محمد رسول الله كأنك تراه

  • Uploaded by: Abdullah Alshehri
  • 0
  • 0
  • October 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View محمد رسول الله كأنك تراه as PDF for free.

More details

  • Words: 21,202
  • Pages: 92
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم‬ ‫كأنك تراه‬

‫بقلم‪:‬‬ ‫د‪ .‬عائض بن عبدال‬ ‫القرني‬ ‫إعداد‪ :‬م‪.‬عبدالله بن علي صغير‬ ‫‪1‬‬

‫نشر موقع صيد الفوائد‬ ‫‪www.saaid.net‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫الحمد ل‪ ،‬والصلة والسلم على عبدال ورسوله محمد‪ ،‬وآله وصحبه‪ ،‬أما بعد‬ ‫‪:‬‬ ‫فل أستطيع أن ألزم الحياد في كتابتي عن أحبّ إنسان الى قلبي‪ :‬محمد رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬إنني ل أكتب عن زعيم سياسي قدّم لشعبه أطروحته وعرض على أتباعه فكرته‪ ،‬ليقيم دولة في‬ ‫زاوية من زوايا الرض‪ ،‬بل أكتب عن رسول ربّ العالمين‪ ،‬المبعوث رحمة للناس أجمعين‬ ‫‪.‬‬ ‫ولن ألزم الحياد وأنا أكتب عنه؛ لنني ل أكتب عن خليفة من الخلفاء له جنود وبنود ولديه حشود‬ ‫وعنده قناطير مقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسّومة والنعام والحرث‪ ،‬ولكنني أكتب عن‬ ‫الرحمة المهداة والنعمة المسداة‪ :‬محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬ ‫‪.‬‬ ‫ولن ألزم الحياد لنني ل أتكلم عن سلطان من السلطين قهر الناس بسيفه وسوطه‪ ،‬وأخاف الناس‬ ‫بسلطانه وهيمانه وصولجانه‪ ،‬لكنني أتكلم عن معصوم شرح ال صدره ووضع عنه وزره‪ ،‬ورفع له‬ ‫ذكره‬ ‫‪.‬‬ ‫ولن ألزم الحياد لنني ل أتكلم عن شاعر هدّار‪ ،‬أو خطيب ثرثار‪ ،‬أو متكلم موّار‪ ،‬أو فيلسوف هائم‪،‬‬ ‫أو روائي متخيل‪ ،‬أو كاتب متصنّعن أو تاجر منعم‪ ،‬بل أتحدث عن نبي خاتم‪ ،‬نزل عليه الوحي‪ ،‬وهبط‬ ‫عليه جبريل‪ ،‬ووصل سدرة المنتهى‪ ،‬له شفاعة كبرى‪ ،‬ومنزلة عظمى‪ ،‬وحوض مورود‪ ،‬ومقام‬ ‫محمود‪ ،‬ولواء معقود‪ ،‬فكيف ألزم الحياد إذاً؟‬

‫‪2‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫أتريد أن أحبس عواطفي وأن أقيد ميولي وأن أربط على نبضات قلبي وأنا أكتب عن أحب إنسان إلى قلبي وأغلى‬ ‫رجل وأعز مخلوق على نفسي؟ إن هذا لشيء عجاب‬ ‫!‬ ‫أتريد مني أن أكفكف دموعي وأنا أخطّ سيرته‪ ،‬وأن أخمد لهيب روحي وأنا أسطّر أخباره‪ ،‬وأن أجمد خلجات‬ ‫فؤادي وأنا أدبج ذكرياته؟! لن أستطيع هذا‪ ،‬كل وألف كل‬ ‫‪.‬‬ ‫لنني أكتب عن أسوة وإمام معي بهداه في كل شاردة وواردة‪ ،‬أصلي فأذكره لنه يقول‪" :‬صلوا كما رأيتموني‬ ‫أصلي" البخاري ‪ ،631‬أحجّ فأذكره لنه يقول‪ ":‬لتأخذوا عني مناسككم" مسلم ‪ ،1297‬في كل طرفة عين أذكره لنه‬ ‫يقول‪ ":‬من رغب عن سنتي فليس مني" البخاري ‪ 5063‬ومسلم ‪ ،1401‬وفي كل لحظة أذكره لن ال يقول‪:‬‬ ‫لّ أُسْوَ ٌة حَسَنَةٌ ) الحزاب ‪.21‬‬ ‫(َلقَدْ كان لَكُمْ فِي رَسُولِ ا ِ‬ ‫إنني أكتب عن أغلى الرجال وأجلّ الناس وأفضل البشر وأزكى العالمين‪ ،‬مرجعي في ذلك دفتر الحب المحفوظ في‬ ‫قلبي‪ ،‬ومصدري في ذلك ديوان العجاب المخطوط في ذاكرتي‪ ،‬فكأنني أكتب بأعصاب جسمي وشرايين قلبي‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫قصة النبوة‬ ‫محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم كأنك تراه‬ ‫‪:‬اسمه‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬اسم على مسمّى‪ ،‬علم على رمز‪ ،‬ووصف على إمام‪ ،‬جمع المحامد‪ ،‬وحاز المكارم‪،‬‬ ‫واستولى على القيم‪ ،‬وتفرّد بالمثل‪ ،‬وتميّز بالريادة‪ ،‬محمود عند ال لنه رسوله المعصوم‪ ،‬ونبيّه الخاتم‪ ،‬وعبده‬ ‫الصالح‪ ،‬وصفوته من خلقه‪ ،‬وخليله من أهل الرض‪ ،‬ومحمود عند الناس لنه قريب من القلوب‪ ،‬حبيب الى‬ ‫النفوس‪ ،‬رحمة مهداة‪ ،‬ونعمة مسداة‪ ،‬مبارك أينما كان‪ ،‬محفوف بالعناية أينما وجد‪ ،‬محاط بالتقدير أينما حلّ‬ ‫‪ :‬وارتحل‪ ،‬حمدت طبائعه لنها هذّبت بالوحي‪ ،‬وشرفت طباعه لنها صقلت بالنبوة‪ ،‬فال محمود ورسوله محمد‬ ‫وشقّ له من اسمه ليجلّه‬ ‫فذو العرش محمود وهذا محمّد‬ ‫واسمه أحمد‪ ،‬بشّر بذلك عيسى قومه‪ ،‬واسمه العاقب والحاشر والماحي‪ ،‬وهو خاتم الرسل وخيرة النبياء‪،‬‬ ‫وخطيبهم إذا وفدوا‪ ،‬وإمامهم إذا وردوا‬ ‫‪.‬‬ ‫صاحب الحوض المورود‪ ،‬واللواء المعقود‪ ،‬والمقام المحمود‪ ،‬صاحب الغرّة والتحجيل‪ ،‬المذكور في التوراة‬ ‫والنجيل‪ ،‬المؤيّد بجبريل‪ ،‬حامل لواء العزّ في بني لؤي‪ ،‬وصاحب الطود المنيف في بني عبدمناف بن قصي‪،‬‬ ‫ل مصلح وهاد‪ ،‬جليل القدر‪ ،‬مشروح الصدر‪ ،‬مرفوع‬ ‫أشرف من ذُكر في الفؤاد‪ ،‬وصفوة الحواضر والبوادي‪ ،‬وأج ّ‬ ‫الذكر‪ ،‬رشيد المر‪ ،‬القائم بالشكر‪ ،‬المحفوظ بالنصر‪ ،‬البريء من الوزر‪ ،‬المبارك في كل عصر‪ ،‬المعروف في‬ ‫كل مصر‪ ،‬في همة الدهر‪ ،‬وجود البحر‪ ،‬وسخاء القطر‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه وآله وصحبه‪ ،‬ما نجمٌ بدا‪،‬‬ ‫وطائر شدا‪ ،‬ونسيم غدا‪ ،‬ومسافر حدا‬ ‫‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم كأنك تراه‬ ‫‪:‬واما نسبه‬

‫فالرسول صلى ال عليه وسلم خيار من خيار‪ ،‬الى نسبه يعود كل مخار‪ ،‬وهو من‬ ‫نكاح ل من سفاح‪ ،‬آباؤه سادات الناس‪ ،‬وأجداده رؤوس القبائل‪ ،‬جمعوا المكارم كابرا‬ ‫عن كابر‪ ،‬واستولى على معالي المور‪ ،‬فلن تجد في صفة عبدالمطلب أجلّ منه‪ ،‬ول‬ ‫في قرن هاشم أنبل منه‪ ،‬ول في أتراب عبد مناف اكرم منه‪ ،‬ول في رعيل قصيّ‬ ‫أعلى كعبا منه‪ ،‬وهكذا دواليك‪ ..‬حتى عليه السلم‪ ،‬فهو صلى ال عليه وسلم سيد من‬ ‫سيد يروي المكارم أبا عن جد‬ ‫‪:‬‬ ‫نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى‬ ‫نورا ومن فلق الصباح عمودا‬

‫‪5‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم كأنك تراه‬ ‫‪:‬وأما موطنه عليه الصلة والسلم‬ ‫ب البلد إليه سبحانه‪ ،‬البلد الحرام‪ ،‬والتربة الطاهرة‪،‬‬ ‫فقد اختار ال له من بقاع العالم ومن بين أصقاعها أح ّ‬ ‫والرض المقدسة‪ ،‬والوطن المحاط بالعناية المحروس بالرعاية فولد صلى ال عليه وسلم في مكة حيث صلى‬ ‫النبياء‪ ،‬وتهجّد المرسلون‪ ،‬وهبط الوحي‪ ،‬وطلع النور‪ ،‬وأشرقت الرسالة‪ ،‬وسطعت النبوة‪ ،‬وانبلج فجر البعثة‪،‬‬ ‫وحيث البيت العتيق‪ ،‬والعهد الوثيق‪ ،‬والحب العميق‪ ،‬فمكة مسقط رأس المعصوم‪ ،‬وفيها مهد طفولته‪ ،‬وملعب‬ ‫صباه‪ ،‬ومعاهد شبابه‪ ،‬ومراتع فتوّته‪ ،‬ورياض أنسه‬ ‫‪.‬‬ ‫وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها‬ ‫بلدٌ نيطت عليّ تمائمي‬ ‫ففيها رضع لبن الطهر‪ ،‬ورشف ماء النبل‪ ،‬وحسا ينبوع الفضيلة‪ ،‬وفيها درج‪ ،‬ودخل وخرج‪ ،‬وطلع وولج‪ ،‬فهي‬ ‫وطنه الول‪ ،‬بأبي هو وأمي‪ ،‬وهي بلدته العزيزة الى فؤاده‪ ،‬الحبيبة الى قلبه‪ ،‬الثيرة الى روحه بنفسي هو‬ ‫‪.‬‬ ‫معاهد قضاها الشباب هنالكا‬ ‫وحبّب أوطان الرجال إليهم‬ ‫فهناك في مكة صنع ملحمته الكبرى‪ ،‬وبثّ دعوته العظمى‪ ،‬وأرسل للعالمين خطابه الحا ّر الصادق‪ ،‬وبعث لهل‬ ‫الرض رسالته المشرقة الساطعة‪ ،‬حتى إنه لما أخرج من مكة ودّعها وداع الوفياء وفارقها وما كاد يتحمّل هذا‬ ‫الفراق قال ال تعالى (ل أقسم بهذا البلد* وأنت حل بهذا البلد) البلد ‪2-1‬‬

‫‪6‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم طفل‪:‬‬ ‫فإن الطهر ولد معه والبِشر صاحبه‪ ،‬والتوفيق رافقه‪ ،‬فهو طفل لكن ل كالطفال‪ ،‬براءة في نجابة‪،‬‬ ‫وذكاء مع زكاء‪ ،‬وفطنه مع عناية‪ ،،‬فعين الرعاية تلحظه‪ ،‬ويد الحفظ تعاونه‪ ،‬وأغضان الولية تظلله‪،‬‬ ‫فهو هالة النور بين الطفال‪ ،‬حفظه ال من الرعونة ومن كل خلق رديء ووصف مقيت ومذهب‬ ‫سيء‪ ،‬لنه من ثغره مرشح لصلح العالم‪ ،‬مهيأ لسعاد البشرية‪ ،‬معدّ بعناية لخراج الناس من‬ ‫الظلمات الى التور‪ ،‬فهو الرجل لكن النبي‪ ،‬والنسان لكن الرسول‪ ،‬والعبد لكن المعصوم‪ ،‬والبشر لكن‬ ‫الموحى إليه‬ ‫‪.‬‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم ليس زعيما فحسب‪ ،‬لن الزعماء عدد شعر الرأس‪ ،‬لهم طموحات من‬ ‫العلوم ومقاصد من الرئاسة ومآرب من الدنيا‪ ،‬أما هو فصالح مصلح‪ ،‬هادٍ مهدي‪ ،‬معه كتاب سنة‪،‬‬ ‫ونور وهدى‪ ،‬وعلم نافع وعمل صالح‪ ،‬فهو لصلح الدنيا والخرة‪ ،‬ولسعادة الروح والجسد‬ ‫‪.‬‬ ‫ومحمد صلى ال عليه وس لم ليس عالما فحسب‪ ،‬بل يعلّم بإذن ال العلماء‪ ،‬ويفقه الفقهاء‪ ،‬ويرشد‬ ‫هدِي إِلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ) الشورى ‪52‬‬ ‫الخطباء‪ ،‬ويهدي الحكماء‪ ،‬ويدل الناس الى الصواب ( وَإِ ّنكَ لَتَ ْ‬ ‫فكلهم من رسول ال ملتمسٌ‬ ‫غرفاً من البحر أو رشفاً من اليمّ‬

‫‪7‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم طفل‪:‬‬ ‫ومحمد صلى ال عليه وسلم ليس ملكا يبسط سلطانه وينشر جنوده وأعوانه‪ ،‬بل إمام معصوم ونبي نرسل‪،‬‬ ‫وبشير ونذير لكل ملك ومملوك‪ ،‬وحر وعبد‪ ،‬وغني وفقير‪ ،‬وأبيض وأسود‪ ،‬وعربي وعجمي ( وَمَا أرسلناك‬ ‫مةً لّلْعَالَمِينَ ) النبياء ‪107‬‬ ‫إِلّ رَحْ َ‬ ‫ويقول عليه الصلة والسلم‪ ":‬والذي نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه المة‬ ‫يهودي ول نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من أصحاب النار"‪ .‬أخرجه مسلم ‪ 153‬عن أبي‬ ‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫وأما شبابه‪ ،‬فهو زينة الشباب وجمال الفتيان‪ ،‬عفة ومروءة وعقل وأمانة وفصاحة‪ ،‬لم يكن يكذب كذبة‬ ‫واحدة‪ ،‬ولم تعلم له عثرة واحدة ول زلة واحدة ول منقصة واحدة‪ ،‬فهو طاهر الزار مأمون الدخيلة‪ ،‬زاكي‬ ‫السر والعلن‪ ،‬وقور المقام‪ ،‬محترم الجانب‪ ،‬أريحيّ الخلق‪ ،‬عذب السجايا‪ ،‬صادق المنطق‪ ،‬عفّ الخصال‪،‬‬ ‫حسن الخلل‪.‬‬ ‫لم يستطع أعداؤه حفظ زلة عليه مع شدة عداوتهم وعظيم مكرهم وضراوة حقدهم‪ ،‬بل لم يعثروا في ملف‬ ‫خلقه الكريم على ما يعيب‪ ،‬بل وجدوا والحمد ل كل ما غاظهم من نبل الهمة ونظافة السجل‪ ،‬وطهر في‬ ‫السيرة‪ ،‬وجدوا الصدق الذي يباهي سناء الشمس‪ ،‬ووجدوا الطهر الذي يتطهر به ماء الغمام‪ ،‬فهو بنفس‬ ‫الغاية في كل خلق شريف وفي كل مذهب عفيف‪ ،‬فكان في عنفوان شبابه مستودع المانات ومردّ الراء‬ ‫خلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم ‪4‬‬ ‫ومرجع المحاكمات ومضرب المثل في البرّ والسموّ والرشد والفصاحة ( َوإِ ّنكَ لَعَلى ُ‬

‫‪8‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم رسول‪:‬‬ ‫ن النّ َبإِ الْعَظِيمِ * الّذِي‬ ‫فهو النبأ العظيم‪ ،‬والحدث الهائل‪ ،‬والخبر العجيب‪ ،‬والشأن الفخم‪ ،‬والمر الضخم (عَمّ يَتَسَاءلُونَ * عَ ِ‬ ‫هُمْ فِيهِ مُخْ َتِلفُونَ) النبأ ‪ ،3-1‬فمبعثه حقيقة هو أروع النباء وأعظم الخبار الذي سارت به الخبار‪ ،‬وتحدّث به السمّار‪ ،‬ورعاه‬ ‫الركبان‪ ،‬واندهش منه الدهر‪ ،‬وذهب منه الزمن‪ ،‬فقد استدار له التاريخ ووقفت له اليام‪ ،‬فقصة إرساله عليه الصلة والسلم ل‬ ‫يلفها الظلم ول تغطيها الريح ول يحجبها الغمام‪ ،‬فإنما هي قصة عبرت البحار واجتازت القفار‪ ،‬ونزلت على العالم نزول‬ ‫طفِؤُوا نُورَ الِّ بِأَفْوَاهِهِمْ وَالُّ مُتِمّ نُورِهِ‬ ‫الغيث‪ ،‬وأشرقت إشراق الشمس‪ ،‬فهو بإختصار نور‪ ،‬وهل يخفى النور؟ (يُرِيدُونَ لِيُ ْ‬ ‫َولَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) الصف‪.8‬‬ ‫ح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ ":‬مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل الغيث" أخرجه البخاري ‪ ،79‬ومسلم‬ ‫وص ّ‬ ‫‪ 2282‬عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه‪.‬‬

‫عدوّك مذمومٌ بكل لسان وإن كان أعداءك القمران‬ ‫ول س ّر في علك وإنما كلم‬

‫الورى ضرب من الهذيان‬

‫فهو عليه الصلة والسلم بعث ليعبد ال وحده ل شريك له‪ ،‬بعث ليوحد ال‪ ،‬بعث ليقال في الرض‪ :‬ل اله إل ال محمد رسول‬ ‫ق الحق ويبطل الباطل‪ ،‬بعث بالمحجة البيضاء والملة الغرّاء والشريعة السمحاء‪ ،‬بعث بالعدل والحسان وإيتاء‬ ‫ال‪ ،‬بعث ليح ّ‬ ‫ذي القربى‪ ،‬بعث بالخير والسلم والب ّر والمحبة والسعادة والصلح‪ ،‬والمن واليمان‪ ،‬بعث بالطهارة والصلة والزكاة والصوم‬ ‫والحج والجهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬بعث بمعالي المور ومكارم الخلق ومحاسن الطباع ومجامع الفضيلة‪،‬‬ ‫بعث لدحض الشرك وسحق الصنام وكسر الوثان وطرد الجهل ومحاربة الظلم وإزهاق الباطل ونفي الرذيلة‪ ،‬فما من خير إل‬ ‫دلّ عليه‪ ،‬وما من ش ّر إل حذّر منه‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم رسول‪:‬‬ ‫وأما خلقه عليه الصلة والسلم فإن ال هو الذي أدّبه فأحسن تأديبه‪ ،‬فهو أحسن الناس خلقا‪ ،‬وأسدّهم قول‪ ،‬وأمثلهم‬ ‫طريقة‪ ،‬وأصدقهم خبرا‪ ،‬وأعدلهم حكما‪ ،‬وأطهرهم سريرة‪ ،‬وأنقاهم سيرة‪ ،‬وأفضلهم سجايا‪ ،‬وأجودهم يدا‪ ،‬وأسمحهم‬ ‫خاطرا‪ ،‬وأصفاهم صدرا‪ ،‬وأتقاهم لربه‪ ،‬وأخشاهم لموله‪ ،‬وأعلمهم بالمة‪ ،‬وأوصلهم رحمة‪ ،‬وأزكاهم منبتا‪ ،‬وأكرمهم‬ ‫محتدا‪ ،‬وأشجعهم قلبا‪ ،‬وأثبتهم جنانا‪ ،‬وأمضاهم حجة‪ ،‬وخيرهم نفسا ونسبا وخلقا ودينا‪.‬‬ ‫فهو جميل الصفات مشرق المحيّا‪ ،‬قريب من القلوب‪ ،‬حبيب الى الرواح‪ ،‬سهل الخليقة‪ ،‬مي سّر الطريقة‪ ،‬مبارك‬ ‫الحال‪ ،‬تعلوه مهابة وترافقه جللة‪ ،‬على وجهه نور الرسالة‪ ،‬وعلى ثغره بسمة المحبة‪ ،‬ح يّ القلب‪ ،‬ذكي الخاطر‪،‬‬ ‫عظيم الفطنة‪ ،‬سديد الرأي‪ ،‬ريان المشاعر بالخير‪ ،‬يسعد به جليسه‪ ،‬وينعم به رفيقه‪ ،‬ويرتاح له صاحبه‪ ،‬يح بّ الفأل‬ ‫ويكره الطيرة‪ ،‬يعفو ويصفح‪ ،‬ويسخو ويمنح‪ ،‬أجود من الريح المرسلة‪ ،‬وأكرم من الغيث الهاطل‪ ،‬وأبهى من البدر‪،‬‬ ‫وسع الناس بأخلقه وطوّق الرجال بكرمه‪ ،‬وأسعد البشرية بدعوته‪ ،‬من رآه أحبّه‪ ،‬ومن عرفه هابه‪ ،‬ومن داخله أجلّه‪،‬‬ ‫كلمه يأخذ بالقلوب‪ ،‬وسجاياه تأسر الرواح‪.‬‬ ‫ثبّت ال قلبه فل يزيغ‪ ،‬وسدّد كلمه فل يجهل‪ ،‬وحفظ عينه فل تخون‪ ،‬وح صّن لسانه فل يزل‪ ،‬ورعى دينه فل‬ ‫يضل‪ ،‬وتولى أمره فل يضيع‪ ،‬فهو محفوظ مبارك ميمون { َوإِنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم ‪ { ،4‬فَبِمَا َرحْمَةٍ مّنَ الّ لِنتَ‬ ‫لَهُمْ } آل عمران‪.159‬يقول عليه الصلة والسلم‪ ":‬إن أتقاكم وأعلمكم بال أنا" أخرجه البخاري ‪ 20‬عن عائشة رضي‬ ‫ال عنها‪ .‬ويقول‪ ":‬خيركم خيركم لهله وأنا خيركم لهله" أخرجه الترمذي ‪ 3895‬والبيهقي في السنن ‪ 15477‬عن‬ ‫عائشة‪ .‬ويروى عنه أنه قال‪ ":‬إنما بعثت لتمم مكارم الخلق" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ‪ .20571‬فسبحان‬ ‫من اجتباه واصطفاه وتوله وحماه ورعاه وكفاه‪ ،‬ومن كل بلء حسن أبله‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫وأما دينه‪:‬‬ ‫لمِ دِينًا‬ ‫فهو السلم‪ ،‬دين الفطرة‪ ،‬دين الوسط‪ ،‬دين الفلح والنجاة‪ ،‬أحبّ الديان الى ال {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الِسْ َ‬ ‫َفلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران (‪ ، )85‬دين جاء لوضع الصار والغلل عن المة‪،‬‬ ‫لمَ دِيناً }‬ ‫سهل مي سّر‪ ،‬عام شامل‪ ،‬كامل تام { الْيَوْ مَ أَكْمَلْ تُ لَكُ مْ دِينَكُ مْ وَأَتْمَمْ تُ عَلَيْكُ مْ نِعْمَتِي وَرَضِي تُ لَكُ مُ الِسْ َ‬ ‫المائدة ‪.3‬‬ ‫دين جاء ليخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة ربّ العباد‪ ،‬ومن ضيق الدنيا الى سعة الخرة‪ ،‬ومن ظلمات‬ ‫الشرك الى نور التوحيد‪ ،‬ومن شقاء الكفر الى سعادة اليمان‪.‬‬ ‫دي ن ص الح لك ل زمان ومكان‪ ،‬شرع ه م ن يغف ر الزل ة‪ ،‬وه و الذي يعل م الس رّ وأخف ى‪ ،‬العال م بعلني ة العبد‬ ‫والنجوى‪.‬‬ ‫وهو الدين الوسط الذي جاء بالعلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬خلف ما كان عليه اليهود؛ لن عندهم علم غير‬ ‫نافع لم يعملوا به‪ ،‬فغضب ال عليهم‪ ،‬وخلف النصارى؛ لن عندهم عمل بل علم‪ ،‬فضلوا سواء السبيل‪ .‬فدين‬ ‫السلم صراط الذين أنعم ال عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين‪ .‬فالرسول صلى ال عليه وشلم بعث‬ ‫أميا من الميين يتلو عليهم آيات ال ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬وإن كانوا من قبله لمن الضالين‪ ،‬فجاء‬ ‫هذا الدين بتحريم الكذب في القوال والزور في الشهادة‪ ،‬والظلم في الحكام‪ ،‬والجور في الولية‪ ،‬والتصفيف‬ ‫في المكيال والميزان‪ ،‬والبغ ي عل ى الناس والعتداء عل ى الغي ر والضرار بالنف س والناس‪ ،‬فحف ظ القلب‬ ‫باليمان‪ ،‬والجس م بأس باب الص حة‪ ،‬والمال م ن التل ف‪ ،‬والعرض م ن النتهاك‪ ،‬والدم م ن الس فك‪ ،‬والعق ل من‬ ‫إذهابه وتغييره‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫وأما كتابه‪:‬‬ ‫وأما كتابه‪:‬‬ ‫فهو القرآن‪ ،‬أفضل الكتب وأجلّ المواثيق‪ ،‬وأحسن القصص وأحسن الحديث‪ ،‬فهو الحق المهيب الذي ل‬ ‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬كتاب ف صّلت آياته ثم أحكمت‪ ،‬مبارك في‬ ‫تلوته وتدبره والستشفاء به والتحاكم اليه والعمل به‪ ،‬كل حرف منه بعشر حسنات‪ ،‬شافع مشفّع‪ ،‬وشاهد‬ ‫صادق‪ ،‬أنيس ممتع‪ ،‬وسمير مفيد‪ ،‬وصاحب أمين‪ ،‬معجز مؤثر‪ ،‬له حلوة وعليه طلوة‪ ،‬يعلو ول يعلى‬ ‫عليه‪ ،‬ليس بسحر ول شعر ول بكهانة ول بقول بشر‪ ،‬بل هو كلم ال‪ ،‬منه بدا وإليه يعود‪ ،‬نزل به الروح‬ ‫المي ن عل ى قل ب رس ول ربّ العالمي ن ليكون م ن المرس لين‪ ،‬بلس ان عرب ي م بين‪ ،‬فهو الكتاب الذي بزّ‬ ‫فصاحة‪ ،‬وفاقها بلغة‪ ،‬وعل عليها حجة وبيانا‪ ،‬وهو هدى ورحمة وموعظة وشفاء لما في الصدور‪ ،‬ونور‬ ‫وبرهان ورشد وسداد ونصيحة وتعليم‪ ،‬محفوظ من التبديل‪ ،‬محروس من الزيادة والنقص‪ ،‬معجزة خالدة‪،‬‬ ‫عصمة لمن اتبعه ونجاة لمن عمل به‪ ،‬وسعادة لمن استرشده‪ ،‬وفوز لمن اهتدى بهديه‪ ،‬وفلح لمن حكمه‬ ‫في حياته‪ .‬يقول عليه الصلة والسلم‪ ":‬اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لصحابه " أخرجه مسلم‬ ‫‪ 804‬عن أبي أمامة الباهلي رضي ال عنه‪ ،‬وقال‪ ":‬خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه " أخرجه البخاري ‪ 5027‬عن عثمان‬ ‫رضي ال عنه‪ ،‬وقال‪ ":‬إن ال يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" أخرجه مسلم ‪ 817‬عن عمر رضي ال عنه‪.‬‬ ‫وهو الكتاب الذي أفحم الشعراء‪ ،‬وأسكت الخطباء‪ ،‬وغلب البلغاء‪ ،‬وقهر العرب العرباء‪ ،‬وأعجز الفصحاء‪،‬‬ ‫وأعجب العلماء وأذهل الحكماء {إِنّ هَ ذَا الْقُرْآنَ يِ ْهدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ{ السراء ‪.9‬‬

‫‪12‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم صادقا‪:‬‬ ‫محمد صلى ال عليه وسلم صادقا‪:‬‬ ‫فهو أصدق من تكلم‪ ،‬كلمه حق وصدق وعدل‪ ،‬لم يعرف الكذب في حياته جادّا أو مازحا‪ ،‬بل حرّم‬ ‫الكذب وذمّ أهله ونهى عنه‪ ،‬وقال‪ ":‬إنّ الصدق يهدي الى البر‪ ،‬وإن البرّ يهدي الى الجنة‪ ،‬ول يزال الرجل‬ ‫يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صدّيقا ‪ "..‬الحديث أخرجه البخاري ‪ 6094‬ومسلم ‪ 2607‬عن عبدال بن‬ ‫مسعود رضي ال عنه‪.‬‬

