّ َبشَ ٌر ِمثْلُكُ مْ يُرِيدُ أَ نْ َيتَفَضّ َل‬ ‫عََليْكُ مْ َوَلوْ شَاءَ اللّ هُ لَنزَلَ مَلئِ َك ًة مَا َسمِ ْعنَا ِبهَذَا فِي آبَائِنَا ا َلوّلِيَ (‬ ‫‪ِ )24‬إنْ ُهوَ إِلّ َرجُلٌ ِبهِ ِجّنةٌ َفتَ َربّصُوا ِبهِ َحتّى ِحيٍ (‪)25‬‬ ‫فكذّبه أشراف قومه‪ ,‬وقالوا لعامتهم‪ :‬إنه إنسان مثلكم ل يتميّز عنكم‬ ‫بشيء‪ ,‬ول يريد بقوله إل رئاسة وفضل عليكم‪ ،‬ولو شاء ال أن يرسل‬ ‫إلينا رسول لرسله من اللئكة‪ ,‬ما سعنا بثل هذا فيمَن سبقنا من آباء‬ ‫وأجداد‪ .‬وما نوح إل رجل به َمسّ من النون‪ ,‬فانتظروا حت يُفيق‪،‬‬ ‫فيترك دعوته‪ ,‬أو يوت‪ ,‬فتستريوا منه‪.‬‬ ‫‪1130‬‬

‫قَالَ َربّ انصُ ْرنِي بِمَا كَ ّذبُونِ (‪)26‬‬ ‫قال نوح‪ :‬رب انصرن على قومي; بسبب تكذيبهم إياي فيما بلّغتهم‬ ‫من رسالتك‪.‬‬ ‫ك بِأَ ْعُيِننَا َووَ ْحِينَا َفإِذَا جَاءَ أَمْ ُرنَا وَفَارَ الّتنّورُ‬ ‫صنَ ْع الْفُلْ َ‬ ‫َفَأوْ َحْينَا ِإَليْ هِ أَ نْ ا ْ‬ ‫ك فِيهَا مِ نْ كُلّ َزوْ َجيْ نِ اْثَنيْ نِ وَأَ ْهلَ كَ إِ ّل مَ ْن َسبَقَ عََليْ هِ الْقَوْلُ ِمْنهُ مْ‬ ‫فَا سْلُ ْ‬ ‫وَل ُتخَا ِطْبنِي فِي الّذِينَ ظَلَمُوا ِإّنهُ ْم مُغْ َرقُونَ (‪)27‬‬ ‫فأوحينا إليه أن اصنع السفينة برأى منا وبأمرنا لك ومعونتنا‪ ,‬وأنت ف‬ ‫حفظنا وكلءتنا‪ ،‬فإذا جاء أمرنا بعذاب قومك بالغرق‪ ،‬وبدأ الطوفان‪،‬‬ ‫فنبع الاء بقوة من التنور ‪-‬وهو الكان الذي يبز فيه‪ -‬علمة على ميء‬ ‫العذاب‪ ,‬فأدخِلْ ف السفينة من كل الحياء ذكرًا وأنثى; ليبقى النسل‪،‬‬ ‫وأدخل أهلك إل مَ ِن استحق العذاب لكفره كزوجتك وابنك‪ ,‬ول‬ ‫تسألن ناة قومك الظالي‪ ،‬فإنم مغرقون ل مالة‪ .‬وف هذه الية إثبات‬ ‫صفة العي ل سبحانه با يليق به تعال دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬ ‫ك فَقُلْ اْلحَمْدُ لِلّ هِ الّذِي َنجّانَا‬ ‫ك عَلَى الْفُ ْل ِ‬ ‫ت وَمَ نْ مَ َع َ‬ ‫َفإِذَا ا ْسَت َويْتَ َأْن َ‬ ‫‪1131‬‬

‫مِنْ الْ َقوْمِ الظّالِ ِميَ (‪)28‬‬ ‫فإذا علوت السفينة مستقرًا عليها أنت ومن معك آمني من الغرق‪ ،‬فقل‪:‬‬ ‫المد ل الذي نّانا من القوم الكافرين‪.‬‬ ‫وَقُ ْل رَبّ أَن ِزْلنِي ُمنْزَ ًل ُمبَارَكا َوَأنْتَ َخيْ ُر الْمُ ِنِليَ (‪)29‬‬ ‫وقل‪ :‬رب يسّر ل النول البارك المن‪ ،‬وأنت خي النلي‪ .‬وف هذا‬ ‫تعليم من ال عز وجل لعباده إذا نزلوا أن يقولوا هذا‪.‬‬ ‫ت وَِإنْ ُكنّا لَ ُمْبتَِليَ (‪)30‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِكَ ليَا ٍ‬ ‫إن ف إناء الؤمني وإهلك الكافرين لَدللت واضحات على صدق‬ ‫رسل ال فيما جاؤوا به من ال‪ ،‬وإن كنا لختبين المم بإرسال الرسل‬ ‫إليهم قبل وقوع العقوبة بم‪.‬‬ ‫ثُمّ أَنشَ ْأنَا مِنْ بَ ْعدِهِ ْم قَرْنا آ َخرِينَ (‪)31‬‬ ‫ث أنشأنا من بعد قوم نوح جيل آخر هم قوم عاد‪.‬‬ ‫‪1132‬‬

‫َفَأرْ سَ ْلنَا فِيهِ ْم رَ سُولً ِمْنهُ مْ أَ نْ ا ْعبُدُوا اللّ هَ مَا لَكُ مْ مِ نْ ِإلَ هٍ َغيْرُ هُ أَفَل‬

‫َتتّقُونَ (‪)32‬‬

‫فأرسلنا فيهم رسول منهم هو هود عليه السلم‪ ،‬فقال لم‪ :‬اعبدوا ال‬ ‫وحده ليس لكم معبود بق غيه‪ ،‬أفل تافون عقابه إذا عبدت غيه؟‬ ‫وَقَالَ الْمَل مِ ْن َقوْمِ هِ الّذِي نَ كَفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِلِقَاءِ ال ِخرَةِ وََأْترَ ْفنَاهُ ْم فِي‬ ‫ب مِمّا‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا مَا هَذَا إِلّ َبشَرٌ ِمْثلُكُ مْ يَأْكُلُ ِممّا تَأْكُلُو نَ ِمنْ ُه َويَشْ َر ُ‬ ‫الْ َ‬ ‫َتشْ َربُونَ (‪)33‬‬ ‫وقال الشراف والوجهاء من قومه الذين كفروا بال‪ ,‬وأنكروا الياة‬ ‫الخرة‪ ,‬وأطغاهم ما أُنعم به عليهم ف الدنيا من ترف العيش‪ :‬ما هذا‬ ‫الذي يدعوكم إل توحيد ال تعال إل بشر مثلكم يأكل من جنس‬ ‫طعامكم‪ ,‬ويشرب من جنس شرابكم‪.‬‬ ‫َوَلئِنْ َأطَ ْعتُ ْم َبشَرا ِمثْلَ ُكمْ ِإنّكُمْ إِذا َلخَاسِرُونَ (‪)34‬‬

‫‪1133‬‬

‫ولئن اتبعتم فردًا مثلكم إنكم إذًا لاسرون بترككم آلتكم واتباعكم‬ ‫إياه‪.‬‬ ‫َأيَعِدُكُمْ َأنّكُمْ ِإذَا ِمتّ ْم وَكُنتُمْ تُرَابا وَعِظَاما َأنّكُ ْم ُمخْرَجُونَ (‪)35‬‬ ‫كيف تُصَدّقون ما يَعِدُكم به من أنكم إذا متّم‪ ،‬وصرت ترابًا وعظامًا‬ ‫مفتتة‪ُ ،‬تخْرَجون من قبوركم أحياء؟‬ ‫ت لِمَا تُوعَدُونَ (‪)36‬‬ ‫َهْيهَاتَ َهْيهَا َ‬ ‫بعيد حقًا ما توعدون به أيها القوم من أنكم بعد موتكم ُتخْرَجون أحياء‬ ‫من قبوركم‪.‬‬ ‫حيَا وَمَا َنحْنُ بِ َمبْعُوِثيَ (‪)37‬‬ ‫ت َونَ ْ‬ ‫ِإنْ هِيَ إِلّ َحيَاتُنَا ال ّدْنيَا نَمُو ُ‬ ‫ما حياتنا إل ف هذه الدنيا‪ ،‬يوت الباء منا وييا البناء‪ ،‬وما نن‬ ‫بخرجي أحياء مرة أخرى‪.‬‬ ‫ِإنْ ُهوَ إِ ّل رَجُلٌ ا ْفتَرَى عَلَى الّلهِ كَذِبا وَمَا َنحْنُ َلهُ بِ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)38‬‬ ‫‪1134‬‬

‫وما هذا الداعي لكم إل اليان إل رجل اختلق على ال كذبًا‪ ,‬ولسنا‬ ‫بصدقي ما قاله لنا‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ انصُ ْرنِي بِمَا كَ ّذبُونِ (‪)39‬‬ ‫فدعا رسولم ربه قائل رب انصرن عليهم بسبب تكذيبهم ل‪.‬‬ ‫صبِحُنّ نَادِ ِميَ (‪)40‬‬ ‫قَالَ َعمّا قَلِي ٍل َليُ ْ‬ ‫وقال ال ميبًا لدعوته‪ :‬عمّا قليل ليصبحُنّ نادمي‪ ,‬أي‪ :‬بعد زمن قريب‬ ‫سيصي هؤلء الكذبون نادمي‪.‬‬ ‫حةُ بِالْحَقّ َفجَعَ ْلنَاهُمْ ُغثَاءً َفبُعْدا لِلْ َقوْمِ الظّالِ ِميَ (‪)41‬‬ ‫صيْ َ‬ ‫َفأَخَ َذْتهُ ْم ال ّ‬ ‫ول يلبثوا أن جاءتم صيحة شديدة مع ريح‪ ،‬أهلكهم ال با‪ ،‬فماتوا‬ ‫جيعًا‪ ،‬وأصبحوا كغثاء السيل الذي يطفو على الاء‪ ،‬فهلكًا لؤلء‬ ‫الظالي وبُعْدًا لم من رحة ال‪ ,‬فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولم‪،‬‬ ‫فيحل بم ما حل بسابقيهم‪.‬‬

‫‪1135‬‬

‫ثُمّ أَنشَ ْأنَا مِنْ بَ ْعدِهِ ْم قُرُونا آخَرِي َن (‪)42‬‬ ‫ث أنشأنا من بعد هؤلء الكذبي أمًا وخلئق آخرين كأقوام‪ :‬لوط‬ ‫وشعيب وأيوب ويونس صلوات ال وسلمه عليهم أجعي‪.‬‬ ‫ستَأْ ِخرُونَ (‪)43‬‬ ‫سبِقُ مِنْ أُ ّمةٍ أَجََلهَا وَمَا َي ْ‬ ‫مَا َت ْ‬ ‫ما تتقدم أي أمة من هذه المم الكذبة الوقت الحدد للكها‪ ،‬ول‬ ‫تتأخر عنه‪.‬‬ ‫ضهُ مْ‬ ‫ثُمّ َأرْ َس ْلنَا رُ سَُلنَا َتتْرَى كُلّ مَا جَاءَ أُ ّمةً َر سُوُلهَا كَ ّذبُو هُ َفَأْتبَعْنَا بَعْ َ‬ ‫ث َفبُعْدا لِ َقوْمٍ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)44‬‬ ‫بَعْضا َوجَعَ ْلنَاهُمْ أَحَادِي َ‬ ‫ث أرسلنا رسلنا إل تلك المم يتبع بعضهم بعضًا‪ ،‬كلما دعا رسول أمته‬ ‫كذبوه‪ ,‬فأتبعنا بعضهم بعضًا باللك والدمار‪ ،‬ول َيبْقَ إل أخبار‬ ‫هلكهم‪ ،‬وجعلناها أحاديث لن بعدهم‪ ,‬يتخذونا عبة‪ ،‬فهلكًا و ُسحْقًا‬ ‫لقوم ل يصدقون الرسل ول يطيعونم‪.‬‬ ‫ثُمّ َأرْ َس ْلنَا مُو سَى وََأخَا هُ هَارُو نَ بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَانٍ ُمبِيٍ (‪ِ )45‬إلَى‬ ‫‪1136‬‬

‫فِرْ َع ْونَ وَمََلِئهِ فَا ْستَ ْكبَرُوا وَكَانُوا َقوْما عَالِيَ (‪)46‬‬ ‫ث أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا التسع وهي‪ :‬العصا واليد والراد‬ ‫والقُمّل والضفادع والدم والطوفان والسنون ونقص من الثمرات‪ ,‬حجةً‬ ‫بيّنة تقهر القلوب فتنقاد لا قلوب الؤمني‪ ,‬وتقوم الجة على العاندين‪,‬‬ ‫أرسلناها إل فرعون حاكم "مصر" وأشراف قومه‪ ،‬فاستكبوا عن‬ ‫اليان بوسى وأخيه‪ ،‬وكانوا قومًا متطاولي على الناس قاهرين لم‬ ‫بالظلم‪.‬‬ ‫َفقَالُوا َأُنؤْمِنُ ِلَبشَ َريْنِ ِمثِْلنَا وََقوْ ُمهُمَا َلنَا عَابِدُونَ (‪)47‬‬ ‫فقالوا‪ :‬أنصدّق فَرْ َديْن مثلنا‪ ،‬وقومهما من بن إسرائيل تت إمرتنا‬ ‫مطيعون متذللون لنا؟‬ ‫َفكَ ّذبُوهُمَا َفكَانُوا مِ ْن الْ ُمهْلَ ِكيَ (‪)48‬‬ ‫فكذبوها فيما جاءا به‪ ،‬فكانوا من الهلكي بالغرق ف البحر‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ لَعَّلهُ ْم َي ْهتَدُونَ (‪)49‬‬ ‫‪1137‬‬

‫ولقد آتينا موسى التوراة؛ ليهتدي با قومه إل الق‪.‬‬ ‫ت قَرَارٍ وَمَ ِعيٍ (‪)50‬‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا ابْنَ مَ ْريَ َم وَأُ ّمهُ آَي ًة وَآ َوْينَاهُمَا ِإلَى َرْبوَةٍ ذَا ِ‬ ‫وجعلنا عيسى بن مري وأمه علمة دالة على قدرتنا؛ إذ خلقناه من غي‬ ‫أب‪ ،‬وجعلنا لما مأوى ف مكان مرتفع من الرض‪ ،‬متسوٍ للستقرار‬ ‫عليه‪ ،‬فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنْ ال ّطّيبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحا ِإنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِي ٌم (‬ ‫‪)51‬‬ ‫يا أيها الرسل كلوا من طيب الرزق اللل‪ ،‬واعملوا العمال الصالة‪,‬‬ ‫إن با تعملون عليم‪ ,‬ل يفى عليّ شيء من أعمالكم‪ .‬والطاب ف‬ ‫الية عام للرسل‪ -‬عليهم السلم‪ -‬وأتباعهم‪ ،‬وف الية دليل على أن‬ ‫أكل اللل عون على العمل الصال‪ ،‬وأن عاقبة الرام وخيمة‪ ,‬ومنها‬ ‫رد الدعاء‪.‬‬ ‫وَِإنّ َهذِهِ أُ ّمتُكُمْ أُ ّمةً وَاحِدَ ًة وََأنَا َربّكُ ْم فَاتّقُونِ (‪)52‬‬ ‫‪1138‬‬

‫وإنّ دينكم‪ -‬يا معشر النبياء‪ -‬دين واحد وهو السلم‪ ,‬وأنا ربكم‬ ‫فاتقون بامتثال أوامري واجتناب زواجري‪.‬‬ ‫ب بِمَا لَ َدْيهِ ْم فَ ِرحُونَ (‪)53‬‬ ‫َفتَقَطّعُوا أَمْرَهُ ْم َبْيَنهُمْ ُزبُرا كُلّ حِزْ ٍ‬ ‫فتفرّق التباع ف الدين إل أحزاب وشيع‪ ،‬جعلوا دينهم أديانًا بعدما‬ ‫أُمروا بالجتماع‪ ،‬كل حزب معجب برأيه زاعم أنه على الق وغيه‬ ‫على الباطل‪ .‬وف هذا تذير من التحزب والتفرق ف الدين‪.‬‬ ‫َف َذرْهُمْ فِي َغمْ َرِتهِمْ َحتّى ِحيٍ (‪)54‬‬ ‫فاتركهم ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف ضللتهم وجهلهم بالق إل أن ينل‬ ‫العذاب بم‪.‬‬ ‫ُمم فِي‬ ‫ع َله ْ‬ ‫ِنم مَالٍ َوَبنِيَ (‪ )55‬نُسمَارِ ُ‬ ‫ِهم م ْ‬ ‫ُمم ب ِ‬ ‫ْسمُونَ َأنّمَا نُ ِمدّه ْ‬ ‫َأَيح َب‬ ‫ت بَل ل َيشْعُرُونَ (‪)56‬‬ ‫خيْرَا ِ‬ ‫الْ َ‬

‫‪1139‬‬

‫أيظن هؤلء الكفار أن ما ندّهم به من أموال وأولد ف الدنيا هو تعجيلُ‬ ‫خ ٍي لم يستحقونه؟ إنا نعجل لم الي فتنة لم واستدراجًا‪ ,‬ولكنهم ل‬ ‫ُيحِسّون بذلك‪.‬‬ ‫شَيةِ َرّبهِمْ ُمشْفِقُونَ (‪)57‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن هُمْ مِنْ َخ ْ‬ ‫إنّ الذين هم من خشية ربم مشفقون وَجِلون ما خوّفهم ال تعال به‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ هُ ْم بِآيَاتِ َرّبهِمْ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)58‬‬ ‫والذين هم يصدّقون بآيات ال ف القرآن‪ ،‬ويعملون با‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ هُ ْم بِ َرّبهِمْ ل ُيشْرِكُونَ (‪)59‬‬ ‫والذين هم يلصون العبادة ل وحده‪ ،‬ول يشركون به غيه‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ ُي ْؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوُبهُمْ وَجَِلةٌ َأّنهُمْ ِإلَى َرّبهِمْ رَاجِعُونَ (‪)60‬‬

‫‪1140‬‬

‫والذين يتهدون ف أعمال الي والب‪ ,‬وقلوبم خائفة أل تُقبل أعمالم‪،‬‬ ‫وأل تنجيهم من عذاب ربم إذا رجعوا إليه للحساب‪.‬‬ ‫خيْرَاتِ وَهُ ْم َلهَا سَابِقُونَ (‪)61‬‬ ‫ك ُيسَارِعُونَ فِي اْل َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك الجتهدون ف الطاعة‪ ,‬دأبم السارعة إل كل عمل صال‪ ،‬وهم‬ ‫إل اليات سابقون‪.‬‬ ‫ب يَنطِقُ بِاْلحَقّ وَهُمْ ل يُظْلَمُونَ‬ ‫وَل نُ َكلّفُ نَفْسا إِلّ وُ ْس َعهَا َولَ َدْينَا ِكتَا ٌ‬ ‫(‪)62‬‬ ‫ول نكلف عبدًا من عبادنا إل با يسعه العمل به‪ ,‬وأعمالم مسطورة‬ ‫عندنا ف كتاب إحصاء العمال الذي ترفعه اللئكة ينطق بالق عليهم‪،‬‬ ‫ول يُظْلم أحد منهم‪.‬‬ ‫ُمملَهَا‬ ‫ِكم ه ْ‬ ‫ُونم َذل َ‬ ‫ِنم د ِ‬ ‫ُممأَ ْعمَالٌ م ْ‬ ‫ِنم هَذَا َولَه ْ‬ ‫ُمم فِي غَ ْمرَةٍ م ْ‬ ‫بَلْ قُلُوُبه ْ‬ ‫عَامِلُونَ (‪)63‬‬

‫‪1141‬‬

‫لكن قلوب الكفار ف ضلل غامر عن هذا القرآن وما فيه‪ ،‬ولم مع‬ ‫شركهم أعمال سيئة‪ ،‬يُمْهلهم ال ليعملوها‪ ،‬فينالوا غضب ال وعقابه‪.‬‬ ‫َحتّى إِذَا أَخَ ْذنَا ُمتْرَفِيهِ ْم بِالْعَذَابِ إِذَا هُ ْم َيجْأَرُونَ (‪)64‬‬ ‫حت إذا أخذنا الترفي وأهل البطر منهم بعذابنا‪ ,‬إذا هم يرفعون أصواتم‬ ‫يتضرعون مستغيثي‪.‬‬ ‫ل َتجْأَرُوا اْليَوْمَ ِإنّكُ ْم ِمنّا ل تُنصَرُونَ (‪)65‬‬ ‫فيقال لم‪ :‬ل تصرخوا‪ ،‬ول تستغيثوا اليوم‪ ،‬إنكم ل تستطيعون نصر‬ ‫أنفسكم‪ ،‬ول ينصركم أحد من عذاب ال‪.‬‬ ‫ت آيَاتِي ُتتْلَى عََليْكُ ْم فَكُنتُ ْم عَلَى أَعْقَابِكُ ْم تَنكِصُونَ (‪)66‬‬ ‫َقدْ كَانَ ْ‬ ‫قد كانت آيات القرآن تُقرأ عليكم؛ لتؤمنوا با‪ ،‬فكنتم تنفرون من‬ ‫ساعها والتصديق با‪ ،‬والعمل با كما يفعل الناكص على عقبيه برجوعه‬ ‫إل الوراء‪.‬‬

‫‪1142‬‬

‫ستَ ْكبِرِي َن ِبهِ سَامِرا َت ْهجُرُونَ (‪)67‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫تفعلون ذلك مستكبين على الناس بغي الق بسبب بيت ال الرام‪,‬‬ ‫تقولون‪ :‬نن أهله ل نُغْلَب فيه‪ ،‬وتتسامرون حوله بالسيّئ من القول‪.‬‬ ‫أَفَلَ ْم يَ ّدبّرُوا الْ َقوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَ ْأتِ آبَاءَهُمْ ا َل ّوِليَ (‪)68‬‬ ‫أفلم يتفكروا ف القرآن فيعرفوا صدقه‪ ،‬أم منعهم من اليان أنه جاءهم‬ ‫رسول وكتاب ل يأت أباءهم الولي مثله‪ ،‬فأنكروه وأعرضوا عنه؟‬ ‫أَمْ لَ ْم يَعْرِفُوا رَسُوَلهُمْ َفهُ ْم َلهُ مُنكِرُونَ (‪)69‬‬ ‫أم منعهم من اتباع الق أن رسولم ممدًا صلى ال عليه وسلم غي‬ ‫معروف عندهم‪ ،‬فهم منكرون له؟‬ ‫أَمْ يَقُولُونَ ِبهِ ِجّنةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقّ وَأَ ْكثَرُ ُهمْ لِ ْلحَقّ كَارِهُونَ (‪)70‬‬ ‫بل أحسبوه منونًا؟ لقد كذَبوا؛ فإنا جاءهم بالقرآن والتوحيد والدين‬ ‫الق‪ ,‬وأكثرهم كارهون للحق حسدًا وبغيًا‪.‬‬ ‫‪1143‬‬

‫َوَلوْ اّتبَ عَ اْلحَقّ أَ ْهوَاءَهُ مْ لَفَ سَدَتْ ال سّ َموَاتُ وَا َلرْ ضُ وَمَ نْ فِيهِنّ بَلْ‬

‫َأَتْينَاهُمْ ِبذِكْرِهِ ْم َفهُمْ عَنْ ذِكْرِ ِهمْ مُ ْع ِرضُونَ (‪)71‬‬

‫ولو شرع ال لم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والرض ومَن‬ ‫فيهن‪ ،‬بل أتيناهم با فيه عزهم وشرفهم‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬فهم عنه‬ ‫معرضون‪.‬‬ ‫أَمْ َتسَْأُلهُمْ َخرْجا َفخَرَاجُ َربّكَ َخيْ ٌر وَ ُهوَ َخيْرُ الرّازِِقيَ (‪)72‬‬ ‫بل أَمَنعهم من اليان أنك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬تسألم أجرًا على دعوتك‬ ‫لم فبخلوا؟ ل تفعل ذلك‪ ،‬فإن ما عند ال من الثواب والعطاء خي‪،‬‬ ‫وهو خي الرازقي‪ ،‬فل يَقدر أحد أن يَرزق مثل رزقه سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫ستَقِيمٍ (‪)73‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫وَِإنّكَ َلتَدْعُوهُمْ ِإلَى صِرَا ٍ‬ ‫وإنك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لتدعو قومك وغيهم إل دينٍ قوي‪ ،‬وهو دين‬ ‫السلم‪.‬‬

‫‪1144‬‬

‫وَِإنّ الّذِينَ ل ُيؤْ ِمنُونَ بِال ِخرَةِ عَنْ الصّرَاطِ َلنَا ِكبُونَ (‪)74‬‬ ‫وإن الذين ل يُصَدّقون بالبعث والساب‪ ،‬ول يعملون لما‪ ،‬عن طريق‬ ‫الدين القوي لائلون إل غيه‪.‬‬ ‫َوَلوْ رَحِ ْمنَاهُ مْ وَ َكشَفْنَا مَا ِبهِ ْم مِ نْ ضُ ّر لَلَجّوا فِي طُ ْغيَاِنهِ ْم يَعْ َمهُو نَ (‬ ‫‪)75‬‬ ‫ولو رحناهم وكشفنا عنهم ما بم مِن قحط وجوع لَتمادوا ف الكفر‬ ‫والعناد‪ ،‬يتحيّرون ويتخبطون‪.‬‬ ‫َولَقَدْ أَ َخ ْذنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا ا ْستَكَانُوا لِ َرّبهِمْ وَمَا َيتَضَرّعُونَ (‪)76‬‬ ‫ولقد ابتليناهم بصنوف الصائب فما خضعوا لربم‪ ,‬وما دعوه خاشعي‬ ‫عند نزولا‪.‬‬ ‫حنَا عََلْيهِ ْم بَابا ذَا َعذَابٍ شَدِيدٍ ِإذَا هُ ْم فِيهِ ُمبِْلسُونَ (‪)77‬‬ ‫َحتّى إِذَا َفَت ْ‬ ‫حت إذا فتحنا عليهم بابًا من العذاب الشديد ف الخرة‪ ،‬إذا هم فيه‬ ‫آيسون من كل خي‪ ،‬متحيون ل يدرون ما يصنعون‪.‬‬ ‫‪1145‬‬

‫ُونم (‬ ‫ل مَا َتشْكُر َ‬ ‫السممْ َع وَا َلبْصمَارَ وَالَ ْفئِدَ َة قَلِي ً‬ ‫ُمم ّ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي أَنشَأَ لَك ْ‬

‫‪)78‬‬

‫وهو الذي أنشأ لكم السمع لدراك السموعات‪ ،‬والبصار لدراك‬ ‫الرئيات‪ ،‬والفئدة لتفقهوا با‪ ,‬ومع ذلك فشكركم لذه النعم التوالية‬ ‫عليكم قليل ل يُذْكَر‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َذرَأَكُ ْم فِي ا َلرْضِ وَِإَلْيهِ ُتحْشَرُونَ (‪)79‬‬ ‫وهو الذي خلق جيع الناس ف الرض‪ ،‬وإليه تُحشرون بعد موتكم‪،‬‬ ‫فيجازيكم با عملتم من خي أو شر‪.‬‬ ‫ت َولَهُ ا ْختِلفُ الّليْلِ وَالنّهَارِ أَفَل تَعْقِلُونَ (‪)80‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي ُيحْيِ َويُمِي ُ‬ ‫وهو وحده الذي ييي من العدم‪ ،‬وييت بعد الياة‪ ,‬وله تعاقب الليل‬ ‫والنهار وتفاوتما‪ ,‬أفل تعقلون قدرته ووحدانيته؟‬ ‫بَلْ قَالُوا ِمثْلَ مَا قَالَ ا َل ّولُونَ (‪)81‬‬ ‫‪1146‬‬

‫لكن الكفار ل يصدقوا بالبعث‪ ،‬بل ردّدوا مقولة أسلفهم النكرين‪.‬‬ ‫قَالُوا َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا ُترَابا وَعِظَاما َأِئنّا لَ َمبْعُوثُونَ (‪)82‬‬ ‫قالوا‪ :‬أإذا متنا وتللت أجسامنا وعظامنا ف تراب الرض نيا مرة‬ ‫أُخرى؟ هذا ل يكون ول يُتصور‪.‬‬ ‫لَقَ ْد وُعِ ْدنَا َنحْنُ وَآبَا ُؤنَا هَذَا مِنْ َقبْلُ ِإنْ هَذَا إِلّ أَسَاطِيُ ا َلوِّليَ (‪)83‬‬ ‫لقد قيل هذا الكلم لبائنا من قبل‪ ,‬كما تقوله لنا يا ممد‪ ،‬فلم نره‬ ‫حقيقة‪ ,‬ما هذا إل أباطيل الولي‪.‬‬ ‫قُ ْل لِمَنْ ا َلرْضُ وَمَنْ فِيهَا ِإنْ كُنتُمْ تَعَْلمُونَ (‪)84‬‬ ‫قل لم‪ :‬لن هذه الرض ومَن فيها إن كان لديكم علم؟‬ ‫َسيَقُولُونَ لِّلهِ قُلْ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)85‬‬

‫‪1147‬‬

‫سيعترفون حتمًا بأنا ل‪ ،‬هو خالقها ومالكها‪ ،‬قل لم‪ :‬أل يكون لكم‬ ‫ف ذلك تذكّر بأنه قادر على البعث والنشور؟‬ ‫ب الْعَ ْرشِ الْعَظِيمِ (‪)86‬‬ ‫سبْعِ َورَ ّ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ب السّ َموَا ِ‬ ‫قُ ْل مَنْ رَ ّ‬ ‫قل مَن رب السموات السبع ورب العرش العظيم‪ ,‬الذي هو أعظم‬ ‫الخلوقات وأعلها؟‬ ‫َسيَقُولُونَ لِّلهِ قُلْ أَفَل َتتّقُونَ (‪)87‬‬ ‫سيقولون حتمًا‪ :‬هو ال‪ ،‬فقل لم‪ :‬أفل تافون عذابه إذا عبدت غيه؟‬ ‫ُمم‬ ‫ِنم كُنت ْ‬ ‫ْهم إ ْ‬ ‫ُوتم كُلّ شَ ْي ٍء وَ ُهوَ ُيجِيُ وَل ُيجَارُ عََلي ِ‬ ‫ِهم مَلَك ُ‬ ‫َنم ِبيَد ِ‬ ‫قُ ْل م ْ‬ ‫تَعْلَمُونَ (‪)88‬‬ ‫قل ‪ :‬مَن مالك كل شيء ومَن بيده خزائن كل شيء‪ ،‬ومَن يي مَ ِن‬ ‫استجار به‪ ،‬ول يقدر أحد أن يُجي ويمي مَن أراد ال إهلكه‪ ،‬ول‬ ‫يدفع الشر الذي قدّره ال‪ ،‬إن كنتم تعلمون ذلك؟‬

‫‪1148‬‬

‫َسيَقُولُونَ لِّلهِ قُلْ فََأنّا ُتسْحَرُونَ (‪)89‬‬ ‫سيجيبون‪ :‬بأن ذلك كلّه ل‪ ,‬قل لم‪ :‬كيف تذهب عقولكم وُتخْدَعون‬ ‫وتُصْرفون عن توحيد ال وطاعته‪ ،‬وتصديق أمر البعث والنشور؟‬ ‫بَلْ َأَتْينَاهُمْ بِالْحَقّ وَِإّنهُ ْم لَكَا ِذبُونَ (‪)90‬‬ ‫بل أتينا هؤلء النكرين بالق فيما أرسلنا به ممدًا صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫وإنم لَكاذبون ف شركهم وإنكارهم البعث‪.‬‬ ‫مَا اّتخَذَ اللّ هُ مِ نْ َولَدٍ وَمَا كَا نَ مَعَ هُ مِ نْ ِإلَ هٍ إِذا لَذَهَ بَ كُلّ ِإلَ هٍ بِمَا خَلَ قَ‬ ‫ضهُ ْم عَلَى بَعْضٍ ُسْبحَانَ الّلهِ َعمّا يَصِفُونَ (‪)91‬‬ ‫َولَعَل بَعْ ُ‬ ‫ل يعل ال لنفسه ولدًا‪ ،‬ول يكن معه من معبود آخر; لنه لو كان ثة‬ ‫أكثر مِن معبود لنفرد كل معبود بخلوقاته‪ ،‬ولكان بينهم مغالبة كشأن‬ ‫ملوك الدنيا‪ ،‬فيختلّ نظام الكون‪ ،‬تنّه ال سبحانه وتعال وتقدّس عن‬ ‫وصفهم له بأن له شريكًا أو ولدًا‪.‬‬ ‫شهَادَ ِة َفتَعَالَى عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)92‬‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫عَالِمِ الْ َغيْ ِ‬ ‫‪1149‬‬

‫هو وحده يعلم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه‪ ،‬فتنّه ال تعال عن‬ ‫الشريك الذي يزعمون‪.‬‬ ‫قُ ْل رَبّ إِمّ ا تُ ِرَينّ ي مَا يُوعَدُو نَ (‪ )93‬رَبّ فَل َتجْعَلْنِي فِي الْ َقوْ مِ‬

‫الظّالِ ِميَ (‪)94‬‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬ربّ إما ترينّي ف هؤلء الشركي ما تَ ِعدُهم مِن‬ ‫عذابك فل تلكن با تلكهم به‪ ،‬ونن من عذابك وسخطك‪ ،‬فل‬ ‫تعلن ف القوم الشركي الظالي‪ ،‬ولكن اجعلن من رضيتَ عنهم‪.‬‬ ‫ك مَا نَعِدُ ُهمْ لَقَا ِدرُونَ (‪)95‬‬ ‫وَِإنّا َعلَى َأنْ نُ ِريَ َ‬ ‫وإننا لَقادرون على أن نريك ما نَعِدُهم من العذاب‪.‬‬ ‫سّيَئةَ َنحْنُ أَعْلَ ُم بِمَا يَصِفُونَ (‪)96‬‬ ‫ا ْدفَعْ بِاّلتِي هِيَ َأ ْحسَنُ ال ّ‬ ‫إذا أساء إليك أعداؤك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بالقول أو الفعل فل تقابلهم‬ ‫بالساءة‪ ،‬ولكن ادفع إساءتم بالحسان منك إليهم‪ ،‬نن أعلم با يصفه‬ ‫هؤلء الشركون من الشرك والتكذيب‪ ،‬وسنجازيهم عليه أسوأ الزاء‪.‬‬ ‫‪1150‬‬

‫ك رَبّ أَ نْ‬ ‫شيَا ِطيِ (‪ )97‬وَأَعُو ُذ بِ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ك مِ ْن هَمَزَا ِ‬ ‫وَقُ ْل رَبّ أَعُو ُذ بِ َ‬ ‫َيحْضُرُونِ (‪)98‬‬ ‫وقل ‪ -‬أيها النب ‪ :-‬رب أستجي بك من إغواء الشياطي ووسوستها‪,‬‬ ‫الغرية على الباطل والفساد والصد عن الق‪ ،‬وأستجي بك‪ -‬يا رب‪-‬‬ ‫مِن حضورهم ف شيء من أموري‪.‬‬ ‫ب ارْجِعُونِ (‪)99‬‬ ‫ت قَالَ رَ ّ‬ ‫َحتّى إِذَا جَاءَ أَ َحدَهُ ْم الْ َموْ ُ‬ ‫يب ال تعال عن حال الحتضر من الكافرين أو الفرطي ف أمره تعال‪،‬‬ ‫حت إذا أشرف على الوت‪ ،‬وشاهد ما أُ ِعدّ له من العذاب قال‪ :‬رب‬ ‫ردّون إل الدنيا‪.‬‬ ‫لَعَلّي أَعْمَ ُل صَالِحا فِيمَا تَرَكْ تُ َكلّ ِإّنهَا كَلِ َمةٌ ُه َو قَائُِلهَا وَمِ ْن َورَاِئهِ مْ‬ ‫بَ ْر َزخٌ ِإلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُونَ (‪)100‬‬ ‫ت من اليان والطاعة‪ .‬ليس له ذلك‪ ،‬فل ياب‬ ‫لعلي أستدرك ما ضيّعْ ُ‬ ‫إل ما طلب ول يُ ْمهَل‪ .‬فإنا هي كلمة هو قائلها قول ل ينفعه‪ ،‬وهو فيه‬ ‫‪1151‬‬

‫غي صادق‪ ،‬فلو رُ ّد إل الدنيا لعاد إل ما نُهي عنه‪ ،‬وسيبقى التوفّون ف‬ ‫الاجز والبَرْزخ الذي بي الدنيا والخرة إل يوم البعث والنشور‪.‬‬ ‫َفإِذَا نُفِ َخ فِي الصّورِ فَل أَنسَابَ َبْيَنهُ ْم َيوْ َمئِذٍ وَل َيَتسَاءَلُونَ (‪)101‬‬ ‫فإذا كان يوم القيامة‪ ،‬ونفخ الَلَك الكلّف ف "القرن"‪ ،‬وبُعِثَ الناس من‬ ‫قبورهم‪ ،‬فل تَفاخُ َر بالنساب حينئذ كما كانوا يفتخرون با ف الدنيا‪,‬‬ ‫ول يسأل أحد أحدًا‪.‬‬ ‫َفمَنْ ثَقَُلتْ َموَازِيُنهُ فَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الْمُفِْلحُونَ (‪)102‬‬ ‫فمن كثرت حسناته وثَقُلَتْ با موازين أعماله عند الساب‪ ،‬فأولئك هم‬ ‫الفائزون بالنة‪.‬‬ ‫سهُ ْم فِي َج َهنّمَ خَالِدُونَ (‬ ‫ك الّذِينَ خَسِرُوا أَنفُ َ‬ ‫ت َموَازِينُهُ َفُأوَْلئِ َ‬ ‫وَمَنْ خَفّ ْ‬

‫‪)103‬‬

‫ومن قَلّتْ حسناته ف اليزان‪ ،‬ورجحت سيئاته‪ ،‬وأعظمها الشرك‪،‬‬ ‫فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم‪ ،‬ف نار جهنم خالدون‪.‬‬ ‫‪1152‬‬

‫تَلْ َفحُ ُوجُو َههُمْ النّارُ وَهُ ْم فِيهَا كَاِلحُونَ (‪)104‬‬ ‫َتحْرقُ النار وجوههم‪ ،‬وهم فيها عابسون تَقَلّصَتْ شفاههم‪ ،‬وبرزت‬ ‫أسنانم‪.‬‬ ‫َألَمْ تَكُنْ آيَاتِي ُتتْلَى َعَليْكُمْ فَكُنتُ ْم ِبهَا تُ َك ّذبُونَ (‪)105‬‬ ‫يقال لم‪ :‬أل تكن آيات القرآن تتلى عليكم ف الدنيا‪ ،‬فكنتم با‬ ‫تكذبون؟‬ ‫قَالُوا َرّبنَا َغَلبَتْ َعَلْينَا شِ ْق َوُتنَا وَ ُكنّا َقوْما ضَاّليَ (‪)106‬‬ ‫لا بلّغتهم رسلهم وأنذرتم قالوا يوم القيامة‪ :‬ربنا غلبت علينا لذاتنا‬ ‫وأهواؤنا القدّرة علينا ف سابق علمك‪ ،‬وكنا ف فعلنا ضالي عن الدى‪.‬‬ ‫َرّبنَا َأخْ ِر ْجنَا ِمْنهَا َفِإنْ عُ ْدنَا َفِإنّا ظَالِمُونَ (‪)107‬‬ ‫ربنا أخرجنا من النار‪ ،‬وأعدنا إل الدنيا‪ ،‬فإن رجعنا إل الضلل فإنا‬ ‫ظالون نستحق العقوبة‪.‬‬ ‫‪1153‬‬

‫سئُوا فِيهَا وَل تُكَلّمُونِ (‪)108‬‬ ‫قَالَ ا ْخ َ‬ ‫قال ال عز وجل لم‪ :‬امكثوا ف النار أذلء ول تاطبون‪ .‬فانقطع عند‬ ‫ذلك دعاؤهم ورجاؤهم‪.‬‬ ‫ِإّنهُ كَانَ فَرِيقٌ مِ ْن ِعبَادِي يَقُولُونَ َرّبنَا آ َمنّا فَاغْفِرْ َلنَا وَارْحَ ْمنَا وََأْنتَ َخيْرُ‬

‫الرّاحِ ِميَ (‪)109‬‬

‫إنه كان فريق من عبادي‪ -‬وهم الؤمنون‪ -‬يَدْعون‪ :‬ربنا آمنا فاستر‬ ‫ذنوبنا‪ ،‬وارحنا‪ ،‬وأنت خي الراحي‪.‬‬ ‫ضحَكُو نَ (‬ ‫سوْكُمْ ذِ ْكرِي وَكُنتُ مْ ِمْنهُ مْ تَ ْ‬ ‫فَاّتخَ ْذتُمُوهُ ْم ِسخْ ِريّا َحتّ ى أَن َ‬ ‫‪)110‬‬ ‫فاشتغلتم بالستهزاء بم حت نسيتم ذكر ال‪ ,‬فبقيتم على تكذيبكم‪،‬‬ ‫وقد كنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء‪.‬‬ ‫صَبرُوا َأّنهُمْ ُهمْ الْفَائِزُونَ (‪)111‬‬ ‫ِإنّي جَ َزْيُتهُمْ اْلَيوْمَ بِمَا َ‬ ‫‪1154‬‬

‫إن جزيت هذا الفريق من عبادي الؤمني الفوز بالنة؛ بسبب صبهم‬ ‫على الذى وطاعة ال‪.‬‬ ‫قَالَ َكمْ َلِبْثتُمْ فِي ا َلرْضِ َعدَدَ ِسِنيَ (‪)112‬‬ ‫وُيسْألُ الشقياء ف النار‪ :‬كم بقيتم ف الدنيا من السني؟ وكم ضيّعتم‬ ‫فيها من طاعة ال؟‬ ‫ض َيوْمٍ فَاسْأَ ْل الْعَادّينَ (‪)113‬‬ ‫قَالُوا َلِبْثنَا َيوْما َأوْ بَعْ َ‬ ‫قالوا لِهول الوقف وشدة العذاب‪ :‬بقينا فيها يومًا أو بعض يوم‪ ،‬فاسأل‬ ‫لسّاب الذين يعدّون الشهور واليام‪.‬‬ ‫اُ‬ ‫ل َلوْ َأنّ ُكمْ كُنتُ ْم تَعْلَمُونَ (‪)114‬‬ ‫قَالَ ِإنْ َلِبْثتُمْ إِ ّل قَلِي ً‬ ‫قال لم‪ :‬ما لبثتم إل وقتًا قليل لو صبت فيه على طاعة ال لفزت بالنة‪،‬‬ ‫لو كان عندكم علم بذلك؛ وذلك لن مدة مكثهم ف الدنيا قليلة جدا‬ ‫بالنسبة إل طول مدتم خالدين ف النار‪.‬‬

‫‪1155‬‬

‫حسِْبتُمْ َأنّمَا خَلَ ْقنَاكُ ْم َعبَثا وََأنّكُمْ ِإَلْينَا ل ُترْجَعُونَ (‪)115‬‬ ‫أََف َ‬ ‫أفحسبتم‪ -‬أيها اللق‪ -‬أنا خلقناكم مهملي‪ ,‬ل أمر ول ني ول ثواب‬ ‫ول عقاب‪ ،‬وأنكم إلينا ل ترجعون ف الخرة للحساب والزاء؟‬ ‫ك الْحَقّ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو رَبّ الْعَ ْرشِ الْكَ ِريِ (‪)116‬‬ ‫َفتَعَالَى الّلهُ الْمَلِ ُ‬ ‫فتعال ال اللك التصرف ف كل شيء‪ ،‬الذي هو حق‪ ،‬ووعده حق‪،‬‬ ‫ووعيده حق‪ ،‬وكل شيء منه حق‪ ،‬وتَقَدّس عن أن يلق شيئًا عبثًا أو‬ ‫سفهًا‪ ،‬ل إله غيه ربّ العرشِ الكريِ‪ ،‬الذي هو أعظم الخلوقات‪.‬‬ ‫وَمَ نْ َيدْ عُ مَ عَ اللّ هِ ِإلَها آخَ َر ل ُبرْهَا نَ لَ هُ بِ هِ َفِإنّمَا حِ سَاُبهُ ِعنْدَ َربّ هِ ِإنّ هُ ل‬

‫يُفْلِ ُح الْكَافِرُونَ (‪)117‬‬

‫ومن يعبد مع ال الواحد إلًا آخر‪ ،‬ل حجة له على استحقاقه العبادة‪،‬‬ ‫فإنا جزاؤه على عمله السيّئ عند ربه ف الخرة‪ .‬إنه ل فلح ول ناة‬ ‫للكافرين يوم القيامة‪.‬‬ ‫وَقُ ْل رَبّ اغْفِ ْر وَارْ َحمْ وََأْنتَ َخيْرُ الرّا ِح ِميَ (‪)118‬‬ ‫‪1156‬‬

‫ب تاوَزْ عن الذنوب وارحم؛ وأنت خي من رحم‬ ‫وقل‪ -‬أيها النب‪ :-‬ر ّ‬ ‫ذا ذنب‪ ،‬فقبل توبته ول يعاقبه على ذنبه‪.‬‬

‫‪ -24‬سورة النممور‬ ‫ت َبّينَاتٍ لَعَلّكُ ْم تَذَكّرُونَ (‪)1‬‬ ‫ضنَاهَا وَأَن َزْلنَا فِيهَا آيَا ٍ‬ ‫سُورَةٌ أَن َزْلنَاهَا وَفَ َر ْ‬ ‫هذه سورة عظيمة من القرآن أنزلناها‪ ,‬وأوجبنا العمل بأحكامها‪ ,‬وأنزلنا‬ ‫فيها دللت واضحات؛ لتتذكروا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بذه اليات البينات‪,‬‬ ‫وتعملوا با‪.‬‬ ‫الزّاِنَيةُ وَالزّانِي فَاجِْلدُوا كُلّ وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا مِائَةَ جَلْدَ ٍة وَل تَ ْأخُذْكُ مْ ِبهِمَا‬ ‫شهَدْ َعذَاَبهُمَا‬ ‫رَأَْفةٌ فِي دِي ِن اللّ هِ إِ نْ كُنتُ ْم ُتؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَالَْيوْ مِ الخِ ِر َوْليَ ْ‬ ‫طَائِ َفةٌ مِ ْن الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)2‬‬

‫الزانية والزان اللذان ل يسبق لما الزواج‪ ,‬عقوبةُ كل منهما مائة جلدة‬ ‫بالسوط‪ ,‬وثبت ف السنة مع هذا اللد التغريب لدة عام‪ .‬ول تملكم‬ ‫‪1157‬‬

‫الرأفة بما على ترك العقوبة أو تفيفها‪ ,‬إن كنتم مصدقي بال واليوم‬ ‫الخر عاملي بأحكام السلم‪ ،‬وليحضر العقوبةَ عدد من الؤمني;‬ ‫تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا‪.‬‬ ‫م َأوْ‬ ‫م إلّ زَاِنَيةً َأوْ ُمشْرِ َك ًة وَالزّاِنَيةُ ل يَن ِكحُهَما إِ ّل زَان ٍ‬ ‫الزّانِمي ل يَنكِح ُ‬ ‫ُمشْرِكٌ َوحُرّمَ َذلِكَ َعلَى الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)3‬‬ ‫الزان ل يرضى إل بنكاح زانية أو مشركة ل تُقِرّ برمة الزن‪ ،‬والزانية ل‬ ‫ترضى إل بنكاح زان أو مشرك ل يُ ِقرّ برمة الزن‪ ,‬أما العفيفون‬ ‫والعفيفات فإنم ل يرضون بذلك‪ ،‬و ُحرّم ذلك النكاح على الؤمني‪.‬‬ ‫وهذا دليل صريح على تري نكاح الزانية حت تتوب‪ ,‬وكذلك تري‬ ‫إنكاح الزان حت يتوب‪.‬‬ ‫صنَاتِ ُثمّ لَ مْ يَ ْأتُوا بَِأ ْربَ َعةِ ُشهَدَاءَ فَاجِْلدُوهُ ْم ثَمَاِنيَ‬ ‫وَالّذِي نَ َيرْمُو نَ الْ ُمحْ َ‬ ‫ك هُ ْم الْفَاسِقُونَ (‪)4‬‬ ‫جَ ْلدَةً وَل تَ ْقبَلُوا َلهُمْ َشهَادَةً َأبَدا وَُأوَْلئِ َ‬ ‫والذين يتهمون بالفاحشة أنفسًا عفيفة من النساء والرجال مِن دون أن‬ ‫يشهد معهم أربعة شهود عدول‪ ,‬فاجلدوهم بالسوط ثاني جلدة‪ ,‬ول‬ ‫تقبلوا لم شهادة أبدًا‪ ,‬وأولئك هم الارجون عن طاعة ال‪.‬‬ ‫‪1158‬‬

‫إِلّ الّذِينَ تَابُوا مِ ْن بَعْدِ َذلِكَ َوَأصَْلحُوا َفِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)5‬‬ ‫لكن مَن تاب ونَدم ورجع عن اتامه وأصلح عمله‪ ,‬فإن ال يغفر ذنبه‬ ‫ويرحه‪ ,‬ويقبل توبته‪.‬‬ ‫شهَادَةُ‬ ‫ُسمهُمْ َف َ‬ ‫ُمم ُشهَدَاءُ إِلّ أَنف ُ‬ ‫ُنمَله ْ‬ ‫َمم يَك ْ‬ ‫ُمم وَل ْ‬ ‫ُونمَأ ْزوَا َجه ْ‬ ‫ِينم يَرْم َ‬ ‫وَالّذ َ‬

‫سةُ َأنّ لَ ْعنَةَ‬ ‫ت بِاللّ هِ ِإنّ هُ لَمِ ْن ال صّادِِقيَ ( ‪ )6‬وَالْخَامِ َ‬ ‫َأحَدِهِ مْ َأ ْربَ عُ َشهَادَا ٍ‬ ‫اللّهِ َعَلْيهِ ِإنْ كَانَ مِنْ الْكَا ِذِبيَ (‪)7‬‬

‫والذين يرمون زوجاتم بالزن‪ ,‬ول يكن لم شهداء على اتامهم لنّ إل‬ ‫أنفسهم‪ ,‬فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله‪:‬‬ ‫أشهد بال أن صادق فيما رميتها به من الزن‪ ,‬ويزيد ف الشهادة‬ ‫الامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة ال إن كان كاذبًا ف قوله‪.‬‬ ‫شهَدَ َأ ْربَ عَ َشهَادَا تٍ بِاللّ هِ ِإنّ هُ لَمِ نْ الْكَا ِذِبيَ (‬ ‫َويَ ْدرَُأ َعنْهَا الْعَذَا بَ أَ نْ َت ْ‬ ‫ضبَ الّلهِ عََلْيهَا ِإنْ كَانَ مِنْ الصّادِِقيَ (‪)9‬‬ ‫سةَ َأنّ غَ َ‬ ‫‪ )8‬وَاْلخَا ِم َ‬

‫‪1159‬‬

‫وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزن‪ ،‬وهي الرجم حت الوت‪ ،‬ول‬ ‫يدفع عنها هذه العقوبة إل أن تشهد ف مقابل شهادته أربع شهادات‬ ‫بال إنه لكاذب ف اتامه لا بالزن‪ ،‬وتزيد ف الشهادة الامسة الدعوة‬ ‫على نفسها باستحقاقها غضب ال‪ ،‬إن كان زوجها صادقًا ف اتامه لا‪،‬‬ ‫وف هذه الال يفرق بينهما‪.‬‬ ‫َوَلوْل فَضْلُ الّلهِ عََليْ ُكمْ َورَحْ َمُت ُه وََأنّ اللّهَ َتوّابٌ حَكِيمٌ (‪)10‬‬ ‫ولول تفضّل ال عليكم ورحته‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بذا التشريع للزواج‬ ‫والزوجات‪ ،‬لحلّ بالكاذب من التلعني ما دعا به على نفسه‪ ،‬وأن ال‬ ‫تواب لن تاب مِن عباده‪ ،‬حكيم ف شرعه وتدبيه‪.‬‬ ‫سبُوهُ َشرّا لَكُ مْ بَ ْل ُهوَ َخْي ٌر‬ ‫صَبةٌ ِمنْ ُك ْم ل َتحْ َ‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫ِإنّ الّذِي نَ جَاءُوا بِالِ ْف ِ‬ ‫لَكُ مْ لِكُلّ ا ْمرِئٍ ِمْنهُ ْم مَا ا ْكتَ سَبَ مِ ْن ا ِلثْ مِ وَالّذِي َت َولّى ِكْبرَ هُ ِمْنهُ ْم لَ هُ‬ ‫ب عَظِيمٌ (‪)11‬‬ ‫عَذَا ٌ‬ ‫إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب‪ ،‬وهو اتام أم الؤمني عائشة رضي ال‬ ‫عنها بالفاحشة‪ ،‬جاعة منتسبون إليكم ‪ -‬معشر السلمي‪ -‬ل تسبوا‬ ‫قولم شرّا لكم‪ ,‬بل هو خي لكم‪ ،‬لا تضمن ذلك مِن تبئة أم الؤمني‬ ‫‪1160‬‬

‫ونزاهتها والتنويه بذكرها‪ ,‬ورفع الدرجات‪ ،‬وتكفي السيئات‪ ،‬وتحيص‬ ‫الؤمني‪ .‬لكل فرد تكلم بالفك جزاء فعله من الذنب‪ ،‬والذي تمّل‬ ‫معظمه‪ ،‬وهو عبد ال بن ُأبّ بن سلول كبي النافقي‪ -‬لعنه ال‪ -‬له‬ ‫عذاب عظيم ف الخرة‪ ،‬وهو اللود ف الدرك السفل من النار‪.‬‬ ‫سهِمْ َخيْرا وَقَالُوا َهذَا‬ ‫َلوْل ِإذْ سَمِ ْعتُمُوهُ ظَنّ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تُ بِأَنفُ ِ‬

‫إِ ْفكٌ ُمِبيٌ ( ‪)12‬‬

‫هل ظن الؤمنون والؤمنات بعضهم ببعض خيًا عند ساعهم ذلك‬ ‫الفك‪ ،‬وهو السلمة ما رموا به‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا كذب ظاهر على عائشة‬ ‫رضي ال عنها‪.‬‬ ‫شهَدَاءِ فَُأ ْوَلئِ كَ ِعنْ َد اللّ هِ‬ ‫َلوْل جَاءُوا عََليْ هِ بَِأ ْربَ َعةِ ُش َهدَاءَ َفإِذْ لَ ْم يَ ْأتُوا بِال ّ‬ ‫هُ ْم الْكَا ِذبُونَ (‪)13‬‬ ‫هل أتى القاذفون بأربعة شهود عدول على قولم‪ ،‬فحي ل يفعلوا ذلك‬ ‫فأولئك هم الكاذبون عند ال‪.‬‬

‫‪1161‬‬

‫َوَلوْل فَضْلُ اللّ هِ عََليْكُ مْ َورَحْ َمتُ هُ فِي ال ّدنْيَا وَالخِرَةِ لَمَ سّكُمْ فِي مَا‬ ‫ضُتمْ فِيهِ َعذَابٌ عَظِيمٌ ( ‪)14‬‬ ‫أَفَ ْ‬ ‫ولول فَضْ ُل ال عليكم ورحته لكم بيث شلكم إحسانه ف دينكم‬ ‫ودنياكم فلم يعجّل عقوبتكم‪ ،‬وتاب على مَن تاب منكم‪ ,‬لصابكم‬ ‫بسبب ما خضتم فيه عذاب عظيم‪.‬‬ ‫سبُوَنهُ‬ ‫سَنتِكُ ْم َوتَقُولُو نَ بَِأ ْفوَاهِكُ مْ مَا َليْ سَ لَكُ ْم بِ هِ عِلْ ٌم َوَتحْ َ‬ ‫إِذْ تََل ّق ْونَ هُ بَِألْ ِ‬ ‫َهيّنا وَ ُهوَ ِعنْ َد الّلهِ عَظِيمٌ (‪)15‬‬ ‫حي تتلقفون الفك وتتناقلونه بأفواهكم‪ ،‬وهو قول باطل‪ ،‬وليس‬ ‫عندكم به علم‪ ،‬وها مظوران‪ :‬التكلم بالباطل‪ ،‬والقول بل علم‪،‬‬ ‫وتظنون ذلك شيئًا هّينًا‪ ،‬وهو عند ال عظيم‪ .‬وف هذا زجر بليغ عن‬ ‫التهاون ف إشاعة الباطل‪.‬‬ ‫َوَلوْل إِ ْذ َسمِ ْعتُمُوهُ ُق ْلتُمْ مَا يَكُونُ َلنَا أَنْ َنتَكَلّ َم ِبهَذَا ُسْبحَانَكَ َهذَا ُب ْهتَانٌ‬

‫عَظِيمٌ (‪)16‬‬

‫‪1162‬‬

‫وهل قلتم عند ساعكم إياه‪ :‬ما َيحِلّ لنا الكلم بذا الكذب‪ ,‬تنيهًا لك‬ ‫ يارب ‪ -‬مِن قول ذلك على زوجة رسولك ممد صلى ال عليه‬‫وسلم‪ ،‬فهو كذب عظيم ف الوزر واستحقاق الذنب‪.‬‬ ‫يَعِظُ ُكمْ الّلهُ َأنْ تَعُودُوا لِ ِمثِْلهِ َأبَدا ِإنْ كُنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪)17‬‬ ‫يذكّركم ال وينهاكم أن تعودوا أبدًا لثل هذا الفعل من التام الكاذب‪،‬‬ ‫إن كنتم مؤمني به‪.‬‬ ‫ت وَالّلهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)18‬‬ ‫َوُيَبيّنُ الّلهُ لَكُمْ اليَا ِ‬ ‫ويبي ال لكم اليات الشتملة على الحكام الشرعية والواعظ‪ ،‬وال‬ ‫عليم بأفعالكم‪ ،‬حكيم ف شرعه وتدبيه‪.‬‬ ‫شةُ فِي الّذِي نَ آ َمنُوا َلهُ مْ عَذَا بٌ َألِي ٌم فِي‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُيحِبّو نَ أَ نْ َتشِي َع الْفَا ِح َ‬

‫ال ّدْنيَا وَال ِخرَةِ وَالّلهُ يَعْلَ ُم وََأْنتُمْ ل تَعْلَمُونَ (‪)19‬‬

‫إن الذين يبون شيوع الفاحشة ف السلمي من قَذْف بالزن أو أي قول‬ ‫سيّئ لم عذاب أليم ف الدنيا بإقامة الد عليهم‪ ،‬وغيه من البليا‬ ‫‪1163‬‬

‫الدنيوية‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب النار إن ل يتوبوا‪ ،‬وال‪ -‬وحده‪ -‬يعلم‬ ‫كذبم‪ ,‬ويعلم مصال عباده‪ ،‬وعواقب المور‪ ،‬وأنتم ل تعلمون ذلك‪.‬‬ ‫َوَلوْل فَضْلُ الّلهِ عََليْ ُكمْ َورَحْ َمُت ُه وََأنّ اللّهَ َرءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)20‬‬ ‫ولول فَضْ ُل ال على مَن وقع ف حديث الفك ورحته بم‪ ,‬وأن ال‬ ‫يرحم عباده الؤمني رحة واسعة ف عاجلهم وآجلهم‪ ,‬لا بيّن هذه‬ ‫الحكام والواعظ‪ ،‬ولَعاجل مَن خالف أمره بالعقوبة‪.‬‬ ‫َاتم‬ ‫ِعم خُ ُطو ِ‬ ‫َنم َيّتب ْ‬ ‫َانم وَم ْ‬ ‫شيْط ِ‬ ‫َاتم ال ّ‬ ‫ِينم آ َمنُوا ل َتّتبِعُوا خُ ُطو ِ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫شيْطَانِ َفِإنّهُ يَأْ ُمرُ بِالْ َفحْشَاءِ وَالْ ُمنْكَ ِر َوَلوْل فَضْلُ اللّهِ عََلْيكُ ْم َورَحْ َمتُهُ مَا‬ ‫ال ّ‬ ‫زَكَا ِمنْكُ مْ مِ نْ أَ َحدٍ َأبَدا َولَكِنّ اللّ هَ يُزَكّي مَ نْ َيشَاءُ وَاللّ هُ سَمِي ٌع عَلِي مٌ (‬ ‫‪)21‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تسلكوا طرق‬ ‫الشيطان‪ ،‬ومَن يسلك طرق الشيطان فإنه يأمره بقبيح الفعال ومنكراتا‪،‬‬ ‫ولول فَضْ ُل ال على الؤمني ورحته بم ما َطهُ َر منهم أحد أبدًا مِن‬ ‫دنس ذنبه‪ ،‬ولكن ال‪ -‬بفضله‪ -‬يطهر من يشاء‪ .‬وال سيع لقوالكم‪،‬‬ ‫عليم بنياتكم وأفعالكم‪.‬‬ ‫‪1164‬‬

‫وَل يَ ْأتَلِ ُأ ْولُوا الْفَضْلِ ِمنْ ُك مْ وَال سّ َعةِ أَ نْ ُي ْؤتُوا ُأ ْولِي الْقُرْبَى وَالْمَ سَا ِكيَ‬ ‫حبّو نَ أَ نْ يَغْ ِفرَ اللّ هُ‬ ‫وَالْ ُمهَاجِرِي نَ فِي َسبِي ِل اللّ هِ َوْليَعْفُوا َوْليَ صْفَحُوا أَل ُت ِ‬ ‫لَكُمْ وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)22‬‬ ‫ول يلف أهل الفضل ف الدين والسّعَة ف الال على ترك صلة أقربائهم‬ ‫الفقراء والحتاجي والهاجرين‪ ،‬ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه‪,‬‬ ‫ولْيتجاوزوا عن إساءتم‪ ،‬ول يعاقبوهم‪ .‬أل تبون أن يتجاوز ال عنكم؟‬ ‫فتجاوزوا عنهم‪ .‬وال غفور لعباده‪ ،‬رحيم بم‪ .‬وف هذا الثّ على‬ ‫العفو والصفح‪ ،‬ولو قوبل بالساءة‪.‬‬ ‫َاتم لُ ِعنُوا فِي ال ّدنْيَا‬ ‫ِلتم الْ ُمؤْ ِمن ِ‬ ‫ْصمنَاتِ الْغَاف ِ‬ ‫ُونم الْمُح َ‬ ‫ِينم يَرْم َ‬ ‫إِنّ الّذ َ‬ ‫وَالخِرَةِ َوَلهُمْ َعذَابٌ عَظِي ٌم (‪)23‬‬ ‫إن الذين يقذفون بالزن العفيفات الغافلت الؤمنات اللت ل يطر ذلك‬ ‫بقلوبن‪ ،‬مطرودون من رحة ال ف الدنيا والخرة‪ ,‬ولم عذاب عظيم‬ ‫ف نار جهنم‪ .‬وف هذه الية دليل على كفر من سبّ‪ ،‬أو اتم زوجة من‬ ‫زوجات النب صلى ال عليه وسلم بسوء‪.‬‬

‫‪1165‬‬

‫سَنُتهُمْ وََأْيدِيهِمْ وََأرْ ُجُلهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)24‬‬ ‫شهَ ُد عََلْيهِمْ َألْ ِ‬ ‫َيوْمَ َت ْ‬ ‫ذلك العذاب يوم القيامة يوم تشهد عليهم ألسنتهم با نطقت‪ ،‬وتتكلم‬ ‫أيديهم وأرجلهم با عملت‪.‬‬ ‫َيوْ َمئِ ٍذ ُيوَفّيهِمْ الّلهُ دِيَنهُ ْم اْلحَقّ َويَعْلَمُونَ َأنّ الّلهَ ُهوَ اْلحَقّ الْ ُمِبيُ (‪)25‬‬ ‫ف هذا اليوم يوفيهم ال جزاءهم كامل على أعمالم بالعدل‪ ،‬ويعلمون‬ ‫ف ذلك الوقف العظيم أن ال هو الق البي الذي هو حق‪ ,‬ووعده‬ ‫حق‪ ،‬ووعيده حق‪ ،‬وكل شيء منه حق‪ ،‬الذي ل يظلم أحدًا مثقال ذرة‪.‬‬ ‫ت وَال ّطّيبَا تُ لِل ّطّيبِيَ وَال ّطّيبُو نَ‬ ‫خبِيثَا ِ‬ ‫خبِيثُو نَ لِ ْل َ‬ ‫خبِيثِيَ وَاْل َ‬ ‫خبِيثَا تُ لِ ْل َ‬ ‫اْل َ‬

‫لِل ّطّيبَاتِ ُأ ْوَلئِكَ ُمَب ّرءُونَ ِممّا يَقُولُونَ َلهُمْ مَغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ كَ ِريٌ ( ‪)26‬‬

‫كل خبيث من الرجال والنساء والقوال والفعال مناسب للخبيث‬ ‫وموافق له‪ ,‬وكل طيّب من الرجال والنساء والقوال والفعال مناسب‬ ‫للطيب وموافق له‪ ,‬والطيبون والطيبات مبؤون ما يرميهم به البيثون‬ ‫من السوء‪ ،‬لم من ال مغفرة تستغرق الذنوب‪ ،‬ورزق كري ف النة‪.‬‬

‫‪1166‬‬

‫ستَ ْأِنسُوا َوتُسَلّمُوا‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تَ ْدخُلُوا ُبيُوتا َغيْ َر ُبيُوتِكُمْ َحتّى تَ ْ‬ ‫عَلَى أَهِْلهَا َذلِكُمْ َخْيرٌ لَكُ ْم لَعَلّكُ ْم تَذَكّرُونَ (‪)27‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تدخلوا بيوتًا غي‬ ‫بيوتكم حت تستأذنوا أهلها ف الدخول وتسلموا عليهم وصيغة ذلك من‬ ‫السنة‪ :‬السلم عليكم أأدخل؟ ذلكم الستئذان خي لكم ؛ لعلكم‬ ‫تتذكرون‪ -‬بفعلكم له‪ -‬أوامر ال‪ ،‬فتطيعوه‪.‬‬ ‫َفإِ نْ لَ ْم َتجِدُوا فِيهَا َأحَدا فَل تَ ْدخُلُوهَا َحتّى ُيؤْذَ نَ لَ ُك ْم وَإِ نْ قِي َل لَكُ مْ‬

‫ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ُهوَ َأزْكَى لَكُمْ وَالّلهُ بِمَا تَ ْعمَلُونَ عَلِيمٌ (‪)28‬‬

‫فإن ل تدوا ف بيوت الخرين أحدًا فل تدخلوها حت يوجد مَن يأذن‬ ‫لكم‪ ،‬فإن ل يأذن‪ ،‬بل قال لكم‪ :‬ارجعوا فارجعوا‪ ،‬ول تُلحّوا‪ ,‬فإن‬ ‫الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لن للنسان أحوال يكره اطلع أحد‬ ‫عليها‪ .‬وال با تعملون عليم‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله‪.‬‬ ‫َليْ سَ َعَليْكُ مْ ُجنَا حٌ أَ نْ تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا َغيْرَ مَ سْكُوَنةٍ فِيهَا َمتَا عٌ لَكُ مْ وَاللّ هُ‬ ‫يَعْلَ ُم مَا ُتبْدُونَ وَمَا تَ ْكتُمُونَ (‪)29‬‬ ‫‪1167‬‬

‫لكن ل حرج عليكم أن تدخلوا بغي استئذان بيوتًا ليست مصصة‬ ‫لسكن أناس بذاتم‪ ,‬بل ليتمتع با مَن يتاج إليها كالبيوت الُ َعدّة صدقة‬ ‫لبن السبيل ف طرق السافرين وغيها من الرافق‪ ,‬ففيها منافع وحاجة‬ ‫لن يدخلها‪ ،‬وف الستئذان مشقة‪ .‬وال يعلم أحوالكم الظاهرة والفية‪.‬‬ ‫قُ ْل لِلْ ُمؤْ ِمنِيَ يَغُضّوا مِ نْ َأبْ صَارِهِ ْم َويَحْفَظُوا فُرُو َجهُ مْ َذلِ كَ َأزْكَى لَهُ مْ‬

‫صنَعُونَ ( ‪)30‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ َخبِ ٌي بِمَا يَ ْ‬

‫قل ‪ -‬أيها النب ‪ -‬للمؤمني يَغُضّوا مِن أبصارهم عمّا ل ي ّل لم من‬ ‫النساء والعورات‪ ،‬ويفظوا فروجهم عمّا حَرّم ال من الزن واللواط‪،‬‬ ‫وكشف العورات‪ ،‬ونو ذلك‪ ،‬ذلك أطهر لم‪ .‬إن ال خبي با يصنعون‬ ‫فيما يأمرهم به وينهاهم عنه‪.‬‬ ‫وَقُ ْل لِلْ ُمؤْ ِمنَا تِ يَغْضُضْ نَ مِ نْ َأبْ صَارِهِنّ َويَحْفَظْ نَ ُفرُو َجهُنّ وَل ُيبْدِي َن‬ ‫زِيَنتَهُنّ إِلّ مَا َظهَرَ ِمنْهَا َوْليَضْ ِربْ نَ ِبخُمُرِهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ وَل ُيبْدِي نَ‬ ‫زِيَنتَهُنّمإِلّ ِلبُعُوَلِتهِنّمَأوْ آبَائِهِنّمَأوْ آبَاءِ بُعُوَلِتهِنّمَأوْ َأْبنَاِئهِنّمَأوْ َأْبنَاءِ‬ ‫بُعُولَِتهِنّ َأوْ إِ ْخوَاِنهِنّ َأ ْو َبنِي ِإ ْخوَاِنهِنّ َأوْ َبنِي أَ َخوَاِتهِنّ َأوْ نِ سَاِئهِنّ َأوْ مَا‬ ‫مَلَ َك تْ َأْيمَانُهُنّ َأوْ التّابِعِيَ َغيْرِ ُأ ْولِي ا ِل ْربَةِ مِ نْ الرّجَالِ َأ ْو الطّفْلِ الّذِي نَ‬ ‫‪1168‬‬

‫ض ِربْنَ بَِأ ْرجُِلهِنّ ِليُعْلَمَ مَا ُيخْ ِفيَ مِنْ‬ ‫ت النّسَاءِ وَل يَ ْ‬ ‫لَ ْم يَ ْظهَرُوا َعلَى َع ْورَا ِ‬ ‫زِيَنتِهِنّ َوتُوبُوا ِإلَى الّلهِ َجمِيعا َأّيهَا الْ ُمؤْ ِمنُونَ لَعَلّكُ ْم تُفِْلحُونَ (‪)31‬‬ ‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمّا ل يلّ لن من العورات‪،‬‬ ‫ويفظن فروجهن عمّا حَرّم ال‪ ،‬ول يُظهرن زينتهن للرجال‪ ،‬بل يتهدن‬ ‫ف إخفائها إل الثياب الظاهرة الت جرت العادة بُلبْسها‪ ،‬إذا ل يكن ف‬ ‫ذلك ما يدعو إل الفتنة با‪ ،‬وليلقي بأغطية رؤوسهن على فتحات‬ ‫صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن‪ ،‬ول يُ ْظهِ ْرنَ الزينة الفية‬ ‫إل لزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما ل يرى غيهم‪ .‬وبعضها‪ ،‬كالوجه‪،‬‬ ‫والعنق‪ ،‬واليدين‪ ،‬والساعدين يباح رؤيته لبائهن أو آباء أزواجهن أو‬ ‫أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو إخوانن أو أبناء إخوانن أو أبناء أخواتن أو‬ ‫نسائهن السلمات دون الكافرات‪ ,‬أو ما ملكن مِ َن العبيد‪ ،‬أو التابعي‬ ‫من الرجال الذين ل غرض ول حاجة لم ف النساء‪ ،‬مثل البُلْه الذين‬ ‫يتبعون غيهم للطعام والشراب فحسب‪ ،‬أو الطفال الصغار الذين ليس‬ ‫لم علم بأمور عورات النساء‪ ،‬ول توجد فيهم الشهوة بعد‪ ،‬ول يضرب‬ ‫النساء عند َسيْرهن بأرجلهن ليُسْمِعْن صوت ما خفي من زينتهن‬ ‫كاللخال ونوه‪ ،‬وارجعوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬إل طاعة ال فيما أمركم به‬ ‫من هذه الصفات الميلة والخلق الميدة‪ ،‬واتركوا ما كان عليه أهل‬ ‫‪1169‬‬

‫الاهلية من الخلق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بيي الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫حيَ مِ نْ ِعبَادِ ُك مْ وَإِمَائِكُ مْ إِ نْ يَكُونُوا‬ ‫وَأَن ِكحُوا ا َليَامَى ِمنْكُ ْم وَال صّالِ ِ‬ ‫فُقَرَاءَ يُ ْغِنهِ ْم الّلهُ مِنْ فَضِْل ِه وَالّلهُ وَاسِ ٌع عَلِي ٌم (‪)32‬‬ ‫وزوّجوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬مَن ل زوج له من الحرار والرائر والصالي‬ ‫مِن عبيدكم وجواريكم‪ ،‬إن يكن الراغب ف الزواج للعفة فقيًا يغنه ال‬ ‫من واسع رزقه‪ .‬وال واسع كثي الي عظيم الفضل‪ ،‬عليم بأحوال‬ ‫عباده‪.‬‬ ‫ستَعْفِفْ الّذِي نَ ل َيجِدُو نَ نِكَاحا َحتّى يُ ْغِنَيهُ ْم اللّ هُ مِ نْ فَضْلِ هِ وَالّذِي َن‬ ‫َوْليَ ْ‬ ‫َيْبتَغُو نَ الْ ِكتَا بَ ِممّ ا مَلَكَ تْ َأيْمَانُكُ ْم فَكَاِتبُوهُ مْ إِ نْ عَلِ ْمُت ْم فِيهِ مْ َخيْرا‬ ‫وَآتُوهُم ْم مِن ْم مَالِ اللّهِم الّذِي آتَاكُم ْم وَل تُكْرِهُوا َفَتيَاتِكُم ْم عَلَى اْلبِغَاءِ إِن ْم‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَمَ نْ يُكْرِهّنّ َفِإنّ اللّ هَ مِ ْن بَعْدِ‬ ‫َأرَدْ نَ َتحَ صّنا ِلَتْبتَغُوا عَرَ ضَ الْ َ‬ ‫إِكْرَا ِههِنّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ‪)33‬‬ ‫والذين ل يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيه فليطلبوا العفة عمّا حَرّ َم ال‬ ‫حت يغنيهم ال من فضله‪ ,‬وييسر لم الزواج‪ .‬والذين يريدون أن‬ ‫‪1170‬‬

‫يتحرروا من العبيد والماء بكاتبة أسيادهم على بعض الال يؤدونه‬ ‫إليهم‪ ،‬فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا فيهم خيًا‪ :‬مِن‬ ‫رشد وقدرة على الكسب وصلح ف الدين‪ ،‬وعليهم أن يعطوهم شيئًا‬ ‫من الال أو أن يطوا عنهم ما كُوتبوا عليه‪ .‬ول يوز لكم إكراه‬ ‫جواريكم على الزن طلبًا للمال‪ ،‬وكيف يقع منكم ذلك وهن يُرِدْن‬ ‫العفة وأنتم تأبونا؟ وف هذا غاية التشنيع لفعلهم القبيح‪ .‬ومن يكرههنّ‬ ‫على الزن فإن ال تعال من بعد إكراههن غفور لن رحيم بن‪ ،‬والث‬ ‫على مَن أكْرههن‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِنم َقبْلِك ْ‬ ‫ِينم خََلوْا م ْ‬ ‫ِنم الّذ َ‬ ‫َاتم وَ َمثَلً م ْ‬ ‫َاتم ُمَبّين ٍ‬ ‫ُمم آي ٍ‬ ‫َولَقَدْ أَن َزلْنَا ِإَليْك ْ‬ ‫ي (‪)34‬‬ ‫وَ َموْعِظَةً لِلْ ُمتّ ِق َ‬ ‫ولقد أنزلنا إليكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬آيات القرآن دللت واضحات على‬ ‫الق‪ ,‬ومثل من أخبار المم السابقة الؤمني منهم والكافرين‪ ،‬وما جرى‬ ‫لم وعليهم ما يكون مثل وعبة لكم‪ ,‬وموعظة يتعظ با من يتقي ال‬ ‫ويَحْ َذرُ عذابه‪.‬‬ ‫صبَاحُ‬ ‫صبَاحٌ الْمِ ْ‬ ‫ت وَا َلرْ ضِ َمثَ ُل نُورِ هِ َك ِمشْكَاةٍ فِيهَا مِ ْ‬ ‫اللّ هُ نُورُ ال سّ َموَا ِ‬ ‫‪1171‬‬

‫فِي زُجَا َج ٍة الزّجَا َجةُ كََأّنهَا َكوْكَبٌ ُدرّيّ يُوقَ ُد مِنْ َشجَرَةٍ ُمبَارَ َكةٍ َزْيتُوِن ٍة‬ ‫سهُ نَارٌ نُورٌ َعلَى نُورٍ‬ ‫سْ‬ ‫ل شَرِْقّيةٍ وَل َغ ْرِبّيةٍ يَكَادُ َزْيتُهَا يُضِيءُ َوَلوْ لَ مْ تَمْ َ‬ ‫ب اللّ هُ الَ ْمثَالَ لِلنّا سِ وَاللّ هُ بِكُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫َيهْدِي اللّ هُ ِلنُورِ هِ مَ ْن َيشَاءُ َويَضْ ِر ُ‬ ‫عَلِي ٌم (‪)35‬‬ ‫ال نور السموات والرض يدبر المر فيهما ويهدي أهلهما‪ ،‬فهو‪-‬‬ ‫سبحانه‪ -‬نور‪ ،‬وحجابه نور‪ ،‬به استنارت السموات والرض وما فيهما‪،‬‬ ‫وكتاب ال وهدايته نور منه سبحانه‪ ،‬فلول نوره تعال لتراكمت‬ ‫الظلمات بعضها فوق بعض‪ .‬مثل نوره الذي يهدي إليه‪ ,‬وهو اليان‬ ‫والقرآن ف قلب الؤمن كمشكاة‪ ,‬وهي ال ُكوّة ف الائط غي النافذة‪،‬‬ ‫فيها مصباح‪ ،‬حيث تمع الكوّة نور الصباح فل يتفرق‪ ،‬وذلك الصباح‬ ‫ف زجاجة‪ ،‬كأنا ‪-‬لصفائها‪ -‬كوكب مضيء كالدّر‪ ،‬يوقَد الصباح من‬ ‫زيت شجرة مباركة‪ ،‬وهي شجرة الزيتون‪ ،‬ل شرقية فقط‪ ،‬فل تصيبها‬ ‫الشمس آخر النهار‪ ،‬ول غربية فقط فل تصيبها الشمس أول النهار‪ ،‬بل‬ ‫هي متوسطة ف مكان من الرض ل إل الشرق ول إل الغرب‪ ،‬يكاد‬ ‫ستْه النار‬ ‫زيتها ‪-‬لصفائه‪ -‬يضيء من نفسه قبل أن تسه النار‪ ،‬فإذا َم ّ‬ ‫أضاء إضاءة بليغة‪ ،‬نور على نور‪ ،‬فهو نور من إشراق الزيت على نور‬ ‫من إشعال النار‪ ،‬فذلك مثل الدى يضيء ف قلب الؤمن‪ .‬وال يهدي‬ ‫‪1172‬‬

‫ويوفق لتباع القرآن مَن يشاء‪ ،‬ويضرب المثال للناس؛ ليعقلوا عنه‬ ‫أمثاله وحكمه‪ .‬وال بكل شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫سبّحُ لَ هُ فِيهَا بِالْغُ ُدوّ‬ ‫فِي ُبيُو تٍ أَذِ نَ اللّ هُ أَ نْ تُ ْرفَ َع َويُذْكَ َر فِيهَا ا سْ ُمهُ يُ َ‬ ‫وَالصَالِ (‪)36‬‬ ‫هذا النور الضيء ف مساجد أَمَ َر ال أن يُرْفع شأنا وبناؤها‪ ،‬ويُذْكر فيها‬ ‫اسه بتلوة كتابه والتسبيح والتهليل‪ ،‬وغي ذلك من أنواع الذكر‪ ،‬يُصلّي‬ ‫فيها ل ف الصباح والساء‪.‬‬ ‫رِجَالٌ ل تُ ْلهِيهِمْ ِتجَارَةٌ وَل َبيْعٌ عَنْ ذِكْ ِر اللّهِ َوإِقَامِ الصّلةِ وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ‬ ‫َيخَافُونَ َيوْما َتتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَا َلبْصَارُ (‪)37‬‬ ‫رجال ل تشغلهم تارة ول بيع عن ذِكْ ِر ال‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء‬ ‫الزكاة لستحقيها‪ ,‬يافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بي‬ ‫الرجاء ف النجاة والوف من اللك‪ ،‬وتتقلب فيه البصار تنظر إل أي‬ ‫مصي تكون؟‬

‫‪1173‬‬

‫ق مَ نْ َيشَاءُ‬ ‫ِلَيجْ ِزَيهُ مْ اللّ هُ َأحْ سَنَ مَا عَمِلُوا َويَزِيدَهُ ْم مِ نْ فَضْلِ ِه وَاللّ هُ يَ ْرزُ ُ‬ ‫بِ َغيْرِ ِحسَابٍ (‪)38‬‬ ‫ليعطيهم ال ثواب أحسن أعمالم‪ ،‬ويزيدهم من فضله بضاعفة‬ ‫حسناتم‪ .‬وال يرزق مَن يشاء بغي حساب‪ ،‬بل يعطيه مِنَ الجر ما ل‬ ‫يبلغه عمله‪ ،‬وبل ع ّد ول كيل‪.‬‬ ‫مهُ الظّمْآنُم مَاءً َحتّىمإِذَا‬ ‫وَالّذِينَم كَفَرُوا أَعْمَالُهُم ْم كَسَمرَابٍ بِقِي َعةٍ َيحْسَُب‬ ‫جَاءَهُ لَ ْم َيجِدْ هُ َشيْئا َووَ َجدَ اللّ هَ ِعْندَ ُه َفوَفّا هُ حِ سَاَبهُ وَاللّ هُ سَرِي ُع الْحِسَابِ‬

‫(‪)39‬‬

‫والذين كفروا بربم وكذّبوا رسله‪ ،‬أعمالم الت ظنوها نافعة لم ف‬ ‫الخرة‪ ،‬كصلة الرحام وفك السرى وغيها‪ ،‬كسراب‪ ،‬وهو ما‬ ‫يشاهَد كالاء على الرض الستوية ف الظهية‪ ،‬يظنه العطشان ماء‪ ،‬فإذا‬ ‫أتاه ل يده ماء‪ .‬فالكافر يظن أن أعماله تنفعه‪ ,‬فإذا كان يوم القيامة ل‬ ‫يد لا ثوابًا‪ ،‬ووجد ال سبحانه وتعال له بالرصاد فوفّاه جزاء عمله‬ ‫كامل‪ .‬وال سريع الساب‪ ،‬فل يستبطئ الاهلون ذلك الوعد‪ ،‬فإنه ل‬ ‫بدّ مِن إتيانه‪.‬‬

‫‪1174‬‬

‫ت فِي َبحْرٍ ُلجّيّ يَ ْغشَاهُ َموْجٌ مِنْ َفوْقِهِ َموْجٌ مِ ْن َفوْقِهِ َسحَا ٌ‬ ‫ب‬ ‫َأوْ كَظُلُمَا ٍ‬ ‫ق بَعْ ضٍ إِذَا أَ ْخرَ جَ يَدَ هُ لَ مْ يَ َكدْ َيرَاهَا وَمَ ْن لَ ْم َيجْعَلْ‬ ‫ضهَا َفوْ َ‬ ‫ت بَعْ ُ‬ ‫ظُلُمَا ٌ‬ ‫اللّهُ َلهُ نُورا فَمَا َلهُ مِنْ نُورٍ (‪)40‬‬ ‫أو تكون أعمالم مثل ظلمات ف بر عميق يعلوه موج‪ ,‬من فوق الوج‬ ‫موج آخر‪ ،‬ومِن فوقه سحاب كثيف‪ ،‬ظلمات شديدة بعضها فوق‬ ‫بعض‪ ،‬إذا أخرج الناظر يده ل يقارب رؤيتها من شدة الظلمات‪،‬‬ ‫فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلل وفساد العمال‪ .‬ومن‬ ‫ل يعل ال له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضِ وَال ّطيْرُ صَافّاتٍ كُلّ‬ ‫سبّ ُح َلهُ مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬ ‫َألَمْ تَرَى َأنّ الّلهَ ُي َ‬

‫حهُ وَالّلهُ عَلِي ٌم بِمَا يَفْعَلُونَ (‪)41‬‬ ‫سبِي َ‬ ‫قَ ْد عَلِ َم صَلَتهُ َوَت ْ‬

‫سبّح له مَن ف السموات والرض من‬ ‫أل تعلم ‪ -‬أيها النب ‪ -‬أن ال ُي َ‬ ‫الخلوقات‪ ،‬والطي صافات أجنحتها ف السماء تسبح ربا؟ كل ملوق‬ ‫قد أرشده ال كيف يصلي له ويسبحه‪ .‬وهو سبحانه عليم‪ ،‬مُطّلِع على‬ ‫ما يفعله كل عابد ومسبّح‪ ،‬ل يفى عليه منها شيء‪ ،‬وسيجازيهم‬ ‫بذلك‪.‬‬

‫‪1175‬‬

‫ض وَِإلَى الّلهِ الْمَصِيُ (‪)42‬‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َولِّلهِ مُ ْلكُ السّ َموَا ِ‬ ‫ول وحده ملك السموات والرض‪ ،‬له السلطان فيهما‪ ،‬وإليه الرجع‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫َألَ مْ تَرَى أَنّ اللّ هَ يُزْجِي َسحَابا ثُمّ ُيؤَلّ فُ َبْينَ هُ ثُمّ َيجْعَلُ هُ رُكَاما َفَترَى‬ ‫ِنم بَ َردٍ‬ ‫ِنم ِجبَالٍ فِيهَا م ْ‬ ‫السممَاءِ م ْ‬ ‫ِنم ّ‬ ‫ِهم َوُينَزّلُ م ْ‬ ‫ِنم خِلل ِ‬ ‫ُجم م ْ‬ ‫ْقم َيخْر ُ‬ ‫الْوَد َ‬ ‫َبم‬ ‫ِهم َيذْه ُ‬ ‫سمَا بَرْق ِ‬ ‫َنم َيشَاءُ يَكَادُ َن‬ ‫َنم م ْ‬ ‫َصمرُِفهُ ع ْ‬ ‫َنم َيشَاءُ َوي ْ‬ ‫ِهم م ْ‬ ‫بب ِ‬ ‫ُصم ُ‬ ‫َفي ِي‬ ‫بِا َلبْصَارِ (‪)43‬‬ ‫أل تشاهد أن ال سبحانه وتعال يسوق السحاب إل حيث يشاء‪ ،‬ث‬ ‫يمعه بعد تفرقه‪ ،‬ث يعله متراكمًا‪ ،‬فينل مِن بينه الطر؟ وينل من‬ ‫السحاب الذي يشبه البال ف عظمته بَرَدًا‪ ،‬فيصيب به مَن يشاء من‬ ‫عباده ويصرفه عمّن يشاء منهم بسب حكمته وتقديره‪ ,‬يكاد ضوء‬ ‫ذلك البق ف السحاب مِن شدته يذهب بأبصار الناظرين إليه‪.‬‬ ‫ك لَ ِعبْرَةً ُل ْولِي ا َلبْصَارِ (‪)44‬‬ ‫يُقَلّبُ الّلهُ الّليْلَ وَالّنهَارَ ِإنّ فِي َذلِ َ‬

‫‪1176‬‬

‫ومن دلئل قدرة ال سبحانه وتعال أنه يقلب الليل والنهار بجيء‬ ‫صرًا‪ ,‬إن ف ذلك لَدللة يعتب با‬ ‫أحدها بعد الخر‪ ,‬واختلفهما طول وقِ َ‬ ‫كل مَن له بصية‪.‬‬ ‫وَاللّ هُ خَلَ َق كُلّ دَاّبةٍ مِ ْن مَاءٍ فَ ِمْنهُ ْم مَ نْ يَمْشِي عَلَى بَ ْطنِ هِ وَ ِمْنهُ ْم مَ ْن‬ ‫يَ ْمشِي عَلَى رِجَْليْ ِن وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ َي ْمشِي عَلَى َأ ْربَ ٍع َيخْلُ قُ اللّ هُ مَا َيشَاءُ ِإنّ‬ ‫اللّهَ َعلَى كُلّ شَ ْيءٍ قَدِي ٌر (‪)45‬‬

‫وال تعال خلق كل ما يدِب على الرض مِن ماء‪ ،‬فالاء أصل خلقه‪،‬‬ ‫فمن هذه الدواب‪ :‬مَن يشي زحفًا على بطنه كاليّات ونوها‪ ,‬ومنهم‬ ‫مَن يشي على رجلي كالنسان‪ ،‬ومنهم من يشي على أربع كالبهائم‬ ‫ونوها‪ .‬وال سبحانه وتعال يلق ما يشاء‪ ،‬وهو قادر على كل شيء‪.‬‬ ‫ستَقِيمٍ (‬ ‫ت وَاللّ هُ َيهْدِي مَ نْ َيشَاءُ ِإلَى صِرَاطٍ مُ ْ‬ ‫ت ُمَبّينَا ٍ‬ ‫لَقَدْ أَن َزلْنَا آيَا ٍ‬ ‫‪)46‬‬ ‫لقد أنزلنا ف القرآن علمات واضحات مرشدات إل الق‪ .‬وال يهدي‬ ‫ويوفق مَن يشاء مِن عباده إل الطريق الستقيم‪ ،‬وهو السلم‪.‬‬ ‫‪1177‬‬

‫َويَقُولُونَ آ َمنّا بِاللّهِ َوبِالرّسُولِ وََأطَ ْعنَا ثُمّ َيَت َولّى َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم مِ ْن بَعْدِ َذلِ كَ‬

‫وَمَا ُأ ْوَلئِكَ بِالْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)47‬‬

‫ويقول النافقون‪ :‬صَدّقنا بال وبا جاء به الرسول‪ ،‬وأطعنا أمرها‪ ،‬ث‬ ‫ض طوائف منهم من بعد ذلك فل تقبل حكم الرسول‪ ،‬وما أولئك‬ ‫تُعْرِ ُ‬ ‫بالؤمني‪.‬‬ ‫وَِإذَا دُعُوا ِإلَى اللّ هِ وَرَ سُوِلهِ ِلَيحْكُ مَ َبْيَنهُ مْ إِذَا فَرِي قٌ ِمْنهُ ْم مُعْ ِرضُو نَ (‬ ‫‪)48‬‬ ‫وإذا دُعوا ف خصوماتم إل ما ف كتاب ال وإل رسوله؛ ليَحكُم‬ ‫بينهم‪ ،‬إذا فريق منهم معرض ل يقبل حكم ال وحكم رسوله‪ ,‬مع أنه‬ ‫الق الذي ل شك فيه‪.‬‬ ‫وَِإنْ يَكُ ْن َلهُمْ الْحَقّ يَ ْأتُوا ِإَلْيهِ ُمذْ ِعِنيَ (‪)49‬‬ ‫وإن يكن الق ف جانبهم فإنم يأتون إل النب عليه الصلة والسلم‬ ‫طائعي منقادين لكمه ؛ لعلمهم أنه يقضي بالق‪.‬‬ ‫‪1178‬‬

‫أَفِي قُلُوِبهِ مْ َمرَ ضٌ أَ مْ ا ْرتَابُوا أَ ْم َيخَافُو نَ أَ نْ َيحِي فَ اللّ هُ َعَلْيهِ مْ َورَ سُوُلهُ‬

‫بَلْ ُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الظّالِمُونَ (‪)50‬‬

‫أ َسَببُ العراض ما ف قلوبم من مرض النفاق‪ ,‬أم شكّوا ف نبوة ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أم السبب خوفهم أن يكون حكم ال ورسوله‬ ‫جائرًا؟ كل إنم ل يافون جورًا‪ ،‬بل السبب أنم هم الظالون الفجرة‪.‬‬ ‫ِإنّمَا كَا نَ َقوْلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ إِذَا دُعُوا ِإلَى اللّ هِ َورَ سُوِلهِ ِليَحْكُ َم َبْيَنهُ مْ أَ نْ‬ ‫يَقُولُوا َسمِ ْعنَا وََأطَ ْعنَا وَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الْمُفِْلحُونَ (‪)51‬‬ ‫أما الؤمنون حقا فدأبم إذا دعوا إل التحاكم ف خصوماتم إل كتاب‬ ‫ال وحكم رسوله‪ ،‬أن يقبلوا الكم ويقولوا‪ :‬سعنا ما قيل لنا وأطعنا مَن‬ ‫دعانا إل ذلك‪ ،‬وأولئك هم الفلحون الفائزون بطلوبم ف جنات‬ ‫النعيم‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْفَائِزُونَ (‪)52‬‬ ‫خشَ الّلهَ َوَيتّقِيهِ َفُأوَْلئِ َ‬ ‫وَمَنْ يُطِ ْع الّلهَ َورَسُوَلهُ َوَي ْ‬

‫‪1179‬‬

‫ومن يطع ال ورسوله ف المر والنهي‪ ،‬ويَخَفْ عواقب العصيان‪ ،‬ويْذَر‬ ‫عذاب ال‪ ،‬فهؤلء هم الفائزون بالنعيم ف النة‪.‬‬ ‫وََأقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ َلئِ نْ أَ َم ْرَتهُ ْم َليَخْرُجُنّ قُلْ ل تُقْ سِمُوا طَاعَةٌ‬ ‫مَعْرُوَفةٌ ِإنّ الّلهَ َخبِيٌ ِبمَا تَعْمَلُونَ (‪)53‬‬ ‫وأقسم النافقون بال تعال غاية اجتهادهم ف اليان الغلّظة‪ :‬لئن أمرتنا‬ ‫ أيها الرسول ‪ -‬بالروج للجهاد معك لنخرجن‪ ،‬قل لم‪ :‬ل تلفوا‬‫كذبًا‪ ،‬فطاعتكم معروفة بأنا باللسان فحسب‪ ،‬إن ال خبي با تعملونه‪،‬‬ ‫وسيجازيكم عليه‪.‬‬ ‫قُلْ َأطِيعُوا اللّ هَ َوَأطِيعُوا الرّ سُولَ َفإِ نْ َت َولّوا َفِإنّمَا عََليْ هِ مَا حُمّ َل وَعََليْكُ مْ‬ ‫غ الْ ُمِبيُ (‪)54‬‬ ‫مَا ُحمّ ْلتُ ْم وَِإنْ تُطِيعُوهُ َت ْهتَدُوا وَمَا عَلَى الرّسُولِ إِ ّل اْلبَل ُ‬ ‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬للناس‪ :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪ ،‬فإن تعرضوا‬ ‫فإنا على الرسول فِعْ ُل ما أُمر به من تبليغ الرسالة‪ ،‬وعلى الميع فِعْلُ ما‬ ‫كُلّفوه من المتثال‪ ،‬وإن تطيعوه ترشدوا إل الق‪ ،‬وليس على الرسول‬ ‫إل أن يبلغ رسالة ربه بلغًا بينًا‪.‬‬ ‫‪1180‬‬

‫ستَخْلِ َفّنهُم فِي ا َلرْ ِ‬ ‫ض‬ ‫ت َليَ ْ‬ ‫وَعَ َد اللّ هُ الّذِي نَ آ َمنُوا ِمنْكُ مْ وَعَمِلُوا ال صّاِلحَا ِ‬ ‫ف الّذِي َن مِ نْ َقبِْلهِ ْم َوَليُمَ ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرتَضَى َلهُ مْ‬ ‫كَمَا ا ْسَتخْلَ َ‬ ‫َولَُيبَ ّدَلّنهُ مْ مِ ْن بَعْدِ َخوِْفهِ مْ أَمْنا يَ ْعبُدُوَننِي ل ُيشْرِكُو نَ بِي َشيْئا وَمَ نْ كَفَرَ‬ ‫ك هُ ْم الْفَاسِقُونَ (‪)55‬‬ ‫بَعْدَ َذلِكَ فَُأ ْولَئِ َ‬ ‫وعد ال بالنصر الذين آمنوا منكم وعملوا العمال الصالة‪ ،‬بأن يورثهم‬ ‫أرض الشركي‪ ،‬ويعلهم خلفاء فيها‪ ،‬مثلما فعل مع أسلفهم من‬ ‫الؤمني بال ورسله‪ ,‬وأن يعل دينهم الذي ارتضاه لم‪ -‬وهو السلم‪-‬‬ ‫دينًا عزيزًا مكينًا‪ ،‬وأن يبدل حالم من الوف إل المن‪ ،‬إذا عبدوا ال‬ ‫وحده‪ ،‬واستقاموا على طاعته‪ ،‬ول يشركوا معه شيئًا‪ ،‬ومن كفر بعد‬ ‫ذلك الستخلف والمن والتمكي والسلطنة التامة‪ ،‬وجحد نِعَم ال‪،‬‬ ‫فأولئك هم الارجون عن طاعة ال‪.‬‬ ‫وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وََأطِيعُوا الرّسُولَ لَعَلّ ُكمْ تُ ْرحَمُونَ (‪)56‬‬ ‫وأقيموا الصلة تامة‪ ،‬وآتوا الزكاة لستحقيها‪ ,‬وأطيعوا الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم؛ رجاء أن يرحكم ال‪.‬‬

‫‪1181‬‬

‫منّ الّذِينَم كَفَرُوا مُ ْعجِزِينَم فِي الَرْضِم وَمَ ْأوَاهُم ْم النّارُ َوَلِبئْسَم‬ ‫ل َتحْسَبَ‬ ‫الْمَصِيُ (‪)57‬‬ ‫ل تظننّ الذين كفروا معجزين ال ف الرض‪ ،‬بل هو قادر على‬ ‫إهلكهم‪ ،‬ومرجعهم ف الخرة إل النار‪ ،‬وقبُح هذا الرجع والصي‪.‬وهو‬ ‫توجيه عام للمّة‪ ،‬وإن كان الطاب فيه للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ستَأْ ِذنْكُ ْم الّذِي نَ َملَكَ تْ َأيْمَانُكُ ْم وَالّذِي نَ لَ مْ َيبْلُغُوا‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِليَ ْ‬ ‫ت مِنْ َقبْلِ صَل ِة الْ َفجْرِ َو ِحيَ تَضَعُونَ ِثيَابَكُمْ مِنْ‬ ‫ث مَرّا ٍ‬ ‫الْحُلُ َم ِمنْكُ ْم ثَل َ‬ ‫ال ّظهِيَةِ وَمِن ْمبَعْ ِد صمَل ِة الْعِشَاءِ ثَلثُم َع ْورَاتٍملَكُم ْمَليْسَم َعَليْكُم ْم وَل‬ ‫عََلْيهِمْ ُجنَاحٌ بَعْدَهُنّ َطوّافُونَ َعَليْكُ ْم بَعْضُكُمْ َعلَى بَعْضٍ كَ َذلِكَ ُيَبيّنُ اللّهُ‬

‫لَكُمْ اليَاتِ وَالّلهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ ( ‪)58‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم‪,‬‬ ‫والطفال الحرار دون سن الحتلم أن يستأذنوا عند الدخول عليكم‬ ‫ف أوقات عوراتكم الثلثة‪ :‬من قبل صلة الفجر؛ لنه وقت الروج من‬ ‫ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة‪ ,‬ووقت خلع الثياب للقيلولة ف الظهية‪،‬‬ ‫ومن بعد صلة العشاء؛ لنه وقت للنوم‪ ،‬وهذه الوقات الثلثة عورات‬ ‫لكم‪ ،‬يقل فيها التستر‪ ،‬أما فيما سواها فل حرج إذا دخلوا بغي إذن؛‬ ‫‪1182‬‬

‫لاجتهم ف الدخول عليكم‪ ,‬طوافون عليكم للخدمة‪ ،‬وكما بيّن ال‬ ‫لكم أحكام الستئذان يبيّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه‪.‬‬ ‫وال عليم با يصلح خلقه‪ ،‬حكيم ف تدبيه أمورهم‪.‬‬ ‫ستَأْ ِذنُوا َكمَا ا ْستَأْ َذنَ الّذِي نَ مِ ْن َقبِْلهِ مْ‬ ‫وَِإذَا بَلَ َغ ا َلطْفَالُ ِمنْ ُك مْ اْلحُلُ مَ فَ ْليَ ْ‬ ‫كَ َذلِكَ ُيَبيّ ُن الّلهُ لَكُ ْم آيَاِتهِ وَالّلهُ عَلِيمٌ حَكِي ٌم (‪)59‬‬ ‫وإذا بلغ الطفال منكم سن الحتلم والتكليف بالحكام الشرعية‪،‬‬ ‫فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول ف كل الوقات كما يستأذن‬ ‫الكبار‪ ،‬وكما يبيّن ال آداب الستئذان يبيّن ال تعال لكم آياته‪ .‬وال‬ ‫عليم با يصلح عباده‪ ،‬حكيم ف تشريعه‪.‬‬ ‫وَالْ َقوَاعِ ُد مِ ْن النّ سَاءِ اللّتِي ل يَ ْرجُو نَ نِكَاحا فََليْ سَ عََلْيهِنّ ُجنَا حٌ أَ ْن‬ ‫ستَعْفِفْنَ َخيْ ٌر َلهُنّ وَاللّ هُ سَمِيعٌ‬ ‫يَضَعْ َن ِثيَاَبهُنّ َغيْرَ ُمَتَبرّجَا تٍ بِزِيَنةٍ وَأَ نْ يَ ْ‬ ‫عَلِي ٌم (‪)60‬‬ ‫والعجائز من النساء اللت قعدن عن الستمتاع والشهوة لكبهن‪ ،‬فل‬ ‫يطمعن ف الرجال للزواج‪ ،‬ول يطمع فيهن الرجال كذلك‪ ،‬فهؤلء ل‬ ‫حرج عليهن أن يضعن بعض ثيابن كالرداء الذي يكون فوق الثياب غي‬ ‫‪1183‬‬

‫مظهرات ول متعرضات للزينة‪ ،‬وُلبْسهن هذه الثياب ‪ -‬سترًا وتعففًا‪-‬‬ ‫أحسن لن‪ .‬وال سيع لقوالكم‪ ،‬عليم بنياتكم وأعمالكم‪.‬‬ ‫ِيضم‬ ‫َجم وَل عَلَى الْمَر ِ‬ ‫َجم حَر ٌ‬ ‫َجم وَل عَلَى الَعْر ِ‬ ‫ْسم عَلَى الَعْمَى حَر ٌ‬ ‫َلي َ‬ ‫َحرَجٌ وَل عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِ ْن ُبيُوتِكُمْ َأ ْو ُبيُوتِ آبَائِكُمْ َأوْ ُبيُوتِ‬ ‫أُ ّمهَاتِكُ مْ َأوْ ُبيُو تِ إِ ْخوَانِكُ مْ َأوْ ُبيُو تِ َأ َخوَاتِكُ مْ َأ ْو ُبيُو تِ أَعْمَامِكُ مْ َأوْ‬ ‫ُمم‬ ‫ُممَأوْ مَا مَلَ ْكت ْ‬ ‫ُوتم خَالتِك ْ‬ ‫ُممَأ ْو ُبي ِ‬ ‫ُوتمأَ ْخوَالِك ْ‬ ‫ُممَأ ْو ُبي ِ‬ ‫ُوتم َعمّاتِك ْ‬ ‫ُبي ِ‬ ‫مَفَاِتحَ هُ َأوْ صَدِيقِ ُكمْ َليْ سَ َعَليْكُ مْ ُجنَا حٌ أَ ْن تَأْكُلُوا جَمِيعا َأوْ أَ ْشتَاتا َفإِذَا‬ ‫ّهم ُمبَارَكَةً َطّيَبةً‬ ‫ِنم ِعنْ ِد الل ِ‬ ‫حّيةً م ْ‬ ‫ُسمكُمْ َت ِ‬ ‫َسملّمُوا عَلَى أَنف ِ‬ ‫ُمم ُبيُوتا ف َ‬ ‫َدخَ ْلت ْ‬ ‫كَ َذلِكَ ُيَبيّ ُن الّلهُ لَكُ ْم اليَاتِ لَعَلّكُ ْم تَعْقِلُونَ (‪)61‬‬ ‫ليس على أصحاب العذار من العُمْيان وذوي العرج والرضى إث ف‬ ‫ترك المور الواجبة الت ل يقدرون على القيام با‪ ,‬كالهاد ونوه‪ ،‬ما‬ ‫يتوقف على بصر العمى أو سلمة العرج أو صحة الريض‪ ،‬وليس‬ ‫على أنفسكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬حرج ف أن تأكلوا من بيوت أولدكم‪،‬‬ ‫أو من بيوت آبائكم‪ ،‬أو أمهاتكم‪ ،‬أو إخوانكم‪ ،‬أو أخواتكم‪ ،‬أو‬ ‫أعمامكم‪ ،‬أو عماتكم‪ ,‬أو أخوالكم‪ ,‬أو خالتكم‪ ,‬أو من البيوت الت‬ ‫وُكّلْتم بفظها ف غيبة أصحابا بإذنم‪ ،‬أو من بيوت الصدقاء‪ ,‬ول‬ ‫حرج عليكم أن تأكلوا متمعي أو متفرقي‪ ،‬فإذا دخلتم بيوتًا مسكونة‬ ‫‪1184‬‬

‫أو غي مسكونة فليسلّم بعضكم على بعض بتحية السلم‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫السلم عليكم ورحة ال وبركاته‪ ,‬أو السلم علينا وعلى عباد ال‬ ‫الصالي‪ ،‬إذا ل يوجد أحد‪ ،‬وهذه التحية شرعها ال‪ ،‬وهي مباركة‬ ‫ُتنْمِي الودة والحبة‪ ,‬طيبة مبوبة للسامع‪ ،‬وبثل هذا التبيي يبيّن ال لكم‬ ‫معال دينه وآياته؛ لتعقلوها‪ ،‬وتعملوا با‪.‬‬ ‫ِإنّمَا الْ ُمؤْ ِمنُو نَ الّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ هِ َورَ سُوِلهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَ هُ عَلَى أَمْرٍ جَا ِم ٍع‬ ‫ك الّذِينَ ُيؤْ ِمنُونَ بِاللّهِ‬ ‫ستَأْ ِذنُونَكَ ُأوَْلئِ َ‬ ‫ستَأْ ِذنُوهُ ِإنّ الّذِينَ يَ ْ‬ ‫لَمْ يَذْ َهبُوا َحتّى يَ ْ‬ ‫ت ِمْنهُمْ وَا ْستَغْ ِفرْ َلهُمْ‬ ‫َورَسُوِلهِ َفإِذَا ا ْستَأْ َذنُوكَ ِلبَعْضِ شَ ْأِنهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ ِشئْ َ‬ ‫اللّهَ ِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)62‬‬ ‫إن ا الؤمنون حقًا هم الذ ين صدّقوا ال ور سوله‪ ،‬وعملوا بشر عه‪ ،‬وإذا‬ ‫كانوا مع ال نب صلى ال عل يه و سلم على أ مر جع هم له ف م صلحة‬ ‫السلمي‪ ،‬ل ينصرف أحد منهم حت يستأذنه‪ ،‬إن الذين يستأذنونك ‪-‬‬ ‫أيها النب ‪ -‬هم الذين يؤمنون بال ورسوله حقًا‪ ،‬فإذا استأذنوك لبعض‬ ‫حاجت هم فَأْذَن ل ن شئت م ن طلب الذن ف الن صراف لعذر‪ ،‬واطلب‬ ‫لم الغفرة من ال‪ .‬إن ال غفور لذنوب عباده التائبي‪ ،‬رحيم بم‪.‬‬

‫‪1185‬‬

‫ل َتجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ َبْينَكُ ْم كَدُعَاءِ بَعْضِكُ ْم بَعْضا قَدْ يَ ْعلَمُ اللّهُ الّذِي َن‬ ‫َيتَسَلّلُونَ ِمْنكُمْ ِلوَاذا فَ ْلَيحْ َذرْ الّذِينَ ُيخَالِفُونَ عَنْ أَ ْمرِهِ أَنْ تُصِيَبهُ ْم ِفْتَنةٌ َأوْ‬ ‫يُصِيَبهُمْ عَذَابٌ َألِي ٌم (‪)63‬‬ ‫ل تقولوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عند ندائكم رسول ال‪ :‬يا ممد‪ ،‬ول يا ممد‬ ‫بن عبد ال‪ ،‬كما يقول ذلك بعضكم لبعض‪ ,‬ولكن شرّفوه‪ ،‬وقولوا‪ :‬يا‬ ‫نب ال‪ ,‬يا ر سول ال‪ .‬قد يعلم ال النافق ي الذ ين يرجون من ملس‬ ‫النب صلى ال عليه وسلم خفية بغي إذنه‪ ،‬يلوذ بعضهم ببعض‪ ،‬فلَيحْذَر‬ ‫الذين يالفون أمر رسول ال أن تنل بم منة وشر‪ ،‬أو يصيبهم عذاب‬ ‫مؤل موجع ف الخرة‪.‬‬ ‫أَل ِإنّ لِلّهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ َقدْ يَعَْلمُ مَا َأْنتُمْ َعَليْهِ َوَيوْمَ يُرْ َجعُونَ‬ ‫ِإَلْيهِ َفُيَنّبُئهُمْ ِبمَا عَمِلُوا وَالّلهُ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِي ٌم ( ‪)64‬‬ ‫أل إن ل ما ف السموات والرض خلقًا وملكًا وعبادة‪ ,‬قد أحاط علمه‬ ‫بميع ما أنتم عليه‪ ,‬ويوم يرجع العباد إليه ف الخرة‪ ,‬يبهم بعملهم‪,‬‬ ‫ويازيهم عليه‪ ،‬وال بكل شيء عليم‪ ،‬ل تفى عليه أعمالم وأحوالم‪.‬‬

‫‪1186‬‬

‫‪ -25‬سورة الفرقان‬ ‫َتبَارَ َك الّذِي نَزّ َل الْفُ ْرقَانَ َعلَى َعبْدِ ِه ِليَكُونَ لِلْعَالَ ِميَ نَذِيرا (‪)1‬‬ ‫ت بركات ال‪ ,‬وكثرت خيا ته‪ ,‬وكملت أو صافه سبحانه وتعال‬ ‫عَظُمَ ْ‬ ‫الذي نزّل القرآن الفارق بيم القم والباطمل على عبده مممد صملى ال‬ ‫عليه وسلم؛ ليكون رسول للنس والن‪ ,‬موّفًا لم من عذاب ال‪.‬‬ ‫ك ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ َولَ مْ َيّتخِذْ َولَدا َولَ مْ يَكُ نْ لَ هُ شَرِي كٌ‬ ‫الّذِي لَ هُ مُ ْل ُ‬ ‫فِي الْمُ ْلكِ َوخَلَقَ كُلّ شَ ْيءٍ َفقَ ّدرَهُ تَقْدِيرا (‪)2‬‬ ‫الذي له ملك ال سموات والرض‪ ,‬ول يت خذ ولدًا‪ ,‬ول ي كن له شر يك‬ ‫ف مل كه‪ ,‬و هو الذي خلق كل ش يء‪ ,‬ف سوّاه على ما ينا سبه من اللق‬ ‫وَفْق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل‪.‬‬ ‫وَاّتخَذُوا مِن ْم دُونِهِم آِل َهةً ل َيخْلُقُونَم َشيْئا وَهُم ْمُيخْلَقُونَم وَل يَمْلِكُونَم‬ ‫سهِمْ ضَرّا وَل نَفْعا وَل يَمْلِكُونَ َموْتا وَل َحيَاةً وَل ُنشُورا (‪)3‬‬ ‫لَن ُف ِ‬

‫‪1187‬‬

‫واتذ مشركو العرب معبودات من دون ال ل تستطيع خَلْق شيء‪ ،‬وال‬ ‫خلقها وخلقهم‪ ,‬ول تلك لنفسها َدفْعَ ضر أو جلب نفع‪ ,‬ول تستطيع‬ ‫إماتة حي أو إحياء ميت‪ ,‬أو بعث أحد من الموات حيًا من قبه‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا إِ نْ هَذَا إِلّ إِفْ كٌ ا ْفتَرَا هُ وَأَعَانَ هُ عََليْ هِ َقوْ مٌ آ َخرُو نَ فَ َقدْ‬ ‫جَاءُوا ظُلْما َوزُورا (‪)4‬‬ ‫وقال الكافرون بال‪ :‬ما هذا القرآن إل كذب وبتان اختلقه ممد‪,‬‬ ‫وأعانه على ذلك أناس آخرون‪ ,‬فقد ارتكبوا ظلمًا فظيعًا‪ ,‬وأتوا زورًا‬ ‫شنيعًا؛ فالقرآن ليس ما يكن لبشر أن يتلقه‪.‬‬ ‫وَقَالُوا أَسَاطِيُ ا َلوِّليَ ا ْكَتَتَبهَا َفهِيَ تُمْلَى عََلْيهِ ُبكْرَةً وََأصِيلً (‪)5‬‬ ‫وقالوا عن القرآن‪ :‬هو أحاديث الولي السطرة ف كتبهم‪ ،‬استنسخها‬ ‫ممد‪ ،‬فهي تُ ْقرَأ عليه صباحًا ومساء‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضِ ِإنّهُ كَانَ غَفُورا رَحِيما‬ ‫قُلْ أَن َزلَهُ الّذِي يَعَْل ُم السّرّ فِي السّ َموَا ِ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫‪1188‬‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لؤلء الكفار‪ :‬إن الذي أنزل القرآن هو ال الذي‬ ‫أحاط علمه با ف السموات والرض‪ ،‬إنه كان غفورًا لن تاب من‬ ‫الذنوب والعاصي‪ ،‬رحيمًا بم حيث ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬ ‫وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرّ سُولِ يَأْكُلُ الطّعَا مَ َويَمْشِي فِي الَ ْسوَاقِ َلوْل أُنزِلَ‬ ‫ك َفيَكُو نَ مَعَ ُه نَذِيرا ( ‪َ )7‬أوْ يُلْقَى ِإَليْ هِ كَنٌ َأوْ تَكُو نُ لَ هُ َجّنةٌ‬ ‫ِإَليْ هِ َملَ ٌ‬ ‫سحُورا (‪)8‬‬ ‫يَأْكُلُ ِمْنهَا وَقَالَ الظّالِمُونَ ِإنْ َتّتبِعُونَ إِلّ رَ ُجلً َم ْ‬ ‫وقال الشركون‪ :‬ما لذا الذي يزعم أنه رسول ال (يعنون ممدًا صلى‬ ‫ال عليه وسلم) يأكل الطعام مثلنا‪ ،‬ويشي ف السواق لطلب الرزق؟‬ ‫فهل أرسل ال معه مَلَكًا يشهد على صدقه‪ ،‬أو يهبط عليه من السماء‬ ‫كن من مال‪ ,‬أو تكون له حديقة عظيمة يأكل من ثرها‪ ,‬وقال هؤلء‬ ‫الظالون الكذبون‪ :‬ما تتبعون أيها الؤمنون إل رجل به سحر غلب على‬ ‫عقله‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ َسبِيلً (‪)9‬‬ ‫ك الَ ْمثَالَ فَضَلّوا فَل َي ْ‬ ‫انظُ ْر َكيْفَ ضَ َربُوا لَ َ‬ ‫انظر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬كيف قال الكذبون ف حقك تلك القوال‬ ‫العجيبة الت تشبه ‪-‬لغرابتها‪ -‬المثال؛ ليتوصلوا إل تكذيبك؟ فبَعُدوا‬ ‫‪1189‬‬

‫بذلك عن الق‪ ,‬فل يدون سبيل إليه؛ ليصححوا ما قالوه فيك من‬ ‫الكذب والفتراء‪.‬‬ ‫حِتهَا‬ ‫َتبَارَ َك الّذِي إِ نْ شَاءَ جَعَلَ لَ كَ َخيْرا مِ نْ َذلِ كَ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫ا َلْنهَارُ َوَيجْعَلْ لَكَ قُصُورا (‪)10‬‬ ‫ت بركات ال‪ ,‬و َكثُرَتْ خياته‪ ,‬الذي إن شاء جعل لك ‪ -‬أيها‬ ‫عَظُمَ ْ‬ ‫الرسول ‪ -‬خيًا ما تنّوه لك‪ ،‬فجعل لك ف الدنيا حدائق كثية تتخللها‬ ‫النار‪ ،‬وجعل لك فيها قصورًا عظيمة‪.‬‬ ‫بَلْ َك ّذبُوا بِالسّاعَةِ وَأَ ْعَت ْدنَا لِمَنْ كَذّبَ بِالسّا َعةِ سَعِيا (‪)11‬‬ ‫وما كذبوك؛ لنك تأكل الطعام‪ ,‬وتشي ف السواق‪ ،‬بل كذّبوا بيوم‬ ‫القيامة وما فيه من جزاء‪ ،‬وأعتدنا لن كذب بالساعة نارًا حارة ُتسَعّر‬ ‫بم‪.‬‬ ‫إِذَا رََأْتهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ َسمِعُوا لَهَا تَ َغيّظا َوزَفِيا (‪)12‬‬

‫‪1190‬‬

‫إذا رأت النار هؤلء الكذبي يوم القيامة من مكان بعيد‪ ،‬سعوا صوت‬ ‫غليانا وزفيها‪ ،‬من شدة تغيظها منهم‪.‬‬ ‫ك ُثبُورا (‪)13‬‬ ‫ضيّقا مُقَ ّرِنيَ دَ َعوْا ُهنَالِ َ‬ ‫وَِإذَا ُألْقُوا ِمْنهَا مَكَانا َ‬ ‫وإذا أُلقوا ف مكان شديد الضيق من جهنم‪ -‬وقد قُرِنت أيديهم‬ ‫بالسلسل إل أعناقهم‪ -‬دَ َعوْا على أنفسهم باللك للخلص منها‪.‬‬ ‫ل تَدْعُوا اْليَوْمَ ُثبُورا وَاحِدا وَادْعُوا ُثبُورا َكثِيا (‪)14‬‬ ‫فيقال لم تيئيسًا‪ ،‬ل تَدْعوا اليوم باللك مرة واحدة‪ ،‬بل مرات كثية‪،‬‬ ‫فلن يزيدكم ذلك إل غمّا‪ ،‬فل خلص لكم‪.‬‬ ‫ُمم جَزَاءً‬ ‫َتم لَه ْ‬ ‫ُونم كَان ْ‬ ‫َمم َجّنةُ الْخُلْ ِد الّت ِي وُعِ َد الْ ُمتّق َ‬ ‫ِكم َخيْرٌ أ ْ‬ ‫قُلْ أَ َذل َ‬ ‫وَمَصِيا (‪)15‬‬ ‫قل لم ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬أهذه النار الت ُوصِفتْ لكم خيٌ أم جنة‬ ‫النعيم الدائم الت وُعِد با الائفون من عذاب ربم‪ ،‬كانت لم ثوابًا على‬ ‫عملهم‪ ،‬ومآل يرجعون إليه ف الخرة؟‬ ‫‪1191‬‬

‫سئُولً (‪)16‬‬ ‫ك وَعْدا َم ْ‬ ‫َلهُمْ فِيهَا مَا َيشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى َربّ َ‬ ‫لؤلء الطيعي ف النة ما يشتهون من ملذّ النعيم‪ ,‬متاعهم فيه دائم‪،‬‬ ‫كان دخولم إياها على ربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬وعدًا مسؤول يسأله‬ ‫عباد ال التقون‪ ،‬وال ل يلف وعده‪.‬‬ ‫َوَيوْ مَ َيحْشُرُ ُه ْم وَمَا يَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َفيَقُولُ أََأْنُت مْ َأضْلَ ْلتُ مْ ِعبَادِي‬ ‫سبِيلَ (‪)17‬‬ ‫َهؤُلءِ أَ ْم هُمْ ضَلّوا ال ّ‬ ‫ويوم القيامة يشر ال الشركي وما كانوا يعبدونه من دونه‪ ,‬فيقول‬ ‫لؤلء العبودين‪ :‬أأنتم أضللتم عبادي هؤلء عن طريق الق‪ ،‬وأمرتوهم‬ ‫بعبادتكم‪ ،‬أم هم ضلوا السبيل‪ ،‬فعبدوكم مِن تلقاء أنفسهم؟‬ ‫قَالُوا ُسْبحَانَكَ مَا كَا نَ َيْنبَغِي َلنَا أَ نْ َنّتخِذَ مِ نْ دُونِ كَ مِ نْ َأ ْوِليَاءَ َولَكِ نْ‬

‫َمتّ ْعَتهُمْ وَآبَاءَهُمْ َحتّى َنسُوا الذّكْرَ وَكَانُوا َقوْما بُورا (‪)18‬‬

‫قال العبودون من دون ال‪ :‬تنيهًا لك‪ -‬يا ربنا‪ -‬عَمّا فعل هؤلء‪ ،‬فما‬ ‫يص ّح أن َنّتخِذ سواك أولياء نواليهم‪ ,‬ولكن متعتَ هؤلء الشركي‬ ‫‪1192‬‬

‫وآباءهم بالال والعافية ف الدنيا‪ ،‬حت نسوا ذكرك فأشركوا بك‪،‬‬ ‫وكانوا قومًا هلكى غلب عليهم الشقاء والِذْلن ‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ صَرْفا وَل نَ صْرا وَمَ نْ يَظْلِ مْ‬ ‫َفقَدْ َك ّذبُوكُ ْم بِمَا تَقُولُو نَ فَمَا تَ ْ‬ ‫ِمنْكُ ْم نُذِ ْقهُ َعذَابا َكبِيا (‪)19‬‬ ‫فيقال للمشركي‪ :‬لقد كذّبكم هؤلء الذين عبدتوهم ف ادّعائكم‬ ‫عليهم‪ ،‬فها أنتم أولء ل تستطيعون َدفْعًا للعذاب عن أنفسكم‪ ،‬ول‬ ‫نصرًا لا‪ ،‬ومَن يشرك بال فيظلم نفسه ويعبد غي ال‪ ،‬ويت على ذلك‪،‬‬ ‫يعذبه ال عذابًا شديدًا‪.‬‬ ‫ك مِ ْن الْ ُمرْ َسِليَ إِلّ ِإّنهُ ْم َليَأْكُلُو نَ الطّعَا مَ َويَ ْمشُو نَ فِي‬ ‫وَما َأرْ سَ ْلنَا َقبَْل َ‬ ‫صبِرُونَ وَكَا نَ َربّ كَ بَ صِيا (‬ ‫الَ ْسوَاقِ وَجَ َعلْنَا بَعْضَكُ ْم ِلبَعْ ضٍ ِفْتَنةً َأتَ ْ‬ ‫‪)20‬‬ ‫وما أرسلنا قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أحدًا مِن رسلنا إل كانوا بشرًا‪،‬‬ ‫يأكلون الطعام‪ ،‬ويشون ف السواق‪ .‬وجعلنا بعضكم‪ -‬أيها الناس‪-‬‬ ‫لبعض ابتلء واختبارًا بالدى والضلل‪ ،‬والغن والفقر‪ ،‬والصحة‬ ‫والرض‪ ،‬هل تصبون‪ ،‬فتقوموا با أوجبه ال عليكم‪ ،‬وتشكروا له‪،‬‬ ‫‪1193‬‬

‫فيثيبكم مولكم‪ ،‬أو ل تصبون فتستحقوا العقوبة؟ وكان ربك ‪ -‬أيها‬ ‫الرسول ‪ -‬بصيًا بن يزع أو يصب‪ ،‬وبن يكفر أو يشكر‪.‬‬

‫‪1194‬‬

‫الزء التاسع عشر‪:‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ ل يَ ْرجُو نَ لِقَاءَنَا َلوْل أُنزِلَ َعَليْنَا الْمَلئِ َكةُ َأوْ َنرَى َربّنَا لَقَدْ‬ ‫سهِ ْم وَ َعَتوْا ُعُتوّا َكبِيا (‪)21‬‬ ‫ا ْستَ ْكبَرُوا فِي أَن ُف ِ‬ ‫وقال الذين ل يؤمّلون لقاء ربم بعد موتم لنكارهم له‪ :‬هل أُنزل علينا‬ ‫خبِرنا بأن ممدًا صادق‪ ،‬أو نرى ربنا عِيانًا‪ ،‬فيخبنا بصدقه‬ ‫اللئكة‪ ,‬فُت ْ‬ ‫ف رسالته‪ .‬لقد أُعجِبوا بأنفسهم واستعَلوْا حيث اجترؤوا على هذا‬ ‫القول‪ ,‬وتاوزوا ال ّد ف طغيانم وكفرهم‪.‬‬ ‫م ِحجْرا‬ ‫م الْمَلئِ َكةَ ل ُبشْرَى َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمجْرِمِيَم َويَقُولُون َ‬ ‫م يَ َروْن َ‬ ‫َيوْم َ‬ ‫َمحْجُورا (‪)22‬‬ ‫يوم يرون اللئكة عند الحتضار‪ ،‬وف القب‪ ،‬ويوم القيامة‪ ،‬على غي‬ ‫الصورة الت اقترحوها ل لتبشرهم بالنة‪ ,‬ولكن لتقول لم‪ :‬جعل ال‬ ‫النة مكانًا مرمًا عليكم‪.‬‬ ‫‪1195‬‬

‫وََقدِ ْمنَا ِإلَى مَا عَمِلُوا مِنْ َعمَلٍ َفجَعَ ْلنَاهُ َهبَاءً َمْنثُورا (‪)23‬‬ ‫وقَدِمْنا إل ما عملوه مِن مظاهر الي والب‪ ،‬فجعلناه باطل مضمحل ل‬ ‫ينفعهم كالباء النثور‪ ،‬وهو ما يُرى ف ضوء الشمس من خفيف الغبار؛‬ ‫وذلك أن العمل ل ينفع ف الخرة إل إذا توفر ف صاحبه‪ :‬اليان بال‪،‬‬ ‫والخلص له‪ ،‬والتابعة لرسوله ممد‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ل (‪)24‬‬ ‫ستَقَرّا وََأ ْحسَنُ مَقِي ً‬ ‫جّنةِ َيوْ َمئِذٍ َخيْرٌ ُم ْ‬ ‫ب اْل َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫َأ ْ‬ ‫أصحاب النة يوم القيامة خي مستقرًا من أهل النار وأحسن منازل ف‬ ‫النة‪ ,‬فراحتهم تامة‪ ،‬ونعيمهم ل يشوبه كدر‪.‬‬ ‫َوَيوْمَ َتشَقّقُ السّمَاءُ بِالْغَمَامِ َونُزّ َل الْمَلئِ َكةُ تَنِيلً (‪)25‬‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ذلك اليوم الذي تتشقق فيه السماء‪ ،‬ويظهر من‬ ‫فتحاتا السحاب البيض الرقيق‪ ،‬وينل ال ملئكة السموات يومئذ‪،‬‬ ‫فيحيطون باللئق ف الحشر‪ ،‬ويأت ال تبارك وتعال لفصل القضاء بي‬ ‫العباد‪ ،‬إتيانًا يليق بلله‪.‬‬ ‫‪1196‬‬

‫ك َيوْ َمئِذٍ اْلحَقّ لِلرّ ْحمَنِ وَكَانَ َيوْما عَلَى الْكَافِرِي َن َعسِيا (‪)26‬‬ ‫الْمُلْ ُ‬ ‫الُلْك الق ف هذا اليوم للرحن وحده دون مَن سواه‪ ،‬وكان هذا اليوم‬ ‫صعبًا شديدًا على الكافرين‪ ،‬لا ينالم من العقاب والعذاب الليم‪.‬‬ ‫ل(‬ ‫َوَيوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ َعلَى يَ َديْهِ يَقُولُ يَا َلْيَتنِي اّتخَذْتُ َمعَ الرّسُولِ َسبِي ً‬

‫‪ )27‬يَا َويْلَتِي َلْيتَنِي لَ مْ َأّتخِ ْذ فُلنا خَلِيلً ( ‪ )28‬لَقَدْ َأضَلّنِي عَ نْ‬ ‫الذّكْرِ بَعْدَ ِإذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشّيْطَانُ لِلِنسَانِ َخذُولً (‪)29‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬يوم يَعَضّ الظال لنفسه على يديه ندمًا وتسرًا‬ ‫قائل يا ليتن صاحبت رسول ال ممدًا صلى ال عليه وسلم واتبعته ف‬ ‫اتاذ السلم طريقًا إل النة‪ ،‬ويتحسّر قائل يا ليتن ل أتذ الكافر فلنًا‬ ‫صديقًا أتبعه وأوده‪ .‬لقد أضلّن هذا الصديق عن القرآن بعد إذ جاءن‪.‬‬ ‫وكان الشيطان الرجيم خذول للنسان دائمًا‪ .‬وف هذه اليات التحذير‬ ‫من مصاحبة قرين السوء؛ فإنه قد يكون سببًا لدخال قرينه النار‪.‬‬ ‫وَقَالَ الرّسُولُ يَا َربّ ِإنّ َقوْمِي اّتخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ َم ْهجُورا (‪)30‬‬ ‫‪1197‬‬

‫ب إن قومي تركوا هذا القرآن‬ ‫وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه‪ :‬يا ر ّ‬ ‫وهجروه‪ ،‬متمادين ف إعراضهم عنه وتَرْ ِك تدبّره والعمل به وتبليغه‪ .‬وف‬ ‫الية تويف عظيم لن هجر القرآن فلم يعمل به‪.‬‬ ‫ّكم هَادِيا‬ ‫ِنم الْ ُمجْرِمِيَ وَكَفَى بِ َرب َ‬ ‫ِكم جَعَلْنَا لِكُلّ َنبِيّ عَ ُدوّا م ْ‬ ‫وَكَ َذل َ‬ ‫َونَصِيا (‪)31‬‬ ‫وكما جعلنا لك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أعداء من مرمي قومك‪ ،‬جعلنا لكل‬ ‫نبّ من النبياء عدوًا من مرمي قومه‪ ،‬فاصب كما صبوا‪ .‬وكفى بربك‬ ‫هاديًا ومرشدًا ومعينًا يعينك على أعدائك‪ .‬وف هذا تسلية لنبيه ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ك ِلُنَثبّ تَ بِ هِ‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا َلوْل نُزّ َل عََليْ هِ الْقُرْآ نُ جُمَْلةً وَا ِحدَةً كَ َذلِ َ‬ ‫ل (‪)32‬‬ ‫ُفؤَادَكَ َو َرتّ ْلنَاهُ تَ ْرتِي ً‬ ‫وقال الذين كفروا‪ :‬هل أنزل القرآن على ممد جلة واحدة كالتوراة‬ ‫والنيل والزبور! قال ال سبحانه وتعال‪ :‬كذلك أنزلناه مفرقًا؛ لنقوّي‬ ‫به قلبك وتزداد به طمأنينة‪ ،‬فتعيه وتمله‪ ،‬وبّينّاه ف تثبت و ُمهْلَة‪.‬‬ ‫‪1198‬‬

‫ك بِ َمثَلٍ إِلّ ِجْئنَاكَ بِاْلحَقّ وَأَ ْحسَنَ تَ ْفسِيا (‪)33‬‬ ‫وَل يَ ْأتُونَ َ‬ ‫ول يأتيك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬الشركون بجة أو شبهة إل جئناك‬ ‫بالواب الق وبأحسن بيان له‪.‬‬ ‫ِكم َشرّ مَكَانا وََأضَلّ‬ ‫ّمم ُأ ْوَلئ َ‬ ‫ِمم ِإلَى َج َهن َ‬ ‫ُونم َعلَى ُوجُو ِهه ْ‬ ‫حشَر َ‬ ‫ِينم ُي ْ‬ ‫الّذ َ‬

‫ل (‪)34‬‬ ‫َسبِي ً‬

‫أولئك الكفار هم الذين يُسحبون على وجوههم إل جهنم‪ ,‬وأولئك هم‬ ‫شر الناس منلة‪ ،‬وأبعدهم طريقًا عن الق‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ َوجَعَ ْلنَا مَعَ هُ أَخَا هُ هَارُو نَ َوزِيرا (‪ )35‬فَقُ ْلنَا‬

‫اذْ َهبَا ِإلَى الْ َقوْمِ الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَ َدمّ ْرنَاهُمْ َتدْمِيا (‪)36‬‬

‫ولقد آتينا موسى التوراة‪ ،‬وجعلنا معه أخاه هارون معينًا له‪ ،‬فقلنا لما‪:‬‬ ‫اذهبا إل فرعون وقومه الذين كذّبوا بدلئل ربوبيتنا وألوهيتنا‪ ,‬فذهبا‬ ‫إليهم‪ ،‬فدَعَواهم إل اليان بال وطاعته وعدم الشراك به‪ ،‬فكذّبوها‪،‬‬ ‫فأهلكناهم إهلكًا عظيمًا‪.‬‬ ‫‪1199‬‬

‫وََقوْ َم نُو حٍ لَمّ ا َك ّذبُوا الرّ سُلَ أَ ْغرَ ْقنَاهُ مْ َوجَعَ ْلنَاهُ مْ لِلنّا سِ آَيةً وَأَ ْعَتدْنَا‬

‫لِلظّالِ ِميَ عَذَابا َألِيما ( ‪)37‬‬

‫وأغرقنا قوم نوح بالطوفان حي كذّبوه‪ .‬ومن كذب رسول فقد كذب‬ ‫الرسل جيعًا‪ .‬وجعلنا إغراقهم للناس عبة‪ ،‬وجعلنا لم ولن سلك‬ ‫سبيلهم ف التكذيب يوم القيامة عذابًا موجعًا‪.‬‬ ‫صحَابَ الرّسّ وَُقرُونا َبيْنَ َذلِكَ َكثِيا (‪)38‬‬ ‫وَعَادا َوثَمُودَ وََأ ْ‬ ‫وأهلكنا عادًا قوم هود‪ ،‬وثود قوم صال‪ ،‬وأصحاب البئر وأمًا كثية بي‬ ‫قوم نوح وعاد وثود وأصحاب الرسّ‪ ،‬ل يعلمهم إل ال‪.‬‬ ‫ل َتبّ ْرنَا َتْتبِيا (‪)39‬‬ ‫ل ضَ َرْبنَا َلهُ الَ ْمثَالَ وَكُ ّ‬ ‫وَكُ ّ‬ ‫وكل المم بّينّا لم الجج‪ ،‬ووضّحنا لم الدلة‪ ,‬وأزحنا العذار عنهم‪،‬‬ ‫ومع ذلك ل يؤمنوا‪ ،‬فأهلكناهم بالعذاب إهلكًا‪.‬‬ ‫ت مَطَ َر ال سّ ْوءِ َأفَلَ مْ يَكُونُوا يَ َر ْونَهَا بَلْ‬ ‫َولَقَدْ َأَتوْا عَلَى الْقَ ْرَيةِ الّتِي أُمْطِ َر ْ‬ ‫‪1200‬‬

‫كَانُوا ل يَرْجُونَ ُنشُورا (‪)40‬‬ ‫ولقد كان مشركو "مكة" يرون ف أسفارهم على قرية قوم لوط‪ ،‬وهي‬ ‫قرية "سدوم" الت أُهلِكت بالجارة من السماء‪ ،‬فلم يعتبوا با‪ ،‬بل‬ ‫كانوا ل يرجون معادًا يوم القيامة يازون فيه‪.‬‬ ‫ث اللّ هُ رَ سُولً (‪)41‬‬ ‫وَِإذَا رََأوْ كَ إِ نْ َيّتخِذُونَ كَ إِلّ ُهزُوا أَ َهذَا الّذِي بَ َع َ‬ ‫صبَ ْرنَا عََليْهَا وَ َسوْفَ يَعَْلمُو نَ حِيَ‬ ‫إِ نْ كَادَ َليُضِلّنَا عَ نْ آِل َهتِنَا َلوْل أَ نْ َ‬ ‫يَ َر ْونَ الْعَذَابَ مَنْ َأضَلّ َسبِيلً (‪)42‬‬ ‫وإذا رآك هؤلء الكذبون ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬استهزؤوا بك قائلي‪ :‬أهذا‬ ‫الذي يزعم أن ال بعثه رسول إلينا؟ إنه قارب أن يصرفنا عن عبادة‬ ‫أصنامنا بقوة حجته وبيانه‪ ,‬لول أن َثَبتْنا على عبادتا‪ ،‬وسوف يعلمون‬ ‫حي يرون ما يستحقون من العذاب‪ :‬مَن أضل دينًا أهم أم ممد؟‬ ‫َأرََأيْتَ مَ ْن اّتخَذَ ِإَل َههُ َهوَاهُ أَفََأْنتَ تَكُونُ عََلْي ِه وَكِيلً (‪)43‬‬ ‫انظر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬متعجبًا إل مَن أطاع هواه كطاعة ال‪ ،‬أفأنت‬ ‫تكون عليه حفيظًا حت تردّه إل اليان؟‬ ‫‪1201‬‬

‫أَ ْم َتحْ سَبُ َأنّ أَ ْكَثرَهُ ْم يَ سْمَعُونَ َأوْ يَعْقِلُو نَ إِ نْ ُه مْ إِلّ كَا َلنْعَا مِ بَلْ هُ مْ‬

‫َأضَلّ َسبِيلً ( ‪)44‬‬

‫أم تظن أن أكثرهم يسمعون آيات ال ساع تدبر‪ ،‬أو يفهمون ما فيها؟‬ ‫ما هم إل كالبهائم ف عدم النتفاع با يسمعونه‪ ،‬بل هم أضل طريقًا‬ ‫منها‪.‬‬ ‫َألَ مْ َترَى ِإلَى َربّ كَ َكيْ فَ َمدّ الظّلّ وََلوْ شَاءَ َلجَعَلَ هُ سَاكِنا ثُمّ جَ َعلْنَا‬ ‫ضنَاهُ ِإَلْينَا َقبْضا َيسِيا (‪)46‬‬ ‫الشّ ْمسَ عََلْيهِ َدلِيلً (‪ُ )45‬ثمّ َقبَ ْ‬ ‫أل تر كيف م ّد ال الظل من طلوع الفجر إل طلوع الشمس؟ ولو شاء‬ ‫لعله ثابتًا مستقرًا ل تزيله الشمس‪ ،‬ث جعلنا الشمس علمة يُستَدَلّ‬ ‫بأحوالا على أحواله‪ ،‬ث تَ َقلّصَ الظل يسيًا يسيًا‪ ،‬فكلما ازداد ارتفاع‬ ‫الشمس ازداد نقصانه‪ .‬وذلك من الدلة على قدرة ال وعظمته‪ ،‬وأنه‬ ‫وحده الستحق للعبادة دون سواه‪.‬‬ ‫مَاتا وَجَعَ َل الّنهَارَ ُنشُورا (‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي جَعَ َل لَكُم ْم الّليْلَ ِلبَاسما وَالنّوْمَم سُب‬

‫‪)47‬‬

‫‪1202‬‬

‫وال تعال هو الذي جعل لكم الليل ساترًا لكم بظلمه كما يستركم‬ ‫اللباس‪ ،‬وجعل النوم راحة لبدانكم‪ ،‬وجعل لكم النهار؛ لتنتشروا ف‬ ‫الرض‪ ،‬وتطلبوا معايشكم‪.‬‬ ‫ي رَحْ َمتِ هِ وَأَن َزْلنَا مِ نْ ال سّمَاءِ مَاءً‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َأرْ سَلَ ال ّريَا حَ ُبشْرا َبيْ نَ يَ َد ْ‬ ‫َطهُورا (‪ِ )48‬لُنحْيِ يَ بِ هِ بَلْدَ ًة َميْتا َونُ سْ ِقيَهُ ِممّ ا خَلَقْنَا َأنْعَاما وََأنَا سِيّ‬ ‫َكثِيا (‪)49‬‬ ‫وهو الذي أرسل الرياح الت تمل السحاب‪ ،‬تبشر الناس بالطر رحة‬ ‫منه‪ ،‬وأنزلنا من السماء ماء ُيتَ َطهّر به ؛ لنخرج به النبات ف مكان ل‬ ‫نبات فيه ‪ ،‬فيحيا البلد الدب بعد موات‪ ،‬وُنسْقي ذلك الاء مِن خَلْقِنا‬ ‫كثيًا من النعام والناس‪.‬‬ ‫صرّ ْفنَاهُ َبْيَنهُمْ ِليَذّكّرُوا فََأبَى أَ ْكثَرُ النّاسِ إِلّ كُفُورا (‪)50‬‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫ولقد أنزلنا الطر على أرض دون أخرى؛ ليذكر الذين أنزلنا عليهم الطر‬ ‫نعمة ال عليهم‪ ،‬فيشكروا له‪ ،‬وليذكر الذين مُنعوا منه‪ ،‬فيسارعوا بالتوبة‬ ‫إل ال ‪ -‬جل وعل‪ -‬ليحهم ويسقيهم‪ ،‬فأب أكثر الناس إل جحودًا‬ ‫لنعمنا عليهم‪ ،‬كقولم‪ :‬مطرنا بَنوْء كذا وكذا‪.‬‬ ‫‪1203‬‬

‫َوَلوْ ِشْئنَا َلبَ َعْثنَا فِي كُلّ َق ْرَيةٍ نَذِيرا (‪ )51‬فَل تُطِ ْع الْكَافِرِي َن وَجَاهِدْهُمْ‬ ‫ِبهِ ِجهَادا َكبِيا (‪)52‬‬ ‫ولو شئنا لبعثنا ف كل قرية نذيرًا‪ ،‬يدعوهم إل ال عز وجل‪ ،‬وينذرهم‬ ‫عذابه‪ ،‬ولكنا جعلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬مبعوثًا إل جيع أهل الرض‪،‬‬ ‫وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن‪ ،‬فل تطع الكافرين ف ترك شيء ما‬ ‫أرسلتَ به‪ ،‬بل ابذل جهدك ف تبليغ الرسالة‪ ,‬وجاهد الكافرين بذا‬ ‫القرآن جهادًا كبيًا‪ ،‬ل يالطه فتور‪.‬‬ ‫َاجم وَجَعَلَ‬ ‫ْحمُأج ٌ‬ ‫َاتم وَهَذَا مِل ٌ‬ ‫ْبم ُفر ٌ‬ ‫ْنم هَذَا َعذ ٌ‬ ‫َجم الَْبحْ َري ِ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي مَر َ‬

‫َبْيَنهُمَا بَ ْرزَخا وَ ِحجْرا َمحْجُورا (‪)53‬‬

‫وال هو الذي خلط البحرين‪ :‬العذب السائغ الشراب‪ ،‬واللح الشديد‬ ‫اللوحة‪ ،‬وجعل بينهما حاجزًا ينع كل واح ٍد منهما من إفساد الخر‪،‬‬ ‫ومانعًا مِن أن يصل أحدها إل الخر‪.‬‬ ‫ك قَدِيرا‬ ‫صهْرا وَكَا نَ َربّ َ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي خَلَ قَ مِ نْ الْمَاءِ َبشَرا َفجَعَلَ هُ نَ سَبا وَ ِ‬ ‫(‪)54‬‬ ‫‪1204‬‬

‫وهو الذي خلق مِن منّ الرجل والرأة ذرية ذكورًا وإناثًا‪ ،‬فنشأ من هذا‬ ‫قرابة النسب وقرابة الصاهرة‪ .‬وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء‪.‬‬ ‫َويَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَا ل يَنفَ ُعهُ ْم وَل يَضُرّهُ مْ وَكَا نَ الْكَافِ ُر عَلَى َربّ هِ‬ ‫َظهِيا (‪)55‬‬ ‫ومع كل هذه الدلئل على قدرة ال وإنعامه على خلقه يَعبدُ الكفار مِن‬ ‫دون ال ما ل ينفعهم إن عبدوه‪ ,‬ول يضرهم إن تركوا عبادته‪ ,‬وكان‬ ‫الكافر عونًا للشيطان على ربه بالشرك ف عبادة ال‪ ,‬مُظَاهِرًا له على‬ ‫معصيته‪.‬‬ ‫وَمَا َأرْسَ ْلنَاكَ إِ ّل ُمَبشّرا َونَذِيرا (‪)56‬‬ ‫وما أرسلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل مبشرًا للمؤمني بالنة ومنذرًا‬ ‫للكافرين بالنار‪.‬‬ ‫ل(‬ ‫قُ ْل مَا َأ سَْألُكُمْ َعَليْ هِ مِ نْ أَجْرٍ إِ ّل مَ نْ شَاءَ أَ نْ َيّتخِذَ ِإلَى َربّ هِ َسبِي ً‬ ‫‪)57‬‬ ‫‪1205‬‬

‫قل لم‪ :‬ل أطلب منكم على تبليغ الرسالة أيّ أجر‪ ،‬لكنْ من أراد أن‬ ‫يهتدي ويسلك سبيل الق إل ربه وينفق ف مرضاته‪ ،‬فلست أُجبكم‬ ‫عليه‪ ,‬وإنا هو خي لنفسكم‪.‬‬ ‫َوَتوَكّلْ عَلَى الْحَيّ الّذِي ل يَمُو تُ وَ َسبّحْ ِبحَمْدِ ِه وَكَفَى بِ هِ ِب ُذنُو بِ‬ ‫ِعبَادِهِ َخبِيا (‪)58‬‬ ‫وتوكل على ال الذي له جيع معان الياة الكاملة كما يليق بلله‬ ‫الذي ل يوت‪ ،‬ونزّهه عن صفات النقصان‪ .‬وكفى بال خبيًا بذنوب‬ ‫خلقه‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪ ،‬وسيحاسبهم عليها ويازيهم با‪.‬‬ ‫الّذِي خَلَ قَ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ وَمَا َبْيَنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ ثُمّ ا ْسَتوَى عَلَى‬ ‫الْعَ ْرشِ الرّحْمَنُ فَاسْأَلْ ِبهِ َخبِيا (‪)59‬‬ ‫الذي خلق السموات والرض وما بينهما ف ستة أيام‪ ،‬ث استوى على‬ ‫العرش‪ -‬أي عل وارتفع‪ -‬استواءً يليق بلله‪ ،‬هو الرحن‪ ،‬فاسأل ‪ -‬أيها‬ ‫النب ‪ -‬به خبيًا‪ ،‬يعن بذلك سبحانه نفسه الكرية‪ ،‬فهو الذي يعلم‬ ‫صفاته وعظمته وجلله‪ .‬ول أحد من البشر أعلم بال ول أخب به من‬ ‫عبده ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪1206‬‬

‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ مْ ا ْسجُدُوا لِلرّ ْحمَ نِ قَالُوا وَمَا الرّحْمَ نُ َأنَ سْجُ ُد لِمَا تَأْ ُمرُنَا‬

‫َوزَادَ ُهمْ نُفُورا (‪)60‬‬

‫وإذا قيل للكافرين‪ :‬اسجدوا للرحن واعبدوه قالوا‪ :‬ما نعرف الرحن‪،‬‬ ‫أنسجد لا تأمرنا بالسجود له طاعة لمرك؟ وزادهم دعاؤهم إل‬ ‫السجود للرحن بُعْدا عن اليان ونفورًا منه‪.‬‬ ‫َتبَارَ كَ الّذِي جَعَلَ فِي ال سّمَاءِ بُرُوجا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجا وَقَمَرا ُمنِيا (‬ ‫‪)61‬‬ ‫ت بركات الرحن وكثر خيه‪ ،‬الذي جعل ف السماء النجوم‬ ‫عَظُمَ ْ‬ ‫الكبار بنازلا‪ ،‬وجعل فيها شسًا تضيء وقمرًا يني‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي جَعَ َل الّليْلَ وَالّنهَارَ ِخلْ َفةً لِمَ نْ َأرَادَ أَ نْ يَذّكّرَ َأوْ َأرَادَ شُكُورا‬

‫(‪)62‬‬

‫‪1207‬‬

‫وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقَبيْن َيخْلُف أحدها الخر لن أراد أن‬ ‫يعتب با ف ذلك إيانًا بالدبّر الالق‪ ،‬أو أراد أن يشكر ل تعال على‬ ‫نعمه وآلئه‪.‬‬ ‫وَ ِعبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَ ْمشُونَ عَلَى ا َلرْضِ َهوْنا وَإِذَا خَا َطَبهُمْ الْجَاهِلُونَ‬ ‫قَالُوا سَلما (‪)63‬‬ ‫وعباد الرحن الصالون يشون على الرض بسكينة متواضعي‪ ,‬وإذا‬ ‫خاطبهم الهلة السفهاء بالذى أجابوهم بالعروف من القول‪,‬‬ ‫وخاطبوهم خطابًا َيسْلَمون فيه من الث‪ ،‬ومن مقابلة الاهل بهله‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ َيبِيتُونَ لِ َرّبهِمْ ُسجّدا وَِقيَاما (‪)64‬‬ ‫والذين يكثرون من صلة الليل ملصي فيها لربم‪ ،‬متذللي له بالسجود‬ ‫والقيام‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ يَقُولُو نَ َرّبنَا ا صْرِفْ َعنّا َعذَا بَ َج َهنّ مَ ِإنّ عَذَاَبهَا كَا نَ َغرَاما (‬ ‫ستَقَرّا وَمُقَاما (‪)66‬‬ ‫ت ُم ْ‬ ‫‪ِ )65‬إّنهَا سَاءَ ْ‬ ‫‪1208‬‬

‫والذين هم مع اجتهادهم ف العبادة يافون ال فيدعونه أن ينجيهم من‬ ‫عذاب جهنم‪ ،‬إن عذابا يلزم صاحبه‪ .‬إن جهنم شر قرار وإقامة‪.‬‬ ‫ك َقوَاما (‪)67‬‬ ‫وَالّذِينَ ِإذَا أَنفَقُوا لَ ْم ُيسْرِفُوا َولَمْ يَ ْقتُرُوا وَكَانَ َبيْنَ َذلِ َ‬ ‫والذين إذا أنفقوا من أموالم ل يتجاوزوا الد ف العطاء‪ ،‬ول يضيّقوا ف‬ ‫النفقة‪ ،‬وكان إنفاقهم وسطًا بي التبذير والتضييق‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ ل َيدْعُونَ َمعَ اللّ هِ ِإلَها آخَ َر وَل يَ ْقتُلُونَ النّفْسَ اّلتِي حَرّ َم اللّ هُ إِلّ‬ ‫بِاْلحَقّ وَل يَ ْزنُو نَ وَمَ نْ يَفْعَلْ َذلِ كَ يَلْ قَ َأثَاما (‪ )68‬يُضَاعَ فْ لَ هُ الْعَذَا بُ‬ ‫َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ َوَيخْلُدْ فِي هِ ُمهَانا (‪ )69‬إِلّ مَ ْن تَا بَ وَآمَ نَ وَ َعمِلَ عَ َم ً‬ ‫ل‬ ‫سنَاتٍ وَكَا نَ اللّ هُ غَفُورا رَحِيما (‬ ‫ك ُيبَدّلُ اللّ هُ َسّيئَاِتهِمْ حَ َ‬ ‫صَالِحا فَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ب وَعَمِلَ صَالِحا َفِإنّهُ َيتُوبُ ِإلَى الّلهِ َمتَابا (‪)71‬‬ ‫‪ )70‬وَمَنْ تَا َ‬ ‫والذين يوحدون ال‪ ،‬ول يدعون ول يعبدون إلًا غيه‪ ،‬ول يقتلون‬ ‫النفس الت حرّم ال قتلها إل با يق قتلها به‪ :‬من كفر بعد إيان‪ ،‬أو زن‬ ‫بعد زواج‪ ،‬أو قتل نفس عدوانًا‪ ،‬ول يزنون‪ ،‬بل يفظون فروجهم‪ ,‬إل‬ ‫على أزواجهم أو ما ملكت أيانم‪ ،‬ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ‬ ‫ف له العذاب يوم القيامة‪ ،‬وَيخْلُدْ فيه ذليل‬ ‫ف الخرة عقابًا‪ .‬يُضاعَ ْ‬ ‫‪1209‬‬

‫حقيًا‪( .‬والوعيد باللود لن فعلها كلّها‪ ،‬أو لن أشرك بال)‪ .‬لكن مَن‬ ‫تاب مِن هذه الذنوب توبة نصوحًا وآمن إيانًا جازمًا مقرونًا بالعمل‬ ‫الصال‪ ،‬فأولئك يحو ال عنهم سيئاتم ويعل مكانا حسنات ؛ بسبب‬ ‫توبتهم وندمهم ‪ .‬وكان ال غفورًا لن تاب‪ ،‬رحيمًا بعباده حيث دعاهم‬ ‫إل التوبة بعد مبارزته بأكب العاصي‪ .‬ومن تاب عمّا ارتكب من‬ ‫الذنوب‪ ،‬وعمل عمل صالا فإنه بذلك يرجع إل ال رجوعًا صحيحًا‪،‬‬ ‫فيقبل ال توبته ويكفر ذنوبه‪.‬‬ ‫شهَدُونَ الزّورَ وَِإذَا مَرّوا بِاللّ ْغوِ َمرّوا كِرَاما (‪)72‬‬ ‫وَالّذِينَ ل َي ْ‬ ‫والذين ل يشهدون بالكذب ول يضرون مالسه‪ ،‬وإذا مروا بأهل‬ ‫الباطل واللغو من غي قصد مرّوا معرضي منكرين يتنهون عنه‪ ،‬ول‬ ‫يرضونه لغيهم‪.‬‬ ‫صمّا وَعُ ْميَانا (‪)73‬‬ ‫ت َرّبهِمْ لَمْ َيخِرّوا عََلْيهَا ُ‬ ‫وَالّذِينَ ِإذَا ذُكّرُوا بِآيَا ِ‬ ‫والذين إذا وُعِظُوا بآيات القرآن ودلئل وحدانية ال ل يتغافلوا عنها‪،‬‬ ‫كأنم صمّ ل يسمعوها‪ ،‬وعُ ْميٌ ل يبصروها‪ ،‬بل وَ َعتْها قلوبم‪،‬‬ ‫وتفتّحت لا بصائرهم‪ ،‬فخرّوا ل ساجدين مطيعي‪.‬‬ ‫‪1210‬‬

‫ب لَنَا مِ نْ َأ ْزوَاجِنَا وَ ُذ ّريّاتِنَا ُقرّةَ أَ ْعيُ نٍ وَاجْعَلْنَا‬ ‫وَالّذِي نَ يَقُولُو نَ َربّنَا هَ ْ‬

‫لِلْ ُمتّ ِقيَ إِمَاما (‪)74‬‬

‫والذين يسألون ال تعال قائلي‪ :‬ربنا هب لنا مِن أزواجنا وذريّاتنا ما تَ َقرّ‬ ‫به أعيننا‪ ،‬وفيه أنسنا وسرورنا‪ ،‬واجعلنا قدوة يُقتدى بنا ف الي‪.‬‬ ‫حّيةً وَ سَلما (‪)75‬‬ ‫صبَرُوا َويُلَ ّقوْ نَ فِيهَا َت ِ‬ ‫ك ُيجْ َزوْ نَ الْغُرَْف َة بِمَا َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬

‫ستَقَرّا وَمُقَاما (‪)76‬‬ ‫سنَتْ ُم ْ‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا َح ُ‬

‫أولئك الذين اتصفوا بالصفات السابقة من عباد الرحن‪ ،‬يثابون أعلى‬ ‫منازل النة ؛ برحة ال وبسبب صبهم على الطاعات‪ ,‬و َسيُلَ ّقوْن ف‬ ‫النة التحية والتسليم من اللئكة‪ ,‬والياة الطيبة والسلمة مِنَ الفات‪،‬‬ ‫سنَتْ مستقرًا يَقِرّون فيه ومقامًا‬ ‫خالدين فيها أبدًا مِن غي موت‪َ ،‬ح ُ‬ ‫يقيمون به‪ ،‬ل يبغون عنها تول‪.‬‬ ‫سوْفَ يَكُو نُ لِزَاما (‬ ‫قُ ْل مَا يَ ْعبَُأ بِكُ مْ َربّ ي َلوْل دُعَاؤُكُ مْ فَ َقدْ كَ ّذْبُت مْ فَ َ‬ ‫‪)77‬‬ ‫‪1211‬‬

‫أخب ال تعال أنه ل يبال ول يعبأ بالناس‪ ،‬لول دعاؤهم إياه دعاء العبادة‬ ‫ودعاء السألة‪ ،‬فقد كَذّبتم‪-‬أيها الكافرون‪ -‬فسوف يكون تكذيبكم‬ ‫ضيًا لعذاب يلزمكم لزوم الغري لغريه‪ ,‬ويهلككم ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫مُفْ ِ‬

‫‪ -26‬سورة الشعراء‬

‫طسم (‪)1‬‬ ‫(طسم) سبق الكلم على الروف القطعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ب الْ ُمِبيِ (‪)2‬‬ ‫ت الْ ِكتَا ِ‬ ‫تِ ْلكَ آيَا ُ‬ ‫هذه آيات القرآن الوضّح لكل شيء الفاصل بي الدى والضلل‪.‬‬ ‫ك بَاخِ ٌع نَ ْفسَكَ أَلّ يَكُونُوا ُمؤْ ِمِنيَ (‪)3‬‬ ‫لَعَلّ َ‬

‫‪1212‬‬

‫لعلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من شدة حرصك على هدايتهم ُمهْلِك نفسك ؛‬ ‫لنم ل يصدّقوا بك ول يعملوا بديك ‪ ،‬فل تفعل ذلك‪.‬‬ ‫ِإنْ َنشَأْ ُننَزّلْ عََلْيهِ ْم مِنْ السّمَاءِ آَيةً فَظَلّتْ أَ ْعنَاُقهُ ْم َلهَا خَاضِ ِعيَ (‪)4‬‬ ‫إن نشأ ننل على الكذبي من قومك من السماء معجزة موّفة لم‬ ‫تلجئهم إل اليان ‪ ،‬فتصي أعناقهم خاضعة ذليلة ‪ ،‬ولكننا ل نشأ ذلك;‬ ‫فإن اليان النافع هو اليان بالغيب اختيارًا‪.‬‬ ‫ضيَ (‪)5‬‬ ‫وَمَا يَ ْأتِيهِ ْم مِنْ ذِ ْكرٍ مِ ْن الرّحْمَنِ ُمحْ َدثٍ إِلّ كَانُوا َعْنهُ مُعْ ِر ِ‬ ‫وما ييء هؤلء الشركي الكذبي مِن ذِكْ ٍر من الرحن ُمحْدَث إنزاله ‪،‬‬ ‫شيئًا بعد شيء ‪ ،‬يأمرهم وينهاهم ‪ ،‬ويذكرهم بالدين الق إل أعرضوا‬ ‫عنه‪ ,‬ول يقبلوه‪.‬‬ ‫سَتهْ ِزئُون (‪)6‬‬ ‫سيَ ْأتِيهِمْ َأْنبَاءُ مَا كَانُوا ِبهِ َي ْ‬ ‫َفقَدْ َك ّذبُوا َف َ‬

‫‪1213‬‬

‫فقد كذّبوا بالقرآن واستهزؤوا به‪ ,‬فسيأتيهم أخبار المر الذي كانوا‬ ‫يستهزئون به ويسخرون منه‪ ,‬وسيحلّ بم العذاب جزاء تردهم على‬ ‫ربم‪.‬‬ ‫ض كَ مْ َأْنَبْتنَا فِيهَا مِ نْ كُلّ َزوْ جٍ كَ ِريٍ (‪ِ )7‬إنّ فِي‬ ‫َأوَلَ ْم يَ َروْا ِإلَى الَرْ ِ‬ ‫ك لَ ُهوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‬ ‫ك لَيةً وَمَا كَانَ أَ ْكثَرُهُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪ )8‬وَِإنّ َربّ َ‬ ‫َذلِ َ‬

‫‪)9‬‬

‫أكذبوا ول ينظروا إل الرض الت أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع‬ ‫من النبات‪ ,‬ل يقدر على إنباته إل رب العالي؟ إن ف إخراج النبات من‬ ‫الرض لَدللة واضحة على كمال قدرة ال‪ ,‬وما كان أكثر القوم‬ ‫مؤمني‪ .‬وإن ربك لو العزيز على كل ملوق‪ ,‬الرحيم الذي وسعت‬ ‫رحته كل شيء‪.‬‬ ‫ك مُو سَى أَ نْ ائْ تِ الْ َقوْ َم الظّالِ ِميَ (‪َ )10‬قوْ َم فِرْ َعوْ نَ أَل‬ ‫وَِإذْ نَادَى َربّ َ‬

‫َيتّقُونَ (‪)11‬‬

‫‪1214‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لقومك إذ نادى ربك موسى‪ :‬أن ائت القوم‬ ‫الظالي‪ ,‬قوم فرعون‪ ،‬وقل لم‪ :‬أل يافون عقاب ال تعال‪ ،‬ويتركون ما‬ ‫هم عليه من الكفر والضلل؟‬ ‫ص ْدرِي وَل َينْطَلِ قُ‬ ‫قَالَ رَبّ ِإنّ ي َأخَا فُ أَ ْن يُكَ ّذبُو نِ (‪َ )12‬ويَضِي قُ َ‬ ‫لِسَانِي َفَأرْسِلْ ِإلَى هَارُونَ (‪َ )13‬وَلهُمْ َعلَيّ َذنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَ ْقتُلُونِ (‬ ‫‪)14‬‬

‫قال موسى‪ :‬رب إن أخاف أن يكذبون ف الرسالة‪ ,‬ويل صدري الغمّ‬ ‫لتكذيبهم إياي‪ ،‬ول ينطلق لسان بالدعوة فأرسِلْ جبيل بالوحي إل‬ ‫أخي هارون ؛ ليعاونن‪ .‬ولم علي ذنب ف قتل رجل منهم‪ ,‬وهو‬ ‫القبطي‪ ,‬فأخاف أن يقتلون به‪.‬‬ ‫ستَمِعُونَ (‪ )15‬فَ ْأِتيَا فِرْ َعوْ نَ فَقُول‬ ‫قَالَ َكلّ فَاذْ َهبَا بِآيَاِتنَا ِإنّا مَعَ ُك ْم مُ ْ‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ ( ‪َ )16‬أنْ َأرْسِلْ مَ َعنَا َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)17‬‬ ‫ِإنّا رَسُولُ رَ ّ‬ ‫قال ال لوسى‪ :‬كل لن يقتلوك‪ ,‬وقد أجبت طلبك ف هارون‪ ,‬فاذهبا‬ ‫بالعجزات الدالة على صدقكما‪ ،‬إنا معكم بالعلم والفظ والنصرة‬ ‫‪1215‬‬

‫مستمعون‪ .‬فأِتيَا فرعون فقول له‪ :‬إنا مرسَلن إليك وإل قومك من رب‬ ‫العالي‪ :‬أن اترك بن إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا‪.‬‬ ‫ت فِينَا مِ ْن عُمُرِ َك ِسِنيَ (‪ )18‬وََفعَلْ تَ‬ ‫قَالَ َألَ مْ نُ َربّ كَ فِينَا وَلِيدا َوَلبِثْ َ‬

‫فَعَْلَتكَ اّلتِي فَعَ ْلتَ وََأْنتَ مِ ْن الْكَافِرِي َن (‪)19‬‬

‫قال فرعون لوسى متنًا عليه‪ :‬أل نُ َربّك ف منازلنا صغيًا‪ ،‬ومكثت ف‬ ‫رعايتنا سني من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجل من قومي حي‬ ‫ضربته ودفعته‪ ,‬وأنت من الاحدين نعمت النكرين ربوبيت؟‬ ‫ت ِمنْكُ ْم لَمّ ا خِ ْفتُ ُك مْ‬ ‫قَالَ فَعَ ْلتُهَا إِذا وَأَنَا مِ ْن الضّالّيَ (‪ )20‬فَفَ َررْ ُ‬ ‫ك نِعْ َمةٌ تَ ُمّنهَا‬ ‫ب لِي َربّي حُكْما وَجَعََلنِي مِ نْ الْمُ ْر سَِليَ (‪َ )21‬وتِلْ َ‬ ‫َفوَهَ َ‬

‫عَلَيّ َأنْ َعبّ ْدتَ َبنِي إِ ْسرَائِيلَ (‪)22‬‬

‫ذكرتم قبمل أن يوحمي ال إل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فعلتم مما‬ ‫ُ‬ ‫قال موسمى ميبًا لفرعون‪:‬‬ ‫ويبعث ن ر سول فخر جت من بين كم فارّا إل "مد ين"‪ ،‬ل ممّا خ فت أن‬ ‫ت من غي َعمْد‪ ،‬فوهب ل رب تفضل منه النبوة والعلم‪,‬‬ ‫تقتلون با فعل ُ‬ ‫وجعلن من الرسلي‪ .‬وتلك التربية ف بيتك تَ ُعدّها نعمة منك عليّ‪ ،‬وقد‬ ‫جعلت بن إسرائيل عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم؟‬ ‫‪1216‬‬

‫قَالَ فِرْ َع ْونُ وَمَا رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)23‬‬ ‫قال فرعون لوسى‪ :‬وما رب العالي الذي تدّعي أنك رسوله؟‬ ‫ض وَمَا َبْيَنهُمَا إنْ كُنتُ ْم مُوِقِنيَ (‪)24‬‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫قَالَ َربّ السّ َموَا ِ‬ ‫قال مو سى‪ :‬هو مالك ومدبر ال سموات والرض و ما بينه ما‪ ،‬إن كن تم‬ ‫موقني بذلك‪ ،‬فآمِنوا‪.‬‬ ‫ستَمِعُونَ (‪)25‬‬ ‫قَالَ لِمَنْ َح ْوَلهُ أَل َت ْ‬ ‫قال فرعون لنم حوله م ِن أشراف قوممه‪ :‬أل تسممعون مقالة موسمى‬ ‫العجيبة بوجود رب سواي؟‬ ‫قَالَ َربّ ُكمْ َورَبّ آبَائِ ُكمْ ا َل ّولِيَ (‪)26‬‬ ‫قال مو سى‪ :‬الرب الذي أدعو كم إل يه هو الذي خلق كم وخلق آباء كم‬ ‫الوليم‪ ,‬فكيمف تعبدون مَمن همو ملوق مثلكمم‪ ,‬وله آباء قمد فنوا‬ ‫كآبائكم؟‬ ‫‪1217‬‬

‫جنُونٌ (‪)27‬‬ ‫قَالَ ِإنّ رَسُولَكُمْ الّذِي ُأرْسِلَ ِإَليْكُمْ لَ َم ْ‬ ‫قال فرعون لاصته يستثي غضبهم ؛ لتكذيب موسى إياه‪ :‬إن رسولكم‬ ‫الذي أرسل إليكم لجنون‪ ,‬يتكلم كلمًا ل يُعْقَل!‬ ‫ق وَالْمَغْ ِربِ وَمَا َبْيَنهُمَا ِإنْ ُكْنتُمْ تَعْ ِقلُونَ (‪)28‬‬ ‫قَالَ َربّ الْ َمشْرِ ِ‬ ‫قال مو سى‪ :‬رب الشرق والغرب و ما بينه ما و ما يكون فيه ما من نور‬ ‫وظلممة‪ ,‬وهذا يسمتوجب اليان بمه وحده إن كنتمم ممن أهمل العقمل‬ ‫والتدبر!‬ ‫ك مِنْ الْ َمسْجُوِنيَ (‪)29‬‬ ‫قَالَ َلئِنْ اّتخَذْتَ ِإَلهَا َغيْرِي َلجْعََلنّ َ‬ ‫قال فرعون لو سى مهددًا له‪ :‬لئن اتذت إلًا غيي ل سجننك مع مَن‬ ‫سجنت‪.‬‬ ‫ك ِبشَ ْيءٍ ُمِبيٍ (‪)30‬‬ ‫قَالَ َأ َولَوْ ِجْئتُ َ‬ ‫قال موسى‪ :‬أتعلن من السجوني‪ ,‬ولو جئتك ببهان قاطع يتبي منه‬ ‫‪1218‬‬

‫صدقي؟‬ ‫ت ِبهِ ِإنْ ُكْنتَ مِنْ الصّادِِقيَ (‪)31‬‬ ‫قَالَ فَأْ ِ‬ ‫قال فرعون‪ :‬فأت به إن كنت من الصادقي ف دعواك‪.‬‬ ‫ع يَدَ ُه َفإِذَا هِ َي َبيْضَاءُ‬ ‫َفَألْقَى عَ صَاهُ َفإِذَا هِ يَ ثُ ْعبَا نٌ ُمبِيٌ (‪َ )32‬ونَزَ َ‬ ‫لِلنّاظِرِينَ ( ‪)33‬‬ ‫فأل قى مو سى ع صاه فتحولت ثعبانًا حقيقيًا‪ ,‬ل يس تويهًا ك ما يف عل‬ ‫ال سحرة‪ ,‬وأخرج يده مِن جي به فإذا هي بيضاء كالثلج من غ ي برص‪،‬‬ ‫َتْبهَر الناظرين‪.‬‬ ‫قَالَ لِ ْلمَلٍ َح ْولَ هُ إِنّ هَذَا لَ سَا ِحرٌ عَلِي ٌم (‪ )34‬يُرِيدُ أَ نْ ُيخْرِجَ ُك ْم مِ نْ‬ ‫َأ ْرضِكُ ْم ِبسِحْرِ ِه فَمَاذَا تَ ْأمُرُونَ (‪)35‬‬ ‫قال فرعون لشراف قو مه خش ية أن يؤمنوا‪ :‬إن مو سى لَ ساحر ما هر‪،‬‬ ‫ير يد أن يرج كم ب سحره من أرض كم‪ ،‬فأي ش يء تشيون به ف شأنه‬ ‫أتبع رأيكم فيه؟‬ ‫‪1219‬‬

‫ث فِي الْ َمدَائِ نِ حَاشِرِي َن (‪ )36‬يَ ْأتُو كَ بِكُلّ‬ ‫قَالُوا َأرْجِ هِ َوأَخَا هُ وَابْعَ ْ‬ ‫َسحّارٍ عَلِيمٍ (‪)37‬‬ ‫قال له قومه‪ :‬أخّر أمر موسى وهارون‪ ,‬وأر سِلْ ف الدائن جندًا جامعي‬ ‫للسحرة‪ ,‬يأتوك بكلّ مَن أجاد السحر‪ ،‬وتفوّق ف معرفته‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ّاسم هَلْ َأْنت ْ‬ ‫ُومم (‪ )38‬وَقِيلَ لِلن ِ‬ ‫ْمم َمعْل ٍ‬ ‫َاتم َيو ٍ‬ ‫السمحَرَ ُة لِمِيق ِ‬ ‫ِعم ّ‬ ‫َفجُم َ‬ ‫جتَمِعُونَ (‪)39‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫َفجُمع السحرة‪ ،‬وحُدّد لم وقت معلوم‪ ،‬هو وقت الضحى من يوم الزينة‬ ‫الذي يتفرغون فيمه ممن أشغالمم‪ ،‬ويتمعون ويتزيّنون؛ وذلك للجتماع‬ ‫ث الناس على الجتماع; أمل ف أن تكون الغلبة للسحرة‪.‬‬ ‫بوسى‪ .‬وحُ ّ‬ ‫سحَرَةَ ِإ ْن كَانُوا هُ ْم الْغَاِلِبيَ (‪)40‬‬ ‫لَعَّلنَا َنّتبِ ُع ال ّ‬ ‫إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة‪ ،‬فنثبت على ديننا‪.‬‬ ‫سحَرَةُ قَالُوا لِفِرْ َعوْ نَ َأئِنّ َلنَا لَجْرا إِ نْ ُكنّا َنحْ نُ الْغَاِلِبيَ (‬ ‫َفلَمّا جَاءَ ال ّ‬ ‫‪1220‬‬

‫‪)41‬‬ ‫فلما جاء السحرة فرعون قالوا له‪ :‬أإن لنا لجرًا مِن مال أو جاه‪ ،‬إ ْن كنا‬ ‫نن الغالبي لوسى؟‬ ‫قَالَ نَ َعمْ وَِإنّ ُكمْ إِذا لَمِنْ الْمُقَ ّرِبيَ (‪)42‬‬ ‫قال فرعون‪ :‬نعمم لكمم عندي مما طلبتمم مِن أجمر‪ ،‬وإنكمم حينئذ لنم‬ ‫القربي لديّ‪.‬‬ ‫قَالَ َلهُ ْم مُوسَى َألْقُوا مَا َأْنتُ ْم مُلْقُونَ (‪)43‬‬ ‫قال مو سى لل سحرة مريدًا إبطال سحرهم وإظهار أن ما جاء به ل يس‬ ‫سحرًا‪ :‬ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر‪.‬‬ ‫صّيهُ ْم وَقَالُوا بِعِزّ ِة فِرْ َع ْونَ ِإنّا َلنَحْنُ الْغَاِلبُونَ (‪)44‬‬ ‫َفَألْقَوْا ِحبَاَلهُمْ وَعِ ِ‬ ‫فألقَوا حبال م وع صيّهم‪ ,‬و ُخيّ ل للناس أن ا حيّات ت سعى‪ ,‬وأق سموا بعزة‬ ‫فرعون قائلي‪ :‬إننا لنحن الغالبون‪.‬‬ ‫‪1221‬‬

‫ف مَا يَأِْفكُونَ (‪)45‬‬ ‫َفَألْقَى مُوسَى عَصَاهُ َفإِذَا ِهيَ تَلْقَ ُ‬ ‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فإذا هي حية عظيمة‪ ,‬تبتلع ما صدر منهم من إفك‬ ‫وتزوير‪.‬‬ ‫سحَرَةُ سَاجِدِينَ (‪ )46‬قَالُوا آ َمنّا ِبرَبّ الْعَالَ ِميَ ( ‪َ )47‬ربّ‬ ‫َفُألْقِ يَ ال ّ‬ ‫مُوسَى وَهَارُونَ (‪)48‬‬ ‫فلمما شاهدوا ذلك‪ ،‬وعلموا أنمه ليمس ممن تويمه السمحرة‪ ,‬آمنوا بال‬ ‫وسجدوا له‪ ،‬وقالوا‪ :‬آمنّا برب العالي رب موسى وهارون‪.‬‬ ‫قَالَ آ َمْنتُم ْملَهُم َقبْلَ أَن ْم آذَنَملَكُم ْمِإنّهُملَ َكبِيُكُم ْم الّذِي عَلّمَكُم ْم السّمحْ َر‬ ‫ف وَل صَّلَبنّكُمْ‬ ‫سوْفَ تَعَْلمُو نَ لقَطّعَنّ َأْي ِديَكُ مْ َوَأرْجُلَكُ ْم مِ نْ خِل ٍ‬ ‫فَلَ َ‬ ‫َأجْمَ ِعيَ ( ‪)49‬‬ ‫قال فرعون لل سحرة م ستنكرًا‪ :‬آمن تم لو سى بغ ي إذن م ن‪ ،‬وقال موهًا‬ ‫أنّ فِعْل مو سى سحر‪ :‬إ نه ل كبيكم الذي علّم كم ال سحر‪ ،‬فل سوف‬ ‫تعلمون ما ينل بكم من عقاب‪ :‬لقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلف‪:‬‬ ‫‪1222‬‬

‫بقطع اليد اليمن والرجل اليسرى أو عكس ذلك‪ ،‬ولصلبنّكم أجعي‪.‬‬ ‫ضيْرَ ِإنّ ا ِإلَى َربّنَا ُمنْقَِلبُو نَ (‪ِ )50‬إنّ ا نَطْمَ عُ أَ نْ يَغْ ِفرَ لَنَا َربّنَا‬ ‫قَالُوا ل َ‬ ‫خَطَايَانَا َأنْ ُكنّا َأوّلَ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)51‬‬ ‫قال ال سحرة لفرعون‪ :‬ل ضرر علي نا في ما يلحق نا من عقاب الدن يا‪ ,‬إ نا‬ ‫راجعون إل ربنا فيعطينا النعيم القيم‪ .‬إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا‬ ‫من الشرك وغيه; لكوننا أول الؤمني ف قومك‪.‬‬ ‫وََأ ْو َحْينَا ِإلَى مُوسَى َأنْ أَ ْسرِ بِ ِعبَادِي ِإنّ ُكمْ ُمّتبَعُونَ (‪)52‬‬ ‫سمْر ليل بنم آممن ممن بنم‬ ‫َنم ِ‬ ‫وأوحمى ال إل موسمى عليمه السملم‪ :‬أ ْ‬ ‫إسرائيل؛ لن فرعون وجنوده متبعوكم حت ل يدركوكم قبل وصولكم‬ ‫إل البحر‪.‬‬ ‫َفَأرْسَلَ ِفرْ َعوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪)53‬‬ ‫فأرسل فرعون جنده‪ -‬حي بلغه مسي بن إسرائيل‪ -‬يمعون جيشه من‬ ‫مدائن ملكته‪.‬‬ ‫‪1223‬‬

‫ُونم ( ‪ )55‬وَِإنّام‬ ‫ُمملَنَا لَغَائِظ َ‬ ‫ُونم (‪ )54‬وَِإّنه ْ‬ ‫إِنّ َهؤُلءِ لَشِرْ ِذ َمةٌ قَلِيل َ‬ ‫لَجَمِيعٌ حَا ِذرُونَ ( ‪)56‬‬ ‫قال فرعون‪ :‬إن ب ن إ سرائيل الذ ين فرّوا مع مو سى لَطائ فة حقية قليلة‬ ‫العدد‪ ،‬وإن م لالئون صدورنا غيظًا؛ ح يث خالفوا دين نا‪ ,‬وخرجوا بغ ي‬ ‫إذننا‪ ,‬وإنا لميع متيقظون مستعدون لم‪.‬‬ ‫َفأَخْ َر ْجنَاهُ ْم مِ نْ َجنّا تٍ وَ ُعيُو نٍ (‪ )57‬وَ ُكنُوزٍ وَمَقَا مٍ كَرِيٍ ( ‪)58‬‬ ‫كَ َذلِكَ َوَأوْ َرْثنَاهَا َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)59‬‬ ‫فأخرج ال فرعون وقوممه ممن أرض "مصمر" ذات البسماتي وعيون الاء‬ ‫وخزائن الال والنازل السان‪ .‬وكما أخرجناهم‪ ،‬جعلنا هذه الديار من‬ ‫بعدهم لبن إسرائيل‪.‬‬ ‫ي (‪)60‬‬ ‫َفَأْتبَعُوهُمْ ُمشْرِِق َ‬ ‫فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس‪.‬‬

‫‪1224‬‬

‫صحَابُ مُوسَى ِإنّا لَمُ ْدرَكُونَ (‪)61‬‬ ‫َفلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ َأ ْ‬ ‫فلما رأى كل واحد من الفريقي الخر قال أصحاب موسى‪ :‬إنّ جَ ْم عَ‬ ‫فرعون ُم ْدرِكنا ومهلكنا‪.‬‬ ‫قَالَ َكلّ ِإنّ مَعِي َربّي َسَيهْدِينِ (‪)62‬‬ ‫قال موسى لم‪ :‬كل ليس المر كما ذكرت فلن تُ ْدرَكوا; إن معي رب‬ ‫بالنصر‪ ،‬سيهدين لا فيه نات وناتكم‪.‬‬ ‫ب بِعَ صَاكَ اْلَبحْرَ فَانفَلَ قَ فَكَا نَ كُلّ ِفرْ قٍ‬ ‫َفَأوْ َحيْنَا ِإلَى مُو سَى أَ نْ اضْ ِر ْ‬ ‫كَال ّطوْدِ الْعَظِيمِ (‪)63‬‬ ‫فأوحينا إل مو سى أن اضرب بع صاك الب حر‪ ،‬فضرب‪ ،‬فانفلق الب حر إل‬ ‫اثن عشر طريقًا بعدد قبائل بن إسرائيل‪ ،‬فكانت كل قطعة انفصلت من‬ ‫البحر كالبل العظيم‪.‬‬ ‫وََأ ْزلَ ْفنَا ثَمّ الخَرِي َن (‪َ )64‬وَأْنجَْينَا مُو سَى وَمَ ْن مَعَ هُ أَ ْجمَ ِعيَ ( ‪)65‬‬ ‫ثُمّ أَغْرَ ْقنَا الخَرِينَ (‪)66‬‬ ‫‪1225‬‬

‫وق ّربْ نا هناك فرعون وقو مه ح ت دخلوا الب حر‪ ,‬وأني نا مو سى ومَن م عه‬ ‫أجعي‪ .‬فاستمر البحر على انفلقه حت عبوا إل الب‪ ،‬ث أغرقنا فرعون‬ ‫ومن معه بإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعي موسى وقومه‪.‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِكَ لَيةً وَمَا كَانَ أَ ْكَثرُهُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)67‬‬ ‫إن ف ذلك الذي حدث لَعبة عجيبة دالة على قدرة ال‪ ،‬وما صار أكثر‬ ‫أتباع فرعون مؤمني مع هذه العلمة الباهرة‪.‬‬ ‫ك َلهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)68‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإن ر بك ل و العز يز الرح يم‪ ,‬بعز ته أهلك الكافر ين الكذب ي‪ ،‬وبرح ته‬ ‫نّى موسى ومَن معه أجعي‪.‬‬ ‫وَاتْلُ عََلْيهِ ْم َنبَأَ ِإْبرَاهِيمَ (‪ِ )69‬إذْ قَالَ َلبِيهِ وََقوْ ِمهِ مَا تَ ْعبُدُونَ (‪)70‬‬ ‫واق صص على الكافر ين ‪ -‬أي ها الر سول ‪ -‬خب إبراه يم ح ي قال لب يه‬ ‫وقومه‪ :‬أي شيء تعبدونه؟‬

‫‪1226‬‬

‫صنَاما َفنَظَلّ َلهَا عَاكِ ِفيَ (‪)71‬‬ ‫قَالُوا نَ ْعبُدُ َأ ْ‬ ‫قالوا‪ :‬نعبد أصنامًا‪ ،‬فنَعْكُف على عبادتا‪.‬‬ ‫ضرّونَ (‪)73‬‬ ‫قَالَ هَ ْل َيسْمَعُونَكُمْ إِ ْذ تَدْعُونَ (‪َ )72‬أوْ َينْفَعُونَكُمْ َأوْ يَ ُ‬ ‫قال إبراهيمم منبه ًا على فسماد مذهبهمم‪ :‬همل يسممعون دعاءكمم إذ‬ ‫تدعون م‪ ,‬أو يقدّمون ل كم نفعًا إذا عبدتو هم‪ ،‬أو ي صيبونكم ب ضر إذا‬ ‫تركتم عبادتم؟‬ ‫ك يَفْعَلُونَ (‪)74‬‬ ‫قَالُوا بَلْ وَ َج ْدنَا آبَا َءنَا كَ َذلِ َ‬ ‫قالوا‪ :‬ل يكون من هم ش يء من ذلك‪ ،‬ولكن نا وجد نا آباء نا يعبدون م‪,‬‬ ‫فقلّدناهم فيما كانوا يفعلون‪.‬‬ ‫قَالَ أَفَ َرَأْيتُ مْ مَا ُكْنتُ مْ تَ ْعبُدُو نَ (‪َ )75‬أْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ مْ الَقْدَمُو نَ ( ‪)76‬‬

‫َفِإّنهُ مْ عَ ُد ّو لِي إِ ّل رَبّ الْعَالَمِيَ (‪ )77‬الّذِي َخلَقَنِي َف ُهوَ َيهْدِي نِ (‬

‫ت َف ُهوَ َيشْ ِفيِ (‬ ‫‪ )78‬وَالّذِي ُهوَ يُطْ ِع ُمنِي َويَ سْ ِقيِ ( ‪َ )79‬وإِذَا َم ِرضْ ُ‬ ‫حيِيِ ( ‪ )81‬وَالّذِي َأطْمَ عُ أَ نْ يَغْفِ َر لِي‬ ‫‪ )80‬وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ ُي ْ‬ ‫‪1227‬‬

‫خَطِيَئتِي َيوْ َم الدّينِ (‪)82‬‬ ‫قال إبراهيم‪ :‬أفأبصرت بتدبر ما كنتم تعبدون من الصنام الت ل تسمع‬ ‫ول تنفع ول تضر‪ ،‬أنتم وآباؤكم القدمون من قبلكم؟ فإن ما تعبدونم‬ ‫من دون ال أعداء ل‪ ،‬لكن رب العالي ومالك أمرهم هو وحده الذي‬ ‫أعبده‪ .‬هو الذي خلقن ف أحسن صورة فهو يرشدن إل مصال الدنيا‬ ‫والخرة‪ ،‬وهمو الذي ينعمم عليّ بالطعام والشراب‪ ،‬وإذا أصمابن مرض‬ ‫فهو الذي َيشْفين ويعافين منه‪ ،‬وهو الذي ييتن ف الدينا بقبض روحي‪,‬‬ ‫ث ييي ن يوم القيا مة‪ ,‬ل يقدر على ذلك أ حد سواه‪ ,‬والذي أط مع أن‬ ‫يتجاوز عن ذنب يوم الزاء‪.‬‬ ‫حيَ (‪)83‬‬ ‫ب لِي ُحكْما وََألْحِ ْقنِي بِالصّاِل ِ‬ ‫ب هَ ْ‬ ‫رَ ّ‬ ‫قال إبراه يم داعيًا ر به‪ :‬ربّ امنح ن العلم والف هم‪ ،‬وألق ن بال صالي‪،‬‬ ‫واجع بين وبينهم ف النة‪.‬‬ ‫ق فِي الخِرِي َن (‪)84‬‬ ‫وَاجْعَ ْل لِي ِلسَانَ صِدْ ٍ‬ ‫واجعل ل ثناء حسنًا وذكرًا جيل ف الذين يأتون بعدي إل يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪1228‬‬

‫وَاجْعَ ْلنِي مِنْ َو َرَثةِ َجّن ِة النّعِي ِم (‪)85‬‬ ‫واجعلن من عبادك الذين تورثهم نعيم النة‪.‬‬ ‫وَاغْفِ ْر َلبِي ِإّن ُه كَانَ مِ ْن الضّالّيَ (‪)86‬‬ ‫وهذا دعاء ممن إبراهيمم عليمه السملم أن ينقمذ ال أباه ممن الضلل إل‬ ‫الدى‪ ،‬فيغ فر له ويتجاوز ع نه‪ ،‬ك ما و عد إبراه يم أباه بالدعاء له‪ ،‬فل ما‬ ‫تبيّن له أنه مستمر ف الكفر والشرك إل أن يوت تبّأ منه ‪.‬‬ ‫وَل ُتخْ ِزنِي َيوْ مَ ُيبْ َعثُو نَ (‪َ )87‬يوْ مَ ل َينْفَ عُ مَالٌ وَل َبنُو نَ ( ‪ )88‬إِلّ‬ ‫مَنْ َأتَى الّلهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (‪)89‬‬ ‫ول تُلْحق ب الذل‪ ،‬يوم يرج الناس من القبور للحساب والزاء‪ ،‬يوم ل‬ ‫ينفع الال والبنون أحدًا من العباد‪ ،‬إل مَن أتى ال بقلب سليم من الكفر‬ ‫والنفاق والرذيلة‪.‬‬ ‫جّنةُ لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)90‬‬ ‫ت اْل َ‬ ‫وَُأ ْزلِفَ ْ‬ ‫‪1229‬‬

‫وقُرّبت النة للذين اجتنبوا الكفر والعاصي‪ ،‬وأقبلوا على ال بالطاعة‪.‬‬ ‫جحِيمُ لِلْغَاوِينَ (‪)91‬‬ ‫ت الْ َ‬ ‫َوبُ ّرزَ ْ‬ ‫وأُظهرت النار للكافر ين الذ ين ضَلّوا عن الدى‪ ،‬وترّؤوا على مارم ال‬ ‫وكذّبوا رسله‪.‬‬ ‫وَقِيلَ َلهُ مْ َأيْ نَ مَا ُكْنُت مْ تَ ْعبُدُو نَ (‪ )92‬مِ نْ دُو نِ اللّ هِ هَ ْل َينْ صُرُونَكُمْ َأوْ‬

‫َيْنتَصِرُونَ (‪)93‬‬

‫وقيل لم توبيخًا‪ :‬أين آلتكم الت كنتم تعبدونا مِن دون ال‪ ،‬وتزعمون‬ ‫أنام تشفمع لكمم اليوم؟ همل ينصمرونكم‪ ,‬فيدفعون العذاب عنكمم‪ ,‬أو‬ ‫ينتصرون بدفع العذاب عن أنفسهم؟ ل شيء من ذلك‪.‬‬ ‫َف ُكبْ ِكبُوا فِيهَا هُ ْم وَالْغَاوُونَ (‪ )94‬وَ ُجنُودُ ِإبْلِيسَ أَجْ َمعُونَ (‪)95‬‬ ‫فجُمِعوا وألقُوا ف جهنم‪ ،‬هم والذين أضلوهم وأعوان إبليس الذين زيّنوا‬ ‫لم الشر‪ ,‬ل يُفْلِت منهم أحد‪.‬‬

‫‪1230‬‬

‫ختَ صِمُونَ (‪ )96‬تَاللّ هِ إِ نْ ُكنّ ا لَفِي ضَللٍ ُمبِيٍ (‬ ‫قَالُوا وَهُ مْ فِيهَا َي ْ‬ ‫سوّيكُمْ ِبرَبّ الْعَالَمِيَ ( ‪ )98‬وَمَا َأضَلّنَا إِلّ الْ ُمجْرِمُو نَ (‬ ‫‪ِ )97‬إذْ نُ َ‬ ‫‪)99‬‬ ‫قالوا معترف ي بطئ هم‪ ،‬و هم يتنازعون ف جه نم مع مَن أضلو هم‪ ،‬تال‬ ‫إننا كنا ف الدنيا ف ضلل واضح ل خفاء فيه; إذ نسويكم برب العالي‬ ‫ال ستحق للعبادة وحده‪ .‬و ما أوقع نا ف هذا ال صي ال سيّئ إل الجرمون‬ ‫الذين دعونا إل عبادة غي ال فاتبعناهم‪.‬‬ ‫ي (‪ )100‬وَل صَدِيقٍ حَمِيمٍ (‪)101‬‬ ‫َفمَا َلنَا مِنْ شَافِ ِع َ‬ ‫فل أحدَ يش فع ل نا‪ ،‬ويلّ صنا ممن العذاب‪ ،‬ول مَن يَص ْمدُق فم مودت نا‬ ‫ويشفق علينا‪.‬‬ ‫َفَلوْ َأنّ َلنَا كَرّ ًة َفنَكُونَ مِنْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)102‬‬ ‫فليت لنا رجعة إل الدنيا‪ ,‬فنصي من جلة الؤمني الناجي‪.‬‬ ‫ك لَ ُهوَ‬ ‫إِنّ فِي َذلِ كَ لَيةً وَمَا كَا نَ أَ ْكَثرُهُ مْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪ )103‬وَإِنّ َربّ َ‬ ‫‪1231‬‬

‫الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)104‬‬ ‫إن ف نبأ إبراهيم السابق لَعبة لِمن يعتب‪ ,‬وما صار أكثر الذين سعوا‬ ‫هذا النبأ مؤمني‪ .‬وإن ربك لو العزيز القادر على النتقام من الكذبي‪,‬‬ ‫الرحيم بعباده الؤمني‪.‬‬ ‫ت َقوْ مُ نُو حٍ الْمُ ْر سَِليَ (‪ )105‬إِ ْذ قَالَ َلهُ مْ أَخُوهُ مْ نُو حٌ أَل‬ ‫كَ ّذَب ْ‬

‫َتتّقُونَ (‪ِ )106‬إنّي لَكُ ْم رَسُولٌ أَ ِميٌ ( ‪ )107‬فَاتّقُوا اللّ هَ وََأطِيعُونِ (‬ ‫‪ )108‬وَمَا َأ سَْألُكُ ْم عََليْ هِ مِ نْ أَ ْجرٍ إِ نْ أَجْرِي إِلّ عَلَى رَبّ الْعَالَ ِميَ (‬ ‫‪ )109‬فَاتّقُوا الّلهَ وََأطِيعُونِ (‪)110‬‬

‫كَذّ بت قوم نوح ر سالة نبيهم‪ ،‬فكانوا بذا مكذب ي لم يع الر سل; لن‬ ‫كل ر سول يأ مر بت صديق ج يع الر سل‪ .‬إذ قال ل م أخو هم نوح‪ :‬أل‬ ‫تشون ال بترك عبادة غيه؟ إن لكم رسول أمي فيما أبلغكم‪ ،‬فاجعلوا‬ ‫اليان وقا ية ل كم من عذاب ال وأطيعو ن في ما آمر كم به من عباد ته‬ ‫وحده‪ .‬وما أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة‪ ،‬ما أجري إل على رب‬ ‫العال ي‪ ،‬الت صرف ف خل قه‪ ،‬فاحذروا عقا به‪ ,‬وأطيعو ن بامتثال أوامره‪،‬‬ ‫واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫‪1232‬‬

‫ك ا َلرْ َذلُونَ (‪)111‬‬ ‫ك وَاتّبَعَ َ‬ ‫قَالُوا َأُنؤْمِنُ لَ َ‬ ‫قال له قوممه‪ :‬كيمف نصمدّقك ونتبعمك‪ ,‬والذيمن اتبعوك أراذل الناس‬ ‫وأسافلهم؟‬ ‫قَالَ وَمَا ِعلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪)112‬‬ ‫فأجابم نوح عليه السلم بقوله‪ :‬لست مكلفًا بعرفة أعمالم‪ ,‬إنا كُلفت‬ ‫أن أدعو هم إل اليان‪ .‬والعتبار باليان ل بال سب والن سب والِرف‬ ‫والصنائع‪.‬‬ ‫ِإنْ ِحسَاُبهُمْ إِ ّل عَلَى َربّي َلوْ َتشْعُرُونَ (‪)113‬‬ ‫مما حسمابم للجزاء على أعمالمم وبواطنهمم إل على ربم الطّلِع على‬ ‫السرائر‪ .‬لو كنتم تشعرون بذلك لا قلتم هذا الكلم‪.‬‬ ‫وَمَا َأنَا بِطَارِ ِد الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪ِ )114‬إنْ َأنَا إِلّ نَذِيرٌ ُمِبيٌ (‪)115‬‬ ‫وما أنا بطارد الذين يؤمنون بدعوت‪ ,‬مهما تكن حالم؛ تلبية لرغبتكم‬ ‫كي تؤمنوا ب‪ .‬ما أنا إل نذير بيّن النذار‪.‬‬ ‫‪1233‬‬

‫قَالُوا َلئِنْ لَمْ َتْنَتهِ يَا نُوحُ َلتَكُونَنّ مِنْ الْمَرْجُو ِميَ (‪)116‬‬ ‫عدل قوم نوح عمن الحاورة إل التهديمد‪ ,‬فقالوا له‪ :‬لئن ل ترجمع‪ -‬يما‬ ‫نوح‪ -‬عن دعوتك لتكوننّ مِ َن القتولي رميًا بالجارة‪.‬‬ ‫جنِي‬ ‫قَالَ َربّ ِإنّ َقوْمِي كَ ّذبُو نِ (‪ )117‬فَا ْفَت حْ َبْينِي َوَبْيَنهُ ْم َفتْحا َوَن ّ‬ ‫وَمَنْ مَعِي مِنْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)118‬‬ ‫فلمما سمع نوح قولمم هذا دعما ربمه بقوله‪ :‬رب إن قوممي أصمروا على‬ ‫تكذي مب‪ ،‬فاح كم بي ن وبين هم حكمًا تُهلك به مَن ج حد توحيدك‬ ‫وكذّب رسولك‪ ،‬ونن ومَن معي من الؤمني ما تعذب به الكافرين‪.‬‬ ‫شحُونِ (‪)119‬‬ ‫َفأَ َنْينَاهُ وَمَ ْن مَ َعهُ فِي الْفُلْكِ الْ َم ْ‬ ‫فأنيناه ومَن معه ف السفينة الملوءة بصنوف الخلوقات الت حلها معه‪.‬‬ ‫ثُمّ أَ ْغرَ ْقنَا بَعْ ُد اْلبَاِقيَ (‪)120‬‬ ‫ث أغرق نا ب عد إناء نوح و من م عه الباق ي‪ ،‬الذ ين ل يؤمنوا مِن قو مه‬ ‫‪1234‬‬

‫وردّوا عليه النصيحة‪.‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِكَ لَيةً وَمَا كَانَ أَ ْكَثرُهُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)121‬‬ ‫إن ف نبأ نوح وما كان من إناء الؤمني وإهلك الكذبي لَعلمة وعب ًة‬ ‫عظيمة لن بعدهم‪ ,‬وما كان أكثر الذين سعوا هذه القصة مؤمني بال‬ ‫وبرسوله وشرعه‪.‬‬ ‫ك َلهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)122‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإن ربك لو العزيز ف انتقامه من كفر به وخالف أمره‪ ,‬الرحيم بعباده‬ ‫الؤمني‪.‬‬ ‫ي (‪)123‬‬ ‫كَ ّذَبتْ عَا ٌد الْمُرْسَِل َ‬ ‫كذّبمت قمبيلة عاد رسمولم هودًا‪ -‬عليمه السملم‪ -‬فكانوا بذا مكذّبيم‬ ‫لميع الرسل؛ لتاد دعوتم ف أصولا وغايتها‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ لَهُ مْ َأخُوهُ مْ هُودٌ أَل َتتّقُو نَ (‪ِ )124‬إنّ ي لَكُ مْ َر سُولٌ أَمِيٌ (‬ ‫‪1235‬‬

‫‪ )125‬فَاتّقُوا اللّ هَ وََأطِيعُو نِ ( ‪ )126‬وَمَا أَ سَْألُكُمْ َعَليْ هِ مِ نْ َأجْرٍ إِ نْ‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ ( ‪)127‬‬ ‫َأجْرِي إِلّ َعلَى رَ ّ‬ ‫إذ قال ل م أخو هم هود‪ :‬أل تشون ال فتخل صوا له العبادة؟ إ ن مر سَل‬ ‫إلي كم لدايت كم وإرشاد كم‪ ،‬حف يظ على ر سالة ال‪ ،‬أبلّغ ها ل كم ك ما‬ ‫أمرن رب‪ ،‬فخافوا عقاب ال وأطيعون فيما جئتكم به من عند ال‪ .‬وما‬ ‫أطلب من كم على إرشاد كم إل التوح يد أيّ نوع من أنواع ال جر‪ ،‬ما‬ ‫أجري إل على رب العالي‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ُونم مَصمَانِ َع لَعَلّك ْ‬ ‫ُونم (‪َ )128‬وَتّتخِذ َ‬ ‫ِيعم آَيةً تَ ْعَبث َ‬ ‫ُونم بِكُلّ ر ٍ‬ ‫َأَتْبن َ‬ ‫شتُمْ َجبّارِينَ (‪)130‬‬ ‫شتُمْ بَ َط ْ‬ ‫َتخْلُدُونَ (‪َ )129‬وإِذَا بَ َط ْ‬ ‫أتبنون ب كل مكان مرت فع بناء عاليًا تشرفون م نه فت سخرون مِ َن الارة؟‬ ‫وذلك عبمث وإسمراف ل يعود عليكمم بفائدة فم الديمن أو الدنيما‪,‬‬ ‫وتتخذون ق صورًا مني عة وح صونًا مشيّدة‪ ،‬كأن كم تلدون ف الدن يا ول‬ ‫توتون‪ ،‬وإذا بطش تم بأ حد من اللق قتل أو ضربًا‪ ،‬فعل تم ذلك قاهر ين‬ ‫ظالي‪.‬‬ ‫فَاتّقُوا اللّهَم وََأطِيعُونِم (‪ )131‬وَاتّقُوا الّذِي أَمَدّكُم ْمبِمَا تَ ْعلَمُونَم (‬ ‫‪1236‬‬

‫‪ )132‬أَمَدّكُ ْم بَِأنْعَامٍ َوَبِنيَ (‪َ )133‬و َجنّاتٍ وَ ُعيُونٍ (‪)134‬‬ ‫فخافوا ال‪ ،‬وامتثلوا ما أدعو كم إل يه فإ نه أن فع ل كم‪ ،‬واخشوا ال الذي‬ ‫أعطا كم من أنواع الن عم ما ل خفاء ف يه علي كم‪ ،‬أعطا كم النعام‪ :‬من‬ ‫البل والبقر والغنم‪ ،‬وأعطاكم الولد‪ ،‬وأعطاكم البساتي الثمرة‪ ,‬وفجّر‬ ‫لكم الاء من العيون الارية‪.‬‬ ‫ِإنّي َأخَافُ عََلْيكُمْ َعذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ (‪)135‬‬ ‫قال هود‪ -‬عليه ال سّلم‪ -‬مذرًا لم‪ :‬إن أخاف إن أصررت على ما أنتم‬ ‫عل يه من التكذ يب والظلم وكُفْر النّ عم‪ ،‬أن ينل ال ب كم عذابًا ف يوم‬ ‫تعظم شدته من هول عذابه‪.‬‬ ‫قَالُوا َسوَاءٌ عََلْينَا َأوَعَظْتَ أَ ْم لَمْ تَكُ ْن مِنْ اْلوَاعِ ِظيَ (‪)136‬‬ ‫قالوا له‪ :‬يستوي عندنا تذكيك وتويفك لنا وتركه‪ ,‬فلن نؤمن لك‪.‬‬ ‫ِإنْ هَذَا إِلّ ُخلُقُ ا َلوِّليَ (‪ )137‬وَمَا َنحْنُ ِبمُعَ ّذِبيَ (‪)138‬‬

‫‪1237‬‬

‫وقالوا‪ :‬ما هذا الذي نن عليه إل دين الولي وعاداتم‪ ،‬وما نن‬ ‫بعذبي على ما نفعل ما َح ّذرْتنا منه من العذاب‪.‬‬ ‫ُمم ُمؤْ ِمنِيَ (‬ ‫َانمأَ ْكثَرُه ْ‬ ‫ِكم لَيةً وَمَا ك َ‬ ‫ُممإِنّ فِي َذل َ‬ ‫ُوهم فَأَهْلَ ْكنَاه ْ‬ ‫َفكَ ّذب ُ‬ ‫‪َ )139‬وِإنّ َربّكَ َل ُهوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)140‬‬ ‫فاست َمرّوا على تكذيبه‪ ،‬فأهلكهم ال بريح باردة شديدة‪ .‬إن ف ذلك‬ ‫الهلك لَعبة لن بعدهم‪ ,‬وما كان أكثر الذين سعوا قصتهم مؤمني‬ ‫بك‪ .‬وإن ربك لو العزيز الغالب على ما يريده من إهلك الكذبي‪,‬‬ ‫الرحيم بالؤمني‪.‬‬ ‫كَ ّذَبتْ َثمُودُ الْمُ ْرسَِليَ (‪)141‬‬ ‫كذّبت قبيلة ثود أخاهم صالًا ف رسالته ودعوته إل توحيد ال‪ ،‬فكانوا‬ ‫بذا مكذّبي لميع الرسل; لنم جيعًا يدعون إل توحيد ال‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ لَهُ مْ َأخُوهُ مْ صَالِحٌ أَل َتتّقُو نَ (‪ِ )142‬إنّي لَكُ مْ َر سُولٌ أَ ِميٌ (‬ ‫‪ )143‬فَاتّقُوا اللّ هَ وََأطِيعُو نِ ( ‪ )144‬وَمَا أَ سَْألُكُمْ َعَليْ هِ مِ نْ َأجْرٍ إِ نْ‬ ‫‪1238‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ ( ‪)145‬‬ ‫َأجْرِي إِلّ َعلَى رَ ّ‬ ‫إذ قال لم أخوهم صال‪ :‬أل تشون عقاب ال‪ ،‬فتُفرِدونه بالعبادة؟ إن‬ ‫مرسَل من ال إليكم‪ ,‬حفيظ على هذه الرسالة كما تلقيتها عن ال‪،‬‬ ‫فاحذروا عقابه تعال‪ ,‬وامتثلوا ما دعوتكم إليه‪ .‬وما أطلب منكم على‬ ‫نصحي وإرشادي لكم أي جزاء‪ ،‬ما جزائي إل على رب العالي‪.‬‬ ‫َأُتتْرَكُو نَ فِي مَا هَاهُنَا آ ِمنِيَ (‪ )146‬فِي َجنّا تٍ وَ ُعيُو نٍ ( ‪)147‬‬ ‫جبَالِ ُبيُوتا‬ ‫ِنم الْ ِ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫حت َ‬ ‫ِيمم (‪َ )148‬وَتْن ِ‬ ‫ُوعم َوَنخْلٍ طَلْعُهَا هَض ٌ‬ ‫َوزُر ٍ‬ ‫فَارِهِيَ (‪)149‬‬

‫أيترككم ربكم فيما أنتم فيه من النعيم مستقرين ف هذه الدنيا آمني من‬ ‫العذاب والزوال والوت؟ ف حدائق مثمرة وعيون جارية وزروع كثية‬ ‫ونل ثرها يانع لي نضيج‪ ،‬وتنحتون من البال بيوتًا ماهرين بنحتها‪,‬‬ ‫أَشِرين بَطِرين‪.‬‬ ‫فَاتّقُوا اللّ هَ وََأطِيعُو نِ (‪ )150‬وَل تُطِيعُوا أَ ْمرَ الْمُ سْ ِرِفيَ ( ‪)151‬‬ ‫الّذِينَ يُ ْفسِدُونَ فِي ا َلرْضِ وَل يُصِْلحُونَ (‪)152‬‬ ‫‪1239‬‬

‫فخافوا عقوبة ال‪ ,‬واقبلوا نصحي‪ ،‬ول تنقادوا لمر السرفي على‬ ‫أنفسهم التمادين ف معصية ال الذين دأبوا على الفساد ف الرض‬ ‫إفسادًا ل إصلح فيه‪.‬‬ ‫ت مِ نْ الْمُ سَحّرِي َن (‪ )153‬مَا َأنْ تَ إِلّ َبشَ ٌر ِمثْلُنَا فَ ْأ تِ‬ ‫قَالُوا ِإنّمَا َأنْ َ‬ ‫ت مِنْ الصّادِِقيَ (‪)154‬‬ ‫بِآَيةٍ ِإنْ ُكنْ َ‬ ‫قالت ثود لنبيها صال‪ :‬ما أنت إل من الذين سُحروا ِسحْرًا كثيًا‪ ،‬حت‬ ‫غلب السحر على عقلك‪ .‬ما أنت إل فرد ماثل لنا ف البشرية من بن‬ ‫آدم‪ ،‬فكيف تتميز علينا بالرسالة؟ فأت بجة واضحة تدل على ثبوت‬ ‫رسالتك‪ ,‬إن كنت صادقًا ف دعواك أن ال أرسلك إلينا‪.‬‬ ‫قَالَ َهذِهِ نَاَقةٌ َلهَا ِشرْبٌ َولَكُمْ ِشرْبُ َيوْ ٍم مَعْلُومٍ (‪ )155‬وَل تَمَسّوهَا‬ ‫ِبسُوءٍ َفيَأْخُذَ ُكمْ عَذَابُ َيوْمٍ عَظِي ٍم (‪)156‬‬ ‫قال لم صال‪ -‬وقد أتاهم بناقة أخرجها ال له من الصخرة‪ :-‬هذه ناقة‬ ‫ال لا نصيب من الاء ف يوم معلوم‪ ،‬ولكم نصيب منه ف يوم آخر‪.‬‬ ‫ليس لكم أن تشربوا ف اليوم الذي هو نصيبها‪ ،‬ول هي تشرب ف اليوم‬ ‫ضرْبٍ أو قتل أو نو‬ ‫الذي هو نصيبكم‪ ،‬ول تنالوها بشيء ما يسوءها ك َ‬ ‫‪1240‬‬

‫ذلك‪ ،‬فيهلككم ال بعذابِ يومٍ تعظم شدته؛ بسبب ما يقع فيه من الول‬ ‫والشدة‪.‬‬ ‫صَبحُوا نَادِ ِميَ (‪)157‬‬ ‫َفعَقَرُوهَا فََأ ْ‬ ‫فنحروا الناقة‪ ,‬فأصبحوا متحسرين على ما فعلوا لَمّا أيقنوا بالعذاب‪ ،‬فلم‬ ‫ينفعهم ندمهم‪.‬‬ ‫ك لَيةً وَمَا كَانَ أَ ْكثَرُهُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪)158‬‬ ‫َفأَخَذَ ُهمْ الْعَذَابُ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫فنل بم عذاب ال الذي توعدهم به صال عليه السلم‪ ،‬فأهلكهم‪ .‬إن‬ ‫ف إهلك ثود لَعبة لن اعتب بذا الصي‪ ,‬وما كان أكثرهم مؤمني‪.‬‬ ‫ك َلهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)159‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإن ربك لو العزيز القاهر النتقم من أعدائه الكذبي‪ ،‬الرحيم بن آمن‬ ‫من خلقه‪.‬‬ ‫كَ ّذَبتْ َقوْمُ لُوطٍ الْ ُمرْسَِليَ (‪)160‬‬ ‫‪1241‬‬

‫كَذّ بت قوم لوط بر سالته‪ ,‬فكانوا بذا مكذب ي ل سائر ر سل ال؛ لن ما‬ ‫جاؤوا به من التوحيد وأصول الشرائع واحد‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ لَهُ مْ َأخُوهُ مْ لُو طٌ أَل َتتّقُو نَ (‪ِ )161‬إنّي لَكُ ْم رَ سُولٌ َأ ِميٌ (‬

‫‪ )162‬فَاتّقُوا اللّ هَ وََأطِيعُو نِ ( ‪ )163‬وَمَا أَ سَْألُكُمْ َعَليْ هِ مِ نْ َأجْرٍ إِ نْ‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ ( ‪)164‬‬ ‫َأجْرِي إِلّ َعلَى رَ ّ‬ ‫إذ قال ل م أخو هم لوط‪ :‬أل تشون عذاب ال؟ إ ن ر سول من رب كم‪،‬‬ ‫أميم على تبليمغ رسمالته إليكمم‪ ،‬فاحذروا عقاب ال على تكذيبكمم‬ ‫رسوله‪ ،‬واتبعون فيما دعوتكم إليه‪ ،‬وما أسألكم على دعوت لدايتكم‬ ‫أيّ أجر‪ ،‬ما أجري إل على رب العالي‪.‬‬ ‫َأتَ ْأتُونَ الذّكْرَانَ مِنْ الْعَالَ ِميَ (‪َ )165‬وتَ َذرُونَ مَا خَلَ َق لَكُمْ َربّكُ ْم مِنْ‬ ‫َأ ْزوَاجِكُ ْم بَلْ َأْنتُ ْم َقوْ ٌم عَادُونَ ( ‪)166‬‬ ‫أتنكحون الذكور مِمن بنم آدم‪ ،‬وتتركون مما خلق ال لسمتمتاعكم‬ ‫وتنا سلكم مِن أزواج كم؟ بل أن تم قوم ‪ -‬بذه الع صية‪ -‬متجاوزون ما‬ ‫أباحه ال لكم من اللل إل الرام‪.‬‬ ‫‪1242‬‬

‫قَالُوا َلئِنْ لَمْ َتْنَتهِ يَا لُوطُ َلتَكُونَنّ مِنْ الْ ُمخْرَ ِجيَ (‪)167‬‬ ‫قال قوم لوط‪ :‬لئن ل تترك يا لوط َن ْهيَ نا عن إتيان الذكور وتقب يح فعله‪،‬‬ ‫لتكونن من الطرودين من بلدنا‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّي لِعَ َملِكُ ْم مِنْ الْقَاِليَ (‪)168‬‬ ‫قال لوط لمم‪ :‬إنم لِعملكمم الذي تعملونمه ممن إتيان الذكور‪ ،‬لَممن‬ ‫البغضي له بغضًا شديدًا‪.‬‬ ‫جنِي وَأَهْلِي مِمّا يَ ْعمَلُونَ (‪)169‬‬ ‫ب َن ّ‬ ‫رَ ّ‬ ‫ث د عا لوط ر به حين ما يئس من ا ستجابتهم له قائل ربّ أنقذن وأن قذ‬ ‫أهلي مام يعمله قوممي مِن هذه العصمية القبيحمة‪ ,‬ومِن عقوبتمك التم‬ ‫ستصيبهم‪.‬‬ ‫جْينَاهُ وَأَهَْلهُ أَ ْجمَ ِعيَ (‪ )170‬إِلّ َعجُوزا فِي الْغَابِرِينَ (‪)171‬‬ ‫َفَن ّ‬ ‫فنجيناه وأهل بيته والستجيبي لدعوته أجعي إل عجوزًا من أهله‪ ،‬وهي‬ ‫‪1243‬‬

‫امرأته‪ ،‬ل تشاركهم ف اليان‪ ،‬فكانت من الباقي ف العذاب واللك‪.‬‬ ‫ثُمّ دَمّ ْرنَا الخَرِي َن (‪ )172‬وَأَمْطَ ْرنَا َعَلْيهِ مْ مَطَرا فَ سَاءَ مَطَ ُر الْمُن َذرِي نَ‬ ‫(‪)173‬‬ ‫ث أهلكنا مَن عداهم من الكفرة أشدّ إهلك‪ ،‬وأنزلنا عليهم حجارة من‬ ‫ال سماء كال طر أهلكت هم‪ ,‬ف َقُب حَ مطرُ من أنذر هم ر سلهم ول ي ستجيبوا‬ ‫لم؛ فقد أُنزل بم أشدّ أنواع اللك والتدمي‪.‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِكَ لَيةً وَمَا كَانَ أَ ْكَثرُهُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)174‬‬ ‫إن فم ذلك العقاب الذي نزل بقوم لوط لَعمبة وموعظمة‪ ,‬يتعمظ بام‬ ‫الكذبون‪ .‬وما كان أكثرهم مؤمني‪.‬‬ ‫ك َلهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)175‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإن ربك لو العزيز الغالب الذي يقهر الكذبي‪ ,‬الرحيم بعباده الؤمني‪.‬‬ ‫ب ا َليْ َكةِ الْمُرْ سَِليَ (‪ )176‬إِ ْذ قَالَ َلهُ مْ ُش َعيْ بٌ أَل‬ ‫صحَا ُ‬ ‫كَذّ بَ أَ ْ‬ ‫‪1244‬‬

‫َتتّقُونَ (‪ِ )177‬إنّي لَكُ ْم رَسُولٌ أَ ِميٌ ( ‪ )178‬فَاتّقُوا اللّ هَ وََأطِيعُونِ (‬ ‫‪ )179‬وَمَا َأ سَْألُكُ ْم عََليْ هِ مِ نْ أَ ْجرٍ إِ نْ أَجْرِي إِلّ عَلَى رَبّ الْعَالَ ِميَ (‬ ‫‪)180‬‬ ‫كذّب أ صحاب الرض ذات الش جر الل تف ر سولم شعيبًا ف ر سالته‪،‬‬ ‫فكانوا بذا مكذّب ي لم يع الر سالت‪ .‬إذ قال ل م شع يب‪ :‬أل تشون‬ ‫عقاب ال على شرككم ومعاصيكم؟ إن مرسَل إليكم مِنَ ال لدايتكم‪،‬‬ ‫حفيظ على ما أوحى ال به إلّ من الرسالة‪ ,‬فخافوا عقاب ال‪ ,‬واتبعوا‬ ‫ما دعوت كم إل يه مِن هدا ية ال؛ لترشدوا‪ ,‬و ما أطلب من كم على دعائي‬ ‫لكم إل اليان بال أيّ جزاء‪ ،‬ما جزائي إل على رب العالي‪.‬‬ ‫ِسمطَاسِ‬ ‫ْسمرِينَ (‪َ )181‬و ِزنُوا بِالْق ْ‬ ‫ِنم الْ ُمخ ِ‬ ‫َأوْفُوا الْ َكيْلَ وَل َتكُونُوا م ْ‬ ‫ستَقِيمِ (‪ )182‬وَل َتْبخَ سُوا النّا سَ أَ ْشيَاءَهُ مْ وَل تَ ْعَثوْا فِي ا َلرْ ضِ‬ ‫الْمُ ْ‬ ‫مُ ْفسِدِينَ (‪)183‬‬ ‫قال لم شعيب‪ -‬وقد كانوا ُينْقِصون الكيل واليزان‪ :-‬أتّوا الكيل للناس‬ ‫وافيًا لم‪ ،‬ول تكونوا من ُينْقِصون الناس حقوقهم‪َ ,‬وزِنوا باليزان العدل‬ ‫ال ستقيم‪ ،‬ول تنق صوا الناس شيئًا مِن حقوق هم ف ك يل أو وزن أو غ ي‬ ‫ذلك‪ ،‬ول تكثروا ف الرض الف ساد‪ ،‬بالشرك والق تل والن هب وتو يف‬ ‫‪1245‬‬

‫الناس وارتكاب العاصي‪.‬‬ ‫جبِّلةَ ا َلوِّليَ (‪)184‬‬ ‫وَاتّقُوا الّذِي خَلَقَكُ ْم وَالْ ِ‬ ‫واحذروا عقوبة ال الذي خلقكم وخلق المم التقدمة عليكم‪.‬‬ ‫ت مِ ْن الْمُ سَحّرِي َن (‪ )185‬وَمَا َأْن تَ إِلّ َبشَ ٌر ِمثُْلنَا وَإِ نْ‬ ‫قَالُوا ِإنّمَا َأْن َ‬ ‫ك لَمِ ْن الْكَا ِذِبيَ (‪ )186‬فََأسْ ِقطْ عََلْينَا كِسَفا مِنْ السّمَاءِ إِنْ ُكنْتَ‬ ‫نَ ُظنّ َ‬ ‫مِنْ الصّادِِقيَ (‪)187‬‬ ‫قالوا‪ :‬إن ا أ نت‪ -‬يا شع يب‪ -‬مِ نَ الذ ين أ صابم ال سحر إ صابة شديدة‪،‬‬ ‫فذهب بعقولم‪ ،‬وما أنت إل واحد مثلنا ف البشرية‪ ،‬فكيف تتص دوننا‬ ‫بالرسالة؟ وإن أكب ظننا أنك من الكاذبي فيما تدّعيه من الرسالة‪ .‬فإن‬ ‫كنت صادقًا ف دعوى النبوة‪ ،‬فادع ال أن يسقط علينا قطع عذاب من‬ ‫السماء تستأصلنا‪.‬‬ ‫قَالَ َربّي أَعَْلمُ بِمَا تَ ْعمَلُونَ (‪)188‬‬ ‫ِنم الشرك والعاصمي‪ ،‬وبام‬ ‫قال لمم شعيمب‪ :‬ربم أعلم بام تعملونمه م َ‬ ‫‪1246‬‬

‫تستوجبونه من العقاب‪.‬‬ ‫َفكَ ّذبُوهُ فََأخَذَ ُهمْ عَذَابُ َيوْمِ الظّّلةِ ِإّنهُ كَانَ عَذَابَ َيوْمٍ عَظِي ٍم (‪)189‬‬ ‫فاست َمرّوا على تكذيبه‪ ،‬فأصابم الر الشديد‪ ،‬وصاروا يبحثون عن ملذ‬ ‫ي ستظلون به‪ ،‬فأظلت هم سحابة‪ ،‬وجدوا ل ا بردًا ون سيمًا‪ ،‬فل ما اجتمعوا‬ ‫تتها‪ ،‬التهبت عليهم نارًا فأحرقتهم‪ ،‬فكان هلكهم جيعًا ف يوم شديد‬ ‫الول‪.‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِكَ لَيةً وَمَا كَانَ أَ ْكَثرُهُمْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)190‬‬ ‫إن فم ذلك العقاب الذي نزل بمم‪ ،‬لَدللة واضحمة على قدرة ال فم‬ ‫مؤاخذة الكذب ي‪ ،‬و عبة ل ن يع تب‪ ،‬و ما كان أكثر هم مؤمن ي متعظ ي‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫ك َلهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)191‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإن ر بك ‪ -‬أي ها الر سول ‪ -‬ل و العز يز ف نقم ته م ن انت قم م نه من‬ ‫أعدائه‪ ،‬الرحيم بعباده الوحدين‪.‬‬ ‫‪1247‬‬

‫وَِإنّ هُ َلَتنْزِيلُ رَبّ الْعَالَمِيَ (‪ )192‬نَزَ َل بِ هِ الرّو حُ الَمِيُ ( ‪)193‬‬ ‫ي (‪)195‬‬ ‫ك ِلتَكُونَ مِ ْن الْمُن ِذرِينَ (‪ )194‬بِِلسَانٍ َع َربِيّ ُمِب ٍ‬ ‫عَلَى قَ ْلبِ َ‬ ‫َتم فيمه هذه القصمص الصمادقة‪ ،‬لَمنّل مِن‬ ‫وإن هذا القرآن الذي ذُ ِكر ْ‬ ‫خالق اللق‪ ,‬ومالك ال مر كله‪ ،‬نزل به جب يل الم ي‪ ,‬فتله عل يك ‪-‬‬ ‫أي ها الر سول ‪ -‬ح ت وعي ته بقل بك حفظًا وفهمًا؛ لتكون مِن ر سل ال‬ ‫الذين يوّفون قومهم عقاب ال‪ ،‬فتنذر بذا التنيل النس والن أجعي‪.‬‬ ‫نزل به جب يل عل يك بل غة عرب ية واض حة الع ن‪ ،‬ظاهرة الدللة‪ ،‬في ما‬ ‫يتاجون إليه ف إصلح شؤون دينهم ودنياهم‪.‬‬ ‫وَِإّنهُ لَفِي ُزبُرِ ا َل ّولِيَ (‪)196‬‬ ‫ت به‬ ‫وإنّ ذِكْرَ هذا القرآن لَمثب تٌ ف ك تب ال نبياء ال سابقي‪ ,‬قد َبشّرَ ْ‬ ‫وصَدَّقتْه‪.‬‬ ‫َأوَلَ ْم يَكُنْ َلهُمْ آَيةً َأنْ يَعْلَ َم ُه عُلَمَاءُ َبنِي إِ ْسرَائِيلَ (‪)197‬‬ ‫ف هؤلء‪ -‬ف الدللة على أ نك ر سول ال‪ ,‬وأن القرآن حق‪-‬‬ ‫أول يَكْ ِ‬ ‫‪1248‬‬

‫عِلْ ُم علماء بن إسرائيل صحة ذلك‪ ،‬ومَن آمن منهم كعبد ال بن سلم؟‬ ‫َوَلوْ نَ ّزْلنَا هُ عَلَى بَعْ ضِ الَ ْعجَمِيَ (‪ )198‬فَ َقرَأَ ُه عََلْيهِ مْ مَا كَانُوا بِ هِ‬ ‫ب الْ ُمجْرِمِيَ ( ‪ )200‬ل‬ ‫ك سَلَ ْكنَا ُه فِي قُلُو ِ‬ ‫ُمؤْ ِمنِيَ (‪ )199‬كَ َذلِ َ‬ ‫ُيؤْ ِمنُونَ ِبهِ َحتّى َي َروْا الْعَذَابَ ا َللِيمَ (‪)201‬‬ ‫ولو َنزّلنا القرآن على بعض الذين ل يتكلمون بالعربية‪ ,‬فقرأه على كفار‬ ‫قريش قراءة عربية صحيحة‪ ,‬لكفروا به أيضًا‪ ،‬وانتحلوا لحودهم عذرًا‪.‬‬ ‫كذلك أدخل نا ف قلوب الجرم ي جحود القرآن‪ ،‬و صار متمكنًا في ها؛‬ ‫وذلك بسبب ظلمهم وإجرامهم‪ ،‬فل سبيل إل أن يتغيوا عمّا هم عليه‬ ‫من إنكار القرآن‪ ،‬حت يعاينوا العذاب الشديد الذي وُعِدوا به‪.‬‬ ‫َفيَ ْأِتَيهُ مْ بَ ْغَتةً وَ ُه ْم ل َيشْعُرُو نَ (‪َ )202‬فيَقُولُوا هَلْ َنحْ نُ مُنظَرُو نَ (‬ ‫‪)203‬‬ ‫فينل بم العذاب فجأة‪ ،‬وهم ل يعلمون قبل ذلك بجيئه‪ ,‬فيقولون عند‬ ‫مفاجأتم به تسّرًا على ما فاتم من اليان‪ :‬هل نن مُ ْمهَلون مُؤخّرون؛‬ ‫لنتوب إل ال مِن شركنا‪ ،‬ونستدرك ما فاتنا؟‬ ‫‪1249‬‬

