Al Baqara 216-286

  • May 2020
  • PDF

This document was uploaded by user and they confirmed that they have the permission to share it. If you are author or own the copyright of this book, please report to us by using this DMCA report form. Report DMCA


Overview

Download & View Al Baqara 216-286 as PDF for free.

More details

  • Words: 119,450
  • Pages: 2,411
‫تفسَت القرآن الكريم‬

‫للشيخ متويل الشعراوي ر‪ٛ‬ته اهلل‬ ‫أعده لل ‪Apple iPOD Touch‬‬

‫ا‪١‬تهندس ‪٤‬تمد مبدع عبسي ا‪ٟ‬تلبي‬

‫سورة البقرة‬

‫من ‪ 216‬إىل ‪286‬‬ ‫بِس ِم َ ِ‬ ‫‪ٛ‬ت ِن ال َّر ِح ِ‬ ‫يم‬ ‫اّلل ال َّر ْ َ‬ ‫ْ ّ‬

‫ُكتِ‬ ‫ال َو ُه َو ُك ْر ٌه ل َ ُك ْم‬ ‫ب عَلَي ْ ُك ُم الْقِت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬ ‫َو َ ََس أ ْن تَك َْر ُهوا َشيْئًا َو ُه َو َخ َْتٌ‬ ‫ل َ ُك ْم َو َع ََس أ َ ْن ُ ِٖتبُّوا َشيْئًا َو ُه َو َش ٌّر‬

‫َ‬ ‫ون‬ ‫اّلل يَعْل َ ُم َوأن ْ ُت ْم َال تَعْل َ ُم َ‬ ‫ل َ ُك ْم َو َّ ُ‬ ‫(‪)216‬‬ ‫إن كراهية القتال هي قضية‬ ‫فطرية يقو‪٢‬تا الذي خلق اإلنسان‬ ‫فهو سبحانه ال يعاًف األمر عبلجا‬ ‫سوفسطائيا ‪ٔ ،‬تعٌت أن يقول ‪:‬‬

‫وماذا يف القتال؟ ال ‪ ،‬إن ا‪٠‬تالق‬ ‫يقول‪ :‬أعلم أن القتال مكروه ‪.‬‬ ‫وحىت إذا ما أصابك فيه ما تكره‬ ‫فأنت قد علمت أن الذي شرعه‬ ‫يُقدر ذلك ‪ .‬ولو لم يقل ا‪ٟ‬تق إن‬ ‫القتال كره ‪ :‬لفهم الناس أن اهلل‬ ‫يصور ‪٢‬تم األمر العسَت يسَتا ‪.‬‬

‫إن اهلل عز وجل يقول للذين‬ ‫آمنوا‪ :‬اعلموا أنكم مقبلون عىل‬ ‫مشقات ‪ ،‬وعىل متاعب ‪ ،‬وعىل أن‬ ‫تًتكوا أموالكم ‪ ،‬وعىل أن تًتكوا‬ ‫لذتكم و٘تتعكم ‪ .‬ولذلك ‪٧‬تد‬ ‫كبار الساسة الذين برعوا يف‬ ‫السياسة و‪٧‬تحوا يف قيادة ‪٣‬تتمعاهتم‬

‫كانوا ال ٭تبون لشعوبهم أن ٗتوض‬ ‫ا‪١‬تعارك إال مضطرين ‪ ،‬فإذا ما‬ ‫اضطروا فهم يوضحون ‪ٞ‬تندهم‬ ‫أهنم يدرأون بالقتال ما هو أكثر‬ ‫شرا ًمن القتال ‪ ،‬ومعٌت ذلك أهنم‬ ‫يعبئون النفس اإلنسانية حىت‬ ‫تواجه ا‪١‬توقف ّتماع قواها ‪،‬‬

‫وّتميع ملكاهتا ‪ ،‬وكل إرادهتا ‪.‬‬ ‫واٌفق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬ ‫ُكتِ‬ ‫ب عَلَي ْ ُك ُم القتال َو ُه َو ُك ْر ٌه ل َّ ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫} إنه سبحانه يقول لنا ‪ :‬أعلم أن‬ ‫القتال كره لكم ولكن أردت أن‬ ‫أشيع فيكم قضية ‪ ،‬هذه القضية هي‬ ‫أال ٖتكموا يف القضايا الكبَتة يف‬

‫حدود علمكم؛ ألن علمكم دائما‬ ‫ناقص ‪ ،‬بل خذوا القضايا من‬ ‫خبلل ع‪١‬تي أنا؛ ألنٍت قد أشرع‬ ‫مكروها ‪ ،‬ولكن يأيت منه ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫وقد تَ َرون حبا يف شيء ويأيت منه‬ ‫الشر ‪ .‬ولذلك ينبهنا ا‪ٟ‬تق إىل أن‬ ‫كثَتا ًمن األمور ا‪١‬تحبوبة عندنا‬

‫يأيت منها الشر ‪ ،‬فيقول الواحد منا ‪:‬‬ ‫« كنت أتوقع ا‪٠‬تَت من هذا األمر ‪،‬‬ ‫لكن الشر هو ما جاءين منه » ‪.‬‬ ‫وهناك أمور أخرى نظن أن الشر‬ ‫يأيت منها ‪ ،‬لكنها تأيت با‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫ولذلك يًتك ا‪ٟ‬تق فلتات يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع حىت يتأكد الناس أن اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل ال ُ‪٬‬تري أمور ا‪٠‬تَت‬ ‫عىل مقتضيات ومقاييس علم العباد‬ ‫‪ ،‬إ‪٪‬تا ُ‪٬‬تري ا‪ٟ‬تكم عىل مقتىض‬ ‫ومقاييس وعلم رب العباد ‪.‬‬ ‫ولننظر إىل ما رواه ا‪ٟ‬تق مثبل للناس‬ ‫ال موىس ل ِ َفت َ ُاه ال‬ ‫عىل ذلك ‪َ { :‬وإِذْقَ َ‬ ‫أَب ْ َر ُح حىت أَبْل ُ َغ َ‪٣‬ت ْ َم َع البحرين أ َ ْو‬

‫أ َ ْم ِض َي ُح ُقبا ً* فَل َ َّما بَلَغَا َ‪٣‬ت ْ َم َع بَي ْ ِن ِه َما‬ ‫ن َ ِسيَا ُحوهتَ ُ َما فاٗتذ َسبِيل َ ُه ِيف البحر‬ ‫ال ل ِ َفت َ ُاه آتِنَا‬ ‫اوزَا قَ َ‬ ‫َس َربا ً* فَل َ َّما َج َ‬ ‫َ َدآءَ َانلَقَ ْد لَقِينَا ِمن َس َف ِرنَا هذا‬ ‫ال أ َ َرأَي ْ َت إِذْ أ َ َويْنَآ إ َِىل‬ ‫ن َ َصبا ً* قَ َ‬ ‫يت ا‪ٟ‬توت َو َمآ‬ ‫الصخرة فَإ ِِّين ن َ ِس ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫يه إِال َّالشيطان أ َ ْن أَذْ ُك َر ُه‬ ‫أن ْ َسان ُ‬

‫ال‬ ‫واٗتذ َسبِيل َ ُه ِيف البحر َع َجبا ً* قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫‪٫‬تا‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫ك َما ُكنَّا نَب ْ ِغ فارتدا عىل آثَا ِر َ‬ ‫َق َصصا ً} ػ الكهف ‪] 64-60 :‬‬ ‫إن موىس عليه السبلم يسَت مع فتاه‬ ‫إىل ‪٣‬تمع البحرين ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه‬ ‫ملتىق ْترين يف جهة ا‪١‬تشرق ‪ ،‬وكان‬ ‫معهما طعام هو حوت ‪٦‬تلوح‬

‫يأكبلن منه ‪ ،‬لكن السفر وا‪١‬تشقة‬ ‫أنسا‪٫‬تا ا‪ٟ‬توت وانطلق ا‪ٟ‬توت بآية‬ ‫من اهلل إىل البحر ‪ ،‬وعندما وصل‬ ‫موىس إىل ‪٣‬تمع البحرين طلب من‬ ‫فتاه أن يأيت بالطعام بعد طول‬ ‫التعب ‪ ،‬لكن الفىت يقول ‪١‬توىس ‪:‬‬

‫إنه نسي ا‪ٟ‬توت ‪ ،‬ولم ينسه إياه إال‬ ‫الشيطان ‪.‬‬ ‫وإن ا‪ٟ‬توت اٗتذ طريقه إىل البحر ‪،‬‬ ‫فقال موىس ‪ :‬إن هذا ما كنا نطلبه‬ ‫عبلمة عىل وصولنا إىل ايتنا وهي‬ ‫‪٣‬تمع البحرين ‪ ،‬أي أمر ا‪ٟ‬توت‬

‫وفقده هو الذي نطلب ‪ ،‬فإن‬ ‫الرجل الذي جئنا من أجله هناك‬ ‫يف هذا ا‪١‬تكان ‪ ،‬وارتد موىس والغبلم‬ ‫عىل آثار‪٫‬تا مرة أخرى ‪.‬‬ ‫فما الذي ٭تدث؟ يلتقي موىس عليه‬ ‫السبلم بالعبد الصاٌف ا‪٠‬تضر ‪ ،‬وهو‬ ‫ويل من أولياء اهلل ‪ ،‬علمه اهلل العلم‬

‫الرباين الذي يهبه اهلل لعباده ا‪١‬تتقُت‬ ‫كثمرة لئلخبلص والتقوى ‪.‬‬ ‫ويطلب موىس عليه السبلم من‬ ‫العبد الرباين سيدنا ا‪٠‬تضر عليه‬ ‫السبلم أن يتعلم منه بعض الرشد‪.‬‬ ‫لكن العبد الرباين الذي وهبه اهلل‬ ‫من العلم ما يفوق استيعاب القدرة‬

‫البشرية يقول ‪١‬توىس عليه السبلم ‪:‬‬ ‫ال إِن ّ ََك لَن تَ ْست َ ِطي َع َمعِ َي َص ْْبا ً*‬ ‫{ قَ َ‬ ‫و َكي َف تَ بِ‬ ‫ص ُر عىل َما ل َ ْم ُ ِٖت ْط بِ ِه ُخ ْْبا ً‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫} ػ الكهف ‪] 68-67 :‬‬ ‫لقد كان موىس عىل علم سابق بأن‬ ‫ضياع ا‪ٟ‬توت هو مسألة يف ظاهرها‬ ‫شر لكن يف باطنها خَت؛ ألن ذلك‬

‫هو السبيل والعبلمة اليت يعرف بها‬ ‫موىس كيف يلتقي بالعبد الصاٌف ‪.‬‬ ‫ويستمر السياق نفسه يف قصة‬ ‫موىس والعبد الصاٌف ‪ ،‬قصة ظاهرها‬ ‫الشر وباطنها ا‪٠‬تَت ‪ ،‬سواء يف قصة‬ ‫السفينة اليت خرقها أو الغبلم الذي‬ ‫قتله ‪ ،‬أو ا‪ٞ‬تدار الذي أقامه ‪.‬‬

‫لقد كان علم العبد الصاٌف علما ً‬ ‫ربانيا ً‪ ،‬لذلك أراد موىس أن يتعلم‬ ‫بعضا ًمن هذا العلم لكن العبد‬ ‫الصاٌف ينبه موىس عليه السبلم أن‬ ‫ما قد يراه هو فوق طاقة الصْب؛ ألن‬ ‫الذي قد يراه موىس من أفعال إ‪٪‬تا‬ ‫قد يرى فيها شرا ًظاهرا ً‪ ،‬لكن يف‬

‫باطنها كل ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫وقَبِل موىس عليه السبلم أن يقف‬ ‫موقف ا‪١‬تتعلم بأدب مع العالم‬ ‫الذي وهبه اهلل العلم الرباين‪.‬‬ ‫ويشًتط العبد الرباين عىل موىس أال‬ ‫يسأل إال بعد أن ٭تدثه العبد‬ ‫الرباين عن األسباب ‪ .‬ويلتقي موىس‬

‫والعبد الرباين بسفينة فيصعدان‬ ‫عليها ‪ ،‬وٮترق العبد الرباين السفينة‬ ‫‪ ،‬فيقول موىس ‪ { :‬أ َ َخ َرقْتَهَا ل ِ ُتغ ْ ِر َق‬ ‫أ َ ْهلَهَا لَقَ ْد ِجئ ْ َت َشيْئا ًإِ ْمرا ً} ػ‬ ‫الكهف ‪] 71 :‬‬ ‫فَتد العبد الصاٌف ‪ { :‬أَل َ ْم أ َ ُق ْل إِن ّ ََك‬ ‫لَن تَ ْست َ ِطي َع َم ِع َي َص ْْبا ً} ػ الكهف‬

‫‪] 72 :‬‬ ‫ويتذكر موىس أنه وعد العبد الصاٌف‬ ‫بالصْب ‪ ،‬لكن ما الذي يفعله موىس‬ ‫وقد وجد العبد الصاٌف ٮترق سفينة‬ ‫ٖتملهم يف البحر؟ إنه أمر شاق عىل‬ ‫النفس ‪ .‬ولذلك يقول موىس ‪ { :‬ال َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يت َوال َ ُت ْر ِه ْق ٍِت ِم ْن‬ ‫ُت َؤاخ ْذ ِين ٔتَا ن َ ِس ُ‬

‫أ َ ْم ِري ُع ْسرا ً} ػ الكهف ‪] 73 :‬‬ ‫إن موىس يعود إىل وعده للعبد الصاٌف‬ ‫‪ ،‬ويطلب منه فقط أال يكلفه بأمور‬ ‫تفوق قدرته ‪ .‬وينطلق العبد الصاٌف‬ ‫ومعه موىس عليه السبلم ‪ ،‬فيجد‬ ‫العبد الصاٌف بلما فيقتله ‪ ،‬فيقول‬ ‫موىس ‪ { :‬أَقَتَل ْ َت ن َ ْفسا ًزَ ِكيَةً بِغ َ ْ ِ‬ ‫َت‬ ‫ّ‬

‫ن َ ْف ٍس ل َّ َق ْد ِجئ ْ َت َش ْيئا ًنُّكْرا ً} ػ‬ ‫الكهف ‪] 74 :‬‬ ‫ويُذكر العبد الصاٌف موىس أنه لن‬ ‫يستطيع الصْب معه ‪ ،‬ويعتذر موىس‬ ‫عما ال يعلم ‪.‬‬

‫وٯتر العبد الصاٌف ومعه موىس‬ ‫بقرية فطلبا من أهل القرية‬ ‫الضيافة ‪ ،‬لكن أهل القرية‬ ‫يرفضون الضيافة ‪ ،‬و‪٬‬تد العبد‬ ‫الصاٌف جدارا مائبل يكاد يسقط‬ ‫فيبدأ يف بنائه ‪ ،‬فيقول موىس ‪ { :‬ل َ ْو‬ ‫ِشئ ْ َت لتَّ َخ ْذ َت عَلَي ْ ِه أ َ ْجرا ً} ػ‬

‫الكهف ‪ ] 77 :‬ويكون الفراق‬ ‫بُت العبد الصاٌف وموىس‪ .‬وٮتْب‬ ‫العبد الصاٌف موىس ٔتا لم يعلمه‬ ‫ولم يصْب عليه ‪ .‬إن خرق السفينة‬ ‫كان إلنقاذ أصحابها من اغتصابها‬ ‫منهم؛ ألن هناك ملكا كان يأخذ‬ ‫كل سفينة صا‪ٟ‬تة غصبا ً‪ ،‬فأراد أن‬

‫يعيبها ليًتكها ا‪١‬تلك ‪٢‬تؤالء‬ ‫ا‪١‬تساكُت ‪.‬‬ ‫وقتل الغبلم كان ر‪ٛ‬تة بأبويع‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬كان هذا االبن سيجلب‬ ‫‪٢‬تما الطغيان والكفر ‪ ،‬وأراد اهلل‬ ‫أن يبدله خَتا ًمنه ‪.‬‬ ‫وأن ا‪ٞ‬تدار الذي أقامه كان فوق‬

‫كزن ‪ ،‬وكان ليتيمُت من هذه القرية‬ ‫وكان والد الغبلمُت صا‪ٟ‬تا ً‪ ،‬لذلك‬ ‫كان البد من إعادة بناء ا‪ٞ‬تدار حىت‬ ‫يبلغ الغبلمان أشدهم ويستخرجا‬ ‫الكزن ويقول العبد الصاٌف عن كل‬ ‫هذه األعمال ‪َ { :‬و َما فَعَل ْ ُت ُه َع ْن‬ ‫ك تَأ ْ ِو ُيل َما ل َ ْم تَ ْس ِطع عَّلَي ْ ِه‬ ‫أ َ ْم ِري ذَل ِ َ‬

‫َص ْْبا ً} ػ الكهف ‪] 82 :‬‬ ‫إن العبد الصاٌف ال ينسب هذا‬ ‫العمل الرباين لنفسه ‪ ،‬ولكن‬ ‫ينسبه إىل ا‪٠‬تالق الذي علمه ‪ .‬إذن‬ ‫فا‪ٟ‬تق يطلق بعضا ًمن قضايا الكون‬ ‫حىت ال يظن اإلنسان أن ا‪٠‬تَت دائما ً‬ ‫فيما ٭تب ‪ ،‬وأن الشر فيما يكره ‪،‬‬

‫ولذلك يقول سبحانه ‪ { :‬وعَس‬ ‫أَن تَك َْر ُهوا ْ َشيْئا ً َو ُه َو َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم‬ ‫وعَس أَن ُ ِٖتبُّوا ْ َشيْئا ً َو ُه َو َش ٌّر ل َّ ُك ْم }‬ ‫فإن كان القتال كرها ًلكم ‪ ،‬فلعل‬ ‫فيه خَتا ًلكم ‪ .‬ؤتناسبة ذكر‬ ‫ال ُكره نوضح أن هناك « َكره » و «‬ ‫ُكره » ‪ .‬إن « الكَره » بفتح الكاف ‪:‬‬

‫هو الشيء ا‪١‬تكروه الذي ُٖتمل‬ ‫و ُتك َْر ُه عىل فعله ‪ ،‬أما « ال ُكره »‬ ‫بضم الكاف فهو الشيء الشاق ‪.‬‬ ‫وقد يكون الشيء مكروها وهو َت‬ ‫شاق ‪ ،‬وقد يكون شاقا ًولكن َت‬ ‫ِ‬ ‫مك‬ ‫ب‬ ‫روه ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪ُ { :‬كت َ‬ ‫عَلَي ْ ُك ُم القتال َو ُه َو ُك ْر ٌه ل َّ ُك ْم } ‪.‬‬

‫ولنبلحظ أن ا‪ٟ‬تق دائما ًحينما‬ ‫ِ‬ ‫يش‬ ‫ب } وال‬ ‫رع فهو يقول ‪ُ { :‬كت َ‬ ‫يقول ‪َ « :‬كتبت » ذلك حىت نفهم‬ ‫أن اهلل لن يشرع إال ‪١‬ت َ ْن آمن به؛‬ ‫فهو سبحانه لم يكتب عىل الكافرين‬ ‫أي تكاليف ‪ ،‬وهل يكون من‬ ‫ا‪١‬تنطقي أن يكلف اهلل َم ْن آ َمن به‬

‫ويًتك الكافر ببل تكليف؟‬ ‫نعم ‪ ،‬إنه أمر منطقي؛ ألن التكليف‬ ‫خَت ‪ ،‬وقد ينظر بعض الناس إىل‬ ‫التكليف من زاوية أنه ُمقيِ ّد ‪ ،‬نقول‬ ‫‪٢‬تم ‪ :‬لو كان التكليف اإلٯتاين يقيد‬ ‫لكلف اهلل به الكافر ‪ ،‬ولكن اهلل ال‬ ‫يكلف إال َم ْن ٭تبه ‪ ،‬إنه سبحانه ال‬

‫يأمر إال با‪٠‬تَت ‪ ،‬ثم إن اهلل ال يكلف‬ ‫إال َم ْن آمن به؛ ألن العبد ا‪١‬تؤمن مع‬ ‫ربه يف عقد اإلٯتان ‪.‬‬ ‫إذن فاهلل حُت يقول ‪ُ « :‬كتب »‬ ‫فمعٌت ذلك أنه سبحانه يقصد أنه‬ ‫لم يقتحم عىل أحد حركة اختياره‬ ‫ا‪١‬توهوبة له ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل‬

‫قد ترك للناس حرية االختيار يف‬ ‫أن يؤمنوا أو ال يؤمنوا ‪.‬‬ ‫ومن آمن عن اختيار وطواعية فقد‬ ‫دخل مع اهلل يف عقد إٯتان ‪،‬‬ ‫ؤتقتىض هذا العقد كتب اهلل عليه‬ ‫التكاليف ‪ .‬ومن هذه التكاليف‬

‫ِ‬ ‫ب‬ ‫القتال ‪ ،‬فقال سبحانه ‪ُ { :‬كت َ‬ ‫عَلَي ْ ُك ُم القتال } ‪.‬‬ ‫وقوله ‪ { :‬عَل َْي ُك ُم } يعٍت أن القتال‬ ‫ساعة يكتب ال يبدو من ظاهر أمره‬ ‫إال ا‪١‬تشقة فجاءت { عَلَي ْ ُك ُم }‬ ‫لتناسب األمر ‪ .‬وبعد انتهاء القتال‬ ‫إذا انتصرنا فنحن نأخذ الغنائم ‪،‬‬

‫وإذا اهنزمنا واستشهدنا فلنا ا‪ٞ‬تنة ‪.‬‬ ‫ويعْب ا‪ٟ‬تق عن ظاهر األمر يف‬ ‫القتال فيقول عنه ‪َ { :‬و ُه َو ُك ْر ٌه‬ ‫ل َّ ُك ْم وعَس أَن تَك َْر ُهوا ْ َشيْئا ً َو ُه َو‬ ‫َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم وعَس أَن ُ ِٖتبُّوا ْ َشيْئا ً َو ُه َو‬ ‫َش ٌّر ل َّ ُك ْم } ‪ .‬إهنا قضية عامة كما‬ ‫قلنا ‪ .‬لذلك فعلينا أن نرد األمر إىل‬

‫من يعلمه ‪ { ،‬واهلل يَعْل َ ُم َوأَن ْ ُت ْم ال َ‬ ‫ون } فكل أمر علينا أن نرده‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬ ‫إىل حكمة اهلل الذي أجراه؛ ألنه‬ ‫هو الذي يعلم ‪.‬‬ ‫وهناك قصة من الًتاث اإلنساين‬ ‫ٖتكي قضية رجل من الصُت ‪،‬‬ ‫وكان الرجل ٯتلك مكانا متسعا‬

‫وفيه خيل كثَتة ‪ ،‬وكان من ضمن‬ ‫ا‪٠‬تيل حصان ٭تبه ‪ .‬وحدث أن هام‬ ‫ذلك ا‪ٟ‬تصان يف ا‪١‬تراعي ولم يعد ‪،‬‬ ‫فحزن عليه ‪ ،‬فجاء الناس ليعزوه يف‬ ‫فقده ا‪ٟ‬تصان ‪ ،‬فابتسم وقال ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫ومن أدراكم أن ذلك شر لتعزوين‬ ‫فيه؟‬

‫وبعد مدة فوجئ الرجل با‪ٞ‬تواد‬ ‫ومعه قطيع من ا‪ٞ‬تياد ‪٬‬تره خلفه ‪،‬‬ ‫فلما رأى الناس ذلك جاءوا ليهنئوه‬ ‫‪ ،‬فقال ‪٢‬تم ‪ :‬وما أدراكم أن ذلك‬ ‫خَت ‪ ،‬فسكت الناس عن التهنئة ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك جاء ابنه لَتكب ا‪ٞ‬تواد‬ ‫فانطلق به ‪ ،‬وسقط الولد من فوق‬

‫ا‪ٟ‬تصان فانكسرت ساقه ‪ ،‬فجاء‬ ‫الناس مرة أخرى ليواسوا الرجل‬ ‫فقال ‪٢‬تم ‪ :‬ومن أدراكم أن ذلك‬ ‫شر؟‬ ‫وبعد ذلك قامت حرب فجمعت‬ ‫ا‪ٟ‬تكومة كل شباب البلدة ليقاتلوا‬ ‫العدو ‪ ،‬وتركوا هذا االبن؛ ألن‬

‫ساقه مكسورة ‪ ،‬فجاءوا يهنئونه ‪،‬‬ ‫فقال ‪٢‬تم ‪ :‬ومن أدراكم أن ذلك‬ ‫خَت؟ فعلينا أال نأخذ كل قضية‬ ‫بظاهرها ‪ ،‬إن كانت خَتا ًأو شرا ً‪،‬‬ ‫لكن علينا أن نأخذ كل قضية من‬ ‫قضايا ا‪ٟ‬تياة يف ضوء قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ل ِ ّ َكيْبل َتَأ ْ َس ْوا ْعىل َما فَاتَ ُك ْم َوال َ‬

‫تَ ْف َر ُحوا ْ ِٔتَآ آتَا ُك ْم } ػ ا‪ٟ‬تديد ‪:‬‬ ‫‪] 23‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق هو القائل ‪ { :‬واهلل يَعْل َ ُم‬ ‫َ‬ ‫ون } ‪ .‬وهلل ا‪١‬تثل‬ ‫َوأن ْ ُت ْم ال َتَعْ َ ُمل َ‬ ‫األعىل ‪ ،‬سبق لنا أن ضربنا ا‪١‬تثل من‬ ‫قبل بالرجل ا‪ٟ‬تنون الذي ٭تب‬ ‫ولده الوحيد ويرجو بقاءه يف الدنيا‬

‫‪ ،‬لذلك عندما ٯترض االبن فاألب‬ ‫يعطيه الدواء ا‪١‬تر ‪ ،‬وساعة يعطيه‬ ‫ا‪ٞ‬ترعة فاالبن يكره الدواء ولكنه‬ ‫خَت له ‪ .‬وبعد ذلك يتحدث ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل عن سؤال آخر يقول‬ ‫ك َع ِن الشهر‬ ‫فيه ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫ا‪ٟ‬ترام قِت َ ٍال فِي ِه ‪} . . .‬‬

‫ك َع ِن ال َّشهْ ِر ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم قِت َ ٍال‬ ‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫ال فِي ِه كَبَِتٌ َو َص ٌّد َع ْن‬ ‫فِي ِه ُق ْل قِت َ ٌ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل َو ُك ْف ٌر بِ ِه َوا ْ‪١‬ت َ ْس ِج ِد‬ ‫َسب ِ ّ‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم وإِ ْخ َر ُ َ ِ ِ ِ َ‬ ‫ْب ِعن ْ َد‬ ‫َ‬ ‫اج أ ْهله من ْ ُه أكْ َ ُ‬ ‫َِ‬ ‫ْب ِم َن ال ْ َقت ْ ِل َو َال‬ ‫اّلل َوال ْ ِفتْن َ ُة أ َ ْك َُ‬ ‫ّ‬ ‫ون يُقَاتِلُون َ ُك ْم َح َّىت ي َ ُر ّدُو ُك ْم‬ ‫ي َ َزال ُ َ‬ ‫َع ْن ِدي ِن ُك ْم إ ِِن ْاست َ َطا ُعوا َو َم ْن‬

‫ي َ ْرتَ ِددْ ِمن ْ ُك ْم َع ْن ِدي ِن ِه فَي َ ُم ْت َو ُه َو‬ ‫ك َحبِ َط ْت أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم ِيف‬ ‫كَافِ ٌر فَأُولَئِ َ‬ ‫ك أَ‬ ‫ال ُّدنْيا و ْاْل ِخ َر ِة وأُولَئِ‬ ‫اب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫النَا ِر هم فِيها َخال ِ‬ ‫ون (‪)217‬‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫والسؤال هنا ليس عن الشهر‬ ‫ا‪ٟ‬ترام؛ ألنه كان معروفا عندهم‬

‫من أيام ا‪ٞ‬تاهلية ولكن السؤال عن‬ ‫القتال يف الشهر ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬فما‬ ‫جدوى السؤال إذن؟ إنه سؤال‬ ‫استفزازي ‪ ،‬وا‪١‬تسألة ‪٢‬تا قصة ‪.‬‬ ‫ونعرف أن للسنة أثٌت عشر شهرا ً‪،‬‬ ‫وقد جعل اهلل فيها أربعة أشهر‬ ‫حرم ‪ :‬شهر واحد فرد وه و رجب ‪،‬‬

‫وثبلثة سرد ‪ ،‬هي ذو القعدة وذو‬ ‫ا‪ٟ‬تجة وا‪١‬تحرم ‪ .‬ومعٌت أشهر حرم‬ ‫أي أن القتال ‪٤‬ترم فيها ‪.‬‬ ‫لقد علم اهلل كْبياء ا‪٠‬تلق عىل ا‪٠‬تلق‬ ‫‪ ،‬لذلك جعل اهلل ‪٠‬تلقه ساترا ٭تمي‬ ‫كْبياءهم ‪ ،‬ومن هذه السنن اليت‬ ‫سنها اهلل هي حرمة القتال يف‬

‫األشهر ا‪ٟ‬ترم ‪ ،‬واألماكن ا‪ٟ‬ترم ‪،‬‬ ‫فيج وز أن ا‪ٟ‬ترب تضر ا‪١‬تحارب ‪،‬‬ ‫لكن كْبياءه أمام عدوه ٯتنعه من‬ ‫وقف القتال ‪ ،‬فيستمر يف ا‪ٟ‬ترب‬ ‫مهما كان الثمن ‪ ،‬فيأيت ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ويقول للمتحاربُت‬ ‫‪ :‬ارفعوا أيديكم يف هذه الشهور‬

‫ألين حرمت فيها القتال ‪ .‬ورٔتا كان‬ ‫ا‪١‬تحاربون أنفسهم يتمنون من‬ ‫أعماقهم أن يتدخل أحد ليوقف‬ ‫ا‪ٟ‬ترب ‪ ،‬ولكن كْبياءهم ٯتنعهم‬ ‫من الًتاجع ‪ ،‬وعندما يتدخل‬ ‫حكم السماء سيجد كل من‬ ‫الطرفُت حجة ليًتاجع مع حفاظه‬

‫عىل ماء الوجه ‪ .‬وكذلك جعل اهلل‬ ‫أماكن ‪٤‬ترمة ‪ ،‬٭ترم فيها القتال‬ ‫حىت يقول الناس إن اهلل هو الذي‬ ‫حرمها ‪ ،‬وتكون ‪٢‬تم ستارا ً٭تمي‬ ‫كْبياءهم ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل الذي خلق‬ ‫اإلنسان أراد أن يصون اإلنسان‬

‫حىت ٭تقن الدماء ‪ ،‬فإذا ظل الناس‬ ‫ثبلثة أشهر ببل حرب ‪ ،‬ثم شهرا ً‬ ‫آخر ‪ ،‬فنعموا يف هذه الفًتة‬ ‫بالسبلم والراحة وا‪٢‬تدوء ‪ ،‬فرٔتا‬ ‫يألفون السبلم ‪ ،‬وال يفكرون يف‬ ‫ا‪ٟ‬ترب مرة أخرى ‪ ،‬لكن لو‬ ‫استمرت ا‪ٟ‬ترب ببل توقف لظل‬

‫سعار ا‪ٟ‬ترب يف نفوسهم ‪ ،‬وهذه هي‬ ‫ميزة األشهر ا‪ٟ‬ترم ‪.‬‬ ‫واألشهر ا‪ٟ‬ترم ُح ُر ٌم يف الزمان‬ ‫وا‪١‬تكان؛ ألن الزمان وا‪١‬تكان ‪٫‬تا‬ ‫ظرف األحداث ‪ ،‬فكل حدث ٭تتاج‬ ‫زمانا ومكانا ‪ .‬وعندما ٭ترم الزمان‬ ‫و٭ترم ا‪١‬تكان فكل من طريف القتال‬

‫يأخذ فرصة للهدوء ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعرض هنا‬ ‫قضية أراد بها خصوم اإلسبلم من‬ ‫كفار قريش واليهود أن يثَتوها؛‬ ‫فقد كان رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يرسل بعض السرايا‬ ‫لبلستطبلع ‪ ،‬والسرية هي عدد‬

‫‪٤‬تدود من ا‪١‬تقاتلُت ‪ ،‬فجاء رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأرسل‬ ‫سرية عىل رأسها عبد اهلل بن جحش‬ ‫األسدي ابن عمة رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وأرسل معه‬ ‫‪ٙ‬تانية أفراد ‪ ،‬وجعله أمَتا عليهم ‪،‬‬ ‫وأعطاه كتابا وأمره أال يفتحه إال‬

‫بعد مسَتة يومُت ‪ ،‬وذلك حىت ال‬ ‫يعلم أحد أين تذهب السرية ‪ ،‬ويف‬ ‫ذلك احتياط يف إخفاء ا‪٠‬تْب ‪.‬‬ ‫فلما سارت السرية ليلتُت فتح‬ ‫عبد اهلل الكتاب وقرأه فإذا به ‪:‬‬ ‫اذهب إىل « بطن ‪٩‬تلة » وهو مكان‬ ‫بُت مكة والطائف واستطلع عَت‬

‫قريش ‪ ،‬وال ُتكره أحدا ‪٦‬تن معك‬ ‫عىل أن يسَت مرغما ‪ٔ ،‬تعٌت أن‬ ‫يكون لكل فرد يف السرية حرية‬ ‫ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬فمن يفضل عدم السَت‬ ‫فله هذا ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬

‫وبينما هم يف الطريق ضل بعَت‬ ‫لسعد بن أيب وقاص وعقبة بن‬ ‫َغ ْزوان ‪ ،‬وذهبا يْتثان عن البعَت ‪،‬‬ ‫وبىق ستة مقاتلُت مع عبد اهلل ‪،‬‬ ‫وذهب الستة إىل « بطن ‪٩‬تلة »‬ ‫فوجدوا « عمرو بن ا‪ٟ‬تضرمي »‬ ‫ومعه ثبلثة عىل عَت لقريش ‪،‬‬

‫فدخلوا معهم يف معركة ‪ ،‬وكان هذا‬ ‫اليوم يف ظنهم هو آخر ‪ٚ‬تادى‬ ‫اْلخرة ‪ ،‬لكن تبُت ‪٢‬تم فيما بعد‬ ‫أنه أول رجب أي أنه أحد أيام‬ ‫شهر حرام ‪.‬‬ ‫وقتل ا‪١‬تسلمون ابن ا‪ٟ‬تضرمي ‪،‬‬ ‫قتله واقد بن عبد اهلل من أصحاب‬

‫عبد اهلل ابن جحش ‪ ،‬وأسروا اثنُت‬ ‫‪٦‬تن معه ‪ ،‬وفر واحد ‪ ،‬فلما حدث‬ ‫هذا ‪ ،‬وتبُت ‪٢‬تم أهنم فعلوا ذلك يف‬ ‫أول رجب ‪ ،‬عند ذلك اعتْبوا أن‬ ‫قتا‪٢‬تم وغنائمهم ‪٥‬تالفة ‪ٟ‬ترمة‬ ‫شهر رجب ‪.‬‬ ‫وردا ًبُت‬ ‫وثارت ا‪١‬تسألة أخذا ّ‬

‫ا‪١‬تسلمُت قبل أن تتحدث فيها‬ ‫قريش حيث قالوا ‪ :‬إن ‪٤‬تمدا ً‬ ‫يدعي أنه ٭تًتم ا‪١‬تقدسات و٭تًتم‬ ‫األشهر ا‪ٟ‬ترم ‪ ،‬ومع ذلك قاتل يف‬ ‫األشهر ا‪ٟ‬ترم ‪ ،‬وسفك دمنا ‪ ،‬وأخذ‬ ‫أموالنا ‪ ،‬وأسر الرجال ‪ .‬فامتنع‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم عن‬

‫الغنائم واألسرى حىت يفصل اهلل يف‬ ‫القضية فزنل حكم السماء يف‬ ‫القضية بهذا القول ا‪ٟ‬تكيم ‪:‬‬ ‫ك َع ِن الشهر ا‪ٟ‬ترام‬ ‫{ ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫ال فِي ِه َكبَِتٌ َو َص ٌّد‬ ‫قِت َ ٍال فِي ِه ُق ْل قِت َ ٌ‬ ‫َعن َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل َو ُك ْف ٌر بِ ِه وا‪١‬تسجد‬ ‫ْب ِعن َد‬ ‫اج أ َ ْهلِ ِه ِمن ْ ُه أ َ ْك َُ‬ ‫ا‪ٟ‬ترام َوإِ ْخ َر ُ‬

‫ْب ِم َن القتل َوال َ‬ ‫اهلل والفتنة أ َ ْك َُ‬ ‫ون يُقَاتِلُون َ ُك ْم حىت ي َ ُر ّدُو ُك ْم‬ ‫ز‬ ‫يَال ُ َ‬ ‫َعن ِدي ِن ُك ْم إِن ْاست َ َطا ُعوا ْ َو َمن‬ ‫ي َ ْرتَ ِددْ ِمن ْ ُك ْم َعن ِدي ِن ِه فَي َ ُم ْت َو ُه َو‬ ‫كَافِ ٌر فأوالئك َحبِ َط ْت أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم ِيف‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫اب‬ ‫الدنيا واْل رة وأوالئك أ ْص َح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫النار ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬

‫‪] 217‬‬ ‫نحن ُمسلّمون أن القتال يف الشهر‬ ‫ا‪ٟ‬ترام أمر كبَت ‪ ،‬ولكن انظروا يا‬ ‫كفار قريش إىل ما صنعتم مع عبادنا‬ ‫وقارنوا بُت ِك ْْب هذا و ِك ْْب ذاك ‪.‬‬ ‫أنتم تقولون ‪ :‬إن القتال يف الشهر‬ ‫ا‪ٟ‬ترام مسألة كبَتة ‪ ،‬ولكن‬

‫صدكم عن سبيل اهلل وكفركم به‬ ‫‪ ،‬ومنعكم ا‪١‬تسلمُت من ا‪١‬تسجد‬ ‫ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬وإخراج أهل مكة منها‬ ‫أكْب عند اهلل من القتال يف الشهر‬ ‫ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬فبل تفعلوا ما هو أكْب من‬ ‫القتال يف الشهر ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬ثم‬ ‫تأخذكم الغَتة عىل ا‪ٟ‬ترمات ‪.‬‬

‫فكأن ا‪ٟ‬تق أراد أن يضع قضية‬ ‫واضحة هي ‪ :‬ال تؤخذوا من‬ ‫جزئيات التدين أشياء وتتحصنوا‬ ‫فيها خلف كلمة حق وأنتم‬ ‫تريدون الباطل فالواقع يعرض‬ ‫األشياء ‪ ،‬و‪٨‬تن نقول ‪ :‬نعم إن‬ ‫القتال يف الشهر ا‪ٟ‬ترام كبَت‪.‬‬

‫ولكن يا كفار قريش اعلموا أن‬ ‫فتنة ا‪١‬تؤمنُت يف دينهم وصدهم‬ ‫عن طريق اهلل ‪ ،‬وكفركم به‬ ‫سبحانه وإهداركم حرمة البيت‬ ‫ا‪ٟ‬ترام ٔتا تصنعون فيه من عبادة‬ ‫َت اهلل ‪ ،‬وإخراجكم أهله منه ‪ ،‬إن‬ ‫هذه األمور اْل‪ٙ‬تة هي عند اهلل‬

‫اكْب جرما ًوأشد إ‪ٙ‬تا ًمن القتال يف‬ ‫األشهر ا‪ٟ‬ترم السًتداد ا‪١‬تسلمُت‬ ‫بعض حقهم لديكم ‪.‬‬ ‫و‪٢‬تذا يرد ا‪ٟ‬تق سهام ا‪١‬تشركُت يف‬ ‫ون يُقَاتِلُون َ ُك ْم‬ ‫‪٨‬تورهم { َوال َي َ َزال ُ َ‬ ‫حىت ي َ ُر ّدُو ُك ْم َعن ِدي ِن ُك ْم إِن‬

‫ْاست َ َطا ُعوا ْ} أي إياكم أن تعتقدوا‬ ‫أهنم سيحًتمون الشهر ا‪ٟ‬ترام وال‬ ‫ون‬ ‫ا‪١‬تكان ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬بل { َوال َي َ َزال ُ َ‬ ‫يُقَاتِلُون َ ُك ْم } أي وسيصرون ‪،‬‬ ‫ويداومون عىل قتالكم { حىت‬ ‫ي َ ُر ّدُو ُك ْم َعن ِدي ِن ُك ْم إِن ْاست َ َطا ُعوا ْ‬ ‫} ‪ .‬وتأمل قوله ‪ { :‬إِن ْاست َ َطا ُعوا ْ‬

‫} إن معناها ٖتد ‪٢‬تم بأهنم لن‬ ‫إن » تأيت‬ ‫يستطيعوا أبدا ف « ْ‬ ‫دائما يف األمر ا‪١‬تشكوك فيه ‪.‬‬ ‫ويتبع ا‪ٟ‬تق { َو َمن ي َ ْرتَ ِددْ ِمن ْ ُك ْم َعن‬ ‫ِدي ِن ِه فَي َ ُم ْت َو ُه َو كَافِ ٌر فأوالئك‬ ‫َحبِ َط ْت أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم ِيف الدنيا واْلخرة‬ ‫وأوالئك أ َ‬ ‫اب النار ُه ْم فِيهَا‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ون } سيظلون يقاتلونكم‬ ‫َخال ُد َ‬ ‫حىت يردوكم عن دينكم إن‬ ‫استطاعوا ‪ .‬ثم ٮتتم ا‪ٟ‬تق اْلية‬ ‫بقضية يقول فيها ‪َ { :‬و َمن ي َ ْرتَ ِددْ‬ ‫ِمن ْ ُك ْم َعن ِدي ِن ِه } هذه اْلية يقابلها‬ ‫آية أخرى يقول ا‪ٟ‬تق فيها ‪َ { :‬و َمن‬ ‫ي َ ْك ُف ْر باإلٯتان فَ َق ْد َحبِ َط َع َمل ُ ُه َو ُه َو‬

‫ِيف اْلخرة ِم َن ا‪٠‬تاسرين } ػ ا‪١‬تائدة‬ ‫‪]5:‬‬ ‫وإذا قارنّا بُت اْليتُت ‪٧‬تد أن اْلية‬ ‫اليت ‪٨‬تن بصدد خواطرنا عنها قد‬ ‫ورد فيها قوله ‪ { :‬فَي َ ُم ْت َو ُه َو كَافِ ٌر‬ ‫} ويف سورة ا‪١‬تائدة لم يرد هذا‬ ‫وإ‪٪‬تا ورد قوله ‪َ { :‬و َمن ي َ ْك ُف ْر‬

‫باإلٯتان فَ َق ْد َحبِ َط َع َمل ُ ُه } وقد‬ ‫اختلف العلماء يف ا‪١‬تسألة‬ ‫اختبلفات ‪ٚ‬تيلة ‪ .‬ولكنهم اتفقوا‬ ‫أ َ َّوال عىل أن أي إنسان يرتد عن‬ ‫اإلسبلم ثم ٯتوت مرتدا ًفقد‬ ‫حبطت أعماله ‪ .‬ولكن اختبلفهم‬ ‫تركز فيما لو رجع وآمن مرة ثانية‬

‫‪ ،‬أي لم ٯتت وهو كافر ‪ ،‬بل رجع‬ ‫فآمن بعد ردته ‪ ،‬فهل حبط عمله‬ ‫أم لم ٭تبط؟ ‪.‬‬ ‫ولئلمام الشافعي رأي يقول ‪ :‬إن‬ ‫الذي يرتد عن الدين ٖتبط أعماله‬ ‫إن مات عىل الكفر ‪ ،‬أما إن عاد‬ ‫وأسلم مرة أخرى فإن أعماله اليت‬

‫كانت قبل االرتداد تكون ‪٤‬تسوبة‬ ‫له ‪ .‬واإلمام أبو حنيفة له رأي‬ ‫‪٥‬تتلف فهو يقول ‪ :‬ال ‪ ،‬إن آية سورة‬ ‫ا‪١‬تائدة ليس فيها { فَي َ ُم ْت َو ُه َو‬ ‫كَافِ ٌر } وعليه فإننا ‪٨‬تملها عىل آية‬ ‫سورة البقرة اليت ذكر فيها ذلك من‬ ‫باب ‪ٛ‬تل ا‪١‬تطلق عىل ا‪١‬تقيد ‪ ،‬وعىل‬

‫ذلك فالذي يكفر بعد إٯتانه عمله‬ ‫‪٤‬تبط سواء رجع إىل اإلٯتان بعد‬ ‫ذلك أو لم يرجع ‪ ،‬فبل ٭تتسب له‬ ‫عمل ‪.‬‬ ‫أين موضوع ا‪٠‬تبلف إذن؟ ‪ .‬هي أن‬ ‫إنسانا ًآمن وأدى فريضة ا‪ٟ‬تج ثم ال‬ ‫قدر اهلل كفر وارتد ‪ ،‬ثم رجع فآمن‬

‫أتظل له ا‪ٟ‬تجة اليت قام بها قبل‬ ‫الكفر أم ٖتبط ويطلب منه حج‬ ‫جديد؟ هذه هي نقطة ا‪٠‬تبلف ‪.‬‬ ‫فالشافعي يرى أنه ال ٭تبط عمله‬ ‫مادام قد َرجع إىل اإلٯتان ألن اهلل‬ ‫قال ‪ { :‬فَي َ ُم ْت َو ُه َو كَافِ ٌر } فمعٌت‬ ‫ذلك أنه إن لم ٯتت عىل الكفر فإن‬

‫عمله ال ٭تبط ‪ .‬ولكن ال يأخذ ثوابا‬ ‫عىل ذلك ا‪ٟ‬تج الذي سبق له أن أداه ‪،‬‬ ‫لقد التفت اإلمام الشافعي رضي‬ ‫اهلل عنه إىل شيء قد يغفل عنه كثر‬ ‫من الناس ‪ ،‬وهو أن ا‪ٟ‬تج ركن من‬ ‫أركان اإلسبلم ‪ ،‬فالذي ال ٭تج وهو‬ ‫قادر عىل ا‪ٟ‬تج فاهلل يعاقبه عىل‬

‫تقصَته ‪ ،‬والذي حج ال يعاقب‬ ‫ويأخذ ثواب فعله ‪.‬‬ ‫فكأن األعمال اليت طلبها ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل إن لم تفعلها وكانت‬ ‫يف استطاعتك عوقبت ‪ ،‬وإن فعلتها‬ ‫ٯتر عملك ٔترحلتُت ‪ ،‬ا‪١‬ترحلة‬

‫األوىل هي أال ُتعاقب ‪ ،‬وا‪١‬ترحلة‬ ‫الثانية هي أن ُتثاب عىل الفعل ‪.‬‬ ‫فالشافعي قال ‪ :‬إن الشخص إذا‬ ‫فعل فعبل ًيُثاب عليه اإلنسان ‪ ،‬ثم‬ ‫كفر ‪ ،‬ثم عاد إىل اإلسبلم فهو ال‬ ‫يُعاقب ‪ ،‬ولكنه يُثاب ‪ .‬أما اإلمام‬ ‫حنيففقد قال ‪ :‬إنه ال عْبة‬ ‫أبو ة‬

‫بعمله الذي سبق الردة مصداقا‬ ‫لقوله تعاىل ‪َ { :‬حبِ َط ْت أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم }‬ ‫أي أبطلت وزالت ‪ ،‬وكأهنا لم تكن‬ ‫‪ .‬إن القرآن استخدم هنا كلمة «‬ ‫حبط » ‪ ،‬وهي تستخدم تعبَتا عن‬ ‫األمر ا‪١‬تحسوس فيقال ‪ « :‬حبطت‬ ‫ا‪١‬تاشية » أي أصابها مرض ا‪ٝ‬ته‬

‫ا‪ٟ‬تباط ‪ ،‬ألهنا تأكل لونا من الطعام‬ ‫تنتفخ به ‪ ،‬وعندما تنتفخ فقد ٘توت‬ ‫‪ .‬والنبي عليه الصبلة والسبلم‬ ‫يقول ‪ « :‬إن ‪٦‬تا ينبت الربيع ما‬ ‫يقتل حبطا ًأو يلم » ‪.‬‬ ‫إنه صىل اهلل عليه وسلم ٭تذرنا من‬ ‫أن ا‪٠‬تَت قد يندس فيه شر ‪ ،‬مثلما‬

‫٭تدث يف الربيع الذي ينبت فيه من‬ ‫النبات الذي يعجب ا‪١‬تاشية فتأكله‬ ‫فيأتيها مرض « ا‪ٟ‬تُباط » ‪ ،‬فتنتفخ‬ ‫ثم ٘توت ‪ ،‬أو « يلم » أي توشك‬ ‫أن ٘توت ‪ ،‬وكذلك األعمال اليت‬ ‫فعلها الكفار تصبح ظاهرة مثل‬ ‫انتفاخ البطن ‪ ،‬وكل هذه العمليات‬

‫الباطلة ستحبط كما ٖتبط ا‪١‬تاشية‬ ‫اليت أكلت هذا اللون من ا‪٠‬تضر ‪،‬‬ ‫ثم انتفخت فيظن ا‪١‬تشاهد ‪٢‬تا أهنا‬ ‫‪ٝ‬تنة؛ وبعد ذلك يفاجأ بأنه مرض‬ ‫‪ .‬لقد أعطانا اهلل من هذا القول‬ ‫ا‪١‬تعٌت ا‪١‬تحسوس لتشابه‬ ‫الصورتُت؛ فا‪١‬تاشية عندما ٖتبط‬

‫تبدو وكأهنا ‪٪‬تت و‪ٝ‬تنت ‪ ،‬لكنه ‪٪‬تو‬ ‫َت طبيعي إنه ليس شحما ًأو ‪ٟ‬تما ‪،‬‬ ‫لكنه ورم ‪ ،‬كذلك عمل الذين‬ ‫كفروا؛ عمل حابط ‪ ،‬وإن بدا أهنم‬ ‫قد قاموا بأعمال ضخمة يف‬ ‫ظاهرها أهنا طيبة وحسنة ‪.‬‬ ‫ويقول بعض الناس ‪ :‬وهل يُعقل‬

‫أن الكفار الذين صنعوا إ‪٧‬تازات‬ ‫قد استفادت منها البشرية ‪ ،‬هل من‬ ‫ا‪١‬تعقول أن تصَت أعما‪٢‬تم إىل هذا‬ ‫ا‪١‬تصَت؟ ‪ .‬لقد اكتشفوا عبلجا‬ ‫ألمراض مستعصية وخففوا آالم‬ ‫الناس ‪ ،‬وصنعوا اْلالت ا‪١‬تر٭تة‬ ‫والنافعة ‪ .‬ونقول ألصحاب مثل‬

‫هذا الرأي ‪ :‬مهبل ً‪ ،‬فهناك قضية‬ ‫‪٬‬تب أن نتفق عليها وهي أن الذي‬ ‫يعمل عمبلً؛ فهو يطلب األجر ‪٦‬تن‬ ‫عمل له ‪ ،‬فهل كان هؤالء يعملون‬ ‫ويف با‪٢‬تم اهلل أم يف با‪٢‬تم اإلنسانية‬ ‫وا‪١‬تجد والشهرة ‪ ،‬وما داموا قد‬ ‫نالوا هذا األجر يف الدنيا فليس ‪٢‬تم‬

‫أن ينتظروا أجرا ًيف اْلخرة ‪ .‬لذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬والذين كفروا‬ ‫أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم كَ َس َر ٍ‬ ‫اب بِقِيعَ ٍة َ٭ت ْ َسب ُ ُه‬ ‫الظمآن َمآء ًحىت إِذَا َجآءَ ُه ل َ ْم َ ِ‪٬‬ت ْد ُه‬ ‫َشيْئا ً َو َو َج َد اهلل ِعن َد ُه فَ َو َّف ُاه ِح َساب َ ُه‬ ‫واهلل َسرِي ُع ا‪ٟ‬تساب } ػ النور ‪:‬‬ ‫‪] 39‬‬

‫إن الكافر يظن أن أعماله صا‪ٟ‬تة‬ ‫نافعة لكنها يف اْلخرة كالسراب‬ ‫الذي يراه اإلنسان يف الصحراء‬ ‫فيظنه ماء ‪ ،‬و‪٬‬تد نفسه يف اْلخرة‬ ‫أمام ‪ٟ‬تظة ا‪ٟ‬تساب فيوفيه اهلل‬ ‫حسابه بالعقاب ‪ ،‬وليس ‪٢‬تم من‬ ‫جزاء إال النار ‪ ،‬وينطبق عليهم ما‬

‫ينطبق عىل كل الكافرين باهلل ‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫اب النار ُه ْم فِيهَا‬ ‫{ وأوالئك أ ْص َح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫َخال ُد َ‬

‫هذا وإن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يوضح‬ ‫حقيقة األمر للمؤمنُت به وبرسوله‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم حىت يعطيهم‬

‫مناعة إٯتانية ضد آمال الكافرين‬ ‫يف اإلضرار با‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬فيعلمنا‬ ‫أهنم لن يدخروا وسعا حىت يردوكم‬ ‫عن دينكم؛ ألن منهج اهلل دائما ًال‬ ‫ٮتيف إال ا‪١‬تبطلُت؛ فاإلنسان‬ ‫السوي الذي يريد أن يعايش‬ ‫العالم يف سبلم ويأخذ من ا‪٠‬تَت عىل‬

‫قدر حركته يف الوجود ال ترهقه‬ ‫سيادة مبادئ اإلسبلم ‪ ،‬إ‪٪‬تا ُترهق‬ ‫مبادئ اإلسبلم هؤالء الذين‬ ‫يريدون أن يسرقوا عرق وك ّد‬ ‫َتهم وهم يبذلون كل ا‪ٞ‬تهد‬ ‫ويستخدمون كافة األساليب اليت‬ ‫تصرف ا‪١‬تسلمُت عن دينهم ‪،‬‬

‫ولكن هل يُم ّكنهم اهلل من ذلك؟‬ ‫ال؛ فبل يزال هناك أمل يف ا‪٠‬تَت إن‬ ‫٘تسكت أمة اإلسبلم با‪١‬تنهج ا‪ٟ‬تق‬ ‫‪.‬‬ ‫إنه سبحانه يعطي ا‪١‬تناعة للمؤمنُت‬ ‫‪ ،‬وا‪١‬تناعة كما نعرف هي أن تنقل‬ ‫للسليم ميكروب ا‪١‬ترض بعد‬

‫إضعافه ‪ ،‬وبذلك تأخذ أجهزة‬ ‫جسمه فرصة ألن تنتصر عىل هذا‬ ‫ا‪١‬تيكروب؛ لذلك قال ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫َو َمن ي َ ْرتَ ِددْ ِمن ْ ُك ْم َعن ِدي ِن ِه فَي َ ُم ْت‬ ‫َو ُه َو كَافِ ٌر فأوالئك َحبِ َط ْت‬ ‫أ َ ْع َما ُ‪٢‬ت ُ ْم } ‪ .‬إن ا‪٠‬تبلف ا‪ٞ‬توهري‬ ‫بُت ا‪١‬تؤمن والكافر ‪ ،‬هو أن ا‪١‬تؤمن‬

‫إ‪٪‬تا يعمل العمل الصاٌف ويف نيته‬ ‫أن ا‪١‬تكافئ هو اهلل ‪ ،‬وهو يتجه بنية‬ ‫خالصة يف كل عمل ‪ .‬ويأخذ‬ ‫بأسباب اهلل يف العلم لينتفع به َته‬ ‫من الناس؛ فتكون الفائدة عميمة‬ ‫وعظيمة ‪ ،‬وعىل ا‪١‬تؤمن أن يكون‬ ‫سباقا ًإىل االكتشاف واالخًتاع‬

‫وهنضة العالم ا‪١‬تسلم ‪ ،‬وأن يكون‬ ‫ا‪١‬تؤمن العالم منارة تشع بضوء‬ ‫اإلٯتان أمام الناس ‪ ،‬ال أن يًتك‬ ‫َته من الكافرين يصلون إىل‬ ‫ا‪١‬تكتشفات العلمية وهو متواكل‬ ‫كسبلن ‪.‬‬ ‫إن عىل ا‪١‬تؤمن أن يأخذ بأسباب اهلل‬

‫يف ا‪ٟ‬تياة؛ ألن اإلسبلم هو دين ودنيا‬ ‫‪ ،‬وهو دين العلم والتقدم ‪ ،‬ويضمن‬ ‫‪١‬تن يعمل ٔتنهجه سعادة الدنيا‬ ‫وسعادة اْلخرة ‪ .‬وإذا كان ا‪١‬تؤمن‬ ‫يستمتع بإنتاج يصنعه الكافر‬ ‫فليعلم أن الكافر إ‪٪‬تا أخذ أجره‬ ‫ُمسخرا ً‪٦‬تن عمل له ‪ ،‬أما ا‪١‬تؤمن‬

‫فحُت يتفوق يف الصناعة والزراعة‬ ‫والعلم واالكتشاف فهو يأخذ‬ ‫األجر يف الدنيا ويف اْلخرة؛ ألن‬ ‫الذي يعطي هنا هو اهلل ‪.‬‬ ‫أما عمل الكافر فهو عمل من‬ ‫مسخر كا‪١‬تطايا وكا‪ٞ‬تماد والنبات‬ ‫وا‪ٟ‬تيوان ا‪١‬تسخر ‪٠‬تدمة اإلنسان ‪.‬‬

‫وإذا كان اهلل قد ميز ا‪١‬تؤمن عىل‬ ‫الكافر باألجر يف الدنيا وحسن‬ ‫الثواب يف اْلخرة ‪ ،‬أال يليق با‪١‬تؤمن‬ ‫أن يسبق الكافر يف تنمية ا‪١‬تجتمع‬ ‫اإلسبلمي ‪ ،‬وأن يكون بعمله منارة‬ ‫هداية ‪١‬تن حوله؟! ويقول ا‪ٟ‬تق من‬ ‫بعد ذلك ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْ‬

‫اه ُدوا ْ ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫والذين َها َج ُروا ْ َو َج َ‬ ‫‪ٛ‬ت َت اهلل ‪. .‬‬ ‫ون َر ْ َ‬ ‫اهلل أوالئك ي َ ْر ُج َ‬ ‫‪}.‬‬ ‫إ َِّن ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َوال َّ ِذي َن َها َج ُروا‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫ك‬ ‫اّلل أُولَئِ َ‬ ‫َو َج َ‬ ‫اه ُدوا ِيف َسب ِ ّ‬

‫‪ٛ‬ت َت َ ِ‬ ‫ور‬ ‫اّلل َو ّ َُ‬ ‫ون َر ْ َ ّ‬ ‫اّلل َغ ُف ٌ‬ ‫ي َ ْر ُج َ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)218‬‬ ‫َرح ٌ‬

‫إن اْلية قد عددت ثبلثة أصناف ‪:‬‬ ‫الصنف األول هم الذين آمنوا ‪،‬‬ ‫والصنف الثاين هم الذين هاجروا ‪،‬‬ ‫والصنف الثالث هم الذين جاهدوا‬