‫وأخبر ان المؤمن قد يبخل وقد يجبن‪ ،‬لكنه ل يكذب أبدا‪ ،‬وحذر من الكذب في المزاح لضحاك القوم‪،‬‬ ‫فعاش عليه الصلة والسلم والصدق حبيبه وصاحبه‪ ،‬ويكفيه صدقا صلى ال عليه وسلم أنه أخبر عن ال‬ ‫بعلم الغيب‪ ،‬وائتمنه ال على الرسالة‪ ،‬فأداها للمة كاملة تامة‪ ،‬لم ينقص حرفا ولم يزد حرفا‪ ،‬وبلّغ المانة‬ ‫عن ربه بأت مّ البلغ‪ ،‬فكل قوله وعمله وحاله مبني على الصدق‪ ،‬فهو صادق في سلمه وحربه‪ ،‬ورضاه‬ ‫وغضبه‪ ،‬وجدّ وهزل ه‪ ،‬وبيانه وحكمه‪ ،‬صادق مع القريب والبعيد‪ ،‬والصديق والعدو‪ ،‬والرجل والمرأة‪،‬‬ ‫صادق في نفسه ومع الناس‪ ،‬في حضره وسفره‪ ،‬وحلّه وإقامته‪ ،‬ومحاربته ومصالحته‪ ،‬وبيعه وشرائه‪،‬‬ ‫وعقوده وعهوده ومواثيق ه‪ ،‬وخطب ه ورس ائله‪ ،‬وفتاوي ه وقص صه‪ ،‬وقول ه ونقل ه‪ ،‬وروايت ه ودرايت ه‪ ،‬بل‬ ‫معصوم من أن يكذب‪ ،‬فال مانعه‬

‫‪13‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم صادقا‪:‬‬ ‫وحامي ه م ن هذا الخل ق المشي ن‪ ،‬ق د أقام لس انه وس دّد لفظ ه‪ ،‬وأص لح نطق ه وقوّم حديث ه‪ ،‬فه و الصادق‬ ‫المص دوق‪ ،‬الذي ل م يحف ظ ل ه حرف واح د غي ر ص ادق في ه‪ ،‬ول كلم ة واحدة خلف الح ق‪ ،‬ول م يخالف‬ ‫ظاهره باطنه‪ ،‬بل حتى كان صادقا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه‪ ،‬وهو الذي يقول‪ ":‬ما كان لنبي أن‬ ‫تكون له خائنة أعين " أخرجه أبو داود ‪ 4359‬والنسائي ‪ ،4067‬وذلك لما قال له أصحابه‪ :‬أل أشرت لنا بعينك‬ ‫في قتل السير؟!‬ ‫بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه‪ ،‬فكلمه صدق وسنّته صدق‪ ،‬ورضاه صدق وغضبه صدق‪،‬‬ ‫ومدخل ه ص دق ومخرج ه ص دق‪ ،‬وضحك ه ص دق وبكاؤ ه ص دق‪ ،‬ويقظت ه ص دق ومنام ه ص دق {لِيَسْأَلَ‬ ‫صدْقِهِمْ } الحزاب ‪ { ، 8‬يَا أَيّهَا اّلذِي نَ آمَنُواْ اتّقُواْ الّ وَكُونُواْ مَعَ الصّادِقِينَ } التوبة ‪{ ،119‬فََلوْ‬ ‫الصّادِقِينَ عَن ِ‬ ‫صدَقُوا الَّ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ } محمد‪.21‬‬ ‫َ‬ ‫فهو صلى ال عليه وسلم صادق مع ربه‪ ،‬صادق مع نفسه‪ ،‬صادق مع الناس‪ ،‬صادق مع أهله‪ ،‬صادق‬ ‫مع أعدائه‪ ،‬فلو كان الصدق رجلً لكان محمداً صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهل يُتعلم الصدق إل منه بأبي هو‬ ‫وأم؟ وهل ينقل الصدق إل عنه بنفسي هو؟ فهو الصادق المين في الجاهلية قبل السلم والرسالة‪ ،‬فكيف‬ ‫حاله بال بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوّته وإكرام ال له بالصطفاء والجتباء والختيار؟!‬

‫‪14‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم صابرا‪:‬‬ ‫فل يعلم أحد مرّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والزمات كما مرّ به صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو صابر محتسب‬ ‫ك ِإلّ بِالّ } النحل ‪ ،127‬صبرعلى اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة‬ ‫{وَاصْبِ ْر وَمَا صَبْ ُر َ‬ ‫العدو أحيانا‪ ،‬وصبر على الطرد من الوطن والخراج من الدار والبعاد عن الهل‪ ،‬وصبر على قتل القرابة والفتك بالصحاب‬ ‫وتشريد التباع وتكالب العداء وتحزّب الخصوم واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل العراب‬ ‫وجفاء البادية ومكر اليهود وعتوّ النصارى وخبث المنافقين وضرواة المحاربين‪ ،‬وصبر على تجهّم القريب وتكالب البعيد‪،‬‬ ‫وصولة الباطل وطغيان المكذبين‪ ..‬صبر على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها‪ ،‬فلم يتعلق منها بشيء‪ ،‬وصبر على‬ ‫إغراء الولية وبريق المنصب وشهوة الرئاسة‪ ،‬فصدف عن ذلك كله طلبا لمرضاة ربه‪ ،‬فهو صلى ال عليه وسلم الصابر‬ ‫علَى‬ ‫المحتسب في كل شأن من شؤون حياته‪ ،‬فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه‪ ،‬كلما أزعجه كلم أعدائه تذكّر {فَاصْبِ ْر َ‬ ‫مَا يَقُولُونَ } طه ‪ ،130‬وكلما بلغ به الحال أشدّه والمر أضيقه تذكّر {فَصَبْ ٌر جَمِيلٌ } يوسف ‪ ،18‬وكلما راعه هول العدو‬ ‫ن ال ّرسُلِ } الحقاف ‪.35‬‬ ‫وأقضّ مضجعه تخطيط الكفار تذكّر{فَاصْبِ ْر كَمَا صَبَ َر ُأ ْولُوا الْعَزْ ِم مِ َ‬ ‫وصبره صلى ال عليه وسلم صبر الواثق بنصر ال‪ ،‬المطمئن الى وعد ال‪ ،‬الراكن الى موله‪ ،‬المحتسب الثواب من ربّه جلّ‬ ‫في عله‪ ،‬وصبره صبر من علم أن ال سوف ينصره ل محالة‪ ،‬وأن العاقبة له‪ ،‬وأن ال معه‪ ،‬وأن ال حسبه وكافيه‪ ،‬يصبر‬ ‫صلى ال عليه وسلم على الكلمة النابية فل تهزه‪ ،‬وعلى اللفظة الجارحة فل تزعجه‪ ،‬وعلى اليذاء المتعمّد فل ينال منه‪.‬‬ ‫مات عمه فصبر‪ ،‬وماتت زوجته فصبر‪ ،‬وقتل حمزة فصبر‪ ،‬وأبعد من مكة فصبر‪ ،‬وتوفي ابنه فصبر‪ ،‬وتوفي ابنه فصبر‪،‬‬ ‫ورميت زوجته الطاهرة فصبر‪ ،‬وكُذّب فصبر‪ ،‬قالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر‪ ،‬أخرجوه‪ ،‬آذوه‪ ،‬شتموه‪،‬‬ ‫سبّوه‪ ،‬حاربوه‪ ،‬سجنوه‪ ..‬فصبر‪ ،‬وهل يتعلّم الصبر إل منه؟ وهل يُقتدى بأحد في الصبر إل به؟ فهو مضرب المثل في سعة‬ ‫الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمّل وثبات القلب‪ ،‬وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم جوادا‪:‬‬ ‫فهو أكرم من خلق ال‪ ،‬وأجود البرية نفسا ويدا‪ ،‬فكفّه غمامة بالخير‪ ،‬ويده غيث الجود‪ ،‬بل هو أسرع‬ ‫بالخير من الريح المرسلة‪ ،‬ل يعرف "ل"‬ ‫يعطي عليه الصلة والسلم عطاء من ل يخشى الفقر؛ لنه بعث بمكارم الخلق‪ ،‬فهو سيد الجواد‬ ‫على الطلق‪ ،‬أعطى غنما بين جبلين‪ ،‬وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة‪ ،‬وسأله سائل‬ ‫ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه‪ ،‬وكان ل يردّ طالب حاجة‪ ،‬قد وسع الناس برّه‪ ،‬طعامه مبذول وكفه‬ ‫مدرار‪ ،‬وصدره واسع‪ ،‬وخلقه سهل‪ ،‬ووجه بسّام‪:‬‬ ‫كأنك تعطيه الذي أنت سائله‬

‫‪16‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم جوادا‪:‬‬ ‫ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر‪ ،‬يجمع الغنائم ثو يوزعها في ساعة‪ ،‬ول يأخذ منها شيئا‪ ،‬مائدته صلى ال‬ ‫عليه وسلم معروضة لكل قادم‪ ،‬وبيته قبلة لكل وافد‪ ،‬يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله‪ ،‬ويؤثر المحتاج‬ ‫بذات يده‪ ،‬ويصل القريب بما يملك‪ ،‬ويواسي المحتاج بما عنده‪ ،‬ويقدّم الغريب على نفسه‪ ،‬فكان صلى ال‬ ‫علي ه وس لم آي ة ف ي الجود والكرم‪ ،‬حت ى ل يقارن ب ه أجواد العرب كحات م وهرم اب ن جدعان؛ لن ه يعطي‬ ‫عطاء من ل يطلب الخلف إل من ال‪ ،‬ويجود جود من هانت عليه نفسه وماله وكل ما يملك في سبيل ربه‬ ‫وموله‪ ،‬فهو أندى العالمين كفا‪ ،‬وأسخاهم يدا‪ ،‬وأكرمهم محتدا‪ ،‬قد غمر أصحابه وأحبابه وأتباعه‪ ،‬بل حتى‬ ‫أعداءه ببرّه وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله‪ ،‬أكل اليهود على مائدته‪ ،‬وجلس العراب على طعامه‪ ،‬وحفّ‬ ‫المنافقون بسفرته‪ ،‬ولم يُحفظ عنه صلى ال عليه وسلم أنه تبرّم بضيف أو تضجّر من سائل أو تضايق من‬ ‫طالب‪ ،‬بل جرّ أعرابي برده حتى أثّر في عنقه وقال له‪ :‬أعطني من مال ال الذي عندك‪ ،‬ل من مال أبيك‬ ‫وأمّك‪ ،‬فالتفت إلي ه صلى ال عليه وسلم وضحك وأعطاه‪ ،‬وجاءته الكنوز من الذهب والفضة وأنفقها في‬ ‫مجلس واحد ولم يدّخر منها درهما ول دينارا ول قطعة‪ ،‬فكان أسعد بالعطية يعطيها من السائل‪ ،‬وكان يأمر‬ ‫بالنفاق والكرم والبذل‪ ،‬ويدعو للجود والسخاء‪ ،‬ويذ مّ البخل والمساك‪ ،‬فيقول ‪ ":‬من كان بؤمن بال واليوم‬ ‫الخر فليكرم ضيفه" أخرجه البخاري [ ‪ ]6138 ،6136 ،6018‬ومسلم ‪ 47‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬وقال‪ ":‬كل‬ ‫امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس" أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ‪ ،2431‬وابن حبان في صحيحه ‪.3310‬‬ ‫وقال‪ ":‬ما نقصت صدقة من مال" أخرجه مسلم ‪ 2588‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم شجاعا‪:‬‬ ‫هذا مم ا تناقلت ه الخبار وس ار مس ير الشم س ف ي رابع ة النهار‪ ،‬فكان أثب ت الناس قلبا‪ ،‬وكان كالطود ل‬ ‫يتزعزع ول يتزلزل‪ ،‬ول يخاف التهدي د والوعي د‪ ،‬ول ترهب ه المواقف والزمات‪ ،‬ول تهزه الحوادث‬ ‫والملمّات‪ ،‬فوّض أمره لربه وتوكل عليه وأناب إليه‪ ،‬ورضي بحكمه واكتفى بنصره ووثق بوعده‪ ،‬فكان‬ ‫عليه الصلة والس لم يخوض المعارك بنفس ه ويباشر القتال بشخصه الكريم‪ ،‬يعرّض روحه للمنايا ويقدّم‬ ‫نفسه للموت‪ ،‬غير هائب ول خائف‪ ،‬ولم يفرّ من معركة قط‪ ،‬وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس‬ ‫وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس‪،‬‬ ‫فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر‪ ،‬يحتمون أحيانا وهو صامد مجاهد‪ ،‬ل يكترث بالعدوّ ولو كثر‬ ‫عدده‪ ،‬ول يأبه بالخصم ولو قوي بأسه‪ ،‬بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب‪.‬‬ ‫وقد فرّ الناس يوم حنينن وما ثبت إل هو وستة من أصحابه‪ ،‬ونزل عليه {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الّ لَ تُكَلّفُ إِلّ‬ ‫سكَ وَحَرّضِ الْمُؤْمِنِي نَ } النساء ‪ ،84‬وكان صدره بارزا للسيوف والرماح‪ ،‬يصرع البطال بين يديه ويذبح‬ ‫نَفْ َ‬ ‫الكماة أمام ناظريه وهو باسم المحيا‪ ،‬طلق الوجه‪ ،‬ساكن النفس‪.‬‬ ‫وقفت وما في الموت شك لواقف‬ ‫كأنك في جفن الرّدى وهو نائم‬ ‫تمرّ بك البطال كلمى هزيمة‬ ‫ووجهك وضّاح وثغرك باسم‬

‫‪18‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم شجاعا‪:‬‬ ‫وقد شُجّ عليه الصلة والسلم في وجهه وكسرت رباعيته‪ ،‬وقتل سبعون من أصحابه‪ ،‬فما وهن ول ضعف‬ ‫ول خار‪ ،‬بل كان أمضى من السيف‪ .‬وبرز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه‪ ،‬وخاض غمار الموت بروحه‬ ‫الشريفة‪ .‬وكان أول من يهبّ عند سماع المنادي‪ ،‬بل هو الذي سنّ الجهاد وحثّ وأمر به‪.‬‬ ‫وتكالبت عليه الحزاب يوم الخندق من كل مكان‪ ،‬وضاق المر وح لّ الكرب‪ ،‬وبلغت القلوب الحناجر‪،‬‬ ‫وظ ن بال الظنون‪ ،‬وزلزل المؤمنون زلزال شديدا‪ ،‬فقام ص لى ال علي ه وس لم يص لي ويدع و ويستغيث‬ ‫موله حت ى نص ره ربّه وردّ كي د عدوّه وأخزى خص ومه وأرس ل عليه م ريح ا وجنودا وباؤوا بالخسران‬ ‫والهوان‪.‬‬ ‫ونام الناس ليلة بدر وما نام هو صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل قام يدعو ويتضرّع ويتوسل الى ربه ويسأله‬ ‫نصره وتأييده‪ ،‬فيا له من إمام وما أشجعه! ل يقوم لغضبه أحد‪ ،‬ول يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب‬ ‫مخلوق‪ ،‬فهو الشجاع الفريد والصنديد الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمّت فيه سجايا القدام‬ ‫وقوة البأس‪ ،‬وهو القائل‪ ":‬والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل ال ثم أحيا ثم أقتل " أخرجه البخاري‬ ‫[‪، ]279736‬ومسلم ‪ 1876‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم زاهدا‪:‬‬ ‫كان زهده صلى ال عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها وقلة زادها وقصر عمرها‪ ،‬وبقاء الخرة وما‬ ‫أعدّه ال لوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم وخلود دائم‪ ،‬فرفض صلى ال عليه وسلم الخذ من الدنيا إل بدقر ما‬ ‫يسدّ الرمق ويقيم الود‪ ،‬مع العلم أن الدنيا عرضت عليه وتزيّنت له وأقبلت إليه‪ ،‬ولو أراد جبال الدنيا أن تكون ذهبا‬ ‫وفضة لكانت‪ ،‬بل آثر الزهد والكفاف‪ ،‬فربما بات جائعا ويمرّ الشهر ل توقد في بيته نار‪ ،‬ويستمر اليام طاويا ل يجد‬ ‫رديء التمر يسدّ به جوعه‪ ،‬وما شبع من خبز الشعير ثلث ليال متواليات‪ ،‬وكان ينام على الحصير حتى أثّر في‬ ‫جنبه‪ ،‬وربط الحجر على بطنه من الجوع‪ ،‬وكان ربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه عليه الصلة والسلم‪.‬‬ ‫وكان بيته من طين‪ ،‬متقارب الطراف‪ ،‬داني السقف‪ ،‬وقد رهن درعه في ثلثين صاعا من شعير عند يهودي‪،‬‬ ‫وربما لبس إزارا ورداء فحسب‪ ،‬وما أكل على خوان قط‪ ،‬وكان أصحابه ربما أرسلوا له الطعام لما يعلمون من‬ ‫حاجته إليه‪ ،‬كل ذلك إكراما لنفسه عن أدران الدنيا‪ ،‬وتهذيبا لروحه وحفظا لدينه ليبقى أجره كامل عند ربه‪ ،‬وليتحقق‬ ‫له وعد موله { َولَ سَوْفَ يُعْطِي كَ رَبّ كَ فَتَ ْرضَى } (‪ )5‬الضحى‪ ،‬فكان يقسم الموال على الناس ثم ل يحوز منها درهما‬ ‫واحدا‪ ،‬ويوّزع البل والبقر والغنم على الصحاب والتباع والمؤلفة قلوبهم ثم ل يهب بناقة ول بقرة ول شاة‪ ،‬بل‬ ‫يقول عليه الصلة والسلم ‪ ":‬لو كان لي كعضاة أي شجر تهامة مال لقسمته ثم ل تجدوني بخيل ول كذابا ول‬ ‫جبانا"‪ .‬أخرجه مالك في الموطأ ‪ ،977‬والطبراني في الوسط ‪ 1864‬والكامل لبن عدي ‪.97\3‬‬ ‫عن نفسه فأراها أيما شمم‬

‫‪20‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم زاهدا‪:‬‬ ‫بل وكان عليه الصلة والسلم السوة العظمى في القبال على الخرة وترك الدنيا وعدم اللتفات إليها أو الفرح بها‬ ‫أو جمعها أو التلذذ بطيباتها أو التنعم بخيراتها‪ ،‬فلم يبن قصرا‪ ،‬ولم يدّحر مال‪ ،‬ولم يكن له كنز ول جنة يأكل منها‪ ،‬ولم‬ ‫يخلف بستانا ول مزروعة‪ ،‬وهو القائل‪ ":‬ل نورّث‪ ،‬ما تركناه صدقة " أخرج ه البخاري [‪ ]3712 ،3039‬ومس لم برقم ‪،1758‬‬ ‫وكان يدعو بقوله وفعله وحاله الى الزهد في الدنيا والستعداد للخرة والعمل‪.‬‬ ‫ما نظر إليه صلى ال عليه وسلم وهو إمام المسلمين وقائد المؤمنين وأفضل الناس أجمعين يسكن في بيت طين وينام‬ ‫على حصير بال ويبحث عن تمرات تقيم صلبه‪ ،‬وربما اكتفى باللبن‪.‬‬ ‫بل خُيّر بين أن يكون ملكا رسول أو عبدا رسول فاختار أن يكون عبدا رسول‪ ،‬يشبع يوما ويجوع يوما‪ ،‬حتى لقي‬ ‫ال عز وجل‪.‬‬ ‫ومن زهده في الدنيا سخاؤه وجوده كما تقدم‪ ،‬فكان ل يرد سائل ول يحجب طالبا ول يخيّب قاصدا‪ ،‬وأخبر أن الدنيا‬ ‫ل تساوي عند ال جناح بعوضة‪ ،‬وقال‪ ":‬كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل" أخرجه البخاري ‪ 6416‬عن ابن عمر رضي‬ ‫ال عنهما‪ .‬ويروى عنه أنه قال‪ ":‬ازهد في الدنيا يحبك ال‪ ،‬وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" أخرجه ابن ماجه ‪4102‬‬ ‫والطبراني في الكبير ‪ 10522‬والحاكم ‪ 7833‬عن سهل بن سعد الساعدي‪ .‬وقال‪ ":‬مالي وللدنيا‪ ،‬إنما مثلي ومثل الدنيا‬ ‫كمثل رجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها" أخرجه أحمد [‪ ]4196 ،3701‬والترمذي ‪ ،2377‬وابن ماجه ‪ 4109‬عن عبدال‬ ‫بن مسعود وقال الترمذي حسن صحيح‪ ،‬وقال‪ ":‬الدنيا ملعونة‪ ،‬ملعون ما فيها إل ذكر ال وما واله وعالما أو متعلما " أخرجه‬ ‫الترمذي ‪ 2322‬وابن ماجه ‪ 4112‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬وقال‪ ":‬ليس لك من مالك إل ما أكلت فأفنيت‪ ،‬أو لبست فأبليت‪،‬‬ ‫أو تصدقت فأمضيت" أخرجه مسلم ‪.2958‬‬

‫‪21‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫‪:‬محمد صلى ال عليه وسلم متواضعا‬ ‫كان صلى ال عليه وسلم عجيبا في ذلك‪ ،‬فتواضعه تواضع من عرف ربّه مهابة‪ ،‬واستحيا منه وعظمه‬ ‫وقدّره حقّ قدره‪ ،‬وتطامن له وعرف حقارة الجاه والمال والمنصب‪ ،‬فسافرت روحه الى ال وهاجرت نفسه‬ ‫الى الدار الخرة‪ ،‬فما عاد يعجبه شيء مما يعجب أهل الدنيا‪ ،‬فصار عبدا لربه بحق‪ :‬يتواضع للمؤمنين‪،‬‬ ‫يقف مع العجوز ويزور المريض ويعطف على المسكين‪ ،‬ويصل البائس ويواسي المستضعفين ويداعب‬ ‫الطفال ويمازح الهل ويكلم المة‪ ،‬ويواكل الناس ويجلس على التراب وينام على الثرى‪ ،‬ويفترش الرمل‬ ‫ويتوسّد الحصير‪ ،‬قد رضي عن ربّه‪ ،‬فما طمع في شهرة أو منزلة أو مطلب أرضي أو مقصد دنيوي‪ ،‬يكلم‬ ‫النساء بلطف‪ ،‬ويخاطب الغريب بودّ‪ ،‬ويتألف الناس ويتبسّم في وجوه أصحابه يقول‪ ":‬إنما أنا عبد‪ :‬آكل كما‬ ‫يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد" أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد ‪ ،6\1‬وابن سعد في الطبقات ‪ 371\1‬وانظر كشف الخفاء ‪، 17\1‬‬ ‫ولما رآه رجل ارتجف من هيبته قال‪":‬هوّن عليك‪ ،‬فإني ابن امرأة كانت تاكل القديد بمكة " أخرج ه اب ن ماجه‬ ‫‪ ،3312‬والحاكم ‪ 4366‬عن ابن مسعود‪ ،‬وانظر الكامل لبن عدي ‪.286\6‬‬

‫وكان يكره المدح‪ ،‬وينهى عن إطرائه ويقول‪ ":‬ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم‪ ،‬فإنما‬ ‫أنا عبدال ورسوله‪ ،‬فقولوا عبدال ورسوله " أخرجه البخاري ‪ 3445‬عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬وكان ينهى أن يقام‬ ‫له‪ ،‬وأن يوقف على رأسه‪ ،‬وكان يجلس حيثما انتهى به المجلس‪ ،‬وكان يختلط بالناس كأنه أحدهم‪ ،‬ويجيب‬ ‫الدعوة ويقول‪ ":‬لو دعيت الى كراع لجبت‪ ،‬ولو أهدي إليّ ذراع لقبلت" أخرجه البخاري [‪.]5178 ،2568‬‬

‫‪22‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم متواضعا‪:‬‬ ‫وكان يحب المساكين‪ ،‬ويروى عنه قوله‪ ":‬اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا‪ ،‬واحشرني في زمرة المساكين"‬ ‫أخرجه الترمذي ‪ 2352‬عن أنس رضي ال عنه‪ ،‬وابن ماجه ‪ 4126‬والحاكم ‪ 7911‬عن أبي سعيد الخدري وصححه ‪ .‬وكان‬ ‫يحرّم الكبر وينهى عنه‪ ،‬ويبغض أهله ويقول‪ ":‬يحشر المتكبرون يوم القيامة في صورة الذر‪ ،‬يغشاهم الذل من‬ ‫كل مكان" أخرجه أحمد ‪ ،6639‬والترمذي ‪ ،2492‬انظر كشف الخفاء ‪ .3236‬ويروي عن ربه أنه قال‪":‬الكبرياء ردائي‪،‬‬ ‫والعظمة إزاري‪ ،‬فمن نازعني واحدا منها قذفته في النار" أخرجه مسلم ‪ 2620‬وأبو داود ‪ 4090‬واللفظ له‪.‬‬ ‫فكان صلى ال عليه وسلم محببا الى القلوب‪ :‬تأخذه الجارية بيده فيذهب معها‪ ،‬ويزور أم أيمن وهي مولة‪.‬‬ ‫ولما مدحه وفد عامر بن صعصعة وقالوا‪ :‬أنت خيرنا وأفضلنا وسيدنا وابن سيدنا قال لهم‪ ":‬يا أيها الناس! قولوا‬ ‫بقولكم أو ببعض قولكم‪ ،‬ل يستجريّنكم الشيطان" أخرجه أحمد ‪ 15876‬وأبو داود ‪ ،4806‬وغضب لما قال له رجل‪:‬‬ ‫ما شاء ال وشئت‪ ،‬وقال‪ ":‬ويحك! أجعلتني وال عدل؟ بل ما شاء ال وحده" أخرجه أحمد [‪ ]2557 ،1842‬والنسائي‬ ‫في السنن الكبرى ‪ 10825‬عن ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫وكان يحمل حاجة أهله ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس بيته ويحلب شاته ويقطع اللحم مع أهله‪ ،‬ويقرّب‬ ‫الطعام لضيفه‪ ،‬ويباسط زوّاره ويسأل عن اخبارهم‪ ،‬ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه‪ ،‬ويلبس الصوف ويأكل‬ ‫الشعير‪ ،‬وربما مشى حافيا‪ ،‬وينام في المسجد‪ ،‬ويركب الحمار‪ ،‬ويردف على الدابة‪ ،‬ويعاون الضعيف ويتفقد‬ ‫السرية‪ ،‬ويكون في آخرهم فيساعد من احتاج‪ ،‬ويرافق الوحيد منهم‪..‬‬ ‫فصلى ال عليه وسلم ما تحرّك بذكره اللسان‪ ،‬وسارت بأخباره الركبان‪ ،‬وردّد حديثه النس والجان‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم حليما‪:‬‬ ‫ما دام أنه رسول ال فل بد أن يكون أحلم الناس وأوسعهم صدرا‪ ،‬وألينهم عريكة وأدمثهم خلقا وألطفهم‬ ‫عشرة‪ ،‬فقد كان يطظم غيظه ويعفو ويصفح ويغفر لمن زلّ‪ ،‬ويتنازل عن حقوقه الخاصة ما لم تكن حقوقا‬ ‫ل‪ .‬وقد عفا عمن ظلمه وطره من وطنه وآذاه وس بّه وشتمه وحاربه‪ ،‬فقال لهم يوم الفتح‪ ":‬اذهبوا فأنتم‬ ‫الطلقاء" أخرجه الشافعي في الم ‪ ،361\7‬والطبري في تاريخه ‪ 161\2‬والبيهقي في السنن الكبرى ‪ 18055‬انظر صحيح الجامع‬ ‫‪ .4815‬وعفا عن ابن عمّه سفيان بن الحارث يوم الفتح لما وقف أمامه وقال له‪ :‬تال لقد آثرك ال علينا وإن‬ ‫هوَ أَرْحَ مُ الرّاحِمِينَ } (‪)92‬‬ ‫كنا لخاطئين‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪ {:‬لَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْ َيوْمَ يَغْفِرُ الّ لَكُمْ وَ ُ‬ ‫يوسف‪.‬‬

‫وقد واجهه العراب بالجفاء وسوء الدب‪ ،‬فحلم وصفح‪ ،‬وقد امتثل أمر ربه في قوله‪ {:‬فَا صْفَحِ الصّفْ َ‬ ‫ح‬ ‫الْجَمِي لَ } الحجر ‪ ،85‬فكان ل يكافئ على السيئة بالسيئة‪ ،‬بل يعفو ويصفح‪ ،‬وكان ل ينفذ غضبه إذا كان‬ ‫لنفسه‪ ،‬ول ينتقم لشخصه‪ ،‬بل إذا غضب ازداد حلما‪ ،‬وربّما تبسّم في وجه من أغضبه‪ ،‬ونصح أحد أصحابه‬ ‫فقال‪":‬ل تغضب‪ ،‬ل تغضب‪ ،‬ل تغضب" أخرجه البخاري ‪.6116‬‬ ‫وكان يبلغه الكلم السيء فيه‪ ،‬فل يبحث عمن قاله ول يعاتبه ول يعاقبه‪ .‬وورد عنه أنه قال‪ ":‬ل يبلغني‬ ‫أحد منكم ما قيل فيّ‪ ،‬فإني أحب أن أخرج إليك وأنا سليم الصدر" أخرجه احمد ‪ 3750‬وأبو داود ‪ 4860‬والترمذي ‪3896‬‬ ‫عن عبدال بن مسعود‪ .‬وبلّغه ابن مسعود كلما قيل فيه‪ ،‬فتغيّر وجهه وقال‪ ":‬رحم ال موسى‪ ،‬أوذي بأكثر من هذا‬ ‫فصبر" أخرجه البخاري [ ‪ ]3405 ،3150‬ومسلم ‪.1062‬‬

