Position Of Essa In Islaam Shaykh Rabee

  • November 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Position Of Essa In Islaam Shaykh Rabee as PDF for free.

More details

  • Words: 6,186
  • Pages: 23
‫‪-1-‬‬

‫مكانة عيسى ‪ -‬عليه‬

‫السلم ‪ -‬في السلم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬ ‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وصحبه‬ ‫ومن اتبع هداه‪.‬‬ ‫أما بعد ‪ :‬فإن المقرر عند جميع المم أن ال وحده هو خالق هذا‬ ‫الكون بسماواته وأرضه وما بينهما وما فيهما من ملئكة وجن‬ ‫وإنس ‪.‬‬ ‫وإنه هو المدبر لهذا الكون ومنظمه ‪ ،‬وكل شيء في هذا الكون‬ ‫خاضع لرادته وقهره ‪ ،‬ومع ذلك يرعاه بلطفه ورحمته وحكمته ‪.‬‬ ‫وكلف العقلء بعبادته وطاعة أمره ولجل ذلك خلقهم ؛ كما قال‬ ‫وما خلقت الجن والنس إل لعبدون ‪ ‬ما أريد منهم‬ ‫تعالى ‪:‬‬ ‫منن نرزقن نومان نأريدن نأنن نيطعمونن ‪ ‬نإنن نال نهون نالرزاقن نذون نالقوة‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫المتين‬ ‫وزودهم بما يساعدهم على القيام ب هذا التكليف ( العبادة ) من‬ ‫الفطر السليمة والعقول المدركة الواعية ‪ ،‬وسخر لهم ما في‬ ‫السماوات والرض ‪.‬‬ ‫وبعث إليهم الرسل الكرام كلما ما حرفهم الشيطان وأعوانه عن‬ ‫الغاية التي خلقوا لها إلى الشرك وعبادته والخروج عن صراط ال‬ ‫المستقيم ‪.‬‬ ‫وعلى رأس هؤلء الرسل الكرام أولوا العزم من الرسل محمد‬ ‫وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ‪ -‬عليهم الصلة وأكرم التسليم ‪. -‬‬ ‫‪1‬‬

‫قال تعالى ‪ :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي‬ ‫إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا‬ ‫أوحينا‬ ‫‪1‬‬

‫() الذاريات ‪.58-57 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-2-‬‬

‫الدينن نول نتتفرقوان نفيهن نكبرن نعلىن نالمشركينن نمان نتدعوهمن نإليهن نال‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫من ينيب‬ ‫يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه‬ ‫فالرسل جميعاً وعلى رأسهم من ذكر دينهم السلم وحده ل دين‬ ‫()‬ ‫‪ ،‬وقال‬ ‫لهم سواه‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬إنن نالدينن نعندن نال نالسلمن‬ ‫تعالى ‪ :‬ومن يبتغ غير السلم ديناً فلن يقبل منه وهو في الخرة‬ ‫()‬ ‫‪ ،‬وقال ‪ :‬يان نأيهان نالرسلن نكلوان نمنن نالطيبات‬ ‫منن نالخاسرينن‬ ‫واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ‪ ‬وإن هذه أمتكم أمة واحدة‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫وأنا ربكم فاتقون‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون‬

‫وقال تعالى ‪:‬‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫والمراد بالمة هنا الملة والدين ‪ ،‬فدينهم واحد وهو السلم‬ ‫المتضمن إخلص الدين ل الواحد الحد المعبود وحده بحق ‪.‬‬ ‫والخلق جميعاً عباده ‪ ،‬ومنهم الرسل الكرام ‪ ،‬ومنهم أولوا العزم‬ ‫محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ‪ ،‬فهم عباده خلقهم لعبادته‬ ‫ودعوة الناس إلى ذلك ‪ ،‬وهو الرب الخالق المعبود ل يشركه أحد من‬ ‫جميع خلقه في ذرة من هذا الكون ل في الخلق ول في الرزق ول في‬ ‫الحياء والماتة ول في شيء مما انفرد واختص به من صفات‬ ‫الربوبية واللوهية وصفات كماله ونعوت جلله ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫قل هو ال أحد ‪ ‬ال الصمد ‪ ‬لم يلد ولم يولد ‪ ‬ولم يكن‬ ‫له كفواً أحد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الشورى ‪.13 :‬‬ ‫() آل عمران ‪.19 :‬‬ ‫() آل عمران ‪. 85 :‬‬ ‫() المؤمنون ‪. 51 :‬‬ ‫() النبياء ‪. 92 :‬‬

‫‪-3-‬‬

‫بيان حال رسول ال الكريم‬

‫والمقصود بعد هذه المقدمة‬ ‫عيسى بن مريم‬ ‫– عليه الصلة والسلم – ومكانته في السلم ‪.‬‬ ‫إن هذا النبي الكريم له من زلة عظيمة في السلم جهلها‬ ‫وتجاهلها اليهود والنصارى في واقعهم وعقائدهم وكتابات هم ‪.‬‬ ‫وقام ب ها السلم وقررها أفضل تقرير وأكمله وأنصفه في كثير‬ ‫من آياته البينة الكريمة ‪ ،‬وذلك الذي قرره السلم ل يقبل العقل‬ ‫السليم الصريح سواه ‪ ،‬ويرفض ما عداه مما قررته اليهودية من‬ ‫قذف له ولمه ‪ ،‬وما قررته النصرانية من غلو فيه وتأليه له تارة‬ ‫باعتباره ابن ال وتارة هو ال أو ثالث ثلثة ‪ ،‬وتارة بتحقيره‬ ‫وتشويهه مما يدل على التيه والضلل في الدين والعقل ‪.‬‬ ‫لقد قص ال علينا أحسن القصص وأروعه عن عيسى وأمه من‬ ‫بداية أمرهما وتابع ذلك في مراحل حيات هما في غاية البيان مع غاية‬ ‫الكرام ‪ ،‬فآمن بذلك المؤمنون من اتباع محمد ‪ ،‬وقدروا عيسى‬ ‫وأمه حق التقدير ‪ ،‬واحتفوا ب هما غاية الحتفاء ‪.‬‬ ‫كما احتفوا بسائر النبياء والرسل وآمنوا ب هم ‪ ،‬بل قرر السلم‬ ‫اليمان ب هم ركناً عظيماً من أركان اليمان ‪ ،‬بل من انتقص أي أحد‬ ‫منهم أي انتقاص فقد كفر عندهم وخرج من ملة السلم ‪ ،‬فكيف بمن‬ ‫يكذب هم أو أحداً منهم ‪ ،‬لقد أشاد ال بعيسى وأمه مريم الطهور في‬ ‫كثير من سور القرآن نذكر بعضها منها قال تعالى في سورة آل‬ ‫عمران ‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن ال اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على‬ ‫العالمين ‪‬‬ ‫ذرية بعضها من بعض وال سميع عليم ‪ ‬إذ قالت امرأة عمران‬ ‫رب أني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع‬ ‫العليم ‪ ‬فلما وضعتها قالت‪ :‬رب أني وضعتها أنثى وال أعلم بما‬ ‫وضعت وليس الذكر كالنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك‬ ‫وذريتها من الشيطان الرجيم ‪ ‬فتقبلها ربنها بقبول حسن وأنبتها‬ ‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-4-‬‬

