Loading Images

  • Uploaded by: اركيك
  • 0
  • 0
  • October 2019
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Loading Images as PDF for free.

More details

  • Words: 4,763
  • Pages: 8
‫‪Loading‬‬ ‫‪Images..‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪Loading‬‬ ‫‪Images..‬‬ ‫‪.‬‬

‫الهوية المهنية للمدرس المغربي ‪ -‬عبد الرحيم تمحري‬

‫الكاتب‪ /‬أنفاس‬

‫على الرغم من حداثة البحث في مجال علوم التربية بالمغرب‪ ،‬فإن المغاربة‬ ‫استطاعوا أن ينخرطوا في مسيرة البحث التربوي‪ ،‬وفي البحث العلمي في قضايا التربية‪ ،‬وعلى مختلف‬ ‫المستويات‪ :‬برامج ومناهج‪ ،‬بنيات ومنظمات‪ ،‬وكذلك فاعلين تربويين من مدرسين ومتمدرسين وإداريين‬ ‫ومشرفين تربويين‪.‬‬ ‫لقد تم هذا النخراط بمساهمة مؤسسات تكوينية مختلفة وفي نفس الوقت متكاملة‪ :‬كليات‪ ،‬مراكز‬ ‫تكوين‪ ،‬مدارس عليا… ومهما قيل عن هذه المؤسسات ووظائفها الدمجية‪ ،‬وكذلك عن أهداف وتوجهات‬ ‫البحث في قضايا التربية بالمغرب‪ ،‬فإن الواقعة التي تفرض ذاتها هي أن التربية أصبحت موضوع جدال‬ ‫واهتمام من طرف مختلف أعضاء المجتمع المغربي‪ :‬مسؤولين سياسيين‪ ،‬مسؤولين حزبيين‪ ،‬مثقفين‬ ‫مديرين لمجلت متخصصة في التربية‪ ،‬أو لجرائد متخصصة في التربية‪ ،‬أو كتاب مهتمين‪ ،‬أو موظفين في‬ ‫مؤسسات تابعة لوزارة التربية الوطنية كما هو الحال في النيابات والكاديميات التي أصدر البعض منها‬ ‫مجلت أو مطبوعات مختصة في قضايا التربية والتعليم عامة‪ ،‬والديداكتيك والتقويم خاصة‪.‬‬ ‫يمكن تشبيه هذه الواقعة بالمخاض السهل ل العسير‪ ،‬لنه مخاض أنتج وأنجب على الرغم مما يمكن أن‬ ‫يقال في نوعية هذا النتاج‪ .‬والمأمول أن يشكل هذا المخاض ركاما‪ ،‬يفضي بنا إلى إنتاج نظرية تربوية‬ ‫أو نظرية علمية في التربية‪ ،‬تتيح توليد الفكار وتنظيمها في نسق محدد يتيح إمكانية الكتشاف‪،‬‬ ‫وإمكانية الدحض وإمكانية التطور والتقدم‪.‬‬ ‫ليست نيتنا وراء هذا التقديم هي وضع تصنيف للبحاث والدراسات المغربية المنتجة في مجال التربية‬ ‫والخروج بنمذجة معينة‪ ،‬بقدر ما هي إعلن عن الناحية التي تشكل اهتمامنا "الشخصي" في البحث‬ ‫التربوي بالمغرب‪ ،‬وهي ناحية العنصر البشري‪.‬‬ ‫في هذا الطار‪ ،‬لحظنا بأن المراهق كعنصر بشري وكفاعل تربوي‪ ،‬قد حظي باهتمام كبير من طرف‬ ‫الدارسين‪ ،‬والشاهد على ذلك كم البحاث التي خصصت له مقارنة مع الطفل المتمدرس أو الراشد‬ ‫المدرس‪ .‬ل نبخس البحث في المراهق والمراهقة قيمته‪ ،‬بل على العكس من ذلك نثمنه وندعو إلى‬ ‫تعميقه وإغنائه‪ ،‬إل أنه موازاة مع ذلك ل نرى سببا لهمال الذين قال فيهما (وودوورث) "الطفل أب‬ ‫الرجل"‪ .‬فلقد همش الطفل‪ /‬التلميذ بالساسي في البحث التربوي بالمغرب‪ ،‬مثلما نسي أو كاد ينسى‬ ‫الرجل الراشد المدرس بمختلف أسلك التعليم بما فيها التعليم الجامعي ‪-‬الذي غيب فيه العنصر البشري‬ ‫كمادة للبحث‪ ،‬وكأن هذا العنصر يتصف بتقديس متعال أو بتدنيس مخيف‪ ،‬يحسن تناسيه! ‪-‬يدخل اهتمامنا‬ ‫الحالي في العنصر البشري بالتعليم الثانوي‪ ،‬وخاصة الراشدون‪ ،‬من المدرسين ‪ -‬وليس الداريين‪ -‬من‬ ‫الناحية النفسية الجتماعية والتربوية‪ .‬أما نواة هذا الهتمام فهي "الهوية المهنية لهؤلء المدرسين" في‬ ‫علقتها ودورها بتوافقهم النفسي والجتماعي والمهني‪ .‬إذ ل يخفى أن أي رضا عن الذات إل وينعكس‬ ‫على مختلف المجالت التي تعمل فيها هذه الذات وتتفاعل اجتماعيا ومهنيا وغيرها‪ .‬وأن أي سخط على‬ ‫الذات إل وينعكس سلبا على المجالت التي تتفاعل فيها هذه الذات‪ .‬كما بات معلوما أن نوع المشاعر‬ ‫التي يحملها المدرس عن ذاته ‪-‬سلبية أو إيجابية كانت‪ -‬إل وتنعكس على ذوات المتمدرسين‪ ،‬وبالتالي‬