‫‪ .‬إن الذين آمنوا إٯتانا ًخالصا ًلوجه‬ ‫اهلل ‪ ،‬وهاجروا لنصرة الدين ‪،‬‬ ‫وجاهدوا من أجل أن تعلو كلمة‬ ‫اإلسبلم هؤالء قد فعلوا كل ذلك‬ ‫وهم يرجون ر‪ٛ‬تة اهلل ‪ .‬ولقائل‬ ‫أن يقول ‪ :‬أليست الر‪ٛ‬تة مسألة‬ ‫متيقنة عندهم؟‬

‫ونقول ‪ :‬ليس للعبد عند اهلل أمر‬ ‫متيقن؛ ألنك قد ال نفطن إىل بعض‬ ‫ذنوبك اليت لم ُٖتسن التوبة منها ‪،‬‬ ‫وال التوبة عنها ‪ .‬وعليك أن نضع‬ ‫ذلك يف بالك دائما ً‪ ،‬وأن تتيقن من‬ ‫استحضار نية اإلخبلص هلل يف كل‬ ‫عمل تقوم به؛ فقد ٖتدثك‬

‫نفسك بشيء قد يفسد عليك‬ ‫عملك ‪ ،‬وكذلك رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم وهو سيد ا‪٠‬تلق‬ ‫وسيد ا‪١‬توصولُت بربهم يقول ‪« :‬‬ ‫اللهم إين أعوذ بك من علم ال ينفع‬ ‫وعمل ال يُرفع ودعاء ال يُسمع » ‪.‬‬ ‫إن الرسول الكريم وهو سيد‬

‫ا‪١‬تحتسبُت يف كل أعماله يعلمنا أن‬ ‫النفس قد ٗتالط صاحبها بشيء‬ ‫يفسد الطاعة ‪ .‬وعىل ا‪١‬تسلم أن‬ ‫يظل يف ‪٤‬تل الرجاء ‪ .‬وا‪١‬تؤمن‬ ‫الذي يثق يف ربه اليقول ‪ :‬إن عىل‬ ‫اهلل واجبا ًأن يعمل يل كذا؛ ألن‬ ‫أصل عبادتك هلل سبق أن دفع ‪ٙ‬تنها‬

‫‪ ،‬وما تناله من بعد ذلك هو فضل من‬ ‫اهلل عليك ‪ ،‬مدفوع ‪ٙ‬تنها لك إ‪٬‬تادا ً‬ ‫من عدم وإمدادا ًمن ُع ْدم ‪،‬‬ ‫ومدفوع ‪ٙ‬تنها بأن متعك اهلل بكل‬ ‫هذه األشياء ‪ ،‬فلو قارنت بُت ما‬ ‫طلبه اهلل منك عىل فرض أنك ال‬ ‫تستفيد منه فقد أفدت ‪٦‬تا قدم لك‬

‫أوال ‪ ،‬وكل خَت يأتيك من بعد ذلك‬ ‫هو من فضل اهلل عليك ‪ ،‬والفضل‬ ‫يرىج وال يُتيقن ‪.‬‬ ‫وعظمة ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف أنك‬ ‫تدعوه خوفا ًوطمعا ً‪ .‬ويقول هذا‬ ‫ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل األعىل إن من‬ ‫عظمتك أمام والدك أنك ٕتد لك‬

‫أبا ًٗتاف منه ‪ ،‬وترغب أن ٭تقق لك‬ ‫بعضا ًمن أحبلمك ‪ ،‬ولو اختلت‬ ‫واحدة من االثنتُت الختلت األبوة‬ ‫والبنوة ‪.‬‬ ‫كذلك عظمة الرب يُرغب‬ ‫ويُرهب ‪ :‬إن رغبت فيه ولم‬ ‫ترهبه فأنت ناقص اإلٯتان ‪ ،‬وإن‬

‫رهبت ولم ترغب فإٯتانك ناقص‬ ‫أيضا ً‪ ،‬لذلك البد من تبلزم‬ ‫االثنتُت ‪ :‬الرهبة والرغبة ‪ .‬ولو‬ ‫تبصر اإلنسان ما فرضه اهلل عليه‬ ‫ّ‬ ‫من تكاليف إٯتانية لوجد أنه يفيد‬ ‫من هذه التكاليف أضعافا ًمضاعفة ‪.‬‬ ‫فكل ما ‪٬‬تازي به اهلل عباده إ‪٪‬تا هو‬

‫الفضل ‪ ،‬وهو الزيادة ‪ .‬وكل رزق‬ ‫لئلنسان إ‪٪‬تا هو ‪٤‬تض الفضل ‪.‬‬ ‫و‪٤‬تض الفضل يُرىج وال يُتيقن ‪.‬‬ ‫وها هو ذا ا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬ادعوا‬ ‫ب‬ ‫َربَّ ُك ْم َ‬ ‫تض ُّرعا ً َو ُخ ْفيَةًإِن ّ َُه ال َ ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫ا‪١‬تعتدين * َوال َ ُت ْف ِس ُدوا ْ ِيف األرض‬ ‫بَعْ َد إ ِْصبل َ ِحهَا وادعوه َخ ْوفا ً َو َط َمعا ً‬

‫يب ِّم َن ا‪١‬تحسنُت‬ ‫إ َِّن َر ْ َ‬ ‫‪ٛ‬ت َت اهلل قَ ِر ٌ‬ ‫}‬ ‫ػ األعراف ‪] 56-55 :‬‬ ‫إن الدنيا كلها مسخرة ٖتت قهر‬ ‫الر‪ٛ‬تن ومشيئته وتسخَته ‪ ،‬وله‬ ‫٘تام التصرف يف كل الكائنات وهو‬

‫ا‪٠‬تالق البديع ‪ ،‬لذلك فليدع‬ ‫اإلنسان اهلل ٓتشوع وخضوع يف‬ ‫السر والعبلنية ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق ال ٭تب من‬ ‫يعتدي بالقول أو الرياء أو اإليذاء ‪.‬‬ ‫إن اإلٯتان ‪٬‬تب أن يكون خالصا‬ ‫هلل ‪ ،‬فبل يفسد اإلنسان األرض‬ ‫بالشرك أو ا‪١‬تعصية؛ ألن ا‪ٟ‬تق قد‬

‫وضع ا‪١‬تنهج ا‪ٟ‬تق لصبلح الدنيا وهو‬ ‫القرآن ‪ ،‬ورسالة رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ور‪ٛ‬تة اهلل قريبة‬ ‫من ا‪١‬تطيعُت للحق جل وعبل ‪.‬‬ ‫إن عظمة الرب يف أنه يُرغب‬ ‫ويُرهب؛ إن رغبت فيه ولم ترهبه‬ ‫فعملك َت مقبول ‪ ،‬وإن رهبته‬

‫ولم ترغبه فعملك َت مقبول‪ .‬إن‬ ‫الرغب والرهب مطلوبان معا ً‪،‬‬ ‫فالممن ا‪١‬تجاهد يف سبيل‬ ‫لذلك ؤ‬ ‫اهلل يرجو ر‪ٛ‬تة اهلل ‪.‬‬ ‫ون‬ ‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬أوالئك ي َ ْر ُج َ‬ ‫‪ٛ‬ت َت اهلل } ما هي الر‪ٛ‬تة؟‬ ‫َر ْ َ‬ ‫الر‪ٛ‬تة أال تبتىل باأللم من أول‬

‫األمر ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬ ‫{ ون ُ َ ِ ّ ِ‬ ‫آء‬ ‫زن ُل م َن القرآن َما ُه َو ِش َف ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ػ اإلسراء ‪:‬‬ ‫َو َر ْ َ‬ ‫‪ٛ‬ت ٌة ل ّل ْ ُم ْؤمن َ‬ ‫‪] 82‬‬ ‫الشفاء هو أن تكون مصابا بداء‬ ‫ويْبئك اهلل منه ‪ ،‬لكن الر‪ٛ‬تة ‪،‬‬ ‫هي أال يأيت الداء أصبل { واهلل‬

‫َغ ُف ِ‬ ‫يم } ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يعلم عن عباده‬ ‫أن أحدا ًمنهم قد ال يْبأ من أن‬ ‫يكون له ذنب ‪ .‬فلو حاسبنا‬ ‫با‪١‬تعايَت ا‪١‬تضبوطة ٘تاما فلسوف‬ ‫يتعب اإلنسان منا ‪ ،‬ولذلك أحب‬ ‫أن أقول دائما مع إخواين هذا‬

‫الدعاء ‪ « :‬اللهم بالفضل ال‬ ‫بالعدل وباإلحسان ال با‪١‬تيزان‬ ‫وبا‪ٞ‬تْب ال با‪ٟ‬تساب » ‪ .‬أي عاملنا‬ ‫بالفضل ال بالعدل ‪ ،‬وبإحسانك ال‬ ‫با‪١‬تيزان ‪ ،‬ألن ا‪١‬تيزان يتعبنا ‪.‬‬ ‫ولقد علمنا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم أن دخول ا‪ٞ‬تنة ال يكون‬

‫باألعمال وحدها ‪ ،‬ولكن بفضل‬ ‫اهلل ور‪ٛ‬تته ومغفرته ‪ .‬إن الرسول‬ ‫الكريم يقول ‪ « :‬لن يدخل‬ ‫أحدكم ا‪ٞ‬تنة بعمله ‪ .‬فقالوا ‪ :‬وال‬ ‫أنت يا رسول اهلل ‪ ،‬قال ‪ :‬وال أنا‬ ‫حىت يتغمدين اهلل بر‪ٛ‬تته » ‪.‬‬ ‫إذن فا‪١‬تؤمن يرجو اهلل وال يشًتط‬

‫عىل اهلل ‪ ،‬إن ا‪١‬تؤمن يتجه بعمله‬ ‫خالصا هلل يرجو التقبل وا‪١‬تغفرة‬ ‫والر‪ٛ‬تة ‪ ،‬وكل ذلك من فضل اهلل ‪.‬‬ ‫ويأيت ا‪ٟ‬تق لسؤال آخر ‪{ :‬‬ ‫ك َع ِن ا‪٠‬تمر وا‪١‬تيسر ُق ْل‬ ‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫فِي ِه َمآ إِث ٌْم كَبَِتٌ‪} . . .‬‬

‫ك َع ِن ا‪٠‬تْ َ ْم ِر َوا ْ‪١‬تَي ْ ِس ِر ُق ْل‬ ‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫فِي ِه َما إِث ٌْم كَبَِت َو َمنَافِ ُع لِلنَّ ِ‬ ‫اس‬ ‫ٌ‬ ‫ْب ِم ْن ن َ ْفعِ ِه َما‬ ‫َوإ ِْ‪ٙ‬ت ُ ُه َما أ َ ْك َُ‬ ‫ويسأ َ‬ ‫ك ماذَا يُن ْ ِ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ون ُق ِل الْعَ ْف َو‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َك َذل ِ‬ ‫اّلل ل َ ُكم ْاْلي َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات‬ ‫ُت‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ون (‪)219‬‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَت َ َف ّك ُر َ‬

‫وا‪٠‬تمر كما نعرف مأخوذة من‬ ‫السًت ‪ ،‬ويقال ‪ « :‬دخل فبلن ‪ٜ‬ترة‬ ‫» أي يف أيكة من األشجار ملتفة‬ ‫فاختبأ فيها ‪ .‬و « ا ٍِفمار » هو‬ ‫القناع الذي ترتديه ا‪١‬تسلمة لسًت‬ ‫رأسها ‪ ،‬وهو مأخوذ أيضا من نفس‬ ‫ا‪١‬تادة ‪ .‬و « خامرة األمر » أي‬

‫خالطه ‪ .‬وكل هذه ا‪١‬تعاين مأخوذة‬ ‫من عملية السًت ‪ .‬و « ا‪١‬تيسر »‬ ‫مأخوذ من اليسر؛ ألنه يظهر‬ ‫للناس ٔتكاسب يسَتة ببل تعب ‪.‬‬ ‫وا‪٠‬تمر وا‪١‬تيسر من األمور اليت‬ ‫كانت معروفة يف ا‪ٞ‬تاهلية ‪.‬‬ ‫واإلسبلم حُت جاء ليواجه ن ُ ُظما‬

‫جاهلية واجه العقيدة ببل هوادة ‪،‬‬ ‫ولم ‪٬‬تابهها ويواجهها عىل مراحل‬ ‫بل أزا‪٢‬تا من أول األمر ‪ ،‬ورفع راية‬ ‫« ال إله إال اهلل ‪٤‬تمد رسول اهلل » ‪،‬‬ ‫ثم جاء اإلسبلم يف األمور اليت‬ ‫ُتعتْب من العادات فبدأ يهوهنا؛ ألن‬ ‫الناس كانت تألفها ‪ ،‬لذلك أخذها‬

‫بشيء من الرفق وا‪٢‬توادة ‪ .‬وكان‬ ‫هذا من حكمة الشرع ‪ ،‬فلم ‪٬‬تعل‬ ‫األحكام يف أول األمر عملية‬ ‫قسرية فقد يًتتب عليها ا‪٠‬تلل يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع ويف الوجود كله ‪ ،‬وإ‪٪‬تا أخذ‬ ‫األمور با‪٢‬توادة ‪.‬‬ ‫وإذا كانت ا‪٠‬تمرة مأخوذة من‬

‫السًت ‪ ،‬فماذا تسًت؟ إهنا تسًت‬ ‫العقل بدليل أن من يتعاطاها‬ ‫يغيب عن وعيه ‪ .‬وال يريد اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل لئلنسان الذي‬ ‫كرمه اهلل بالعقل أن يأيت للشيء‬ ‫الذي كرمه به ويُ َس ِ َّت به أمور‬ ‫ا‪٠‬تبلفة يف األرض ويسًته ِ‬ ‫ويغيّبه ‪،‬‬

‫ألن من يفعل ذلك فكأنه رد عىل اهلل‬ ‫النعمة اليت أكرمه بها ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫ا‪ٟ‬تمق ‪.‬‬ ‫ثم إن كل الذي يتعاطون ا‪٠‬تمر‬ ‫يْبرون فعلهم بأهنم يريدون أن‬ ‫ينسوا ‪٫‬توم الدنيا ‪ ،‬ونسأل هؤالء‬ ‫‪ :‬وهل نسيان ا‪٢‬تموم ٯتنع‬

‫مصادرها؟ ال ‪ ،‬ولذلك فاإلسبلم‬ ‫يطلب منك أن تعيش ‪٫‬تومك‬ ‫لتواجهها ّتماع عقلك ‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫هناك ‪٫‬توم ومشكبلت فاإلسبلم ال‬ ‫يريد منك أن تنساها ‪ ،‬ال ‪ ،‬بل البد‬ ‫أن توظف عقلك يف مواجهتها ‪ ،‬وما‬ ‫دام ا‪١‬تطلوب منك أن تواجه‬

‫ا‪١‬تشكبلت بعقلك فبل تأيت ‪١‬تركز‬ ‫إدارة األمور ا‪ٟ‬تياتية وهو العقل ‪،‬‬ ‫والذي يعينك عىل مواجهة‬ ‫ا‪١‬تشكبلت وتقهره بتغييبه عن‬ ‫العمل ‪.‬‬ ‫وهل النسيان ٯتنع ا‪١‬تصائب؟ إن‬ ‫الذي ٯتنع ا‪١‬تصائب هو أن ٖتاول‬

‫ّتماع فكرك أن ٕتد السبيل‬ ‫للخروج منها ‪ ،‬فإذا كان األمر ليس‬ ‫يف استطاعتك فمن ا‪ٟ‬تمق أن تفكر‬ ‫فيه؛ ألن اهلل يريد منك أن تريح‬ ‫عقلك يف مثل هذه األمور ‪ ،‬وإن‬ ‫كان األمر له حل ويف استطاعتك‬ ‫حله ‪ ،‬فأنت ٖتتاج للعقل بكامل‬

‫قوته ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يرشدنا يف‬ ‫هذه القضية ْتكمة ا‪ٟ‬تكيم ‪،‬‬ ‫ويعطينا عطاء لنحكم ‪٨‬تن يف األمر‬ ‫قبل أن يطلب منا ‪ .‬إنه سبحانه‬ ‫ٯتنت علينا ويقول ‪ { :‬و ِمن ‪ٙ‬تَ َ َر ِ‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِمن ْ ُه‬ ‫النخيل واألعناب تَتَّخ ُذ َ‬

‫َسكَرا ً َو ِرزْقا ً َح َسنا ً} ػ النحل ‪:‬‬ ‫‪] 67‬‬ ‫فعندما ذكر اهلل { َسكَرا ً} مر‬ ‫عليها ببل تعليق ‪.‬‬ ‫وعندما قال ‪ِ { :‬رزْقا ً} وصفه بأنه‬ ‫{ َح َسنا ً } فكان ‪٬‬تب أن نتنبه إىل‬

‫أن اهلل ٯتهد ‪١‬توقف اإلسبلم من‬ ‫ا‪٠‬تمر؛ فهو لم يصف « السكر »‬ ‫بأي وصف ‪ ،‬وجعل للرزق وصفا‬ ‫هو ا‪ٟ‬تسن؛ فالناس عندما‬ ‫يستخرجون من هذه الثمرات‬ ‫سكرا ً‪ ،‬فهم قد أخرجوها عن‬ ‫الرزق ا‪ٟ‬تسن ‪ ،‬ألن هناك فرقا بُت‬

‫أن تأخذ من العنب ذاء ًوبُت أن‬ ‫ٗتمره فتفسده وٕتعله ساترا ًللعقل‬ ‫‪.‬‬ ‫وبعد ذلك فهناك فرق بُت تشريع‬ ‫ونصح ‪ .‬فعندما تنصح شخصا فأنت‬ ‫تقول له ‪ :‬سأدلك عىل طريق ا‪٠‬تَت‬ ‫وأنت حر يف أن تسَت فيه أو ال تسَت‬

‫‪ .‬وعندما تشرع وتضع ا‪ٟ‬تكم ‪،‬‬ ‫فأنت تأمر هذا الشخص أو ذاك‬ ‫بأن يفعل األمر وال شيء سواه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عندما قال ‪:‬‬ ‫ك َع ِن ا‪٠‬تمر وا‪١‬تيسر }‬ ‫{ ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫‪ ،‬ذكر لنا ا‪١‬تفاسد وترك لنا ا‪ٟ‬تكم‬ ‫عليها ‪ ،‬قال سبحانه ُمبَلغّا ًرسوله ‪:‬‬

‫{ ُق ْل فِي ِه َمآ إِث ٌْم َكبَِتٌ َو َمنَافِ ُع‬ ‫لِلنَّ ِ‬ ‫اس } ولو لم يقل { َو َمنَافِ ُع‬ ‫لِلنَّ ِ‬ ‫اس } الستغرب الناس وقالوا ‪:‬‬ ‫‪٨‬تن نأخذ من ا‪٠‬تمر منافع ‪،‬‬ ‫ونكتسب منها ‪ ،‬وننَس بها ‪٫‬تومنا‬ ‫‪ ،‬كانت هذه هي ا‪١‬تنافع بالنسبة ‪٢‬تم‬ ‫‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تق يوضح أن إ‪ٙ‬تهما أكْب‬

‫من نفعهما ‪ ،‬أي أن العائد من وراء‬ ‫تعاطيهما أقل من الضرر ا‪ٟ‬تادث‬ ‫منهما ‪ ،‬وهذا تقييم عادل ‪ ،‬فلم‬ ‫تكن ا‪١‬تسألة قد دخلت يف نطاق‬ ‫التحريم ‪ ،‬ألهنا مازالت يف منطقة‬ ‫النصح واإلرشاد ‪.‬‬ ‫ْب ِمن‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإ ِْ‪ٙ‬ت ُ ُه َمآ أ َ ْك َُ‬

‫ن َّ ْفعِ ِه َما } ‪٬‬تعل فيهما نوعا من‬ ‫الذنب ‪ ،‬لقد كان التدرج يف ا‪ٟ‬تكم‬ ‫أمرا ًمطلوبا ًألنه سبحانه يعاًف أمرا ً‬ ‫بإلف العادة ‪ ،‬فيمهد سبحانه‬ ‫ليخرجه عن العادة ‪ .‬والعادة شيء‬ ‫يقود إىل االعتياد؛ ْتيث إذا مر وقت‬ ‫ولم يأت ما تع ّودَ ْت عليه نفسيتْك‬

‫ودمك ٭تدث لك اضطراب ‪ .‬وما‬ ‫دامت ا‪١‬تسألة تقود إىل االعتياد ‪،‬‬ ‫فاألفضل أن تسد الباب من أوله‬ ‫و٘تنع االعتياد ‪.‬‬ ‫لقد كانت بداية ا‪ٟ‬تكم يف أمر‬ ‫ا‪٠‬تمر أن أحدا ًمن ا‪١‬تسلمُت‬ ‫شرب ا‪٠‬تمر قبل أن ُٖترم هنائيا ً‪،‬‬

‫وجاء ليصلي ‪ ،‬فقال ‪ُ « :‬ق ْل ياأيها‬ ‫َ‬ ‫ون »‬ ‫الكافرون * أ ْعب ُ ُد َما تَعْب ُ ُد َ‬ ‫وبعدها نزل تأديب ا‪ٟ‬تق بقوله ‪{ :‬‬ ‫يَا أَيُّهَا الذين آ َم ُنوا ْال َتَ ْق َر ُبوا ْالصبلة‬ ‫َوأَن ْ ُت ْم سكارى حىت تَعْل َ ُموا ْ َما‬ ‫ون ‪ } . .‬ػ النساء ‪] 43 :‬‬ ‫تَ ُقول ُ َ‬ ‫ويف ذلك تدريب ‪١‬ت َ ْن اعتاد عىل‬

‫ا‪٠‬تمر أال يقربها؛ فاإلنسان الذي‬ ‫يصلي صدر عليه ا‪ٟ‬تكم أال يقرب‬ ‫الصبلة وهو سكران ‪ ،‬فمىت ٯتتنع‬ ‫إذن؟ إنه يصحو من نومه فبل يقرب‬ ‫ا‪٠‬تمر حىت يصلي الصبح ‪ ،‬ويقًتب‬ ‫الظهر فيستعد للصبلة ‪ ،‬ثم العصر‬ ‫بعد ذلك ‪ ،‬ويليه ا‪١‬تغرب فالعشاء ‪،‬‬

‫أي لن يصبح عنده وقت ليشرب يف‬ ‫األوقات اليت ينتظر فيها الصبلة ‪،‬‬ ‫إذن فبل ت ب‬ ‫صح عنده فرصة إال يف‬ ‫آخر الليل ‪ ،‬فإذا ما جاء الليل‬ ‫يشرب له كأسا ًثم يغط يف نومه ‪.‬‬ ‫ويكون الوقت الذي امتنع فيه عن‬ ‫ا‪٠‬تمر أطول من الوقت الذي‬

‫يتعاىط فيه ا‪٠‬تمر ‪.‬‬ ‫و‪١‬تا بدأ تعودهم عىل ا‪٠‬تمر يتزعزع‬ ‫‪ ،‬حدثت بعض ا‪٠‬تبلفات‬ ‫وا‪١‬تشكبلت اليت دفعتهم ألن يطلبوا‬ ‫من رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫أن يوضح ‪٢‬تم حكما ًفاصبل ًيف‬ ‫ا‪٠‬تمر فزنل قوله تعاىل ‪:‬‬

‫{ ياأيها الذين آ َم ُنوا ْإ َِّ‪٪‬تَا ا‪٠‬تمر‬ ‫وا‪١‬تيسر واألنصاب واألزالم‬ ‫ر ِْج ٌس ِّم ْن َع َم ِل الشيطان‬ ‫فاجتنبوه لَعل َّ ُكم ُت ْفلِ‬ ‫ح‬ ‫ون * إ َِّ‪٪‬تَا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫يد الشيطان أَن يُوقِ َع بَيْن َ ُك ُم‬ ‫يُ ِر ُ‬ ‫العداوة والبغضآء ِيف ا‪٠‬تمر وا‪١‬تيسر‬ ‫َوي َ ُص َّد ُك ْم َعن ِذكْ ِر اهلل َو َع ِن‬

‫َ‬ ‫ون } ػ‬ ‫الصبلة فَهَ ْل أن ْ ُت ْم ُّمنت َ ُه َ‬ ‫ا‪١‬تائدة ‪] 91-90 :‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬انتهينا يا رب ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد‬ ‫بتحريم ا‪٠‬تمر أن ٭تفظ عىل‬ ‫اإلنسان عقله؛ ألن العقل هو مناط‬ ‫التكليف لئلنسان ‪ ،‬وهو مناط‬

‫االختيار بُت البدائل ‪ ،‬فأراد ا‪ٟ‬تق‬ ‫أن يصون لئلنسان تلك النعمة ‪.‬‬ ‫إن هدف الدين يف ا‪١‬تقام األول‬ ‫سبلمة الضرورات ا‪٠‬تمس اليت ال‬ ‫يستغٍت عنها اإلنسان ‪ :‬سبلمة‬ ‫النفس ‪ ،‬وسبلمة العرض ‪ ،‬وسبلمة‬ ‫ا‪١‬تال ‪ ،‬وسبلمة العقل ‪ ،‬وسبلمة‬

‫الدين ‪ .‬وكل التشريعات تدور‬ ‫حول سبلمة هذه الضرورات‬ ‫ا‪٠‬تمس ‪ ،‬ولو نظرت إىل هذه‬ ‫الضرورات ٕتد أن ا‪ٟ‬تفاظ عليها‬ ‫يبدأ من سبلمة العقل ‪ ،‬فسبلمة‬ ‫العقل ٕتعله يفكر يف دينه ‪ .‬وسبلمة‬ ‫العقل ٕتعله يفكر يف حركة ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬

‫وسبلمة العقل ٕتعله ٭تتاط لصيانة‬ ‫العرض ‪.‬‬ ‫إذن فالعقل هو أساس العملية‬ ‫التكليفية اليت تدور حو‪٢‬تا هذه‬ ‫ا‪١‬تسألة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يريد أال ٮتمر اإلنسان عقله بأي‬ ‫شيء ُمسكر ‪ .‬حىت ال ٭تدث عدوان‬

‫عىل هذه الضرورات ا‪٠‬تمس ‪.‬‬ ‫وقد ‪ٚ‬تع اهلل يف هذه اْلية اليت ‪٨‬تن‬ ‫بصدد خواطرنا عنها بُت ا‪٠‬تمر‬ ‫وا‪١‬تيسر ‪ ،‬وهو جل وعبل يريد أن‬ ‫٭تمي غفلة الناس ‪ .‬فلعب ا‪١‬تيسر‬ ‫يتمثل يف صورته البسيطة يف اثنُت‬ ‫‪٬‬تلسان أمام بعضهما البعض ‪،‬‬

‫وكل واحد منهما حريص عىل أن‬ ‫يأخذ ما يف جيب اْلخر ‪ ،‬فأي أخوة‬ ‫تبىق بُت هؤالء؟ إن كبل ًّمنهما‬ ‫حريص عىل أن يعيد اْلخر إىل‬ ‫مزنله خاوي ا‪ٞ‬تيوب فأي أخوة‬ ‫تكون بُت االثنُت؟‬ ‫ومن العجيب أنك ترى الذين‬

‫يلعبون ا‪١‬تيسر يف صورة األصحاب‬ ‫‪ ،‬و٭ترص كل منهما عىل لقاء اْلخر‬ ‫‪ ،‬فأي خيبة يف هذه الصداقة؟!‬ ‫ومن العجيب أن يقر كل من‬ ‫الطرفُت صاحبه عىل فعله ‪ ،‬يأخذ‬ ‫ماله ويبىق عىل صداقته ‪ ،‬والعجيب‬ ‫األكْب هو التدليس والسرقة بُت‬

‫الذين يتعودون عىل لعب ا‪١‬تيسر ‪.‬‬ ‫ولو الحظت حياة هؤالء الذين‬ ‫يلعبون ا‪١‬تيسر ٕتدهم ق‬ ‫ينفون‬ ‫ويبذرون ببل احتياط وال ينتفعون‬ ‫أبدا ًٔتا يصل أيديهم من مال‬ ‫مهما كان كثَتا ً‪١ ،‬تاذا؟‬ ‫ألن ا‪١‬تال حُت يُكتسب بيسر ‪،‬‬

‫يُصرف منه ببل احتياط ‪ ،‬هذا هو‬ ‫حال من يكسب ‪ ،‬أما بالنسبة‬ ‫للخاسر فتجده يعيش يف ا‪ٟ‬تسرة‬ ‫واأللم عىل ما فقد ‪ ،‬وٕتده يف فقر‬ ‫دائم ‪ ،‬ورٔتا اضطر إىل التضحية‬ ‫بعرضه وشرفه ‪ ،‬إن لم يبع مبلبسه‬ ‫‪ ،‬وأعز ما ٯتلك ‪ ،‬و٭تدث كل ذلك‬

‫بأمان زائفة ‪ ،‬وآمال كاذبة يزينها‬ ‫الشيطان للطرفُت ‪ ،‬الذي كسب‬ ‫والذي خسر ‪ ،‬فالذي كسب يتمٌت‬ ‫زيادة ما معه من مال أكثر وأكثر ‪،‬‬ ‫والذي خسر يأمل أن يسًتد ما‬ ‫خسره ويكسب ‪.‬‬ ‫وعندما يتعود اإلنسان أن يكسب‬

‫بدون حركة فكل شيء يهون عليه ‪،‬‬ ‫ويعتاد أن يعيش عىل الكسب‬ ‫السهل الرخيص ‪ ،‬وحُت ال ‪٬‬تد من‬ ‫يستغفله ليلعب معه رٔتا سرق أو‬ ‫اختلس ‪.‬‬

‫وهذا هو حال الذين يلعبون‬ ‫ا‪١‬تيسر؛ إهنم أصحاب الرذائل يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬فهم الذين يرتشون‬ ‫ويسرقون ويعربدون ‪ ،‬وال أخبلق‬ ‫عندهم وليس ‪٢‬تم صاحب وال‬ ‫صديق ‪ ،‬وبيوهتم منهارة ‪،‬‬ ‫وأسرهم مفككة ‪ ،‬وعليهم اللعنة‬

‫حىت يف هيئتهم وهندامهم ‪.‬‬ ‫ك َع ِن‬ ‫ولذلك قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ا‪٠‬تمر وا‪١‬تيسر ُق ْل في ِه َمآ إِث ٌْم َكبَِتٌ‬ ‫َو َمنَافِ ُع لِلنَّ ِ‬ ‫ْب ِمن‬ ‫اس َوإ ِْ‪ٙ‬ت ُ ُه َمآ أَكْ َُ‬ ‫ن َّ ْفعِ ِه َما } وما دام اإلثم أكْب من‬ ‫النفع ‪ ،‬فقد رجح جانب اإلثم ‪ .‬هذا‬ ‫يف العملية الذاتية ‪ ،‬أما يف العملية‬

‫الزمنية فقد قال سبحانه ‪ { :‬ال َ‬ ‫تَ ْق َر ُبوا ْالصبلة َوأَن ْ ُت ْم سكارى} ػ‬ ‫النساء ‪] 43 :‬‬ ‫وبعد ذلك أهنى سبحانه ا‪١‬تسألة‬ ‫٘تاما بقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ياأيها الذين‬ ‫آ َم ُنوا ْإ َِّ‪٪‬تَا ا‪٠‬تمر وا‪١‬تيسر‬ ‫واألنصاب واألزالم ر ِْج ٌس ِّم ْن‬

‫َع َم ِل الشيطان فاجتنبوه لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ُت ْفلِ‬ ‫ح‬ ‫ون } ػ ا‪١‬تائدة ‪] 90 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ثم ٘تضي اْلية إىل سؤال آخر هو {‬ ‫ويسأ َ‬ ‫ك ماذَا يُن ِ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ون ُق ِل العفو }‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫إنه السؤال نفسه من عمرو بن‬ ‫قبل‬ ‫ا‪ٞ‬تموح وكان ا‪ٞ‬تواب عليه من ُ‬ ‫هو { ُق ْل َمآ أَن ْ َف ْق ُت ْم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت‬

‫فَلِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت واليتاىم‬ ‫وا‪١‬تساكُت وابن السبيل } وهنا‬ ‫جواب بشكل وصورة أخرى { ُق ِل‬ ‫العفو } والعفو معناه الزيادة ويف‬ ‫ذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َو َمآ أ َ ْر َسلْنَا ِيف قَ ْري َ ٍة ِّمن نَّبِ ٍّي إِال َّأ َ َخ ْذنَا‬ ‫أ َ ْهلَهَا بالبأسآء والضرآء لَعَل َّ ُه ْم‬

‫ان السيئة‬ ‫ون * ُث َّم ب َ ّدَلْنَا َمكَ َ‬ ‫ي َ َّض َّر ُع َ‬ ‫ا‪ٟ‬تسنة حىت َع َف ْوا ْ َّوقَالُوا ْقَ ْد َم َّس‬ ‫آبَاءَنَا الضرآء والسرآء فَأ َ َخ ْذن َ ُاه ْم‬ ‫ون } ػ‬ ‫بَغْتَةً َو ُه ْم ال َي َ ْش ُع ُر َ‬ ‫األعراف ‪] 95-94 :‬‬ ‫إن اهلل جلت قدرته ٭تذر وينذر‬ ‫لعل الناس تتذكر وتعتْب ‪ ،‬إنه‬

‫سبحانه لم يرسل نبيًّا إىل قو ٍم‬ ‫فقابلوه بالتكذيب والنكران إال ّ‬ ‫أخذهم وابتبلهم بالفقر والبؤس‬ ‫وا‪١‬ترض والضر لعلهم يتوبون إىل‬ ‫ربهم ويتذلّلون له سبحانه لَتفع‬ ‫عنهم ما ابتبلهم به ‪ ،‬ثم ‪١‬تا لم‬ ‫يرجعوا ويقلعوا عما هم فيه من‬

‫الكفر والعناد اختْبهم وامتحنهم‬ ‫بالنعم؛ باٍفصب والثراء والعافية‬ ‫والرخاء حىت كثروا وزادت‬ ‫أموا‪٢‬تم وخَتاهتم ‪ ،‬وقالوا وهم يف‬ ‫ظل تلك النعم ‪ :‬إن ما يصيبنا من‬ ‫سراء وضراء وخَت وشر إ‪٪‬تا هو سنة‬ ‫الكون ‪ ،‬وعادة الدهر ‪ ،‬فأسبلفنا‬

‫وآباؤنا كان يعًتيهم مثل ما‬ ‫يصيبنا ‪ ،‬و‪١‬تا أصروا عىل كفرهم‬ ‫باغتهم اهلل بالعذاب ‪ ،‬وأنزلبهم‬ ‫العقاب ا‪١‬تفاجئ ‪ .‬قلبهم اهلل بُت‬ ‫الشدة والرخاء ‪ ،‬وعا‪ٞ‬تهم بالضر‬ ‫واليسر ‪ ،‬حىت ال تكون ‪٢‬تم حجة‬ ‫عىل اهلل ‪ ،‬و‪١‬تا ظهرت خسة طبعهم‬

‫وأقاموا عىل باطلهم أخذهم اهلل‬ ‫أخذ عزيز مقتدر ‪ .‬ولنتأمل قوله‬ ‫تعاىل يف ذلك ‪َ { :‬ول َ َق ْد أ َ ْر َسلنَآ إىل‬ ‫ك فَأ َ َخ ْذن َ ُاه ْم بالبأسآء‬ ‫أُ َم ٍم ِّمن قَبْلِ َ‬ ‫ون* فلوال‬ ‫والضرآء لَعَل َّ ُه ْم يَت َ َض َّر ُع َ‬ ‫إِذْ َجآءَ ُه ْم بَأ ْ ُسنَا تَ َض َّر ُعوا ْولكن‬ ‫وب ُه ْم َوزَي ّ ََن َ‪٢‬ت ُ ُم الشيطان‬ ‫قَ َس ْت ُقل ُ ُ‬

‫ون * فَل َ َّما ن َ ُسوا ْ َما‬ ‫َما كَانُواّيَعْ َمل ُ َ‬ ‫ُذ ِ ّكروا ْبِ ِه فَتَحنَا عَلَي ِهم أ َ‬ ‫ب‬ ‫اب كُ ّ ِل‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ ْ َ َ‬ ‫َش ْيءٍ حىت إِذَا فَر ُِحوا ْ ِٔتَآ أوتوا‬ ‫أ َ َخ ْذنَاهم بغْتةً فَإِذَا هم ُمبلِ‬ ‫س‬ ‫ون }‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫ُ ْ ّْ ُ َ‬

‫ػ األنعام ‪] 44-42 :‬‬ ‫أي لم نعجل بعقابهم بل‬

‫تركناهم فتمادوا يف ا‪١‬تعصية حىت‬ ‫إذا فرحوا ٔتا أتوا من النعمة‬ ‫والثروة وكثرة العدد ‪ {،‬أ َ َخ ْذن َ ُاه ْم‬ ‫بغْتةً فَإِذَا هم ُمبلِ‬ ‫س‬ ‫ون } أي‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ ّْ ُ َ‬ ‫يائسون من ر‪ٛ‬تة اهلل أو نادمون‬ ‫متحسرون ‪ ،‬وال ينفعهم الندم‬ ‫حينئذ ‪ .‬فقد فاتت الفرصة‬

‫وضيّعوها عىل أنفسهم ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يزنل هذا األمر كعقاب‬ ‫وبه تكون النقلة صعبة ‪ ،‬إهنم‬ ‫يتمادون فيعاقبهم ا‪ٟ‬تق عقابا ً‬ ‫صاعقا ً‪ ،‬كالذي يرفع كائنا ًيف الفضاء‬ ‫ثم يًتكه ليهوى عىل األرض ‪،‬‬ ‫والعفو هنا ٯتكن أن يكون ٔتعٌت‬

‫أهنم ازدادوا يف الطغيان ‪ .‬وهناك‬ ‫معٌت آخر للعفو فقد يأيت ٔتعٌت‬ ‫الًتك ‪ { :‬فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن أ َ ِخي ِه‬ ‫َش ْي ٌء فاتباع با‪١‬تعروف } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫‪] 178‬‬ ‫أي فمن ترك له أخوه شيئا‬ ‫فليأخذه ‪ .‬إذن فالعفو تارة يكون‬

‫ٔتعٌت الزيادة ‪ ،‬وتارة أخرى يكون‬ ‫ٔتعٌت الًتك ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق هنا يقول ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون ُق ِل العفو }‬ ‫َوي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫ك َماذَا يُنف ُق َ‬ ‫أي أن اإلنفاق إ‪٪‬تا يكون من‬ ‫الزائد عن ا‪ٟ‬تاجة ‪ ،‬فيكون معٌت‬ ‫العفو هنا هو الزائد أو ا‪١‬تًتوك ‪،‬‬ ‫وهكذا نرى أن العفو واحد يف كبل‬

‫األمرين ‪ ،‬فبل تظن أن ا‪١‬تعاين‬ ‫تتضارب؛ ألن بها يتحقق ا‪١‬تعٌت‬ ‫ا‪١‬تقصود يف النهاية ‪ .‬فالعفو هو‬ ‫الزيادة ‪ ،‬والعفو أيضا يؤخذ ٔتعٌت‬ ‫الصفح ‪.‬‬ ‫إذن فاإلنفاق من الزائد عن ا‪ٟ‬تاجة‬ ‫٭تقق الصفح و٭تقق الرفاهية يف‬

‫ا‪١‬تجتمع ‪ .‬فالذي يزرع أرضا‬ ‫وينتج ما يكفيه هو وعياله ويزيد ‪،‬‬ ‫فهل يًتك ما يزيد عن حاجته‬ ‫ليفسد أم ينفق منه عىل قريبه أو‬ ‫جاره ا‪١‬تحتاج؟ أيهما أقرب إىل‬ ‫العقل وا‪١‬تنطق؟ وكان ذلك قبل أن‬ ‫يشرع ا‪ٟ‬تق الزكاة بنظامها‬

‫ا‪١‬تعروف ‪ .‬وما سر تبديلها من عفو‬ ‫إىل زكاة؟‬ ‫ألن ا‪ٟ‬تق أراد أن يقدر حركة‬ ‫ا‪١‬تتحرك ‪ ،‬فجعل حركته ٗتفف‬ ‫عنه وال تثقل عليه ‪ .‬ألن حركة‬ ‫ا‪١‬تتحرك تنفع ا‪١‬تتحرك ‪ ،‬أراد‬ ‫ا‪١‬تتحرك أو لم يرد؛ ولذلك ‪٧‬تد «‬

‫زكاة الركاز » وهي الزكاة‬ ‫ا‪١‬تفروضة عىل ما يوجد يف باطن‬ ‫األرض من ثروات كا‪١‬تعادن‬ ‫النفيسة والبًتول و َتها ‪ ،‬لقد‬ ‫جعل ا‪ٟ‬تق نصاب تلك الزكاة‬ ‫عشرين يف ا‪١‬تائة ‪ ،‬أي ا‪٠‬تمس‬ ‫بينما الذي ٭ترث األرض ويبذر‬

‫فيها ا‪ٟ‬تب ويًتكها حىت يزنل ا‪١‬تطر‬ ‫فتنمو فنصاب الزكاة هو العشر عىل‬ ‫ما أنتجته زراعته ‪.‬‬ ‫وأما الذي يزرع عىل ماء الري فعليه‬ ‫نصف العشر ‪ .‬والذي يتاجر كل‬ ‫يوم ويتعب فيذهب للمنتج‬ ‫ويشًتي منه ‪ ،‬ثم يوفر السلعة عىل‬

‫البائع فيشًتيها ‪ ،‬هذا نقول له ‪:‬‬ ‫عليك اثنان ونصف يف ا‪١‬تائة ( ‪. 2‬‬ ‫‪ ) %5‬فقط ‪.‬‬ ‫رك‬ ‫إذن فالزكاة متناسبة مع ا‪ٟ‬ت ة‬ ‫وا‪ٞ‬تهد ‪ ،‬كأن ا‪ٟ‬تق ٭تمي ا‪ٟ‬تركة‬ ‫اإلنسانية من ‪ٛ‬تق التقنُت البشري‬ ‫‪ .‬إن ا‪١‬تتحرك القوي يدفعه اهلل‬

‫ليزيد من حركته لينتفع ا‪١‬تجتمع ‪،‬‬ ‫وأوكل اهلل للحاكم الذي يتبع‬ ‫منهج اإلسبلم أن يأخذ من األثرياء‬ ‫ما يقيم به كرامة الفقراء ‪ .‬إ ِْن َ ِٓت َل‬ ‫األغنياء بفضل اهلل عليهم ‪ ،‬ولم‬ ‫ينفقوا عىل الفقراء من رزق اهلل؛‬ ‫فا‪١‬تنهج ا‪ٟ‬تق ٭تمي ا‪١‬تال من فساد‬

‫الطمع ‪ ،‬ومن فساد الكسل ‪ ،‬ويريد‬ ‫ا‪ٟ‬تياة مستقيمة وآمنة للناس ‪.‬‬ ‫فالذي ينفق من ماله عىل أهله ٭تيا‬ ‫وهو آمن ‪ .‬وكذلك من ينفق عىل‬ ‫أهله وتوابعه فتزداد دائرة األمان ‪،‬‬ ‫وهكذا لقد ‪ٛ‬تى اهلل بالزكاة طموح‬

‫ش‬ ‫البر من ‪ٛ‬تق التقنُت من البشر ‪،‬‬ ‫فا‪١‬تقنن من البشر يأيت للمتحرك‬ ‫أكثر ويزيد عليه األعباء ‪ ،‬نقول له‬ ‫‪ :‬إن هذا ا‪١‬تتحرك إن لم يقصد أن‬ ‫ينفع ا‪١‬تجتمع فا‪١‬تجتمع سينتفع‬ ‫ّتهده بالرغم عنه؛ فاإلنسان‬ ‫الذي ٯتلك ماال يُلقي اهلل خاطرا يف‬

‫باله ‪ ،‬فيقول ‪ « :‬ماذا لو بنيت‬ ‫عمارة من عشرة أدوار ‪ ،‬ويف كل‬ ‫دور أربع شقق » و٭تسب كم‬ ‫تعطيه تلك العمارة من عائد كل‬ ‫شهر ‪ .‬إن هذا الرجل لم يكن يف‬ ‫باله إال أن يربح ‪ ،‬فنًتكه يفكر يف‬ ‫الربح ‪ ،‬وعندما نراقب الفائدة اليت‬

‫ستعود عىل ا‪١‬تجتمع منه فسنجد‬ ‫الفائدة تعود عىل ا‪١‬تجتمع من هذا‬ ‫العمل ‪ ،‬ولنا أن ‪٨‬تسب كم فردا‬ ‫سوف يعمل يف بناء تلك العمارة‬ ‫ا‪ٞ‬تديدة؟ ابتداء من البنائُت‬ ‫ومرورا بالنجارين وا‪ٟ‬تدادين‬ ‫وا‪١‬تبيضُت والسباكُت و َتهم ‪.‬‬

‫إن كل طبقات ا‪١‬تجتمع الفقَتة‬ ‫تكون قد أفادت واستفادت من مال‬ ‫هذا الرجل قبل أن يدخل جيبه‬ ‫مليم واحد؛ لقد ألىق اهلل يف نفسه‬ ‫خاطرا ً‪ ،‬فأخرج كل ما يف جيبه ‪،‬‬ ‫وألقاه يف جيوب اْلخرين قبل أن‬ ‫توجد له عمارة ‪ .‬وهكذا ٭تمي اهلل‬

‫حركة ا‪١‬تتحرك ألن حركته‬ ‫ستفيد سواه قصد إىل ذلك أو لم‬ ‫يقصد ‪.‬‬ ‫أما إذا قلنا له ‪ :‬سنأخذ ما يزيد عن‬ ‫حاجتك قسرا ًفبل بد أن يقول‬ ‫لنفسه ‪ « :‬سأجعل حركيت عىل قدر‬ ‫حاجيت وال أزيد إال قليبل » ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬

‫عز وجل ال يريد أن يشيع هذا‬ ‫ا‪١‬تنطق بُت الناس ‪ ،‬ولكن يريد ‪٢‬تم‬ ‫أن يتحركوا يف ا‪ٟ‬تياة با‪ٞ‬تدية‬ ‫وا‪ٟ‬تبلل ‪ ،‬وكلما تكثر حركتهم‬ ‫تقل الزكاة ا‪١‬تفروضة عليهم ‪ ،‬ألن‬ ‫ا‪ٟ‬تركة ال يستفيد منها صاحبها‬ ‫فقط ولكن يستفيد منها ا‪ٞ‬تميع ‪،‬‬

‫فبعضه يسكن ‪ ،‬وآخر يزرع ‪،‬‬ ‫وثالث يعمل ‪ ،‬وخَت لئلنسان أن‬ ‫يأكل من عمل يديه من أن يأكل‬ ‫من صدقات الناس وزكاهتم ‪.‬‬ ‫عن ا‪١‬تقدام بن معد يكرب أن‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‬ ‫‪ « :‬ما أكل أحد طعاما ًقط خَتا ًمن‬

‫أن يأكل من عمل يده ‪ ،‬وإن نبي‬ ‫اهلل داود عليه السبلم كان يأكل من‬ ‫عمل يده » ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪ِ { :‬يف‬ ‫ك َع ِن‬ ‫الدنيا واْلخرة َوي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫اليتاىم ُق ْل إ ِْصبل َ ٌح َّ‪٢‬ت ُ ْم َخ َْتٌ‪} . . .‬‬

‫ك َع ِن‬ ‫ِيف ال ُّدنْيَا َو ْاْل ِخ َر ِة َوي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫الْيَت َ َاىم ُق ْل إ ِْص َبل ٌح َ‪٢‬ت ُ ْم َخ َْتٌ َوإ ِْن‬ ‫ُٗتَال ِ‬ ‫ط‬ ‫اّلل يَعْل َ ُم‬ ‫ُ‬ ‫وه ْم فَإِ ْخ َوان ُ ُك ْم َو ّ َُ‬ ‫ُ‬ ‫اّلل‬ ‫ا ْ‪١‬تُ ْف ِس َد ِم َن ا ْ‪١‬تُ ْصلِ ِح َول َ ْو َشاءَ ّ َُ‬ ‫ِ‬ ‫يم‬ ‫َأل َ ْعنَت َ ُك ْم إ َِّن َّ‬ ‫اّللَ َعزِي ٌز َحك ٌ‬ ‫(‪)220‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق يبدأ هذه اْلية بقوله ‪{ :‬‬ ‫ِيف الدنيا واْلخرة } وكأنه يقول لنا‬ ‫‪ :‬إياك أن تعتقدوا أن كل تكليف‬ ‫من اهلل جزاؤه يف اْلخرة فقط ‪ ،‬أبدا‬ ‫إن ا‪ٞ‬تزاء سيصيبكم يف الدنيا أيضا‬ ‫‪.‬‬ ‫وتأمل سَتة ا‪١‬تستقيمُت‬

‫ا‪١‬تلتزمُت ٔتنهج دينهم ومنهج‬ ‫األخبلق يف حياهتم ٕتدهم قد‬ ‫أخذوا جزاءهم يف الدنيا رضا‬ ‫وسعادة وأمنا حىت أنك ٕتد الناس‬ ‫تتساءل ‪ :‬كيف رىب فبلن أوالده ‪،‬‬ ‫وكيف علمهم برغم أن مرتبه‬ ‫بسيط؟‬

‫هم ال يعلمون أن يد اهلل معه‬ ‫بالْبكة يف كل حركات حياته ‪ .‬فبل‬ ‫تظن أن ا‪ٞ‬تزاء مقصور عىل اْلخرة‬ ‫فقط ‪ ،‬بل يعجل اهلل با‪ٞ‬تزاء يف‬ ‫الدنيا ‪ ،‬أما اْلخرة فهي زيادة و‪٨‬تن‬ ‫نأخذ متاع اْلخرة بفضل اهلل ‪ .‬قال‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬

‫لن يدخل أحدكم ا‪ٞ‬تنة بعمله ‪،‬‬ ‫قالوا ‪ :‬وال أنت يا رسول اهلل ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫وال أنا إال أن يتغمدين اهلل بر‪ٛ‬تته »‬ ‫‪.‬‬ ‫وأحب أن يتأمل كل منا أحوال‬ ‫الناس ا‪١‬تستقيمُت يف منهج ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫ويرى كيف يعيشون وكيف‬

‫ينفقون عىل أوالدهم ‪ ،‬ويتأمل‬ ‫البشر والرضا الذي يتمتعون به‬ ‫وكيف ٗتلو حياهتم من ا‪١‬تشاكل‬ ‫والعقد النفسية ‪.‬‬ ‫وكأنه سبحانه وتعاىل يلفتنا إىل أن‬ ‫كل ما جاء يف ا‪١‬تنهج القويم ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬ ‫جاء لينظم لنا حركة ا‪ٟ‬تياة وٮترجنا‬

‫من أهواء النفوس ‪.‬‬ ‫ونقول بعد أن استكمل ا‪ٟ‬تق‬ ‫الكبلم عن ا‪ٟ‬تج وهو الركن ا‪٠‬تامس‬ ‫من أركان اإلسبلم ‪ ،‬بُت لنا صنفُت‬ ‫من ا‪١‬تجتمع ‪ :‬أما الصنف األول فهو‬ ‫الصنف ا‪١‬تنافق الذي ال ينسجم‬ ‫منطقه مع واقع قلبه ونفسه ‪{ :‬‬

‫ك َق ْول ُ ُه ِيف‬ ‫َو ِم َن الناس َمن يُعْ ِجب ُ َ‬ ‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا َويُ ْش ِه ُد اهلل عىل َما ِيف‬ ‫قَلْبِ ِه َو ُه َو أَل َ ُّد ا‪٠‬تصام * َوإِذَا توىل سىع‬ ‫ك‬ ‫ِيف األرض لِي ُ ْف ِس َد فِيِهَا َويُهْلِ َ‬ ‫ب الفساد‬ ‫ا‪ٟ‬ترث والنسل واهلل ال َ ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 205-204 :‬‬ ‫وليت هذا الصنف حُت يتنبه إىل‬

‫ذلك يرتدع ويرجع ‪ ،‬ال ‪ ،‬إنه إذا‬ ‫قيل له من ناصح ‪٤‬تب مشفق ‪« :‬‬ ‫اتق اهلل » أخذته العزة باإلثم!! ‪.‬‬ ‫والصنف اْلخر يف ا‪١‬تجتمع هو من‬ ‫يشري نفسه ابتغاء مرضاة اهلل ‪،‬‬ ‫ويتمثل ذلك يف أنه إما أن يبيع‬ ‫نفسه يف القتال فيكون شهيدا ً‪،‬‬

‫وإما أن يستبقيها استبقاء ًيكون‬ ‫سبحان ‪:‬‬ ‫ه‬ ‫فيه ا‪٠‬تَت ‪١‬تنهج اهلل ‪ .‬فقال‬ ‫{ َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه‬ ‫ابتغآء َم ْر َض ِ‬ ‫وف‬ ‫ات اهلل واهلل َر ُؤ ٌ‬ ‫بالعباد} ػ البقرة ‪] 207 :‬‬ ‫ثم تكلم ا‪ٟ‬تق عن الدخول يف السلم‬ ‫كافة ‪ ،‬والدخول يف السلم أي‬

‫اإلسبلم يطلب منا أن ندخل ‪ٚ‬تيعا ً‬ ‫يف كل أنواع السلم يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬سلم‬ ‫مع نفسك فبل تتعارض ملكاتك ‪،‬‬ ‫لم‬ ‫فبل تقول قوال ًيناقض قلبك ‪ ،‬و ِس ٌ‬ ‫مع ا‪١‬تجتمع الذي تعيش فيه ‪،‬‬ ‫وسلم مع الكون الذي ٮتدمك‬ ‫‪ٚ‬تادا ًونباتا ًوحيوانا ً‪ ،‬وسلم مع‬

‫أمتك اليت تعيش فيها ‪ ،‬فقال‬ ‫سبحانه ‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫ادخلوا ِيف السلم كَآ َّفةً َوال َتَتَّبِ ُعوا ْ‬ ‫ُخ ُطو ِ‬ ‫ك ْم ع َ ُد ٌّو‬ ‫ات الشيطان إِن ّ َُه ل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُت }‬ ‫ُّمبِ ٌ‬

‫ػ البقرة ‪] 208 :‬‬ ‫كل ذلك يدلنا عىل أن ا‪ٟ‬تق حُت‬ ‫خلق ا‪٠‬تلق ‪ ،‬وضع ‪٢‬تم ا‪١‬تنهج الذي‬ ‫يضمن ‪٢‬تم السبلمة واألمن يف كل‬ ‫أطوار هذه ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فإن رأيت خلبل ً‬ ‫أو اضطرابا ًيف الكون ‪ ،‬أو رأيت‬ ‫خوفا ًأو قلقا ًفاعلم أن منهجا ًمن‬

‫مناهج اإلسبلم قد ُعطل ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل حينما يأمرنا أن‬ ‫ندخل يف السلم كافة فهو سبحانه‬ ‫٭تذرنا أننا إن زللنا عن ا‪١‬تنهج فإن‬ ‫اهلل عزيز حكيم فبل يغلبه أحد ‪،‬‬ ‫وال يقدر عليه أحد ‪ ،‬فهو القادر‬ ‫القوي الذي ُ‪٬‬تري كل شيء ْتكمة‬

‫‪ ،‬فبل تظنوا أنكم بذلك تسيئون‬ ‫إىل اهلل بالزلل عن منهجه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫تسيئون إىل أنفسكم وإىل أبناء‬ ‫جنسكم؛ ألن اهلل ال يُغلب ‪.‬‬ ‫وينبهنا ا‪ٟ‬تق سبحانه تنبيها آخر ‪،‬‬ ‫إنه يلفتنا إىل أننا ال ‪٪‬تلك أمر‬ ‫الساعة ‪ ،‬فالساعة تأيت بغتة‬

‫ومفاجئة ‪ ،‬وصاخة طامة ‪ ،‬مرجفة‬ ‫مزلزلة ‪ .‬فاحذروا أن تصيبكم‬ ‫هذه الرجفة وأنتم يف غفلة عنها ‪.‬‬ ‫وكل ذلك لندخل أيضا يف السبلم يف‬ ‫اليوم اْلخر ‪ ،‬وكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫يلفتنا إىل أن كلمات القرآن ليست‬ ‫‪٣‬ترد كلمات نظرية ‪ ،‬ولكنها‬

‫كلمات ا‪ٟ‬تكيم ا‪٠‬تبَت اليت حكمت‬ ‫تاريخ األمم اليت سبقت دعوة ‪٤‬تمد‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫فكم من آيات أرسلها ا‪ٟ‬تق إىل بٍت‬ ‫إسرائيل فتلكأوا وكان منهم ما كان‬ ‫‪ ،‬وشقوا ه م ‪ ،‬وشقي بهم ا‪١‬تجتمع ‪،‬‬ ‫إذن فالكبلم ليس كبلما ًنظريا ً‪.‬‬

‫ويريد اهلل لنا أن ننظر بعمق إىل‬ ‫أمور ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وأال ننظر إىل‬ ‫سطحيات األمور ‪ ،‬فيجب أال‬ ‫ٗتدعنا زينة ا‪ٟ‬تياة الدنيا عن ا‪ٟ‬تياة‬ ‫اْلخرة؛ ألن ا‪ٟ‬تياة الدنيا أ َ َم ُدها‬ ‫قصَت ‪ ،‬وعلينا أن نقيس عمر‬ ‫الدنيا بأعمارنا منها ‪ ،‬وأعمارنا‬

‫فيها قصَتة؛ ألن منا من ٯتوت‬ ‫كبَتا ًومنا من ٯتوت صغَتا ً‪.‬‬ ‫ويبُت لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه أنه لم يًتك‬ ‫رسبل ً‬ ‫خلقه ‪٫‬تبل ً‪ ،‬وإ‪٪‬تا أرسل ‪٢‬تم ُ‬ ‫يبينون ‪٢‬تم منهج اهلل ‪ ،‬فكان الناس‬ ‫أمة واحدة ‪٣‬تتمعة عىل ا‪ٟ‬تق إىل أن‬ ‫ٖتركت األهواء يف نفوسهم ‪ ،‬ومع‬

‫ذلك ر‪ٛ‬تهم اهلل فلم يسلمهم إىل‬ ‫األهواء ‪ ،‬بل استمر موكب‬ ‫الرساالت يف البشر ‪ ،‬وكلما لبتهم‬ ‫األهواء وطم الفساد ‪ ،‬أرسل ا‪ٟ‬تق‬ ‫بر‪ٛ‬تته رسوال لينبه إىل أن جاء‬ ‫الرسول ا‪٠‬تاتم الذي ميزه اهلل ٓتلود‬ ‫منهجه ‪ ،‬وجعل القيم يف أمته ‪.‬‬

‫وصارت األمة ا‪١‬تحمدية هي‬ ‫حاملة أمانة حراسة ا‪١‬تنهج الذي‬ ‫يصون حركة ا‪ٟ‬تياة يف األرض؛ ألن‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه لم يأمن أمة سواها ‪،‬‬ ‫ولذلك كان رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم خاتم األنبياء ‪.‬‬ ‫ثم نبهنا اهلل من بعد ذلك إىل أن‬