‫ستَ ْعجِلُونَ (‪)204‬‬ ‫أََفبِعَذَاِبنَا َي ْ‬ ‫أَغَ ّر هؤلء إمهال‪ ،‬فيستعجلون نزول العذاب عليهم من السماء؟‬ ‫أَفَرََأْي تَ إِ نْ َمتّ ْعنَاهُ مْ ِسِنيَ (‪ )205‬ثُمّ جَاءَهُ مْ مَا كَانُوا يُوعَدُو نَ (‬ ‫‪)206‬‬ ‫أفعلممت ‪ -‬أيهما الرسمول ‪ -‬إن َمتّعناهمم بالياة سمني طويلة بتأخيم‬ ‫آجالم‪ ،‬ث نزل بم العذاب الوعود؟‬ ‫مَا أَ ْغنَى َعْنهُ ْم مَا كَانُوا يُ َمتّعُونَ (‪)207‬‬ ‫ما أغن عنهم تتعهم بطول العمر‪ ،‬وطيب العيش‪ ،‬إذا ل يتوبوا من‬ ‫شركهم؟ فعذاب ال واقع بم عاجل أم آجل‪.‬‬ ‫وَمَا أَهْلَ ْكنَا مِ نْ قَ ْرَيةٍ إِ ّل َلهَا مُن ِذرُو نَ (‪ )208‬ذِ ْكرَى وَمَا ُكنّا ظَالِ ِميَ‬ ‫(‪)209‬‬ ‫‪1250‬‬

‫وما أهلكنا مِن قرية من القرى ف المم جيعًا‪ ,‬إل بعد أن نرسل إليهم‬ ‫رسل ينذرونم‪ ,‬تذكرة لم وتنبيهًا على ما فيه ناتم‪ ,‬وما كنا ظالي‬ ‫فنعذب أمة قبل أن نرسل إليها رسول‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ (‬ ‫شيَاطِيُ (‪ )210‬وَمَا َيْنبَغِي َلهُ مْ وَمَا يَ ْ‬ ‫ت بِ ِه ال ّ‬ ‫وَمَا َتنَ ّزلَ ْ‬ ‫‪ِ )211‬إّنهُمْ عَ ْن السّمْ ِع لَمَعْزُولُونَ (‪)212‬‬ ‫وما َتنَ ّزلَتْ بالقرآن على ممد الشياطي‪ -‬كما يزعم الكفرة‪ -‬ول يصح‬ ‫منهم ذلك‪ ،‬وما يستطيعونه؛ لنم عن استماع القرآن من السماء‬ ‫مجوبون مرجومون بالشهب‪.‬‬ ‫ي (‪)213‬‬ ‫فَل َتدْعُ َمعَ الّلهِ ِإلَها آخَ َر َفتَكُونَ مِنْ الْمُعَ ّذِب َ‬ ‫فل تعبد مع ال معبودًا غيه‪ ,‬فينل بك من العذاب ما نزل بؤلء الذين‬ ‫عبدوا مع ال غيه‪.‬‬ ‫وَأَن ِذرْ َعشِ َيتَكَ الَقْ َرِبيَ (‪)214‬‬

‫‪1251‬‬

‫وحذّر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬القرب فالقرب مِن قومك‪ ،‬مِن عذابنا‪ ،‬أن‬ ‫ينل بم‪.‬‬ ‫وَاخْفِضْ َجنَا َحكَ لِمَنْ اّتبَ َعكَ مِنْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)215‬‬ ‫وَألِنْ جانبك وكلمك تواضعًا ورحة لن ظهر لك منه إجابة دعوتك‪.‬‬ ‫صوْ َك فَقُلْ ِإنّي بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ (‪)216‬‬ ‫َفِإنْ عَ َ‬ ‫فإن خالفوا أمرك ول يتبعوك‪ ،‬فتبّأ من أعمالم‪ ،‬وما هم عليه من الشرك‬ ‫والضلل‪.‬‬ ‫َوَتوَكّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرّحِي مِ (‪ )217‬الّذِي يَرَا كَ ِحيَ تَقُو ُم ( ‪)218‬‬

‫َوتَقَّلبَكَ فِي السّاجِدِينَ (‪ِ )219‬إّنهُ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِي ُم (‪)220‬‬

‫وَفوّضْ أمرك إل ال العزيز الذي ل يغالَب ول يُ ْقهَر‪ ,‬الرحيم الذي ل‬ ‫يذل أولياءه‪ ،‬وهو الذي يراك حي تقوم للصلة وحدك ف جوف‬ ‫الليل‪ ،‬ويرى تقلّبك مع الساجدين ف صلتم معك قائمًا وراكعًا‬

‫‪1252‬‬

‫وساجدًا وجالسًا‪ ,‬إنه‪ -‬سبحانه‪ -‬هو السميع لتلوتك وذكرك‪ ,‬العليم‬ ‫بنيتك وعملك‪.‬‬ ‫شيَا ِطيُ (‪َ )221‬تَنزّلُ عَلَى كُلّ َأفّا كٍ َأثِي مٍ‬ ‫هَلْ ُأَنّبئُكُ مْ عَلَى مَ نْ َتنَزّلُ ال ّ‬

‫(‪ )222‬يُلْقُونَ السّ ْمعَ وَأَ ْكثَرُ ُهمْ كَا ِذبُونَ (‪)223‬‬

‫هل أخبكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬على مَن تنمزّل الشياطي؟ تتنل على كل‬ ‫ق الشياطي السمع‪ ,‬يتخطفونه من‬ ‫ستَرِ ُ‬ ‫كذّاب كثي الثام من الكهنة‪َ ,‬ي ْ‬ ‫الل العلى‪ ,‬فيلقونه إل الكهان‪ ,‬ومَن جرى مراهم مِنَ الفسقة‪ ,‬وأكثر‬ ‫هؤلء كاذبون‪ ,‬يَصْدُق أحدهم ف كلمة‪ ,‬فيزيد فيها أكثر مِن مائة‬ ‫كذبة‪.‬‬ ‫وَالشّعَرَاءُ َيّتبِ ُعهُ ْم الْغَاوُو نَ (‪َ )224‬ألَ مْ تَرَى َأّنهُ مْ فِي كُلّ وَا ٍد َيهِيمُو نَ‬ ‫(‪ )225‬وََأّنهُ ْم يَقُولُونَ مَا ل يَفْ َعلُونَ (‪)226‬‬ ‫والشعراء يقوم شعرهم على الباطل والكذب‪ ,‬وياريهم الضالون‬ ‫الزائغون مِن أمثالم‪ .‬أل تر ‪ -‬أيها النب ‪ -‬أنم يذهبون كالائم على‬ ‫وجهه‪ ,‬يوضون ف كل فن مِن فنون الكذب والزور وتزيق العراض‬ ‫والطعن ف النساب وتريح النساء العفائف‪ ،‬وأنم يقولون ما ل‬ ‫يفعلون‪ ,‬يبالغون ف مدح أهل الباطل‪ ,‬وينتقصون أهل الق؟‬ ‫‪1253‬‬

‫إِلّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ وَذَكَرُوا اللّ هَ َكثِيا وَانتَ صَرُوا مِ ْن بَعْدِ‬

‫ب يَنقَِلبُونَ (‪)227‬‬ ‫مَا ظُلِمُوا وَ َسيَعَْلمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُن َقلَ ٍ‬

‫استثن ال من الشعراءِ الشعراءَ الذين اهت َدوْا باليان وعملوا الصالات‪,‬‬ ‫وأكثروا مِن ذِكْر ال فقالوا الشعر ف توحيد ال ‪ -‬سبحانه‪ -‬والثناء عليه‬ ‫جلّ ذكره‪ ,‬والدفاع عن رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتكلموا‬ ‫بالكمة والوعظة والداب السنة‪ ،‬وانتصروا للسلم‪ ،‬يهجون مَن‬ ‫يهجوه أو يهجو رسوله‪ ,‬ردّا على الشعراء الكافرين‪ .‬وسيعلم الذين‬ ‫ظلموا أنفسهم بالشرك والعاصي‪ ،‬وظلموا غيهم بغمط حقوقهم‪ ,‬أو‬ ‫العتداء عليهم‪ ,‬أو بالتّهم الباطلة‪ ,‬أي مرجع من مراجع الشر واللك‬ ‫يرجعون إليه؟ إنّه منقلب سوء‪ ,‬نسأل ال السلمة والعافية‪.‬‬

‫‪ -27‬سورة النمل‬ ‫ي (‪)1‬‬ ‫ك آيَاتُ الْقُرْآنِ وَ ِكتَابٍ ُمِب ٍ‬ ‫طس تِلْ َ‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪1254‬‬

‫هذه آيات القرآن وهي آيات الكتاب العزيز بينة العن‪ ,‬واضحة الدللة‪,‬‬ ‫على ما فيه من العلوم والكم والشرائع‪ .‬فالقرآن هو الكتاب‪ ،‬جع ال‬ ‫له بي السي‪.‬‬ ‫ُهدًى َوُبشْرَى لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪ )2‬الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّل َة َوُيؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ‬ ‫بِالخِرَ ِة هُمْ يُوِقنُونَ (‪)3‬‬ ‫وهي آيات ترشد إل طريق الفوز ف الدنيا والخرة‪ ,‬وتبشر بسن‬ ‫صدّقوا با‪ ,‬واهت َدوْا بديها‪ ,‬الذين يقيمون‬ ‫الثواب للمؤمني الذين َ‬ ‫الصلوات المس كاملة الركان‪ ,‬مستوفية الشروط‪ ,‬ويؤدون الزكاة‬ ‫الفروضة لستحقيها‪ ,‬وهم يوقنون بالياة الخرة‪ ,‬وما فيها مِن ثواب‬ ‫وعقاب‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِينَم ل ُيؤْ ِمنُونَمبِال ِخرَةِ َزّينّامَلهُم ْمأَ ْعمَالَهُم ْم َفهُم ْميَ ْع َمهُونَم (‪)4‬‬ ‫ُأ ْوَلئِكَ الّذِينَ َلهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُ ْم فِي الخِرَ ِة هُمْ ا َل ْخسَرُونَ ( ‪)5‬‬ ‫سنّا لم أعمالم‬ ‫صدّقون بالدار الخرة‪ ,‬ول يعملون لا ح ّ‬ ‫إن الذين ل يُ َ‬ ‫السيئة‪ ,‬فرأوها حسنة‪ ,‬فهم يترددون فيها متحيّرين‪ .‬أولئك الذين لم‬ ‫‪1255‬‬

‫العذاب السيّئ ف الدنيا قتل وأَسْرًا وذُل وهزيةً‪ ,‬وهم ف الخرة أشد‬ ‫الناس خسرانًا‪.‬‬ ‫وَِإنّكَ َلتُلَقّى الْقُرْآ َن مِنْ لَ ُدنْ َحكِيمٍ َعلِيمٍ (‪)6‬‬ ‫وإنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتتلقى القرآن من عند ال‪ ,‬الكيم ف خلقه‬ ‫وتدبيه الذي أحاط بكل شيء علمًا‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫خبَرٍ َأوْ آتِيك ْ‬ ‫َسمتُ نَارا سمَآتِيكُ ْم ِمنْهَا ِب َ‬ ‫ِهمِإنّيم آن ْ‬ ‫إِذْ قَالَ مُوسمَى لَهْل ِ‬ ‫ب َقَبسٍ لَعَلّكُ ْم تَصْطَلُونَ (‪)7‬‬ ‫شهَا ٍ‬ ‫ِب ِ‬ ‫اذكر قصة موسى حي قال لهله ف مسيه من "مدين" إل "مصر"‪ :‬إن‬ ‫أبصَ ْرتُ نارًا سآتيكم منها بب يدلنا على الطريق‪ ,‬أو آتيكم بشعلة نار;‬ ‫كي تستدفئوا با من البد‪.‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَهَا نُو ِديَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَمَنْ َحوَْلهَا وَ ُسْبحَانَ اللّهِ رَبّ‬ ‫الْعَالَ ِميَ (‪ )8‬يَا مُوسَى ِإنّهُ َأنَا اللّهُ الْعَزِي ُز اْلحَكِيمُ (‪َ )9‬وَألْقِ عَصَا َك فََلمّا‬ ‫ب يَا مُو سَى ل َتخَ فْ ِإنّي ل‬ ‫رَآهَا َت ْهتَزّ كََأّنهَا جَانّ َولّى ُم ْدبِرا وَلَ ْم يُعَقّ ْ‬ ‫‪1256‬‬

‫ف لَدَيّ الْمُ ْر سَلُونَ (‪ )10‬إِ ّل مَ نْ ظَلَ َم ثُمّ َبدّلَ حُ سْنا بَعْ َد سُوءٍ‬ ‫َيخَا ُ‬ ‫ك َتخْرُ جْ َبيْضَاءَ مِ نْ َغيْرِ‬ ‫َفِإنّي غَفُورٌ رَحِي مٌ (‪ )11‬وَأَ ْدخِلْ يَ َد َك فِي َجْيبِ َ‬ ‫سُوءٍ فِي ِتسْعِ آيَاتٍ ِإلَى فِرْ َع ْونَ وََقوْ ِمهِ ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَاسِ ِقيَ (‪)12‬‬ ‫فلما جاء موسى النارَ ناداه ال وأخبه أن هذا مكانٌ قدّسه ال وباركه‬ ‫فجعله موضعًا لتكليم موسى وإرساله‪ ,‬وأن ال بارك مَن ف النار ومَن‬ ‫حولا مِنَ اللئكة‪ ,‬وتنيهًا ل رب اللئق عما ل يليق به‪ .‬يا موسى إنه‬ ‫أنا ال الستحق للعبادة وحدي‪ ,‬العزيز الغالب ف انتقامي من أعدائي‪,‬‬ ‫الكيم ف تدبي خلقي‪ .‬وألق عصاك فألقاها فصارت حية‪ ,‬فلما رآها‬ ‫تتحرك ف خفة َتحَرّكَ الية السريعة ولّى هاربًا ول يرجع إليها‪ ,‬فطمأنه‬ ‫ال بقوله‪ :‬يا موسى ل َتخَفْ‪ ,‬إن ل ياف لديّ من أرسلتهم برسالت‪,‬‬ ‫لكن مَن تاوز الدّ بذنب‪ ,‬ث تاب فبدّل ُحسْن التوبة بعد قبح الذنب‪,‬‬ ‫فإن غفور له رحيم به‪ ,‬فل ييئس أحدٌ من رحة ال ومغفرته‪ .‬وأدخل‬ ‫يدك ف جيبك ترج بيضاء كالثلج من غي بَرَص ف جلة تسع‬ ‫معجزات‪ ،‬وهي مع اليد‪ :‬العصا‪ ،‬والسنون‪ ،‬ونقص الثمرات‪ ،‬والطوفان‪،‬‬ ‫والراد‪ ،‬والقُمّل‪ ،‬والضفادع‪ ،‬والدم؛ لتأييدك ف رسالتك إل فرعون‬ ‫وقومه‪ ,‬إنم كانوا قومًا خارجي عن أمر ال كافرين به‪.‬‬

‫‪1257‬‬

‫صرَةً قَالُوا هَذَا ِسحْرٌ ُمِبيٌ (‪)13‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَْتهُ ْم آيَاُتنَا ُمبْ ِ‬ ‫فلما جاءتم هذه العجزات ظاهرة بيّنة يبصر با مَن نظر إليها حقيقةَ ما‬ ‫دلت عليه‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا سحرٌ واض ٌح بيّن‪.‬‬ ‫سهُمْ ظُلْما وَعُُلوّا فَانظُرْ َكيْ فَ كَا نَ عَاِقَبةُ‬ ‫وَ َجحَدُوا بِهَا وَا ْسَتيْ َقَنْتهَا َأنْفُ ُ‬ ‫الْمُ ْفسِدِينَ (‪)14‬‬ ‫وكذّبوا بالعجزات التسع الواضحة الدللة على صدق موسى ف نبوته‬ ‫وصدق دعوته‪ ,‬وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند ال‪ ,‬وقد استيقنوها‬ ‫ف قلوبم اعتداءً على الق وتكبًا على العتراف به‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬كيف كان مصي الذين كفروا بآيات ال وأفسدوا ف الرض‪,‬‬ ‫إذ أغرقهم ال ف البحر؟ وف ذلك عبة لن يعتب‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا دَاوُودَ َوسَُلْيمَانَ عِلْما وَقَال اْلحَمْ ُد لِلّ هِ الّذِي فَضَّلنَا عَلَى َكثِيٍ‬ ‫مِنْ ِعبَادِ ِه الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)15‬‬

‫‪1258‬‬

‫ولقد آتينا داود وسليمان علمًا فعمل به‪ ,‬وقال المد ل الذي فضّلنا‬ ‫بذا على كثي من عباده الؤمني‪ .‬وف الية دليل على شرف العلم‪,‬‬ ‫وارتفاع أهله‪.‬‬ ‫َو َورِ ثَ سَُليْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا َأّيهَا النّا سُ عُلّ ْمنَا مَنطِ قَ ال ّطيْ ِر وَأُوتِينَا مِ نْ‬ ‫كُلّ َش ْيءٍ ِإنّ َهذَا َلهُوَ الْفَضْلُ الْ ُمِبيُ (‪)16‬‬ ‫وورث سليمان أباه داود ف النبوة والعلم واللك‪ ,‬وقال سليمان لقومه‪:‬‬ ‫يا أيها الناس عُلّمنا وُفهّمنا كلم الطي‪ ,‬وأُعطينا مِن كل شيء تدعو إليه‬ ‫الاجة‪ ,‬إن هذا الذي أعطانا ال تعال إياه لو الفضل الواضح الذي‬ ‫يُ َميّزنا على مَن سوانا‪.‬‬ ‫وَ ُحشِ َر ِلسَُليْمَانَ ُجنُودُهُ مِ ْن الْجِنّ وَا ِلْنسِ وَال ّطيْرِ َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪)17‬‬ ‫وجُمِع لسليمان جنوده من الن والنس والطي ف مسية لم‪ ,‬فهم على‬ ‫كثرتم ل يكونوا مهمَلي‪ ,‬بل كان على كل جنس من يَ ُردّ أولم على‬ ‫آخرهم; كي يقفوا جيعًا منتظمي‪.‬‬

‫‪1259‬‬

‫َحتّىم إِذَا َأَتوْا َعلَى وَادِي النّمْلِ قَالَتمْ َنمَْلةٌ يَما َأيّهَما النّمْلُ ا ْدخُلُوا‬ ‫ُونم (‪)18‬‬ ‫ُمم ل َيشْعُر َ‬ ‫ُهم وَه ْ‬ ‫سمَليْمَانُ وَ ُجنُود ُ‬ ‫ُمم ُ‬ ‫مَسمَاكِنَكُ ْم ل َيحْطِ َمنّك ْ‬ ‫َفَتبَ سّمَ ضَاحِكا مِ ْن َق ْولِهَا وَقَالَ رَبّ َأ ْوزِعْنِي أَ نْ أَشْ ُكرَ نِعْ َمَت كَ الّتِي‬ ‫َأنْعَ ْم تَ عََليّ وَعَلَى وَالِدَيّ وَأَ نْ أَ ْعمَلَ صَالِحا َت ْرضَا هُ وَأَ ْدخِ ْلنِي ِبرَ ْح َمتِ كَ‬ ‫حيَ (‪)19‬‬ ‫فِي ِعبَادِكَ الصّاِل ِ‬ ‫حت إذا بلغوا وادي النمل قالت نلة‪ :‬يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ل‬ ‫يهلكنّكم سليمان وجنوده‪ ,‬وهم ل يعلمون بذلك‪ .‬فتبسم ضاحكًا من‬ ‫قول هذه النملة لفهمها واهتدائها إل تذير النمل‪ ,‬واستشعر نعمة ال‬ ‫عليه‪ ,‬فتوجّه إليه داعيًا‪ :‬ربّ أْلهِمْن‪ ,‬ووفقن‪ ,‬أن أشكر نعمتك الت‬ ‫أنعمت عليّ وعلى والديّ‪ ,‬وأن أعمل عمل صالًا ترضاه من‪ ,‬وأدخلن‬ ‫برحتك ف نعيم جنتك مع عبادك الصالي الذين ارتضيت أعمالم‪.‬‬ ‫َوتَفَقّ َد الطّيْ َر فَقَالَ مَا لِي ل َأرَى اْلهُدْهُدَ أَ مْ كَا نَ مِ نْ الْغَاِئبِيَ (‪)20‬‬ ‫حّنهُ َأوْ َليَ ْأِتَينِي ِبسُلْطَانٍ ُمِبيٍ (‪)21‬‬ ‫لعَ ّذَبّنهُ عَذَابا شَدِيدا َأوْ لَ ْذَب َ‬ ‫وتفقد سليمان حال الطي السخرة له وحال ما غاب منها‪ ,‬وكان عنده‬ ‫هدهد متميز معروف فلم يده‪ ,‬فقال‪ :‬ما ل ل أرى الدهد الذي‬ ‫أعهده؟ أ َستَره ساتر عن‪ ,‬أم أنه كان من الغائبي عن‪ ,‬فلم أره لغيبته؟‬ ‫‪1260‬‬

‫فلما ظهر أنه غائب قال‪ :‬لعذبنّ هذا الدهد عذابًا شديدًا لغيابه تأديبًا‬ ‫له‪ ,‬أو لذبنّه عقوبة على ما فعل حيث أخلّ با ُسخّر له‪ ,‬أو ليأتينّي‬ ‫بجة ظاهرة‪ ,‬فيها عذر لغيبته‪.‬‬ ‫َفمَكَ ثَ َغْيرَ بَعِي ٍد فَقَالَ أَحَط تُ بِمَا لَ مْ ُتحِ طْ بِ ِه وَ ِجْئتُ كَ مِ نْ َسَبإٍ ِبَنَبإٍ‬ ‫يَ ِقيٍ (‪)22‬‬ ‫فمكث الدهد زمنًا غي بعيد ث حضر فعاتبه سليمان على مغيبه وتلّفه‪,‬‬ ‫فقال له الدهد‪ :‬علمت ما ل تعلمه من المر على وجه الحاطة‪,‬‬ ‫وجئتك من مدينة "سبأ" بم "اليمن" بب خطي الشأن‪ ,‬وأنا على يقي‬ ‫منه‪.‬‬ ‫ِإنّي وَجَدتّ امْرَأَ ًة تَمْلِ ُكهُ مْ وَأُوِتيَ تْ مِ نْ كُلّ شَ ْيءٍ َوَلهَا عَرْ شٌ عَظِي مٌ (‬ ‫‪)23‬‬ ‫إن وجدت امرأةً تكم أهل "سبأ"‪ ,‬وأوتيت من كل شيء من أسباب‬ ‫الدنيا‪ ,‬ولا سرير عظيم القدر‪ ,‬تلس عليه لدارة ملكها‪.‬‬

‫‪1261‬‬

‫شيْطَا نُ‬ ‫سجُدُونَ لِلشّمْ سِ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َو َزيّ نَ َلهُ مْ ال ّ‬ ‫وَ َج ْدتُهَا وََقوْمَهَا يَ ْ‬ ‫سبِيلِ َفهُ ْم ل َي ْهتَدُونَ ( ‪)24‬‬ ‫صدّهُ ْم عَنْ ال ّ‬ ‫أَعْمَاَلهُمْ فَ َ‬ ‫وجدتُها هي وقومها يعبدون الشمس معرضي عن عبادة ال‪ ,‬وحسّن‬ ‫لم الشيطان أعمالم السيئة الت كانوا يعملونا‪ ,‬فصرفهم عن اليان بال‬ ‫وتوحيده‪ ,‬فهم ل يهتدون إل ال وتوحيده وعبادته وحده‪.‬‬ ‫بءَ فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ َويَعْلَ ُم مَا‬ ‫سجُدُوا لِلّ هِ الّذِي ُيخْرِ جُ الْخَ ْ‬ ‫أَلّ يَ ْ‬ ‫ُتخْفُونَ وَمَا تُعِْلنُونَ (‪ )25‬الّلهُ ل ِإَلهَ إِ ّل ُهوَ رَبّ الْعَ ْرشِ الْعَظِيمِ (‪)26‬‬ ‫حسّن لم الشيطان ذلك; لئل يسجدوا ل الذي يُخرج الخبوء الستور‬ ‫ف السموات والرض من الطر والنبات وغي ذلك‪ ,‬ويعلم ما تُسرّون‬ ‫وما تظهرون‪ .‬ال الذي ل معبود يستحق العبادة سواه‪ ,‬رب العرش‬ ‫العظيم‪.‬‬ ‫ت مِ ْن الْكَا ِذِبيَ (‪ )27‬اذْهَب بِ ِكتَابِي هَذَا‬ ‫قَالَ َسنَنظُرُ أَ صَدَ ْقتَ َأ ْم كُن َ‬ ‫فََألْ ِقهِ ِإَلْيهِمْ ُثمّ َتوَلّ َعْنهُ ْم فَانظُرْ مَاذَا َيرْجِعُونَ (‪)28‬‬

‫‪1262‬‬

‫قال سليمان للهدهد‪ :‬سنتأمل فيما جئتنا به من الب أصدقت ف ذلك أم‬ ‫كنت من الكاذبي فيه؟ اذهب بكتاب هذا إل أهل "سبأ" فأعطهم إياه‪,‬‬ ‫ث تن ّح عنهم قريبًا منهم بيث تسمع كلمهم‪ ,‬فتأمل ما يتردد بينهم من‬ ‫الكلم‪.‬‬ ‫ت يَا َأّيهَا الَل ِإنّي ُألْقِيَ ِإلَ ّي ِكتَابٌ كَ ِريٌ (‪)29‬‬ ‫قَالَ ْ‬ ‫ذهب الدهد وألقى الكتاب إل اللكة فقرأته‪ ,‬فجمعت أشراف قومها‪,‬‬ ‫وسعها تقول لم‪ :‬إن وصل إلّ كتاب جليل القدار من شخص عظيم‬ ‫الشأن‪.‬‬ ‫ِإنّ هُ مِ نْ سَُليْمَانَ وَِإنّ هُ بِ سْمِ اللّ هِ الرّ ْحمَ نِ الرّحِي ِم (‪ )30‬أَ ّل تَعْلُوا عَلَيّ‬

‫وَْأتُونِي ُمسْلِ ِميَ (‪)31‬‬

‫ث بيّنت ما فيه فقالت‪ :‬إنه من سليمان‪ ,‬وإنه مفتتح بم "بسم ال الرحن‬ ‫الرحيم" أل تتكبوا ول تتعاظموا عما دعوتكم إليه‪ ,‬وأ ْقبِلوا إلّ منقادين‬ ‫ل بالوحدانية والطاعة مسلمي له‪.‬‬

‫‪1263‬‬

‫شهَدُونِ (‬ ‫ت قَاطِ َعةً أَمْرا َحتّى َت ْ‬ ‫ت يَا َأّيهَا الَل أَ ْفتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُن ُ‬ ‫قَالَ ْ‬ ‫‪)32‬‬ ‫قالت‪ :‬يا أيها الشراف أشيوا عليّ ف هذا المر‪ ,‬ما كنت لفصل ف‬ ‫أمر إل بحضركم ومشورتكم‪.‬‬ ‫قَالُوا َنحْنمُ ُأ ْولُوا ُقوّ ٍة وَأُولُوا بَأْسمٍ شَدِيدٍ وَالَمْرُ ِإَليْكمِ فَانظُرِي مَاذَا‬

‫تَأْمُرِينَ (‪)33‬‬

‫قالوا ميبي لا‪ :‬نن أصحاب قوة ف العدد والعُدّة وأصحاب النجدة‬ ‫ت صاحبة الرأي‪,‬‬ ‫والشجاعة ف شدة الرب‪ ,‬والمر موكول إليكِ‪ ,‬وأن ِ‬ ‫فتأملي ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعون لمرك مطيعون لك‪.‬‬ ‫ْسمدُوهَا َوجَعَلُوا أَ ِعزّةَ أَ ْهلِه َا َأ ِذلّةً‬ ‫ُوكم إِذَا َدخَلُوا قَ ْرَيةً أَف َ‬ ‫َتم إِن ّ الْمُل َ‬ ‫قَال ْ‬ ‫وَكَ َذلِ كَ يَفْعَلُو نَ (‪ )34‬وَِإنّ ي مُرْ ِسَلةٌ ِإَلْيهِ مْ ِبهَ ِدّيةٍ َفنَاظِرٌَة بِ مَ َيرْجِ عُ‬ ‫الْمُرْسَلُونَ (‪)35‬‬ ‫قالت مذر ًة لم من مواجهة سليمان بالعداوة‪ ,‬ومبيّنة لم سوء مغبّة‬ ‫القتال‪ :‬إن اللوك إذا دخلوا بيوشهم قريةً عنوةً وقهرًا خرّبوها وصيّروا‬ ‫أعزّة أهلها أذلة‪ ,‬وقتلوا وأسروا‪ ,‬وهذه عادتم الستمرة الثابتة لمل‬ ‫‪1264‬‬

‫الناس على أن يهابوهم‪ .‬وإن مرسلة إل سليمان وقومه بديّة مشتملة‬ ‫على نفائس الموال أصانعه با‪ ,‬ومنتظرة ما يرجع به الرسل‪.‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَ سَُليْمَانَ قَالَ َأتُمِدّوَننِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللّهُ َخيْ ٌر مِمّا آتَاكُمْ بَلْ‬ ‫َأْنتُ ْم ِبهَ ِدّيتِكُ ْم تَفْرَحُونَ ( ‪)36‬‬ ‫فلمّا جاء رسول اللكة بالديّة إل سليمان‪ ,‬قال مستنكرًا ذلك متحدثًا‬ ‫بَأنْعُ ِم ال عليه‪ :‬أتدونن بالٍ تَرْضيةً ل؟ فما أعطان ال من النبوة واللك‬ ‫والموال الكثية خي وأفضل ما أعطاكم‪ ،‬بل أنتم الذين تفرحون بالدية‬ ‫الت تُهدى إليكم; لنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة با‪.‬‬ ‫جنُودٍ ل ِقبَلَ َلهُ مْ ِبهَا َوَلنُخْ ِر َجّنهُ مْ ِمْنهَا َأ ِذّلةً وَهُ مْ‬ ‫ارْجِ عْ ِإَلْيهِ مْ فََلنَ ْأِتَيّنهُ مْ ِب ُ‬ ‫صَاغِرُونَ (‪)37‬‬ ‫وقال سليمان عليه السلم لرسول أهل "سبأ"‪ :‬ارجع إليهم‪ ,‬فوال‬ ‫لنأتينّهم بنود ل طاقة لم بقاومتها ومقابلتها‪ ,‬ولنخرجنّهم مِن أرضهم‬ ‫أذلة وهم صاغرون مهانون‪ ,‬إن ل ينقادوا لدين ال وحده‪ ,‬ويتركوا‬ ‫عبادة من سواه‪.‬‬ ‫‪1265‬‬

‫قَالَ يَا َأّيهَا الَل َأيّكُ ْم يَ ْأتِينِي بِعَ ْر ِشهَا َقبْلَ َأ ْن يَ ْأتُونِي ُمسْلِ ِميَ (‪)38‬‬ ‫قال سليمان ماطبًا من َسخّرهم ال له من الن والنس‪ :‬أيّكم يأتين‬ ‫بسرير ملكها العظيم قبل أن يأتون منقادين طائعي؟‬ ‫قَالَ ِعفْري تٌ مِ نْ اْلجِنّ َأنَا آتِي كَ بِ هِ َقبْلَ أَ نْ تَقُو مَ مِ نْ مَقَامِ كَ وَِإنّي عََليْ هِ‬

‫ي ( ‪)39‬‬ ‫لَ َقوِيّ أَ ِم ٌ‬

‫قال مارد قويّ شديد من الن‪ :‬أنا آتيك به قبل أن تقوم من ملسك‬ ‫هذا‪ ,‬وإن لقويّ على حَمْله‪ ,‬أمي على ما فيه‪ ,‬آت به كما هو ل أُنقِص‬ ‫منه شيئًا ول أبدله‪.‬‬ ‫قَالَ الّذِي ِعنْدَ ُه عِلْ ٌم مِ نْ الْ ِكتَا بِ َأنَا آتِي كَ بِ ِه َقبْلَ أَ ْن يَ ْرتَدّ ِإَليْ كَ طَرُْف َ‬ ‫ك‬ ‫ستَقِرّا ِعنْدَ هُ قَالَ هَذَا مِ نْ فَضْ ِل َربّ ي ِليَبُْلوَنِي َأأَشْ ُكرُ أَ مْ أَكْفُرُ‬ ‫فَلَمّ ا رَآ هُ مُ ْ‬

‫سهِ وَمَنْ كَفَ َر َفِإنّ َربّي َغنِ ّي كَ ِريٌ (‪)40‬‬ ‫وَمَنْ شَ َكرَ َفِإنّمَا َيشْكُرُ ِلنَ ْف ِ‬

‫قال الذي عنده علم من الكتاب‪ :‬أنا آتيك بذا العرش قبل ارتداد‬ ‫أجفانك إذا ترّ َكتْ للنظر ف شيء‪ .‬فأذن له سليمان فدعا ال‪ ,‬فأتى‬ ‫‪1266‬‬

‫بالعرش‪ .‬فلما رآه سليمان حاضرًا لديه ثابتًا عنده قال‪ :‬هذا مِن فضل‬ ‫رب الذي خلقن وخلق الكون كله؛ ليختبن‪ :‬أأشكر بذلك اعترافًا‬ ‫بنعمته تعال عليّ أم أكفر بترك الشكر؟ ومن شكر ل على نعمه فإنّ‬ ‫نَفْعَ ذلك يرجع إليه‪ ,‬ومن جحد النعمة وترك الشكر فإن رب غن عن‬ ‫شكره‪ ,‬كري يعم بيه ف الدنيا الشاكر والكافر‪ ,‬ث ياسبهم ويازيهم‬ ‫ف الخرة‪.‬‬ ‫قَالَ َنكّرُوا لَهَا َعرْشَهَا نَنظُرْ َأَت ْهتَدِي أَ ْم تَكُو نُ مِ نْ الّذِي نَ ل َي ْهتَدُو نَ (‬

‫‪)41‬‬

‫قال سليمان لن عنده‪ :‬غيّروا سرير ملكها الذي تلس عليه إل حال‬ ‫تنكره إذا رأته; لنرى أتتدي إل معرفته أم تكون من الذين ل يهتدون؟‬ ‫ت كََأنّ هُ ُه َو وَأُوتِينَا الْعِلْ َم مِ ْن َقبِْلهَا‬ ‫ك قَالَ ْ‬ ‫َفلَمّا جَاءَ تْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْ ُش ِ‬ ‫وَ ُكنّا ُمسْلِ ِميَ (‪)42‬‬ ‫فلما جاءت ملكة "سبأ" إل سليمان ف ملسه قيل لا‪ :‬أهكذا عرشك؟‬ ‫قالت‪ :‬إنه يشبهه‪ .‬فظهر لسليمان أنا أصابت ف جوابا‪ ,‬وقد علمت‬ ‫‪1267‬‬

‫قدرة ال وصحة نبوة سليمان عليه السلم‪ ,‬فقال‪ :‬وأوتينا العلم بال‬ ‫وبقدرته مِن قبلها‪ ,‬وكنا منقادين لمر ال متبعي لدين السلم‪.‬‬ ‫ت مِ ْن َقوْ ٍم كَافِرِي َن (‬ ‫ت تَ ْعبُدُ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ ِإنّهَا كَانَ ْ‬ ‫وَ صَدّهَا مَا كَانَ ْ‬ ‫‪)43‬‬ ‫و َمنَعَها عن عبادة ال وحده ما كانت تعبده مِن دون ال تعال‪ ,‬إنا‬ ‫كانت كافرة ونشأت بي قوم كافرين‪ ,‬واستمرت على دينهم‪ ,‬وإل فلها‬ ‫من الذكاء والفطنة ما تعرف به الق من الباطل‪ ,‬ولكن العقائد الباطلة‬ ‫تُذهب بصية القلب‪.‬‬ ‫جةً وَ َكشَفَ تْ عَ ْن سَاَقْيهَا قَا َل‬ ‫سَبْتهُ لُ ّ‬ ‫قِي َل َلهَا ا ْدخُلِي ال صّ ْرحَ فَلَمّا رََأتْ هُ حَ ِ‬ ‫ح مُمَرّدٌ مِ نْ َقوَارِيرَ قَالَ تْ رَبّ ِإنّي ظَلَمْ تُ نَفْ سِي وَأَ سْلَ ْمتُ َم عَ‬ ‫ِإنّ هُ صَ ْر ٌ‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)44‬‬ ‫سَُلْيمَانَ لِّلهِ رَ ّ‬ ‫قيل لا‪ :‬ادخلي القصر‪ ,‬وكان صحنه مِن زجاج تته ماء‪ ,‬فلما رأته ظنته‬ ‫ماء تتردد أمواجه‪ ,‬وكشفت عن ساقيها لتخوض الاء‪ ,‬فقال لا سليمان‪:‬‬ ‫إنه صحن أملس من زجاج صاف والاء تته‪ .‬فأدركت عظمة ملك‬ ‫‪1268‬‬

‫سليمان‪ ,‬وقالت‪ :‬رب إن ظلمت نفسي با كنت عليه من الشرك‪,‬‬ ‫وانقدتُ متابعة لسليمان داخلة ف دين رب العالي أجعي‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا ِإلَى ثَمُودَ أَخَاهُ ْم صَالِحا أَ نْ ا ْعبُدُوا اللّ هَ َفإِذَا هُ ْم فَرِيقَا نِ‬ ‫ختَصِمُونَ (‪)45‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ولقد أرسلنا إل ثود أخاهم صالًا‪ :‬أن وحّدوا ال‪ ,‬ول تعلوا معه إلًا‬ ‫آخر‪ ,‬فلما أتاهم صالٌ داعيًا إل توحيد ال وعبادته وحده صار قومه‬ ‫فريقي‪ :‬أحدها مؤمن به‪ ,‬والخر كافر بدعوته‪ ,‬وكل منهم يزعم أن‬ ‫الق معه‪.‬‬ ‫مغْفِرُونَ اللّهَم‬ ‫مةِ َلوْل تَس ْتَ‬ ‫مَئةِ َقبْلَ الْحَسََن‬ ‫معْجِلُونَ بِالسّّي‬ ‫قَالَ يَا َقوْمِملِمَمتَس ْتَ‬

‫لَعَلّكُ ْم تُرْ َحمُونَ ( ‪)46‬‬

‫قال صال للفريق الكافر‪ :‬لِمَ تبادرون الكفر وعمل السيئات الذي يلب‬ ‫لكم العذاب‪ ,‬وتؤخرون اليان وفِعْل السنات الذي يلب لكم‬ ‫الثواب؟ هل تطلبون الغفرة من ال ابتداء‪ ,‬وتتوبون إليه؛ رجاء أن‬ ‫ترحوا‪.‬‬

‫‪1269‬‬

‫ك قَالَ طَائِرُكُمْ ِعنْ َد اللّهِ بَلْ َأْنتُ ْم َقوْمٌ تُ ْفَتنُونَ (‬ ‫قَالُوا اطّيّ ْرنَا ِبكَ َوبِمَ ْن مَعَ َ‬ ‫‪)47‬‬ ‫قال قوم صال له‪ :‬تَشاءَمْنا بك وبن معك من دخل ف دينك‪ ,‬قال لم‬ ‫صال‪ :‬ما أصابكم ال مِن خي أو شر فهو مقدّره عليكم ومازيكم به‪,‬‬ ‫بل أنتم قوم ُتخْتَبون بالسراء والضراء والي والشر‪.‬‬ ‫ض وَل يُ صِْلحُونَ (‬ ‫ط يُفْ سِدُونَ فِي الَرْ ِ‬ ‫وَكَا نَ فِي الْ َمدِيَنةِ تِ سْعَةُ رَهْ ٍ‬ ‫‪)48‬‬ ‫لجْر" الواقعة ف شال غرب جزيرة‬ ‫وكان ف مدينة صال ‪-‬وهي "ا ِ‬ ‫العرب‪ -‬تسعة رجال‪ ,‬شأنم الفساد ف الرض‪ ,‬الذي ل يالطه شيء‬ ‫من الصلح‪.‬‬ ‫قَالُوا تَقَا سَمُوا بِاللّ هِ َلُنَبيَّتنّ هُ وَأَهْلَ ُه ثُمّ َلنَقُولَنّ لِ َوِليّ هِ مَا َشهِ ْدنَا َمهْلِ كَ أَهْلِ هِ‬ ‫وَِإنّا لَصَادِقُونَ (‪)49‬‬

‫‪1270‬‬

‫قال هؤلء التسعة بعضهم لبعض‪ :‬تقاسوا بال بأن يلف كل واحد‬ ‫للخرين‪ :‬لنأتيّ صالًا بغتة ف الليل فنقتله ونقتل أهله‪ ,‬ث لنقولَنّ لولّ‬ ‫الدم مِن قرابته‪ :‬ما حضرنا قتلهم‪ ,‬وإنا لصادقون فيما قلناه‪.‬‬ ‫وَمَ َكرُوا مَكْرا وَمَكَ ْرنَا مَكْرا وَ ُهمْ ل َيشْعُرُونَ (‪)50‬‬ ‫ودبّروا هذه اليلة لهلك صال وأهله مكرًا منهم‪ ,‬فنصرنا نبينا صالًا‬ ‫عليه السلم‪ ,‬وأخذناهم بالعقوبة على غِرّة‪ ,‬وهم ل يتوقعون كيدنا لم‬ ‫جزاءً على كيدهم‪.‬‬ ‫فَانظُ ْر َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ مَكْرِ ِهمْ َأنّا دَمّ ْرنَاهُ ْم وََقوْ َمهُمْ أَجْ َم ِعيَ (‪)51‬‬ ‫فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نظرة اعتبار إل عاقبة غَدْر هؤلء الرهط بنبيهم‬ ‫صال؟ أنا أهلكناهم وقومهم أجعي‪.‬‬ ‫َفِتلْكَ ُبيُوُتهُمْ خَا ِوَيةً بِمَا ظَلَمُوا ِإنّ فِي َذلِكَ لَيةً لِ َقوْمٍ يَعَْلمُونَ (‪)52‬‬

‫‪1271‬‬

‫فتلك مساكنهم خالية ليس فيها منهم أحد‪ ,‬أهلكهم ال; بسبب ظلمهم‬ ‫لنفسهم بالشرك‪ ,‬وتكذيب نبيهم‪ .‬إن ف ذلك التدمي والهلك لَعظة‬ ‫لقوم يعلمون ما فعلناه بم‪ ,‬وهذه سنتنا فيمن يكذب الرسلي‪.‬‬ ‫وَأَ َنْينَا الّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ (‪)53‬‬ ‫وأنينا ما حلّ بثمود من اللك صالًا والؤمني به‪ ,‬الذين كانوا يتقون‬ ‫بإيانم عذاب ال‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ْصمرُونَ (‪َ )54‬أِئنّك ْ‬ ‫ُمم ُتب ِ‬ ‫شةَ وََأْنت ْ‬ ‫ُونم الْفَا ِح َ‬ ‫ِهم َأتَ ْأت َ‬ ‫َولُوطا ِإذْ قَالَ لِ َقوْم ِ‬ ‫جهَلُونَ ( ‪)55‬‬ ‫َلتَ ْأتُونَ الرّجَالَ َش ْهوَةً مِنْ دُونِ الّنسَاءِ بَلْ َأْنتُمْ َقوْمٌ َت ْ‬ ‫واذكر لوطًا إذ قال لقومه‪ :‬أتأتون الفعلة التناهية ف القبح‪ ,‬وأنتم تعلمون‬ ‫قبحها؟ أإنكم لتأتون الرجال ف أدبارهم للشهوة عوضًا عن النساء؟ بل‬ ‫صْيتُم رسوله‬ ‫أنتم قوم تهلون ح ّق ال عليكم‪ ,‬فخالفتم بذلك أمره‪ ,‬وعَ َ‬ ‫بفعلتكم القبيحة الت ل يسبقكم با أحد من العالي‪.‬‬

‫‪1272‬‬

‫الزء العشرون ‪:‬‬ ‫ب َقوْمِ هِ إِلّ أَ نْ قَالُوا أَ ْخرِجُوا آ َل لُو طٍ مِ نْ قَ ْرَيتِ ُك مْ ِإّنهُ مْ‬ ‫فَمَا كَا نَ َجوَا َ‬

‫ُأنَاسٌ َيتَ َطهّرُونَ ( ‪)56‬‬

‫فما كان لقوم لوط جواب له إل قول بعضهم لبعض‪َ :‬أخْرجوا آل لوط‬ ‫من قريتكم‪ ,‬إنم أناس يتنهون عن إتيان الذكران‪ .‬قالوا لم ذلك‬ ‫استهزاءً بم‪.‬‬ ‫َفأَ َنْينَاهُ َوأَهَْلهُ إِ ّل امْرََأَتهُ قَ ّد ْرنَاهَا مِ ْن الْغَابِرِينَ (‪)57‬‬ ‫فأنينا لوطًا وأهله من العذاب الذي سيقع بقوم لوط‪ ,‬إل امرأته قدّرناها‬ ‫من الباقي ف العذاب حت تلك مع الالكي; لنا كانت عونًا لقومها‬ ‫على أفعالم القبيحة راضية با‪.‬‬ ‫وَأَمْ َط ْرنَا عََلْيهِمْ مَطَرا َفسَاءَ مَطَ ُر الْمُن َذرِينَ (‪)58‬‬ ‫‪1273‬‬

‫وأمطرنا عليهم من السماء حجارة مِن طي مهلكة‪ ,‬ف َقبُحَ مطر النذَرين‪,‬‬ ‫الذين قامت عليهم الجة‪.‬‬ ‫قُ ْل الْحَمْ ُد لِلّ هِ َو سَل ٌم عَلَى ِعبَادِ ِه الّذِي نَ ا صْطَفَى أَاللّ هُ َخيْرٌ أَمّا ُيشْرِكُو نَ‬ ‫(‪)59‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬الثناء والشكر ل‪ ,‬وسلم منه‪ ,‬وأَ َمَنةٌ على عباده‬ ‫الذين تيهم لرسالته‪ ,‬ث اسأل مشركي قومك هل ال الذي يلك النفع‬ ‫والضر خي أو الذي يشركون من دونه‪ ,‬من ل يلك لنفسه ول لغيه‬ ‫نفعًا ول ضرًا؟‬ ‫ت وَالَرْ ضَ َوأَنزَلَ لَكُ ْم مِ نْ ال سّمَاءِ مَاءً فََأْنَبتْنَا بِ هِ‬ ‫أَمّ نْ َخلَ قَ ال سّ َموَا ِ‬ ‫جةٍ مَا كَانَ لَكُمْ َأنْ ُتْنِبتُوا َشجَرَهَا َأئِلَ ٌه مَعَ اللّهِ بَ ْل هُ ْم َقوْمٌ‬ ‫ت َبهْ َ‬ ‫َحدَائِقَ ذَا َ‬ ‫يَعْ ِدلُونَ (‪)60‬‬ ‫واسألم مَن خلق السموات والرض‪ ,‬وأنزل لكم من السماء ماء‪,‬‬ ‫فأنبت به حدائق ذات منظر حسن؟ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها‪ ,‬لول‬ ‫أن ال أنزل عليكم الاء من السماء‪ .‬إن عبادته سبحانه هي الق‪ ,‬وعبادة‬ ‫ما سواه هي الباطل‪ .‬أمعبود مع ال فعل هذه الفعال حت يُعبد معه‬ ‫‪1274‬‬

‫ويُشرك به؟ بل هؤلء الشركون قوم ينحرفون عن طريق الق واليان‪,‬‬ ‫فيسوون بال غيه ف العبادة والتعظيم‪.‬‬ ‫أَمّ نْ َجعَلَ ا َلرْ ضَ قَرَارا وَجَعَلَ خِلَلهَا َأْنهَارا وَجَعَلَ َلهَا َروَا سِ َي وَجَعَلَ‬ ‫َبيْنَ اْلبَحْ َريْنِ حَاجِزا َأئَِل ٌه مَ َع الّلهِ بَلْ أَ ْكثَرُهُ ْم ل يَعَْلمُونَ (‪)61‬‬ ‫أعبادة ما تشركون بربكم خي أم الذي جعل لكم الرض مستقرًا‬ ‫وجعل وسطها أنارًا‪ ,‬وجعل لا البال ثوابت‪ ,‬وجعل بي البحرين‬ ‫العذب واللح حاجزًا حت ل يُفسد أحدها الخر؟ أمعبود مع ال فَعَلَ‬ ‫ذلك حت تشركوه معه ف عبادتكم؟ بل أكثر هؤلء الشركي ل‬ ‫يعلمون َقدْر عظمة ال‪ ,‬فهم يشركون به تقليدًا وظلمًا‪.‬‬ ‫أَمّ نْ ُيجِي بُ الْمُضطَرّ إِذَا دَعَا هُ َويَ ْكشِ فُ ال سّوءَ َوَيجْعَلُكُ مْ خُلَفَاءَ ا َلرْ ضِ‬ ‫َأئَِلهٌ َمعَ الّلهِ قَلِيلً مَا َتذَكّرُونَ ( ‪)62‬‬ ‫أعبادة ما تشركون بال خي أم الذي ييب الكروب إذا دعاه‪ ,‬ويكشف‬ ‫السوء النازل به‪ ,‬ويعلكم خلفاء لن سبقكم ف الرض؟ أمعبود مع ال‬ ‫ينعم عليكم هذه النعم؟ قليل ما تذكرون وتعتبون‪ ,‬فلذلك أشركتم بال‬ ‫غيه ف عبادته‪.‬‬ ‫‪1275‬‬

‫أَمّ نْ َيهْدِيكُ ْم فِي ظُلُمَا تِ اْلبَ ّر وَاْلَبحْرِ وَمَ ْن يُرْ سِلُ ال ّريَا حَ ُبشْرا َبيْ نَ يَ َد يْ‬

‫رَحْ َمِتهِ َأئَِلهٌ مَ َع الّلهِ تَعَالَى الّلهُ َعمّا ُيشْرِكُونَ (‪)63‬‬

‫أعبادة ما تشركون بال خي أم الذي يرشدكم ف ظلمات الب والبحر‬ ‫إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل‪ ,‬والذي يرسل الرياح مبشرات با‬ ‫يرحم به عباده مِن غيث ييي موات الرض؟ أمعبود مع ال يفعل بكم‬ ‫شيئًا من ذلك فتدعونه من دونه؟ تنّه ال وتقدّس عما يشركون به‬ ‫غيه‪.‬‬ ‫أَمّنْ َيبْدَُأ الْخَلْقَ ُثمّ يُعِيدُ ُه وَمَنْ يَ ْرزُقُ ُكمْ مِ ْن السّمَاءِ وَالَرْضِ َأئِلَهٌ َمعَ اللّهِ‬

‫قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم صَادِِقيَ (‪)64‬‬

‫واسألم من الذي ينشئ اللق ث يفنيه إذا شاء‪ ,‬ث يعيده‪ ,‬ومَن الذي‬ ‫يرزقكم من السماء بإنزال الطر‪ ,‬ومن الرض بإنبات الزرع وغيه؟‬ ‫أمعبود سوى ال يفعل ذلك؟ قل‪ :‬هاتوا حجتكم إن كنتم صادقي ف‬ ‫زعمكم أن ل تعال شريكًا ف ملكه وعبادته‪.‬‬ ‫ض الْ َغيْ بَ إِلّ اللّ هُ وَمَا َيشْعُرُو نَ َأيّا نَ‬ ‫قُ ْل ل يَعَْل ُم مَ ْن فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ِ‬ ‫‪1276‬‬

‫ُيبْ َعثُونَ (‪ )65‬بَلْ ادّارَكَ ِعلْ ُمهُ ْم فِي الخِرَةِ بَ ْل هُ ْم فِي شَكّ ِمْنهَا بَلْ هُمْ‬ ‫ِمْنهَا عَ ِميَ (‪)66‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬ل يعلم أحد ف السموات ول ف الرض ما‬ ‫استأثر ال بعلمه من الغيّبات‪ ,‬ول يدرون مت هم مبعوثون مِن قبورهم‬ ‫عند قيام الساعة؟ بل تكامل علمهم ف الخرة‪ ,‬فأيقنوا بالدار الخرة‪,‬‬ ‫وما فيها مِن أهوال حي عاينوها‪ ,‬وقد كانوا ف الدنيا ف شك منها‪ ,‬بل‬ ‫عميت عنها بصائرهم‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا َأئِذَا ُكنّا ُترَابا وَآبَاؤُنَا َأِئنّا لَ ُمخْ َرجُونَ (‪)67‬‬ ‫وقال الذين جحدوا وحدانية ال‪ :‬أنن وآباؤنا مبعوثون أحياء كهيئتنا‬ ‫من بعد ماتنا بعد أن صرنا ترابًا؟‬ ‫لَقَ ْد وُعِ ْدنَا هَذَا َنحْنُ وَآبَا ُؤنَا مِنْ َقبْلُ ِإنْ هَذَا إِلّ أَسَاطِيُ ا َلوِّليَ (‪)68‬‬ ‫لقد وُعدنا هذا البعث نن وآباؤنا مِن قبل‪ ,‬فلم نر لذلك حقيقة ول‬ ‫نؤمن به‪ ,‬ما هذا الوعد إل ما سطّره الولون من الكاذيب ف كتبهم‬ ‫وافتروه‪.‬‬ ‫‪1277‬‬

‫ف كَانَ عَاِقَبةُ الْ ُمجْرِ ِميَ (‪)69‬‬ ‫قُلْ سِيُوا فِي ا َلرْضِ فَانظُرُوا َكيْ َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكذبي‪ :‬سيوا ف الرض‪ ,‬فانظروا إل ديار‬ ‫مَن كان قبلكم من الجرمي‪ ,‬كيف كان عاقبة الكذبي للرسل؟‬ ‫أهلكهم ال بتكذيبهم‪ ,‬وال فاعل بكم مثلهم إن ل تؤمنوا‪.‬‬ ‫ضيْ ٍق مِمّا يَ ْمكُرُونَ (‪)70‬‬ ‫وَل َتحْ َزنْ عََلْيهِ ْم وَل تَكُ ْن فِي َ‬ ‫ول تزن على إعراض الشركي عنك وتكذيبهم لك‪ ,‬ول يَضِقْ صدرك‬ ‫مِن مكرهم بك‪ ,‬فإن ال ناصرك عليهم‪.‬‬ ‫ي (‪)71‬‬ ‫َويَقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِِق َ‬ ‫ويقول مشركو قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬مت يكون هذا الوعد بالعذاب‬ ‫الذي تَ ِعدُنا به أنت وأتباعك إن كنتم صادقي فيما تعدوننا به؟‬ ‫ستَعْجِلُونَ (‪)72‬‬ ‫قُ ْل َعسَى َأ ْن يَكُونَ رَ ِدفَ لَكُ ْم بَعْضُ الّذِي َت ْ‬

‫‪1278‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬عسى أن يكون قد اقترب لكم بعض الذي‬ ‫تستعجلون من عذاب ال‪.‬‬ ‫ك لَذُو فَضْ ٍل عَلَى النّاسِ َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل َيشْكُرُونَ (‪)73‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإنّ ربك لذو فضل على الناس; بتركه معاجلتهم بالعقوبة على‬ ‫معصيتهم إياه وكفرهم به‪ ,‬ولكن أكثرهم ل يشكرون له على ذلك‪,‬‬ ‫فيؤمنوا به ويلصوا له العبادة‪.‬‬ ‫ك َليَعْلَمُ مَا تُكِنّ صُدُورُهُ ْم وَمَا يُعِْلنُونَ (‪)74‬‬ ‫وَِإنّ َربّ َ‬ ‫وإن ربك لَيعلم ما تفيه صدور خلقه وما يظهرونه‪.‬‬ ‫وَمَا مِ ْن غَاِئبَةٍ فِي السّمَاءِ وَا َلرْضِ إِلّ فِي ِكتَابٍ ُمِبيٍ (‪)75‬‬ ‫وما مِن شيء غائب عن أبصار اللق ف السماء والرض إل ف كتاب‬ ‫واضح عند ال‪ .‬قد أحاط ذلك الكتاب بميع ما كان وما يكون‪.‬‬ ‫ختَلِفُو نَ (‬ ‫ص عَلَى بَنِي ِإ سْرَائِيلَ أَ ْكثَ َر الّذِي ُه مْ فِي هِ َي ْ‬ ‫إِنّ هَذَا الْقُرْآ نَ يَقُ ّ‬ ‫‪1279‬‬

‫‪)76‬‬ ‫إن هذا القرآن يقصّ على بن إسرائيل الق ف أكثر الشياء الت اختلفوا‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫وَِإّنهُ َلهُدًى َورَحْ َمةٌ لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)77‬‬ ‫وإن هذا القرآن لداية من الضلل ورحة من العذاب‪ ,‬لن صدّق به‬ ‫واهتدى بداه‪.‬‬ ‫ِإنّ َربّكَ يَقْضِي َبْيَنهُمْ ِبحُكْ ِمهِ وَ ُهوَ الْعَزِي ُز الْعَلِيمُ (‪)78‬‬ ‫إن ربك يقضي بي الختلفي من بن إسرائيل وغيهم بكمه فيهم‪,‬‬ ‫فينتقم من البطل‪ ,‬ويازي الحسن‪ .‬وهو العزيز الغالب‪ ,‬فل ُيرَ ّد قضاؤه‪,‬‬ ‫العليم‪ ,‬فل يلتبس عليه حق بباطل‪.‬‬ ‫َفَتوَكّلْ َعلَى الّلهِ ِإنّكَ عَلَى الْحَقّ الْ ُمِبيِ (‪)79‬‬ ‫فاعتمد ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف كل أمورك على ال‪ ,‬وثق به; فإنه كافيك‪,‬‬ ‫إنك على الق الواضح الذي ل شك فيه‪.‬‬ ‫‪1280‬‬

‫ِإنّكَ ل ُتسْمِ ُع الْ َم ْوتَى وَل ُتسْمِعُ الصّ ّم الدّعَاءَ إِذَا َوّلوْا مُ ْدبِرِينَ (‪)80‬‬ ‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تقدر أن تُسمع الق مَن طبع ال على قلبه‬ ‫فأماته‪ ,‬ول تُسمع دعوتك مَن أصمّ ال سعه عن ساع الق عند‬ ‫إدبارهم معرضي عنك‪ ،‬فإن الصم ل يسمع الدعاء إذا كان مقبل‪،‬‬ ‫فكيف إذا كان معرضًا عنه موليًا مدبرًا؟‬ ‫وَمَا َأنْتَ ِبهَادِي الْعُمْيِ عَ ْن ضَلَلِتهِمْ إِنْ تُسْ ِمعُ إِ ّل مَنْ ُيؤْمِنُ بِآيَاِتنَا َفهُمْ‬ ‫ُمسْلِمُونَ (‪)81‬‬ ‫وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬با ٍد عن الضللة مَن أعماه ال عن الدى‬ ‫والرشاد‪ ,‬ول يكنك أن تُسمع إل مَن يصدّق بآياتنا‪ ,‬فهم مسلمون‬ ‫مطيعون‪ ,‬مستجيبون لا دعوتم إليه‪.‬‬ ‫وَِإذَا وَقَ عَ الْ َقوْلُ عََلْيهِ مْ َأخْ َر ْجنَا َلهُ مْ دَاّبةً مِ نْ ا َلرْ ضِ تُ َكلّ ُمهُ مْ َأنّ النّا سَ‬ ‫كَانُوا بِآيَاِتنَا ل يُوِقنُونَ (‪)82‬‬

‫‪1281‬‬

‫وإذا وجب العذاب عليهم; لتماديهم ف العاصي والطغيان‪ ,‬وإعراضهم‬ ‫عن شرع ال وحكمه‪ ,‬حت صاروا من شرار خلقه‪ ,‬أخرجنا لم من‬ ‫الرض ف آخر الزمان علمة من علمات الساعة الكبى‪ ,‬وهي‬ ‫"الدابة"‪ ,‬تدثهم أن الناس النكرين للبعث كانوا بالقرآن وممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم ودينه ل يصدقون ول يعملون‪.‬‬ ‫ب بِآيَاِتنَا َف ُهمْ يُوزَعُونَ (‪)83‬‬ ‫حشُرُ مِ ْن كُلّ أُ ّمةٍ َفوْجا مِمّنْ يُ َكذّ ُ‬ ‫َوَيوْمَ َن ْ‬ ‫ويوم نمع يوم الشر من كل أمة جاعة‪ ,‬من يكذب بأدلتنا وحججنا‪,‬‬ ‫حبَس أولم على آخرهم; ليجتمعوا كلهم‪ ,‬ث يساقون إل الساب‪.‬‬ ‫ُي ْ‬ ‫َحتّ ى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَ ّذْبُت ْم بِآيَاتِي َولَ مْ ُتحِيطُوا بِهَا عِلْما أَمّاذَا كُنتُ مْ‬ ‫تَعْمَلُونَ (‪َ )84‬ووََقعَ الْ َقوْلُ عََلْيهِمْ بِمَا ظَلَمُوا َفهُ ْم ل يَنطِقُونَ (‪)85‬‬ ‫حت إذا جاء من كل أمة فوج من يكذب بآياتنا فاجتمعوا قال ال‪:‬‬ ‫أك ّذبْتم بآيات الت أنزلتها على رسلي‪ ,‬وباليات الت أقمتها دللة على‬ ‫توحيدي واستحقاقي وحدي للعبادة ول تيطوا علمًا ببطلنا‪ ,‬حت‬ ‫تُعرضوا عنها وتُكَذّبوا با‪ ,‬أم أي شيء كنتم تعملون؟ وحقت عليهم‬ ‫‪1282‬‬

‫كلمة العذاب بسبب ظلمهم وتكذيبهم‪ ,‬فهم ل ينطقون بجة يدفعون‬ ‫با عن أنفسهم ما ح ّل بم من سوء العذاب‪.‬‬ ‫ك ليَا تٍ‬ ‫َألَ مْ يَ َروْا َأنّا جَعَ ْلنَا الّليْلَ ِليَ سْ ُكنُوا فِي هِ وَالّنهَارَ ُمبْ صِرا ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)86‬‬ ‫أل ير هؤلء الكذبون بآياتنا أنا جعلنا الليل يستقرّون فيه وينامون‪,‬‬ ‫والنهار يبصرون فيه للسعي ف معاشهم؟ إن ف تصريفهما لَدللة لقوم‬ ‫يؤمنون بكمال قدرة ال ووحدانيّته وعظيم نعمه‪.‬‬ ‫ت وَمَ نْ فِي ا َلرْ ضِ إِ ّل مَ نْ‬ ‫ع مَ نْ فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫َوَيوْ مَ يُن َف خُ فِي ال صّورِ فَفَزِ َ‬ ‫شَاءَ الّلهُ وَكُلّ َأَتوْهُ دَاخِرِينَ (‪)87‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم يَنفخ اللَك ف "القرن" ففزع مَن ف‬ ‫السموات ومَن ف الرض فزعًا شديدًا مِن هول النفخة‪ ,‬إل مَنِ استثناه‬ ‫ال من أكرمه وحفظه من الفزع‪ ,‬وكل الخلوقات يأتون إل ربم‬ ‫صاغرين مطيعي‪.‬‬

‫‪1283‬‬

‫صنْعَ اللّ هِ الّذِي‬ ‫ب ُ‬ ‫جبَالَ َتحْ سَُبهَا جَامِدَ ًة وَهِ يَ َتمُرّ مَرّ ال سّحَا ِ‬ ‫َوتَرَى الْ ِ‬ ‫َأتْقَنَ كُلّ شَ ْيءٍ ِإّنهُ َخبِ ٌي بِمَا تَفْعَلُونَ ( ‪)88‬‬ ‫وترى البال تظنها واقفة مستقرة‪ ,‬وهي تسي سيًا حثيثًا كسي‬ ‫السحاب الذي تسيّره الرياح‪ ,‬وهذا مِن صنع ال الذي أحسن كل شيء‬ ‫خلقه وأتقنه‪ .‬إن ال خبي با يفعل عباده من خي وشر‪ ,‬وسيجازيهم‬ ‫على ذلك‪.‬‬ ‫ع َيوْ َمئِذٍ آ ِمنُونَ (‪)89‬‬ ‫سَنةِ فََلهُ َخيْرٌ ِمْنهَا وَهُ ْم مِنْ فَزَ ٍ‬ ‫حَ‬ ‫مَنْ جَاءَ بِالْ َ‬ ‫من جاء بتوح يد ال واليان به وعباد ته وحده‪ ,‬والعمال ال صالة يوم‬ ‫القيا مة‪ ,‬فله ع ند ال من ال جر العظ يم ما هو خ ي من ها وأف ضل‪ ,‬و هو‬ ‫النة‪ ,‬وهم يوم الفزع الكب آمنون‪.‬‬ ‫ت وُجُو ُههُ مْ فِي النّارِ هَ ْل ُتجْ َزوْ نَ إِلّ مَا كُنُت مْ‬ ‫سّيَئةِ فَ ُكبّ ْ‬ ‫وَمَ نْ جَاءَ بِال ّ‬ ‫تَعْمَلُونَ (‪)90‬‬ ‫ومن جاء بالشرك والعمال السيئة النكرة‪ ,‬فجزاؤهم أن يكبّهم ال على‬ ‫وجوههم ف النار يوم القيامة‪ ,‬ويقال لم توبيخًا‪ :‬هل تزون إل ما كنتم‬ ‫‪1284‬‬

‫تعملون ف الدنيا؟‬ ‫ِإنّمَا أُ ِمرْتُ أَنْ أَ ْعُبدَ رَبّ هَذِ ِه اْلبَلْدَ ِة الّذِي حَرّ َمهَا َولَهُ كُلّ َش ْيءٍ وَأُمِ ْرتُ‬ ‫ي ( ‪َ )91‬وأَ نْ َأتُْلوَ الْقُرْآ نَ فَمَ نْ ا ْهتَدَى َفِإنّمَا‬ ‫أَ نْ أَكُو نَ مِ ْن الْمُ سْلِ ِم َ‬ ‫سهِ وَمَنْ ضَلّ فَقُلْ ِإنّمَا َأنَا مِ ْن الْمُن ِذرِينَ (‪)92‬‬ ‫َي ْهتَدِي ِلنَ ْف ِ‬

‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬للناس‪ :‬إن ا أُمرت أن أع بد رب هذه البلدة‪ ,‬و هي‬ ‫"مكة"‪ ,‬الذي حَرّمها على خلقه أن يسفكوا فيها دمًا حرامًا‪ ,‬أو يظلموا‬ ‫فيهما أحدًا‪ ,‬أو يصميدوا صميدها‪ ,‬أو يقطعوا شجرهما‪ ,‬وله سمبحانه كمل‬ ‫شيمء‪ ,‬وأُمرت أن أعبده وحده دون مَن سمواه‪ ,‬وأُمرت أن أكون ممن‬ ‫النقاديمن لمره‪ ,‬البادريمن لطاعتمه‪ ,‬وأن أتلو القرآن على الناس‪ ,‬فممن‬ ‫اهتدى ب ا ف يه وات بع ما جئت به‪ ,‬فإن ا خ ي ذلك وجزاؤه لنف سه‪ ,‬و من‬ ‫ضلّ عن ال ق ف قل ‪-‬أي ها الر سول‪ :-‬إن ا أ نا نذ ير ل كم من عذاب ال‬ ‫وعقابه إن ل تؤمنوا‪ ،‬فأنا واحد من الرسل الذين أنذروا قومهم‪ ,‬وليس‬ ‫بيدي من الداية شيء‪.‬‬ ‫وَقُ ْل اْلحَمْ ُد لِلّ هِ َسيُرِي ُكمْ آيَاتِ هِ َفتَ ْعرِفُوَنهَا وَمَا َربّ كَ بِغَافِلٍ َعمّا تَعْمَلُو نَ (‬ ‫‪)93‬‬ ‫‪1285‬‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬الثناء الميل ل‪ ,‬سييكم آياته ف أنفسكم وف‬ ‫السماء والرض‪ ,‬فتعرفونا معرفة تدلكم على الق‪ ،‬وتبيّن لكم الباطل‪,‬‬ ‫وما ربك بغافل عما تعملون‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫‪ -28‬سورة القصص‬ ‫طسم (‪)1‬‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ب الْ ُمِبيِ (‪)2‬‬ ‫ت الْ ِكتَا ِ‬ ‫تِ ْلكَ آيَا ُ‬ ‫هذه آيات القرآن الذي أنزلته إليك ‪-‬أيها الرسول‪ ,-‬مبينًا لكل ما يتاج‬ ‫إليه العباد ف دنياهم وأخراهم‪.‬‬

‫‪1286‬‬

‫َنتْلُو َعَليْكَ مِنْ َنَبإِ مُوسَى وَفِرْ َع ْونَ بِالْحَقّ لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)3‬‬ ‫ص عليك من خب موسى وفرعون بالصدق لقوم يؤمنون بذا القرآن‪,‬‬ ‫نق ّ‬ ‫ويصدّقون بأنه من عند ال‪ ,‬ويعملون بديه‪.‬‬ ‫ستَضْعِفُ طَائِ َفةً ِمْنهُ مْ‬ ‫إِنّ فِرْ َعوْ نَ عَل فِي ا َلرْ ضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا ِشيَعا يَ ْ‬ ‫سَتحْيِ ِنسَاءَهُمْ ِإّنهُ كَانَ مِنْ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)4‬‬ ‫يُ َذبّحُ َأْبنَاءَهُمْ َوَي ْ‬ ‫إن فرعون تكمب وطغمى فم الرض‪ ,‬وجعمل أهلهما طوائف متفرقمة‪,‬‬ ‫ي ستضعف طائ فة من هم‪ ,‬و هم ب نو إ سرائيل‪ ,‬يذبّ ح أبناء هم‪ ,‬وي ستعبد‬ ‫نساءهم‪ ,‬إنه كان من الفسدين ف الرض‪.‬‬ ‫ُمم َأِئ ّمةً‬ ‫ْضم َوَنجْعََله ْ‬ ‫اسمتُضْعِفُوا ف ِي ا َلر ِ‬ ‫ِينم ْ‬ ‫َنم َنمُن ّ عَلَى الّذ َ‬ ‫َونُرِيدُ أ ْ‬

‫َونَجْعََلهُ ْم الْوَا ِرثِيَ (‪)5‬‬

‫ونر يد أن نتف ضل على الذ ين ا ستضعفهم فرعون ف الرض‪ ,‬ونعل هم‬ ‫قادةً فم اليم ودعاةً إليمه‪ ,‬ونعلهمم يرثون الرض بعمد هلك فرعون‬ ‫وقومه‪.‬‬

‫‪1287‬‬

‫َونُمَكّ نَ َلهُ مْ فِي ا َلرْ ضِ َونُرِي فِرْ َعوْ نَ وَهَامَا نَ َو ُجنُودَهُمَا ِمْنهُ ْم مَا‬ ‫كَانُوا َيحْ َذرُونَ (‪)6‬‬ ‫ونكن لم ف الرض‪ ,‬ونعل فرعون وهامان وجنودها يرون من هذه‬ ‫الطائفة الستضعفة ما كانوا يافونه مِن هلكهم وذهاب ملكهم‪,‬‬ ‫وإخراجهم من ديارهم على يد مولود من بن إسرائيل‪.‬‬ ‫ت عََليْ هِ فََألْقِي هِ فِي اْليَمّ وَل‬ ‫وََأ ْو َحْينَا ِإلَى أُمّ مُو سَى أَ نْ َأ ْرضِعِي هِ َفإِذَا خِ ْف ِ‬ ‫َتخَافِي وَل َتحْ َزنِي ِإنّا رَادّو هُ ِإَليْ كِ وَجَاعِلُو هُ مِ ْن الْمُرْ سَِليَ (‪ )7‬فَاْلتَقَطَ هُ‬ ‫آلُ ِفرْ َعوْنَ ِليَكُونَ َلهُمْ َع ُدوّا وَ َحزَنا ِإنّ فِرْ َعوْنَ وَهَامَانَ وَ ُجنُودَ ُهمَا كَانُوا‬ ‫خَا ِطِئيَ (‪)8‬‬ ‫وألْهمنا أم موسى حي ولدته وخشيت عليه أن يذبه فرعون كما يذبح‬ ‫أبناء بن إسرائيل‪ :‬أن أرضعيه مطمئنة‪ ,‬فإذا خشيت أن يُعرف أمره‬ ‫فضعيه ف صندوق وألقيه ف النيل‪ ,‬دون خوف من فرعون وقومه أن‬ ‫يقتلوه‪ ,‬ودون حزن على فراقه‪ ,‬إنا رادّو ولدك إليك وباعثوه رسول‪.‬‬ ‫فوضعته ف صندوق وألقته ف النيل‪ ,‬فعثر عليه أعوان فرعون وأخذوه‪,‬‬ ‫فكانت عاقبةُ ذلك أن جعله ال لم عدوّا وحزنًا‪ ,‬فكان إهلكُهم على‬ ‫يده‪ .‬إن فرعون وهامان وأعوانما كانوا آثي مشركي‪.‬‬ ‫‪1288‬‬

‫ك ل تَ ْقتُلُو هُ عَ سَى أَ نْ يَنفَعَنَا َأوْ‬ ‫ت امْرَأَ ُة فِرْ َعوْ نَ قُرّ ُة َعيْ ٍن لِي َولَ َ‬ ‫وَقَالَ ْ‬

‫َنّتخِذَهُ َولَدا وَهُ ْم ل َيشْعُرُونَ (‪)9‬‬

‫وقالت امرأة فرعون لفرعون‪ :‬هذا الطفل سيكون مصدر سرور ل‬ ‫ولك‪ ,‬ل تقتلوه; فقد نصيب منه خيًا أو نتخذه ولدا‪ ,‬وفرعون وآله ل‬ ‫يدركون أن هلكهم على يديه‪.‬‬ ‫ت َلُتبْدِي بِ هِ َلوْل أَ نْ َربَطْنَا َعلَى‬ ‫صَبحَ ُفؤَادُ أُمّ مُو سَى فَارِغا إِ نْ كَادَ ْ‬ ‫وَأَ ْ‬ ‫قَ ْلِبهَا ِلتَكُونَ مِنْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)10‬‬ ‫وأصبح فؤاد أم موسى خاليًا من كل شيء ف الدنيا إل من همّ موسى‬ ‫وذكره‪ ,‬وقاربت أن تُظهِر أنه ابنها لول أن ثبتناها‪ ,‬فصبت ول ُتبْدِ به;‬ ‫لتكون من الؤمني بوعد ال الوقني به‪.‬‬ ‫ب وَهُمْ ل َيشْعُرُونَ (‪)11‬‬ ‫ت ِبهِ عَنْ ُجنُ ٍ‬ ‫وَقَالَتْ ُل ْخِتهِ قُصّيهِ َفبَصُرَ ْ‬

‫‪1289‬‬

‫صنَع‬ ‫وقالت أم موسى لخته حي ألقته ف اليم‪ :‬اّتبِعي أثر موسى كيف يُ ْ‬ ‫به؟ فتتبعت أثره فأبصرته عن بُعْد‪ ,‬وقوم فرعون ل يعرفون أنا أخته‪,‬‬ ‫وأنا تتبع خبه‪.‬‬ ‫ْتم‬ ‫ُمم عَلَى أَهْلِ َبي ٍ‬ ‫َتم هَلْ َأ ُدلّك ْ‬ ‫ِنم َقبْ ُل فَقَال ْ‬ ‫ِعم م ْ‬ ‫ْهم الْمَرَاض َ‬ ‫وَ َحرّمْن َا َعَلي ِ‬ ‫صحُونَ (‪)12‬‬ ‫يَكْفُلُوَنهُ لَكُ ْم وَهُمْ َلهُ نَا ِ‬ ‫وحرمنا على موسى الراضع أن يرتضع منهن مِن قبل أن نردّه إل أمه‪,‬‬ ‫فقالت أخته‪ :‬هل أدلكم على أهل بيت يسنون تربيته وإرضاعه‪ ,‬وهم‬ ‫مشفقون عليه؟ فأجابوها إل ذلك‪.‬‬ ‫َفرَدَ ْدنَا هُ ِإلَى أُمّ هِ كَ ْي تَقَ ّر َعْينُهَا وَل َتحْزَ نَ وَِلتَعْلَ مَ أَنّ وَعْ َد اللّ هِ حَقّ‬ ‫َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل يَعَْلمُونَ (‪)13‬‬ ‫فرددنا موسى إل أمه; كي تق ّر عينها به‪ ,‬ووفينا إليها بالوعد; إذ رجع‬ ‫إليها سليمًا مِن قتل فرعون‪ ,‬ول تزنَ على فراقه‪ ,‬ولتعلم أن وعد ال‬ ‫حق فيما وعدها مِن ردّه إليها وجعله من الرسلي‪ .‬إن ال ل يلف‬ ‫وعده‪ ,‬ولكن أكثر الشركي ل يعلمون أن وعد ال حق‪.‬‬ ‫‪1290‬‬

‫ك َنجْزِي الْ ُمحْسِِنيَ‬ ‫َولَمّا بَلَغَ َأشُدّهُ وَا ْسَتوَى آَتْينَاهُ حُكْما وَعِلْما وَكَ َذلِ َ‬

‫(‪)14‬‬

‫ولا بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله‪ ,‬آتيناه حكمًا وعلمًا يعرف بما‬ ‫الحكام الشرعية‪ ,‬وكما جزينا موسى على طاعته وإحسانه نزي مَن‬ ‫أحسن مِن عبادنا‪.‬‬ ‫وَ َدخَلَ الْمَدِيَنةَ عَلَى ِحيِ غَفَْلةٍ مِنْ أَهِْلهَا َفوَ َجدَ فِيهَا رَ ُجَليْنِ يَ ْقَتتِلنِ هَذَا‬ ‫مِنْ شِي َعتِهِ وَهَذَا مِنْ عَ ُدوّهِ فَا ْستَغَاَثهُ الّذِي مِنْ شِي َعتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ َع ُدوّهِ‬ ‫شيْطَا نِ ِإنّ ُه عَ ُدوّ مُضِلّ‬ ‫َفوَكَزَ هُ مُو سَى فَقَضَى َعَليْ هِ قَالَ هَذَا مِ نْ عَمَ ِل ال ّ‬ ‫ُمِبيٌ (‪)15‬‬

‫ودخل موسى الدينة مستخفيًا وقت غفلة أهلها‪ ,‬فوجد فيها رجلي‬ ‫يقتتلن‪ :‬أحدها من قوم موسى من بن إسرائيل‪ ,‬والخر من قوم‬ ‫فرعون‪ ,‬فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه‪ ,‬فضربه‬ ‫موسى بُمْع كفّه فمات‪ ,‬قال موسى حي قتله‪ :‬هذا من نزغ الشيطان‪,‬‬ ‫بأن هيّج غضب‪ ,‬حت ضربت هذا فهلك‪ ,‬إن الشيطان عدو لبن آدم‪,‬‬

‫‪1291‬‬

‫مضل عن سبيل الرشاد‪ ,‬ظاهر العداوة‪ .‬وهذا العمل من موسى عليه‬ ‫السلم كان قبل النبوة‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ ِإنّي ظَلَمْ تُ نَفْ سِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَ َر لَ هُ ِإنّ هُ ُهوَ الْغَفُورُ الرّحِي مُ (‬ ‫‪)16‬‬ ‫قال موسى‪ :‬رب إن ظلمت نفسي بقتل النفس الت ل تأمرن بقتلها‬ ‫فاغفر ل ذلك الذنب‪ ,‬فغفر ال له‪ .‬إن ال غفور لذنوب عباده‪ ,‬رحيم‬ ‫بم‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ بِمَا َأنْعَ ْمتَ عَلَ ّي فَلَنْ أَكُونَ َظهِيا لِلْ ُمجْرِ ِميَ (‪)17‬‬ ‫قال موسى‪ :‬ربّ با أنعمت عليّ بالتوبة والغفرة والنعم الكثية‪ ,‬فلن‬ ‫أكون معينًا لحد على معصيته وإجرامه‪.‬‬ ‫ستَصْرِ ُخهُ‬ ‫صبَحَ فِي الْمَدِيَنةِ خَائِفا َيتَرَقّبُ َفإِذَا الّذِي ا ْستَنصَرَهُ بِالَمْسِ يَ ْ‬ ‫َفأَ ْ‬ ‫ك لَ َغوِيّ ُمِبيٌ (‪)18‬‬ ‫قَالَ َلهُ مُوسَى ِإنّ َ‬

‫‪1292‬‬

‫فأصبح موسى ف مدينة فرعون خائفًا يترقب الخبار ما يتحدث به‬ ‫الناس ف أمره وأمر قتيله‪ ,‬فرأى صاحبه بالمس يقاتل قبطيًا آخر‪,‬‬ ‫ويطلب منه النصر‪ ,‬قال له موسى‪ :‬إنك لكثي الغَواية ظاهر الضلل‪.‬‬ ‫َفلَمّ ا أَ نْ َأرَادَ أَ نْ َيبْطِ شَ بِالّذِي ُهوَ عَ ُد ّو لَهُمَا قَالَ يَا مُو سَى َأتُرِيدُ أَ ْن‬ ‫تَ ْقتَُلنِي َكمَا َقتَ ْلتَ نَفْسا بِالَمْسِ إِ ْن تُرِيدُ إِلّ أَنْ تَكُونَ َجبّارا فِي ا َلرْ ضِ‬ ‫حيَ (‪)19‬‬ ‫وَمَا تُرِيدُ َأنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصِْل ِ‬

‫فلما أن أراد موسى أن يبطش بالقبطي‪ ,‬قال‪ :‬أتريد أن تقتلن كما قتلت‬ ‫نفسًا بالمس؟ ما تريد إل أن تكون طاغية ف الرض‪ ,‬وما تريد أن‬ ‫تكون من الذين يصلحون بي الناس‪.‬‬ ‫وَجَاءَ َرجُلٌ مِ نْ أَقْ صَى الْ َمدِيَنةِ يَ سْعَى قَالَ يَا مُو سَى إِنّ الْ َملَ يَ ْأتَ ِمرُو نَ‬ ‫حيَ (‪)20‬‬ ‫ك مِنْ النّاصِ ِ‬ ‫ك ِليَ ْقتُلُو َك فَاخْ ُرجْ ِإنّي لَ َ‬ ‫بِ َ‬ ‫وجاء رجل من آخر الدينة يسعى‪ ,‬قال يا موسى‪ :‬إن أشراف قوم‬ ‫فرعون يتآمرون بقتلك‪ ,‬ويتشاورون‪ ,‬فاخرج من هذه الدينة‪ ,‬إن لك‬ ‫من الناصحي الشفقي عليك‪.‬‬ ‫‪1293‬‬

‫جنِي مِ ْن الْقَوْ ِم الظّالِ ِميَ (‪)21‬‬ ‫َفخَ َرجَ ِمْنهَا خَائِفا َيتَ َرقّبُ قَالَ رَبّ َن ّ‬ ‫فخرج موسى من مدينة فرعون خائفًا ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه‪,‬‬ ‫فدعا ال أن ينقذه من القوم الظالي‪.‬‬ ‫سبِيلِ (‪)22‬‬ ‫َولَمّا َتوَ ّجهَ ِتلْقَاءَ مَ ْديَنَ قَالَ َعسَى َربّي َأنْ َيهْ ِدَينِي َسوَاءَ ال ّ‬ ‫ولا قصد موسى بلد "مدين" وخرج من سلطان فرعون قال‪ :‬عسى رب‬ ‫أن يرشدن خي طريق إل "مدين"‪.‬‬ ‫َولَمّا َورَدَ مَاءَ َم ْديَ نَ وَ َجدَ عََليْ هِ أُ ّمةً مِ نْ النّا سِ يَ سْقُونَ َووَ َجدَ مِ نْ دُوِنهِ ْم‬ ‫ص ِدرَ الرّعَاءُ وََأبُونَا‬ ‫امْرَأَتيْنِ َتذُودَانِ قَالَ مَا خَ ْطبُكُمَا قَاَلتَا ل نَسْقِي َحتّى يُ ْ‬ ‫َشْيخٌ َكبِيٌ (‪)23‬‬ ‫ولا وصل ماء "مدين" وجد عليه جاعة من الناس يسقون مواشيهم‪,‬‬ ‫ووجد من دون تلك الماعة امرأتي منفردتي عن الناس‪ ,‬تبسان‬ ‫غنمهما عن الاء; لعجزها وضعفهما عن مزاحة الرجال‪ ,‬وتنتظران حت‬ ‫تَصْدُر عنه مواشي الناس‪ ,‬ث تسقيان ماشيتهما‪ ,‬فلما رآها موسى ‪-‬عليه‬ ‫‪1294‬‬

‫السلم‪ -‬رقّ لما‪ ,‬ث قال‪ :‬ما شأنكما؟ قالتا‪ :‬ل نستطيع مزاحة الرجال‪,‬‬ ‫ول نسقي حت يسقي الناس‪ ,‬وأبونا شيخ كبي‪ ,‬ل يستطيع أن يسقي‬ ‫ماشيته؛ لضعفه وكبه‪.‬‬ ‫فَ سَقَى َلهُمَا ثُمّ َت َولّى ِإلَى الظّلّ فَقَالَ رَبّ ِإنّي لِمَا أَن َزلْ تَ ِإلَيّ مِ نْ َخْيرٍ‬ ‫فَقِيٌ (‪)24‬‬ ‫فسقى موسى للمرأتي ماشيتهما‪ ,‬ث تول إل ظل شجرة فاستظ ّل با‬ ‫وقال‪ :‬رب إن مفتقر إل ما تسوقه إلّ مِن أي خي كان‪ ,‬كالطعام‪.‬‬ ‫وكان قد اشتد به الوع‪.‬‬ ‫حيَاءٍ قَالَ تْ إِنّ أَبِي يَدْعُو كَ ِلَيجْ ِزيَ َ‬ ‫ك‬ ‫َفجَا َءتْ هُ ِإحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ا ْسِت ْ‬ ‫جوْ تَ‬ ‫ت َلنَا فَلَمّا جَاءَ هُ وَقَ صّ َعَليْ هِ الْقَ صَصَ قَالَ ل َتخَ فْ َن َ‬ ‫َأجْرَ مَا سَ َقيْ َ‬ ‫مِنْ الْ َقوْمِ الظّالِ ِميَ (‪)25‬‬ ‫فجاءت إحدى الرأتي اللتي سقى لما تسي إليه ف حياء‪ ,‬قالت‪ :‬إن أب‬ ‫يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا‪ ,‬فمضى موسى معها إل أبيها‪ ,‬فلما‬ ‫ص عليه قصصه مع فرعون وقومه‪ ,‬قال له أبوها‪ :‬ل َتخَفْ‬ ‫جاء أباها وق ّ‬ ‫نوت من القوم الظالي‪ ,‬وهم فرعون وقومه؛ إذ ل سلطان لم بأرضنا‪.‬‬ ‫‪1295‬‬

‫ت الْقَوِيّ الَ ِميُ (‬ ‫قَالَ تْ ِإحْدَاهُمَا يَا َأبَ تِ ا ْستَأْ ِجرْهُ ِإنّ َخيْرَ مَ نْ ا ْستَ ْأجَرْ َ‬

‫‪)26‬‬

‫قالت إحدى الرأتي لبيها‪ :‬يا أبت استأجره ليعى لك ماشيتك; إ ّن‬ ‫خي من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك‪ ,‬المي الذي ل‬ ‫تاف خيانته فيما تأمنه عليه‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّ ي ُأرِيدُ أَ نْ أُن ِكحَ كَ ِإحْدَى اْبَنتَيّ هَاَتيْ نِ عَلَى أَ نْ تَأْ ُجرَنِي ثَمَاِنَيةَ‬ ‫ت َعشْرا فَمِ نْ ِعنْ ِد كَ وَمَا ُأرِيدُ أَ نْ أَشُقّ َعَليْ كَ َسَتجِ ُدنِي‬ ‫ِحجَ ٍج َفإِ نْ َأتْ َممْ َ‬ ‫حيَ ( ‪)27‬‬ ‫ِإنْ شَاءَ الّلهُ مِ ْن الصّالِ ِ‬ ‫قال الشيخ لوسى‪ :‬إن أريد أن أزوّجك إحدى ابنتّ هاتي‪ ,‬على أن‬ ‫تكون أجيًا ل ف رعي ماشيت ثان سني مقابل ذلك‪ ,‬فإن أكملت‬ ‫عشر سني فإحسان من عندك‪ ,‬وما أريد أن أشق عليك بعلها عشرا‪,‬‬ ‫ستجدن إن شاء ال من الصالي ف حسن الصحبة والوفاء با قلتُ‪.‬‬ ‫ت فَل عُ ْدوَا نَ عَلَيّ وَاللّ هُ َعلَى‬ ‫ضْي ُ‬ ‫ك َبْينِي َوَبْينَ كَ َأيّمَا الَجََليْ نِ قَ َ‬ ‫قَالَ َذلِ َ‬

‫مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (‪)28‬‬

‫‪1296‬‬

‫قال موسى‪ :‬ذلك الذي قلته قائم بين وبينك‪ ,‬أي الدتي أَقْضِها ف‬ ‫العمل أكن قد وفيتك‪ ,‬فل أُطالَب بزيادة عليها‪ ,‬وال على ما نقول‬ ‫وكيل حافظ يراقبنا‪ ,‬ويعلم ما تعاقدنا عليه‪.‬‬ ‫ب الطّورِ نَارا قَالَ‬ ‫َفلَمّا قَضَى مُو سَى ا َلجَلَ وَ سَارَ بِأَ ْهلِ هِ آنَ سَ مِ نْ جَانِ ِ‬ ‫خبَرٍ َأوْ جَ ْذوَةٍ مِ نْ النّارِ‬ ‫ستُ نَارا لَعَلّي آتِيكُ ْم ِمْنهَا ِب َ‬ ‫لَهْلِ ِه امْ ُكثُوا ِإنّ ي آنَ ْ‬

‫لَعَلّكُ ْم تَصْطَلُونَ ( ‪)29‬‬

‫فلما وف نب ال موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬صاحبه الدة عشر سني‪ ,‬وهي‬ ‫أكمل الدتي‪ ,‬وسار بأهله إل "مصر" أبصر من جانب الطور نارًا‪ ,‬قال‬ ‫موسى لهله‪ :‬تهلوا وانتظروا إن أبصرت نارًا; لعلي آتيكم منها بنبأ‪ ,‬أو‬ ‫آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون با‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫َنم فِي اْلبُقْ َعةِ الْ ُمبَارَ َكةِ م ْ‬ ‫ِنم شَاطِئِ اْلوَادِي ا َليْم ِ‬ ‫َفلَمّام َأتَاهَا نُودِي م ْ‬ ‫شجَرَةِ أَ ْن يَا مُو سَى ِإنّي َأنَا اللّ هُ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪َ )30‬وأَ نْ َألْ قِ عَ صَا َك‬ ‫ال ّ‬ ‫ب يَا مُو سَى أَ ْقبِلْ وَل‬ ‫فَلَمّ ا رَآهَا َت ْهتَزّ كََأنّهَا جَانّ َولّى ُم ْدبِرا َولَ ْم يُعَقّ ْ‬ ‫َتخَفْ ِإنّكَ مِنْ ال ِمِنيَ (‪)31‬‬

‫‪1297‬‬

‫فلما أتى موسى النار ناداه ال من جانب الوادي الين لوسى ف البقعة‬ ‫الباركة من جانب الشجرة‪ :‬أن يا موسى إن أنا ال رب العالي‪ ,‬وأن‬ ‫ألق عصاك‪ ,‬فألقاها موسى‪ ,‬فصارت حية تسعى‪ ,‬فلما رآها موسى‬ ‫تضطرب كأنا جانّ من اليات ولّى هاربًا منها‪ ,‬ول يلتفت من الوف‪,‬‬ ‫فناداه ربه‪ :‬يا موسى أقبل إلّ ول َتخَفْ; إنك من المني من كل‬ ‫مكروه‪.‬‬ ‫ْكم‬ ‫ُممِإَلي َ‬ ‫ِنم َغيْرِ سمُوءٍ وَاضْم ْ‬ ‫ُجم َبيْضَاءَ م ْ‬ ‫ِكم َتخْر ْ‬ ‫َكم فِي َجْيب َ‬ ‫ك يَد َ‬ ‫اسملُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َجنَا َح كَ مِ ْن الرّ ْه بِ َفذَانِ كَ ُبرْهَانَا نِ مِ نْ َربّ كَ ِإلَى فِرْ َعوْ نَ وَمََلئِ هِ ِإّنهُ مْ‬ ‫كَانُوا َقوْما فَاسِ ِقيَ (‪)32‬‬ ‫أدخل يدك ف فتحة قميصك وأخرجها ترج بيضاء كالثلج مِن غي‬ ‫مرض ول برص‪ ,‬واضمم إليك يدك لتأمن من الوف‪ ,‬فهاتان اللتان‬ ‫أريتُكَهما يا موسى‪ :‬مِن توّل العصا حية‪ ,‬وجَعْ ِل يدك بيضاء تلمع من‬ ‫غي مرض ول برص‪ ,‬آيتان من ربك إل فرعون وأشراف قومه‪ .‬إن‬ ‫فرعون ومله كانوا قومًا كافرين‪.‬‬ ‫ت ِمْنهُ ْم نَفْ سا فَأَخَا فُ أَ نْ يَ ْقتُلُو نِ (‪ )33‬وَأَخِي‬ ‫قَالَ رَبّ ِإنّ ي َقتَ ْل ُ‬ ‫‪1298‬‬

‫صدُّقنِي ِإنّي َأخَا فُ أَ نْ‬ ‫هَارُو نُ ُهوَ أَفْ صَ ُح ِمنّي لِ سَانا فََأرْ سِ ْلهُ مَعِي رِدْءا يُ َ‬ ‫يُكَ ّذبُونِ (‪)34‬‬ ‫قال موسى‪ :‬ربّ إن قتلت من قوم فرعون نفسًا فأخاف أن يقتلون‪,‬‬ ‫وأخي هارون هو أفصح من نطقًا‪ ,‬فأرسله معي عونًا يصدقن‪ ,‬ويبي لم‬ ‫عن ما أخاطبهم به‪ ,‬إن أخاف أن يكذبون ف قول لم‪ :‬إن أُرسلت‬ ‫إليهم‪.‬‬ ‫ك َونَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانا فَل يَ صِلُونَ ِإَليْكُمَا‬ ‫ضدَ كَ بَِأخِي َ‬ ‫قَالَ َسَنشُدّ عَ ُ‬

‫بِآيَاِتنَا َأْنتُمَا وَمَنْ اّتبَعَكُمَا الْغَاِلبُونَ (‪)35‬‬

‫قال ال لوسى‪ :‬سنقوّيك بأخيك‪ ,‬ونعل لكما حجة على فرعون وقومه‬ ‫فل يصلون إليكما بسوء‪ .‬أنتما ‪-‬يا موسى وهارون‪ -‬ومَن آمن بكما‬ ‫النتصرون على فرعون وقومه; بسبب آياتنا وما دلّتْ عليه من الق‪.‬‬ ‫ت قَالُوا مَا َهذَا إِ ّل ِسحْ ٌر مُ ْفتَرًى وَمَا‬ ‫َفلَمّ ا جَاءَهُ مْ مُو سَى بِآيَاتِنَا َبّينَا ٍ‬

‫سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي آبَاِئنَا الَ ّوِليَ (‪)36‬‬

‫‪1299‬‬

‫فلما جاء موسى فرعون ومله بأدلتنا وحججنا شاهدة بقيقة ما جاء به‬ ‫موسى مِن عند ربه‪ ,‬قالوا لوسى‪ :‬ما هذا الذي جئتنا به إل سحر افتريته‬ ‫كذبًا وباطل وما سعنا بذا الذي تدعونا إليه ف أسلفنا الذين مضوا‬ ‫قبلنا‪.‬‬ ‫وَقَالَ مُو سَى َربّي أَعْلَ مُ بِمَ نْ جَاءَ بِاْلهُدَى مِ ْن ِعنْدِ ِه وَمَ ْن تَكُو نُ لَ هُ عَاِقَبةُ‬

‫الدّارِ ِإّنهُ ل يُفِْلحُ الظّالِمُونَ (‪)37‬‬

‫وقال موسى لفرعون‪ :‬رب أعلم بالحقّ منّا الذي جاء بالرشاد من عنده‪,‬‬ ‫ومَن الذي له العقب الحمودة ف الدار الخرة‪ ,‬إنه ل يظفر الظالون‬ ‫بطلوبم‪.‬‬ ‫ت لَكُ ْم مِ نْ ِإلَ هٍ َغيْرِي فََأوْقِدْ لِي يَا‬ ‫وَقَالَ ِفرْ َعوْ نُ يَا َأيّهَا الْمَل مَا عَلِ ْم ُ‬ ‫صرْحا لَعَلّي َأطّلِ عُ ِإلَى ِإلَ هِ مُو سَى وَِإنّ ي‬ ‫هَامَا نُ عَلَى الطّيِ فَاجْعَل لِي َ‬ ‫َل ُظنّهُ مِ ْن الْكَا ِذِبيَ (‪)38‬‬ ‫وقال فرعون لشراف قومه‪ :‬يا أيها الل ما علمت لكم من إله غيي‬ ‫يستحق العبادة‪ ,‬فأ ْشعِل ل ‪-‬يا هامان‪ -‬على الطي نارًا‪ ,‬حت يشتد‪,‬‬ ‫‪1300‬‬

‫وابْنِ ل بناء عاليًا; لعلي أنظر إل معبود موسى الذي يعبده ويدعو إل‬ ‫عبادته‪ ,‬وإن لظنه فيما يقول من الكاذبي‪.‬‬ ‫وَا ْستَ ْكبَ َر ُهوَ وَ ُجنُودُ ُه فِي ا َلرْضِ بِ َغيْ ِر اْلحَقّ َو َظنّوا َأّنهُمْ ِإَلْينَا ل ُيرْجَعُونَ‬ ‫(‪)39‬‬ ‫واستعلى فرعون وجنوده ف أرض "مصر" بغي الق عن تصديق موسى‬ ‫واتّباعه على ما دعاهم إليه‪ ,‬وحسبوا أنم بعد ماتم ل يبعثون‪.‬‬ ‫َفأَخَ ْذنَا هُ وَ ُجنُودَ هُ َفَنَب ْذنَاهُ ْم فِي اْليَمّ فَانظُرْ َكيْ فَ كَا نَ عَاِقَبةُ الظّالِ ِميَ (‬ ‫‪)40‬‬ ‫فأخذنا فرعون وجنوده‪ ,‬فألقيناهم جيعًا ف البحر وأغرقناهم‪ ,‬فانظر‬ ‫أيها الرسول‪ -‬كيف كان ناية هؤلء الذين ظلموا أنفسهم‪ ,‬فكفروا‬‫بربم؟‬ ‫وَ َجعَ ْلنَاهُمْ َأِئ ّمةً يَدْعُونَ ِإلَى النّارِ َوَيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ ل يُنصَرُونَ (‪)41‬‬

‫‪1301‬‬

‫وجعلنا فرعون وقومه قادة إل النار‪ ,‬يَقتدي بم أهل الكفر والفسق‪,‬‬ ‫ويوم القيامة ل ينصرون; وذلك بسبب كفرهم وتكذيبهم رسول ربم‬ ‫وإصرارهم على ذلك‪.‬‬ ‫وََأْتبَ ْعنَاهُ ْم فِي هَذِهِ ال ّدْنيَا لَ ْعَنةً َوَيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ هُ ْم مِنْ الْمَ ْقبُو ِحيَ (‪)42‬‬ ‫وأتبعنا فرعون وقومه ف هذه الدنيا خزيًا وغضبًا منا عليهم‪ ,‬ويوم القيامة‬ ‫هم من الستقذرة أفعالم‪ ,‬البعدين عن رحة ال‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ مِنْ بَعْ ِد مَا أَهْلَ ْكنَا الْقُرُونَ الُولَى بَصَائِرَ لِلنّاسِ‬ ‫وَهُدًى َورَحْ َمةً لَعَّلهُمْ َيَتذَكّرُونَ (‪)43‬‬ ‫ولقد آتينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا المم الت كانت من قبله‬ ‫كقوم نوح وعاد وثود وقوم لوط وأصحاب "مدين"‪ -‬فيها بصائر لبن‬‫إسرائيل‪ ,‬يبصرون با ما ينفعهم وما يضرهم‪ ,‬وفيها رحة لن عمل با‬ ‫منهم; لعلهم يتذكرون نِعَم ال عليهم‪ ,‬فيشكروه عليها‪ ,‬ول يكفروه‪.‬‬ ‫ت مِ نْ‬ ‫ضيْنَا ِإلَى مُو سَى الَمْ َر وَمَا كُن َ‬ ‫ت ِبجَانِ بِ الْغَ ْربِيّ إِذْ قَ َ‬ ‫وَمَا كُن َ‬ ‫‪1302‬‬

‫الشّاهِدِينَ (‪)44‬‬ ‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بانب البل الغرب من موسى إذ كلّفناه أَمْرنا‬ ‫وَنهْينا‪ ,‬وما كنت من الشاهدين لذلك‪ ,‬حت يقال‪ :‬إنه وصل إليك من‬ ‫هذا الطريق‪.‬‬ ‫ت ثَاوِيا فِي أَهْلِ مَ ْديَ نَ‬ ‫َولَ ِكنّا أَنشَ ْأنَا قُرُونا َفتَطَاوَلَ َعَلْيهِ ْم الْعُ ُمرُ وَمَا كُن َ‬ ‫َتتْلُوا عََلْيهِمْ آيَاِتنَا َولَ ِكنّا ُكنّا مُ ْرسِِليَ (‪)45‬‬ ‫ولكنا خلقنا أمًا من بعد موسى‪ ,‬فمكثوا زمنًا طويل فنسوا عهد ال‪,‬‬ ‫وتركوا أمره‪ ,‬وما كنت مقيمًا ف أهل "مدين" تقرأ عليهم كتابنا‪,‬‬ ‫فتعرف قصتهم وتب با‪ ,‬ولكن ذلك الب الذي جئت به عن موسى‬ ‫وحي‪ ,‬وشاهد على رسالتك‪.‬‬ ‫ك ِلتُن ِذرَ َقوْما مَا‬ ‫ت ِبجَانِ بِ الطّورِ ِإذْ نَا َدْينَا َولَكِ نْ رَحْ َم ًة مِ نْ َربّ َ‬ ‫وَمَا كُن َ‬ ‫ك لَعَّلهُمْ َيتَذَكّرُونَ ( ‪)46‬‬ ‫َأتَاهُمْ مِنْ نَذِي ٍر مِنْ َقبْلِ َ‬ ‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بانب جبل الطور حي نادينا موسى‪ ,‬ول‬ ‫تشهد شيئًا من ذلك فتعلمه‪ ,‬ولكنا أرسلناك رحة من ربك; لتنذر قومًا‬ ‫‪1303‬‬

‫ل يأتم مِن قبلك من نذير; لعلهم يتذكرون الي الذي جئتَ به‬ ‫ت عنه فيجتنبوه‪.‬‬ ‫فيفعلوه‪ ,‬والشرّ الذي نَهي َ‬ ‫َوَلوْل أَ نْ تُ صِيَبهُمْ مُ صِيَبةٌ بِمَا َقدّمَ تْ َأيْدِيهِ ْم َفيَقُولُوا َربّنَا َلوْل َأرْ سَ ْلتَ‬ ‫ِإَلْينَا رَسُولً َفَنّتبِ َع آيَاتِكَ َونَكُونَ مِنْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ ( ‪)47‬‬ ‫ولول أن ينل بؤلء الكفار عذاب بسبب كفرهم بربم‪ ,‬فيقولوا‪ :‬ربنا‬ ‫هل أرسلت إلينا رسول من قبل‪ ,‬فنتبع آياتك النلة ف كتابك‪ ,‬ونكون‬ ‫من الؤمني بك‪.‬‬ ‫َفلَمّا جَاءَهُ مْ الْحَقّ مِ ْن ِعنْ ِدنَا قَالُوا َلوْل أُوتِ َي ِمثْلَ مَا أُوتِ يَ مُو سَى َأ َولَ ْم‬ ‫يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِ يَ مُو سَى مِ ْن َقبْلُ قَالُوا ِسحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا ِإنّ ا ِبكُلّ‬ ‫كَافِرُونَ (‪)48‬‬ ‫فلما جاء ممد هؤلء القوم نذيرًا لم‪ ,‬قالوا‪ :‬هل أوت هذا الذي أُرسل‬ ‫إلينا مثل ما أوت موسى من معجزات حسية‪ ,‬وكتابٍ نزل جلة واحدة!‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬أول يكفر اليهود با أوت موسى من قبل؟‬ ‫قالوا‪ :‬ف التوراة والقرآن سحران تعاونا ف سحرها‪ ,‬وقالوا‪ :‬نن بكل‬ ‫منهما كافرون‪.‬‬ ‫‪1304‬‬

‫ب مِ نْ ِعنْ ِد اللّ هِ ُهوَ أَهْدَى ِمْنهُمَا َأّتبِعْ هُ إِ نْ كُنُت مْ صَادِِقيَ (‬ ‫قُ ْل فَ ْأتُوا بِ ِكتَا ٍ‬

‫‪)49‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء‪ :‬فأتوا بكتاب من عند ال هو أقوم من التوراة‬ ‫والقرآن أتبعه‪ ,‬إن كنتم صادقي ف زعمكم‪.‬‬ ‫ستَجِيبُوا لَ كَ فَاعْلَ مْ َأنّمَا َيّتبِعُو نَ أَ ْهوَاءَهُ ْم وَمَ نْ َأضَ ّل مِمّ نْ اّتبَ عَ‬ ‫َفإِ نْ لَ ْم يَ ْ‬ ‫َهوَاهُ بِ َغيْرِ ُهدًى مِنْ الّلهِ ِإنّ الّلهَ ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الظّالِ ِميَ (‪)50‬‬ ‫فإن ل يستجيبوا لك بالتيان بالكتاب‪ ,‬ول تبق لم حجة‪ ,‬فاعلم أنا‬ ‫يتبعون أهواءهم‪ ,‬ول أحد أكثر ضلل من اتبع هواه بغي هدى من ال‪.‬‬ ‫إن ال ل يوفّق لصابة الق القوم الظالي الذين خالفوا أمر ال‪,‬‬ ‫وتاوزوا حدوده‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َوصّ ْلنَا َلهُ ْم الْ َقوْلَ لَعَّلهُمْ َيَتذَكّرُونَ (‪)51‬‬ ‫ولقد فصّلنا وبيّنا القرآن رحة بقومك أيها الرسول؛ لعلهم يتذكرون‪,‬‬ ‫فيتعظوا به‪.‬‬ ‫‪1305‬‬

‫ب مِنْ َقبِْل ِه هُمْ ِب ِه ُيؤْ ِمنُونَ (‪)52‬‬ ‫الّذِينَ آَتْينَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬ ‫الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن ‪-‬وهم اليهود والنصارى الذين ل‬ ‫يبدّلوا‪ -‬يؤمنون بالقرآن وبحمد عليه الصلة والسلم‪.‬‬ ‫وَِإذَا ُيتْلَى عََلْيهِمْ قَالُوا آ َمنّا بِهِ ِإنّهُ الْحَقّ مِنْ َرّبنَا ِإنّا ُكنّا مِنْ َقبْلِهِ مُسْلِ ِميَ‬

‫(‪)53‬‬

‫وإذا يتلى هذا القرآن على الذين آتيناهم الكتاب‪ ,‬قالوا‪ :‬صدّقنا به‪,‬‬ ‫وعملنا با فيه‪ ,‬إنه الق من عند ربنا‪ ,‬إنا كنا من قبل نزوله مسلمي‬ ‫موحدين‪ ،‬فدين ال واحد‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬ ‫سَنةِ ال سّّيَئةَ وَمِمّا‬ ‫صبَرُوا َويَ ْد َرءُو نَ بِاْلحَ َ‬ ‫ك ُي ْؤَتوْ نَ َأجْرَ ُه مْ َم ّرَتيْ نِ بِمَا َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫َرزَ ْقنَاهُمْ يُنفِقُونَ (‪َ )54‬وإِذَا سَمِعُوا اللّ ْغوَ أَعْ َرضُوا َعنْ ُه وَقَالُوا َلنَا أَ ْعمَاُلنَا‬ ‫َولَكُمْ أَ ْعمَالُكُمْ سَلمٌ عََلْيكُمْ ل َنْبتَغِي اْلجَاهِِليَ (‪)55‬‬ ‫ت صفتُهم يُؤَتوْن ثواب عملهم مرتي‪ :‬على اليان‬ ‫هؤلء الذين تقدّمَ ْ‬ ‫بكتابم‪ ,‬وعلى إيانم بالقرآن با صبوا‪ ,‬ومن أوصافهم أنم يدفعون‬ ‫‪1306‬‬

‫السيئة بالسنة‪ ,‬وما رزقناهم ينفقون ف سبيل الي والب‪ .‬وإذا سع‬ ‫هؤلء القوم الباطل من القول ل يُصْغوا إليه‪ ,‬وقالوا‪ :‬لنا أعمالنا ل نيد‬ ‫عنها‪ ,‬ولكم أعمالكم ووزرها عليكم‪ ,‬فنحن ل نشغل أنفسنا بالرد‬ ‫عليكم‪ ,‬ول تسمعون منّا إل الي‪ ,‬ول ناطبهم بقتضى جهلكم; لننا‬ ‫ل نريد طريق الاهلي ول نبها‪ .‬وهذا من خي ما يقوله الدعاة إل ال‪.‬‬ ‫َمم‬ ‫َنم َيشَاءُ وَ ُهوَ أَعْل ُ‬ ‫ّهم َيهْدِي م ْ‬ ‫ْتم َولَكِن ّ الل َ‬ ‫َنم َأ ْحَبب َ‬ ‫ّكم ل َتهْدِي م ْ‬ ‫ِإن َ‬ ‫بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)56‬‬ ‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تدي هداية توفيق مَن أحببت هدايته‪ ,‬ولكن‬ ‫ذلك بيد ال يهدي مَن يشاء أن يهديه لليان‪ ,‬ويوفقه إليه‪ ,‬وهو أعلم‬ ‫بن يصلح للهداية فيهديه‪.‬‬ ‫ضنَا َأ َولَ ْم نُمَكّ نْ َلهُ مْ حَرَما‬ ‫ك ُنَتخَطّ فْ مِ نْ َأ ْر ِ‬ ‫وَقَالُوا إِ نْ َنّتبِ عْ اْلهُدَى مَعَ َ‬ ‫جبَى ِإَليْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَ ْيءٍ ِرزْقا مِ ْن لَ ُدنّا َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُمْ ل يَعْلَمُونَ‬ ‫آمِنا ُي ْ‬ ‫(‪)57‬‬ ‫وقال كفار "مكة"‪ :‬إن نتبع الق الذي جئتنا به‪ ,‬ونتبأ من الولياء‬ ‫واللة‪ُ ,‬نَتخَطّفْ من أرضنا بالقتل والسر ونب الموال‪ ,‬أول نعلهم‬ ‫‪1307‬‬

‫متمكني ف بلد آمن‪ ,‬حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه‪ ,‬يُجلب إليه‬ ‫ثرات كل شيء رزقًا مِن لدنا؟ ولكن أكثر هؤلء الشركي ل يعلمون‬ ‫قَدْر هذه النعم عليهم‪ ,‬فيشكروا مَن أنعم عليهم با ويطيعوه‪.‬‬ ‫شتَهَا َفتِلْ كَ مَ سَا ِكنُهُ ْم لَ ْم تُ سْكَنْ مِ نْ‬ ‫ت مَعِي َ‬ ‫وَكَ مْ أَهْلَكْنَا مِ نْ قَ ْرَيةٍ بَطِ َر ْ‬ ‫ل وَ ُكنّا َنحْنُ اْلوَا ِرِثيَ (‪)58‬‬ ‫بَعْدِهِمْ إِ ّل قَلِي ً‬ ‫وكثي من أهل القرى أهلكناهم حي َأْلهَتهم معيشتهم عن اليان‬ ‫بالرسل‪ ,‬فكفروا وط َغوْا‪ ,‬فتلك مساكنهم ل تُسكن من بعدهم إل قليل‬ ‫منها‪ ,‬وكنا نن الوارثي للعباد نيتهم‪ ,‬ث يرجعون إلينا‪ ,‬فنجازيهم‬ ‫بأعمالم‪.‬‬ ‫ث فِي أُ ّمهَا رَ سُولً َيتْلُوا عََلْيهِ مْ‬ ‫ك ُمهْلِ كَ الْقُرَى َحتّى َيبْ َع َ‬ ‫وَمَا كَا نَ َربّ َ‬ ‫آيَاِتنَا وَمَا ُكنّا ُمهْلِكِي الْقُرَى إِ ّل وَأَهُْلهَا ظَالِمُونَ (‪)59‬‬ ‫وما كان ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مهلك القرى الت حول "مكة" ف‬ ‫زمانك حت يبعث ف أمها ‪-‬وهي "مكة"‪ -‬رسول يتلو عليهم آياتنا‪ ,‬وما‬ ‫كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالون لنفسهم بكفرهم بال ومعصيته‪,‬‬ ‫فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال‪.‬‬ ‫‪1308‬‬

‫وَمَا أُوتِيتُ مْ مِ نْ شَ ْيءٍ َف َمتَا عُ اْلحَيَاةِ ال ّدنْيَا َوزِينَتُهَا وَمَا ِعنْ َد اللّ هِ َخيْرٌ‬

‫وََأبْقَى أَفَل تَعْقِلُونَ (‪)60‬‬

‫وما أُعطيتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من شيء من الموال والولد‪ ,‬فإنا هو متاع‬ ‫تتمتعون به ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وزينة يُتزيّن با‪ ,‬وما عند ال لهل‬ ‫طاعته ووليته خي وأبقى; لنه دائم ل نفاد له‪ ,‬أفل تكون لكم عقول‬ ‫أيها القوم‪ -‬تتدبرون با‪ ,‬فتعرفون الي من الشر؟‬‫حيَاةِ ال ّدْنيَا ثُمّ‬ ‫ع الْ َ‬ ‫أَفَمَ نْ وَ َع ْدنَا هُ وَعْدا حَ سَنا َف ُهوَ لقِي ِه كَمَ نْ َمتّ ْعنَا هُ َمتَا َ‬ ‫ُهوَ َيوْمَ الْ ِقيَامَةِ مِنْ الْ ُمحْضَرِينَ (‪)61‬‬ ‫أفمَن وعدناه مِن خَلْقنا على طاعته إيانا النة‪ ,‬فهو ملقٍ ما وُعِدَ‪,‬‬ ‫وصائر إليه‪ ,‬كمن متعناه ف الياة الدنيا متاعها‪ ,‬فتمتع به‪ ,‬وآثر لذة‬ ‫عاجلة على آجلة‪ ,‬ث هو يوم القيامة من الحضرين للحساب والزاء؟ ل‬ ‫يستوي الفريقان‪ ,‬فليختر العاقل لنفسه ما هو أول بالختيار‪ ,‬وهو طاعة‬ ‫ال وابتغاء مرضاته‪.‬‬ ‫َوَيوْمَ ُينَادِيهِ ْم َفيَقُولُ َأيْنَ شُرَكَائِي الّذِينَ كُنتُ ْم تَزْعُمُونَ (‪)62‬‬ ‫‪1309‬‬

‫ويوم ينادي ال عز وجل الذين أشركوا به الولياء والوثان ف الدنيا‪,‬‬ ‫فيقول لم‪ :‬أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنم ل شركاء؟‬ ‫قَالَ الّذِي نَ حَقّ عََلْيهِ مْ الْ َقوْلُ َربّنَا َهؤُلءِ الّذِي نَ أَ ْغ َويْنَا أَ ْغ َوْينَاهُ مْ كَمَا‬ ‫ك مَا كَانُوا ِإيّانَا يَ ْعبُدُونَ (‪)63‬‬ ‫َغ َوْينَا َتَبرّْأنَا ِإَليْ َ‬ ‫قال الذين ح ّق عليهم العذاب‪ ,‬وهم دعاة الكفر‪ :‬ربنا هؤلء الذين‬ ‫أضللنا‪ ,‬أضللناهم كما ضللنا‪ ,‬تبأنا إليك مِن وليتهم ونصرتم‪ ,‬ما‬ ‫كانوا إيانا يعبدون‪ ,‬وإنا كانوا يعبدون الشياطي‪.‬‬ ‫ستَجِيبُوا َلهُ مْ َورََأوْا الْعَذَا بَ َلوْ‬ ‫وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُ مْ فَدَ َعوْهُ ْم فَلَ ْم يَ ْ‬ ‫َأّنهُ ْم كَانُوا َي ْهتَدُونَ ( ‪)64‬‬ ‫وقيل للمشركي بال يوم القيامة‪ :‬ادعوا شركاءكم الذين كنتم تعبدونم‬ ‫من دون ال‪ ,‬فدعوهم فلم يستجيبوا لم‪ ,‬وعاينوا العذاب‪ ,‬لو أنم كانوا‬ ‫ف الدنيا مهتدين للحق لا عُذّبوا‪.‬‬ ‫َوَيوْمَ ُينَادِيهِ ْم َفيَقُولُ مَاذَا أَ َجْبتُ ْم الْمُرْسَِليَ (‪)65‬‬ ‫‪1310‬‬

‫ويوم ينادي ال هؤلء الشركي‪ ,‬فيقول‪ :‬بأيّ شيء أجبتم الرسلي فيما‬ ‫أرسلناهم به إليكم؟‬ ‫ت عََلْيهِمْ ا َلْنبَاءُ َيوْ َمئِذٍ َفهُمْ ل َيَتسَا َءلُونَ (‪)66‬‬ ‫َفعَ ِميَ ْ‬ ‫فخفيت عليهم الجج‪ ,‬فلم يَدْروا ما يتجون به‪ ,‬فهم ل يسأل بعضهم‬ ‫بعضًا عما يتجون به سؤال انتفاع‪.‬‬ ‫ب وَآمَ نَ وَعَمِلَ صَالِحا فَعَ سَى أَ نْ يَكُو نَ مِ نْ الْمُفِْلحِيَ (‬ ‫َفأَمّ ا مَ نْ تَا َ‬ ‫‪)67‬‬ ‫فأما من تاب من الشركي‪ ,‬وأخلص ل العبادة‪ ,‬وعمل با أمره ال به‬ ‫ورسوله‪ ,‬فهو من الفائزين ف الدارين‪.‬‬ ‫خيَرَةُ ُسْبحَانَ اللّ هِ َوتَعَالَى‬ ‫ختَارُ مَا كَا نَ لَهُ مْ اْل ِ‬ ‫َو َربّ كَ َيخْلُ قُ مَا َيشَاءُ َويَ ْ‬

‫عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)68‬‬

‫‪1311‬‬

‫وربك يلق ما يشاء أن يلقه‪ ,‬ويصطفي لوليته مَن يشاء من خلقه‪,‬‬ ‫وليس لحد من المر والختيار شيء‪ ,‬وإنا ذلك ل وحده سبحانه‪,‬‬ ‫تعال وتنّه عن شركهم‪.‬‬ ‫َو َربّكَ يَ ْعلَمُ مَا تُكِنّ صُدُورُهُ ْم وَمَا يُعِْلنُونَ (‪)69‬‬ ‫وربك يعلم ما تُخفي صدور خلقه وما يظهرونه‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ اللّ هُ ل ِإلَ هَ إِلّ ُه َو لَ هُ اْلحَمْدُ فِي الُولَى وَالخِرَ ِة َولَ هُ اْلحُكْ مُ وَِإَليْ هِ‬ ‫تُرْ َجعُونَ (‪)70‬‬ ‫وهو ال الذي ل معبود بق سواه‪ ,‬له الثناء الميل والشكر ف الدنيا‬ ‫والخرة‪ ,‬وله الكم بي خلقه‪ ,‬وإليه تُرَدّون بعد ماتكم للحساب‬ ‫والزاء‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ إِ نْ جَعَلَ اللّ هُ َعَليْكُ ْم الّليْلَ سَرْمَدا ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَا َمةِ مَ نْ ِإلَ هٌ َغيْرُ‬ ‫ضيَاءٍ َأفَل َتسْمَعُونَ (‪)71‬‬ ‫اللّهِ يَ ْأتِي ُكمْ بِ ِ‬

‫‪1312‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أخبون ‪-‬أيها الناس‪ -‬إن جعل ال عليكم الليل‬ ‫دائمًا إل يوم القيامة‪ ,‬مَن إله غي ال يأتيكم بضياء تستضيئون به؟ أفل‬ ‫تسمعون ساع فهم وقَبول؟‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّ هُ َعَليْكُ ْم النّهَارَ سَرْمَدا ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَا َمةِ مَ نْ ِإلَ هٌ َغْيرُ‬ ‫اللّهِ يَ ْأتِي ُكمْ بَِليْ ٍل َتسْ ُكنُونَ فِيهِ أَفَل ُتبْصِرُونَ (‪)72‬‬ ‫قل لم‪ :‬أخبون إن جعل ال عليكم النهار دائمًا إل يوم القيامة‪ ,‬مَن إله‬ ‫غي ال يأتيكم بليل تستقرون وتدؤون فيه؟ أفل ترون بأبصاركم‬ ‫اختلف الليل والنهار؟‬ ‫ضلِ هِ‬ ‫وَمِ نْ َرحْ َمتِ هِ جَعَلَ لَكُ ْم الّليْلَ وَالّنهَارَ ِلتَ سْ ُكنُوا فِي ِه وَِلَتْبتَغُوا مِ نْ فَ ْ‬ ‫َولَعَلّكُمْ َتشْكُرُونَ (‪)73‬‬ ‫ومن رحته بكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن جعل لكم الليل والنهار فخالف‬ ‫بينهما‪ ,‬فجعل هذا الليل ظلمًا؛ لتستقروا فيه وترتاح أبدانكم‪ ,‬وجعل‬ ‫لكم النهار ضياءً; لتطلبوا فيه معايشكم‪ ,‬ولتشكروا له على إنعامه عليكم‬ ‫بذلك‪.‬‬ ‫‪1313‬‬

‫َوَيوْمَ ُينَادِيهِ ْم َفيَقُولُ َأيْنَ شُرَكَائِي الّذِينَ كُنتُ ْم تَزْعُمُونَ (‪)74‬‬ ‫ويوم ينادي ال هؤلء الشركي‪ ,‬فيقول لم‪ :‬أين شركائي الذين كنتم‬ ‫تزعمون ف الدنيا أنم شركائي؟‬ ‫َونَزَعْنَا مِ ْن كُلّ أُ ّمةٍ َشهِيدا فَقُلْنَا هَاتُوا ُبرْهَانَكُ ْم فَعَلِمُوا أَنّ اْلحَقّ لِلّ هِ‬

‫َوضَلّ َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)75‬‬

‫ونزعنا من كل أمة من المم الكذبة شهيدا ‪-‬وهو نبيّهم‪ ,-‬يشهد على‬ ‫ما جرى ف الدنيا من شركهم وتكذيبهم لرسلهم‪ ,‬فقلنا لتلك المم الت‬ ‫كذبت رسلها وما جاءت به من عند ال‪ :‬هاتوا حجتكم على ما‬ ‫أشركتم مع ال‪ ,‬فعلموا حينئذ أن الجة البالغة ل عليهم‪ ,‬وأن الق ل‪,‬‬ ‫وذهب عنهم ما كانوا يفترون على ربم‪ ,‬فلم ينفعهم ذلك‪ ,‬بل ضرّهم‬ ‫وأوردهم نار جهنم‪.‬‬ ‫ِإنّ قَارُو نَ كَا نَ مِ نْ َقوْ مِ مُو سَى َفبَغَى عََلْيهِ مْ وَآَتْينَا هُ مِ نْ الْ ُكنُوزِ مَا ِإنّ‬ ‫مةِ أُولِي الْ ُقوّةِ ِإذْ قَالَ لَهُم َقوْمُهُم ل تَفْرَح ْمإِنّ اللّهَم ل‬ ‫مَفَاِتحَهُمَلَتنُوءُ بِالْعُص َْب‬

‫ي (‪)76‬‬ ‫ُيحِبّ الْفَرِ ِح َ‬

‫‪1314‬‬

‫إن قارون كان من قوم موسى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فتجاوز حدّه ف‬ ‫ال ِكبْر والتجب عليهم‪ ,‬وآتينا قارون من كنوز الموال شيئًا عظيمًا‪ ,‬حت‬ ‫إنّ مفاته لَيثقل حلها على العدد الكثي من القوياء‪ ,‬إذ قال له قومه‪ :‬ل‬ ‫تبطر فرحًا با أنت فيه من الال‪ ,‬إن ال ل يب مِن خلقه البَطِرين الذين‬ ‫ل يشكرون ل تعال ما أعطاهم‪.‬‬ ‫ك مِ ْن ال ّدْنيَا وَأَحْ سِنْ‬ ‫س نَ صِيبَ َ‬ ‫وَاْبتَ غِ فِيمَا آتَا كَ اللّ هُ الدّارَ الخِرَ َة وَل تَن َ‬ ‫كَمَا أَحْ سَنَ اللّ هُ ِإَليْ كَ وَل َتبْ ِغ الْفَ سَادَ فِي ا َلرْ ضِ إِنّ اللّ هَ ل ُيحِبّ‬

‫الْمُ ْفسِدِينَ (‪)77‬‬

‫والتمس فيما أتاك ال من الموال ثواب الدار الخرة‪ ,‬بالعمل فيها‬ ‫بطاعة ال ف الدنيا‪ ,‬ول تترك حظك من الدنيا‪ ,‬بأن تتمتع فيها باللل‬ ‫دون إسراف‪ ,‬وأحسن إل الناس بالصدقة‪ ,‬كما أحسن ال إليك بذه‬ ‫الموال الكثية‪ ,‬ول تلتمس ما حرّم ال عليك من البغي على قومك‪ ,‬إن‬ ‫ال ل يب الفسدين‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِ ْل ٍم عِندِي َأ َولَ ْم يَعْلَمْ َأنّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ َقبْلِهِ مِ ْن‬ ‫ِمم‬ ‫َنم ُذنُوِبه ْ‬ ‫ُسمأَلُ ع ْ‬ ‫ْهم ُقوّةً وَأَ ْكَثرُ جَمْعا وَل ي ْ‬ ‫َنم ُهوَ َأشَ ّد ِمن ُ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫القُر ِ‬ ‫‪1315‬‬

‫الْمُجْرِمُونَ (‪)78‬‬ ‫قال قارون لقومه الذين وعظوه‪ :‬إنا أُعطيتُ هذه الكنوز با عندي من‬ ‫العلم والقدرة‪ ,‬أول يعلم قارون أن ال قد أهلك مِن قبله من المم مَن‬ ‫هو أشد منه بطشًا‪ ,‬وأكثر جعًا للموال؟ ول يُسأل عن ذنوبم‬ ‫الجرمون; لعلم ال تعال با‪ ,‬إنا ُيسْألون سؤال توبيخ وتقرير‪ ,‬ويعاقبهم‬ ‫ال على ما علمه منهم‪.‬‬ ‫ت َلنَا‬ ‫حيَاةَ الدّنيَا يَا َليْ َ‬ ‫َفخَرَ جَ َعلَى َقوْمِ هِ فِي زِينَتِ هِ قَالَ الّذِي نَ ُيرِيدُو نَ الْ َ‬

‫ِمثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ِإّنهُ لَذُو حَظّ عَظِي ٍم (‪)79‬‬

‫فخرج قارون على قومه ف زينته‪ ,‬مريدًا بذلك إظهار عظمته وكثرة‬ ‫أمواله‪ ,‬وحي رآه الذين يريدون زينة الياة الدنيا قالوا‪ :‬يا ليت لنا مثل‬ ‫ما أُعطي قارون من الال والزينة والاه‪ ,‬إن قارون لذو نصيب عظيم من‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫ب اللّ هِ َخيْ ٌر لِمَ نْ آمَ َن وَعَمِلَ صَالِحا‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ أُوتُوا الْعِلْ َم َويْلَكُ مْ َثوَا ُ‬ ‫وَل يُلَقّاهَا إِ ّل الصّابِرُونَ (‪)80‬‬ ‫‪1316‬‬

‫وقال الذين أوتوا العلم بال وشرعه وعرفوا حقائق المور للذين قالوا‪ :‬يا‬ ‫ليت لنا مثل ما أوت قارون‪ :‬ويلكم اتقوا ال وأطيعوه‪ ,‬ثوابُ ال لن آمن‬ ‫به وبرسله‪ ,‬وعمل العمال الصالة‪ ,‬خيٌ ما أوت قارون‪ ,‬ول َيتَ َقبّل هذه‬ ‫النصيحة ويوفّق إليها ويعمل با إل مَن ياهد نفسه‪ ,‬ويصب على طاعة‬ ‫ربه‪ ,‬ويتنب معاصيه‪.‬‬ ‫َفخَ سَ ْفنَا بِ هِ َوبِدَارِ هِ ا َلرْ ضَ َفمَا كَا نَ لَ هُ مِ ْن ِفَئةٍ يَن صُرُوَنهُ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ‬ ‫وَمَا كَانَ مِ ْن ا ُلْنتَصِرِينَ (‪)81‬‬ ‫فخسفنا بقارون وبداره الرض‪ ,‬فما كان له من جند ينصرونه من دون‬ ‫ال‪ ,‬وما كان متنعًا من ال إذا أحلّ به نقمته‪.‬‬ ‫ق لِمَنْ‬ ‫صَبحَ الّذِينَ تَ َمّنوْا مَكَاَنهُ بِالَ ْمسِ يَقُولُونَ َويْكََأنّ الّلهَ َيْبسُطُ ال ّرزْ َ‬ ‫وََأ ْ‬ ‫َيشَاءُ مِ نْ ِعبَادِ هِ َويَقْ ِدرُ َلوْل أَ نْ مَنّ اللّ هُ عََلْينَا لَخَ سَفَ ِبنَا َويْكََأنّ هُ ل يُفِْل حُ‬ ‫الْكَافِرُونَ (‪)82‬‬ ‫وصار الذين تنوا حاله بالمس يقولون متوجعي ومعتبين وخائفي من‬ ‫وقوع العذاب بم‪ :‬إن ال يوسّع الرزق لن يشاء من عباده‪ ,‬ويضيّق على‬ ‫مَن يشاء منهم‪ ,‬لول أن ال منّ علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا لَخسف بنا‬ ‫‪1317‬‬

‫كما فعل بقارون‪ ,‬أل تعلم أنه ل يفلح الكافرون‪ ,‬ل ف الدنيا ول ف‬ ‫الخرة؟‬ ‫ك الدّارُ ال ِخرَةُ َنجْعَُلهَا لِلّذِي نَ ل يُرِيدُو نَ عُُلوّا فِي الَرْ ضِ وَل فَ سَادا‬ ‫تِ ْل َ‬ ‫وَالْعَاِقَبةُ لِلْ ُمتّ ِقيَ (‪)83‬‬ ‫تلك الدار الخرة نعل نعيمها للذين ل يريدون تكبًا عن الق ف‬ ‫الرض ول فسادًا فيها‪ .‬والعاقبة الحمودة ‪-‬وهي النة‪ -‬لن اتقى عذاب‬ ‫ال وعمل الطاعات‪ ,‬وترك الحرمات‪.‬‬ ‫ِينم‬ ‫ِالسمَئةِ فَل ُيجْزَى الّذ َ‬ ‫َنم جَاءَ ب ّّي‬ ‫َهم َخيْ ٌر ِمنْهَا وَم ْ‬ ‫َسمةِ فَل ُ‬ ‫َنم جَاءَ بِاْلح ََن‬ ‫م ْ‬ ‫سّيئَاتِ إِلّ مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)84‬‬ ‫عَمِلُوا ال ّ‬ ‫من جاء يوم القيامة بإخلص التوحيد ل وبالعمال الصالة وَفْق ما‬ ‫شرع ال‪ ,‬فله أجر عظيم خي من ذلك‪ ,‬وذلك الي هو النة والنعيم‬ ‫الدائم‪ ,‬ومن جاء بالعمال السيئة‪ ,‬فل ُيجْزى الذين عملوا السيئات على‬ ‫أعمالم إل با كانوا يعملون‪.‬‬

‫‪1318‬‬

‫إِنّ الّذِي َفرَ ضَ َعَليْ كَ الْقُرْآ نَ لَرَادّ كَ ِإلَى مَعَادٍ قُلْ َربّ ي أَ ْعلَ مُ مَ نْ جَاءَ‬ ‫بِاْلهُدَى وَمَنْ ُهوَ فِي ضَل ٍل ُمِبيٍ (‪)85‬‬ ‫إن الذي أنزل عليمك ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬القرآن‪ ,‬وفرض عليمك تبليغمه‬ ‫والتم سّك به‪ ,‬لرجعك إل الوضع الذي خرجت منه‪ ,‬وهو "مكة"‪ ,‬قل‬ ‫أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬رب أعلم مَن جاء بالدى‪ ,‬ومن هو ف‬‫ب واضحٍ عن الق‪.‬‬ ‫ذها ٍ‬ ‫ك الْ ِكتَا بُ إِلّ َرحْ َمةً مِ ْن َربّ كَ فَل تَكُونَنّ‬ ‫ت تَ ْرجُوا أَ نْ يُلْقَى ِإَليْ َ‬ ‫وَمَا كُن َ‬

‫َظهِيا لِلْكَافِرِينَ (‪)86‬‬

‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تؤمّل نزول القرآن عليك‪ ,‬لكن ال سبحانه‬ ‫وتعال رحك فأنزله عليك‪ ,‬فاشكر ل تعال على نِعَمه‪ ,‬ول تكوننّ عونًا‬ ‫لهل الشرك والضلل‪.‬‬ ‫ك وَل‬ ‫ت اللّ هِ بَ ْعدَ ِإذْ أُن ِزلَ تْ ِإَليْ كَ وَادْ عُ ِإلَى َربّ َ‬ ‫ك عَ ْن آيَا ِ‬ ‫وَل يَ صُ ّدنّ َ‬

‫تَكُونَنّ مِنْ الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)87‬‬

‫ول ي صرَفنّك هؤلء الشركون عن تبل يغ آيات ر بك وحج جه‪ ,‬ب عد أن‬ ‫‪1319‬‬

‫أنزلا إليك‪ ,‬وبلّغ رسالة ربك‪ ,‬ول تكونن من الشركي ف شيء‪.‬‬ ‫وَل َتدْ عُ مَ عَ اللّ هِ ِإلَها آخَ َر ل ِإلَ هَ إِلّ ُهوَ كُلّ شَ ْي ٍء هَالِ كٌ إِلّ َو ْجهَ هُ لَ هُ‬ ‫الْحُكْ ُم وَِإَليْهِ ُترْجَعُونَ (‪)88‬‬ ‫ول تع بد مع ال معبودًا أ خر; فل معبود ب ق إل ال‪ ,‬كل ش يء هالك‬ ‫وفا نٍ إل وج هه‪ ,‬له ال كم‪ ,‬وإل يه ترجعون من ب عد موت كم للح ساب‬ ‫والزاء‪ .‬وفم هذه اليمة إثبات صمفة الوجمه ل تعال كمما يليمق بكماله‬ ‫وعظمة جلله‪.‬‬

‫‪ -29‬سورة العنكبوت‬ ‫ال (‪)1‬‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ب النّاسُ َأنْ ُيْترَكُوا َأنْ يَقُولُوا آ َمنّا وَهُمْ ل يُ ْفَتنُونَ (‪)2‬‬ ‫أَ َحسِ َ‬ ‫‪1320‬‬

‫أظَنّ الناس إذ قالوا‪ :‬آمنا‪ ,‬أن ال يتركهم بل ابتلء ول اختبار؟‬ ‫َولَقَدْ َفَتنّا الّذِينَ مِ ْن َقبِْلهِ ْم فََليَ ْعلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا َوَليَعْلَمَنّ الْكَا ِذِبيَ (‬ ‫‪)3‬‬ ‫ولقد فتنّا الذين من قبلهم من المم واختبناهم‪ ,‬من أرسلنا إليهم رسلنا‪,‬‬ ‫فليعلمنّ ال علمًا ظاهرًا للخلق صمدق الصمادقي فم إيانمم‪ ،‬وكذب‬ ‫الكاذبي؛ ليميز كلّ فريق من الخر‪.‬‬ ‫سبِقُونَا سَاءَ مَا َيحْكُمُونَ (‪)4‬‬ ‫سّيئَاتِ َأنْ َي ْ‬ ‫أَمْ َحسِبَ الّذِينَ يَعْ َملُونَ ال ّ‬ ‫بل أظنّ الذ ين يعملون العا صي مِن شرك وغيه أن يعجزو نا‪ ,‬فيفوتو نا‬ ‫بأنفسهم فل نقدر عليهم؟ بئس حكمهم الذي يكمون به‪.‬‬ ‫مَ ْن كَانَ َيرْجُو لِقَاءَ الّلهِ َفِإنّ أَجَ َل الّلهِ لتٍ وَ ُهوَ السّمِيعُ الْعَلِي ُم (‪)5‬‬ ‫من كان يرجو لقاء ال‪ ,‬ويطمع ف ثوابه‪ ,‬فإن أجل ال الذي أجّله لبعث‬ ‫خلقه للجزاء والعقاب لتٍ قريبًا‪ ,‬وهو السميع للقوال‪ ,‬العليم بالفعال‪.‬‬

‫‪1321‬‬

‫سهِ ِإنّ الّلهَ لَ َغنِ ّي عَنْ الْعَالَ ِميَ (‪)6‬‬ ‫وَمَنْ جَاهَدَ َفِإنّمَا ُيجَاهِ ُد ِلنَفْ ِ‬ ‫و من جا هد ف سبيل إعلء كل مة ال تعال‪ ,‬وجا هد نف سه بمل ها على‬ ‫الطاعة‪ ,‬فإنا ياهد لنفسه؛ لنه يفعل ذلك ابتغاء الثواب على جهاده‪ .‬إن‬ ‫ال لغن عن أعمال جيع خلقه‪ ,‬له اللك واللق والمر‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫سمئَاتِهِ ْم وََلَنجْ ِزَيّنه ْ‬ ‫ُمم َّي‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّاِلحَاتِ َلنُكَفّرَنّ َعْنه ْ‬ ‫وَالّذ َ‬ ‫َأ ْحسَنَ الّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ‪)7‬‬ ‫والذين صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وعملوا الصالات لنمحونّ عنهم خطيئاتم‪,‬‬ ‫ولنثيبنّهم على أعمالم الصالة أحسن ما كانوا يعملون‪.‬‬ ‫ك بِ هِ‬ ‫صيْنَا ا ِلنْ سَانَ ِبوَالِ َديْ هِ حُ سْنا وَإِ نْ جَاهَدَا َك ِلُتشْرِ َك بِي مَا َليْسَ لَ َ‬ ‫َووَ ّ‬

‫عِلْ ٌم فَل تُطِ ْعهُمَا ِإلَيّ مَرْجِ ُعكُمْ فَُأَنّبئُكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)8‬‬

‫ووصينا النسان بوالديه أن يبها‪ ,‬ويسن إليهما بالقول والعمل‪ ,‬وإن‬ ‫جاهداك ‪-‬أيها النسان‪ -‬على أن تشرك معي ف عبادت‪ ,‬فل تتثل‬ ‫أمرها‪ .‬ويلحق بطلب الشراك بال‪ ,‬سائر العاصي‪ ,‬فل طاعة لخلوق‬ ‫كائنًا من كان ف معصية ال سبحانه‪ ,‬كما ثبت ذلك عن رسول ال‬ ‫‪1322‬‬

‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬إلّ مصيكم يوم القيامة‪ ,‬فأخبكم با كنتم‬ ‫تعملون ف الدنيا من صال العمال وسيئها‪ ,‬وأجازيكم عليها‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَاتِ َلنُدْ ِخَلّنهُمْ فِي الصّاِلحِيَ (‪)9‬‬ ‫والذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا الصالات من العمال‪ ,‬لندخلنهم‬ ‫النة ف جلة عباد ال الصالي‪.‬‬ ‫ي فِي اللّ هِ جَعَلَ ِفْتَنةَ النّا سِ‬ ‫وَمِ نْ النّا سِ مَ ْن يَقُولُ آ َمنّ ا بِاللّ هِ َفإِذَا أُوذِ َ‬ ‫صرٌ مِ ْن َربّ كَ َليَقُولُنّ ِإنّا ُكنّا مَعَكُ مْ َأ َوَليْ سَ اللّ هُ‬ ‫ب اللّ هِ َوَلئِ نْ جَاءَ نَ ْ‬ ‫كَعَذَا ِ‬ ‫بِأَعْلَ َم بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَ ِميَ (‪)10‬‬ ‫ومن الناس من يقول‪ :‬آمنا بال‪ ,‬فإذا آذاه الشركون جزع من عذابم‬ ‫وأذاهم‪ ,‬كما يزع من عذاب ال ول يصب على الذيّة منه‪ ,‬فارتدّ عن‬ ‫إيانه‪ ,‬ولئن جاء نصر من ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل اليان به ليقولَنّ‬ ‫هؤلء الرتدون عن إيانم‪ :‬إنّا كنا معكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ننصركم على‬ ‫أعدائكم‪ ,‬أوليس ال بأعلم من كل أحد با ف صدور جيع خلقه؟‬

‫‪1323‬‬

‫َوَليَعْلَمَنّ الّلهُ الّذِينَ آ َمنُوا َوَليَعْلَمَنّ الْ ُمنَافِ ِقيَ (‪)11‬‬ ‫وليعلمنّ ال علمًا ظاهرًا للخلق الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا‬ ‫بشرعه‪ ،‬وليعلمنّ النافقي; ليميز كل فريق من الخر‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا لِلّذِي نَ آ َمنُوا اّتبِعُوا َسبِيَلنَا وَْلَنحْمِلْ خَطَايَاكُ مْ وَمَا ُه مْ‬ ‫ِبحَامِِليَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَ ْيءٍ ِإّنهُمْ لَكَا ِذبُونَ (‪)12‬‬ ‫وقال الذين جحدوا وحدانية ال من قريش‪ ,‬ول يؤمنوا بوعيد ال‬ ‫ووعده‪ ,‬للذين صدّقوا ال منهم وعملوا بشرعه‪ :‬اتركوا دين ممد‪,‬‬ ‫واتبعوا ديننا‪ ,‬فإنا نتحمل آثام خطاياكم‪ ,‬وليسوا باملي من آثامهم من‬ ‫شيء‪ ,‬إنم لكاذبون فيما قالوا‪.‬‬ ‫َوَلَيحْمِلُنّ َأثْقَاَلهُ مْ وََأثْقَالً َم عَ َأثْقَاِلهِ مْ َوَليُ سْأَلُنّ َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ عَمّ ا كَانُوا‬ ‫يَ ْفتَرُونَ (‪)13‬‬ ‫وليحملَنّ هؤلء الشركون أوزار أنفسهم وآثامها‪ ,‬وأوزار مَن أضلوا‬ ‫وصدّوا عن سبيل ال مع أوزارهم‪ ,‬دون أن ينقص من أوزار تابعيهم‬ ‫شيء‪ ,‬وليُسألُنّ يوم القيامة عما كانوا يتلقونه من الكاذيب‪.‬‬ ‫‪1324‬‬

‫سيَ عَاما‬ ‫َولَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا نُوحا ِإلَى َقوْمِ هِ فََلِب ثَ فِيهِ مْ َألْ فَ َسَنةٍ إِلّ خَمْ ِ‬

‫فََأخَذَهُ ْم الطّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (‪)14‬‬

‫ولقد أرسلنا نوحًا إل قومه فمكث فيهم ألف سنة إل خسي عامًا‪,‬‬ ‫يدعوهم إل التوحيد وينهاهم عن الشرك‪ ,‬فلم يستجيبوا له‪ ,‬فأهلكهم‬ ‫ال بالطوفان‪ ,‬وهم ظالون لنفسهم بكفرهم وطغيانم‪.‬‬ ‫ب السّفِيَنةِ وَجَعَ ْلنَاهَا آَيةً لِلْعَالَ ِميَ (‪)15‬‬ ‫صحَا َ‬ ‫َفأَ َنْينَاهُ َوَأ ْ‬ ‫فأنينا نوحًا ومَن تبعه من كان معه ف السفينة‪ ,‬وجعلنا ذلك عبة وعظة‬ ‫للعالي‪.‬‬ ‫وَِإْبرَاهِي مَ إِ ْذ قَالَ لِ َقوْمِ هِ ا ْعبُدُوا اللّ هَ وَاتّقُو هُ َذلِكُ مْ َخيْرٌ لَكُ مْ إِ نْ ُكْنتُ مْ‬ ‫تَعْلَمُونَ (‪)16‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إبراهيم عليه السلم حي دعا قومه‪ :‬أن أخلصوا‬ ‫العبادة ل وحده‪ ,‬واتقوا سخطه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬ذلكم‬ ‫خي لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون ما هو خي لكم ما هو شر لكم‪.‬‬ ‫‪1325‬‬

‫ِإنّمَا تَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأ ْوثَانا َوتَخْلُقُو نَ إِفْكا ِإنّ الّذِي َن تَ ْعبُدُو نَ مِ ْن‬ ‫ق وَا ْعبُدُوهُ وَاشْكُرُوا‬ ‫دُونِ اللّهِ ل يَمِْلكُونَ لَ ُكمْ ِرزْقا فَاْبتَغُوا ِعنْ َد اللّهِ ال ّرزْ َ‬ ‫َلهُ ِإَلْيهِ تُرْجَعُونَ ( ‪)17‬‬ ‫ما تعبدون ‪-‬أيها القوم‪ -‬مِن دون ال إل أصنامًا‪ ,‬وتفترون كذبًا‬ ‫بتسميتكم إياها آلة‪ ,‬إنّ أوثانكم الت تعبدونا من دون ال ل تقدر أن‬ ‫ترزقكم شيئًا‪ ,‬فالتمسوا عند ال الرزق ل من عند أوثانكم‪ ,‬وأخلصوا له‬ ‫العبادة والشكر على رزقه إياكم‪ ,‬إل ال تُردّون من بعد ماتكم‪,‬‬ ‫فيجازيكم على ما عملتم‪.‬‬ ‫وَإِ نْ تُ َك ّذبُوا فَقَ ْد كَذّ بَ أُ َم مٌ مِ ْن َقبْلِ ُك مْ وَمَا عَلَى الرّ سُولِ إِ ّل اْلبَل غُ‬ ‫الْ ُمبِيُ (‪)18‬‬ ‫وإن تكذّبوا ‪ -‬أيها الناس‪ -‬رسولنا ممدًا صلى ال عليه وسلم فيما‬ ‫دعاكم إليه من عبادة ال وحده‪ ,‬فقد كذبت جاعات من قبلكم رسلها‬ ‫فيما دعتهم إليه من الق‪ ,‬فحل بم سخط ال‪ ,‬وما على الرّسول ممد‬ ‫إل أن يبلغكم عن ال رسالته البلغ الواضح‪ ,‬وقد فَعَل‪.‬‬

‫‪1326‬‬

‫َأوَلَ مْ يَ َروْا َكيْ فَ ُيْبدِئُ اللّ هُ الْخَلْ قَ ثُمّ يُعِيدُ هُ إِنّ َذلِ كَ َعلَى اللّ هِ يَ سِيٌ (‬ ‫‪)19‬‬ ‫أول يعلم هؤلء كيف ينشئ ال اللق من العدم‪ ,‬ث يعيده من بعد فنائه‪,‬‬ ‫كما بدأه أول مرة خلقًا جديدًا‪ ,‬ل يتعذر عليه ذلك؟ إن ذلك على ال‬ ‫يسي‪ ,‬كما كان يسيًا عليه إنشاؤه‪.‬‬ ‫ف بَدََأ اْلخَلْ قَ ثُمّ اللّ هُ يُنشِئُ الّنشْأَةَ‬ ‫ض فَانْظُرُوا َكيْ َ‬ ‫قُ ْل سِيُوا فِي ا َلرْ ِ‬ ‫الخِرَةَ ِإنّ الّلهَ عَلَى كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)20‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لنكري البعث بعد المات‪ :‬سيوا ف الرض‪,‬‬ ‫فانظروا كيف أنشأ ال اللق‪ ,‬ول يتعذر عليه إنشاؤه مبتدَأً؟ فكذلك ل‬ ‫يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الخرة‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪ ,‬ل‬ ‫يعجزه شيء أراده‪.‬‬ ‫يُ َعذّبُ مَنْ َيشَاءُ َويَ ْرحَ ُم مَنْ َيشَاءُ وَِإَليْهِ تُ ْقَلبُونَ (‪)21‬‬

‫‪1327‬‬

‫يعذب مَن يشاء مِن خلقه على ما أسلف مِن جرمه ف أيام حياته‪,‬‬ ‫ويرحم مَن يشاء منهم من تاب وآمن وعمل صالًا‪ ,‬وإليه ترجعون‪,‬‬ ‫فيجازيكم با عملتم‪.‬‬ ‫وَمَا َأْنتُمْ بِ ُم ْعجِزِينَ فِي الَرْضِ وَل فِي السّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ‬ ‫َولِيّ وَل نَصِيٍ (‪)22‬‬ ‫وما أنتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬بعجزي ال ف الرض ول ف السماء إن‬ ‫عصيتموه‪ ,‬وما كان لكم من دون ال مِن ولّ يلي أموركم‪ ,‬ول نصي‬ ‫ينصركم من ال إن أراد بكم سوءًا‪.‬‬ ‫ت اللّ هِ َولِقَائِ هِ ُأ ْوَلئِ كَ َيئِ سُوا مِ نْ رَ ْح َمتِي وَُأ ْوَلئِ كَ َلهُ مْ‬ ‫وَالّذِي نَ كَفَرُوا بِآيَا ِ‬ ‫عَذَابٌ َألِيمٌ (‪)23‬‬ ‫والذين جحدوا حُجج ال وأنكروا أدلته‪ ,‬ولقاءه يوم القيامة‪ ,‬أولئك ليس‬ ‫لم مطمع ف رحت لَمّا عاينوا ما أُعِ ّد لم من العذاب‪ ,‬وأولئك لم‬ ‫عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫‪1328‬‬

‫َفمَا كَا نَ َجوَا بَ َقوْمِ هِ إِلّ أَ ْن قَالُوا ا ْقتُلُو هُ َأوْ حَرّقُو هُ فَأَنَا هُ اللّ هُ مِ نْ النّارِ‬ ‫ك ليَاتٍ لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)24‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫فلم يكن جواب قوم إبراهيم له إل أن قال بعضهم لبعض‪ :‬اقتلوه أو‬ ‫حرّقوه بالنار‪ ,‬فألقوه فيها‪ ,‬فأناه ال منها‪ ,‬وجعلها عليه بردًا وسلمًا‪,‬‬ ‫إن ف إنائنا لبراهيم من النار لدلة وحججًا لقوم يصدّقون ال‬ ‫ويعملون بشرعه‪.‬‬ ‫وَقَالَ ِإنّمَا اّتخَ ْذتُ مْ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأ ْوثَانا َموَدّةَ َبْينِ ُك مْ فِي اْلحَيَاةِ ال ّدْنيَا ثُمّ‬ ‫َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ يَكْفُ ُر بَعْضُكُ مْ ِببَعْ ضٍ ثُمّ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ يَكْ ُفرُ بَعْضُ ُك ْم ِببَعْ ضٍ‬ ‫َويَلْعَنُ بَعْضُكُ ْم بَعْضا وَمَ ْأوَاكُ ْم النّارُ وَمَا لَكُمْ مِ ْن نَاصِرِينَ (‪)25‬‬ ‫وقال إبراهيم لقومه‪ :‬يا قوم إنا عبدت من دون ال آلة باطلة‪ ,‬اتذتوها‬ ‫مودة بينكم ف الياة الدنيا‪ ,‬تتحابون على عبادتا‪ ,‬وتتوادون على‬ ‫خدمتها‪ ,‬ث يوم القيامة‪ ,‬يتبأ بعضكم من بعض‪ ,‬ويلعن بعضكم بعضًا‪,‬‬ ‫ومصيكم جيعًا النار‪ ,‬وليس لكم ناصر ينعكم من دخولا‪.‬‬ ‫فَآمَنَ َلهُ لُوطٌ وَقَالَ ِإنّي ُمهَا ِجرٌ ِإلَى َربّي ِإّن ُه ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)26‬‬ ‫‪1329‬‬

‫فصدّق لوطٌ إبراهي َم وتبع ملته‪ .‬وقال إبراهيم‪ :‬إن تارك دار قومي إل‬ ‫الرض الباركة وهي "الشام"‪ ،‬إن ال هو العزيز الذي ل يُغَالَب‪ ,‬الكيم‬ ‫ف تدبيه‪.‬‬ ‫ب وَجَعَلْنَا فِي ُذ ّرّيتِ هِ الّنُبوّةَ وَالْ ِكتَا بَ وَآَتْينَا هُ‬ ‫َووَ َهبْنَا لَ هُ إِ ْسحَقَ َويَعْقُو َ‬ ‫حيَ (‪)27‬‬ ‫َأجْرَهُ فِي ال ّدْنيَا وَِإّنهُ فِي ال ِخرَةِ لَمِنْ الصّاِل ِ‬ ‫ووهبنا له إسحاق ولدًا‪ ,‬ويعقوب من بعده َولَدَ َولَدٍ‪ ,‬وجعلنا ف ذريته‬ ‫النبياء والكتب‪ ,‬وأعطيناه ثواب بلئه فينا‪ ,‬ف الدنيا الذكر السن‬ ‫والولد الصال‪ ,‬وإنه ف الخرة لن الصالي‪.‬‬ ‫شةَ مَا َسبَقَ ُكمْ بِهَا مِ نْ أَ َحدٍ مِ نْ‬ ‫َولُوطا ِإذْ قَالَ لِ َقوْمِ هِ ِإنّكُ مْ َلتَ ْأتُو نَ الْفَا ِح َ‬ ‫سبِيلَ َوتَ ْأتُو نَ فِي‬ ‫الْعَالَمِيَ (‪َ )28‬أِئنّكُ مْ َلتَ ْأتُو نَ الرّجَالَ َوتَقْطَعُو نَ ال ّ‬ ‫نَادِيكُ مْ الْمُنكَ َر فَمَا كَا نَ َجوَا بَ َقوْمِ هِ إِلّ أَ نْ قَالُوا اْئتِنَا بِعَذَا بِ اللّ هِ إِ نْ‬ ‫ي (‪)29‬‬ ‫كُنتَ مِنْ الصّادِِق َ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لوطًا حي قال لقومه‪ :‬إنكم لتأتون الفعلة‬ ‫القبيحة‪ ,‬ما تَقَدّمكم بفعلها أحد من العالي‪ ,‬أإنكم لتأتون الرجال ف‬ ‫أدبارهم‪ ,‬وتقطعون على السافرين طرقهم بفعلكم البيث‪ ,‬وتأتون ف‬ ‫‪1330‬‬

‫مالسكم العمال النكرة كالسخرية من الناس‪ ,‬وحذف الارة‪ ,‬وإيذائهم‬ ‫با ل يليق من القوال والفعال؟ وف هذا إعلم بأنه ل يوز أن يتمع‬ ‫الناس على النكر ما نى ال ورسوله عنه‪ .‬فلم يكن جواب قوم لوط له‬ ‫إل أن قالوا‪ :‬جئنا بعذاب ال إن كنت من الصادقي فيما تقول‪,‬‬ ‫والنجزين لا تَعِد‪.‬‬ ‫قَالَ َربّ انصُ ْرنِي عَلَى الْ َقوْمِ الْمُ ْفسِدِينَ (‪)30‬‬ ‫قال‪ :‬رب انصرن على القوم الفسدين بإنزال العذاب عليهم; حيث‬ ‫ابتدعوا الفاحشة وأصرّوا عليها‪ ,‬فاستجاب ال دعاءه‪.‬‬ ‫ت رُسُُلنَا ِإبْرَاهِيمَ بِاْلُبشْرَى قَالُوا ِإنّا ُمهْلِكُو أَهْلِ َهذِهِ الْقَ ْرَيةِ ِإنّ‬ ‫َولَمّا جَاءَ ْ‬ ‫أَهَْلهَا كَانُوا ظَالِ ِميَ ( ‪)31‬‬ ‫ولا جاءت اللئكة إبراهيم بالب السارّ من ال بإسحاق‪ ,‬ومن وراء‬ ‫إسحاق ولده يعقوب‪ ,‬قالت اللئكة لبراهيم‪ :‬إنا مهلكو أهل قرية قوم‬ ‫لوط‪ ,‬وهي "سدوم"; إنّ أهلها كانوا ظالي أنفسهم بعصيتهم ل‪.‬‬

‫‪1331‬‬

‫جَينّ هُ وَأَهْلَ هُ إِلّ امْ َرَأتَ هُ‬ ‫قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطا قَالُوا َنحْ نُ أَعَْل مُ بِمَ ْن فِيهَا َلُننَ ّ‬ ‫كَانَتْ مِ ْن الْغَابِرِينَ (‪)32‬‬ ‫قال إبراهيم للملئكة‪ :‬إ ّن فيها لوطًا وليس من الظالي‪ ,‬فقالت اللئكة‬ ‫له‪ :‬نن أعلم بن فيها‪ ,‬لننجّينّه وأهله من اللك الذي سينل بأهل قريته‬ ‫إل امرأته كانت من الباقي الالكي‪.‬‬ ‫ق ِبهِمْ َذرْعا وَقَالُوا ل َتخَفْ‬ ‫َولَمّا َأنْ جَاءَتْ رُ ُسُلنَا لُوطا سِيءَ ِبهِمْ َوضَا َ‬ ‫ت مِنْ الْغَابِرِينَ (‪)33‬‬ ‫وَل َتحْ َزنْ ِإنّا ُمَنجّوكَ وَأَهَْلكَ إِلّ امْ َرَأتَكَ كَانَ ْ‬ ‫ولا جاءت اللئكة لوطًا ساءه ذلك; لنه ظنهم ضيوفًا من البشر‪,‬‬ ‫وحزن بسبب وجودهم; لعلمه خبث فعل قومه‪ ,‬وقالوا له‪ :‬ل َتخَفْ‬ ‫علينا لن يصل إلينا قومك‪ ,‬ول تزن ما أخبناك مِن أنا مهلكوهم‪ ,‬إنّا‬ ‫منجّوك من العذاب النازل بقومك ومنجّو أهلك معك إل أمرأتك‪ ,‬فإنا‬ ‫هالكة فيمن يهلك مِن قومها‪.‬‬ ‫ِإنّا مُ ِنلُو نَ عَلَى أَهْ ِل هَذِ ِه الْقَ ْرَيةِ رِجْزا مِ ْن ال سّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْ سُقُونَ (‬ ‫‪)34‬‬ ‫‪1332‬‬

‫إنا منلون على أهل هذه القرية عذابًا من السماء; بسبب معصيتهم ل‬ ‫وارتكابم الفاحشة‪.‬‬ ‫َولَقَد َترَ ْكنَا ِمْنهَا آَيةً َبّيَنةً لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)35‬‬ ‫ولقد أبقينا مِن ديار قوم لوط آثارًا بينة لقوم يعقلون العب‪ ,‬فينتفعون با‪.‬‬ ‫وَِإلَى مَ ْديَ نَ َأخَاهُ مْ شُ َعيْبا فَقَالَ يَا َقوْ مِ ا ْعبُدُوا اللّ هَ وَارْجُوا اْلَيوْ مَ الخِرَ‬ ‫وَل تَ ْعَثوْا فِي ا َلرْضِ مُ ْفسِدِينَ (‪)36‬‬ ‫وأرسلنا إل "مدين" أخاهم شعيبًا‪ ,‬فقال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪,‬‬ ‫وأخلصوا له العبادة‪ ,‬ما لكم من إله غيه‪ ,‬وارجوا بعبادتكم جزاء اليوم‬ ‫الخر‪ ,‬ول تكثروا ف الرض الفساد والعاصي‪ ,‬ول تقيموا عليها‪,‬‬ ‫ولكن توبوا إل ال منها وأنيبوا‪.‬‬ ‫صبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِ ِميَ (‪)37‬‬ ‫َفكَ ّذبُوهُ فََأخَ َذْتهُمْ الرّجْ َفةُ َفَأ ْ‬ ‫فكذّب أهل "مدين" شعيبًا فيما جاءهم به عن ال من الرسالة‪ ,‬فأخذتم‬ ‫صرْعى هالكي‪.‬‬ ‫الزلزلة الشديدة‪ ,‬فأصبحوا ف دارهم َ‬ ‫‪1333‬‬

‫شيْطَا نُ أَعْمَالَهُ مْ‬ ‫وَعَادا َوثَمُودَ وََقدْ َتَبيّ نَ لَكُ ْم مِ نْ مَ سَا ِكِنهِمْ َو َزيّ نَ لَهُ ْم ال ّ‬

‫سَتبْصِرِينَ (‪)38‬‬ ‫سبِيلِ وَكَانُوا ُم ْ‬ ‫فَصَدّ ُهمْ عَنْ ال ّ‬

‫وأهلكنا عادًا وثود‪ ,‬وقد تبي لكم من مساكنهم خَرابُها وخلؤها‬ ‫منهم‪ ,‬وحلول نقمتنا بم جيعًا‪ ,‬وحسّن لم الشيطان أعمالم القبيحة‪,‬‬ ‫فصدّهم عن سبيل ال وعن طريق اليان به وبرسله‪ ,‬وكانوا مستبصرين‬ ‫ف كفرهم وضللم‪ ,‬معجبي به‪ ,‬يسبون أنم على هدى وصواب‪,‬‬ ‫بينما هم ف الضلل غارقون‪.‬‬ ‫وَقَارُو نَ وَِفرْ َعوْ نَ وَهَامَا نَ َولَقَدْ جَاءَهُ ْم مُو سَى بِاْلَبّينَا تِ فَا ْستَ ْكبَرُوا فِي‬

‫ا َلرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِيَ (‪)39‬‬

‫وأهلكنا قارون وفرعون وهامان‪ ,‬ولقد جاءهم جيعًا موسى بالدلة‬ ‫الواضحة‪ ,‬فتعاظموا ف الرض‪ ,‬واستكبوا فيها‪ ,‬ول يكونوا ليفوتوننا‪,‬‬ ‫بل كنا مقتدرين عليهم‪.‬‬ ‫َفكُلّ أَ َخذْنَا بِ َذْنبِ هِ َف ِمْنهُ ْم مَ نْ َأرْ َس ْلنَا عََليْ هِ حَا صِبا وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ أَ َخ َذتْ ُه‬ ‫صْيحَةُ وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ خَ سَ ْفنَا بِ ِه الَرْ ضَ وَ ِمْنهُ مْ‬ ‫صْيحَةُ وَ ِمْنهُ مْ مَ نْ َأخَ َذتْ هُ ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫‪1334‬‬

‫سهُمْ يَظْلِمُونَ (‪)40‬‬ ‫مَنْ أَ ْغرَ ْقنَا وَمَا كَانَ الّلهُ ِليَظْلِ َمهُ ْم َولَكِنْ كَانُوا َأنْ ُف َ‬ ‫فأخذنا كل من هؤلء الذكورين بعذابنا بسبب ذنبه‪ :‬فمنهم الذين‬ ‫أرسلنا عليهم حجارة من طي منضود‪ ,‬وهم قوم لوط‪ ,‬ومنهم مَن أخذته‬ ‫الصيحة‪ ,‬وهم قوم صال وقوم شعيب‪ ,‬ومنهم مَن خسفنا به الرض‬ ‫كقارون‪ ,‬ومنهم مَن أغرقنا‪ ,‬وهم قومُ نوح وفرعونُ وقومُه‪ ,‬ول يكن ال‬ ‫ليهلك هؤلء بذنوب غيهم‪ ,‬فيظلمهم بإهلكه إياهم بغي استحقاق‪,‬‬ ‫ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم ف نِعَم ربم وعبادتم غيه‪.‬‬ ‫ت َبيْتا‬ ‫َمثَ ُل الّذِي نَ اّتخَذُوا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأ ْولِيَاءَ كَ َمثَلِ الْعَن َكبُو تِ اّتخَذَ ْ‬ ‫ت لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (‪)41‬‬ ‫وَِإنّ َأوْهَنَ اْلُبيُوتِ َلَبيْتُ الْ َعنْ َكبُو ِ‬ ‫مثل الذين جعلوا الوثان من دون ال أولياء يرجون نصرها‪ ,‬كمثل‬ ‫العنكبوت الت عملت بيتًا لنفسها ليحفظها‪ ,‬فلم يُغن عنها شيئًا عند‬ ‫حاجتها إليه‪ ,‬فكذلك هؤلء الشركون ل يُغْن عنهم أولياؤهم الذين‬ ‫اتذوهم من دون ال شيئًا‪ ,‬وإن أضعف البيوت لَبيت العنكبوت‪ ,‬لو‬ ‫كانوا يعلمون ذلك ما اتذوهم أولياء‪ ,‬فهم ل ينفعونم ول يضرونم‪.‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ يَ ْعلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُوِنهِ مِنْ شَ ْي ٍء وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)42‬‬ ‫‪1335‬‬

‫إن ال يعلم ما يشركون به من النداد‪ ,‬وأنا ليست بشيء ف القيقة‪,‬‬ ‫بل هي مرد أساء سَمّوها‪ ,‬ل تنفع ول تضر‪ .‬وهو العزيز ف انتقامه من‬ ‫كفر به‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬ ‫ك الَ ْمثَالُ نَضْ ِرُبهَا لِلنّاسِ وَمَا يَ ْعقُِلهَا إِلّ الْعَالِمُونَ (‪)43‬‬ ‫َوتِلْ َ‬ ‫وهذه المثال نضربا للناس; لينتفعوا با ويتعلموا منها‪ ,‬وما يعقلها إل‬ ‫العالون بال وآياته وشرعه‪.‬‬ ‫ك لَيةً لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)44‬‬ ‫ت وَالَرْضَ بِاْلحَقّ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫خَلَقَ الّلهُ السّ َموَا ِ‬ ‫خلق ال السموات والرض بالعدل والقسط‪ ,‬إن ف خلقه ذلك لدللة‬ ‫ص الؤمني؛ لنم الذين‬ ‫عظيمة على قدرته‪ ،‬وتفرده باللية‪ ،‬وخَ ّ‬ ‫ينتفعون بذلك‪.‬‬ ‫ب وَأَِق مْ ال صّلةَ إِنّ ال صّل َة َتنْهَى عَ نْ‬ ‫اتْلُ مَا أُوحِ يَ ِإَليْ كَ مِ نْ الْ ِكتَا ِ‬ ‫صنَعُونَ (‪)45‬‬ ‫حشَاءِ وَالْ ُمنْكَ ِر وَلَذِ ْكرُ الّلهِ أَ ْكبَ ُر وَالّلهُ يَعَْلمُ مَا تَ ْ‬ ‫الْفَ ْ‬

‫‪1336‬‬

‫اتل ما أُنزل إليك من هذا القرآن‪ ,‬واعمل به‪ ,‬وأدّ الصلة بدودها‪ ,‬إن‬ ‫الحافظة على الصلة تنهى صاحبها عن الوقوع ف العاصي والنكرات;‬ ‫وذلك لن القيم لا‪ ,‬التمم لركانا وشروطها‪ ,‬يستني قلبه‪ ,‬ويزداد‬ ‫إيانه‪ ,‬وتقوى رغبته ف الي‪ ,‬وتقل أو تنعدم رغبته ف الشر‪ ,‬ولَذكر ال‬ ‫ف الصلة وغيها أعظم وأكب وأفضل من كل شيء‪ .‬وال يعلم ما‬ ‫تصنعون مِن خيٍ وشر‪ ,‬فيجازيكم على ذلك أكمل الزاء وأوفاه‪.‬‬

‫‪1337‬‬

‫الزء الادي والعشرون ‪:‬‬ ‫وَل ُتجَادِلُوا أَهْ َل الْ ِكتَا بِ إِ ّل بِالّتِي هِ يَ أَحْ سَنُ إِلّ الّذِي نَ ظَلَمُوا ِمْنهُم ْم‬ ‫وَقُولُوا آ َمنّا بِالّذِي ُأنْزِلَ ِإَلْينَا وَُأنْزِلَ ِإَليْكُ مْ وَِإَل ُهنَا وَِإلَهُكُ ْم وَاحِ ٌد َوَنحْ نُ لَ هُ‬ ‫ُمسْلِمُونَ (‪)46‬‬

‫ول تجادلوا ‪-‬أيهسا المؤمنون‪ -‬اليهو َد والنصسارى إل بالسسلوب‬ ‫الحسسسن‪ ,‬والقول الجميسسل‪ ,‬والدعوة إلى الحسسق بأيسسسر طريسسق‬ ‫موصسسسل لذلك‪ ,‬إل الذيسسسن حادوا عسسسن وجسسسه الحسسسق وعاندوا‬ ‫وكابروا وأعلنوا الحرب عليكسسسم فجالدوهسسسم بالسسسسيف حتسسسى‬ ‫يؤمنوا‪ ,‬أو يعطوا الجزية عن ي ٍد وهم صاغرون‪ ,‬وقولوا‪ :‬آمنا‬ ‫بالقرآن الذي أُنزل إلينسا‪ ,‬وآمنسا بالتوراة والنجيسل الل َذيْن أُنزل‬ ‫إليكسم‪ ,‬وإلهنسا وإلهكسم واحسد ل شريسك له فسي ألوهيتسه‪ ,‬ول فسي‬ ‫ربوبيتسسسه‪ ,‬ول فسسسي أسسسسمائه وصسسسفاته‪ ,‬ونحسسسن له خاضعون‬ ‫متذللون بالطاعة فيما أمرنا به‪ ,‬ونهانا عنه‪.‬‬ ‫ب ُيؤْ ِمنُو نَ بِ هِ وَمِ نْ‬ ‫ب فَالّذِي نَ آَتْينَاهُ مْ الْ ِكتَا َ‬ ‫وَكَ َذلِ كَ َأنْ َزلْنَا ِإَليْ كَ الْ ِكتَا َ‬ ‫جحَدُ بِآيَاِتنَا إِ ّل الْكَافِرُونَ (‪)47‬‬ ‫َهؤُلء مَنْ ُيؤْمِنُ ِبهِ وَمَا َي ْ‬ ‫‪1338‬‬

‫وكمسا أنزلنسا ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬الكتسب على مَن قبلك مسن الرسسل‪,‬‬ ‫أنزلنا إليك هذا الكتاب المصدق للكتب السابقة‪ ,‬فالذين آتيناهم‬ ‫الكتاب من بني إسرائيل فعرفوه حق معرفته يؤمنون بالقرآن‪,‬‬ ‫ومِن هؤلء العرب مسسن قريسسش وغيرهسسم مَن يؤمسسن بسسه‪ ,‬ول‬ ‫ينكر القرآن أو يتشكك في دلئله وبراهينه البينة إل الكافرون‬ ‫الذين دَ ْأبُهم الجحود والعناد‪.‬‬ ‫وَمَا ُكنْتَمَتتْلُو مِن ْم َقبْلِهِم مِن ْم ِكتَابٍم وَل َتخُطّهُمِبيَمِينِكَمإِذا ل ْرتَابَم‬

‫الْ ُمبْطِلُونَ (‪)48‬‬

‫مسسن معجزاتسسك البينسسة ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬أنسسك لم تقرأ كتابًا ولم‬ ‫تكتسب حروفًا بيمينسك قبسل نزول القرآن عليسك‪ ,‬وهسم يعرفون‬ ‫ذلك‪ ,‬ولو كنت قارئًا أو كاتبًا من قبل أن يوحى إليك لشك في‬ ‫ذلك المبطلون‪ ,‬وقالوا‪ :‬تعلّمسه مسن الكتسب السسابقة أو اسستنسخه‬ ‫منها‪.‬‬ ‫ت فِي صُدُورِ الّذِي نَ أُوتُوا الْعِلْ مَ وَمَا َيجْحَ ُد بِآيَاتِنَا إِلّ‬ ‫ت َبّينَا ٌ‬ ‫بَلْ ُه َو آيَا ٌ‬

‫الظّالِمُونَ (‪)49‬‬

‫بسل القرآن آيات بينات واضحسة فسي الدللة على الحسق يحفظسه‬ ‫العلماء‪ ,‬ومسسسا يكذّب بآياتنسسسا ويردهسسسا إل الظالمون المعاندون‬ ‫الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه‪.‬‬ ‫‪1339‬‬

‫ت ِعنْ َد اللّ هِ وَِإنّمَا َأنَا‬ ‫وَقَالُوا َلوْل ُأنْزِلَ عََليْ هِ آيَا تٌ مِ نْ َربّ هِ قُلْ ِإنّمَا اليَا ُ‬

‫نَذِي ٌر ُمِبيٌ (‪)50‬‬

‫وقال المشركون‪ :‬هل أُنزل على محمد دلئل وحجج من ربه‬ ‫نشاهدهسا كناقسة صسالح‪ ,‬وعصسا موسسى! قسل لهسم‪ :‬إن أمسر هذه‬ ‫اليات ل‪ ,‬إن شاء أنزلها‪ ,‬وإن شاء منعها‪ ,‬وإنما أنا لكم نذير‬ ‫أحذركم شدة بأسه وعقابه‪ ,‬مبيّن طريق الحق من الباطل‪.‬‬ ‫ك لَرَحْ َمةً‬ ‫َأوَلَ ْم يَكْ ِفهِ مْ َأنّ ا َأنْ َزلْنَا عََلْي كَ الْ ِكتَا بَ ُيتْلَى عََلْيهِ مْ إِنّ فِي َذلِ َ‬ ‫وَذِكْرَى لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)51‬‬ ‫أولم يكسسسف هؤلء المشركيسسسن فسسسي علمهسسسم بصسسسدقك ‪-‬أيهسسسا‬ ‫الرسسسول‪ -‬أنّاسس أنزلنسسا عليسسك القرآن يتلى عليهسسم؟ إن فسسي هذا‬ ‫القرآن لَرحمة للمؤمنين في الدنيا والخرة‪ ,‬وذكرى يتذكرون‬ ‫بما فيه من عبرة وعظة‪.‬‬ ‫قُ ْل كَفَى بِاللّ هِ َبيْنِي َوَبْينَكُ مْ َشهِيدا يَعَْل ُم مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ‬ ‫وَالّذِينَ آ َمنُوا بِاْلبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِالّلهِ ُأ ْوَلئِكَ ُهمْ اْلخَا ِسرُونَ (‪)52‬‬ ‫قسل‪ :‬كفسى بال بينسي وبينكسم شاهدًا على صسدقي أنسي رسسوله‪,‬‬ ‫وعلى تكذيبكسم لي وردكسم الحسق الذي جئتُس بسه مسن عنسد ال‪,‬‬ ‫‪1340‬‬

‫يعلم مسا فسي السسموات والرض‪ ,‬فل يخفسى عليسه شيسء فيهمسا‪.‬‬ ‫والذين آمنوا بالباطل وكفروا بال ‪-‬مع هذه الدلئل الواضحة‪-‬‬ ‫أولئك هم الخاسرون في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ب َوَليَ ْأِتيَّنهُ مْ‬ ‫َويَ سْتَ ْعجِلُونَكَ بِالْعَذَا بِ َوَلوْل أَجَ ٌل مُ سَمّى َلجَاءَهُ مْ الْعَذَا ُ‬ ‫بَ ْغَتةً وَهُمْ ل َيشْعُرُونَ (‪)53‬‬ ‫ويسسسستعجلك ‪-‬أيهسسسا الرسسسسول‪ -‬هؤلء المشركون مسسسن قومسسسك‬ ‫بالعذاب استهزاء‪ ,‬ولول أن ال جعل لعذابهم في الدنيا وقتًا ل‬ ‫يتقدم ول يتأخسر‪ ,‬لجاءهسم العذاب حيسن طلبوه‪ ,‬وليأتينهسم فجأة‪,‬‬ ‫وهم ل يشعرون به ول يُحِسّون‪.‬‬ ‫ستَ ْعجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَِإنّ َج َهنّ َم لَ ُمحِي َطةٌ بِالْكَاِفرِينَ (‪)54‬‬ ‫َي ْ‬ ‫يسستعجلونك بالعذاب فسي الدنيسا‪ ,‬وهسو آتيهسم ل محالة إمّاس فسي‬ ‫الدنيسا وإمسا فسي الخرة‪ ,‬وإن عذاب جهنسم فسي الخرة لمحيسط‬ ‫بهم‪ ,‬ل مفرّ لهم منه‪.‬‬ ‫ب مِ نْ َفوِْقهِ ْم وَمِ نْ َتحْ تِ َأرْجُِلهِ مْ َويَقُولُ ذُوقُوا مَا‬ ‫َيوْ مَ يَ ْغشَاهُ ْم الْعَذَا ُ‬ ‫ُكْنتُمْ تَ ْعمَلُونَ (‪)55‬‬ ‫‪1341‬‬

‫يوم القيامسة يغشسى الكافريسن عذاب جهنسم مسن فوق رؤوسسهم‪,‬‬ ‫ومِن تحست أقدامهسم‪ ,‬فالنار تغشاهسم مسن سسائر جهاتهسم‪ ,‬ويقول‬ ‫ال لهسم حينئذ‪ :‬ذوقوا جزاء مسا كنتسم تعملونسه فسي الدنيسا‪ :‬مسن‬ ‫الشراك بال‪ ,‬وارتكاب الجرائم والثام‪.‬‬ ‫ي فَا ْعبُدُونِ (‪)56‬‬ ‫يَا ِعبَادِي الّذِينَ آ َمنُوا ِإنّ َأ ْرضِي وَاسِ َعةٌ َفِإيّا َ‬ ‫يسا عبادي الذيسن آمنوا إن كنتسم فسي ضيسق مسن إظهار اليمان‬ ‫وعبادة ال وحده‪ ,‬فهاجِروا إلى أرض ال الواسسعة‪ ,‬وأخلصسوا‬ ‫العبادة لي وحدي‪.‬‬ ‫كُلّ نَ ْفسٍ ذَائِ َقةُ الْ َموْتِ ُثمّ ِإَلْينَا تُ ْرجَعُونَ (‪)57‬‬ ‫كسسل نفسسس حيسسه ذائقسسة الموت‪ ,‬ثسسم إلينسسا ترجعون للحسسساب‬ ‫والجزاء‪.‬‬ ‫جّنةِ غُرَفا َتجْرِي مِن ْم‬ ‫وَالّذِينَم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّاِلحَاتِ َلُنَب ّوَئنّهُم ْم مِن ْم الْ َ‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي َن فِيهَا نِعْمَ أَ ْجرُ الْعَامِِليَ (‪)58‬‬ ‫َت ْ‬ ‫والذيسسسن صسسسدّقوا بال ورسسسسوله وعملوا مسسسا أُمروا بسسسه مسسسن‬ ‫الصسالحات لننزلنّهسم مسن الجنسة غرفًا عاليسة تجري مسن تحتهسا‬ ‫‪1342‬‬

‫النهار‪ ،‬ماكثيسن فيهسا أبدًا‪ ,‬نِعْمَس جزاء العامليسن بطاعسة ال هذه‬ ‫الغرف في جنات النعيم‪.‬‬ ‫صبَرُوا وَعَلَى َرّبهِمْ َيَتوَكّلُونَ (‪)59‬‬ ‫الّذِينَ َ‬ ‫إن تلك الجنات المذكورة للمؤمنيسن الذيسن صسبروا على عبادة‬ ‫ال‪ ,‬وتمسسكوا بدينهسم‪ ,‬وعلى ال يعتمدون فسي أرزاقهسم وجهاد‬ ‫أعدائهم‪.‬‬ ‫وَكََأيّن مِ نْ دَاّبةٍ ل َتحْمِلُ ِرزَْقهَا اللّ هُ يَ ْرزُُقهَا وَِإيّاكُ مْ وَ ُهوَ ال سّمِي ُع الْعَلِي مُ‬ ‫(‪)60‬‬ ‫وكسم مسن دابسة ل تدّخسر غذاءهسا لغسد‪ ,‬كمسا يفعسل ابسن آدم‪ ,‬فال‬ ‫سسبحانه وتعالى يرزفهسا كمسا يرزقكسم‪ ,‬وهسو السسميع لقوالكسم‪,‬‬ ‫العليم بأفعالكم وخطرات قلوبكم‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْضَم وَسَمخّ َر الشّمْسَم وَالْقَمَرَ‬ ‫َوَلئِن ْم سَمَأْلَتهُمْ مَن ْم خَلَقَم السّمَموَا ِ‬ ‫َليَقُولُنّ الّلهُ فََأنّا ُيؤْفَكُونَ ( ‪)61‬‬ ‫ولئن سسسسألت ‪-‬أيهسسسا الرسسسسول‪ -‬المشركيسسسن‪ :‬مسسسن الذي خلق‬ ‫السسسسموات والرض على هذا النظام البديسسسع‪ ,‬وذلّل الشمسسسس‬ ‫والقمسسر؟ ليقولُنّس‪ :‬خلقهسسن ال وحده‪ ,‬فكيسسف يصسسرفون عسسن‬ ‫‪1343‬‬

‫اليمان بال خالق كسسل شيسسء ومدبره‪ ,‬ويعبدون معسسه غيره؟‬ ‫فاعجب من إفكهم وكذبهم!!‬ ‫اللّهُ َيبْسُطُ ال ّرزْقَ لِمَ ْن َيشَاءُ مِنْ ِعبَادِهِ َويَقْ ِدرُ لَهُ ِإنّ اللّهَ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِيمٌ‬ ‫(‪)62‬‬ ‫ال سبحانه وتعالى يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه‪ ,‬ويضيق‬ ‫على آخريسن منهسم; لعلمسه بمسا يصسلح عباده‪ ,‬إن ال بكسل شيسء‬ ‫من أحوالكم وأموركم عليم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬ ‫َوَلئِ نْ سََأْلَتهُمْ مَ نْ َنزّلَ مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً فَأَ ْحيَا بِ ِه الَرْ ضَ مِ نْ بَعْ ِد َم ْوِتهَا‬

‫َليَقُولُنّ الّلهُ قُلْ اْلحَمْدُ لِّلهِ بَلْ أَ ْكثَرُهُ ْم ل يَعْ ِقلُونَ ( ‪)63‬‬

‫ولئن سسسألت ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬المشركيسسن‪ :‬مَن سِ الذي نزّل مسسن‬ ‫السسحاب ماء فأنبست بسه الرض مسن بعسد جفافهسا؟ ليقولُنّ لك‬ ‫معترفيسسن‪ :‬ال وحده هسسو الذي نزّل ذلك‪ ,‬قسسل‪ :‬الحمسسد ل الذي‬ ‫أظهسر حجتسك عليهسم‪ ,‬بسل أكثرهسم ل يعقلون مسا ينفعهسم ول مسا‬ ‫عقَلوا ما أشركوا مع ال غيره‪.‬‬ ‫يضرهم‪ ,‬ولو َ‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا إِلّ َل ْهوٌ وَلَعِ بٌ وَِإنّ الدّارَ الخِرَ َة لَهِ يَ اْلحََيوَا نُ َلوْ‬ ‫وَمَا هَذِ هِ الْ َ‬ ‫كَانُوا يَعَْلمُونَ (‪)64‬‬ ‫‪1344‬‬

‫وما هذه الياة الدنيا إل لو ولعب‪ ,‬تلهو با القلوب وتلعب با البدان;‬ ‫بسبب ما فيها من الزينة والشهوات‪ ,‬ث تزول سريعًا‪ ,‬وإن الدار الخرة‬ ‫لي الياة القيقية الدائمة الت ل موت فيها‪ ,‬لو كان الناس يعلمون ذلك‬ ‫لا آثروا دار الفناء على دار البقاء‪.‬‬ ‫صيَ لَ هُ الدّي نَ فَلَمّا َنجّاهُ مْ ِإلَى اْلبَرّ‬ ‫َفإِذَا رَ ِكبُوا فِي الْفُ ْل كِ دَ َعوْا اللّ هَ ُمخْلِ ِ‬

‫سوْفَ يَعَْلمُو نَ‬ ‫إِذَا هُ مْ ُيشْرِكُو نَ ( ‪ِ )65‬ليَكْ ُفرُوا بِمَا آَتْينَاهُ مْ َوِلَيتَ َمتّعُوا فَ َ‬ ‫(‪)66‬‬

‫فإذا ركمب الكفار السمفن فم البحمر‪ ,‬وخافوا الغرق‪ ,‬وحّدوا ال‪,‬‬ ‫وأخل صوا له ف الدعاء حال شدت م‪ ,‬فل ما نّا هم إل الب‪ ,‬وزالت عن هم‬ ‫الشدة‪ ,‬عادوا إل شركهمم‪ ,‬إنمم بذا يتناقضون‪ ,‬يوحّدون ال سماعة‬ ‫الشدة‪ ,‬ويشركون به ساعة الرخاء‪ .‬وشِرْكهم بعد نعمتنا عليهم بالنجاة‬ ‫من البحر; ليكو نَ عاقبته الك فر ب ا أنعمنا عليهم ف أنفسهم وأموال م‪,‬‬ ‫وليكملوا تتعهم ف هذه الدنيا‪ ,‬فسوف يعلمون فساد عملهم‪ ,‬وما أعدّه‬ ‫ال لم من عذاب أليم يوم القيامة‪ .‬وف ذلك تديد ووعيد لم‪.‬‬ ‫َأوَلَ مْ يَ َروْا َأنّ ا جَعَلْنَا َحرَما آمِنا َوُيَتخَطّ فُ النّا سُ مِ نْ َح ْوِلهِ مْ أََفبِاْلبَاطِلِ‬ ‫‪1345‬‬

‫ُيؤْ ِمنُونَ َوِبنِعْ َمةِ الّلهِ يَكْ ُفرُونَ (‪)67‬‬ ‫أول يشا هد كفار "م كة" أن ال ج عل "م كة" ل م حَرَمًا آمنًا يأ من ف يه‬ ‫أهله على أنفسهم وأموالم‪ ,‬والنا سُ مِن حولم خارج الرم‪ُ ,‬يَتخَطّفون‬ ‫غ ي آمن ي؟ أفبالشرك يؤمنون‪ ,‬وبنعمة ال الت خ صّهم با يكفرون‪ ,‬فل‬ ‫يعبدونه وحده دون سواه؟‬ ‫ب بِاْلحَقّ لَمّا جَاءَ هُ َأَليْ سَ‬ ‫وَمَ نْ َأظْلَ مُ ِممّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا َأوْ كَذّ َ‬ ‫فِي َج َهنّ َم َمْثوًى لِلْكَافِرِي َن (‪)68‬‬ ‫ل أحد أشد ظلمًا من كذَب على ال‪ ,‬فنسب ما هو عليه من الضلل‬ ‫والبا طل إل ال‪ ,‬أو كذّب بال ق الذي ب عث ال به ر سوله ممدًا صلى‬ ‫ال عليمه وسملم‪ ،‬إن فم النار لسمكنًا لنم كفمر بال‪ ,‬وجحمد توحيده‬ ‫وكذّب رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫سِنيَ (‪)69‬‬ ‫وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا َلنَهْ ِدَيّنهُمْ ُسبَُلنَا وَِإنّ الّلهَ لَمَ َع الْ ُمحْ ِ‬ ‫والؤمنون الذيمن جاهدوا أعداء ال‪ ,‬والنفمس‪ ,‬والشيطان‪ ,‬وصمبوا على‬ ‫الفتم والذى فم سمبيل ال‪ ,‬سميهديهم ال سمبل اليم‪ ,‬ويثبتهمم على‬ ‫‪1346‬‬

‫الصراط الستقيم‪ ,‬ومَن هذه صفته فهو مسن إل نفسه وإل غيه‪ .‬وإن‬ ‫ال سبحانه وتعال ل ع مَن أح سن مِن خَلْقِه بالن صرة والتأي يد وال فظ‬ ‫والداية‪.‬‬

‫‪ -30‬سورة الروم‬ ‫ال (‪)1‬‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫غُِلَب تْ الرّو مُ (‪ )2‬فِي َأ ْدنَى الَرْ ضِ وَهُ مْ مِ نْ بَعْ ِد غََلِبهِ مْ َسيَغِْلبُونَ ( ‪)3‬‬ ‫ح الْ ُمؤْ ِمنُو نَ (‪)4‬‬ ‫فِي بِضْ عِ ِسِنيَ لِلّ هِ الَمْرُ مِ نْ َقبْلُ وَمِ ْن بَعْدُ َوَيوْ َمئِ ٍذ يَفْرَ ُ‬ ‫ِبنَصْرِ الّلهِ يَنصُ ُر مَنْ َيشَاءُ وَ ُهوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)5‬‬ ‫غَلَ بت فار سُ الرو مَ ف أد ن أرض "الشام" إل "فارس"‪ ,‬و سوف يَغْلِب‬ ‫الرو مُ الفر سَ ف مدة من الز من‪ ,‬ل تز يد على ع شر سنوات ول تن قص‬ ‫عن ثلث‪ .‬ل سبحانه وتعال ال مر كله ق بل انت صار الروم وبعده‪ ,‬ويوم‬ ‫ينتصمر الروم على الفرس يفرح الؤمنون بنصمر ال للروم على الفرس‪.‬‬ ‫‪1347‬‬

‫وال سبحانه وتعال ينصر من يشاء‪ ,‬ويذل من يشاء‪ ,‬وهو العزيز الذي‬ ‫ل يغالَب‪ ,‬الرح يم ب ن شاء من خل قه‪ .‬و قد ت قق ذلك ف َغلَبَت الرو مُ‬ ‫الفر سَ بعد سبع سني‪ ,‬وفرح السلمون بذلك; لكون الروم أهل كتاب‬ ‫وإن حرّفوه‪.‬‬ ‫ُونم (‪)6‬‬ ‫ّاسم ل يَعَْلم َ‬ ‫َهم وَلَكِنّ أَ ْكثَرَ الن ِ‬ ‫ّهم وَعْد ُ‬ ‫ِفم الل ُ‬ ‫ّهم ل ُيخْل ُ‬ ‫وَعْ َد الل ِ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَهُ ْم عَنْ ال ِخرَةِ ُهمْ غَافِلُونَ (‪)7‬‬ ‫يَعْلَمُونَ ظَاهِرا مِ ْن الْ َ‬ ‫وعسسسد ال المؤمنيسسسن وعدًا جازمًسسا ل يتخلف‪ ,‬بنصسسسر الروم‬ ‫النصسارى على الفرس الوثنييسن‪ ,‬ولكسن أكثسر كفار "مكسة" ل‬ ‫يعلمون أن مسا وعسد ال بسه حسق‪ ,‬وإنمسا يعلمون ظواهسر الدنيسا‬ ‫وزخرفها‪ ,‬وهم عن أمور الخرة وما ينفعهم فيها غافلون‪ ,‬ل‬ ‫يفكرون فيها‪.‬‬ ‫سهِ ْم مَا َخلَقَ اللّهُ السّ َموَاتِ وَا َلرْضَ وَمَا َبْيَنهُمَا إِلّ‬ ‫َأوَلَ ْم َيتَفَكّرُوا فِي أَنفُ ِ‬ ‫بِاْلحَقّ وَأَجَ ٍل ُمسَمّى َوِإنّ َكثِيا مِنْ النّاسِ بِلِقَاءِ َرّبهِمْ لَكَافِرُونَ (‪)8‬‬ ‫أولم يتفكسسسر هؤلء المكذّبون برسسسسل ال ولقائه فسسسي خلق ال‬ ‫إياهسسم‪ ,‬وأنسسه خلقهسسم‪ ,‬ولم يكونوا شيئًا‪ .‬مسسا خلق ال السسسموات‬ ‫والرض ومسسسا بينهمسسسا إل لقامسسسة العدل والثواب والعقاب‪,‬‬ ‫والدللة على توحيده وقدرتسه‪ ,‬وأجسل مسسمى تنتهسي إليسه وهسو‬ ‫‪1348‬‬

‫يوم القيامسسسسة؟ وإن كثيرًا مسسسسن الناس بلقاء ربهسسسسم لجاحدون‬ ‫منكرون; جهل منهسسم بأن معادهسسم إلى ال بعسسد فنائهسسم‪ ,‬وغفلةً‬ ‫منهم عن الخرة‪.‬‬ ‫ف كَانَ عَاِقَبةُ الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِ ْم كَانُوا‬ ‫َأوَلَ ْم يَسِيُوا فِي ا َلرْضِ َفيَنظُرُوا َكيْ َ‬ ‫أَ َشدّ ِمْنهُ مْ ُقوّةً وََأثَارُوا ا َلرْ ضَ وَعَمَرُوهَا أَ ْكثَ َر مِمّ ا عَمَرُوهَا وَجَا َءْتهُ مْ‬ ‫سهُ ْم يَظْلِمُو نَ (‬ ‫رُ سُُل ُهمْ بِاْلَبيّنَا تِ َفمَا كَا نَ اللّ هُ ِليَظْلِ َمهُ ْم وَلَكِ نْ كَانُوا أَنفُ َ‬ ‫‪)9‬‬

‫أولم يَسسسسسِرْ هؤلء المكذبون بال الغافلون عسسسسن الخرة فسسسسي‬ ‫الرض سَسيْرَ تأمسل واعتبار‪ ,‬فيشاهدوا كيسف كان جزاء المسم‬ ‫الذيسسن كذّبوا برسسسل ال كعاد وثمود؟ وقسسد كانوا أقوى منهسسم‬ ‫أجسسسسسامًا‪ ,‬وأقدر على التمتسسسسع بالحياة حيسسسسث حرثوا الرض‬ ‫وزرعوها‪ ,‬وبنَوْا القصور وسكنوها‪ ,‬ف َعمَروا دنياهم أكثر مما‬ ‫عَمَسر أهسسل "مكسسة" دنياهسسم‪ ,‬فلم تنفعهسسم عِمارتهسسم ول طول‬ ‫مدتهم‪ ,‬وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة‪,‬‬ ‫فكذّبوهسسم فأهلكهسسم ال‪ ,‬ولم يظلمهسسم ال بذلك الهلك‪ ,‬وإنمسسا‬ ‫ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان‪.‬‬ ‫ثُمّ كَا نَ عَاِقَبةَ الّذِي نَ أَ سَاءُوا ال سّوءَى أَ نْ َك ّذبُوا بِآيَا تِ اللّ هِ وَكَانُوا ِبهَا‬ ‫ستَهْ ِزئُون (‪)10‬‬ ‫َي ْ‬ ‫‪1349‬‬

‫ثسم كانست عاقبسة أهسل السسوء مسن الطغاة والكفرة أسسوأ العواقسب‬ ‫وأقبحهسسا; لتكذيبهسسم بال وسسسخريتهم بآياتسسه التسسي أنزلهسسا على‬ ‫رسله‪.‬‬ ‫الّلهُ َيبْدَُأ الْخَلْقَ ُثمّ يُعِيدُ ُه ثُمّ ِإَلْيهِ تُرْ َجعُونَ (‪)11‬‬ ‫ال وحده هسسسو المتفرد بإنشاء المخلوقات كلهسسسا‪ ,‬وهسسسو القادر‬ ‫وحده على إعادتهسا مرة أخرى‪ ,‬ثسم إليسه يرجسع جميسع الخلق‪,‬‬ ‫فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‪.‬‬ ‫س الْ ُمجْرِمُونَ (‪)12‬‬ ‫َوَيوْمَ تَقُو ُم السّاعَةُ ُيبِْل ُ‬ ‫ويوم تقوم السسساعة ييئس المجرمون مسسن النجاة مسسن العذاب‪,‬‬ ‫حيْرة فتنقطع حجتهم‪.‬‬ ‫وتصيبهم ال َ‬ ‫َولَمْ يَكُ ْن َلهُمْ مِنْ شُرَكَاِئهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا ِبشُرَكَاِئهِمْ كَافِرِينَ (‪)13‬‬ ‫ولم يكسسن للمشركيسسن فسسي ذلك اليوم مسسن آلهتهسسم التسسي كانوا‬ ‫يعبدونهسا مسن دون ال شفعاء‪ ,‬بسل إنهسا تتسبرأ منهسم‪ ,‬ويتسبرؤون‬ ‫منها‪ .‬فالشفاعة ل وحده‪ ,‬ول تُطلَب من غيره‪.‬‬

‫‪1350‬‬

‫َوَيوْ مَ تَقُو ُم ال سّا َعةُ َيوْ َمئِذٍ َيتَ َفرّقُو نَ (‪ )14‬فَأَمّ ا الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا‬ ‫حبَرُونَ (‪)15‬‬ ‫ضةٍ ُي ْ‬ ‫الصّالِحَاتِ َفهُمْ فِي َر ْو َ‬ ‫ويوم تقوم السساعة يفترق أهسل اليمان بسه وأهسل الكفسر‪ ,‬فأمسا‬ ‫المؤمنون بال ورسسوله‪ ,‬العاملون الصسالحات فهسم فسي الجنسة‪,‬‬ ‫يكرّمون ويسرّون وينعّمون‪.‬‬ ‫َابم‬ ‫ِكم فِي الْعَذ ِ‬ ‫ِينم كَ َفرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا َولِقَاءِ الخِرَ ِة فَُأ ْوَلئ َ‬ ‫وَأَمّام الّذ َ‬

‫ُمحْضَرُونَ (‪)16‬‬

‫وأمسا الذيسن كفروا بال وكذّبوا بمسا جاءت بسه الرسسل وأنكروا‬ ‫البعث بعد الموت‪ ,‬فأولئك في العذاب مقيمون; جزاء ما كذّبوا‬ ‫به في الدنيا‪.‬‬ ‫صِبحُونَ (‪َ )17‬ولَ هُ الْحَ ْمدُ فِي‬ ‫سْبحَانَ اللّ هِ حِيَ تُمْ سُونَ وَحِيَ تُ ْ‬ ‫فَ ُ‬

‫ي تُ ْظهِرُونَ (‪)18‬‬ ‫شيّا وَ ِح َ‬ ‫السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَ َع ِ‬

‫فيا أيها المؤمنون سبّحوا ال ونزّهوه عن الشريك والصاحبة‬ ‫والولد‪ ,‬وَصسسسسسِفوه بصسسسسسفات الكمال بألسسسسسسنتكم‪ ,‬وحقّقوا ذلك‬ ‫بجوارحكسسم كلهسسا حيسسن تمسسسون‪ ,‬وحيسسن تصسسبحون‪ ,‬ووقسست‬ ‫العشسسي‪ ,‬ووقسست الظهيرة‪ .‬وله ‪-‬سسسبحانه‪ -‬الحمسسد والثناء فسسي‬ ‫السموات والرض وفي الليل والنهار‪.‬‬ ‫‪1351‬‬

‫ت مِ ْن الْحَيّ َوُيحْ يِ ا َلرْ ضَ بَعْدَ‬ ‫ت َويُخْرِ جُ الْ َميّ َ‬ ‫ُيخْرِ جُ اْلحَيّ مِ ْن الْ َميّ ِ‬

‫ك ُتخْرَجُونَ (‪)19‬‬ ‫َم ْوِتهَا وَكَ َذلِ َ‬

‫يخرج ال الحسي مسن الميست كالنسسان مسن النطفسة والطيسر مسن‬ ‫البيضسسة‪ ,‬ويخرج الميسست مسسن الحسسي‪ ,‬كالنطفسسة مسسن النسسسان‬ ‫والبيضسسة مسسن الطيسسر‪ .‬ويحيسسي الرض بالنبات بعسسد يُبْسسسها‬ ‫وجفافهسسسا‪ ,‬ومثسسسل هذا الحياء تخرجون ‪-‬أيهسسسا الناس‪ -‬مسسسن‬ ‫قبوركم أحياء للحساب والجزاء‪.‬‬ ‫ب ثُمّ إِذَا َأْنتُمْ َبشَ ٌر تَنَتشِرُونَ (‪)20‬‬ ‫وَمِنْ آيَاِتهِ َأنْ خَلَ َقكُمْ مِنْ تُرَا ٍ‬ ‫ومسن آيات ال الدالة على عظمتسه وكمال قدرتسه أن خلق أباكسم‬ ‫آدم مسن تراب‪ ,‬ثسم أنتسم بشسر تتناسسلون منتشريسن فسي الرض‪,‬‬ ‫تبتغون من فضل ال‪.‬‬ ‫وَمِنْ آيَاِتهِ َأنْ خَلَ َق لَكُمْ مِنْ أَن ُفسِكُمْ َأ ْزوَاجا ِلَتسْ ُكنُوا ِإَلْيهَا َوجَعَلَ َبْينَكُمْ‬ ‫ك ليَاتٍ لِ َقوْمٍ َيتَفَكّرُونَ (‪)21‬‬ ‫َموَدّةً َورَ ْح َمةً ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫ومسن آياتسه الدالة على عظمتسه وكمال قدرتسه أن خلق لجلكسم‬ ‫مسسن جنسسسكم ‪-‬أيهسسا الرجال‪ -‬أزواجًسا; لتطمئن نفوسسسكم إليهسسا‬ ‫وتسكن‪ ,‬وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة‪ ,‬إن في خلق‬ ‫‪1352‬‬

‫ال ذلك ليات دالة على قدرة ال ووحدانيتسسسسه لقوم يتفكرون‪,‬‬ ‫ويتدبرون‪.‬‬ ‫سَنتِكُ ْم وََأْلوَانِكُمْ ِإنّ فِي‬ ‫وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْ ُق السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَا ْختِلفُ َألْ ِ‬ ‫ك ليَاتٍ لِلْعَالِ ِميَ (‪)22‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫ومسن دلئل القدرة الربانيسة‪ :‬خَلْقُس السسموات وارتفاعهسا بغيسر‬ ‫عمد‪ ,‬وخَلْ قُ الرض مع اتساعها وامتدادها‪ ,‬واختل فُ لغاتكم‬ ‫وتباينُ ألوانكم‪ ,‬إن في هذا لَعبرة لكل ذي علم وبصيرة‪.‬‬ ‫ضلِ هِ إِنّ فِي َذلِ كَ‬ ‫وَمِ نْ آيَاتِ هِ َمنَامُ ُك مْ بِالّليْلِ وَالّنهَارِ وَاْبتِغَاؤُكُ ْم مِ نْ فَ ْ‬

‫ليَاتٍ لِ َقوْمٍ َيسْمَعُونَ (‪)23‬‬

‫ومسن دلئل هذه القدرة أن جعسل ال النوم راحسة لكسم فسي الليسل‬ ‫أو النهار; إذ فسي النوم حصسول الراحسة وذهاب التعسب‪ ,‬وجعسل‬ ‫لكسسسم النهار تنتشرون فيسسسه لطلب الرزق‪ ,‬إن فسسسي ذلك لدلئل‬ ‫على كمال قدرة ال ونفوذ مشيئتسسسه لقوم يسسسسمعون المواعسسسظ‬ ‫سماع تأمل وتفكر واعتبار‪.‬‬ ‫وَمِ نْ آيَاتِ هِ ُيرِيكُ ْم اْلبَرْ قَ َخوْفا َوطَمَعا َوُينَزّ ُل مِ نْ ال سّمَاءِ مَاءً َفُيحْ يِ بِ هِ‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)24‬‬ ‫ا َلرْضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا ِإنّ فِي َذلِكَ ليَا ٍ‬ ‫‪1353‬‬

‫ومسسن دلئل قدرتسسه سسسبحانه أن يريكسسم البرق‪ ,‬فتخافون مسسن‬ ‫الصسواعق‪ ,‬وتطمعون فسي الغيسث‪ ,‬وينزل مسن السسحاب مطرًا‬ ‫فيحيي به الرض بعد جدبها وجفافها‪ ,‬إن في هذا لدليل على‬ ‫كمال قدرة ال وعظيسم حكمتسسه وإحسسسانه لكسل مَن لديسسه عقسل‬ ‫يهتدي به‪.‬‬ ‫وَمِ نْ آيَاتِ هِ أَ نْ تَقُو مَ ال سّمَاءُ وَا َلرْ ضُ بِأَمْرِ ِه ثُمّ إِذَا دَعَاكُ مْ دَ ْعوَةً مِ نْ‬

‫ا َلرْضِ إِذَا َأْنتُ ْم َتخْرُجُونَ (‪)25‬‬

‫ومسسسسسن آياتسسسسسه الدالة على قدرتسسسسسه قيام السسسسسسماء والرض‬ ‫واسسستقرارهما وثباتهمسسا بأمره‪ ,‬فلم تتزلزل ولم تسسسقط السسسماء‬ ‫على الرض‪ ,‬ثم إذا دعاكم ال إلى البعث يوم القيامة‪ ,‬إذا أنتم‬ ‫تخرجون من القبور مسرعين‪.‬‬ ‫ض كُلّ َلهُ قَاِنتُونَ (‪)26‬‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َوَلهُ مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬ ‫ول وحده كسسل مَسن فسسي السسسموات والرض مسسن الملئكسسة‬ ‫والنسسسسسس والجسسسسن والحيوان والنبات والجماد‪ ,‬كسسسسل هؤلء‬ ‫منقادون لمره خاضعون لكماله‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي َيبْدَُأ الْخَلْ قَ ثُمّ يُعِيدُ هُ وَ ُهوَ أَ ْهوَ نُ عََليْ ِه وَلَ هُ الْ َمثَلُ الَعْلَى فِي‬ ‫‪1354‬‬

‫السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَزِي ُز الْحَكِي ُم (‪)27‬‬ ‫وال وحده الذي يبدأ الخلق من العدم ثم يعيده حيًا بعد الموت‪,‬‬ ‫وإعادة الخلق حيًا بعد الموت أهون على ال من ابتداء خلقهم‪,‬‬ ‫وكلهمسا عليسه هيّنس‪ .‬وله سسبحانه الوصسف العلى فسي كسل مسا‬ ‫يوصسف بسه‪ ,‬ليسس كمثله شيسء‪ ,‬وهسو السسميع البصسير‪ .‬وهسو‬ ‫العزيسسسز الذي ل يغالَب‪ ,‬الحكيسسسم فسسسي أقواله وأفعاله‪ ,‬وتدبيسسسر‬ ‫أمور خلقه‪.‬‬ ‫ل مِ نْ َأنْفُ سِكُمْ هَ ْل لَكُ ْم مِ ْن مَا َملَكَ تْ َأْيمَانُكُ ْم مِ ْن‬ ‫ب لَكُ ْم َمثَ ً‬ ‫ضَ َر َ‬ ‫شُرَكَاءَ فِي مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ فََأْنتُ مْ فِي هِ َسوَاءٌ َتخَافُونَهُ ْم َكخِي َفتِكُ مْ أَنفُ سَ ُكمْ‬

‫كَ َذلِكَ نُفَصّ ُل اليَاتِ لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)28‬‬

‫ضرب ال مثل لكم ‪-‬أيها المشركون ‪-‬من أنفسكم‪ :‬هل لكم من‬ ‫عبيدكم وإمائكم مَن يشارككم في رزقكم‪ ,‬وترون أنكم وإياهم‬ ‫متسسساوون فيسسه‪ ,‬تخافونهسسم كمسسا تخافون الحرار الشركاء فسسي‬ ‫مقاسسمة أموالكسم؟ إنكسم لن ترضوا بذلك‪ ,‬فكيسف ترضون بذلك‬ ‫في جنب ال بأن تجعلوا له شريكًا من خلقه؟ وبمثل هذا البيان‬ ‫نسسبيّن البراهيسسن والحجسسج لصسسحاب العقول السسسليمة الذيسسن‬ ‫ينتفعون بها‪.‬‬ ‫بَلْ اّتبَ عَ الّذِي نَ ظَلَمُوا أَ ْهوَاءَهُ ْم بِ َغيْ ِر عِلْ مٍ َفمَ نْ َيهْدِي مَ نْ َأضَلّ اللّ هُ وَمَا‬ ‫‪1355‬‬

‫َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( ‪)29‬‬ ‫بسسسل اتبسسسع المشركون أهواءهسسسم بتقليسسسد آبائهسسسم بغيسسسر علم‪,‬‬ ‫فشاركوهم في الجهل والضللة‪ ،‬ول أحد يقدر على هداية مَن‬ ‫أضلّه ال بسسبب تماديسه فسي الكفسر والعناد‪ ,‬وليسس لهؤلء مِن‬ ‫أنصار يُخَلّصونهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫ك لِلدّي نِ َحنِيفا فِطْرَةَ اللّ هِ الّتِي فَطَ َر النّا سَ عََليْهَا ل َتبْدِيلَ‬ ‫َفأَقِ مْ وَ ْج َه َ‬ ‫ك الدّينُ الْ َقيّمُ َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل يَعْلَمُونَ ( ‪)30‬‬ ‫لِخَلْقِ الّلهِ َذلِ َ‬ ‫فأقسم ‪-‬أيهسا الرسسول أنست ومسن اتبعسك‪ -‬وجهسك‪ ,‬واسستمر على‬ ‫الديسن الذي شرعسه ال لك‪ ,‬وهسو السسلم الذي فطسر ال الناس‬ ‫عليسسه‪ ,‬فبقاؤكسسم عليسسه‪ ,‬وتمسسسككم بسسه‪ ,‬تمسسسك بفطرة ال مسسن‬ ‫اليمان بال وحده‪ ,‬ل تبديسسل لخلق ال ودينسسه‪ ,‬فهسسو الطريسسق‬ ‫المسستقيم الموصسل إلى رضسا ال رب العالميسن وجنتسه‪ ,‬ولكسن‬ ‫أكثسر الناس ل يعلمون أن الذي أمرتسك بسه ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬هسو‬ ‫الدين الحق دون سواه‪.‬‬ ‫ُمنِيِبيَ ِإَليْهِ وَاتّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصّل َة وَل تَكُونُوا مِنْ الْ ُمشْرِ ِكيَ (‪)31‬‬ ‫وكونوا راجعيسسن إلى ال بالتوبسسة وإخلص العمسسل له‪ ,‬واتقوه‬ ‫بفعسسسل الوامسسسر واجتناب النواهسسسي‪ ,‬وأقيموا الصسسسلة تامسسسة‬ ‫‪1356‬‬

‫بأركانها وواجباتها وشروطها‪ ,‬ول تكونوا من المشركين مع‬ ‫ال غيره في العبادة‪.‬‬ ‫مِ ْن الّذِي َن فَرّقُوا دِيَنهُ مْ وَكَانُوا ِشيَعا كُلّ حِ ْز بٍ بِمَا لَ َدْيهِ مْ َفرِحُو نَ (‬ ‫‪)32‬‬ ‫ول تكونوا مسسن المشركيسسن وأهسسل الهواء والبدع الذيسسن بدّلوا‬ ‫دينهسسسسم‪ ,‬وغيّروه‪ ,‬فأخذوا بعضسسسسه‪ ,‬وتركوا بعضسسسسه; تبعًسسسا‬ ‫لهوائهسسسم‪ ,‬فصسسساروا فرقًسسا وأحزابًسسا‪ ,‬يتشيعون لرؤسسسسائهم‬ ‫وأحزابهسسم وآرائهسسم‪ ,‬يعيسسن بعضهسسم بعضًا على الباطسسل‪ ,‬كسسل‬ ‫حزب بمسا لديهسم فرحون مسسرورون‪ ,‬يحكمون لنفسسهم بأنهسم‬ ‫على الحق وغيرهم على الباطل‪.‬‬ ‫س النّا سَ ضُرّ دَ َعوْا َربّهُ مْ ُمنِيِبيَ ِإَليْ هِ ُثمّ إِذَا أَذَاَقهُ مْ ِمنْ هُ رَ ْح َمةً إِذَا‬ ‫وَِإذَا مَ ّ‬ ‫فَرِي ٌق ِمْنهُمْ بِ َرّبهِ ْم ُيشْرِكُونَ (‪)33‬‬ ‫وإذا أصسساب الناسسسَ شدة وبلء دعَوا ربهسسم مخلصسسين له أن‬ ‫يكشسف عنهسم الضسر‪ ,‬فإذا رحمهسم وكشسف عنهسم ضرهسم إذا‬ ‫فريسق منهسم يعودون إلى الشرك مرة أخرى‪ ,‬فيعبدون مسع ال‬ ‫غيره‪.‬‬

‫‪1357‬‬

‫سوْفَ تَعْلَمُونَ (‪)34‬‬ ‫ِليَكْفُرُوا ِبمَا آَتْينَاهُمْ َفَت َمتّعُوا َف َ‬ ‫ليكفروا بمسا آتيناهسم ومننّاس بسه عليهسم مسن كشسف الضسر‪ ,‬وزوال‬ ‫الشدة عنهسسم‪ ,‬فتمتعوا ‪-‬أيهسسا المشركون‪ -‬بالرخاء والس ّسعَة فسسي‬ ‫هذه الدنيا‪ ,‬فسوف تعلمون ما تلقونه من العذاب والعقاب‪.‬‬ ‫أَمْ أَن َزْلنَا َعَلْيهِمْ ُسلْطَانا َف ُهوَ َيتَكَلّ ُم بِمَا كَانُوا ِبهِ ُيشْرِكُونَ (‪)35‬‬ ‫أم أنزلنسا على هؤلء المشركيسن برهانًا سساطعًا وكتابًا قاطعًا‪,‬‬ ‫ينطق بصحة شركهم وكفرهم بال وآياته‪.‬‬ ‫صْبهُمْ َسّيَئةٌ بِمَا َقدّمَ تْ َأيْدِيهِ مْ‬ ‫وَِإذَا َأذَ ْقنَا النّا سَ رَ ْح َمةً فَ ِرحُوا ِبهَا وَإِ نْ تُ ِ‬

‫إِذَا هُمْ يَ ْقنَطُونَ ( ‪)36‬‬

‫وإذا أذقنسا الناس منسا نعمسة مِن صسحة وعافيسة ورخاء‪ ,‬فرحوا‬ ‫بذلك فرح بط ٍر وأَشَرٍ‪ ,‬ل فرح شكسسسسر‪ ,‬وإن يصسسسسبهم مرض‬ ‫وفقسسر وخوف وضيسسق بسسسبب ذنوبهسسم ومعاصسسيهم‪ ,‬إذا هسسم‬ ‫يَ ْيئَسسون مسن زوال ذلك‪ ,‬وهذا طبيعسة أكثسر الناس فسي الرخاء‬ ‫والشدة‪.‬‬ ‫ك ليَا تٍ‬ ‫ق لِمَ نْ َيشَاءُ َويَقْ ِدرُ إِنّ فِي َذلِ َ‬ ‫َأوَلَ ْم يَ َروْا أَنّ اللّ هَ َيبْ سُطُ ال ّرزْ َ‬ ‫‪1358‬‬

‫لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)37‬‬ ‫أولم يعلموا أن ال يوسع الرزق لمن يشاء امتحانًا‪ ,‬هل يشكر‬ ‫أو يكفسسر؟ ويضيّقسسه على مسسن يشاء اختبارًا‪ ,‬هسسل يصسسبر أو‬ ‫يجزع؟ إن فسسي ذلك التوسسسيع والتضييسسق ليات لقوم يؤمنون‬ ‫بال ويعرفون حكمة ال ورحمته‪.‬‬ ‫سبِيلِ َذلِ كَ َخيْ ٌر لِلّذِي نَ يُرِيدُو نَ‬ ‫فَآ تِ ذَا الْقُ ْربَى حَقّ هُ وَالْمِ سْ ِكيَ وَابْ نَ ال ّ‬ ‫وَ ْجهَ الّلهِ وَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْمُفِْلحُونَ (‪)38‬‬ ‫فأعسط ‪-‬أيهسا المؤمسن‪ -‬قريبسك حقسه مسن الصسلة والصسدقة وسسائر‬ ‫أعمال البر‪ ,‬وأعط الفقير والمحتاج الذي انقطع به السبيل من‬ ‫الزكاة والصسسدقة‪ ,‬ذلك العطاء خيسسر للذيسسن يريدون بعملهسسم‬ ‫وجسسه ال‪ ,‬والذيسسن يعملون هذه العمال وغيرهسسا مسسن أعمال‬ ‫الخير‪ ,‬أولئك هم الفائزون بثواب ال الناجون مِن عقابه‪.‬‬ ‫وَمَا آَتْيتُ ْم مِنْ رِبا ِليَ ْرُبوَا فِي أَ ْموَالِ النّاسِ فَل َي ْربُوا ِعنْدَ اللّهِ وَمَا آَتْيتُمْ مِنْ‬ ‫ك هُمْ الْمُضْعِفُونَ (‪)39‬‬ ‫زَكَاةٍ ُترِيدُونَ وَ ْجهَ الّلهِ فَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ومسا أعطيتسم قرضًا مسن المال بقصسد الربسا‪ ,‬وطلب زيادة ذلك‬ ‫القرض; ليزيسد وينمسو فسي أموال الناس‪ ,‬فل يزيسد عنسد ال‪ ,‬بسل‬ ‫يمحقسسه ويبطله‪ .‬ومسسا أعطيتسسم مسسن زكاة وصسسدقة للمسسستحقين‬ ‫‪1359‬‬

‫ابتغاء مرضاة ال وطلبًسسسا لثوابسسسسه‪ ,‬فهذا هسسسسو الذي يقبله ال‬ ‫ويضاعفه لكم أضعافًا كثيرة‪.‬‬ ‫حيِيكُ مْ هَ ْل مِ نْ شُرَكَائِكُ مْ‬ ‫اللّ هُ الّذِي َخلَقَكُ مْ ثُمّ َرزَقَ ُك ْم ثُمّ يُمِيتُكُ مْ ُثمّ ُي ْ‬ ‫مَنْ يَفْعَ ُل مِنْ َذلِكُ ْم مِنْ شَ ْيءٍ ُسْبحَاَنهُ َوتَعَالَى عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)40‬‬ ‫ال وحده هسسو الذي خلقكسسم ‪-‬أيهسسا الناس‪ -‬ثسسم رزقكسسم فسسي هذه‬ ‫الحياة‪ ,‬ثسم يميتكسم بانتهاء آجالكسم‪ ,‬ثسم يبعثكسم مسن القبور أحياء‬ ‫للحسساب والجزاء‪ ,‬هسل مسن شركائكسم مَن يفعسل مسن ذلكسم مسن‬ ‫شيء؟ تنزّه ال وتقدّس عن شرك هؤلء المشركين به‪.‬‬ ‫سبَتْ َأيْدِي النّا سِ ِليُذِي َقهُ مْ بَعْ ضَ‬ ‫َظهَرَ الْفَ سَادُ فِي اْلبَرّ وَالَْبحْرِ بِمَا كَ َ‬ ‫الّذِي َعمِلُوا لَعَّلهُمْ يَ ْرجِعُونَ (‪)41‬‬ ‫ظهسسر الفسسساد فسسي البر والبحسسر‪ ,‬كالجدب وقلة المطار وكثرة‬ ‫المراض والوبئة; وذلك بسسسسبب المعاصسسسي التسسسي يقترفهسسسا‬ ‫البشسسر; ليصسسيبهم بعقوبسسة بعسسض أعمالهسسم التسسي عملوهسسا فسسي‬ ‫الدنيسا; كسي يتوبوا إلى ال ‪-‬سسبحانه‪ -‬ويرجعوا عسن المعاصسي‪,‬‬ ‫فتصلح أحوالهم‪ ,‬وتستقيم أمورهم‪.‬‬ ‫ف كَا نَ عَاِقَبةُ الّذِي نَ مِ نْ َقبْ ُل كَا نَ‬ ‫ض فَانظُرُوا َكيْ َ‬ ‫قُ ْل سِيُوا فِي ا َلرْ ِ‬ ‫‪1360‬‬

‫أَ ْكثَرُ ُهمْ ُمشْرِ ِكيَ ( ‪)42‬‬ ‫قسل ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬للمكذبيسن بمسا جئت بسه‪ :‬سسيروا فسي أنحاء‬ ‫الرض سسير اعتبار وتأمسل‪ ,‬فانظروا كيسف كان عاقبسة المسم‬ ‫السسابقة المكذبسة كقوم نوح‪ ,‬وعاد وثمود‪ ,‬تجدوا عاقبتهسم شسر‬ ‫العواقب ومآلهم شر مآل؟ فقد كان أكثرهم مشركين بال‪.‬‬ ‫ك لِلدّي نِ الْ َقيّ مِ مِ نْ َقبْلِ أَ نْ يَ ْأتِ َي َيوْ مٌ ل مَرَ ّد لَ هُ مِ نْ اللّ هِ َيوْ َمئِذٍ‬ ‫َفأَقِ ْم وَ ْجهَ َ‬ ‫يَصّدّعُونَ (‪)43‬‬ ‫فوجّه س وجهسسك ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬نحسسو الديسسن المسسستقيم‪ ,‬وهسسو‬ ‫السسلم‪ ,‬منفذًا أوامره مجتنبًا نواهيسه‪ ,‬واسستمسك بسه مسن قبسل‬ ‫مجيسء يوم القيامسة‪ ,‬فإذا جاء ذلك اليوم الذي ل يقدر أحسد على‬ ‫ردّه تفرقت الخلئق أشتاتًا متفاوتين; ليُروا أعمالهم‪.‬‬ ‫سهِمْ يَ ْمهَدُونَ (‪)44‬‬ ‫مَ ْن كَفَرَ فَعََلْيهِ كُفْرُ ُه وَمَنْ عَمِ َل صَالِحا َفلَن ُف ِ‬ ‫مسن كفسر فعليسه عقوبسة كفره‪ ,‬وهسي خلوده فسي النار‪ ,‬ومسن آمسن‬ ‫وعمسل صسالحًا فلنفسسهم يهيئون منازل الجنسة; بسسبب تمسسكهم‬ ‫بطاعة ربهم‪.‬‬ ‫ي الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ مِ نْ فَضْلِ هِ ِإنّ هُ ل ُيحِبّ الْكَافِرِي نَ‬ ‫ِلَيجْزِ َ‬ ‫‪1361‬‬

‫(‪)45‬‬ ‫ليجزي ال الذيسن آمنوا بال ورسسوله وعملوا الصسالحات مسن‬ ‫فضله وإحسانه‪ .‬إنه ل يحب الكافرين لسخطه وغضبه عليهم‪.‬‬ ‫ت َولِيُذِيقَ ُك ْم مِ ْن رَحْ َمتِ هِ َوِلتَجْرِ يَ‬ ‫وَمِ نْ آيَاتِ هِ أَ نْ يُ ْر سِلَ ال ّريَا حَ ُمَبشّرَا ٍ‬ ‫الْفُلْكُ بِأَ ْمرِهِ َوِلَتْبتَغُوا مِ ْن فَضِْلهِ َولَعَلّكُ ْم َتشْكُرُونَ (‪)46‬‬ ‫ومسسن آيات ال الدالة على أنسسه الله الحسسق وحده ل شريسسك له‬ ‫وعلى عظيسسسم قدرتسسسه إرسسسسال الرياح أمام المطسسسر مبشرات‬ ‫بإثارتها للسحاب‪ ,‬فتستبشر بذلك النفوس; وليذيقكم من رحمته‬ ‫بإنزاله المطر الذي تحيا به البلد والعباد‪ ,‬ولتجري السفن في‬ ‫البحسسسسر بأمسسسسر ال ومشيئتسسسسه‪ ,‬ولتبتغوا مسسسسن فضله بالتجارة‬ ‫وغيرهسا; فعسل ال ذلك مسن أجسل أن تشكروا له نعمسه وتعبدوه‬ ‫وحده‪.‬‬ ‫ت فَانتَقَ ْمنَا مِ نْ‬ ‫َولَقَدْ َأرْ َس ْلنَا مِ ْن َقبْلِ كَ رُ سُلً ِإلَى َقوْ ِمهِ مْ َفجَاءُوهُ ْم بِاْلَبّينَا ِ‬ ‫الّذِينَ أَ ْجرَمُوا وَكَانَ حَقّا َعَلْينَا نَصْرُ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)47‬‬ ‫ولقسسد أرسسسلنا مِسن قبلك ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬رسسسل إلى قومهسسم‬ ‫مبشريسسن ومنذريسسن يدعونهسسم إلى التوحيسسد‪ ,‬ويحذرونهسسم مسسن‬ ‫الشرك‪ ,‬فجاؤوهسسسم بالمعجزات والبراهيسسسن السسسساطعة‪ ,‬فكفسسسر‬ ‫‪1362‬‬

‫أكثرهسسم بربهسسم‪ ,‬فانتقمنسسا مسسن الذيسسن اكتسسسبوا السسسيئات منهسسم‪,‬‬ ‫فأهلكناهسسم‪ ,‬ونصسسرنا المؤمنيسسن أتباع الرسسسل‪ ,‬وكذلك نفعسسل‬ ‫بالمكذبين بك إن استمروا على تكذيبك‪ ,‬ولم يؤمنوا‪.‬‬ ‫ف َيشَا ُء‬ ‫اللّ هُ الّذِي يُ ْر سِلُ ال ّريَا حَ َفُتثِيُ َسحَابا َفَيبْ سُ ُطهُ فِي ال سّمَاءِ َكيْ َ‬ ‫ب ِبهِ مَنْ َيشَاءُ مِنْ‬ ‫َويَجْعَُلهُ ِكسَفا َفتَرَى اْلوَدْقَ َيخْ ُرجُ مِنْ خِلِلهِ َفإِذَا َأصَا َ‬ ‫سَتبْشِرُونَ (‪)48‬‬ ‫ِعبَادِهِ ِإذَا هُ ْم َي ْ‬ ‫ال ‪-‬سسسسبحانه‪ -‬هسسسو الذي يرسسسسل الرياح فتثيسسسر سسسسحابًا مثقل‬ ‫بالماء‪ ,‬فينشره ال فسسسي السسسسماء كيسسسف يشاء‪ ,‬ويجعله قطعًسسا‬ ‫متفرقسة‪ ,‬فترى المطسر يخرج مسن بيسن السسحاب‪ ,‬فإذا سساقه ال‬ ‫إلى عباده إذا هسسم يسسستبشرون ويفرحون بأن ال صسسرف ذلك‬ ‫إليهم‪.‬‬ ‫سيَ (‪)49‬‬ ‫وَِإنْ كَانُوا مِنْ َقبْلِ َأنْ ُينَزّ َل عََلْيهِمْ مِ ْن َقبِْلهِ لَ ُمبِْل ِ‬ ‫وإن سْ كانوا مسسن قبسسل نزول المطسسر لفسسي يأس وقنوط; بسسسبب‬ ‫احتباسه عنهم‪.‬‬ ‫ِكم‬ ‫ْضم بَ ْعدَ َم ْوتِهَا إِنّ َذل َ‬ ‫ْيم ا َلر َ‬ ‫ْفم ُيح ِ‬ ‫ّهم َكي َ‬ ‫فَانظُرْ ِإلَى آثَارِ رَ ْح َمةِ الل ِ‬ ‫حيِي الْ َم ْوتَى وَ ُهوَ عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِيرٌ ( ‪)50‬‬ ‫لَ ُم ْ‬ ‫‪1363‬‬