‫على باقي أنشطتهم وتفاعلتهم المختلفة‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ الهوية المهنية كمفهوم وكواقع‪:‬‬ ‫‪-1-1‬طرح المشكل‪:‬‬ ‫من دون شك أن مفهوم الهوية المهنية لدى المدرسين المغاربة يطرح أكثر من تساؤل‪ ،‬وعلى سبيل‬ ‫المثال‪:‬‬ ‫ـ ما مدى إجرائية هذا المفهوم في واقع مهنة التدريس في المجتمع المغربي؟‬ ‫ـ هل يمكن الحديث عن هوية مهنية في التدريس وكذلك عن هويات مهنية أخرى؟‬ ‫ـ هل يمكن تبني هذا المفهوم في معزل عن مفهوم الهوية الشخصية أي هوية النا للفرد في علقتها‬ ‫بالهوية الجتماعية للفرد من خلل سيرورة التنشئة الجتماعية لهذا الفرد؟‬ ‫ـ ما مدى مشروعية استعمال هذا المفهوم لدراسة المدرس المغربي بالمقارنة مع مفاهيم أخرى كالدور‬ ‫والتمثل مثل؟ أليس في استعارة هذا المفهوم من العلوم النسانية الغربية ‪-‬علم النفس وعلم الجتماع‬ ‫وعلم النفس الجتماعي‪ -‬للشتغال به في واقع التدريس بالمغرب‪ ،‬نوعا من المماثلة بين واقعين‬ ‫متنافرين ومختلفين على مستوى الهوية الثقافية‪-‬الحضارية؟‬ ‫هذه التساؤلت تدعونا إلى نوع من الحيطة والحذر واليقظة على المستوى البستمولوجي وكذلك على‬ ‫المستوى المنهجي‪ ،‬وعلى الحتراس من التطبيق اللي الميكانيكي لمفاهيم أو أدوات مستعارة من واقع‬ ‫مغاير لواقعنا‪.‬‬ ‫إل أن حقيقة عادية وبديهية تصادفنا وهي أن الشخاص عندنا عادة ما يقدمون أنفسهم بعضهم أو‬ ‫لغيرهم انطلقا من المهنة التي يزاولونها‪ .‬بل نكاد نجزم في اعتبار أن بطاقة الهوية التي يصطلح عليها‬ ‫ببطاقة التعريف تحمل خاصية مهمة على أساسها يتم تقدير الشخص أو عدم تقديره وهي المهنة‪ .‬كما ل‬ ‫يخفى كذلك أن واحدة من المحددات التي على أساسها يتم اختيار العينات في البحاث العلمية‪ ،‬وتفسير‬ ‫نتائج تلك البحاث هي المعطى أو المستوى السوسيو اقتصادي‪ ،‬والذي يقصد به عادة دخل الفراد‬ ‫انطلقا من التصنيف الموضوع لمهنهم أو لنشطتهم القتصادية‪ .‬وبهذا المعنى تعتبر المهنة محددا‬ ‫أساسيا للهوية النفسية الجتماعية للفرد‪ ،‬ولهذا نتكلم عن هوية مهنية عامة‪ ،‬وعن هوية مهنية خاصة‬ ‫بالمدرسين‪ .‬والسئلة التي يمكن طرحها بصدد هوية المدرس المهنية هنا هي‪:‬‬ ‫ما نوع هوية المدرس المغربي المهنية؟‬ ‫ما نوع الصورة التي يحملها المدرس المغربي عن ذاته في المهنة؟‬ ‫ما هو التأثير الذي يمكن أن تحدثه هوية مهنية سلبية على توافق المدرس نفسيا واجتماعيا ومهنيا؟‬ ‫‪-2.1‬التأطير النظري‪:‬‬ ‫يفرض البحث ضرورة التموضع في خلفية نظرية تشكل القاعدة الموجهة للبحث حتى تكون له مشروعية‬ ‫النتماء إلى اتجاه نظري مشهود له بفاعليته في مجال العلوم النسانية عامة وعلوم التربية خاصة‪،‬‬ ‫يساعد على التفسير بعد تحقيق الفهم‪ .‬كما يفرض في نفس الوقت تأطيرا نظريا لمفاهيمه الساسية‬ ‫التي سيشتغل عليها وبها‪.‬‬ ‫بالنسبة لنا‪ ،‬تمثلت الخلفية النظرية التي استندنا إليها في النظرية الفينومينولوجية لكارل روجرز‪.‬‬ ‫فروجرز اهتم بالبحث في الذات‪ ،‬والتنظير لها‪ ،‬وعمل على علجها انطلقا من الثقة التي ينبغي ‪-‬في‬ ‫نظره‪ -‬إرجاعها إلى الزبون ‪-‬أو العميل كما يصطلح عليه‪ -‬فشخص النسان أهم من أي شيء آخر‪ ،‬والهم‬ ‫في النسان أن يتقبل ذاته كما هو‪ ،‬ويرضى عن ذاته باعتبارها خاصة به دون غيره‪ ،‬وبذلك يتمكن من أن‬ ‫يصير ويتغير نحو الحسن‪ ،‬فللنسان طاقات داخلية عظمى يكفي أن يؤمن بذاته ويتقبل ذاته ليستثمر‬ ‫تلك الطاقات الداخلية بما يعود عليه بأفضل النتائج‪ ،‬ولذلك سمى طريقته بالعلج المتمركز حول الزبون‪.‬‬ ‫اهتم روجز بالتدريس والمدرس والتلميذ والبيداغوجيا من خلل ممارسته للتدريس سنين طويلة‪ ،‬ثم‬ ‫بالبحث والكتابة والتنظير للتدريس‪ .‬وبصفة عامة يمكننا القول إن نظريته في التدريس هي نقل‬ ‫لنظريته في العلج‪ .‬فالمدرس بالنسبة لروجز هو أول إنسان وليس بآلة أو بمنفذ‪ .‬وخاصيته كإنسان‬ ‫تتحدد في أنه ذات فريدة تتميز بالوعي والرادة والعطاء والبداع‪ .‬ولكي يحقق المدرس أو يساعد على‬ ‫تحقيق ذوات الذين يعلمهم‪ ،‬عليه أن يحقق ذاته أول ويرضى عنها عامة‪ ،‬وداخل مهنته خاصة‪ ،‬وبذلك‬ ‫يحترم شخص كل متعلم ويسهل التعلم بتحقيق التواصل بينه وبين المتعلمين ثم بين المتعلمين ذواتهم‪.‬‬ ‫إذن تقبل الذات هو شرط تطويرها وتحققها وإبداعها‪ ،‬وكذلك شرط تطوير الخرين وتحقيق ذواتهم‬ ‫بالتعلم وفي التعلم‪.‬‬ ‫إن تفصيل هذه الخلفية النظرية للمدرسة الفينومينولوجية لروجز ‪-‬والتي اخترناها كقاعدة نظرية‪ ،‬نؤجله‬ ‫لنقف الن عند التنظير للمفهوم الساسي الذي سنشتغل عليه وبه وهو مفهوم الهوية المهنية‪.‬‬ ‫لقد سلفت إشارتنا عند طرحنا للمشكل بأن قدمنا تحذيرا في صيغة التساؤل التالي‪ :‬هل يمكن الحديث‬ ‫عن هوية مهنية وبالتالي تبني هذا المفهوم في معزل عن مفهوم الهوية الشخصية أو هوية النا للفرد‬ ‫في علقتها بالهوية الجتماعية له من خلل سيرورة التنشئة الجتماعية لهذا الفرد؟‬ ‫بهذا المعنى فالهوية هي نتاج التنشئة والتربية‪ .‬والهوية المهنية هي بعد من أبعاد هوية الشخص النفسية‬ ‫والجتماعية‪ ،‬ولكنها في نفس الوقت محددة لنماط من تفاعلت هذا الشخص في المجالت الجتماعية‬ ‫التي يتواجد فيها وينشط داخلها كراشد مسؤول عن مهمة تربوية‪ ،‬ويلعب دورا متشابك الجوانب داخل‬ ‫تلك المهمة‪.‬‬ ‫وفي نظرنا‪ ،‬فالتأطير النظري لهذا المفهوم ل يمكن أن يتم في معزل عن هذا التحذير أعله‪ ،‬وفي‬ ‫غياب المساهمة الساسية التي قدمها إريك إريكسون في هذا المجال‪.‬‬ ‫وتنبع أهمية إريكسون في تقديرنا من كون كل الشكالت والقضايا التي ستطرح لحقا أو ستتم بلورتها‬