‫هناية اإلنسان إىل نعيم اهلل يف ا‪ٞ‬تنة‬ ‫لن يأيت سهبل ًميسورا ً‪ ،‬بل هو‬ ‫طريق ‪٤‬تفوف با‪١‬تكارة ‪ ،‬فيجب أن‬ ‫تنبهوا أنفسكم وتروضوها‬ ‫وتدربوها عىل ٖتمل هذه ا‪١‬تكاره ‪،‬‬ ‫وتوطنوها عىل ٖتملها لتلك ا‪١‬تشاق‬ ‫‪ .‬كما قال رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم ‪ « :‬حفت ا‪ٞ‬تنة با‪١‬تكاره‬ ‫وحفت النار بالشهوات » ‪.‬‬ ‫وٯتنت ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك عىل خلقه‬ ‫أنه أهدى لئلنسان ا‪٠‬تليفة يف‬ ‫األرض عقبل ًيفكر به ‪ ،‬وطاقة‬ ‫تنفذ ٗتطيط العقل ‪ ،‬وكونا ًماديا ً‬

‫أمامه يتفاعل معه يف ا‪ٟ‬تركة ‪:‬‬ ‫فالعقل ٮتطط ‪ ،‬والطاقة تنفذ يف‬ ‫ا‪١‬تادة ا‪١‬تخلوقة ا‪١‬تسخرة هلل ‪ .‬إذن‬ ‫فكل أدوات ا‪ٟ‬تركة موجودة هلل ‪،‬‬ ‫وليس لك أيها اإلنسان أن ٗتلق‬ ‫توجه طاقات‬ ‫شيئا ًفيها إال أن ُ ُ‬ ‫‪٥‬تلوقة للعمل يف مادة ‪٥‬تلوقة ‪،‬‬

‫فأنت ال توجد شيئا ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يطلب ا‪ٟ‬تق منك أيها‬ ‫ا‪١‬تسلم أن ٖتافظ عىل حركة ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫بأن تقدر للعاجز عن هذه ا‪ٟ‬تركة‬ ‫نصيبا ًمن حركتك؛ لذلك فعليك‬ ‫أن تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة حركة تسعك‬ ‫‪ ،‬وتسع من تعول ‪ ،‬وتسع العاجز عن‬

‫ا‪ٟ‬تركة ‪ .‬وبذلك تؤ ّمن السماء كل‬ ‫عاجز عن ا‪ٟ‬تركة ْتركة‬ ‫ا‪١‬تتحركُت من إخوانه ا‪١‬تؤمنُت ‪،‬‬ ‫وهو سبحانه يطمئنك بأنك إذا‬ ‫فعلت ذلك وأ َ َّمن ْ َت العاجز ‪ ،‬فهو‬ ‫جل وعبل يؤمنك حُت يطرأ عليك‬ ‫العجز ‪.‬‬

‫لقد جعل اهلل سبحانه حالة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫دوال ًبُت الناس ‪ ،‬فبل يوجد قوم‬ ‫قادرون دائما ًوال قوم عاجزين‬ ‫دائما ً‪ ،‬بل ‪٬‬تعل ا‪ٟ‬تق من القادرين‬ ‫باألمس عاجزين اليوم؛ ومن‬ ‫العاجزين باألمس قادرين اليوم؛‬ ‫حىت تتوزع ا‪ٟ‬تركة يف الوجود ‪.‬‬

‫وحىت يعلم كل منا أن اهلل يطلب‬ ‫منك حُت تقدر؛ ليعطيك حُت‬ ‫تعجز ‪ .‬لذلك طلب منا أن ننفق ‪،‬‬ ‫والنفقة عىل الغَت ال تتأىت إال بعد‬ ‫استيفاء اإلنسان ضروريات حياته‬ ‫‪ ،‬فكأن ا‪ٟ‬تق يقول لك ‪ :‬إن عليك‬ ‫ركتسعك‬ ‫أن تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة ح ة‬

‫وتسع أن تنفق عىل من تعول ‪ ،‬وإال لو‬ ‫ٖتركت حركة عىل قدرك فقد ال‬ ‫ٕتد ما تنفقه ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يكلفنا سبحانه بأن كل‬ ‫مؤمن عليه أن يأخذ مسئولية‬ ‫اإلنفاق عىل الدائرة القريبة منه؛‬ ‫ليتحمل كل موجود يف ا‪ٟ‬تياة‬

‫مسئولية قطاع من ا‪١‬تجتمع مربوط‬ ‫والين‬ ‫به رباطا ن َ َسبِيّا ً؛ كال د‬ ‫واألقربُت ‪ .‬وأن ‪٧‬تعل الضعفاء من‬ ‫األيتام مشاعا ًعىل ا‪١‬تجتمع‬ ‫واء كانت‬ ‫مطلوبُت من ا‪ٞ‬تميع ‪ .‬س ٌ‬ ‫تربطهم بنا قرابة أو ال تربطنا بهم‬ ‫قرابة فهم ‪ٚ‬تيعا ًأقاربنا؛ ألن اهلل‬

‫كلفنا بأن نرعاهم ‪.‬‬ ‫ولكن هل ٯتكن أن يستقر منهج‬ ‫اهلل دون أن يعاديه أحد؟ طبعا ًال؛‬ ‫لذلك ينبهنا ا‪ٟ‬تق إىل أننا سنجد‬ ‫أقواما ًال يسعدهم أن يطبق منهج‬ ‫اهلل يف الوجود؛ ألهنم ال يعيشون إال‬ ‫عىل مظالم الناس ‪ ،‬هؤالء قوم‬

‫سيسوؤهم أن يُطبق منهج اهلل ‪،‬‬ ‫فلتنتبهوا ‪٢‬تؤالء؛ ولذلك فرض‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه القتال حىت ‪٪‬تنع‬ ‫الفتنة بالكفر من األرض؛ ألن‬ ‫الكفر يعدد اْل‪٢‬تة يف الكون وسيتبع‬ ‫كل إنسان ا‪٢‬توى ‪ ،‬ويصبح إ‪٢‬ته‬ ‫هواه وستتعدد اْل‪٢‬تة بتعدد األهواء‬

‫‪ ،‬ولذلك كتب اهلل عىل ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫القتال وقال ‪َ { :‬و ُه َو ُك ْر ٌه ل َّ ُك ْم } ‪،‬‬ ‫كل ذلك ليضمن لنا الغاية اليت‬ ‫يريدها ‪ ،‬وهي الدخول يف السلم‬ ‫والسبلم واإلسبلم كافة ‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك يطلب منا أن ‪٧‬تاهد بأموالنا‬ ‫وأنفسنا وأن هنجر أوطاننا وأهلنا‬

‫إن احتاجت إىل ذلك ا‪ٟ‬تركة‬ ‫اإلٯتانية فقال ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫اه ُدوا ْ ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫والذين َها َج ُروا ْ َو َج َ‬ ‫‪ٛ‬ت َت اهلل‬ ‫ون َر ْ َ‬ ‫اهلل أوالئك ي َ ْر ُج َ‬ ‫واهلل َغ ُف ِ‬ ‫يم }‬ ‫ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬

‫ػ البقرة ‪] 218 :‬‬ ‫ويلفتنا ا‪ٟ‬تق بعد ذلك إىل قمة‬ ‫ا‪ٞ‬تهاز التخطيطي يف اإلنسان‬ ‫ليحميه و‪٬‬تعله جهازا ًسليما ًقادرا ً‬ ‫عىل التخطيط بصفاء وحكمة وقوة‬ ‫‪ ،‬وهو العقل ‪ ،‬ويلفتنا بضرورة أن‬ ‫‪٪‬تنع عن العقل كل ما ٮتمره أي‬

‫يسًته عن ا‪ٟ‬تركة ‪٪‬تنع عنه ا‪٠‬تمر‬ ‫‪١‬تاذا؟ ليظل العقل كما يريده اهلل‬ ‫أداة االختيار بُت البدائل ‪.‬‬ ‫وما دام العقل هو الذي ٮتطط‬ ‫للطاقة ا‪١‬توجودة يف اإلنسان لتعمل‬ ‫يف ا‪١‬تادة ا‪١‬توجودة يف الكون فيجب‬ ‫أن يظل هذا العقل ا‪١‬تخطط سليما ً‬

‫‪ ،‬فبل ٭تاول اإلنسان أن يسًته ‪ ،‬وال‬ ‫يقل أحد ‪ « :‬إين أسًته من فرط‬ ‫زيادة ا‪١‬تشكبلت » ‪ ،‬ال ‪ :‬ألن‬ ‫ا‪١‬تشكبلت ال تريد عقبل ًواحدا ً‬ ‫منك فقط ‪ ،‬ولكنها تريد عقلُت ‪،‬‬ ‫فبل تأيت للعقل الواحد لتطمسه‬ ‫با‪٠‬تمر ‪ ،‬فمواجهة ا‪١‬تشكبلت‬

‫تقتضي أن ‪٩‬تطط ٗتطيطا ًقويا ً‪.‬‬ ‫وبعد ذلك ٭تذرنا ا‪ٟ‬تق أن نأخذ من‬ ‫حركة اْلخرين بغَت عرق وبغَت‬ ‫جهد ‪ ،‬فيحذرنا من ا‪١‬تيسر وهو‬ ‫الرزق السهل ‪ ،‬والتحذير من‬ ‫ا‪١‬تيسر إ‪٪‬تا جاء ليضمن لكل‬ ‫إنسان أن يتحرك يف ا‪ٟ‬تياة حركة‬

‫سليمة ال خداع فيها ‪ .‬وكأن كل ما‬ ‫تقدم هو من إشراقات قوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ ِيف الدنيا واْلخرة } ومن بعد‬ ‫ذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ك َع ِن اليتاىم ُق ْل إ ِْصبل َ ٌح‬ ‫َوي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم فَإِ ْخ َوان ُ ُك ْم‬ ‫َّ‪٢‬ت ُ ْم َخ َْتٌ َوإ ِْن ُٗتَال ُط ُ‬ ‫واهلل يَعْل َ ُم ا‪١‬تفسد ِم َن ا‪١‬تصلح َول َ ْو‬

‫َشآءَ اهلل أل َ ْعنَت َ ُك ْم إ َِّن اهلل َعزِي ٌز‬ ‫ِ‬ ‫يم } ػ البقرة ‪] 220 :‬‬ ‫َحك ٌ‬ ‫ونعرف أن اليتاىم قد ال يدخلون يف‬ ‫دائرة ا‪١‬تحتاجُت لكن اهلل ينبهنا إىل‬ ‫أن ا‪١‬تسألة يف اليتيم ليست مسألة‬ ‫احتياج إىل االقتيات ‪ ،‬ولكنه يف‬ ‫حاجة إىل أن نعوضه بالتكافل‬

‫اإلٯتاين عما فقده من األب ‪ ،‬وذلك‬ ‫ٯتنع عنه ا‪ٟ‬تقد عىل األطفال الذين‬ ‫لم ٯتت آباؤهم ‪ .‬وحُت ‪٬‬تد‬ ‫اليتيم أن كل ا‪١‬تؤمنُت آباء له‬ ‫فيشعر بالتكافل الذي يعوضه حنان‬ ‫األب وال يعاين من نظرة األىس اليت‬ ‫ينظر بها إىل أقرانه ا‪١‬تتميزين عليه‬

‫بوجود آبائهم ‪ ،‬وبذلك ٗتلع منه‬ ‫ا‪ٟ‬تقد ‪.‬‬ ‫وكان ا‪١‬تسلمون القداىم ٮتلطون‬ ‫أموا‪٢‬تم بأموال اليتاىم ليسهلوا عىل‬ ‫أنفسهم ‪ ،‬وعىل أمر حركة اليتيم‬ ‫مئونة العمل ‪ ،‬فلو أن يتيما ًدخل‬ ‫ٖتت وصاية إنسان ‪ ،‬وأراد هذا‬

‫اإلنسان أن ‪٬‬تعل لليتيم القاصر‬ ‫حياة مستقلة وإدارة مستقلة‬ ‫ومسلكا ًمستقبل ًيف ا‪ٟ‬تياة لشق ذلك‬ ‫عىل نفس الرجل ‪ ،‬ولذلك أذن اهلل‬ ‫أن ٮتلط الوصي ماله ٔتال اليتيم ‪،‬‬ ‫وأن ‪٬‬تعل حركة هذا ا‪١‬تال من‬ ‫حركة ماله ‪ٔ ،‬تا ال يوجد عند‬

‫الوصي مشقة ‪ .‬و‪١‬تا نزل قوله تعاىل‬ ‫ال اليتيم إِال َّباليت‬ ‫‪َ { :‬وال َتَ ْق َر ُبوا ْ َم َ‬ ‫ِه َي أ َ ْح َس ُن } ػ األنعام ‪] 152 :‬‬ ‫وٖترج الناس ‪ ،‬وتساءلوا كيف‬ ‫يعاملون اليتيم خصوصا أن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل قال ‪ { :‬إ َِّن الذين‬ ‫ْ‬ ‫ال اليتاىم ُظلْما ًإ َِّ‪٪‬تَا‬ ‫ون أ َ ْم َو َ‬ ‫يَأكُل ُ َ‬

‫ْ‬ ‫ون ِيف ُب ُط ِ ِ‬ ‫وهن ْم نَارا ً} ػ النساء ‪:‬‬ ‫يَأكُل ُ َ‬ ‫‪] 10‬‬ ‫وكف الناس أيديهم عن أمر‬ ‫اليتاىم ‪ ،‬وأراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫أن يسهل األمر ‪ ،‬فأنزل القول‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ق ْل إ ِْصبل َ ٌح ل َّ ُه ْم َخ َْتٌ َوإ ِْن‬ ‫ُٗتَال ِ‬ ‫ط‬ ‫وه ْم فَإِ ْخ َوان ُ ُك ْم } وا‪١‬تخالطة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫تكون عىل أساس أن اليتاىم‬ ‫إخوانكم واحذروا جيدا ًأن يكون‬ ‫يف هذا ا‪٠‬تلط شيء ال يكون فيه‬ ‫إصبلح لليتيم ‪.‬‬ ‫وإياكم أن تفهموا أن الشكلية‬ ‫االجتماعية تكفي الوصي يف أن‬

‫يكون مشرفا ًعىل مال اليتيم دون‬ ‫حساب؛ ألن اهلل يعلم ا‪١‬تفسد من‬ ‫ا‪١‬تصلح ‪ .‬فبل ٭تاول أحد أن يقول‬ ‫أمام الناس ‪ :‬إنه قد فتح بيته‬ ‫لليتيم وإنه يرىع اليتيم بينما‬ ‫األمر عىل َت ذلك؛ ألن اهلل يعلم‬ ‫ا‪١‬تفسد من ا‪١‬تصلح ‪.‬‬

‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ول َ ْو َشآءَ اهلل‬ ‫أل َ ْعنَت َ ُك ْم } واإلعنات هو أن توقع‬ ‫َتك وتدخله يف أمر فيه مشقة ‪،‬‬ ‫فلو لم يبح اهلل لكم ‪٥‬تالطتهم‬ ‫ألصابتكم مشقة فيسر اهلل‬ ‫للمؤمنُت من األوصياء أن ٮتالطوا‬ ‫اليتاىم ‪ ،‬ومعٌت ا‪١‬تخالطة ‪ :‬هو أن‬

‫يُوحد الوصي حركة اليتيم مع‬ ‫حركته ‪ ،‬وأن يوحد معاش اليتيم‬ ‫مع معاشه ‪ ،‬بدال ًمن أن يكون‬ ‫لليتيم عىل سبيل ا‪١‬تثال أدوات‬ ‫طعام مستقلة ‪ ،‬وقد كان هذا هو‬ ‫ا‪ٟ‬تاصل ‪.‬‬ ‫وكان يفسد ما يتبىق من الطعام؛‬

‫فلم تكن هناك وسائل صيانة‬ ‫وحفظ األطعمة مثل الثبلجات ‪،‬‬ ‫وكان ذلك ضررا ًباليتيم ‪ ،‬وضررا ً‬ ‫أيضا ٔتن يشرف عليه ‪ .‬لكن حُت‬ ‫قال ‪ { :‬وإِن ُٗتَال ِ‬ ‫ط‬ ‫وه ْم } ‪ ،‬فكان‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ذلك توفَتا للمشقة عىل األوصياء ‪.‬‬ ‫فا‪١‬تخالطة هي ا‪١‬تعاشرة اليت ال‬

‫يتعثر فيه التمييز ‪.‬‬ ‫وقد درسنا يف طفولتنا درسا بعنوان‬ ‫« ا‪٠‬تلط وا‪١‬تزج » فا‪٠‬تلط هو أن‬ ‫ٗتلط عىل سبيل ا‪١‬تثال حبوب الفول‬ ‫مع حبوب العدس ‪ ،‬أو حبوب األرز‬ ‫مع حبوب البندق ‪.‬‬ ‫وعندما تأيت لتمييز صنف من آخر‬

‫‪ ،‬فأنت تستطيع ذلك ‪ ،‬وتستطيع‬ ‫أن تفصل الصنفُت بعضا عن ع‬ ‫بض‬ ‫بالغربال؛ ولذلك فا‪١‬تخالطة تكون‬ ‫بُت ا‪ٟ‬تبوب و‪٨‬توها ‪.‬‬ ‫أما ا‪١‬تزج فهو يف السوائل ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه يرشدنا أن ‪٩‬تالط اليتاىم ال‬ ‫أن ‪٪‬تزج ما‪٢‬تم ٔتالنا؛ ألن اليتيم‬

‫سيصل يوما إىل سن الرشد ‪،‬‬ ‫وسيكون عىل الوصي أن يفصل ماله‬ ‫عن مال اليتيم ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واهلل يَعْل َ ُم ا‪١‬تفسد‬ ‫ِم َن ا‪١‬تصلح } ألن الوصي قد يدعي‬ ‫أمام الناس أنه يرىع حق اليتيم ‪،‬‬ ‫وأنه يقوم ٔتصا‪ٟ‬ته و٭تًتم ماله ‪،‬‬

‫لكن األمر قد ٮتتلف يف النية وهو‬ ‫سبحانه لم يكل األمر إىل ظواهر‬ ‫فهم ا‪١‬تجتمع لسلوك الوصي مع‬ ‫اليتيم وعن ا‪١‬تخالطة ‪ ،‬بل نسب‬ ‫ذلك كله إىل رقابته سبحانه ‪ ،‬وذلك‬ ‫حىت ٭تتاط اإلنسان ويعرف أن‬ ‫رقابة اهلل فوق كل رقابة ‪ ،‬ولو شاء‬

‫ا‪ٟ‬تق ألعنت األوصياء وجعلهم‬ ‫يعملون لليتيم وحده ‪ ،‬ويفصلون‬ ‫بُت حياة اليتيم وحياهتم ومعاشهم‬ ‫‪ .‬ويف ذلك مشقة شديدة عىل النفس‬ ‫‪ .‬وحىت نفهم معٌت العنت بدقة‬ ‫فلنقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬لَقَ ْد‬ ‫ول ِّم ْن أ َ ُنف ِس ُك ْم َعزِي ٌز‬ ‫َجآءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬

‫ِ ِ‬ ‫ص عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫عَلَيْه َما َعنتُّ ْم َحرِي ٌ‬ ‫با‪١‬تؤمنُت رء ٌ ِ‬ ‫يم } ػ التوبة‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫َُ‬ ‫‪] 128 :‬‬ ‫لقد جاءكم أيها ا‪١‬تؤمنون رسول‬ ‫منكم ‪ ،‬عريب ومن قريش يبلغكم‬ ‫رسالة اهلل سبحانه وتعاىل ‪ .‬٭ترص‬ ‫عليكم كيبل تقعوا يف مشقة أو‬

‫تعيشوا يف ضنك الكفر ‪ ،‬حريص‬ ‫عىل أن تكونوا من ا‪١‬تهتدين ‪.‬‬ ‫فالرسول صىل اهلل عليه وسلم لم‬ ‫يأيت من جنس ا‪١‬تبلئكة ‪ ،‬ولكن جاء‬ ‫من جنس البشر ‪ ،‬فبل يقولن أحد ‪:‬‬ ‫إنه ال يصلح أسوة يل ‪ .‬إنه نشأ يف‬

‫مكة اليت تعيش بها قريش ‪،‬‬ ‫وتارٮته معروف لقومه ‪ :‬بدليل‬ ‫أهنم خلعوا عليه أول األوصاف‬ ‫واجبللرسالة وهي‬ ‫ا‪١‬تطلوبة وال ة‬ ‫األمانة ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق جاء به من البشر‬ ‫وليس بغريب عليهم ‪ ،‬ؤتجرد أن‬ ‫أخْب بالوحي وجد أناسا آمنوا به‬

‫قبل أن يقرأ قرآنا ‪ ،‬وقبل أن‬ ‫يأتيهم بتح ٍد ‪ « .‬فعندما جاءه‬ ‫جْبيل عليه السبلم يف ار‬ ‫ك ُ‬ ‫ا‪١‬تَل َ ُ‬ ‫حراء ‪ ،‬فقال ‪ :‬اقرأ ‪ .‬قال ‪ :‬ما أنا‬ ‫بقارئ ‪ .‬فأخذين فغطٍت حىت بلغ‬ ‫مٍت ا‪ٞ‬تهد ‪ ،‬ػ أي ضمٍت وعصرين ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تكمة فيه شغله عن االلتفات‬

‫ليكون قلبه حاضرا ً] ثم أرسلٍت‬ ‫فقال ‪ :‬اقرأ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ما أنا بقارئ‬ ‫فأخذين فغطٍت الثانية حىت بلغ مٍت‬ ‫ا‪ٞ‬تهد ثم أرسلٍت وقال ‪ :‬اقرأ ‪.‬‬ ‫فقلت ‪ :‬ما أنا بقارئ ‪ .‬فأخذين‬ ‫الثالثة فغطٍت ثم أرسلٍت فقال ‪{ :‬‬ ‫ك الذي َخل َ َق* َخل َ َق‬ ‫اقرأ باسم َر ِبّ َ‬

‫ك‬ ‫اإلنسان ِم ْن عَل َ ٍق * اقرأ َو َربُّ َ‬ ‫األكرم * الذى عَل َّ َم بالقلم* عَل َّ َم‬ ‫اإلنسان َما ل َ ْم يَعْل َ ْم } فرجع بها‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫يرجف فؤاده فدخل عىل خد‪٬‬تة‬ ‫بنت خويلد رضي اهلل عنها فقال ‪٢‬تا‬ ‫‪ » :‬زملوين ‪ .‬زملوين « ‪ .‬فزملوه‬

‫حىت ذهب عنه الروع ‪ ،‬فقال ‪٠‬تد‪٬‬تة‬ ‫وأخْبها ا‪٠‬تْب ‪ » :‬لقد خشيت عىل‬ ‫نفسي « لكن خد‪٬‬تة رضي اهلل‬ ‫عنها ْتسن استنباطها تقول ‪ » :‬كبل‬ ‫واهلل ال ٮتزيك اهلل أبدا إنك لتصل‬ ‫الرحم وٖتمل الكل وتكسب‬ ‫ا‪١‬تعدوم وتقري الضيف وتعُت عىل‬

‫نوائب ا‪ٟ‬تق « » ‪.‬‬ ‫إن خد‪٬‬تة رضوان اهلل عليها‬ ‫تستنبط أن من فيه هذه ا‪٠‬تصال‬ ‫إ‪٪‬تا هو مهيأ للرسالة ‪ { .‬لَقَ ْد‬ ‫ول ِّم ْن أ َ ُنف ِس ُك ْم َعزِي ٌز‬ ‫َجآءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬ ‫عَلَي ْ ِه َما َع ِنتُّ ْم } ػ التوبة ‪] 128 :‬‬ ‫أي ‪٤‬تب لكم يشق عليه ويتعبه ما‬

‫يشق عليكم ويتعبكم؛ ولذلك‬ ‫كان الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫مشغوال بأمته ‪ .‬ويروي عنه صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ « :‬أميت ‪.‬‬ ‫أميت ‪ .‬أميت » ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يعلم أن رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم مشغول بأمته ‪ « .‬عن‬

‫عبد اهلل بن عمرو بن العاص أن‬ ‫النبي صىل اهلل عليه وسلم تبل قول‬ ‫اهلل عز وجل يف إبراهيم { َر ِ ّب‬ ‫إِ َّهن ُ َن أ َ ْضلَل ْن َثِ‬ ‫كَتا ً ِّم َن الناس فَ َمن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫تَبِعَ ٍِت فَإِن ّ َُه ِم ِ ٍّت ‪ } . .‬اْلية ‪ .‬وقال‬ ‫عيَس عليه السبلم ‪ { :‬إِن ُتعَ ِ ّذب ْ ُه ْم‬ ‫ك َوإِن تَغ ْ ِف ْر َ‪٢‬ت ُ ْم فَإِن ّ ََك‬ ‫فَإ َِّهن ُ ْم ِعب َ ُاد َ‬

‫نت العزيز ا‪ٟ‬تكيم } فرفع يديه‬ ‫أَ َ‬ ‫وقال ‪ :‬اللهم أميت أميت وبىك ‪.‬‬ ‫فقال اهلل عز وجل ‪ » :‬يا جْبيل‬ ‫اذهب إىل ‪٤‬تمد وربك أعلم فسله‬ ‫ما يبكيك ‪ .‬فأتاه جْبيل عليه‬ ‫الصبلة والسبلم فسأله فأخْبه‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ٔتا‬

‫قال وهو أعلم فقال اهلل ‪ :‬يا جْبيل‬ ‫اذهب إىل ‪٤‬تمد فقل ‪ :‬إنا‬ ‫سنرضيك يف أمتك وال نسوؤك «‬ ‫»‪.‬‬ ‫إننا عندما نتأمل دقة ا‪ٞ‬تواب‬ ‫النبوي نعرف أن الرسول الكريم‬

‫مشغول بأمته ‪ ،‬ولكنه ينظر إىل‬ ‫نفسه عىل أنه أخ لكل مؤمن ‪ .‬واألخ‬ ‫قد يتغَت عىل أخيه؛ لذلك لم يشأ‬ ‫الرسول الكريم أن ُٮترج أمر‬ ‫ا‪١‬تسلمُت من يد اهلل ور‪ٛ‬تته وهو‬ ‫ا‪٠‬تالق الكريم إىل أمره هو صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪.‬‬

‫إن الرسول يعرف أن اهلل أرحم‬ ‫ٓتلقه من أي إنسان ‪ ،‬حىت الرسول‬ ‫نفسه ‪ .‬نقول ذلك يف معرض‬ ‫حديثنا عن العنت الذي ٯتكن أن‬ ‫يصاحب اإلنسان أن لم يرع حق‬ ‫اهلل يف مال اليتيم؛ ألن اهلل عزيز‬ ‫حكيم ‪ ،‬وهو ا‪ٟ‬تق الذي يغلب وال‬

‫يغلبه أحد ‪ .‬ونرى يف قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫يم } أن صفة‬ ‫إ َِّن اهلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬ ‫العزة متآزرة بصفة ا‪ٟ‬تكمة ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يدخل معنا ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يف مسألة جديدة لو نظرنا‬ ‫إليها لوجدناها أساس أي حركة يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ويف ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬إهنا مسألة‬

‫الزواج ‪ .‬ويريد سبحانه أن يضمن‬ ‫االستقرار والسعادة للكائن الذين‬ ‫كرمه وجعله خليفة يف األرض ‪،‬‬ ‫وجعل كل األجناس مسخرة‬ ‫‪٠‬تدمته ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يريد أن يصدر ذلك الكائن‬ ‫عن ينبوع منهجي واحد؛ ألن‬

‫األهواء ا‪١‬تتضاربة هي اليت تفسد‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فأراد أن يصدر‬ ‫ا‪١‬تجموع اإلنساين كله عن ينبوع‬ ‫عقدي واحد ‪ ،‬وأراد أن ٭تمي ذلك‬ ‫الينبوع من أن يتعثر بتعدد‬ ‫الزنعات واألهواء ‪ ،‬لذلك ينبهنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق إىل هذا ا‪١‬توقف ‪ .‬إنه سبحانه‬

‫يريد سبلمة الوعاء الذي سيوجد‬ ‫ذلك اإلنسان ‪ ،‬من بعد الزواج ‪،‬‬ ‫فبالزواج ينجب اإلنسان وتستمر‬ ‫ا‪ٟ‬تياة بالتكاثر ‪ .‬ولذلك البد من‬ ‫الدقة يف اختيار الينبوع الذي يأيت‬ ‫منه النسل ‪ .‬فهو سبحانه يقول ‪{ :‬‬ ‫َوال َتَن ْ ِك ُحوا ْا‪١‬تشركات حىت يُ ْؤ ِم َّن‬

‫َوأل َ َم ٌة ُّم ْؤ ِمن َ ٌة َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة َول َ ْو‬ ‫أ َ ْع َجبَت ْ ُك ْم ‪} . . .‬‬

‫و َال تَن ْ ِك ُحوا ا ْ‪١‬ت ْش ِرك َ ِ‬ ‫ات َح َّىت يُ ْؤ ِم َّن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َأل َ َم ٌة ُم ْؤ ِمن َ ٌة َخ َْتٌ ِم ْن ُم ْش ِر َك ٍة َول َ ْو‬ ‫أ َ ْع َجبت ْ ُكم و َال ُتن ْ ِك ُحوا ا ْ‪١‬ت ْش ِر ِ‬ ‫ُت‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َح َّىت يُ ْؤ ِم ُنوا َولَعَب ْ ٌد ُم ْؤ ِم ٌن َخ َْتٌ ِم ْن‬

‫ك‬ ‫ُم ْش ِر ٍك َول َ ْو أ َ ْع َجب َ ُك ْم أُولَئِ َ‬ ‫ِ‬ ‫اّلل ي َ ْد ُعو إ َِىل ا‪ٞ‬تَْنَّ ِة‬ ‫ي َ ْد ُع َ‬ ‫ون إ َِىل النَّار َو َّ ُ‬ ‫َوا ْ‪١‬تَغ ْ ِف َر ِة بِإِذْنِ ِه َويُب ُِّت آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬ ‫اس‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ون (‪)221‬‬ ‫لَعَل َّ ُه ْم يَت َ َذ ّك ُر َ‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬وال َتَن ْ ِك ُحوا ْ‬ ‫ا‪١‬تشركات حىت يُ ْؤ ِم َّن } ‪ ،‬وهذه‬

‫أول لبنة يف بناء األسرة وبناء‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬ألهنا لو لم تكن مؤمنة ‪،‬‬ ‫فماذا سوف ٭تدث؟ إهنا ستشرف‬ ‫عىل تربية الطفل الوليد إشرافا ً‬ ‫يتناسب مع إشراكها ‪ ،‬وأنت‬ ‫مهمتك كأب ومرب لن تتأىت إال‬ ‫بعد مدة طويلة تكون فيها ا‪١‬تسائل‬

‫قد ُغرست يف الوليد ‪ ،‬فإياك أن‬ ‫يكون الرجل مؤمنا وا‪١‬ترأة‬ ‫مشركة؛ ألن هذا ٮتل بنظام‬ ‫األسرة فعمل األم مع الوليد يؤثر يف‬ ‫أوليات تكوينه إنه يؤثر يف قيمه ‪،‬‬ ‫وتكوين أخبلقه ‪ .‬وهذا أمر يبدأ‬ ‫من ‪ٟ‬تظة أن يرى ويعي ‪ ،‬والطفل‬

‫يقضي سنواته األوىل يف حضن أمه ‪،‬‬ ‫وبعد ذلك يكْب؛ فيكون يف حضن‬ ‫أبيه ‪ ،‬فإذا كانت األم مشركة‬ ‫واألب مؤمنا فإن اإلٯتان لن يلحقه‬ ‫إال بعد أن يكون الشرك قد أخذ‬ ‫منه و٘تكن وتسلط عليه ‪.‬‬ ‫ونعرف أن الطفولة يف اإلنسان هي‬

‫أطول أعمار الطفولة يف الكائنات‬ ‫كلها ‪ ،‬فهناك طفولة ٘تكث ساعتُت‬ ‫اثنتُت مثل طفولة الذباب ‪،‬‬ ‫وهناك طفولة أخرى تستغرق‬ ‫شهرا ً‪ ،‬وأطول طفولة إ‪٪‬تا تكون يف‬ ‫اإلنسان؛ ألن هذه الطفولة مناسبة‬ ‫للمهمة اليت سيقوم بها اإلنسان ‪،‬‬

‫كل الطفوالت اليت قبلها طفوالت‬ ‫‪٢‬تا مهمة سهلة جدا ‪ ،‬إ‪٪‬تا اإلنسان‬ ‫هو الذي ستأيت منه القيم ‪٢ ،‬تذا‬ ‫كانت طفولته طويلة؛ إهنا تستمر‬ ‫حىت فًتة بلوغ ا‪ٟ‬تلم ‪ .‬وا‪ٟ‬تق هو‬ ‫القائل ‪َ { :‬وإِذَا بَلَغَ األطفال ِمن ُك ُم‬ ‫تنُوا ْ َك َما استأذن‬ ‫ا‪ٟ‬تلم فَلْي َ ْس أ ْ َ ِذ‬

‫ي ِم ِ‬ ‫ُت اهلل‬ ‫الذ ن ن قَبْل ِه ْم كذلك يُب َ ِّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يم } ػ‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫ل َ ُك ْم آيَاته واهلل عَل ٌ‬ ‫النور ‪] 59 :‬‬ ‫فكأن الطفل يظل طفبل ًإىل أن يبلغ‬ ‫ا‪ٟ‬تلم ‪ ،‬فكم سنة إذن ستمر عىل‬ ‫الطفل؟ ‪ .‬وكم سنة سوف يتغذى‬ ‫هذا الطفل من ينابيع الشرك إن‬

‫إنه فًتة طويلة‬ ‫كانت أمه مشركة؟ ا‬ ‫ال ٯتكن له من بعد ذلك أن يكون‬ ‫مؤمنا َت مضطرب ا‪١‬تلكات ‪ .‬وإن‬ ‫صلح مثل هذا اإلنسان أن يكون‬ ‫مؤمنا فسيقوم إٯتانه عىل القهر‬ ‫والقسر والوالية لؤلب وسيكون‬ ‫مثل هذا اإلٯتان عملية شكلية‬

‫وليست مرتكزة وال معتمدة عىل‬ ‫أساس صادق ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نعرف أن الثمرات اليت ننعم‬ ‫‪٨‬تن بأكلها ال يكون نضجها إال حُت‬ ‫تنضج البذرة اليت تتك ّون منها‬ ‫شجرة جديدة ‪ ،‬وقبل ذلك تكون‬ ‫‪٣‬ترد فاكهة فِجة وليس ‪٢‬تا طعم ‪.‬‬

‫وقد أراد ا‪ٟ‬تق أن ينبهنا إىل هذا‬ ‫األمر ليحرص اإلنسان عىل أن‬ ‫يستبىق الثمرة إىل أن تنضج ويصَت‬ ‫‪٢‬تا بذور ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬ترأة ال تكون ‪ٙ‬ترة طيبة إال إذا‬ ‫أ‪٧‬تبت مثلها ولدا ًصا‪ٟ‬تا نافعا ‪،‬‬ ‫يريد ا‪ٟ‬تق للنشء أن يكون َت‬

‫مضطرب اإلٯتان؛ لذلك يقول ‪:‬‬ ‫{ َوال َتَن ْ ِك ُحوا ْا‪١‬تشركات حىت‬ ‫يُ ْؤ ِم َّن } أي إياكم أن تنخدعوا‬ ‫با‪١‬تعايَت ا‪٢‬تابطة النازلة ‪ ،‬وعىل كل‬ ‫منكم أن يأخذ حكم اهلل ‪{ :‬‬ ‫َوأل َ َم ٌة ُّم ْؤ ِمن َ ٌة َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِركَ ٍة َول َ ْو‬ ‫أ َ ْع َجبَت ْ ُك ْم } ألن إعجاب اإلنسان‬

‫با‪١‬ترأة بصرف النظر عن اإلٯتان‬ ‫سيكون إعجابا قصَت العمر ‪.‬‬ ‫إن عمر االستمتاع با‪ٞ‬تمال ا‪ٟ‬تسي‬ ‫للمرأة إن ‪ٚ‬تعنا ‪ٟ‬تظاته فلن يزيد‬ ‫‪٣‬تموعه عن شهر من ‪٣‬تموع‬ ‫سنوات الزواج ‪ .‬فكل أسبوع يتم‬

‫لقاء قد يستغرق دقائق وبعدها‬ ‫يذبل ا‪ٞ‬تمال ‪ ،‬وتبىق القيم هي‬ ‫ا‪١‬تتحكمة ‪ ،‬و‪٨‬تن ‪٧‬تد ا‪١‬ترأة حُت‬ ‫تتزوج ‪ ،‬ثم يبطئ ا‪ٟ‬تمل فإهنا تعاين‬ ‫من القلق وكذلك أهلها ‪.‬‬ ‫إن الرجل إن كان قد تزوجها‬ ‫للوسامة والقسامة والقوام‬

‫والعينُت ‪ ،‬فهذا كله سيْبد ويهدأ‬ ‫بعد فًتة ‪ ،‬ثم توجد مقاييس‬ ‫أخرى الستبقاء ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وعندما‬ ‫يلتفت إليها اإلنسان وال ‪٬‬تدها فهو‬ ‫يغرق يف الندم؛ ألهنا لم تكن يف باله‬ ‫وقت أن اختار ‪.‬‬ ‫لذلك تريد ا‪١‬ترأة أن ُ٘تكن لنفسها‬

‫بأن يكون عندها ولد لًتبط‬ ‫الرجل بها ‪ ،‬وحىت يقول ا‪١‬تجتمع ‪:‬‬ ‫« عليك أن تتحملها من أجل‬ ‫األوالد »! فالرجل بعد الزواج‬ ‫يريد قيما ًأخرى َت القيم ا‪ٟ‬تسية‬ ‫اليت كانت ناشئة أوال ً‪ ،‬لذلك‬ ‫٭تذرنا اهلل قائبل ً‪َ { :‬وال َتَن ْ ِك ُحوا ْ‬

‫ا‪١‬تشركات حىت يُ ْؤ ِم َّن } ‪ .‬وجاء‬ ‫قوله { حىت يُ ْؤ ِم َّن } ألن اإلسبلم‬ ‫ب ما قبله ما دامت قد آمنت فقد‬ ‫َ‪٬‬ت ُ ُّ‬ ‫انتهت ا‪١‬تسألة ‪.‬‬ ‫وانظروا إىل دقة قوله سبحانه ‪{ :‬‬ ‫َوال َتَن ْ ِك ُحوا ْا‪١‬تشركات حىت يُ ْؤ ِم َّن‬ ‫َوأل َ َم ٌة ُّم ْؤ ِمن َ ٌة َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة } أي‬

‫إن األمة ا‪١‬تسلمة خَت من حرة‬ ‫ّ‬ ‫مشركة ‪َ { ،‬ول َ ْو أ َ ْع َجبَت ْ ُك ْم } لقد‬ ‫جاء قول ا‪ٟ‬تق هنا ٔتقاييس‬ ‫اإلعجاب ا‪ٟ‬تسي ‪ .‬ليلفتنا إىل أننا ال‬ ‫يصح أن هنمل مقاييس خالدة‬ ‫ونأخذ مقاييس بائدة وزائلة ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق ‪ « :‬وال تنكحوا‬

‫ا‪١‬تشركُت حىت يؤمنوا » وهذا هو‬ ‫النظَت يف ا‪٠‬تطاب وهو ليس متقاببل‬ ‫فهو لم ٮتاطب ا‪١‬تؤمنات أال ينكحن‬ ‫ا‪١‬تشركُت ‪ ،‬إ‪٪‬تا قال { َوال َ ُتن ْ ِك ُحوا ْ‬ ‫ا‪١‬تشركُت حىت يُ ْؤ ِم ُنوا ْ} وتلك دقة‬ ‫يف األداء هنا؛ ألن الرجل له الوالية‬ ‫يف أن يُنْكح ‪ ،‬فيأمره بقوله ‪ :‬ال ُتنكح‬

‫‪ ،‬لكن ا‪١‬ترأة ليس ‪٢‬تا والية أن‬ ‫ُتنكح نفسها ‪ .‬فنحن نعرف‬ ‫القاعدة الشرعية اليت تقول ‪ « :‬ال‬ ‫نكاح إال بويل » ‪ ،‬وهو لم يوجه‬ ‫حديثه للنساء؛ ألن ا‪١‬ترأة تتحكم‬ ‫فيها عاطفتها لكن وليها ينظر لؤلمر‬ ‫من ‪٣‬تموعة زوايا أخرى ٖتكم‬

‫ا‪١‬توقف ‪.‬‬ ‫صحيح أننا نستأذن الفتاة البكر كي‬ ‫نضمن أن عاطفتها ليست‬ ‫مصدودة عن هذا الزواج ‪ ،‬لكن‬ ‫األب أو ويل األمر الرجل يقيس‬ ‫ا‪١‬تسائل ٔتقاييس أخرى ‪ ،‬فلو‬ ‫تركنا للفتاة مقياسها لتهدم الزواج‬

‫ٔتجرد هدوء العاطفة ‪ ،‬وساعة تأيت‬ ‫ا‪١‬تقاييس العقلية األخرى فلن ٕتد‬ ‫ذلك الزواج مناسبا ً‪٢‬تا فتفشل‬ ‫ا‪ٟ‬تياة الزوجية ‪ .‬لذلك يطالبنا‬ ‫اإلسبلم أن نستشَت ا‪١‬ترأة ‪ ،‬كي ال‬ ‫نأتيها بواحد تكرهه ‪ ،‬ولكن الذي‬ ‫يزوجها إىل ذلك الرجل هو وليها؛‬

‫ألن له ا‪١‬تقاييس العقلية‬ ‫واالجتماعية وا‪٠‬تلقية اليت قد ال‬ ‫تنظر إليها الفتاة؛ فقد يبهرها يف‬ ‫الشاب قوامه وحسن شكله‬ ‫وجاذبية حديثه ‪ ،‬لكن عندما‬ ‫تدخل ا‪١‬تسألة يف حركة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫ودوامتها قد ٕتده إنسانا ً َت جدير‬

‫بها ‪.‬‬ ‫ولكي تكون ا‪١‬تسألة مز‪٬‬تا ًمن‬ ‫عاطفة بنت ‪ ،‬وعقل أب ‪ ،‬وخْبة أم‬ ‫‪ ،‬كان البد من استشارة الفتاة ‪ ،‬وأن‬ ‫يستنَت األب برأي األم ‪ ،‬ثم يقول‬ ‫األب رأيه أخَتا ً‪ ،‬وكل زواج يأيت‬ ‫بهذا األسلوب فهو زواج ٭تالفه‬

‫التوفيق ‪ ،‬ألن ا‪١‬تعايَت كلها مشًتكة‬ ‫‪ ،‬ال يوجد معيار قد اختل؛ فاألب‬ ‫بٌت حكما عىل أساس موافقة االبنة‬ ‫‪ ،‬أما إذا رفضت الفتاة وكانت‬ ‫معايَت األب صحيحة ‪ ،‬لكن االبنة‬ ‫ليس ‪٢‬تا تقبل ‪٢‬تذا الرجل؛ لذلك‬ ‫فبل يصح أن يتم هذا الزواج ‪.‬‬

‫وكثَت من الز‪٬‬تات قد فشلت ألننا‬ ‫لم ‪٧‬تد من يطبق منهج اهلل يف‬ ‫الدخول إىل الزواج ‪ .‬وحُت ال‬ ‫يطبقون منهج اهلل يف الدخول إىل‬ ‫الزواج ثم يُ َقابَلون بالفشل فهم‬ ‫يصرخون منادين قواعد اإلسبلم‬ ‫لتنقذهم ‪.‬‬

‫ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬وهل دخلتم الزواج‬ ‫عىل دين اهلل؟ إنكم مادمتم قد‬ ‫دخلتم الزواج بآرائكم ا‪١‬تعزولة‬ ‫عن منهج اهلل فلتحلوا ا‪١‬تسألة‬ ‫بآرائكم ‪ .‬فالدين ليس مسئوال ًإال‬ ‫عمن يدخل ٔتقاييسه ‪ ،‬لكن أن‬ ‫تدخل عىل الزواج بغَت مقاييس‬

‫اهلل ثم تريد من اهلل أو من‬ ‫القائمُت عىل أمر اهلل أن ٭تلوا لك‬ ‫ا‪١‬تشاكل فذلك ظلم منك لنفسك‬ ‫وللقائمُت عىل أمر اهلل ‪ .‬وإن لم‬ ‫ٖتدث مثل هذه ا‪١‬تشكبلت لكنا قد‬ ‫اهتمنا منهج اهلل ‪ .‬ولقلنا ‪ :‬قد ترك ان‬ ‫منهج اهلل وسعدنا يف حياتنا ‪ .‬ولذلك‬

‫كان البد أن تقع ا‪١‬تشكبلت ‪.‬‬ ‫إذن فقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوال َتَن ْ ِك ُحوا ْا‪١‬تشركات حىت يُ ْؤ ِم َّن }‬ ‫هذه قضية ‪٢‬تا سبب ‪ ،‬لكن العْبة‬ ‫فيها بعموم موضوعها ال ٓتصوص‬ ‫سببها ‪ ،‬لقد كان السبب فيها هو ما‬ ‫اسم‬ ‫روى أنه كان هناك صحايب ه‬

‫مرثد بن أيب مرثد الغنوي بعثه‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم إىل‬ ‫مكة ليخرج منها ناسا من‬ ‫ا‪١‬تسلمُت ‪ .‬وكان يهوى امرأة يف‬ ‫ا‪ٞ‬تاهلية ا‪ٝ‬تها « عناق » وكانت‬ ‫ٖتبه ‪ ،‬وساعة رأته أرادت أن ٗتلو‬ ‫به فقال ‪٢‬تا ‪ :‬و٭تك إن اإلسبلم قد‬

‫حال بيننا ‪ ،‬فقالت له ‪ :‬تزوجٍت ‪،‬‬ ‫فقال ‪٢‬تا ‪ :‬أتزوجك لكن بعد أن‬ ‫أستأمر وأستأذن النبي صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬فلما استأمره نزل‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وال َتَن ْ ِك ُحوا ْ‬ ‫ا‪١‬تشركات حىت يُ ْؤ ِم َّن َوأل َ َم ٌة ُّم ْؤ ِمن َ ٌة‬ ‫َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة َول َ ْو أ َ ْع َجبَت ْ ُك ْم } ‪.‬‬

‫وقيل إن قوله تعاىل ‪َ { :‬وأل َ َم ٌة‬ ‫ُّم ْؤ ِمن َ ٌة َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِركَ ٍة َول َ ْو‬ ‫أ َ ْع َجبَت ْ ُك ْم } نزلت يف خنساء‬ ‫وليدة سوداء كانت ‪ٟ‬تذيفة بن‬ ‫اليمان ‪ ،‬فقال ‪٢‬تا حذيفة ‪ :‬يا‬ ‫خنساء قد ذكرت يف ا‪١‬تؤل األعىل مع‬ ‫سوادك ودمامتك وأنزل اهلل‬

‫ذكرك يف كتابه ‪ ،‬فأعتقها حذيفة‬ ‫وتزوجها ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق فيقول ‪َ { :‬وال َ ُتن ْ ِك ُحوا ْ‬ ‫ا‪١‬تشركُت حىت يُ ْؤ ِم ُنوا ْ َولَعَب ْ ٌد ُّم ْؤ ِم ٌن‬ ‫م} ‪.‬‬ ‫َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِر ٍك َول َ ْو أ َ ْع َجب َ ُك ْ ُْ‬ ‫إن ا‪١‬تقاييس واحدة يف اختيار‬ ‫شريك ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬إهنا الرغبة يف بناء‬

‫ا‪ٟ‬تياة األسرية عىل أساس من ا‪٠‬تَت ‪،‬‬ ‫و اية كل شيء هي اليت ٖتدد قيمته‬ ‫‪ ،‬وليست الوسيلة هي اليت ٖتدد‬ ‫قيمة الشيء ‪ ،‬فقد تسَت يف سبيل‬ ‫وطريق خطر و ايته فيها خَت ‪،‬‬ ‫وقد تسَت يف سبيل مفروش بالورود‬ ‫والرياحُت و ايته شر ‪ ،‬ولذلك‬

‫ون إ َِىل‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أولئك ي َ ْد ُع َ‬ ‫النار واهلل يدعوا إ َِىل ا‪ٞ‬تنة وا‪١‬تغفرة‬ ‫بِإِذْنِ ِه َويُب ُِّت آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬ ‫اس لَعَل َّ ُه ْم‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫يَت َ َذ ّك ُر َ‬

‫والذين يدعون إىل النار هم أهل‬ ‫الشرك ‪ .‬أما اهلل فهو يدعو إىل ا‪ٞ‬تنة‬

‫‪ ،‬وا‪١‬تغفرة تأيت بإذن اهلل أي بتيسَت‬ ‫اهلل وتوفيقه ‪ .‬ونعرف ‪ٚ‬تيعا ً‬ ‫ا‪ٟ‬تكمة اليت قا‪٢‬تا اإلمام « علي »‬ ‫كرم اهلل وجهه ‪ :‬ال خَت يف خَت بعده‬ ‫النار ‪ ،‬وال شر يف شر بعده ا‪ٞ‬تنة ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ون }‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق؛ { لَعَل َّ ُه ْم يَت َ َذ ّك ُر َ‬ ‫ترد كثَتا ً‪ ،‬هذا التذكر ماذا يفعل؟‬

‫إن التذكر يُشعرك بأن القضية‬ ‫كانت معلومة والغفلة هي اليت‬ ‫طرأت ‪ ،‬لكن الغفلة إذا تنبهت‬ ‫إليها ‪ ،‬فهي تذكرك ما كنت قد‬ ‫نسيته من قبل ‪ ،‬لكن إن طالت‬ ‫الغفلة ‪ ،‬نَُس األصل فهذه هي‬ ‫الطامة ‪ ،‬اليت تنطمس بها ا‪١‬تسألة ‪.‬‬

‫إذن فالتذكر يشمل مراحل ‪:‬‬ ‫ا‪١‬ترحلة األوىل ‪ :‬أن تعرف إن لم‬ ‫تكن تعرف ‪ ،‬أو تعلم إن كنت‬ ‫ٕتهل ‪ ،‬وا‪١‬ترحلة الثانية ‪ :‬هي أن‬ ‫تتذكر إن كنت ناسيا ً‪ ،‬أو توائم‬ ‫بُت ما تعلم وبُت ما تعمل؛‬ ‫فالتذكر يوحي لك بأن توائم ما‬

‫بُت معرفتك وسلوكك حىت ال تقع‬ ‫يف ا‪ٞ‬تهل ‪ ،‬وا‪ٞ‬تهل معناه أن تعلم ما‬ ‫يناقض ا‪ٟ‬تقيقة ‪ .‬لقد أراد اهلل أن‬ ‫يصون اإلنسان الذي اختار‬ ‫اإلٯتان عندما حرم عليه الزواج‬ ‫بواحدة من أهل الشرك ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬

‫يضمن ‪١‬تن جعله خليفة يف األرض‬ ‫عقيدة واحدة يصدر عنها السلوك‬ ‫اإلنساين؛ ألن العقائد إن توزعت‬ ‫حسب األهواء فسيتوزع السلوك‬ ‫حسب األهواء ‪ .‬وحُت يتوزع‬ ‫السلوك تتعاند حركة ا‪ٟ‬تياة وال‬ ‫تتساند ‪.‬‬

‫فَتيد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬ ‫يضمن وحدة العقيدة بدون مؤثر‬ ‫يؤثر فيها؛ فشرط يف بناء اللبنة‬ ‫األوىل لؤلسرة أال ّينكح مؤمن‬ ‫مشركة؛ ألن ا‪١‬تشركة يف مثل هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تالة ستتوىل حضانة الطفل ‪١‬تدة‬ ‫طويلة هي كما قلنا أطول أعمار‬

‫الطفولة يف الكائن ا‪ٟ‬تي ‪ .‬ولو كان‬ ‫األب مؤمنا ًواألم مشركة فاألب‬ ‫سيكون مشغوال ًْتركة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫فتتأصل عن طريق األم معظم‬ ‫القيم اليت تتناقض مع اإلٯتان ‪.‬‬ ‫وأراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أيضا أال‬ ‫تتزوج ا‪١‬تؤمنة مشركا ً؛ ألهنا ْتكم‬

‫زواجها من مشرك ستنتقل إليه‬ ‫وإىل بيئته ا‪١‬تشركة وإىل أسرته ‪.‬‬ ‫وسينشأ طفلها الوليد يف بيئة‬ ‫شركية فتتأصل فيه األشياء‬ ‫القيمية اليت تناقض اإلٯتان ‪.‬‬ ‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بهذه‬ ‫الصيانة ‪ ،‬أي بعدم زواج ا‪١‬تؤمن‬

‫من مشركة ‪ ،‬وبعدم زواج ا‪١‬تؤمنة‬ ‫من مشرك ‪ ،‬أن ٭تمي ا‪ٟ‬تاضن‬ ‫األول للطفولة ‪ .‬وحُت يحمي‬ ‫ا‪ٟ‬تاضن األول للطفولة يكون‬ ‫الينبوع األول الذي يصدر عنه‬ ‫تربية عقيدة الطفل ينبوعا واحدا ً‬ ‫‪ ،‬فبل يتذبذب بُت عقائد متعددة ‪.‬‬

‫لذلك جاء قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ َوال َتَن ْ ِك ُحوا ْا‪١‬تشركات حىت‬ ‫يُ ْؤ ِم َّن َوأل َ َم ٌة ُّم ْؤ ِمن َ ٌة َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِر َك ٍة‬ ‫َول َ ْو أ َ ْع َجبَت ْ ُك ْم َوال َ ُتن ْ ِك ُحوا ْ‬ ‫ا‪١‬تشركُت حىت يُ ْؤ ِم ُنوا ْ َولَعَب ْ ٌد ُّم ْؤ ِم ٌن‬ ‫َخ َْتٌ ِّمن ُّم ْش ِر ٍك َول َ ْو أ َ ْع َجب َ ُك ْم‬ ‫ون إ َِىل النار واهلل يدعوا‬ ‫أولئك ي َ ْد ُع َ‬

‫ِِ‬ ‫‪١‬تغف‬ ‫ُت آيَاتِ ِه‬ ‫إ َِىل ا‪ٞ‬تنة وا رة بِإِذْنه َويُب َ ِّ ُ‬ ‫لِ‬ ‫اس لَعَل َّ ُهم يَت َ َذ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ون } ػ البقرة‬ ‫ر‬ ‫لن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫‪] 221 :‬‬ ‫كل ذلك حىت يصون ا‪ٟ‬تق البيئة‬ ‫اليت ينشأ فيها الوليد ا‪ٞ‬تديد ‪.‬‬

‫وعلينا أن نفهم أن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل رخص للمؤمنُت يف أن‬ ‫ينكحوا أهل الكتاب بقوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫لي ُ ِ َ‬ ‫ام‬ ‫{ ا وم أح ّل ل َ ُك ُم الطيبات َو َطعَ ُ‬ ‫الذين أُو ُتوا ْالكتاب ِح ٌّل ل َّ ُك ْم‬ ‫َو َطعَ ُام ُك ْم ِح ٌّل َّ‪٢‬ت ُ ْم وا‪١‬تحصنات‬ ‫ِم َن ا‪١‬تؤمنات وا‪١‬تحصنات ِم َن‬

‫الذين أُو ُتوا ْالكتاب ِمن قَبْلِ ُك ْم إِذَآ‬ ‫ِِ‬ ‫ُ‬ ‫ور ُه َّن ُ‪٤‬تْصن َ‬ ‫آتَي ْ ُت ُمو ُه َّن أ ُج َ‬ ‫ُت َ َْت َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت َوال َمتخذي أ َ ْخ َدانٍ َو َمن‬ ‫ُم َسافح َ‬ ‫ي َ ْك ُف ْر باإلٯتان فَقَ ْد َحبِ َط َع َمل ُ ُه َو ُه َو‬ ‫ِيف اْلخرة ِم َن ا‪٠‬تاسرين } ػ ا‪١‬تائدة‬ ‫‪]5:‬‬ ‫وقد وقف العلماء من مسألة‬

‫ترخيص ا‪ٟ‬تق للمؤمنُت يف أن‬ ‫يتزوجوا من أهل الكتاب موقفُت ‪:‬‬ ‫ا‪١‬توقف األول ‪ :‬هو موقف مانع؛ ألن‬ ‫بعض العلماء رأى أن أهل الكتاب‬ ‫قد ينحرفون يف معتقداهتم إىل ما‬ ‫‪٬‬تعلهم يف الشرك ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬وهل‬ ‫هناك شرك أكثر من أن ُتدىع‬

‫الربوبية لبشر؟ وا‪١‬توقف الثاين ‪:‬‬ ‫أجاز بعض العلماء أن يتزوج‬ ‫اإلنسان من كتابية و‪٬‬تب عليه أن‬ ‫يسأ‪٢‬تا أهي تدين بألوهية أحد من‬ ‫البشر أم تدين باهلل الواحد‬ ‫القهار؟ فإن كانت ا‪١‬تسألة ‪٣‬ترد‬ ‫ا‪٠‬تبلف يف الرسول فاألمر يهون ‪،‬‬

‫أما إن كانت تؤمن بألوهية أحد من‬ ‫البشر ّتانب اهلل فقد دخلت يف‬ ‫الشرك وعىل ا‪١‬تؤمن أن ٭تتاط ‪.‬‬ ‫وإذا كان للرجل الوالية وله أن‬ ‫يتزوج بكتابية فهو البا ًما ينقلها‬ ‫إىل بيئته هو وستكون البيئة ا‪١‬تؤثرة‬ ‫واحدة ‪ ،‬ووجود الوالية لؤلب مع‬

‫الوجود يف البيئة اإلٯتانية سيؤثر‬ ‫وٮتفف من تأثَت األم الكتابية عىل‬ ‫أوالدها ‪ ،‬وإن كان عىل اإلنسان أن‬ ‫يتيقظ إىل أن هناك مسالك تتطلف‬ ‫وتتسلل ناحية الشرك ‪ ،‬فمن‬ ‫ا‪٠‬تَت أن يبتعد ا‪١‬تسلم عن ذلك ‪،‬‬ ‫ويعف فتاة‬ ‫وأن يتزوج ويعصم ّ‬

‫مسلمة ‪.‬‬ ‫وحُت ٭تمي ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ا‪ٟ‬تضانة األوىل للطفل فهو يريد أن‬ ‫يريب يف الطفل عدم التوزع ‪ ،‬وعدم‬ ‫التمزق ‪ ،‬وعدم التنافر بُت ملكاته‬ ‫‪ .‬وحُت نضمن للطفل التواجد‬ ‫والنشأة يف بيئة متآلفة فهو ينشأ‬