‫فانظسر ‪-‬أيهسا المشاهسد‪ -‬نظسر تأمسل وتدبر إلى آثار المطسر فسي‬ ‫النبات والزروع والشجسسر‪ ,‬كيسسف يحيسسي بسسه ال الرض بعسسد‬ ‫موتها‪ ,‬فينبتها ويعشبها؟ إن الذي قَدَر على إحياء هذه الرض‬ ‫لمحيي الموتى‪ ,‬وهو على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫َوَلئِنْ َأرْسَ ْلنَا رِيا فَ َرَأوْهُ مُصْفَرّا لَظَلّوا مِنْ بَعْدِ ِه يَكْفُرُونَ (‪)51‬‬ ‫ولئن أرسلنا على زروعهم ونباتهم ريحًا مفسدة‪ ,‬فرأوا نباتهم‬ ‫قسد فسسد بتلك الريسح‪ ,‬فصسار مسن بعسد خضرتسه مصسفرًا‪ ,‬لمكثوا‬ ‫من بعد رؤيتهم له يكفرون بال ويجحدون نعمه‪.‬‬ ‫ك ل ُتسْ ِمعُ الْ َم ْوتَى وَل ُتسْ ِمعُ الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا َولّوْا مُ ْدِبرِينَ (‪)52‬‬ ‫َفِإنّ َ‬ ‫فإنسك ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬ل تسسمع مسن مات قلبسه‪ ,‬أو سسدّ أذنسه عسن‬ ‫سسسسسماع الحسسسسق‪ ,‬فل تجزع ول تحزن على عدم إيمان هؤلء‬ ‫المشركيسسن بسسك‪ ,‬فإنهسسم كالصسسم والموتسسى ل يسسسمعون‪ ,‬ول‬ ‫يشعرون ولو كانوا حاضريسسن‪ ,‬فكيسسف إذا كانوا غائبيسسن عنسسك‬ ‫مدبرين؟‬ ‫وَمَا َأنْتَ ِبهَادِي الْعُمْيِ عَ ْن ضَلَلِتهِمْ إِنْ تُسْ ِمعُ إِ ّل مَنْ ُيؤْمِنُ بِآيَاِتنَا َفهُمْ‬ ‫ُمسْلِمُونَ (‪)53‬‬ ‫‪1364‬‬

‫ومسا أنست ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬بمرشسد مَن أعماه ال عسن طريسق‬ ‫الهدى‪ ,‬مسسا تُسسسمع سسسماع انتفاع إل مَسن يؤمسسن بآياتنسسا‪ ,‬فهسسم‬ ‫خاضعون ممتثلون لمر ال‪.‬‬ ‫ف ُقوّةً ُثمّ جَعَلَ مِ نْ‬ ‫اللّ هُ الّذِي خَلَقَ ُك مْ مِ ْن ضَعْ فٍ ُثمّ جَعَلَ مِ نْ بَ ْعدِ ضَعْ ٍ‬ ‫بَعْ ِد ُقوّةٍ ضَعْفا وَ َشْيَبةً َيخْلُقُ مَا َيشَاءُ وَ ُهوَ الْعَلِي ُم الْقَدِيرُ (‪)54‬‬ ‫ال تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين‪ ,‬وهو النطفة‪,‬‬ ‫ثسم جعسل مسن بعسد ضعسف الطفولة قوة الرجولة‪ ,‬ثسم جعسل مسن‬ ‫بعسسد هذه القوة ضعسسف الكسسبر والهرم‪ ,‬يخلق ال مسسا يشاء مسسن‬ ‫الضعف والقوة‪ ,‬وهو العليم بخلقه‪ ,‬القادر على كل شيء‪.‬‬ ‫ك كَانُوا‬ ‫َوَيوْ مَ تَقُو ُم ال سّا َعةُ يُقْ سِ ُم الْ ُمجْرِمُو نَ مَا َلِبثُوا َغيْ َر سَا َعةٍ كَ َذلِ َ‬ ‫ُيؤْفَكُونَ (‪)55‬‬ ‫ويوم تجيسسء القيامسسة ويبعسسث ال الخلق مسسن قبورهسسم يقسسسم‬ ‫المشركون مسا مكثوا فسي الدنيسا غيسر فترة قصسيرة مسن الزمسن‪,‬‬ ‫كذبوا في قسمهم‪ ,‬كما كانوا يكذبون في الدنيا‪ ,‬وينكرون الحق‬ ‫الذي جاءت به الرسل‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ أُوتُوا الْعِ ْل َم وَالِيَا نَ لَقَدْ َلِبْثتُ ْم فِي ِكتَا بِ اللّ هِ ِإلَى َيوْ ِم اْلبَعْ ثِ‬ ‫‪1365‬‬

‫ث َولَ ِكنّكُمْ كُنتُ ْم ل تَعَْلمُونَ (‪)56‬‬ ‫َفهَذَا َيوْ ُم اْلبَعْ ِ‬ ‫وقال الذيسسن أوتوا العلم واليمان بال مسسن الملئكسسة والنسسبياء‬ ‫والمؤمنين‪ :‬لقد مكثتم فيما كتب ال مما سبق في علمه من يوم‬ ‫خُلقتسم إلى أن بُعثتسم‪ ,‬فهذا يوم البعسث‪ ,‬ولكنكسم كنتسم ل تعلمون‪,‬‬ ‫فأنكرتموه في الدنيا‪ ,‬وكذّبتم به‪.‬‬ ‫ستَ ْعَتبُونَ (‪)57‬‬ ‫َفَيوْ َمئِ ٍذ ل يَن َفعُ الّذِينَ ظَلَمُوا مَ ْع ِذ َرتُهُ ْم وَل هُ ْم ُي ْ‬ ‫فيوم القيامسسة ل ينفسسع الظالميسسن مسسا يقدمونسسه مسسن أعذار‪ ,‬ول‬ ‫يُطلب منهسسم إرضاء ال تعالى بالتوبسسة والطاعسسة‪ ,‬بسسل يُعاقبون‬ ‫بسيئاتهم ومعاصيهم‪.‬‬ ‫ض َرْبنَا لِلنّا سِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِ نْ كُلّ َمثَلٍ َوَلئِ نْ ِجْئَتهُ مْ بِآَيةٍ َليَقُولَنّ‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫الّذِينَ كَفَرُوا ِإنْ َأْنتُمْ إِلّ ُمبْطِلُونَ (‪)58‬‬ ‫ولقسد بينّاس للناس فسي هذا القرآن مِن كسل مثسل مسن أجسل إقامسة‬ ‫الحجسسة عليهسسم وإثبات وحدانيسسة ال جسسل وعل ‪ ،‬ولئن جئتهسسم‬ ‫أيهسسا الرسسسول‪ -‬بأي حجسسة تدل على صسسدقك ليقولَنّ الذيسسن‬‫كفروا بسك‪ :‬مسا أنتسم ‪-‬أيهسا الرسسول وأتباعسك‪ -‬إل مبطلون فيمسا‬ ‫تجيئوننا به من المور‪.‬‬

‫‪1366‬‬

‫ك يَ ْطبَعُ الّلهُ عَلَى قُلُوبِ الّذِينَ ل يَ ْعلَمُونَ (‪)59‬‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫ومثسل ذلك الختسم يختسم ال على قلوب الذيسن ل يعلمون حقيقسة‬ ‫مسسا تأتيهسسم بسسه ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬مسسن عنسسد ال مسسن هذه العسسبر‬ ‫واليات البينات‪.‬‬ ‫ك الّذِينَ ل يُوِقنُونَ (‪)60‬‬ ‫ستَخِ ّفنّ َ‬ ‫صبِرْ ِإنّ وَعْ َد الّلهِ حَقّ وَل َي ْ‬ ‫فَا ْ‬ ‫فاصبر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما ينالك مِن أذى قومك وتكذيبهم‬ ‫لك‪ ,‬إن ما وعدك ال به من نصر وتمكين وثواب حق ل شك‬ ‫فيسسه‪ ,‬ول يسسستف ّزنّك عسسن دينسسك الذيسسن ل يوقنون بالميعاد‪ ,‬ول‬ ‫يصدّقون بالبعث والجزاء‪.‬‬

‫‪ -31‬سورة لقمان‬ ‫ال (‪)1‬‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ب الْحَكِي ِم (‪)2‬‬ ‫ت الْ ِكتَا ِ‬ ‫تِ ْلكَ آيَا ُ‬ ‫‪1367‬‬

‫هذه اليات آيات القرآن ذي الحكمة البالغة‪.‬‬ ‫سنِيَ (‪)3‬‬ ‫حِ‬ ‫ُهدًى َورَ ْح َمةً لِلْ ُم ْ‬ ‫هذه اليات هدى ورحمة للذين أحسنوا العمل بما أنزل ال في‬ ‫القرآن‪ ,‬وما أمرهم به رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلةَ َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَهُ ْم بِالخِرَ ِة هُ ْم يُوِقنُونَ (‪)4‬‬ ‫الذيسسسسن يؤدون الصسسسسلة كاملة فسسسسي أوقاتهسسسسا ويؤتون الزكاة‬ ‫المفروضسة عليهسم لمسستحقيها‪ ,‬وهسم بالبعسث والجزاء فسي الدار‬ ‫الخرة يوقنون‪.‬‬ ‫ك هُمْ الْمُفِْلحُونَ (‪)5‬‬ ‫ك عَلَى هُدًى مِنْ َرّبهِمْ وَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك المتصفون بالصفات السابقة على بيان مِن ربهم ونور‪,‬‬ ‫وأولئك هم الفائزون في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫شتَرِي َل ْهوَ الْحَدِي ثِ ِليُضِلّ عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ بِ َغْيرِ عِ ْل مٍ‬ ‫وَمِ نْ النّا سِ مَ ْن َي ْ‬

‫ب ُم ِهيٌ (‪)6‬‬ ‫ك لَهُ ْم عَذَا ٌ‬ ‫َوَيتّخِذَهَا ُهزُوا أُوَلئِ َ‬ ‫‪1368‬‬

‫ومسن الناس مَن يشتري َلهْو الحديسث ‪ -‬وهسو كسل مسا يُلهسي عسن‬ ‫طاعسسة ال ويصسسد عسسن مرضاتسسه‪ -‬ليضلّ الناس عسسن طريسسق‬ ‫الهدى إلى طريسق الهوى‪ ,‬ويتخسذ آيات ال سسخرية‪ ,‬أولئك لهسم‬ ‫عذاب يهينهم ويخزيهم‪.‬‬ ‫ستَ ْكبِرا كَأَنْ لَمْ يَسْمَ ْعهَا كََأنّ فِي أُ ُذَنيْهِ وَقْرا‬ ‫وَِإذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَاُتنَا وَلّى مُ ْ‬ ‫َفَبشّرْهُ بِ َعذَابٍ َألِيمٍ (‪)7‬‬ ‫وإذا تتلى عليسسه آيات القرآن أعرض عسسن طاعسسة ال‪ ,‬وتكبّر‬ ‫غيسر معتسبر‪ ,‬كأنسه لم يسسمع شيئًا‪ ,‬كأَنّ فسي أذنيسه صسممًا‪ ,‬ومَن‬ ‫هذه حاله فبشّره ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬بعذاب مؤلم موجسع فسي النار‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫ت النّعِيمِ (‪)8‬‬ ‫ت َلهُمْ َجنّا ُ‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬ ‫إن الذيسسن آمنوا بال ورسسسوله وعملوا الصسسالحات التسسي أُمروا‬ ‫بها‪ ,‬أولئك لهم نعيم مقيم في الجنات‪.‬‬ ‫خَالِدِي َن فِيهَا وَعْدَ الّلهِ َحقّا وَ ُهوَ الْعَزِي ُز اْلحَكِيمُ (‪)9‬‬

‫‪1369‬‬

‫وحياتهسسسسم فسسسسي تلك الجنات حياة أبدي ٌة ل تنقطسسسسع ول تزول‪,‬‬ ‫وعدهم ال بذلك وعدًا حقًا‪ .‬وهو سبحانه ل يُخلف وعده‪ ,‬وهو‬ ‫العزيز في أمره‪ ,‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬ ‫خَلَ قَ ال سّ َموَاتِ بِ َغيْ ِر عَمَ ٍد تَ َر ْونَهَا وََألْقَى فِي ا َلرْ ضِ َروَا سِيَ أَ نْ تَمِي َد‬ ‫بِكُ ْم َوبَثّ فِيهَا مِ ْن كُلّ دَاّبةٍ وَأَن َزْلنَا مِ ْن ال سّمَاءِ مَاءً فََأْنَبْتنَا فِيهَا مِ نْ كُلّ‬ ‫َزوْجٍ كَ ِر ٍي (‪)10‬‬ ‫خلق ال السسموات‪ ,‬ورفعهسا بغيسر عمسد كمسا تشاهدونهسا‪ ,‬وألقسى‬ ‫فسسسسي الرض جبال ثابتسسسسة؛ لئل تضطرب وتتحرك فتفسسسسسد‬ ‫حياتكم‪ ,‬ونشر في الرض مختلف أنواع الدواب‪ ,‬وأنزلنا من‬ ‫السحاب مطرًا‪ ,‬فأنبتنا به من الرض من كل زوج بهيج نافع‬ ‫حسن المنظر‪.‬‬ ‫َهذَا خَلْقُ اللّهِ فََأرُونِي مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِ نْ دُونِ هِ بَ ْل الظّالِمُونَ فِي ضَللٍ‬ ‫ُمِبيٍ (‪)11‬‬ ‫وكسل مسا تشاهدونسه هسو خلق ال‪ ,‬فأرونسي‪ -‬أيهسا المشركون‪:-‬‬ ‫ماذا خلقست آلهتكسم التسي تعبدونهسا مسن دون ال؟ بسل المشركون‬ ‫في ذهاب بيّن عن الحق والستقامة‪.‬‬

‫‪1370‬‬

‫سهِ‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا لُقْمَا نَ اْلحِكْ َمةَ أَ نْ ا ْشكُرْ لِلّ هِ وَمَ ْن َيشْكُرْ َفِإنّمَا َيشْكُرُ ِلنَفْ ِ‬ ‫وَمَنْ كَفَ َر َفِإنّ اللّهَ َغِنيّ حَمِي ٌد (‪)12‬‬ ‫ولقسد أعطينسا عبدًا صسالحًا مسن عبادنسا (وهسو لقمان) الحكمسة‪,‬‬ ‫وهي الفقه في الدين وسلمة العقل والصابة في القول‪ ,‬وقلنا‬ ‫له‪ :‬اشكر ل نِ َعمَه عليك‪ ,‬ومَن يشكر لربه فإنما يعود َنفْع ذلك‬ ‫عليسه‪ ,‬ومسن جحسد نِعَمَه فإن ال غنسي عسن شكره‪ ,‬غيسر محتاج‬ ‫إليه‪ ,‬له الحمد والثناء على كل حال‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَ لُقْمَا نُ لْبنِ هِ وَ ُهوَ يَعِظُ هُ يَا ُبنَيّ ل ُتشْرِ ْك بِاللّ هِ ِإنّ الشّرْ َك لَظُلْ مٌ‬ ‫عَظِيمٌ (‪)13‬‬ ‫واذكسسر ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬نصسسيحة لقمان لبنسسه حيسسن قال له‬ ‫واعظًا‪ :‬يسا بنيّ ل تشرك بال فتظلم نفسسك؛ إن الشرك لعظسم‬ ‫الكبائر وأبشعها‪.‬‬ ‫صْينَا الِن سَانَ ِبوَالِ َديْ هِ حَمََلتْ هُ أُمّ هُ وَهْنا عَلَى وَهْ نٍ وَفِ صَاُلهُ فِي عَا َميْ نِ‬ ‫َووَ ّ‬ ‫َأنْ اشْ ُكرْ لِي وَِلوَالِ َدْيكَ ِإلَ ّي الْمَصِيُ ( ‪)14‬‬ ‫حمَلَتْه أمه ضعفًا‬ ‫وَأمَرْنا النسان ببرّ والديه والحسان إليهما‪َ ,‬‬ ‫على ضعسف‪ ,‬وحمله وفِطامسه عسن الرضاعسة فسي مدة عاميسن‪,‬‬ ‫‪1371‬‬

‫وقلنسا له‪ :‬اشكسر ل‪ ,‬ثسم اشكسر لوالديسك‪ ,‬إليّ المرجسع فأُجازي‬ ‫كُل بما يستحق‪.‬‬ ‫وَإِ نْ جَاهَدَا كَ عَلى أَ نْ ُتشْرِ كَ بِي مَا َليْ سَ لَ كَ بِ هِ عِلْ مٌ فَل تُطِ ْعهُمَا‬ ‫وَ صَا ِحْبهُمَا فِي ال ّدْنيَا مَعْرُوفا وَاّتبِ ْع َسبِي َل مَ نْ َأنَا بَ ِإلَيّ ثُمّ ِإلَيّ َمرْجِعُ ُك مْ‬ ‫فَُأَنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)15‬‬ ‫وإن جاهدك‪ -‬أيهسسا الولد المؤمسسن‪ -‬والداك على أن تشرك بسسي‬ ‫غيري فسسسي عبادتسسسك إياي ممسسسا ليسسسس لك بسسسه عِلم‪ ,‬أو أمراك‬ ‫بمعصسية مِن معاصي ال فل تطعهما؛ لنه ل طاعة لمخلوق‬ ‫فسي معصسية الخالق‪ ,‬وصساحبهما فسي الدنيسا بالمعروف فيمسا ل‬ ‫إثم فيه‪ ,‬واسلك‪ -‬أيها البن المؤمن‪ -‬طريق مَن تاب من ذنبه‪,‬‬ ‫ورجع إليّ وآمن برسولي محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم إليّ‬ ‫مرجعكسم‪ ,‬فأخسبركم بمسا كنتسم تعملونسه فسي الدنيسا‪ ,‬وأجازي كلّ‬ ‫عامل بعمله‪.‬‬ ‫صخْرَةٍ َأوْ فِي‬ ‫ك ِمثْقَالَ َحّبةٍ مِ نْ خَرْدَ ٍل َفتَكُ نْ فِي َ‬ ‫يَا ُبنَيّ ِإنّهَا إِ نْ َت ُ‬

‫ت ِبهَا اللّهُ ِإنّ الّلهَ لَطِيفٌ َخبِيٌ (‪)16‬‬ ‫السّ َموَاتِ َأوْ فِي ا َلرْضِ يَأْ ِ‬

‫يسا بنيّ اعلم أن السسيئة أو الحسسنة إن كانست قَدْر حبسة خردل‪-‬‬ ‫وهسي المتناهيسة فسي الصسغر‪ -‬فسي باطسن جبسل‪ ،‬أو فسي أي مكان‬ ‫‪1372‬‬

‫فسي السسموات أو فسي الرض‪ ,‬فإن ال يأتسي بهسا يوم القيامسة‪,‬‬ ‫ويحاسِب عليها‪ .‬إن ال لطيف بعباده خبير بأعمالهم‪.‬‬ ‫صبِرْ َعلَى مَا‬ ‫يَا ُبنَيّ أَِق ْم ال صّلةَ وَْأمُرْ بِالْمَعْرُو فِ وَانْ هَ عَ نْ الْمُنكَ ِر وَا ْ‬ ‫ك مِنْ عَ ْزمِ الُمُورِ (‪)17‬‬ ‫َأصَابَكَ ِإنّ َذلِ َ‬ ‫يا بنيّ أقم الصلة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها‪ ,‬وأْمر‬ ‫بالمعروف‪ ,‬وانْسه عسسن المنكسسر بلطف سٍ ولين سٍ وحكمسسة بحسسسب‬ ‫جهدك‪ ,‬وتحمّلس مسا يصسيبك مسن الذى مقابسل أمرك بالمعروف‬ ‫ونهيك عن المنكر‪ ,‬واعلم أن هذه الوصايا مما أمر ال به من‬ ‫المور التي ينبغي الحرص عليها‪.‬‬ ‫وَل تُصَعّرْ خَدّ َك لِلنّاسِ وَل تَمْشِ فِي ا َلرْضِ مَرَحا ِإنّ اللّهَ ل ُيحِبّ كُلّ‬ ‫ختَالٍ َفخُورٍ (‪)18‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫ول ُتمِلْ وجهك عن الناس إذا كلّمتهم أو كلموك؛ احتقارًا منك‬ ‫لهم واستكبارًا عليهم‪ ,‬ول تمش في الرض بين الناس مختال‬ ‫متبخترًا‪ ,‬إن ال ل يحسسب كسسل متكسسبر متباه فسسي نفسسسه وهيئتسسه‬ ‫وقوله‪.‬‬ ‫صوْتُ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫صوَا ِ‬ ‫ص ْوتِكَ إِنّ أَن َكرَ الَ ْ‬ ‫ك وَاغْضُ ضْ مِ نْ َ‬ ‫شيِ َ‬ ‫وَاقْ صِدْ فِي َم ْ‬ ‫‪1373‬‬

‫الْحَمِيِ (‪)19‬‬ ‫وتواضع في مشيك‪ ,‬واخفض من صوتك فل ترفعه‪ ,‬إن أقبح‬ ‫الصسسوات وأبغضهسسا لصسسوت الحميسسر المعروفسسة ببلدتهسسا‬ ‫وأصواتها المرتفعة‪.‬‬ ‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ وََأ ْسبَ َغ‬ ‫َألَ مْ َت َروْا أَنّ اللّ هَ َسخّرَ لَكُ مْ مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫عََليْكُ ْم نِعَمَ هُ ظَاهِرَةً َوبَا ِطنَةً وَمِ ْن النّا سِ مَ نْ ُيجَادِلُ فِي اللّ هِ بِ َغيْ ِر عِلْ ٍم وَل‬ ‫هُدًى وَل ِكتَابٍ ُمنِيٍ (‪)20‬‬ ‫ألم تروا‪ -‬أيهسسا الناس‪ -‬أن ال ذلّل لكسسم مسسا فسسي السسسموات مسسن‬ ‫الشمسس والقمسر والسسحاب وغيسر ذلك‪ ,‬ومسا فسي الرض مسن‬ ‫الدوابّ والشجسر والماء‪ ,‬وغيسر ذلك ممسا ل يحصسى‪ ,‬وعمّكسم‬ ‫بنعمسه الظاهرة على البدان والجوارح‪ ,‬والباطنسة فسي العقول‬ ‫والقلوب‪ ,‬ومسسا ادّخره لكسسم ممسسا ل تعلمونسسه؟ ومسسن الناس مَن‬ ‫يجادل في توحيد ال وإخلص العبادة له بغير حجة ول بيان‪,‬‬ ‫ول كتاب مبين يبيّن حقيقة دعواه‪.‬‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ مْ اّتبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا بَلْ َنّتبِ عُ مَا وَ َج ْدنَا َعَليْ هِ آبَا َءنَا َأوََلوْ‬ ‫شيْطَانُ يَدْعُوهُمْ ِإلَى َعذَابِ السّعِيِ (‪)21‬‬ ‫كَانَ ال ّ‬

‫‪1374‬‬

‫وإذا قيسسل لهؤلء المجادليسسن فسسي توحيسسد ال وإفراده بالعبادة‪:‬‬ ‫اتبعوا ما أنزل ال على نبيه محمد صلى ال عليه وسلم قالوا‪:‬‬ ‫بسسل نتبسسع مسسا كان عليسسه آباؤنسسا مسسن الشرك وعبادة الصسسنام‪,‬‬ ‫أيفعلون ذلك‪ ,‬ولو كان الشيطان يدعوهسسم؛ بتزيينسسه لهسسم سسسوء‬ ‫أعمالهم‪ ,‬وكفرهم بال إلى عذاب النار المستعرة؟‬ ‫وَمَ نْ يُ سْلِ ْم وَ ْجهَ هُ ِإلَى اللّ هِ وَ ُهوَ ُمحْ سِنٌ َفقَدِ ا ْستَ ْمسَكَ بِالْعُ ْروَةِ اْل ُوثْقَى‬

‫وَِإلَى الّلهِ عَاِقَبةُ الُمُورِ (‪)22‬‬

‫ومسن يُخْلص عبادتسه ل وقصسده إلى ربسه تعالى‪ ,‬وهسو محسسن‬ ‫فسي أقواله‪ ,‬متقسن لعماله‪ ,‬فقسد أخسذ بأوثسق سسبب موصسل إلى‬ ‫رضوان ال وجنتسسسسه‪ .‬وإلى ال وحده تصسسسسير كسسسسل المور‪,‬‬ ‫فيجازي المحسن على إحسانه‪ ,‬والمسيء على إساءته‪.‬‬ ‫ك كُفْرُ هُ ِإَليْنَا مَ ْرجِ ُعهُ ْم َفُنَنّبُئهُ ْم بِمَا عَمِلُوا إِنّ اللّ هَ‬ ‫وَمَ نْ كَفَ َر فَل َيحْ ُزنْ َ‬ ‫ت الصّدُورِ (‪)23‬‬ ‫عَلِي ٌم بِذَا ِ‬ ‫ومسسن كفسسر فل تأس سَ عليسسه ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬ول تحزن؛ لنسسك‬ ‫أدّيست مسا عليسك مسن الدعوة والبلغ‪ ,‬إلينسا مرجعهسم ومصسيرهم‬ ‫يوم القيامة‪ ,‬فنخبرهم بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا‪,‬‬ ‫ثسم نجازيهسم عليهسا‪ ,‬إن ال عليسم بمسا ُتكِنّهس صسدورهم مسن الكفسر‬ ‫بال وإيثار طاعة الشيطان‪.‬‬ ‫‪1375‬‬

‫نُ َمتّ ُع ُهمْ قَلِيلً ثُ ّم نَضْطَرّهُمْ ِإلَى َعذَابٍ َغلِيظٍ (‪)24‬‬ ‫نمتعهسم فسي هذه الدنيسا الفانيسة مدة قليلة‪ ,‬ثسم يوم القيامسة نُلجئهسم‬ ‫ونسوقهم إلى عذاب فظيع‪ ,‬وهو عذاب جهنم‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْ ضَ َليَقُولُنّ اللّ هُ قُلْ الْحَمْ ُد لِلّ هِ بَلْ‬ ‫َوَلئِ نْ سََأْلَتهُمْ مَ نْ خَلَ َق ال سّ َموَا ِ‬ ‫أَ ْكثَرُ ُهمْ ل يَ ْعلَمُونَ ( ‪)25‬‬ ‫ولئن سسألت ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬هؤلء المشركيسن بال‪ :‬مَن خلق‬ ‫السموات والرض؟ ليقولُنّ ال‪ ,‬فإذا قالوا ذلك فقل لهم‪ :‬الحمد‬ ‫ل الذي أظهسر السستدلل عليكسم مسن أنفسسكم‪ ,‬بسل أكثسر هؤلء‬ ‫المشركيسسسسن ل ينظرون ول يتدبرون مَسسسن الذي له الحمسسسسد‬ ‫والشكر‪ ,‬فلذلك أشركوا معه غيره‪.‬‬ ‫لِّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ ِإنّ الّلهَ ُهوَ الْ َغنِيّ اْلحَمِيدُ (‪)26‬‬ ‫ل‪ -‬سسسبحانه‪ -‬كسسل مسسا فسسي السسسموات والرض ملكًسا وعسسبيدًا‬ ‫وإيجادًا وتقديرًا‪ ,‬فل يسسسستحق العبادة أحسسسد غيره‪ .‬إن ال هسسسو‬ ‫الغني عن خلقه‪ ,‬له الحمد والثناء على كل حال‪.‬‬

‫‪1376‬‬

‫َوَلوْ َأنّمَا فِي ا َلرْ ضِ مِ نْ َشجَرَةٍ أَقْل ٌم وَاْلَبحْرُ يَ ُمدّ ُه مِ ْن بَعْدِ ِه َسبْ َعةُ َأْبحُرٍ‬ ‫مَا نَفِ َدتْ كَِلمَاتُ الّلهِ ِإنّ الّلهَ عَزِيزٌ حَكِي ٌم (‪)27‬‬ ‫ولو أن أشجار الرض كلهسسا بُريسست أقلمًا والبحسسر مداد لهسسا‪,‬‬ ‫ويُمَسد بسسسبعة أبحسسر أخرى‪ ,‬وكُتِسب بتلك القلم وذلك المداد‬ ‫كلمات ال‪ ,‬لتكسسسرت تلك القلم‪ ,‬ولنفِد ذلك المداد‪ ,‬ولم تنفسسد‬ ‫كلمات ال التامسسة التسسي ل يحيسسط بهسسا أحسسد‪ .‬إن ال عزيسسز فسسي‬ ‫انتقامه ممن أشرك به‪ ,‬حكيم في تدبير خلقه‪ .‬وفي الية إثبات‬ ‫صسسسفة الكلم ل‪ -‬تعالى‪ -‬حقيقسسسة كمسسسا يليسسسق بجلله وكماله‬ ‫سبحانه‪.‬‬ ‫مَا خَلْقُ ُكمْ وَل بَ ْعثُ ُكمْ إِلّ َكنَ ْفسٍ وَا ِحدَةٍ ِإنّ الّلهَ سَمِي ٌع بَصِيٌ (‪)28‬‬ ‫خ ْلقُكسسم‪ -‬أيهسسا الناس‪ -‬ول َبعْثُكسسم يوم القيامسسة فسسي السسسهولة‬ ‫مسسا َ‬ ‫واليسسر إل كخَلْق نفسس واحدة و َبعْثهسا‪ ,‬إن ال سسميع لقوالكسم‪,‬‬ ‫بصير بأعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫َألَ مْ َترَى أَنّ اللّ هَ يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ ُج النّهَارَ فِي الّليْلِ وَ َسخّ َر‬ ‫الشّمْسَ وَالْقَمَ َر كُلّ َيجْرِي ِإلَى َأجَلٍ مُسَمّى وََأنّ اللّهَ بِمَا تَ ْعمَلُونَ َخبِ ٌي (‬ ‫‪)29‬‬

‫‪1377‬‬

‫ألم تسر أن ال يأخسذ مسن سساعات الليسل‪ ,‬فيطول النهار‪ ,‬ويقصسر‬ ‫الليل‪ ,‬ويأخذ من ساعات النهار‪ ,‬فيطول الليل‪ ,‬ويقصر النهار‪,‬‬ ‫وذلّل لكسسم الشمسسس والقمسسر‪ ,‬يجري كسسل منهمسسا فسسي مداره إلى‬ ‫أجسسل معلوم محدد‪ ,‬وأن ال ُمطّلع على كسسل أعمال الخلق مِسن‬ ‫خير أو شر‪ ,‬ل يخفى عليه منها شيء؟‬ ‫ك بِأَنّ اللّ هَ ُه َو اْلحَقّ وَأَنّ مَا َيدْعُو نَ مِ نْ دُونِ هِ اْلبَاطِلُ وَأَنّ اللّ هَ ُهوَ‬ ‫َذلِ َ‬

‫الْعَلِيّ الْ َكبِيُ (‪)30‬‬

‫ذلك كله مسن عظيسم قدرتسي ; لتعلموا وتقروا أن ال هسو الحسق‬ ‫فسي ذاتسه وصسفاته‪ ,‬وأفعاله‪ ,‬وأن مسا يدعون مسن دونسه الباطسل‪,‬‬ ‫وأن ال هسسو العلي بذاتسسه و َقدْره وقهره فوق جميسسع مخلوقاتسسه‪,‬‬ ‫الكسبير على كسل شيسء‪ ,‬وكسل مسا عداه خاضسع له‪ ,‬فهسو وحده‬ ‫المستحق أن يُعبد دون مَن سواه‪.‬‬ ‫َألَ مْ َترَى َأنّ الْفُلْ كَ َتجْرِي فِي اْلَبحْرِ ِبنِعْ َم ِة اللّ هِ ِليُ ِريَكُ مْ مِ نْ آيَاتِ هِ ِإنّ فِي‬ ‫صبّارٍ شَكُورٍ (‪)31‬‬ ‫ك ليَاتٍ لِكُلّ َ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫ألم تسر‪ -‬أيهسا المشاهسد‪ -‬أن السسفن تجري فسي البحسر بأمسر ال‬ ‫نعمسة منسه على خلقسه؛ ليريكسم مسن عسبره وحججسه عليكسم مسا‬ ‫تعتسسبرون بسسه؟ إن فسسي جرْي السسسفن فسسي البحسسر لَدللت لكسسل‬ ‫صبّار عن محارم ال‪ ,‬شكور لنعمه‪.‬‬ ‫‪1378‬‬

‫صيَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا َنجّاهُمْ ِإلَى‬ ‫شَيهُ ْم َموْجٌ كَالظّلَلِ دَ َعوْا اللّهَ ُمخْلِ ِ‬ ‫وَِإذَا َغ ِ‬

‫الْبَ ّر فَ ِمْنهُ ْم مُ ْقتَصِ ٌد وَمَا َيجْحَ ُد بِآيَاِتنَا إِلّ كُلّ َختّارٍ كَفُورٍ (‪)32‬‬

‫وإذا ركسسب المشركون السسسفن وعََلتْهسسم المواج مِسن حولهسسم‬ ‫كالسسسسحب والجبال‪ ,‬أصسسسابهم الخوف والذعسسسر مسسسن الغرق‬ ‫ففزعوا إلى ال‪ ،‬وأخلصسسوا دعاءهسسم له‪ ،‬فلمسسا نجاهسسم إلى البر‬ ‫فمنهم متوسط لم يقم بشكر ال على وجه الكمال‪ ,‬ومنهم كافر‬ ‫بنعمسسة ال جاحسسد لهسسا‪ ,‬ومسسا يكفسسر بآياتنسسا وحججنسسا الدالة على‬ ‫كمال قدرتنسسا ووحدانيتنسسا إل كسسل غدّار ناقسسض للعهسسد‪ ,‬جحود‬ ‫لنعم ال عليه‪.‬‬ ‫شوْا َيوْما ل َيجْزِي وَالِدٌ عَ نْ َولَدِ ِه وَل‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ اتّقُوا َربّكُ مْ وَا ْخ َ‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا‬ ‫َم ْولُو ٌد ُهوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ َشيْئا ِإنّ وَعْ َد اللّهِ حَقّ فَل تَغُ ّرنّكُمْ اْل َ‬ ‫وَل يَغُ ّرنّ ُكمْ بِالّلهِ الْغَرُورُ (‪)33‬‬ ‫يسسا أيهسسا الناس اتقوا ربكسسم‪ ,‬وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب‬ ‫نواهيسه‪ ,‬واحذروا يوم القيامسة الذي ل يغنسي فيسه والد عسن ولده‬ ‫ول مولود عسن أبيسه شيئًا‪ ,‬إن وعسد ال حسق ل ريسب فيسه‪ ,‬فل‬ ‫تنخدعوا بالحياة الدنيسسسسا وزخرفهسسسسا فتنسسسسسيكم الخرى‪ ,‬ول‬ ‫يخدعنكم بال خادع من شياطين الجن والنس‪.‬‬ ‫‪1379‬‬

‫ِإنّ اللّهَ ِعْندَهُ عِ ْلمُ السّا َعةِ َوُينَزّلُ الْ َغيْثَ َويَعَْلمُ مَا فِي ا َلرْحَامِ وَمَا َت ْدرِي‬ ‫ب غَدا وَمَا تَ ْدرِي نَفْ سٌ بِأَيّ َأرْ ضٍ َتمُو تُ ِإنّ اللّ هَ عَلِي مٌ‬ ‫نَفْ سٌ مَاذَا تَكْ سِ ُ‬ ‫َخبِ ٌي (‪)34‬‬ ‫إن ال‪ -‬وحده ل غيره‪ -‬يعلم متسسسى تقوم السسسساعة؟ وهسسسو الذي‬ ‫ينزل المطر من السحاب‪ ,‬ل يقدر على ذلك أحد غيره‪ ,‬ويعلم‬ ‫ما في أرحام الناث‪ ,‬ويعلم ما تكسبه كل نفس في غدها‪ ,‬وما‬ ‫تعلم نفسس بأيّ أرض تموت‪ .‬بسل ال تعالى هسو المختسص بعلم‬ ‫ذلك جميعه‪ .‬إن ال عليم خبير محيط بالظواهر والبواطن‪ ,‬ل‬ ‫يخفى عليه شيء منها‪.‬‬

‫‪ -32‬سورة السجدة‬ ‫ال (‪)1‬‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)2‬‬ ‫تَنِيلُ الْ ِكتَابِ ل َريْبَ فِي ِه مِنْ رَ ّ‬

‫‪1380‬‬

‫هذا القرآن الذي جاء بسه محمسد صسلى ال عليسه وسسلم ل شسك‬ ‫أنه منزل من عند ال‪ ،‬رب الخلئق أجمعين‪.‬‬ ‫أَ ْم يَقُولُونَ ا ْفَترَاهُ بَ ْل ُهوَ الْحَقّ مِنْ َربّكَ ِلتُن ِذرَ َقوْما مَا َأتَاهُمْ مِنْ نَذِي ٍر مِنْ‬ ‫ك لَعَّلهُمْ َي ْهتَدُونَ (‪)3‬‬ ‫َقبْلِ َ‬ ‫بسسل أيقول المشركون‪ :‬اختلق محمسسد صسسلى ال عليسسه وسسسلم‬ ‫القرآن؟ كذَبوا‪ ,‬بسسل هسسو الحسسق الثابسست المنزل عليسسك ‪-‬أيهسسا‬ ‫الرسسول‪ -‬مسن ربسك; لتنذر بسه أناسسًا لم يأتهسم نذيسر مسن قبلك‪,‬‬ ‫لعلهسسم يهتدون‪ ,‬فيعرفوا الحسسق ويؤمنوا بسسه ويؤثروه‪ ,‬ويؤمنوا‬ ‫بك‪.‬‬ ‫اللّ هُ الّذِي خَلَ قَ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ وَمَا َبْيَنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ ثُمّ ا ْسَتوَى‬ ‫عَلَى الْعَ ْرشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُوِنهِ مِن َولِيّ وَل شَفِيعٍ أَفَل َتتَذَكّرُونَ (‪)4‬‬ ‫ال الذي خلق السسسموات والرض ومسسا بينهمسسا فسسي سسستة أيام‬ ‫لحكمسة يعلمهسا‪ ,‬وهسو قادر أن يخلقهسا بكلمسة "كسن" فتكون‪ ,‬ثسم‬ ‫استوى سبحانه وتعالى ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬على عرشه استواء‬ ‫يليق بجلله‪ ,‬ل يكيّف‪ ,‬ول يشبّه باستواء المخلوقين‪ .‬ليس لكم‬ ‫أيهسا الناس‪ -‬مسن وليّ يلي أموركسم‪ ,‬أو شفيسع يشفسع لكسم عنسد‬‫ال؛ لتنجوا مسن عذابسه‪ ,‬أفل تتعظون وتتفكرون ‪-‬أيهسا الناس‪,-‬‬ ‫فتُفردوا ال باللوهية وتُخلصوا له العبادة؟‬ ‫‪1381‬‬

‫يُ َدبّرُ الَمْ َر مِنْ السّمَاءِ ِإلَى ا َلرْضِ ثُ ّم يَعْ ُرجُ ِإَليْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ مِ ْقدَارُهُ‬

‫َألْفَ َسَنةٍ مِمّا تَ ُعدّونَ ( ‪)5‬‬

‫يدبر ال تعالى أَمْسر المخلوقات مسسن السسسماء إلى الرض‪ ,‬ثسسم‬ ‫يصسعد ذلك المسر والتدبيسر إلى ال فسي يوم مقداره ألف سسنة‬ ‫من أيام الدنيا التي تعدّونها‪.‬‬ ‫َذلِكَ عَالِمُ الْ َغيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)6‬‬ ‫ذلك الخالق المدبّر لشؤون العالميسن‪ ,‬عالم بكسل مسا يغيسب عسن‬ ‫البصسسار‪ ,‬ممسسا تُ ِكنّهسس الصسسدور وتخفيسسه النفوس‪ ,‬وعالم بمسسا‬ ‫شاهدته البصار‪ ,‬وهو القويّ الظاهر الذي ل يغالَب‪ ,‬الرحيم‬ ‫بعباده المؤمنين‪.‬‬ ‫الّذِي َأ ْحسَنَ كُلّ شَ ْيءٍ خَلَ َق ُه َوبَدَأَ خَلْقَ الِنسَانِ مِنْ ِطيٍ (‪)7‬‬ ‫ال الذي أحكسم خلق كسل شيسء‪ ,‬وبدأ خَلْقَس النسسان‪ ,‬وهسو آدم‬ ‫عليه السلم من طين‪.‬‬ ‫ثُمّ َجعَلَ َنسَْلهُ مِنْ سُلَلةٍ مِنْ مَاءٍ َم ِهيٍ (‪)8‬‬ ‫‪1382‬‬

‫ثم جعل ذرية آدم متناسلة من نطفة ضعيفة رقيقة مهينة‪.‬‬ ‫ثُمّ َسوّاهُ َونَ َف َخ فِي ِه مِ نْ رُوحِ هِ وَجَعَ َل لَكُ ْم ال سّمْ َع وَا َلبْ صَارَ وَالَ ْفئِدَةَ‬ ‫ل مَا َتشْكُرُونَ (‪)9‬‬ ‫قَلِي ً‬ ‫ثسم أتسم خلق النسسان وأبدعسه‪ ,‬وأحسسن خلقتسه‪ ,‬ونفسخ فيسه مِن‬ ‫روحسه بإرسسال الملك له؛ لينفسخ فيسه الروح‪ ,‬وجعسل لكسم ‪-‬أيهسا‬ ‫الناس‪ -‬نعمسسة السسسمع والبصسسار يُميّزسس بهسسا بيسسن الصسسوات‬ ‫واللوان والذوات والشخاص‪ ,‬ونعمسسة العقسسل يُميّز س بهسسا بيسسن‬ ‫الخير والشر والنافع والضار‪ .‬قليل ما تشكرون ربكم على ما‬ ‫أنعم به عليكم‪.‬‬ ‫وَقَالُوا َأئِذَا ضََللْنَا فِي الَرْ ضِ َأِئنّ ا لَفِي خَلْ قٍ جَدِي ٍد بَلْ هُ ْم بِلِقَاءِ َرّبهِ مْ‬ ‫كَافِرُونَ (‪)10‬‬ ‫وقال المشركون بال المكذبون بالبعسسث‪ :‬أإذا صسسارت لحومنسسا‬ ‫وعظامنا ترابًا في الرض أنُبعَث خلقًا جديدًا؟ يستبعدون ذلك‬ ‫غيسر طالبيسن الوصسول إلى الحسق‪ ,‬وإنمسا هسو منهسم ظلم وعناد؛‬ ‫لنهم بلقاء ربهم ‪-‬يوم القيامة‪ -‬كافرون‪.‬‬ ‫ت الّذِي وُكّلَ بِكُ ْم ثُمّ ِإلَى َربّكُ ْم تُ ْرجَعُو نَ (‬ ‫قُ ْل َيَتوَفّاكُ مْ مََل كُ الْ َموْ ِ‬ ‫‪1383‬‬

‫‪)11‬‬ ‫قسسل ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬لهؤلء المشركيسسن‪ :‬يتوفاكسسم ملك الموت‬ ‫الذي ُوكّلسس بكسسم‪ ,‬فيقبسسض أرواحكسسم إذا انتهسست آجالكسسم‪ ,‬ولن‬ ‫تتأخروا لحظسسة واحدة‪ ,‬ثسسم تُردّون إلى ربكسسم‪ ,‬فيجازيكسسم على‬ ‫جميع أعمالكم‪ :‬إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر‪.‬‬ ‫ص ْرنَا وَ َسمِ ْعنَا‬ ‫َولَوْ َترَى إِ ْذ الْ ُمجْرِمُو نَ نَاكِ سُوا ُرءُو ِسهِ ْم ِعنْ َد َربّهِ مْ َرّبنَا َأبْ َ‬ ‫فَارْجِ ْعنَا نَعْمَ ْل صَالِحا ِإنّا مُوِقنُونَ (‪)12‬‬ ‫ولو ترى ‪-‬أيهسا المخاطسب‪ -‬إذ المجرمون الذيسن أنكروا البعسث‬ ‫قد خفضوا رؤوسهم عند ربهم من الخزي والعار قائلين‪ :‬ربنا‬ ‫أبصرنا قبائحنا‪ ,‬وسمعنا منك تصديق ما كانت رسلك تأمرنا‬ ‫بسه فسي الدنيسا‪ ,‬وقسد ُتبْنسا إليسك‪ ,‬فارجعنسا إلى الدنيسا لنعمسل فيهسا‬ ‫بطاعتسك‪ ,‬إنسا قسد أيقنّاس الن مسا كنسا بسه فسي الدنيسا مكذبيسن مسن‬ ‫وحدانيتسسك‪ ,‬وأنسسك تبعسسث مسسن فسسي القبور‪ .‬ولو رأيسست ‪-‬أيهسسا‬ ‫الخاطب‪ -‬ذلك كله‪ ,‬لرأيت أمرًا عظيمًا‪ ,‬وخطبًا جسيمًا‪.‬‬ ‫لنّ َج َهنّمَ مِنْ‬ ‫س هُدَاهَا َولَكِنْ حَقّ الْ َقوْلُ ِمنّي لَمْ َ‬ ‫َوَلوْ ِشْئنَا لَتْينَا كُلّ نَ ْف ٍ‬ ‫جّنةِ وَالنّاسِ َأجْمَ ِعيَ (‪)13‬‬ ‫الْ ِ‬

‫‪1384‬‬

‫ولو شئنسسسا لتينسسسا هؤلء المشركيسسسن بال رشدهسسسم وتوفيقهسسسم‬ ‫لليمان‪ ,‬ولكسن حسق القول منسي ووجسب لملنّ جهنسم مسن أهسل‬ ‫جنّةسسس والناس أجمعيسسسن؛ وذلك‬ ‫الكفسسسر والمعاصسسسي‪ ,‬مسسسن ال ِ‬ ‫لختيارهم الضللة على الهدى‪.‬‬ ‫ب الْخُلْدِ‬ ‫َفذُوقُوا بِمَا نَ سِيتُمْ لِقَاءَ َيوْمِكُ مْ َهذَا ِإنّ ا نَ سِينَاكُمْ وَذُوقُوا َعذَا َ‬ ‫بِمَا ُكْنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)14‬‬ ‫يقال لهؤلء المشركيسن ‪-‬عنسد دخولهسم النار‪ :-‬فذوقوا العذاب؛‬ ‫بسسسبب غفلتكسسم عسسن الخرة وانغماسسسكم فسسي لذائذ الدنيسسا‪ ,‬إنسسا‬ ‫تركناكسسسسم اليوم فسسسسي العذاب‪ ,‬وذوقوا عذاب جهنسسسسم الذي ل‬ ‫ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بال ومعاصيه‪.‬‬ ‫ِإنّمَا ُيؤْمِ نُ بِآيَاتِنَا الّذِي نَ إِذَا ذُكّرُوا بِهَا َخرّوا ُسجّدا وَ َسّبحُوا ِبحَ ْمدِ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)15‬‬ ‫َرّبهِمْ وَهُمْ ل َي ْ‬ ‫إنمسا يصسدق بآيات القرآن ويعمسل بهسا الذيسن إذا وُعِظوا بهسا أو‬ ‫تُليست عليهسم سسجدوا لربهسم خاشعيسن مطيعيسن‪ ,‬وسسبّحوا ال فسي‬ ‫سجودهم بحمده‪ ,‬وهم ل يستكبرون عن السجود والتسبيح له‪,‬‬ ‫وعبادته وحده ل شريك له‪.‬‬

‫‪1385‬‬

‫ُمم َخوْفا َوطَمَعا وَمِمّام‬ ‫ُونم َرّبه ْ‬ ‫ِعم يَدْع َ‬ ‫َنم الْمَضَاج ِ‬ ‫ُمم ع ْ‬ ‫َتَتجَاف َى ُجنُوُبه ْ‬ ‫َرزَ ْقنَاهُ ْم يُنفِقُونَ (‪)16‬‬ ‫ترتفع جنوب هؤلء الذين يؤمنون بآيات ال عن فراش النوم‪,‬‬ ‫يتهجدون لربهسسم فسسي صسسلة الليسسل‪ ,‬يدعون ربهسسم خوفًسا مسسن‬ ‫العذاب وطمعًا فسي الثواب‪ ,‬وممسا رزقناهسم ينفقون فسي طاعسة‬ ‫ال وفي سبيله‪.‬‬ ‫فَل تَعْلَ مُ نَفْ سٌ مَا ُأخْفِ َي َلهُ ْم مِ نْ قُرّةِ أَ ْعيُ نٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُو نَ (‬

‫‪)17‬‬

‫فل تعلم نفس ما ادّخر ال لهؤلء المؤمنين مما َتقَرّ به العين‪,‬‬ ‫وينشرح له الصدر؛ جزاء لهم على أعمالهم الصالحة‪.‬‬ ‫سَتوُونَ (‪)18‬‬ ‫أَفَمَنْ كَانَ ُمؤْمِنا كَمَنْ كَانَ فَاسِقا ل َي ْ‬ ‫أفمن كان مطيعًا ل ورسوله مصدقًا بوعده ووعيده‪ ,‬مثل من‬ ‫كفر بال ورسله وكذب باليوم الخر؟ ل يستوون عند ال‪.‬‬ ‫أَمّا الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ فََلهُ مْ َجنّا تُ الْمَ ْأوَى نُزُلً ِبمَا كَانُوا‬

‫يَعْمَلُونَ (‪)19‬‬

‫‪1386‬‬

‫أمسسا الذيسسن آمنوا بال وعملوا بمسسا ُأمِروا بسسه فجزاؤهسسم جنات‬ ‫يأوون إليهسا‪ ,‬ويقيمون فسي نعيمهسا ضيافسة لهسم؛ جزا ًء لهسم بمسا‬ ‫كانوا يعملون في الدنيا بطاعته‪.‬‬ ‫وَأَمّ ا الّذِي نَ فَ سَقُوا فَمَ ْأوَاهُ مْ النّارُ كُلّمَا َأرَادُوا أَ نْ َيخْرُجُوا ِمنْهَا أُعِيدُوا‬ ‫ب النّارِ الّذِي ُكْنتُ ْم ِبهِ تُكَ ّذبُونَ (‪)20‬‬ ‫فِيهَا وَقِيلَ َلهُمْ ذُوقُوا عَذَا َ‬ ‫وأما الذين خرجوا عن طاعة ال وعملوا بمعاصيه فمستقرهم‬ ‫جهنسسم‪ ,‬كلمسسا أرادوا أن يخرجوا منهسسا أعيدوا فيهسسا‪ ,‬وقيسسل لهسسم‬ ‫توبيخا وتقريعا‪ :-‬ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون في‬‫الدنيا‪.‬‬ ‫َوَلنُذِي َقّنهُ مْ مِ ْن الْعَذَا بِ الَدْنَى دُو نَ الْعَذَا بِ الَ ْكبَ ِر لَعَّلهُ مْ يَ ْرجِعُو نَ (‬ ‫‪)21‬‬ ‫ولنذيقسسن هؤلء الفاسسسقين المكذبيسسن مسسن العذاب الدنسسى مسسن‬ ‫البلء والمحسن والمصسائب فسي الدنيسا قبسل العذاب الكسبر يوم‬ ‫القيامسة‪ ,‬حيسث يُعذّبون فسي نار جهنسم؛ لعلهسم يرجعون ويتوبون‬ ‫من ذنوبهم‪.‬‬ ‫ض َعنْهَا ِإنّ ا مِ نْ الْ ُمجْرِمِيَ‬ ‫ت َربّ هِ ثُمّ أَعْرَ َ‬ ‫وَمَ نْ َأظْلَ مُ ِممّ نْ ذُكّرَ بِآيَا ِ‬ ‫‪1387‬‬

‫مُنتَقِمُونَ (‪)22‬‬ ‫ول أحسد أشسد ظلمًا لنفسسه ممسن وعسظ بدلئل ال‪ ,‬ثسم أعرض‬ ‫عن ذلك كله‪ ,‬فلم يتعظ بمواعظه‪ ,‬ولكنه استكبر عنها‪ ,‬إنا من‬ ‫المجرميسن الذيسن أعرضوا عسن آيات ال وحججسه‪ ,‬ولم ينتفعوا‬ ‫بها‪ ,‬منتقمون‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ فَل تَكُ نْ فِي مِ ْرَيةٍ مِ ْن لِقَائِ هِ َوجَعَ ْلنَا هُ هُدًى‬ ‫ِلَبنِي ِإسْرَائِيلَ ( ‪)23‬‬ ‫ولقسد آتينسا موسسى التوراة كمسا آتيناك ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬القرآن‪,‬‬ ‫فل تكسسن فسسي شسسك مسسن لقاء موسسسى ليلة السسسراء والمعراج‪,‬‬ ‫وجعلنسا التوراة هدايسة لبنسي إسسرائيل‪ ,‬تدعوهسم إلى الحسق وإلى‬ ‫طريق مستقيم‪.‬‬ ‫صبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوِقنُو نَ (‬ ‫وَ َجعَلْنَا ِمْنهُ مْ َأئِ ّمةً َيهْدُو نَ بِأَمْرِنَا لَمّ ا َ‬ ‫‪)24‬‬ ‫وجعلنسسا مسسن بنسسي إسسسرائيل هداة ودعاة إلى الخيسسر‪ ,‬يأتمّ بهسسم‬ ‫الناس‪ ,‬ويدعونهسسسم إلى التوحيسسسد وعبادة ال وحده وطاعتسسسه‪,‬‬ ‫وإنمسا نالوا هذه الدرجسة العاليسة حيسن صسبروا على أوامسر ال‪,‬‬ ‫‪1388‬‬

‫وترك زواجره‪ ,‬والدعوة إليسسسه‪ ,‬وتحمّلسسس الذى فسسسي سسسسبيله‪,‬‬ ‫وكانوا بآيات ال وحججه يوقنون‪.‬‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)25‬‬ ‫ِإنّ َربّكَ ُهوَ يَفْصِ ُل َبْيَنهُمْ َيوْمَ الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َي ْ‬ ‫إن ربسك ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬يقضسي بيسن المؤمنيسن والكافريسن مسن‬ ‫بني إسرائيل وغيرهم يوم القيامة بالعدل فيما اختلفوا فيه من‬ ‫أمور الديسسسن‪ ,‬ويجازي كسسسل إنسسسسان بعمله بإدخال أهلِ الجنةِ‬ ‫الجنةَ وأهلِ النارِ النارَ‪.‬‬ ‫َأوَلَ مْ َيهْ ِد َلهُ مْ َك مْ أَهْلَ ْكنَا مِ ْن َقبِْلهِ مْ مِ نْ الْقُرُو نِ يَ ْمشُو نَ فِي مَ سَا ِكِنهِمْ‬ ‫ك ليَاتٍ أَفَل َيسْمَعُونَ (‪)26‬‬ ‫ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫أولم يتسبين لهؤلء المكذبيسن للرسسول‪ :‬كسم أهلكنسا مسن قبلهسم مسن‬ ‫المسم السسابقة يمشون فسي مسساكنهم‪ ,‬فيشاهدونهسا عِيانًا كقوم‬ ‫ل بهسسا‬ ‫هود وصسسالح ولوط؟ إن فسسي ذلك ليات وعظات يُسسستدَ ّ‬ ‫على صسدق الرسسل التسي جاءتهسم‪ ,‬وبطلن مسا هسم عليسه مسن‬ ‫الشرك‪ ,‬أفل يسسسسسمع هؤلء المكذبون بالرسسسسسل مواعسسسسظ ال‬ ‫وحججه‪ ,‬فينتفعون بها؟‬ ‫ق الْمَاءَ ِإلَى ا َلرْ ضِ الْجُ ُرزِ َفُنخْرِ جُ بِ هِ َزرْعا تَأْكُ ُل ِمنْ هُ‬ ‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّا نَ سُو ُ‬ ‫‪1389‬‬

‫سهُمْ أَفَل ُيبْصِرُونَ ( ‪)27‬‬ ‫َأنْعَا ُمهُمْ وَأَن ُف ُ‬ ‫أولم يسسر المكذبون بالبعسسث بعسسد الموت أننسسا نسسسوق الماء إلى‬ ‫الرض اليابسسة الغليظسة التسي ل نبات فيهسا‪ ,‬فنخرج بسه زرعًا‬ ‫مختلفًا ألوانسه تأكسل منسه أنعامهسم‪ ,‬وتتغذى بسه أبدانهسم فيعيشون‬ ‫بسسه؟ أفل يرون هذه النعسسم بأعينهسسم‪ ,‬فيعلموا أن ال الذي فعسسل‬ ‫ذلك قادر على إحياء الموات ونَشْرهم من قبورهم؟‬ ‫َويَقُولُونَ َمتَى هَذَا الْ َفتْحُ ِإنْ ُكْنتُ ْم صَادِِقيَ (‪)28‬‬ ‫يسسسستعجل هؤلء المشركون بال العذاب‪ ,‬فيقولون‪ :‬متسسسى هذا‬ ‫الحكسم الذي يقضسي بيننسا وبينكسم بتعذيبنسا على زعمكسم إن كنتسم‬ ‫صادقين في دعواكم؟‬ ‫قُ ْل َيوْمَ الْ َفتْحِ ل يَنفَ ُع الّذِينَ كَ َفرُوا إِيَاُنهُ ْم وَل هُ ْم ُينْظَرُونَ (‪)29‬‬ ‫قسسل لهسسم ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ :-‬يوم القضاء الذي يقسسع فيسسه عقابكسسم‪,‬‬ ‫وتعاينون فيسه الموت ل ينفسع الكفار إيمانهسم‪ ,‬ول هسم يؤخرون‬ ‫للتوبة والمراجعة‪.‬‬ ‫ض َعْنهُمْ وَاْنتَظِرْ ِإّنهُ ْم مُنتَظِرُونَ (‪)30‬‬ ‫َفأَعْرِ ْ‬ ‫‪1390‬‬

‫فأعرض ‪-‬أيهسسسا الرسسسسول‪ -‬عسسسن هؤلء المشركيسسسن‪ ,‬ول تبال‬ ‫بتكذيبهسسسم‪ ,‬وانتظسسسر مسسسا ال صسسسانع بهسسسم‪ ,‬إنهسسسم منتظرون‬ ‫ومتربصسسسون بكسسسم دوائر السسسسوء‪ ،‬فسسسسيخزيهم ال ويذلهسسسم‪،‬‬ ‫وينصرك عليهم‪ .‬وقد فعل فله الحمد والمنة‪.‬‬

‫‪ -33‬سورة الحزاب‬ ‫يَا َأيّهَا الّنبِيّ اتّ قِ اللّ هَ وَل تُطِ عْ الْكَافِرِي نَ وَالْ ُمنَافِقِيَ ِإنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما‬ ‫حَكِيما (‪)1‬‬ ‫يسسسا أيهسسسا النسسسبي دُم على تقوى ال بالعمسسسل بأوامره واجتناب‬ ‫محارمه‪ ,‬وليقتد بك المؤمنون؛ لنهم أحوج إلى ذلك منك‪ ,‬ول‬ ‫تطسسع الكافريسسن وأهسسل النفاق‪ .‬إن ال كان عليمًسا بكسسل شيسسء‪,‬‬ ‫حكيمًا في خلقه وأمره وتدبيره‪.‬‬ ‫وَاّتبِعْ مَا يُوحَى ِإَليْكَ مِ ْن َربّكَ ِإ ّن الّلهَ كَانَ بِمَا تَ ْعمَلُونَ َخبِيا (‪)2‬‬ ‫واتبع ما يوحى إليك من ربك من القرآن والسنة‪ ,‬إن ال مطّلِع‬ ‫على كسل مسا تعملون ومجازيكسم بسه‪ ,‬ل يخفسى عليسه شيسء مسن‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫‪1391‬‬

‫ل (‪)3‬‬ ‫َوَتوَكّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِي ً‬ ‫واعتمسد على ربسك‪ ,‬و َفوّضْس جميسع أمورك إليسه‪ ,‬وحسسبك بسه‬ ‫حافظًا لمن توكل عليه وأناب إليه‪.‬‬ ‫لئِي‬ ‫مَا جَعَلَ اللّ هُ لِ َرجُلٍ مِ نْ قَ ْلَبيْ نِ فِي َجوْفِ ِه وَمَا جَعَلَ َأ ْزوَا َجكُ مْ ال ّ‬ ‫تُظَاهِرُو نَ ِمْنهُنّ أُ ّمهَاتِكُ مْ وَمَا جَعَلَ َأدْ ِعيَاءَكُ مْ َأْبنَاءَكُ مْ َذلِ ُك مْ َق ْولُكُ مْ‬ ‫سبِيلَ (‪)4‬‬ ‫بِأَ ْفوَاهِكُمْ وَالّلهُ يَقُولُ الْحَقّ وَ ُهوَ َيهْدِي ال ّ‬

‫مسا جعسل ال لحسد مسن البشسر مسن قلبيسن فسي صسدره‪ ,‬ومسا جعسل‬ ‫زوجاتكسسم اللتسسي تظاهرون منهسسن (فسسي الحرمسسة) كحرمسسة‬ ‫أمهاتكسم (والظهار أن يقول الرجسل لمرأتسه‪ :‬أنست عليّ كظهسر‬ ‫أمي‪ ,‬وقد كان هذا طلقًا في الجاهلية‪ ,‬فبيّن ال أن الزوجة ل‬ ‫تصسسير ُأمّاسس بحال) ومسسا جعسسل ال الولد الم َتبَ ّنيْنسَس أبناء فسسي‬ ‫الشرع‪ ,‬بسسل إن الظهار والتبنسسي ل حقيقسسة لهمسسا فسسي التحريسسم‬ ‫البدي‪ ,‬فل تكون الزوجسة المظاهَر منهسا كالم فسي الحرمسة‪,‬‬ ‫ول يثبست النسسب بالتبنسي مسن قول الشخسص للدّعِيّ‪ :‬هذا ابنسي‪,‬‬ ‫فهسسو كلم بالفسسم ل حقيقسسة له‪ ,‬ول يُعتَ ّد بسسه‪ ,‬وال سسسبحانه يقول‬ ‫الحق ويبيّن لعباده سبيله‪ ,‬ويرشدهم إلى طريق الرشاد‪.‬‬ ‫ادْعُوهُ ْم لبَاِئهِمْ ُهوَ َأقْسَطُ ِعنْ َد اللّهِ َفإِنْ لَمْ تَعَْلمُوا آبَاءَهُمْ َفإِ ْخوَانُكُ ْم فِي‬ ‫‪1392‬‬

‫الدّي نِ وَ َموَالِيكُ مْ َوَليْ سَ عََليْ ُك مْ ُجنَا حٌ فِيمَا َأخْطَ ْأتُ مْ بِ ِه وَلَكِ نْ مَا تَعَمّ َد تْ‬ ‫قُلُوبُكُ ْم وَكَانَ الّلهُ غَفُورا رَحِيما (‪)5‬‬ ‫انسسسبوا أدعياءكسسم لبائهسسم‪ ,‬هسسو أعدل وأقوم عنسسد ال‪ ,‬فإن لم‬ ‫تعلموا آباءهسسسم الحقيقييسسسن فادعوهسسسم إذًا بأخوّة الديسسسن التسسسي‬ ‫تجمعكسم بهسم‪ ,‬فإنهسم إخوانكسم فسي الديسن ومواليكسم فيسه‪ ,‬وليسس‬ ‫عليكم إثم فيما وقعتم فيه من خطأ لم تتعمدوه‪ ,‬وإنما يؤاخذكم‬ ‫ال إذا تعمدتسم ذلك‪ .‬وكان ال غفورًا لمسن أخطسأ‪ ,‬رحيمًا لمسن‬ ‫تاب من ذنبه‪.‬‬ ‫َامم‬ ‫ُهمأُ ّمهَاتُهُم ْم وَُأ ْولُو ا َلرْح ِ‬ ‫ِنمَأنْفُسِمهِ ْم وََأ ْزوَاج ُ‬ ‫الّنبِيّ َأ ْولَى بِالْ ُمؤْ ِمنِيَ م ْ‬ ‫ضهُ مْ َأ ْولَى ِببَعْ ضٍ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ مِ نْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمهَاجِرِي نَ إِلّ أَ نْ‬ ‫بَعْ ُ‬ ‫تَفْعَلُوا ِإلَى َأ ْوِليَائِكُ ْم مَعْرُوفا كَانَ َذلِكَ فِي الْ ِكتَابِ َمسْطُورا (‪)6‬‬ ‫النبي محمد صلى ال عليه وسلم أولى بالمؤمنين‪ ,‬وأقرب لهم‬ ‫من أنفسهم في أمور الدين والدنيا‪ ,‬وحرمة أزواج النبي صلى‬ ‫ال عليسسه وسسسلم على ُأمّتسسه كحرمسسة أمهاتهسسم‪ ,‬فل يجوز نكاح‬ ‫زوجات الرسول صلى ال عليه وسلم من بعده‪ .‬وذوو القرابة‬ ‫مسسن المسسسلمين بعضهسسم أحسسق بميراث بعسسض فسسي حكسسم ال‬ ‫وشرعسسه مسسن الرث باليمان والهجرة (وكان المسسسلمون فسسي‬ ‫أول السلم يتوارثون بالهجرة واليمان دون الرحم‪ ,‬ثم نُسخ‬ ‫ذلك بآيسة المواريسث) إل أن تفعلوا ‪-‬أيهسا المسسلمون‪ -‬إلى غيسر‬ ‫الورثسة معروفًا بالنصسر والبر والصسلة والحسسان والوصسية‪,‬‬ ‫‪1393‬‬

‫كان هذا الحكسسسم المذكور مقدّرًا مكتوبًسسا فسسسي اللوح المحفوظ‪,‬‬ ‫فيجسب عليكسم العمسل بسه‪ .‬وفسي اليسة وجوب كون النسبي صسلى‬ ‫ال عليسسه وسسسلم أحبّس إلى العبسسد مسسن نفسسسه‪ ,‬ووجوب كمال‬ ‫النقياد له‪ ,‬وفيهسسا وجوب احترام أمهات المؤمنيسسن‪ ,‬زوجاتسسه‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأن من سبّهن فقد باء بالخسران‪.‬‬ ‫ِيمم وَمُوسمَى‬ ‫ِنمنُوحٍم وَِإبْرَاه َ‬ ‫ْكم وَم ْ‬ ‫ُمم وَ ِمن َ‬ ‫ِنم النِّبيّيَ مِيثَاَقه ْ‬ ‫وَِإذْ َأخَذْنَا م ْ‬

‫وَعِيسَى ابْنِ مَ ْريَ َم وَأَ َخ ْذنَا ِمْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا (‪)7‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حين أخذنا من النبيين العهد المؤكد بتبليغ‬ ‫الرسسسالة‪ ,‬وأخذنسسا الميثاق منسسك ومسسن نوح وإبراهيسسم وموسسسى‬ ‫وعيسسسسى ابسسسن مريسسسم (وهسسسم أولو العزم مسسسن الرسسسسل على‬ ‫المشهور)‪ ,‬وأخذنسسا منهسسم عهدًا مؤكدًا بتبليسسغ الرسسسالة وأداء‬ ‫المانة‪ ,‬وأن يُصَدّق بعضهم بعضًا‪.‬‬ ‫ي عَنْ صِدِْقهِ ْم وَأَعَ ّد لِلْكَافِرِينَ َعذَابا َألِيما (‪)8‬‬ ‫ِلَيسْأَلَ الصّادِِق َ‬ ‫(أخسذ ال ذلك العهسد مسن أولئك الرسسل) ليسسأل المرسسلين عمّاس‬ ‫أجابتهم به أممهم‪ ,‬فيجزي ال المؤمنين الجنة‪ ,‬وأعد للكافرين‬ ‫يوم القيامة عذابًا شديدًا في جهنم‪.‬‬

‫‪1394‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اذْكُرُوا نِ ْع َمةَ اللّ هِ عََليْ ُك مْ إِذْ جَا َءتْكُ مْ ُجنُودٌ َفَأرْ سَ ْلنَا‬ ‫عََلْيهِمْ رِيا وَ ُجنُودا لَ ْم تَ َروْهَا وَكَانَ الّلهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيا (‪)9‬‬ ‫يسا معشسر المؤمنيسن اذكروا نعمسة ال تعالى التسي أنعمهسا عليكسم‬ ‫فسسسي "المدينسسسة" أيام غزوة الحزاب ‪-‬وهسسسي غزوة الخندق‪,-‬‬ ‫حيسن اجتمسع عليكسم المشركون مسن خارج "المدينسة"‪ ,‬واليهود‬ ‫والمنافقون مسن "المدينسة" ومسا حولهسا‪ ,‬فأحاطوا بكسم‪ ,‬فأرسسلنا‬ ‫على الحزاب ريحًا شديدة اقتلعست خيامهسم ورمست قدورهسم‪,‬‬ ‫وأرسسسلنا ملئكسسة مسسن السسسماء لم تروهسسا‪ ,‬فوقسسع الرعسسب فسسي‬ ‫قلوبهسم‪ .‬وكان ال بمسا تعملون بصسيرًا‪ ,‬ل يخفسى عليسه مسن ذلك‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫إِذْ جَاءُوكُ ْم مِ نْ َفوِْقكُ مْ وَمِ نْ أَ سْفَ َل ِمنْكُ ْم وَإِ ْذ زَاغَ تْ ا َلبْ صَارُ َوبَلَ َغ تْ‬ ‫حنَاجِ َر َوتَ ُظنّونَ بِالّلهِ ال ّظنُونَ (‪)10‬‬ ‫الْقُلُوبُ الْ َ‬ ‫اذكروا إذ جاؤوكسسم مِسن فوقكسسم مسسن أعلى الوادي مسسن جهسسة‬ ‫المشرق‪ ,‬ومن أسفل منكم من بطن الوادي من جهة المغرب‪,‬‬ ‫حيْرة والدهشسسة‪ ,‬وبلغسست‬ ‫وإذ شخصسست البصسسار مسسن شدة ال َ‬ ‫القلوب الحناجسسر مسسن شدة الرعسسب‪ ,‬وغلب اليأس المنافقيسسن‪,‬‬ ‫وكثرت القاويسل‪ ,‬وتظنون بال الظنون السسيئة أنسه ل ينصسسر‬ ‫دينه‪ ,‬ول يعلي كلمته‪.‬‬

‫‪1395‬‬

‫ُهنَالِكَ اْبتُلِ َي الْ ُمؤْ ِمنُونَ َوزُلْ ِزلُوا ِزلْزَالً شَدِيدا (‪)11‬‬ ‫فسسي ذلك الموقسسف العصسسيب اختُبر إيمان المؤمنيسسن ومُحّص س‬ ‫القوم‪ ,‬وعُرف المؤمسسن مسسن المنافسسق‪ ,‬واضطربوا اضطرابًسا‬ ‫شديدًا بالخوف والقلق; ليتبين إيمانهم ويزيد يقينهم‪.‬‬ ‫وَِإذْ يَقُولُ الْ ُمنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوِبهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَ َدنَا اللّهُ َورَسُوُلهُ إِلّ‬ ‫غُرُورا (‪)12‬‬ ‫وإذ يقول المنافقون والذيسسن فسسي قلوبهسسم شسسك‪ ,‬وهسسم ضعفاء‬ ‫اليمان‪ :‬ما وعدنا ال ورسوله من النصر والتمكين إل باطل‬ ‫من القول وغرورًا‪ ,‬فل تصدقوه‪.‬‬ ‫ستَأْ ِذنُ‬ ‫ت طَائِ َفةٌ ِمْنهُ ْم يَا أَهْلَ َيثْ ِر بَ ل مُقَا مَ لَكُ ْم فَارْجِعُوا َويَ ْ‬ ‫وَِإذْ قَالَ ْ‬ ‫فَرِي ٌق ِمْنهُ مْ الّنبِيّ يَقُولُو نَ ِإنّ ُبيُوتَنَا َع ْورَةٌ وَمَا هِ َي بِ َع ْورَةٍ إِ نْ يُرِيدُو نَ إِلّ‬

‫فِرَارا (‪)13‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين‬ ‫مسسن أهسسل "المدينسسة"‪ :‬يسسا أهسسل "يثرب" (وهسسو السسسم القديسسم‬ ‫"للمدينسة") ل إقامسة لكسم فسي معركسة خاسسرة‪ ,‬فارجعوا إلى‬ ‫منازلكسم داخسل "المدينسة"‪ ,‬ويسستأذن فريسق آخسر مسن المنافقيسن‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها‬ ‫‪1396‬‬

‫غيسر محصسنة‪ ,‬فيخشون عليهسا‪ ,‬والحسق أنهسا ليسست كذلك‪ ,‬ومسا‬ ‫قصدوا بذلك إل الفرار من القتال‪.‬‬ ‫ت عََلْيهِ مْ مِ نْ أَقْطَارِهَا ثُمّ ُسئِلُوا الْ ِفْتنَةَ لَتوْهَا وَمَا تََلّبثُوا ِبهَا إِلّ‬ ‫َوَلوْ ُدخِلَ ْ‬ ‫َيسِيا (‪)14‬‬ ‫ولو دخسسل جيسسش الحزاب "المدينسسة" مسسن جوانبهسسا‪ ,‬ثسسم سسسئل‬ ‫هؤلء المنافقون الشرك بال والرجوع عسسن السسسلم‪ ,‬لجابوا‬ ‫إلى ذلك مبادرين‪ ,‬وما تأخروا عن الشرك إل يسيرًا‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫َانم َعهْ ُد الل ِ‬ ‫ّونم الَ ْدبَارَ وَك َ‬ ‫ِنم َقبْ ُل ل ُي َول َ‬ ‫ّهم م ْ‬ ‫َولَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا الل َ‬

‫سئُولً (‪)15‬‬ ‫َم ْ‬

‫ولقد كان هؤلء المنافقون عاهدوا ال على يد رسوله من قبل‬ ‫غزوة الخندق‪ ,‬ل يفرّون إن شهدوا الحرب‪ ,‬ول يتأخرون إذا‬ ‫دعوا إلى الجهاد‪ ,‬ولكنهسم خانوا عهدهسم‪ ,‬وسسيحاسبهم ال على‬ ‫ذلك‪ ,‬ويسسألهم عسن ذلك العهسد‪ ,‬وكان عهسد ال مسسؤول عنسه‪,‬‬ ‫سبًا عليه‪.‬‬ ‫محا َ‬ ‫قُ ْل لَ نْ َينْفَعَكُ ْم الْفِرَارُ إِ نْ فَ َر ْرتُ ْم مِ نْ الْ َموْ تِ َأوْ الْ َقتْلِ وَإِذا ل ُت َمتّعُو نَ إِلّ‬ ‫ل (‪)16‬‬ ‫قَلِي ً‬ ‫‪1397‬‬

‫قسسل ‪-‬أيهسسا النسسبي‪ -‬لهؤلء المنافقيسسن‪ :‬لن ينفعكسسم الفرار مسسن‬ ‫المعركة خوفًا من الموت أو القتل; فإن ذلك ل يؤخر آجالكم‪,‬‬ ‫وإن فررتسسسم فلن تتمتعوا فسسسي هذه الدنيسسسا إل بقدر أعماركسسسم‬ ‫المحدودة‪ ,‬وهو زمن يسير جدًا بالنسبة إلى الخرة‪.‬‬ ‫صمُكُ ْم مِ نْ اللّ هِ إِ نْ َأرَا َد بِكُ ْم سُوءا َأوْ َأرَادَ ِبكُ مْ‬ ‫قُ ْل مَ نْ ذَا الّذِي يَعْ ِ‬ ‫رَحْ َمةً وَل َيجِدُونَ َلهُمْ مِنْ دُونِ الّلهِ َولِيّا وَل نَصِيا (‪)17‬‬ ‫قسل ‪-‬أيهسا النسبي‪ -‬لهسم‪ :‬مَن ذا الذي يمنعكسم مسن ال‪ ,‬أو يجيركسم‬ ‫مِسن عذابسسه‪ ,‬إن أراد بكسسم سسسوءًا‪ ,‬أو أراد بكسسم رحمسسة‪ ,‬فإنسسه‬ ‫المعطسي المانسع الضارّ النافسع؟ ول يجسد هؤلء المنافقون لهسم‬ ‫من دون ال وليّا يواليهم‪ ,‬ول نصيرًا ينصرهم‪.‬‬ ‫َقدْ يَعَْل مُ اللّ هُ الْمُ َعوّقِيَ ِمنْكُ ْم وَالْقَائِلِيَ لِ ْخوَاِنهِ مْ َهلُمّ ِإَليْنَا وَل يَ ْأتُو نَ‬ ‫الْبَأْسَ إِلّ َقلِيلً (‪)18‬‬ ‫إن ال يعلم المثبطيسسن عسسن الجهاد فسسي سسسبيل ال‪ ,‬والقائليسسن‬ ‫لخوانهسسم‪ :‬تعالوا وانضموا إلينسسا‪ ,‬واتركوا محمدًا‪ ,‬فل تشهدوا‬ ‫معه قتال؛ فإنا نخاف عليكم الهلك بهلكه‪ ,‬وهم مع تخذيلهم‬ ‫هذا ل يأتون القتال إل نادرًا؛ رياء وسمعة وخوف الفضيحة‪.‬‬

‫‪1398‬‬

‫ُمم‬ ‫ْكم تَدُورُ أَ ْعُيُنه ْ‬ ‫ُونم ِإَلي َ‬ ‫ُمم َينْظُر َ‬ ‫ْفم رََأْيَته ْ‬ ‫ُمم َفإِذَا جَاءَ اْلخَو ُ‬ ‫حةً عََليْك ْ‬ ‫أَ ِش ّ‬ ‫سَنةٍ حِدَادٍ‬ ‫ف َسلَقُوكُمْ بَِألْ ِ‬ ‫خوْ ُ‬ ‫ب الْ َ‬ ‫كَالّذِي يُ ْغشَى عََلْيهِ مِ ْن الْ َموْتِ َفإِذَا ذَ َه َ‬ ‫ط اللّهُ أَعْمَاَلهُمْ وَكَانَ َذلِكَ َعلَى‬ ‫خيْرِ ُأ ْوَلئِكَ لَ ْم ُيؤْ ِمنُوا فَأَ ْحبَ َ‬ ‫حةً عَلَى الْ َ‬ ‫أَ ِش ّ‬ ‫اللّهِ َيسِيا (‪)19‬‬ ‫بُخَلء عليكسم ‪-‬أيهسا المؤمنون‪ -‬بالمال والنفسس والجهسد والمودة‬ ‫لمسا فسي نفوسسهم مسن العداوة والحقسد؛ حبًا فسي الحياة وكراهسة‬ ‫للموت‪ ,‬فإذا حضسسسسر القتال خافوا الهلك ورأيتهسسسسم ينظرون‬ ‫إليسك‪ ,‬تدور أعينهسم لذهاب عقولهسم؛ خوفًا مسن القتسل وفرارًا‬ ‫منسسه كدوران عيسسن مَسن حضره الموت‪ ,‬فإذا انتهسست الحرب‬ ‫وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية‪ ,‬وتراهم عند قسمة‬ ‫الغنائم بخلء وحسسسدة‪ ,‬أولئك لم يؤمنوا بقلوبهسسم‪ ,‬فأذهسسب ال‬ ‫ثواب أعمالهم‪ ,‬وكان ذلك على ال يسيرًا‪.‬‬ ‫ت الَحْزَا بُ َيوَدّوا َلوْ َأّنهُ ْم بَادُو نَ‬ ‫سبُونَ الَ ْحزَا بَ لَ ْم يَذْ َهبُوا وَإِ نْ يَأْ ِ‬ ‫َيحْ َ‬ ‫فِي الَعْرَا بِ يَ سَْألُونَ عَ نْ َأْنبَائِكُ ْم َوَلوْ كَانُوا فِي ُك ْم مَا قَاتَلُوا إِلّ َقلِيلً (‬ ‫‪)20‬‬ ‫يظسسسن المنافقون أن الحزاب الذيسسسن هزمهسسسم ال تعالى شسسسر‬ ‫هزيمسسسة لم يذهبوا؛ ذلك مسسسن شدة الخوف والجبسسسن‪ ,‬ولو عاد‬ ‫الحزاب إلى "المدينسسسة" لتمنّىسسس أولئك المنافقون أنهسسسم كانوا‬ ‫غائبيسن عسن "المدينسة" بيسن أعراب الباديسة‪ ,‬يسستخبرون عسن‬ ‫‪1399‬‬

‫أخباركسم ويسسألون عن أنبائكسم‪ ,‬ولو كانوا فيكسم مسا قاتلوا معكسم‬ ‫إل قليل لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم‪.‬‬ ‫سَنةٌ لِمَ نْ كَا نَ َيرْجُو اللّ هَ وَاْليَوْ مَ‬ ‫لَقَ ْد كَا نَ لَكُ ْم فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْسوَةٌ حَ َ‬ ‫الخِ َر وَذَكَ َر الّلهَ َكثِيا (‪)21‬‬ ‫لقسد كان لكسم ‪-‬أيهسا المؤمنون‪ -‬فسي أقوال رسسول ال صسلى ال‬ ‫عليسه وسسلم وأفعاله وأحواله قدوة حسسنة تتأسسون بهسا‪ ,‬فالزموا‬ ‫سسسنته‪ ,‬فإنمسسا يسسسلكها ويتأسسسى بهسسا مَن كان يرجسسو ال واليوم‬ ‫الخر‪ ,‬وأكثرَ مِن ذكر ال واستغفاره‪ ,‬وشكره في كل حال‪.‬‬ ‫َولَمّا رَأَى الْ ُمؤْ ِمنُو نَ الَ ْحزَا بَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَ َدنَا اللّ هُ وَرَ سُوُلهُ وَ صَدَقَ‬ ‫اللّهُ َورَسُوُلهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلّ إِيَانا َوَتسْلِيما (‪)22‬‬ ‫ولمّاس شاهسد المؤمنون الحزاب الذيسن تحزّبوا حول "المدينسة"‬ ‫وأحاطوا بهسا‪ ,‬تذكروا أن موعسد النصسر قسد قرب‪ ,‬فقالوا‪ :‬هذا‬ ‫مسا وعدنسا ال ورسسوله‪ ,‬مسن البتلء والمحنسة والنصسر‪ ,‬فأنجسز‬ ‫ال وعده‪ ,‬وصدق رسوله فيما بشّر به‪ ,‬وما زادهم النظر إلى‬ ‫الحزاب إل إيمانًا بال وتسليمًا لقضائه وانقيادًا لمره‪.‬‬ ‫حبَ هُ‬ ‫مِ نْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ هَ َعَليْ هِ َف ِمْنهُ ْم مَ ْن قَضَى َن ْ‬ ‫‪1400‬‬

‫ل (‪)23‬‬ ‫وَ ِمْنهُمْ مَنْ َيْنتَظِ ُر وَمَا بَ ّدلُوا َتبْدِي ً‬ ‫مسن المؤمنيسن رجال أوفوا بعهودهسم مسع ال تعالى‪ ,‬وصسبروا‬ ‫على البأسساء والضراء وحيسن البأس‪ :‬فمنهسم مسن وَفّىس بنذره‪،‬‬ ‫فاسستشهد فسي سسبيل ال‪ ،‬أو مات على الصسدق والوفاء‪ ,‬ومنهسم‬ ‫مَن ينتظسسر إحدى الحسسسنيين‪ :‬النصسسر أو الشهادة‪ ,‬ومسسا غيّروا‬ ‫عهد ال‪ ,‬ول نقضوه ول بدّلوه‪ ,‬كما غيّر المنافقون‪.‬‬ ‫ب الْ ُمنَافِقِيَ إِ نْ شَاءَ َأ ْو َيتُو بَ‬ ‫ي اللّ هُ ال صّادِِقيَ بِ صِدِْق ِهمْ َويُعَذّ َ‬ ‫ِلَيجْزِ َ‬

‫عََلْيهِمْ ِإنّ الّلهَ كَانَ غَفُورا َرحِيما (‪)24‬‬

‫ليثيب ال أهل الصدق بسبب صدقهم وبلئهم وهم المؤمنون‪,‬‬ ‫ويعذب المنافقيسسسن إن شاء تعذيبهسسسم‪ ,‬بأن ل يوفقهسسسم للتوبسسسة‬ ‫النصوح قبل الموت‪ ,‬فيموتوا على الكفر‪ ,‬فيستوجبوا النار‪ ,‬أو‬ ‫يتوب عليهسسم بأن يوفقهسسم للتوبسسة والنابسسة‪ ,‬إن ال كان غفورًا‬ ‫لذنوب المسسسرفين على أنفسسسهم إذا تابوا‪ ,‬رحيمًسا بهسسم; حيسسث‬ ‫وفقهم للتوبة النصوح‪.‬‬ ‫َورَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِ َغيْ ِظهِمْ لَمْ َينَالُوا َخيْرا وَكَفَى اللّهُ الْ ُمؤْ ِمنِيَ الْ ِقتَالَ‬ ‫وَكَانَ الّلهُ َق ِويّا َعزِيزا (‪)25‬‬

‫‪1401‬‬

‫وردّ ال أحزاب الكفسسسر عسسسن "المدينسسسة" خائبيسسسن خاسسسسرين‬ ‫مغتاظيسن‪ ,‬لم ينالوا خيرًا فسي الدنيسا ول فسي الخرة‪ ،‬وكفسى ال‬ ‫المؤمنيسن القتال بمسا أيدهسم بسه مسن السسباب‪ .‬وكان ال قويًا ل‬ ‫يُغالَب ول ُيقْهَر‪ ,‬عزيزًا في ملكه وسلطانه‪.‬‬ ‫مَاصِيهِمْ وََقذَفَم فِي‬ ‫وََأْنزَلَ الّذِينَم ظَاهَرُوهُ مْ مِ نْ أَهْ ِل الْ ِكتَا بِ مِ نْ صَي‬ ‫ب وَقَذَفَ فِي قُلُوِبهِمْ الرّعْبَ َفرِيقا تَ ْقتُلُونَ َوتَأْ ِسرُونَ فَرِيقا (‬ ‫قُلُوِبهِمْ الرّعْ َ‬

‫‪)26‬‬

‫وأنزل ال يهود بني قريظة من حصونهم; لعانتهم الحزاب‬ ‫فسي قتال المسسلمين‪ ,‬وألقسى فسي قلوبهسم الخوف فهُزموا‪ ,‬تقتلون‬ ‫منهم فريقًا‪ ,‬وتأسرون فريقًا آخر‪.‬‬ ‫ضهُ مْ وَ ِديَارَهُ ْم وَأَ ْموَالَهُ مْ وََأرْضا لَ مْ تَ َطئُوهَا وَكَا نَ اللّ هُ عَلَى‬ ‫وََأ ْو َرثَكُ مْ َأ ْر َ‬ ‫كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرا (‪)27‬‬ ‫وملّككسسم ال ‪-‬أيهسسا المؤمنون‪ -‬أرضهسسم ومسسساكنهم وأموالهسسم‬ ‫المنقولة كالحليّسسس والسسسسسلح والمواشسسسسي‪ ,‬وغيسسسسر المنقولة‬ ‫كالمزارع والبيوت والحصسسون المنيعسسة‪ ,‬وأورثكسسم أرضًسا لم‬ ‫تتمكنوا مِن وطئها من قبل؛ لمنعتها وعزتها عند أهلها‪ .‬وكان‬ ‫ال على كل شيء قديرًا‪ ,‬ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫‪1402‬‬

‫حيَاةَ ال ّدْنيَا َوزِيَنَتهَا َفتَعَاَليْ نَ‬ ‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ قُلْ َل ْزوَا ِج كَ إِ نْ ُكْنتُنّ تُرِدْ َن اْل َ‬

‫ل ( ‪)28‬‬ ‫أُ َمتّعْكُ ّن وَأُسَرّحْكُنّ سَرَاحا جَمِي ً‬

‫يا أيها النبي قل لزواجك اللتي اجتمعن عليك‪ ,‬يطلبن منك‬ ‫زيادة النفقسسسة‪ :‬إن كنتنّس تردن الحياة الدنيسسسا وزينتهسسسا فأقبِلْنسسَ‬ ‫أمتعكنّ شيئًا ممسا عندي مسن الدنيسا‪ ,‬وأفارقكنّ دون ضرر أو‬ ‫إيذاء‪.‬‬ ‫سنَاتِ‬ ‫وَإِ نْ ُكْنتُنّ ُترِدْ نَ اللّ هَ َورَ سُوَلهُ وَالدّارَ ال ِخرَةَ َفإِنّ اللّ هَ أَ َعدّ لِلْ ُمحْ ِ‬ ‫ِمنْكُنّ أَجْرا عَظِيما (‪)29‬‬ ‫وإن كنتن تردْ نَ رضا ال ورضا رسوله وما أع ّد ال لكُنّ في‬ ‫الدار الخرة‪ ,‬فاصسسسبرْنَ على مسسسا أنتُنّ س عليسسسه‪ ,‬وأطعسسسن ال‬ ‫ورسسوله‪ ,‬فإن ال أعسد للمحسسنات منكنّ ثوابًا عظيمًا‪( .‬وقسد‬ ‫اخترن ال ورسوله‪ ,‬وما أعدّ ال لهن في الدار الخرة)‪.‬‬ ‫شةٍ ُمَبّيَنةٍ يُضَاعَ فْ َلهَا الْعَذَا بُ ضِعْ َفيْ نِ‬ ‫يَا نِ سَاءَ الّنبِيّ مَ ْن يَأْ تِ ِمنْكُنّ بِفَا ِح َ‬ ‫ك عَلَى الّلهِ َيسِيا (‪)30‬‬ ‫وَكَانَ َذلِ َ‬ ‫يسا نسساء النسبي مَن يأت منكسن بمعصسية ظاهرة يُضاعَف لهسا‬ ‫العذاب مرتين‪ .‬فلما كانت مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل ال‬ ‫‪1403‬‬

‫الذنسب الواقسع منهسن عقوبتسه مغلظسة؛ صسيانة لجنابهسن وجناب‬ ‫رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم‪ .‬وكان ذلك العقاب على ال‬ ‫يسيرًا‪.‬‬

‫‪1404‬‬

‫الزء الثان والعشرون ‪:‬‬ ‫ت ِمنْكُنّ لِلّهِ َورَسُوِلهِ َوتَعْمَ ْل صَالِحا ُن ْؤِتهَا أَ ْجرَهَا َم ّرَتيْنِ وَأَ ْعَت ْدنَا‬ ‫وَمَنْ يَ ْقُن ْ‬ ‫َلهَا ِرزْقا َكرِيا ( ‪)31‬‬ ‫ومسن تطسع منكسن ال ورسسوله‪ ,‬وتعمسل بمسا أمسر ال بسه‪ ,‬نُعْطهسا‬ ‫ثواب عملهسسا مثلَي ثواب عمسسل غيرهسسا مسسن سسسائر النسسساء‪,‬‬ ‫وأعددنا لها رزقًا كريمًا‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬ ‫ستُنّ كََأحَدٍ مِ نْ النّ سَاءِ إِ نْ اتّ َقْيتُنّ فَل َتخْضَعْ نَ بِالْ َقوْلِ‬ ‫يَا نِ سَاءَ النّبِيّ لَ ْ‬ ‫ض وَقُلْنَ َقوْلً مَعْرُوفا (‪)32‬‬ ‫َفيَطْمَ َع الّذِي فِي قَ ْلِبهِ مَرَ ٌ‬ ‫يا نساء النبيّ ‪-‬محمد‪ -‬لستنّ في الفضل والمنزلة كغيركنّ من‬ ‫النسسساء‪ ,‬إن عملتسسن بطاعسسة ال وابتعدتسسن عسسن معاصسسيه‪ ،‬فل‬ ‫تتحدثسن مسع الجانسب بصسوت َليّنس يُطمسع الذي فسي قلبسه فجور‬ ‫ومرض فسي الشهوة الحرام‪ ،‬وهذا أدب واجسب على كسل امرأة‬ ‫تؤمن بال واليوم الخر‪ ,‬وقُلن قول بعيدًا عن الريبة‪ ,‬ل تنكره‬ ‫الشريعة‪.‬‬

‫‪1405‬‬

‫وََق ْرنَ فِي ُبيُوتِكُنّ وَل َتبَرّجْ َن َتبَ ّرجَ الْجَاهِِلّيةِ الُولَى َوأَقِمْنَ الصّل َة وَآِتيَ‬ ‫ب َعنْكُ مْ الرّجْ سَ أَهْلَ‬ ‫الزّكَاةَ َوَأطِعْ نَ اللّ هَ َورَ سُوَلهُ ِإنّمَا ُيرِيدُ اللّ هُ ِليُذْهِ َ‬ ‫ت َويُ َطهّرَكُمْ تَ ْطهِيا (‪)33‬‬ ‫الَْبيْ ِ‬ ‫والْ َزمْن سَ بيوتكسسن‪ ,‬ول تخرجسسن منهسسا إل لحاجسسة‪ ,‬ول تُظهرن‬ ‫محاسسنكن‪ ,‬كمسا كان يفعسل نسساء الجاهليسة الولى فسي الزمنسة‬ ‫السسابقة على السسلم‪ ,‬وهسو خطاب للنسساء المؤمنات فسي كسل‬ ‫عصسر‪ .‬وأدّيسن ‪ -‬يسا نسساء النسبي‪ -‬الصسلة كاملة فسي أوقاتهسا‪,‬‬ ‫وأعطيسسسن الزكاة كمسسسا شرع ال‪ ,‬وأطعسسسن ال ورسسسسوله فسسسي‬ ‫أمرهمسسا ونهيهمسسا‪ ,‬إنمسسا أوصسساكن ال بهذا؛ ليزكيكنّ‪ ,‬ويبعسسد‬ ‫عنكنّ الذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي ‪-‬ومنهم زوجاته‬ ‫وذريتسسه عليسسه الصسسلة والسسسلم‪ ,-‬ويطهّرسس نفوسسسكم غايسسة‬ ‫الطهارة‪.‬‬ ‫وَاذْكُرْنَ مَا ُيتْلَى فِي ُبيُوتِكُنّ مِ ْن آيَاتِ اللّهِ وَالْحِكْ َمةِ ِإنّ اللّهَ كَانَ لَطِيفا‬ ‫َخبِيا (‪)34‬‬ ‫واذكرن مسسا يتلى فسسي بيوتكسسن مسسن القرآن وحديسسث الرسسسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واعملن به‪ ,‬واقدُرْنه حقّ َقدْره‪ ,‬فهو من‬ ‫نِعَم ال عليكسن‪ ,‬إن ال كان لطيفًا بكنّ؛ إذ جعلكنّ فسي البيوت‬ ‫التسسي تتلى فيهسسا آيات ال والسسسنة‪ ,‬خسسبيرًا بكنّس إذ اختاركنّس‬ ‫لرسوله أزواجًا‪.‬‬ ‫‪1406‬‬

‫ي وَالْمُ سْلِمَاتِ وَالْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تِ وَالْقَاِنتِيَ وَالْقَاِنتَا ِ‬ ‫ت‬ ‫إِنّ الْمُ سْلِ ِم َ‬ ‫وَال صّادِِقيَ وَال صّا ِدقَاتِ وَال صّابِرِينَ وَال صّابِرَاتِ وَالْخَاشِ ِعيَ وَالْخَاشِعَا تِ‬ ‫وَالْ ُمتَ صَدِّقيَ وَالْ ُمتَ صَدّقَاتِ وَال صّائِ ِميَ وَال صّائِمَاتِ وَالْحَافِ ِظيَ فُرُو َج ُه مْ‬ ‫وَاْلحَافِظَاتِ وَالذّاكِرِي نَ اللّهَ َكثِيا وَالذّاكِرَا تِ أَعَ ّد اللّ هُ َلهُ ْم مَغْفِرَ ًة وَأَجْرا‬ ‫عَظِيما (‪)35‬‬ ‫إن المنقادين لوامر ال والمنقادات‪ ,‬والم صَدّقين والمصدّقات‬ ‫والمطيعيسن ل ورسسوله والمطيعات‪ ,‬والصسادقين فسي أقوالهسم‬ ‫والصسسسسادقات‪ ,‬والصسسسسابرين عسسسسن الشهوات وعلى الطاعات‬ ‫وعلى المكاره والصسسسابرات‪ ,‬والخائفيسسسن مسسسن ال والخائفات‪,‬‬ ‫والمتصسدقين بالفرض والنّفْل والمتصسدقات‪ ,‬والصسائمين فسي‬ ‫الفرض والنّفْل والصسائمات‪ ,‬والحافظيسن فروجهسم عسن الزنسى‬ ‫ومقدماتسه‪ ,‬وعسن كشسف العورات والحافظات‪ ,‬والذاكريسن ال‬ ‫كثيرًا بقلوبهسسسسم وألسسسسسنتهم والذاكرات‪ ,‬أعدّ ال لهؤلء مغفرة‬ ‫لذنوبهم وثوابًا عظيمًا‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ لِ ُمؤْمِ نٍ وَل ُمؤْ ِمَنةٍ إِذَا قَضَى اللّ هُ َورَ سُوُلهُ َأمْرا أَ نْ َيكُو نَ َلهُ مْ‬ ‫خيَرَةُ مِنْ أَ ْمرِهِمْ وَمَ ْن يَعْصِ الّلهَ َورَسُوَلهُ فَ َقدْ ضَ ّل ضَللً ُمبِينا (‪)36‬‬ ‫الْ ِ‬

‫‪1407‬‬

‫ول ينبغسي لمؤمن ول مؤمنة إذا حكم ال ورسسوله فيهم حُكمًا‬ ‫أن يخالفوه‪ ,‬بأن يختاروا غيسر الذي قضسى فيهسم‪ .‬ومسن يعسص‬ ‫ال ورسوله فقد بَعُدَ عن طريق الصواب ُبعْدًا ظاهرًا‪.‬‬ ‫ك وَاتّقِ‬ ‫سكْ عََلْيكَ َزوْجَ َ‬ ‫ت عََليْهِ أَمْ ِ‬ ‫وَِإذْ تَقُولُ لِلّذِي َأنْ َعمَ اللّهُ عََليْهِ وََأنْ َعمْ َ‬ ‫ك مَا اللّ هُ ُمبْدِي هِ َوَتخْشَى النّا سَ وَاللّ هُ َأحَقّ أَ نْ‬ ‫اللّ هَ َوُتخْفِي فِي نَفْ سِ َ‬ ‫ُونم عَلَى‬ ‫َيم ل يَك َ‬ ‫َاهم فَلَمّام قَض َى َزيْ ٌد ِمنْه َا َوطَرا زَوّ ْجنَاكَه َا لِك ْ‬ ‫َتخْش ُ‬ ‫ضوْا ِمْنهُنّ َوطَرا وَكَا نَ أَ ْمرُ اللّ هِ‬ ‫الْ ُمؤْ ِمنِيَ َحرَ جٌ فِي َأ ْزوَا جِ أَدْ ِعيَاِئهِ مْ ِإذَا قَ َ‬ ‫مَفْعُولً (‪)37‬‬ ‫وإذ تقول ‪-‬أيها النبي‪ -‬للذي أنعم ال عليه بالسلم ‪-‬وهو زيد‬ ‫بسسن حارثسسة الذي أعتقسسه وتبنّاه النسسبيّ صسسلى ال عليسسه وسسسلم‪-‬‬ ‫وأنعمسست عليسسه بالعتسسق‪َ :‬أبْقسِ زوجسسك زينسسب بنسست جحسسش ول‬ ‫تطلقهسا‪ ,‬واتسق ال يسا زيسد‪ ,‬وتخفسي ‪-‬يسا محمسد‪ -‬فسي نفسسك مسا‬ ‫أوحى ال به إليك من طلق زيد لزوجه وزواجك منها‪ ,‬وال‬ ‫تعالى مظهسسر مسسا أخفيسست‪ ,‬وتخاف المنافقيسسن أن يقولوا‪ :‬تزوج‬ ‫محمسد مطلقسة متبناه‪ ,‬وال تعالى أحسق أن تخافسه‪ ,‬فلمسا قضسى‬ ‫زيد منها حاجته‪ ,‬وطلقها‪ ,‬وانقضت عدتها‪ ,‬زوجناكها; لتكون‬ ‫أسسسوة فسسي إبطال عادة تحريسسم الزواج بزوجسسة المتبنسسى بعسسد‬ ‫طلقهسا‪ ,‬ول يكون على المؤمنيسن إثسم وذنسب فسي أن يتزوجوا‬ ‫مسن زوجات مسن كانوا يتبنّوْنهسم بعسد طلقهسن إذا قضوا منهسن‬ ‫حاجتهم‪ .‬وكان أمر ال مفعول ل عائق له ول مانع‪.‬‬ ‫‪1408‬‬

‫مَا كَانَ عَلَى الّنبِيّ مِ نْ حَرَجٍ فِيمَا فَ َرضَ اللّ هُ لَ هُ ُسّنةَ اللّ هِ فِي الّذِي نَ خََلوْا‬

‫مِنْ َقبْ ُل وَكَانَ أَ ْمرُ الّلهِ َقدَرا مَقْدُورا (‪)38‬‬

‫ي محمسد صسلى ال عليسه وسسلم مسن ذنسب فيمسا‬ ‫مسا كان على النسب ّ‬ ‫أحلّ ال له مسن زواج امرأة مَن تبنّاه بعسد طلقهسا‪ ,‬كمسا أباحسه‬ ‫للنسبياء قبله‪ ,‬سسنة ال فسي الذيسن خَلَوا مسن قبسل‪ ,‬وكان أمسر ال‬ ‫قدرًا مقدورًا ل بد من وقوعه‪.‬‬ ‫خشَوْ نَ أَحَدا إِلّ اللّ هَ وَكَفَى‬ ‫شوْنَ هُ وَل َي ْ‬ ‫خَ‬ ‫الّذِي نَ ُيبَلّغُو نَ رِ سَالتِ اللّ هِ َوَي ْ‬ ‫بِالّلهِ َحسِيبا (‪)39‬‬ ‫ثسم ذكسر سسبحانه النسبياء الماضيسن وأثنسى عليهسم بأنهسم‪ :‬الذيسن‬ ‫يُبَلّغون رسسسسسسسسسسسالتِ ال إلى الناس‪ ,‬ويخافون ال وحده‪ ,‬ول‬ ‫يخافون أحدًا سسسسواه‪ .‬وكفسسسى بال محاسسسسبًا عباده على جميسسسع‬ ‫أعمالهم ومراقبًا لها‪.‬‬ ‫مَا كَا نَ ُمحَمّدٌ أَبَا أَ َحدٍ مِ نْ ِرجَالِكُ ْم َولَكِ نْ رَ سُولَ اللّ هِ وَخَاتَ مَ الّنِبيّيَ‬ ‫وَكَانَ الّلهُ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِيما (‪)40‬‬

‫‪1409‬‬

‫مسا كان محمسد أبًا لحسد مسن رجالكسم‪ ,‬ولكنسه رسسول ال وخاتسم‬ ‫النبيين‪ ,‬فل نبوة بعده إلى يوم القيامة‪ .‬وكان ال بكل شيء من‬ ‫أعمالكم عليمًا‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬ ‫َسمحُوهُ بُ ْكرَةً‬ ‫ّهم ذِكْرا َكثِيا (‪ )41‬و َّب‬ ‫ِينم آ َمنُوا اذْكُرُوا الل َ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬

‫وََأصِيلً (‪)42‬‬

‫صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬اذكروا ال‬ ‫يا أيها الذين َ‬ ‫بقلوبكسسم وألسسسنتكم وجوارحكسسم ِذكْرًا كثيرًا‪ ,‬واشغلوا أوقاتكسسم‬ ‫بذكسسر ال تعالى عنسسد الصسسباح والمسسساء‪ ,‬وأدبار الصسسلوات‬ ‫المفروضات‪ ,‬وعنسسسسد العوارض والسسسسسباب‪ ,‬فإن ذلك عبادة‬ ‫مشروعسسة‪ ,‬تدعسسو إلى محبسسة ال‪ ,‬وكسسف اللسسسان عسسن الثام‪,‬‬ ‫وتعين على كل خير‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي يُ صَلّي عََليْكُ ْم وَمَلئِ َكتُ هُ ِلُيخْرِجَ ُك مْ مِ ْن الظّلُمَا تِ ِإلَى النّورِ‬

‫وَكَانَ بِالْ ُمؤْ ِمِنيَ رَحِيما (‪)43‬‬

‫هو الذي يرحمكم ويثني عليكم وتدعو لكم ملئكته؛ ليخرجكم‬ ‫مسسسسسن ظلمات الجهسسسسسل والضلل إلى نور السسسسسسلم‪ ,‬وكان‬ ‫بالمؤمنيسسن رحيمًسا فسسي الدنيسسا والخرة‪ ,‬ل يعذبهسسم مسسا داموا‬ ‫مطيعين مخلصين له‪.‬‬ ‫‪1410‬‬

‫حّيُتهُمْ َيوْمَ يَ ْل َق ْونَهُ سَل ٌم وَأَعَ ّد َلهُمْ َأجْرا كَرِيا (‪)44‬‬ ‫َت ِ‬ ‫تحيسسة هؤلء المؤمنيسسن مسسن ال فسسي الجنسسة يوم يلقونسسه سسسلم‪,‬‬ ‫وأمان لهسسم مسسن عذاب ال‪ ,‬وقسسد أع ّد لهسسم ثوابًسا حس سنًا‪ ,‬وهسسو‬ ‫الجنة‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ ِإنّا َأرْسَ ْلنَاكَ شَاهِدا وَ ُمَبشّرا َونَذِيرا (‪ )45‬وَدَاعِيا ِإلَى اللّهِ‬ ‫ِبإِ ْذِنهِ وَسِرَاجا ُمنِيا (‪)46‬‬ ‫يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهدًا على أمتك بإبلغهم الرسالة‪,‬‬ ‫ومبشرًا المؤمنيسسن منهسسم بالرحمسسة والجنسسة‪ ,‬ونذيرًا للعصسساة‬ ‫والمكذبيسسن مسسن النار‪ ,‬وداعيًسا إلى توحيسسد ال وعبادتسسه وحده‬ ‫بأمره إياك‪ ,‬وسراجًا منيرًا لمن استنار بك‪ ,‬فأمْرك ظاهر فيما‬ ‫جئت َس بسسه مسسن الحسسق كالشمسسس فسسي إشراقهسسا وإضاءتهسسا‪ ,‬ل‬ ‫يجحدها إل معاند‪.‬‬ ‫َوَبشّرْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ بَِأنّ َلهُمْ مِ ْن الّلهِ فَضْلً َكبِيا (‪)47‬‬ ‫وبَشّر ‪-‬أيها النبي‪ -‬أهل اليمان بأن لهم من ال ثوابًا عظيمًا‪,‬‬ ‫وهو روضات الجنات‪.‬‬ ‫‪1411‬‬

‫وَل تُطِ عْ الْكَافِرِي نَ وَالْ ُمنَافِ ِقيَ وَدَ عْ أَذَاهُ مْ َوَتوَكّلْ عَلَى اللّ هِ وَكَفَى بِاللّ هِ‬ ‫وَكِيلً (‪)48‬‬ ‫ول تطسع ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬قول كافسر أو منافسق واترك أذاهسم‪,‬‬ ‫ول يمنعسك ذلك مسن تبليسغ الرسسالة‪ ,‬وثسق بال فسي كسل أمورك‬ ‫واعتمسسد عليسسه؛ فإنسسه يكفيسسك مسسا أهمّك س مسسن كسسل أمور الدنيسسا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫ت ثُمّ طَلّ ْقتُمُوهُنّ مِ نْ َقبْلِ أَ ْن‬ ‫حتُ مْ الْ ُمؤْ ِمنَا ِ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا َن َك ْ‬ ‫تَ َمسّوهُنّ فَمَا لَ ُكمْ عََلْيهِنّ مِ ْن عِدّةٍ تَ ْعَتدّوَنهَا فَ َمتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ َسرَاحا‬ ‫َجمِيلً (‪)49‬‬

‫يسا أيهسا الذيسن صسدّقوا ال ورسسوله وعملوا بشرعسه‪ ,‬إذا عقدتسم‬ ‫على النسسسساء ولم تدخلوا بهسسسن ثسسسم طلقتموهسسسن مِسسن قبسسسل أن‬ ‫تجامعوهسسن‪ ,‬فمسسا لكسسم عليهسسن مِسن عدّة تحصسسونها عليهسسن‪,‬‬ ‫فأعطوهسن مسن أموالكسم متعسة يتمتعسن بهسا بحسسب الوسسع جسبرًا‬ ‫لخواطرهسن‪ ,‬وخلّوا سسبيلهن مسع السستر الجميسل‪ ,‬دون أذى أو‬ ‫ضرر‪.‬‬ ‫لتِي آَتيْ تَ ُأجُورَهُنّ وَمَا مَلَكَ ْ‬ ‫ت‬ ‫ك ال ّ‬ ‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ ِإنّا َأحْلَ ْلنَا لَ كَ َأ ْزوَا َج َ‬ ‫ك َوَبنَا تِ خَالِ كَ‬ ‫ك َوَبنَا تِ عَمّاتِ َ‬ ‫ت عَمّ َ‬ ‫ك َوَبنَا ِ‬ ‫ك مِمّا أَفَاءَ اللّ هُ عََليْ َ‬ ‫يَمِينُ َ‬ ‫‪1412‬‬

‫سهَا‬ ‫ك وَامْرَأَةً ُمؤْ ِمنَةً إِ نْ وَ َهبَ تْ نَفْ َ‬ ‫ك اللّتِي هَا َجرْ نَ مَعَ َ‬ ‫َوَبنَا تِ خَالتِ َ‬ ‫ك مِ نْ دُو نِ الْ ُمؤْ ِمنِيَ قَدْ‬ ‫حهَا خَالِ صَةً لَ َ‬ ‫ستَن ِك َ‬ ‫لِلّنبِيّ إِ نْ َأرَادَ الّنبِيّ أَ نْ يَ ْ‬ ‫عَلِمْنَا مَا فَ َرضْنَا عََلْيهِ ْم فِي َأزْوَا ِجهِ مْ وَمَا مَلَ َك تْ َأيْمَاُنهُ مْ لِ َكيْل يَكُو نَ‬ ‫عََليْكَ َح َرجٌ وَكَانَ الّلهُ غَفُورا رَحِيما (‪)50‬‬ ‫يا أيها النبي إنّا أبَحْنا لك أزواجك اللتي أعطيتهن مهورهن‪,‬‬ ‫وأبَحْنا لك ما مََلكَ تْ يمينك من الماء‪ ,‬مما أنعم ال به عليك‪,‬‬ ‫وأبحنسا لك الزواج مسن بنات عمسك وبنات عماتسك وبنات خالك‬ ‫وبنات خالتسك اللتسي هاجرن معسك‪ ,‬وأبحنسا لك امرأة مؤمنسة‬ ‫مَنَحَتْس نفسسها لك مسن غيسر مهسر‪ ,‬إن كنست تريسد الزواج منهسا‬ ‫خالصة لك‪ ,‬وليس لغيرك أن يتزوج امرأة بالهِبَة‪ .‬قد علمنا ما‬ ‫أوجبنسا على المؤمنيسن فسي أزواجهسم وإمائهسم بأل يتزوجوا إل‬ ‫أربسع نسسوة‪ ,‬ومسا شاؤوا مسن الماء‪ ,‬واشتراط الوليّ والمهسر‬ ‫سعْنا عليك ما‬ ‫والشهود عليهم‪ ,‬ولكنا رخصنا لك في ذلك‪ ,‬وو ّ‬ ‫لم يُوسّع على غيرك؛ لئل يضيق صدرك في نكاح مَن نكحت‬ ‫مِسسسسسسسن هؤلء الصسسسسسسسسناف‪ .‬وكان ال غفورًا لذنوب عباده‬ ‫المؤمنين‪ ,‬رحيمًا بالتوسعة عليهم‪.‬‬ ‫ت مِمّ ْن عَ َزلْ َ‬ ‫ت‬ ‫تُ ْرجِي مَ نْ َتشَاءُ ِمْنهُنّ َوُتؤْوِي ِإَليْ كَ مَ ْن َتشَاءُ وَمَ نْ اْبتَ َغيْ َ‬ ‫ضوْ نَ بِمَا‬ ‫فَل ُجنَا حَ َعَليْ كَ َذلِ كَ أَدْنَى أَ نْ تَقَرّ أَ ْعُيُنهُنّ وَل َيحْزَنّ َويَ ْر َ‬ ‫آَتْيَتهُنّ كُّلهُنّ وَالّلهُ يَ ْعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَكَانَ الّلهُ عَلِيما حَلِيما (‪)51‬‬ ‫‪1413‬‬

‫تؤخر مَن تشاء مِن نسائك في القَ سْم في المبيت‪ ,‬وتضم إليك‬ ‫مَن تشاء منهن‪ ,‬ومَن طََلبْتَ ممن أخّرت قَ سْمها‪ ,‬فل إثم عليك‬ ‫فسسسي هذا‪ ,‬ذلك التخييسسسر أقرب إلى أن يفرحسسسن ول يحزنّسس‪,‬‬ ‫ويرضيسسن كلهسسن بمسسا قسسسمت لهنّس‪ ,‬وال يعلم مسسا فسسي قلوب‬ ‫الرجال مِسن َميْلهسسا إلى بعسسض النسسساء دون بعسسض‪ .‬وكان ال‬ ‫عليمًسا بمسسا فسسي القلوب‪ ,‬حليمًسا ل يعجسسل بالعقوبسسة على مسسن‬ ‫عصاه‪.‬‬ ‫جبَ كَ‬ ‫ك النّ سَاءُ مِ نْ بَ ْعدُ وَل أَ نْ َتبَدّلَ ِبهِنّ مِ نْ َأ ْزوَا جٍ َوَلوْ أَ ْع َ‬ ‫ل َيحِلّ لَ َ‬ ‫سُنهُنّ إِ ّل مَا مَلَ َكتْ يَمِيُنكَ وَكَانَ الّلهُ َعلَى كُلّ شَ ْيءٍ رَقِيبا (‪)52‬‬ ‫ُح ْ‬ ‫ل يباح لك النسسساء مسسن بعسسد نسسسائك اللتسسي فسسى عصسسمتك‪,‬‬ ‫واللتسي أبحناهنّ لك (وهنّ المذكورات فسي اليسة السسابقة رقسم‬ ‫[‪ ]50‬من هذه السورة)‪ ,‬ومن كانت في عصمتك من النساء‬ ‫المذكورات ل يحسل لك أن تطلّقهسا مسستقبَل وتأتسي بغيرهسا بدل‬ ‫منها‪ ,‬ولو أعجبك جمالها‪ ,‬وأما الزيادة على زوجاتك من غير‬ ‫تطليسق إحداهسن فل حرج عليسك‪ ,‬وأمسا مسا ملكست يمينسك مسن‬ ‫الماء‪ ,‬فحلل لك منهسسن مسسن شئت‪ .‬وكان ال على كسسل شيسسء‬ ‫رقيبًا‪ ,‬ل يغيب عنه علم شيء‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْدخُلُوا ُبيُو تَ الّنبِيّ إِلّ أَ نْ ُيؤْذَ نَ لَ ُك مْ ِإلَى طَعَا مٍ‬ ‫‪1414‬‬

‫ُمم فَاْنتَشِرُوا وَل‬ ‫ُمم فَادْخُلُوا َفإِذَا طَعِ ْمت ْ‬ ‫ِنم إِذَا دُعِيت ْ‬ ‫َاهم وَلَك ْ‬ ‫ِينم ِإن ُ‬ ‫َغيْرَ نَاظِر َ‬ ‫سَتحْيِ ِمنْكُ مْ وَاللّ هُ ل‬ ‫سيَ لِحَدِي ثٍ إِنّ َذلِكُ ْم كَا نَ ُيؤْذِي الّنبِيّ َفيَ ْ‬ ‫ستَ ْأِن ِ‬ ‫مُ ْ‬ ‫ستَحْيِ مِ نْ الْحَقّ وَِإذَا سََأْلتُمُوهُنّ َمتَاعا فَا سَْألُوهُنّ مِ نْ َورَاءِ ِحجَا بٍ‬ ‫يَ ْ‬ ‫َذلِكُمْ َأ ْطهَ ُر لِقُلُوبِكُ ْم وَقُلُوِبهِنّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ ُتؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَل أَنْ‬ ‫َتنْ ِكحُوا َأ ْزوَا َج ُه مِنْ بَعْدِهِ َأبَدا ِإنّ َذلِكُمْ كَانَ ِعنْ َد الّلهِ عَظِيما (‪)53‬‬ ‫يسا أيهسا الذيسن صسدّقوا ال ورسسوله وعملوا بشرعسه ل تدخلوا‬ ‫بيوت النسسبي إل بإذنسسه لتناول طعام غيسسر منتظريسسن نضجسسه‪,‬‬ ‫ولكسن إذا دعيتسم فادخلوا‪ ,‬فإذا أكلتسم فانصسرفوا غيسر مسستأنسين‬ ‫لحديسسسث بينكسسسم؛ فإن انتظاركسسسم واسسسستئناسكم يؤذي النسسسبي‪,‬‬ ‫فيستحيي من إخراجكم من البيوت مع أن ذلك حق له‪ ,‬وال ل‬ ‫يسستحيي مسن بيان الحسق وإظهاره‪ .‬وإذا سسألتم نسساء رسسول ال‬ ‫صسسلى ال عليسسه وسسسلم حاجسسة مسسن أوانسسي البيسست ونحوهسسا‬ ‫فاسسألوهن مسن وراء سستر؛ ذلكسم أطهسر لقلوبكسم وقلوبهسن مسن‬ ‫الخواطسر التسي تعرض للرجال فسي أمسر النسساء‪ ,‬وللنسساء فسي‬ ‫أمسر الرجال؛ فالرؤيسة سسبب الفتنسة‪ ,‬ومسا ينبغسي لكسم أن تؤذوا‬ ‫رسول ال‪ ,‬ول أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته أبدًا؛ لنهن‬ ‫أمهاتكسم‪ ,‬ول يحلّ للرجسل أن يتزوج أمّهس‪ ,‬إنّ أذاكسم رسسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده إثم عظيم عند‬ ‫ال‪( .‬وقسد امتثلت هذه المسة هذا المسر‪ ,‬واجتنبست مسا نهسى ال‬ ‫عنه منه)‪.‬‬

‫‪1415‬‬

‫ِإنْ ُتبْدُوا َشيْئا َأوْ ُتخْفُوهُ َفِإنّ الّلهَ كَانَ ِبكُلّ شَ ْي ٍء عَلِيما (‪)54‬‬ ‫ظهِروا شيئًا على ألسسنتكم ‪-‬أيهسا الناس‪ -‬ممسا يؤذي رسسول‬ ‫إن ُت ْ‬ ‫ال ممسا نهاكسم ال عنسه‪ ,‬أو تخفوه فسي نفوسسكم‪ ,‬فإن ال تعالى‬ ‫يعلم ما في قلوبكم وما أظهرتموه‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬ ‫ل ُجنَا حَ عََلْيهِنّ فِي آبَاِئهِنّ وَل َأْبنَاِئهِنّ وَل إِ ْخوَاِنهِنّ وَل َأْبنَاءِ إِ ْخوَاِنهِنّ‬ ‫وَل َأْبنَاءِ َأ َخوَاتِهِنّ وَل نِسَاِئهِنّ وَل مَا مَلَكَتْ َأيْمَاُنهُنّ وَاتّ ِقيَ اللّهَ ِإنّ اللّهَ‬ ‫كَانَ َعلَى كُلّ شَ ْيءٍ َشهِيدا (‪)55‬‬ ‫ل إثسسم على النسسساء فسسي عدم الحتجاب مسسن آبائهسسن وأبنائهسسن‬ ‫وإخوانهسن وأبناء إخوانهسن وأبناء أخواتهسن والنسساء المؤمنات‬ ‫والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة‪ .‬وخفن‬ ‫ال ‪-‬أيتها النساء‪ -‬أن تتع ّديْن ما حَدّ لكنّ‪ ,‬فتبدين من زينتكن ما‬ ‫ليسس لكُنّ أن تبدينسه‪ ,‬أو تتركسن الحجاب أمام مَن يجسب عليكسن‬ ‫الحتجاب منسسسه‪ .‬إن ال كان على كسسسل شيسسسء شهيدًا‪ ,‬يشهسسسد‬ ‫أعمال العباد ظاهرها وباطنها‪ ,‬وسيجزيهم عليها‪.‬‬ ‫إِنّ اللّ هَ وَمَلئِ َكتَ هُ يُ صَلّونَ عَلَى الّنبِيّ يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا صَلّوا عََليْ هِ‬ ‫وَسَلّمُوا َتسْلِيما (‪)56‬‬

‫‪1416‬‬

‫إن ال تعالى يثنسسي على النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم عنسسد‬ ‫الملئكة المقربين‪ ,‬وملئكته يثنون على النبي ويدعون له‪ ,‬يا‬ ‫أيهسا الذيسن صسدّقوا ال ورسسوله وعملوا بشرعسه‪ ,‬صسلّوا على‬ ‫رسسول ل‪ ,‬وسسلّموا تسسليمًا‪ ,‬تحيسة وتعظيمًا له‪ .‬وصسفة الصسلة‬ ‫على النسبي صسلى ال عليسه وسسلم ثبتست فسي السسنة على أنواع‪,‬‬ ‫منهسا‪" :‬اللهسم صسلّ على محمسد وعلى آل محمسد‪ ,‬كمسا صسليت‬ ‫على آل إبراهيسسم‪ ,‬إنسسك حميسسد مجيسسد‪ ,‬اللهسسم بارك على محمسسد‬ ‫وعلى آل محمسسد‪ ,‬كمسسا باركسست على آل إبراهيسسم‪ ,‬إنسسك حميسسد‬ ‫مجيد"‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُيؤْذُو نَ اللّ هَ َورَ سُوَلهُ لَ َعنَهُ ْم اللّ هُ فِي ال ّدْنيَا وَالخِرَ ِة وَأَعَ ّد َلهُ مْ‬

‫عَذَابا ُمهِينا (‪)57‬‬

‫إن الذيسن يؤذون ال بالشرك أو غيره مسن المعاصسي‪ ,‬ويؤذون‬ ‫رسسول ال بالقوال أو الفعال‪ ,‬أبعدهسم ال وطردهسم مِن كسل‬ ‫خيسسر فسسي الدنيسسا والخرة‪ ,‬وأع ّد لهسسم فسسي الخرة عذابًا يذلهسسم‬ ‫ويهينهم‪.‬‬ ‫سبُوا َفقَدِ ا ْحتَمَلُوا ُب ْهتَانا‬ ‫وَالّذِي نَ ُيؤْذُونَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تِ بِ َغيْ ِر مَا ا ْكتَ َ‬ ‫وَِإثْما ُمبِينا (‪)58‬‬

‫‪1417‬‬

‫والذيسسن يؤذون المؤمنيسسن والمؤمنات بقول أو فعسسل مسسن غيسسر‬ ‫ذنسسب عملوه‪ ,‬فقسسد ارتكبوا أفحسسش الكذب والزور‪ ,‬وأتوا ذنبًسا‬ ‫ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الخرة‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّنبِيّ قُلْ َل ْزوَا ِج كَ َوَبنَاتِ كَ َونِ سَاءِ الْ ُمؤْ ِمنِيَ ُي ْدنِيَ عََلْيهِنّ مِ ْن‬ ‫جَلبِيِبهِنّ َذلِ كَ أَدْنَى أَ نْ يُعْرَفْ َن فَل ُيؤْ َذيْ نَ وَكَا نَ اللّ هُ غَفُورا َرحِيما (‬ ‫‪)59‬‬ ‫يسا أيهسا النسبي قسل لزواجسك وبناتسك ونسساء المؤمنيسن يرخيسن‬ ‫على رؤوسسسهن ووجوههسسن مسسن أرديتهسسن وملحفهسسن؛ لسسستر‬ ‫وجوههسسسن وصسسسدورهن ورؤوسسسسهن; ذلك أقرب أن يميّزن‬ ‫بالستر والصيانة‪ ,‬فل يُتعَرّض لهن بمكروه أو أذى‪ .‬وكان ال‬ ‫غفورًا رحيمًا حيسث غفسر لكسم مسا سسلف‪ ,‬ورحمكسم بمسا أوضسح‬ ‫لكم من الحلل والحرام‪.‬‬ ‫َلئِ نْ لَ مْ َيْنتَ هِ الْ ُمنَافِقُو نَ وَالّذِي نَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَرَ ضٌ وَالْمُرْ ِجفُو نَ فِي الْمَدِيَنةِ‬ ‫ل ( ‪ )60‬مَلْعُوِنيَ َأْيَنمَا ثُقِفُوا‬ ‫ك ِبهِ ْم ثُمّ ل ُيجَا ِورُونَكَ فِيهَا إِ ّل قَلِي ً‬ ‫َلنُغْ ِرَينّ َ‬ ‫ل ( ‪)61‬‬ ‫ُأخِذُوا وَُقتّلُوا تَ ْقتِي ً‬ ‫لئن لم يكفّ الذيسن يضمرون الكفسر ويظهرون اليمان والذيسن‬ ‫فسي قلوبهسم شسك وريبسة‪ ,‬والذيسن ينشرون الخبار الكاذبسة فسي‬ ‫‪1418‬‬

‫مدينة الرسول صلى ال عليه وسلم عن قبائحهم وشرورهم‪,‬‬ ‫لنس سلّطنّك عليهسسم‪ ,‬ثسسم ل يسسسكنون معسسك فيهسسا إل زمنًسا قليل‪.‬‬ ‫مطروديسسن مسسن رحمسسة ال‪ ,‬فسسي أي مكان وُجِدوا فيسسه أُس سِروا‬ ‫و ُقتّلوا تقتيل مسسسسا داموا مقيميسسسسن على النفاق ونشسسسسر الخبار‬ ‫الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد‪.‬‬ ‫ل (‪)62‬‬ ‫سنّةِ الّلهِ َتبْدِي ً‬ ‫ُسّنةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبْلُ َولَنْ َتجِدَ ِل ُ‬ ‫سنة ال وطريقته في منافقي المم السابقة أن يؤسَروا و ُي َقتّلوا‬ ‫أينمسسا كانوا‪ ,‬ولن تجسسد ‪-‬أيهسسا النسسبي‪ -‬لطريقسسة ال تحويل ول‬ ‫تغييرًا‪.‬‬ ‫ك لَعَلّ‬ ‫يَ سَْألُكَ النّا سُ عَ نْ ال سّا َعةِ قُلْ ِإنّمَا عِ ْلمُهَا ِعنْدَ اللّ هِ وَمَا يُ ْدرِي َ‬

‫السّا َعةَ تَكُونُ قَرِيبا (‪)63‬‬

‫يسسسألك الناس ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬عسسن وقسست القيامسسة اسسستبعادًا‬ ‫وتكذيبًا‪ ,‬قسل لهسم‪ :‬إنمسا علم السساعة عنسد ال‪ ,‬ومسا يدريسك ‪-‬أيهسا‬ ‫الرسول‪ -‬لعل زمانها قريب؟‬ ‫إِنّ اللّ هَ لَعَ نَ الْكَافِرِي نَ وَأَ َعدّ َلهُ مْ سَعِيا (‪ )64‬خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا ل‬

‫ب وُجُو ُههُ مْ فِي النّارِ يَقُولُو نَ يَا‬ ‫َيجِدُو نَ َوِليّا وَل نَ صِيا (‪َ )65‬يوْ مَ تُقَلّ ُ‬ ‫‪1419‬‬

‫َلْيَتنَا َأطَ ْعنَا الّلهَ وََأطَ ْعنَا الرّسُولَ ( ‪)66‬‬ ‫إن ال طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والخرة‪ ,‬وأعدّ لهم‬ ‫فسسي الخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة‪ ,‬ماكثيسسن فيهسسا أبدًا‪ ,‬ل‬ ‫يجدون وليّا س يتولهسسم ويدافسسع عنهسسم‪ ,‬ول نصسسيرًا ينصسسرهم‪,‬‬ ‫فيخرجهسسسم مسسسن النار‪ .‬يوم ُتقَلّب وجوه الكافريسسسن فسسسي النار‬ ‫يقولون نادمين متحيّرين‪ :‬يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا رسوله في‬ ‫الدنيا‪ ,‬فكنا من أهل الجنة‪.‬‬ ‫سبِيلَ (‪َ )67‬رّبنَا آِتهِ مْ‬ ‫وَقَالُوا َرّبنَا ِإنّا َأطَ ْعنَا سَا َدَتنَا وَ ُكبَرَا َءنَا فََأضَلّونَا ال ّ‬ ‫ب وَالْ َعْنهُ ْم لَعْنا َكبِيا (‪)68‬‬ ‫ضِعْ َفيْنِ مِنْ الْعَذَا ِ‬ ‫طعْنسا أئمتنسا فسي الضلل‬ ‫وقال الكافرون يوم القيامسة‪ :‬ربنسا إنسا أ َ‬ ‫وكبراءنسسا فسسي الشرك‪ ,‬فأزالونسسا عسسن طريسسق الهُدى واليمان‪.‬‬ ‫ربنا عذّبهم من العذاب مثلَيْ عذابنا الذي تعذبنا به‪ ,‬واطردهم‬ ‫مسن رحمتسك طردًا شديدًا‪ .‬وفسي هذا دليسل على أن طاعسة غيسر‬ ‫ال في مخالفة أمره وأمر رسوله‪ ,‬موجبة لسخط ال وعقابه‪,‬‬ ‫وأن التابسسع والمتبوع فسسي العذاب مشتركون‪ ,‬فليحذر المسسسلم‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَكُونُوا كَالّذِي نَ آ َذوْا مُو سَى َفبَرّأَ هُ اللّ هُ مِمّ ا قَالُوا‬ ‫وَكَانَ ِعنْ َد الّلهِ وَجِيها (‪)69‬‬ ‫‪1420‬‬

‫يسسا أيهسسا الذيسسن صسدّقوا ال ورسسسوله وعملوا بشرعسسه ل تؤذوا‬ ‫رسسول ال بقول أو فعسل‪ ,‬ول تكونوا أمثال الذيسن آذوا نسبيّ ال‬ ‫موسى‪ ,‬فبرّأه ال مما قالوا فيه من الكذب والزور‪ ,‬وكان عند‬ ‫ال عظيم القدر والجاه‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا الّلهَ وَقُولُوا َقوْلً َسدِيدا (‪)70‬‬ ‫يسسا أيهسسا الذيسسن ص سدّقوا ال ورسسسوله وعملوا بشرعسسه‪ ,‬اعملوا‬ ‫بطاعتسسسسه‪ ،‬واجتنبوا معصسسسسيته؛ لئل تسسسسستحقوا بذلك العقاب‪,‬‬ ‫وقولوا فسسي جميسسع أحوالكسسم وشؤونكسسم قول مسسستقيمًا موافقًسا‬ ‫للصواب خاليًا من الكذب والباطل‪.‬‬ ‫يُصْلِ ْح لَكُمْ أَ ْعمَالَكُمْ َويَغْفِ ْر لَكُمْ ُذنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللّهَ َورَسُولَهُ فَقَ ْد فَازَ‬

‫َفوْزا عَظِيما (‪)71‬‬

‫إذا اتقيتسم ال وقلتسم قول سسديدًا أصسلح ال لكسم أعمالكسم‪ ,‬وغفسر‬ ‫ذنوبكسسم‪ .‬ومسسن يطسسع ال ورسسسوله فيمسسا أمسسر ونهسسى فقسسد فاز‬ ‫بالكرامة العظمى في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫جبَالِ فََأَبيْ نَ أَ نْ َيحْمِ ْلنَهَا‬ ‫ت وَا َلرْ ضِ وَاْل ِ‬ ‫ِإنّ ا عَ َرضْنَا الَمَانَةَ َعلَى ال سّ َموَا ِ‬ ‫وَأَشْفَقْ َن ِمْنهَا وَحَمََلهَا ا ِلْنسَانُ ِإّنهُ كَانَ ظَلُوما َجهُولً (‪)72‬‬ ‫‪1421‬‬

‫إنا عرضنا المانة ‪-‬التي ائتمن ال عليها المكلّفين من امتثال‬ ‫الوامر واجتناب النواهي‪ -‬على السموات والرض والجبال‪,‬‬ ‫فأبيسن أن يحملنهسا‪ ,‬وخفسن أن ل يقمسن بأدائهسا‪ ,‬وحملهسا النسسان‬ ‫والتزم بها على ضعفه‪ ,‬إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه‪.‬‬ ‫ب اللّ هُ‬ ‫ت َوَيتُو َ‬ ‫ب اللّ هُ الْ ُمنَافِ ِقيَ وَالْ ُمنَافِقَا تِ وَالْ ُمشْرِ ِكيَ وَالْ ُمشْرِكَا ِ‬ ‫ِليُعَذّ َ‬ ‫ت وَكَانَ الّلهُ غَفُورا رَحِيما (‪)73‬‬ ‫عَلَى الْ ُمؤْ ِمِنيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا ِ‬ ‫(وحمسل النسسان المانسة) ليعذب ال المنافقيسن الذيسن يُظهرون‬ ‫السلم ويُخفون الكفر‪ ,‬والمنافقات‪ ,‬والمشركين في عبادة ال‬ ‫غيره‪ ,‬والمشركات‪ ,‬ويتوب ال على المؤمنيسسسسسسسن والمؤمنات‬ ‫بسسستر ذنوبهسسم وترك عقابهسسم‪ .‬وكان ال غفورًا للتائبيسسن مسسن‬ ‫عباده‪ ,‬رحيمًا بهم‪.‬‬

‫‪ -34‬سورة سبأ‬ ‫الْحَمْ ُد لِلّ هِ الّذِي لَ هُ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْ ضِ َولَ هُ اْلحَمْ ُد فِي‬ ‫خبِيُ (‪)1‬‬ ‫الخِرَ ِة وَ ُهوَ الْحَكِي ُم اْل َ‬ ‫‪1422‬‬

‫الثناء على ال بصسسفاته التسسي كلّهسسا أوصسساف كمال‪ ،‬وبنعمسسه‬ ‫الظاهرة والباطنسسة‪ ،‬الدينيسسة والدنيويسسة‪ ،‬الذي له ملك مسسا فسسي‬ ‫السسموات ومسا فسي الرض‪ ,‬وله الثناء التام فسي الخرة‪ ,‬وهسو‬ ‫الحكيم في فعله‪ ,‬الخبير بشؤون خلقه‪.‬‬ ‫يَعَْل ُم مَا َيلِجُ فِي ا َلرْضِ وَمَا َيخْرُجُ ِمْنهَا وَمَا يَنِلُ مِنْ السّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ‬ ‫فِيهَا وَ ُهوَ الرّحِي ُم الْغَفُورُ (‪)2‬‬ ‫يعلم كسل مسا يدخسل فسي الرض مسن قطرات الماء‪ ,‬ومسا يخرج‬ ‫منهسا مسن النبات والمعادن والمياه‪ ,‬ومسا ينزل مسن السسماء مسن‬ ‫المطار والملئكسسة والكتسسب‪ ,‬ومسسا يصسسعد إليهسسا مسسن الملئكسسة‬ ‫وأفعال الخلق‪ .‬وهسسسو الرحيسسسم بعباده فل يعاجسسسل عصسسساتهم‬ ‫بالعقوبة‪ ,‬الغفور لذنوب التائبين إليه المتوكلين عليه‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا ل تَ ْأتِينَا ال سّا َعةُ قُلْ بَلَى َو َربّي َلتَ ْأِتَينّكُ مْ عَالِ مِ الْ َغيْ ِ‬ ‫ب‬ ‫ت وَل فِي ا َلرْ ضِ وَل أَ صْ َغرُ مِ نْ‬ ‫ل يَعْ ُز بُ َعنْ ُه ِمثْقَالُ َذرّةٍ فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا‬ ‫ِيم الّذ َ‬ ‫َابم ُمبِيٍ (‪ِ )3‬لَيجْز َ‬ ‫ِكم وَل أَ ْكبَرُ إِلّ فِي ِكت ٍ‬ ‫َذل َ‬ ‫الصّالِحَاتِ ُأ ْوَلئِكَ َلهُمْ مَغْ ِفرَةٌ َو ِرزْقٌ كَ ِريٌ (‪)4‬‬ ‫وقال الكافرون المنكرون للبعسسث‪ :‬ل تأتينسسا القيامسسة‪ ,‬قسسل لهسسم‬ ‫أيهسسا الرسسسول‪ :-‬بلى وربسسي لتأتينّكسسم‪ ,‬ولكسسن ل يعلم وقسست‬‫‪1423‬‬

‫مجيئهسا أحسد سسوى ال علم الغيوب‪ ,‬الذي ل يغيسب عنسه وزن‬ ‫نملة صغيرة في السموات والرض‪ ,‬ول أصغر من ذلك ول‬ ‫أكبر إل هو مسطور في كتاب واضح‪ ,‬وهو اللوح المحفوظ;‬ ‫ليثيب الذين صدّقوا بال‪ ,‬وا ّتبَعوا رسوله‪ ,‬وعملوا الصالحات‪.‬‬ ‫أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬ ‫ب مِنْ رِ ْجزٍ َألِي ٌم (‪)5‬‬ ‫وَالّذِينَ سَ َعوْا فِي آيَاِتنَا مُعَا ِجزِينَ ُأ ْوَلئِكَ َلهُ ْم عَذَا ٌ‬ ‫والذيسن سسعوا فسي الصسدّ عسن سسبيل ال وتكذيسب رسسله وإبطال‬ ‫آياتنا مشاقين ال مغالبين أمره‪ ,‬أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده‬ ‫ألمًا‪.‬‬ ‫ك مِنْ َربّكَ ُه َو الْحَقّ َوَيهْدِي ِإلَى‬ ‫َويَرَى الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الّذِي أُنزِلَ ِإَليْ َ‬

‫صِرَاطِ الْعَزِي ِز اْلحَمِي ِد (‪)6‬‬

‫ويعلم الذيسن أُعطوا العلم أن القرآن الذي أُنزل إليسك مسن ربسك‬ ‫هسو الحسق‪ ,‬ويرشسد إلى طريسق ال‪ ,‬العزيسز الذي ل يغالَب ول‬ ‫يمانسع‪ ,‬بسل قهسر كسل شيسء وغلبسه‪ ,‬المحمود فسي أقواله وأفعاله‬ ‫وشرعه‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا هَلْ َن ُدلّكُ مْ عَلَى رَجُلٍ ُيَنّبئُ ُك مْ ِإذَا مُزّ ْقتُ مْ كُ ّل مُمَزّ قٍ‬ ‫‪1424‬‬

‫ِإنّكُ ْم لَفِي خَلْقٍ جَدِي ٍد ( ‪)7‬‬ ‫وقال الذيسن كفروا بعضهسم لبعسض اسستهزاء‪ :‬هسل ندلكسم على‬ ‫رجسل (يريدون محمدًا صسلى ال عليسه وسسلم) يخسبركم أنكسم إذا‬ ‫متسم وتفرقست أجسسامكم كسل تفرّق‪ ,‬إنكسم سستُحيون وتُبعثون مسن‬ ‫قبوركم؟ قالوا ذلك مِن فرط إنكارهم‪.‬‬ ‫ُونم بِال ِخرَةِ ف ِي‬ ‫ِينم ل ُيؤْ ِمن َ‬ ‫ِهم ِجّنةٌ بَلْ الّذ َ‬ ‫َمم ب ِ‬ ‫ّهم كَذِبا أ ْ‬ ‫أَا ْفتَرَى عَلَى الل ِ‬ ‫الْعَذَابِ وَالضّللِ اْلبَعِيدِ (‪)8‬‬ ‫هذا الرجسل أختلق على ال كذبًا أم بسه جنون‪ ,‬فهسو يتكلم بمسا ل‬ ‫يدري؟ ليسسسس المسسسر كمسسسا قال الكفار‪ ,‬بسسسل محمسسسد أصسسسدق‬ ‫الصسادقين‪ .‬والذيسن ل يصسدقون بالبعسث ول يعملون مسن أجله‬ ‫فسي العذاب الدائم فسي الخرة‪ ,‬والضلل البعيسد عسن الصسواب‬ ‫في الدنيا‪.‬‬ ‫أَفََل مْ َي َروْا ِإلَى مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَلْ َفهُ ْم مِ نْ ال سّمَاءِ وَالَرْ ضِ إِ نْ َنشَأْ‬ ‫ك لَيةً‬ ‫ف ِبهِمْ ا َلرْضَ َأ ْو ُنسْقِطْ عََلْيهِ ْم ِكسَفا مِنْ السّمَاءِ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫َنخْسِ ْ‬ ‫لِكُلّ َعبْ ٍد ُمنِيبٍ ( ‪)9‬‬ ‫أفلم ير هؤلء الكفار الذين ل يؤمنون بالخرة عظيم قدرة ال‬ ‫فيمسا بيسن أيديهسم ومسا خلفهسم مسن السسماء والرض ممسا يبهسر‬ ‫‪1425‬‬

‫العقول‪ ,‬وأنهمسا قسد أحاطتسا بهسم؟ إن نشسأ نخسسف بهسم الرض‪,‬‬ ‫كما فعلنا بقارون‪ ,‬أو ننزل عليهم قطعًا من العذاب‪ ,‬كما فعلنا‬ ‫بقوم شعيب‪ ,‬فقد أمطرت السماء عليهم نارًا فأحرقتهم‪ .‬إن في‬ ‫ذلك الذي ذكرنسا مسن قدرتنسا لَدللة ظاهرة لكسل عبسد راجسع إلى‬ ‫ربه بالتوبة‪ ,‬ومقر له بتوحيده‪ ,‬ومخلص له في العبادة‪.‬‬ ‫ضلً يَا ِجبَالُ َأ ّوبِي َمعَ هُ وَال ّطيْرَ َوَأَلنّا لَ هُ الْحَدِيدَ (‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا دَاوُودَ ِمنّا فَ ْ‬

‫‪)10‬‬

‫ولقسسد آتينسسا داود نبوة‪ ,‬وكتابًسا وعلمًسا‪ ,‬وقلنسسا للجبال والطيسسر‪:‬‬ ‫سبّحي معه‪ ,‬وألنّا له الحديد‪ ,‬فكان كالعجين يتصرف فيه كيف‬ ‫يشاء‪.‬‬ ‫ت وَقَ ّدرْ فِي ال سّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحا ِإنّ ي بِمَا تَعْمَلُو نَ‬ ‫أَ نْ اعْمَلْ سَابِغَا ٍ‬ ‫بَصِيٌ (‪)11‬‬ ‫أن اعمسسل دروعًسا تامات واسسسعات وقدّر المسسسامير فسسي حِلَق‬ ‫ضعُف‪ ,‬فل تقوى الدروع‬ ‫الدروع‪ ,‬فل تعمل الحلقة صغيرة فتَ ْ‬ ‫على الدفاع‪ ,‬ول تجعلهسا كسبيرة فتثقُل على لبسسها‪ ,‬واعمسل يسا‬ ‫داود أنست وأهلك بطاعسة ال‪ ,‬إنسي بمسا تعملون بصسير ل يخفسى‬ ‫عليّ شيء منها‪.‬‬ ‫‪1426‬‬

‫َولِ سَُليْمَانَ الرّي َح غُ ُدوّهَا َشهْرٌ َو َروَا ُحهَا َشهْ ٌر وَأَ سَ ْلنَا لَ هُ َعيْ نَ الْقِطْرِ وَمِ ْن‬ ‫غ ِمْنهُ ْم عَ نْ أَمْ ِرنَا نُذِقْ هُ مِ نْ‬ ‫الْجِنّ مَ نْ يَ ْعمَلُ َبيْ نَ يَ َديْ ِه ِبإِذْ نِ َربّ هِ وَمَ نْ يَ ِز ْ‬ ‫ب السّعِيِ (‪)12‬‬ ‫عَذَا ِ‬ ‫وسسخّرنا لسسليمان الريسح تجري مسن أول النهار إلى انتصسافه‬ ‫مسسسيرة شهسسر‪ ,‬ومسسن منتصسسف النهار إلى الليسسل مسسسيرة شهسسر‬ ‫بالسير المعتاد‪ ,‬وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء‪ ,‬يعمل به ما‬ ‫يشاء‪ ,‬وسسخّرنا له مسن الجسن مسن يعمسل بيسن يديسه بإذن ربسه‪,‬‬ ‫ومسن يعدل منهسم عسن أمرنسا الذي أمرناه بسه مسن طاعسة سسليمان‬ ‫نذقه من عذاب النار المستعرة‪.‬‬ ‫ب َوتَمَاثِيلَ وَجِفَا نٍ كَاْلجَوَا بِ وَقُدُورٍ‬ ‫يَ ْعمَلُو نَ لَ هُ مَا َيشَاءُ مِ ْن َمحَارِي َ‬ ‫رَا ِسيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرا وَقَلِيلٌ مِ ْن ِعبَادِي الشّكُورُ (‪)13‬‬ ‫يعمسل الجسن لسسليمان مسا يشاء مسن مسساجد للعبادة‪ ,‬وصسور مسن‬ ‫نحاس وزجاج‪ ,‬وقِصسَاع كسبيرة كالحواض التسي يجتمسع فيهسا‬ ‫الماء‪ ,‬وقدور ثابتات ل تتحرك مسن أماكنهسا لعظمهسن‪ ,‬وقلنسا يسا‬ ‫آل داود‪ :‬اعملوا شكرًا ل على مسسسا أعطاكسسسم‪ ,‬وذلك بطاعتسسسه‬ ‫وامتثال أمره‪ ,‬وقليسسل مسسن عبادي مسسن يشكسسر ال كثيرًا‪ ,‬وكان‬ ‫داود وآله من القليل‪.‬‬ ‫‪1427‬‬

‫ض تَأْكُلُ مِنسََأَتهُ‬ ‫ضْينَا َعَلْيهِ الْ َموْتَ مَا َدلّهُ ْم عَلَى َم ْوِتهِ إِلّ دَاّبةُ الَرْ ِ‬ ‫َفلَمّا قَ َ‬ ‫ت اْلجِنّ أَ نْ َلوْ كَانُوا يَعْلَمُو نَ الْ َغيْ بَ مَا َلِبثُوا فِي الْعَذَا بِ‬ ‫فَلَمّ ا خَرّ َتَبّيَن ْ‬ ‫الْ ُمهِيِ (‪)14‬‬ ‫فلمسا قضينسا على سسليمان بالموت مسا دلّ الجسن على موتسه إل‬ ‫الرَضَ ُة تأكسسل عصسساه التسسي كان متكئًا عليهسسا‪ ,‬فوقسسع سسسليمان‬ ‫على الرض‪ ,‬عنسسد ذلك علمسست الجسسن أنهسسم لو كانوا يعلمون‬ ‫ل والعمسسل الشاق لسسسليمان؛‬ ‫الغيسسب مسسا أقاموا فسسي العذاب المذ ّ‬ ‫ظنسا منهسم أنسه مسن الحياء‪ .‬وفسي اليسة إبطال لعتقاد بعسض‬ ‫الناس أن الجسسسن يعلمون الغيسسسب; إذ لو كانوا يعلمون الغيسسسب‬ ‫لعلموا وفاة سسسليمان عليسسه السسسلم‪ ,‬ولمسسا أقاموا فسسي العذاب‬ ‫المهين‪.‬‬ ‫سَبإٍ فِي مَ سْ َكِنهِمْ آَيةٌ َجّنتَانِ عَ ْن يَ ِميٍ وَ ِشمَالٍ كُلُوا مِ نْ ِرزْ قِ‬ ‫لَقَ ْد كَانَ لِ َ‬

‫َربّكُمْ وَاشْ ُكرُوا َلهُ بَلْدَةٌ َطّيَبةٌ َورَبّ غَفُورٌ (‪)15‬‬

‫لقسد كان لقسبيلة سسبأ بسس "اليمسن" فسي مسسكنهم دللة على قدرتنسا‪:‬‬ ‫بسستانان عسن يميسن وشمال‪ ,‬كلوا مسن رزق ربكسم‪ ,‬واشكروا له‬ ‫نعمسه عليكسم; فإن بلدتكسم كريمسة التربسة حسسنة الهواء‪ ,‬وربكسم‬ ‫غفور لكم‪.‬‬ ‫جّنَتْيهِ مْ َجّنَتيْ نِ َذوَاتَى‬ ‫َفأَعْ َرضُوا فََأرْ سَ ْلنَا َعَلْيهِ مْ َسيْلَ الْعَرِ مِ َوبَ ّدْلنَاهُ مْ ِب َ‬ ‫‪1428‬‬

‫أُكُلٍ خَمْطٍ َوَأثْلٍ وَشَ ْيءٍ مِنْ ِس ْدرٍ قَلِيلٍ ( ‪َ )16‬ذلِكَ َج َزْينَاهُمْ ِبمَا كَ َفرُوا‬ ‫وَهَلْ ُنجَازِي إِلّ الْكَفُورَ (‪)17‬‬ ‫فأعرضوا عن أمر ال وشكره وكذبوا الرسل‪ ,‬فأرسلنا عليهم‬ ‫السسسيل الجارف الشديسسد الذي خرّب السسسد وأغرق البسسساتين‪,‬‬ ‫وبدّلناهسم بجنتيهسم المثمرتيسن جنتيسن ذواتَيْس أكسل خمسط‪ ,‬وهسو‬ ‫الثمسر المسر الكريسه الطعسم‪ ,‬وأثْل وهسو شجسر شسبيه بالطّرْفاء ل‬ ‫ثمسر له‪ ,‬وقليسل مسن شجسر النّبْق كثيسر الشوك‪ .‬ذلك التبديسل مسن‬ ‫خير إلى شر بسبب كفرهم‪ ,‬وعدم شكرهم ِنعَمَ ال‪ ,‬وما نعاقب‬ ‫بهذا العقاب الشديد إل الجَحود المبالغ في الكفر‪ ,‬يجازى بفعله‬ ‫مثل بمثل‪.‬‬ ‫وَ َجعَلْنَا َبْيَنهُ مْ َوَبيْ نَ الْقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وََق ّدرْنَا فِيهَا‬

‫سيْرَ سِيُوا فِيهَا َليَالِي وََأيّاما آ ِمِنيَ (‪)18‬‬ ‫ال ّ‬

‫وجعلنسا بيسن أهسل "سسبأ" ‪-‬وهسم "باليمسن"‪ -‬والقرى التسي باركنسا‬ ‫فيهسا ‪-‬وهسي "الشام"‪ -‬مُدنًا متصسلة يُرى بعضهسا مسن بعسض‪,‬‬ ‫وجعلنسا السسير فيهسا سسيرًا مقدّرًا مسن منزل إلى منزل ل مشقسة‬ ‫فيسه‪ ,‬وقلنسا لهسم‪ :‬سسيروا فسي تلك القرى فسي أيّ وقست شئتسم مسن‬ ‫ليل أو نهار‪ ,‬آمنين ل تخافون عدوّا‪ ,‬ول جوعًا ول عطشًا‪.‬‬ ‫ِيثم‬ ‫ُمم أَحَاد َ‬ ‫ُسمهُ ْم َفجَعَ ْلنَاه ْ‬ ‫َسمفَا ِرنَا َوظَلَمُوا أَنف َ‬ ‫ْنم أ ْ‬ ‫َفقَالُوا َربّن َا بَاعِ ْد َبي َ‬ ‫‪1429‬‬

‫صبّارٍ شَكُورٍ (‪)19‬‬ ‫ك ليَاتٍ لِكُلّ َ‬ ‫وَمَزّ ْقنَاهُ ْم كُلّ مُ َمزّقٍ ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫فبطغيانهسسم ملّوا الراحسسة والمسسن ورغسسد العيسسش‪ ,‬وقالوا‪ :‬ربنسسا‬ ‫اجعسل قُرانسا متباعدة; ليبعسد سسفرنا بينهسا‪ ,‬فل نجسد قرى عامرة‬ ‫فسسي طريقنسسا‪ ,‬وظلموا أنفسسسهم بكفرهسسم فأهلكناهسسم‪ ,‬وجعلناهسسم‬ ‫عبرًا وأحاديث لمن يأتي بعدهم‪ ,‬وفَرّقناهم كل تفريق وخربت‬ ‫بلدهسم‪ ,‬إن فيمسا حسل "بسسبأ" لَعسبرة لكسل صسبّار على المكاره‬ ‫والشدائد‪ ,‬شكور لنعم ال تعالى‪.‬‬ ‫ق عََلْيهِمْ ِإبْلِيسُ َظّنهُ فَاّتبَعُوهُ إِلّ فَرِيقا مِنْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)20‬‬ ‫صدّ َ‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫ولقسد ظسن إبليسس ظنًا غيسر يقيسن أنسه سسيضل بنسي آدم‪ ,‬وأنهسم‬ ‫سسسيطيعونه فسسي معصسسية ال‪ ,‬فص سدّق ظنسسه عليهسسم‪ ,‬فأطاعوه‬ ‫وعصسوا ربهسم إل فريقًا مسن المؤمنيسن بال‪ ,‬فإنهسم ثبتوا على‬ ‫طاعة ال‪.‬‬ ‫وَمَا كَانَ لَهُ عََلْيهِمْ مِ ْن سُلْطَانٍ إِ ّل ِلنَعْلَمَ مَ ْن ُيؤْمِنُ بِالخِرَ ِة مِمّنْ ُه َو ِمْنهَا‬ ‫ك َو َربّكَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ حَفِيظٌ (‪)21‬‬ ‫فِي شَ ّ‬ ‫وما كان لبليس على هؤلء الكفار مِن قهر على الكفر‪ ,‬ولكن‬ ‫حكمسة ال اقتضست تسسويله لبنسي آدم; ليظهسر مسا علمسه سسبحانه‬ ‫فسي الزل؛ لنميسز مَن يصسدّق بالبعسث والثواب والعقاب ممسن‬ ‫‪1430‬‬

‫هسو فسي شسك مسن ذلك‪ .‬وربسك على كسل شيسء حفيسظ‪ ,‬يحفظسه‬ ‫ويجازي عليه‪.‬‬ ‫ُونم ِمثْقَالَ َذرّةٍ ف ِي‬ ‫ّهم ل يَمْلِك َ‬ ‫ُونم الل ِ‬ ‫ِنم د ِ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫ِينم زَعَ ْمت ْ‬ ‫قُلْ ادْعُوا الّذ َ‬ ‫السّ َموَاتِ وَل فِي الَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ ِشرْ ٍك وَمَا لَهُ ِمْنهُ ْم مِ ْن َظهِيٍ‬ ‫(‪)22‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪ :‬ادعوا الذين زعمتموهم شركاء‬ ‫ل فعبدتموهسسم مسسن دونسسه مسسن الصسسنام والملئكسسة والبشسسر‪,‬‬ ‫واقصسدوهم فسي حوائجكسم‪ ,‬فإنهسم لن يجيبوكسم‪ ,‬فهسم ل يملكون‬ ‫وزن نملة صسغيرة فسي السسموات ول فسي الرض‪ ,‬وليسس لهسم‬ ‫شِرْكسة فيهمسا‪ ,‬وليسس ل مسن هؤلء المشركيسن معيسن على خلق‬ ‫شيسسء‪ ,‬بسسل ال ‪-‬سسسبحانه وتعالى‪ -‬هسسو المتفرد باليجاد‪ ,‬فهسسو‬ ‫الذي ُيعْبَ ُد وحده‪ ,‬ول يستحق العبادة أحد سواه‪.‬‬ ‫وَل تَن َف ُع الشّفَا َعةُ ِعنْدَ هُ إِ ّل لِمَ نْ أَذِ َن لَ هُ َحتّى إِذَا فُزّ عَ عَ نْ ُقلُوبِهِ مْ قَالُوا‬ ‫مَاذَا قَالَ َربّكُ ْم قَالُوا اْلحَقّ وَ ُهوَ الْعَلِ ّي الْ َكبِيُ (‪)23‬‬ ‫ول تنفسع شفاعسة الشافسع عنسد ال تعالى إل لمسن أذن له‪ .‬ومسن‬ ‫عظمتسه وجلله عسز وجسل أنسه إذا تكلم سسبحانه بالوحسي فسسمع‬ ‫أهسل السسموات كلمسه أُرعدوا مسن الهيبسة‪ ,‬حتسى يلحقهسم مثسل‬ ‫الغشسي‪ ,‬فإذا زال الفزع عسن قلوبهسم سسأل بعضهسم بعضًا‪ :‬ماذا‬ ‫‪1431‬‬

‫قال ربكم؟ قالت الملئكة‪ :‬قال الحق‪ ,‬وهو العليّ بذاته وقهره‬ ‫وعلوّ قدْره‪ ,‬الكبير على كل شيء‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْضِ قُلْ الّلهُ وَِإنّا َأوْ ِإيّاكُمْ لَعَلَى هُدًى‬ ‫قُ ْل مَ ْن يَ ْرزُقُكُمْ مِنْ السّ َموَا ِ‬ ‫َأوْ فِي ضَل ٍل ُمِبيٍ ( ‪)24‬‬ ‫قسسل ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬للمشركيسسن‪ :‬مَن يرزقكسسم مسسن السسسموات‬ ‫بالمطسر‪ ,‬ومسن الرض بالنبات والمعادن وغيسر ذلك؟ فإنهسم ل‬ ‫بدّ أن ُيقِرّوا بأنسسسه ال‪ ,‬وإن لم ُيقِرّوا بذلك فقسسسل لهسسسم‪ :‬ال هسسسو‬ ‫الرزاق‪ ,‬وإنّ أحد الفريقين منا ومنكم لعلى هدى متمكن منه‪,‬‬ ‫أو في ضلل بيّن منغمس فيه‪.‬‬ ‫قُ ْل ل ُتسَْألُونَ َعمّا َأجْرَ ْمنَا وَل ُنسْأَلُ َعمّا تَعْمَلُونَ (‪)25‬‬ ‫قسسل‪ :‬ل تُسسسألون عسسن ذنوبنسسا‪ ,‬ول نُسسسأل عسسن أعمالكسسم; لننسسا‬ ‫بريئون منكم ومِن كفركم‪.‬‬ ‫قُ ْل َيجْمَعُ َبْيَننَا َرّبنَا ثُ ّم يَ ْفتَ ُح َبْيَننَا بِاْلحَقّ وَ ُهوَ الْ َفتّاحُ الْعَلِي ُم (‪)26‬‬ ‫قسسل‪ :‬ربنسسا يجمسسع بيننسسا وبينكسسم يوم القيامسسة‪ ,‬ثسسم يقضسسي بيننسسا‬ ‫بالعدل‪ ,‬وهسسو الفتّاح الحاكسسم بيسسن خلقسسه‪ ,‬العليسسم بمسسا ينبغسسي أن‬ ‫يُقْضى به‪ ,‬وبأحوال خلقه‪ ,‬ل تخفى عليه خافية‪.‬‬ ‫‪1432‬‬

‫ل بَلْ ُهوَ اللّ هُ الْعَزِي ُز اْلحَكِي مُ (‬ ‫قُلْ َأرُونِي الّذِي نَ َأْلحَ ْقتُ مْ بِ هِ شُرَكَاءَ كَ ّ‬

‫‪)27‬‬

‫قل‪ :‬أروني بالحجة والدليل الذين ألحقتموهم بال وجعلتموهم‬ ‫شركاء له فسسسي العبادة‪ ,‬هسسسل خلقوا شيئًا؟ ليسسسس المسسسر كمسسسا‬ ‫وصسفوا‪ ,‬بسل هسو المعبود بحسق الذي ل شريسك له‪ ,‬العزيسز فسي‬ ‫انتقامه ممن أشرك به‪ ،‬الحكيم في أقواله وأفعاله وتدبير أمور‬ ‫خلقه‪.‬‬ ‫وَمَا َأرْ سَ ْلنَاكَ إِ ّل كَاّفةً لِلنّا سِ َبشِيا َونَذِيرا َولَكِنّ أَ ْكثَرَ النّا سِ ل يَعْلَمُو نَ‬

‫(‪)28‬‬

‫ومسا أرسسلناك ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬إل للناس أجمعيسن مبشرًا بثواب‬ ‫ال‪ ,‬ومنذرًا عقابسسه‪ ,‬ولكسسن أكثسسر الناس ل يعلمون الحسسق‪ ,‬فهسسم‬ ‫معرضون عنه‪.‬‬ ‫ي (‪)29‬‬ ‫َويَقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِِق َ‬ ‫ويقول هؤلء المشركون مسسستهزئين‪ :‬متسسى هذا الوعسسد الذي‬ ‫تَعِدوننسا أن يجمعنسا ال فيسه‪ ,‬ثسم يقضسي بيننسا‪ ,‬إن كنتسم صسادقين‬ ‫فيما تعدوننا به؟‬ ‫‪1433‬‬

‫ستَقْدِمُونَ (‪)30‬‬ ‫ستَأْخِرُونَ َعْنهُ سَا َعةً وَل َت ْ‬ ‫قُ ْل لَكُمْ مِيعَا ُد َيوْمٍ ل َت ْ‬ ‫قسل لهسم ‪-‬أيهسا الرسسول‪ :-‬لكسم ميعاد هسو آتيكسم ل محالة‪ ,‬وهسو‬ ‫ميعاد يوم القيامسسسة‪ ,‬ل تسسسستأخرون عنسسسه سسسساعة للتوبسسسة‪ ,‬ول‬ ‫تسسستقدمون سسساعةً قبله للعذاب‪ .‬فاحذروا ذلك اليوم‪ ,‬وَأعِدّوا له‬ ‫عدته‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا لَ نْ ُنؤْمِ نَ ِبهَذَا الْقُرْآ نِ وَل بِالّذِي َبيْ نَ َي َديْ هِ َولَوْ َترَى‬ ‫ضهُ مْ ِإلَى بَعْ ضٍ الْ َقوْلَ يَقُولُ‬ ‫إِ ْذ الظّالِمُو نَ َموْقُوفُو نَ ِعْندَ َرّبهِ مْ َيرْجِ ُع بَعْ ُ‬ ‫الّذِينَ ا ْستُضْعِفُوا لِلّذِينَ ا ْستَ ْكَبرُوا َلوْل َأْنتُمْ لَ ُكنّا ُمؤْ ِمِنيَ (‪)31‬‬ ‫وقال الذين كفروا‪ :‬لن نصدّق بهذا القرآن ول بالذي َتقَدّمَه من‬ ‫التوراة والنجيسسل والزبور‪ ,‬فقسسد كذّبوا بجميسسع كتسسب ال‪ .‬ولو‬ ‫ترى ‪-‬أيهسسسا الرسسسسول‪ -‬إذ الظالمون محبوسسسسون عنسسسد ربهسسسم‬ ‫للحسساب‪ ,‬يتراجعون الكلم فيمسا بينهسم‪ ,‬كسل يُلْقسي بالعتاب على‬ ‫الخسسسر‪ ,‬لرأيسسست شيئًا فظيعسسسا‪ ,‬يقول المسسسستضعفون للذيسسسن‬ ‫اسسستكبروا ‪-‬وهسسم القادة والرؤسسساء الضالون المضلون‪ :-‬لول‬ ‫أنتم أضللتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بال ورسوله‪.‬‬ ‫قَالَ الّذِي نَ ا ْستَ ْكبَرُوا لِلّذِي نَ ا ْستُضْعِفُوا َأَنحْ نُ صَدَ ْدنَاكُ ْم عَ نْ الْهُدَى بَعْدَ‬ ‫‪1434‬‬

‫ي (‪)32‬‬ ‫إِذْ جَاءَكُ ْم بَلْ كُنتُمْ ُمجْرِ ِم َ‬ ‫قال الرؤسساء للذيسن اسستُضعِفوا‪ :‬أنحسن منعناكسم مسن الهدى بعسد‬ ‫إذ جاءكسسم؟ بسسل كنتسسم مجرميسسن إذ دخلتسسم فسسي الكفسسر بإرادتكسسم‬ ‫مختارين‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِينَ ا ْستُضْعِفُوا لِلّذِي َن ا ْستَ ْكبَرُوا بَلْ مَكْ ُر الّليْلِ وَالّنهَارِ ِإذْ تَأْمُرُوَننَا‬ ‫أَ نْ نَكْفُ َر بِاللّ هِ َونَجْعَلَ لَ هُ أَندَادا وََأ سَرّوا النّدَا َمةَ لَمّا رََأوْا الْعَذَا بَ َوجَعَ ْلنَا‬ ‫ق الّذِينَ كَفَرُوا هَلْ ُيجْ َز ْونَ إِ ّل مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)33‬‬ ‫الَغْللَ فِي أَ ْعنَا ِ‬ ‫وقال المسستضعفون لرؤسسائهم فسي الضلل‪ :‬بسل تدبيركسم الشسر‬ ‫لنا في الليل والنهار هو الذي أوقعنا في التهلكة‪ ,‬فكنتم تطلبون‬ ‫منا أن نكفر بال‪ ,‬ونجعل له شركاء في العبادة‪ ,‬وأس ّر كُلّ من‬ ‫الفريقيسسن الحسسسرة حيسسن رأوا العذاب الذي أُع ّد لهسسم‪ ,‬وجعلنسسا‬ ‫الغلل فسسسي أعناق الذيسسسن كفروا‪ ,‬ل يعاقَبون بهذا العقاب إل‬ ‫بسسسبب كفرهسسم بال وعملهسسم السسسيئات فسسي الدنيسسا‪ .‬وفسسي اليسسة‬ ‫تحذير شديد من متابعة دعاة الضلل وأئمة الطغيان‪.‬‬ ‫وَمَا َأرْ سَ ْلنَا فِي قَ ْرَيةٍ مِ نْ َنذِيرٍ إِلّ قَالَ ُمْترَفُوهَا ِإنّا ِبمَا ُأرْ سِ ْلُتمْ بِ هِ كَافِرُو نَ‬ ‫(‪)34‬‬

‫‪1435‬‬

‫ومسا أرسسلنا فسي قريسة مسن رسسول يدعسو الى توحيسد ال وإفراده‬ ‫بالعبادة‪ ,‬إل قال المنغمسسون فسي اللذات والشهوات مسن أهلهسا‪:‬‬ ‫إنّا بالذي جئتم به ‪-‬أيها الرسل‪ -‬جاحدون‪.‬‬ ‫وَقَالُوا َنحْنُ أَ ْكثَرُ أَ ْموَالً وََأوْلدا وَمَا َنحْنُ بِ ُمعَ ّذِبيَ (‪)35‬‬ ‫وقالوا‪ :‬نحسسن أكثسسر منكسسم أموال وأولدًا‪ ,‬وال لم يعطنسسا هذه‬ ‫النعسسم إل لرضاه عنسسا‪ ,‬ومسسا نحسسن بمعذّبيسسن فسسي الدنيسسا ول فسي‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّ َربّي َيبْسُطُ ال ّرزْقَ لِمَ ْن َيشَاءُ َويَقْ ِدرُ َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل يَعَْلمُونَ‬ ‫(‪)36‬‬ ‫قسل لهسم ‪-‬أيهسا الرسسول‪ :-‬إن ربسي يوسسّع الرزق فسي الدنيسا لمسن‬ ‫يشاء مِن عباده‪ ,‬ويضيّق على مَن يشاء‪ ,‬ل لمحبة ول لبغض‪,‬‬ ‫ولكسن يفعسل ذلك اختبارًا‪ ,‬ولكسن أكثسر الناس ل يعلمون أن ذلك‬ ‫اختبار لعباده؛ لنهم ل يتأملون‪.‬‬ ‫وَمَا أَ ْموَالُكُ ْم وَل َأوْلدُكُمْ بِاّلتِي تُقَ ّربُكُمْ ِعْن َدنَا ُزلْفَى إِ ّل مَنْ آمَ َن وَعَمِلَ‬ ‫ف بِمَا عَمِلُوا وَهُ مْ فِي الْغُ ُرفَا تِ آ ِمنُو نَ (‬ ‫ك لَهُ مْ جَزَاءُ الضّعْ ِ‬ ‫صَالِحا فَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫‪)37‬‬ ‫‪1436‬‬

‫وليست أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا قربى‪ ,‬وترفع‬ ‫درجاتكسم‪ ,‬لكسن مَن آمسن بال وعمسل صسالحًا فهؤلء لهسم ثواب‬ ‫الضعف من الحسنات‪ ,‬فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء ال‬ ‫مسن الزيادة‪ ,‬وهسم فسي أعالي الجنسة آمنون مسن العذاب والموت‬ ‫والحزان‪.‬‬ ‫ب ُمحْضَرُونَ (‪)38‬‬ ‫وَالّذِينَ َيسْ َعوْنَ فِي آيَاِتنَا مُعَا ِجزِينَ ُأ ْوَلئِكَ فِي الْعَذَا ِ‬ ‫والذيسن يسسعون فسي إبطال حججنسا‪ ,‬ويصسدون عسن سسبيل ال‬ ‫مشاقيسسسن مغالبيسسسن‪ ,‬هؤلء فسسسي عذاب جهنسسسم يوم القيامسسسة‪,‬‬ ‫تحضرهم الزبانية‪ ,‬فل يخرجون منها‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّ َربّي َيبْ سُطُ ال ّرزْ قَ لِمَ نْ َيشَاءُ مِ نْ ِعبَادِ ِه َويَقْ ِدرُ لَ هُ وَمَا أَنفَ ْقتُ ْم مِ نْ‬

‫شَ ْي ٍء َف ُهوَ ُيخْلِ ُفهُ وَ ُهوَ َخْيرُ الرّازِِقيَ (‪)39‬‬

‫قسسل ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬لهؤلء المغتريسسن بالموال والولد‪ :‬إن‬ ‫ربسسي يوسسّع الرزق على مَن يشاء مسسن عباده‪ ,‬ويضيّقسسه على‬ ‫عطَيتم من شيء فيما أمركم‬ ‫مَن يشاء؛ لحكمة يعلمها‪ ,‬ومهما أَ ْ‬ ‫بسه فهسو يعوضسه لكسم فسي الدنيسا بالبدل‪ ,‬وفسي الخرة بالثواب‪,‬‬ ‫وهسسو ‪-‬سسسبحانه‪ -‬خيسسر الرازقيسسن‪ ,‬فاطلبوا الرزق منسسه وحده‪,‬‬ ‫واسعَوا في السباب التي أمركم بها‪.‬‬

‫‪1437‬‬

‫حشُرُهُ مْ جَمِيعا ثُمّ يَقُولُ لِلْمَلئِ َكةِ أَ َهؤُلءِ ِإيّاكُ مْ كَانُوا يَ ْعبُدُو نَ (‬ ‫َوَيوْ مَ َي ْ‬ ‫‪)40‬‬ ‫واذكسر ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬يوم يحشسر ال المشركيسن والمعبوديسن‬ ‫مسن دونسه مسن الملئكسة‪ ,‬ثسم يقول للملئكسة على وجسه التوبيسخ‬ ‫لمن عبدهم‪ :‬أهؤلء إياكم كانوا يعبدون مِن دوننا؟‬ ‫قَالُوا ُسْبحَانَكَ َأْن تَ َوِليّنَا مِ نْ دُوِنهِ ْم بَلْ كَانُوا يَ ْعُبدُو نَ اْلجِنّ أَ ْكثَرُ ُه مْ‬ ‫ِبهِمْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)41‬‬ ‫قالت الملئكسسة‪ :‬ننزهسسك يسسا أل عسسن أن يكون لك شريسسك فسسي‬ ‫العبادة‪ ,‬أنسست وليّنسسا الذي نطيعسسه ونعبده وحده‪ ,‬بسسل كان هؤلء‬ ‫يعبدون الشياطين‪ ,‬أكثرهم بهم مصدقون ومطيعون‪.‬‬ ‫ِينم ظَلَمُوا‬ ‫ْضم نَفْعا وَل ضَرّا َونَقُولُ لِلّذ َ‬ ‫ُمم ِلبَع ٍ‬ ‫ِكم بَعْضُك ْ‬ ‫ْمم ل يَمْل ُ‬ ‫فَاْلَيو َ‬

‫ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ اّلتِي كُنتُ ْم ِبهَا ُتكَ ّذبُونَ (‪)42‬‬

‫ففسي يوم الحشسر ل يملك المعبودون للعابديسن نفعًا ول ضرّا‪,‬‬ ‫ونقول للذيسن ظلموا أنفسسهم بالشرك والمعاصسي‪ :‬ذوقوا عذاب‬ ‫النار التي كنتم بها تكذبون‪.‬‬

‫‪1438‬‬

‫صدّكُ ْم‬ ‫وَِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاتُنَا َبّينَا تٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلّ َرجُلٌ يُرِيدُ أَ نْ يَ ُ‬ ‫ك مُ ْفتَرًى وَقَالَ الّذِي نَ كَ َفرُوا‬ ‫عَمّا كَا نَ يَ ْعبُ ُد آبَاؤُكُ مْ وَقَالُوا مَا َهذَا إِلّ إِ ْف ٌ‬ ‫لِ ْلحَقّ لَمّا جَاءَهُمْ ِإنْ هَذَا إِلّ ِسحْ ٌر ُمِبيٌ ( ‪)43‬‬ ‫وإذا تتلى على كفار "مكسسسسسة" آيات ال واضحات قالوا‪ :‬مسسسسسا‬ ‫محمسد إل رجسل يرغسب أن يمنعكسم عسن عبادة اللهسة التسي كان‬ ‫يعبدهسسا آباؤكسسم‪ ,‬وقالوا‪ :‬مسسا هذا القرآن الذي تتلوه علينسسا ‪-‬يسسا‬ ‫محمسد‪ -‬إل كذب مختلق‪ ,‬جئتَس بسه مسن عنسد نفسسك‪ ,‬وليسس مِن‬ ‫عنسد ال‪ ,‬وقال الكفار عسن القرآن لمسا جاءهسم‪ :‬مسا هذا إل سسحر‬ ‫واضح‪.‬‬ ‫ك مِ نْ َنذِيرٍ (‬ ‫ب يَ ْدرُ سُوَنهَا وَمَا َأرْ سَ ْلنَا ِإَلْيهِ ْم َقبَْل َ‬ ‫وَمَا آَتْينَاهُ ْم مِ ْن ُكتُ ٍ‬ ‫‪)44‬‬ ‫ومسا أنزلنسا على الكفار مِن كُتُب يقرؤونهسا قبسل القرآن فتدلهسم‬ ‫على مسسا يزعمون مسسن أن مسسا جاءهسسم بسسه محمسسد سسسحر‪ ,‬ومسسا‬ ‫أرسلنا إليهم قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من رسول ينذرهم بأسنا‪.‬‬ ‫ب الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ مْ وَمَا بَلَغُوا مِ ْعشَارَ مَا آَتْينَاهُ مْ فَكَ ّذبُوا رُ سُلِي‬ ‫وَكَذّ َ‬

‫ف كَانَ نَكِ ِي (‪)45‬‬ ‫فَ َكيْ َ‬

‫‪1439‬‬

‫وكذّب الذين من قبلهم كعاد وثمود رسلنا‪ ,‬وما بلغ أهل "مكة"‬ ‫عُش َر مسسا آتينسسا المسسم السسسابقة مسسن القوة‪ ,‬وكثرة المال‪ ,‬وطول‬ ‫العمسر وغيسر ذلك مسن النعسم‪ ,‬فكذبوا رسسلي فيمسا جاؤوهسم بسه‬ ‫فأهلكناهسسم‪ ,‬فانظسسر ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬كيسسف كان إنكاري عليهسسم‬ ‫وعقوبتي إياهم؟‬ ‫قُلْ ِإنّمَا أَعِظُكُ ْم ِبوَاحِدَةٍ أَ نْ تَقُومُوا لِلّ هِ َمثْنَى وَُفرَادَى ثُمّ َتتَفَكّرُوا مَا‬

‫ي عَذَابٍ َشدِيدٍ (‪)46‬‬ ‫بِصَا ِحبِكُ ْم مِنْ ِجّنةٍ ِإنْ ُهوَ إِلّ نَذِيرٌ لَكُ ْم َبيْنَ يَدَ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المكذبين المعاندين‪ :‬إنما أنصح لكم‬ ‫بخصسلة واحدة أن تنهضوا فسي طاعسة ال اثنيسن اثنيسن وواحدًا‬ ‫واحدًا‪ ,‬ثسسم تتفكروا فسسي حال صسساحبكم رسسسول ال صسسلى ال‬ ‫عليسه وسسلم وفيمسا نسسب إليسه‪ ,‬فمسا بسه مسن جنون‪ ,‬ومسا هسو إل‬ ‫مخوّف لكم‪ ,‬ونذير من عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها‪.‬‬ ‫قُ ْل مَا َسَأْلتُكُمْ مِ نْ َأجْ ٍر َف ُهوَ لَكُ مْ إِ نْ َأجْرِي إِ ّل عَلَى اللّ هِ وَ ُهوَ عَلَى كُلّ‬ ‫شَ ْيءٍ َشهِيدٌ (‪)47‬‬ ‫قسل ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬للكفار‪ :‬مسا سسألتكم على الخيسر الذي جئتكسم‬ ‫بسسه مسسن أجسسر فهسسو لكسسم‪ ,‬مسسا أجري الذي أنتظره إل على ال‬ ‫المطّلِع على أعمالي وأعمالكسسم‪ ,‬ل يخفسسى عليسسه شيسسء فهسسو‬ ‫ل بما يستحقه‪.‬‬ ‫يجازي الجميع‪ ,‬ك ّ‬ ‫‪1440‬‬

‫قُلْ ِإنّ َربّي يَ ْقذِفُ بِاْلحَقّ عَلّمُ الْ ُغيُوبِ (‪)48‬‬ ‫قسل ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬لمسن أنكسر التوحيسد ورسسالة السسلم‪ :‬إن‬ ‫ربسي يقذف الباطسل بحجسج مسن الحسق‪ ,‬فيفضحسه ويهلكسه‪ ,‬وال‬ ‫علم الغيوب‪ ,‬ل يخفسسسى عليسسسه شيسسسء فسسسي الرض ول فسسسي‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫قُلْ جَاءَ اْلحَقّ وَمَا ُيْبدِئُ اْلبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (‪)49‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬جاء الق والشرع العظيم من ال‪ ,‬وذهب الباطل‬ ‫واضمحلّ سلطانه‪ ,‬فلم يبق للباطل شيء يبدؤه ويعيده‪.‬‬ ‫قُلْ إِنْ ضَلَ ْلتُ َفِإنّمَا َأضِلّ عَلَى نَفْسِي َوإِنْ ا ْهتَ َديْتُ َفبِمَا يُوحِي ِإلَيّ َربّي‬ ‫ِإّنهُ سَمِي ٌع قَرِيبٌ ( ‪)50‬‬ ‫قمل‪ :‬إن مِلْت عمن القم فإثم ضلل على نفسمي‪ ,‬وإن اسمتقمت عليمه‬ ‫فبوحي ال الذي يوحيه إلّ‪ ,‬إن رب سيع لا أقول لكم‪ ,‬قريب من دعاه‬ ‫وسأله‪.‬‬

‫‪1441‬‬

‫ت وَأُ ِخذُوا مِنْ مَكَانٍ َقرِيبٍ (‪)51‬‬ ‫َوَلوْ تَرَى ِإذْ َفزِعُوا فَل َفوْ َ‬ ‫ِعم الكفار حيم معاينتهمم عذاب ال‪,‬‬ ‫ولو ترى ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬إذ فَز َ‬ ‫لرأيت أمرًا عظيمًا‪ ,‬فل ناة لم ول مهرب‪ ,‬وأُخذوا إل النار من موضع‬ ‫قريب التناول‪.‬‬ ‫وَقَالُوا آ َمنّا ِبهِ وََأنّى لَهُ ْم التّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِي ٍد (‪)52‬‬ ‫وقال الكفار ‪-‬عندما رأوا العذاب ف الخرة‪ :-‬آمنا بال وكتبه ورسله‪,‬‬ ‫وك يف ل م تناول اليان ف الخرة وو صولم له من مكان بع يد؟ قد‬ ‫حيل بينهم وبينه‪ ,‬فمكانه الدنيا‪ ,‬وقد كفروا فيها‪.‬‬ ‫ب مِنْ مَكَانٍ بَعِي ٍد (‪)53‬‬ ‫وََقدْ كَفَرُوا ِب ِه مِنْ َقبْلُ َويَ ْقذِفُونَ بِالْ َغيْ ِ‬ ‫و قد كفروا بال ق ف الدن يا‪ ,‬وكذبوا الر سل‪ ,‬ويرمون بال ظن من ج هة‬ ‫بعيدة عن إ صابة ال ق‪ ,‬ل يس ل م في ها م ستند لظن هم البا طل‪ ,‬فل سبيل‬ ‫لصابتهم الق‪ ,‬كما ل سبيل للرامي إل إصابة الغرض من مكان بعيد‪.‬‬ ‫شتَهُو نَ َكمَا ُفعِلَ بِأَ ْشيَا ِعهِ مْ مِ نْ َقبْلُ ِإّنهُ ْم كَانُوا‬ ‫وَحِي َل َبْيَنهُ ْم َوَبيْ نَ مَا َي ْ‬ ‫‪1442‬‬

‫ك مُرِيبٍ (‪)54‬‬ ‫فِي شَ ّ‬ ‫وحيل بي الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إل الدنيا ليؤمنوا‪ ,‬كما‬ ‫فعل ال بأمثالم من كفرة المم السابقة‪ ,‬إنم كانوا ف الدنيا ف َشكّ‬ ‫ممن أممر الرسمل والبعمث والسماب‪ُ ,‬محْدِث للريبمة والقلق‪ ,‬فلذلك ل‬ ‫يؤمنوا‪.‬‬

‫‪ -35‬سورة فاطر‬ ‫ح ٍة‬ ‫ت وَالَرْ ضِ جَاعِلِ الْمَلئِ َكةِ رُ ُسلً أُولِي أَ ْجِن َ‬ ‫الْحَمْ ُد لِلّ هِ فَاطِ ِر ال سّ َموَا ِ‬ ‫ع يَزِي ُد فِي الْخَلْقِ مَا َيشَاءُ ِإنّ اللّ هَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ‬ ‫َمْثنَى َوثُلثَ َو ُربَا َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫الثناء على ال بصمفاته التم كلّهما أوصماف كمال‪ ،‬وبنعممه الظاهرة‬ ‫والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬خالق السموات والرض ومبدعهما‪ ,‬جاعل‬ ‫اللئكة ر سل إل مَن يشاء من عباده‪ ,‬وفيما شاء من أمره ونيه‪ ,‬ومِن‬ ‫عظ يم قدرة ال أن ج عل اللئ كة أ صحاب أجن حة مث ن وثلث ورباع‬ ‫تط ي ب ا؛ لتبل يغ ما أ مر ال به‪ ,‬يز يد ال ف خل قه ما يشاء‪ .‬إن ال على‬ ‫‪1443‬‬

‫كل شيء قدير‪ ,‬ل يستعصي عليه شيء‪.‬‬ ‫ك فَل مُ ْرسِ َل لَهُ‬ ‫سكَ َلهَا وَمَا يُمْ سِ ْ‬ ‫مَا يَ ْفتَحْ اللّهُ لِلنّاسِ مِ ْن رَحْ َمةٍ فَل مُمْ ِ‬ ‫مِنْ بَعْدِ ِه وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)2‬‬ ‫ما يف تح ال للناس من رزق وم طر و صحة وعلم وغ ي ذلك من الن عم‪,‬‬ ‫فل أحد يقدر أن يسك هذه الرحة‪ ,‬وما يسك منها فل أحد يستطيع‬ ‫أن يرسلها بعده سبحانه وتعال‪ .‬وهو العزيز القاهر لكل شيء‪ ,‬الكيم‬ ‫الذي يرسل الرحة ويسكها وَفْق حكمته‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ اذْ ُكرُوا نِعْ َمةَ اللّ هِ َعَليْكُ ْم هَلْ مِ نْ خَالِ قٍ َغيْ ُر اللّ هِ يَ ْرزُقُكُ مْ‬ ‫مِنْ السّمَاءِ وَا َلرْضِ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو فََأنّى ُتؤْفَكُونَ (‪)3‬‬ ‫يا أيها الناس اذكروا نعمة ال عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم‪,‬‬ ‫فل خالق ل كم غ ي ال يرزق كم من ال سماء بال طر‪ ,‬و من الرض بالاء‬ ‫صرَفون‬ ‫والعادن وغ ي ذلك‪ .‬ل إله إل هو وحده ل شريك له‪ ,‬فك يف تُ ْ‬ ‫عن توحيده وعبادته؟‬

‫‪1444‬‬

‫وَِإنْ يُ َك ّذبُوكَ فَ َقدْ ُك ّذبَتْ رُسُ ٌل مِنْ َقْبلِكَ َوِإلَى الّلهِ تُرْ َجعُ الُمُورُ (‪)4‬‬ ‫وإن يكذبسك قومسك ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬فقسد كُذّب رسسل مِن قبلك‪,‬‬ ‫وإلى ال تصسير المور فسي الخرة‪ ,‬فيجازي كل بمسا يسستحق‪.‬‬ ‫وفي هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدنْيَا وَل يَغُ ّرنّكُ مْ‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ إِنّ وَعْ َد اللّ هِ حَقّ فَل تَ ُغ ّرنّكُ ْم الْ َ‬ ‫شيْطَانَ لَكُ ْم عَ ُد ّو فَاتّخِذُوهُ عَ ُدوّا ِإنّمَا يَدْعُو حِ ْزبَهُ‬ ‫بِاللّهِ الْغَرُورُ (‪ِ )5‬إنّ ال ّ‬

‫ب السّعِيِ ( ‪)6‬‬ ‫صحَا ِ‬ ‫ِليَكُونُوا مِنْ َأ ْ‬

‫يا أيها الناس إن وعد ال بالبعث والثواب والعقاب حق ثابت‪,‬‬ ‫فل تخدعنّكسم الحياة الدنيسا بشهواتهسا ومطالبهسا‪ ,‬ول يخدعنّكسم‬ ‫بال الشيطان‪ .‬إن الشيطان لبنسسسسي آدم عدو‪ ,‬فاتخذوه عدوّا ول‬ ‫تطيعوه‪ ,‬إنمسا يدعسو أتباعسه إلى الضلل؛ ليكونوا مسن أصسحاب‬ ‫النار الموقدة‪.‬‬ ‫الّذِي نَ كَفَرُوا َلهُ ْم عَذَا بٌ شَدِيدٌ وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ َلهُ مْ‬

‫مَغْفِرٌَة وَأَ ْجرٌ َكبِيٌ (‪)7‬‬

‫الذيسن جحدوا أن ال هسو وحده الله الحسق وجحدوا مسا جاءت‬ ‫بسسه رسسسله لهسسم عذاب شديسسد فسسي الخرة‪ ,‬والذيسسن ص سدّقوا ال‬ ‫‪1445‬‬

‫ورسسوله وعملوا الصسالحات لهسم عفسو مسن ربهسم وتجاوز عسن‬ ‫ذنوبهم بعد سترها عليهم‪ ،‬ولهم أجر كبير‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬ ‫أَفَمَنْ ُزيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنا َفِإنّ اللّهَ يُضِلّ مَ ْن َيشَاءُ َوَيهْدِي مَنْ‬ ‫صنَعُونَ (‪)8‬‬ ‫سكَ عََلْيهِمْ َحسَرَاتٍ ِإنّ الّلهَ عَلِي ٌم بِمَا يَ ْ‬ ‫َيشَاءُ فَل َتذْهَبْ نَ ْف ُ‬ ‫أفمن ح سّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي ال والكفر‬ ‫وعبادة مسا دونسه مسن اللهسة والوثان فرآه حسسنًا جميل كمَن‬ ‫هداه ال تعالى‪ ,‬فرأى الحسسسن حسسسنًا والسسسيئ سسسيئًا؟ فإن ال‬ ‫يضسل مسن يشاء مسن عباده‪ ,‬ويهدي مسن يشاء‪ ,‬فل ُتهْلك نفسسك‬ ‫حزنًسسا على كفسسسر هؤلء الضاليسسسن‪ ,‬إن ال عليسسسم بقبائحهسسسم‬ ‫وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء‪.‬‬ ‫وَاللّ هُ الّذِي َأرْ سَلَ ال ّريَا حَ َفُتثِيُ َسحَابا فَ سُ ْقنَاهُ ِإلَى بَلَ ٍد َميّ تٍ فَأَ ْحَييْنَا بِ هِ‬ ‫ك النّشُورُ (‪)9‬‬ ‫ا َلرْضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا كَ َذلِ َ‬ ‫والُ هسسو الذي أرسسسل الرياح فتحرك سسسحابًا‪ ,‬فسسسقناه إلى بلد‬ ‫جدب‪ ,‬فينزل الماء فأحيينسسا بسسه الرض بعسسد يُبْسسسها فتخضسسر‬ ‫بالنبات‪ ,‬مثل ذلك الحياء يحيي ال الموتى يوم القيامة‪.‬‬ ‫مَ نْ كَا نَ ُيرِيدُ الْعِزّ َة فَلِلّ هِ الْعِزّةُ جَمِيعا ِإَليْ هِ يَ صْعَدُ الْكَلِ مُ ال ّطيّ بُ وَالْعَمَلُ‬ ‫‪1446‬‬

‫سّيئَاتِ َلهُ مْ عَذَا بٌ شَدِي ٌد وَمَكْرُ ُأ ْوَلئِ كَ‬ ‫ال صّالِ ُح يَرْفَعُ هُ وَالّذِي نَ َيمْكُرُو نَ ال ّ‬ ‫ُهوَ َيبُورُ (‪)10‬‬ ‫من كان يطلب عزة في الدنيا أو الخرة فليطلبها من ال‪ ,‬ول‬ ‫تُنال إل بطاعتسه‪ ,‬فلله العزة جميعًا‪ ,‬فمسن اعتسز بالمخلوق أذلّه‬ ‫ال‪ ,‬ومسسن اعتسسز بالخالق أعزه ال‪ ,‬إليسسه سسسبحانه يصسسعد ذكره‬ ‫والعمسل الصسالح يرفعسه‪ .‬والذيسن يكتسسبون السسيئات لهسم عذاب‬ ‫شديد‪ ,‬ومكر أولئك يَهْلك و َيفْسُد‪ ,‬ول يفيدهم شيئًا‪.‬‬ ‫وَاللّ هُ خَلَ َقكُ ْم مِ نْ تُرَا بٍ ُثمّ مِ نْ نُطْ َفةٍ ُثمّ جَعََلكُ مْ َأ ْزوَاجا وَمَا َتحْمِلُ مِ ْن‬ ‫ُأْنثَى وَل تَضَ عُ إِلّ بِعِ ْلمِ هِ وَمَا يُعَمّرُ مِ ْن مُعَمّ ٍر وَل ُينْقَ صُ مِ ْن عُمُرِ هِ إِ ّل فِي‬ ‫ِكتَابٍ ِإنّ َذلِكَ َعلَى الّلهِ َيسِيٌ (‪)11‬‬ ‫والُ خلق أباكسم آدم مسن تراب‪ ,‬ثسم جعسل نسسله مسن سسللة مسن‬ ‫ماء مهيسن‪ ,‬ثسم جعلكسم رجال ونسساءً‪ .‬ومسا تحمسل مسن أنثسى ول‬ ‫تضسسع إل بعلمسسه‪ ,‬ومسسا يعمّر س مسسن ُمعَمّرسس‪ ,‬فيطول عمره‪ ,‬ول‬ ‫يُنْقَسص مسسن عمره إل فسسي كتاب عنده‪ ,‬وهسسو اللوح المحفوظ‪,‬‬ ‫قبل أن تحمل به أمّه وقبل أن تضعه‪ .‬قد أحصى ال ذلك كله‪,‬‬ ‫وعلمسسه قبسسل أن يخلقسسه‪ ,‬ل يُزاد فيمسسا كتسسب له ول ُينْقَص‪ .‬إن‬ ‫خَلْقكسم وعِلْم أحوالكسم وكتابتهسا فسي اللوح المحفوظ سسهل يسسير‬ ‫على ال‪.‬‬

‫‪1447‬‬

‫ت سَائِغٌ شَرَابُ هُ وَهَذَا مِلْ حٌ أُجَا جٌ‬ ‫سَتوِي اْلَبحْرَا نِ هَذَا َعذْ بٌ ُفرَا ٌ‬ ‫وَمَا يَ ْ‬ ‫ستَخْ ِرجُونَ‬ ‫سَتخْرِجُونَ حِ ْلَيةً تَ ْلبَسُونَهَا َوتَ ْ‬ ‫وَمِنْ كُلّ تَأْكُلُونَ َلحْما طَ ِريّا َوتَ ْ‬ ‫ُمم‬ ‫ِهم َولَعَلّك ْ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ِنم فَ ْ‬ ‫ِيهم َموَاخِ َر ِلَتْبتَغُوا م ْ‬ ‫ْكم ف ِ‬ ‫حِ ْلَيةً َت ْلبَسمُوَنهَا َوتَرَى الْفُل َ‬ ‫َتشْكُرُونَ (‪)12‬‬ ‫ل مروره‬ ‫ومسا يسستوي البحران‪ :‬هذا عذب شديسد العذوبسة‪ ,‬سَسهْ ٌ‬ ‫فسي الحلق يزيسل العطسش‪ ,‬وهذا ملح شديسد الملوحسة‪ ,‬ومسن كسل‬ ‫مسن البحريسن تأكلون سسمكًا طريّاس شهيّ الطّعسم‪ ,‬وتسستخرجون‬ ‫زينة هي اللؤلؤ والمَرْجان تَ ْلبَسونها‪ ,‬وترى السفن فيه شاقات‬ ‫المياه؛ لتبتغوا مسن فضله مسن التجارة وغيرهسا‪ .‬وفسي هذا دللة‬ ‫على قدرة ال ووحدانيتسه; ولعلكسم تشكرون ل على هذه النعسم‬ ‫التي أنعم بها عليكم‪.‬‬ ‫يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ ُج النّهَارَ فِي الّليْلِ َو َسخّرَ الشّمْسَ وَالْقَمَ َر كُ ّل‬ ‫ك وَالّذِي نَ َتدْعُونَ مِ نْ دُونِ هِ‬ ‫َيجْرِي َلجَلٍ مُ سَمّى َذلِكُ ْم اللّ هُ َربّكُ مْ لَ هُ الْمُلْ ُ‬ ‫مَا يَمِْلكُونَ مِ ْن قِطْمِ ٍي (‪)13‬‬ ‫والُ يدخل من ساعات الليل في النهار‪ ,‬فيزيد النهار بقَدْر ما‬ ‫نقسص مسن الليسل‪ ,‬ويُدخسل مسن سساعات النهار فسي الليسل‪ ,‬فيزيسد‬ ‫الليل بقَدْر ما نقص من النهار‪ ,‬وذلل الشمس والقمر‪ ,‬يجريان‬ ‫لوقست معلوم‪ ,‬ذلكسم الذي فعسل هذا هسو ال ربكسم له الملك كله‪,‬‬ ‫‪1448‬‬

‫والذيسسن تعبدون مسسن دون ال مسسا يملكون مِسن قطميسسر‪ ,‬وهسسي‬ ‫القشرة الرقيقة البيضاء تكون على النّواة‪.‬‬ ‫إِ نْ تَدْعُوهُ مْ ل يَ سْمَعُوا دُعَاءَكُ مْ َوَلوْ َسمِعُوا مَا ا ْسَتجَابُوا لَكُ ْم َوَيوْ مَ‬ ‫ك ِمثْلُ َخبِيٍ (‪)14‬‬ ‫الْ ِقيَا َمةِ يَكْفُرُونَ ِبشِرْكِ ُكمْ وَل ُيَنّبئُ َ‬ ‫إن تدعوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬هذه المعبودات من دون ال ل يسمعوا‬ ‫دعاءكسسم‪ ,‬ولو سسسمعوا على سسسبيل الفرض مسسا أجابوكسسم‪ ,‬ويوم‬ ‫القيامة يتبرؤون منكم‪ ,‬ول أحد يخبرك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أصدق‬ ‫من ال العليم الخبير‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا النّاسُ َأْنتُ ْم الْفُقَرَاءُ ِإلَى الّلهِ وَاللّهُ ُه َو الْ َغنِيّ الْحَمِي ُد (‪)15‬‬ ‫يسسسا أيهسسسا الناس أنتسسسم المحتاجون إلى ال فسسسي كسسسل شيسسسء‪ ,‬ل‬ ‫تسستغنون عنسه طرفسة عيسن‪ ,‬وهسو سسبحانه الغنيّ عسن الناس‬ ‫وعسسن كسسل شيسسء مسسن مخلوقاتسسه‪ ,‬الحميسسد فسسي ذاتسسه وأسسسمائه‬ ‫وصفاته‪ ،‬المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه‪ ،‬فله‬ ‫الحمد والشكر على كلّ حال‪.‬‬ ‫ت ِبخَلْقٍ جَدِيدٍ (‪)16‬‬ ‫ِإنْ َيشَأْ يُذْ ِهبْكُ ْم َويَأْ ِ‬

‫‪1449‬‬

‫إن يشسسأ ال يهلكّمسس أيهسسا الناس‪ ,‬ويأت بقوم آخريسسن يطيعونسسه‬ ‫ويعبدونه وحده‪.‬‬ ‫وَمَا َذلِكَ عَلَى الّلهِ بِعَزِي ٍز (‪)17‬‬ ‫ومسا إهلككسم والتيان بخلق سسواكم على ال بممتنسع‪ ,‬بسل ذلك‬ ‫على ال سهل يسير‪.‬‬ ‫ْهم‬ ‫ْعم ُمثْقََلةٌ ِإلَى ِحمْلِه َا ل ُيحْمَلْ ِمن ُ‬ ‫ِنم تَد ُ‬ ‫وَل َت ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ ُأخْرَى وَإ ْ‬ ‫شوْ نَ َرّبهُ ْم بِال َغيْ بِ وََأقَامُوا‬ ‫شَ ْي ٌء وََلوْ كَا نَ ذَا قُرْبَى ِإنّمَا ُتنْ ِذرُ الّذِي َن َيخْ َ‬ ‫الصّلةَ وَمَنْ تَزَكّى َفِإنّمَا َيتَزَكّى ِلنَ ْفسِهِ َوِإلَى الّلهِ الْمَصِ ُي (‪)18‬‬ ‫س مثقَلَة‬ ‫ول تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى‪ ,‬وإن تَ سْأل نف ٌ‬ ‫بالخطايسا مَن يحمسل عنهسا مسن ذنوبهسا لم تجسد مسن يَحمسل عنهسا‬ ‫شيئًا‪ ,‬ولو كان الذي سسسسألتْه ذا قرابسسسة منهسسسا مسسسن أب أو أخ‬ ‫ونحوهمسسا‪ .‬إنمسسا تحذّر ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬الذيسسن يخافون عذاب‬ ‫ربهسسم بالغيسسب‪ ,‬وأدّوا الصسسلة حسسق أدائهسسا‪ .‬ومسسن تطهسسر مسسن‬ ‫الشرك وغيره مسسن المعاصسسي فإنمسسا يتطهسسر لنفسسسه‪ .‬وإلى ال‬ ‫سبحانه مآل الخلئق ومصيرهم‪ ,‬فيجازي كل بما يستحق‪.‬‬ ‫سَتوِي الَعْمَى وَاْلبَ صِيُ (‪ )19‬وَل الظّلُمَا تُ وَل النّورُ ( ‪)20‬‬ ‫وَمَا يَ ْ‬ ‫‪1450‬‬

‫سَتوِي الَ ْحيَاءُ وَل الَ ْموَا تُ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫وَل الظّلّ وَل اْلحَرُورُ (‪ )21‬وَمَا يَ ْ‬ ‫ت بِ ُمسْمِ ٍع مَنْ فِي الْ ُقبُورِ (‪ِ )22‬إنْ َأْنتَ إِ ّل نَذِيرٌ‬ ‫ُيسْمِعُ مَنْ َيشَاءُ وَمَا َأنْ َ‬ ‫(‪ِ )23‬إنّا َأرْ سَ ْلنَا َك بِاْلحَقّ َبشِيا َونَذِيرا وَإِنْ مِ نْ أُ ّمةٍ إِلّ خل فِيهَا نَذِيرٌ‬ ‫(‪)24‬‬ ‫ومسسا يسسستوي العمسسى عسسن ديسسن ال‪ ,‬والبصسسير الذي أبصسسر‬ ‫طريق الحق واتبعه‪ ,‬وما تستوي ظلمات الكفر ونور اليمان‪,‬‬ ‫ول الظسسسل ول الريسسسح الحارة‪ ,‬ومسسسا يسسسستوي أحياء القلوب‬ ‫باليمان‪ ,‬وأموات القلوب بالكفسسسر‪ .‬إن ال يسسسسمع مَسسسن يشاء‬ ‫سسماع فَهْم وقَبول‪ ,‬ومسا أنست ‪-‬أيهسا الرسسول‪ -‬بمسسمع مَن فسي‬ ‫القبور‪ ,‬فكمسسا ل تُسسسمع الموتسسى فسسي قبورهسسم فكذلك ل تُسسسمع‬ ‫هؤلء الكفار لموت قلوبهسم‪ ,‬إن أنست إل نذيسر لهسم غضسب ال‬ ‫وعقابه‪ .‬إنا أرسلناك بالحق‪ ,‬وهو اليمان بال وشرائع الدين‪,‬‬ ‫مبشرًا بالجنسة مَن صسدّقك وعمسل بهديسك‪ ,‬ومحذرًا مَن كذّبسك‬ ‫وعصاك النار‪ .‬وما من أمة من المم إل جاءها نذير يحذرها‬ ‫عاقبة كفرها وضللها‪.‬‬ ‫وَإِ نْ يُ َك ّذبُو كَ فَ َقدْ َكذّ بَ الّذِي نَ مِ ْن َقبِْلهِ مْ جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلبَّينَا تِ‬ ‫َوبِال ّزبُ ِر َوبِالْ ِكتَابِ الْ ُمنِيِ (‪)25‬‬ ‫وإن يكذبك هؤلء المشركون فقد كذّب الذين مِن قبلهم رسلهم‬ ‫الذيسسسن جاؤوهسسسم بالمعجزات الواضحات الدالة على نبوتهسسسم‪,‬‬ ‫‪1451‬‬

‫وجاؤوهسم بالكتسب المجموع فيهسا كثيسر مسن الحكام‪ ,‬وبالكتاب‬ ‫المنير الموضح لطريق الخير والشر‪.‬‬ ‫ثُمّ َأخَ ْذتُ الّذِينَ كَفَرُوا فَ َكيْفَ كَانَ نَكِيِ (‪)26‬‬ ‫خذْت الذيسسسن كفروا بأنواع العذاب‪ ,‬فانظسسسر كيسسسف كان‬ ‫ثسسسم أ َ‬ ‫إنكاري لعملهم وحلول عقوبتي بهم؟‬ ‫ختَلِفا َأْلوَاُنهَا‬ ‫ت ُم ْ‬ ‫َألَمْ تَرَى َأنّ اللّهَ َأنْزَلَ مِ ْن السّمَاءِ مَاءً فََأخْرَ ْجنَا بِهِ ثَمَرَا ٍ‬

‫ختَلِفٌ َأْلوَاُنهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (‪)27‬‬ ‫ض وَحُ ْمرٌ ُم ْ‬ ‫جبَالِ ُجدَدٌ بِي ٌ‬ ‫وَمِنْ الْ ِ‬

‫ألم تسسر أن ال أنزل مسسن السسسماء ماء‪ ,‬فسسسقينا بسسه أشجارًا فسسي‬ ‫الرض‪ ,‬فأخرجنسسا مسسن تلك الشجار ثمرات مختلفًسا ألوانهسسا‪,‬‬ ‫منهسا الحمسر ومنهسا السسود والصسفر وغيسر ذلك؟ وخََلقْنسا مسن‬ ‫الجبال طرائق بيضًا وحمرًا مختلفًا ألوانها‪ ,‬وخلقنا من الجبال‬ ‫جبال شديدة السواد‪.‬‬ ‫ختَلِفٌ َأْلوَانُهُ كَ َذلِكَ ِإنّمَا َيخْشَى اللّهَ مِنْ‬ ‫وَمِنْ النّاسِ وَال ّدوَابّ وَا َلنْعَامِ ُم ْ‬

‫ِعبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ِإنّ الّلهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (‪)28‬‬

‫وخلقنسسا مسسن الناس والدواب والبسسل والبقسسر والغنسسم مسسا هسسو‬ ‫مختلف ألوانسسه كذلك‪ ,‬فمسسن ذلك الحمسسر والبيسسض والسسسود‬ ‫‪1452‬‬

‫وغيسسر ذلك كاختلف ألوان الثمار والجبال‪ .‬إنمسسا يخشسسى الَس‬ ‫ويتقسي عقابسه بطاعتسه واجتناب معصسيته العلما ُء بسه سسبحانه‪,‬‬ ‫وبصسفاته‪ ,‬وبشرعسه‪ ,‬وقدرتسه على كسل شيسء‪ ,‬ومنهسا اختلف‬ ‫هذه المخلوقات مع اتحاد سببها‪ ,‬ويتدبرون ما فيها من عظات‬ ‫وعبر‪ .‬إن ال عزيز قويّ ل يغالَب‪ ,‬غفور يثيب أهل الطاعة‪,‬‬ ‫ويعفو عنهم‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي نَ َيتْلُو نَ ِكتَا بَ اللّ هِ وَأَقَامُوا ال صّلةَ وََأنْفَقُوا مِمّ ا َرزَ ْقنَاهُ مْ ِسرّا‬

‫وَعَلِنَيةً يَ ْرجُو نَ ِتجَارَةً لَ نْ َتبُورَ (‪ِ )29‬لُيوَّفَيهُ مْ أُجُورَهُ ْم َويَزِيدَهُ ْم مِ نْ‬ ‫فَضِْلهِ ِإّنهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (‪)30‬‬

‫إن الذيسن يقرؤون القرآن‪ ,‬ويعملون بسه‪ ,‬وداوموا على الصسلة‬ ‫فسي أوقاتهسا‪ ,‬وأنفقوا ممسا رزقناهسم مسن أنواع النفقات الواجبسة‬ ‫والمسستحبة سسرّا وجهرًا‪ ,‬هؤلء يرجون بذلك تجارة لن تكسسد‬ ‫ولن تهلك‪ ,‬أل وهسسسي رضسسسا ربهسسسم‪ ,‬والفوز بجزيسسسل ثوابسسسه؛‬ ‫ليوفيهسسسسسم ال تعالى ثواب أعمالهسسسسسم كامل غيسسسسسر منقوص‪,‬‬ ‫ويضاعسف لهسسم الحسسسنات مسسن فضله‪ ,‬إن ال غفور لسسيئاتهم‪,‬‬ ‫شكور لحسناتهم‪ ,‬يثيبهم عليها الجزيل من الثواب‪.‬‬ ‫ك مِ نْ الْ ِكتَا بِ ُهوَ اْلحَقّ مُ صَدّقا لِمَا َبيْ نَ يَ َديْ هِ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫وَالّذِي َأوْ َحْينَا ِإَليْ َ‬ ‫خبِيٌ بَصِيٌ (‪)31‬‬ ‫بِ ِعبَادِهِ َل َ‬ ‫‪1453‬‬

‫والذي أنزلناه إليسسك ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬مسسن القرآن هسسو الحسسق‬ ‫المصدّق للكتب التي أنزلها ال على رسله قبلك‪ .‬إن ال لخبير‬ ‫بشؤون عباده‪ ،‬بصير بأعمالهم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬ ‫سهِ وَ ِمْنهُ مْ‬ ‫ب الّذِي نَ ا صْطَ َفْينَا مِ ْن ِعبَا ِدنَا فَ ِمْنهُ ْم ظَالِ مٌ ِلنَفْ ِ‬ ‫ثُمّ َأ ْو َرْثنَا الْ ِكتَا َ‬ ‫ك ُهوَ الْفَضْلُ الْ َكبِيُ (‪)32‬‬ ‫ت ِبإِ ْذنِ الّلهِ َذلِ َ‬ ‫مُ ْقتَصِ ٌد وَ ِمْنهُمْ سَابِقٌ بِاْلخَيْرَا ِ‬ ‫ثسم أعطينسا ‪-‬بعسد هلك المسم‪ -‬القرآن مَن اخترناهسم مسن أمسة‬ ‫محمسد صسلى ال عليسه وسسلم‪ :‬فمنهسم ظالم لنفسسه بفعسل بعسض‬ ‫المعاصسي‪ ,‬ومنهسم مقتصسد‪ ,‬وهسو المؤدي للواجبات المجتنسب‬ ‫للمحرمات‪ ,‬ومنهسسسم سسسسابق بالخيرات بإذن ال‪ ,‬أي مسسسسارع‬ ‫مجتهسد فسي العمال الصسالحة‪ ,‬فَرْضِهسا ونفلهسا‪ ,‬ذلك العطاء‬ ‫للكتاب واصطفاء هذه المة هو الفضل الكبير‪.‬‬ ‫َبم َوُلؤْلُؤا‬ ‫ِنم ذَه ٍ‬ ‫ِنمأَسمَاوِرَ م ْ‬ ‫ْنم فِيهَا م ْ‬ ‫ْنم يَدْ ُخلُونَهَا ُيحَّلو َ‬ ‫ّاتم َعد ٍ‬ ‫َجن ُ‬ ‫َولِبَا ُسهُمْ فِيهَا َحرِيرٌ (‪ )33‬وَقَالُوا اْلحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَذْهَبَ َعنّا الْحَزَنَ ِإنّ‬ ‫سنَا‬ ‫َربّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (‪ )34‬الّذِي أَحَّلنَا دَارَ الْمُقَا َمةِ مِ نْ فَضْلِ هِ ل َيمَ ّ‬ ‫سنَا فِيهَا لُغُوبٌ (‪)35‬‬ ‫ب وَل يَ َم ّ‬ ‫فِيهَا نَصَ ٌ‬ ‫جنات إقامة دائمة للذين أورثهم ال كتابه يُحلّون فيها الساور‬ ‫مسسن الذهسسب واللؤلؤ‪ ,‬ولباسسسهم المعتاد فسسي الجنسسة حريسسر أي‪:‬‬ ‫‪1454‬‬

‫ثياب رقيقسة‪ .‬وقالوا حيسن دخلوا الجنسة‪ :‬الحمسد ل الذي أذهسب‬ ‫عنا كل حَزَن‪ ,‬إن ربنا لغفور; حيث غفر لنا الزلت‪ ,‬شكور;‬ ‫حيث قبل منا الحسنات وضاعفها‪ .‬وهو الذي أنزلَنا دار الجنة‬ ‫من فضله‪ ,‬ل يمسنا فيها تعب ول إعياء‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ كَ َفرُوا َلهُمْ نَارُ َج َهنّ َم ل يُقْضَى عََلْيهِمْ َفيَمُوتُوا وَل ُيخَفّفُ َعْنهُمْ‬ ‫ك َنجْزِي كُ ّل كَفُورٍ (‪)36‬‬ ‫مِنْ عَذَاِبهَا كَ َذلِ َ‬ ‫والذيسن كفروا بال ورسسوله لهسم نار جهنسم الموقدة‪ ,‬ل يُقْضسى‬ ‫خفّفسس عنهسسم مِسن‬ ‫عليهسسم بالموت‪ ,‬فيموتوا ويسسستريحوا‪ ,‬ول يُ َ‬ ‫ل متمادٍ فسسي الكفسسسر‬ ‫عذابهسسسا‪ ,‬ومثسسسل ذلك الجزاء يجزي ال ك ّ‬ ‫مُصِرّ عليه‪.‬‬ ‫وَهُ مْ يَ صْطَرِخُونَ فِيهَا َربّنَا َأخْ ِرجْنَا نَ ْعمَلْ صَالِحا َغيْرَ الّذِي ُكنّ ا نَ ْعمَ ُل‬ ‫ُمم النّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا‬ ‫َنم تَذَكّرَ وَجَاءَك ْ‬ ‫ِيهم م ْ‬ ‫ُمم مَا َيَتذَكّرُ ف ِ‬ ‫َمم نُعَمّرْك ْ‬ ‫َأ َول ْ‬ ‫لِلظّالِ ِميَ مِنْ نَصِ ٍي ( ‪)37‬‬ ‫وهؤلء الكفار يَص سسْرُخون مسسسن شدة العذاب فسسسي نار جهنسسسم‬ ‫مستغيثين‪ :‬ربنا أخرجنا من نار جهنم‪ ,‬وردّنا إلى الدنيا نعمل‬ ‫صسسالحًا غيسسر الذي كنسسا نعمله فسسي حياتنسسا الدنيسسا‪ ,‬فنؤمسسن بدل‬ ‫الكفر‪ ,‬فيقول لهم‪ :‬أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْرًا وافيًا من العُمُر‪,‬‬ ‫يتعظ فيه من اتعظ‪ ,‬وجاءكم النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومع‬ ‫‪1455‬‬

‫ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا؟ فذوقوا عذاب جهنسسسسسم‪ ,‬فليسسسسسس‬ ‫للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ عَالِمُ َغْيبِ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ ِإّنهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)38‬‬ ‫إن ال مطّلع على كسسل غائب فسسي السسسموات والرض‪ ,‬وإنسسه‬ ‫عليسم بخفايسا الصسدور‪ ,‬فاتقوه أن يطّلع عليكسم‪ ,‬وأنتسم تُضْمِرون‬ ‫الشسسك أو الشرك فسسي وحدانيتسسه‪ ,‬أو فسي نبوة محمسسد صسسلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬أو أن َتعْصوه بما دون ذلك‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َجعَلَكُ مْ خَلئِ فَ فِي ا َلرْ ضِ َفمَ نْ كَفَ َر فَعََليْ هِ كُ ْفرُ هُ وَل َيزِي ُد‬ ‫ُمم إِلّ‬ ‫ِينم كُ ْفرُه ْ‬ ‫ِمم إِ ّل مَقْتا وَل َيزِيدُ الْكَافِر َ‬ ‫ُمم ِعنْ َد َربّه ْ‬ ‫ِينم كُفْرُه ْ‬ ‫الْكَافِر َ‬ ‫َخسَارا (‪)39‬‬ ‫ال هسسو الذي جعلكسسم ‪-‬أيهسسا الناس‪ -‬يَخْلُف بعضكسسم بعضًا فسسي‬ ‫الرض‪ ,‬فمسسن جحسسد وحدانيسسة ال منكسسم فعلى نفسسسه ضرره‬ ‫وكفره ول يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إل بغضًا وغضبًا‪,‬‬ ‫ول يزيدهم كفرهم بال إل ضلل وهلكًا‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ شُرَكَاءَكُ ْم الّذِي نَ تَدْعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِ ْن‬ ‫ا َلرْضِ أَ ْم لَهُمْ ِشرْكٌ فِي السّ َموَاتِ أَ ْم آَتْينَاهُمْ ِكتَابا َف ُهمْ عَلَى َبّيَنةٍ ِمنْهُ بَلْ‬ ‫‪1456‬‬

‫ضهُمْ بَعْضا إِلّ ُغرُورا ( ‪)40‬‬ ‫ِإنْ يَعِ ُد الظّالِمُونَ بَعْ ُ‬ ‫قسسل ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬للمشركيسسن‪ :‬أخسسبروني أيّس شيسسء خَلَق‬ ‫شركاؤكسم مسن الرض‪ ,‬أم أن لشركائكسم الذيسن تعبدونهسم مسن‬ ‫دون ال شركًا مسع ال فسي خلق السسموات‪ ,‬أم أعطيناهسم كتابًا‬ ‫فهسم على حجسة منسه؟ بسل مسا َيعِدُ الكافرون بعضهسم بعضًا إل‬ ‫غرورًا وخداعًا‪.‬‬ ‫ك السّ َموَاتِ وَا َلرْضَ أَنْ تَزُول وََلئِنْ زَاَلتَا إِنْ َأمْسَ َكهُمَا مِنْ‬ ‫ِإنّ اللّهَ ُيمْسِ ُ‬

‫َأحَدٍ مِ ْن بَعْدِهِ ِإّنهُ كَانَ حَلِيما غَفُورا (‪)41‬‬

‫إن ال يمسك السموات والرض أن تزول عن مكانهما‪ ,‬ولئن‬ ‫زالت السسموات والرض عسن مكانهمسا مسا يمسسكهما مسن أحسد‬ ‫مسن بعده‪ .‬إن ال كان حليمًا فسي تأخيسر العقوبسة عسن الكافريسن‬ ‫والعصاة‪ ,‬غفورًا لمن تاب من ذنبه ورجع إليه‪.‬‬ ‫وََأقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ َلئِ نْ جَاءَهُ مْ نَذِيرٌ َليَكُونُنّ أَهْدَى مِ نْ إِ ْحدَى‬ ‫الُمَمِ فَلَمّا جَاءَهُمْ نَذِي ٌر مَا زَادَهُمْ إِ ّل نُفُورا (‪)42‬‬ ‫ليْمان‪ :‬لئن جاءهسم رسسول مسن‬ ‫وأقسسم كفار قريسش بال أشسد ا َ‬ ‫عند ال يخوّفهم عقاب ال ليكونُنّ أكثر استقامة واتباعًا للحق‬ ‫‪1457‬‬

‫مسن اليهود والنصسارى وغيرهسم‪ ,‬فلمسا جاءهسم محمسد صسلى ال‬ ‫عليه وسلم ما زادهم ذلك إل ُبعْدًا عن الحق ونفورًا منه‪.‬‬ ‫سيّئُ إِ ّل بِأَهْلِ ِه‬ ‫سيّئِ وَل َيحِي قُ الْمَكْ ُر ال ّ‬ ‫ا ْستِ ْكبَارا فِي ا َلرْ ضِ وَمَكْ َر ال ّ‬ ‫سّنةِ‬ ‫سّنةِ اللّ هِ َتْبدِيلً َولَ نْ َتجِدَ لِ ُ‬ ‫َفهَلْ َينْظُرُو نَ إِ ّل ُسّنةَ ا َل ّولِيَ فَلَ نْ َتجِدَ لِ ُ‬ ‫حوِيلً (‪)43‬‬ ‫اللّهِ َت ْ‬ ‫ليس إقسامهم لقَ صْد حسن وطلبًا للحق‪ ,‬وإنما هو استكبار في‬ ‫الرض على الخلق‪ ,‬يريدون بسسسسه المكسسسسر السسسسسيّئ والخداع‬ ‫والباطسسل‪ ,‬ول يحيسسق المكسسر السسسيّئ إل بأهله‪ ,‬فهسسل ينتظسسر‬ ‫المسسستكبرون الماكرون إل العذاب الذي نزل بأمثالهسسم الذيسسن‬ ‫سسبقوهم‪ ,‬فلن تجسد لطريقسة ال تبديل ول تحويل فل يسستطيع‬ ‫حوّل العذاب عن نفسه أو غيره‪.‬‬ ‫أحد أن يُبَدّل‪ ,‬ول أن يُ َ‬ ‫ف كَا نَ عَاِقَبةُ الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ ْم‬ ‫َأوَلَ ْم يَ سِيُوا فِي ا َلرْ ضِ َفَينْظُرُوا َكيْ َ‬ ‫وَكَانُوا َأشَ ّد ِمْنهُ مْ ُقوّ ًة وَمَا كَا نَ اللّ هُ ِليُ ْعجِزَ هُ مِ نْ شَ ْيءٍ فِي ال سّ َموَاتِ وَل‬ ‫فِي الَرْضِ ِإّنهُ كَانَ عَلِيما قَدِيرا (‪)44‬‬

‫أولم يَسِسرْ كفار "مكسة" في الرض‪ ,‬فينظروا كيسف كان عاقبسة‬ ‫ل بهم من الدمار‪,‬‬ ‫الذين من قبلهم كعاد وثمود وأمثالهم‪ ,‬وما ح ّ‬ ‫وبديارهم من الخراب‪ ,‬حين كذبوا الرسل‪ ,‬وكان أولئك الكفرة‬ ‫أشسد قوة وبطشًا مسن كفار "مكسة"؟ ومسا كان ال تعالى ليعجزه‬ ‫‪1458‬‬

‫ويفوته من شيء في السموات ول في الرض‪ ,‬إنه كان عليمًا‬ ‫بأفعالهم‪ ,‬قديرًا على إهلكهم‪.‬‬ ‫سبُوا مَا تَرَ َك عَلَى ظَهْرِهَا مِ نْ دَاّبةٍ َولَكِ نْ‬ ‫َوَلوْ ُيؤَاخِ ُذ اللّ هُ النّا سَ بِمَا كَ َ‬ ‫ُيؤَخّرُ ُه مْ ِإلَى أَجَ ٍل مُ سَمّى َفإِذَا جَاءَ أَجَُل ُه مْ َفِإنّ اللّ هَ كَا نَ بِ ِعبَادِ ِه بَ صِيا (‬ ‫‪)45‬‬ ‫ولو يعاقب ال الناس با عملوا من الذنوب والعاصي ما ترك على ظهر‬ ‫الرض من دا بة َتدِبّ علي ها‪ ,‬ول كن يُمْهل هم ويؤ خر عقاب م إل و قت‬ ‫معلوم عنده‪ ,‬فإذا جاء و قت عقاب م فإن ال كان بعباده ب صيًا‪ ,‬ل ي فى‬ ‫عليه أحد منهم‪ ,‬ول يعزب عنه علم شيء من أمورهم‪ ,‬وسيجازيهم با‬ ‫عملوا من خي أو شر‪.‬‬

‫‪ -36‬سورة يممس‬ ‫يس (‪)1‬‬ ‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫‪1459‬‬

‫ستَقِيمٍ (‬ ‫صرَاطٍ مُ ْ‬ ‫وَالْقُرْآ نِ الْحَكِي ِم (‪ِ )2‬إنّ كَ لَمِ نْ الْمُ ْر سَِليَ ( ‪َ )3‬علَى ِ‬ ‫‪)4‬‬ ‫يق سم ال تعال بالقرآن الح كم ب ا ف يه من الحكام وال كم وال جج‪,‬‬ ‫إنمك ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬لنم الرسملي بوحمي ال إل عباده‪ ,‬على طريمق‬ ‫مستقيم معتدل‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬ ‫تَنِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِي ِم (‪)5‬‬ ‫هذا القرآن تنيل العزيز ف انتقامه من أهل الكفر والعاصي‪ ,‬الرحيم بن‬ ‫تاب من عباده وعمل صالًا‪.‬‬ ‫ِلتُن ِذرَ َقوْما مَا أُن ِذرَ آبَاؤُهُمْ َفهُ ْم غَافِلُونَ (‪)6‬‬ ‫أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتحذر به قومًا ل ُينْ َذرْ آباؤهم من قبلك‪,‬‬ ‫و هم العرب‪ ,‬فهؤلء القوم ساهون عن اليان وال ستقامة على الع مل‬ ‫الصال‪ .‬وكل أمة ينقطع عنها النذار تقع ف الغفلة‪ ,‬وف هذا دليل على‬ ‫وجوب الدعوة والتذكي على العلماء بال وشرعه; ليقاظ السلمي من‬ ‫‪1460‬‬

‫غفلتهم‪.‬‬ ‫لَقَدْ حَ ّق الْ َقوْلُ عَلَى أَ ْكثَرِ ِهمْ َف ُهمْ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)7‬‬ ‫لقمد وجمب العذاب على أكثمر هؤلء الكافريمن‪ ,‬بعمد أن عُرِض عليهمم‬ ‫الق فرفضوه‪ ,‬فهم ل يصدقون بال ول برسوله‪ ,‬ول يعملون بشرعه‪.‬‬ ‫ِإنّا جَعَ ْلنَا فِي أَ ْعنَاِقهِمْ أَغْللً َفهِيَ ِإلَى الَ ْذقَانِ َفهُمْ مُ ْق َمحُونَ (‪)8‬‬ ‫إ نا جعل نا هؤلء الكفار الذ ين عُرض علي هم ال ق فردّوه‪ ,‬وأ صرّوا على‬ ‫الكفر وعدم اليان‪ ,‬كمن جُعِل ف أعناقهم أغلل‪ ,‬فجمعت أيديهم مع‬ ‫أعناقهمم تتم أذقانمم‪ ,‬فاضطروا إل رفمع رؤوسمهم إل السمماء‪ ,‬فهمم‬ ‫مغلولون عن كل خي‪ ,‬ل يبصرون الق ول يهتدون إليه‪.‬‬ ‫شْينَاهُ ْم َفهُ ْم ل‬ ‫وَ َجعَلْنَا مِ نْ َبيْ نِ َأيْدِيهِ مْ َسدّا وَمِ نْ خَلْ ِفهِ ْم سَدّا فَأَ ْغ َ‬