‫وصياغتها بخصوص "الهوية" وجدت منطلقها في عمله الساسي‪" :‬المراهقة والزمة‪ :‬البحث عن‬ ‫الهوية"(‪ .)1‬كما سنجد أن الهوية كتعبير عن مفهوم الذات‪ ،‬في أهم المدارس والتجاهات النظرية التي‬ ‫تناولته وهي الفينومينولوجيا والتحليل النفسي‪ ،‬قد عالجها إريكسون وهو بصدد البحث عن المصدر‬ ‫النظري لهذا المفهوم على المستوى التاريخي‪ ،‬في شخص وليام جيمس وسيغموند فرويد‪ .‬مثلما عالج‬ ‫مفهوم الزمة‪ ،‬وتكامل الذاتي والجتماعي في مفهوم الهوية‪ .‬كما ل يفوتنا أن نشير إلى وقوف‬ ‫إريكسون على الهوية في العمل‪ ،‬مستندا على فرويد‪ ،‬الشيء الذي دفعنا إلى مراجعة اختيارنا النظري‬ ‫الذي اعتمدنا عليه كخلفية ومرجعية وهو الفينومينولوجيا‪ ،‬لنرى ضرورة تكميله بالتحليل النفسي حتى ل‬ ‫يكون اختيارا أعرجا يمشي على رجل واحدة‪ .‬أو ليس إريكسون ذاته متموضعا داخل التحليل النفسي‬ ‫وفي نفس الوقت داخل علم النفس الجتماعي؟‬ ‫‪-3.1‬الهوية كمفهوم مجدد‪:‬‬ ‫يلحظ إريكسون بالقول "إنني أفضل الحديث عن "الشعور بالهوية" عوض "البنية الطبيعية" أو "الطبع‬ ‫القاعدي ‪ " Caractère de base‬على مستوى الفراد كما على مستوى المجموعات‪ ،‬أما على مستوى‬ ‫المم‪ ،‬فإن المفاهيم الكلينيكية تدفعني إلى التأكيد على الوضعيات والتجارب وأنماط السلوك التي من‬ ‫شأنها أن تثير الحماس في الشعور الوطني بالهوية أو تعرضه للخطر‪ ،‬عوض التأكد على الطابع الوطني‬ ‫الثابت"(‪.)2‬‬ ‫يظهر أن إريكسون بهذا المفهوم‪ ،‬عمل على تجاوز علم النفس الكلسيكي ومفاهيمه القديمة كالطبع‪،‬‬ ‫وأسس مفهوما إجرائيا‪ ،‬عمل على تتبع نشأته سواء التاريخية غير المفكر فيها لدى وليام جيمس‬ ‫وسيغموند فرويد من جهة‪ ،‬وعمل على تتبع نمو الكائن النساني نفسيا واجتماعيا عبر مراحل عمره‬ ‫حيث وقف على أزمات للهوية ليس فقط على تلك الزمة التي عادة ما تقترن بالمراهقة‪ ،‬على أنه بين‬ ‫أن مفهوم الزمة يفهم بمعنى المنعطف ل بمعنى الكارثة‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬يقف إريكسون على الهمية‬ ‫الجرائية لمفهوم الهوية بالشارة إلى "أن دراساتي وإسهاماتي في البحث الطولي علمتني أن أحترم‬ ‫بشكل كبير دينامية والثروات الشخصية للطفال‪ ،‬ومكنتني من وضع الخريطة البيوغرافية لكثر من‬ ‫خمسين طفل خلل عشر سنين مما مكنني من إنجاز التقرير الذي أستغله في بحثي هذا‪ ،‬لكن علي أن‬ ‫أعترف أن مفهوم الهوية لوحده هو الذي ساعدني على فهم نمو شخصية أولئك الطفال"(‪.)3‬‬ ‫مفهوم الهوية‪ ،‬إذن مفهوم مجدد للبحث في التصرف على مستوى الفراد والمجموعات‪ ،‬ومتجاوز‬ ‫للمفهوم الكلسيكي "الطبع"‪ .‬ولعل إجرائيته التي ظهرت في الدراسة الكلينيكية الطويلة لشخصية‬ ‫الطفال‪ ،‬نسحب على فئات أخرى عند دراسة شخصيتها كما هو الحال لدى المراهقين بشكل خاص‪.‬‬ ‫وكذلك لدى الراشدين والشيوخ‪.‬‬ ‫ربما تطلب فحص "تجديد المفهوم" كثيرا من اليضاح لما جاء به هذا المفهوم على مستوى اضطراب أو‬ ‫تناسق الشخصية‪ ،‬انحلل أو اتحاد النا‪ ،‬إل أن هذا الفحص يتطلب متابعة للمفهوم قد نقف عليها لحقا‬ ‫في موضوع آخر‪.‬‬ ‫‪-4.1‬الهوية وأزمتها وضرورة التحديد‪:‬‬ ‫يفتتح إريكسون كتابه "المراهقة والزمة‪ :‬البحث عن الهوية" بالحديث عن ضرورة إخضاع مفهوم الهوية‬ ‫إلى مراجعة‪ ،‬وذلك بإعادة تسطير الخطوط الكبرى لتاريخه‪ .‬فمنذ السنوات العشرين حيث تم استعمال‬ ‫هذا المصطلح لول مرة بالمعنى الخاص الذي سيتم استعماله في هذا الكتاب ‪-‬أي كتاب إريكسون‪ -‬أصبح‬ ‫استعماله الجاري أكثر تنوعا ومحتواه المفهومي أكثر اتساعا‪ ،‬لدرجة يبدو معها أن الوقت قد حان لقامة‬ ‫تحديد دقيق لما هي الهوية ولما ليست إياه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن المضمون النهائي لمصطلح ما يبقى موضوعا‬ ‫للمعاني المتغيرة عبر التاريخ‪.‬‬ ‫يلحظ إريكسون أنه على الرغم من تعدد استعمال "الهوية" و"أزمة الهوية" في مجالت متعددة‪ ،‬منها ما‬ ‫هو ثقافي‪" :‬أزمة الهوية في إفريقيا"‪ ،‬وما هو صناعي‪" :‬أزمة هوية صناعة الزجاج في بيتسبورغ"‪ ،‬وما‬ ‫هو علمي‪" :‬أزمة هوية التحليل النفسي"؛ فإن بعض المختصين في العلوم الجتماعية هم الذين حاولوا‬ ‫أن يصلوا إلى تخصيص أكثر في استعمال عبارات مثل "أزمة هوية"‪" ،‬هوية الذات" أو "الهوية الجنسية"‪،‬‬ ‫وأن يطبقوها على كل موضوع قابل للقياس… كما أنهم يجهدون من أجل جعل تلك العبارات قابلة‬ ‫للتطبيق على الدوار الجتماعية‪ ،‬والملمح الطبيعية‪ ،‬والصور الواعية بالذات‪.‬‬ ‫كما يلحظ أنه أمر متقدم أل تثير كلمة "أزمة" فكرة الكارثة‪ ،‬بل أصبحت اليوم مرادفة لمعنى المنعطف‬ ‫الضروري واللحظة الحاسمة في التطور الذي يكون عليه أن يختار بين الطرق والوجهات التي تتوزع‬ ‫داخلها مصادر النمو وإعادة التأسيس والتمايز اللحق‪.‬‬ ‫لن نقف هنا عند مفهوم أزمة الهوية" مع إريكسون‪ ،‬حيث استعملت هذه العبارة لول مرة بقصد‬ ‫إكلينيكي خاص في مؤسسة لعادة توافق(*) قدماء المحاربين أثناء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وذلك في‬ ‫وضعية وطنية مزرية جعلت الطباء العقليين من مختلف التجاهات يتعاونون على التخفيف من معاناة‬ ‫أولئك الجنود الذين تعرضوا لصدمات رضية ‪ ،traumatisant‬وبالتالي فقدوا تحت تأثير ضراوة الحرب معنى‬ ‫هو يتهم الشخصية‪ ،‬واستمراريتهم التاريخية‪ ،‬فهم أصيبوا في الموجه الرئيسي والمركزي لشخصيتهم‪،‬‬ ‫مما يمكننا من الحديث عن فقدان أو ضياع "الهوية النا"(‪ )4‬وعن أزمة الهوية لدى المراهقين حاليا‪ ،‬مع‬ ‫ضرورة التنبيه إلى أن مفهوم الزمة كما يوضح إريكسون‪ ،‬ينطبعه على كل العمار حتى على الشيوخ‪،‬‬ ‫مما يبين عدم اقتصاره على الطفل والمراهق‪.‬‬ ‫‪-5.1‬في تاريخية مفهوم الزمة‪:‬‬ ‫الحجتان اللتان يقدمهما إريكسون لتحديد تاريخي نظري مضبوط لهذا المفهوم‪ ،‬تتعينان في‬ ‫سيكولوجيتين يقوم على قاعدتيهما فكرنا المتعلق بالهوية‪ ،‬يمثل الولى وليام جيمس‪ ،‬ويمثل الثانية‬