‫‪24‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم حليما‪:‬‬ ‫وقد أوذي من خصومه في رسالته وعرضه وسمعته وأهله‪ ،‬فلما قدر عليهم عفا عنهم وحلم عليهم‪ ،‬وقال‪ ":‬من كف غضبه‬ ‫كف ال عنه عذابه" أخرجه أبو يعلى ‪ 4338‬والبيهقي في الشعب ‪ 8311‬وانظر العلل لبن أبي حاتم ‪ 1919‬ومجمع الزاوئد‬ ‫‪ .298\10‬وقال له رجل‪ :‬اعدل‪ ،‬فقال‪ ":‬خبت وخسرت إذا لم أعدل " أخرجه البخاري ‪ 3138‬ومسلم ‪ 1063‬واللفظ له عن‬ ‫جابر بن عبدال‪ ،‬ولم يعاقبه بل صفح عنه‪ .‬وواجه بعص اليهود بما يكره‪ ،‬فعفا وصفح‪ ،‬وقد وسع بخلقه وتسامحه الناس‪ ،‬وأطفأ‬ ‫علَمُ بِمَا يَصِفُونَ } (‪ )96‬المؤمنون‪.‬‬ ‫ن السّيّئَةَ نَحْنُ أَ ْ‬ ‫حسَ ُ‬ ‫ي أَ ْ‬ ‫بحلمه نار العداوات ممتثل قول ربه‪ {:‬ا ْدفَعْ بِالّتِي هِ َ‬ ‫وكان م ع أهل ه أحل م الناس‪ ،‬يمازحه م ويلطفه م ويعفو عنه م فيم ا يص در منهم‪ ،‬ويدخ ل عليه م باسما ضحاك ا‪ ،‬يمل قلوبهم‬ ‫وبيوتهم أنسا وسعادة‪ ،‬يقول خادمه أنس بن مالك‪ :‬خدمت رسول ال صلى ال عليه وسلم عشر سنين ما قال لي في شيء‬ ‫فعلته ‪ :‬لم فعلت هذا؟ ول شيء لم أفعله ‪ :‬لم لم تفعل هذا؟ وهذا غاية الحلم ونهاية حسن الخلق‪ ،‬وقمة جميل السجايا ولطيف‬ ‫العشرة‪ ،‬بل كان كل من رافقه أو صاحبه أو بايعه يجد من لطفه وودّه وحلمه ما يفوق الوصف‪ ،‬حتى تمكن حبّه من القلوب‬ ‫فتعلقت به الرواح ومالت له نفوس الناس بالكلية‪:‬وإذا رحمت فأنت أمّ أو أب‬ ‫هذان في الدنيا هم الرحماء‬ ‫وإذا سخوت بلغت بالجود المدى‬ ‫وفعلت ما لم تفعل النواء‬ ‫وإذا صحبت رأى الوفاء مجسّما‬ ‫في بُردك الصحاب والخلطاء‬ ‫وأبديت حلمك للسفيه مداريا‬ ‫حتى يضيق بحلمك السفهاء‬

‫‪25‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم رحيما‪:‬‬ ‫سلْنَاكَ إِلّ َرحْمَةً ّللْعَالَمِينَ } (‪ )107‬النبياء‪ ،‬فهو رحمة للبشرية‪ ..‬ورد عنه أنه قال‪ ":‬إنما‬ ‫وصفه ربه بقوله‪ {:‬وَمَا أَرْ َ‬ ‫أنا رحمة مهداة " أخرجه الدارمي ‪ 15‬مرسل‪ ،‬والحاكم موصول عن أبي هريرة برقم ‪ 100‬وصححه‪ .‬ورأى ولد إحدى بناته تفيض‬ ‫روحه‪ ،‬فبكى‪ ،‬فلما سئل عن ذلك قال‪ ":‬هذه رحمة يضعها ال في قلب من يشاء من عباده‪ ،‬وإنما يرحم ال من عباده‬ ‫الرحماء" أخرجه البخاري [ ‪ ]6655 ،1284‬ومسلم ‪ 923‬عن أسامة بن زيد رضي ال عنه‪.‬‬ ‫وكان رحمة على القريب والبعيد‪ ،‬عزيز عليه أن يدخل على الناس مشقة‪ ،‬فكان يخفف بالناس مراعاة لحوالهم‪،‬‬ ‫وربما أراد أن يطيل في الصلة فيسمع بكاء الطفل فيخفف لئل يشق على أمه‪ .‬ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته حملها‬ ‫وهو يصلي بالناس‪ ،‬فإذا سجد وضعها‪ ،‬وإذا قام رفعها‪ .‬أخرجه البخاري ‪ ،516‬ومسلم‪ 543‬عن أبي قتادة رضي ال عنه‪.‬‬ ‫وسجد مرة فصعد الحسن على ظهره‪ ،‬فأطال السجود‪ ،‬فلما سلّم اعتذر للناس وقال‪ ":‬إن إبني هذا ارتحلني‪ ،‬فكرهت‬ ‫أن أرفع رأسي حتى ينزل " أخرجه أحمد ‪ 27100‬والنسائي ‪ 1141‬عن شداد بن الهاد رضي ال عنه ‪ .‬وقال ‪ ":‬من أ مّ منكم الناس‬ ‫فليخفف‪ ،‬فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة " أخرج ه البخاري ‪ 703‬ومسلم ‪ 467‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬ ‫وقال لمعاذ لمّا طوّل بالناس‪ ":‬أفتّان أنت يا معاذ؟" أخرجه البخاري [ ‪ ]6106 ،705‬ومسلم ‪ 465‬عن جابر بن عبدال رضي ال عنه‪.‬‬ ‫وقال‪ ":‬لول أن أشق على أمتي لمرتهم بالسواك عند كل صلة " أخرجه البخاري ‪ 887‬ومسلم ‪ 252‬عن أبي هريرة رضي ال‬ ‫عنه‪ .‬وربما ترك العمل خشية أن يفرض على الناس‪ ،‬وكان يتخوّل أصحابه بالموعظة‪...‬‬

‫‪26‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم رحيما‪:‬‬ ‫كل ذلك رحمة منه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان يقول‪ ":‬والقصد القصد تبلغوا"‬ ‫رضي ال عنه‪ .‬ويقول‪ ":‬بُعثت بالحنيفية السمحة" أخرجه أحمد ‪ 21788‬عن أبي أمامة رضي ال عنه‪ .‬ويقول‪ ":‬خير دينكم‬ ‫أيسره" أخرجه أحمد ‪ 15506‬وانظر مجمع الزوائد ‪ .308\3‬ويقول‪ ":‬عليكم هدياً قاصداً" أخرجه أحمد [ ‪ ]22544 ،22454‬والبيهقي في السنن‬ ‫الكبرى ‪ 4519‬عن بريدة السلمي‪ ،‬وانظر البيان والتعريف ‪ .109\2‬ويقول‪ :‬خذوا من العمل ما تطيقون‪ ،‬فإن ال ل يمل حتى‬ ‫تملوا" أخرجه البخاري ‪ 5862‬ومسلم ‪ 782‬عن عائشة رضي ال عنها‪ .‬وما خيّر بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم يكن‬ ‫إثما‪،‬‬ ‫وأنكر على الثلثة الذين شدّدوا على أنفسهم في العبادة‪ ،‬وقال‪ ":‬وال إني لخشاكم ل وأتقاكم له‪ ،‬ولكنني‬ ‫أقوم وأنام‪ ،‬وأصوم وأفطر‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فيس مني" أخرجه البخاري ‪ 5063‬ومسلم ‪ 1401‬عن أنس بن مالك‬ ‫رضي ال عنه‪ .‬وأفطر في سفر في رمضان‪ ،‬وقصر الرباعية‪ ،‬وجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬وبين المغرب‬ ‫والعشاء في السفر‪ ،‬ونادى مؤذنه في المطر أن صلوا في رحالكم‪ ،‬وقال‪ ":‬هلك المتنطعون" أخرجه مسلم ‪2670‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ 6463‬عن أبي هريرة‬

‫عن عبدال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬

‫وقال‪ ":‬ما كان الرفق في شيء إل زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إل شانه"‬

‫‪27‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ 2594‬عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم رحيما‪:‬‬ ‫وأنكر على عبدال بن عمرو بن العاص إرهاق نفسه بالعبادة‪ ،‬ويقول‪ ":‬إيّاكم والغلو"‬ ‫‪ ]3238‬والنس ائي ‪ ،3057‬واب ن ماج ه ‪ 3029‬واب ن أ بي عاص م ف ي الس نة ‪ 46\1‬عن اب ن عباس رض ي ال‬

‫أخرجه أحمد [ ‪،1854‬‬

‫عنهم ا وص ححه ‪ .‬ويروى عنه‬

‫قوله‪ ":‬أمتي أمة مرحومة "‬ ‫وصححه‪ ، .‬وقال‪ ":‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " أخرجه البخاري ‪ 7288‬ومسلم ‪ 1337‬عن أبي هريرة رضي ال‬ ‫عنه ‪ .‬وهذا اليسر في حياته عليه الصلة والسلم يوافق يسر الملة وسهولة الشريعة‪ ،‬وهو امتثال منه‬ ‫وسْعَهَا } البقرة‬ ‫ل َنفْساً ِإلّ ُ‬ ‫صلى ال عليه وسلم لقول ربه‪ {:‬وَ ُنيَ سّ ُركَ لِ ْليُ سْرَى } (‪ )8‬العل ى‪ { ،‬لَ يُ َكلّ فُ ا ّ‬ ‫ل بِكُ مُ الْيُ سْرَ وَلَ يُرِيدُ بِكُ مُ الْعُ سْرَ } البقرة ‪ {،185‬وَمَا‬ ‫ستَطَ ْعتُمْ } التغاب ن ‪ {،16‬يُرِيدُ ا ّ‬ ‫‪ { ،286‬فا ّتقُوا الَّ مَا ا ْ‬ ‫ل عََليْكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج ‪ ..78‬وغيرها من اليات‪.‬‬ ‫جَعَ َ‬ ‫أخرج ه أحم د [ ‪ ]19253 ،19179‬وأب و داود ‪ 4276‬والحاك م ‪ 8372‬عن أ بي موس ى رض ي ال عنه‬

‫فهو صلى ال عليه وسلم سهل ميسّر رحيم في رسالته ودعوته وعبادته وصلته وصومه وطعامه‬ ‫وشراب ه ولباس ه وحل ه وترحال ه وأخلق ه‪ ،‬ب ل حيات ه مبني ة عل ى اليس ر؛ لن ه جاء لوض ع الصار‬ ‫والغلل عن المة‪ ،‬فليس اليسر أصل إل معه‪ ،‬ول يوجد اليسر إل في شريعته‪ ،‬فهو اليسر كله‪ ،‬وهو‬ ‫الرحمة والرفق بنفسه‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم ذاكرا‪:‬‬ ‫كان ص لى ال علي ه وسلم أكثر الناس ذكرا لربه‪ ،‬حيات ه كلها ذكر لموله‪ ،‬فدعوته ذكر وخطبه ذكر ومواعظه ذكر‬ ‫وعبادته ذكر وفتاويه ذكر‪ ،‬وليله ونهاره وسفره وإقامته بل أنفاسه كلها ذكر لموله عز وجل‪ ،‬فقلبه معلق بربه‪ ،‬تنام‬ ‫عينه ول ينام قلبه‪ ،‬بل النظر اليه يذكّر الناس بربّهم‪ ،‬وكل مراسيم حياته ومناسباته وذكر لخالقه جلّ في عله‪.‬‬ ‫وكان صلى ال عليه وسلم يحث الناس على ذكر ربهم‪ ،‬فيقول‪":‬سبق المفردون‪ :‬الذاكرون ال كثيرا والذاكرات" أخرجه‬ ‫مسلم ‪ 2676‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ ،‬ويقول‪ ":‬مثل الذي يذكر ربه والذي ل يذكره كمثل الح يّ والميت " أخرجه البخاري‬ ‫‪ 6407‬ومس لم ‪ 779‬عن أ بي موس ى رض ي ال عنه ‪ .‬ويقول‪ ":‬ل يزال لسانك رطبا من ذكر ال " أخرج ه أحمد [ ‪]17245 ،17227‬‬ ‫والترمذي ‪ 3375‬وابن ماجه ‪ 3793‬انظر المشكاة ‪ .2279‬وأخبر أن أفضل الناس أكثرهم ذكرا لربه‪ ،‬وروى عن ربّه عز وجل‬ ‫قوله‪ ":‬أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه " أخرجه البخاري معلقا في كتاب التوحيد‪ ،‬باب قول ال { لتحرك به لسانك}‪،‬‬ ‫وأحم د[‪ ]10592 ،10585‬واب ن ماجه ‪ 3792‬عن أ بي هريرة رض ي ال عنه ‪ .‬ويقول ‪ ":‬من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي‪ ،‬ومن‬ ‫ذكرني في مل ذكرته في مل خير منهم " أخرجه البخاري ‪ 7405‬ومسلم ‪ 2675‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ .‬وله عليه الصلة‬ ‫والسلم عشرات الحاديث الصحيحة التي تحث على الذكر وترغّب فيه‪ ،‬والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة‬ ‫والستغفار والصلة والسلم عليه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وكان يذكّر الناس بأجر الذكر وما يترتب على ذلك من ثواب‪ ،‬وذكر العداد في ذلك مع ذكر المناسبات‪ ،‬وعمل اليوم‬ ‫والليلة‪ ،‬فهو صلى ال عليه وسلم الذاكر الشاكر الصابر‪ ،‬وهو الذي ذكّر المة بربها وعلمها تعظيمه وتسبيحه‪ ،‬وبيّن لها‬ ‫فوائد الذكر ومنافعه‪ .‬فهو أسعد الناس بذكر ربه‪ ،‬وأهنؤهم عيشا بهذه النعمة‪ ،‬وأصلحهم حال بهذا الفضل‪ ،‬فكان له أوراد‬ ‫من الذكار مع حضور قلب وخشوع وخضوع وهيبة وخوف ومحبة ورجاء وطمع في فضل ربه‬

‫‪29‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم داعيا‪:‬‬ ‫جبْ لَكُمْ } غاف ر ‪ ،60‬ويقول‪َ {:‬وإِذَا سََأَلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا‬ ‫يقول تعال ى‪ {:‬ادْعُونِي أَسْ َت ِ‬ ‫دَعَا نِ } البقرة ‪ ،186‬ويقول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬الدعاء هو العبادة " أخرج ه أحم د [ ‪ ]17919 ،17888‬وأبو داود ‪1479‬‬ ‫والترمذي [ ‪ ]3247 ،2969‬عن النعمان بن بشير وصححه‪ .‬ويقول ‪ ":‬من لم يسأل ال يغضب عليه " أخرجه البخاري في الدب المفرد‬ ‫‪ 658‬والترمذي ‪ 3373‬عن أبي هريرة رضي ال عنه وصححه ‪ .‬وكان عليه الصلة والسلم لهجا بدعاء ربه في كل حالته‪ ،‬قد‬ ‫فوّض أمره لموله‪ ،‬وأكثر اللحاح على خالقه يناشده رحمته وعفوه‪ ،‬ويطلب برّه وكرمه‪ ،‬وكان يختار جوامع الدعاء‬ ‫الكامل الشامل كقوله‪ ":‬اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار" أخرجه البخاري [ ‪ ]6389 ،4522‬ومسلم‬ ‫‪ 2688‬عن ان س رض ي ال عنه ‪ .‬وقوله‪ ":‬اللهم إني أسألك العفو والعافية " أخرج ه أحم د ‪ 4770‬وأب و داود ‪ 5074‬واب ن ماجه ‪3871‬‬ ‫والحاكم ‪ 1902‬عن ابن عمر رضي ال عنهما وصححه‪.‬‬

‫وكان يكرر الدعاء ثلثا‪ ،‬ويبدأ بالثناء على ربه‪ ،‬وكان يستقبل القبلة عند دعائه‪ ،‬وربما توضأ قبل الدعاء‪ ،‬وكان يعلم‬ ‫المة أدب الدعاء‪ ،‬كالبداية بحمد ال والصلة والسلم على رسوله‪ ،‬ودعاء ال بأسمائه الحسنى‪ ،‬واللحاح في الدعاء‪،‬‬ ‫وتوخّي أوقات الجابة كأدبار الصلوات‪ ،‬وبين الذان والقامة‪ ،‬وآخر ساعة من يوم الجمعة‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬وفي حالة‬ ‫السجود والصوم والسفر‪ ،‬ودعوة الوالد لولده‪ ،‬وكان عليه الصلة والسلم وقت الزمات يلحّ على ربه ويناشده‪ ،‬ويكرر‬ ‫السؤال مع تمام الذلّ والخوف والحب وحسن الظن‪ ،‬وتمام الرجاء‪ ،‬كما فعل يوم بدر ويوم الخندق ويوم عرفة‪.‬‬ ‫وكان ال يجيب دعوته ويلبّي طلبه‪ ،‬كما حصل له على المنبر يوم استسقى فنزل الغيث مباشرة‪ ،‬ويوم شق له القمر‪،‬‬ ‫وبارك له في الطعام والمال‪ ،‬ونصره في حروبه‪ ،‬ورفع دينه وأيّد حزبه وخذل أعداءه‪ ،‬وكبت خصومه‪ ،‬حتى حقق ال‬ ‫له مقاصده وأكرم مثواه وجعل له العاقبة صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫‪:‬محمد صلى ال عليه وسلم طموحا‬ ‫ولدت همت ه عليه الصلة والسلم معه يوم ول د‪ ،‬فمنذ طفولته زنفس ه مهاجرة ال ى معالي المور ومكارم‬ ‫الخلق‪ ،‬ل يرضى بالدون ول يهوى السفاسف‪ ،‬بل هو الطموح والسبّاق المتفرّد والمبرز المحظوظ‪ ،‬ولقد‬ ‫ذكر أهل السير أنه عليه الصلة والسلم وهو طفل كان لجده عبدالمطلب فراش في ظل الكعبة ل يجلس‬ ‫عليه إل هو لمنزلته‪ ،‬فجاء محمد صلى ال عليه وسلم فنازع الخدم حتى جلس عليه‪ ،‬وأبى أن يجلس دونه‪.‬‬ ‫وكان في ه قب ل النبوة م ن س مات الريادة والزعام ة والقيادة م ا جع ل قري ش يس مونه الص ادق المين‪،‬‬ ‫ويرضون حكمه ويعودون اليه في أمورهم‪.‬‬ ‫فلما منّ ال عليه بالبعثة تاقت نفسه إلى الوسيلة‪ ،‬وهي أعلى درجة في الجنة‪ ،‬فسأل ال إياها‪ ،‬وعلّمنا ان‬ ‫نسألها له من ربه‪ ،‬بلغ سدرة المنتهى‪ ،‬وحاز الكمال البشري المطلق‪ ،‬والفضيلة النسانية‪ .‬ومن علوّ همّته‬ ‫رفضه للدنيا وعدم الوقوف مع مطالبها الزهيدة لولياتها ومناصبها وقصورها ودورها‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ يا أيها النبي حسبك ال}‬ ‫حسبك ال يكفيك من كل ما أهمّك‪ ،‬فيحفظك في الزمات‪ ،‬ويرعاك في الملمّات‪ ،‬ويحميك في المدلهمّات‪ ،‬فل تخش ول‬ ‫تخف ول تحزن ول تقلق‪.‬‬ ‫حسبك ال فهو ناصرك على كل عدو‪ ،‬ومظهرك على كل خصم‪ ،‬ومؤيدك في كل أمر‪ ،‬ويعطيك إذا سألت‪ ،‬ويغفر لك‬ ‫إذا استغفرت‪ ،‬ويزيدك إذا شكرت‪ ،‬ويذكرك إذا ذكرت‪ ،‬وينصرك إذا حاربت‪ ،‬ويوفّقك إذا حكمت‪.‬‬ ‫حس بك ال فيمنح ك الع ز بل عشيرة‪ ،‬والغن ى بل مال‪ ،‬والحف ظ بل حرس‪ ،‬فأن ت المظفّر لن ال حس بك! وأنت‬ ‫المنصور لن ال حسبك‪ ،‬وأنت الموفق لن ال حسبك‪ ،‬فل تخف من عين حاسد ول من كيد كائد‪ ،‬ول من مكر ماكر‪،‬‬ ‫ول من خبث كافر‪ ،‬ول من حيلة فاجر لن ال حسبك‪.‬‬ ‫وإذا سمعت صولة الباطل‪ ،‬ودعاية الشرك‪ ،‬وجلبة الخصوم‪ ،‬ووعيد اليهود‪ ،‬وتربّص المنافقين‪ ،‬وشماتة الحاسدين‪،‬‬ ‫فاثبت لن حسبك ال‪.‬‬ ‫إذا ولّى الزمان‪ ،‬وجفا الخوان‪ ،‬وأعرض القريب‪ ،‬وشمت العدو‪ ،‬وضعفت النفس‪ ،‬وأبطأ الفرج‪ ،‬فاثبت لن حسبك ال‪.‬‬ ‫إذا داهمتك المصائب‪ ،‬ونازلتك الخطوب‪ ،‬وحفّت بك النكبات‪ ،‬وأحاطت بك الكوارث‪ ،‬فاثبت لن حسبك ال‪ ،‬ل تلتفت‬ ‫الى أحد من الناس‪ ،‬ول تدع أحدا من اليشر‪ ،‬ول تتجه لكائن من كان غير ال‪ ..‬لن حسبك ال‪.‬‬ ‫إذا ألمّ بك مرض‪ ،‬وأرهقك دين‪ ،‬وحلّ بك فقر‪ ،‬أوعرضت لك حاجة‪ ،‬فل تحزن لن حسبك ال‪.‬‬ ‫إذا أبطأ النصر‪ ،‬وتأخر الفتح‪ ،‬واشتد الكرب‪ ،‬وثقل الحمل‪ ،‬وادله مّ الخطب‪ ،‬فل تحزن لن حسبك ال‪ ،‬أنت محظوظ‬ ‫لنك بأعيننا‪ ،‬وأنت محروس لنك خليلنا‪ ،‬وأنت في رعايتنا لنك رسولنا‪ ،‬وأنت في حمايتنا لنك عبدنا المجتبى ونبيّنا‬ ‫المصطفى‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫}ل تحزن إن ال معنا}‬ ‫هذه الكلمة الجميلة الشجاعة قالها صلى ال عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه أبي بكر الصدّيق‪ ،‬وقد‬ ‫أحاط بهما الكفار‪ ،‬فقالها قوية في حزم‪ ،‬صادقة في عزم‪ ،‬صارمة في جزم‪ {:‬لَ تَحْزَ نْ إِنّ الّ مَعَنَا } التوبة‬ ‫‪ .40‬فما دام ال معنا فلم الحزن ولم الخوف ولم القلق‪ ،‬اسكن‪ ..‬اثبت‪ ..‬اهدأ‪ ..‬اطمئن‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫ل نُغلب‪ ،‬ل نُهزم‪ ،‬ل نضل‪ ،‬ل نضيع‪ ،‬ل نيأس‪ ،‬ل نقنط‪ ،‬لن ال معنا‪ ،‬النصر حليفنا‪ ،‬الفرج رفيقنا‪،‬‬ ‫الفتح صاحبنا‪ ،‬الفوز غايتنا‪ ،‬الفلح نهايتنا لن ال معنا‪.‬‬ ‫من أقوى منا قلبا‪ ،‬من أهدى منا نهجا‪ ،‬من أجلّ من مبدأ‪ ،‬من أحسن منا سيرة‪ ،‬من أرفع مان قدرا؟! لن‬ ‫ال معنا‪.‬‬ ‫ما أضعف عدوّنا‪ ،‬ما أذلّ خصمنا‪ ،‬ما أحقر من حاربنا‪ ،‬ما أجبن من قاتلنا‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫لن نقصد بشرا‪ ،‬لن نلتجئ الى عبد‪ ،‬لن ندعو إنسانا‪ ،‬لن نخاف مخلوقا‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫نحن أقوى عدة وأمضى سلحا‪ ،‬وأثبت جنانا وأقوم نهجا‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫نحن الكثرون الكرمون العلون العزّون المنصورون‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫يا أبا بكر اهجر همّك‪ ،‬وأزح غمّك‪ ،‬واطرد حزنك‪ ،‬وأزل يأسك‪ ،‬لن ال معنا‬

‫‪33‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫}ل تحزن إن ال معنا}‬ ‫يا أبا بكر ارفع رأسك‪ ،‬وهدئ من روعك‪ ،‬وأرح قلبك‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫يا أبا بكر أبشر بالفوز‪ ،‬وانتظر النصر‪ ،‬وترقّب الفتح‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫غدا سوف تعلو رسالتنا وتظهر دعوتنا وتسمع كلمتنا‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫غدا سوف نُسمع أهل الرض روعة الذان وكلم الرحمن ونغمة القرآن‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬ ‫غدا سوف نخرج النسانية ونحرر البشرية من عبودية الوثان‪ ،‬لن ال معنا‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{وإنك لعلى خلق عظيم}‬ ‫وال إنك لعظيم الخلق‪ ،‬كريم السجايا‪ ،‬مهذب الطباع‪ ،‬نقيّ الفطرة‪.‬‬ ‫وال إنّك جمّ الحياء‪ ،‬حيّ العاطفة‪ ،‬جميل السيرة‪ ،‬طاهر السريرة‪.‬‬ ‫وال إنك قمة الفضائل‪ ،‬ومنبع الجود‪ ،‬ومطلع الخير‪ ،‬وغاية الحسان‪.‬‬ ‫وإن ك لعل ى خل ق عظيم‪ ..‬يظلمون ك فتص بر‪ ،‬يؤذون ك فتغف ر‪ ،‬يشتمون ك فتحل ك‪ ،‬يس بّونك فتعف و‪ ،‬يجفونك‬ ‫فتصفح‪.‬‬ ‫عظِي مٍ } (‪ )4‬القلم ‪ ..‬يحبّك الملك والمملوك‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬والغني‬ ‫{ وَإِنّ كَ لَعَلى خُلُ قٍ َ‬ ‫والفقير‪ ،‬والقريب والبعيد‪ ،‬لنك ملكت القلوب بعطفك‪ ،‬وأسرت الرواح بفضلك‪ ،‬وطوّقت العناق بكرمك‪.‬‬ ‫عظِيمٍ } (‪ )4‬القل م ‪..‬هذبّك الوح ي‪ ،‬وعلم ك جبري ل‪ ،‬وهداك رب ك‪ ،‬وص احبتك العناية‪،‬‬ ‫{ وَإِنّكَ لَعَل ى خُلُقٍ َ‬ ‫ورافقتك الرعاية‪ ،‬وحالفك التوفيق‪.‬‬ ‫عظِيمٍ} (‪ )4‬القلم ‪ ..‬البسمة على محياك‪ ،‬البِِشر على طلعتك‪ ،‬النور على جبينك‪ ،‬الحب في‬ ‫{وَإِنّكَ لَعَلى خُلُقٍ َ‬ ‫قلبك‪ ،‬الجود في يدك‪ ،‬البركة فيك‪ ،‬الفوز معك‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{وإنك لعلى خلق عظيم}‬ ‫من زار بابك لم تبرح جوارحه‬ ‫تروي احاديث ما أوليت من منن‬ ‫فالعين عن قرّة والكف عن صلة‬ ‫والقلب عن جابر والسمع عن حسن‬ ‫{وَإِنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }‪ ..‬ل تكذب ولو أن السيف على رأسك‪ ،‬ول تخون ولو حزت‬ ‫الدنيا‪ ،‬ول تغدر ولو أعطيت الملك‪ ،‬لنبي نبيّ معصوم‪ ،‬وإمام قدوة‪ ،‬وأسوة حسنة‪.‬‬ ‫{ وَإِنّ كَ لَعَلى خُلُ قٍ عَظِي مٍ } صادق ولو قابلتك المنايا‪ ،‬وشجاع ولو قاتلت السود‪ ،‬وجواد‬ ‫ولو سئلت كل ما تملك‪ ،‬فأنت المثال الراقي والرمز السامي‪.‬‬ ‫{ وَإِنّ كَ لَعَلى خُلُ قٍ عَظِي مٍ }‪ ..‬سبقت العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة‪ ،‬وتفوقت على‬ ‫الكل علما وحلما وكرما ونبل وشجاعة وتضحية‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ما أنت بنعمة ربك بمجنون}‬ ‫لست مجنونا كما قال أعداؤك لكن عندك دواء المجانين‪ ،‬فلمجنون الطائش والسفيه التافه من خالفك وعصاك‬ ‫وحاربك وجفاك‪.‬‬ ‫{ مَا أَن تَ ِبنِعْمَ ةِ رَبّ كَ بِمَجْنُو نٍ } (‪ )2‬القلم‪ ..‬وكيف يكون ذلك وأنت أكملهم عقل‪ ،‬وأتمّهم رشدا‪ ،‬وأسدهم رأيا‪،‬‬ ‫وأعظمهم حكمة‪ ،‬واجلذهم بصيرة!‬ ‫وكيف تكون مجنونا وأنت أتيت بوحي يكشف الزيغ‪ ،‬ويزيل الضلل‪ ،‬وينسف الباطل‪ ،‬ويمحو الجهل‪ ،‬ويهدي‬ ‫العقل‪ ،‬وينير الطريق‪.‬‬ ‫لست مجنونا أنك على هدى من ال‪ ،‬وعلى نور من ربك‪ ،‬وعلى ثقة من منهجك‪ ،‬وعلى بيّنة من دينك‪ ،‬وعلى‬ ‫رشد من دعوتك‪ ،‬صانك ال من الجنون‪ ،‬بل عندك كل العقل وأكمل الرشد وأتم الرأي وأحسن البصيرة‪ ،‬فأنت‬ ‫الذي يهتدي بك العقلء‪ ،‬ويستضيء بحكمتك الحكماء‪ ،‬ويقتدي بك الراشدون المهديّون‪.‬‬ ‫كذب وافترى من وصفك بالجنون وقد ملت الرض حكمة والدنيا رشدا والعالم عدل‪ ،‬فأين يوجد الرشد إل‬ ‫عندك؟ وأين تكون الحكمة إل لديم؟ وأين تحلّ البركة إل معك؟ أنت أعقل العقلء‪ ،‬وأفضل النبلء‪ ،‬وأجلّ الحكماء‪.‬‬ ‫كيف يكون محمد مجنونا وقد قدّم للبشرية أحسن تراث على وجه الرض‪ ،‬وأهدى للعالم أجلّ تركة عرفها الناس‪،‬‬ ‫وأعطى الكون أبرك رسالة عرفها العقلء‪:‬‬ ‫أخوك عيسى دعا ميتا فقام له‬ ‫وأنت أحييت أجيال من الرمم‬

