Atfaal

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Atfaal as PDF for free.

More details

  • Words: 15,167
  • Pages: 25
‫حول تربية‬ ‫الطفال وتعليم‬ ‫الجهال‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫خ‬ ‫شي‬ ‫مةِ‬ ‫ما َ‬ ‫لِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫س ََ‬ ‫حةِ ال ّ ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫عَبْد ِ الل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫قام بتنسيق المقال ونشره ‪:‬‬

‫ْ‬ ‫د‬ ‫ن عَبْد ِ ال َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫قادِرِ أبُوْ َزي ْ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ُ‬ ‫ـ عَامَلَهُ اللّـهُ بِلُطْفِهِ الْخَفِيْ‪،‬آمين ـ‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫الحمد لله وحده ‪ ،‬وصلى الله وسلم على من ل نبي بعده محمد وآله وصحبه ومن سار‬ ‫على نهجه ‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فقد كثر السؤال عن استقدام الخادمات والمربيات والمعلمات ‪ ،‬وعملهن داخل البيوت‬ ‫‪ ،‬وفي دور التربية والحضانة وروضات الطفال ‪ ،‬كما كثر تناقل ما تفعله الجمعيات من‬ ‫اليهود والنصارى والمشركين في بلدهم ‪ ،‬كما في أمريكا ‪ ،‬وبريطانيا ‪ ،‬وأستراليا ‪،‬‬ ‫وكندا ‪ ،‬وروسيا ‪ ،‬وهولندا ‪ ،‬والوليات الخرى التي تحاول عمل ما يصرف المسلمين‬ ‫عن أصل دينهم ‪ ،‬حيث تحتضن الطفال الذين فقدوا آباءهم أو من يعولهم ‪ ،‬وقد جعلت‬ ‫لها مراكز في البلدان النامية ‪ ،‬مثل‪ :‬مصر ‪ ،‬والسودان ‪ ،‬والسلفادور ‪ ،‬وهندوراس ‪،‬‬ ‫وكينيا ‪ ،‬وأوغندا ‪ ،‬والفلبين وغيرها ‪ .‬وهكذا الدعاة المنصرون الذين يغزون البلد‬ ‫الفقيرة ‪ ،‬وينتهزون حاجة أهلها وعجزهم ‪ ،‬فيفتحون بها مدارس ومعاهد ومستشفيات ‪،‬‬ ‫ويحرصون على تنشئة الطفال على أيديهم ‪ ،‬ويتصرفون في المناهج العلمية ‪ ،‬ويربون‬ ‫أولد المسلمين كما شاءوا ‪ ،‬ويلقنونهم عقائدهم الكفرية ‪ ،‬وأديانهم المنحرفة ‪ ،‬ولقد‬ ‫نجحوا في كثير من مخططاتهم ‪ ،‬وأضلوا أعدادا وأفرادا وجماعات كثيرة من ناشئة‬ ‫المسلمين ذكورا وإناثا ‪ .‬وهكذا ما يفعله الكثير من المسلمين المعجبين‪ -‬وللسف‪-‬‬ ‫بالكفار وعلومهم ‪ ،‬حيث يبعثون أولدهم وفلذات أكبادهم من ذكور وإناث إلى تلك‬ ‫الدول المتقدمة ‪-‬كما يعبرون‪ -‬قاصدين منهم التربية والتدريب ‪ ،‬وتعلم لغاتهم الراقية‬ ‫في زعمهم؛ فل تسأل عن آثار ذلك ومفاسده ‪ ،‬وأقرب ذلك وأشهره ما تؤثره تربية‬ ‫المستقدمين إلى بلد المسلمين كالنساء اللتي يتولين تربية الطفال وحضانتهم ‪،‬‬ ‫وكالمدربين والمعلمين في المدارس والمنازل ‪ ،‬من أولئك العداء اللداء الذين‬ ‫يضمرون العداء للسلم وأهله ‪ ،‬ويحملون مذاهب هدامة ‪ ،‬أو كفرا بواحا ‪ ،‬أو بدعا‬ ‫منكرة مكفرة أو مفسقة ‪ ،‬قد أشربتها قلوبهم ‪.‬‬ ‫ول شك أن كل أولئك على يقين من صحة ما يدينون به وأحقيته ‪ ،‬رغم بعد ذلك عن‬ ‫الصواب ‪ ،‬ولكنهم تربوا على تلك الديان منذ الطفولة ‪ ،‬وتلقوا عقائدهم الزائفة عمن‬ ‫يثقون بنصحه ‪ ،‬ولقنهم آباؤهم ومعلموهم ما يؤكد لهم صحتها وسلمتها ‪ ،‬وبطلن ما‬ ‫سواها ‪ ،‬فتمسكوا بتلك المذاهب والنحل وعضوا عليها بالنواجذ ‪ ،‬وزين لهم الشيطان‬ ‫أن الصواب في جانبهم ‪ ،‬وأنهم على عقيدة صحيحة الصول ‪ ،‬قويمة الدلة ‪ ،‬تلقوها‬ ‫عمن يثقون بعلمه ونصحه ‪ ،‬فلهذا يندر أن يتخلوا عن معتقداتهم ودياناتهم ‪ ،‬وكيف‬ ‫يتحولون عن مذاهب ومعتقدات تقلدوها عن أسلفهم ومشايخهم الذين هم محل ثقة‬ ‫عندهم وإجلل وإكبار ‪ ،‬فل يتصورون أو يخطر ببال أحد منهم أن يصدر خطأ أو ضلل‬ ‫أو انحراف من أفراد علمائهم فضل عن جماعتهم ‪.‬‬ ‫ول شك أن أولئك الوافدين مع رسوخ تلك العقائد في نفوسهم ‪ ،‬ومع تمكنهم من‬ ‫إظهارها والدعوة إليها ‪ ،‬متى أمنوا الضرر فل بد أن يحرصوا بكل ما أوتوه من جهد‬ ‫على نشر دياناتهم ‪ ،‬وترسيخها في نفوس من يتولون تعليمه محتسبين في ذلك الجر‬ ‫َ‬ ‫عا ﴾ [ سورة‬ ‫و ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫سنُو َ‬ ‫سبُو َ‬ ‫صن ْ ً‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن أن َّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫والثواب ‪ ،‬كما قال الله عنهم‪َ ﴿ :‬‬ ‫الكهف الية ‪.] 104‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫لكن الدعاة إلى دين السلم الصحيح ‪ ،‬وعقيدة السلف الصالح ‪ ،‬يرجون من الله ما ل‬ ‫يرجو هؤلء من التعليم أو التربية أو الحضانة ‪.‬‬ ‫فل تسأل عما يقومون به من بث سمومهم ‪ ،‬ونفث شرورهم في أذهان من يحتكون‬ ‫بهم ‪ ،‬أو يتولون تنشئتهم وتعليمهم ‪ ،‬فيتلقن أولئك الطفال والجهال ما يلقيه عليهم‬ ‫أولئك المربون والمدرسون من عقائد منحرفة ‪ ،‬وبدع منكرة ‪ ،‬مسلمين بصحتها ‪،‬‬ ‫محسنين الظن بأساتذتهم ومشايخهم الذين اختارهم أولياء المور لهم ليتربوا على‬ ‫أيديهم ‪ ،‬فيصعب بعد ذلك تخلي أحدهم عن هذه التوجيهات والتعاليم التي نشأ على‬ ‫استحسانها في صغره ‪ ،‬ويخيل إليه أن من خالفها فقد خالف الصواب ‪ ،‬ولو كان من‬ ‫آبائه وإخوانه أو المواطنين معه إل من شاء الله تعالى ‪.‬‬ ‫فل جرم أحببت أن أكتب كلمات حول هذا الموضوع تحت هذه العناوين‪:‬‬

‫شفقة الباء ورحمتهم بأولدهم ‪:‬‬ ‫ل شك أن النسان العاقل يهمه صلح أولده واستقامتهم ‪ ،‬ويتمنى سلمة فطرهم ‪،‬‬ ‫ويسره تمسكهم بالحق وسيرهم على الصراط السوي ‪ ،‬وتخلقهم بمعالي الخلق‬ ‫وفضائل العمال ‪ ،‬وعملهم بتعاليم الدين الصحيح ‪ ،‬ويستاء ويشق عليه متى رآهم‬ ‫منحرفين ضالين قد خالفوا سنة الله تعالى وشرعه ‪ ،‬وتنكبوا الطريق السوي ‪،‬‬ ‫وارتكبوا المآثم وفعلوا الجرائم ‪.‬‬ ‫ولقد جبل الله الوالدين على محبة الولد والشفقة عليهم والرحمة بهم ‪ ،‬وإيثارهم‬ ‫بالمصالح والملذات في هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬والخوف عليهم من أسباب العطب‬ ‫والهلك ‪ ،‬فقد حكى الله تعالى عن نوح عليه السلم نداءه لبنه الذي عصى عليه ‪،‬‬ ‫ل يَا بُن َ َّ‬ ‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫وكَا َ‬ ‫ونَادَى نُو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي اْرك َ ْ‬ ‫ول تَك ُ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ح ابْن َ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫فقال تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫ز ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫عنَا َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ﴾ [ سورة هود الية ‪ .] 42‬وبعد أن خرج البن عن طاعة أبيه وتمرد‬ ‫ع الْكَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬ ‫نَ‬ ‫َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ابْنِي ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬لم يغفل عنه بل دعا ربه أن ينجيه بقوله‪َ ﴿ :‬ر ِّ‬ ‫م ْ‬ ‫هلِي َ‬ ‫عدَ َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ق ﴾ [ سورة هود الية ‪ . ] 45‬فهو يتذكر أن ربه تعالى وعده بنجاة أهله‬ ‫و ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫هل‬ ‫وأ‬ ‫ن‬ ‫﴿‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫قل‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ل ﴾ [ سورة هود الية ‪ . ] 40‬فظن أن ابنه من أهله الذين وعد الله بنجاتهم ‪،‬‬ ‫ق ْ‬ ‫هل ِ َ‬ ‫ك ﴾ [ سورة هود الية ‪ ] 46‬أي‪:‬‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ولكن الله تعالى عاتبه بقوله‪ ﴿ :‬إِن َّ ُ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫الذين وعدناك بنجاتهم ‪ .‬فعرف من هذا شفقة الوالد على ولده ولو كان عاصيا له‬ ‫وخارجا عن طواعيته ‪ .‬وهكذا ما حكى الله تعالى عن إبراهيم ‪-‬عليه السلم‪ -‬مما يدل‬ ‫على شفقته وخوفه على ولده ‪ ،‬ففي مقام الطلب والرجاء لما قال الله تعالى له‪﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫عل ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫قا َ‬ ‫ريَّتِي ﴾ [ سورة البقرة الية ‪. ] 124‬‬ ‫جا ِ‬ ‫و ِ‬ ‫إِنِّي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ً‬ ‫س إِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ذُ ّ ِ‬ ‫ك لِلن ّا ِ‬ ‫فلم يغفل عن ذريته لما منحه الله هذه المامة التي هي جعله قدوة وأسوة لمن بعده‬ ‫من الناس الذين هداهم الله للسلم ‪ ،‬فلما وعده ربه بهذه المامة لم يغفل عن ذريته؛‬ ‫لحرصه على صلحهم ‪ ،‬وأهليتهم لن يكونوا قدوة للناس في أمر الدين الصحيح ‪.‬‬ ‫م ال َّ‬ ‫ن‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫صَل ِ‬ ‫ج َ‬ ‫با ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قي َ‬ ‫علْنِي ُ‬ ‫وهكذا حكى الله تعالى عنه دعاءه لربه بقوله‪َ ﴿ :‬ر ِّ‬ ‫ة َ‬ ‫ريَّتِي ﴾ [ سورة إبراهيم الية ‪ .] 40‬فما غفل عن ذريته بل أشركهم مع نفسه في‬ ‫ذُ ّ ِ‬ ‫هذه الدعوة الصالحة ‪ ،‬بأن يجعله مقيما للصلة ‪ ،‬محافظا عليها ‪ ،‬وكذا ذريته؛ لما لها‬ ‫من أثر بليغ في صلح الذرية واستقامتهم ‪ .‬وكل هذا دليل كمال الشفقة والرقة‬ ‫والرحمة للولد ‪ ،‬ورجاء أن يستقيموا على الخير ‪ ،‬ويسلكوا الصراط السوي المتمثل‬ ‫في إقامة الصلة ‪ ،‬وما تؤثره من ثمرات وأعمال صالحة ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫جنُبْنِي‬ ‫وا ْ‬ ‫وهكذا في مقام الخوف ‪ ،‬فقد حكى الله تعالى عنه عليه السلم قوله‪َ ﴿ :‬‬ ‫وبن ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫م ﴾ [ سورة إبراهيم الية ‪ .] 35‬فلم يقتصر في طلب النجاة‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صنَا َ‬ ‫عبُدَ اْل ْ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫من الشرك على نفسه ‪ ،‬بل أشرك بنيه ‪ ،‬فطلب نجاتهم من عبادة الصنام؛ لما رأى‬ ‫من ضلل الكثير‪ -‬كأبيه وقومه‪ -‬بعبادة تلك الخشاب والحجار التي ينحتونها ‪ ،‬ثم‬ ‫يظلون لها عاكفين ‪ ،‬تقليدا لبائهم وأسلفهم ‪ .‬وهكذا مدح الله تعالى إسماعيل ‪-‬عليه‬ ‫ْ‬ ‫ه بِال َّ‬ ‫ة ﴾ [ سورة مريم الية ‪.] 55‬‬ ‫مُر أ َ ْ‬ ‫والَّزكَا ِ‬ ‫صَل ِ‬ ‫وكَا َ‬ ‫هل َ ُ‬ ‫ن يَأ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫السلم‪ -‬بقوله‪َ ﴿ :‬‬ ‫والمر منه يستدعي الطلب والحرص على التطبيق منهم للصلة التي هي عماد‬ ‫الدين ‪ ،‬والتي ذكر أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪ ،‬والزكاة وهي حق المال ‪.‬‬ ‫و َّ‬ ‫ع ُ‬ ‫ب ﴾ [ سورة البقرة الية‬ ‫م بَنِي ِ‬ ‫ها إِبَْرا ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫صى ب ِ َ‬ ‫هي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫وقال الله تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت إِذْ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما‬ ‫ح َ‬ ‫ل لِبَنِي ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ضَر ي َ ْ‬ ‫هدَاءَ إِذْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫‪ ] 132‬إلى قوله‪ ﴿ :‬أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫م كُنْت ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ﴾ [ سورة البقرة الية ‪ .] 133‬فهذا كله من تمام الحرص‬ ‫ع ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫والشفقة على القريب الدنى قبل البعيد من أنبياء الله تعالى ورسله ‪ ،‬وهم القدوة‬ ‫والسوة لمن بعدهم ‪ ،‬فالمر لهم يعم كل من دان بدينهم من أتباعهم ‪ .‬وقد ذكر ابن‬ ‫كثير ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬عند تفسير قوله تعالى‪ْ ﴿ :‬‬ ‫هل َ َ‬ ‫ك بِال َّ‬ ‫صطَبِْر‬ ‫مْر أ َ ْ‬ ‫صَل ِ‬ ‫وأ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬ ‫ها ﴾ [ سورة طه الية ‪ .] 132‬عن ابن أبي حاتم بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه‬ ‫َ‬ ‫علَي ْ َ‬ ‫أن عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬كان يوقظ أهله لصلة التهجد بالليل ‪ ،‬ويتلو هذه‬ ‫الية الكريمة ‪ .‬فإن ظاهرها يعم صلة الفرض والنفل ‪.‬‬ ‫ويدخل في الهل‪ :‬الولد والخدم والزوجات ومن تحت كفالة النسان ‪ ،‬كما ذكروا ذلك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوا أَن ْ ُ‬ ‫منُوا ُ‬ ‫م نَاًرا‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ذي َ‬ ‫في تفسير قوله تعالى‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬ ‫هلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬ ‫جاَرةُ ﴾ [ سورة التحريم الية ‪ ] 6‬يعني‪ :‬أنقذوهم وخلصوهم‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫قودُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ها النَّا ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫من الكفر والبدع وكبائر الذنوب وصغائرها ‪ ،‬مما يسبب العقوبة الخروية بدخول النار‬ ‫التي وقودها الناس والحجارة ‪ .‬فوقايتهم تستدعي الحرص على تربيتهم ‪ ،‬وتهذيب‬ ‫أخلقهم ‪ ،‬وتلقينهم في الصغر ما يعرفون به ربهم ودينهم ونبيهم وما يلزمهم أن يدينوا‬ ‫به في هذه الحياة ‪ ،‬وبيان الحسنة والسيئة ‪ ،‬وأسباب كل منهما ‪ .‬فالوالد والولي‬ ‫الناصح يبذل جهده في تقويم موليه ‪ ،‬وفي نصحه وإرشاده ‪ ،‬وتحريضه على الخير ‪،‬‬ ‫وتحذيره من العاقبة السيئة؛ ليكون سببا في نجاته وفلحه ‪ ،‬كما أن الله تعالى قذف‬ ‫في قلبه الرحمة التي تستجلب الرقة والشفقة في الدنيا ‪ ،‬فقد روى أبو هريرة ‪-‬رضي‬ ‫الله عنه‪ : -‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قبل الحسن ‪ ،‬فقال القرع‬ ‫بن حابس ‪ :‬إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم ‪ .‬فقال رسول‬ ‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬إنه من ل يرحم ل يرحم »(‪ ،)1‬وعن عائشة‬ ‫رضي الله عنها‪ -‬قالت‪ :‬قدم ناس من العراب فقالوا‪ :‬أتقبلون صبيانكم؟ لكنا والله ما‬‫نقبل ‪ .‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬أو أملك أن كان الله نزع‬ ‫منكم الرحمة » وفي لفظ‪ « :‬أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة »(‪ ،)2‬وفي‬ ‫حديث أسامة بن زيد أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬لما رفع إليه ابن بنته ‪ ،‬ونفسه‬ ‫تقعقع ‪ ،‬ففاضت عيناه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وقال‪ « :‬هذه رحمة جعلها الله في‬ ‫قلوب عباده ‪ ،‬وإنما يرحم الله من عباده الرحماء »(‪ )3‬فهذه الرحمة التي جعلها‬ ‫الله تعالى في قلوب الباء يكون من آثارها الشفقة عليهم ‪ ،‬والحرص على إيصال‬ ‫الخير إليهم ‪ ،‬ودفع الشر عنهم ‪ ،‬سيما وقت الطفولية والحاجة ‪ ،‬وتستمر حتى الموت‬ ‫‪ )(1‬رواه البخاري في الدب برقم ‪ 5997‬ومسلم في الفضائل برقم ‪.2318‬‬ ‫‪ )(2‬رواه البخاري في الدب برقم ‪ 5998‬ومسلم في الفضائل برقم ‪.2317‬‬ ‫‪ )(3‬رواه البخاري في الجنائز برقم ‪ 1284‬ومسلم في الجنائز برقم ‪.923‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫غالبا ‪ .‬فمتى كان يحب لهم الصحة والسلمة والبعد عن العطب والضرر فإن عليه أن‬ ‫يحرص على تقويم أولده وتهذيب أخلقهم ‪ ،‬وإرشادهم إلى ما ينفعهم في الدار الخرة‬ ‫ويوصلهم إلى رضوان ربهم سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫ما ورد في الولد وتأثيرهم على الباء ‪:‬‬ ‫يشاهد أن الرجل متى رزق أولدا من ذكور أو إناث فإنه ينشغل بشأنهم ‪ ،‬ويهتم‬ ‫بتحصيل الرزق ‪ ،‬ويسعى في جمع المال ‪ ،‬ويكدح ويشقى في الطلب والتكسب ‪،‬‬ ‫وينشغل بذلك عن التعلم والتفقه ‪ ،‬ويؤثر البقاء والمقام معهم أو بقربهم ‪ ،‬ولو فاتته‬ ‫الفضائل والعمال الصالحة ‪ ،‬فقد روى الترمذي(‪ )1‬عن عمر بن عبد العزيز قال‪ :‬زعمت‬ ‫المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قالت‪ :‬خرج رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ذات‬ ‫يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول‪ « :‬إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون ‪،‬‬ ‫وإنكم لمن ريحان الله » قال الترمذي ‪ " :‬ل نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا‬ ‫من خولة " أي‪ :‬فهو منقطع ‪ ،‬لكن عمر جزم به ‪ ،‬وقد لقي في المدينة من روى عن‬ ‫خولة يقينا ‪ ،‬ومعناه أن محبة الولد تحمل أباه على البخل بالمال ‪ ،‬والحرص على‬ ‫جمعه؛ ليخلفه لولده ‪ ،‬أو لينفقه عليه في حياته ‪ ،‬وكذا على الجبن الذي هو ضد‬ ‫الشجاعة ‪ ،‬فل يخرج للجهاد خوفا من القتل وضياع أولده ‪ ،‬فإن خرج لم يكن معه‬ ‫الجرأة على القدام ‪ ،‬وكذا على الجهل لكبابه على التكسب ‪ ،‬والنشغال بالتجارات أو‬ ‫الحرف ‪ ،‬أو العمال التي يتحصل منها على المال ‪ ،‬فيبقى على جهله ‪ ،‬ويفوته التعلم‬ ‫والتفقه في الدين ‪ .‬وقوله‪ « :‬وإنكم لمن ريحان الله » أي‪ :‬كالريحان الذي هو‬ ‫(‪)2‬‬ ‫طيب الريح؛ لنهم يشمون ويقبلون ‪ ،‬فكأنهم من جملة الرياحين ‪ ،‬فقد روى الترمذي‬ ‫عن أنس « أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان يدعو الحسن والحسين‬ ‫فيشمهما ويضمهما إليه » ‪ ،‬وروى الطبراني في الوسط(‪ )3‬عن أبي أيوب قال‪« :‬‬ ‫دخلت على رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والحسن والحسين يلعبان‬ ‫بين يديه ‪ ،‬فقلت‪ :‬أتحبهما يا رسول الله؟ قال‪ :‬وكيف ل وهما ريحانتاي‬ ‫من الدنيا أشمهما » ‪ ،‬وروى البزار(‪ )4‬عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ « :-‬الولد ثمرة القلب ‪ ،‬وإنهم مجبنة مبخلة محزنة » ‪ ،‬وروى‬ ‫أيضا عن السود بن خلف أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أخذ حسنا فقبله فقال‪« :‬‬ ‫إن الولد مبخلة مجهلة مجبنة »(‪ ،)5‬وروى المام أحمد(‪ )6‬عن الشعث بن قيس قال‪:‬‬ ‫قال لي رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬هل لك من ولد؟ » قلت‪ :‬غلم‬ ‫ولد لي في مخرجي إليك ‪ ،‬ولوددت أن مكانه شبع القوم ‪ .‬قال‪ « :‬ل‬ ‫تقولن ذلك ‪ ،‬فإن فيهم قرة عين ‪ ،‬وأجرا إذا قبضوا ‪ ،‬ثم إنهم لمجبنة‬ ‫محزنة ‪ ،‬إنهم لمجبنة محزنة » ‪ ،‬وعن يعلى بن مرة الثقفي قال‪ :‬جاء الحسن‬ ‫والحسين يسعيان إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فضمهما إليه ‪ ،‬وقال‪ « :‬إن الولد‬ ‫مبخلة مجبنة »(‪ )7‬فهذه الحاديث وما في معناها تدل على أن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ -‬قد نبه المة على ما هو أمر طبيعي واقعي من أن الباء في الغالب يتصفون‬ ‫‪ )(1‬هو في سننه كما في تحفة الحوذي ‪ 37 / 6‬باب ما جاء في حب الوالد لولده‪.‬‬ ‫‪ )(2‬كما في التحفة ‪ 276 / 10‬في مناقب الحسن والحسين‪.‬‬ ‫‪ )(3‬ذكره الهيثمي في الفضائل من مجمع الزوائد ‪ 181 / 9‬وفيه ضعف‪.‬‬ ‫‪ )(4‬كما في كشف الستار برقم ‪ 1892‬وفيه عطية العوفي وهو ضعيف‪.‬‬ ‫‪ )(5‬هو في كشف الستار برقم ‪ 1891‬قال في مجمع الزوائد ‪'' : 155 / 8‬ورجاله ثقات ''‪.‬‬ ‫‪ )(6‬هو في المسند ‪ 211 / 5‬وفي سنده مجالد بن سعيد وهو ضعيف‪ ،‬ويشهد له ما قبله من الحاديث‪.‬‬ ‫‪ )(7‬رواه ابن ماجه برقم ‪ 3666‬وفي إسناده سعيد بن أبي راشد وثقه ابن حبان قال البوصيري في الزوائد ‪ '' : 99 / 4‬هذا‬ ‫إسناد صحيح رجاله ثقات ''‪ .‬وكذا صححه الحاكم ‪ 164 / 3‬وأقره الذهبي‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫بالجبن والبخل؛ لتأثير محبة الولد ‪ ،‬والشفقة عليه ‪ ،‬فإذا كانت محبة الولد ركيزة في‬ ‫القلب ‪ ،‬وظهر أثرها في العمل ‪ ،‬بشدة الطلب والجمع والتكسب ‪ ،‬ثم المساك‬ ‫والتقتير على النفس وعلى الهل والضيف ‪ ،‬والتوقف عن النفاق في وجوه الخير ‪،‬‬ ‫فإن من الواجب والمؤكد أن يعنى الوالد بولده في التهذيب والسعي في الصلح ‪،‬‬ ‫والتعهد في الصغر وبعد الكبر؛ ليكون قرة عين لبويه ‪ ،‬وتثمر التربية الصالحة‬ ‫بالستقامة والبعد عن النحراف والزيغ ‪.‬‬