‫سيغموند فرويد؛ فالهوية كشعور ذاتي وقوي بوحدة الشخصية واستمراريتها الزمنية إنما يعود إلى وليام‬ ‫جيمس(‪ ،)5‬أما المعلم ‪ repère‬الثاني لتحديد الهوية في معناها كوحدة للهوية الشخصية والثقافية‬ ‫المتجذرة في قدر شعب قديم(*) فيتعلق بسيغموند فرويد‪ ،‬وذلك في خطاب له سنة ‪ ،1926‬حيث ستكون‬ ‫المرة الولى التي يستعمل فيها فرويد مصطلح الهوية وإن كان أساسا في المعنى الثني(‪.)6‬‬ ‫قيمة هاتين الحجتين تظهر في نوعية الشاهدين (جيمس وفرويد) ونوعية إسهامهما في علم النفس‬ ‫عامة وعلم نفس النا ومن ثم الهوية خاصة‪ .‬وعلى الرغم من عدم وقوفنا بتفصيل على مضامين كل‬ ‫منهما حاليا‪ ،‬تكفينا الشارة إلى التيارين الساسيين في سيكولوجية الهوية‪ ،‬إنما يرتدان إليهما‪ ،‬أعني‬ ‫التيار الفينومينولوجي‪ ،‬والتيار التحليل‪-‬نفسي‪ ،‬أي الشعوري واللشعوري‪.‬‬ ‫‪-6.1‬في سبيل تحديد إجرائي للمفهوم‪:‬‬ ‫المفيد في عمل إريكسون هو تلك التحديدات التي يدققها للهوية والتي يمكننا أن ننطلق منها على‬ ‫أساس أنها مفاهيم للشتغال الدقيق‪.‬‬ ‫عندما نتكلم عن الهوية ‪-‬يقول إريكسون‪ -‬فالمر يخص "سيرورة متموضعة في قلب الفرد وكذلك في‬ ‫قلب ثقافة المجموعة‪ ،‬سيرورة تؤسس عمليا هوية هاتين الهويتين (الفرد والجماعة)"‪ ،‬وبمصطلحات‬ ‫علم النفس "فإن تشكل الهوية يشرك معه سيرورة للتفكير وللملحظات المتزامنة مع هذا التفكير‪.‬‬ ‫فهي سيرورة نشيطة على كل مستويات الشتغال العقلي الذي بواسطته يحكم الفرد على ذاته تحت‬ ‫ضوء الوسيلة التي يكتشف أن الخرين يحكمون بها عليه عند مقارنته بهم‪ ،‬وبواسطة نمذجة ‪typologie‬‬ ‫تعتبر دالة ضوء الكيفية الشخصية التي يدرك بها ذاته‪ ،‬بالمقارنة معهم‪ ،‬وبالنماذج التي تكتسي أهمية في‬ ‫نظره"(‪.)7‬‬ ‫يلحظ إريكسون أن هذه السيرورة ‪-‬لحسن الحظ وللضرورة كذلك‪ -‬هي في أغلبها ل واعية‪ ،‬ما عدا في‬ ‫الحالت الستثنائية التي تتضافر فيها الشروط الداخلية والخارجية من أجل تعزيز الوعي بهوية متألمة أو‬ ‫متحمسة‪ .‬كما أن هذه السيرورة هي دائما موضوع للتحول والرتقاء‪ ،‬وهي في الشروط الملئمة‬ ‫والممتازة تحدد مسار تمايز نمائي تجعل الفرد واعيا بالحلقة الممتدة للكائنات التي لها معنى بالنسبة‬ ‫له‪ ،‬بدءا من الم إلى كافة "النوع البشري"‪.‬‬ ‫‪-7.1‬الجانب العلئقي في الهوية بين ما هو شخصي وما هو اجتماعي‪:‬‬ ‫يرى إريكسون أن النقاش حول الهوية ل يمكن أن يفصل النمو الشخصي عن التغيرات والتحولت‬ ‫الجتماعية‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬يمكن تصور التفاعل الكلي بين الجتماعي والنفسي‪ ،‬التاريخ والنمو‪ ،‬والذي‬ ‫يكون تشكل الهوية تجاهه ذا قيمة نموذجية‪ ،‬كنوع من النسبية النفسية الجتماعية‪ .‬وهنا نجد أنفسنا أمام‬ ‫واقعة هامة هي أن ل "الدوار" التي يتم لعبها بطريقة متبادلة‪ ،‬ول المظاهر الخالصة للوعي بالذات‪ ،‬ول‬ ‫التجاهات الخالصة للنشاط الحيوي) إنما تمثل فقط المظاهر السائدة لما يمكن أن نسميه اليوم بـ‬ ‫"البحث عن الهوية"؛ فالهوية ليست أبدا "قارة" ول "منتهية"(‪.)8‬‬ ‫من هذه الناحية‪ ،‬يوجه إريكسون النقد لمنهج التحليل النفسي الكلسيكي الذي لم يتمكن من المساك‬ ‫بمفهوم الهوية لعدم تطويره للمصطلحات الضرورية لمفهمة المحيط‪ .‬كما أن بعض العادات النظرية في‬ ‫التحليل النفسي ‪-‬من مثل تعيين المحيط "كعالم خارجي" أو "كعالم موضوعي"‪ -‬ل تمكننا من تناول‬ ‫المحيط كواقع حي ومجتاح لنا‪ .‬لهذا السبب يقترح إريكسون أنه لجل المساك بالهوية‪ ،‬ل بد من توفر‬ ‫شرطين منهجيين هما‪:‬‬ ‫أول‪ :‬أن نقوم بتحليل نفسي حاذق ‪ Subtil‬يمكننا من إدخال وإقحام المحيط‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أن نعتمد علم نفس اجتماعي ملطف ‪ raffinée‬بالتحليل النفسي؛ فكل منهما حقل للبحث يصبح أكثر‬ ‫دقة مع مرور التاريخ(‪.)9‬‬ ‫بالنسبة لنا‪ ،‬استفدنا من هذا الجانب العلئقي بين ما هو شخصي وما هو اجتماعي في إيجاد الحل‬ ‫للمشكل المنهجي الذي يمكن أن يعترض بحثنا في الهوية المهنية للمدرس المغربي‪ ،‬حيث اعتمدنا‬ ‫المقاربة النفسية‪-‬الجتماعية مطعمة بالتحليل النفسي(*)‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ عن الهوية المهنية خاصة‪:‬‬ ‫"ذات يوم سئل فرويد عن ماذا يمكن للنسان العادي أن يفعله بشكل جيد في حياته‪ .‬وكان الذي طرح‬ ‫السؤال ينتظر من فرويد جوابا معقدا وعميقا‪ ،‬لكن فرويد أجاب ببساطة‪" :‬أن يحب وأن يشتغل"(‪)10‬‬ ‫يبدو أن هذه الصيغة ليست من البساطة كما يريد منا إريكسون أن نظن‪ ،‬فهي تعني شيئا عميقا‬ ‫يستدعي التفكير‪ ،‬لن فرويد عند ما قال بالحب والعمل‪ ،‬فإنه كان يعني دعوة الفرد إلى إنتاجية يوفرها‬ ‫نشاط العمل‪ ،‬ل تبتلع الفرد لدرجة حرمانه من حقه أو قدرته في أن يحب وفي أن يكون مخلوقا محبوبا‪.‬‬ ‫إننا هنا بإزاء الستيلب الذي يمكن أن يمارسه الشغل على الفرد‪ ،‬خاصة في ظل أوضاع ل إنسانية وغير‬ ‫ملئمة لتحقيق الذات‪ ،‬بل على العكس تعمل على سحق الذات وقهر الفرد وسلبه كل متعة في الوجود‪،‬‬ ‫وبين التحرر الذي يتخذ له أشكال تتراوح بين الخلق والبداع الفنيين والمتعة النسانية التي توفرها‬ ‫الراحة والرياضة والسفار وتذوق الفنون‪ ،‬والحب الذي يعطي للنسان معنى في حياته عوض تشييئه‬ ‫وتشيئ شريكه في هذا الحب الذي كثيرا ما ينقلب إلى روتين قهري فاقد لكل معنى ولكل بعد‪.‬‬ ‫من المعروف أن الستيلب القتصادي والنفسي انطلقا من واقعة الشغل‪ ،‬حلله فلسفة واقتصاديون‬ ‫واجتماعيون في القرن ‪ 19‬كإنجلز وماركس خاصة‪ ،‬وفي القرن ‪ 20‬من طرف ماركيوز‪ ،‬باعتباره إفرازا‬ ‫للنظام الصناعي الرأسمالي المتوحش الذي يذهب إلى إلغاء كل إنسانية للنسان العامل في مقابل‬ ‫الربح السريع والثراء لصالح الرأسمالي‪ .‬إل أن فلهلم رايخ هو الذي وقف مفصل في تحليل العلقة بين‬ ‫القتصاد المادي والقتصاد الليبيدي‪ ،‬ودعا بذلك إلى ثورة جنسية محررة للفرد من أغلل القتصاد‬ ‫المادي للمجتمع الرأسمالي‪ ،‬وجمع بذلك بين الماركسية والتحليل النفسي باعتبارهما مقاربتين ثوريتين‬