‫طفبل ًسويا ً‪ .‬واإلسبلم يريد أن‬ ‫٭تافظ عىل سويَّة هذا الطفل ‪.‬‬ ‫ويقول بعض الناس ‪ :‬و‪١‬تاذا ال نوجد‬ ‫‪٤‬تاضن ‪ٚ‬تاعية؟ وكأهنم بذلك‬ ‫يريدون أن ٭تلوا اإلشكال ‪.‬‬ ‫نقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن اإلشكال لم ٭تل عند‬ ‫الذين فعلوا ذلك من قبلنا ‪ ،‬ولذلك‬

‫فعندما نقرأ مؤلفاهتم مثل كتاب «‬ ‫أطفال ببل أسر » فسنجد أن‬ ‫الطفولة عندهم معذبة ‪ .‬و‪١‬تاذا‬ ‫نذهب بعيداً؟ إننا عندما نتتبع‬ ‫كيفية النشأة ا‪ٞ‬تماعية لؤلطفال يف‬ ‫إسرائيل فالبحوث العلمية تؤكد‬ ‫عىل أن األطفال يعيشون يف بؤس‬

‫رهيب لدرجة أن التبول البلإرادي‬ ‫ينتشر بينهم حىت سن الشباب ‪.‬‬ ‫وكيف يغيب عن بالنا أن الطفل‬ ‫يظل حىت تصل سنه إىل عامُت أو‬ ‫أكثر وهو يطلب أال يشاركه يف أمه‬ ‫أحد ‪ ،‬حىت وإن كان أخا ًله فهو يغار‬ ‫منه فما بالك بأطفال متعددين‬

‫تقوم امرأة ليست أمهم‬ ‫برعايتهم؟ وال يغٍت عن حنان األم‬ ‫حنان مائة مربية؛ فليس‬ ‫للمربيات ‪ٚ‬تيعا ًقلب األم اليت‬ ‫فا‪ٟ‬تنان الذي‬ ‫ولدت الطفل ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تعطيه األم ليس حنانا ًشكليا ًوال‬ ‫وظيفيا ً‪ ،‬ولكنه طبيعة حياة خلقها‬

‫اهلل لتعطي العطاء الصحيح ‪ ،‬لذلك‬ ‫البد من إعطاء الطفل فًتة يشعر‬ ‫فيها بأن أمه اليت ولدته له وحده ‪،‬‬ ‫وال يشاركه فيها أحد حىت لو كان‬ ‫أخا له ‪ ،‬و٘تر عليه فًتة بعد أن‬ ‫ٮترج من مهد الطفولة األوىل إىل‬ ‫الشارع ليجد حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬و‪٬‬تد‬

‫القائمُت عىل حركة ا‪ٟ‬تياة هم‬ ‫الرجال وآباء أمثاله من األطفال‬ ‫فيجب بعد ذلك أن ينسب إىل أب‬ ‫له كيان معروف يف ا‪١‬تجتمع‬ ‫ا‪٠‬تارجي ‪.‬‬

‫فمن مقومات تكوين الطفل أن‬ ‫يشعر أن له ّأما ًال يشاركه فيها أحد‬ ‫‪ ،‬وأن له أبا ًال يشاركه فيه أحد ‪.‬‬ ‫وإن شاركه فيهما أحد فهم إخوته‬ ‫ويضمهم ويشملهم ‪ٚ‬تيعا حنان‬ ‫األم ورعاية األب ‪ .‬لقد اعًتف‬ ‫أهل العلم بًتبية األطفال أن‬

‫احتياج الطفل ألمه هو احتياج‬ ‫هام وأساسي للًتبية ‪١‬تدة عامُت‬ ‫وبضعة من الشهور ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل حُت أنزل عىل رسوله قبل‬ ‫أربعة عشر قرنا ًمن اْلن؛ القول‬ ‫ا‪ٟ‬تكيم الصادق بُت هذه ا‪ٟ‬تقيقة‬ ‫واضحة يف أجىل صورها ‪{ :‬‬

‫َو َو َّصيْنَا اإلنسان بِ َوال ِ َدي ْ ِه إ ِْح َسانا ً‬ ‫‪ٛ‬تلَت ْ ُه أُ ُّم ُه ُك ْرها ً َو َو َضعَت ْ ُه ُك ْرها ً‬ ‫ََ‬ ‫وَْ ِ‬ ‫ُون َشهْرا ًحىت‬ ‫‪ٛ‬تل ُ ُه َوف َصال ُ ُه ثَبلَث َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ال‬ ‫ُت َسنَةًقَ َ‬ ‫إِذَا بَلَغَ أ ُش ّد َُه َوبَلَغَ أ ْربَع َ‬ ‫ك اليت‬ ‫َر ِ ّب أوزعٍت أ َ ْن أَش ُك َر نِعْ َمت َ َ‬ ‫أَنْعَ ْم َت عَل ََّي وعىل َوال ِ َد َّي َوأ َ ْن‬ ‫أ َ ْع َم َل َص ِا‪ٟ‬تا ًتَ ْر َض ُاه َوأ َ ْصلِ ْح ِيل ِيف‬

‫ك َوإ ِِّين ِم َن‬ ‫ذرييت إ ِِّين ُتب ْ ُت إِلَي ْ َ‬ ‫ا‪١‬تسلمُت } ػ األحقاف ‪] 15 :‬‬ ‫إن األم هي ا‪ٟ‬تاضنة الطبيعية‬ ‫للطفل كما أرادها ا‪ٟ‬تق ‪ .‬إذن ‪،‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق يريد أن ٭تمي اللبنة األوىل‬ ‫يف تكوين ا‪١‬تجتمع وهي األسرة يف‬ ‫البناء العَ َقدي من أن تتأثر‬

‫بالشرك ‪ ،‬ويريد أن ٭تفظ لؤلسرة‬ ‫كيانا ًسليما ً‪.‬‬ ‫ويعاًف ا‪ٟ‬تق بعد ذلك قضية‬ ‫التواصل مع ا‪١‬ترأة أثناء فًتة‬ ‫ا‪ٟ‬تيض فيأيت التشريع ليقنن هذه‬ ‫المسألة ألن اإلسبلم جاء ويف ا‪ٞ‬تو‬ ‫االجتماعي تياران ‪:‬‬

‫تيار يرى أن ا‪ٟ‬تائض هي امرأة‬ ‫تعاين من قذارة ‪ ،‬لذلك ال ٯتكن‬ ‫للزوج أن يأكل معها أو يسكن‬ ‫معها أو يعاشرها أو يعيش معها يف‬ ‫بيت واحد وكذلك أبناؤه ‪ .‬وتيار‬ ‫آخر يرى ا‪١‬ترأة يف فًتة ا‪ٟ‬تيض‬ ‫امرأة عادية ال فرق بينها وبُت كوهنا‬

‫َت حائض أي تباشر حياهتا‬ ‫الزوجية مع زوجها دون ٖتوط أو‬ ‫ٖتفظ ‪ .‬كان ا‪ٟ‬تال إذن متأرجحا بُت‬ ‫اإلفراط والتفريط ‪ ،‬فجاء اإلسبلم‬ ‫ليضع حدا ً‪٢‬تذه ا‪١‬تسألة فيقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ك َع ِن‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬

‫ا‪١‬تحيض ُق ْل ُه َو أَذًى فاعتزلوا‬ ‫النسآء ِيف ا‪١‬تحيض ‪} . . .‬‬

‫ك َع ِن ا ْ‪١‬ت َ ِحي ِض ُق ْل ُه َو‬ ‫َوي َ ْسأَلُون َ َ‬ ‫أَذًى فَا ْعت َ ِزلُوا ال ِن ّ َساءَ ِيف ا ْ‪١‬ت َ ِحي ِض َو َال‬ ‫تَ ْق َر ُبو ُه َّن َح َّىت ي َ ْط ُه ْر َن فَإِذَا تَ َط ّه َْر َن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫اّلل إ َِّن‬ ‫ث أ َ َم َر ُك ُم ّ َُ‬ ‫فَأ ُتو ُه َّن م ْن َحي ْ ُ‬

‫ب ا ْ‪١‬تُت َ َط ِّهرِي َن‬ ‫َّ‬ ‫اّللَ ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫ُت َو ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫ب التّ ََّوابِ َ‬ ‫(‪)222‬‬ ‫حُت تقرأ { ُه َو أَذًى } فقد أخذت‬ ‫ا‪ٟ‬تكم ‪٦‬تن يُؤم ُن عىل األحكام ‪ ،‬وال‬ ‫تناقش ا‪١‬تسألة ‪ ،‬مهما قال الطب‬ ‫من تفسَتات وتعليبلت وأسباب‬

‫نقل له ‪ :‬ال ‪ ،‬الذي خلق قال ‪ُ { :‬ه َو‬ ‫أَذًى } ‪ .‬وا‪١‬تحيض يطلق عىل الدم ‪،‬‬ ‫ويراد به أيضا ًمكان ا‪ٟ‬تيض ‪ ،‬ويراد‬ ‫به زمان ا‪ٟ‬تيض ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل عن ا‪١‬تحيض إنه أذى‬ ‫يهيئ الذهن ألن يتلىق حكما يف‬ ‫هذا األذى ‪ ،‬وبذلك يستعد الذهن‬

‫للخطر الذي سيأيت به ا‪ٟ‬تكم ‪ .‬وقد‬ ‫جاء ا‪ٟ‬تكم با‪ٟ‬تظر وا‪١‬تنع بعد أن‬ ‫سبقت حيثيته ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل وهو ا‪٠‬تالق‬ ‫أراد أن تكون عملية ا‪ٟ‬تيض يف‬ ‫ا‪١‬ترأة عملية كيماوية ضرورية‬ ‫‪ٟ‬تياهتا وحياة اإل‪٧‬تاب ‪ .‬وأمر‬

‫الرجال أن يعتزلوا النساء وهن‬ ‫حوائض؛ ألن ا‪١‬تحيض أذى ‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫لكن هل دم ا‪ٟ‬تيض أذى للرجال أو‬ ‫للنساء؟ إنه أذى للرجال والنساء‬ ‫معا؛ ألن اْلية أطلقت األذى ‪ ،‬ولم‬ ‫ٖتدد من ا‪١‬تقصود به ‪ .‬والذي يدل‬ ‫عىل ذلك أن ا‪ٟ‬تيض يعطي قذارة‬

‫للرجل يف مكان حساس هو موضوع‬ ‫اإلنزال عنده ‪ ،‬فإذا وصلت إليه‬ ‫ا‪١‬تيكروبات تصيبه بأمراض‬ ‫خطَتة ‪.‬‬ ‫والذي ٭تدث أن ا‪ٟ‬تق قد خلق رحم‬ ‫ا‪١‬ترأة ويف مبيضيها عدد ‪٤‬تدد‬ ‫معروف له وحده سبحانه وتعاىل من‬

‫البويضات ‪ ،‬وعندما يفرز أحد‬ ‫ا‪١‬تبيضُت البويضة فقد ال يتم تلقيح‬ ‫البويضة ‪ ،‬فإن بطانة الرحم‬ ‫ا‪١‬تكون من أنسجة دموية تقل فيها‬ ‫نسبة ا‪٢‬ترمونات اليت كانت تثبت‬ ‫بطانة الرحم ‪ ،‬وعندما تقل نسبة‬ ‫ا‪٢‬ترمونات ٭تدث ا‪ٟ‬تيض ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تيض هو دم ٭تتوي عىل أنسجة‬ ‫َت حية ‪ ،‬وتصبح منطقة ا‪١‬تهبل‬ ‫والرحم يف حالة هتيج ‪ ،‬ألن منطقة‬ ‫ا‪١‬تهبل والرحم حساسة جدا لنمو‬ ‫ا‪١‬تيكروبات ا‪١‬تسببة لبللتهابات‬ ‫سواء للمرأة ‪ ،‬أو للرجل إن جامع‬ ‫زوجته يف فًتة ا‪ٟ‬تيض ‪ .‬وا‪ٟ‬تيض‬

‫يصيب ا‪١‬ترأة بأذى يف قوهتا‬ ‫وجسدها؛ بدليل أن اهلل رخص ‪٢‬تا‬ ‫أال ّتصوم وأال ّتصلي إذن فا‪١‬تسألة‬ ‫منهكة ومتعبة ‪٢‬تا ‪ ،‬فبل ‪٬‬توز أن‬ ‫يرهقها الرجل بأكثر ‪٦‬تا هي عليه ‪.‬‬ ‫إذن فقوله تعاىل ‪ُ { :‬ه َو أَذًى }‬ ‫تعميم بأن األذى يصيب الرجل‬

‫وا‪١‬ترأة ‪ .‬وبعد ذلك بُت ا‪ٟ‬تق أن‬ ‫كلمة « أذى » حيثية تتطلب‬ ‫حكما يرد ‪ ،‬إما باإلباحة وإما‬ ‫با‪ٟ‬تظر ‪ ،‬وما دام هو أذى فبلبد أن‬ ‫يكون حظرا ً‪.‬‬ ‫يقول عز وجل ‪ { :‬فاعتزلوا‬ ‫النسآء ِيف ا‪١‬تحيض َوال َتَقْ َر ُبو ُه َّن }‬

‫والذي يقول ‪ :‬إن ا‪١‬تحيض هو مكان‬ ‫ولبأن ا‪١‬تحرم هو‬ ‫ا‪ٟ‬تيض يبٍت ق ه‬ ‫ا‪١‬تباشرة ا‪ٞ‬تنسية ‪ ،‬لكن ما فوق‬ ‫السرة وما فوق ا‪١‬تبلبس فهو مباح ‪،‬‬ ‫فقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َتَقْ َر ُبو ُه َّن } أي‬ ‫ال تأتوهن يف ا‪١‬تكان الذي يأيت منه‬ ‫األذى وهو دم ا‪ٟ‬تيض ‪ { .‬حىت‬

‫ي َ ْط ُه ْر َن فَإِذَا تَ َط ّه َْر َن فَأ ْ ُتو ُه َّن ِم ْن‬ ‫ث أ َ َم َر ُك ُم اهلل } ‪ .‬و « يطهرن‬ ‫َحي ْ ُ‬ ‫» من الطهور مصدر طهر يطهر ‪،‬‬ ‫وعندما نتأمل قوله ‪ { :‬فَإِذَا‬ ‫تَ َط ّه َْر َن } ‪٧‬تد أنه لم يقل ‪ « :‬فإذا‬ ‫طهرن » ‪ ،‬فما الفرق بُت « طهر »‬ ‫و « تطهر »؟‬

‫إن « يطهرن » معناها امتنع عنهن‬ ‫ّ‬ ‫ا‪ٟ‬تيض ‪ ،‬و « تطهرن » يعٍت‬ ‫ا تسلن من ا‪ٟ‬تيض؛ ولذلك نشأ‬ ‫خبلف بُت العلماء ‪ ،‬هلٔتجرد‬ ‫انتهاء مدة ا‪ٟ‬تيض وانقطاع الدم‬ ‫ٯتكن أن يباشر الرجل زوجته ‪ ،‬أم‬

‫البد من االنتظار حىت تتطهر ا‪١‬ترأة‬ ‫باال تسال؟ ‪.‬‬ ‫وخروجا من ا‪٠‬تبلف نقول ‪ :‬إن‬ ‫قوله ا‪ٟ‬تق ‪ « :‬تطهرن » يعٍت‬ ‫ا تسلن فبل مباشرة قبل اال تسال‬ ‫‪ .‬ومن عجائب ألفاظ القرآن أن‬

‫الكلمات تؤثر يف استنباط ا‪ٟ‬تكم ‪،‬‬ ‫ومثال ذلك قوله تعاىل ‪ { :‬إِن ّ َُه‬ ‫يم * ِيف ِكت َ ٍ‬ ‫اب َّم ْك ُنونٍ *‬ ‫ل َ ُق ْر ٌ‬ ‫آن كَ ِر ٌ‬ ‫ال َّ َٯت َ ُّس ُه إِال َّا‪١‬تطهرون } ػ الواقعة ‪:‬‬ ‫‪] 79-77‬‬ ‫ما ا‪١‬تقصود إذن؟ هل ا‪١‬تقصود أن‬ ‫القرآن ال ٯتسكه إال ا‪١‬تبلئكة‬

‫الذين طهرهم اهلل من ا‪٠‬تبث ‪ ،‬أو‬ ‫أن للبشر أيضا حق اإلمساك‬ ‫با‪١‬تصح ف ألهنم يتطهرون؟ بعض‬ ‫العلماء قال ‪ :‬إن ا‪١‬تسألة البد أن‬ ‫ندخلها يف عموم الطهارة ‪ ،‬فيكون‬ ‫معٌت { إِال َّا‪١‬تطهرون } أي الذين‬ ‫طهرهم من شرع ‪٢‬تم التطهر؛‬

‫ولذلك فا‪١‬تسلم حُت يغتسل أو‬ ‫يتوضأ يكون قد حدث له أمران ‪:‬‬ ‫التطهر والطهر ‪.‬‬ ‫فالتطهر بالفعل هو الوضوء أو‬ ‫اال تسال ‪ ،‬والطهر بتشريع اهلل ‪،‬‬ ‫فكما أن اهلل طهر ا‪١‬تبلئكة أصبل‬ ‫فقد طهرنا معشر اإلنس تشريعا ‪،‬‬

‫وبذلك نفهم اْلية عىل إطبلقها‬ ‫ونرفع ا‪٠‬تبلف ‪ .‬وقول ا‪ٟ‬تق يف اْلية‬ ‫اليت ‪٨‬تن بصدد خواطرنا عنها ‪{ :‬‬ ‫حىت ي َ ْط ُه ْر َن } أي حىت يأذن اهلل‬ ‫‪٢‬تن بالطهر ‪ ،‬ثم يغتسلن استجابة‬ ‫لتشريع اهلل ‪٢‬تن بالتطهر ‪{ .‬‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ث أ َ َم َر ُك ُم اهلل }‬ ‫فَأ ُتو ُه َّن م ْن َحي ْ ُ‬

‫يعٍت يف األماكن ا‪ٟ‬تبلل ‪.‬‬ ‫ب‬ ‫{ إ َِّن اهلل ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫ب التوابُت َو ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫ا‪١‬تتطهرين } وأراد ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫وتعاىل أن يدخل عليك أنسا ‪،‬‬ ‫فكما أنه طلب منك أن تتطهر‬ ‫ماديا فهو سبحانه قبل أيضا ًمنك‬ ‫أن تتطهر معنويا بالتوبة ‪ ،‬لذلك‬

‫جاء باألمر حسيا ومعنويا ‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك جاء ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ْتكم‬ ‫جديد ‪ ،‬هذا ا‪ٟ‬تكم ينهي إشكاال‬ ‫أثاره اليهود ‪.‬‬ ‫وقد كان اليهود يثَتون أن الرجل‬ ‫إذا أىت امرأته من خلف ولو يف ُقبلها‬ ‫بضم القاف جاء الولد أحول ‪« .‬‬

‫ال ُقبل » هو مكان اإلتيان ‪ ،‬وليس‬ ‫معناه اإلتيان يف الدبر والعياذ باهلل‬ ‫كما كان يفعل قوم لوط ‪ .‬و ّ‪١‬تا كان‬ ‫هذا اإلشكال الذي أثاره اليهود ال‬ ‫أساس له من الصحة فقد أراد ا‪ٟ‬تق‬ ‫أن يرد عىل هذه ا‪١‬تسألة فقال ‪{ :‬‬ ‫آؤ ُك ْم َح ْر ٌث ل َّ ُك ْم فَأ ْ ُتوا ْ‬ ‫نِ َس ُ‬

‫َح ْرثَ ُك ْم أىن ِشئ ْ ُت ْم َوقَ ِ ّد ُموا ْ‬ ‫ألَن ْ ُف ِس ُك ْم واتقوا اهلل ‪} . . .‬‬

‫نِ َس ُاؤ ُك ْم َح ْر ٌث ل َ ُك ْم فَأ ْ ُتوا َح ْرثَ ُك ْم‬ ‫أ َ َّىن ِشئ ْ ُت ْم َوقَ ِ ّد ُموا ِألَن ْ ُف ِس ُك ْم َواتَّ ُقوا‬ ‫وه َوب َ ِّش ِر‬ ‫َّ‬ ‫اّللَ َواعْل َ ُموا أَن َّ ُك ْم ُم َبل ُق ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)223‬‬ ‫ا ْ‪١‬تُ ْؤمن َ‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يفسح‬ ‫ا‪١‬تجال للتمتع للرجل وا‪١‬ترأة عىل‬ ‫أي وجه من األوجه شريطة أن يتم‬ ‫اإلتيان يف ‪٤‬تل اإلنبات ‪ .‬وقد جاء‬ ‫ا‪ٟ‬تق بكلمة { َح ْر ٌث } هنا ليوضح‬ ‫أن ا‪ٟ‬ترث يكون يف مكان اإلنبات ‪.‬‬ ‫{ فَأ ْ ُتوا ْ َح ْرثَ ُك ْم } وما هو ا‪ٟ‬ترث؟‬

‫ا‪ٟ‬ترث مكان استنبات النبات ‪ ،‬وقد‬ ‫ك ا‪ٟ‬ترث‬ ‫قال تعاىل ‪َ { :‬ويُهْلِ َ‬ ‫والنسل } ػ البقرة ‪] 205 :‬‬ ‫فأتوا ا‪١‬ترأة يف مكان الزرع ‪ ،‬زرع‬ ‫الولد ‪ ،‬أما ا‪١‬تكان الذي ال ينبت منه‬ ‫الولد فبل تقربوه ‪ .‬وبعض الناس‬ ‫فهموا خطأ أن قوله ‪ { :‬فَأ ْ ُتوا ْ‬

‫َح ْرثَ ُك ْم أىن ِشئ ْ ُت ْم } معناه إتيان‬ ‫ا‪١‬ترأة يف أي مكان ‪ ،‬وذلك خطأ؛ ألن‬ ‫آؤ ُك ْم َح ْر ٌث ل َّ ُك ْم }‬ ‫قوله ‪ { :‬نِ َس ُ‬ ‫يعٍت ‪٤‬تل استنبات الزرع ‪ ،‬والزرع‬ ‫بالنسبة للمرأة والرجل هو الولد ‪،‬‬ ‫فأهتا يف ا‪١‬تكان الذي ينجب الولد‬ ‫عىل أي جهة شئت ‪.‬‬

‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُك ْم‬ ‫} أي إياك أن تأخذ ا‪١‬تسألة عىل‬ ‫أهنا استمتاع جنسي فحسب ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬ ‫يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بهذه‬ ‫اللذة ا‪ٞ‬تنسية أن ٭تمي متاعب ما‬ ‫ينشأ من هذه اللذة؛ ألن الذرية‬ ‫اليت ستأيت من أثر اللقاء ا‪ٞ‬تنسي‬

‫سيكون ‪٢‬تا متاعب وتكاليف ‪ ،‬فلو‬ ‫لم يربطها اهلل سبحانه وتعاىل بهذه‬ ‫اللذة لزهد الناس يف ا‪ٞ‬تماع ‪.‬‬ ‫ومن هنا يربط ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫بُت كدح اْلباء وشقائهم يف تربية‬ ‫أوالدهم بلذة الشهوة ا‪ٞ‬تنسية حىت‬ ‫يضمن بقاء النوع اإلنساين ‪ .‬ومع‬

‫هذا ٭تذرنا ا‪ٟ‬تق أن نعتْب هذه اللذة‬ ‫ا‪ٞ‬تنسية هي األصل يف إتيان النساء‬ ‫فقال ‪َ { :‬وقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُك ْم } ‪،‬‬ ‫يعٍت انظروا جيدا ًإىل هذه ا‪١‬تسألة‬ ‫عىل أال تكون هي الغاية ‪ ،‬بل هي‬ ‫وسيلة ‪ ،‬فبل تقلبوا الوسيلة إىل الغاية‬ ‫‪َ { ،‬وقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُك ْم } أي‬

‫ادخروا ألنفسكم شيئا ًينفعكم يف‬ ‫األيام ا‪١‬تقبلة ‪.‬‬ ‫إذن فاألصل يف العملية ا‪ٞ‬تنسية‬ ‫اإل‪٧‬تاب ‪َ { .‬وقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُك ْم }‬ ‫أي ال تأخذوا ا‪١‬تتاع اللحظي‬ ‫العاجل عىل أنه هو الغاية بل خذوه‬ ‫‪١‬تا هو آت ‪ .‬وكيف نقدم ألنفسنا أو‬

‫ماذا نفعل؟ حىت ال نشىق ٔتَ ْن يأيت ‪،‬‬ ‫وعليك أن تتبُت هذه العملية‬ ‫فقدم لنفسك شيئا ًير٭تك ‪ ،‬وافعل‬ ‫ما علمنا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ . .‬ساعة تأيت هذه النعمة‬ ‫وتقًتب من زوجتك البد أن‬ ‫تسمي اهلل ويقول ‪ « :‬اللهم جنبٍت‬

‫الشيطان وجنب الشيطان ما‬ ‫رزقتٍت » ‪ ،‬وعندما يأيت ا‪١‬تسلم‬ ‫أهله وينشأ وليده فلن يكون‬ ‫للشيطان عليه دخل ‪ .‬وقال بعض‬ ‫العلماء ‪ :‬ال ٯتكن أن يؤثر فيه‬ ‫سحر ‪١ ،‬تاذا كل ذلك؟ ‪.‬‬ ‫ألنك ساعة استنبته أي زرعته ‪،‬‬

‫ذكرت ا‪١‬تُنْبِ َت وهو اهلل عز وجل ‪.‬‬ ‫وما دمت ذكرت ا‪١‬تنبت ا‪٠‬تالق فقد‬ ‫جعلت البنك حصانة أبدية ‪ .‬وعىل‬ ‫عكس ذلك ينشأ الطفل الذي‬ ‫ينَس والده اهلل عندما يباشر أهله‬ ‫فيقع أوالده فريسة للشياطُت ‪.‬‬ ‫{ َوقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُك ْم } أي قدموا‬

‫‪٢‬تا ما ير٭تكم وما يطيل أمد‬ ‫حياتكم وأعمالكم يف ا‪ٟ‬تياة؛‬ ‫ألنك عندما تقبل عىل ا‪١‬تسألة بنية‬ ‫إ‪٧‬تاب الولد ‪ ،‬وتذكر اهلل وتستعيذ‬ ‫من الشيطان فينعم عليك ا‪٠‬تالق‬ ‫بالولد الصاٌف ‪ ،‬هذا الولد يدعو لك‬ ‫‪ ،‬ويعلم أوالده أن يدعوا لك ‪،‬‬

‫وأوالده يدعون لك ‪ ،‬وتظل‬ ‫ا‪١‬تسألة مسلسلة فبل ينقطع عملك‬ ‫إىل أن تقوم الساعة ‪ ،‬وهنا تكون‬ ‫قدمت لنفسك أفضل ما يكون‬ ‫التقديم ‪.‬‬

‫وهب أنك ُرزقت ا‪١‬تولود ثم مات‬ ‫ففج عت به واسًتجعت واحتسبته‬ ‫عند ربك ‪ ،‬إنك تكون قد قدمته ‪،‬‬ ‫ليغلق عليك بابا من أبواب النَتان‬ ‫‪ .‬إذن فكل أمر البد أن تذكر فيه {‬ ‫َوقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُك ْم } ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واتقوا اهلل واعلموا‬

‫وه َوب َ ِّش ِر ا‪١‬تؤمنُت }‬ ‫أَن َّ ُك ْم ُّمبل َ ُق ُ‬ ‫معٌت { اتقوا اهلل } أي إياكم أن‬ ‫تغضبوا ربكم يف أي عمل من هذه‬ ‫األعمال ‪ ،‬وكن أيها ا‪١‬تسلم يف هذه‬ ‫التقوى عىل يقُت من أنك مبليق اهلل‬ ‫‪ ،‬وال تشك يف هذا اللقاء أبدا ً‪ .‬وما‬ ‫دمت ستتقي اهلل وتكون عىل يقُت‬

‫أنك تبلقيه لم يبىق لك إال أن ُتب َ َّشر‬ ‫با‪ٞ‬تنة ‪ .‬وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬وال َ َٕتْ َعلُوا ْاهلل ُع ْر َضةً‬ ‫أل َ ْٯتَانِ ُك ْم ‪} . . .‬‬

‫اّللَ ُع ْر َضةً ِأل َ ْٯتَانِ ُك ْم أ َ ْن‬ ‫َو َال َٕتْعَلُوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُت النَّ ِ‬ ‫اس‬ ‫تَ َ ُّ‬ ‫ْبوا َوتَتَّ ُقوا َو ُت ْصل ُحوا ب َ َْ‬ ‫و َ ِ ِ‬ ‫يم (‪)224‬‬ ‫اّلل َ‪ٝ‬تي ٌع عَل ٌ‬ ‫َ ُّ‬

‫ويف اْلية ثبلثة أشياء ‪ :‬أوال ‪ :‬أن‬ ‫تْبوا ‪ ،‬أي أن تفعلوا الْب ‪ .‬والْب قد‬ ‫يكرهه اإلنسان ألنه شاق عىل‬

‫النفس ‪ .‬ثانيا ‪ :‬أن تتقوا ‪ ،‬أي أن‬ ‫تتجنبوا ا‪١‬تعاصي ‪ ،‬والتقوى تكون‬ ‫أيضا شاقة يف بعض األحيان ‪ .‬ثالثا ‪:‬‬ ‫أن تصلحوا بُت الناس ‪ ،‬أي أن‬ ‫البُت ‪ ،‬وقد يكون يف‬ ‫تصلحوا ذات ْ‬ ‫اإلصبلح بُت الناس مئونة وذلك‬ ‫بعد أن ٘تتنعوا أن ٕتعلوا اهلل‬

‫عرضة للقسم ‪.‬‬ ‫وحُت يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ َٕتْعَلُوا ْاهلل‬ ‫ُع ْر َضةًأل َ ْٯتَانِ ُك ْم } فالعرضة هي‬ ‫ا‪ٟ‬تجاب ‪ ،‬وهي ما يعًتض بُت‬ ‫شيئُت ‪ُ { ،‬ع ْر َضةً} هي أيضا‬ ‫األمر الصاٌف لكل شيء ‪ ،‬فيقال ‪« :‬‬ ‫فبلن عرضة لكل ا‪١‬تهمات » ‪ .‬أي‬

‫صاٌف ‪ .‬والعرضة كما عرفنا هي ما‬ ‫اعًتض بُت شيئُت ‪ ،‬كأن يضع‬ ‫اإلنسان يده عىل عينيه فبل يرى‬ ‫الضوء ‪ ،‬هنا تكون اليد « ُع ْرضة »‬ ‫بُت عيٍت اإلنسان والشمس إن‬ ‫اإلنسان ٭تجب بذلك عن نفسه‬ ‫الضوء ‪.‬‬

‫كأن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ « :‬أنا ال أريد أن‬ ‫ٕتعلوا اليمُت عرضة بُت اإلنسان‬ ‫وفعل ا‪٠‬تَت والْب والتقوى » ‪.‬‬ ‫فعندما يطلب منك واحد أن تْب‬ ‫من أساء إليك فقد تقول ‪ « :‬أنا‬ ‫أقسمت أال أبر هذا اإلنسان »‬ ‫إنك بذلك جعلت اليمُت باهلل‬

‫مانعا ًبينك وبُت الْب ‪.‬‬ ‫ويريد ا‪ٟ‬تق بذلك القول أن ينبهنا‬ ‫إىل أن القسم به ال ‪٬‬توز يف منع الْب أو‬ ‫صلة الرحم أو إصبلح بُت الناس‪.‬‬ ‫‪ .‬ومن حلف عىل شيء فرأى َته‬ ‫خَتا منه فليفعل ا‪٠‬تَت وليكفر عن‬ ‫ٯتينه ‪١‬تاذا؟ ألن ا‪١‬تؤمن عندما ٭تلف‬

‫عىل أال يفعل خَتا ًفهو يضع اهلل‬ ‫مانعا ًبينه وبُت ا‪٠‬تَت ‪ ،‬وبذلك‬ ‫يكون قد ناقض ا‪١‬تؤمن نفسه بأن‬ ‫جعل ا‪١‬تانع هو ا‪ٟ‬تلف باهلل ‪ .‬إن اهلل‬ ‫هو صاحب األمر بالْب والتقوى‬ ‫واإلصبلح بُت الناس ‪ .‬لذلك فا‪ٟ‬تق‬ ‫يقول ‪َ { :‬وال َ َٕتْعَلُوا ْاهلل ُع ْر َضةً‬

‫أل َ ْٯتَانِ ُك ْم } ‪ .‬أي أن ا‪ٟ‬تق يريد أن‬ ‫٭تمي عمليات الْب والتقوى‬ ‫واإلصبلح بُت الناس ‪.‬‬ ‫إنك إن حلفت أيها ا‪١‬تؤمن أال‬ ‫تفعل هذه العمليات ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق يريد‬ ‫لك أن ٖتنث يف هذا القسم وأن‬ ‫تفعل الْب والتقوى واإلصبلح بُت‬

‫الناس حىت ال تتناقض مع تشريع‬ ‫اهلل ‪ .‬و‪٨‬تن عندما ‪٧‬تد ا‪١‬تجتمع وقد‬ ‫صنع فيه كل فرد الْب ‪ ،‬واتىق فيه كل‬ ‫إنسان ا‪١‬تعاصي ‪ ،‬ورأى فيه كل‬ ‫إنسان نزاعا ًبُت ‪ٚ‬تاعتُت فأصلح‬ ‫هذا الزناع ‪ ،‬أليس هذا دخوال يف‬ ‫السلم كافة ‪ .‬إذن فا‪ٟ‬تق يريد أن‬

‫يستبىق للناس ينابيع ا‪٠‬تَت وأال‬ ‫يسدوها أمام أنفسهم ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق هو اْلمر بأال ‪٬‬تعل ا‪١‬تؤمن‬ ‫اليمُت مانعا ًبُت اإلنسان والْب ‪ ،‬أو‬ ‫بُت اإلنسان والتقوى ‪ ،‬أو بُت‬ ‫اإلنسان واإلصبلح بُت الناس ‪.‬‬ ‫ويتساهل اإلسبلم يف مسألة‬

‫الًتاجع وا‪ٟ‬تنث يف الْب فيقول‬ ‫السلف الصاٌف ‪ « :‬ال حنث خَت من‬ ‫الْب » ‪.‬‬ ‫إذن فا‪١‬تجتمع الذي فيه صنع الْب ‪،‬‬ ‫وتقوى ا‪١‬تعاصي ‪ ،‬والصلح بُت‬ ‫ا‪١‬تتخاصمُت يدخل يف إطار ‪{ :‬‬

‫ادخلوا ِيف السلم كَآ َّفةً} ػ البقرة ‪:‬‬ ‫‪] 208‬‬ ‫واإلنسان قد يتعلل بأي سبب حىت‬ ‫يبتعد عن الْب أو التقوى أو‬ ‫اإلصبلح بُت الناس ‪ ،‬بل يعمل‬ ‫شيئا ًير٭ته وٮتلع عليه أنه ‪٦‬تتثل‬ ‫ألمر اهلل ‪ ،‬ولنضرب لذلك مثبل ‪.‬‬

‫سيدنا أبو بكر الصديق رضي اهلل‬ ‫عنه بعد أن جاء مسطح بن أثاثة‬ ‫واشًتك مع من خاضوا يف اإلفك‬ ‫الذي اهتموا فيه أم ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫السيدة عائشة رضي اهلل عنها ‪.‬‬ ‫وخبلصة األمر أن عائشة رضي‬ ‫اهلل عنها زوجة رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم ‪ .‬كانت قد خرجت مع‬ ‫الرسول الكريم يف غزوة « بٍت‬ ‫ا‪١‬تصطلق » وكان األمر با‪ٟ‬تجاب‬ ‫قد نزل لذلك خرجت عائشة‬ ‫رضي اهلل عنها يف هودج ‪.‬‬ ‫وقام الرسول بغزوته وحان وقت‬ ‫العودة ‪ .‬وفقدت عائشة عقدا ً‪٢‬تا ‪.‬‬

‫وكانت رضي اهلل عنها خفيفة‬ ‫الوزن؛ ألن الطعام يف تلك األيام‬ ‫كان قليبل ‪ .‬راحت عائشة رضي‬ ‫اهلل عنها تبحث عن عقدها ا‪١‬تفقود‬ ‫‪ ،‬وعندما ‪ٛ‬تلوا هودج عائشة رضي‬ ‫اهلل عنها لم يفطنوا أن عائشة‬ ‫ليست به ‪ .‬ووجدت عائشة عقدها‬

‫ا‪١‬تفقود ‪ ،‬وكان جيش رسول اهلل قد‬ ‫ابتعد عنها ‪ .‬وظنت أهنم‬ ‫سيفتقدوهنا فَتجعون إليها ‪ .‬وكان‬ ‫خلف ا‪ٞ‬تيش صفوان بن ا‪١‬تعطل‬ ‫السلمي وعرفته عائشة وأناخ‬ ‫راحلته وعادت عائشة إىل ا‪١‬تدينة ‪.‬‬ ‫ودار حديث اإلفك بوساطة عبد‬

‫أيب ّبن سلول رأس النفاق ‪.‬‬ ‫اهلل بن َ‬ ‫وكان الغم وا‪ٟ‬تزن يصيبان السيدة‬ ‫عائشة طوال مدة كبَتة وأوضح‬ ‫ا‪ٟ‬تق كذب هذا ا‪ٟ‬تديث ‪ .‬وذاع ما‬ ‫ذاع عن أم ا‪١‬تؤمنُت عائشة وهي‬ ‫زوجة رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم قبل أن تكون بنت أيب بكر ‪.‬‬

‫وأبو بكر صد ِي ّق رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ولو أن َت عائشة‬ ‫حدث ‪٢‬تا ما حدث لعائشة لكان‬ ‫موقف أيب بكر هو موقفه عندما جاء‬ ‫قريبه مسطح بن أثاثة واشًتك يف‬ ‫حديث اإلفك مع من اشًتكوا ثم‬ ‫يْبئ اهلل عائشة ويزنل القول‬

‫الذي يثبت براءة أم ا‪١‬تؤمنُت يف‬ ‫حديث اإلفك ‪ ،‬وحُت يْبئها اهلل‬ ‫يأيت أبو بكر وكان ينفق عىل مسطح‬ ‫فيقطع عنه النفقة ويقول ‪ « :‬واهلل‬ ‫ال أنفق عليه أبدا ً» ‪١‬تاذا؟ ألنه‬ ‫اشًتك يف حديث اإلفك ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تسألة يف ظاهرها ورع ‪ .‬لذلك‬

‫سيمتنع عن النفقة عىل مسطح بن‬ ‫أثاثة ألن مسطحا ًخاض يف اإلفك ‪.‬‬ ‫لكن انظر إىل مقاييس الكمال‬ ‫وا‪ٞ‬تمال والفضائل عند اهلل فقد‬ ‫أوضح ا‪ٟ‬تق أن هذا طريق وذاك‬ ‫طريق آخر ‪ ،‬فيقول سبحانه وتعاىل‬ ‫‪َ { :‬وال َيَأْتَ ِل أُ ْولُوا ْالفضل ِمن ُك ْم‬

‫والسعة أَن يؤتوا أُ ْو ِيل القرىب‬ ‫وا‪١‬تساكُت وا‪١‬تهاجرين ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫َ ِ‬ ‫ون أَن‬ ‫اهلل َولْيَعْ ُفوا ْوليصفحوا أال َ ُٖتب ُّ َ‬ ‫يَغ ْ ِف َر اهلل ل َ ُكم واهلل َغ ُفور َر ِ‬ ‫يم }‬ ‫ح‬ ‫ٌّ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ػ النور ‪] 22 :‬‬ ‫فإذا كنت ٖتب أن يغفر اهلل لك ‪،‬‬ ‫أفبل تغفر ‪١‬تن فعل معك سيئة؟ ‪.‬‬

‫وما دمت تريد أن يغفر اهلل لك‬ ‫فاغفر للناس خطأهم ‪.‬‬ ‫قا‪٢‬تا ا‪ٟ‬تق عز وجل أليب بكر؛ ألنه‬ ‫وقف موقفا ًمن رجل خاض يف‬ ‫اإلفك مع من خاض ومع ذلك يبلغه‬ ‫أن ذلك ال يصح ‪.‬‬

‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ َٕتْعَلُوا ْاهلل ُع ْر َضةً‬ ‫ْبوا ْ} ال تقل ‪ :‬إين‬ ‫أل َ ْٯتَانِ ُك ْم أَن تَ َ ُّ‬ ‫حلفت باهلل عىل أال افعل ذلك ا‪٠‬تَت‬ ‫‪ ،‬ال افعله فاهلل يرىض لك أن ٖتنث‬ ‫وتكفر عن ٯتينك ‪.‬‬ ‫{ َوال َ َٕتْعَلُوا ْاهلل ُع ْر َضةًأل َ ْٯتَانِ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ُت‬ ‫أَن تَ َ ُّ‬ ‫ْبوا ْ َوتَتَّ ُقوا ْ َو ُت ْصل ُحوا ْب َ ْ َ‬

‫ِ ِ‬ ‫يم } ‪ .‬إن اهلل‬ ‫الناس واهلل َ‪ٝ‬تي ٌع عَل ٌ‬ ‫عز وجل يبلغنا ‪ :‬أنا ال أريد أن‬ ‫ٕتعلوا ا‪ٟ‬تلف يب عرضة ‪ ،‬يعٍت‬ ‫حاجزا ًأو مانعا ًعن فعل ا‪٠‬تَت ‪ .‬مثبل ً‬ ‫لو ُطلب منك أن تْب شخصا ًأساء‬ ‫إليك فبل تقل ‪ :‬حلفت أال أبر به‬ ‫ألنه ال يستحق ‪ ،‬عندها تكون قد‬

‫جعلت اليمُت باهلل مانعا ًللْب ‪.‬‬ ‫وكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يقول لك ‪ :‬ال ‪ ،‬أنا متجاوز عن‬ ‫اليمُت يب؛ إن حلفت أال تْب أو ال‬ ‫تتقي أو ال تصل ر‪ٛ‬تا ًأو ال تصلح‬ ‫اثنُت ‪ ،‬أنا تسا‪٤‬تت يف اليمُت‪.‬‬ ‫بُت ْ‬ ‫وا‪ٟ‬تديث يقول ‪ « :‬من حلف عىل‬

‫ٯتُت فرأى َتها خَتا منها فليأت‬ ‫الذي هو خَت وليكفر عن ٯتينه »‬ ‫وهكذا ٭تمي اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫فعل الْب و٭تمي التقوى و٭تمي‬ ‫عمليات اإلصبلح بُت الناس ‪ ،‬ولو‬ ‫كنت قد حلفت باهلل أال تفعلها ‪،‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألنك عندما ٖتلف باهلل أال‬

‫تفعل ‪ ،‬وٕتعل اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫هو ا‪١‬تانع ‪ ،‬فقد ناقضت التشريع‬ ‫نفسه؛ ألن اهلل هو اْلمر بالْب‬ ‫واإلصبلح والتقوى ‪ ،‬فبل ٕتعل‬ ‫ٯتُت البشر مانعا ًمن تنفيذ منهج‬ ‫رب البشر ‪.‬‬ ‫{ َوال َ َٕتْعَلُوا ْاهلل ُع ْر َضةًأل َ ْٯتَانِ ُك ْم‬

‫ِ‬ ‫ُت‬ ‫أَن تَ َ ُّ‬ ‫ْبوا ْ َوتَتَّ ُقوا ْ َو ُت ْصل ُحوا ْب َ ْ َ‬ ‫الناس } إن حلفت عىل ترك‬ ‫واجب وجب أن ترجع يف اليمُت ‪.‬‬ ‫احنث فيه وكفر عنه ‪ ،‬وا‪ٟ‬تكم‬ ‫نفسه يسري عىل الذي ٯتنع‬ ‫‪٦‬تتلكاته كالدابة أو الماكينة أو‬ ‫السيارة من انتفاع الناس بها ْتجة‬

‫أنه حلف أال يعَتها ألحد ‪ ،‬وذلك‬ ‫أمر ٭تدث كثَتا ًيف األرياف ‪.‬‬ ‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل اْلية‬ ‫بالقول الكريم ‪ { :‬واهلل َ ِ‬ ‫‪ٝ‬تي ٌع‬ ‫ِ‬ ‫يم } ‪ .‬إنه سبحانه ‪ٝ‬تيع‬ ‫عَل ٌ‬ ‫باليمُت الذي حلفته ‪ ،‬وعليم‬ ‫بنيتك إن كانت خَتا ًأو شرا ًفبل‬

‫تتخ ذ اليمُت حجة ألن ٘تنع الْب‬ ‫والتقوى واإلصبلح ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل عندما يتكلم عن‬ ‫اليمُت يعطينا أصبل ًمن أصول‬ ‫اعتبار اليمُت هل هو ٯتُت حقا أو‬ ‫لغو ‪ ،‬ومن ر‪ٛ‬تة اهلل أنه سبحانه‬ ‫وتعاىل لم يأخذ إال اليمُت الذي‬

‫عقد القلب عليه ‪ ،‬أي الذي يقصد‬ ‫صاحبه أال ٭تنث فيه ‪ ،‬أما لغو‬ ‫اليمُت فقد ٕتاوز اهلل عنه ‪.‬‬ ‫مثبل ً‪ ،‬األٯتان الدارجة عىل ألسنة‬ ‫الناس كقو‪٢‬تم ‪ « :‬واهلل لو لم تفعل‬ ‫كذا لفعلت معك كذا » ‪ « ،‬واهلل‬ ‫سأزورك » ‪ « ،‬واهلل ما كان قصدي‬

‫» أو ا‪ٟ‬تلف بناء ًعىل الظن؛ كأن‬ ‫ٖتلف بقولك ‪ « :‬واهلل حدث هذا »‬ ‫وأنت َت متأكد من ٘تام حدوثه ‪،‬‬ ‫لكن ليس يف مقصدك الكذب ‪.‬‬ ‫أما اليمُت الغموس فهي ا‪ٟ‬تلف‬ ‫والقسم الذي تعرف كذبه وٖتلف‬ ‫بعكس ما تعرف ‪ ،‬كأن تكون قد‬

‫شاهدت واحدا ًيسرق أو يقتل‬ ‫وٖتلف باهلل أنه لم يسرق أو لم‬ ‫يقتل ‪ .‬من أجل ذلك كله ٭تسم اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل هذه القضية بقوله ‪:‬‬ ‫{ ال َّيُ َؤا ِخ ُذ ُك ُم اهلل ابللغو يف‬ ‫أ َ ْٯتَانِ ُك ْم ولكن يُ َؤا ِخ ُذ ُكم ِٔتَا‬ ‫وب ُك ْم ‪} . . .‬‬ ‫َك َسب َ ْت ُقل ُ ُ‬

‫اّلل بِاللَّغ ْ ِو ِيف أ َ ْٯتَانِ ُك ْم‬ ‫َال يُ َؤا ِخ ُذ ُك ُم ّ َُ‬ ‫َول َ ِك ْن يُ َؤا ِخ ُذ ُك ْم ِٔتَا كَ َسب َ ْت‬ ‫اّلل َغ ُف ِ‬ ‫يم (‪)225‬‬ ‫ُقل ُ ُ‬ ‫وب ُك ْم َو َّ ُ ٌ‬ ‫ور َحل ٌ‬ ‫وكان من ا‪١‬تناسب أن تأيت هذه اْلية‬ ‫كل ما ب‬ ‫سق ألنه سبحانه أوضح لنا‬ ‫اليمُت اليت ال تقع وكأنه قال لنا ‪:‬‬

‫ارجعوا فيها واحنثوا وسأقبل‬ ‫رجوعكم يف مقابل أن تْبوا‬ ‫وتتقوا وتصلحوا ‪ ،‬فإذا كان قد قبل‬ ‫تراجعنا عن هذا اليمُت فؤلن له‬ ‫مقاببل يف فعل ا‪٠‬تَت ‪ .‬وقوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫وب ُك ْم } هو ا‪١‬تعٌت‬ ‫{ ِٔتَا كَ َسب َ ْت ُقل ُُ‬ ‫نفسه قلوله تعاىل ‪ { :‬ولكن‬

‫يُ َؤا ِخ ُذ ُكم ِٔتَا َع َّقد ّتُ ُم األٯتان } ػ‬ ‫ا‪١‬تائدة ‪] 89 :‬‬ ‫أي الشيء ا‪١‬تعقود يف النفس والذي‬ ‫رسخ داخل نفسك ‪ ،‬لكن الشيء‬ ‫الذي ٯتر عىل اللسان فبل يؤاخذنا‬ ‫اهلل به ‪ { .‬ال َّيُ َؤا ِخ ُذ ُك ُم اهلل باللغو‬ ‫يف أ َ ْٯتَانِ ُك ْم } واألٯتان ‪ٚ‬تع ٯتُت ‪،‬‬

‫واليمين ‪ :‬هو ا‪ٟ‬تلف أو القسم ‪،‬‬ ‫و‪ٝ‬تى ٯتينا ً؛ ألهنم كانوا قدٯتا ًإذا‬ ‫ٖتالفوا صرب كل امرئ منهم‬ ‫ٯتينه عىل ٯتُت صاحبه ‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫اليمُت هو ا‪ٞ‬تارحة الفاعلة ‪.‬‬ ‫وبا‪١‬تناسبة ‪ ،‬فا‪ٞ‬تارحة الفاعلة إياك‬ ‫أن تظن أهنا تفعل بالرياضة‬

‫والتدريب ‪ ،‬وإ‪٪‬تا تفعل با‪٠‬تلق أي‬ ‫كما خلقها اهلل ‪ ،‬فهي ‪٣‬تْبة عىل‬ ‫الفعل حسب خلقتها ‪.‬‬ ‫ولذلك عندما ٕتد إنسانا ويده‬ ‫اليمٌت ال تعمل ويزاول أعماله‬ ‫باليسرى فبل ٖتاول أن ٕتعله‬ ‫يستخدم اليمٌت بدال من‬

‫اليسرى؛ ألن ‪٤‬تاولتك عبث لن‬ ‫‪٬‬تدي؛ ألن السبب يف أنه يستخدم‬ ‫اليسرى بدال من اليمٌت سبب‬ ‫خلقي ‪ ،‬فا‪ٞ‬تهاز ا‪٠‬تاص بالتحكم يف‬ ‫اٌفركة يف ا‪١‬تخ هو الذي يقر هذا‬ ‫األمر ‪ :‬إن كان ‪٥‬تلوقا يف النصف‬ ‫األٯتن من ا‪١‬تخ كانت اليد اليمٌت‬

‫هي الفاعلة ‪ ،‬وإن كان ‪٥‬تلوقا يف‬ ‫النصف األيسر من ا‪١‬تخ فاليد‬ ‫اليسرى هي اليت تعمل ‪.‬‬ ‫لذلك ٕتد الذي يكتب بيده‬ ‫اليسرى يتقن الكتابة بها أفضل‬ ‫من الذي يكتب باليمٌت يف بعض‬ ‫األحيان ‪ ،‬ومن هنا نقول ‪ :‬إنه من‬

‫ا‪٠‬تطأ أن ٖتاول تغيَت سلوك الذي‬ ‫يعمل بيده اليسرى بدال ًمن‬ ‫اليمٌت؛ ألن ذلك عبث لن يصل‬ ‫لنتيجة ‪.‬‬ ‫وأحيانا ٕتد ا‪ٞ‬تهاز ا‪١‬تتحكم يف‬ ‫حركة اليدين موجودا ًيف منتصف‬ ‫ووسط ا‪١‬تخ فَتسل حركات‬

‫متوازنة لليد اليمٌت واليد اليسرى‬ ‫صيكتب‬ ‫معا ً‪ ،‬ولذلك ٕتد شخ ا ً‬ ‫بيده اليمٌت واليسرى معا ً‬ ‫بالسرعة نفسها وباإلتقان نفسه ‪،‬‬ ‫ويؤدي بها األعمال بتلقائية عادية‬ ‫‪ ،‬وهلل يف خلقه شئون ‪ ،‬فهو يعطينا‬ ‫الدليل عىل أنه ال ٖتكمه قواعد ‪،‬‬

‫فهو قادر عىل أن ‪٬‬تعل اليد اليمٌت‬ ‫تعمل ‪ ،‬وقادر عىل أن ‪٬‬تعل اليد‬ ‫اليسرى تعمل ‪ ،‬أو ‪٬‬تعلهما‬ ‫يعمبلن معا ًبالقوة نفسها ‪ ،‬أو ‪٬‬تعل‬ ‫كلتا اليدين َت قابلتُت للعمل ‪.‬‬ ‫إهنا ليست عملية آلية خارجة عن‬ ‫إرادة هلل ‪ ،‬بل كل شيء خاضع‬

‫إلرادته سبحانه ‪.‬‬ ‫{ ال َّيُ َؤا ِخ ُذ ُك ُم اهلل باللغو يف‬ ‫أ َ ْٯتَانِ ُك ْم } ا‪١‬تقصود به ا‪ٟ‬تلف ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تلف من معانيه التقوية ‪ ،‬وهي‬ ‫مأخوذة من ا‪ٟ‬تِلْف ‪ ،‬وهو أن‬ ‫يتحالف الناس عىل عمل ما ‪ .‬و‪٨‬تن‬ ‫عندما نتحالف عىل عمل فنحن‬

‫ِ‬ ‫نقسم العمل بيننا ‪ ،‬وعندما نفعل‬ ‫ّ‬ ‫ذلك يسهل علينا ‪ٚ‬تيعا ًأن نفعله ‪.‬‬ ‫{ ال َّيُ َؤا ِخ ُذ ُك ُم اهلل باللغو يف‬ ‫أ َ ْٯتَانِ ُك ْم ولكن يُ َؤا ِخ ُذ ُكم ِٔتَا‬ ‫َكسب ْت ُقلُوب ُكم واهلل َغ ُف ِ‬ ‫يم‬ ‫ٌ‬ ‫ور َحل ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫} والكسب عملية إرادية ‪ .‬ألنك‬ ‫ساعة تقسم باهلل دون أن تقصد‬

‫فهو ال يؤاخذك ‪ ،‬وهذا دليل عىل أن‬ ‫اهلل واسع حليم ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل بعد ذلك ‪ { :‬ل ِ ّل َّ ِذي َن‬ ‫ون ِمن نِ ّ َس ِآئ ِه ْم تَ َرب‬ ‫ُص أ َ ْربَعَ ِة‬ ‫ّ‬ ‫يُ ْؤل ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ور‬ ‫آءو فَإ َِّن اهلل َغ ُف ٌ‬ ‫أ ْش ُه ٍر فَإ ِْن فَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم }‬ ‫َّرح ٌ‬

‫ون ِم ْن نِ َس ِائ ِه ْم تَ َرب‬ ‫ل ِ َّ ِذلي َن يُ ْؤل‬ ‫ُص‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اّلل‬ ‫أ َ ْربَعَ ِة أ َ ْش ُه ٍر فَإ ِْن فَ ُاءوا فَإ َِّن ّ ََ‬ ‫َغ ُف ِ‬ ‫يم (‪)226‬‬ ‫ٌ‬ ‫ور َرح ٌ‬

‫يؤلون ‪ :‬أي ٭تلفون أال يقربوا‬ ‫أزواجهن يف العملية ا‪١‬تخصوصة ‪،‬‬ ‫ويريد الرجل أحيانا أن يؤدب‬

‫زوجته فيهجرها يف الفراش ببل‬ ‫ٯتُت ‪ ،‬وبدون أن ٭تلف ‪ .‬ع‬ ‫وبض‬ ‫الناس ال يستطيعون أن ٯتتنعوا عن‬ ‫نسائهم من تلقاء أنفسهم ‪،‬‬ ‫فيحلفون أال يقربوهن حىت يكون‬ ‫اليمُت مانعا ومشجعا له عىل ذلك ‪.‬‬ ‫وكان هذا األمر مألوفا عند العرب‬

‫قبل اإلسبلم ‪.‬‬ ‫كان الرجل ٯتتنع عن معاشرة‬ ‫زوجته يف الفراش أي فًتة من‬ ‫الزمن يريدها ‪ ،‬وبعضهم كان‬ ‫٭تلف أال يقرب زوجته زمنا ‪٤‬تددا ً‪،‬‬ ‫وقبل أن ينتهي هذا الزمن ٭تلف‬ ‫ٯتينا آخر ليزيد ا‪١‬تدة فًتة أخرى ‪،‬‬

‫وهكذا حىت أصبحت ا‪١‬تسألة‬ ‫عملية إذالل للمرأة ‪ ،‬وإعضاال ‪٢‬تا‬ ‫‪ ،‬وامتناعا عن أداء حقها يف ا‪١‬تعاشرة‬ ‫الزوجية ‪ .‬وكان ذلك إهدارا ً‪ٟ‬تق‬ ‫الزوجة يف االستمتاع بزوجها ‪.‬‬ ‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن ينهي‬ ‫هذه ا‪١‬تسألة ‪ ،‬وهو سبحانه ال ينهيها‬

‫‪ٟ‬تساب طرف عىل طرف ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫بعدل ا‪٠‬تالق ا‪ٟ‬تكيم الرحيم بعباده‬ ‫‪ .‬وكان من ا‪١‬تمكن أن ‪٬‬ترمها‬ ‫و٭ترمها هنائيا وٯتنع الناس منها ‪.‬‬ ‫لكنه سبحانه عليم ٓتفايا وطبيعة‬ ‫النفوس البشرية ‪ ،‬فقد ترى امرأة‬ ‫أن تستغل إقبال الرجل عليها ‪ ،‬إما‬

‫‪ٞ‬تمال فيها أو لتوقد شهوة الرجل ‪،‬‬ ‫فتحاول أن تستذله؛ لذلك أعىط‬ ‫اهلل للرجل ا‪ٟ‬تق يف أن ٯتتنع عن‬ ‫زوجته أربعة أشهر ‪ ،‬أما أكثر من‬ ‫ذلك فا‪١‬ترأة ال تطيق أن ٯتتنع‬ ‫زوجها عنها ‪ { .‬ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ون ِمن‬ ‫ؤ‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نِ ّ َس ِآئ ِه ْم تَ َرب‬ ‫ُص أ َ ْربَعَ ِة أ َ ْش ُه ٍر فَإ ِْن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬

‫َفآءو فَإ َِن اهلل َغ ُف ِ‬ ‫يم }‬ ‫ُ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫واإلسبلم يريد أن يبٍت ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الزوجية عىل أساس واقعي ال عىل‬ ‫أفكار ‪٣‬تنحة و‪٣‬تحفة ال تثبت أمام‬ ‫الواقع ‪ ،‬فهو يعًتف با‪١‬تيول فيعليها‬ ‫ولكن ال يهدمها ‪ ،‬ويعًتف بالغرائز‬ ‫فبل يكتمها ولكن يضبطها ‪.‬‬