‫نباتاً حسناً وكفلها زكريا ‪ ‬كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد‬ ‫عندها رزقا قال ‪ :‬يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند ال إن ال‬ ‫يرزق من يشاء بغير حساب ‪ ‬هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫لك من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء‬ ‫فمهد لقصة مريم ب هذا الربط العظيم بمن اصطفاهم ال على‬ ‫العالمين ومنهم آل عمران آباء مريم ليبين ب هذا الربط أن مريم من‬ ‫أسرة كريمة ‪ ،‬وأن ها من ذرية النبياء المصطفين ‪ ،‬وأن أمها امرأة‬ ‫صالحة ومن صلحها أن ها نذرت ما في بطنها محرراً ل ‪ ،‬وكانت‬ ‫تأمل أن يكون ذكراً فإذا بالمولود أنثى ‪ ،‬فأرجعت أمرها إلى ال‬ ‫معتذرة إليه معوذة بنتها وذريتها من الشيطان الرجيم ‪ ،‬فاستجاب‬ ‫دعاءها فتقبلها رب ها قبولً حسناً وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها نبياً كريماً‬ ‫رحيماً هو زكريا – عليه السلم ‪ ، -‬فهذه رعاية عظيمة وذكر كريم‬ ‫لم عيسى ‪.‬‬ ‫ويزيدها ال من فضله وإكرامه فيخبرنا بذلك بقوله جل وعل ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬وإذ قالت الملئكة ‪ :‬يا مريم إن ال اصطفاك وطهرك‬ ‫واصطفاك على نساء العالمين ‪ ‬يا مريم اقنتي لربك واسجدي‬ ‫واركعي مع الراكعين ‪ ‬ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت‬ ‫لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫يختصمون‬ ‫فما كان محمد النبي المي ول قومه يعلمون مثل هذه الخبار‬ ‫العظيمة الصادقة عن جميع الرسل ‪ ،‬ول عن مريم وأمها وزكريا‬ ‫ومن خاصمه في كفالة مريم ‪ ،‬ول بظفر زكريا بكفالتها بعد القرعة‬ ‫بالقلم ‪ ،‬ول بحفاوة زكريا ب ها ‪ ،‬ول بما كان يأتيها من رزق من‬ ‫عند ال تكريماً لها مما دفع زكريا على كبر سنه وعقم زوجته إلى‬ ‫طلب الذرية الطيبة من ال ‪ :‬ما كان محمد يعلم هذا ول قومه ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() آل عمران ‪.38-33 :‬‬ ‫() آل عمران ‪. 44-42 :‬‬

‫‪-5-‬‬

‫ول يمكن أن تجد مثل هذا الكلم العالي في جللته وبلغته وحسن‬ ‫تركيبه وروعة عرضه في الناجيل ول في غيرها ‪ ،‬مما يدل على‬ ‫صدق محمد ‪ ،‬وأنه رسول ال حقًا ‪ ،‬وأنه ل ينطق عن الهوى إن‬ ‫هو إل وحي يوحى إليه من رب العالمين ‪.‬‬ ‫ثم تابع ال قصة مريم الطهور وابنها عيسى عبد ال ورسوله‬ ‫صلى ال عليه وعلى نبينا وسائر النبياء وسلم تسليماً كثيراً ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫‪ -3‬إذ قالت الملئكة يا مريم إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين‬ ‫‪ ‬ويكلم الناس في المهد ومن الصالحين ‪ ‬قالت ‪ :‬رب أنا يكون‬ ‫لي ولد ولم يمسسني بشر ‪ ،‬قال كذلك يخلق ال ما يشاء إذا قضى‬ ‫أمراً فإنما يقول له كن فيكون ‪ ‬ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة‬ ‫والنجيل ‪ ‬ورسولً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم‬ ‫أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن‬ ‫ال وأبرئ الكمه والبرص وأحي الموتى بإذن ال وأنبؤكم بما‬ ‫تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لية لكم إن كنتم‬ ‫مؤمنين ‪ ‬ومصدق ًا لما بين يدي من التوراة ولحل لكم بعض الذي‬ ‫حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم‬ ‫فاتقوا ال وأطيعون ‪ ‬إن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫مستقيم‬ ‫هذا حديث عن بدء أمر عيسى – عليه السلم – والطريقة التي‬ ‫خلقه ال ب ها‪ ،‬وعن رسالته إلى بني إسرائيل ‪ ،‬وما أكرمه ال به من‬ ‫الداب العظيمة الدالة على صدق رسالته ‪ ،‬وعلى براءته وبراءة أمه‬ ‫مما قذفها به اليهود ‪ ،‬فإذا كان من سنة ال الجارية في الخلق من‬ ‫البشر والدواب أن يتم النجاب والتوالد عن طريق أبوين ذكر وأنثى‬ ‫فإنه قد سبق ذلك أن خلق آدم أبا البشر من طين أي من غير أبوين ‪،‬‬ ‫وخلق أم البشر حواء من ذكر دون أنثى من ضلع آدم ‪ ،‬وكل ذلك من‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() آل عمران ‪. 51-45 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-6-‬‬

‫آيات ال العظيمة الذي ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء ‪،‬‬ ‫كذلك في هذه الحقبة من الزمن من عمر البشرية أراد ال أن يري‬ ‫الناس آية جديدة من آياته الدالة على عظيم قدرته أل وهي خلق‬ ‫عيسى – عليه السلم – من أنثى بدون ذكر ‪ ،‬ولقد استغربت مريم –‬ ‫عليها السلم – هذا المر العجيب والنبأ الغريب فقال لها الملك وهو‬ ‫جبريل ‪ :‬كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن‬ ‫فيكون ‪ ،‬فكل المخلوقات كبيرها وصغيرها من العرش إلى‬ ‫الكرسي إلى السماوات والرض والجبال والبحار بما فيها ‪،‬‬ ‫والفلك وما فيها من شمس وقمر وكواكب يحدث بإرادة ال‬ ‫ومشيئته وبقوله كن ‪ ،‬فسبحانه وتعالى من رب عظيم قادر قاهر ل‬ ‫يعجزه ول يستعصى على قدرته شيء ول ِندّ عن أردته شيء فما‬ ‫شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪.‬‬ ‫إن إكرام ال عيسى – عليه السلم – بالعلم والحكمة والرسالة‬ ‫واليات العظيمة هو من باب إكرام النبياء والرسل جميعاً ‪ ،‬وكونه‬ ‫خلق بكلمة ال "كن" من أنثى فقط هو من باب آياته الدالة على‬ ‫قدرته قد أسبقها بما هو أعظم منها وهو خلق آدم – عليه السلم ‪ -‬من‬ ‫غير ذكر وأنثى ‪ ،‬وخلق حواء من ضلع آدم من دون أنثى ‪ ،‬كل ذلك‬ ‫يدل على عظمة ال وعظيم قدرته لدى المؤمنين العقلء فيدفعهم إلى‬ ‫شكره وحبه وتعظيمه وتقديسه وإجلله وإخلص العبادة والدين له‬ ‫وحده ‪.‬‬ ‫وأعظم الناس إدراكًا لهذا وقياماً به ودعوة إليه هم النبياء‬ ‫الكرام وعلى رأسهم أولوا العزم ومنهم عيسى ‪ -‬عليهم جميعًا أفضل‬ ‫الصلوات وأتم التسلم ‪ -‬كما صرح بذلك القرآن وقبله الوحي‬ ‫المحفوظ قبل التبديل من نصوص النجيل ؛ فلقد صرح عيسى بأنه‬ ‫عبد ال مخلوق مربوب ‪ ،‬وأن ال ربه وسيده وخالقه ورب‬ ‫المخلوقين وسيدهم ومالكهم ‪ ،‬فأثبت هذا أولً ثم دعاهم إلى عبادة هذا‬ ‫الرب العظيم السيد الخالق لكل شيء المالك لكل شيء فقال – عليه‬ ‫السلم ‪:-‬‬ ‫إن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ‪ ،‬وقال قبل‪:‬‬