‫ُيبْصِرُونَ (‪)9‬‬

‫وجعل نا من أمام الكافر ين سدّا و من ورائ هم سدّا‪ ,‬ف هم بنلة من سُ ّد‬ ‫طري قه من ب ي يد يه و من خل فه‪ ,‬فأعمي نا أب صارهم; ب سبب كفر هم‬ ‫‪1461‬‬

‫واستكبارهم‪ ,‬فهم ل يبصرون رشدًا‪ ,‬ول يهتدون‪ .‬وكل من قابل دعوة‬ ‫السلم بالعراض والعناد‪ ,‬فهو حقيق بذا العقاب‪.‬‬ ‫وَ َسوَاءٌ عََلْيهِمْ أَأَن َذ ْرَتهُمْ أَ ْم لَمْ تُن ِذرْهُ ْم ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)10‬‬ ‫ي ستوي ع ند هؤلء الكفار العاند ين تذيرك ل م ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬وعدم‬ ‫تذيرك‪ ,‬فهم ل يصدّقون ول يعملون‪.‬‬ ‫ِإنّمَا تُن ِذرُ مَ ْن اّتبَ َع الذّ ْكرَ وَ َخشِ يَ الرّ ْحمَ نَ بِالْ َغيْ بِ َفَبشّرْ هُ بِ َمغْفِرَةٍ َوأَجْرٍ‬ ‫كَ ِريٍ (‪)11‬‬ ‫إنا ينفع تذيرك مَن آمن بالقرآن‪ ,‬واتبع ما فيه من أحكام ال‪ ,‬وخاف‬ ‫الرحن‪ ,‬حيث ل يراه أحد إل ال‪ ,‬فبشّره بغفرة من ال لذنوبه‪ ,‬وثواب‬ ‫منه ف الخرة على أعماله الصالة‪ ,‬وهو دخوله النة‪.‬‬ ‫صْينَاهُ‬ ‫ِإنّا َنحْ نُ ُنحْ ِي الْ َم ْوتَى َونَ ْكتُ بُ مَا قَدّمُوا وَآثَارَهُ مْ وَكُلّ شَ ْيءٍ أحْ َ‬ ‫فِي إِمَامٍ ُمِبيٍ (‪)12‬‬ ‫إ نا ن ن ن يي الموات جيعًا ببعث هم يوم القيا مة‪ ,‬ونك تب ما عملوا من‬ ‫‪1462‬‬

‫ال ي وال شر‪ ,‬وآثار هم ال ت كانوا سببًا في ها ف حيات م وب عد مات م من‬ ‫خيم‪ ,‬كالولد الصمال‪ ,‬والعلم النافمع‪ ,‬والصمدقة الاريمة‪ ,‬وممن شمر‪,‬‬ ‫كالشرك والعصميان‪ ,‬وكلّ شيمء أحصميناه فم كتاب واضمح همو أمّ‬ ‫الكتب‪ ,‬وإليه مرجعها‪ ,‬وهو اللوح الحفوظ‪ .‬فعلى العاقل ماسبة نفسه;‬ ‫ليكون قدوة ف الي ف حياته وبعد ماته‪.‬‬ ‫ْسملُونَ (‪ِ )13‬إ ْذ‬ ‫ب الْقَ ْرَيةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُر َ‬ ‫َصمحَا َ‬ ‫ُمم َمثَلً أ ْ‬ ‫ِبم َله ْ‬ ‫وَاضْر ْ‬ ‫َأرْ سَ ْلنَا ِإَلْيهِ ْم اْثَنيْ نِ َفكَ ّذبُوهُمَا فَعَ ّز ْزنَا ِبثَالِ ثٍ فَقَالُوا ِإنّا ِإَليْكُ ْم مُ ْر سَلُونَ (‬ ‫‪)14‬‬

‫واضرب ‪-‬أيهسسا الرسسسول‪ -‬لمشركسسي قومسسك الرادّيسسن لدعوتسسك‬ ‫مثل يعتسبرون بسه‪ ,‬وهسو قصسة أهسل القريسة‪ ,‬حيسن ذهسب إليهسم‬ ‫المرسلون‪ ,‬إذ أرسلنا إليهم رسولين لدعوتهم إلى اليمان بال‬ ‫وترك عبادة غيره‪ ,‬فكذّب أهسل القريسة الرسسولين‪ ,‬فعزّزناهمسا‬ ‫وقويناهمسا برسسول ثالث‪ ,‬فقال الثلثسة لهسل القريسة‪ :‬إنسا إليكسم‬ ‫أيها القوم‪ -‬مرسلون‪.‬‬‫ُممإِلّ‬ ‫ِنمَأْنت ْ‬ ‫ِنم شَ ْيءٍ إ ْ‬ ‫َنم م ْ‬ ‫ُممإِ ّل َبشَرٌ ِمثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرّ ْحم ُ‬ ‫قَالُوا مَا َأْنت ْ‬ ‫تَكْ ِذبُونَ (‪)15‬‬ ‫‪1463‬‬

‫قال أهسل القريسة للمرسسلين‪ :‬مسا أنتسم إل أناس مثلنسا‪ ،‬ومسا أنزل‬ ‫الرحمن شيئًا من الوحي‪ ,‬وما أنتم ‪-‬أيها الرسل‪ -‬إل تكذبون‪.‬‬ ‫غ الْ ُمِبيُ (‬ ‫قَالُوا َرّبنَا يَعْلَمُ ِإنّا ِإَليْكُ ْم لَمُرْسَلُونَ (‪ )16‬وَمَا َعَلْينَا إِ ّل اْلبَل ُ‬ ‫‪)17‬‬ ‫قال المرسسسلون مؤكديسسن‪ :‬ربّنسسا الذي أرسسسلنا يعلم إنسسا إليكسسم‬ ‫لمرسسسلون‪ ,‬ومسسا علينسسا إل تبليسسغ الرسسسالة بوضوح‪ ,‬ول نملك‬ ‫هدايتكم‪ ,‬فالهداية بيد ال وحده‪.‬‬ ‫سنّكُمْ ِمنّا عَذَابٌ َألِيمٌ‬ ‫قَالُوا ِإنّا تَ َطيّ ْرنَا بِ ُك ْم َلئِنْ لَ ْم تَنَتهُوا َلنَ ْرجُ َمنّكُمْ َوَليَمَ ّ‬

‫(‪)18‬‬

‫قال أهل القرية‪ :‬إنا تَشَا َءمْنا بكم‪ ,‬لئن لم ت ُكفّوا عن دعوتكم لنا‬ ‫لنقتلنكم رميًا بالحجارة‪ ,‬وليصيبنكم منّا عذاب أليم موجع‪.‬‬ ‫قَالُوا طَائِرُكُ ْم مَعَ ُكمْ َأئِنْ ذُكّ ْرُتمْ بَلْ َأْنتُمْ َقوْمٌ ُمسْرِفُونَ (‪)19‬‬ ‫قال المرسسسلون‪ :‬شؤمكسسم وأعمالكسسم مسسن الشرك والشسسر معكسسم‬ ‫ومردودة عليكسسسم‪ ,‬أإن وُعظتسسسم بمسسسا فيسسسه خيركسسسم تشاءمتسسسم‬ ‫وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ بل أنتم قوم عادتكم السراف‬ ‫في العصيان والتكذيب‪.‬‬ ‫‪1464‬‬

‫ْسمِليَ (‬ ‫ْمم اّتبِعُوا الْمُر َ‬ ‫َسمعَى قَالَ يَا َقو ِ‬ ‫ِنمأَقْصمَى الْمَدِيَنةِ رَجُ ٌل ي ْ‬ ‫وَجَاءَ م ْ‬

‫‪ )20‬اّتبِعُوا مَنْ ل َيسَْألُكُمْ َأجْرا وَهُمْ ُم ْهتَدُونَ (‪)21‬‬

‫وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم‬ ‫أن أهسسل القريسسة َهمّوا بقتسسل الرسسسل أو تعذيبهسسم)‪ ,‬قال‪ :‬يسسا قوم‬ ‫اتبعوا المرسسلين إليكسم مسن ال‪ ,‬اتبعوا الذيسن ل يطلبون منكسم‬ ‫أموال على إبلغ الرسسسالة‪ ,‬وهسسم مهتدون فيمسسا يدعونكسسم إليسسه‬ ‫من عبادة ال وحده‪ .‬وفي هذا بيان فضل مَن سعى إلى المر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬ ‫وَمَا لِي ل أَ ْعبُ ُد الّذِي فَطَ َرنِي َوِإَليْهِ ُترْجَعُونَ (‪)22‬‬ ‫وأيّس شيسسء يمنعنسسي مِسن أن أعبسسد ال الذي خلقنسسي‪ ,‬وإليسسه‬ ‫تصيرون جميعًا؟‬ ‫أََأّتخِذُ مِنْ دُونِهِ آِل َهةً إِنْ يُ ِر ْدنِي الرّ ْحمَنُ بِضُ ّر ل تُغْنِ َعنّي َشفَا َعتُهُمْ َشيْئا‬ ‫ت بِ َربّ ُك مْ‬ ‫وَل يُنقِذُو نِ (‪ِ )23‬إنّي إِذا لَفِي ضَللٍ ُمِبيٍ ( ‪ِ )24‬إنّي آ َمنْ ُ‬ ‫فَاسْمَعُونِ (‪)25‬‬ ‫أأعبسسد مسسن دون ال آلهسسة أخرى ل تملك مسسن المسسر شيئًا‪ ,‬إن‬ ‫يردني الرحمن بسوء فهذه اللهة ل تملك دفع ذلك ول منعه‪,‬‬ ‫‪1465‬‬

‫ول تسستطيع إنقاذي ممسا أنسا فيسه؟ إنسي إن فعلت ذلك لفسي خطسأ‬ ‫واضسح ظاهسر‪ .‬إنسي آمنست بربكسم فاسستمعوا إلى مسا قُلْتسه لكسم‪,‬‬ ‫وأطيعونسسي باليمان‪ .‬فلمسسا قال ذلك وثسسب إليسسه قومسسه وقتلوه‪,‬‬ ‫فأدخله ال الجنة‪.‬‬ ‫جّنةَ قَالَ يَا َليْتَ َقوْمِي يَعَْلمُونَ (‪)26‬‬ ‫قِيلَ ادْخُ ْل اْل َ‬ ‫قيل له بعد قتله‪ :‬ادخل الجنة‪ ,‬إكرامًا له‪.‬‬ ‫بِمَا غَفَ َر لِي َربّي وَجَ َعَلنِي مِ ْن الْمُ ْكرَ ِميَ (‪)27‬‬ ‫قال وهسو فسي النعيسم والكرامسة‪ :‬يسا ليست قومسي يعلمون بغفران‬ ‫ربسسي لي وإكرامسسه إياي; بسسسبب إيمانسسي بال وصسسبري على‬ ‫طاعتسه‪ ,‬واتباع رسسله حتسى ُقتِلت‪ ,‬فيؤمنوا بال فيدخلوا الجنسة‬ ‫مثلي‪.‬‬

‫‪1466‬‬

‫الزءالثالث والعشرون ‪:‬‬ ‫وَمَا أَن َزلْنَا عَلَى َقوْمِ هِ مِ ْن بَعْدِ هِ مِ نْ جُندٍ مِ نْ ال سّمَاءِ وَمَا ُكنّ ا مُ ِنلِيَ (‬ ‫‪)28‬‬ ‫وما احتاج المر إل إنزال جند من السماء لعذابم بعد قتلهم الرجل‬ ‫الناصح لم وتكذيبهم رسلهم‪ ,‬فهم أضعف من ذلك وأهون‪ ,‬وما كنا‬ ‫منلي اللئكة على المم إذا أهلكناهم‪ ,‬بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم‪.‬‬ ‫صْيحَةً وَا ِحدَةً َفإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (‪)29‬‬ ‫ِإنْ كَانَتْ إِ ّل َ‬ ‫ما كان هلكهم إل بصيحة واحدة‪ ,‬فإذا هم ميتون ل َتبْقَ منهم باقية‪.‬‬ ‫ستَهْ ِزئُون (‬ ‫يَا حَ سْرَةً عَلَى الْ ِعبَادِ مَا يَ ْأتِيهِ ْم مِ نْ رَ سُولٍ إِلّ كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬ ‫‪)30‬‬ ‫يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب‪ ,‬ما يأتيهم من‬ ‫رسول من ال تعال إل كانوا به يستهزئون ويسخرون‪.‬‬ ‫‪1467‬‬

‫َألَمْ يَ َروْا كَمْ أَهَْل ْكنَا َقبَْلهُ ْم مِنْ الْقُرُونِ َأّنهُمْ ِإَلْيهِمْ ل َيرْجِعُونَ (‪)31‬‬ ‫أل ير هؤلء الستهزئون ويعتبوا بن قبلهم من القرون الت أهلكناها أنم‬ ‫ل يرجعون إل هذه الدينا؟‬ ‫وَِإنْ كُ ّل لَمّا َجمِيعٌ لَ َدْينَا ُمحْضَرُونَ (‪)32‬‬ ‫وما كل هذه القرون الت أهلكناها وغيهم‪ ,‬إل مضرون جيعًا عندنا‬ ‫يوم القيامة للحساب والزاء‪.‬‬ ‫وَآَيةٌ َلهُ مْ ا َلرْ ضُ الْ َمْيَتةُ َأ ْحَيْينَاهَا َوأَخْ َرجْنَا ِمنْهَا َحبّا فَ ِمنْ ُه يَأْكُلُو نَ (‬ ‫‪)33‬‬ ‫ودللة لؤلء الشركي على قدرة ال على البعث والنشور‪ :‬هذه الرض‬ ‫اليتة الت ل نبات فيها‪ ,‬أحييناها بإنزال الاء‪ ,‬وأخرجنا منها أنواع النبات‬ ‫ما يأكل الناس والنعام‪ ,‬ومن أحيا الرض بالنبات أحيا اللق بعد‬ ‫المات‪.‬‬

‫‪1468‬‬

‫ب وََفجّ ْرنَا فِيهَا مِنْ الْ ُعيُونِ (‪)34‬‬ ‫ت مِنْ َنخِيلٍ وَأَ ْعنَا ٍ‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا فِيهَا َجنّا ٍ‬ ‫وجعلنا ف هذه الرض بساتي من نيل وأعناب‪ ,‬وفجّرنا فيها من عيون‬ ‫الياه ما يسقيها‪.‬‬ ‫ِليَأْكُلُوا مِنْ َثمَرِهِ وَمَا َعمَِلْتهُ َأْيدِيهِمْ َأفَل َيشْكُرُونَ (‪)35‬‬ ‫كل ذلك; ليأكل العباد من ثره‪ ,‬وما ذلك إل من رحة ال بم ل‬ ‫بسعيهم ول بكدّهم‪ ,‬ول بولم وبقوتم‪ ,‬أفل يشكرون ال على ما‬ ‫أنعم به عليهم من هذه النعم الت ل تع ّد ول تصى؟‬ ‫سهِمْ وَمِمّا‬ ‫ض وَمِنْ أَنفُ ِ‬ ‫ت الَرْ ُ‬ ‫ُسْبحَانَ الّذِي خَلَقَ ا َل ْزوَاجَ كُّلهَا ِممّا ُتْنبِ ُ‬ ‫ل يَعَْلمُونَ (‪)36‬‬ ‫تنّه ال العظيم الذي خلق الصناف جيعها من أنواع نبات الرض‪,‬‬ ‫ومن أنفسهم ذكورًا وإناثًا‪ ,‬وما ل يعلمون من ملوقات ال الخرى‪ .‬قد‬ ‫انفرد سبحانه باللق‪ ,‬فل ينبغي أن ُيشْرَك به غيه‪.‬‬ ‫وَآَيةٌ َلهُمْ الّليْلُ َنسْلَ ُخ ِمْنهُ الّنهَارَ َفإِذَا ُهمْ مُظِْلمُونَ (‪)37‬‬ ‫‪1469‬‬

‫وعلمة لم دالة على توحيد ال وكمال قدرته‪ :‬هذا الليل ننع منه‬ ‫النهار‪ ,‬فإذا الناس مظلمون‪.‬‬ ‫ك تَقْدِيرُ الْعَزِي ِز الْعَلِي ِم (‪)38‬‬ ‫ستَقَ ّر لَهَا َذلِ َ‬ ‫س َتجْرِي لِ ُم ْ‬ ‫وَالشّ ْم ُ‬ ‫وآية لم الشمس تري لستقر لا‪ ,‬قدّره ال لا ل تتعداه ول تقصر عنه‪,‬‬ ‫ذلك تقدير العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬العليم الذي ل يغيب عن علمه شيء‪.‬‬ ‫وَالْقَمَ َر قَ ّد ْرنَاهُ َمنَازِلَ َحتّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَ ِديِ (‪)39‬‬ ‫والقمرَ آية ف خلقه‪ ,‬قدّرناه منازل كل ليلة‪ ,‬يبدأ هلل ضئيل حت‬ ‫يكمل قمرًا مستديرًا‪ ,‬ث يرجع ضئيل مثل ِعذْق النخلة التقوس ف الرقة‬ ‫والنناء والصفرة؛ لقدمه وُيبْسه‪.‬‬ ‫ل الشّمْ سُ َيْنبَغِي لَهَا أَ نْ تُ ْدرِ َك الْقَمَرَ وَل الّليْلُ سَابِقُ الّنهَارِ وَكُلّ فِي‬

‫سَبحُونَ (‪)40‬‬ ‫فََلكٍ َي ْ‬

‫لكل من الشمس والقمر والليل والنهار وقت قدّره ال له ل يتعدّاه‪ ,‬فل‬ ‫يكن للشمس أن تلحق القمر فتمحو نوره‪ ,‬أو تغي مراه‪ ,‬ول يكن للّيل‬ ‫‪1470‬‬

‫أن يسبق النهار‪ ,‬فيدخل عليه قبل انقضاء وقته‪ ,‬وكل من الشمس والقمر‬ ‫والكواكب ف فلك َيجْرون‪.‬‬ ‫ك الْ َمشْحُونِ (‪)41‬‬ ‫وَآَيةٌ َلهُمْ َأنّا َحمَ ْلنَا ُذ ّرّيَتهُمْ فِي الْفُلْ ِ‬ ‫ودليل لم وبرهان على أن ال وحده الستحق للعبادة‪ ,‬النعم بالنعم‪ ,‬أنّا‬ ‫حلنا مَن نا مِن ولد آدم ف سفينة نوح الملوءة بأجناس الخلوقات;‬ ‫لستمرار الياة بعد الطوفان‪.‬‬ ‫وَ َخلَ ْقنَا َلهُمْ مِنْ ِمْثِلهِ مَا يَرْ َكبُونَ (‪)42‬‬ ‫وخلقنا لؤلء الشركي وغيهم مثل سفينة نوح من السفن وغيها من‬ ‫الراكب الت يركبونا وتبلّغهم أوطانم‪.‬‬ ‫وَِإنْ َنشَ ْأ نُغْرِ ْقهُ ْم فَل صَرِي َخ َلهُمْ وَل ُهمْ يُنقَذُونَ (‪)43‬‬ ‫وإن نشأ نغرقهم‪ ,‬فل يدون مغيثًا لم مِن غرقهم‪ ,‬ول هم يلصون من‬ ‫الغرق‪.‬‬

‫‪1471‬‬

‫إِلّ رَحْ َم ًة ِمنّا وَ َمتَاعا ِإلَى ِحيٍ (‪)44‬‬ ‫إل أن نرحهم فننجيهم ونتعهم إل أجل؛ لعلهم يرجعون ويستدركون‬ ‫ما فرّطوا فيه‪.‬‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم اتّقُوا مَا َبيْنَ َأيْدِي ُكمْ وَمَا خَلْفَكُ ْم لَعَلّكُ ْم تُ ْرحَمُونَ (‪)45‬‬ ‫وإذا قيل للمشركي‪ :‬احذروا أمر الخرة وأهوالا وأحوال الدنيا وعقابا;‬ ‫رجاء رحة ال لكم‪ ,‬أعرضوا‪ ,‬ول ييبوا إل ذلك‪.‬‬ ‫ضيَ (‪)46‬‬ ‫وَمَا تَ ْأتِيهِ ْم مِنْ آَيةٍ مِ ْن آيَاتِ َرّبهِمْ إِلّ كَانُوا َعْنهَا مُعْ ِر ِ‬ ‫وما تيء هؤلء الشركي من علمة واضحة من عند ربم؛ لتهديهم‬ ‫للحق‪ ,‬وتبيّن لم صدق الرسول‪ ,‬إل أعرضوا عنها‪ ,‬ول ينتفعوا با‪.‬‬ ‫ِينم آ َمنُوا‬ ‫ِينم كَفَرُوا لِلّذ َ‬ ‫ّهم قَالَ الّذ َ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫ُمم أَنفِقُوا مِمّام رَزَقَك ْ‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َله ْ‬ ‫َأنُطْعِ ُم مَنْ َلوْ َيشَاءُ الّلهُ َأطْعَ َمهُ ِإنْ َأْنتُمْ إِلّ فِي ضَللٍ ُمِبيٍ (‪)47‬‬

‫‪1472‬‬

‫وإذا قيل للكافرين‪ :‬أنفقوا من الرزق الذي مَنّ به ال عليكم‪ ,‬قالوا‬ ‫للمؤمني ُمحْتجّي‪ :‬أنطعم من لو شاء ال أطعمه؟ ما أنتم ‪-‬أيها‬ ‫الؤمنون‪ -‬إل ف بُعْ ٍد واضح عن الق‪ ,‬إذ تأمروننا بذلك‪.‬‬ ‫ي (‪)48‬‬ ‫َويَقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِِق َ‬ ‫ويقول هؤلء الكفار على وجه التكذيب والستعجال‪ :‬مت يكون البعث‬ ‫إن كنتم صادقي فيما تقولونه عنه؟‬ ‫حةً وَاحِدَةً تَ ْأخُذُ ُهمْ وَهُ ْم َيخِصّمُونَ (‪)49‬‬ ‫صْي َ‬ ‫مَا يَنظُرُونَ إِلّ َ‬ ‫ما ينتظر هؤلء الشركون الذين يستعجلون بوعيد ال إياهم إل نفخة‬ ‫الفَزَع عند قيام الساعة‪ ,‬تأخذهم فجأة‪ ,‬وهم يتصمون ف شؤون‬ ‫حياتم‪.‬‬ ‫صَيةً وَل ِإلَى أَهِْلهِ ْم يَ ْرجِعُونَ (‪)50‬‬ ‫ستَطِيعُونَ َت ْو ِ‬ ‫فَل َي ْ‬

‫‪1473‬‬

‫فل يستطيع هؤلء الشركون عند النفخ ف "القرن" أن يوصوا أحدًا‬ ‫بشيء‪ ,‬ول يستطيعون الرجوع إل أهلهم‪ ,‬بل يوتون ف أسواقهم‬ ‫ومواضعهم‪.‬‬ ‫َونُفِ َخ فِي الصّورِ َفإِذَا هُمْ مِنْ الَجْدَاثِ ِإلَى َربّهِ ْم يَنسِلُونَ (‪)51‬‬ ‫ونُفِخ ف "القرن" النفخةُ الثانية‪ ,‬فتُرَدّ أرواحهم إل أجسادهم‪ ,‬فإذا هم‬ ‫من قبورهم يرجون إل ربم سراعًا‪.‬‬ ‫َصمَدقَ‬ ‫َنم و َ‬ ‫ِنم مَ ْرقَدِنَا هَذَا مَا وَعَ َد الرّحْم ُ‬ ‫َنم بَ َعثَنَا م ْ‬ ‫قَالُوا يَا َويْلَنَا م ْ‬ ‫الْمُرْسَلُونَ (‪)52‬‬ ‫قال الكذبون بالبعث نادمي‪ :‬يا هلكنا مَن أخرجنا مِن قبورنا؟‬ ‫فيجابون ويقال لم‪ :‬هذا ما وعد به الرحن‪ ,‬وأخب عنه الرسلون‬ ‫الصادقون‪.‬‬ ‫صْيحَةً وَا ِحدَةً َفإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَ َدْينَا ُمحْضَرُونَ (‪)53‬‬ ‫ِإنْ كَانَتْ إِ ّل َ‬

‫‪1474‬‬

‫ما كان البعث من القبور إل نتيجة نفخة واحدة ف "القرن"‪ ,‬فإذا جيع‬ ‫اللق لدينا ماثلون للحساب والزاء‪.‬‬ ‫فَاْلَيوْمَ ل تُظَْلمُ نَ ْفسٌ َشيْئا وَل ُتجْ َز ْونَ إِ ّل مَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)54‬‬ ‫ف ذلك اليوم يتم الساب بالعدل‪ ,‬فل تُظْلم نفس شيئًا بنقص حسناتا‬ ‫أو زيادة سيئاتا‪ ,‬ول ُتجْزون إل با كنتم تعملونه ف الدنيا‪.‬‬ ‫جّنةِ اْلَيوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (‪)55‬‬ ‫صحَابَ الْ َ‬ ‫ِإنّ َأ ْ‬ ‫إن أهل النة ف ذلك اليوم مشغولون عن غيهم بأنواع النعيم الت‬ ‫يتفكهون با‪.‬‬ ‫ُهمْ وََأ ْزوَا ُجهُمْ فِي ظِل ٍل عَلَى ا َلرَائِكِ ُمتّ ِكئُونَ (‪)56‬‬ ‫هم وأزواجهم متنعمون باللوس على السرّة الزيّنة‪ ,‬تت الظلل‬ ‫الوارفة‪.‬‬ ‫َلهُمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ َوَلهُمْ مَا َيدّعُونَ (‪)57‬‬ ‫‪1475‬‬

‫لم ف النة أنواع الفواكه اللذيذة‪ ,‬ولم كل ما يطلبون من أنواع‬ ‫النعيم‪.‬‬ ‫ب رَحِي ٍم (‪)58‬‬ ‫سَل ٌم َقوْلً مِنْ رَ ّ‬ ‫ولم نعيم آخر أكب حي يكلمهم ربم‪ ,‬الرحيم بم بالسلم عليهم‪.‬‬ ‫وعند ذلك تصل لم السلمة التامة من جيع الوجوه‪.‬‬ ‫وَا ْمتَازُوا اْلَيوْمَ َأّيهَا الْ ُمجْرِمُونَ (‪)59‬‬ ‫ويقال للكفار ف ذلك اليوم‪ :‬تيّزوا عن الؤمني‪ ,‬وانفصلوا عنهم‪.‬‬ ‫شيْطَا نَ ِإنّ هُ لَ ُك ْم عَ ُدوّ ُمِبيٌ (‬ ‫َألَ مْ أَ ْعهَدْ ِإَليْكُ ْم يَا َبنِي آدَ مَ أَ نْ ل تَ ْعبُدُوا ال ّ‬ ‫‪)60‬‬ ‫ويقول ال لم توبيخًا وتذكيًا‪ :‬أل أوصكم على ألسنة رسلي أن ل‬ ‫تعبدوا الشيطان ول تطيعوه؟ إنه لكم عدو ظاهر العداوة‪.‬‬ ‫ستَقِيمٌ (‪)61‬‬ ‫صرَاطٌ ُم ْ‬ ‫وََأنْ ا ْعبُدُونِي هَذَا ِ‬ ‫‪1476‬‬

‫وأمرتكم بعبادت وحدي‪ ,‬فعبادت وطاعت ومعصية الشيطان هي الدين‬ ‫القوي الوصل لرضات وجنّات‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأضَلّ ِمنْ ُكمْ ِجبِلّ َكثِيا أَفََلمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (‪)62‬‬ ‫ولقد أض ّل الشيطان عن الق منكم خلقًا كثيًا‪ ,‬أفما كان لكم عقل‬ ‫أيها الشركون‪ -‬ينهاكم عن اتباعه؟‬‫َهذِهِ َج َهنّمُ اّلتِي كُنتُ ْم تُوعَدُونَ (‪)63‬‬ ‫هذه جهنم الت كنتم توعدون با ف الدنيا على كفركم بال وتكذيبكم‬ ‫رسله‪.‬‬ ‫اصَْلوْهَا اْليَوْ َم بِمَا كُنتُ ْم تَكْفُرُونَ (‪)64‬‬ ‫ادخلوها اليوم وقاسوا حرّها; بسبب كفركم‪.‬‬ ‫شهَدُ َأرْ ُجُلهُ مْ بِمَا كَانُوا‬ ‫ختِ مُ عَلَى أَ ْفوَا ِههِ ْم َوتُكَلّمُنَا َأْيدِيهِ مْ َوَت ْ‬ ‫اْلَيوْ مَ َن ْ‬ ‫سبُونَ (‪)65‬‬ ‫يَ ْك ِ‬ ‫‪1477‬‬

‫اليوم نطبع على أفواه الشركي فل ينطقون‪ ,‬وتُكلّمنا أيديهم با بطشت‬ ‫به‪ ,‬وتشهد أرجلهم با سعت إليه ف الدنيا‪ ،‬وكسبت من الثام‪.‬‬ ‫صرُونَ (‪)66‬‬ ‫سنَا عَلَى أَ ْعُيِنهِمْ فَا ْسَتبَقُوا الصّرَاطَ فََأنّى ُيبْ ِ‬ ‫َوَلوْ َنشَاءُ لَطَ َم ْ‬ ‫ولو نشاء لطمسنا على أعينهم بأن نُذْهب أبصارهم‪ ,‬كما ختمنا على‬ ‫أفواههم‪ ,‬فبادَروا إل الصراط ليجوزوه‪ ,‬فكيف يتحقق لم ذلك وقد‬ ‫طُمِست أبصارهم؟‬ ‫ضيّا وَل يَ ْرجِعُو نَ (‬ ‫خنَاهُمْ َعلَى مَكَاَنِتهِ مْ َفمَا ا ْستَطَاعُوا مُ ِ‬ ‫َوَلوْ َنشَاءُ لَمَ سَ ْ‬ ‫‪)67‬‬ ‫ولو شئنا لَ َغيّرنا خلقهم وأقعدناهم ف أماكنهم‪ ,‬فل يستطيعون أن يَمْضوا‬ ‫أمامهم‪ ,‬ول يرجعوا وراءهم‪.‬‬ ‫وَمَنْ نُ َعمّرْ ُه ُننَ ّكسْهُ فِي اْلخَلْقِ أَفَل يَعْقِلُونَ (‪)68‬‬

‫‪1478‬‬

‫ومن نُطِلْ عمره حت يهرم نُ ِعدْه إل الالة الت ابتدأ منها حالة ضعف‬ ‫العقل وضعف السد‪ ,‬أفل يعقلون أنّ مَن فعل مثل هذا بم قادر على‬ ‫بعثهم؟‬ ‫وَمَا عَلّ ْمنَا هُ الشّعْ َر وَمَا َيْنبَغِي لَ هُ إِ نْ ُهوَ إِلّ ذِكْ ٌر وَقُرْآ نٌ ُمبِيٌ (‪)69‬‬ ‫ِلُينْ ِذرَ مَنْ كَانَ َحيّا َويَحِقّ الْ َقوْلُ عَلَى الْكَافِرِي َن ( ‪)70‬‬ ‫وما علّمنا رسولنا ممدًا الشعر‪ ,‬وما ينبغي له أن يكون شاعرًا‪ ,‬ما هذا‬ ‫الذي جاء به إل ذكر يتذكر به أولو اللباب‪ ,‬وقرآن بيّن الدللة على‬ ‫الق والباطل‪ ،‬واضحة أحكامه وحِكَمه ومواعظه; لينذر مَن كان حيّ‬ ‫القلب مستني البصية‪ ,‬ويق العذاب على الكافرين بال; لنم قامت‬ ‫عليهم بالقرآن حجة ال البالغة‪.‬‬ ‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ ا خَلَقْنَا َلهُ مْ ِممّ ا عَمَِل تْ َأيْدِينَا َأنْعَاما َفهُ مْ لَهَا مَالِكُو نَ (‬ ‫‪)71‬‬ ‫أول ير اللق أنا خلقنا لجلهم أنعامًا ذللناها لم‪ ,‬فهم مالكون أمرها؟‬

‫‪1479‬‬

‫وَ َذلّ ْلنَاهَا َلهُمْ َف ِمْنهَا رَكُوُبهُمْ وَ ِمْنهَا يَأْكُلُونَ (‪)72‬‬ ‫وسخّرناها لم‪ ,‬فمنها ما يركبون ف السفار‪ ,‬ويملون عليها الثقال‪,‬‬ ‫ومنها ما يأكلون‪.‬‬ ‫َوَلهُمْ فِيهَا َمنَافِ ُع وَ َمشَارِبُ أَفَل َيشْكُرُونَ (‪)73‬‬ ‫ولم فيها منافع أخرى ينتفعون با‪ ,‬كالنتفاع بأصوافها وأوبارها‬ ‫وأشعارها أثاثًا ولباسًا‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬ويشربون ألبانا‪ ,‬أفل يشكرون ال‬ ‫الذي أنعم عليهم بذه النعم‪ ,‬ويلصون له العبادة؟‬ ‫وَاّتخَذُوا مِنْ دُونِ الّلهِ آِل َهةً لَعَّلهُمْ يُنصَرُونَ (‪)74‬‬ ‫واتذ الشركون من دون ال آلة يعبدونا; طمعًا ف نصرها لم‬ ‫وإنقاذهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫ستَطِيعُونَ نَصْرَهُ ْم وَهُمْ َلهُمْ جُن ٌد ُمحْضَرُونَ (‪)75‬‬ ‫ل َي ْ‬ ‫ل تستطيع تلك اللة نصر عابديها ول أنفسهم ينصرون‪ ,‬والشركون‬ ‫وآلتهم جيعًا مضرون ف العذاب‪ ,‬متبئ بعضهم من بعض‪.‬‬ ‫‪1480‬‬

‫ك َق ْوُلهُمْ ِإنّا نَعْلَ ُم مَا ُيسِرّونَ وَمَا يُعِْلنُونَ (‪)76‬‬ ‫فَل َيحْ ُزنْ َ‬ ‫فل َيحْزُنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كفرهم بال وتكذيبهم لك واستهزاؤهم‬ ‫بك; إنا نعلم ما يفون‪ ,‬وما يظهرون‪ ,‬وسنجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫َأوَلَ ْم يَرَ الِنسَانُ َأنّا َخلَ ْقنَاهُ مِنْ نُطْ َفةٍ َفإِذَا ُهوَ خَصِيمٌ ُمِبيٌ (‪)77‬‬ ‫أول ير النسان النكر للبعث ابتداء خلقه فيستدل به على معاده‪ ,‬أنا‬ ‫خلقناه من نطفة مرّت بأطوار حت َكبِر‪ ,‬فإذا هو كثي الصام واضح‬ ‫الدال؟‬ ‫ل َونَسِيَ خَلْ َق ُه قَالَ مَنْ ُيحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِي ٌم (‪)78‬‬ ‫َوضَ َربَ َلنَا َمثَ ً‬ ‫وضرب لنا النكر للبعث مثل ل ينبغي ضربه‪ ,‬وهو قياس قدرة الالق‬ ‫بقدرة الخلوق‪ ,‬ونسي ابتداء خلقه‪ ,‬قال‪ :‬مَن ييي العظام البالية التفتتة؟‬ ‫حيِيهَا الّذِي أَنشَأَهَا َأوّلَ َمرّةٍ وَ ُهوَ بِكُلّ خَلْقٍ َعلِيمٌ (‪)79‬‬ ‫قُ ْل ُي ْ‬ ‫قل له‪ :‬يييها الذي خلقها أول مرة‪ ,‬وهو بميع خلقه عليم‪ ,‬ل يفى‬ ‫عليه شيء‪.‬‬ ‫‪1481‬‬

‫ضرِ نَارا َفإِذَا َأْنتُمْ ِمْنهُ تُوقِدُونَ (‪)80‬‬ ‫شجَرِ الَخْ َ‬ ‫الّذِي جَعَ َل لَكُمْ مِ ْن ال ّ‬ ‫الذي أخرج لكم من الشجر الخضر الرطب نارًا مرقة‪ ,‬فإذا أنتم من‬ ‫الشجر توقدون النار‪ ,‬فهو القادر على إخراج الضد من الضد‪ .‬وف ذلك‬ ‫دليل على وحدانية ال وكمال قدرته‪ ,‬ومن ذلك إخراج الوتى من‬ ‫قبورهم أحياء‪.‬‬ ‫ت وَالَرْ ضَ بِقَا ِدرٍ عَلَى أَ نْ َيخْلُ قَ ِمثَْلهُ ْم بَلَى‬ ‫َأوََليْ سَ الّذِي خَلَ َق ال سّ َموَا ِ‬ ‫ق الْعَلِيمُ (‪)81‬‬ ‫وَ ُهوَ الْخَلّ ُ‬ ‫أوليس الذي خلق السموات والرض وما فيهما بقادر على أن يلق‬ ‫مثلهم‪ ,‬فيعيدهم كما بدأهم؟ بلى‪ ,‬إنه قادر على ذلك‪ ,‬وهو اللق‬ ‫لميع الخلوقات‪ ,‬العليم بكل ما خلق وَيخْلُقُ‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫ِإنّمَا أَ ْمرُهُ إِذَا َأرَادَ َشيْئا َأنْ يَقُولَ َلهُ كُنْ َفيَكُونُ (‪)82‬‬ ‫إنا أمره سبحانه وتعال إذا أراد شيئًا أن يقول له‪" :‬كن" فيكون‪ ,‬ومن‬ ‫ذلك الماتة والحياء‪ ,‬والبعث والنشور‪.‬‬ ‫‪1482‬‬

‫ت كُلّ شَ ْي ٍء وَِإَلْيهِ تُرْجَعُونَ (‪)83‬‬ ‫سْبحَانَ الّذِي ِبيَدِ ِه مَلَكُو ُ‬ ‫َف ُ‬ ‫فتنه ال تعال وتقدس عن العجز والشرك‪ ,‬فهو الالك لكل شيء‪,‬‬ ‫التصرف ف شؤون خلقه بل منازع أو مانع‪ ,‬وقد ظهرت دلئل قدرته‪,‬‬ ‫وتام نعمته‪ ,‬وإليه تُرجعون للحساب والزاء‪.‬‬

‫‪ -37‬سورة الصافات‬ ‫وَال صّافّاتِ صَفّا (‪ )1‬فَالزّاجِرَا تِ زَجْرا ( ‪ )2‬فَالتّاِليَا تِ ذِكْرا ( ‪ِ )3‬إنّ‬ ‫ِإَلهَكُمْ َلوَاحِ ٌد ( ‪)4‬‬ ‫أق سم ال تعال باللئ كة ت صف ف عبادت ا صفوفًا مترا صة‪ ,‬وباللئ كة‬ ‫تزجر السحاب وتسوقه بأمر ال‪ ,‬وباللئكة تتلو ذكر ال وكلمه تعال‪.‬‬ ‫إن معبودكمم ‪-‬أيهما الناس‪ -‬لواحمد ل شريمك له‪ ,‬فأخلصموا له العبادة‬ ‫والطاعة‪ .‬ويقسم ال با شاء مِن خلقه‪ ,‬أما الخلوق فل يوز له القسم‬ ‫إل بال‪ ,‬فاللف بغي ال شرك‪.‬‬ ‫‪1483‬‬

‫ب الْ َمشَارِقِ (‪)5‬‬ ‫ت وَا َلرْضِ وَمَا َبْيَنهُمَا َورَ ّ‬ ‫ب السّ َموَا ِ‬ ‫رَ ّ‬ ‫هو خالق ال سموات والرض و ما بينه ما‪ ,‬ومدبّر الش مس ف مطالع ها‬ ‫ومغاربا‪.‬‬ ‫ِإنّا َزّينّا السّمَاءَ ال ّدْنيَا بِزِيَنةٍ الْ َكوَاكِبِ (‪)6‬‬ ‫إنّا زينّا السماء الدنيا بزينة هي النجوم‪.‬‬ ‫وَ ِحفْظا مِنْ كُلّ َشيْطَانٍ مَارِ ٍد (‪)7‬‬ ‫وحفظنا السماء بالنجوم مِن كل شيطان متمرّد عاتٍ رجيم‪.‬‬ ‫ِبم (‪ )8‬دُحُورا‬ ‫ُونم مِن ْم كُلّ جَان ٍ‬ ‫َسممّعُونَ ِإلَى الْ َملٍ الَعْلَى َويُقْذَف َ‬ ‫لي ّ‬ ‫ب وَاصِبٌ (‪)9‬‬ ‫َولَهُ ْم عَذَا ٌ‬ ‫ل تستطيع الشياطي أن تصل إل الل العلى‪ ,‬وهي السموات ومَن فيها‬ ‫مِن اللئ كة‪ ,‬فت ستمع إلي هم إذا تكلموا ب ا يوح يه ال تعال مِن شر عه‬ ‫وقدره‪ ,‬ويُرْجَمون بالشهب من كل جهة; طردًا لم عن الستماع‪ ,‬ولم‬ ‫‪1484‬‬

‫ف الدار الخرة عذاب دائم موجع‪.‬‬ ‫ب ثَاقِبٌ (‪)10‬‬ ‫إِلّ مَنْ خَطِفَ اْلخَطْفَةَ فََأْتبَ َعهُ ِشهَا ٌ‬ ‫إل مَ نِ اختطف من الشياطي الطفة‪ ,‬وهي الكلمة يسمعها من السماء‬ ‫بسرعة‪ ,‬فيلقيها إل الذي تته‪ ,‬ويلقيها الخر إل الذي تته‪ ,‬فربا أدركه‬ ‫الشهاب الضيء قبل أن يلقيها‪ ,‬وربا ألقاها بقَدَر ال تعال قبل أن يأتيه‬ ‫الشهاب‪ ,‬فيحرقمه فيذهمب بام الخمر إل الكهنمة‪ ,‬فيكذبون معهما مائة‬ ‫كذبة‪.‬‬ ‫ب(‬ ‫فَا ْستَ ْفِتهِمْ أَ ُه مْ أَشَدّ خَلْقا َأ مْ مَ نْ خَلَ ْقنَا ِإنّ ا خَلَ ْقنَاهُ ْم مِ نْ ِطيٍ لزِ ٍ‬ ‫‪)11‬‬ ‫فاسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬منكري البعث أَهُم أشد خلقًا أم من خلقنا من‬ ‫هذه الخلوقات؟ إنما خلقنما أباهمم آدم ممن طيم لزج‪ ,‬يلتصمق بعضمه‬ ‫ببعض‪.‬‬ ‫ت َوَيسْخَرُونَ (‪)12‬‬ ‫جبْ َ‬ ‫بَلْ َع ِ‬ ‫‪1485‬‬

‫بل عجبتَ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من تكذيبهم وإنكارهم البعث‪ ,‬وأعجب من‬ ‫إنكارهم وأبلغ أنم يستهزئون بك‪ ,‬ويسخرون من قولك‪.‬‬ ‫وَِإذَا ذُكّرُوا ل يَذْكُرُونَ (‪)13‬‬ ‫وإذا ذكّروا با نسوه أو غَفَلوا عنه ل ينتفعون بذا الذكر ول يتدبّرون‪.‬‬ ‫سَتسْخِرُونَ (‪)14‬‬ ‫وَِإذَا رََأوْا آَيةً َي ْ‬ ‫وإذا رأوا معجزة دالّة على نبوّتك يسخرون منها ويعجبون‪.‬‬ ‫وَقَالُوا إِ نْ َهذَا إِ ّل ِسحْرٌ ُمِبيٌ (‪َ )15‬أئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا وَعِظَاما َأِئنّا‬ ‫لَ َمبْعُوثُونَ ( ‪َ )16‬أوَآبَاؤُنَا ا َل ّولُونَ (‪)17‬‬ ‫وقالوا‪ :‬ما هذا الذي جئت به إل سحر ظاهر بيّن‪ .‬أإذا متنا و صِرْنا ترابًا‬ ‫وعظامًا بالية أإنا لبعوثون من قبورنا أحياء‪ ,‬أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا‬ ‫من قبلنا؟‬ ‫قُ ْل نَعَ ْم وََأْنتُمْ دَاخِرُونَ (‪)18‬‬ ‫‪1486‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬نعم سوف تُبعثون‪ ,‬وأنتم أذلء صاغرون‪.‬‬ ‫َفِإنّمَا هِيَ زَ ْجرَةٌ وَا ِحدَةٌ َفإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (‪)19‬‬ ‫فإن ا هي نف خة واحدة‪ ,‬فإذا هم قائمون من قبور هم ينظرون أهوال يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫وَقَالُوا يَا َويَْلنَا َهذَا َيوْمُ الدّينِ (‪)20‬‬ ‫وقالوا‪ :‬يا هلكنا هذا يوم الساب والزاء‪.‬‬ ‫َهذَا َيوْمُ الْفَصْلِ الّذِي كُنتُ ْم ِبهِ تُكَ ّذبُونَ (‪)21‬‬ ‫فيقال ل م‪ :‬هذا يوم القضاء ب ي اللق بالعدل الذي كن تم تكذبون به ف‬ ‫الدنيا وتنكرونه‪.‬‬ ‫ا ْحشُرُوا الّذِي نَ ظَلَمُوا وََأ ْزوَا َجهُ ْم وَمَا كَانُوا يَ ْعبُدُو نَ (‪ )22‬مِ نْ دُو نِ‬ ‫اللّهِ فَاهْدُوهُمْ ِإلَى صِرَاطِ اْلجَحِي ِم (‪)23‬‬ ‫‪1487‬‬

‫ويقال للملئكة‪ :‬اجَعُوا الذين كفروا بال ونظراءهم وآلتهم الت كانوا‬ ‫يعبدونا من دون ال‪ ,‬فسوقوهم سوقًا عنيفًا إل جهنم‪.‬‬ ‫سئُولُونَ (‪)24‬‬ ‫وَقِفُوهُمْ ِإّنهُ ْم َم ْ‬ ‫واحبسموهم قبمل أن يصملوا إل جهنمم؛ إنمم مسمؤولون عمن أعمالمم‬ ‫وأقوالم الت صدرت عنهم ف الدنيا‪ ,‬مساءلة إنكار عليهم وتبكيت لم‪.‬‬ ‫مَا لَ ُكمْ ل َيَتنَاصَرُونَ (‪)25‬‬ ‫ويقال لم توبيخًا‪ :‬ما لكم ل ينصر بعضكم بعضًا؟‬ ‫سَتسْلِمُونَ (‪)26‬‬ ‫بَلْ ُهمْ اْلَيوْمَ ُم ْ‬ ‫بمل همم اليوم منقادون لممر ال‪ ,‬ل يالفونمه ول ييدون عنمه‪ ,‬غيم‬ ‫منتصرين لنفسهم‪.‬‬ ‫ض َيَتسَا َءلُونَ (‪)27‬‬ ‫ضهُمْ َعلَى بَعْ ٍ‬ ‫وََأ ْقبَلَ بَعْ ُ‬ ‫‪1488‬‬

‫وأقبل بعض الكفار على بعض يتلومون ويتخاصمون‪.‬‬ ‫قَالُوا ِإنّكُ ْم كُنتُ ْم تَ ْأتُوَننَا عَ ْن اْليَ ِميِ (‪)28‬‬ ‫قال التباع للمتبوعي‪ :‬إنكم كنتم تأتوننا من ِقبَل الدين والق‪ ,‬فتهوّنون‬ ‫علينا أمر الشريعة‪ ,‬وُتنَفّروننا عنها‪ ,‬وتزينون لنا الضلل‪.‬‬ ‫قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا ُمؤْ ِمِنيَ (‪)29‬‬ ‫قال التبوعون للتابعي‪ :‬ما المر كما تزعمون‪ ,‬بل كانت قلوبكم منكرة‬ ‫لليان‪ ,‬قابلة للكفر والعصيان‪.‬‬ ‫وَمَا كَانَ َلنَا عََليْكُ ْم مِنْ ُسلْطَانٍ بَلْ كُنُتمْ َقوْما طَا ِغيَ (‪)30‬‬ ‫وما كان لنا عليكم من حجة أو قوّة‪ ,‬فنصدكم با عن اليان‪ ,‬بل كنتم‬ ‫أيها الشركون‪ -‬قومًا طاغي متجاوزين للحق‪.‬‬‫َفحَقّ َعَلْينَا َقوْلُ َرّبنَا ِإنّا لَذَائِقُونَ (‪)31‬‬ ‫‪1489‬‬

‫فل ِزمَ نا جيعًا وع يد رب نا‪ ,‬إ نا لذائ قو العذاب‪ ,‬ن ن وأن تم‪ ,‬ب ا قدم نا من‬ ‫ذنوبنا ومعاصينا ف الدنيا‪.‬‬ ‫َفأَ ْغ َوْينَاكُمْ ِإنّا ُكنّا غَاوِينَ (‪)32‬‬ ‫فأضللناكم عن سبيل ال واليان به‪ ,‬إنا كنا ضالي من قبلكم‪ ,‬فهلكنا;‬ ‫بسبب كفرنا‪ ,‬وأهلكناكم معنا‪.‬‬ ‫شتَرِكُونَ (‪)33‬‬ ‫َفِإّنهُ ْم َيوْ َمئِذٍ فِي الْعَذَابِ ُم ْ‬ ‫فإن التباع والتبوع ي مشتركون يوم القيا مة ف العذاب‪ ,‬ك ما اشتركوا‬ ‫ف الدنيا ف معصية ال‪.‬‬ ‫ِإنّا كَ َذلِكَ نَفْعَ ُل بِالْ ُمجْرِ ِميَ (‪)34‬‬ ‫إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي ال ف الدنيا على طاعته‪ ,‬فنذيقهم‬ ‫العذاب الليم‪.‬‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)35‬‬ ‫ِإّنهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ َلهُمْ ل ِإَلهَ إِلّ الّلهُ َي ْ‬ ‫‪1490‬‬

‫م إذا ق يل ل م‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬ودعوا‬ ‫إن أولئك الشرك ي كانوا ف الدني ا‬ ‫إليها‪ ,‬وأُمروا بترك ما ينافيها‪ ,‬يستكبون عنها وعلى من جاء با‪.‬‬ ‫جنُونٍ (‪)36‬‬ ‫َويَقُولُونَ َأِئنّا َلتَارِكُوا آِل َهِتنَا لِشَاعِرٍ َم ْ‬ ‫ويقولون‪ :‬أنترك عبادة آلت نا لقول ر جل شا عر منون؟ يعنون ر سول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ي (‪)37‬‬ ‫ق الْمُرْسَِل َ‬ ‫بَلْ جَاءَ بِالْحَقّ َوصَدّ َ‬ ‫كذَبوا‪ ,‬ما م مد ك ما و صفوه به‪ ,‬بل جاء بالقرآن والتوح يد‪ ,‬و صدّق‬ ‫الرسلي فيما أخبوا به عنه من شرع ال وتوحيده‪.‬‬ ‫ب ا َللِي ِم (‪)38‬‬ ‫ِإنّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَا ِ‬ ‫إن كم ‪-‬أي ها الشركون‪ -‬بقول كم وكفر كم وتكذيب كم لذائ قو العذاب‬ ‫الليم الوجع‪.‬‬ ‫وَمَا ُتجْ َز ْونَ إِ ّل مَا كُنتُمْ تَ ْعمَلُونَ (‪)39‬‬ ‫‪1491‬‬

‫وما تزون ف الخرة إل با كنتم تعملونه ف الدنيا من العاصي‪.‬‬ ‫صيَ (‪)40‬‬ ‫إِلّ ِعبَادَ الّلهِ الْ ُمخْلَ ِ‬ ‫إل عباد ال تعال الذيمن أخلصموا له فم عبادتمه‪ ,‬فأخلصمهم واختصمهم‬ ‫برحته؛ فإنم ناجون من العذاب الليم‪.‬‬ ‫ك َلهُمْ ِرزْقٌ مَعْلُو ٌم (‪)41‬‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك الخلصون لم ف النة رزق معلوم ل ينقطع‪.‬‬ ‫ت النّعِيمِ (‪)43‬‬ ‫َفوَا ِكهُ وَهُ ْم مُكْرَمُونَ (‪ )42‬فِي َجنّا ِ‬ ‫ذلك الرزق فواكمه متنوعمة‪ ,‬وهمم مكرمون بكراممة ال لمم فم جنات‬ ‫النعيم الدائم‪.‬‬ ‫عَلَى ُس ُررٍ ُمتَقَابِِليَ (‪)44‬‬ ‫و من كرامت هم عند رب م وإكرام بعضهم بعضًا أنم على سرر متقابلي‬ ‫‪1492‬‬

‫فيما بينهم‪.‬‬ ‫يُطَا فُ عََلْيهِ ْم بِكَأْ سٍ مِ نْ مَ ِعيٍ (‪َ )45‬بيْضَاءَ لَذّةٍ لِلشّا ِرِبيَ ( ‪ )46‬ل‬ ‫فِيهَا َغوْلٌ وَل هُ ْم َعْنهَا يُنَفُونَ (‪)47‬‬ ‫يدار عليهمم فم مالسمهم بكؤوس خرم ممن أنار جاريمة‪ ,‬ل يافون‬ ‫انقطاعها‪ ,‬بيضاء ف لونا‪ ,‬لذيذة ف شربا‪ ,‬ليس فيها أذى للجسم ول‬ ‫للعقل‪.‬‬ ‫ت الطّرْفِ ِعيٌ (‪ )48‬كََأّنهُنّ َبيْضٌ مَ ْكنُونٌ (‪)49‬‬ ‫وَ ِعنْدَ ُهمْ قَاصِرَا ُ‬ ‫وعندهم ف مالسهم نساء عفيفات‪ ,‬ل ينظرن إل غي أزواجهن حسان‬ ‫العي‪ ,‬كأنن َبيْض مصون ل تسه اليدي‪.‬‬ ‫ض َيَتسَا َءلُونَ (‪)50‬‬ ‫ضهُ ْم عَلَى بَعْ ٍ‬ ‫َفأَ ْقبَلَ بَعْ ُ‬ ‫فأق بل بعض هم على ب عض يت ساءلون عن أحوال م ف الدن يا و ما كانوا‬ ‫يعانون فيها‪ ,‬وما أنعم ال به عليهم ف النة‪ ,‬وهذا من تام النس‪.‬‬

‫‪1493‬‬

‫قَالَ قَائِلٌ ِمْنهُمْ ِإنّي كَانَ لِي َقرِينٌ (‪)51‬‬ ‫قال قائل من أهل النة‪ :‬لقد كان ل ف الدنيا صاحب ملزم ل‪.‬‬ ‫صدِّقيَ (‪َ )52‬أِئذَا ِمتْنَا وَ ُكنّ ا تُرَابا وَعِظَاما َأِئنّ ا‬ ‫يَقُولُ َأِئنّ كَ لَمِ ْن الْمُ َ‬ ‫لَمَدِينُونَ ( ‪)53‬‬ ‫يقول‪ :‬ك يف ت صدّق بالب عث الذي هو ف غا ية ال ستغراب؟ أإذا مت نا‬ ‫وتزقنا وصرنا ترابًا وعظامًا‪ ,‬نُبعث ونُحاسب ونُجازى بأعمالنا؟‬ ‫جحِيمِ (‪)55‬‬ ‫قَالَ هَلْ َأْنتُ ْم مُطّلِعُونَ (‪ )54‬فَاطّلَعَ فَرَآ ُه فِي َسوَاءِ الْ َ‬ ‫قال هذا الؤممن الذي أُدخمل النمة لصمحابه‪ :‬همل أنتمم مُطّلعون لنرى‬ ‫مصي ذلك القرين؟ فاطلع فرأى قرينه ف وسط النار‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫ُنتم م ْ‬ ‫ِينم (‪َ )56‬وَلوْل نِعْ َمةُ َربّيم لَك ُ‬ ‫ْتم َلتُرْد ِ‬ ‫ِنم ِكد َ‬ ‫ّهم إ ْ‬ ‫قَالَ تَالل ِ‬ ‫الْمُحْضَرِي َن (‪)57‬‬ ‫قال الؤمن لقرينه النكر للبعث‪ :‬لقد قاربت أن تلكن بصدك إياي عن‬ ‫‪1494‬‬

‫اليان لو أطعتمك‪ .‬ولول فضمل ربم بدايتم إل اليان وتثمبيت عليمه‪,‬‬ ‫لكنت من الحضرين ف العذاب معك‪.‬‬ ‫أَفَمَا َنحْ نُ بِ َمّيِتيَ (‪ )58‬إِلّ َم ْوَتَتنَا الُولَى وَمَا َنحْ نُ ِبمُعَ ّذِبيَ ( ‪)59‬‬

‫ِإنّ هَذَا َلهُوَ الْ َف ْوزُ الْعَظِي ُم (‪)60‬‬

‫أحقًا أننا ملّدون منعّمون‪ ,‬فما نن بيتي إل موتتنا الول ف الدنيا‪ ,‬وما‬ ‫نن بعذّبي بعد دخولنا النة؟ إ ّن ما نن فيه من نعيم ُلوَ الظّفَر العظيم‪.‬‬ ‫لِ ِمثْلِ َهذَا فَ ْليَ ْعمَلْ الْعَامِلُونَ (‪)61‬‬ ‫لثل هذا النعيم الكامل‪ ,‬واللود الدائم‪ ,‬والفوز العظيم‪ ,‬فليعمل العاملون‬ ‫ف الدنيا; ليصيوا إليه ف الخرة‪.‬‬ ‫أَ َذلِكَ َخيْ ٌر نُزُلً أَمْ َشجَرَةُ الزّقّومِ (‪)62‬‬ ‫أذلك الذي سبق و صفه مِن نع يم ال نة خ ي ضيا فة وعطاء من ال‪ ,‬أم‬ ‫شجرة الزقوم البيثة اللعونة‪ ,‬طعام أهل النار؟‬

‫‪1495‬‬

‫ِإنّا جَعَ ْلنَاهَا ِفْتَنةً لِلظّالِ ِميَ (‪)63‬‬ ‫إ نا جعلنا ها فت نة افت ت ب ا الظالون لنف سهم بالك فر والعا صي‪ ,‬وقالوا‬ ‫مسمتنكرين‪ :‬إن صماحبكم ينبئكمم أن فم النار شجرة‪ ,‬والنار تأكمل‬ ‫الشجر‪.‬‬ ‫ُوسم‬ ‫ّهم ُرء ُ‬ ‫ِيمم (‪ )64‬طَلْعُهَا كََأن ُ‬ ‫جح ِ‬ ‫َصم ِل اْل َ‬ ‫ُجم فِي أ ْ‬ ‫ِإنّهَا َشجَرَةٌ َتخْر ُ‬

‫شيَا ِطيِ (‪َ )65‬فِإّنهُ مْ لكِلُو نَ ِمْنهَا َفمَاِلئُو نَ ِمْنهَا اْلبُطُو نَ ( ‪ُ )66‬ثمّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ِإنّ لَهُ مْ عََلْيهَا َلشَوْبا مِ نْ حَمِي مٍ ( ‪ )67‬ثُمّ ِإنّ َمرْجِ َعهُ مْ ٍللَى اْلجَحِي مِ (‬ ‫‪)68‬‬

‫إنا شجرة تنبت ف قعر جهنم‪ ,‬ثرها قبيح النظر كأنه رؤوس الشياطي‪,‬‬ ‫فإذا كانت كذلك فل تَسْألْ بعد هذا عن طعمها‪ ,‬فإن الشركي لكلون‬ ‫من تلك الشجرة فمالئون منها بطونم‪ .‬ث إنم بعد الكل منها لشاربون‬ ‫شرابًا خليطًا قبيحًا حارّا‪ ,‬ث إن مردّهم بعد هذا العذاب إل عذاب النار‪.‬‬ ‫ِإّنهُمْ َألْ َفوْا آبَاءَهُمْ ضَاّليَ (‪َ )69‬فهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ ُيهْرَعُونَ (‪)70‬‬ ‫إنمم وجدوا آباءهمم على الشرك والضلل‪ ,‬فسمارعوا إل متابعتهمم على‬ ‫‪1496‬‬

‫ذلك‪.‬‬ ‫َولَقَدْ ضَ ّل َقبَْلهُمْ أَ ْكثَ ُر ا َلوِّليَ (‪)71‬‬ ‫ولقد ضلّ عن الق قبل قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أكثر المم السابقة‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْسَ ْلنَا فِيهِ ْم مُن ِذرِينَ (‪)72‬‬ ‫ولقد أرسلنا ف تلك المم مرسلي أنذروهم بالعذاب فكفروا‪.‬‬ ‫فَانظُ ْر َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُن َذرِينَ (‪)73‬‬ ‫فتأمّل كيف كانت ناية تلك المم الت أنذرت‪ ,‬فكفرت؟ فقد ُعذّبت‪,‬‬ ‫وصارت للناس عبة‪.‬‬ ‫صيَ (‪)74‬‬ ‫إِلّ ِعبَادَ الّلهِ الْ ُمخْلَ ِ‬ ‫إل عباد ال الذين أخلصهم ال‪ ,‬وخصّهم برحته لخلصهم له‪.‬‬

‫‪1497‬‬

‫َولَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فََلنِ ْعمَ الْ ُمجِيبُونَ (‪)75‬‬ ‫ولقد نادانا نبينا نوح; لننصره على قومه‪ ,‬فلنعم الجيبون له نن‪.‬‬ ‫جْينَاهُ َوأَهَْلهُ مِنْ الْكَ ْربِ الْعَظِيمِ (‪)76‬‬ ‫َوَن ّ‬ ‫ونيناه وأهله والؤمنيم معمه مِن أذى الشركيم‪ ,‬وممن الغرق بالطوفان‬ ‫العظيم‪.‬‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا ُذ ّرّيَتهُ هُ ْم الْبَاِقيَ (‪)77‬‬ ‫وجعلنا ذرية نوح هم الباقي بعد غرق قومه‪.‬‬ ‫َوتَرَ ْكنَا عََلْي ِه فِي الخِرِينَ (‪)78‬‬ ‫وأبقينا له ذِكْرًا جيل وثناءً حسنًا فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به‪.‬‬ ‫سَل ٌم عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَ ِميَ (‪)79‬‬ ‫أمان لنوح و سلمة له من أن يُذْ كر ب سوء ف الخِر ين‪ ,‬بل تُث ن عل يه‬ ‫‪1498‬‬

‫الجيال من بعده‪.‬‬ ‫سِنيَ (‪)80‬‬ ‫ِإنّا كَ َذلِكَ َنجْزِي الْ ُمحْ ِ‬ ‫مثل جزاء نوح نزي كلّ مَن أحسن من العباد ف طاعة ال‪.‬‬ ‫ِإّنهُ مِنْ ِعبَا ِدنَا الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)81‬‬ ‫إن نوحًا من عبادنا الصدقي الخلصي العاملي بأوامر ال‪.‬‬ ‫ثُمّ أَ ْغرَ ْقنَا الخَرِي َن (‪)82‬‬ ‫ثم أغرق نا الخر ين الكذب ي ممن قوممه بالطوفان‪ ,‬فلم ت بق من هم ع ي‬ ‫تَطْرِف‪.‬‬ ‫وَِإنّ مِنْ شِي َعتِهِ ٍلبْرَاهِيمَ (‪ِ )83‬إذْ جَاءَ َربّهُ بِقَلْبٍ َسلِيمٍ ( ‪ )84‬إِ ْذ قَالَ‬ ‫َلبِي هِ وََقوْمِ هِ مَاذَا تَ ْعبُدُو نَ (‪َ )85‬أئِفْكا آِلهَةً دُو نَ اللّ هِ تُرِيدُو نَ ( ‪)86‬‬ ‫فَمَا َظنّكُ ْم بِ َربّ الْعَالَ ِميَ (‪)87‬‬ ‫‪1499‬‬

‫وإنّ من أشياع نوح على منها جه وملّته نبّ ال إبراهيم‪ ,‬حي جاء ربه‬ ‫بقلب بر يء من كل اعتقاد با طل وخُلُق ذم يم‪ ,‬ح ي قال لب يه وقو مه‬ ‫منكرًا عليهمم‪ :‬مما الذي تعبدونمه ممن دون ال؟ أتريدون آلةم متلَق َة‬ ‫تعبدون ا‪ ,‬وتتركون عبادة ال ال ستحق للعبادة وحده؟ ف ما ظن كم برب‬ ‫العالي أنه فاعل بكم إذا أشركتم به وعبدت معه غيه؟‬ ‫َفنَ َظرَ نَظْرَ ًة فِي النّجُومِم (‪ )88‬فَقَالَ ِإنّيم سَمقِيمٌ ( ‪َ )89‬فَتوَّلوْا َعنْهُم‬ ‫مُ ْدبِرِي َن (‪)90‬‬ ‫فن ظر إبراه يم نظرة ف النجوم متفكرًا في ما يعتذر به عن الروج مع هم‬ ‫إل أعيادهمم‪ ,‬فقال لمم‪ :‬إنم مريمض‪ .‬وهذا تعريمض منمه‪ .‬فتركوه وراء‬ ‫ظهورهم‪.‬‬ ‫َفرَاغَ ِإلَى آِل َهِتهِمْ فَقَالَ أَل تَأْكُلُونَ (‪ )91‬مَا لَكُ ْم ل تَنطِقُونَ (‪)92‬‬ ‫فمال م سرعًا إل أ صنام قو مه فقال م ستهزئًا ب ا‪ :‬أل تاكلون هذا الطعام‬ ‫الذي يقدمه لكم سدنتكم؟ ما لكم ل تنطقون ول تيبون مَن يسألكم؟‬

‫‪1500‬‬

‫َفرَاغَ َعَلْيهِمْ ضَرْبا بِاْليَ ِميِ (‪)93‬‬ ‫فأقبمل على آلتهمم يضربام ويكسمّرها بيده اليمنم; ليثبمت لقوممه خطمأ‬ ‫عبادتم لا‪.‬‬ ‫َفأَ ْقبَلُوا ِإَلْيهِ يَزِفّونَ (‪)94‬‬ ‫فأقبلوا إليه يَ ْعدُون مسرعي غاضبي‪.‬‬ ‫حتُونَ (‪ )95‬وَالّلهُ َخلَقَكُ ْم وَمَا تَعْمَلُونَ (‪)96‬‬ ‫قَالَ َأتَ ْعبُدُونَ مَا َتْن ِ‬ ‫فلقيهمم إبراهيمم بثبات قائل كيمف تعبدون أصمنامًا تنحتونام أنتمم‪,‬‬ ‫وتصمنعونا بأيديكمم‪ ,‬وتتركون عبادة ربكمم الذي خلقكمم‪ ,‬وخلق‬ ‫عملكم؟‬ ‫قَالُوا اْبنُوا َلهُ ُبْنيَانا فََألْقُوهُ فِي اْلجَحِيمِ (‪)97‬‬ ‫(فلما قامت عليهم الجة لؤوا إل القوة) وقالوا‪ :‬ابنوا له بنيانًا واملؤوه‬ ‫حطبًا‪ ,‬ث ألقوه فيه‪.‬‬ ‫‪1501‬‬

‫َفَأرَادُوا ِبهِ َكيْدا َفجَعَ ْلنَاهُ ْم الَسْفَِليَ (‪)98‬‬ ‫فأراد قوم إبراهيم به كيدًا لهلكه‪ ,‬فجعلناهم القهورين الغلوبي‪ ،‬وردّ‬ ‫ال كيدهم ف نورهم‪ ،‬وجعل النار على إبراهيم بردًا وسلمًا ‪.‬‬ ‫حيَ‬ ‫ب لِي مِ ْن ال صّالِ ِ‬ ‫وَقَالَ ِإنّي ذَا ِه بٌ ِإلَى َربّي َسَيهْدِي ِن (‪َ )99‬ربّ هَ ْ‬ ‫(‪)100‬‬ ‫وقال إبراه يم‪ :‬إ ن مها جر إل ر ب من بلد قو مي إل ح يث أت كن من‬ ‫عبادة ر ب; فإ نه سيدلن على ال ي ف دي ن ودنياي‪ .‬رب أعط ن ولدًا‬ ‫صالًا‪.‬‬ ‫َفَبشّ ْرنَاهُ بِغُلمٍ حَلِي ٍم (‪)101‬‬ ‫فأجبنا له دعوته‪ ,‬وبشّرناه بغلم حليم‪ ,‬أي‪ :‬يكون حليمًا ف كبه‪ ,‬وهو‬ ‫إساعيل‪.‬‬ ‫ك فَانظُرْ‬ ‫َفلَمّا بََل غَ مَعَ هُ ال سّعْيَ قَالَ يَا ُبنَيّ ِإنّي َأرَى فِي الْ َمنَا مِ َأنّي أَ ْذَبحُ َ‬ ‫‪1502‬‬

‫ت افْعَلْ مَا ُتؤْمَرُ َسَتجِ ُدنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنْ الصّابِرِينَ (‬ ‫مَاذَا تَرَى قَالَ يَا َأَب ِ‬ ‫‪)102‬‬ ‫فل ما َكبِر إ ساعيل وم شى مع أب يه قال له أبوه‪ :‬إ ن أرى ف النام أ ن‬ ‫أذبك‪ ,‬فما رأيك؟ (ورؤيا النبياء حق) فقال إساعيل مُرْضيًا ربه‪ ,‬بارّا‬ ‫بوالده‪ ,‬معينًا له على طاعة ال‪ :‬أمض ما أمرك ال به مِن ذبي‪ ,‬ستجدن‬ ‫إن شاء ال‪ -‬صابرًا طائعًا متسبًا‪.‬‬‫جِبيِ (‪)103‬‬ ‫َفلَمّا َأسْلَمَا َوتَّلهُ لِلْ َ‬ ‫فلما استسلما لمر ال وانقادا له‪ ,‬وألقى إبراهيم ابنه على جبينه ‪-‬وهو‬ ‫جانب البهة‪ -‬على الرض؛ ليذبه‪.‬‬ ‫َونَا َدْينَا هُ أَ نْ يَا ِإبْرَاهِي مُ (‪َ )104‬قدْ صَدّقْتَ ال ّر ْؤيَا ِإنّا َك َذلِ كَ َنجْزِي‬ ‫سِنيَ (‪)105‬‬ ‫حِ‬ ‫الْمُ ْ‬ ‫ونادينا إبراهيم ف تلك الالة العصيبة‪ :‬أن يا إبراهيم‪ ,‬قد فعلتَ ما أُمرت‬ ‫به وصَدّ ْقتَ رؤياك‪ ,‬إنا كما جزيناك على تصديقك نزي الذين أحسنوا‬ ‫مثلك‪ ,‬فنخلّصهم من الشدائد ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪1503‬‬

‫ِإنّ هَذَا َل ُهوَ اْلبَلءُ الْ ُمِبيُ (‪)106‬‬ ‫إن المر بذبح ابنك هو البتلء الشاق الذي أبان عن صدق إيانك‪.‬‬ ‫وََف َدْينَاهُ بِ ِذبْ ٍح عَظِيمٍ (‪)107‬‬ ‫واستنقذنا إساعيل‪ ,‬فجعلنا بديل عنه كبشًا عظيمًا‪.‬‬ ‫َوتَرَ ْكنَا عََلْي ِه فِي الخِرِينَ (‪)108‬‬ ‫وأبقينا لبراهيم ثناءً حسنًا ف المم بعده‪.‬‬ ‫سَل ٌم عَلَى ِإبْرَاهِيمَ (‪)109‬‬ ‫تيةٌ لبراهيم من عند ال‪ ,‬ودعاءٌ له بالسلمة من كل آفة‪.‬‬ ‫سِنيَ (‪)110‬‬ ‫حِ‬ ‫ك َنجْزِي الْ ُم ْ‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫ك ما جزي نا إبراه يم على طاع ته ل نا وامتثاله أمر نا‪ ,‬نزي الح سني من‬ ‫‪1504‬‬

‫عبادنا‪.‬‬ ‫ِإّنهُ مِنْ ِعبَا ِدنَا الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)111‬‬ ‫إنه من عبادنا الؤمني الذين أعطَوا العبودية حقها‪.‬‬ ‫حيَ (‪)112‬‬ ‫َوَبشّ ْرنَاهُ ِبإِ ْسحَقَ َنِبيّا مِ ْن الصّالِ ِ‬ ‫وبشّر نا إبراه يم بولده إ سحاق نبيّ ا من ال صالي; جزاء له على صبه‬ ‫ورضاه بأمر ربه‪ ,‬وطاعته له‪.‬‬ ‫سهِ ُمِبيٌ (‬ ‫َوبَارَ ْكنَا عََليْ ِه وَعَلَى ِإ ْسحَقَ وَمِ نْ ُذ ّرّيِتهِمَا ُمحْ سِنٌ َوظَالِ مٌ ِلنَفْ ِ‬ ‫‪)113‬‬ ‫وأنزلنا عليهما البكة‪ .‬ومِن ذريتهما من هو مطيع لربه‪ ,‬مسن لنفسه‪,‬‬ ‫ومَن هو ظال لا ظلمًا بّينًا بكفره ومعصيته‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫جْينَاهُمَا وََقوْ َمهُمَا م ْ‬ ‫ُونم (‪َ )114‬وَن ّ‬ ‫َولَقَدْ َمَننّام عَلَى مُوسمَى وَهَار َ‬

‫الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (‪)115‬‬

‫‪1505‬‬

‫ولقد مننّا على موسى وهارون بالنبوة والرسالة‪ ,‬ونيناها وقومهما من‬ ‫الغرق‪ ,‬وما كانوا فيه من عبودية ومَذلّة‪.‬‬ ‫َونَصَ ْرنَاهُ ْم فَكَانُوا هُمْ الْغَاِلبِيَ (‪)116‬‬ ‫ونصرناهم‪ ,‬فكانت لم العزة والنصرة والغلبة على فرعون وآله‪.‬‬ ‫ستَقِيمَ (‬ ‫سَتِبيَ (‪ )117‬وَ َه َدْينَاهُمَا ال صّرَاطَ الْمُ ْ‬ ‫وَآَتْينَاهُمَا الْ ِكتَا بَ الْمُ ْ‬

‫‪َ )118‬وتَرَ ْكنَا َعَلْيهِمَا فِي الخِرِينَ (‪)119‬‬

‫وآتيناها التوراة البينة‪ ,‬وهديناها الطريق الستقيم الذي ل اعوجاج فيه‪,‬‬ ‫و هو ال سلم د ين ال الذي ابت عث به أ نبياءه‪ ,‬وأبقي نا ل ما ثناءً ح سنًا‬ ‫وذكرًا جيل فيمن بعدها‪.‬‬ ‫سنِيَ (‬ ‫سَلمٌ عَلَى مُو سَى وَهَارُو نَ (‪ِ )120‬إنّ ا كَ َذلِ كَ َنجْزِي الْ ُمحْ ِ‬

‫‪ِ )121‬إّنهُمَا مِنْ ِعبَا ِدنَا الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)122‬‬

‫تيةٌ لو سى وهارون من ع ند ال‪ ,‬وثناءٌ ودعاءٌ ل ما بال سلمة من كل‬ ‫آفة‪ ,‬كما جزيناها الزاء السن نزي الحسني من عبادنا الخلصي لنا‬ ‫‪1506‬‬

‫بالصدق واليان والعمل‪ .‬إنما من عبادنا الراسخي ف اليان‪.‬‬ ‫وَِإنّ ِإْليَا سَ لَمِ ْن الْ ُمرْ سَِليَ (‪ِ )123‬إذْ قَالَ لِ َقوْمِ هِ أَل َتتّقُونَ ( ‪)124‬‬ ‫ُمم َورَبّ‬ ‫ّهم َربّك ْ‬ ‫ْسمنَ اْلخَالِقِيَ (‪ )125‬الل َ‬ ‫ُونمأَح َ‬ ‫ل َوتَ َذر َ‬ ‫ُونم بَعْ ً‬ ‫َأتَدْع َ‬ ‫آبَائِكُمْ ا َل ّوِليَ (‪)126‬‬ ‫وإن عبدنا إلياس لن الذين أكرمناهم بالنبوة والرسالة‪ ,‬إذ قال لقومه من‬ ‫بنم إسمرائيل‪ :‬اتقوا ال وحده وخافوه‪ ,‬ول تشركوا معمه غيه‪ ,‬كيمف‬ ‫تعبدون صنمًا‪ ,‬وتتركون عبادة ال أح سن الالق ي‪ ,‬و هو رب كم الذي‬ ‫خلقكم‪ ,‬وخلق آباءكم الاضي قبلكم؟‬ ‫صيَ (‪)128‬‬ ‫َفكَ ّذبُوهُ َفِإّنهُ ْم لَ ُمحْضَرُونَ (‪ )127‬إِلّ ِعبَا َد الّلهِ الْ ُمخْلَ ِ‬ ‫فكذب قوم إلياس نبيهم‪ ,‬فليجمعنهم ال يوم القيامة للحساب والعقاب‪,‬‬ ‫إل عباد ال الذين أخلصوا دينهم ل‪ ,‬فإنم ناجون من عذابه‪.‬‬ ‫َوتَرَ ْكنَا عََليْ ِه فِي الخِرِينَ (‪ )129‬سَلمٌ عَلَى إِ ْل يَا ِسيَ ( ‪ِ )130‬إنّا‬ ‫حسِِنيَ (‪ِ )131‬إّنهُ مِنْ ِعبَا ِدنَا الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)132‬‬ ‫كَ َذلِكَ َنجْزِي الْ ُم ْ‬ ‫‪1507‬‬

‫وجعلنا للياس ثناءً جيل ف المم بعده‪ .‬تية من ال‪ ,‬وثناءٌ على إلياس‪.‬‬ ‫وكما جزينا إلياس الزاء السن على طاعته‪ ,‬نزي الحسني من عبادنا‬ ‫الؤمني‪ .‬إنه من عباد ال الؤمني الخلصي له العاملي بأوامره‪.‬‬ ‫جْينَاهُ وَأَهْلَهُ َأجْمَ ِعيَ ( ‪)134‬‬ ‫وَِإنّ لُوطا لَمِنْ الْمُ ْرسَِليَ (‪ِ )133‬إذْ َن ّ‬ ‫إِلّ َعجُوزا فِي الْغَابِرِينَ (‪)135‬‬ ‫وإن عبدنا لوطًا اصطفيناه‪ ,‬فجعلناه من الرسلي‪ ,‬إذ نيناه وأهله أجعي‬ ‫من العذاب‪ ,‬إل عجوزًا هَرِمة‪ ,‬هي زوجته‪ ,‬هلكت مع الذين هلكوا من‬ ‫قومها لكفرها‪.‬‬ ‫ثُمّ دَمّ ْرنَا الخَرِي َن (‪)136‬‬ ‫ث أهلكنا الباقي الكذبي من قومه‪.‬‬ ‫ُونم (‬ ‫حيَ (‪َ )137‬وبِالّليْلِ أَفَل تَعْقِل َ‬ ‫ُصم ِ‬ ‫ِمم م ِْب‬ ‫ّونم عََلْيه ْ‬ ‫ُممَلتَمُر َ‬ ‫وَِإنّك ْ‬ ‫‪)138‬‬ ‫وإنكمم ‪-‬يما أهمل "مكمة"‪ -‬لتمرون فم أسمفاركم على منازل قوم لوط‬ ‫‪1508‬‬

‫وآثارهمم وقمت الصمباح‪ ,‬وترون عليهما ليل‪ .‬أفل تعقلون‪ ,‬فتخافوا أن‬ ‫يصيبكم مثل ما أصابم؟‬ ‫شحُو نِ (‬ ‫وَإِنّ يُونُ سَ لَمِ نْ الْمُ ْر سَِليَ (‪ )139‬إِذْ َأبَ قَ ِإلَى الْفُلْ كِ الْ َم ْ‬

‫‪)140‬‬

‫وإن عبدنما يونمس اصمطفيناه وجعلناه ممن الرسملي‪ ,‬إذ هرب ممن بلده‬ ‫غاضبًا على قومه‪ ,‬وركب سفينة ملوءة ركابًا وأمتعة‪.‬‬ ‫ضيَ (‪)141‬‬ ‫َفسَاهَ َم فَكَانَ مِنْ الْمُ ْدحَ ِ‬ ‫وأحاطت با المواج العظيمة‪ ,‬فاقترع ركاب السفينة لتخفيف المولة‬ ‫خوف الغرق‪ ,‬فكان يونس من الغلوبي‪.‬‬ ‫ت وَ ُهوَ مُلِي ٌم (‪)142‬‬ ‫فَاْلتَقَ َمهُ اْلحُو ُ‬ ‫ت با يُلم عليه‪.‬‬ ‫فأُلقي ف البحر‪ ,‬فابتلعه الوت‪ ,‬ويونس عليه السلم آ ٍ‬ ‫ث فِي بَ ْطنِ هِ ِإلَى َيوْ مِ ُيبْ َعثُو نَ‬ ‫سّبحِيَ (‪ )143‬لََلبِ َ‬ ‫َفَلوْل َأنّ هُ كَا نَ مِ نْ الْمُ َ‬ ‫‪1509‬‬

‫(‪)144‬‬ ‫فلول ما تقدّم له من كثرة العبادة والع مل ال صال ق بل وقو عه ف ب طن‬ ‫الوت‪ ,‬وتسبيحه‪ ,‬وهو ف بطن الوت بقوله‪ :‬ل اله ال أنت سبحانك‬ ‫أ ن ك نت من الظال ي ‪ ،‬ل كث ف ب طن الوت‪ ,‬و صار له قبًا إل يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫َفَنَب ْذنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَ ُهوَ سَقِي ٌم (‪)145‬‬ ‫فطرحناه من ب طن الوت‪ ,‬وألقيناه ف أرض خال ية عار ية من الش جر‬ ‫والبناء‪ ,‬وهو ضعيف البدن‪.‬‬ ‫وََأْنَبْتنَا عََلْيهِ َشجَرَةً مِ ْن يَقْ ِطيٍ (‪)146‬‬ ‫وأنبتنا عليه شجرة من القَرْع تظلّه‪ ,‬وينتفع با‪.‬‬ ‫وََأرْ َس ْلنَاهُ ِإلَى مِاَئةِ َألْ فٍ َأوْ يَزِيدُو نَ (‪ )147‬فَآ َمنُوا فَ َمتّ ْعنَاهُ مْ ِإلَى ِحيٍ‬ ‫(‪)148‬‬ ‫وأرسلناه إل مائة ألف من قومه بل يزيدون‪ ,‬فصدّقوا وعملوا با جاء به‪,‬‬ ‫‪1510‬‬

‫فمتعناهم بياتم إل وقت بلوغ آجالم‪.‬‬ ‫ت َولَهُ ْم اْلبَنُونَ (‪)149‬‬ ‫فَا ْستَ ْفِتهِمْ َألِ َربّكَ اْلَبنَا ُ‬ ‫فاسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قومك‪ :‬كيف جعلوا ل البنات اللت يكرهوننّ‪,‬‬ ‫ولنفسهم البني الذين يريدونم؟‬ ‫أَمْ خَلَ ْقنَا الْمَلئِ َكةَ ِإنَاثا وَهُمْ شَاهِدُونَ (‪)150‬‬ ‫واسألم أخَلَقْنا اللئكة إناثًا‪ ,‬وهم حاضرون؟‬ ‫أَل ِإّنهُ ْم مِ نْ إِفْ ِكهِ ْم َليَقُولُو نَ (‪َ )151‬ولَدَ اللّ هُ وَِإّنهُ مْ لَكَا ِذبُو نَ (‬ ‫‪)152‬‬ ‫مل‬ ‫وإنّ مِن كذبمم قولمم‪ :‬ولَد ال‪ ,‬وإنمم لكاذبون; لن م يقولون م ا‬ ‫يعلمون‪.‬‬ ‫ت عَلَى اْلَبِنيَ (‪)153‬‬ ‫أَاصْطَفَى اْلبَنَا ِ‬ ‫‪1511‬‬

‫لي شيء يتار ال البنات دون البني؟‬ ‫ف َتحْكُمُونَ (‪)154‬‬ ‫مَا لَ ُكمْ َكيْ َ‬ ‫بئس الكم ما تكمونه ‪-‬أيها القوم‪ -‬أن يكون ل البنات ولكم البنون‪,‬‬ ‫وأنتم ل ترضون البنات لنفسكم‪.‬‬ ‫أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)155‬‬ ‫أفل تذكرون أنه ل يوز ول ينبغي أن يكون له ولد؟ تعال ال عن ذلك‬ ‫علوّا كبيًا‪.‬‬ ‫أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ ُمِبيٌ (‪)156‬‬ ‫بل ألكم حجة بيّنة على قولكم وافترائكم؟‬ ‫َف ْأتُوا ِب ِكتَابِكُمْ ِإنْ كُنُتمْ صَادِِقيَ (‪)157‬‬ ‫إن كانت لكم حجة ف كتاب من عند ال فأتوا با‪ ,‬إن كنتم صادقي‬ ‫‪1512‬‬

‫ف قولكم؟‬ ‫جنّةُ ِإّنهُ مْ لَ ُمحْضَرُو نَ (‬ ‫جّنةِ نَ سَبا َولَقَدْ عَلِ َم تْ اْل ِ‬ ‫وَ َجعَلُوا َبْينَ هُ َوَبيْ نَ اْل ِ‬ ‫‪)158‬‬ ‫وجعل الشركون بي ال واللئكة قرابة ونسبًا‪ ,‬ولقد علمت اللئكة أن‬ ‫الشركي مضرون للعذاب يوم القيامة‪.‬‬ ‫ُسْبحَانَ الّلهِ عَمّا يَصِفُونَ (‪)159‬‬ ‫تنّه ال عن كل ما ل يليق به مّا يصفه به الكافرون‪.‬‬ ‫صيَ (‪)160‬‬ ‫إِلّ ِعبَادَ الّلهِ الْ ُمخْلَ ِ‬ ‫لكمن عباد ال الخلصمي له فم عبادتمه ل يصمفونه إل بام يليمق بلله‬ ‫سبحانه‪.‬‬ ‫َفِإنّ ُك ْم وَمَا تَ ْعبُدُونَ (‪ )161‬مَا َأْنتُمْ عََليْهِ بِفَاِتِنيَ (‪ )162‬إِلّ مَنْ ُهوَ‬

‫جحِي ِم (‪)163‬‬ ‫صَالِي اْل َ‬

‫‪1513‬‬

‫فإنكم ‪-‬أيها الشركون بال‪ -‬وما تعبدون من دون ال من آلة‪ ,‬ما أنتم‬ ‫بضلّ ي أحدًا إل مَن قدّر ال عز و جل عل يه أن يَ صْلَى الح يم؛ لكفره‬ ‫وظلمه‪.‬‬ ‫وَمَا ِمنّا إِلّ لَهُ مَقَامٌ َمعْلُومٌ (‪َ )164‬وِإنّا َلنَحْنُ الصّافّونَ (‪َ )165‬وِإنّا‬ ‫سبّحُونَ ( ‪)166‬‬ ‫َلنَحْنُ الْ ُم َ‬ ‫قالت اللئ كة‪ :‬و ما م نا أحدٌ إل له مقام ف ال سماء معلوم‪ ,‬وإ نا لن حن‬ ‫الواقفون صفوفًا ف عبادة ال وطاعته‪ ,‬وإنا لنحن النّهون ال عن كل ما‬ ‫ل يليق به‪.‬‬ ‫وَإِنْ كَانُوا َليَقُولُونَ (‪َ )167‬لوْ َأنّ ِعنْ َدنَا ذِكْرا مِ ْن ا َلوِّليَ ( ‪)168‬‬ ‫صيَ ( ‪)169‬‬ ‫لَ ُكنّا ِعبَادَ الّلهِ الْمُخْلَ ِ‬ ‫وإن كفار "م كة" ليقولون ق بل بعث تك ‪-‬أي ها الر سول‪ :-‬لو جاء نا من‬ ‫الكتب والنبياء ما جاء الولي قبلنا‪ ,‬لكنا عباد ال الصادقي ف اليان‪,‬‬ ‫الخلَصي ف العبادة‪.‬‬

‫‪1514‬‬

‫ف يَعْلَمُونَ (‪)170‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫َفكَفَرُوا ِبهِ َف َ‬ ‫فل ما جاء هم ذ كر الول ي‪ ,‬وعلم الخر ين‪ ,‬وأك مل الك تب‪ ,‬وأف ضل‬ ‫الرسل‪ ,‬وهو ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كفروا به‪ ,‬فسوف يعلمون ما‬ ‫لم من العذاب ف الخرة‪.‬‬ ‫ي (‪ِ )171‬إّنهُ ْم َلهُ مْ الْمَن صُورُونَ‬ ‫ت كَلِ َمُتنَا لِ ِعبَا ِدنَا الْمُرْ سَِل َ‬ ‫َولَقَدْ َسبَقَ ْ‬

‫(‪ )172‬وَِإنّ جُن َدنَا َلهُم الْغَاِلبُونَ (‪)173‬‬

‫ولقد سبقت كلمتنا ‪-‬الت ل مر ّد لا‪ -‬لعبادنا الرسلي‪ ,‬أن لم النصرة‬ ‫على أعدائهمم بالجمة والقوة‪ ,‬وأن جندنما الجاهديمن فم سمبيلنا لمم‬ ‫الغالبون لعدائهم ف كل مقام باعتبار العاقبة والآل‪.‬‬ ‫ْصمرُونَ (‬ ‫َسموْفَ ُيب ِ‬ ‫ْصمرْهُم ف َ‬ ‫ُمم َحتّىم حِيمٍ (‪َ )174‬وَأب ِ‬ ‫َفَتوَلّ َعْنه ْ‬ ‫‪)175‬‬ ‫فأعرض ‪-‬أي ها الر سول‪َ -‬عمّ ن عا ند‪ ,‬ول يق بل ال ق ح ت تنق ضي الدة‬ ‫الت أمهلهم فيها‪ ,‬ويأت أمر ال بعذابم‪ ,‬وأنظرهم وارتقب ماذا يل بم‬ ‫من العذاب بخالفتك؟ فسوف يرون ما يل بم من عذاب ال‪.‬‬ ‫‪1515‬‬

‫صمبَاحُ‬ ‫َسمتَ ْعجِلُونَ (‪َ )176‬فإِذَا َنزَلَ بِسمَا َحِتهِمْ فَسمَاءَ َ‬ ‫أََفبِعَذَابِن َا ي ْ‬ ‫الْمُن َذرِينَ (‪)177‬‬ ‫أفبنول عذابنا بم يستعجلونك أيها الرسول؟ فإذا نزل عذابنا بم‪ ,‬فبئس‬ ‫الصباح صباحهم‪.‬‬ ‫ف ُيبْصِرُونَ (‪)179‬‬ ‫َوَتوَلّ َعْنهُمْ َحتّى ِحيٍ (‪َ )178‬وَأبْصِرْ َفسَوْ َ‬ ‫وأعرض عنهم حت يأذن ال بعذابم‪ ,‬وأنظرهم فسوف يرون ما يل بم‬ ‫من العذاب والنكال‪.‬‬ ‫ب الْعِزّةِ َعمّا يَصِفُون َ (‪)180‬‬ ‫ُسْبحَانَ َربّكَ رَ ّ‬ ‫تنّه ال وتعال رب العزة عما يصفه هؤلء الفترون عليه‪.‬‬ ‫وَسَلمٌ عَلَى الْمُ ْرسَِليَ (‪)181‬‬ ‫وتية ال الدائمة وثناؤه وأمانه لميع الرسلي‪.‬‬ ‫‪1516‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)182‬‬ ‫وَالْحَ ْمدُ لِّلهِ رَ ّ‬ ‫والمد ل رب العالي ف الول والخرة‪ ,‬فهو الستحق لذلك وحده ل‬ ‫شريك له‪.‬‬

‫‪ -38‬سورة ص‬ ‫ق (‪)2‬‬ ‫ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ (‪ )1‬بَلْ الّذِينَ كَفَرُوا فِي ِعزّةٍ وَشِقَا ٍ‬ ‫( ص ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫يقسم ال سبحانه بالقرآن الشتمل على تذكي الناس با هم عنه غافلون‪.‬‬ ‫ولكن الكافرين متكبون على الق مالفون له‪.‬‬ ‫ي َمنَاصٍ (‪)3‬‬ ‫كَمْ أَهَْل ْكنَا مِنْ َقبِْل ِهمْ مِنْ قَ ْرنٍ َفنَا َدوْا وَلتَ ِح َ‬

‫‪1517‬‬

‫كثيًا من المم أهلكناها قبل هؤلء الشركي‪ ،‬فاستغاثوا حي جاءهم‬ ‫العذاب ونادوا بالتوبة‪ ,‬وليس الوقت وقت قَبول توبة‪ ,‬ول وقت فرار‬ ‫وخلص ما أصابم‪.‬‬ ‫جبُوا أَ نْ جَاءَهُ ْم ُمنْ ِذرٌ ِمْنهُ ْم وَقَالَ الْكَافِرُو نَ َهذَا سَا ِحرٌ َكذّا بٌ (‪)4‬‬ ‫وَ َع ِ‬ ‫َأجَعَلَ اللِ َهةَ ِإلَها وَاحِدا ِإنّ هَذَا َلشَ ْيءٌ ُعجَابٌ ( ‪)5‬‬ ‫وعجِب هؤلء الكفار مِن بعث ال إليهم بشرا منهم؛ ليدعوهم إل ال‬ ‫ويوّفهم عذابه‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنه ليس رسول بل هو كاذب ف قوله‪ ,‬ساحر‬ ‫لقومه‪ ،‬كيف يصيّر اللة الكثية إلًا واحدًا؟ إنّ هذا الذي جاء به ودعا‬ ‫إليه لَشيء عجيب‪.‬‬ ‫صبِرُوا عَلَى آِل َهتِكُ مْ ِإنّ َهذَا َلشَ ْيءٌ يُرَادُ‬ ‫وَانطَلَ قَ الْمَل ِمْنهُ مْ أَ نْ ا ْمشُوا وَا ْ‬ ‫(‪ )6‬مَا سَمِ ْعنَا ِبهَذَا فِي الْمِّلةِ ال ِخرَةِ ِإنْ هَذَا إِلّ ا ْختِلقٌ (‪)7‬‬ ‫وانطلق رؤساء القوم وكباؤهم يرّضون قومهم على الستمرار على‬ ‫الشرك والصب على تعدد اللة‪ ,‬ويقولون إن ما جاء به هذا الرسول‬ ‫شيء مدبّر يقصد منه الرئاسة والسيادة‪ ,‬ما سعنا با يدعو إليه ف دين‬ ‫آبائنا من قريش‪ ،‬ول ف النصرانية‪ ،‬ما هذا إل كذب وافتراء‪.‬‬ ‫‪1518‬‬

‫َأؤُنزِلَ عََليْ هِ الذّكْ ُر مِ نْ َبْيِننَا بَلْ هُ ْم فِي َشكّ مِ نْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا َيذُوقُوا‬

‫ب (‪)8‬‬ ‫عَذَا ِ‬

‫أخُص ممد بنول القرآن عليه من دوننا؟ بل هم ف ريب من وحيي‬ ‫إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وإرسال لك‪ ،‬بل قالوا ذلك؛ لنم ل يذوقوا‬ ‫عذاب ال‪ ،‬فلو ذاقوا عذابه لا ترؤوا على ما قالوا‪.‬‬ ‫أَمْ ِعنْدَ ُهمْ خَزَائِنُ رَ ْح َمةِ َربّكَ الْعَزِي ِز الْوَهّابِ (‪)9‬‬ ‫أم هم يلكون خزائن فضل ربك العزيز ف سلطانه‪ ,‬الوهاب ما يشاء من‬ ‫رزقه وفضله لن يشاء من خلقه؟‬ ‫ب(‬ ‫ك ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَمَا َبْيَنهُمَا فَ ْليَ ْرتَقُوا فِي الَ ْسبَا ِ‬ ‫أَ ْم لَهُ مْ ُملْ ُ‬ ‫‪)10‬‬ ‫أم لؤلء الشركي مُلْك السموات والرض وما بينهما‪ ،‬فيُعْطوا‬ ‫ويَمْنعوا؟ فليأخذوا بالسباب الوصلة لم إل السماء‪ ,‬حت يكموا با‬ ‫يريدون من عطاء ومنع‪.‬‬ ‫‪1519‬‬

‫ت َقبَْلهُ مْ َقوْ مُ نُو حٍ‬ ‫ب (‪َ )11‬ك ّذبَ ْ‬ ‫ك َمهْزُو مٌ مِ ْن الَحْزَا ِ‬ ‫جُندٌ مَا ُهنَالِ َ‬ ‫صحَابُ ا َليْ َكةِ‬ ‫وَعَادٌ وَفِرْ َعوْ نُ ذُو ا َل ْوتَادِ (‪َ )12‬وثَمُو ُد وََقوْ مُ لُو طٍ وَأَ ْ‬ ‫ُأ ْوَلئِكَ الَ ْحزَابُ ( ‪ِ )13‬إنْ كُلّ إِ ّل كَذّبَ الرّسُلَ َفحَقّ عِقَابِ (‪)14‬‬ ‫هؤلء الند الكذّبون جند مهزومون‪ ،‬كما هُزم غيهم من الحزاب‬ ‫قبلهم‪ ،‬كذّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون صاحب القوة العظيمة‪,‬‬ ‫وثود وقوم لوط وأصحاب الشجار والبساتي وهم قوم شعيب‪ .‬أولئك‬ ‫المم الذين تزّبوا على الكفر والتكذيب واجتمعوا عليه‪ .‬إ ْن كلّ مِن‬ ‫هؤلء إل كذّب الرسل‪ ,‬فاستحقوا عذاب ال‪ ,‬وح ّل بم عقابه‪.‬‬ ‫ق (‪)15‬‬ ‫حةً وَاحِدَ ًة مَا َلهَا مِنْ َفوَا ٍ‬ ‫صْي َ‬ ‫وَمَا يَنظُ ُر َهؤُلءِ إِلّ َ‬ ‫وما ينتظر هؤلء الشركون للول العذاب عليهم إن بقوا على شركهم‪,‬‬ ‫إل نفخة واحدة ما لا من رجوع‪.‬‬ ‫ب (‪)16‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫وَقَالُوا َرّبنَا َعجّلْ َلنَا قِ ّطنَا َقبْلَ َيوْ ِم اْل ِ‬

‫‪1520‬‬

‫وقالوا‪ :‬ربنا عجّل لنا نصيبنا من العذاب ف الدينا قبل يوم القيامة‪ ,‬وكان‬ ‫هذا استهزاءً منهم‪.‬‬ ‫صبِ ْر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ َعْب َدنَا دَاوُودَ ذَا ا َليْدِ ِإّنهُ َأوّابٌ (‪)17‬‬ ‫ا ْ‬ ‫اصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما يقولونه ما تكره‪ ،‬واذكر عبدنا داود‬ ‫صاحب القوة على أعداء ال والصب على طاعته‪ ,‬إنه توّاب كثي‬ ‫الرجوع إل ما يرضي ال‪( .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه‬ ‫وسلم)‪.‬‬ ‫َاقم (‪ )18‬وَال ّطيْرَ‬ ‫ُسمّبحْنَ بِالْ َعشِيّ وَالِشْر ِ‬ ‫َهم ي َ‬ ‫جبَالَ مَع ُ‬ ‫سمخّ ْرنَا الْ ِ‬ ‫ِإنّام َ‬

‫ب (‪)19‬‬ ‫حشُورَةً كُلّ َلهُ َأوّا ٌ‬ ‫َم ْ‬

‫إنا سخّرنا البال مع داود يسبّحن بتسبيحه أول النهار وآخره‪ ،‬وسخرنا‬ ‫الطي معه مموعة تسبّح‪ ،‬وتطيع تبعًا له‪.‬‬ ‫ب (‪)20‬‬ ‫وَ َشدَ ْدنَا مُ ْل َكهُ وَآَتْينَاهُ اْلحِكْ َمةَ وَفَصْ َل اْلخِطَا ِ‬

‫‪1521‬‬

‫وقوّينا له ملكه باليبة والقوة والنصر‪ ,‬وآتيناه النبوة‪ ,‬والفصل ف الكلم‬ ‫والكم‪.‬‬ ‫وَهَلْ َأتَاكَمَنبَأُ اْلخَص ْممِ ِإذْ تَسَمّورُوا الْ ِمحْرَابَم (‪ِ )21‬إذْ َدخَلُوا عَلَى‬ ‫ضنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ‬ ‫دَاوُودَ فَ َفزِعَ ِمْنهُمْ قَالُوا ل َتخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْ ُ‬ ‫َبْيَننَا بِاْلحَقّ وَل ُتشْطِطْ وَاهْ ِدنَا ِإلَى َسوَاءِ الصّرَاطِ (‪)22‬‬ ‫وهل جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب التخاصِمَي اللذَين تسوّرا على داود ف‬ ‫مكان عبادته‪ ,‬فارتاع من دخولما عليه؟ قالوا له‪ :‬ل َتخَفْ‪ ،‬فنحن‬ ‫خصمان ظلم أحدنا الخر‪ ،‬فاقض بيننا بالعدل‪ ،‬ول َتجُرْ علينا ف‬ ‫الكم‪ ,‬وأرشِدنا إل سواء السبيل‪.‬‬ ‫جةٌ وَاحِدَ ٌة فَقَالَ أَكْفِ ْلنِيهَا‬ ‫إِنّ هَذَا أَخِي لَ هُ تِ سْعٌ َوتِ سْعُونَ نَ ْعجَةً َولِ يَ نَ ْع َ‬ ‫ب (‪)23‬‬ ‫وَعَ ّزنِي فِي اْلخِطَا ِ‬ ‫قال أحدها‪ :‬إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج‪ ,‬وليس عندي إل‬ ‫نعجة واحدة‪ ,‬فطمع فيها‪ ،‬وقال‪ :‬أعطنيها‪ ,‬وغلبن بجته‪.‬‬

‫‪1522‬‬

‫جتِكَ ِإلَى نِعَاجِهِ وَِإنّ َكثِيا مِ ْن الْخُلَطَاءِ َلَيبْغِي‬ ‫سؤَالِ نَ ْع َ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫قَالَ لَقَ ْد ظَلَمَ َ‬ ‫ضهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ وََقلِيلٌ مَا هُ ْم َوظَنّ‬ ‫بَعْ ُ‬ ‫ب (‪)24‬‬ ‫دَاوُودُ َأنّمَا َفَتنّاهُ فَا ْستَ ْغفَرَ َرّبهُ وَ َخرّ رَاكِعا وََأنَا َ‬ ‫قال داود‪ :‬لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إل نعاجه‪ ,‬وإن كثيًا‬ ‫من الشركاء ليعتدي بعضهم على بعض‪ ،‬ويظلمه بأخذ حقه وعدم‬ ‫إنصافه مِن نفسه إل الؤمني الصالي‪ ,‬فل يبغي بعضهم على بعض‪،‬‬ ‫وهم قليل‪ .‬وأيقن داود أننا فتنّاه بذه الصومة‪ ,‬فاستغفر ربه‪ ,‬وسجد‬ ‫تقربًا ل‪ ،‬ورجع إليه وتاب‪.‬‬ ‫ب (‪)25‬‬ ‫ك وَِإنّ َلهُ ِعنْ َدنَا لَ ُزلْفَى َو ُحسْنَ مَآ ٍ‬ ‫َفغَفَ ْرنَا َلهُ َذلِ َ‬ ‫فغفرنا له ذلك‪ ،‬وجعلناه من القرّبي عندنا‪ ,‬وأعددنا له حسن الصي ف‬ ‫الخرة‪.‬‬ ‫يَا دَاوُودُ ِإنّ ا جَعَ ْلنَا كَ خَلِي َفةً فِي ا َلرْ ضِ فَاحْكُ مْ َبيْ نَ النّا سِ بِاْلحَقّ وَل‬ ‫َتّتبِ عْ اْل َهوَى َفيُضِلّ كَ عَ ْن َسبِيلِ اللّ هِ ِإنّ الّذِي نَ يَضِلّو نَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ َلهُ مْ‬ ‫ب (‪)26‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا َنسُوا َيوْمَ اْل ِ‬ ‫‪1523‬‬

‫يا داود إنا استخلفناك ف الرض وملّكناك فيها‪ ,‬فاحكم بي الناس‬ ‫بالعدل والنصاف‪ ،‬ول تتبع الوى ف الحكام‪ ،‬فيُضلك ذلك عن دين‬ ‫ال وشرعه‪ ,‬إن الذين يَضِلّون عن سبيل ال لم عذاب أليم ف النار ؛‬ ‫بغفلتهم عن يوم الزاء والساب‪ .‬وف هذا توصية لولة المر أن‬ ‫يكموا بالق النل من ال‪ ،‬تبارك وتعال‪ ,‬ول يعدلوا عنه‪ ،‬فيضلوا عن‬ ‫سبيله‪.‬‬ ‫وَمَا خَلَقْنَا ال سّمَاءَ وَالَرْ ضَ وَمَا َبْيَنهُمَا بَاطِلً َذلِ كَ ظَنّ الّذِي نَ كَ َفرُوا‬

‫َف َويْلٌ لِلّذِينَ كَ َفرُوا مِنْ النّارِ (‪)27‬‬

‫وما خلقنا السماء والرض وما بينهما عبثًا ولوًا‪ ،‬ذلك ظنّ الذين‬ ‫كفروا‪ ،‬فويل لم من النار يوم القيامة؛ لظنهم الباطل‪ ,‬وكفرهم بال‪.‬‬ ‫ت كَالْمُفْ سِدِينَ فِي ا َلرْ ضِ أَ مْ‬ ‫أَ ْم َنجْعَلُ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَا ِ‬ ‫َنجْعَلُ الْ ُمتّ ِقيَ كَالْ ُفجّارِ (‪)28‬‬ ‫أنعل الذين آمنوا وعملوا الصالات كالفسدين ف الرض‪ ,‬أم نعل‬ ‫أهل التقوى الؤمني كأصحاب الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غي‬ ‫‪1524‬‬

‫لئقة بكمة ال و ُحكْمه‪ ,‬فل يستوون عند ال‪ ،‬بل يثيب ال الؤمني‬ ‫التقياء‪ ،‬ويعاقب الفسدين الشقاء‪.‬‬ ‫ك ُمبَارَ ٌك ِليَ ّدبّرُوا آيَاِتهِ وَِلَيتَذَكّرَ ُأ ْولُوا الَْلبَابِ (‪)29‬‬ ‫ِكتَابٌ أَن َزْلنَاهُ ِإَليْ َ‬ ‫هذا الوحى به إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كتاب أنزلناه إليك مبارك؛‬ ‫ليتفكروا ف آياته‪ ,‬ويعملوا بداياته ودللته‪ ,‬وليتذكر أصحاب العقول‬ ‫السليمة ما كلفهم ال به‪.‬‬ ‫ب (‪)30‬‬ ‫َووَ َهْبنَا لِدَاوُودَ سَُلْيمَانَ نِ ْعمَ الْ َعبْدُ ِإّنهُ َأوّا ٌ‬ ‫ووهبنا لداود ابنه سليمان‪ ,‬فأنعمنا به عليه‪ ,‬وأقررنا به عينه‪ ,‬نِعْم العبد‬ ‫سليمان‪ ,‬إنه كان كثي الرجوع إل ال والنابة إليه‪.‬‬ ‫جيَادُ (‪)31‬‬ ‫إِذْ ُعرِضَ َعَلْيهِ بِالْ َعشِيّ الصّاِفنَاتُ الْ ِ‬ ‫اذكر حي ُعرِضت عليه عصرًا اليول الصيلة السريعة‪ ،‬تقف على‬ ‫ثلث قوائم وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها‪ ,‬فما زالت تُعرض عليه حت‬ ‫غابت الشمس‪.‬‬ ‫‪1525‬‬

‫ب(‬ ‫خيْ ِر عَ نْ ذِكْ ِر َربّي َحتّى َتوَارَ تْ بِاْلحِجَا ِ‬ ‫َفقَالَ ِإنّي َأ ْحَببْ تُ حُبّ الْ َ‬

‫ق وَالَ ْعنَاقِ (‪)33‬‬ ‫‪ )32‬رُدّوهَا عَلَ ّي فَطَفِقَ َمسْحا بِالسّو ِ‬

‫فقال‪ :‬إنن آثرت حب الال عن ذكر رب حت غابت الشمس عن عينيه‪,‬‬ ‫رُدّوا عل ّي اليل الت عُرضت من قبل‪ ،‬فشرع يسح سوقها وأعناقها‪.‬‬ ‫ب (‪ )34‬قَالَ رَبّ‬ ‫َولَقَدْ َفَتنّا سَُلْيمَانَ وََألْ َقْينَا عَلَى ُكرْ ِسّيهِ جَسَدا ُثمّ َأنَا َ‬ ‫ب لِي مُلْكا ل َيْنبَغِي َلحَ ٍد مِ ْن بَعْدِي ِإنّ كَ َأنْ تَ اْلوَهّا بُ (‬ ‫اغْفِرْ لِي وَهَ ْ‬

‫سخّ ْرنَا َلهُ الرّيحَ َتجْرِي بِأَمْرِ ِه رُخَاءً َحْيثُ َأصَابَ (‪)36‬‬ ‫‪َ )35‬ف َ‬

‫ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق َولَد‪ُ ,‬ولِد له حي أقسم‬ ‫ليطوفنّ على نسائه‪ ,‬وكلهن تأت بفارس ياهد ف سبيل ال‪ ,‬ول يقل‪:‬‬ ‫إن شاء ال‪ ،‬فطاف عليهن جيعًا‪ ،‬فلم تمل منهن إل امرأة واحدة‬ ‫جاءت بشق ولد‪ ,‬ث رجع سيمان إل ربه وتاب‪ ،‬قال‪ :‬رب اغفر ل‬ ‫ذنب‪ ,‬وأعطن ملكًا عظيمًا خاصًا ل يكون مثله لحد من البشر بعدي‪،‬‬ ‫إنك‪ -‬سبحانك‪ -‬كثي الود والعطاء‪ .‬فاستجبنا له‪ ,‬وذللنا الريح تري‬ ‫بأمره طيّعة مع قوتا وشدتا حيث أراد‪.‬‬

‫‪1526‬‬

‫شيَاطِيَ كُلّ َبنّاءٍ وَ َغوّا صٍ (‪ )37‬وَآ َخرِي نَ مُقَ ّرنِيَ فِي الَ صْفَا ِد (‬ ‫وَال ّ‬ ‫ك بِ َغيْرِ ِحسَابٍ (‪)39‬‬ ‫‪ )38‬هَذَا عَطَا ُؤنَا فَا ْمنُنْ َأوْ أَ ْمسِ ْ‬ ‫وسخّرنا له الشياطي يستعملهم ف أعماله‪ :‬فمنهم البناؤون والغوّاصون‬ ‫ف البحار‪ ،‬وآخرون‪ ,‬وهم مردة الشياطي‪ ,‬موثوقون ف الغلل‪ .‬هذا‬ ‫الُلْك العظيم والتسخي الاص عطاؤنا لك يا سليمان‪ ,‬فأعط مَن شئت‬ ‫وامنع مَن شئت‪ ,‬ل حساب عليك‪.‬‬ ‫وَِإنّ َلهُ ِعنْ َدنَا لَ ُزلْفَى وَ ُحسْنَ مَآبٍ (‪)40‬‬ ‫وإن لسليمان عندنا ف الدار الخرة لَقربةً وحسن مرجع‪.‬‬ ‫سنِي الشّيْطَا نُ ِبنُ صْبٍ وَعَذَا بٍ (‬ ‫وَاذْكُ ْر َعبْ َدنَا َأيّو بَ ِإذْ نَادَى َربّ هُ َأنّي مَ ّ‬ ‫‪)41‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبدنا أيوب‪ ،‬حي دعا ربه أن الشيطان تسبب‬ ‫ل بتعب ومشقة‪ ،‬وأل ف جسدي ومال وأهلي‪.‬‬ ‫ب (‪)42‬‬ ‫ك هَذَا ُم ْغَتسَلٌ بَارِ ٌد وَشَرَا ٌ‬ ‫ارْكُضْ بِ ِرجْلِ َ‬ ‫‪1527‬‬

‫فقلنا له‪ :‬اضرب برجلك الرض ينبع لك منها ماء بارد‪ ،‬فاشرب منه‪,‬‬ ‫واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والذى‪.‬‬ ‫َووَ َهْبنَا َلهُ أَهَْلهُ وَ ِمثَْلهُ ْم مَ َعهُ ْم رَحْ َمةً ِمنّا وَذِ ْكرَى ُلوْلِي ا َلْلبَابِ (‪)43‬‬ ‫فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله من زوجة وولد‪ ,‬وزدناه‬ ‫مثلهم بني وحفدة‪ ,‬كل ذلك رحة منّا به وإكرامًا له على صبه‪ ،‬وعبة‬ ‫وذكرى لصحاب العقول السليمة؛ ليعلموا أن عاقبة الصب الفرج‬ ‫وكشف الضر‪.‬‬ ‫حنَثْ ِإنّا وَجَ ْدنَاهُ صَابِرا نِعْ َم الْ َعبْدُ ِإنّهُ‬ ‫ب بِهِ وَل َت ْ‬ ‫وَ ُخذْ ِبيَ ِدكَ ضِغْثا فَاضْرِ ْ‬ ‫َأوّابٌ (‪)44‬‬ ‫وقلنا له‪ :‬خذ بيدك حُزمة شاريخ‪ ،‬فاضرب با زوجك إبرارًا بيمينك‪،‬‬ ‫فل تنث؛ إذ أقسم ليضربنّها مائة جلدة إذا شفاه ال‪ ،‬لممّا غضب‬ ‫عليها من أمر يسي أثناء مرضه‪ ،‬وكانت امرأة صالة‪ ،‬فرحها ال ورحه‬ ‫بذه الفتوى‪ .‬إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلء‪ ،‬نِعم العبد هو‪ ،‬إنه‬ ‫رجّاع إل طاعة ال‪.‬‬ ‫‪1528‬‬

‫وَاذْكُ ْر ِعبَا َدنَا إبْرَاهِي َم وَإِ ْسحَقَ َويَعْقُوبَ ُأ ْولِي ا َليْدِي وَا َلبْصَارِ (‪)45‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادنا وأنبياءنا‪ :‬إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛‬ ‫فإنم أصحاب قوة ف طاعة ال‪ ,‬وبصية ف دينه‪.‬‬ ‫م‬ ‫م ِعنْدَنَما لَمِن ْ‬ ‫مةٍ ذِكْرَى الدّارِ (‪ )46‬وَِإّنهُم ْ‬ ‫منَاهُمْ ِبخَالِص َ‬ ‫ِإنّام َأخْلَص ْ‬ ‫الْمُصْطَ َفيْنَ الَ ْخيَارِ (‪)47‬‬ ‫إنا خصصناهم باصة عظيمة‪ ,‬حيث جعلنا ذكرى الدار الخرة ف‬ ‫قلوبم‪ ،‬فعملوا لا بطاعتنا‪ ,‬ودعوا الناس إليها‪ ,‬وذكّروهم با‪ .‬وإنم‬ ‫عندنا لن الذين اخترناهم لطاعتنا‪ ,‬واصطفيناهم لرسالتنا‪.‬‬ ‫وَاذْكُرْ ِإسْمَاعِيلَ وَاْلَيسَعَ وَذَا الْكِفْ ِل وَكُلّ مِنْ الَ ْخيَارِ (‪)48‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادنا‪ :‬إساعيل‪ ,‬واليسع‪ ،‬وذا الكفل‪ ،‬بأحسن‬ ‫الذكر; إن كل منهم من الخيار الذين اختارهم ال من اللق‪ ,‬واختار‬ ‫لم أكمل الحوال والصفات‪.‬‬

‫‪1529‬‬

‫ت عَدْ نٍ ُم َفّتحَةً َلهُ مْ‬ ‫ب (‪َ )49‬جنّا ِ‬ ‫َهذَا ذِكْ ٌر وَإِنّ لِلْ ُمتّقِيَ َلحُ سْنَ مَآ ٍ‬ ‫ب (‪)51‬‬ ‫ب (‪ُ )50‬متّ ِكِئيَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَا ِكهَةٍ َكثِيَ ٍة وَشَرَا ٍ‬ ‫ا َلْبوَا ُ‬ ‫هذا القرآن ذِكْر وشرف لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ولقومك‪ .‬وإن لهل تقوى‬ ‫ال وطاعته لَحسنَ مصي عندنا ف جنات إقامة‪ ،‬مفتّحة لم أبوابا‪,‬‬ ‫متكئي فيها على الرائك الزيّنات‪ ,‬يطلبون ما يشتهون من أنواع‬ ‫الفواكه الكثية والشراب‪ ،‬من كل ما تشتهيه نفوسهم‪ ,‬وتلذه أعينهم‪.‬‬ ‫ت الطّرْفِ َأْترَابٌ (‪)52‬‬ ‫وَ ِعنْدَ ُهمْ قَاصِرَا ُ‬ ‫وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات ف السن‪.‬‬ ‫ب (‪ِ )53‬إنّ َهذَا لَ ِرزُْقنَا مَا لَ هُ مِ نْ نَفَا ٍد (‬ ‫َهذَا مَا تُوعَدُو نَ ِلَيوْ مِ الْحِ سَا ِ‬

‫‪)54‬‬

‫هذا النعيم هو ما توعدون به‪ -‬أيها التقون‪ -‬يوم القيامة‪ ,‬إنه لَرزقنا لكم‪،‬‬ ‫ليس له فناء ول انقطاع‪.‬‬ ‫ب (‪َ )55‬ج َهنّ َم يَ صَْل ْوَنهَا َفِبئْ سَ الْ ِمهَادُ (‬ ‫َهذَا وَإِنّ لِلطّاغِيَ َلشَرّ مَآ ٍ‬ ‫‪1530‬‬

‫‪)56‬‬ ‫هذا الذي سبق وصفه للمتقي‪ .‬وأما التجاوزون ال ّد ف الكفر‬ ‫والعاصي‪ ،‬فلهم شر مرجع ومصي‪ ,‬وهو النار يُعذّبون فيها‪ ,‬تغمرهم من‬ ‫جيع جوانبهم‪ ,‬فبئس الفراش فراشهم‪.‬‬ ‫َهذَا فَ ْليَذُوقُوهُ َحمِيمٌ وَ َغسّاقٌ (‪ )57‬وَآ َخرُ مِنْ شَكِْلهِ َأ ْزوَاجٌ (‪)58‬‬ ‫هذا العذاب ماء شديد الرارة‪ ,‬وصديد سائل من أجساد أهل النار‬ ‫فليشربوه‪ ,‬ولم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان‪.‬‬ ‫َهذَا َف ْوجٌ مُ ْقَتحِمٌ َمعَكُ ْم ل مَ ْرحَبا ِبهِمْ ِإّنهُ ْم صَالُوا النّارِ (‪)59‬‬ ‫وعند توارد الطاغي على النار َيشْتم بعضهم بعضًا‪ ,‬ويقول بعضهم‬ ‫لبعض‪ :‬هذه جاعة من أهل النار داخلة معكم‪ ,‬فيجيبون‪ :‬ل مرحبًا بم‪،‬‬ ‫ول اتسعت منازلم ف النار‪ ,‬إنم مقاسون ح ّر النار كما قاسيناها‪.‬‬ ‫قَالُوا بَلْ َأْنتُ ْم ل َمرْحَبا بِكُمْ َأْنتُ ْم قَدّ ْمُتمُوهُ َلنَا َفِبْئسَ الْقَرَارُ (‪)60‬‬

‫‪1531‬‬

‫قال فوج التباع للطاغي‪ :‬بل أنتم ل مرحبًا بكم؛ لنكم قدّمتم لنا‬ ‫سكن النار لضللكم لنا ف الدنيا‪ ,‬فبئس دار الستقرار جهنم‪.‬‬ ‫قَالُوا َرّبنَا مَ ْن قَدّ َم َلنَا هَذَا َفزِدْ ُه عَذَابا ضِعْفا فِي النّارِ (‪)61‬‬ ‫قال فوج التباع‪ :‬ربنا مَن أضلّنا ف الدنيا عن الدى فضاعِف عذابه ف‬ ‫النار‪.‬‬ ‫وَقَالُوا مَا َلنَا ل نَرَى رِجَالً ُكنّا نَعُدّ ُه مْ مِ ْن الَشْرَارِ (‪ )62‬أَاّتخَ ْذنَاهُ مْ‬

‫ت َعْنهُمْ ا َلبْصَارُ (‪)63‬‬ ‫ِسخْ ِريّا أَمْ زَاغَ ْ‬

‫وقال الطاغون‪ :‬ما بالنا ل نرى معنا ف النار رجال كنا نعدهم ف الدنيا‬ ‫من الشرار الشقياء؟ هل تقينا لم واستهزاؤنا بم خطأ‪ ,‬أو أنم معنا‬ ‫ف النار‪ ,‬لكن ل تقع عليهم البصار؟‬ ‫ِإنّ َذلِكَ َلحَقّ َتخَاصُمُ أَهْ ِل النّارِ (‪)64‬‬ ‫إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع ل مرية فيه‪.‬‬

‫‪1532‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا َأنَا مُن ِذرٌ وَمَا مِنْ ِإَلهٍ إِ ّل الّلهُ اْلوَاحِ ُد الْقَهّارُ (‪)65‬‬ ‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لقو مك‪ :‬إن ا أ نا منذر ل كم من عذاب ال أن ي ل‬ ‫ب كم; ب سبب كفر كم به‪ ,‬ل يس هناك إله م ستحق للعبادة إل ال وحده‪,‬‬ ‫فهو التفردُ بعظمته وأسائه وصفاته وأفعاله‪ ,‬القهّارُ الذي قهر كل شيء‬ ‫وغلبه‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْضِ وَمَا َبْيَنهُمَا الْعَزِي ُز الْغَفّارُ (‪)66‬‬ ‫ب السّ َموَا ِ‬ ‫رَ ّ‬ ‫مالك السموات والرض وما بينهما العزيز ف انتقامه‪ ,‬الغفار لذنوب مَن‬ ‫تاب وأناب إل مرضاته‪.‬‬ ‫قُ ْل ُهوَ َنبَأٌ عَظِيمٌ (‪َ )67‬أْنتُ ْم َعْنهُ مُ ْع ِرضُونَ (‪)68‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك‪ :‬إن هذا القرآن خب عظيم النفع‪ .‬أنتم عنه‬ ‫غافلون منصرفون‪ ,‬ل تعملون به‪.‬‬ ‫ختَصِمُونَ (‪)69‬‬ ‫مَا كَانَ لِي مِ ْن عِلْ ٍم بِالْ َملٍ الَعْلَى إِ ْذ َي ْ‬ ‫ليس ل علم باختصام ملئكة السماء ف شأن خلق آدم‪ ,‬لول تعليم ال‬ ‫‪1533‬‬

‫إياي‪ ،‬وإياؤه إلّ‪.‬‬ ‫ِإنْ يُوحَى ِإلَيّ إِلّ َأنّمَا َأنَا نَذِي ٌر ُمِبيٌ (‪)70‬‬ ‫ما يوحي ال إلّ مِن ِعلْم ما ل علم ل به إل لن نذير لكم من عذابه‪،‬‬ ‫مبيّن لكم شرعه‪.‬‬ ‫إِذْ قَالَ َربّ كَ لِلْمَلئِ َكةِ ِإنّ ي خَالِ قٌ َبشَرا مِ ْن طِيٍ (‪َ )71‬فإِذَا َس ّوْيُتهُ‬

‫َونَ َفخْتُ فِيهِ مِ ْن رُوحِي فَقَعُوا َلهُ سَا ِجدِينَ (‪)72‬‬

‫اذكر لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬حي قال ربك للملئكة‪ :‬إن خالق بشرًا من‬ ‫طي‪ .‬فإذا سوّيت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح‪ ،‬فدبت فيه الياة‪,‬‬ ‫فا سجدوا له سجود ت ية وإكرام‪ ,‬ل سجود عبادة وتعظ يم؛ فالعبادة ل‬ ‫تكون إل ل وحده‪ .‬وقد حرّم ال ف شريعة السلم السجود للتحية‪.‬‬ ‫سجَ َد الْمَلئِ َكةُ كُّلهُ مْ أَ ْجمَعُو نَ (‪ )73‬إِلّ ِإبْلِي سَ ا ْسَت ْكبَرَ وَكَا نَ مِ نْ‬ ‫فَ َ‬ ‫الْكَافِرِي َن (‪)74‬‬ ‫فسجد اللئكة كلهم أجعون طاعة وامتثال غي إبليس; فإنه ل يسجد‬ ‫‪1534‬‬

‫أنَ َفةً وتكبًا‪ ،‬وكان من الكافرين ف علم ال تعال‪.‬‬ ‫ت ِبيَدَيّ أَا ْستَ ْكبَ ْرتَ أَ ْم كُنتَ‬ ‫قَالَ يَا ِإبْلِيسُ مَا َمنَعَكَ أَنْ تَسْجُ َد لِمَا خَلَ ْق ُ‬ ‫مِنْ الْعَاِليَ (‪)75‬‬ ‫قال ال لبليس‪ :‬ما الذي منعك من السجود لن أكرمتُه فخلقتُه بيديّ؟‬ ‫أستكبت على آدم‪ ،‬أم كنت من التكبين على ربك؟ وف الية إثبات‬ ‫صفة اليدين ل تبارك وتعال‪ ,‬على الوجه اللئق به سبحانه‪.‬‬ ‫قَالَ َأنَا َخْيرٌ ِمْنهُ خَلَ ْقَتنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَ ْقَتهُ مِنْ ِطيٍ (‪)76‬‬ ‫قال إبليس معارضًا لربه‪ :‬ل أسجد له؛ لنن أفضل منه‪ ,‬حيث خلقتن‬ ‫من نارٍ‪ ،‬وخلقته من طي‪( .‬والنار خي من الطي)‪.‬‬ ‫ك رَجِي ٌم (‪ )77‬وَِإنّ عََلْيكَ لَ ْعَنتِي ِإلَى َيوْمِ الدّينِ (‬ ‫قَالَ فَاخْرُجْ ِمْنهَا َفِإنّ َ‬ ‫‪)78‬‬ ‫قال ال له‪ :‬فاخرج من النة فإنك مرجوم بالقول‪ ،‬مدحور ملعون‪ ,‬وإن‬ ‫عليك طردي وإبعادي إل يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪1535‬‬

‫قَالَ َربّ فَأَنظِ ْرنِي ِإلَى َيوْمِ ُيبْ َعثُونَ (‪)79‬‬ ‫قال إبليمس‪ :‬ربّ فأخّرم أجلي‪ ،‬ول تلكنم إل حيم تَبعمث اللق ممن‬ ‫قبورهم‪.‬‬ ‫ت الْمَعْلُو ِم (‪)81‬‬ ‫قَالَ َفِإنّكَ مِ ْن الْمُنظَرِي َن (‪ِ )80‬إلَى َيوْمِ اْلوَقْ ِ‬ ‫قال ال له‪ :‬فإ نك من الؤخّر ين إل يوم الو قت العلوم‪ ,‬و هو يوم النف خة‬ ‫الول عندما توت اللئق‪.‬‬ ‫صيَ (‬ ‫ك ل ْغ ِوَيّنهُ مْ َأجْمَعِيَ (‪ )82‬إِلّ ِعبَادَ َك ِمْنهُ مْ الْ ُمخْلَ ِ‬ ‫قَالَ َفبِعِ ّزتِ َ‬ ‫‪)83‬‬ ‫قال إبليس‪ :‬فبعزتك‪ -‬يا رب‪ -‬وعظمتك لضلنّ بن آدم أجعي‪ ,‬إل مَن‬ ‫أخلصمتَه منهمم لعبادتمك‪ ،‬وعصممتَه ممن إضلل‪ ,‬فلم تعمل ل عليهمم‬ ‫سبيل‪.‬‬ ‫ك ِمْنهُ مْ‬ ‫لنّ َج َهنّ َم ِمنْ كَ وَمِمّ نْ َتبِ َع َ‬ ‫قَالَ فَاْلحَقّ وَاْلحَقّ أَقُو ُل (‪ )84‬لَ ْم َ‬ ‫‪1536‬‬

‫َأجْمَ ِعيَ ( ‪)85‬‬ ‫قال ال‪ :‬فالقّ من‪ ،‬ول أقول إل الق‪ ,‬لملن جهنم منك ومن ذريتك‬ ‫ومن تبعك من بن آدم أجعي‪.‬‬ ‫قُ ْل مَا َأسَْألُكُمْ َعَلْيهِ مِنْ أَجْ ٍر وَمَا َأنَا مِ ْن الْ ُمتَكَلّ ِفيَ (‪)86‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي من قومك‪ :‬ل أطلب منكم أجرًا أو‬ ‫جزاءً على دعوتكمم وهدايتكمم‪ ,‬ول أدّعمي أمرًا ليمس ل‪ ,‬بمل أتبمع مما‬ ‫يوحى إلّ‪ ،‬ول أتكلف ت ّرصًا وافتراءً‪.‬‬ ‫ِإنْ ُهوَ إِلّ ذِكْ ٌر لِلْعَالَ ِميَ (‪)87‬‬ ‫مما هذا القرآن إل تذكيم للعاليم ممن النم والنمس‪ ،‬يتذكرون بمه مما‬ ‫ينفعهم من مصال دينهم ودنياهم‪.‬‬ ‫َوَلتَعْلَمُنّ َنبَأَ ُه بَعْدَ ِحيٍ (‪)88‬‬ ‫ولتعلممن‪ -‬أيهما الشركون‪ -‬خمب هذا القرآن وصمدقه‪ ،‬حيم يَغْلب‬ ‫السلم‪ ،‬ويدخل الناس فيه أفواجًا‪ ,‬وكذلك حي يقع عليكم العذاب‪,‬‬ ‫‪1537‬‬

‫وتنقطع عنكم السباب‪.‬‬

‫‪ -39‬سورة الزمر‬ ‫َتنْزِيلُ الْ ِكتَابِ مِ ْن الّلهِ الْعَزِي ِز الْحَكِي ِم (‪)1‬‬ ‫تنيل القرآن إنا هو من ال العزيز ف قدرته وانتقامه‪ ,‬الكيم ف تدبيه‬ ‫وأحكامه‪.‬‬ ‫ب بِاْلحَقّ فَا ْعبُدْ الّلهَ ُمخْلِصا لَهُ الدّينَ (‪)2‬‬ ‫ك الْ ِكتَا َ‬ ‫ِإنّا أَن َزْلنَا ِإَليْ َ‬ ‫إ نا أنزل نا إل يك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬القرآن يأ مر بال ق والعدل‪ ,‬فاع بد ال‬ ‫وحده‪ ,‬وأخلص له جيع دينك‪.‬‬ ‫أَل لِلّ هِ الدّي نُ الْخَالِ صُ وَالّذِي نَ اّتخَذُوا مِ نْ دُونِ هِ َأ ْولِيَاءَ مَا نَ ْعبُدُهُ مْ إِ ّل‬ ‫ختَلِفُو نَ ِإنّ‬ ‫ِليُقَ ّربُونَا ِإلَى اللّ هِ زُلْفَى ِإنّ اللّ هَ َيحْكُ مُ َبْيَنهُ ْم فِي مَا هُ ْم فِي هِ َي ْ‬ ‫اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ ُهوَ كَا ِذبٌ كَفّارٌ (‪)3‬‬ ‫‪1538‬‬

‫أل ل وحده الطا عة التا مة ال سالة من الشرك‪ ,‬والذ ين أشركوا مع ال‬ ‫غيه واتذوا من دونه أولياء‪ ,‬قالوا‪ :‬ما نعبد تلك اللة مع ال إل لتشفع‬ ‫لنا عند ال‪ ,‬وتقربنا عنده منلة‪ ,‬فكفروا بذلك؛ لن العبادة والشفاعة ل‬ ‫وحده‪ ,‬إن ال يفصل بي الؤمني الخلصي والشركي مع ال غيه يوم‬ ‫القيامة فيما يتلفون فيه من عبادتم‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪ .‬إن ال ل‬ ‫يو فق للهدا ية إل ال صراط ال ستقيم من هو مفترٍ على ال‪ ,‬كَفّار بآيا ته‬ ‫وحججه‪.‬‬ ‫َلوْ َأرَا َد اللّهُ أَنْ َيّتخِذَ َولَدا لصْطَفَى ِممّا َيخْلُقُ مَا َيشَاءُ ُسْبحَانَهُ ُه َو اللّهُ‬ ‫الْوَاحِ ُد الْ َقهّارُ (‪)4‬‬ ‫لو أراد ال أن يت خذ ولدًا لختار من ملوقا ته ما يشاء‪ ,‬تنّه ال وتقدّس‬ ‫عن أن يكون له ولد‪ ,‬فإ نه الوا حد ال حد‪ ,‬الفرد ال صمد‪ ,‬القهّار الذي‬ ‫قهر خلقه بقدرته‪ ,‬فكل شيء له متذلل خاضع‪.‬‬ ‫خَلَقَم السّمَموَاتِ وَا َلرْضَم بِاْلحَقّ يُ َك ّورُ الّليْلَ عَلَى الّنهَارِ َويُ َك ّورُ النّهَارَ‬ ‫ممّى أَل ُهوَ‬ ‫م وَالْقَمَ َر كُلّ َيجْرِي لَجَلٍ مُس َ‬ ‫مخّ َر الشّمْس َ‬ ‫عَلَى الّليْلِ وَس َ‬

‫الْعَزِيزُ الْغَفّارُ (‪)5‬‬

‫‪1539‬‬

‫خلق ال السمموات والرض ومما فيهمما بالقم‪ ,‬ييمء بالليمل ويذهمب‬ ‫بالنهار‪ ,‬وييمء بالنهار ويذهمب بالليمل‪ ,‬وذلّل الشممس والقممر بانتظام‬ ‫لنافع العباد‪ ,‬كل منهما يري ف مداره إل حي قيام الساعة‪ .‬أل إن ال‬ ‫الذي فعمل هذه الفعال‪ ,‬وأنعمم على خلقمه بذه النعمم همو العزيمز على‬ ‫خلقه‪ ,‬الغفار لذنوب عباده التائبي‪.‬‬ ‫س وَاحِدَةٍ ُثمّ جَعَلَ ِمْنهَا َزوْ َجهَا وََأنْزَ َل لَكُ مْ مِ ْن ا َلنْعَا ِم‬ ‫خَلَقَكُ ْم مِ نْ نَفْ ٍ‬ ‫ثَمَاِنَيةَ َأ ْزوَاجٍ َيخْلُقُكُ ْم فِي بُطُونِ أُ ّمهَاتِكُمْ خَلْقا مِنْ بَعْدِ خَلْ ٍق فِي ظُلُمَاتٍ‬ ‫ك ل ِإَلهَ إِلّ ُهوَ فََأنّى تُصْ َرفُونَ (‪)6‬‬ ‫ثَلثٍ َذلِكُ ْم الّلهُ َربّكُمْ َلهُ الْمُلْ ُ‬

‫خلقكم ربكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من آدم‪ ,‬وخلق منه زوجه‪ ,‬وخلق لكم من‬ ‫النعام ثانية أنواع ذكر‌ًا وأنثى من البل والبقر والضأن والعز‪ ،‬يلقكم‬ ‫ف بطون أمهاتكم طورًا بعد طور من اللق ف ظلمات البطن‪ ,‬والرحم‪,‬‬ ‫والَشِيمَة‪ ,‬ذلكم ال الذي خلق هذه الشياء‪ ,‬ربكم التفرد باللك‬ ‫التوحد باللوهية الستحق للعبادة وحده‪ ,‬فكيف تعدلون عن عبادته إل‬ ‫عبادة غيه مِن خلقه؟‬ ‫إِ نْ تَكْ ُفرُوا َفإِنّ اللّ هَ َغنِيّ َعْنكُ ْم وَل يَرْضَى لِ ِعبَادِ هِ الْكُفْرَ وَإِ نْ َتشْكُرُوا‬ ‫‪1540‬‬

‫يَ ْرضَ ُه لَكُ ْم وَل تَ ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْرَ أُخْرَى ثُمّ ِإلَى َربّكُ مْ َمرْجِعُ ُك ْم َفُيَنّبئُكُ مْ‬ ‫بِمَا ُكْنتُ ْم تَعْمَلُونَ ِإّن ُه عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪)7‬‬ ‫إن تكفروا‪ -‬أيها الناس‪ -‬بربكم ول تؤمنوا به‪ ,‬ول تتبعوا رسله‪ ,‬فإنه‬ ‫غنّ عنكم‪ ,‬ليس باجة إليكم‪ ,‬وأنتم الفقراء إليه‪ ,‬ول يرضى لعباده‬ ‫الكفر‪ ,‬ول يأمرهم به‪ ,‬وإنا يرضى لم شكر نعمه عليهم‪ .‬ول تمل‬ ‫نفس إث نفس أخرى‪ ,‬ث إل ربكم مصيكم‪ ,‬فيخبكم بعملكم‪,‬‬ ‫وياسبكم عليه‪ .‬إنه عليم بأسرار النفوس وما تفي الصدور‪.‬‬ ‫وَِإذَا مَ سّ ا ِلنْ سَانَ ضُرّ دَعَا َربّ هُ ُمنِيبا ِإَليْ هِ ثُمّ إِذَا َخ ّولَ هُ نِعْ َمةً ِمنْ هُ نَ سِ َي مَا‬ ‫ّعم‬ ‫سمِيِل ِه قُلْ َت َمت ْ‬ ‫َنم َب‬ ‫ّهمَأنْدَادا ِليُضِلّ ع ْ‬ ‫ِنم َقبْلُ وَجَعَ َل لِل ِ‬ ‫ْهم م ْ‬ ‫َانمَيدْعُو ِإَلي ِ‬ ‫ك َ‬

‫صحَابِ النّارِ (‪)8‬‬ ‫بِكُفْرِ َك قَلِيلً ِإنّكَ مِنْ َأ ْ‬

‫وإذا أصاب النسانَ بلءٌ وشدة ومرض تَذكّر ربه‪ ,‬فاستغاث به ودعاه‪,‬‬ ‫ث إذا أجابه وكشف عنه ضرّه‪ ,‬ومنحه نِعَمه‪ ,‬نسي دعاءه لربه عند‬ ‫حاجته إليه‪ ,‬وأشرك معه غيه؛ ليُضل غيه عن اليان بال وطاعته‪ ,‬قل‬ ‫له ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متوعدًا‪ :‬تتع بكفرك قليل حت موتك وانتهاء أجلك‪,‬‬ ‫إنك من أهل النار الخلّدين فيها‪.‬‬

‫‪1541‬‬

‫ت آنَاءَ الّليْلِ سَاجِدا وَقَائِما َيحْ َذرُ ال ِخرَةَ َويَ ْرجُو رَحْ َمةَ َربّهِ‬ ‫أَمّنْ ُه َو قَانِ ٌ‬ ‫ُونم ِإنّم َا َيتَذَكّرُ ُأ ْولُوا‬ ‫ِينم ل يَعَْلم َ‬ ‫ُونم وَالّذ َ‬ ‫ِينم يَعْلَم َ‬ ‫َسمَتوِي الّذ َ‬ ‫قُلْ هَ ْل ي ْ‬ ‫الَْلبَابِ (‪)9‬‬ ‫أهذا الكافر التمتع بكفره خي‪ ,‬أم من هو عابد لربه طائع له‪ ,‬يقضي‬ ‫ساعات الليل ف القيام والسجود ل‪ ,‬ياف عذاب الخرة‪ ,‬ويأمُل رحة‬ ‫ربه؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هل يستوي الذين يعلمون ربم ودينهم الق‬ ‫والذين ل يعلمون شيئًا من ذلك؟ ل يستوون‪ .‬إنا يتذكر ويعرف الفرق‬ ‫أصحاب العقول السليمة‪.‬‬ ‫سَنةٌ‬ ‫سنُوا فِي َهذِ هِ ال ّدْنيَا حَ َ‬ ‫قُ ْل يَا ِعبَادِ الّذِي نَ آ َمنُوا اتّقُوا َربّكُ ْم لِلّذِي نَ َأحْ َ‬

‫وََأرْضُ الّلهِ وَاسِ َعةٌ ِإنّمَا ُيوَفّى الصّابِرُونَ أَ ْجرَهُمْ بِ َغْيرِ ِحسَابٍ (‪)10‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬لعبادي الؤمني بال ورسوله‪ :‬اتقوا ربكم بطاعته‬ ‫واجتناب معصيته‪ .‬للذين أحسنوا ف هذه الدينا بعبادة ربم وطاعته‬ ‫حسنة ف الخرة‪ ,‬وهي النة‪ ,‬وحسنة ف الدنيا من صحة ورزق ونصر‬ ‫وغي ذلك‪ .‬وأرض ال واسعة‪ ,‬فهاجِروا فيها إل حيث تعبدون ربكم‪,‬‬ ‫وتتمكنون من إقامة دينكم‪ .‬إنا يُعطَى الصابرون ثوابم ف الخرة بغي‬ ‫حدّ ول عدّ ول مقدار‪ ،‬وهذا تعظيم لزاء الصابرين وثوابم‪.‬‬ ‫‪1542‬‬

‫قُلْ ِإنّي أُمِ ْرتُ أَنْ أَ ْعبُ َد اللّهَ ُمخْلِصا لَهُ الدّينَ (‪ )11‬وَأُمِ ْرتُ لَنْ أَكُونَ‬ ‫َأوّلَ الْ ُمسْلِ ِميَ ( ‪)12‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬إن ال أمرن ومن تبعن بإخلص العبادة له‬ ‫وحده دون سواه‪ ,‬وأمرن بأن أكون أول من أسلم من أمت‪ ,‬فخضع له‬ ‫بالتوحيد‪ ,‬وأخلص له العبادة‪ ,‬وبرئ مِن كل ما دونه من اللة‪.‬‬ ‫صْيتُ َربّي َعذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ (‪)13‬‬ ‫قُلْ ِإنّي َأخَافُ ِإنْ عَ َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬إن أخاف إن عصيت رب فيما أمرن به من‬ ‫عبادته والخلص ف طاعته عذاب يوم القيامة‪ ,‬ذلك اليوم الذي يعظم‬ ‫هوله‪.‬‬ ‫قُ ْل اللّ هَ أَ ْعبُ ُد ُمخْلِصا لَ هُ دِينِي (‪ )14‬فَا ْعبُدُوا مَا ِشْئتُ ْم مِ نْ دُونِ هِ قُلْ ِإنّ‬ ‫ِكم ُهوَ‬ ‫ْمم الْ ِقيَا َمةِ أَل َذل َ‬ ‫ِمم َيو َ‬ ‫ُسمهُمْ وَأَ ْهلِيه ْ‬ ‫َسمرُوا َأنْف َ‬ ‫ِينم خ ِ‬ ‫َاسمرِينَ الّذ َ‬ ‫الْخ ِ‬ ‫خسْرَانُ الْ ُمِبيُ (‪)15‬‬ ‫الْ ُ‬

‫‪1543‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن أعبد ال وحده ل شريك له ملصًا له عبادت‬ ‫وطاعت‪ ,‬فاعبدوا أنتم‪ -‬أيها الشركون‪ -‬ما شئتم من دون ال من‬ ‫الوثان والصنام وغي ذلك من ملوقاته‪ ,‬فل يضرن ذلك شيئًا‪ .‬وهذا‬ ‫تديد ووعيد لن عبد غي ال‪ ,‬وأشرك معه غيه‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪:-‬‬ ‫إن الاسرين‪ -‬حقًا‪ -‬هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪,‬‬ ‫وذلك بإغوائهم ف الدنيا وإضللم عن اليان‪ .‬أل إن خسران هؤلء‬ ‫الشركي أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو السران البيّن الواضح‪.‬‬ ‫خوّ فُ اللّ هُ بِ هِ‬ ‫ك ُي َ‬ ‫حِتهِ مْ ظُلَلٌ َذلِ َ‬ ‫َلهُ مْ مِ ْن َفوِْقهِ مْ ظُلَلٌ مِ نْ النّارِ وَمِ نْ َت ْ‬ ‫ِعبَادَهُ يَا ِعبَا ِد فَاتّقُونِ (‪)16‬‬ ‫أولئك الاسرون لم يوم القيامة ف جهنم مِن فوقهم قطع عذاب من‬ ‫النار كهيئة الظّلل البنية‪ ,‬ومن تتهم كذلك‪ .‬ذلك العذاب الوصوف‬ ‫يوّف ال به عباده; ليحْذَروه‪ .‬يا عباد فاتقون بامتثال أوامري واجتناب‬ ‫معاصيّ‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ ا ْجَتَنبُوا الطّاغُو تَ أَ نْ يَ ْعبُدُوهَا وََأنَابُوا ِإلَى اللّ هِ َلهُ مْ اْلبُشْرَى َفَبشّرْ‬

‫ِينم‬ ‫ِكم الّذ َ‬ ‫ْسمهُ ُأوَْلئ َ‬ ‫ُونمأَح ََن‬ ‫َسممِعُونَ الْ َقوْلَ َفَيّتبِع َ‬ ‫ِينم ي ْتَ‬ ‫ِعبَادِي (‪ )17‬الّذ َ‬ ‫‪1544‬‬

‫ب (‪)18‬‬ ‫ك هُمْ ُأ ْولُوا ا َلْلبَا ِ‬ ‫هَدَاهُ ْم الّلهُ وَُأ ْوَلئِ َ‬ ‫والذين اجتنبوا طاعة الشيطان وعبادة غي ال‪ ,‬وتابوا إل ال بعبادته‬ ‫وإخلص الدين له‪ ,‬لم البشرى ف الياة الدنيا بالثناء السن والتوفيق‬ ‫من ال‪ ,‬وف الخرة رضوان ال والنعيم الدائم ف النة‪ .‬فبشّر ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ -‬عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده‪ .‬وأحسن الكلم‬ ‫وأرشده كلم ال ث كلم رسوله‪ .‬أولئك هم الذين وفقهم ال للرشاد‬ ‫والسداد‪ ,‬وهداهم لحسن الخلق والعمال‪ ,‬وأولئك هم أصحاب‬ ‫العقول السليمة‪.‬‬ ‫أَفَمَنْ حَقّ عََلْي ِه كَلِ َمةُ الْعَذَابِ أَفََأْنتَ تُنقِ ُذ مَنْ فِي النّارِ (‪)19‬‬ ‫أفمن وجبت عليه كلمة العذاب؛ باستمراره على غيّه وعناده‪ ,‬فإنه ل‬ ‫حيلة لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف هدايته‪ ,‬أفتقدر أن تنقذ مَن ف النار؟ لست‬ ‫بقادر على ذلك‪.‬‬ ‫ف َمْبِنّيةٌ َتجْرِي مِ نْ‬ ‫لَكِ نْ الّذِي نَ اتّ َقوْا َرّبهُ مْ َلهُ مْ ُغرَ فٌ مِ ْن َفوْقِهَا غُرَ ٌ‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ وَعْ َد الّلهِ ل ُيخْلِفُ الّلهُ الْمِيعَادَ (‪)20‬‬ ‫َت ْ‬ ‫‪1545‬‬

‫لكن الذين اتقوا ربم‪ -‬بطاعته وإخلص عبادته‪ -‬لم ف النة غرف‬ ‫مبنية بعضها فوق بعض‪ ,‬تري مِن تت أشجارها النار‪ ,‬وعدها ال‬ ‫عباده التقي وعدًا متحققًا‪ ,‬ل يلف ال اليعاد‪.‬‬ ‫َألَمْ تَرَى َأنّ اللّهَ َأنْزَلَ مِنْ السّمَاءِ مَاءً فَسَلَ َكهُ َينَابِيعَ فِي ا َلرْضِ ُثمّ ُيخْرِ ُ‬ ‫ج‬ ‫ختَلِفا َألْوَانُ هُ ثُمّ َيهِي جُ َفَترَا هُ مُ صْفَرّا ثُمّ َيجْعَلُ هُ حُطَاما إِنّ فِي‬ ‫بِ هِ َزرْعا ُم ْ‬ ‫ك لَذِكْرَى ُلوْلِي ا َلْلبَابِ (‪)21‬‬ ‫َذلِ َ‬

‫أل تر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال أنزل من السحاب مطرًا فأدخله ف‬ ‫الرض‪ ,‬وجعله عيونًا نابعة ومياهًا جارية‪ ,‬ث ُيخْرج بذا الاء زرعًا‬ ‫متلفًا ألوانه وأنواعه‪ ,‬ث ييبس بعد خضرته ونضارته‪ ,‬فتراه مصفرًا لونه‪,‬‬ ‫ث يعله حطامًا متكسّرًا متفتتًا؟ إن ف فِعْل ال ذلك لَذكرى وموعظة‬ ‫لصحاب العقول السليمة‪.‬‬ ‫ل سْل ِم َف ُهوَ عَلَى نُورٍ مِ نْ َربّ هِ َف َويْلٌ لِلْقَا ِسَيةِ‬ ‫أَفَمَ نْ شَرَ حَ اللّ هُ صَ ْدرَهُ لِ ِ‬ ‫قُلُوُبهُمْ مِنْ ذِكْ ِر الّلهِ ُأ ْوَلئِكَ فِي ضَل ٍل ُمِبيٍ (‪)22‬‬ ‫أفمن وسّع ال صدره‪ ,‬فسعد بقبول السلم والنقياد له واليان به‪,‬‬ ‫فهو على بصية من أمره وهدى من ربه‪ ,‬كمن ليس كذلك؟ ل‬ ‫‪1546‬‬

‫يستوون‪ .‬فويل وهلك للذين َقسَتْ قلوبم‪ ,‬وأعرضت عن ذكر ال‪,‬‬ ‫أولئك ف ضلل بيّن عن الق‪.‬‬ ‫اللّ هُ نَزّلَ أَحْ سَنَ اْلحَدِي ثِ ِكتَابا ُمَتشَابِها َمثَانِ يَ تَ ْقشَعِ ّر ِمنْ هُ جُلُودُ الّذِي َن‬ ‫شوْ نَ َرّبهُ مْ ثُمّ تَِليُ ُجلُودُهُ مْ وَُقلُوُبهُ مْ ِإلَى ذِكْ ِر اللّ هِ َذلِ كَ هُدَى اللّ هِ‬ ‫َيخْ َ‬ ‫َيهْدِي ِبهِ مَنْ َيشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ الّلهُ َفمَا َلهُ مِنْ هَادٍ (‪)23‬‬ ‫ال تعال هو الذي نزل أحسن الديث‪ ,‬وهو القرآن العظيم‪ ,‬متشابًا ف‬ ‫حسنه وإحكامه وعدم اختلفه‪ ,‬تثن فيه القصص والحكام‪ ,‬والجج‬ ‫والبينات‪ ,‬تقشعر من ساعه‪ ,‬وتضطرب جلود الذين يافون ربم؛ تأئرًا‬ ‫با فيه مِن ترهيب ووعيد‪ ,‬ث تلي جلودهم وقلوبم; استبشارًا با فيه من‬ ‫وعد وترغيب‪ ,‬ذلك التأثر بالقرآن هداية من ال لعباده‪ .‬وال يهدي‬ ‫بالقرآن من يشاء مِن عباده‪ .‬ومن يضلله ال عن اليان بذا القرآن؛‬ ‫لكفره وعناده‪ ,‬فما له مِن هاد يهديه ويوفقه‪.‬‬ ‫أَفَمَ نْ َيتّقِي ِبوَ ْجهِ هِ سُوءَ الْعَذَا بِ َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ وَقِيلَ لِلظّالِمِيَ ذُوقُوا مَا‬ ‫سبُونَ (‪)24‬‬ ‫ُكْنتُمْ تَ ْك ِ‬

‫‪1547‬‬

‫أفمن يُلْقى ف النار مغلول‪ -‬فل يتهيأ له أن يتقي النار إل بوجهه؛ لكفره‬ ‫وضلله‪ -‬خي أم من ينعم ف النة؛ لن ال هداه؟ وقيل يومئذ للظالي‪:‬‬ ‫ذوقوا وبال ما كنتم ف الدنيا تكسبون من معاصي ال‪.‬‬ ‫ث ل َيشْعُرُو نَ (‪)25‬‬ ‫ب مِ نْ َحْي ُ‬ ‫ب الّذِي نَ مِ نْ َقْبِلهِ ْم فََأتَاهُ ْم الْعَذَا ُ‬ ‫كَذّ َ‬ ‫َابم الخِرَةِ أَ ْكبَ ُر َلوْ كَانُوا‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َولَعَذ ُ‬ ‫ْيم فِي الْ َ‬ ‫ّهم الْخِز َ‬ ‫ُمم الل ُ‬ ‫فَأَذَاَقه ْ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)26‬‬ ‫كذّب الذين مِن قبل قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسلهم‪ ,‬فجاءهم العذاب‬ ‫من حيث ل يشعرون بجيئه‪ ,‬فأذاق ال المم الكذبة العذاب والوان ف‬ ‫الدنيا‪ ,‬وأعد لم عذابًا أشد وأشق ف الخرة‪ ،‬لو كان هؤلء الشركون‬ ‫يعلمون أن ما ح ّل بم؛ بسب كفرهم وتكذيبهم لتّعظوا‪.‬‬ ‫ض َرْبنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلّ َمثَلٍ لَعَّلهُمْ َيَتذَكّرُونَ (‪)27‬‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫قُرآنا عَ َرِبيّا َغيْرَ ذِي ِعوَجٍ لَعَّلهُ ْم َيتّقُونَ (‪)28‬‬ ‫ولقد ضربنا لؤلء الشركي بال ف هذا القرآن من كل مثل من أمثال‬ ‫القرون الالية تويفًا وتذيرًا; ليتذكروا فينجروا عما هم عليه مقيمون‬ ‫‪1548‬‬

‫من الكفر بال‪ .‬وجعلنا هذا القرآن عربيًا واضح اللفاظ سهل العان‪ ,‬ل‬ ‫َلبْس فيه ول انراف; لعلهم يتقون ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫ل فِي هِ شُرَكَاءُ ُمَتشَاكِ سُونَ َورَجُلً سَلَما لِرَجُ ٍل هَلْ‬ ‫ل رَجُ ً‬ ‫ضَ َر بَ اللّ هُ َمثَ ً‬ ‫ستَ ِويَانِ َمثَلً اْلحَمْ ُد لِّلهِ بَلْ أَ ْكثَرُ ُهمْ ل يَعْلَمُونَ (‪)29‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ضرب ال مثل عبدًا ملوكًا لشركاء متنازعي‪ ,‬فهو حيان ف إرضائهم‪,‬‬ ‫وعبدًا خالصًا لالك واحد يعرف مراده وما يرضيه‪ ,‬هل يستويان مثل؟‬ ‫ل يستويان‪ ,‬كذلك الشرك هو ف َحيْرة وشك‪ ,‬والؤمن ف راحة‬ ‫واطمئنان‪ .‬فالثناء الكامل التام ل وحده‪ ,‬بل الشركون ل يعلمون الق‬ ‫فيتبعونه‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ْمم الْ ِقيَامَةِ ِعْندَ َربّك ْ‬ ‫ُمم َيو َ‬ ‫ُونم (‪ )30‬ثُمّ ِإنّك ْ‬ ‫ُمم َمّيت َ‬ ‫ّتم وَِإّنه ْ‬ ‫ّكم َمي ٌ‬ ‫ِإن َ‬ ‫ختَصِمُونَ (‪)31‬‬ ‫َت ْ‬ ‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ميت وإنم ميتون‪ ,‬ث إنكم جيعًا‪ -‬أيها الناس‪-‬‬ ‫يوم القيامة عند ربكم تتنازعون‪ ,‬فيحكم بينكم بالعدل والنصاف‪.‬‬

‫‪1549‬‬

1550

‫الزء الرابع والعشرون ‪:‬‬ ‫ب بِال صّدْقِ إِذْ جَاءَ هُ َأَليْ سَ فِي‬ ‫فَمَ نْ َأظَْل ُم مِمّ ْن كَذَ بَ َعلَى اللّ هِ وَكَذّ َ‬ ‫َج َهنّ َم َمْثوًى لِلْكَافِرِي َن (‪)32‬‬ ‫ل أحد أظلم من افترى على ال الكذب‪ :‬بأن نسب إليه ما ل يليق به‬ ‫كالشريك والولد‪ ,‬أو قال‪ :‬أوحي إلّ‪ ,‬ول يوحَ إليه شيء‪ ,‬ول أحد‬ ‫أظلم من كذّب بالق الذي نزل على ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬أليس‬ ‫ف النار مأوى ومسكن لن كفر بال‪ ,‬ول يصدق ممدًا صلى ال عليه‬ ‫وسلم ول يعمل با جاء به؟ بَلَى‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْ ُمتّقُونَ (‪)33‬‬ ‫وَالّذِي جَاءَ بِالصّدْقِ َوصَدّقَ ِبهِ ُأوَْلئِ َ‬ ‫والذي جاء بالصدق ف قوله وعمله من النبياء وأتباعهم‪ ,‬وصدّق به‬ ‫إيانًا وعمل أولئك هم الذين جعوا خصال التقوى‪ ,‬وف مقدمة هؤلء‬ ‫خات النبياء والرسلي ممد صلى ال عليه وسلم والؤمنون به‪ ,‬العاملون‬ ‫بشريعته من الصحابة‪ ,‬رضي ال عنهم‪ ,‬فمَن بعدهم إل يوم الدين‪.‬‬ ‫‪1551‬‬

‫سِنيَ (‪)34‬‬ ‫َلهُمْ مَا َيشَاءُونَ ِعْندَ َرّبهِمْ َذلِكَ جَزَاءُ الْ ُمحْ ِ‬ ‫لم ما يشاؤون عند ربم من أصناف اللذات الشتهيات؛ ذلك جزاء مَن‬ ‫أطاع ربه حق الطاعة‪ ,‬وعبده حق العبادة‪.‬‬ ‫ْسمنِ الّذِي‬ ‫ُمم بَِأح َ‬ ‫ُممأَ ْجرَه ْ‬ ‫َسموَأَ الّذِي عَمِلُوا َوَيجْ ِزَيه ْ‬ ‫ُمم أ ْ‬ ‫ّهم َعْنه ْ‬ ‫ِليُكَفّ َر الل ُ‬

‫كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)35‬‬

‫ليكفّر ال عنهم أسوأ الذي عملوا ف الدنيا من العمال؛ بسبب ما كان‬ ‫منهم مِن توبة وإنابة ما اجترحوا من السيئات فيها‪ ,‬ويثيبهم ال على‬ ‫طاعتهم ف الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون‪ ,‬وهو النة‪.‬‬ ‫ك بِالّذِينَ مِ نْ دُونِ هِ وَمَنْ يُضْلِ ْل اللّهُ فَمَا‬ ‫خوّفُونَ َ‬ ‫َأَليْسَ اللّ هُ بِكَافٍ َعبْدَهُ َوُي َ‬ ‫َلهُ مِنْ هَادٍ ( ‪)36‬‬ ‫أليس ال بكاف عبده ممدًا وعيد الشركي وكيدهم من أن ينالوه‬ ‫بسوء؟ بلى إنه سيكفيه ف أمر دينه ودنياه‪ ,‬ويدفع عنه مَن أراده بسوء‪,‬‬

‫‪1552‬‬

‫ويوّفونك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بآلتهم الت زعموا أنا ستؤذيك‪ .‬ومن يذله‬ ‫ال فيضله عن طريق الق‪ ,‬فما له مِن هاد يهديه إليه‪.‬‬ ‫وَمَنْ َيهْ ِد الّلهُ فَمَا َلهُ مِ ْن مُضِلّ َأَلْيسَ الّلهُ بِعَزِيزٍ ذِي اْنتِقَامٍ (‪)37‬‬ ‫ومن يوفقه ال لليان به والعمل بكتابه واتباع رسوله فما له مِن مضل‬ ‫عن الق الذي هو عليه‪ .‬أليس ال بعزيز ف انتقامه مِن كفرة خلقه‪ ,‬ومن‬ ‫عصاه؟‬ ‫َوَلئِ نْ سََأْلَتهُمْ مَ نْ خَلَ َق ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ َليَقُولُنّ اللّ هُ قُلْ أََفرََأْيتُ مْ مَا‬ ‫تَدْعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ إِ نْ َأرَادَنِي اللّ هُ بِضُ ّر هَلْ هُنّ كَاشِفَا تُ ضُرّ هِ َأوْ‬ ‫سبِي اللّ هُ عََليْ هِ َيَتوَكّلُ‬ ‫ت رَحْ َمتِ هِ قُلْ حَ ْ‬ ‫َأرَادَنِي بِ َرحْ َمةٍ هَلْ هُنّ ُممْ سِكَا ُ‬ ‫الْ ُمَتوَكّلُونَ (‪)38‬‬ ‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي الذين يعبدون غي ال‪ :‬مَن‬ ‫خلق هذه السموات والرض؟ ليقولُنّ‪ :‬خلقهنّ ال‪ ,‬فهم يُقِرّون بالالق‪.‬‬ ‫قل لم‪ :‬هل تستطيع هذه اللة الت تشركونا مع ال أن ُتبْعِ َد عن أذى‬ ‫قدّره ال عليّ‪ ,‬أو تزيلَ مكروهًا َلحِق ب؟ وهل تستطيع أن تنع نفعَا‬ ‫يسّره ال ل‪ ,‬أو تبس رحة ال عن؟ إنم سيقولون ‪ :‬ل تستطيع ذلك‪.‬‬ ‫‪1553‬‬

‫قل لم‪ :‬حسب ال وكافِيّ‪ ,‬عليه يعتمد العتمدون ف جلب مصالهم‬ ‫ودفع مضارهم‪ ,‬فالذي بيده وحده الكفاية هو حسب‪ ,‬وسيكفين كل ما‬ ‫أهن‪.‬‬ ‫ف تَعْلَمُو نَ (‪ )39‬مَ نْ‬ ‫قُ ْل يَا َقوْ مِ ا ْعمَلُوا عَلَى مَكَاَنتِكُ مْ ِإنّي عَامِلٌ فَ سَوْ َ‬ ‫ب مُقِي ٌم (‪)40‬‬ ‫ب ُيخْزِيهِ َوَيحِلّ َعَلْيهِ عَذَا ٌ‬ ‫يَ ْأتِيهِ عَذَا ٌ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك العاندين‪ :‬اعملوا على حالتكم الت‬ ‫رضيتموها لنفسكم‪ ,‬حيث عبدت مَن ل يستحق العبادة‪ ,‬وليس له من‬ ‫المر شيء‪ ,‬إن عامل على ما أُمرت به من التوجه ل وحده ف أقوال‬ ‫وأفعال‪ ,‬فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يهينه ف الياة الدنيا‪ ,‬ويل‬ ‫عليه ف الخرة عذاب دائم؟ ل يول عنه ول يزول‪.‬‬ ‫سهِ وَمَ نْ ضَلّ‬ ‫ب لِلنّا سِ بِالْحَقّ فَمَ نْ ا ْهتَدَى فَِلنَفْ ِ‬ ‫ِإنّ ا َأْن َزلْنَا عََليْ كَ الْ ِكتَا َ‬ ‫َفِإنّمَا يَضِلّ عََلْيهَا وَمَا َأنْتَ َعَلْيهِمْ ِبوَكِيلٍ (‪)41‬‬ ‫إنا أنزلنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن بالق هداية للعالي‪ ,‬إل طريق‬ ‫الرشاد‪ ,‬فمن اهتدى بنوره‪ ,‬وعمل با فيه‪ ,‬واستقام على منهجه‪ ,‬فنفعُ‬ ‫ذلك يعود على نفسه‪ ,‬ومَن ضلّ بعد ما تبي له الدى‪ ,‬فإنا يعود ضرره‬ ‫‪1554‬‬

‫على نفسه‪ ,‬ولن يض ّر ال شيئا‪ ,‬وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم بوكيل‬ ‫تفظ أعمالم‪ ,‬وتاسبهم عليها‪ ,‬وتبهم على ما تشاء‪ ,‬ما عليك إل‬ ‫البلغ‪.‬‬ ‫ك اّلتِي‬ ‫ت فِي َمنَا ِمهَا َفيُمْ سِ ُ‬ ‫اللّ هُ َيَتوَفّى ا َلنْفُ سَ ِحيَ َم ْوِتهَا وَاّلتِي لَ ْم تَمُ ْ‬ ‫ك ليَاتٍ‬ ‫ت َويُرْسِ ُل الُخْرَى ِإلَى أَجَ ٍل مُسَمّى ِإنّ فِي َذلِ َ‬ ‫قَضَى عََلْيهَا الْ َموْ َ‬

‫لِ َقوْمٍ َيتَفَكّرُونَ ( ‪)42‬‬

‫ال‪ -‬سبحانه وتعال‪ -‬هو الذي يقبض النفس حي موتا‪ ,‬وهذه الوفاة‬ ‫الكبى‪ ,‬وفاة الوت بانقضاء الجل‪ ,‬ويقبض الت ل تت ف منامها‪,‬‬ ‫وهي الوتة الصغرى‪ ,‬فيحبس من هاتي النفسي النفس الت قضى عليها‬ ‫الوت‪ ,‬وهي نفس مَن مات‪ ,‬ويرسل النفس الخرى إل استكمال أجلها‬ ‫ورزقها‪ ,‬وذلك بإعادتا إل جسم صاحبها‪ ,‬إن ف قبض ال نفس اليت‬ ‫والنائم وإرساله نفس النائم‪ ,‬وحبسه نفس اليت لَدلئل واضحة على‬ ‫قدرة ال لن تفكر وتدبر‪.‬‬ ‫ُونم َشيْئا وَل‬ ‫ّهم ُشفَعَاءَ قُلْ َأ َوَلوْ كَانُوا ل يَمِْلك َ‬ ‫ُونم الل ِ‬ ‫ِنم د ِ‬ ‫َمم اتّخَذُوا م ْ‬ ‫أ ْ‬

‫يَعْقِلُونَ (‪)43‬‬

‫‪1555‬‬

‫أم اتذ هؤلء الشركون بال من دونه آلتهم الت يعبدونا شفعاء‪ ,‬تشفع‬ ‫لم عند ال ف حاجاتم؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬أتتخذونا شفعاء كما‬ ‫تزعمون‪ ,‬ولو كانت اللة ل تلك شيئا‪ ,‬ول تعقل عبادتكم لا؟‬ ‫ض ثُمّ ِإَليْ هِ ُترْجَعُو نَ (‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫قُ ْل لِلّ هِ الشّفَا َعةُ َجمِيعا لَ هُ مُ ْل كُ ال سّ َموَا ِ‬ ‫‪)44‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬ل الشفاعة جيعًا‪ ,‬له ملك‬ ‫السموات والرض وما فيهما‪ ,‬فالمر كله ل وحده‪ ,‬ول يشفع أحد‬ ‫عنده إل بإذنه‪ ,‬فهو الذي يلك السموات والرض ويتصرف فيهما‪,‬‬ ‫فالواجب أن تُطلب الشفاعة من يلكها‪ ,‬وأن تُخلص له العبادة‪ ,‬ول‬ ‫تُطلب من هذه اللة الت ل تضر ول تنفع‪ ,‬ث إليه تُرجَعون بعد ماتكم‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫وَِإذَا ذُكِ َر اللّهُم وَحْدَهُم اشْمََأزّت ْم قُلُوبُم الّذِينَم ل ُيؤْ ِمنُونَمبِالخِرَ ِة وَإِذَا‬ ‫سَتْبشِرُونَ (‪)45‬‬ ‫ذُكِ َر الّذِينَ مِنْ دُوِنهِ إِذَا ُهمْ َي ْ‬

‫‪1556‬‬

‫وإذا ذُكِر ال وحده نفرت قلوب الذين ل يؤمنون بالعاد والبعث بعد‬ ‫المات‪ ,‬وإذا ذُكِر الذين مِن دونه من الصنام والوثان والولياء إذا هم‬ ‫يفرحون؛ لكون الشرك موافقًا لهوائهم‪.‬‬ ‫شهَادَةِ َأنْ تَ َتحْكُ مُ‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫قُ ْل الّلهُمّ فَاطِ َر ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ عَالِ َم الْ َغيْ ِ‬ ‫َبيْنَ ِعبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِي ِه َيخْتَلِفُونَ (‪)46‬‬ ‫قل‪ :‬اللهم يا خالق السموات والرض ومبدعهما على غي مثال سبق‪,‬‬ ‫عال السر والعلنية‪ ,‬أنت تفصل بي عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه‬ ‫يتلفون من القول فيك‪ ,‬وف عظمتك وسلطانك واليان بك‬ ‫وبرسولك‪ ,‬اهدن لا اختُلِف فيه من الق بإذنك‪ ,‬إنك تدي مَن تشاء‬ ‫إل صراط مستقيم‪ .‬وكان هذا مِن دعائه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو‬ ‫تعليم للعباد باللتجاء إل ال تعال‪ ,‬ودعائه بأسائه السن وصفاته‬ ‫العلى‪.‬‬ ‫َوَلوْ أَنّ لِلّذِي َن ظَلَمُوا مَا فِي ا َلرْ ضِ َجمِيعا وَ ِمثْلَ هُ َمعَ هُ ل ْفتَ َدوْا بِ هِ مِ ْن‬ ‫سبُونَ (‬ ‫حتَ ِ‬ ‫ب َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ َوبَدَا َلهُ مْ مِ نْ اللّ هِ مَا لَ مْ يَكُونُوا َي ْ‬ ‫سُوءِ الْعَذَا ِ‬

‫‪)47‬‬

‫‪1557‬‬

‫ولو أن لؤلء الشركي بال ما ف الرض جيعا مِن مال وذخائر‪ ,‬ومثله‬ ‫معه مضاعفًا‪ ,‬لَبذلوه يوم القيامة؛ ليفتدوا به من سوء العذاب‪ ,‬ولو بذلوا‬ ‫وافتدوا به ما ُقبِل منهم‪ ,‬ول أغن عنهم من عذاب ال شيئًا‪ ,‬وظهر لم‬ ‫يومئذٍ من أمر ال وعذابه ما ل يكونوا يتسبون ف الدنيا أنه نازل بم‪.‬‬ ‫سَتهْ ِزئُون (‪)48‬‬ ‫ق ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ َي ْ‬ ‫سبُوا وَحَا َ‬ ‫َوبَدَا َلهُمْ َسّيئَاتُ مَا َك َ‬ ‫وظهر لؤلء الكذبي يوم الساب جزاء سيئاتم الت اقترفوها‪ ,‬حيث‬ ‫نسبوا إل ال ما ل يليق به‪ ,‬وارتكبوا العاصي ف حياتم‪ ,‬وأحاط بم‬ ‫من كل جانب عذاب أليم؛ عقابًا لم على استهزائهم بالنذار بالعذاب‬ ‫الذي كان الرسول يَعِدُهم به‪ ,‬ول يأبون له‪.‬‬ ‫س ا ِلنْسَانَ ضُرّ دَعَانَا ُثمّ إِذَا َخ ّوْلنَاهُ نِعْ َمةً ِمنّا قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى‬ ‫َفإِذَا مَ ّ‬ ‫عِلْ ٍم بَلْ هِ َي ِفْتَنةٌ َولَكِنّ أَ ْكثَرَ ُهمْ ل يَ ْعلَمُونَ (‪)49‬‬ ‫فإذا أصاب النسان شدة وضُرّ‪ ,‬طلب من ربه أن يُفرّج عنه‪ ,‬فإذا كشفنا‬ ‫عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرًا‪ ,‬ولفضله منكرًا‪ ,‬وقال‪:‬‬ ‫إن الذي أوتيتُه إنا هو على علم من ال أن له أهل ومستحق‪ ,‬بل ذلك‬ ‫‪1558‬‬

‫فتنة يبتلي ال با عباده؛ لينظر مَن يشكره من يكفره‪ ,‬ولكن أكثرهم‪-‬‬ ‫لهلهم وسوء ظنهم وقولم‪ -‬ل يعلمون؛ فلذلك يعدّون الفتنة منحة‪.‬‬ ‫سبُونَ (‪)50‬‬ ‫َقدْ قَاَلهَا الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِ ْم َفمَا أَ ْغنَى َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْك ِ‬ ‫قد قال مقالتهم هذه مَن قبلهم من المم الالية الكذبة‪ ،‬فما أغن عنهم‬ ‫حي جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من الموال والولد‪.‬‬ ‫سبُوا وَالّذِي نَ ظَلَمُوا مِ نْ َهؤُلءِ َسيُصِيُبهُ ْم َسّيئَاتُ‬ ‫َفأَ صَاَبهُمْ َسّيئَاتُ مَا كَ َ‬ ‫سبُوا وَمَا ُهمْ ِبمُ ْعجِزِينَ (‪)51‬‬ ‫مَا َك َ‬ ‫فأصاب الذين قالوا هذه القالة من المم الالية وبال سيئات ما كسبوا‬ ‫من العمال‪ ,‬فعوجلوا بالزي ف الياة الدنيا‪ ,‬والذين ظلموا أنفسهم‬ ‫من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬وقالوا هذه القالة‪ ,‬سيصيبهم أيضًا وبال‬ ‫سيئات ما كسبوا‪ ,‬كما أصاب الذين من قبلهم‪ ,‬وما هم بفائتي ال ول‬ ‫سابقيه‪.‬‬ ‫َأوَلَ ْم يَعْلَمُوا َأنّ اللّ هَ َيبْ سُطُ ال ّرزْ قَ لِمَ نْ َيشَاءُ َويَقْ ِدرُ ِإنّ فِي َذلِ كَ ليَا تٍ‬ ‫‪1559‬‬

‫لِ َقوْمٍ ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪)52‬‬ ‫أول يعلم هؤلء أن رزق ال للنسان ل يدل على حسن حال صاحبه‪,‬‬ ‫فإن ال لبالغ حكمته يوسّع الرزق لن يشاء مِن عباده‪ ,‬صالًا كان أو‬ ‫طالًا‪ ,‬ويضيّقه على مَن يشاء منهم؟ إن ف ذلك التوسيع والتضييق ف‬ ‫الرزق لَدللت واضحات لقوم يُصدّقون أمر ال ويعملون به‪.‬‬ ‫سهِمْ ل تَ ْقنَطُوا مِ نْ رَحْ َم ِة اللّ هِ إِنّ‬ ‫قُ ْل يَا ِعبَادِي الّذِي نَ أَ ْسرَفُوا عَلَى َأنْفُ ِ‬ ‫اللّهَ يَ ْغفِرُ ال ّذنُوبَ جَمِيعا ِإّن ُه ُهوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ (‪)53‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعبادي الذين تادَوا ف العاصي‪ ,‬وأسرفوا على‬ ‫أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب‪ :‬ل َتيْئسوا من رحة‬ ‫ال؛ لكثرة ذنوبكم‪ ,‬إن ال يغفر الذنوب جيعًا لن تاب منها ورجع‬ ‫عنها مهما كانت‪ ,‬إنه هو الغفور لذنوب التائبي من عباده‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬ ‫ب ثُمّ ل ُتنْ صَرُونَ‬ ‫وََأنِيبُوا ِإلَى َربّكُ مْ وََأ سْلِمُوا لَ هُ مِ نْ َقبْلِ أَ نْ يَ ْأِتيَ ُك مْ الْعَذَا ُ‬

‫(‪)54‬‬

‫‪1560‬‬

‫وارجعوا إل ربكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬بالطاعة والتوبة‪ ,‬واخضعوا له من قبل‬ ‫أن يقع بكم عقابه‪ ,‬ث ل ينصركم أحد من دون ال‪.‬‬ ‫وَاّتبِعُوا أَحْ سَنَ مَا ُأنْزِلَ ِإَليْكُ مْ مِ نْ َربّكُ مْ مِ نْ َقبْلِ أَ نْ يَ ْأِتيَكُ ْم العَذَا بُ بَ ْغَتةً‬ ‫وََأْنتُمْ ل َتشْعُرُونَ (‪)55‬‬ ‫واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم‪ ,‬وهو القرآن العظيم‪ ,‬وكله‬ ‫حسن‪ ,‬فامتثلوا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة‪,‬‬ ‫وأنتم ل تعلمون به‪.‬‬ ‫ت فِي َجنْ بِ اللّ هِ وَإِ نْ ُكنْ تُ لَمِ نْ‬ ‫أَ نْ تَقُولَ نَفْ سٌ يَا حَ سْ َرتَا عَلَى مَا َف ّرطْ ُ‬ ‫السّاخِرِينَ (‪)56‬‬ ‫وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حت ل تندم نفس وتقول‪ :‬يا حسرتى على ما‬ ‫ضيّعت ف الدنيا من العمل با أمر ال به‪ ,‬وقصّرت ف طاعته وحقه‪ ,‬وإن‬ ‫كنت ف الدنيا لن الستهزئي بأمر ال وكتابه ورسوله والؤمني به‪.‬‬ ‫َأوْ تَقُولَ َلوْ َأنّ الّلهَ هَدَانِي لَ ُكنْتُ مِ ْن الْ ُمتّ ِقيَ (‪)57‬‬ ‫‪1561‬‬

‫أو تقول‪ :‬لو أن ال أرشدن إل دينه لكنت من التقي الشرك والعاصي‪.‬‬ ‫ْسميَ (‬ ‫ِنم الْ ُمح ِِن‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫َابمَلوْ أَنّ لِي كَرّةً فَأَك َ‬ ‫َأوْ تَقُولَ حِيَ تَرَى الْعَذ َ‬ ‫‪)58‬‬ ‫أو تقول حي ترى عقاب ال قد أحاط با يوم الساب‪ :‬ليت ل رجعة‬ ‫إل الياة الدنيا‪ ،‬فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربم‪ ،‬والعمل با‬ ‫أمَ َرتْهم به الرسل‪.‬‬ ‫ت وَ ُكنْ تَ مِ ْن الْكَافِرِي َن (‬ ‫ت بِهَا وَا ْستَ ْكبَرْ َ‬ ‫ك آيَاتِي َفكَ ّذبْ َ‬ ‫بَلَى َقدْ جَا َءتْ َ‬ ‫‪)59‬‬ ‫ما القول كما تقول‪ ,‬قد جاءتك آيات الواضحة الدالة على الق‪,‬‬ ‫فكذّبت با‪ ,‬واستكبت عن قَبولا واتباعها‪ ,‬وكنت من الكافرين بال‬ ‫ورسله‪.‬‬ ‫سوَدّةٌ َأَليْ سَ فِي‬ ‫َوَيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ َترَى الّذِي نَ َك َذبُوا عَلَى اللّ هِ وُجُو ُههُ ْم مُ ْ‬ ‫َج َهنّ َم َمْثوًى لِلْ ُمتَ َكبّرِينَ (‪)60‬‬ ‫‪1562‬‬

‫ويوم القيامة ترى هؤلء الكذبي الذين وصفوا ربم با ل يليق به‪,‬‬ ‫ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة‪ .‬أليس ف جهنم مأوى‬ ‫ومسكن لن تكب على ال‪ ,‬فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى‪.‬‬ ‫سهُمْ ال سّوءُ وَل هُ مْ َيحْ َزنُو نَ (‬ ‫َوُيَنجّي اللّ هُ الّذِي نَ اتّقَوا بِمَفَا َزِتهِ ْم ل يَمَ ّ‬ ‫‪)61‬‬ ‫وينجي ال من جهنم وعذابا الذين اتقوا ربم بأداء فرائضه واجتناب‬ ‫نواهيه بفوزهم وتقق أمنيتهم‪ ,‬وهي الظّفَر بالنة‪ ,‬ل يسهم من عذاب‬ ‫جهنم شيء‪ ,‬ول هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫الّلهُ خَالِقُ كُلّ شَ ْيءٍ وَ ُهوَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ وَكِيلٌ (‪)62‬‬ ‫ال تعال هو خالق الشياء كلها‪ ,‬وربا ومليكها والتصرف فيها‪ ,‬وهو‬ ‫على كل شيء حفيظ ي َدبّر جيع شؤون خلقه‪.‬‬ ‫لَهُم مَقَالِي ُد السّمَموَاتِ وَا َلرْضِم وَالّذِينَم كَ َفرُوا بِآيَاتِم اللّهِمُأ ْوَلئِكَم هُم ْم‬ ‫الْخَاسِرُونَ (‪)63‬‬ ‫‪1563‬‬

‫ل مفاتيح خزائن السموات والرض‪ ,‬يعطي منها َخلْقَه كيف يشاء‪.‬‬ ‫والذين جحدوا بآيات القرآن وما فيها من الدلئل الواضحة‪ ,‬أولئك هم‬ ‫الاسرون ف الدنيا بِذْلنم عن اليان‪ ,‬وف الخرة بلودهم ف النار‪.‬‬ ‫قُلْ أَفَ َغْيرَ الّلهِ تَأْمُرُوَننِي أَ ْعبُدُ َأّيهَا الْجَاهِلُونَ (‪)64‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬أفغي ال أيها الاهلون بال‬ ‫تأمرونّي أن أعبد‪ ,‬ول تصلح العبادة لشيء سواه؟‬ ‫حبَطَنّ َعمَلُ كَ‬ ‫ت َليَ ْ‬ ‫ك َلئِ نْ أَشْرَ ْك َ‬ ‫َولَقَدْ أُوحِ يَ ِإَليْ كَ َوِإلَى الّذِي نَ مِ نْ َقبِْل َ‬ ‫َولَتَكُونَنّ مِ ْن اْلخَاسِرِينَ (‪)65‬‬ ‫ولقد أوحي إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وإل من قبلك من الرسل‪ :‬لئن‬ ‫أشركت بال غيه ليبطلنّ عملك‪ ,‬ولتكوننّ من الالكي الاسرين دينك‬ ‫وآخرتك؛ لنه ل يُقبل مع الشرك عمل صال‪.‬‬ ‫بَلْ الّلهَ فَا ْعبُ ْد وَكُنْ مِنْ الشّاكِرِينَ (‪)66‬‬

‫‪1564‬‬

‫بل ال فاعبد ‪-‬أيها النب‪ -‬ملصًا له العبادة وحده ل شريك له‪ ,‬وكن‬ ‫من الشاكرين ل نعمه‪.‬‬ ‫ضتُ هُ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ وَال سّموَاتُ‬ ‫وَمَا قَ َدرُوا اللّ هَ حَقّ قَ ْدرِ هِ وَالَرْ ضُ جَمِيعا َقبْ َ‬ ‫ت ِبيَمِيِنهِ ُسْبحَاَنهُ َوتَعَالَى عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)67‬‬ ‫مَ ْط ِويّا ٌ‬ ‫وما عظّم هؤلء الشركون الَ حق تعظيمه; إذ عبدوا معه غيه ما ل‬ ‫ينفع ول يضر‪ ,‬فسوّوا الخلوق مع عجزه بالالق العظيم‪ ,‬الذي من‬ ‫عظيم قدرته أن جيع الرض ف قبضته يوم القيامة‪ ,‬والسموات مطويات‬ ‫بيمينه‪ ,‬تنه وتعاظم سبحانه وتعال عما يشرك به هؤلء الشركون‪ ،‬وف‬ ‫الية دليل على إثبات القبضة‪ ,‬واليمي‪ ,‬والطيّ‪ ,‬ل كما يليق بلله‬ ‫وعظمته‪ ,‬من غي تكييف ول تشبيه‪.‬‬ ‫ت وَمَ نْ فِي ا َلرْ ضِ إِ ّل مَ نْ شَاءَ‬ ‫َونُفِ َخ فِي ال صّورِ فَ صَعِ َق مَ نْ فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫اللّهُ ُثمّ نُ ِفخَ فِيهِ أُ ْخرَى َفإِذَا هُ ْم ِقيَامٌ َينْظُرُونَ (‪)68‬‬ ‫ونُفِخ ف "القرن" فمات كلّ مَن ف السموات والرض‪ ,‬إل مَن شاء ال‬ ‫عدم موته‪ ,‬ث نفخ الَلَك فيه نفخة ثانية مؤذنًا بإحياء جيع اللئق‬ ‫‪1565‬‬

‫للحساب أمام ربم‪ ,‬فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل ال‬ ‫بم؟‬ ‫ب وَجِيءَ بِالّنِبيّيَ وَالشّهَدَاءِ‬ ‫وََأشْرََق تْ ا َلرْ ضُ ِبنُورِ َربّهَا َو ُوضِ َع الْ ِكتَا ُ‬ ‫وَقُضِيَ َبْيَنهُ ْم بِاْلحَقّ وَهُمْ ل يُظْلَمُونَ (‪)69‬‬ ‫وأضاءت الرض يوم القيامة إذا تلى الق جل وعل للخلئق لفصل‬ ‫القضاء‪ ,‬ونشرت اللئكة صحيفة كل فرد‪ ,‬وجيء بالنبيي والشهود‬ ‫على المم؛ ليسأل ال النبيي عن التبليغ وعما أجابتهم به أمهم‪ ,‬كما‬ ‫تأت أمة ممد صلى ال عليه وسلم؛ لتشهد بتبليغ الرسل السابقي لمهم‬ ‫ب العالي بي‬ ‫إذا أنكرت هذا التبليغ‪ ,‬فتقوم الجة على المم‪ ,‬وقضى ر ّ‬ ‫العباد بالعدل التام‪ ,‬وهم ل يُظلمون شيئًا بنقص ثواب أو زيادة عقاب‪.‬‬ ‫ت وَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَا يَفْعَلُونَ (‪)70‬‬ ‫ت كُلّ نَ ْفسٍ مَا عَمِلَ ْ‬ ‫َووُّفيَ ْ‬ ‫ووفّى ال كلّ نفس جزاء عملها من خي وشر‪ ,‬وهو سبحانه وتعال‬ ‫أعلم با يفعلون ف الدنيا من طاعة أو معصية‪.‬‬

‫‪1566‬‬

‫وَ سِي َق الّذِي َن كَفَرُوا ِإلَى َج َهنّ مَ زُمَرا َحتّ ى إِذَا جَاءُوهَا ُفِتحَ تْ َأْبوَابُهَا‬ ‫وَقَالَ َلهُ مْ َخ َزَنتُهَا َألَ مْ يَ ْأتِ ُك مْ رُ سُ ٌل ِمنْكُ ْم َيتْلُو نَ َعَليْكُ مْ آيَا تِ َربّكُ مْ‬ ‫ب عَلَى‬ ‫َوُينْ ِذرُونَكُ مْ لِقَاءَ َيوْمِكُ مْ َهذَا قَالُوا بَلَى َولَكِ نْ حَقّ تْ َكلِ َمةُ الْعَذَا ِ‬ ‫الْكَافِرِي َن (‪)71‬‬ ‫وسيق الذين كفروا بال ورسله إل جهنم جاعات‪ ,‬حت إذا جاؤوها‬ ‫فتح الزنة الوكّلون با أبوابا السبعة‪ ,‬وزجروهم قائلي‪ :‬كيف تعصون‬ ‫ال وتحدون أنه الله الق وحده؟ أل يرسل إليكم رسل منكم يتلون‬ ‫عليكم آيات ربكم‪ ,‬ويذّرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم‪:‬‬ ‫بلى قد جاءت رسل ربنا بالق‪ ,‬وحذّرونا هذا اليوم‪ ,‬ولكن وجبت‬ ‫كلمة ال أن عذابه لهل الكفر به‪.‬‬ ‫قِيلَ ادْخُلُوا َأْبوَابَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َفِبْئسَ َمْثوَى الْ ُمتَ َكبّرِي َن (‪)72‬‬ ‫قيل للجاحدين أن ال هو الله الق إهانة لم وإذلل‪ :‬ادخلوا أبواب‬ ‫جهنم ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬ف َقبُح مصي التعالي على اليان بال والعمل‬ ‫بشرعه‪.‬‬ ‫َتم‬ ‫جّنةِ زُمَرا َحتّىم ِإذَا جَاءُوهَا وَُفِتح ْ‬ ‫ُمم ِإلَى اْل َ‬ ‫ِينم اتّ َقوْا َرّبه ْ‬ ‫وَسمِيقَ الّذ َ‬ ‫‪1567‬‬

‫َأْبوَاُبهَا وَقَالَ َلهُمْ خَ َزَنُتهَا سَلمٌ َعَليْكُمْ ِطْبتُ ْم فَادْ ُخلُوهَا خَالِدِينَ ( ‪)73‬‬ ‫وسيق الذين اتقوا ربم بتوحيده والعمل بطاعته إل النة جاعات‪ ,‬حت‬ ‫إذا جاؤوها وشُفع لم بدخولا‪ ،‬فتحت أبوابا‪ ,‬فترحّب بم اللئكة‬ ‫حيّونم بالبِشر والسرور; لطهارتم من آثار العاصي‬ ‫الوكّلون بالنة‪ ,‬وُي َ‬ ‫قائلي لم‪ :‬سلم عليكم من كل آفة‪ ,‬طابت أحوالكم‪ ,‬فادخلوا النة‬ ‫خالدين فيها‪.‬‬ ‫جنّةِ‬ ‫وَقَالُوا اْلحَمْ ُد لِلّهِم الّذِي صَمَدَقنَا وَعْدَهُم وََأ ْو َرثَنَا ا َلرْضَمَنَتَبوُّأ مِن ْم اْل َ‬

‫َحْيثُ َنشَاءُ َفنِعْمَ أَ ْجرُ الْعَامِِليَ (‪)74‬‬

‫وقال الؤمنون‪ :‬المد ل الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة‬ ‫رسله‪ ,‬وأورثَنا أرض النة َننْزِل منها ف أيّ مكان شئنا‪ ,‬فنِعم ثواب‬ ‫الحسني الذين اجتهدوا ف طاعة ربم‪.‬‬ ‫سبّحُونَ ِبحَمْدِ َرّبهِ مْ وَقُضِ يَ‬ ‫َوتَرَى الْمَلئِ َكةَ حَافّيَ مِ نْ َحوْلِ الْعَرْ شِ يُ َ‬

‫َبْيَنهُمْ بِالْحَقّ وَقِيلَ اْلحَمْدُ لِّلهِ َربّ الْعَالَ ِميَ إِلّ (‪)75‬‬

‫وترى‪-‬أيها النب‪ -‬اللئكة ميطي بعرش الرحن‪ ,‬ينهون ربم عن كل‬ ‫‪1568‬‬

‫ما ل يل يق به‪ ,‬وق ضى ال سبحانه وتعال ب ي اللئق بال ق والعدل‪,‬‬ ‫فأسمكن أهمل اليان النمة‪ ,‬وأهمل الكفمر النار‪ ,‬وقيمل‪ :‬الممد ل رب‬ ‫العالي على ما قضى به بي أهل النة وأهل النار‪ ,‬حَمْ َد فضل وإحسان‪,‬‬ ‫وحَ ْمدَ عدل وحكمة‪.‬‬

‫‪ -40‬سورة غافر‬ ‫حم (‪)1‬‬ ‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫تَنِيلُ الْ ِكتَابِ مِ ْن اللّهِ الْعَزِي ِز الْعَلِيمِ (‪)2‬‬ ‫تن يل القرآن على ال نب م مد صلى ال عل يه و سلم من ع ند ال‪ -‬عزّ‬ ‫وجل‪ -‬العزيز الذي قهر بعزته كل ملوق‪ ,‬العليم بكل شيء‪.‬‬ ‫غَافِ ِر ال ّذنْ بِ وَقَابِلِ الّتوْ بِ شَدِي ِد الْعِقَا بِ ذِي الطّوْلِ ل ِإلَ هَ إِ ّل ُهوَ ِإَليْ هِ‬ ‫‪1569‬‬

‫الْمَصِيُ (‪)3‬‬ ‫غافر الذنب للمذنبي‪ ,‬وقابل التوب من التائبي‪ ,‬شديد العقاب على مَن‬ ‫ترَّأ على الذنوب‪ ,‬ول ي تب من ها‪ ,‬و هو سبحانه وتعال صاحب النعام‬ ‫والتفضّلم على عباده الطائعيم‪ ,‬ل معبود تصملح العبادة له سمواه‪ ,‬إليمه‬ ‫مصي جيع اللئق يوم الساب‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪.‬‬ ‫مَا ُيجَادِلُ فِي آيَا تِ اللّ هِ إِلّ الّذِي نَ كَفَرُوا فَل يَ ْغ ُررْ كَ تَ َقّلُبهُ ْم فِي اْلبِلدِ (‬ ‫‪)4‬‬ ‫ما ياصم ف آيات القرآن وأدلته على وحدانية ال‪ ,‬ويقابلها بالباطل إل‬ ‫الاحدون الذيمن جحدوا أنمه الله القم السمتحق للعبادة وحده‪ ,‬فل‬ ‫يغررك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬تردد هم ف البلد بأنواع التجارات والكا سب‪,‬‬ ‫ونعيم الدنيا وزهرتا‪.‬‬ ‫ب مِنْ بَعْدِ ِه ْم وَهَمّتْ كُلّ أُ ّمةٍ بِ َرسُوِلهِمْ‬ ‫ت َقبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ وَالَ ْحزَا ُ‬ ‫كَ ّذَب ْ‬ ‫َانم‬ ‫ْفم ك َ‬ ‫ُمم فَ َكي َ‬ ‫ِهم اْلحَقّ فََأخَ ْذُته ْ‬ ‫ُوهم وَجَا َدلُوا بِاْلبَاطِلِ ِليُ ْدحِضُوا ب ِ‬ ‫ِليَأْخُذ ُ‬ ‫عِقَابِ (‪)5‬‬ ‫‪1570‬‬

‫كذّ بت ق بل هؤلء الكفار قو ُم نوح ومَن تل هم من ال مم ال ت أعل نت‬ ‫حربا على الرسل كعاد وثود‪ ,‬حيث عزموا على إيذائهم وتمّعوا عليهم‬ ‫بالتعذ يب أو الق تل‪ ,‬وهّ ت كل أ مة من هذه ال مم الكذ بة بر سولم‬ ‫ليقتلوه‪ ,‬وخاصموا بالباطل؛ ليبطلوا بدالم الق فعاَقْبتُهم‪ ,‬فكيف كان‬ ‫عقاب إياهم عبة للخلق‪ ,‬وعظة لن يأت بعدهم؟‬ ‫ب النّارِ (‪)6‬‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَكَ َذلِكَ حَقّتْ كَِل َمةُ َربّكَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا َأّنهُمْ َأ ْ‬ ‫وك ما حق العقاب على ال مم ال سابقة ال ت كذّ بت ر سلها‪ ,‬حق على‬ ‫الذين كفروا أنم أصحاب النار‪.‬‬ ‫سّبحُونَ ِبحَمْ ِد َربّهِ مْ َوُيؤْ ِمنُو نَ بِ هِ‬ ‫الّذِي نَ َيحْمِلُو نَ الْعَرْ شَ وَمَ نْ َح ْولَ هُ يُ َ‬ ‫ت كُلّ شَ ْي ٍء رَحْ َمةً وَعِلْما فَاغْ ِفرْ‬ ‫َسمعْ َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا َربّن َا و ِ‬ ‫َسمتَغْفِرُونَ لِلّذ َ‬ ‫َوي ْ‬ ‫جحِيمِ ( ‪)7‬‬ ‫ب الْ َ‬ ‫لِلّذِينَ تَابُوا وَاّتبَعُوا َسبِيَلكَ وَِقهِ ْم عَذَا َ‬ ‫الذين يملون عرش الرحن من اللئكة ومَن حول العرش من يف به‬ ‫منهم‪ ,‬ينّهون ال عن كل نقص‪ ,‬ويمَدونه با هو أهل له‪ ,‬ويؤمنون به‬ ‫حق اليان‪ ,‬ويطلبون منه أن يعفو عن الؤمني‪ ,‬قائلي‪ :‬ربنا وسعت كل‬ ‫ش يء رح ة وعلمًا‪ ,‬فاغ فر للذ ين تابوا من الشرك والعا صي‪ ,‬و سلكوا‬ ‫‪1571‬‬

‫الطريمق الذي أمرتمم أن يسملكوه وهمو السملم‪ ,‬و َجّنبْهمم عذاب النار‬ ‫وأهوالا‪.‬‬ ‫ِمم‬ ‫ِنم آبَاِئه ْ‬ ‫صملَ َح م ْ‬ ‫َنم َ‬ ‫ْنم الّتِي وَعَ ْدتَهُم وَم ْ‬ ‫ّاتم عَد ٍ‬ ‫ُمم َجن ِ‬ ‫َربّنَا وََأدْخِ ْله ْ‬ ‫وََأ ْزوَا ِج ِهمْ وَ ُذ ّريّاِتهِمْ ِإنّكَ َأْنتَ الْعَزِي ُز الْحَكِي ُم (‪)8‬‬ ‫ربنا وأدخل الؤمني جنات عدن الت وعدتم‪ ,‬ومَن صلح باليان‬ ‫والعمل الصال من آبائهم وأزواجهم وأولدهم‪ .‬إنك أنت العزيز القاهر‬ ‫لكل شيء‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬ ‫ت َيوْ َمئِذٍ فَ َقدْ رَ ِح ْمتَ هُ وَ َذلِ كَ ُه َو الْفَ ْوزُ‬ ‫سيّئَا ِ‬ ‫سّيئَاتِ وَمَ نْ تَ ِق ال ّ‬ ‫وَِقهِ مْ ال ّ‬ ‫الْعَظِي ُم (‪)9‬‬ ‫واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتم‪ ,‬فل تؤاخذهم با‪ ,‬ومن تصْرِف عنه‬ ‫السيئات يوم الساب فقد رحته‪ ,‬وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك‪,‬‬ ‫وذلك هو الظّفَر العظيم الذي ل فوز مثله‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا ُينَا َدوْ نَ لَمَقْ تُ اللّ هِ أَ ْكبَرُ مِ ْن مَ ْقتِكُ مْ َأنْفُ سَكُمْ إِ ْذ تُدْ َعوْ نَ‬ ‫‪1572‬‬

‫ِإلَى الِيَانِ َفتَكْ ُفرُونَ (‪)10‬‬ ‫إن الذين جحدوا أن ال هو الله الق وصرفوا العبادة لغيه عندما‬ ‫يعاينون أهوال النار بأنفسهم‪َ ,‬يمْقُتون أنفسهم أشد القت‪ ,‬وعند ذلك‬ ‫يناديهم خزنة جهنم‪ :‬لَمقت ال لكم ف الدنيا‪ -‬حي طلب منكم اليان‬ ‫به واتباع رسله‪ ,‬فأبيتم‪ -‬أكب من بغضكم لنفسكم الن‪ ,‬بعد أن‬ ‫أدركتم أنكم تستحقون سخط ال وعذابه‪.‬‬ ‫قَالُوا َرّبنَا أَ َمّتنَا اْثَنَتيْنِ وَأَ ْحَيْيَتنَا اْثَنَتيْنِ فَا ْعتَرَ ْفنَا بِ ُذنُوِبنَا َفهَلْ ِإلَى خُرُوجٍ مِنْ‬

‫َسبِيلٍ (‪)11‬‬

‫قال الكافرون‪ :‬ربنا أمتّنا مرتي‪ :‬حي كنا ف بطون أمهاتنا نُطَفًا قبل نفخ‬ ‫الروح‪ ,‬وحي انقضى أجلُنا ف الياة الدنيا‪ ,‬وأحييتنا مرتي‪ :‬ف دار‬ ‫الدنيا‪ ,‬يوم ُولِدْنا‪ ,‬ويوم بُعِثنا من قبورنا‪ ,‬فنحن الن نُقِرّ بأخطائنا‬ ‫السابقة‪ ،‬فهل لنا من طريق نرج به من النار‪ ,‬وتعيدنا به إل الدنيا؛‬ ‫لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا العتراف‪.‬‬ ‫َذلِكُ مْ بَِأنّ هُ إِذَا دُعِ يَ اللّ هُ وَ ْحدَ هُ كَفَ ْرُتمْ وَإِنْ ُيشْرَ ْك بِ هِ ُتؤْ ِمنُوا فَالْحُكْ ُم لِلّ هِ‬ ‫الْعَلِيّ الْ َكبِيِ (‪)12‬‬ ‫‪1573‬‬

‫ذلكم العذاب الذي لكم‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬بسبب أنكم كنتم إذا دُعيتم‬ ‫صدّقوا‬ ‫لتوحيد ال وإخلص العمل له كفرت به‪ ,‬وإن ُيجْعل ل شريك تُ َ‬ ‫به وتتبعوه‪ .‬فال سبحانه وتعال هو الاكم ف خلقه‪ ,‬العادل الذي ل‬ ‫يور‪ ,‬يهدي من يشاء ويضل من يشاء‪ ،‬ويرحم مَن يشاء ويعذب مَن‬ ‫يشاء‪ ,‬ل إله إل هو الذي له علو الذات والقَدْر والقهر‪ ,‬وله الكبياء‬ ‫والعظمة‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي يُرِي ُك ْم آيَاتِ هِ َوُينَزّلُ لَكُ مْ مِ نْ ال سّمَاءِ ِرزْقا وَمَا َيتَذَكّرُ إِلّ مَ نْ‬

‫ُينِيبُ (‪)13‬‬

‫هو الذي يُ ْظهِر لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬قدرته با تشاهدونه من اليات‬ ‫العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها‪ ,‬وُينَزّل لكم من السماء مطرًا‬ ‫تُرزَقون به‪ ,‬وما يتذكر بذه اليات إل مَن يرجع إل طاعة ال‪ ,‬ويلص‬ ‫له العبادة‪.‬‬ ‫صيَ َلهُ الدّينَ َوَلوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (‪)14‬‬ ‫فَادْعُوا الّلهَ ُمخْلِ ِ‬ ‫فأخلصوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ل وحده العبادة والدعاء‪ ,‬وخالفوا الشركي‬ ‫ف مسلكهم‪ ,‬ولو أغضبهم ذلك‪ ,‬فل تبالوا بم‪.‬‬ ‫‪1574‬‬

‫رَفِي ُع ال ّدرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أَمْرِ ِه عَلَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ ِعبَادِهِ‬

‫ِلُينْ ِذرَ َيوْمَ التّلقِي ( ‪)15‬‬

‫إن ال هو العليّ العلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به ملوقاته‪,‬‬ ‫وارتفع به قَدْره‪ ,‬وهو صاحب العرش العظيم‪ ,‬ومن رحته بعباده أن‬ ‫يرسل إليهم رسل يلقي إليهم الوحي الذي ييون به‪ ,‬فيكونون على‬ ‫بصية من أمرهم؛ لتخوّف الرسل عباد ال‪ ,‬وتنذرهم يوم القيامة الذي‬ ‫يلتقي فيه الولون والخرون‪.‬‬ ‫ك الَْيوْ مَ لِلّ هِ‬ ‫َيوْ مَ هُ مْ بَا ِرزُو نَ ل َيخْفَى عَلَى اللّ هِ ِمْنهُ مْ شَ ْي ٌء لِمَ نْ الْمُ ْل ُ‬

‫الْوَاحِ ِد الْ َقهّارِ (‪)16‬‬

‫يوم القيامة تظهر اللئق أمام ربم‪ ,‬ل يفى على ال منهم ول مِن‬ ‫أعمالم الت عملوها ف الدنيا شيء‪ ,‬يقول ال سبحانه‪ :‬لن اللك‬ ‫والتصرف ف هذا اليوم؟ فيجيب نفسه‪ :‬ل التفرد بأسائه وصفاته‬ ‫وأفعاله‪ ,‬القهّار الذي قهر جيع اللئق بقدرته وعزته‪.‬‬ ‫ت ل ظُلْمَ اْلَيوْمَ ِإنّ اللّهَ َسرِي ُع اْلحِسَابِ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫اْلَيوْمَ ُتجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَ َ‬ ‫‪1575‬‬

‫(‪)17‬‬ ‫اليوم تثاب كل نفس با كسبت ف الدنيا من خي وشر‪ ,‬ل ظلم لحد‬ ‫اليوم بزيادة ف سيئاته أو نقص من حسناته‪ .‬إن ال سبحانه وتعال سريع‬ ‫الساب‪ ,‬فل تستبطئوا ذلك اليوم؛ فإنه قريب‪.‬‬ ‫حنَا ِجرِ كَاظِ ِميَ مَا لِلظّالِ ِميَ مِ نْ‬ ‫وَأَن ِذرْهُ مْ َيوْ مَ الزَِفةِ ِإذْ الْقُلُو بُ لَدَى اْل َ‬ ‫َحمِيمٍ وَل شَفِي ٍع يُطَاعُ (‪)18‬‬ ‫وحذّر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الناس من يوم القيامة القريب‪ ,‬وإن استبعدوه‪ ,‬إذ‬ ‫قلوب العباد مِن مافة عقاب ال قد ارتفعت من صدورهم‪ ,‬فتعلقت‬ ‫بلوقهم‪ ,‬وهم متلئون غمّا وحزنًا‪ .‬ما للظالي من قريب ول صاحب‪,‬‬ ‫ول شفيع يشفع لم عند ربم‪ ,‬فيستجاب له‪.‬‬ ‫يَعَْلمُ خَاِئنَةَ الَ ْعيُنِ وَمَا ُتخْفِي الصّدُورُ (‪)19‬‬ ‫يعلم ال سبحانه ما تتلسه العيون من نظرات‪ ,‬وما يضمره النسان ف‬ ‫نفسه من خي أو شر‪.‬‬

‫‪1576‬‬

‫وَاللّ هُ يَقْضِي بِاْلحَقّ وَالّذِي نَ يَدْعُو نَ مِ نْ دُونِ هِ ل يَقْضُو نَ ِبشَ ْيءٍ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫ُهوَ السّمِيعُ اْلبَصِيُ (‪)20‬‬ ‫وال سبحانه يقضي بي الناس بالعدل فيما يستحقونه‪ ,‬والذين يُعبدون‬ ‫من دون ال من اللة ل يقضون بشيء؛ لعجزهم عن ذلك‪ .‬إن ال هو‬ ‫السميع لا تنطق به ألسنتكم‪ ,‬البصي بأفعالكم وأعمالكم‪ ،‬وسيجازيكم‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫ض َفيَنظُرُوا َكيْ فَ كَا نَ عَاِقَبةُ الّذِي نَ كَانُوا مِ نْ‬ ‫َأوَ لَ مْ يَ سِيُوا فِي الَرْ ِ‬ ‫َقبِْلهِ ْم كَانُوا هُ مْ َأشَ ّد ِمْنهُ مْ ُقوّ ًة وَآثَارا فِي ا َلرْ ضِ فَأَ َخذَهُ مْ اللّ هُ بِ ُذنُوِبهِ مْ‬ ‫وَمَا كَانَ َلهُ ْم مِنْ الّلهِ مِنْ وَاقٍ (‪)21‬‬ ‫أول َيسِ ْر هؤلء الكذبون برسالتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف الرض‪ ،‬فينظروا‬ ‫كيف كان خاتة المم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشًا‪ ,‬وأبقى ف‬ ‫الرض آثارًا‪ ,‬فلم تنفعهم شدة قواهم وعِظَم أجسامهم‪ ,‬فأخذهم ال‬ ‫بعقوبته؛ بسبب كفرهم واكتسابم الثام‪ ,‬وما كان لم من عذاب ال‬ ‫من واق يقيهم منه‪ ,‬فيدفعه عنهم‪.‬‬ ‫ت فَكَ َفرُوا فَأَ َخذَهُمْ اللّهُ ِإنّهُ َقوِيّ‬ ‫ك بَِأّنهُ ْم كَانَتْ تَ ْأتِيهِمْ رُسُُلهُ ْم بِاْلَبّينَا ِ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫‪1577‬‬

‫شَدِيدُ الْعِقَابِ (‪)22‬‬ ‫ذلك العذاب الذي حلّ بالكذبي السابقي‪ ,‬كان بسبب موقفهم من‬ ‫رسل ال الذين جاؤوا بالدلئل القاطعة على صدق دعواهم‪ ,‬فكفروا‬ ‫بم‪ ,‬وكذّبوهم‪ ,‬فأخذهم ال بعقابه‪ ,‬إنه سبحانه قوي ل يغلبه أحد‪,‬‬ ‫شديد العقاب لن كفر به وعصاه‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْسَ ْلنَا مُوسَى بِآيَاِتنَا وَسُلْطَانٍ ُمِبيٍ (‪)23‬‬ ‫ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أُرسل به‪,‬‬ ‫وحجة واضحة بيّنة على صدقه ف دعوته‪ ,‬وبطلن ما كان عليه مَن‬ ‫أُرسل إليهم‪.‬‬ ‫ب (‪)24‬‬ ‫ِإلَى فِرْ َع ْونَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِ ٌر كَذّا ٌ‬ ‫إل فرعون ملك "مصر"‪ ,‬وهامان وزيره‪ ,‬وقارون صاحب الموال‬ ‫والكنوز‪ ,‬فأنكروا رسالته واستكبوا‪ ,‬وقالوا عنه‪ :‬إنه ساحر كذاب‪,‬‬ ‫فكيف يزعم أنه أُرسِل للناس رسول؟‬

‫‪1578‬‬

‫حيُوا‬ ‫َفلَمّا جَاءَهُمْ بِالْحَقّ مِنْ ِعْن ِدنَا قَالُوا ا ْقتُلُوا َأْبنَاءَ الّذِينَ آ َمنُوا مَعَهُ وَا ْسَت ْ‬ ‫ِنسَاءَهُ ْم وَمَا َكيْدُ الْكَافِرِينَ إِلّ فِي ضَللٍ (‪)25‬‬ ‫فلما جاء موسى فرعون وهامان وقارون بالعجزات الظاهرة مِن عندنا‪,‬‬ ‫ل يكتفوا بعارضتها وإنكارها‪ ,‬بل قالوا‪ :‬اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه‪,‬‬ ‫واستبقوا نساءهم للخدمة والسترقاق‪ .‬وما تدبي أهل الكفر إل ف‬ ‫ذَهاب وهلك‪.‬‬ ‫وَقَالَ ِفرْ َعوْنُ َذرُونِي َأ ْقتُلْ مُوسَى َوْليَدْعُ َربّهُ ِإنّي َأخَافُ أَنْ ُيَبدّلَ دِينَ ُكمْ‬

‫َأوْ َأنْ يُ ْظهِرَ فِي ا َلرْضِ الْ َفسَا َد (‪)26‬‬

‫وقال فرعون لشراف قومه‪ :‬اتركون أقتل موسى‪ ,‬وليدع ربه الذي‬ ‫يزعم أنه أرسله إلينا‪ ,‬فيمنعه منا‪ ,‬إن أخاف أن ُيَبدّل دينكم الذي أنتم‬ ‫عليه‪ ,‬أو أن يُ ْظهِر ف أرض "مصر" الفساد‪.‬‬ ‫وَقَالَ مُوسمَى ِإنّيم عُذْتُمبِ َربّيم َو َربّكُم ْم مِن ْم كُلّ ُمتَ َكبّرٍ ل ُيؤْمِنُمِبَيوْمِم‬

‫ب (‪)27‬‬ ‫حسَا ِ‬ ‫الْ ِ‬

‫‪1579‬‬

‫وقال موسى لفرعون وملئه‪ :‬إن استجرت برب وربكم‪ -‬أيها القوم‪ -‬من‬ ‫كل مستكب عن توحيد ال وطاعته‪ ,‬ل يؤمن بيوم ياسب ال فيه خلقه‪.‬‬ ‫وَقَالَ رَجُ ٌل ُمؤْمِ نٌ مِ نْ آ ِل فِرْ َعوْ نَ يَ ْكُت مُ ِإيَانَ هُ َأتَ ْقتُلُو نَ رَجُلً أَ نْ يَقُو َل‬ ‫ك كَاذِبا فَ َعَليْهِ كَ ِذبُهُ وَإِنْ‬ ‫ت مِنْ َربّكُ ْم وَإِنْ يَ ُ‬ ‫َربّي اللّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِاْلَبّينَا ِ‬ ‫ض الّذِي يَعِدُ ُك مْ ِإنّ اللّ هَ ل َيهْدِي مَ نْ ُهوَ مُ سْرِفٌ‬ ‫صبْكُ ْم بَعْ ُ‬ ‫يَ كُ صَادِقا يُ ِ‬ ‫ب (‪)28‬‬ ‫كَذّا ٌ‬

‫وقال رجل مؤمن بال من آل فرعون‪ ,‬يكتم إيانه منكرًا على قومه‪:‬‬ ‫كيف تستحلون َقتْلَ رجل ل جرم له عندكم إل أن يقول رب ال‪ ,‬وقد‬ ‫جاءكم بالباهي القاطعة مِن ربكم على صِدْق ما يقول؟ فإن يك‬ ‫موسى كاذبًا فإنّ وبالَ كذبه عائد عليه وحده‪ ,‬وإن يك صادقًا لقكم‬ ‫بعض الذي يتوعّدكم به‪ ,‬إن ال ل يوفق للحق مَن هو متجاوز للحد‪,‬‬ ‫بترك الق والقبال على الباطل‪ ,‬كذّاب بنسبته ما أسرف فيه إل ال‪.‬‬ ‫س اللّ هِ‬ ‫ص ُرنَا مِ ْن بَأْ ِ‬ ‫ض فَمَ نْ يَن ُ‬ ‫يَا َقوْ مِ لَكُ ْم الْمُلْ كُ اْلَيوْ مَ ظَاهِرِي نَ فِي ا َلرْ ِ‬ ‫إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْ َعوْنُ مَا ُأرِيكُمْ إِ ّل مَا َأرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلّ َسبِيلَ الرّشَادِ‬ ‫(‪)29‬‬

‫‪1580‬‬

‫يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين ف أرض "مصر " على رعيتكم من‬ ‫بن إسرائيل وغيهم‪ ,‬فمَن يدفع عنا عذاب ال إن حلّ بنا؟ قال فرعون‬ ‫لقومه ميبًا‪ :‬ما أريكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من الرأي والنصيحة إل ما أرى‬ ‫لنفسي ولكم صلحًا وصوابًا‪ ,‬وما أدعوكم إل إل طريق الق‬ ‫والصواب‪.‬‬ ‫ف عََليْكُ ْم ِمثْلَ َيوْمِ الَ ْحزَابِ (‪)30‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي آمَ َن يَا َقوْمِ ِإنّي أَخَا ُ‬ ‫وقال الرجل الؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه واعظًا ومذرًا‪ :‬إن‬ ‫أخاف عليكم إن قتلتم موسى‪ ,‬مثل يوم الحزاب الذين تزّبوا على‬ ‫أنبيائهم‪.‬‬ ‫ِمثْلَ دَْأ بِ َقوْ ِم نُو حٍ وَعَا ٍد َوثَمُودَ وَالّذِي نَ مِ نْ بَ ْعدِهِ ْم وَمَا اللّ هُ ُيرِيدُ ظُلْما‬ ‫لِلْ ِعبَادِ ( ‪)31‬‬ ‫مثلَ عادة قوم نوح وعاد وثود ومَن جاء بعدهم ف الكفر والتكذيب‪,‬‬ ‫أهلكهم ال بسبب ذلك‪ .‬وما ال سبحانه يريد ظلمًا للعباد‪ ,‬فيعذبم بغي‬ ‫ذنب أذنبوه‪ .‬تعال ال عن الظلم والنقص علوًا كبيًا‪.‬‬ ‫‪1581‬‬

‫ف عََليْكُ ْم َيوْمَ الّتنَا ِد (‪)32‬‬ ‫َويَا َقوْمِ ِإنّي أَخَا ُ‬ ‫ويا قوم إن أخاف عليكم عقاب يوم القيامة‪ ،‬يوم ينادي فيه بعض الناس‬ ‫بعضًا; من هول الوقف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫ضلِلْ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ‬ ‫َيوْمَ ُت َولّونَ مُ ْدبِرِينَ مَا لَكُ ْم مِ ْن اللّهِ مِنْ عَاصِ ٍم وَمَنْ يُ ْ‬

‫هَادٍ (‪)33‬‬

‫يوم تولون ذاهبي هاربي‪ ,‬ما لكم من ال من مانع ينعكم وناصر‬ ‫ينصركم‪ .‬ومَن يذله ال ول يوفقه إل رشده‪ ,‬فما له من هاد يهديه إل‬ ‫الق والصواب‪.‬‬ ‫ف مِنْ َقبْلُ بِاْلَبّينَاتِ فَمَا ِزْلتُمْ فِي َشكّ ِممّا جَاءَكُ ْم بِهِ‬ ‫َولَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُ ُ‬ ‫ك يُضِلّ اللّ هُ مَ نْ‬ ‫ك قُ ْلتُ مْ لَ نْ َيبْعَ ثَ اللّ هُ مِ نْ بَ ْعدِ ِه رَ سُولً َك َذلِ َ‬ ‫َحتّى إِذَا هََل َ‬

‫ب (‪)34‬‬ ‫ف مُ ْرتَا ٌ‬ ‫ُهوَ ُمسْرِ ٌ‬

‫ولقد أرسل ال إليكم النبّ الكري يوسف بن يعقوب عليهما السلم من‬ ‫قبل موسى‪ ,‬بالدلئل الواضحة على صدقه‪ ,‬وأمركم بعبادة ال وحده ل‬ ‫‪1582‬‬

‫شريك له‪ ,‬فما زلتم مرتابي ما جاءكم به ف حياته‪ ,‬حت إذا مات ازداد‬ ‫شككم وشرككم‪ ,‬وقلتم ‪ :‬إن ال لن يرسل من بعده رسول ‪ ،‬مثل‬ ‫ذلك الضلل يُضِلّ ال كل متجاوز للحق‪ ,‬شاكّ ف وحدانية ال تعال‪,‬‬ ‫فل يوفقه إل الدى والرشاد‪.‬‬ ‫ت اللّ هِ بِ َغيْ ِر سُلْطَانٍ َأتَاهُ ْم َكبُرَ مَقْتا ِعنْ َد اللّ هِ‬ ‫الّذِي نَ ُيجَا ِدلُو نَ فِي آيَا ِ‬

‫ب ُمتَ َكبّرٍ َجبّارٍ (‪)35‬‬ ‫وَ ِعنْدَ الّذِينَ آ َمنُوا َك َذلِكَ يَ ْطبَ ُع الّلهُ عَلَى كُلّ قَلْ ِ‬ ‫الذين ياصمون ف آيات ال وحججه لدفعها من غي أن يكون لديهم‬ ‫حجة مقبولة‪َ ,‬كبُر ذلك الدال مقتًا عند ال وعند الذين آمنوا‪ ,‬كما‬ ‫ب عن الدى قلوب هؤلء الخاصمي‪ ,‬يتم ال‬ ‫َختَم بالضلل و َحجَ َ‬ ‫على قلب كل مستكب عن توحيد ال وطاعته‪ ,‬جبار بكثرة ظلمه‬ ‫وعدوانه‪.‬‬

‫َسمبَابَ (‪)36‬‬ ‫ُغم ال ْ‬ ‫صمرْحا لَعَلّي َأبْل ُ‬ ‫ْنم لِي َ‬ ‫َانم اب ِ‬ ‫ْنم يَا هَام ُ‬ ‫وَقَالَ ِفرْ َعو ُ‬ ‫ك ُزيّ نَ‬ ‫ت فََأطّلِ عَ ِإلَى ِإلَ هِ مُو سَى وَِإنّي َل ُظنّ هُ كَاذِبا وَكَ َذلِ َ‬ ‫أَ ْسبَابَ ال سّ َموَا ِ‬ ‫ب(‬ ‫سبِيلِ وَمَا َكيْ ُد فِرْ َعوْ نَ إِ ّل فِي َتبَا ٍ‬ ‫لِفِرْ َعوْ نَ سُوءُ عَمَلِ هِ وَ صُدّ عَ نْ ال ّ‬ ‫‪)37‬‬ ‫‪1583‬‬

‫وقال فرعون مك ّذبًا لوسى ف دعوته إل القرار برب العالي والتسليم‬ ‫له‪ :‬يا هامان ابْنِ ل بنًاء عظيمًا; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلن‬ ‫إليها‪ ,‬فأنظر إل إله موسى بنفسي‪ ,‬وإن لظن موسى كاذبًا ف دعواه أن‬ ‫لنا ربًا‪ ,‬وأنه فوق السموات‪ ,‬وهكذا ُزيّن لفرعون عمله السيّئ فرآه‬ ‫حسنًا‪ ,‬وصُدّ عن سبيل الق؛ بسبب الباطل الذي ُزيّن له‪ ,‬وما احتيال‬ ‫فرعون وتدبيه ليهام الناس أنه مق‪ ,‬وموسى مبطل إل ف خسار‬ ‫وبوار‪ ,‬ل يفيده إل الشقاء ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي آمَنَ يَا َقوْمِ اّتبِعُونِي أَ ْهدِكُمْ َسبِيلَ الرّشَا ِد (‪)38‬‬ ‫وقال الذي آمن معيدًا نصيحته لقومه ‪ :‬يا قوم اتبعون أهدكم طريق‬ ‫الرشد والصواب‪.‬‬ ‫ع وَِإنّ الخِرَ َة هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (‪)39‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا َمتَا ٌ‬ ‫يَا َقوْمِ ِإنّمَا هَذِهِ اْل َ‬ ‫يا قوم إن هذه الياة الدنيا حياة يتنعّم الناس فيها قليل ث تنقطع وتزول‪,‬‬ ‫فينبغي أل تَرْكَنوا إليها‪ ,‬وإن الدار الخرة با فيها من النعيم القيم هي‬ ‫مل القامة الت تستقرون فيها‪ ,‬فينبغي لكم أن تؤثروها‪ ,‬وتعملوا لا‬ ‫العمل الصال الذي يُسعِدكم فيها‪.‬‬ ‫‪1584‬‬

‫مَ ْن عَمِلَ َسّيَئةً فَل ُيجْزَى إِلّ ِمثَْلهَا وَمَ نْ َعمِلَ صَالِحا مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ ُأْنثَى‬

‫ب (‪)40‬‬ ‫جنّةَ يُ ْرزَقُونَ فِيهَا بِ َغْيرِ ِحسَا ٍ‬ ‫وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَُأ ْوَلئِكَ َيدْخُلُونَ اْل َ‬

‫من عصى ال ف حياته وانرف عن طريق الدى‪ ,‬فل ُيجْزى ف الخرة‬ ‫إل عقابًا يساوي معصيته‪ ,‬ومَن أطاع ال وعمل صالًا بامتثال أوامره‬ ‫واجتناب نواهيه‪ ,‬ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بال موحد له‪ ,‬فأولئك‬ ‫يدخلون النة‪ ,‬يرزقهم ال فيها من ثارها ونعيمها ولذاتا بغي حساب‪.‬‬ ‫َويَا َقوْ ِم مَا لِي َأدْعُوكُمْ ِإلَى النّجَاةِ َوتَدْعُوَننِي ِإلَى النّارِ (‪)41‬‬ ‫ويا قوم كيف أدعوكم إل اليان بال واتباع رسوله موسى‪ ,‬وهي دعوة‬ ‫تنتهي بكم إل النة والبعد عن أهوال النار‪ ,‬وأنتم تدعونن إل عمل‬ ‫يؤدي إل عذاب ال وعقوبته ف النار؟‬ ‫تَدْعُوَننِي لَكْفُرَ بِاللّ هِ وَُأشْرِ َك بِ هِ مَا َليْ سَ لِي بِ هِ عِ ْل مٌ وََأنَا أَدْعُوكُ مْ ِإلَى‬ ‫الْعَزِيزِ الْغَفّارِ (‪)42‬‬

‫‪1585‬‬

‫تدعونن لكفر بال‪ ,‬وأشرك به ما ليس ل به علم أنه يستحق العبادة من‬ ‫دونه‪ -‬وهذا من أكب الذنوب وأقبحها‪ -‬وأنا أدعوكم إل الطريق‬ ‫الوصل إل ال العزيز ف انتقامه‪ ,‬الغفار لن تاب إليه بعد معصيته‪.‬‬ ‫ل جَ َر مَ َأنّمَا تَدْعُوَننِي ِإَليْ هِ َليْ سَ لَ هُ دَ ْعوَ ٌة فِي ال ّدْنيَا وَل فِي الخِرَ ِة وََأنّ‬ ‫صحَابُ النّارِ (‪)43‬‬ ‫مَرَ ّدنَا ِإلَى الّلهِ وََأنّ الْ ُمسْرِِفيَ هُمْ َأ ْ‬ ‫حقًا أن ما تدعونن إل العتقاد به ل يستحق الدعوة إليه‪ ,‬ول يُلجأ إليه‬ ‫ف الدنيا ول ف الخرة لعجزه ونقصه‪ ,‬واعلموا أن مصي اللئق كلها‬ ‫إل ال سبحانه‪ ,‬وهو يازي كل عامل بعمله‪ ,‬وأن الذين تعدّوا حدوده‬ ‫بالعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار‪.‬‬ ‫ستَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُ مْ َوأَُفوّ ضُ أَمْرِي ِإلَى اللّ هِ ِإنّ اللّ هَ بَ صِيٌ بِالْ ِعبَا ِد (‬ ‫فَ َ‬ ‫‪)44‬‬ ‫فلما نصحهم ول يطيعوه قال لم‪ :‬فستذكرون أن نصحت لكم‬ ‫وذكّرتكم‪ ,‬وسوف تندمون حيث ل ينفع الندم‪ ,‬وألأ إل ال‪ ,‬وأعتصم‬ ‫به‪ ,‬وأتوكل عليه‪ .‬إن ال سبحانه وتعال بصي بأحوال العباد‪ ,‬وما‬ ‫يستحقونه من جزاء‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪.‬‬ ‫‪1586‬‬

‫ق بِآلِ ِفرْ َع ْونَ سُوءُ الْعَذَابِ (‪)45‬‬ ‫َفوَقَا ُه الّلهُ َسّيئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَا َ‬ ‫فوقى ال سبحانه ذلك الرجل الؤمن الوفّق عقوبات مكر فرعون وآله‪,‬‬ ‫وحلّ بم سوء العذاب حيث أغرقهم ال عن آخرهم‪.‬‬ ‫شيّا َوَيوْ َم تَقُو مُ ال سّا َعةُ أَ ْدخِلُوا آ َل فِرْ َعوْ نَ‬ ‫النّارُ يُ ْع َرضُو نَ عََلْيهَا ُغ ُدوّا وَ َع ِ‬