‫أسباب كثرة النحراف في الشباب ‪:‬‬ ‫المشاهد في هذه الزمنة وقوع انحراف الكثير من الشباب عن الستقامة ‪ ،‬وانهماكهم‬ ‫في الفساد ‪ ،‬وانغماسهم في الشهوات التي أردت بالكثير منهم ‪ ،‬وجلبت لهم الشرور‬ ‫والضرار ‪ ،‬فعاثوا في الرض فسادا ‪ ،‬وأضاعوا الصلوات ‪ ،‬وتعاطوا المسكرات‬ ‫والمخدرات ‪ ،‬ولذلك أسباب ومغريات (منها) الهمال من الباء والولياء ‪ ،‬فإن أغلب‬ ‫الباء‪ -‬هداهم الله‪ -‬منشغلون عن أولدهم ‪ ،‬فأحدهم يذهب إلى وظيفته أو مقر عمله‬ ‫كل صباح ‪ ،‬ويرجع آخر النهار ‪ ،‬وقد ل يرجع إلى منزله حتى يؤويه المبيت ‪ ،‬فيتقلص‬ ‫النهار وهو في تقليب تجارته أو حرفته وصناعته ‪ ،‬أو في زياراته واتصالته بأصدقائه‬ ‫ورفقائه ‪ ،‬فل يبقى لهله إل أقل الوقت وآخره ‪ ،‬فهو ل يتفرغ لهله ‪ ،‬ول يتفقد أعمال‬ ‫ولده ‪ ،‬ول يحدث نفسه بما يحصل لهم من بعده ‪ ،‬فإما أن يكل تربيتهم إلى الخدم‬ ‫والمعلمين ‪ ،‬وإما أن يهملهم ويترك لهم الحبل على الغارب ‪ ،‬بحيث يتمكنون من‬ ‫الذهاب والتقلب كيف شاءوا ‪ ،‬والختلط بأهل الفساد والمعاصي ممن يزين لهم‬ ‫الوقوع في المسكرات ‪ ،‬وتعاطي المخدرات ‪ ،‬وشرب الدخان ‪ ،‬وسماع الغاني ‪،‬‬ ‫والعكوف على النظر إلى الصور الخليعة ‪ ،‬والكباب على الفلم الهابطة ‪ ،‬والتمثيلت‬ ‫الماجنة ‪ ،‬فتفسد أخلقهم ‪ ،‬وتنحرف طباعهم ‪ ،‬فتثقل عليهم الصلوات ‪ ،‬ويستصعبون‬ ‫حضور الجماعات ‪ ،‬ويهون عليهم أمر جميع العبادات ‪ ،‬ويعتادون غشيان المحرمات ‪،‬‬ ‫وينهمكون في الفساد ‪ ،‬وينغمسون في اقتراف الفواحش والمنكرات ‪ ،‬فل ينتبه ولي‬ ‫أحدهم إل بعد أن تتمكن من ولده تلك العادات السيئة ‪ ،‬وتصبح ركيزة في نفسه ‪ ،‬يندر‬ ‫أن يقلع عنها مهما بذل والده من النصح والتوجيه ‪ ،‬والتحذير والتخويف والتهديد ‪،‬‬ ‫ومهما فعل من الضرب والحبس والتعزير ‪ ،‬فيندم الب ولت حين مندم ‪ ،‬ويعض كفه‬ ‫على ما فرط منه من الغفلة والهمال ‪.‬‬ ‫مع أن الكثير من الباء وأولياء المور قد يغفلون عن أولدهم ‪ ،‬وينشغلون بحرفهم‬ ‫وأعمالهم ‪ ،‬فيصلح أولدهم ‪ ،‬وتتولهم عناية الله ‪ ،‬ويحفظهم ربهم عن الخطار‬ ‫َ‬ ‫فأُولَئ ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫ن﴾‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫خا ِ‬ ‫هت َ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫سُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫و َ‬ ‫و ال ْ ُ‬ ‫د الل ّـ ُ‬ ‫والضرار‪َ ﴿ :‬‬ ‫دي َ‬ ‫ه َ‬ ‫[ سورة العراف الية ‪.] 178‬‬ ‫كما أن من أسباب هذا النحراف في الشباب سوء التربية ‪ ،‬فإن الكثير من الباء قد‬ ‫يتنزل على رغبة أهله وولده عندما يتضجرون أمامه ‪ ،‬ويشتكون الفراغ والتحجر‬ ‫والتضييق ‪ ،‬ويطلبون منه ما يسليهم ويفرج عنهم الهموم والحزان ‪ ،‬ويشغلهم عن‬ ‫التفكير والتعقيد والنزواء ‪ ،‬فيرغبون إليه في جلب ما يرفهون به عن أنفسهم بزعمهم‬ ‫‪ ،‬ويجلب لهم الفرح والنبساط ‪ ،‬ويضربون له المثال بفلن وآل فلن ‪ ،‬فينخدع‬ ‫بتعليلتهم ‪ ،‬ويحزنه بكاؤهم وشكاياتهم ‪ ،‬فيلبي طلباتهم ‪ ،‬ويبذل لهم ماله رخيصا ‪،‬‬ ‫فيجلب لهم ما يفسد أخلقهم ‪ ،‬وما يصدهم به عن سواء السبيل ‪ ،‬من آلت اللهو‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫واللعب وأجهزة الغاني وأشرطة الفيديو والكاسيت ‪ ،‬ومن الصحف والمجلت الفاسدة‬ ‫‪.‬‬ ‫ول تسأل عما في طياتها من خلعة ومجون ودعارة وفساد ‪ ،‬وما تزرعه في نفوس‬ ‫الولد والهل ذكورا وإناثا من ميل إلى الدعة والخمول ‪ ،‬والنقطاع عن العمال ‪ ،‬ومن‬ ‫اندفاع إلى اقتراف الفواحش ‪ ،‬وارتكاب المحرمات التي تمثلها لهم تلك الفلم‬ ‫والشرطة والصور الفاتنة ‪ ،‬حيثما يشاهدون فيها الصورة الفاتنة ‪ ،‬والمرأة المتبرجة‬ ‫شبه العارية ‪ ،‬وصور الشباب أمام النساء ‪ ،‬وما بها من حلق اللحى ‪ ،‬وشرب الدخان ‪.‬‬ ‫ول تسأل عن تأثير هذه المرئيات والمسموعات في قلوب الشباب ‪ ،‬على غفلة من‬ ‫الب أو الولي ‪ ،‬زاعما أن هذا من باب التسلية والترفيه ‪ ،‬وتنشيط النفوس ‪ ،‬وإزالة‬ ‫السآمة والملل ‪ ،‬ونحو ذلك من العذار الباردة ‪ ،‬ولم يشعر أن الذين نشروا هذه‬ ‫الملهي ‪ ،‬وصوروا هذه الفلم في هذه اللت والجهزة ‪ ،‬لهم أهداف سيئة زائدة على‬ ‫هدف الستغلل ‪ ،‬واكتساح الموال ‪ ،‬فإنهم قد عرفوا أن المسلمين من العرب‬ ‫وغيرهم ذكورا وإناثا عندهم من الفهم والدراك ‪ ،‬وقوة الذاكرة ما يمكنهم من معرفة‬ ‫الصناعات ‪ ،‬والقدرة على الختراع ‪ ،‬والنتاج الفكري والعملي ‪ ،‬بحيث يستغني‬ ‫المسلمون عما يستوردونه من إنتاج أولئك الكفرة من الصناعات والجهزة والدوات ‪.‬‬ ‫‪ . .‬إلخ ‪ ،‬فتكسد سلعهم ‪ ،‬أو يقل من يحتاج إليها ‪ ،‬مما يضعف اقتصادهم ‪ ،‬ويقلل من‬ ‫الحتياج إلى إنتاجهم ‪ ،‬فلعل هذا من أشهر مقاصدهم ‪ ،‬فانشغل به شباب المسلمين‬ ‫والعرب ‪ ،‬وصيروه شغلهم الشاغل ‪ ،‬فضاعت أعمارهم فيما ل أهمية له ‪ ،‬أو فيما فيه‬ ‫هلكهم المعنوي وهم ل يشعرون ‪.‬‬ ‫كما أن من أسباب النحراف كثرة المفسدين ودعاة الضلل الذين وقعوا في شباك‬ ‫الردى ‪ ،‬وتمكن منهم الفساد ‪ ،‬فأحبوا أن يغروا جلساءهم وزملءهم ‪ ،‬ويوقعوهم فيما‬ ‫وقعوا فيه ولم يستطيعوا التخلص منه ‪ ،‬وهدفهم أن يكثر أشباههم ‪ ،‬ويتمكنوا من‬ ‫الظهور ‪ ،‬ويقل النكار عليهم ‪ ،‬ويحتجوا على من أنكر عليهم بفعل الخرين ‪ ،‬فكثيرا ما‬ ‫ننصح بعض الشباب عن شرب الدخان ‪ ،‬وحلق اللحية ‪ ،‬وسماع الغناء ‪ ،‬فيقول‪ :‬الناس‬ ‫مثلي كثير؛ أما رأيت غيري ‪ ،‬هذا شيء موجود في العالم ‪ ،‬أل ينكره غيرك؟! ونحو‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫مع أنهم عند التحقيق يعرفون خطأهم ‪ ،‬وفساد ما اقترفوه ‪ ،‬ولكن لما تمكن ذلك منهم‬ ‫‪ ،‬وسيطرت تلك العادات عليهم ‪ ،‬واستولى عليهم خلطاؤهم وزملؤهم ‪ ،‬وتحكمت‬ ‫فيهم تلك الفعال السيئة ‪ ،‬لم يجدوا بدا من أن يبرروا موقفهم بأن لهم قدوة ‪ ،‬وأن‬ ‫الناس سواهم كثير ‪.‬‬ ‫ونحن ننصح أولياء المور عن الهمال والضاعة لولدهم وفلذات أكبادهم ‪ ،‬ونقول‪ :‬إن‬ ‫الواجب على الب وولي المر أن يتفقد جلساء ولده ‪ ،‬ويتحقق من صلحهم‬ ‫واستقامتهم ‪ ،‬ومتى كانوا أفاضل وعبادا أتقياء ‪ ،‬من خيرة الشباب وأهل اللتزام‬ ‫والعمل الصالح ‪ ،‬أوصاه بملزمتهم ‪ ،‬وحضه على مجالستهم ‪ ،‬وعلى القتداء بهم ‪،‬‬ ‫ومنافستهم ومسابقتهم إلى الخيرات وإلى حلقات العلم والمذاكرة والقراءة ‪،‬‬ ‫والحرص على الستفادة ‪ ،‬وإن كان جلساؤه من أهل السفه واللهو ‪ ،‬وإضاعة الوقت ‪،‬‬ ‫وأهل الضحك والمزاح ‪ ،‬فإن عليه أن ينصحه بالبعد عنهم ‪ ،‬ويحذره من الجلوس‬ ‫معهم ‪ ،‬حرصا على الستفادة من الزمان ‪ ،‬وعلى حفظ العمار فيما يعود على‬ ‫النسان بالمصلحة في دينه ودنياه ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫أما إن كانوا من أهل الفساد والخنا ‪ ،‬وعمل الفواحش وفعل المنكرات ‪ ،‬والنهماك في‬ ‫المحرمات ‪ ،‬فإن صحبتهم تردي بمن صحبهم ‪.‬‬ ‫وقد نهى الله تعالى رسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن مجالسة مثل هؤلء بقوله‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫في آيَاتِنَا َ‬ ‫ضوا‬ ‫حتَّى ي َ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫فأ َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خو ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫م َ‬ ‫وإِذَا َرأي ْ َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ْ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سيَن ّك ال ّ‬ ‫وم‬ ‫ِ‬ ‫عدَ ال ِ‬ ‫ما يُن ْ ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫شيْطا ُ‬ ‫م َ‬ ‫عدْ ب َ ْ‬ ‫ن فل ت َق ُ‬ ‫في َ‬ ‫ذّكَرى َ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ث غي ْ ِ‬ ‫ع الق ْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ن﴾‬ ‫الظال ِ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫[ سورة النعام الية ‪ . ] 68‬والمر لرسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ولكل فرد من‬ ‫أفراد أمته ‪.‬‬ ‫والخوض في آيات الله تعالى يعم من يستهزئ بها ‪ ،‬أو يكذب بها ‪ ،‬أو يطعن في صحتها‬ ‫‪ ،‬أو يعيب أهلها ‪ ،‬ويدخل في اليات كلم الله تعالى وسنة النبي ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ -‬وأحكام الشرع ‪ ،‬والحلل والحرام ‪ ،‬فكل من خاضوا في ذلك بالباطل حرم‬ ‫الجلوس معهم ‪ ،‬ولو كانوا من المتسمين بالسلم ‪ ،‬فمن جلس معهم غافل عن الحكم‬ ‫ثم تذكر ‪ ،‬أو بدءوا بكلم مباح ثم انتقلوا إلى الخوض المنهي عنه ‪ ،‬فإن عليه المبادرة‬ ‫بالقيام عنهم إن لم يتأثروا بالنصح ‪ ،‬ولم يقبلوا المعروف ‪ ،‬وقد نبه الله تعالى‬ ‫و َ‬ ‫قدْ نََّز َ‬ ‫ب‬ ‫ل َ‬ ‫م ِ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬ ‫في الْكِتَا ِ‬ ‫المؤمنين على هذا الحكم َ‪ ،‬وأكده مرة أخرى بقوله‪َ ﴿ :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه يُك ْ َ‬ ‫حت ّى‬ ‫س ِ‬ ‫ت الل ّـ ِ‬ ‫م آيَا ِ‬ ‫أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ها فل ت َق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫هَزأ ب ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫فُر ب ِ َ‬ ‫ن إِذَا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عدُوا َ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ث َ‬ ‫م ﴾ [ سورة النساء الية ‪.] 140‬‬ ‫يَ ُ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫خو ُ‬ ‫م إِذًا ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫في َ‬ ‫مثْل ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه إِنَّك ُ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫وهذا وعيد شديد ‪ ،‬وتهديد أكيد ‪ ،‬لمن جلس مع الخائضين في آيات الله ‪ ،‬والمستهزئين‬ ‫بها ‪ ،‬حيث اعتبر من جلس معهم مثلهم ‪ ،‬أي لقراره وسكوته مع تمكنه من النكار ‪ ،‬أو‬ ‫من مبارحة المكان ‪ ،‬والبعد عن أولئك المستهزئين ‪.‬‬ ‫ولقد مدح الله تعالى عباده المؤمنين به حقا ‪ ،‬الذين وعدهم بمضاعفة الجر بقوله‪﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫م‬ ‫عوا الل ّ ْ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫قالُوا لَنَا أ َ ْ‬ ‫ضوا َ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫عَر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ُ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫م َ‬ ‫وإِذَا َ‬ ‫مالُك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ولَك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫مالُنَا َ‬ ‫ه َ‬ ‫غ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وإِذَا‬ ‫﴿‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬ ‫]‬ ‫‪55‬‬ ‫الية‬ ‫القصص‬ ‫سورة‬ ‫[‬ ‫﴾‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ال‬ ‫غي‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫عل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ُ‬ ‫م ُّ‬ ‫ما ﴾ [ سورة الفرقان الية ‪.] 72‬‬ ‫را‬ ‫ك‬ ‫روا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫غ‬ ‫الل‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ّ‬ ‫ويدخل في اللغو الخوض في آيات الله بالباطل والسخرية بالحكام ‪ ،‬والتكذيب باليات‬ ‫‪ ،‬والطعن في القرآن ونحو ذلك ‪ ،‬فكله من اللغو المنهي عنه ‪ ،‬فمتى اشتملت‬ ‫المجالس على مثل ذلك ‪ ،‬فإن العاقل الذي يريد نجاة نفسه يتركها ‪ ،‬ويربأ بنفسه عن‬ ‫مجالسة أهلها ‪ ،‬حتى ل يعلق به شيء من وضرهم ودنسهم ‪ ،‬فيصعب التخلص منه ‪.‬‬ ‫وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلة والسلم بمجالسة أهل الصلح والصلح ‪،‬‬ ‫والتمسك بالدين الصحيح ‪ ،‬والمؤمنين بالله ورسوله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وذلك في‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫صبِْر ن َ ْ‬ ‫ي‬ ‫م بِال ْ َ‬ ‫ن يَدْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫غدَا ِ‬ ‫ع ال ّ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َرب َّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مثل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫ش ِّ‬ ‫َ‬ ‫م ﴾ [ سورة الكهف الية ‪ .] 28‬وهؤلء هم الذين‬ ‫عيْنَاك َ‬ ‫عدُ َ‬ ‫ريدُو َ‬ ‫وَل ت َ ْ‬ ‫و ْ‬ ‫ج َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫يُ ِ‬ ‫أسلموا قديما ‪ ،‬وفارقوا الكفار ‪ ،‬وقاطعوهم ‪ ،‬فأمر الله نبيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫بأن يصبر نفسه معهم ‪ ،‬ول ينظر إلى غيرهم نظرة إكبار وإجلل ‪.‬‬ ‫وقد روي أن المشركين طلبوا من النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أن يطرد عنه ضعفاء‬ ‫المسلمين وفقراءهم ‪ ،‬من المماليك والموالي والحلفاء الذين أسلموا معه ‪ ،‬وذكروا‬ ‫أنهم يأنفون عن مجالستهم ‪ ،‬فهم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بطردهم طمعا في‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫إسلم أولئك الكابر من المشركين ليسلم غيرهم ‪ ،‬ولكن الله تعالى نهاه عن طرد‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م بِال ْ َ‬ ‫ن يَدْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫غدَا ِ‬ ‫وَل تَطُْرِد ال ّ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ن َرب َّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ة َ‬ ‫أولئك المؤمنين بقوله‪َ ﴿ :‬‬ ‫ش ِّ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ﴾ [ سورة النعام الية ‪ ] 52‬إلى قوله‪َ ﴿ :‬‬ ‫ن‬ ‫فتَطُردَ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫فتَكُو َ‬ ‫ريدُو َ‬ ‫و ْ‬ ‫يُ‬ ‫م َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ن ﴾ [ سورة النعام الية ‪ ] 52‬وفي هذا ترغيب في مجالسة الصالحين ‪،‬‬ ‫الظال ِ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫والقرب منهم ‪ ،‬والستفادة من علومهم وأعمالهم ‪ ،‬وفي ضمن ذلك التحذير من‬ ‫مجالسة الشرار والمفسدين ‪ ،‬وأهل الغي والضلل ‪.‬‬ ‫ولقد وردت السنة النبوية في التحذير من جلساء السوء ‪ ،‬والترغيب في صحبة الخيار‬ ‫والصالحين ‪ ،‬والقرب منهم ‪ ،‬كما في قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬مثل‬ ‫الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ‪ ،‬فحامل‬ ‫المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا طيبة ‪،‬‬ ‫ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ‪ ،‬وإما أن تجد منه ريحا خبيثة » متفق عليه‬ ‫عن أبي موسى(‪ .)1‬وروى أنس ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬ ‫« ومثل جليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء‬ ‫أصابك من ريحه ‪ ،‬ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير ‪ ،‬إن لم يصبك‬ ‫(‪)2‬‬ ‫من سواده أصابك من دخانه »‬ ‫قال النووي في شرح مسلم ‪ " :‬وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة‬ ‫ومكارم الخلق والورع والعلم والدب ‪ ،‬والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ‪،‬‬ ‫ومن يغتاب الناس ‪ ،‬أو يكثر فجوره وبطالته ‪ ،‬ونحو ذلك من النواع المذمومة "‪ ) 3(.‬ا هـ‬ ‫‪.‬‬ ‫والتمثيل واقعي فالجليس الصالح إما أن يفيدك بفوائد علمية ‪ ،‬أو يدلك على خير ‪،‬‬ ‫وإما أن يحذرك من الشرور ‪ ،‬أو على القل يكون قدوة حسنة في قوله وفعله ‪ .‬أما‬ ‫الجليس السوء فهو إما أن يغويك ويوقعك في الردى ‪ ،‬وإما أن يكسلك عن الطاعات ‪،‬‬ ‫وإما أن يكون قدوة سيئة في أفعاله وكلماته ‪.‬‬ ‫وقد روى أبو سعيد ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪« :-‬‬ ‫ل تصاحب إل مؤمنا ول يأكل طعامك إل تقي »(‪ )4‬قال في تحفة الحوذي‪" :‬‬ ‫المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين؛ لن مصاحبتهم مضرة في الدين ‪« .‬‬ ‫ول يأكل طعامك إل تقي » أي‪ :‬متورع يصرف قوة الطعام إلى عبادة الله "‪ )5(.‬ا‬ ‫هـ ‪.‬‬ ‫وعن أبي هريرة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪« :-‬‬ ‫المرء على دين خليله ‪ ،‬فلينظر أحدكم من يخالل »(‪ )6‬والخليل هو الصديق‬ ‫المصاحب ‪ ،‬يعني أن الغالب على النسان القتداء بأصدقائه وجلسائه ‪ ،‬فهو يقتدي بهم‬ ‫ويحتذي حذوهم ‪ ،‬فإن كانوا صالحين سعد بهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬وجمعه الله بهم في‬ ‫دار كرامته ‪ ،‬وإن كانوا أشقياء أثروا فيه ‪ ،‬وأردوه وأوقعوه في الشقاء ‪ ،‬فيندم في‬ ‫َ‬ ‫ع ُّ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ت‬ ‫ل يَا لَيْتَنِي ات َّ َ‬ ‫م َ‬ ‫علَى يَدَي ْ ِ‬ ‫م يَ َ‬ ‫خذْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ض الظّال ِ ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫‪ )(1‬هو في صحيح البخاري برقم ‪ 5534 ،2101‬ومسلم برقم ‪ 2628‬ورواه بقية الجماعة‪.‬‬ ‫‪ )(2‬هو في سنن أبي داود برقم ‪ 4829‬وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪ )(3‬انظر شرح النووي على مسلم ‪.178 / 16‬‬ ‫‪ )(4‬رواه أبو داود في الدب برقم ‪ ،4832‬والترمذي برقم ‪ 2397‬وإسناده حسن‪ .‬ورواه أحمد ‪ ، 38 / 3‬والحاكم ‪128 / 4‬‬ ‫وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫‪ )(5‬انظر تحفة الحوذي على الترمذي ‪ 76 / 6‬للمباركفوري‪.‬‬ ‫‪ )(6‬رواه أبو داود برقم ‪ ، 4833‬والترمذي برقم ‪ ،2379‬والحاكم ‪ 171 / 4‬وإسناده حسن‪ ،‬وصححه الحاكم والذهبي‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫خذْ ُ‬ ‫خلِيل ﴾ [ سورة الفرقان ‪:‬‬ ‫فَلنًا َ‬ ‫م أَت َّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ع الَّر ُ‬ ‫ويْلَتَى لَيْتَنِي ل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫سبِيل * يَا َ‬ ‫سو ِ‬ ‫‪ . ] 28 : 27‬هكذا حكى الله عن هذا الظالم أسفه على خلة فلن الذي أضله عن‬ ‫الذكر ‪ ،‬وصده عنه ‪ ،‬وزين له الكفر والفسوق والمعاصي ‪ ،‬وقد قال تعالى عنهم وهم‬ ‫وبَيْن َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ر َ‬ ‫جاءَنَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫قا َ‬ ‫س‬ ‫ك بُ ْ‬ ‫حتَّى إِذَا َ‬ ‫في العذاب‪َ ﴿ :‬‬ ‫ل يَا لَي ْ َ‬ ‫عدَ ال ْ َ‬ ‫فبِئ ْ َ‬ ‫ت بَيْنِي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫قي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن﴾‬ ‫م ِ‬ ‫ركو َ‬ ‫ن يَن ْف َ‬ ‫في ال َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫م إِذْ ظل ْ‬ ‫عك ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫م أن ّك ْ‬ ‫عذَا ِ‬ ‫ن* َ‬ ‫م الي َ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫[ سورة الزخرف ‪ 38 :‬ـ ‪ . ] 39‬أي ل يخفف عنهم اجتماعهم في العذاب ‪ ،‬بل تنقلب‬ ‫ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫تلك الصداقة والمحبة عداوة وبغضا ‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ال ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫مئ ِ ٍ‬ ‫ذ بَ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫خ ّلءُ ي َ ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ن ﴾ [ سورة الزخرف الية ‪. ] 67‬‬ ‫ض َ‬ ‫مت َّ ِ‬ ‫لِب َ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫و إ ِ ّل ال ْ ُ‬ ‫عدُ ّ‬ ‫ع ٍ‬ ‫والخلء هم الصدقاء في الدنيا ‪ .‬وقال ابن عبد القوي(‪: )1‬‬ ‫وصــاحب إذا صــاحبت كــل مــوفق * * * ول تصحب الردى فتردى مع‬ ‫الردي‬ ‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه * * * فكــــل قـــرين بالمقـــارن‬ ‫يقتـــدي‬ ‫وهذا أمر مشاهد ‪ ،‬فيعرف كل إنسان بجلسائه ‪ ،‬ومما يروى عن علي ‪:‬‬ ‫فل تصحـب أخـا الجـهل * * * وإيـــــــــــاك وإيـــــــــــاه‬ ‫فكــم مـن جـاهل أردى * * * حليمــــا حــــين آخـــاه‬ ‫يقـــاس المـــرء بــالمرء * * * إذا مـــا المـــرء ماشــاه‬ ‫وللشيء على الشيء * * * مقــــــاييس وأشـــــباه‬ ‫وفي القصيدة المعروفة بالزينبية قوله‪:‬‬ ‫واحـــذر مصاحبـــة اللئــيم فإنــه * * * يعدي كما يعدي الصحيح الجرب‬ ‫وكلم العلماء في اختيار الصحبة كثير ‪ ،‬وفيما ذكرنا كفاية ‪.‬‬