‫‪37‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ وإنك لتهدي الى صراط مستقيم}‬ ‫أنت يا محمد مهمّتك الهداية‪ ،‬ووظيفتك الدللة‪ ،‬وعملك الصلح‪ ..‬أنت تهدي الى صراط مستقيم‪ ،‬لنك تزيل‬ ‫الشبهات وتطرد الغواية وتذهب الضللة‪ ،‬وتمحو الباطل وتشيد الحق والعدل والخير‪.‬‬ ‫ب الفلح فليقتد بك‪ ،‬ومن رغب في النجاة فليهتد‬ ‫أنت تهدي الى صراد مستقيم‪ ،‬فمن أراد السعادة فليتبعك‪ ،‬ومن أح ّ‬ ‫بهداك‪.‬‬ ‫ج حجك‪ ،‬وأزكى صدقة صدقتك‪ ،‬وأعظم ذكرك لربك‪.‬‬ ‫أحسن صلة صلتك‪ ،‬وأت ّم صيام صيامك‪ ،‬وأكمل ح ّ‬ ‫وأنت تهدي الى صراط مستقيم‪ ..‬من ركب سفينة هدايتك نجا‪ ،‬من دخل دار دعوتك أمن‪ ،‬من تمسّك بحبل رسالتك‬ ‫سلم‪ .‬فمن تبعك ما ذلّ‪ ،‬وما ضلّ وزلّ وما قل‪ ،‬وكيف يذلّ والنصر معك؟ وكيف يضل وكل الهداية لديك؟ وكيف‬ ‫يزل والرشد كله عندك؟ وكيف يقلّ وال مؤيدك وناصرك وحافظك؟‬ ‫وإنك لتهدي الى صراط مستقيم لنك وافقت الفطرة وجئت بحنيفية سمحة‪ ،‬وشريعة غرّاء‪ ،‬وملة كاملة‪ ،‬ودين تام‪.‬‬ ‫هديت العقل من الزيغ‪ ،‬وطهّرت القلب من الريبة‪ ،‬وغسلت الضمير من الخيانة‪ ،‬وأخرجت المة من الظلم‪،‬‬ ‫وحرّرت البشر من الطاغوت‪.‬‬ ‫وإنك لتهدي الى صراط مستقيم‪ ،‬فكلمك هدى‪ ،‬وحالك هدى‪ ،‬وفعلك هدى‪ ،‬و مذهبك هدى‪ ،‬فأنت الهادي الى ال‪،‬‬ ‫الدال على طريق الخير‪ ،‬المرشد لكل برّ‪ ،‬الداعي الى الجنة‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك}‬ ‫أدّ الرسالة كاملة كما سمعتها كاملة‪ ،‬بلّغها تامّة مثلما حملتها تامة‪ ،‬ل تنقص منها حرفا‪ ،‬ول تحذف كلمة‪ ،‬ول‬ ‫تغفل جملة‪.‬‬ ‫بلّغ ما أنزل إليك فهي أمانة في عنقك سوف تُسأل عنها‪ ،‬فبلغها بنصّها وروحها ومضمونها‪.‬‬ ‫بلّغ ما أنزل إليك من الوحي العظيم والهدى المستقيم والشريعة المطهّرة‪ ،‬فأنت مبلّغ فحسب‪ ،‬ل تزد في الرسالة‬ ‫حرفا‪ ،‬ول تضف من عندك على المت ن‪ ،‬ل تُدخل شيئ ا في المضمون‪ ،‬لنك مرسل فحسب‪ ،‬مبعوث ليس إل‪،‬‬ ‫مكلف ببلغ‪ ،‬مسؤول عن مهمة‪ .‬فمثلما سمعت بلغ‪ ،‬ومثلما حُمّلت فأدّ‪.‬‬ ‫بلّغ ما أنزل إليك‪ ،‬عرف من عرف‪ ،‬وأنكر من أنكر‪ ،‬استجاب من استجاب وأعرض من أعرض‪ ،‬أقبل من أقبل‬ ‫وأدبرمن أدبر‪.‬‬ ‫بل غ م ا أنزل إلي ك‪ ،‬بلّغ الك ل وادع الجمي ع‪ ،‬وانص ح الكاف ة‪ ،‬الك براء والمس تضعفين‪ ،‬الس ادة والعبي د‪ ،‬والنس‬ ‫والجن‪ ،‬الرجال والنساء‪ ،‬الغنياء والفقراء‪ ،‬الكبار والصغار‪.‬‬ ‫بلّغ ما أنزل إليك‪ ..‬فل ترهب العداء ول تخف الخصوم‪ ،‬ول تخش الكفار‪ ،‬ول يهولك سيف مصلت‪ ،‬أو رمح‬ ‫مشرع‪ ،‬أو منية كالحة‪ ،‬أو موت عابس‪ ،‬أو جيش مدجج‪ ،‬أو حركة حامية‪.‬‬ ‫بلّغ ما أنزل إليك فل يغريك مال‪ ،‬ول يعجبك منصب‪ ،‬ول يزدهيك جاه‪ ،‬ول تغرّك دنيا‪ ،‬ول يخدعك متاع‪ ،‬ول‬ ‫يردّك تحرّج‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}‬ ‫إذا لم تؤد الرسالة كاملة فكأنك ما فعلت شيئا‪ ،‬وإن لم توصلها تامّة فكأنك ما قمت بها حق القيام‪ ،‬ولو كتمت منها مقالة‬ ‫أو عطلت منها نصا أو أهملت منها عبارة فما بلّغت رسالة ال وما أدّيت أمانة ال‪ ،‬نريد منك أن تبلّغ رسالتنا للناس كما‬ ‫أُلقيت عليك‪ ،‬وكما نزل بها جبريل وكما وعاها قلبك‪.‬‬

‫{وال يعصمك من الناس}‬ ‫بلغ الرسالة كاملة ول تخف أحدا‪ ،‬وكيف تخاف من أحد ونحن معك نحفظك ونمنعك ونحميك ونذبّ عنك؟! لن يقتلك‬ ‫أحد لن ال يعصمك من الناس‪ ،‬ولن يطفئ نورك أحد لن ال يعصمك من الناس‪ ،‬ولن يعطّل مسيرتك أحد لن ال‬ ‫يعصمك من الناس‪ ،‬اصدع بما تؤمر‪ ،‬وقل كلمتك صريحة شجاعة قوية لن ال يعصمك من الناس‪ .‬اشرح دعوتك‪،‬‬ ‫وابسط رسالتك‪ ،‬وارفع صوتك‪ ،‬وأعلن منهجك‪ ،‬وما عليك لن ال يعصمك من الناس‪.‬‬ ‫كل قوة في الرض لن تستطيع لك‪ ،‬كلّ جبروت في الدنيا ل يهزمك‪ ،‬كل طاغية في المعمورة لن يقهرك‪ ،‬لن ال‬ ‫يعصمك من الناس‪.‬‬ ‫خير البريّة لم ينسج ولم يحم‬ ‫ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على‬ ‫عناية ال أغنت عن مضاعفه‬

‫‪40‬‬

‫من الروع وعن عالٍ من الطم‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ألم نشرح لك صدرك}‬ ‫أما شرحنا لك صدرك فصار وسيعا فسيحا ل ضيق فيه‪ ،‬ول حرج ول همّ ول غ ّم ول حزن‪ ،‬بل ملناه لك نورا وسرورا وحبورا‪.‬‬ ‫أما شرحنا لك صدرك وملناه حكمة ورحمة وإيمانا وبرا وإحسانا‪.‬‬ ‫وشرحنا لك صدرك فوسعت أخلق الناس‪ ،‬وعفوت عن تقصيرهم‪ ،‬وصفحت عن أخطائهم‪ ،‬وسترت عيوبهم‪ ،‬وحلمت على سفيههم‪،‬‬ ‫وأعرضت عن جاهلهم‪ ،‬ورحمت ضعيفهم‪.‬‬ ‫شرحنا لك صدرك فكنت كالغيث جوادا‪ ،‬وكالبحر كرما‪ ،‬وكالنسيم لطفا‪ ،‬تعطي السائل‪ ،‬وتمنح الراغب‪ ،‬وتكرم القاصد‪ ،‬وتجود على‬ ‫المؤمّل‪.‬‬ ‫شرحنا لك صدرك فصار بردا وسلما يطفئ الكلمة الجافية‪ ،‬ويبرد العبارة الجارحة‪ ،‬فإذا العفو والحلم والصفح والغفران‪.‬‬ ‫شرحنا لك صدرك فصبرت على جفاء العراب‪ ،‬ونيل السفهاء‪ ،‬وعجرفة الجبابرة‪ ،‬وتطاول التافهين‪ ،‬وإعراض المتكبرين‪ ،‬ومقت‬ ‫الحسدة‪ ،‬وسهام الشامتين‪ ،‬وتجهّم القرابة‪.‬‬ ‫شرحنا لك صدرك فكنت بسّاما في الزمات‪ ،‬ضحّاكا في الملمّات‪ ،‬مسرورا وأنت في عين العاصفة‪ ،‬مطمئنا وأنت في جفن الردى‪،‬‬ ‫تداهمك المصائب وأنت ساكن‪ ،‬وتلتفّ بك الحوادث وأنت ثابت‪ ،‬لنك مشروح الصدر‪ ،‬عامر الفؤاد‪ ،‬حيّ النفس‪.‬‬ ‫شرحنا لك صدرك فلم تكن فظا قاسيا غليظا جافيا‪ ،‬بل كنت رحمة وسلما وبرا وحنانا ولطفا‪ ،‬فالحلم يُطلب منك‪ ،‬والجود يُتعلّم من‬ ‫سيرتك‪ ،‬والعفو يؤخذ من ديوانك‪.‬‬

‫{ووضعنا عنك وزرك}‬ ‫حططنا عنك خطاياك وغسلناك من آثار الذنوب‪.‬‬ ‫ي طاهر من كل ذنب وخطيئة‪ ،‬ذنبك مغفور‪ ،‬وسعيك مشكور‪ ،‬وعملك‬ ‫فأنت مغفور لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ ،‬وأنت الن نق ّ‬ ‫مبرور‪ ،‬وأنت في كل شأن من شؤونك مأجور‪ ،‬فهنيئا لك هذا الغفران‪ ،‬وطوبى لك هذا الفوز‪ ،‬وقرة عين لك هذا الفلح‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{الذي أنقض ظهرك}‬ ‫أثقل هذا الوزر كاهلك‪ ،‬وأضنى ظهرك حتى كاد ينقضه ويوهنه‪ ،‬فالن أذهبنا هذا الثقل وأزلنا هذه التبعة‪ ،‬وأعفيناك‬ ‫من هذا الخطب‪ ،‬وأرحناك من هذا الحمل‪ ،‬فاسعد بهذه البشرى‪ ،‬وتقبّل هذا العطاء‪ ،‬وافرح بهذا التفضّل‪.‬‬

‫{ورفعنا لك ذكرك}‬ ‫ل أُذك ر إل تذك ر مع ي‪ ،‬يقرن ذكرك بذكري ف ي الذان والص لة والخط ب والمواع ظ‪ ،‬فه ل تري د شرفا فوق هذا؟‬ ‫يذكرك كل مصلّ وكل مسبّح وكل حاجّ وكل خطيب‪ ،‬فهل تطلب مجدا أعلى من هذا؟‬ ‫أنت مذكور في التوراة والنجيل‪ ،‬منوّه باسمك في الصحف الولى والدواوين السابقة‪ ،‬اسمك يشاد به في النوادي‪،‬‬ ‫ويُتلى في الحواضر والبوادي‪ ،‬ويُمدح في المحافل‪ ،‬ويُكرر في المجامع‪.‬‬ ‫رفعنا لك ذكرك فسار في الرض مسير الشمس‪ ،‬وعبر القارات عبور الريح‪ ،‬وسافر في الدنيا سفر الضوء‪ ،‬فكل‬ ‫مدينة تدري بك‪ ،‬وكل بلد يسمع بك‪ ،‬وكل قرية تسأل عنك‪.‬‬ ‫رفعنا لك ذكرك فصرت حديث الرّّكب‪ ،‬وقصة السّمر‪ ،‬وخبر المجالس‪ ،‬وقضية القضايا‪ ،‬والنبأ العظيم في الحياة‪.‬‬ ‫رفعنا لك ذكرك فما نُسي مع اليام‪ ،‬وما مُحي مع العوام‪ ،‬وما شُطب مع قائمة الخلود‪ ،‬وما نُسخ من ديوان التاريخ‪،‬‬ ‫وما أغفل من دفتر الوجود‪ ،‬نُسي الناس إل أنت‪ ،‬وسقطت السماء إل اسمك‪ ،‬وأغفل العظماء إل ذاتك‪ ،‬فمن ارتفع ذكره‬ ‫من العباد عندنا فبسبب اتّباعك‪ ،‬ومن حُفظ اسمه فبسبب القتداء بك‪ .‬ذهبت آثار الدول وبقيت آثارك‪ ،‬ومُحيت مآثر‬ ‫السلطين وبقيت مآثرك‪ ،‬وزالت أمجاد الملوك وخلّد مجدك‪ ،‬فليس في البشر أشرح منك صدرا‪ ،‬ول أرفع منك ذكرا‪،‬‬ ‫ول أعظم منك قدرا‪ ،‬ول أحسن منك أثرا‪ ،‬ول أجمل منك سيرا‪ .‬إذا تشهّد متشهّد ذكرك معنا‪ ،‬وإذا تهجّد متهجّد سمّاك‬ ‫معنا‪ ،‬وإذا خطب خطيب نوّه بك معنا‪ ،‬فاحمد ربّك لننا رفعنا لك ذكرك‬ ‫‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{ فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا}‬ ‫إذا ضاقت عليك السبل وبارت الحيل‪ ،‬وتقطعت الحبال وضاق الحال‪ ،‬فاعلم أن الفرج قريب وأن اليسر‬ ‫حاصل‪.‬‬ ‫ل تحزن‪ ،‬فإن بعد الفقر غنى‪ ،‬وبعد المرض شفاء‪ ،‬وبعد البلوى عافية‪ ،‬وبعد الضيق سعة‪ ،‬وبعد الشدّة‬ ‫فرحا‪.‬‬ ‫سوف يصلك اليسر أنت وأتباعك‪ ،‬فترزقون وتنصرون وتكرمون ويفتح عليك‪ ،‬ولكن ليس يسر واحد بل‬ ‫يسران‪.‬‬ ‫إنها سنة ثابتة وقاعدة مطّردة أن مع كل عسر يسرا‪ ،‬بعد الليل فجر صادق‪ ،‬وخلف جبل المشقة سهل‬ ‫الراح ة‪ ،‬ووراء ص حراء الضي ق روض ة خضراء م ن الس عة‪ ،‬إذا اشت د الحب ل انقط ع‪ ،‬وإذا اكتم ل الخطب‬ ‫ارتف ع‪ ،‬س وف يص ل الغائ ب‪ ،‬ويشف ى المري ض‪ ،‬ويعاف ى المبتل ى‪ ،‬ويفكّ المحبوس‪ ،‬ويغن ى الفقي ر‪ ،‬ويشبع‬ ‫الجائع‪ ،‬ويروى الظمآن‪ ،‬ويسرّ المهموم‪ ،‬وسيجعل ال بعد عسر يسرا‪.‬‬ ‫وهذه السورة نزلت عليه الصلة والسلم وهو في حال من الضيق‪ ،‬وتكالب العداء‪ ،‬واجتماع الخصوم‪،‬‬ ‫وإعراض الناس‪ ،‬وقل ة الناص ر‪ ،‬وتعاظ م المك ر‪ ،‬وكثرة الكي د‪ ،‬فكان ل ب د ل ه م ن عزاء وس لوة وتطمين‬ ‫وترويح‪ ،‬فنزلت هذه الكلمات له ولتباعه الى يوم القيامة وعدا صادقا وبشر طيبة‪ ،‬وجائزة متقبّلة‪:‬‬ ‫اشتدي أزمة تنفرجي‬

‫‪43‬‬

‫قد آذن ايلك بالبلج‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{فإذا فرغت فانصب}‬ ‫إذا انتهيت من أعمالك الدنيوية وأشغالك الشخصية فانصب لنا بالعبادة‪ ،‬وتوجّه لنا بالطاعة‪ ،‬وأكثر من‬ ‫ذكرنا ودعائنا‪.‬‬ ‫إذا فرغت من الناس وقضايا الناس وأسئلة الناس فقم في محراب عظمتنا‪ ،‬وانطرح على بابنا‪ ،‬واقرب‬ ‫منا‪ ،‬ومرّغ جبينك لنا‪ ،‬لتلقى الفوز والفلح والمن والنجاة‪.‬‬ ‫إذا فرغ ت من الهل والول د والقريب والصاحب فاجع ل ل ك وقتا معنا‪ ،‬ارف ع في ه س ؤالك‪ ،‬اعرض فيه‬ ‫حاجتك‪ ،‬أكثر فيه دعاءك‪ ،‬ادعنا وسبّحنا واطلبنا واستغفرنا واشكرنا واذكرنا‪.‬‬ ‫إذا فرغت من الحكام والقضايا والموعظة والفتيا والتعليم والرشاد والجهاد والنصيحة‪ ،‬فتعال لتزداد من‬ ‫قوتنا قوة‪ ،‬ومن مددنا عونا‪ ،‬ومن رزقنا زادا‪ ،‬ومن فتحنا بصيرة وذخيرة‪.‬‬ ‫نحن أولى بك منك‪ ،‬وأحق بفراغك من غيرنا‪ ،‬ويا له من توجيه له ولتباعه عليه الصلة والسلم في‬ ‫صرف الفراغ في العبودية‪ ،‬وملء هذا الزمن بذكره وشكره ج لّ في عله‪ ،‬ليحصل المقصود من الرضا‬ ‫والسكينة والفرج والعاقبة الحسنة وصلح الحال والمال‪ ،‬وعمار الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫{‬

‫‪44‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{وإلى ربّك فارغب}‬ ‫إل ى رب ك وحده فارغ ب‪ ،‬ول ترغ ب م ن غيره شيئ ا‪ ،‬وإلي ه وحده فاتج ه وعلي ه توكّل‪ ،‬وفي ه فأم ل‪ ،‬فإن‬ ‫الرغبة والرهبة ل تكون إل إليه لنه صاحب الثواب لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه‪ ،‬والرغائب الجليلة ل‬ ‫يملكها إل ال‪ ،‬فعنده مفاتح الخزائن ومقاليد المور‪ ،‬فهو أهل أن يدعى وأن يسأل وأن يؤمل وأن يقصد جلّ‬ ‫في عله‪:‬‬ ‫إليك وإل ل تشدّ الركائب‬ ‫ومنك وإل فالمؤمّل خائب‬ ‫وفيك وإل فالغرام مضيّع‬ ‫وعنك وإل فالمحدث كاذب‬ ‫وقد تنزلت هذه الكلمات على رسولنا صلى ال عليه وسلم في فترات عصيبة‪ ،‬وفي لحظات حاسمة عاشها‬ ‫صلى ال عليه وسلم وتجرّع غصصها وحسا مرارتها‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{إنا فتحنا لك فتحا مبينا}‬ ‫لقد فتحنا لك يا محمد فتحا بيّنا ظاهرا مباركا‪ ،‬فتحنا لك القلوب فغرست بها اليمان‪ ،‬وفتحنا لك الضمائر‬ ‫فبنيت فيها الفضيلة‪ ،‬وفتحنا لك الصدور فرفعت فيها الحق‪ ،‬وفتحنا لك البلدان فنشرت بها الهدى‪ ،‬وفتحنا‬ ‫لك كنز المعرفة وديوان العلم ومستودع التوفيق‪ ،‬وفتحنا بدعوتك القلوب الغلف والعيون العني والذان‬ ‫الصمّ‪ ،‬وأسمعنا رسالتك الثقلين‪.‬‬ ‫فتحنا لك فتدفّق العلم النافع من لسانك‪ ،‬وفاض الهدى المبارك من قلبك‪ ،‬وسحّ الجود من يمينك‪.‬‬ ‫وفتحنا لك فحزت الغنائم وقسمتها‪ ،‬وجمعت الرزاق ووزعتها‪ ،‬وحصلت على الموال وأنفقتها‪.‬‬ ‫وفتحنا لك باب العلم وأنت الميّ الذي ما قرأ وكتب‪ ،‬فصار العلماء ينهلون من بحار علمك‪.‬‬ ‫وفتحنا عليك الخير فوصلت القريب وأعطيت البعيد‪ ،‬وأشبعت الجائع وكسوت العاري‪ ،‬وواسيت‬ ‫المسكين‪ ،‬وأغنيت الفقير‪ ،‬بفضلنا ورزقنا وكرمنا‪.‬‬ ‫وفتحنا لك القلع والمدن والقرى‪ ،‬فهيمن دينك‪ ،‬وارتفعت رايتك‪ ،‬وانتصرت دولتك‪ ،‬فأنت مفتوح عليك‬ ‫في كل خير وبرّ وإحسان ونصر وتوفيق‬

‫‪46‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{فاعلم أنه ل إله إل ال}‬ ‫علَمْ َأنّهُ لَ ِإلَهَ ِإلّ الُّ} محمد ‪ ،19‬فل تشرك معه في عبوديته أحدا‪ ،‬ول تعد من دونه إلها آخر‪ ،‬بل تصرف له‬ ‫{فَا ْ‬ ‫عبادتك‪ ،‬وتخلص له طاعتك‪ ،‬وتوحّد قصدك له ومسألتك ودعاءك‪ ،‬فإذا سألت فاسأل ال‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن‬ ‫بال‪ ،‬فل يستحق العبادة إل هو‪ ،‬ول يكشف الضرّ غيره‪ ،‬ول يجيب دعوة المضطر سواه‪.‬‬ ‫علَ مْ أَنّهُ لَ إِلَهَ إِلّ الُّ } فهو أحق من شُكر وأعظم من ذكر‪ ،‬وأرأف من ملك‪ ،‬وأجود من أعطى‪ ،‬وأحلم من‬ ‫{ فَا ْ‬ ‫قدر‪ ،‬وأقوى من أخذ‪ ،‬وأج لّ من قصد‪ ،‬وأكرم من ابتغي‪ ،‬فل يدعى إله سواه‪ ،‬ول رب يطاع غيره‪ ،‬فالواجب أن‬ ‫يُعبد وأن يُوحّد وأن يُخاف وأن يُطاع وأن يُرهب وأن يُخشى وأن يُحب‪.‬‬ ‫علَمْ َأنّهُ لَ ِإلَهَ إِلّ الُّ} المتفرد بالجمال والكمال والجلل‪ ،‬خلق الخلق ليعبدوه‪ ،‬وأوجد النس والجن ليوحّدوه‪،‬‬ ‫{فَا ْ‬ ‫وأنشأ البريّة ليطيعوه‪ ،‬فمن أطاعه فاز برضوانه‪ ،‬ومن أحبّه نال قربه‪ ،‬ومن خافه أمن عذابه‪ ،‬ومن عظمه أكرمه‪،‬‬ ‫ومن عصاه أدّبه‪ ،‬ومن حاربه خذله‪ ،‬يذكر من ذكره‪ ،‬ويزيد من شكره‪ ،‬ويذلّ من كفره‪ ،‬له الحكم وإليه ترجعون‪.‬‬ ‫{فَاعْلَمْ أَنّهُ لَ إِلَهَ إِلّ الُّ} فأخلص له العبادة‪ ،‬لنه ل يقبل الشريك‪ ،‬وفوّض إليه المر لنه الكافي القويّ‪ ،‬واسأله‬ ‫فهو الغني‪ ،‬وخف عذابه لنه شديد‪ ،‬واخش أخذه لنه أليم‪ ،‬ول تتعدّ حدوده لنه يغار‪ ،‬ول تحارب أولياءه‪ ،‬لنه‬ ‫ينتقم‪ ،‬واستغفره فهو واسع المغفرة‪ ،‬واطمع في فضله لنه كريم‪ ،‬ولذ بجنابه فهناك المن‪ ،‬وأدم ذكره لتنل محبته‪،‬‬ ‫وأدمن شكره لتحظى بالمزيد‪ ،‬وعظم شعائره لتفوز بوليته‪ ،‬وحارب أعداءه ليخصّك بنصره‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في القرآن‬ ‫{إقرأ}‬ ‫تبدأ قصة النبوة بكلمة‪{:‬اقْرَ أْ } يوم نزلت على رسولنا صلى ال عليه وسلم في الغار‪ ،‬ومن بداية {اقْرَ أْ } بدأنا‪ ،‬بدأ تاريخنا‬ ‫ومجدنا وحياتنا‪ ،‬ومن تاريخ نزول {اقْرَأْ} بدأت مسيرتنا المقدّسة‪ ،‬وتغيّر بها وجه الرض وصفحة اليام ومعالم الدنيا‪ ،‬فتلك‬ ‫اللحظة هي أسعد لحظة في حياتنا نحن المسلمين‪ ،‬وهي اللحظة الفاصلة بين الظلم والنور‪ ،‬والكفر واليمان‪ ،‬والجهل والعلم‪،‬‬ ‫واختيار اقرأ من بين قاموس اللفاظ وديوان اللغة له سر عجيب ونبأ غريب‪ ،‬فلم يكن مكان {اقْرَأْ} غيرها من الكلمات‪ ،‬ل "‬ ‫اكتب"‪ ،‬ول "ادع" ول "تكلم" ول "قل"‪ ،‬ول "اخطب"‪ ....‬إنما {اقْ َرأْ}‪ ،‬ويا لها من كلمة جليلة جميلة أصيلة‪.‬‬ ‫ل ِإلَ َه إِلّ الُّ وَاسْتَغْفِ ْر ِلذَن ِبكَ } محمد ‪.19‬‬ ‫عَل ْم أَنّهُ َ‬ ‫اقرأ يا محمد قبل أن تدعو‪ ،‬واطلب العلم قبل أن تعمل {فَا ْ‬ ‫إن {اقْرَأْ} منهج حياة‪ ،‬ورسالة حية لكل حيّ تطالبه بتحصيل العلم النافع وطلب المعرفة‪ ،‬وأن يطرد الجهل عن نفسه وأمته‪.‬‬ ‫وأين يقرأ بأبي وأمي وما تعلّم على شيخ ول درس كتابا ول حمل قلما؟‬ ‫يقرأ أول باسم ربه كلم ربّه‪ ،‬فمصدره الول الوحي يتلوه غضّا طريا‪ ،‬ويقرأ في كتاب الكون المفتوح ليرى أسطر الحكمة‬ ‫تخطها أقلم القدرة‪ ،‬فيقرأ في الشمس الساطعة‪ ،‬والنجوم اللمعة‪ ،‬والجدول والغدير‪ ،‬والتل والرابية‪ ،‬والحديقة والصحراء‪،‬‬ ‫والرض والسماء‪:‬‬ ‫صورا ما قرأتها في كتابي‬ ‫وكتابي الفضاء اقرأ فيه‬ ‫وكلمة {اقْرَأْ} تدلك على فضل العلم وعل ّو مكانته‪ ،‬وأنه أول منازل الشرف الرافعة‪.‬‬ ‫وإن كل سعادة وفلح سببها العلم‪ ،‬فرسالته صلى ال عليه وسلم علميّة عمليّة‪ ،‬لنه بعث بالعلم النافع والعمل الصالح " مثل‬ ‫ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل الغيث" أخرجه البخاري ‪ 79‬ومسلم ‪ 2282‬عن أبي موسى رضي ال عنه‪.‬‬ ‫فاليهود عندهم علم بل عمل‪ ،‬فغضب عليهم‪ ،‬والنصارى لديهم عمل بل علم فضلوا‪ ،‬فأمرنا بالستعاذة من سبيل الطائفتين‬ ‫ل الضّالّينَ } الفاتحة ‪.7‬‬ ‫علَي ِه ْم وَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫{غَي ِر المَغضُو ِ‬