‫ب (‪)46‬‬ ‫أَ َشدّ الْعَذَا ِ‬ ‫ر‬ ‫وَِإذْ َيَتحَاجّونَ فِي النّارِ َفيَقُولُ الضّعَفَاءُ لِلّذِينَ ا ْستَ ْكبَرُوا ِإنّا ُكنّا لَكُ ْم َتبَعا‬ ‫َفهَلْ َأْنُتمْ مُ ْغنُونَ َعنّا نَصِيبا مِ ْن النّارِ (‪)47‬‬ ‫وإذ يتخاصم أهل النار‪ ,‬ويعاتب بعضهم بعضًا‪ ,‬فيحتجّ التباع القلدون‬ ‫على رؤسائهم الستكبين الذين أضلّوهم‪ ,‬وزيّنوا لم طريق الشقاء‪,‬‬ ‫قائلي لم‪ :‬هل أنتم مغنون عنا نصيبًا من النار بتحملكم قسطًا من‬ ‫عذابنا؟‬ ‫قَالَ الّذِينَ ا ْستَ ْكبَرُوا ِإنّا كُ ّل فِيهَا ِإنّ الّلهَ قَدْ َحكَمَ َبيْ َن الْ ِعبَادِ (‪)48‬‬ ‫‪1587‬‬

‫قال الرؤساء الستكبون مبيّني عجزهم‪ :‬ل نتحمل عنكم شيئًا من‬ ‫عذاب النار‪ ,‬وكلّنا فيها‪ ,‬ل خلصَ لنا منها‪ ,‬إن ال قد قسم بيننا‬ ‫العذاب بقَدْر ما يستحق ك ّل منا بقضائه العادل‪.‬‬ ‫ف َعنّ ا َيوْما مِ نْ‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ فِي النّارِ ِلخَ َزَنةِ َج َهنّ مَ ادْعُوا َربّكُ مْ ُيخَفّ ْ‬ ‫الْعَذَابِ (‪)49‬‬ ‫وقال الذين ف النار من الستكبين والضعفاء لزنة جهنم‪ :‬ادعوا ربكم‬ ‫ُيخَفّفْ عنا يومًا واحدًا من العذاب؛ كي تصل لنا بعض الراحة‪.‬‬ ‫ك تَ ْأتِيكُمْ رُ ُسلُكُ ْم بِاْلَبّينَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ‬ ‫قَالُوا َأوَ لَ ْم تَ ُ‬ ‫الْكَافِرِينَ إِلّ فِي ضَللٍ (‪)50‬‬ ‫قال خزنة جهنم لم توبيخًا‪ :‬هذا الدعاء ل ينفعكم ف شيء‪ ,‬أول تأتكم‬ ‫رسلكم بالجج الواضحة من ال فكذبتموهم؟ فاعترف الاحدون‬ ‫بذلك وقالوا‪ :‬بلى‪ .‬فتبأ خزنة جهنم منهم وقالوا‪ :‬نن ل ندعو لكم‪,‬‬ ‫ول نشفع فيكم‪ ,‬فادعوا أنتم‪ ,‬ولكن هذا الدعاء ل يغن شيئًا؛ لنكم‬ ‫كافرون‪ .‬وما دعاء الكافرين إل ف ضياع ل يُقبل‪ ,‬ول يُستجاب‪.‬‬ ‫‪1588‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَيوْ مَ يَقُو مُ الَ ْشهَادُ (‬ ‫ِإنّ ا َلنَن صُرُ رُ ُسَلنَا وَالّذِي نَ آ َمنُوا فِي اْل َ‬

‫‪)51‬‬

‫إنّا لننصر رسلنا ومَن تبعهم من الؤمني‪ ,‬ونؤيدهم على مَن آذاهم ف‬ ‫حياتم الدنيا‪ ,‬ويوم القيامة‪ ,‬يوم تشهد فيه اللئكة والنبياء والؤمنون‬ ‫على المم الت كذّبت رسلها‪ ,‬فتشهد بأن الرسل قد بلّغوا رسالت‬ ‫ربم‪ ,‬وأن المم كذّبتهم‪.‬‬ ‫َيوْمَ ل يَنفَ ُع الظّالِ ِميَ مَعْ ِذ َرُتهُمْ َوَلهُمْ اللّ ْعَنةُ َولَهُمْ سُوءُ الدّارِ (‪)52‬‬ ‫يوم الساب ل ينتفع الكافرون الذين تعدّوا حدود ال با يقدّمونه من‬ ‫عذر لتكذيبهم رسل ال‪ ,‬ولم الطرد من رحة ال‪ ,‬ولم الدار السيئة ف‬ ‫الخرة‪ ,‬وهي النار‪.‬‬ ‫ب (‪ُ )53‬هدًى‬ ‫َولَقَدْ آَتيْنَا مُو سَى اْلهُدَى وََأ ْو َرثْنَا بَنِي إِ ْسرَائِيلَ الْ ِكتَا َ‬ ‫ب (‪)54‬‬ ‫وَذِكْرَى لُولِي ا َللْبَا ِ‬

‫‪1589‬‬

‫ولقد آتينا موسى ما يهدي إل الق من التوراة والعجزات‪ ,‬وجعلنا بن‬ ‫إسرائيل يتوارثون التوراة خلفًا عن سلف‪ ,‬هادية إل سبيل الرشاد‪,‬‬ ‫وموعظة لصحاب العقول السليمة‪.‬‬ ‫ك وَ َسبّحْ ِبحَ ْمدِ َربّ كَ بِالْ َعشِيّ‬ ‫صبِرْ إِنّ وَعْ َد اللّ هِ حَقّ وَا ْستَغْفِ ْر لِ َذْنبِ َ‬ ‫فَا ْ‬ ‫وَا ِلبْكَارِ (‪)55‬‬ ‫فاصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على أذى الشركي‪ ,‬فقد وعدناك بإعلء‬ ‫كلمتك‪ ,‬ووعْدُنا حق ل يتخلف‪ ,‬واستغفر لذنبك‪ ,‬ودُ ْم على تنيه ربك‬ ‫عمّا ل يليق به‪ ,‬ف آخر النهار وأوله‪.‬‬ ‫صدُورِهِمْ إِلّ‬ ‫ت اللّهِ بِ َغيْ ِر ُسلْطَانٍ َأتَاهُمْ إِنْ فِي ُ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُيجَا ِدلُونَ فِي آيَا ِ‬ ‫ِكبْرٌ مَا هُمْ ِببَالِغِيهِ فَا ْستَعِ ْذ بِالّلهِ ِإّنهُ ُهوَ السّمِيعُ اْلبَصِيُ (‪)56‬‬ ‫شبَه‬ ‫إن الذين يدفعون الق بالباطل‪ ،‬ويردّون الجج الصحيحة بال ّ‬ ‫الفاسدة بل برهان ول حجة من ال‪ ،‬ليس ف صدور هؤلء إل تكب عن‬ ‫الق؛ حسدًا منهم على الفضل الذي آتاه ال نبيه‪ ،‬وكرامة النبوة الت‬ ‫أكرمه با‪ ،‬وهو أمر ليسوا بدركيه ول نائليه‪ ,‬فاعتصم بال من شرهم؛‬ ‫إنه هو السميع لقوالم‪ ,‬البصي بأفعالم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬ ‫‪1590‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ أَ ْكبَرُ مِ نْ خَلْ ِق النّا سِ َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّا سِ ل‬ ‫َلخَلْ قُ ال سّ َموَا ِ‬

‫يَعْلَمُونَ (‪)57‬‬

‫لَخَلْق ال السموات والرض أكب من خَلْق الناس وإعادتم بعد موتم‪,‬‬ ‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن خلق جيع ذلك هيّن على ال‪.‬‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّالِحَاتِ وَل‬ ‫َصميُ وَالّذ َ‬ ‫َسمَتوِي الَعْمَى وَاْلب ِ‬ ‫وَمَا ي ْ‬ ‫ل مَا َتتَذَكّرُونَ (‪)58‬‬ ‫الْ ُمسِيءُ قَلِي ً‬ ‫وما يستوي العمى والبصي‪ ,‬وكذلك ل يستوي الؤمنون الذين يُقِرّون‬ ‫بأن ال هو الله الق ل شريك له‪ ،‬ويستجيبون لرسله ويعملون بشرعه‪,‬‬ ‫والاحدون الذين ينكرون أن ال هو الله الق‪ ،‬ويكذبون رسله ول‬ ‫يعملون بشرعه‪ .‬قليل ما تتذكرون ‪-‬أيها الناس‪ -‬حجج ال‪ ,‬فتعتبون‪,‬‬ ‫وتتعظون با‪.‬‬ ‫ِإنّ السّاعَةَ لِتَيةٌ ل َريْبَ فِيهَا َولَكِنّ أَ ْكثَرَ النّاسِ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)59‬‬

‫‪1591‬‬

‫إن الساعة لتية ل شك فيها‪ ,‬فأيقنوا بجيئها‪ ,‬كما أخبتْ بذلك‬ ‫صدّقون بجيئها‪ ,‬ول يعملون لا‪.‬‬ ‫الرسل‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يُ َ‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ عَ نْ ِعبَادَتِي‬ ‫وَقَالَ َربّكُ مْ ادْعُونِي أَ ْسَتجِبْ لَكُ مْ إِنّ الّذِي نَ يَ ْ‬ ‫َسيَ ْدخُلُونَ َج َهنّمَ دَا ِخرِينَ (‪)60‬‬ ‫وقال ربكم‪ -‬أيها العباد‪ :-‬ادعون وحدي وخصّون بالعبادة أستجب‬ ‫لكم‪ ,‬إن الذين يتكبون عن إفرادي بالعبودية واللوهية‪ ,‬سيدخلون‬ ‫جهنم صاغرين حقيين‪.‬‬ ‫اللّ هُ الّذِي َجعَلَ لَكُ ْم الّليْلَ ِلتَ سْ ُكنُوا فِي هِ وَالّنهَارَ ُمبْ صِرا ِإنّ اللّ هَ لَذُو فَضْلٍ‬ ‫عَلَى النّاسِ َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيشْ ُكرُونَ (‪)61‬‬ ‫ال وحده هو الذي جعل لكم الليل؛ لتسكنوا فيه‪ ,‬وتققوا راحتكم‪,‬‬ ‫والنهار مضيئًا؛ لتُصَرّفوا فيه أمور معاشكم‪ .‬إن ال لذو فضل عظيم على‬ ‫الناس‪ ,‬ولكن أكثرهم ل يشكرون له بالطاعة وإخلص العبادة‪.‬‬ ‫َذلِكُمْ الّلهُ َربّكُمْ خَالِقُ كُلّ شَ ْي ٍء ل ِإَلهَ إِلّ ُهوَ َفَأنّا ُتؤْفَكُونَ (‪)62‬‬ ‫‪1592‬‬

‫الذي أنعم عليكم بذه النعم إنا هو ربكم خالق الشياء كلها‪ ,‬ل إله‬ ‫يستحق العبادة غيه‪ ,‬فكيف تعدلون عن اليان به‪ ,‬وتعبدون غيه من‬ ‫الوثان‪ ,‬بعد أن تبينت لكم دلئله؟‬ ‫جحَدُونَ (‪)63‬‬ ‫ت اللّهِ َي ْ‬ ‫ك الّذِينَ كَانُوا بِآيَا ِ‬ ‫ك ُيؤْفَ ُ‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫كما كذّبتم بالق ‪-‬يا كفار قريش‪ -‬وأعرضتم عنه إل الباطل‪ ،‬يُصرف‬ ‫عن الق واليان به الذين كانوا بجج ال وأدلته يحدون ‪.‬‬ ‫ْسم َن‬ ‫َصموّرَكُ ْم فََأح َ‬ ‫َالسممَاءَ ِبنَاءً و َ‬ ‫ْضم قَرَارا و ّ‬ ‫ُمم ا َلر َ‬ ‫ّهم الّذِي َجعَلَ لَك ْ‬ ‫الل ُ‬ ‫ص َورَكُمْ َو َرزَقَكُمْ مِنْ ال ّطّيبَاتِ َذلِ ُك ْم اللّهُ َربّكُ ْم َفَتبَارَكَ اللّهُ رَبّ الْعَالَ ِميَ‬ ‫ُ‬ ‫(‪)64‬‬ ‫ال الذي جعل لكم الرض؛ لتستقروا فيها‪ ,‬ويسّر لكم القامة عليها‪,‬‬ ‫ث فيها من العلمات الادية‪ ,‬وخلقكم‬ ‫وجعل السماء سقفًا للرض‪ ,‬وب ّ‬ ‫ف أكمل هيئة وأحسن تقوي‪ ,‬وأنعم عليكم بلل الرزق ولذيذ الطاعم‬ ‫والشارب‪ ,‬ذلكم الذي أنعم عليكم بذه النعم هو ربكم‪ ,‬فتكاثر خيه‬ ‫وفضله وبركته‪ ,‬وتنّه عمّا ل يليق به‪ ,‬وهو ربّ اللئق أجعي‪.‬‬ ‫‪1593‬‬

‫ّهم رَبّ‬ ‫ّينم الْحَمْ ُد لِل ِ‬ ‫َهم الد َ‬ ‫ِصميَ ل ُ‬ ‫ُوهم ُمخْل ِ‬ ‫َهمإِلّ ُه َو فَادْع ُ‬ ‫ُهوَ اْلحَيّ ل ِإل َ‬

‫الْعَالَ ِميَ (‪)65‬‬

‫هو ال سبحانه الي الذي له الياة الكاملة التامة ل إله غيه‪ ,‬فاسألوه‬ ‫واصرفوا عبادتكم له وحده‪ ,‬ملصي له دينكم وطاعتكم‪ .‬فالمد ل‬ ‫والثناء الكامل له رب اللئق أجعي‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّي ُنهِي تُ أَ نْ أَ ْعبُ َد الّذِي نَ تَدْعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ لَمّا جَاءَنِي اْلَبّينَا تُ‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)66‬‬ ‫مِنْ َربّي وَُأمِرْتُ َأنْ أُسْلِ َم لِرَ ّ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬إن نُهيت أن أعبد الذين تدعون‬ ‫من دون ال‪ ,‬لممّا جاءن اليات الواضحات من عند رب‪ ,‬وأمرن أن‬ ‫أخضع وأنقاد بالطاعة التامة له‪ ,‬سبحانه رب العالي‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َخلَقَكُ ْم مِنْ تُرَابٍ ثُ ّم مِنْ نُطْ َفةٍ ثُ ّم مِنْ َعلَ َقةٍ ثُ ّم ُيخْرِجُكُ ْم طِفْ ً‬ ‫ل‬ ‫ثُمّ ِلَتبْلُغُوا أَ ُشدّكُ ْم ثُمّ ِلتَكُونُوا ُشيُوخا وَ ِمنْكُ ْم مَ نْ ُيَتوَفّى مِ ْن َقبْلُ َوِلَتبْلُغُوا‬ ‫َأجَلً ُمسَمّى َولَعَلّكُ ْم تَعْقِلُونَ ( ‪)67‬‬ ‫‪1594‬‬

‫هو ال الذي خلق أباكم آدم من تراب‪ ,‬ث أوجدكم من النّ بقدرته‪,‬‬ ‫وبعد ذلك تنتقلون إل طور الدم الغليظ الحر‪ ,‬ث تري عليكم أطوار‬ ‫متعددة ف الرحام‪ ,‬إل أن تولدوا أطفال صغارًا‪ ,‬ث تقوى ِبْنَيتُكم إل أن‬ ‫تصيوا شيوخًا‪ ,‬ومنكم من يوت قبل ذلك‪ ,‬ولتبلغوا بذه الطوار‬ ‫القدّرة أجل مسمى تنتهي عنده أعماركم‪ ,‬ولعلكم تعقلون حجج ال‬ ‫عليكم بذلك‪ ,‬وتتدبرون آياته‪ ,‬فتعرفون أنه ل إله غيه يفعل ذلك‪ ,‬وأنه‬ ‫الذي ل تنبغي العبادة إل له‪.‬‬ ‫ت َفإِذَا قَضَى أَمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ لَ هُ كُ نْ َفيَكُو نُ (‬ ‫ُهوَ الّذِي ُيحْ ِي َويُمِي ُ‬ ‫‪)68‬‬ ‫هو سبحانه التفرد بالحياء والماتة‪ ,‬فإذا قضى أمرًا فإنا يقول له‪:‬‬ ‫"كن"‪ ,‬فيكون‪ ,‬ل را ّد لقضائه‪.‬‬ ‫َألَمْ تَرَى ِإلَى الّذِي َن ُيجَا ِدلُونَ فِي آيَاتِ الّلهِ َأنّى يُصْرَفُونَ (‪)69‬‬ ‫أل تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من هؤلء الكذّبي بآيات ال ياصمون‬ ‫فيها‪ ,‬وهي واضحة الدللة على توحيد ال وقدرته‪ ,‬كيف يعدلون عنها‬ ‫مع صحتها؟ وإل أيّ شيء يذهبون بعد البيان التام؟‬ ‫‪1595‬‬

‫سوْفَ يَعَْلمُونَ (‪ِ )70‬إذْ‬ ‫الّذِينَ كَ ّذبُوا بِالْ ِكتَابِ َوبِمَا َأرْسَ ْلنَا بِ ِه رُ سَُلنَا فَ َ‬ ‫حبُونَ (‪ )71‬فِي اْلحَمِي ِم ثُمّ فِي النّارِ‬ ‫الَغْللُ فِي أَ ْعنَاِقهِ ْم وَالسّلسِلُ ُيسْ َ‬ ‫ُيسْجَرُونَ (‪)72‬‬ ‫هؤلء الشركون الذين كذّبوا بالقرآن والكتب السماوية الت أنزلا ال‬ ‫على رسله لداية الناس‪ ,‬فسوف يعلم هؤلء الكذبون عاقبة تكذيبهم‬ ‫حي تُجعل الغلل ف أعناقهم‪ ,‬والسلسل ف أرجلهم‪ ,‬وتسحبهم‬ ‫زبانية العذاب ف الاء الار الذي اشتدّ غليانه وحرّه‪ ,‬ث ف نار جهنم‬ ‫يوقد بم‪.‬‬ ‫ثُمّ قِيلَ َلهُ مْ َأيْ نَ مَا ُكْنُتمْ ُتشْرِكُونَ (‪ )73‬مِ نْ دُونِ اللّ هِ قَالُوا ضَلّوا َعنّا‬

‫ك يُضِلّ الّلهُ الْكَاِفرِينَ (‪)74‬‬ ‫بَلْ لَمْ نَكُ ْن نَدْعُو مِ ْن َقبْلُ َشيْئا كَ َذلِ َ‬

‫ث قيل لم توبيخًا‪ ,‬وهم ف هذه الال التعيسة‪ :‬أين اللة الت كنتم‬ ‫تعبدونا من دون ال؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم؛ لينقذوكم من‬ ‫هذا البلء الذي حلّ بكم إن استطاعوا‪ ,‬قال الكذبون‪ :‬غابوا عن‬ ‫عيوننا‪ ,‬فلم ينفعونا بشيء‪ ,‬ويعترفون بأنم كانوا ف جهالة من أمرهم‪,‬‬ ‫وأن عبادتم لم كانت باطلة ل تساوي شيئًا‪ ,‬كما أضل ال هؤلء‬ ‫‪1596‬‬

‫الذين ضلّ عنهم ف جهنم ما كانوا يعبدون ف الدنيا من دون ال‪ ,‬يضل‬ ‫ال الكافرين به‪.‬‬ ‫َذلِكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم تَفْرَحُو نَ فِي ا َلرْ ضِ بِ َغيْرِ اْلحَقّ َوبِمَا ُكْنتُ ْم تَ ْمرَحُو نَ (‬ ‫‪)75‬‬ ‫ذلكم العذاب الذي أصابكم إنا هو بسبب ما كنتم عليه ف حياتكم‬ ‫الدنيا من غفلة‪ ,‬حيث كنتم تفرحون با تقترفونه من العاصي والثام‪,‬‬ ‫وبا أنتم عليه من الشَر والبَطَر والبغي على عباد ال‪.‬‬ ‫ا ْدخُلُوا َأْبوَابَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َفِبْئسَ َمْثوَى الْ ُمتَ َكبّرِينَ (‪)76‬‬ ‫ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بال ومعصيتكم له‬ ‫خالدين فيها‪ ,‬فبئست جهنم نزل للمتكبين ف الدنيا على ال‪.‬‬ ‫ك َفِإَلْينَا‬ ‫ك بَعْضَ الّذِي نَ ِعدُهُمْ َأوْ َنَتوَّفَينّ َ‬ ‫صبِرْ ِإنّ وَعْ َد اللّهِ حَقّ َفإِمّا نُ ِرَينّ َ‬ ‫فَا ْ‬ ‫يُرْ َجعُونَ (‪)77‬‬

‫‪1597‬‬

‫فاصب أيها الرسول‪ ,‬وامض ف طريق الدعوة‪ ,‬إن وعد ال حق‪ ,‬وسُينْجِز‬ ‫لك ما وعدك‪ ,‬فإما نرينّك ف حياتك بعض الذي نعد هؤلء الشركي‬ ‫من العذاب‪ ,‬أو نتوفينّك قبل أن يلّ ذلك بم‪ ,‬فإلينا مصيهم يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬وسنذيقهم العذاب الشديد با كانوا يكفرون‪.‬‬ ‫صنَا عََلْي كَ وَ ِمْنهُ مْ مَ ْن لَ ْم‬ ‫ك ِمْنهُ مْ مَ ْن قَ صَ ْ‬ ‫َولَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا رُ ُسلً مِ نْ َقبْلِ َ‬ ‫نَقْ صُصْ عََلْي كَ وَمَا كَا نَ لِرَ سُولٍ أَ نْ يَ ْأتِ يَ بِآَيةٍ إِلّ ِبإِذْ نِ اللّ هِ َفإِذَا جَاءَ أَمْرُ‬ ‫اللّهِ قُضِيَ بِاْلحَقّ َو َخسِرَ ُهنَالِكَ الْ ُمبْطِلُونَ (‪)78‬‬ ‫ولقد أرسلنا مِن قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسل كثيين إل قومهم‬ ‫يدعونم‪ ,‬ويصبون على أذاهم‪ :‬منهم مَن قصصنا عليك خبهم‪ ,‬ومنهم‬ ‫مَن ل نقصص عليك‪ ,‬وكلهم مأمورون بتبليغ وحي ال إليهم‪ .‬وما كان‬ ‫لحد منهم أن يأت بآية من اليات السية أو العقلية إل بإذن ال‬ ‫ومشيئته‪ ,‬فإذا جاء أمر ال بعذاب الكذبي قُضِي بالعدل بي الرسل‬ ‫ومكذبيهم‪ ,‬وخسر هنالك البطلون؛ لفترائهم على ال الكذب‪,‬‬ ‫وعبادتم غيه‪.‬‬ ‫اللّ هُ الّذِي َجعَلَ لَكُ ْم ا َلنْعَا مَ ِلتَرْ َكبُوا ِمْنهَا وَ ِمْنهَا تَأْكُلُو نَ (‪َ )79‬ولَكُ مْ‬ ‫‪1598‬‬

‫ْكم‬ ‫صمدُورِكُ ْم وَعََليْهَا وَعَلَى الْفُل ِ‬ ‫ِعم وَِلَتبْلُغُوا عََليْهَا حَا َجةً فِي ُ‬ ‫فِيهَا َمنَاف ُ‬ ‫ُتحْمَلُونَ (‪)80‬‬ ‫ال سبحانه هو الذي جعل لكم النعام؛ لتنتفعوا با‪ :‬من منافع الركوب‬ ‫والكل وغيها من أنواع النافع‪ ,‬ولتبلغوا بالمولة على بعضها حاجةً ف‬ ‫صدوركم من الوصول إل القطار البعيدة‪ ,‬وعلى هذه النعام ُتحْمَلون‬ ‫ف البية‪ ,‬وعلى الفلك ف البحر ُتحْمَلون كذلك‪.‬‬ ‫ت الّلهِ تُنكِرُونَ (‪)81‬‬ ‫َويُرِي ُكمْ آيَاِتهِ فََأيّ آيَا ِ‬ ‫ويريكم ال تعال دلئله الكثية الواضحة الدالة على قدرته وتدبيه ف‬ ‫خلقه‪ ,‬فأي آية من آياته تنكرونا‪ ,‬ول تعترفون با؟‬ ‫أَفَلَمْ يَسِيُوا فِي ا َلرْضِ َفيَنظُرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِمْ كَانُوا‬ ‫ُمم مَا كَانُوا‬ ‫ْضم فَم َا أَغْن َى َعْنه ْ‬ ‫ُمم وََأشَ ّد ُقوّةً وَآثَارا ف ِي ا َلر ِ‬ ‫أَ ْكثَ َر ِمْنه ْ‬ ‫سبُونَ (‪)82‬‬ ‫يَ ْك ِ‬ ‫أفلم َيسِ ْر هؤلء الكذبون ف الرض ويتفكروا ف مصارع المم الكذبة‬ ‫من قبلهم‪ ,‬كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه المم السابقة أكثر منهم‬ ‫‪1599‬‬

‫عددًا وعدة وآثارًا ف الرض من البنية والصانع والغراس وغي ذلك‪,‬‬ ‫فما أغن عنهم ما كانوا يكسبونه حي حلّ بم بأس ال‪.‬‬ ‫ت فَ ِرحُوا بِمَا ِعْندَهُ مْ مِ نْ الْعِلْ مِ َوحَا قَ ِبهِ مْ‬ ‫َفلَمّا جَاءَْتهُ ْم رُ سُُلهُمْ بِاْلَبّينَا ِ‬ ‫ستَهْ ِزئُون (‪)83‬‬ ‫مَا كَانُوا ِب ِه َي ْ‬ ‫فلما جاءت هؤلء المم الكذبة رسلُها بالدلئل الواضحات‪ ,‬فرحوا‬ ‫جهل منهم با عندهم من العلم الناقض لا جاءت به الرسل‪ ,‬وحلّ بم‬ ‫من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلَهم على سبيل السخرية‬ ‫والستهزاء‪ .‬وف الية دليل على أن كل علم يناقض السلم‪ ,‬أو يقدح‬ ‫فيه‪ ,‬أو يشكك ف صحته‪ ,‬فإنه مذموم مقوت‪ ,‬ومعتقده ليس من أتباع‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َفلَمّ ا رََأوْا بَأْ َسنَا قَالُوا آ َمنّ ا بِاللّ هِ وَ ْحدَ ُه وَكَفَرْنَا بِمَا ُكنّ ا بِ هِ ُمشْرِكِيَ (‬ ‫‪)84‬‬ ‫فلما رأوا عذابنا أقرّوا حي ل ينفع القرار‪ ,‬وقالوا‪ :‬آمنا بال وحده‪,‬‬ ‫وكفرنا با كنا به مشركي ف عبادة ال‪.‬‬ ‫‪1600‬‬

‫َفلَمْ َيكُ َينْفَ ُعهُمْ ِإيَانُهُ ْم لَمّا رََأوْا بَأْ َسنَا ُسّنةَ اللّهِ اّلتِي قَدْ خََلتْ فِي ِعبَادِهِ‬

‫ك الْكَافِرُونَ (‪)85‬‬ ‫وَ َخسِرَ ُهنَالِ َ‬

‫فلم يك ينفعهم إيانم هذا حي رأوا عذابنا; وذلك لنه إيان قد‬ ‫اضطروا إليه‪ ,‬ل إيان اختيار ورغبة‪ ,‬سنة ال وطريقته الت سنّها ف المم‬ ‫كلها أن ل ينفعها اليان إذا رأوا العذاب‪ ,‬وهلك عند ميء بأس ال‬ ‫الكافرون بربم‪ ,‬الاحدون توحيده وطاعته‪.‬‬

‫‪ -41‬سورة فصلت‬ ‫حم (‪)1‬‬ ‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫تَنِيلٌ مِنْ الرّحْمَ ِن الرّحِيمِ (‪)2‬‬

‫‪1601‬‬

‫هذا القرآن الكري تنيل من الرحن الرحيم‪ ,‬نزّله على نبيه ممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ت آيَاُتهُ قُرْآنا عَ َرِبيّا لِ َقوْمٍ يَعْلَمُونَ (‪)3‬‬ ‫ب فُصّلَ ْ‬ ‫ِكتَا ٌ‬ ‫كتاب ُبيّنت آياته تام البيان‪َ ،‬و ُوضّحت معانيه وأحكامه‪ ,‬قرآنًا عربيًا‬ ‫ميسّرًا فهمه لقوم يعلمون اللسان العرب‪.‬‬ ‫َبشِيا َونَذِيرا فَأَعْرَضَ أَ ْكثَرُهُ ْم َفهُ ْم ل َيسْمَعُونَ (‪)4‬‬ ‫بشيًا بالثواب العاجل والجل لن آمن به وعمل بقتضاه‪ ,‬ونذيرًا‬ ‫بالعقاب العاجل والجل لن كفر به‪ ,‬فأعرض عنه أكثر الناس‪ ,‬فهم ل‬ ‫يسمعون له ساع قَبول وإجابة‪.‬‬ ‫وَقَالُوا قُلُوُبنَا فِي أَ ِكّنةٍ مِمّا تَدْعُونَا ِإَليْ هِ وَفِي آذَاِننَا وَقْ ٌر وَمِ ْن َبْيِننَا َوَبْينِ كَ‬

‫ِحجَابٌ فَاعْمَلْ ِإّننَا عَامِلُونَ (‪)5‬‬

‫وقال هؤلء العرضون الكافرون للنب ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قلوبنا‬ ‫ف أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه‪ ,‬وف آذاننا صمم فل نسمع‪,‬‬ ‫‪1602‬‬

‫ومن بيننا وبينك‪ -‬يا ممد‪ -‬ساتر يجبنا عن إجابة دعوتك‪ ,‬فاعمل‬ ‫على وَفْق دينك‪ ,‬كما أننا عاملون على وَفْق ديننا‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنّمَا َأنَا َبشَرٌ ِمْثلُكُ ْم يُوحَى ِإلَيّ َأنّمَا ِإَلهُكُ مْ ِإلَ هٌ وَاحِدٌ فَا ْستَقِيمُوا ِإَليْ هِ‬ ‫وَا ْستَغْ ِفرُوهُ َو َويْلٌ لِلْ ُمشْرِ ِكيَ (‪ )6‬الّذِي نَ ل ُي ْؤتُو نَ الزّكَاةَ وَ ُه ْم بِالخِرَةِ‬ ‫هُ ْم كَافِرُونَ (‪)7‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إنا أنا بشر مثلكم يوحي ال إلّ أنا إلكم‬ ‫الذي يستحق العبادة‪ ،‬إله واحد ل شريك له‪ ,‬فاسلكوا الطريق الوصل‬ ‫إليه‪ ,‬واطلبوا مغفرته‪ .‬وعذاب للمشركي الذين عبدوا من دون ال أوثانًا‬ ‫ل تنفع ول تضر‪ ,‬والذين ل يطهروا أنفسهم بتوحيد ربم‪ ,‬والخلص‬ ‫له‪ ,‬ول يصلّوا ول يزكّوا‪ ,‬فل إخلص منهم للخالق ول نفع فيهم‬ ‫للخلق‪ ,‬وهم ل يؤمنون بالبعث‪ ,‬ول بالنة والنار‪ ,‬ول ينفقون ف طاعة‬ ‫ال‪.‬‬ ‫ت َلهُمْ َأجْ ٌر َغيْرُ َم ْمنُونٍ (‪)8‬‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬ ‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وكتابه وعملوا العمال الصالة ملصي ل‬ ‫فيها‪ ,‬لم ثواب عظيم غي مقطوع ول منوع‪.‬‬ ‫‪1603‬‬

‫قُلْ َأِئنّكُ مْ َلتَكْ ُفرُو نَ بِالّذِي خَلَ َق ا َلرْ ضَ فِي َيوْ َميْ نِ َوَتجْعَلُو نَ لَ هُ أَندَادا‬

‫ك رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)9‬‬ ‫َذلِ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي موبًا لم ومتعجبًا من فعلهم‪:‬‬ ‫أإنكم لتكفرون بال الذي خلق الرض ف يومي اثني‪ ,‬وتعلون له‬ ‫نظراء وشركاء تعبدونم معه؟ ذلك الالق هو رب العالي كلهم‪.‬‬ ‫وَ َجعَلَ فِيهَا َروَا سِيَ مِ ْن َفوِْقهَا َوبَارَ كَ فِيهَا وَقَ ّدرَ فِيهَا َأ ْقوَاتَهَا فِي َأ ْربَ َعةِ‬ ‫َأيّامٍ َسوَاءً لِلسّائِِليَ (‪)10‬‬ ‫وجعل سبحانه ف الرض جبال ثوابت من فوقها‪ ,‬وبارك فيها فجعلها‬ ‫دائمة الي لهلها‪ ,‬وقدّر فيها أرزاق أهلها من الغذاء‪ ,‬وما يصلحهم من‬ ‫العاش ف تام أربعة أيام‪ :‬يومان خلق فيهما الرض‪ ,‬ويومان جعل فيها‬ ‫رواسي وقدر فيها أقواتا‪ ,‬سواء للسائلي أي‪ :‬لن أراد السؤال عن ذلك؛‬ ‫ليعلمه‪.‬‬ ‫لرْ ضِ ِاْئِتيَا َطوْعا فَقَالَ‬ ‫ثُمّ ا ْسَتوَى ِإلَى ال سّمَاءِ وَهِ يَ ُدخَا نٌ فَقَالَ َلهَا َولِ َ‬

‫لرْضِ ِاْئِتيَا َطوْعا َأوْ َكرْها قَاَلتَا َأَتْينَا طَائِعِيَ ( ‪)11‬‬ ‫َلهَا َولِ َ‬ ‫‪1604‬‬

‫ث استوى سبحانه وتعال‪ ,‬أي قصد إل السماء وكانت دخانًا من قبلُ‪,‬‬ ‫فقال للسماء وللرض‪ :‬انقادا لمري متارتي أو مبتي‪ .‬قالتا‪ :‬أتينا‬ ‫مذعني لك‪ ,‬ليس لنا إرادة تالف إرادتك‪.‬‬ ‫َفقَضَاهُنّ َسبْ َع سَمَاوَاتٍ فِي َيوْ َميْ نِ وََأوْحَى فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا َو َزيّنّا‬ ‫ك تَقْدِيرُ الْعَزِي ِز الْعَلِي ِم (‪)12‬‬ ‫السّمَاءَ ال ّدْنيَا بِمَصَابِيحَ َوحِفْظا َذلِ َ‬ ‫فقضى ال خلق السموات السبع وتسويتهن ف يومي‪ ,‬فتم بذلك خلق‬ ‫السموات والرض ف ستة أيام‪ ,‬لكمة يعلمها ال‪ ,‬مع قدرته سبحانه‬ ‫على خلقهما ف لظة واحدة‪ ,‬وأوحى ف كل ساء ما أراده وما أمر به‬ ‫فيها‪ ,‬وزيّنا السماء الدنيا بالنجوم الضيئة‪ ,‬وحفظًا لا من الشياطي الذين‬ ‫يسترقون السمع‪ ,‬ذلك اللق البديع تقدير العزيز ف ملكه‪ ,‬العليم الذي‬ ‫أحاط علمه بكل شيء‪.‬‬ ‫َفِإنْ أَعْ َرضُوا فَقُلْ أَن َذ ْرتُكُ ْم صَاعِقَةً ِمثْلَ صَاعِ َقةِ عَادٍ َوثَمُو َد (‪)13‬‬ ‫فإن أعرض هؤلء الكذبون بعدما ُبيّن لم من أوصاف القرآن الميدة‪,‬‬ ‫ومن صفات ال العظيم‪ ,‬فقل لم‪ :‬قد أنذرتكم عذابًا يستأصلكم مثل‬ ‫عذاب عاد وثود حي كفروا بربم وعصوا رسله‪.‬‬ ‫‪1605‬‬

‫إِذْ جَا َءتْهُ مْ الرّ سُلُ مِ ْن َبيْ نِ َأيْدِيهِ ْم وَمِ نْ خَلْ ِفهِ مْ أَلّ تَ ْعبُدُوا إِلّ اللّ هَ قَالُوا‬

‫َلوْ شَاءَ َرّبنَا لَنزَلَ مَلِئ َكةً َفِإنّا بِمَا ُأ ْرسِ ْلتُمْ ِب ِه كَافِرُونَ ( ‪)14‬‬

‫حي جاءت الرسل عادًا وثود‪ ,‬يتبع بعضهم بعضًا متوالي‪ ,‬يأمرونم‬ ‫بعبادة ال وحده ل شريك له‪ ,‬قالوا لرسلهم‪ :‬لو شاء ربنا أن نوحده ول‬ ‫نعبد من دونه شيئًا غيه‪ ,‬لنزل إلينا ملئكة من السماء رسل با تدعوننا‬ ‫إليه‪ ,‬ول يرسلكم وأنتم بشر مثلنا‪ ,‬فإنا با أرسلكم ال به إلينا من اليان‬ ‫بال وحده جاحدون‪.‬‬ ‫َفأَمّا عَادٌ فَا ْستَ ْكبَرُوا فِي ا َلرْ ضِ بِ َغيْ ِر اْلحَقّ وَقَالُوا مَ نْ أَ َشدّ ِمنّا ُقوّةً َأ َولَ ْم‬ ‫يَ َروْا َأنّ اللّ هَ الّذِي خَلَ َقهُ ْم ُهوَ أَشَ ّد ِمْنهُ مْ ُقوّةً وَكَانُوا بِآيَاِتنَا َيجْحَدُو نَ (‬ ‫‪)15‬‬ ‫فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا ف الرض على العباد بغي حق‪ ,‬وقالوا ف‬ ‫غرور‪ :‬مَن أشد منا قوة؟ أول يروا أن ال تعال الذي خلقهم هو أشدّ‬ ‫منهم قوة وبطشًا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يحدون‪.‬‬ ‫َفَأرْ سَ ْلنَا َعَلْيهِ ْم رِيا صَ ْرصَرا فِي َأيّا مٍ َنحِ سَاتٍ ِلنُذِي َقهُ مْ عَذَا بَ اْلخِزْ يِ‬ ‫‪1606‬‬

‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َولَعَذَابُ الخِرَةِ َأخْزَى وَهُمْ ل ُينْصَرُونَ (‪)16‬‬ ‫فِي اْل َ‬ ‫فأرسلنا عليهم ريًا شديدة البودة عالية الصوت ف أيام مشؤومات‬ ‫عليهم؛ لنذيقهم عذاب الذل والوان ف الياة الدنيا‪ ,‬ولَعذاب الخرة‬ ‫أشد ذل وهوانًا‪ ,‬وهم ل ُينْصَرون بنع العذاب عنهم‪.‬‬ ‫حبّوا الْعَمَى عَلَى اْلهُدَى فَأَخَ َذْتهُم ْم صمَاعِ َقةُ‬ ‫مَ‬ ‫وَأَمّامثَمُودُ َفهَ َدْينَاهُم ْم فَاس َْت‬ ‫سبُونَ (‪)17‬‬ ‫الْعَذَابِ اْلهُونِ بِمَا كَانُوا يَ ْك ِ‬ ‫وأما ثود قوم صال فقد بينّا لم سبيل الق وطريق الرشد‪ ,‬فاختاروا‬ ‫العمى على الدى‪ ,‬فأهلكتهم صاعقة العذاب الهي؛ بسبب ما كانوا‬ ‫يقترفون من الثام بكفرهم بال وتكذيبهم رسله‪.‬‬ ‫جْينَا الّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ (‪)18‬‬ ‫َوَن ّ‬ ‫ونّينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذ عادًا وثود‪ ,‬وكان هؤلء‬ ‫الناجون يافون ال ويتقونه‪.‬‬ ‫ُونم (‪َ )19‬حتّىمِإذَا مَا‬ ‫ُمم يُوزَع َ‬ ‫ّهمِإلَى النّارِ َفه ْ‬ ‫ْمم ُيحْشَرُ أَعْدَاءُ الل ِ‬ ‫َوَيو َ‬ ‫‪1607‬‬

‫جَاءُوهَا َش ِهدَ عََلْيهِ مْ سَ ْم ُعهُمْ وََأبْ صَارُهُ ْم وَجُلُودُ ُه ْم بِمَا كَانُوا يَعْ َملُو نَ (‬ ‫‪)20‬‬ ‫ويوم يُحشر أعداء ال إل نار جهنم‪ ,‬تَ ُردّ زبانية العذاب أولَهم على‬ ‫آخرهم‪ ,‬حت إذا ما جاؤوا النار‪ ,‬وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سعهم‬ ‫وأبصارهم وجلودهم با كانوا يعملون ف الدنيا من الذنوب والثام‪.‬‬ ‫وَقَالُوا ِلجُلُودِهِ مْ لِ مَ َشهِ ْدتُ ْم عََلْينَا قَالُوا أَنطَ َقنَا اللّ هُ الّذِي أَنطَ قَ كُلّ شَ ْيءٍ‬ ‫وَ ُهوَ خَلَ َقكُمْ َأوّلَ مَرّ ٍة وَِإَلْيهِ تُرْجَعُونَ (‪)21‬‬ ‫وقال هؤلء الذين ُيحْشرون إل النار من أعداء ال للودهم معاتبي‪ :‬لِ َم‬ ‫شهدت علينا؟ فأجابتهم جلودهم‪ :‬أنطقنا ال الذي أنطق كل شيء‪ ,‬وهو‬ ‫الذي خلقكم أول مرة ول تكونوا شيئًا‪ ,‬وإليه مصيكم بعد الوت‬ ‫للحساب والزاء‪.‬‬ ‫سممْعُكُ ْم وَل َأبْصمَارُكُمْ وَل‬ ‫ُمم َ‬ ‫شهَدَ عََليْك ْ‬ ‫َنم َي ْ‬ ‫َسمَتتِرُونَ أ ْ‬ ‫ُمم ت ْ‬ ‫وَم َا ُكْنت ْ‬

‫جُلُودُ ُك ْم َولَكِنْ َظَنْنتُمْ َأنّ اللّهَ ل يَعَْل ُم َكثِيا ِممّا تَ ْعمَلُونَ (‪َ )22‬و َذلِكُمْ‬ ‫حتُمْ مِ ْن الْخَاسِرِينَ (‪)23‬‬ ‫صَب ْ‬ ‫َظنّكُمْ الّذِي َظنَنتُمْ بِ َربّ ُكمْ َأرْدَاكُ ْم فََأ ْ‬ ‫‪1608‬‬

‫سَتخْفون عند ارتكابكم العاصي؛ خوفًا من أن يشهد عليكم‬ ‫وما كنتم َت ْ‬ ‫سعكم ول أبصاركم ول جلودكم يوم القيامة‪ ,‬ولكن ظننتم بارتكابكم‬ ‫العاصي أن ال ل يعلم كثيًا من أعمالكم الت تعصون ال با‪ .‬وذلكم‬ ‫ظنكم السيّئ الذي ظننتموه بربكم أهلككم‪ ,‬فأوردكم النار‪ ,‬فأصبحتم‬ ‫اليوم من الاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم‪.‬‬ ‫ستَ ْعتِبُوا َفمَا هُ ْم مِنْ الْمُ ْعَتِبيَ (‪)24‬‬ ‫صبِرُوا فَالنّارُ َمْثوًى َلهُمْ وَِإ ْن َي ْ‬ ‫َفِإنْ يَ ْ‬ ‫فإن يصبوا على العذاب فالنار مأواهم‪ ,‬وإن يسألوا الرجوع إل الدنيا؛‬ ‫ليستأنفوا العمل الصال ل يُجابوا إل ذلك‪ ,‬ول تُقبل لم أعذار‪.‬‬ ‫وََقيّضْنَا َلهُ مْ قُ َرنَاءَ فَ َزّينُوا َلهُ مْ مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم وَمَا َخلْ َفهُ مْ وَحَقّ عََلْيهِ ْم‬ ‫الْقَوْلُ فِي ُأمَمٍ قَدْ خََلتْ مِنْ َقبِْلهِمْ مِ ْن الْجِنّ وَالِنسِ ِإّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ‬ ‫(‪)25‬‬ ‫وهيأنا لؤلء الظالي الاحدين قرناء فاسدين من شياطي النس والن‪,‬‬ ‫فزينوا لم قبائح أعمالم ف الدنيا‪ ,‬ودعَوهم إل لذاتا وشهواتا الحرمة‪,‬‬ ‫و َزيّنوا لم ما خَلْفهم من أمور الخرة‪ ,‬فأنسوهم ذِكرها‪ ,‬ودعَوهم إل‬ ‫التكذيب بالعاد‪ ,‬وبذلك استحقوا دخول النار ف جلة أمم سابقة من‬ ‫‪1609‬‬

‫كفرة الن والنس‪ ,‬إنم كانوا خاسرين أعمالم ف الدنيا وأنفسهم‬ ‫وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا ل تَ سْمَعُوا ِلهَذَا الْقُرْآ نِ وَالْ َغوْا فِي هِ لَعَلّ ُك مْ تَغِْلبُو نَ (‬ ‫‪)26‬‬ ‫وقال الكافرون بعضهم لبعض متواصي فيما بينهم‪ :‬ل تسمعوا لذا‬ ‫القرآن‪ ,‬ول تطيعوه‪ ،‬ول تنقادوا لوامره‪ ,‬وارفعوا أصواتكم بالصياح‬ ‫والصفي والتخليط على ممد إذا قرأ القرآن؛ لعلكم تغلبونه‪ ,‬فيترك‬ ‫القراءة‪ ,‬وننتصر عليه‪.‬‬ ‫موََأ الّذِي كَانُوا‬ ‫م أَس ْ‬ ‫م كَفَرُوا َعذَابا َشدِيدا َولََنجْ ِزَيّنهُم ْ‬ ‫َفَلنُذِيقَنّم الّذِين َ‬ ‫يَعْمَلُونَ (‪)27‬‬ ‫فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابًا شديدًا ف الدنيا والخرة‪,‬‬ ‫ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات‪.‬‬ ‫َذلِ كَ جَزَاءُ أَ ْعدَاءِ اللّ هِ النّارُ َلهُ ْم فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ َجزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا‬ ‫‪1610‬‬

‫َيجْحَدُونَ (‪)28‬‬ ‫هذا الزاء الذي يُجزى به هؤلء الذين كفروا جزاء أعداء ال النار‪ ,‬لم‬ ‫فيها دار اللود الدائم؛ جزاء با كانوا بججنا وأدلتنا يحدون ف الدنيا‪.‬‬ ‫والية دالة على عظم جرية من صرف الناس عن القرآن العظيم‪,‬‬ ‫ي وسيلة كانت‪.‬‬ ‫وصدهم عن تدبره وهدايته بأ ّ‬ ‫لنَا مِ نْ اْلجِنّ وَا ِلنْ سِ َنجْعَ ْلهُمَا‬ ‫ضّ‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا َرّبنَا َأ ِرنَا الّ َذيْ نِ َأ َ‬ ‫َتحْتَ َأقْدَا ِمنَا ِليَكُونَا مِنْ الَسْفَِليَ (‪)29‬‬ ‫وقال الذين كفروا بال ورسوله‪ ,‬وهم ف النار‪ :‬ربنا أرنا اللذَين أضلنا‬ ‫من خلقك من الن والنس نعلهما تت أقدامنا؛ ليكونا ف الدرك‬ ‫السفل من النار‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن قَالُوا َربّنَا اللّ هُ ثُمّ ا ْستَقَامُوا َتَتنَزّ ُل عََلْيهِ ْم الْمَلئِ َكةُ أَ ّل َتخَافُوا‬ ‫جنّةِ اّلتِي ُكْنتُ ْم تُوعَدُونَ (‪)30‬‬ ‫وَل َتحْ َزنُوا وََأْبشِرُوا بِاْل َ‬ ‫إن الذين قالوا ربنا ال تعال وحده ل شريك له‪ ,‬ث استقاموا على‬ ‫شريعته‪ ,‬تتنل عليهم اللئكة عند الوت قائلي لم‪ :‬ل تافوا من الوت‬ ‫‪1611‬‬

‫وما بعده‪ ,‬ول تزنوا على ما تلفونه وراءكم من أمور الدنيا‪ ,‬وأبشروا‬ ‫بالنة الت كنتم توعدون با‪.‬‬ ‫شتَهِي‬ ‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي ال ِخرَةِ َولَكُ مْ فِيهَا مَا َت ْ‬ ‫َنحْ نُ َأ ْوِليَاؤُكُ ْم فِي الْ َ‬ ‫أَن ُفسُكُ ْم َولَكُمْ فِيهَا مَا َتدّعُونَ (‪ُ )31‬نزُلً مِ ْن غَفُورٍ رَحِيمٍ (‪)32‬‬ ‫وتقول لم اللئكة‪ :‬نن أنصاركم ف الياة الدنيا‪ ،‬نسددكم ونفظكم‬ ‫بأمر ال‪ ,‬وكذلك نكون معكم ف الخرة‪ ,‬ولكم ف النة كل ما تشتهيه‬ ‫أنفسكم ما تتارونه‪ ,‬وتَ َقرّ به أعينكم‪ ,‬ومهما طلبتم من شيء وجدتوه‬ ‫بي أيديكم ضيافة وإنعامًا لكم مِن غفور لذنوبكم‪ ,‬رحيم بكم‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫ّهم وَعَمِلَ صمَالِحا وَقَالَ ِإنّنِي م ْ‬ ‫ّنم دَعَا ِإلَى الل ِ‬ ‫ْسمنُ َقوْ ًل مِم ْ‬ ‫َنمَأح َ‬ ‫وَم ْ‬ ‫الْ ُمسْلِ ِميَ (‪)33‬‬ ‫ل أحد أحسن قول من دعا إل توحيد ال وعبادته وحده وعمل صالًا‬ ‫وقال‪ :‬إنن من السلمي النقادين لمر ال وشرعه‪ .‬وف الية حث على‬ ‫الدعوة إل ال سبحانه‪ ,‬وبيان فضل العلماء الداعي إليه على بصية‪,‬‬ ‫وَفْق ما جاء عن رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪1612‬‬

‫سّيَئةُ ادْفَ عْ بِاّلتِي هِ يَ َأحْ سَنُ َفإِذَا الّذِي َبْينَ كَ‬ ‫سَتوِي الْحَ سََنةُ وَل ال ّ‬ ‫وَل تَ ْ‬

‫صبَرُوا وَمَا‬ ‫َوَبْينَ هُ َعدَاوَةٌ كََأنّ هُ َولِيّ َحمِي ٌم (‪ )34‬وَمَا ُيلَقّاهَا إِلّ الّذِي نَ َ‬ ‫يُلَقّاهَا إِلّ ذُو حَظّ عَظِي ٍم (‪)35‬‬

‫ول تستوي حسنة الذين آمنوا بال‪ ,‬واستقاموا على شرعه‪ ,‬وأحسنوا إل‬ ‫خلقه‪ ,‬وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره‪ ,‬وأساؤوا إل خلقه‪ .‬ادفع‬ ‫بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك‪ ,‬وقابل إساءته لك بالحسان‬ ‫إليه‪ ,‬فبذلك يصي السيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك‬ ‫شفيق عليك‪ .‬وما يُوفّق لذه الصلة الميدة إل الذين صبوا أنفسهم‬ ‫على ما تكره‪ ,‬وأجبوها على ما يبه ال‪ ,‬وما يُوفّق لا إل ذو نصيب‬ ‫وافر من السعادة ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫غ فَا ْستَعِ ْذ بِاللّ هِ ِإنّ هُ ُهوَ ال سّمِيعُ الْعَلِي مُ (‬ ‫شيْطَا نِ َنزْ ٌ‬ ‫ك مِ نْ ال ّ‬ ‫وَإِمّ ا َينْزَ َغنّ َ‬ ‫‪)36‬‬ ‫وإما يلقيّ الشيطان ف نفسك وسوسة من حديث النفس لملك على‬ ‫مازاة السيء بالساءة‪ ,‬فاستجر بال واعتصم به‪ ,‬إن ال هو السميع‬ ‫لستعاذتك به‪ ,‬العليم بأمور خلقه جيعها‪.‬‬ ‫‪1613‬‬

‫وَمِنْ آيَاتِهِ الّليْلُ وَالنّهَارُ وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ ل تَسْجُدُوا لِلشّمْسِ وَل لِلْ َقمَرِ‬

‫وَا ْسجُدُوا لِّلهِ الّذِي خَلَ َقهُنّ ِإنْ ُكْنتُمْ ِإيّاهُ تَ ْعُبدُونَ (‪)37‬‬

‫ومِن حجج ال على خلقه‪ ,‬ودلئله على وحدانيته وكمال قدرته‬ ‫اختلف الليل والنهار‪ ,‬وتعاقبهما‪ ,‬واختلف الشمس والقمر وتعاقبهما‪,‬‬ ‫كل ذلك تت تسخيه وقهره‪ .‬ل تسجدوا للشمس ول للقمر‪ -‬فإنما‬ ‫م َدبّران ملوقان‪ -‬واسجدوا ل الذي خلقهن‪ ,‬إن كنتم حقّا منقادين‬ ‫لمره سامعي مطيعي له‪ ،‬تعبدونه وحده ل شريك له‪.‬‬ ‫ُمم ل‬ ‫َهم بِالّليْلِ وَالّنهَارِ وَه ْ‬ ‫ُسمحُونَ ل ُ‬ ‫ّكم ي َّب‬ ‫ِينم ِعنْ َد َرب َ‬ ‫اسم ْكَبرُوا فَالّذ َ‬ ‫ِنم ْتَ‬ ‫َفإ ْ‬

‫َيسْأَمُونَ (‪)38‬‬

‫فإن استكب هؤلء الشركون عن السجود ل‪ ,‬فإن اللئكة الذين عند‬ ‫ربك ل يستكبون عن ذلك‪ ,‬بل يسبحون له‪ ,‬وينّهونه عن كل نقص‬ ‫بالليل والنهار‪ ,‬وهم ل يَ ْفتُرون عن ذلك‪ ,‬ول يلون‪.‬‬ ‫ّتم‬ ‫ْضم خَاشِ َعةً َفإِذَا أَن َزلْنَا عََليْهَا الْمَاءَ ا ْهتَز ْ‬ ‫ّكم َترَى الَر َ‬ ‫ِهمَأن َ‬ ‫ِنم آيَات ِ‬ ‫وَم ْ‬

‫حيِي الْ َم ْوتَى ِإّنهُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‪)39‬‬ ‫َو َربَتْ ِإنّ الّذِي َأ ْحيَاهَا لَ ُم ْ‬ ‫‪1614‬‬

‫ومن علمات وحدانية ال وقدرته‪ :‬أنك ترى الرض يابسة ل نبات‬ ‫فيها‪ ،‬فإذا أنزلنا عليها الطر دبّت فيها الياة‪ ,‬وتركت بالنبات‪,‬‬ ‫وانتفخت وعلت‪ ,‬إن الذي أحيا هذه الرض بعد هودها‪ ,‬قادر على‬ ‫إحياء اللق بعد موتم‪ ,‬إنه على كل شيء قدير‪ ,‬فكما ل تعجز قدرته‬ ‫عن إحياء الرض بعد موتا‪ ,‬فكذلك ل تعجز عن إحياء الوتى‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن يُ ْلحِدُونَ فِي آيَاِتنَا ل َيخْ َفوْنَ عََلْينَا َأفَمَنْ يُلْقَى فِي النّارِ َخيْرٌ أَمْ‬ ‫مَنْ يَ ْأتِي آمِنا َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ اعْمَلُوا مَا ِشْئتُمْ ِإّنهُ بِمَا تَ ْعمَلُونَ بَصِيٌ (‪)40‬‬ ‫إن الذين ييلون عن الق‪ ,‬فيكفرون بالقرآن ويرفونه‪ ,‬ل َيخْفَون علينا‪,‬‬ ‫بل نن مُطّلعون عليهم‪ .‬أفهذا اللحد ف آيات ال الذي يُلقى ف النار‬ ‫خي‪ ,‬أم الذي يأت يوم القيامة آمنًا من عذاب ال‪ ,‬مستحقًا لثوابه; ليانه‬ ‫به وتصديقه بآياته؟ اعملوا‪ -‬أيها اللحدون‪ -‬ما شئتم‪ ,‬فإن ال تعال‬ ‫بأعمالكم بصي‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪ .‬وف‬ ‫هذا وعيد وتديد لم‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا بِالذّكْرِ لَمّا جَاءَهُ مْ وَِإنّ هُ لَ ِكتَا بٌ َعزِي ٌز (‪ )41‬ل يَ ْأتِي هِ‬ ‫الْبَاطِلُ مِنْ َبيْنِ يَ َدْي ِه وَل مِنْ خَلْ ِفهِ تَنِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِي ٍد (‪)42‬‬ ‫‪1615‬‬

‫إن الذين جحدوا بذا القرآن وكذّبوا به حي جاءهم هالكون ومعذّبون‪,‬‬ ‫وإن هذا القرآن لكتاب عزيز بإعزاز ال إياه وحفظه له من كل تغيي أو‬ ‫تبديل‪ ,‬ل يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ول يبطله شيء‪ ,‬فهو‬ ‫مفوظ من أن يُنقص منه‪ ,‬أو يزاد فيه‪ ,‬تنيل من حكيم بتدبي أمور‬ ‫عباده‪ ,‬ممود على ما له من صفات الكمال‪.‬‬ ‫ك لَذُو مَغْ ِفرَةٍ وَذُو‬ ‫مَا يُقَالُ لَ كَ إِ ّل مَا َقدْ قِي َل لِلرّ سُلِ مِ ْن َقبِْل كَ إِنّ َربّ َ‬ ‫عِقَابٍ َألِيمٍ (‪)43‬‬ ‫ما يقول لك هؤلء الشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل ما قد قاله مَن قبلهم‬ ‫مِنَ المم لرسلهم‪ ,‬فاصب على ما ينالك ف سبيل الدعوة إل ال‪ .‬إن‬ ‫ربك لذو مغفرة لذنوب التائبي‪ ,‬وذو عقاب لن أصرّ على كفره‬ ‫وتكذيبه‪.‬‬ ‫ت آيَاتُ هُ أَأَ ْعجَمِيّ وَعَ َربِيّ قُ ْل‬ ‫َوَلوْ جَ َع ْلنَا هُ قُرْآنا أَ ْعجَ ِميّا لَقَالُوا لَوْل فُ صّلَ ْ‬ ‫ِمم وَقْرٌ وَ ُهوَ‬ ‫ُونم فِي آذَاِنه ْ‬ ‫ِينم ل ُيؤْ ِمن َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالّذ َ‬ ‫ُهوَ لِلّذ َ‬ ‫ك ُينَا َد ْونَ مِنْ مَكَانٍ بَعِي ٍد (‪)44‬‬ ‫عََلْيهِمْ َعمًى ُأ ْولَئِ َ‬

‫‪1616‬‬

‫ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجميًا‪ ,‬لقال‬ ‫الشركون‪ :‬هل ُبيّنتْ آياته‪ ,‬فنفقهه ونعلمه‪ ,‬أأعجمي هذا القرآن‪,‬‬ ‫ولسان الذي أنزل عليه عرب؟ هذا ل يكون‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪: -‬‬ ‫هذا القرآن للذين آمنوا بال ورسوله هدى من الضللة‪ ,‬وشفاء لا ف‬ ‫الصدور من الشكوك والمراض‪ ,‬والذين ل يؤمنون بالقرآن ف آذانم‬ ‫صمم من ساعه وتدبره‪ ,‬وهو على قلوبم عَمًى‪ ,‬فل يهتدون به‪ ,‬أولئك‬ ‫الشركون كمن يُنادى‪ ,‬وهو ف مكان بعيد ل يسمع داعيًا‪ ,‬ول ييب‬ ‫مناديًا‪.‬‬ ‫ف فِي هِ َوَلوْل كَلِ َمةٌ َسبَقَتْ مِ نْ َربّ كَ‬ ‫َولَقَدْ آَتيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ فَا ْختُلِ َ‬ ‫ك ِمْنهُ مُرِيبٍ ( ‪)45‬‬ ‫لَقُضِيَ َبْيَنهُمْ وَِإّنهُ ْم لَفِي شَ ّ‬ ‫ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن فاختلف‬ ‫فيها قومه‪ :‬فمنهم مَن آمن‪ ,‬ومنهم مَن كذّب‪ .‬ولول كلمة سبقت من‬ ‫ربك بتأجيل العذاب عن قومك لفُصِل بينهم بإهلك الكافرين ف الال‪,‬‬ ‫وإن الشركي لفي شك من القرآن شديد الريبة‪.‬‬ ‫ك بِظَلّ ٍم لِلْ َعبِيدِ (‬ ‫مَ نْ عَمِ َل صَالِحا فَِلنَفْ سِهِ وَمَ نْ َأ سَاءَ فَعََليْهَا وَمَا َربّ َ‬ ‫‪1617‬‬

‫‪)46‬‬ ‫من عمل صالًا فأطاع ال ورسوله فلنفسه ثواب عمله‪ ,‬ومن أساء‬ ‫فعصى ال ورسوله فعلى نفسه وزر عمله‪ .‬وما ربك بظلم للعبيد‪,‬‬ ‫بنقص حسنة أو زيادة سيّئة‪.‬‬

‫‪1618‬‬

‫الزء الامس والعشرون ‪:‬‬ ‫ِإَليْ هِ يُرَ ّد عِلْ ُم ال سّا َعةِ وَمَا َتخْرُ جُ مِ نْ ثَ َمرَا تٍ مِ نْ أَكْمَا ِمهَا وَمَا َتحْمِلُ مِ ْن‬ ‫أُنثَى وَل تَضَعُ إِلّ بِعِ ْل ِمهِ َوَيوْمَ ُينَادِيهِمْ َأيْنَ ُشرَكَائِي قَالُوا آ َذنّاكَ مَا ِمنّا مِنْ‬ ‫َشهِي ٍد (‪)47‬‬

‫إل ال تعال وحده ل شريك له يُرْجَع علم الساعة‪ ,‬فإنه ل يعلم أحد‬ ‫مت قيامها غيه‪ ,‬وما ترج من ثرات من أوعيتها‪ ,‬وما تمل مِن أنثى‬ ‫ول تضع حَمْلها إل بعلم من ال‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪ .‬ويوم‬ ‫ينادي ال تعال الشركي يوم القيامة توبيخًا لم وإظهارًا لكذبم‪ :‬أين‬ ‫شركائي الذين كنتم تشركونم ف عبادت؟ قالوا‪ :‬أعلمناك الن ما منا‬ ‫من أحد يشهد اليوم أن معك شريكًا‪.‬‬ ‫َوضَلّ َعْنهُ ْم مَا كَانُوا َيدْعُونَ مِنْ َقبْلُ َو َظنّوا مَا َلهُمْ مِ ْن َمحِيصٍ (‪)48‬‬ ‫وذهب عن هؤلء الشركي شركاؤهم الذين كانوا يعبدونم من دون‬ ‫ال‪ ,‬فلم ينفعوهم‪ ,‬وأيقنوا أن ل ملجأ لم من عذاب ال‪ ,‬ول ميد عنه‪.‬‬ ‫‪1619‬‬

‫سهُ الشّرّ َفَيئُوسٌ َقنُوطٌ (‪)49‬‬ ‫خيْرِ وَِإنْ َم ّ‬ ‫ل َيسْأَمُ ا ِلْنسَانُ مِنْ دُعَاءِ اْل َ‬ ‫ل ي ّل النسان من دعاء ربه طالبًا الي الدنيوي‪ ,‬وإن أصابه فقر وشدة‬ ‫فهو يؤوس من رحة ال‪ ,‬قنوط بسوء الظن بربه‪.‬‬ ‫سْتهُ َليَقُولَنّ َهذَا لِي وَمَا َأظُنّ‬ ‫َوَلئِ نْ أَذَ ْقنَا هُ رَحْ َمةً ِمنّ ا مِ نْ بَعْ ِد ضَرّاءَ مَ ّ‬ ‫سنَى فََلُنَنّبئَنّ الّذِي نَ‬ ‫ال سّا َعةَ قَائِ َمةً َوَلئِ نْ ُرجِعْ تُ ِإلَى َربّي ِإنّ لِي ِعنْدَ ُه لَ ْلحُ ْ‬ ‫كَفَرُوا بِمَا َعمِلُوا َوَلنُذِي َقّنهُمْ مِنْ َعذَابٍ َغلِيظٍ (‪)50‬‬ ‫ولئن أذقنا النسان نعمة منا من بعد شدة وبلء ل يشكر ال تعال‪ ,‬بل‬ ‫يطغى ويقول‪ :‬أتان هذا؛ لن مستحق له‪ ,‬وما أعتقد أن الساعة آتية‪,‬‬ ‫وذلك إنكار منه للبعث‪ ,‬وعلى تقدير إتيان الساعة وأن سأرجع إل‬ ‫رب‪ ,‬فإن ل عنده النة‪ ,‬فلنخبن الذين كفروا يوم القيامة با عملوا من‬ ‫سيئات‪ ,‬ولنذيقنهم من العذاب الشديد‪.‬‬ ‫سهُ الشّ ّر فَذُو دُعَاءٍ‬ ‫وَِإذَا َأنْ َع ْمنَا عَلَى ا ِلنْ سَانِ أَعْرَ ضَ َونَأى ِبجَاِنبِ هِ وَإِذَا مَ ّ‬ ‫عَرِيضٍ (‪)51‬‬ ‫‪1620‬‬

‫وإذا أنعمنا على النسان بصحة أو رزق أو غيها أعرض وترفّع عن‬ ‫النقياد إل الق‪ ،‬فإن أصابه ضر فهو ذو دعاء كثي بأن يكشف ال‬ ‫ضرّه‪ ,‬فهو يعرف ربه ف الشدة‪ ,‬ول يعرفه ف الرخاء‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ إِ نْ كَا نَ مِ نْ ِعْندِ اللّ هِ ثُمّ كَفَ ْرتُ مْ بِ هِ مَ نْ َأضَلّ ِممّ ْن ُهوَ فِي‬ ‫ق بَعِيدٍ (‪)52‬‬ ‫شِقَا ٍ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكذبي‪ :‬أخبون إن كان هذا القرآن من‬ ‫عند ال ث جحدت وكذّبتم به‪ ,‬ل أحد أضل منكم؛ لنكم ف خلف‬ ‫بعيد عن الق بكفركم بالقرآن وتكذيبكم به‪.‬‬ ‫سهِمْ َحتّى َيَتَبيّ نَ َلهُ مْ َأنّ هُ اْلحَقّ َأوَلَ مْ‬ ‫َسنُرِيهِ ْم آيَاِتنَا فِي الفَا قِ وَفِي َأنْفُ ِ‬ ‫يَكْفِ ِب َربّكَ َأّنهُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َشهِي ٌد (‪)53‬‬ ‫َسنُري هؤلء الكذبي آياتنا من الفتوحات وظهور السلم على القاليم‬ ‫وسائر الديان‪ ،‬وف أقطار السموات والرض‪ ,‬وما يدثه ال فيهما من‬ ‫الوادث العظيمة‪ ,‬وف أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع آيات ال‬ ‫وعجائب صنعه‪ ,‬حت يتبي لم من تلك اليات بيان ل يقبل الشك أن‬ ‫القرآن الكري هو الق الوحَى به من رب العالي‪ .‬أول يكفهم دليل‬ ‫‪1621‬‬

‫على أن القرآن حق‪ ,‬ومَن جاء به صادق‪ ,‬شهادة ال تعال؟ فإنه قد‬ ‫شهد له بالتصديق‪ ,‬وهو على كل شيء شهيد‪ ,‬ول شيء أكب شهادة‬ ‫من شهادته سبحانه وتعال‪.‬‬ ‫أَل ِإّنهُ ْم فِي مِ ْرَيةٍ مِ ْن لِقَاءِ َرّبهِمْ أَل ِإّن ُه بِكُلّ َش ْيءٍ ُمحِيطٌ (‪)54‬‬ ‫أل إن هؤلء الكافرين ف شك عظيم من البعث بعد المات‪ .‬أل إن‬ ‫ال‪ -‬جلّ وعل‪ -‬بكل شيء ميط علمًا وقدرة وعزةً‪ ,‬ل يفى عليه‬ ‫شيء ف الرض ول ف السماء‪.‬‬

‫‪ -42‬سورة الشورى‬ ‫حم (‪ )1‬عسق (‪)2‬‬ ‫( حم عسق ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ك وَِإلَى الّذِينَ مِنْ َقْبلِكَ الّلهُ الْعَزِي ُز الْحَكِي ُم (‪)3‬‬ ‫ك يُوحِي ِإَليْ َ‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫‪1622‬‬

‫كما أنزل ال إليك ‪-‬أيها النب‪ -‬هذا القرآن أنزل الكتب والصحف على‬ ‫النبياء من قبلك‪ ،‬وهو العزيز ف انتقامه‪ ،‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫َلهُ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ (‪)4‬‬ ‫ل وحده ما ف السموات وما ف الرض‪ ،‬وهو العليّ بذاته وقدره‬ ‫وقهره‪ ،‬العظيم الذي له العظمة والكبياء‪.‬‬ ‫سّبحُونَ ِبحَ ْمدِ َرّبهِ مْ‬ ‫ت َيتَفَطّرْ نَ مِ نْ َفوِْقهِنّ وَالْمَلئِ َكةُ يُ َ‬ ‫تَكَا ُد ال سّ َموَا ُ‬ ‫َوَيسْتَغْفِرُونَ لِمَ ْن فِي ا َلرْضِ أَل ِإنّ الّلهَ ُه َو الْغَفُورُ الرّحِي ُم (‪)5‬‬ ‫تكاد السموات يتشقّقْنَ‪ ،‬كل واحدة فوق الت تليها؛ من عظمة الرحن‬ ‫وجلله تبارك وتعال‪ ,‬واللئكة يسبحون بمد ربم‪ ,‬وينهونه عما ل‬ ‫يليق به‪ ،‬ويسألون ربم الغفرة لذنوب مَن ف الرض مِن أهل اليان به‪.‬‬ ‫أل إن ال هو الغفور لذنوب مؤمن عباده‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ اّتخَذُوا مِ نْ دُونِ هِ أَوِليَاءَ اللّ هُ حَفِي ظٌ عََلْيهِ مْ اللّ هُ حَفِي ظٌ َعَلْيهِ ْم وَمَا‬ ‫ت عََلْيهِ ْم ِبوَكِيلٍ ( ‪)6‬‬ ‫َأنْ َ‬ ‫‪1623‬‬

‫والذين اتذوا غي ال آلة مِن دونه يتولّونا‪ ,‬ويعبدونا‪ ،‬ال تعال يفظ‬ ‫عليهم أفعالم؛ ليجازيهم با يوم القيامة‪ ،‬وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫بالوكيل عليهم بفظ أعمالم‪ ,‬إنا أنت منذر‪ ,‬فعليك البلغ وعلينا‬ ‫الساب‪.‬‬ ‫ك قُرْآنا عَ َرِبيّا ِلتُنْ ِذرَ أُمّ الْقُرَى وَمَنْ َحوَْلهَا َوُتنْ ِذرَ َيوْمَ‬ ‫وَكَ َذلِكَ َأوْ َحْينَا ِإَليْ َ‬

‫جّنةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيِ (‪)7‬‬ ‫ب فِيهِ َفرِيقٌ فِي الْ َ‬ ‫الْجَمْ ِع ل َريْ َ‬

‫وكما أوحينا إل النبياء قبلك أو َحيْنا إليك قرآنا عربيّا؛ لتنذر أهل‬ ‫"مكة" ومَن حولا مِن سائر الناس‪ ،‬وتنذر عذاب يوم المع‪ ،‬وهو يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬ل شك ف ميئه‪ .‬الناس فيه فريقان‪ :‬فريق ف النة‪ ,‬وهم الذين‬ ‫آمنوا بال واتبعوا ما جاءهم به رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومنهم‬ ‫فريق ف النار الستعرة‪ ,‬وهم الذين كفروا بال‪ ,‬وخالفوا ما جاءهم به‬ ‫رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫ِهم‬ ‫َنم َيشَاءُ فِي رَ ْح َمت ِ‬ ‫ِنم يُ ْدخِلُ م ْ‬ ‫ُممأُ ّمةً وَا ِحدَةً َولَك ْ‬ ‫ّهمَلجَعََله ْ‬ ‫َوَلوْ شَاءَ الل ُ‬ ‫وَالظّالِمُونَ مَا َلهُمْ مِنْ َولِيّ وَل نَصِيٍ (‪)8‬‬

‫‪1624‬‬

‫ولو شاء ال أن يمع َخلْقَه على الدى ويعلهم على ملة واحدة مهتدية‬ ‫لفعل‪ ,‬ولكنه أراد أن يُدخل ف رحته مَن يشاء مِن خواص خلقه‪.‬‬ ‫والظالون أنفسهم بالشرك ما لم من ولّ يتول أمورهم يوم القيامة‪ ،‬ول‬ ‫نصي ينصرهم من عقاب ال تعال‪.‬‬ ‫أَ مْ اّتخَذُوا مِ نْ دُونِ هِ َأ ْولِيَاءَ فَاللّ هُ ُهوَ اْلوَلِيّ وَ ُهوَ ُيحْ ِي ا َلوْتَى وَ ُهوَ عَلَى‬

‫كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ (‪)9‬‬

‫بل اتذ هؤلء الشركون أولياء من دون ال يتولونم‪ ,‬فال وحده هو‬ ‫الولّ يتوله َعبْدُه بالعبادة والطاعة‪ ،‬ويتولّى عباده الؤمني بإخراجهم من‬ ‫الظلمات إل النور وإعانتهم ف جيع أمورهم‪ ,‬وهو ييي الوتى عند‬ ‫البعث‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ,‬ل يعجزه شيء ‪.‬‬ ‫وَمَا ا ْخَتلَ ْفتُ مْ فِي هِ مِ نْ شَ ْيءٍ َفحُكْمُ هُ ِإلَى اللّ هِ َذلِكُ ْم اللّ هُ َربّي عََليْ هِ َتوَكّلْ تُ‬ ‫ب (‪)10‬‬ ‫وَِإَلْيهِ ُأنِي ُ‬ ‫وما اختلفتم فيه‪ -‬أيها الناس‪ -‬من شيء من أمور دينكم‪ ,‬فالكم فيه‬ ‫مردّه إل ال ف كتابه وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذلكم ال رب‬ ‫وربكم‪ ،‬عليه وحده توكلت ف أموري‪ ،‬وإليه أرجع ف جيع شؤون‪.‬‬ ‫‪1625‬‬

‫فَاطِ ُر ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ جَعَلَ لَكُ ْم مِ نْ َأنْفُ سِكُمْ َأ ْزوَاجا وَمِ نْ ا َلنْعَا مِ‬

‫َأ ْزوَاجا َي ْذرَؤُكُ ْم فِيهِ َلْيسَ كَ ِمثِْلهِ شَ ْيءٌ وَ ُهوَ السّمِيعُ البَصِيُ ( ‪)11‬‬

‫ال سبحانه وتعال هو خالق السموات والرض ومبدعهما بقدرته‬ ‫ومشيئته وحكمته‪ ,‬جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها‪,‬‬ ‫وجعل لكم من النعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا‪ ,‬يكثركم بسببه بالتوالد‪,‬‬ ‫ليس يشبهه تعال ول ياثله شيء من ملوقاته‪ ,‬ل ف ذاته ول ف أسائه‬ ‫ول ف صفاته ول ف أفعاله؛ لن أساءه كلّها حسن‪ ,‬وصفاتِه صفات‬ ‫كمال وعظمة‪ ,‬وأفعالَه تعال أوجد با الخلوقات العظيمة من غي‬ ‫مشارك‪ ،‬وهو السميع البصي‪ ,‬ل يفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالم‬ ‫شيء‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬ ‫ق لِمَ نْ َيشَاءُ َويَقْ ِدرُ ِإنّ هُ بِكُلّ‬ ‫لَ هُ مَقَالِي ُد ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ َيبْ سُطُ ال ّرزْ َ‬ ‫شَ ْي ٍء عَلِيمٌ (‪)12‬‬ ‫له سبحانه وتعال ملك السموات والرض‪ ،‬وبيده مفاتيح الرحة‬ ‫والرزاق‪ ،‬يوسّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيّقه على مَن يشاء‪,‬‬ ‫إنه تبارك وتعال بكل شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمور خلقه‪.‬‬ ‫‪1626‬‬

‫صْينَا‬ ‫شَرَ عَ لَكُ مْ مِ نْ الدّي نِ مَا وَ صّى بِ هِ نُوحا وَالّذِي َأ ْو َحْينَا ِإَليْ كَ وَمَا وَ ّ‬ ‫بِ هِ ِإبْرَاهِي َم وَمُو سَى وَعِي سَى أَ نْ َأقِيمُوا الدّي نَ وَل َتتَفَرّقُوا فِي هِ َكبُ َر عَلَى‬ ‫جتَبِي ِإَليْ هِ مَ نْ َيشَاءُ َوَيهْدِي ِإَليْ هِ مَ نْ‬ ‫الْ ُمشْرِكِيَ مَا تَدْعُوهُ مْ ِإَليْ هِ اللّ هُ َي ْ‬ ‫ُينِيبُ (‪)13‬‬ ‫شرع ال لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من الدّين الذي أوحيناه إليك ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ ،‬وهو السلم‪ -‬ما وصّى به نوحًا أن يعمله ويبلغه‪ ,‬وما وصينا‬ ‫به إبراهيم وموسى وعيسى (هؤلء المسة هم أولو العزم من الرسل‬ ‫على الشهور) أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة ال وعبادته دون مَن‬ ‫سواه‪ ،‬ول تتلفوا ف الدين الذي أمرتكم به‪ ,‬عَظُمَ على الشركي ما‬ ‫تدعوهم إليه من توحيد ال وإخلص العبادة له‪ ,‬ال يصطفي للتوحيد‬ ‫مَن يشاء مِن خلقه‪ ،‬ويوفّق للعمل بطاعته مَن يرجع إليه‪.‬‬ ‫وَمَا تَفَرّقُوا إِلّ مِ نْ بَعْ ِد مَا جَاءَهُ ْم الْعِلْ ُم بَغْيا َبْيَنهُ مْ َوَلوْل كَلِ َمةٌ َسبَقَ ْ‬ ‫ت‬ ‫ب مِ نْ‬ ‫مِ ْن َربّ كَ ِإلَى أَجَلٍ مُ سَمّى لَقُضِ يَ َبْيَنهُ مْ وَإِنّ الّذِي نَ أُو ِرثُوا الْ ِكتَا َ‬ ‫ك ِمْنهُ مُرِيبٍ (‪)14‬‬ ‫بَعْدِهِ ْم لَفِي شَ ّ‬

‫‪1627‬‬

‫وما تفرّق الشركون بال ف أديانم فصاروا شيعًا وأحزابًا إل مِن بعدما‬ ‫جاءهم العلم وقامت الجة عليهم‪ ,‬وما حلهم على ذلك إل البغي‬ ‫والعناد‪ ,‬ولول كلمة سبقت من ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بتأخي العذاب‬ ‫عنهم إل أجل مسمى وهو يوم القيامة‪ ,‬لقضي بينهم بتعجيل عذاب‬ ‫الكافرين منهم‪ .‬وإن الذين أورثوا التوراة والنيل من بعد هؤلء‬ ‫الختلفي ف الق لفي شك من الدين واليان موقعٍ ف الريبة‬ ‫والختلف الذموم‪.‬‬ ‫ت بِمَا َأنْزَ َل‬ ‫ع وَا ْستَقِمْ َكمَا أُمِ ْرتَ وَل َتّتبِعْ أَ ْهوَاءَهُ ْم وَقُلْ آ َمنْ ُ‬ ‫َفلِ َذلِكَ فَادْ ُ‬ ‫ت لَعْدِلَ َبْينَ ُك مْ اللّ هُ َرّبنَا َو َربّكُ ْم َلنَا أَعْمَاُلنَا َولَكُ مْ‬ ‫اللّ هُ مِ نْ ِكتَا بٍ وَأُ ِمرْ ُ‬ ‫أَعْمَالُكُ ْم ل ُحجّةَ َبْيَننَا َوَبْينَكُ ْم الّلهُ َيجْ َمعُ َبْيَننَا وَِإَلْيهِ الْمَصِيُ ( ‪)15‬‬ ‫فإل ذلك الدين القيّم الذي شرعه ال للنبياء ووصّاهم به‪ ,‬فادع ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ -‬عباد ال‪ ,‬واستقم كما أمرك ال‪ ،‬ول تتبع أهواء الذين شكّوا‬ ‫ف الق وانرفوا عن الدين‪ ,‬وقل‪ :‬صدّقت بميع الكتب النلة من‬ ‫السماء على النبياء‪ ,‬وأمرن رب أن أعدل بينكم ف الكم‪ ,‬ال ربنا‬ ‫وربكم‪ ،‬لنا ثواب أعمالنا الصالة‪ ,‬ولكم جزاء أعمالكم السيئة‪ ,‬ل‬ ‫خصومة ول جدال بيننا وبينكم بعدما تبي الق‪ ,‬ال يمع بيننا وبينكم‬ ‫‪1628‬‬

‫يوم القيامة‪ ,‬فيقضي بيننا بالق فيما اختلفنا فيه‪ ,‬وإليه الرجع والآب‪,‬‬ ‫فيجازي كل با يستحق‪.‬‬ ‫ضةٌ ِعنْدَ‬ ‫جُتهُ مْ دَاحِ َ‬ ‫وَالّذِي نَ ُيحَاجّو نَ فِي اللّ هِ مِ نْ بَ ْعدِ مَا ا ْسُتجِيبَ لَ هُ ُح ّ‬ ‫ضبٌ َوَلهُمْ عَذَابٌ شَدِي ٌد (‪)16‬‬ ‫َرّبهِمْ وَعََلْيهِمْ غَ َ‬ ‫والذين يادلون ف دين ال الذي أرسلتُ به ممدًا صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫مِن بعد ما استجاب الناس له وأسلموا‪ ,‬حجتهم ومادلتهم باطلة ذاهبة‬ ‫عند ربم‪ ,‬وعليهم من ال غضب ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب‬ ‫شديد‪ ,‬وهو النار‪.‬‬ ‫ك لَعَلّ ال سّا َعةَ قَرِي بٌ‬ ‫اللّ هُ الّذِي َأنْزَلَ الْ ِكتَا بَ بِاْلحَقّ وَالْمِيزَا نَ وَمَا يُ ْدرِي َ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫ال الذي أنزل القرآن وسائر الكتب النلة بالصدق‪ ,‬وأنزل اليزان وهو‬ ‫العدل؛ ليحكم بي الناس بالنصاف‪ .‬وأي شيء يدريك ويُعْلمك لعل‬ ‫الساعة الت تقوم فيها القيامة قريب؟‬

‫‪1629‬‬

‫ستَ ْعجِلُ ِبهَا الّذِي نَ ل ُيؤْ ِمنُو نَ ِبهَا وَالّذِي نَ آ َمنُوا ُمشْفِقُو نَ ِمْنهَا َويَعْلَمُو نَ‬ ‫يَ ْ‬ ‫َأّنهَا الْحَقّ أَل ِإنّ الّذِينَ يُمَارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَللٍ بَعِيدٍ ( ‪)18‬‬ ‫يستعجل بجيء الساعة الذين ل يؤمنون با؛ تكمًا واستهزاءً‪ ،‬والذين‬ ‫آمنوا با خائفون من قيامها‪ ,‬ويعلمون أنا الق الذي ل شك فيه‪ .‬أل‬ ‫إن الذين ياصمون ف قيام الساعة لفي ضلل بعيد عن الق‪.‬‬ ‫الّلهُ لَطِيفٌ بِ ِعبَادِهِ َي ْرزُقُ مَ ْن َيشَاءُ وَ ُهوَ الْ َقوِيّ العَزِي ُز (‪)19‬‬ ‫ال لطيف بعباده‪ ،‬يوسّع الرزق على مَن يشاء‪ ,‬ويضيّقه على مَن يشاء‬ ‫وَفْق حكمته سبحانه‪ ,‬وهو القوي الذي له القوة كلها‪ ,‬العزيز ف انتقامه‬ ‫من أهل معاصيه‪.‬‬ ‫مَ نْ كَا نَ ُيرِيدُ حَ ْر ثَ الخِرَ ِة نَزِ ْد لَ هُ فِي حَ ْرثِ هِ وَمَ ْن كَا نَ يُرِيدُ َحرْ ثَ‬ ‫ال ّدْنيَا نُؤِتهِ ِمْنهَا وَمَا َلهُ فِي الخِرَ ِة مِنْ نَصِيبٍ (‪)20‬‬ ‫من كان يريد بعمله ثواب الخرة فأدى حقوق ال وأنفق ف الدعوة إل‬ ‫الدين‪ ،‬نزد له ف عمله السن‪ ،‬فنضاعف له ثواب السنة إل عشر‬

‫‪1630‬‬

‫أمثالا إل ما شاء ال من الزيادة‪ ,‬ومن كان يريد بعمله الدنيا وحدها‪،‬‬ ‫نؤته منها ما قسمناه له‪ ,‬وليس له ف الخرة شيء من الثواب‪.‬‬ ‫أَ ْم لَهُ مْ شُرَكَاءُ َشرَعُوا لَهُ مْ مِ نْ الدّي نِ مَا لَ مْ يَ ْأذَ نْ بِ هِ اللّ هُ َوَلوْل كَلِ َمةُ‬ ‫الْفَصْلِ لَقُضِ َي َبْيَنهُمْ وَِإنّ الظّالِ ِميَ َلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)21‬‬ ‫بل ألؤلء الشركي بال شركاء ف شركهم وضللتهم‪ ,‬ابتدعوا لم من‬ ‫الدين والشرك ما ل يأذن به ال؟ ولول قضاء ال وقدره بإمهالم‪ ,‬وأن‬ ‫ل يعجل لم العذاب ف الدنيا‪ ,‬لقضي بينهم بتعجيل العذاب لم‪ .‬وإن‬ ‫الكافرين بال لم يوم القيامة عذاب مؤل موجع‪.‬‬ ‫سبُوا وَ ُهوَ وَاقِ عٌ ِبهِ مْ وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا‬ ‫تَرَى الظّالِ ِميَ ُمشْفِ ِقيَ ِممّا كَ َ‬ ‫ت َلهُ مْ مَا َيشَاءُو نَ ِعْندَ َرّبهِ مْ َذلِ كَ ُهوَ‬ ‫جنّا ِ‬ ‫ت الْ َ‬ ‫ال صّاِلحَاتِ فِي َر ْوضَا ِ‬ ‫الْفَضْلُ ال َكبِيُ (‪)22‬‬ ‫ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكافرين يوم القيامة خائفي من عقاب ال على ما‬ ‫كسبوا ف الدنيا من أعمال خبيثة‪ ،‬والعذاب نازل بم‪ ،‬وهم ذائقوه ل‬ ‫مالة‪ ،‬والذين آمنوا بال وأطاعوه ف بساتي النات وقصورها ونعيم‬ ‫‪1631‬‬

‫الخرة‪ ،‬لم ما تشتهيه أنفسهم عند ربم‪ ,‬ذلك الذي أعطاه ال لم من‬ ‫الفضل والكرامة هو الفضل الذي ل يوصف‪ ،‬ول تتدي إليه العقول‪.‬‬ ‫ت قُلْ ل‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّاِلحَا ِ‬ ‫َهم الّذ َ‬ ‫ّهم ِعبَاد ُ‬ ‫ِكم الّذِي ُيَبشّرُ الل ُ‬ ‫َذل َ‬ ‫سنَةً َنزِدْ لَ هُ فِيهَا‬ ‫أَ سَْألُكُ ْم عََليْ هِ أَجْرا إِلّ الْ َموَدّةَ فِي الْقُ ْربَى وَمَ نْ يَ ْقتَ ِر فْ حَ َ‬ ‫ُحسْنا ِإنّ الّلهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (‪)23‬‬ ‫ذلك الذي أخبتكم به‪ -‬أيها الناس‪ -‬من النعيم والكرامة ف الخرة هو‬ ‫البشرى الت يبشر ال با عباده الذين آمنوا به ف الدنيا وأطاعوه‪ .‬قل‬ ‫أيها الرسول‪ -‬للذين يشكون ف الساعة من مشركي قومك‪ :‬ل‬‫أسألكم على ما أدعوكم إليه من الق الذي جئتكم به عوضًا من‬ ‫أموالكم‪ ,‬إل أن َتوَدّون ف قرابت منكم‪ ,‬وتَصِلوا الرحم الت بين‬ ‫وبينكم‪ .‬ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدًا‪ .‬إن ال غفور‬ ‫لذنوب عباده‪ ,‬شكور لسناتم وطاعتهم إياه‪.‬‬ ‫ختِ مْ عَلَى قَ ْلبِ كَ َويَ ْم حُ‬ ‫أَ ْم يَقُولُو نَ ا ْفَترَى َعلَى اللّ هِ َكذِبا َفإِ نْ َيشَأْ اللّ هُ َي ْ‬ ‫ت الصّدُورِ (‪)24‬‬ ‫اللّهُ اْلبَاطِلَ َوُيحِقّ الْحَقّ بِكَِلمَاِتهِ ِإّنهُ عَلِي ٌم بِذَا ِ‬

‫‪1632‬‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون‪ :‬اختلق ممد الكذب على ال‪ ,‬فجاء بالذي‬ ‫يتلوه علينا اختلقًا من عند نفسه؟ فإن يشأ ال يطبع على قلبك ‪-‬أيها‬ ‫ب ال الباطل فيمحقه‪ ،‬ويق الق‬ ‫الرسول‪ -‬لو فعلت ذلك‪ .‬ويُذْهِ ُ‬ ‫بكلماته الت ل تتبدل ول تتغيّر‪ ،‬وبوعده الصادق الذي ل يتخلف‪ .‬إن‬ ‫ال عليم با ف قلوب العباد‪ ،‬ل يفى عليه شيء منه‪.‬‬ ‫سّيئَاتِ َويَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي يَ ْقبَلُ التّ ْوَبةَ عَنْ ِعبَادِ ِه َويَعْفُو عَنْ ال ّ‬ ‫‪)25‬‬ ‫وال سبحانه وتعال هو الذي يقبل التوبة عن عباده إذا رجعوا إل توحيد‬ ‫ال وطاعته‪ ،‬ويعفو عن السيئات‪ ،‬ويعلم ما تصنعون من خي وشر‪ ،‬ل‬ ‫يفى عليه شيء من ذلك‪ ،‬وهو مازيكم به‪.‬‬ ‫م‬ ‫م فَضْلِه ِ‬ ‫م مِن ْ‬ ‫م آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّالِحَاتِ َويَزِيدُهُم ْ‬ ‫مَتجِيبُ الّذِين َ‬ ‫َويَس ْ‬ ‫وَالْكَافِرُونَ َلهُمْ َعذَابٌ شَدِي ٌد (‪)26‬‬ ‫ويستجيب الذين آمنوا بال ورسوله لربم لِمَا دعاهم إليه وينقادون له‪،‬‬ ‫ويزيدهم من فضله توفيقًا ومضاعفة ف الجر والثواب‪ .‬والكافرون بال‬ ‫ورسوله لم يوم القيامة عذاب شديد موجع مؤل‪.‬‬ ‫‪1633‬‬

‫َوَلوْ بَ سَطَ اللّ هُ ال ّرزْ قَ لِ ِعبَادِ هِ َلبَ َغوْا فِي ا َلرْ ضِ َولَكِ نْ ُينَزّلُ بِقَ َد ٍر مَا َيشَاءُ‬

‫ِإّنهُ بِ ِعبَادِهِ َخبِيٌ بَصِ ٌي ( ‪)27‬‬

‫ولو بسط ال الرزق لعباده فوسّعه عليهم‪ ،‬لبغوا ف الرض أ َشرًا وبطرًا‪،‬‬ ‫ولطغى بعضهم على بعض‪ ،‬ولكن ال ينل أرزاقهم بقدر ما يشاء‬ ‫لكفايتهم‪ .‬إنه بعباده خبي با يصلحهم‪ ,‬بصي بتدبيهم وتصريف‬ ‫أحوالم‪.‬‬ ‫َهم وَ ُهوَ الْ َولِي ّ‬ ‫ِنم بَعْ ِد م َا َقنَطُوا َويَنشُرُ رَ ْح َمت ُ‬ ‫ْثم م ْ‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي ُينَزّلُ الْ َغي َ‬ ‫الْحَمِي ُد (‪)28‬‬ ‫وال وحده هو الذي ينل الطر من السماء‪ ،‬فيغيثهم به من بعد ما يئسوا‬ ‫من نزوله‪ ،‬وينشر رحته ف خلقه‪ ,‬فيعمهم بالغيث‪ ،‬وهو الولّ الذي‬ ‫يتول عباده بإحسانه وفضله‪ ,‬الميد ف وليته وتدبيه‪.‬‬ ‫وَمِ نْ آيَاتِ هِ خَلْ قُ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ وَمَا بَثّ فِيهِمَا مِ نْ دَاّبةٍ وَ ُهوَ عَلَى‬ ‫َجمْ ِعهِمْ إِذَا َيشَاءُ قَدِي ٌر (‪)29‬‬ ‫‪1634‬‬

‫ومن آياته الدالة على عظمته وقدرته وسلطانه‪ ,‬خَلْقُ السموات والرض‬ ‫على غي مثال سابق‪ ،‬وما نشر فيهما من أصناف الدواب‪ ،‬وهو على‬ ‫َجمْع اللق بعد موتم لوقف القيامة إذا يشاء قدير‪ ,‬ل يتعذر عليه شيء‪.‬‬ ‫سبَتْ َأيْدِي ُكمْ َويَعْفُو عَ ْن َكثِيٍ (‪)30‬‬ ‫وَمَا َأصَابَكُمْ مِنْ مُصِيَبةٍ َفبِمَا َك َ‬ ‫وما أصابكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من مصيبة ف دينكم ودنياكم فبما كسبتم‬ ‫من الذنوب والثام‪ ،‬ويعفو لكم ربكم عن كثي من السيئات‪ ،‬فل‬ ‫يؤاخذكم با‪.‬‬ ‫وَمَا َأْنتُمْ بِ ُم ْعجِزِينَ فِي الَرْضِ وَمَا لَكُ ْم مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ َولِيّ وَل نَصِيٍ‬ ‫(‪)31‬‬ ‫وما أنتم‪ -‬أيها الناس‪ -‬بعجزين قدرة ال عليكم‪ ،‬ول فائتيه‪ ,‬وما لكم‬ ‫من دون ال مِن ولّ يتول أموركم‪ ،‬فيوصل لكم النافع‪ ،‬ول نصي يدفع‬ ‫عنكم الضارّ‪.‬‬ ‫وَمِ نْ آيَاتِ هِ اْلجَوَارِي فِي اْلبَحْ ِر كَالَعْل مِ (‪ )32‬إِ نْ َيشَ ْأ يُ سْكِنْ الرّي حَ‬ ‫‪1635‬‬

‫صبّارٍ شَكُورٍ (‪)33‬‬ ‫ت لِكُلّ َ‬ ‫َفيَظْلَلْنَ َروَاكِدَ عَلَى َظهْرِهِ ِإنّ فِي َذلِكَ ليَا ٍ‬ ‫ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه القاهر السفن العظيمة‬ ‫كالبال تري ف البحر‪ .‬إن يشأ ال الذي أجرى هذه السفن ف البحر‬ ‫يُسكن الريح‪ ,‬فَتبْ َق السفن سواكن على ظهر البحر ل تري‪ ،‬إن ف‬ ‫َجرْي هذه السفن ووقوفها ف البحر بقدرة ال لَعظات وحججًا بيّنة‬ ‫على قدرة ال لكل صبار على طاعة ال‪ ,‬شكور لنعمه وأفضاله‪.‬‬ ‫ف عَنْ َكثِيٍ (‪)34‬‬ ‫سبُوا َويَعْ ُ‬ ‫َأوْ يُوبِ ْقهُنّ بِمَا َك َ‬ ‫ف عن كثي من‬ ‫أو يهلكِ السفن بالغرق بسبب ذنوب أهلها‪ ،‬ويع ُ‬ ‫الذنوب فل يعاقب عليها‪.‬‬ ‫َويَعْلَ َم الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاِتنَا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ (‪)35‬‬ ‫ويَعْلَم الذين يادلون بالباطل ف آياتنا الدالة على توحيدنا‪ ,‬ما لم من‬ ‫ميد ول ملجأ من عقاب ال‪ ,‬إذا عاقبهم على ذنوبم وكفرهم به‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَمَا ِعنْدَ اللّ هِ َخيْ ٌر وََأبْقَى لِلّذِي نَ‬ ‫ع الْ َ‬ ‫َفمَا أُوتِيتُ ْم مِ نْ شَ ْيءٍ فَ َمتَا ُ‬ ‫‪1636‬‬

‫آ َمنُوا وَعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُونَ (‪)36‬‬ ‫فما أوتيتم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من شيء من الال أو البني وغي ذلك فهو‬ ‫متاع لكم ف الياة الدنيا‪ ,‬سُرعان ما يزول‪ ،‬وما عند ال تعال من نعيم‬ ‫النة القيم خي وأبقى للذين آمنوا بال ورسله‪ ,‬وعلى ربم يتوكلون‪.‬‬ ‫ضبُوا هُ ْم يَغْفِرُو نَ (‬ ‫جَتِنبُو نَ َكبَائِرَ ا ِلثْ ِم وَالْ َفوَاحِ شَ وَإِذَا مَا غَ ِ‬ ‫وَالّذِي نَ َي ْ‬ ‫‪)37‬‬ ‫والذين يتنبون كبائر ما نى ال عنه‪ ،‬وما َفحُش وَقبُح من أنواع‬ ‫العاصي‪ ،‬وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الساءة‪،‬‬ ‫ويصفحون عن عقوبة السيء؛ طلبًا لثواب ال تعال وعفوه‪ ،‬وهذا من‬ ‫ماسن الخلق‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ ا ْسَتجَابُوا لِ َرّبهِ ْم وَأَقَامُوا ال صّل َة وَأَمْرُ ُه مْ شُورَى َبْيَنهُ مْ وَمِمّ ا‬ ‫َرزَ ْقنَاهُ ْم ُينْفِقُونَ (‪)38‬‬ ‫والذين استجابوا لربم حي دعاهم إل توحيده وطاعته‪ ,‬وأقاموا الصلة‬ ‫الفروضة بدودها ف أوقاتا‪ ,‬وإذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه‪ ،‬وما‬ ‫‪1637‬‬

‫أعطيناهم من الموال يتصدقون ف سبيل ال‪ ,‬ويؤدون ما فرض ال‬ ‫عليهم من القوق لهلها من زكاة ونفقة وغي ذلك من وجوه النفاق‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ ِإذَا َأصَاَبهُمْ اْلبَغْيُ ُهمْ َيْنتَصِرُونَ (‪)39‬‬ ‫والذين إذا أصابم الظلم هم ينتصرون من بغى عليهم مِن غي أن‬ ‫يعتدوا‪ ,‬وإن صبوا ففي عاقبة صبهم خي كثي‪.‬‬ ‫صلَ َح فَأَ ْجرُ هُ عَلَى اللّ هِ ِإنّ هُ ل ُيحِبّ‬ ‫وَجَزَاءُ َسّيَئةٍ َسّيَئةٌ ِمثُْلهَا َفمَ نْ عَفَا وَأَ ْ‬ ‫الظّالِ ِميَ (‪)40‬‬ ‫وجزاء سيئة السيء عقوبته بسيئة مثلها من غي زيادة‪ ,‬فمن عفا عن‬ ‫السيء‪ ,‬وترك عقابه‪ ,‬وأصلح الو ّد بينه وبي العفو عنه ابتغاء وجه ال‪،‬‬ ‫فَأجْرُ عفوه ذلك على ال‪ .‬إن ال ل يب الظالي الذين يبدؤون‬ ‫بالعدوان على الناس‪ ،‬ويسيئون إليهم‪.‬‬ ‫َولَمَنْ انتَصَ َر بَعْدَ ظُ ْل ِمهِ فَُأ ْوَلئِكَ مَا عََلْيهِمْ مِنْ َسبِيلٍ (‪)41‬‬ ‫ولن انتصر من ظلمه من بعد ظلمه له فأولئك ما عليهم من مؤاخذة‪.‬‬ ‫‪1638‬‬

‫سبِيلُ عَلَى الّذِي نَ يَظِْلمُو نَ النّا سَ َوَيبْغُو نَ فِي ا َلرْ ضِ بِ َغيْرِ اْلحَقّ‬ ‫ِإنّمَا ال ّ‬

‫ُأ ْوَلئِكَ َلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ ( ‪)42‬‬

‫إنا الؤاخذة على الذين يتعدّون على الناس ظلمًا وعدوانًا‪ ,‬ويتجاوزون‬ ‫ال ّد الذي أباحه لم ربم إل ما ل يأذن لم فيه‪ ،‬فيفسدون ف الرض‬ ‫بغي الق‪ ,‬أولئك لم يوم القيامة عذاب مؤل موجع‪.‬‬ ‫ك لَمِنْ عَزْ ِم الُمُورِ (‪)43‬‬ ‫صبَ َر وَغَفَرَ ِإنّ َذلِ َ‬ ‫َولَمَنْ َ‬ ‫ولن صب على الذى‪ ،‬وقابل الساءة بالعفو والصفح والسّتر‪ ,‬إن ذلك‬ ‫من عزائم المور الشكورة والفعال الميدة الت أمر ال با‪ ،‬ورتّب لا‬ ‫ثوابًا جريل وثناءً حيدًا‪.‬‬ ‫وَمَ نْ يُضْلِلْ اللّ هُ فَمَا لَ هُ مِ نْ َولِيّ مِ نْ بَ ْعدِ ِه َوتَرَى الظّالِمِيَ لَمّ ا رََأوْا‬

‫الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ ِإلَى َمرَدّ مِنْ َسبِيلٍ (‪)44‬‬

‫ومن يضلله ال عن الرشاد بسبب ظلمه فليس له من ناصر يهديه سبيل‬ ‫الرشاد‪ .‬وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكافرين بال يوم القيامة ‪ -‬حي رأوا‬ ‫‪1639‬‬

‫العذاب‪ -‬يقولون لربم‪ :‬هل لنا من سبيل إل الرجوع إل الدنيا؛ لنعمل‬ ‫بطاعتك؟ فل يابون إل ذلك‪.‬‬ ‫َوتَرَاهُ ْم يُعْ َرضُونَ عََلْيهَا خَا ِش ِعيَ مِنْ الذّلّ َينْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ َخفِيّ وَقَا َل‬ ‫الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّ اْلخَا ِسرِينَ الّذِي نَ خَ سِرُوا أَنفُ سَهُ ْم وَأَهْلِيهِ ْم َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ أَل‬ ‫ب مُقِي ٍم ( ‪)45‬‬ ‫ِإنّ الظّالِ ِميَ فِي عَذَا ٍ‬ ‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الظالي يُعْرَضون على النار خاضعي‬ ‫متذللي ينظرون إل النار مِن طرْف ذليل ضعيف من الوف والوان‪.‬‬ ‫وقال الذين آمنوا بال ورسوله ف النة‪ ,‬لا عاينوا ما ح ّل بالكفار من‬ ‫خسران‪ :‬إن الاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم‬ ‫القيامة بدخول النار‪ .‬أل إن الظالي‪ -‬يوم القيامة‪ -‬ف عذاب دائم‪ ,‬ل‬ ‫ينقطع عنهم‪ ,‬ول يزول‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ َلهُ مْ مِ نْ َأ ْوِليَاءَ يَن صُرُوَنهُمْ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ وَمَ نْ يُضْلِلْ اللّ هُ َفمَا لَ هُ‬ ‫مِنْ َسبِيلٍ (‪)46‬‬ ‫وما كان لؤلء الكافرين حي يعذبم ال يوم القيامة من أعوان ونصراء‬ ‫ينصرونم من عذاب ال‪ .‬ومن يضلله ال بسبب كفره وظلمه‪ ,‬فما له‬ ‫‪1640‬‬

‫من طريق يصل به إل الق ف الدنيا‪ ،‬وإل النة ف الخرة؛ لنه قد‬ ‫سدّت عليه طرق النجاة‪ ,‬فالداية والضلل بيده سبحانه وتعال دون‬ ‫سواه‪.‬‬ ‫ا ْسَتجِيبُوا لِ َربّكُ ْم مِ نْ َقبْلِ أَ نْ يَ ْأتِ يَ َيوْ ٌم ل َمرَدّ لَ هُ مِ ْن اللّ هِ مَا لَكُ مْ مِ نْ‬ ‫جإٍ َيوْ َمئِذٍ وَمَا لَكُ ْم مِنْ نَكِ ٍي (‪)47‬‬ ‫مَ ْل َ‬ ‫استجيبوا لربكم‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬باليان والطاعة من قبل أن يأت يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬الذي ل يكن رده‪ ,‬ما لكم من ملجأ يومئذ ينجيكم من‬ ‫العذاب‪ ،‬ول مكان يستركم‪ ،‬وتتنكرون فيه‪ .‬وف الية دليل على ذم‬ ‫التسويف‪ ،‬وفيها المر بالبادرة إل كل عمل صال يعرض للعبد‪ ,‬فإن‬ ‫للتأخي آفات وموانع‪.‬‬ ‫َفإِ نْ أَعْ َرضُوا فَمَا َأرْ َس ْلنَاكَ عََلْيهِ مْ حَفِيظا إِ نْ عََليْ كَ إِلّ اْلبَل غُ وَِإنّ ا إِذَا‬ ‫صْبهُمْ َسّيَئةٌ بِمَا َقدّمَ تْ َأْيدِيهِ مْ‬ ‫أَ َذ ْقنَا ا ِلنْ سَانَ ِمنّا َرحْ َمةً َفرِ حَ ِبهَا وَإِ نْ تُ ِ‬ ‫َفِإنّ الِنسَانَ كَفُورٌ (‪)48‬‬ ‫فإن أعرض هؤلء الشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن اليان بال فما‬ ‫أرسلناك عليهم حافظًا لعمالم حت تاسبهم عليها‪ ،‬ما عليك إل‬ ‫‪1641‬‬

‫البلغ‪ .‬وإنّا إذا أعطينا النسان منا رحة مِن غن و َسعَة ف الال وغي‬ ‫ذلك‪ ،‬فَرِح وسُرّ‪ ،‬وإن تصبهم مصيبة مِن فقر ومرض وغي ذلك بسبب‬ ‫ما قدمته أيديهم من معاصي ال‪ ,‬فإن النسان جحود يعدّد الصائب‪,‬‬ ‫وينسى النعم‪.‬‬ ‫لِلّهِ مُ ْلكُ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ َيخْلُقُ مَا َيشَاءُ َيهَبُ لِمَنْ َيشَاءُ ِإنَاثا َوَيهَبُ‬

‫َنم َيشَاءُ‬ ‫ُمم ذُ ْكرَانا وَِإنَاثا َوَيجْعَلُ م ْ‬ ‫َنم َيشَاءُ الذّكُورَ ( ‪َ )49‬أوْ يُ َزوّ ُجه ْ‬ ‫لِم ْ‬ ‫عَقِيما ِإّنهُ عَلِيمٌ َقدِيرٌ (‪)50‬‬ ‫ل سبحانه وتعال ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬يلق ما يشاء من‬ ‫اللق‪ ,‬يهب لن يشاء من عباده إناثًا ل ذكور معهن‪ ،‬ويهب لن يشاء‬ ‫الذكور ل إناث معهم‪ ،‬ويعطي سبحانه وتعال لن يشاء من الناس الذكر‬ ‫والنثى‪ ,‬ويعل مَن يشاء عقيمًا ل يولد له‪ ,‬إنه عليم با َيخْلُق‪ ,‬قدير‬ ‫على خَلْق ما يشاء‪ ,‬ل يعجزه شيء أراد خلقه‪.‬‬ ‫وَمَا كَا نَ ِلَبشَرٍ أَ نْ يُكَلّمَ هُ اللّ هُ إِلّ وَحْيا َأوْ مِ نْ َورَاءِ ِحجَا بٍ َأ ْو يُرْ سِلَ‬ ‫رَسُولً َفيُو ِحيَ ِبإِ ْذِنهِ مَا َيشَاءُ ِإّنهُ َعلِيّ حَكِي ٌم (‪)51‬‬

‫‪1642‬‬

‫وما ينبغي لبشر من بن آدم أن يكلمه ال إل وحيًا يوحيه ال إليه‪ ،‬أو‬ ‫يكلمه من وراء حجاب‪ ،‬كما كلّم سبحانه موسى عليه السلم‪ ,‬أو‬ ‫يرسل رسول كما ينل جبيل عليه السلم إل الرسل إليه‪ ,‬فيوحي بإذن‬ ‫ربه ل بجرد هواه ما يشاء ال إياءه‪ ،‬إنه تعال عل ّي بذاته وأسائه‬ ‫وصفاته وأفعاله‪ ,‬قد قهر كل شيء ودانت له الخلوقات‪ ،‬حكيم ف تدبي‬ ‫أمور خلقه‪ .‬وف الية إثبات صفة الكلم ل تعال على الوجه اللئق‬ ‫بلله وعظيم سلطانه‪.‬‬ ‫ك رُوحا مِ نْ أَمْرِنَا مَا ُكنْ تَ َت ْدرِي مَا الْ ِكتَا بُ وَل‬ ‫وَكَ َذلِ كَ َأوْ َحيْنَا ِإَليْ َ‬ ‫الِيَا نُ َولَكِ نْ جَعَ ْلنَا هُ نُورا َنهْدِي بِ هِ مَ نْ َنشَاءُ مِ نْ ِعبَادِنَا وَِإنّ كَ َلَتهْدِي‬ ‫ت وَمَا فِي‬ ‫ستَقِيمٍ ( ‪ )52‬صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السّ َموَا ِ‬ ‫ِإلَى صِرَاطٍ مُ ْ‬ ‫ا َلرْضِ أَل ِإلَى الّلهِ تَصِيُ الُمُورُ (‪)53‬‬ ‫وكما أوحينا إل النبياء من قبلك ‪-‬أيها النب‪ -‬أوحينا إليك قرآنًا من‬ ‫عند نا‪ ،‬ما ك نت تدري قبله ما الك تب ال سابقة ول اليان ول الشرائع‬ ‫اللية؟ ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس ندي به مَن نشاء مِن عبادنا إل‬ ‫الصمراط السمتقيم‪ .‬وإنمك ‪-‬أيهما الرسمول‪َ -‬لتَدُلّ َوتُرْشِ ُد بإذن ال إل‬ ‫صراط م ستقيم‪ -‬و هو ال سلم‪ -‬صراط ال الذي له ملك ج يع ما ف‬ ‫‪1643‬‬

‫السمموات ومما فم الرض‪ ،‬ل شريمك له فم ذلك‪ .‬أل إل ال‪ -‬أيهما‬ ‫الناس‪ -‬تر جع ج يع أمور كم من ال ي وال شر‪ ,‬فيجازي كل بعمله‪ :‬إن‬ ‫خيًا فخي‪ ،‬وإن شرًا فشر‪.‬‬

‫‪ -43‬سورة الزخرف‬ ‫حم (‪)1‬‬ ‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫وَالْ ِكتَابِ الْ ُمِبيِ (‪)2‬‬ ‫أقسم ال تعال بالقرآن الواضح لفظًا ومعن‪.‬‬ ‫ِإنّ ا جَعَ ْلنَا هُ قُرْآنا عَ َرِبيّا لَعَلّ ُك مْ تَعْ ِقلُو نَ (‪ )3‬وَِإنّ هُ فِي أُمّ الْ ِكتَا بِ لَ َديْنَا‬ ‫لَعَلِيّ حَكِي ٌم ( ‪)4‬‬ ‫‪1644‬‬

‫إنّ ا أنزل نا القرآن على م مد صلى ال عل يه و سلم بل سان العرب؛ لعل كم‬ ‫تفهمون‪ ,‬وتتدبرون معانيه وحججه‪ .‬وإنه ف اللوح الحفوظ لدينا لعليّ‬ ‫ف قَدْره وشرفه‪ ,‬مكم ل اختلف فيه ول تناقض‪.‬‬ ‫ي (‪)5‬‬ ‫ب عَنكُ ْم الذّكْرَ صَفْحا َأنْ كُنتُمْ َقوْما ُمسْرِِف َ‬ ‫أََفنَضْرِ ُ‬ ‫أفنُ ْعرِض عنكمم‪ ,‬ونترك إنزال القرآن إليكمم لجمل إعراضكمم وعدم‬ ‫انقيادكم‪ ,‬وإسرافكم ف عدم اليان به؟‬ ‫وَكَ مْ َأرْ سَ ْلنَا مِ نْ َنبِيّ فِي ا َلوِّليَ (‪ )6‬وَمَا يَ ْأتِيهِ ْم مِ ْن َنبِيّ إِ ّل كَانُوا بِ هِ‬ ‫ستَهْ ِزئُون (‪ )7‬فَأَهَْل ْكنَا أَ َشدّ ِمْنهُ ْم بَطْشا وَمَضَى َمثَ ُل ا َلوِّليَ (‪)8‬‬ ‫َي ْ‬ ‫كثيًا من ال نبياء أر سلنا ف القرون الول ال ت م ضت ق بل قو مك أي ها‬ ‫النب‪ .‬وما يأتيهم من نب إل كانوا به يستهزئون كاستهزاء قومك بك‪,‬‬ ‫فأهلكنا مَن كذّبوا رسلنا‪ ,‬وكانوا أشد قوة وبأ سًا من قومك يا ممد‪,‬‬ ‫ومضت عقوبة الولي بأن أهلِكوا؛ بسبب كفرهم وطغيانم واستهزائهم‬ ‫بأنبيائهم‪ .‬وف هذا تسلية للنب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪1645‬‬

‫ت وَا َلرْضَ َليَقُولُنّ خَلَ َقهُنّ الْعَزِي ُز الْعَلِيمُ (‬ ‫َوَلئِنْ سََأْلَتهُمْ مَنْ خَلَ َق السّ َموَا ِ‬ ‫‪)9‬‬ ‫ولئن سمألت ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬هؤلء الشركيم ممن قوممك مَن خلق‬ ‫السموات والرض؟ ليقولُنّ‪ :‬خلقهنّ العزيز ف سلطانه‪ ,‬العليم بن وما‬ ‫فيهن من الشياء‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫الّذِي جَعَ َل لَكُ ْم ا َلرْ ضَ َمهْدا وَجَعَ َل لَكُ ْم فِيهَا ُسُبلً لَعَلّكُ مْ َت ْهتَدُو نَ (‬ ‫‪)10‬‬ ‫الذي جعل لكم الرض فراشًا وبساطًا‪ ,‬وسهّل لكم فيها طرقًا لعاشكم‬ ‫ومتاجركم ; لكي تتدوا بتلك السبل إل مصالكم الدينية والدنيوية‪.‬‬ ‫وَالّذِي َنزّلَ مِ نْ ال سّمَاءِ مَاءً بِقَ َدرٍ َفأَنشَ ْرنَا بِ هِ بَلْدَ ًة َميْتا كَ َذلِ كَ ُتخْ َرجُو نَ‬ ‫(‪)11‬‬ ‫والذي نزل من السماء مطرًا بقدر‪ ,‬ليس طوفانًا مغرقًا ول قاصرًا عن‬ ‫الاجة؛ حت يكون معاشًا لكم ولنعامكم‪ ,‬فأحيينا بالاء بلدة مُقْفِرَة من‬

‫‪1646‬‬

‫النبات‪ ،‬كما أخرجنا بذا الاء الذي نزلناه من السماء من هذه البلدة‬ ‫اليتة النبات والزرع‪ُ ,‬تخْرَجون‪ -‬أيها الناس‪ -‬من قبوركم بعد فنائكم‪.‬‬ ‫ك وَا َلنْعَامِ مَا َترْ َكبُونَ (‬ ‫وَالّذِي خَلَقَ ا َل ْزوَاجَ كُّلهَا َوجَعَلَ لَكُ ْم مِنْ الْفُلْ ِ‬ ‫‪)12‬‬ ‫والذي خلق الصناف كلها من حيوان ونبات‪ ,‬وجعل لكم من السفن‬ ‫ما تركبون ف البحر‪ ,‬ومن البهائم كالبل واليل والبغال والمي ما‬ ‫تركبون ف الب‪.‬‬ ‫سَتوُوا عَلَى ُظهُورِ هِ ثُمّ َتذْكُرُوا نِعْ َمةَ َربّكُ مْ إِذَا ا ْسَت َوْيتُمْ َعَليْ هِ َوتَقُولُوا‬ ‫ِلتَ ْ‬ ‫ُسبْحانَ الّذِي َسخّ َر لَنَا هَذَا وَمَا ُكنّ ا لَ هُ مُقْ ِرنِيَ (‪ )13‬وَِإنّ ا ِإلَى َربّنَا‬

‫لَمُنقَِلبُونَ ( ‪)14‬‬

‫لكي تستووا على ظهور ما تركبون‪ ,‬ث تذكروا نعمة ربكم إذا ركبتم‬ ‫عليه‪ ,‬وتقولوا‪ :‬المد ل الذي سخر لنا هذا‪ ,‬وما كنا له مطيقي‪,‬‬ ‫ولتقولوا أيضًا‪ :‬وإنا إل ربنا بعد ماتنا لصائرون إليه راجعون‪ .‬وف هذا‬ ‫بيان أن ال النعم على عباده بشتّى النعم‪ ,‬هو الستحق للعبادة ف كل‬ ‫حال ‪.‬‬ ‫‪1647‬‬

‫وَ َجعَلُوا َلهُ مِنْ ِعبَادِهِ جُزْءا ِإنّ الِنسَانَ لَكَفُورٌ ُمِبيٌ (‪)15‬‬ ‫وجعل هؤلء الشركون ل مِن خلقه نصيًبا‪ ,‬وذلك قولم للملئكة‪:‬‬ ‫بنات ال‪ .‬إن النسان لحود لنعم ربه الت أنعم با عليه‪ ,‬مظهر لحوده‬ ‫وكفره يعدّد الصائب‪ ,‬وينسى النعم‪.‬‬ ‫أَمْ اّتخَذَ ِممّا َيخْلُقُ َبنَاتٍ وََأصْفَاكُ ْم بِاْلَبِنيَ (‪)16‬‬ ‫بل أتزعمون‪ -‬أيها الاهلون‪ -‬أن ربكم اتذ ما يلق بنات وأنتم ل‬ ‫ترضون ذلك لنفسكم‪ ,‬وخصّكم بالبني فجعلهم لكم؟ وف هذا توبيخ‬ ‫لم‪.‬‬ ‫ُسموَدّا وَ ُهوَ‬ ‫ُهم م ْ‬ ‫ل ظَلّ وَ ْجه ُ‬ ‫َنم َمثَ ً‬ ‫َبملِلرّ ْحم ِ‬ ‫ُمم بِمَا ضَر َ‬ ‫وَِإذَا ُبشّرَ أَحَدُه ْ‬ ‫كَظِيمٌ (‪)17‬‬ ‫وإذا ُبشّر أحدهم بالنثى الت نسبها للرحن حي زعم أن اللئكة بنات‬ ‫سوَدّا من سوء البشارة بالنثى‪ ,‬وهو حزين ملوء من‬ ‫ال صار وجهه ُم ْ‬

‫‪1648‬‬

‫الم والكرب‪( .‬فكيف يرضون ل ما ل يرضونه لنفسهم؟ تعال ال‬ ‫وتقدّس عما يقول الكافرون علوًا كبيًا)‪.‬‬ ‫َأوَمَنْ ُيَنشّأُ فِي الْحِ ْلَيةِ وَ ُهوَ فِي الْخِصَامِ َغيْ ُر ُمِبيٍ (‪)18‬‬ ‫أتترئون وتنسبون إل ال تعال مَن ُي َربّى ف الزينة‪ ,‬وهو ف الدال غي‬ ‫مبي لجته; لنوثته؟‬ ‫وَ َجعَلُوا الْمَلئِ َكةَ الّذِي نَ هُ ْم ِعبَادُ الرّ ْحمَ نِ ِإنَاثا أَ َشهِدُوا خَلْ َقهُ ْم َستُ ْكتَبُ‬ ‫َشهَا َدُتهُمْ َوُيسَْألُونَ (‪)19‬‬ ‫وجعل هؤلء الشركون بال اللئكة الذين هم عباد الرحن إناثًا‪,‬‬ ‫أحَضَروا حالة خَلْقهم حت يكموا بأنم إناث؟ ستُكتب شهادتم‪,‬‬ ‫ويُسألون عنها ف الخرة‪.‬‬ ‫ك مِ نْ ِعلْ مٍ إِ نْ هُ مْ إِلّ‬ ‫وَقَالُوا َلوْ شَاءَ الرّحْمَ نُ مَا َعبَ ْدنَاهُ ْم مَا لَهُ مْ ِب َذلِ َ‬ ‫َيخْ ُرصُونَ (‪)20‬‬

‫‪1649‬‬

‫وقال هؤلء الشركون من قريش‪ :‬لو شاء الرحن ما عبدنا أحدًا من‬ ‫دونه‪ ,‬وهذه حجة باطلة‪ ,‬فقد أقام ال الجة على العباد بإرسال الرسل‬ ‫وإنزال الكتب‪ ,‬فاحتجاجهم بالقضاء والقَدَر مِن أبطل الباطل مِن بعد‬ ‫إنذار الرسل لم‪ .‬ما لم بقيقة ما يقولون مِن ذلك مِن علم‪ ,‬وإنا‬ ‫يقولونه ت ّرصًا وكذبًا؛ لنه ل خب عندهم من ال بذلك ول برهان‪.‬‬ ‫ستَ ْمسِكُونَ (‪)21‬‬ ‫أَمْ آَتْينَاهُ ْم ِكتَابا مِنْ َقبِْل ِه َفهُمْ ِب ِه ُم ْ‬ ‫َأحَضَروا َخلْق اللئكة‪ ,‬أم أعطيناهم كتابًا من قبل القرآن الذي أنزلناه‪,‬‬ ‫فهم به مستمسكون يعملون با فيه‪ ,‬ويتجون به عليك أيها الرسول؟‬ ‫بَلْ قَالُوا ِإنّا َوجَ ْدنَا آبَا َءنَا عَلَى أُ ّمةٍ وَِإنّا عَلَى آثَارِهِمْ ُم ْهتَدُونَ (‪)22‬‬ ‫بل قالوا‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على طريقة ومذهب ودين‪ ,‬وإنا على آثار‬ ‫آبائنا فيما كانوا عليه متبعون لم‪ ,‬ومقتدون بم‪.‬‬ ‫ك فِي َق ْرَيةٍ مِ ْن نَذِيرٍ إِ ّل قَالَ ُمتْرَفُوهَا ِإنّ ا‬ ‫وَكَ َذلِ كَ مَا َأرْ سَ ْلنَا مِ نْ َقبِْل َ‬ ‫وَجَ ْدنَا آبَا َءنَا عَلَى أُ ّمةٍ وَِإنّا عَلَى آثَارِهِ ْم مُ ْقتَدُونَ (‪)23‬‬ ‫‪1650‬‬

‫وكذلك ما أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف قرية مِن نذير ينذرهم‬ ‫عقابنا على كفرهم بنا‪ ,‬فأنذروهم وحذّروهم سخَطنا وحلول عقوبتنا‪,‬‬ ‫إل قال الذين أبطرتم النعمة من الرؤساء والكباء‪ :‬إنّا وجدنا آباءنا على‬ ‫ملة ودين‪ ,‬وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون‪.‬‬ ‫قَالَ َأ َولَوْ ِجْئتُكُ ْم بِأَهْدَى مِمّا َوجَ ْدتُ ْم عََليْ هِ آبَاءَكُ مْ قَالُوا ِإنّا ِبمَا ُأرْ سِ ْلُتمْ‬

‫ِبهِ كَافِرُونَ (‪)24‬‬

‫قال ممد صلى ال عليه وسلم ومَن سبقه من الرسل لن عارضه بذه‬ ‫الشبهة الباطلة‪ :‬أتتبعون آباءكم‪ ,‬ولو جئتكم مِن عند ربكم بأهدى إل‬ ‫طريق الق وأدلّ على سبيل الرشاد ما وجدت عليه آباءكم من الدين‬ ‫واللة؟ قالوا ف عناد‪ :‬إنا با أرسلتم به جاحدون كافرون‪.‬‬ ‫فَانتَقَ ْمنَا ِمْنهُمْ فَانظُ ْر َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُكَ ّذِبيَ (‪)25‬‬ ‫فانتقمنا من هذه المم الكذبة رسلها بإحللنا العقوبة بم َخسْفًا وغرقًا‬ ‫وغي ذلك‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان عاقبة أمرهم إذ كذبوا‬ ‫بآيات ال ورسله؟ وليحْذَر قومك أن يستمروا على تكذيبهم‪ ,‬فيصيبهم‬ ‫مثل ما أصابم‪.‬‬ ‫‪1651‬‬

‫وَِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َلبِيهِ وََقوْ ِمهِ ِإّننِي َبرَاءٌ مِمّا تَ ْعبُدُونَ (‪)26‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قال إبراهيم لبيه وقومه الذين كانوا يعبدون‬ ‫ما يعبده قومك‪ :‬إنن براء ما تعبدون من دون ال‪.‬‬ ‫إِلّ الّذِي فَطَ َرنِي َفِإّنهُ َسَيهْدِينِ (‪)27‬‬ ‫إل الذي خلقن‪ ,‬فإنه سيوفقن لتباع سبيل الرشاد‪.‬‬ ‫وَ َجعََلهَا كَلِ َمةً بَاِقَيةً فِي عَ ِقِبهِ لَعَّلهُ ْم يَرْ ِجعُونَ (‪)28‬‬ ‫وجعل إبراهيم عليه السلم كلمة التوحيد (ل إله إل ال) باقية ف مَن‬ ‫بعده؛ لعلهم يرجعون إل طاعة ربم وتوحيده‪ ,‬ويتوبون من كفرهم‬ ‫وذنوبم‪.‬‬ ‫بَلْ َمتّعْتُ َهؤُلءِ وَآبَاءَهُمْ َحتّى جَاءَهُمْ اْلحَقّ وَرَسُولٌ ُمِبيٌ (‪)29‬‬

‫‪1652‬‬

‫ت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي من قومك وآباءهم مِن قبلهم‬ ‫بل متع ُ‬ ‫بالياة‪ ,‬فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم‪ ,‬حت جاءهم القرآن ورسول‬ ‫يبيّن لم ما يتاجون إليه من أمور دينهم‪.‬‬ ‫َولَمّا جَاءَهُ ْم الْحَقّ قَالُوا هَذَا ِسحْرٌ وَِإنّا ِبهِ كَافِرُونَ (‪)30‬‬ ‫ولا جاءهم القرآن من عند ال قالوا‪ :‬هذا الذي جاءنا به هذا الرسول‬ ‫سح ٌر يسحرنا به‪ ,‬وليس بوحي مِن عند ال‪ ,‬وإنا به مكذّبون‪.‬‬ ‫وَقَالُوا َلوْل نُزّ َل هَذَا الْقُرْآنُ َعلَى رَجُ ٍل مِنْ الْقَ ْرَيَتيْنِ عَظِي ٍم (‪)31‬‬ ‫وقال هؤلء الشركون مِن قريش‪ :‬إنْ كان هذا القرآن مِن عند ال حقًا‪,‬‬ ‫فهل نُزّل على رجل عظيم من إحدى هاتي القريتي "مكة" أو‬ ‫"الطائف"‪.‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا‬ ‫شَتهُ ْم فِي الْ َ‬ ‫ك َنحْ نُ قَ سَ ْمنَا َبْيَنهُ مْ مَعِي َ‬ ‫أَهُ ْم يَقْ سِمُونَ رَ ْح َمةَ َربّ َ‬ ‫ضهُ ْم بَعْضا ُسخْ ِريّا َورَحْ َمةُ‬ ‫ت ِلَيتّخِ َذ بَعْ ُ‬ ‫ضهُ مْ َفوْ قَ بَعْ ضٍ َدرَجَا ٍ‬ ‫َورَفَ ْعنَا بَعْ َ‬ ‫َربّكَ َخيْرٌ مِمّا َيجْمَعُونَ (‪)32‬‬ ‫‪1653‬‬

‫أهم يقسمون النبوة فيضعونا حيث شاؤوا؟ نن قسمنا بينهم معيشتهم‬ ‫ف حياتم الدنيا من الرزاق والقوات‪ ,‬ورفعنا بعضهم فوق بعض‬ ‫درجات‪ :‬هذا غنّ وهذا فقي‪ ,‬وهذا قويّ وهذا ضعيف؛ ليكون بعضهم‬ ‫سخّرًا لبعض ف العاش‪ .‬ورحة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بإدخالم النة‬ ‫ُم َ‬ ‫خي ما يمعون من حطام الدنيا الفان‪.‬‬ ‫َوَلوْل أَ نْ يَكُو نَ النّا سُ أُ ّمةً وَا ِحدَةً َلجَعَلْنَا لِمَ نْ يَكْ ُفرُ بِالرّحْمَ نِ ِلُبيُوِتهِ مْ‬ ‫ضةٍ وَمَعَا ِرجَ عََلْيهَا يَ ْظهَرُونَ (‪)33‬‬ ‫سُقُفا مِنْ فَ ّ‬ ‫ولول أن يكون الناس جاعة واحدة على الكفر‪ ,‬لعلنا لن يكفر‬ ‫بالرحن لبيوتم سُقُفا من فضة وسلل عليها يصعدون‪.‬‬ ‫َوِلُبيُوتِهِ مْ َأْبوَابا َو سُرُرا عََليْهَا َيتّ ِكئُو نَ (‪َ )34‬وزُ ْخرُفا وَإِ نْ كُلّ َذلِ كَ‬ ‫ك لِلْ ُمتّ ِقيَ ( ‪)35‬‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَالخِرَ ُة ِعنْدَ َربّ َ‬ ‫لَمّا َمتَاعُ اْل َ‬ ‫وجعلنا لبيوتم أبوابًا من فضة‪ ,‬وجعلنا لم سررًا عليها يتكئون‪ ,‬وجعلنا‬ ‫لم ذهبًا‪ ,‬وما كل ذلك إل متاع الياة الدنيا‪ ,‬وهو متاع قليل زائل‪,‬‬ ‫ونعيم الخرة مدّخر عند ربك للمتقي ليس لغيهم‪.‬‬ ‫‪1654‬‬

‫ش عَنْ ذِ ْكرِ الرّ ْحمَنِ نُ َقيّضْ َلهُ َشيْطَانا َف ُهوَ لَهُ قَرِينٌ (‪)36‬‬ ‫وَمَنْ يَ ْع ُ‬ ‫ومن يُعْرِض عن ذكر الرحن‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬فلم َيخَفْ عقابه‪ ,‬ول يهتد‬ ‫بدايته‪ ,‬نعل له شيطانًا ف الدنيا يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر‬ ‫ال‪ ,‬فهو له ملزم ومصاحب ينعه اللل‪ ,‬ويبعثه على الرام‪.‬‬ ‫سبُونَ َأّنهُ ْم ُم ْهتَدُونَ (‪)37‬‬ ‫حَ‬ ‫سبِيلِ َوَي ْ‬ ‫وَِإّنهُ ْم َليَصُدّوَنهُمْ عَنْ ال ّ‬ ‫وإن الشياطي ليصدون عن سبيل الق هؤلء الذين يعرضون عن ذكر‬ ‫ال‪ ,‬فيزيّنون لم الضللة‪ ,‬ويكرّهون لم اليان بال والعمل بطاعته‪,‬‬ ‫ويظن هؤلء العرضون بتحسي الشياطي لم ما هم عليه من الضلل‬ ‫أنم على الق والدى‪.‬‬ ‫ك بُعْ َد الْ َمشْ ِرَقيْ نِ َفِبئْ سَ الْقَرِي ُن (‬ ‫َحتّى إِذَا جَا َءنَا قَالَ يَا َليْ تَ َبْينِي َوَبْينَ َ‬

‫‪)38‬‬

‫‪1655‬‬

‫حت إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحن وقرينُه من الشياطي‬ ‫للحساب والزاء‪ ,‬قال العرض عن ذكر ال لقرينه‪ :‬وددت أن بين‬ ‫وبينك بُعْ َد ما بي الشرق والغرب‪ ,‬فبئس القرين ل حيث أغويتن‪.‬‬ ‫شتَرِكُونَ (‪)39‬‬ ‫َولَنْ يَنفَعَكُ ْم اْليَوْمَ إِ ْذ ظَلَ ْمتُمْ َأنّكُ ْم فِي الْعَذَابِ ُم ْ‬ ‫ولن ينفعكم اليوم‪ -‬أيها العرضون‪ -‬عن ذكر ال إذ أشركتم ف الدنيا‬ ‫أنكم ف العذاب مشتركون أنتم وقرناؤكم‪ ,‬فلكل واحد نصيبه الوفر‬ ‫من العذاب‪ ,‬كما اشتركتم ف الكفر‪.‬‬ ‫ت ُتسْمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِي الْعُمْيَ وَمَ ْن كَانَ فِي ضَل ٍل ُمِبيٍ (‪)40‬‬ ‫أَفََأنْ َ‬ ‫أفأنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تُسمع مَن أصمّه ال عن ساع الق‪ ,‬أو تدي إل‬ ‫طريق الدى مَن أعمى قلبه عن إبصاره‪ ,‬أو تدي مَن كان ف ضلل عن‬ ‫الق بيّن واضح؟ ليس ذلك إليك‪ ,‬إنا عليك البلغ‪ ,‬وليس عليك‬ ‫هداهم‪ ,‬ولكن ال يهدي مَن يشاء‪ ,‬ويضلّ مَن يشاء‪.‬‬ ‫ك الّذِي وَعَ ْدنَاهُ مْ‬ ‫َفإِمّا نَذْ َهبَنّ بِ كَ َفِإنّا ِمْنهُ ْم ُمْنتَقِمُو نَ (‪َ )41‬أوْ نُ ِرَينّ َ‬ ‫‪1656‬‬

‫َفِإنّا عََلْيهِمْ ُم ْقتَ ِدرُونَ (‪)42‬‬ ‫فإن توفيناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قبل نصرك على الكذبي من قومك‪ ,‬فإنّا‬ ‫منهم منتقمون ف الخرة‪ ,‬أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب النازل‬ ‫بم كيوم "بدر"‪ ,‬فإنا عليهم مقتدرون نُظهِرك عليهم‪ ,‬ونزيهم بيدك‬ ‫وأيدي الؤمني بك‪.‬‬ ‫ستَقِي ٍم (‪)43‬‬ ‫ك عَلَى صِرَاطٍ ُم ْ‬ ‫فَا ْستَ ْمسِكْ بِالّذِي أُوحِيَ ِإَليْكَ ِإنّ َ‬ ‫فاستمسك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬با يأمرك به ال ف هذا القرآن الذي أوحاه‬ ‫إليك؛ إنك على صراط مستقيم‪ ,‬وذلك هو دين ال الذي أمر به‪ ,‬وهو‬ ‫السلم‪ .‬وف هذا تثبيت للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وثناء عليه‪.‬‬ ‫ك وَ َسوْفَ ُتسَْألُونَ (‪)44‬‬ ‫ك وَلِ َقوْمِ َ‬ ‫وَِإّنهُ لَذِ ْكرٌ لَ َ‬ ‫وإن هذا القرآن لَشرف لك ولقومك من قريش؛ حيث أُنزل بلغتهم‪,‬‬ ‫فهم أفهم الناس له‪ ,‬فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به‪ ,‬وأعملهم بقتضاه‪,‬‬ ‫وسوف تُسألون أنت ومَن معك عن الشكر ل عليه والعمل به‪.‬‬

‫‪1657‬‬

‫وَا سْأَ ْل مَ نْ َأرْ َس ْلنَا مِ نْ َقبِْل كَ مِ ْن رُ سُِلنَا َأجَعَ ْلنَا مِ نْ دُو نِ الرّحْمَ ِن آِلهَةً‬ ‫يُ ْعبَدُونَ (‪)45‬‬ ‫واسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أتباع مَن أرسلنا مِن قبلك من رسلنا وحلة‬ ‫شرائعهم‪ :‬أجاءت رسلهم بعبادة غي ال؟ فإنم يبونك أن ذلك ل‬ ‫ت الناس إليه من عبادة ال‬ ‫يقع; فإن جيع الرسل دَ َعوْا إل ما دعو َ‬ ‫وحده‪ ,‬ل شريك له‪ ,‬و َنوْا عن عبادة ما سوى ال‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْ َس ْلنَا مُو سَى بِآيَاتِنَا ِإلَى فِرْ َعوْ نَ وَمََلئِ هِ فَقَالَ ِإنّ ي رَ سُولُ رَبّ‬

‫ضحَكُونَ (‪)47‬‬ ‫الْعَالَ ِميَ (‪ )46‬فََلمّا جَاءَهُ ْم بِآيَاِتنَا إِذَا هُ ْم ِمْنهَا يَ ْ‬

‫ولقد أرسلنا موسى بججنا إل فرعون وأشراف قومه‪ ,‬كما أرسلناك‬ ‫أيها الرسول‪ -‬إل هؤلء الشركي من قومك‪ ,‬فقال لم موسى‪ :‬إن‬‫رسول رب العالي‪ ,‬فلما جاءهم بالبينات الواضحات الدالة على صدقه‬ ‫ف دعوته‪ ,‬إذا فرعون وملؤه ما جاءهم به موسى من اليات والعب‬ ‫يضحكون‪.‬‬ ‫ب لَعَّلهُ مْ‬ ‫وَمَا نُرِيهِ ْم مِ نْ آَيةٍ إِلّ ِه يَ أَ ْكَبرُ مِ نْ أُ ْختِهَا وََأخَ ْذنَاهُ مْ بِالْعَذَا ِ‬ ‫يَرْ ِجعُونَ (‪)48‬‬ ‫‪1658‬‬

‫وما نُري فرعون ومله من حجة إل هي أعظم من الت قبلها‪ ,‬وأدل على‬ ‫صحة ما يدعوهم موسى عليه‪ ,‬وأخذناهم بصنوف العذاب كالراد‬ ‫والقُمّل والضفادع والطوفان‪ ,‬وغي ذلك; لعلهم يرجعون عن كفرهم‬ ‫بال إل توحيده وطاعته‪.‬‬ ‫ك بِمَا َعهِدَ ِعْندَ كَ ِإنّنَا لَ ُم ْهتَدُو نَ (‬ ‫ع لَنَا َربّ َ‬ ‫وَقَالُوا يَا َأيّهَا ال سّا ِحرُ ا ْد ُ‬

‫‪)49‬‬

‫وقال فرعون وملؤه لوسى‪ :‬يا أيها العال (وكان الساحر فيهم عظيمًا‬ ‫ُيوَقّرونه ول يكن السحر صفة ذم) ادع لنا ربك بعهده الذي عهد إليك‬ ‫وما خصّك به من الفضائل أن يكشف عنا العذاب‪ ,‬فإن كشف عنا‬ ‫العذاب فإننا لهتدون مؤمنون با جئتنا به‪.‬‬ ‫َفلَمّا َكشَ ْفنَا َعْنهُمْ الْعَذَابَ إِذَا هُ ْم يَن ُكثُونَ (‪)50‬‬ ‫فلما دعا موسى برفع العذاب عنهم‪ ,‬ورفعناه عنهم إذا هم يغدرون‪,‬‬ ‫ويصرّون على ضللم‪.‬‬

‫‪1659‬‬

‫ك مِ صْ َر وَهَذِ هِ ا َلْنهَارُ‬ ‫َونَادَى فِرْ َعوْ نُ فِي َقوْمِ هِ قَالَ يَا َقوْ مِ َأَليْ سَ لِي مُلْ ُ‬ ‫حتِي أَفَل ُتبْصِرُونَ (‪)51‬‬ ‫َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫ونادى فرعون ف عظماء قومه متبجحًا مفتخرًا بُلْك "مصر" ‪ :‬أليس ل‬ ‫مُلْك "مصر" وهذه النار تري مِن تت؟ أفل تبصرون عظمت وقوت‪,‬‬ ‫وضعف موسى وفقره؟‬ ‫أَمْ َأنَا َخيْ ٌر مِنْ َهذَا الّذِي ُه َو َم ِهيٌ وَل يَكَادُ ُيِبيُ (‪)52‬‬ ‫بل أنا خي من هذا الذي ل عزّ معه‪ ,‬فهو يتهن نفسه ف حاجاته لضعفه‬ ‫وحقارته‪ ,‬ول يكاد يُبي الكلم لعِ ّي لسانه‪ ,‬وقد حل فرعونَ على هذا‬ ‫القول الكف ُر والعنادُ والصدّ عن سبيل ال‪.‬‬ ‫َفَلوْل ُألْقِيَ َعَلْيهِ َأ ْسوِرَةٌ مِنْ ذَ َهبٍ َأوْ جَاءَ مَ َع ُه الْمَلئِ َكةُ مُ ْقتَ ِرِنيَ (‪)53‬‬ ‫فهل أُلقِي على موسى‪ -‬إن كان صادقًا أنه رسول رب العالي‪ -‬أ ْس ِورَة‬ ‫من ذهب‪ ,‬أو جاء معه اللئكة قد اقترن بعضهم ببعض‪ ,‬فتتابعوا‬ ‫يشهدون له بأنه رسول ال إلينا‪.‬‬

‫‪1660‬‬

‫فَا ْسَتخَفّ َقوْ َمهُ فََأطَاعُوهُ ِإّنهُ ْم كَانُوا َقوْما فَاسِ ِقيَ (‪)54‬‬ ‫فا ْسَتخَفّ فرعون عقول قومه فدعاهم إل الضللة‪ ,‬فأطاعوه وكذبوا‬ ‫موسى‪ ,‬إنم كانوا قومًا خارجي عن طاعة ال وصراطه الستقيم‪.‬‬ ‫َفلَمّا آسَفُونَا انتَقَ ْمنَا ِمْنهُمْ فَأَغْرَ ْقنَاهُمْ أَ ْجمَ ِعيَ (‪)55‬‬ ‫فلما أغضبونا‪ -‬بعصياننا‪ ,‬وتكذيب موسى وما جاء به من اليات‪-‬‬ ‫انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي َعجّلناه لم‪ ,‬فأغرقناهم أجعي ف‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫ل لِلخِرِينَ (‪)56‬‬ ‫َفجَعَ ْلنَاهُمْ سَلَفا وَ َمثَ ً‬ ‫فجعلنا هؤلء الذين أغرقناهم ف البحر سلفًا لن يعمل مثل عملهم من‬ ‫يأت بعدهم ف استحقاق العذاب‪ ,‬وعبة وعظة للخرين‪.‬‬ ‫صدّونَ (‪)57‬‬ ‫َولَمّا ضُ ِربَ ابْنُ َم ْريَمَ َمَثلً إِذَا َقوْ ُمكَ ِمْنهُ يَ ِ‬ ‫ولا ضرب الشركون عيسى ابن مري مثل حي خاصموا ممدا صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وحاجّوه بعبادة النصارى إياه‪ ,‬إذا قومك من ذلك ولجله‬ ‫‪1661‬‬

‫يرتفع لم جَلَبة وضجيج فرحًا وسرورًا‪ ,‬وذلك عندما نزل قوله تعال‬ ‫( إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم أنتم لا واردون ) ‪،‬‬ ‫وقال الشركون‪ :‬رضينا أن تكون آلتنا بنلة عيسى‪ ,‬فأنزل ال قوله‪:‬‬ ‫( إن الذين سبقت لم منا السنا أولئك عنها مبعدون ) ‪ ،‬فالذي يُلْقى‬ ‫ف النار من آلة الشركي من رضي بعبادتم إياه‪.‬‬ ‫وَقَالُوا أَآِل َهُتنَا َخيْرٌ أَ مْ ُه َو مَا ضَ َربُو هُ لَ كَ إِلّ جَدَ ًل بَلْ هُ ْم َقوْ مٌ خَ صِمُونَ‬ ‫(‪)58‬‬ ‫وقال مشركو قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أآلتنا الت نعبدها خي أم عيسى‬ ‫الذي يعبده قومه؟ فإذا كان عيسى ف النار‪ ,‬فلنكن نن وآلتنا معه‪ ,‬ما‬ ‫ضربوا لك هذا الثل إل جدل بل هم قوم ماصمون بالباطل‪.‬‬ ‫ل ِلَبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)59‬‬ ‫ِإنْ ُهوَ إِ ّل َعبْدٌ َأنْعَ ْمنَا عََلْيهِ َوجَعَ ْلنَاهُ َمثَ ً‬ ‫ما عيسى ابن مري إل عبد أنعمنا عليه بالنبوة‪ ,‬وجعلناه آية وعبة لبن‬ ‫إسرائيل يُستدل با على قدرتا‪.‬‬

‫‪1662‬‬

‫َوَلوْ َنشَاءُ َلجَعَ ْلنَا ِمنْكُ ْم مَلئِ َكةً فِي ا َلرْضِ َيخْلُفُونَ (‪)60‬‬ ‫ولو نشاء لعلنا بدل منكم ملئكة َيخْلُف بعضهم بعضًا بدل من بن‬ ‫آدم‪.‬‬ ‫ستَقِيمٌ (‪)61‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫وَِإّنهُ لَعِ ْلمٌ لِلسّاعَةِ فَل َت ْمتَ ُرنّ ِبهَا وَاّتبِعُونِي هَذَا صِرَا ٌ‬ ‫وإن نزول عيسى عليه السلم قبل يوم القيامة لدليل على قُرْبِ‪ ,‬وقوع‬ ‫الساعة‪ ,‬فل تشُكّوا أنا واقعة ل مالة‪ ,‬واتبعون فيما أخبكم به عن ال‬ ‫تعال‪ ,‬هذا طريق قوي إل النة‪ ,‬ل اعوجاج فيه‪.‬‬ ‫شيْطَانُ ِإّن ُه لَكُمْ عَ ُد ّو ُمِبيٌ (‪)62‬‬ ‫ص ّدنّكُ ْم ال ّ‬ ‫وَل يَ ُ‬ ‫ول يصدّنكم الشيطان بوساوسه عن طاعت فيما آمركم به وأناكم عنه‪,‬‬ ‫إنه لكم عدو بيّن العداوة‪.‬‬ ‫ت قَالَ َقدْ ِجْئتُكُ ْم بِالْحِكْ َمةِ وَ ُلَبيّ نَ لَكُ ْم بَعْ ضَ‬ ‫َولَمّ ا جَاءَ عِي سَى بِاْلَبّينَا ِ‬ ‫ختَلِفُونَ فِيهِ فَاتّقُوا الّلهَ وََأطِيعُونِ (‪)63‬‬ ‫الّذِي َت ْ‬

‫‪1663‬‬

‫ولا جاء عيسى بن إسرائيل بالبينات الواضحات من الدلة قال‪ :‬قد‬ ‫جئتكم بالنبوة‪ ,‬ولبيّن لكم بعض الذي تتلفون فيه من أمور الدين‪,‬‬ ‫فاتقوا ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬وأطيعون فيما أمرتكم به من‬ ‫تقوى ال وطاعته‪.‬‬ ‫ستَقِيمٌ (‪)64‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫ِإنّ الّلهَ ُه َو َربّي َو َربّكُمْ فَا ْعبُدُو ُه هَذَا صِرَا ٌ‬ ‫إن ال سبحانه وتعال هو رب وربكم جيعًا فاعبدوه وحده‪ ,‬ول‬ ‫تشركوا به شيئًا‪ ,‬هذا الذي أمرتكم به من تقوى ال وإفراده باللوهية‬ ‫هو الطريق الستقيم‪ ,‬وهو دين ال الق الذي ل يقبل من أحد سواه‪.‬‬ ‫ب َيوْ مٍ َألِي ٍم (‬ ‫ب مِ نْ َبْيِنهِ مْ َف َويْلٌ لِلّذِي نَ ظَلَمُوا مِ نْ َعذَا ِ‬ ‫ف الَحْزَا ُ‬ ‫فَا ْختَلَ َ‬ ‫‪)65‬‬ ‫فاختلفت الفرق ف أمر عيسى عليه السلم‪ ,‬وصاروا فيه شيعًا‪ :‬منهم مَن‬ ‫يُقِ ّر بأنه عبد ال ورسوله‪ ,‬وهو الق‪ ,‬ومنهم مَن يزعم أنه ابن ال‪,‬‬ ‫ومنهم مَن يقول‪ :‬إنه ال‪ ,‬تعال ال عن قولم علوًا كبيًا‪ ,‬فهلك ودمار‬ ‫وعذاب أليم يوم القيامة لن وصفوا عيسى بغي ما وصفه ال به‪.‬‬ ‫‪1664‬‬

‫هَ ْل يَنظُرُونَ إِلّ السّا َعةَ َأنْ تَ ْأِتَيهُ ْم بَ ْغَتةً وَهُمْ ل َيشْعُرُونَ (‪)66‬‬ ‫هل ينتظر هؤلء الحزاب الختلفون ف عيسى ابن مري إل الساعة أن‬ ‫تأتيهم فجأة‪ ,‬وهم ل يشعرون ول يفطنون؟‬ ‫ض ُهمْ ِلبَعْضٍ عَ ُدوّ إِلّ الْ ُمتّ ِقيَ (‪)67‬‬ ‫لءُ َيوْ َمئِذٍ بَعْ ُ‬ ‫الَ ِخ ّ‬ ‫الصدقاء على معاصي ال ف الدنيا يتبأ بعضهم من بعض يوم القيامة‪,‬‬ ‫لكن الذين تصادقوا على تقوى ال‪ ,‬فإن صداقتهم دائمة ف الدنيا‬ ‫والخرة‪.‬‬ ‫يَا ِعبَا ِد ل َخوْفٌ عََليْ ُكمْ اْلَيوْمَ وَل َأْنتُ ْم َتحْ َزنُونَ (‪)68‬‬ ‫يقال لؤلء التقي‪ :‬يا عبادي ل خوف عليكم اليوم من عقاب‪ ,‬ول أنتم‬ ‫تزنون على ما فاتكم مِن حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫م‬ ‫جنّةَ َأْنتُم ْ‬ ‫ملِ ِميَ (‪ )69‬ادْخُلُوا اْل َ‬ ‫م آ َمنُوا بِآيَاتِنَما وَكَانُوا مُس ْ‬ ‫الّذِين َ‬

‫حبَرُونَ (‪)70‬‬ ‫وََأ ْزوَا ُجكُمْ ُت ْ‬

‫‪1665‬‬

‫الذين آمنوا بآياتنا وعملوا با جاءتم به رسلهم‪ ,‬وكانوا منقادين ل ربّ‬ ‫العالي بقلوبم وجوارحهم‪ ,‬يقال لم‪ :‬ادخلوا النة أنتم وقرناؤكم‬ ‫الؤمنون ُتنَعّمون وُتسَرّون‪.‬‬ ‫شَتهِي هِ الَنفُ سُ‬ ‫ب وَفِيهَا مَا َت ْ‬ ‫ب وَأَ ْكوَا ٍ‬ ‫صحَافٍ مِ نْ ذَهَ ٍ‬ ‫يُطَا فُ عََلْيهِ ْم بِ ِ‬ ‫َوتَلَذّ الَ ْعيُنُ وََأْنُتمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)71‬‬ ‫يطاف على هؤلء الذين آمنوا بال ورسله ف النة بالطعام ف أوانٍ من‬ ‫ذهب‪ ,‬وبالشراب ف أكواب من ذهب‪ ,‬وفيها لم ما تشتهي أنفسهم‬ ‫وتلذه أعينهم‪ ,‬وهم ماكثون فيها أبدًا‪.‬‬ ‫جّنةُ اّلتِي أُو ِرْثتُمُوهَا بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)72‬‬ ‫ك الْ َ‬ ‫َوتِلْ َ‬ ‫وهذه النة الت أورثكم ال إياها؛ بسبب ما كنتم تعملون ف الدنيا من‬ ‫اليات والعمال الصالات‪ ,‬وجعلها مِن فضله ورحته جزاء لكم‪.‬‬ ‫لَكُ ْم فِيهَا فَا ِك َهةٌ َكثِيَةٌ ِمْنهَا تَأْكُلُونَ (‪)73‬‬ ‫لكم ف النة فاكهة كثية من كل نوع منها تأكلون‪.‬‬ ‫‪1666‬‬

‫ِإنّ الْ ُمجْرِ ِميَ فِي َعذَا بِ َج َهنّ مَ خَالِدُو نَ (‪ )74‬ل يُ َفتّ ُر َعْنهُ مْ وَهُ ْم فِي هِ‬ ‫ُمبِْلسُونَ (‪ )75‬وَمَا ظََل ْمنَاهُمْ َولَكِنْ كَانُوا ُهمْ الظّالِ ِميَ (‪)76‬‬ ‫إن الذين اكتسبوا الذنوب بكفرهم‪ ,‬ف عذاب جهنم ماكثون‪ ,‬ل يفف‬ ‫عنهم‪ ,‬وهم فيه آيسون من رحة ال‪ ,‬وما ظلمْنا هؤلء الجرمي‬ ‫بالعذاب‪ ,‬ولكن كانوا هم الظالي أنفسهم بشركهم وجحودهم أن ال‬ ‫هو الله الق وحده ل شريك له‪ ،‬وترك اتباعهم لرسل ربم‪.‬‬ ‫ُونم (‪ )77‬لَقَدْ‬ ‫ُمم مَا ِكث َ‬ ‫ّكم قَالَ ِإنّك ْ‬ ‫ْضم عََليْنَا َرب َ‬ ‫ِكمِليَق ِ‬ ‫َونَا َدوْا يَا مَال ُ‬ ‫ِجْئنَاكُمْ بِاْلحَقّ وَلَكِنّ أَ ْكثَرَكُ ْم لِلْحَقّ كَارِهُونَ (‪)78‬‬ ‫ونادى هؤلء الجرمون بعد أن أدخلهم ال جهنم "مالكًا" خازن جهنم‪:‬‬ ‫يا مالك ِليُمِتنا ربك‪ ,‬فنستريح مّا نن فيه‪ ,‬فأجابم مالكٌ‪ :‬إنكم‬ ‫ماكثون‪ ,‬ل خروج لكم منها‪ ,‬ول ميد لكم عنها‪ ,‬لقد جئناكم بالق‬ ‫ووضحناه لكم‪ ,‬ولكن أكثركم لا جاء به الرسل من الق كارهون‪.‬‬ ‫أَمْ َأْبرَمُوا أَمْرا َفِإنّا ُمْبرِمُونَ (‪)79‬‬ ‫‪1667‬‬

‫بل أأحْكمَ هؤلء الشركون أمرًا يكيدون به الق الذي جئناهم به؟ فإنا‬ ‫مدبّرون لم ما يزيهم من العذاب والنكال‪.‬‬ ‫جوَاهُ ْم بَلَى وَرُ ُسُلنَا لَ َدْيهِ مْ يَ ْكُتبُو نَ (‬ ‫سبُونَ َأنّا ل نَ سْمَ ُع سِرّ ُهمْ َوَن ْ‬ ‫أَ مْ َيحْ َ‬ ‫‪)80‬‬ ‫أم يظن هؤلء الشركون بال أنّا ل نسمع ما يسرونه ف أنفسهم‪,‬‬ ‫ويتناجون به بينهم؟ بلى نسمع ونعلم‪ ,‬ورسلنا اللئكة الكرام الفظة‬ ‫يكتبون عليهم كل ما عملوا‪.‬‬ ‫قُلْ ِإنْ كَانَ لِلرّ ْحمَنِ َولَدٌ فََأنَا َأوّلُ الْعَابِدِينَ (‪)81‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك الزاعمي أن اللئكة بنات ال‪ :‬إن‬ ‫كان للرحن ولد كما تزعمون‪ ,‬فأنا أول العابدين لذا الولد الذي‬ ‫تزعمونه‪ ,‬ولكن هذا ل يكن ول يكون‪ ،‬فتقدّس ال عن الصاحبة‬ ‫والولد‪.‬‬ ‫ب الْعَ ْرشِ َعمّا يَصِفُونَ (‪)82‬‬ ‫ُسْبحَانَ رَبّ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ رَ ّ‬ ‫‪1668‬‬

‫تنيهًا وتقديسًا لرب السموات والرض رب العرش العظيم عما يصفون‬ ‫من الكذب والفتراء من نسبة الشركي الولد إل ال‪ ,‬وغي ذلك ما‬ ‫يزعمون من الباطل‪.‬‬ ‫َف َذرْهُمْ َيخُوضُوا َويَلْ َعبُوا َحتّى يُلقُوا َيوْ َمهُمْ الّذِي يُوعَدُونَ (‪)83‬‬ ‫فاترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الفترين على ال يوضوا ف باطلهم‪,‬‬ ‫ويلعبوا ف دنياهم‪ ,‬حت يلقوا يومهم الذي فيه يوعدون بالعذاب‪ :‬إما ف‬ ‫الدنيا وإما ف الخرة وإما فيهما معًا‪.‬‬ ‫وَ ُهوَ الّذِي فِي السّمَاءِ ِإَلهٌ وَفِي ا َلرْضِ ِإَلهٌ وَ ُهوَ الْحَكِي ُم الْعَلِيمُ (‪)84‬‬ ‫وهو ال وحده العبود بق ف السماء وف الرض‪ ,‬وهو الكيم الذي‬ ‫أحكم خَلْقَه‪ ,‬وأتقن شرعه‪ ,‬العليم بكل شيء من أحوال خلقه‪ ,‬ل يفى‬ ‫عليه شيء منها‪.‬‬ ‫َوَتبَارَكَ الّذِي لَهُ مُ ْلكُ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَمَا َبْيَنهُمَا وَ ِعنْدَهُ عِ ْلمُ السّا َعةِ‬ ‫وَِإَلْيهِ تُرْجَعُونَ (‪)85‬‬ ‫‪1669‬‬

‫وتكاثرت بركة ال‪ ,‬و َكثُر خيه‪ ,‬وعَظُم ملكه‪ ,‬الذي له وحده سلطان‬ ‫السموات السبع والرضي السبع وما بينهما من الشياء كلها‪ ,‬وعنده‬ ‫علم الساعة الت تقوم فيها القيامة‪ ,‬ويُحشر فيها اللق من قبورهم لوقف‬ ‫الساب‪ ,‬وإليه تُرَدّون ‪ -‬أيها الناس‪ -‬بعد ماتكم‪ ,‬فيجازي كل با‬ ‫يستحق‪.‬‬ ‫ك الّذِي نَ يَدْعُو نَ مِ نْ دُونِ هِ الشّفَاعَةَ إِلّ مَ نْ َشهِدَ بِاْلحَقّ وَهُ مْ‬ ‫وَل َيمْلِ ُ‬ ‫يَعْلَمُونَ (‪)86‬‬ ‫ول يلك الذين يعبدهم الشركون الشفاعة عنده لحد إل مَن شهد‬ ‫بالق‪ ,‬وأقر بتوحيد ال وبنبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم يعلمون‬ ‫حقيقة ما أقروا وشهدوا به‪.‬‬ ‫َوَلئِنْ سََأْلَتهُمْ مَنْ خََل َقهُمْ َليَقُولُنّ الّلهُ فََأنّى ُيؤْفَكُونَ (‪)87‬‬ ‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي من قومك مَن خلقهم؟‬ ‫ليقولُنّ‪ :‬ال خلقنا‪ ,‬فكيف ينقلبون وينصرفون عن عبادة ال‪ ,‬ويشركون‬ ‫به غيه؟‬ ‫‪1670‬‬

‫وَقِيِل ِه يَا رَبّ ِإنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)88‬‬ ‫وقال ممد صلى ال عليه وسلم شاكيًا إل ربه قومه الذين كذّبوه‪ :‬يا‬ ‫ربّ إن هؤلء قوم ل يؤمنون بك وبا أرسلتن به إليهم‪.‬‬ ‫ف يَعْلَمُونَ (‪)89‬‬ ‫فَاصْ َفحْ َعْنهُ ْم وَقُلْ سَلمٌ َفسَوْ َ‬ ‫فاصفح ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عنهم‪ ,‬وأعرض عن أذاهم‪ ,‬ول َيبْدُر منك إل‬ ‫السلم لم الذي يقوله أولو اللباب والبصائر للجاهلي‪ ,‬فهم ل‬ ‫يسافهونم ول يعاملونم بثل أعمالم السيئة‪ ,‬فسوف يعلمون ما يل َقوْنه‬ ‫من البلء والنكال‪ .‬وف هذا تديد ووعيد شديد لؤلء الكافرين‬ ‫العاندين وأمثالم‪.‬‬

‫‪ -44‬سورة الدخان‬ ‫حم (‪)1‬‬ ‫‪1671‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫وَالْ ِكتَا بِ الْ ُمبِيِ (‪ِ )2‬إنّ ا أَن َزْلنَا هُ فِي َليَْلةٍ ُمبَارَكَةٍ ِإنّ ا ُكنّ ا مُن ِذرِي نَ (‪)3‬‬ ‫ق كُلّ أَمْرٍ حَكِي مٍ (‪ )4‬أَمْرا مِ ْن ِعنْدِنَا ِإنّ ا ُكنّ ا مُ ْر ِسِليَ (‪)5‬‬ ‫فِيهَا يُ ْفرَ ُ‬ ‫ض وَمَا‬ ‫رَحْ َمةً مِ نْ َربّ كَ ِإنّ هُ ُه َو ال سّمِيعُ الْعَلِي ُم (‪ )6‬رَبّ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ِ‬ ‫ت َربّكُ ْم َورَبّ‬ ‫َبْيَنهُمَا إِ نْ ُكْنتُ مْ مُوِقنِيَ (‪ )7‬ل ِإلَ هَ إِلّ ُه َو ُيحْ يِ َويُمِي ُ‬ ‫آبَائِكُمْ ا َل ّوِليَ (‪)8‬‬

‫أقسم ال تعال بالقرآن الواضح لفظًا ومعن ‪ .‬إنا أنزلناه ف ليلة القدر‬ ‫الباركة كثية اليات‪ ,‬وهي ف رمضان‪ .‬إنا كنا منذرين الناس با‬ ‫ينفعهم ويضرهم‪ ,‬وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لتقوم حجة ال‬ ‫على عباده‪ .‬فيها يُقضى ويُفصل من اللوح الحفوظ إل الكتبة من‬ ‫اللئكة كلّ أمر مكم من الجال والرزاق ف تلك السنة‪ ,‬وغي ذلك‬ ‫ما يكون فيها إل آخرها‪ ,‬ل يبدّل ول يغيّر‪ .‬هذا المر الكيم أمر مِن‬ ‫عندنا‪ ,‬فجميع ما يكون ويقدره ال تعال وما يوحيه فبأمره وإذنه‬ ‫وعلمه‪ .‬إنا كنا مرسلي إل الناس الرسل ممدًا ومن قبله؛ رحة من ربك‬ ‫أيها الرسول‪ -‬بالرسل إليهم‪ .‬إنه هو السميع يسمع جيع الصوات‪,‬‬‫العليم بميع أمور خلقه الظاهرة والباطنة‪ .‬خالق السموات والرض وما‬ ‫‪1672‬‬

‫بينهما من الشياء كلها‪ ,‬إن كنتم موقني بذلك فاعلموا أن رب‬ ‫الخلوقات هو إلها الق ‪ .‬ل إله يستحق العبادة إل هو وحده ل شريك‬ ‫له‪ ,‬ييي وييت‪ ,‬ربكم ورب آبائكم الولي‪ ,‬فاعبدوه دون آلتكم الت‬ ‫ل تقدر على ضر ول نفع‪.‬‬ ‫ك يَلْ َعبُونَ (‪)9‬‬ ‫بَلْ ُهمْ فِي شَ ّ‬ ‫بل هؤلء الشركون ف شك من الق‪ ,‬فهم يلهون ويلعبون‪ ,‬ول‬ ‫يصدقون به‪.‬‬ ‫ب َيوْ مَ تَ ْأتِي ال سّمَاءُ بِ ُدخَانٍ ُمِبيٍ (‪ )10‬يَ ْغشَى النّا سَ هَذَا َعذَا بٌ‬ ‫فَا ْرتَقِ ْ‬

‫ف َعنّا الْعَذَابَ ِإنّا ُمؤْ ِمنُونَ (‪)12‬‬ ‫َألِيمٌ ( ‪َ )11‬رّبنَا اكْشِ ْ‬

‫فانتظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بؤلء الشركي يوم تأت السماء بدخان مبي‬ ‫واضح يع ّم الناس‪ ,‬ويقال لم‪ :‬هذا عذاب مؤل موجع‪ ,‬ث يقولون سائلي‬ ‫رفعه وكشفه عنهم‪ :‬ربنا اكشف عنا العذاب‪ ,‬فإن كشفته عنا فإنا‬ ‫مؤمنون بك‪.‬‬

‫‪1673‬‬

‫َأنّى َلهُ مْ الذّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُ ْم رَ سُولٌ ُمِبيٌ (‪ )13‬ثُمّ َتوَّلوْا َعنْ هُ وَقَالُوا‬ ‫جنُونٌ (‪)14‬‬ ‫مُعَلّ ٌم َم ْ‬ ‫كيف يكون لم التذكر والتعاظ بعد نزول العذاب بم‪ ,‬وقد جاءهم‬ ‫رسول مبي‪ ,‬وهو ممد عليه الصلة والسلم‪ ,‬ث أعرضوا عنه وقالوا‪:‬‬ ‫علّمه بشر أو الكهنة أو الشياطي‪ ,‬هو منون وليس برسول؟‬ ‫ِإنّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ َقلِيلً ِإنّكُ ْم عَائِدُونَ (‪)15‬‬ ‫سنرفع عنكم العذاب قليل‪ ،‬وسترون أنكم تعودون إل ما كنتم فيه من‬ ‫الكفر والضلل والتكذيب‪ ،‬وأننا سنعاقبكم على ذلك‪.‬‬ ‫َيوْمَ َنبْ ِطشُ اْلبَ ْطشَةَ الْ ُكبْرَى ِإنّا مُنتَ ِقمُونَ (‪)16‬‬ ‫يوم نعذب جيع الكفار العذاب الكب يوم القيامة وهو يوم انتقامنا‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َفَتنّا َقبَْلهُ ْم َقوْمَ ِفرْ َع ْونَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ َك ِريٌ (‪)17‬‬ ‫‪1674‬‬

‫ولقد اختبنا وابتلينا قبل هؤلء الشركي قوم فرعون‪ ,‬وجاءهم رسول‬ ‫كري‪ ,‬وهو موسى عليه السلم‪ ,‬فكذبوه فهلكوا‪ ,‬فهكذا نفعل بأعدائك‬ ‫أيها الرسول‪ ,‬إن ل يؤمنوا‪.‬‬ ‫َأنْ أَدّوا ِإلَيّ ِعبَادَ الّلهِ ِإنّي لَكُ ْم رَسُولٌ أَ ِميٌ (‪)18‬‬ ‫ل عباد ال من بن إسرائيل وأرسلوهم‬ ‫وقال لم موسى‪ :‬أن سلّموا إ ّ‬ ‫معي؛ ليعبدوا ال وحده ل شريك له‪ ,‬إن لكم رسول أمي على وحيه‬ ‫ورسالته‪.‬‬ ‫وَأَ نْ ل تَعْلُوا َعلَى اللّ هِ ِإنّ ي آتِيكُ مْ بِ سُلْطَانٍ ُمبِيٍ (‪ )19‬وَِإنّ ي عُ ْذ تُ‬

‫بِ َربّي وَ َربّكُمْ َأنْ َترْجُمُونِ (‪َ )20‬وِإنْ لَمْ ُتؤْ ِمنُوا لِي فَا ْعتَ ِزلُونِ (‪)21‬‬

‫وأل تت كبوا على ال بتكذ يب ر سله‪ ,‬إ ن آتي كم ببهان وا ضح على‬ ‫صدق رسالت‪ ,‬إن استجرت بال رب وربكم أن تقتلون رجًا بالجارة‪,‬‬ ‫وإن ل تصدقون على ما جئتكم به فخلّوا سبيلي‪ ,‬وكفّوا عن أذاي‪.‬‬ ‫َفدَعَا َرّبهُ َأنّ َهؤُلءِ َقوْ ٌم ُمجْرِمُونَ (‪)22‬‬ ‫‪1675‬‬

‫فد عا مو سى ر به‪ -‬ح ي كذ به فرعون وقو مه ول يؤمنوا به‪ -‬قائل إن‬ ‫هؤلء قوم مشركون بال كافرون‪.‬‬ ‫َفأَسْ ِر بِ ِعبَادِي َليْلً ِإنّ ُكمْ ُمّتبَعُونَ (‪)23‬‬ ‫فأَ سْر‪ -‬يا موسى‪ -‬بعبادي‪ -‬الذين صَدّقوك‪ ,‬وآمنوا بك‪ ,‬واتبعوك‪ ,‬دون‬ ‫الذيمن كذبوك منهمم‪ -‬ليل إنكمم متبعون ممن فرعون وجنوده فتنجون‪,‬‬ ‫ويغرق فرعون وجنوده‪.‬‬ ‫وَاتْرُ ْك اْلَبحْرَ رَهْوا ِإّنهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ (‪)24‬‬ ‫واترك الب حر ك ما هو على حال ته ال ت كان علي ها ح ي سلكته‪ ,‬ساكنًا‬ ‫غي مضطرب‪ ,‬إن فرعون وجنوده مغرقون ف البحر‪.‬‬ ‫ت وَ ُعيُو نٍ (‪َ )25‬و ُزرُو عٍ وَمَقَا مٍ َكرِيٍ ( ‪)26‬‬ ‫كَ ْم تَرَكُوا مِ نْ َجنّا ٍ‬ ‫َونَعْ َمةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِيَ (‪)27‬‬ ‫كمم ترك فرعون وقوممه بعمد مهلكهمم وإغراق ال إياهمم ممن بسماتي‬ ‫وجنات ناضرة‪ ,‬وعيون من الاء جار ية‪ ,‬وزروع ومنازل جيلة‪ ,‬وعي شة‬ ‫‪1676‬‬

‫كانوا فيها متنعمي مترفي‪.‬‬ ‫ك وََأ ْو َرْثنَاهَا َقوْما آ َخرِينَ (‪)28‬‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫م ثل ذلك العقاب يعا قب ال مَن كذّب وبدّل نع مة ال كفرًا‪ ,‬وأورث نا‬ ‫تلك النعم من بعد فرعون وقومه قومًا آخرين خلفوهم من بن إسرائيل‪.‬‬ ‫ض وَمَا كَانُوا مُنظَرِي َن (‪)29‬‬ ‫ت عََلْيهِ ْم السّمَاءُ وَالَرْ ُ‬ ‫َفمَا بَكَ ْ‬ ‫فما بكت السماء والرض حزنًا على فرعون وقومه‪ ,‬وما كانوا مؤخّرين‬ ‫عن العقوبة الت حلّت بم‪.‬‬ ‫جْينَا َبنِي إِ ْسرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْ ُم ِهيِ (‪)30‬‬ ‫َولَقَدْ َن ّ‬ ‫ول قد نّي نا ب ن إ سرائيل من العذاب الُذ ّل ل م بق تل أبنائ هم وا ستخدام‬ ‫نسائهم‪.‬‬ ‫مِ ْن فِرْ َع ْونَ ِإّن ُه كَانَ عَالِيا مِنْ الْ ُمسْرِِفيَ (‪)31‬‬ ‫‪1677‬‬

‫من فرعون‪ ,‬إنه كان جبارًا من الشركي‪ ,‬مسرفًا ف العلو والتكب على‬ ‫عباد ال‪.‬‬ ‫َولَقَدْ ا ْختَ ْرنَاهُمْ َعلَى عِ ْلمٍ عَلَى الْعَالَ ِميَ (‪)32‬‬ ‫ولقد اصطفينا بن إسرائيل على ِعلْم منا بم على عالي زمانم‪.‬‬ ‫وَآَتْينَاهُمْ مِ ْن اليَاتِ مَا فِي ِه بَلءٌ ُمِبيٌ (‪)33‬‬ ‫وآتيناهم من العجزات على يد موسى ما فيه ابتلؤهم واختبارهم رخاء‬ ‫وشدة‪.‬‬ ‫ِإنّ َهؤُلءِ َليَقُولُو نَ (‪ )34‬إِ نْ ِه يَ إِ ّل َم ْوَتُتنَا الُولَى وَمَا َنحْ نُ بِمُنشَرِي نَ‬

‫(‪)35‬‬

‫إن هؤلء الشركيم مِن قوممك ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬ليقولون‪ :‬مما همي إل‬ ‫موتتنا الت نوتا‪ ,‬وهي الوتة الول والخية‪ ,‬وما نن بعد ماتنا ببعوثي‬ ‫للحساب والثواب والعقاب‪.‬‬

‫‪1678‬‬

‫َف ْأتُوا بِآبَاِئنَا ِإنْ كُنُتمْ صَادِِقيَ (‪)36‬‬ ‫ويقولون أيضًا‪ :‬فَ ْأ تِ‪ -‬يا ممد أنت ومَن معك‪ -‬بآبائنا الذين قد ماتوا‪,‬‬ ‫إن كنتم صادقي ف أن ال يبعث مَن ف القبور أحياء‪.‬‬ ‫أَهُ مْ َخْيرٌ َأ ْم َقوْ ُم ُتبّ ٍع وَالّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ مْ أَهْلَ ْكنَاهُ مْ ِإّنهُ مْ كَانُوا ُمجْرِ ِميَ (‬ ‫‪)37‬‬ ‫أهؤلء الشركون خ ي أم قوم ُتبّ ع الِ ْميَري والذ ين مِن قبل هم من ال مم‬ ‫الكافرة بربا؟ أهلكناهم لجرامهم وكفرهم‪ ,‬ليس هؤلء الشركون بي‬ ‫مِن أولئكم فنصفح عنهم‪ ,‬ول نلكهم‪ ,‬وهم بال كافرون‪.‬‬ ‫ض وَمَا َبْيَنهُمَا ل ِعِبيَ (‪ )38‬مَا خَلَ ْقنَاهُمَا‬ ‫وَمَا خَلَ ْقنَا ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ َ‬ ‫إِلّ بِاْلحَقّ وَلَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل يَعَْلمُونَ (‪)39‬‬ ‫وما خلقنا السموات والرض وبينهما لعبًا‪ ,‬ما خلقناها إل بالق الذي‬ ‫هو سنة ال ف َخلْقِه وتدبيُه‪ ,‬ول كن أك ثر هؤلء الشرك ي ل يعلمون‬ ‫ذلك‪ ,‬فلهذا ل يتفكروا فيهما; لنم ل يرجون ثوابًا ول يافون عقابًا‪.‬‬

‫‪1679‬‬

‫ِإنّ َيوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاُتهُمْ َأجْمَ ِعيَ (‪)40‬‬ ‫إن يوم القضاء بي اللق با قدّموا ف دنياهم من خي أو شر هو ميقاتم‬ ‫أجعي‪.‬‬ ‫َيوْمَ ل يُ ْغنِي َموْلًى عَنْ َم ْولًى َشيْئا وَل هُ ْم يُنصَرُونَ (‪ )41‬إِلّ مَ ْن رَحِمَ‬ ‫اللّهُ ِإّنهُ ُهوَ الْعَزِيزُ الرّحِي ُم (‪)42‬‬ ‫يوم ل يدفع صاحب عن صاحبه شيئًا‪ ،‬ول ينصر بعضهم بعضًا‪ ,‬إل مَن‬ ‫رحم ال من الؤمني‪ ,‬فإنه قد يشفع له عند ربه بعد إذن ال له‪ .‬إن ال‬ ‫هو العزيز ف انتقامه مِن أعدائه‪ ,‬الرحيم بأوليائه وأهل طاعته‪.‬‬ ‫ِإنّ َشجَرَةَ الزّقّو ِم (‪ )43‬طَعَامُ ا َلثِي ِم (‪)44‬‬ ‫إن شجرة الزقوم الت ترج ف أصل الحيم‪ ,‬ثرها طعام صاحب الثام‬ ‫الكثية‪ ,‬وأكب الثام الشرك بال‪.‬‬ ‫كَالْ ُمهْلِ يَغْلِي فِي اْلبُطُونِ (‪ )45‬كَ َغلْيِ اْلحَمِيمِ (‪)46‬‬ ‫ثرم شجرة الزقوم كالَعْدِن الذاب يغلي فم بطون الشركيم‪ ,‬كغلي الاء‬ ‫‪1680‬‬

‫الذي بلغ الغاية ف الرارة‪.‬‬ ‫خُذُوهُ فَا ْعتِلُوهُ ِإلَى َسوَاءِ اْلجَحِي ِم (‪)47‬‬ ‫خذوا هذا الثيم الفاجر فادفعوه‪ ,‬وسوقوه بعنف إل وسط الحيم يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫ب الْحَمِي ِم (‪)48‬‬ ‫ق رَأْ ِسهِ مِ ْن عَذَا ِ‬ ‫صبّوا َفوْ َ‬ ‫ثُ ّم ُ‬ ‫ث صبّوا فوق رأس هذا الثيم الاء الذي تناهت شدة حرارته‪ ,‬فل يفارقه‬ ‫العذاب‪.‬‬ ‫ت الْعَزِيزُ الْكَ ِريُ (‪)49‬‬ ‫ذُقْ ِإنّكَ َأنْ َ‬ ‫يقال لذا الثيمم الشقي ّ‪ :‬ذق هذا العذاب الذي تعذّب بمه اليوم‪ ,‬إنمك‬ ‫أنت العزيز ف قومك‪ ,‬الكري عليهم‪ .‬وف هذا تكم به وتوبيخ له‪.‬‬ ‫ِإنّ هَذَا مَا كُنُتمْ ِبهِ تَ ْمَترُونَ (‪)50‬‬ ‫‪1681‬‬

‫إن هذا العذاب الذي تعذّبون بمه اليوم همو العذاب الذي كنتمم تشكّون‬ ‫فيه ف الدنيا‪ ,‬ول توقنون به‪.‬‬ ‫ِإنّ الْ ُمتّ ِقيَ فِي َمقَامٍ أَ ِميٍ (‪)51‬‬ ‫إن الذ ين اتقوا ال بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواه يه ف الدن يا ف مو ضع‬ ‫إقامة آمني من الفات والحزان وغي ذلك‪.‬‬ ‫فِي َجنّاتٍ وَ ُعيُونٍ (‪)52‬‬ ‫ف جنات وعيون جارية‪.‬‬ ‫ق ُمتَقَابِِليَ (‪)53‬‬ ‫يَ ْلَبسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَِإ ْسَتبْرَ ٍ‬ ‫ظ منه‪ ,‬يقابل بعضهم بعضًا بالوجوه‪,‬‬ ‫يَ ْلبَسون ما رَقّ من الديباج وما غَُل َ‬ ‫ول ينظر بعضهم ف قفا بعض‪ ,‬يدور بم ملسهم حيث داروا‪.‬‬ ‫ي (‪)54‬‬ ‫ك َو َزوّ ْجنَاهُمْ ِبحُورٍ ِع ٍ‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫‪1682‬‬

‫كمما أعطينما هؤلء التقيم فم الخرة ممن الكراممة بإدخالمم النات‬ ‫وإلباسمهم فيهما السمندس والسمتبق‪ ,‬كذلك أكرمناهمم بأن زوّجناهمم‬ ‫بالسان من النساء واسعات العي جيلتا‪.‬‬ ‫يَدْعُونَ فِيهَا بِكُ ّل فَا ِك َهةٍ آ ِمِنيَ (‪)55‬‬ ‫يطلب هؤلء التقون ف ال نة كل نوع من فوا كه ال نة اشتهوه‪ ,‬آمن ي‬ ‫من انقطاع ذلك عنهم وفنائه‪.‬‬ ‫جحِيمِم (‬ ‫ل يَذُوقُونَم فِيهَا الْ َموْتَمإِلّ الْ َم ْوَتةَ الُولَى َووَقَاهُم ْم َعذَابَم الْ َ‬ ‫ضلً مِ نْ َربّ كَ َذلِ كَ ُه َو الْ َف ْوزُ الْعَظِي مُ ( ‪َ )57‬فِإنّمَا يَ سّ ْرنَاهُ‬ ‫‪ )56‬فَ ْ‬

‫بِِلسَانِكَ لَعَّلهُمْ َيَتذَكّرُونَ (‪)58‬‬

‫ل يذوق هؤلء التقون ف ال نة الوت ب عد الو تة الول ال ت ذاقو ها ف‬ ‫الدنيما‪ ,‬ووقمى ال هؤلء التقيم عذاب الحيمم؛ تفضل وإحسمانًا منمه‬ ‫سبحانه وتعال‪ ,‬هذا الذي أعطيناه التق ي ف الخرة من الكرامات هو‬ ‫الفوز العظ يم الذي ل فوز بعده‪ .‬فإن ا سهّلنا ل فظ القرآن ومعناه بلغ تك‬ ‫أيها الرسول; لعلهم يتعظون وينجرون‪.‬‬ ‫‪1683‬‬

‫فَا ْرتَقِبْ ِإّنهُ ْم مُ ْرتَ ِقبُونَ (‪)59‬‬ ‫فانتظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما وعدتك من النصر على هؤلء الشركي بال‪,‬‬ ‫و ما يلّ ب م من العقاب‪ ,‬إن م منتظرون مو تك وقهرك‪ ,‬سيعلمون ل ن‬ ‫تكون الن صرة والظّفَر وعلو الكل مة ف الدن يا والخرة‪ ,‬إن ا لك ‪-‬أي ها‬ ‫الرسول‪ -‬ولن اتبعك من الؤمني‪.‬‬

‫‪ -45‬سورة الاثية‬ ‫حم (‪)1‬‬ ‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫تَنِيلُ الْ ِكتَابِ مِ ْن اللّهِ الْعَزِي ِز الْحَكِي ِم (‪)2‬‬ ‫هذا القرآن منل من ال العزيز ف انتقامه من أعدائه‪ ,‬الكيم ف تدبي‬ ‫أمور خلقه‪.‬‬ ‫‪1684‬‬

‫ِإنّ فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ ليَاتٍ لِ ْل ُمؤْ ِمنِيَ (‪)3‬‬ ‫إن ف السموات السبع‪ ,‬والرض الت منها خروج اللق‪ ,‬وما فيهما من‬ ‫الخلوقات الختلفة الجناس والنواع‪ ،‬لدلة وحججًا للمؤمني با‪.‬‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يُوِقنُونَ (‪)4‬‬ ‫وَفِي َخلْقِكُ ْم وَمَا َيبُثّ مِنْ دَاّبةٍ آيَا ٌ‬ ‫وف خَلْقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬وخلق ما تفرق ف الرض من دابة َتدِبّ‬ ‫عليها‪ ,‬حجج وأدلة لقوم يوقنون بال وشرعه‪.‬‬ ‫ف الّليْلِ وَالّنهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللّ هُ مِ ْن ال سّمَاءِ مِ نْ ِرزْ قٍ فََأحْيَا بِ هِ‬ ‫وَا ْختِل ِ‬ ‫ت لِ َقوْمٍ يَعْقِلُونَ (‪)5‬‬ ‫ا َلرْضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا َوتَصْرِيفِ ال ّريَاحِ آيَا ٌ‬ ‫وف اختلف الليل والنار وتعاقبهما عليكم وما أنزل ال من السماء من‬ ‫مطر‪ ,‬فأحيا به الرض بعد ُيبْسها‪ ,‬فاهتزت بالنبات والزرع‪ ,‬وف‬ ‫تصريف الرياح لكم من جيع الهات وتصريفها لنافعكم‪ ,‬أدلةٌ وحججٌ‬ ‫لقوم يعقلون عن ال حججه وأدلته‪.‬‬

‫‪1685‬‬

‫ك بِاْلحَقّ َفبِأَيّ َحدِيثٍ بَ ْعدَ اللّهِ وَآيَاتِهِ ُيؤْ ِمنُونَ‬ ‫ت اللّهِ َنتْلُوهَا عََليْ َ‬ ‫تِ ْلكَ آيَا ُ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫هذه اليات والجج نتلوها عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالق‪ ,‬فبأي حديث‬ ‫بعد ال وآياته وأدلته على أنه الله الق وحده ل شريك له يؤمنون‬ ‫ويصدقون ويعملون؟‬ ‫َويْلٌ لِكُلّ أَفّاكٍ َأثِيمٍ (‪)7‬‬ ‫هلك شديد ودمار لكل كذاب كثي الثام‪.‬‬ ‫ستَ ْكبِرا كَأَ نْ لَ ْم يَ سْمَ ْعهَا َفَبشّرْ هُ‬ ‫ت اللّ هِ ُتتْلَى عََليْ هِ ُثمّ يُ صِ ّر مُ ْ‬ ‫يَ سْمَعُ آيَا ِ‬

‫بِعَذَابٍ َألِيمٍ (‪)8‬‬

‫يسمع آيات كتاب ال تُقْرأ عليه‪ ,‬ث يتمادى ف كفره متعاليًا ف نفسه‬ ‫عن النقياد ل ورسوله‪ ,‬كأنه ل يسمع ما تُلي عليه من آيات ال‪ ,‬فبشر‬ ‫أيها الرسول‪ -‬هذا الفاك الثيم بعذاب مؤل مؤجع ف نار جهنم يوم‬‫القيامة‪.‬‬

‫‪1686‬‬

‫ك َلهُمْ عَذَابٌ ُم ِهيٌ (‪)9‬‬ ‫وَِإذَا عَلِ َم مِنْ آيَاِتنَا َشيْئا اّتخَذَهَا هُزُوا ُأ ْولَئِ َ‬ ‫وإذا علم هذا الفاك الثيم من آياتا شيئًا اتذها هزوًا و ُسخْرية‪ ,‬أولئك‬ ‫لم عذاب يهينهم‪ ,‬ويزيهم يوم القيامة؛ جزاء استهزائهم بالقرآن‪.‬‬ ‫سبُوا َشيْئا وَل مَا اتّخَذُوا مِ نْ‬ ‫مِ ْن َورَاِئهِ مْ َج َهنّ مُ وَل يُغْنِي َعْنهُ ْم مَا كَ َ‬ ‫دُونِ الّلهِ َأ ْوِليَاءَ َوَلهُمْ عَذَابٌ عَظِي ٌم (‪)10‬‬ ‫مِن أمام هؤلء الستهزئي بآيات ال جهنم‪ ,‬ول يغن عنهم ما كسبوا‬ ‫شيئًا من الال والولد‪ ,‬ول آلتُهم الت عبدوها مِن دون ال‪ ,‬ولم عذاب‬ ‫عظيم مؤل‪.‬‬ ‫ب مِنْ رِ ْجزٍ َألِيمٌ (‪)11‬‬ ‫َهذَا هُدًى وَالّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ َرّبهِ ْم لَهُ ْم عَذَا ٌ‬ ‫هذا القرآن الذي أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هدى من الضللة‪,‬‬ ‫ودليل على الق‪ ,‬يهدي إل طريق مستقيم مَن اتبعه وعمل به‪ ,‬والذين‬ ‫جحدوا با ف القرآن من اليات الدالة على الق ول يُصَدّقوا با‪ ,‬لم‬ ‫ب مِن أسوأ أنواع العذاب يوم القيامة‪ ,‬مؤل موجع‪.‬‬ ‫عذا ٌ‬

‫‪1687‬‬

‫ضلِ هِ‬ ‫ك فِي هِ بِأَمْرِ هِ َوِلَتْبتَغُوا مِ نْ فَ ْ‬ ‫ي الْفُلْ ُ‬ ‫اللّ هُ الّذِي َسخّرَ لَكُ مْ اْلَبحْرَ ِلَتجْرِ َ‬ ‫َولَعَلّكُمْ َتشْكُرُونَ (‪)12‬‬ ‫ال سبحانه وتعال هو الذي سخّر لكم البحر; لتجري السفن فيه بأمره‪,‬‬ ‫ولتبتغوا من فضله بأنواع التجارات والكاسب‪ ,‬ولعلكم تشكرون ربكم‬ ‫على تسخيه ذلك لكم‪ ,‬فتعبدوه وحده‪ ,‬وتطيعوه فيما يأمركم به‪,‬‬ ‫وينهاكم عنه‪.‬‬ ‫وَ َسخّ َر لَكُ مْ مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْ ضِ جَمِيعا ِمنْ هُ ِإنّ فِي َذلِ كَ‬

‫ليَاتٍ لِ َقوْمٍ َيتَفَكّرُونَ (‪)13‬‬

‫وسخّر لكم كل ما ف السموات من شس وقمر ونوم‪ ,‬وكل ما ف‬ ‫الرض من دابة وشجر وسفن وغي ذلك لنافعكم‪ ,‬جيع هذه النعم منة‬ ‫من ال وحده أنعم با عليكم‪ ,‬وفضل منه تَفضّل به‪ ,‬فإياه فاعبدوا‪ ,‬ول‬ ‫تعلوا له شريكًا‪ .‬إنّ فيما سخره ال لكم لعلمات ودللت على‬ ‫وحدانية ال لقوم يتفكرون ف آيات ال وحججه وأدلته‪ ,‬فيعتبون با‪.‬‬ ‫ي َقوْما بِمَا كَانُوا‬ ‫قُ ْل لِلّذِي نَ آ َمنُوا يَغْفِرُوا لِلّذِينَ ل َيرْجُونَ َأيّا َم اللّهِ ِليَجْ ِز َ‬ ‫سبُونَ (‪)14‬‬ ‫يَ ْك ِ‬ ‫‪1688‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين صدّقوا بال واّتبَعوا رسله يعفوا‪ ,‬ويتجاوزوا‬ ‫عن الذين ل يرجون ثواب ال‪ ,‬ول يافون بأسه إذا هم نالوا الذين آمنوا‬ ‫بالذى والكروه; ليجزي ال هؤلء الشركي با كانوا يكسبون ف‬ ‫الدنيا من الثام وإيذاء الؤمني‪.‬‬ ‫مَ نْ عَمِ َل صَالِحا فَِلنَفْ سِهِ وَمَ نْ َأ سَاءَ فَعََليْهَا ثُمّ ِإلَى َربّكُ مْ تُ ْرجَعُو نَ (‬

‫‪)15‬‬

‫من عمل مِن عباد ال بطاعته فلنفسه عمل‪ ,‬ومن أساء عمله ف الدنيا‬ ‫بعصية ال فعلى نفسه جن‪ ,‬ث إنكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬إل ربكم تصيون‬ ‫بعد موتكم‪ ,‬فيجازي الحسن بإحسانه‪ ,‬والسيء بإساءته‪.‬‬ ‫َولَقَدْ آَتْينَا َبنِي ِإ سْرَائِيلَ الْ ِكتَا بَ وَالْحُكْ َم وَالّنُبوّةَ َورَزَ ْقنَاهُ ْم مِ نْ ال ّطّيبَا تِ‬ ‫وَفَضّ ْلنَاهُمْ عَلَى الْعَالَ ِميَ (‪)16‬‬ ‫ولقد آتينا بن إسرائيل التوراة والنيل والكم با فيهما‪ ,‬وجعلنا أكثر‬ ‫النبياء من ذرية إبراهيم عليه السلم فيهم‪ ,‬ورزقناهم من الطيبات من‬ ‫القوات والثمار والطعمة‪ ,‬وفضّلناهم على عالي زمانم‪.‬‬ ‫‪1689‬‬

‫ت مِ ْن الَمْرِ َفمَا ا ْختَلَفُوا إِ ّل مِ ْن بَعْدِ مَا جَاءَهُ مْ الْعِلْ مُ بَغْيا‬ ‫وَآَتْينَاهُ مْ َبّينَا ٍ‬

‫ختَلِفُونَ (‪)17‬‬ ‫ك يَقْضِي َبْيَنهُمْ َيوْمَ الْ ِقيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َي ْ‬ ‫َبْيَنهُمْ ِإنّ َربّ َ‬

‫وآتينا بن إسرائيل شرائع واضحات ف اللل والرام‪ ,‬ودللت تبي‬ ‫الق من الباطل‪ ,‬فما اختلفوا إل من بعد ما جاءهم العلم‪ ,‬وقامت الجة‬ ‫عليهم‪ ,‬وإنا َحمَلهم على ذلك بَغْ ُي بعضهم على بعض؛ طلبًا للرفعة‬ ‫والرئاسة‪ ,‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يكم بي الختلفي من بن إسرائيل‬ ‫يوم القيامة فيما كانوا فيه يتلفون ف الدنيا‪ .‬وف هذا تذير لذه المة‬ ‫أن تسلك مسلكهم‪.‬‬ ‫َعَ ْلنَا كَ عَلَى شَرِي َعةٍ مِ نْ الَ ْمرِ فَاّتبِعْهَا وَل َتّتبِ عْ أَ ْهوَاءَ الّذِي َن ل يَعْلَمُو نَ (‬ ‫‪)18‬‬ ‫ث جعلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على منهاج واضح من أمر الدين‪ ,‬فاتبع‬ ‫الشريعة الت جعلناك عليها‪ ,‬ول تتبع أهواء الاهلي بشرع ال الذين ل‬ ‫يعلمون الق‪ .‬وف الية دللة عظيمة على كمال هذا الدين وشرفه‪,‬‬ ‫ووجوب النقياد لكمه‪ ,‬وعدم اليل إل أهواء الكفرة واللحدين‪.‬‬

‫‪1690‬‬

‫ضهُ مْ َأ ْولِيَاءُ بَعْ ضٍ‬ ‫ِإّنهُ ْم لَ نْ يُ ْغنُوا عَن كَ مِ نْ اللّ هِ َشيْئا وَإِنّ الظّالِمِيَ بَعْ ُ‬ ‫وَالّلهُ َولِيّ الْ ُمتّ ِقيَ (‪)19‬‬ ‫إن هؤلء الشركي بربم الذين يدعونك إل اتباع أهوائهم لن يغنوا‬ ‫عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عقاب ال شيئًا إن اتبعت أهواءهم‪ ,‬وإن‬ ‫الظالي التجاوزين حدود ال من النافقي واليهود وغيهم بعضهم‬ ‫أنصار بعض على الؤمني بال وأهل طاعته‪ ,‬وال ناصر التقي ربّهم‬ ‫بأداء فرائضه واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫َهذَا بَصَائِرُ لِلنّاسِ وَهُدًى َورَحْ َمةٌ لِ َقوْمٍ يُوِقنُونَ (‪)20‬‬ ‫هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أيها الرسول بصائر يبصر به الناس الق‬ ‫من الباطل‪ ,‬ويعرفون به سبيل الرشاد‪ ,‬وهدى ورحةٌ لقوم يوقنون بقيقة‬ ‫صحته‪ ,‬وأنه تنيل من ال العزيز الكيم‪.‬‬ ‫سيّئَاتِ أَ نْ َنجْعََلهُ مْ كَالّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا‬ ‫أَ مْ حَ سِبَ الّذِي نَ ا ْجتَ َرحُوا ال ّ‬

‫حيَاهُ ْم وَمَمَاُتهُمْ سَاءَ مَا َيحْكُمُونَ (‪)21‬‬ ‫الصّالِحَاتِ َسوَاءً َم ْ‬

‫‪1691‬‬

‫بل أظنّ الذين اكتسبوا السيئات‪ ,‬وكذّبوا رسل ال‪ ,‬وخالفوا أمر ربم‪,‬‬ ‫وعبدوا غيه‪ ,‬أن نعلهم كالذين آمنوا بال‪ ,‬وصدقوا رسله وعملوا‬ ‫الصالات‪ ,‬وأخلصوا له العبادة دون سواه‪ ,‬ونساويَهم بم ف الدنيا‬ ‫والخرة؟ ساء حكمهم بالساواة بي الفجار والبرار ف الخرة‪.‬‬ ‫سبَتْ‬ ‫وَ َخلَ قَ اللّ هُ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ بِالْحَقّ َوِلتُجْزَى كُلّ نَفْ سٍ بِمَا كَ َ‬

‫وَهُمْ ل يُظْلَمُونَ (‪)22‬‬

‫وخَلَق ال السموات والرض بالق والعدل والكمة; ولكي تزى كل‬ ‫نفس ف الخرة با كسبت مِن خي أو شر‪ ,‬وهم ل يُظْلمون جزاء‬ ‫أعمالم‪.‬‬ ‫أَفَرََأْي تَ مَ ْن اتّخَذَ ِإَلهَ هُ َهوَا هُ وََأضَلّ هُ اللّ هُ عَلَى عِلْ ٍم وَ َختَ َم عَلَى سَمْ ِع ِه‬ ‫وَقَ ْلبِ هِ وَجَعَ َل عَلَى بَ صَرِهِ ِغشَاوَةً فَمَ ْن َيهْدِي هِ مِ نْ بَ ْعدِ اللّ هِ َأفَل َتذَكّرُو نَ (‬ ‫‪)23‬‬ ‫أفرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من اتذ هواه إلًا له‪ ,‬فل يهوى شيئًا إل َفعَله‪,‬‬ ‫وأضلّه ال بعد بلوغ العلم إليه وقيام الجة عليه‪ ,‬فل يسمع مواعظ ال‪,‬‬ ‫ول يعتب با‪ ,‬وطبع على قلبه‪ ,‬فل يعقل به شيئًا‪ ,‬وجعل على بصره‬ ‫‪1692‬‬

‫غطاء‪ ,‬فل يبصر به حجج ال؟ فمن يوفقه لصابة الق والرشد بعد‬ ‫إضلل ال إياه؟ أفل تذكرون ‪-‬أيها الناس‪ -‬فتعلموا أنّ مَن فَعَل ال به‬ ‫ذلك فلن يهتدي أبدًا‪ ,‬ولن يد لنفسه وليًا مرشدًا؟ والية أصل ف‬ ‫التحذير من أن يكون الوى هو الباعث للمؤمني على أعمالم‪.‬‬ ‫ت َوَنحْيَا وَمَا ُيهْلِ ُكنَا إِلّ الدّهْرُ وَمَا‬ ‫وَقَالُوا مَا هِ يَ إِلّ َحيَاُتنَا ال ّدْنيَا نَمُو ُ‬

‫ك مِنْ عِ ْلمٍ ِإنْ ُهمْ إِلّ يَ ُظنّونَ ( ‪)24‬‬ ‫َلهُمْ بِ َذلِ َ‬

‫وقال هؤلء الشركون‪ :‬ما الياة إل حياتنا الدنيا الت نن فيها‪ ,‬ل حياة‬ ‫سواها; تكذيبا منهم بالبعث بعد المات‪ ,‬وما يهلكنا إل مرّ الليال‬ ‫واليام وطول العمر؛ إنكارًا منهم أن يكون لم رب يفنيهم ويهلكهم‪,‬‬ ‫وما لؤلء الشركي من علم بذلك‪ ,‬ما هم إل يتكلمون بالظن والوهم‬ ‫واليال‪.‬‬ ‫جَتهُمْ إِلّ أَنْ قَالُوا اْئتُوا بِآبَائِنَا إِنْ‬ ‫ت مَا كَانَ ُح ّ‬ ‫وَِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبّينَا ٍ‬ ‫ي (‪)25‬‬ ‫كُنتُمْ صَادِِق َ‬

‫‪1693‬‬

‫إذا تتلى على هؤلء الشركي الكذبي بالبعث آياتنا واضحات‪ ,‬ل يكن‬ ‫لم حجة إل قولم للرسول ممد‪ :‬أحْي أنت والؤمنون معك آباءنا‬ ‫الذين قد هلكوا‪ ,‬إن كنتم صادقي فيما تقولون‪.‬‬ ‫حيِيكُ ْم ثُمّ يُمِيتُ ُك ْم ثُمّ َيجْمَعُكُ مْ ِإلَى َيوْ ِم الْ ِقيَا َمةِ ل َريْ بَ فِي هِ‬ ‫قُ ْل اللّ هُ ُي ْ‬ ‫َولَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل يَعَْلمُونَ (‪)26‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي الكذبي بالبعث‪ :‬ال سبحانه‬ ‫وتعال يييكم ف الدنيا ما شاء لكم الياة‪ ,‬ث ييتكم فيها‪ ,‬ث يمعكم‬ ‫جيعا أحياء إل يوم القيامة ل شك فيه‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون‬ ‫قدرة ال على إماتتهم ث بعثهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫ض َوَيوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ َيوْ َمئِ ٍذ َيخْسَرُ الْ ُمبْطِلُونَ‬ ‫َولِلّهِ مُلْكُ السّ َموَاتِ وَا َلرْ ِ‬ ‫(‪)27‬‬ ‫ول سبحانه سلطان السموات السبع والرض خَلْقًا ومُلْكًا وعبودية‪.‬‬ ‫ويوم تيء الساعة الت يبعث فيها الوتى من قبورهم وياسبون‪ ,‬يسر‬ ‫الكافرون بال الاحدون با أنزله على رسوله من اليات البينات‬ ‫والدلئل الواضحات‪.‬‬ ‫‪1694‬‬

‫َوتَرَى كُلّ أُ ّمةٍ جَاِثَيةً كُلّ أُ ّمةٍ تُدْعَى ِإلَى ِكتَابِهَا الَْيوْ مَ ُتجْ َزوْ نَ مَا كُنتُ مْ‬

‫تَعْمَلُونَ (‪)28‬‬

‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثي على‬ ‫رُكَبهم‪ ,‬كل أمة ُتدْعى إل كتاب أعمالا‪ ,‬ويقال لم‪ :‬اليوم تُجزون ما‬ ‫كنتم تعملون من خي أو شر ‪.‬‬ ‫ستَنسِ ُخ مَا كُنتُ ْم تَعْمَلُو نَ (‬ ‫َهذَا ِكتَابُنَا يَنطِ قُ عََلْيكُ مْ بِاْلحَقّ ِإنّ ا ُكنّ ا نَ ْ‬ ‫‪)29‬‬ ‫هذا كتابنا ينطق عليكم بميع أعمالكم من غي زيادة ول نقص‪ ,‬إنّا كنا‬ ‫نأمر الفظة أن تكتب أعمالكم عليكم‪.‬‬ ‫ت َفيُ ْدخُِلهُ ْم َربّهُ ْم فِي رَحْ َمتِهِ َذلِكَ ُهوَ‬ ‫َفأَمّا الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬

‫الْفَ ْوزُ الْ ُمِبيُ (‪)30‬‬

‫‪1695‬‬

‫فأما الذين آمنوا بال ورسوله ف الدنيا‪ ,‬وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه‪,‬‬ ‫فيدخلهم ربم ف جنته برحته‪ ,‬ذلك الدخول هو الفوز البي الذي ل‬ ‫فوز بعده‪.‬‬ ‫وَأَمّا الّذِي نَ كَ َفرُوا أََفلَ مْ تَكُ ْن آيَاتِي ُتتْلَى عََليْكُ ْم فَا ْستَ ْكَب ْرتُمْ وَكُنتُ ْم َقوْما‬ ‫ُمجْرِ ِميَ (‪)31‬‬ ‫وأما الذين جحدوا أن ال هو الله الق وكذّبوا رسله ول يعملوا‬ ‫بشرعه‪ ,‬فيقال لم تقريعًا وتوبيخًا‪ :‬أفلم تكن آيات ف الدنيا تتلى عليكم‪,‬‬ ‫فاستكبت عن استماعها واليان با‪ ,‬وكنتم قومًا مشركي تكسِبون‬ ‫العاصي ول تؤمنون بثواب ول عقاب؟‬ ‫ب فِيهَا قُ ْلتُ مْ مَا نَ ْدرِي مَا‬ ‫وَِإذَا قِيلَ إِنّ وَعْ َد اللّ هِ حَقّ وَال سّا َعةُ ل َريْ َ‬ ‫سَتيْ ِقِنيَ (‪)32‬‬ ‫السّا َعةُ ِإنْ نَظُنّ إِ ّل َظنّا وَمَا َنحْنُ بِ ُم ْ‬ ‫وإذا قيل لكم‪ :‬إن وعد ال ببعث الناس من قبورهم حق‪ ,‬والساعة ل‬ ‫شك فيها‪ ,‬قلتم‪ :‬ما ندري ما الساعة؟ وما نتوقع وقوعها إل توهًا‪ ,‬وما‬ ‫نن بتحققي أن الساعة آتية‪.‬‬ ‫‪1696‬‬

1697

‫الزء السادس والعشرون ‪:‬‬ ‫سَتهْ ِزئُون (‪)33‬‬ ‫َوبَدَا َلهُمْ َسّيئَاتُ مَا َعمِلُوا وَحَاقَ ِبهِ ْم مَا كَانُوا ِبهِ َي ْ‬ ‫وظهمر لؤلء الذيمن كانوا يكذّبون بآيات ال مما عملوا فم الدنيما ممن‬ ‫العمال القبيحة‪ ,‬ونزل بم من عذاب ال جزاء ما كانوا به يستهزئون‪.‬‬ ‫وَقِيلَ اْلَيوْ َم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُ ْم لِقَاءَ َيوْمِكُمْ َهذَا وَمَ ْأوَاكُ ْم النّارُ وَمَا لَكُمْ‬

‫مِنْ نَاصِرِينَ (‪)34‬‬

‫وقيل لؤلء الكفرة‪ :‬اليوم نترككم ف عذاب جهنم‪ ,‬كما تركتم اليان‬ ‫برب كم والع مل للقاء يوم كم هذا‪ ,‬وم سكنكم نار جه نم‪ ,‬و ما ل كم من‬ ‫ناصرين ينصرونكم من عذاب ال‪.‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدنْيَا فَاْليَوْ مَ ل‬ ‫َذلِكُ ْم بَِأنّكُ مْ اّتخَ ْذتُ ْم آيَا تِ اللّ هِ ُهزُوا وَغَ ّرتْ ُك ْم اْل َ‬ ‫ستَ ْعَتبُونَ (‪)35‬‬ ‫ُيخْرَجُونَ ِمْنهَا وَل هُ ْم ُي ْ‬ ‫هذا الذي ح ّل بكمم م ِن عذاب ال ; بسمبب أنكمم اتذتم آيات ال‬ ‫‪1698‬‬

‫وحج جه هزوًا ولعبًا‪ ,‬وخدعت كم زي نة الياة الدن يا‪ ,‬فاليوم ل يُخرجون‬ ‫من النار‪ ,‬ول هم يُ َردّون إل الدنيا؛ ليتوبوا ويعملوا صالًا‪.‬‬ ‫ب ا َلرْضِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)36‬‬ ‫ب السّ َموَاتِ َورَ ّ‬ ‫َفلِّلهِ الْحَ ْمدُ رَ ّ‬ ‫فلله سبحانه وتعال وحده ال مد على نع مه ال ت ل ت صى على خل قه‪,‬‬ ‫رب السموات والرض وخالقهما ومدبرها‪ ,‬رب اللئق أجعي‪.‬‬ ‫َوَلهُ الْ ِكبْ ِريَاءُ فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)37‬‬ ‫ملْطان والقدرة‬ ‫وله وحده سمبحانه العظممة واللل والكمبياء والس ّ‬ ‫والكمال ف السموات والرض‪ ,‬وهو العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف‬ ‫أقواله وأفعاله وقدره وشرعه‪ ,‬تعال وتقدّس‪ ,‬ل إله إل هو‪.‬‬

‫‪ -46‬سورة الحقاف‬ ‫حم (‪)1‬‬ ‫‪1699‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫ب مِنْ الّلهِ الْعَزِيزِ اْلحَكِيمِ (‪)2‬‬ ‫َتنْزِي ُل الْ ِكتَا ِ‬ ‫هذا القرآن تنيمل ممن ال العزيمز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيمم فم تدبيه‬ ‫وصنعه‪.‬‬ ‫ت وَا َلرْضَ وَمَا َبْيَنهُمَا إِ ّل بِاْلحَقّ وََأجَلٍ مُسَمّى وَالّذِينَ‬ ‫مَا َخلَ ْقنَا السّ َموَا ِ‬ ‫كَفَرُوا عَمّا ُأنْ ِذرُوا مُعْ ِرضُونَ (‪)3‬‬ ‫ما خلقنا السموات والرض وما بينهما إل بالق‪ ,‬ل عبثًا ول سدى؛ بل‬ ‫ليعرف العباد عظ مة خالقه ما فيعبدوه وحده‪ ,‬ويعلموا أ نه قادر على أن‬ ‫يعيد العباد بعد موتم‪ ,‬وليقيموا الق والعدل فيما بينهم وإل أجل معلوم‬ ‫عنده‪ .‬والذيمن جحدوا أن ال همو الله القم‪ ,‬عمما أنذرهمم بمه القرآن‬ ‫معرضون‪ ,‬ل يتعظون ول يتفكرون‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ ْم مَا تَدْعُونَ مِ نْ دُونِ اللّ هِ َأرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِ نْ ا َلرْ ضِ أَ مْ َلهُ ْم‬ ‫ت ِاْئتُونِي بِ ِكتَابٍ مِ ْن َقبْلِ َهذَا َأوْ َأثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ ُكْنتُمْ‬ ‫شِ ْركٌ فِي السّ َموَا ِ‬ ‫‪1700‬‬

‫صَادِِقيَ (‪)4‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكفار‪ :‬أرأيتم اللة‪ ,‬والوثان الت تعبدونا‬ ‫من دون ال‪ ,‬أرون أيّ شيء خلقوا من الرض‪ ,‬أم لم مع ال نصيب‬ ‫من خلق ال سموات؟ ائتو ن بكتاب من ع ند ال من ق بل هذا القرآن أو‬ ‫ببقيّة من علم‪ ,‬إن كنتم صادقي فيما تزعمون‪.‬‬ ‫سَتجِيبُ لَ هُ ِإلَى َيوْ مِ الْ ِقيَا َمةِ‬ ‫وَمَ نْ َأضَلّ مِمّ ْن يَدْعُو مِ نْ دُو نِ اللّ هِ مَ نْ ل يَ ْ‬ ‫وَهُمْ عَنْ دُعَاِئهِمْ غَافِلُونَ (‪)5‬‬ ‫ل أحد أضلّ وأجهل من يدعو من دون ال آلة ل تستجيب دعاءه أبدًا؛‬ ‫لن ا من الموات أو الحجار والشجار ونو ها‪ ,‬و هي غافلة عن دعاء‬ ‫مَن يعبدها‪ ,‬عاجزة عن نفعه أو ضره‪.‬‬ ‫وَِإذَا ُحشِ َر النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَ ْعدَاءً وَكَانُوا بِ ِعبَا َدِتهِمْ كَافِرِي َن (‪)6‬‬ ‫وإذا حُشر الناس يوم القيامة للحساب والزاء كانت اللة الت يدعونا‬ ‫ف الدنيا لم أعداء‪ ,‬تلعنهم وتتبأ منهم‪ ,‬وتنكر علمها بعبادتم إياها‪.‬‬

‫‪1701‬‬

‫ت قَالَ الّذِي نَ كَ َفرُوا لِ ْلحَقّ لَمّ ا جَاءَهُ ْم هَذَا‬ ‫وَِإذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُنَا َبّينَا ٍ‬ ‫ِسحْ ٌر ُمِبيٌ (‪)7‬‬ ‫وإذا تتلى على هؤلء الشركي آياتنا واضحات‪ ,‬قال الذين كفروا حي‬ ‫جاءهم القرآن‪ :‬هذا سحر ظاهر‪.‬‬ ‫أَ ْم يَقُولُو نَ ا ْفَترَا هُ قُلْ إِ نْ ا ْفتَ َرْيتُ هُ فَل تَمْلِكُو نَ لِي مِ ْن اللّ هِ َشيْئا ُهوَ أَ ْعلَ مُ‬ ‫بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى ِبهِ َشهِيدا َبْينِي َوَبْينَكُمْ وَ ُهوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ (‪)8‬‬ ‫بل أيقول هؤلء الشركون‪ :‬إن ممدًا اختلق هذا القرآن؟ قل لم ‪-‬أيها‬ ‫الرسول‪ :-‬إن اختلقته على ال فإنكم ل تقدرون أن تدفعوا عن من‬ ‫عقاب ال شيئًا‪ ,‬إن عاقبن على ذلك‪ .‬هو سبحانه أعلم من كل شيء‬ ‫سواه با تقولون ف هذا القرآن‪ ,‬كفى بال شاهدًا عليّ وعليكم‪ ,‬وهو‬ ‫الغفور لن تاب إليه‪ ,‬الرحيم بعباده الؤمني‪.‬‬ ‫ت بِدْعا مِ نْ الرّ سُلِ وَمَا أَ ْدرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَل بِكُ مْ إِ نْ َأّتبِ عُ‬ ‫قُ ْل مَا ُكنْ ُ‬

‫إِلّ مَا يُوحَى ِإلَيّ وَمَا َأنَا إِلّ َنذِيرٌ ُمِبيٌ ( ‪)9‬‬

‫‪1702‬‬

‫ت أول رسل ال إل خلقه‪,‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬ما كن ُ‬ ‫وما أدري ما يفعل ال ب ول بكم ف الدنيا‪ ,‬ما أتبع فيما آمركم به‬ ‫وفيما أفعله إل وحي ال الذي يوحيه إلّ‪ ,‬وما أنا إل نذير بيّن النذار‪.‬‬ ‫ِنم بَنِي‬ ‫ِهم وَ َشهِدَ شَاهِدٌ م ْ‬ ‫ُمم ب ِ‬ ‫ّهم وَكَفَ ْرت ْ‬ ‫ِنم ِعْندِ الل ِ‬ ‫َانم م ْ‬ ‫ِنم ك َ‬ ‫ُمم إ ْ‬ ‫قُلْ َأرََأْيت ْ‬ ‫إِ سْرَائِيلَ عَلَى ِمثْلِ هِ فَآمَ نَ وَا ْستَ ْكبَ ْرتُمْ إِنّ اللّ هَ ل َيهْدِي الْ َقوْ مَ الظّالِمِيَ (‬ ‫‪)10‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬أخبون إن كان هذا القرآن من‬ ‫عند ال وكفرت به‪ ,‬وشهد شاهد من بن إسرائيل كعبد ال بن سلم‬ ‫على مثل هذا القرآن‪ ,‬وهو ما ف التوراة من التصديق بنبوة ممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ ،‬فصدّق وعمل با جاء ف القرآن‪ ,‬وجحدت ذلك‬ ‫استكبارًا‪ ,‬فهل هذا إل أعظم الظلم وأشد الكفر؟ إن ال ل يوفّق إل‬ ‫السلم وإصابة الق القوم الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بال‪.‬‬ ‫وَقَالَ الّذِي نَ كَفَرُوا لِلّذِي نَ آ َمنُوا َلوْ كَا نَ َخيْرا مَا َسبَقُونَا ِإَليْ هِ َوإِذْ لَ مْ‬ ‫ك َق ِديٌ (‪)11‬‬ ‫سيَقُولُونَ هَذَا إِفْ ٌ‬ ‫َي ْهتَدُوا ِبهِ َف َ‬

‫‪1703‬‬

‫وقال الذين جحدوا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم للذين آمنوا به‪ :‬لو‬ ‫كان تصديقكم ممدًا على ما جاء به خيًا ما سبقتمونا إل التصديق به‪,‬‬ ‫وإذ ل يهتدوا بالقرآن ول ينتفعوا با فيه من الق فسيقولون‪ :‬هذا‬ ‫كذب‪ ,‬مأثور عن الناس القدمي‪.‬‬ ‫صدّقٌ لِ سَانا َع َرِبيّا‬ ‫ب مُ َ‬ ‫ب مُو سَى إِمَاما َورَحْ َمةً وَ َهذَا ِكتَا ٌ‬ ‫وَمِ نْ َقبْلِ هِ ِكتَا ُ‬

‫سِنيَ ( ‪)12‬‬ ‫حِ‬ ‫ِلُينْ ِذرَ الّذِي َن ظَلَمُوا َوبُشْرَى لِلْ ُم ْ‬

‫ومن قبل هذا القرآن أنزلنا التوراة إمامًا لبن إسرائيل يقتدون با‪ ,‬ورحة‬ ‫لن آمن با وعمل با فيها‪ ,‬وهذا القرآن مصدق لا قبله من الكتب‪,‬‬ ‫أنزلناه بلسان عرب؛ لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصية‪,‬‬ ‫وبشرى للذين أطاعوا ال‪ ,‬فأحسنوا ف إيانم وطاعتهم ف الدنيا‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن قَالُوا َرّبنَا اللّهُ ُثمّ ا ْستَقَامُوا فَل َخوْفٌ عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ (‬ ‫‪)13‬‬ ‫إن الذين قالوا‪ :‬ربنا ال‪ ,‬ث استقاموا على اليان به‪ ,‬فل خوف عليهم‬ ‫من فزع يوم القيامة وأهواله‪ ,‬ول هم يزنون على ما خلّفوا وراءهم بعد‬ ‫ماتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬ ‫‪1704‬‬

‫صحَابُ اْلجَّنةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)14‬‬ ‫ُأوَْلئِكَ َأ ْ‬ ‫أولئك أهل النة ماكثي فيها أبدًا برحة ال تعال لم‪ ,‬وبا قدّموا من‬ ‫عمل صال ف دنياهم‪.‬‬ ‫ْهم كُرْها‬ ‫ّهم كُرْها َو َوضَ َعت ُ‬ ‫ْهم أُم ُ‬ ‫ْهم ِإحْسمَانا َحمََلت ُ‬ ‫َصمْينَا الِنسمَانَ ِبوَالِ َدي ِ‬ ‫َوو ّ‬ ‫وَحَمْلُ ُه وَفِ صَاُلهُ ثَلثُو نَ َشهْرا َحتّى إِذَا بََل غَ أَشُدّ ُه َوبَلَ غَ َأ ْربَ ِعيَ َسَنةً قَالَ‬ ‫ك قَالَ رَبّ َأ ْوزِ ْعنِي أَ نْ أَشْ ُكرَ نِ ْع َمتَ كَ اّلتِي‬ ‫رَبّ َأ ْوزِعْنِي أَ نْ َأشْكُ َر نِعْ َمتَ َ‬ ‫ت عَلَيّ وَعَلَى وَالِدَيّ َوأَ نْ أَ ْعمَلَ صَالِحا تَ ْرضَا هُ وَأَ صِْلحْ لِي فِي‬ ‫َأنْعَ ْم َ‬ ‫ك وَِإنّي مِ ْن الْ ُمسْلِ ِميَ (‪)15‬‬ ‫ُذ ّرّيتِي ِإنّي ُتبْتُ ِإَليْ َ‬ ‫ووصينا النسان أن يسن ف صحبته لوالديه ِبرّا بما ف حياتما وبعد‬ ‫ماتما‪ ,‬فقد حلته أمه جنينًا ف بطنها على مشقة وتعب‪ ,‬وولدته على‬ ‫مشقة وتعب أيضًا‪ ,‬ومدة حله وفطامه ثلثون شهرًا‪ .‬وف ذكر هذه‬ ‫الشاق الت تتحملها الم دون الب‪ ,‬دليل على أن حقها على ولدها‬ ‫أعظم من حق الب‪ .‬حت إذا بلغ هذا النسان ناية قوته البدنية‬ ‫والعقلية‪ ,‬وبلغ أربعي سنة دعا ربه قائل‪ :‬رب ألمن أن أشكر نعمتك‬ ‫الت أنعمتها عليّ وعلى والديّ‪ ,‬واجعلن أعمل صالًا ترضاه‪ ,‬وأصلح ل‬ ‫‪1705‬‬

‫ف ذريت‪ ,‬إن تبت إليك من ذنوب‪ ,‬وإن من الاضعي لك بالطاعة‬ ‫والستسلمي لمرك ونيك‪ ,‬النقادين لكمك‪.‬‬ ‫ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ َنتَ َقبّلُ َعْنهُ مْ َأحْ سَنَ مَا عَمِلُوا َوَنتَجا َوزُ عَ نْ َسّيئَاِتهِمْ فِي‬ ‫صحَابِ اْلجَّنةِ وَعْ َد الصّدْقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ( ‪)16‬‬ ‫َأ ْ‬ ‫أولئك الذين نتقبل منهم أحسن ما عملوا من صالات العمال‪,‬‬ ‫ونصفح عن سيئاتم‪ ,‬ف جلة أصحاب النة‪ ,‬هذا الوعد الذي وعدناهم‬ ‫به هو وعد الصدق الق الذي ل شك فيه‪.‬‬ ‫ت الْقُرُو نُ مِ ْن‬ ‫وَالّذِي قَالَ ِلوَالِ َديْ هِ أُفّ لَكُمَا َأتَعِدَاِننِي أَ نْ ُأخْرَ جَ وَقَدْ خََل ْ‬ ‫ستَغِيثَانِ اللّ هَ َويَْل كَ آمِ نْ ِإنّ وَعْدَ اللّ هِ حَقّ َفيَقُولُ مَا هَذَا إِلّ‬ ‫َقبْلِي وَهُمَا يَ ْ‬ ‫أَسَاطِيُ ا َل ّولِيَ ( ‪)17‬‬ ‫والذي قال لوالديه إذ دعواه إل اليان بال والقرار بالبعث‪ :‬قبحًا لكما‬ ‫أتعِدانن أن أُخْرج من قبي حيًا‪ ,‬وقد مضت القرون من المم من قبلي‪,‬‬ ‫فهلكوا فلم يُبعث منهم أحد؟ ووالداه يسألن ال هدايته قائلَي له‪:‬‬ ‫ويلك‪ ,‬آمن وصدّق واعمل صالًا‪ ,‬إن وعد ال بالبعث حق ل شك‬ ‫‪1706‬‬

‫فيه‪ ,‬فيقول لما‪ :‬ما هذا الذي تقولنه إل ما سطّره الولون من‬ ‫الباطيل‪ ,‬منقول من كتبهم‪.‬‬ ‫ك الّذِي نَ حَقّ َعَلْيهِ مْ الْ َقوْلُ فِي أُمَ ٍم قَدْ َخلَ تْ مِ نْ َقبِْلهِ ْم مِ نْ اْلجِنّ‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫وَالِنسِ ِإّنهُمْ كَانُوا خَا ِسرِينَ (‪)18‬‬ ‫أولئك الذين هذه صفتهم وجب عليهم عذاب ال‪ ,‬وحلّت بم عقوبته‬ ‫وسخطه ف جلة أمم مضت مِن قبلهم مِنَ الن والنس على الكفر‬ ‫والتكذيب‪ ,‬إنم كانوا خاسرين ببيعهم الدى بالضلل‪ ,‬والنعيم‬ ‫بالعذاب‪.‬‬ ‫َولِكُلّ َد َرجَاتٌ ِممّا عَمِلُوا َوِلُيوَّفَيهُمْ أَ ْعمَاَلهُمْ وَ ُهمْ ل يُظَْلمُونَ (‪)19‬‬ ‫ولكل فريق من أهل الي وأهل الشر منازل عند ال يوم القيمة;‬ ‫بأعمالم الت عملوها ف الدنيا‪ ,‬كل على وَفْق مرتبته؛ وليوفيهم ال جزاء‬ ‫أعمالم‪ ,‬وهم ل يُظلمون بزيادة ف سيئاتم‪ ,‬ول بنقص من حسناتم‪.‬‬ ‫َوَيوْ مَ يُ ْعرَ ضُ الّذِي نَ كَفَرُوا َعلَى النّارِ أَذْ َهْبتُ ْم َطّيبَاتِكُ ْم فِي َحيَاتِكُ ْم ال ّدْنيَا‬ ‫‪1707‬‬

‫ستَ ْكبِرُونَ فِي‬ ‫ب الْهُو نِ بِمَا ُكْنتُ ْم تَ ْ‬ ‫وَا ْستَ ْمتَ ْعتُ ْم بِهَا فَاْلَيوْ مَ ُتجْ َزوْ نَ عَذَا َ‬ ‫ا َلرْضِ بِ َغيْرِ اْلحَقّ َوبِمَا ُكْنتُمْ تَ ْفسُقُونَ (‪)20‬‬ ‫ويوم يعرض الذين كفروا على النار للعذاب‪ ,‬فيقال لم توبيخًا‪ :‬لقد‬ ‫أذهبتم طيباتكم ف حياتكم الدنيا واستمتعتم با‪ ,‬فاليوم ‪ -‬أيها الكفار‪-‬‬ ‫ُتجْزَون عذاب الزي والوان ف النار؛ با كنتم تتكبون ف الرض بغي‬ ‫الق‪ ,‬وبا كنتم ترجون عن طاعة ال‪.‬‬ ‫وَاذْكُرْ َأخَا عَادٍ إِذْ َأْن َذرَ َقوْمَ ُه بِالَحْقَا فِ وََقدْ خَلَ تْ النّ ُذرُ مِ نْ َبيْ نِ يَ َديْ ِه‬ ‫وَمِ نْ خَلْفِ هِ أَ ّل تَ ْعبُدُوا إِ ّل اللّ هَ ِإنّ ي أَخَا فُ عََليْ ُك ْم عَذَا بَ َيوْ مٍ عَظِي ٍم (‬ ‫‪)21‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نبّ ال هودًا أخا عاد ف النّسب ل ف الدين‪,‬‬ ‫حي أنذر قومه أن يل بم عقاب ال‪ ,‬وهم ف منازلم العروفة بم‬ ‫"الحقاف"‪ ,‬وهي الرمال الكثية جنوب الزيرة العربية‪ ,‬وقد مضت‬ ‫الرسل بإنذار قومها قبل هود وبعده‪ :‬بأن ل تشركوا مع ال شيئًا ف‬ ‫عبادتكم له‪ ,‬إن أخاف عليكم عذاب ال ف يوم يَعْظُم هوله‪ ,‬وهو يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬

‫‪1708‬‬

‫ت مِ نْ ال صّادِِقيَ (‬ ‫قَالُوا َأ ِجْئَتنَا ِلتَأْفِ َكنَا عَ نْ آِل َهِتنَا فَ ْأِتنَا بِمَا تَعِ ُدنَا إِ نْ ُكنْ َ‬ ‫‪)22‬‬ ‫قالوا‪ :‬أجئتنا بدعوتك ؛ لتصرفنا عن عبادة آلتنا؟ فأتنا با تعدنا به من‬ ‫العذاب‪ ,‬إن كنت من أهل الصدق ف قولك ووعدك‪.‬‬ ‫قَالَ ِإنّمَا الْعِلْ ُم ِعنْدَ اللّ هِ وَُأبَلّغُكُ مْ مَا ُأ ْر سِ ْلتُ بِ هِ َولَ ِكنّ ي َأرَاكُ مْ َقوْما‬ ‫َتجْهَلُونَ (‪)23‬‬ ‫قال هود عليه السلم‪ :‬إنا العلم بوقت ميء ما وُعدت به من العذاب‬ ‫عند ال‪ ,‬وإنا أنا رسول ال إليكم‪ ,‬أبلغكم عنه ما أرسلن به‪ ,‬ولكن‬ ‫أراكم قومًا تهلون ف استعجالكم العذاب‪ ,‬وجرأتكم على ال‪.‬‬ ‫ض مُمْطِ ُرنَا بَلْ ُهوَ مَا‬ ‫ستَ ْقبِلَ َأوْ ِدَيِتهِ مْ قَالُوا هَذَا عَارِ ٌ‬ ‫َفلَمّا رََأوْ هُ عَارِضا مُ ْ‬ ‫ا ْستَ ْعجَ ْلتُمْ ِب ِه رِيحٌ فِيهَا َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)24‬‬ ‫فلما رأوا العذاب الذي استعجلوه عارضًا ف السماء متجهًا إل أوديتهم‬ ‫قالوا‪ :‬هذا سحاب مطر لنا‪ ,‬فقال لم هود عليه السلم‪ :‬ليس هو‬

‫‪1709‬‬

‫بعارض غيث ورحة كما ظننتم‪ ,‬بل هو عارض العذاب الذي‬ ‫استعجلتموه‪ ,‬فهو ريح فيها عذاب مؤل موجع‪.‬‬ ‫صَبحُوا ل يُرَى إِ ّل مَسَا ِكُنهُمْ كَ َذلِكَ َنجْزِي‬ ‫تُ َدمّرُ كُلّ شَ ْيءٍ بَِأمْرِ َرّبهَا فَأَ ْ‬ ‫الْقَوْمَ الْ ُمجْرِ ِميَ (‪)25‬‬ ‫تدمّر كل شيء تر به ما أُرسلت بلكه بأمر ربا ومشيئته‪ ,‬فأصبحوا ل‬ ‫يُرى ف بلدهم شيء إل مساكنهم الت كانوا يسكنونا‪ ,‬مثل هذا الزاء‬ ‫نزي القوم الجرمي؛ بسبب جرمهم وطغيانم‪.‬‬ ‫َولَقَدْ مَ ّكنّاهُ ْم فِيمَا إِ نْ مَ ّكنّاكُ ْم فِي هِ وَجَعَ ْلنَا َلهُ مْ َسمْعا وََأبْ صَارا وَأَ ْفئِدَ ًة‬ ‫فَمَا أَغْنَى َعْنهُ ْم َسمْ ُعهُمْ وَل َأبْ صَارُهُمْ وَل َأ ْفئِ َدُتهُ مْ مِ نْ شَ ْيءٍ إِ ْذ كَانُوا‬ ‫سَتهْ ِزئُون (‪)26‬‬ ‫ق ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ َي ْ‬ ‫َيجْحَدُونَ بِآيَاتِ الّلهِ وَحَا َ‬ ‫ولقد يسّرنا لعاد أسباب التمكي ف الدنيا على نوٍ ل نكنكم فيه معشر‬ ‫كفار قريش‪ ,‬وجعلنا لم سعًا يسمعون به‪ ,‬وأبصارًا يبصرون با‪ ,‬وأفئدة‬ ‫يعقلون با‪ ,‬فاستعملوها فيما يسخط ال عليهم‪ ,‬فلم تغن عنهم شيئًا إذ‬ ‫كانوا يكذّبون بجج ال‪ ,‬ونزل بم من العذاب ما سخروا به‬ ‫واستعجلوه‪ .‬وهذا وعيد من ال جل شأنه‪ ,‬وتذير للكافرين‪.‬‬ ‫‪1710‬‬

‫ت لَعَّلهُ ْم يَرْ ِجعُو نَ (‬ ‫َولَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا َح ْولَكُ ْم مِ ْن الْقُرَى وَ صَرّ ْفنَا اليَا ِ‬

‫‪)27‬‬

‫ولقد أهلكنا ما حولكم يا أهل "مكة" من القرى كعاد وثود‪ ,‬فجعلناها‬ ‫خاوية على عروشها‪ ,‬وبّينّا لم أنواع الجج والدللت ؛ لعلهم‬ ‫يرجعون عما كانوا عليه من الكفر بال وآياته‪.‬‬ ‫َفَلوْل نَ صَرَهُ ْم الّذِي نَ اّتخَذُوا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قُ ْربَانا آِل َهةً بَلْ ضَلّوا َعْنهُ مْ‬ ‫وَ َذلِكَ إِفْ ُكهُ ْم وَمَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)28‬‬ ‫فهل نصر هؤلء الذين أهلكناهم من المم الالية آلتُهم الت اتذوا‬ ‫عبادتا قربانًا يتقربون با إل ربم; لتشفع لم عنده‪ ,‬بل ضلّت عنهم‬ ‫آلتهم‪ ,‬فلم ييبوهم‪ ,‬ول دافعوا عنهم‪ ,‬وذلك كذبم وما كانوا يَ ْفتَرون‬ ‫ف اتاذهم إياهم آلة‪.‬‬ ‫ستَمِعُونَ الْقُرْآ نَ فََلمّ ا حَضَرُو هُ قَالُوا‬ ‫وَِإذْ صَرَ ْفنَا ِإَليْ كَ نَفَرا مِ نْ اْلجِنّ يَ ْ‬ ‫صتُوا فََلمّا قُضِ َي َولّوْا ِإلَى َقوْ ِمهِمْ ُمْن ِذرِينَ (‪)29‬‬ ‫َأنْ ِ‬ ‫‪1711‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي بعثنا إليك‪ ,‬طائفة من الن يستمعون منك‬ ‫القرآن‪ ,‬فلما حضروا‪ ,‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ‪ ,‬قال‬ ‫بعضهم لبعض‪ :‬أنصتوا; لنستمع القرآن‪ ,‬فلما فرغ الرسول من تلوة‬ ‫القرآن‪ ,‬وقد وعَوه وأثّر فيهم‪ ,‬رجعوا إل قومهم منذرين ومذرين لم‬ ‫بأس ال‪ ,‬إن ل يؤمنوا به‪.‬‬ ‫صدّقا لِمَا َبيْنَ يَ َديْهِ‬ ‫قَالُوا يَا َقوْ َمنَا ِإنّا سَمِ ْعنَا ِكتَابا ُأنْزِلَ مِ ْن بَعْدِ مُوسَى مُ َ‬ ‫ستَقِيمٍ (‪)30‬‬ ‫َيهْدِي ِإلَى اْلحَقّ وَِإلَى طَرِيقٍ ُم ْ‬ ‫قالوا‪ :‬يا قومنا إنا سعنا كتابًا أنزل من بعد موسى‪ ,‬مصدقًا لا قبله من‬ ‫كتب ال الت أنزلا على رسله‪ ,‬يهدي إل الق والصواب‪ ,‬وإل طريق‬ ‫صحيح مستقيم‪.‬‬ ‫يَا َقوْ َمنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللّهِ وَآ ِمنُوا بِ هِ يَغْ ِفرْ لَكُمْ مِنْ ُذنُوبِ ُك ْم َويُجِرْكُمْ مِنْ‬ ‫عَذَابٍ َألِيمٍ (‪)31‬‬ ‫يا قومنا أجيبوا رسول ال ممدًا إل ما يدعوكم إليه‪ ,‬وصدّقوه واعملوا‬ ‫با جاءكم به‪ ,‬يغفر ال لكم من ذنوبكم وينقذكم من عذاب مؤل‬ ‫موجع‪.‬‬ ‫‪1712‬‬

‫وَمَ نْ ل ُيجِ بْ دَاعِي اللّ هِ فََليْ سَ ِبمُ ْعجِزٍ فِي ا َلرْ ضِ َوَليْ سَ لَ هُ مِ نْ دُونِ هِ‬

‫ك فِي ضَللٍ ُمِبيٍ ( ‪)32‬‬ ‫أَوِليَاءُ ُأوَْلئِ َ‬

‫ب رسول ال إل ما دعا إليه فليس بعجز ال ف الرض إذا‬ ‫ومن ل ُيجِ ْ‬ ‫أراد عقوبته‪ ,‬وليس له من دون ال أنصار ينعونه من عذابه‪ ,‬أولئك ف‬ ‫ذَهاب واضح عن الق‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضَ َولَ ْم يَعْ َي ِبخَلْ ِقهِنّ بِقَا ِدرٍ‬ ‫َأوَلَمْ يَ َروْا َأنّ الّلهَ الّذِي خَلَ َق السّ َموَا ِ‬ ‫حيِيَ الْ َم ْوتَى بَلَى ِإّنهُ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِي ٌر (‪)33‬‬ ‫عَلَى َأنْ ُي ْ‬ ‫أغَفَلوا ول يعلموا أنّ ال الذي خلق السموات والرض على غي مثال‬ ‫سبق‪ ,‬ول يعجز عن خلقهن‪ ,‬قادر على إحياء الوتى الذين خلقهم أوّل؟‬ ‫بلى‪ ,‬ذلك أمر يسي على ال تعال الذي ل يعجزه شيء‪ ,‬إنه على كل‬ ‫شيء قدير‪.‬‬ ‫َوَيوْ مَ يُ ْعرَ ضُ الّذِي نَ كَفَرُوا َعلَى النّارِ َأَليْ سَ َهذَا بِالْحَقّ قَالُوا بَلَى َو َربّنَا‬ ‫ب بِمَا ُكْنتُ ْم تَكْفُرُونَ (‪)34‬‬ ‫قَالَ َفذُوقُوا الْعَذَا َ‬ ‫‪1713‬‬

‫ويوم القيامة يُعْرَض الذين كفروا على نار جهنم للعذاب فيقال لم‪:‬‬ ‫أليس هذا العذاب بالق؟ فيجيبون قائلي‪ :‬بلى وربنا هو الق‪ ,‬فيقال‬ ‫لم‪ :‬فذوقوا العذاب با كنتم تحدون عذاب النار وتنكرونه ف الدنيا‪.‬‬ ‫ستَ ْعجِلْ َلهُ ْم كََأّنهُ مْ َيوْ َم‬ ‫صبَرَ ُأ ْولُوا الْعَزْ ِم مِ نْ الرّ سُ ِل وَل تَ ْ‬ ‫صبِ ْر كَمَا َ‬ ‫فَا ْ‬ ‫غ َفهَلْ ُيهْلَ كُ إِلّ الْ َقوْ مُ‬ ‫يَ َروْ نَ مَا يُوعَدُو نَ لَ مْ يَ ْلَبثُوا إِلّ سَا َعةً مِ ْن َنهَارٍ بَل ٌ‬ ‫الْفَاسِقُونَ (‪)35‬‬

‫فاصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما أصابك مِن أذى قومك الكذبي لك‪,‬‬ ‫كما صب أولو العزم من الرسل من قبلك‪ -‬وهم‪ ،‬على الشهور‪ :‬نوح‬ ‫وإبراهيم وموسى وعيسى وأنت منهم‪ -‬ول تستعجل لقومك العذاب;‬ ‫فحي يقع ويرونه كأنم ل يكثوا ف الدنيا إل ساعة من نار‪ ,‬هذا بلغ‬ ‫لم ولغيهم‪ .‬ول ُيهَْلكُ بعذاب ال إل القوم الارجون عن أمره‬ ‫وطاعته‪.‬‬

‫‪ -47‬سورة ممد‬ ‫‪1714‬‬

‫الّذِينَ كَفَرُوا َوصَدّوا عَنْ َسبِيلِ الّلهِ َأضَلّ أَعْمَالَهُ ْم (‪)1‬‬ ‫الذين جحدوا أن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ,‬وصدوا الناس‬ ‫ب ال أعمالم‪ ,‬وأبطلها‪ ,‬وأشقاهم بسببها‪.‬‬ ‫عن دينه‪ ,‬أَذْهَ َ‬ ‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ وَآ َمنُوا بِمَا نُزّلَ َعلَى ُمحَمّدٍ وَ ُهوَ اْلحَقّ‬ ‫مِنْ َرّبهِمْ كَفّرَ َعْنهُمْ َسّيئَاِتهِمْ وََأصَْلحَ بَاَلهُمْ (‪)2‬‬ ‫والذين صدّقوا ال واّتبَعوا شرعه وصدّقوا بالكتاب الذي أنزل على ممد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو الق الذي ل شك فيه من ربم‪ ,‬عفا عنهم‬ ‫وستر عليهم ما عملوا من السيئات‪ ,‬فلم يعاقبهم عليها‪ ,‬وأصلح شأنم‬ ‫ف الدينا والخرة‪.‬‬ ‫َذلِ كَ بِأَنّ الّذِي نَ كَفَرُوا اّتبَعُوا اْلبَاطِلَ وَأَنّ الّذِي نَ آ َمنُوا اّتبَعُوا الْحَقّ مِ نْ‬ ‫ب الّلهُ لِلنّاسِ أَ ْمثَاَلهُمْ (‪)3‬‬ ‫ك يَضْرِ ُ‬ ‫َرّبهِمْ كَ َذلِ َ‬ ‫ذلك الضلل والدى سببه أن الذين كفروا اّتبَعوا الشيطان فأطاعوه‪,‬‬ ‫وأن الذين آمنوا اّتبَعوا الرسول صلى ال عليه وسلم وما جاء به من النور‬ ‫والدى‪ ,‬كما بيّن ال تعال فِ ْعلَه بالفريقي أهل الكفر وأهل اليان با‬ ‫‪1715‬‬

‫يستحقان يضرب سبحانه للناس أمثالم‪ ,‬فيلحق بكل قوم من المثال‬ ‫والشكال ما يناسبه‪.‬‬ ‫ُمم َفشُدّوا‬ ‫َابم َحتّىمإِذَا َأْثخَنتُمُوه ْ‬ ‫ْبم الرّق ِ‬ ‫ِينم كَفَرُوا فَضَر َ‬ ‫ُمم الّذ َ‬ ‫َفإِذا لَقِيت ْ‬ ‫ك َولَوْ َيشَاءُ‬ ‫الْ َوثَاقَ َفإِمّا َمنّا بَعْ ُد وَإِمّا ِفدَاءً َحتّى تَضَ َع اْلحَرْبُ َأ ْوزَارَهَا َذلِ َ‬ ‫ض وَالّذِي نَ ُقتِلُوا فِي َسبِي ِل اللّ هِ‬ ‫صرَ ِمْنهُ مْ َولَكِ نْ ِلَيبُْلوَ بَعْضَ ُك ْم ِببَعْ ٍ‬ ‫اللّ هُ لنتَ َ‬ ‫جنّةَ‬ ‫فَلَ نْ يُضِلّ أَعْمَالَهُ مْ (‪َ )4‬سَيهْدِيهِ ْم َويُ صِْلحُ بَاَلهُ مْ ( ‪َ )5‬ويُ ْدخُِلهُ مْ اْل َ‬

‫عَرَّفهَا َلهُمْ (‪)6‬‬ ‫فإذا لقيتم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬الذين كفروا ف ساحات الرب فاصدقوهم‬ ‫القتال‪ ,‬واضربوا منهم العناق‪ ,‬حت إذا أضعفتموهم بكثرة القتل‪,‬‬ ‫وكسرت شوكتهم‪ ,‬فأحكموا قيد السرى‪ :‬فإما أن تَ ُمنّوا عليهم بفك‬ ‫أسرهم بغي عوض‪ ,‬وإما أن يفادوا أنفسهم بالال أو غيه‪ ,‬وإما أن‬ ‫ستَرَقّوا أو يُ ْقتَلوا‪ ,‬واست ِمرّوا على ذلك حت تنتهي الرب‪ .‬ذلك الكم‬ ‫ُي ْ‬ ‫الذكور ف ابتلء الؤمني بالكافرين ومداولة اليام بينهم‪ ,‬ولو يشاء ال‬ ‫لنتصر للمؤمني من الكافرين بغي قتال‪ ,‬ولكن جعل عقوبتهم على‬ ‫أيديكم‪ ,‬فشرع الهاد؛ ليختبكم بم‪ ,‬ولينصر بكم دينه‪ .‬والذين قُتلوا‬ ‫ف سبيل ال من الؤمني فلن ُيبْطِل ال ثواب أعمالم‪ ,‬سيوفقهم أيام‬ ‫‪1716‬‬

‫حياتم ف الدنيا إل طاعته ومرضاته‪ ,‬ويُصْلح حالم وأمورهم وثوابم ف‬ ‫الدنيا والخرة‪ ,‬ويدخلهم النة‪ ,‬عرّفهم با ونعتها لم‪ ،‬ووفقهم للقيام با‬ ‫أمرهم به ‪-‬ومن جلته الشهادة ف سبيله‪ ،-‬ث عرّفهم إذا دخلوا النة‬ ‫منازلم با‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِإنْ تَنصُرُوا الّلهَ يَنصُرْكُ ْم َوُيَثبّتْ أَقْدَامَكُ ْم (‪)7‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن تنصروا دين ال‬ ‫بالهاد ف سبيله‪ ,‬والكم بكتابه‪ ,‬وامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه‪,‬‬ ‫ينصركم ال على أعدائكم‪ ,‬ويثبت أقدامكم عند القتال‪.‬‬ ‫ك بَِأّنهُ مْ َكرِهُوا مَا‬ ‫وَالّذِي نَ كَفَرُوا َفتَعْسا َلهُ مْ وََأضَلّ أَعْمَالَهُ ْم (‪َ )8‬ذلِ َ‬

‫أَنزَ َل الّلهُ فَأَ ْحبَطَ أَ ْعمَاَلهُمْ ( ‪)9‬‬

‫والذين كفروا فهلكًا لم‪ ,‬وأذهب ال ثواب أعمالم؛ ذلك بسبب أنم‬ ‫كرهوا كتاب ال النل على نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكذبوا به‪,‬‬ ‫فأبطل أعمالم; لنا كانت ف طاعة الشيطان‪.‬‬

‫‪1717‬‬

‫ف كَا نَ عَاِقَبةُ الّذِي َن مِ نْ َقبِْلهِ مْ دَمّرَ‬ ‫أَفَلَ ْم يَ سِيُوا فِي ا َلرْ ضِ َفيَنظُرُوا َكيْ َ‬ ‫اللّهُ َعَلْيهِمْ َولِلْكَافِرِينَ أَ ْمثَاُلهَا (‪)10‬‬ ‫أفلم َيسِ ْر هؤلء الكفار ف أرض ال معتبين با حلّ بالمم الكذبة قبلهم‬ ‫من العقاب؟ دمّر ال عليهم ديارهم‪ ,‬وللكافرين أمثال تلك العاقبة الت‬ ‫حلت بتلك المم‪.‬‬ ‫َذلِكَ بَِأنّ الّلهَ َم ْولَى الّذِينَ آ َمنُوا وََأنّ الْكَافِرِينَ ل َم ْولَى َلهُمْ (‪)11‬‬ ‫ذلك الذي فعلناه بالفريقي فريق اليان وفريق الكفر; بسبب أن ال ولّ‬ ‫الؤمني ونصيهم‪ ,‬وأن الكافرين ل ولّ لم ول نصي‪.‬‬ ‫حتِهَا‬ ‫ِإنّ اللّ هَ ُيدْخِلُ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫ا َلْنهَارُ وَالّذِي نَ كَفَرُوا َيَت َمتّعُو نَ َويَأْكُلُو نَ كَمَا تَأْكُلُ ا َلنْعَا مُ وَالنّارُ َمْثوًى‬ ‫َلهُمْ ( ‪)12‬‬ ‫إن ال يدخل الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالات جنات تري‬ ‫من تت أشجارها النار تَ ْكرِ َمةً لم‪ ,‬ومثل الذين كفروا ف أكلهم‬

‫‪1718‬‬

‫وتتعهم بالدنيا‪ ,‬كمثل النعام من البهائم الت ل ه ّم لا إل ف العتلف‬ ‫دون غيه‪ ,‬ونار جهنم مسكن لم ومأوى‪.‬‬ ‫وَكََأيّ نْ مِ ْن قَ ْرَيةٍ هِ يَ أَ َشدّ ُقوّ ًة مِ نْ قَ ْرَيتِ كَ اّلتِي َأخْرَ َجْت كَ أَهْلَ ْكنَاهُ مْ فَل‬ ‫نَاصِرَ َلهُمْ (‪)13‬‬ ‫وكثي من أهل قرى كانوا أشد بأسًا من أهل قريتك ‪-‬أيها الرسول‪,‬‬ ‫وهي "مكة"‪ -‬الت أخرجتك‪ ,‬دمّرناهم بأنواع من العذاب‪ ,‬فلم يكن لم‬ ‫نصي ينصرهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫أَفَمَ نْ كَا نَ عَلَى َبّيَنةٍ مِ ْن َربّ هِ كَمَ نْ ُزيّ نَ لَ هُ سُوءُ عَمَلِ هِ وَاّتبَعُوا أَ ْهوَاءَهُ مْ (‬ ‫‪)14‬‬ ‫أفمن كان على برهان واضح من ربه والعلم بوحدانيته‪ ,‬كمن حسّن له‬ ‫الشيطان قبيح عمله‪ ,‬واتبع ما دعته إليه نفسه من معصية ال وعبادة غيه‬ ‫مِن غي حجة ول برهان؟ ل يستوون‪.‬‬ ‫جّنةِ الّتِي وُ ِعدَ الْ ُمتّقُو نَ فِيهَا َأْنهَارٌ مِ نْ مَاءٍ َغيْ ِر آ سِ ٍن وََأْنهَارٌ مِ نْ‬ ‫َمثَ ُل اْل َ‬ ‫‪1719‬‬

‫َسملٍ‬ ‫ِنم ع َ‬ ‫ِنم َخمْ ٍر لَذّةٍ لِلشّا ِربِيَ وََأْنهَارٌ م ْ‬ ‫ُهم وََأْنهَارٌ م ْ‬ ‫َمم َيتَ َغيّ ْر طَعْم ُ‬ ‫َنم ل ْ‬ ‫َلب ٍ‬ ‫مُ صَفّى َوَلهُ مْ فِيهَا مِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْ ِفرَةٌ مِنْ َرّبهِ ْم كَمَ ْن ُهوَ خَالِ ٌد فِي‬ ‫النّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيما فَقَطّعَ أَمْعَاءَهُمْ (‪)15‬‬ ‫صفة النة الت وعدها ال التقي‪ :‬فيها أنارٌ عظيمة من ماء غي متغيّر‪,‬‬ ‫وأنار من لب ل يتغيّر طعمه‪ ,‬وأنار من خر يتلذذ به الشاربون‪ ,‬وأنار‬ ‫من عسل قد صُفّي من القذى‪ ,‬ولؤلء التقي ف هذه النة جيع‬ ‫الثمرات من متلف الفواكه وغيها‪ ,‬وأعظم من ذلك السّتر والتجاوزُ‬ ‫عن ذنوبم‪ ,‬هل مَن هو ف هذه النة كمَن هو ماكث ف النار ل يرج‬ ‫منها‪ ,‬وسُقوا ماء تناهى ف شدة حره فقطّع أمعاءهم؟‬ ‫ستَمِعُ ِإَليْ كَ َحتّ ى إِذَا خَ َرجُوا مِ نْ ِعنْ ِد كَ قَالُوا لِلّذِي نَ أُوتُوا‬ ‫وَ ِمْنهُ ْم مَ نْ يَ ْ‬ ‫الْعِلْ َم مَاذَا قَالَ آنِفا ُأ ْوَلئِكَ الّذِينَ َطبَعَ اللّهُ َعلَى قُلُوِبهِمْ وَاّتبَعُوا أَ ْهوَاءَهُ ْم (‬ ‫‪)16‬‬ ‫ومن هؤلء النافقي مَن يستمع إليك ‪-‬أيها النب‪ -‬بغي فهم؛ تاونًا منهم‬ ‫واستخفافًا‪ ,‬حت إذا انصرفوا من ملسك قالوا لن حضروا ملسك من‬ ‫أهل العلم بكتاب ال على سبيل الستهزاء‪ :‬ماذا قال ممد الن؟ أولئك‬

‫‪1720‬‬

‫الذين ختم ال على قلوبم‪ ,‬فل تفقه الق ول تتدي إليه‪ ,‬واتبعوا‬ ‫أهواءهم ف الكفر والضلل‪.‬‬ ‫وَالّذِينَ ا ْهتَ َدوْا زَادَهُمْ ُهدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (‪)17‬‬ ‫والذين اهتدوا لتّباع الق زادهم ال هدى‪ ,‬فقوي بذلك هداهم‪,‬‬ ‫ووفقهم للتقوى‪ ,‬ويسّرها لم‪.‬‬ ‫َفهَ ْل َينْظُرُو نَ إِلّ ال سّا َعةَ أَ نْ تَ ْأِتَيهُ ْم بَ ْغَتةً فَ َقدْ جَاءَ أَ ْشرَا ُطهَا فََأنّى َلهُ مْ ِإذَا‬ ‫جَا َءْتهُمْ ذِ ْكرَاهُمْ (‪)18‬‬ ‫ما ينتظر هؤلء الكذبون إل الساعة الت وُعدوا با أن تيئهم فجأةً‪ ,‬فقد‬ ‫ظهرت علماتا ول ينتفعوا بذلك‪ ,‬فمن أين لم التذكر إذا جاءتم‬ ‫الساعة؟‬ ‫ت وَاللّ هُ‬ ‫فَاعَْل مْ َأنّ ُه ل ِإلَ هَ إِلّ اللّ هُ وَا ْستَغْفِ ْر لِ َذْنبِ كَ َولِلْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا ِ‬ ‫يَعْلَ ُم ُمتَقَّلبَكُ ْم وَ َمْثوَاكُمْ (‪)19‬‬

‫‪1721‬‬

‫فاعلم ‪-‬أيها النب‪ -‬أنه ل معبود بق إل ال‪ ,‬واستغفر لذنبك‪ ,‬واستغفر‬ ‫للمؤمني والؤمنات‪ .‬وال يعلم تصرفكم ف يقظتكم نارًا‪ ,‬ومستقركم‬ ‫ف نومكم ليل‪.‬‬ ‫ت سُورَةٌ ُمحْ َك َمةٌ وَذُكِ َر‬ ‫ت سُورَةٌ َفإِذَا أُن ِزلَ ْ‬ ‫َويَقُولُ الّذِي نَ آ َمنُوا لَوْل ُن ّزلَ ْ‬ ‫ض يَنظُرُو نَ ِإَليْ كَ نَظَ َر الْمَ ْغشِيّ‬ ‫ت الّذِي نَ فِي قُلُوِبهِ مْ مَرَ ٌ‬ ‫فِيهَا الْ ِقتَالُ رََأيْ َ‬

‫عََليْ ِه مِ نْ الْ َموْ تِ فََأوْلَى لَهُ مْ (‪ )20‬طَا َعةٌ وََقوْلٌ مَعْرُو فٌ َفإِذَا عَزَ مَ الَمْرُ‬ ‫صدَقُوا الّلهَ لَكَانَ َخيْرا لَهُ ْم (‪)21‬‬ ‫فََلوْ َ‬

‫ويقول الذين آمنوا بال ورسوله‪ :‬هل ُنزّلت سورة من ال تأمرنا بهاد‬ ‫الكفار‪ ,‬فإذا أُنزِلت سورة مكمة بالبيان والفرائض وذُكر فيها الهاد‪,‬‬ ‫رأيت الذين ف قلوبم شك ف دين ال ونفاق ينظرون إليك ‪-‬أيها‬ ‫ف الوت‪ ,‬فأول لؤلء الذين ف‬ ‫النب‪ -‬نظر الذي قد ُغشِيَ عليه خو َ‬ ‫قلوبم مرض أن يطيعوا ال‪ ,‬وأن يقولوا قول موافقًا للشرع‪ .‬فإذا وجب‬ ‫القتال وجاء أمر ال بِ َفرْضه كره هؤلء النافقون ذلك‪ ,‬فلو صدقوا ال ف‬ ‫اليان والعمل لكان خيًا لم من العصية والخالفة‪.‬‬ ‫سْيتُمْ إِ نْ َت َوّلْيتُ مْ أَ نْ تُفْ سِدُوا فِي الَرْ ضِ َوتُقَطّعُوا َأرْحَامَكُ مْ (‬ ‫َفهَ ْل عَ َ‬ ‫‪1722‬‬

‫‪)22‬‬ ‫فلعلكم إن أعرضتم عن كتاب ال وسنة نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫أن تعصوا ال ف الرض‪ ,‬فتكفروا به وتسفكوا الدماء وتُقَطّعوا‬ ‫أرحامكم‪.‬‬ ‫ك الّذِينَ لَ َعنَهُ ْم الّلهُ فََأصَ ّمهُ ْم وَأَعْمَى َأبْصَارَهُمْ (‪)23‬‬ ‫ُأوَْلئِ َ‬ ‫أولئك الذين أبعدهم ال من رحته‪ ,‬فجعلهم ل يسمعون ما ينفعهم ول‬ ‫يبصرونه‪ ,‬فلم يتبينوا حجج ال مع كثرتا‪.‬‬ ‫أَفَل َيتَ َدبّرُونَ الْقُرْآنَ أَ ْم عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَاُلهَا (‪)24‬‬ ‫أفل يتدبر هؤلء النافقون مواعظ القرآن ويتفكرون ف حججه؟ بل هذه‬ ‫القلوب مغلَقة ل يصل إليها شيء من هذا القرآن‪ ,‬فل تتدبر مواعظ ال‬ ‫وعبه‪.‬‬ ‫شيْطَا نُ‬ ‫إِنّ الّذِي َن ا ْرتَدّوا عَلَى َأ ْدبَارِهِ ْم مِ نْ بَ ْعدِ مَا َتَبيّ نَ َلهُ ْم اْلهُدَى ال ّ‬ ‫َسوّلَ َلهُمْ وََأمْلَى َلهُ ْم (‪)25‬‬ ‫‪1723‬‬

‫إن الذين ارتدّوا عن الدى واليان‪ ,‬ورجعوا على أعقابم كفارًا بال‬ ‫من بعد ما َوضَح لم الق‪ ,‬الشيطان زيّن لم خطاياهم‪ ,‬ومدّ لم ف‬ ‫المل‪.‬‬ ‫ض الَمْرِ‬ ‫ك بَِأّنهُ ْم قَالُوا لِلّذِي نَ كَرِهُوا مَا نَزّلَ اللّ هُ َسنُطِيعُكُمْ فِي بَعْ ِ‬ ‫َذلِ َ‬ ‫وَالّلهُ يَعَْلمُ إِسْرَارَهُ ْم (‪)26‬‬ ‫ذلك المداد لم حت يتمادوا ف الكفر ; بسبب أنم قالوا لليهود الذين‬ ‫كرهوا ما نزل ال‪ :‬سنطيعكم ف بعض المر الذي هو خلف لمر ال‬ ‫وأمر رسوله‪ ,‬وال تعال يعلم ما يفيه هؤلء ويسرونه‪ ,‬فليحذر السلم‬ ‫من طاعة غي ال فيما يالف أمر ال سبحانه‪ ,‬وأمر رسوله ممد صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َف َكيْفَ إِذَا َتوَّفْتهُ ْم الْمَلئِ َكةُ يَضْ ِربُونَ وُجُو َههُمْ وََأ ْدبَارَهُمْ (‪)27‬‬ ‫فكيف حالم إذا قبضت اللئكة أرواحهم وهم يضربون وجوههم‬ ‫وأدبارهم؟‬

‫‪1724‬‬

‫ضوَانَ هُ فَأَ ْحَب طَ أَعْمَالَهُ ْم (‬ ‫ط اللّ هَ وَكَرِهُوا ِر ْ‬ ‫َذلِ كَ بَِأّنهُ ْم اّتبَعُوا مَا أَ ْسخَ َ‬ ‫‪)28‬‬ ‫ذلك العذاب الذي استحقوه ونالوه؛ بسبب أنم اتبعوا ما أسخط ال‬ ‫عليهم من طاعة الشيطان‪ ,‬وكرهوا ما يرضيه عنهم من العمل الصال‪,‬‬ ‫ومنه قتال الكفار بعدما افترضه عليهم‪ ,‬فأبطل ال ثواب أعمالم من‬ ‫صدقة وصلة رحم وغي ذلك‪.‬‬ ‫أَمْ َحسِبَ الّذِينَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَرَضٌ َأنْ لَنْ ُيخْ ِرجَ الّلهُ َأضْغَاَنهُمْ (‪)29‬‬ ‫بل أظنّ النافقون أن ال لن ُيخْرِج ما ف قلوبم من السد والقد‬ ‫للسلم وأهله؟ بلى فإن ال ييز الصادق من الكاذب‪.‬‬ ‫َوَلوْ َنشَاءُ َل َرْينَا َكهُمْ فَلَ َعرَ ْفَتهُمْ بِسِيمَاهُ ْم َوَلتَعْرَِفّنهُمْ فِي َلحْنِ الْ َقوْلِ وَاللّهُ‬ ‫يَعْلَمُ أَعْمَالَكُ ْم (‪)30‬‬ ‫ولو نشاء ‪-‬أيها النب‪ -‬لريناك أشخاصهم‪ ,‬فلعرفتهم بعلمات ظاهرة‬ ‫فيهم‪ ,‬ولتعرفنّهم فيما يبدو من كلمهم الدال على مقاصدهم‪ .‬وال‬

‫‪1725‬‬

‫تعال ل تفى عليه أعمال مَن أطاعه ول أعمال من عصاه‪ ,‬وسيجازي‬ ‫كل با يستحق‪.‬‬ ‫َوَلَنبُْل َونّكُ مْ َحتّ ى نَعَْل مَ الْ ُمجَاهِدِي نَ ِمنْكُ ْم وَال صّابِرِينَ َوَنبُْلوَ َأ ْخبَارَكُ مْ (‬ ‫‪)31‬‬ ‫ولنختبنكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بالقتال والهاد لعداء ال حت يظهر ما‬ ‫علمه سبحانه ف الزل؛ لنميز أهل الهاد منكم والصب على قتال أعداء‬ ‫ال‪ ,‬ونتب أقوالكم وأفعالكم‪ ,‬فيظهر الصادق منكم من الكاذب‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن كَفَرُوا وَ صَدّوا عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ وَشَاقّوا الرّ سُولَ مِ نْ بَ ْعدِ مَا َتَبيّ نَ‬ ‫حبِطُ أَعْمَاَلهُمْ ( ‪)32‬‬ ‫ضرّوا اللّهَ َشيْئا وَ َسُي ْ‬ ‫َلهُمْ الُدَى لَنْ يَ ُ‬ ‫إن الذين جحدوا أن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ,‬وصدوا‬ ‫الناس عن دينه‪ ,‬وخالفوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فحاربوه من‬ ‫بعد ما جاءتم الجج واليات أنه نب من عند ال‪ ,‬لن يضروا دين ال‬ ‫شيئًا‪ ,‬وسُيبْطِل ثواب أعمالم الت عملوها ف الدنيا؛ لنم ل يريدوا با‬ ‫وجه ال تعال‪.‬‬ ‫‪1726‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َأطِيعُوا اللّ هَ وََأطِيعُوا الرّ سُو َل وَل ُتبْطِلُوا أَعْمَالَكُ ْم (‬

‫‪)33‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه أطيعوا ال وأطيعوا‬ ‫الرسول ف أمرها ونيهما‪ ,‬ول تبطلوا ثواب أعمالكم بالكفر والعاصي‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا وَ صَدّوا عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ ثُمّ مَاتُوا وَهُ ْم كُفّارٌ فَلَ نْ يَغْ ِفرَ‬ ‫اللّهُ َلهُ ْم (‪)34‬‬ ‫إن الذين جحدوا أن ال هو الله الق وحده ل شريك له وصدّوا الناس‬ ‫عن دينه‪ ,‬ث ماتوا على ذلك‪ ,‬فلن يغفر ال لم‪ ,‬وسيعذبم عقابًا لم على‬ ‫كفرهم‪ ,‬ويفضحهم على رؤوس الشهاد‪.‬‬ ‫مْ ِم وََأْنتُم ْم الَعَْلوْنَم وَاللّهُم َمعَكُم ْم َولَن ْمَيتِرَكُم ْم‬ ‫فَل َت ِهنُوا َوتَدْعُوا ِإلَى السّل‬

‫أَعْمَالَكُ ْم (‪)35‬‬

‫فل تضعفوا ‪-‬أيها الؤمنون بال ورسوله‪ -‬عن جهاد الشركي‪ ,‬و ْتبُنوا‬ ‫عن قتالم‪ ,‬وتدعوهم إل الصلح والسالة‪ ,‬وأنتم القاهرون لم والعالون‬ ‫‪1727‬‬

‫عليهم‪ ,‬وال تعال معكم بنصره وتأييده‪ .‬وف ذلك بشارة عظيمة بالنصر‬ ‫والظّفَر على العداء‪ .‬ولن ُينْقصكم ال ثواب أعمالكم‪.‬‬ ‫ُمم وَل‬ ‫ِبم َولَ ْهوٌ وَإِن ْمُتؤْ ِمنُوا َوَتتّقُوا ُي ْؤتِكُم ْمأُجُورَك ْ‬ ‫ليَاةُ ال ّدنْيَا لَع ٌ‬ ‫ِإنّمَا ا َ‬ ‫ِجم‬ ‫ُمم َتْبخَلُوا َوُيخْر ْ‬ ‫َسمَألْكُمُوهَا َفُيحْفِك ْ‬ ‫ِنم ي ْ‬ ‫ُمم (‪ )36‬إ ْ‬ ‫َسمأَلْكُمْ أَ ْموَالَك ْ‬ ‫ي ْ‬ ‫َأضْغَانَكُ ْم (‪)37‬‬ ‫إنا الياة الدنيا لعب وغرور‪ .‬وإن تؤمنوا بال ورسوله‪ ,‬وتتقوا ال بأداء‬ ‫فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬يؤتكم ثواب أعمالكم‪ ,‬ول يسألْكم إخراج‬ ‫أموالكم جيعها ف الزكاة‪ ,‬بل يسألكم إخراج بعضها‪ .‬إن يسألكم‬ ‫أموالكم‪ ,‬فيُِلحّ عليكم ويهدكم‪ ,‬تبخلوا با وتنعوه إياها‪ ,‬ويظهر ما ف‬ ‫قلوبكم من القد إذا طلب منكم ما تكرهون بذله‪.‬‬ ‫هَاَأْنتُ مْ َهؤُلءِ ُتدْ َعوْ نَ ِلتُنفِقُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ َف ِمنْكُ مْ مَ نْ َيْبخَلُ وَمَ ْن َيبْخَ ْل‬ ‫سَتبْدِ ْل َقوْما‬ ‫سهِ وَاللّ هُ الْ َغنِيّ وََأْنتُ مْ الْفُقَرَاءُ وَإِ نْ َتَت َوّلوْا يَ ْ‬ ‫َفِإنّمَا َيْبخَلُ عَ نْ نَفْ ِ‬

‫َغيْرَكُ ْم ثُمّ ل يَكُونُوا أَ ْمثَالَكُمْ (‪)38‬‬

‫ها أنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬تُدْعَون إل النفقة ف جهاد أعداء ال ونصرة‬ ‫دينه‪ ,‬فمنكم مَن َيْبخَلُ بالنفقة ف سبيل ال‪ ,‬ومَن َيْبخَلْ فإنا يبخل عن‬ ‫‪1728‬‬

‫نفسه‪ ,‬وال تعال هو الغنّ عنكم وأنتم الفقراء إليه‪ ,‬وإن تتولوا عن‬ ‫اليان بال وامتثال أمره يهلكّم‪ ,‬ويأت بقوم آخرين‪ ,‬ث ل يكونوا‬ ‫أمثالكم ف التول عن أمر ال‪ ,‬بل يطيعونه ويطيعون رسوله‪ ,‬وياهدون‬ ‫ف سبيله بأموالم وأنفسهم‪.‬‬

‫‪ -48‬سورة الفتح‬ ‫حنَا لَكَ َفتْحا ُمبِينا ( ‪)1‬‬ ‫ِإنّا َفَت ْ‬ ‫إنا فتحنا لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فتحًا مبينًا‪ ,‬يظهر ال فيه دينك‪ ,‬وينصرك‬ ‫على عدوك‪ ,‬وهو هدنة "الديبية" الت أمن الناس بسببها بعضهم بعضًا‪,‬‬ ‫فاتسعت دائرة الدعوة لدين ال‪ ,‬وتكن من يريد الوقوف على حقيقة‬ ‫السلم مِن معرفته‪ ,‬فدخل الناس تلك الدة ف دين ال أفواجًا؛ ولذلك‬ ‫سّاه ال فتحًا مبينًا‪ ،‬أي ظاهرًا جليّا‪.‬‬ ‫ك َوَيهْ ِديَ كَ‬ ‫ك وَمَا تَأَخّ َر َوُيتِمّ نِ ْع َمتَ هُ عََليْ َ‬ ‫ِليَغْفِ َر لَ كَ اللّ هُ مَا تَ َقدّ مَ مِ نْ َذْنبِ َ‬ ‫ستَقِيما (‪َ )2‬وَينْصُرَ َك الّلهُ نَصْرا َعزِيزا (‪)3‬‬ ‫صِرَاطا ُم ْ‬ ‫‪1729‬‬

‫فتحنا لك ذلك الفتح‪ ,‬ويسّرناه لك؛ ليغفر ال لك ما تقدم من ذنبك‬ ‫وما تأخر؛ بسبب ما حصل من هذا الفتح من الطاعات الكثية وبا‬ ‫تملته من الشقات‪ ,‬ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على‬ ‫أعدائك‪ ,‬ويرشدك طريقًا مستقيمًا من الدين ل عوج فيه‪ ،‬وينصرك ال‬ ‫نصرًا قويّا ل يَضْعُف فيه السلم‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َأْنزَلَ ال سّكِيَنةَ فِي قُلُو بِ الْ ُمؤْ ِمنِيَ ِليَزْدَادُوا ِإيَانا مَ عَ إِيَاِنهِ مْ‬ ‫َولِلّهِ ُجنُودُ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَكَانَ الّلهُ عَلِيما حَكِيما (‪)4‬‬ ‫هو ال الذي أنزل الطمأنينة ف قلوب الؤمني بال ورسوله يوم‬ ‫"الديبية" فسكنت‪ ,‬ورسخ اليقي فيها؛ ليزدادوا تصديقًا ل واتباعًا‬ ‫لرسوله مع تصديقهم واتباعهم‪ .‬ول سبحانه وتعال جنود السموات‬ ‫والرض ينصر بم عباده الؤمني‪ .‬وكان ال عليمًا بصال خلقه‪ ,‬حكيمًا‬ ‫ف تدبيه وصنعه‪.‬‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ‬ ‫ت َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫ِليُ ْدخِلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تِ َجنّا ٍ‬ ‫ك ِعنْدَ الّلهِ َفوْزا عَظِيما (‪)5‬‬ ‫فِيهَا َويُكَفّ َر َعْنهُمْ َسّيئَاِتهِمْ وَكَانَ َذلِ َ‬

‫‪1730‬‬

‫ليدخل ال الؤمني والؤمنات جنات تري مِن تت أشجارها وقصورها‬ ‫النار‪ ,‬ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬ويحو عنهم سيّئ ما عملوا‪ ,‬فل يعاقبهم عليه‪,‬‬ ‫وكان ذلك الزاء عند ال ناة من كل غم‪ ,‬وظَفَرًا بكل مطلوب‪.‬‬ ‫ت الظّانّيَ بِاللّ ِه‬ ‫ب الْ ُمنَافِقِيَ وَالْ ُمنَافِقَا تِ وَالْ ُمشْرِكِيَ وَالْ ُمشْرِكَا ِ‬ ‫َويُعَذّ َ‬ ‫ب اللّ هُ عََلْيهِ مْ َولَ َعَنهُ مْ وَأَ َعدّ َلهُ مْ‬ ‫س ْوءِ عََلْيهِ مْ دَائِرَةُ ال سّ ْوءِ وَغَضِ َ‬ ‫ظَنّ ال ّ‬ ‫َج َهنّ َم وَسَاءَتْ مَصِيا (‪)6‬‬

‫ويعذب ال النافقي والنافقات والشركي والشركات الذين يظنون ظنًا‬ ‫سيئًا بال أنه لن ينصر نبيه والؤمني معه على أعدائهم‪ ,‬ولن يُظهر دينه‪,‬‬ ‫فعلى هؤلء تدور دائرة العذاب وكل ما يسوءهم‪ ,‬وغضب ال عليهم‪,‬‬ ‫وطردهم من رحته‪ ,‬وأعدّ لم نار جهنم‪ ,‬وساءت منل يصيون إليه‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضِ وَكَانَ الّلهُ عَزِيزا َحكِيما (‪)7‬‬ ‫َولِّلهِ ُجنُو ُد السّ َموَا ِ‬ ‫ول سبحانه وتعال جنود السموات والرض يؤيد بم عباده الؤمني‪.‬‬ ‫وكان ال عزيزًا على خلقه‪ ,‬حكيمًا ف تدبي أمورهم‪.‬‬

‫‪1731‬‬

‫ِإنّا َأرْسَ ْلنَاكَ شَاهِدا وَ ُمبَشّرا َونَذِيرا (‪)8‬‬ ‫إنا أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شاهدًا على أمتك بالبلغ‪ ,‬مبينًا لم ما‬ ‫أرسلناك به إليهم‪ ,‬ومبشرًا لن أطاعك بالنة‪ ,‬ونذيرًا لن عصاك بالعقاب‬ ‫العاجل والجل؛ لتؤمنوا بال ورسوله‪ ,‬وتنصروا ال بنصر دينه‪,‬‬ ‫وتعظموه‪ ,‬وتسبحوه أول النهار وآخره‪.‬‬ ‫ِلُتؤْ ِمنُوا بِالّلهِ َورَسُولِهِ َوتُ َع ّزرُوهُ َوُتوَقّرُو ُه َوُتسَّبحُوهُ بُكْرَ ًة وََأصِيلً (‪)9‬‬ ‫إن الذين يبايعونك ‪-‬أيها النب‪ -‬بم "الديبية" على القتال إنا يبايعون‬ ‫ال‪ ,‬ويعقدون العقد معه ابتغاء جنته ورضوانه‪ ,‬يد ال فوق أيديهم‪ ,‬فهو‬ ‫معهم يسمع أقوالم‪ ,‬ويرى مكانم‪ ,‬ويعلم ضمائرهم وظواهرهم‪ ,‬فمن‬ ‫نقض بيعته فإنا يعود وبال ذلك على نفسه‪ ,‬ومن أوف با عاهد ال عليه‬ ‫من الصب عند لقاء العدو ف سبيل ال ونصرة نبيه ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ,‬فسيعطيه ال ثوابًا جزيل وهو النة‪ .‬وف الية إثبات صفة اليد ل‬ ‫تعال با يليق به سبحانه‪ ,‬دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن ُيبَايِعُونَ كَ ِإنّمَا ُيبَايِعُو نَ اللّ هَ َيدُ اللّ هِ َفوْ قَ َأيْدِيهِ مْ فَمَ ْن نَكَ َ‬ ‫ث‬ ‫سيُ ْؤتِيهِ َأجْرا‬ ‫سهِ وَمَ نْ َأوْفَى بِمَا عَاهَ َد عََليْ ُه اللّ هَ فَ َ‬ ‫ث عَلَى نَفْ ِ‬ ‫َفِإنّمَا َينْكُ ُ‬ ‫‪1732‬‬

‫َابم شَ َغَلتْنَا أَ ْموَالُنَا‬ ‫ِنم الَعْر ِ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫َكم الْ ُمخَلّف َ‬ ‫سميَقُولُ ل َ‬ ‫عَظِيما (‪َ )10‬‬ ‫سَنِتهِمْ مَا َليْسَ فِي قُلُوِبهِ ْم قُلْ َفمَ ْن يَمْلِكُ‬ ‫وَأَهْلُونَا فَا ْستَغْ ِفرْ َلنَا يَقُولُونَ بَِألْ ِ‬ ‫لَكُ مْ مِ ْن اللّ هِ َشيْئا إِ نْ َأرَادَ بِ ُك مْ ضَرّا َأوْ َأرَادَ بِ ُك مْ نَفْعا بَلْ كَا نَ اللّ هُ بِمَا‬ ‫تَعْمَلُونَ َخبِيا (‪)11‬‬ ‫سيقول لك ‪-‬أيها النب‪ -‬الذين تلّفوا من العراب عن الروج معك إل‬ ‫"مكة" إذا عاتبتهم‪ :‬شغلتنا أموالنا وأهلونا‪ ,‬فاسأل ربك أن يغفر لنا‬ ‫تلّفنا‪ ,‬يقولون ذلك بألسنتهم‪ ,‬ول حقيقة له ف قلوبم‪ ,‬قل لم‪ :‬فمن‬ ‫يلك لكم من ال شيئًا إن أراد بكم شرًا أو خيًا؟ ليس المر كما ظن‬ ‫هؤلء النافقون أن ال ل يعلم ما انطوت عليه بواطنهم من النفاق‪ ,‬بل‬ ‫إنه سبحانه كان با يعملون خبيًا‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أعمال خلقه‪.‬‬ ‫بَلْ َظَنْنتُ مْ أَ نْ لَ نْ َينْقَلِ بَ الرّ سُولُ وَالْ ُمؤْ ِمنُو نَ ِإلَى أَهْلِيهِ مْ َأبَدا َو ُزيّ نَ َذلِ كَ‬

‫س ْوءِ وَ ُكْنتُمْ َقوْما بُورا (‪)12‬‬ ‫فِي قُلُوبِكُ ْم َوظََنْنتُ ْم ظَنّ ال ّ‬

‫وليس المر كما زعمتم من انشغالكم بالموال والهل‪ ,‬بل إنكم ظننتم‬ ‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن معه من أصحابه سَيهْلكون‪ ,‬ول‬ ‫يَرْجعون إليكم أبدًا‪ ,‬وحسّن الشيطان ذلك ف قلوبكم‪ ,‬وظننتم ظنًا سيئًا‬

‫‪1733‬‬

‫أن ال لن ينصر نبيه ممدًا صلى ال عليه وسلم وأصحابه على أعدائهم‪,‬‬ ‫وكنتم قومًا هَلْكى ل خي فيكم‪.‬‬ ‫وَمَنْ لَ ْم ُيؤْمِنْ بِاللّهِ َورَسُوِلهِ َفِإنّا أَ ْعتَ ْدنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيا (‪)13‬‬ ‫ومن ل يصدّق بال وبا جاء به رسوله صلى ال عليه وسلم ويعمل‬ ‫بشرعه‪ ,‬فإنه كافر مستحق للعقاب‪ ,‬فإنا أعددنا للكافرين عذاب السعي‬ ‫ف النار‪.‬‬ ‫ض يَغْفِ ُر لِمَ نْ َيشَاءُ َويُعَذّ بُ مَ ْن َيشَاءُ وَكَا نَ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َولِلّ هِ مُ ْل كُ ال سّ َموَا ِ‬ ‫اللّهُ َغفُورا رَحِيما (‪)14‬‬ ‫ول ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬يتجاوز برحته عمن يشاء‬ ‫فيستر ذنبه‪ ,‬ويعذّب بعدله من يشاء‪ .‬وكان ال سبحانه وتعال غفورًا لن‬ ‫تاب إليه‪ ,‬رحيمًا به‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫ِمم ِلتَأْخُذُوهَا َذرُونَا َنّتبِعْك ْ‬ ‫ُمم ِإلَى مَغَان َ‬ ‫ُونم ِإذَا انطَلَ ْقت ْ‬ ‫سميَقُولُ الْ ُمخَلّف َ‬ ‫َ‬ ‫يُرِيدُو نَ أَ نْ ُيَب ّدلُوا كَل َم اللّ هِ قُلْ لَ نْ َتّتبِعُونَا كَ َذلِكُ مْ قَالَ اللّ هُ مِ ْن َقبْلُ‬ ‫‪1734‬‬

‫حسُدُوَننَا بَ ْل كَانُوا ل يَ ْف َقهُونَ إِ ّل قَلِيلً (‪)15‬‬ ‫سيَقُولُونَ بَلْ َت ْ‬ ‫َف َ‬ ‫سيقول الخلّفون‪ ,‬إذا انطلقت ‪-‬أيها النب‪ -‬أنت وأصحابك إل غنائم‬ ‫"خيب" الت وعدكم ال با‪ ,‬اتركونا نذهب معكم إل "خيب"‪ ,‬يريدون‬ ‫أن يغيّروا بذلك وعد ال لكم‪ .‬قل لم‪ :‬لن ترجوا معنا إل "خيب"؛ لن‬ ‫ال تعال قال لنا من قبل رجوعنا إل "الدينة"‪ :‬إن غنائم "خيب" هي لن‬ ‫شهد "الديبية" معنا‪ ,‬فسيقولون‪ :‬ليس المر كما تقولون‪ ,‬إن ال ل‬ ‫يأمركم بذا‪ ,‬إنكم تنعوننا من الروج معكم حسدًا منكم؛ لئل نصيب‬ ‫معكم الغنيمة‪ ,‬وليس المر كما زعموا‪ ,‬بل كانوا ل يفقهون عن ال ما‬ ‫لم وما عليهم من أمر الدين إل يسيًا‪.‬‬ ‫قُ ْل لِلْ ُمخَلّ ِفيَ مِنْ الَعْرَابِ َسُتدْ َعوْنَ ِإلَى َقوْمٍ ُأ ْولِي بَأْسٍ شَدِي ٍد تُقَاتِلُوَنهُ ْم‬ ‫َأوْ يُ سْلِمُونَ َفإِ نْ تُطِيعُوا ُي ْؤتِكُ ْم اللّ هُ أَجْرا حَ سَنا وَإِ نْ َتَت َولّوْا كَمَا َتوَّلْيتُ مْ‬ ‫مِنْ َقبْ ُل يُعَ ّذبْكُ ْم عَذَابا َألِيما (‪)16‬‬ ‫قل للذين تلّفوا من العراب (وهم البدو) عن القتال‪ :‬ستُدْعون إل قتال‬ ‫قوم أصحاب بأس شديد ف القتال‪ ,‬تقاتلونم أو يسلمون من غي قتال‪,‬‬ ‫فإن تطيعوا ال فيما دعاكم إليه مِن قتال هؤلء القوم يؤتكم النة‪ ,‬وإن‬

‫‪1735‬‬

‫تعصوه كما فعلتم حي تلفتم عن السي مع رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم إل "مكة"‪ ,‬يعذبكم عذابًا موجعًا‪.‬‬ ‫ِيضم‬ ‫َجم وَل عَلَى الْمَر ِ‬ ‫َجم حَر ٌ‬ ‫َجم وَل عَلَى الَعْر ِ‬ ‫ْسم عَلَى الَعْمَى حَر ٌ‬ ‫َلي َ‬ ‫حتِهَا ا َلنْهَارُ‬ ‫َحرَ جٌ وَمَ نْ يُطِ ْع اللّ هَ َورَ سُوَلهُ يُ ْدخِلْ هُ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫وَمَنْ َيَتوَلّ يُعَ ّذْبهُ َعذَابا َألِيما (‪)17‬‬ ‫ليس على العمى منكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬إث‪ ,‬ول على العرج إث‪ ,‬ول‬ ‫على الريض إث‪ ,‬ف أن يتخلّفوا عن الهاد مع الؤمني؛ لعدم‬ ‫استطاعتهم‪ .‬ومن يطع ال ورسوله يدخله جنات تري مِن تت‬ ‫أشجارها وقصورها النار‪ ,‬ومن يعص ال ورسوله‪ ,‬فيتخلّف عن الهاد‬ ‫مع الؤمني‪ ,‬يعذبه عذابًا مؤلًا موجعًا‪.‬‬ ‫ك َتحْ تَ الشّجَرَ ِة فَعَِل مَ مَا فِي‬ ‫لَقَ ْد َرضِ يَ اللّ هُ عَ نْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ‬ ‫قُلُوِبهِ مْ فََأنْزَ َل ال سّكِينَةَ َعَلْيهِ ْم وََأثَابَهُ مْ َفتْحا قَرِيبا (‪ )18‬وَمَغَانِ مَ َكثِيَةً‬

‫يَأْ ُخذُونَهَا وَكَانَ الّلهُ َعزِيزا حَكِيما (‪)19‬‬

‫لقد رضي ال عن الؤمني حي بايعوك ‪-‬أيها النب‪ -‬تت الشجرة‬ ‫(وهذه هي بيعة الرضوان ف "الديبية") فعلم ال ما ف قلوب هؤلء‬ ‫‪1736‬‬

‫الؤمني من اليان والصدق والوفاء‪ ,‬فأنزل ال الطمأنينة عليهم وثبّت‬ ‫قلوبم‪ ,‬وعوّضهم عمّا فاتم بصلح "الديبية" فتحًا قريبًا‪ ,‬وهو فتح‬ ‫"خيب"‪ ,‬ومغان كثية تأخذونا من أموال يهود "خيب"‪ .‬وكان ال عزيزًا‬ ‫ف انتقامه من أعدائه‪ ,‬حكيمًا ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬ ‫وَعَدَ ُك ْم اللّهُ مَغَانِ َم َكثِيَةً تَ ْأخُذُوَنهَا فَ َعجّلَ لَكُمْ َهذِ ِه وَكَفّ َأيْدِيَ النّاسِ‬

‫ستَقِيما (‪ )20‬وَُأخْرَى‬ ‫َعنْكُ ْم وَِلتَكُو نَ آَيةً لِلْ ُمؤْ ِمِنيَ َوَيهْ ِديَكُ ْم صِرَاطا مُ ْ‬ ‫لَ مْ تَقْ ِدرُوا عََليْهَا َقدْ أَحَا طَ اللّ هُ بِهَا وَكَا نَ اللّ هُ عَلَى كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرا (‬ ‫‪َ )21‬وَلوْ قَاتَلَكُ مْ الّذِي نَ كَ َفرُوا َلوَّلوْا الَ ْدبَارَ ثُمّ ل َيجِدُو نَ َوِليّا وَل‬

‫نَصِيا (‪)22‬‬ ‫وعدكم ال مغان كثية تأخذونا ف أوقاتا الت قدّرها ال لكم فعجّل‬ ‫لكم غنائم "خيب"‪ ,‬وكفّ أيدي الناس عنكم‪ ,‬فلم ينلكم سوء ما كان‬ ‫أعداؤكم أضمروه لكم من الحاربة والقتال‪ ,‬ومن أن ينالوا من‬ ‫تركتموهم وراءكم ف "الدينة"‪ ,‬ولتكون هزيتهم وسلمتكم وغنيمتكم‬ ‫علمة تعتبون با‪ ,‬وتستدلون على أن ال حافظكم وناصركم‪,‬‬ ‫ويرشدكم طريقا مستقيما ل اعوجاج فيه‪ .‬وقد وعدكم ال غنيمة‬ ‫أخرى ل تقدروا عليها‪ ,‬ال سبحانه وتعال قادر عليها‪ ,‬وهي تت‬ ‫‪1737‬‬

‫تدبيه وملكه‪ ,‬وقد وعدكموها‪ ,‬ول بد مِن وقوع ما وعد به‪ .‬وكان ال‬ ‫على كل شيء قديرًا ل يعجزه شيء‪ .‬ولو قاتلكم كفار قريش بم‬ ‫"مكة" لنزموا عنكم وولوكم ظهورهم‪ ,‬كما يفعل النهزم ف القتال‪ ,‬ث‬ ‫ل يدون لم من دون ال وليًا يواليهم على حربكم‪ ,‬ول نصيًا يعينهم‬ ‫على قتالكم‪.‬‬ ‫ل (‪)23‬‬ ‫سنّةِ الّلهِ َتبْدِي ً‬ ‫ُسّنةَ اللّهِ اّلتِي قَدْ خََلتْ مِنْ َقبْلُ َولَنْ َتجِدَ ِل ُ‬ ‫سنة ال الت سنّها ف خلقه من قبل بنصر جنده وهزية أعدائه‪ ,‬ولن تد‬ ‫أيها النب‪ -‬لسنة ال تغييًا‪.‬‬‫وَ ُهوَ الّذِي كَفّ َأيْ ِدَيهُ مْ َعنْ ُك ْم وََأيْ ِديَ ُك ْم َعْنهُ ْم ِببَطْ نِ مَ ّكةَ مِ نْ بَ ْعدِ أَ نْ‬ ‫َأظْفَرَكُ ْم عََلْيهِمْ وَكَانَ الّلهُ بِمَا تَعْ َملُونَ بَصِيا ( ‪)24‬‬ ‫وهو الذي كفّ أيدي الشركي عنكم‪ ,‬وأيديكم عنهم ببطن "مكة" من‬ ‫بعد ما قَ َدرْت عليهم‪ ,‬فصاروا تت سلطانكم (وهؤلء الشركون هم‬ ‫الذين خرجوا على عسكر رسول ال صلى ال عليه وسلم بم"الديبية"‪,‬‬ ‫فأمسكهم السلمون ث تركوهم ول يقتلوهم‪ ,‬وكانوا نو ثاني رجل)‬ ‫وكان ال بأعمالكم بصيًا‪ ,‬ل تفى عليه خافية‪.‬‬ ‫‪1738‬‬

‫ي مَعْكُوفا أَ نْ‬ ‫سجِدِ اْلحَرَا مِ وَاْلهَدْ َ‬ ‫ُه ْم الّذِي نَ كَفَرُوا وَ صَدّوكُمْ عَ نْ الْمَ ْ‬ ‫َيبْلُ غَ َمحِلّ هُ وََلوْل رِجَالٌ ُمؤْ ِمنُو نَ َونِ سَاءٌ ُمؤْ ِمنَا تٌ لَ مْ تَعَْلمُوهُ مْ أَ ْن تَ َطئُوهُ مْ‬ ‫َفتُ صِيبَكُ ْم ِمْنهُ مْ مَ َعرّةٌ بِ َغْيرِ عِ ْل مٍ ِليُدْخِ َل اللّ هُ فِي َرحْ َمتِ هِ مَ نْ َيشَاءُ َلوْ تَ َزيّلُوا‬ ‫لَعَ ّذْبنَا الّذِينَ كَفَرُوا ِمْنهُ ْم عَذَابا َألِيما ( ‪)25‬‬ ‫كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد ال‪ ,‬وصدّوكم يوم "الديبية" عن‬ ‫دخول السجد الرام‪ ,‬ومنعوا الدي‪ ,‬وحبسوه أن يبلغ مل نره‪ ,‬وهو‬ ‫الرم‪ .‬ولول رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بي أظهر هؤلء‬ ‫الكافرين بم "مكة"‪ ,‬يكتمون إيانم خيفة على أنفسهم ل تعرفوهم؛‬ ‫خشية أن تطؤوهم بيشكم فتقتلوهم‪ ,‬فيصيبكم بذلك القتل إث وعيب‬ ‫وغرامة بغي علم‪ ,‬لكنّا سلّطناكم عليهم؛ ليدخل ال ف رحته من يشاء‬ ‫فيَمُ ّن عليهم باليان بعد الكفر‪ ,‬لو تيّز هؤلء الؤمنون والؤمنات عن‬ ‫مشركي "مكة" وخرجوا من بينهم‪ ,‬لعذّبنا الذين كفروا وكذّبوا منهم‬ ‫عذابًا مؤلًا موجعًا‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫ِمم اْلحَ ِميّةَ حَ ِمّيةَ اْلجَاهِِلّيةِ َفَأنْزَلَ الل ُ‬ ‫ِينم كَ َفرُوا ف ِي قُلُوِبه ْ‬ ‫إِذْ جَعَلَ الّذ َ‬ ‫سَكِيَنَتهُ عَلَى رَ سُوِلهِ وَعَلَى الْ ُمؤْ ِمِنيَ وََألْزَ َمهُ ْم كَلِ َمةَ التّ ْقوَى وَكَانُوا أَحَقّ‬ ‫ِبهَا وَأَهَْلهَا وَكَانَ الّلهُ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِيما (‪)26‬‬ ‫‪1739‬‬

‫إذ جعل الذين كفروا ف قلوبم النَفَة أنَفَة الاهلية؛ لئل يقروا برسالة‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن ذلك امتناعهم أن يكتبوا ف صلح‬ ‫"الديبية" "بسم ال الرحن الرحيم" وأبوا أن يكتبوا "هذا ما قاضى عليه‬ ‫ممد رسول ال"‪ ,‬فأنزل ال الطمأنينة على رسوله وعلى الؤمني معه‪,‬‬ ‫وألزمهم قول "ل إله إل ال" الت هي رأس كل تقوى‪ ,‬وكان الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم والؤمنون معه أحق بكلمة التقوى من الشركي‪,‬‬ ‫وكانوا كذلك أهل هذه الكلمة دون الشركي‪ .‬وكان ال بكل شيء‬ ‫عليمًا ل يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫سجِدَ الْحَرَا مَ إِ نْ شَا َء‬ ‫لَقَ ْد صَ َدقَ اللّ هُ رَ سُوَلهُ ال ّرؤْيَا بِاْلحَقّ َلتَ ْدخُلُنّ الْمَ ْ‬ ‫اللّ هُ آ ِمنِيَ ُمحَلّقِيَ ُرءُو سَكُمْ وَمُقَ صّرِينَ ل َتخَافُو نَ فَعَلِ مَ مَا لَ مْ تَعَْلمُوا‬ ‫َفجَعَلَ مِنْ دُونِ َذلِكَ َفتْحا قَرِيبا (‪)27‬‬ ‫لقد صدق ال رسوله ممدًا رؤياه الت أراها إياه بالق أنه يدخل هو‬ ‫وأصحابه بيت ال الرام آمني‪ ,‬ل تافون أهل الشرك‪ ,‬ملّقي رؤوسكم‬ ‫ومقصّرين‪ ,‬فعلم ال من الي والصلحة (ف صرفكم عن "مكة" عامكم‬ ‫ذلك ودخولكم إليها فيما بعد) ما ل تعلموا أنتم‪ ,‬فجعل مِن دون‬ ‫دخولكم "مكة" الذي وعدت به‪ ,‬فتحًا قريبًا‪ ,‬وهو هدنة "الديبية" وفتح‬ ‫"خيب"‪.‬‬ ‫‪1740‬‬

‫ُهوَ الّذِي َأرْ سَ َل رَ سُولَهُ بِاْلهُدَى َودِي نِ الْحَقّ ِليُ ْظهِرَ هُ عَلَى الدّي نِ كُلّ هِ‬

‫وَكَفَى بِالّلهِ َشهِيدا (‪)28‬‬

‫هو الذي أرسل رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بالبيان الواضح ودين‬ ‫السلم؛ ليُعْليه على اللل كلها‪ ,‬وحسبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بال شاهدًا‬ ‫على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين‪.‬‬ ‫ُمحَمّدٌ رَ سُولُ اللّ هِ وَالّذِي نَ مَعَ هُ َأشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ ُرحَمَاءُ َبْيَنهُ ْم تَرَاهُ ْم‬ ‫ل مِ ْن اللّ هِ َو ِرضْوَانا سِيمَاهُ ْم فِي ُوجُو ِههِ مْ مِ نْ‬ ‫رُكّعا ُسجّدا َيْبتَغُو نَ فَضْ ً‬ ‫ك َمثَُلهُ مْ فِي الّت ْورَاةِ وَ َمثَُلهُ مْ فِي ا ِلنْجِيلِ كَ َزرْ عٍ أَ ْخرَ جَ‬ ‫َأثَ ِر ال سّجُودِ َذلِ َ‬ ‫ظ فَا ْسَتوَى عَلَى سُوِقهِ يُ ْعجِ بُ ال ّزرّا عَ ِليَغِي ظَ ِبهِ مْ‬ ‫شَطْأَ هُ فَآ َزرَ هُ فَا ْستَغْلَ َ‬ ‫ُمم مَغْ ِفرَةً وََأجْرا‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصمّاِلحَاتِ ِمْنه ْ‬ ‫ّهم الّذ َ‬ ‫الْكُفّارَ وَعَ َد الل ُ‬ ‫عَظِيما (‪)29‬‬ ‫م مد ر سول ال‪ ,‬والذ ين م عه على دي نه أشداء على الكفار‪ ,‬رحاء في ما‬ ‫سمجّدًا ل فم صملتم‪ ,‬يرجون ربمم أن يتفضمل‬ ‫بينهمم‪ ,‬تراهمم ركعًا ُ‬ ‫علي هم‪ ,‬فيدخل هم ال نة‪ ,‬وير ضى عن هم‪ ,‬عل مة طاعت هم ل ظاهرة ف‬ ‫وجههم من أثر السجود والعبادة‪ ,‬هذه صفتهم ف التوراة‪ .‬وصفتهم ف‬ ‫‪1741‬‬

‫الن يل ك صفة زرع أخرج ساقه وفر عه‪ ,‬ث تكاثرت فرو عه ب عد ذلك‪,‬‬ ‫وشدت الزرع‪ ,‬فقوي وا ستوى قائمًا على سيقانه جيل منظره‪ ,‬يع جب‬ ‫ال ّزرّاع؛ ليَغِ يظ بؤلء الؤمن ي ف كثرت م وجال منظر هم الكفار‪ .‬و ف‬ ‫هذا دل يل على ك فر من أب غض ال صحابة ‪-‬ر ضي ال عن هم‪ ;-‬لن من‬ ‫غاظه ال بالصحابة‪ ,‬فقد وُجد ف حقه موجِب ذاك‪ ,‬وهو الكفر‪ .‬وعد‬ ‫ال الذين آمنوا منهم بال ورسوله وعملوا ما أمرهم ال به‪ ,‬واجتنبوا ما‬ ‫ناهم عنه‪ ,‬مغفرة لذنوبم‪ ,‬وثوابًا جزيل ل ينقطع‪ ,‬وهو النة‪( .‬ووعد‬ ‫ال حق مصدّق ل ُيخْلَف‪ ,‬وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي ال عنهم‬ ‫فهمو ف حكم هم ف اسمتحقاق الغفرة وال جر العظ يم‪ ,‬ولمم الف ضل‬ ‫وال سبق والكمال الذي ل يلحق هم ف يه أ حد من هذه ال مة‪ ,‬ر ضي ال‬ ‫عنهم وأرضاهم)‪.‬‬

‫‪ -49‬سورة الجرات‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تُ َقدّمُوا َبيْ نَ يَ َد يْ اللّ هِ َورَ سُولِهِ وَاتّقُوا اللّ هَ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)1‬‬

‫‪1742‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله ل تقضوا أمرًا دون أمر ال ورسوله من‬ ‫شرائع دينكم فتبتدعوا‪ ,‬وخافوا ال ف قولكم وفعلكم أن يالَف أمر ال‬ ‫ورسوله‪ ,‬إن ال سيع لقوالكم‪ ,‬عليم بنياتكم وأفعالكم‪ .‬وف هذا تذير‬ ‫للمؤمني أن يبتدعوا ف الدين‪ ,‬أو يشرعوا ما ل يأذن به ال‪.‬‬ ‫جهَرُوا لَ هُ‬ ‫ت الّنبِيّ وَل َت ْ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫صوَاتَكُمْ َف ْو َ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َترْفَعُوا أَ ْ‬

‫جهْرِ بَعْضِ ُكمْ ِلبَعْضٍ َأ ْن َتحْبَطَ أَعْمَالُكُ ْم وََأْنتُمْ ل َتشْعُرُونَ (‪)2‬‬ ‫بِالْ َقوْلِ َك َ‬

‫يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله وعملوا بشر عه‪ ,‬ل ترفعوا أ صواتكم‬ ‫فوق صموت النمب عنمد ماطبتكمم له‪ ,‬ول تهروا بناداتمه كمما يهمر‬ ‫بعضكم لبعض‪ ,‬وميّزوه ف خطابه كما تيّز عن غيه ف اصطفائه لمل‬ ‫ر سالة ر به‪ ,‬ووجوب اليان به‪ ,‬ومب ته وطاع ته والقتداء به؛ خش ية أن‬ ‫حسّون بذلك‪.‬‬ ‫تبطل أعمالكم‪ ,‬وأنتم ل تشعرون‪ ,‬ول ُت ِ‬ ‫ك الّذِي نَ ا ْمَتحَ نَ اللّ هُ‬ ‫صوَاتَهُ ْم ِعنْدَ رَ سُو ِل اللّ هِ ُأوَْلئِ َ‬ ‫إِنّ الّذِي َن يَغُضّو نَ أَ ْ‬ ‫قُلُوَبهُمْ لِلتّ ْقوَى َلهُمْ مَغْفِرٌَة وََأجْرٌ عَظِي ٌم (‪)3‬‬ ‫إن الذيمن َيخْفِضون أصمواتم عنمد رسمول ال أولئك الذيمن اختمب ال‬ ‫قلوبم‪ ,‬وأخلصها لتقواه‪ ,‬لم من ال مغفرة لذنوبم وثواب جزيل‪ ,‬وهو‬ ‫‪1743‬‬

‫النة‪.‬‬ ‫حجُرَاتِ أَ ْكثَرُهُ ْم ل يَعْقِلُونَ (‪)4‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُينَادُونَكَ مِنْ َورَاءِ الْ ُ‬ ‫إن الذ ين ينادو نك ‪-‬أي ها ال نب‪ -‬من وراء حجرا تك ب صوت مرت فع‪,‬‬ ‫أكثرهم ليس لم من العقل ما يملهم على حسن الدب مع رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلّم‪ ,‬وتوقيه‪.‬‬ ‫صبَرُوا َحتّى َتخْرُجَ ِإَلْيهِمْ لَكَانَ َخيْرا َلهُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‬ ‫َوَلوْ َأّنهُ ْم َ‬ ‫‪)5‬‬ ‫ولو أنم صبوا حت ترج إليهم لكان خيًا لم عند ال; لن ال قد‬ ‫أمرهم بتوقيك‪ ,‬وال غفور لا صدر عنهم جهل منهم من الذنوب‬ ‫والخلل بالداب‪ ,‬رحيم بم حيث ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬ ‫جهَاَلةٍ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِ نْ جَاءَكُ ْم فَا سِقٌ ِبَنَبإٍ َفَتَبّينُوا أَ ْن تُ صِيبُوا َقوْما ِب َ‬ ‫صِبحُوا َعلَى مَا فَعَ ْلتُ ْم نَادِ ِميَ (‪)6‬‬ ‫َفتُ ْ‬

‫‪1744‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن جاءكم فاسق بب‬ ‫فتثبّتوا من خبه قبل تصديقه ونقله حت تعرفوا صحته؛ خشية أن تصيبوا‬ ‫قومًا برآء بناية منكم‪ ,‬فتندموا على ذلك‪.‬‬ ‫وَاعْلَمُوا َأنّ فِيكُ ْم رَسُولَ اللّهِ َلوْ يُطِيعُكُمْ فِي َكثِيٍ مِنْ الَمْرِ لَ َعِنتّ ْم َولَكِنّ‬ ‫اللّ هَ َحبّ بَ ِإَليْكُ ْم الِيَا نَ َو َزّينَ هُ فِي قُلُوبِكُ ْم وَكَرّ هَ ِإَليْكُ مْ الْكُفْ َر وَالْفُ سُوقَ‬

‫صيَانَ ُأ ْوَلئِكَ هُمْ الرّاشِدُونَ (‪)7‬‬ ‫وَالْعِ ْ‬

‫واعلموا أن بي أظهركم رسولَ ال فتأدبوا معه؛ فإنه أعلم منكم با‬ ‫يصلح لكم‪ ,‬يريد بكم الي‪ ,‬وقد تريدون لنفسكم من الشر والضرة ما‬ ‫ل يوافقكم الرسول عليه‪ ,‬لو يطيعكم ف كثي من المر ما تتارونه‬ ‫لدى ذلك إل مشقتكم‪ ,‬ولكن ال حبب إليكم اليان وحسّنه ف‬ ‫قلوبكم‪ ,‬فآمنتم‪ ,‬وكرّه إليكم الكفرَ بال والروجَ عن طاعته‪ ,‬ومعصيتَه‪,‬‬ ‫أولئك التصفون بذه الصفات هم الراشدون السالكون طريق الق‪.‬‬ ‫ضلً مِ ْن اللّهِ َونِ ْع َمةً وَالّلهُ عَلِيمٌ حَكِي ٌم (‪)8‬‬ ‫فَ ْ‬ ‫وهذا الي الذي حصل لم فضل من ال عليهم ونعمة‪ .‬وال عليم بن‬ ‫يشكر نعمه‪ ,‬حكيم ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬ ‫‪1745‬‬

‫وَإِ نْ طَائِ َفتَا نِ مِ نْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ ا ْقَتتَلُوا فَأَ صِْلحُوا َبْيَنهُمَا َفإِ نْ بَغَ تْ إِحْدَاهُمَا‬ ‫َتم‬ ‫ِنم فَاء ْ‬ ‫ّهم َفإ ْ‬ ‫عَلَى الُخْرَى فَقَاتِلُوا الّت ِي َتبْغ ِي َحتّىم تَفِيءَ ِإلَى أَمْ ِر الل ِ‬ ‫فََأصِْلحُوا َبْيَنهُمَا بِالْعَدْ ِل وَأَ ْقسِطُوا ِإنّ الّلهَ ُيحِبّ الْمُ ْقسِطِيَ (‪)9‬‬ ‫وإن طائفتان من أهل اليان اقتتلوا فأصلحوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بينهما‬ ‫بدعوتما إل الحتكام إل كتب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫والرضا بكمهما‪ ,‬فإن اعتدت إحدى الطائفتي وأبت الجابة إل ذلك‪,‬‬ ‫فقاتلوها حت ترجع إل حكم ال ورسوله‪ ,‬فإن رجعت فأصلحوا بينهما‬ ‫بالنصاف‪ ,‬واعدلوا ف حكمكم بأن ل تتجاوزوا ف أحكامكم حكم‬ ‫ال وحكم رسوله‪ ,‬إن ال يب العادلي ف أحكامهم القاضي بي خلقه‬ ‫بالقسط‪ .‬وف الية إثبات صفة الحبة ل على القيقة‪ ,‬كما يليق بلله‬ ‫سبحانه‪.‬‬ ‫ِإنّمَا الْ ُمؤْ ِمنُو نَ إِ ْخوَةٌ فَأَ صِْلحُوا َبيْ نَ أَ َخ َويْكُ مْ وَاتّقُوا اللّ هَ لَعَلّ ُك ْم تُرْ َحمُو نَ‬ ‫(‪)10‬‬ ‫إنا الؤمنون إخوة ف الدين‪ ,‬فأصلحوا بي أخويكم إذا اقتتل وخافوا ال‬ ‫ف جيع أموركم؛ رجاء أن تُرحوا‪.‬‬ ‫‪1746‬‬

‫سخَرْ قَو مٌ مِ نْ َقوْ مٍ عَ سَى أَ نْ يَكُونُوا َخيْرا ِمْنهُ ْم‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل يَ ْ‬ ‫وَل نِ سَاءٌ مِ ْن نِ سَاءٍ عَ سَى أَ نْ يَكُنّ َخيْرا ِمْنهُنّ وَل تَ ْلمِزُوا أَنفُ سَكُ ْم وَل‬ ‫ب فَُأ ْوَلئِ كَ‬ ‫َتنَابَزُوا بِا َللْقَا بِ ِبئْ سَ الِ ْسمُ الْفُ سُوقُ بَعْ َد الِيَا نِ وَمَ ْن لَ مْ َيتُ ْ‬ ‫هُ ْم الظّالِمُونَ (‪)11‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشريعته ل يهزأ قوم مؤمنون‬ ‫من قوم مؤمني؛ عسى أن يكون الهزوء به منهم خيًا من الازئي‪ ,‬ول‬ ‫يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات; عسى أن يكون الهزوء به منهنّ‬ ‫خيًا من الازئات‪ ,‬ول يَعِبْ بعضكم بعضًا‪ ,‬ول يَ ْدعُ بعضكم بعضًا با‬ ‫يكره من اللقاب‪ ,‬بئس الصفة والسم الفسوق‪ ,‬وهو السخرية واللمز‬ ‫والتنابز باللقاب‪ ,‬بعد ما دخلتم ف السلم وعقلتموه‪ ,‬ومن ل يتب من‬ ‫هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم‬ ‫بارتكاب هذه الناهي‪.‬‬ ‫ض الظّنّ ِإثْ مٌ وَل‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْجَتِنبُوا َكثِيا مِ نْ الظّنّ إِنّ بَعْ َ‬ ‫ب بَعْضُكُ ْم بَعْضا َأُيحِبّ َأحَدُكُ مْ أَ نْ يَأْكُلَ َلحْ مَ أَخِي هِ‬ ‫سسُوا وَل يَ ْغتَ ْ‬ ‫َتجَ ّ‬ ‫َميْتا َفكَرِ ْهتُمُوهُ وَاتّقُوا الّلهَ ِإنّ الّلهَ َتوّابٌ رَحِيمٌ (‪)12‬‬ ‫‪1747‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيًا من ظن‬ ‫السوء بالؤمني; إن بعض ذلك الظن إث‪ ,‬ول تُ َفتّشوا عن عورات‬ ‫ض بظهر الغيب ما يكره‪ .‬أيب‬ ‫السلمي‪ ,‬ول يقل بعضكم ف بع ٍ‬ ‫أحدكم أكل لم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك‪ ,‬فاكرهوا‬ ‫اغتيابه‪ .‬وخافوا ال فيما أمركم به وناكم عنه‪ .‬إن ال تواب على عباده‬ ‫الؤمني‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّ ا خَلَ ْقنَاكُ ْم مِ نْ ذَكَ ٍر وَأُنثَى وَجَعَ ْلنَاكُ مْ شُعُوبا وََقبَائِلَ‬

‫ِلتَعَارَفُوا ِإنّ أَكْرَمَكُ ْم ِعنْ َد اللّهِ َأتْقَاكُمْ ِإنّ الّلهَ َعلِيمٌ َخبِيٌ ( ‪)13‬‬

‫يا أيها الناس إنّا خلقناكم من أب واحد هو آدم‪ ,‬وأُم واحدة هي حواء‪،‬‬ ‫فل تفاضل بينكم ف النسب‪ ,‬وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛‬ ‫ليعرف بعضكم بعضًا‪ ,‬إن أكرمكم عند ال أشدكم اتقاءً له‪ .‬إن ال‬ ‫عليم بالتقي‪ ,‬خبي بم‪.‬‬ ‫قَالَتْ الَعْرَابُ آ َمنّا قُ ْل لَ ْم ُتؤْ ِمنُوا َولَكِنْ قُولُوا أَ ْسلَ ْمنَا َولَمّا َيدْخُلْ الِيَانُ‬ ‫فِي قُلُوبِكُ ْم وَإِ نْ تُطِيعُوا اللّ هَ َورَ سُوَلهُ ل يَِلتْ ُك مْ مِ نْ أَعْمَالِكُ مْ َشيْئا ِإنّ اللّ هَ‬

‫غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)14‬‬

‫‪1748‬‬

‫قالت العراب (وهم البدو)‪ :‬آمنا بال ورسوله إيانًا كامل قل لم ‪-‬أيها‬ ‫النب‪ :-‬ل تدّعوا لنفسكم اليان الكامل‪ ,‬ولكن قولوا‪ :‬أسلمنا‪ ,‬ول‬ ‫يدخل بعدُ اليان ف قلوبكم‪ ,‬وإن تطيعوا ال ورسوله ل ينقصكم من‬ ‫ثواب أعمالكم شيئًا‪ .‬إن ال غفور لن تاب مِن ذنوبه‪ ,‬رحيم به‪ .‬وف‬ ‫الية زجر لن يُظهر اليان‪ ,‬ومتابعة السنة‪ ,‬وأعماله تشهد بلف ذلك‪.‬‬ ‫َمم َي ْرتَابُوا وَجَاهَدُوا‬ ‫ّهم َورَسمُولِهِ ثُم ّ ل ْ‬ ‫ِينم آ َمنُوا بِالل ِ‬ ‫ُونم الّذ َ‬ ‫ِإنّم َا الْ ُمؤْ ِمن َ‬ ‫ك هُمْ الصّادِقُونَ (‪)15‬‬ ‫بِأَ ْموَاِلهِمْ َوأَن ُفسِهِ ْم فِي َسبِيلِ الّلهِ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫إنا الؤمنون الذين صدّقوا بال وبرسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ث ل يرتابوا ف‬ ‫إيانم‪ ,‬وبذلوا نفائس أموالم وأرواحهم ف الهاد ف سبيل ال وطاعته‬ ‫ورضوانه‪ ,‬أولئك هم الصادقون ف إيانم‪.‬‬ ‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ‬ ‫قُلْ َأتُعَلّمُو نَ اللّ هَ بِدِينِ ُك مْ وَاللّ هُ يَعْلَ ُم مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫وَالّلهُ بِكُلّ شَ ْيءٍ َعلِيمٌ (‪)16‬‬ ‫خبّرون ال بدينكم وبا ف‬ ‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬لؤلء العراب‪ :‬أُت َ‬ ‫ضمائركم‪ ,‬وال يعلم ما ف السموات وما ف الرض؟ وال بكل شيء‬ ‫عليم‪ ,‬ل يفى عليه ما ف قلوبكم من اليان أو الكفر‪ ,‬والب أو الفجور‪.‬‬ ‫‪1749‬‬

‫يَ ُمنّونَ عََليْكَ أَنْ َأ ْسلَمُوا قُلْ ل تَ ُمنّوا عَلَيّ إِسْلمَ ُكمْ بَلْ اللّهُ يَمُنّ عََليْكُمْ‬

‫َأنْ هَدَاكُ ْم لِلِيَانِ ِإنْ كُنتُ ْم صَادِِقيَ ( ‪)17‬‬

‫يَمُنّ هؤلء العراب عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬بإسلمهم ومتابعتهم ونصرتم‬ ‫لك‪ ,‬قل لم‪ :‬ل َت ُمنّوا عليّ دخولكم ف السلم ; فإنّ نفع ذلك إنا‬ ‫يعود عليكم‪ ,‬ول النة عليكم فيه أنْ وفقكم لليان به وبرسوله‪ ,‬إن‬ ‫كنتم صادقي ف إيانكم‪.‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ يَ ْعلَمُ َغْيبَ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَالّلهُ بَصِ ٌي بِمَا تَعْمَلُونَ (‪)18‬‬ ‫إن ال يعلم غيب السموات والرض‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪ ,‬وال‬ ‫بصي بأعمالكم وسيجازيكم عليها‪ ,‬إن خيًا فخي‪ ,‬وإن شرًا فشر‪.‬‬

‫‪ -50‬سورة ق‬ ‫ق وَالْقُرْآنِ الْ َمجِيدِ (‪)1‬‬ ‫‪1750‬‬

‫( ق ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫أقسم ال تعال بالقرآن الكري ذي الجد والشرف‪.‬‬ ‫جبُوا َأنْ جَاءَهُمْ ُمنْ ِذ ٌر ِمْنهُمْ َفقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَ ْي ٌء َعجِيبٌ (‪)2‬‬ ‫بَلْ َع ِ‬ ‫بل عجب الكذبون للرسول صلى ال عليه وسلم أن جاءهم منذر منهم‬ ‫ينذرهم عقاب ال‪ ,‬فقال الكافرون بال ورسوله‪ :‬هذا شيء مستغرب‬ ‫يتعجب منه‪.‬‬ ‫َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا َذلِكَ رَ ْجعٌ بَعِي ٌد (‪)3‬‬ ‫أإذا متنا وصِرْنا ترابًا‪ ,‬كيف يكن الرجوع بعد ذلك إل ما كنا عليه؟‬ ‫ذلك رجع بعيد الوقوع‪.‬‬ ‫ظ (‪)4‬‬ ‫َقدْ عَِل ْمنَا مَا َتنْقُصُ ا َلرْضُ ِمْنهُمْ وَ ِعنْ َدنَا ِكتَابٌ حَفِي ٌ‬ ‫قد علمنا ما تنقص الرض وتُفن من أجسامهم‪ ,‬وعندنا كتاب مفوظ‬ ‫من التغيي والتبديل‪ ,‬بكل ما يري عليهم ف حياتم وبعد ماتم‪.‬‬ ‫‪1751‬‬

‫بَلْ َك ّذبُوا بِاْلحَقّ لَمّا جَاءَهُ ْم َفهُمْ فِي أَمْ ٍر مَرِي ٍج (‪)5‬‬ ‫بل كذّب هؤلء الشركون بالقرآن حي جاءهم‪ ,‬فهم ف أمر مضطرب‬ ‫متلط‪ ,‬ل يثبتون على شيء‪ ,‬ول يستقر لم قرار‪.‬‬ ‫ف َبَنْينَاهَا َو َزّينّاهَا وَمَا لَهَا مِ نْ فُرُو جٍ‬ ‫أَفَلَ ْم َينْظُرُوا ِإلَى ال سّمَاءِ َفوَْقهُ مْ َكيْ َ‬

‫(‪)6‬‬

‫أغَفَلوا حي كفروا بالبعث‪ ,‬فلم ينظروا إل السماء فوقهم‪ ,‬كيف بنيناها‬ ‫مستوية الرجاء‪ ,‬ثابتة البناء‪ ,‬وزيناها بالنجوم‪ ,‬وما لا من شقوق‬ ‫وفتوق‪ ,‬فهي سليمة من التفاوت والعيوب؟‬ ‫وَا َلرْ ضَ مَدَ ْدنَاهَا َوَألْ َقْينَا فِيهَا َروَا ِسيَ وََأْنَبْتنَا فِيهَا مِ نْ كُلّ َزوْ جٍ َبهِي جٍ (‬ ‫‪)7‬‬ ‫والرض وسّعْناها وفرشناها‪ ,‬وجعلنا فيها جبال ثوابت; لئل تيل بأهلها‪,‬‬ ‫وأنبتنا فيها من كل نوع حسن النظر نافع‪َ ,‬يسُ ّر ويبهج الناظر إليه‪.‬‬

‫‪1752‬‬

‫ب (‪)8‬‬ ‫َتبْصِرَ ًة وَذِكْرَى لِكُلّ َعبْ ٍد ُمنِي ٍ‬ ‫خلق ال السموات والرض وما فيهما من اليات العظيمة عبة يُتبصر‬ ‫با مِن عمى الهل‪ ,‬وذكرى لكل عبد خاضع خائف وَجِل‪ ,‬رجّاع إل‬ ‫ال عز وجل‪.‬‬ ‫ب الْحَصِي ِد (‪)9‬‬ ‫ت وَحَ ّ‬ ‫َونَ ّزْلنَا مِنْ السّمَاءِ مَاءً ُمبَارَكا فََأْنَبْتنَا ِبهِ َجنّا ٍ‬ ‫ونزّلنا من السماء مطرًا كثي النافع‪ ,‬فأنبتنا به بساتي كثية الشجار‪,‬‬ ‫وحب الزرع الحصود‪.‬‬ ‫ت َلهَا طَلْ ٌع نَضِي ٌد (‪)10‬‬ ‫وَالنّخْلَ بَاسِقَا ٍ‬ ‫وأنبتنا النخل طِوال لا طلع متراكب بعضه فوق بعضٍ‪.‬‬ ‫ِرزْقا لِلْ ِعبَا ِد وَأَ ْحَيْينَا ِبهِ بَ ْلدَةً َميْتا كَ َذلِكَ اْلخُرُوجُ (‪)11‬‬ ‫أنبتنا ذلك رزقًا للعباد يقتاتون به حسب حاجاتم‪ ,‬وأحيينا بذا الاء‬ ‫الذي أنزلناه من السماء بلدة قد أجدبت وقحطت‪ ,‬فل زرع فيها ول‬ ‫‪1753‬‬

‫نبات‪ ,‬كما أحيينا بذلك الاء الرض اليتة نرجكم يوم القيامة أحياء‬ ‫بعد الوت‪.‬‬ ‫صحَابُ الرّ سّ َوثَمُودُ (‪ )12‬وَعَا ٌد وَفِرْ َعوْ نُ‬ ‫كَ ّذَب تْ َقبَْلهُ مْ َقوْ ُم نُو حٍ وَأَ ْ‬

‫صحَابُ ا َليْ َكةِ وََقوْ مُ ُتبّ عٍ كُلّ َكذّ بَ الرّ سُلَ‬ ‫وَإِ ْخوَا نُ لُو طٍ (‪ )13‬وَأَ ْ‬ ‫َفحَقّ وَعِيدِ (‪)14‬‬ ‫كذّبت قبل هؤلء الشركي من قريش قو ُم نوح وأصحاب البئر وثود‪,‬‬ ‫وعاد وفرعون وقوم لوط‪ ,‬وأصحاب اليكة قومُ شعيب‪ ,‬وقوم ُتبّع‬ ‫الِ ْميَري‪ ,‬كل هؤلء القوام كذّبوا رسلهم‪ ,‬فحق عليهم الوعيد الذي‬ ‫توعدهم ال به على كفرهم‪.‬‬ ‫أَفَ َعيِينَا بِاْلخَلْقِ ا َلوّلِ بَلْ هُ ْم فِي َلْبسٍ مِنْ َخلْقٍ َجدِي ٍد (‪)15‬‬

‫أفَ َعجَزْنا عن ابتداع اللق الول الذي خلقناه ول يكن شيئًا‪ ,‬فنعجز عن‬ ‫إعادتم خلقًا جديدًا بعد فنائهم؟ ل يعجزنا ذلك‪ ,‬بل نن عليه قادرون‪,‬‬ ‫ولكنهم ف َحيْرة وشك من أمر البعث والنشور‪.‬‬

‫‪1754‬‬

‫سهُ َوَنحْ نُ أَقْ َر بُ ِإَليْ هِ مِ نْ‬ ‫َولَقَدْ خَلَ ْقنَا ا ِلنْ سَانَ َونَعَْل ُم مَا ُتوَ ْسوِسُ بِ هِ نَفْ ُ‬ ‫َحبْلِ اْل َورِيدِ (‪)16‬‬ ‫ول قد خلق نا الن سان‪ ,‬ونعلم ما ُتحَدّث به نف سه‪ ,‬ون ن أقرب إل يه من‬ ‫حبل الوريد (وهو عِرْق ف العنق متصل بالقلب)‪.‬‬ ‫إِذْ َيتَلَقّى الْ ُمتَلَ ّقيَانِ عَنْ اْليَ ِميِ وَعَنْ الشّمَالِ قَعِيدٌ (‪)17‬‬ ‫ح ي يك تب الَلَكان التر صدان عن يي نه و عن شاله أعماله‪ .‬فالذي عن‬ ‫اليمي يكتب السنات‪ ,‬والذي عن الشمال يكتب السيئات‪.‬‬ ‫ب َعتِيدٌ (‪)18‬‬ ‫مَا َيلْفِظُ مِنْ َقوْلٍ إِلّ لَ َدْيهِ رَقِي ٌ‬ ‫ما يل فظ من قول فيتكلم به إل لد يه مَلَك ير قب قوله‪ ,‬ويكت به‪ ,‬و هو‬ ‫مَلَك حاضر مُعَدّ لذلك‪.‬‬ ‫ت بِاْلحَقّ َذلِكَ مَا ُكنْتَ ِمْنهُ َتحِيدُ (‪)19‬‬ ‫وَجَاءَتْ سَ ْكرَةُ الْ َموْ ِ‬ ‫وجاءت شدة الوت وغَمْر ته بال ق الذي ل مر ّد له ول مناص‪ ,‬ذلك ما‬ ‫كنت منه ‪ -‬أيها النسان ‪ -‬ترب وتروغ‪.‬‬ ‫‪1755‬‬

‫ك َيوْمُ اْلوَعِيدِ (‪)20‬‬ ‫َونُفِ َخ فِي الصّورِ َذلِ َ‬ ‫ونُفخ ف "القرن" نفخة البعث الثانية‪ ,‬ذلك النفخ ف يوم وقوع الوعيد‬ ‫الذي توعّد ال به الكفار‪.‬‬ ‫ت كُلّ نَ ْفسٍ مَ َعهَا سَائِقٌ وَ َشهِيدٌ (‪)21‬‬ ‫وَجَاءَ ْ‬ ‫وجاءت كل ن فس مع ها َملَكان‪ ,‬أحده ا ي سوقها إل الح شر‪ ,‬وال خر‬ ‫يشهد عليها با عملت ف الدنيا من خي وشر‪.‬‬ ‫ك غِطَاءَكَ َفبَصَرُ َك اْليَوْمَ حَدِيدٌ (‬ ‫لَقَ ْد ُكنْتَ فِي غَ ْفَلةٍ مِنْ َهذَا فَ َكشَ ْفنَا َعنْ َ‬ ‫‪)22‬‬ ‫ل قد ك نت ف غفلة من هذا الذي عاي نت اليوم أي ها الن سان‪ ,‬فكشف نا‬ ‫عنك غطاءك الذي غطّى قلبك‪ ,‬فزالت الغفلة عنك‪ ,‬فبصرك اليوم فيما‬ ‫تشهد قوي شديد‪.‬‬ ‫وَقَالَ َقرِيُنهُ هَذَا مَا لَدَيّ َعتِيدٌ (‪)23‬‬ ‫‪1756‬‬

‫وقال الَلَك الكا تب الشه يد عل يه‪ :‬هذا ما عندي من ديوان عمله‪ ,‬و هو‬ ‫لديّ مُعَدّ مفوظ حاضر‪.‬‬ ‫خيْ ِر مُ ْعتَدٍ مُرِيبٍ ( ‪)25‬‬ ‫َألْ ِقيَا فِي َج َهنّ َم كُلّ كَفّارٍ َعنِيدٍ (‪َ )24‬منّاعٍ لِ ْل َ‬

‫ب الشّدِيدِ (‪)26‬‬ ‫الّذِي جَعَلَ َمعَ الّلهِ ِإلَها آخَ َر فََألْ ِقيَاهُ فِي الْعَذَا ِ‬

‫يقول ال للمَلَكي السائق والشهيد بعد أن يفصل بي اللئق‪ :‬ألقيا ف‬ ‫جه نم كل جا حد أن ال هو الل هُ القّ‪ ،‬كثيَ الك فر والتكذ يب معا ند‬ ‫للحق‪ ,‬منّاع لداء ما عليه من القوق ف ماله‪ ,‬مُعْتدٍ على عباد ال وعلى‬ ‫حدوده‪ ,‬شا ّك ف وعده ووعيده‪ ,‬الذي أشرك بال‪ ,‬فعبد معه معبودًا آخر‬ ‫مِن خلقه‪ ,‬فألقياه ف عذاب جهنم الشديد‪.‬‬ ‫قَالَ قَرِيُنهُ َرّبنَا مَا َأطْ َغْيُتهُ َولَكِنْ كَانَ فِي ضَللٍ بَعِي ٍد (‪)27‬‬ ‫قال شيطا نه الذي كان م عه ف الدن يا‪ :‬رب نا ما أضلل ته‪ ,‬ول كن كان ف‬ ‫طريق بعيد عن سبيل الدى‪.‬‬ ‫ختَصِمُوا لَدَيّ وََقدْ َقدّمْتُ ِإَليْكُ ْم بِاْلوَعِيدِ (‪)28‬‬ ‫قَالَ ل َت ْ‬ ‫‪1757‬‬

‫قال ال تعال‪ :‬ل تت صموا لديّ اليوم ف مو قف الزاء وال ساب; إذ ل‬ ‫ْتم إليكمم فم الدنيما بالوعيمد لنم كفمر بم‬ ‫فائدة ممن ذلك‪ ,‬وقمد َقدّم ُ‬ ‫وعصان‪.‬‬ ‫مَا ُيَبدّلُ الْ َقوْلُ لَ َديّ وَمَا َأنَا بِظَلّمٍ لِلْ َعبِي ِد (‪)29‬‬ ‫ما يُغيّ ر القول لديّ‪ ,‬ول ست أعذّب أحدًا بذ نب أ حد‪ ,‬فل أعذّب أحدًا‬ ‫إل بذنبه بعد قيام الجة عليه‪.‬‬ ‫ت َوتَقُولُ هَ ْل مِنْ َمزِيدٍ (‪)30‬‬ ‫ج َهنّمَ هَ ْل ا ْمتَلْ ِ‬ ‫َيوْمَ نَقُو ُل لِ َ‬ ‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك يوم نقول لهنم يوم القيامة‪ :‬هل امتلت؟‬ ‫وتقول جهنمم‪ :‬همل ممن زيادة ممن النم والنمس؟ فيضمع الرب ‪-‬جمل‬ ‫جلله‪ -‬قدمه فيها‪ ,‬فينوي بعضها على بعض‪ ,‬وتقول‪ :‬قط‪ ,‬قط‪.‬‬ ‫جّنةُ لِلْ ُمتّ ِقيَ َغيْ َر بَعِيدٍ (‪)31‬‬ ‫ت اْل َ‬ ‫وَُأ ْزلِفَ ْ‬ ‫وقُرّ بت ال نة للمتق ي مكانًا غ ي بع يد من هم‪ ,‬ف هم يشاهدون ا زيادة ف‬ ‫السرّة لم‪.‬‬ ‫‪1758‬‬

‫َهذَا مَا تُوعَدُو نَ لِكُلّ َأوّا بٍ حَفِي ظٍ (‪ )32‬مَ نْ َخشِ يَ الرّحْمَ َن بِالْ َغيْ بِ‬ ‫ب (‪)33‬‬ ‫ب ُمنِي ٍ‬ ‫وَجَاءَ بِقَلْ ٍ‬ ‫يقال ل م‪ :‬هذا الذي كن تم توعدون به ‪ -‬أي ها التقون ‪ -‬ل كل تائب مِن‬ ‫ذنوبه‪ ,‬حافظ لكل ما َقرّبه إل ربه‪ ,‬من الفرائض والطاعات‪ ,‬مَن خاف‬ ‫ال ف الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه‪.‬‬ ‫ا ْدخُلُوهَا ِبسَلمٍ َذلِكَ َيوْمُ اْلخُلُودِ (‪)34‬‬ ‫ويقال لؤلء الؤمن ي‪ :‬ادخلوا ال نة دخول مقرونًا بال سلمة من الفات‬ ‫والشرور‪ ,‬مأمونًا فيه جيع الكاره‪ ,‬ذلك هو يوم اللود بل انقطاع‪.‬‬ ‫َلهُمْ مَا َيشَاءُونَ فِيهَا وَلَ َدْينَا َمزِيدٌ (‪)35‬‬ ‫لؤلء الؤمني ف النة ما يريدون‪ ,‬ولدينا على ما أعطيناهم زيادة نعيم‪,‬‬ ‫أعظَمُه النظر إل وجه ال الكري‪.‬‬ ‫وَكَ مْ أَهْلَكْنَا َقبَْلهُ ْم مِ ْن قَرْ نٍ هُ مْ أَشَ ّد ِمْنهُ ْم بَطْشا َفنَ ّقبُوا فِي اْلبِل ِد هَلْ‬ ‫‪1759‬‬

‫مِنْ َمحِيصٍ (‪)36‬‬ ‫وأهلكنا قبل هؤلء الشركي من قريش أمًا كثية‪ ,‬كانوا أشد منهم قوة‬ ‫وسمطوة‪ ,‬فطوّفوا فم البلد وعمّروا ودمّروا فيهما‪ ,‬همل ممن مهرب ممن‬ ‫عذاب ال حي جاءهم؟‬ ‫إِنّ فِي َذلِ كَ لَذِ ْكرَى لِمَ ْن كَا نَ لَ هُ َقلْ بٌ َأوْ َألْقَى ال سّمْ َع وَ ُهوَ َشهِي ٌد (‬ ‫‪)37‬‬ ‫إن ف إهلك القرون الاض ية ل عبة ل ن كان له قلب يع قل به‪ ,‬أو أ صغى‬ ‫السمع‪ ,‬وهو حاضر بقلبه‪ ,‬غي غافل ول ساهٍ‪.‬‬ ‫سنَا مِ نْ‬ ‫َولَقَدْ خَلَ ْقنَا ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضَ وَمَا َبْيَنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ وَمَا مَ ّ‬

‫لُغُوبٍ ( ‪)38‬‬

‫ولقد خلقنا السموات السبع والرض وما بينهما من أصناف الخلوقات‬ ‫فم سمتة أيام‪ ,‬ومما أصمابنا ممن ذلك اللق تعمب ول نَصمَب‪ .‬وفم هذه‬ ‫القدرة العظيمة دليل على قدرته ‪-‬سبحانه ‪ -‬على إحياء الوتى من باب‬ ‫أول‪.‬‬ ‫‪1760‬‬

‫ك َقبْلَ طُلُو عِ الشّمْ سِ وََقبْلَ‬ ‫صبِرْ عَلَى مَا يَقُولُو نَ وَ َسبّحْ ِبحَمْ ِد َربّ َ‬ ‫فَا ْ‬

‫سجُودِ (‪)40‬‬ ‫حهُ وَأَ ْدبَارَ ال ّ‬ ‫سّب ْ‬ ‫الْغُرُوبِ (‪ )39‬وَمِنْ الّليْلِ َف َ‬

‫فا صب ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬على ما يقوله الكذبون‪ ,‬فإن ال ل م بالر صاد‪,‬‬ ‫و صلّ لر بك حامدًا له صلة ال صبح ق بل طلوع الش مس و صلة الع صر‬ ‫قبل الغروب‪ ,‬وصلّ من الليل‪ ,‬وسبّحْ بمد ربك عقب الصلوات‪.‬‬ ‫حةَ‬ ‫صيْ َ‬ ‫وَا ْستَمِ ْع َيوْ مَ ُينَا ِد الْ ُمنَادِ مِ ْن مَكَا نٍ قَرِي بٍ (‪َ )41‬يوْ مَ يَ سْمَعُونَ ال ّ‬

‫ك َيوْمُ الْخُرُوجِ (‪)42‬‬ ‫بِاْلحَقّ َذلِ َ‬

‫وا ستمع ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬يوم ينادي الَلَك بنف خه ف "القرن" من مكان‬ ‫قريب‪ ,‬يوم ي سمعون صيحة الب عث بالق الذي ل شك فيه ول امتراء‪,‬‬ ‫ذلك يوم خروج أهل القبور من قبورهم‪.‬‬ ‫حيِي َونُمِي تُ وَِإَلْينَا الْمَ صِيُ (‪َ )43‬يوْ مَ َتشَقّ قُ ا َلرْ ضُ َعْنهُ مْ‬ ‫ِإنّا َنحْ نُ ُن ْ‬ ‫سِرَاعا َذلِكَ َحشْ ٌر عََلْينَا َيسِيٌ (‪)44‬‬ ‫إنّا ن ن ن يي اللق ونيتهم ف الدنيا‪ ,‬وإلينا م صيهم جيعًا يوم القيا مة‬ ‫‪1761‬‬

‫للحسماب والزاء‪ ,‬يوم تتصمدع الرض عمن الوتمى القبوريمن بام‪,‬‬ ‫فيخرجون م سرعي إل الدا عي‪ ,‬ذلك ال مع ف مو قف ال ساب علي نا‬ ‫سهل يسي‪.‬‬ ‫جبّارٍ فَذَكّ ْر بِالْقُرْآنِ مَنْ َيخَا فُ‬ ‫َنحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا يَقُولُونَ وَمَا َأنْتَ عََلْيهِمْ ِب َ‬ ‫وَعِيدِ (‪)45‬‬ ‫نن أعلم با يقول هؤلء الشركون مِن افتراء على ال وتكذيب بآياته‪,‬‬ ‫و ما أ نت ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬علي هم ب سلّط; لت جبهم على ال سلم‪ ,‬وإن ا‬ ‫بُ ِعثْ تَ مبلّغًا‪ ,‬فذكّر بالقرآن من يشى وعيدي; لن مَن ل ياف الوعيد‬ ‫ل يذّكر‪.‬‬

‫‪ -51‬سورة الذاريات‬ ‫وَالذّا ِريَا تِ َذرْوا (‪ )1‬فَاْلحَامِل تِ وِقْرا ( ‪ )2‬فَاْلجَا ِريَا تِ يُ سْرا ( ‪)3‬‬ ‫ق ( ‪َ )5‬وإِنّ الدّي َن لَوَاقِ عٌ (‬ ‫فَالْمُقَ سّمَاتِ أَمْرا (‪ِ )4‬إنّمَا تُوعَدُو نَ لَ صَادِ ٌ‬

‫‪)6‬‬ ‫‪1762‬‬

‫أقسم ال تعال بالرياح الثيات للتراب‪ ,‬فالسحب الاملت ثقل عظيمًا‬ ‫من الاء‪ ,‬فالسفن الت تري ف البحار جريًا ذا يسر وسهولة‪ ,‬فاللئكة‬ ‫ال ت تُقَ سّم أ مر ال ف خل قه‪ .‬إن الذي توعدون به‪ -‬أي ها الناس‪ -‬من‬ ‫الب عث وال ساب لكائن حق يق ي‪ ,‬وإن ال ساب والثواب على العمال‬ ‫لكائن ل مالة‪.‬‬ ‫ك َعنْهُ مَنْ‬ ‫ختَلِفٍ (‪ُ )8‬يؤْفَ ُ‬ ‫حبُكِ (‪ِ )7‬إنّ ُكمْ لَفِي َقوْلٍ ُم ْ‬ ‫وَالسّمَاءِ ذَاتِ اْل ُ‬ ‫أُِفكَ ( ‪)9‬‬ ‫وأقسم ال تعال بالسماء ذات الَلْق السن‪ ,‬إنكم‪ -‬أيها الكذبون‪ -‬لفي‬ ‫قول مضطرب فم هذا القرآن‪ ,‬وفم الرسمول صملى ال عليمه وسملم‪.‬‬ ‫يُصرف عن القرآن والرسول صلى ال عليه وسلم مَن صُرف عن اليان‬ ‫بما؛ لعراضه عن أدلة ال وبراهينه اليقينية فلم يوفّق إل الي‪.‬‬ ‫ُقتِ َل الْخَرّاصُونَ (‪ )10‬الّذِينَ ُهمْ فِي غَ ْمرَةٍ سَاهُونَ (‪)11‬‬ ‫لُعِن الكذابون الظانون غيم القم‪ ,‬الذيمن همم فملُممجّة ممن الكفمر‬ ‫والضللة غافلون متمادون‪.‬‬ ‫‪1763‬‬

‫َيسَْألُونَ َأيّانَ َيوْ ُم الدّينِ (‪)12‬‬ ‫يسمأل هؤلء الكذابون سمؤال اسمتبعاد وتكذيمب‪ :‬متم يوم السماب‬ ‫والزاء؟‬ ‫َيوْ مَ ُه مْ عَلَى النّارِ يُ ْفَتنُو نَ (‪ )13‬ذُوقُوا ِفْتَنتَكُ مْ َهذَا الّذِي كُنتُ ْم بِ هِ‬ ‫ستَعْجِلُونَ (‪)14‬‬ ‫َت ْ‬ ‫مم‬ ‫م‪ :‬ذوقوا عذابكم‬ ‫يوم الزاء‪ ,‬يوم يُعذّبون بالحراق بالنار‪ ,‬ويقال لمم‬ ‫الذي كنتم به تستعجلون ف الدنيا‪.‬‬ ‫ِإنّ الْ ُمتّ ِقيَ فِي َجنّاتٍ وَ ُعيُونٍ (‪ )15‬آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ َرّبهُمْ ِإّنهُمْ كَانُوا‬ ‫سنِيَ (‪)16‬‬ ‫حِ‬ ‫َقبْلَ َذلِكَ ُم ْ‬ ‫إن الذيمن اتقوا ال فم جنات عظيممة‪ ,‬وعيون ماء جاريمة‪ ,‬أعطاهمم ال‬ ‫جيمع مُناهمم ممن أصمناف النعيمم‪ ,‬فأخذوا ذلك راضيم بمه‪ ,‬فَرِحمة بمه‬ ‫نفوسهم‪ ,‬إنم كانوا قبل ذلك النعيم مسني ف الدنيا بأعمالم الصالة‪.‬‬

‫‪1764‬‬

‫ستَغْفِرُونَ (‬ ‫ل مِ نْ الّليْلِ مَا َي ْهجَعُو نَ (‪َ )17‬وبِالَ ْسحَارِ هُ مْ يَ ْ‬ ‫كَانُوا قَلِي ً‬ ‫‪)18‬‬ ‫كان هؤلء الحسنون قليل من الليل ما ينامون‪ ,‬يُ صَلّون لربم قانتي له‪,‬‬ ‫وف أواخر الليل قبيل الفجر يستغفرون ال من ذنوبم‪.‬‬ ‫وَفِي أَ ْموَاِلهِمْ حَ ّق لِلسّائِلِ وَالْ َمحْرُومِ (‪)19‬‬ ‫و ف أموال م حق وا جب وم ستحب للمحتاج ي الذ ين ي سألون الناس‪,‬‬ ‫والذين ل يسألونم حياء‪.‬‬ ‫ت لِلْمُوِقِنيَ (‪)20‬‬ ‫وَفِي ا َلرْضِ آيَا ٌ‬ ‫و ف الرض عب ودلئل واض حة على قدرة خلق ها ل هل اليق ي بأن ال‬ ‫هو الله ال ق وحده ل شر يك له‪ ،‬وال صدّقي لر سوله صلى ال عل يه‬ ‫وسلم‪.‬‬ ‫وَفِي أَن ُفسِكُمْ أَفَل ُتبْصِرُونَ (‪)21‬‬ ‫وف خلق أنفسكم دلئل على قدرة ال تعال‪ ,‬وعب تدلكم على وحدانية‬ ‫‪1765‬‬

‫خالقكمم‪ ,‬وأنمه ل إله لكمم يسمتحق العبادة سمواه‪ ,‬أ َغفَلتمم عنهما‪ ,‬فل‬ ‫تبصرون ذلك‪ ,‬فتعتبون به؟‬ ‫وَفِي السّمَاءِ ِرزْقُكُ ْم وَمَا تُوعَدُونَ (‪)22‬‬ ‫و ف ال سماء رزق كم و ما توعدون من ال ي وال شر والثواب والعقاب‪,‬‬ ‫وغي ذلك كله مكتوب مقدّر‪.‬‬ ‫ب السّمَاءِ وَا َلرْضِ ِإّنهُ َلحَقّ ِمثْلَ مَا َأنّكُ ْم تَنطِقُونَ (‪)23‬‬ ‫َف َورَ ّ‬ ‫أقسم ال تعال بنفسه الكرية أنّ ما وعدكم به حق‪ ,‬فل َتشُكّوا فيه كما‬ ‫ل َتشُكّون ف نطقكم‪.‬‬ ‫ضيْ فِ ِإبْرَاهِيمَ الْمُ ْكرَ ِميَ (‪ )24‬إِذْ دَ َخلُوا عََليْ هِ فَقَالُوا‬ ‫ث َ‬ ‫هَلْ َأتَا كَ حَدِي ُ‬ ‫سَلما قَالَ سَل ٌم َقوْمٌ مُن َكرُونَ (‪)25‬‬ ‫هل أتاك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حديث ضيف إبراهيم الذين أكرمهم‪ -‬وكانوا‬ ‫من اللئكة الكرام‪ -‬حي دخلوا عليه ف بيته‪ ,‬فحيّوه قائلي له‪ :‬سلمًا‪,‬‬ ‫فردّ عليهم التحية قائل سلم عليكم‪ ,‬أنتم قوم غرباء ل نعرفكم‪.‬‬ ‫‪1766‬‬

‫َفرَاغَ ِإلَى أَهْلِ ِه َفجَاءَ بِ ِعجْلٍ سَ ِميٍ (‪ )26‬فَقَ ّربَهُ ِإَليْهِ ْم قَالَ أَل تَأْكُلُونَ (‬ ‫‪)27‬‬ ‫فعَدَ َل ومال خفية إل أهله‪ ,‬فعمد إل عجل سي فذبه‪ ,‬وشواه بالنار‪ ،‬ث‬ ‫وضعه أمامهم‪ ,‬وتلّطف ف دعوتم إل الطعام قائل أل تأكلون؟‬ ‫َفَأوْ َجسَ ِمْنهُمْ خِي َفةً قَالُوا ل َتخَفْ َوَبشّرُوهُ بِغُلمٍ عَلِيمٍ (‪)28‬‬ ‫فلما رآهم ل يأكلون أح سّ ف نفسه خوفًا منهم‪ ,‬قالوا له‪ :‬ل َتخَ فْ إنا‬ ‫ر سل ال‪ ,‬وبشروه بأن زوجته " سَارَةَ" ستلد له ولدًا‪ ,‬سيكون من أهل‬ ‫العلم بال وبدينه‪ ,‬وهو إسحاق عليه السلم‪.‬‬ ‫ت َعجُوزٌ عَقِي ٌم (‪)29‬‬ ‫صكّتْ َو ْج َههَا وَقَالَ ْ‬ ‫صرّةٍ فَ َ‬ ‫ت امْرََأُتهُ فِي َ‬ ‫َفأَ ْقبَلَ ْ‬ ‫فلما سعت زوجة إبراهيم مقالة هؤلء اللئكة بالبشارة أقبلت نوهم ف‬ ‫صيحة‪ ,‬فلط مت وجه ها تعجبًا من هذا ال مر‪ ,‬وقالت‪ :‬ك يف ألد وأ نا‬ ‫عجوز عقيم ل ألد؟‬

‫‪1767‬‬

‫قَالُوا كَ َذلِكَ قَالَ َربّكِ ِإّنهُ ُهوَ الْحَكِي ُم الْعَلِيمُ (‪)30‬‬ ‫قالت ل ا ملئ كة ال‪ :‬هكذا قال ر بك ك ما أ خبناك‪ ,‬و هو القادر على‬ ‫ذلك‪ ,‬فل عجب من قدرته‪ .‬إنه سبحانه وتعال هو الكيم الذي يضع‬ ‫الشياء مواضعها‪ ,‬العليم بصال عباده‪.‬‬

‫‪1768‬‬

‫الزء السابع والعشرون ‪:‬‬ ‫ْمم‬ ‫ْسمْلنَا ِإلَى َقو ٍ‬ ‫ْسملُونَ (‪ )31‬قَالُوا ِإنّامُأر ِ‬ ‫ُممَأيّهَا الْ ُمر َ‬ ‫قَالَ فَمَا خَ ْطبُك ْ‬ ‫سوّ َمةً ِعنْدَ‬ ‫ُمجْرِمِيَ (‪ِ )32‬لنُ ْر سِ َل عََلْيهِ مْ ِحجَارَةً مِ ْن طِيٍ ( ‪ )33‬مُ َ‬

‫َربّكَ لِلْ ُمسْ ِرِفيَ (‪)34‬‬

‫قال إبراهيم عليه السلم‪ ,‬للئكة ال‪ :‬ما شأنكم وفيم أُرسلتم؟ قالوا‪ :‬إن‬ ‫ال أر سلنا إل قوم قد أجرموا لكفر هم بال; لنهلك هم بجارة من ط ي‬ ‫متحجّر‪ ,‬معلّمة عند ربك لؤلء التجاوزين ال ّد ف الفجور والعصيان‪.‬‬ ‫َفأَخْ َر ْجنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِ ْن الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)35‬‬ ‫فأخرجنا مَن كان ف قرية قوم لوط من أهل اليان‪.‬‬ ‫ي (‪)36‬‬ ‫َفمَا وَ َج ْدنَا فِيهَا َغيْرَ َبْيتٍ مِ ْن الْ ُمسْلِ ِم َ‬ ‫فما وجدنا ف تلك القرية غي بيت من السلمي‪ ,‬وهو بيت لوط عليه‬ ‫‪1769‬‬

‫السلم‪.‬‬ ‫ب الَلِي َم (‪)37‬‬ ‫َوتَرَ ْكنَا فِيهَا آَي ًة لِلّذِينَ َيخَافُونَ الْعَذَا َ‬ ‫وترك نا ف القر ية الذكورة أثرًا من العذاب باقيًا عل مة على قدرة ال‬ ‫تعال وانتقاممه ممن الكفرة‪ ,‬وذلك عمبة لنم يافون عذاب ال الؤل‬ ‫الوجع‪.‬‬ ‫وَفِي مُو سَى إِذْ َأرْ َس ْلنَاهُ ِإلَى ِفرْ َعوْ نَ بِ سُلْطَانٍ ُمِبيٍ (‪َ )38‬فَتوَلّى بِرُ ْكنِ هِ‬

‫جنُونٌ (‪)39‬‬ ‫وَقَالَ سَا ِحرٌ َأ ْو َم ْ‬

‫وفم إرسمالنا موسمى إل فرعون وملئه باليات والعجزات الظاهرة آيمة‬ ‫للذين يافون العذاب الليم‪ .‬فأ ْعرَ ضَ فرعون مغترّا بقوته وجانبه‪ ,‬وقال‬ ‫عن موسى‪ :‬إنه ساحر أو منون‪.‬‬ ‫َفأَخَ ْذنَاهُ َو ُجنُودَهُ َفَنَب ْذنَاهُمْ فِي اْليَمّ وَ ُهوَ مُلِيمٌ (‪)40‬‬ ‫ت ما يلم عل يه;‬ ‫فأخذ نا فرعون وجنوده‪ ,‬فطرحنا هم ف الب حر‪ ,‬و هو آ ٍ‬ ‫بسبب كفره وجحوده وفجوره‪.‬‬ ‫‪1770‬‬

‫وَفِي عَادٍ ِإذْ َأرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ الرّي حَ الْعَقِي مَ (‪ )41‬مَا تَ َذرُ مِ نْ َش ْيءٍ َأَت تْ‬ ‫عََلْيهِ إِلّ جَ َعَلْتهُ كَالرّمِيمِ (‪)42‬‬ ‫و ف شأن عاد وإهلك هم آيات و عب ل ن تأ مل‪ ,‬إذ أر سلنا علي هم الر يح‬ ‫ال ت ل بر كة في ها ول تأ ت ب ي‪ ,‬ما تَدَ عُ شيئًا مرّت عل يه إل صيّرته‬ ‫كالشيء البال‪.‬‬ ‫وَفِي َثمُودَ إِذْ قِيلَ َلهُ ْم تَ َمتّعُوا َحتّ ى حِيٍ (‪ )43‬فَ َعَتوْا عَ نْ أَ ْمرِ َرّبهِ مْ‬ ‫فََأخَ َذْتهُمْ الصّاعِ َقةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (‪)44‬‬ ‫وف شأن ثود وإهلكهم آيات وعب‪ ,‬إذ قيل لم‪ :‬انتفعوا بياتكم حت‬ ‫تنتهي آجالكم‪ .‬فعصوا أمر ربم‪ ,‬فأخذتم صاعقة العذاب‪ ,‬وهم ينظرون‬ ‫إل عقوبتهم بأعينهم‪.‬‬ ‫َفمَا ا ْستَطَاعُوا مِنْ ِقيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (‪)45‬‬ ‫فمما أمكنهمم الرب ول النهوض مام همم فيمه ممن العذاب‪ ,‬ومما كانوا‬ ‫منتصرين لنفسهم‪.‬‬ ‫‪1771‬‬

‫وََقوْ َم نُوحٍ مِ ْن َقبْلُ ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَاسِ ِقيَ (‪)46‬‬ ‫م قوم نوح ممن قبمل هؤلء‪ ,‬إنمم كانوا قومًا مالفيم لممر ال‪,‬‬ ‫وأهلكن ا‬ ‫خارجي عن طاعته‪.‬‬ ‫وَالسّمَاءَ َبَنْينَاهَا بَِأيْيدٍ وَِإنّا لَمُوسِعُونَ (‪)47‬‬ ‫والسماء خلقناها وأتقناها‪ ,‬وجعلناها َسقْفًا للرض بقوة وقدرة عظيمة‪,‬‬ ‫وإنا لوسعون لرجائها وأنائها‪.‬‬ ‫وَا َلرْضَ َفرَ ْشنَاهَا َفنِعْ َم الْمَاهِدُونَ (‪)48‬‬ ‫والرض جعناها فراشًا للخلق للستقرار عليها‪ ,‬فنعم الاهدون نن‪.‬‬ ‫وَمِنْ كُلّ شَ ْيءٍ خَلَ ْقنَا َزوْ َجيْنِ لَعَلّ ُكمْ َتذَكّرُونَ (‪)49‬‬ ‫وممن كمل شيمء ممن أجناس الوجودات خلقنما نوعيم متلفيم; لكمي‬ ‫تتذكروا قدرة ال‪ ,‬وتعتبوا‪.‬‬ ‫‪1772‬‬

‫َففِرّوا ِإلَى الّلهِ ِإنّي لَكُ ْم ِمْنهُ نَذِي ٌر ُمِبيٌ (‪)50‬‬ ‫ففروا‪-‬أيها الناس‪ -‬من عقاب ال إل رحته باليان به وبرسوله‪ ,‬واتباع‬ ‫أمره والعمل بطاعته‪ ,‬إن لكم نذير بيّن النذار‪ .‬وكان رسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم إذا حزبه أمر‪ ,‬فزع إل الصلة‪ ,‬وهذا فرار إل ال‪.‬‬ ‫وَل َتجْعَلُوا َمعَ الّلهِ ِإلَها آخَرَ ِإنّي لَ ُكمْ ِمْنهُ َنذِيرٌ ُمِبيٌ (‪)51‬‬ ‫ول تعلوا مع ال معبودًا آخر‪ ,‬إن لكم من ال نذير بيّن النذار‪.‬‬ ‫جنُو نٌ (‬ ‫ك مَا َأتَى الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ مْ مِ ْن رَ سُولٍ إِ ّل قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ َم ْ‬ ‫كَ َذلِ َ‬ ‫‪)52‬‬ ‫كما كذبت قريش نبيّها ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو شاعر‬ ‫أو ساحر أو منون‪ ,‬فعلت ال مم الكذ بة ر سلها من ق بل قر يش‪ ,‬فأحلّ‬ ‫ال بم نقمته‪.‬‬ ‫صوْا ِبهِ بَلْ ُهمْ َقوْ ٌم طَاغُونَ (‪)53‬‬ ‫َأَتوَا َ‬ ‫‪1773‬‬

‫أتوا صى الولون والخرون بالتكذ يب بالر سول ح ي قالوا ذلك جيعًا؟‬ ‫بمل همم قوم طغاة تشابتم قلوبمم وأعمالمم بالكفمر والطغيان‪ ,‬فقال‬ ‫متأخروهم ذلك‪ ,‬كما قاله متقدموهم‪.‬‬ ‫ت بِمَلُو ٍم (‪)54‬‬ ‫َفَتوَلّ َعْنهُ ْم َفمَا َأنْ َ‬ ‫فأعر ضْ ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬عن الشرك ي ح ت يأت يك في هم أ مر ال‪ ,‬ف ما‬ ‫أنت بلوم من أحد‪ ,‬فقد بلّغت ما أُرسلت به‪.‬‬ ‫وَذَكّرْ َفِإنّ الذّكْرَى تَنفَ ُع الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)55‬‬ ‫ومع إعراضك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عنهم‪ ,‬وعدم اللتفات إل تذيلهم‪ ,‬داوم‬ ‫ت إليهمم; فإن التذكيم‬ ‫على الدعوة إل ال‪ ,‬وعلى وعمظ ممن أُرسمل َ‬ ‫والوعظمة ينتفمع بمما أهمل القلوب الؤمنمة‪ ,‬وفيهمما إقاممة الجمة على‬ ‫العرضي‪.‬‬ ‫ت الْجِنّ وَالِنسَ إِلّ ِليَ ْعبُدُونِ (‪)56‬‬ ‫وَمَا خَلَقْ ُ‬ ‫و ما خل قت ال ن وال نس وبع ثت ج يع الر سل إل لغا ية سامية‪ ,‬هي‬ ‫‪1774‬‬

‫عبادت وحدي دون مَن سواي‪.‬‬ ‫مَا ُأرِيدُ ِمْنهُ ْم مِنْ ِرزْقٍ وَمَا ُأرِيدُ َأ ْن يُطْعِمُونِ (‪)57‬‬ ‫ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‪ ,‬فأنا الرزاق العطي‪ .‬فهو‬ ‫سبحانه غي متاج إل اللق‪ ,‬بل هم الفقراء إليه ف جيع أحوالم‪ ,‬فهو‬ ‫خالقهم ورازقهم والغن عنهم‪.‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ ُه َو ال ّرزّاقُ ذُو الْ ُقوّةِ الْ َمِتيُ (‪)58‬‬ ‫إن ال وحده همو الرزاق للقمه‪ ,‬التكفمل بأقواتمم‪ ,‬ذو القوة التيم‪ ,‬ل‬ ‫يُ ْقهَر ول يغالَب‪ ,‬فله القدرة والقوة كلها‪.‬‬ ‫ستَ ْعجِلُونِ (‪)59‬‬ ‫صحَاِبهِمْ فَل َي ْ‬ ‫َفِإنّ لِلّذِي َن ظَلَمُوا َذنُوبا ِمثْلَ َذنُوبِ َأ ْ‬ ‫فإن للذ ين ظلموا بتكذيب هم الر سول ممدًا صلى ال عل يه و سلم ن صيبًا‬ ‫ضوْا من قبل هم‪,‬‬ ‫من عذاب ال نازل ب م م ثل ن صيب أ صحابم الذ ين م َ‬ ‫فل يستعجلون بالعذاب‪ ,‬فهو آتيهم ل مالة‪.‬‬

‫‪1775‬‬

‫َف َويْلٌ لِلّذِينَ كَفَرُوا مِ ْن َيوْ ِمهِمْ الّذِي يُوعَدُونَ (‪)60‬‬ ‫فهلك وشقاء للذ ين كفروا بال ور سوله من يوم هم الذي يوعدون ف يه‬ ‫بنول العذاب بم‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ -52‬سورة الطور‬ ‫ْتم‬ ‫َسمطُورٍ ( ‪ )2‬فِي رَقّ َمْنشُورٍ ( ‪ )3‬وَاْلَبي ِ‬ ‫َابم م ْ‬ ‫وَالطّورِ (‪ )1‬وَ ِكت ٍ‬ ‫سجُورِ (‪)6‬‬ ‫الْمَعْمُورِ (‪ )4‬وَالسّقْفِ الْمَ ْرفُوعِ (‪ )5‬وَالَْبحْرِ الْ َم ْ‬ ‫أقسم ال بالطور‪ ,‬وهو البل الذي كلّم ال سبحانه وتعال موسى عليه‪,‬‬ ‫وبكتاب مكتوب‪ ,‬وهو القرآن ف صحف منشورة‪ ،‬وبالبيت العمور ف‬ ‫السماء باللئكة الكرام الذين يطوفون به دائمًا‪ ,‬وبالسقف الرفوع وهو‬ ‫السماء الدنيا‪ ,‬وبالبحر السجور الملوء بالياه‪.‬‬ ‫ب َربّكَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬مَا لَهُ مِنْ دَاِفعٍ (‪َ )8‬يوْمَ تَمُورُ السّمَاءُ َموْرا‬ ‫ِإنّ عَذَا َ‬

‫جبَالُ َسيْرا (‪)10‬‬ ‫(‪َ )9‬وَتسِيُ الْ ِ‬

‫‪1776‬‬

‫إن عذاب ر بك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬بالكفار لَوا قع‪ ،‬ل يس له مِن ما نع ين عه‬ ‫حيم وقوعمه‪ ,‬يوم تتحرك السمماء فيختلّ نظامهما وتضطرب أجزاؤهما‪,‬‬ ‫وذلك عند ناية الياة الدنيا‪ ,‬وتزول البال عن أماكنها‪ ,‬وتسي كسي‬ ‫السحاب‪.‬‬ ‫َف َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُ َك ّذِبيَ (‪ )11‬الّذِينَ ُهمْ فِي َخوْضٍ يَلْ َعبُونَ (‪)12‬‬ ‫فهلك ف هذا اليوم واقع بالكذبي الذين هم ف خوض بالباطل يلعبون‬ ‫به‪ ,‬ويتخذون دينهم هزوًا ولعبًا‪.‬‬ ‫َيوْمَ ُيدَعّونَ ِإلَى نَارِ َج َهنّمَ دَعّا (‪ )13‬هَذِ ِه النّارُ اّلتِي كُنتُمْ ِبهَا تُ َك ّذبُونَ‬

‫(‪)14‬‬

‫يوم يُدْف َع هؤلء الكذبون دفع ًا بعنمف ومَهانمة إل نار جهنمم‪ ،‬ويقال‬ ‫توبيخًا لم‪ :‬هذه هي النار الت كنتم با تكذّبون‪.‬‬ ‫صبِرُوا‬ ‫صبِرُوا َأوْ ل تَ ْ‬ ‫سحْرٌ هَذَا أَ مْ َأْنتُ مْ ل ُتبْ صِرُونَ (‪ )15‬ا صَْلوْهَا فَا ْ‬ ‫أَفَ ِ‬ ‫َسوَاءٌ عََليْكُمْ ِإنّمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُنتُمْ تَ ْعمَلُونَ (‪)16‬‬ ‫‪1777‬‬

‫أفسحر ما تشاهدونه من العذاب أم أنتم ل تنظرون؟ ذوقوا حرّ هذه‬ ‫النار‪ ,‬فاصبوا على ألها وشدتا‪ ,‬أو ل تصبوا على ذلك‪ ،‬فلن ُيخَفّف‬ ‫عنكم العذاب‪ ،‬ولن ترجوا منها‪ ,‬سواء عليكم صبت أم ل تصبوا‪ ,‬إنا‬ ‫تُجزون ما كنتم تعملون ف الدنيا‪.‬‬ ‫ِإنّ الْ ُمتّ ِقيَ فِي َجنّا تٍ َونَعِي مٍ (‪ )17‬فَا ِكهِيَ بِمَا آتَاهُ ْم َرّبهُ مْ َووَقَاهُ مْ‬ ‫جحِيمِ (‪)18‬‬ ‫ب الْ َ‬ ‫َرّبهُمْ عَذَا َ‬ ‫إن التقي ف جنات ونعيم عظيم‪ ,‬يتفكهون با آتاهم ال من النعيم من‬ ‫أصناف اللذّ الختلفة‪ ,‬ونّاهم ال من عذاب النار‪.‬‬ ‫كُلُوا وَاشْ َربُوا َهنِيئا ِبمَا كُنتُمْ تَ ْعمَلُونَ (‪ُ )19‬متّ ِكِئيَ عَلَى سُ ُررٍ مَصْفُوَفةٍ‬ ‫َوزَوّ ْجنَاهُ ْم ِبحُورٍ ِعيٍ (‪)20‬‬ ‫كلوا طعامًا هنيئًا‪ ,‬واشربوا شرابًا سائغًا؛ جزاء با عملتم من أعمال‬ ‫صالة ف الدنيا‪ .‬وهم متكئون على سرر متقابلة‪ ,‬وزوّجناهم بنساء بيض‬ ‫واسعات العيون حساننّ‪.‬‬

‫‪1778‬‬

‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَاّتبَ َعْتهُمْ ُذ ّرّيُتهُمْ ِبإِيَانٍ َأْلحَ ْقنَا ِبهِمْ ُذ ّرّيتَهُمْ وَمَا َأَلْتنَاهُ مْ مِنْ‬ ‫عَمَِلهِ ْم مِنْ شَ ْيءٍ كُلّ امْ ِرئٍ ِبمَا َكسَبَ رَ ِهيٌ (‪)21‬‬ ‫والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم ف اليان‪ ,‬وألقنا بم ذريتهم ف منلتهم‬ ‫ف النة‪ ,‬وإن ل يبلغوا عمل آبائهم; لتَقَرّ أعي الباء بالبناء عندهم ف‬ ‫منازلم‪ ،‬فُيجْمَع بينهم على أحسن الحوال‪ ,‬وما نقصناهم شيئًا من‬ ‫ثواب أعمالم‪ .‬كل إنسان مرهون بعمله‪ ,‬ل يمل ذنب غيه من الناس‪.‬‬ ‫شَتهُو نَ (‪َ )22‬يَتنَازَعُو نَ فِيهَا كَأْسا ل‬ ‫وَأَ ْمدَ ْدنَاهُ مْ بِفَا ِكهَةٍ َوَلحْ ٍم مِمّا َي ْ‬

‫لَ ْغوٌ فِيهَا وَل تَ ْأثِي ٌم ( ‪)23‬‬

‫وزدناهم على ما ذُكر من النعيم فواكه ولومًا ما يستطاب ويُشتهى‪،‬‬ ‫ومن هذا النعيم أنم يتعا َطوْن ف النة كأسًا من المر‪ ,‬يناول أحدهم‬ ‫صاحبه؛ ليتم بذلك سرورهم‪ ،‬وهذا الشراب مالف لمر الدنيا‪ ،‬فل‬ ‫يزول به عقل صاحبه‪ ,‬ول يصل بسببه لغو‪ ،‬ول كلم فيه إث أو‬ ‫معصية‪.‬‬ ‫َويَطُوفُ عََلْيهِ ْم غِلْمَانٌ َلهُمْ كََأّنهُ ْم ُلؤُْلؤٌ مَ ْكنُونٌ (‪)24‬‬ ‫‪1779‬‬

‫ويطوف عليهم غلمان مُعَدّون لدمتهم‪ ,‬كأنم ف الصفاء والبياض‬ ‫والتناسق لؤلؤ مصون ف أصدافه‪.‬‬ ‫ض َيتَ سَا َءلُونَ (‪ )25‬قَالُوا ِإنّا ُكنّا َقبْلُ فِي أَهِْلنَا‬ ‫ضهُ مْ َعلَى بَعْ ٍ‬ ‫وََأ ْقبَلَ بَعْ ُ‬

‫ُمشْفِ ِقيَ (‪َ )26‬فمَنّ اللّ هُ عََلْينَا َووَقَانَا َعذَا بَ ال سّمُومِ ( ‪ِ )27‬إنّا ُكنّا‬ ‫مِنْ َقبْ ُل نَدْعُوهُ ِإّن ُه ُهوَ اْلبَرّ الرّحِي ُم (‪)28‬‬ ‫وأقبل أهل النة‪ ,‬يسأل بعضهم بعضًا عن عظيم ما هم فيه وسببه‪ ,‬قالوا‪:‬‬ ‫إنا كنا قبل ف الدنيا‪ -‬ونن بي أهلينا‪ -‬خائفي ربنا‪ ،‬مشفقي من عذابه‬ ‫وعقابه يوم القيامة‪ .‬فم ّن ال علينا بالداية والتوفيق‪ ،‬ووقانا عذاب سوم‬ ‫جهنم‪ ,‬وهو نارها وحرارتا‪ .‬إنا كنا من قبلُ نضرع إليه وحده ل نشرك‬ ‫معه غيه أن يقينا عذاب السّموم ويوصلنا إل النعيم‪ ،‬فاستجاب لنا‬ ‫وأعطانا سؤالنا‪ ,‬إنه هو البَ ّر الرحيم‪ .‬فمن بِره ورحته إيانا أنالنا رضاه‬ ‫والنة‪ ,‬ووقانا مِن سخطه والنار‪.‬‬ ‫جنُونٍ (‪)29‬‬ ‫َفذَكّ ْر فَمَا َأنْتَ ِبنِ ْع َمةِ َربّكَ بِكَاهِنٍ وَل َم ْ‬

‫‪1780‬‬

‫فذكّر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مَن أُرسلت إليهم بالقرآن‪ ،‬فما أنت بإنعام ال‬ ‫عليك بالنبوة ورجاحة العقل بكاهن يب بالغيب دون علم‪ ،‬ول منون‬ ‫ل يعقل ما يقول كما َيدّعون‪.‬‬ ‫ب الْ َمنُونِ (‪ )30‬قُ ْل تَ َربّصُوا َفِإنّي مَ َعكُمْ‬ ‫أَ ْم يَقُولُونَ شَاعِرٌ َنتَ َربّصُ بِهِ َريْ َ‬ ‫صيَ (‪)31‬‬ ‫مِنْ الْ ُمتَ َربّ ِ‬ ‫أم يقول الشركون لك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هو شاعر ننتظر به نزول‬ ‫الوت؟ قل لم‪ :‬انتظروا موت فإن معكم من النتظرين بكم العذاب‪،‬‬ ‫وسترون لن تكون العاقبة‪.‬‬ ‫أَمْ تَأْ ُمرُهُمْ أَحْل ُمهُمْ ِبهَذَا أَمْ ُهمْ َقوْ ٌم طَاغُونَ (‪)32‬‬ ‫بل أتأ مر هؤلء الكذب ي عقول م بذا القول التنا قض (ذلك أن صفات‬ ‫الكها نة والش عر والنون ل ي كن اجتماع ها ف آن وا حد)‪ ،‬بل هم قوم‬ ‫متجاوزون الدّ ف الطغيان‪.‬‬ ‫أَمْ يَقُولُونَ تَ َق ّوَلهُ بَل ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)33‬‬ ‫‪1781‬‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون‪ ,‬اختلق ممد القرآن من تلقاء نفسه؟ بل هم‬ ‫ل يؤمنون‪ ,‬فلو آمنوا ل يقولوا ما قالوه‪.‬‬ ‫َف ْليَ ْأتُوا ِبحَدِيثٍ ِمثِْلهِ ِإنْ كَانُوا صَادِِقيَ (‪)34‬‬ ‫فليأتوا بكلم مثمل القرآن‪ ،‬إن كانوا صمادقي‪ -‬فم زعمهمم‪ -‬أن ممدًا‬ ‫اختلقه‪.‬‬ ‫أَمْ خُلِقُوا مِنْ َغْيرِ َش ْيءٍ أَ ْم هُ ْم اْلخَالِقُونَ (‪)35‬‬ ‫أخُلِق هؤلء الشركون ممن غيم خالق لمم وموجمد‪ ,‬أم همم الالقون‬ ‫لنف سهم؟ وكل المر ين با طل وم ستحيل‪ .‬وبذا يتعيّ ن أن ال سبحانه‬ ‫هو الذي خلقهم‪ ،‬وهو وحده الذي ل تنبغي العبادة ول تصلح إل له‪.‬‬ ‫ت وَالَرْضَ بَل ل يُوِقنُونَ (‪)36‬‬ ‫أَمْ خَلَقُوا السّ َموَا ِ‬ ‫أم خَلَقوا ال سموات والرض على هذا ال صنع البد يع؟ بل هم ل يوقنون‬ ‫بعذاب ال‪ ,‬فهم مشركون‪.‬‬

‫‪1782‬‬

‫سيْطِرُونَ (‪)37‬‬ ‫أَمْ ِعنْدَ ُهمْ خَزَائِنُ َربّكَ أَمْ ُهمْ الْ ُم َ‬ ‫أم عند هم خزائن ر بك يت صرفون في ها‪ ,‬أم هم البارون الت سلطون على‬ ‫خلق ال بالقهر والغلبة؟ ليس المر كذلك‪ ،‬بل هم العاجزون الضعفاء‪.‬‬ ‫ستَمِ ُعهُ ْم ِبسُلْطَانٍ ُمِبيٍ (‪)38‬‬ ‫ستَمِعُونَ فِيهِ فَ ْليَ ْأتِ ُم ْ‬ ‫أَمْ َلهُمْ سُلّ ٌم َي ْ‬ ‫أم لم مصعد إل السماء يستمعون فيه الوحي بأن الذي هم عليه حق؟‬ ‫فليأت مَن يزعم أنه استمع ذلك بجة بينة تصدّق دعواه‪.‬‬ ‫ت َولَكُمْ اْلَبنُونَ (‪)39‬‬ ‫أَمْ َلهُ اْلَبنَا ُ‬ ‫ألِلهِ سبحانه البنات ولكم البنون كما تزعمون افتراء وكذبًا؟‬ ‫أَمْ َتسَْأُلهُمْ َأجْرا َفهُ ْم مِنْ مَ ْغرَمٍ ُمثْقَلُونَ (‪)40‬‬ ‫بل أت سأل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬هؤلء الشركون أجرًا على تبل يغ الر سالة‪,‬‬ ‫فهم ف جهد ومشقة من التزام غرامة تطلبها منهم؟‬

‫‪1783‬‬

‫أَمْ ِعنْدَ ُهمْ الْ َغيْبُ َفهُمْ يَ ْكُتبُونَ (‪)41‬‬ ‫أم عندهمم علم الغيمب فهمم يكتبونمه للناس ويبمونم بمه؟ ليمس الممر‬ ‫كذلك; فإنه ل يعلم الغيب ف السموات والرض إل ال‪.‬‬ ‫أَمْ يُرِيدُونَ َكيْدا فَالّذِينَ كَ َفرُوا هُ ْم الْمَكِيدُونَ (‪)42‬‬ ‫بل يريدون بر سول ال وبالؤمن ي مكرًا‪ ،‬فالذ ين كفروا ير جع كيد هم‬ ‫ومكرهم على أنفسهم‪.‬‬ ‫أَمْ َلهُمْ ِإلَهٌ َغْيرُ الّلهِ ُسْبحَانَ الّلهِ َعمّا ُيشْرِكُونَ (‪)43‬‬ ‫أم ل م معبود ي ستحق العبادة غ ي ال؟ تنّه وتعال ع ما يشركون‪ ،‬فل يس‬ ‫له شريك ف اللك‪ ،‬ول شريك ف الوحدانية والعبادة‪.‬‬ ‫وَِإنْ َي َروْا ِكسْفا مِنْ السّمَاءِ سَاقِطا يَقُولُوا َسحَابٌ َمرْكُومٌ (‪)44‬‬ ‫وإن ير هؤلء الشركون قطعًا من ال سماء ساقطًا علي هم عذابًا ل م ل‬ ‫ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب‪ ,‬ولقالوا‪ :‬هذا سحاب متراكم بعضه‬ ‫فوق بعض‪.‬‬ ‫‪1784‬‬

‫َف َذرْهُمْ َحتّى يُلقُوا َيوْ َمهُمْ الّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (‪)45‬‬ ‫فدع ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬هؤلء الشركيم حتم يلقوا يومهمم الذي فيمه‬ ‫ُيهْلكون‪ ،‬وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫َيوْمَ ل يُ ْغنِي َعْنهُ ْم َكيْدُهُمْ َشيْئا وَل هُ ْم يُنصَرُونَ (‪)46‬‬ ‫وف ذلك اليوم ل َيدْفع عنهم كيدهم من عذاب ال شيئًا‪ ،‬ول ينصرهم‬ ‫ناصر من عذاب ال‪.‬‬ ‫وَِإنّ لِلّذِي َن ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ َذلِكَ َولَكِنّ أَ ْكثَرَهُ ْم ل يَعْلَمُونَ (‪)47‬‬ ‫وإن لؤلء الظلمة عذابًا يلقونه ف الدنيا قبل عذاب يوم القيامة من القتل‬ ‫والسب وعذاب البزخ وغي ذلك‪ ،‬ولكن أكثرهم ل يعلمون ذلك‪.‬‬ ‫ك بِأَ ْعُيِننَا وَ َسبّ ْح ِبحَمْدِ َربّ كَ ِحيَ تَقُو مُ (‪)48‬‬ ‫ك َفِإنّ َ‬ ‫صبِرْ ِلحُكْ ِم َربّ َ‬ ‫وَا ْ‬ ‫سّبحْهُ وَِإ ْدبَارَ الّنجُومِ (‪)49‬‬ ‫وَمِنْ الّليْلِ َف َ‬ ‫وا صب ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ل كم ر بك وأمره في ما حَمّلك من الر سالة‪،‬‬ ‫‪1785‬‬

‫وعلى مما يلحقمك ممن أذى قوممك‪ ،‬فإنمك برأى منما وحفمظ واعتناء‪،‬‬ ‫وسبّح بمد ربك حي تقوم إل الصلة‪ ،‬وحي تقوم من نومك‪ ،‬ومن‬ ‫الليل فسبّح بمد ربك وعظّمه‪ ,‬وصلّ له‪ ،‬وافعل ذلك عند صلة الصبح‬ ‫وقت إدبار النجوم‪ .‬وف هذه الية إثبات لصفة العيني ل تعال با يليق‬ ‫به‪ ،‬دون تشبيه بلقه أو تكييف لذاته‪ ,‬سبحانه وبمده‪ ,‬كما ثبت ذلك‬ ‫بالسنة‪ ,‬وأجع عليه سلف المة‪ ،‬واللفظ ورد هنا بصيغة المع للتعظيم‪.‬‬

‫‪ -53‬سورة النجم‬ ‫وَالّنجْ مِ ِإذَا َهوَى (‪ )1‬مَا ضَلّ صَا ِحبُكُمْ وَمَا َغوَى ( ‪ )2‬وَمَا َينْطِ قُ عَ نْ‬ ‫الْ َهوَى (‪ِ )3‬إنْ ُهوَ إِلّ َوحْيٌ يُوحَى (‪)4‬‬

‫أقسم ال تعال بالنجوم إذا غابت‪ ,‬ما حاد ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫عن طريق الداية والق‪ ,‬وما خرج عن الرشاد‪ ,‬بل هو ف غاية الستقامة‬ ‫والعتدال والسداد‪ ,‬وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه‪ .‬ما القرآن وما‬ ‫السنة إل وحي من ال إل نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪1786‬‬

‫عَلّمَ هُ َشدِيدُ الْ ُقوَى (‪ )5‬ذُو مِرّةٍ فَا ْسَتوَى ( ‪ )6‬وَ ُهوَ بِالُفُ قِ الَعْلَى (‬ ‫ب َقوْ َسيْنِ َأوْ أَ ْدنَى ( ‪ )9‬فََأوْحَى ِإلَى‬ ‫‪ُ )7‬ثمّ َدنَا َفتَ َدلّى ( ‪ )8‬فَكَا نَ قَا َ‬ ‫َعبْدِهِ مَا َأوْحَى (‪ )10‬مَا كَ َذبَ الْ ُفؤَادُ مَا رَأَى (‪)11‬‬ ‫علّم ممدًا صلى ال عليه وسلم مَلَك شديد القوة‪ ,‬ذو منظر حسن‪ ,‬وهو‬ ‫جبيل عليه السلم‪ ,‬الذي ظهر واستوى على صورته القيقية للرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم ف الفق العلى‪ ,‬وهو أفق الشمس عند مطلعها‪ ,‬ث‬ ‫دنا جبيل من الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فزاد ف القرب‪ ,‬فكان دنوّه‬ ‫مقدار قوسي أو أقرب من ذلك‪ .‬فأوحى ال سبحانه وتعال إل عبده‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبيل عليه السلم‪ .‬ما‬ ‫كذب قلب ممد صلى ال عليه وسلم ما رآه بصره‪.‬‬ ‫أََفتُمَارُونَ هُ عَلَى مَا َيرَى (‪َ )12‬ولَقَ ْد رَآ هُ نَ ْزَلةً ُأخْرَى ( ‪ِ )13‬عْندَ‬

‫سِ ْدرَةِ الْ ُمْنَتهَى (‪ِ )14‬عْندَهَا َجّنةُ الْمَ ْأوَى ( ‪ِ )15‬إذْ يَ ْغشَى ال سّ ْدرَةَ مَا‬ ‫ت َربّ هِ‬ ‫يَ ْغشَى (‪ )16‬مَا زَا غَ اْلبَ صَرُ وَمَا طَغَى ( ‪ )17‬لَقَ ْد رَأَى مِ نْ آيَا ِ‬ ‫الْ ُكبْرَى (‪)18‬‬ ‫أتُكذّبون ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فتجادلونه على ما يراه ويشاهده‬ ‫من آيات ربه؟ ولقد رأى ممد صلى ال عليه وسلم جبيل على صورته‬ ‫‪1787‬‬

‫القيقية مرة أخرى عند سدرة النتهى‪ -‬شجرة َنبْق‪ -‬وهي ف السماء‬ ‫السابعة‪ ,‬ينتهي إليها ما يُ ْعرَج به من الرض‪ ,‬وينتهي إليها ما ُي ْهبَط به‬ ‫من فوقها‪ ,‬عندها جنة الأوى الت وُعِد با التقون‪ .‬إذ يغشى السدرة من‬ ‫أمر ال شيء عظيم‪ ,‬ل يعلم وصفه إل ال عز وجل‪ .‬وكان النب صلى‬ ‫ال عليه وسلم على صفة عظيمة من الثبات والطاعة‪ ,‬فما مال بصره يينًا‬ ‫ول شال ول جاوز ما أُمِر برؤيته‪ .‬لقد رأى ممد صلى ال عليه وسلم‬ ‫ليلة العراج من آيات ربه الكبى الدالة على قدرة ال وعظمته من النة‬ ‫والنار وغي ذلك‪.‬‬ ‫ت وَالْعُزّى (‪ )19‬وَ َمنَاةَ الثّاِلثَةَ ا ُلخْرَى (‪)20‬‬ ‫أَفَرََأْيُتمْ اللّ َ‬ ‫أفرأيتم‪ -‬أيها الشركون‪ -‬هذه اللة الت تعبدونا‪ :‬اللت والعزّى ومناة‬ ‫الثالثة الخرى‪ ,‬هل نفعت أو ضرّت حت تكون شركاء ل؟‬ ‫َألَكُ ْم الذّ َكرُ َولَ هُ الُنثَى (‪ِ )21‬تلْ كَ إِذا قِ سْ َمةٌ ضِيزَى ( ‪ )22‬إِ نْ هِ َي‬ ‫إِلّ أَ ْسمَاءٌ سَ ّمْيتُمُوهَا َأْنتُ مْ وَآبَاؤُكُ مْ مَا أَنزَلَ اللّ هُ بِهَا مِ نْ سُلْطَانٍ إِ نْ‬ ‫َيّتبِعُو نَ إِ ّل الظّنّ وَمَا َت ْهوَى ا َلنْفُ سُ َولَقَدْ جَاءَهُ مْ مِ نْ َرّبهِ مْ الْهُدَى (‬ ‫‪)23‬‬ ‫‪1788‬‬

‫أتعلون لكم الذّكر الذي ترضونه‪ ,‬وتعلون ل بزعمكم النثى الت ل‬ ‫ترضونا لنفسكم؟ تلك إذًا قسمة جائرة‪ .‬ما هذه الوثان إل أساء ليس‬ ‫لا من أوصاف الكمال شيء‪ ,‬إنا هي أساء سيتموها أنتم وآباؤكم‬ ‫بقتضى أهوائكم الباطلة‪ ,‬ما أنزل ال با مِن حجة تصدق دعواكم فيها‪.‬‬ ‫ما يتبع هؤلء الشركون إل الظن‪ ,‬وهوى أنفسهم النحرفة عن الفطرة‬ ‫السليمة‪ ,‬ولقد جاءهم من ربم على لسان النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ما‬ ‫فيه هدايتهم‪ ,‬فما انتفعوا به‪.‬‬ ‫أَمْ لِلِنسَانِ مَا تَ َمنّى (‪ )24‬فَلِّلهِ ال ِخرَةُ وَالُولَى (‪)25‬‬ ‫ليس للنسان ما تناه من شفاعة هذه العبودات أو غيها ما تواه نفسه‪,‬‬ ‫فلله أمر الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫وَكَ ْم مِ نْ مََل كٍ فِي ال سّ َموَاتِ ل تُغْنِي شَفَا َعُتهُ مْ َشيْئا إِلّ مِ ْن بَعْدِ أَ نْ‬ ‫يَأْ َذنَ الّلهُ لِمَنْ َيشَاءُ َويَ ْرضَى (‪)26‬‬ ‫وكثي من اللئكة ف السموات مع عل ّو منلتهم‪ ,‬ل تنفع شفاعتهم شيئًا‬ ‫إل من بعد أن يأذن ال لم بالشفاعة‪ ,‬ويرضى عن الشفوع له‪.‬‬ ‫‪1789‬‬

‫إِنّ الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِالخِرَ ِة َليُ سَمّونَ الْمَلئِ َكةَ تَ سْ ِمَيةَ ا ُلنْثَى (‪)27‬‬ ‫وَمَا َلهُمْ ِبهِ مِنْ ِعلْمٍ ِإنْ َيّتبِعُونَ إِلّ الظّنّ وَِإنّ الظّنّ ل يُ ْغنِي مِنْ الْحَقّ َشيْئا‬ ‫(‪)28‬‬ ‫إن الذين ل يصدّقون بالياة الخرة من كفار العرب ول يعملون لا‬ ‫ليسمّون اللئكة تسمية الناث؛ لعتقادهم جهل أن اللئكة إناث‪,‬‬ ‫وأنم بنات ال‪ .‬وما لم بذلك من علم صحيح يصدّق ما قالوه‪ ,‬ما‬ ‫يتبعون إل الظن الذي ل يدي شيئًا‪ ,‬ول يقوم أبدًا مقام الق‪.‬‬ ‫حيَاةَ ال ّدْنيَا (‪َ )29‬ذلِ َ‬ ‫ك‬ ‫ض عَنْ مَنْ َت َولّى عَنْ ذِكْ ِرنَا َولَمْ ُيرِدْ إِلّ اْل َ‬ ‫َفأَعْرِ ْ‬ ‫ك ُهوَ أَ ْعلَ ُم بِمَ نْ ضَلّ عَ نْ َسبِيِلهِ وَ ُهوَ أَعْلَ مُ بِمَ نْ‬ ‫َمبْلَ ُغهُ مْ مِ نْ الْعِلْ مِ ِإنّ َربّ َ‬ ‫ا ْهتَدَى (‪)30‬‬ ‫فأعْ ِرضْ عمّن تول عن ذكرنا‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬ول يُ ِردْ إل الياة الدنيا‪.‬‬ ‫ذلك الذي هم عليه هو منتهى علمهم وغايتهم‪ .‬إن ربك هو أعلم بن‬ ‫حا َد عن طريق الدى‪ ,‬وهو أعلم بن اهتدى وسلك طريق السلم‪ .‬وف‬ ‫هذا إنذار شديد للعصاة العرضي عن العمل بكتاب ال‪ ,‬وسنة رسوله‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬الؤثرين لوى النفس وحظوظ الدنيا على الخرة‪.‬‬ ‫‪1790‬‬

‫ت وَمَا فِي ا َلرْ ضِ ِليَجْ ِز يَ الّذِي نَ َأ سَاءُوا بِمَا عَمِلُوا‬ ‫َولِلّ هِ مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬

‫جَتِنبُو نَ َكبَائِرَ ا ِلثْ ِم‬ ‫سنَى (‪ )31‬الّذِي نَ َي ْ‬ ‫سنُوا بِاْلحُ ْ‬ ‫َويَجْ ِز يَ الّذِي نَ َأحْ َ‬ ‫وَالْ َفوَاحِ شَ إِ ّل اللّمَ مَ إِنّ َربّ كَ وَا ِسعُ الْمَغْفِرَ ِة ُهوَ أَ ْعلَ مُ ِبكُ مْ إِذْ أَنشَأَكُ مْ‬ ‫مِ ْن الَرْ ضِ وَِإذْ َأْنُت مْ أَ ِجّنةٌ فِي بُطُو نِ أُ ّمهَاتِكُ مْ فَل ُتزَكّوا أَنفُ سَكُ ْم ُهوَ‬ ‫أَعَْلمُ بِمَ ْن اتّقَى ( ‪)32‬‬ ‫وال سبحانه وتعال ملك ما ف السموات وما ف الرض؛ ليجزي الذين‬ ‫أساؤوا بعقابم على ما عملوا من السوء‪ ,‬ويزي الذي أحسنوا بالنة‪,‬‬ ‫وهم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب والفواحش إل اللمم‪ ,‬وهي‬ ‫الذنوب الصغار الت ل يُصِ ّر صاحبها عليها‪ ,‬أو يل ّم با العبد على وجه‬ ‫الندرة‪ ,‬فإن هذه مع التيان بالواجبات وترك الحرمات‪ ,‬يغفرها ال لم‬ ‫ويسترها عليهم‪ ,‬إن ربك واسع الغفرة‪ ,‬هو أعلم بأحوالكم حي خلق‬ ‫أباكم آدم من تراب‪ ,‬وحي أنتم أجنّة ف بطون أمهاتكم‪ ,‬فل تزكّوا‬ ‫أنفسكم فتمدحوها وتَصِفُوها بالتقوى‪ ,‬هو أعلم بن اتقى عقابه فاجتنب‬ ‫معاصيه من عباده‪.‬‬ ‫أَفَرََأْيتَ الّذِي َت َولّى (‪َ )33‬وأَعْطَى قَلِيلً وَأَ ْكدَى (‪)34‬‬ ‫‪1791‬‬

‫أفرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذي أعرض عن طاعة ال وأعطى قليل مِن‬ ‫ماله‪ ,‬ث توقف عن العطاء وقطع معروفه؟‬ ‫ب َف ُهوَ يَرَى (‪)35‬‬ ‫أَ ِعنْدَهُ عِ ْلمُ الْ َغيْ ِ‬ ‫أعند هذا الذي قطع عطاءه علم الغيب أنه سينفَد ما ف يده حت أمسك‬ ‫معروفه‪ ,‬فهو يرى ذلك عِيانًا؟ ليس المر كذلك‪ ,‬وإنا أمسك عن‬ ‫الصدقة والعروف والب والصلة; بل و ُشحّا‪.‬‬ ‫صحُفِ مُوسَى (‪َ )36‬وِإبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى (‪)37‬‬ ‫أَمْ لَ ْم ُيَنبّأْ بِمَا فِي ُ‬ ‫خبّر با جاء ف أسفار التوراة وصحف إبراهيم الذي وفّى ما أُمر‬ ‫أم ل ُي َ‬ ‫به وبلّغه؟‬ ‫أَلّ تَ ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْرَ أُخْرَى (‪َ )38‬وأَ نْ َليْ سَ لِلِن سَانِ إِلّ مَا سَعَى (‬ ‫‪)39‬‬ ‫أنه ل تؤخذ نفس بأث غيها‪ ،‬ووزرها ل يمله عنها أحد‪ ,‬وأنه ل‬ ‫يصل للنسان من الجر إل ما كسب هو لنفسه بسعيه‪.‬‬ ‫‪1792‬‬

‫ف يُرَى (‪)40‬‬ ‫وََأنّ سَ ْعَيهُ َسوْ َ‬ ‫وأن سعيه سوف يُرى ف الخرة‪ ,‬فيميّز َحسَنه من سيئه؛ تشريفًا‬ ‫للمحسن وتوبيخًا للمسيء‪.‬‬ ‫ك الْ ُمْنتَهَى (‪)42‬‬ ‫ثُ ّم ُيجْزَاهُ الْجَزَاءَ ا َلوْفَى (‪َ )41‬وَأنّ ِإلَى َربّ َ‬ ‫ث يُجزى النسان على سعيه الزاء الستكمل لميع عمله‪ ,‬وأنّ إل‬ ‫ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬انتهاء جيع خلقه يوم القيامة‪.‬‬ ‫ضحَكَ َوَأبْكَى (‪)43‬‬ ‫وََأّنهُ ُهوَ َأ ْ‬ ‫وأنه سبحانه وتعال أضحك مَن شاء ف الدنيا بأن سرّه‪ ,‬وأبكى من شاء‬ ‫بأن غَمّه‪.‬‬ ‫ت وَأَ ْحيَا (‪)44‬‬ ‫وََأّنهُ ُهوَ أَمَا َ‬ ‫وأنه سبحانه أمات مَن أراد موته مِن خلقه‪ ,‬وأحيا مَن أراد حياته منهم‪,‬‬ ‫فهو التفرّد سبحانه بالحياء والماتة‪.‬‬ ‫‪1793‬‬

‫وََأّنهُ خَلَقَ ال ّزوْ َجيْ ِن الذّ َكرَ وَا ُلْنثَى (‪ )45‬مِنْ نُطْ َفةٍ إِذَا ُت ْمنَى (‪)46‬‬ ‫وأ نه خلق الزوج ي‪ :‬الذ كر والن ثى من الن سان واليوان‪ ,‬من نط فة‬ ‫ب ف الرحم‪.‬‬ ‫تُصَ ّ‬ ‫وََأنّ َعَلْيهِ الّنشْأَةَ الُ ْخرَى (‪)47‬‬ ‫وأن على ر بك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬إعادة خلق هم ب عد مات م‪ ,‬و هي النشأة‬ ‫الخرى يوم القيامة‪.‬‬ ‫وََأّنهُ ُهوَ أَ ْغنَى وَأَ ْقنَى (‪)48‬‬ ‫وأنه هو أغن مَن شاء مِن خلقه بالال‪ ,‬وملّكه لم وأرضاهم به‪.‬‬ ‫وََأّنهُ ُه َو رَبّ الشّعْرَى (‪)49‬‬ ‫وأنه سبحانه وتعال هو رب الشّعْرى‪ ,‬وهو نم مضيء‪ ,‬كان بعض أهل‬ ‫الاهلية يعبدونه من دون ال‪.‬‬ ‫‪1794‬‬

‫ك عَادا الُولَى (‪َ )50‬وثَمُو َد فَمَا َأبْقَى (‪ )51‬وََقوْمَ نُوحٍ مِنْ‬ ‫وََأنّهُ أَهَْل َ‬ ‫َقبْلُ ِإّنهُم ْم كَانُوا هُم ْمَأظْلَمَم وََأطْغَى (‪ )52‬وَالْ ُم ْؤتَفِ َكةَ أَ ْهوَى ( ‪)53‬‬ ‫فَ َغشّاهَا مَا َغشّى (‪)54‬‬ ‫وأنمه سمبحانه وتعال أهلك عادًا الول‪ ,‬وهمم قوم هود‪ ,‬وأهلك ثود‪,‬‬ ‫وهم قوم صال‪ ,‬فلم ُيبْقِ منهم أحدًا‪ ,‬وأهلك قوم نوح قبلُ‪ .‬هؤلء كانوا‬ ‫أ شد تردًا وأع ظم كفرًا من الذ ين جاؤوا من بعد هم‪ .‬ومدائن قوم لوط‬ ‫قلبها ال عليهم‪ ,‬وجعل عاليها سافلها‪ ,‬فألبسها ما ألبسها من الجارة‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكَ َتتَمَارَى (‪)55‬‬ ‫ي نعم ربك عليك‪ -‬أيها النسان الكذب‪َ -‬تشُك؟‬ ‫فبأ ّ‬ ‫َهذَا نَذِي ٌر مِنْ النّ ُذرِ الُولَى (‪)56‬‬ ‫هذا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نذير بالق الذي أنذر به النبياء قبله‪,‬‬ ‫فليس ببدع من الرسل‪.‬‬

‫‪1795‬‬

‫َأزِفَتْ الزَِفةُ (‪َ )57‬لْيسَ َلهَا مِنْ دُونِ الّلهِ كَاشِ َفةٌ (‪)58‬‬ ‫قربت القيامة ودنا وقتها‪ ,‬ل يدفعها إذًا من دون ال أحد‪ ,‬ول يَطّلِع على‬ ‫وقت وقوعها إل ال‪.‬‬ ‫ضحَكُو نَ وَل َتبْكُو نَ ( ‪)60‬‬ ‫جبُو نَ (‪َ )59‬وتَ ْ‬ ‫أَفَمِ نْ هَذَا اْلحَدِي ثِ تَ ْع َ‬ ‫وََأْنتُمْ سَامِدُونَ (‪ )61‬فَا ْسجُدُوا لِّلهِ وَا ْعبُدُوا (‪)62‬‬ ‫أفم ِن هذا القرآن تعجبون ‪-‬أيهما الشركون‪ -‬ممن أن يكون صمحيحًا‪,‬‬ ‫وتضحكون م نه سخرية وا ستهزاءً‪ ,‬ول تبكون خوفًا من وعيده‪ ,‬وأن تم‬ ‫لهون معرضون ع نه؟ فا سجدوا ل وأخل صوا العبادة له وحده‪ ,‬و سلّموا‬ ‫له أموركم‪.‬‬

‫‪ -54‬سورة القمر‬ ‫ت السّا َعةُ وَانْشَقّ الْقَمَ ُر (‪)1‬‬ ‫ا ْقتَ َربَ ْ‬ ‫دنت القيامة‪ ,‬وانفلق الق مر فلقتي‪ ,‬حي سأل كفار "مكة" النب صلى‬ ‫‪1796‬‬

‫ال عليه وسلم أن يريهم آية‪ ,‬فدعا ال‪ ,‬فأراهم تلك الية‪.‬‬ ‫ستَمِ ّر (‪)2‬‬ ‫وَِإنْ َي َروْا آَيةً يُعْ ِرضُوا َويَقُولُوا ِسحْرٌ ُم ْ‬ ‫وإن ير الشركون دليل وبرهانًا على صدق الرسول ممد صلى ال عليه‬ ‫و سلم‪ ،‬يُعرضوا عن اليان به وت صديقه مكذب ي منكر ين‪ ,‬ويقولوا ب عد‬ ‫ظهور الدليل‪ :‬هذا سحر باطل ذاهب مضمحل ل دوام له‪.‬‬ ‫ستَقِ ّر (‪)3‬‬ ‫وَكَ ّذبُوا وَاّتبَعُوا أَ ْهوَاءَهُمْ وَكُلّ أَ ْمرٍ ُم ْ‬ ‫وكذّبوا ال نب صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬واتبعوا ضللت هم و ما دعت هم إل يه‬ ‫أهواؤهم من التكذيب‪ ,‬وكلّ أمر من خي أو شر واقع بأهله يوم القيامة‬ ‫عند ظهور الثواب والعقاب‪.‬‬ ‫َولَقَدْ جَاءَهُمْ مِ ْن ا َلْنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْ َدجَ ٌر (‪)4‬‬ ‫ولقد جاء كفار قريش من أنباء المم الكذبة برسلها‪ ,‬وما ح ّل با من‬ ‫العذاب‪ ,‬ما فيه كفاية لردعهم عن كفرهم وضللم‪.‬‬

‫‪1797‬‬

‫حِ ْك َمةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النّ ُذرُ (‪)5‬‬ ‫هذا القرآن الذي جاء هم حك مة عظي مة بال غة غايت ها‪ ,‬فأي ش يء تغ ن‬ ‫النذر عن قوم أعرضوا وكذّبوا با؟‬ ‫َفَتوَلّ َعْنهُ ْم َيوْمَ يَ ْدعُ الدّاعِي ِإلَى َش ْيءٍ نُكُ ٍر (‪)6‬‬ ‫فأعرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عنهم‪ ,‬وانتظر بم يومًا عظيمًا‪ .‬يوم يدعو اللك‬ ‫بنفخه ف "القرن" إل أمر فظيع منكر‪ ,‬وهو موقف الساب‪.‬‬ ‫ُمم جَرَا ٌد مُنَتشِرٌ (‪)7‬‬ ‫َاثم كََأّنه ْ‬ ‫ِنم الَجْد ِ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫ُخشّعا َأبْصمَارُهُمْ َيخْرُج َ‬ ‫ُمهْطِ ِعيَ ِإلَى الدّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا َيوْمٌ َعسِرٌ (‪)8‬‬ ‫ذليلة أب صارهم يرجون من القبور كأن م ف انتشار هم و سرعة سيهم‬ ‫للحسماب جرا ٌد منتشمر فم الفاق‪ ,‬مسمرعي إل مما دُعُوا إليمه‪ ,‬يقول‬ ‫الكافرون‪ :‬هذا يوم عسر شديد الول‪.‬‬ ‫جنُونٌ وَازْدُ ِجرَ (‪)9‬‬ ‫كَ ّذَبتْ َقبَْلهُمْ َقوْ ُم نُوحٍ فَكَ ّذبُوا َعبْ َدنَا وَقَالُوا َم ْ‬ ‫كذّبمت قبمل قوممك ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬قوم نوح فكذّبوا عبدنما نوحًا‪,‬‬ ‫‪1798‬‬

‫وقالوا‪ :‬هو منون‪ ,‬وانتهروه متوعد ين إياه بأنواع الذى‪ ,‬إن ل ين ته عن‬ ‫دعوته‪.‬‬ ‫ب فَاْنتَصِرْ (‪)10‬‬ ‫َفدَعَا َرّبهُ َأنّي مَغْلُو ٌ‬ ‫فد عا نوح ر به أنّ ي ضع يف عن مقاو مة هؤلء‪ ,‬فانت صر ل بعقاب من‬ ‫عندك على كفرهم بك‪.‬‬ ‫ب ال سّمَاءِ بِمَاءٍ ُمْنهَ ِمرٍ (‪ )11‬وََفجّ ْرنَا ا َلرْ ضَ ُعيُونا فَاْلتَقَى‬ ‫َف َفَتحْنَا َأْبوَا َ‬

‫الْمَاءُ عَلَى َأمْرٍ قَدْ قُ ِدرَ (‪)12‬‬

‫فأجب نا دعاءه‪ ,‬ففتح نا أبواب ال سماء باء كث ي متد فق‪ ,‬وشقق نا الرض‬ ‫عيونًا متفجرة بالاء‪ ,‬فالتقى ماء السماء وماء الرض على إهلكهم الذي‬ ‫قدّره ال لم؛ جزاء شركهم‪.‬‬ ‫وَ َحمَ ْلنَا ُه عَلَى ذَا تِ َأْلوَا حٍ وَدُ سُ ٍر (‪َ )13‬تجْرِي بِأَ ْعُيِننَا جَزَاءً لِمَ ْن كَا نَ‬ ‫كُفِ َر (‪)14‬‬ ‫وحلنا نوحًا ومَن معه على سفينة ذات ألواح ومسامي ُشدّت با‪ ,‬تري‬ ‫‪1799‬‬

‫برأى م نا وح فظ‪ ,‬وأغرق نا الكذب ي؛ جزاء ل م على كفر هم وانت صارًا‬ ‫لنوح عل يه ال سلم‪ .‬و ف هذا دل يل على إثبات صفة العين ي ل سبحانه‬ ‫وتعال‪ ,‬كما يليق به‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َترَ ْكنَاهَا آَيةً َفهَلْ مِ نْ ُمدّكِ ٍر (‪ )15‬فَ َكيْ فَ كَا نَ عَذَابِي َونُ ُذرِ (‬ ‫‪)16‬‬ ‫ولقد أبقينا قصة نوح مع قومه عبة ودليل على قدرتنا لن بعد نوح ؛‬ ‫ليع تبوا ويتعظوا ب ا ح ّل بذه ال مة ال ت كفرت برب ا‪ ,‬ف هل من مت عظ‬ ‫يتعظ؟ فكيف كان عذاب ونذري لن كفر ب وكذب رسلي‪ ,‬ول يتعظ‬ ‫با جاءت به؟ إنه كان عظيمًا مؤلًا‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َيسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَلْ مِنْ مُدّ ِكرٍ (‪)17‬‬ ‫ولقد َسهّلْنا لفظ القرآن للتلوة والفظ‪ ,‬ومعانيه للفهم والتدبر‪ ,‬لن أراد‬ ‫أن يتذكر ويعتب‪ ,‬فهل من متعظ به؟‬ ‫ف كَانَ َعذَابِي َونُ ُذرِ (‪)18‬‬ ‫كَ ّذَبتْ عَا ٌد فَ َكيْ َ‬ ‫‪1800‬‬

‫كذبمت عاد هودًا فعاقبناهمم‪ ,‬فكيمف كان عذابم لمم على كفرهمم‪,‬‬ ‫ونذري على تكذيب رسولم‪ ,‬وعدم اليان به؟ إنه كان عظيمًا مؤلًا‪.‬‬ ‫ستَ ِمرّ (‪ )19‬تَ ِن عُ‬ ‫ِإنّ ا َأ ْر سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا صَ ْرصَرا فِي َيوْ مِ َنحْ سٍ مُ ْ‬

‫النّاسَ كََأّنهُمْ أَ ْعجَازُ َنخْلٍ ُمنْقَ ِعرٍ (‪)20‬‬

‫إنّا أرسلنا عليهم ريًا شديدة البد‪ ,‬ف يوم شؤم مستمر عليهم بالعذاب‬ ‫واللك‪ ,‬تقتلع الناس ممن مواضعهمم على الرض فترممي بمم على‬ ‫رؤو سهم‪ ,‬فتدق أعناق هم‪ ,‬ويف صل رؤو سهم عن أج سادهم‪ ,‬فتترك هم‬ ‫كالنخل النقلع من أصله‪.‬‬ ‫َف َكيْفَ كَانَ عَذَابِي َونُ ُذرِ (‪)21‬‬ ‫فكيف كان عذاب ونذري لن كفر ب‪ ,‬وكذّب رسلي ول يؤمن بم؟‬ ‫إنه كان عظيمًا مؤلًا‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َيسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَلْ مِنْ مُدّ ِكرٍ (‪)22‬‬ ‫ولقد َسهّلنا لفظ القرآن للتلوة والفظ‪ ,‬ومعانيه للفهم وللتدبر‪ ,‬لن أراد‬ ‫‪1801‬‬

‫أن يتذكر ويعتب‪ ,‬فهل من متعظ به؟ وف هذا حثّ على الستكثار من‬ ‫تلوة القرآن وتعلمه وتعليمه‪.‬‬ ‫ت ثَمُو ُد بِالنّ ُذرِ (‪ )23‬فَقَالُوا َأَبشَرا ِمنّا وَاحِدا َنّتبِعُ هُ ِإنّا إِذا لَفِي‬ ‫كَ ّذَب ْ‬

‫ضَللٍ وَ ُسعُرٍ (‪)24‬‬

‫كذبت ثود ‪-‬وهم قوم صال‪ -‬باليات الت أُنذرِوا با‪ ,‬فقالوا‪ :‬أبشرًا منا‬ ‫واحدًا نتبعمه ننم الماعمة الكثية وهمو واحمد؟ إنما إذا لفمي بُعْدٍ عمن‬ ‫الصواب وجنون‪.‬‬ ‫َأؤُلْقِ يَ الذّكْ ُر عََليْ هِ مِ نْ َبْينِنَا بَلْ ُهوَ كَذّا بٌ أَ ِشرٌ (‪َ )25‬سيَ ْعلَمُونَ غَدا‬ ‫ب الَشِ ُر (‪)26‬‬ ‫مَنْ الْكَذّا ُ‬ ‫أأُنزل عليه الوحي وخُ صّ بالنبوة مِن بيننا‪ ,‬وهو واحد منا؟ بل هو كثي‬ ‫الكذب والت جب‪َ .‬سيَرون ع ند نزول العذاب ب م ف الدن يا ويوم القيا مة‬ ‫مَنِ الكذاب التجب؟‬ ‫ِإنّا مُرْ ِسلُو النّاَقةِ ِفْتَنةً َلهُ ْم فَا ْرتَ ِقبْهُ ْم وَاصْ َطبِ ْر (‪)27‬‬ ‫‪1802‬‬

‫إ نا مر جو النا قة ال ت سألوها من ال صخرة؛ اختبارًا ل م‪ ,‬فانت ظر‪ -‬يا‬ ‫صال‪ -‬ما ي ّل ب م من العذاب‪ ,‬وا صطب على دعو تك إيا هم وأذا هم‬ ‫لك‪.‬‬ ‫حتَضَرٌ (‪)28‬‬ ‫ب ُم ْ‬ ‫َوَنّبْئهُمْ َأنّ الْمَاءَ ِقسْ َمةٌ َبْيَنهُمْ كُلّ شِرْ ٍ‬ ‫وأخبهم أن الاء مقسوم بي قومك والناقة‪ :‬للناقة يوم‪ ,‬ولم يوم‪ ,‬كل‬ ‫شِرْب يضره مَن كانت قسمته‪ ,‬ويُحظر على من ليس بقسمة له‪.‬‬ ‫َفنَا َدوْا صَا ِحَبهُ ْم َفتَعَاطَى فَ َعقَرَ (‪ )29‬فَ َكيْفَ كَانَ عَذَابِي َونُ ُذرِ (‪)30‬‬ ‫فنادوا صماحبهم بالضم على عقرهما‪ ,‬فتناول الناقمة بيده‪ ,‬فنحرهما‬ ‫فعاَقْبتُهمم‪ ,‬فكيمف كان عقابم لمم على كفرهمم‪ ,‬وإنذاري لنم عصمى‬ ‫رسلي؟‬ ‫حتَظِرِ (‪)31‬‬ ‫حةً وَاحِدَةً فَكَانُوا َك َهشِيمِ الْ ُم ْ‬ ‫صْي َ‬ ‫ِإنّا َأرْسَ ْلنَا عََلْيهِ ْم َ‬ ‫إنا أرسلنا عليهم جبيل‪ ,‬فصاح بم صيحة واحدة‪ ,‬فبادوا عن آخرهم‪,‬‬ ‫فكانوا كالزرع اليابس الذي ُيجْعل حِظارًا على البل والواشي‪.‬‬ ‫‪1803‬‬

‫َولَقَدْ َيسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَلْ مِنْ مُدّ ِكرٍ (‪)32‬‬ ‫ولقد َسهّلْنا لفظ القرآن للتلوة والفظ‪ ,‬ومعانيه للفهم والتدبر لن أراد‬ ‫أن يتذكر ويعتب‪ ,‬فهل مِن متعظ به؟‬ ‫كَ ّذَبتْ َقوْمُ لُوطٍ بِالنّ ُذرِ (‪)33‬‬ ‫كذّبت قوم لوط بآيات ال الت أنذِروا با‪.‬‬ ‫سحَرٍ (‪ )34‬نِعْ َمةً مِ نْ‬ ‫ِإنّا َأرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ حَا صِبا إِلّ آ َل لُو طٍ َنجّْينَاهُ مْ بِ َ‬ ‫ك َنجْزِي مَنْ شَ َكرَ (‪)35‬‬ ‫ِعنْ ِدنَا كَ َذلِ َ‬ ‫إنا أرسلنا عليهم حجارةً إل آل لوط‪ ,‬نّيناهم من العذاب ف آخر الليل‪,‬‬ ‫نعمة من عندنا عليهم‪ ,‬كما أثبنا لوطًا وآله وأنعمنا عليهم‪ ,‬فأنيناهم مِن‬ ‫عذابنا‪ ,‬نُثيب مَن آمن بنا وشكرنا‪.‬‬ ‫شَتنَا َفتَمَا َروْا بِالنّ ُذرِ (‪)36‬‬ ‫َولَقَدْ أَن َذرَهُ ْم بَطْ َ‬ ‫ول قد خوّف لوط قو مه بأس ال وعذا به‪ ,‬فلم ي سمعوا له‪ ,‬بل شكّوا ف‬ ‫‪1804‬‬

‫ذلك‪ ,‬وكذّبوه‪.‬‬ ‫سنَا أَ ْعُيَنهُ ْم فَذُوقُوا َعذَابِي َونُ ُذرِ (‪)37‬‬ ‫ضيْ ِفهِ فَطَ َم ْ‬ ‫َولَقَدْ رَاوَدُوهُ عَ ْن َ‬ ‫ولقد طلبوا منه أن يفعلوا الفاحشة بضيوفه من اللئكة‪ ,‬فطمسنا أعينهم‬ ‫فلم يُبصروا شيئًا‪ ,‬فقيل لم‪ :‬ذوقوا عذاب وإنذاري الذي أنذركم به لوط‬ ‫عليه السلم‪.‬‬ ‫ستَقِ ّر (‪َ )38‬فذُوقُوا عَذَابِي َونُ ُذرِ (‪)39‬‬ ‫حهُمْ ُبكْرَةً َعذَابٌ ُم ْ‬ ‫صّب َ‬ ‫َولَقَدْ َ‬ ‫ولقد جاءهم وقت الصباح عذاب دائم استقر فيهم حت يُفضي بم إل‬ ‫عذاب الخرة‪ ,‬وذلك العذاب هو رجهم بالجارة وقلب قُراهم وجعل‬ ‫أعل ها أ سفلها‪ ,‬فق يل ل م‪ :‬ذوقوا عذا ب الذي أنزل ته ب كم ؛ لكفر كم‬ ‫وتكذيبكم‪ ,‬وإنذاري الذي أنذركم به لوط عليه السلم‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َيسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَلْ مِنْ مُدّ ِكرٍ (‪)40‬‬ ‫ولقد َسهّلْنا لفظ القرآن للتلوة والفظ‪ ,‬ومعانيه للفهم والتدبر لن أراد‬ ‫أن يتذكر‪ ,‬فهل مِن متعظ به؟‬ ‫‪1805‬‬

‫َولَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْ َع ْونَ النّ ُذرُ (‪)41‬‬ ‫ولقد جاء أتباعَ فرعون وقومَه إنذارُنا بالعقوبة لم على كفرهم‪.‬‬ ‫كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا كُّلهَا فََأخَ ْذنَاهُمْ أَ ْخذَ َعزِيزٍ مُ ْقَت ِدرٍ (‪)42‬‬ ‫كذّبوا بأدلتنما كلهما الدالة على وحدانيتنما ونبوة أنبيائنما‪ ,‬فعاقبناهمم‬ ‫بالعذاب عقوبة عزيز ل يغالَب‪ ,‬مقتدر على ما يشاء‪.‬‬ ‫أَكُفّارُكُمْ َخيْ ٌر مِنْ ُأوَْلئِكُمْ أَ ْم لَكُمْ َبرَاءَةٌ فِي ال ّزبُ ِر (‪)43‬‬ ‫أكفار كم‪ -‬يا مع شر قر يش‪ -‬خ ي مِ َن الذ ين تقدّم ذكر هم م ن هلكوا‬ ‫بسمبب تكذيبهمم‪ ,‬أم لكمم براءة مِن عقاب ال فم الكتمب النلة على‬ ‫النبياء بالسلمة من العقوبة؟‬ ‫أَمْ يَقُولُونَ َنحْنُ جَمِي ٌع ُمْنتَصِرٌ (‪)44‬‬ ‫بل أيقول كفار "مكة"‪ :‬نن أولو حزم ورأي وأمرنا متمع‪ ,‬فنحن جاعة‬ ‫منتصرة ل يغلبنا من أرادنا بسوء؟‬ ‫‪1806‬‬

‫َسُيهْزَمُ اْلجَمْعُ َوُي َولّونَ ال ّدبُ َر (‪)45‬‬ ‫سيهزم جع كفار "مكة" أمام الؤمني‪ ,‬ويولّون الدبار‪ ,‬وقد حدث هذا‬ ‫يوم "بدر"‪.‬‬ ‫بَلْ السّاعَةُ َموْعِدُ ُهمْ وَالسّا َعةُ َأدْهَى وَأَ َمرّ (‪)46‬‬ ‫والسماعة موعدهمم الذي يُجازون فيمه بام يسمتحقون‪ ,‬والسماعة أعظمم‬ ‫وأقسى ما لقهم من العذاب يوم "بدر"‪.‬‬ ‫حبُونَ فِي النّارِ عَلَى‬ ‫سَ‬ ‫إِنّ الْ ُمجْرِمِيَ فِي ضَللٍ َو سُ ُعرٍ (‪َ )47‬يوْ َم يُ ْ‬ ‫وُجُو ِههِمْ ذُوقُوا َمسّ سَ َقرَ (‪)48‬‬ ‫إن الجرم ي ف ت يه عن ال ق وعناء وعذاب‪ .‬يوم يُجرّون ف النار على‬ ‫وجوههم‪ ,‬ويقال لم‪ :‬ذوقوا شدة عذاب جهنم‪.‬‬ ‫ِإنّا كُلّ شَ ْيءٍ خَلَ ْقنَا ُه بِقَ َدرٍ (‪)49‬‬ ‫إنّا كل شيء خلقناه بقدار قدرناه وقضيناه‪ ,‬وسبق علمنا به‪ ،‬وكتابتنا له‬ ‫‪1807‬‬

‫ف اللوح الحفوظ‪.‬‬ ‫وَمَا أَمْ ُرنَا إِ ّل وَاحِدٌَة كَلَ ْمحٍ بِاْلبَصَرِ (‪)50‬‬ ‫وما أمرنا للشيء إذا أردناه إل أن نقول قولة واحدة وهي "كن"‪ ,‬فيكون‬ ‫كلمح البصر‪ ,‬ل يتأخر طرفة عي‪.‬‬ ‫َولَقَدْ أَهْلَ ْكنَا أَ ْشيَاعَكُ ْم َفهَلْ مِنْ ُمدّكِرٍ (‪)51‬‬ ‫ولقد أهلكنا أشباهكم ف الكفر من المم الالية‪ ,‬فهل من متعظ با حلّ‬ ‫بم من النّكال والعذاب؟‬ ‫وَكُلّ شَ ْيءٍ فَ َعلُوهُ فِي ال ّزبُرِ (‪)52‬‬ ‫و كل ش يء فعله أشباه كم الاضون من خ ي أو ش ّر مكتوب ف الك تب‬ ‫الت كتبتها الفظة‪.‬‬ ‫ستَطَرٌ (‪)53‬‬ ‫وَكُلّ صَغِ ٍي وَ َكبِيٍ ُم ْ‬ ‫‪1808‬‬

‫وكل صغي وكبي من أعمالم ُمسَطّر ف صحائفهم‪ ,‬وسيجازون به‪.‬‬ ‫ِإنّ الْ ُمتّ ِقيَ فِي َجنّاتٍ َوَنهَ ٍر (‪)54‬‬ ‫إن التقي ف بساتي عظيمة‪ ,‬وأنار واسعة يوم القيامة‪.‬‬ ‫فِي مَقْ َعدِ صِ ْدقٍ ِعْندَ مَلِيكٍ مُ ْقَت ِدرٍ (‪)55‬‬ ‫ف ملس حق‪ ,‬ل لغو فيه ول تأثيم عند ال الَلِك العظيم‪ ,‬الالق للشياء‬ ‫كلها‪ ,‬القتدر على كل شيء تبارك وتعال‪.‬‬

‫‪ -55‬سورة الرحن‬ ‫الرّحْمَ ُن (‪ )1‬عَلّ َم الْقُرْآنَ (‪)2‬‬ ‫الرحن علّم النسان القرآن؛ بتيسي تلوته وحفظه وفهم معانيه‪.‬‬

‫‪1809‬‬

‫خَلَقَ الِنسَانَ (‪َ )3‬علّ َمهُ اْلَبيَانَ (‪)4‬‬ ‫خلق النسان‪ ,‬علّمه البيان عمّا ف نفسه تييزًا له عن غيه‪.‬‬ ‫سبَانٍ (‪)5‬‬ ‫حْ‬ ‫الشّ ْمسُ وَالْقَ َمرُ ِب ُ‬ ‫الشمس والقمر يريان متعاقبَي بساب متقن‪ ,‬ل يتلف ول يضطرب‪.‬‬ ‫وَالنّجْ ُم وَالشّجَ ُر َيسْجُدَانِ (‪)6‬‬ ‫والنجم الذي ف السماء وأشجار الرض‪ ,‬تعرف ربا وتسجد له‪ ,‬وتنقاد‬ ‫لا سخرّها له مِن مصال عباده ومنافعهم‪.‬‬ ‫وَالسّمَاءَ رَفَ َعهَا َو َوضَعَ الْمِيزَانَ (‪)7‬‬ ‫والسمماء رفعهما فوق الرض‪ ,‬ووضمع فم الرض العدل الذي أممر بمه‬ ‫وشرعه لعباده‪.‬‬ ‫ط وَل ُتخْ سِرُوا الْمِيزَا نَ‬ ‫أَلّ تَطْ َغوْا فِي الْمِيزَا نِ (‪َ )8‬وأَقِيمُوا اْلوَزْ نَ بِالْقِ سْ ِ‬ ‫‪1810‬‬

‫(‪)9‬‬ ‫لئل تعتدوا وتونوا م َن َوزَنتمم له‪ ,‬وأقيموا الوزن بالعدل‪ ,‬ول ُتنْقِصموا‬ ‫اليزان إذا َوزَنتم للناس‪.‬‬ ‫لنَا مِ (‪ )10‬فِيهَا فَا ِكهَةٌ وَالنّخْلُ ذَا تُ الَكْمَا مِ (‬ ‫وَا َلرْ ضَ َوضَعَهَا لِ َ‬ ‫‪ )11‬وَالْحَبّ ذُو الْعَصْفِ وَال ّرْيحَانُ (‪)12‬‬ ‫والرض وضعها ومهّدها؛ ليستقر عليها اللق‪ .‬فيها فاكهة النخل ذات‬ ‫الوعيمة التم يكون منهما الثممر‪ ,‬وفيهما البم ذو القشمر؛ رزقًا لكمم‬ ‫ولنعامكم‪ ,‬وفيها كل نبت طيب الرائحة‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)13‬‬ ‫فبأي نِعَم ربك ما الدين ية والدنيو ية‪ -‬يا مع شر ال ن وال نس‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫وما أحسن جواب الن حي تل عليهم النب صلى ال عليه وسلم هذه‬ ‫السورة‪ ,‬فكلما مر بذه الية‪ ,‬قالوا‪" :‬ول بشيء من آلئك ربّنا نكذب‪,‬‬ ‫فلك المد"‪ ,‬وهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم ال وآلؤه‪ ,‬أن يُقرّ‬ ‫با‪ ,‬ويشكر ال ويمده عليها‪.‬‬ ‫‪1811‬‬

‫خَلَقَ الِنسَانَ مِ ْن صَلْصَالٍ كَالْ َفخّارِ (‪ )14‬وَخَلَ َق الْجَانّ مِ ْن مَارِجٍ مِنْ‬ ‫نَارٍ (‪)15‬‬ ‫خلق أبا النسان‪ ,‬وهو آدم من طي يابس كالفَخّار‪ ,‬وخلق إبليس‪ ,‬وهو‬ ‫من الن من لب النار الختلط بعضه ببعض‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)16‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬يا معشر النس والن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫ب الْ َمشْرَِقيْنِ َورَبّ الْمَغْ ِرَبيْ ِن (‪)17‬‬ ‫رَ ّ‬ ‫همو سمبحانه وتعال ربّ مشرقَي الشممس فم الشتاء والصميف‪ ،‬ورب‬ ‫مغربَيها فيهما‪ ,‬فالميع تت تدبيه وربوبيته‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)18‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫‪1812‬‬

‫َم َرجَ الَْبحْ َريْنِ يَ ْلتَ ِقيَانِ (‪َ )19‬بْيَنهُمَا بَ ْر َزخٌ ل َيبْ ِغيَانِ (‪)20‬‬ ‫خلط ال ماء البحريمن ‪ -‬العذب واللح‪ -‬يلتقيان‪ .‬بينهمما حاجمز‪ ,‬فل‬ ‫يط غى أحده ا على ال خر‪ ,‬ويذ هب ب صائصه‪ ,‬بل يب قى العذب عذبًا‪,‬‬ ‫واللح ملحًا مع تلقيهما‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)21‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫َيخْ ُرجُ ِمْنهُمَا الّل ْؤلُؤُ وَالْمَ ْرجَانُ (‪)22‬‬ ‫يرج من البحرين بقدرة ال اللؤلؤ والَرْجان‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)23‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫‪1813‬‬

‫ت فِي اْلبَحْ ِر كَالَعْلمِ (‪)24‬‬ ‫جوَارِي الْمُنشَآ ُ‬ ‫َوَلهُ الْ َ‬ ‫وله سبحانه وتعال ال سفن الضخ مة ال ت تري ف الب حر بنا فع الناس‪,‬‬ ‫رافعة قلعها وأشرعتها كالبال‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)25‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫كُلّ مَ نْ َعَليْهَا فَا نٍ (‪َ )26‬وَيبْقَى َوجْ هُ َربّ كَ ذُو الْجَللِ وَالِكْرَا مِ (‬ ‫‪)27‬‬ ‫كل مَن على وجه الرض مِن اللق هالك‪ ,‬ويبقى وجه ربك ذو العظمة‬ ‫والكبياء والفضل والود‪ .‬وف الية إثبات صفة الوجه ل تعال با يليق‬ ‫به سبحانه‪ ,‬دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)28‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫‪1814‬‬

‫ض كُلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَ ْأنٍ (‪)29‬‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫َيسَْأُلهُ مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬ ‫ي سأله مَن ف ال سموات والرض حاجات م‪ ,‬فل غ ن ل حد من هم ع نه‬ ‫سبحانه‪ .‬كل يوم هو ف شأن ‪ :‬يُعِ ّز ويُذِلّ‪ ,‬ويعطي ويَمْنع‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)30‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫غ لَكُمْ َأّيهَا الثّقَلنِ (‪)31‬‬ ‫َسنَفْرُ ُ‬ ‫سنفرُغ لسابكم ومازاتكم بأعمالكما الت عملتموها ف الدنيا‪ ,‬أيها‬ ‫الثقلن‪ -‬النس والن‪ ,-‬فنعاقب أهل العاصي‪ ,‬ونُثيب أهل الطاعة‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)32‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫‪1815‬‬

‫يَا مَ ْعشَرَ اْلجِنّ وَالِن سِ إِ نْ ا ْستَطَ ْعتُمْ أَ نْ تَن ُفذُوا مِ نْ أَقْطَارِ ال سّ َموَاتِ‬ ‫ِسملْطَانٍ (‪َ )33‬فبِأَي ّ آلءِ َربّكُم َا‬ ‫ُونم إِلّ ب ُ‬ ‫ْضم فَانفُذُوا ل تَنفُذ َ‬ ‫وَالَر ِ‬

‫تُكَ ّذبَانِ (‪)34‬‬

‫يا معشر الن والنس‪ ,‬إن قَ َدرْت على النفاذ من أمر ال وحكمه هاربي‬ ‫ممن أطراف السمموات والرض فافعلوا‪ ,‬ولسمتم قادريمن على ذلك إل‬ ‫بقوة وحجمة‪ ,‬وأممر ممن ال تعال (وأنّىم لكمم ذلك وأنتمم ل تلكون‬ ‫لنفسكم نفعًا ول ضرًا؟)‪ .‬فبأي نِعَم ربكما ‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫يُ ْر سَ ُل عََليْكُمَا ُشوَا ظٌ مِ ْن نَارٍ َوُنحَا سٌ فَل تَنتَ صِرَانِ (‪َ )35‬فبِأَيّ آلءِ‬ ‫َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)36‬‬ ‫صبّ على رؤو سكم‪ ,‬فل‬ ‫يُرْ سَل علي كم ل ب من نار‪ ,‬وناس مذاب يُ َ‬ ‫ين صر بعض كم بعضًا يا مع شر ال ن وال نس‪ .‬فبأي نِعَم ربك ما‪ -‬أي ها‬ ‫الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫َفإِذَا انشَقّتْ السّمَاءُ فَكَانَتْ َورْدَةً كَالدّهَانِ (‪)37‬‬ ‫فإذا انش قت ال سماء وتفطرت يوم القيا مة‪ ,‬فكا نت حراء كلون الورد‪,‬‬ ‫‪1816‬‬

‫وكالزيت الغلي والرصاص الذاب؛ من شدة المر وهول يوم القيامة‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)38‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫س وَل جَانّ (‪)39‬‬ ‫َفَيوْ َمئِ ٍذ ل ُيسْأَلُ عَنْ َذْنِبهِ إِن ٌ‬ ‫ففي ذلك اليوم ل تسأل اللئكة الجرمي من النس والن عن ذنوبم‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)40‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫يُ ْعرَفُ الْ ُمجْرِمُونَ ِبسِيمَاهُمْ َفُيؤْ َخذُ بِالّنوَاصِي وَالَقْدَا ِم (‪)41‬‬ ‫تَعرِف اللئكمة الجرميم بعلماتمم‪ ,‬فتأخذهمم بقدممة رؤوسمهم‬ ‫وبأقدامهم‪ ,‬فترميهم ف النار‪.‬‬

‫‪1817‬‬

‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)42‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫َهذِ هِ َج َهنّ مُ الّتِي ُيكَذّ بُ بِهَا الْ ُمجْرِمُو نَ (‪ )43‬يَطُوفُو نَ َبْينَهَا َوَبيْ نَ‬ ‫َحمِيمٍ آ ٍن (‪)44‬‬ ‫يقال لؤلء الجرمي ‪-‬توبيخًا وتقيًا لم‪ :-‬هذه جهنم الت يكذّب با‬ ‫الجرمون ف الدنيا‪ :‬تارة يُعذّبون ف الحيم‪ ,‬وتارة يُسقون من الميم‪,‬‬ ‫وهو شراب بلغ منتهى الرارة‪ ,‬يقطّع المعاء والحشاء‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)45‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫َولِمَنْ خَافَ مَقَامَ َرّبهِ َجّنتَانِ (‪)46‬‬ ‫ول ن ات قى ال من عباده من ال نس وال ن‪ ,‬فخاف مقا مه ب ي يد يه‪,‬‬ ‫فأطاعه‪ ,‬وترك معاصيه‪ ,‬جنتان‪.‬‬ ‫‪1818‬‬

‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)47‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫َذوَاتَى أَ ْفنَانٍ (‪)48‬‬ ‫النتان ذواتا أغصان نضرة من الفواكه والثمار‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)49‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫فِيهِمَا َعْينَانِ َتجْ ِريَانِ (‪)50‬‬ ‫ف هاتي النتي عينان من الاء تريان خللما‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)51‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫‪1819‬‬

‫فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَاكِ َهةٍ َزوْجَانِ (‪)52‬‬ ‫ف هاتي النتي من كل نوع من الفواكه صنفان‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)53‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫ُمتّ ِكِئيَ َعلَى فُ ُرشٍ بَطَاِئنُهَا مِنْ إِ ْسَتبْ َرقٍ َو َجنَى اْلجَّنَتيْنِ دَانٍ (‪)54‬‬ ‫وللذين خافوا مقام ربم جنتان يتنعمون فيهما‪ ,‬متكئي على فرش مبطّنة‬ ‫من غليظ الديباج‪ ,‬وثر النتي قريب إليهم‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)55‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ لَ ْم يَطْ ِمْثهُنّ ِإْنسٌ َقبَْلهُمْ وَل جَانّ (‪)56‬‬ ‫‪1820‬‬

‫ف هذه الفرش زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن‪ ,‬ل ينظرن إل‬ ‫غيهم متعلقات بم‪ ,‬ل يطأهن إنس قبلهم ول جان‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)57‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫كََأّنهُنّ اْليَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (‪)58‬‬ ‫كأن هؤلء الزوجاتِ من الور الياقوتُ والَرْجانُ ف صفائهن وجالن‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)59‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫هَلْ جَزَاءُ ا ِلحْ سَانِ إِ ّل الِحْ سَانُ (‪َ )60‬فبِأَيّ آلءِ َربّكُمَا تُ َك ّذبَا نِ (‬ ‫‪)61‬‬ ‫هل جزاء مَن أحسن بعمله ف الدنيا إل الحسان إليه بالنة ف الخرة؟‬ ‫‪1821‬‬

‫فبأي نِعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫وَمِنْ دُوِنهِمَا َجّنتَانِ (‪َ )62‬فبِأَيّ آلءِ َربّكُمَا تُ َك ّذبَانِ (‪)63‬‬ ‫وممن دون النتيم السمابقتي جنتان أخريان‪ .‬فبأي نِعَم ربكمما ‪-‬أيهما‬ ‫الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫ُمدْهَا ّمتَانِ (‪َ )64‬فبَِأيّ آلءِ َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)65‬‬ ‫هاتان النتان خضراوان‪ ,‬قد اشتدّت خضرت ما ح ت مالت إل ال سواد‪.‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫فِيهِمَا َعْينَانِ نَضّا َختَانِ (‪َ )66‬فبَِأيّ آلءِ َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)67‬‬ ‫فيهما عينان فوّارتان بالاء ل تنقطعان‪ .‬فبأي نِعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪-‬‬ ‫تكذّبان؟‬ ‫فِيهِمَا فَا ِكهَةٌ َوَنخْلٌ َورُمّانٌ (‪)68‬‬ ‫‪1822‬‬

‫ف هاتي النتي أنواع الفواكه ونل ورمان‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)69‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫فِيهِنّ َخيْرَاتٌ ِحسَانٌ (‪)70‬‬ ‫ف هذه النان الربع زوجات طيبات الخلق حسان الوجوه‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)71‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫خيَامِ (‪)72‬‬ ‫ت فِي الْ ِ‬ ‫حُورٌ مَقْصُورَا ٌ‬ ‫حور مستورات مصونات ف اليام‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)73‬‬ ‫‪1823‬‬

‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫لَ ْم يَطْ ِمْثهُنّ إِنسٌ َقْبَلهُمْ وَل جَانّ (‪)74‬‬ ‫ل يطأ هؤلء الور إنس قبل أزواجهن ول جان‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)75‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫ُمتّ ِكِئيَ َعلَى رَ ْفرَفٍ خُضْ ٍر وَ َعبْقَرِيّ ِحسَانٍ (‪)76‬‬ ‫متكئي على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان‪.‬‬ ‫َفبَِأيّ آل ِء َربّكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)77‬‬ ‫فبأي نِعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬ ‫َتبَارَكَ ا ْسمُ َربّكَ ذِي الْجَللِ وَالِكْرَامِ (‪)78‬‬ ‫‪1824‬‬

‫تكاثرت بركمة اسمم ربمك وكثمر خيه‪ ,‬ذي اللل الباهمر‪ ,‬والجمد‬ ‫الكامل‪ ,‬والكرام لوليائه‪.‬‬

‫‪ -56‬سورة الواقعة‬ ‫ض ٌة رَافِ َعةٌ (‪)3‬‬ ‫ت اْلوَاقِ َعةُ ( ‪َ )1‬لْيسَ ِلوَقْ َعِتهَا كَا ِذَبةٌ (‪ )2‬خَافِ َ‬ ‫إِذَا وَقَعَ ْ‬ ‫إذا قامت القيامة‪ ,‬ليس لقيامها أحد يكذّب به‪ ,‬هي خافضة لعداء ال‬ ‫ف النار‪ ,‬رافعة لوليائه ف النة‪.‬‬ ‫جبَالُ بَ سّا ( ‪ )5‬فَكَانَ تْ َهبَاءً‬ ‫ت الْ ِ‬ ‫ت ا َلرْ ضُ رَجّا (‪َ )4‬وبُ سّ ْ‬ ‫إِذَا رُجّ ْ‬ ‫ُمْنَبثّا (‪)6‬‬ ‫إذا حُرّكت الرض تريكًا شديدًا‪ ,‬وُفتّتت البال تفتيتًا دقيقًا‪ ,‬فصارت‬ ‫غبارًا متطايرًا ف الو قد َذ َرتْه الريح‪.‬‬ ‫وَكُنتُمْ َأ ْزوَاجا ثَلَثةً (‪)7‬‬ ‫‪1825‬‬

‫وكنتم‪ -‬أيها اللق‪ -‬أصنافًا ثلثة‪:‬‬ ‫شئَ َمةِ مَا‬ ‫ب الْ َم ْ‬ ‫َصمحَا ُ‬ ‫َصمحَابُ الْ َميْ َمَنةِ (‪َ )8‬وأ ْ‬ ‫ب الْ َمْي َمَنةِ مَا أ ْ‬ ‫َصمحَا ُ‬ ‫َفأ ْ‬ ‫شئَ َمةِ ( ‪)9‬‬ ‫صحَابُ الْ َم ْ‬ ‫َأ ْ‬ ‫فأ صحاب اليم ي‪ ,‬أ هل النلة العال ية‪ ,‬ما أع ظم مكانت هم !! وأ صحاب‬ ‫الشمال‪ ,‬أهل النلة الدنيئة‪ ,‬ما أسوأ حالم !!‬ ‫وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ (‪ُ )10‬أ ْوَلئِكَ الْمُ َق ّربُونَ (‪ )11‬فِي َجنّاتِ النّعِيمِ‬ ‫(‪)12‬‬ ‫والسابقون إل اليات ف الدنيا هم السابقون إل الدرجات ف الخرة‪,‬‬ ‫أولئك هم القربون عند ال‪ُ ,‬يدْخلهم ربم ف جنات النعيم‪.‬‬ ‫ثُّلةٌ مِ نْ ا َل ّوِليَ (‪ )13‬وََقلِيلٌ مِ نْ الخِرِي نَ ( ‪َ )14‬علَى ُس ُررٍ َم ْوضُونَةٍ‬ ‫(‪ُ )15‬متّ ِكِئيَ عََلْيهَا ُمتَقَابِِليَ (‪)16‬‬ ‫يدخلها جاعة كثية من صدر هذه المة‪ ,‬وغيهم من المم الخرى‪,‬‬ ‫وقل يل من آ خر هذه ال مة على سرر من سوجة بالذ هب‪ ,‬متكئ ي علي ها‬ ‫‪1826‬‬

‫يقابل بعضهم بعضًا‪.‬‬ ‫س مِ نْ‬ ‫ب وََأبَارِي قَ وَكَأْ ٍ‬ ‫يَطُو فُ َعَلْيهِ مْ ِولْدَا نٌ ُمخَلّدُو نَ (‪ )17‬بِأَ ْكوَا ٍ‬ ‫صدّعُونَ َعْنهَا وَل يُ ِنفُونَ (‪)19‬‬ ‫مَ ِعيٍ (‪ )18‬ل يُ َ‬ ‫يطوف عليهمم لدمتهمم غلمان ل يهرمون ول يوتون‪ ,‬بأقداح وأباريمق‬ ‫صدّعُ من ها رؤو سهم‪ ,‬ول‬ ‫وكأس من ع ي خ ر جار ية ف ال نة‪ ,‬ل تُ َ‬ ‫تذهب بعقولم‪.‬‬ ‫شتَهُو نَ ( ‪َ )21‬وحُورٌ‬ ‫خيّرُو نَ (‪َ )20‬ولَحْ مِ َطيْ ٍر مِمّا َي ْ‬ ‫وَفَا ِك َهةٍ مِمّا َيَت َ‬ ‫ِعيٌ (‪ )22‬كَأَ ْمثَالِ الّلؤُْلؤِ الْمَ ْكنُو نِ ( ‪َ )23‬جزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُو نَ (‬

‫‪)24‬‬

‫ويطوف عليهم الغلمان با يتخيون من الفواكه‪ ,‬وبلحم طي مّا ترغب‬ ‫فيه نفوسهم‪ .‬ولم نساء ذوات عيون واسعة‪ ,‬كأمثال اللؤلؤ الصون ف‬ ‫أصمدافه صمفاءً وجال؛ جزاء لمم بام كانوا يعملون ممن الصمالات فم‬ ‫الدنيا‪.‬‬

‫‪1827‬‬

‫ل َيسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوا وَل تَ ْأثِيما (‪ )25‬إِلّ قِيلً سَلما سَلما (‪)26‬‬ ‫ل ي سمعون ف ال نة باطل ول ما يتأثون ب سماعه‪ ,‬إل قول سالًا من‬ ‫هذه العيوب‪ ,‬وتسليم بعضهم على بعض‪.‬‬ ‫ب اْليَ ِميِ (‪ )27‬فِي سِ ْدرٍ َمخْضُو ٍد ( ‪)28‬‬ ‫صحَا ُ‬ ‫ب اْليَ ِميِ مَا أَ ْ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَأَ ْ‬ ‫ب ( ‪)31‬‬ ‫َوطَلْ ٍح َمنْضُودٍ (‪َ )29‬وظِلّ َممْدُودٍ ( ‪ )30‬وَمَاءٍ مَ سْكُو ٍ‬ ‫وَفَا ِكهَةٍ َكثِيَةٍ (‪ )32‬ل مَقْطُو َعةٍ وَل مَ ْمنُو َعةٍ ( ‪ )33‬وَفُرُشٍ مَ ْرفُوعَةٍ (‬ ‫‪)34‬‬ ‫وأصحاب اليمي‪ ,‬ما أعظم مكانتهم وجزاءهم!! هم ف ِسدْر ل شوك‬ ‫فيه‪ ,‬وموز متراكب بعضه على بعض‪ ,‬وظلّ دائم ل يزول‪ ,‬وماء جار ل‬ ‫ينقطع‪ ,‬وفاكهة كثية ل تنفَد ول تنقطع عنهم‪ ,‬ول ينعهم منها مانع‪,‬‬ ‫وفرشٍ مرفوعة على السرر‪.‬‬ ‫ِإنّ ا أَنشَ ْأنَاهُنّ إِنشَاءً (‪َ )35‬فجَعَ ْلنَاهُنّ َأبْكَارا ( ‪ُ )36‬عرُبا َأتْرَابا (‬

‫صحَابِ اْليَ ِميِ (‪)38‬‬ ‫‪َ )37‬ل ْ‬

‫إ نا أنشأ نا ن ساء أ هل ال نة نشأة غ ي النشأة ال ت كا نت ف الدن يا‪ ,‬نشأة‬ ‫‪1828‬‬

‫كاملة ل تقبل الفناء‪ ,‬فجعلناهن أبكارًا‪ ,‬متحببات إل أزواجهن‪ ,‬ف سنّ‬ ‫واحدة‪ ,‬خلقناهن لصحاب اليمي‪.‬‬ ‫ثُّلةٌ مِنْ ا َلوِّليَ (‪َ )39‬وثُّلةٌ مِنْ الخِرِينَ (‪)40‬‬ ‫وهم جاعة كثية من الولي‪ ,‬وجاعة كثية من الخرين‪.‬‬ ‫صحَابُ الشّمَالِ (‪ )41‬فِي َسمُومٍ وَ َحمِي مٍ (‬ ‫صحَابُ الشّمَالِ مَا أَ ْ‬ ‫وَأَ ْ‬

‫‪َ )42‬وظِلّ مِنْ َيحْمُومٍ (‪ )43‬ل بَارِدٍ وَل كَ ِريٍ (‪)44‬‬

‫وأصحاب الشمال ما أسوأ حالم جزاءهم !! ف ريح حارة من حَرّ نار‬ ‫جهنم تأخذ بأنفاسهم‪ ,‬وماء حار يغلي‪ ,‬وظلّ من دخان شديد السواد‪,‬‬ ‫ل بارد النل‪ ,‬ول كري النظر‪.‬‬ ‫ي (‪)45‬‬ ‫ك ُمتْرَِف َ‬ ‫ِإّنهُمْ كَانُوا َقبْلَ َذلِ َ‬ ‫إنم كانوا ف الدنيا متنعّمي بالرام‪ ,‬معرِضي عما جاءتم به الرسل‪.‬‬ ‫صرّونَ عَلَى اْلحِنثِ الْعَظِيمِ (‪)46‬‬ ‫وَكَانُوا يُ ِ‬ ‫‪1829‬‬

‫وكانوا يقيمون على الكفر بال والشراك به ومعصيته‪ ,‬ول ينوون التوبة‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫وَكَانُوا يَقُولُونَ َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا ُترَابا وَعِظَاما َأِئنّا لَ َمبْعُوثُونَ (‪)47‬‬ ‫وكانوا يقولون إنكارًا للبعث‪ :‬أنُبعث إذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية؟‬ ‫وهذا استبعاد منهم لمر البعث وتكذيب له‪.‬‬ ‫َأوْ آبَا ُؤنَا ا َل ّولُونَ (‪)48‬‬ ‫أنُبعث نن وآبناؤنا القدمون الذين صاروا ترابًا‪ ,‬قد تفرّق ف الرض؟‬ ‫ت َيوْ مٍ مَعْلُو ٍم (‬ ‫قُلْ ِإنّ ا َل ّولِيَ وَال ِخرِي نَ (‪ )49‬لَ َمجْمُوعُو نَ ِإلَى مِيقَا ِ‬

‫‪)50‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن الولي والخرين من بن آدم سيُجمَعون ف‬ ‫يوم مؤقت بوقت مدد‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫ثُمّ ِإنّكُمْ َأّيهَا الضّالّونَ الْمُكَ ّذبُونَ (‪ )51‬لكِلُونَ مِنْ َشجَرٍ مِنْ زَقّو ٍم (‬ ‫‪1830‬‬

‫‪َ )52‬فمَاِلئُو نَ ِمْنهَا اْلبُطُو نَ ( ‪َ )53‬فشَا ِربُو نَ َعَليْ هِ مِ نْ اْلحَمِي مِ ( ‪)54‬‬ ‫َفشَا ِربُونَ شُ ْربَ اْلهِيمِ (‪)55‬‬ ‫ثم إنكمم أيهما الضالون عمن طريمق الدى الكذبون بوعيمد ال ووعده‪,‬‬ ‫لكلون ممن شجمر ممن زقوم‪ ,‬وهمو ممن أقبمح الشجمر‪ ,‬فمالئون منهما‬ ‫بطون كم ; لشدة الوع‪ ,‬فشاربون عل يه ماء متناهيًا ف الرارة ل َيرْوي‬ ‫ظممأ‪ ,‬فشاربون منمه بكثرة‪ ,‬كشرب البمل العطاش التم ل َترْوى لداء‬ ‫يصيبها‪.‬‬ ‫َهذَا نُ ُزُلهُمْ َيوْمَ الدّينِ (‪)56‬‬ ‫هذا الذي يلقو نه من العذاب هو ما أُعدّ ل م من الزاد يوم القيا مة‪ .‬و ف‬ ‫هذا توبيخ لم وتكّم بم‪.‬‬ ‫َنحْنُ خَلَ ْقنَاكُمْ َفَلوْل تُصَدّقُونَ (‪)57‬‬ ‫نن خلقناكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ول تكونوا شيئًا‪ ,‬فهل تصدّقون بالبعث‪.‬‬ ‫أَفَرََأْيُتمْ مَا ُت ْمنُونَ (‪ )58‬أََأْنتُ ْم َتخْلُقُونَهُ أَمْ َنحْنُ اْلخَالِقُونَ (‪)59‬‬ ‫‪1831‬‬

‫أفرأي تم النّطَف ال ت تقذفون ا ف أرحام ن سائكم‪ ,‬هل أن تم تلقون ذلك‬ ‫بشرًا أم نن الالقون؟‬ ‫سبُوِقيَ (‪ )60‬عَلَى أَ نْ ُنبَدّلَ‬ ‫َنحْ نُ قَ ّد ْرنَا َبْينَ ُك ْم الْ َموْ تَ وَمَا َنحْ نُ ِبمَ ْ‬

‫شئَكُمْ فِي مَا ل تَعَْلمُونَ ( ‪)61‬‬ ‫أَ ْمثَالَكُمْ َوُنْن ِ‬

‫ن ن قَدّر نا بين كم الوت‪ ,‬و ما ن ن بعاجز ين عن أن نغيّ ر خلق كم يوم‬ ‫القيامة‪ ,‬وننشئكم فيما ل تعلمونه من الصفات والحوال‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َعلِ ْمتُ ْم الّنشْأَةَ الُولَى فََلوْل تَذكّرُونَ (‪)62‬‬ ‫مم النشأة الول ول تكونوا شيئًا‪ ,‬فهل‬ ‫مم أن ال أنشأكم‬ ‫مد علمتم‬ ‫ولقم‬ ‫تذكّرون قدرة ال على إنشائكم مرة أخرى‪.‬‬ ‫أَفَرََأْيُت مْ مَا َتحْ ُرثُو نَ (‪َ )63‬أَأْنتُ مْ َت ْزرَعُونَ هُ َأ مْ َنحْ نُ الزّارِعُو نَ ( ‪َ )64‬لوْ‬

‫َنشَاءُ َلجَعَ ْلنَا هُ حُطَاما فَظَلَ ْلتُ ْم َتتَفَ ّكهُو نَ (‪ِ )65‬إنّا لَمُ ْغرَمُو نَ ( ‪ )66‬بَلْ‬ ‫َنحْنُ َمحْرُومُونَ (‪)67‬‬

‫أفرأي تم الرث الذي ترثو نه هل أن تم تُنبتو نه ف الرض؟ بل ن ن نُ ِقرّ‬ ‫‪1832‬‬

‫قراره وننبته ف الرض‪ .‬لو نشاء لعلنا ذلك الزرع هشيمًا‪ ,‬ل يُنتفع به‬ ‫ف مطعم‪ ,‬فأصبحتم تتعجبون ما نزل بزرعكم‪ ,‬وتقولون‪ :‬إنا لاسرون‬ ‫معذّبون‪ ,‬بل نن مرومون من الرزق‪.‬‬ ‫أَفَرََأْيُت ْم الْمَاءَ الّذِي َتشْ َربُو نَ (‪ )68‬أََأْنتُ مْ أَن َزْلتُمُو هُ مِ نْ الْمُزْ نِ أَ مْ َنحْ نُ‬ ‫الْمُنِلُونَ (‪)69‬‬ ‫حيَوا به‪ ,‬أأن تم أنزلتموه من ال سحاب إل‬ ‫أفرأي تم الاء الذي تشربو نه لت ْ‬ ‫قرار الرض‪ ,‬أم نن الذين أنزلناه رحة بكم؟‬ ‫َلوْ َنشَاءُ جَعَ ْلنَاهُ أُجَاجا فََلوْل َتشْكُرُونَ (‪)70‬‬ ‫لو نشاء جعلنا هذا الاء شديد اللوحة‪ ,‬ل يُنتفع به ف شرب ول زرع‪,‬‬ ‫فهل تشكرون ربكم على إنزال الاء العذب لنفعكم‪.‬‬ ‫ْنم‬ ‫َمم َنح ُ‬ ‫ُمم َشجَ َرتَه َا أ ْ‬ ‫ُمم أَنشَ ْأت ْ‬ ‫ُونم (‪ )71‬أََأْنت ْ‬ ‫ُمم النّارَ الّت ِي تُور َ‬ ‫أَفَرََأْيت ْ‬ ‫شئُونَ (‪)72‬‬ ‫الْمُن ِ‬ ‫أفرأيتم النار الت توقدون‪ ,‬أأنتم أوجدت شجرتا الت تقدح منها النار‪ ,‬أم‬ ‫‪1833‬‬

‫نن الوجدون لا؟‬ ‫َنحْنُ جَعَ ْلنَاهَا تَذْكِرَ ًة وَ َمتَاعا لِلْمُ ْقوِينَ (‪)73‬‬ ‫ننم جعلنما ناركمم التم توقدون تذكيًا لكمم بنار جهنمم ومنفعمة‬ ‫للمسافرين‪.‬‬ ‫سبّحْ بِاسْ ِم َربّكَ الْعَظِيمِ (‪)74‬‬ ‫َف َ‬ ‫فنّه ‪-‬أيها النب‪ -‬ربك العظيم كامل الساء والصفات‪ ,‬كثي الحسان‬ ‫واليات‪.‬‬ ‫فَل أُ ْقسِمُ ِب َموَاقِعِ الّنجُومِ (‪َ )75‬وِإّنهُ لَ َقسَمٌ َلوْ تَعْلَمُونَ عَظِي ٌم (‪)76‬‬ ‫أق سم ال تعال ب ساقط النجوم ف مغارب ا ف ال سماء‪ ,‬وإ نه لَقَ سم لو‬ ‫تعلمون َقدَره عظيم‪.‬‬ ‫َسمهُ إِلّ‬ ‫ُونم ( ‪ )78‬ل يَم ّ‬ ‫َابم َم ْكن ٍ‬ ‫ْآنم كَرِيٌ (‪ )77‬فِي ِكت ٍ‬ ‫ّهملَقُر ٌ‬ ‫ِإن ُ‬

‫الْمُطَهّرُونَ (‪)79‬‬

‫‪1834‬‬

‫إن هذا القرآن الذي نزل على مممد لقرآن عظيمم النافمع‪ ,‬كثيم اليم‪,‬‬ ‫غزير العلم‪ ,‬ف كتاب مَصُون مستور عن أعي اللق‪ ,‬وهو الكتاب الذي‬ ‫بأيدي اللئكة‪ .‬ل َيمَسّ القرآن إل اللئكة الكرام الذين طهرهم ال من‬ ‫الفات والذنوب‪ ,‬ول يَمَسمّه أيض ًا إل التطهرون ممن الشرك والنابمة‬ ‫والدث‪.‬‬ ‫تَنِيلٌ مِ ْن رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)80‬‬ ‫وهذا القرآن الكري منل من رب العالي‪ ,‬فهو الق الذي ل مرية فيه‪.‬‬ ‫أََفِبهَذَا الْحَدِيثِ َأْنُتمْ ُمدْ ِهنُونَ (‪)81‬‬ ‫أفبهذا القرآن أنتم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬مكذّبون؟‬ ‫َوَتجْعَلُونَ رِزْقَ ُكمْ َأنّكُمْ تُ َك ّذبُونَ (‪)82‬‬ ‫وتعلون شكركم لنعم ال عليكم أنكم تكذّبون با وتكفرون؟ وف هذا‬ ‫إنكار على من يتهاون بأمر القرآن ول يبال بدعوته‪.‬‬

