في الطرح
الأ وطان تُ�صنع وال تعطى. الأ وطان تُ�صنع بالكد واجلهد ولي�س فقط يف �أوقات الفراغ. اخلوف واالنكفاء ال يبنيان وطناً .علينا �أن نكون �شعباً بحقّ لن�ستحق وطناً. ندا ؤ�ن ��ا ه ��و فعل � إميان ،وهدفن ��ا �أن يتحول � إىل � إرادة ومن ثم � إىل فعل � إنقاذ. (من امل�ؤمتر ال�صحايف الأ ول حلركة لبنان غداً يف بريوت)
احلدي ��ث عن لبنان غد ًا هو احلديث عن امل�ستقبل، ع ��ن �أنا� ��س �أحي ��اء يتعامل ��ون ويتفاعل ��ون ،يتحا ّب ��ون ويتباغ�ض ��ون ،يتخا�صمون ويت�صاحل ��ون ...وجميعهم ي�أمل ��ون ويحلمون برغ ��د العي�ش والأ م ��ان والعدالة... فت أ�ت ��ي الفل�سف ��ة لتبل�سم اجلراح را�سم ��ة �أروع ال�صور لدولة تلبّي حاجات مواطنيها و�آمالهم. هن ��ا يكرث التنظ�ي�ر زاخر ًا ب� إ�سقاطات ه ��ي �أقرب � إىل الطوباوي ��ة واملثالي ��ة؛ ويف �أح�س ��ن الأ ح ��وال ،هي غري قابلة للتحقيق على �أر�ض الواقع � ،إال ما َندُر. وقد �ش� �كّل لبن ��ان خمترب ًا حقيقي� �اً ،من ��ذ ا�ستقالله، جلميع تلك النظريات ،الو�ضعية منها والدينية. م ��ن الث ��ورة الفرن�سي ��ة الت ��ي رفع ��ت �شع ��ار امل�ساواة والعدال ��ة وا إلخ ��اء � ،إىل قي ��ام �سلط ��ة القان ��ون ف ��وق اجلميع يف دميوقراطية الوالي ��ات املتحدة الأ مريكية، � إىل نظرية مارك�س يف بالد االحتاد ال�سوفياتي �سابقاً، 17
� إىل نظري ��ة مي�ش ��ال عفل ��ق يف �سوري ��ا والع ��راق � ،إىل نظري ��ة �أنطون �سعاده يف �سوريا الكربى � ،إىل التجارب الدينية املعا�صرة... �أمثل ��ة كث�ي�رة ع�ب�ر التاري ��خ كان للق ��ادة فيه ��ا الدور املح ��وري يف قي ��ادة جمتمعاته ��م لف�ت�رات تط ��ول �أو تق�صر .وكانت تلك املجتمعات مت ّر بحاالت ازدهار �أو انح�سار �أو زوال. والقا�س ��م امل�ش�ت�رك بني النظري ��ات والعقائد جميعها ه ��و خ�ضوعها لإ�شكالي ��ة واحدة ،مل ت�ستط ��ع ،بر�أينا، اخلروج منها وهي: مل ��اذا جنح ��ت تل ��ك الفل�سف ��ات والتج ��ارب يف حلظة ما ،ث ��م ف�شلت يف قيادة املجتمع؟ �أخل َل ��لٍ يف بنيتها �أم لتحجّ ر القيّمني عليها؟ ولك ��ي ال نغ ��رق ،كم ��ا غ ��رق غرين ��ا ،يف ع ��امل املث ��ل واخليال والبدع يف دغدغ ��ة العواطف والغرائز� ،آثرنا االلتزام بالواقعي ��ة واالنفتاح نهجاً ،وبال�صدق خياراً، وبجدلي ��ة الأ �صالة واملعا�ص ��رة �سبي�ل�اً ،وباملو�ضوعية العلمية طريقاً ،لفهم املا�ض ��ي واحلا�ضر وا�ست�شراف امل�ستقب ��ل ،م�سرت�شدي ��ن مبرونة فكري ��ة ا�صطُ لح على ت�سميته ��ا باحلنيفية� ،أي حركة الفك ��ر الدائمة يف كل االجتاهات ،و�ضد اجلمود. اال من هن ��ا ت�أتي دعوتنا � إىل � إعمال العق ��ل ميين ًا و�شم ً بح ّري ��ة تامة ،و�ضمن حدود اال�ستقام ��ة ،للو�صول � إىل الإبداع واالبتكار ،من دون الغرق يف �أحادية االحتماالت
المواطن أو ًال