‫‪-7-‬‬

‫فاتقوا ال وأطيعون ‪ ،‬فال وحده هو الذي يخشى ويرهب‬ ‫ويتقى ‪ ،‬والنبياء ومنهم عيسى يدعون إلى هذا ويمدهم ال باليات‬ ‫المعجزة الباهرة ‪ ،‬براهين على صدقهم فما على الناس بعد كل هذا‬ ‫إل أن يستجيبوا لدعوة الرسل ويطيعوهم فيما بلغوهم به عن ال من‬ ‫الوحي المتضمن للمر بتوحيد ال وإخلص العبادة له وحده ‪.‬‬ ‫والشاهد من هذه النصوص أن ها تضمنت أن لعيسى – عليه‬ ‫السلم – وغيره من النبياء من زلة عظيمة في السلم ‪ ،‬وتضمنت‬ ‫خلقه وخلق أمه على غاية من الطهر ومن أرسخ السر في السلم‬ ‫والطهر ‪ ،‬وتضمنت ذكر رسالته وآياته ودعوته إلى اليمان بربوبية‬ ‫ال وعبادته وخشيته واتقائه ‪ ،‬مثل حديثه عن آدم وعن سائر الرسل‬ ‫وسيرهم وأخلقهم ودعوات هم – عليهم السلم – أحاديث صدق ليس‬ ‫فيها خرافات ول غلو ‪ ،‬وآمن بذلك محمد وأتباعه ‪ ،‬وأحبوا‬ ‫النبياء من أعماق قلوب هم وأجلوهم وأكرموهم ومنهم عيسى – عليه‬ ‫السلم – واعتبروا ذلك من أصول دينهم ‪ :‬آمن الرسول بما أنزل‬ ‫إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل‬ ‫نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫المصير‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -4‬واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا‬ ‫‪ ‬فاتخذت من دوننهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً‬ ‫سويا ‪ ‬قالت ‪ :‬إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ‪ ‬قال ‪ :‬إنما‬ ‫أنا رسول ربك لهب لك غلماً زكيا ‪ ‬قالت ‪ :‬أنى يكون لي غلم‬ ‫ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ‪ ‬قال كذلك قال ربك هو علي هين‬ ‫ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً ‪ ‬فحملته‬ ‫فانتبذت به مكاناً قصيا ‪ ‬فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت‬ ‫ياليتني مت قبل هذا وكنت نسي ًا منسيّا ‪ ‬فناداها من تحتها أل‬ ‫تحزني قد جعل ربك تحت سريا ‪ ‬وهزي إليك بجذع النخلة تساقط‬ ‫‪1‬‬

‫() البقرة ‪.285 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-8-‬‬

‫عليك رطباً جنيا ‪ ‬فكلي واشربي وقري عينا فإما ترينّ من البشر‬ ‫أحد فقولي ‪ :‬إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا ‪‬‬ ‫فأتت قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريا ‪ ‬يا أخت‬ ‫هارون ما كان أبوك امرأ سو ٍء وما كانت أمك بغيّا ‪ ‬فأشارت إليه‬ ‫قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيّا ‪ ‬قال إني‬ ‫عبد ال آتاني الكتاب وجعلني نبيّا ‪ ‬وجعلني مبارك ًا أينما كنت‬ ‫وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيّا ‪ ‬وبرًا بوالدتي ولم‬ ‫يجعلني جباراً شقيّا ‪ ‬والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم‬ ‫أبعث حيّا ‪ ‬ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ‪‬‬ ‫ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن‬ ‫فيكون ‪ ‬وإن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ‪‬‬ ‫فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد‬ ‫يوم عظيم ‪ ‬اسمع بنهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم‬ ‫في ضلل‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫مبين‬ ‫وفي هذا القصص الحق بيان لحال مريم بعد أن أنبتها ال نباتاً‬ ‫حسناً في كفالة ذلكم النبي الكريم ‪ ،‬وبعد اشتهارها بالعبادة والطهر‬ ‫والشرف ‪ ،‬لقد حان الوقت الذي حدده ال لنفاذ إرادته بخلق عيسى‬ ‫– عليه السلم – بالطريقة التي أخبرنا ب ها فأرسلنا إليها روحنا‬ ‫فتمثل لها بشراً سويا وهو جبريل – عليه السلم – لقد انقطعت‬ ‫هذه الطاهرة لعبادة ال واتخذت لذلك حجاباً حفاظاً على شرفها‬ ‫وعفتها ولتقوم بعبادة ال ‪ ،‬وإذا ب ها تفاجأ ب هذا البشر السوي بكماله‬ ‫وجماله فبرهنت في هذا الموقف على حصانتها وعفتها بقولها ‪:‬‬ ‫إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ‪ ،‬إن هذا ل يصدر إل من‬ ‫قلب مؤمن استعاذة بال ولجوء إليه في حال الكرب والشدة ‪ ،‬وتذكير‬ ‫وتخويف بتقوى ال لتدفع بكل ذلك ما تبدي لها من هذا المر‬ ‫المخوف الخطير ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() مريم ‪. 38-16 :‬‬

‫‪-9-‬‬

‫فأخبرها هذا الرسول الكريم بما يبدد مخاوفها وليطمئن قلبها‬ ‫إنما أنا رسول ربك لهب لك غلماً زكيا ‪ ،‬فأبدت استغراب ها‬ ‫قالت أنى يكون لي غلم ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ‪،‬‬ ‫وهذه هي الطريقة المعهودة لنجاب الولد ‪ ،‬فأخبرها الرسول ‪:‬‬ ‫كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية‬ ‫للناس الخ ‪.‬‬ ‫ما‬