‫وهناك فرق بُت الضبط والكبت؛‬ ‫فإن الكبت يًتك الفرصة للداء‬ ‫ليستشري خفيا حىت يتفجر يف‬ ‫نوازع النفس اإلنسانية تفجرا عىل‬ ‫َت ميعاد وبدون احتياط ‪ ،‬لكن‬ ‫االنضباط يعًتف بالغريزة‬ ‫ويعًتف با‪١‬تيول ‪ ،‬و٭تاول فقط أن‬

‫يهديها وال يهدمها ‪ .‬وٮتضع البشر‬ ‫يف كل أعما‪٢‬تم ‪٢‬تذه النظرية حىت‬ ‫يف صناعتهم ‪ ،‬فالذين يصنعون‬ ‫المراجل البخارية مثبل ‪٬‬تعلون يف‬ ‫تلك ا‪١‬تراجل اليت ٯتكن أن يضغط‬ ‫فيها الغاز ضغطا فيفجرها ‪٬‬تعلون‬ ‫‪٢‬تا متنفسا حىت ٯتكن أن ٮتفف‬

‫وجد ‪ ،‬وقد‬ ‫الضغط الزائد إن ُ‬ ‫يصممون داخلها نظاما آليا ال‬ ‫يتدخل فيه العقل بل ٖتكم اْللة‬ ‫نفسها ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل وضع نظاما‬ ‫واضحا يف خلقه الذين خلقهم ‪،‬‬ ‫وشرع ‪٢‬تم تكوين األسرة عىل‬

‫أساس سليم ‪ .‬وبٌت اإلسبلم هذا‬ ‫النظام أوال عىل سبلمة العقيدة‬ ‫ونصاعتها ووحدهتا حىت ال تتوزع‬ ‫ا‪١‬تؤثرات يف مكونات األسرة ‪،‬‬ ‫لذلك منع ا‪١‬تسلم من أن يتزوج من‬ ‫مشركة ‪ ،‬وحرم عىل ا‪١‬تسلمة أن‬ ‫تتزوج مشركا ‪ .‬وبعد ذلك علمنا‬

‫معٌت االلتقاء الغريزي بُت‬ ‫الزوجُت ‪ .‬ولقد أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل أال يطلق العنان للغريزة يف‬ ‫كل زمان التواجد الزوجي ‪ ،‬فجعل‬ ‫ا‪١‬تحيض فًتة ٭ترم فيها ا‪ٞ‬تماع‬ ‫وقال ‪:‬‬

‫{ فاعتزلوا النسآء ِيف ا‪١‬تحيض} ػ‬ ‫البقرة ‪] 222 :‬‬ ‫وهكذا يضبط ا‪ٟ‬تق العبلقة ا‪ٞ‬تنسية‬ ‫بُت الزوجُت ضبطا سليما نظيفا ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعلم أن النفس‬ ‫البشرية ذات أغيار؛ ألن اإلنسان‬ ‫حادث له بداية وهناية ‪ ،‬وكل ما‬

‫يكون حادثا البد أن يطرأ عليه‬ ‫تغيَت ‪ .‬فإذا ما التىق الرجل با‪١‬ترأة ‪.‬‬ ‫كان البد من أن يتحدد هذا اللقاء‬ ‫عىل ضوء من منهج اهلل؛ ألن اللقاء‬ ‫إن تم عىل منهج البشر وعواطفهم‬ ‫كان ا‪١‬تصَت إىل الفشل؛ ألن مناهج‬ ‫البشر متغَتة وموقوتة ‪ ،‬ولذلك‬

‫‪٬‬تب أن يكون لقاء الرجل با‪١‬ترأة‬ ‫عىل ضوء معايَت اهلل ‪.‬‬ ‫فاهلل يعلم أن للنفس نوازع‬ ‫ومتغَتات ‪ ،‬ومن ا‪ٞ‬تائز جدا أن‬ ‫٭تدث خبلف بُت الزوجُت ‪،‬‬ ‫فيجعل اهلل سبحانه وتعاىل متنفسا‬ ‫يتنفس فيه الزوج للتأديب الذي‬

‫ينشد التهذيب واإلبقاء ‪ ،‬فشرع‬ ‫للرجل إن رأى يف امرأته إذالال له‬ ‫ّتما‪٢‬تا وْتسنها ‪ ،‬وقد يكون رجل‬ ‫له مزاج خاص ورغبة جا‪٤‬تة يف هذه‬ ‫العملية؛ لذلك شرع اهلل له فًتة‬ ‫من الفًتات أن ٭تلف أال يقرب‬ ‫امرأته ‪ ،‬ولم ‪٬‬تعل اهلل تلك الفًتة‬

‫مطلقة ‪ ،‬إ‪٪‬تا قيدها با‪ٟ‬تلف حىت‬ ‫يكون األمر مضبوطا ‪.‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق يريد العبلج ال القسوة ‪ .‬فلو‬ ‫لم يكن الرجل مضبوطا بيمُت‬ ‫فقد يُغَت رأيه بأن يأيت زوجته ‪،‬‬ ‫ولذلك قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ون‬ ‫ؤ‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِمن نِ ّ َس ِآئ ِه ْم تَ َرب‬ ‫ُص أ َ ْربَعَ ِة أ َ ْش ُه ٍر }‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬

‫إن لك أيها الزوج أن ٖتلف أال‬ ‫أي ّ‬ ‫تقرب زوجتك أربعة أشهر لكن‬ ‫إن زادت ا‪١‬تدة عىل أربعة أشهر فهي‬ ‫لن تكون تأديبا بل إضرارا ‪.‬‬ ‫وا‪٠‬تالق عز وجل يريد أن يؤدب ال‬ ‫أن يضر ‪ .‬فإذا ما ٕتاوزت ا‪١‬تدة‬ ‫يكون الزوج متعديا وال حق له ‪.‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل هو خالق‬ ‫ا‪١‬تيول والعواطف والغرائز ويقنن‬ ‫‪٢‬تا التقنُت السليم ‪ .‬إنه عز وجل‬ ‫يًتك لنا ما يدلنا عىل ذلك ‪ ،‬ففي‬ ‫خبلفة عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل‬ ‫عنه ‪ ،‬ٯتر عمر يف جوف الليل‬ ‫فيسمع امرأة تقول األبيات‬

‫ا‪١‬تشهورة ‪:‬‬ ‫تطاول هذه الليل وأسود جانبه ‪...‬‬ ‫وأرقٍت إال خليل أالعبه‬ ‫فواهلل لوال اهلل ٗتىش عواقبه ‪...‬‬ ‫لزلزل من هذا السرير جوانبه‬ ‫معٌت ذلك أن ا‪١‬ترأة تعاين من‬ ‫الوحشة إىل الرجل ‪ ،‬وتوشك‬

‫ا‪١‬تعاناة أن تدفعها إىل سلوك َت‬ ‫قويم ‪ ،‬لكن تقوى اهلل هي اليت‬ ‫٘تنعها من اال‪٨‬تراف ‪ .‬ومن ا‪ٞ‬تائز‬ ‫أن نتساءل كيف ‪ٝ‬تع عمر هذه‬ ‫ا‪١‬ترأة وهو يسَت يف الشارع ‪ ،‬وأقول‬ ‫‪ :‬إن ا‪١‬ترأة تأيت عندها هذه‬ ‫األحاسيس تًتنم يف سكون الليل ‪،‬‬

‫وعندما يسكن الليل ال تكون فيه‬ ‫ضجة فيسهل ‪ٝ‬تاع ما يقال داخل‬ ‫البيوت ‪ ،‬ألم يسمع عمر كبلم‬ ‫ا‪١‬ترأة اليت ٕتادل ابنتها يف غش‬ ‫اللنب؟‬ ‫و‪١‬تا ‪ٝ‬تع الفاروق كبلم هذه ا‪١‬ترأة‬ ‫اليت تعاين من وحشة إىل الرجل ‪،‬‬

‫ذهب بفطرته السليمة وأَ‪١‬تعيَّته‬ ‫ا‪١‬تشرقة إىل ابنته حفصة أم‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت رضي اهلل عنها ‪ ،‬وقال ‪٢‬تا ‪:‬‬ ‫كم تصْب ا‪١‬ترأة عىل بعد الرجل ‪،‬‬ ‫فقالت ‪ :‬من ستة شهور إىل أربعة‬ ‫أشهر ‪.‬‬

‫فسن عمر سنةً أصبحت دستورا‬ ‫فيما بعد ‪ ،‬وهي أال يبعد جندي من‬ ‫جنود ا‪١‬تسلمُت عن أهله أربعة‬ ‫أشهر ‪ .‬إذن فقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫ِ‬ ‫ون ِمن‬ ‫وتعاىل ‪ { :‬ل ّل َّ ِذي َن يُ ْؤل ُ َ‬ ‫نِ ّ َس ِآئ ِه ْم تَ َرب‬ ‫ُص أ َ ْربَعَ ِة أ َ ْش ُه ٍر }‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫سبق حادثة عمر ‪ ،‬ثم ترك ا‪ٟ‬تق‬

‫لواقع ا‪ٟ‬تياة أن يبُت لنا صدق ما‬ ‫قننه لنا ‪ ،‬ويأيت عمر ليستنبط‬ ‫ا‪ٟ‬تكم من واقع ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫آءو } أي فإن رجع الرجل‬ ‫{ فَإ ِْن فَ ُ‬ ‫‪ ،‬وأراد أن يقًتب من زوجته قبل‬ ‫مضي األربعة أشهر؛ فللرجل أن‬ ‫يكفر عن ٯتينه وتنتهي ا‪١‬تسألة ‪.‬‬

‫ولكن إذا مرت الشهور األربعة‬ ‫وٕتاوزت ا‪١‬تقاطعة مدهتا يؤمر‬ ‫الزوج بالرجوع عن اليمُت أو‬ ‫بالطبلق ‪ ،‬فإن امتنع الزوج طلقها‬ ‫إن‬ ‫ا‪ٟ‬تاكم ‪ ،‬وقال بعض الفقهاء ‪ّ :‬‬ ‫مضي مدة األربعة أشهر دون أن‬ ‫يرجع ويفئ ‪٬‬تعلها مطلقة طلقة‬

‫واحدة بائنة ‪ .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ وإِن َع َزموا ْالطبلق فَإ َِن اهلل َ ِ‬ ‫‪ٝ‬تي ٌع‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم }‬ ‫عَل ٌ‬ ‫اّلل َ ِ‬ ‫َوإ ِْن َع َز ُموا َّ‬ ‫‪ٝ‬تي ٌع‬ ‫الط َبل َق فَإ َِّن َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)227‬‬ ‫عَل ٌ‬

‫واختلف العلماء؛ هل تطلق‬ ‫الزوجة طلقة بائنة أو طلقة‬ ‫رجعية؟ ومعٌت « طبلق رجعي »‬ ‫مأخوذ من اللفظ نفسه ‪ ،‬أي أن‬ ‫الزوج له ا‪ٟ‬تق أن يراجع امرأته‬ ‫دون إذن منها أو رضا ً‪ .‬أما الطالق‬ ‫البائن فإنه ال عودة إال إذا َع َقد عليها‬

‫عقدا جديدا ًٔتهر جديد ‪.‬‬ ‫والطلقة يف اإليبلء بينونة صغرى‬ ‫وهي اليت ٖتتاج إىل عقد ومهر‬ ‫جديدين ‪ ،‬هذا إذا لم يسبق‬ ‫طبلقان ‪ .‬والبينونة الكْبى وهي‬ ‫اليت توصف بأهنا ذات الثبلث ‪،‬‬ ‫فالزوجة فيها تطلق ثبلث مرات ‪،‬‬

‫فبل يصح أن يعيدها الزوج إال إذا‬ ‫تزوجت زوجا َته ‪ ،‬وعاشت معه‬ ‫حياة زوجية كاملة ‪ ،‬ثم طلقها ألي‬ ‫سبب من األسباب ‪ ،‬وبعد ذلك ٭تق‬ ‫لزوجها القديم أن يراجعها‬ ‫ويعيدها إليه بعقد ومهر جديدين‬ ‫‪ ،‬لكن بعد أن يكتوي بغَتة زواجها‬

‫من رجل آخر ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يعرض هذه ا‪١‬تسألة فيقول ‪:‬‬ ‫ون ِمن نِ ّ َس ِآئ ِه ْم‬ ‫{ ِل َّل ِذي َن يُ ْؤل ُ َ‬ ‫تَ َربُّص أَربَع ِة أ َ‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫ٍ‬ ‫آءو فَإ َِّن‬ ‫ف‬ ‫ِن‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل َغ ُف ِ‬ ‫يم * َوإ ِْن َع َز ُموا ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يم } ػ‬ ‫الطبلق فَإ َِّن اهلل َ‪ٝ‬تي ٌع عَل ٌ‬ ‫البقرة ‪] 227-226 :‬‬

‫فاإلسبلم دين واقعي يعطي الزوج‬ ‫ا‪١‬تسلم أشياء تنفس عن غضبه ‪،‬‬ ‫وأشياء تمكنه من أن يؤدب زوجته ‪،‬‬ ‫ولكن اإلسبلم ال ٭تب أن يتمادى‬ ‫الرجل يف التأديب ‪ .‬وإذا ٘تادى‬ ‫وٕتاوز األربعة األشهر نقول له ‪:‬‬ ‫البد أن يوجد حد فاصل ‪.‬‬

‫وبعد ذلك ينتقل ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يف التكليف إىل أن يتكلم عن‬ ‫الطبلق وقد تكلم من قبل عن‬ ‫الزواج واإليبلء حىت وصل الطبلق‬ ‫‪.‬‬ ‫وعندما نتأمل موقف اإلسبلم من‬ ‫الطبلق ‪٧‬تده يتكلم كبلما ًواقعيا ً‬

‫يناسب ا‪١‬تيول اإلنسانية؛ ألننا ما‬ ‫دمنا أغيارا ًفمن ا‪١‬تمكن أن يطرأ‬ ‫عىل حياة الزوجُت أحداث أو‬ ‫مشاعر لم تكن يف ا‪ٟ‬تسبان ساعة‬ ‫الزواج ‪ .‬و‪٬‬توز أن يكون اإلنسان‬ ‫يف ساعة الزواج مدفوعا ْترارة‬ ‫ملكة واحدة ‪ ،‬وبعد ذلك عندما ‪٬‬تئ‬

‫واقع ا‪ٟ‬تياة تتملكه ملكات متعددة ‪،‬‬ ‫وقد تسيطر عليه ا‪١‬تسألة ا‪ٞ‬تنسية ‪،‬‬ ‫وتدفعه للزواج ‪ ،‬ويف سبيل إرضاء‬ ‫شهوته ا‪ٞ‬تنسية قد يهمل بقية‬ ‫ملكات نفسه ‪ ،‬فإذا ما دخل واقع‬ ‫الزواج وهدأت ِش ّرة وحرارة‬ ‫غرائز اإلنسان تتنبه نفس‬

‫اإلنسان إىل مقاييس أخرى يريد‬ ‫أن يراها يف زوجته فبل ‪٬‬تدها‬ ‫ويتساءل ما الذي أخفاها عنه؟‬ ‫أخفاها سعار وعرامة النظرة‬ ‫ا‪ٞ‬تنسية ‪ ،‬فقد نظر للمرأة قبل‬ ‫الزواج من زاوية واحدة ‪ ،‬ولم‬ ‫ينظر لبايق ا‪ٞ‬توانب ‪ .‬مثبل قد ‪٬‬تد‬

‫الزوج أن أخبلق الزوجة تتنافر مع‬ ‫أخبلقه ‪ ،‬وقد ‪٬‬تد تفكَتها‬ ‫وثقافتها تتنافر مع تفكَته وثقافته‬ ‫‪ ،‬ورٔتا وجد عدم التوافق العاطفي‬ ‫بينه وبينها ولم ٭تدث تآلف نفسي‬ ‫بينهما ‪ ،‬والعواطف كما نعلم ليس‬ ‫‪٢‬تا قوانُت ‪.‬‬

‫فمن ا‪ٞ‬تائز أن يكون الرجل َت‬ ‫قادر عىل االكتفاء بوليمة جنسية‬ ‫واحدة ‪ ،‬فهو لذلك ال يبٍت حياته‬ ‫عىل طهر ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يريد من امرأته أن‬ ‫تكون طاهرة عفيفة يف حياهتا معه ‪،‬‬ ‫بينما يعطي لنفسه ا‪ٟ‬ترية يف أن‬ ‫يعدد والئمه ا‪ٞ‬تنسية مع أكثر من‬

‫امرأة ‪ ،‬ورٔتا ٭تدث العكس ‪،‬‬ ‫أن امرأة‬ ‫وذلك أن ‪٬‬تد الرجل ّ‬ ‫واحدة تكفيه ‪ ،‬لكن ا‪١‬ترأة تريد‬ ‫أكثر من رجل ‪.‬‬ ‫وقد يكون الرجل طاهر األسلوب‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وتكون زوجته راغبة يف‬

‫أن يأتيها با‪١‬تال من أي طريق ‪،‬‬ ‫فيختلفان ‪ .‬وقد تكون ا‪١‬ترأة‬ ‫طاهرة األسلوب يف ا‪ٟ‬تياة فبل ترىض‬ ‫أن يتكسب زوجها من مال حرام ‪.‬‬ ‫من هنا يأيت الشقاق ‪ ،‬إن الشقاق‬ ‫يأيت عندما يريد أحد الزوجُت أن‬ ‫تكون حياهتما نظيفة طاهرة ‪،‬‬

‫مستقيمة ‪ ،‬وال يرى اْلخر ذلك ‪.‬‬ ‫مثل هذه الصورة موجودة يف الواقع‬ ‫حولنا ‪ ،‬فكم من بيوت تشىق عندما‬ ‫ٗتتفي الوحدة األسرية ‪ ،‬وٗتتلف‬ ‫نظرة أحد الزوجُت لؤلمور عن‬ ‫اْلخر ‪.‬‬ ‫وهذا هو سبب الشقاق الذي ٭تدث‬

‫بُت الزوجُت عندما ال يكتفي أحد‬ ‫الزوجُت بصاحبه ‪ .‬ولو اتفق رجل‬ ‫وامرأته عىل العفاف ‪ ،‬والطهر ‪،‬‬ ‫وا‪٠‬تَتية الستقامت أمور حياهتما ‪.‬‬ ‫ولذلك يأيت اإلسبلم بتشريعاته‬ ‫السامية لتناسب كل ظروف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫فيقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬

‫وا‪١‬تطلقات ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫ثَبلَثَةَ قرواء َوال َ َ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ َّن أَن ي َ ْك ُت ْم َن‬ ‫َما َخل َ َق اهلل يف أ َ ْر َحا ِم ِه َّن ‪} . . .‬‬

‫ات ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫َوا ْ‪١‬تُ َطل َّ َق ُ‬ ‫ث ََبلثَةَ ُق ُروءٍ َو َال َ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ َّن أ َ ْن ي َ ْك ُت ْم َن‬ ‫خل‬ ‫اّلل ِيف أ َ ْر َحا ِم ِه َّن إ ِْن ُك َّن‬ ‫َما َ َ َق َّ ُ‬

‫يُ ْؤ ِم َّن بِ َ ِ‬ ‫اّلل َوالْي َ ْو ِم ْاْل ِخ ِر َو ُب ُعول َ ُت ُه َّن‬ ‫ّ‬ ‫ك إ ِْن أ َ َر ُادوا‬ ‫أ َ َح ُّق بِ َر ِّد ِه َّن ِيف ذَل ِ َ‬ ‫إ ِْص َبل ًحا َو َ‪٢‬ت ُ َّن ِمث ْ ُل ال َّ ِذي عَلَي ْ ِه َّن‬ ‫بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬ ‫وف َولِل ّ ِر َج ِال عَلَي ْ ِه َّن دَ َر َج ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)228‬‬ ‫اّلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬ ‫َو َّ ُ‬

‫اْلية كلها تتضمن أحكاما ًتكليفية ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تكم التكليفي األول هو ‪{ :‬‬ ‫وا‪١‬تطلقات ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫ثَبلَثَةَ قرواء } ولنا أن نلحظ أن‬ ‫ا‪ٟ‬تكم لم يرد بصيغة األمر ولكن‬ ‫جاء يف صيغة ا‪٠‬تْب ‪ ،‬فقال ‪{ :‬‬ ‫وا‪١‬تطلقات ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن‬

‫ثَبلَثَ َة قرواء } ‪ ،‬وحُت يريد ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل حكما ًالزما ًال يأيت‬ ‫له بصيغة األمر اإلنشائي ‪ ،‬ولكن‬ ‫يأيت له بصيغة ا‪٠‬تْب ‪ ،‬هذا آكد‬ ‫وأوثق لؤلمر كيف؟‬ ‫معٌت ذلك أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫حُت يأمر فاألمر يصادف من‬

‫ا‪١‬تؤمنُت به امتثاال ً‪ ،‬ويُطبق‬ ‫االمتثال يف كل ا‪ٞ‬تزئيات حىت ال‬ ‫تشذ عنه حالة من ا‪ٟ‬تاالت فصار‬ ‫واقعا ُ٭تىك وليس تكليفا يُطلب ‪،‬‬ ‫وما دام قد أصبح األمر واقعا ُ٭تكي‬ ‫فكأن ا‪١‬تسألة أصبحت تارٮتا يُروى‬ ‫هو ‪ { :‬وا‪١‬تطلقات ي َ ًَتَبَّ ْص َن‬

‫بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن ثَبلَثَ َة قرواء } ‪ .‬و‪٬‬توز‬ ‫أن نأخذ اْلية عىل معٌت آخر هو أن‬ ‫اهلل قد قال ‪ { :‬وا‪١‬تطلقات‬ ‫ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن } فيكون كبلما ً‬ ‫خْبيا ً‪.‬‬ ‫وقلنا إن الكبلم ا‪٠‬تْبي ٭تتمل‬ ‫الصدق والكذب ‪ ،‬إن اهلل قد قال‬

‫ذلك فمن أراد أن يصدق كبلم اهلل‬ ‫فلينفذ ا‪ٟ‬تكم ‪ ،‬ومن أراد أن يبارز‬ ‫اهلل بالتكذيب وال يصدقه فبل ينفذ‬ ‫ا‪ٟ‬تكم ‪ ،‬ويرى يف نفسه آية عدم‬ ‫التصديق وهي ا‪٠‬تسران ا‪١‬تبُت ‪،‬‬ ‫أليس ذلك أكثر إلزاما من َته؟‬ ‫ومثل ذلك قوله تعاىل ‪ { :‬ا‪٠‬تبيثات‬

‫لِل ْ َخبِيثُِت وا‪٠‬تبيثون لِل ْ َخبِيث َ ِ‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫والطيبات ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُت والطيبون‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫لط‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْبء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ون ‪٦‬تَّا ي َ ُقول ُ َ‬ ‫لل ْ َّط ِيّبَات أولئك ُم َ َّ ُ َ‬ ‫َ‪٢‬تم َّمغ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫يم } ػ النور ‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪] 26‬‬ ‫إن هذا وإن كان كبلما خْبيا لكنه‬ ‫تشريع إنشائي ٭تتمل أن تطيع‬

‫وأن تعصي ولكن اهلل يطلب منا أن‬ ‫تكون القضية هكذا { ا‪٠‬تبيثات‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُت } يعٍت أن ربكم يريد‬ ‫لل ْ َخبِيث َ‬ ‫أن تكون { ا‪٠‬تبيثات لِل ْ َخبِيثِ‬ ‫ُت }‬ ‫َ‬ ‫ُت }‬ ‫وأن تكون { الطيبات ل ِ َّلط ِي ّبِ َ َُ‬ ‫وليس معٌت ذلك أن الواقع البد أن‬ ‫يكون كما جاء يف اْلية ‪ ،‬إ‪٪‬تا الواقع‬

‫يكون كذلك لو نفذنا كبلم اهلل‬ ‫وسيختلف إذا عصينا اهلل و٘تردنا‬ ‫عىل شرعه ‪ .‬وا‪١‬تعٌت نفسه يف قوله‬ ‫ان آ ِمنا ً} ػ‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬و َمن دَ َخل َ ُه ك َ َ‬ ‫آل عمران ‪] 97 :‬‬ ‫أي اجعلوا من يدخل البيت ا‪ٟ‬ترام‬ ‫آمنا ً‪ .‬و٭تتمل أن يعصي أحد اهلل‬

‫فبل ‪٬‬تعل البيت ا‪ٟ‬ترام آمنا ً‪ .‬إذن‬ ‫فقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وا‪١‬تطلقات‬ ‫ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن ثَبلَثَ َة قرواء }‬ ‫هو حكم تكليفي يستحق النفاذ ‪١‬تن‬ ‫يؤمن باهلل ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬ي َ ًَتَبَّ ْص َن }‬ ‫أي ينتظرن ‪ ،‬واللفظ هنا يناسب‬ ‫ا‪١‬تقام ٘تاما ‪ ،‬فا‪١‬تًتبصة هي‬

‫ا‪١‬تطلقة ‪ ،‬ومعٌت مطلقة أهنا مزهود‬ ‫فيها ‪ ،‬وتًتبص انتهاء عدهتا حىت‬ ‫ترد اعتبارها بصبلحيتها للزواج‬ ‫من زوج آخر ‪ .‬ولم ينته القول‬ ‫الكريم بقوله ‪ { :‬ي َ ًَتَبَّ ْص َن }‬ ‫وإ‪٪‬تا قال ‪ { :‬ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن }‬ ‫مع أن ا‪١‬تًتبصة هي نفسها‬

‫ا‪١‬تطلقة؛ ذلك ألن النفس الواعية‬ ‫ا‪١‬تكلفة والنفس األمارة بالسوء‬ ‫تكونان يف صراع عىل الوقت وهو {‬ ‫ثَبلَثَةَ قرواء } ‪ « ،‬وقروء » ‪ٚ‬تع «‬ ‫قرء » وهو إما ا‪ٟ‬تيضة وإما الطهر‬ ‫الذي بُت ا‪ٟ‬تيضتُت ‪ .‬وقوله ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ثَبلَثَ َة قرواء }‬

‫وما ا‪١‬تقصود به؟‬ ‫هل هو ا‪ٟ‬تيضة أو الطهر؟ إن‬ ‫ا‪١‬تقصود به الطهر ‪ ،‬ألنه قال ‪« :‬‬ ‫ثبلثة » بالتاء ‪ ،‬و‪٨‬تن نعرف أن التاء‬ ‫تأيت مع ا‪١‬تذكر ‪ ،‬وال تأيت مع ا‪١‬تؤنث‬ ‫‪ ،‬و « ا‪ٟ‬تيضة » مؤنثة و « الطهر »‬

‫مذكر ‪ ،‬إذن ‪ { ،‬ثَبلَثَ َة قرواء } هي‬ ‫ثبلثة أطهار متواليات ‪.‬‬ ‫والعلة هي استْباء الرحم وإعطاء‬ ‫مهلة للزوجُت يف أن يراجعا‬ ‫نفسيهما ‪ ،‬فرٔتا بعد الطهر األول‬ ‫أو الثاين يشتاق أحد‪٫‬تا لآلخر ‪،‬‬

‫فتعود ا‪١‬تسائل ‪١‬تا كانت عليه ‪ ،‬لكن‬ ‫إذا مرت ثبلثة أطهار فبل أمل وال‬ ‫رجاء يف الرجوع ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪َ { :‬وال َ َ٭ت ِ ُّل‬ ‫َ‪٢‬ت ُ َّن أَن ي َ ْك ُت ْم َن َما َخل َ َق اهلل يف‬ ‫أ َ ْر َحا ِم ِه َّن } وما معٌت ا‪٠‬تلق؟ ا‪٠‬تلق‬ ‫هو إ‪٬‬تاد شيء كان معدوما ً‪ ،‬وهذا‬

‫الشيء الذي كان معدوما إما أن‬ ‫يكون ‪ٛ‬تبل ًوإما أن يكون حيضا ‪،‬‬ ‫وللحامل عدة جاءت يف قوله ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬ ‫{ َوأُ ْوال َ ُت األ‪ٛ‬تال أ َ َجل ُ ُه َّن أَن‬ ‫‪ٛ‬تل َ ُه َّن } ػ الطبلق ‪] 4 :‬‬ ‫ي َ َضعْ َن َ ْ‬ ‫أما ا‪١‬ترأة ا‪ٟ‬تائل وهي اليت بدون‬ ‫‪ٛ‬تل ‪ ،‬فعدهتا أن ٖتيض وتطهر‬

‫ثبلث مرات وهناك حالة ثالثة هي‬ ‫‪ { :‬والبلئي ي َ ِئ ْس َن ِم َن ا‪١‬تحيض ِمن‬ ‫نِ ّ َس ِآئ ُك ْم إ ِِن ارتبتم فَعِ َّد ُهت ُ َّن ثَبلَثَ ُة‬ ‫أ َ ْش ُه ٍر والبلئي ل َ ْم َ٭ت ِ ْض َن } ػ‬ ‫الطبلق ‪] 4 :‬‬ ‫أي أن ا‪١‬ترأة اليت انقطعت عنها‬ ‫الدورة الشهرية فعدهتا « ثبلثة‬

‫أشهر » ا‪ٟ‬تكم نفسه للصغَتة اليت‬ ‫لم ٖتض بعد ‪ ،‬أي عدهتا ثبلثة أشهر‬ ‫‪ .‬إذن فنظام العدة له حاالت ‪:‬‬ ‫* إن كانت َت حامل فعدهتا ثبلثة‬ ‫قروء أي ثبلثة أطهار إن كانت ‪٦‬تن‬ ‫٭تضن‬ ‫* إن كانت حامبل فعدهتا أن تضع‬

‫‪ٛ‬تلها ‪.‬‬ ‫* وإن لم تكن حامبل وقد بلغت‬ ‫سن اليأس ولم تعد ت يحض ‪ ،‬أو‬ ‫كانت صغَتة لم تصل لسن ا‪ٟ‬تيض‬ ‫‪ ،‬هذه وتلك عدهتا ثبلثة أشهر ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ َ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ َّن أَن‬ ‫ي َ ْك ُت ْم َن َما َخل َ َق اهلل يف أ َ ْر َحا ِم ِه َّن }‬

‫يدل عىل أن ا‪١‬ترأة ‪٢‬تا شهادهتا‬ ‫لنفسها يف األمر الذي ٮتصها وال‬ ‫يطلع عليه سواها ‪ .‬وهي اليت تقرر‬ ‫ا‪١‬تسألة بنفسها ‪ ،‬فتقول ‪ :‬أنا حامل‬ ‫أو ال ‪ ،‬وعليها أال تكتم ذلك ‪ ،‬فقد‬ ‫‪٬‬توز أن تكون حامبل وبعد ذلك‬ ‫تكتم ما يف بطنها حىت ال تنتظر‬

‫طول مدة ا‪ٟ‬تمل وتتزوج رجبل ً‬ ‫آخر فينسب الولد لغَت أبيه ‪،‬‬ ‫فغالبا ًما يستمر ا‪ٟ‬تمل تسعة أشهر‬ ‫ولكن فيه استثناء ‪ ،‬فهناك ‪ٛ‬تل‬ ‫مدته سبعة شهور ‪ ،‬وأحيانا ستة‬ ‫شهور ‪ .‬وقد تتزوج ا‪١‬ترأة ا‪١‬تطلقة‬ ‫بعد ثبلثة شهور وتدعي أهنا حامل‬

‫من الزوج ا‪ٞ‬تديد وأن ‪ٛ‬تلها لم‬ ‫يستمر سوى سبعة أشهر أو ستة‬ ‫أشهر ‪.‬‬ ‫وبعضنا يعرف قصة ا‪ٟ‬تامل يف ستة‬ ‫شهور ‪ ،‬فقد جاءوا بامرأة لسيدنا‬ ‫عثمان رضي اهلل عنه ألهنا ولدت‬ ‫لستة أشهر ‪ ،‬فأراد أن يقيم عليها‬

‫حد الزىن ‪ ،‬فتدخل اإلمام علي ابن‬ ‫أيب طالب وقال ‪ :‬كيف تقيم عليها‬ ‫ا‪ٟ‬تد ألهنا ولدت لستة أشهر ‪ ،‬ألم‬ ‫تقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل؟ قال‬ ‫عثمان ‪ :‬وماذا قال ا‪ٟ‬تق يف ذلك؟‬ ‫فقرأ اإلمام علي قول اهلل ‪{ :‬‬

‫والوالدات يُ ْر ِضعْ َن أ َ ْوالَدَ ُه َّن‬ ‫ُت كَا ِمل َ ْ ِ‬ ‫َح ْول َ ْ ِ‬ ‫ُت }‬

‫ػ البقرة ‪] 233 :‬‬ ‫أي أهنا ترضع الوليد ‪١‬تدة أربعة‬ ‫وعشرين شهرا ً‪ ،‬ويف آية أخرى‬ ‫‪ٛ‬تلَت ْ ُه أُ ُّم ُه ُك ْرها ً‬ ‫قال ا‪ٟ‬تق ‪َ َ { :‬‬

‫‪ٛ‬تل ُ ُه َوفِ َصال ُ ُه‬ ‫َو َو َضعَت ْ ُه ُك ْرها ً َو َ ْ‬ ‫ُون َشهْرا ً} ػ األحقاف ‪15 :‬‬ ‫ثَبلَث َ‬ ‫]‬ ‫فإذا أخذنا من اْلية األوىل أربعة‬ ‫وعشرين شهرا ًوهي مدة الرضاع‬ ‫وطرحناها من الثبلثُت شهرا ًاليت‬ ‫ٕتمع بُت ا‪ٟ‬تمل والرضاع يف اْلية‬

‫الثانية فهمنا أن ا‪ٟ‬تمل قد يكون‬ ‫ستة أشهر ‪ .‬هنا قال سيدنا عثمان‬ ‫متعجبا ‪ :‬واهلل ما فطنت ‪٢‬تذا ‪.‬‬ ‫إذن فحمل الستة الشهور أمر‬ ‫‪٦‬تكن ‪ ،‬ومن هنا نفهم ا‪ٟ‬تكمة يف‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ َ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ َّن أَن‬ ‫ك٘ت ْ َن َما َخل َ َق اهلل يف أ َ ْر َحا ِم ِه َّن }‬ ‫يَ ْ ُ‬

‫‪ ،‬حىت ال تدعي ا‪١‬ترأة أهنا ليست‬ ‫حامبل وتتزوج رجبل آخر وتنسب‬ ‫إليه ولدا ًليس من صلبه ويًتتب‬ ‫عىل ذلك أكثر من إشكال ‪ ،‬منها أال‬ ‫يرث الولد من األب األول ‪ ،‬وأن‬ ‫‪٤‬تارمه لم تعد ‪٤‬ترمة عليه ‪ ،‬فأخته‬ ‫من أبيه لم تعد أخته ‪ ،‬وكذلك‬

‫عماته وخاالته وتنقلب ا‪١‬توازين ‪،‬‬ ‫هذا من جانب األب األصلي ‪.‬‬ ‫أما من جانب الزوج الثاين فالطفل‬ ‫يكتسب حقوقا َت مشروعة له ‪،‬‬ ‫سَتث منه ‪ ،‬وتصبح ‪٤‬تارم الرجل‬ ‫الثاين ‪٤‬تارمه فيدخل عليهن ببل حق‬ ‫ويرى عوراهتن ‪ ،‬وٖتدث‬

‫تداخبلت َت مشروعة ‪.‬‬ ‫إذن فقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ َ٭ت ِ ُّل ل َ ُه َّن أَن‬ ‫ي َ ْك ُت ْم َن َما َخل َ َق اهلل يف أ َ ْر َحا ِم ِه َّن }‬ ‫هو قول يريد به ا‪ٟ‬تق أن تقوم ا‪ٟ‬تياة‬ ‫عىل طهر وعىل شرف وعىل عفاف ‪،‬‬ ‫وال يعتدي أحد عىل حقوق اْلخر ‪.‬‬ ‫هذا بالنسبة للحمل ‪ .‬فكيف‬

‫يكون ا‪ٟ‬تال بالنسبة للحيض؟‬ ‫أيضا ال ٭تل ‪٢‬تا أن تكتم حيضها‬ ‫لتطيل زمن العدة مع زوجها ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إِن ُك َّن يُ ْؤ ِم َّن باهلل‬ ‫واليوم اْلخر } ‪ .‬فما عبلقة‬ ‫اإلٯتان هنا با‪ٟ‬تكم الشرعي؟ إهنا‬ ‫عبلقة وثيقة؛ ألن ا‪ٟ‬تمل أو ا‪ٟ‬تيض‬

‫مسائل خفيفة ال ٭تكمها قانون‬ ‫ظاهر ‪ ،‬إ‪٪‬تا الذي ٭تكمها هو‬ ‫عملية اإلٯتان ‪ ،‬ولذلك قيل ‪« :‬‬ ‫الغيب ال ٭ترسه إال غيب » وما دام‬ ‫الشيء ائبا ًفلن ٭ترسه إال الغيب‬ ‫األعىل وهو اهلل تعاىل ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ُب ُعول َ ُت ُه َّن أ َ َح ُّق‬

‫ك } والبعل هو الزوج‬ ‫بِ َر ِّد ِه َّن ِيف ذَل ِ َ‬ ‫‪ ،‬وهو الرب والسيد وا‪١‬تالك ‪ ،‬ويف‬ ‫أثناء فًتة الًتبص يكون الزوج‬ ‫أحق برد زوجته إىل عصمته ‪ ،‬وقوله‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬و ُب ُعول َ ُت ُه َّن أ َ َح ُّق بِ َر ِّد ِه َّن }‬ ‫هل يعٍت ذلك أن هناك أناسا ًٯتكن‬ ‫أن يشاركوا الزوج يف الرد؟ ألن‬

‫ا‪ٟ‬تق جاء بكلمة { أ َ َح ُّق } ويف‬ ‫ظاهرها تعطي ا‪ٟ‬تق لغَت األزواج أن‬ ‫يراجعوا؟ ال ‪ ،‬إ‪٪‬تا ا‪١‬تقصود هو أنه ال‬ ‫حق ألحد هنا إال للزوج ‪ ،‬فالرد‬ ‫خبلل العدة من حق الزوج ‪ ،‬فليس‬ ‫للزوجة أن تقول ‪ :‬ال ‪ ،‬وليس لويل‬ ‫الزوجة أن يقول ‪ :‬ال ‪ .‬فالزوج إذا‬

‫أراد مراجعة زوجته وأبت‬ ‫وامتنعت هي وجب إيثار وتقديم‬ ‫ر بته عىل ر بتها ‪ ،‬وكان هو أحق‬ ‫منها ‪ ،‬وال ينظر إىل قو‪٢‬تا ‪ ،‬فإنه ليس‬ ‫‪٢‬تا يف هذا األمر حق فقد رضيت به‬ ‫أوال ً‪ .‬أما إذا انتهت العدة فالصورة‬ ‫البمن الويل ‪ ،‬والبد من‬ ‫ٗتتلف ‪ ،‬د‬

‫عقد ومهر جديدين واشًتاط‬ ‫موافقة الزوجة ‪.‬‬

‫ك إ ِْن‬ ‫{ َو ُب ُعول َ ُت ُه َّن أ َ َح ُّق بِ َر ِّد ِه َّن ِيف ذَل ِ َ‬ ‫أرادوا إ ِْصبلَحا ً} هذا إن أرادوا‬ ‫إصبلحا ً‪ .‬واإلرادة عمل يبي ‪،‬‬ ‫فكأهنا هتديد للزوجُت ‪ ،‬إن التشريع‬

‫‪٬‬تيز ‪٢‬تما العودة ‪ ،‬لكن إذا كان‬ ‫ريأن يردها ليوقع بها‬ ‫الزوج ي د‬ ‫الضرر لسبب يف نفسه فالدين‬ ‫يقول له ‪ :‬ال ‪ ،‬ليس لك ذلك ‪ .‬وإن‬ ‫كان القضاء ‪٬‬تيز له ردها ‪ ،‬إال أن اهلل‬ ‫٭ترم عليه ذلك الظلم ‪ .‬إن من حق‬ ‫الزوج أن يرد زوجته ردا ًشرعيا ً‬

‫للعفة من اإلحصان ولغرض‬ ‫الزوجية ال لشيء آخر ‪ ،‬أما َت‬ ‫ذلك كاإلضرار بها واالنتقام منها‬ ‫فبل ‪٬‬تيز له الدين ذلك ‪.‬‬ ‫أما قضائيا ًفالقضاء يعطيه ا‪ٟ‬تق يف‬ ‫ردها وال يستطيع أحد أن يقف‬ ‫أمامه مهما كانت األسباب الكامنة‬

‫يف نفسه ‪ ،‬لكن عليه أن يتحمل‬ ‫وزر ذلك العمل ‪ .‬ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫َو َ‪٢‬ت ُ َّن ِمث ْ ُل الذي عَلَي ْ ِه َّن با‪١‬تعروف‬ ‫} أي أن للزوجة مثل ما للزوج ‪،‬‬ ‫لكن ما الذي ‪٢‬تن وما الذي عليهن؟‬ ‫ا‪١‬تثلية هنا يف ا‪ٞ‬تنس ‪ ،‬فكل منهما له‬ ‫حق عىل اْلخر حسب طبيعته ‪،‬‬

‫الزوج يقدم للزوجة بعضا ًمن‬ ‫خدمات ‪ ،‬والزوجة تقدم له‬ ‫خدمات مقابلة؛ ألن ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الزوجية مبنية عىل توزيع‬ ‫ا‪١‬تسئوليات ‪ ،‬إن الرجل عليه‬ ‫مسئوليات تقتضيها طبيعته‬ ‫كرجل ‪ ،‬وا‪١‬ترأة عليها مسئوليات‬

‫ٖتتمها طبيعتها كأنثى ‪ .‬والرجل‬ ‫مطالب بالكدح والسعي من أجل‬ ‫اإلنفاق ‪ .‬وا‪١‬ترأة مطالبة بأن توفر‬ ‫للرجل البيت ا‪١‬تناسب ليسكن‬ ‫إليها عندما يعود من مهمته يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫‪ .‬ولذلك يقول اهلل عز وجل ‪{ :‬‬ ‫َو ِم ْن آيَاتِ ِه أ َ ْن َخل َ َق ل َ ُكم ِّم ْن‬

‫أ َ ُنف ِس ُك ْم أ َزْ َواجا ًلتسكنوا إِلَيْهَا‬ ‫‪ٛ‬تةًإ َِّن ِيف‬ ‫َو َجعَ َل بَيْن َ ُكم َّم َو َّدة ً َو َر ْ َ‬ ‫ات ل ِ ّ َقو ٍم يَت َ َف َّ‬ ‫ك ْلي َ ٍ‬ ‫ك‬ ‫ون } ػ‬ ‫ر‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫الروم ‪] 21 :‬‬ ‫والسكن إىل شيء هو نقيض‬ ‫التحرك ‪ ،‬ومعٌت{ لتسكنوا إِلَيْهَا‬ ‫} أي إنكم تتحركون من أجل‬

‫الرزق طوال النهار ثم تعودون‬ ‫للراحة عند زوجاتكم ‪ ،‬فالرجل‬ ‫عليه ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬وا‪١‬ترأة عليها أن هتيئ‬ ‫له حسن اإلقامة ‪ ،‬و‪ٚ‬تال العشرة‬ ‫وحنان وعطف ا‪١‬تعاملة ‪.‬‬ ‫فا‪١‬تسئوليات موزعة توزيعا ًعادال ً‪،‬‬ ‫فهناك حق لك هو واجب عىل‬

‫َتك ‪ ،‬وهناك حق لغَتك وهو‬ ‫واجب عليك ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ولِل ّ ِر َج ِال عَلَي ْ ِه َّن‬ ‫دَ َر َج ٌة } وهي درجة الوالية‬ ‫والقوامة ‪ .‬ودرجة الوالية تعطينا‬ ‫مفهوما أعم وأمشل ‪ ،‬فكل اجتماع‬ ‫البد له من قَ ِي ّم ‪ ،‬والقوامة مسئولية‬

‫وليست تسلطا ً‪ ،‬والذي يأخذ‬ ‫القوامة فرصة للتسلط والتحكم‬ ‫فهو ٮترج بها عن غرضها؛‬ ‫فاألصل يف القوامة أهنا مسئولية‬ ‫لتنظيم ا‪ٟ‬تركة يف ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫وال غضاضة عىل الرجل أن يأ٘تر‬ ‫بأمر ا‪١‬ترأة فيما يتعلق برسالتها‬

‫كامرأة ويف ‪٣‬تاالت خدمتها ‪ ،‬أي يف‬ ‫الشئون النسائية ‪ ،‬فكما أن‬ ‫للرجل ‪٣‬تاله ‪ ،‬فللمرأة ‪٣‬تا‪٢‬تا أيضا ً‪.‬‬ ‫والدرجة اليت من أجلها ُرفع‬ ‫الرجل هي أنه قوام أعىل يف ا‪ٟ‬تركة‬ ‫الدنيوية ‪ ،‬وهذه القوامة تقتضي أن‬ ‫ينفق الرجل عىل ا‪١‬ترأة تطبيقا ً‬

‫لقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ِٔتَآ أَن ْ َف ُقوا ْ ِم ْن‬ ‫أ َ ْم َو ِا‪٢‬تِ ْم } ػ النساء ‪] 34 :‬‬ ‫إذن فاإلنفاق واجب الرجل‬ ‫ومسئوليته ‪ ،‬وليعلم أن اهلل عزيز ال‬ ‫٭تب أن يستذل رجل امرأة هي‬ ‫‪٥‬تلوق هلل ‪ ،‬واهلل حكيم قادر عىل أن‬ ‫يقتص للمرأة لو فهم الرجل أن‬

‫درجته فوق ا‪١‬ترأة هي لبلستبداد ‪،‬‬ ‫أو فهمت ا‪١‬ترأة أن وجودها مع‬ ‫الرجل هي منة منها عليه ‪ ،‬فبل‬ ‫استذالل يف الزواج؛ ألن الزواج‬ ‫أساسه ا‪١‬تودة وا‪١‬تعرفة ‪ .‬ويقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬الطبلق َم َّرتَ ِ‬ ‫ان‬

‫اك ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو تَ ْسرِي ٌح‬ ‫فَإ ِْم َس ٌ‬ ‫بِإ ِْح َسانٍ ‪} . . .‬‬ ‫اك ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫َّ‬ ‫الط َبل ُق َم َّرتَ ِ‬ ‫وف‬ ‫ان فَإِ ْم َس ٌ‬ ‫أ َ ْو تَ ْسرِي ٌح بِإ ِْح َسانٍ َو َال َ٭ت ِ ُّل ل َ ُك ْم أ َ ْن‬ ‫تَأ ْ ُخ ُذوا ِ‪٦‬تَّا آتَي ْ ُت ُمو ُه َّن َشيْئًا إ َِّال أ َ ْن‬ ‫َٮتَافَا أ َ َّال يقِيما ح ُدود َ ِ‬ ‫اّلل فَإ ِْن ِخ ْف ُت ْم‬ ‫ُ َ ُ َ ّ‬

‫أ َ َّال يقِيما ح ُدود َ ِ‬ ‫اح‬ ‫اّلل فَ َبل ُجن َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ود‬ ‫يما افْت َ َد ْت بِ ِه تِل ْ َ‬ ‫عَلَي ْ ِه َما ف َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬ ‫َِ‬ ‫اّلل فَ َبل تَعْت َ ُد َ‬ ‫ّ‬ ‫وها َو َم ْن يَتَعَ َّد ُح ُدودَ‬ ‫الظا ِ‬ ‫َِ‬ ‫اّلل فَأُولَئِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ون (‪)229‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ َ‬

‫هنا يتحدث ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫عن الطبلق بعد أن ٖتدث عن‬

‫ا‪١‬تطلقة يف عدهتا وكيفية ردها‬ ‫ومراجعتها ‪ ،‬وإنه سبحانه يتحدث‬ ‫عن الطبلق يف حد ذاته ‪ .‬والطبلق‬ ‫مأخوذ من االنطبلق والتحرر ‪،‬‬ ‫فكأنه حل عقدة كانت موجودة‬ ‫وهي عقدة النكاح ‪ .‬وعقدة النكاح‬ ‫هي العقدة اليت جعلها اهلل عقدا ً‬

‫مغلظا ًوهي ا‪١‬تيثاق الغليظ ‪ ،‬فقال‬ ‫تعاىل ‪َ { :‬وأ َ َخ ْذ َن ِمن ُكم ِّميثَاقا ً‬ ‫َلِيظا ً} ػ النساء ‪] 21 :‬‬ ‫إنه ميثاق ليظ ألنه أباح للزوجُت‬ ‫عورات اْلخر ‪ ،‬يف حُت أنه لم يقل‬ ‫عن اإلٯتان إنه ميثاق ليظ ‪ ،‬قال‬ ‫عنه ‪ « :‬ميثاق » فقط ‪ ،‬فكأن ميثاق‬

‫الزواج أ لظ من ميثاق اإلٯتان ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن يريب‬ ‫يف الناس حل ا‪١‬تشكبلت بأيسر‬ ‫الطرق ‪ .‬لذلك شرع لنا أن ‪٨‬تل‬ ‫عقدة النكاح ‪ ،‬وهناية العقدة ليست‬ ‫كبدايتها ‪ ،‬ليست جذرية ‪ ،‬فبداية‬ ‫النكاح كانت أمرا ًجذريا ‪ ،‬أخذناه‬

‫بإ‪٬‬تاب وقبول وشهود وأنت حُت‬ ‫تدخل يف األمر تدخله وأنت‬ ‫دارس لتبعاته وظروفه ‪ ،‬لكن األمر‬ ‫يف عملية الطبلق ٮتتلف؛ فالرجل‬ ‫ال ٯتلك أغمار نفسه ‪ ،‬فرٔتا‬ ‫يكون السبب فيها هينا ًأو لشيء‬ ‫كان ٯتكن أن ٯتر بغَت الطبلق؛‬

‫فيشاء ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن ‪٬‬تعل‬ ‫للناس أناة وروية يف حل العقدة‬ ‫فقال ‪ { :‬الطبلق َم َّرتَ ِ‬ ‫ان } يعٍت‬ ‫مرة ومرة ‪ ،‬ولقائل أن يقول ‪ :‬كيف‬ ‫يكون مرتُت ‪ ،‬و‪٨‬تن نقول ثبلثة؟‬ ‫رجل رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫وقد سأل ٌ‬ ‫عليه وسلم ‪ .‬فقال يا رسول اهلل قال‬

‫اهلل تعاىل ‪ { :‬الطبلق َم َّرتَ ِ‬ ‫ان} فلم‬ ‫صار ثبلثا ً؟‬ ‫فقال صىل اهلل عليه وسلم مبتسما ً‪:‬‬ ‫اك ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو تَ ْسرِي ٌح‬ ‫{ فَإ ِْم َس ٌ‬ ‫بِإ ِْح َسانٍ } ‪ .‬فكأن معٌت { الطبلق‬ ‫َم َّرتَ ِ‬ ‫ان } ‪ ،‬أي أن لك يف ‪٣‬تال‬ ‫اختيارك طلقتُت للمرأة ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬

‫الثالثة ليست لك ‪١ ،‬تاذا؟ ألهنا من‬ ‫بعد ذلك ستكون هناك بينونة‬ ‫كْبى ولن تصبح مسألة عودهتا‬ ‫إليك من حقك ‪ ،‬وإ‪٪‬تا هذه ا‪١‬ترأة‬ ‫قد أصبحت من حق رجل آخر ‪. .‬‬ ‫{ حىت تَن ْ ِك َح زَ ْوجا ً َ َْت َ ُه } ػ البقرة‬ ‫‪] 230 :‬‬

‫أما قول الرجل لزوجته أنت «‬ ‫طالق ثبلثا ً» يُعتْب ثبلث طلقات‬ ‫أم ال؟ نقول ‪ :‬إن الزمن شرط‬ ‫أساسي يف وقوع الطبلق ‪ ،‬يطلق‬ ‫الرجل زوجته مرة ‪ ،‬ثم ٘تضي فًتة‬ ‫من الزمن ‪ ،‬ويطلقها مرة أخرى‬ ‫فتصبح طلقة ثانية ‪ ،‬و٘تضي أيضا‬

‫فًتة من الزمن وبعد ذلك نصل‬ ‫اك ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو‬ ‫لقوله ‪ { :‬فَإ ِْم َس ٌ‬ ‫تَ ْسرِي ٌح بِإ ِْح َسانٍ } ولذلك فاْلية‬ ‫نصها واضح وصريح يف أن الطبلق‬ ‫بالثبلث يف لفظ واحد ال يوقع ثبلث‬ ‫طلقات ‪ ،‬وإ‪٪‬تا هي طلقة واحدة ‪،‬‬ ‫صحيح أن سيدنا عمر رضي اهلل‬

‫عنه جعلها ثبلث طلقات؛ ألن‬ ‫الناس استسهلوا ا‪١‬تسألة ‪ ،‬فرأى‬ ‫أن يشدد عليهم ليكفوا ‪ ،‬لكنهم‬ ‫لم يكفوا ‪ ،‬وبذلك نعود ألصل‬ ‫التشريع كما جاء يف القرآن وهو{‬ ‫الطبلق َم َّرتَ ِ‬ ‫ان } ‪.‬‬ ‫وحكمة توزيع الطبلق عىل ا‪١‬ترات‬

‫الثبلث ال يف العبارة الواحدة ‪ ،‬أن‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه يعطي فرصة للًتاجع‬ ‫‪ .‬وإعطاء الفرصة ال يأيت يف نفس‬ ‫واحد ويف جلسة واحدة ‪.‬‬ ‫إن الرجل الذي يقول لزوجته ‪:‬‬ ‫أنت طالق ثبلثا ًلم يأخذ الفرصة‬

‫لَتاجع نفسه ولو اعتْبنا قولته هذه‬ ‫ثبلث طلقات لتهدمت ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الزوجية بكلمة ‪ .‬ولكن عظمة‬ ‫التشريع يف أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وزع‬ ‫الطبلق عىل مرات حىت يراجع‬ ‫اإلنسان نفسه ‪ ،‬فرٔتا أخطأ يف‬ ‫ا‪١‬ترة األوىل ‪ ،‬فيمسك يف ا‪١‬ترة‬

‫الثانية ويندم ‪ .‬وساعة ٕتد‬ ‫التشريع يوزع أمرا ً‪٬‬توز أن ٭تدث‬ ‫و‪٬‬توز أال ٭تدث ‪ ،‬فبل بد من وجود‬ ‫فاصل زمٍت بُت كل مرة ‪ .‬وبعض‬ ‫ا‪١‬تتشدقُت يريدون أن يْبروا‬ ‫للناس هتجمهم عىل منهج اهلل‬ ‫فيقولون ‪ :‬إن اهلل حكم بأن تعدد‬

‫الزوجات ال ٯتكن أن يتم فقال ‪:‬‬ ‫{ َولَن تستطيعوا أَن تَعْ ِدلُوا ْ ي ْ َب َن‬ ‫النسآء َول َ ْو َح َر ْص ُت ْم } ػ النساء ‪:‬‬ ‫‪] 129‬‬ ‫إن اهلل اشًتط يف التعدد‬ ‫ويقولون ‪ّ :‬‬ ‫العدل ‪ ،‬ثم حكم بأننا لن نستطيع‬ ‫أن نعدل بُت الزوجات مهما‬

‫حرصنا ‪ ،‬فكأنه رجع يف التشريع ‪،‬‬ ‫هذا منطقهم ‪ .‬ونقول ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫أكملوا قراءة اْلية تفهموا ا‪١‬تعٌت ‪،‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬ولَن تستطيعوا‬ ‫َ ِ‬ ‫ُت النسآء َول َ ْو َح َر ْص ُت ْم‬ ‫أن تَعْدلُوا ْب َ ْ َ‬ ‫} ثم فرع عىل النفي فقال ‪ { :‬فَبل َ‬ ‫َ ِ٘تيلُوا ْكُ َّل ا‪١‬تيل } ػ النساء ‪:‬‬

‫‪] 129‬‬ ‫وما دام النفي قد ُف ّ ِرع عليه فقد‬ ‫انتىف ‪ ،‬فاألمر كما يقولون ‪ :‬نفي‬ ‫النفي إثبات ‪ .‬أن االستطاعة ثابتة‬ ‫وباقية وكان قوله تعاىل ‪ { :‬فَبل َ‬ ‫َ ِ٘تيلُوا ْكُ َّل ا‪١‬تيل } إشارة إليها ‪.‬‬ ‫وكذلك األمر هنا { الطبلق َم َّرتَ ِ‬ ‫ان‬

‫اك ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو تَ ْسرِي ٌح‬ ‫فَإ ِْم َس ٌ‬ ‫بِإ ِْح َسانٍ } ‪ .‬فما دام قد قال ‪{ :‬‬ ‫اك ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو تَ ْسرِي ٌح‬ ‫فَإ ِْم َس ٌ‬ ‫بِإ ِْح َسانٍ } وقال ‪ { :‬الطبلق‬ ‫َم َّرتَ ِ‬ ‫ان } أي أن لكل فعل زمنا ً‪،‬‬ ‫فذلك يتناسب مع حلقات التأديب‬ ‫والتهذيب ‪ ،‬وإال فالطبلق الثبلث‬

‫بكلمة واحدة يف زمن واحد ‪ ،‬يكون‬ ‫عملية قسرية واحدة ‪ ،‬وليس فيها‬ ‫تأديب أو إصبلح أو هتذيب ‪ ،‬ويف‬ ‫هذه ا‪١‬تسألة يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ َ٭ت ِ ُّل‬ ‫ل َ ُك ْم أَن تَأ ْ ُخ ُذوا ْ ِ‪٦‬تَّآ آتَي ْ ُت ُمو ُه َّن َشيْئا ً‬ ‫} ألن ا‪١‬تفروض يف الزوج أن يدفع‬ ‫ا‪١‬تهر نظَت استمتاعه بالبضع ‪ ،‬فإذا‬

‫ما حدث الطبلق ال ٭تل للمطلق أن‬ ‫يأخذ من مهره شيئا ً‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تق‬ ‫استثٌت يف ا‪١‬تسألة فقال ‪ { :‬إِال َّأَن‬ ‫َ َ ِ‬ ‫يما ُح ُدودَ اهلل فَإ ِْن ِخ ْف ُت ْم‬ ‫َٮتَافَآ أال ّيُق َ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫اح‬ ‫يما ُح ُدودَ اهلل فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫أال ّيُق َ‬ ‫ِ‬ ‫يما افتدت بِ ِه } ‪.‬‬ ‫عَلَي ْ ِه َما ف َ‬ ‫فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد أن‬

‫‪٬‬تعل للمرأة ‪٥‬ترجا ًإن أريد بها‬ ‫الضرر وهي ال تقبل هذا الضرر ‪.‬‬ ‫فيأيت ا‪ٟ‬تق ويشرع ‪ :‬وما دام قد‬ ‫خافا أال يقيما حدود اهلل ‪ ،‬فقد أذن‬ ‫‪٢‬تا أن افتدي نفسك أيتها ا‪١‬ترأة‬ ‫بشيء من مال ‪ ،‬ويكره أن يزيد‬ ‫عىل ا‪١‬تهر إال إذا كان ذلك ناشئا عن‬