‫أهمية الوقت والحرص على استغلله فيما يفيد ‪:‬‬ ‫لما كان كثير من الباء يشغل أولده بما يذهب عليهم الزمان؛ لطول الفراغ ‪ ،‬والحتياج‬ ‫إلى النشغال فيه بما يخففه ‪-‬في زعمه‪ -‬أحببنا أن نشير هنا إلى أهمية الوقت ‪،‬‬ ‫وأفضل ما ينشغل المرء فيه ‪ .‬فإن الوقت الذي هو الليل والنهار هو كرأس مال‬ ‫النسان في التجارة ‪ ،‬يحافظ عليه العاقل ‪ ،‬ويتحفظ في تصرفه أن يذهب إن أساء‬ ‫العمل ‪ ،‬أو ينقص فيخسر ويندم ‪ .‬فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا‬ ‫استغله في الخير والعلم والعمل الصالح ‪ ،‬ويخسر في ضد ذلك ‪ ،‬فيجب على العاقل‬ ‫أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في دنياه وأخراه ‪،‬‬ ‫متذكرا أنه مسئول ومحاسب عن زمانه ‪ ،‬كما روي عنه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬‬ ‫ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع‪ -‬أو عن خمس‪ -‬عن عمره فيما‬

‫‪ )(1‬انظر هذه الشعار ونحوها في (الداب الشرعية) لبن مفلح ‪ 561 / 3‬وقد أطال في هذا الموضوع‪ ،‬فراجعه إن شئت‪،‬‬ ‫فقد أجاد وأفاد ـ رحمه الله تعالى ـ‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫أفناه ‪ ،‬وعن شبابه فيما أبله ‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ‪،‬‬ ‫وعن علمه ماذا عمل به »(‪.)1‬‬ ‫فقد ذكر من هذه الخصال العمر كله ‪ ،‬وخص الشباب مع أنه من جملة العمر ‪ ،‬وذلك‬ ‫أن عادة الشباب ميلهم إلى اللهو واللعب والبطالة وإضاعة الوقت ‪ ،‬ومن لم يكن منهم‬ ‫كذلك فهو محل غرابة وعجب ‪ ،‬حيث مال عن ما يقتضيه الصبا والجهل ‪ ،‬ولهذا ورد في‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الحديث عن عقبة بن عامر رفعه‪ « :‬عجب ربك من الشاب ليست له صبوة »‬ ‫فمتى ترك الشاب هواه وما يتمناه فإن نفسه تميل عادة إلى اللهو واللعب والمرح‬ ‫والبطالة ‪ ،‬فمتى مكنه وليه من مراده فإنه ينهمك في ذلك ‪ ،‬ويغفل عن مصالحه‬ ‫العاجلة والجلة ‪ ،‬وينغمس في دحض الباطل والفساد حتى يتمكن ذلك من نفسه ‪ ،‬ول‬ ‫يشعر بالخسران المبين حتى يعقل ويتفكر ويحتاج إلى نفسه ‪ ،‬فحينئذ يبلغ منه السف‬ ‫والندم مبلغه ‪ ،‬وقد فات الوان ‪.‬‬ ‫ول شك أن العاقل يجب عليه أن يستحضر نهايته ‪ ،‬ويفكر في مستقبله ‪ ،‬ويتذكر عاقبة‬ ‫أمره ‪ ،‬فيستغل زمانه في كل شيء يعود عليه بالمصلحة في دينه ودنياه ‪ ،‬ول يفرط‬ ‫في لحظة من لحظات عمره بإضاعتها فيما ل فائدة فيه ‪ ،‬متذكرا قول الله تعالى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذيُر ﴾‬ ‫ما يَتَذَك ُّر ِ‬ ‫م الن َّ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ع ِّ‬ ‫و َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاءَك ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مْرك ُ ْ‬ ‫ن تَذَك َّر َ‬ ‫مخاطبا لهل النار‪ ﴿ :‬أ َ‬ ‫[ سورة فاطر الية ‪ .] 37‬فقد ذكرهم ربهم تعالى بأنه عمرهم أي‪ :‬مد لهم في العمار‬ ‫‪ ،‬بحيث يتمكنون من التذكر والتفكر في عاقبة أمرهم ونهايتهم ‪ ،‬فيعملون ما فيه‬ ‫نجاتهم من العذاب والنكال ‪ ،‬ويشغلون أوقاتهم بما يعود عليهم بالفائدة والخير في‬ ‫دنياهم وأخراهم ‪.‬‬ ‫ول شك أن كل يوم يمر بالنسان فإنه يقربه إلى الخرة ‪ ،‬ويدنيه من أجله ‪ ،‬وأن كل‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ليل أو نهار يطوى على ما فيه من خير أو شر‪َ ﴿ :‬‬ ‫قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذََّر ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيًْرا يََر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ف َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫شًّرا يََرهُ ﴾ [ سورة الزلزلة ‪ 7 :‬ـ ‪.] 8‬‬ ‫ل ذََّر ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬ ‫* َ‬ ‫ولقد أمر الله تعالى نبيه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالعمل في وقت فراغه بقوله تعالى‪:‬‬ ‫فَر ْ‬ ‫ت َ‬ ‫فإِذَا َ‬ ‫﴿ َ‬ ‫ب ﴾ [ سورة الشرح الية ‪ ] 7‬أي‪ :‬فاعمل في ساعة تتفرغ فيها‬ ‫ص ْ‬ ‫غ َ‬ ‫فان ْ َ‬ ‫ما تستفيد منه لخرتك ‪ ،‬وبهذا يعرف أن ليس هناك وقت يسمى فراغا ‪ ،‬بل كل ساعة‬ ‫أو جزء منها ل يكون عند النسان فيه عمل فسوف يجد ما يعمله فيه ‪ ،‬ولو بالذكر‬ ‫والتلوة والعلم والعمل ‪.‬‬ ‫فالعاقل يبخل بعمره أن يضيع منه شيء سبهلل ‪ ،‬دون أن يستفيد من كل ساعة تمر‬ ‫به ‪ ،‬حتى ل يخسر جزءا من حياته ‪ ،‬مستحضرا قول الشاعر(‪: )3‬‬ ‫أليس مــن الخســران أن لياليـا * * * تمر بل نفع وتحسب من عمري‬ ‫وبهذا يعرف خسران الكثير من أكابر وأصاغر يظهرون الملل من طول الوقت ‪،‬‬ ‫ويقبلون على اللعب بما يسمى البلوت ‪ ،‬ونحوه من الملهي ‪ ،‬أو على ما يعرضونه من‬ ‫أفلم خليعة تحوي صورا ماجنة ‪ ،‬وقصصا خيالية ‪ ،‬تشغل الفكار ‪ ،‬وتضيع العمار ‪،‬‬ ‫‪ )(1‬رواه الترمذي في أول أبواب القيامة عن أبي برزة السلمي برقم ‪ ،2419‬وعن ابن مسعود برقم ‪ 2418‬وصحح حديث‬ ‫أبي برزة‪ .‬وحديث ابن مسعود حسن‪ ،‬وشاهده ما قبله‪.‬‬ ‫‪ )(2‬رواه المام أحمد في المسند ‪ ، 151 / 4‬وابن عدي في الكامل ‪ 465 / 4‬وفيه ضعف‪.‬‬ ‫‪ )(3‬ارجع إلى ما ذكره ابن رجب ـ رحمه الله ـ في أول كتابه (لطائف المعارف) حيث توسع في هذا المعنى‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫‪6‬‬

‫وكان الولى أن يضنوا بتلك الساعات الثمينة ‪ ،‬ويشغلوها في تلوة القرآن ‪ ،‬أو مذاكرة‬ ‫في حديث أو فقه ‪ ،‬أو أدب أو تاريخ فيه عبرة ‪ ،‬أو تعلم وتعليم ‪ ،‬أو أذكار وعبادات ‪،‬‬ ‫ونصائح وإرشادات ‪ ،‬أو عرض لمواضيع تهم المجتمع ‪ ،‬وسعي في نفع المسلمين ‪ ،‬فإن‬ ‫الكثير من أولئك الذين يظهرون الملل والسآمة من طول الوقت وكثرة الفراغ ‪،‬‬ ‫ويعملون أعمال وألعابا يستفرغون بها زمانهم ‪ ،‬لو تعلموا فيه أحكام دينهم ‪ ،‬أو تدبروا‬ ‫وقرءوا كتاب ربهم ‪ ،‬أو تفقهوا في دينهم ‪ ،‬لستفادوا من فراغهم فائدة كبرى ‪ ،‬فإن‬ ‫الغالب عليهم الجهل المركب ‪ ،‬فلو سألتهم عن معنى آية أو حديث فقهي ‪ ،‬أو تفسير‬ ‫غريب ‪ ،‬أو محتوى كتاب مشهور لما أجابوا بقليل ول بكثير ‪.‬‬ ‫فما أخسر صفقة من أضاع وقته الثمين وعمره الطويل في غير فائدة دينية أو دنيوية ‪.‬‬ ‫وأخسر منه من شغل عمره المديد في ضد الطاعة ‪ ،‬من عكوف على الملهي ‪،‬‬ ‫وسماع للغاني ‪ ،‬وإنصات لقصص وأضحوكات ‪ ،‬وتماثيل خيالية ‪ ،‬نسجتها أيدي العداء‬ ‫اللداء ‪ ،‬لهدف إضاعة الوقات ‪ ،‬واستفراغ العمار باسم التسلية والترفية عن النفس ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫موا أ َ َّ‬ ‫ب يَن ْ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ن ﴾ [ سورة‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قلِبُو َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫و َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫قل َ ٍ‬ ‫ترفيها بريئا كما يعبرون ‪َ ﴿ :‬‬ ‫الشعراء الية ‪.]227‬‬

‫مسئولية الباء وأولياء المور ‪:‬‬ ‫لقد ثبت في الصحيح قول النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬كلكم راع وكلكم‬ ‫مسئول عن رعيته ‪ ،‬فالمام راع ومسئول عن رعيته ‪ ،‬والرجل راع على‬ ‫أهل بيته وهو مسئول عن رعيته »(‪ )1‬الحديث ‪ .‬فرعاية الرجل لهل بيته هي‬ ‫سياسته لمرهم ‪ ،‬وإيصالهم حقوقهم الواجبة ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح في‬ ‫شرح هذا الحديث(‪ : )2‬وجاء من حديث أنس « فأعدوا للمسألة جوابا » وسنده‬ ‫حسن ‪ ،‬ولبن عدي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه‪ « :‬إن الله سائل كل راع‬ ‫عما استرعاه ‪ ،‬حفظ ذلك أم ضيعه »(‪)3‬وقد روى الترمذي(‪ )4‬حديث ابن عمر ‪،‬‬ ‫وأشار إلى ما في الباب من حديث أبي موسى وأنس ‪ ،‬ثم ذكر أسانيدها ‪ ،‬ورجح فيها‬ ‫الرسال ‪.‬‬ ‫وبالجملة فالحديث صحيح عن ابن عمر وغيره ‪ ،‬ومعلوم أن الرعاية تستلزم المانة ‪،‬‬ ‫والجتهاد في حفظ الرعية ‪ ،‬والنظر في المصالح ‪ ،‬والبعاد عن أسباب الضرر‬ ‫والهلك ‪ ،‬فإذا شعر العبد بأنه مسترعى على أهل بيته ‪ ،‬فإنه يحرص على من‬ ‫استرعاه الله إياهم ‪ ،‬ويبذل جهده في إصلحهم ‪ ،‬وجلب الخير لهم ‪ ،‬وحراستهم عن‬ ‫الشرور والضرار وأسباب الهلك والتردي ‪ ،‬فل بد أن يعد للسؤال جوابا ‪ ،‬وللجواب‬ ‫صوابا ‪.‬‬ ‫كما أن العاقل يعلم أن مصلحته في حماية الرعية التي تحت يده ‪ ،‬حيث إن صلحهم‬ ‫واستقامتهم يجلب له السعادة ‪ ،‬والحياة الطيبة ‪ ،‬وقرة العين عندما يرى ثمرة عنايته‬ ‫قد أينعت وأسفرت عن ذرية صالحة ‪ ،‬تبر بالوالد ‪ ،‬وتحنو على الولد ‪ ،‬وتطيع الله تعالى‬ ‫‪)(1‬‬ ‫‪)(2‬‬ ‫‪)(3‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫رواه البخاري في مواضع أولها رقم ‪ 893‬عن ابن عمر‪ ،‬وأخرجه بقية الجماعة‪.‬‬ ‫انظر الفتح ‪ 113 / 13‬حيث شرح الحديث هناك‪.‬‬ ‫كما في الكامل ‪.730 / 1‬‬ ‫كما في تحفة الحوذي ‪ 361 / 5‬في الجهاد‪ ،‬باب ما جاء في المام‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫‪ ،‬وتعمل السباب في النجاة من عذابه ‪ .‬فإن أصل الرعاية في رعي بهيمة النعام أي‪:‬‬ ‫إسامتها ‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ﴾ [ سورة النحل الية ‪ .] 10‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬كُلوا‬ ‫جٌر ِ‬ ‫ه تُ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫و ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ش َ‬ ‫سي ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫﴿ َ‬ ‫َ‬ ‫م ﴾ [ سورة طه الية ‪.] 54‬‬ ‫واْر َ‬ ‫وا أن ْ َ‬ ‫عا َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬ ‫فرعاة الدواب المأمونون الناصحون يلحظونها ‪ ،‬ويقصدون بها الماكن المعشبة ‪،‬‬ ‫ويراقبونها بنظرهم ‪ ،‬ويحفظونها عن السباع واللصوص والضياع ‪ ،‬فمتى فرط الراعي‬ ‫في الحفظ والنتباه فإنه مسئول عما ند منها وملزم بالضمان ‪ ،‬وقد قال الشاعر(‪: )1‬‬ ‫ومن رعى غنما في أرض مسبعة * * * ونــام عنهــا تــولى رعيهـا‬ ‫السـد‬ ‫وهكذا يكون أولياء المور متى فرط أحدهم ‪ ،‬وأهمل أولده ‪ ،‬وغفل عن مصلحة‬ ‫رعيته ‪ ،‬فإنه يعتبر ملوما وسوف يحاسب على تفريطه ‪ ،‬ويندم على إهماله ‪ ،‬وبطريق ا‬ ‫لولى من أفسد رعيته ‪ ،‬ورباهم على سماع الفحشاء والمنكر ‪ ،‬وجلب لهم الجهزة‬ ‫التي تفسد أخلقهم ‪ ،‬وتقضي على معنوياتهم ‪ ،‬فإنه مسئول عن إفسادهم وسيندم‬ ‫حين ل ينفع الندم ‪.‬‬