‫فخلْق الكون كله بما فيه عليه هين ؛ كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫خلقكم ول‬ ‫()‬ ‫‪ ،‬فنفخ فيها هذا الروح جبريل الذي‬ ‫بعثكم إل كنفس واحدة‬ ‫أرسله ال لهذه المهمة العظيمة منفذاً أمر ال ‪ ،‬فحملته فانتبذت به‬ ‫مكان قصيّا ‪ ،‬ثم وضعته وواجهت المشكلة التي تحس ب ها مثلها من‬ ‫ذوات الشرف والعفاف فتمنت الموت ‪ ،‬وجاء ما يبدد مخاوفها وقلقها‬ ‫‪ :‬فناداها من تحتها أل تحزني قد جعل ربك تحتك سريا آيات‬ ‫ومعجزات تزيدها ثقة واطمئناناً وإيمانًا بأن ال قد تولى الدفاع عنها‬ ‫وإظهار براءت ها وإظهار شرفها وكرامتها ؛ فليس عليها إل أن تشير‬ ‫إلى هذا المولود الذي أرجف عليها به المرجفون قالوا كيف نكلم‬ ‫من كان في المهد صبيا ‪ ،‬وفاجأهم هذا الذي استبعدوا كلمه وهو‬ ‫في المهد بتلك المعجزة الباهرة ف قال إني عبد ال آتاني الكتاب‬ ‫وجعلني نبيّا ‪ ‬وجعلني مبارك ًا أينما كنت وأوصاني بالصلة‬ ‫والزكاة ما دمت حيّا ‪ ‬وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيّا ‪‬‬ ‫والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّا ‪.‬‬ ‫إنه لية عظيمة من آيات ال في طريق حمله وولدته وتبرءة‬ ‫ساحة أمه البتول‪ ،‬ثم بيان لمهمته ورسالته التي أرهصت لها هذه‬ ‫اليات العظيمة ومن هذه الرسالة العظيمة بيان أنه عبد ال ‪ ،‬ومن‬ ‫العجب أن يكون ذلك أول نطقه ‪ ،‬ثم ثنى برسالته ‪ :‬آتاني الكتاب‬ ‫وجعلني نبيا ‪ ،‬ثم ثلث بآثار دعوته ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() لقمان ‪. 28 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-10-‬‬

‫وجعلني مبارك ًا أينما كنت ‪ ،‬ثم ربع ببيان شريعته وشريعة من‬ ‫قبله من الرسل ‪ :‬وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا ‪ ،‬ثم‬ ‫تحدث عن صفاته الجميلة من البر وتن زيه ال إياه من صفات‬ ‫الجبارين الشقياء ‪ :‬وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا ‪ ،‬ثم‬ ‫قال تعالى معقباً على كل ما يتعلق بعيسى وأمه مما سلف ذِكْ ُرهُ ‪:‬‬ ‫ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ‪،‬‬ ‫إنه القول الحق الحاسم الذي قاله الرب خالق عيسى وغيره ‪ ،‬العليم‬ ‫الخبير بكل دقيقة وجليلة من أحوال هذا الكون وأحوال البشر ومنهم‬ ‫عيسى ‪ ،‬لقد قال ال فيه الحق الذي ليشوبه ذرة من شوائب الباطل‬ ‫الكبير الذي قاله فيه المبطلون من هؤلء الممترين المختلفين ‪ ،‬قال‬ ‫فيه الحق الذي تقبله العقول السديرة الرشيدة والفطر السليمة ‪،‬‬ ‫ونطقت به الشرائع ‪ ،‬ودان به المؤمنون ‪.‬‬ ‫فتلك الحوال التي مرت به من نفخ جبريل في جيب أمه ثم‬ ‫حملها به ثم ولدته وما واجه أمه من أهوال ومصاعب ثم تخليصها‬ ‫من تلك الهوال بأن أنطق ال ابنها في المهد بما يدل على براءت ها‬ ‫من جهة ‪ ،‬وبما يدل على أنه عبد من عباد ال اصطفاه بالنبوة‬ ‫والرسالة والكتاب ‪ ،‬وكلفه بالشرائع العظيمة التي كلف ب ها النبياء‬ ‫والرسل قبله من الصلة والزكاة والبر ‪ ،‬كل ذلك هو الحق الثابت‬ ‫وما خالفه من الدعاوى فأباطيل ‪ ،‬فالطعون والت هامات التي افتراها‬ ‫اليهود على عيسى وأمه أباطيل ‪ ،‬ودعاوى خصومهم من النصارى‬ ‫في حق عيسى بأنه هو ال أو ابن ال أو ثالث ثلثة أباطيل‬ ‫وضللت كبرى ترفضها العقول والشرائع والفطر ‪.‬‬ ‫والقول الحق هو الذي قاله ال الذي خلقه وخلق الولين‬ ‫والخرين والجن والنس لعبادته واصطفاه عبداً ورسولً ‪ ،‬كما‬ ‫اصطفى غيره لحمل رسالته وتبليغها إلى البشر ليحققوا الغاية التي‬ ‫خلقهم من أجلها وهي عبادته وحده وإخلص الدين له ‪.‬‬ ‫ولقد بلّغ عيسى رسالته على أحسن الوجوه ‪ ،‬وكان في طليعة‬ ‫العابدين الخاشعين ل رب العالمين من أمته ‪ ،‬صادعًا بالحق من‬ ‫مهده وفي كهولته إلى أن رفعه ال إليه ‪.‬‬

‫‪-11-‬‬

‫ورسوله عيسى – عليه السلم –‬ ‫هذه هي من زلة نبي ال‬ ‫في السلم ولدى أمة السلم ‪ ،‬وذلك هو الحق وما سواه هو الفك‬ ‫والضلل الذي يشهد ببطلنه الشرائع والعقول والفطر ‪.‬‬ ‫فما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه ‪ ،‬ونسبة الولد إليه من أعظم‬ ‫أنواع الكفر والضلل إذ ذلك غاية السب والنقص لجلله وعظمته‬ ‫وربوبيته ‪ ،‬فل يكون غيره إل مخلوقا له خاضعًا لجلله وعظمته‬ ‫مكلفا بعبادته ‪ ،‬وال سبحانه مقدس من زه عن اتخاذ الولد ؛ ولهذا قال‬ ‫وقوله الحق لمن نسب إليه الولد ‪ :‬لقد جئتم شيئًا إدّا ‪ ‬تكاد‬ ‫السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هداً ‪ ‬أن‬ ‫دعوا للرحمن ولداً ‪ ‬وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً ‪ ‬إن كل‬ ‫من في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبداً ‪ ‬لقد أحصاهم‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫وعدّهم عداً ‪ ‬وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً‬ ‫‪1‬‬

‫وقال تعالى ‪ :‬قل هو ال أحد ‪ ‬ال الصمد ‪ ‬لم يلد ولم‬ ‫يولد ‪ ‬ولم يكن له كفواً أحد ‪.‬‬ ‫‪:‬‬

‫وقال تعالى في شأن محمد‬ ‫ولداً ‪‬‬ ‫ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫يقولون إل كذباً‬ ‫فكل من ادعى ل ولداً ل يقول إل الكذب ؛ سواء العرب الذين‬ ‫قالوا إن الملئكة بنات ال ‪ ،‬أو البوذيين أو البراهمة الذين يدعون‬ ‫ذلك لبوذا أو ابراهما ‪ ،‬أو النصارى الذين يدعون أن عيسى هو ابن‬ ‫ال أو ال أو ثالث ثلثة ‪ ،‬كل ذلك كذب وافتراء على ال ‪ ،‬وهم‬ ‫جميعاً يكذب بعضهم بعضاً ل يسلّم أي فريق لخصمه فتساقطت‬ ‫الكاذيب والفتراءات بتكذيب الفرق بعضها لبعض ‪ ،‬وبتكذيب‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مريم ‪. 95-89 :‬‬ ‫() الكهف ‪. 5-4 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫وينذر الذين قالوا اتخذا ال‬