‫نشوز منها و‪٥‬تالفة للزوج فبل‬ ‫كراهة إذن يف الزيادة عىل ا‪١‬تهر ‪.‬‬ ‫وقد جاء الواقع مطابقا ً‪١‬تا شرع اهلل‬ ‫عندما وقعت حادثة « ‪ٚ‬تيلة »‬ ‫أخت « عبد اهلل ابن أيب » حينما‬ ‫كانت زوجة لعبد اهلل بن قيس ‪،‬‬ ‫فقد ذهبت إىل رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم وقالت ‪ « :‬أنا ال أهتمه‬ ‫يف دينه وال خلقه ولكن ال أحب‬ ‫الكفر يف اإلسبلم » وهي تقصد أهنا‬ ‫عاشت معه وهي تبغضه ‪ ،‬لذلك لن‬ ‫تؤدي حقه وذلك هو كفر العشَت‬ ‫أي إنكار حق الزوج وترك طاعته ‪.‬‬

‫وهي قد قالت ‪ :‬إهنا ال تتهمه ال يف‬ ‫دينه وال يف خلقه لتعْب بذلك عن‬ ‫معانٍ عاطفية أخرى ‪ ،‬فأراد رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم أن يعلم‬ ‫منها ذلك ‪ ،‬فقالت ‪ :‬لقد رفعت‬ ‫ا‪٠‬تباء فوجدته يف عدة رجال فرأيته‬ ‫أشدهم سوادا ًوأقصرهم قامة‬

‫وأقبحهم وجها ً‪ ،‬فقال ‪٢‬تا صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ » « :‬أتردين حديقته‬ ‫«؟ فقالت ‪ :‬وإن شاء زدته ‪ ،‬فقال‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ :‬ال حاجة لنا‬ ‫بالزيادة ‪ ،‬ولكن ردي عليه حديقته‬ ‫»‪.‬‬ ‫ويُس ىم هذا األمر با‪٠‬تلع ‪ ،‬أي أن‬

‫ٗتلع ا‪١‬ترأة نفسها من زوجها الذي‬ ‫ٗتاف أال تؤدي له حقا ًمن حقوق‬ ‫الزوجية ‪ ،‬إهنا ٗتلع نفسها منه ٔتال‬ ‫حىت ال يصيبه ضرر ‪ ،‬فقد يريد أن‬ ‫يتزوج بأخرى وهو ‪٤‬تتاج إىل ما‬ ‫قدم من مهر ‪١‬تن تريد أن ٗتلع‬ ‫نفسها منه ‪ .‬ويتابع ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪:‬‬

‫{ َوال َ َ٭ت ِ ُّل ل َ ُك ْم أَن تَأ ْ ُخ ُذوا ْ ِ‪٦‬تَّآ‬ ‫آتَي ْ ُت ُمو ُه َّن َشيْئا ً} وهذا الشيء هو‬ ‫الذي قال عنه اهلل يف مكان آخر ‪{ :‬‬ ‫َوآتَي ْ ُت ْم إ ِْح َدا ُه َّن قِن ْ َطارا ً} ػ‬ ‫النساء ‪] 20 :‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق اْلية بقوله ‪ { :‬إِال َّأَن‬ ‫َ َ ِ‬ ‫يما ُح ُدودَ اهلل }‬ ‫َٮتَافَآ أال ّيُق َ‬

‫وا‪١‬تقصود هنا ‪٫‬تا الزوجان ‪ ،‬ومن‬ ‫بعد ذلك تأيت مسئولية أولياء أمر‬ ‫الزوجُت وا‪١‬تجتمع الذي يهمه‬ ‫أمر‪٫‬تا يف قوله ‪ { :‬فَإ ِْن ِخ ْف ُتم أَال َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫اح عَلَي ْ ِه َما‬ ‫يما ُح ُدودَ اهلل فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫يُق َ‬ ‫ِ‬ ‫ود اهلل فَبل َ‬ ‫يما افتدت بِ ِه تِل ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬ ‫وها َو َمن يَتَعَ َّد ُح ُدودَ اهلل‬ ‫تَعْت َ ُد َ‬

‫فأولئك ُه ُم الظا‪١‬تون } ‪.‬‬ ‫وحدود اهلل هي ما شرعه اهلل لعباده‬ ‫حدا ًمانعا ًبُت ا‪ٟ‬تل وا‪ٟ‬ترمة ‪.‬‬ ‫وحدود اهلل إما أن ترد بعد ا‪١‬تناهي ‪،‬‬ ‫وإما أن ترد بعد األوامر ‪ ،‬فإن‬ ‫وردت بعد األوامر فإنه يقول ‪{ :‬‬ ‫وها} أي‬ ‫ود اهلل فَبل َ َ ْع‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫تت َ ُد َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬

‫آخر ايتكم هنا ‪ ،‬وال تتعدوا ا‪ٟ‬تد ‪،‬‬ ‫ولكن إن جاءت بعد النواهي يقول‬ ‫وها }‬ ‫‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫ود اهلل فَبل َتَقْ َر ُب َ‬ ‫ك ُح ُد ُ‬ ‫‪ ،‬ألن ا‪ٟ‬تق يريد أن ٯتنع النفس من‬ ‫تأثَت ا‪١‬تحرمات عىل النفس ‪ ،‬فتلح‬ ‫عليها أن تفعل ‪ ،‬فإن كنت بعيدا ً‬ ‫عنها فاألفضل أن تظل بعيدا ً‪.‬‬

‫وانظر جيدا ًفيما قال رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬إن ا‪ٟ‬تبلل‬ ‫بُت وبينهما أمور‬ ‫بُت وإن ا‪ٟ‬ترام ّ‬ ‫ّ‬ ‫مشتبهات فمن اتىق الشبهات فقد‬ ‫استْبأ لدينه وعرضه ومن وقع يف‬ ‫الشبهات وقع يف ا‪ٟ‬ترام كالراعي‬ ‫يرىع حول ا‪ٟ‬ت ىم يوشك أن يقع فيه‬

‫‪ ،‬أال وإن لكل ملك ‪ٛ‬تى ‪ ،‬أال وإن‬ ‫‪ٛ‬تى اهلل يف أرضه ‪٤‬تارمه » ‪.‬‬ ‫وما دامت ا‪ٟ‬تدود تشمل مناهي اهلل‬ ‫وتشمل أوامر اهلل فكل شيء مأمور‬ ‫به وكل شيء منهي عنه ‪٬‬تب أن‬ ‫يظل يف ‪٣‬تاله من الفعل يف « افعل »‬ ‫ومن النهي يف « ال تفعل » ‪ .‬وإذا‬

‫انتقل نظام ( افعل ) إىل دائرة ( ال‬ ‫تفعل ) وانتقل ما يدخل يف دائرة «‬ ‫ال تفعل » إىل دائرة « افعل » ‪ ،‬هنا‬ ‫ٮتتل نظام الكون ‪ ،‬وما دام نظام‬ ‫الكون أصابه ا‪٠‬تلل فقد حدث‬ ‫الظلم؛ فالظلم هو أن تنقل حق‬ ‫إنسان وتعطيه إلنسان آخر ‪،‬‬

‫وتشريع الطبلق حد من حدود اهلل ‪،‬‬ ‫فإن حاولت أن تأيت بأمر ال يناسب‬ ‫ما أمر اهلل به يف تنظيم اجتماعي‬ ‫فقد نقلت ا‪١‬تأمور به إىل حيز ا‪١‬تنهي‬ ‫عنه ‪ ،‬وبذلك ُٖتْ ِد ُث ظلما ً‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حينما يعاًف‬ ‫قضايا ا‪١‬تجتمع يعا‪ٞ‬تها عبلجا ًٯتنع‬ ‫وقوع ا‪١‬تجتمع يف األمراض‬ ‫واْلفات ‪ ،‬والبشر إن أحسنا الظن‬ ‫بهم يف أهنم يشرعون للخَت‬ ‫وللمصلحة ‪ ،‬فهم يشرعون عىل‬ ‫قدر علمهم باألشياء ‪ ،‬لكننا ال‬

‫نأمن أن ‪٬‬تهلوا شيئا ً٭تدث وال‬ ‫يعرفوه ‪ ،‬فهم ش ّرعوا ِ‪١‬تَا عرفوا ‪،‬‬ ‫وإذا شرعوا ‪١‬تا عرفوا وفوجئوا‬ ‫بأشياء لم يعرفوها ماذا يكون‬ ‫ا‪١‬توقف؟ إن كانوا ‪٥‬تلصُت ْتق‬ ‫داسوا عىل كْبياء غرورهم‬ ‫التشريعي وقالوا ‪ :‬نُعَ ِ ّدل ما شرعنا ‪،‬‬

‫وإن ظلوا يف لوائهم فمن الذي‬ ‫يشىق؟ إن ا‪١‬تجتمع هو الذي يشىق‬ ‫بعنادهم ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ال يتهم الناس‬ ‫‪ٚ‬تيعا ًيف أن منهم من ال يريد ا‪٠‬تَت ‪،‬‬ ‫ولكن هناك فرق بُت أن تريد خَتا ً‬ ‫وأال تقدر عىل ا‪٠‬تَت ‪ .‬أنت شرعت‬

‫عىل قدر قدرتك وعلمك ‪ .‬ونعرف‬ ‫‪ٚ‬تيعا ًأن شقاء التجارب يف‬ ‫القوانُت االجتماعية النظرية تقع‬ ‫عىل ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬ ‫ونعرف جيدا ًأن ه ناك فرقا ًبُت‬ ‫العلم التجريبي ا‪١‬تعملي والكبلم‬ ‫النظري األهوائي؛ فالعلم‬

‫التجريبي يشىق به صاحب‬ ‫التجربة ‪ ،‬إن العَالِم يكد ويتعب يف‬ ‫معمله وهو الذي يشىق ويضحي‬ ‫بوقته ؤتاله وبصحته ويعيش يف‬ ‫ذهول عن كل شيء إال ٕتربته اليت‬ ‫هو بصددها ‪ ،‬فإذا ما انتىه إىل قضية‬ ‫اكتشافية فالذي يسعد باكتشافه‬

‫هو ا‪١‬تجتمع ‪ .‬لكن األمر ٮتتلف يف‬ ‫األشياء النظرية؛ ألن الذي يشىق‬ ‫بأخطاء ا‪١‬تقننُت من البشر هو‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬إىل أن ‪٬‬تيء مقنن يعطف‬ ‫عىل ا‪١‬تجتمع ويعدل خطأ من سبقه ‪.‬‬ ‫أما ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل فقد جاءنا‬ ‫بتشريع ٭تمي البشر من الشقاء ‪،‬‬

‫فاهلل سبحانه يًتك انيف العالم‬ ‫ا‪١‬تادي التجريبي أحرارا ً‪ .‬ادخلوا‬ ‫ا‪١‬تعمل وستنتهون إىل أشياء قد‬ ‫تتفقون عليها ‪ ،‬لكن إياكم‬ ‫واختبلفات األهواء؛ لذلك توىل‬ ‫اهلل عز وجل تشريع ما ٗتتلف فيه‬ ‫األهواء ‪ ،‬حىت يضمن أن ا‪١‬تجتمع ال‬

‫يشىق با‪٠‬تطأ من ا‪١‬تشرعُت ‪ ،‬لفًتة‬ ‫من الزمن إىل أن ‪٬‬تيء مشرع آخر‬ ‫ويعدل للناس ما أخطأ فيه َته ‪.‬‬ ‫لذلك ‪٧‬تد يف عا‪١‬تنا ا‪١‬تعاصر الكثَت‬ ‫من القضايا النابعة من ا‪٢‬توى ‪،‬‬ ‫ويتمسك الناس فيها بأهوائهم ‪،‬‬ ‫ثم تضغط عليهم األحداث ضغطا‬

‫ال يستطيعون بعدها أن يضعوا‬ ‫رءوسهم يف الرمال ‪ ،‬بل البد أن‬ ‫يواجهوها ‪ ،‬فإذا ما واجهوها فإهنم‬ ‫ال ‪٬‬تدون حبل ً‪٢‬تا إال ٔتا شرعه‬ ‫اإلسبلم ‪ ،‬و‪٧‬تد أهنم التقوا مع‬ ‫تشريعات اإلسبلم ‪.‬‬ ‫إن بعضا ًمن الكارهُت لئلسبلم‬

‫يقولون ‪ :‬أنتم تقولون عن دينكم ‪:‬‬ ‫إنه جاء ليظهر عىل كل األديان ‪ ،‬مرة‬ ‫يقول القرآن ‪:‬‬ ‫{ ُه َو الذي أ َ ْر َس َل َر ُسول َ ُه با‪٢‬تدى‬ ‫َودِي ِن ا‪ٟ‬تق لِي ُ ْظ ِه َر ُه عَىلَ الدين كُلِ ّ ِه‬ ‫وكىف باهلل َش ِهيدا ً} ػ الفتح ‪] 28 :‬‬

‫ون‬ ‫ومرة يقول القرآن ‪ { :‬يُ ِر ُ‬ ‫يد َ‬ ‫لِي ْط ِ‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ور اهلل بِأَفْ َوا ِه ِه ْم واهلل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُمتِ ُّم نُو ِر ِه َول َ ْو كَ ِر َه الكافرون * ُه َو‬ ‫الذي أ َ ْر َس َل َر ُسول َ ُه با‪٢‬تدى َودِي ِن‬ ‫ا‪ٟ‬تق لِي ُ ْظ ِه َر ُه عَىلَ الدين كُلِ ّ ِه َول َ ْو كَ ِر َه‬ ‫ش‬ ‫المركون } ػ الصف ‪] 9-8 :‬‬ ‫ويستمر هؤالء الكارهون لئلسبلم‬

‫يف قو‪٢‬تم ويضيفون ‪ :‬إن إسبلمكم‬ ‫ليظهر عىل الدين كله حىت اْلن‬ ‫بدليل أن هناك ا‪١‬تبليُت لم‬ ‫يدخلوا اإلسبلم؟ ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬أو‬ ‫يظهر عىل الدين كله بأن يؤمن‬ ‫الناس باإلسبلم ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬ال ‪ ،‬لو فطنوا‬ ‫عىل قول اهلل ‪َ { :‬ول َ ْو كَ ِر َه الكافرون‬

‫} لعلموا أن إظهار اإلسبلم عىل‬ ‫الدين البد أن يبلزمه وجود‬ ‫كافرين كارهُت ‪ ،‬وما دام اإلسبلم‬ ‫موجودا ًمع كافرين كارهُت ‪ ،‬فهو لن‬ ‫يظهر كدين ‪ ،‬ولكنه يظهر عليهم‬ ‫أي يغلبهم كنظام يضطرون إليه‬ ‫ليحلوا مشكبلت ‪٣‬تتمعاهتم الكافرة‬

‫‪ ،‬فسيأخذون من أنظمة وقوانُت‬ ‫اإلسبلم وهم كارهون ‪ ،‬ولذلك‬ ‫‪٧‬تدهم يستقون قوانينهم‬ ‫وإصبلحاهتم االجتماعية من‬ ‫تعاليم اإلسبلم ‪.‬‬ ‫ولو كانوا سيأخذونه كدين ‪١‬تا قال‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ول َ ْو كَ ِر َه الكافرون } أو {‬

‫َول َ ْو كَ ِر َه ا‪١‬تشركون } ألهنم عندما‬ ‫يعتنقونه كدين فلن يبىق كاره أو‬ ‫مشرك ‪ .‬لكن حُت يقول سبحانه ‪:‬‬ ‫{ َول َ ْو َك ِر َه الكافرون } و { َول َ ْو َك ِر َه‬ ‫ا‪١‬تشركون } فذلك يعٍت ‪ :‬أن‬ ‫اطمئنوا يا من آمنتم ٔتحمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم وأخذتم اإلسبلم‬

‫دينا ً‪ ،‬إن ٕتارب ا‪ٟ‬تياة ستأيت لتثبت‬ ‫لدى ا‪ٞ‬تاحدين صدق دينكم ‪،‬‬ ‫وصدق اهلل يف تقنينه لكم ‪،‬‬ ‫وسيضطر الكافرون وا‪١‬تشركون إىل‬ ‫كثَت من قضايا إسبلمكم‬ ‫ليأخذوها كنظام ٭تلون بها‬ ‫مشاكلهم رغم عنادهم‬

‫وإصرارهم عىل أن يكونوا ضد‬ ‫اإلسبلم ‪.‬‬ ‫وضربنا عىل ذلك مثبل ًٔتا حدث يف‬ ‫إيطاليا اليت بها الفاتيكان قبلة‬ ‫الكاثوليك الروحية؛ فقد اضطروا‬ ‫ألن يشرعوا قوانُت تبيح الطبلق ‪،‬‬ ‫وحدث مثل ذلك يف أسبانيا و َته ا‬

‫من الدول ‪ .‬انظر كيف تراجعوا يف‬ ‫مبادئ كانوا يعيبوهنا عىل اإلسبلم!‬ ‫لقد اضطرهتم ظروف ا‪ٟ‬تياة ألن‬ ‫يقننوا إباحة الطبلق تقنينا ًبشريا ً‬ ‫ال بتقنُت إ‪٢‬تي ‪ .‬ومثل هذه‬ ‫األحداث تبُت لنا مدى ثقتنا يف‬ ‫ديننا ‪ ،‬وأن مشكبلت البشرية يف‬

‫ببلد الكفر والشرك لن ٭تلها إال‬ ‫اإلسبلم ‪ ،‬فإن لم يأخذوه كدين‬ ‫فسيضطرون إىل أخذه كنظام ‪.‬‬ ‫ومن شرف اإلسبلم أال يأخذوه‬ ‫كدين؛ ألهنم لو آمنوا به لكانت‬ ‫أفعا‪٢‬تم وقوانينهم تطبيقا لئلسبلم‬ ‫من قوم مسلمُت ‪ ،‬ولكن أن يظلوا‬

‫كارهُت لئلسبلم ثم يأخذوا من‬ ‫مبادئ الدين الذي يكرهونه ما‬ ‫يصلح ‪٣‬تتمعاهتم الفاسدة فذلك‬ ‫الفخر األكْب لئلسبلم ‪ .‬إن هذا هو‬ ‫مفهوم قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ول َ ْو كَ ِر َه‬ ‫الكافرون } و { َول َ ْو َك ِر َه‬ ‫ا‪١‬تشركون } وإذا ما جاء لك أحد‬

‫يف هذه ا‪١‬تسألة فقل ‪ :‬من شرف‬ ‫اإلسبلم أن يظل يف الدنيا مشرك ‪،‬‬ ‫وأن يظل يف الدنيا هؤالء الكفار ثم‬ ‫يرغموا ليحلوا مسائل ‪٣‬تتمعاهتم‬ ‫بقضايا اإلسبلم ‪ ،‬واإلسبلم يفخر‬ ‫بأنه سبقهم منذ أربعة عشر قرنا ً‬ ‫إىل ما يلهثون وراءه اْلن بعد مضي‬

‫كل هذا الزمن ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق بعد‬ ‫ذلك ‪ { :‬فَإ ِْن َطلَّقَهَا فَبل َ َ ِٖت ُّل ل َ ُه ِمن‬ ‫بَعْ ُد حىت تَن ْ ِك َح زَ ْوجا ً َ َْت َ ُه ‪} . . .‬‬

‫فَإ ِْن َطل َّ َقهَا فَ َبل َ ِٖت ُّل ل َ ُه ِم ْن بَعْ ُد َح َّىت‬ ‫تَن ْ ِك َح زَ ْو ًجا َ َْت َ ُه فَإ ِْن َطلَّقَهَا فَ َبل‬ ‫َ‬ ‫اجعَا إ ِْن َظنَّا أ َ ْن‬ ‫ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ِه َما أ ْن ي َ ًَت َ َ‬

‫ك ح ُدود َ ِ‬ ‫يقِيما ح ُدود َ ِ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫اّلل َوتل ْ َ ُ ُ ّ‬ ‫ُ َ ُ َ ّ‬ ‫يب ِينها ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ون (‪)230‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َُّ َ ْ‬

‫وسبق أن قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬الطبلق‬ ‫َم َّرتَ ِ‬ ‫اك‬ ‫ان } وبعدها قال ‪ { :‬فَإ ِْم َس ٌ‬ ‫ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو تَ ْسرِي ٌح بِإ ِْح َسانٍ } ‪.‬‬ ‫وهنا يتحدث ا‪ٟ‬تق عن التسريح‬

‫بقوله ‪ { :‬فَإ ِْن َطل َّ َقهَا فَبل َ َ ِٖت ُّل ل َ ُه ِمن‬ ‫بَعْ ُد حىت تَن ْ ِك َح زَ ْوجا ً َ َْت َ ُه } ‪ .‬وذلك‬ ‫حىت يبُت لنا أنه إن وصلت األمور‬ ‫بُت الزوجُت إىل مرحلة البل عودة‬ ‫فبلبد من درس قاس؛ فبل ٯتكن أن‬ ‫يرجع كل منهما لآلخر بسهولة ‪.‬‬ ‫لقد أمهلهما اهلل بتشريع البينونة‬

‫الصغرى اليت يعقبها مهر وعقد‬ ‫جديدان فلم يرتدعا ‪ ،‬فكان البد‬ ‫من البينونة الكْبى ‪ ،‬وهي أن‬ ‫تتزوج ا‪١‬ترأة بزوج آخر وٕترب‬ ‫حياة زوجية أخرى ‪ .‬وبذلك يكون‬ ‫الدرس قاسيا ً‪.‬‬ ‫وقد يأخذ بعض الرجال ا‪١‬تسألة‬

‫بصورة شكلية ‪ ،‬فيتزوج ا‪١‬ترأة‬ ‫ا‪١‬تطلقة ثبلثا ًزواجا ًكامل الشروط‬ ‫من عقد وشهود ومهر ‪ ،‬لكن ال‬ ‫يًتتب عىل الزواج معاشرة جنسية‬ ‫بينهما ‪ ،‬وذلك هو « ا‪١‬تحلل »‬ ‫الذي نسمع عنه وهو ما لم يقره‬ ‫اإلسبلم ‪.‬‬

‫فمن تزوج عىل أنه ‪٤‬تلل ومن‬ ‫وافقت عىل ذلك ا‪١‬تحلل فليعلما أن‬ ‫ذلك حرام عىل االثنُت ‪ ،‬فليس يف‬ ‫اإلسبلم ‪٤‬تلل ‪ ،‬ومن يدخل بنية‬ ‫ا‪١‬تحلل ال ٕتوز له الزوجة ‪ ،‬وليس‬ ‫له حقوق عليها ‪ ،‬ويف الوقت نفسه لو‬ ‫طلقها ذلك الرجل ال ‪٬‬توز ‪٢‬تا‬

‫الرجوع لزوجها السابق ‪ ،‬ألن‬ ‫ا‪١‬تحلل لم يكن زوجا ًوإ‪٪‬تا ٘تثيل‬ ‫زوج ‪ ،‬والتمثيل ال يُثبت يف الواقع‬ ‫شيئا ً‪ .‬ولذلك قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَبل َ َ ِٖت ُّل‬ ‫ل َ ُه ِمن بَعْ ُد حىت تَن ْ ِك َح زَ ْوجا ً َ َْت َ ُه } ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تقصود هنا النكاح الطبيعي الذي‬ ‫ساقت إليه الظروف دون افتعال‬

‫وال قصد للتحليل ‪ .‬وعندما يطلقها‬ ‫ذلك الرجل لظروف خارجة عن‬ ‫اإلرادة وهي استحالة العشرة ‪،‬‬ ‫وليس ألسباب متفق عليها ‪ ،‬عندئذ‬ ‫ٯتكن للزوج السابق أن يتزوج‬ ‫ا‪١‬ترأة اليت كانت يف عصمته وطلقها‬ ‫من قبل ثبلث مرات ‪ { .‬فَإِن‬

‫َ‬ ‫اجعَآ‬ ‫َطل َّ َقهَا فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ِه َمآ أن ي َ ًَت َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ك‬ ‫يما ُح ُدودَ اهلل َوتِل ْ َ‬ ‫إِن َظنَّآ أن يُق َ‬ ‫حدود اهلل يب ِينها ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ون }‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ ُ َُّ َ ْ ْ ُ َ‬ ‫أي أن يغلب عىل الظن أن ا‪١‬تسائل‬ ‫اليت كانت مثار خبلف فيما مىض‬ ‫قد انتهت ووصل االثنان إىل درجة‬ ‫من التعقل واالحًتام ا‪١‬تتبادل ‪،‬‬

‫وأخذا درسا ًمن التجربة ٕتعل كبل‬ ‫منهما يرىض بصاحبه ‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا َطل َّ ْق ُت ُم النسآء‬ ‫فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن فَأ َ ْم ِس ُكو ُه َّن‬ ‫ِٔتَعْ ُرو ٍف ‪} . . .‬‬

‫َوإِذَا َطل َّ ْق ُت ُم ال ِن ّ َساءَ فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن‬ ‫فَأ َ ْم ِس ُكو ُه َّن ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أ َ ْو َس ّر ُِحو ُه َّن‬ ‫ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف َو َال ُ٘ت ْ ِس ُكو ُه َّن ِض َر ًارا‬ ‫ك فَقَ ْد َظل َ َم‬ ‫لِتَعْت َ ُدوا َو َم ْن ي َ ْفعَ ْل ذَل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ات َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اّلل ُه ُز ًوا‬ ‫ن َ ْف َس ُه َو َال تَتَّخ ُذوا آي َ ّ‬ ‫واذْ ُكروا نِعْم َت َ ِ‬ ‫اّلل عَلَي ْ ُك ْم َو َما‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫أَن ْ َز َل عَلَي ْ ُك ْم ِم َن ال ْ ِكت َ ِ‬ ‫اب َوا ِْ‪ٟ‬ت ْك َم ِة‬

‫اّللَ َواعْل َ ُموا أ َ َّن‬ ‫يَعِ ُظ ُك ْم بِ ِه َواتَّ ُقوا َّ‬ ‫اّلل بِ ُك ّ ِل َشيءٍ عَلِ‬ ‫يم (‪)231‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬

‫ولنبلحظ قوله ‪َ { :‬وإِذَا َطلَّقْ ُت ُم‬ ‫النسآء فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن } ونسأل ‪:‬‬ ‫هل إذا بلغت األجل وانتهت العدة‬ ‫‪ ،‬هل يوجد بعدها إمساك‬

‫ٔتعروف أو تسريح بإحسان؟ ‪،‬‬ ‫هل يوجد إال التسريح؟ ‪ .‬إن هناك‬ ‫آية بعد ذلك تقول ‪َ { :‬وإِذَا َطل َّ ْق ُت ُم‬ ‫النسآء فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن فَبل َتَعْ ُضلُو ُه َّن‬ ‫أَن يَن ِك ْح َن أَزْ َوا َج ُه َّن إِذَا تَ َرا َض ْوا ْ‬ ‫بَيْن َ ُه ْم با‪١‬تعروف } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫‪] 232‬‬

‫إذن ‪٨‬تن أمام آيتُت كل منهما تبدأ‬ ‫بقوله ‪َ { :‬وإِذَا َطلَّقْ ُت ُم النسآء فَبَلَغ ْ َن‬ ‫أ َ َجل َ ُه َّن } ‪ .‬لكن تكملة اْلية‬ ‫األوىل هو ‪ { :‬فَأ َ ْم ِس ُكو ُه َّن ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف‬ ‫أَو َس ّر ُِحو ُه َّن ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف } وتكملة‬ ‫ْ‬ ‫اْلية الثانية هو ‪ { :‬فَبل َتَعْ ُضلُو ُه َّن‬ ‫أَن يَن ِك ْح َن أَزْ َوا َج ُه َّن } ‪ .‬ما سر‬

‫هذا االختبلف إذن؟‬ ‫نقول ‪ :‬إن البلوغ يأيت ٔتعنيُت ‪،‬‬ ‫ا‪١‬تعٌت األول ‪ :‬أن يأيت البلوغ ٔتعٌت‬ ‫ا‪١‬تقاربة مثل قوله تعاىل ‪ { :‬إِذَا‬ ‫ُق ْم ُت ْم إ َِىل الصبلة فاغسلوا‬ ‫وه ُك ْم } ‪ .‬أي عندما تقارب‬ ‫ُو ُج َ‬ ‫القيام إىل الصالة فافعل ذلك ‪.‬‬

‫وا‪١‬تعٌت الثاين ‪ :‬يطلق البلوغ عىل‬ ‫الوصول ا‪ٟ‬تقيقي والفعلي ‪ .‬إن‬ ‫اإلنسان عندما يكون مسافرا‬ ‫بالطائرة ويهبط يف بلد الوصول فهو‬ ‫يبلحظ أن الطيار يعلن أنه قد‬ ‫وصل إىل البلد الفبلين ‪ .‬إذن مرة‬ ‫يطلق البلوغ عىل القرب ومرة‬

‫أخرى يطلق عىل البلوغ ا‪ٟ‬تقيقي ‪.‬‬ ‫ويف اْلية األوىل { َوإِذَا َطلَّقْ ُت ُم‬ ‫النسآء فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن فَأ َ ْم ِس ُكو ُه َّن‬ ‫ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف أَو َس ّر ُِحو ُه َّن ِٔتَعْ ُر ٍ‬ ‫وف }‬ ‫ْ‬ ‫هنا طلق الرجل زوجته لكن عدهتا‬ ‫لم تنته بل قاربت عىل االنتهاء‬ ‫فرٔتا ٯتكنه أن يسرحها أو‬

‫ٯتسكها بإحسان ‪ ،‬وأصبح للزوج‬ ‫قدر من زمن العدة يبيح له أن‬ ‫ٯتسك أو يسرح ‪ ،‬لكنه زمن قليل‬ ‫‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يريد أن يتمسك الزوج‬ ‫باإلبقاء إىل آخر ‪ٟ‬تظة ويستبقي‬ ‫أسباب االلتقاء وعدم االنفصال‬ ‫حىت آخر ‪ٟ‬تظة ‪ ،‬وهذه علة التعبَت‬

‫بقوله ‪ { :‬فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن } أي‬ ‫قاربن بلوغ األجل ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫يريدنا أن نتمسك باستبقاء اٌفياة‬ ‫الزوجية إىل آخر فرصة تتسع‬ ‫لئلمساك ‪ ،‬فهي ‪ٟ‬تظة قد ينطق فيها‬ ‫الرجل بكلمة يًتتب عليها إما‬ ‫طبلق ‪ ،‬وإما عودة ا‪ٟ‬تياة الزوجية ‪.‬‬

‫أما اْلية الثانية وهي قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َوإِذَا َطلَّقْ ُت ُم النسآء فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن‬ ‫ِ‬ ‫اج ُه َّن‬ ‫فَبل َتَعْ ُضلُو ُه َّن أَن يَنك ْح َن أَزْ َو َ‬ ‫} فاهلل سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫٭تصر مناقشة األسباب يف‬ ‫االنفصال أو االستمرار بُت الزوج‬ ‫والزوجة فقط فبل تتعدى إىل َت‬

‫الزوج والزوجة؛ ألن بُت االثنُت‬ ‫من األسباب ما قد ٕتعل الواحد‬ ‫منهما يُلُت جانبه لآلخر ‪.‬‬ ‫لكن إذا ما دخل طرف ثالث ليست‬ ‫عنده هذه فسوف تكْب يف نفسه‬ ‫ا‪٠‬تصومة وال توجد عنده ا‪ٟ‬تاجة فبل‬ ‫يبىق عىل عشرة الزوجُت ‪ .‬فإذا ما‬

‫دخل األب أو األخ أو األم يف الزناع‬ ‫فسوف تشتعل ا‪٠‬تصومة ‪ ،‬وكل‬ ‫منهم ال يشعر بإحساس كل من‬ ‫الزوجُت لآلخر ‪ ،‬وال بليونة الزوج‬ ‫لزوجته ‪ ،‬وال ٔتهادنة الزوجة‬ ‫لزوجها ‪ ،‬فهذه مسائل عاطفية‬ ‫ونفسية ال توجد إال بُت الزوج‬

‫والزوجة ‪ ،‬أما األطراف ا‪٠‬تارجية‬ ‫فبل يربطها بالزوج وال بالزوجة إال‬ ‫صلة القرابة ‪ .‬ومن هنا فإن حرص‬ ‫تلك األطراف ا‪٠‬تارجية عىل بقاء‬ ‫عشرة الزوجُت ال يكون مثل‬ ‫حرص كل من الزوجُت عىل‬ ‫التمسك باْلخر ‪.‬‬

‫ولذلك ‪٬‬تب أن نفهم أن كل‬ ‫مشكلة ٖتدث بُت زوج وزوجته وال‬ ‫يتدخل فيها أحد تنتهي بسرعة‬ ‫بدون أم أو أب أو أخ ‪ ،‬ذلك ألنه‬ ‫تدخل ط ٍ‬ ‫رف خارجي ال يكون‬ ‫مالكا للدوافع العاطفية والنفسية‬ ‫اليت بُت الزوجُت ‪ ،‬أما الزوجان‬

‫فقد تكفي نظرة واحدة من‬ ‫أحد‪٫‬تا لآلخر ألن تعيد األمور إىل‬ ‫‪٣‬تاريها ‪ .‬فقد يُعجب الرجل‬ ‫ّتمال ا‪١‬ترأة ويشتاق إليها ‪ ،‬فينَس‬ ‫كل شيء ‪ .‬وقد ترى ا‪١‬ترأة يف‬ ‫الرجل أمرا ًال ٖتب أن تفقده منه‬ ‫فتنَس ما حدث بينهما ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬

‫لكن أين ذلك من أمها وأمه ‪ ،‬أو‬ ‫أبيها وأبيه؟ ليس بُت هؤالء وبُت‬ ‫الزوجُت أسرار وعواطف‬ ‫ومعاشرة و َت ذلك ‪.‬‬ ‫و‪٢‬تذا فأنا أنصح دائما بأن يظل‬ ‫ا‪٠‬تبلف ‪٤‬تصورا ًبُت الزوج‬ ‫والزوجة؛ ألن اهلل قد جعل بينهما‬

‫سياال عاطفيا ‪ .‬والسيال العاطفي‬ ‫قد يسيل إىل نزوع ورغبة يف شيء‬ ‫ما ‪ ،‬ورٔتا تكون هذه الرغبة هي‬ ‫اليت تصلح وٕتعل كبل من الطرفُت‬ ‫يتنازل عن ا‪٠‬تصومة والطبلق ‪.‬‬ ‫ولذلك شاءت إرادة اهلل عز وجل‬ ‫أال يطلق الرجل زوجته وهي‬

‫حائض ‪١ ،‬تاذا؟‬ ‫ألن المرأة يف فًتة ا‪ٟ‬تيض ال يكون‬ ‫لزوجها رغبة فيها ‪ ،‬ورٔتا ينفر منها‬ ‫‪ ،‬لكن يريد ا‪ٟ‬تق عز وجل أال يطلق‬ ‫الرجل زوجته إال يف طهر لم يسبق‬ ‫له أن عاشرها فيه معاشرة الزوج‬ ‫زوجته وبعد أن تغتسل من ا‪ٟ‬تيض‬

‫‪ ،‬وذلك حىت ال يطلقها إال وهو يف‬ ‫أشد األوقات رغبة ‪٢‬تا ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫تكون ا‪٠‬تبلفات بُت الزوج‬ ‫والزوجة يف إطار ا‪ٟ‬تياة الزوجية ‪،‬‬ ‫حىت ٭تفظهما سياج ا‪١‬تحبة وا‪١‬تودة‬ ‫والر‪ٛ‬تة ‪ .‬لكن تدخل األطراف‬

‫األخرى ٭تطم هذا السياج ‪ ،‬أيا ً‬ ‫كان الطرف أما أو أبا أو أخا ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ ُ٘ت ْ ِس ُكو ُه َّن‬ ‫ِض َرارا ًل ِ ّتَعْت َ ُدوا ْ} أي ال تبق أيها‬ ‫الرجل عىل ا‪ٟ‬تياة الزوجية من أجل‬ ‫اإلضرار با‪١‬ترأة وإذال‪٢‬تا ‪ ،‬ومعٌت‬ ‫الضرار أنك تصنع شيئا يف ظاهره‬

‫أنك تريد ا‪٠‬تَت ويف الباطن تريد‬ ‫الشر ‪ .‬ولذلك أطلق اللفظ عىل «‬ ‫مسجد الضرار » فظاهر بنائه أنه‬ ‫مسجد بٍت للصبلة فيه ‪ ،‬ويف الباطن‬ ‫كان ا‪٢‬تدف منه هو الكفر والتفريق‬ ‫بُت ا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬وكذلك الضرار يف‬ ‫الزواج؛ يقول الرجل أنا ال أريد‬

‫طبلقها وسأعيدها لبيتها ‪ ،‬يقول‬ ‫ذلك ويُبيت يف نفسه أن يعيدها‬ ‫ليذ‪٢‬تا وينتقم منها ‪ ،‬وذلك ال يقره‬ ‫اإلسبلم؛ بل وينىه عنه ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق عز وجل ٭تذر من مثل هذا‬ ‫السلوك فيقول ‪َ { :‬وال َ ُ٘ت ْ ِس ُكو ُه َّن‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ضرارا ًل ِ ّتَعْت َ ُدوا ْ َو َمن ي َ ْفعَ ْل ذَل ِ َ‬ ‫َ‬

‫فَ َق ْد َظل َ َم ن َ ْف َس ُه } فإياك أن تظن‬ ‫أنك حُت تعتدي عىل زوجتك بعد‬ ‫أن تراجعها أنك ظلمتها هي ‪ ،‬ال ‪،‬‬ ‫إ‪٪‬تا أنت تظلم نفسك؛ ألنك‬ ‫حُت تعتدي عىل إنسان فقد جعلت‬ ‫ربه يف جانبه ‪ ،‬فإن دعا عليك قِبل‬ ‫اهلل دعوته ‪ ،‬وبذلك ٖترم نفسك‬

‫من رضا اهلل عنك ‪ ،‬فهل هناك‬ ‫ظلم أكثر من الظلم الذي يأتيك‬ ‫بسخط اهلل عليك ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬و َمن‬ ‫ك فَقَ ْد َظل َ َم ن َ ْف َس ُه َوال َ‬ ‫ي َ ْفعَ ْل ذَل ِ َ‬ ‫تتخذوا آي َ ِ‬ ‫ات اهلل ُه ُزوا ً} أي خذوا‬

‫نظام اهلل عىل أنه نظام جاء ليحكم‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة حكما ببل مراوغة‬ ‫وببل ٖتليق يف خيال كاذب ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو‬ ‫أمر واقعي ‪ ،‬فبل يصح أن يهزأ أحد‬ ‫ٔتا أنزله اهلل من أنظمة تصون‬ ‫حياة وكرامة اإلنسان رجبل ًكان أو‬ ‫امرأة ‪.‬‬

‫{ واذكروا نِعْ َم َت اهلل عَلَي ْ ُك ْم َو َمآ‬ ‫أَن َز َل عَلَي ْ ُك ْم ِّم َن الكتاب وا‪ٟ‬تكمة‬ ‫يَعِ ُظ ُك ْم بِ ِه } ونعمة اهلل عليهم‬ ‫اليت يذكرهم اهلل بها يف معرض‬ ‫ا‪ٟ‬تديث عن الطبلق هي أنه‬ ‫سبحانه يلفتهم إىل ما كانوا عليه‬ ‫قبل أن يشرع ‪٢‬تم أين كان حظ‬

‫ا‪١‬ترأة يف ا‪ٞ‬تاهلية يف أمور الزواج‬ ‫والطبلق ‪ ،‬وما أصبحت عليه بعد‬ ‫نزول القرآن؟ لقد صارت حقوقها‬ ‫مصونة بالقرآن ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق عز وجل ٯتنت عىل ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫ليلفت نظرهم إىل حالتهم قبل‬ ‫اإلسبلم؛ فقد كان الرجل يطلق‬

‫امرأته ويعيدها ‪ ،‬ثم يطلقها‬ ‫ويعيدها ولو ألف مرة دون ضابط أو‬ ‫رابط ‪ .‬وكان ٭ترم عليها ا‪١‬تعاشرة‬ ‫الزوجية شهورا ًويًتكها تتعذب‬ ‫بلوعة البعد عنه ‪ ،‬وال تستطيع أن‬ ‫تتكلم ‪.‬‬ ‫وكانت ا‪١‬ترأة إذا مات زوجها تنىف‬

‫من ا‪١‬تجتمع فبل تظهر أبدا ًوال‬ ‫ٗترج من بيتها وكأهنا جرثومة ‪،‬‬ ‫وقبل ذلك كله كانت مصدر عار‬ ‫ألبيها ‪ ،‬فكان يقتلها قبل أن تصل‬ ‫إىل سن البلوغ بدعوى ا‪ٟ‬ترص عىل‬ ‫عرضه وشرفه ‪.‬‬ ‫باختصار كان الزواج أقرب إىل‬

‫ا‪١‬تهازل منه إىل ا‪ٞ‬تد ‪ ،‬فجاء اإلسبلم‬ ‫‪ ،‬فحسم األمور حىت ال تكون‬ ‫فوىض ببل ضوابط وببل قوانُت ‪.‬‬ ‫فاذكروا أيها ا‪١‬تؤمنون نعمة اهلل‬ ‫عليكم باإلسبلم ‪ ،‬وانظروا إىل ما‬ ‫أنعم به عليكم من نظام أسري‬ ‫يلهث العالم شرقه وغربه ليصل‬

‫إىل مثله ‪.‬‬ ‫كنتم أمة ببل حضارة وببل ثقافة ‪،‬‬ ‫تعبدون األصنام وتقيمون ا‪ٟ‬ترب‬ ‫وتشعلوهنا بينكم عىل أتفه األسباب‬ ‫وأدوهنا ‪ ،‬وٕتهلون القراءة والكتابة‬ ‫‪ ،‬ثم نزل اهلل عليكم هذا التشريع‬ ‫الرايق الناضج الذي لم تصل إليه‬

‫أية حضارة حىت اْلن ‪ .‬أَال َتذكرون‬ ‫هذه النعمة اليت أنتم فيها بفضل‬ ‫من اهلل؟ لذلك قال سبحانه ‪{ :‬‬ ‫واذكروا نِعْ َم َت اهلل عَلَي ْ ُك ْم َو َمآ‬ ‫أَن َز َل عَلَي ْ ُك ْم ِّم َن الكتاب وا‪ٟ‬تكمة‬ ‫يَعِ ُظ ُك ْم بِ ِه } والكتاب هو القرآن‬ ‫‪ ،‬وا‪ٟ‬تكمة هي سنة رسول اهلل صىل‬

‫اهلل عليه وسلم ‪ .‬وٮتتتم ا‪ٟ‬تق تلك‬ ‫اْلية الكرٯتة بقول ‪ { :‬واتقوا اهلل‬ ‫َ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يم } ‪.‬‬ ‫واعلموا أ َّن اهلل بِ ُك ّ ِل َش ْيء عَل ٌ‬ ‫فإياكم أن تتهموا دينكم بأنه قد‬ ‫فاته شيء من التشريع لكم ‪ ،‬فكل‬ ‫تشريع جاهز يف اإلسبلم ‪ ،‬ألن اهلل‬ ‫عليم ٔتا تكون عليه أحوال الناس ‪،‬‬

‫فبل يستدرك كون اهلل يف الواقع عىل‬ ‫ما شرع اهلل يف كتابه ‪ ،‬ألنه سبحانه‬ ‫خالق الكون ومزنل التشريع ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا‬ ‫َطل َّ ْق ُت ُم النسآء فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن فَبل َ‬ ‫ِ‬ ‫اج ُه َّن ‪. .‬‬ ‫تَعْ ُضلُو ُه َّن أَن يَنك ْح َن أَزْ َو َ‬ ‫‪}.‬‬

‫َوإِذَا َطل َّ ْق ُت ُم ال ِن ّ َساءَ فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن‬ ‫فَ َبل تَعْ ُضلُو ُه َّن أ َ ْن يَن ْ ِك ْح َن أَزْ َوا َج ُه َّن‬ ‫إِذَا تَ َرا َضوا بَيْن َ ُهم بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬ ‫ك‬ ‫وف ذَل ِ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫وع ُظ بِ ِه َم ْن كَان ِمن ْ ُكم يُ ْؤ ِمن بِ َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫يُ َ‬ ‫َ ْ ُ ّ‬ ‫َوالْي َ ْو ِم ْاْل ِخ ِر ذَل ِ ُك ْم أَزْ ََك ل َ ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫َطه‬ ‫ون‬ ‫اّلل يَعْل َ ُم َوأن ْ ُت ْم َال تَعْل َ ُم َ‬ ‫َوأ ْ َ ُر َو َّ ُ‬ ‫(‪)232‬‬

‫{ فَبَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن } هنا أي فانتهت‬ ‫العدة ‪ ،‬ولم يستنفد الزوج مرات‬ ‫الطبلق ‪ ،‬ولم يعد للزوج حق يف أن‬ ‫يراجعها إال بعد عقد ومهر‬ ‫جديدين ‪ .‬هب أن الزوج أراد أن‬ ‫يعيد زوجته إىل عصمته مرة أخرى‬ ‫‪ ،‬وهنا يتدخل أهل اللدد‬

‫وا‪٠‬تصومة من األقارب ‪ ،‬ويقفون‬ ‫يف وجه إ٘تام الزواج ‪ ،‬والزوجان‬ ‫رٔتا كان كل منهما ٯتيل إىل اْلخر‬ ‫‪ ،‬وبينهما سيال عاطفي ونفسي ال‬ ‫يعلمه أحد ‪ ،‬لكن الذين دخلوا يف‬ ‫ا‪٠‬تصومة من األهل يقفون يف وجه‬ ‫عودة األمور إىل ‪٣‬تاريها ‪ ،‬خوفا من‬

‫تكرار ما حدث أو ألسباب أخرى ‪،‬‬ ‫وتقول ‪٢‬تؤالء ‪ :‬ما دام الزوجان قد‬ ‫تراضيا عىل العودة فبل يصح أن يقف‬ ‫أحد يف طريق عودة األمور إىل ما‬ ‫كانت عليه ‪.‬‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَبل َتَعْ ُضلُو ُه َّن }‬ ‫نعرف منه أن العضل هو ا‪١‬تنع ‪،‬‬

‫والكبلم لؤلهل واألقارب وكل من‬ ‫يهمه مصلحة الطرفُت من أهل‬ ‫ش‬ ‫المورة ا‪ٟ‬تسنة ‪ .‬و { أَن يَن ِك ْح َن‬ ‫أَزْ َوا َج ُه َّن } أي الذين طلقوهن‬ ‫أوال ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تعٌت ‪ :‬ال ٘تنعوا األزواج أن‬ ‫يعيدوا إىل عصمتهم زوجاهتم‬

‫البلئي طلقوهن من قبل ‪ .‬وليعلم‬ ‫األهل الذين يصرون عىل منع‬ ‫بناهتم من العودة ألزواجهن أهنم‬ ‫بالتمادي يف ا‪٠‬تصومة ٯتنعون فائدة‬ ‫التدرج يف الطبلق اليت أراد حكمة‬ ‫هلل ‪.‬‬ ‫إن حكمة التشريع يف جعل الطبلق‬

‫مرة ‪ ،‬ومرتُت هي أن من لم يصلح‬ ‫يف ا‪١‬ترأة األوىل قد يصلح يف ا‪١‬ترة‬ ‫الثانية ‪ ،‬وإذا كان اهلل العليم بنفوس‬ ‫البشر قد شرع ‪٢‬تم أن يطلقوا مرة‬ ‫ومرتُت ‪ ،‬وأعىط فسحة من الوقت‬ ‫‪١‬تن أخطأ يف ا‪١‬ترة األوىل أال ٮتطئ يف‬ ‫الثانية ‪ ،‬لذلك فبل يصح أن يقف‬

‫أحد حجر عثرة أمام إعادة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫الزوجية من جديد ‪.‬‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أَن يَن ِك ْح َن‬ ‫أَزْ َوا َج ُه َّن } ونلحظ هنا أن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ينسب النكاح‬ ‫للنسوة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَن ِك ْح َن } وهذا‬ ‫يقتضي رضاء ا‪١‬ترأة عن العودة‬

‫للزوج فبل ٯتكن أن يطلقها أوال ثم‬ ‫ال يكون ‪٢‬تا رأي يف العودة إليه ‪.‬‬ ‫{ إِذَا تَ َرا َض ْوا ْبَيْن َ ُه ْم با‪١‬تعروف }‬ ‫وما داموا تراضوا ورأوا أن عودة‬ ‫كل منهم لآلخر أفضل ‪ ،‬فليبتعد‬ ‫أهل السوء الذين يقفون يف وجه‬ ‫رضا الطرفُت ‪ ،‬وليًتكوا ا‪ٟ‬تبلل‬

‫وع ُظ بِ ِه‬ ‫يعود إىل ‪٣‬تاريه ‪ { .‬ذلك يُ َ‬ ‫ان ِمنُك ْم يُ ْؤ ِم ُن باهلل واليوم‬ ‫َمن ك َ َ‬ ‫اْلخر ذلكم أزَك ل َ ُك ْم َوأ َ ْطهَ ُر }‬ ‫إن هذا تشريع ربكم وهو موعظة‬ ‫لكم يا من تؤمنون باهلل ربا حكيما ً‬ ‫مشرعا ًوعا‪١‬تا ًبنوازع ا‪٠‬تَت يف نفوس‬ ‫البشر ‪.‬‬

‫وكلمة { َوأ َ ْطهَ ُر } تلفتنا إىل حرمة‬ ‫الوقوف يف وجه ا‪١‬ترأة اليت تريد أن‬ ‫ترجع لزوجها الذي طلقها ثم‬ ‫انتهت العدة ‪ ،‬وأراد هو أن‬ ‫يتزوجها من جديد ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق يبلغنا‬ ‫‪ :‬وال تقفوا يف وجه ر بتهما يف‬ ‫العودة ألي سبب كان ‪١ ،‬تاذا يا رب؟‬

‫وتأيت اإلجابة يف قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واهلل‬ ‫َ‬ ‫ون } تأمل‬ ‫يَعْل َ ُم َوأن ْ ُت ْم ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫‪ٚ‬تال السياق القرآين وكيف خدم‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬واهلل يَعْل َ ُم َوأَن ْ ُت ْم ال َ‬ ‫ون } ا‪١‬تعٌت الذي تريده‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬ ‫اْليات ‪ .‬إن اهلل يعلم وأنتم ال‬ ‫تعلمون أن يف عودة األمور ‪١‬تجاريها‬

‫بُت الزوجُت أزَك وأطهر ‪ .‬ويقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬والوالدات‬ ‫ُت كَا ِمل َ ْ ِ‬ ‫يُ ْر ِضعْ َن أ َ ْوالَدَ ُه َّن َح ْول َ ْ ِ‬ ‫ُت‬ ‫ِ‪١‬ت َ ْن أ َ َرادَ أَن تُِي َّم الرضاعة ‪} . . .‬‬ ‫ِ‬ ‫ات يُ ْر ِضعْ َن أ َ ْو َالدَ ُه َّن‬ ‫َوال ْ َوال َد ُ‬ ‫ُت كَا ِمل َ ْ ِ‬ ‫َح ْول َ ْ ِ‬ ‫ُت ِ‪١‬ت َ ْن أ َ َرادَ أ َ ْن يُتِ َّم‬

‫اع َة َوعَىلَ ا ْ‪١‬ت َ ْولُو ِد ل َ ُه ِرزْ ُق ُه َّن‬ ‫ال َّر َض َ‬ ‫و ِك ْسو ُهت ُ َّن بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬ ‫وف َال ُتكَل َّ ُف ن َ ْف ٌس‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫إ َِّال ُو ْسعَهَا َال ُت َض َّار َوال ِ َدةٌ بِ َول َ ِد َها َو َال‬ ‫ود ل َ ُه بِ َول َ ِد ِه َوعَىلَ ال ْ َوا ِر ِث ِمث ْ ُل‬ ‫َم ْول ُ ٌ‬ ‫ك فَإ ِْن أ َ َرادَا فِ َص ًاال َع ْن تَ َر ٍ‬ ‫اض‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ِه َما‬ ‫ِمن ْ ُه َما َوتَ َش ُاو ٍر فَ َبل ُجن َ َ‬ ‫َوإ ِْن أ َ َردْ ُت ْم أ َ ْن تَ ْس ًَت ْ ِض ُعوا أ َ ْو َالدَ ُك ْم‬

‫ت َما‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم إِذَا َسل َّ ْم ُ ْم‬ ‫فَ َبل ُجن َ َ‬ ‫آتَي ْ ُتم بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬ ‫وف َوا َّت ُقوا َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫اّللَ‬ ‫َ‬ ‫اّلل ِٔتَا تَعْ َمل ُ َ ِ‬ ‫َواعْل َ ُموا أ َّن َّ َ‬ ‫ون بَصَتٌ‬ ‫(‪)233‬‬ ‫انظر إىل عظمة اإلسبلم ها هو ذا‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه يتكلم عن إرضاع‬

‫الوالدات ألوالدهن بعد عملية‬ ‫الطبلق ‪ ،‬فالطبلق يورث الشقاق‬ ‫بُت الرجل وا‪١‬ترأة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ينظر للمسألة نظرة‬ ‫الرحيم العليم بعباده ‪ ،‬فَتيد أن‬ ‫٭تمي الثمرة اليت نتجت من‬ ‫الزواج قبل أن ٭تدث الشقاق بُت‬

‫األبوين ‪ ،‬فيبلغنا ‪ :‬ال ٕتعلوا‬ ‫شقاقكم وخبلفكم وطبلقكم‬ ‫مصدر تعاسة للطفل الْبيء‬ ‫الرضيع ‪.‬‬ ‫وهذا كبلم عن ا‪١‬تطلقات البليت‬ ‫تركن بيوت أزواجهن ‪ ،‬ألن اهلل‬ ‫يقول بعد ذلك ‪َ { :‬وعىلَ ا‪١‬تولود ل َ ُه‬

‫ِرزْ ُق ُه َّن َو ِك ْس َو ُهت ُ َّن با‪١‬تعروف } وما‬ ‫دامت اْلية ٖتدثت عن { ِرزْ ُق ُه َّن‬ ‫َو ِك ْس َو ُهت ُ َّن } فذلك يعٍت أن ا‪١‬ترأة‬ ‫ووليدها بعيدة عن الرجل ‪ ،‬ألهنا لو‬ ‫كانت معه لكان رزق الوليد‬ ‫وكسوته أمرا مفرو ا منه ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه يفرض هنا حقا للرضيع ‪،‬‬

‫وأمه لم تكن تستحقه لوال‬ ‫الرضاع ‪ .‬وبعض الناس فهموا‬ ‫خطأ أن الرزق والكسوة للزوجات‬ ‫عموما ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬ال ‪ .‬إن الرزق‬ ‫والكسوة هنا للمطلقات البليت‬ ‫يرضعن فقط ‪.‬‬ ‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه أن ‪٬‬تعل هذا‬

‫ا‪ٟ‬تق أمرا مفرو ا منه ‪ ،‬فشرع حق‬ ‫الطفل يف أن يتكفله والده ال‬ ‫برزق‬ ‫والكسوة حىت يكون األمر معلوما‬ ‫لديه حال الطبلق ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬والوالدات يُ ْر ِضعْ َن‬ ‫ُت كَا ِمل َ ْ ِ‬ ‫أ َ ْوالَدَ ُه َّن َح ْول َ ْ ِ‬ ‫ُت } نلحظ‬ ‫فيه أنه لم يأت بصيغة األمر فلم‬

‫يقل ‪ :‬يا والدات أرضعن ‪ ،‬ألن‬ ‫األمر عرضة ألن يطاع وأن يعىص ‪،‬‬ ‫لكن اهلل أظهر ا‪١‬تسألة يف أسلوب‬ ‫خْبي عىل أهنا أمر واقع طبيعي وال‬ ‫ٮتالف ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وعىلَ ا‪١‬تولود ل َ ُه‬ ‫ِرزْ ُق ُه َّن َو ِك ْس َو ُهت ُ َّن } ولنتأمل‬

‫عظمة األداء القرآين يف قوله ‪{ :‬‬ ‫َوعىلَ ا‪١‬تولود ل َ ُه } إنه لم يقل ‪« :‬‬ ‫وعىل الوالد » ‪ ،‬وجاء ب { ا‪١‬تولود ل َ ُه‬ ‫} ليكلفه بالتبعات يف الرزق‬ ‫والكسوة ‪ ،‬ألن مسئولية اإلنفاق‬ ‫عىل ا‪١‬تولود هي مسئولية الوالد‬ ‫وليست مسئولية األم ‪ ،‬وهي قد‬

‫‪ٛ‬تلت وولدت وأرضعت والولد‬ ‫يُنسب لؤلب يف النهاية يقول‬ ‫الشاعر ‪:‬‬ ‫فإ‪٪‬تا أمهات الناس أوعية ‪...‬‬ ‫مستوعادت ولآلباء أبناء‬ ‫وما دام ا‪١‬تولود منسوبا ًللرجل‬ ‫األب ‪ ،‬فعىل األب رزقه وكسوته هو‬

‫وعليه أيضا رزق وكسوة أمه اليت‬ ‫ترضعه با‪١‬تعروف ا‪١‬تتعارف عليه‬ ‫ٔتا ال يسبب إجحافا ًوظلما لؤلب‬ ‫يف كثرة اإلنفاق ‪ ،‬ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ال َ‬ ‫ُتكَل َّ ُف ن َ ْف ٌس إِال َّ ُو ْسعَهَا } هنا‬ ‫ا‪ٟ‬تديث عن األم واألب ‪ .‬فبل يصح‬ ‫أن ترهق ا‪١‬تطلقة والد الرضيع ٔتا‬

‫هو فوق طاقته ‪ ،‬وعليها أن تكتفي‬ ‫با‪١‬تعقول من النفقة ‪.‬‬ ‫آر َوال ِ َدةٌ‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ال َ ُت َض َّ‬ ‫ود ل َّ ُه بِ َول َ ِد ِه } والزال‬ ‫بِ َول َ ِد َها َوال َ َم ْول ُ ٌ‬ ‫ا‪ٟ‬تق يُذك ُر األب بأن ا‪١‬تولود له هو ‪،‬‬ ‫وعليه أال يضر والدة الطفل ٔتنع‬ ‫اإلنفاق عىل ابنه ‪ ،‬وأال يًتكها‬

‫تتكفف الناس من أجل رزقه‬ ‫وكسوته ‪ ،‬ويف الوقت نفسه يُ َذك ُر‬ ‫األم ‪ :‬ال ٕتعلي رضيعك مصدر‬ ‫إضرار ألبيه بكثرة اإل‪ٟ‬تاح يف‬ ‫طلب الرزق والكسوة ‪.‬‬ ‫إنه عز وجل يضع لنا اإلطار الدقيق‬ ‫الذي يكفل للطفل حقوقه ‪،‬‬

‫فهناك فرق بُت رضيع ينعم بدفء‬ ‫ا‪ٟ‬تياة بُت أبوين متعاشرين ‪،‬‬ ‫ووجوده بُت أبوين َت متعاشرين ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعطينا لفتة‬ ‫أخرى هي أن والد ا‪١‬تولود قد ٯتوت‬ ‫فإذا ما مات الوالد فمن الذي ينفق‬