‫لتحرير النسان من الفقر القتصادي والبؤس العاطفي‪.‬‬ ‫ول شك أن البؤسين القتصادي والعاطفي عندما يجتمعان على الفرد‪ ،‬فإنهما ل يصيبانه بالتوتر فقط‪،‬‬ ‫بل يؤديان إلى انحلل أناه وبالتالي هويته‪ .‬وبالفعل وكما يرى إريكسون‪ ،‬فإن عدم القدرة على التموضع‬ ‫داخل هوية مهنية هو ما يخلق الضطراب لعدد كبير من الشباب(‪ ،)11‬الشيء الذي يؤدي إلى هوية سلبية‬ ‫أو إلى انحلل الهوية‪.‬‬ ‫يعتبر إريكسون أن النحلل ‪ dissolution‬الذي يعانيه الفرد عند ممارسة عمله يؤدي إلى خلط خطير في‬ ‫الهوية‪ ،‬ذلك أن "خلطا خطيرا للهوية يرافق بصفة منتظمة اختلل منظومة المعنى في العمل المهني‪،‬‬ ‫سواء في شكل عدم القدرة على التركيز على المهام اللزامية أو المهام التي يتم اقتراحها أو في شكل‬ ‫شاغل مدمر مصحوب بنشاط أحادي"(‪.)12‬‬ ‫في إطار العناصر الجتماعية لهذا الخلط في الهوية‪ ،‬يذكر إريكسون كيف أن شلل عاما في العمل يكون‬ ‫نتيجة منطقية لشعور عميق بعدم الكفاية في مجموع الوسائل‪ .‬هذا الشعور قد ل يعكس في أغلب‬ ‫الحيان غيابا حقيقيا للمكانيات بقدر ما يعمل على تمرير إلزامات ل صلة لها بالواقع‪ ،‬يتم تصورها من‬ ‫لدن مثال للنا قرر أن يتأسس فقط في الرؤية المبالغة في القوة وفي العلم‪ .‬كما يمكنه أن يعبر ‪-‬أي‬ ‫هذا الشعور‪ -‬على أن المحيط الجتماعي المباشر ل يوفر أدنى ملجإ للمواهب الصيلة للفرد‪ -‬خاصة في‬ ‫بداية مراحله الدراسية حيث يمكن أن يكون الفرد قد ترك وهو يتخبط في تخصص يتجاوز تطور‬ ‫هويته(*)‪ -‬نظرا لكل هذه السباب يمكن أن يتم إقصاؤه من هذه المسابقة المنظمة على مستوى العمل‪،‬‬ ‫بل يمكن أن يتمظهر هذا في اتجاه النحراف‪ .‬فأحد مظاهر المنافسة في الشغل تبرز بوضوح في‬ ‫العبارات الرائجة في الوسط كالقول‪" :‬أنجز هذا العمل!" يعني أن عليك أن تقوم بالسطو‪ ،‬أو كالقول‪:‬‬ ‫"قم بعمل جيد!" بمعنى أن تحقق هدما كامل(‪.)13‬‬ ‫هذه الوضعية التي وصفها إريكسون تجعل من الشغل‪/‬الوظيفة ‪-‬أحيانا‪ -‬عامل في تخريب الهوية المهنية‬ ‫لدى الفرد وبالتالي هويته الجتماعية والشخصية‪ .‬ول يخفى أن سوء التوجيه داخل المؤسسات‬ ‫الجتماعية ومن ضمنها المدرسة‪ ،‬والمؤسسة التي تمارس فيها المهنة‪ ،‬والتنافس القائم على تحييد كل‬ ‫إنسانية للنسان هي من أقوى السباب في الخلط الذي تتعرض له الهوية‪ ،‬والذي يؤدي إلى النحلل‪،‬‬ ‫لن "المؤسسات الجتماعي هي التي توفر قوة وتمايز الهوية المتصلة بالعمل ‪ ،Work Identity‬علما بأن‬ ‫الهوية تكون دائما في أقصى الصيرورة‪ ،‬وهذا هو وضع أولئك الذين لزالوا يتعلمون ويجربون"(‪.)14‬‬ ‫دور المؤسسة إذن يعتبر حاسما‪ ،‬لنها تحدد بكيفية أو بأخرى هوية إيجابية أو سلبية لدى الفرد الذي‬ ‫يعمل داخلها‪ .‬ولما يتعلق المر بمؤسسات مجتمع غير واضح المعالم كمجتمعنا المغربي الذي يعرف‬ ‫تحول بل تصدعا في القيم ومن ضمنها القيم المرتبطة ببعض المهن التي تتناقض التمثلت بشأنها كما‬ ‫هو الحال في مهنة التدريس‪ ،‬يصبح التساؤل عن علقة الهوية النفسية وممارسته الجتماعية أمرا‬ ‫مشروعا‪.‬‬ ‫‪-1.2‬عن اضطرابات الهوية داخل المهنة‪:‬‬ ‫قبل تخصيص الحديث عن الهوية المهنية للمدرس‪ ،‬نريد هنا أن نشير إلى الضطرابات التي يمكن أن‬ ‫تتعرض لها الهوية‪ ،‬هوية الشخص داخل المهنة‪.‬‬ ‫في هذا الصدد يرى رونو سانسوليو ‪ Renaud Sainsaulieu‬أن كثيرا من أبحاث الطباء العقليين وعلماء‬ ‫النفس قد أبانت على أن الفراد يمكن أن يصابوا في هويتهم خلل تجاربهم داخل علقات العمل‪.‬‬ ‫ويضيف‪" :‬ومع أن هذه البحاث تنطلق من إشكاليات متمركزة على الصحة النفسية والعقلية للفرد قبل‬ ‫كل شيء‪ ،‬إل أن الدراسات عبر الستقصاءات والملحظات والحالت الكلينيكية تنحو اتدعيم الفكرة‬ ‫القائلة بوجود تداخل بين البنيات الجتماعية وخاصة العمل‪ ،‬والبنيات النفسية للفراد"(‪.)15‬‬ ‫فإذا كانت العلقات بين الفراد داخل مؤسسة أو منظمة العمل تعاش من خلل التواصل وتبادل الفكار‬ ‫واحترام الختلفات بين الزملء‪ ،‬وكذلك التوحدات ‪ ،identifications‬فإنه "من غير الممكن أن تعاش تلك‬ ‫التوحدات دون استيلب إذا لم تكن لكل شريك في تلك المنظمة الفرصة والقدرة على التحقيق الحر‬ ‫لمبادلته‪ .‬وهذا شيء ليس في متناول كل فرد في العمل"(‪.)16‬‬ ‫وفيما يتعلق بالراشدين‪ ،‬فلقد شكل تأثير ما هو مجتمعي على شخصية الفرد الراشد موضوع اهتمام‬ ‫العياديين ‪ les cliniciens‬الذين واجهتهم أعراض فقدان الهوية بسبب الضطرابات الخطيرة داخل مجال‬ ‫العمل‪ .‬وكما يلحظ ساسنوليو فإن شروط تحقيق الهوية الخاصة بكل فرد تختلف باختلف وضعيات‬ ‫العمل ذاتها بين العمال والموظفين‪ ،‬وإن كانت تشترك في الضطراب الذي تعاني منه الشخصية‬ ‫والمتراوح بين التعب العصبي‪ ،‬والرهاق الفكري والعاطفي‪ ،‬والمراض العقلية (…) وبالخص في فقدان‬ ‫الهوية(‪.)17‬‬ ‫لهذا ل نستغرب نعت سانسوليو لعالم العمل بأنه عالم تراجيدي مادام النسان يفقد فيه هويته وينحدر‬ ‫إلى المرض والضطراب‪ ،‬ليس لن عالم العمل عالم للنتاج القتصادي والتقني‪ ،‬بل عالم للتفاعلت‬ ‫الجتماعية بين الفراد يحضر فيه التواصل وينعدم‪ ،‬كما تلعب فيه التراتبية الدارية والمالية أدوارا لها‬ ‫تأثيراتها‪ ،‬علوة على التوحدات وما يحكمهما من تدخلت للفراد مما ينعكس على أنساق شخصياتهم‪:‬‬ ‫"إذا كان عالم العمل مأساويا‪ ،‬فلننا نفقد فيه بالفعل جزءا من هويتنا لننا نقع تحت السيطرة داخله‬ ‫بأشكال مختلفة‪ .‬ل تكافؤ وسائل المبادلت والتفاهم‪ ،‬ول تكافؤ الرباح والموارد الحاضرة‪ ،‬والمستقبلية‪،‬‬ ‫يظهر على أن الناس ليست لهم نفس الوسائل لعيش الختلفات والتوحدات (…) وبهذا المعنى يمكن‬ ‫لعالم العلقات داخل العمل أن يكون مجال للتكون الفارقي للهويات الفردية‪ ،‬لنه يوزع على مختلف‬ ‫أعضائه وسائل غير متكافئة للصراع‪ ،‬وحقول متمايزة للمواجهة قصد قياس النتصارات والخفاقات‬ ‫والمخاطر التي يمكن أن يتعرض إليها كل واحد منهم"(‪.)18‬‬