‫القدوة الحسنة والقدوة السيئة ‪:‬‬ ‫المعتاد والغالب أن البناء والذرية يقتدون بالباء والمربين والمعلمين ‪ ،‬كما حكى الله‬ ‫ن* َ‬ ‫م أَل ْ َ‬ ‫م‬ ‫وا آبَاءَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ضال ِّي َ‬ ‫ذلك عن أهل الجاهلية في مثل قوله تعالى‪ ﴿ :‬إِن َّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬ ‫سلْنَا‬ ‫هَر ُ‬ ‫َ‬ ‫ر ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن ﴾ [ سورة َالصافات ‪ 69 :‬ـ ‪ .] 70‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬‬ ‫ه ْ‬ ‫علَى آثَا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر إ ِل قا َ‬ ‫ة‬ ‫جدْنَا آبَاءَنَا َ‬ ‫متَْرفو َ‬ ‫ن قبْل ِك ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫في قْري َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫و َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫على أ ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫ها إِن ّا َ‬ ‫ذي ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ﴾ [ سورة الزخرف الية ‪ . ] 23‬وقال تعالى عن قوم‬ ‫وإِن ّا َ‬ ‫ر ِ‬ ‫مقتَدُو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫على آثَا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جدْنَا آبَاءَنَا كذَل ِك ي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن ﴾ [ سورة الشعراء الية ‪ .] 74‬وقال‬ ‫﴿‬ ‫إبراهيم‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫علو َ‬ ‫ف َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫قالُوا أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عبُدُ آبَا ُ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ج‬ ‫ؤنَا ﴾ [‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫﴿‬ ‫هود‪:‬‬ ‫تعالى عن قوم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ونَذََر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سورة العراف الية ‪ .] 70‬وغير ذلك من اليات ‪.‬‬ ‫فالباء قدوة حسنة أو سيئة لولدهم ‪ ،‬والقتداء هو التقليد والتباع ‪ ،‬والتمسك بما عليه‬ ‫السلف من عقيدة أو عمل ‪ .‬فالمعتاد أن البناء يحسنون الظن بآبائهم ‪ ،‬ويتمسكون‬ ‫بما كانوا عليه ‪ ،‬ويعتقدونه سفينة النجاة ‪ ،‬ففي قصة موت أبي طالب لما قال له النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ « :-‬قل‪ :‬ل إله إل الله ‪ .‬كلمة أحاج لك بها عند الله‬‫قال له الحاضرون من المشركين‪ :‬أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان‬ ‫آخر ما قال‪ :‬هو على ملة عبد المطلب »(‪.)2‬‬ ‫في آبَائِنَا اْل َ َّ‬ ‫ن ﴾ [ سورة المؤمنون‬ ‫هذَا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ولِي َ‬ ‫عنَا ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقد قال عن قوم نوح‪َ ﴿ :‬‬ ‫الية ‪ .] 24‬وذلك دليل شدة تمسك الخلف بسنة من سبقهم ‪ ،‬وتصلبهم في ما تلقوه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع َّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ريدُ أ ْ‬ ‫هذَا إ ِ ّل َر ُ‬ ‫صدَّك ُ ْ‬ ‫عنهم ‪ ،‬كما قال عن المشركين‪َ ﴿ :‬‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫عبُدُ آبَا ُ‬ ‫م ﴾ [ سورة سبأ الية ‪. ] 43‬‬ ‫يَ ْ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫‪ )(1‬هو أبو مسلم الخراساني‪ ،‬كما في ترجمته في سير أعلم النبلء ‪ ، 53 / 6‬وتاريخ بغداد ‪. 208 / 10‬‬ ‫‪ )(2‬أخرجه البخاري في الجنائز برقم ‪ 1360‬وفي تفسير التوبة‪ ،‬ورواه مسلم في اليمان برقم ‪.39‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫ثم إن هناك أخص من التقليد في العقائد أل وهو تأسي الذرية والطفال بما عليه‬ ‫المربون وأولياء المور ‪ ،‬واتباعهم في أفعالهم وأقوآله م ‪ ،‬دون تفكير في الحسن‬ ‫والقبيح ‪ ،‬والضار والنافع ‪ ،‬والخير والشر ‪ ،‬فمتى كان المربي أو الولي مستقيما متبعا‬ ‫للحق ‪ ،‬فإن من تحت يده غالبا يقتدون به ‪ ،‬فتراهم يحافظون على الصلوات في‬ ‫الجماعة ‪ ،‬ويتقربون بالنوافل ‪ ،‬ويسابقون إلى المساجد ‪ ،‬ويواظبون على الذكار‬ ‫والدعية عقب الصلوات المكتوبة ‪ ،‬ويكثرون من ذكر الله تعالى وتلوة كتابه وتدبره ‪،‬‬ ‫ويحبون الخير وأهله ‪ ،‬مقتدين في ذلك بمن يربيهم ويعلمهم ‪ ،‬ويرون أن ذلك هو سبيل‬ ‫النجاة ‪ ،‬وإن لم يكن الولي أو المربي يعلمهم ويلقنهم هذه الفضائل والفوائد ‪ ،‬فأما إن‬ ‫أضاف إلى أفعاله الحسنة النصح والرشاد ‪ ،‬وتوجيه من تحت يده ‪ ،‬وترغيبهم في فعل‬ ‫الخيرات ‪ ،‬وحثهم على الكثار من القربات ‪ ،‬فحدث ول حرج عن تأثرهم وتقبلهم‬ ‫وتلقيهم لنصائحه وإرشاداته ‪ ،‬واطمئنانهم إلى صحة ما يهديهم إلى فعله ‪ ،‬وتطبيقهم‬ ‫لكل صغيرة وكبيرة يدعوهم إليها غالبا ‪.‬‬ ‫وبضد ذلك نرى أن الباء وأولياء المور والمربين والمعلمين متى كانوا منحرفين زائغين‬ ‫‪ ،‬ظهر الفساد غالبا فيمن تحت أيديهم من الطفال والذراري ‪ ،‬فينشئون على‬ ‫استعمال السباب والشتم واللعن والقذف والعيب والثلب وسيئ المقال أو على‬ ‫الوقاحة والرذالة والرعونة والجفاء وخشونة الطباع ‪ ،‬أو على النحراف في الخلق‬ ‫والطبائع ‪ ،‬أو على الحسد والظلم والكذب والخيانة والسرقة والختلس والفجور وقول‬ ‫الزور ‪ ،‬أو على المعاصي الظاهرة ولو كانت منكرة في العقل والفطرة ‪ ،‬فتراهم‬ ‫يقلدون أكابرهم ومشايخهم في شرب الدخان ‪ ،‬وحلق اللحى ‪ ،‬وتعاطي المسكرات‬ ‫والمخدرات ‪ ،‬والعكوف على سماع الغاني والملهي ‪ ،‬والنظر في الصور الفاتنة ‪،‬‬ ‫والصحف الماجنة ‪ ،‬والفلم الهابطة ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫ول شك أن إظهار أمثال هذه المعاصي أمام النشء الصغير غير المميز ‪ ،‬مما يدفعه‬ ‫إلى التلوث بها ‪ ،‬أو ببعضها ‪ ،‬سواء تهاون والده به بادئ ذي بدء أو حذر منها ‪ ،‬فإذا‬ ‫أعلن فعلها أمام الطفال والجهال ‪ ،‬حتى نشبوا في تلك الحبائل ‪ ،‬ثم حاول تخليصهم‬ ‫وإنقاذهم منها تعب في ذلك ولم يستطع ‪ ،‬فيندم حين ل ينفع الندم ‪ .‬فل تسأل عما‬ ‫يحدث من جراء التخلق بمثل هذه الخلق الرذيلة ‪ ،‬حيث يتحلى الولد بالعقوق‬ ‫والعصيان ‪ ،‬والمخالفة الظاهرة لولي أمره ‪ ،‬ويصبح كل على أبويه ‪ ،‬يذيقهما مرارة‬ ‫الحياة ‪ ،‬ويجرعهما غصص الذى ‪ ،‬حيثما لم يترب على معرفة حق الله تعالى ‪ ،‬وما أمر‬ ‫به في حق البوين ‪ ،‬وإنما يسعى في نيل شهوته البهيمية ‪ ،‬واتباع غريزته الدنية ‪ ،‬ونيل‬ ‫ما يهواه ‪ ،‬دون مبالة بحل أو حرمة أو حق لله أو للوالدين ‪ ،‬حيث ل يعرف من العلم‬ ‫والدين ما يردعه أو يمنعه عن العبث بحق ربه وأهله ‪ ،‬كما يعبث الطفل بلعبته ‪.‬‬ ‫ولقد كثر هذا الضرب في شباب المسلمين ‪ ،‬فتراهم يتسكعون في السواق والطرق ‪،‬‬ ‫يعاكسون ‪ ،‬ويمارسون المنكر ‪ ،‬وتجدهم طوال الليل على الرصفة وأطراف الطرق‬ ‫المتطرفة ‪ ،‬وفي الصحاري وخارج المدن ‪ ،‬يلعبون ويمرحون ‪ ،‬ونرى أحدهم في‬ ‫جلسائه وقد أشعل سيجارته ‪ ،‬وتفيهق في مشيته ‪ ،‬وتحلى كما تتحلى الناث بالتختم‬ ‫بالذهب أو الضيق من اللباس ‪ ،‬مما يسبب التأنث والنحراف عن شيم الرجال‬ ‫وشهامتهم ‪ ،‬فنهاية أحد أولئك الكسل والبطالة ‪ ،‬فتراه عاطل خامل ‪ ،‬فل نجاح في‬ ‫الدراسة ‪ ،‬ول لزوم لعمل مفيد ‪ ،‬ول حرفة ول صناعة ‪ ،‬حتى إن الكثير من آبائهم‬ ‫يتمنون لهم الموت سريعا ‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫وكم حاول بعض الولياء القضاء على هؤلء‪ -‬ولو كانوا أبناءهم‪ -‬وإعدامهم من الوجود؟‬ ‫لما يلقونه من الذى وسوء المقال ‪ ،‬وتكبد الخسارة ‪ ،‬وإنفاق الموال الطائلة عليهم ‪،‬‬ ‫وهذا هو نتيجة الهمال في زمن المهال ‪ ،‬أو هو أثر التربية السيئة ‪ ،‬والتنشئة على‬ ‫اللهو والباطل ‪ ،‬حتى تمكن فيهم الفساد ‪ ،‬فحاول الولي إقامتهم ولت حين مناص ‪.‬‬

‫حكم تربية الكفار لولد المسلمين ‪:‬‬ ‫لقد قرأت سابقا ما نشر في جريدة الرياض عدد (‪ )5277‬وتاريخ ‪ 1403 / 2 / 2‬هـ تحت‬ ‫عنوان (هل تصح كفالة المسيحي للمسلم) بقلم عبد الله السباك ‪ ،‬الذي ذكر أنه اتفق‬ ‫صدفة بخواجة أسترالي ‪ ،‬وعلم بواسطته أن هناك جمعيات في بلد النصارى ‪،‬‬ ‫كبريطانيا وأستراليا وهولندا وكندا والوليات المتحدة ‪ ،‬وأن تلك الجمعيات تعمل ما‬ ‫يكون صرفا لولد المسلمين عن دين السلم ‪ ،‬وذلك بكفالة الطفال الذين فقدوا‬ ‫آباءهم ومن يعولهم ‪ ،‬وأنها جعلت لها مراكز في البلدان النامية ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬ ‫وأنا أجيب على عنوان المقالة الذي جاء بالستفهام عن حكم كفالة المسيحي‬ ‫للمسلم ‪ ،‬فأقول‪ :‬ل يجوز شرعا تمكين الكفار من الولية على المسلمين ‪ ،‬فإن ديننا‬ ‫الحنيف قد جاء بالتفريق بين القارب لجل السلم ‪ ،‬نهى عن موالة من حاد الله‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫منُوا‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ورسوله ولو كان من الباء أو البناء أو العشيرة فقال تعالى‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫خوانَك ُ َ‬ ‫حبُّوا الْك ُ ْ‬ ‫ن ﴾ [ سورة‬ ‫فَر َ‬ ‫ل تَت َّ ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫علَى اْلِي َ‬ ‫ْ‬ ‫خذُوا آبَاءَك ُ ْ‬ ‫ولِيَاءَ إ ِ َِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫وإ ِ ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولِيَاءَ‬ ‫خذُوا الْكَا ِ‬ ‫منُوا ل تَت َّ ِ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ذي َ‬ ‫التوبة الية ‪ .] 23‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذ‬ ‫ن ﴾ [ سورة النساء الية ‪ .] 144‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ل يَت َّ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن‬ ‫ن الكا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ولِيَاءَ ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن ي َف َ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫منِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري َ‬ ‫و َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ال َ ُ‬ ‫ل ذَل ِك فلي ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫في َ‬ ‫ء ﴾ [ سورة آل عمران الية ‪. ] 28‬‬ ‫ي ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّـ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫وأمر الله تعالى بالهجرة من بلد الكفر ‪ ،‬ومفارقة الهل والقبيلة ‪ ،‬رغم ما ركب في‬ ‫الفطر من حب الوطان والتعصب للقبائل؛ فتجب الهجرة والفرار من البلد التي يعلن‬ ‫فيها الكفر ‪ ،‬ويستذل فيها المسلمون ‪ ،‬ويلقون الذى ‪ ،‬ويسمعون السخرية والستهزاء‬ ‫بدينهم وبحرمات السلم؛ فيجب عليهم الخروج منها حفاظا على الدين ‪ ،‬وحرصا على‬ ‫التمسك بالعقيدة ‪ ،‬وإعلن العمل بشعائر السلم ‪ ،‬وإنما عذر الله من الهجرة‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫سا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ض َ‬ ‫والن ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫في َ‬ ‫م ْ‬ ‫المستضعفين بقوله تعالى‪ ﴿ :‬إ ِ ّل ال ْ ُ‬ ‫ولْدَا ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ِ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سبِيًل ﴾ [ سورة النساء الية ‪.] 98‬‬ ‫حيل َ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫هتَدُو َ‬ ‫عو َ‬ ‫ستَطِي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وَل ي َ ْ‬ ‫َل ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫وذلك أن بقاء المسلم بين ظهراني قوم كفار يكون سببا في تعذيبه وأذاه ‪ ،‬وإلحاق‬ ‫الضرر به ‪ ،‬أو سببا في افتتانه ورجوعه عن دينه ‪ ،‬وإذا كان هذا يتصور في الرجل‬ ‫الكبير العاقل ‪ ،‬فكيف بالطفل الصغير الذي ل يميز بين الديان ‪ ،‬فيجب إبعاد أولد‬ ‫المسلمين عن ولية الكفار والمشركين وأهل البدع والمعاصي؛ وذلك لن كل فرد‬ ‫غالبا يتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه ‪ ،‬ويألف العادات والعمال والخلق المنتشرة‬ ‫الشائعة في الوطن الذي يعيش فيه ‪ ،‬وبين المواطنين الذين ينشأ بين ظهرانيهم ‪،‬‬ ‫وتظهر وتنطبع آثارها في ديانته ومعتقده ومعاملته ‪.‬‬ ‫فإن عاش الطفل وتربى في بلد تحكم بالشرع الشريف ‪ ،‬وتطبقه في العادات‬ ‫والقربات ‪ ،‬فتؤدي الواجبات الدينية ‪ ،‬وتتجنب المحرمات ‪ ،‬وتتنزه عن الجرائم‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫ومساوئ الخلق ‪ ،‬فإن هذه العمال ‪-‬ول بد‪ -‬سوف تتحكم في ميوله ‪ ،‬ويهواها بقلبه ‪،‬‬ ‫ويألفها وينصبغ قلبه بمحبتها ‪ ،‬ويبغض أضدادها وينفر منها ‪ ،‬ويكره أهلها ويمقتهم ‪.‬‬ ‫أما إن تربى في مجتمع يظهر الفساد ‪ ،‬ويعتدي على العباد ‪ ،‬ويبطش بغير حق ‪،‬‬ ‫ويخالف مقتضى العقل والنقل ‪ ،‬ويستحسن خلف الشرع ‪ ،‬وينتهك الحرمات ‪ ،‬ويخل‬ ‫بالواجبات ‪ ،‬ويدين بالبدع ‪ ،‬ويستحسنها ويعمل بموجبها ‪ ،‬فإن ذلك الناشئ عادة يكون‬ ‫منهم ‪ ،‬ويعمل كعملهم ‪ ،‬ويعتقد ما يعتقدونه من كفر أو إلحاد أو نفاق ‪ ،‬أو بدع مضللة‬ ‫أو مفسقة ‪ ،‬ويجزم بأن ذلك هو عين الصواب ‪ ،‬وأن ما عداه خطأ وضلل ‪ .‬فتأثير البيئة‬ ‫والمجتمعات في تغيير الفطر وصرف القلوب أمر محسوس جلي ل شك فيه ‪ ،‬وقد دل‬ ‫على ذلك الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم قال ‪ « :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬ ‫يمجسانه ‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ ،‬هل تحسون فيها من جدعاء‬ ‫َ‬ ‫ه الَّتِي َ‬ ‫س‬ ‫»(‪ )1‬ثم يقول أبو هريرة ‪ " :‬اقرءوا إن شئتم ‪ِ ﴿ :‬‬ ‫ت الل ّـ ِ‬ ‫فطَْر َ‬ ‫فطََر النَّا َ‬ ‫َ‬ ‫ل لِ َ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ﴾ فقد أخبر أن الطفل يولد على الفطرة ‪ ،‬وهي الحنيفية‬ ‫َ‬ ‫ق الل ّـ ِ‬ ‫ها ل تَب ْ ِ‬ ‫علَي ْ َ‬ ‫خل ِ‬ ‫السمحة ‪ ،‬فلو ترك وفطرته لعرف أن له ربا خالقا مالكا متصرفا ‪ ،‬وعرف أن الذي‬ ‫خلقه ورزقه وسخر له البوين ‪ ،‬وكمل خلقه ‪ ،‬أن له عليه حقوقا وعبادات ‪ ،‬كما على‬ ‫العبد لمالكه ‪ .‬ثم أخبر أنه ينصرف وينحرف عن تلك الفطرة بما ألفى عليه أبويه ‪،‬‬ ‫حيث نشأ معهما وتلقى عنهما ما يدينان به من يهودية أو نصرانية أو مجوسية ‪ ،‬أو وثنية‬ ‫أو بوذية أو هندوسية ‪ ،‬أو غيرها من الملل الكفرية ‪ ،‬وهكذا إن كان أبواه يعتقدان‬ ‫عقيدة منحرفة ‪ ،‬كبدعة الرافضة والفلسفة ‪ ،‬والدروز والباطنية ‪ ،‬والبعثية والنصيرية ‪،‬‬ ‫والمعطلة والمشبهة ‪ ،‬والبهائية والقاديانية ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬فإن البوين يلقنان أولدهما ما‬ ‫يدينان به ؛ فيتربى الطفل على تلك العقائد الضالة جازما بصحتها ‪ ،‬عازفا عما سواها ‪،‬‬ ‫ل يحدث نفسه بالنظر في غيرها ‪ ،‬فيعزب عن باله ما تتكون منه ‪ ،‬وما تحويه من‬ ‫الكفر والضلل ‪ ،‬والنحراف عن الهدي المستقيم ‪ ،‬ول يتصور ما يرد عليها من الدلة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أُوتُوا‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫ن أتَي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ولَئ ِ ْ‬ ‫النيرة التي توضح فسادها ‪ ،‬وقد قال تعالى في اليهود ‪َ ﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫قبْلَت َ َ‬ ‫ب بِك ُ ِّ‬ ‫ع‬ ‫ع ِ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ل آي َ ٍ‬ ‫ما ب َ ْ‬ ‫ما تَب ِ ُ‬ ‫الْكِتَا َ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫قبْلَت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫م بِتَاب ِ ٍ‬ ‫ت بِتَاب ِ ٍ‬ ‫ض ﴾ [ سورة البقرة الية ‪] 145‬مع أن هذا في شأن القبلة ‪ ،‬وهي فرد من‬ ‫قبْل َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫ع ٍ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫د‬ ‫ضى َ‬ ‫ن تَْر َ‬ ‫هو ُ‬ ‫ك الْي َ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫جزئيات الديانة ‪ ،‬فكيف بأصل َ العقيدة ‪ ،‬فقد قال تعالى ‪َ ﴿ :‬‬ ‫م ﴾ [ سورة البقرة الية ‪ .] 120‬فمتى تربى شخص‬ ‫ع ِ‬ ‫حتَّى تَتَّب ِ َ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫مل ّت َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَل الن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫منذ حداثته على أخلق أو عقائد ‪ ،‬ونشأ عليها وألفها ‪ ،‬فإن تحويله عنها من الصعوبة‬ ‫بمكان ‪ ،‬مهما بذلت له المحاولت ‪ ،‬وأقيمت عليه البراهين ‪ ،‬وأوضحت له الحجج التي‬ ‫تنير الحق ‪ ،‬وتبين سفاهة من دان بتلك الديان الباطلة ‪ ،‬أو انتحل تلك النحل الزائغة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مى ال ْ ُ‬ ‫أو صدق بتلك العقائد المنحرفة ‪َ ﴿ :‬‬ ‫ب‬ ‫ها َل ت َ ْ‬ ‫قلُو ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ولَك ِ ْ‬ ‫فإِن َّ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ع َ‬ ‫مى اْلب ْ َ‬ ‫صاُر َ‬ ‫َ‬ ‫في ال ُّ‬ ‫ر ﴾ [ سورة الحج الية ‪ .] 46‬فرجوع مثل هذا إلى الصواب مع‬ ‫ال ّتِي ِ‬ ‫صدُو ِ‬ ‫رسوخ الباطل في ذهنه ‪ ،‬شبه المستحيل إل ما شاء الله ‪ .‬ولما كانت التربية في سن‬ ‫الطفولية لها هذا التأثير في تقويم النسان أو انحرافه ‪ ،‬رأينا النصارى والرافضة‬ ‫ونحوهم من أعداء السلم والسنة يبذلون كل وسيلة ‪ ،‬ويعملون كل حيلة في الحصول‬ ‫على ولية وحضانة وتربية أطفال المسلمين ‪ ،‬سيما الذين يفقدون آباءهم بموت أو‬ ‫قتل أو غيبة أو سجن مؤبد أو تشريد ‪ ،‬كما هو حاصل في كثير من البلد تاركين خلفهم‬ ‫أعدادا كثيرة من الطفال والذراري ‪ ،‬ممن ل يزالون في سن الطفولية ‪ ،‬فبعد أن‬ ‫يغيب أو يموت الباء ‪ ،‬ويبقى أولئك الطفال منقطعين ‪ ،‬ل يجدون من يعولهم أو يرعى‬ ‫شئونهم من قريب أو نسيب ‪ ،‬أو ذي رحم ‪ ،‬أو مسلم يشفق على ذرية إخوته‬ ‫‪ )(1‬الحديث رواه البخاري برقم ‪ 1385‬وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬والية رقم ‪ 30‬من سورة الروم ‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫المسلمين ‪ ،‬فعند ذلك ينتهز الفرصة أعداء الدين ‪ ،‬من نصارى وشيوعيين ‪ ،‬ويهود‬ ‫وفلسفة ‪ ،‬ورافضة وقبوريين ‪ ،‬والضلل من المتصوفة وغيرهم ‪ ،‬فيتتبعون أولئك‬ ‫الطفال في أكواخهم ومساكنهم المتواضعة ‪ ،‬ويغرونهم بالمال ‪ ،‬وبالمنازل الرفيعة ‪،‬‬ ‫وينقلونهم من فقر وفاقة وشدة مؤنة إلى رغد عيش ورفاهية وبيوت مكيفة مكملة‬ ‫بكل ما يتمنون ‪ ،‬فيربونهم كما أرادوا ‪ ،‬ويعلمونهم الديان التي ينتحلونها ‪ ،‬ويتولون‬ ‫تنشئتهم كما يريدون ‪ ،‬ويغسلون أدمغتهم من روح السلم ‪ ،‬ومن دينهم الذي ولدوا‬ ‫عليه ‪ ،‬والذي صبر عليه آباؤهم وأجدادهم ‪ ،‬وتمسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ حتى‬ ‫فارقوا الدنيا ‪ .‬وبل شك أن هؤلء الطفال متى نشأوا وتربوا على أيدي أولئك الكفار‬ ‫والمبتدعين ‪ ،‬بعيدين عن أهليهم وأوطانهم ‪ ،‬ومقر أديانهم وأديان أسلفهم ‪ ،‬فإنهم‬ ‫يدينون بديانة أولئك المربين والمدربين ‪ ،‬ل يعرفون غيرها ‪ ،‬ول يخطر ببالهم أن هناك‬ ‫دينا أصلح مما تعلموه ؛ فيصبح أولد المسلمين كفارا ومشركين ‪ ،‬أو نصارى ويهودا ‪،‬‬ ‫أو روافض ومبتدعين ‪ ،‬أو نحو ذلك من الديانات الباطلة ‪ ،‬ويصبحون وبال على الدين‬ ‫الصحيح ‪ ،‬وأعداء للسلم الذي هو دين آبائهم وأسلفهم ‪ ،‬والواقع يشهد بذلك ‪ .‬وقد‬ ‫ذكر بعض الدعاة الذين سافروا إلى البلد النازحة أن أعدادا كبيرة من مسلمي الهند‬ ‫ومسلمي أفغانستان نزحوا إلى قارة أستراليا التي يحكمها النصارى ‪ ،‬فنشأ أولدهم‬ ‫على ‪ .‬دين النصارى ‪ ،‬وتعلموا لغتهم ‪ ،‬ودانوا بما هم عليه ‪ ،‬حيث لم يكن هناك من‬ ‫يعلمهم دين السلم ‪ ،‬فتولى النصارى تربيتهم ولقنوهم دين النصرانية ‪.‬‬