‫عىل الوليد الذي يف رعاية أمه‬ ‫ا‪١‬تطلقة؟ هنا يأتينا قول ا‪ٟ‬تق‬ ‫با‪ٞ‬تواب السريع ‪َ { :‬وعَىلَ الوارث‬ ‫ِمث ْ ُل ذلك } ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يقرر مسئولية اإلنفاق عىل‬ ‫من يرث والد الرضيع ‪ ،‬صحيح أن‬ ‫الرضيع سَتث يف والده ‪ ،‬لكن‬

‫رعاية الوليد اليتيم هي مسئولية‬ ‫من يرث الوصاية وتكون له‬ ‫الوالية عىل أموال األب إن مات ‪.‬‬ ‫وهكذا يضمن اهلل عز وجل حق‬ ‫الرضيع عند ا‪١‬تولود له وهو أبوه إذا‬ ‫كان حيا ً‪ ،‬وعند من يرث األب إذا‬ ‫ُتوىف ‪.‬‬

‫وبذلك يكون اهلل عز وجل قد‬ ‫َش َّرع لصيانة أسلوب حياة الطفل‬ ‫يف حال وجود أبويه ‪ ،‬وشرع له يف‬ ‫حال طبلق أبويه وأبوه ح ٌّي وشرع‬ ‫له يف حال طبلق أبويه ووفاة أبيه ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَإ ِْن أ َ َرادَا فِ َصاال ً َعن‬ ‫تَ َر ٍ‬ ‫اح‬ ‫اض ِّمن ْ ُه َما َوتَ َش ُاو ٍر فَبل َ ُجن َ َ‬

‫عَلَي ْ ِه َما } ‪.‬‬ ‫انظر إىل الر‪ٛ‬تة يف اإلسبلم؛‬ ‫فطبلق الرجل لزوجته ال يعٍت أن ما‬ ‫كان بينهما قد انتىه ‪ ،‬ويضيع‬ ‫األوالد ويشقون بسبب الطبلق ‪،‬‬ ‫فقوله تعاىل ‪َ { :‬عن تَ َر ٍ‬ ‫اض ِّمن ْ ُه َما‬ ‫َوتَ َش ُاو ٍر } دليل عىل أن هناك قضية‬

‫مشًتكة مازالت بُت الطرفُت‬ ‫وهي ما يتصل برعاية األوالد ‪،‬‬ ‫وهذه القضية ا‪١‬تشًتكة البد أن‬ ‫يبلحظ فيها حق األوالد يف عاطفة‬ ‫األمومة ‪ ،‬وحقهم يف عاطفة األبوة ‪،‬‬ ‫حىت ينشأ الولد وهو َت ‪٤‬تروم من‬ ‫حنان األم أو األب ‪ ،‬وإن اختلفا‬

‫حىت الطبلق ‪.‬‬ ‫إن عليهما أن يلتقيا بالتشاور‬ ‫والًتاضي يف مسألة تربية األوالد‬ ‫حىت يشعروا ْتنان األبوين ‪ ،‬ويكْب‬ ‫األوالد دون آالم نفسية ‪،‬‬ ‫ويفهمون أن أمهم تقدر ظروفهم‬ ‫وكذلك والدهم وبرغم وجود‬

‫الشقاق وا‪٠‬تبلف بينهما فقد اتفقا‬ ‫عىل مصلحة األوالد ٍ‬ ‫بًتاض وتشاور‬ ‫‪.‬‬ ‫إن ما ٭تدث يف كثَت من حاالت‬ ‫الطبلق من ٕتاهل لؤلوالد بعد‬ ‫الطبلق هي مسألة خطَتة؛ ألهنا‬ ‫تًتك رواسب وآثارا سلبية‬

‫عميقة يف نفوس األوالد ‪ ،‬ويًتتب‬ ‫وربمتشريدهم‬ ‫عليها شقاؤهم ا‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وما ذنب أوالد كان الكبار‬ ‫هم السبب ا‪١‬تباشر يف ‪٣‬تيئهم‬ ‫للحياة؟ أليس من األفضل أن يوفر‬ ‫اْلباء ‪٢‬تم الظروف النفسية‬ ‫وا‪ٟ‬تياتية اليت تكفل ‪٢‬تم النشأة‬

‫الكرٯتة؟ إن منهج اهلل أمامنا‬ ‫فلماذا ال نطبقه لنسعد به وتسعد‬ ‫به األجيال القادمة؟‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قال يف أول‬ ‫اْلية ‪ { :‬والوالدات يُ ْر ِضعْ َن‬ ‫ُت كَا ِمل َ ْ ِ‬ ‫أ َ ْوالَدَ ُه َّن َح ْول َ ْ ِ‬ ‫ُت } لكن ماذا‬ ‫يكون ا‪ٟ‬تال إن نشأت ظروف‬

‫تقلل من فًتة الرضاعة عن‬ ‫العامُت ‪ ،‬أو نشأت ظروف خاصة‬ ‫جعلت فًتة الرضاعة أطول من‬ ‫العامُت؟ هنا يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَإ ِْن‬ ‫ت ٍ‬ ‫اض ِّمن ْ ُه َما‬ ‫أ َ َرادَا فِ َصاال ً َعن َر‬ ‫اح عَلَي ْ ِه َما } ‪.‬‬ ‫َوتَ َش ُاو ٍر فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫إنه جل وعبل يبُت لنا أن الفصال‬

‫أي الفطام ‪٬‬تب أن يكون عن‬ ‫تراض وتشاور بُت الوالدين وال‬ ‫جناح عليهما يف ذلك ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫‪َ { :‬وإ ِْن أ َ َردتُّ ْم أَن تسًتضعوا‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم إِذَا‬ ‫أ َ ْوالَدَ ُك ْم فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫َسل َّ ْم ُتم َّمآ آتَي ْ ُتم با‪١‬تعروف} ‪ ،‬و {‬ ‫أَن تسًتضعوا أ َ ْوالَدَ ُك ْم } أي أن‬

‫تأتوا للطفل ٔترضعة ‪ ،‬فإن أردتم‬ ‫ذلك فبل لوم عليكم يف ذلك ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تطلق حُت يوكل إىل األم أن‬ ‫ترضع وليدها فالطفل يأخذ من‬ ‫حنان األم ا‪١‬توجود لديها بالفطرة ‪،‬‬ ‫لكن هب أن األم ليست لديها‬

‫القدرة عىل اإلرضاع أو أن ظروفها‬ ‫ال تسعفها عىل أن ترضعه لضعف يف‬ ‫صحتها أو قوهتا ‪ ،‬عند ذلك فالوالد‬ ‫ُمطالب أن يأيت البنه ٔترضعة ‪،‬‬ ‫وهذه ا‪١‬ترضعة اليت ترضع الوليد‬ ‫ٖتتاج إىل أن يعطيها األب ما‬ ‫ي ِّ‬ ‫سخيها و‪٬‬تعلها تقبل عىل إرضاع‬ ‫ُ‬

‫الولد بأمانة ‪ ،‬واإلشراف عليه‬ ‫بصدق ‪.‬‬ ‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق هذه اْلية الكرٯتة‬ ‫بقوله ‪ { :‬واتقوا اهلل واعلموا أ َ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ون ب َ ِصَتٌ} ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫اهلل ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬ ‫٭تذر أن يأخذ أحد أحكامه ويدعي‬ ‫بظاهر األمر تطبيقها ‪ ،‬لكنه َت‬

‫حريص عىل روح هذه األحكام ‪،‬‬ ‫مثال ذلك األب الذي يريد أن‬ ‫يدلس عىل ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬فعندما يرى‬ ‫األب مرضعة ابنه أمام الناس فهو‬ ‫يدعي أنه ينفق عليها ‪ ،‬ويعطيها‬ ‫أجرها كامبل ‪ ،‬ويقابلها با‪ٟ‬تفاوة‬ ‫والتكريم بينما الواقع ٮتالف ذلك‬

‫‪.‬‬ ‫إن اهلل ٭تذر من يفعل ذلك ‪ :‬أنت ال‬ ‫تعامل ا‪١‬تجتمع وإ‪٪‬تا تعامل اهلل و‬ ‫{ اهلل ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ٔت‬ ‫ون ب َ ِصَتٌ} ‪ .‬ويقول‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تفَّ ْو َن‬ ‫ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬والذين يُ َو‬ ‫ِ‬ ‫ون أَزْ َواجا ًي َ ًَتَبَّ ْص َن‬ ‫من ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬

‫بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن أ َ ْربَعَ َة أ َ ْش ُه ٍر َو َع ْشرا ً‪. . .‬‬ ‫}‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫َوال َّ ِذي َن يُت َ َو َّف ْو َن من ْ ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬ ‫َ‬ ‫اجا ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن أ َ ْربَعَ َة‬ ‫أزْ َو ً‬ ‫أ َ ْش ُه ٍر َو َع ْش ًرا فَإِذَا بَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن فَ َبل‬ ‫ِ‬ ‫يما فَعَل َْن ِيف أَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬

‫وف و َ ِ‬ ‫بِا ْ‪١‬تَعْ ُر ِ َ ُّ‬ ‫اّلل ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬ ‫ون َخبَِتٌ‬ ‫(‪)234‬‬ ‫والعدة كما عرفنا هي الفًتة‬ ‫الزمنية اليت شرعها اهلل بعد زواج‬ ‫انتىه بطبلق أو بوفاة الزوج ‪.‬‬ ‫والعدة إما أن تكون بعد طبلق ‪،‬‬

‫وإما بعد وفاة زوج ‪ ،‬فإن كانت‬ ‫العدة بعد طبلق فمدهتا ثبلثة قروء‬ ‫‪ ،‬والقرء كما عرفنا هو ا‪ٟ‬تيضة أو‬ ‫الطهر ‪ ،‬فإن كانت ا‪١‬تطلقة صغَتة‬ ‫لم ٗتض بعد أو كانت كبَتة تعدت‬ ‫سن ا‪ٟ‬تيض فالعدة تنقلب من‬ ‫القروء إىل األشهر وتصبح « ثبلثة‬

‫أشهر » ‪.‬‬ ‫وعرفنا أن من حق الزوج أن يراجع‬ ‫زوجته بينه وبُت نفسه دون تدخل‬ ‫الزوجة أو ويل أمرها ‪ ،‬له ذلك يف‬ ‫أثناء فًتة العدة يف الطبلق الرجعي ‪،‬‬ ‫فإن انتهت عدهتا فقد سقط حقه يف‬ ‫مراجعة الزوجة بنفسه ‪ ،‬وله أن‬

‫يراجعها ‪ ،‬ولكن ٔتهر وعقد‬ ‫جديدين ما دام قد بىق له حق أي‬ ‫لم يستنفد مرات الطبلق ‪.‬‬ ‫وقد قلنا ‪ :‬إن تعدت الطلقات‬ ‫اثنتُت وأصبحت هناك طلقة ثانية‬ ‫فبلبد من زوج آخر يتزوجها‬ ‫بالطريقة الطبيعية ال بقصد أن‬

‫٭تللها للزوج األول ‪ .‬وأما عدة‬ ‫ا‪١‬تتوىف عنها زوجها فقد عرفنا أن‬ ‫القرآن ينص عىل أهنا تًتبص‬ ‫بنفسها أربعة أشهر وعشرا ‪ ،‬هذا‬ ‫إن لم تكن حامبل ‪ ،‬فإن كانت‬ ‫حامبل فعدهتا أبعد األجلُت ‪ ،‬فإن‬ ‫كان األجل األبعد هو أربعة أشهر‬

‫وعشرا فتلك عدهتا ‪ ،‬وإن كان‬ ‫األجل األبعد هو ا‪ٟ‬تمل فعدهتا أن‬ ‫ينتهي ا‪ٟ‬تمل ‪ .‬لكن أليس من‬ ‫ا‪ٞ‬تائز أن يموت زوجها وهي يف‬ ‫الشهر التاسع من ا‪ٟ‬تمل فتلد قبل‬ ‫أن يدفن؟ وهل يعٍت ذلك أن عدهتا‬ ‫انتهت؟ ال ‪ ،‬إهنا تنتهي بأبعد‬

‫األجلُت وهو يف هذه ا‪ٟ‬تالة مرور‬ ‫أربعة أشهر وعشرا ‪ ،‬وإن قال‬ ‫بعض الفقهاء ‪ :‬إن عدة ا‪ٟ‬تامل‬ ‫بوضع ا‪ٟ‬تمل ‪.‬‬ ‫لكن إذا لم يكن زوجها مت َّ‬ ‫وىف عنها‬ ‫فعدهتا أن تضع حم‪٢‬تا ‪ ،‬وإن شاءت‬ ‫أن تتزوج بعد ذلك فلها ذلك ولو‬

‫بعد ‪ٟ‬تظة ‪ .‬وبعض الناس يفسرون‬ ‫ا‪ٟ‬تكمة من جعل عدة ا‪١‬تتوىف عنها‬ ‫زوجة أربعة أشهر وعشرا ‪،‬‬ ‫فيقولون ‪ :‬ألهنا إن كانت حامبل‬ ‫بذكر فسيظهر ‪ٛ‬تلها عندما‬ ‫يتحرك بعد ثبلثة أشهر ‪ ،‬وإن‬ ‫كانت حامبل بأنثى فستتحرك بعد‬

‫أربعة أشهر ونعطيها مهلة عشر‬ ‫ٍ‬ ‫ليال ‪.‬‬ ‫ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬جزاكم اهلل خَتا عىل‬ ‫تفسَتكم ‪ ،‬لكن العدة ليست‬ ‫الستْباء الرحم؛ ألهنا لو كانت‬ ‫الستْباء الرحم النتهت عدة ا‪١‬ترأة‬ ‫ٔتجرد والدهتا ‪ .‬ولو كان األمر‬

‫للتأكد من وجود ‪ٛ‬تل أو عدمه ‪،‬‬ ‫لكانت عدهتا ثبلث حيضات إن‬ ‫كانت من ذوات ا‪ٟ‬تيض ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫من َت ذوات ا‪ٟ‬تيض لصغر أو لكْب‬ ‫سن لكانت عدهتا ثبلثة أشهر ‪ .‬لكن‬ ‫اهلل اختصها بأربعة أشهر وعشر‬ ‫وفاء ً‪ٟ‬تق زوجها عليها وإكراما‬

‫‪ٟ‬تياهتما الزوجية ‪.‬‬ ‫إذن فاهلل عز وجل جعل ا‪١‬تتوىف‬ ‫عنها زوجها تًتبص أقىص مدة‬ ‫ٯتكن أن تصْب عليها ا‪١‬ترأة ‪.‬‬ ‫فا‪١‬ترأة ساعة تكون متوىف عنها‬ ‫زوجها ال ٗترج من بيتها وال تتزين‬

‫وال تلىق أحدا ًوفاء ًللزوج ‪ ،‬فإذا‬ ‫انتهت عدهتا أي مضت عليها‬ ‫األربعة األشهر والعشرة ‪ { ،‬فَبل َ‬ ‫ِ‬ ‫يما فَعَل َْن يف أَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬ ‫} وهو يعٍت أن تتزين يف بيتها‬ ‫وٗترج دون إبداء زينة وأن يتقدم‬ ‫‪٢‬تا من يريد خطبتها ‪ .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬

‫{ أ َ ْربَعَ َة أ َ ْش ُه ٍر َو َع ْشرا ً} وا‪١‬تقصود‬ ‫بهذه ا‪١‬تدة أربعة أشهر وعشر ليال‬ ‫‪.‬‬ ‫وهنا لفتة تشريعية إٯتانية تدل عىل‬ ‫استطراق كل حكم شرعي يف ‪ٚ‬تيع‬ ‫ا‪١‬تكلفُت وإن لم يكن ا‪ٟ‬تكم ماسا‬ ‫‪٢‬تم؛ فا‪١‬تتوىف عنها زوجها تربصت‬

‫أربعة أشهر وعشرا وبلغتها يف مدة‬ ‫العدة ‪ ،‬وكان من حكم اهلل عليها أال‬ ‫تتزين وأال تكتحل وأال ٗترج من‬ ‫بيتها وفاء ً‪ٟ‬تق زوجها فإذا بلغت‬ ‫اح‬ ‫األجل وانتىه قال ‪ { :‬فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫ِ‬ ‫يما فَعَل َْن يف أَن ْ ُف ِس ِه َّن } ‪،‬‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬ ‫ولم يقل ‪ :‬فبل جناح عليهن ‪ .‬لقد‬

‫وجه ا‪٠‬تطاب هنا للرجال؛ ألن كل‬ ‫مؤمن له والية عىل كل مؤمنة ‪ ،‬فإذا‬ ‫رأى يف سلوكها أو أسلوب عنايتها‬ ‫بنفسها ما ينايف العدة فله أن‬ ‫يتدخل ‪ .‬مثبل إذا رآها تتزين قال‬ ‫‪٢‬تا أو أرسل إليها من يقول ‪٢‬تا ‪:‬‬ ‫‪١‬تاذا تتزينُت؟ إن قول اهلل ‪ { :‬فَبل َ‬

‫اح عَلَي ْ ُك ْم } ‪٬‬تعل للرجال‬ ‫ُجن َ َ‬ ‫قوامة عىل ا‪١‬تتوىف عنها زوجها ‪ ،‬فبل‬ ‫يقولون ‪ :‬ال دخل لنا؛ ألن ا‪ٟ‬تكم‬ ‫اإلٯتاين حكم مستطرق يف كل‬ ‫مؤمن وعىل كل مؤمن ‪ .‬فا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وتَ َوا َص ْوا ْ‬ ‫با‪ٟ‬تق َوتَ َوا َص ْوا ْبالصْب} ػ العصر ‪:‬‬

‫‪]3‬‬ ‫إن قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وتَ َوا َص ْوا ْ} ال يعٍت‬ ‫أن قوما ُخصوا بأهنم يُوصون‬ ‫َتهم وقوما آخرين يُوصيهم‬ ‫َتهم ‪ ،‬بل كل واحد منا م ٍ‬ ‫وص يف‬ ‫ُ‬ ‫وىص من َته يف وقت‬ ‫وقت؛ وم ً‬ ‫آخر ‪ ،‬هذا هو معٌت { َوتَ َوا َص ْوا ْ} ‪.‬‬

‫فإذا رأيت يف َتك ضعفا ًيف أي‬ ‫ناحية من نواحي أحكام اهلل ‪ ،‬فلك‬ ‫ت‬ ‫َتك‬ ‫أن وصيه ‪ .‬وكذلك إن رأى ُ‬ ‫فيك ضعفا يف أي ناحية من النواحي‬ ‫فله أن يوصيك ‪ ،‬وعندما نتواىص‬ ‫‪ٚ‬تيعا ًال يبىق ‪١‬تؤمن بُتنا خطأ ظاهر‬ ‫‪.‬‬

‫َٗت‬ ‫ص بالوصاية ‪ٚ‬تاعة‬ ‫إذن فاْلية ال ُ ُ‬ ‫دون أخرى إ‪٪‬تا الكل يتواصون ‪،‬‬ ‫ألن األغيار البشرية تتناوب الناس‬ ‫أ‪ٚ‬تعُت ‪ .‬فأنت يف فًتة ضعفي‬ ‫رقيب علي ‪ ،‬فتوصيٍت ‪ ،‬وأنا يف فًتة‬ ‫ضعفك رقيب عليك ‪ ،‬فأوصيك ‪.‬‬ ‫اح‬ ‫ولذلك جاء قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَبل َ ُجن َ َ‬

‫عَلَي ْ ُك ْم } إنه سبح انه لم يوجه‬ ‫ا‪٠‬تطاب للنساء ‪ ،‬ولكن خاطب به‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ولم ٮتص با‪٠‬تطاب أولياء‬ ‫أمور النساء فحسب وإ‪٪‬تا ترك‬ ‫ا‪ٟ‬تكم للجميع حىت ال يقول أحد ‪:‬‬ ‫ال عبلقة يل با‪١‬ترأة اليت توىف عنها‬ ‫زوجها ولتفعل ما تشاء ‪ .‬إن ‪٢‬تا أن‬

‫تتزين با‪١‬تتعارف عليه إسبلميا يف‬ ‫الزينة ‪ ،‬و‪٢‬تا أن تتجمل يف حدود ما‬ ‫أذن اهلل ‪٢‬تا فيه ‪.‬‬ ‫وٮتتتم ا‪ٟ‬تق هذه اْلية بقوله ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون َخبَِتٌ} أي واهلل‬ ‫واهلل ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬ ‫أعلم ٔتا يف نفسها ؤتا يف نيتها ‪.‬‬ ‫وهب أهنا فعلت أي فعل عىل َت‬

‫مرأى من أحد فبل تعتقد أن‬ ‫ا‪١‬تجتمع وإن لم يشهد منها ذلك‬ ‫أن ا‪١‬تسألة انتهت ‪ ،‬ال ‪ ،‬إن اهلل‬ ‫عليم ٔتا تفعل وإن لم يطلع عليها‬ ‫أحد من الناس ‪.‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد ‪ٛ‬تى بكل‬ ‫التشريعات السابقة حق الزوج‬ ‫حىت تنتهي العدة ‪ ،‬وحق ا‪١‬تتوىف عنها‬ ‫زوجها يف أثناء العدة ‪ ،‬و‪ٛ‬تى أيضا‬ ‫بكل التشريعات كرامة ا‪١‬ترأة ‪.‬‬ ‫وجعل ا‪١‬ترأة حرما ال يقًتب منه‬ ‫إن عليها عدة‬ ‫أحد ٮتدش حجابها ‪ّ ،‬‬

‫‪٤‬تسوبة يف هذا الوقت لرجل آخر ‪،‬‬ ‫فبل ٭تق ألحد أن يقًتب منها ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن ا‪١‬ترأة خاصة إذا كانت‬ ‫مطلقة قد تتملكها رغبة يف أن تثأر‬ ‫لنفسها ولكرامتها ‪ ،‬ورٔتا تعجلت‬ ‫التزوج ‪ ،‬ورٔتا كانت مسائل‬ ‫االفًتاق أو ا‪٠‬تبلف ناشئة عن‬

‫اندساس رغبة راغب فيها ‪،‬‬ ‫ؤتجرد أن يتم طبلقها وتعيش‬ ‫فًتة العدة فقد ٭توم حو‪٢‬تا‬ ‫الراغبون فيها ‪ ،‬أو تستشرق هي‬ ‫من ناحيتها من تراه صا‪ٟ‬تا ًكزوج‬ ‫‪٢‬تا ‪ .‬ولذلك يفرض ا‪ٟ‬تق سياجا من‬ ‫الزمن و‪٬‬تعل العدة كمنطقة حرام‬

‫ليحمي ا‪١‬ترأة ‪ٛ‬تاية موضوعية ال‬ ‫شكلية ‪.‬‬ ‫التشريع ألنه من إله رحيم ال يهدر‬ ‫عواطف النفس البشرية ‪ :‬ال من‬ ‫ناحية الذي يرغب يف أن يتزوج ‪،‬‬ ‫وال من ناحية ا‪١‬ترأة اليت تستشرق‬ ‫أن تتزوج ‪ ،‬فيعاًف هذه ا‪١‬تسألة‬

‫بدقة وْتزم وْتسم معا جل شأنه ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يما َع َّر ْض ُت ْم‬ ‫{ َوال َ ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬ ‫بِ ِه ِم ْن ِخ ْطب َ ِة النسآء ‪} . . .‬‬ ‫ِ‬ ‫يما َع َّر ْض ُت ْم بِ ِه‬ ‫َو َال ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬ ‫ِم ْن ِخ ْطب َ ِة ال ِن ّ َساءِ أ َ ْو أَكْنَن ْ ُت ْم ِيف‬ ‫اّلل أَن َّ ُك ْم‬ ‫أَن ْ ُف ِس ُك ْم عَلِ َم ّ َُ‬

‫َست َ ْذ ُك ُرو َهن ُ َّن َول َ ِك ْن َال ُت َواعِ ُدو ُه َّن‬ ‫ِس ًّرا إ َِّال أ َ ْن تَ ُقولُوا قَ ْو ًال َمعْ ُروفًا َو َال‬ ‫تَعْ ِز ُموا ُع ْق َدةَ ِالنّكَا ِح َح َّىت يَبْل ُ َغ‬ ‫ِ‬ ‫اّللَيَعْل َ ُم‬ ‫اب أ َ َجل َ ُه َواعْ َ‪١‬تُوا أ َ َّن َّ‬ ‫الْكت َ ُ‬ ‫اح َذ ُر ُوه َواعْل َ ُموا‬ ‫َما ِيف أَن ْ ُف ِس ُك ْم فَ ْ‬ ‫َ‬ ‫اّلل َغ ُف ِ‬ ‫يم (‪)235‬‬ ‫أ َّن َّ َ ٌ‬ ‫ور َحل ٌ‬

‫و { َع َّر ْض ُت ْم } مأخوذة من‬ ‫التعريض ‪ .‬والتعريض ‪ :‬هو أن‬ ‫تدل عىل شيء ال ٔتا يؤديه نصا ‪،‬‬ ‫ولكن تعرض به تلميحا ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫‪٬‬تعل للعواطف تنفيسا من هذه‬ ‫الناحية ‪ ،‬والتنفيس ليس ‪٣‬ترد‬

‫تعبَت عن العاطفة ‪ ،‬ولكنه رعاية‬ ‫للمصلحة ‪ ،‬فمن ا‪ٞ‬تائز أنه لو حزم‬ ‫التعريض لكان يف ذلك ضياع فرصة‬ ‫الزواج للمرأة ‪ ،‬أو قد يفوت هذا‬ ‫ا‪١‬تنع الفرصة عىل من يطلبها من‬ ‫الرجال؛ لذلك يضع ا‪ٟ‬تق القواعد‬ ‫اليت تفرض عىل الرجل وا‪١‬ترأة معا‬

‫أدب االحتياط ‪ ،‬وكأنه يقول لنا ‪:‬‬ ‫أنا أمنعكم أن ٗتطبوا يف العدة أو‬ ‫تقولوا كبلما ًصر٭تا ًوواضحا ًفيها ‪،‬‬ ‫لكن ال مانع من التلميح من بعيد ‪.‬‬ ‫مثبل يثٌت الرجل عىل ا‪١‬ترأة؛ ويعدد‬ ‫‪٤‬تاسنها بكبلم ال يعد خروجا عىل‬ ‫آداب اإلسبلم مثل هذا الكبلم هو‬

‫تلميح وتعريض ‪ ،‬وفائدته أنه يعْب‬ ‫عما يف نفسه قائله ٕتاه ا‪١‬تطلقة‬ ‫فتعرف رأيه فيها ‪ ،‬ولو لم يقل ذلك‬ ‫فرٔتا سبقه أحد إليها وقطع عليه‬ ‫السبيل إلنفاذ ما يف نفسه ‪ ،‬ومنعه‬ ‫من أن يتقدم ‪٠‬تطبتها بعد انتهاء‬ ‫العدة ‪ ،‬وقد يدفعه ذلك ألن يفكر‬

‫تفكَتا آخر ‪ :‬للتعبَت بأسلوب‬ ‫وشكل خاطئ ‪.‬‬ ‫إذن فالتعريض له فائدة يف أنه‬ ‫يُعرف ا‪١‬تطلقة رأي فبلن فيها حىت‬ ‫إن جاءها َته ال توافق عليه‬ ‫مباشرة ‪ .‬وهكذا نرى قبسا ًمن‬ ‫ر‪ٛ‬تة اهلل سبحانه وتعاىل بنا ‪ ،‬بأن‬

‫جعل العدة كمنطقة حرام ٖتمي‬ ‫ا‪١‬ترأة ‪ ،‬وجعل التعريض فرصة‬ ‫للتعبَت عن العاطفة اليت تؤسس‬ ‫مصلحة من بعد ذلك ‪.‬‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬وال َ ُجن َ َ‬ ‫ِ‬ ‫يما َع َّر ْض ُت ْم بِ ِه ِم ْن ِخ ْطب َ ِة النسآء‬ ‫ف َ‬ ‫} وا‪٠‬تطبة مأخوذة من مادة « ا‪٠‬تاء‬

‫» و « الطاء » و « الباء » وتدل عىل‬ ‫أمور تشًتك يف عدة معالم ‪ :‬منها‬ ‫ُخطبة بضم ا‪٠‬تاء ‪ ،‬ومنها َخ ْطب‬ ‫وهو األمر العظيم ‪ ،‬ومنها ا‪١‬تعٌت‬ ‫الذي ‪٨‬تن بصدده وهو ا ٍِفطبة‬ ‫بكسر ا‪٠‬تاء ‪ .‬وكل هذه ا‪١‬تعالم‬ ‫تدل عىل أن هناك األمر العظيم‬

‫الذي يُعاًف ‪ ،‬فا‪٠‬تطب أمر عظيم‬ ‫يهز الكيان ‪ ،‬وكذلك ا‪٠‬تُطبة ال‬ ‫يلقيها ا‪٠‬تطيب إال يف أمر ذي بال ‪،‬‬ ‫فيعظ ا‪١‬تجتمع بأمر ضروري ‪.‬‬ ‫وا‪٠‬تِطبة كذلك أمر عظيم؛ ألنه‬ ‫أمر فاصل بُت حياتُت ‪ :‬حياة‬ ‫االنطبلق ‪ ،‬وحياة التقيد بأسرة‬

‫وبنظام ‪ .‬وكلها معان مشًتكة يف‬ ‫أمر ذي بال ‪ ،‬وأمر خطَت ‪ .‬وهو‬ ‫اح‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وال َ ُجن َ َ‬ ‫ِ‬ ‫يما َع َّر ْض ُت ْم بِ ِه ِم ْن ِخ ْطب َ ِة‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬ ‫النسآء أ َ ْو أ َ ْكن َ ُنت ْم يف أَن ْ ُف ِس ُك ْم } أي‬ ‫ال جناح عليكم أن وضعتم يف‬ ‫أنفسكم أمرا ٮتىف عىل ا‪١‬ترأة ‪،‬‬

‫وللمسلم أن يكنن وٮتفي يف نفسه‬ ‫ما يشاء ‪ ،‬ولكن ما الذي يُدري‬ ‫ويعلم ا‪١‬تطلقة أهنا يف بالك يا من‬ ‫أسررت أمرها يف نفسك؟ إنك‬ ‫البد أن تلمح وأن تعرض بأسلوب‬ ‫يليق باحًتام ا‪١‬ترأة ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬عَلِ َم اهلل أَن َّ ُك ْم‬

‫َست َ ْذ ُك ُرو َهن ُ َّن } ‪ ،‬إن الذي خلقك‬ ‫يعلم أهنا ما دامت يف بالك ‪ ،‬ومات‬ ‫زوجها عنها أو طلقها فقد أصبحت‬ ‫أمبل بالنسبة لك ‪ ،‬فلو أنه ضيق‬ ‫عليك لعوق عواطفك ‪ ،‬ولضاعت‬ ‫منك الفرصة ألن تتخذها زوجة‬ ‫من بعد ذلك ‪ ،‬و‪٢‬تذا أباح ا‪ٟ‬تق‬

‫التعريض حىت ال يقع أحدكم يف‬ ‫ا‪١‬تحظور وهو { ال َّ ُت َواعِ ُدو ُه َّن ِس ّرا ً‬ ‫} بأن تأخذوا عليهن العهد أال‬ ‫يتزوجن َتكم ‪ ،‬أو يقول ‪٢‬تا ‪:‬‬ ‫تزوجيٍت ‪.‬‬

‫بل عليه أن يعرض وال يفصح وال‬ ‫يصرح ‪ .‬إن ا‪١‬تواعدة يف السر أمر‬ ‫منهي عنه ‪ ،‬لكن ا‪١‬تسموح به هو‬ ‫التعريض بأدب ‪ { ،‬إِال َّأَن تَ ُقولُوا ْ‬ ‫قَ ْوال ً َّمعْ ُروفا ً} كأن يقول ‪ « :‬يا‬ ‫سعادة من ستكون له زوجة مثلك »‬ ‫‪ .‬ومثل ذلك من الثناء الذي يُطرب‬

‫ا‪١‬ترأة ‪ .‬ونعلم ‪ٚ‬تيعا أن ا‪١‬ترأة يف‬ ‫مثل حال ا‪١‬تطلقة أو ا‪١‬تتوىف عنها‬ ‫زوجها ٘تلك شفافية وأ‪١‬تعية تلتقط‬ ‫بها معٌت الكبلم ومراده ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َتعزموا ُع ْق َدةَ‬ ‫النكاح حىت يَبْلُغَ الكتاب أ َ َجل َ ُه}‬ ‫وهكذا نرى أن ‪٣‬ترد العزم األكيد‬

‫أمر هنى عنه ‪ .‬والعزم مقدم عىل‬ ‫الفعل فإذا هنى عنه كان النهي عن‬ ‫الفعل أقوى وأشد وأهنى ‪ ،‬فلك أن‬ ‫تنوى الزواج منها وتتوكل عىل اهلل ‪،‬‬ ‫لكن ال ٕتعله أمرا مفرو ا منه ‪ ،‬إال‬ ‫بعد أن تتم عدهتا ‪ ،‬فإن بلغ الكتاب‬ ‫أجله وانتهت عدهتا فاعزموا عقدة‬

‫النكاح ‪ .‬فكأن عقدة النكاح ٘تر‬ ‫بثبلث مراحل ‪:‬‬ ‫ا‪١‬ترحلة األوىل ‪ :‬وهي التعريض أي‬ ‫التلميح ‪.‬‬ ‫وا‪١‬ترحلة الثانية ‪ :‬هي العزم الذي‬ ‫ال يصح وال يستقيم أن يتم إال بعد‬ ‫انتهاء فًتة العدة ‪.‬‬

‫وا‪١‬ترحلة الثالثة ‪ :‬هي العقد ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تقصود بهذه ا‪١‬تراحل أن يأخذ‬ ‫كل طرف فرصته للتفكَت العميق‬ ‫يف هذا األمر ا‪ٞ‬تاد ‪ ،‬فإن كان التفكَت‬ ‫قد هدى إىل العزم فإن لئلنسان أن‬ ‫يعقد بعد انتهاء العدة ‪ ،‬وإن كان‬ ‫التفكَت قد اهتدى إىل االبتعاد‬

‫وصرف النظر عن مثل هذا األمر‬ ‫فلئلنسان ما يريد ‪.‬‬ ‫ويريد ا‪ٟ‬تق من هذه ا‪١‬تراحل أن‬ ‫يعطي الفرصة يف الًتاجع إن‬ ‫اكتشف أحد الطرفُت يف اْلخر‬ ‫أمرا ال يعجبه ‪ .‬وكل هذه اٍفطوات‬ ‫تدل عىل أن العقد ال يكون إال بعزم‬

‫‪ ،‬فبل يوجد عقد دون عزم ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫يريد من ا‪١‬تسلم أال يقدم عىل‬ ‫عقدة النكاح إال بعد عزم ‪ .‬والعزم‬ ‫معناه التصميم عىل أنك تريد‬ ‫الزواج ْتق الزواج وبكل‬ ‫مسئولياته ‪ ،‬وبكل مهر الزواج ‪،‬‬ ‫ومشروعيته ‪ ،‬وإعفافه؛ فالزواج‬

‫بدون أرضية العزم مصَته الفشل‬ ‫‪.‬‬ ‫ومعٌت العزم ‪ :‬أن تفكر يف ا‪١‬تسألة‬ ‫بعمق وروية يف نفسك حىت تستقر‬ ‫عىل رأي أكيد ‪ ،‬ثم لك أن تقبل عىل‬ ‫الزواج عىل أنه أمر له دٯتومة وبقاء‬ ‫ال ‪٣‬ترد شهوة طارئة ليس ‪٢‬تا‬

‫أرضية من عزٯتة النفس عليها ‪.‬‬ ‫ولذلك فإن الزواج القائم عىل َت‬ ‫رويّة ‪ ،‬وا‪١‬تعلق عىل أسباب مؤقتة‬ ‫كقضاء الشهوة ال يستمر وال ينجح‬ ‫‪ .‬ومثل ذلك زواج ا‪١‬تتعة؛ فالعلة يف‬ ‫ٖتريم زواج ا‪١‬تتعة أن ا‪١‬تقدم عليه‬ ‫ال يريد به االستمرار يف ا‪ٟ‬تياة‬

‫الزوجية ‪ ،‬وما دام ال يقصد منه‬ ‫الدٯتومة فمعناه أنه هدف للمتعة‬ ‫الطارئة ‪.‬‬ ‫والذين يبيحون زواج ا‪١‬تتعة‬ ‫مصابون يف تفكَتهم؛ ألهنم‬ ‫يتناسون عنصر اإلقبال بدٯتومة‬

‫عىل الزواج ‪ ،‬فما الداعي ألن تقيد‬ ‫زواجك ٔتدة؟ إن النكاح األصيل‬ ‫ال يُقيد ٔتثل هذه ا‪١‬تدة ‪ .‬وتأمل‬ ‫‪ٛ‬تق هؤالء لتعلم أن ا‪١‬تسألة ليست‬ ‫مسألة زواج ‪ ،‬إ‪٪‬تا ا‪١‬تسألة هي‬ ‫تْبير زىن ‪ ،‬وإال ‪١‬تاذا يشًتط يف‬ ‫زواج ا‪١‬تتعة أن يتزوجها ‪١‬تدة شهر‬

‫أو أكثر؟‬ ‫إن اإلنسان حُت يشًتط تقييد‬ ‫الزواج ٔتدة فذلك دليل عىل غباء‬ ‫تفكَته وسوء نيته؛ ألن الزواج‬ ‫األصيل هو الذي يدخل فيه‬ ‫بدٯتومة ‪ ،‬وقد ينهيه بعد ساعة إن‬ ‫وجد أن األمر يستحق ذلك ‪ ،‬ولن‬

‫يعًتض أحد عىل مثل هذا السلوك‬ ‫‪ ،‬فلماذا تقيد نفسك ٔتدة؟ إن‬ ‫ا‪١‬تتزوج للمتعة يستخدم الذكاء يف‬ ‫َت ‪٤‬تله ‪ ،‬قد يكون ذكيا يف ناحية‬ ‫ولكنه قليل الفطنة يف ناحية أخرى‬ ‫‪.‬‬ ‫إن عىل اإلنسان أن يدخل عىل‬

‫الزواج بعزٯتة بعد تفكَت عميق‬ ‫وروية ثم ينفذ العزم عىل عقد ‪.‬‬ ‫حذار أن تضع يف نفسك مثل هذا‬ ‫الزواج ا‪١‬تربوط عىل مطامع‬ ‫وأهداف يف نفسك كعدم‬ ‫الدٯتومة أو ‪٢‬تدف ا‪١‬تتعة فقط ‪،‬‬ ‫فكل ما يفكر فيه بعض الناس من‬

‫أطماع شهوانية ودنيوية هي‬ ‫أطماع زائلة ‪ .‬اصرف كل هذه‬ ‫األفكار عنك؛ ألنك إن أردت شيئا ً‬ ‫َت الدٯتومة يف الزواج ‪ ،‬وإرادة‬ ‫اإلعفاف؛ فاهلل سبحانه يعلمه‬ ‫وسَتد تفكَتك نقمة عليك‬ ‫فاحذره ‪.‬‬

‫إن اهلل سبحانه ال ٭تذر اإلنسان من‬ ‫شيء إال إذا كان ‪٦‬تا يغضبه سبحانه ‪.‬‬ ‫لذلك يذيل ا‪ٟ‬تق هذه اْلية‬ ‫الكرٯتة بقوله ‪ { :‬واعلموا أ َ َّن اهلل‬ ‫يَعْل َ ُم َما يف أَن ْ ُف ِس ُك ْم فاحذروه‬ ‫واعلموا أ َ َن اهلل َغ ُف ِ‬ ‫يم } ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ور َحل ٌ‬ ‫وهو سبحانه يعلم ضعف النفس‬

‫البشرية وأهنا قد تضعف يف بعض‬ ‫األحيان ‪ ،‬فإن كان قد حدث منها‬ ‫شيء فاهلل يعطيها الفرصة يف أن‬ ‫يتوب صاحبها ألنه سبحانه هو‬ ‫الغفور ا‪ٟ‬تليم ‪ .‬وبعد ذلك يقول‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬ال َّ ُجن َ َ‬

‫إِن َطل َّ ْق ُت ُم النسآء َما ل َ ْم َ٘ت َ ُّسو ُه َّن أ َ ْو‬ ‫يضةً ‪} . . .‬‬ ‫تَ ْفر ُِضوا ْ َ‪٢‬ت ُ َّن فَ ِر َ‬

‫َال ُجن َ َ‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم إ ِْن َطلَّقْ ُت ُم ال ِّن َساءَ‬ ‫َما ل َ ْم َ٘ت َ ُّسو ُه َّن أ َ ْو تَ ْفر ُِضوا َ‪٢‬ت ُ َّن‬ ‫يضةً َو َمتِّ ُعو ُه َّن عَىلَ ا ْ‪١‬تُو ِس ِع قَ َد ُر ُه‬ ‫فَ ِر َ‬

‫ًت قَ َدر ُه متَاعًا بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وف‬ ‫ُ‬ ‫َوعَىلَ ا ْ‪١‬تُ ْق ُ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت (‪)236‬‬ ‫َح ًّقا عَىلَ ا ْ‪١‬تُ ْحسن َ‬

‫‪٨‬تن نبلحظ أن الكبلم فيما تقدم‬ ‫كان عن الطبلق للمدخول بها ‪ ،‬أو‬ ‫عن ا‪١‬ترأة اليت دخل بها زوجها‬ ‫ومات عنها ‪ .‬ولكن قد ٖتدث بعض‬

‫من ا‪١‬تسائل تستوجب الطبلق‬ ‫المرأة َت مدخول بها ‪ .‬وتأيت هذه‬ ‫اْلية لتتحدث عن ا‪١‬ترأة َت‬ ‫ا‪١‬تدخول بها ‪ ،‬وهي إما أن يكون‬ ‫الزوج لم يفرض ‪٢‬تا صداقا ً‪ ،‬وإما‬ ‫أن يكون قد فرض ‪٢‬تا صداقا ً‪.‬‬ ‫والطبلق قبل الدخول له حكمان ‪:‬‬

‫ُفرضت يف العقد فريضة ‪ ،‬أو لم‬ ‫تفرض فيه فريضة ‪ ،‬فكأن عدم‬ ‫فرض ا‪١‬تهر ليس شرطا ًيف النكاح ‪،‬‬ ‫بل إذا تزوجته ولم يفرض يف هذا‬ ‫الزواج مهر فقد ثبت ‪٢‬تا مهر ا‪١‬تثل‬ ‫والعقد صحيح ‪ .‬ودليل ذلك أن اهلل‬ ‫اح‬ ‫سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬ال َّ ُجن َ َ‬

‫عَلَي ْ ُك ْم إِن َطل َّ ْق ُت ُم النسآء َما ل َ ْم‬ ‫يضةً }‬ ‫َ٘ت َ ُّسو ُه َّن أ َ ْو تَ ْفر ُِضوا ْ َ‪٢‬ت ُ َّن فَ ِر َ‬ ‫ومعٌت ذلك أهنا كانت زوجة ولم‬ ‫٭تدث دخول للزوج بها ‪.‬‬ ‫ولنا أن نسأل ما هو ا‪١‬تس؟ ونقول ‪:‬‬ ‫فيه مس ‪ ،‬وفيه ‪١‬تس ‪ ،‬وفيه مبلمسة‬ ‫‪ .‬فاإلنسان قد ٯتس شيئا ‪ ،‬ولكن‬

‫ا‪١‬تاس ال يتأثر با‪١‬تمسوس ‪ ،‬أي لم‬ ‫يدرك طبيعته أو حاله هل هو‬ ‫خشن أو ناعم؟ دافئ أو بارد ‪ ،‬وإىل‬ ‫َت ذلك ‪.‬‬ ‫أما اللمس فبل بد من اإلحساس‬ ‫بالشيء ا‪١‬تلموس ‪ ،‬أما ا‪١‬تبلمسة‬ ‫فهي حدوث التداخل بُت الشيئُت‬

‫‪ .‬إذن فعندنا ثبلث مراحل ‪ :‬األوىل‬ ‫هي ‪ :‬مس ‪ .‬والثانية ‪١ :‬تس ‪.‬‬ ‫والثالثة ‪ :‬مبلمسة ‪ .‬كلمة « ا‪١‬تس‬ ‫» هنا دلت عىل الدخول والوطء ‪،‬‬ ‫وهي أخف من اللمس ‪ ،‬وأيسر من‬ ‫أن يقول ‪ :‬المستم أو باشرتم ‪،‬‬ ‫و‪٨‬تن نأخذ هذا ا‪١‬تعٌت؛ ألن هناك‬

‫سياقا قرآنيا يف مكان آخر قد جاء‬ ‫ليكون نصا ًيف معٌت ‪ ،‬ولذلك‬ ‫نستطيع من سياقه أن نفهم ا‪١‬تعٌت‬ ‫ا‪١‬تقصود بكلمة « ا‪١‬تس » هنا ‪ ،‬فقد‬ ‫قالت السيدة مريم ‪ { :‬قَال َ ْت أىن‬ ‫ون ِيل ُبل َ ٌم َول َ ْم َٯت ْ َس ْس ٍِت ب َ َش ٌر‬ ‫ي َ ُك ُ‬ ‫َول َ ْم أ َ ُك بَغِيّا ً} ػ مريم ‪] 20 :‬‬

‫إن القرآن الكريم يوضح عىل‬ ‫لسان سيدتنا مريم أن أحدا ًمن‬ ‫البشر لم يتصل بها ذلك االتصال‬ ‫الذي ينشأ عنه بلم ‪ ،‬والتعبَت يف‬ ‫منتىه الدقة ‪ ،‬وألن األمر فيه‬ ‫تعرض لعورة وأسرار؛ لذلك جاء‬ ‫القرآن بأخف لفظ يف وصف تلك‬

‫ا‪١‬تسألة وهو ا‪١‬تس ‪ ،‬وكأن اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد أن يثبت ‪٢‬تا‬ ‫إعفافا ًحىت يف اللفظ ‪ ،‬فنىف ‪٣‬ترد مس‬ ‫البشر ‪٢‬تا ‪ ،‬وليس ا‪١‬تبلمسة أو‬ ‫ا‪١‬تباشرة برغم أن ا‪١‬تقصود باللفظ‬ ‫هو ا‪١‬تباشرة؛ ألن اْلية بصدد إثبات‬ ‫عفة مريم ‪.‬‬

‫ولنتأمل أدب القرآن يف تناول‬ ‫المسألة يف اْلية اليت ‪٨‬تن بصددها؛‬ ‫فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعْب عن‬ ‫اللفظ بنهاية مدلوله وبأخف‬ ‫التعبَت ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬أ َ ْو تَ ْفر ُِضوا ْ َ‪٢‬ت ُ َّن‬ ‫يضةً} وتعرف أن « أ َ ْو » عندما‬ ‫فَ ِر َ‬

‫ترد يف الكبلم بُت شيئُت فهي تعٍت «‬ ‫إما هذا وإما ذاك » ‪ ،‬فهل تفرض‬ ‫‪٢‬تن فريضة مقابل ا‪١‬تس؟ ‪.‬‬ ‫إن األصل ا‪١‬تقابل يف { َما ل َ ْم‬ ‫َ٘ت َ ُّسو ُه َّن } هو أن ٘تسوهن ‪.‬‬ ‫يضةً }‬ ‫ومقابل { تَ ْفر ُِضوا ْ َ‪٢‬ت ُ َّن فَ ِر َ‬

‫هو ‪ :‬أن ال تفرضوا ‪٢‬تن فريضة ‪.‬‬ ‫كأن ا‪ٟ‬تق عز وجل يقول ‪ :‬ال جناح‬ ‫عليكم إن طلقتم النساء ما لم‬ ‫٘تسوهن سواء فرضتم ‪٢‬تن فريضة‬ ‫أو لم تفرضوا ‪٢‬تن فريضة ‪ .‬وه كذا‬ ‫٭ترص األسلوب القرآين عىل تنبيه‬ ‫الذهن يف مبلحظة ا‪١‬تعاين ‪.‬‬

‫ولنا أن نبلحظ أن ا‪ٟ‬تق قد جاء‬ ‫بكلمة « إن » يف احتمال وقوع‬ ‫الطبلق ‪ ،‬و « إن » كما نعرف‬ ‫تستخدم للشك ‪ ،‬فكأن اهلل عز‬ ‫وجل ال يريد أن يكون الطبلق‬ ‫‪٣‬تًتءا ًعليه و‪٤‬تققا ً‪ ،‬فلم يأت ب «‬ ‫إذا » ‪ ،‬بل جعلها يف مقام الشك‬

‫حىت تعزز اْلية قول الرسول صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أبغض ا‪ٟ‬تبلل‬ ‫إىل اهلل الطبلق » ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق عز وجل بعد ذلك ‪:‬‬ ‫{ َو َمتِّ ُعو ُه َّن عَىلَ ا‪١‬توسع قَ َد ُر ُه َوعَىلَ‬ ‫ا‪١‬تقًت قَ َد ُر ُه } أي إنّك إذا طلقت‬ ‫ا‪١‬ترأة قبل الدخول ‪ ،‬ولم تفرض‬

‫‪٢‬تا فريضة فأعطها متعة ‪ .‬وقال‬ ‫العلماء يف قيمة ا‪١‬تتعة ‪ :‬إهنا ما‬ ‫يوازي نصف مهر مثيبلهتا من‬ ‫النساء؛ ألنه كان من ا‪١‬تفروض أن‬ ‫تأخذ نصف ا‪١‬تهر ‪ ،‬وما دام لم ُ٭تَّدد‬ ‫‪٢‬تا مه ٌر فلها مثل نصف مهر‬ ‫مثيبلهتا من النساء ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬

‫{ عَىلَ ا‪١‬توسع قَ َد ُر ُه َوعَىلَ ا‪١‬تقًت قَ َد ُر ُه‬ ‫} أي ينبغي أن تكون ا‪١‬تتعة يف‬ ‫حدود تناسب حالة الزوج؛ فا‪١‬توسع‬ ‫الغٍت ‪ :‬عليه أن يعطي ما يليق بعطاء‬ ‫اهلل له ‪ ،‬وا‪١‬تقًت الفقَت ‪ :‬عليه أن‬ ‫يعطي يف حدود طاقته ‪.‬‬ ‫وقول القرآن ‪ { :‬ا‪١‬توسع } مشتق‬

‫من « أوسع » واسم الفاعل «‬ ‫موسع » واسم ا‪١‬تفعول « موسع‬ ‫عليه » ‪ ،‬فأي اسم من هؤالء يطلق‬ ‫عىل الزوج؟ إن نظرت إىل أن الزرق‬ ‫من ا‪ٟ‬تق فهو « موسع عليه » ‪ ،‬وإن‬ ‫نظرت إىل أن ا‪ٟ‬تق يطلب منه أن‬ ‫توسع حركة حياتك ليأتيك رزقك‬

‫‪ ،‬وعىل قدر توسيعها يكون اتساع‬ ‫اهلل لك ‪ ،‬فهو « موسع » ‪.‬‬ ‫إذن فا‪١‬توسع ‪ :‬هو الذي أوسع عىل‬ ‫نفسه بتوسيع حركة أسبابه يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬واإلقتار هو اإلقبلل ‪ ،‬وعىل‬ ‫قدر السعة وعىل قدر اإلقتار تكون‬ ‫ا‪١‬تتعة ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حينما‬

‫يطلب حكما ًتكليفيا ًال يقصد إنفاذ‬ ‫ا‪ٟ‬تكم عىل ا‪١‬تطلوب منه فحسب ‪،‬‬ ‫ولكنه يوزع ا‪١‬تسئولية يف ا‪ٟ‬تق‬ ‫اإلٯتاين العام؛ فقوله ‪َ { :‬و َمتِّ ُعو ُه َّن‬ ‫عَىلَ ا‪١‬توسع قَ َد ُر ُه َوعَىلَ ا‪١‬تقًت قَ َد ُر ُه }‬ ‫يعين إذا ُوجد من ال يفعل حكم اهلل‬ ‫فبل بد أن تتكاتفوا عىل إنفاذ أمر اهلل‬

‫يف أن ٯتتع كل واحد طلق زوجته‬ ‫قبل أن يدخل بها ‪ .‬وا‪ٞ‬تمع يف‬ ‫األمر وهو قوله ‪َ { :‬و َمتِّ ُعو ُه َّن }‬ ‫دليل عىل تكاتف األمة يف إنفاذ حكم‬ ‫اهلل ‪ .‬وبعد ذلك قال ‪َ { :‬وإِن‬ ‫َطل َّ ْق ُت ُمو ُه َّن ِمن قَب ْ ِل أَن َ٘ت َ ُّسو ُه َّن‬

‫يضةً فَ ِن ْص ُف َما‬ ‫َوقَ ْد فَ َر ْض ُت ْم َ‪٢‬ت ُ َّن فَ ِر َ‬ ‫فَ َر ْض ُت ْم ‪} . . .‬‬

‫َوإ ِْن َطل َّ ْق ُت ُمو ُه َّن ِم ْن قَب ْ ِل أ َ ْن‬ ‫يضةً‬ ‫َ٘ت َ ُّسو ُه َّن َوقَ ْد فَ َر ْض ُت ْم َ‪٢‬ت ُ َّن فَ ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْو‬ ‫فَن ْص ُف َما فَ َر ْض ُت ْم إ َِّال أ ْن يَعْ ُف َ‬ ‫يَعْ ُف َو ال َّ ِذي بِي َ ِد ِه ُع ْق َد ُة ِالنّكَا ِح َوأ َ ْن‬

‫تَعْ ُفوا أَقْ َر ُب لِلتَّقْ َوى َو َال تَن ْ َس ُوا‬ ‫اّلل ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ٔت‬ ‫ون‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َف ْض َل َيب ْن َ ُك ْم إ َِّن َّ َ َ‬ ‫ب َ ِصَتٌ (‪)237‬‬

‫أي ما دام لم يدخل بها ولم يتمتع‬ ‫بها فبل تأخذ ا‪١‬تهر كله ‪ ،‬إ‪٪‬تا يكون‬ ‫‪٢‬تا النصف من ا‪١‬تهر ‪ .‬ولنعلم أن‬

‫هناك فرقا ًبُت أن يوجد ا‪ٟ‬تكم‬ ‫بقانون العدل ‪ ،‬وبُت أن يُنظر يف‬ ‫ا‪ٟ‬تكم ناحية الفضل ‪ ،‬وأحكي هذه‬ ‫الواقعة لنتعلم منها ‪:‬‬ ‫ذهب اثنان إىل رجل ليحكم‬ ‫بينهما فقاال ‪ :‬احكم بيننا بالعدل ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬أٖتبون أن أحكم بينكما‬

‫بالعدل؟ أم ٔتا هو خَت من العدل؟‬ ‫فقاال ‪ :‬وهل يوجد خَت من العدل؟‬ ‫قال ‪ :‬نعم ‪ .‬الفضل ‪.‬‬ ‫إن العدل يعطي كل ذي حق حقه ‪،‬‬ ‫ولكن الفضل ‪٬‬تعل صاحب ا‪ٟ‬تق‬ ‫يتنازل عن حقه أو عن ع‬ ‫بض حقه‪.‬‬ ‫إذن فالتشريع حُت يضع موازين‬

‫العدل ال يريد أن ٭ترم النبع‬ ‫اإلٯتاين من أر٭تية الفضل؛ فهو‬ ‫يعطيك العدل ‪ ،‬ولكنه سبحانه‬ ‫نس ُوا ْ‬ ‫يقول بعد ذلك ‪َ { :‬وال َتَ َ‬ ‫الفضل بَيْن َ ُك ْم } ؛ فالعدل وحده‬ ‫قد يكون شاقا ًوتبىق البغضاء يف‬ ‫النفوس ‪ ،‬ولكن عملية الفضل‬

‫تنهي ا‪١‬تشاحة وا‪١‬تخاصمة‬ ‫والبغضاء ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تشاحة إ‪٪‬تا تأيت عندما أظن أين‬ ‫صاحب ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬وأنت تظن أنك‬ ‫صاحب ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ومن ا‪ٞ‬تائز أن تأيت‬ ‫ظروف تزين يل فهمي ‪ ،‬وتأيت لك‬ ‫ظروف تزين لك فهمك ‪ ،‬فحُت‬

‫نتمسك بقضية العدل لن نصل إىل‬ ‫مبلغ الًتاضي يف النفوس البشرية ‪.‬‬ ‫ولكن إذا جئنا للفضل تراضينا‬ ‫وانتهينا ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وإِن‬ ‫َطل َّ ْق ُت ُمو ُه َّن ِمن قَب ْ ِل أَن َ٘ت َ ُّسو ُه َّن }‬ ‫أي من قبل أن تدخلوا بهن { َوقَ ْد‬

‫يضةً} يعٍت ‪ٝ‬تيتم‬ ‫فَ َر ْض ُت ْم َ‪٢‬ت ُ َّن فَ ِر َ‬ ‫ا‪١‬تهر { فَ ِن ْص ُف َما فَ َر ْض ُت ْم إِال َّأَن‬ ‫ون }‬ ‫ون } وا‪١‬تقصود ب { يَعْ ُف َ‬ ‫يَعْ ُف َ‬ ‫هو الزوجة ا‪١‬تطلقة ‪.‬‬ ‫إن بعض ا‪ٞ‬تهلة يقولون والعياذ باهلل‬ ‫‪ :‬إن القرآن فيه ‪ٟ‬تن ‪ .‬وظنوا أن‬ ‫الصحيح يف اللغة أن يأيت القول ‪ :‬إال‬

‫َ‬ ‫ون }‬ ‫أن يعفوا بدال من { إِال َّأن يَعْ ُف َ‬ ‫‪ .‬وهذا اللون من ا‪ٞ‬تهل ال يفرق‬ ‫بُت « واو الفعل » و « واو ا‪ٞ‬تمع »‬ ‫إهنا هنا « واو الفعل » فقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ون } مأخوذ من الفعل‬ ‫{ إِال َّأن يَعْ ُف َ‬ ‫« عفا » و « يعفو » ‪.‬‬ ‫وهكذا نفهم أن للزوجة أن تعفو‬

‫عن نصف مهرها وتتنازل عنه‬ ‫لزوجها ‪ .‬ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أ َ ْو يَعْ ُف َوا ْ‬ ‫الذي بِي َ ِد ِه ُع ْق َد ُة النكاح }‬ ‫وا‪١‬تقصود به الزوج وليس الويل ‪،‬‬ ‫ألن سياق اْلية يفهم منه أن‬ ‫ا‪١‬تقصود هبهو الزوج ‪ ،‬مع أن بعض‬ ‫ا‪١‬تفسرين قالوا ‪ :‬إنه ويل الزوجة ‪.‬‬