‫‪48‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم باكيا‪:‬‬ ‫البكاء فضيلة عند رؤية التقصير أو خوف سوء المصير‪ ،‬وهو محمدة إذا تذكّر العبد ربه وخاف ذنوبه‪ ،‬ودليل على‬ ‫تقوى القلب وسمّو النفس وطهر الضمير ورقّة العاطفة‪ ،‬مدح ال رسله بالبكاء فقال‪ {:‬إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ مْ آيَا تُ ال ّرحْمَن‬ ‫سجّداً وَبُكِيّا} )(‪ )58‬مريم‪.‬‬ ‫خَرّوا ُ‬ ‫ووصف أولياءه الصالحين بأنهم{ وَ َيخِرّونَ لِلَ ْذقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} )‪ )109‬السراء‪.‬‬ ‫ولم أعداءه على القسوة والغلظة فقال‪ {:‬أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ول تبكون}‪.‬‬ ‫وأثنى على قوم فقال‪َ {:‬وإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ ِإلَى الرّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ َتفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَ َرفُواْ مِنَ الْحَقّ } المائدة‬ ‫‪.83‬‬ ‫وسيد الخاشعين لربّ العالمين‪ ،‬وإمام الخائفين من مالك يوم الدين هو خاتم المرسلين صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقد كان‬ ‫نديّ الجفن‪ ،‬سريع العبرة‪ ،‬سخيّ الدمع‪ ،‬رقيق القلب‪ ،‬جياش العاطفة‪ ،‬مشبوب الحشا‪ ،‬تنطلق دمعته في صدق وطهر‪،‬‬ ‫ويس مع نشيج ه ف ي قنوت وإخبات‪ ،‬يترك بكاؤ ه ف ي قلوب أصحابه آثارا من التربي ة والقتداء والص لح م ا ل تتركه‬ ‫الخطبة البليغة والمواعظ المؤثرة‪ ،‬فهو يبكي صلى ال عليه وسلم عند تلوة القرآن‪ ،‬فقد قام ليلة من الليالي يكرر قوله‬ ‫تعالى‪ {:‬إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَا ُدكَ َوإِن تَ ْغفِ ْر لَهُمْ َفإِ ّنكَ أَنتَ الْعَزِي ُز ا ْلحَكِيمُ} ) ‪ )118‬المائدة‪ ،‬فيبكي غالب ليله‪.‬‬ ‫وهو يبكي عند سماع القرآن‪ ،‬فقد صحّ عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال لبن مسعود‪":‬اقرأ عليّ القرآن"‪ ،‬قال‪ :‬كيف‬ ‫أقرؤه عليك وعليك أُنزل؟ قال‪ ":‬اقرأ فإني أح بّ أن أسمعه من غيري " فيقرأ ابن مسعود من أول سورة النساء‪ ،‬حتى‬ ‫علَى هَ ؤُلء شَهِيداً } )‪ ( 41‬النساء‪ .‬قال‪ ":‬حسبك الن " فنظرت فإذا‬ ‫بلغ‪ {:‬فَكَيْ فَ إِذَا جِئْنَا مِن ُكلّ أمّ ةٍ بِشَهِيدٍ َوجِئْنَا بِ كَ َ‬ ‫عيناه تذرفان‪ .‬أخرجه البخاري [ ‪ ]5055 ،4582‬ومسلم ‪ 800‬عن عبدال بن مسعود‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم باكيا‪:‬‬ ‫وهو يخشع صلى ال عليه وسلم عند سماع القرآن‪ ،‬فقد صح أنه قام ليلة يستمع لبي موسى الشعري‬ ‫وهو يقرأ القرآن ثم قال له في الصباح‪ ":‬لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك‪ ،‬لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل‬ ‫داود" أخرجه البخاري ‪ 5048‬ومسلم ‪ 793‬عن أبي موسى‪.‬‬ ‫فيقول أبو موسى ‪ :‬لو كنت أعلم أنك تستمع لي لحبّرته لك تحبيرا ‪ .‬أي‪ :‬جوّدته وحسنته وجمّلته‪ .‬هذه الزيادة‬ ‫أخرجها البيهقي في الكبرى [ ‪ ]208421 ،4484‬وفي الشعب ‪.2604‬‬

‫وقال عبدال بن الشخير في حديث صحيح‪ :‬دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يصلي‬ ‫وبصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء‪ ،‬وهو القدر إذا استجمع غليانا‪.‬‬ ‫ويحضر صلى ال عليه وسلم جنازة ابنته زينب‪ ،‬ويجلس على القبر وتذرف عيناه من هول المنظر‪،‬‬ ‫وتذكر العاقبة والتفكير في ذلك المصير‪ ،‬وأصحابه يشاهدون هذا المشهد المؤثر المعبّر منه صلى ال‬ ‫عليه وسلم‪.‬‬ ‫ويخبر صلى ال عليه وسلم بفضل البكاء من خشية ال‪ ،‬فيذكر السبعة الذين يظلهم ال في ظله يوم ل‬ ‫ظل إل ظله‪ ...":‬ورجل ذكر ال خاليا ففاضت عيناه " اخرج ه البخاري[ ‪ ]6806 ،1423 ،660‬ومس لم ‪ 1031‬عن أبي‬ ‫هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫وصحّ عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ ":‬عينان ل تم سّهما النار أبدا‪ :‬عين بكت وجل من خشية ال‪،‬‬ ‫وعين باتت تحرس في سبيل ال" أخرجه الترمذي ‪ 1639‬والبيهقي في الشعب ‪ 796‬عن ابن عباس‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم باكيا‪:‬‬ ‫فالبكاء السنّي الشرعي ما كان من خوف ال عز وجل‪ ،‬وتذكّر القدوم عليه والوقوف بين يديه والتفكير في آياته الشرعية‬ ‫والكونية‪ .‬والبكاء م ن الوفاء‪ ،‬وم ن أفض ل أعمال الولياء‪ ،‬خاص ة إذا كان ندم ا م ن معص ية وعن د فوت طاع ة‪ ،‬ووجل من‬ ‫عذاب‪ ،‬ورحمة لمصاب‪ ،‬ورقة عند موعظة‪ ،‬وخشية عند تفكّر‪ .‬ول يحمد البكاء على الدنيا‪ ،‬فهي أقل وأرخص من يُبكى‬ ‫عليها‪ ،‬فليست أهل لذلك‪.‬‬ ‫فكان بكاؤه صلى ال عليه وسلم أجلّ وأفضل البكاء‪ ،‬وهو ما دلّ على يقين وعظمة خوف وشدة رهبة من الجليل‪ ،‬وصدق‬ ‫معرفة وحسن علم بعاقبة‪ ،‬فأعماله صلى ال عليه وسلم كلها في أرقى مقامات العمال وأسمى غايات الحوال‪.‬‬ ‫ولم يكن صلى ال عليه وسلم بالهلوع الجزوع الذي يأسف على فوات الحظوظ الدنيوية ويجزعلى ذهاب المكاسب الدنيّة‪،‬‬ ‫ولم يكن بالفرح البطر القاسي الذي ل تؤثر فيه المواقف ول تحرّكه الزمات‪ ،‬بل كان بكاؤه وندمه وأسفه في مرضاة ربه‪.‬‬ ‫وكان تبسّمه وضحكه وسروره في طاعة خالقه‪ ،‬ففي كل خصلة من خصال النبل وفي كل صفة من صفات الفضل هو المثل‬ ‫حسَنَةٌ} الحزاب ‪.21‬‬ ‫سوَ ٌة َ‬ ‫ل الِّ ُأ ْ‬ ‫العلى والقدوة الحسنة‪ {:‬لَقَ ْد كَانَ لَكُ ْم فِي َرسُو ِ‬ ‫لقد كان أصحابه صلى ال عليه وسلم ينظرون إليه على المنبر ودموعه تذرف‪ ،‬ونشيجه يتعالى‪ ،‬ولصدره أزيز ولصوته‬ ‫أزيمن حينها يتحول المسجد إلى بكاء ودموع‪ ،‬كلّ ينكس رأسه ويترك التعبير لعينيه أمام هذا المشهد الذي ل تمحوه اليام ول‬ ‫تنسيه الليالي‪.‬‬ ‫يا ال! محمد رسول ال هكذا باكيا أمام الناس‪ ،‬هكذا تسحّ دموعه وتتساقط على وجنتيه وهو أعرف الناس بال وأدراهم‬ ‫بالوحي وأعلمهم بالمصير!‬ ‫يبكي من قلب ملؤه الخوف من ال‪ ،‬ومن نفس عمَرها حب ال‪ ،‬فتكاد دموعه تتحدث للناس‪ ،‬ويكاد يكون بكاؤه أبلغ من كل‬ ‫موعظة وأفصح من كل كلمة‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ضاحكا‪:‬‬ ‫الضحك المعتدل بلسم للروح ودواء للنفس وراحة للخاطر المكدود وبعد الجد والعمل‪ ،‬والمقتصد منه دليل‬ ‫على الريحية‪ ،‬وآية على اعتدال المزاج‪ ،‬وعلمة على صفاء الطويّة‪.‬‬ ‫وكان رس ولنا ص لى ال علي ه وس لم م ع أهل ه إذا دخ ل عليه م ضحاك ا بس اما يمازح زوجات ه ويلطفهن‬ ‫ويؤنس هن ويحادثهن حديث الود والحب والحنان والعط ف؛ لنه بُع ث رحم ة للعالمين‪ ،‬وأحق الناس بهذه‬ ‫الرحمة أهله وقرابته وأحبابه وأصحابه‪ .‬وكانت تعلو محيّاه الطاهر البسمة المشرقة الموحية‪ ،‬فإذا قابل بها‬ ‫الناس أسر قلوبهم أسرا فمالت نفوسهم بالكلية إليه وتهافتت أرواحهم عليه‪ ،‬يبتسم عن مثل البرد في وجه‬ ‫أبهى من الشمس‪ ،‬وجبين أزهى من البدر‪ ،‬وفم أطهر من القحوان‪ ،‬وخلق أندى من الرياض‪ ،‬وودّ أرق من‬ ‫النس يم‪ ،‬يمزح ول يقول إل حق ا‪ ،‬فيكون مزح ه عل ى أرواح أص حابه أهن ى م ن قطرات الماء عل ى كبد‬ ‫الصادي وألطف من يد الوالد الحاني على رأس ابنه الوديع‪ ،‬يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم‬ ‫وتنطلق أسارير وجوههم‪ ،‬فل وال ما يريدون الدنيا كلها في جلسة واحدة من جلساته‪ ،‬ول وال ل يرغبون‬ ‫في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة في كلمة حانية وادعة مشرقة من كلماته‪.‬‬ ‫يقول جرير بن عبدال البجلي ‪ :‬ما رآني رسول ال صلى ال عليه وسلم إل تب سّم في وجهي‪ ،‬وجرير‬ ‫يفتخ ر بهذا العطاء ويعل ن هذا الس خاء‪ ،‬فهذه البس مة الوارف ة الدافئ ة الص ادقة أجلّ عن د جري ر م ن كل‬ ‫الذكريات وأسمى من كل المنيات‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ضاحكا‪:‬‬ ‫يبتسم في وجهه فكفى‪ ،‬يمل روحه برا وحنانا ولطفا‪ ،‬ويشبع قلبه سماحة ورحمة وودا‪ ،‬ول تظن المسألة‬ ‫عادية أو أن الموقف سهل بسيطن لنك ما عشت الحدث وما لبست القضية‪.‬‬ ‫والرسول صلى ال عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسط بين من جفّ خلقه ويبس طبعه وتجهّم‬ ‫محيّاه وعبس وجهه‪ ،‬وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة‪ ،‬فكان صلى ال‬ ‫عليه وسلم يضحك في مناس بات حتى تبدو نواجذه‪ ،‬ولكنه ل م يستغرق في الضحك حتى يهتز جسمه أو‬ ‫يتمايل أو تبدو لهواته‪ ،‬وهي أقصى الحق‪.‬‬ ‫وقد صحّ عنه أنه قال‪ ":‬وإيّاك والضحك‪ ،‬فإن كثرة الضحك تميت القلب" أخرجه أحمد ‪ 8034‬والترمذي ‪ 2305‬وابن‬ ‫ماجه ‪ 4217‬عن أبي هريرة رضي ال عنه وانظر البيان والتعريف ‪ 22\1‬وكشف الخفاء ‪.85‬‬

‫وقد ورد أنه مازح بعض أصحابه فقال له‪ :‬أريد أن تحملني يا رسول ال على جمل‪ ،‬قال‪ ":‬ل أجد لك إل‬ ‫ولد الناقة " فولّى الرجال فدعاه وقال‪ ":‬وهل تلد البل إل النوق؟ " أي أن الجمل أصل ولد ناقة‪ .‬أخرجه أحمد‬ ‫‪ 13405‬وأبو داود ‪ 4998‬والترمذي ‪ 1991‬عن أنس بن مالك‪.‬‬

‫ويروى أن عجوزا أتته صلى ال عليه وسلم تطلب منه أن يدعو لها بدخول الجنة‪ ،‬فقال‪ ":‬ل يدخل الجنة‬ ‫عجوز" فولّت تبكي‪ ،‬فدعاها وقال‪ ":‬أما سمعت قول ال سبحانه‪ {:‬إِنّا أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً *‬ ‫عُرُباً أَتْرَاباً *) الواقعة‪ .37-35‬أخرجه الطبراني انظر مجمع الزوائد ‪.419\10‬‬

‫‪53‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ضاحكا‪:‬‬ ‫بل كان ضحكه طاعة لربه تعالى‪ ،‬وفيه من مقاصد القتدء والسوة ما يفوق الوصف‪ ،‬ولم يكن ضحكه عبثا أو لهوا‬ ‫أو تزجية للوقت وقتل للزمن‪.‬‬ ‫يركب صلى ال عليه وسلم راحلته مسافرا فيدعو بدعاء السفر ثم يقول‪ ":‬اللهم اغفر لي ذنبي فإنه ل يغفر الذنوب إل‬ ‫أنت " ثم يضحك صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيسأله أصحابه ‪ :‬لم ضحكت يا رسول ال؟ فقال‪ ":‬يضحك ربك إذا قال العبد‪:‬‬ ‫اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬ويقول‪ :‬علم عبدي أنه ل يغفر الذنوب إل أنا "‪ .‬أخرجه أحمد ‪ 932‬وأبو‬ ‫داود ‪ 2602‬والترمذي ‪ 3446‬عن علي رضي ال عنه‪.‬‬

‫ويتلو صلى ال عليه وسلم قصة الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار‪ ،‬ويسأل ربه شيئا فشيئا حتى‬ ‫يعطيه ال عشرة أمثال ما تمنّى‪ ،‬فيقول الرجل‪ :‬أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيضحك صلى ال عليه وسلم عند ذلك‪.‬‬ ‫فمن هديه صلى ال عليه وسلم الذي هداه ال إليه ودلّه عليه أنه يعطي كل مقام حقه حتى ل يصلح في ذلك المقام إل‬ ‫ما فعله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ففي وقت النس والفرح والسرور مزاح مقتصد ودعابة وقورة ومرح معتدل‪ ،‬وفي وقت‬ ‫الموعظة والخوف والتذكر بكاء في خشية ورهبة في ذكرى وتأثر في سكون‪ ،‬فمزاحه تأليف للقلوب‪ ،‬ودعابته أنس‬ ‫للرواح‪ ،‬وضحكه بلسم للنفوس‪ ،‬بل كل مزحة مكتوبة في دواوين الحديث على أنها سنة‪ ،‬وكل دعابة نقلها الرواة على‬ ‫أنها أثر وخلق من أخلقه الشريفة‪ ،‬فسبحان من رفع قدره حتى صار ضحكه يحفظ في بطون السفار كأنه أعجب قصة‬ ‫من قصص العبر والعظات‪ ،‬وتبارك من شرّف منزلته حتى جعل مزحه يرويه الثقات عن الثقات كأنه فريضة قائمة‪،‬‬ ‫فصلى ال عليه وعلى أصحابه وآله ما تنفس صباح وعسعس ليل‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم شجاعا‪:‬‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم أشجع الناس قلبا‪ ،‬ويكفي شجاعته مثل أنه ما فرّ من معركة قط‪ ،‬وما تأخر‬ ‫عن القتال‪ ،‬وما نكص عند النزال‪ ،‬بل كان إذا حمي الوطيس وقامت الحرب على ساق واحمرّت الحدق‬ ‫وتطايرت الرؤوس على أطراف السيوف وتك سّرت الرماح على الجماجم‪ ،‬حينها تجد سيد الخلق صلى‬ ‫ال عليه وسلم ثابت الجأش ساكن النفس‪ ،‬عنده من الطمأنينة والثقة بربّه ما يكفي أمة وما يفيض على‬ ‫جيش‪.‬‬ ‫أما كان في الغار مع أبي بكر الصديق وقد أحاط بالغار كفار قريش معهم السيوف المصلتة والقلوب‬ ‫الحاقدة يريدون روحه صلى ال عليه وسلم بأي ثمن‪ ،‬وهو أعزل من السلح؟ فلما رأى تخوف أبي بكر‬ ‫عليه قال ‪ ":‬يا أبا بكر‪ ،‬ما ظنّك باثنين ال ثالثهما " أخرجه البخاري [ ‪ ]4663 ،3653‬ومسلم ‪ 2381‬عن أبي بكر رضي ال‬ ‫عنه‪.‬‬

‫وهذا غاية الثبات ونهاية الشجاعة‪.‬‬ ‫ويفرّ المسلمون في حنين ول يبقى إل ستة من الصحابة‪ ،‬فيتقدم صلى ال عليه وسلم على بغلته الى‬ ‫جي ش الكفار المدج ج بالس لح الكثي ر العدد القوي البأ س‪ ،‬فيرميه م بحفن ة تراب بيده ويقول‪ ":‬شاهت‬ ‫الوجوه" أخرجه مسلم ‪ 1777‬عن سلمة بن عمرو بن الكوع رضي ال عنه‬ ‫‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ممدوحا‪:‬‬ ‫فذو العرش محمود وهذا محمد‪:‬‬ ‫حمُوداً} (‪ )79‬السراء‪.‬‬ ‫ك مَقَامًا مّ ْ‬ ‫{عَسَى أَن يَ ْبعَ َثكَ رَّب َ‬ ‫من قرنائه والحمد من أسمائه‬ ‫الشمس من حساده والنصر‬ ‫أين الثلثة من ثلث خلله‬

‫من حسنه وإبائه ومضائه‬

‫ولقد أتى فعجزن عن نظرائه‬ ‫مضت الدهور وما أتين بمثله‬ ‫محمد بن عبدال‪ ..‬هذا السم العلم‪ ،‬إذا ذكر ذكرت معه الفضيلة في أجمل صورها‪ ،‬وذكر معه الطهر في أرقى مشاهده‪ ،‬وذكر معه‬ ‫العدل في أسمى معانيه‪.‬‬ ‫محمد بن عبدال‪ ..‬اسم كتب بحروف من نور في قلوب الموحّدين‪ ،‬فلو شققت كل قلب لرأيته محفورا في النياط مكتوبا في السويداء‪،‬‬ ‫مرسوما في العروق‪.‬‬ ‫وأبصر اللحظ رسما في سويداه‬ ‫وال لو شقّ قلبي في الهوى قطعا‬ ‫ذكراه أو رسمت بالحب سيماه‬ ‫لكنت أنت الذي في لوحه كتبت‬ ‫محمد صاحب الغرة والتبجيل‪ ،‬المذكور في التوراة والنجيل‪ ،‬المؤيد بجبريل‪ ..‬حامل لواء العز في بني لؤين وصاحب الطود المنيف‬ ‫في بني عبد مناف بن قصي‪.‬‬ ‫بشّرت به الرسل‪ ،‬وأخبرت به الكتب‪ ،‬وحفلت باسمه التواريخ‪ ،‬وتشرّفت به النوادي‪ ،‬وتضوعت بذكره المجامع‪ ،‬وصدحت بذكراه‬ ‫المنائر‪ ،‬ولجلجت بحديثه المنابر‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ممدوحا‪:‬‬ ‫غوَى (‪ } )2‬النج م‪ ،‬وحف ظ م ن الهوى‪ { :‬وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْ َهوَى (‪})3‬‬ ‫ضلّ صَاحِبُ ُك ْم وَمَا َ‬ ‫عص م م ن الضلل ة والغواي ة‪ {:‬مَا َ‬ ‫النجم‪...‬‬ ‫فكلمه شريعة‪ ،‬ولفظه دين‪ ،‬وسنته وحي {ِإنْ ُه َو ِإلّ وَحْيٌ يُوحَى (‪})4‬النجم‪..‬‬ ‫ن (‪} )79‬النمل‪.‬‬ ‫ق الْمُبِي ِ‬ ‫ك عَلَى الْحَ ّ‬ ‫سجاياه طاهرة‪ ،‬وطبيعته فاضلة‪ ،‬وخصاله نبيلة‪ ،‬ومواقفه جليلة{ إِ ّن َ‬ ‫تواضعه ج مّ‪ ،‬وجوده ع مّ‪ ،‬ونوره ت مّ‪ ،‬فهو مرضي الفعال‪ ،‬صادق القوال‪ ،‬شريف الخصال{ َوإِنّ كَ لَعَلى خُلُ قٍ عَظِيمٍ (‪} )4‬‬ ‫القلم‪.‬‬ ‫غلِي ظَ الْ َقلْ بِ لَنفَضّواْ مِ نْ حَوْلِ كَ } آل‬ ‫ل لِن تَ لَهُ مْ َوَلوْ كُن تَ فَظّا َ‬ ‫ليّن الجانب‪ ،‬سهل الخليقة‪ ،‬يسير الطبع { فَبِمَا رَحْمَ ةٍ مّ نَ ا ّ‬ ‫عمران ‪ .159‬ظاهر العناية‪ ،‬ملحوظ بعين الرعاية‪ ،‬منصور الراية‪ ،‬موفق محظوظ‪ ،‬مظفّر مفتوح عليه { إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَتْحاً‬ ‫مّبِينًا (‪ } )1‬الفتح‪.‬‬ ‫ك وَمَا تَأَخّرَ} الفتح ‪.2‬‬ ‫لّ مَا تَقَ ّد َم مِن ذَن ِب َ‬ ‫أصلح ال قلبه‪ ،‬وأنار له دربه‪ ،‬وغفر له ذنبه {لِيَغْفِ َر َلكَ ا ُ‬ ‫فهو المصلح الذي عمر ال به القلوب‪ ،‬وأسعد به الشعوب‪ ،‬وأعتق به الرقاب من عبودية الطاغوت‪ ،‬وحرّر به النسان من‬ ‫ط ّمسْتَقِي ٍم (‪ })52‬الشورى‪.‬‬ ‫ك لَتَ ْهدِي ِإلَى صِرَا ٍ‬ ‫رقّ الوثنية { َوإِ ّن َ‬ ‫وهو الذي أعفى البشرية من التكاليف الشاقة‪ ،‬وأراحها من المصاعب‪ ،‬وأبعدها من المعاطب‪ ،‬وسهل لها بإذن ال أمر الحياة‪،‬‬ ‫علَيْ ِهمْ } العراف ‪.157‬‬ ‫ت َ‬ ‫ل الّتِي كَا َن ْ‬ ‫لَ‬ ‫وبصّرها بسنن الفطرة {وَيَضَ ُع عَنْهُمْ إِصْرَ ُهمْ وَالَغْ َ‬ ‫فهو رحمة للنسان‪ ،‬إذا علّمه الرحمن‪ ،‬وسكب في قلبه نور اليمان‪ ،‬ودلّه على طريق الجنان‪..‬‬ ‫وهو رحمة للشيخ الكبير‪ ،‬إذ سهّل له العبادة‪ ،‬وأرشده لحسن الخاتمة‪ ،‬وأيقظه لتدارك العمر واغتنام بقية اليام‪..‬‬ ‫ل الخلق‪..‬‬ ‫وهو رحمة للشاب إذ هداه إلى أجمل أعمال الفتوة وأكمل خصال الصبا‪ ،‬فوجّه طاقته لنبل السجايا وأج ّ‬

‫‪57‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ممدوحا‪:‬‬ ‫وهو رحمة للطفل‪ ،‬إذ سقاه مع لبن أمه دين الفطرة‪ ،‬وأسمعه ساعة المولد أذان التوحيد‪ ،‬وألبسه في عهد الطفولة‬ ‫حلة اليمان‪..‬‬ ‫وهو رحمة للمرأة‪ ،‬إذ أنصفها في عالم الظلم‪ ،‬وحفظ حقها في دنيا الجور‪ ،‬وصان جانبها في مهرجان الحياة‪،‬‬ ‫وحفظ لها عفافها وشرفها ومستقبلها‪ ،‬فعاش أبا للمرأة وزوجا وأخا ومربيا‪..‬‬ ‫وه و ص لى ال علي ه وس لم رحم ة للولة والحكام‪ ،‬إ ذ وض ع له م ميزان العدال ة‪ ،‬وحذّره م م ن متالف الجور‬ ‫والتعسف‪ ،‬وحدّ لهم حدود التبجيل والحترام والطاعة في طاعة ال ورسوله‪..‬‬ ‫وهو رحمة للرعية‪ ،‬إذ وقف مدافعا عن حقوقها محرما الحيف ناهيا عن السلب والنهب والسفك والبتزاز‬ ‫والضطهاد والستبداد‪.‬‬ ‫إذا فهو رحمة للجميع ونعمة على الكل‪ {:‬وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ِإلّ رَحْ َمةً لّلْعَالَمِينَ (‪ })107‬النبياء‪.‬‬ ‫وكان إذا تكلم عبل كلمه حدود النفس وتجاوز أقطار الروح‪ ،‬فغاص حديثه في أعماق الفئدة‪ ،‬ونقش لفظه في‬ ‫صفحة الذاكرة‪ ،‬وخطّ على سويداء القلوب‪.‬‬ ‫وكان إذا ضحك مل المكان أنسا‪ ،‬وأتحف الحضور بشرا‪ ،‬وعبّأ جلسه سعادة وحفاوة‪.‬‬ ‫وكان إذا بكى خشع لبكائه الناس‪ ،‬وذرفت كل عين مخزونها‪ ،‬وأخرجت كل نفس مكنوناتها‪ ،‬فكأن نذر القيامة‬ ‫على البواب‪ ،‬وكأن رسل الموت وقوف على الرؤوس‪ ،‬فل ترى إل دموعا وخشوعا وخضوعا وإطراقا‪ {:‬أَفَمِنْ‬ ‫جبُونَ (‪ )59‬وَتَضْحَكُونَ َولَ َتبْكُونَ (‪ })60‬النجم‪.‬‬ ‫هَذَا الْحَدِيثِ تَعْ َ‬ ‫وبكاك إذا لم يجر دمعك أو جرى‬ ‫بادٍ هواك صبرت أن لم تصبر‬