‫ليس من البساطة إذن بحث الهوية المهنية‪ ،‬لنها تفترض سياقا اجتماعيا ينبغي إخضاعه للتحليل‪ ،‬بل‬ ‫تتطلب نموذجا للتفكير في البنية الداخلية للعلقات البين‪-‬شخصية ولثارها على مستوى التوحدات‬ ‫والختيارات الخاصة بالفراد‪ .‬سانسوليو قاده تفكيره في الهوية المهنية داخل منظومة العمل إلى‬ ‫البحث في العلقة بين السلطة والصراع والعتراف بالذات‪ ،‬وإلى استعارة الخطة الهيجيلية في‬ ‫العتراف بالذات كما تمت صياغتها في مؤلف هيجل الساسي‪ :‬فينومينولوجيا الروح وخاصة الجزء‬ ‫المتعلق بجدل العبد والسيد(‪.)19‬‬ ‫هذا اختيار منهجي يضيف غنى للتحليل مع ضرورة طرح السؤال حول نجاعته الجرائية مقارنة مع‬ ‫تحليلت أكثر واقعية كما هو الحال لدى ماركس وانجلز مثل‪.‬‬ ‫‪-2.2‬عن اضطراب الهوية المهنية للمدرس‪:‬‬ ‫يفرض علينا البحث في الهوية المهنية للمدرس في علقتها بتفاعله الجتماعي وصحته النفسية أن‬ ‫نستحضر الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع‪ .‬إنها دراسات محدودة بالمقارنة مع الدراسات التاريخية‬ ‫للمدرسين وكذلك السوسيولوجية‪.‬‬ ‫إل أنه وابتداء من أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات‪ ،‬بدأ البحث في ذات المدرس وصحته النفسية‬ ‫بشكل جدي‪ .‬وللتدليل على ذلك نقدم مثال البحاث التي أعدت تحت إشراف أدا أبراهام ‪Ada‬‬ ‫‪ ،)Abraham(20‬والتي انطلقت من طرح التساؤلت التالية‪ :‬من هم المدرسون واقعيا؟ وكيف يتحولون مع‬ ‫مرور الزمن؟ في أي مرحلة من مراحل مهنة التدريس يمكن أن يحصل التعب والزمة؟ لماذا يصبح‬ ‫المدرسون ذوي صعوبات كبرى مع اليام للقيام بأعمالهم داخل الفصول الدراسية"(‪.)21‬‬ ‫كان المنظور الذي من خلله تمت معالجة هذه التساؤلت هو اعتبار المدرس كشخص وكذات بقيمة‬ ‫وكرامة وليس فقط أداة أو وسيلة أو شيئا بالمعنى الكانطي للكلمة‪ ،‬والهدف من رواء هذا هو اكتشاف‬ ‫المدرس في ذاته الحقيقية‪.‬‬ ‫على أن هذا الكتشاف ل يمكن أن يحصل إذا لم نأخذ في الحسبان التمثلت الخاصة بنا عند النظر إلى‬ ‫هذا الشخص والتي تتراوح بين الستثمار القصى له ‪ ،surinvesti‬وبين أمثلته ‪ ،idéalisé‬واحتقاره في‬ ‫نفس الوقت‪ ،‬علما بأنه هو المكلف بكل علقاتنا النسانية تجاه الشكال الوالدية‪ .‬بل إن فرويد يصف‬ ‫الثر الحاسم لهذه الوهام والعطاب بالقول‪" :‬إذا ما التقيت يوما بمدرس سابق‪ ،‬فإنك ستطرح السؤال‪:‬‬ ‫أحقا هو؟ إنه يبدو أكثر شبابا مع أنك قد شخت كثيرا أيمكن أن يوجد في الواقع اختلف ولو ضئيل في‬ ‫السن بينك وبين الشخص الذي كان يمثل الراشد بالنسبة إليك؟"(‪)22‬‬ ‫لتفسير هذا اللعب بالصور والكلمات من طرف فرويد‪ ،‬نحتاج إلى مفاهيم من مثل‪ :‬ثنائية القيم‪،‬‬ ‫والتحويل… وهذا يعني ضرورة انخراطنا في مقارنة التحليل النفسي باستعمال أداة ملئمة لذلك‪.‬‬ ‫تعتبر أبراهام أن الطريقة المتمركزة حول اعتبار المدرس شخصا قبل كل شيء ل تتضمن عدم الهتمام‬ ‫بمجموع عوامل الوسط المدرسي السوسيو‪-‬مؤسسية‪ ،‬وبمجموع المحددات البين‪-‬شخصية‪ ،‬بل تعني‬ ‫الهتمام بهذه العوامل كما يتم إدراكها واستدخالها من طرف المدرس ذاته‪.‬‬ ‫هذا المنظور يسير فيه باحثون آخرون اهتموا بالشخص النساني مثل كارل روجز ‪-‬كما أسفلنا‪ -‬والذي‬ ‫يقول في مقدمة دراسة له بالمؤلف الذي أشرفت عليه أبراهام‪" :‬إن شخصية المدرس أهم بكثير مما‬ ‫يقوم به وأهم بكثير من المناهج المستعملة"(‪.)23‬‬ ‫وكما سلف أن أوضحنا في البداية‪ ،‬فإن اختيارنا البحث في الفاعل البشري بالمؤسسة المغربية‬ ‫للتدريس يجد تفسيره في اختيارنا النظري القائم على اعتبار المدرس إنسان قبل كل شيء‪ ،‬ويجب‬ ‫الهتمام بذات هذا المدرس داخل المهنة قصد التعرف على هويته‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ الهوية المهنية للمدرس المغربي‪ :‬الزمة وضرورة البحث‪:‬‬ ‫لملمسة أهمية البحث في الهوية المهنية للمدرس المغربي‪ ،‬لم نقنع بالتجربة الشخصية لممارسة‬ ‫التدريس لمدة تفوق عشر سنوات وما خلفته هذه الممارسة من آثار في هويتنا المهنية ومن ثم في‬ ‫هويتنا الشخصية والجتماعية‪.‬‬ ‫فما أقسى أن تعرف بشكل سطحي بأنك "أستاذ" ولشيء آخر غير ذلك‪ ،‬ألست إنسانا كباقي الناس أو‬ ‫ليس لك الحق في أن تعيش كباقي الناس وأن تتصرف مثلهم‪ .‬فالستاذ أستاذ‪ ،‬لكن ما أعسر أن يتم‬ ‫الوقوف عند هذا الحد‪ ،‬حد المعرفة السطحية دون تجاوزها إلى التعرف العميق ثم العتراف‪ .‬إن تلك‬ ‫المعرفة مرتبطة بتمثل اجتماعي متناقض في الغالب‪ ،‬ولهذا كان علينا أن نستطلع آراء المدرسين‬ ‫والمدرسات ‪-‬ليس عبر استمارات أو اختبارات‪ ،‬بل‪ -‬عبر المقابلة(*) التي تتيح اللقاء المباشر والتعبير‬ ‫الحميمي‪ .‬وانتهينا من المقابلت إلى النتائج التالية‪:‬‬ ‫ـ إن مهنة التعليم ‪-‬بالمغرب‪ -‬مهنة الغبن‪ .‬لقد خدعنا لما ولجنا هذه المهنة‪ .‬إنها ليست بوظيفة‪ ،‬بل هي‬ ‫ضياع للعمر على طريقة الطالب الذي يدرس بالكلية مقابل منحة‪.‬‬ ‫ـ إن مهنة التعليم ‪-‬بالمغرب‪ -‬هي مهنة الخوف‪ ،‬الخوف من كل شيء‪ ،‬الخوف من المستقبل إذ ل أمان‬ ‫للشخص إذا مرض مثل‪ ،‬فكم من المدرسين ذهبوا ضحايا نظرا لفقرهم ولم تقبلهم المصحات الخاصة‪.‬‬ ‫بخلف مهن أخرى كشركة التبغ ومكتب المطارات والجمارك… الخوف من المسؤولين الداريين‬ ‫والتربويين بدءا بالمفتش وانتهاء بالسلطات العليا‪ ،‬فالمدرس هو الحلقة الضعيفة‪ .‬الخوف من التلميذ‬ ‫أثناء الضطرابات وفي الحالت العادية بسبب العنف الذي يمارسونه على الساتذة‪ .‬الخوف من آباء‬ ‫التلميذ سيما أولئك الذين يشتغلون في مصالح للسلطة أو لهم علقات مع السلطة‪.‬‬ ‫ـ إن مهنة التعليم هي مهنة اللمعنى‪ .‬فالتلميذ ل رغبة مطلقا لهم في الدراسة أمام إغراء البارابول‪،‬‬ ‫وصدمة البطالة‪ ،‬ومصيدة التفسخ الخلقي‪ .‬والبرامج ل حياة ول روح فيها‪ .‬والمؤسسات مخربة ول‬ ‫جمال فيها‪ .‬والمدرسون ل تواصل ول مودة بينهم‪ .‬إنها مهنة التكرار الذي ل يجدي ويؤدي إلى الشيخوخة‬