‫فتح المدارس والمستشفيات في بلد السلم ‪:‬‬ ‫لقد فكر أعداء الله تعالى فيما يتوصلون به إلى إضلل المسلمين ‪ ،‬ويكسبون به‬ ‫قلوبهم وأبدانهم ‪ ،‬ويغيرون به أديانهم ‪ ،‬فبذلوا كل جهد في التهويد والتنصير ‪ ،‬والخراج‬ ‫من المعتقد السليم ‪ ،‬والدين القويم ‪ ،‬بعد أن رأوا قوة المسلمين وانتصارهم ‪ ،‬وفتحهم‬ ‫البلد بعد فتحهم القلوب ‪ ،‬ورأوا أن الدين الصحيح والعقيدة السلفية ل يقوم أمامها‬ ‫قائم ‪ ،‬ول يستطيع مقاومتها ذو قوة وبأس ومنعة ‪ ،‬فلم يجدوا سوى الغزو الفكري ‪،‬‬ ‫والسعي في الصد عن الصراط السوي ‪ ،‬فبذلوا كل ما يستطيعونه من قوة ‪ ،‬وأعملوا‬ ‫كل حيلة ووسيلة ‪ ،‬وكان من بين ما فكروا فيه ‪ ،‬ونجحوا في تفكيرهم ‪ ،‬هو فتح‬ ‫المدارس التبشيرية كما يعبرون ‪ ،‬فأسسوا الكثير من تلك المدارس في بلد يدين‬ ‫أهلها بالسلم ‪ ،‬سيما بين الدول الفقيرة التي تعوزها النفقة ‪ ،‬ويهم أحدهم تحصيل‬ ‫القوت الضروري ‪ ،‬فانتهز أولئك المنصرون الفرص في حينها ‪ ،‬وعرضوا عليهم أن يبنوا‬ ‫لهم مدارس ومستشفيات ‪ ،‬ودور تعليم ‪ ،‬وخدعوهم بأن ذلك للرفق بهم والرحمة‬ ‫والنسانية ‪ ،‬وقاسموهم أنهم لهم ناصحون ‪ ،‬ليعلموا أولدهم ‪ ،‬ويعالجوا مرضاهم ‪،‬‬ ‫فصدقهم أولئك الهالي ‪ ،‬فبادروا وانتهزوا الفرصة ‪ ،‬ولم يهمهم ما بذلوا من الموال‬ ‫الطائلة في إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات ‪ ،‬وما أولوهم من العناية والتربية‬ ‫والتعليم والعلج ‪ ،‬هذه حيلة النصارى ‪ ،‬ومثلهم الرافضة الذين يدعون السلم وهم‬ ‫بعيدون منه ‪ ،‬فقد اشتهر عنهم غزوهم لغلب البلد السلمية التي يدين أهلها بالسنة ؛‬ ‫ليصرفوهم إلى عقيدة الرفض والتشيع ‪ ،‬فيؤسسون عندهم ما يحتاجونه من المدارس‬ ‫والمرافق ‪ ،‬ويبذلون لهم المنح الدراسية ‪ ،‬ويحرصون على استقدام أفواج الطلب من‬ ‫مختلف البلد السلمية التي تدين بعقيدة أهل السنة ؛ ليتولوا تعليمهم كما يشاءون‬ ‫فيزينون لهم معتقد التشيع الزائغ ‪ ،‬ويوهمونهم صحة ما هم عليه ‪ ،‬وهكذا يفعل كل من‬ ‫كان على نحلة أو اعتقاد‪ -‬ولو اتضح خطؤه‪ -‬في الدعوة إلى أديانهم ‪ ،‬وعدم المبالة بما‬ ‫يصرفونه على تأسيس تلك المدارس ودور التعليم ‪ ،‬ول يهمهم ما أنفقوه على‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫التلميذ ‪ ،‬وما أعطوه لهم من قليل المال وكثيره ؛ ليكون ذلك حافزا لولئك الجهلة‬ ‫على النضواء تحت رعايتهم ‪ ،‬والتهافت إلى مدارسهم ودور تعليمهم ‪ ،‬والتلقي عن‬ ‫أساتذتهم ؛ لكون التعليم مجانا ‪ ،‬باسم التعليم والتثقيف ‪ ،‬وإزالة الجهل ‪ ،‬مع ما يبذلون‬ ‫للطلب ويغرونهم به من المرتبات والجوائز ‪ ،‬والطعمة المجانية ‪ ،‬والكسوة وإنفاق‬ ‫كل ما يحتاجونه من الكتب والقلم والدفاتر ‪ ،‬والدوات المدرسية ‪ ،‬فل جرم تمكنوا‬ ‫من نيل مقاصدهم ‪ ،‬فوصلوا إلى تبديع وتنصير الفئات والجماعات من شباب‬ ‫المسلمين وكهولهم وشيوخهم ‪ ،‬بهذه الحيل الفاتنة ‪ ،‬وحيث إن تربية الطفال ينتج عنها‬ ‫التدين بما يلقيه المربي ‪ ،‬واعتقاده أصل ومنهجا ‪ ،‬يصعب النفكاك عنه والتخلي عن‬ ‫العمل به ‪ ،‬ولو كان في أصله دينا باطل ‪ ،‬أو كفرا أو ضلل ‪ ،‬فإن هذه الحضانة والتربية‬ ‫بأيدي الكفار والمضلين ل تجوز شرعا ‪ ،‬فل يجوز أن يمكن الكافر من تولي الطفل‬ ‫المسلم حال طفوليته ‪ ،‬ولو كان ذلك الكافر أو المبتدع أباه أو أخاه ‪ ،‬أو قريبه أو نسيبه‬ ‫‪ ،‬كما أن القريب المسلم إذا كان فاسقا أو عاصيا ل يجوز أن يتولى حضانة الصبي‬ ‫المسلم مهما كانت قرابته ؛ لنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة ‪ ،‬ول حظ‬ ‫للطفل في حضانته ؛ لنه ينشأ على طريقته ‪ ،‬ويقع فيما وقع فيه ‪ .‬وهذا أمر محسوس‬ ‫‪ ،‬فإن المطلوب من الحضانة أمر زائد على الغذاء والحفظ البدني ‪ ،‬والتطهير‬ ‫والتنظيف الظاهر ‪ ،‬ذلك المر هو التغذية الروحية ‪ ،‬وتنمية الفطرة الدينية ‪ ،‬وتطبيقها‬ ‫عمليا ‪ ،‬فمتى كان المربي أو المعلم منحرفا زائغا في المعتقد ‪ ،‬أو متلبسا بذنب مكفر‬ ‫أو مفسق ‪ ،‬فإنه يظهر حال تلبسه به أمام أولئك الطفال ‪ ،‬ويوهمهم أن ذلك الذنب‬ ‫حسن أو ل محذور فيه ‪ ،‬فلذلك يشاهد أن المبتدعة كالمعتزلة والرافضة ونحوهم ينشأ‬ ‫أولدهم على معتقدهم الزائغ ‪ ،‬كما أن تارك الصلة وشارب الخمر والمدخن والزاني‬ ‫وآكل الربا والسارق والقاذف واللعان والطعان ونحوهم يألف أولدهم تلك المعاصي ‪،‬‬ ‫ويفعلونها محاكاة لبائهم ‪ ،‬ويصعب تحويلهم عنها ‪ ،‬حيث نشأوا عليها منذ نعومة‬ ‫أظفارهم ‪ ،‬فل يعرفون سواها ‪ ،‬ولم يجدوا موجها صالحا في صغرهم ينبههم على‬ ‫خطرها وضررها ‪ .‬فإذا كان هذا في العصاة والمذنبين فكيف بالكفار والمشركين من‬ ‫النصارى والوثنيين والملحدين ‪ .‬وإليك بعض ما قال علماء السلم في حضانة الكافر‬ ‫للمسلم وحكمها ‪.‬‬ ‫قال أبو محمد ابن قدامة في المغني ‪ " : 612 / 7‬ول تثبت‪ -‬يعني الحضانة‪ -‬لكافر على‬ ‫مسلم ‪ ،‬وبهذا قال مالك والشافعي وسوار والعنبري ‪ .‬وقال ابن القاسم وأبو ثور‬ ‫وأصحاب الرأي ‪ :‬تثبت له ؛ لما روي عن عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن أبيه عن جده رافع‬ ‫بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ‪ ،‬فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‪:‬‬ ‫ابنتي وهي فطيم أو شبهه ‪ .‬وقال رافع ‪ :‬ابنتي ‪.‬‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬أقعد ناحية » وقال لها ‪ « :‬اقعدي ناحية » ‪،‬‬ ‫وقال ‪ « :‬ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها ‪ .‬رواه أبو داود (‪ .)1‬ولنا ‪ :‬أنها ولية ‪ ،‬فل تثبت‬ ‫لكافر على مسلم ‪ ،‬كولية النكاح والمال ‪ ،‬ولنها إذا لم تثبت للفاسق فالكافر أولى ‪،‬‬ ‫فإن ضرره أكثر ‪ ،‬فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن السلم بتعليمه الكفر وتزيينه له ‪،‬‬ ‫وتربيته عليه ‪ ،‬وهذا أعظم الضرر ‪ .‬والحضانة إنما تثبت لحظ الولد ‪ ،‬فل تشرع على‬ ‫وجه يكون فيه هلكه وهلك دينه ‪ .‬فأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ‪ ،‬ول‬