‫‪58‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ممدوحا‪:‬‬ ‫وكان إذا خطب هز المنابر‪ ،‬وأيقظ الضمائر‪ ،‬وحرّك السرائر‪ ،‬وألهب السامعين‪ ،‬وأذهل المخاطبين‪ ،‬فلو‬ ‫أن للصخر عينا لبكت‪ ،‬ولو أن للجدار نفسا لخشعت‪ ،‬ولو أن لليام أذنا لنصتت‪.‬‬ ‫يبكيه مثلما أبكاني‬ ‫ليت للدهر مقلة فلعل الذكر‬ ‫وعليه جللة من معان‬ ‫بحديث يغوص في القلب غوصا‬ ‫وكان إذا قاتل ثبت ثبوت الرجال‪ ،‬وتقدّم تقدّم السيل‪ ،‬وصمد صمود الحق {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الّ لَ تُكَلّفُ إِلّ‬ ‫سكَ} النساء ‪.84‬‬ ‫نَفْ َ‬ ‫فكان ل يعرف الفرار‪ ،‬ول يسمع بالهزيمة ول يستسلم للحباط‪ ،‬محيّاه باسم والغبار يمل المكان‪ ،‬وقلبه‬ ‫مطمئ ن والرؤوس تعاف البدا‪ ،‬ونفس ه س اكنة والنفوس شذر مذر عل ى رؤوس الرماح‪ ،‬وطلعت ه ضاحكة‬ ‫والسيوف تخطّ بالدماء حروف الموت{وَمَا مُحَمّدٌ إِلّ رَسُولٌ َقدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِن مّاتَ أَوْ قُتِلَ ان َقلَبْتُمْ‬ ‫عَلَى أَعْقَابِكُمْ } آل عمران ‪.144‬‬ ‫كأنّك في جفن الردى وهو نائم‬ ‫وقفت وما في الموت شكّ لواقف‬ ‫تمرّ بك البطال كلمى هزيمة‬

‫‪59‬‬

‫ووجهك وضّاح وثغرك باسم‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ممدوحا‪:‬‬ ‫وكان إذا جاد بلغ المدى في السخاء‪ ،‬وفعل ما لم تفعله النواء‪ ،‬يعطي عطاء من ل يخشى الفقر‪ ،‬ويهب‬ ‫هبة من أرخص الدنيا وزهد في الحطام وعاف البقاء ورجا من ال الخلف‪ ..‬يداه غمامة أينما هلّت‪ ،‬وكفّه‬ ‫مدرارا أينما وقع نفع‪ ،‬جاد بمهجته فعرّضها للمنايا في سبيل ال‪ ،‬وقدّمها لشفرات السيوف لرفع ل إله إل‬ ‫ال‪ ،‬فما شجاعته إل آية لجوده‪ ،‬وما إقدامه إل برهان على سخائه‪:‬‬ ‫أدّبت في هول الردى أبطالها‬ ‫أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة‬ ‫ل من يكذّب قوله أفعالها‬ ‫وإذا وعدت وفيت فيما قلته‬ ‫يعطي ما يملك في ساعة‪ ،‬ويهدي ما عنده في لحظة‪ ،‬هانت عليه الدنيا فمنح أجلف العرب مئات البل‪،‬‬ ‫ورخصت عنده الموال فجاد بالغنائم على مسلمي الفتح‪ ":‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو أن لي بعدد عضاة تهامة‬ ‫مال لنفقته ثم ل تجدوني بخيل ول جبانا ول كذابا" مالك في الموطأ ‪.977‬‬ ‫وما ترك "نعم" إل عند المناهي‬ ‫ما قال "ل" إل في التشهد‬ ‫س ئل قميص ه فخلع ه وأعطاه‪ ،‬وجاد بقوت ه فعص ب بطن ه عل ى حرّ الجوع وبلواه‪ ..‬جود حات م للصيت‬ ‫والسمعة والرياء‪ ،‬وجود خاتم النبياء لمرضاة رب الرض والسماء‪.‬‬ ‫أنفق من فاقة‪ ،‬وأعطى من فقر‪ ،‬وآثر من حاجة‪ ،‬ووصل مع العوز‪.‬‬ ‫وكان إذا عفا على الجاني أسره بإحسانه‪ ،‬فل يعاتبه ول يطالبه‪ ..‬ينسى الساءة ويدفن الزلة ويمحو‬ ‫بحلمه لذنب‪ ،‬ويغطي بصفحه الجرم {فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ (‪ })85‬الحجر‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم ممدوحا‪:‬‬ ‫قاتل ه قومه ونازلوه‪ ،‬فآذوه وسبّوه وشتموه‪ ،‬وطردوه وحاربوه وجرحوه‪ ،‬فلما انتصر عفا وصفح‪ ،‬وحلم‬ ‫وسمح‪ ،‬وصاح في الدهر صيحته المشهورة وكلمته العامرة‪":‬اذهبوا فأنتم الطلقاء"‪.‬‬ ‫أنشودة أخلقه ‪ ":‬إن ال أمرني أن أصل من قطعني‪ ،‬وأن أعفو عمن ظلمني‪ ،‬وأن أعطي من حرمني"‪.‬‬ ‫أخرجه رزين أنظر المشكاة ‪ 5358‬وتفسير القرطبي ‪.346\7‬‬

‫كل خلق كريم في القرآن فهو مترجم في سيرة هذا النسان‪ ،‬ولذلك قالت عائشة عنه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫كان خلقه القرآن‪.‬‬ ‫وكان إذا وعد وفى‪ ،‬فلم يحفظ عنه أعداؤه خلفا لوعد‪ ،‬ول خيانة لعهد‪ ،‬مع حرصهم الشديد على الظفر‬ ‫بعثرة له أو زلّة‪ ،‬ولكن هيهات‪ ،‬عاش عمره كله سلماً وحربا ورض ىً وغضباً وحلً وترحالً‪ ،‬عاش حالة‬ ‫واحدة من الصدق والمانة‪ ،‬فهل الصدق إل ما كان عليه؟ وهل المانة إل منه وإليه؟‬ ‫لقد وعده رجل في مكان‪ ،‬فانتظر صلى ال عليه وسلم في ذلك المكان ثلثة أيام‪ ،‬ليفي بوعده ‪ .‬لقد عاهد‬ ‫المشركين واليهود وهم أشد الناس عداوة له‪ ،‬فما خان ول خلف بالعهد‪ ،‬ول نقض لميثاق‪ .‬وحق له أن يكون‬ ‫أوفى الناس بوعده وأصدقهم في عهده‪ ،‬وهو الذي جاء بشريعة الصدق والوفاء‪ ،‬وحذّر من الخيانة ونقض‬ ‫الميثاق‪ ،‬ألي س ه و القائ ل‪ ":‬آي ة المناف ق ثلث‪ :‬إذا حدّث كذب‪ ،‬وإذا وع د أخل ف‪ ،‬وإذا اؤتم ن خان " أخرجه‬ ‫البخاري [ ‪ ]2682 ،33‬ومس لم ‪ 59‬عن أ بي هريرة رض ي ال عنه ‪ .‬وه و الذي نزل ت علي ه‪ {:‬وََأوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَ ْهدَ كَانَ‬ ‫سؤُولً (‪ ،} )34‬وقوله‪ {:‬اّلذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ الّ وَلَ يِن ُقضُونَ الْمِيثَاقَ (‪ })20‬الرعد‪.‬‬ ‫مَ ْ‬ ‫فجميع عهدك ذمّة ووفاء‬ ‫وإذا أخذت العهد أو أعطيته‬

‫‪61‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم خطيبا‪:‬‬ ‫{وَقُل لّ ُهمْ فِي أَنفُسِ ِهمْ َق ْولً َبلِيغاً (‪ } )63‬النساء‪.‬‬ ‫كذباب السيف ما مسّ قطع‬ ‫ولسانٌ صيرفيٌّ صارم‬ ‫منطق كالفجر أو كالغيث ما شانه عيب كنورٍ قد سطع‬ ‫طالع دفتر بيانه عليه الصلة والسلم‪ ،‬وتأمّل ديوان فصاحته‪ ،‬كلم لعمري يأخذ بالقلوب‪ ،‬وحديث وال يأسر‬ ‫الرواح‪ ،‬صحة مخارج وإشراق عبارة وحسن ديباجة‪ ،‬وانتقاء ألفاظ‪ ،‬ورصانة جمل‪ ،‬حتى كأنّ حديثه روض‬ ‫فوّاح‪ ،‬أو حديقة غنّاء باكرها الغيث وصحبتها الصبا‪ ،‬وداعبها النسيم‪ ،‬وقد آتاه العجاز في إيجاز‪ ،‬والبلغة في‬ ‫اختصار‪ ،‬وقد أخبر بذلك فقال‪ ":‬أوتي ت جوامع الكلم " أخرج ه البخاري ‪ 2977‬ومس لم ‪ 523‬واللف ظ ل ه ع ن أ بي هريرة‪ ،‬وفي‬ ‫رواية‪ ":‬واختصر لي الكلم اختصارا "‪ .‬أخرجه البيهقي في الشعب ‪ 1436‬عن عمر رضي ال عنه وانظر كشف الخفاء ‪.15-14\1‬‬ ‫ولكن إن تنظر فيما صحّ عن ه من أحاديث قولية‪ ،‬وهي ما يقارب العشرة آلف حدي ث‪ ،‬فإذا هي شمل ت كل‬ ‫فصول الحياة وأبواب الخرة وأخبار الماضي ومعجزات المستقبل‪ ،‬وإن شئت أن تعرف سموّ كلمه صلى ال‬ ‫عليه وسلم وجزالة لفظه وقوة عبارته ونصاعة بيانه‪ ،‬فقارنه بكلم غيره من البشر مهما عظمت فصاحته‪ .‬ولو‬ ‫دخلت ناديا به لوحات من الكلمات الخالدة والعبارات المؤثرة لخطباء العالم وشعراء الدنيا ونوابغ الدهر‪ ،‬ثم‬ ‫نظرت الى كلمه صلى ال عليه وسلم لرأيت كلمه ناسخا لمحاسن كلم غيره‪ ،‬حتى كأنه ما أعجبك قبل كلمه‬ ‫كلم‪ ،‬ول هزك قبل حديثه حديث‪ ،‬بل إنّك لتجد الرجل العامي الذي ما تمرّس على ضروب الكلم ول ميّز بين‬ ‫مختلف الكلم‪ ،‬يجد للفظ الرسول صلى ال عليه وسلم وقعا خاصا ومذاقا آخر‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم خطيبا‪:‬‬ ‫يري د علي ه الص لة والس لم أ ن يوص ي معاذ ب ن جب ل وص ية جامع ة مانع ة شافي ة كافي ة‪ ،‬فيأتي بعبارة‬ ‫موجزة مليئة بالفوائد‪ ،‬حافلة بالشوارد‪ ،‬بديعة المنزع‪ ،‬مشرقة الديباجة‪ ،‬فيقول‪ ":‬اتق ال حيثما كنت‪ ،‬وأتبع‬ ‫السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخال ق الناس بخل ق حسن " أخرج ه أحم د [ ‪ ]20894 ،20847‬والترمذي ‪ 1987‬والدارمي ‪2791‬‬ ‫والمشكاة ‪ .5083‬ول و أ ن بليغ ا أراد أ ن يقول مثله ا لس هب ف ي الوص ية وأطال ف ي النص ح‪ ،‬فإم ا أ ن يجعل‬ ‫المعنى على حساب اللفظ فيبسط القول ويختزل المعنى‪ ،‬أو أن يجعل اللفظ على حساب المعنى فيوجز‬ ‫الحديث ويشير الى المعنى إشارة‪.‬‬ ‫سأله صلى ال عليه وسلم عقبة بن عامر عن النجاة ما هي؟ فل يتلعثم ول يتعثر ول يفكر‪ ،‬إنما ينطلق‬ ‫فمه الشريف بجملة راشدة واعية موحية فيقول‪ ":‬ك فّ عليك لسانك‪ ،‬وليسعك بيتك‪ ،‬وابك على خطيئتك"‬ ‫أخرج ه أحم د ‪ 21732‬والترمذي ‪ 2406‬واب ن أ بي عاص م ف ي الزه د ‪ 15\1‬وص ححه ع ن عقب ة ب ن عام ر رض ي ال عنه ‪ .‬فانظر لحسن‬ ‫التقس يم الثلث ي البدي ع‪ ،‬م ع اس تيفاء المعن ى واختص ار اللف ظ دون تحضي ر س ابق ول إعداد متقدم؛ لن‬ ‫السائل واقف يريد الجواب‪ ،‬مستعجل يبتغي النصح‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم خطيبا‪:‬‬ ‫ويركب صلى ال عليه وسلم راحلته ومعه ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬فيوصيه صلى ال عليه وسلم بوصية حضرته‬ ‫في الحال‪ ،‬فيخرجها في حلة من البيان تأسر اللباب‪ ،‬ويضعها في طبق من الفصاحة يكاد يذهب ضوؤه بالبصار‪،‬‬ ‫يقول ‪ ":‬يا غلم! إني أعلمك كلمات‪ :‬احفظ ال يحفظك‪ ،‬احفظ ال تجده تجاهك‪ ،‬تعرّف على ال في الرخاء يعرفك في‬ ‫الشدة‪ ،‬وإذا سألت فاسأل ال وإذا استعنت فاستعن بال‪ ،‬واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل‬ ‫بشي ء ق د كتب ه ال ل ك‪ ،‬ول و اجتمعوا ان يضروك ل م يضروك إل بشي ء ق د كتب ه ال علي ك‪ ،‬رفع ت القلم وجفّت‬ ‫الصحف‪ .‬واعلم أن النصر مع الصبر‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر يسرا "‪ .‬أخرجه أحمد [‪]2800 ،2758 ،2664‬‬ ‫والترمذي ‪ ،2516‬والحاك م ‪ 6304‬عن اب ن عباس رض ي ال عنهم ا وانظ ر المشكاة ‪ .5302‬والن أضعك أمام هذا النص الراقي من‬ ‫البيان‪ ،‬وأحاكمك الى عقلك ‪ :‬هل رأيت في كلم البشر كهذا الكلم؟ حسن فواصل وعذوبة لفظ‪ ،‬وقوة معان‪ ،‬وأسر‬ ‫خطاب! فقوله‪ ":‬احفظ ال يحفظك " من الجمل المحفورة في ذاكرة البيان‪ ،‬والتي يسجد لها العقل السويّ في محراب‬ ‫الفصاحة‪ ،‬فإنها جمعت الوصايا في وصية‪ ،‬واختصرت العظات في عظة‪ ،‬فلو كان غيره صلى ال عليه وسلم المتحدث‬ ‫لقال‪ :‬احفظ ال بأداء أوامره يحفظك بنعمه‪ ،‬واحفظ ال بترك نواهيه يحفظك من عقابه‪ ،‬واحفظ ال في شبابك يحفظك‬ ‫في هرمك‪ ..‬إلى آخر تلك المقابلت‪ ،‬وإلى قائمة طويلة من المقدمات والنتائج والبدايات والخواتم‪ ،‬ولكنه قال‪":‬احفظ ال‬ ‫يحفظك" فل أبدع ول أروع ول أوجز ول أعجز من هذا الكلم الباهي الزاهي‪:‬‬ ‫وزاره الغيث فازدانت خمائله‬ ‫كأنه الروض حيّته الصّبا سحرا‬ ‫ثم اقرأ الحديث جملة جملة‪ ،‬وقف إن كنت ذا ذائقة للبيان وذا دربة على سحر الخطاب‪:‬‬ ‫من حسنه غرقت فيه خمائله‬ ‫إذا تغلغل فكر المرء في طرف‬

‫‪64‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم خطيبا‪:‬‬ ‫وخذ أي حديث من أحاديثه العطرة الزكية‪ ،‬هل ترى فيها عوجا من الركاكة‪ ،‬أو أمتا من التكلف؟ بل رقة‬ ‫في فخامة‪ ،‬وسهولة في إشراق‪ ،‬وأصالة في عمق‪ ،‬فسبحان من أجرى الحديث على لسانه سلسا متدفقا‬ ‫أخاذا‪.‬‬ ‫ويقول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬إنما العمال بالنيات " أخرجه البخاري [‪ ]54، 1‬ومسلم ‪ 1907‬عن عمر بن الخطاب رضي‬ ‫ال عنه‪ .‬فيكف ي ويشف ي ويف ي المقص ود‪ ،‬ويس تولي عل ى المعان ي ويطوي مس افات م ن الحكام والعقائد‬ ‫والداب والخلق ف ي جملتي ن زاهيتي ن جامعتي ن‪ ،‬فتص بح قاعدة للعلماء ومثل للحكماء وكلمة شاردة‬ ‫للدباء‪.‬‬ ‫وخذ مثل كلمه على البديهة والفجاءة‪ :‬يدخل طفل من النصار له طائر يلعب به فمات فيقول‪ ":‬يا أبا‬ ‫عمير ما فعل النغير؟ " أخرج ه البخاري [ ‪ ]6203 ،6129‬ومس لم ‪ 2150‬عن أن س ب ن مال ك رض ي ال عنه ‪ .‬انظر الى تقابل‬ ‫العبارة وحسن السجعة وموازنة الجملتين‪ ،‬ل وكس ول شطط‪.‬‬ ‫ويقول في حنين على وجه العجلة‪:‬‬ ‫" أنا النبي ل كذب أنا ابن عبدالمطلب"‬ ‫أخرجه البخاري [‪ ،]2874 ،2864‬ومسلم ‪ 1776‬عن البراء بن عازب رضي ال عنه‪.‬‬

‫فلو أن علماء الكلم وأساطين البيان أرادوا هذا الكلم على عجلة من أمرهم لما تأتّى لهم‪.‬‬ ‫ول غرابة ان يكون صلى ال عليه وسلم أفصح الناس فإن معجزته الكبرى وآيته العظمى هو القرآن‬ ‫الذي أده ش الفص حاء وأفح م الشعراء وأذه ل العرب العرباء‪ ،‬فل ب د أ ن يكون هذا الن بي الموح ى إليه‬ ‫بدرجة سامية من البيان الخلب الجذاب الذي يستولي على اللباب‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم مفتيا‪:‬‬ ‫{وَيَسْتَفْتُو َنكَ فِي النّسَاء ُقلِ الّ ُيفْتِيكُمْ } النساء ‪.127‬‬ ‫ويسعفه الرأي الصيل إذا جرى‬ ‫يطاوعه اللفظ العصيّ إذا قضى‬ ‫كأنه صريح البرق من ظنّه سرى‬ ‫إذا ظنّ ظنّا قلت صبحٌ مؤلقٌ‬ ‫كان عليه الصلة والسلم مؤيدا من ربه في علم الفتيا‪ ،‬فقد فتح ال عليه أبواب المعرفة وكنوز الفهم‪ ،‬فكان عنده‬ ‫جواب لكل سائل على حسب حاله وما يصلح له وما ينفعه في دنياه وأخراه‪ .‬كان الجواب ثوبا مفصل على السائل‬ ‫يفصّله تماما على الذي أحسن‪ ،‬مع جمال الداء وبهاء اللقاء ومتعة التلقي منه‪ ،‬فكأنه قرأ حياة السائل قبل أن ياتيه‪،‬‬ ‫وألمّ بدخائله ومذاهبه قبل أن يستفتيه‪ ،‬وما ذاك إل لقوّة أنوار النبوّة وبركة الوحي وأثر التوفيق والفتح الرباني‪.‬‬ ‫يسأله شيخ كبير أدركه الهرم وأضناه الكبر عن عمل يداوم عليه‪ ،‬فأفتاه بعمل يسير يناسب حاله على أفضل عمل‬ ‫وأسهل عبادة وأيسر طاعة‪ ،‬في لفظ وجيز‪ ،‬ول كان غيره لربما أوصى الرجل بالجتهاد في الطاعة واغتنام آخر‬ ‫العمر بالجدّ في العبادة مع إغفال ضعفه وإهمال شيخوخته‪.‬‬ ‫وانظر ما أجمل كلمة‪ ":‬ل يزال لسانك رطبا من ذكر ال " أخرج ه أحم د [‪ ]17245 ،17227‬والترمذي ‪ 3375‬واب ن ماجه‬ ‫‪ 3793‬وانظ ر المشكاة ‪ .2279‬وما فيها من حسن تصوير وبراعة عرض وطلوة عبارة تهيج السامع على هذا العمل‬ ‫الجليل‪ .‬وجاءه غيلن الثقفي‪ ،‬وكان قوي البنية ضخم العضاء صلب الجسم‪ ،‬فسأله عن عمل يتقرب به الى ال‬ ‫تعالى‪ ،‬فقال‪ ":‬عليك بالجهاد في سبيل ال" (لم يجد تخريجه)‪ ،‬فانظر لحسن اختياره للعمل وملحظته استعداد الرجل‬ ‫وما يصلح له ويناسب حاله‪ ،‬فيا لها من فطنة باهرة وحكمة عامرة‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم مفتيا‪:‬‬ ‫وسأله أبو ذر وكان غضوبا حادّ الطباع أن يوصيه فقال‪ ":‬ل تغضب" ثلثا‪ ،‬أخرجه البخاري ‪ 6116‬عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬ ‫فكان هذا دواءه وعلج حالته وبلسم حاله الذي ل يصرف إل من صيدلية النبوة المباركة‪ .‬وصارت هذه الكلمة قاعدة من قواعد الدين‬ ‫وأصل من أصول الشريعة‪.‬‬ ‫ويرى أب ا موس ى الشعري يص عد جبل فيقول ل ه‪ ":‬علي ك بل حول ول قوة إل بال‪ ،‬فإنه ا كن ز م ن كنوز الجن ة " أخرجه البخاري‬ ‫[ ‪ ]6610 ،4205‬ومسلم ‪ .2704‬فهذه الكلمة تناسب صعود الجبال وحمل الثقال‪ ،‬لن فيها البراءة من قوة العبد وحوله وطلب المعونة‬ ‫من ال والمدد‪ ،‬فما أحسن الختيار في هذا الرشاد مع مراعاة مقتضى المقام‪.‬‬ ‫ويرى صلى ال عليه وسلم ضعف أبي ذر وقلة تحمّله فيأمره باجتناب المارة‪ ،‬لنه ضعيف‪ ،‬وهي أمانة وخزي وندامة يوم القيامة‪،‬‬ ‫لن مثل أبي ذر له أبواب في الخير يجيدها غير باب الولية‪ ،‬فانظر لفطنته صلى ال عليه وسلم ومعرفته بمواهب الناس {إِنْ هُوَ إِلّ‬ ‫ي يُوحَى (‪ } )4‬النجم‪.‬‬ ‫وَحْ ٌ‬ ‫ويقول صلى ال عليه وسلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن‪ ":‬إنك تأتي أقواما أهل كتاب" أخرجه البخاري [ ‪ ]1496 ،1458‬ومسلم ‪ 19‬عن ابن‬ ‫عباس رضي ال عنهما ‪ .‬وذلك لينبّه معاذا الى معرفة أقدار المخاطبين‪ ،‬والطلع على أحوالهم ليقول لهم ما يناسبهم‪ .‬ويوصي معاذا‬ ‫وهو رديفه على حمار بحق ال على العبيد وحق العبيد على ال؛ لن معاذا عالم داعية تناسبه هذه الوصية الكبرى‪ ،‬وسوف يبلغها‬ ‫للمة‪ ،‬لنه في مكان التوجيه والرشاد والنصح‪ ،‬وهذا الذي فعله معذا في حياته‪ .‬ولو كان أعرابيا لما ناسبه هذا الكلم‪.‬‬ ‫وجاءه حصين بن عبيد فسأله‪":‬كم تعبد؟" قال‪ :‬سبعة‪ ،‬واحدا في السماء وستة في الرض‪ ،‬قال‪ ":‬من لرغبك ورهبك؟" قال‪ :‬الذي في‬ ‫السماء‪ ،‬قال‪ ":‬فاترك التي في الرض واعبد الذي في السماء " ثم قال له ‪ ":‬قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شرّ نفسي " اخرجه‬ ‫الترمذي ‪ 3483‬والللكائي في شرح اعتقاد أهل السنة ‪ 1184‬عن عمران بن حصين رضي ال عنه وانظر المشكاة ‪ .2476‬فهذا الدعاء يناسب‬ ‫حال حصين بن عبيد وما كان فيه من أمر مريج ومن اشتباه حال وشكّ مريب وفوات رشد وبعد صواب‪ ،‬فناسب أن يطلب الرشد من‬ ‫ربّه وأن يستعيذ من شرّ نفسه كل بلء منها‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم مفتيا‪:‬‬ ‫وأرشد صلى ال عليه وسلم علي ابن أبي طالب الى أن يقول‪":‬اللهم اهدني وسدّدني"‬ ‫رض ي ال عنه ‪ .‬وهذا يناسب حال علي‪ ،‬فإنه عاش حتى أدرك اختلف المور وظهور الفتن والتباس الحال‬ ‫التي تتطلب الهداية من ال في هذا الجو المظلم‪ ،‬وطلب السداد من الحيّ القيوّم عند هذه الواردات والراء‬ ‫والهواء‪.‬‬ ‫فسبحان من ألهم رسوله وفتح على نبيه وأفاض عليه من مكنون الفهم ومخزون الفقه ما فاق الوصف‬ ‫وجلّ عن المدح‪:‬‬ ‫وقطفت أنت القول لمّا نوّرا‬ ‫قطف الرجال القول قبل نباته‬ ‫وهو المضاعف حسنه إن كرّرا‬ ‫فهو المشيع بالعيون‬ ‫ولي س كلم ه ص لى ال علي ه وس لم بكلم شعر من الشعراء الذي ن يهرفون بم ا ل يعرفون ن وف ي كل واد‬ ‫يهيمون‪ ،‬وإنما زخرفهم من خيالتهم الفاسدة ومن تصوراتهم الكاسدة‪ ،‬فأما هو فصانه ال من ذلك‪ ،‬بل‬ ‫كلمه وحي يوحى وشرع يتلى‪ ،‬وليس قوله بقول سياسي يسترضي به المل وينافق به الجمهور ويروّج به‬ ‫بضاعته المزجاة‪ ،‬بل كان صلى ال عليه وسلم نبيّا ربّانيا ورسول معصوما ينقل عن جبريل عن ربّه‬ ‫حكمة راشدة وملة هادية ودينا قيّما‪ .‬ولم يكن صلى ال عليه وسلم اديبا يغرف من مخزون ثقافته ومن‬ ‫فيض ذاكرته التي جمعها هذا الديب من نتاج الناس وزبد ثقافات البشر أبناء الطين وسللة التراب‪ ،‬بل‬ ‫كان صلى ال عليه وسلم معلّما معصوما أن يزيغ‪ ،‬محفوظا أن يضلّ‪ ،‬مصانا أن يجازف‪.‬‬

‫اخرجه مسلم ‪ 2725‬عن علي‬

‫‪68‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم طاهرا مطهرا‬ ‫{يَا أَيّهَا النّبِيّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً (‪َ )45‬ودَاعِياً إِلَى الِّ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِيراً (‪} )46‬‬ ‫وفي جيده الشّعرى وفي وجهه القمر‬ ‫كأن الثريّا علّقت بجبينه‬ ‫عليه جلل المجد لو أن وجهه أضاء بليل هلّل البدو والحضر‬ ‫لقد أكمل ال المحاسن لرسوله صلى ال عليه وسلم وأت مّ عليه نعمة الفضل‪ ،‬واخت صّه بالعناية حتى صار‬ ‫السوة الحسنة في كل فضيلة‪ ،‬فمنه تتعلم فنون المكارم‪ ،‬ومن برديه تنبع صفوة المناقب؛ لن من لوازم‬ ‫القدوة أن يكون مثاليا جامعا لما تفرق في الخيار من سجايا حميدة‪ ،‬فكان عليه الصلة والسلم ذاك النسان‬ ‫المجتبى من ربه المصطفى من خالقه‪ ،‬ليقود الناس الى أحسن الخلق وأنبل العمال وأكرم المذاهب‪.‬‬ ‫فأم ا مخ بره علي ه الص لة والس لم فه و الطاه ر المبارك الذي غس ل قلب ه بماء الحياة فص ار أ بيض نقيا‬ ‫مطهرا‪ ،‬وقد أذهب ال من صدره ك لّ غيظ وحسد وحقد وغ لّ وغش‪ ،‬فصار أرحم الناس قاطبة‪ ،‬وأبرّهم‬ ‫كاف ة‪ ،‬وأكرمه م جميع ا‪ ،‬فعمّ حلم ه وكرم ه وطيب ه وجوده الحاض ر والبادي والقري ب والبعي د‪ ،‬فنفس ه أذكى‬ ‫نفس‪ ،‬وباله أشرح بال‪ ،‬وضميره أطهر ضمير‪ ،‬وحُقّ له أن يكون كذلك لنه المرشّح لقيادة العالم وإصلح‬ ‫الكون وتقويم البشرية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلّ رَحْمَةً ّللْعَالَمِينَ (‪ })107‬النبياء‪.‬‬ ‫نظر الله لها فبدّل حالها‬ ‫إن البريّة يوم مبعث أحمد‬ ‫خير البرية نجمها وهللها‬ ‫بل كرّم النسان يوم اختار من‬ ‫ينه ى ع ن الغضب ويقول‪":‬ل تغضب" ‪ ،‬ويكون أبع د الناس عن أس باب الغضب المشين دوافعه‪ ،‬بل وسع‬ ‫الناس حلما وأمطرهم كرما وأوسعهم عفوا وصفحا‪.‬‬ ‫الحزاب‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم طاهرا مطهرا‬ ‫ويقول‪ ":‬ل تحاسدوا "‪ .‬أخرجه البخاري [‪ ]6076 ،6116‬ومسلم ‪ 2559‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه‪ .‬ثم يكون المعافى من‬ ‫هذا الداء القاتل‪ ،‬فليس في كيانه ذرة من حسد‪ ،‬أو قطرة من حقد‪ ،‬صانه ال من ذلك‪ ،‬بل هو الذي وزع‬ ‫الخير على العالم وقسم الفضل من ال على الناس‪.‬‬ ‫ويقول‪ ":‬ول تدابروا‪ ،‬ول تقاطعوا " الحدي ث الس ابق‪ ،‬ث م يترج م هذا الخل ق النبي ل م ن الص لة والبر‬ ‫والحسان‪ ،‬فيصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه‪ ،‬فأعظم عبد صحّت فيه آية‪ {:‬وَالْكَاظِمِينَ‬ ‫الْغَ ْيظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ } آل عمران ‪.134‬‬ ‫ويقول ‪ ":‬إن ال أوحى إل يّ أن تواضعوا " أخرجه مسلم ‪ 2865‬عن عياض بن حمار رضي ال عنه‪ .‬فيكون هو التواضع‬ ‫كله صورة ماثلة ومشهدا حيا وحقيقة قائمة‪ ،‬يركب الحمار‪ ،‬ويخصف النعل‪ ،‬ويجلس على التراب‪ ،‬ويحلب‬ ‫الشاة‪ ،‬ويقف مع العجوز‪ ،‬ويذهب مع الجارية‪ ،‬ويخالط المساكين‪ ،‬ويضيف العراب‪ ،‬ويجالس الفقراء‪.‬‬ ‫ويقول‪":‬خيركم خيركم لهله وأنا خيركم لهلي " أخرجه الترمذي ‪ 3895‬والبيهقي في السنن ‪ 15477‬عن عائشة رضي ال‬ ‫عنها ‪ .‬فيتمثل فيه هذا الحديث أعظم تمثيل‪ ،‬فإذا الرحيم الودود بأهل ه يدخل عليهم ضحّاكا بسّاما‪ ،‬يداعبهم‬ ‫بأرق العبارات ويلطفهم بأحسن التعامل‪ ،‬يشاركهم الخدمة ويجاذبهم أحلى الحديث ويبادلهم أجمل السمر‬ ‫عظِيمٍ (‪ })4‬القلم‪.‬‬ ‫بل فظاظة ول غلظة ول لوم ول تعنيف { وَإِ ّنكَ لَعَلى خُُلقٍ َ‬ ‫خلق أرق من النسيم إذا سرى وشمائل كالمنديل الفوّاح‬