‫‪-12-‬‬

‫القرآن والسلم والمسلمون لهم ‪ ،‬وبتكذيب العقول والفطر لدعاوهم‬ ‫الباطلة ‪.‬‬ ‫ويبقى الحق الواضح الذي أخبر ال به في كتابه المعجز الذي ل‬ ‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬ذلكم الكتاب العظيم الذي‬ ‫تحدى ال الجن والنس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو‬ ‫بسورة من مثله ‪ ،‬فعجزوا عن كل ذلك منذ أربعة عشر قرناً ونيف‬ ‫ولن يأتوا بذلك إلى يوم القيامة ‪.‬‬ ‫فأي برهان أصدق وأقوى من عجز الجن والنس عن أن يأتوا‬ ‫بشيء من ذلك الذي أتى به رجل أمي ل يقرأ ول يكتب ‪ ،‬وإذن فما‬ ‫قله في شأن عيسى هو الحق الذي ليس وراءه إل الباطل ‪.‬‬ ‫ل وأن زله‬ ‫والشاهد من هذا أن القرآن أعطى عيسى حقه كام ً‬ ‫من زلته الكريمة اللئقة به ‪ ،‬وخلد ذكره بالحق قرآناً يتلى يردده‬ ‫المسلمون في بيوت هم ومساجدهم ويتلونه في صلوات هم كما هو الحال‬ ‫مع سائر النبيين والمرسلين ‪.‬‬ ‫أليس في كل هذا الذي قام به السلم والمسلمون ما يستدعي‬ ‫النصارى وعلى رأسهم الحكام والبابوات والقسس والرهبان‬ ‫والمثقفون إلى التفكر والتدبر وإعادة النظر في موقفهم من محمد‬ ‫‪ ،‬والكتاب العظيم المعجز الذي جاء به ‪ ،‬وموقفهم من أتباعه‬ ‫الذين آمنوا بعيسى نبياً رسولً وبما أن زل عليه من كتاب وبجلوه‬ ‫وكرموه وأنصفوه وأحلوه المن زلة اللئقة بالنبياء والمرسلين ؛ فأين‬ ‫رد الجميل ؟‪.‬‬ ‫هل من رد الجميل أن يضعوا أيديهم في أيدي اليهود الذين‬ ‫كفروا بعيسى وكذبوه وقذفوه وأمه بأخبث القذائف والتهم ‪ ،‬وعادوه‬ ‫أشد العداوة من ولدته إلى يومنا هذا ‪ ،‬وفعلوا بأتباعه ظلمًا وعدواناً‬ ‫ما تقشعر له الجلود ‪.‬‬ ‫وأفسدوا عقيدته ودينه امعاناً منهم في المكر والكيد ‪ ،‬وجعلوا‬ ‫عيسى‬ ‫– ن زهه ال – أسطورة من الساطير هو ال أو ابن ال أو ثالث‬

‫‪-13-‬‬

‫لها ‪ ،‬وجعلوا دينه وأتباعه هزؤاً‬ ‫ثلثة إفساداً لرسالته وإبطالً‬ ‫وضحكة للعقلء وحتى لسفه السفهاء ‪ ،‬لقد حولها الكائدون إلى ديانة‬ ‫أسطورية وثنية يخجل العقلء وغيرهم منها ‪.‬‬ ‫يزيد هذا المر ايضاحًا قول ال تعالى ‪:‬‬ ‫‪ -5‬إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال‬ ‫له كن فيكون ‪ ‬الحق من ربك فل تكونن من الممترين ‪ ‬فمن‬ ‫حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا‬ ‫وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة‬ ‫ال على الكاذبين ‪ ‬إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إل ال‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫وإن ال لهوا العزيز الحكيم‬ ‫فهذا المثل العظيم حجة قاطعة لدابر دعاوى النصارى ‪.‬‬ ‫فإذا كان آدم الذي خلقه ال من تراب بيده ونفخ فيه من روحه ل‬ ‫يجوز ول يصح في العقول والشرائع والفطر أن يدعى فيه إنه ال أو‬ ‫ابن ال أو ثالث ثلثة ‪.‬‬ ‫فعيسى أولى أل يدعى له ذلك إذ أن خلق آدم أعجب وأغرب‬ ‫فهو مخلوق من تراب وليس التراب من جنس البشر ‪.‬‬ ‫وعيسى خلق من امرأة من جنس البشر حملت به كما تحمل‬ ‫النساء وولدته كما تلد النساء ‪ ،‬فهذا من أعظم الحجج الدامغة‬ ‫للدعاوى الباطلة والشبه المتهافتة‪ ،‬بل خلق الملئكة من نور من غير‬ ‫آباء وأمهات ‪ ،‬وخلق إبليس من نار من غير أبوين أعجب وأدل على‬ ‫قدرة ال الخالق الباري بديع السماوات والرض‪ ،‬بل خلق حواء من‬ ‫ضلع آدم من غير أم أعجب من خلق عيسى حملته امرأة في بطنها‬ ‫وولدته كما تلد النساء ‪ ،‬فلم يبق للنصارى أي متعلق عند كل ذي‬ ‫عقل ودين وإنصاف ‪ ،‬ومع كل هذا فعيسى في السلم وعند‬ ‫المسلمين أفضل من آدم ومن كثير من النبياء والرسل اتباعًا للقرآن‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() آل عمران ‪. 62-59 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-14-‬‬