يف كل ق�ضي ��ة من الق�ضايا ،ما يجعل الإن�سان مربجم ًا باجتاه واحد كالرجل الآيل ،فتموت فيه روح املبادرة. ق ��د يعرت� ��ض �أحدهم عل ��ى تب ّن ��ي احلنيفي ��ة ،الفكرة الرتاثي ��ة ،و� إ�سقاطها على الفك ��ر املعا�صر .نقول :هنا تكمن �أهمية اجلدلية ب�ي�ن الأ �صالة واملعا�صرة .فلي�س كل م ��ا ج ��اء من ال�ت�راث �سلبي� �اً ،كما لي� ��س كل ما يف احلداث ��ة � إيجابياً .وللإ ي�ضاح نق ��ول � :إن امل�صطلحات املتداولة اليوم هي مف ��ردات ذات معانٍ و�ضعها �أهلها يوم� �اً ،ومع مرور الزمن حمل ��ت ب�صمات م�ستخدميها ونظرته ��م � إليه ��ا ،م ��ن حيث �أنه ��ا جزء م ��ن منظومة أ�ف ��كار دينية ،فكان لها قدا�سة تولّدت من قد�سية تلك الأ ف ��كار� ،أو هي جزء من منظومة �أفكار مادية قدّ�سها �أ�صحابها فتقدّ�ست م�صطلحاتها. يف احلالت�ي�ن � ،إن تقدي� ��س الفكرة يوقعن ��ا يف اجلمود وال�صنم ّي ��ة ،يف ح�ي�ن �أن الإن�س ��ان كائن ح ��يّ ،ن�شط، دينامي ،متحرك ،متطوّر... و� إميان ًا منّا ب�أن العق ��ل يعمل يف ميادين املعرفة �شتّى، وب� ��أن ميزته ه ��ي �أنه ي�س ّل ��ح نف�سه مبنه ��ج علمي ،كي يح�صن ثمرة ن�شاطه من معلومات و�أفكار ،وي ؤ�كّد على ّ �صحّ ته ��ا بالدليل والربه ��ان لئال يبق ��ى يف حالة �شك وريبة فريزح حت ��ت �سلطة الأ ف ��كار القدمية ،وي�صبح �أ�س�ي�ر ما تربّى علي ��ه ،يحنّ � إلي ��ه ويعي�شه يف احلا�ضر كم ��ا كان يعي�شه يف املا�ض ��ي ،يتغذّى على دمه اخلا�ص وذل ��ك مل ��ا حتمل اللفظ ��ة �أو الكلمة م ��ن �سحر املعاين
وامل�شاعر جتعلها جزء ًا من �شخ�صية معتنقها ال يقوى على التخلّي عنها ب�سهولة وي�سر. والدي ��ن الذي �أراده � إبراهي ��م ،حنيفي� ،أي مرن ،حني أ�ل ��زم �أتباع ��ه بع ��دم اجلم ��ود يف فهم معاني ��ه وعدم الوق ��وف على ظاهر الن�ص مواكب� � ًة لتطورات الع�صر العلمية والثقافية... املرون ��ة � إذن مبد أ� ولي�ست علماً؛ ه ��ي حمرّك للو�صول � إىل العلم .وهذا املب ��د أ� فاعل يف العلوم املادية كما يف العقيدة الدينية ،وي ؤ�دّي � إىل النتائج نف�سها حني يكون املو�ضوع واح ��داً ،وما �أكرث املو�ضوع ��ات امل�شرتكة بني احلقلني املعرفيني :العلم والدين .واملرونة جتعل العقل متي ّقظ� � ًا با�ستم ��رار يف �أي جم ��ال كان .فف ��ي الق�ضاء مثالً ،ميكن ا�ست�صدار �أحكام متعددة وخمتلفة لق�ضية واحدة ح�صلت يف عدة �أمكنة ومع �أ�شخا�ص خمتلفني، بعد درا�سة ك ّل منها درا�س ًة مو�ضوعي ًة حتيط بجوانبها كاف ��ة وبحيثيات ح�صولها (ال�سرقة مث ًال �أو اجلرمية، الخ .).وكذلك يف ال�سيا�سة ،تلزمنا املرونة يف مراجعة د�ست ��ور الدولة �أو امل�ؤ�س�سة �أو احل ��زب كل فرتة زمنية معيّنة ،طالت �أو ق�ص ��رت ،و� إال �أ�صبح الد�ستور باط ًال بعد ذلك. هن ��ا ي أ�ت ��ي اال�ستع ��داد الدائ ��م ملراجع ��ة القوان�ي�ن ومالءمته ��ا وح�س ��ن تطبيقه ��ا� .أي درا�س ��ة متوا�صل ��ة ومراقب ��ة ملجري ��ات الأ م ��ور :يف االقت�ص ��اد والرتبي ��ة والع�سكر وال�سيا�سة... 18