‫‪70‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم طاهرا مطهرا‬ ‫قال له رجل وهو يقسم الغنائم‪ :‬اعدل يا محمد‪ .‬فردّ عليه‪ ":‬خبت وخسرت فمن يعدل إذا لم أعدل؟ "‬ ‫البخاري ‪ 3610‬ومسلم ‪ .1064‬وصدق وبرّ فيما قال‪ ،‬فليس في العالم أعدل منه‪ ،‬وإذا لم يكن عادل صلى ال عليه‬ ‫وسلم فقد انتهى العدل في الدنيا‪ ،‬وطوي من الناس‪ ،‬وارتفع من الرض‪ ،‬وهل العدل إل حكمه؟ ولو كان‬ ‫العدل شخصا ناطقا ثم سألته من أعدل البريّة؟ لقال محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وانظر الى عدله في أحكامه وإنصافه حتى من نفسه‪ ،‬بل طلب من بعض أصحابه أن يقتصّ منه‪ ،‬وأقسم لو‬ ‫أن فاطمة ابنته سرقت لقطع يدها‪ ،‬فكان ل يحابي أحدا في الحق‪ ،‬ول يشفع عنده بشر في الحدود‪ ،‬وقد صاح‬ ‫في وجه أسامة بن زيد وهو من أح بّ الناس إليه لما شفع في المخزومية التي سرقت‪ ":‬أتشفع في حدّ من‬ ‫حدود ال" أخرجه البخاري[ ‪ ]6788 ،3475‬ومسلم ‪ 1688‬عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬ ‫وحكم بين الزبير ورجل من النصار‪ ،‬فقال النصاري ‪ :‬أن كان ابن عمتك؟ يعني أن الزبير ابن عمتك‬ ‫جدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ‬ ‫صفية فحكمت له؟ فأنزل ال‪ {:‬فَلَ وَرَبّكَ لَ ُيؤْمِنُو نَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لَ يَ ِ‬ ‫حَرَجاً مّمّا َقضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيما(‪ })65‬النساء‪ .‬فكفى بال شهيدا على عدل رسوله وصدق أحكامه وصحة‬ ‫قضائه‪:‬‬ ‫جاء الخصوم من السماء قضاء‬ ‫وإذا حكمت فل ارتياب كأنما‬ ‫فهو مؤسس العدل في العالم‪ ،‬وهادم صرح الظلم‪ ،‬واعترف بذلك العدو والصديق والكاره والمحب‪.‬‬ ‫وقس على ذلك أخلقه الشريفة التي دعا إليها وكان أول عامل بها‪ ،‬فصدّق فعله قوله وباطنه ظاهره‪،‬‬ ‫وجوارحه قلبه‪.‬‬ ‫أخرجه‬

‫‪71‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم طاهرا مطهرا‬ ‫وأما جمال ظاهره صلى ال عليه وسلم فهو عنوان كتاب قيمه المثلى‪ ،‬وبوابة قصر محاسنه الجلّى‪ ،‬فكان أجمل الناس وجها وأبهاهم‬ ‫محيّا‪ ،‬وأزهرهم جبينا وأنورهم طلعة‪ ،‬رقيق البشرة طيب الرائحة‪ ،‬زكي الشذا‪ .‬عرقه كالجمان‪ ،‬وأنفاسه كالمسك‪ ،‬يقول أنس‪ :‬ما‬ ‫مسست حريرا ول ديباجا ألين من كف رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول شممت مسكا ول عنبرا أزكى من رائحته ‪ .‬أخرجه‬ ‫البخاري ‪ 3561‬ومسلم ‪ .2330‬يصافحه الرجل فيجد آثار الطيب في كفه أياما عديدة من أثر مصافحته‪:‬‬ ‫من المسك كافورا وأعواده رندا‬ ‫أل إن وادي الجزع أضحى ترابه‬ ‫تمشّت وجرت في جوانبه بردا‬ ‫وما ذاك إل أن هندا عشية‬ ‫وكان صلى ال عليه وسلم ح يّ العاطفة جيّاش الفؤاد‪ ،‬يضحك للنادرة ويهش للدعابة‪ ،‬ويتأثر للموقف ويبكي رحمة‪ ،‬ويلين شفقة‬ ‫ويمتلئ خشية‪ ،‬إذا سالم فأوفى الوفياء وأكرم الصدقاء‪ ،‬وإذا حارب فأعتى من الرياح النكباء وأمضى من الصعدة السمراء‪ ،‬وإذا‬ ‫أعطى فأجود من تحت السماء وأسخى من شربة الماء‪ ،‬وإذا رضي مل القلوب سعادة وعمر المجلس حفاوة‪ ،‬وإذا غضب في الحق‬ ‫كان أمضى من السيف حسما‪ ،‬وأقوى من اليام حزما‪.‬‬ ‫يضحك بأسنان كالبرد‪ ،‬ويبكي بدموع كالمطر‪ ،‬ويعطي بك فّ الغيث‪ ،‬ويقابل بمحيّا كالفجر‪ ،‬ل يملّ جليسه حديثه‪ ،‬ول يسأم رفيقه‬ ‫صحبته‪ ،‬ول يطيق من عرفه فراقه‪.‬‬ ‫يخرج الى العيد في حلّة حمراء زاهية باهية‪ ،‬بوجه طل ق بشوش‪ ،‬أجمل من العيد وأجل من تلك الفرحة‪ ،‬فكان عيد الصحابة‬ ‫العظم رؤيته وسماع حديثه والتمتع بصحبته‪ ،‬ويحضر الستسقاء متخشعا مبتذل متضرعا باكيا‪ ،‬فكان أعظم موعظة عند المسلمين‬ ‫رؤية ذاك الوجه الخاشع والنظر الى تلك الدموع الصادقة والمنظر المؤثر‪.‬‬ ‫ويخوض صلى ال عليه وسلم الحرب ويشعل المعركة بقلب وثّاب ونفس ثابتة وعزم صادق‪ ،‬فتنهزم أمامه الصفوف وتتراجع من‬ ‫سطوته البطال‪ ،‬فأشجع الصحابة وقت الذروة يتقي به‪ ،‬وأعتى الكماة لحظة الموت يحتمي به‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم محبوبا‪:‬‬ ‫{فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَ َنصَرُوهُ وَاتّبَعُو ْا النّورَ الّذِيَ أُن ِزلَ مَعَهُ }‬ ‫" ل يؤمن أحدكم حتى أكون احب إليه من والده وولده والناس أجمعين"‬ ‫وبعض مودات الرجال سراب‬ ‫أحبّك حبا ليس في غضاضة‬

‫العراف ‪.157‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ 15‬ومسلم ‪ 44‬عن أنس رضي ال عنه‪.‬‬

‫عليه دليل ظاهر وكتاب‬ ‫ومنحتك الود الصريح وإنه‬ ‫من يطالع سيرة الصحابة يرى ذلك الحب الصادق الفياض لشخص الرسول الكريم صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حبا يستولي‬ ‫على النفس ويملك المشاعر‪ ،‬حبا ل يعدله حب الولد والوالد والبن والزوجة‪ ،‬حبا يصل شغاف القلب ويمازج قرار‬ ‫الروح‪ .‬ولكن لماذا أحبّوه هذا الحب؟ إذ ل يوجد في التاريخ كله قوم أحبّوا إمامهم أو زعيمهم أو شيخهم أو قائدهم أو‬ ‫أستاذهم كما أح بّ أصحاب محمد محمدا صلى ال عليه وسلم حتى افتدوه بالمهج‪ ،‬وعرّضوا أجسامهم للسيوف دون‬ ‫جسمه‪ ،‬وضحوا بدمائهم لحمايته‪ ،‬وبذلوا أعراضهم دون عرضه‪ ،‬فكان بعضهم ل يمل عينيه من النظر الى رسول ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم إجلل له‪ ،‬ومنهم من ذهب الى الموت طائعا ويعلم أنها النهاية وكأنه يذهب الى عرس‪ ،‬ومنهم من‬ ‫احتسى الشهادة في سبيل ال كالماء الزلل‪ ،‬لنه أحبّ محمدا ودعوته‪ .‬بل كانوا يتمنون رضاه على رضاهم‪ ،‬وراحته ولو‬ ‫تعبوا‪ ،‬وشبعه ولو جاعوا‪ ،‬فما كانوا يرفعون أصواتهم على صوته‪ ،‬ول يقدمون أمرهم على أمره‪ ،‬ول يقطعون أمرا من‬ ‫دونه‪ ،‬فهو المطاع المحبوب‪ ،‬والسوة الحسنة‪ ،‬والقدوة المباركة‪.‬‬ ‫أم ا دواع ي هذا الح ب وأس بابه‪ ،‬فأعظمه ا أ ن هذا النس ان ه و رس ول الرحم ن‪ ،‬وص فوة الن س والجان‪ ،‬أرس له ال‬ ‫ليخرجهم من الظلمات الى النور‪ ،‬ويقودهم الى جنة عرضها السموات والرض‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم محبوبا‪:‬‬ ‫ثم إنهم وجدوا فيه صلى ال عليه وسلم المام الذي كملت فضائله وتمّت محاسنه‪ ،‬فقد أسرهم بهذا الخلق العظيم‬ ‫والمذهب الكريم‪ ،‬فوجدوا في قربه واتباعه جنة وارفة من اليمان‪ ،‬بعد نار تلظى من الكفر والجاهلية‪ ،‬فهو الذي غسل‬ ‫أرواحهم بإذن ال من أوضار الوثنية‪ ،‬وزكّى نفوسهم من آثام الشرك‪ ،‬وطهّر ضمائرهم من لوثة الصنام‪ ،‬وعلمهم‬ ‫الحياة الكريمة‪ .‬مل صدورهم سعادة بعد عمر من القلق والضطراب والغموم والهموم‪ ،‬بنى في قلوبهم صروح اليقين‬ ‫بعد خراب الشك والريبة والنحراف‪.‬‬ ‫كانوا قبل دعوته كالبهائم السائمة‪ ،‬ل إيمان‪ ،‬ول أدب ول صلة‪ ،‬ول زكاة‪ ،‬ول نور‪ ،‬ول صلح‪ ،‬حياة مظلمة من‬ ‫عبادة الصنام وملبسة الفواحش ومعاقرة الخمر وسفك الدماء والسلب والنهب‪ ،‬فليس لهم في الحياة رسالة‪ ،‬وما عندهم‬ ‫عن ال خبر‪ ،‬وما لديهم من أمر الدنيا نبأ‪ ،‬فهم في غيّهم يعمهون‪.‬‬ ‫قلوب أقسى من الحجارة‪ ،‬ونفوس أظلم من الليل‪ ،‬وبؤس أشد بشاعة من الموت‪ ،‬فل عقل محفوظ‪ ،‬ول دم معصوم‪،‬‬ ‫ول مال حلل‪ ،‬ول عرض مصان‪ ،‬ول نفوس راضية‪ ،‬ول أخلق قويمة‪ ،‬ول مجتمع يحترم الفضيلة‪ ،‬ول شعب يحمي‬ ‫المبادئ‪.‬‬ ‫فلما أراد ال إنقاذ هذه البشرية وإسعادها وصلحها وفلحها بعث محمدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكأن الناس ولدوا من‬ ‫جديد‪ ،‬وكأن وجه الدنيا تغير‪ ،‬وكأن الرض لبست ثوبا آخر‪ ،‬فالوحي يتنزل على هذا المام من لدن لطيف خبير‪،‬‬ ‫وجبري ل يغدو ويروح بشريعة نسخت الشرائع‪ ،‬فيها سعادة العباد‪ ،‬وصلح البشر‪ ،‬وعمارة الرض‪ ..‬فمسجد يبنى‪،‬‬ ‫ورقبة تعتق‪ ،‬وصدر يعمر‪ ،‬وجسد يطهر‪ ،‬وصلة تؤدى‪ ،‬ومصحف يتلى‪ ،‬وآية تف سّر‪ ،‬وحديث يشرح‪ ،‬وراية تعقد‪،‬‬ ‫علَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‬ ‫وحضارة تبنى‪ ،‬وأمة تحرّر { هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الُْمّيّينَ رَسُولً مّنْهُمْ يَ ْتلُو َ‬ ‫للٍ مّبِينٍ (‪ } )2‬الجمعة‪.‬‬ ‫وَإِن كَانُوا مِن قَ ْبلُ َلفِي ضَ َ‬

‫‪74‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم محبوبا‪:‬‬ ‫لقد أح بّ الصحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم لنه وصلهم بال ودلّهم على رضوانه‪ ،‬وهداهم الى صراطه المستقيم‪ .‬وإنهم‬ ‫لمعذورون في هذا الحب لنه أقل ما يجب عليهم نحو هذا الرسول المعصوم والنبي الخاتم‪ ،‬الذي جاء إليهم وهم عاكفون على أصنامهم‪،‬‬ ‫فصاح بهم ‪":‬قولوا ل إله إل ال تفلحوا" أخرجه أحمد ‪ 18525‬والحاكم ‪ ،39‬وصلى بهم وقال‪ ":‬صلوا كما رأيتموني أصلي" أخرجه البخاري ‪،631‬‬ ‫وحجّ بهم وقال‪ ":‬خذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم ‪ ،1297‬وعلمهم السنة وقال‪ ":‬من رغب عن سنتي فليس مني" أخرجه البخاري ‪ 5063‬ومسلم‬ ‫‪ ،1401‬ودعاهم الى التقوى وقال‪ ":‬إن أتقاكم وأعلمكم بال أنا" أخرجه البخاري ‪ .20‬فال أنقذهم به من النار‪ ،‬وبصّرهم من العمى‪ ،‬وعلّمهم‬ ‫به من الجهل‪ ،‬وأصلحهم بعد الفساد‪ ،‬وهداهم بعد الضللة‪ ،‬وأرشدهم بعد الغي‪.‬‬ ‫كيف ل يحبه أص حابه بل كل مسلم وهو ل يزاول طاعة إل والرس ول ص لى ال عليه وس لم نص ب عينيه ف ي طهارته وصلته‬ ‫وصيامه وزكاته وحجّه وذكره وعقيدته وخلقه وسلوكه‪ ،‬كيف ل يحبه وكلما فعل خيرا فإنما إمامه محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو قام‬ ‫بقربة فقدوته محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو أحسن في حياته فأسوته محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو أسدى جميل أو قدّم معروفا فمثله‬ ‫العلى محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫هي أنت بل أنت اليد البيضاء‬ ‫المصلحون أصابع جمعت يدا‬ ‫كيف ل يحبه النسان وحديثه ير نّ في الذن ويعبر الى القلب بكل فضيلة وكل خلق شريف وسجايا نبيلة‪ ،‬داعيا الى الصدق والعدل‬ ‫والس لم والرحم ة والتآخ ي والحس ان‪ ،‬محذرا م ن الفجور والفس وق والعص يان والظل م والعتداء والبغ ي والجرام‪ ..‬فميلد النسان‬ ‫الميلد الثاني يوم اتبع هذا الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واقتدى بهذا النبي المي‪:‬‬ ‫وأنت أحييت أجيال من الرمم‬ ‫أخوك عيسى دعا ميتا فقام له‬ ‫وس عادة العب د إنم ا ه ي ف ي الهتداء بهدي هذا المام المعص وم‪ ،‬لن ه الوحي د م ن الناس الذي يدور معه الحق حيثما دار‪ ،‬فعل ى قوله‬ ‫تعرض القوال‪ ،‬وعلى فعله توزن الفعال‪ ،‬وعلى حاله تقاس الحوال‪{:‬وإنّك لتهدي الى صراط مستقيم}‪.‬‬ ‫في الي ّم أو دمعة خرساء في القدم‬ ‫من نحن قبلك إل نقطة غرقت‬

‫‪75‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم مباركا‪:‬‬ ‫{مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَ ْوصَانِي بِالصّلَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا (‪ } )31‬مريم‪.‬‬ ‫إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا‬

‫كفى بالمطايا طيب ذكرك هاديا‬

‫لعلّ خيال منك يلقى خياليا‬ ‫وإني لستغثي وما بي غشوة‬ ‫كان ت البركة في ه ومعه وعنده عليه الص لة والسلم‪ ،‬فكلم ه مبارك‪ ،‬يقول الكلم ة الموجزة فتحمل ف ي طياتها العبر‬ ‫والعظات ما يدهش لروعتها العقل حسنا وبلغة‪ ،‬ويلقي الخطبة فيجعل ال فيها من النفع والتأثير والبركة ما يبقى‬ ‫صداه في الجيال جيل بعد جيل‪ .‬والبركة في عمره صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد عاش ثلثا وعشرين سنة في إبلغ‬ ‫رسالته ليس إل‪ ،‬فكان في هذه الفترة الوجيزة من الفتح والنصر والنفع والعلم واليمان والصلح ما ل يقوم به غيره‬ ‫في قرون ول دهور‪ ،‬ففي ثلث وعشرين سنة فحسب‪ ،‬بلّغ الرسالة وأدّى المانة وعلّم القرآن ونشر السنة‪ ،‬وقضى‬ ‫على الكفر‪ ،‬وأسّس دولة العدل‪ ،‬وأقام أعظم حضارة راشدة عرفتها النسانية‪.‬‬ ‫وانظر الى بركة يوم واحد من أيامه عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهو يوم النحر‪ ،‬اليوم العاشر من حجه صلى ال عليه‬ ‫وسلم على سبيل المثال‪ ،‬ففي هذا اليوم الواحد صلى الفجر بمزدلفة ودفع الى منى وهو يلبّي ويذكر ال ويدعوه‪ ،‬ويعلم‬ ‫الناس المناسك‪ ،‬ويفتي الحجاج‪ ،‬ثم رمى جمرة العقبة‪ ،‬ثم حلق ثم نحر ثم ذهب الى المسجد الحرام فطاف‪ ،‬ثم صلى‬ ‫الظهر‪ ،‬وهو مع ذلك يرشد الناس ويوجّههم‪ ..‬هذا إلى صلة الظهر فقط‪ ،‬مع أن وسيلة النقل ناقته صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫مع بعد المسافة وكثرة الزحام وحرارة الجو ووقوفه للناس يسألونه‪ ،‬فسبحان من بارك في لحظات عمره ودقائق حياته‪:‬‬ ‫فكأنها من حسنها أيام‬ ‫مرّت سنين بالسعود وبالهنا‬

‫‪76‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم مباركا‪:‬‬ ‫وبورك له صلى ال عليه وسلم في آثاره‪ ،‬فقد مرّ بصاحب قبرين يعذبان‪ ،‬أحدهما كان ل يتنزه من البول‪ ،‬والخر كان يمشي‬ ‫بالنميمة بين الناس‪ ،‬فشقّ صلى ال عليه وسلم عصا خضراء كانت معه وغرسها على القبرين وقال‪ ":‬أرجو أن يخفف عنهما‬ ‫من العذاب حتى تيبسا " أخرجه البخاري [‪ ]218 ،216‬ومسلم ‪ 292‬عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ .‬وهذا خاص به‪ ،‬ول‬ ‫يكون إل له صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لما جعل ال فيه من البركة‪.‬‬ ‫ومرض علي ابن أبي طالب بالرمد يوم خيبر‪ ،‬حتى أصبح ل يرى شيئا‪ ،‬فنفث عليه صلى ال عليه وسلم فأبصر بإذن ال في‬ ‫الحال لبركة دعائه ونفثه‪:‬‬ ‫فمرضت من خوفي عليه‬ ‫مرض الحبيب فزرته‬ ‫فشفيت من نظري إليه‬ ‫وأتى الحبيب يزورني‬ ‫وكان الجيش في الخندق ألف رجل قد بلغ بهم الجوع مبلغا عظيما‪ ،‬فدعا جابر بن عبدال الرسول صلى ال عليه وسلم وثلثة‬ ‫معه على عناق من ولد الماعز ذبحها وشيء من طعام الشعير‪ ،‬فدعا صلى ال عليه وسلم الجيش جميعا وسبقهم‪ ،‬ودعا على‬ ‫الطعام ونفث‪ ،‬ثم أدخلهم عشرة عشرة‪ ،‬فأكلوا جميعا وشبعوا جميعا وبقي الطعام بحاله‪ ،‬ووزع على أهل المدينة‪ ،‬فما بقي بيت‬ ‫إل دخله من ذلك الطعام‪ .‬فل إله إل ال! يا لها من معجزة باهرة وآية ظاهرة على صدقه وبركنه ونبوّته‪:‬‬ ‫بحق فيك كل المعجزات‬ ‫عل ّو في الحياة وفي الممات‬ ‫بتبريك عواد رائحات‬ ‫عليك تحية الرحمن تسري‬ ‫وسافر معه جيش قوامه ألف وأربعمائة رجل‪ ،‬فانتهى ماؤهم وأشرفوا على الهلك‪ ،‬وانقطعوا في البيداء‪ ،‬فدعا صلى ال عليه‬ ‫وسلم بقربة صغيرة فيها قليل من ماء‪ ،‬فصبّه على يده الشريفة الطاهرة المباركة‪ ،‬فثارت من بين أصابعه أنهار الماء‪ ،‬فمل‬ ‫الناس أوعيتهم وعبأوا قربهم وسقوا رواحلهم‪ ،‬وشربوا وتوضؤوا واغتسلوا جميعا { َأفَ سِحْرٌ َهذَا أَ مْ أَنتُ مْ لَ تُبْصِرُونَ (‪})15‬‬ ‫الطور‪.‬‬ ‫ثمال اليتامى عصمة للرامل‬ ‫وأبيض يستسقى الغمام بوجهه‬

‫‪77‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم مباركا‪:‬‬ ‫فحيّا ال ذاك الكف الطاهر المبارك الذي ما خان ول غش ول غدر ول نهب ول سلب ول سرق ول سفك‪.‬‬ ‫يد بيضاء لو مدّت بليل عظيم الهول أشرقت الليالي‬ ‫وزار صلى ال عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وهو مريض ملتهب الجسم‪ ،‬فوضع يده المباركة على صدر سعد‪ ،‬فوجد‬ ‫بردها كالثلج فشفي بإذن ال‪ .‬يقول سعد بعد سنوات طويلة‪ :‬وال لكأني أجد بردها الن على صدري‪.‬‬ ‫ور شّ صلى ال عليه وسلم بقية وضوئه على جابر بن عبدال وهو مريض فشفي بإذن ال‪ ،‬وحلق رأسه صلى ال‬ ‫عليه وسلم بمنى يوم النحر‪ ،‬فأعطى شقّه اليمن أبا طلحة النصاري لن صوته في الجيش كمائة فارس جائزة له‪،‬‬ ‫والنصف الخر وزع على الناس‪ ،‬فكادوا يقتتلون عليه‪ ،‬فمنهم من حصل على شعرة‪ ،‬ومنهم من تقاسم هو وصاحبه‬ ‫شعرة واحدة‪ ،‬ومنهم من كان يضع هذه الشعرة في الماء إذا أراد أن يشرب‪.‬‬ ‫وعراف نجد إن هما شفياني‬ ‫جعلت لعرّاف اليمامة حكمه‬ ‫ول شربة إل بها سقياني‬ ‫فوال ما من رقية يعلمانها‬ ‫بشربة حقّ من هدى وبيان‬ ‫فجئت الى المعصوم حتى أعلّني‬ ‫ومسح صلى ال عليه وسلم رأس أبي محذورة وهو صغير‪ ،‬فأقسم أبو محذورة ل يحلق هذا الشعر الذي م سّه كف‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فبقي طيلة حياته حتى طال ودفن معه‪.‬‬ ‫وكان الص بيان يأتون ه ص لى ال علي ه وس لم بآنيته م فيض ع كف ه المبارك ف ي إناء الماء واللب ن‪ ،‬فيجدون في ه البركة‬ ‫والشفاء بإذن ال‪ .‬وقصص بركته ل تنتهي‪ ،‬وأحاديث معجزاته ل تنقضي‪ ،‬فهو المبارك أينما حل وأينما ارتحل‪ ،‬وهو‬ ‫الموفّق أينما سار وأقام‪.‬‬ ‫نزيل عرشك خير الرسل كلهم‬ ‫يا رب صلّ وسّلم ما أردت على‬

‫‪78‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم مربيا‪:‬‬ ‫{ يتلوا عليكم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} ‪.‬‬ ‫مسّكتنا حبل هدى غير منصرم‬ ‫هديتنا لسبيل الحق نسلكه‬ ‫وأنت قدوتنا في حالك الظلم‬ ‫أنت المام الذي نرجو شفاعته‬ ‫كان صلى ال عليه وسلم مربيا كملت مناقب المربي فيه‪ ،‬فهو رفيق في تعليمه ويقول ‪ ":‬إن ال رفيق يحب الرفق‪،‬‬ ‫ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف" أخرجه البخاري ‪ 6927‬ومسلم ‪ 2593‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ .‬ويقول‪ ":‬ما كان‬ ‫الرفق في شيء إل زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إل شانه" أخرجه مسلم ‪ 2594‬عن عائشة رضي ال عنها‪ .‬وكان يصل‬ ‫غلِي ظَ ا ْل َقلْبِ‬ ‫ال ى قلوب الناس بألين السبل حتى قال في ه ربه عز وجل‪ {:‬فَبِمَا َرحْمَ ةٍ مّ نَ الّ لِن تَ لَهُ مْ َولَوْ كُن تَ فَظّا َ‬ ‫ن حَ ْوِلكَ } آل عمران ‪ .159‬فهو أعظم من تمثل خلق القرآن‪ ،‬فتجده القريب منالنفوس‪ ،‬الحبيب الى القلوب‪.‬‬ ‫لَن َفضّواْ مِ ْ‬ ‫جاءه أعرابي فقال في التشهد‪ :‬ال ارحمني ومحمدا ول ترحم معنا أحدا‪ ،‬فقال له صلى ال عليه وسلم‪ ":‬لقد حجرت‬ ‫واسعا" أخرجه البخاري ‪ 6010‬عن أبي هريرة‪ .‬أي أنه ضيّق رحمة ال التي وسعت كل شيء‪ ،‬ثم قام العرابي فبال في طرف‬ ‫المسجد‪ ،‬فأراد الصحابة ضرب العرابي‪ ،‬فمنعهم صلى ال عليه وسلم ودعا بدلو من ماء فصبّه على بول العرابي‪،‬‬ ‫ثم دعا العرابي برفق ولين وحسن خلق فقال ‪ ":‬إن هذه المساجد ل يصلح فيها شيء من الذى والقذر‪ ،‬وإنما هي‬ ‫للصلة والذكر وقراءة القرآن" أخرجه مسلم ‪ 285‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه‪ .‬فذهب هذا العرابي الى قومه لما رأى منا‬ ‫لرفق واللين‪ ،‬فدعاهم الى السلم فأسلموا‪.‬‬ ‫وجلس معه صلى ال عليه وسلم غلم على مائدة الطعام‪ ،‬فأخذت يد الغلم تطيش في الصحفة‪ ،‬فما نهره ول زجره‬ ‫وإنما قال له برفق ‪ ":‬سمّ ال وكل بيمينك وكل مما يليك " أخرجه البخاري [ ‪ ]5378 ،5376‬ومسلم ‪ 2022‬عن عمر ابن أبي سلمة‬ ‫رضي ال عنه‪.‬‬