‫والسنة الكريمة النبوية ‪ ،‬فعيسى في السلم من أولي العزم من‬ ‫الرسل ‪.‬‬ ‫فما الذي يحول بعد هذا كله بين النصارى وبين السلم دين ال‬ ‫الحق ودين عيسى والنبياء جميعاً ‪ ،‬أل فليدركوا أن أعظم الضلل‬ ‫والكفر أن يدعى ل الصاحبة والولد ؛ لنه أعظم السب والنتقاص‬ ‫ل رب العالمين ‪ ،‬وأن أعظم الكفر بعيسى تكذيبه في رسالته بالقول‬ ‫فيه أنه ابن ال الخ بعد تصريحه من أول يوم بأنه عبد ال آتاه الكتاب‬ ‫وجعله نبياً وجعله مباركاً أينما كان ‪ ،‬وأوصاه بالصلة والزكاة ‪،‬‬ ‫وهذه صفات مخلوق مربوب مفتقر إلى ربه خاضع لجلله مطيع‬ ‫لمره‪.‬‬ ‫وهل يريدون من المسلمين أن يلغوا عقولهم فيكفروا بال وبما‬ ‫جاء به المرسلون جمعيًا ‪ ،‬وأن يختاروا غضب ال وشديد عقابه‬ ‫بالنار التي أعدها للكافرين على رضاه وجزائه للمتقين الموحدين‬ ‫جنة عرضها السماوات والرض ‪.‬‬ ‫أيها العقلء المنصفون من النصارى إننا ندعوكم أن تقوموا ل‬ ‫مثنى وفرادى ثم تتفكروا في موقفكم من السلم الذي هو دين ال‬ ‫الحق ‪ ،‬ودين عيسى وجميع النبياء والمرسلين ‪ ،‬السلم الذي كرم‬ ‫عيسى وأنصفه وأن زله المن زلة الكريمة اللئقة به ‪ ،‬إنكم إن فعلتم‬ ‫ذلك متجردين من الهواء واستعنتم بال ثم بما بقي بعد التحريف من‬ ‫أناجيلكم فستصلون إن فعلتم ذلك إلى الحق والحقيقة وهو‪ :‬أن محمدًا‬ ‫رسول ال ‪ ،‬وأن كتابه الذي جاء به ل يكون إل حقاً من عند ال ‪،‬‬ ‫ما قاله في شأن عيسى هو الحق وأنه عبد ال ورسوله خلقه ال كما‬ ‫خلق سائر البشر ومنهم الرسل الكرام خلقهم لعبادته والخضوع‬ ‫لجلله والقنوت لعظمته وكبريائه ‪.‬‬ ‫وإليكم ما يصدق ما جاء به محمد في القرآن والسنة من‬ ‫بعض أناجيلكم في الية السابقة من الفصل الرابع من إنجيل متى ‪:‬‬ ‫()‬ ‫‪ ( -1‬ل تمتحن الرب إلهك ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() في نسخة ‪ " :‬ل تختبر " ‪.‬‬

‫‪-15-‬‬

‫جرت لعيسى – عيسى – عليه‬ ‫‪ -2‬وفي هذا الفصل نفسه قصة‬ ‫السلم – مع الشيطان ‪ ،‬وأن الشيطان أمر عيسى – عليه السلم ‪-‬‬ ‫أن يسجد له فأجابه عيسى المسيح بقوله ‪ :‬قد جاء في الكتب‬ ‫السابقة ‪ ( :‬ل تسجد إل للرب إلهك وهو وحده تعبده ) ‪.‬‬ ‫وهذا ما جاء به الرسل جميعاً قد احتج به عيسى على الشيطان ‪،‬‬ ‫فهذا دليل واضح أن النبياء جميعاً ومنهم عيسى ومحمد جاؤا‬ ‫بالتوحيد بأن ال هو الرب والله المعبود وحده ‪.‬‬ ‫فعيسى هنا احتج بما جاءت به الكتب السابقة بأن ال هو الرب‬ ‫وحده ‪ ،‬وهو الله المعبود وحده ‪ ،‬وأنه ل يسجد إل له وحده ‪.‬‬ ‫ولقد أوحى ال إلى محمد قوله ‪ :‬ولقد بعثنا في كل أمة‬ ‫رسو ًل أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال‬ ‫ومنهم من حقت عليه‬ ‫الضللة‬

‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬‬

‫وأوحى إليه قوله عز وجل ‪ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون‬ ‫فهذا الذي جاء به محمد يتفق تمام التفاق مع ما صرح به‬ ‫عيسى في مجاب هة الشيطان ‪.‬‬ ‫ويتفق مع قالة عيسى – عليه السلم ‪ -‬في دعوته لبني إسرائيل ‪:‬‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫وإن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫ومع قوله يوم القيامة حينما يخاطبه ربه بقوله ‪ :‬يا عيسى ابن‬ ‫مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال ‪ ،‬قال‬ ‫سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس بحق إن كنت قلته فقد‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() النحل ‪.36 :‬‬ ‫() النبياء ‪.25 :‬‬ ‫() مريم ‪.36 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-16-‬‬

‫علمته تعلم ما في نفسي ول أعلم ما في نفسك إنك أنت علم‬ ‫الغيوب ‪ ‬ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي‬ ‫وربكم وكنت عليهم شيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد‬ ‫‪ -3‬وفي الفصل الحادي عشر رقم [‪ ]25‬من إنجيل متى ‪ ( :‬أحمدك‬ ‫أيها الرب رب السماء والرض لنك أخفيت هذه الشياء عن‬ ‫الحكماء والفهماء وألهمتها الطفال ) ‪.‬‬ ‫فعيسى – عليه السلم – عبد من عباد ال ورسله ‪ ،‬عرف حق‬ ‫ربه الذي خلقه وأسبغ عليه نعمه فتوجه إليه بالحمد والقرار بأنه‬ ‫رب السماء والرض وحده ؛ لنه الذي خلقها وما فيهما وما‬ ‫بينهما وما تحت الثرى ‪ ،‬وليس لحد فيهما من شرك ل عيسى‬ ‫ول غيره ‪ ،‬وما له منهم من ظهير ‪.‬‬ ‫‪ -4‬وفي الفصل الربع عشر من إنجيل متى رقم [‪ ( : ]23‬وبعد ما‬ ‫صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردًا ليصلي ) ‪.‬‬ ‫والصلة أعظم العبادات ‪ ،‬ول تكون إل من العبد الفقير المحتاج‬ ‫إلى رحمة ربه وخالقه ومعبوده ؛ كما قال تعالى ‪ :‬يا أيها‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫الناس أنتم الفقراء إلى ال وال هو الغني الحميد‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫وقال تعالى ‪ :‬لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً ل ول‬ ‫الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫فسيحشرهم إليه جميعاً‬ ‫فعيسى عبد من عباد ال ل يستنكف عن عبادة ال ولن يستنكف‬ ‫أبداً ‪.‬‬ ‫وهذا شأنه وشأن النبياء والملئكة جميعاً ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المائدة ‪.117-116 :‬‬ ‫() فاطر ‪. 15 :‬‬ ‫() النساء ‪.172 :‬‬