ه ��ذا ما ن ؤ� ّك ��د عليه يف ر�ؤيتن ��ا لـ «لبنان غ��د ًا»� ،أي ور�ش عمل دائمة يف جميع جماالت احلياة ت�ستفيد من معطيات العلوم والفنون والتكنولوجيا. م ��ن هنا تعمّدنا ت�سمية حركتن ��ا «لبنان غد ًا» ولي�س «لبن ��ان الغ ��د» ،لأ ن «�أل التعريف» توح ��ي وك�أن هناك منوذج� � ًا معين� � ًا للدول ��ة ن�ؤمن ب ��ه الآن وعلين ��ا العمل عل ��ى جت�سيده يف امل�ستقب ��ل� .أما «غدا» غ�ي�ر املعرّفة، فتعن ��ي �أن كل غد هو غري الغد ،هو غد متجدّد� ،سيّال متطوّر. و�أخرياً ،ن�ص ّر عل ��ى عدم اعتبار هذه الر�ؤية املتحركة دائم� � ًا لـ «لبنان غد ًا» فل�سفة ،و� إمنا هي من الثوابت املخت�صني العاملني داخل احلركة �أن ي�ضعوا ّ التي على له ��ا فل�سفته ��ا التف�صيلي ��ة للو�ص ��ول � إىل م ��ا ه ��و حق للمواطن: �أف�ضل تعليم (منهج ًا و�أ�ساليب وبناء)... �أف�ضل طبابة (�أطباء� ،أدوية� ،ضمان)... �أف�ض ��ل العالقات ال�سيا�سية (م ��ع املحيط ،مع العامل، الدميقراطية)... �أف�ض ��ل العالق ��ات االجتماعي ��ة (العلماني ��ة، الت�سامح.)... ويف الواق ��ع ،مل نرد �أن نزيد � إىل الأ حزاب واجلمعيات املوج ��ودة يف البلد رقم ًا � إ�ضافياً ،فهي كثرية؛ بل �أردنا �أن ننه ��ج طريقة خمتلف ��ة يف العمل .فل�سن ��ا حزب ًا وال
جمعي ��ة باملعن ��ى التقن ��ي ،و� إن اتخذنا �صف ��ة اجلمعية ال�سيا�سية باملعنى القانوين بغية �أن تكون كل خطواتنا قانونية. مل ُيت ��حْ للبن ��ان �أن يكون وطن ًا م�ستق�ل�اً مبا للكلمة من معن ��ى ،عل ��ى الرغ ��م من �إع�ل�ان ا�ستقالل ��ه يف العام 1943؛ فاتخذ �شكل تقاط ��ع م�صالح حملية ما هي � إال امتداد مل�صالح � إقليمية ودولية ،تنعك�س رخا ًء وازدهار ًا عندما تتوافق ،ونقمة وحروب ًا عندما تتخا�صم .فكانت نكبة فل�سطني وارتداداتها امل�ستمرة ،و�أحداث ،1958 تلتها �سني ال�ستيني ��ات وال�سبعينيات ،وبعدها احلرب الأ هلية ،فاتفاق الطائف ،فبداية ما �أطلق عليه ت�سمية «ال�سلم الأ هلي» يف ظل االحتالل الإ�سرائيلي والهيمنة ال�سوري ��ة ،ث ��م االن�سحاب ��ان ،وما تال اغتي ��ال الرئي�س احلري ��ري ،و�ص ��و ًال � إىل اتفاق الدوح ��ة .ال �شك يف �أن تلك الأ ح ��داث املتعاقبة جميعه ��ا �ساهمت يف �صياغة الكث�ي�ر من مكونات الواقع اللبن ��اين وتفا�صيله ،والتي طفت � إىل ال�سطح يف ال�سنوات الأ خرية .لكن ما يهمنا التوقف عنده ب�إمعان هو انق�سام البلد ما بني فريقي 8 و� 14آذار يف الع ��ام ،2005وما تال ذلك من تداعيات، خ�صو�ص� � ًا �أن لبنان غد ًا ت ��رى �ضرورة اخلروج من ه ��ذا االنق�سام عرب � إيجاد خط ثالث� ،أو بديل ،ي�ؤ�س�س إلع ��ادة �صياغ ��ة مكون ��ات الوط ��ن اللبن ��اين ووجهته عل ��ى قاعدة بناء الدولة احلديث ��ة ،الأ مر الذي �أخذته احلرك ��ة على عاتقه ��ا باعتباره ��ا �أداة جامعة تهدف