‫‪79‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم مربيا‪:‬‬ ‫ودخل اليهود عليه صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬السام عليك‪ ،‬يعني الموت‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬عليكم السام واللعنة‪،‬‬ ‫فقال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬يا عائشة‪ ،‬ما هذا؟ إن ال يكره الفحش والتفاحش‪ ،‬وقد رددت عليهم ما قالوا‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫وعليكم " أخرج ه البخاري [ ‪ ]6030 ،2935‬ومس لم ‪ 2165‬عن عائش ة رض ي ال عنها‪ .‬وليس في قاموس حياته صلى ال عليه‬ ‫وسلم ول في معجم أدبه كلمة نابية ول بذيئة ول فاحشة‪ ،‬وإنما طهر كله ونقاء وصفاء ولين ووفاء‪ ،‬لنه رحمة‬ ‫مهداة‪ ،‬ونعمة مسداة‪ ،‬وبركة عامة‪ ،‬وخير متصل‪.‬‬ ‫وكان صلى ال علي ه وسلم يتخوّل أصحابه بالموعظة كراهي ة السآمة والمل ل عليهم‪ ،‬أ ي يتركهم فترات من‬ ‫الزمن بل وعظ ليكون أنشط لنفوسهم وأروح لقلوبهم‪ ،‬فكان إذا وعظهم أوجز وأبلغ‪ ،‬وكان ينهى عن التطويل‬ ‫على الناس وإدخال المشقة عليهم‪ ،‬سواء في الصلة أو الخطب‪ ،‬ويقول‪ ":‬إن قصر خطبة الرجل وطول صلته‬ ‫مئنة من فقهه" أخرجه مسلم ‪ 869‬عن عمار رضي ال عنه‪ .‬أي علمة على فقهه‪ ،‬فقصّروا الخطبة وأطيلوا الصلة‪.‬‬ ‫وأنكر عمر على الحبشة لعبهم بالحراب في مسجده صلى ال عليه وسلم فقال‪ ":‬دعهم يا عمر‪ ،‬ليعلم يهود أن في‬ ‫ديننا فسحة" أخرجه أحمد [ ‪ ]25431 ،24334‬عن عائشة رضي ال عنها أنظر كشف الخفاء‪.658 :‬‬ ‫ودخل أبو بكر عليه صلى ال عليه وسلم في بيت عائشة رضي ال عنها وعندها جاريتان تغنيان يوم العيد‪ ،‬فقال‬ ‫أبو بكر‪ :‬أمزمار الشيطان في بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬دعهم يا أبا بكر‪،‬‬ ‫فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" أخرجه البخاري [ ‪ ]3931 ،952‬ومسلم ‪ 892‬عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم مربيا‪:‬‬ ‫وسأل صلى ال عليه وسلم عائشة عن زواج حضرته للنصار‪ ":‬هل كان معكم شيء من لهو؟ أي من طرب فإن‬ ‫النصار يعجبهم اللهو " أخرجه البخاري ‪ 5163‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ .‬كل هذا في حدود المباح الذي يريح النفس ويذهب‬ ‫عنها السأم والملل‪ ،‬أما الحرام فكان أبعد الناس عنه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫وكان صلى ال عليه وسلم يربي أصحابه بالقدوة الحيّة الماثلة فيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكان يدعوهم الى تقوى ال‬ ‫وه و أتقاه م‪ ،‬وينهاه م ع ن الشيء فيكون أشدّه م حذرا من ه‪ ،‬ويعظه م ودموع ه عل ى خدّه الشري ف‪ ،‬ويوص يهم بأحسن‬ ‫الخلق‪ ،‬فإذا هو أحسنهم خلقا‪ ،‬ويندبهم الى ذكر ال وإذا به أكثرهم ذكرا‪ ،‬ويناديهم الى البذل والعطاء ثم يكون أسخاهم‬ ‫يدا وأكرمهم نفسا‪ ،‬وينصحهم بحسن العشرة مع الهل‪ ،‬ثم تجده أحسن الناس لهله رحمة وعطفا ورقة ولطفا‪:‬‬ ‫روح الرسالت إل روح مختار‬ ‫يا صاحب الخلق السمى وهل حملت‬ ‫من الهدى والمعالي نصب تذكار‬ ‫أعلى السجايا التي صاغت لصاحبها‬ ‫والعجيب تو صّله صلى ال عليه وسلم الى غرس هذه الفضيلة في نفوس أصحابه غرسا بقي بقاء حياتهم‪ ،‬ودام دوام‬ ‫أعمارهم ونقله التباع عنهم‪ ،‬وأتباع التباع عن التباع الى اليوم‪ ،‬فكان إذا لقيه الرجل يوما من الدهر أو ساعة من‬ ‫الزمن وآمن به‪ ،‬ترك عليه من الثر ما يبقى ملزما له حتى الموت‪ ،‬فكأن ليس في حياة هذا الرجل إل ذلك اليوم أو‬ ‫تلك الساعة التي لقي فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫وتضيق الرض إل موضعا‬ ‫قد يضيق العمر إل ساعة‬ ‫وما ذاك إل لصدق نبوته عليه الصلة والسلم وبركة دعوته‪ ،‬وعظيم إخلصه وجللة خلقه ونبل فضائله‪:‬‬ ‫فيه إله العالمين هدانا‬ ‫فعليه ما سجع الحمام سلمنا‬

‫‪81‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫وجوب الصلة والسلم عليه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫سلِيماً (‪ })56‬الحزاب‪.‬‬ ‫سلّمُوا تَ ْ‬ ‫علَيْهِ وَ َ‬ ‫ن آمَنُوا صَلّوا َ‬ ‫علَى النّبِيّ يَا أَيّهَا الّذِي َ‬ ‫صلّونَ َ‬ ‫{إِنّ الَّ وَمَلَئِكَتَهُ ُي َ‬ ‫ما حنّ مشتاق الى لقياكا‬ ‫صلى عليك ال يا علم الهدى‬ ‫وقلوبنا ذابت على ذكراك‬ ‫وعليك ملء الرض من صلواتنا‬ ‫الص لة عل ى محم د ص لى ال علي ه وس لم جلء البص ار‪ ،‬ونور البص ائر‪ ،‬وبهج ة القلوب‪ ،‬وراحة الرواح‪ ،‬وقرة‬ ‫العيون‪ ،‬ومسك المجالس‪ ،‬وطيب الحياة‪ ،‬وزكاة العمر‪ ،‬وجمال اليام‪ ،‬وذهاب الهموم‪ ،‬وطرد الحزان‪ ،‬وهي الجالبة‬ ‫للسرور وانشراح الصدور وتكامل الحبور وتعاظم النور‪.‬‬ ‫بها يطيب السمر ويحلو الحديث ويح لّ النس وتحصل البركة وتنزل السكينة‪ ،‬وهي علمة الحب وشاهد المتابعة‬ ‫وبرهان الموالة ودليل الصلح وطريق الفلح‪ ،‬يقول صلى ال عليه وسلم‪ ":‬من صلى عليّ صلة واحدة صلى ال‬ ‫عليه بها عشر صلوات‪ ،‬ورفعه عشر درجات‪ ،‬وكتبت له عشر حسنات‪ ،‬ومحي عنه عشر سيئات " أخرجه النسائي في‬ ‫الكبرى ‪ 9890‬وفي عمل اليوم والليلة ‪ 63‬عن أنس بن مالك‪ .‬وقال‪ ":‬أكثروا عليّ من الصلة ليلة الجمعة ويوم الجمعة" أخرجه ابن‬ ‫عدي في الكامل ‪ 102\3‬والبيهقي في الكبرى ‪ 5790‬وفي الشعب ‪ 3030‬عن أنس بن مالك وانظر كشف الخفاء ‪ .190\1‬وقال‪ ":‬رغم أنف‬ ‫من ذكرت عنده ولم يصلّ عل يّ " أخرجه أحمد ‪ 7402‬والترمذي ‪ 3545‬والحاكم ‪ .2016‬وروي مرفوعا‪ ":‬البخيل من ذكرت‬ ‫عنده فلم يص لّ عل يّ " أخرج ه أحم د ‪ 1738‬والترمذي ‪ 3546‬عن عل ي رض ي ال عن ه وانظ ر كش ف الخفاء ‪ .332\1‬وورد ‪ ":‬إن ل‬ ‫ملئكة سياحين في الرض يبلغونني من أمتي السلم " أخرجه أحمد [‪ ]4198 ،3657‬والنسائي ‪ 1282‬والدارمي ‪ 2774‬والحاكم‬ ‫‪ 3576‬عن عبدال بن مسعود ‪ .‬ولما قال أبيّ بن كعب ‪ :‬سوف أجعل لك صلتي كلها‪ ،‬أي دعائي‪ ،‬قال‪ ":‬إذن يغفر ذنبك‪،‬‬ ‫وتكفي همّك" أخرجه الترمذي ‪.2457‬‬

‫‪82‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫وجوب الصلة والسلم عليه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫فيصلى عليه صلى ال عليه وسلم في التشهد الول والثاني‪ ،‬وعند ذكره‪ ،‬وفي خطبة الجمعة‪ ،‬والعيد‪،‬‬ ‫والس تسقاء‪ ،‬وف ي خطب ة النكاح‪ ،‬وف ي مجل س العل م والمواع ظ‪ ،‬والكت ب والرسائل‪ ،‬والمعاهدات‪،‬‬ ‫والصكوك‪ ،‬وعند لقاء الحباب‪ ،‬وعند الوداع‪ ،‬وفي الدعاء وأذكار الصباح والمساء‪ ،‬وعند نزول الهموم‬ ‫وترادف الغموم وفق د الغراض وتزاح م الكرب وحدوث المص اب ووص ول المبشرات‪ ،‬وعن د تأليف‬ ‫الكتب وشرح حديثه وكتابة سيرته وذكر أخباره وقصصه‪ ..‬إلى غير ذلك من المناسبات‪ ،‬فصلّى ال عليه‬ ‫وسلم ما زهر فاح‪ ،‬وبلبل صاح‪ ،‬وسر باح‪ ،‬وحمام ناح‪ ،‬وصلى ال عليه وسلم ما نسيم تدّفق وما دمع‬ ‫ترقرق‪ ،‬وما وجه أشرق‪ ،‬وصلى ال عليه وسلم ما اختلف الليل والنهار‪ ،‬وهطلت المطار‪ ،‬ودنت الثمار‬ ‫واهتزت الشجار‪ ،‬وصلى ال عليه وسلم ما بدت النجوم‪ ،‬وتلبدّت الغيوم وانقشعت الهموم‪ ،‬وتليت الخبار‬ ‫والعلوم‪ ،‬وعلى آله الطيبين البرار‪ ،‬وأصحابه الخيار من المهاجرين والنصار‪ ،‬ومن تبعهم واقتفى الك‬ ‫الثار‪.‬‬ ‫صلى عليه إلهه وخليله‬

‫ما دامت الغبراء والخضراء‬

‫فهو الذي فاق النام كرامة‬

‫واستبشرت بقدومه النباء‬

‫‪83‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫وجوب التأدب مع الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫صوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَ ْعضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن‬ ‫{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَ تَرْفَعُوا أَ ْ‬ ‫تَحْ َبطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَ تَشْعُرُونَ (‪ })2‬الحجرات‪.‬‬ ‫قحطان عدنان شادوا منك عزّتهم‬

‫بك التشرّف للتأريخ ل بهم‬

‫أكاد أقتلع الهات من حرقي‬

‫إذا ذكرتك أو أرتاع من ندمي‬

‫الدب معه صلى ال عليه وسلم شريعة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها‪ ،‬فالدب مع شخصه الكريم بإجلله‬ ‫وإعزازه وتوقيره وتقديره واحترام ه وانزال ه المنزل ة الت ي أنزل ه ال إياها‪ :‬ل غلوّ ول جفاء‪ ،‬وعدم‬ ‫العتراض عليه صلى ال عليه وسلم أو مناقضة أقواله بأقوال غيره من الناس‪ ،‬أو تقديم قول كائن من‬ ‫البشر مهما كان على قوله‪ ،‬أو أخذ حديثه على أنه كلم يصيب ويخطئ‪ ،‬بل هو كلم نبيّ معصوم‪ ،‬أو‬ ‫التعرّض لصفة من صفاته بجفاء‪ ،‬أو رد قوله بعد التأكد من صحة نسبته اليه‪ ،‬أو الشك في بعض قضاياه‬ ‫وأحكامه‪ ،‬أو مقارنته بالقادة والزعماء والملوك‪ ،‬فقد رفع ال قدره على الجميع وأعلى منزلته على الكل‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫وجوب التأدب مع الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬ ‫بل يحرم كل ما فهم منه الجفاء والتنقص والعتراض عليه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والواجب على كل من‬ ‫رضي به رسول واتبعه وآمن به حبه حبا صادقا أعظم من حب النفس والولد والوالد والناس أجمعين‪،‬‬ ‫وتص ديق م ا أخ بر ب ه‪ ،‬وامتثال م ا أم ر ب ه والنتهاء عم ا نه ى عن ه‪ ،‬والهتداء بهداه والقتداء بسنته‬ ‫والرضى بحكمه والحرص على متابعته‪ ،‬وتوقير حديثه والصلة والسلم عليه إذا ذكر صلى ال عليه‬ ‫وس لم‪ ،‬وعدم رف ع الص وت عن د ذكره وذك ر حديث ه‪ ،‬وعدم الضح ك وق ت تلوة أخباره وكلمه وآثاره‪،‬‬ ‫والخشوع عند ذكر شيء من سنته‪ ،‬والتأدب عند الستشهاد بقوله‪ ،‬والتسليم عند أمره ونهيه‪ ،‬واليمان‬ ‫بمعجزاته والذب عن جنابه الشريف وأهل بيته وأصحابه { فالذين ءامنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا‬ ‫النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}‪.‬‬ ‫فطاب من طيب ذاك القاع والكم‬ ‫يا من تضوّع طيب القاع منزله‬ ‫فيه العفاف وفيه الجود والكرم‬ ‫نفسي الفداء لمجدٍ أنت حامله‬ ‫فعلى المسلم أن يفعل فعل أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم في التأدب معه‪ ،‬فمنهم من كان ل يتكلم‬ ‫عنده إل بصوت خافض خاشع‪ ،‬وكان إذا تحدث كان على رؤوسهم الطير‪ ،‬ومنهم من جلس في الطريق‬ ‫خارج المسجد لما سمعه يقول من داخل المسجد‪ ":‬يا أيها الناس اجلسوا" أخرجه أبو داود ‪ 1091‬والحاكم ‪ 1056‬عن‬ ‫جابر رضي ال عنه‪ .‬ومنهم من ل يكلم ابنه حتى مات لنه عارض حديث الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ..‬إلى‬ ‫آخر تلك الفعال الجميلة والخصال الحميدة من تأدبهم معه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪85‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم مبشّرا‪:‬‬ ‫{وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنّ لَهُم مّنَ الِّ َفضْلً كَبِيراً (‪ } )47‬الحزاب‪.‬‬ ‫" بشّروا ول تنفروا‪ ،‬ويسّروا ول تعسّروا"‪.‬‬ ‫من العناية ركنا غير منهزم‬ ‫بشرى لنا السلم إن لنا‬ ‫بأكرم الرسل كنا أكرم المم‬ ‫لما دعا ال داعينا لطاعته‬ ‫من أعظم صفاته صلى ال عليه وسلم أنه مبشر‪ {:‬يَا أَيّهَا النّبِيّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَ َنذِيراً (‪})45‬‬ ‫الحزاب‪،‬‬ ‫فهو صلى ال عليه وسلم الذي أتى بالبشارة الكبرى‪ ،‬وهي اليمان بال والبشارة بعفوه وغفرانه ورضوانه‬ ‫ورحمته‪ ،‬والبشارة بجنة عرضها السموات والرض‪ ،‬وقد بشّر صلى ال عليه وسلم بتوبة ال على من تاب‬ ‫وعفوه عمن أناب‪ ،‬فجلّ الذين بشارة‪ ،‬فقد بشّر عليه الصلة والسلم بان الوضوء يحطّ الخطايا وأن الصلة‬ ‫ورمضان والحج والعمرة كفارات لما بينها من الذنوب إل الكبائر‪ ،‬وبشّر من فقد عينيه بالجنة‪ ،‬وبشر من‬ ‫فقد ابنه بقصر في الجنة‪ ،‬وبشّر من أصابه مرض بأنه يمحو الخطايا‪ ،‬وأن من أراد ال به خيرا ابتله‪،‬‬ ‫وبشّر من انتظر الصلة أن الملئكة تصلي عليه وتدعو له ما لم يحدث‪ ،‬وبشّر من سبح تسبيحة واحدة‬ ‫بغرس نخلة له في الجنة‪ ،‬وأن من قال سبحان ال وبحمده مائة مرة حطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد‬ ‫البحر‪ ،‬وأن من أذنب ذنبا ثم توضأ وصلى ركعتين واستغفر ال غفر ال له‪ ،‬وبشّر أن من أصابه مرض أو‬ ‫وصب أو نصب أو هم أو غمّ أو حزن حتى الشوكة يشاكها جعلها ال كفارة له من الذنوب‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم مبشّرا‪:‬‬ ‫وجاء بكتاب عظيم وذكر حكيم يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بان لهم أجرا حسنا ونهاهم عن اليأس‪ {:‬إِنّهُ لَ‬ ‫يَ ْيأَسُ مِن رّوْحِ الّ إِلّ ا ْلقَوْمُ الْكَافِرُونَ (‪ })87‬يوسف‪.‬‬ ‫وعن القنوط‪{:‬ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون}‪.‬‬ ‫ونهاهم عن الحزن‪ {:‬وَلَ تَهِنُوا وَلَ َتحْزَنُوا } آل عمران ‪.139‬‬ ‫علَى أَنفُسِهِمْ لَ َتقْنَطُوا مِن ّرحْمَةِ الِّ إِنّ الَّ يَغْفِرُ‬ ‫وفتح باب الغفران للتائبين من المسرفين‪ {:‬قُلْ يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا َ‬ ‫ب جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ (‪ } )53‬الزمر‪.‬‬ ‫الذّنُو َ‬ ‫ولما أرسل رسله الى البلدان ودعاة الى ال قال لهم‪ ":‬بشّروا ول تنفّروا‪ ،‬وي سّروا ول تع سّروا" ‪ ،‬وحذّر من التشديد‬ ‫والتنفير فقال ‪ ":‬يا أيها الناس ! إن منكم منفّرين‪ ،‬من صلى بالناس فليخفف‪ ،‬فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا‬ ‫الحاجة" أخرجه البخاري [ ‪ ]702 ،90‬ومسلم ‪. 466‬‬ ‫وذمّ المتكلفين في الدين‪ ،‬وبشّر عائشة ببراءة ال لها‪ ،‬وبشر كعب بن مالك بتوبة ال عليه‪ ،‬وبشر جابرا بأن ال كلم‬ ‫أباه‪ ،‬وبشر المسلمين بدخول زيد وجعفر وابن أبي رواحة الجنة‪ ،‬وبشر بلل بأنه سمع دفي نعليه في الجنة‪ ،‬وبشّر أبيّ‬ ‫بن كعب بأن ال ذكره في المل العلى‪ ،‬وبشّر العشرة بالجنة‪ ،‬وبشّر أهل بدر بأن ال قال لهم‪ ":‬اعملوا ما شئتم فقد‬ ‫غفرت لكم" أخرجه البخاري [ ‪ ]3983 ،3007‬ومسلم ‪ 2494‬عن علي رضي ال عنه‪ .‬وبشّر أهل البيعة تحت الشجرة برضوان ال‪،‬‬ ‫وبشّر الذي لزم {قُلْ هُوَ الُّ َأحَدٌ (‪ })1‬الخلص‪ ،‬بأن ال يحبه‪ ،‬وبشّر رجل صلى معه وقد أصاب حدّا بأن ال غفر‬ ‫له‪.‬‬ ‫وبالجملة فمن أعظم خصاله الحميدة صلى ال عليه وسلم إدخال البشرى على الناس وإسعادهم‪.‬‬ ‫وحياً وأفضت الى الدنيا بأسرار‬ ‫بشرى من الغيب ألقت في فم الغار‬

‫‪87‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم معلما‬ ‫{وَعَلّ َمكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ َفضْلُ الّ عَلَ ْيكَ عَظِيماً (‪ } )113‬النساء‪.‬‬ ‫" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل ال له به طريقا الى الجنة " أخرجه مسلم ‪ 2699‬عن أبي هريرة رضي ال‬ ‫عنه‪.‬‬

‫عند البريّة والتأديب في اليتم‬ ‫كفاك بالعلم في المي معجزة‬ ‫ثم اصطفاه رسول بارئ النسم‬ ‫فهو الذي تم في فضل وفي كرم‬ ‫بعث صلى ال عليه وسلم معلما الناس يعلم الناس مكارم الخلق ومعالي المور وأشرف الخصال وأنبل السجايا‪.‬‬ ‫فعلّم صلى ال عليه وسلم بوعظه الذي كان يهز به القلوب فكأنه منذر جيش يقول صبّحكم ومساكم‪ ،‬وكان إذا وعظ‬ ‫عل صوته واشتدّ غضبه واحمرّت عيناه‪ ،‬فل تسمع إل بكاء ونحيبا وحنينا وأنينا وتفجّعا وتوجعّا وندما وحسرة وتوبة‬ ‫ورجوعا وإنابة‪.‬‬ ‫وعلّم صلى ال عليه وسلم بخطبه القيمة الناعة في مناسبات العبادات‪ ،‬فكانت فيضا من الهدى ونهرا من النور‪،‬‬ ‫تزيد اليمان وترفع اليقين‪.‬‬ ‫وعلّم صلى ال عليه وسلم بفتواه لمن سأله‪ ،‬فكان أفقه الناس وأعظمهم إجابة وأكثرهم إصابة‪ ،‬وأعرفهم بما يصلح‬ ‫للسائل‪.‬‬ ‫وعلّم صلى ال عليه وسلم بوصاياه ونصائحه التي تصل الى القلوب وتمل النفوس تقوى وصلحا‪.‬‬ ‫وعلّم بضرب المثال التي يعرفها الناس‪ ،‬وتوضيح المعاني بأمور محسوسة تقرب المعنى وتزيل الشكال وترفع‬ ‫الوهم‪.‬‬ ‫وعلّم صلى ال عليه وسلم بالقصص الجذاب الخلب الذي يثير في النفوس العجاب والنصات والستجابة‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم معلما‬ ‫وعلّم صلى ال عليه وسلم بالقدوة الحية المتمثلة في سيرته العطرة وأخلقه السامية وخصاله الجليلة التي‬ ‫أجمع على حسنها العقلء وأحبها التقياء واقتدى بها الولياء‪.‬‬ ‫وأول كلم ة نزل ت علي ه ص لى ال علي ه وس لم كلم ة "اقرأ" ‪ ،‬وه ي م ن أعظ م أدل ة فض ل العل م وقيمة‬ ‫المعرفة‪ ،‬وأمره ال أن يقول‪ :‬رب زدني علما‪ ،‬ولم يأمره بطلب زيادة إل من العلم لنه طريق الرضوان‬ ‫وباب التوفيق وسبيل الفلح‪ ،‬وامتنّ عليه ربّه بأن علّمه ما لم يكن يعلم من المعارف اليمانية والفتوحات‬ ‫الربانية والمواهب اللهية‪ ،‬وقال له ربه‪ {:‬فَاعْلَمْ أَنّهُ لَ إِلَهَ إِلّ الُّ } محمد ‪ .19‬فبدأ بالعلم قبل القول والعمل‪،‬‬ ‫فكان صلى ال عليه وسلم أسوة العلماء وقدوة طلبةا لعلم في الستزادة من العلم النافع والعمل الصالح‪،‬‬ ‫وقال‪ ":‬مث ل ما بعثن ي ال به من الهدى والعل م كمثل الغي ث " أخرج ه البخاري ‪ 79‬ومس لم ‪ .2282‬فكان ت مهمته‬ ‫الكبرى تعليم الكتاب والحكمة‪ { :‬وَيُ َعلّمُهُ مُ الْكِتَا بَ وَالْحِكْمَ ةَ } البقرة ‪ .129‬حتى خرج من أصحابه صلى ال‬ ‫عليه وسلم علماء وفقهاء وحكماء ومفسرون ومحدّثون ومفتون وخطباء ومربّون ملؤوا الدنيا علما وحكما‬ ‫ورشدا واستفاقة‪:‬‬ ‫فكلهم من رسول ال ملتمس‬ ‫غرفا من البحر أو رشفا من الديم‬

‫‪89‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم معلما‬ ‫وق د حثّ علي ه الص لة والس لم عل ى العل م ونشره وتعليم ه فقال كم ا ف ي حج ة الوداع‪ ":‬فليبل غ الشاهد‬ ‫الغائب‪ ،‬فرب مبلغ أوعى من سامع " أخرجه البخاري [‪ ]7078 ،1741‬ومسلم ‪ 1679‬عن أبي بكرة رضي ال عنه ‪ .‬وقال‪":‬‬ ‫نضر ال امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها‪ ،‬فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه " أخرجه الترمذي‬ ‫‪ 2658‬عن ابن مسعود رضي ال عنه وانظر‪ :‬كشف الخفاء ‪ .423\2‬وقال‪ ":‬بلّغوا عني ولو آية" أخرجه البخاري ‪ 3461‬عن عبدال‬ ‫بن عمرو رض ي ال عنهما ‪ .‬وكانت حياته صلى ال عليه وسلم كلها تعليما لمته‪ ،‬فصلته وصيامه وصدقته‬ ‫وحجه وذكره لربه وكلمه وقيامه وقعوده وأكله وشربه‪ ،‬كل هذا تعليم وأسوة لمن آمن به واتبعه‪ ،‬وكان‬ ‫صلى ال علي ه وس لم يتدرّج ف ي التعلي م‪ ،‬فم ا كان يلق ي العل م عل ى أص حابه جمل ة واحدة ب ل شيئ ا فشيئا‬ ‫حدَةً َكذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ‬ ‫علَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَا ِ‬ ‫علَى النّاسِ عَلَى مُكْثٍ} السراء ‪َ{ ،106‬لوْلَ نُزّلَ َ‬ ‫{فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ َ‬ ‫ُفؤَادَ كَ وَرَتّلْنَا هُ تَرْتِيلً (‪ } )32‬الفرقان‪ .‬فكان يمتثل هذا في تدريسه لصحابه‪ ،‬وكان يبدأ صلى ال عليه‬ ‫وسلم بكبار المسائل والهم فالمهم‪ ،‬ويكرر المسألة حتى تفهم عنه‪ ،‬ويعلّم تعليما علميا بالقدوة‪ ،‬كالوضوء‬ ‫أمام الناس ليأخذوا عنه‪ ،‬وصلته لهم ليصلوا كصلته‪ ،‬وقوله‪ ":‬صلوا كما رأيتموني أصلي" أخرجه البخاري‬ ‫‪ 631‬عن مالك بن الحويرث رضي ال عنه‪ .‬وحجه بهم وقوله‪ ":‬لتأخذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم ‪ 1297‬عن جابر بن عبدال‬ ‫رضي ال عنهما‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫ت ّم والحمد ل‬ ‫شبكة مجاهد مسلم السلمية الدعوية‬ ‫نسأل ال التوفيق‬ ‫‪www.islammi.jeeran.com‬‬ ‫بيروت لبنان‬ ‫نشره موقع صيد الفوائد‬ ‫‪/http://www.saaid.net‬‬

‫‪91‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

‫أخي المسلم يا أختي المسلمة‪:‬‬ ‫بعد أن قرأنا وعرفنا الشيء اليسير عن صفات الرسول العظم عليه الصلة‬ ‫والسلم فبال عليكم بال عليكم أل يستحق هذا النبي الحب! أل يستحق هذا‬ ‫النبي التباع الصادق! أل يستحق الدين الذي أتى به هذا النبي التضحية!‬ ‫فس بحان م ن خل ق س يدنا محم د علي ه الص لة والس لم !وس بحان م ن علمه‬ ‫وأدبه!‪.‬‬ ‫فلنشحذ هممنا ولنعبر عن محبتنا لرسولنا الكريم بالقول والفعل والتباع‬ ‫ولنرفع راية ل إله إل ال محمد رسول ال‬ ‫والحمد ل رب العالمين‬ ‫أخوكم ‪ :‬م‪.‬عبدال بن علي صغير‬ ‫‪[email protected]‬‬

‫‪92‬‬

‫‪١٤٢٩/٠٨/٢٧‬‬

More Documents from "Abdullah Alshehri"

October 2019 36
5 Foto.docx
December 2019 49
Fazul Ggg.docx
May 2020 44
December 2019 52