‫‪ )(1‬هو في سنن أبي داود في كتاب الطلق برقم ‪ ، 2244‬ورواه أيضا النسائي في سننه (المجتبى) ‪ ، 185 / 6‬وابن ماجه‬ ‫في الحكام برقم ‪ 2352‬من طرق عن عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن أبيه به ‪ .‬وعند ابن ماجه ‪ :‬عن عبد الحميد بن سلمة ‪.‬‬ ‫وجعل النسائي المولود ذكرا ‪ ،‬وكذا عند ابن ماجه ‪ .‬وذكر المزي أن رافع بن سنان هو جد جد عبد الحميد ؛ فيكون‬ ‫الحديث مرسل أو منقطعا ‪ .‬وذكره البوصيري في الزوائد وقال ‪ :‬عبد الحميد وأبوه وجده مجهولون ‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫يثبته أهل النقل ‪ ،‬وفي إسناده مقال ‪ .‬قال ابن المنذر(‪ : )2‬ويحتمل أن النبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم علم أنها تختار أباها بدعوته ‪ ،‬فكان ذلك خاصا في حقه " ا هـ ‪.‬‬ ‫وهذا الخلف المذكور وقع فيما إذا كان الكافر قريبا للطفل ‪ ،‬كالم التي هي أولى‬ ‫بالحضانة ‪ ،‬وأعرف بشئون التنظيف والعناية بالطفل ‪ ،‬وأصبر على حمله وفصاله ‪،‬‬ ‫وأعرف بتغذيته ورعاية مصالحه ‪ .‬وقال ابن حزم في المحلى ‪: 742 / 11‬‬ ‫" الم أحق بحضانة الولد الصغير والبنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الحتلم أو‬ ‫النبات مع التمييز وصحة الجسم ‪ ،‬فإن لم تكن الم مأمونة في دينها ودنياها نظر لهما‬ ‫بالحوط في دينهما ثم دنياهما ‪ ،‬فحيثما كانت الحياطة لهما في كل الوجهين وجبت‬ ‫هنالك ‪ ،‬عند الب أو الخ أو الخت أو العمة أو الخالة ‪ ،‬أو العم أو الخال ‪ .‬وذو الرحم‬ ‫أولى من غيرهم بكل حال ‪ ،‬والدين مغلب على الدنيا ‪ . . .‬والم الكافرة أحق‬ ‫بالصغيرين مدة الرضاع ‪ ،‬فإذا بلغا من السن والستغناء ومبلغ الفهم فل حضانة لكافرة‬ ‫ر‬ ‫ونُوا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫عا َ‬ ‫ول فاسقة ‪ . .‬وأما تقديم الدين فلقول الله عز وجل ‪َ ﴿ :‬‬ ‫علَى الْب ِ ّ ِ‬ ‫والت َّ ْ‬ ‫ن ﴾ [ سورة المائدة الية ‪ ] 2‬وقال‬ ‫ونُوا َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫وَل ت َ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫عدْ َ‬ ‫علَى اْلِثْم ِ َ‬ ‫عا َ‬ ‫وى َ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى ‪ ﴿ :‬كُونُوا َ‬ ‫ق َّ‬ ‫ط ﴾ [ سورة النساء الية ‪ ] 135‬وقوله تعالى ‪﴿ :‬‬ ‫ن بِال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ه ﴾ [ سورة النعام الية ‪ ] 120‬فمن ترك الصغير‬ ‫وذَُروا ظَا ِ‬ ‫وبَاطِن َ ُ‬ ‫هَر اْلِثْم ِ َ‬ ‫َ‬ ‫والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر ‪ ،‬ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وعلى ترك الصلة ‪ ،‬والكل في رمضان ‪ ،‬وشرب الخمر ‪ ،‬والنس‬ ‫إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر ‪ ،‬أو على صحبة من ل خير فيه ‪ ،‬والنهماك على‬ ‫البلء فقد عاون على الثم والعدوان ‪ ،‬ولم يعاون على البر والتقوى ‪ ،‬ولم يقم بالقسط‬ ‫‪ ،‬ول ترك ظاهر الثم وباطنه ‪ ،‬وهذا حرام ومعصية ‪ ،‬ومن أزالهما عن المكان الذي فيه‬ ‫ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلة والصوم ‪ ،‬وتعلم القرآن ‪ ،‬وشرائع السلم ‪،‬‬ ‫والمعرفة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والتنفير عن الخمر والفواحش ‪،‬‬ ‫فقد عاون على البر والتقوى ‪ ،‬ولم يعاون على الثم والعدوان ‪ ،‬وترك ظاهر الثم‬ ‫وباطنه ‪ ،‬وأدى الفرض في ذلك ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ت يُْر ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫والِدَا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫وال َ‬ ‫وأما مدة الرضاع فل نبالي عن ذلك ؛ لقول الله تعالى ‪َ ﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫ولَي ْن كَا ِ َ‬ ‫ه َّ‬ ‫ن ﴾ [ سورة البقرة الية ‪ ، ] 233‬ولن الصغيرين في هذه‬ ‫وَلدَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫أ ْ‬ ‫ملي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السن ومن زاد عليها بعام أو عامين ل فهم لهما ‪ ،‬ول معرفة بما يشاهدان ‪ ،‬فل ضرر‬ ‫عليهما في ذلك ‪ ،‬فإن كانت الم مأمونة في دينها والب كذلك فهي أحق من الب ‪،‬‬ ‫لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا ‪ ،‬ثم الجدة كالم ‪ ،‬فإن لم تكن‬ ‫مأمونة ل الم ول الجدة في دينها ‪ ،‬أو تزوجت غير مأمون في دينه ‪ ،‬وكان الب مأمونا‬ ‫فالب أولى ثم الجد ‪ ،‬فإن لم يكن أحد ممن ذكرنا مأمونا في دينه ‪ ،‬وكان للصغير أو‬ ‫الصغيرة أخ مأمون في دينه ‪ ،‬أو أخت مأمونة في دينها فالمأمون أولى ‪ ،‬وهكذا في‬ ‫القارب بعد الخوة ‪ ،‬فإن كان أحدهما أحوط في دينه ‪ ،‬والخر أحوط في دنياه ‪،‬‬ ‫فالحضانة لذي الدين‪ -‬إلى أن قال‪ -‬وأيضا فنحن ل ننكر تخييره إذا كان أحد البوين‬ ‫أرفق به ‪ ،‬ول شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ل يخير بين خير وشر ‪ ،‬ول‬ ‫شك في أنه عليه الصلة والسلم ل يخير إل بين خيرين ‪ ،‬وكذلك نحن على يقين من‬ ‫أنه عليه الصلة والسلم ل يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو في‬ ‫حالته ‪ ،‬فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ‪ ،‬ويميل إلى الراحة والهمال ‪ " . . .‬إلى آخر‬ ‫كلمه رحمه الله تعالى ‪.‬‬ ‫فمتى سقطت حضانة القريب الذي يهمل الولد ‪ ،‬أو يربيهم على الكفر والفسوق‬ ‫والمعاصي ‪ ،‬أو في مجتمع وبيئة بعيدة عن العلم‬ ‫‪ )(2‬وفي طبعة التركي ‪ :‬قاله ابن المنذر ‪ .‬وقد يرجحه النقل عن ابن القيم كما يأتي ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫والدين وتفاصيل الشريعة ‪ ،‬فبطريق الولى إذا كان المربي بعيد الصلة والنسب من‬ ‫أولئك الطفال ‪ ،‬ول قصد له ول أرب في إصلح أديانهم ‪ ،‬بل جل همه صرفهم عن‬ ‫عقيدتهم ‪ ،‬وتلقينهم ملة غير ملة آبائهم وأسلفهم ‪ ،‬وهذا بل شك هدف تلك الدول‬ ‫الكافرة من حرصهم على احتضان ذراري المسلمين الذين فقدوا آباءهم وأهليهم ‪ ،‬أو‬ ‫الذين ابتلوا بالفقر والفاقة ‪ ،‬واشتدت حاجتهم إلى المادة البدنية والروحية ‪ ،‬وقد اتفق‬ ‫جمهور العلماء على أن العاصي والفاسق ل ولية له على الصبي المحكوم بإسلمه ‪،‬‬ ‫وأحب أن أنقل هنا كلم بعض العلماء ‪ ،‬لتوضيح ذلك ‪ ،‬وذكر المفاسد التي تنشأ عن‬ ‫تولي الفسقة وتربيتهم ‪ ،‬فمن ذلك كلم شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ ،‬قال في‬ ‫مجموع الفتاوى ‪ " : 131 / 34‬فلو قدرنا أن الب ديوث ل يصونه والم تصونه لم نلتفت‬ ‫إلى اختيار الصبي ‪ ،‬فإنه ضعيف العقل ‪ ،‬قد يختار أحدهما؟ لكونه يوافق هواه الفاسد ‪،‬‬ ‫ويكون الصبي قصده الفجور ومعاشرة الفجار ‪ ،‬وترك ما ينفع من العلم والدين والدب‬ ‫والصناعة ‪ ،‬فيختار من أبويه من يحصل له معه ما يهواه ‪ ،‬والخر قد يرده ويصلحه ‪.‬‬ ‫ومتى كان المر كذلك فل ريب أنه ل يمكن من يفسد معه حاله ‪ .‬والنبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم قال ‪ « :‬مروهم بالصلة لسبع ‪ ،‬واضربوهم عليها لعشر ‪،‬‬ ‫وفرقوا بينهم في المضاجع »(‪ )1‬فمتى كان أحد البوين يأمره بذلك والخر ل‬ ‫يأمره ‪ ،‬كان عند الذي يأمره بذلك دون الخر ؛ لن ذلك المر له هو المطيع لله‬ ‫ورسوله في تربيته ‪ ،‬والخر عاص لله ورسوله ‪ ،‬فل نقدم من يعصي الله فيه على من‬ ‫يطيع الله فيه ‪ ،‬بل يجب إذا كان أحد البوين يفعل معه ما أمر الله به ورسوله ‪ ،‬ويترك‬ ‫ما حرم الله ورسوله ‪ ،‬والخر ل يفعل معه الواجب ‪ ،‬أو يفعل معه الحرام ‪ ،‬قدم من‬ ‫يفعل الواجب ‪ ،‬ولو اختار الصبي غيره ‪ ،‬بل ذلك العاصي ل ولية له عليه بحال ‪ ،‬بل كل‬ ‫من لم يقم بالواجب في وليته فل ولية له عليه ‪ ،‬بل إما أن ترفع يده عن الولية‬ ‫ويقام من يفعل الواجب ‪ ،‬وإما أن يضم إليه من يقوم بالواجب معه ‪ ،‬فإذا كان مع‬ ‫حصوله عند أحد البوين ل تحصل طاعة الله ورسوله في حقه ‪ ،‬ومع حصوله عند الخر‬ ‫تحصل قدم الول قطعا " ا هـ ‪.‬‬ ‫فهذا كلم شيخ السلم رحمه الله تعالى في البوين ‪ ،‬مع ما جبل عليه من الشفقة‬ ‫والرحمة حيث ذكر أن الولد ل يقر على اختياره إذا مال مع الذي ل يصلحه ول يربيه‬ ‫التربية السلمية ‪ ،‬فكيف إذا كان المربي أجنبيا من الطفل ‪ ،‬بعيدا عن قصد إصلحه‬ ‫في دينه وعقيدته ‪ ،‬بل ل يألو جهدا في إبعاده عن دين السلم ‪ ،‬وتلقينه ملة الكفر‬ ‫التي يدين بها ذلك المربي ‪ ،‬ويعتقد النجاة في اعتناقها ‪ .‬وقد صرح ابن القيم رحمه‬ ‫الله تعالى باشتراط اتفاق الدين بين الحاضن والمحضون ‪ ،‬فقال رحمه الله في (زاد‬ ‫المعاد) ‪ : 132 / 4‬وقد اشترط في الحاضن ستة شروط (اتفاق الدين) فل حضانة‬ ‫لكافر على مسلم ؛ لوجهين ‪:‬‬ ‫أحدهما ‪ :‬أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه ‪ ،‬وأن ينشأ عليه ويتربى عليه‬ ‫‪ ،‬فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه ‪ ،‬وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها‬ ‫عباده ‪ ،‬فل يراجعها أبدا ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬كل مولود يولد‬ ‫على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه »(‪ )2‬فل يؤمن تهويد‬ ‫الحاضن وتنصيره للطفل المسلم ‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه أبو داود كما في سننه برقم ‪ 495‬عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬رواه البخاري في صحيحه برقم ‪ 1385‬وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد تقدم ‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫وإن قيل ‪ :‬الحديث إنما جاء في البوين خاصة ‪ .‬قيل ‪ :‬الحديث خرج مخرج الغالب ‪ ،‬إذ‬ ‫الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه ‪ ،‬فإن فقد البوان أو أحدهما قام ولي الطفل‬ ‫من أقاربه مقامهما ‪.‬‬ ‫الوجه الثاني ‪ :‬أن الله سبحانه قطع الموالة بين المسلمين والكفار ‪ ،‬وجعل المسلمين‬ ‫بعضهم أولياء بعض ‪ ،‬والكفار بعضهم أولياء بعض ‪ .‬والحضانة من أقوى أسباب الموالة‬ ‫التي قطعها الله تعالى بين الفريقين ‪ .‬وقال أهل الرأي وابن القاسم وأبو ثور ‪ :‬تثبت‬ ‫الحضانة لها مع كفرها وإسلم الوالد ‪ ،‬واحتجوا بما روى النسائي في سننه ‪ ،‬من حديث‬ ‫عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن‬ ‫تسلم ‪ ،‬فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‪ :‬ابنتي وهي فطيم أو شبهه ‪ ،‬وقال‬ ‫رافع ‪ :‬ابنتي ‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬اقعد ناحية » وقال لها ‪« :‬‬ ‫اقعدي ناحية » وقال لهما ‪ « :‬ادعواها » فمالت الصبية إلى أمها ‪ ،‬فقال النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬اللهم اهدها » فمالت إلى أبيها فأخذها(‪ . )1‬قالوا ‪ :‬ولن‬ ‫الحضانة لمرين ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬وخدمة الطفل ‪ ،‬وكلهما يجوز من الكافرة ‪ .‬قال الخرون‬ ‫‪ :‬هذا الحديث من رواية عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان‬ ‫النصاري الوسي ‪ ،‬وقد ضعفه إمام العلل يحيى بن سعيد القطان‪ ،‬وكان سفيان‬ ‫الثوري يحمل عليه ‪ ،‬وضعف ابن المنذر الحديث ‪ ،‬وضعفه غيره ‪ ،‬وقد اضطرب في‬ ‫القصة ‪ ،‬فروى أن المخير كان بنتا ‪ ،‬وروى أنه كان ابنا ‪.‬‬ ‫وقال الشيخ في (المغني) ‪ :‬وأما الحديث فقد روي على غير هذا الوجه ‪ ،‬ول يثبته أهل‬ ‫النقل ‪ ،‬وفي إسناده مقال ‪ .‬قاله ابن المنذر ‪ .‬ثم إن الحديث قد يحتج به على صحة‬ ‫مذهب من اشترط السلم ‪ ،‬فإن الصبية لما مالت إلى أمها دعا النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم لها بالهداية فمالت إلى أبيها ‪ ،‬وهذا يدل على أن كونها مع الكافر خلف هدى‬ ‫الله الذي أراده من عباده ‪ ،‬ولو استقر جعلها مع أمها ‪ ،‬لكان فيه حجة ‪ ،‬بل أبطله الله‬ ‫سبحانه بدعوة رسوله ‪ .‬ومن العجب أنهم يقولون ‪ :‬ل حضانة للفاسق ‪ .‬فأي فسق‬ ‫أكبر من الكفر ‪ ،‬وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى‬ ‫الضرر المتوقع من الكافر ‪ .‬ا هـ ‪.‬‬ ‫هذا كلم ابن القيم رحمه الله فارجع إليه في معرفة بقية الشروط ‪ ،‬وكل هذا فيما إذا‬ ‫كان الحاضن أحد البوين ‪ ،‬أو القارب الذين تربطهم بالطفل أواصر الخوة والشفقة‬ ‫والرحمة ‪ ،‬لجل القرابة ‪ ،‬وحمية الرحم ‪ ،‬وتدفعهم تلك الغريزة إلى النصح لهم ‪ ،‬وبذل‬ ‫الخير والدللة عليه ‪ ،‬وأخذ الحيطة والحماية عن أسباب الردى ‪.‬‬ ‫وقال المام النووي رحمه الله تعالى في (روضة الطالبين) ‪ " : 98 / 9‬فالحضانة للم‬ ‫إن رغبت فيها ‪ ،‬لكن لستحقاقها شروط ‪:‬‬ ‫أحدها ‪ :‬كونها مسلمة إن كان الطفل مسلما بإسلم أبيه ‪ ،‬فل حضانة لكافرة على‬ ‫مسلم ‪ ،‬وقال الصطخري ‪ :‬لها الحضانة ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬الم الذمية أحق بالحضانة من الب المسلم إلى أن يبلغ الولد سبع سنين ‪ ،‬ثم‬ ‫الب بعد ذلك ‪ .‬قال الصحاب ‪ :‬والصحيح الول ‪ ،‬فعلى هذا حضانته لقاربه المسلمين‬ ‫على ما يقتضيه الترتيب ‪ ،‬فإن لم يوجد أحد منهم فحضانته على المسلمين ‪ . . .‬ولو‬ ‫وصف صبي من أهل الذمة السلم نزع من أهل الذمة سواء صححنا إسلمه أم ل ‪ ،‬ول‬ ‫يمكنون من كفالته ‪ ،‬والطفل الكافر والمجنون تثبت لقريبه المسلم حضانته وكفالته‬ ‫على الصحيح؟ لن فيه مصلحة له " ا هـ ‪.‬‬ ‫‪ )(1‬رواه أبو داود برقم ‪ 2244‬والنسائي وقد تقدم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫وقال صاحب (المهذب) في فقه الشافعية كما في الشرح ‪320 / 18‬؟ " ول تثبت‪-‬‬ ‫الحضانة‪ -‬لكافر على مسلم ‪ ،‬وقال أبو سعيد الصطخري ‪ :‬تثبت للكافر على المسلم ؛‬ ‫لما روى عبد الحميد بن سلمة(‪ )1‬عن أبيه أنه قال ‪ :‬أسلم أبي ‪ ،‬وأبت أمي أن تسلم ‪،‬‬ ‫وأنا غلم ‪ ،‬فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ « :‬يا غلم اذهب إلى‬ ‫أيهما شئت ‪ ،‬إن شئت إلى أبيك ‪ ،‬وإن شئت إلى أمك » فتوجهت إلى أمي ‪،‬‬ ‫فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول ‪ « :‬اللهم اهده » فملت إلى‬ ‫أبي فقعدت في حجره‪.‬‬ ‫والمذهب الول ؛ لن الحضانة جعلت لحظ الولد ‪ ،‬ول حظ للولد المسلم في حضانة‬ ‫الكافر ؛ لنه يفتنه عن دينه ‪ ،‬وذلك من أعظم الضرر ‪ ،‬والحديث منسوخ ‪ ،‬ولن المة‬ ‫أجمعت على أنه ل يسلم الصبي المسلم إلى الكافر " ا هـ ‪.‬‬ ‫ثم قال الشارح المطيعي في تكملة شرح المهذب ‪ 322 / 18‬بعد أن تكلم على‬ ‫الحديث ‪ " :‬وفي إسناده اختلف كثير ‪ ،‬وألفاظه مختلفة مضطربة " ونقل عن‬ ‫(التقريب) لبن حجر في ترجمة عبد الحميد بن جعفر قال ‪ " :‬صدوق رمي بالقدر ‪،‬‬ ‫وربما وهم " ‪.‬‬ ‫وقال أبو حاتم ‪ :‬ل يحتج به ‪ .‬وكان سفيان يضعفه ‪ ،‬ووثقه ابن معين(‪ .)2‬ثم قال الشارح‬ ‫المطيعي في تكملة المجموع ‪ " : 324 / 18‬ول تثبت الحضانة لفاسق ؛ لنه ل يؤمن أن‬ ‫ينشأ الطفل على منزعه ‪ ،‬وإن كان أحد البوين مسلما ‪ ،‬فالولد مسلم ‪ ،‬ول تثبت عليه‬ ‫الحضانة للكافر ‪ ،‬وقال أبو سعيد الصطخري ‪ :‬تثبت ؛ لحديث عبد الحميد ‪.‬‬ ‫ونقول ‪ :‬إن هذا الحديث استدل به القائلون بثبوت الحضانة للم الكافرة ‪ ،‬كأبي حنيفة‬ ‫وأصحابه ‪ ،‬وابن القاسم المالكي وأبي ثور ‪ ،‬وذهب الجمهور إلى أنه ل حضانة للكافرة‬ ‫على ولدها المسلم ‪ ،‬وأجابوا عن الحديث بما فيه من المقال والضطراب ‪ ،‬وقال‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه‬ ‫ج َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫المصنف ‪ :‬إنه منسوخ ‪ ،‬ولعله يحتج بأدلة عامة كقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬‬ ‫م ْ‬ ‫سبِيًل ﴾ [ سورة النساء الية ‪ ] 141‬وبنحو « السلم‬ ‫ف‬ ‫ن َ‬ ‫لِلْكَا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫منِي َ‬ ‫ري َ‬ ‫علَى ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( )‬ ‫منُوا ُ‬ ‫قوا‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫يعلو ول يعلى » ‪ 3‬وقد استدل ابن القيم بقوله تعالى ‪ ﴿ :‬يَا أي ُّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫أَن ْ ُ‬ ‫م نَاًرا ﴾ [ سورة التحريم الية ‪ ] 6‬على أن المراعى أول في التخيير‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫هلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أو الستهام بالقرعة ما هو أصلح للصغير ‪ ،‬وأن أيا ما كان المر من التخيير أو التعيين‬ ‫قوا أَن ْ ُ‬ ‫أو القتراع فإن أولئك مقيد بقوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬‬ ‫م نَاًرا ﴾ وحكى‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫هلِيك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عن شيخه ابن تيمية أنه قال ‪ :‬تنازع أبوان صبيا عند الحاكم ‪ ،‬فخير الولد بينهما فاختار‬ ‫أباه ‪ ،‬فقالت أمه ‪ :‬سله لي شيء يختاره ‪ .‬فسأله فقال ‪ :‬أمي تبعثني كل يوم للكاتب‬ ‫والفقيه يضرباني ‪ ،‬وأبي يتركني ألعب مع الصبيان ؛ فقضى به للم ‪.‬‬ ‫ورجح هذا ابن تيمية ‪ .‬فإذا كانت روح الشرع تقضي بمراعاة صالح الصغير ‪ ،‬فإن مما ل‬ ‫شك فيه أن إلقاءه في أحضان الكفر قضاء على صلحه دنيا وأخرى ‪ ،‬ومن ثم يتعين‬ ‫خطأ أبي سعيد الصطخري ‪ ،‬وأبي حنيفة وأصحابه ‪ ،‬وابن القاسم وأبي ثور ‪ .‬وقال‬ ‫العمراني ‪ :‬إن الحضانة لحظ الولد ‪ ،‬ول حظ له في حضانة الكافر ؛ لنه ل يؤمن أن‬ ‫يفتن عن دينه ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أما الحديث فغير معروف عند أهل النقل يعني حديث عبد‬ ‫الحميد بن جعفر المتقدم مرارا ‪ .‬وإن صح فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه‬