‫‪-17-‬‬

‫‪ -5‬وفي الفصل السادس والعشرون رقم [ ‪ : ]93‬أن المسيح ( خر‬ ‫ساجداً ل وقال‪ :‬يا أبت إن أمكن أن تصرف عني هذا البأس ولكن‬ ‫ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ) ‪.‬‬ ‫ففي هذا النص أن عيسى عبد ال ل يملك لنفسه ضراً ول نفعاً ‪،‬‬ ‫وأنه يلجأ إلى ال في الشدائد يستغيث به ويضرع إليه ليدفع عنه‬ ‫الضر والبأس فيسجد له متقربًا إليه خاضعًا له مفتقراً إليه معتقداً‬ ‫أنه ل يكشف الضر إل هو سبحانه ‪ ،‬وهذا حال الرسل جميعاً بل‬ ‫سائر البشر ‪.‬‬ ‫‪ -6‬وفي الفصل الحادي والعشرون رقم [‪ ( : ]45‬لما أرادوا أن يقبضوا‬ ‫عليه خافوا من الجموع ؛ لنه كان عندهم نبياً ) ‪.‬‬ ‫ففي هذا دليل على أن الجموع من المؤمنين بال وبعيسى أهل‬ ‫توحيد وإيمان خالص ‪ ،‬وأن هم يؤمنون بأن عيسى رسول ونبي ‪،‬‬ ‫وأن نبيهم عيسى قد علمهم ذلك ورباهم عليه ‪ ،‬ولم يكونوا‬ ‫يعتقدون فيه أنه إله أو ابن ال ‪ ،‬وحتى الناس يعلمون ذلك عنه ‪.‬‬ ‫‪ -7‬وفي الفصل ‪ 23‬رقم [‪ ( : ]8‬أما أنتم فل تدعوا أحداً سيدكم فإن سيدكم‬ ‫حتى المسيح واحد ) ‪.‬‬ ‫وهذا النص يماثل النص القرآني وهو قول ال مخبراً عن رسوله‬ ‫عيسى أنه قال لبني إسرائيل ‪ :‬وإن ال ربي وربكم ‪.‬‬ ‫فال هو رب عيسى وسيده ومربيه ومالكه ‪ ،‬ورب الناس جميعاً‬ ‫وسيدهم ومالكهم جميعاً عز شأنه وجل جلله ‪.‬‬ ‫وقد نبه الشيخ تقي الدين الهللي في رسالته البراهين ‪ :‬أن بعض‬ ‫المترجمين قد حرف هذا النص ‪ ،‬وأن الترجمة النكليزية قد‬ ‫سلمت من هذا الفساد ‪.‬‬ ‫‪ -8‬وفي الفصل السابع عشر رقم [‪ ( : ]3‬وهذه هي الحياة البدية أن‬ ‫يعرفوك أنت الله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ) ‪.‬‬ ‫وفي هذا النص إثبات ما جاء به جميع الرسل ل إله إل ال وإن‬ ‫عيسى‬ ‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-18-‬‬

‫رسول ال ‪ ،‬وهذا في زمانه ولكل أمة زمان ورسول ؛ كما قال‬ ‫تعالى ‪:‬‬ ‫وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل‬ ‫أنا‬ ‫()‬ ‫ولقد بعثنا في كل أمة رسولً أن اعبدوا ال‬ ‫فاعبدون ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫واجتنبوا الطاغوت‬ ‫‪ -9‬وفي إنجيل مرقس فصل ‪ 12‬رقم [‪ 28‬إلى ‪ ]30‬وما بعده ما نصه ‪:‬‬ ‫( فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجاب هم‬ ‫حسنًا سأله أية وصية هي أول الكل فأجابه يسوع ‪ :‬أن أول كل‬ ‫الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرّب إلهنا واحد ‪ ،‬وتحب الرب‬ ‫إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل‬ ‫قدرتك ) هذه هي الوصية الولى ‪ ،‬وفي رقم [‪ ]32‬ما نصه ‪:‬‬ ‫( فقال له الكاتب جيد يا معلم قلت وقد نطقت بالحق ؛ لن ال‬ ‫واحد ول إله غيره ) ‪ ،‬وفي رقم [‪ ( : ]34‬قال يسوع لست بعيداً‬ ‫عن ملكوت ال ) ‪.‬‬ ‫وهذه الوصية الولى هي وصية ال إلى كل رسله ومنهم عيسى‬ ‫– عليهم السلم جميعًا – ووصية الرسل إلى أممهم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫قال تعالى ‪ :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي‬ ‫إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا‬ ‫أوحينا‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه‬ ‫والدين الذي شرعه لهم هو التوحيد وهو معنى ل إله إل ال‬ ‫وأمروا جميعاً بالدعوة إليه ‪ ،‬وهو الذي يعظم على المشركين‬ ‫ويحاربون الرسل من أجله ‪.‬‬ ‫وهي وصية إبراهيم ويعقوب وهو إسرائيل ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() النبياء ‪.25 :‬‬ ‫() النحل ‪.36 :‬‬ ‫() الشورى ‪.13 :‬‬

‫‪-19-‬‬

‫القواعد من البيت وإسماعيل‬ ‫وإذ يرفع إبراهيم‬ ‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ‬ربنا وجعلنا مسلمَين لك‬ ‫ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا أنك أنت‬ ‫التواب الرحيم ‪ ‬ربنا وابعث فيهم رسولً منهم يتلوا عليهم آياتك‬ ‫ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ‪ ‬ومن‬ ‫يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا‬ ‫وإنه في الخرة لمن الصالحين ‪ ‬إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت‬ ‫لرب العالمين ‪ ‬ووصى بنها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال‬ ‫اصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون ‪ ‬أم كنتم شهدآء‬ ‫إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد‬ ‫وإلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحدًا ونحن له‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫مسلمون‬ ‫إن ها ملة عظيمة إسلم ل رب العالمين ‪ ،‬وتوبة إليه ولجوء إلى‬ ‫ال أن يجعل من ذريتهم ذرية مسلمة ‪ ،‬وأن يبعث فيهم رسولً منهم‬ ‫يتلوا عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ‪ ،‬تبعدان هم هذه‬ ‫التزكية والحكمة عن الشرك والسفه والضلل‪ ،‬والحكم من ال على‬ ‫من يرغب عن ملة وهي التوحيد إل من سفه نفسه ‪.‬‬ ‫والشاهد من هذا إلتقاء دعوات النبياء جميعاً في التوحيد‬ ‫والسلم ‪ ،‬وأنه ل إله إل ال يدعون إلى ذلك أممهم ويوصون ب ها‬ ‫من بعدهم من ذريات هم وأممهم‪ ،‬والشاهد هذا الخر هي وصية‬ ‫إسرائيل وهو يعقوب التي يطابق فيها نص النجيل النص القرآني ‪،‬‬ ‫وما في نص النجيل من الحبة داخل في الدين ‪ ،‬بل الدين يشتمل‬ ‫ل عظيمة سوى المحبة ‪.‬‬ ‫أموراً كثيرة أو أعما ً‬ ‫هذا مع جللة وروعة النص القرآني المؤثرة في الوجدان ‪،‬‬ ‫والباعثة على التعظيم والكبار واليمان بأن هذا الكلم ل يرقى إلى‬ ‫مثله البشر ‪ ،‬وأنه تن زيل من حكيم حميد على النبي المي الذي ما‬ ‫قرأ كتاباً ول خطه بيمينه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() البقرة ‪. 134-127 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-20-‬‬