‫المبكرة‪.‬‬ ‫ـ إن مهنة التعليم هي مهنة الفقر‪ .‬فالرواتب هزيلة بالمقارنة مع مهن أخرى‪ .‬والعتبار الجتماعي‬ ‫للمدرس آخذ في التناقص‪ .‬فل يتميز المدرس عن التلميذ إل بالكاد من حيث مظهره وسكنه ووسيلة‬ ‫نقله وصحته‪ .‬هناك مهن أخرى أقل مستوى من الناحية الثقافية لكنها أكثر أجرا من الناحية المادية‪.‬‬ ‫ـ إن مهنة التعليم هي مهنة الوهم‪ ،‬لقد ولى ذلك الزمن الذي كان المدرسون يثقون فيه بالعبرة الجميلة‬ ‫القائلة‪" :‬إن مهنة التعليم مهنة شريفة‪ ،‬فهي رسالة‪ ،‬والله هو الذي يجازي‪ ،‬والمدرس هو شمعة الجيال‬ ‫التي تحترق لتنير غيرها مع العتراف بفضله"‪.‬‬ ‫على أن هذه النتائج‪ /‬التصريحات‪ ،‬تفيد بأن انهيار القيم في المهن مسألة شاملة‪ ،‬وأن الشرط الساسي‬ ‫للنجاح في أي مهنة هو أن تلغي ذاتك وتنسى ضميرك‪.‬‬ ‫وبتعبير آخر‪ ،‬تلغي هويتك!‬ ‫أليست الهوية المهنية للمدرس المغربي في أزمة؟ وأن من الضروري دراستها والبحث فيها‪.‬‬ ‫‪--------‬‬‫هوامــش‪:‬‬ ‫‪Erik H. Erikson, Adolescence et crise - la quête de l’identité, traduit de l’Américain par: Joseph Nass - 1‬‬ ‫‪.et Claude Louis - Combert, Paris, Flammarion, 1972‬‬ ‫‪.E.Erikson, op.cit. p. 91, note1 - 2‬‬ ‫‪Erik H.Erikson: “Sex differences in the play configurations of preadolescentes”, American Journal of - 3‬‬ ‫‪orthopsychiatry, 1951, p. 667-962, n° 21, cité in: Erikson, Adolescence et crise, op.cit., p. 102-103 (note‬‬ ‫‪.)1‬‬ ‫(*) نستعمل عبارة إعادة توافق وليس إعادة تكيف‪ ،‬لن هذه الخيرة تدل على ما هو بيئي وطبيعي‬ ‫وليس على ما هو اجتماعي‪.‬‬ ‫‪.Erik H. Erikson, opt. Cit., pp. 11-12 - 4‬‬ ‫(*) يعني الشعب اليهودي‪.‬‬ ‫‪.Ibid, pp. 14-16 - 5‬‬ ‫‪.Ibid, pp. 16-18 - 6‬‬ ‫‪Ibid, pp. 18-19 - 7‬‬ ‫‪Ibid, pp. 19-20 - 8‬‬ ‫‪Ibid, p.20 - 9‬‬ ‫(*) يتعلق المر هنا بأدوات البحث التي نحتاج إلى حيز أوسع لتفصيل الحديث عنها‪ .‬وعموما فلقد‬ ‫اعتمدنا جرد الهوية النفسية الجتماعية لماريسازا فالوني وبذلك احترمنا المقاربة النفسية الجتماعية‬ ‫وبقينا أوفياء للتجاه الفينومينولوجي الشعوري كما اعتمدنا اختبار الحباط لرونزفيغ‪ ،‬وبذلك احترمنا‬ ‫التحليل النفسي‪.‬‬ ‫‪.Ibid, p.142 - 10‬‬ ‫‪Ibid, p. 137 - 11‬‬ ‫‪Ibid, p. 179 - 12‬‬ ‫(*) تفسر لنا هذه النقطة سوء التوجيه الدراسي للتلميذ‪ ،‬وكذلك سوء التوجيه المهني للمدرسين‪ ،‬خاصة‬ ‫في بلدان فقيرة إلى عقلية وتقنيات الرشاد والتوجيه المهنيين كالمغرب‪ ،‬مما يعني أن الهوية المهنية‬ ‫تطرح إشكالية يتداخل فيها ماضي الفرد عامة وماضيه الدراسي خاصة‪ ،‬ثم شروط العمل بالمؤسسة‬ ‫وآفاق تحقيق الذات بها بشكل أخص‪.‬‬ ‫‪.Ibid, p. 194 - 13‬‬