� إىل التقريب بني اللبنانيني� ،أكرث منه � إىل اتخاذ �شكل حزب �سيا�سي جديد. � إن مقارب ��ة ما �أطلق عليه الحق� � ًا قوى الرابع ع�شر من �آذار ،مب ��ا فيها التيار الوطني احلر ،لفكرة بناء لبنان حدي ��ث� ،شكلت منطلق ًا واع ��د ًا للبنانيني ،مبا اكتنزته من مبادئ احلرية وال�سيادة واال�ستقالل ،على امل�ستوى النظ ��ري على الأ ق ��ل .و�ش� �كّل ط ��رح � 14آذار حينئذٍ ، بكافة مكونات ��ه وبراجمه ،ومنه ��ا «الطريق الآخر» – الربنامج ال�سيا�سي للتي ��ار الوطني احلر� ،أيار ،2005 �أ�سا� ًسا �صاحل ًا مل�سرية اال�ستقالل .من جهة � ،إن � إغفال ذلك الطرح ملطالب �شريحة وا�سعة من اللبنانيني �أدى � إىل ب ��روز جتمع ق ��وى � 8آذار بقيادة ح ��زب اهلل الذي �آث ��ر الرتكيز على �أهمي ��ة م�شروع املقاوم ��ة الع�سكرية والتحال ��ف مع �سورية يف مقابل دع ��وات � 14آذار .من جه ��ة أ�خ ��رى � ،إن طريقة � إدارة حتالف ق ��وى � 14آذار، عن ت�صل ��ب وع ��دم دراي ��ة� ،أدى � إىل انف�ضا�ض التيار الوطني احلر عن هذا التحالف وان�ضمامه � إىل حتالف أم�س احلاج ��ة � إىل حليف م�سيحي � 8آذار ال ��ذي كان ب� ّ ق ��وي .مل تتوق ��ف الق�صة عن ��د تبدي ��ل يف التحالفات فقط ،بل ت ��درّج الأ مر � إىل ا�صطفاف ��ات وا�صطفافات مقابلة واغتياالت وخروق وحم�سوبيات وغري ذلك ،ما �أطاح مب�سار م�سرية اال�ستقالل املحدد �سابقاً ،وكذلك مب�س ��ار حركة املقاومة يف مقاب ��ل العدوان الإ�سرائيلي �أ�سا�ساً. 19
لكن التط ��ورات العملية والأ خط ��اء يف الأ داء لي�س من �ش�أنه ��ا �أن جتع ��ل املنطلق ��ات واملب ��ادئ والأ ه ��داف الأ �سا�سية باطلة �أو �ساقطة ،خ�صو�ص ًا عندما تكون قد �شكل ��ت يف حني من الأ حيان �أم ًال ومتنف� ًسا جليل �شاب وعري� ��ض من اللبناني�ي�ن� ،أعني بالتحدي ��د ما طرحه التيار الوطني احلر عندما كان جزء ًا من م�شروع بناء الدولة املدنية احلديثة �ضمن م�سرية اال�ستقالل ،ال بل �أ�سا� ًسا فيها ،وما حواه ذلك من نظرة مدنية معا�صرة ومتطورة واعتدال ونب ��ذ للتطرف ومناقبية وحما�سبة وحقوق وواجبات ،لي� ��س من ال�صواب التنازل عنها �أو تق ��دمي �أي م�صلحة عليها حتت �أي ذريعة ،ك�ضرورات موازين القوى �أو ح�سابات التمثيل ال�شعبي �أو احل�صول على مقاعد وزارية �أو نيابية � إ�ضافية �أو غريها. بن ��ا ًء عليه ،ولأ ن لبنان غد ًا ال تبغي ابتداع طروحات وفل�سف ��ات جدي ��دة مل ��لء م�ساح ��ات � إ�ضافي ��ة عل ��ى الرف ��وف ،بل هي تبغي �أ�سا� ًسا ردم الهوّة وم ّد اجل�سور ب�ي�ن اللبناني�ي�ن ،ما ميكن �إجن ��ازه بتب ّن ��ي طروحات، �صحيح ��ة �أ�ص�ل�اً ،مع تق ��ومي االنح ��راف يف تطبيقها، لذل ��ك اعتم ��دت لبن��ان غ��د ًا اخلط ��وط العري�ض ��ة لربنام ��ج «الطريق الآخر» مب ��ا يت�ضمنه من معاجلات �سيا�سي ��ة واجتماعية واقت�صادي ��ة� ،آملة �أن جتعل منه واقع ًا ملمو� ًسا ولي�س جمرد حرب على ورق. (لالطالع راجع امللحق رقم )1