‫انظر إلى قول عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ووصيته العظيمة ‪ ،‬وإلى‬ ‫إيمان الكاتب السائل المستفيد وقوله نطقت بالحق لن ال واحد ل إله‬ ‫غيره ‪.‬‬ ‫وإجابة المسيح له ‪ :‬لست بعيداً عن ملكوت ال ‪ ،‬وهذا وال أعلم‬ ‫وعد له بالجنة ‪ ،‬وفيه الدليل أن غير الموحد ل يدخل الجنة ؛ كما قال‬ ‫تعالى مخبراً عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل ‪ :‬اعبد ال ربي‬ ‫وربكم إنه من يشرك ال فقد حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫للظالمين من أنصار‬ ‫ملحظة ‪ :‬في لغة التوراة والناجيل كل تقي بر يسمى ابن ال‬ ‫ولم يختص عيسى بلفظ ابن ‪.‬‬ ‫‪ -10‬وفي الفصل الخامس من إنجيل متى ‪ ( :‬طوبى لصانعي السلم ؛‬ ‫لن هم أبناء ال يدعون ) ‪.‬‬ ‫‪ -11‬وفي الفصل نفسه رقم [‪ ( : ]45‬لتكونوا أبناء أبيكم الذي في‬ ‫السماء ) ‪.‬‬ ‫‪ -12‬وفي رقم [‪ ( : ]48‬فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في‬ ‫السماء كامل ) ‪.‬‬ ‫‪ -13‬وفي الفصل السادس رقم [‪ ( : ]1‬وإل فليس لكم أجر عند أبيكم‬ ‫الذي في السماء ) ‪.‬‬ ‫‪ -14‬وفي الفصل ‪ 23‬رقم [‪ ( : ]9‬ول تدعوا لكم أباً على الرض ؛‬ ‫لن أباكم واحد وهو الذي في السماء ) ‪.‬‬ ‫ومن ذلك تعرف أن البوة والبنوة بمعنى العلقة بين الرب‬ ‫والعبد ثابتة في النجيل لجميع الناس ‪ ،‬ول خصوصية للمسيح في‬ ‫()‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المائدة ‪. 72 :‬‬ ‫() البراهين ص ‪. 10-6‬‬

‫‪-21-‬‬

‫وقد يكون كل هذا من‬ ‫‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫تصرف بعض اليهود والنصارى‬

‫ولقد قال تعالى ‪ :‬وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال‬ ‫وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن‬ ‫يشاء ويعذب من يشاء ول ملك السماوات والرض وما بينهما‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫وإليه المصير‬ ‫والعاقل المتصف يدرك مما سقناه من نصوص القرآن ما حوته‬ ‫في طيات ها من إكرام وتبجيل وحفاوة وإشادة بعيسى وإثبات نبوته‬ ‫ورسالته ‪ ،‬وأنه من كبار الرسل العظام الذين حملوا لواء التوحيد‬ ‫ودعوا البشر إلى هذا التوحيد توحيد ال وإخلص الدين له ‪ ،‬وأن هم‬ ‫حاربوا الشرك بال وتوعدوا أهله بالخلود في النار وبئس القرار ‪.‬‬ ‫وأن ال قد برأ عيسى وأمه مما قذفهما به اليهود ‪ ،‬ورفع من‬ ‫شأن هما ‪ ،‬واعتبر قول اليهود فيه وفي أمه كفراً وب هتاناً عظيماً ‪.‬‬ ‫وقد تطابقت نصوص القرآن والنجيل على أن عيسى عبد ال‬ ‫ورسوله ‪ ،‬وهذا هو الكمال الذي ل يناله إل الرسل العظام ومنهم‬ ‫عيسى – عليه السلم – وقد جاءت السنة النبوة بمثل ذلك ‪،‬‬ ‫والمسلمون يؤمنون ب هذا كله ‪ ،‬فأي حيف في السلم والمسلمين ؟ ل‬ ‫شيء أبداً لدى العقلء والمنصفين ‪ ،‬بل حيف على ال والمر الد‬ ‫الذي تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هداً‬ ‫هو خلف ما دل عليه القرآن والسنة وما عليه المسلمون ‪ ،‬بل وما‬ ‫دلت عليه نصوص التوحيد المحفوظة في النجيل ‪.‬‬ ‫أما آن للنصارى بعد كل هذا أن يهرعوا ويبادروا إلى السلم‬ ‫ول سيما عقلؤهم ومثقفوهم وأحرار الفكر منهم ‪.‬‬ ‫إننا ندعوهم مرة أخرى أن يقوموا ل مثنى وفرادى ثم يتفكروا‬ ‫في هذا المر العظيم الذي ل أعظم منه بجد وإنصاف وطلب ُملِحّ‬ ‫لدراك الحق والحقيقة لن ها مسألة مصيرية ‪ ،‬إما إلى جنة عرضها‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() المائدة ‪. 18 :‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

‫‪-22-‬‬

‫السماوات والرض ‪ ،‬وإما إلى نار وقودها الناس والحجارة أعدت‬ ‫للكافرين خالدين فيها أبداً ‪ ،‬وهذا أمر اتفق عليه الرسل جميعاً‬ ‫وتضمنته كتبهم ومنهم عيسى عبد ال ورسوله صلى ال عليه وعلى‬ ‫نبينا وسائر النبيين والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً ‪.‬‬ ‫ويجدر هنا أن نقول لكم صادقين ‪:‬‬ ‫يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل‬ ‫ال ول نشرك به شيئًا ول يتخذ بعضنا بعضًا أرباباً من دون ال فإن‬ ‫()‬ ‫‪.‬‬ ‫تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‬ ‫إن ها دعوة جادة تتطلب منكم الجد ‪ ،‬فل يصدنكم عدو ال‬ ‫الشيطان إن الشيطان لكم عدو مبين ‪ ،‬وانه إنما يدعو حزبه ليكونوا‬ ‫من أصحاب السعير‪ ،‬وال الرؤف الرحيم يدعوكم إلى الجنة‬ ‫والمغفرة ‪ ،‬وال يدعو إلى دار السلم ويهدي من يشاء إلى صراط‬ ‫مستقيم ‪.‬‬ ‫ووال إن السعادة كل السعادة في الدنيا والخرة في السلم‬ ‫العظيم الذي شرعه رب العالمين ‪ ،‬أرحم الراحمين ‪ ،‬ووال إن فيه‬ ‫الحلول الكاملة لكل مشاكل البشر العقائدية والسياسية والجتماعية‬ ‫والقتصادية والخلقية ‪ ،‬وفيه القضاء على العداوات والحقاد‬ ‫والضغائن التي تحصد حياة البشر حصدًا بل تحولها إلى جحيم ‪.‬‬ ‫فل دين اليوم ول منهج على وجه الرض يتضمن ويضمن ما‬ ‫قلناه آنفاً بحق إل هذا الدين العظيم بقرآنه المعجز وسنته العظيمة‬ ‫وقواعده المحكمة الحكيمة وأصوله المتينة ‪.‬‬ ‫فهلموا هلموا إلى السباب الحقيقية للنجاة من شقاء الدنيا والخر‬ ‫‪ ،‬وإلى النجاة من الحروب المدمرة والكروب الخانقة ‪.‬‬ ‫اللهم اهد هذه المم إلى دينك القويم وصراطك المستقيم إنك على‬ ‫شيء قدير وبالجابة جدير ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫() آل عمران ‪. 64 :‬‬

‫‪-23-‬‬

‫نبين فيه عظمة السلم ‪ ،‬وصدق‬ ‫وللبحث صلة إن شاء ال‬ ‫رسول السلم‪ ،‬وبعده ورسالته عن الفراط والتفريط ‪ ،‬وموافقته‬ ‫للعقول الرصينة والفطر السليمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪www.rabee.net‬‬

Related Documents

Islaam
November 2019 8
Jezus In De Islaam
May 2020 3
Five Pillars Of Islaam
October 2019 30
Dawet Islaam
October 2019 12