‫‪1835‬‬

‫َفَلوْل إِذَا بَلَغَ تْ اْلحُلْقُو مَ (‪َ )83‬وَأْنتُ مْ حِيَنئِ ٍذ تَنظُرُو نَ ( ‪َ )84‬وَنحْ نُ‬ ‫أَ ْقرَبُ ِإَلْيهِ ِمنْكُ ْم وَلَكِنْ ل ُتبْصِرُونَ ( ‪)85‬‬ ‫فهمل تسمتطيعون إذا بلغمت نفمس أحدكمم اللقوم عنمد النع‪ ,‬وأنتمم‬ ‫حضور تنظرون إليه‪ ,‬أن ت سكوا رو حه ف ج سده؟ لن تستطيعوا ذلك‪,‬‬ ‫ونن أقرب إليه منكم بلئكتنا‪ ,‬ولكنكم ل ترونم‪.‬‬ ‫َفَلوْل ِإنْ كُنتُ ْم َغيْ َر مَدِيِنيَ (‪ )86‬تَ ْرجِعُوَنهَا ِإنْ كُنتُمْ صَا ِدِقيَ (‪)87‬‬ ‫و هل ت ستطيعون إن كن تم غ ي ما سبي ول مزي ي بأعمال كم أن تعيدوا‬ ‫الروح إل السد‪ ,‬إن كنتم صادقي؟ لن ترجعوها‪.‬‬ ‫َفأَمّا ِإنْ كَانَ مِنْ الْمُقَ ّرِبيَ (‪ )88‬فَ َر ْوحٌ َو َريْحَانٌ وَ َجّنةُ نَعِي ٍم (‪)89‬‬ ‫فأما إن كان اليت من السابقي القربي‪ ,‬فله عند موته الرحة الواسعة‬ ‫والفرح وما تطيب به نفسه‪ ,‬وله جنة النعيم ف الخرة‪.‬‬ ‫صحَابِ‬ ‫صحَابِ اْليَمِيِ (‪ )90‬فَ سَل ٌم لَ كَ مِ نْ أَ ْ‬ ‫وَأَمّ ا إِ نْ كَا نَ مِ نْ أَ ْ‬ ‫الْيَ ِميِ (‪)91‬‬ ‫‪1836‬‬

‫وأ ما إن كان ال يت من أ صحاب اليم ي‪ ,‬فيقال له‪ :‬سلمة لك وأ من;‬ ‫لكونك من أصحاب اليمي‪.‬‬ ‫وَأَمّا إِ نْ كَا نَ مِ نْ الْمُكَ ّذبِيَ الضّالّيَ (‪َ )92‬فنُزُلٌ مِ نْ َحمِي مٍ ( ‪)93‬‬

‫َوتَصِْلَيةُ َجحِيمٍ (‪)94‬‬

‫وأما إن كان اليت من الكذبي بالبعث‪ ,‬الضالي عن الدى‪ ,‬فله ضيافة‬ ‫من شراب جهنم الغلي التناهي الرارة‪ ,‬والنار يرق با‪ ,‬ويقاسي عذابا‬ ‫الشديد‪.‬‬ ‫سبّ ْح بِاسْ ِم َربّكَ الْعَظِيمِ (‪)96‬‬ ‫ِإنّ هَذَا َل ُهوَ حَ ّق اْليَ ِقيِ (‪َ )95‬ف َ‬ ‫إن هذا الذي ق صصناه عل يك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ل و حق اليق ي الذي ل‬ ‫مريمة فيمه‪ ,‬فسمبّح باسمم ربمك العظيمم‪ ,‬ونزّهمه عمما يقول الظالون‬ ‫والاحدون‪ ,‬تعال ال عما يقولون علوًا كبيًا‪.‬‬

‫‪1837‬‬

‫‪ -57‬سورة الديد‬ ‫َسبّحَ لِّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)1‬‬ ‫نزّه ال عن السوء كلّ ما ف السموات والرض من جيع ملوفاته‪ ,‬وهو‬ ‫العزيز على خلقه‪ ,‬الكيم ف تدبي أمورهم‪.‬‬ ‫ت وَ ُهوَ عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِي ٌر (‬ ‫لَ هُ مُ ْل كُ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ ُيحْ يِ َويُمِي ُ‬ ‫‪)2‬‬ ‫له ملك ال سموات والرض و ما فيه ما‪ ,‬ف هو الالك الت صرف ف خل قه‪,‬‬ ‫ييي وييت‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪ ,‬ل يتعذّر عليه شيء أراده‪ ,‬فما‬ ‫شاءه كان‪ ,‬وما ل يشأ ل يكن‪.‬‬ ‫ُهوَ ا َلوّلُ وَالخِ ُر وَالظّاهِرُ وَاْلبَاطِنُ وَ ُهوَ بِكُلّ شَ ْيءٍ عَلِيمٌ (‪)3‬‬ ‫هو الول الذي ليس قبله شيء‪ ,‬والخر الذي ليس بعده شيء‪ ,‬والظاهر‬ ‫الذي ليس فو قه ش يء‪ ,‬والباطن الذي ليس دونه ش يء‪ ,‬ول ت فى عليه‬ ‫خافية ف الرض ول ف السماء‪ ,‬وهو بكل شيء عليم‪.‬‬ ‫‪1838‬‬

‫ت وَالَرْ ضَ فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ ُثمّ ا ْسَتوَى عَلَى الْعَرْ شِ‬ ‫ُهوَ الّذِي َخلَ قَ ال سّ َموَا ِ‬ ‫يَعْلَمُ مَا يَِل ُج فِي ا َلرْ ضِ وَمَا َيخْرُجُ ِمْنهَا وَمَا َينْزِ ُل مِ ْن السّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ‬ ‫فِيهَا وَ ُهوَ مَعَكُمْ َأيْ َن مَا ُكْنتُمْ وَالّلهُ بِمَا تَ ْعمَلُونَ بَصِيٌ (‪)4‬‬ ‫هو الذي خلق السموات والرض وما بينهما ف ستة أيام‪ ,‬ث استوى‬ ‫أي عل وارتفع‪ -‬على عرشه فوق جيع خلقه استواء يليق بلله‪ ,‬يعلم‬‫ما يدخل ف الرض من حب ومطر وغي ذلك‪ ,‬وما يرج منها من‬ ‫نبات وزرع وثار‪ ,‬وما ينل من السماء من مطر وغيه‪ ,‬وما يعرج فيها‬ ‫من اللئكة والعمال‪ ,‬وهو سبحانه معكم بعلمه أينما كنتم‪ ,‬وال بصي‬ ‫بأعمالكم الت تعملونا‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫َلهُ مُ ْلكُ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَِإلَى الّلهِ تُ ْرجَعُ الُمُورُ (‪)5‬‬ ‫له ملك السموات والرض‪ ,‬وإل ال مصي أمور اللئق ف الخرة‪,‬‬ ‫وسيجازيهم على أعمالم‪.‬‬ ‫يُولِ ُج الّليْلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ جُ الّنهَارَ فِي الّليْلِ وَ ُهوَ َعلِي ٌم بِذَا تِ ال صّدُورِ (‬

‫‪)6‬‬

‫‪1839‬‬

‫يُدْخِل ما نقص من ساعات الليل ف النهار فيزيد النهار‪ ,‬ويُ ْدخِل ما‬ ‫نقص من ساعات النهار ف الليل فيزيد الليل‪ ,‬وهو سبحانه عليم با ف‬ ‫صدور خلقه‪.‬‬ ‫سَتخْلَ ِفيَ فِي هِ فَالّذِي نَ آ َمنُوا‬ ‫آ ِمنُوا بِاللّ هِ َورَ سُولِهِ وََأنْ ِفقُوا مِمّ ا جَعَلَكُ ْم مُ ْ‬ ‫ِمنْكُ ْم وََأنْفَقُوا َلهُمْ َأجْ ٌر َكبِيٌ (‪)7‬‬ ‫آمنوا بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأنفقوا ما رزقكم ال من‬ ‫الال واستخلفكم فيه‪ ,‬فالذين آمنوا منكم أيها الناس‪ ,‬وأنفقوا من مالم‪,‬‬ ‫لم ثواب عظيم‪.‬‬ ‫وَمَا لَكُ ْم ل ُتؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَالرّ سُولُ يَدْعُوكُ ْم ِلُتؤْ ِمنُوا بِ َربّكُ مْ وََقدْ أَخَذَ‬ ‫مِيثَاقَكُمْ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُمؤْ ِمِنيَ (‪)8‬‬ ‫ي عذر لكم ف أن ل تصدقوا بوحدانية ال وتعملوا بشرعه‪ ,‬والرسول‬ ‫وأ ّ‬ ‫يدعوكم إل ذلك‪ ,‬وقد أخذ ال ميثاقكم على ذلك‪ ,‬إن كنتم مؤمني‬ ‫بال خالقكم؟‬

‫‪1840‬‬

‫َاتمِإلَى‬ ‫ِنم الظّلُم ِ‬ ‫ُمم م ْ‬ ‫َاتمِلُيخْرِجَك ْ‬ ‫َاتمَبّين ٍ‬ ‫ِهم آي ٍ‬ ‫ُهوَ الّذِي ُينَزّلُ َعلَى َعْبد ِ‬ ‫النّورِ وَِإنّ الّلهَ بِكُ ْم لَ َرءُوفٌ رَحِي ٌم (‪)9‬‬ ‫هو الذي ينل على عبده ممد صلى ال عليه وسلم آيات مفصلت‬ ‫واضحات من القرآن؛ ليخرجكم بذلك من ظلمة الكفر إل نور اليان‪,‬‬ ‫إن ال بكم ف إخراجكم من الظلمات إل النور َليَرْحكم رحة واسعة‬ ‫ف عاجلكم وآجلكم‪ ،‬فيجازيكم أحسن الزاء‪.‬‬ ‫وَمَا لَكُ مْ أَ ّل ُتنْفِقُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ َولِلّ هِ مِيَا ثُ ال سّ َموَاتِ وَا َلرْ ضِ ل‬ ‫سَتوِي ِمنْ ُك ْم مَ نْ َأنْفَ قَ مِ ْن َقبْلِ الْ َفتْ حِ وَقَاتَلَ ُأ ْوَلئِ كَ أَعْ َظ مُ َدرَ َجةً مِ نْ‬ ‫يَ ْ‬ ‫سنَى وَاللّ هُ بِمَا تَعْمَلُو نَ‬ ‫ل وَعَدَ اللّ هُ اْلحُ ْ‬ ‫الّذِي نَ َأنْ َفقُوا مِ نْ بَ ْعدُ وَقَاتَلُوا وَكُ ّ‬ ‫َخبِ ٌي (‪)10‬‬

‫وأيّ شيء ينعكم من النفاق ف سبيل ال؟ ول مياث السموات‬ ‫والرض يرث كلّ ما فيهما‪ ,‬ول يبقى أحد مالكًا لشيء فيهما‪ .‬ل‬ ‫يستوي ف الجر والثوبة منكم مَن أنفق من قبل فتح "مكة" وقاتل‬ ‫الكفار‪ ,‬أولئك أعظم درجة عند ال من الذين أنفقوا ف سبيل ال من‬ ‫بعد الفتح وقاتلوا الكفار‪ ,‬وكل من الفريقي وعد ال النة‪ ,‬وال‬ ‫بأعمالكم خبي ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫‪1841‬‬

‫ض اللّهَ قَرْضا َحسَنا َفيُضَاعِ َفهُ َلهُ َوَلهُ َأجْرٌ َك ِريٌ (‪)11‬‬ ‫مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِ ُ‬ ‫من ذا الذي ينفق ف سبيل ال متسبًا من قلبه بل مَ ّن ول أذى‪,‬‬ ‫فيضاعف له ربه الجر والثواب‪ ,‬وله جزاء كري‪ ,‬وهو النة؟‬ ‫ت يَ سْعَى نُورُهُ مْ َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َوبَِأيْمَانِهِ ْم‬ ‫َيوْ مَ َترَى الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا ِ‬ ‫ك ُهوَ‬ ‫حتِهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َذلِ َ‬ ‫ُبشْرَاكُ ْم اْلَيوْ مَ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬ ‫الْفَ ْوزُ الْعَظِيمُ (‪)12‬‬ ‫يوم ترى الؤمني والؤمنات يسعى نورهم على الصراط بي أيديهم وعن‬ ‫أيانم‪ ,‬بقدر أعمالم‪ ,‬ويقال لم‪ :‬بشراكم اليوم دخول جنات واسعة‬ ‫تري من تت أشجارها النار‪ ,‬ل ترجون منها أبدًا‪ ,‬ذلك الزاء هو‬ ‫الفوز العظيم لكم ف الخرة‪.‬‬ ‫ت لِلّذِي نَ آ َمنُوا انْظُرُونَا نَ ْقَتبِ سْ مِ ْن نُورِكُ ْم‬ ‫َيوْ مَ يَقُو ُل الْ ُمنَافِقُو نَ وَالْ ُمنَافِقَا ُ‬ ‫ب بَا ِطنُهُ فِيهِ‬ ‫ب َبْيَنهُمْ ِبسُورٍ لَهُ بَا ٌ‬ ‫قِيلَ ارْجِعُوا َورَاءَكُمْ فَاْلتَ ِمسُوا نُورا فَضُرِ َ‬ ‫ب (‪)13‬‬ ‫الرّحْ َمةُ َوظَاهِرُهُ مِ ْن ِقبَِلهِ الْعَذَا ُ‬ ‫‪1842‬‬

‫يوم يقول النافقون والنافقات للذين آمنوا‪ ,‬وهم على الصراط‪ :‬انتظرونا‬ ‫نستضئْ من نوركم‪ ,‬فتقول لم اللئكة‪ :‬ارجعوا وراءكم فاطلبوا نورًا‬ ‫(سخرية منهم)‪ ,‬فَفُصِل بينهم بسور له باب‪ ,‬باطنه ما يلي الؤمني فيه‬ ‫الرحة‪ ,‬وظاهره ما يلي النافقي من جهته العذاب‪.‬‬ ‫صتُمْ‬ ‫ُينَادُونَهُ مْ َألَ ْم نَكُ نْ مَعَ ُك مْ قَالُوا بَلَى َولَ ِكنّكُ ْم َفَتْنتُ مْ َأنْفُ سَكُ ْم َوتَ َربّ ْ‬ ‫وَا ْرَتْبتُمْ وَ َغ ّرتْكُمْ الَمَانِيّ َحتّى جَاءَ أَ ْمرُ الّلهِ وَغَرّكُ ْم بِالّلهِ الْغَرُورُ (‪)14‬‬ ‫ينادي النافقون الؤمني قائلي‪ :‬أل نكن معكم ف الدنيا‪ ,‬نؤدي شعائر‬ ‫الدين مثلكم؟ قال الؤمنون لم‪ :‬بلى قد كنتم معنا ف الظاهر‪ ,‬ولكنكم‬ ‫أهلكتم أنفسكم بالنفاق والعاصي‪ ,‬وتربصتم بالنب الوت وبالؤمني‬ ‫الدوائر‪ ,‬وشككتم ف البعث بعد الوت‪ ,‬وخدعتكم أمانيكم الباطلة‪,‬‬ ‫وبقيتم على ذلك حت جاءكم الوت وخدعكم بال الشيطان‪.‬‬ ‫ِيم‬ ‫ُمم النّارُ ه َ‬ ‫ِينم كَفَرُوا مَ ْأوَاك ْ‬ ‫ِنم الّذ َ‬ ‫ُمم فِ ْدَيةٌ وَل م ْ‬ ‫ْمم ل ُيؤْخَ ُذ ِمنْك ْ‬ ‫فَاْلَيو َ‬ ‫َموْلكُمْ َوِبْئسَ الْمَصِيُ (‪)15‬‬

‫‪1843‬‬

‫فاليوم ل يُقبل من أحد منكم أيها النافقون عوض؛ ليفتدي به من عذاب‬ ‫ال‪ ,‬ول من الذين كفروا بال ورسوله‪ ,‬مصيكم جيعًا النار‪ ,‬هي أول‬ ‫بكم من كل منل‪ ,‬وبئس الصي هي‪.‬‬ ‫خشَعَ قُلُوُبهُ ْم لِذِكْرِ اللّهِ وَمَا نَزَ َل مِنْ الْحَقّ وَل‬ ‫َألَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آ َمنُوا أَنْ َت ْ‬ ‫ت قُلُوُبهُ مْ‬ ‫يَكُونُوا كَالّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ مِ نْ َقبْ ُل فَطَالَ عََلْيهِ ْم الَمَدُ فَقَ سَ ْ‬ ‫وَ َكثِيٌ ِمْنهُمْ فَاسِقُونَ (‪)16‬‬

‫أل ين الوقت للذين صدّقوا ال ورسوله واّتبَعوا هديه‪ ,‬أن تلي قلوبم‬ ‫عند ذكر ال وساع القرآن‪ ,‬ول يكونوا ف قسوة القلوب كالذين أوتوا‬ ‫الكتاب من قبلهم‪ -‬من اليهود والنصارى‪ -‬الذين طال عليهم الزمان‬ ‫فبدّلوا كلم ال‪ ,‬فقست قلوبم‪ ,‬وكثي منهم خارجون عن طاعة ال؟‬ ‫وف الية الث على الرقة والشوع ل سبحانه عند ساع ما أنزله من‬ ‫الكتاب والكمة‪ ,‬والذر من التشبه باليهود والنصارى‪ ,‬ف قسوة‬ ‫قلوبم‪ ,‬وخروجهم عن طاعة ال‪.‬‬ ‫اعْلَمُوا أَنّ اللّ هَ ُيحْ يِ ا َلرْ ضَ بَعْ َد َم ْوتِهَا قَ ْد َبّينّ ا لَكُ مْ اليَا تِ لَعَلّكُ مْ‬

‫تَعْقِلُونَ (‪)17‬‬

‫‪1844‬‬

‫اعلموا أن ال سبحانه وتعال ييي الرض بالطر بعد موتا‪ ,‬فتُخرِج‬ ‫النبات‪ ,‬فكذلك ال قادر على إحياء الوتى يوم القيامة‪ ,‬وهو القادر على‬ ‫تليي القلوب بعد قسوتا‪ .‬قد بينّا لكم دلئل قدرتنا؛ لعلكم تعقلونا‬ ‫فتتعظوا‪.‬‬ ‫ت وَأَقْ َرضُوا اللّ هَ َقرْضا حَ سَنا يُضَاعَ فُ َلهُ مْ‬ ‫إِنّ الْمُ صّدِّقيَ وَالْمُ صّدّقَا ِ‬

‫َولَهُمْ أَ ْجرٌ َك ِريٌ (‪)18‬‬

‫إن التصدتقي من أموالم والتصدقات‪ ,‬وأنفقوا ف سبيل ال نفقات طيبة‬ ‫با نفوسهم؛ ابتغاء وجه ال تعال‪ ,‬يضاعف لم ثواب ذلك‪ ,‬ولم فوق‬ ‫ذلك ثواب جزيل‪ ,‬وهو النة‪.‬‬ ‫شهَدَاءُ ِعنْدَ َرّبهِ ْم‬ ‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ هِ َورُ سُِلهِ ُأ ْوَلئِ كَ ُه مْ ال صّدّيقُونَ وَال ّ‬ ‫َصمحَابُ‬ ‫ِكم أ ْ‬ ‫ِينم كَ َفرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ُأ ْوَلئ َ‬ ‫ُمم وَالّذ َ‬ ‫ُمم َونُورُه ْ‬ ‫ُممأَ ْجرُه ْ‬ ‫َله ْ‬ ‫جحِيمِ (‪)19‬‬ ‫الْ َ‬ ‫والذين آمنوا بال ورسله ول يفرّقوا بي أحد منهم‪ ,‬أولئك هم‬ ‫الصديقون الذين كمُل تصديقهم با جاءت به الرسل‪ ،‬اعتقادًا وقول‬ ‫وعمل‪ ،‬والشهداء عند ربم لم ثوابم الزيل عند ال‪ ,‬ونورهم العظيم‬ ‫‪1845‬‬

‫يوم القيامة‪ ,‬والذين كفروا وكذّبوا بأدلتنا وحججنا أولئك أصحاب‬ ‫الحيم‪ ,‬فل أجر لم‪ ,‬ول نور‪.‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدنْيَا لَعِبٌم َوَلهْوٌ َوزِيَنةٌ َوتَفَاخُرٌ َبْينَكُم ْم َوتَكَاثُرٌ فِي‬ ‫اعْلَمُوا َأنّمَا الْ َ‬ ‫الَ ْموَالِ وَا َلوْلدِ كَ َمثَ ِل َغيْ ثٍ أَ ْعجَ بَ الْكُفّارَ َنبَاتُ هُ ُثمّ َيهِي ُج َفتَرَا ُه مُ صْفَرّا‬ ‫ضوَا نٌ‬ ‫ثُمّ يَكُو نُ حُطَاما وَفِي ال ِخرَةِ َعذَا بٌ شَدِيدٌ وَمَغْ ِفرَةٌ مِ نْ اللّ هِ َو ِر ْ‬ ‫ع الْغُرُورِ (‪)20‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا إِلّ َمتَا ُ‬ ‫وَمَا الْ َ‬

‫اعلموا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أنا الياة الدنيا لعب ولو‪ ,‬تلعب با البدان وتلهو‬ ‫با القلوب‪ ,‬وزينة تتزينون با‪ ,‬وتفاخر بينكم بتاعها‪ ,‬وتكاثر بالعدد ف‬ ‫الموال والولد‪ ,‬مثلها كمثل مطر أعجب ال ّزرّاع نباته‪ ,‬ث يهيج هذا‬ ‫النبات فييبس‪ ,‬فتراه مصفرًا بعد خضرته‪ ,‬ث يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا‪,‬‬ ‫وف الخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من ال ورضوان لهل اليان‪.‬‬ ‫وما الياة الدنيا لن عمل لا ناسيًا آخرته إل متاع الغرور‪.‬‬ ‫سَابِقُوا ِإلَى مَغْفِرَ ٍة مِ نْ َربّكُ ْم وَ َجّنةٍ َع ْرضُهَا كَ َعرْ ضِ ال سّمَاءِ وَالَرْ ِ‬ ‫ض‬ ‫ك فَضْ ُل اللّ هِ ُي ْؤتِي هِ مَ نْ َيشَاءُ وَاللّ هُ ذُو‬ ‫ت لِلّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ هِ َورُ سُِلهِ َذلِ َ‬ ‫أُعِدّ ْ‬ ‫الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (‪)21‬‬

‫‪1846‬‬

‫سابقوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف السعي إل أسباب الغفرة من التوبة النصوح‬ ‫والبتعاد عن العاصي؛ ِلتُجْ َزوْا مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض‬ ‫السماء والرض‪ ,‬وهي مُعَدّة للذين وحّدوا ال واتّبَعوا رسله‪ ,‬ذلك فضل‬ ‫ال الذي يؤتيه مَن يشاء مِن خلقه‪ ,‬فالنة ل تُنال إل برحة ال وفضله‪,‬‬ ‫والعمل الصال‪ .‬وال ذو الفضل العظيم على عباده الؤمني‪.‬‬ ‫ب مِ ْن َقبْلِ‬ ‫مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيَبةٍ فِي ا َلرْضِ وَل فِي َأنْفُسِكُمْ إِ ّل فِي ِكتَا ٍ‬ ‫َأنْ َنبْ َرأَهَا ِإنّ َذلِكَ عَلَى الّلهِ َيسِيٌ (‪)22‬‬ ‫ما أصابكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من مصيبة ف الرض ول ف أنفسكم من‬ ‫المراض والوع والسقام إل هو مكتوب ف اللوح الحفوظ من قبل‬ ‫أن ُتخْلَق الليقة‪ .‬إن ذلك على ال تعال يسي‪.‬‬ ‫لِ َكيْل تَأْ َسوْا عَلَى مَا فَاتَ ُك ْم وَل تَفْ َرحُوا بِمَا آتَاكُ مْ وَاللّ هُ ل ُيحِبّ كُلّ‬ ‫ختَالٍ َفخُورٍ (‪ )23‬الّذِي نَ َيْبخَلُو نَ َويَأْمُرُو نَ النّا سَ بِاْلُبخْلِ وَمَ نْ َيَتوَلّ‬ ‫ُم ْ‬

‫َفِإنّ اللّهَ ُه َو الْ َغنِيّ الْحَمِي ُد (‪)24‬‬

‫لكي ل تزنوا على ما فاتكم من الدنيا‪ ,‬ول تفرحوا با آتاكم فرحَ بطر‬ ‫وأشر‪ .‬وال ل يب كل متكب با أوت من الدنيا فخور به على غيه‪.‬‬ ‫‪1847‬‬

‫هؤلء التكبون هم الذين يبخلون بالم‪ ,‬ول ينفقونه ف سبيل ال‪,‬‬ ‫ويأمرون الناس بالبخل بتحسينه لم‪ .‬ومن يتولّ عن طاعة ال ل يضر إل‬ ‫نفسه‪ ,‬ولن يضر ال شيئًا‪ ,‬فإن ال هو الغن عن خلقه‪ ,‬الميد الذي له‬ ‫كل وصف حسن كامل‪ ,‬وفعل جيل يستحق أن يمد عليه‪.‬‬ ‫لَقَدْ َأرْ سَ ْلنَا رُ ُسَلنَا بِاْلَبّينَا تِ وََأْن َزْلنَا مَ َعهُ ْم الْ ِكتَا بَ وَالْمِيزَا نَ ِليَقُو مَ النّا سُ‬ ‫بِالْقِ سْطِ وََأنْ َزلْنَا اْلحَدِيدَ فِي هِ بَأْ سٌ شَدِي ٌد وَ َمنَافِ ُع لِلنّا سِ َوِليَعْلَ َم اللّ هُ مَ نْ‬ ‫ي عَزِي ٌز (‪)25‬‬ ‫َينْصُرُهُ َورُسَُل ُه بِالْ َغيْبِ ِإنّ الّلهَ َقوِ ّ‬ ‫لقد أرسلنا رسلنا بالجج الواضحات‪ ,‬وأنزلنا معهم الكتاب بالحكام‬ ‫والشرائع‪ ,‬وأنزلنا اليزان؛ ليتعامل الناس بينهم بالعدل‪ ,‬وأنزلنا لم‬ ‫الديد‪ ,‬فيه قوة شديدة‪ ,‬ومنافع للناس متعددة‪ ,‬وليعلم ال علمًا ظاهرًا‬ ‫للخلق من ينصر دينه ورسله بالغيب‪ .‬إن ال قوي ل يُ ْقهَر‪ ,‬عزيز ل‬ ‫يغالَب‪.‬‬ ‫َولَقَدْ َأرْ َس ْلنَا نُوحا وَِإْبرَاهِي َم وَجَعَ ْلنَا فِي ُذ ّرّيتِهِمَا النُّبوّةَ وَالْ ِكتَا بَ فَ ِمْنهُ مْ‬ ‫ُم ْهتَدٍ وَ َكثِيٌ ِمْنهُ ْم فَاسِقُونَ (‪)26‬‬

‫‪1848‬‬

‫ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم إل قومهما‪ ,‬وجعلنا ف ذريتهما النبوة‬ ‫والكتب النلة‪ ,‬فمِن ذريتهما مهت ٍد إل الق‪ ,‬وكثي منهم خارجون عن‬ ‫طاعة ال‪.‬‬ ‫ثُمّ قَ ّفيْنَا عَلَى آثَارِهِ مْ بِ ُر سُِلنَا وَقَ ّفيْنَا بِعِي سَى ابْ نِ َم ْريَ َم وَآَتْينَا هُ الِنِيلَ‬ ‫وَجَعَ ْلنَا فِي ُقلُو بِ الّذِي نَ اّتبَعُو هُ رَأَْف ًة وَرَ ْح َمةً َورَ ْهبَاِنّيةً اْبتَدَعُوهَامَا َكَتْبنَاهَا‬ ‫ضوَا نِ اللّ هِ فَمَا رَ َعوْهَا حَقّ رِعَايَِتهَا فَآَتْينَا الّذِي نَ آ َمنُوا‬ ‫عََلْيهِ مْ إِلّ اْبتِغَاءَ ِر ْ‬ ‫ِمْنهُمْ أَجْرَ ُهمْ وَ َكثِيٌ ِمْنهُ ْم فَاسِقُونَ (‪)27‬‬ ‫ث أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات‪ ,‬وقفّينا‬ ‫بعيسى بن مري‪ ,‬وآتيناه النيل‪ ,‬وجعلنا ف قلوب الذين اتبعوه على دينه‬ ‫لينًا وشفقة‪ ,‬فكانوا متوادّين فيما بينهم‪ ,‬وابتدعوا رهبانية بالغلوّ ف‬ ‫العبادة ما فرضناها عليهم‪ ,‬بل هم الذين التزموا با من تلقاء أنفسهم‪,‬‬ ‫قَصْدُهم بذلك رضا ال‪ ,‬فما قاموا با حق القيام‪ ،‬فآتينا الذين آمنوا منهم‬ ‫بال ورسله أجرهم حسب إيانم‪ ,‬وكثي منهم خارجون عن طاعة ال‬ ‫مكذبون بنيه ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّ هَ وَآ ِمنُوا بِ َر سُوِلهِ ُي ْؤتِكُ ْم كِفَْليْ نِ مِ ْن رَحْ َمتِ هِ‬ ‫‪1849‬‬

‫َويَجْعَلْ لَكُ ْم نُورا تَ ْمشُونَ ِبهِ َويَغْفِ ْر لَكُمْ وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)28‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا‪ ,‬امتثلوا أوامر ال واجتنبوا نواهيه وآمنوا برسوله‪,‬‬ ‫يؤتكم ضعفي من رحته‪ ,‬ويعل لكم نورًا تتدون به‪ ,‬ويغفر لكم‬ ‫ذنوبكم‪ ,‬وال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫لَ ّل يَعْلَ مَ أَهْلُ الْ ِكتَا بِ أَلّ يَقْ ِدرُو نَ عَلَى شَ ْيءٍ مِ نْ فَضْلِ اللّ هِ وََأنّ الْفَضْلَ‬ ‫ِبيَدِ الّلهِ ُي ْؤتِيهِ مَنْ َيشَاءُ وَالّلهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِي ِم (‪)29‬‬ ‫أعطاكم ال تعال ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين ل يؤمنوا بحمد‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنم ل يقدرون على شيء مِن فضل ال يكسبونه‬ ‫لنفسهم أو ينحونه لغيهم‪ ,‬وأن الفضل كله بيد ال وحده يؤتيه مَن‬ ‫يشاء من عباده‪ ,‬وال ذو الفضل العظيم على خلقه‪.‬‬

‫‪1850‬‬

‫الزء الثامن والعشرون ‪:‬‬

‫‪ -58‬سورة الجادلة‬ ‫شتَكِي ِإلَى اللّ هِ وَاللّ هُ‬ ‫قَ ْد َسمِعَ اللّ هُ َقوْلَ الّتِي ُتجَا ِدلُ كَ فِي َزوْجِهَا َوَت ْ‬ ‫َيسْمَعُ َتحَا ُورَكُمَا ِإنّ الّلهَ سَمِيعٌ بَصِيٌ (‪)1‬‬ ‫قد سع ال قول خولة بنت ثعلبة الت تراجعت ف شأن زوجها أوس بن‬ ‫الصامت‪ ,‬وفيما صدر عنه ف حقها من الظّهار‪ ،‬وهو قوله لا‪" :‬أنت‬ ‫عل ّي كظهر أمي"‪ ،‬أي‪ :‬ف حرمة النكاح‪ ،‬وهي تتضرع إل ال تعال;‬ ‫لتفريج كربتها‪ ،‬وال يسمع تاطبكما ومراجعتكما‪ .‬إن ال سيع لكل‬ ‫قول‪ ،‬بصي بكل شيء‪ ،‬ل تفى عليه خافية‪.‬‬ ‫لئِي‬ ‫الّذِينَ يُظَاهِرُونَ ِمنْكُمْ مِنْ نِسَاِئهِمْ مَا هُنّ أُ ّمهَاِتهِمْ إِنْ أُ ّمهَاُتهُمْ إِلّ ال ّ‬ ‫َولَ ْدَنهُ مْ وَِإّنهُ مْ َليَقُولُو نَ ُمنْكَرا مِ ْن الْقَوْلِ َوزُورا وَإِنّ اللّ هَ لَعَ ُفوّ غَفُورٌ (‬ ‫‪1851‬‬

‫‪)2‬‬ ‫الذين يُظاهرون منكم من نسائهم‪ ،‬فيقول الرجل منهم لزوجته‪" :‬أنت‬ ‫عل ّي كظهر أمي" ‪-‬أي ف حرمة النكاح‪ -‬قد عصوا ال وخالفوا‬ ‫الشرع‪ ،‬ونساؤهم َلسْنَ ف القيقة أمهاتم‪ ,‬إنا هن زوجاتم‪ ,‬ما أمهاتم‬ ‫إل اللئي ولدنم‪ .‬وإن هؤلء الظاهِرين ليقولون قول كاذبًا فظيعًا ل‬ ‫تُعرف صحته‪ .‬وإن ال لعفو غفور عمّن صدر منه بعض الخالفات‪،‬‬ ‫فتداركها بالتوبة النصوح‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ يُظَاهِرُو نَ مِ نْ نِ سَائِهِ ْم ثُمّ يَعُودُو نَ لِمَا قَالُوا َفَتحْرِيرُ رََقَبةٍ مِ نْ َقبْلِ‬ ‫َأنْ َيتَمَاسّا َذلِكُمْ تُوعَظُونَ ِبهِ وَاللّهُ ِبمَا تَعْمَلُونَ َخبِيٌ ( ‪)3‬‬ ‫والذين يرّمون نساءهم على أنفسهم بالظاهَرة منهن‪ ,‬ث يرجعون عن‬ ‫قولم ويعزمون على وطء نسائهم‪ ،‬فعلى الزوج الظاهِر‪ -‬والالة هذه‪-‬‬ ‫كفارة التحري‪ ،‬وهي عتق رقبة مؤمنة عبد أو أمة قبل أن يطأ زوجته الت‬ ‫ظاهر منها‪ ،‬ذلكم هو حكم ال فيمن ظاهر مِن زوجته توعظون به‪ ،‬أيها‬ ‫الؤمنون; لكي ل تقعوا ف الظهار وقول الزور‪ ،‬وتُكَفّروا إن وقعتم فيه‪،‬‬ ‫ولكي ل تعودوا إليه‪ ،‬وال ل يفى عليه شيء من أعمالكم‪ ،‬وهو‬ ‫مازيكم عليها‪.‬‬ ‫‪1852‬‬

‫ستَطِ ْع‬ ‫صيَامُ َشهْ َريْنِ ُمَتتَابِ َعيْنِ مِنْ َقبْلِ أَنْ َيتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَ ْ‬ ‫َفمَ ْن لَ ْم َيجِدْ فَ ِ‬ ‫ّهم‬ ‫ْكم حُدُو ُد الل ِ‬ ‫ّهم َورَسمُولِهِ َوتِل َ‬ ‫ِكمِلُتؤْ ِمنُوا بِالل ِ‬ ‫ِسمكِينا َذل َ‬ ‫سميَ م ْ‬ ‫َامم ِّت‬ ‫َفِإطْع ُ‬ ‫َولِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ َألِي ٌم (‪)4‬‬ ‫فمن ل يد رقبة يُعتقها‪ ،‬فالواجب عليه صيام شهرين متتاليي من قبل أن‬ ‫يطأ زوجه‪ ,‬فمن ل يستطع صيام الشهرين لعذر شرعي‪ ,‬فعليه أن يطعم‬ ‫ستي مسكينًا ما يشبعهم‪ ،‬ذلك الذي بينّاه لكم من أحكام الظهار; من‬ ‫أجل أن تصدّقوا بال وتتبعوا رسوله وتعملوا با شرعه ال‪ ,‬وتتركوا ما‬ ‫كنتم عليه ف جاهليتكم‪ ,‬وتلك الحكام الذكورة هي أوامر ال‬ ‫وحدوده فل تتجاوزوها‪ ,‬وللجاحدين با عذاب موجع‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُيحَادّو نَ اللّ هَ َورَ سُوَلهُ ُكِبتُوا َكمَا ُكبِ تَ الّذِي نَ مِ ْن َقبِْلهِ مْ وََقدْ‬ ‫ت َبّينَاتٍ َولِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ ُم ِهيٌ ( ‪)5‬‬ ‫َأنْ َزْلنَا آيَا ٍ‬ ‫إن الذين يشاقون ال ورسوله ويالفون أمرها ُخذِلوا وأُهينوا‪ ،‬كما‬ ‫ُخذِل الذين من قبلهم من المم الذين حادّوا ال ورسله‪ ,‬وقد أنزلنا‬ ‫لجّة تدل على أن شرع ال وحدوده حق‪ ،‬ولاحدي‬ ‫آيات واضحات ا ُ‬ ‫تلك اليات عذاب مُذ ّل ف جهنم‪.‬‬ ‫‪1853‬‬

‫َيوْ مَ َيبْ َعُثهُ ْم اللّ هُ جَمِيعا َفُيَنّبُئهُ ْم بِمَا َعمِلُوا َأحْ صَاهُ اللّ هُ َونَ سُوهُ وَاللّ هُ عَلَى‬

‫كُلّ َش ْيءٍ َشهِي ٌد (‪)6‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم القيامة‪ ,‬يوم ييي ال الوتى جيعًا‪ ,‬ويمع‬ ‫الولي والخرين ف صعيد واحد‪ ،‬فيخبهم با عملوا من خي وشر‪،‬‬ ‫أحصاه ال وكتبه ف اللوح الحفوظ‪ ،‬وحفظه عليهم ف صحائف‬ ‫أعمالم‪ ،‬وهم قد نسوه‪ .‬وال على كل شيء شهيد‪ ،‬ل يفى عليه‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ مَا يَكُو نُ مِ ْن‬ ‫َألَ مْ َترَى أَنّ اللّ هَ يَعْلَ مُ مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫سةٍ إِ ّل ُهوَ سَادِ ُسهُ ْم وَل َأدْنَى مِ نْ‬ ‫َنجْوَى ثَلَثةٍ إِ ّل ُهوَ رَابِ ُعهُ ْم وَل َخمْ َ‬ ‫ُممبِمَا عَمِلُوا َيوْمَم‬ ‫ْنم مَا كَانُوا ثُمّ ُيَنّبُئه ْ‬ ‫َذلِكَم وَل أَ ْكثَرَ إِلّ ُهوَ مَ َعهُم ْمَأي َ‬ ‫الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ الّلهَ بِكُلّ شَ ْيءٍ َعلِيمٌ (‪)7‬‬ ‫أل تعلم أن ال تعال يعلم كل شيء ف السموات والرض؟ ما يتناجى‬ ‫ثلثة مِن خلقه بديث س ّر إل هو رابعهم بعلمه وإحاطته‪ ,‬ول خسة إل‬ ‫هو سادسهم‪ ،‬ول أقلّ من هذه العداد الذكورة ول أكثرُ منها إل هو‬ ‫معهم بعلمه ف أيّ مكان كانوا‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمرهم‪ ,‬ث‬ ‫‪1854‬‬

‫يبهم تعال يوم القيامة با عملوا من خي وشر ويازيهم عليه‪ .‬إن ال‬ ‫بكل شيء عليم‪.‬‬ ‫جوَى ُثمّ يَعُودُونَ لِمَا ُنهُوا َعنْهُ َوَيَتنَا َجوْ َن‬ ‫َألَمْ َترَى ِإلَى الّذِي َن ُنهُوا عَنْ النّ ْ‬ ‫ك بِ هِ‬ ‫حيّ َ‬ ‫صَيةِ الرّ سُولِ وَِإذَا جَاءُو كَ َحّيوْ كَ بِمَا لَ ْم ُي َ‬ ‫بِا ِلثْ مِ وَالْعُ ْدوَا نِ وَمَعْ ِ‬ ‫مهُمْ َج َهنّمُم‬ ‫اللّهُم َويَقُولُونَم فِي أَنفُسِمهِمْ َلوْل يُعَ ّذبُنَا اللّهُمبِمَا نَقُولُ حَس ُْب‬ ‫يَصَْل ْوَنهَا َفِبْئسَ الْمَصِيُ (‪)8‬‬

‫أل تر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل اليهود الذين نُهوا عن الديث سرّا با يثي‬ ‫الشك ف نفوس الؤمني‪ ,‬ث يرجعون إل ما نُهوا عنه‪ ،‬ويتحدثون سرّا با‬ ‫هو إث وعدوان ومالفة لمر الرسول؟ وإذا جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء‬ ‫اليهود لمر من المور حيّوك بغي التحية الت جعلها ال لك تية‪،‬‬ ‫فقالوا‪( :‬السام عليك) أي‪ :‬الوت لك‪ ,‬ويقولون فيما بينهم‪ :‬هل يعاقبنا‬ ‫ال با نقول لحمد إن كان رسول حقًا‪ ,‬تكفيهم جهنم يدخلونا‪,‬‬ ‫ويقاسون حرها‪ ،‬فبئس الرجع هي‪.‬‬ ‫صَيةِ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا َتنَا َجْيُت مْ فَل َتَتنَا َجوْا بِا ِلثْ مِ وَالْعُ ْدوَا نِ وَمَعْ ِ‬

‫حشَرُونَ (‪)9‬‬ ‫الرّسُولِ َوَتنَا َجوْا بِاْلبِ ّر وَالتّ ْقوَى وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي ِإَلْيهِ ُت ْ‬ ‫‪1855‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا تدثتم فيما بينكم‬ ‫سرًا‪ ،‬فل تتحدثوا با فيه إث من القول‪ ،‬أو با هو عدوان على غيكم‪,‬‬ ‫أو مالفة لمر الرسول‪ ،‬وتدثوا با فيه خي وطاعة وإحسان‪ ،‬وخافوا ال‬ ‫بامتثالكم أوامره واجتنابكم نواهيه‪ ،‬فإليه وحده مرجعكم بميع‬ ‫أعمالكم وأقوالكم الت أحصاها عليكم‪ ,‬وسيجازيكم با‪.‬‬ ‫شيْطَا نِ ِلَيحْزُ نَ الّذِي نَ آ َمنُوا َوَليْ سَ بِضَارّهِ مْ َشيْئا إِلّ‬ ‫جوَى مِ ْن ال ّ‬ ‫ِإنّمَا النّ ْ‬ ‫ِبإِ ْذنِ اللّهِ وَعَلَى الّلهِ فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)10‬‬ ‫إنا التحدث خفية بالث والعدوان من وسوسة للشيطان‪ ،‬فهو الزيّن لا‪,‬‬ ‫والامل عليها; ليُدْخِل الزن على قلوب الؤمني‪ ،‬وليس ذلك بؤذي‬ ‫الؤمني شيئًا إل بشيئة ال تعال وإرادته‪ .‬وعلى ال وحده فليعتمد‬ ‫الؤمنون به‪.‬‬ ‫س ْح‬ ‫سحُوا فِي الْمَجَالِ سِ فَافْ سَحُوا يَفْ َ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإذَا قِيلَ لَ ُك ْم تَفَ ّ‬ ‫اللّ هُ لَ ُك مْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرَْف عْ اللّ هُ الّذِي نَ آ َمنُوا ِمنْكُ ْم وَالّذِي نَ‬ ‫أُوتُوا الْعِلْمَ َد َرجَاتٍ وَالّلهُ بِمَا تَعْ َملُونَ َخبِيٌ ( ‪)11‬‬

‫‪1856‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا طُلب منكم أن‬ ‫يوسع بعضكم لبعض الجالس فأوسعوا‪ ،‬يوسع ال عليكم ف الدنيا‬ ‫والخرة‪ ،‬وإذا طلب منكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬أن تقوموا من مالسكم لمر‬ ‫من المور الت يكون فيها خي لكم فقوموا‪ ،‬يرفع ال مكانة الؤمني‬ ‫الخلصي منكم‪ ،‬ويرفع مكانة أهل العلم درجات كثية ف الثواب‬ ‫ومراتب الرضوان‪ ,‬وال تعال خبي بأعمالكم ل يفى عليه شيء منها‪,‬‬ ‫وهو مازيكم عليها‪ .‬وف الية تنويه بكانة العلماء وفضلهم‪ ،‬ورفع‬ ‫درجاتم‪.‬‬ ‫جوَاكُ مْ صَدََقةً‬ ‫ي َن ْ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإذَا نَا َجْيتُ مْ الرّ سُولَ فَ َقدّمُوا َبيْ نَ َيدَ ْ‬ ‫َذلِكَ َخيْ ٌر لَكُمْ وََأ ْطهَ ُر َفِإنْ لَمْ َتجِدُوا َفِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)12‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا أردت أن تُكلّموا‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم سرّا بينكم وبينه‪ ،‬فقدّموا قبل ذلك‬ ‫صدقة لهل الاجة‪ ,‬ذلك خي لكم لا فيه من الثواب‪ ,‬وأزكى لقلوبكم‬ ‫من الآث‪ ،‬فإن ل تدوا ما تتصدقون به فل حرج عليكم؛ فإن ال غفور‬ ‫لعباده الؤمني‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫‪1857‬‬

‫ب اللّ هُ‬ ‫جوَاكُ مْ صَ َدقَاتٍ َفإِ ْذ لَ مْ تَفْ َعلُوا َوتَا َ‬ ‫أَأَشْفَ ْقُتمْ أَنْ تُقَدّمُوا َبيْ نَ يَ َديْ َن ْ‬ ‫عََليْكُ مْ فَأَقِيمُوا ال صّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ وََأطِيعُوا اللّ هَ َورَ سُوَلهُ وَاللّ هُ َخبِيٌ بِمَا‬ ‫تَعْمَلُونَ (‪)13‬‬ ‫أخشيتم الفقر إذا قدّمتم صدقة قبل مناجاتكم رسول ال؟ فإ ْذ ل تفعلوا‬ ‫ما أُمرت به‪ ،‬وتاب ال عليكم‪ ,‬ورخّص لكم ف أل تفعلوه‪ ،‬فاثبتوا‬ ‫وداوموا على إقام الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة ال ورسوله ف كل ما‬ ‫أُمرت به‪ ,‬وال سبحانه خبي بأعمالكم‪ ,‬ومازيكم عليها‪.‬‬ ‫ضبَ اللّهُ عََلْيهِ ْم مَا هُ ْم ِمنْكُ ْم وَل ِمْنهُمْ‬ ‫َألَمْ تَرَى ِإلَى الّذِي َن َتوَّلوْا َقوْما غَ ِ‬ ‫ب وَهُمْ يَعَْلمُونَ (‪)14‬‬ ‫َويَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِ ِ‬ ‫أل تر إل النافقي الذين اتذوا اليهود أصدقاء ووالوهم؟ والنافقون ف‬ ‫القيقة ليسوا من السلمي ول من اليهود‪ ،‬ويلفون كذبًا أنم مسلمون‪،‬‬ ‫وأنك رسول ال‪ ,‬وهم يعلمون أنم كاذبون فيما حلفوا عليه‪.‬‬ ‫أَعَدّ الّلهُ َلهُمْ َعذَابا َشدِيدا ِإّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‪)15‬‬

‫‪1858‬‬

‫أع ّد ال لؤلء النافقي عذابًا بالغ الشدة والل‪ ,‬إنم ساء ما كانوا‬ ‫يعملون من النفاق واللف على الكذب‪.‬‬ ‫صدّوا عَنْ َسبِي ِل الّلهِ فََلهُمْ َعذَابٌ ُم ِهيٌ (‪)16‬‬ ‫اّتخَذُوا َأيْمَاَنهُمْ ُجّنةً فَ َ‬ ‫اتذ النافقون أيانم الكاذبة وقاية لم من القتل بسبب كفرهم‪ ,‬ولنع‬ ‫السلمي عن قتالم وأخذ أموالم‪ ,‬فبسبب ذلك صدّوا أنفسهم وغيهم‬ ‫عن سبيل ال وهو السلم‪ ،‬فلهم عذاب مُذلّ ف النار؛ لستكبارهم عن‬ ‫اليان بال ورسوله وصدّهم عن سبيله‪.‬‬ ‫ب النّارِ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫لَ نْ تُ ْغنِ َي َعْنهُ مْ أَ ْموَاُلهُ مْ وَل َأوْلدُهُ ْم مِ نْ اللّ هِ َشيْئا ُأ ْوَلئِ كَ أَ ْ‬ ‫هُ ْم فِيهَا خَالِدُونَ (‪)17‬‬ ‫لن تدفع عن النافقي أموالم ول أولدهم مِن عذاب ال شيئًا‪ ،‬أولئك‬ ‫أهل النار يدخلونا فيبقون فيها أبدا‪ ,‬ل يرجون منها‪ .‬وهذا الزاء يعم‬ ‫كلّ من صدّ عن دين ال بقوله أو فعله‪.‬‬ ‫سبُونَ َأّنهُ مْ‬ ‫َيوْ مَ َيبْ َعُثهُ ْم اللّ هُ جَمِيعا َفَيحْلِفُو نَ لَ هُ كَمَا َيحْلِفُو نَ لَكُ مْ َوَيحْ َ‬ ‫‪1859‬‬

‫عَلَى شَ ْيءٍ أَل ِإّنهُ ْم هُ ْم الْكَا ِذبُونَ (‪)18‬‬ ‫يوم القيامة يبعث ال النافقي جيعًا من قبورهم أحياء‪ ,‬فيحلفون له أنم‬ ‫كانوا مؤمني‪ ،‬كما كانوا يلفون لكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف الدنيا‪,‬‬ ‫ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند ال كما كان ينفعهم ف الدنيا عند‬ ‫السلمي‪ ,‬أل إنم هم البالغون ف الكذب حدًا ل يبلغه غيهم‪.‬‬ ‫شيْطَا نِ أَل‬ ‫شيْطَا نُ فَأَن سَاهُمْ ذِ ْكرَ اللّ هِ ُأ ْوَلئِ كَ حِ ْز بُ ال ّ‬ ‫حوَذَ َعَلْيهِ مْ ال ّ‬ ‫ا ْسَت ْ‬ ‫شيْطَانِ ُهمْ اْلخَا ِسرُونَ ( ‪)19‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ِإنّ حِزْ َ‬ ‫غلب عليهم الشيطان‪ ،‬واستول عليهم‪ ,‬حت تركوا أوامر ال والعمل‬ ‫بطاعته‪ ,‬أولئك حزب الشيطان وأتباعه‪ .‬أل إن حزب الشيطان هم‬ ‫الاسرون ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ك فِي الَ َذّليَ (‪)20‬‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُيحَادّونَ الّلهَ َورَسُوَلهُ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫إن الذين يالفون أمر ال ورسوله‪ ،‬أولئك من جلة الذلء الغلوبي‬ ‫الهاني ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪1860‬‬

‫ب الّلهُ لَغِْلبَنّ َأنَا َورُسُلِي ِإ ّن الّلهَ َقوِيّ عَزِيزٌ (‪)21‬‬ ‫َكتَ َ‬ ‫كتب ال ف اللوح الحفوظ وحَكَم بأن النصرة له ولكتابه ورسله‬ ‫وعباده الؤمني‪ .‬إن ال سبحانه قوي ل يعجزه شيء‪ ,‬عزيز على خلقه‪.‬‬ ‫ل َتجِدُ َقوْما ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ وَاْلَيوْ مِ ال ِخرِ ُيوَادّو نَ مَ نْ حَادّ اللّ هَ َورَ سُوَل ُه‬ ‫ك َكتَ بَ فِي‬ ‫َولَوْ كَانُوا آبَاءَهُ مْ َأوْ َأْبنَاءَهُ مْ َأوْ ِإ ْخوَاَنهُ مْ َأوْ َعشِ َيَتهُ مْ ُأوَْلئِ َ‬ ‫حتِهَا‬ ‫ت َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫قُلُوِبهِ مْ الِيَا نَ وََأيّدَ ُه مْ ِبرُو حٍ ِمنْ ُه َويُدْخُِلهُ مْ َجنّا ٍ‬ ‫ب اللّ هِ أَل‬ ‫ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َرضِ َي اللّ هُ َعْنهُ ْم َو َرضُوا َعنْ هُ ُأوَْلئِ كَ ِحزْ ُ‬

‫ب الّلهِ هُمْ الْمُفِْلحُونَ ( ‪)22‬‬ ‫ِإنّ حِزْ َ‬

‫ل ت د ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬قومًا ي صدّقون بال واليوم ال خر‪ ،‬ويعملون ب ا‬ ‫شرع ال لمم‪ ,‬يبون ويوالون مَن عادى ال ورسموله وخالف أمرهام‪,‬‬ ‫ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو أقرباءهم‪ ،‬أولئك الوالون ف‬ ‫ال والعادون فيه َثبّ تَ ف قلوبم اليان‪ ,‬وقوّاهم بنصر منه وتأييد على‬ ‫عدوهم ف الدنيا‪ ،‬ويدخلهم ف الخرة جنات تري من تت أشجارها‬ ‫النار‪ ,‬ماكث ي في ها زمانًا متدًا ل ينق طع‪ ،‬أحلّ ال علي هم رضوا نه فل‬ ‫يسمخط عليهمم‪ ,‬ورضوا عمن ربمم بام أعطاهمم ممن الكرامات ورفيمع‬ ‫معادة‬ ‫مم الفائزون بسم‬ ‫الدرجات‪ ,‬أولئك حزب ال وأولياؤه‪ ,‬وأولئك هم‬ ‫‪1861‬‬

‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -59‬سورة الشر‬ ‫َسبّحَ لِّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)1‬‬ ‫نزّه ال عن كل ما ل يليق به كلّ ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬وهو‬ ‫العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف َقدَره وتدبيه وصنعه وتشريعه‪ ,‬يضع‬ ‫المور ف مواضعها‪.‬‬ ‫ب مِنْ ِديَارِهِمْ َلوّلِ اْلحَشْ ِر‬ ‫ُهوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْ ِل الْ ِكتَا ِ‬ ‫مَا َظَنْنتُ مْ أَ ْن َيخْرُجُوا َو َظنّوا َأّنهُ ْم مَانِ َعُتهُ مْ حُ صُوُنهُمْ مِ نْ اللّ هِ فََأتَاهُ ْم اللّ هُ‬ ‫مُوا وَقَذَ فَ فِي قُلُوِبهِ مْ الرّعْ بَ ُيخْ ِربُونَمُبيُوَتهُم ْم‬ ‫حتَسِب‬ ‫مِن ْم َحيْ ثُ لَ مْ َي ْ‬

‫بَِأيْدِيهِمْ َوَأيْدِي الْ ُمؤْ ِمِنيَ فَا ْعَتبِرُوا يَا أُولِي ا َلبْصَارِ (‪)2‬‬

‫همو‪ -‬سمبحانه‪ -‬الذي أخرج الذيمن جحدوا نبوة مممد صملى ال عليمه‬ ‫و سلم‪ ،‬من أ هل الكتاب‪ ,‬و هم يهود ب ن النض ي‪ ,‬من م ساكنهم ال ت‬ ‫‪1862‬‬

‫جاوروا با السلمي حول "الدينة"‪ ,‬وذلك أول إخراج لم من "جزيرة‬ ‫العرب" إل "الشام"‪ ,‬ما ظننتم‪ -‬أيها السلمون ‪ -‬أن يرجوا من ديارهم‬ ‫بذا الذل والوان; لشدة بأسهم وقوة منعتهم‪ ,‬وظن اليهود أن حصونم‬ ‫تدفع عنهم بأس ال ول يقدر عليها أحد‪ ,‬فأتاهم ال من حيث ل يطر‬ ‫لمم ببال‪ ,‬وألقمى فم قلوبمم الوف والفزع الشديمد‪ُ ,‬يخْربون بيوتمم‬ ‫بأيدي هم وأيدي الؤمن ي‪ ,‬فاتعظوا يا أ صحاب الب صائر ال سليمة والعقول‬ ‫الراجحة با جرى لم‪.‬‬ ‫ب اللّ هُ عََلْيهِ مْ اْلجَلءَ لَعَ ّذَبهُ مْ فِي ال ّدنْيَا َولَهُ ْم فِي الخِرَةِ‬ ‫َوَلوْل أَ نْ َكتَ َ‬ ‫ب النّارِ (‪)3‬‬ ‫عَذَا ُ‬ ‫ولول أن كتب ال عليهم الروج مِن ديارهم وقضاه‪ ,‬لَعذّبم ف الدنيا‬ ‫بالقتل والسب‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب النار‪.‬‬ ‫َذلِكَ بَِأّنهُمْ شَاقّوا اللّهَ َورَسُوَلهُ وَمَنْ ُيشَاقّ اللّهَ َفِإنّ اللّهَ َشدِيدُ الْعِقَابِ (‬ ‫‪)4‬‬

‫‪1863‬‬

‫ذلك‪ -‬الذي أصاب اليهود ف الدنيا وما ينتظرهم ف الخرة‪ -‬لنم‬ ‫خالفوا أمر ال وأمر رسوله أش ّد الخالفة‪ ,‬وحاربوها وسعَوا ف‬ ‫معصيتهما‪ ,‬ومن يالف ال ورسوله فإن ال شديد العقاب له‪.‬‬ ‫مَا قَطَ ْعتُ مْ مِ ْن لِينَةٍ َأوْ تَرَ ْكتُمُوهَا قَائِ َمةً عَلَى أُ صُولِهَا َفِبإِذْ نِ اللّ هِ َوِليُخْزِ يَ‬ ‫الْفَاسِ ِقيَ (‪)5‬‬ ‫ما قطعتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬من نلة أو تركتموها قائمة على ساقها‪ ,‬من‬ ‫غي أن تتعرضوا لا‪ ,‬فبإذن ال وأمره؛ وليُذلّ بذلك الارجي عن طاعته‬ ‫الخالفي أمره ونيه‪ ,‬حيث سلّطكم على قطع نيلهم وتريقها‪.‬‬ ‫وَمَا أَفَاءَ اللّ هُ َعلَى رَ سُوِلهِ ِمْنهُ ْم فَمَا َأوْجَ ْفتُ ْم عََليْ هِ مِ نْ َخيْلٍ وَل رِكَا بٍ‬ ‫ط رُسَُلهُ َعلَى مَ ْن َيشَاءُ وَالّلهُ عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِي ٌر (‪)6‬‬ ‫َولَكِنّ الّلهَ ُيسَلّ ُ‬ ‫وما أفاءه ال على رسوله من أموال يهود بن النضي‪ ,‬فلم تركبوا‬ ‫لتحصيله خيل ول إبل ولكن ال يسلّط رسله على مَن يشاء مِن أعدائه‪,‬‬ ‫فيستسلمون لم بل قتال‪ ,‬والفيء ما أُخذ من أموال الكفار بق من غي‬ ‫قتال‪ .‬وال على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬ ‫‪1864‬‬

‫مَا َأفَاءَ اللّ هُ عَلَى رَ سُوِلهِ مِ نْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّ هِ َولِلرّ سُولِ َولِذِي الْقُرْبَى‬ ‫سبِيلِ كَ ْي ل يَكُو نَ دُوَلةً َبيْ نَ الَ ْغِنيَاءِ ِمنْكُ مْ‬ ‫وَاْلَيتَامَى وَالْمَ سَا ِكيِ وَابْ نِ ال ّ‬ ‫وَمَا آتَاكُ مْ الرّ سُولُ َفخُذُو هُ وَمَا َنهَاكُ مْ َعنْ هُ فَاْنَتهُوا وَاتّقُوا اللّ هَ إِنّ اللّ هَ‬ ‫شَدِيدُ الْعِقَابِ (‪)7‬‬ ‫ما أفاءه ال على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غي ركوب‬ ‫خيل ول إبل فلله ولرسوله‪ ,‬يُصْرف ف مصال السلمي العامة‪ ,‬ولذي‬ ‫قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واليتامى‪ ,‬وهم الطفال الفقراء‬ ‫الذين مات آباؤهم‪ ,‬والساكي‪ ,‬وهم أهل الاجة والفقر‪ ,‬وابن السبيل‪,‬‬ ‫وهو الغريب السافر الذي نَفِدت نفقته وانقطع عنه ماله؛ وذلك حت ل‬ ‫يكون الال ملكًا متداول بي الغنياء وحدهم‪ ,‬ويرم منه الفقراء‬ ‫والساكي‪ .‬وما أعطاكم الرسول من مال‪ ,‬أو شرعه لكم مِن شرع‪,‬‬ ‫فخذوه‪ ,‬وما ناكم عن أَخْذه أو فِعْله فانتهوا عنه‪ ,‬واتقوا ال بامتثال‬ ‫أوامره وترك نواهيه‪ .‬إن ال شديد العقاب لن عصاه وخالف أمره ونيه‪.‬‬ ‫والية أصل ف وجوب العمل بالسنة‪ :‬قول أو فعل أو تقريرًا‪.‬‬ ‫لِلْفُقَرَاءِ الْ ُمهَاجِرِي نَ الّذِي نَ أُ ْخرِجُوا مِ نْ دِيارِهِ مْ وَأَ ْموَاِلهِ مْ َيْبتَغُو نَ فَضْلً‬ ‫ك هُمْ الصّادِقُونَ (‪)8‬‬ ‫مِنْ الّلهِ َو ِرضْوَانا َوَينْصُرُونَ الّلهَ َورَسُوَلهُ ُأ ْوَلئِ َ‬ ‫‪1865‬‬

‫وكذلك يُعطى من الال الذي أفاءه ال على رسوله الفقراء الهاجرون‪,‬‬ ‫الذين اضطرهم كفار "مكة" إل الروج من ديارهم وأموالم يطلبون‬ ‫من ال أن يتفضل عليهم بالرزق ف الدنيا والرضوان ف الخرة‪,‬‬ ‫وينصرون دين ال ورسوله بالهاد ف سبيل ال‪ ,‬أولئك هم الصادقون‬ ‫الذين صدّقوا قولم بفعلهم‪.‬‬ ‫ِمم وَل‬ ‫َنم هَا َجرَ ِإَليْه ْ‬ ‫ّونم م ْ‬ ‫حب َ‬ ‫ِممُي ِ‬ ‫ِنم َقبِْله ْ‬ ‫َانم م ْ‬ ‫ِينم َتَب ّوءُوا الدّارَ وَالِي َ‬ ‫وَالّذ َ‬ ‫سهِمْ َوَلوْ كَا نَ‬ ‫صدُورِهِمْ حَا َج ًة مِمّا أُوتُوا َوُي ْؤثِرُو نَ عَلَى َأنْفُ ِ‬ ‫َيجِدُو نَ فِي ُ‬ ‫ِبهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَ ْن يُوقَ شُ ّح نَ ْفسِهِ فَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الْمُفِْلحُونَ (‪)9‬‬

‫والذين استوطنوا "الدينة"‪ ,‬وآمنوا من قبل هجرة الهاجرين ‪-‬وهم‬ ‫النصار‪ -‬يبون الهاجرين‪ ,‬ويواسونم بأموالم‪ ,‬ول يدون ف أنفسهم‬ ‫حسدًا لم ما أُعْطوا من مال الفيء وغيه‪ ,‬ويُقَدّمون الهاجرين وذوي‬ ‫الاجة على أنفسهم‪ ,‬ولو كان بم حاجة وفقر‪ ,‬ومن َسلِم من البخل‬ ‫و َمنْعِ الفضل من الال فأولئك هم الفائزون الذين فازوا بطلوبم‪.‬‬ ‫وَالّذِي نَ جَاءُوا مِ نْ بَ ْعدِهِ ْم يَقُولُو نَ َرّبنَا اغْفِرْ َلنَا وَلِ ْخوَاِننَا الّذِي نَ َسبَقُونَا‬ ‫ك َرءُو فٌ َرحِي مٌ (‬ ‫بِالِيَا نِ وَل َتجْعَلْ فِي قُلُوِبنَا ِغلّ لِلّذِي نَ آ َمنُوا َرّبنَا ِإنّ َ‬ ‫‪1866‬‬

‫‪)10‬‬ ‫والذين جاؤوا من الؤمني من بعد النصار والهاجرين الولي يقولون‪:‬‬ ‫ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬واغفر لخواننا ف الدين الذين سبقونا باليان‪ ,‬ول‬ ‫تعل ف قلوبنا حسدًا وحقدًا لحد من أهل اليان‪ ,‬ربنا إنك رؤوف‬ ‫بعبادك‪ ,‬رحيم بم‪ .‬وف الية دللة على أنه ينبغي للمسلم أن يذكر‬ ‫سلفه بي‪ ,‬ويدعو لم‪ ,‬وأن يب صحابة رسول ال‪ ,‬صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬ويذكرهم بي‪ ,‬ويترضى عنهم‪.‬‬ ‫ِنم أَهْ ِل‬ ‫ِينم كَفَرُوا م ْ‬ ‫ِمم الّذ َ‬ ‫ُونم لِ ْخوَاِنه ْ‬ ‫ِينم نَافَقُوا يَقُول َ‬ ‫َمم تَرى ِإلَى الّذ َ‬ ‫َأل ْ‬ ‫الْ ِكتَا بِ َلئِ نْ أُ ْخرِ ْجتُ مْ َلَنخْرُجَنّ مَ َعكُ ْم وَل نُطِي عُ فِي ُك مْ َأحَدا َأبَدا وَإِ نْ‬ ‫شهَدُ ِإّنهُ ْم لَكَا ِذبُونَ (‪)11‬‬ ‫قُوتِ ْلتُ ْم َلنَنْصُ َرنّ ُكمْ وَالّلهُ َي ْ‬

‫أل تنظر إل النافقي‪ ,‬يقولون لخوانم ف الكفر من يهود بن النضي‪:‬‬ ‫لئن أخرجكم ممد ومَن معه مِن منازلكم لنخرجن معكم‪ ,‬ول نطيع‬ ‫فيكم أحدًا أبدًا سألَنا خِذْلنكم أو ترك الروج معكم‪ ,‬ولئن قاتلوكم‬ ‫لنعاوننكم عليهم؟ وال يشهد إن النافقي لكاذبون فيما وعدوا به يهود‬ ‫بن النضي‪.‬‬

‫‪1867‬‬

‫َلئِنْ ُأخْ ِرجُوا ل َيخْرُجُونَ مَ َع ُهمْ َوَلئِنْ قُوتِلُوا ل َينْصُرُوَنهُ ْم وََلئِنْ نَصَرُوهُمْ‬ ‫َليُ َولّنّ الَ ْدبَارَ ثُمّ ل ُينْصَرُونَ ( ‪)12‬‬ ‫لئن أُخرج اليهود من "الدينة" ل يرج النافقون معهم‪ ,‬ولئن قوتلوا ل‬ ‫يقاتلون معهم كما وَعَدوا‪ ,‬ولئن قاتلوا معهم ليولُنّ الدبار فرارًا‬ ‫منهزمي‪ ,‬ث ل ينصرهم ال‪ ,‬بل يذلم‪ ,‬ويُ ِذلّهم‪.‬‬ ‫ك بَِأّنهُ ْم َقوْ ٌم ل يَفْ َقهُو نَ (‬ ‫َلْنتُ مْ أَشَ ّد رَ ْهَبةً فِي صُدُورِهِمْ مِ نْ اللّ هِ َذلِ َ‬ ‫‪)13‬‬ ‫لَخوفُ النافقي وخشيتهم إياكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬أعظم وأشد ف‬ ‫صدورهم من خوفهم وخشيتهم من ال؛ وذلك بسبب أنم قوم ل‬ ‫يفقهون عظمة ال واليان به‪ ,‬ول يرهبون عقابه‪.‬‬ ‫ْسمهُ ْم‬ ‫ِنم َورَاءِ ُج ُدرٍ بَأ ُ‬ ‫َصمنَةٍ َأوْ م ْ‬ ‫ُمم جَمِيعا إِلّ فِي ُقرًى ُمح ّ‬ ‫ل يُقَاتِلُونَك ْ‬ ‫سُبهُمْ جَمِيعا وَقُلُوُبهُ مْ َشتّى َذلِ كَ بَِأّنهُ مْ َقوْ مٌ ل يَعْقِلُو نَ (‬ ‫َبْيَنهُ مْ شَدِيدٌ َتحْ َ‬ ‫‪)14‬‬

‫‪1868‬‬

‫ل يواجهكم اليهود بقتال متمعي إل ف قرى مصنة بالسوار‬ ‫والنادق‪ ,‬أو من خلف اليطان‪ ,‬عداوتم فيما بينهم شديدة‪ ,‬تظن أنم‬ ‫متمعون على كلمة واحدة‪ ,‬ولكن قلوبم متفرقة؛ وذلك بسبب أنم‬ ‫قوم ل يعقلون أمر ال ول يتدبرون آياته‪.‬‬ ‫كَ َمثَ ِل الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِ ْم َقرِيبا ذَاقُوا َوبَالَ أَ ْمرِهِ ْم وََلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪)15‬‬ ‫مثل هؤلء اليهود فيما حلّ بم من عقوبة ال كمثل كفار قريش يوم‬ ‫"بدر"‪ ,‬ويهود بن قينقاع‪ ,‬حيث ذاقوا سوء عاقبة كفرهم وعداوتم‬ ‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب أليم‬ ‫موجع‪.‬‬ ‫شيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَ َفرَ قَالَ ِإنّي َبرِيءٌ ِمْنكَ ِإنّي‬ ‫كَ َمثَ ِل ال ّ‬ ‫َأخَافُ الّلهَ رَبّ الْعَالَ ِميَ ( ‪)16‬‬ ‫ومثل هؤلء النافقي ف إغراء اليهود على القتال ووَعْدهم بالنصر على‬ ‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كمثل الشيطان حي زيّن للنسان‬ ‫الكفر ودعاه إليه‪ ,‬فلما كفر قال‪ :‬إن بريء منك‪ ,‬إن أخاف ال رب‬ ‫اللق أجعي‪.‬‬ ‫‪1869‬‬

‫َفكَا نَ عَاِقَبَتهُمَا َأّنهُمَا فِي النّارِ خَالِ َديْ نِ فِيهَا وَ َذلِ كَ َجزَاءُ الظّالِمِيَ (‬

‫‪)17‬‬

‫فكان عاقبة أمر الشيطان والنسان الذي أطاعه فكفر‪ ,‬أنما ف النار‪,‬‬ ‫ماكَثيْن فيها أبدًا‪ ,‬وذلك جزاء العتدين التجاوزين حدود ال‪.‬‬ ‫س مَا قَدّمَ تْ لِغَ ٍد وَاتّقُوا اللّ هَ ِإنّ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّ هَ َوْلَتنْظُرْ نَفْ ٌ‬ ‫اللّهَ َخبِيٌ ِبمَا تَعْمَلُونَ (‪)18‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا ال‪ ,‬واحذروا‬ ‫عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما ناكم عنه‪ ,‬ولتتدبر كل نفس ما‬ ‫قدمت من العمال ليوم القيامة‪ ,‬وخافوا ال ف كل ما تأتون وما‬ ‫تَذَرون‪ ,‬إن ال سبحانه خبي با تعملون‪ ,‬ل يفى عليه شيء من‬ ‫أعمالكم‪ ,‬وهو مازيكم عليها‪.‬‬ ‫ك هُ ْم الْفَا سِقُونَ (‬ ‫سهُمْ ُأوَْلئِ َ‬ ‫وَل تَكُونُوا كَالّذِي نَ نَ سُوا اللّ هَ َفَأنْ سَاهُمْ َأنْفُ َ‬ ‫‪)19‬‬ ‫‪1870‬‬

‫ول تكونوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬كالذين تركوا أداء حق ال الذي أوجبه‬ ‫عليهم‪ ,‬فأنساهم بسبب ذلك حظوظ أنفسهم من اليات الت تنجيهم‬ ‫من عذاب يوم القيامة‪ ,‬أولئك هم الوصوفون بالفسق‪ ,‬الارجون عن‬ ‫طاعة ال طاعة ورسوله‪.‬‬ ‫جّنةِ هُ مْ الْفَائِزُو نَ‬ ‫ب الْ َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫جّنةِ أَ ْ‬ ‫ب الْ َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫صحَابُ النّارِ وَأَ ْ‬ ‫سَتوِي أَ ْ‬ ‫ل يَ ْ‬

‫(‪)20‬‬

‫ل يستوي أصحاب النار العذّبون‪ ,‬وأصحاب النة النعّمون‪ ,‬أصحاب‬ ‫النة هم الظافرون بكل مطلوب‪ ,‬الناجون من كل مكروه‪.‬‬ ‫شَيةِ اللّ هِ‬ ‫َلوْ َأْن َزلْنَا هَذَا الْقُرْآ نَ عَلَى َجبَلٍ لَ َرَأْيتَ هُ خَاشِعا ُمتَ صَدّعا مِ نْ َخ ْ‬ ‫َوتِلْكَ الَ ْمثَالُ نَضْ ِرُبهَا لِلنّاسِ لَعَّلهُمْ َيتَفَكّرُونَ (‪)21‬‬ ‫لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من البال‪ ,‬ففهم ما فيه مِن وعد ووعيد‪,‬‬ ‫لبصَرْته على قوته وشدة صلبته وضخامته‪ ،‬خاضعًا ذليل متشققًا من‬ ‫خشية ال تعال‪ .‬وتلك المثال نضربا‪ ,‬ونوضحها للناس ؛ لعلهم‬ ‫يتفكرون ف قدرة ال وعظمته‪ .‬وف الية حث على تدبر القرآن‪ ,‬وتفهم‬ ‫معانيه‪ ,‬والعمل به‪.‬‬ ‫‪1871‬‬

‫شهَادَ ِة ُهوَ الرّحْمَ نُ الرّحِي ُم (‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫ُهوَ اللّ هُ الّذِي ل ِإلَ هَ إِلّ ُهوَ عَالِ مُ الْ َغيْ ِ‬

‫‪)22‬‬

‫هو ال سبحانه وتعال العبود بق الذي ل إله سواه‪ ,‬عال السر والعلن‪,‬‬ ‫يعلم ما غاب وما حضر‪ ,‬هو الرحن الذي وسعت رحته كل شيء‪,‬‬ ‫الرحيم بأهل اليان به‪.‬‬ ‫ك الْقُدّو سُ ال سّلمُ الْ ُمؤْمِ نُ الْ ُم َهيْمِ نُ‬ ‫ُهوَ اللّ هُ الّذِي ل ِإلَ هَ إِلّ ُهوَ الْمَِل ُ‬ ‫جبّارُ الْ ُمتَ َكبّرُ ُسْبحَانَ الّلهِ عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪)23‬‬ ‫الْعَزِيزُ اْل َ‬ ‫هو ال العبود بق‪ ,‬الذي ل إله إل هو‪ ,‬اللك لميع الشياء‪ ,‬التصرف‬ ‫فيها بل مانعة ول مدافعة‪ ,‬النّه عن كل نقص‪ ,‬الذي سلِم من كل‬ ‫عيب‪ ,‬الصدّق رسله وأنبياءه با ترسلهم به من اليات البينات‪ ,‬الرقيب‬ ‫على كل خلقه ف أعمالم‪ ,‬العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬البار الذي قهر‬ ‫جيع العباد‪ ,‬وأذعن له سائر اللق‪ ,‬التكبّر الذي له الكبياء والعظمة‪.‬‬ ‫تنّه ال تعال عن كل ما يشركونه به ف عبادته‪.‬‬ ‫سبّحُ لَ هُ مَا فِي‬ ‫سنَى يُ َ‬ ‫ص ّورُ لَ هُ الَ سْمَاءُ اْلحُ ْ‬ ‫ُهوَ اللّ هُ الْخَالِ قُ الْبَارِئُ الْمُ َ‬ ‫‪1872‬‬

‫السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَزِي ُز الْحَكِي ُم ْبِ (‪)24‬‬ ‫هو ال سبحانه وتعال الالق القدر للخلق‪ ،‬البارئ النشئ الوجد لم‬ ‫على مقتضى حكمته‪ ,‬الصوّر خلقه كيف يشاء‪ ,‬له سبحانه الساء‬ ‫السن والصفات العلى‪ ,‬يسبّح له جيع ما ف السموات والرض‪ ,‬وهو‬ ‫العزيز شديد النتقام مِن أعدائه‪ ,‬الكيم ف تدبيه أمور خلقه‪.‬‬

‫‪ -60‬سورة المتحنة‬ ‫ِمم‬ ‫ُونم ِإَليْه ْ‬ ‫ُمم َأ ْوِليَاءَ تُلْق َ‬ ‫ِينم آ َمنُوا ل َتّتخِذُوا َع ُدوّي وَعَ ُدوّك ْ‬ ‫ي َا َأيّه َا الّذ َ‬ ‫بِالْ َموَدّ ِة وَقَ ْد كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُ مْ مِ نْ الْحَقّ ُيخْرِجُو نَ الرّ سُولَ وَِإيّاكُ مْ أَ نْ‬ ‫ُتؤْ ِمنُوا بِاللّ هِ َربّكُ مْ إِ نْ كُنتُ مْ خَ َر ْجتُ مْ ِجهَادا فِي َسبِيلِي وَاْبتِغَاءَ مَ ْرضَاتِي‬ ‫تُ سِرّونَ ِإَلْيهِمْ بِالْ َموَدّةِ وََأنَا أَعْلَمُ ِبمَا أَخْ َفْيتُمْ وَمَا أَعْلَنُت ْم وَمَ نْ يَفْ َعلْ هُ ِمنْ ُكمْ‬ ‫سبِيلِ (‪)1‬‬ ‫فَقَ ْد ضَلّ َسوَاءَ ال ّ‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل تتخذوا عدوي‬ ‫وعدوكم خلصاء وأحباء‪ ,‬تُفْضون إليهم بالودة‪ ,‬فتخبونم بأخبار‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسائر السلمي‪ ,‬وهم قد كفروا با‬ ‫‪1873‬‬

‫جاءكم من الق من اليان بال ورسوله وما نزل عليه من القرآن‪,‬‬ ‫يرجون الرسول ويرجونكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬من "مكة"؛ لنكم‬ ‫تصدقون بال ربكم‪ ,‬وتوحدونه‪ ,‬إن كنتم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬هاجرت‬ ‫ماهدين ف سبيلي‪ ,‬طالبي مرضات عنكم‪ ,‬فل توالوا أعدائي وأعداءكم‪,‬‬ ‫تُفْضون إليهم بالودة سرّا‪ ,‬وأنا أعلم با أخفيتم وما أظهرت‪ ,‬ومن يفعل‬ ‫ذلك منكم فقد أخطأ طريق الق والصواب‪ ,‬وضلّ عن قصد السبيل‪.‬‬ ‫سَنَتهُمْ بِالسّوءِ‬ ‫ِإنْ َيثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً َوَيْبسُطُوا ِإَليْكُمْ َأْي ِدَيهُمْ وََأْل ِ‬

‫َووَدّوا لَوْ تَ ْكفُرُونَ (‪)2‬‬

‫إن يظفر بكم هؤلء الذين تُسرّون إليهم بالودة يكونوا حربًا عليكم‪,‬‬ ‫ويدوا إليكم أيديهم بالقتل والسب‪ ,‬وألسنتهم بالسب والشتم‪ ,‬وهم قد‬ ‫تّنوْا‪ -‬على كل حال‪ -‬لو تكفرون مثلهم‪.‬‬ ‫لَ نْ تَنفَعَكُ مْ َأ ْرحَامُكُ ْم وَل َأوْلدُ ُك ْم َيوْ مَ الْ ِقيَا َمةِ يَفْ صِلُ َبْينَ ُك ْم وَاللّ هُ بِمَا‬ ‫تَعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪)3‬‬

‫‪1874‬‬

‫لن تنفعكم قراباتكم ول أولدكم شيئًا حي توالون الكفار مِن أجلهم‪,‬‬ ‫يوم القيامة يفرق ال بينكم‪ ,‬فيُدْخل أهل طاعته النة‪ ,‬وأهل معصيته‬ ‫النار‪ .‬وال با تعملون بصي‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أقوالكم وأعمالكم‪.‬‬ ‫سَنةٌ فِي ِإبْرَاهِي َم وَالّذِي نَ مَعَ هُ إِ ْذ قَالُوا لِ َقوْ ِمهِ مْ ِإنّا‬ ‫ت لَكُ مْ أُ ْسوَةٌ حَ َ‬ ‫َقدْ كَانَ ْ‬ ‫بُرَآءُ ِمْنكُ مْ وَ ِممّ ا تَ ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ كَفَرْنَا بِكُ مْ َوبَدَا َبْينَنَا َوَبْينَكُ مْ‬ ‫ِيهم‬ ‫ِيمم َلب ِ‬ ‫َهم إِلّ َقوْلَ ِإبْرَاه َ‬ ‫ّهم وَ ْحد ُ‬ ‫الْعَدَاوَةُ وَاْلبَغْضَاءُ َأبَدا َحتّىم ُتؤْ ِمنُوا بِالل ِ‬ ‫ك لَكَ مِنْ اللّهِ مِنْ شَ ْيءٍ َرّبنَا عََلْيكَ َتوَكّ ْلنَا وَِإَليْكَ‬ ‫لَ ْستَغْفِ َر ّن لَكَ وَمَا أَ ْملِ ُ‬

‫َأَنْبنَا وَِإَليْكَ الْمَصِ ُي ( ‪)4‬‬

‫قد كانت لكم‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قدوة حسنة ف إبراهيم عليه السلم‬ ‫والذين معه من الؤمني‪ ,‬حي قالوا لقومهم الكافرين بال‪ :‬إنا بريئون‬ ‫منكم ومّا تعبدون من دون ال من اللة والنداد‪ ,‬كفرنا بكم‪ ,‬وأنكرنا‬ ‫ما أنتم عليه من الكفر‪ ,‬وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا ما دمتم‬ ‫على كفركم‪ ,‬حت تؤمنوا بال وحده‪ ,‬لكن ل يدخل ف القتداء‬ ‫استغفار إبراهيم لبيه; فإن ذلك إنا كان قبل أن يتبي لبراهيم أن أباه‬ ‫عدو ل‪ ,‬فلما تبي له أنه عدو ل تبأ منه‪ ,‬ربنا عليك اعتمدنا‪ ,‬وإليك‬ ‫رجعنا بالتوبة‪ ,‬وإليك الرجع يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪1875‬‬

‫َرّبنَا ل َتجْعَ ْلنَا ِفْتَنةً لِلّذِي َن كَفَرُوا وَاغْفِرْ َلنَا َرّبنَا ِإنّكَ َأْنتَ الْعَزِي ُز اْلحَكِيمُ‬

‫(‪)5‬‬

‫ربنا ل تعلنا فتنة للذين كفروا بعذابك لنا أو تسلط الكافرين علينا‬ ‫فيفتنونا عن ديننا‪ ،‬أو يظهروا علينا فيُفتنوا بذلك‪ ،‬ويقولوا‪ :‬لو كان‬ ‫هؤلء على حق‪ ,‬ما أصابم هذا العذاب‪ ,‬فيزدادوا كفرًا‪ ,‬واستر علينا‬ ‫ذنوبنا بعفوك عنها ربنا‪ ,‬إنك أنت العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف‬ ‫أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫سَنةٌ لِمَنْ كَانَ يَ ْرجُوا اللّهَ وَاْلَيوْمَ الخِ َر وَمَن‬ ‫لَقَ ْد كَانَ لَكُ ْم فِيهِمْ أُ ْسوَةٌ حَ َ‬

‫َيَتوَلّ َفِإنّ الّلهَ ُه َو الْ َغنِ ّي اْلحَمِي ُد (‪)6‬‬

‫لقد كان لكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف إبراهيم عليه السلم والذين معه قدوة‬ ‫حيدة لن يطمع ف الي من ال ف الدنيا والخرة‪ ,‬ومن يُعْرِض عما‬ ‫ندبه ال إليه من التأسي بأنبيائه‪ ,‬ويوال أعداء ال‪ ,‬فإن ال هو الغنّ عن‬ ‫عباده‪ ,‬الميد ف ذاته وصفاته‪ ,‬الحمود على كل حال‪.‬‬ ‫عَ سَى اللّ هُ أَ نْ َيجْعَلَ َبْينَكُ مْ َوَبيْ نَ الّذِي نَ عَا َدْيتُ مْ ِمْنهُ مْ َموَدّةً وَاللّ هُ َقدِيرٌ‬ ‫‪1876‬‬

‫وَالّلهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)7‬‬ ‫عسى ال أن يعل بينكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬وبي الذين عاديتموهم من‬ ‫أقاربكم من الشركي مبة بعد البغضاء‪ ,‬وألفة بعد الشحناء بانشراح‬ ‫صدورهم للسلم‪ ,‬وال قدير على كل شيء‪ ,‬وال غفور لعباده‪ ,‬رحيم‬ ‫بم‪.‬‬ ‫ل َيْنهَاكُ ْم اللّ هُ عَ ْن الّذِي نَ لَ مْ يُقَاتِلُوكُ مْ فِي الدّي نِ َولَ مْ ُيخْ ِرجُوكُ مْ مِ نْ‬ ‫ِديَارِكُمْ َأنْ َتَبرّوهُمْ َوتُ ْقسِطُوا ِإَلْيهِمْ ِإنّ الّلهَ ُيحِبّ الْمُ ْقسِ ِطيَ (‪)8‬‬ ‫ل ينهاكم ال ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن الذين ‪ 550‬ل يقاتلوكم من‬ ‫الكفار بسبب الدين‪ ,‬ول يرجوكم من دياركم أن تكرموهم بالي‪,‬‬ ‫وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبرّكم بم‪ .‬إن ال يب الذين يعدلون ف‬ ‫أقوالم وأفعالم‪.‬‬ ‫ِإنّمَا َيْنهَاكُ مْ اللّ هُ عَ نْ الّذِي نَ قَاتَلُوكُ مْ فِي الدّي نِ وََأخْ َرجُوكُ ْم مِ نْ ِديَارِكُ ْم‬ ‫َوظَاهَرُوا عَلَى ِإخْرَاجِ ُكمْ أَنْ َتوَّلوْهُمْ وَمَنْ َيَتوَّلهُمْ فَُأ ْوَلئِكَ هُمْ الظّالِمُونَ (‬ ‫‪)9‬‬ ‫‪1877‬‬

‫إنا ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم بسبب الدين وأخرجوكم من‬ ‫دياركم‪ ,‬وعاونوا الكفار على إخراجكم أن تولوهم بالنصرة والودة‪,‬‬ ‫ومن يتخذهم أنصارًا على الؤمني وأحبابًا‪ ,‬فأولئك هم الظالون‬ ‫لنفسهم‪ ,‬الارجون عن حدود ال‪.‬‬ ‫حنُوهُنّ اللّ ُه‬ ‫ت ُمهَاجِرَا تٍ فَا ْمَت ِ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإذَا جَاءَكُ مْ الْ ُمؤْ ِمنَا ُ‬ ‫ت فَل تَ ْرجِعُوهُنّ ِإلَى الْكُفّارِ ل هُنّ‬ ‫أَعَْل مُ ِبإِيَاِنهِنّ َفإِ نْ عَلِ ْمتُمُوهُنّ ُمؤْ ِمنَا ٍ‬ ‫حِ ّل لَهُ ْم وَل هُ ْم َيحِلّو نَ َلهُنّ وَآتُوهُ مْ مَا أَنفَقُوا وَل ُجنَا حَ عََلْيكُ مْ أَ نْ‬ ‫صمِ الْ َكوَافِرِ وَاسَْألُوا مَا‬ ‫تَن ِكحُوهُنّ إِذَا آَتْيُتمُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَل ُتمْسِكُوا بِعِ َ‬ ‫أَنفَ ْقتُ مْ َوْليَ سَْألُوا مَا أَنفَقُوا َذلِكُ مْ حُكْ مُ اللّ هِ َيحْكُ مُ َبْينَ ُك ْم وَاللّ هُ عَلِي مٌ‬ ‫حَكِيمٌ (‪)10‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا جاءكم النساء‬ ‫الؤمنات مهاجرات من دار الكفر إل دار السلم‪ ,‬فاختبوهن؛ لتعلموا‬ ‫صدق إيانن‪ ,‬ال أعلم بقيقة إيانن‪ ,‬فإن علمتموهن مؤمنات بسب‬ ‫ما يظهر لكم من العلمات والبينات‪ ,‬فل تردّوهن إل أزواجهن‬ ‫الكافرين‪ ,‬فالنساء الؤمنات ل يلّ لن أن يتزوجن الكفار‪ ,‬ول يلّ‬ ‫للكفار أن يتزوجوا الؤمنات‪ ,‬وأعطوا أزواج اللت أسلمن مثل ما أنفقوا‬ ‫عليهن من الهور‪ ,‬ول إث عليكم أن تتزوجوهن إذا دفعتم لنّ مهورهن‪.‬‬ ‫‪1878‬‬

‫ول تسكوا بنكاح أزواجكم الكافرات‪ ,‬واطلبوا من الشركي ما أنفقتم‬ ‫من مهور نسائكم اللت ارتددن عن السلم ولقن بم‪ ,‬وليطلبوا هم ما‬ ‫أنفقوا من مهور نسائهم السلمات اللت أسلمن ولقن بكم‪ ,‬ذلكم‬ ‫الكم الذكور ف الية هو حكم ال يكم به بينكم فل تالفوه‪ .‬وال‬ ‫عليم ل يفى عليه شيء‪ ,‬حكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫وَإِ نْ فَاتَكُ مْ شَ ْيءٌ مِ نْ َأ ْزوَاجِكُ مْ ِإلَى الْكُفّارِ فَعَاَقْبتُ ْم فَآتُوا الّذِي نَ ذَ َهبَ تْ‬ ‫َأ ْزوَا ُجهُمْ ِمثْ َل مَا أَنفَقُوا وَاتّقُوا الّلهَ الّذِي َأْنُتمْ ِبهِ ُمؤْ ِمنُونَ ( ‪)11‬‬ ‫وإن لقت بعض زوجاتكم مرتدات إل الكفار‪ ,‬ول يعطكم الكفار‬ ‫مهورهن الت دفعتموها لن‪ ,‬ث ظَفِرت بؤلء الكفار أو غيهم وانتصرت‬ ‫عليهم‪ ,‬فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من السلمي من الغنائم أو غيها‬ ‫مثل ما أعطوهن من الهور قبل ذلك‪ ,‬وخافوا ال الذي أنتم به مؤمنون‪.‬‬ ‫ت ُيبَايِ ْعنَ كَ عَلَى أَنْ ل ُيشْرِكْ نَ بِاللّ هِ َشيْئا‬ ‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ إِذَا جَاءَ كَ الْ ُمؤْ ِمنَا ُ‬ ‫وَل يَ سْ ِرقْنَ وَل يَ ْزنِيَ وَل يَ ْقتُلْ نَ َأوْلدَهُنّ وَل يَ ْأتِيَ ِبُب ْهتَا نٍ يَ ْفتَرِينَ هُ َبيْ نَ‬ ‫ف َفبَايِ ْعهُنّ وَا ْستَغْ ِفرْ َلهُنّ اللّهَ ِإنّ‬ ‫ك فِي مَعْرُو ٍ‬ ‫َأيْدِيهِنّ وََأ ْرجُِلهِنّ وَل يَعْصِينَ َ‬ ‫اللّهَ َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)12‬‬

‫‪1879‬‬

‫يا أي ها ال نب إذا جاءك الن ساء الؤمنات بال ور سوله يعاهد نك على أل‬ ‫يعلن مع ال شريكًا ف عبادته‪ ,‬ول يسرقن شيئًا‪ ,‬ول يزني‪ ,‬ول يقتلن‬ ‫أولدهن بعد الولدة أو قبلها‪ ,‬ول يُلحقن بأزواجهن أولدًا ليسوا منهم‪,‬‬ ‫ول يالف نك ف معروف تأمر هن به‪ ,‬فعاهد هن على ذلك‪ ,‬واطلب ل ن‬ ‫الغفرة من ال‪ .‬إن ال غفور لذنوب عباده التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬ ‫ِنم‬ ‫ِمم َقدْ َيئِسمُوا م ْ‬ ‫ّهم َعَلْيه ْ‬ ‫ِبم الل ُ‬ ‫ِينم آ َمنُوا ل َتَت َولّوْا َقوْما غَض َ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫صحَابِ الْ ُقبُورِ (‪)13‬‬ ‫الخِرَ ِة كَمَا َيِئسَ الْكُفّارُ مِنْ َأ ْ‬ ‫يا أي ها الذ ين آمنوا بال ور سوله‪ ,‬ل تتخذوا الذ ين غ ضب ال علي هم;‬ ‫لكفرهم أصدقاء وأخلء‪ ,‬قد يئسوا من ثواب ال ف الخرة‪ ,‬كما يئس‬ ‫الكفار القبورون‪ ,‬من رح ة ال ف الخرة؛ حي شاهدوا حقي قة ال مر‪,‬‬ ‫وعلموا علم اليق ي أن م ل ن صيب ل م من ها‪ ،‬أو ك ما يئس الكفار مِن‬ ‫بَعْث موتاهم ‪-‬أصحاب القبور‪-‬؛ لعتقادهم عدم البعث ‪.‬‬

‫‪ -61‬سورة الصف‬ ‫‪1880‬‬

‫َسبّحَ لِّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)1‬‬ ‫نزّه ال عن كل ما ل يليق به كلّ ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬وهو‬ ‫العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آَ َمنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا ل تَفْعَلُونَ (‪)2‬‬ ‫يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله وعملوا بشر عه‪ ,‬لِ مَ تَعِدون وعدًا‪ ,‬أو‬ ‫تقولون قول ول تفون به؟! وهذا إنكار على مَن يالف فعلُه قولَه‪.‬‬ ‫َكبُ َر مَقْتا ِعنْدَ الّلهِ َأنْ تَقُولُوا مَا ل تَ ْفعَلُونَ (‪)3‬‬ ‫عَظُم بغضًا عند ال أن تقولوا بألسنتكم ما ل تفعلونه‪.‬‬ ‫ب الّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِيِلهِ صَفّا كََأّنهُ ْم بُنيَانٌ مَ ْرصُوصٌ (‪)4‬‬ ‫ِإنّ الّلهَ ُيحِ ّ‬ ‫إن ال ي ب الذ ين يقاتلون ف سبيله صفًا كأن م بنيان متراص م كم ل‬ ‫ينفمذ منمه العدو‪ .‬وفم اليمة بيان فضمل الهاد والجاهديمن؛ لحبمة ال‬ ‫سمبحانه لعباده الؤمنيم إذا صمفّوا مواجهيم لعداء ال‪ ,‬يقاتلونمم فم‬ ‫سبيله‪.‬‬ ‫‪1881‬‬

‫وَِإذْ قَالَ مُو سَى لِ َقوْمِ هِ يَا َقوْ ِم لِ َم ُتؤْذُوَننِي وََقدْ تَعَْلمُو نَ َأنّي َر سُولُ اللّ هِ‬

‫ِإَليْكُ ْم فَلَمّا زَاغُوا َأزَاغَ الّلهُ ُقلُوَبهُمْ وَالّلهُ ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الْفَاسِ ِقيَ ( ‪)5‬‬

‫واذ كر لقو مك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ح ي قال نب ال مو سى عل يه ال سلم‬ ‫لقومه‪ :‬لِ َم تؤذونن بالقول والفعل‪ ,‬وأنتم تعلمون أن رسول ال إليكم؟‬ ‫فل ما عدلوا عن ال ق مع علم هم به‪ ,‬وأ صرّوا على ذلك‪ ،‬صرف ال‬ ‫قلوبم عن قَبول الداية؛ عقوبة لم على زيغهم الذي اختاروه لنفسهم‪.‬‬ ‫وال ل يهدي القوم الارجي عن الطاعة ومنهاج الق‪.‬‬ ‫وَِإذْ قَالَ عِي سَى ابْ نُ مَ ْريَ َم يَا َبنِي إِ سْرَائِيلَ ِإنّي رَ سُولُ اللّ هِ ِإَليْكُ مْ مُ صَدّقا‬ ‫لِمَا َبيْ نَ يَدَيّ مِ نَ الّت ْورَاةِ وَ ُمَبشّرا بِرَ سُولٍ يَأْتِي مِ نْ بَعْدِي ا سْ ُمهُ أَ ْحمَدُ‬ ‫ت قَالُوا َهذَا ِسحْ ٌر ُمِبيٌ (‪)6‬‬ ‫فَلَمّا جَاءَهُمْ بِاْلَبّينَا ِ‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول لقومك‪ -‬حي قال عيسى ابن مري لقومه‪ :‬إن‬ ‫رسول ال إليكم‪ ,‬مصدّقًا لا جاء قبلي من التوراة‪ ,‬وشاهدًا بصدق‬ ‫رسول يأت من بعدي اسه "أحد"‪ ,‬وهو ممد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫وداعيًا إل التصديق به‪ ,‬فلما جاءهم ممد صلى ال عليه وسلم باليات‬ ‫الواضحات‪ ,‬قالوا‪ :‬همذا الذي جئتنا به سحر بيّن‪.‬‬ ‫‪1882‬‬

‫ب وَ ُهوَ يُدْعَى ِإلَى الِ سْلمِ وَاللّ هُ‬ ‫وَمَ نْ َأظْلَ مُ ِممّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ الْكَذِ َ‬

‫ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الظّالِ ِميَ (‪)7‬‬

‫ول أحد أشد ظلمًا وعدونًا من اختلق على ال الكذب‪ ,‬وجعل له‬ ‫شركاء ف عبادته‪ ,‬وهو يُدعى إل الدخول ف السلم وإخلص العبادة‬ ‫ل وحده‪ .‬وال ل يوفّق الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك‪ ,‬إل ما فيه‬ ‫فلحهم‪.‬‬ ‫يُرِيدُو نَ ِليُطْ ِفئُوا نُورَ اللّ هِ بَِأ ْفوَاهِهِ مْ وَاللّ هُ ُمِتمّ نُورِ هِ َوَلوْ كَرِ َه الْكَاِفرُو نَ (‬ ‫‪)8‬‬ ‫يريد هؤلء الظالون أن يبطلوا الق الذي بُ ِعثَ به ممد صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ -‬وهو القرآن‪ -‬بأقوالم الكاذبة‪ ,‬وال مظهر الق بإتام دينه ولو‬ ‫كره الاحدون الكذّبون‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َأرْ سَ َل رَ سُولَهُ بِاْلهُدَى َودِي نِ الْحَقّ ِليُ ْظهِرَ هُ عَلَى الدّي نِ كُلّ هِ َوَلوْ‬ ‫كَرِهَ الْ ُمشْرِكُونَ (‪)9‬‬ ‫‪1883‬‬

‫ال هو الذي أرسل رسوله ممدًا بالقرآن ودين السلم؛ ليعليه على كل‬ ‫الديان الخالفة له‪ ,‬ولو كره الشركون ذلك‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آَ َمنُوا هَلْ َأ ُدلّكُ مْ عَلَى ِتجَارَةٍ تُنجِيكُ ْم مِ نْ عَذَا بٍ َألِي ٍم (‬ ‫‪)10‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬هل أُرشِدكم إل تارة‬ ‫عظيمة الشأن تنجيكم من عذاب موجع؟‬ ‫ُتؤْ ِمنُو نَ بِاللّ هِ َورَ سُوِلهِ َوُتجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ بِأَ ْموَالِكُ مْ وَأَنفُ سِكُمْ‬ ‫َذلِكُمْ َخيْ ٌر لَكُمْ ِإنْ كُنتُمْ تَ ْعلَمُونَ (‪)11‬‬ ‫تداومون على إيانكم بال ورسوله‪ ,‬وتاهدون ف سبيل ال؛ لنصرة دينه‬ ‫با تلكون من الموال والنفس‪ ,‬ذلك خي لكم من تارة الدنيا‪ ,‬إن‬ ‫كنتم تعلمون مضارّ الشياء ومنافعها‪ ,‬فامتثلوا ذلك‪.‬‬ ‫حِتهَا ا َلْنهَارُ وَمَ سَاكِنَ‬ ‫يَغْ ِفرْ لَكُ مْ ُذنُوبَكُ ْم َويُدْخِلْ ُك مْ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫حبّوَنهَا نَ صْرٌ‬ ‫َطّيبَةً فِي َجنّا تِ َعدْ نٍ َذلِ كَ الْ َف ْوزُ الْعَظِي ُم (‪َ )12‬وأُخْرَى ُت ِ‬ ‫‪1884‬‬

‫مِنَ الّلهِ وََفتْ ٌح قَرِيبٌ َوَبشّرْ الْ ُمؤْ ِمِنيَ (‪)13‬‬ ‫إن فعلتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ما أمركم ال به يستر عليكم ذنوبكم‪,‬‬ ‫ويدخلكم جنات تري من تت أشجارها النار‪ ,‬ومساكن طاهرة‬ ‫زكية ف جنات إقامة دائمة ل تنقطع‪ ,‬ذلك هو الفوز الذي ل فوز بعده‪.‬‬ ‫ونعمة أخرى لكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬تبونا هي نصر من ال يأتيكم‪,‬‬ ‫وفتح عاجل يتم على أيديكم‪ .‬وبشّر الؤمني ‪-‬أيها النب‪ -‬بالنصر والفتح‬ ‫ف الدنيا‪ ,‬والنة ف الخرة‪.‬‬ ‫َمم‬ ‫ْنم مَ ْري َ‬ ‫ّهم كَمَا قَالَ عِيسمَى اب ُ‬ ‫ِينم آَ َمنُوا كُونوا أَنصمَارَ الل ِ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذ َ‬ ‫حوَا ِريّو نَ َنحْ نُ أَن صَارُ اللّ هِ َفآَ َمنَ تْ‬ ‫لِ ْلحَوَا ِريّيَ مَ نْ أَن صَارِي ِإلَى اللّ هِ قَالَ الْ َ‬ ‫طَائِ َفةٌ مِ ْن بَنِي ِإ سْرَائِيلَ وَكَفَ َر تْ طَائِفَةٌ فََأيّدْنَا الّذِي نَ آَ َمنُوا عَلَى عَ ُدوّهِ مْ‬ ‫صَبحُوا ظَاهِرِينَ (‪)14‬‬ ‫فََأ ْ‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬كونوا أنصارًا لدين‬ ‫ال‪ ,‬كما كان أصفياء عيسى أنصارًا لدين ال حي قال لم عيسى‪ :‬مَن‬ ‫يتول منكم نصري وإعانت فيما يُقرّب إل ال؟ قالوا‪ :‬نن أنصار دين‬ ‫ال‪ ,‬فاهتدت طائفة من بن إسرائيل‪ ,‬وضلّت طائفة‪ ,‬فأيدنا الذين آمنوا‬

‫‪1885‬‬

‫بال ورسوله‪ ,‬ونصرناهم على مَن عاداهم مِن فرق النصارى‪ ,‬فأصبحوا‬ ‫ظاهرين عليهم؛ وذلك ببعثة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -62‬سورة المعة‬ ‫ك الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ اْلحَكِيمِ‬ ‫سبّحُ لِّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي ا َلرْضِ الْمَلِ ِ‬ ‫ُي َ‬ ‫(‪)1‬‬

‫ينّه ال تعال عن كل ما ل يليق به ك ّل ما ف السموات وما ف الرض‪,‬‬ ‫وهو وحده الالك لكل شيء‪ ,‬التصرف فيه بل منازع‪ ,‬النّه عن كل‬ ‫نقص‪ ,‬العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي بَعَ ثَ فِي الُ ّميّيَ رَ سُولً ِمْنهُم ْمَيتْلُو عََلْيهِ مْ آيَاتِ هِ َويُزَكّيهِم ْم‬

‫ب وَاْلحِكْ َمةَ وَإِ نْ كَانُوا مِ نْ َقبْلُ لَفِي ضَللٍ ُمبِيٍ (‪)2‬‬ ‫َويُعَلّ ُمهُ ْم الْ ِكتَا َ‬ ‫وَآخَرِي َن ِمْنهُمْ لَمّا يَ ْلحَقُوا ِبهِ ْم وَ ُهوَ الْعَزِيزُ اْلحَكِيمُ (‪)3‬‬

‫‪1886‬‬

‫ال سبحانه هو الذي أرسل ف العرب الذين ل يقرؤون‪ ,‬ول كتاب‬ ‫عندهم ول أثر رسالة لديهم‪ ,‬رسول منهم إل الناس جيعًا‪ ,‬يقرأ عليهم‬ ‫القرآن‪ ,‬ويطهرهم من العقائد الفاسدة والخلق السيئة‪ ,‬ويعلّمهم‬ ‫القرآن والسنة‪ ,‬إنم كانوا من قبل بعثته لفي انراف واضح عن الق‪.‬‬ ‫وأرسله سبحانه إل قوم آخرين ل ييئوا بعدُ‪ ,‬وسيجيئون من العرب‬ ‫ومن غيهم‪ .‬وال تعال‪ -‬وحده‪ -‬هو العزيز الغالب على كل شيء‪,‬‬ ‫الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫َذلِكَ فَضْ ُل الّلهِ ُي ْؤتِيهِ مَ ْن َيشَاءُ وَالّلهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (‪)4‬‬ ‫ذلك البعث للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ف أمة العرب وغيهم‪ ,‬فضل‬ ‫من ال‪ ,‬يعطيه مَن يشاء من عباده‪ .‬وهو ‪ -‬وحده‪ -‬ذو الحسان‬ ‫والعطاء الزيل‪.‬‬ ‫َمثَ ُل الّذِي نَ حُمّلُوا الّت ْورَاةَ ثُمّ لَ ْم َيحْمِلُوهَا َك َمثَلِ الْحِمَارِ َيحْمِلُ أَ سْفَارا‬ ‫ِبئْ سَ َمثَلُ الْ َقوْ مِ الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَا تِ اللّ هِ وَاللّ هُ ل َيهْدِي الْ َقوْ مَ الظّالِ ِميَ (‬ ‫‪)5‬‬

‫‪1887‬‬

‫َشَبهُ اليهود الذين كُلّفوا العمل بالتوراة ث ل يعملوا با‪ ,‬كشَبه المار‬ ‫الذي يمل كتبًا ل يدري ما فيها‪َ ,‬قُبحَ َمثَلُ القوم الذين كذّبوا بآيات‬ ‫ال‪ ,‬ول ينتفعوا با‪ ,‬وال ل يوفّق القوم الظالي الذين يتجاوزون‬ ‫حدوده‪ ,‬ويرجون عن طاعته‪.‬‬ ‫قُ ْل يَا َأّيهَا الّذِي نَ هَادُوا إِنْ زَعَ ْمُتمْ َأنّكُ مْ َأ ْولِيَاءُ لِلّ هِ مِ نْ دُونِ النّا سِ َفتَ َمّنوْا‬

‫الْ َموْتَ ِإنْ كُنُتمْ صَادِِقيَ (‪)6‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين تسكوا باللة اليهودية الحرّفة‪ :‬إن ادّعيتم‪-‬‬ ‫كذبًا‪ -‬أنكم أحباء ال دون غيكم من الناس‪ ,‬فتمنّوا الوت إن كنتم‬ ‫صادقي ف ادّعائكم حب ال لكم‪.‬‬ ‫وَل َيَت َمّن ْونَهُ َأبَدا بِمَا َقدّمَتْ َأيْدِيهِ ْم وَالّلهُ عَلِيمٌ بِالظّالِ ِميَ (‪)7‬‬ ‫ول يتمن هؤلء اليهود الوت أبدًا إيثارًا للحياة الدنيا على الخرة‪,‬‬ ‫وخوفًا من عقاب ال لم؛ بسبب ما قدّموه من الكفر وسوء الفعال‪.‬‬ ‫وال عليم بالظالي‪ ,‬ل يفى عليه من ظلمهم شيء‪.‬‬

‫‪1888‬‬

‫ت الّذِي تَفِرّونَ ِمنْهُ َفِإنّهُ مُلقِيكُمْ ثُمّ ُترَدّونَ ِإلَى عَالِمِ الْ َغيْبِ‬ ‫قُلْ ِإنّ الْ َموْ َ‬ ‫شهَادَ ِة َفُيَنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)8‬‬ ‫وَال ّ‬ ‫قل‪ :‬إن الوت الذي تربون منه ل مفرّ منه‪ ,‬فإنه آتٍ إليكم عند ميء‬ ‫آجالكم‪ ,‬ث ترجعون يوم البعث إل ال العال با غاب وما حضر‪,‬‬ ‫فيخبكم بأعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نُودِي لِل صّل ِة مِ نْ َيوْ ِم اْلجُمُ َعةِ فَا سْ َعوْا ِإلَى ذِ ْكرِ‬ ‫اللّهِ َو َذرُوا اْلَبيْعَ َذلِكُمْ َخيْرٌ لَكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم تَعْلَمُونَ (‪)9‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا نادى الؤذن للصلة‬ ‫ف يوم الم عة‪ ,‬فامضوا إل ساع الط بة وأداء ال صلة‪ ,‬واتركوا الب يع‪,‬‬ ‫وكذلك الشراء وجيع ما َيشْغَلُكم عنها‪ ,‬ذلك الذي أُمرت به خي لكم؛‬ ‫ل ا ف يه من غفران ذنوب كم ومثو بة ال ل كم‪ ,‬إن كن تم تعلمون م صال‬ ‫أنفسمكم فافعلوا ذلك‪ .‬وفم اليمة دليمل على وجوب حضور المعمة‬ ‫واستماع الطبة‪.‬‬ ‫ض وَابْتَغُوا مِ نْ فَضْلِ اللّ هِ وَاذْكُرُوا‬ ‫ت ال صّلةُ فَانَتشِرُوا فِي الَرْ ِ‬ ‫ضيَ ْ‬ ‫َفإِذَا قُ ِ‬ ‫اللّهَ َكثِيا لَعَلّكُ ْم تُفِْلحُونَ (‪)10‬‬ ‫‪1889‬‬

‫فإذا سمعتم الطبمة‪ ,‬وأدّيتمم الصملة‪ ,‬فانتشروا فم الرض‪ ,‬واطلبوا ممن‬ ‫رزق ال بسعيكم‪ ,‬واذكروا ال كثيًا ف جيع أحوالكم؛ لعلكم تفوزون‬ ‫بيي الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ّهم‬ ‫ُوكم قَائِما قُ ْل مَا ِعنْ َد الل ِ‬ ‫وَِإذَا رََأوْا ِتجَارَةً َأوْ َلهْوا انفَضّوا ِإَليْهَا َوتَرَك َ‬ ‫َخيْ ٌر مِنْ الّل ْهوِ وَمِنْ التّجَارَةِ وَالّلهُ َخيْرُ الرّازِِقيَ (‪)11‬‬ ‫إذا رأى بعض السلمي تارة أو شيئًا مِن لو الدنيا وزينتها تفرّقوا إليها‪,‬‬ ‫وتركوك ‪-‬أيها النب‪ -‬قائمًا على النب تطب‪ ,‬قل لم‪-‬أيها النب‪ :-‬ما‬ ‫ع ند ال من الثواب والنع يم أن فع ل كم من الل هو و من التجارة‪ ,‬وال‪-‬‬ ‫وحده‪ -‬خي مَن رزق وأعطى‪ ,‬فاطلبوا منه‪ ,‬واستعينوا بطاعته على نيل‬ ‫ما عنده من خيي الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -63‬سورة النافقون‬ ‫شهَدُ ِإنّكَ لَ َرسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعَْلمُ ِإنّكَ لَ َرسُوُلهُ‬ ‫إِذَا جَاءَكَ الْ ُمنَافِقُونَ قَالُوا َن ْ‬ ‫شهَدُ ِإنّ الْ ُمنَافِ ِقيَ لَكَا ِذبُونَ (‪)1‬‬ ‫وَالّلهُ َي ْ‬ ‫‪1890‬‬

‫إذا حضر ملسك النافقون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قالوا بألسنتهم‪ ,‬نشهد إنك‬ ‫لرسول ال‪ ,‬وال يعلم إنك لرسول ال‪ ,‬وال يشهد إن النافقي لكاذبون‬ ‫فيما أظهروه من شهادتم لك‪ ,‬وحلفوا عليه بألسنتهم‪ ,‬وأضمروا الكفر‬ ‫به‪.‬‬ ‫صدّوا عَنْ َسبِي ِل اللّهِ ِإّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَ ْعمَلُونَ (‬ ‫اّتخَذُوا َأيْمَاَنهُمْ ُجّنةً فَ َ‬

‫‪َ )2‬ذلِكَ بَِأّنهُمْ آ َمنُوا ثُ ّم كَفَرُوا فَ ُطبِ َع عَلَى قُلُوِبهِمْ َفهُمْ ل يَفْ َقهُونَ (‪)3‬‬

‫إن ا ج عل النافقون أيان م ال ت أق سموها سترة ووقا ية ل م من الؤاخذة‬ ‫والعذاب‪ ,‬ومنعوا أنفسمهم‪ ,‬ومنعوا الناس عمن طريمق ال السمتقيم‪ ,‬إنمم‬ ‫بئس ما كانوا يعملون؛ ذلك لنم آمنوا ف الظاهر‪ ,‬ث كفروا ف الباطن‪,‬‬ ‫فختم ال على قلوبم بسبب كفرهم‪ ,‬فهم ل يفهمون ما فيه صلحهم‪.‬‬ ‫جبُ كَ َأجْ سَا ُمهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِ َق ْوِلهِ مْ كََأّنهُمْ ُخشُ ٌ‬ ‫ب‬ ‫وَِإذَا رََأْيَتهُ ْم تُ ْع ِ‬ ‫صْيحَةٍ َعَلْيهِ ْم هُ ْم الْعَ ُدوّ فَا ْح َذرْهُ ْم قَاتََلهُ ْم اللّ هُ َأنّى‬ ‫سبُونَ كُلّ َ‬ ‫سنّدٌَة َيحْ َ‬ ‫مُ َ‬ ‫ُيؤْفَكُونَ (‪)4‬‬ ‫وإذا نظرت إل هؤلء النافقي تعجبك هيئاتم ومناظرهم‪ ,‬وإن يتحدثوا‬ ‫تسممع لديثهمم ; لفصماحة ألسمنتهم‪ ,‬وهمم لفراغ قلوبمم ممن اليان‪,‬‬ ‫‪1891‬‬

‫وعقولم من الفهم والعلم النافع كالخشاب اللقاة على الائط‪ ,‬الت ل‬ ‫حياة في ها‪ ,‬يظنون كل صوت عال واقعًا علي هم وضارًا ب م؛ لعلم هم‬ ‫بقي قة حال م‪ ,‬ولفرط جبن هم‪ ,‬والر عب الذي تكّنم من قلوب م‪ ,‬هم‬ ‫العداء القيقيون شديدو العداوة لك وللمؤمنيم‪ ,‬فخمذ حذرك منهمم‪,‬‬ ‫أخزاهم ال وطردهم من رحته‪ ,‬كيف ينصرفون عن الق إل ما هم فيه‬ ‫من النفاق والضلل؟‬ ‫ستَغْفِرْ لَكُ ْم رَ سُولُ اللّ هِ َلوّوْا ُرءُو َسهُمْ َورََأْيَتهُ مْ‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم تَعَاَلوْا يَ ْ‬

‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)5‬‬ ‫يَصُدّونَ وَهُمْ ُم ْ‬

‫وإذا قيل لؤلء النافقي‪ :‬أقبلوا تائبي معتذرين عمّا بدر منكم من سيّئ‬ ‫القول وسفه الديث‪ ,‬يستغفر لكم رسول ال ويسأل ال لكم الغفرة‬ ‫والعفو عن ذنوبكم‪ ,‬أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً واستكبارًا‪,‬‬ ‫وأبصرتم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يعرضون عنك‪ ,‬وهم مستكبون عن المتثال‬ ‫لا طُلِب منهم‪.‬‬ ‫ستَغْفِ ْر لَهُ مْ لَ نْ يَغْفِ َر اللّ هُ َلهُ مْ ِإنّ اللّ هَ‬ ‫ت لَهُ مْ أَ ْم لَ ْم تَ ْ‬ ‫َسوَاءٌ عََلْيهِ مْ َأ ْستَغْ َفرْ َ‬

‫ل َيهْدِي الْ َقوْمَ الْفَاسِ ِقيَ (‪)6‬‬

‫‪1892‬‬

‫سواء على هؤلء النافقي أطلبت لم الغفرة من ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أم‬ ‫ل تطلب لم‪ ,‬إن ال لن يصفح عن ذنوبم أبدًا ; لصرارهم على الفسق‬ ‫ورسوخهم ف الكفر‪ .‬إن ال ل يوفّق لليان القوم الكافرين به‪,‬‬ ‫الارجي عن طاعته‪.‬‬ ‫ُه مْ الّذِي نَ يَقُولُو نَ ل ُتنْفِقُوا عَلَى مَ ْن ِعنْ َد رَ سُولِ اللّ هِ َحتّى َينْفَضّوا َولِلّ هِ‬

‫َخزَائِنُ السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ َولَكِنّ الْ ُمنَافِ ِقيَ ل يَفْ َقهُونَ (‪)7‬‬

‫هؤلء النافقون هم الذين يقولون لهل "الدينة"‪ :‬ل تنفقوا على‬ ‫أصحاب رسول ال من الهاجرين حت يتفرقوا عنه‪ .‬ول وحده خزائن‬ ‫السموات والرض وما فيهما من أرزاق‪ ,‬يعطيها من يشاء وينعها عمّن‬ ‫يشاء‪ ,‬ولكن النافقي ليس لديهم فقه ول ينفعهم ذلك‪.‬‬ ‫يَقُولُو نَ َلئِ نْ رَجَعْنَا ِإلَى الْ َمدِيَنةِ َليُخْ ِرجَنّ الَعَ ّز ِمنْهَا الَذَ ّل وَلِلّ هِ الْعِزّةُ‬ ‫َولِرَسُولِهِ َولِلْ ُمؤْ ِمِنيَ َولَكِنّ الْ ُمنَافِ ِقيَ ل يَعَْلمُونَ (‪)8‬‬ ‫يقول هؤلء النافقون‪ :‬لئن عُدْنا إل "الدينة" ليخرجنّ فريقنا الع ّز منها‬ ‫فريق الؤمني الذل‪ ,‬ول تعال العزة ولرسوله صلى ال عليه وسلم‪,‬‬ ‫‪1893‬‬

‫وللمؤمني بال ورسوله ل لغيهم‪ ,‬ولكن النافقي ل يعلمون ذلك؛‬ ‫لفرط جهلهم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل ُت ْلهِكُ مْ أَ ْموَالُكُ ْم وَل َأوْلدُ ُك ْم عَ نْ ذِكْرِ اللّ هِ وَمَ نْ‬ ‫ك فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ اْلخَا ِسرُونَ (‪)9‬‬ ‫يَفْعَلْ َذلِ َ‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل َتشْغَلْكم أموالكم‬ ‫ول أولدكم عن عبادة ال وطاعته‪ ,‬ومن تشغَله أمواله وأولده عن‬ ‫ذلك‪ ,‬فأولئك هم الغبونون حظوظهم من كرامة ال ورحته‪.‬‬ ‫وََأنْفِقُوا مِ ْن مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ مِ نْ َقبْلِ أَ نْ يَ ْأتِ يَ َأحَدَكُ ْم الْ َموْ تُ َفيَقُولَ رَبّ‬ ‫حيَ ( ‪)10‬‬ ‫ق وَأَكُنْ مِنْ الصّالِ ِ‬ ‫َلوْل أَخّ ْرَتنِي ِإلَى َأجَلٍ قَرِيبٍ فََأصّدّ َ‬ ‫وأنفقوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بال ورسوله بعض ما أعطيناكم ف طرق الي‪,‬‬ ‫مبادرين بذلك من قبل أن ييء أحدكم الوت‪ ,‬ويرى دلئله وعلماته‪,‬‬ ‫ب هل أمهلتن‪ ,‬وأجّلت موت إل وقت قصي‪ ,‬فأتصدق‬ ‫فيقول نادمًا‪ :‬ر ّ‬ ‫من مال‪ ,‬وأكن من الصالي التقياء‪.‬‬

‫‪1894‬‬

‫َولَنْ ُيؤَخّ َر الّلهُ نَفْسا ِإذَا جَاءَ أَجَُلهَا وَالّلهُ َخبِيٌ ِبمَا تَعْمَلُونَ (‪)11‬‬ ‫ولن يؤخر ال نفسًا إذا جاء وقت موتا‪ ,‬وانقضى عمرها‪ ,‬وال سبحانه‬ ‫خبي بالذي تعملونه من خي وشر‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫‪ -64‬سورة التغابن‬ ‫ك وَلَ هُ الْحَمْ ُد وَ ُهوَ‬ ‫ت وَمَا فِي الَرْ ضِ لَ هُ الْمُ ْل ُ‬ ‫سبّ ُح لِلّ هِ مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬ ‫يُ َ‬ ‫عَلَى كُلّ شَ ْي ٍء قَدِي ٌر (‪)1‬‬ ‫ينّه ال عما ل يليق به كل ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬له سبحانه‬ ‫التصرف الطلق ف كل شيء‪ ,‬وله الثناء السن الميل‪ ,‬وهو على كل‬ ‫شيء قدير‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َخلَقَكُ ْم فَ ِمنْ ُك مْ كَافِ ٌر وَ ِمنْكُ ْم ُمؤْمِ نٌ وَاللّ هُ ِبمَا تَعْمَلُو نَ بَ صِيٌ (‬ ‫‪)2‬‬

‫‪1895‬‬

‫ال هو الذي أوجدكم من العدم‪ ,‬فبعضكم جاحد للوهيته‪ ,‬وبعضكم‬ ‫مصدّق به عامل بشرعه‪ ,‬وهو سبحانه بصي بأعمالكم ل يفى عليه‬ ‫شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم با‪.‬‬ ‫خَلَقَم السّمَموَاتِ وَا َلرْضَم بِاْلحَقّ وَصَموّرَكُ ْم فَأَحْسَمنَ صُمَورَكُ ْم وَِإَليْهِم‬ ‫الْمَصِيُ (‪)3‬‬ ‫خلق ال السموات والرض بالكمة البالغة‪ ,‬وخلقكم ف أحسن صورة‪,‬‬ ‫إليه الرجع يوم القيامة‪ ,‬فيجازي كل بعمله‪.‬‬ ‫يَعَْلمُ مَا فِي السّ َموَاتِ وَا َلرْضِ َويَعْلَ ُم مَا تُسِرّونَ وَمَا تُعِْلنُونَ وَاللّهُ عَلِيمٌ‬ ‫ت الصّدُورِ (‪)4‬‬ ‫بِذَا ِ‬ ‫يعلم سبحانه وتعال كل ما ف السموات والرض‪ ,‬ويعلم ما تفونه‬ ‫أيها الناس‪ -‬فيما بينكم وما تظهرونه‪ .‬وال عليم با تضمره الصدور‬‫وما تفيه النفوس‪.‬‬ ‫َألَمْ يَ ْأتِكُ ْم َنبَأُ الّذِينَ كَ َفرُوا مِنْ َقبْلُ فَذَاقُوا َوبَالَ أَمْرِ ِهمْ َوَلهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ‬ ‫‪1896‬‬

‫(‪)5‬‬ ‫أل يأتكم‪ -‬أيها الشركون‪ -‬خب الذين كفروا من المم الاضية قبلكم‪,‬‬ ‫إذ ح ّل بم سوء عاقبة كفرهم وسوء أفعالم ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة‬ ‫عذاب أليم موجع؟‬ ‫ك بَِأنّ هُ كَانَ تْ تَ ْأتِيهِ مْ رُ سُُلهُمْ بِاْلَبّينَا تِ فَقَالُوا َأَبشَ ٌر َيهْدُونَنَا فَكَ َفرُوا‬ ‫َذلِ َ‬ ‫َوَتوَّلوْا وَا ْستَ ْغنَى الّلهُ وَاللّهُ َغِنيّ حَمِي ٌد (‪)6‬‬ ‫ذلك الذي أصابم ف الدنيا‪ ,‬وما يصيبهم ف الخرة؛ بسبب أنم كانت‬ ‫تأتيهم رسل ال باليات البينات والعجزات الواضحات‪ ,‬فقالوا منكرين‪:‬‬ ‫أبشر مثلنا يرشدوننا؟ فكفروا بال وجحدوا رسالة رسله‪ ,‬وأعرضوا عن‬ ‫الق فلم يقبلوه‪ .‬واستغن ال‪ ,‬وال غن‪ ,‬له الغن التام الطلق‪ ,‬حيد ف‬ ‫أقواله وأفعاله وصفاته ل يبال بم‪ ,‬ول يضره ضللم شيئًا‪.‬‬ ‫زَعَ َم الّذِي نَ كَفَرُوا أَ نْ لَ نْ ُيبْ َعثُوا قُ ْل بَلَى َو َربّ ي َلُتبْ َعثُنّ ثُمّ َلُتَنّبؤُنّ بِمَا‬

‫ك عَلَى الّلهِ َيسِيٌ (‪)7‬‬ ‫عَمِ ْلتُ ْم وَ َذلِ َ‬

‫‪1897‬‬

‫ادّعى الذين كفروا بال باطل أنم لن ُيخْرَجوا من قبورهم بعد الوت‪,‬‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬بلى ورب لُتخْرَجُنّ من قبوركم أحياء‪ ,‬ث‬ ‫خبَ ُرنّ بالذي عملتم ف الدنيا‪ ,‬وذلك على ال يسي هيّن‪.‬‬ ‫لتُ ْ‬ ‫فَآ ِمنُوا بِالّلهِ َورَسُوِلهِ وَالنّورِ الّذِي أَن َزْلنَا وَالّلهُ بِمَا تَعْ َملُونَ َخبِيٌ (‪)8‬‬ ‫فآمنوا بال ورسوله‪ -‬أيها الشركون‪ -‬واهتدوا بالقرآن الذي أنزله على‬ ‫رسوله‪ ,‬وال با تفعلون خبي ل يفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم‪,‬‬ ‫وهو مازيكم عليها يوم القيامة‪.‬‬ ‫َيوْ مَ َيجْمَ ُعكُ مْ ِلَيوْ مِ اْلجَمْ عِ َذلِ كَ َيوْ مُ التّغَابُ نِ وَمَ نْ ُيؤْمِ نْ بِاللّ هِ َويَ ْعمَلْ‬ ‫حتِهَا ا َلنْهَارُ‬ ‫ِنم َت ْ‬ ‫ّاتم َتجْرِي م ْ‬ ‫ْهم َجن ٍ‬ ‫سمّيئَاتِهِ َويُ ْدخِل ُ‬ ‫ْهم َ‬ ‫صمَالِحا يُكَفّرْ َعن ُ‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا َذلِكَ الْ َف ْوزُ الْعَظِي ُم (‪)9‬‬ ‫اذكروا يوم الشر الذي يشر ال فيه الولي والخرين‪ ,‬ذلك اليوم‬ ‫الذي يظهر فيه ال ُغبْن والتفاوت بي اللق‪ ،‬فيغب الؤمنون الكفار‬ ‫والفاسقي‪ :‬فأهل اليان يدخلون النة برحة ال‪ ،‬وأهل الكفر يدخلون‬ ‫النار بعدل ال‪ .‬ومن يؤمن بال ويعمل بطاعته‪ ,‬يح عنه ذنوبه‪ ,‬ويدخله‬ ‫‪1898‬‬

‫جنات تري من تت قصورها النار‪ ,‬خالدين فيها أبدًا‪ ,‬ذلك اللود‬ ‫ف النات هو الفوز العظيم الذي ل فوز بعده‪.‬‬ ‫ب النّارِ خَالِدِي نَ فِيهَا َوِبئْ سَ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫وَالّذِي نَ كَفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا ُأ ْوَلئِ كَ أَ ْ‬ ‫الْمَصِيُ (‪)10‬‬ ‫والذين جحدوا أن ال هو الله الق وكذّبوا بدلئل ربوبيته وبراهي‬ ‫ألوهيته الت أرسل با رسله‪ ,‬أولئك أهل النار ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وساء‬ ‫الرجع الذي صاروا إليه‪ ,‬وهو جهنم‪.‬‬ ‫مَا أَ صَابَ مِ ْن مُ صِيَبةٍ إِ ّل ِبإِذْ نِ اللّ هِ وَمَ نْ ُيؤْمِ ْن بِاللّ هِ َيهْ ِد قَ ْلبَ هُ وَاللّ هُ بِكُلّ‬ ‫شَ ْي ٍء عَلِيمٌ (‪)11‬‬ ‫ما أصاب أحدًا شيءٌ من مكروه َيحُلّ به إل بإذن ال وقضائه وقدره‪.‬‬ ‫ومَن يؤمن بال يهد قلبه للتسليم بأمره والرضا بقضائه‪ ،‬ويهده لحسن‬ ‫القوال والفعال والحوال؛ لن أصل الداية للقلب‪ ،‬والوارح تبع ‪.‬‬ ‫وال بكل شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫‪1899‬‬

‫َلغم‬ ‫ُمم َفِإنّمَا عَلَى رَسمُوِلنَا اْلب ُ‬ ‫ِنم َت َوّلْيت ْ‬ ‫ّهم وََأطِيعُوا الرّسمُولَ َفإ ْ‬ ‫وََأطِيعُوا الل َ‬ ‫الْ ُمبِيُ (‪)12‬‬ ‫وأطيعوا ال ‪-‬أيها الناس‪ -‬وانقادوا إليه فيما أمر به ونى عنه‪ ,‬وأطيعوا‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيما بلّغكم به عن ربه‪ ,‬فإن أعرضتم عن‬ ‫طاعة ال ورسوله‪ ,‬فليس على رسولنا ضرر ف إعراضكم‪ ,‬وإنا عليه أن‬ ‫يبلغكم ما أرسل به بلغًا واضح البيان‪.‬‬ ‫الّلهُ ل ِإَلهَ إِلّ ُه َو وَعَلَى الّلهِ فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُمؤْ ِمنُونَ (‪)13‬‬ ‫ال وحده ل معبود بق سواه‪ ,‬وعلى ال فليعتمد الؤمنون بوحدانيته ف‬ ‫كل أمورهم‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّ مِ نْ َأ ْزوَاجِكُ مْ وََأوْلدِ ُك ْم عَ ُدوّا لَ ُك ْم فَاحْ َذرُوهُ مْ‬ ‫وَِإنْ تَعْفُوا َوتَصْ َفحُوا َوتَغْفِرُوا َفإِنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (‪)14‬‬ ‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬إنّ مِن أزواجكم وأولدكم أعداء لكم‬ ‫يصدونكم عن سبيل ال‪ ,‬ويثبطونكم عن طاعته‪ ,‬فكونوا منهم على‬ ‫حذر‪ ,‬ول تطيعوهم‪ ,‬وإن تتجاوزوا عن سيئاتم وتعرضوا عنها‪,‬‬ ‫‪1900‬‬

‫وتستروها عليهم‪ ,‬فإن ال غفور رحيم‪ ,‬يغفر لكم ذنوبكم؛ لنه سبحانه‬ ‫عظيم الغفران واسع الرحة‪.‬‬ ‫ِإنّمَا أَ ْموَالُكُمْ َوَأوْلدُكُمْ ِفْتَنةٌ وَالّلهُ ِعنْدَهُ َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪)15‬‬ ‫ما أموالكم ول أولدكم إل بلء واختبار لكم‪ .‬وال عنده ثواب عظيم‬ ‫لن آثر طاعته على طاعة غيه‪ ,‬وأدّى حق ال ف ماله‪.‬‬ ‫فَاتّقُوا اللّ هَ مَا ا ْستَطَ ْعتُ ْم وَا سْمَعُوا وََأطِيعُوا وَأَنفِقُوا َخيْرا َلنْفُ سِ ُكمْ وَمَ نْ‬ ‫سهِ فَُأ ْوَلئِكَ هُ ْم الْمُفِْلحُونَ (‪)16‬‬ ‫يُوقَ شُ ّح نَ ْف ِ‬ ‫فابذلوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف تقوى ال جهدكم وطاقتكم‪ ,‬واسعوا لرسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم ساع تدبّر وتفكر‪ ,‬وأطيعوا أوامره واجتنبوا‬ ‫نواهيه‪ ,‬وأنفقوا ما رزقكم ال يكن خيًا لكم‪ .‬ومن سَلِم من البخل‬ ‫و َمنْعِ الفضل من الال‪ ,‬فأولئك هم الظافرون بكل خي‪ ,‬الفائزون بكل‬ ‫مطلب‪.‬‬ ‫ِإنْ تُقْ ِرضُوا الّلهَ قَرْضا َحسَنا يُضَاعِ ْفهُ لَكُ ْم َويَغْفِ ْر لَكُمْ وَالّلهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ‬ ‫‪1901‬‬

‫(‪)17‬‬ ‫إن تنفقوا أموالكم ف سبيل ال بإخلص وطيب نفس‪ ,‬يضاعف ال‬ ‫ثواب ما أنفقتم‪ ,‬ويغفر لكم ذنوبكم‪ .‬وال شكور لهل النفاق بسن‬ ‫الزاء على ما أنفقوا‪ ,‬حليم ل يعجل بالعقوبة على مَن عصاه‪.‬‬ ‫شهَادَ ِة الْعَزِيزُ الْحَكِي ُم (‪)18‬‬ ‫ب وَال ّ‬ ‫عَالِمُ الْ َغيْ ِ‬ ‫وهو سبحانه العال بكل ما غاب وما حضر‪ ,‬العزيز الذي ل يغالَب‪,‬‬ ‫الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫‪ -65‬سورة الطلق‬ ‫يا أي ها الّنبِيّ إِذَا طَلّ ْقتُ مْ النّ سَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِ ّدِتهِنّ وََأحْ صُوا الْعِدّةَ وَاتّقُوا‬ ‫شةٍ‬ ‫اللّ هَ َربّكُ مْ ل ُتخْ ِرجُوهُنّ مِ نْ ُبيُوِتهِنّ وَل َيخْرُجْ نَ إِلّ أَ نْ يَ ْأتِيَ بِفَا ِح َ‬ ‫سهُ ل تَ ْدرِي‬ ‫ُمَبّيَنةٍ َوتِلْ كَ حُدُو ُد اللّ هِ وَمَ نْ َيتَعَدّ حُدُو َد اللّ هِ فَقَ ْد ظَلَ مَ نَفْ َ‬

‫لَعَلّ اللّهَ ُيحْ ِدثُ بَ ْعدَ َذلِكَ أَمْرا ( ‪)1‬‬

‫‪1902‬‬

‫يا أيها النب إذا أردت‪ -‬أنت والؤمنون‪ -‬أن تطلّقوا نساءكم فطلقوهن‬ ‫مستقبلت لعدتن ‪-‬أي ف طهر ل يقع فيه جاع‪ ،‬أو ف حَمْل ظاهر‪-‬‬ ‫واحفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردت أن تراجعوهن‪ ,‬وخافوا‬ ‫ال ربكم‪ ,‬ل ترجوا الطلقات من البيوت الت يسكنّ فيها إل أن‬ ‫تنقضي عدتن‪ ,‬وهي ثلث حيضات لغي الصغية واليسة والامل‪ ,‬ول‬ ‫يوز لن الروج منها بأنفسهن‪ ،‬إل إذا فعلن فعلة منكرة ظاهرة كالزن‪,‬‬ ‫وتلك أحكام ال الت شرعها لعباده‪ ,‬ومن يتجاوز أحكام ال فقد ظلم‬ ‫نفسه‪ ,‬وأوردها مورد اللك‪ .‬ل تدري‪ -‬أيها الطلّق‪ :-‬لعل ال يدث‬ ‫بعد ذلك الطلق أمرًا ل تتوقعه فتراجعها‪.‬‬ ‫َفإِذَا بَلَغْ نَ َأجََلهُنّ فَأَمْ سِكُوهُنّ بِمَ ْعرُو فٍ َأوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُو فٍ وََأ ْشهِدُوا‬ ‫ظ بِ هِ مَ نْ كَا نَ ُيؤْمِ نُ‬ ‫شهَادَ َة لِلّ هِ َذلِ ُك ْم يُوعَ ُ‬ ‫َذوَى عَدْلٍ ِمنْ ُك ْم وَأَقِيمُوا ال ّ‬

‫بِاللّهِ وَاْلَيوْمِ الخِ ِر وَمَنْ َيتّقِ اللّهَ َيجْعَلْ لَهُ َمخْرَجا (‪َ )2‬ويَ ْرزُقْ ُه مِنْ َحيْ ُ‬ ‫ث‬ ‫سُبهُ ِإنّ اللّ هَ بَالِ غُ أَمْرِ ِه قَدْ جَعَلَ‬ ‫حتَ سِبُ وَمَ نْ َيَتوَكّلْ عَلَى اللّ هِ َف ُهوَ حَ ْ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫اللّهُ لِكُلّ شَ ْيءٍ قَدْرا (‪)3‬‬

‫فإذا قاربت الطلقات ناية عدتن فراجعوهن مع حسن العاشرة‪,‬‬ ‫والنفاق عليهن‪ ,‬أو فارقوهن مع إيفاء حقهن‪ ,‬دون الضارّة لن‪,‬‬ ‫‪1903‬‬

‫وأشهدوا على الرجعة أو الفارقة رجلي عدلي منكم‪ ,‬وأدّوا‪ -‬أيها‬ ‫الشهود‪ -‬الشهادة خالصة ل ل لشيء آخر‪ ,‬ذلك الذي أمركم ال به‬ ‫يوعظ به مَن كان يؤمن بال واليوم الخر‪ .‬ومن يف ال فيعمل با أمره‬ ‫به‪ ,‬ويتنب ما ناه عنه‪ ,‬يعل له مرجًا من كل ضيق‪ ,‬وييسّر له أسباب‬ ‫الرزق من حيث ل يطر على باله‪ ,‬ول يكون ف حسبانه‪ .‬ومن يتوكل‬ ‫على ال فهو كافيه ما أهّه ف جيع أموره‪ .‬إن ال بالغ أمره‪ ,‬ل يفوته‬ ‫شيء‪ ,‬ول يعجزه مطلوب‪ ,‬قد جعل ال لكل شيء أجل ينتهي إليه‪,‬‬ ‫وتقديرًا ل ياوزه‪.‬‬ ‫لئِي َيئِ سْنَ مِ نْ الْ َمحِي ضِ مِ نْ نِ سَائِكُمْ إِ نْ ا ْرَتْبتُ ْم فَعِ ّدُتهُنّ ثَلَثةُ َأ ْشهُ ٍر‬ ‫وَال ّ‬ ‫ت الَحْمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ يَضَعْنَ َحمَْلهُنّ وَمَنْ َيتّقِ‬ ‫لئِي لَمْ َيحِضْنَ وَُأوْل ُ‬ ‫وَال ّ‬ ‫اللّهَ َيجْعَلْ َلهُ مِنْ أَمْرِ ِه ُيسْرا (‪)4‬‬ ‫والنساء الطلقات اللت انقطع عنهنّ دم اليض؛ لكب سنهنّ‪ ,‬إن‬ ‫شككتم فلم تدروا ما الكم فيهنّ؟ فعدّتنّ ثلثة أشهر‪ ,‬والصغيات‬ ‫اللت ل يضن‪ ,‬فعدتن ثلثة أشهر كذلك‪ .‬وذوات الَمْل من النساء‬ ‫عدتن أن يضعن حَمْلهن‪ .‬ومن َيخَفِ ال‪ ,‬فينفذ أحكامه‪ ,‬يعل له من‬ ‫أمره يسرًا ف الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫‪1904‬‬

‫َذلِكَ أَمْ ُر اللّهِ أَن َزلَهُ ِإَليْكُمْ وَمَنْ َيتّ ِق اللّهَ يُكَفّ ْر َعنْ ُه َسّيئَاِتهِ َويُعْظِمْ لَهُ أَجْرا‬

‫(‪)5‬‬

‫ذلك الذي ذُكِر من أمر الطلق والعدة أمر ال الذي أنزله إليكم‪ -‬أيها‬ ‫الناس‪-‬؛ لتعملوا به‪ .‬ومن َيخَفِ ال فيتقه باجتناب معاصيه‪ ,‬وأداء‬ ‫فرائضه‪ ,‬يح عنه ذنوبه‪ ,‬ويزل له الثواب ف الخرة‪ ,‬ويدخله النة‪.‬‬ ‫ضيّقُوا َعَلْيهِنّ‬ ‫أَ ْس ِكنُوهُنّ مِنْ َحيْثُ سَكَنُتمْ مِنْ وُ ْجدِكُ ْم وَل تُضَارّوهُنّ ِلتُ َ‬ ‫وَإِ نْ كُنّ أُول تِ حَمْ ٍل فََأنْفِقُوا عََلْيهِنّ َحتّى يَضَعْ نَ حَمَْلهُنّ َفإِ نْ َأ ْرضَعْ نَ‬ ‫ستُ ْرضِ ُع لَهُ‬ ‫ف وَإِنْ تَعَاسَ ْرُتمْ فَ َ‬ ‫لَكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَْأَتمِرُوا َبْينَكُ ْم بِمَعْرُو ٍ‬

‫ُأخْرَى ( ‪)6‬‬

‫أسكنوا الطلقات من نسائكم ف أثناء عدتن مثل سكناكم على قدر‬ ‫سَعَتكم وطاقتكم‪ ,‬ول تلحقوا بن ضررًا؛ لتضيّقوا عليهن ف السكن‪ ,‬إن‬ ‫كان نساؤكم الطلقات ذوات حَمْل‪ ,‬فأنفقوا عليهن ف عدتن حت‬ ‫يضعن حَمْلهن‪ ,‬فإن أرضعن لكم أولدهن منكم بأجرة‪ ,‬فوفوهن‬ ‫أجورهن‪ ,‬وليأمر بعضكم بعضًا با عرف من ساحة وطيب نفس‪ ,‬وإن‬

‫‪1905‬‬

‫ل تتفقوا على إرضاع الم‪ ,‬فستُرضع للب مرضعة أخرى غي الم‬ ‫الطلقة‪.‬‬ ‫ِليُنفِ قْ ذُو سَ َعةٍ مِ ْن سَ َعِتهِ وَمَ ْن قُ ِدرَ عََليْ ِه رِزْقُ هُ فَ ْليُنفِ قْ ِممّ ا آتَا هُ اللّ هُ ل‬ ‫ف الّلهُ نَفْسا إِلّ مَا آتَاهَا َسَيجْعَلُ الّلهُ بَعْدَ ُعسْ ٍر ُيسْرا (‪)7‬‬ ‫يُكَلّ ُ‬ ‫لينفق الزوج ما وسّع ال عليه على زوجته الطلقة‪ ,‬وعلى ولده إذا كان‬ ‫ضيّق عليه ف الرزق وهو الفقي‪ ,‬فلينفق‬ ‫الزوج ذا سَعَة ف الرزق‪ ,‬ومن ُ‬ ‫ما أعطاه ال من الرزق‪ ,‬ل يُكَلّف الفقي مثل ما يُكَلّف الغن‪ ,‬سيجعل‬ ‫ال بعد ضيق وشدة سَعَة وغن‪.‬‬ ‫وَكََأيّ نْ مِ ْن قَ ْرَيةٍ َعَت تْ عَ نْ أَمْ ِر َربّهَا َورُ سُِلهِ َفحَا َسْبنَاهَا حِ سَابا شَدِيدا‬ ‫ت َوبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاِقَبةُ أَ ْمرِهَا خُسْرا‬ ‫وَعَ ّذْبنَاهَا َعذَابا نُكْرا (‪ )8‬فَذَاقَ ْ‬ ‫(‪)9‬‬ ‫وكثي من القرى عصى أهلها أمر ال وأمر رسوله وتادَوا ف طغيانم‬ ‫وكفرهم‪ ,‬فحاسبناهم على أعمالم ف الدنيا حسابًا شديدًا‪ ,‬وعذّبناهم‬ ‫عذابًا عظيمًا منكرًا‪ ,‬فتجرّعوا سوء عاقبة عتوهم وكفرهم‪ ,‬وكان عاقبة‬ ‫كفرهم هلكًا وخسرانًا ل خسران بعده‪.‬‬ ‫‪1906‬‬

‫أَعَدّ اللّ هُ َلهُ مْ َعذَابا َشدِيدا فَاتّقُوا اللّ هَ يَا أُولِي الَْلبَا بِ الّذِي نَ آ َمنُوا قَدْ‬

‫ت اللّ هِ ُمَبّينَا ٍ‬ ‫ت‬ ‫أَنزَ َل اللّ هُ ِإَليْكُ مْ ذِكْرا (‪َ )10‬ر سُولً َيتْلُو عََليْ ُك مْ آيَا ِ‬ ‫َنم‬ ‫َاتمِإلَى النّورِ وَم ْ‬ ‫ِنم الظّلُم ِ‬ ‫تم ْ‬ ‫ِينم آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصمّاِلحَا ِ‬ ‫ِجم الّذ َ‬ ‫ِليُخْر َ‬ ‫حتِهَا ا َلْنهَارُ‬ ‫ِنم َت ْ‬ ‫ّاتم َتجْرِي م ْ‬ ‫ْهم َجن ٍ‬ ‫ّهم َويَعْمَ ْل صمَالِحا يُدْ ِخل ُ‬ ‫ِنم بِالل ِ‬ ‫ُيؤْم ْ‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا قَدْ أَ ْحسَنَ الّلهُ َلهُ ِرزْقا (‪)11‬‬ ‫أع ّد ال لؤلء القوم الذين طغَوا‪ ,‬وخالفوا أمره وأمر رسله‪ ,‬عذابًا بالغ‬ ‫الشدة‪ ,‬فخافوا ال واحذروا سخطه يا أصحاب العقول الراجحة الذين‬ ‫صدّقوا ال ورسله وعملوا بشرعه‪ .‬قد أنزل ال إليكم‪ -‬أيها الؤمنون‪-‬‬ ‫ذكرًا يذكركم به‪ ,‬وينبهكم على حظكم من اليان بال والعمل‬ ‫بطاعته‪ .‬وهذا الذكر هو الرسول يقرأ عليكم آيات ال موضحات لكم‬ ‫الق من الباطل؛ كي يرج الذين صدقوا ال ورسوله‪ ,‬وعملوا با أمرهم‬ ‫ال به وأطاعوه من ظلمات الكفر إل نور اليان‪ ,‬ومن يؤمن بال‬ ‫ويعمل عمل صالًا‪ ,‬يدخله جنات تري من تت أشجارها النار‪,‬‬ ‫ماكثي فيها ابدًا‪ ,‬قد أحسن ال للمؤمن الصال رزقه ف النة‪.‬‬ ‫ض ِمثَْلهُنّ َيَتنَزّ ُل الَمْرُ َبْيَنهُنّ‬ ‫اللّ هُ الّذِي َخلَ قَ َسْبعَ سَمَاوَاتٍ وَمِ نْ ا َلرْ ِ‬ ‫ِلتَعْلَمُوا َأنّ اللّهَ عَلَى كُلّ َش ْيءٍ قَدِيرٌ وََأنّ اللّهَ َقدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَ ْيءٍ ِعلْما (‬ ‫‪1907‬‬

‫‪)12‬‬ ‫ال وحده هو الذي خلق سبع سوات‪ ,‬وخلق سبعًا من الرَضي‪ ,‬وأنزل‬ ‫المر ما أوحاه ال إل رسله وما يدبّر به خلقه بي السموات والرض؛‬ ‫لتعلموا‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن ال على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪ ,‬وأن‬ ‫ال قد أحاط بكل شيء علمًا‪ ,‬فل يرج شيء عن علمه وقدرته‪.‬‬

‫‪ -66‬سورة التحري‬ ‫يَا َأّيهَا الّنبِيّ لِمَ ُتحَرّ ُم مَا َأحَلّ اللّهُ لَكَ َتْبتَغِي مَ ْرضَاةَ َأ ْزوَا ِجكَ وَاللّهُ غَفُورٌ‬ ‫رَحِي ٌم (‪)1‬‬ ‫يا أيها النب لِمَ تنع نفسك عن اللل الذي أحله ال لك‪ ،‬تبتغي إرضاء‬ ‫زوجاتك؟ وال غفور لك‪ ,‬رحيم بك‪.‬‬ ‫َقدْ فَرَ ضَ اللّ هُ لَكُ مْ َتحِّلةَ َأيْمَانِكُ ْم وَاللّ هُ َموْلكُ ْم وَ ُهوَ الْعَلِي ُم الْحَكِي مُ (‬

‫‪)2‬‬

‫‪1908‬‬

‫قد شرع ال لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬تليل أيانكم بأداء الكفارة عنها‪,‬‬ ‫وهي‪ :‬إطعام عشرة مساكي‪ ,‬أو كسوتم‪ ,‬أو ترير رقبة‪ ,‬فمن ل يد‬ ‫فصيام ثلثة أيام‪ .‬وال ناصركم ومتول أموركم‪ ,‬وهو العليم با‬ ‫يصلحكم فيشرعه لكم‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬ ‫ت بِ هِ َوَأظْهَرَ هُ اللّ هُ َعَليْ ِه‬ ‫وَِإذْ َأ َسرّ الّنبِيّ ِإلَى بَعْ ضِ َأ ْزوَاجِ هِ َحدِيثا فََلمّا َنبَّأ ْ‬ ‫ت مَ نْ َأْنبَأَ كَ َهذَا قَالَ‬ ‫ض عَ نْ بَعْ ضٍ فَلَمّا َنبّأَهَا بِ هِ قَالَ ْ‬ ‫عَرّ فَ بَعْضَ هُ وَأَعْ َر َ‬ ‫خبِيُ (‪)3‬‬ ‫َنبَّأنِي الْعَلِي ُم اْل َ‬ ‫وإذ أسرّ النب إل زوجته حفصة ‪ -‬رضي ال عنها‪ -‬حديثا‪ ,‬فلما أخبت‬ ‫به عائشة رضي ال عنها‪ ,‬وأطلعه ال على إفشائها سرّه‪ ,‬أعلم حفصة‬ ‫بعض ما أخبت به‪ ,‬وأعرض عن إعلمها بعضه تكرما‪ ,‬فلما أخبها با‬ ‫أفشت من الديث‪ ,‬قالت‪ :‬مَن أخبك بذا؟ قال‪ :‬أخبن به ال العليم‬ ‫البي‪ ,‬الذي ل تفى عليه خافية‪.‬‬ ‫ت قُلُوبُكُمَا وَإِ نْ تَظَاهَرَا عََليْ هِ َفإِنّ اللّ هَ ُهوَ‬ ‫إِ نْ َتتُوبَا ِإلَى اللّ هِ فَ َقدْ صَغَ ْ‬ ‫ك َظهِيٌ (‪)4‬‬ ‫َموْلهُ وَ ِجبْرِي ُل َوصَالِ ُح الْ ُمؤْ ِمِنيَ وَالْمَلئِ َكةُ بَ ْعدَ َذلِ َ‬

‫‪1909‬‬

‫إن ترجعا (حفصة وعائشة) إل ال فقد وُجد منكما ما يوجب التوبة‬ ‫حيث مالت قلوبكما إل مبة ما كرهه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬ ‫من إفشاء سرّه‪ ,‬وإن تتعاونا عليه با يسوءه‪ ,‬فإن ال وليه وناصره‪,‬‬ ‫وجبيل وصال الؤمني‪ ,‬واللئكة بعد نصرة ال أعوان له ونصراء على‬ ‫مَن يؤذيه ويعاديه‪.‬‬ ‫ت ُمؤْ ِمنَا تٍ‬ ‫عَ سَى َربّ هُ إِ نْ طَلّقَكُنّ أَ نْ ُيبْ ِدلَ هُ َأ ْزوَاجا َخيْرا ِمنْكُنّ مُ سْلِمَا ٍ‬ ‫ت َثّيبَاتٍ وََأبْكَارا (‪)5‬‬ ‫قَاِنتَاتٍ تَاِئبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَاِئحَا ٍ‬ ‫عسى ربّه إن طلقكنّ‪ -‬أيتها الزوجات‪ -‬أن يزوّجه بدل منكن زوجات‬ ‫خاضعات ل بالطاعة‪ ,‬مؤمنات بال ورسوله‪ ،‬مطيعات ل‪ ,‬راجعات إل‬ ‫ما يبه ال مِن طاعته‪ ,‬كثيات العبادة له‪ ,‬صائمات‪ ,‬منه ّن الثيّبات‪,‬‬ ‫ومنهن البكار‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا قُوا أَنفُ سَكُ ْم وَأَهْلِيكُ ْم نَارا وَقُودُهَا النّا سُ وَاْلحِجَارَةُ‬ ‫عََلْيهَا مَلئِ َكةٌ غِل ظٌ شِدَادٌ ل يَعْ صُونَ اللّ هَ مَا أَمَرَهُ مْ َويَفْعَلُو نَ مَا ُيؤْمَرُو نَ‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪1910‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬احفظوا أنفسكم بفعل‬ ‫ما أمركم ال به وترك ما ناكم عنه‪ ,‬واحفظوا أهليكم با تفظون به‬ ‫أنفسكم من نار وقودها الناس والجارة‪ ,‬يقوم على تعذيب أهلها‬ ‫ملئكة أقوياء قساة ف معاملتم‪ ,‬ل يالفون ال ف أمره‪ ,‬وينفذون ما‬ ‫يؤمرون به‪.‬‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ كَ َفرُوا ل تَ ْعتَ ِذرُوا اْلَيوْمَ ِإنّمَا ُتجْ َز ْونَ مَا كُنتُ ْم تَعْمَلُونَ (‪)7‬‬ ‫ويقال للذين جحدوا أن ال هو الله الق وكفروا به عند إدخالم النار‪:‬‬ ‫ل تلتمسوا العاذير ف هذا اليوم؛ إنا تعطون جزاء الذي كنتم تعملونه ف‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا تُوبُوا ِإلَى اللّ هِ َت ْوَبةً نَ صُوحا عَ سَى َربّكُ مْ أَ نْ يُكَفّ َر‬ ‫حِتهَا ا َلنْهَارُ َيوْمَ ل ُيخْزِي‬ ‫َعنْكُ ْم َسّيئَاتِكُمْ َويُ ْدخِلَ ُكمْ َجنّاتٍ َتجْرِي مِنْ َت ْ‬ ‫اللّ هُ الّنبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا مَعَ ُه نُورُهُ مْ يَ سْعَى َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ َوبَِأيْمَاِنهِ مْ يَقُولُو نَ‬ ‫َرّبنَا َأتْمِ ْم َلنَا نُو َرنَا وَاغْفِرْ َلنَا ِإنّكَ عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َقدِيرٌ (‪)8‬‬ ‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ارجعوا عن ذنوبكم‬ ‫إل طاعة ال رجوعا ل معصية بعده‪ ,‬عسى ربكم أن يحو عنكم‬ ‫‪1911‬‬

‫سيئات أعمالكم‪ ,‬وأن يدخلكم جنات تري من تت قصورها النار‪,‬‬ ‫يوم ل يزي ال النب والذين آمنوا معه‪ ,‬ول يعذبم‪ ,‬بل يُعلي شأنم‪,‬‬ ‫نور هؤلء يسي أمامهم وبأيانم‪ ,‬يقولون‪ :‬ربنا أتم لنا نورنا حت نوز‬ ‫الصراط‪ ,‬ونتدي إل النة‪ ,‬واعف عنّا وتاوز عن ذنوبنا واسترها علينا‪,‬‬ ‫إنك على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫ظ عََلْيهِ مْ وَمَ ْأوَاهُ مْ َج َهنّ مُ‬ ‫يَا َأيّهَا الّنبِيّ جَاهِدْ الْكُفّارَ وَالْ ُمنَافِقِيَ وَاغْلُ ْ‬ ‫َوِبْئسَ الْمَصِ ُي (‪)9‬‬ ‫يا أيها النب جاهد الذين أظهروا الكفر وأعلنوه‪ ,‬وقاتلهم بالسيف‪,‬‬ ‫وجاهد الذين أبطنوا الكفر وأخفوه بالجة وإقامة الدود وشعائر‬ ‫الدين‪ ,‬واستعمل مع الفريقي الشدة والشونة ف جهادها‪ ,‬ومسكنهم‬ ‫الذي يصيون إليه ف الخرة جهنم‪ ,‬وَقبُح ذلك الرجع الذي يرجعون‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫ت َعبْ َديْ ِن‬ ‫ل لِلّذِينَ كَ َفرُوا اِمْرَأَ َة نُوحٍ وَاِمْ َرأَةَ لُوطٍ كَاَنتَا َتحْ َ‬ ‫ضَ َربَ اللّهُ َمثَ ً‬ ‫حيْنِ َفخَانَتَاهُمَا فَلَ مْ يُ ْغِنيَا َعْنهُمَا مِ نْ اللّ هِ َشيْئا وَقِيلَ ادْخُل‬ ‫مِ ْن ِعبَا ِدنَا صَاِل َ‬

‫النّارَ مَ َع الدّاخِِليَ (‪)10‬‬

‫‪1912‬‬

‫ضرب ال مثل لال الكفرة ‪ -‬ف مالطتهم السلمي وقربم منهم‬ ‫ومعاشرتم لم‪ ,‬وأن ذلك ل ينفعهم لكفرهم بال‪ -‬بال زوجة نب ال‬ ‫نوح‪ ,‬وزوجة نب ال لوط‪ :‬حيث كانتا ف عصمة عبدَين من عبادنا‬ ‫صالي‪ ,‬فوقعت منهما اليانة لما ف الدين‪ ,‬فقد كانتا كافرتي‪ ,‬فلم‬ ‫يدفع هذان الرسولن عن زوجتيهما من عذاب ال شيئًا‪ ,‬وقيل‬ ‫للزوجتي‪ :‬ادخل النار مع الداخلي فيها‪ .‬وف ضرب هذا الثل دليل على‬ ‫أن القرب من النبياء‪ ,‬والصالي‪ ,‬ل يفيد شيئا مع العمل السيّئ‪.‬‬ ‫ت رَبّ ابْ نِ لِي ِعنْدَ َك‬ ‫ل لِلّذِي نَ آ َمنُوا اِمْرَأَ َة فِرْ َعوْ نَ إِ ْذ قَالَ ْ‬ ‫ب اللّ هُ َمثَ ً‬ ‫َوضَ َر َ‬ ‫جّنةِ َوَنجّنِي مِ نْ ِفرْ َعوْ نَ وَعَمَلِ هِ َوَنجّنِي مِ نْ الْ َقوْ مِ الظّالِمِيَ (‬ ‫َبيْتا فِي الْ َ‬ ‫‪)11‬‬ ‫وضرب ال مثل لال الؤمني‪ -‬الذين صدّقوا ال‪ ,‬وعبدوه وحده‪,‬‬ ‫وعملوا بشرعه‪ ,‬وأنم ل تضرهم مالطة الكافرين ف معاملتهم‪ -‬بال‬ ‫زوجة فرعون الت كانت ف عصمة أشد الكافرين بال‪ ,‬وهي مؤمنة‬ ‫بال‪ ,‬حي قالت‪ :‬رب ابْنِ ل دارًا عندك ف النة‪ ,‬وأنقذن من سلطان‬ ‫فرعون وفتنته‪ ,‬وما يصدر عنه من أعمال الشر‪ ,‬وأنقذن من القوم‬ ‫التابعي له ف الظلم والضلل‪ ,‬ومن عذابم‪.‬‬ ‫‪1913‬‬

‫ِنم رُوحِنَا‬ ‫ِيهم م ْ‬ ‫ت فَ ْرجَهَا َفنَ َفخْنَا ف ِ‬ ‫ْصم ْ‬ ‫َانم الّتِي َأح َنَ‬ ‫َتم عِمْر َ‬ ‫َمم اْبن َ‬ ‫وَمَ ْري َ‬

‫ت بِكَلِمَاتِ َرّبهَا وَ ُكُتبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَاِنِتيَ (‪)12‬‬ ‫َوصَدّقَ ْ‬

‫وضرب ال مثل للذين آمنوا مري بنت عمران الت حفظت فرجها‪,‬‬ ‫وصانته عن الزن‪ ,‬فأمر ال تعال جبيل عليه السلم أن ينفخ ف جيب‬ ‫قميصها‪ ,‬فوصلت النفخة إل رحها‪ ,‬فحملت بعيسى عليه السلم‪,‬‬ ‫وصدّقت بكلمات ربا‪ ,‬وعملت بشرائعه الت شرعها لعباده‪ ,‬وكتبه‬ ‫النلة على رسله‪ ,‬وكانت من الطيعي له‪.‬‬

‫الزء التاسع والعشرون ‪:‬‬ ‫‪ -67‬سورة اللك‬

‫‪1914‬‬

‫َتبَارَ َك الّذِي ِبيَدِ ِه الْمُلْكُ وَ ُهوَ َعلَى كُلّ شَ ْيءٍ قَدِي ٌر (‪)1‬‬ ‫تكاثر خي ال وبرّه على جيع خلقه‪ ,‬الذي بيده مُلك الدنيا والخرة‬ ‫وسلطانما‪ ,‬نافذ فيهما أمره وقضاؤه‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫ويستفاد من الية ثبوت صفة اليد ل سبحانه وتعال على ما يليق بلله‪.‬‬ ‫ل وَ ُهوَ الْعَزِيزُ‬ ‫ْسمنُ َعمَ ً‬ ‫ُمم َأح َ‬ ‫ُمم َأيّك ْ‬ ‫حيَاةَ ِلَيبُْلوَك ْ‬ ‫ْتم وَالْ َ‬ ‫َقم الْ َمو َ‬ ‫الّذِي خَل َ‬ ‫الْغَفُورُ (‪)2‬‬ ‫الذي خلق الوت والياة؛ ليختبكم ‪ -‬أيها الناس‪ :-‬أيكم خيٌ عمل‬ ‫وأخلصه؟ وهو العزيز الذي ل يعجزه شيء‪ ,‬الغفور لن تاب من عباده‪.‬‬ ‫وف الية ترغيب ف فعل الطاعات‪ ,‬وزجر عن اقتراف العاصي‪.‬‬ ‫الّذِي خَلَ قَ َسبْ َع سَمَاوَاتٍ ِطبَاقا مَا تَرَى فِي خَلْ قِ الرّحْمَ نِ مِ نْ تَفَاوُ تٍ‬ ‫فَارْجِ ْع اْلبَصَ َر هَلْ تَرَى مِ ْن فُطُورٍ (‪)3‬‬ ‫الذي خلق سبع سوات متناسقة‪ ,‬بعضها فوق بعض‪ ,‬ما ترى ف خلق‬ ‫الرحن‪ -‬أيها الناظر‪ -‬من اختلف ول تباين‪ ,‬فأعد النظر إل السماء‪:‬‬ ‫هل ترى فيها مِن شقوق أو صدوع؟‬ ‫‪1915‬‬

‫ثُ ّم ارْجِ ْع الْبَصَ َر كَ ّرَتيْنِ يَنقَِلبْ ِإَليْكَ اْلبَصَرُ خَاسِئا وَ ُهوَ َحسِيٌ (‪)4‬‬ ‫ث أعد النظر مرة بعد مرة‪ ,‬يرجع إليك البصر ذليل صاغرًا عن أن يرى‬ ‫نقصًا‪ ,‬وهو متعب كليل‪.‬‬ ‫شيَاطِيِ وَأَ ْعَتدْنَا‬ ‫َولَقَدْ َزّينّ ا ال سّمَاءَ ال ّدنْيَا بِمَ صَابِي َح وَجَعَ ْلنَاهَا رُجُوما لِل ّ‬

‫ب السّعِيِ ( ‪)5‬‬ ‫َلهُمْ عَذَا َ‬

‫ولقد زيّنا السماء القريبة الت تراها العيون بنجوم عظيمة مضيئة‪,‬‬ ‫وجعلناها شهبًا مرقة لسترقي السمع من الشياطي‪ ,‬وأعتدنا لم ف‬ ‫الخرة عذاب النار الوقدة يقاسون حرها‪.‬‬ ‫َولِلّذِينَ كَفَرُوا بِ َرّبهِ ْم عَذَابُ َج َهنّ َم َوِبْئسَ الْمَصِيُ (‪)6‬‬ ‫وللكافرين بالقهم عذاب جهنم‪ ,‬وساء الرجع لم جهنم‪.‬‬ ‫إِذَا ُألْقُوا فِيهَا سَمِعُوا َلهَا َشهِيقا وَهِ َي تَفُورُ (‪)7‬‬

‫‪1916‬‬

‫إذا طُرح هؤلء الكافرون ف جهنم سعوا لا صوتًا شديدًا منكرًا‪ ,‬وهي‬ ‫تغلي غليانًا شديدًا‪.‬‬ ‫تَكَا ُد تَ َميّ ُز مِ نْ الْ َغيْ ظِ كُلّمَا ُألْقِ َي فِيهَا َفوْ جٌ سََأَلهُمْ خَ َزَنتُهَا َألَ ْم يَ ْأتِكُ مْ‬ ‫نَذِي ٌر (‪)8‬‬ ‫تكاد جهنم تتمزق مِن شدة غضبها على الكفار‪ ,‬كلما طُرح فيها جاعة‬ ‫من الناس سألم الوكلون بأمرها على سبيل التوبيخ‪ :‬أل يأتكم ف الدنيا‬ ‫رسول يذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟‬ ‫قَالُوا بَلَى قَدْ جَا َءنَا نَذِيرٌ فَ َك ّذْبنَا وَقُ ْلنَا مَا نَزّلَ اللّ هُ مِ نْ شَ ْيءٍ إِ نْ َأْنتُ مْ إِلّ‬ ‫فِي ضَللٍ َكبِيٍ (‪)9‬‬ ‫أجابوهم قائلي‪ :‬بلى قد جاءنا رسول مِن عند ال وحذّرنا‪ ,‬فكذّبناه‪,‬‬ ‫وقلنا فيما جاء به من اليات‪ :‬ما نزّل ال على أحد من البشر شيئًا‪ ,‬ما‬ ‫أنتم ‪ -‬أيها الرسل‪ -‬إل ف ذهاب بعيد عن الق‪.‬‬ ‫ب السّعِيِ (‪)10‬‬ ‫صحَا ِ‬ ‫وَقَالُوا َلوْ ُكنّا َنسْ َمعُ َأ ْو نَعْقِلُ مَا ُكنّا فِي َأ ْ‬ ‫‪1917‬‬

‫وقالوا معترفي‪ :‬لو كنا نسمع ساع مَن يطلب الق‪ ,‬أو نفكر فيما‬ ‫نُدْعى إليه‪ ,‬ما كنا ف عداد أهل النار‪.‬‬ ‫صحَابِ السّعِيِ (‪)11‬‬ ‫فَا ْعتَ َرفُوا بِ َذْنِبهِمْ َفسُحْقا َل ْ‬ ‫فاعترفوا بتكذيبهم وكفرهم الذي استحقوا به عذاب النار‪ ,‬فبعدًا لهل‬ ‫النار عن رحة ال‪.‬‬ ‫ب َلهُمْ مَغْ ِفرَةٌ وََأجْرٌ َكبِ ٌي (‪)12‬‬ ‫ش ْونَ َربّهُ ْم بِالْ َغيْ ِ‬ ‫ِإنّ الّذِي َن َيخْ َ‬ ‫إن الذين يافون ربم‪ ,‬فيعبدونه‪ ,‬ول يعصونه وهم غائبون عن أعي‬ ‫الناس‪ ,‬ويشون العذاب ف الخرة قبل معاينته‪ ,‬لم عفو من ال عن‬ ‫ذنوبم‪ ,‬وثواب عظيم وهو النة‪.‬‬ ‫وََأسِرّوا َق ْولَكُمْ َأوْ ا ْج َهرُوا ِبهِ ِإّنهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)13‬‬ ‫وأخفوا قولكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ف أي أمر من أموركم أو أعلنوه‪ ,‬فهما‬ ‫عند ال سواء‪ ,‬إنه سبحانه عليم بضمرات الصدور‪ ,‬فكيف تفى عليه‬ ‫أقوالكم وأعمالكم؟‬ ‫‪1918‬‬

‫خبِيُ (‪)14‬‬ ‫أَل يَعْلَ ُم مَنْ خَلَقَ وَ ُهوَ اللّطِيفُ اْل َ‬ ‫أل يعلم ربّ العالي خَلْقه وشؤونم‪ ،‬وهو الذي خَلَقهم وأتقن خَ ْل َقهُمْ‬ ‫وأحسنه؟ وهو اللطيف بعباده‪ ,‬البي بم وبأعمالم‪.‬‬ ‫ُهوَ الّذِي َجعَلَ لَكُ ْم ا َلرْ ضَ َذلُولً فَا ْمشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا وَكُلُوا مِ نْ ِرزْقِ هِ‬

‫وَِإَلْيهِ الّنشُورُ (‪)15‬‬

‫ال وحده هو الذي جعل لكم الرض سهلة مهدة تستقرون عليها‪,‬‬ ‫فامشوا ف نواحيها وجوانبها‪ ,‬وكلوا من رزق ال الذي يرجه لكم‬ ‫منها‪ ,‬وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والزاء‪ .‬وف الية إياء‬ ‫إل طلب الرزق والكاسب‪ ,‬وفيها دللة على أن ال هو الله الق‬ ‫وحده ل شريك له‪ ،‬وعلى قدرته‪ ,‬والتذكي بنعمه‪ ,‬والتحذير من الركون‬ ‫إل الدنيا‪.‬‬ ‫أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السّمَاءِ أَنْ َيخْسِفَ ِبكُ ْم ا َلرْضَ َفإِذَا هِيَ تَمُورُ (‪ )16‬أَ ْم‬ ‫ستَعْلَمُونَ َكيْ فَ نَذِيرِ (‬ ‫أَمِنتُ ْم مَ نْ فِي ال سّمَاءِ أَ نْ يُرْ سِ َل عََليْكُ مْ حَا صِبا فَ َ‬ ‫‪)17‬‬ ‫‪1919‬‬

‫هل أمنتم‪ -‬يا كفار "مكة"‪ -‬ال الذي فوق السماء أن يسف بكم‬ ‫الرض‪ ,‬فإذا هي تضطرب بكم حت تلكوا؟ هل أمنتم ال الذي فوق‬ ‫السماء أن يرسل عليكم ريا ترجكم بالجارة الصغية‪ ,‬فستعلمون‪-‬‬ ‫أيها الكافرون‪ -‬كيف تذيري لكم إذا عاينتم العذاب؟ ول ينفعكم‬ ‫العلم حي ذلك‪ .‬وف الية إثبات العلو ل تعال‪ ,‬كما يليق بلله‬ ‫سبحانه‪.‬‬ ‫ف كَانَ نَكِيِ (‪)18‬‬ ‫ب الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِ ْم فَ َكيْ َ‬ ‫َولَقَدْ َكذّ َ‬ ‫ولقد كذّب الذين كانوا قبل كفار "مكة" كقوم نوح وعاد وثود‬ ‫رسلهم‪ ,‬فكيف كان إنكاري عليهم‪ ,‬وتغييي ما بم من نعمة بإنزال‬ ‫العذاب بم وإهلكهم؟‬ ‫َأوَلَ مْ يَ َروْا ِإلَى ال ّطيْرِ َفوَْقهُ مْ صَافّاتٍ َويَ ْقبِضْ نَ مَا ُيمْ سِ ُكهُنّ إِلّ الرّحْمَ نُ‬ ‫صرُكُمْ مِ نْ‬ ‫ِإنّ هُ بِكُلّ شَ ْيءٍ بَ صِ ٌي ( ‪ )19‬أَمّ نْ َهذَا الّذِي ُهوَ جُن ٌد لَكُ ْم يَن ُ‬

‫دُو نِ الرّحْمَ نِ إِنْ الْكَافِرُونَ إِلّ فِي غُرُورٍ (‪ )20‬أَمّ نْ َهذَا الّذِي َي ْرزُقُكُ مْ‬

‫ِإنْ َأ ْمسَكَ ِرزَْقهُ بَلْ َلجّوا فِي ُعُتوّ َونُفُورٍ ( ‪)21‬‬

‫‪1920‬‬

‫أغَفَل هؤلء الكافرون‪ ,‬ول ينظروا إل الطي فوقهم‪ ,‬باسطات أجنحتها‬ ‫عند طيانا ف الواء‪ ,‬ويضممنها إل جُنوبا أحيانًا؟ ما يفظها من‬ ‫الوقوع عند ذلك إل الرحن‪ .‬إنه بكل شيء بصي ل يُرى ف خلقه نقص‬ ‫ول تفاوت‪ .‬بل مَن هذا الذي هو ف زعمكم‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬حزب‬ ‫لكم ينصركم من غي الرحن‪ ,‬إن أراد بكم سوءًا؟ ما الكافرون ف‬ ‫زعمهم هذا إل ف خداع وضلل من الشيطان‪ .‬بل مَن هذا الرازق‬ ‫الزعوم الذي يرزقكم إن أمسك ال رزقه ومنعه عنكم؟ بل استمر‬ ‫الكافرون ف طغيانم وضللم ف معاندة واستكبار ونفور عن الق‪ ,‬ل‬ ‫يسمعون له‪ ,‬ول يتبعونه‪.‬‬ ‫أَفَمَ نْ يَمْشِي مُ ِكبّا عَلَى وَ ْجهِ هِ أَهْدَى أَمّ نْ يَمْشِي َس ِويّا َعلَى صِرَاطٍ‬ ‫ستَقِيمٍ (‪)22‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫أفمن يشي من ّكسًا على وجهه ل يدري أين يسلك ول كيف يذهب‪,‬‬ ‫أشد استقامة على الطريق وأهدى‪ ,‬أم مَن يشي مستويًا منتصب القمة‬ ‫سالًا على طريق واضح ل اعوجاج فيه؟ وهذا مثل ضربه ال للكافر‬ ‫والؤمن‪.‬‬

‫‪1921‬‬

‫قُ ْل ُهوَ الّذِي أَنشَأَكُم ْم وَجَعَلَ لَكُم ْم السّممْعَ وَا َلبْصمَارَ وَالَ ْفئِدَةَ قَلِيلً مَا‬ ‫حشَرُو نَ (‬ ‫َتشْكُرُو نَ (‪ )23‬قُ ْل ُهوَ الّذِي َذرَأَكُ مْ فِي ا َلرْ ضِ وَِإَليْ هِ ُت ْ‬ ‫‪)24‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ال هو الذي أوجدكم من العدم‪ ,‬وجعل لكم‬ ‫السمع لتسمعوا به‪ ,‬والبصار لتبصروا با‪ ,‬والقلوب لتعقلوا با‪ ,‬قليل‪-‬‬ ‫أيها الكافرون‪ -‬ما تؤدون شكر هذه النعم لربكم الذي أنعم با عليكم‪.‬‬ ‫قل لم‪ :‬ال هو الذي خلقكم ونشركم ف الرض‪ ,‬وإليه وحده تُجمعون‬ ‫بعد هذا التفرق للحساب والزاء‪.‬‬ ‫ي (‪ )25‬قُلْ ِإنّمَا الْعِلْ ُم ِعنْدَ‬ ‫َويَقُولُو نَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ إِ نْ كُنتُ مْ صَادِِق َ‬

‫ي (‪)26‬‬ ‫اللّهِ َوِإنّمَا َأنَا َنذِيرٌ ُمِب ٌ‬

‫ويقول الكافرون‪ :‬مت يتحقق هذا الوعد بالشر يا ممد؟ أخبونا بزمانه‬ ‫أيها الؤمنون‪ ,‬إن كنتم صادقي فيما تدّعون‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء‪:‬‬ ‫إن العلم بوقت قيام الساعة اختصّ ال به‪ ,‬وإنا أنا نذير لكم أخوّفكم‬ ‫عاقبة كفركم‪ ,‬وأبيّن لكم ما أمرن ال ببيانه غاية البيان‪.‬‬ ‫َفلَمّ ا رََأوْ هُ ُزلْ َفةً سِيَئتْ وُجُو ُه الّذِي نَ كَ َفرُوا وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنتُ ْم بِ هِ‬ ‫‪1922‬‬

‫تَدّعُونَ (‪)27‬‬ ‫فل ما رأى الكفار عذاب ال قريبًا من هم وعاينوه‪ ،‬ظهرت الذلة والكآ بة‬ ‫على وجوه هم‪ ،‬وق يل توبيخًا ل م‪ :‬هذا الذي كن تم تطلبون تعجيله ف‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُ مْ إِ نْ أَهْلَ َكنِي اللّ هُ وَمَ نْ مَعِي َأوْ رَحِ َمنَا فَمَ نْ ُيجِيُ الْكَافِرِي َن مِ نْ‬ ‫عَذَابٍ َألِيمٍ (‪)28‬‬ ‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لؤلء الكافر ين‪ :‬أ خبون إن أمات ن ال ومَن م عي‬ ‫من الؤمني كما تتمنون‪ ،‬أو رحنا فأخّر آجالنا‪ ،‬وعافانا مِن عذابه‪ ،‬فمَن‬ ‫هذا الذي يميكم‪ ،‬وينعكم من عذاب أليم موجع؟‬ ‫ستَعْلَمُونَ مَ نْ ُهوَ فِي ضَل ٍل ُمِبيٍ‬ ‫قُ ْل ُهوَ الرّ ْحمَ نُ آ َمنّا بِ هِ وَعََليْ هِ َتوَكّ ْلنَا فَ َ‬ ‫(‪)29‬‬ ‫قل‪ :‬ال هو الرح ن صدّقنا به وعمل نا بشر عه‪ ،‬وأطعناه‪ ،‬وعل يه وحده‬ ‫اعتمد نا ف كل أمور نا‪ ،‬ف ستعلمون‪ -‬أي ها الكافرون‪ -‬إذا نزل العذاب‪:‬‬ ‫أيّ الفريقي منا ومنكم ف بُعْ ٍد واضح عن صراط ال الستقيم؟‬ ‫‪1923‬‬

‫صبَحَ مَاؤُكُ ْم َغوْرا فَمَ ْن يَ ْأتِيكُمْ ِبمَاءٍ مَ ِعيٍ (‪)30‬‬ ‫قُلْ َأرََأْيتُمْ ِإنْ َأ ْ‬ ‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لؤلء الشرك ي‪ :‬أ خبون إن صار ماؤ كم الذي‬ ‫تشربون منه ذاهبًا ف الرض ل تصلون إليه بوسيلة‪ ،‬فمَن غي ال ييئكم‬ ‫باء جارٍ على وجه الرض ظاهر للعيون؟‬

‫‪ -68‬سورة القلم‬ ‫جنُونٍ ( ‪ )2‬وَِإنّ لَكَ‬ ‫ن وَالْقَلَ ِم وَمَا يَسْطُرُونَ (‪ )1‬مَا َأنْتَ ِبنِ ْع َمةِ َربّكَ ِب َم ْ‬ ‫لَجْرا َغيْ َر مَ ْمنُونٍ (‪َ )3‬وِإنّكَ لَعَلى ُخلُقٍ عَظِيمٍ (‪)4‬‬ ‫( ن ) سبق الكلم على الروف القطعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫أق سم ال بالقلم الذي يك تب به اللئ كة والناس‪ ،‬وب ا يكتبون من ال ي‬ ‫والنفع والعلوم‪ .‬ما أ نت ‪-‬أيها الر سول‪ -‬بسبب نعمة ال عليك بالنبوة‬ ‫والر سالة بضع يف الع قل‪ ،‬ول سفيه الرأي‪ ،‬وإن لك على ما تلقاه من‬ ‫شدائد على تبليغ الرسالة لَثوابًا عظيمًا غي منقوص ول مقطوع‪ ،‬وإنك‬ ‫‪1924‬‬

‫أي ها الر سول‪ -‬لعلى خلق عظ يم‪ ،‬و هو ما اشت مل عل يه القرآن من‬‫مكارم الخلق؛ ف قد كان امتثال القرآن سجية له يأت ر بأمره‪ ،‬وينت هي‬ ‫عما ينهى عنه‪.‬‬ ‫سُتبْصِ ُر َوُيبْصِرُونَ (‪ )5‬بَِأيّيكُ ْم الْمَ ْفتُونُ (‪)6‬‬ ‫َف َ‬ ‫فعن قريب سترى أيها الرسول‪ ،‬ويرى الكافرون ف أيكم الفتنة والنون؟‬ ‫ِإنّ َربّكَ ُهوَ أَعْلَ ُم بِمَنْ ضَ ّل عَنْ َسبِيِل ِه وَ ُهوَ أَعْلَ ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)7‬‬ ‫إن ر بك‪ -‬سبحانه‪ -‬هو أعلم بالشقمي النحرف عمن ديمن ال وطر يق‬ ‫الدى‪ ،‬وهو أعلم بالتقي الهتدي إل دين الق‪.‬‬ ‫فَل تُطِ ْع الْمُكَ ّذِبيَ (‪)8‬‬ ‫فاثبت على ما أنت عليه ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من مالفة الكذبي ول تطعهم‪.‬‬ ‫وَدّوا َلوْ تُدْهِ ُن َفيُدْ ِهنُونَ (‪)9‬‬ ‫‪1925‬‬

‫تنّوا وأحبوا لو تلينهم‪ ،‬وتصانعهم على بعض ما هم عليه‪ ،‬فيلينون لك‪.‬‬ ‫ف َمهِيٍ (‪َ )10‬همّازٍ َمشّاءٍ ِبنَمِي مٍ ( ‪َ )11‬منّا عٍ‬ ‫وَل تُطِ ْع كُلّ حَلّ ٍ‬ ‫لِ ْلخَيْ ِر مُ ْعتَدٍ َأثِي ٍم (‪ُ )12‬عتُ ّل بَعْدَ َذلِ كَ َزنِي ٍم ( ‪ )13‬أَ نْ كَا نَ ذَا مَالٍ‬ ‫َوَبنِيَ (‪ )14‬إِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ آيَاُتنَا قَالَ أَسَاطِيُ ا َلوِّليَ (‪)15‬‬ ‫ول تطع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كلّ إنسانٍ كثي اللف كذاب حقي‪ ،‬مغتاب‬ ‫للناس‪ ،‬يشي بينهم بالنميمة‪ ،‬وينقل حديث بعضهم إل بعض على وجه‬ ‫الفساد بينهم‪ ،‬بيل بالال ضني به عن الق‪ ،‬شديد النع للخي‪ ،‬متجاوز‬ ‫حدّه فم العدوان على الناس وتناول الحرمات‪ ،‬كثيم الثام‪ ،‬شديمد فم‬ ‫كفره‪ ،‬فاحش لئيم‪ ،‬منسوب لغي أبيه‪ .‬ومن أجل أنه كان صاحب مال‬ ‫وبني طغى وتكب عن الق‪ ،‬فإذا قرأ عليه أحد آيات القرآن كذّب با‪،‬‬ ‫وقال‪ :‬هذا أباطيل الولي وخرافاتم‪ .‬وهذه اليات وإن نزلت ف بعض‬ ‫الشركي كالوليد بن الغية‪ ،‬إل أن فيها تذيرًا للمسلم من موافقة من‬ ‫اتصف بذه الصفات الذميمة‪.‬‬ ‫َسَنسِ ُمهُ عَلَى اْلخُرْطُومِ (‪)16‬‬ ‫سنجعل على أنفه علمة لزمة ل تفارقه عقوبة له; ليكون مفتضحًا با‬ ‫‪1926‬‬

‫أمام الناس‪.‬‬ ‫حيَ (‬ ‫صِب ِ‬ ‫صحَابَ اْلجَّنةِ ِإذْ أَقْ سَمُوا َليَ صْرِ ُمّنهَا مُ ْ‬ ‫ِإنّا بََل ْونَاهُ مْ كَمَا بََل ْونَا أَ ْ‬ ‫سَتْثنُونَ (‪)18‬‬ ‫‪ )17‬وَل َي ْ‬ ‫إنا اختبنا أهل "مكة" بالوع والقحط‪ ،‬كما اختبنا أصحاب الديقة‬ ‫حي حلفوا فيما بينهم‪ ,‬ليقطعُنّ ثار حديقتهم مبكّرين ف الصباح‪ ,‬فل‬ ‫يَطْعَم منها غيهم من الساكي ونوهم‪ ,‬ول يقولوا‪ :‬إن شاء ال‪.‬‬ ‫ت كَال صّ ِريِ‬ ‫صَبحَ ْ‬ ‫ك وَهُ ْم نَائِمُو نَ (‪ )19‬فَأَ ْ‬ ‫فَطَا فَ عََلْيهَا طَائِ فٌ مِ نْ َربّ َ‬ ‫(‪)20‬‬ ‫فأنزل ال عليها نارًا أحرقتها ليل وهم نائمون‪ ,‬فأصبحت مترقة سوداء‬ ‫كالليل الظلم‪.‬‬ ‫حيَ (‪ )21‬أَ نْ اغْدُوا َعلَى حَ ْرثِ ُك مْ إِ نْ كُنُت ْم صَارِ ِميَ (‬ ‫صِب ِ‬ ‫َفَتنَادَوا مُ ْ‬ ‫‪)22‬‬ ‫فنادى بعض هم بعضًا و قت ال صباح‪ :‬أن اذهبوا مبكر ين إل زرع كم‪ ،‬إن‬ ‫‪1927‬‬

‫كنتم مصرّين على قطع الثمار‪.‬‬ ‫فَانطَلَقُوا وَهُ ْم َيَتخَاَفتُو نَ (‪ )23‬أَ نْ ل يَ ْدخَُلّنهَا اْلَيوْ مَ عََليْ ُك مْ مِ سْ ِكيٌ (‬ ‫‪)24‬‬ ‫فاندفعوا م سرعي‪ ،‬و هم يت سارّون بالد يث في ما بين هم‪ :‬بأن ل تكّنوا‬ ‫اليوم أحدا من الساكي من دخول حديقتكم‪.‬‬ ‫وَغَ َدوْا عَلَى حَرْ ٍد قَا ِدرِينَ (‪)25‬‬ ‫وسماروا فم أول النهار إل حديقتهمم على قصمدهم السميّئ فم منمع‬ ‫الساكي من ثار الديقة‪ ,‬وهم ف غاية القدرة على تنفيذه ف زعمهم‪.‬‬ ‫َفلَمّا رََأوْهَا قَالُوا ِإنّا لَضَالّو نَ (‪ )26‬بَ ْل َنحْ نُ َمحْرُومُو نَ ( ‪ )27‬قَالَ‬ ‫سبّحُونَ ( ‪ )28‬قَالُوا ُسْبحَانَ َرّبنَا ِإنّا ُكنّا‬ ‫َأوْ سَ ُطهُمْ َألَ مْ أَقُلْ لَكُ ْم َلوْل تُ َ‬ ‫ض َيتَلوَمُونَ ( ‪ )30‬قَالُوا يَا َويَْلنَا‬ ‫ضهُمْ َعلَى بَعْ ٍ‬ ‫ظَالِ ِميَ (‪ )29‬فََأ ْقبَلَ بَعْ ُ‬ ‫ِإنّ ا ُكنّ ا طَاغِيَ ( ‪ )31‬عَ سَى َربّنَا أَ نْ ُيبْ ِدلَنَا َخيْرا ِمنْهَا ِإنّ ا ِإلَى َربّنَا‬ ‫ب وَلَعَذَابُ الخِرَةِ أَ ْكبَ ُر لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (‬ ‫ك الْعَذَا ُ‬ ‫رَا ِغبُونَ (‪َ )32‬ك َذلِ َ‬ ‫‪1928‬‬

‫‪)33‬‬ ‫فل ما رأوا حديقت هم متر قة أنكرو ها‪ ,‬وقالوا‪ :‬ل قد أخطأ نا الطر يق إلي ها‪,‬‬ ‫فلما عرفوا أنا هي جنتهم‪ ،‬قالوا‪ :‬بل نن مرومون خيها; بسبب عزمنا‬ ‫على البخمل ومنمع السماكي‪ .‬قال أعدلمم‪ :‬أل أقمل لكمم هل تسمتثنون‬ ‫وتقولون‪ :‬إن شاء ال؟ قالوا بعد أن عادوا إل رشدهم‪ :‬تنّه ال ربنا عن‬ ‫الظلم فيما أصابنا‪ ,‬بل نن كنا الظالي لنفسنا بترك الستثناء وقصدنا‬ ‫ال سيّئ‪ .‬فأق بل بعض هم على ب عض‪ ,‬يلوم كل من هم ال خر على ترك هم‬ ‫الستثناء وعلى قصدهم السيّئ‪ ,‬قالوا‪ :‬يا ويلنا إنّا كنا متجاوزين الد ف‬ ‫منعنا الفقراء ومالفة أمر ال‪ ،‬عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا;‬ ‫بسمبب توبتنما واعترافنما بطيئتنما‪ .‬إنما إل ربنما وحده راغبون‪ ,‬راجون‬ ‫العفمو‪ ,‬طالبون اليم‪ .‬مثمل ذلك العقاب الذي عاقبنما بمه أهمل الديقمة‬ ‫يكون عقاب نا ف الدن يا ل كل مَن خالف أ مر ال‪ ,‬وب ل ب ا آتاه ال من‬ ‫النعمم فلم يؤدّ حمق ال فيهما‪ ,‬ولَعذاب الخرة أعظمم وأشمد مِن عذاب‬ ‫الدنيا‪ ,‬لو كانوا يعلمون لنزجروا عن كل سبب يوجب العقاب‪.‬‬ ‫ت النّعِيمِ (‪)34‬‬ ‫ِإنّ لِلْ ُمتّ ِقيَ ِعنْ َد َربّهِمْ َجنّا ِ‬ ‫إن الذين اتقوا عقاب ال بفعل ما أمرهم به وتَرْك ما ناهم عنه‪ ,‬لم عند‬ ‫‪1929‬‬

‫ربم ف الخرة جنات فيها النعيم القيم‪.‬‬ ‫ف َتحْكُمُونَ (‪)36‬‬ ‫أََفَنجْعَلُ الْ ُمسْلِ ِميَ كَالْ ُمجْرِ ِميَ (‪ )35‬مَا لَكُمْ َكيْ َ‬ ‫أفنج عل الاضع ي ل بالطا عة كالكافر ين؟ ما ل كم ك يف حكم تم هذا‬ ‫الكم الائر‪ ،‬فساويتم بينهم ف الثواب؟‬ ‫خيّرُونَ (‪)38‬‬ ‫أَمْ لَكُ ْم ِكتَابٌ فِي ِه تَ ْدرُسُونَ (‪ِ )37‬إنّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا َيَت َ‬ ‫أم لكمم كتاب منل ممن السمماء تدون فيمه الطيمع كالعاصمي‪ ,‬فأنتمم‬ ‫تدر سون ف يه ما تقولون؟ إن ل كم ف هذا الكتاب إذًا ما تشتهون‪ ,‬ل يس‬ ‫لكم ذلك‪.‬‬ ‫أَمْ لَكُمْ َأيْمَانٌ عََلْينَا بَالِ َغةٌ ِإلَى َيوْمِ الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ لَكُ ْم لَمَا َتحْكُمُونَ (‪)39‬‬ ‫أم لكم عهود ومواثيق علينا ف أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟‬ ‫ك زَعِي مٌ (‪ )40‬أَ مْ َلهُ مْ شُرَكَاءُ َف ْليَ ْأتُوا ِبشُرَكَاِئهِ مْ إِ نْ‬ ‫سَ ْلهُم َأّيهُ مْ بِ َذلِ َ‬

‫ي (‪)41‬‬ ‫كَانُوا صَادِِق َ‬

‫‪1930‬‬

‫سل الشرك ي ‪-‬أي ها الر سول‪ :-‬أي هم بذلك ال كم كف يل وضا من بأن‬ ‫يكون له ذلك؟ أم لم آلة تكفُل لم ما يقولون ‪ ،‬وتعينهم على إدراك ما‬ ‫طلبوا‪ ،‬فليأتوا با إن كانوا صادقي ف دعواهم؟‬ ‫ستَطِيعُونَ (‪)42‬‬ ‫سجُو ِد فَل َي ْ‬ ‫َيوْمَ ُي ْكشَفُ عَنْ سَاقٍ َويُدْ َع ْونَ ِإلَى ال ّ‬ ‫يوم القيامة يشتد المر ويصعب هوله‪ ,‬ويأت ال تعال لفصل القضاء بي‬ ‫اللئق‪ ،‬فيكشف عن ساقه الكرية الت ل يشبهها شيء‪ ,‬قال صلى ال‬ ‫عل يه و سلم‪" :‬يك شف رب نا عن ساقه‪ ,‬في سجد له كل مؤ من ومؤم نة‪,‬‬ ‫ويب قى مَن كان ي سجد ف الدن يا؛ رياء و سعة‪ ,‬فيذ هب لي سجد‪ ,‬فيعود‬ ‫ظهره طبقًا واحدًا" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ُمم‬ ‫السمجُو ِد وَه ْ‬ ‫ْنم ِإلَى ّ‬ ‫ُمم ِذلّةٌ وََقدْ كَانُوا يُدْ َعو َ‬ ‫خَاشِ َعةً َأبْصمَارُهُمْ َترْهَ ُقه ْ‬ ‫سَالِمُونَ (‪)43‬‬ ‫منكسرة أبصارهم ل يرفعونا‪ ،‬تغشاهم ذلة شديدة مِن عذاب ال‪ ,‬وقد‬ ‫كانوا فم الدنيما يُدْعَون إل الصملة ل وعبادتمه‪ ,‬وهمم أصمحّاء قادرون‬ ‫عليها فل يسجدون; تعظّمًا واستكبارًا‪.‬‬ ‫‪1931‬‬

‫ث ل يَعَْلمُونَ (‬ ‫ستَ ْدرِ ُجهُ ْم مِنْ َحيْ ُ‬ ‫ث َسَن ْ‬ ‫ب ِبهَذَا الْحَدِي ِ‬ ‫َف َذ ْرنِي وَمَنْ يُ َكذّ ُ‬

‫‪ )44‬وَأُمْلِي َلهُمْ ِإ ّن َكيْدِي َمِتيٌ (‪)45‬‬

‫فذرنم ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬ومَن يكذّب بذا القرآن‪ ,‬فإن عليّ جزاءهمم‬ ‫والنتقام من هم‪ ,‬سنمدهم بالموال والولد والن عم؛ ا ستدراجًا ل م من‬ ‫حيمث ل يشعرون أنمه سمبب لهلكهمم‪ ,‬وأُمهلهمم وأُطيمل أعمارهمم;‬ ‫ليزدادوا إثًا‪ .‬إن كيدي بأهل الكفر قويّ شديد‪.‬‬ ‫ب َفهُ مْ‬ ‫أَ مْ تَ سَْأُلهُمْ َأجْرا َفهُ ْم مِ نْ مَ ْغرَ مٍ ُمثْقَلُو نَ (‪ )46‬أَ مْ ِعْندَهُ مْ الْ َغيْ ُ‬ ‫يَ ْكُتبُونَ (‪)47‬‬ ‫أم تسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي أجرا دنيويا على تبليغ الرسالة‬ ‫فهم مِن غرامة ذلك مكلّفون حِمْل ثقيل؟ بل أعندهم علم الغيب‪ ,‬فهم‬ ‫يكتبون ع نه ما يكمون به لنف سهم مِن أن م أف ضل منلة ع ند ال مِن‬ ‫أهل اليان به؟‬ ‫صبِ ْر لِحُكْ ِم َربّكَ وَل تَكُنْ كَصَا ِحبِ الْحُوتِ إِ ْذ نَادَى وَ ُهوَ مَكْظُومٌ (‬ ‫فَا ْ‬ ‫‪َ )48‬لوْل أَ نْ تَدَارَكَ هُ نِعْ َمةٌ مِ نْ َربّ هِ َلُنبِذَ بِالْعَرَاءِ وَ ُهوَ مَذْمُو مٌ ( ‪)49‬‬ ‫‪1932‬‬

‫حيَ (‪)50‬‬ ‫فَا ْجَتبَاهُ َرّبهُ َفجَعََلهُ مِ ْن الصّالِ ِ‬ ‫فا صب ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ل ا ح كم به ر بك وقضاه‪ ,‬و من ذلك إمهال م‬ ‫وتأخي نصرتك عليهم‪ ,‬ول تكن كصاحب الوت‪ ,‬وهو يونس ‪-‬عليه‬ ‫ال سلم‪ -‬ف غض به وعدم صبه على قو مه‪ ,‬ح ي نادى ر به‪ ,‬و هو ملوء‬ ‫غمّ ا طالبًا تعج يل العذاب ل م‪ ,‬لول أن تدار كه نع مة مِن ر به بتوفي قه‬ ‫للتوبة وقَبولا لَطُرِح مِن بطن الوت بالرض الفضاء الهلكة‪ ,‬وهو آ تٍ‬ ‫با يلم عليه‪ ,‬فاصطفاه ربه لرسالته‪ ,‬فجعله من الصالي الذين صلحت‬ ‫نياتم وأعمالم وأقوالم‪.‬‬ ‫وَإِنْ يَكَا ُد الّذِي نَ كَفَرُوا َليُ ْزلِقُونَ كَ بَِأبْ صَارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذّكْ َر َويَقُولُونَ‬

‫جنُونٌ (‪)51‬‬ ‫ِإّنهُ لَ َم ْ‬

‫وإن يكاد الكفار حي سعوا القرآن ليصيبونك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالعي؛‬ ‫لبغضهم إياك‪ ،‬لول وقاية ال وحايته لك‪ ،‬ويقولون‪- :‬حسب أهوائهم‪-‬‬ ‫إنه لجنون‪.‬‬ ‫وَمَا ُهوَ إِلّ ذِكْرٌ لِلْعَالَ ِميَ (‪)52‬‬ ‫‪1933‬‬

‫وما القرآن إل موعظة وتذكي للعالي من النس والن‪.‬‬

‫‪ -69‬سورة الاقة‬ ‫الْحَاّقةُ (‪ )1‬مَا اْلحَاّقةُ (‪ )2‬وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا اْلحَاقّةُ (‪)3‬‬ ‫القيا مة الواق عة حقّا الت يتح قق فيها الو عد والوع يد‪ ,‬ما القيا مة الواق عة‬ ‫حقّا ف صفتها وحالا؟ وأي شيء أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وعَرّفك حقيقة‬ ‫صوّر لك هولا وشدتا؟‬ ‫القيامة‪ ,‬و َ‬ ‫كَ ّذَبتْ َثمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِ َعةِ (‪)4‬‬ ‫كذّ بت ثود‪ ،‬و هم قوم صال‪ ,‬وعاد‪ ،‬و هم قوم هود بالقيا مة ال ت تقرع‬ ‫القلوب بأهوالا‪.‬‬ ‫صرٍ عَاِتَيةٍ‬ ‫َفأَمّا ثَمُو ُد فَأُهْلِكُوا بِالطّا ِغَيةِ (‪َ )5‬وأَمّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِي حٍ صَ ْر َ‬

‫(‪َ )6‬سخّرَهَا َعَلْيهِ مْ َسبْعَ َليَالٍ َوثَمَاِنيَةَ َأيّا مٍ حُ سُوما َفتَرَى الْ َقوْ مَ فِيهَا‬ ‫‪1934‬‬

‫صَرْعَى كََأّنهُمْ أَ ْعجَازُ َنخْلٍ خَا ِوَيةٍ (‪َ )7‬فهَلْ َترَى َلهُ ْم مِنْ بَاِقَيةٍ (‪)8‬‬ ‫فأ ما ثود فأهلكوا بال صيحة العظي مة ال ت جاوزت ال د ف شدت ا‪ ,‬وأمّ ا‬ ‫عاد فأُهلِكوا بريمح باردة شديدة البوب‪ ,‬سملّطها ال عليهمم سمبع ليال‬ ‫وثانية أيام متتابعة‪ ,‬ل تَ ْفتُر ول تنقطع‪ ,‬فترى القوم ف تلك الليال واليام‬ ‫موتى كأنم أصول نل خَرِبة متآكلة الجواف‪ .‬فهل ترى لؤلء القوم‬ ‫مِن نفس باقية دون هلك؟‬ ‫َصموْا رَسمُولَ‬ ‫َاتم بِاْلخَا ِطَئةِ (‪ )9‬فَع َ‬ ‫َهم وَالْ ُم ْؤتَفِك ُ‬ ‫َنم َقبْل ُ‬ ‫ْنم وَم ْ‬ ‫وَجَاءَ فِرْ َعو ُ‬

‫َرّبهِمْ فََأخَذَهُمْ َأخْذَ ًة رَاِبَيةً (‪)10‬‬

‫وجاء الطاغية فرعون‪ ,‬ومَن سبقه من المم الت كفرت برسلها‪ ,‬وأهل‬ ‫قرى قوم لوط الذين انقلبت بم ديارهم بسبب الفعلة النكرة من الكفر‬ ‫والشرك والفواحش‪ ,‬فعصت كل أمة منهم رسول ربم الذي أرسله‬ ‫إليهم‪ ,‬فأخذهم ال أخذة بالغة ف الشدة‪.‬‬ ‫ِإنّا لَمّا طَغَى الْمَاءُ حَمَ ْلنَاكُ مْ فِي اْلجَا ِرَيةِ (‪ِ )11‬لَنجْعََلهَا لَكُ ْم تَذْكِرَةً‬ ‫َوتَ ِعَيهَا أُ ُذنٌ وَا ِعَيةٌ (‪)12‬‬ ‫‪1935‬‬

‫إنّا لا جاوز الاء حدّه‪ ,‬حت عل وارتفع فوق كل شيء‪ ,‬حلنا أصولكم‬ ‫مع نوح ف السفينة الت تري ف الاء؛ لنجعل الواقعة الت كان فيها ناة‬ ‫الؤمني وإغراق الكافرين عبة وعظة‪ ,‬وتفظها كل أذن مِن شأنا أن‬ ‫تفظ‪ ,‬وتعقل عن ال ما سعت‪.‬‬ ‫جبَالُ‬ ‫خةٌ وَاحِدَةٌ (‪َ )13‬وحُمَِل تْ ا َلرْ ضُ وَالْ ِ‬ ‫َفإِذَا نُفِ َخ فِي ال صّورِ نَ ْف َ‬ ‫ّتم‬ ‫َتم اْلوَاقِ َعةُ ( ‪ )15‬وَانشَق ْ‬ ‫فَدُكّتَا دَ ّكةً وَاحِدَ ًة (‪َ )14‬فَيوْ َمئِذٍ وَقَع ْ‬ ‫ال سّمَاءُ َفهِ َي َيوْ َمئِذٍ وَا ِهَيةٌ (‪ )16‬وَالْمَلَ كُ َعلَى َأرْجَائِهَا َوَيحْمِلُ عَرْ شَ‬

‫ك َفوَْقهُ مْ َيوْ َمئِ ٍذ ثَمَاِنيَةٌ (‪َ )17‬يوْ َمئِذٍ تُ ْع َرضُو نَ ل َتخْفَى ِمنْ ُك مْ خَاِفَيةٌ‬ ‫َربّ َ‬ ‫(‪)18‬‬ ‫فإذا نفخ الَلَك ف "القرن" نفخة واحدة‪ ,‬وهي النفخة الول الت يكون‬ ‫عندها هلك العال‪ ,‬ورُفعت الرض والبال عن أماكنها ف ُكسّرتا‪ ,‬ودُقّتا‬ ‫دقة واحدة‪ .‬ففي ذلك الي قامت القيامة‪ ,‬وانصدعت السماء‪ ,‬فهي‬ ‫يومئذ ضعيفة مسترخية‪ ,‬ل تاسُك فيها ول صلبة‪ ,‬واللئكة على‬ ‫جوانبها وأطرافها‪ ,‬ويمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثانية من‬ ‫اللئكة العظام‪ .‬ف ذلك اليوم تُعرضون على ال‪ -‬أيها الناس‪ -‬للحساب‬ ‫والزاء‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أسراركم‪.‬‬ ‫‪1936‬‬

‫َفأَمّا مَنْ أُوتِيَ ِكتَابَهُ ِبيَمِينِهِ َفيَقُولُ هَاؤُمْ اقْ َرءُوا ِكتَاِبيَهْ (‪ِ )19‬إنّي َظنَنتُ‬ ‫ضَيةٍ ( ‪ )21‬فِي َجّنةٍ عَاِليَةٍ (‬ ‫َأنّي مُلقٍ حِسَاِبيَهْ ( ‪َ )20‬ف ُهوَ فِي عِيشَةٍ رَا ِ‬ ‫‪ )22‬قُطُوُفهَا دَاِنَيةٌ ( ‪ُ )23‬كلُوا وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا َأ سْلَ ْفُتمْ فِي ا َليّا مِ‬ ‫الْخَاِلَيةِ (‪)24‬‬

‫فأمّا من أُعطي كتاب أعماله بيمينه‪ ,‬فيقول ابتهاجًا وسرورًا‪ :‬خذوا‬ ‫اقرؤوا كتاب‪ ,‬إن أيقنت ف الدنيا بأن سألقى جزائي يوم القيامة‪,‬‬ ‫فأعددت له العدة من اليان والعمل الصال‪ ,‬فهو ف عيشة هنيئة مرضية‪,‬‬ ‫ف جنة مرتفعة الكان والدرجات‪ ,‬ثارها قريبة يتناولا القائم والقاعد‬ ‫والضطجع‪ .‬يقال لم‪ :‬كلوا أكل واشربوا شربًا بعيدًا عن كل أذى‪,‬‬ ‫سالي من كل مكروه؛ بسبب ما قدّمتم من العمال الصالة ف أيام‬ ‫الدنيا الاضية‪.‬‬ ‫ت ِكتَاِبيَهْ (‪َ )25‬ولَمْ‬ ‫وَأَمّا مَنْ أُوتِ َي ِكتَابَهُ ِبشِمَالِهِ َفيَقُولُ يَا َلْيَتنِي لَمْ أُو َ‬ ‫ضيَةَ ( ‪ )27‬مَا أَغْنَى َعنّ ي‬ ‫أَ ْد ِر مَا حِ سَاِبَيهْ ( ‪ )26‬يَا َليْتَهَا كَانَ تْ الْقَا ِ‬ ‫مَالَِيهْ (‪ )28‬هََلكَ َعنّي سُلْطَاِنَيهْ (‪)29‬‬

‫‪1937‬‬

‫وَأمّا من أعطي كتاب أعماله بشماله‪ ,‬فيقول نادمًا متحسرًا‪ :‬يا ليتن ل‬ ‫أُعط كتاب‪ ,‬ول أعلم ما جزائي؟ يا ليت الوتة الت متّها ف الدنيا كانت‬ ‫القاطعة لمري‪ ,‬ول أُبعث بعدها‪ ,‬ما نفعن مال الذي جعته ف الدنيا‪,‬‬ ‫ذهبت عن حجت‪ ,‬ول يَعُ ْد ل حجة أحتج با‪.‬‬ ‫جحِي مَ صَلّوهُ ( ‪ )31‬ثُمّ فِي سِ ْلسَِلةٍ َذرْ ُعهَا‬ ‫خُذُو هُ فَغُلّو هُ (‪ُ )30‬ثمّ الْ َ‬ ‫َسبْعُونَ ِذرَاعا فَا سْلُكُوهُ (‪ِ )32‬إنّ هُ كَا نَ ل ُيؤْمِ نُ بِاللّ هِ الْعَظِي مِ ( ‪)33‬‬ ‫وَل َيحُضّ عَلَى طَعَا ِم الْ ِمسْ ِكيِ (‪)34‬‬ ‫يقال لزنة جهنم‪ :‬خذوا هذا الجرم الثيم‪ ,‬فاجعوا يديه إل عنقه‬ ‫بالغلل‪ ,‬ث أدخلوه الحيم ليقاسي حرها‪ ,‬ث ف سلسلة من حديد‬ ‫طولا سبعون ذراعًا فأدخلوه فيها؛ إنه كان ل يصدّق بأن ال هو الله‬ ‫الق وحده ل شريك له‪ ,‬ول يعمل بديه‪ ,‬ول يث الناس ف الدنيا على‬ ‫إطعام أهل الاجة من الساكي وغيهم‪.‬‬ ‫َفَليْسَ لَهُ اْلَيوْمَ هَا ُهنَا َحمِي ٌم (‪ )35‬وَل طَعَامٌ إِ ّل مِنْ غِسِْليٍ ( ‪ )36‬ل‬ ‫يَأْكُُلهُ إِ ّل الْخَا ِطئُونَ (‪)37‬‬ ‫فليس لذا الكافر يوم القيامة قريب يدفع عنه العذاب‪ ,‬وليس له طعام إل‬ ‫‪1938‬‬

‫مِن صديد أهل النار‪ ,‬ل يأكله إل الذنبون الصرّون على الكفر بال‪.‬‬ ‫صرُونَ (‪ِ )39‬إنّهُ لَ َقوْلُ رَسُولٍ‬ ‫فَل أُقْسِمُ ِبمَا ُتبْصِرُونَ (‪ )38‬وَمَا ل ُتبْ ِ‬ ‫كَرِيٍ (‪ )40‬وَمَا ُهوَ بِ َقوْلِ شَاعِرٍ َقلِيلً مَا ُتؤْ ِمنُو نَ ( ‪ )41‬وَل بِ َقوْلِ‬ ‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)43‬‬ ‫ل مَا تَذَكّرُونَ (‪ )42‬تَنِي ٌل مِنْ رَ ّ‬ ‫كَاهِنٍ قَلِي ً‬ ‫فل أقسم با تبصرون من الرئيات‪ ,‬وما ل تبصرون ما غاب عنكم‪ ,‬إن‬ ‫القرآن لَكَلم ال‪ ,‬يتلوه رسمول عظيمم الشرف والفضمل‪ ,‬وليمس بقول‬ ‫شا عر ك ما تزعمون‪ ,‬قليل ما تؤمنون‪ ,‬ول يس ب سجع ك سجع الكهان‪,‬‬ ‫قليل مما يكون منكمم تذكّرم وتأمّلم للفرق بينهمما‪ ,‬ولكنمه كلم رب‬ ‫العالي الذي أنزله على رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َوَلوْ تَ َقوّلَ عََلْينَا بَعْ ضَ الَقَاوِيلِ (‪ )44‬لَ َخ ْذنَا ِمنْ هُ بِاْليَ ِميِ ( ‪ )45‬ثُمّ‬ ‫لَقَطَ ْعنَا ِمنْ ُه اْل َوِتيَ ( ‪ )46‬فَمَا ِمنْ ُكمْ مِنْ أَ َحدٍ َعنْهُ حَاجِزِي َن ( ‪ )47‬وَِإنّهُ‬ ‫ي ( ‪)48‬‬ ‫َلتَذْكِرَةٌ لِلْ ُمتّ ِق َ‬ ‫ولو ادّ عى م مد علي نا شيئًا ل نقله‪ ,‬لنتقم نا وأخذ نا م نه باليم ي‪ ,‬ث‬ ‫لقطعنا منه نياط قلبه‪ ,‬فل يقدر أحد منكم أن يجز عنه عقابنا‪ .‬إن هذا‬ ‫‪1939‬‬

‫القرآن لعظة للمتقي الذين يتثلون أوامر ال ويتنبون نواهيه‪.‬‬ ‫حسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (‪)50‬‬ ‫وَِإنّا َلنَعْلَمُ َأنّ ِمنْكُمْ ُمكَ ّذِبيَ (‪ )49‬وَِإّنهُ لَ َ‬ ‫سبّ ْح بِاسْ ِم َربّكَ الْعَظِيمِ (‪)52‬‬ ‫وَِإّنهُ َلحَقّ اْليَ ِقيِ (‪َ )51‬ف َ‬ ‫إنما لَنعلم أن ّ مِنكمم م َن يكذّب بذا القرآن ممع وضوح آياتمه‪ ,‬وإن‬ ‫التكذ يب به لندا مة عظي مة على الكافر ين به ح ي يرون عذاب م ويرون‬ ‫نعيم الؤمني به‪ ,‬وإنه لق ثابت ويقي ل شك فيه‪ .‬فنّه ال سبحانه عما‬ ‫ل يليق بلله‪ ,‬واذكره باسه العظيم‪.‬‬

‫‪ -70‬سورة العارج‬ ‫ب وَاقِ عٍ (‪ )1‬لِلْكَافِري نَ َليْ سَ لَ هُ دَافِ ٌع ( ‪ )2‬مِ نْ اللّ هِ ذِي‬ ‫سَأَ َل سَائِلٌ بِعَذَا ٍ‬

‫سيَ‬ ‫الْمَعَارِجِ (‪ )3‬تَعْرُجُ الْمَلئِ َكةُ وَالرّوحُ ِإَليْ هِ فِي َيوْ ٍم كَانَ مِقْدَارُهُ َخمْ ِ‬ ‫َألْفَ َسَنةٍ ( ‪)4‬‬ ‫د عا داع من الشرك ي على نف سه وقو مه بنول العذاب علي هم‪ ,‬و هو‬ ‫‪1940‬‬

‫واقمع بمم يوم القياممة ل مالة‪ ,‬ليمس له مانمع ينعمه ممن ال ذي العلو‬ ‫واللل‪ ,‬ت صعد اللئ كة وجب يل إل يه تعال ف يوم كان مقداره خ سي‬ ‫ألف سنة من سن الدنيا‪ ,‬وهو على الؤمن مثل صلة مكتوبة‪.‬‬ ‫صبْرا جَمِيلً (‪)5‬‬ ‫صبِ ْر َ‬ ‫فَا ْ‬ ‫فا صب ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬على ا ستهزائهم وا ستعجالم العذاب‪ ,‬صبًا ل‬ ‫جزع فيه‪ ,‬ول شكوى منه لغي ال‪.‬‬ ‫ِإّنهُمْ يَ َر ْوَنهُ بَعِيدا (‪َ )6‬ونَرَا ُه قَرِيبا (‪)7‬‬ ‫إن الكافرين يستبعدون العذاب ويرونه غي واقع‪ ,‬ونن نراه واقعًا قريبًا‬ ‫ل مالة‪.‬‬ ‫َيوْمَ َتكُونُ السّمَاءُ كَالْ ُمهْلِ (‪َ )8‬وتَكُونُ اْلجِبَالُ كَالْعِهْنِ (‪)9‬‬ ‫يوم تكون السمماء سمائلة مثمل حُثالة الزيمت‪ ,‬وتكون البال كالصموف‬ ‫الصبوغ النفوش الذي َذ َرتْه الريح‪.‬‬

‫‪1941‬‬

‫وَل َيسْأَلُ حَمِيمٌ َحمِيما (‪)10‬‬ ‫ول يسأل قريب قريبه عن شأنه؛ لن كل واح ٍد منهما مشغول بنفسه‪.‬‬ ‫ِيهم (‪)11‬‬ ‫َابم َيوْ ِمئِذٍ ِبَبن ِ‬ ‫ِنم عَذ ِ‬ ‫ِمم َلوْ يَ ْفتَدِي م ْ‬ ‫َصمرُوَنهُ ْم َيوَدّ الْ ُمجْر ُ‬ ‫ُيب ّ‬ ‫وَ صَا ِحَبِتهِ وَأَخِي هِ (‪ )12‬وَفَ صِيَلِتهِ الّتِي ُتؤْوي هِ ( ‪ )13‬وَمَ ْن فِي الَرْ ضِ‬ ‫َجمِيعا ثُ ّم يُنجِيهِ (‪)14‬‬ ‫يرونم ويعرفونم‪ ,‬ول يستطيع أحد أن ينفع أحدًا‪ .‬يتمن الكافر لو‬ ‫يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأبنائه‪ ,‬وزوجه وأخيه‪ ،‬وعشيته الت‬ ‫تضمه وينتمي إليها ف القرابة‪ ,‬وبميع مَن ف الرض مِ َن البشر وغيهم‪,‬‬ ‫ث ينجو من عذاب ال‪.‬‬ ‫كَلّ ِإّنهَا لَظَى (‪َ )15‬نزّا َعةً لِلشّوَى ( ‪ )16‬تَدْعُوا مَ نْ َأ ْدبَ َر َوتَ َولّى (‬ ‫‪ )17‬وَ َجمَعَ فََأوْعَى (‪)18‬‬ ‫ليس المر كما تتمناه‪ -‬أيها الكافر‪ -‬من الفتداء‪ ,‬إنا جهنم تتلظى‬ ‫نارها وتلتهب‪ ,‬تنع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن‪,‬‬

‫‪1942‬‬

‫تنادي مَن أعرض عن الق ف الدنيا‪ ,‬وترك طاعة ال ورسوله‪ ,‬وجع‬ ‫الال‪ ,‬فوضعه ف خزائنه‪ ,‬ول يؤدّ حق ال فيه‪.‬‬ ‫سهُ الشّرّ َجزُوعا ( ‪َ )20‬وإِذَا‬ ‫إِنّ الِن سَانَ خُلِ قَ هَلُوعا (‪ )19‬إِذَا مَ ّ‬

‫خيْرُ َمنُوعا (‪ )21‬إِ ّل الْمُ صَّليَ ( ‪ )22‬الّذِي نَ ُه ْم عَلَى صَلِتهِمْ‬ ‫سهُ اْل َ‬ ‫مَ ّ‬ ‫ُومم ( ‪ )24‬لِلسمّائِلِ‬ ‫ِمم حَقّ مَعْل ٌ‬ ‫ِينم ف ِي أَ ْموَاِله ْ‬ ‫ُونم (‪ )23‬وَالّذ َ‬ ‫دَائِم َ‬ ‫وَالْ َمحْرُو مِ (‪ )25‬وَالّذِي نَ يُ صَدّقُونَ ِبَيوْ ِم الدّي ِن ( ‪ )26‬وَالّذِي نَ هُ ْم مِ نْ‬ ‫عَذَا بِ َرّبهِ مْ ُمشْفِقُو نَ (‪ )27‬إِنّ عَذَا بَ َرّبهِ مْ َغيْ ُر مَأْمُو نٍ ( ‪)28‬‬

‫وَالّذِي نَ هُ مْ لِفُرُو ِج ِه مْ حَافِظُو نَ (‪ )29‬إِ ّل عَلَى َأ ْزوَا ِجهِ مْ َأوْ مَا مَلَ َك تْ‬ ‫َأيْمَاُنهُمْ َفِإّنهُمْ َغيْ ُر مَلُو ِميَ ( ‪)30‬‬

‫إن النسان ُجبِلَ على الزع وشدة الرص‪ ,‬إذا أصابه الكروه والعسر‬ ‫فهو كثي الزع والسى‪ ،‬وإذا أصابه الي واليسر فهو كثي النع‬ ‫والمساك‪ ،‬إل القيمي للصلة الذين يافظون على أدائها ف جيع‬ ‫الوقات‪ ،‬ول َيشْغَلهم عنها شاغل‪ ،‬والذين ف أموالم نصيب معيّن‬ ‫فرضه ال عليهم‪ ،‬وهو الزكاة لن يسألم العونة‪ ,‬ولن يتعفف عن‬ ‫سؤالا‪ ،‬والذين يؤمنون بيوم الساب والزاء فيستعدون له بالعمال‬ ‫الصالة‪ ,‬والذين هم خائفون من عذاب ال‪ .‬إن عذاب ربم ل ينبغي أن‬ ‫‪1943‬‬

‫يأمنه أحد‪ .‬والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما حرّم ال عليهم‪,‬‬ ‫إل على أزواجهم وإمائهم‪ ,‬فإنم غي مؤاخذين‪.‬‬ ‫ك فَُأ ْوَلئِكَ ُهمْ الْعَادُونَ (‪ )31‬وَالّذِينَ هُ ْم لَمَانَاتِهِمْ‬ ‫َفمَنْ اْبتَغَى َورَاءَ َذلِ َ‬

‫شهَادَاِتهِ ْم قَائِمُو نَ ( ‪ )33‬وَالّذِي نَ‬ ‫وَ َعهْدِهِ ْم رَاعُو نَ (‪ )32‬وَالّذِي نَ هُ مْ ِب َ‬ ‫هُ ْم عَلَى صَلِتهِمْ ُيحَافِظُونَ (‪ُ )34‬أ ْوَلئِكَ فِي َجنّاتٍ ُمكْرَمُونَ (‪)35‬‬ ‫فمن طلب لقضاء شهوته غي الزوجات والملوكات‪ ،‬فأولئك هم‬ ‫التجاوزون اللل إل الرام‪ .‬والذين هم حافظون لمانات ال‪,‬‬ ‫وأمانات العباد‪ ,‬وحافظون لعهودهم مع ال تعال ومع العباد‪ ,‬والذين‬ ‫يؤدّون شهاداتم بالق دون تغيي أو كتمان‪ ،‬والذين يافظون على أداء‬ ‫الصلة ول يلّون بشيء من واجباتا‪ .‬أولئك التصفون بتلك الوصاف‬ ‫الليلة مستقرّون ف جنات النعيم‪ ،‬مكرمون فيها بكل أنواع التكري‪.‬‬ ‫َفمَالِ الّذِي نَ كَ َفرُوا ِقبَلَ كَ ُمهْطِعِيَ (‪ )36‬عَ ْن اْليَمِيِ وَعَ نْ الشّمَالِ‬

‫ئ ِمْنهُ مْ أَ نْ يُ ْدخَلَ َجّنةَ نَعِي مٍ ( ‪َ )38‬كلّ‬ ‫عِزِي نَ (‪َ )37‬أيَطْمَ ُع كُلّ امْرِ ٍ‬ ‫ِإنّا خَلَ ْقنَاهُمْ ِممّا يَعْلَمُونَ ( ‪)39‬‬ ‫‪1944‬‬

‫فأيّ دافع دفع هؤلء الكفرة إل أن يسيوا نوك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫مسرعي‪ ،‬وقد مدّوا أعناقهم إليك مقبلي بأبصارهم عليك‪ ،‬يتجمعون‬ ‫عن يينك وعن شالك حلقًا متعددة وجاعات متفرقة يتحدثون‬ ‫ويتعجبون؟ أيطمع كل واحد من هؤلء الكفار أن يدخله ال جنة النعيم‬ ‫الدائم؟ ليس المر كما يطمعون‪ ،‬فإنم ل يدخلونا أبدًا‪ .‬إنّا خلقناهم ما‬ ‫يعلمون مِن ماء مهي كغيهم‪ ،‬فلم يؤمنوا‪ ،‬فمن أين يتشرفون بدخول‬ ‫جنة النعيم؟‬ ‫ق وَالْمَغَارِ بِ ِإنّا لَقَا ِدرُو نَ (‪ )40‬عَلَى أَ نْ ُنبَدّلَ‬ ‫فَل أُقْ سِ ُم بِ َربّ الْ َمشَارِ ِ‬ ‫سبُوِقيَ (‪)41‬‬ ‫َخيْرا ِمْنهُ ْم وَمَا َنحْنُ بِ َم ْ‬ ‫فل أقسم برب مشارق الشمس والكواكب ومغاربا‪ ,‬إنا لقادرون على‬ ‫أن ن ستبدل ب م قومًا أف ضل من هم وأطوع ل‪ ،‬و ما أ حد ي سبقنا ويفوت نا‬ ‫ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده‪.‬‬ ‫َف َذرْهُ مْ َيخُوضُوا َويَلْ َعبُوا َحتّى يُلقُوا َيوْ َمهُ مْ الّذِي يُوعَدُو نَ (‪َ )42‬يوْ مَ‬ ‫ُونم (‪)43‬‬ ‫ُصمبٍ يُوفِض َ‬ ‫ُممِإلَى ن ُ‬ ‫سمرَاعا كََأّنه ْ‬ ‫َاثم ِ‬ ‫ِنم الَ ْجد ِ‬ ‫ُونم م ْ‬ ‫َيخْرُج َ‬ ‫ك اْليَوْمُ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (‪)44‬‬ ‫خَاشِ َعةً َأبْصَارُهُمْ تَرْهَ ُقهُمْ ِذّلةٌ َذلِ َ‬ ‫‪1945‬‬

‫فاترك هم يوضوا ف باطل هم‪ ،‬ويلعبوا ف دنيا هم ح ت يلقوا يوم القيا مة‬ ‫الذي يوعدون فيمه بالعذاب‪ ،‬يوم يرجون ممن القبور مسمرعي‪ ,‬كمما‬ ‫كانوا ف الدن يا يذهبون إل آلت هم ال ت اختلقو ها للعبادة مِن دون ال‪,‬‬ ‫يهرولون ويسمرعون‪ ،‬ذليلة أبصمارهم منكسمرة إل الرض‪ ،‬تغشاهمم‬ ‫القارة والهانمة‪ ,‬ذلك همو اليوم الذي وعدوا بمه فم الدنيما‪ ,‬وكانوا بمه‬ ‫يهزؤون ويُكَذّبون‪.‬‬

‫‪ -71‬سورة نوح‬ ‫ك مِنْ َقبْلِ َأنْ يَ ْأِتَيهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‬ ‫ِإنّا َأ ْرسَ ْلنَا نُوحا ِإلَى َقوْ ِمهِ َأنْ أَن ِذ ْر َقوْمَ َ‬ ‫‪ )1‬قَالَ يَا َقوْمِ ِإنّي لَكُ ْم نَذِي ٌر ُمِبيٌ ( ‪ )2‬أَنْ ا ْعبُدُوا اللّهَ وَاتّقُوهُ وََأطِيعُونِ‬ ‫(‪ )3‬يَغْفِ ْر لَكُمْ مِنْ ُذنُوبِكُ ْم َوُيؤَخّرْكُمْ ِإلَى أَجَ ٍل مُسَمّى ِإنّ َأجَلَ اللّهِ إِذَا‬ ‫جَاءَ ل ُيؤَخّ ُر لَوْ كُنتُ ْم تَعْلَمُونَ (‪)4‬‬

‫إنا بعثنا نوحا إل قومه‪ ,‬وقلنا له‪ :‬حذّر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب‬ ‫موجع‪ .‬قال نوح‪ :‬يا قومي إن نذير لكم بيّن النذار من عذاب ال إن‬ ‫عصميتموه‪ ,‬وإنم رسمول ال إليكمم فاعبدوه وحده‪ ,‬وخافوا عقابمه‪,‬‬ ‫‪1946‬‬