‫‪Ibid, p. 195 - 14‬‬ ‫‪Renaud Sainsaulien, l’identité au travail - les effets culturels de l’organisation, - 15‬‬ ‫‪.Presses de la fondation Nationale des sciences politiques, 2ème ed., 1985, p. 303‬‬ ‫‪.Renaud Sainsaulien, Ibid, p. 309 - 16‬‬ ‫‪.Ibid, pp. 310-311 - 17‬‬

‫‪Ibid, pp. 334-335 - 18‬‬ ‫‪Ibid, p. 319 et suivant - 19‬‬

Sous la direction de: Ada Abraham, l’enseignant est une personne, Paris, les éditions - 20 .E.S.F., 1984 .Ibid, la présentation de l’ouvrage - 21

Sigmund Freud, Some reflections on school-boy psychology, the standard edition, - 22 J.Strackey, 1964, VXIII, Hogard press, pp. 241-244., cité in: (sous la direction de: )Ada .Abraham, op.cit., p. 12 Carl C.Roger, Enseignant que es-tu? Images, Attitudes, Noeuds et Illusions, Etude in: - 23 .Ada Abraham, Ibid, pp: 14-20 .‫(*) قمنا بهذه المقابلت مع مدرسين من مختلف التخصصات بثانويات مختلفة بالدار البيضاء‬

Related Documents

Loading Images
October 2019 21
Images
May 2020 39
Images
December 2019 65
Images
November 2019 79
Images
May 2020 53
Images
July 2020 15