‫‪ )(1‬الصواب عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬وقد تقدم الحديث مرارا ‪ ،‬وهذا من الختلف فيه ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬ذكر هذه القوال الذهبي في (ميزان العتدال) في ترجمة عبد الحميد بن جعفر ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬رواه الدارقطني في سننه ‪ 252 / 3‬عن عائذ بن عمر المزني ‪ ،‬وعلقه البخاري كما في الفتح ‪. 220 / 3‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫وسلم علم أنه يختار أباه ‪ ،‬فلهذا خيره ‪ ،‬فيكون ذلك خاصا لذلك الولد دون غيره " ا هـ‬ ‫‪.‬‬ ‫ومن هذه النقول يتضح أن الجمهور على منع ولية الكافر ‪ ،‬وحضانته للطفل المسلم ‪،‬‬ ‫وأن من أجاز ذلك كأصحاب الرأي وهم الحنفية ومن وافقهم فقد خصوه بأحد البوين ‪،‬‬ ‫تمسكا بحديث عبد الحميد المذكور ‪ ،‬وقد عرفت ضعف الحديث وما فيه من‬ ‫الختلف ‪ ،‬ومع ذلك فل مانع من حضانة الم الكافرة في الصغر ؛ لمكان الشفقة‬ ‫والرحمة ‪ ،‬فإن زمن الرضاعة وبعده بسنة أو سنتين ل تأثير معه لدينها وأعمالها‬ ‫الكفرية ‪ ،‬لكن متى بلغ الطفل سنا يميز به ‪ ،‬ويعرف ما يتدين به ‪ ،‬ويتأثر بالتلقين ‪،‬‬ ‫ويخاف أن يألف أعمال الكفار ويميل إليها ‪ ،‬وجب نزعه من أحضان أقاربه غير‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وتسليمه إلى من يسعى في إصلحه ‪ ،‬ويربيه التربية السلمية ‪ ،‬وهذا‬ ‫واجب على المسلمين عموما في كل دولة وبلد بالنسبة إلى أولد إخوتهم ‪ ،‬من يتيم‬ ‫فقد أباه ومن يحصنه ويتوله ‪ ،‬أو ينفق عليه من قريب أو أخ شفيق ‪ ،‬ومن فقير يعجز‬ ‫وليه عن النفقة وتوابعها ‪ ،‬فعلى المسلمين المؤمنين أن تحملهم الشفقة الدينية ‪،‬‬ ‫والخوة السلمية على احتضان أولد إخوتهم في الدين وعلى توليهم ورعايتهم وإصلح‬ ‫أحوآله م ‪ ،‬وقد ورد الترغيب في كفالة اليتيم ‪ ،‬فعن سهل بن سعد الساعدي رضي‬ ‫الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬أنا وكافل اليتيم في‬ ‫الجنة هكذا »(‪ )1‬وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا ‪ .‬قال ابن بطال ‪ :‬حق‬ ‫على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ؛ ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫ول منزلة في الخرة أفضل من ذلك ‪ ،‬والكافل هو القائم بأمر اليتيم المربي له ‪.‬‬ ‫وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬من قبض‬ ‫يتيما من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتة ‪ ،‬إل‬ ‫أن يعمل ذنبا ل يغفر »(‪ )2‬يعني مثل الشرك الذي ل يغفر إل بالتوبة منه ‪ ،‬أو مثل‬ ‫حقوق الدميين التي ل بد فيها من القصاص ‪ .‬وعن مرة الفهري رضي الله عنه عن‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين »(‪ )3‬في‬ ‫الوسطى والتي تلي البهام ‪ .‬وذكر الحسن البصري رحمه الله أن يتيما كان يحضر‬ ‫طعام ابن عمر ‪ ،‬فدعا بطعام ذات يوم ‪ ،‬فطلب يتيمه فلم يجده ‪ ،‬فجاء بعدما فرغ ‪. . .‬‬ ‫فجاءه بسويق وعسل فقال ‪ :‬دونك هذا فوالله ما غبنت ‪ .‬قال الحسن ‪ :‬وابن عمر‬ ‫والله ما غبن(‪ .)4‬والمعنى أن اليتيم لما فاته الطعام المعتاد عوضه عنه سويقا وعسل ‪،‬‬ ‫وهو من خير الطعام ‪ ،‬فأخبره بأنهم ما غبنوه بأكلهم الطعام ‪ ،‬فقد حصل على خير منه‬ ‫‪ ،‬وابن عمر ما غبن ؛ لحصوله على أجر إطعام اليتامى ‪ ،‬وكان ابن عمر رضي الله عنه‬ ‫ل يأكل طعاما إل وعلى خوانه يتيم(‪ .)5‬وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪« :‬خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن‬ ‫إليه ‪ ،‬وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ‪ .‬أنا وكافل اليتيم‬ ‫في الجنة كهاتين »(‪ )6‬يشير بأصبعيه ‪ .‬وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫‪ )(1‬رواه البخاري كما في الفتح ‪ 436 / 10‬برقم ‪ ، 6005‬والترمذي كما في تحفة الحوذي ‪ ، 45 / 6‬وأبو داود برقم ‪، 4150‬‬ ‫وأورد له الحافظ شواهد كثيرة وأشار الترمذي إلى عدة أحاديث ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬رواه الترمذي في البر والصلة كما في التحفة ‪ 44 /6‬وفي إسناده ضعف ‪.‬‬ ‫‪ )(3‬رواه البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 133‬وغيره ‪.‬‬ ‫‪ )(4‬رواه البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 134‬وإسناده صحيح إلى الحسن وهو البصري ‪.‬‬ ‫‪ )(5‬كما عند البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 136‬وله في الصحيح نحوه في كتاب الطعمة الباب ‪. 12‬‬ ‫‪ )(6‬رواه ابن ماجه برقم ‪ ، 3679‬والبخاري في الدب المفرد برقم ‪ ، 137‬وإسناده ضعيف ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫حول تربية الطفال وتعليم الجهال‬

‫« كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين »(‪)1‬بأصبعيه السبابة والوسطى ‪.‬‬ ‫وروى عبد الرحمن بن أبزى قال ‪ :‬قال داود عليه السلم ‪ :‬كن لليتيم كالب الرحيم ‪،‬‬ ‫واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد(‪.)2‬‬ ‫وقد حث الله تعالى على إعطاء اليتامى من الصدقات العامة والخاصة كقوله تعالى ‪﴿ :‬‬ ‫وي ال ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ﴾ [ سورة البقرة‬ ‫ل َ‬ ‫حب ِّ ِ‬ ‫علَى ُ‬ ‫ساكِي َ‬ ‫م َ‬ ‫وآتَى ال ْ َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫والْيَتَا َ‬ ‫َ‬ ‫مى َ‬ ‫قْربَى َ َ‬ ‫ه ذَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سيًرا ﴾‬ ‫ما وَأ ِ‬ ‫حبِّهِ ِ‬ ‫م عَلى ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الطعَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سكِينًا وَيَتِي ً‬ ‫الية ‪ ] 177‬وقال تعالى ‪﴿ :‬وَيُطعِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫[ سورة النسان الية ‪ ] 8‬وجعل لهم حقا‬ ‫ما أفاءَ‬ ‫في الفيء وخمس الغنيمة بقوله ‪َ ﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫مى‬ ‫ه َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ول ِ ِ‬ ‫قَرى فلِل ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ولِلَّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫علَى َر ُ‬ ‫وال َيَتَا َ‬ ‫الل ّـ ُ‬ ‫ذي القْربَى َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬ ‫فأ َ َّ‬ ‫ما َ‬ ‫ء َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه‬ ‫ي ٍ‬ ‫وا ْ‬ ‫ن لِل ّـ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫موا أن َّ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫غن ِ ْ‬ ‫﴾ [ سورة الحشر الية ‪ ] 7‬وقوله ‪َ ﴿ :‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫مى ﴾ [ سورة النفال الية ‪ ] 41‬واليات‬ ‫ُ‬ ‫ول ِ ِ‬ ‫ولِلَّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫واليَتَا َ‬ ‫س ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫قْربَى َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه َ‬ ‫في ذكر اليتامى كثيرة معلومة ‪ ،‬ففي هذه النصوص الحث على كفالة اليتامى ‪،‬‬ ‫والنفاق عليهم ‪ ،‬واحتضانهم ‪ ،‬والحرص على إنقاذهم من الفقر والجوع والضرر‬ ‫والهوان ‪ ،‬وحمايتهم من ولية الشيوعيين والمشركين ‪ ،‬واليهود والنصارى ‪،‬‬ ‫والروافض ‪ ،‬وسائر المبتدعين الذين ل هدف لهم سوى الضلل والخراج من الدين‬ ‫القويم ‪ ،‬فمتى تساهل المسلمون وانشغلوا عن هؤلء اليتامى والمعوزين انتهز هؤلء‬ ‫العداء الفرص وتقبلوا رعايتهم ‪ ،‬فبذلك يخسرهم المسلمون ‪ ،‬بل يصبحون حربا على‬ ‫آبائهم وإخوانهم ‪ ،‬وأقاربهم وأسلفهم الذين هم من رجال الدين وأعوانه ‪ .‬والواقع‬ ‫يشهد بذلك ‪ ،‬فإن النصارى يبثون دعاتهم في القطار السلمية ‪ ،‬ويمدونهم بالموال‬ ‫الطائلة ‪ ،‬فيقومون بتأسيس المدارس لجميع المراحل ‪ ،‬وتلقين أولد المسلمين مبادئ‬ ‫النصرانية وعلومها مجانا ؛ كما يقومون ببناء المستشفيات والعلج فيها مجانا ‪ ،‬ليكسبوا‬ ‫بذلك قلوبهم ‪ ،‬ولينشئوا الطفال في بيئة بعيدة عن السلم وعلومه ‪ ،‬ومن ثم يميل‬ ‫هؤلء الفقراء واليتامى إلى النصارى ‪ ،‬لما رأوا من جهود أهل النصرانية ‪ ،‬وهكذا يفعل‬ ‫دعاة الروافض في استجلب العامة إلى معتقدهم الزائغ بهذه الحيل والسباب ‪ ،‬ولقد‬ ‫قرأت سابقا في مجلة المجتمع العدد (‪ )616‬وتاريخ ‪ 1403 / 6 / 28‬هـ ما نصه ‪ " :‬ففي‬ ‫الوقت الذي تعمل فيه الدوائر التنصيرية على تنصير المسلمين في مخيمات اللجئين‬ ‫في الدول المجاورة لفغانستان ‪ ،‬وإغرائهم بالبتعاد عن ساحات الجهاد ‪ ،‬تقوم‬ ‫الشيوعية الملحدة وبمختلف الوسائل لتحويل أبناء المسلمين اليتامى إلى الشيوعية ‪،‬‬ ‫فقد أفادت النباء مؤخرا بأن قوات الحتلل السوفييتي أرسلت ومنذ ثلث سنوات أكثر‬ ‫من سبعة وعشرين ألف طفل مسلم أفغاني عنوة إلى موسكو ‪ ،‬بهدف تغيير‬ ‫معتقداتهم " ا هـ ‪.‬‬ ‫أفل يكون المسلمون وأهل السنة أولى بالهتمام وبذل الجهود في تنشئة وتربية‬ ‫الطفال ‪ ،‬حتى أولد الكفار والمشركين الصغار الذين لم يزالوا على فطرة الله التي‬ ‫فطر الناس عليها ‪ ،‬فإن هناك دول كثيرة تعاني من الفقر والفاقة ‪ ،‬والشدة والحاجة‬ ‫الشيء الكثير ‪ ،‬مع بقائهم على الملل الكفرية ‪ ،‬وكثيرا ما تجري بينهم الحروب‬ ‫والمنازعات التي ل يكون الهدف منها سوى الغراض المادية البحتة ‪ ،‬ففي تلك الحال‬ ‫يسهل اقتناص شبابهم وأطفالهم ‪ ،‬وتنشئتهم على " السلم الذي هو دينهم بأصل‬ ‫الفطرة ‪ ،‬وذلك يحتاج إلى تكريس جهود مخلصة ‪ ،‬وإلى أموال طائلة تبذل في سبيل‬ ‫الله ‪ ،‬وفي بناء المساجد ‪ ،‬وفتح مدارس خيرية ‪ ،‬وطبع المصاحف وتوزيعها بين‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وترجمة كتب العقيدة والتوحيد بشتى اللغات ‪ ،‬وتفريقها هناك ‪ ،‬والحرص‬ ‫على إبعاد أولئك الطفال والشباب عن المجتمعات والبيئات الكفرية ‪ ،‬وتعليمهم اللغة‬ ‫العربية ‪ ،‬فمن ثم يتم التأثر ‪ ،‬ويقوى السلم وأهله ‪ ،‬ويكثر معتنقوه ‪ ،‬ويدخل الناس‬ ‫‪ )(1‬رواه مسلم كما في الزهد من صحيحه برقم ‪ 2983‬مسندا ‪ ،‬ورواه مالك ‪ 948 / 2‬مرسل ‪.‬‬ ‫‪ )(2‬رواه البخاري في الدب المفرد برقم ‪ 138‬مطول ‪.‬‬

‫َ‬ ‫حة ال َّ‬ ‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫شيْخ عَبد الل ّـهِ بن ِ‬ ‫س َ‬ ‫جبْرِي ْ ٍ‬

‫في دين الله أفواجا ‪ ،‬بدل ما هم يخرجون منه أفواجا ‪ ،‬وبقوة السلم والمسلمين يتم‬ ‫المن والستقرار ‪ ،‬ويحيا المسلمون الحياة الطيبة ‪ ،‬ويردون غزو العداء وفتكهم‬ ‫وحيلهم التي قد نجحوا في الكثير باكتساح كثير من بلدان المسلمين ‪ ،‬وكثير من‬ ‫القبائل والسر التي أصبحت معهم ‪ ،‬وتدين بمعتقداتهم السيئة ‪ .‬فمتى يفيق‬ ‫المسلمون من هذا السبات والغفلة؟! فالله المستعان ‪ ،‬وعليه التكلن ‪ ،‬وصلى الله‬ ‫على محمد ‪ ،‬وآله وصحبه وسلم(‪.)1‬‬

‫‪ )(1‬المصدر ‪ :‬مجلة البحوث السلمية ‪،‬ع ‪ / 53 :‬ص ‪.175 ، 126‬‬

‫‪5‬‬

Related Documents

Atfaal
May 2020 5
Tuhfatul Atfaal
June 2020 4
011009 Dar Ul Atfaal
June 2020 8