‫وأطيعو ن في ما آمر كم به‪ ,‬وأنا كم ع نه‪ ,‬فإن أطعتمو ن وا ستجبتم ل‬ ‫يصفح ال عن ذنوبكم ويغفر لكم‪ ،‬ويُمدد ف أعماركم إل وقت مقدر‬ ‫ف علم ال تعال‪ ,‬إن الوت إذا جاء ل يؤخر أبدًا‪ ,‬لو كنتم تعلمون ذلك‬ ‫لسارعتم إل اليان والطاعة‪.‬‬ ‫ت َقوْمِي َليْلً َوَنهَارا (‪ )5‬فََلمْ يَ ِزدْهُمْ دُعَائِي إِلّ ِفرَارا‬ ‫قَالَ َربّ ِإنّي دَ َعوْ ُ‬ ‫ِمم‬ ‫ُمم جَعَلُوا أَصمَابِعَهُ ْم فِي آذَاِنه ْ‬ ‫ُمم ِلتَغْفِرَ َله ْ‬ ‫(‪ )6‬وَِإنّيم كُلّمَا دَ َع ْوتُه ْ‬ ‫شوْا ِثيَابَهُ مْ وَأَ صَرّوا وَا ْستَ ْكبَرُوا ا ْستِ ْكبَارا (‪ )7‬ثُمّ ِإنّ ي دَ َع ْوُتهُ مْ‬ ‫وَا ْستَ ْغ َ‬

‫ت لَهُ مْ إِ ْسرَارا ( ‪ )9‬فَقُ ْل تُ‬ ‫ت َلهُ ْم وَأَ سْ َررْ ُ‬ ‫ِجهَارا (‪ )8‬ثُمّ ِإنّ ي أَ ْعلَن ُ‬

‫ا ْستَغْفِرُوا َربّكُمْ ِإّنهُ كَانَ غَفّارا (‪)10‬‬ ‫قال نوح‪ :‬رب إنم دعوت قوممي إل اليان بمك وطاعتمك فم الليمل‬ ‫والنهار‪ ,‬فلم يزد هم دعائي ل م إل اليان إل هربًا وإعراضًا ع نه‪ ,‬وإ ن‬ ‫كل ما دعوت م إل اليان بك؛ ليكون سببًا ف غفرا نك ذنوب م‪ ,‬وضعوا‬ ‫أصابعهم ف آذانم ; كي ل يسمعوا دعوة الق‪ ,‬وتغطّوا بثيابم؛ كي ل‬ ‫يرونم‪ ,‬وأقاموا على كفرهمم‪ ,‬واسمتكبوا عمن قَبول اليان اسمتكبارًا‬ ‫شديدًا‪ ,‬ث إن دعوتم إل اليان ظاهرًا علنًا ف غي خفاء‪ ,‬ث إن أعلنت‬ ‫لم الدعوة بصوت مرتفع ف حال‪ ,‬وأسررت با بصوت خفيّ ف حال‬ ‫‪1947‬‬

‫أخرى‪ ,‬فقلت لقوممي‪ :‬سملوا ربكمم غفران ذنوبكمم‪ ,‬وتوبوا إليمه ممن‬ ‫كفركم‪ ,‬إنه تعال كان غفارًا لن تاب من عباده ورجع إليه‪.‬‬ ‫يُ ْر سِ ْل ال سّمَاءَ َعَليْكُ مْ مِ ْدرَارا (‪َ )11‬ويُمْ ِددْكُ ْم بِأَ ْموَالٍ َوَبنِيَ َوَيجْعَلْ‬

‫لَكُ مْ َجنّا تٍ َوَيجْعَلْ لَكُ مْ َأْنهَارا ( ‪ )12‬مَا لَكُ مْ ل تَرْجُو نَ لِلّ هِ وَقَارا (‬

‫‪ )13‬وَقَدْ خََلقَكُ مْ َأ ْطوَارا ( ‪َ )14‬ألَ مْ تَ َروْا َكيْ فَ َخلَ قَ اللّ هُ َسبْعَ‬ ‫سَمَاوَاتٍ ِطبَاقا (‪ )15‬وَجَعَ َل الْقَ َمرَ فِيهِنّ نُورا وَجَعَ َل الشّمْ سَ سِرَاجا‬ ‫(‪)16‬‬ ‫إن تتوبوا وتستغفروا ُيْنزِلِ ال عليكم الطر غزيرًا متتابعًا‪ ,‬ويكثرْ أموالكم‬ ‫وأولدكم‪ ,‬ويعلْ لكم حدائق َتنْعَمون بثمارها وجالا‪ ,‬ويعل لكم‬ ‫النار الت تسقون منها زرعكم ومواشيكم‪ .‬مالكم ‪-‬أيها القوم‪ -‬ل‬ ‫تافون عظمة ال وسلطانه‪ ,‬وقد خلقكم ف أطوار متدرجة‪ :‬نطفة ث‬ ‫علقة ث مضغة ث عظامًا ولمًا؟ أل تنظروا كيف خلق ال سبع سوات‬ ‫متطابقة بعضها فوق بعض‪ ,‬وجعل القمر ف هذه السموات نورًا‪ ,‬وجعل‬ ‫الشمس مصباحًا مضيئًا يستضيء به أهل الرض؟‬ ‫وَاللّهُمَأْنَبتَكُم ْم مِن ْم ا َلرْضِمَنبَاتا (‪ )17‬ثُمّ يُعِيدُكُم ْم فِيهَا َوُيخْرِ ُجكُم ْم‬ ‫‪1948‬‬

‫ِإخْرَاجا (‪ )18‬وَاللّ هُ جَعَلَ لَكُ مْ ا َلرْ ضَ بِ سَاطا ( ‪ِ )19‬لتَ سْلُكُوا ِمنْهَا‬ ‫ل ِفجَاجا (‪)20‬‬ ‫ُسبُ ً‬ ‫وال أنشأ أصلكم من الرض إنشاء‪ ,‬ث يعيدكم ف الرض بعد الوت‪,‬‬ ‫ويرجكم يوم البعث إخراجًا مققًا‪ .‬وال جعل لكم الرض مهدة‬ ‫كالبساط؛ لتسلكوا فيها طرقًا واسعة‪.‬‬ ‫ص ْونِي وَاّتبَعُوا مَ ْن لَ مْ يَ ِزدْ هُ مَالُ هُ َووَلَدُ هُ إِلّ خَ سَارا‬ ‫قَالَ نُو حٌ رَبّ ِإّنهُ ْم عَ َ‬ ‫(‪ )21‬وَمَ َكرُوا مَكْرا ُكبّارا ( ‪ )22‬وَقَالُوا ل تَ َذ ُرنّ آِل َهتَكُ ْم وَل تَ َذ ُرنّ‬

‫ق َونَ سْرا (‪ )23‬وََقدْ َأضَلّوا َكثِيا وَل‬ ‫ث َويَعُو َ‬ ‫وَدّا وَل ُسوَاعا وَل يَغُو َ‬

‫تَزِ ْد الظّالِ ِميَ إِلّ ضَللً (‪ )24‬مِمّا خَطِيئَاِتهِ مْ أُغْرِقُوا فَأُدْ ِخلُوا نَارا فَلَ مْ‬

‫َيجِدُوا لَهُ ْم مِنْ دُونِ الّلهِ َأنْصَارا (‪)25‬‬

‫قال نوح‪ :‬ربّ إن قومي بالغوا ف عصيان وتكذيب‪ ,‬واتبع الضعفاء منهم‬ ‫الرؤساء الضالي الذين ل تزدهم أموالم وأولدهم إل ضلل ف الدنيا‬ ‫وعقابًا ف الخرة‪ ,‬ومكر رؤساء الضلل بتابعيهم من الضعفاء مكرًا‬ ‫عظيمًا‪ ,‬وقالوا لم‪ :‬ل تتركوا عبادة آلتكم إل عبادة ال وحده‪ ,‬الت‬ ‫يدعو إليها نوح‪ ,‬ول تتركوا وَدّا ول سُواعًا ول يغوث ويعوق وَنسْرا ‪-‬‬ ‫وهذه أساء أصنامهم الت كانوا يعبدونا من دون ال‪ ,‬وكانت أساء‬ ‫‪1949‬‬

‫رجال صالي‪ ,‬لا ماتوا أوحى الشيطان إل قومهم أن يقيموا لم‬ ‫التماثيل والصور; لينشطوا‪ -‬بزعمهم‪ -‬على الطاعة إذا رأوها‪ ,‬فلما‬ ‫ذهب هؤلء القوم وطال المد‪ ,‬وخَلَفهم غيهم‪ ,‬وسوس لم الشيطان‬ ‫بأن أسلفهم كانوا يعبدون التماثيل والصور‪ ,‬ويتوسلون با‪ ,‬وهذه هي‬ ‫الكمة من تري التماثيل‪ ,‬وتري بناء القباب على القبور; لنا تصي مع‬ ‫تطاول الزمن معبودة للجهال‪ .‬وقد أضلّ هؤلء التبوعون كثيًا من‬ ‫الناس با زيّنوا لم من طرق الغَواية والضلل‪ .‬ث قال نوح ‪-‬عليه‬ ‫السلم‪ :-‬ول تزد‪ -‬يا ربنا‪ -‬هؤلء الظالي لنفسهم بالكفر والعناد إل‬ ‫بُعْدا عن الق‪ .‬فبسبب ذنوبم وإصرارهم على الكفر والطغيان أُغرقوا‬ ‫بالطوفان‪ ,‬وأُدخلوا عقب الغراق نارًا عظيمة اللهب والحراق‪ ,‬فلم‬ ‫يدوا من دون ال مَن ينصرهم‪ ,‬أو يدفع عنهم عذاب ال‪.‬‬ ‫وَقَالَ نُوحٌ رَبّ ل تَ َذرْ َعلَى ا َلرْضِ مِ ْن الْكَافِرِينَ َديّارا (‪ِ )26‬إنّكَ إِنْ‬ ‫ضلّوا ِعبَادَ كَ وَل يَِلدُوا إِلّ فَاجِرا كَفّارا (‪ )27‬رَبّ اغْفِ ْر لِي‬ ‫تَ َذرْهُ مْ يُ ِ‬ ‫ت وَل تَ ِزدْ الظّالِ ِميَ‬ ‫َولِوَالِدَيّ َولِمَنْ دَخَلَ َبْيتِي ُمؤْمِنا َولِلْ ُمؤْ ِمِنيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا ِ‬ ‫إِلّ َتبَارا ( ‪)28‬‬

‫‪1950‬‬

‫وقال نوح ‪-‬عليه السلم‪ -‬بعد يأسه من فهمه‪ :‬ربّ ل تترك من‬ ‫الكافرين بك أحدًا حيّا على الرض يدور ويتحرك‪ .‬إنك إن تتركهم‬ ‫دون إهلك يُضلوا عبادك الذين قد آمنوا بك عن طريق الق‪ ,‬ول يأت‬ ‫من أصلبم وأرحامهم إل مائل عن الق شديد الكفر بك والعصيان‬ ‫ي ولن دخل بيت مؤمنًا‪ ,‬وللمؤمني والؤمنات‬ ‫لك‪ .‬ربّ اغفر ل ولوالد ّ‬ ‫بك‪ ,‬ول تزد الكافرين إل هلكًا وخسرانًا ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -72‬سورة الن‬ ‫قُلْ أُوحِيَ ِإلَيّ َأنّهُ ا ْستَمَ َع نَفَ ٌر مِ ْن اْلجِنّ فَقَالُوا ِإنّا سَمِ ْعنَا قُرْآنا َعجَبا (‪)1‬‬

‫َيهْدِي ِإلَى الرّ ْشدِ فَآ َمنّا ِبهِ َولَنْ ُنشْرِ َك بِ َرّبنَا أَحَدا (‪)2‬‬

‫ل أنّ جاعة من الن قد استمعوا‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أوحى ال إ ّ‬ ‫لتلوت للقرآن‪ ،‬فلما سعوه قالوا لقومهم‪ :‬إنا سعنا قرآنًا بديعًا ف بلغته‬ ‫وفصاحته وحكمه وأحكامه وأخباره‪ ,‬يدعو إل الق والدى‪ ،‬فصدّقنا‬ ‫بذا القرآن وعملنا به‪ ,‬ولن نشرك بربنا الذي خلقنا أحدًا ف عبادته‪.‬‬

‫‪1951‬‬

‫وََأّنهُ تَعَالَى جَ ّد َرّبنَا مَا اتّخَ َذ صَا ِحَبةً وَل َولَدا (‪)3‬‬ ‫وأنه تعالَتْ عظمة ربنا وجلله‪ ,‬ما اتذ زوجة ول ولدًا‪.‬‬ ‫وََأّنهُ كَانَ يَقُولُ سَفِي ُهنَا َعلَى الّلهِ شَطَطا (‪)4‬‬ ‫وأن سفيهنا‪ -‬وهو إبليس‪ -‬كان يقول على ال تعال قول بعيدًا عن الق‬ ‫والصواب‪ ،‬مِن دعوى الصاحبة والولد‪.‬‬ ‫وََأنّا َظَننّا َأنْ لَنْ تَقُولَ الِنسُ وَالْجِنّ عَلَى الّلهِ كَذِبا (‪)5‬‬ ‫سبْنا أن أحدًا لن يكذب على ال تعال‪ ،‬ل من النس ول من‬ ‫وأنّا َح ِ‬ ‫الن ف نسبة الصاحبة والولد إليه‪.‬‬ ‫وََأنّ هُ كَا نَ رِجَالٌ مِ نْ الِن سِ يَعُوذُو نَ بِ ِرجَالٍ مِ ْن اْلجِنّ فَزَادُوهُ مْ رَهَقا (‬ ‫‪)6‬‬ ‫وأنه كان رجال من النس يستجيون برجال من الن‪ ,‬فزاد رجالُ النّ‬ ‫النسَ باستعاذتم بم خوفًا وإرهابًا ورعبًا‪ .‬وهذه الستعاذة بغي ال‪,‬‬ ‫الت نعاها ال على أهل الاهلية‪ ,‬من الشرك الكب‪ ،‬الذي ل يغفره ال‬ ‫‪1952‬‬

‫إل بالتوبة النصوح منه‪ .‬وف الية تذير شديد من اللجوء إل السحرة‬ ‫والشعوذين وأشباههم‪.‬‬ ‫وََأّنهُ ْم َظنّوا َكمَا َظنَنتُمْ َأنْ لَنْ َيبْ َعثَ الّلهُ َأحَدا (‪)7‬‬ ‫وأن كفار النس حسبوا كما حسبتم‪ -‬يا معشر الن‪ -‬أن ال تعال لن‬ ‫يبعث أحدًا بعد الوت‪.‬‬ ‫سنَا السّمَاءَ َفوَجَ ْدنَاهَا مُِلئَتْ َحرَسا َشدِيدا َو ُشهُبا (‪)8‬‬ ‫وََأنّا لَ َم ْ‬ ‫وأنّا‪ -‬معشر الن‪ -‬طلبنا بلوغ السماء؛ لستماع كلم أهلها‪ ,‬فوجدناها‬ ‫مُلئت باللئكة الكثيين الذين يرسونا‪ ,‬وبالشهب الحرقة الت يُرمى با‬ ‫مَن يقترب منها‪.‬‬ ‫ستَ ِمعْ ال نَ َيجِ ْد لَ هُ ِشهَابا‬ ‫وََأنّ ا ُكنّ ا نَقْ ُعدُ ِمنْهَا مَقَاعِدَ لِل سّمْعِ فَمَ نْ يَ ْ‬

‫َرصَدا (‪)9‬‬

‫وأنا كنا قبل ذلك نتخذ من السماء مواضع; لنستمع إل أخبارها‪ ,‬فمن‬ ‫ياول الن استراق السمع يد له شهابًا بالرصاد‪ ,‬يُحرقه ويهلكه‪ .‬وف‬ ‫‪1953‬‬

‫هاتي اليتي إبطال مزاعم السحرة والشعوذين‪ ,‬الذين يدّعون علم‬ ‫الغيب‪ ،‬ويغررون بضعفة العقول؛ بكذبم وافترائهم‪.‬‬ ‫وََأنّ ا ل نَ ْدرِي أَ َشرّ ُأرِي َد بِمَ نْ فِي ا َلرْ ضِ أَ مْ َأرَادَ ِبهِ مْ َرّبهُ ْم رَشَدا (‬ ‫‪)10‬‬ ‫وأننا معشر الن‪ -‬ل نعلم‪ :‬أشرًا أراد ال أن ينله بأهل الرض‪ ،‬أم أراد‬ ‫بم خيًا وهدى؟‬ ‫وََأنّا ِمنّا الصّالِحُونَ وَ ِمنّا دُونَ َذلِكَ ُكنّا طَرَائِقَ قِدَدا (‪)11‬‬ ‫وأنا منا البرار التقون‪ ،‬ومنا قوم دون ذلك كفار وفساق‪ ,‬كنا فرقًا‬ ‫ومذاهب متلفة‪.‬‬ ‫وََأنّا َظَننّا َأنْ لَنْ نُعجِ َز اللّهَ فِي ا َلرْضِ َولَنْ نُ ْعجِزَهُ َهرَبا (‪)12‬‬ ‫وأنا أيقنا أن ال قادر علينا‪ ،‬وأننا ف قبضته وسلطانه‪ ,‬فلن نفوته إذا أراد‬ ‫بنا أمرًا أينما كنا‪ ,‬ولن نستطيع أن نُفْلِت مِن عقابه هربًا إل السماء‪ ،‬إن‬ ‫أراد بنا سوءًا‪.‬‬ ‫‪1954‬‬

‫وََأنّ ا لَمّ ا سَمِ ْعنَا اْلهُدَى آ َمنّ ا بِ هِ َفمَ نْ ُيؤْمِ نْ بِ َربّ ِه فَل َيخَا فُ َبخْ سا وَل‬

‫رَهَقا (‪)13‬‬

‫وإنا لا سعنا القرآن آمنّا به‪ ,‬وأقررنا أنه حق مِن عند ال‪ ،‬فمن يؤمن‬ ‫بربه‪ ،‬فإنه ل يشى نقصانًا من حسناته‪ ،‬ول ظلمًا يلحقه بزيادة ف‬ ‫سيئاته‪.‬‬ ‫وََأنّا ِمنّا الْمُ سْلِمُونَ وَ ِمنّا الْقَا سِطُونَ فَمَ نْ أَ ْسلَمَ فَُأ ْوَلئِ كَ َتحَ ّروْا رَشَدا (‬ ‫ج َهنّمَ حَطَبا (‪)15‬‬ ‫‪ )14‬وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا ِل َ‬ ‫وأنا منا الاضعون ل بالطاعة‪ ,‬ومنا الائرون الظالون الذين حادوا عن‬ ‫طريق الق‪ ،‬فمن أسلم وخضع ل بالطاعة‪ ,‬فأؤلئك الذين قصدوا طريق‬ ‫الق والصواب‪ ,‬واجتهدوا ف اختياره فهداهم ال إليه‪ ,‬وأما الائرون‬ ‫عن طريق السلم فكانوا وَقودًا لهنم‪.‬‬ ‫ِيهم‬ ‫ُمم ف ِ‬ ‫َسمَقْينَاهُمْ مَاءً َغدَقا (‪ِ )16‬لنَ ْفِتَنه ْ‬ ‫اسمتَقَامُوا عَلَى الطّرِي َقةِ ل ْ‬ ‫وََأّلوْ ْ‬ ‫ض عَنْ ذِكْرِ َرّبهِ َيسْلُ ْكهُ َعذَابا صَعَدا (‪)17‬‬ ‫وَمَنْ يُعْرِ ْ‬ ‫‪1955‬‬

‫وأنه لو سار الكفار من النس والن على طريقة السلم‪ ،‬ول ييدوا‬ ‫عنها لنزلنا عليهم ماءً كثيًا‪ ،‬ولوسّعنا عليهم الرزق ف الدنيا؛‬ ‫لنختبهم‪ :‬كيف يشكرون نعم ال عليهم؟ ومن يُعرض عن طاعة ربه‬ ‫واستماع القرآن وتدبره‪ ,‬والعمل به يدخله عذابًا شديدًا شاقّا‪.‬‬ ‫وََأنّ الْ َمسَاجِ َد لِّلهِ فَل تَدْعُوا مَ َع الّلهِ َأحَدا (‪)18‬‬ ‫وأن الساجد لعبادة ال وحده‪ ,‬فل تعبدوا فيها غيه‪ ،‬وأخلصوا له الدعاء‬ ‫والعبادة فيها؛ فإن الساجد ل ُتبْنَ إل ليُعبَدَ الُ وحده فيها‪ ,‬دون من‬ ‫سواه‪ ،‬وف هذا وجوب تنيه الساجد من كل ما يشوب الخلص ل‪,‬‬ ‫ومتابعة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وََأّنهُ لَمّا قَامَ َعبْ ُد الّلهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عََلْيهِ ِلبَدا (‪)19‬‬ ‫وأنه لا قام ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يعبد ربه‪ ،‬كاد الن يكونون عليه‬ ‫جاعات متراكمة‪ ,‬بعضها فوق بعض ; مِن شدة ازدحامهم لسماع‬ ‫القرآن منه‪.‬‬

‫‪1956‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا أَدْعُو َربّي وَل ُأشْرِ ُك ِبهِ َأحَدا (‪)20‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكفار‪ :‬إنا أعبد رب وحده‪ ،‬ول أشرك معه‬ ‫ف العبادة أحدًا‪.‬‬ ‫ك لَكُ ْم ضَرّا وَل رَشَدا (‪ )21‬قُلْ ِإنّ ي لَ نْ ُيجِ َينِي مِ نْ‬ ‫قُلْ ِإنّ ي ل أَمِْل ُ‬ ‫اللّ هِ أَ َحدٌ َولَ نْ َأجِدَ مِ نْ دُونِ هِ مُ ْلَتحَدا (‪ )22‬إِلّ بَلغا مِ نْ اللّ هِ َورِ سَالِتهِ‬ ‫وَمَنْ يَعْصِ الّلهَ َورَسُولَهُ َفإِنّ َلهُ نَارَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا (‪)23‬‬ ‫قل‪ -‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬إن ل أقدر أن أدفع عنكم ضرًا‪ ،‬ول أجلب‬ ‫لكم نفعًا‪ ،‬قل‪ :‬إن لن ينقذن من عذاب ال أحد إن عصيته‪ ,‬ولن أجد‬ ‫من دونه ملجأ أفرّ إليه مِن عذابه‪ ,‬لكن أملك أن أبلغكم عن ال ما أمرن‬ ‫بتبليغه لكم‪ ,‬ورسالتَه الت أرسلن با إليكم‪ .‬ومَن يعص ال ورسوله‪,‬‬ ‫ويُعرض عن دين ال‪ ,‬فإن جزاءه نار جهنم ل يرج منها أبدًا‪.‬‬ ‫ف نَا صِرا وَأَقَ ّل عَدَدا (‬ ‫سيَعْلَمُونَ مَ نْ َأضْعَ ُ‬ ‫َحتّ ى إِذَا رََأوْا مَا يُوعَدُو نَ فَ َ‬

‫‪)24‬‬

‫‪1957‬‬

‫حت إذا أبصر الشركون ما يوعدون به من العذاب‪ ،‬فسيعلمون عند‬ ‫حلوله بم‪ :‬مَن أضعف ناصرًا ومعينًا وأقل جندًا؟‬ ‫قُلْ إِ نْ أَ ْدرِي أَقَرِي بٌ مَا تُوعَدُو نَ أَ مْ َيجْعَلُ لَ هُ َربّ ي َأمَدا (‪ )25‬عَالِ مُ‬

‫الْ َغيْ بِ فَل يُ ْظهِرُ عَلَى َغْيبِ هِ أَحَدا (‪ )26‬إِ ّل مَ ْن ارْتَضَى مِ نْ رَ سُولٍ َفِإنّ هُ‬ ‫يَ سْلُكُ مِ ْن َبيْ نِ يَ َديْ هِ وَمِ نْ خَلْفِ ِه رَ صَدا (‪ِ )27‬ليَعْلَ مَ أَ نْ َقدْ َأبَْلغُوا‬ ‫رِسَالتِ َرّبهِمْ َوأَحَاطَ بِمَا لَ َدْيهِمْ وََأحْصَى كُلّ شَ ْيءٍ َعدَدا (‪)28‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬ما أدري أهذا العذاب الذي وُعدت‬ ‫به قريب زمنه‪ ,‬أم يعل له رب مدة طويلة؟ وهو سبحانه عال با غاب‬ ‫عن البصار‪ ,‬فل يظهر على غيبه أحدًا من خلقه‪ ،‬إل من اختاره ال‬ ‫لرسالته وارتضاه‪ ،‬فإنه يُطلعهم على بعض الغيب‪ ،‬ويرسل من أمام‬ ‫الرسول ومن خلفه ملئكة يفظونه من الن; لئل يسترقوه ويهمسوا به‬ ‫إل الكهنة; ليعلم الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أن الرسل قبله كانوا‬ ‫على مثل حاله من التبليغ بالق والصدق‪ ،‬وأنه حُفظ كما حُفظوا من‬ ‫الن‪ ,‬وأن ال سبحانه أحاط علمه با عندهم ظاهرًا وباطنًا من الشرائع‬ ‫والحكام وغيها‪ ,‬ل يفوته منها شيء‪ ,‬وأنه تعال أحصى كل شيء‬ ‫عددًا‪ ،‬فلم َيخْفَ عليه منه شيء‪.‬‬ ‫‪1958‬‬

‫‪ -73‬سورة الزمل‬ ‫يَا َأّيهَا الْمُزّمّلُ (‪ُ )1‬ق ْم الّليْلَ إِلّ قَلِيلً ( ‪ )2‬نِ صْ َفهُ َأوْ انْقُ صْ ِمنْ هُ َقلِيلً (‬ ‫‪َ )3‬أوْ زِ ْد عََلْيهِ َو َرتّلْ الْقُرْآ َن تَ ْرتِيلً (‪)4‬‬ ‫يا أيها التغطي بثيابه‪ ،‬قم للصلة ف الليل إل يسيًا منه‪ .‬قم نصف الليل‬ ‫أو انقص من النصف قليل حت تَصِلَ إل الثلث‪ ،‬أو زد على النصف‬ ‫حت تصل إل الثلثي‪ ,‬واقرأ القرآن بُتؤَدَة وتهّلٍ مبّينًا الروف والوقوف‪.‬‬ ‫ك َقوْلً ثَقِيلً (‪)5‬‬ ‫ِإنّا َسنُلْقِي عََليْ َ‬ ‫إنا سننل عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬قرآنًا عظيمًا مشتمل على الوامر والنواهي‬ ‫والحكام الشرعية‪.‬‬ ‫ِإنّ نَا ِشَئةَ الّليْلِ ِهيَ َأشَ ّد َوطْئا وَأَ ْقوَمُ قِيلً (‪)6‬‬

‫‪1959‬‬

‫إن العبادة الت تنشأ ف جوف الليل هي أشد تأثيًا ف القلب‪ ,‬وأبي قول‬ ‫لفراغ القلب مِن مشاغل الدنيا‪.‬‬ ‫ِإنّ لَكَ فِي اَلّنهَارِ َسبْحا َطوِيلً (‪)7‬‬ ‫إن لك ف النهار تصرفًا وتقلبًا ف مصالك‪ ,‬واشتغال واسعًا بأمور‬ ‫الرسالة‪ ,‬ففرّغْ نفسك ليل لعبادة ربك‪.‬‬ ‫ب ل ِإلَ هَ‬ ‫ل (‪ )8‬رَبّ الْ َمشْ ِر قِ وَالْمَغْرِ ِ‬ ‫وَاذْكُ ْر ا سْ َم َربّ كَ َوَتَبتّلْ ِإَليْ هِ َتْبتِي ً‬

‫إِلّ ُه َو فَاّتخِذْهُ وَكِيلً ( ‪)9‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬اسم ربك‪ ,‬فادعه به‪ ,‬وانقطع إليه انقطاعًا تامًا ف‬ ‫عبادتك‪ ,‬وتوكل عليه‪ .‬هو مالك الشرق والغرب ل معبود بق إل هو‪,‬‬ ‫فاعتمد عليه‪ ,‬وفوّض أمورك إليه‪.‬‬ ‫صبِرْ َعلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُ ْم َهجْرا جَمِيلً (‪)10‬‬ ‫وَا ْ‬ ‫واصب على ما يقوله الشركون فيك وف دينك‪ ,‬وخالفهم ف أفعالم‬ ‫الباطلة‪ ,‬مع العراض عنهم‪ ,‬وترك النتقام منهم‪.‬‬ ‫‪1960‬‬

‫وَ َذ ْرنِي وَالْمُكَ ّذِبيَ أُولِي النّعْ َمةِ وَ َمهّ ْلهُمْ قَلِيلً (‪)11‬‬ ‫دعن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وهؤلء الكذبي بآيات أصحاب النعيم والترف ف‬ ‫الدنيا‪ ,‬ومهّلهم زمنًا قليل بتأخي العذاب عنهم حت يبلغ الكتاب أجله‬ ‫بعذابم‪.‬‬ ‫صةٍ وَعَذَابا َألِيما (‪)13‬‬ ‫ِإنّ لَ َدْينَا أَنكَالً وَ َجحِيما (‪َ )12‬وطَعَاما ذَا غُ ّ‬ ‫إن لم عندنا ف الخرة قيودًا ثقيلة ونارًا مستعرة يُحرقون با‪ ,‬وطعامًا‬ ‫كريهًا ينشَب ف اللوق ل يستساغ‪ ,‬وعذابًا موجعًا‪.‬‬ ‫جبَالُ َكثِيبا َمهِيلً (‪)14‬‬ ‫ت اْل ِ‬ ‫جبَالُ وَكَانَ ْ‬ ‫ف ا َلرْضُ وَاْل ِ‬ ‫َيوْمَ َترْجُ ُ‬ ‫يوم تضطرب الرض والبال وتتزلزل حت تصي البال تَل من الرمل‬ ‫سائل متناثرًا‪ ,‬بعد أن كانت صُلبة جامدة‪.‬‬ ‫ِإنّا َأرْسَ ْلنَا ِإَليْكُمْ رَسُولً شَاهِدا َعَليْكُ ْم كَمَا َأرْ َس ْلنَا ِإلَى ِفرْ َعوْنَ رَسُولً (‬ ‫‪ )15‬فَعَصَى ِفرْ َعوْنُ الرّسُو َل فَأَ َخ ْذنَاهُ َأخْذا َوبِيلً (‪)16‬‬ ‫‪1961‬‬

‫إنا أرسلنا إليكم‪ -‬يا أهل "مكة"‪ -‬ممدًا رسول شاهدًا عليكم با صدر‬ ‫منكم من الكفر والعصيان‪ ,‬كما أرسلنا موسى رسول إل الطاغية‬ ‫فرعون‪ ،‬فكذّب فرعون بوسى‪ ,‬ول يؤمن برسالته‪ ,‬وعصى أمره‪,‬‬ ‫فأهلكناه إهلكًا شديدًا‪ .‬وف هذا تذير من معصية الرسول ممد‪ ,‬صلى‬ ‫ال عليه وسلم؛ خشية أن يصيب العاصي مثل ما أصاب فرعون وقومه‪.‬‬ ‫َف َكيْفَ َتتّقُونَ ِإنْ كَ َف ْرتُمْ َيوْما َيجْعَلُ الْ ِولْدَانَ شِيبا (‪)17‬‬ ‫فكيف تَقُون أنفسكم‪ -‬إن كفرت‪ -‬عذاب يوم القيامة الذي يشيب فيه‬ ‫الولدان الصغار; مِن شدة هوله وكربه؟‬ ‫السّمَاءُ ُمنْفَطِرٌ ِبهِ كَانَ وَعْدُ ُه مَفْعُولً (‪)18‬‬ ‫السماء متصدعة ف ذلك اليوم; لشدة هوله‪ ,‬كان وعد ال تعال بجيء‬ ‫ذلك اليوم واقعًا ل مالة‪.‬‬ ‫ِإنّ هَذِهِ َتذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتّخَذَ ِإلَى َرّبهِ َسبِيلً (‪)19‬‬

‫‪1962‬‬

‫إن هذه اليات الخوفة الت فيها القوارع والزواجر عظة وعبة للناس‪,‬‬ ‫فمن أراد التعاظ والنتفاع با اتذ الطاعة والتقوى طريقًا توصله إل‬ ‫رضوان ربه الذي خلقه وربّاه‪.‬‬ ‫ِإنّ َربّ كَ يَعَْل مُ َأنّ كَ تَقُو مُ أَ ْدنَى مِ نْ ثُُلثَي الّليْلِ َونِ صْ َفهُ َوثُُلثَ هُ َوطَائِ َفةٌ مِ ْن‬ ‫ب عََليْكُ مْ‬ ‫ك وَاللّ هُ يُ َق ّدرُ الّليْلَ وَالّنهَارَ عَِل مَ أَ نْ لَ نْ ُتحْ صُوهُ َفتَا َ‬ ‫الّذِي نَ مَعَ َ‬ ‫فَاقْ َرءُوا مَا َتيَ سّ َر مِ نْ الْقُرْآ نِ عَلِ مَ أَ نْ َسيَكُونُ ِمنْكُ ْم مَرْضَى وَآخَرُو نَ‬ ‫ض َيْبتَغُونَ مِ ْن فَضْلِ اللّهِ وَآ َخرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ اللّهِ‬ ‫يَضْ ِربُونَ فِي الَرْ ِ‬ ‫ّهم قَرْضا‬ ‫ْهم وَأَقِيمُوا الصمّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَ ْق ِرضُوا الل َ‬ ‫َسمَر ِمن ُ‬ ‫فَاقْ َرءُوا مَا َتي ّ‬ ‫حَ سَنا وَمَا تُ َقدّمُوا َلنْفُ سِكُ ْم مِ نْ َخْيرٍ َتجِدُو هُ ِعنْدَ اللّ هِ ُهوَ َخيْرا وَأَعْ َظ مَ‬ ‫َأجْرا وَا ْستَغْفِرُوا الّلهَ ِإنّ الّلهَ غَفُورٌ رَحِي ٌم (‪)20‬‬ ‫إن ر بك ‪-‬أي ها ال نب‪ -‬يعلم أ نك تقوم للته جد من الل يل أ قل من ثلث يه‬ ‫حينًا‪ ,‬وتقوم نصفه حينًا‪ ,‬وتقوم ثلثه حينًا آخر‪ ,‬ويقوم معك طائفة من‬ ‫أ صحابك‪ .‬وال وحده هو الذي يقدّر الل يل والنهار‪ ,‬ويعلم مقاديره ا‪,‬‬ ‫وما يضي ويبقى منهما‪ ,‬علم ال أنه ل يكنكم قيام الليل كله‪ ,‬فخفّف‬ ‫عليكم‪ ,‬فاقرؤوا ف الصلة بالليل ما تيسر لكم قراءته من القرآن‪ ,‬علم‬ ‫ال أنمه سميوجد فيكمم مَن يُعجزه الرض عمن قيام الليمل‪ ,‬ويوجمد قوم‬ ‫آخرون يتنقّلون ف الرض للتجارة والعمل يطلبون من رزق ال اللل‪,‬‬ ‫‪1963‬‬

‫وقوم آخرون ياهدون ف سبيل ال؛ لعلء كلمته ون شر دينه‪ ,‬فاقرؤوا‬ ‫ف صلتكم ما تي سّر ل كم من القرآن‪ ,‬وواظبوا على فرائض ال صلة‪,‬‬ ‫وأعطوا الزكاة الواج بة علي كم‪ ,‬وت صدّقوا ف وجوه الب والح سان مِن‬ ‫أموالكمم؛ ابتغاء وجمه ال‪ ,‬ومما تفعلوا م ِن وجوه الب واليم وعممل‬ ‫الطاعات‪ ,‬تلقَوا أجره وثوابمه عنمد ال يوم القياممة خيًا مام قدّمتمم فم‬ ‫الدن يا‪ ,‬وأع ظم م نه ثوابًا‪ ,‬واطلبوا مغفرة ال ف ج يع أحوال كم‪ ,‬إن ال‬ ‫غفور لكم رحيم بكم‪.‬‬

‫‪ -74‬سورة الدثر‬ ‫ك فَ َكبّ ْر ( ‪َ )3‬وِثيَابَ كَ فَ َطهّ ْر (‬ ‫يَا َأّيهَا الْمُ ّدثّ ُر (‪ُ )1‬ق ْم فَأَن ِذرْ ( ‪َ )2‬و َربّ َ‬ ‫صبِ ْر (‪)7‬‬ ‫ك فَا ْ‬ ‫ستَ ْكثِرُ (‪َ )6‬ولِ َربّ َ‬ ‫‪ )4‬وَالرّ ْجزَ فَا ْهجُ ْر (‪ )5‬وَل تَ ْمنُ ْن َت ْ‬ ‫يا أي ها التغ طي بثيا به‪ ,‬قم مِن مضج عك‪ ,‬فحذّر الناس من عذاب ال‪,‬‬ ‫ُصم ربمك وحده بالتعظيمم والتوحيمد والعبادة‪َ ,‬و َطهّرم ثيابمك ممن‬ ‫وخ ّ‬ ‫النجا سات؛ فإن طهارة الظا هر من تام طهارة البا طن‪ ,‬ودُ مْ على هَجْر‬ ‫الصنام والوثان وأعمال الشرك كلها‪ ,‬فل تقربا‪ ,‬ول تُعط العطيّة؛ كي‬ ‫‪1964‬‬

‫تلتمس أكثر منها‪ ,‬ولرضاة ربك فاصب على الوامر والنواهي‪.‬‬ ‫َفإِذَا نُقِ َر فِي النّاقُورِ (‪َ )8‬ف َذلِ كَ َيوْ َمئِ ٍذ َيوْ مٌ عَ سِيٌ ( ‪ )9‬عَلَى الْكَاِفرِي نَ‬ ‫َغيْرُ َيسِيٍ (‪)10‬‬ ‫فإذا نُ فخ ف "القرن" نف خة الب عث والنشور‪ ,‬فذلك الو قت يومئذ شد يد‬ ‫على الكافر ين‪ ,‬غ ي سهل أن يل صوا م ا هم ف يه من مناق شة ال ساب‬ ‫وغيه من الهوال‪.‬‬ ‫ت لَ هُ مَالً َممْدُودا ( ‪)12‬‬ ‫َذرْنِي وَمَ نْ َخلَقْ تُ وَحِيدا (‪ )11‬وَجَعَ ْل ُ‬ ‫َوَبنِيَ ُشهُودا (‪ )13‬وَ َمهّ ْد تُ لَ هُ تَ ْمهِيدا ( ‪ )14‬ثُمّ يَطْمَ عُ أَ نْ َأزِي َد (‬ ‫‪ )15‬كَلّ ِإّنهُ كَانَ ليَاِتنَا َعنِيدا (‪ )16‬سَُأرْهِ ُقهُ صَعُودا (‪)17‬‬

‫دعن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنا والذي خلقته ف بطن أمه وحيدًا فريدًا ل مال‬ ‫له ول ولد‪ ,‬وجعلت له مال مبسموطًا واسمعًا وأولدًا حضورًا معمه فم‬ ‫"مكة" ل يغيبون عنه‪ ،‬وي سّرت له سبل العيش تيسيًا‪ ,‬ث يأمُل بعد هذا‬ ‫العطاء أن أز يد له ف ماله وولده‪ ,‬و قد ك فر ب‪ .‬ل يس ال مر ك ما يز عم‬ ‫هذا الفاجر الثيم‪ ,‬ل أزيده على ذلك؛ إنه كان للقرآن وحجج ال على‬ ‫خل قه معاندًا مكذبًا‪ ,‬سأكلفه مش قة من العذاب والرهاق ل را حة له‬ ‫‪1965‬‬

‫منهما‪( .‬والراد بمه الوليمد بمن الغية العانمد للحمق البارز ل ولرسموله‬ ‫بالحاربة‪ ،‬وهذا جزاء كلّ من عاند الق ونابذه)‪.‬‬ ‫ف قَ ّدرَ ( ‪ )19‬ثُمّ ُقتِلَ َكيْ فَ َق ّدرَ (‬ ‫ِإنّ هُ َفكّرَ وََق ّدرَ (‪ )18‬فَ ُقتِ َل َكيْ َ‬

‫‪ )20‬ثُمّ نَظَرَ (‪ )21‬ثُمّ َعبَسَ َوبَسَرَ (‪ُ )22‬ثمّ أَ ْدبَ َر وَا ْستَ ْكبَرَ (‪)23‬‬ ‫فَقَالَ ِإنْ َهذَا إِلّ ِسحْ ٌر ُي ْؤثَرُ (‪ِ )24‬إنْ َهذَا إِ ّل َقوْلُ اْلبَشَ ِر (‪)25‬‬ ‫إنه فكّر ف نفسه‪ ,‬وهيّأ ما يقوله من الطعن ف ممد والقرآن‪ ,‬فَلُعِن‪،‬‬ ‫واستحق بذلك اللك‪ ,‬كيف أعدّ ف نفسه هذا الطعن؟ ث لُعِن كذلك‪,‬‬ ‫ث تأمّل فيما قدّر وهيّأ من الطعن ف القرآن‪ ,‬ث قطّب وجهه‪ ,‬واشتدّ ف‬ ‫العبوس والكُلُوح لممّا ضاقت عليه اليل‪ ,‬ول يد مطعنًا يطعن به ف‬ ‫القرآن‪ ,‬ث رجع معرضًا عن الق‪ ,‬وتعاظم أن يعترف به‪ ,‬فقال عن‬ ‫القرآن‪ :‬ما هذا الذي يقوله ممد إل سحر ُينْقل عن الولي‪ ,‬ما هذا إل‬ ‫كلم الخلوقي تعلّمه ممد منهم‪ ,‬ث ادّعى أنه من عند ال‪.‬‬ ‫سَُأصْلِيهِ سَ َقرَ (‪ )26‬وَمَا أَ ْدرَا كَ مَا سَقَ ُر ( ‪ )27‬ل ُتبْقِي وَل تَ َذ ُر (‬ ‫‪َ )28‬لوّا َحةٌ لِ ْلَبشَرِ (‪ )29‬عََلْيهَا ِتسْ َعةَ َعشَرَ (‪)30‬‬ ‫‪1966‬‬

‫سأدخله جهنم؛ كي يصلى حرّها ويترق بنارها وما أعلمك أيّ شيء‬ ‫جهنم؟ ل تبقي لمًا ول تترك عظمًا إل أحرقته‪ ,‬مغيّرة للبشرة‪ ,‬مسوّدة‬ ‫للجلود‪ ,‬مرقة لا‪ ,‬يلي أمرها ويتسلط على أهلها بالعذاب تسعة عشر‬ ‫ملكًا من الزبانية الشداء‪.‬‬ ‫صحَابَ النّارِ إِ ّل مَلئِ َكةً وَمَا َجعَلْنَا ِع ّدَتهُ مْ إِلّ ِفْتَنةً لِلّذِي َن‬ ‫وَمَا جَعَلْنَا أَ ْ‬ ‫سَتيْقِنَ الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ َويَ ْزدَادَ الّذِي نَ آ َمنُوا إِيَانا وَل َي ْرتَا بَ‬ ‫كَفَرُوا ِليَ ْ‬ ‫َضم‬ ‫ِمم مَر ٌ‬ ‫ِينم ف ِي قُلُوِبه ْ‬ ‫ُونم َوِليَقُولَ الّذ َ‬ ‫َابم وَالْ ُمؤْ ِمن َ‬ ‫ِينم أُوتُوا الْ ِكت َ‬ ‫الّذ َ‬ ‫ك يُضِلّ اللّ هُ مَ نْ َيشَاءُ َوَيهْدِي‬ ‫ل كَ َذلِ َ‬ ‫وَالْكَافِرُو نَ مَاذَا َأرَادَ اللّ هُ ِبهَذَا َمثَ ً‬ ‫مَنْ َيشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ ُجنُو َد َربّكَ إِ ّل ُهوَ وَمَا هِيَ إِلّ ذِكْرَى لِ ْلَبشَرِ (‪)31‬‬ ‫وما جعلنا خزنة النار إل من اللئكة الغلظ‪ ,‬وما جعلنا ذلك العدد إل‬ ‫اختبارًا للذين كفروا بال؛ وليحصل اليقي للذين أُعطوا الكتاب من‬ ‫اليهود والنصارى بأ ّن ما جاء ف القرآن عن خزنة جهنم إنا هو حق من‬ ‫ال تعال‪ ,‬حيث وافق ذلك كتبهم‪ ,‬ويزداد الؤمنون تصديقًا بال‬ ‫ورسوله وعمل بشرعه‪ ,‬ول يشك ف ذلك الذين أُعطوا الكتاب من‬ ‫اليهود والنصارى ول الؤمنون بال ورسوله؛ وليقول الذين ف قلوبم‬ ‫نفاق والكافرون‪ :‬ما الذي أراده ال بذا العدد الستغرب؟ بثل ذلك‬ ‫الذي ذُكر يض ّل ال من أراد إضلله‪ ,‬ويهدي مَن أراد هدايته‪ ,‬وما يعلم‬ ‫‪1967‬‬

‫عدد جنود ربك ‪ -‬ومنهم اللئكة‪ -‬إل ال وحده‪ .‬وما النار إل تذكرة‬ ‫وموعظة للناس‪.‬‬ ‫ل وَالْقَمَرِ (‪ )32‬وَالّليْلِ ِإذْ َأ ْدبَ َر ( ‪ )33‬وَال صّبْحِ ِإذَا َأ سْفَ َر ( ‪)34‬‬ ‫كَ ّ‬

‫ِإنّهَا ٍلحْدَى الْ ُكبَرِ ( ‪ )35‬نَذِيرا لِ ْلَبشَرِ ( ‪ )36‬لِمَ نْ شَاءَ ِمنْ ُك مْ أَ نْ‬ ‫َيتَقَدّمَ َأوْ َيتََأخّرَ (‪)37‬‬

‫ليس المر كما ذكروا من التكذيب للرسول فيما جاء به‪ ,‬أقسم ال‬ ‫سبحانه بالقمر‪ ,‬وبالليل إذ ول وذهب‪ ,‬وبالصبح إذا أضاء وانكشف‪.‬‬ ‫إن النار لحدى العظائم؛ إنذارًا وتويفًا للناس‪ ,‬لن أراد منكم أن يتقرّب‬ ‫إل ربه بفعل الطاعات‪ ,‬أو يتأخر بفعل العاصي‪.‬‬ ‫ب اْليَمِيِ ( ‪ )39‬فِي‬ ‫صحَا َ‬ ‫ت رَهِينَةٌ (‪ )38‬إِلّ أَ ْ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫س بِمَا كَ َ‬ ‫كُلّ نَفْ ٍ‬ ‫َجنّا تٍ َيتَ سَا َءلُونَ (‪ )40‬عَ ْن الْ ُمجْرِ ِميَ ( ‪ )41‬مَا سَلَ َككُمْ فِي سَقَ َر (‬ ‫ك نُطْعِ ُم الْمِ سْ ِكيَ (‬ ‫ك مِ نَ الْمُ صَّليَ ( ‪َ )43‬ولَ مْ نَ ُ‬ ‫‪ )42‬قَالُوا لَ ْم نَ ُ‬

‫ض مَ َع اْلخَائِضِيَ ( ‪ )45‬وَ ُكنّا نُكَذّ بُ ِبَيوْ مِ الدّي نِ (‬ ‫‪ )44‬وَ ُكنّا َنخُو ُ‬ ‫‪َ )46‬حتّى َأتَانَا اْليَ ِقيُ (‪)47‬‬ ‫‪1968‬‬

‫كل نفس با كسبت من أعمال الشر والسوء مبوسة مرهونة بكسبها‪,‬‬ ‫ل تُ َفكّ حت تؤدي ما عليها من القوق والعقوبات‪ ,‬إل السلمي‬ ‫الخلصي أصحاب اليمي الذين فكّوا رقابم بالطاعة‪ ,‬هم ف جنات ل‬ ‫يُ ْدرَك وصفها‪ ,‬يسأل بعضهم بعضًا عن الكافرين الذين أجرموا ف حق‬ ‫أنفسهم‪ :‬ما الذي أدخلكم جهنم‪ ,‬وجعلكم تذوقون سعيها؟ قال‬ ‫الجرمون‪ :‬ل نكن من الصلّي ف الدنيا‪ ,‬ول نكن نتصدق ونسن‬ ‫للفقراء والساكي‪ ,‬وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغَواية والضللة‪,‬‬ ‫وكنا نكذب بيوم الساب والزاء‪ ,‬حت جاءنا الوت‪ ,‬ونن ف تلك‬ ‫الضللت والنكرات‪.‬‬ ‫َفمَا َتنْفَ ُعهُمْ شَفَا َعةُ الشّافِ ِعيَ (‪)48‬‬ ‫ف ما تنفع هم شفا عة الشافع ي جيعًا من اللئ كة وال نبيي وغي هم; لن‬ ‫الشفاعة إنا تكون لن ارتضاه ال‪ ,‬وأذن لشفيعه‪.‬‬ ‫سَتنْفِرٌَة ( ‪)50‬‬ ‫فَمَا َلهُ مْ عَ نْ التّذْكِرَةِ مُ ْع ِرضِيَ (‪ )49‬كََأّنهُ مْ ُحمُ ٌر مُ ْ‬ ‫سوَرَةٍ (‪)51‬‬ ‫فَرّتْ مِ ْن َق ْ‬ ‫ف ما لؤلء الشرك ي عن القرآن و ما ف يه من الوا عظ من صرفي؟ كأن م‬ ‫‪1969‬‬

‫حر وحشية شديدة النّفار‪ ,‬فرّت من أسد كاسر‪.‬‬ ‫صحُفا ُمَنشّرَ ًة (‪َ )52‬كلّ بَلْ ل‬ ‫ئ ِمْنهُ مْ أَ نْ ُيؤْتَى ُ‬ ‫بَلْ ُيرِيدُ كُ ّل امْرِ ٍ‬ ‫َيخَافُونَ الخِرَ َة (‪)53‬‬ ‫بل يط مع كل وا حد من هؤلء الشرك ي أن يُنل ال عل يه كتابًا من‬ ‫السماء منشورًا‪ ,‬كما أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ليس المر‬ ‫ك ما زعموا‪ ,‬بل القي قة أن م ل يافون الخرة‪ ,‬ول ي صدّقون بالب عث‬ ‫والزاء‪.‬‬ ‫كَلّ ِإنّ هُ َتذْكِرَةٌ (‪ )54‬فَمَ نْ شَاءَ ذَكَرَ ُه ( ‪ )55‬وَمَا َيذْكُرُو نَ إِلّ أَ نْ‬ ‫َيشَاءَ الّلهُ ُهوَ أَهْلُ التّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَ ِة (‪)56‬‬ ‫حقّا أنّ القرآن موعظة بليغة كافية لتّعاظهم‪ ,‬فمن أراد التعاظ اتعظ با‬ ‫فيه وانتفع بداه‪ ,‬وما يتعظون به إل أن يشاء ال لم الدى‪ .‬هو سبحانه‬ ‫أهلٌ لن يُتقى ويطاع‪ ,‬وأهلٌ لن يغفر لن آمن به وأطاعه‪.‬‬

‫‪1970‬‬

‫‪ -75‬سورة القيامة‬ ‫ل ُأقْسِممُ ِبَيوْمِم الْ ِقيَا َمةِ (‪ )1‬وَل ُأقْسِممُ بِالنّفْسِم الّلوّا َمةِ ( ‪َ )2‬أَيحْسَمبُ‬ ‫سوّيَ َبنَاَنهُ (‪)4‬‬ ‫الِنسَانُ َألّنْ َنجْمَ َع عِظَامَهُ (‪ )3‬بَلَى قَا ِدرِينَ عَلَى َأنْ ُن َ‬ ‫أقسم ال سبحانه بيوم الساب والزاء‪ ,‬وأقسم بالنفس الؤمنة التقية الت‬ ‫ماحبها على ترك الطاعات وفِعْمل الوبقات‪ ،‬أن الناس يبعثون‪.‬‬ ‫تلوم صم‬ ‫أيظنّ هذا النسان الكافر أن لن نقدر على جَمْع عظامه بعد تفرقها؟ بلى‬ ‫سنجمعها‪ ،‬قادرين على أن نعل أصابعه أو أنامله ‪-‬بعد جعها وتأليفها‪-‬‬ ‫خَلْقًا سويّا‪ ،‬كما كانت قبل الوت ‪.‬‬ ‫بَلْ ُيرِيدُ الِنسَانُ ِليَ ْفجُرَ أَمَا َمهُ (‪َ )5‬يسْأَلُ َأيّانَ َيوْ ُم الْ ِقيَا َمةِ (‪)6‬‬ ‫بل ينكر النسان البعث‪ ،‬يريد أن يبقى على الفجور فيما يستقبل من أيام‬ ‫عمره‪ ,‬يسأل هذا الكافر مستبعدًا قيام الساعة‪ :‬مت يكون يوم القيامة؟‬ ‫ف الْقَ َمرُ ( ‪ )8‬وَ ُجمِعَ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ ( ‪)9‬‬ ‫ق اْلبَصَرُ (‪ )7‬وَخَسَ َ‬ ‫َفإِذَا بَرِ َ‬ ‫يَقُولُ الِنسَانُ َيوْ َمئِذٍ َأيْنَ الْمَفَرّ (‪)10‬‬ ‫‪1971‬‬

‫فإذا تيّر البصر ودُهش فزعًا ما رأى من أهوال يوم القيامة‪ ،‬وذهب نور‬ ‫الق مر‪ ,‬وجُمِع ب ي الش مس والق مر ف ذهاب الضوء‪ ،‬فل ضوء لوا حد‬ ‫منهما‪ ،‬يقول النسان وقتها‪ :‬أين الهرب من العذاب؟‬ ‫ستَقَ ّر (‪)12‬‬ ‫ل ل َو َزرَ (‪ِ )11‬إلَى َربّكَ َيوْ َمئِ ٍذ الْ ُم ْ‬ ‫كَ ّ‬ ‫ل يس ال مر ك ما تتمناه‪ -‬أي ها الن سان‪ -‬مِن طلب الفرار‪ ،‬ل مل جأ لك‬ ‫ول منجى‪ .‬إل ال وحده مصي اللئق يوم القيامة ومستقرهم‪ ،‬فيجازي‬ ‫كل با يستحق‪.‬‬ ‫ُيَنبُّأ الِنسَانُ َيوْ َمئِذٍ بِمَا قَدّ َم وَأَخّرَ (‪)13‬‬ ‫خبّر النسان ف ذلك اليوم بميع أعماله‪ :‬من خي وشر‪ ،‬ما قدّمه منها‬ ‫ُي َ‬ ‫ف حياته وما أخّره‪.‬‬ ‫سهِ بَصِيٌَة (‪َ )14‬وَلوْ َألْقَى مَعَاذِيرَ ُه (‪)15‬‬ ‫بَلْ الِنسَانُ َعلَى نَ ْف ِ‬ ‫بل الن سان ح جة واض حة على نف سه تلز مه ب ا ف عل أو ترك‪ ،‬ولو جاء‬ ‫بكل معذرة يعتذر با عن إجرامه‪ ،‬فإنه ل ينفعه ذلك‪.‬‬ ‫‪1972‬‬

‫ك ِلتَعْجَلَ بِ هِ (‪ِ )16‬إنّ عََلْينَا جَمْعَ هُ وَُقرْآنَ هُ ( ‪)17‬‬ ‫ل ُتحَرّ ْك بِ هِ لِ سَانَ َ‬ ‫َفإِذَا َقرَْأنَاهُ فَاّتبِ ْع قُرْآَنهُ (‪ُ )18‬ثمّ ِإنّ عََلْينَا َبيَانَهُ (‪)19‬‬ ‫ل ترك ‪-‬أيهما النمب‪ -‬بالقرآن لسمانك حيم نزول الوحمي؛ لجمل أن‬ ‫تتعجل بفظه‪ ,‬مافة أن يتفلّت منك‪ .‬إن علينا جَمْعه ف صدرك‪ ،‬ث أن‬ ‫تقرأه بلسانك مت شئت‪ .‬فإذا قرأه عليك رسولنا جبيل فاستمِعْ لقراءته‬ ‫وأنصت له‪ ،‬ث اقرأه كما أقرأك إياه‪ ,‬ث إن علينا توضيح ما أشكل عليك‬ ‫فهمه من معانيه وأحكامه‪.‬‬ ‫حبّونَ الْعَاجَِلةَ (‪َ )20‬وتَ َذرُونَ الخِرَ َة (‪)21‬‬ ‫ل بَلْ ُت ِ‬ ‫كَ ّ‬ ‫ليس المر كما زعمتم‪ -‬يا معشر الشركي‪ -‬أن ل بعث ول جزاء‪ ،‬بل‬ ‫أنتم قوم تبون الدنيا وزينتها‪ ،‬وتتركون الخرة ونعيمها‪.‬‬ ‫وُجُوٌه َيوْ َمئِذٍ نَاضِرٌَة (‪ِ )22‬إلَى َرّبهَا نَاظِرٌَة (‪)23‬‬ ‫وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة‪ ,‬ترى خالقها ومالك‬ ‫أمرها‪ ,‬فتتمتع بذلك‪.‬‬ ‫‪1973‬‬

‫َووُجُوهٌ َيوْ َمئِ ٍذ بَاسِرٌَة (‪ )24‬تَظُنّ َأنْ يُ ْفعَلَ ِبهَا فَاقِرٌَة (‪)25‬‬ ‫ووجوه الشقياء يوم القياممة عابسمة كالةم‪ ,‬تتوقمع أن تنل بام مصميبة‬ ‫عظيمة‪ ,‬تقصم فَقَار ال ّظهْر‪.‬‬ ‫ق(‬ ‫كَلّ ِإذَا بَلَغَتْ التّرَاقِي (‪ )26‬وَقِي َل مَ ْن رَاقٍ ( ‪َ )27‬وظَنّ َأنّهُ الْفِرَا ُ‬ ‫ق (‪ِ )29‬إلَى َربّكَ َيوْ َمئِ ٍذ الْ َمسَاقُ (‪)30‬‬ ‫ت السّاقُ بِالسّا ِ‬ ‫‪ )28‬وَالْتَفّ ْ‬ ‫حقّا إذا وصلت الروح إل أعال الصدر‪ ،‬وقال بعض الاضرين لبعض‪:‬‬ ‫هل مِن راق يَرْقيه وَيشْفيه ما هو فيه؟ وأيقن الحتضر أنّ الذي نزل به‬ ‫هو فراق الدنيا؛ لعاينته ملئكة الوت‪ ،‬واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة‬ ‫أول الخرة‪ ,‬إل ال تعال مساق العباد يوم القيامة‪ :‬إما إل النة وإما إل‬ ‫النار‪.‬‬ ‫صدّقَ وَل صَلّى (‪َ )31‬ولَكِنْ َكذّبَ َوَت َولّى ( ‪ُ )32‬ثمّ ذَهَبَ ِإلَى‬ ‫فَل َ‬ ‫أَهْلِ هِ َيَتمَطّ ى ( ‪َ )33‬أ ْولَى لَ كَ فََأوْلَى ( ‪ )34‬ثُمّ َأوْلَى لَ كَ فََأ ْولَى (‬ ‫‪)35‬‬ ‫‪1974‬‬

‫فل آممن الكافمر بالرسمول والقرآن‪ ،‬ول أدّى ل تعال فرائض الصملة‪,‬‬ ‫ولكمن كذّب بالقرآن‪ ،‬وأعرض عمن اليان‪ ،‬ثم مضمى إل أهله يتبختمر‬ ‫متال ف مشيته‪ .‬هلك لك فهلك‪ ،‬ث هلك لك فهلك‪.‬‬ ‫ك نُطْ َفةً مِنْ َمنِيّ يُ ْمنَى (‬ ‫َأَيحْسَبُ الِنسَانُ أَ ْن ُيتْرَ َك سُدًى (‪َ )36‬ألَمْ َي ُ‬ ‫سوّى ( ‪َ )38‬فجَعَلَ ِمنْ هُ ال ّزوْ َجيْ ِن الذّ َكرَ‬ ‫‪ )37‬ثُمّ كَا نَ َعلَ َقةً َفخَلَ قَ فَ َ‬

‫حيِيَ الْ َم ْوتَى (‪)40‬‬ ‫وَالُنثَى (‪َ )39‬أَلْيسَ َذلِكَ بِقَا ِد ٍر عَلَى َأنْ ُي ْ‬

‫أيظنّ هذا الن سان الن كر للب عث أن يُترك َهمَل ل يُؤ مر ول ُينْ هى‪ ،‬ول‬ ‫يا سب ول يعا قب؟ أل يك هذا الن سان نط فة ضعي فة من ماء مه ي‬ ‫يراق ويصب ف الرحام‪ ،‬ث صار قطعة من دم جامد‪ ،‬فخلقه ال بقدرته‬ ‫وسوّى صورته ف أحسن تقوي؟ فجعل من هذا النسان الصنفي‪ :‬الذكر‬ ‫والنثى‪ ،‬أليس ذلك الله الالق لذه الشياء بقادر على إعادة اللق بعد‬ ‫فنائهم؟ بلى إنه ‪ -‬سبحانه وتعال‪ -‬لقادر على ذلك‪.‬‬

‫‪ -76‬سورة النسان‬ ‫‪1975‬‬

‫هَلْ َأتَى عَلَى الِنسَانِ ِحيٌ مِنَ الدّهْرِ لَ ْم يَكُنْ َشيْئا مَذْكُورا (‪)1‬‬ ‫قد مضى على النسان وقت طويل من الزمان قبل أن تُنفَخ فيه الروح‪,‬‬ ‫ل يكن شيئا يُذكر‪ ,‬ول يُعرف له أثر‪.‬‬ ‫ِإنّا خَلَ ْقنَا الِنسَانَ مِنْ نُطْ َفةٍ أَ ْمشَاجٍ َنْبتَلِيهِ َفجَعَ ْلنَاهُ َسمِيعا بَصِيا (‪ِ )2‬إنّا‬ ‫هَ َدْينَاهُ السّبِيلَ إِمّا شَاكِرا وَإِمّا كَفُورا (‪)3‬‬ ‫إ نا خلق نا الن سان من نط فة متل طة من ماء الر جل وماء الرأة‪ ,‬ن تبه‬ ‫بالتكاليف الشرعية فيما بعد‪ ,‬فجعلناه من أجل ذلك ذا سع وذا بصر؛‬ ‫ليسمع اليات‪ ,‬ويرى الدلئل‪ ,‬إنا بينّا له وعرّفناه طريق الدى والضلل‬ ‫والي والشر; ليكون إما مؤمنًا شاكرًا‪ ,‬وإما كفورًا جاحدًا‪.‬‬ ‫ل وَأَغْل ًل وَسَعِيا (‪)4‬‬ ‫ِإنّا أَ ْعتَ ْدنَا لِلْكَافِرِينَ سَلسِ ً‬ ‫إ نا أعتد نا للكافر ين قيودًا من حد يد ُتشَ ّد ب ا أرجل هم‪ ,‬وأغلل تُغلّ ب ا‬ ‫أيديهم إل أعناقهم‪ ,‬ونارًا يُحرقون با‪.‬‬ ‫ِإنّ ا َلبْرَارَ َيشْ َربُونَ مِ ْن كَأْسٍ كَانَ مِزَا ُجهَا كَافُورا (‪)5‬‬ ‫‪1976‬‬

‫إن أ هل الطا عة والخلص الذ ين يؤدون حق ال‪ ,‬يشربون يوم القيا مة‬ ‫مِن كأس فيها خر مزوجة بأحسن أنواع الطيب‪ ,‬وهو ماء الكافور‪.‬‬ ‫ُونم بِالنّ ْذرِ‬ ‫ّهم يُ َفجّرُونَه َا تَ ْفجِيا (‪ )6‬يُوف َ‬ ‫َبم بِه َا ِعبَا ُد الل ِ‬ ‫َعيْنا َيشْر ُ‬

‫ستَطِيا (‪َ )7‬ويُطْعِمُو نَ الطّعَا مَ عَلَى ُحبّ هِ‬ ‫َويَخَافُو نَ َيوْما كَا نَ شَرّ هُ مُ ْ‬ ‫مِسْكِينا َوَيتِيما َوأَسِيا (‪ِ )8‬إنّمَا نُطْعِمُكُ ْم ِلوَجْهِ اللّهِ ل نُرِيدُ ِمنْ ُكمْ جَزَاءً‬ ‫وَل شُكُورا (‪ِ )9‬إنّا َنخَافُ مِ ْن َرّبنَا َيوْما َعبُوسا قَمْطَرِيرا (‪)10‬‬ ‫هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عي يشرب منها عباد ال‪,‬‬ ‫يتصرفون فيها‪ ,‬وُيجْرونا حيث شاؤوا إجراءً سهل‪ .‬هؤلء كانوا ف‬ ‫الدنيا يوفون با أوجبوا على أنفسهم من طاعة ال‪ ,‬ويافون عقاب ال‬ ‫ف يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيًا‪ ,‬وشره فاشيًا منتشرًا على‬ ‫الناس‪ ,‬إل مَن رحم ال‪ ,‬ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه‪,‬‬ ‫فقيًا عاجزًا عن الكسب ل يلك من حطام الدنيا شيئًا‪ ,‬وطفل مات‬ ‫أبوه ول مال له‪ ,‬وأسيًا أُسر ف الرب من الشركي وغيهم‪ ,‬ويقولون‬ ‫ف أنفسهم‪ :‬إنا نسن إليكم ابتغاء مرضاة ال‪ ,‬وطلب ثوابه‪ ,‬ل نبتغي‬ ‫عوضًا ول نقصد حدًا ول ثناءً منكم‪ .‬إنا ناف من ربنا يومًا شديدًا‬ ‫تَ ْعبِس فيه الوجوه‪ ,‬وتتقطّبُ الباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله‪.‬‬ ‫‪1977‬‬

‫َفوَقَاهُ مْ اللّ هُ شَرّ َذلِ كَ اْلَيوْ مِ َولَقّاهُ ْم نَضْرَ ًة وَ ُسرُورا (‪ )11‬وَ َجزَاهُ ْم بِمَا‬ ‫صبَرُوا َجّنةً وَ َحرِيرا (‪ُ )12‬متّ ِكئِيَ فِيهَا عَلَى الَرَائِ كِ ل َي َروْ نَ فِيهَا‬ ‫َ‬ ‫شَمْسا وَل زَ ْمهَرِيرا (‪ )13‬وَدَاِنَيةً عََلْيهِ ْم ظِلُلهَا وَ ُذلّلَ تْ قُطُوُفهَا تَ ْذلِيلً‬

‫(‪)14‬‬

‫فوقاهم ال من شدائد ذلك اليوم‪ ,‬وأعطاهم حسنًا ونورًا ف وجوههم‪,‬‬ ‫وبجة وفرحًا ف قلوبم‪ ,‬وأثابم بصبهم ف الدنيا على الطاعة جنة‬ ‫عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا‪ ,‬ويَ ْلبَسون فيها الرير الناعم‪ ,‬متكئي فيها‬ ‫على السرّة الزينة بفاخر الثياب والستور‪ ,‬ل يرون فيها حر شس ول‬ ‫شدة برد‪ ,‬وقريبة منهم أشجار النة مظللة عليهم‪ ,‬و ُسهّل لم َأخْذُ‬ ‫ثارها تسهيل‪.‬‬ ‫ض ٍة وَأَ ْكوَابٍ كَانَتْ َقوَارِي َر (‪َ )15‬قوَارِي َر مِنْ‬ ‫َويُطَافُ عََلْيهِ ْم بِآِنَيةٍ مِنْ فِ ّ‬ ‫ضةٍ َق ّدرُوهَا تَقْدِيرا (‪َ )16‬ويُ سْ َق ْونَ فِيهَا كَأْسا كَانَ مِزَا ُجهَا زَ َنبِيلً (‬ ‫فِ ّ‬

‫سبِيلً (‪)18‬‬ ‫‪َ )17‬عيْنا فِيهَا ُتسَمّى َس ْل َ‬

‫ويدور عليهم الدم بأوان الطعام الفضيّة‪ ,‬وأكواب الشراب من‬ ‫الزجاج‪ ,‬زجاج من فضة‪ ,‬قدّرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون‬ ‫‪1978‬‬

‫ل تزيد ول تنقص‪ ,‬وُيسْقَى هؤلء البرار ف النة كأسًا ملوءة خرًا‬ ‫مزجت بالزنبيل‪ ,‬يشربون مِن عيٍ ف النة تسمى سلسبيل؛ لسلمة‬ ‫شرابا وسهولة مساغه وطيبه‪.‬‬ ‫َسمَتهُمْ ُل ْؤلُؤا مَنثُورا (‬ ‫ُمم ح ِْب‬ ‫ُونمإِذَا رََأْيَته ْ‬ ‫َانم ُمخَلّد َ‬ ‫ِمم ِولْد ٌ‬ ‫ُوفم عََلْيه ْ‬ ‫َويَط ُ‬ ‫‪)19‬‬ ‫ويدور على هؤلء البرار لدمتهم غلمان دائمون على حالم‪ ,‬إذا‬ ‫أبصرتم ظننتهم‪ -‬لسنهم وصفاء ألوانم إشراق وجوههم‪ -‬اللؤلؤ‬ ‫الفرّق الضيء‪.‬‬ ‫ت ثَمّ رََأْيتَ نَعِيما وَمُلْكا َكبِيا (‪)20‬‬ ‫وَِإذَا رََأيْ َ‬ ‫وإذا أبصرت أيّ مكان ف النة رأيت فيه نعيمًا ل ُيدْركه الوصف‪،‬‬ ‫ومُلْكا عظيمًا واسعًا ل غاية له‪.‬‬ ‫ضةٍ وَ سَقَاهُمْ‬ ‫عَاِلَيهُ مْ ِثيَا بُ سُندُسٍ خُضْ ٌر وَإِ ْسَتبْ َرقٌ َوحُلّوا أَ سَا ِورَ مِ نْ فِ ّ‬ ‫َرّبهُمْ َشرَابا َطهُورا (‪)21‬‬ ‫‪1979‬‬

‫يعلوهم ويمل أبدانم ثياب بطائنها من الرير الرقيق الخضر‪ ,‬وظاهرها‬ ‫من الرير الغليظ‪ ,‬وُيحَلّون من الل ّي بأساور من الفضة‪ ,‬وسقاهم ربم‬ ‫فوق ذلك النعيم شرابًا ل رجس فيه ول دنس‪.‬‬ ‫ِإنّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَ ْعيُ ُكمْ َمشْكُورا (‪)22‬‬ ‫ويقال لم‪ :‬إن هذا أُعِدّ لكم مقابل أعمالكم الصالة‪ ,‬وكان عملكم ف‬ ‫الدنيا عند ال مرضيًا مقبول‪.‬‬ ‫ِإنّا َنحْنُ َن ّزْلنَا َعَليْكَ الْقُرْآنَ َتْنزِيلً (‪)23‬‬ ‫إنا نن َن ّزلْنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن تنيل من عندنا؛ لتذكر الناس‬ ‫با فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب‪.‬‬ ‫ك وَل تُطِ عْ ِمْنهُ مْ آثِما َأوْ كَفُورا (‪ )24‬وَاذْكُ ْر ا ْسمَ‬ ‫صبِرْ ِلحُكْ ِم َربّ َ‬ ‫فَا ْ‬ ‫ل (‪)25‬‬ ‫َربّكَ بُ ْكرَةً وََأصِي ً‬

‫‪1980‬‬

‫فاصب لكم ربك القدري واقبله‪ ,‬ولكمه الدين فامض عليه‪ ,‬ول تطع‬ ‫من الشركي من كان منغمسًا ف الشهوات أو مبالغًا ف الكفر‬ ‫والضلل‪ ,‬وداوم على ذكر اسم ربك ودعائه ف أول النهار وآخره‪.‬‬ ‫ل (‪)26‬‬ ‫حهُ َليْلً َطوِي ً‬ ‫وَمِنْ الّليْلِ فَا ْسجُدْ َلهُ وَ َسّب ْ‬ ‫ومن الليل فاخضع لربك‪ ,‬وصَلّ له‪ ,‬وتجّد له زمنًا طويل فيه‪.‬‬ ‫ِإنّ َهؤُلءِ ُيحِبّونَ الْعَا ِجَلةَ َويَ َذرُونَ َورَاءَهُمْ َيوْما ثَقِيلً (‪)27‬‬ ‫م‪ ,‬ويتركون خلف‬ ‫ما‪ ,‬وينشغلون بام‬ ‫إن هؤلء الشركي م يبون الدنيم‬ ‫ظهورهم العمل للخرة‪ ,‬ولا فيه ناتم ف يوم عظيم الشدائد‪.‬‬ ‫َنحْنُ خَلَ ْقنَاهُمْ وَ َشدَ ْدنَا َأسْرَ ُهمْ وَإِذَا ِشْئنَا بَ ّدْلنَا أَ ْمثَاَلهُمْ َتبْدِيلً (‪)28‬‬ ‫ننم خلقناهمم‪ ,‬وأحكمنما خلقهمم‪ ,‬وإذا شئنما أهلكناهمم‪ ,‬وجئنما بقوم‬ ‫مطيعي متثلي لوامر ربم‪.‬‬ ‫ل (‪ )29‬وَمَا َتشَاءُو نَ إِلّ‬ ‫ِإنّ هَذِ هِ َتذْكِرَةٌ فَمَ نْ شَاءَ اّتخَذَ ِإلَى َربّ هِ َسبِي ً‬ ‫‪1981‬‬

‫أَ نْ َيشَاءَ اللّ هُ إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما حَكِيما ( ‪ )30‬يُ ْدخِلُ مَ نْ َيشَاءُ فِي‬ ‫رَحْ َمِتهِ وَالظّالِ ِميَ أَ َعدّ َلهُمْ َعذَابا َألِيما (‪)31‬‬ ‫إن هذه ال سورة ع ظة للعال ي‪ ,‬ف من أراد ال ي لنف سه ف الدن يا والخرة‬ ‫اتذ باليان والتقوى طريقًا يوصله إل مغفرة ال ورضوانه‪ .‬وما تريدون‬ ‫أمرًا من المور إل بتقدير ال ومشيئته‪ .‬إن ال كان عليمًا بأحوال خلقه‪,‬‬ ‫حكيمًا ف تدبيه وصنعه‪ .‬يُدْخل مَن يشاء مِن عباده ف رحته ورضوانه‪,‬‬ ‫وهم الؤمنون‪ ,‬وأعدّ للظالي التجاوزين حدود ال عذابًا موجعًا‪.‬‬

‫‪ -77‬سورة الرسلت‬ ‫ت َنشْرا ( ‪)3‬‬ ‫ت عَ صْفا ( ‪ )2‬وَالنّاشِرَا ِ‬ ‫ت عُرْفا (‪ )1‬فَالْعَا صِفَا ِ‬ ‫وَالْمُ ْر سَل ِ‬ ‫فَالْفَارِقَا تِ َفرْقا (‪ )4‬فَالْمُلْ ِقيَا تِ ذِكْرا ( ‪ُ )5‬عذْرا َأ ْو نُذْرا ( ‪ِ )6‬إنّمَا‬

‫تُوعَدُونَ لَوَاقِ ٌع (‪)7‬‬

‫أق سم ال تعال بالرياح ح ي ت ب متتاب عة يق فو بعض ها بعضًا‪ ,‬وبالرياح‬ ‫الشديدة البوب الهل كة‪ ,‬وباللئ كة الوكل ي بال سحب ي سوقونا ح يث‬ ‫‪1982‬‬

‫شاء ال‪ ,‬وباللئ كة ال ت تنل من ع ند ال ب ا يفرق ب ي ال ق والبا طل‬ ‫واللل والرام‪ ,‬وباللئكة الت تتلقى الوحي من عند ال وتنل به على‬ ‫أنبيائه; إعذارًا من ال إل خلقه وإنذارًا منه إليهم ; لئل يكون لم حجة‪.‬‬ ‫إن الذي توعدون به مِن أ مر يوم القيا مة و ما ف يه من ح ساب وجزاء‬ ‫لنازلٌ بكم ل مالة‪.‬‬ ‫ت (‪َ )9‬وإِذَا اْلجِبَالُ نُسِ َفتْ‬ ‫َفإِذَا الّنجُومُ طُ ِمسَتْ (‪ )8‬وَإِذَا السّمَاءُ فُرِ َج ْ‬ ‫(‪َ )10‬وإِذَا الرّ سُ ُل وُّقتَ تْ ( ‪َ )11‬ليّ َيوْ مٍ أُجَّل تْ ( ‪ِ )12‬لَيوْ مِ الْفَ صْلِ‬ ‫(‪ )13‬وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا َيوْ ُم الْفَصْلِ (‪َ )14‬ويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُ َك ّذِبيَ (‪)15‬‬

‫فإذا النجوم طُمست وذهب ضياؤها‪ ,‬وإذا السماء تصدّعت‪ ,‬وإذا البال‬ ‫تطايرت وتناثرت وصمارت هباء َتذْروه الرياح‪ ,‬وإذا الرسمل ُعيّنم لمم‬ ‫و قت وأ جل للف صل بين هم وب ي ال مم‪ ,‬يقال‪ :‬ليّ يوم عظ يم أخّرت‬ ‫الر سل؟ أخّرت ليوم القضاء والف صل ب ي اللئق‪ .‬و ما أعل مك ‪-‬أي ها‬ ‫النسان‪ -‬أيّ شيء هو يوم الفصل وشدته وهوله؟ هلك عظيم ف ذلك‬ ‫اليوم للمكذبي بذا اليوم الوعود‪.‬‬ ‫ك ا َلوّلِيَ (‪ )16‬ثُمّ ُنْتبِ ُعهُ مْ الخِرِي نَ ( ‪ )17‬كَ َذلِ كَ نَفْعَلُ‬ ‫َألَ مْ ُنهِْل ْ‬ ‫‪1983‬‬

‫بِالْ ُمجْرِ ِميَ (‪)18‬‬ ‫أل نلك السابقي من المم الاضية; بتكذيبهم للرسل كقوم نوح وعاد‬ ‫وثود؟ ث نلحق بم التأخرين من كانوا مثلهم ف التكذيب والعصيان‪.‬‬ ‫مِثمل ذلك الهلك الفظيمع نفعمل بؤلء الجرميم ممن كفار "مكمة"؛‬ ‫لتكذيبهم الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)19‬‬ ‫هلك وعذاب شديمد يوم القياممة لكمل مكذّب بأن ال همو الله القم‬ ‫وحده ل شريك له‪ ،‬والنبوةِ والبعث والساب‪.‬‬ ‫َألَ مْ َنخْلُقْ ُك ْم مِ ْن مَاءٍ َم ِهيٍ (‪َ )20‬فجَعَ ْلنَا هُ فِي َقرَارٍ مَ ِكيٍ ( ‪ِ )21‬إلَى‬ ‫قَ َدرٍ مَعْلُومٍ (‪ )22‬فَ َق َد ْرنَا َفنِعْمَ الْقَا ِدرُونَ (‪)23‬‬ ‫أل نلقكمم‪ -‬يما معشمر الكفار‪ -‬ممن ماء ضعيمف حقيم وهمو النطفمة‪,‬‬ ‫فجعلنما هذا الاء فم مكان حصمي‪ ,‬وهمو رحمم الرأة‪ ,‬إل وقمت مدود‬ ‫ومعلوم عنمد ال تعال؟ فقدرنما على خلقمه وتصمويره وإخراجمه‪ ,‬فنعمم‬ ‫القادرون نن‪.‬‬ ‫‪1984‬‬

‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)24‬‬ ‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بقدرتنا‪.‬‬ ‫ْضم كِفَاتا (‪َ )25‬أ ْحيَاءً وَأَ ْموَاتا (‪ )26‬وَجَعَلْنَا فِيهَا‬ ‫َمم َنجْعَلْ ا َلر َ‬ ‫َأل ْ‬ ‫َروَاسِيَ شَا ِمخَاتٍ وََأسْ َقْينَاكُمْ مَاءً ُفرَاتا (‪)27‬‬ ‫أل نعمل هذه الرض التم تعيشون عليهما‪ ,‬تضمم على ظهرهما أحياء ل‬ ‫يصمون‪ ,‬وفم بطنهما أمواتًا ل يصمرون‪ ,‬وجعلنما فيهما جبال ثوابمت‬ ‫عاليات؛ لئل تضطرب بكم‪ ,‬وأسقيناكم ماءً عذبًا سائغًا؟‬ ‫َويْلٌ يوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)28‬‬ ‫هلك ودمار يوم القيامة للمكذبي بذه النعم‪.‬‬ ‫َانطَلِقُوا ِإلَى مَا كُنتُ مْ بِ هِ تُكَ ّذبُو نَ (‪ )29‬انطَلِقُوا ِإلَى ظِلّ ذِي ثَل ثِ‬ ‫ب ( ‪ِ )31‬إّنهَا تَرْمِي ِبشَ َررٍ‬ ‫شُ َع بٍ (‪ )30‬ل ظَلِيلٍ وَل يُ ْغنِي مِ ْن الّلهَ ِ‬

‫كَالْقَصْ ِر (‪ )32‬كََأّنهُ جِمَالَةٌ صُ ْفرٌ (‪)33‬‬ ‫‪1985‬‬

‫يقال للكافريمن يوم القياممة‪ :‬سميوا إل عذاب جهنمم الذي كنتمم بمه‬ ‫تكذبون فم الدنيما‪ ,‬سميوا‪ ,‬فاسمتظلوا بدخان جهنمم يتفرع منمه ثلث‬ ‫قطع‪ ,‬ل يُظِل ذلك الظل من حر ذلك اليوم‪ ,‬ول يدفع من حر اللهب‬ ‫شيئًا‪ .‬إن جهنمم تقذف ممن النار بشرر عظيمم‪ ,‬كمل شرارة منمه كالبناء‬ ‫الشيد ف العِظم والرتفاع‪ .‬كأن شرر جهنم التطاير منها إبل سود ييل‬ ‫لونا إل الصّفْرة‪.‬‬ ‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)34‬‬ ‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بوعيد ال‪.‬‬ ‫َهذَا َيوْمُ ل يَنطِقُونَ (‪ )35‬وَل ُيؤْ َذنُ َلهُمْ َفيَ ْعتَ ِذرُونَ (‪)36‬‬ ‫هذا يوم القياممة الذي ل ينطمق فيمه الكذبون بكلم ينفعهمم‪ ,‬ول يكون‬ ‫لم إذن ف الكلم فيعتذرون؛ لنه ل عذر لم‪.‬‬ ‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)37‬‬ ‫هلك وعذاب شديد يومئذ للمكذبي بذا اليوم وما فيه‪.‬‬ ‫‪1986‬‬

‫َهذَا َيوْمُ الْفَصْلِ َجمَ ْعنَاكُمْ وَا َلوِّليَ (‪َ )38‬فِإنْ كَانَ لَكُمْ َكيْ ٌد فَكِيدُونِ‬ ‫(‪)39‬‬ ‫هذا يوم يفصمل ال فيمه بيم اللئق‪ ,‬ويتميمز فيمه القم ممن الباطمل‪,‬‬ ‫جعناكم فيه ‪-‬يا معشر كفار هذه المة‪ -‬مع الكفار الولي من المم‬ ‫الاض ية‪ ,‬فإن كان ل كم حيلة ف اللص من العذاب فاحتالوا‪ ,‬وأنقذوا‬ ‫أنفسكم مِن بطش ال وانتقامه‪.‬‬ ‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)40‬‬ ‫هلك ودمار يوم القيامة للمكذبي بيوم القيامة‪.‬‬ ‫شتَهُونَ (‪ُ )42‬كلُوا‬ ‫ِإنّ الْ ُمتّ ِقيَ فِي ظِل ٍل وَ ُعيُونٍ (‪ )41‬وََفوَاكِهَ ِممّا َي ْ‬ ‫وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا كُنتُ مْ تَ ْعمَلُو نَ (‪ِ )43‬إنّا كَ َذلِ كَ َنجْزِي الْ ُمحْ سِنيَ (‬ ‫‪َ )44‬ويْلٌ َيوْ َمئِذٍ لِ ْلمُكَ ّذِبيَ (‪)45‬‬ ‫إن الذيمن خافوا ربمم فم الدنيما‪ ,‬واتقوا عذابمه بامتثال أوامره واجتناب‬ ‫نواه يه‪ ,‬هم يوم القيا مة ف ظلل الشجار الوار فة وعيون الاء الار ية‪,‬‬ ‫‪1987‬‬

‫وفواكه كثية ما تشتهيه أنفسهم يتنعمون‪ .‬يقال لم‪ :‬كلوا أكل لذيذًا‪,‬‬ ‫واشربوا شربًا هنيئًا؛ ب سبب ما قدم تم ف الدن يا من صال العمال‪ .‬إ نا‬ ‫ب ثل ذلك الزاء العظ يم نزي أ هل الح سان ف أعمال م وطاعت هم ل نا‪.‬‬ ‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بيوم الزاء والساب وما فيه‬ ‫من النعيم والعذاب‪.‬‬ ‫كُلُوا َوتَ َمتّعُوا قَلِيلً ِإنّكُ ْم ُمجْرِمُونَ (‪)46‬‬ ‫ث هدّد ال الكافر ين فقال ‪ :‬كلوا من لذائذ الدن يا‪ ,‬وا ستمتعوا بشهوات ا‬ ‫الفانية زمنًا قليل؛ إنكم مرمون بإشراككم بال‪.‬‬ ‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪)47‬‬ ‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بيوم الساب والزاء‪.‬‬ ‫وَِإذَا قِيلَ َلهُ ْم ارْكَعُوا ل َيرْكَعُونَ (‪)48‬‬ ‫وإذا قيمل لؤلء الشركيم‪ :‬صملّوا ل‪ ,‬واخشعوا له‪ ,‬ل يشعون ول‬ ‫يصلّون‪ ,‬بل يصرّون على استكبارهم‪.‬‬ ‫‪1988‬‬

‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذِبيَ (‪َ )49‬فبِأَيّ حَدِيثٍ بَ ْعدَهُ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)50‬‬ ‫هلك وعذاب شد يد يوم القيا مة للمكذب ي بآيات ال‪ ،‬إن ل يؤمنوا بذا‬ ‫القرآن‪ ،‬فبأي كتاب وكلم بعده يؤمنون؟ وهمو البميّن لكمل شيمء‪،‬‬ ‫الواضح ف حكمه وأحكامه وأخباره‪ ،‬العجز ف ألفاظه ومعانيه‪.‬‬

‫‪1989‬‬

‫الزء الثلثون ‪:‬‬ ‫‪ -78‬سورة النبأ‬ ‫ختَلِفُونَ (‪)3‬‬ ‫عَ ّم َيَتسَا َءلُونَ (‪ )1‬عَ ْن النَّبإِ الْعَظِيمِ (‪ )2‬الّذِي هُ ْم فِيهِ ُم ْ‬ ‫عن أيّ شيء يسأل بعض كفار قريش بعضا؟ يتساءلون عن الب العظيم‬ ‫الشأن‪ ،‬و هو القرآن العظ يم الذي ين بئ عن الب عث الذي شك ف يه كفار‬ ‫قريش وكذّبوا به ‪.‬‬ ‫كَلّ َسيَ ْعلَمُونَ (‪ )4‬ثُ ّم كَلّ َسيَعْلَمُونَ (‪)5‬‬ ‫مما الممر كمما يزعمم هؤلء الشركون‪ ,‬سميعلم هؤلء الشركون عاقبمة‬ ‫تكذيبهم‪ ،‬ويظهر لم ما ال فاعل بم يوم القيامة‪ ,‬ث سيتأكد لم ذلك‪,‬‬ ‫ويتأ كد ل م صدق ما جاء به م مد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬من القرآن‬ ‫والبعث‪ .‬وهذا تديد ووعيد لم‪.‬‬ ‫‪1990‬‬

‫َألَمْ َنجْعَلْ ا َلرْضَ ِمهَادا (‪)6‬‬ ‫أل نعل الرض مهدة لكم كالفراش؟‬ ‫جبَالَ َأ ْوتَادا (‪)7‬‬ ‫وَالْ ِ‬ ‫والبال رواسي؛ كي ل تتحرك بكم الرض؟‬ ‫وَ َخلَ ْقنَاكُمْ َأ ْزوَاجا (‪)8‬‬ ‫وخلقناكم أصنافا ذكرا وأنثى؟‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا َنوْمَكُمْ ُسبَاتا (‪)9‬‬ ‫وجعلنا نومكم راحة لبدانكم‪ ،‬فيه تدؤون وتسكنون؟‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا الّليْلَ ِلبَاسا (‪)10‬‬ ‫وجعلنا الليل لباسًا تَ ْلبَسكم ظلمته وتغشاكم‪ ,‬كما يستر الثوب لبسه؟‬ ‫‪1991‬‬

‫وَ َجعَ ْلنَا النّهَارَ مَعَاشا (‪)11‬‬ ‫وجعلنا النهار معاشا تنتشرون فيه لعاشكم‪ ,‬وتسعَون فيه لصالكم؟‬ ‫َوَبَنْينَا َفوْقَ ُكمْ َسبْعا ِشدَادا (‪)12‬‬ ‫وبني نا فوق كم سبع سوات متي نة البناء مك مة اللق‪ ,‬ل صدوع ل ا ول‬ ‫فطور؟‬ ‫وَ َجعَ ْلنَا ِسرَاجا وَهّاجا (‪)13‬‬ ‫وجعلنا الشمس سراجًا وقّادًا مضيئًا؟‬ ‫صرَاتِ مَاءً َثجّاجا (‪ِ )14‬لُنخْرِجَ بِهِ َحبّا َوَنبَاتا (‪)15‬‬ ‫وَأَن َزْلنَا مِ ْن الْمُعْ ِ‬ ‫وَ َجنّاتٍ َألْفَافا (‪)16‬‬ ‫صبّا بكثرة‪ ,‬لنخرج به حبًا ما يقتات‬ ‫وأنزلنا من السحب المطرة ماء من َ‬ ‫بمه الناس وحشائش مام تأكله الدّواب‪ ،‬وبسماتي ملتفمة بعضهما ببعمض‬ ‫لتشعب أغصانا؟‬ ‫‪1992‬‬

‫ِإنّ َيوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتا (‪َ )17‬يوْ َم يُنفَخُ فِي الصّورِ َفتَ ْأتُونَ أَ ْفوَاجا (‬ ‫‪)18‬‬ ‫إن يوم الفصمل بيم اللق‪ ,‬وهمو يوم القياممة‪ ,‬كان وقتًا وميعادًا مددًا‬ ‫للولي والخرين‪ ,‬يوم ينفخ الَلَك ف "القرن" إيذانًا بالبعث فتأتون أمًا‪,‬‬ ‫كل أمة مع إمامهم‪.‬‬ ‫ت السّمَاءُ فَكَانَتْ َأْبوَابا (‪)19‬‬ ‫وَُفِتحَ ْ‬ ‫وفُتحت السماء‪ ،‬فكانت ذات أبواب كثية لنول اللئكة‪.‬‬ ‫جبَالُ فَكَانَتْ سَرَابا (‪)20‬‬ ‫ت اْل ِ‬ ‫وَ ُسيّرَ ْ‬ ‫ونسفت البال بعد ثبوتا‪ ,‬فكانت كالسراب‪.‬‬ ‫إِنّ َج َهنّ َم كَانَ تْ مِرْ صَادا (‪ )21‬لِلْطّاغِيَ مَآبا ( ‪ )22‬لِبثِيَ فِيهَا‬ ‫َأحْقَابا ( ‪ )23‬ل يَذُوقُو نَ فِيهَا بَرْدا وَل شَرَابا ( ‪ )24‬إِلّ َحمِيما‬ ‫وَ َغسّاقا (‪ )25‬جَزَاءً وِفَاقا (‪)26‬‬

‫‪1993‬‬

‫إن جه نم كا نت يومئذ تر صد أ هل الك فر الذ ين أُ ِعدّت ل م‪ ,‬للكافر ين‬ ‫مرجعًا‪ ,‬ماكث ي في ها دهورًا متعاق بة ل تنق طع‪ ،‬ل يَطْعَمون في ها ما ُيبْرد‬ ‫حرّ ال سعي عن هم‪ ،‬ول شرابًا يروي هم‪ ,‬إل ماءً حارًا‪ ،‬و صديد أ هل النار‪،‬‬ ‫يازَون بذلك جزاء عادل موافقًا لعمالم الت كانوا يعملونا ف الدنيا‪.‬‬ ‫ِإّنهُ ْم كَانُوا ل َيرْجُو نَ حِ سَابا (‪ )27‬وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا كِذّابا ( ‪)28‬‬ ‫ُممإِ ّل عَذَابا (‬ ‫َنم نَزِيدَك ْ‬ ‫ْصمنَاهُ ِكتَابا (‪ )29‬فَذُوقُوا فَل ْ‬ ‫وَكُلّ شَ ْيءٍ أَح َْي‬ ‫‪)30‬‬ ‫إن م كانوا ل يافون يوم ال ساب فلم يعملوا له‪ ,‬وكذّبوا ب ا جاءت م به‬ ‫الرسمل تكذيبما‪ ,‬وكلّ شيمء علمناه وكتبناه فم اللوح الحفوظ‪ ,‬فذوقوا‬ ‫أيها الكافرون‪ -‬جزاء أعمالكم‪ ,‬فلن نزيدكم إل عذابًا فوق عذابكم‪.‬‬‫إِنّ لِلْ ُمتّقِيَ مَفَازا (‪َ )31‬حدَائِ قَ وَأَ ْعنَابا ( ‪ )32‬وَ َكوَاعِ بَ َأْترَابا (‬ ‫‪ )33‬وَكَأْسا دِهَاقا (‪ )34‬ل َيسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوا وَل كِذّابا (‪)35‬‬ ‫إن للذيمن يافون ربمم ويعملون صمالًا‪ ,‬فوزًا بدخولمم النمة‪ .‬إن لمم‬ ‫بساتي عظيمة وأعنابًا‪ ,‬ولم زوجات حديثات السن‪ ،‬نواهد مستويات‬ ‫ف سن واحدة‪ ,‬ولم كأس ملوءة خرًا‪ .‬ل يسمعون ف هذه النة باطل‬ ‫‪1994‬‬

‫من القول‪ ،‬ول يكذب بعضهم بعضًا‪.‬‬ ‫ْضم وَمَا‬ ‫السمَموَاتِ وَا َلر ِ‬ ‫ّكم عَطَاءً حِسمَابا (‪ )36‬رَبّ ّ‬ ‫ِنم َرب َ‬ ‫جَزَاءً م ْ‬ ‫ّوحم‬ ‫ُومم الر ُ‬ ‫ْمم يَق ُ‬ ‫ْهم خِطَابا (‪َ )37‬يو َ‬ ‫ُونم ِمن ُ‬ ‫َنم ل يَمِْلك َ‬ ‫َبْيَنهُم َا الرّ ْحم ِ‬ ‫صوَابا (‪)38‬‬ ‫وَالْمَلِئ َكةُ صَفّا ل َيتَكَلّمُونَ إِ ّل مَ نْ أَذِنَ لَ هُ الرّ ْحمَ ُن وَقَالَ َ‬ ‫ك اْلَيوْمُ اْلحَقّ فَمَن شَاء اتّخَذَ ِإلَى َرّبهِ مَآبًا (‪)39‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫لم كل ذلك جزاء ومنّة من ال وعطاءً كثيًا كافيًا لم‪ ،‬ربّ السموات‬ ‫رحنم الدنيما والخرة‪ ,‬ل يلكون أن يسمألوه إل‬ ‫ِ‬ ‫والرض ومما بينهمما‪،‬‬ ‫في ما أذن ل م ف يه‪ ,‬يوم يقوم جبيل عليه ال سلم واللئ كة م صطفّي‪ ،‬ل‬ ‫يشفعون إل ل ن أذن له الرح ن ف الشفا عة‪ ,‬وقال حقًا و سدادًا‪ .‬ذلك‬ ‫اليوم الق الذي ل ريب ف وقوعه‪ ,‬فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ‬ ‫إل ربه مرجعًا بالعمل الصال‪.‬‬ ‫ِإنّا أَن َذ ْرنَاكُمْ َعذَابًا قَرِيبًا َيوْ َم يَنظُرُ الْمَ ْرءُ مَا َقدّمَتْ َيدَاهُ َويَقُولُ الْكَافِرُ يَا‬

‫َلْيَتنِي كُنتُ ُترَابًا ( ‪)40‬‬

‫إنّ ا حذّرنا كم عذاب يوم الخرة القر يب الذي يرى ف يه كل امرئ ما‬ ‫عمل من خي أو اكتسب من إث‪ ,‬ويقول الكافر من هول الساب‪ :‬يا‬ ‫‪1995‬‬

‫ليتن كنت ترابًا فلم أُبعث‪.‬‬

‫‪ -79‬سورة النازعات‬ ‫وَالنّازِعَا تِ غَرْقا (‪ )1‬وَالنّاشِطَا تِ َنشْطا ( ‪ )2‬وَال سّاِبحَاتِ َسبْحا ( ‪)3‬‬ ‫ف الرّاجِ َفةُ ( ‪)6‬‬ ‫فَال سّابِقَاتِ َسبْقا (‪ )4‬فَالْمُ َدبّرَا تِ أَمْرا ( ‪َ )5‬يوْ مَ تَ ْرجُ ُ‬

‫َتْتبَ ُعهَا الرّادَِف ُة (‪)7‬‬

‫أقسم ال تعال باللئكة الت تنع أرواح الكفار نزعا شديدا‪ ،‬واللئكة‬ ‫سبَح ف نزولا‬ ‫الت تقبض أرواح الؤمني بنشاط ورفق‪ ،‬واللئكة الت تَ ْ‬ ‫من السماء وصعودها إليها‪ ,‬فاللئكة الت تسبق وتسارع إل تنفيذ أمر‬ ‫ال‪ ,‬فاللئكة النفذات أمر ربا فيما أوكل إليها تدبيه من شؤون الكون‬ ‫ول يوز للمخلوق أن يقسم بغي خالقه‪ ،‬فإن فعل فقد أشرك‪ -‬لتُبعثَنّ‬‫اللئق وُتحَا سَب‪ ,‬يوم تضطرب الرض بالنف خة الول نف خة الما تة‪,‬‬ ‫تتبعها نفخة أخرى للحياء‪.‬‬ ‫ُقلُوبٌ َيوْ َمئِ ٍذ وَاجِ َفةٌ (‪َ )8‬أبْصَارُهَا خَاشِ َعةٌ (‪)9‬‬ ‫‪1996‬‬

‫قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الوف‪ ,‬أبصار أصحابا ذليلة من‬ ‫هول ما ترى‪.‬‬ ‫يَقُولُو نَ َأِئنّ ا لَمَرْدُودُو نَ فِي اْلحَافِرَ ِة (‪َ )10‬أئِذَا ُكنّ ا عِظَاما َنخِرَةً (‬

‫‪ )11‬قَالُوا ِتلْكَ إِذا كَرّةٌ خَاسِرٌَة (‪)12‬‬

‫يقول هؤلء الكذبون بالبعث‪ :‬أُنرَدّ بعد موتنا إل ما كنا عليه أحياء ف‬ ‫الرض؟ أنردّ و قد صرنا عظامًا بال ية؟ قالوا‪ :‬رجعت نا تلك ستكون إذًا‬ ‫خائبة كاذبة‪.‬‬ ‫َفِإنّمَا هِيَ زَ ْجرَةٌ وَا ِحدَةٌ (‪َ )13‬فإِذَا ُهمْ بِالسّاهِرَ ِة (‪)14‬‬ ‫فإنا هي نفخة واحدة‪ ,‬فإذا هم أحياء على وجه الرض بعد أن كانوا ف‬ ‫بطنها‪.‬‬ ‫ث مُوسَى (‪)15‬‬ ‫هَلْ أتَاكَ حَدِي ُ‬ ‫هل أتاك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب موسى؟‬

‫‪1997‬‬

‫س ُطوًى (‪ )16‬اذْهَبْ ِإلَى فِرْ َعوْنَ ِإنّهُ طَغَى‬ ‫إِذْ نَادَا ُه َربّهُ بِاْلوَادِي الْمُقَدّ ِ‬ ‫(‪ )17‬فَقُلْ هَلْ لَ كَ ِإلَى أَ نْ تَزَكّى ( ‪ )18‬وَأَهْ ِدَي كَ ِإلَى َربّ كَ َفَتخْشَى‬ ‫(‪)19‬‬ ‫حيم ناداه ربمه بالوادي الطهّرم البارك "طوى"‪ ،‬فقال له‪ :‬اذهمب إل‬ ‫فرعون‪ ،‬إ نه قد أفرط ف الع صيان‪ ،‬ف قل له‪ :‬أتو ّد أن تطهّ ر نف سك من‬ ‫النقائص وتليها باليان‪ ,‬وأُرشدك إل طاعة ربك‪ ،‬فتخشاه وتتقيه؟‬ ‫ب وَعَ صَى ( ‪ )21‬ثُمّ أَ ْدبَ َر يَ سْعَى (‬ ‫َفَأرَا هُ الَيةَ الْ ُكبْرَى (‪ )20‬فَكَذّ َ‬

‫‪)22‬‬

‫فأرى مو سى فرعو نَ العل مة العظ مى‪ :‬الع صا وال يد‪ ,‬فكذب فرعون ن ّ‬ ‫ب‬ ‫ال موسى عليه السلم‪ ,‬وعصى ربه ع ّز وجلّ‪ ،‬ث ولّى معرضًا عن اليان‬ ‫متهدًا ف معارضة موسى‪.‬‬ ‫حشَ َر َفنَادَى (‪ )23‬فَقَالَ َأنَا َربّكُ ْم الَعْلَى ( ‪ )24‬فَأَ َخذَ ُه اللّ هُ نَكَالَ‬ ‫َف َ‬

‫الخِرَ ِة وَالُولَى (‪ِ )25‬إنّ فِي َذلِكَ لَ ِعبْرَ ًة لِمَنْ َيخْشَى (‪)26‬‬

‫فجمع أهل ملكته وناداهم‪ ،‬فقال‪ :‬أنا ربكم الذي ل ربّ فوقه‪ ،‬فانتقم‬ ‫‪1998‬‬

‫ال منمه بالعذاب فم الدنيما والخرة‪ ،‬وجعله عمبة ونكال لمثاله ممن‬ ‫التمرديمن‪ .‬إن فم فرعون ومما نزل بمه ممن العذاب لوعظةً لنم يتعمظ‬ ‫وينجر‪.‬‬ ‫سوّاهَا ( ‪)28‬‬ ‫أََأْنتُ مْ أَ َشدّ خَلْقا أَ مْ ال سّمَاءُ َبنَاهَا (‪ )27‬رَفَ َع سَ ْم َكهَا فَ َ‬ ‫ضحَاهَا (‪ )29‬وَا َلرْ ضَ بَ ْعدَ َذلِ كَ دَحَاهَا (‬ ‫وَأَغْطَ شَ َليْلَهَا َوأَخْرَ جَ ُ‬

‫جبَالَ َأرْ سَاهَا ( ‪)32‬‬ ‫‪َ )30‬أخْرَ جَ ِمنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ( ‪ )31‬وَالْ ِ‬ ‫َمتَاعا لَكُ ْم وَ َلنْعَامِكُ ْم (‪)33‬‬

‫أبَ ْعثُكم أيها الناس‪ -‬بعد الوت أشد ف تقديركم أم خلق السماء؟ رفعها‬ ‫فوقكم كالبناء‪ ,‬وأعلى سقفها ف الواء ل تفاوت فيها ول فطور‪ ،‬وأظلم‬ ‫ليلها بغروب شسها‪ ,‬وأبرز نارها بشروقها‪ .‬والرض بعد خلق السماء‬ ‫ب سطها‪ ,‬وأودع في ها منافع ها‪ ،‬وفجّ ر في ها عيون الاء‪ ,‬وأن بت في ها ما‬ ‫يُرعى من النباتات‪ ,‬وأثبت فيها البال أوتادًا لا‪ .‬خلق سبحانه كل هذه‬ ‫الن عم منف عة ل كم ولنعام كم‪( .‬إن إعادة خلق كم يوم القيا مة أهون على‬ ‫ال من خلق هذه الشياء‪ ،‬وكله على ال هي يسي)‪.‬‬ ‫َفإِذَا جَاءَتْ الطّا ّمةُ الْ ُكبْرَى (‪َ )34‬يوْمَ َيتَذَكّرُ الِنسَانُ مَا سَعَى (‪)35‬‬ ‫‪1999‬‬

‫َوبُ ّرزَتْ اْلجَحِي ُم لِمَنْ يَرَى (‪)36‬‬ ‫فإذا جاءت القيا مة ال كبى والشدة العظ مى و هي النف خة الثان ية‪ ,‬عندئذ‬ ‫يُعْرَض على النسمان كمل عمله ممن خيم وشمر‪ ،‬فيتذكره ويعترف بمه‪،‬‬ ‫وأُظهرت جهنم لكل ُمبْصِر تُرى عِيانًا‪.‬‬ ‫جحِي مَ هِ يَ‬ ‫َفأَمّ ا مَ نْ طَغَى (‪ )37‬وَآَثرَ اْلحَيَاةَ ال ّدنْيَا ( ‪َ )38‬فإِنّ الْ َ‬

‫الْمَ ْأوَى (‪)39‬‬

‫فأمّا مَن ترد على أمر ال‪ ,‬وفضل الياة الدنيا على الخرة‪ ,‬فإن مصيه‬ ‫إل النار‪.‬‬ ‫جنّةَ ِهيَ‬ ‫وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ َربّهِ َونَهَى النّفْسَ عَنْ اْلهَوَى (‪َ )40‬فِإنّ اْل َ‬

‫الْمَ ْأوَى (‪)41‬‬

‫وأمّ ا مَ نْ خاف القيام ب ي يدي ال للح ساب‪ ،‬ون ى الن فس عن الهواء‬ ‫الفاسدة‪ ,‬فإن النة هي مسكنه‪.‬‬ ‫ت مِنْ ذِ ْكرَاهَا (‪)43‬‬ ‫َيسَْألُونَكَ عَنْ السّاعَةِ َأيّانَ ُمرْسَاهَا (‪ )42‬فِيمَ َأنْ َ‬ ‫‪2000‬‬

‫ت مُن ِذرُ مَ ْن َيخْشَاهَا ( ‪ )45‬كََأّنهُ مْ‬ ‫ك مُنَتهَاهَا ( ‪ِ )44‬إنّمَا َأنْ َ‬ ‫ِإلَى َربّ َ‬ ‫ضحَاهَا (‪)46‬‬ ‫شّيةً َأوْ ُ‬ ‫َيوْمَ يَ َر ْوَنهَا لَمْ يَ ْلَبثُوا إِ ّل َع ِ‬ ‫ي سألك الشركون أي ها الر سول‪ -‬ا ستخفافا‪ -‬عن و قت حلول ال ساعة‬ ‫الت تتوعدهم با‪ .‬لستَ ف شيء مِن علمها‪ ،‬بل مرد ذلك إل ال عز‬ ‫وجل‪ ،‬وإنا شأنك ف أمر الساعة أن تذر منها مَن يافها‪ .‬كأنم يوم‬ ‫يرون قيام الساعة ل يلبثوا ف الياة الدنيا؛ لول الساعة إل ما بي الظهر‬ ‫إل غروب الشمس‪ ،‬أو ما بي طلوع الشمس إل نصف النهار‪.‬‬

‫‪ -80‬سورة عبس‬ ‫َعَبسَ َوَتوَلّى (‪َ )1‬أنْ جَاءَهُ الَعْمَى (‪)2‬‬ ‫ظ هر التغ ي والعبوس ف و جه الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأعرض‬ ‫لجل أن العمى عبد ال بن أم مكتوم جاءه مسترشدا‪ ,‬وكان الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم منشغل بدعوة كبار قريش إل السلم‪.‬‬

‫‪2001‬‬

‫ك لَعَّلهُ يَزّكّى (‪َ )3‬أوْ يَذّكّرُ َفَتنْفَ َع ُه الذّكْرَى (‪)4‬‬ ‫وَمَا يُ ْدرِي َ‬ ‫وأيّ شيء يعلك عالًا بقيقة أمره؟ لعله بسؤاله تزكو نفسه وتطهر‪ ,‬أو‬ ‫يصل له الزيد من العتبار والزدجار‪.‬‬ ‫صدّى (‪ )6‬وَمَا عََليْكَ أَ ّل يَزّكّى (‪)7‬‬ ‫ت لَهُ تَ َ‬ ‫أَمّا مَنْ ا ْستَ ْغنَى (‪ )5‬فََأنْ َ‬ ‫أما مَن استغن عن هديك‪ ,‬فأنت تتعرض له وتصغي لكلمه‪ ,‬وأي شيء‬ ‫عليك أل يتطهر من كفره؟‬ ‫خشَى ( ‪ )9‬فََأنْ تَ َعنْ هُ تََلهّى ( ‪)10‬‬ ‫وَأَمّا مَ نْ جَاءَ كَ يَ سْعَى (‪ )8‬وَ ُهوَ َي ْ‬ ‫صحُفٍ مُ َكرّ َمةٍ (‬ ‫كَلّ ِإّنهَا تَذْ ِكرَةٌ (‪َ )11‬فمَ نْ شَاءَ ذَكَرَ هُ ( ‪ )12‬فِي ُ‬

‫‪ )13‬مَ ْرفُو َعةٍ مُ َطهّرَةٍ (‪ )14‬بَِأيْدِي َسفَرَةٍ (‪ِ )15‬كرَامٍ بَ َررَةٍ (‪)16‬‬

‫وأمّام ممن كان حريصما على لقائك‪ ,‬وهمو يشمى ال ممن التقصمي فم‬ ‫السترشاد‪ ,‬فأنت عنه تتشاغل‪ .‬ليس المر كما فعلت أيها الرسول‪ ,‬إن‬ ‫هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء التعاظ‪ .‬فمن شاء ذكر ال وَْأتَمّ‬ ‫بوحيه‪ .‬هذا الوحي‪ ,‬وهو القرآن ف صحف معظمة‪ ,‬موقرة‪ ,‬عالية القدر‬ ‫مطهرة من الدنس والزيادة والنقص‪ ,‬بأيدي ملئكة كتبة‪ ,‬سفراء بي ال‬ ‫‪2002‬‬

‫وخلقه‪ ,‬كرام اللق‪ ,‬أخلقهم وأفعالم بارة طاهرة‪.‬‬ ‫ُقتِ َل ا ِلنْ سَانُ مَا أَكْ َفرَ ُه (‪ )17‬مِ نْ أَيّ َش ْيءٍ َخلَقَ هُ ( ‪ )18‬مِ نْ نُطْ َفةٍ‬ ‫سبِيلَ يَسّرَهُ (‪ُ )20‬ثمّ أَمَاتَهُ فَأَ ْقبَرَ ُه (‪ )21‬ثُمّ‬ ‫خَلَقَ ُه فَقَ ّدرَ ُه (‪ )19‬ثُمّ ال ّ‬ ‫ض مَا أَ َمرَهُ (‪)23‬‬ ‫إِذَا شَاءَ َأْنشَرَ ُه (‪َ )22‬كلّ لَمّا يَقْ ِ‬ ‫لُعِ نَ النسان الكا فر وعُذّب‪ ,‬ما أشدّ كفره بربه!! أل ير مِن أيّ ش يء‬ ‫خلقه ال أول مرة؟ خلقه ال من ماء قليل‪ -‬وهو ا َلنِيّ‪ -‬فقدّره أطوارا‪,‬‬ ‫ث بي له طريق الي والشر‪ ,‬ث أماته فجعل له مكانًا يُقب فيه‪ ,‬ث إذا شاء‬ ‫سبحانه أحياه‪ ,‬وبعثه بعد موته للحساب والزاء‪ .‬ليس المر كما يقول‬ ‫الكافر ويفعل‪ ,‬فلم ُيؤَ ّد ما أمره ال به من اليان والعمل بطاعته‪.‬‬ ‫صبّا ( ‪ )25‬ثُمّ‬ ‫صَبْبنَا الْمَاءَ َ‬ ‫َف ْلَينْظُرْ الِن سَانُ ِإلَى طَعَامِ هِ (‪َ )24‬أنّ ا َ‬ ‫شَقَقْنَا ا َلرْ ضَ شَقّا (‪ )26‬فََأْنَبتْنَا فِيهَا َحبّا ( ‪ )27‬وَ ِعنَبا وَقَضْبا (‬ ‫ل ( ‪ )29‬وَ َحدَائِ قَ غُلْبا ( ‪ )30‬وَفَا ِك َهةً وََأبّا (‬ ‫‪َ )28‬و َزْيتُونا َوَنخْ ً‬ ‫‪َ )31‬متَاعا لَكُ ْم وَ َلنْعَامِكُمْ (‪)32‬‬

‫فليتدبر النسان‪ :‬كيف خلق ال طعامه الذي هو قوام حياته؟ أنّا صببنا‬ ‫‪2003‬‬

‫صبّا‪ ,‬ث شققناها با أخرجنا منها من نبات شت‪ ,‬فأنبتنا‬ ‫الاء على الرض َ‬ ‫فيها حبًا‪ ,‬وعنبًا وعلفًا للدواب‪ ,‬وزيتونًا ونل وحدائق عظيمة الشجار‪,‬‬ ‫وثارًا وكل َتنْعَمون با أنتم وأنعامكم‪.‬‬ ‫َفإِذَا جَاءَ تْ ال صّا ّخةُ (‪َ )33‬يوْ َم يَفِ ّر الْ َم ْرءُ مِ نْ َأخِي هِ ( ‪ )34‬وَأُمّ هِ وََأبِي هِ‬ ‫ئ ِمْنهُ مْ َيوْ َمئِذٍ شَأْ نٌ يُ ْغنِي هِ (‬ ‫(‪ )35‬وَ صَا ِحَبِتهِ َوَبنِي هِ ( ‪ )36‬لِكُ ّل امْرِ ٍ‬

‫‪)37‬‬

‫فإذا جاءت صيحة يوم القيامة الت تصمّ مِن هولا الساع‪ ,‬يوم يفرّ الرء‬ ‫لول ذلك اليوم من أخيه‪ ,‬وأمه وأبيه‪ ,‬وزوجه وبنيه‪ .‬لكل واحد منهم‬ ‫يومئذٍ أمر يشغله وينعه من النشغال بغيه‪.‬‬ ‫سَتْبشِرَةٌ ( ‪َ )39‬ووُجُو ٌه َيوْ َمئِذٍ‬ ‫وُجُو ٌه َيوْ َمئِذٍ مُ سْفِرٌَة (‪ )38‬ضَاحِ َكةٌ مُ ْ‬ ‫عََليْهَا َغبَرٌَة (‪ )40‬تَرْهَقُهَا َقتَرٌَة ( ‪ُ )41‬أ ْوَلئِ كَ هُ مْ الْكَفَرَ ُة الْفَجَرَ ُة (‬ ‫‪)42‬‬ ‫وجوه أ هل النع يم ف ذلك اليوم م ستنية‪ ،‬م سرورة فر حة‪ ,‬ووجوه أ هل‬ ‫الحيم مظلمة مسودّة‪ ,‬تغشاها ذلّة‪ .‬أولئك الوصوفون بذا الوصف هم‬ ‫‪2004‬‬

‫الذيمن كفروا بنعمم ال وكذّبوا بآياتمه‪ ,‬وترؤوا على مارممه بالفجور‬ ‫والطغيان‪.‬‬

‫‪ -81‬سورة التكوير‬ ‫إِذَا الشّ ْمسُ ُك ّورَتْ ( ‪َ )1‬وإِذَا النّجُومُ انكَ َد َرتْ (‪َ )2‬وإِذَا اْلجِبَالُ ُسيّرَتْ‬ ‫ت ( ‪ )5‬وَإِذَا اْلِبحَارُ‬ ‫(‪ )3‬وَإِذَا الْ ِعشَارُ عُطّلَ تْ ( ‪َ )4‬وإِذَا اْلوُحُو شُ ُحشِرَ ْ‬

‫ت ( ‪)8‬‬ ‫ت ( ‪َ )7‬وإِذَا الْ َم ْوءُودَةُ ُسئِلَ ْ‬ ‫ُسجّرَتْ (‪ )6‬وَإِذَا النّفُو سُ ُزوّجَ ْ‬ ‫السممَاءُ‬ ‫َتم ( ‪َ )10‬وإِذَا ّ‬ ‫الصمحُفُ ُنشِر ْ‬ ‫َتم (‪َ )9‬وإِذَا ّ‬ ‫ْبم ُقتِل ْ‬ ‫بِأَيّ َذن ٍ‬ ‫ت(‬ ‫جّنةُ ُأ ْزلِفَ ْ‬ ‫ت (‪َ )11‬وإِذَا اْلجَحِي مُ سُعّ َرتْ ( ‪ )12‬وَإِذَا اْل َ‬ ‫ُكشِطَ ْ‬

‫ت (‪)14‬‬ ‫س مَا َأحْضَرَ ْ‬ ‫‪ )13‬عَلِ َمتْ نَ ْف ٌ‬

‫ض ْوءُها‪ ,‬وإذا النجوم تناثرت‪ ,‬فذهب نورها‪,‬‬ ‫إذا الشمس لُفّت وذهب َ‬ ‫وإذا البال سيّرت عن وجه الرض فصارت هباءً منبثًا‪ ,‬وإذا النوق‬ ‫الوامل تُركت وأهلت‪ ,‬وإذا اليوانات الوحشية جُمعت واختلطت؛‬ ‫ليقتصّ ال من بعضها لبعض‪ ,‬وإذا البحار أوقدت‪ ،‬فصارت على عِظَمها‬ ‫نارًا تتوقد‪ ,‬وإذا النفوس قُرنت بأمثالا ونظائرها‪ ,‬وإذا الطفلة الدفونة‬ ‫‪2005‬‬

‫حية سُئلت يوم القيامة سؤالَ تطييب لا وتبكيت لوائدها ‪ :‬بأيّ ذنب‬ ‫كان دفنها؟ وإذا صحف العمال عُرضت‪ ,‬وإذا السماء قُلعت وأزيلت‬ ‫من مكانا‪ ,‬وإذا النار أوقدت فأضرِمت‪ ,‬وإذا النة دار النعيم قُرّبت من‬ ‫ت ووجدتْ كلّ نفس ما قدّمت من‬ ‫أهلها التقي‪ ,‬إذا وقع ذلك‪ ,‬تيقن ْ‬ ‫خي أو شر‪.‬‬ ‫جوَارِي الْ ُكنّ سِ ( ‪ )16‬وَالّليْلِ إِذَا عَ سْ َعسَ‬ ‫خنّ سِ (‪ )15‬اْل َ‬ ‫فَل أُقْ سِمُ بِاْل ُ‬ ‫س ( ‪ِ )18‬إنّ هُ لَ َقوْلُ رَ سُولٍ َك ِريٍ ( ‪ )19‬ذِي‬ ‫(‪ )17‬وَال صّبْحِ ِإذَا َتنَفّ َ‬ ‫ُقوّةٍ ِعنْدَ ذِي الْعَ ْرشِ مَ ِكيٍ (‪ )20‬مُطَاعٍ ثَمّ أَ ِميٍ (‪)21‬‬

‫أقسم ال تعال بالنجوم الختفية أنوارها نارًا‪ ,‬الارية والستترة ف‬ ‫أبراجها‪ ,‬والليل إذا أقبل بظلمه‪ ,‬والصبح إذا ظهر ضياؤه‪ ,‬إن القرآن‬ ‫لَتبليغ رسول كري‪ -‬هو جبيل عليه السلم‪ ,-‬ذِي قوة ف تنفيذ ما يؤمر‬ ‫ب مكانة رفيعة عند ال‪ ,‬تطيعه اللئكة‪ ,‬مؤتن على الوحي‬ ‫به‪ ,‬صاح ِ‬ ‫الذي ينل به‪.‬‬ ‫جنُونٍ (‪َ )22‬ولَقَدْ رَآ ُه بِالُفُقِ الْ ُمِبيِ ( ‪ )23‬وَمَا ُهوَ‬ ‫وَمَا صَا ِحبُ ُكمْ بِ َم ْ‬ ‫ضِنيٍ (‪ )24‬وَمَا ُهوَ بِ َقوْلِ َشيْطَانٍ رَجِيمٍ (‪)25‬‬ ‫ب بِ َ‬ ‫عَلَى الْ َغيْ ِ‬ ‫‪2006‬‬

‫وما ممد الذي تعرفونه بجنون‪ ,‬ولقد رأى ممد جبيل الذي يأتيه‬ ‫بالرسالة ف الفق العظيم‪ ,‬وما هو ببخيل ف تبليغ الوحي‪ .‬وما هذا‬ ‫القرآن بقول شيطان رجيم‪ ,‬مطرود من رحة ال‪ ,‬ولكنه كلم ال‬ ‫ووحيه‪.‬‬ ‫َفَأيْ نَ تَذْ َهبُو نَ (‪ )26‬إِ نْ ُهوَ إِلّ ذِكْ ٌر لِلْعَالَ ِميَ ( ‪ )27‬لِمَ نْ شَاءَ ِمنْكُ مْ‬ ‫ستَقِيمَ (‪ )28‬وَمَا َتشَاءُونَ إِلّ َأنْ َيشَاءَ الّلهُ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)29‬‬ ‫َأنْ َي ْ‬ ‫فأين تذهب بكم عقولكم ف التكذيب بالقرآن بعد هذه الجج‬ ‫القاطعة؟ ما هو إل موعظة من ال لميع الناس‪ ,‬لن شاء منكم أن‬ ‫يستقيم على الق واليان‪ ,‬وما تشاؤون الستقامة‪ ,‬ول تقدرون على‬ ‫ذلك‪ ,‬إل بشيئة ال رب اللئق أجعي‪.‬‬

‫‪ -82‬سورة النفطار‬ ‫م (‪َ )2‬وإِذَا اْلبِحَارُ‬ ‫م انَتثَرَت ْ‬ ‫م ( ‪ )1‬وَإِذَا الْ َكوَاكِب ُ‬ ‫ممَاءُ انفَطَرَت ْ‬ ‫إِذَا الس ّ‬ ‫س مَا قَدّ َم تْ وََأخّ َر تْ (‬ ‫ت (‪ )4‬عَلِ َم تْ نَفْ ٌ‬ ‫ت (‪َ )3‬وإِذَا الْ ُقبُورُ بُ ْعِثرَ ْ‬ ‫ُفجّرَ ْ‬ ‫‪2007‬‬

‫‪)5‬‬ ‫إذا السمماء انشقمت‪ ,‬واختلّ نظامهما‪ ,‬وإذا الكواكمب تسماقطت‪ ,‬وإذا‬ ‫البحار فجّر ال بعضها ف بعض‪ ،‬فذهب ماؤها‪ ,‬وإذا القبور قُلِبت ببعث‬ ‫مَن كان في ها‪ ,‬حينئذ تعلم كلّ ن فس ج يع أعمال ا‪ ,‬ما تقدّم من ها‪ ,‬و ما‬ ‫تأخر‪ ,‬وجوزيت با‪.‬‬ ‫سوّاكَ َفعَ َدلَكَ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ك الْكَ ِريِ (‪ )6‬الّذِي خَلَ َق َ‬ ‫يَا َأّيهَا الِنسَانُ مَا غَرّكَ بِ َربّ َ‬ ‫ك (‪)8‬‬ ‫(‪ )7‬فِي َأيّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَ ّكبَ َ‬ ‫يا أي ها الن سان الن كر للب عث‪ ,‬ما الذي جعلك تغَترّ بر بك الواد كث ي‬ ‫ال ي الق يق بالش كر والطا عة‪ ,‬أل يس هو الذي خل قك ف سوّى خل قك‬ ‫ي صورة شاءها خلقك؟‬ ‫فعَدَلك‪ ,‬وركّبك لداء وظائفك‪ ,‬ف أ ّ‬ ‫ل بَلْ تُ َك ّذبُونَمبِالدّينِم (‪ )9‬وَإِنّ عََليْكُم ْمَلحَافِظِيَ ( ‪ِ )10‬كرَاما‬ ‫كَ ّ‬ ‫كَاِتبِيَ (‪ )11‬يَ ْعلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (‪)12‬‬ ‫ل يس ال مر ك ما تقولون من أن كم ف عبادت كم غ ي ال ُمحِقون‪ ,‬بل‬ ‫تكذّبون بيوم الساب والزاء‪ .‬وإن عليكم للئكة رقباء كراما على ال‬ ‫‪2008‬‬

‫كا تبي ل ا وُكّلوا بإح صائه‪ ,‬ل يفوت م من أعمال كم وأ سراركم ش يء‪,‬‬ ‫يعلمون ما تفعلون من خي أو شر‪.‬‬ ‫ِإنّ ا َلبْرَارَ لَفِي نَعِي ٍم (‪)13‬‬ ‫إن التقياء القائمي بقوق ال وحقوق عباده لفي نعيم‪.‬‬ ‫وَإِنّ الْ ُفجّارَ لَفِي َجحِي مٍ (‪ )14‬يَ صَْل ْوَنهَا َيوْ مَ الدّي نِ ( ‪ )15‬وَمَا ُه مْ‬

‫َعْنهَا بِغَاِئبِيَ (‪)16‬‬

‫وإن الفُجّار الذيمن قَصمّروا فم حقوق ال وحقوق عباده لفمي جحيمم‪,‬‬ ‫يصيبهم لبها يوم الزاء‪ ,‬وما هم عن عذاب جهنم بغائبي ل بروج ول‬ ‫بوت‪.‬‬ ‫وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا َيوْمُ الدّينِ (‪ُ )17‬ثمّ مَا أَ ْدرَاكَ مَا َيوْ ُم الدّينِ ( ‪َ )18‬يوْمَ‬

‫س ِلنَ ْفسٍ َشيْئا وَالَمْ ُر َيوْ َمئِذٍ لِّلهِ (‪)19‬‬ ‫ل تَ ْملِكُ نَ ْف ٌ‬

‫وما أدراك ما عظمة يوم الساب‪ ,‬ث ما أدراك ما عظمةُ يوم الساب؟‬ ‫يوم الساب ل يقدر أحد على نفع أحد‪ ,‬والمر ف ذلك اليوم ل وحده‬ ‫‪2009‬‬

‫الذي ل يغلبه غالب‪ ,‬ول يقهره قاهر‪ ,‬ول ينازعه أحد‪.‬‬

‫‪ -83‬سورة الطففي‬ ‫سَتوْفُونَ ( ‪ )2‬وَإِذَا‬ ‫َويْلٌ لِلْمُطَفّفِيَ (‪ )1‬الّذِي نَ إِذَا ا ْكتَالُوا عَلَى النّا سِ يَ ْ‬ ‫كَالُوهُ مْ َأ ْو وَ َزنُوهُ مْ ُيخْ سِرُونَ (‪ )3‬أَل يَظُنّ أُوَلئِ كَ َأّنهُ مْ َمبْعُوثُو نَ ( ‪)4‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)6‬‬ ‫ِليَوْ ٍم عَظِيمٍ ( ‪َ )5‬يوْمَ يَقُو ُم النّاسُ لِرَ ّ‬

‫عذابم شديمد للذيمن يبخسمون الكيال واليزان‪ ,‬الذيمن إذا اشتروا ممن‬ ‫ٌ‬ ‫مهم‪ ,‬وإذا باعوا الناس مكيل أو‬ ‫الناس مكيل أو موزونًما يوفون لنفسم‬ ‫موزونًما ُينْقصمون فم الكيال واليزان‪ ,‬فكيمف بال ممن يسمرقهما‬ ‫ويتلسمهما‪ ,‬ويبخمس الناس أشياءهمم؟ إنمه أول بالوعيمد ممن مطففمي‬ ‫ممم‬ ‫ممد أولئك الطففون أن ال تعال باعثهم‬ ‫الكيال واليزان‪ .‬أل يعتقم‬ ‫وما سبهم على أعمال م ف يوم عظ يم الول؟ يوم يقوم الناس ب ي يدي‬ ‫ال‪ ,‬فيحاسبهم على القليل والكثي‪ ,‬وهم فيه خاضعون ل رب العالي‪.‬‬ ‫جيٌ ( ‪)8‬‬ ‫جيٍ (‪ )7‬وَمَا َأ ْدرَا كَ مَا ِس ّ‬ ‫ب الفُجّارِ لَفِي ِس ّ‬ ‫كَلّ إِنّ ِكتَا َ‬ ‫‪2010‬‬

‫ِكتَابٌ َمرْقُومٌ (‪)9‬‬ ‫حقا إن مصي ال ُفجّار ومأواهم لفي ضيق‪ ,‬وما أدراك ما هذا الضيق؟ إنه‬ ‫سجن مقيم وعذاب أليم‪ ،‬وهو ما كتب لم الصي إليه‪ ،‬مكتوب مفروغ‬ ‫منه‪ ،‬ل يزاد فيه ول يُنقص‪.‬‬ ‫َويْلٌ َيوْ َمئِ ٍذ لِلْمُكَ ّذبِيَ (‪ )10‬الّذِي نَ يُ َك ّذبُو نَ ِبَيوْ مِ الدّي نِ ( ‪ )11‬وَمَا‬

‫ب بِ هِ إِلّ كُلّ مُ ْعَتدٍ َأثِي ٍم (‪ِ )12‬إذَا ُتتْلَى عََليْ هِ آيَاتُنَا قَالَ َأ سَاطِيُ‬ ‫يُكَذّ ُ‬

‫سبُونَ ( ‪ )14‬كَلّ‬ ‫ل بَلْ رَانَ َعلَى قُلُوِبهِمْ مَا كَانُوا يَكْ ِ‬ ‫ا َلوِّليَ (‪ )13‬كَ ّ‬

‫جحِي ِم (‬ ‫حجُوبُو نَ ( ‪ )15‬ثُمّ ِإّنهُ ْم لَ صَالُوا الْ َ‬ ‫ِإّنهُ مْ عَ نْ َرّبهِ ْم َيوْ َمئِذٍ لَ َم ْ‬ ‫‪ )16‬ثُ ّم يُقَالُ هَذَا الّذِي كُنتُمْ ِب ِه تُكَ ّذبُونَ (‪)17‬‬

‫عذاب شديد يومئذ للمكذبي‪ ،‬الذين يكذبون بوقوع يوم الزاء‪ ,‬وما‬ ‫يكذّب به إل كل ظال كثي الث‪ ,‬إذا تتلى عليه آيات القرآن قال‪ :‬هذه‬ ‫أباطيل الولي‪ .‬ليس المر كما زعموا‪ ,‬بل هو كلم ال ووحيه إل‬ ‫نبيه‪ ,‬وإنا حجب قلوبم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون‬ ‫من الذنوب‪ .‬ليس المر كما زعم الكفار‪ ,‬بل إنم يوم القيامة عن رؤية‬ ‫ربم‪ -‬جل وعل‪ -‬لحجوبون‪( ،‬وف هذه الية دللة على رؤية الؤمني‬ ‫‪2011‬‬

‫ربّهم ف النة ) ث إنم لداخلو النار يقاسون حرها‪ ,‬ث يقال لم‪ :‬هذا‬ ‫الزاء الذي كنتم به تكذبون‪.‬‬ ‫ب ا َلبْرَارِ لَفِي عِّلّييَ (‪ )18‬وَمَا أَ ْدرَا كَ مَا ِعّليّو نَ ( ‪)19‬‬ ‫كَلّ ِإنّ ِكتَا َ‬

‫شهَدُهُ الْمُقَ ّربُونَ (‪)21‬‬ ‫ِكتَابٌ َمرْقُومٌ (‪َ )20‬ي ْ‬

‫حقا إن كتاب البرار ‪-‬وهم التقون‪ -‬لفي الراتب العالية ف النة‪ .‬وما‬ ‫أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما هذه الراتب العالية؟ كتاب البرار مكتوب‬ ‫مفروغ منه‪ ,‬ل يزاد فيه ول يُنقص‪ ،‬يَطّلِع عليه القربون من ملئكة كل‬ ‫ساء‪.‬‬ ‫ف فِي‬ ‫ِإنّ ا َلبْرَارَ لَفِي نَعِي مٍ (‪ )22‬عَلَى ا َلرَائِ كِ يَنظُرُو نَ ( ‪ )23‬تَ ْعرِ ُ‬ ‫ختُو مٍ ( ‪ِ )25‬ختَامُ هُ‬ ‫ضرَةَ النّعِي مِ (‪ )24‬يُ سْ َقوْنَ مِ نْ رَحِي قٍ َم ْ‬ ‫وُجُو ِههِ مْ نَ ْ‬ ‫سنِي ٍم (‬ ‫ك وَفِي َذلِ كَ فَ ْلَيَتنَافَ سْ الْ ُمَتنَافِ سُونَ (‪ )26‬وَمِزَاجُ هُ مِ نْ تَ ْ‬ ‫مِ سْ ٌ‬ ‫‪َ )27‬عيْنا َيشْ َربُ ِبهَا الْمُقَ ّربُونَ (‪)28‬‬ ‫إن أهل الصدق والطاعة لفي النة يتنعمون‪ ,‬على السرّة ينظرون إل‬ ‫ربم‪ ,‬وإل ما أع ّد لم من خيات‪ ،‬ترى ف وجوههم بجة النعيم‪,‬‬ ‫‪2012‬‬

‫ُيسْقَون من خر صافية مكم إناؤها‪ ,‬آخره رائحة مسك‪ ,‬وف ذلك‬ ‫النعيم القيم فليتسابق التسابقون‪ .‬وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عي‬ ‫ف النة تُعْرَف لعلوها بم "تسنيم"‪ ,‬عي أعدت ; ليشرب منها‬ ‫القربون‪ ,‬ويتلذذوا با‪.‬‬ ‫ضحَكُو نَ (‪َ )29‬وإِذَا َمرّوا‬ ‫إِنّ الّذِي نَ أَ ْجرَمُوا كَانُوا مِ ْن الّذِي نَ آ َمنُوا يَ ْ‬ ‫ِبهِ ْم َيتَغَامَزُونَ (‪َ )30‬وإِذَا انقََلبُوا ِإلَى أَهِْلهِمْ انقََلبُوا فَ ِك ِهيَ ( ‪َ )31‬وإِذَا‬ ‫رََأوْهُ ْم قَالُوا إِنّ َهؤُلءِ لَضَالّو نَ (‪ )32‬وَمَا ُأرْ ِسلُوا عََلْيهِ مْ حَافِظِيَ (‬ ‫ضحَكُونَ (‪)34‬‬ ‫‪ )33‬فَاْلَيوْمَ الّذِينَ آ َمنُوا مِنْ الْكُفّارِ يَ ْ‬

‫إن الذين أجرموا كانوا ف الدنيا يستهزئون بالؤمني‪ ,‬وإذا مروا بم‬ ‫يتغامزون سخرية بم‪ ,‬وإذا رجع الذين أجرموا إل أهلهم وذويهم‬ ‫تفكهوا معهم بالسخرية من الؤمني‪ .‬وإذا رأى هؤلء الكفار أصحاب‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وقد اتبعوا الدى قالوا‪ :‬إن هؤلء لتائهون ف‬ ‫اتباعهم ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما بُعث هؤلء الجرمون رقباء‬ ‫على أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬فيوم القيامة يسخر الذين‬ ‫صدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار‪ ,‬كما سخر الكافرون‬ ‫منهم ف الدنيا‪.‬‬ ‫‪2013‬‬

‫عَلَى ا َلرَائِ كِ يَنظُرُو نَ (‪ )35‬هَ ْل ُثوّ بَ الْكُفّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُو نَ (‬ ‫‪)36‬‬ ‫على الجالس الفاخرة ينظمر الؤمنون إل مما أعطاهمم ال ممن الكراممة‬ ‫والنعيم ف النة‪ ,‬ومن أعظم ذلك النظر إل وجه ال الكري‪ .‬هل جوزي‬ ‫الكفار ‪ -‬إذ فُ عل ب م ذلك‪ -‬جزاءً وفاق ما كانوا يفعلو نه ف الدن يا من‬ ‫الشرور والثام؟‬

‫‪ -84‬سورة النشقاق‬ ‫ض مُدّتْ (‬ ‫ت (‪َ )2‬وإِذَا ا َلرْ ُ‬ ‫ت لِ َرّبهَا وَحُقّ ْ‬ ‫إِذَا السّمَاءُ انشَقّتْ ( ‪ )1‬وَأَ ِذَن ْ‬ ‫ت (‪)5‬‬ ‫ت لِ َرّبهَا َوحُقّ ْ‬ ‫ت (‪َ )4‬وأَ ِذنَ ْ‬ ‫‪َ )3‬وَألْقَتْ مَا فِيهَا َوَتخَلّ ْ‬ ‫إذا ال سماء ت صدّعت‪ ,‬وتفطّرت بالغمام يوم القيا مة‪ ,‬وأطا عت أ مر رب ا‬ ‫فيمما أمرهما بمه ممن النشقاق‪ ,‬وحُقّ لام أن تنقاد لمره‪ .‬وإذا الرض‬ ‫بُسطت َووُسّعت‪ ,‬ودكت جبالا ف ذلك اليوم‪ ,‬وقذفت ما ف بطنها من‬ ‫ت عنهم‪ ,‬وانقادت لربا فيما أمرها به‪ ,‬وحُقّ لا أن تنقاد‬ ‫الموات‪ ,‬وتلّ ْ‬ ‫‪2014‬‬

‫لمره‪.‬‬ ‫ك كَدْحا َفمُلقِيهِ (‪)6‬‬ ‫ك كَا ِدحٌ ِإلَى َربّ َ‬ ‫يَا َأّيهَا الِنسَانُ ِإنّ َ‬ ‫يا أي ها الن سان إ نك ساعٍ إل ال‪ ,‬وعا مل أعمال من خ ي أو شر‪ ,‬ث‬ ‫تلقي ال يوم القيامة‪ ,‬فيجازيك بعملك بفضله أو عدله‪.‬‬ ‫سوْفَ ُيحَا سَبُ حِ سَابا يَ سِيا ( ‪)8‬‬ ‫َفأَمّا مَ نْ أُوتِ يَ ِكتَابَ هُ ِبيَمِينِ هِ (‪ )7‬فَ َ‬

‫َويَنقَلِبُ ِإلَى أَ ْهِلهِ َمسْرُورا (‪)9‬‬

‫فأما من أعطي صحيفة أعماله بيمينه‪ ,‬وهو مؤمن بربه‪ ,‬فسوف ياسب‬ ‫حسابًا سهل ويرجع إل أهله ف النة مسرورًا‪.‬‬ ‫سوْفَ يَدْعُو ُثبُورا ( ‪)11‬‬ ‫وَأَمّ ا مَ نْ أُوتِ َي ِكتَابَ هُ َورَاءَ َظهْرِ هِ (‪ )10‬فَ َ‬ ‫َويَ صْلَى سَعِيا (‪ِ )12‬إنّ هُ كَانَ فِي أَ ْهلِ هِ مَسْرُورا ( ‪ِ )13‬إنّ هُ ظَنّ أَنْ لَ نْ‬ ‫َيحُورَ (‪َ )14‬بلَى ِإنّ َربّهُ كَانَ ِبهِ بَصِيا (‪)15‬‬ ‫وأمّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره‪ ,‬وهو الكافر بال‪ ,‬فسوف‬ ‫يد عو باللك والثبور‪ ,‬ويد خل النار مقا سيًا حر ها‪ .‬إ نه كان ف أهله ف‬ ‫‪2015‬‬

‫الدن يا م سرورًا مغرورًا‪ ,‬ل يف كر ف العوا قب‪ ,‬إ نه ظنّ أن لن ير جع إل‬ ‫خالقه حيا للحساب‪ .‬بلى سيعيده ال كما بدأه ويازيه على أعماله‪ ,‬إن‬ ‫ربه كان به بصيًا عليمًا باله من يوم خلقه إل أن بعثه‪.‬‬ ‫فَل أُقْ سِ ُم بِالشّفَ قِ (‪ )16‬وَالّليْلِ وَمَا وَ سَقَ ( ‪ )17‬وَالْقَمَرِ إِذَا اتّ سَقَ (‬ ‫‪َ )18‬لتَرْ َكبُنّ َطبَقا عَنْ َطبَقٍ (‪)19‬‬ ‫أقسم ال تعال باحرار الفق عند الغروب‪ ,‬وبالليل وما جع من الدواب‬ ‫والشرات والوام وغ ي ذلك‪ ,‬وبالق مر إذا تكا مل نوره‪ ،‬لتركبُنّ‪ -‬أي ها‬ ‫الناس‪ -‬أطوارا متعددة وأحوال متباي نة‪ :‬من النط فة إل العل قة إل الض غة‬ ‫إل نفمخ الروح إل الوت إل البعمث والنشور‪ .‬ول يوز للمخلوق أن‬ ‫يقسم بغي ال‪ ,‬ولو فعل ذلك لشرك‪.‬‬ ‫ئ عََلْيهِ مْ الْقُرْآ نُ ل يَ سْجُدُونَ (‬ ‫فَمَا َلهُ مْ ل ُيؤْ ِمنُو نَ (‪َ )20‬وإِذَا ُقرِ َ‬ ‫‪ )21‬بَلْ الّذِي نَ كَفَرُوا ُيكَ ّذبُو نَ ( ‪ )22‬وَاللّ هُ أَعَْل مُ ِبمَا يُوعُو نَ ( ‪)23‬‬ ‫َفَبشّرْهُمْ بِ َعذَابٍ َألِيمٍ (‪ )24‬إِلّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َأجْرٌ‬

‫َغيْرُ مَ ْمنُونٍ (‪)25‬‬ ‫‪2016‬‬

‫فأيّ ش يء ينع هم من اليان بال واليوم ال خر ب عد ما ُوضّ حت ل م‬ ‫اليات؟ وما لم إذا قرئ عليهم القرآن ل يسجدون ل‪ ,‬ول يسلّمُون با‬ ‫جاء فيه؟ إنا سجية الذين كفروا التكذيب ومالفة الق‪ .‬وال أعلم با‬ ‫يكتمون ف صدورهم من العناد مع علمهم بأن ما جاء به القرآن حق‪,‬‬ ‫فبشرهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بأن ال‪ -‬عز وجل‪ -‬قد أعدّ لم عذابًا موجعًا‪,‬‬ ‫ل كن الذ ين آمنوا بال ور سوله وأدّوا ما فر ضه ال علي هم‪ ,‬ل م أ جر ف‬ ‫الخرة غي مقطوع ول منقوص‪.‬‬

‫‪ -85‬سورة البوج‬ ‫شهُودٍ (‪)3‬‬ ‫ت الْبُرُو جِ (‪ )1‬وَاْلَيوْ مِ الْ َموْعُو ِد (‪َ )2‬وشَاهِدٍ وَ َم ْ‬ ‫وَال سّمَاءِ ذَا ِ‬ ‫ب الُخْدُو ِد (‪ )4‬النّارِ ذَا تِ اْلوَقُودِ (‪ )5‬إِ ْذ هُ مْ َعَلْيهَا قُعُودٌ (‬ ‫صحَا ُ‬ ‫ُقتِلَ أَ ْ‬

‫‪ )6‬وَ ُه ْم عَلَى مَا يَفْعَلُو نَ بِالْ ُمؤْ ِمِنيَ ُشهُودٌ (‪ )7‬وَمَا نَ َقمُوا ِمْنهُ مْ إِلّ أَ نْ‬ ‫ت وَالَرْ ضِ وَاللّ هُ‬ ‫ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ هِ الْعَزِي ِز الْحَمِي ِد (‪ )8‬الّذِي لَ هُ مُلْ كُ ال سّ َموَا ِ‬ ‫عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ َشهِي ٌد (‪)9‬‬

‫‪2017‬‬

‫أقسم ال تعال بالسماء ذات النازل الت تر با الشمس والقمر‪ ,‬وبيوم‬ ‫القيامة الذي وعد ال اللق أن يمعهم فيه‪ ,‬وشاهد يشهد‪ ,‬ومشهود‬ ‫يشهد عليه‪ .‬ويقسم ال‪ -‬سبحانه‪ -‬با يشاء من ملوقاته‪ ,‬أما الخلوق‬ ‫فل يوز له أن يقسم بغي ال‪ ,‬فإن القسم بغي ال شرك‪ .‬لُعن الذين‬ ‫شَقّوا ف الرض شقًا عظيمًا؛ لتعذيب الؤمني‪ ,‬وأوقدوا النار الشديدة‬ ‫ذات الوَقود‪ ,‬إذ هم قعود على الخدود ملزمون له‪ ,‬وهم على ما‬ ‫يفعلون بالؤمني من تنكيل وتعذيب حضورٌ‪ .‬وما أخذوهم بثل هذا‬ ‫العقاب الشديد إل أن كانوا مؤمني بال العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الميد‬ ‫ف أقواله وأفعاله وأوصافه‪ ,‬الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬وهو‪-‬‬ ‫سبحانه‪ -‬على كل شيء شهيد‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن َفَتنُوا الْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُمؤْ ِمنَا تِ ثُمّ لَ مْ َيتُوبُوا فََلهُ ْم عَذَا بُ َج َهنّ مَ‬

‫ب اْلحَرِيقِ (‪)10‬‬ ‫َولَهُ ْم عَذَا ُ‬

‫إن الذين حرقوا الؤمني والؤمنات بالنار؛ ليصرفوهم عن دين ال‪ ,‬ث ل‬ ‫يتوبوا‪ ,‬فلهم ف الخرة عذاب جهنم‪ ,‬ولم العذاب الشديد الحرق‪.‬‬ ‫حِتهَا ا َلْنهَارُ‬ ‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُ مْ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ َت ْ‬ ‫‪2018‬‬

‫ك الْ َف ْوزُ الْ َكبِيُ (‪)11‬‬ ‫َذلِ َ‬ ‫إن الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا العمال الصالات‪ ,‬لم جنات‬ ‫تري من تت قصورها النار‪ ,‬ذلك الفوز العظيم‪.‬‬ ‫ِإنّ بَطْشَ َربّكَ َلشَدِيدٌ (‪ِ )12‬إنّهُ ُهوَ ُيبْ ِدئُ َويُعِي ُد ( ‪ )13‬وَ ُهوَ الْغَفُورُ‬ ‫الْوَدُو ُد (‪ )14‬ذُو الْعَ ْرشِ الْ َمجِيدُ (‪ )15‬فَعّالٌ لِمَا ُيرِيدُ (‪)16‬‬ ‫إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لم لَعظيم شديد‪ ,‬إنه هو يُبدئ اللق‬ ‫ث يعيده‪ ,‬وهو الغفور لن تاب‪ ,‬كثي الودة والحبة لوليائه‪ ,‬صاحب‬ ‫العرشِ الجي ُد الذي بلغ النتهى ف الفضل والكرم‪ ,‬فَعّال لا يريد‪ ,‬ل يتنع‬ ‫عليه شيء يريده‪.‬‬ ‫ِينم‬ ‫ْنم َوثَمُودَ ( ‪ )18‬بَ ْل الّذ َ‬ ‫جنُودِ (‪ )17‬فِرْ َعو َ‬ ‫ِيثم الْ ُ‬ ‫َاكم حَد ُ‬ ‫هَلْ َأت َ‬ ‫كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (‪ )19‬وَاللّهُ مِنْ َورَاِئهِ ْم ُمحِيطٌ (‪ )20‬بَلْ ُهوَ قُرْآنٌ‬ ‫َمجِيدٌ (‪ )21‬فِي َلوْحٍ َمحْفُوظٍ (‪)22‬‬ ‫هل بلغك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب الموع الكافرة الكذبة لنبيائها‪ ,‬فرعون‬ ‫وثود‪ ,‬وما ح ّل بم من العذاب والنكال‪ ,‬ل يعتب القوم بذلك‪ ,‬بل الذين‬ ‫‪2019‬‬

‫كفروا ف تكذيب متواصل كدأب مَن قبلهم‪ ,‬وال قد أحاط بم علما‬ ‫وقدرة‪ ,‬ل يفى عليه منهم ومن أعمالم شيء‪ .‬وليس القرآن كما زعم‬ ‫الكذبون الشركون بأنه شعر وسحر‪ ,‬فكذّبوا به‪ ,‬بل هو قرآن عظيم‬ ‫كري‪ ,‬ف لوح مفوظ‪ ,‬ل يناله تبديل ول تريف‪.‬‬

‫‪ -86‬سورة الطارق‬ ‫ق (‪ )1‬وَمَا َأ ْدرَا كَ مَا الطّارِ قُ ( ‪ )2‬الّنجْ مُ الثّاقِ بُ ( ‪)3‬‬ ‫وَال سّمَاءِ وَالطّارِ ِ‬ ‫ظ ( ‪)4‬‬ ‫س لَمّا عََلْيهَا حَافِ ٌ‬ ‫ِإنْ كُلّ نَ ْف ٍ‬ ‫أقسم ال سبحانه بالسماء والنجم الذي يطرق ليل وما أدراك ما عِظَ ُم‬ ‫هذا النجم؟ هو النجم الضيء التوهّج‪ .‬ما كل نفس إل أوكل با مَلَك‬ ‫رقيب يفظ عليها أعمالا لتحاسب عليها يوم القيامة‪.‬‬ ‫َف ْليَنظُرْ الِن سَانُ ِممّ خُلِ قَ (‪ )5‬خُلِ قَ مِ نْ مَاءٍ دَافِ ٍق ( ‪َ )6‬يخْرُ جُ مِ نْ َبيْ نِ‬ ‫الصّلْبِ وَالتّرَائِبِ (‪ِ )7‬إّنهُ عَلَى رَجْ ِعهِ لَقَا ِدرٌ (‪)8‬‬ ‫‪2020‬‬

‫فلين ظر الن سان الن كر للب عث مِمّ ُخلِ قَ؟ ليعلم أن إعادة خلق الن سان‬ ‫لي ست أ صعب من خل قه أوّل خلق من منّ من صبّ ب سرعة ف الر حم‪,‬‬ ‫يرج من بي صلب الرجل وصدر الرأة‪ .‬إن الذي خلق النسان من هذا‬ ‫الاء لَقادر على رجعه إل الياة بعد الوت‪.‬‬ ‫َيوْمَ ُتبْلَى السّرَائِرُ (‪ )9‬فَمَا َلهُ مِنْ ُقوّةٍ وَل نَاصِرٍ (‪)10‬‬ ‫يوم ُتخْتَب ال سرائر في ما أخف ته‪ ,‬ويُ َميّ ز ال صال من ها من الفا سد‪ ,‬ف ما‬ ‫للنسان من قوة يدفع با عن نفسه‪ ,‬وما له من ناصر يدفع عنه عذاب‬ ‫ال‪.‬‬ ‫وَال سّمَاءِ ذَا تِ الرّ ْج ِع (‪ )11‬وَا َلرْ ضِ ذَا تِ ال صّدْعِ ( ‪ِ )12‬إنّ هُ لَ َقوْلٌ‬

‫فَصْلٌ (‪ )13‬وَمَا ُه َو بِاْلهَزْلِ (‪)14‬‬

‫والسماء ذات الطر التكرر‪ ,‬والرض ذات التشقق با يتخللها من نبات‪,‬‬ ‫ْنم القم والباطمل‪ ,‬ومما همو بالزل‪ .‬ول يوز‬ ‫إن القرآن لقول فصمل َبي َ‬ ‫للمخلوق أن يقسم بغي ال‪ ,‬وإل فقد أشرك‪.‬‬

‫‪2021‬‬

‫ِينم‬ ‫ُونم َكيْدا (‪ )15‬وَأَكِي ُد َكيْدا ( ‪ )16‬فَ َمهّلْ الْكَافِر َ‬ ‫ُمم يَكِيد َ‬ ‫ِإّنه ْ‬ ‫أَ ْمهِ ْلهُ ْم ُروَيْدا ( ‪)17‬‬ ‫إن الكذبي للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وللقرآن‪ ,‬يكيدون ويدبرون؛‬ ‫ليدفعوا بكيد هم ال ق ويؤيدوا البا طل‪ ,‬وأك يد كيدًا لظهار ال ق‪ ,‬ولو‬ ‫كره الكافرون‪ ,‬فل ت ستعجل ل م ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬بطلب إنزال العقاب‬ ‫بم‪ ,‬بل أمهلهم وأنظرهم قليل ول تستعجل لم‪ ,‬وسترى ما يلّ بم من‬ ‫العذاب والنكال والعقوبة واللك‪.‬‬

‫‪ -87‬سورة العلى‬ ‫سوّى ( ‪ )2‬وَالّذِي َق ّدرَ َفهَدَى‬ ‫َسبّ ْح ا ْسمَ َربّكَ الَعْلَى (‪ )1‬الّذِي خَلَقَ فَ َ‬ ‫(‪ )3‬وَالّذِي أَخْ َرجَ الْمَرْعَى (‪َ )4‬فجَعََلهُ ُغثَاءً أَ ْحوَى (‪)5‬‬ ‫نَزّه اسمم ربمك العلى عمن الشريمك والنقائص تنيه ًا يليمق بعظمتمه‬ ‫سمبحانه‪ ,‬الذي خلق الخلوقات‪ ,‬فأتقمن خلقهما‪ ,‬وأحسمنه‪ ,‬والذي قدّر‬ ‫جيمع القدرات‪ ,‬فهدى كمل خلق إل مما يناسمبه‪ ,‬والذي أنبمت الكل‬ ‫‪2022‬‬

‫الخضر‪ ,‬فجعله بعد ذلك هشيمًا جافًا متغيًا‪.‬‬ ‫جهْرَ وَمَا َيخْفَى (‬ ‫َسنُقْ ِرُئكَ فَل تَن سَى (‪ )6‬إِ ّل مَا شَاءَ اللّ هُ ِإنّ هُ يَعَْل ُم اْل َ‬ ‫‪)7‬‬ ‫سنقرئك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هذا القرآن قراءة ل تنساها‪ ,‬إل ما شاء ال ما‬ ‫اقت ضت حكم ته أن ين سيه ل صلحة يعلم ها‪ .‬إ نه ‪ -‬سبحانه‪ -‬يعلم ال هر‬ ‫من القول والعمل‪ ,‬وما يفى منهما‪.‬‬ ‫َوُنَيسّرُكَ لِ ْلُيسْرَى (‪)8‬‬ ‫ونيسرك لليسرى ف جيع أمورك‪ ,‬ومن ذلك تسهيل تَلَقّي أعباء الرسالة‪,‬‬ ‫وجعل دينك يسرًا ل عسر فيه‪.‬‬ ‫ت الذّكْرَى (‪)9‬‬ ‫َفذَكّرْ ِإنْ نَفَعَ ْ‬ ‫فعمظ قوممك ‪-‬أيهما الرسمول‪ -‬حسمبما يسمرناه لك بام يوحمى إليمك‪،‬‬ ‫ص بالتذكي من يرجى منه التذكّر‪ ،‬ول‬ ‫واهدهم إل ما فيه خيهم‪ .‬وخُ ّ‬ ‫تتعب نفسك ف تذكي من ل يورثه التذكر إل عتوّا ونفورًا ‪.‬‬ ‫‪2023‬‬

‫صلَى النّارَ‬ ‫جّنُبهَا الَشْقَى (‪ )11‬الّذِي يَ ْ‬ ‫خشَى (‪َ )10‬وَيَت َ‬ ‫َسيَذّكّرُ مَنْ َي ْ‬ ‫حيَا (‪)13‬‬ ‫ت فِيهَا وَل َي ْ‬ ‫الْ ُكبْرَى (‪ُ )12‬ثمّ ل يَمُو ُ‬ ‫سيتعظ الذي ياف ر به‪ ,‬ويبت عد عن الذكرى الش قى الذي ل ي شى‬ ‫ر به‪ ,‬الذي سيدخل نار جه نم العظ مى يقا سي حرّ ها‪ ,‬ث ل يوت في ها‬ ‫فيستريح‪ ,‬ول ييا حياة تنفعه‪.‬‬ ‫صلّى (‪)15‬‬ ‫َقدْ أَفَْلحَ مَنْ َتزَكّى (‪َ )14‬وذَكَرَ ا ْسمَ َرّبهِ فَ َ‬ ‫قد فاز مَن ط هر نف سه من الخلق ال سيئة‪ ،‬وذ كر ال‪ ,‬فوحّده ودعاه‬ ‫وعممل بام يرضيمه‪ ,‬وأقام الصملة فم أوقاتام؛ ابتغاء رضوان ال وامتثال‬ ‫لشرعه‪.‬‬ ‫حيَاةَ ال ّدْنيَا (‪)16‬‬ ‫بَلْ ُت ْؤثِرُونَ اْل َ‬ ‫إنكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬تفضّلون زينة الياة الدنيا على نعيم الخرة‪.‬‬ ‫وَالخِرَةُ َخْيرٌ وََأبْقَى (‪)17‬‬ ‫‪2024‬‬

‫والدار الخرة با فيها من النعيم القيم‪ ,‬خي من الدنيا وأبقى‪.‬‬ ‫صحُفِ ِإْبرَاهِيمَ وَمُوسَى (‪)19‬‬ ‫صحُفِ الُولَى (‪ُ )18‬‬ ‫ِإنّ هَذَا لَفِي ال ّ‬ ‫إن ما أ خبت به ف هذه ال سورة هو م ا ث بت معناه ف ال صّحف ال ت‬ ‫أنزلت قبل القرآن‪ ،‬وهي صُحف إبراهيم وموسى عليهما السلم‪.‬‬

‫‪ -88‬سورة الغاشية‬ ‫هَلْ َأتَاكَ حَدِيثُ الْغَا ِشَيةِ (‪)1‬‬ ‫هل أتاك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب القيامة الت تغشى الناس بأهوالا؟‬ ‫صلَى نَارا حَا ِميَةً ( ‪)4‬‬ ‫وُجُو ٌه َيوْ َمئِذٍ خَاشِ َعةٌ (‪ )2‬عَامَِل ٌة نَا صَِبةٌ ( ‪ )3‬تَ ْ‬ ‫ضرِي ٍع ( ‪ )6‬ل يُ سْمِنُ‬ ‫تُ سْقَى مِ نْ َعيْ نٍ آِنَيةٍ (‪َ )5‬ليْ سَ َلهُ مْ طَعَا مٌ إِ ّل مِ نْ َ‬ ‫ع (‪)7‬‬ ‫وَل يُ ْغنِي مِنْ جُو ٍ‬ ‫‪2025‬‬

‫وجوه الكفار يومئذ ذليلة بالعذاب‪ ,‬مهدة بالعممل متعبمة‪ ,‬تصميبها نار‬ ‫شديدة التو هج‪ ,‬تُ سقى من ع ي شديدة الرارة‪ .‬ل يس ل صحاب النار‬ ‫طعام إل ممن نبمت ذي شوك لصمق بالرض‪ ,‬وهمو م ِن شمر الطعام‬ ‫وأخبثه‪ ,‬ل ُيسْمن بدن صاحبه من الُزال‪ ,‬ول يسدّ جوعه ورمقه‪.‬‬ ‫ضَيةٌ ( ‪ )9‬فِي َجّنةٍ عَاِليَةٍ ( ‪ )10‬ل‬ ‫وُجُو هٌ َيوْ َمئِ ٍذ نَاعِ َمةٌ (‪ )8‬لِ سَ ْعيِهَا رَا ِ‬ ‫تَ سْمَعُ فِيهَا ل ِغَيةً (‪ )11‬فِيهَا َعيْ نٌ جَا ِرَيةٌ ( ‪ )12‬فِيهَا سُ ُررٌ مَرْفُو َعةٌ (‬ ‫ب َم ْوضُو َعةٌ ( ‪َ )14‬ونَمَارِ قُ مَ صْفُوَفةٌ ( ‪َ )15‬و َزرَابِيّ‬ ‫‪ )13‬وَأَ ْكوَا ٌ‬ ‫َمْبثُوثَةٌ (‪)16‬‬

‫وجوه الؤمني يوم القيامة ذات نعمة؛ لسعيها ف الدنيا بالطاعات راضية‬ ‫ف الخرة‪ ,‬ف ج نة رفي عة الكان والكا نة‪ ,‬ل ت سمع في ها كل مة ل غو‬ ‫واحدة‪ ,‬فيهما عيم تتدفمق مياههما‪ ,‬فيهما سمرر عاليمة وأكواب معدة‬ ‫للشاربيم‪ ,‬ووسمائد مصمفوفة‪ ,‬الواحدة جنمب الخرى‪ ,‬وبُسمُط كثية‬ ‫مفروشة‪.‬‬ ‫ف رُفِعَ تْ‬ ‫ت (‪َ )17‬وِإلَى السّمَاءِ َكيْ َ‬ ‫أَفَل َينْظُرُونَ ِإلَى ا ِلبِلِ َكيْفَ خُلِ َق ْ‬

‫ف سُ ِطحَتْ‬ ‫ت ( ‪ )19‬وَِإلَى ا َلرْضِ َكيْ َ‬ ‫صبَ ْ‬ ‫ف نُ ِ‬ ‫جبَالِ َكيْ َ‬ ‫(‪َ )18‬وِإلَى الْ ِ‬ ‫‪2026‬‬

‫(‪)20‬‬ ‫أفل ينظمر الكافرون الكذّبون إل البمل‪ :‬كيمف خُلِقَمت هذا اللق‬ ‫العجيب؟ وإل السماء كيف رُفِعَت هذا الرّفع البديع؟ وإل البال كيف‬ ‫نُصمبت‪ ,‬فحصمل بام الثبات للرض والسمتقرار؟ وإل الرض كيمف‬ ‫ُبسِطت و ُمهّدت؟‬ ‫سيْطِ ٍر (‪)22‬‬ ‫ت عََلْيهِمْ ِب ُم َ‬ ‫َفذَكّرْ ِإنّمَا َأنْتَ مُذَكّ ٌر (‪َ )21‬لسْ َ‬ ‫فعِ ظْ ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬العرض ي ب ا ُأرْ سِ ْلتَ به إلي هم‪ ,‬ول تزن على‬ ‫إعراضهم‪ ,‬إنا أنت واعظ لم‪ ,‬ليس عليك إكراههم على اليان‪.‬‬ ‫ب الَ ْكبَرَ (‪)24‬‬ ‫إِلّ مَنْ َت َولّى وَكَفَ َر (‪َ )23‬فيُ َع ّذُبهُ اللّهُ الْعَذَا َ‬ ‫ل كن الذي أعرض عن التذك ي والوع ظة وأ صرّ على كفره‪ ,‬فيعذ به ال‬ ‫العذاب الشديد ف النار‪.‬‬ ‫ِإنّ ِإَلْينَا ِإيَاَبهُمْ (‪ )25‬ثُمّ ِإنّ عََلْينَا ِحسَابَهُ ْم (‪)26‬‬ ‫إنّ إلينا مرجعهم بعد الوت‪ ,‬ث إن علينا جزاءهم على ما عملوا‪.‬‬ ‫‪2027‬‬

‫‪ -89‬سورة الفجر‬ ‫وَالْ َفجْرِ (‪َ )1‬وَليَالٍ َعشْ ٍر (‪ )2‬وَالشّفْ ِع وَاْل َوتْرِ (‪ )3‬وَالّليْلِ ِإذَا يَسْ ِر (‪)4‬‬ ‫ك َقسَ ٌم لِذِي ِحجْرٍ (‪)5‬‬ ‫هَلْ فِي َذلِ َ‬ ‫أقسم ال سبحانه بوقت الفجر‪ ,‬والليال العشر الوَل من ذي الجة وما‬ ‫شرفت به‪ ,‬وبكل شفع وفرد‪ ,‬وبالليل إذا َيسْري بظلمه‪ ,‬أليس ف‬ ‫القسام الذكورة مَ ْقنَع لذي عقل؟‬ ‫ف فَعَلَ َربّ كَ بِعَا ٍد (‪ِ )6‬إرَ مَ ذَا تِ الْعِمَادِ ( ‪ )7‬الّتِي لَ مْ‬ ‫َألَ مْ َترَى َكيْ َ‬ ‫ُيخْلَقْ ِمثُْلهَا فِي الْبِلدِ (‪)8‬‬ ‫أل تر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف فعل ربّك بقوم عاد‪ ,‬قبيلة إرم‪ ,‬ذات القوة‬ ‫والبنية الرفوعة على العمدة‪ ,‬الت ل يُخلق مثلها ف البلد ف عِظَم‬ ‫الجساد وقوة البأس؟‬

‫‪2028‬‬

‫َوثَمُو َد الّذِينَ جَابُوا الصّخْ َر بِاْلوَادِي (‪)9‬‬ ‫وكيف فعل بثمود قوم صال الذين قطعوا الصخر بالوادي واتذوا منه‬ ‫بيوتًا؟‬ ‫وَِفرْ َعوْنَ ذِي الَ ْوتَادِ (‪)10‬‬ ‫وكيف فعل بفرعون مَلِك "مصر"‪ ,‬صاحب النود الذين ثبّتوا ُملْكه‪,‬‬ ‫وقوّوا له أمره؟‬ ‫َصمبّ‬ ‫ِينم طَ َغوْا فِي الْبِلدِ (‪ )11‬فَأَ ْكثَرُوا فِيهَا الْفَسمَادَ ( ‪ )12‬ف َ‬ ‫الّذ َ‬ ‫عََلْيهِمْ َربّكَ َس ْوطَ َعذَابٍ (‪ِ )13‬إنّ َربّكَ َلبِالْمِ ْرصَادِ (‪)14‬‬ ‫هؤلء الذين استبدّوا‪ ,‬وظلموا ف بلد ال‪ ,‬فأكثروا فيها بظلمهم الفساد‪,‬‬ ‫فصب عليهم ربّك عذابا شديدا‪ .‬إ ّن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لبالرصاد لن‬ ‫يعصيه‪ ,‬يهله قليل ث يأخذه أخْذَ عزيز مقتدر‪.‬‬ ‫َفأَمّا الِنسَانُ إِذَا مَا اْبتَلهُ َرّبهُ َفأَكْرَ َمهُ َونَعّ َمهُ َفيَقُولُ َربّي أَ ْكرَمَنِ (‪)15‬‬ ‫‪2029‬‬

‫فأما النسان إذا ما اختبه ربه بالنعمة‪ ,‬وبسط له رزقه‪ ,‬وجعله ف أطيب‬ ‫عيش‪ ,‬فيظن أن ذلك لكرامته عند ربه‪ ,‬فيقول‪ :‬رب أكرمن‪.‬‬ ‫وَأَمّا إِذَا مَا اْبتَلهُ فَ َق َدرَ عََلْيهِ ِرزَْقهُ َفيَقُولُ َربّي أَهَانَنِ (‪)16‬‬ ‫وأما إذا ما اختبه‪ ,‬فضيّق عليه رزقه‪ ,‬فيظن أن ذلك لوانه على ال‪,‬‬ ‫فيقول‪ :‬رب أهانن‪.‬‬ ‫ل بَل ل تُكْرِمُو نَ اْلَيتِي مَ (‪ )17‬وَل َتحَاضّو نَ عَلَى طَعَا مِ الْمِ سْكِيِ (‬ ‫كَ ّ‬

‫حبّو نَ الْمَالَ ُحبّا جَمّا (‬ ‫ل لَمّا ( ‪َ )19‬وُت ِ‬ ‫‪َ )18‬وتَأْكُلُو نَ التّرَا ثَ أَكْ ً‬ ‫‪)20‬‬

‫ليس المر كما يظن هذا النسان‪ ,‬بل الكرام بطاعة ال‪ ,‬والهانة‬ ‫بعصيته‪ ,‬وأنتم ل تكرمون اليتيم‪ ,‬ول تسنون معاملته‪ ,‬ول َيحُثّ‬ ‫بعضكم بعضًا على إطعام السكي‪ ,‬وتأكلون حقوق الخرين ف الياث‬ ‫أكل شديدًا‪ ,‬وتبون الال حبًا مفرطًا‪.‬‬ ‫ك وَالْمََلكُ صَفّا صَفّا‬ ‫كَلّ ِإذَا دُكّتْ ا َلرْضُ دَكّا دَكّا (‪ )21‬وَجَاءَ َربّ َ‬ ‫‪2030‬‬

‫(‪َ )22‬وجِيءَ َيوْ َمئِ ٍذ ِبجَ َهنّ مَ َيوْ َمئِ ٍذ َيتَذَكّ ُر ا ِلنْ سَانُ وََأنّى لَ هُ الذّكْرَى (‬ ‫‪)23‬‬ ‫ما هكذا ينبغي أن يكون حالكم‪ .‬فإذا زلزلت الرض وكَسّر بعضُها‬ ‫بعضًا‪ ,‬وجاء ربّك لفصل القضاء بي خلقه‪ ,‬واللئكة صفوفًا صفوفًا‪,‬‬ ‫وجيء ف ذلك اليوم العظيم بهنم‪ ,‬يومئذ يتعظ الكافر ويتوب‪ ,‬وكيف‬ ‫ينفعه التعاظ والتوبة‪ ,‬وقد فرّط فيهما ف الدنيا‪ ,‬وفات أوانما؟‬ ‫حيَاتِي (‪)24‬‬ ‫ت ِل َ‬ ‫يَقُولُ يَا َلْيَتنِي قَدّمْ ُ‬ ‫ت ف الدنيا من العمال ما ينفعن ليات ف الخرة‪.‬‬ ‫يقول‪ :‬يا ليتن قدّم ُ‬ ‫ب عَذَاَبهُ َأحَ ٌد (‪ )25‬وَل يُوثِقُ َوثَاَقهُ أَ َحدٌ (‪)26‬‬ ‫َفَيوْ َمئِ ٍذ ل يُ َعذّ ُ‬ ‫ّبم مثمل‬ ‫ففمي ذلك اليوم العصميب ل يسمتطيع أح ٌد ول يقدر أن يُعذ َ‬ ‫تعذيب ال من عصاه‪ ,‬ول يستطيع أحد أن يوثِقَ مثل وثاق ال‪ ,‬ول يبلغ‬ ‫أحدٌ مبلغه ف ذلك‪.‬‬ ‫ضّيةً (‬ ‫ضَيةً مَ ْر ِ‬ ‫يَا َأّيتُهَا النّفْ سُ الْمُطْ َمِئّنةُ (‪ )27‬ارْجِعِي ِإلَى َربّ كِ رَا ِ‬ ‫‪2031‬‬

‫‪ )28‬فَا ْدخُلِي فِي ِعبَادِي (‪ )29‬وَادْخُلِي َجّنتِي (‪)30‬‬ ‫يا أيت ها الن فس الطمئ نة إل ذِ كر ال واليان به‪ ,‬وب ا أعدّه من النع يم‬ ‫للمؤمنيم‪ ,‬ارجعمي إل ربمك راضيمة بإكرام ال لك‪ ,‬وال سمبحانه قمد‬ ‫رضي عنك‪ ,‬فادخلي ف عداد عباد ال الصالي‪ ,‬وادخلي معهم جنت‪.‬‬

‫‪ -90‬سورة البلد‬ ‫ل ُأقْسِ ُم ِبهَذَا اْلبَلَدِ (‪َ )1‬وَأنْتَ حِ ّل ِبهَذَا اْلبَلَدِ ( ‪َ )2‬ووَالِدٍ وَمَا وَلَ َد ( ‪)3‬‬

‫لَقَدْ خَلَ ْقنَا الِنسَانَ فِي َكبَ ٍد ( ‪)4‬‬

‫أقسم ال بذا البلد الرام‪ ,‬وهو "مكة"‪ ,‬وأنت ‪-‬أيها النب‪ -‬مقيم ف هذا‬ ‫"البلد الرام"‪ ,‬وأقسم بوالد البشرية‪ -‬وهو آدم عليه السلم‪ -‬وما تناسل‬ ‫منه من ولد‪ ,‬لقد خلقنا النسان ف شدة وعناء من مكابدة الدنيا‪.‬‬ ‫َأَيحْسَبُ َأنْ لَنْ يَقْ ِدرَ َعَلْيهِ َأحَدٌ (‪)5‬‬ ‫أيظنّ با جعه من مال أن ال لن يقدر عليه؟‬ ‫‪2032‬‬

‫حسَبُ َأنْ لَمْ يَرَهُ َأحَ ٌد (‪)7‬‬ ‫ت مَالً ُلبَدا (‪َ )6‬أَي ْ‬ ‫يَقُولُ أَهْلَكْ ُ‬ ‫يقول متباهيًا‪ :‬أنف قت مال كثيًا‪ .‬أيظنّ ف فعله هذا أن ال عز و جل ل‬ ‫يراه‪ ,‬ول ياسبه على الصغي والكبي؟‬ ‫َألَ مْ َنجْعَلْ لَ هُ َعْيَنيْ نِ (‪َ )8‬ولِ سَانا وَشَ َفَتيْ نِ ( ‪ )9‬وَ َه َدْينَا هُ النّجْ َديْ نِ (‬ ‫‪)10‬‬ ‫أل نعل له عيني يبصر بما‪ ,‬ولسانًا وشفتي ينطق با‪ ,‬وبينّا له سبيلَي‬ ‫الي والشر؟‬ ‫فَل ا ْقَتحَ َم الْعَ َقَبةَ (‪)11‬‬ ‫فهل تاوز مشقة الخرة بإنفاق ماله‪ ,‬فيأمن‪.‬‬ ‫وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا الْعَ َقَبةُ (‪)12‬‬ ‫وأيّ شيء أعلمك‪ :‬ما مشقة الخرة‪ ,‬وما يعي على تاوزها؟‬ ‫‪2033‬‬

‫َفكّ رََقَبةٍ (‪)13‬‬ ‫إنه عتق رقبة مؤمنة من أسر الرّق‪.‬‬ ‫َأوْ ِإطْعَامٌ فِي َيوْمٍ ذِي مَسْ َغَبةٍ (‪َ )14‬يتِيما ذَا مَقْ َرَبةٍ ( ‪َ )15‬أوْ مِسْكِينا‬ ‫ذَا َمْت َرَبةٍ (‪)16‬‬ ‫أو إطعام ف يوم ذي ما عة شديدة‪ ,‬يتيمًا من ذوي القرا بة يت مع ف يه‬ ‫فضل الصدقة وصلة الرحم‪ ,‬أو فقيًا معدمًا ل شيء عنده‪.‬‬ ‫صبْرِ َوَتوَاصَوْا بِالْمَ ْرحَ َمةِ (‪)17‬‬ ‫ثُ ّم كَانَ مِنْ الّذِينَ آ َمنُوا َوَتوَاصَوْا بِال ّ‬ ‫ث كان مع فِعْل ما ذُكر من أعمال الي من الذين أخلصوا اليان ل‪,‬‬ ‫وأو صى بعض هم بعضًا بال صب على طا عة ال و عن معا صيه‪ ,‬وتوا صوا‬ ‫بالرحة باللق‪.‬‬ ‫صحَابُ الْ َميْ َمَنةِ (‪)18‬‬ ‫ُأوَْلئِكَ َأ ْ‬ ‫الذ ين فعلوا هذه الفعال‪ ,‬هم أ صحاب اليم ي‪ ,‬الذ ين يؤ خذ ب م يوم‬ ‫‪2034‬‬

‫القيامة ذات اليمي إل النة‪.‬‬ ‫صحَابُ الْ َمشْأَ َمةِ (‪)19‬‬ ‫وَالّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاِتنَا هُمْ َأ ْ‬ ‫والذين كفروا بالقرآن هم الذين يؤخذ بم يوم القيامة ذات الشمال إل‬ ‫النار‪.‬‬ ‫عََلْيهِ ْم نَارٌ ُم ْؤصَدَةٌ (‪)20‬‬ ‫جزاؤهم جهنم مطبَقةٌ مغلقة عليهم‪.‬‬

‫‪ -91‬سورة الشمس‬ ‫ضحَاهَا (‪ )1‬وَالْقَمَرِ إِذَا تَلهَا ( ‪ )2‬وَالّنهَارِ إِذَا جَلّهَا ( ‪)3‬‬ ‫وَالشّمْ سِ َو ُ‬ ‫وَالّليْلِ إِذَا يَ ْغشَاهَا (‪ )4‬وَال سّمَاءِ وَمَا َبنَاهَا ( ‪ )5‬وَا َلرْ ضِ وَمَا طَحَاهَا (‬ ‫‪َ )6‬ونَفْسٍ وَمَا َسوّاهَا (‪ )7‬فََأْلهَ َمهَا ُفجُورَهَا َوتَ ْقوَاهَا ( ‪َ )8‬قدْ َأفْلَ َح مَنْ‬

‫زَكّاهَا (‪ )9‬وََقدْ خَابَ مَنْ َدسّاهَا (‪)10‬‬ ‫‪2035‬‬

‫أقسمم ال بالشممس ونارهما وإشراقهما ضحمى‪ ,‬وبالقممر إذا تبعهما فم‬ ‫الطلوع والفول‪ ,‬وبالنهار إذا جلّى الظلممة وكشفهما‪ ,‬وبالليمل عندمما‬ ‫يغطمي الرض فيكون مما عليهما مظلمًا‪ ,‬وبالسمماء وبنائهما الحكمم‪,‬‬ ‫وبالرض وبَ سْطها‪ ,‬وبكل نفس وإكمال ال خلقها لداء مهمتها‪ ,‬فبيّن‬ ‫لا طريق الشر وطريق الي‪ ,‬قد فاز مَن طهّرها ونّاها بالي‪ ,‬وقد خسر‬ ‫مَن أخفى نفسه ف العاصي‪.‬‬ ‫كَ ّذَب تْ َثمُودُ بِطَ ْغوَاهَا (‪ِ )11‬إذْ اْنبَعَ ثَ أَ ْشقَاهَا ( ‪ )12‬فَقَالَ َلهُ مْ‬

‫رَ سُولُ اللّ هِ نَاَقةَ اللّ هِ وَ سُ ْقيَاهَا (‪ )13‬فَ َك ّذبُو هُ فَعَقَرُوهَا فَدَ ْمدَ َم عََلْيهِ مْ‬ ‫سوّاهَا (‪ )14‬وَل َيخَافُ عُ ْقبَاهَا (‪)15‬‬ ‫َرّبهُمْ بِ َذْنِبهِ ْم َف َ‬ ‫كذّبت ثود نبيها ببلوغها الغاية ف العصيان‪ ,‬إذ نض أكثر القبيلة شقاوة‬ ‫لع قر النا قة‪ ,‬فقال ل م ر سول ال صال عل يه ال سلم‪ :‬احذروا أن ت سوا‬ ‫الناقمة بسموء؛ فإنام آيمة أرسملها ال إليكمم‪ ,‬تدل على صمدق نمبيكم‪،‬‬ ‫واحذروا أن تعتدوا على سمقيها‪ ,‬فإن لام شِرْب يوم ولكمم شِرْب يوم‬ ‫معلوم‪ .‬ف شق علي هم ذلك‪ ,‬فكذبوه في ما توعّد هم به فنحرو ها‪ ,‬فأط بق‬ ‫عليهم ربم العقوبة برمهم‪ ,‬فجعلها عليهم على السواء فلم يُ ْفلِت منهم‬ ‫أحد‪ .‬ول ياف‪ -‬جلت قدرته‪ -‬تبعة ما أنزله بم من شديد العقاب‪.‬‬ ‫‪2036‬‬

‫‪ -92‬سورة الليل‬ ‫وَالّليْلِ إِذَا يَ ْغشَى (‪ )1‬وَالّنهَارِ ِإذَا َتجَلّى ( ‪ )2‬وَمَا خَلَقَ الذّكَرَ وَا ُلْنثَى (‬ ‫شتّى (‪)4‬‬ ‫‪ِ )3‬إنّ سَ ْعيَ ُكمْ َل َ‬ ‫أقسم ال سبحانه بالليل عندما يغطي بظلمه الرض وما عليها‪ ,‬وبالنهار‬ ‫إذا انكشف عن ظلم الليل بضيائه‪ ,‬وبلق الزوجي‪ :‬الذكر والنثى‪ .‬إن‬ ‫عملكم لختلف بي عامل للدنيا وعامل للخرة‪.‬‬ ‫سُنيَسّرُ ُه لِ ْليُسْرَى (‬ ‫سنَى ( ‪ )6‬فَ َ‬ ‫ق بِاْلحُ ْ‬ ‫َفأَمّا مَنْ أَعْطَى وَاتّقَى (‪ )5‬وَصَدّ َ‬ ‫‪)7‬‬ ‫فأمّا من بذل من ماله واتقى ال ف ذلك‪ ,‬وصدّق بم"ل إله إل ال" وما‬ ‫دلت عل يه‪ ،‬و ما تر تب علي ها من الزاء‪ ,‬ف سنرشده ونوف قه إل أ سباب‬ ‫الي والصلح ونيسّر له أموره‪.‬‬

‫‪2037‬‬

‫سُنيَسّرُ ُه لِلْعُ سْرَى‬ ‫سنَى ( ‪ )9‬فَ َ‬ ‫ب بِالْحُ ْ‬ ‫وَأَمّا مَ نْ َبخِلَ وَا ْستَ ْغنَى (‪ )8‬وَكَذّ َ‬ ‫(‪ )10‬وَمَا يُ ْغنِي َعْنهُ مَاُلهُ إِذَا تَرَدّى (‪)11‬‬ ‫وأما مَن بل باله واستغن عن جزاء ربه‪ ,‬وكذّب بم"ل إله إل ال" وما‬ ‫دلت عليه‪ ،‬وما ترتب عليها من الزاء‪ ,‬فسُنَيسّر له أسباب الشقاء‪ ,‬ول‬ ‫ينفعه ماله الذي بل به إذا وقع ف النار‪.‬‬ ‫ِإنّ عََلْينَا لَ ْلهُدَى (‪َ )12‬وِإنّ َلنَا لَل ِخرَةَ وَالُولَى (‪)13‬‬ ‫إن علينا بفضلنا وحكمتنا أن نبيّن طريق الدى الوصل إل ال وجنته من‬ ‫طريق الضلل‪ ,‬وإن لنا ملك الياة الخرة والياة الدنيا‪.‬‬ ‫َفَأنْ َذ ْرتُكُمْ نَارا تَلَظّى (‪)14‬‬ ‫فحذّرتكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬وخوّفتكم نارًا تتوهج‪ ,‬وهي نار جهنم‪.‬‬ ‫ل يَصْلهَا إِ ّل الَشْقَى (‪ )15‬الّذِي كَذّبَ َوَت َولّى (‪)16‬‬ ‫ل يدخل ها إل مَن كان شد يد الشقاء‪ ,‬الذي كذّب نب ال ممدًا صلى‬ ‫ال عليه وسلم‪ ،‬وأعرض عن اليان بال ورسوله‪ ,‬وطاعتهما‪.‬‬ ‫‪2038‬‬

‫جّنُبهَا ا َلتْقَى (‪ )17‬الّذِي ُيؤْتِي مَالَ هُ َيتَزَكّ ى ( ‪ )18‬وَمَا َلحَدٍ‬ ‫وَ َسُي َ‬ ‫ّهم الَعْلَى (‬ ‫ْهم َرب ِ‬ ‫ِنم نِعْ َمةٍ ُتجْزَى (‪ )19‬إِ ّل اْبتِغَاءَ َوج ِ‬ ‫َهم م ْ‬ ‫ِعنْد ُ‬

‫‪)20‬‬

‫سوْفَ يَ ْرضَى (‪)21‬‬ ‫َولَ َ‬ ‫و سيُزحزَح عن ها شد يد التقوى‪ ,‬الذي يبذل ماله ابتغاء الز يد من ال ي‪.‬‬ ‫وليس إنفاقه ذاك مكافأة لن أسدى إليه معروفا‪ ,‬لكنه يبتغي بذلك وجه‬ ‫ربه العلى ورضاه‪ ,‬ولسوف يعطيه ال ف النة ما يرضى به‪.‬‬

‫‪ -93‬سورة الضحى‬ ‫ك وَمَا قَلَى (‪)3‬‬ ‫ضحَى (‪ )1‬وَالّليْلِ ِإذَا َسجَى (‪ )2‬مَا وَدّ َعكَ َربّ َ‬ ‫وَال ّ‬ ‫أقسم ال بوقت الضحى‪ ،‬والراد به النهار كله‪ ,‬وبالليل إذا سكن باللق‬ ‫واشتد ظلمه‪ .‬ويقسم ال با يشاء من ملوقاته‪ ,‬أما الخلوق فل يوز له‬ ‫أن يقسم بغي خالقه‪ ،‬فإن القسم بغي ال شرك‪ .‬ما تركك ‪-‬أيها النب‪-‬‬ ‫ربك‪ ,‬وما أبغضك بإبطاء الوحي عنك‪.‬‬ ‫‪2039‬‬

‫ك َربّكَ َفَت ْرضَى (‪)5‬‬ ‫سوْفَ يُعْطِي َ‬ ‫ك مِنْ الُولَى (‪َ )4‬وَل َ‬ ‫َولَلخِرَةُ َخْيرٌ لَ َ‬ ‫ولَلدّار الخرة خ ي لك من دار الدن يا‪ ,‬ول سوف يعط يك ر بك ‪-‬أي ها‬ ‫النب‪ -‬مِن أنواع النعام ف الخرة‪ ,‬فترضى بذلك‪.‬‬ ‫َألَ مْ َيجِدْ كَ َيتِيما فَآوَى (‪َ )6‬ووَ َجدَ َك ضَالّ َفهَدَى ( ‪َ )7‬ووَجَدَ كَ عَائِلً‬ ‫فَأَ ْغنَى (‪)8‬‬ ‫أل َيجِدْك ممن قبلُ يتيمًا‪ ,‬فآواك ورعاك؟ ووجدك ل تدري مما الكتاب‬ ‫ول اليان‪ ,‬فعلّمك ما ل تكن تعلم‪ ,‬ووفقك لحسن العمال؟ ووجدك‬ ‫فقيًا‪ ,‬فساق لك رزقك‪ ,‬وأغن نفسك بالقناعة والصب؟‬ ‫َفأَمّا اْلَيتِي َم فَل تَ ْقهَرْ (‪َ )9‬وأَمّا السّائِلَ فَل َتْنهَرْ ( ‪َ )10‬وأَمّا ِبنِ ْع َمةِ َربّكَ‬ ‫ث (‪)11‬‬ ‫َفحَدّ ْ‬ ‫فأما اليتيم فل تُ سِئْ معاملته‪ ,‬وأما السائل فل تزجره‪ ,‬بل أطعمه‪ ,‬واقض‬ ‫حاجته‪ ,‬وأما بنعمة ربك الت أسبغها عليك فتحدث با‪.‬‬

‫‪2040‬‬

‫‪ -94‬سورة الشرح‬ ‫َألَ مْ َنشْرَ حْ لَ كَ صَ ْدرَ َك ( ‪َ )1‬و َوضَعْنَا عَن كَ ِو ْزرَ َك ( ‪ )2‬الّذِي أَنقَ ضَ‬ ‫َظهْرَكَ (‪َ )3‬ورَفَ ْعنَا لَكَ ذِكْ َركَ (‪)4‬‬ ‫أل نوسمع ‪-‬أيهما النمب‪ -‬لك صمدرك لشرائع الديمن‪ ،‬والدعوة إل ال‪،‬‬ ‫والتصماف بكارم الخلق‪ ،‬وحططنما عنمك بذلك حِمْلك الذي أثقمل‬ ‫ظهرك‪ ,‬وجعلناك ‪-‬با أنعمنا عليك من الكارم‪ -‬ف منلة رفيعة عالية؟‬ ‫َفِإنّ َمعَ الْ ُعسْرِ ُيسْرا (‪ِ )5‬إنّ َمعَ الْ ُعسْرِ ُيسْرا (‪)6‬‬ ‫فل يث نك أذى أعدائك عن ن شر الر سالة؛ فإن مع الض يق فرجًا‪ ,‬إن مع‬ ‫الضيق فرجًا‪.‬‬ ‫ب (‪)8‬‬ ‫ب (‪َ )7‬وِإلَى َربّكَ فَارْغَ ْ‬ ‫َفإِذَا فَرَ ْغتَ فَانصَ ْ‬ ‫فإذا فر غت من أمور الدن يا وأشغال ا َفجِدّ ف العبادة‪ ,‬وإل ر بك وحده‬ ‫فارغب فيما عنده‪.‬‬ ‫‪2041‬‬

‫‪ -95‬سورة التي‬ ‫وَالتّيِ وَال ّزْيتُو نِ (‪َ )1‬وطُورِ سِيِنيَ ( ‪ )2‬وَهَذَا اْلبَلَ ِد الَمِيِ ( ‪ )3‬لَقَدْ‬ ‫خَلَ ْقنَا الِن سَانَ فِي َأحْ سَنِ تَ ْق ِويٍ (‪ )4‬ثُمّ رَ َد ْدنَا هُ َأ سْفَ َل سَافِِليَ ( ‪ )5‬إِلّ‬

‫ت فََلهُمْ َأجْرٌ َغْيرُ َم ْمنُونٍ (‪)6‬‬ ‫الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَا ِ‬

‫أَقْسم ال بالتي والزيتون‪ ,‬وها من الثمار الشهورة‪ ,‬وأقسم ببل "طور‬ ‫سيناء" الذي كلّم ال عل يه مو سى تكليمًا‪ ,‬وأق سم بذا البلد الم ي من‬ ‫كل خوف وهو "م كة" مهبط السلم‪ .‬ل قد خلقنا النسان ف أحسن‬ ‫صورة‪ ,‬ث رددناه إل النار إن ل يطع ال‪ ,‬ويتبع الرسل‪ ,‬لكن الذين آمنوا‬ ‫وعملوا العمال الصالة لم أجر عظيم غي مقطوع ول منقوص‪.‬‬ ‫َفمَا يُكَ ّذُبكَ بَ ْعدُ بِالدّينِ (‪)7‬‬ ‫أيّ ش يء يملك ‪-‬أي ها الن سان‪ -‬على أن تكذّب بالب عث والزاء مع‬ ‫وضوح الدلة على قدرة ال تعال على ذلك؟‬ ‫‪2042‬‬

‫َأَليْسَ الّلهُ بَِأحْكَ ِم اْلحَاكِ ِميَ (‪)8‬‬ ‫أل يس ال الذي ج عل هذا اليوم للف صل ب ي الناس بأح كم الاكم ي ف‬ ‫كمل مما خلق؟ بلى‪ .‬فهمل يُترك اللق سمدى ل يؤمرون ول يُنهون‪ ,‬ول‬ ‫يثابون ول يعاقبون؟ ل يصحّ ذلك ول يكون‪.‬‬

‫‪ -96‬سورة العلق‬ ‫اقْرَْأ بِا ْسمِ َربّكَ الّذِي خَلَقَ (‪ )1‬خَلَقَ الِنسَانَ مِنْ َعلَقٍ (‪ )2‬ا ْقرَْأ َورَبّكَ‬ ‫الَكْرَمُ (‪ )3‬الّذِي عَلّ َم بِالْقَلَمِ (‪َ )4‬علّمَ الِنسَانَ مَا لَمْ يَعَْلمْ (‪)5‬‬ ‫اقرأ ‪-‬أي ها ال نب‪ -‬ما أُنزل إل يك من القرآن مُ ْفَتتِحًا با سم ر بك التفرد‬ ‫باللق‪ ،‬الذي خلق كمل إنسمان ممن قطعمة دم غليمظ أحرم‪ .‬اقرأ ‪-‬أيهما‬ ‫النب‪ -‬ما أُنزل إليك‪ ,‬وإن ربك لكثي الحسان واسع الود‪ ،‬الذي علّم‬ ‫خلقمه الكتابمة بالقلم‪ ،‬علّم النسمان مما ل يكمن يعلم‪ ,‬ونقله ممن ظلممة‬ ‫الهل إل نور العلم‪.‬‬ ‫‪2043‬‬

‫كَلّ ِإنّ الِنسَانَ َليَطْغَى (‪ )6‬أَنْ رَآ ُه ا ْستَ ْغنَى (‪ِ )7‬إنّ ِإلَى َربّكَ الرّجْعَى‬ ‫(‪)8‬‬ ‫حقًا إن الن سان ليتجاوز حدود ال إذا أبطره الغ ن‪ ,‬فليعلم كل طاغ ية‬ ‫أن الصي إل ال‪ ،‬فيجازي كلّ إنسان بعمله‪.‬‬ ‫ت الّذِي َينْهَى (‪َ )9‬عبْدا إِذَا صَلّى ( ‪َ )10‬أرََأيْ تَ إِ نْ كَا نَ عَلَى‬ ‫َأرََأيْ َ‬ ‫ب َوَتوَلّى ( ‪)13‬‬ ‫الْهُدَى (‪َ )11‬أوْ أَمَ َر بِالتّ ْقوَى ( ‪َ )12‬أرََأْي تَ إِ ْن كَذّ َ‬

‫صيَةِ ( ‪)15‬‬ ‫َألَ مْ يَ ْعلَ مْ بَِأنّ اللّ هَ َيرَى ( ‪َ )14‬كلّ َلئِ نْ لَ مْ َيْنتَ هِ َلنَ سْفَ َع بِالنّا ِ‬ ‫ع نَا ِديَه ( ‪َ )17‬سنَدْعُ ال ّزبَاِنيَةَ ( ‪)18‬‬ ‫صَيةٍ كَا ِذَبةٍ خَا ِطَئةٍ (‪ )16‬فَ ْلَيدْ ُ‬ ‫نَا ِ‬ ‫كَلّ ل تُطِ ْعهُ وَا ْسجُدْ وَا ْقتَ ِربْ (‪)19‬‬

‫أرأيت أعجب مِن طغيان هذا الرجل (وهو أبو جهل) الذي ينهى عبدًا‬ ‫ل نا إذا صلّى لر به (و هو م مد صلى ال عل يه و سلم)؟ أرأ يت إن كان‬ ‫النهمي عمن الصملة على الدى فكيمف ينهاه؟ أو إن كان آمرًا غيه‬ ‫بالتقوى أينهاه عن ذلك؟ أرأ يت إن كذّب هذا النا هي ب ا يُد عى إل يه‪,‬‬ ‫وأعرض عنه‪ ,‬أل يعلم بأن ال يرى كل ما يفعل؟ ليس المر كما يزعم‬ ‫أبو جهل‪ ،‬لئن ل يرجع هذا عن شقاقه وأذاه لنأخذنّ بقدّم رأسه أخذًا‬ ‫‪2044‬‬

‫عنيفًا‪ ,‬ويُطرح ف النار‪ ,‬ناصيته ناصية كاذبة ف مقالا‪ ,‬خاطئة ف أفعالا‪.‬‬ ‫فلُيحْضِر هذا الطاغ ية أ هل ناد يه الذ ين ي ستنصر ب م‪ ,‬سندعو ملئ كة‬ ‫العذاب‪ .‬ليمس الممر على مما يظمن أبمو جهمل‪ ,‬إنمه لن ينالك ‪-‬أيهما‬ ‫الر سول‪ -‬ب سوء‪ ،‬فل تط عه في ما دعاك إل يه مِن تَرْك ال صلة‪ ,‬وا سجد‬ ‫لربك واقترب منه بالتحبب إليه بطاعته‪.‬‬

‫‪ -97‬سورة القدر‬ ‫ِإنّا أَن َزْلنَاهُ فِي َليَْلةِ الْقَ ْدرِ ( ‪)1‬‬ ‫إنما أنزلنما القرآن فم ليلة الشرف والفضمل‪ ,‬وهمي إحدى ليال شهمر‬ ‫رمضان‪.‬‬ ‫وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا َليَْلةُ الْقَ ْدرِ (‪)2‬‬ ‫وما أدراك ‪-‬أيها النب‪ -‬ما ليلة القدر والشرف؟‬

‫‪2045‬‬

‫َليَْلةُ الْقَ ْدرِ َخْيرٌ مِنْ َألْفِ َشهْرٍ (‪)3‬‬ ‫ليلة القدر ليلة مبار كة‪ ,‬فَضْلُ ها خ ي من ف ضل ألف ش هر ل يس في ها ليلة‬ ‫قدر‪.‬‬ ‫َتنَزّ ُل الْمَلئِ َكةُ وَالرّوحُ فِيهَا ِبإِ ْذنِ َرّبهِمْ مِنْ كُلّ َأمْرٍ (‪)4‬‬ ‫يك ثر نزول اللئ كة وجبيل عليه ال سلم في ها‪ ,‬بإذن رب م من كل أ مر‬ ‫قضاه ف تلك السنة‪.‬‬ ‫سَل ٌم هِيَ َحتّى مَطَْلعِ الْ َفجْرِ (‪)5‬‬ ‫هي أمن كلها‪ ,‬ل ش ّر فيها إل مطلع الفجر‪.‬‬

‫‪ -98‬سورة البينة‬ ‫ب وَالْ ُمشْرِ ِكيَ مُن َف ّكيَ َحتّى تَ ْأِتَيهُ مْ‬ ‫لَ مْ يَكُ ْن الّذِي نَ كَ َفرُوا مِ نْ أَهْلِ الْ ِكتَا ِ‬ ‫‪2046‬‬

‫الَْبّيَنةُ (‪)1‬‬ ‫ل ي كن الذ ين كفروا من اليهود والن صارى والشرك ي تارك ي كفر هم‬ ‫حت تأتيهم العلمة الت وُعِدوا با ف الكتب السابقة‪.‬‬ ‫صحُفا مُ َطهّرَةً (‪)2‬‬ ‫رَسُولٌ مِ ْن الّلهِ َيتْلُوا ُ‬ ‫وهمي رسمول ال مممد صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬يتلو قرآنًا فم صمحف‬ ‫مطهرة‪.‬‬ ‫فِيهَا ُكُتبٌ َقيّ َمةٌ (‪)3‬‬ ‫ف تلك الصحف أخبار صادقة وأوامر عادلة‪ ،‬تدي إل الق وإل صراط‬ ‫مستقيم‪.‬‬ ‫وَمَا تَ َفرّقَ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ إِلّ مِنْ بَ ْعدِ مَا جَا َءْتهُمْ اْلَبّينَةُ (‪)4‬‬ ‫و ما اختلف الذ ين أوتوا الكتاب من اليهود والن صارى ف كون م مد‬ ‫صلى ال عليه وسلم رسول حقًا؛ لا يدونه من نعته ف كتابم‪ ,‬إل مِن‬ ‫بعد ما تبينوا أنه النب الذي وُعِدوا به ف التوراة والنيل‪ ,‬فكانوا متمعي‬ ‫‪2047‬‬

‫على صحة نبوته‪ ,‬فلما بُعِث جحدوها وتفرّقوا‪.‬‬ ‫ّينم ُحنَفَاءَ َويُقِيمُوا الصمّلةَ‬ ‫َهم الد َ‬ ‫ِصميَ ل ُ‬ ‫ّهم ُمخْل ِ‬ ‫وَمَا أُمِرُوا إِلّ ِليَ ْعبُدُوا الل َ‬ ‫َوُي ْؤتُوا الزّكَاةَ وَ َذلِكَ دِينُ الْ َقيّ َمةِ (‪)5‬‬ ‫ومما أمروا فم سمائر الشرائع إل ليعبدوا ال وحده قاصمدين بعبادتمم‬ ‫وج هه‪ ,‬مائل ي عن الشرك إل اليان‪ ,‬ويقيموا ال صلة‪ ،‬وُيؤَدّوا الزكاة‪,‬‬ ‫وذلك هو دين الستقامة‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬ ‫إِنّ الّذِي َن كَفَرُوا مِ نْ أَهْلِ الْ ِكتَا بِ وَالْ ُمشْرِكِيَ فِي نَارِ َج َهنّ مَ خَالِدِي نَ‬ ‫فِيهَا ُأ ْوَلئِكَ ُهمْ شَرّ اْلبَ ِرّيةِ (‪)6‬‬ ‫إن الذيمن كفروا ممن اليهود والنصمارى والشركيم عقابمم نار جهنمم‬ ‫خالدين فيها‪ ,‬أولئك هم أشد الليقة شرا‪.‬‬ ‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصّاِلحَاتِ ُأ ْوَلئِكَ ُهمْ َخيْرُ اْلبَ ِرّيةِ (‪)7‬‬ ‫إن الذ ين صَدّقوا ال واتبعوا ر سوله وعملوا ال صالات‪ ,‬أولئك هم خ ي‬ ‫اللق‪.‬‬ ‫‪2048‬‬

‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا‬ ‫جَزَاؤُهُ مْ ِعْندَ َرّبهِ مْ َجنّا تُ َعدْ نٍ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬

‫ك لِمَنْ َخشِيَ َرّبهُ ( ‪)8‬‬ ‫َأبَدا َرضِيَ الّلهُ َعْنهُمْ َو َرضُوا َعْنهُ َذلِ َ‬

‫جزاؤهم عند ربم يوم القيامة جنات إقامة واستقرار ف منتهى السن‪,‬‬ ‫تري من تت قصورها النار‪ ,‬خالدين فيها أبدًا‪ ,‬رضي ال عنهم فقبل‬ ‫أعمالمم الصمالة‪ ,‬ورضوا عنمه بام أعدّ لمم ممن أنواع الكرامات‪ ,‬ذلك‬ ‫الزاء السن لن خاف ال واجتنب معاصيه‪.‬‬

‫‪ -99‬سورة الزلزلة‬ ‫ت ا َلرْ ضُ َأثْقَالَهَا ( ‪ )2‬وَقَالَ‬ ‫إِذَا زُلْ ِزلَ تْ ا َلرْ ضُ زِلْزَالَهَا ( ‪ )1‬وََأخْرَ َج ْ‬ ‫الِنسَانُ مَا َلهَا (‪)3‬‬ ‫إذا رُجّت الرض رجّا شديدًا‪ ,‬وأخرجت ما ف بطنها من موتى وكنوز‪,‬‬ ‫وتساءل النسان فزعًا‪ :‬ما الذي حدث لا؟‬

‫‪2049‬‬

‫َيوْ َمئِ ٍذ ُتحَدّثُ أَ ْخبَارَهَا (‪ )4‬بَِأنّ َربّكَ َأوْحَى َلهَا (‪)5‬‬ ‫يوم القيامة تب الرض با عُمل عليها من خي أو شر‪ ,‬وبأن ال سبحانه‬ ‫وتعال أمرها بأن تب با عُمل عليها‪.‬‬ ‫َيوْ َمئِ ٍذ يَصْ ُدرُ النّاسُ أَ ْشتَاتا ِليُ َروْا أَ ْعمَالَهُ ْم (‪)6‬‬ ‫يومئذ ير جع الناس عن مو قف ال ساب أ صنافًا متفرق ي؛ ليي هم ال ما‬ ‫عملوا من السيئات والسنات‪ ,‬ويازيهم عليها‪.‬‬ ‫َفمَ ْن يَعْمَلْ ِمثْقَالَ َذرّةٍ َخيْرا َيرَه (‪ )7‬وَمَ نْ يَعْمَ ْل ِمثْقَالَ َذرّةٍ شَرّا يَرَه (‬ ‫‪)8‬‬ ‫فمن يعمل وزن نلة صغية خيًا‪ ،‬ير ثوابه ف الخرة‪ ,‬ومن يعمل وزن‬ ‫نلة صغية شرًا‪ ,‬ير عقابه ف الخرة‪.‬‬

‫‪2050‬‬

‫‪ -100‬سورة العاديات‬ ‫ضبْحا (‪)1‬‬ ‫وَالْعَا ِديَاتِ َ‬ ‫أقسم ال تعال باليل الاريات ف سبيله نو العدوّ‪ ,‬حي يظهر صوتا‬ ‫من سرعة عَ ْدوِها‪ .‬ول يوز للمخلوق أن يقسم إل بال‪ ,‬فإن القسم بغي‬ ‫ال شرك‪.‬‬ ‫فَالْمُو ِريَاتِ َقدْحا (‪)2‬‬ ‫فاليل اللت تنقدح النار من صلبة حوافرها؛ من شدّة َعدْوها‪.‬‬ ‫صبْحا (‪)3‬‬ ‫ت ُ‬ ‫فَالْمُغِيَا ِ‬ ‫فالغيات على العداء عند الصبح‪.‬‬ ‫َفَأثَ ْرنَ ِبهِ نَقْعا (‪)4‬‬ ‫فهّيجْنَ بذا العَدْو غبارًا‪.‬‬ ‫‪2051‬‬

‫َف َوسَطْنَ ِبهِ َجمْعا (‪)5‬‬ ‫فتوسّطن بركبانن جوع العداء‪.‬‬ ‫شهِيدٌ ( ‪ )7‬وَِإنّ هُ لِحُبّ‬ ‫إِنّ الِن سَانَ لِ َربّ هِ لَ َكنُودٌ (‪َ )6‬وِإنّ هُ عَلَى َذلِ كَ َل َ‬ ‫خيْرِ َلشَدِي ٌد (‪)8‬‬ ‫الْ َ‬ ‫إن الن سان لِن عم ر به لَجحود‪ ,‬وإ نه بحوده ذلك ل قر‪ .‬وإ نه ل ب الال‬ ‫لشديد‪.‬‬ ‫أَفَل يَعْلَمُ إِذَا بُ ْعثِرَ مَا فِي الْ ُقبُورِ (‪)9‬‬ ‫أفل يعلم الن سان ما ينتظره إذا أخرج ال الموات من القبور للح ساب‬ ‫والزاء؟‬ ‫وَحُصّ َل مَا فِي الصّدُورِ (‪)10‬‬ ‫واستُخرج ما استتر ف الصدور من خي أو شر‪.‬‬ ‫‪2052‬‬

‫خبِيٌ (‪)11‬‬ ‫ِإنّ َربّهُ ْم ِبهِمْ َيوْ َمئِ ٍذ لَ َ‬ ‫إن ربم بم وبأعمالم يومئذ لبي‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫‪ -101‬سورة القارعة‬ ‫الْقَارِ َعةُ (‪)1‬‬ ‫الساعة الت تقرع قلوب الناس بأهوالا‪.‬‬ ‫مَا الْقَارِ َعةُ (‪)2‬‬ ‫أيّ شيء هذه القارعة؟‬ ‫وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا الْقَارِ َعةُ (‪)3‬‬ ‫وأيّ شيء أعلمك با؟‬ ‫‪2053‬‬

‫َيوْمَ َيكُونُ النّاسُ كَالْفَرَاشِ الْ َمْبثُوثِ (‪)4‬‬ ‫فم ذلك اليوم يكون الناس فم كثرتمم وتفرقهمم وحركتهمم كالفراش‬ ‫النتشر‪ ،‬وهو الذي يتساقط ف النار‪.‬‬ ‫جبَالُ كَالْ ِعهْنِ الْمَنفُوشِ (‪)5‬‬ ‫َوتَكُونُ الْ ِ‬ ‫وتكون البال كال صوف متعدد اللوان الذي ُينْفَش بال يد‪ ,‬في صي هباء‬ ‫ويزول‪.‬‬ ‫ضيَةٍ (‪)7‬‬ ‫شةٍ رَا ِ‬ ‫َفأَمّا مَنْ ثَقَُلتْ َموَازِيُنهُ (‪َ )6‬ف ُهوَ فِي عِي َ‬ ‫فأما من رجحت موازين حسناته‪ ,‬فهو ف حياة مرضية ف النة‪.‬‬ ‫وَأَمّا مَنْ َخفّتْ َموَازِيُنهُ (‪ )8‬فَأُ ّمهُ هَا ِوَيةٌ (‪)9‬‬ ‫وأمما ممن خفمت موازيمن حسمناته‪ ,‬ورجحمت موازيمن سميئاته‪ ,‬فمأواه‬ ‫جهنم‪.‬‬ ‫‪2054‬‬

‫وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا ِهَيهْ (‪)10‬‬ ‫وما أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما هذه الاوية؟‬ ‫نَارٌ حَا ِمَيةٌ (‪)11‬‬ ‫إنا نار قد حَمِيت من الوقود عليها‪.‬‬

‫‪ -102‬سورة التكاثر‬ ‫َأْلهَاكُ ْم التّكَاثُ ُر ( ‪)1‬‬ ‫شغلكم عن طاعة ال التفاخر بكثرة الموال والولد‪.‬‬ ‫َحتّى ُز ْرتُمْ الْمَقَابِ َر (‪)2‬‬ ‫واستمر اشتغالكم بذلك إل أن صرت إل القابر‪ ,‬ودُفنتم فيها‪.‬‬ ‫‪2055‬‬

‫ف تَعْلَمُونَ (‪)3‬‬ ‫كَلّ َسوْ َ‬ ‫ميّنون أن الدار‬ ‫مما هكذا ينبغمي أن يُلْهيكمم التكاثمر بالموال‪ ,‬سموف تت ب‬ ‫الخرة خي لكم‪.‬‬ ‫ف تَعْلَمُونَ (‪)4‬‬ ‫ثُ ّم كَلّ َسوْ َ‬ ‫ث احذروا سوف تعلمون سوء عاقبة انشغالكم عنها‪.‬‬ ‫ل َلوْ تَعْلَمُو نَ عِلْ مَ اْليَ ِقيِ (‪َ )5‬لتَ َروْ نَ اْلجَحِي مَ ( ‪ُ )6‬ثمّ َلتَ َر ْونَهَا َعيْ نَ‬ ‫كَ ّ‬ ‫الْيَ ِقيِ (‪ُ )7‬ثمّ َلُتسَْألُنّ َيوْ َمئِ ٍذ عَنْ النّعِيمِ (‪)8‬‬ ‫مما هكذا ينبغمي أن يلهيكمم التكاثمر بالموال‪ ,‬لو تعلمون حمق العلم‬ ‫لنزجر ت‪ ,‬ولبادر ت إل إنقاذ أنف سكم من اللك‪ .‬لتب ص ُرنّ الح يم‪ ,‬ث‬ ‫لتبص ُرنّها دون ريب‪ ,‬ث لتسألُنّ يوم القيامة عن كل أنواع النعيم‪.‬‬

‫‪2056‬‬

‫‪ -103‬سورة العصر‬ ‫وَالْعَصْ ِر (‪ِ )1‬إنّ الِنسَانَ لَفِي ُخسْ ٍر (‪)2‬‬ ‫أقسم ال بالدهر على أن بن آدم لفي هلكة ونقصان‪ .‬ول يوز للعبد أن‬ ‫يقسم إل بال‪ ,‬فإن القسم بغي ال شرك‪.‬‬ ‫صبْرِ (‬ ‫صوْا بِال ّ‬ ‫إِلّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّاِلحَاتِ َوَتوَا صَوْا بِالْحَقّ َوَتوَا َ‬ ‫‪)3‬‬ ‫إل الذيمن آمنوا بال وعملوا عمل صمالًا‪ ,‬وأوصمى بعضهمم بعضًما‬ ‫بالستمساك بالق‪ ,‬والعمل بطاعة ال‪ ,‬والصب على ذلك‪.‬‬

‫‪ -104‬سورة المزة‬ ‫َويْلٌ لِكُلّ هُمَزَ ٍة لُمَزَ ٍة (‪)1‬‬ ‫‪2057‬‬

‫شر وهلك لكل مغتاب للناس‪ ,‬طعان فيهم‪.‬‬ ‫الّذِي َجمَعَ مَا ًل وَعَدّدَهُ (‪)2‬‬ ‫الذي كان هّه جع الال وتعداده‪.‬‬ ‫حسَبُ َأنّ مَالَهُ أَخَْلدَهُ (‪)3‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ضمِ نَ لنف سه بذا الال الذي ج عه‪ ,‬اللود ف الدن يا والفلت‬ ‫ي ظن أ نه َ‬ ‫من الساب‪.‬‬ ‫ل َلُيْنبَ َذنّ فِي اْلحُطَ َمةِ (‪)4‬‬ ‫كَ ّ‬ ‫ليس المر كما ظن‪ ,‬ليُطرح ّن ف النار الت تشم كل ما يُلْقى فيها‪.‬‬ ‫وَمَا أَ ْدرَاكَ مَا اْلحُطَ َمةُ (‪)5‬‬ ‫وما أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما حقيقة النار؟‬

‫‪2058‬‬

‫نَارُ الّلهِ الْمُوقَدَةُ (‪ )6‬اّلتِي تَطِّلعُ عَلَى الَ ْفئِدَ ِة (‪)7‬‬ ‫إنا نار ال الوقدة الت من شدتا تنفُذ من الجسام إل القلوب‪.‬‬ ‫ِإّنهَا َعَلْيهِمْ مُوصَدٌَة (‪ )8‬فِي عَ َمدٍ مُ َمدّدَ ٍة (‪)9‬‬ ‫إنا عليهم مطبَقة ف سلسل وأغلل مطوّلة؛ لئل يرجوا منها‪.‬‬

‫‪ -105‬سورة الفيل‬ ‫صحَابِ الْفِيلِ ( ‪)1‬‬ ‫َألَمْ َترَى َكيْفَ فَعَ َل َربّكَ بَِأ ْ‬ ‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف فعل ربك بأصحاب الفيل‪ :‬أبرهة البشي‬ ‫وجيشه الذين أرادوا تدمي الكعبة الباركة؟‬ ‫َألَمْ َيجْعَلْ َكيْدَهُ ْم فِي تَضْلِيلٍ (‪)2‬‬ ‫أل يعل ما دبّروه من شر ف إبطال وتضييع؟‬ ‫‪2059‬‬

‫حجَارَةٍ مِنْ ِسجّيلٍ (‪)4‬‬ ‫وََأرْسَ َل عََلْيهِمْ َطيْرا َأبَابِيلَ (‪َ )3‬ترْمِيهِمْ ِب ِ‬ ‫وبعمث عليهمم طيًا فم جاعات متتابعمة‪ ,‬تقذفهمم بجارة ممن طيم‬ ‫متحجّر‪.‬‬ ‫ف مَأْكُولٍ (‪)5‬‬ ‫َفجَعََلهُ ْم كَعَصْ ٍ‬ ‫فجعلهم به مطمي كأوراق الزرع اليابسة الت أكلتها البهائم ث رمت‬ ‫با‪.‬‬

‫‪ -106‬سورة قريش‬ ‫صيْفِ (‪)2‬‬ ‫شتَاءِ وَال ّ‬ ‫ف قُ َرْيشٍ (‪ )1‬إِيلِفهِمْ ِرحَْلةَ ال ّ‬ ‫لِيل ِ‬ ‫ا ْعجَبوا للف قريش‪ ,‬وأمنهم‪ ,‬واستقامة مصالهم‪ ,‬وانتظام رحلتيهم ف‬ ‫الشتاء إل "اليممن"‪ ,‬وفم الصميف إل "الشام"‪ ،‬وتيسمي ذلك; للب مما‬ ‫يتاجون إليه‪.‬‬ ‫‪2060‬‬

‫َف ْليَ ْعبُدُوا رَبّ َهذَا اْلَبيْتِ (‪)3‬‬ ‫فليشكروا‪ ,‬وليعبدوا رب هذا البيمت ‪-‬وهمو الكعبمة‪ -‬الذي شرفوا بمه‪,‬‬ ‫وليوحدوه ويلصوا له العبادة‪.‬‬ ‫الّذِي َأطْعَ َمهُ ْم مِنْ جُوعٍ وَآ َمَنهُ ْم مِنْ َخوْفٍ (‪)4‬‬ ‫الذي أطعمهم من جوع شديد‪ ,‬وآمنهم من فزع وخوف عظيم‪.‬‬

‫‪ -107‬سورة الاعون‬ ‫ب بِالدّينِ ( ‪)1‬‬ ‫ت الّذِي يُ َكذّ ُ‬ ‫َأرََأيْ َ‬ ‫أرأيت حال ذلك الذي يكذّب بالبعث والزاء؟‬ ‫ع اْلَيتِي َم (‪)2‬‬ ‫َف َذلِكَ الّذِي يَدُ ّ‬ ‫‪2061‬‬

‫فذلك الذي يدفع اليتيم بعنف وشدة عن حقه؛ لقساوة قلبه‪.‬‬ ‫وَل َيحُضّ عَلَى طَعَامِ الْ ِمسْ ِكيِ (‪)3‬‬ ‫ول يضّ غيه على إطعام السكي‪ ,‬فكيف له أن يطعمه بنفسه؟‬ ‫َف َويْلٌ لِ ْلمُصَّليَ (‪ )4‬الّذِينَ ُهمْ عَ ْن صَلِتهِمْ سَاهُونَ (‪)5‬‬ ‫فعذاب شديد للمصلي الذين هم عن صلتم لهون‪ ,‬ل يقيمونا على‬ ‫وجهها‪ ,‬ول يؤدونا ف وقتها‪.‬‬ ‫الّذِينَ هُ ْم يُرَاءُونَ (‪)6‬‬ ‫الذين هم يتظاهرون بأعمال الي مراءاة للناس‪.‬‬ ‫َويَ ْمنَعُونَ الْمَاعُونَ (‪)7‬‬ ‫وينعون إعارة ما ل تضر إعارته من النية وغيها‪ ,‬فل هم أحسنوا عبادة‬ ‫ربم‪ ,‬ول هم أحسنوا إل خلقه‪.‬‬ ‫‪2062‬‬

‫‪ -108‬سورة الكوثر‬ ‫ِإنّا أَعْ َطْينَاكَ الْ َك ْوثَرَ ( ‪)1‬‬ ‫إنا أعطيناك ‪-‬أيها النب‪ -‬الي الكثي ف الدنيا والخرة‪ ,‬ومن ذلك نر‬ ‫الكوثر ف النة الذي حافتاه خيام اللؤلؤ الجوّف‪ ,‬وطينه السك‪.‬‬ ‫ك وَاْنحَرْ (‪)2‬‬ ‫فَصَ ّل لِ َربّ َ‬ ‫فأخلص لربك صلتك كلها‪ ,‬واذبح ذبيحتك له وعلى اسه وحده‪.‬‬ ‫ِإنّ شَاِنئَكَ ُه َو ا َلْبتَرُ (‪)3‬‬ ‫إن مبغ ضك ومب غض ما جئت به من الدى والنور‪ ,‬هو النق طع أثره‪,‬‬ ‫القطوع من كل خي‪.‬‬

‫‪2063‬‬

‫‪ -109‬سورة الكافرون‬ ‫قُلْ يَا َأّيهَا الْكَافِرُونَ (‪)1‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين كفروا بال ورسوله‪ :‬يا أيها الكافرون بال‪.‬‬ ‫ل أَ ْعبُ ُد مَا تَ ْعبُدُونَ (‪)2‬‬ ‫ل أعبد ما تعبدون من الصنام واللة الزائفة‪.‬‬ ‫وَل َأْنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَ ْعبُدُ (‪)3‬‬ ‫ول أن تم عابدون ما أع بد من إله وا حد‪ ,‬هو ال رب العال ي ال ستحق‬ ‫وحده للعبادة‪.‬‬ ‫وَل َأنَا عَابِدٌ مَا َعبَدتّمْ (‪)4‬‬ ‫ول أنا عابد ما عبدت من الصنام واللة الباطلة‪.‬‬

‫‪2064‬‬

‫وَل َأْنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَ ْعبُدُ (‪)5‬‬ ‫ول أنتمم عابدون مسمتقبل مما أعبمد‪ .‬وهذه اليمة نزلت فم أشخاص‬ ‫بأعيانم من الشركي‪ ،‬قد علم ال أنم ل يؤمنون أبدًا‪.‬‬ ‫لَكُمْ دِينُكُ ْم َولِيَ دِي ِن (‪)6‬‬ ‫لكم دينكم الذي أصررت على اتباعه‪ ,‬ول دين الذي ل أبغي غيه‪.‬‬

‫‪ -110‬سورة النصر‬ ‫إِذَا جَاءَ نَصْ ُر الّلهِ وَالْ َفتْ ُح ( ‪)1‬‬ ‫إذا تّ لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النصر على كفار قريش‪ ,‬وت لك فتح "مكة"‪.‬‬ ‫ت النّاسَ يَ ْدخُلُونَ فِي دِينِ الّلهِ َأ ْفوَاجا (‪)2‬‬ ‫َورََأيْ َ‬ ‫ورأيت الكثي من الناس يدخلون ف السلم جاعات جاعات‪.‬‬ ‫‪2065‬‬

‫سبّحْ ِبحَمْ ِد َربّكَ وَا ْستَغْ ِفرْهُ ِإّن ُه كَانَ َتوّابا (‪)3‬‬ ‫َف َ‬ ‫إذا وقع ذلك فتهيأ للقاء ربك بالكثار من التسبيح بمده والكثار من‬ ‫اسمتغفاره‪ ,‬إنمه كان تواب ًا على السمبحي والسمتغفرين‪ ,‬يتوب عليهمم‬ ‫ويرحهم ويقبل توبتهم‪.‬‬

‫‪ -111‬سورة السد‬ ‫ب (‪)1‬‬ ‫َتبّتْ َيدَا َأبِي َلهَبٍ َوتَ ّ‬ ‫خسمرت يدا أبم لبم وشقمي بإيذائه رسمول ال ممدا صملى ال عليمه‬ ‫وسلم‪ ،‬وقد تقق خسران أب لب‪.‬‬ ‫ب (‪)2‬‬ ‫مَا أَ ْغنَى َعْن ُه مَاُلهُ وَمَا َكسَ َ‬ ‫ما أغن عنه ماله وولده‪ ,‬فلن يَرُدّا عنه شيئًا من عذاب ال إذا نزل به‪.‬‬ ‫‪2066‬‬

‫ب (‪ )3‬وَامْرََأُتهُ حَمّاَلةَ اْلحَطَبِ (‪)4‬‬ ‫َسيَصْلَى نَارا ذَاتَ َلهَ ٍ‬ ‫سيدخل نارًا متأججة‪ ,‬هو وامرأته الت كانت تمل الشوك‪ ,‬فتطرحه ف‬ ‫طريق النب صلى ال عليه وسلم؛ لذيّته‪.‬‬ ‫فِي جِيدِهَا َحبْلٌ مِنْ َمسَ ٍد (‪)5‬‬ ‫ف عنقها حبل مكم ال َفتْلِ مِن ليف شديد خشن‪ُ ,‬ترْفَع به ف نار جهنم‪,‬‬ ‫ث تُرْمى إل أسفلها‪.‬‬

‫‪ -112‬سورة الخلص‬ ‫قُلْ ُه َو الّلهُ أَحَ ٌد (‪)1‬‬ ‫قمل ‪-‬أيهما الرسمول‪ :-‬همو ال التفرد باللوهيمة والربوبيمة والسماء‬ ‫والصفات‪ ،‬ل يشاركه أحد فيها‪.‬‬

‫‪2067‬‬

‫الّلهُ الصّمَدُ (‪)2‬‬ ‫ال وحده القصود ف قضاء الوائج والرغائب‪.‬‬ ‫لَ ْم يَلِ ْد وَلَ ْم يُولَ ْد (‪)3‬‬ ‫ليس له ولد ول والد ول صاحبة‪.‬‬ ‫َولَمْ يَكُنْ َلهُ كُفُوا أَ َحدٌ (‪)4‬‬ ‫ول يكن له ماثل ول مشابًا أحد من خلقه‪ ,‬ل ف أسائه ول ف صفاته‪,‬‬ ‫ول ف أفعاله‪ ,‬تبارك وتعال وتقدّس‪.‬‬

‫‪ -113‬سورة الفلق‬ ‫قُلْ أَعُوذُ بِ َربّ الْفَلَقِ (‪)1‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أعوذ وأعتصم برب الفلق‪ ,‬وهو الصبح‪.‬‬ ‫‪2068‬‬

‫مِنْ شَ ّر مَا خَلَقَ (‪)2‬‬ ‫من شر جيع الخلوقات وأذاها‪.‬‬ ‫ب (‪)3‬‬ ‫وَمِنْ شَ ّر غَاسِقٍ ِإذَا وَقَ َ‬ ‫و من شر ل يل شد يد الظل مة إذا د خل وتغل غل‪ ,‬و ما ف يه من الشرور‬ ‫والؤذيات‪.‬‬ ‫وَمِنْ شَ ّر النّفّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (‪)4‬‬ ‫ومن شر الساحرات اللت ينفخن فيما يعقدن من ُعقَد بقصد السحر‪.‬‬ ‫وَمِنْ شَرّ حَا ِسدٍ ِإذَا َحسَ َد (‪)5‬‬ ‫ومن شر حاسد مبغض للناس إذا حسدهم على ما وهبهم ال من نعم‪,‬‬ ‫وأراد زوالا عنهم‪ ،‬وإيقاع الذى بم‪.‬‬

‫‪2069‬‬

‫‪ -114‬سورة الناس‬ ‫قُلْ أَعُوذُ بِ َربّ النّاسِ (‪)1‬‬ ‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ :-‬أعوذ وأعت صم برب الناس‪ ,‬القادر وحده على ردّ‬ ‫شر الوسواس‪.‬‬ ‫مَِلكِ النّاسِ (‪)2‬‬ ‫ملك الناس التصرف ف كل شؤونم‪ ,‬الغنّ عنهم‪.‬‬ ‫ِإلَهِ النّاسِ (‪)3‬‬ ‫إله الناس الذي ل معبود بق سواه‪.‬‬ ‫خنّاسِ (‪)4‬‬ ‫مِنْ شَ ّر الْوَ ْسوَاسِ اْل َ‬ ‫من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة‪ ,‬ويتفي عند ذكر ال‪.‬‬ ‫‪2070‬‬

‫الّذِي ُيوَ ْسوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (‪)5‬‬ ‫ث الشر والشكوك ف صدور الناس‪.‬‬ ‫الذي يب ّ‬ ‫جّنةِ وَالنّاسِ (‪)6‬‬ ‫مِ ْن اْل ِ‬ ‫من شياطي الن والنس‪.‬‬

‫ت بمد ال ومنته ف شهر صفر من عام ‪ 1425‬نقل هذا التفسي من‬ ‫موقع ممع اللك فهد لطباعة الصحف نقله أخوكم تركي ( حي اللك‬ ‫فهد )‬ ‫فل تنسون من دعائكم ول تنسوا من كان سببا ف ذلك‬ ‫جعلن ال وإياكم من أهل القرآن حقا‬

‫‪2071‬‬

Related Documents

Tafssir Al Coran
April 2020 5
Kissass Al Coran
November 2019 11
Ijaz Fi Al Coran
November 2019 16
Atlas Du Coran (arabic)
November 2019 15
Les Miracles Du Coran
May 2020 23