‫ولنا أن نعرف أن الويل ليس له أن‬ ‫يعفو يف مسألة مهر ا‪١‬ترأة؛ ألن‬ ‫ا‪١‬تهر من حق الزوجة ‪ ،‬فهو أصل‬ ‫مال ‪ ،‬وأصل رزق يف حياة الناس؛‬ ‫ألنه نظَت التمتع بالبضع‪.‬‬ ‫ولذلك ٕتد بعض الناس ال يصنعون‬ ‫شيئا ًبصداق ا‪١‬ترأة ‪ ،‬ويدخرونه ‪٢‬تا‬

‫ْتيث إذا مرض واحد اشًتت له‬ ‫من هذا الصداق ولو قرص اسْبين‬ ‫مثبل؛ ألنه عبلج من رزق حبلل ‪،‬‬ ‫فقد ‪٬‬تعل اهلل فيه الشفاء ‪.‬‬ ‫فا‪١‬ترأة ٖتتفظ بصداقها ا‪ٟ‬تبلل ‪١‬تثل‬ ‫هذه ا‪١‬تناسبات لتصنع به شيئا ‪٬‬تعل‬

‫اهلل فيه خَتا ً‪ ،‬ألنه من رزق حبلل‬ ‫ال غش فيه وال تدليس ‪.‬‬ ‫وأراد المفسرين الذين نادوا بأن‬ ‫ويل الزوجة هو الذي يعفو وأقول ‪:‬‬ ‫‪١‬تاذا يأيت اهلل ْتكم تتنازل فيه‬ ‫ا‪١‬ترأة عن حقها وأن تعفو عن‬ ‫النصف ‪ ،‬والرجل ال يكون أر٭تيا ً‬

‫ليعفو عن النصف؟ ‪١‬تاذا ٕتعل‬ ‫السماء الغرم كله عىل ا‪١‬ترأة؟ هل‬ ‫من ا‪١‬تنطقي أن تعفو النساء أو يعفو‬ ‫الذي بيده عقد النكاح يعٍت أولياء‬ ‫الزوجة ‪ ،‬فنجعل العفو يأيت من‬ ‫الزوجة ومن أوليائها؛ أي من جهة‬ ‫واحدة؟‬

‫إن علينا أن ‪٨‬تسن الفهم لسياق‬ ‫الفضل الذي قال اهلل فيه ‪َ { :‬وال َ‬ ‫نس ُوا ْالفضل بَيْن َ ُك ْم } ‪ ،‬إن‬ ‫تَ َ‬ ‫التقابل يف العفو يكون بُت االثنُت‬ ‫‪ ،‬بُت الرجل وا‪١‬ترأة ‪ ،‬ونفهم منه‬ ‫ا‪١‬تقصود بقوله تعاىل ‪ { :‬أ َ ْو يَعْ ُف َوا ْ‬ ‫الذي بِي َ ِد ِه ُع ْق َد ُة النكاح } أنه هو‬

‫الزوج ‪ ،‬فكما أن للمرأة أن تعفو‬ ‫عن النصف ا‪١‬تستحق ‪٢‬تا فللزوج‬ ‫أن يعفو أيضا عن النصف ا‪١‬تستحق‬ ‫له ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وأَن تعفوا أَقْ َر ُب‬ ‫للتقوى } ؛ ألن من ا‪ٞ‬تائز جدا أن‬ ‫يظن أحد الطرفُت أنه مظلوم ‪،‬‬

‫وإن أخذ النصف الذي يستحقه ‪.‬‬ ‫لكن إذا لم يأخذ شيئا فذلك أقرب‬ ‫للتقوى وأسلم للنفوس ‪ .‬ولنا أن‬ ‫نتذكر دائما يف مثل هذه ا‪١‬تواقف‬ ‫نس ُوا ْالفضل‬ ‫قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َتَ َ‬ ‫بَيْن َ ُك ْم } فحىت يف مقام ا‪٠‬تبلف‬ ‫الذي يؤدي إىل أن يفًتق رجل عن‬

‫امرأة لم يدخل بها يقول اهلل ‪{ :‬‬ ‫نس ُوا ْالفضل بَيْن َ ُك ْم } أي ال‬ ‫َوال َتَ َ‬ ‫ٕتعلوها خصومة وثأرا ًوأحقادا ً‪،‬‬ ‫واعلموا أن ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪٬‬تعل من‬ ‫بعض األشياء أسبابا ًمقدورة‬ ‫‪١‬تقدور لم نعلمه ‪ .‬وهذه ا‪١‬تسألة‬ ‫ٕتعل اإلنسان ال يعتقد أن أسبابه‬

‫هي الفاعلة وحدها ‪.‬‬ ‫ومثال ذلك ‪ :‬قد ‪٧‬تد رجبل قد‬ ‫أعجب بواحدة رآها فتزوجها ‪ ،‬أو‬ ‫واحدة أخرى رآها شاب ولم‬ ‫تعجبه ‪ ،‬ثم جاء ‪٢‬تا واحد آخر‬ ‫فأعجب بها ‪ ،‬معٌت ذلك أن اهلل عز‬ ‫وجل كتب ‪٢‬تا القبول ساعة رأت‬

‫الشاب أهبل ً‪٢‬تا ورآها هي أهبل ًله ‪.‬‬ ‫ولذلك كان الفبلحون قدٯتا ً‬ ‫يقولون ‪ :‬ال ٖتزن عندما يأيت واحد‬ ‫ليخطب ابنتك وال تعجبه؛ ألنه‬ ‫مكتوب عىل جبهة كل فتاة ‪ :‬أيها‬ ‫الرجال ِع ّفوا بكسر العُت‬ ‫وتشديد الفاء عن نساء الرجال؛‬

‫فهي ليست له ‪ ،‬ولذلك فليس هذا‬ ‫الرجل من نصيبها ‪ .‬وعلينا أال‬ ‫هنمل أسباب القدر يف هذه األمور؛‬ ‫ألن هذا أدىع أن ‪٨‬تفظ النفس‬ ‫البشرية من األحقاد والضغائن ‪.‬‬ ‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اْلية بقوله ‪ { :‬إ َِّن اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ون ب َ ِصَتٌ} إنه سبحانه‬ ‫ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬

‫يعلم ما يف الصدور وما وراء كل‬ ‫سلوك ‪ .‬وبعد ذلك تأيت آية لتثبت‬ ‫قضية إٯتانية ‪ ،‬هذه القضية‬ ‫اإلٯتانية هي أن تكاليف اإلسبلم‬ ‫كلها تكاليف ‪٣‬تتمعة ‪ ،‬فبل تستطيع‬ ‫أن تفصل تكليفا ًعن تكليف ‪ ،‬فبل‬ ‫تقل ‪ « :‬هذا فرض تعبدي » و «‬

‫مبمصلحي » و « هذا أمر‬ ‫هذا دأ‬ ‫جنائي » ‪ ،‬ال ‪ .‬إن كل قضية مأمور‬ ‫بها من ا‪ٟ‬تق هي قضية إٯتانية‬ ‫ُتك ِ َّو ُن مع َتها منهجا متكامبل ً‪.‬‬ ‫فبعد أن تكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫عن الطبلق يقول ‪َ { :‬حافِ ُظوا ْعَىلَ‬ ‫الصلوات والصبلة الوسىط‪} . . .‬‬

‫َحافِ ُظوا عَىلَ ا َّلصلَو ِ‬ ‫الص َبل ِة‬ ‫ات َو َّ‬ ‫َ‬ ‫الْو ْس َىط و ُقوموا ِ َ ِ‬ ‫ّلل قَانِتِ‬ ‫ُت (‪)238‬‬ ‫ُ َ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫فَإ ِْن ِخ ْف ُت ْم فَ ِر َج ًاال أ َ ْو ُر ْكبَانًا فَإِذَا‬ ‫اّللَ كَ َما عَل َّ َم ُك ْم َما‬ ‫أ َ ِمن ْ ُت ْم فَاذْ ُك ُروا َّ‬ ‫ون (‪)239‬‬ ‫ل َ ْم تَ ُكونُوا تَعْل َ ُم َ‬

‫ثم يعود إىل األسرة وإىل ا‪١‬تتوىف عنها‬ ‫ف َن‬ ‫زوجها فيقول ‪ { :‬والذين يُت َ َو َّ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ون أَزْ َواجا ً َو ِصيَّةً‬ ‫من ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬ ‫ِ‬ ‫ألَزْ َواج ِه ْم َّمتَاعا ًإ َِىل ا‪ٟ‬تول َ َْت َ‬ ‫اح‬ ‫إِ ْخ َرا ٍج فَإ ِْن َخ َر ْج َن فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم ِيف َما فَعَل َْن يف أَن ْ ُف ِس ِه َّن ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يم } ػ‬ ‫َّمعْ ُروف واهلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬

‫البقرة ‪] 240 :‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل فَ َص َل‬ ‫بآية ‪َ { :‬حافِ ُظوا ْعَىلَ الصلوات ‪. .‬‬ ‫} بُت قضية واحدة هي قضية‬ ‫الفراق بُت الزوجُت وقسمها‬ ‫قسمُت ‪ ،‬وأدخل بينهما ا‪ٟ‬تديث‬ ‫عن الصبلة ‪ ،‬وذلك لينبهنا إىل وحدة‬

‫التكاليف اإلٯتانية ‪ ،‬ونظرا ألن‬ ‫ا‪ٟ‬تق يتكلم هنا عن أشياء كل‬ ‫مظاهرها إما شقاق اختياري‬ ‫بالطبلق ‪ ،‬وإما افًتاق قدري‬ ‫بالوفاة ‪ ،‬فأراد اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫أن يدخل اإلنسان يف العملية‬ ‫التعبدية اليت تصله باهلل الذي شرع‬

‫الطبلق والصبلة وقدر الوفاة ‪.‬‬ ‫و‪١‬تاذا اختار اهلل الصبلة دون سائر‬ ‫العبادات لتقطع سياق الكبلم عن‬ ‫تشريع الطبلق والفراق؟ ألن‬ ‫الصبلة هي اليت هتب ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫االطمئنان ‪ ،‬إن كانت أمور الزواج‬ ‫والطبلق حزبتهم وأ‪٫‬تتهم يف‬

‫شقاق االختيار يف الطبلقات اليت‬ ‫وقعت أو عناء االفًتاق بالوفاة ‪.‬‬ ‫ولن يربط عىل قلوبهم إال أن يقوموا‬ ‫لربهم ليؤدوا الصبلة ‪ ،‬وقد كان‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أول‬ ‫من يفعل ذلك ‪ ،‬كان إذا ما حزبه‬ ‫أمر قام إىل الصبلة ‪.‬‬

‫إن ا‪١‬تؤمن يذهب إىل ا‪٠‬تالق الذي‬ ‫أجرى له أسباب الزواج والطبلق‬ ‫والفراق؛ ليسأله أن ٮتفف عنه‬ ‫ا‪٢‬تم وا‪ٟ‬تزن ‪ .‬ومادام ا‪١‬تؤمن قد‬ ‫اختار الذهاب إىل من ُ‪٬‬تري‬ ‫األقدار فله أن يعرف أن اهلل الذي‬ ‫أجرى تلك األقدار عليه لم‬

‫يًتكها ببل أحكام ‪ ،‬بل وضع لكل‬ ‫أمر حكما مناسبا ‪ ،‬وما عىل ا‪١‬تؤمن‬ ‫إال أن يأخذ األمور القدرية برضا‬ ‫ثم يذهب إىل اهلل قانتا وخاشعا‬ ‫ومصليا ‪ .‬ألن ا‪١‬تسألة مسألة‬ ‫الطبلق أو الوفاة فيها فزع وفراق‬ ‫اختيار أو فراق ا‪١‬توت القدري ‪.‬‬

‫ويأيت قوله تعاىل ‪َ { :‬حافِ ُظوا ْعَىلَ‬ ‫الصلوات والصبلة الوسىط}‬ ‫فنفهم أن ا‪١‬تقصود يف اْلية هي‬ ‫الصلوات ا‪٠‬تمس ‪ ،‬فما ا‪١‬تقصود‬ ‫بالصبلة الوسىط؟‬ ‫ساعة يأيت خاص وعام مثل قوله‬ ‫تعاىل ‪َّ { :‬ر ِ ّب اغفر ِيل َول ِ َوال ِ َد َّي‬

‫و ِ‪١‬تَن د َخ َل بَي ْ ِيت م ْؤ ِمنا ًولِلْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫َ َ‬ ‫َُ َ ُ َ‬ ‫وا‪١‬تؤمنات َوال َتَ ِز ِد الظا‪١‬تُت إِال َّتَبَارا ً‬ ‫} ػ نوح ‪] 28 :‬‬ ‫فكم مرة دخل األب واألمر هنا؟‬ ‫لقد دخلوا يف قوله تعاىل ‪ { :‬اغفر ِيل‬ ‫َول ِ َوال ِ َد َّي } ‪ ،‬ويف قوله ‪َ { :‬و ِ‪١‬تَن‬ ‫ِ‬ ‫يت } ‪ ،‬ويف قوله ‪{ :‬‬ ‫دَ َخ َل بَي ْ َ‬

‫ولِلْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت وا‪١‬تؤمنات } ‪ ،‬أي‬ ‫ن‬ ‫َ ُ َ‬ ‫دخلوا ثبلث مرات ‪.‬‬ ‫إذن فإ‪٬‬تاد عام بعد خاص ‪ ،‬يعٍت أن‬ ‫يدخل ا‪٠‬تاص يف العام فيتكرر‬ ‫األمر بالنسبة للخاص ك‬ ‫ترارا ً‬ ‫يناسب خصوصيته ‪.‬‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬حافِ ُظوا ْعَىلَ‬

‫الصلوات والصبلة الوسىط} تفهم‬ ‫ذلك ا‪١‬تعٌت فإذا سألنا ‪ :‬ما معٌت‬ ‫حافظوا؟ ا‪ٞ‬تواب إذن يقتضي أن‬ ‫نفهم أن عندنا « حفظا ً» يقابل «‬ ‫النسيان » ‪ ،‬و « حفظا » يقابله «‬ ‫التضييع » ‪ ،‬واالثنان يلتقيان ‪،‬‬

‫فالذي حفظ شيئا ونسيه فإنه قد‬ ‫ضيعه ‪.‬‬ ‫والذي حفظ ماال ثم بدده ‪ ،‬لقد‬ ‫ضيعه أيضا ً‪ ،‬إذن كلها معانٍ تلتقي‬ ‫يف فقد الشيء ‪ ،‬فا‪ٟ‬تفظ معناه أن‬ ‫تضمن بقاء شيء كان عندك؛ فإذا‬

‫ما حفظت آية يف القرآن فبلبد أن‬ ‫ٖتفظها يف نفسك ‪ ،‬ولو أنعم اهلل‬ ‫عليك ٔتال فبل بد أن ٖتافظ عليه ‪.‬‬ ‫وقوله ‪َ { :‬حافِ ُظوا ْعَىلَ الصلوات }‬ ‫معناه ال تضيعوها ‪ُ .‬و٭تتمل أيضا ً‬ ‫معٌت آخر هو أنكم قد ذقتم حبلوة‬ ‫الصبلة يف القرب من معية ربكم ‪،‬‬

‫وذلك أجدر وأوىل أن تتمسكوا بها‬ ‫أكثر ‪ ،‬وذلك القول يسري عىل‬ ‫الصلوات ا‪٠‬تمس اليت نعرفها ‪.‬‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬والصبلة الوسىط}‬ ‫ذكر للخاص بعد العام ‪ ،‬فكأن اهلل‬ ‫أمر با‪١‬تحافظة عىل ذلك ا‪٠‬تاص‬ ‫مرتُت ‪ ،‬مرة يف دائرة العموم ومرة‬

‫أخرى أفردها اهلل با‪٠‬تصوص ‪ .‬وما‬ ‫العلة هنا يف تفرد الصبلة الوسىط‬ ‫با‪٠‬تصوص؟ إن « وسىط » هي‬ ‫تأنيث « أوسط » ‪ ،‬واألوسط‬ ‫والوسىط هي األمر بُت شيئُت عىل‬ ‫االعتدال ‪ ،‬أي أن الطرفُت‬ ‫متساويان ‪ ،‬وال يكون الطرفان‬

‫متساويُت يف العدد وهي الصلوات‬ ‫ا‪٠‬تمس إال إذا كانت الصلوات‬ ‫وتراً؛ أي مفردة؛ ألهنا لو كان‬ ‫زوجية ‪١‬تا عرفنا الوسىط فيها ‪،‬‬ ‫ومادام ا‪١‬تقصود هو وسط ا‪٠‬تمس ‪،‬‬ ‫فهي الصبلة الثالثة اليت يسبقها‬ ‫صبلتان ويعقبها صبلتان ‪ ،‬هذا إن‬

‫الحظت العدد ‪ ،‬باعتبار ترتيب‬ ‫األول والثاين والثالث والرابع‬ ‫وا‪٠‬تامس ‪.‬‬ ‫وإذا كان االعتبار بفريضة الصبلة‬ ‫فإن أول صبلة فرضها اهلل عز وجل‬ ‫هي صبلة الظهر ‪ ،‬هذا أول فرض ‪،‬‬ ‫وبعده العصر ‪ ،‬فا‪١‬تغرب ‪ ،‬فالعشاء ‪،‬‬

‫فالفجر ‪ .‬فإن أخذت الوسىط‬ ‫بالتشريع فهي صبلة ا‪١‬تغرب وهذا‬ ‫رأي يقول به كثَت من العلماء ‪.‬‬ ‫وإن أخذت الوسىط ْتسب عدد‬ ‫ركعات الصبلة فستجد أن هناك‬ ‫صبلة قوامها ركعتان هي صبلة‬ ‫الفجر وصبلة من أربع ركعات‬

‫وهي صبلة الظهر والعصر والعشاء‬ ‫‪ ،‬وصبلة من ثبلثة ركعات هي‬ ‫صبلة ا‪١‬تغرب ‪ .‬والوسط فيها هي‬ ‫الصبلة الثبلثية ‪ ،‬وهي وسط بُت‬ ‫الزوجية والرباعية فتكون هي‬ ‫صبلة ا‪١‬تغرب أيضا ‪ .‬وإن أخذهتا‬ ‫بالنسبة للنهار فالصبح أول النهار‬

‫والظهر بعده ثم العصر وا‪١‬تغرب‬ ‫والعشاء ‪ ،‬فالوسىط هي العصر ‪.‬‬ ‫وإن أخذهتا عىل أهنا الوسط بُت‬ ‫ا‪ٞ‬تهرية والسرية فيحتمل أن‬ ‫تكون هي صبلة الصبح أو صبلة‬ ‫ا‪١‬تغرب؛ ألن الصلوات السرية هي‬ ‫الظهر والعصر ‪ ،‬وا‪ٞ‬تهرية هي‬

‫ا‪١‬تغرب والعشاء والفجر ‪ .‬وبُت‬ ‫العشاء والظهر تأيت صبلة الصبح ‪،‬‬ ‫أو صبلة ا‪١‬تغرب باعتبار أهنا تأيت‬ ‫بُت الظهر والعصر من ناحية ‪،‬‬ ‫والعشاء والصبح من ناحية أخرى ‪.‬‬ ‫وإن أخذهتا ألن ا‪١‬تبلئكة ٕتتمع‬ ‫فيها فهي يف طريف النهار والليل‬

‫فذلك يعٍت صبلة العصر أو صبلة‬ ‫الصبح ‪ .‬إذن ‪ ،‬فالوسط يأيت من‬ ‫االعتبار الذي ُٖتسب به إن كان‬ ‫عددا ًأو تشريعا ‪ ،‬أو عدد ركعات ‪،‬‬ ‫أو سرية أو جهرية أو ْتسب نزول‬ ‫مبلئكة النهار والليل ‪ ،‬وكل اعتبار‬ ‫من هؤالء له حكم ‪.‬‬

‫و‪١‬تاذا أخىف اهلل ذكرها عنا؟ نقول ‪:‬‬ ‫أخفاها لينتبه كل منا ويعرف أن‬ ‫هناك فرقا بُت الشيء لذاته ‪،‬‬ ‫والشيء الذي يُبهم يف سواه؛ ليكون‬ ‫كل شيء هو الشيء فيؤدي ذلك إىل‬ ‫ا‪١‬تحافظة عىل ‪ٚ‬تيع الصلوات ‪.‬‬

‫فما دامت الصبلة الوسىط تصلح‬ ‫ألن تكون الصبح والظهر والعصر‬ ‫وا‪١‬تغرب والعشاء فذلك أدىع‬ ‫للمحافظة عىل الصلوات ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬ ‫فإبهام الشيء إ‪٪‬تا جاء إلشاعة‬ ‫بيانه ‪ .‬ولذلك أبهم اهلل ليلة القدر‬ ‫للعلة نفسها وللسبب نفسه ‪ ،‬فبدل‬

‫أن تكون ليلة قدر واحدة أصبحت‬ ‫ليال أقدار ‪.‬‬ ‫كذلك قوله تعاىل ‪َ { :‬حافِ ُظوا ْعَىلَ‬ ‫الصلوات والصبلة الوسىط} أي‬ ‫عىل الصلوات ا‪٠‬تمس بصفة عامة‬ ‫وكل صبلة تنفرد بصفة خاصة ‪.‬‬ ‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه أن نقوم لكل‬

‫صبلة و‪٨‬تن قانتون ‪ ،‬واألمر الواضح‬ ‫هو { و ُقوموا ْ َ ِ‬ ‫ّلل قَانِتِ‬ ‫ُت } وأصل‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫القنوات يف اللغة هو ا‪١‬تداومة عىل‬ ‫الشيء ‪ ،‬وقد حضر وحث القرآن‬ ‫الكريم عىل دٯتومة طاعة اهلل‬ ‫ولزوم ا‪٠‬تشوع وا‪٠‬تضوع ‪ ،‬ونرى‬ ‫ذلك يف قول ا‪ٟ‬تق الكريم ‪ { :‬أ َ َّم ْن‬

‫ُه َو قَانِ ٌت آنَآءَ اليل َسا ِجدا ً َوقَ ِآئما ً‬ ‫‪ٛ‬تةَ َربِّ ِه ُق ْل‬ ‫َ٭ت ْ َذ ُر اْلخرة َوي َ ْر ُجوا ْ َر ْ َ‬ ‫ون والذين‬ ‫َه ْل ي َ ْست َ ِوي الذين يَعْل َ ُم َ‬ ‫ون إ َِّ‪٪‬تَا يَت َ َذ َّك ُر أُ ْولُوا ْاأللباب‬ ‫ال َيَعْل َ ُم َ‬ ‫} ػ الزمر ‪] 9 :‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه يبلغ رسوله صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ليبلغنا ‪٨‬تن‬

‫ا‪١‬تسلمُت ا‪١‬تؤمنُت برسالته أن‬ ‫نقارن بُت الذي ٮتشع هلل يف أثناء‬ ‫الليل فيقضيه قائما ًوساجدا ًيرجو‬ ‫ر‪ٛ‬تة ربه ‪ ،‬وبُت الذي يدعو ربه‬ ‫يف الضراء وينساه يف السراء ‪ ،‬هل‬ ‫يستوي الذين يعلمون حقوق اهلل‬ ‫فيطيعوه ويوحدوه والذين ال‬

‫يعلمون فيًتكوا النظر والتبصر يف‬ ‫أدلة قدرات اهلل؟ إن السبيل إىل‬ ‫ذكر اهلل هو ٕتديد الصلة به‬ ‫والوقوف بُت يديه مقيمُت للصبلة‬ ‫‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نتلىق األمر بإقامة الصبلة حىت‬ ‫يف أثناء القتال ‪ ،‬لذلك شرع لنا‬

‫صبلة ا‪٠‬توف ‪ ،‬فالقتال هو ا‪١‬تسألة‬ ‫اليت ٗترج اإلنسان عن طريق أمنه‬ ‫إن ِخ ْف ُت ْم‬ ‫‪ ،‬فيقول سبحانه ‪ { :‬فَ ْ‬ ‫فَ ِر َجاال ًأ َ ْو ُركْبَانا ً} ‪ ،‬إننا حىت يف‬ ‫أثناء القتال وا‪٠‬توف ال ننَس ذكر‬ ‫اهلل؛ ألننا أحوج ما نكون إىل اهلل‬ ‫أثناء مواجهتنا للعدو ‪ ،‬ولذلك ال‬

‫يصح أن ‪٧‬تعل السبب الذي يوجب‬ ‫أن نكون مع اهلل مْبرا ألن ننَس‬ ‫اهلل ‪.‬‬ ‫وكذلك ا‪١‬تريض ‪ ،‬مادام مريضا ً‬ ‫فهو مع معية اهلل ‪ ،‬فبل يصح أن‬ ‫ينقطع عن الصبلة؛ ألنه ال عذر‬ ‫لتاركها ‪ ،‬حىت ا‪١‬تريض إن لم‬

‫يستطع أن يصلي واقفا صىل قاعدا ً‪،‬‬ ‫فإن لم يستطع قاعدا؛ فليصل‬ ‫مضطجعا ‪ ،‬ويستمر معه األمر حىت‬ ‫لو اضطر للصبلة برموش عينيه ‪.‬‬ ‫كذلك إن خفتم من عدوكم صلوا‬ ‫رجاال ‪ ،‬يعٍت سائرين عىل أرجلكم‬ ‫أو ركبانا و « رجاال » ‪ٚ‬تع « راجل‬

‫» أي ٯتشي عىل قدميه ‪ ،‬ومثال‬ ‫ذلك قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وأ َ ِّذن ِيف الناس‬ ‫وك ِر َجاال ًوعىل كُ ّ ِل َضا ِم ٍر‬ ‫با‪ٟ‬تج يَأ ْ ُت َ‬ ‫يَأْتِ‬ ‫ُت ِمن كُ ّ ِل فَ ّ ٍج َعميِ ٍق } ػ ا‪ٟ‬تج ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫‪ ] 27‬لقد كان الناس يؤدون‬ ‫فريضة ا‪ٟ‬تج سَتا ًعىل األقدام أو‬ ‫ركبانا ًعىل إبل يضمرها السفر من‬

‫كل مكان بعيد ‪ .‬إذن فالراجل هو‬ ‫من ٯتشي عىل قدميه ‪.‬‬ ‫واألرجل ‪٥‬تلوقة لتحمل بٍت‬ ‫اإلنسان ‪ :‬الواقف منهم ‪ ،‬وتقوم‬ ‫بتحريك ا‪١‬تتحرك منهم ‪ ،‬فإن كان‬ ‫اإلنسان واقفا ‪ٛ‬تلته رجبله ‪ ،‬وإن‬

‫كان ماشيا فإن رجليه تتحركان ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تقصود هنا أن الصبلة واجبة عىل‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت سائرين عىل أقدامهم أو‬ ‫ركبانا ‪.‬‬ ‫هذه ا‪١‬تسألة قد فصلها ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يف صبلة ا‪٠‬توف بأن‬ ‫قسم ا‪١‬تسلمُت قسمُت ‪ :‬قسما‬

‫يصلي مع النبي عليه الصبلة‬ ‫والسبلم يف الركعة األوىل ‪ ،‬ثم‬ ‫يتمون الصبلة وحدهم ويأيت‬ ‫القسم اْلخر ليأتم بالرسول يف‬ ‫الركعة اليت بعدها حىت تنتهي‬ ‫الصبلة بالنسبة للرسول صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬وينتظرهم حىت‬

‫يفرغوا من صبلهتم ويسلم بهم ‪،‬‬ ‫فيكون ف‬ ‫الريق األول أخذ فضل‬ ‫البدء مع الرسول ‪ ،‬والفريق اْلخر‬ ‫أخذ فضل االنتهاء من الصبلة مع‬ ‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم ‪ .‬وكان‬ ‫فكل من‬ ‫ذلك يف غزوة ذات الرقاع ٌ‬ ‫الفرقتُت كانت تقف يف وجه العدو‬

‫للحراسة يف أثناء صبلة الفرقة‬ ‫األخرى ‪.‬‬ ‫ويل رأي يف هذه ا‪١‬تسألة هو أن صبلة‬ ‫ا‪٠‬توف بالصور اليت ذكرها الفقهاء‬ ‫إ‪٪‬تا كانت للمعارك اليت يكون‬ ‫فيها رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫؛ ألنه ال يصح أن يكون هناك‬

‫جيش يصلي خلف النبي صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم و٭ترم البايق من أن‬ ‫يصلي خلفه ‪ ،‬لذلك جعل اهلل بركة‬ ‫الصبلة مع رسول اهلل للقسمُت ‪.‬‬ ‫لكن حينما انتقل رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم إىل الرفيق األعىل‬ ‫فمن ا‪١‬تمكن أن يكون للواقفُت‬

‫أمام العدو إمام ولآلخرين إمام ‪،‬‬ ‫إذن كان تقسيم الصبلة وراء اإلمام‬ ‫يف صبلة ا‪٠‬توف إ‪٪‬تا كان ألن اإلمام‬ ‫هو اإلمام األعىل رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬فلم يشأ اهلل أن‬ ‫٭تجب قوما عن الصبلة مع رسول‬ ‫اهلل عن قوم آخرين ‪ ،‬فقسم‬

‫الصبلة الواحدة بينهم ‪ .‬لكن يف‬ ‫وقتنا ا‪ٟ‬تايل الذي انتظمت فيه‬ ‫ا‪١‬تسائل ‪ ،‬وصار كل الناس عىل‬ ‫سواء ‪ ،‬ولم يعد رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم فينا ‪ ،‬لذلك يصح أن‬ ‫ُتصلي كل ‪ٚ‬تاعة بإمام خاص بهم‬ ‫إن ِخ ْف ُت ْم فَ ِر َجاال ً‬ ‫‪ .‬وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ ْ‬

‫كانا ً} نفهم منه الصبلة ال‬ ‫أ َ ْو ُر ْب َ‬ ‫تسقط حىت عند لقاء العدو ‪ ،‬فإذا‬ ‫حان وقت الصبلة فعىل ا‪١‬تؤمن أن‬ ‫يصليها إذا استطاع فإن لم يستطع‬ ‫فليكْب تكبَتتُت ويتابع ا‪ٟ‬تق‬ ‫فيقول ‪ { :‬فاذكروا اهلل كَ َما‬ ‫ون}‬ ‫عَل َّ َم ُكم َّما ل َ ْم تَ ُكونُوا ْتَعْل َ ُم َ‬

‫أي اذكروا اهلل عىل أنه علمكم‬ ‫األشياء اليت لم تكونوا تعلموهنا ‪،‬‬ ‫فلو لم يعلمكم فماذا كنتم‬ ‫تصنعون؟‬ ‫وبعد ذلك يعود ا‪ٟ‬تق لسياق ا‪ٟ‬تديث‬ ‫عن ا‪١‬تتوىف عنها زوجها فيقول ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫والذين يُت َ َوفَّ ْو َن من ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬

‫أَزْ َواجا ً َو ِصيَّةًألَزْ َوا ِج ِه ْم َّمتَاعا ًإ َِىل‬ ‫ا‪ٟ‬تول َ َْت َإِ ْخ َرا ٍج ‪} . . .‬‬

‫ِ‬ ‫ون‬ ‫َو ِذ َّ‬ ‫الي َن يُت َ َو َّف ْو َن من ْ ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬ ‫َ‬ ‫اجا َو ِصيَّةً ِألَزْ َوا ِج ِه ْم َمتَاعًا إ َِىل‬ ‫أزْ َو ً‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ ْو ِل َ َْت َإِ ْخ َرا ٍج فَإ ِْن َخ َر ْج َن فَ َبل‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم ِيف َما فَعَل َْن ِيف أَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫ُجن َ َ‬

‫ِ‬ ‫ِم ْن َمعْ ُر ٍ‬ ‫يم‬ ‫وف َو ّ َُ‬ ‫اّلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬ ‫(‪)240‬‬ ‫يف آية سابقة قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬والذين‬ ‫ِ‬ ‫ون أَزْ َواجا ً‬ ‫يُت َ َوفَّ ْو َن من ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬ ‫ي َ ًَتَبَّ ْص َن بِأَن ْ ُف ِس ِه َّن أ َ ْربَعَةَ أ َ ْش ُه ٍر‬ ‫اح‬ ‫َو َع ْشرا ًفَإِذَا بَلَغ ْ َن أ َ َجل َ ُه َّن فَبل َ ُجن َ َ‬

‫ِ‬ ‫يما فَعَل َْن يف أَن ْ ُف ِس ِه َّن‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم ف َ‬ ‫با‪١‬تعروف واهلل ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ٔت‬ ‫ون َخبَِتٌ}‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ػ البقرة ‪] 234 :‬‬ ‫إذن ‪٨‬تن أمام حكمُت للذين‬ ‫يتوفون ويذرون أزواجا ‪ ،‬حكم أن‬ ‫تًتبص بنفسها أربعة أشهر‬ ‫وعشرا ‪ ،‬وحكم آخر بأن للزوج‬

‫حُت ٖتضره الوفاة أو أسبابها أو‬ ‫مقدماهتا أن ينصح ويوصي بأن‬ ‫تظل الزوجة يف بيته حوال كامبل ال‬ ‫ُهتاج ‪ ،‬وتكون األربعة األشهر‬ ‫والعشر فريضة وبقية ا‪ٟ‬تول والعام‬ ‫وصية ‪ ،‬إن شاءت أخذهتا وإن‬ ‫شاءت عدلت عنها ‪ { .‬والذين‬

‫ِ‬ ‫ون أَزْ َواجا ً‬ ‫يُت َ َوفَّ ْو َن من ُك ْم َوي َ َذ ُر َ‬ ‫َو ِصيَّةً} هذه وصية من الزوج‬ ‫عندما ٖتضره الوفاة ‪ .‬إذن فا‪١‬تتوىف‬ ‫عنها زوجها بُت حكمُت ‪ :‬حكم‬ ‫الزم وهو فرض عليها بأن تظل‬ ‫أربعة أشهر وعشرا ً‪ ،‬وحكم بأن‬ ‫يوصي الزوج بأن تظل حوال كامبل‬

‫ال ُهتاج إال أن ٗترج من نفسها ‪ .‬و {‬ ‫َ َْت َإِ ْخ َرا ٍج } أي ال ٮترجها أحد ‪.‬‬ ‫اح عَلَي ْ ُك ْم ِيف‬ ‫{ فَإ ِْن َخ َر ْج َن فَبل َ ُجن َ َ‬ ‫ما فَعَل َْن يف أَن ْ ُف ِس ِه َّن ِمن َّمعْ ُر ٍ‬ ‫وف‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يم } ‪ .‬إن ‪٢‬تا ا‪٠‬تيار‬ ‫واهلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬ ‫أن تظل عاما حسب وصية زوجها‬ ‫‪ ،‬و‪٢‬تا ا‪٠‬تيار يف أن ٗترج بعد األربعة‬

‫األشهر والعشر ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪{ :‬‬ ‫ولِلْم َطل َّ َق ِ‬ ‫ات َمتَا ٌع با‪١‬تعروف َح ّقا ً‬ ‫َ ُ‬ ‫عَىلَ ا‪١‬تتقُت }‬ ‫ولِلْم َطلَّقَ ِ‬ ‫ات متَا ٌع بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬ ‫وف َح ًّقا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُت (‪)241‬‬ ‫عَىلَ ا ْ‪١‬تُتَّق َ‬

‫إن لكل ا‪١‬تطلقات يف أي صورة من‬ ‫الصور متاعا ً‪ ،‬ولكنه سبحانه قد‬ ‫بُت ا‪١‬تتاع يف كل واحدة بدليل أنه‬ ‫أوضح لنا ‪ :‬إن لم تفرضوا ‪٢‬تن‬ ‫فريضة فقال ‪َ { :‬و َمتِّ ُعو ُه َّن عَىلَ‬ ‫ا‪١‬توسع قَ َد ُر ُه َوعَىلَ ا‪١‬تقًت قَ َد ُر ُه } ‪.‬‬ ‫وإن كنتم فرضتم ‪٢‬تا مهرا ًفنصف‬

‫ما فرضتم ‪ ،‬فكأن اهلل قد جعل لكل‬ ‫حالة حكما يناسبها ‪ ،‬ولكل مطلقة‬ ‫متعة بالقدر الذي قاله سبحانه ‪.‬‬ ‫وعندما نتأمل قول ا‪ٟ‬تق من بعد‬ ‫ك يُب َ ّ ُِ‬ ‫ُت اهلل ل َ ُك ْم‬ ‫ذلك ‪َ { :‬ك َذل ِ َ‬ ‫آياتِ ِه لَعل َّ ُكم تَعْقِ‬ ‫ل‬ ‫ون}‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬

‫اّلل ل َ ُك ْم آيَاتِ ِه لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ُت ّ َُ‬ ‫َك َذل ِ َ‬ ‫ك يُب َ ِّ ُ‬ ‫تَعْقِ‬ ‫ل‬ ‫ون (‪)242‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫فنحن نعرف ‪٦‬تا سبق أن اْليات هي‬ ‫األمور العجيبة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل حُت ينبه العقل إىل استقبال‬ ‫حكم بالتعقل يكون العقل‬

‫ا‪١‬تحض لو وجه فكره إىل دراسة‬ ‫أسباب هذا ا‪١‬توضوع فلن ينتهي إال‬ ‫إىل هذا ا‪ٟ‬تكم ‪ .‬ولذلك ٕتد أن‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يًتك لبعض‬ ‫ا‪١‬تشادات يف التعامل والثارات يف‬ ‫ا‪٠‬تصومة أن ٗترج عن حكم ما‬ ‫شرع اهلل يف أي شيء من األشياء اليت‬

‫تقدمت ‪ ،‬ثم يصيب ا‪١‬تجتمع شر‬ ‫من ا‪١‬تخالفة ‪ ،‬وكأنه بذلك يؤكد‬ ‫حكمته يف تشريع ما شرع ‪ .‬وإال لو‬ ‫لم ٖتدث من ا‪١‬تخالفات شرور‬ ‫لقال الناس ‪ :‬إنه ال داعي للتشريع ‪.‬‬ ‫ولًتكوا التشريع دون أن يصيبهم‬ ‫شر ‪.‬‬

‫إذن فحُت ال نلتزم بالتشريع‬ ‫فا‪١‬تنطق والكمال الكوين أن ٖتدث‬ ‫الشرور؛ ألنه لو لم ٖتدث الشرور‬ ‫الهتم الناس منهج اهلل وقالوا ‪ :‬إننا‬ ‫لم نلتزم يا رب ٔتنهجك ‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك ال شرور عندنا ‪ .‬فكأن الشرور‬ ‫اليت ‪٧‬تدها يف ا‪١‬تجتمع تلفتنا إىل‬

‫صدق اهلل وكمال حكمته يف‬ ‫ٖتديد منهجه ‪ .‬وهكذا يكون‬ ‫ا‪١‬تخالفون ‪١‬تنهج اهلل مؤيدين ‪١‬تنهج‬ ‫اهلل ‪ .‬وبعد ذلك ينتقل ا‪ٟ‬تديث إىل‬ ‫عبلج قضية إٯتانية وهو أن اهلل‬ ‫حُت يقدر قدرا ال ٯتكن ‪١‬تخلوق‬ ‫أن يفلت من هذا القدر ‪ ،‬يقول‬

‫سبحانه ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذين‬ ‫وف‬ ‫َخ َر ُجوا ْ ِمن ِديَا ِر ِه ْم َو ُه ْم أُل ُ ٌ‬ ‫َح َذ َر ا‪١‬توت ‪} . . .‬‬

‫أَل َ ْم تَ َر إ َِىل ال َّ ِذي َن َخ َر ُجوا ِم ْن‬ ‫وف َح َذ َر ا ْ‪١‬ت َ ْو ِت‬ ‫ِديَا ِر ِه ْم َو ُه ْم أُل ُ ٌ‬ ‫اّلل ُمو ُتوا ُث َّم أ َ ْحي َ ُاه ْم إ َِّن‬ ‫فَ َق َ‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ُم َّ ُ‬

‫اّلل ل َ ُذو فَ ْض ٍل عَىلَ النَّ ِ‬ ‫اس َول َ ِك َّن أَكْث َ َر‬ ‫َّ َ‬ ‫النَّ ِ‬ ‫ون (‪)243‬‬ ‫اس َال ي َ ْش ُك ُر َ‬

‫بعد أن تكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫عىل ما يتعلق باألسرة ا‪١‬تس‪١‬تة يف‬ ‫حالة عبلج الفراق يف الزواج إما‬ ‫بالطبلق وإما بالوفاة ‪ ،‬أراد ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه وتعاىل لؤلمة اإلسبلمية أن‬ ‫تعرف أن أحدا ًلن يفر من قدر اهلل‬ ‫إال إىل قدر اهلل ‪ ،‬فاألمة اإلسبلمية‬ ‫هي األمة اليت أمنها عىل ‪ٛ‬تل رسالة‬ ‫ومنهج السماء إىل األرض إىل أن‬ ‫تقوم الساعة ‪ ،‬فلم يعد ‪٤‬تمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم بأىت وال نبي يُبعث ‪.‬‬

‫والبد ‪١‬تثل هذه األمة أن ُترىب‬ ‫تربية تناسب مهمتها اليت ‪ٛ‬تلها‬ ‫اهلل إليها ‪ .‬والبد أن يضع ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل بُت يدي هذه األمة‬ ‫كل ما القته وصادفته مواكب‬ ‫الرسل يف األمة السابقة ليأخذوا‬ ‫العْبة من ا‪١‬تواقف ويتمثلوا ا‪١‬تنهج‬

‫ال من نظريات ُتتىل ولكن من واقع‬ ‫قد ُدرس ووقع يف ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬ ‫أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يلفتنا‬ ‫إىل أساس ا‪١‬تسألة وهو أنه سبحانه‬ ‫واهب ا‪ٟ‬تياة وال أحد َته ‪ ،‬وواهب‬ ‫ا‪ٟ‬تياة هو الذي يأخذها ‪ .‬ولم يضع‬ ‫‪٢‬تبة ا‪ٟ‬تياة سببا ًعند الناس ‪ .‬وإ‪٪‬تا‬

‫هو سبحانه الذي ٭تِت وٯتيت ‪ .‬ويف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت استبقاء للنوع‬ ‫اإلنساين ‪ ،‬ولكن استبقاء حياة‬ ‫األفراد إ‪٪‬تا ينشأ من التمول ‪.‬‬ ‫ويعاًف ا‪ٟ‬تق هذه ا‪١‬تسألة بواقع سبق‬ ‫أن عاشه موىس عليه السبلم مع‬ ‫قومه وهم بنو إسرائيل ‪ ،‬ونعرف‬

‫أن قصة موىس مع قومه قد أخذت‬ ‫أوسع قصص القرآن؛ ألهنا األمة‬ ‫اليت أتعبت الرسل ‪ ،‬وأتعبت‬ ‫األنبياء ‪ ،‬وكان البد أن يعرض ا‪ٟ‬تق‬ ‫هذا األمر برمته عىل أمة ‪٤‬تمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم من واقع ما حدث ‪،‬‬ ‫فقال سبحانه ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذين‬

‫وف‬ ‫َخ َر ُجوا ْ ِمن ِديَا ِر ِه ْم َو ُه ْم أُل ُ ٌ‬ ‫َح َذ َر ا‪١‬توت } ‪ .‬ونعرف من هذا‬ ‫القول أن علة ا‪٠‬تروج إ‪٪‬تا كانت‬ ‫‪٥‬تافأن ٯتوتوا ‪ .‬أما عن سبب هذا‬ ‫ة‬ ‫ا‪١‬توت فلم تتعرض له اْليات ‪ ،‬وإن‬ ‫تعرض ا‪١‬تفسرون له وقالوا كبلما‬ ‫طويبل ً‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬إهنم‬

‫خرجوا هربا من وباء ٭تل بالبلد‬ ‫خشية أن ٯتوتوا ‪ ،‬وبعضهم قال ‪:‬‬ ‫إهنم خرجوا فِرارا ًمن عدو قد ُسلط‬ ‫عليهم ليستأصلهم ‪ ،‬ا‪١‬تهم أهنم‬ ‫أرادوا أن يفروا خوفا من ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫إذن فالقرآن يعاًف تلك ا‪١‬تسألة من‬ ‫الزاوية اليت هتم ‪ ،‬ولكن ما هو‬

‫السبب و‪١‬تاذا ا‪٠‬تروج؟ فذلك أمر ال‬ ‫يهم؛ ألن القرآن ال يعطي تارٮتا ‪،‬‬ ‫فلم يقل مىت كانت الوقائع وال‬ ‫زمنها ‪ ،‬وال عىل يد من كان هذا ‪ ،‬وال‬ ‫٭تدد أشخاص القضية ‪ ،‬كل ذلك ال‬ ‫يهتم به القرآن ‪ .‬والذين يتعبون‬ ‫أنفسهم يف البحث عن تفاصيل‬

‫تلك األمور يف القصص القرآين إ‪٪‬تا‬ ‫٭تاولون أن يربطوا األشياء بزمن‬ ‫‪٥‬تصوص ‪ ،‬ومكان ‪٥‬تصوص‬ ‫وأشخاص ‪٥‬تصوصة ‪.‬‬ ‫ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن القرآن لو أراد‬ ‫ذلك لفعل ‪ ،‬ولو كان ذلك له أصل يف‬ ‫العْبة والعظة لبيّنه ا‪ٟ‬تق لنا ‪ ،‬وأنتم‬

‫تريدون إضعاف مدلول القصة‬ ‫بتلك التفاصيل؛ ألن مدلول‬ ‫القصة إن ٖتدد زمنها ‪ ،‬فرٔتا قيل ‪:‬‬ ‫إن الزمان الذي حدثت فيه كان‬ ‫٭تتمل أن ٖتدث تلك ا‪١‬تسألة‬ ‫والزمن اْلن لم يعد ٭تتملها ‪،‬‬ ‫ورٔتا قيل ‪ :‬إن هذا ا‪١‬تكان الذي‬

‫وقعت فيه ٭تتمل حدوثها ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬ ‫األمكنة األخرى ال ٖتتمل ‪.‬‬ ‫وكذلك لو حددها بشخصيات‬ ‫إن القصص ال ٯتكن‬ ‫معينة لقيل ‪ّ :‬‬ ‫أن ٖتدث إال عىل يد هذه‬ ‫الشخصيات؛ ألهنا فلتات يف الكون‬

‫ال تتكرر ‪.‬‬ ‫إن اهلل حُت يبهم يف قصة ما عناصر‬ ‫الزمان وا‪١‬تكان واألشخاص‬ ‫وعمومية األمكنة إنه ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬ ‫يعطي ‪٢‬تا حياة يف كل زمان ويف كل‬ ‫مكان وحياة مع كل شخص ‪ ،‬وال‬ ‫يستطيع أحد أن يقول ‪ :‬إهنا‬

‫مشخصة ‪ .‬وأضرب دائما هذا‬ ‫ا‪١‬تثل بالذين ٭تاولون أن يعرفوا‬ ‫زمن أهل الكهف ومكان أهل‬ ‫الكهف وأ‪ٝ‬تاء أهل الكهف وكلب‬ ‫أهل الكهف ‪ .‬نقول ‪٢‬تؤالء ‪ :‬أنتم‬ ‫ال تثرون القصة ‪ ،‬ألنكم عندما‬ ‫ٖتددون ‪٢‬تا زمانا ومكانا وأشخاصا‬

‫فسيقال ‪ :‬إهنا ال تنفع إال للزمان‬ ‫الذي وقعت فيه ‪.‬‬ ‫ولذلك إذا أراد ا‪ٟ‬تق أن يبهم فقد‬ ‫أبهم ليعمم ‪ ،‬وإن أراد أن ٭تدد فهو‬ ‫ِّ‬ ‫يشخص ومثال ذلك قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َض َر َب اهلل َمثَبل ًل ِ ّل َّ ِذي َن َك َف ُروا ْ‬ ‫امرأت نُو ٍح وامرأت ل ُ ٍ‬ ‫وط كَانَتَا َٖتْ َت‬

‫َعب ْ َدي ْ ِن ِم ْن ِعبَا ِدنَا َص ِا‪ٟ‬ت َ ْ ِ‬ ‫ُت‬ ‫ا‪٫‬تا فَل َ ْم يُغ ْ ِنيَا َعن ْ ُه َما ِم َن اهلل‬ ‫فَ َخانَت َ ُ َ‬ ‫يل ادخبل النار َم َع الداخلُت‬ ‫َشيْئا ً َوقِ َ‬ ‫} ػ التحريم ‪] 10 :‬‬ ‫لم ٭تدد ا‪ٟ‬تق هنا اسم أي امرأة من‬ ‫هاتُت ا‪١‬ترأتُت ‪ ،‬بل ذكر فقط‬ ‫األمر ا‪١‬تهم وهو أن كبل منهما‬

‫كانت زوجة لرسول كريم ‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك لم يستطع نوح عليه السبلم‬ ‫أن يستلب العقيدة الكافرة من‬ ‫زوجته ‪ ،‬ولم يستطع لوط عليه‬ ‫السبلم أن يستلب العقيدة الكافرة‬ ‫من زوجته ‪ ،‬بل كانت كل من‬ ‫ا‪١‬ترأتُت تتآمر ضد زوجها ‪ -‬وهو‬

‫الرسول ‪ -‬مع قومها ‪ ،‬لذلك كان‬ ‫مصَت كل منهما النار ‪ ،‬والعْبة من‬ ‫القصة أن اختيار العقيدة هو أمر‬ ‫مًتوك لئلنسان ‪ ،‬فحرية العقيدة‬ ‫أساس واضح من أسس ا‪١‬تنهج‪.‬‬ ‫وأيضا قال سبحانه يف امرأة فرعون‬ ‫‪َ { :‬و َض َر َب اهلل َمثَبل ًل ِ ّل َّ ِذي َن آ َم ُنوا ْ‬

‫امرأت فِ ْر َع ْو َن إِذْقَال َ ْت َر ِ ّب ابن ِيل‬ ‫ك بَيْتا ً ِيف ا‪ٞ‬تنة َو َ‪٧‬تّ ٍِِت ِمن‬ ‫ِعن َد َ‬ ‫فِ ْر َع ْو َن َو َع َملِ ِه َو َ‪٧‬تّ ٍِِت ِم َن القوم‬ ‫الظا‪١‬تُت } ػ التحريم ‪] 11 :‬‬ ‫لم يذكر ا‪ٝ‬تها؛ ألنه لم يهمنا يف‬ ‫ا‪١‬تسألة ا‪١‬تهم أهنا امرأة من ادىع‬ ‫األلوهية ‪ ،‬ومع ذلك لم يستطع أن‬

‫يقنع امرأته بأنه إله ‪ .‬لكن حينما‬ ‫أراد أن يشخص قال يف مريم عليها‬ ‫ِ‬ ‫ان‬ ‫السبلم ‪َ { :‬و َم ْري َ َم ابنت ع ْم َر َ‬ ‫اليت أ َ ْح َصن َ ْت فَ ْر َجهَا فَن َ َف ْخنَا فِي ِه ِمن‬ ‫ُرو ِحنَا وص َّدقَ ْت بِكَلِم ِ‬ ‫ات َر ِبّهَا‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َو ُك ُتبِ ِه َوكَان َ ْت ِم َن القانتُت } ػ‬ ‫التحريم ‪] 12 :‬‬

‫لقد ذكرها ا‪ٟ‬تق وذكر اسم والدها ‪،‬‬ ‫ذلك ألن ا‪ٟ‬تدث الذي حدث ‪٢‬تا لن‬ ‫يتكرر يف امرأة أخرى ‪ .‬فالذين‬ ‫٭تاولون أن يُ َق ّووا القصة بذكر‬ ‫تفاصيلها نقول ‪٢‬تم ‪ :‬أنتم‬ ‫ُتفقرون القصة؛ فا‪١‬تهم هو أن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد أن يقول ‪:‬‬

‫إهنم خرجوا من ديارهم وهم‬ ‫ألوف حذر ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫ونريد أن نقف موقفا لغويا عند‬ ‫قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر } ‪ .‬أنت تقول‬ ‫إلنسان ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر } يعٍت ألم ير‬ ‫بعينيه ‪ ،‬وباهلل هل رسول اهلل صىل‬

‫اهلل عليه وسلم وهل ا‪١‬تؤمنون معه‬ ‫وا‪١‬تؤمنون بعده إىل أن تقوم الساعة‬ ‫رأوا هذه ا‪١‬تسألة؟ ال ‪ .‬لقد‬ ‫وصلتهم بوسيلة السماع وليس‬ ‫بالرؤية ‪ .‬و‪٨‬تن نعلم أن الرؤية‬ ‫تكون بالعُت ‪ ،‬والسماع يكون‬ ‫باألذن ‪ ،‬والتذوق يكون باللسان ‪،‬‬

‫والشم يكون باألنف ‪ ،‬واللمس‬ ‫يكون باليد ‪ ،‬إن هذه هي الوسائل‬ ‫اليت تعطي للعقل إدراكا وإحساسا‬ ‫لكي يعطي معنويات ‪ ،‬ويف ذلك اقرأ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬واهلل أ َ ْخ َر َج ُكم ِّمن‬ ‫ُب ُط ِ ِ‬ ‫ون َشيْئا ً‬ ‫ون أُ َّمهَات ُك ْم ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫َو َجعَ َل ل َ ُك ُم السمع واألبصار‬

‫ون } ػ‬ ‫واألفئدة لَعَل َّ ُك ْم تَ ْش ُك ُر َ‬ ‫النحل ‪] 78 :‬‬ ‫إذن فوسيلة العلم تأيت من ا‪ٟ‬تواس ‪،‬‬ ‫وسيدة ا‪ٟ‬تواس هي العين؛ ألنه من‬ ‫ا‪١‬تمكن أن تسمع شيئا من واح ٍد‬ ‫بتجربته هو ‪ ،‬لكن عندما ترى أنت‬ ‫بنفسك فتكون التجربة خاصة‬

‫بك ‪ ،‬ولذلك يقال ‪ « :‬ليس َمن‬ ‫رأى كمن ‪ٝ‬تع » ‪ ،‬فإذا أراد ا‪ٟ‬تق أن‬ ‫يقول ‪ :‬ألم تعلم يا من أخاطبك‬ ‫بالقرآن خْب هؤالء القوم؟ فهو‬ ‫سبحانه يأيت بها عىل هذه الصورة ‪:‬‬ ‫{ أ َ َل ْم تَ َر إ َِىل الذين َخ َر ُجوا ْ ِمن‬ ‫ِديَا ِر ِه ْم } ويعٍت ألم تعلم والعلم‬

‫هنا بأي وسيلة؟ بالسمع ‪ .‬و‪١‬تاذا لم‬ ‫ٮتتصر سبحانه ا‪١‬تسافة ويقول ‪« :‬‬ ‫ألم تسمع » بدال من { أَل َ ْم تَ َر } ؟‬ ‫‪ .‬إنه يف قوله ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر } ٮتْبك‬ ‫بشيء سابق عن وجودك أو بشيء‬ ‫متأخر عن وجودك ‪ ،‬فعليك أن‬ ‫تستقبله استقبالك ‪١‬تا رأيته؛ ألن‬

‫اهلل الذي خلق ا‪ٟ‬تواس هو سبحانه‬ ‫أصدق من ا‪ٟ‬تواس ‪ ،‬ولذلك جاء‬ ‫قوله تعاىل يف سورة الفيل ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر‬ ‫ك بِأ َ ْص َح ِ‬ ‫اب الفيل}‬ ‫كَي ْ َف فَعَ َل َربُّ َ‬ ‫ػ الفيل ‪] 1 :‬‬ ‫إننا نعرف أن النبي صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ولد يف عام الفيل ولم ير هذه‬

‫ا‪ٟ‬تادثة فكيف يقول اهلل له ألم تر؟‬ ‫إن ا‪١‬تعٌت من ذلك هو « ألم تعلم‬ ‫»؟ « ألم تسمع مٍت » ولم يقل «‬ ‫ألم تسمع »؟ لكي يؤكد له أنه‬ ‫سيقول له حدثا ًهو لم يره ولكن‬ ‫ا‪ٟ‬تق سيخْبه به ‪ ،‬وإخبار ا‪ٟ‬تق له‬ ‫كأنه يراه ‪ .‬فكأن اهلل يقول ‪ :‬إن‬

‫هذه مسألة مفروغ منها وساعة‬ ‫أخْبك بها فكأنك رأيتها ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نسمع يف حياتنا قول الناس ‪:‬‬ ‫إن فبلنا أ‪١‬تعي ‪ .‬ومعٌت ذلك أنه‬ ‫٭تدثك حديثا ًكأنه رأى أو ‪ٝ‬تع ‪.‬‬ ‫األ‪١‬تعي الذي يظن بك الظن ‪...‬‬ ‫كأن قد رأى وقد ‪ٝ‬تعا‬

‫و٭تدثنا ا‪ٟ‬تق عن هؤالء القوم‬ ‫فيقول ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذين َخ َر ُجوا ْ‬ ‫وف َح َذ َر ا‪١‬توت‬ ‫ِمن ِديَا ِر ِه ْم َو ُه ْم أُل ُ ٌ‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ُم اهلل ُمو ُتوا ْ ُث َّم أ َ ْحي َ ُاه ْم } ‪.‬‬ ‫فَقَ َ‬ ‫إنه سبحانه ٮتْبنا بأن األمر الذي‬ ‫يفرون منه الحق بهم ‪ ،‬ألنه ال‬ ‫َ٭تتاط من قدر اهلل أحد ‪ ،‬لذلك‬

‫أماهتم اهلل ثم أحياهم ليتعظوا ‪.‬‬ ‫ولو أخر اهلل اإلحياء إىل يوم البعث‬ ‫فلن تؤثر العْبة؛ ألنه بعد يوم‬ ‫القيامة ال اعتبار وال تكليف ‪ ،‬وكل‬ ‫ذلك ال قيمة له ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ح َذ َر ا‪١‬توت } بيان‬ ‫لعلة ا‪٠‬تروج ‪ ،‬فأراد ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل أن يبُت ‪٢‬تم أن هذه قضية ال‬ ‫ينفع فيها ا‪ٟ‬تذر ‪ ،‬أنتم خرجتم‬ ‫خوفا من ا‪١‬توت سأميتكم والذي‬ ‫كنتم تطلبونه بعد ا‪١‬توت سأحدث‬ ‫لكم َته ‪ ،‬لذلك أحياهم إحياء ً‬

‫آخر حىت يتحسروا ‪ ،‬ويأخذوا‬ ‫أجلهم ا‪١‬تكتوب { ُث َّم أ َ ْحي َ ُاه ْم }‬ ‫حىت يبُت لكم أن أمر ا‪١‬توت بيده‬ ‫سبحانه سواء ًكان خوفهم من‬ ‫ا‪١‬توت نابعا ًمن أعدائهم أو من وباء‬ ‫وطاعون ‪ ،‬فاألمر يف جوهره ال‬ ‫ٮتتلف ‪ ،‬ولو أن اْلية ذكرت أهنم‬

‫خرجوا خوفا من وباء ما كنا فهمنا‬ ‫منها احتمال خروجهم خوفا ًمن‬ ‫أعدائهم ‪ .‬إذن إبهام السبب‬ ‫ا‪١‬تباشر يف القضية أعطاها ثراء ً‪.‬‬ ‫وف } يبُت‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و ُه ْم أُل ُ ٌ‬ ‫لنا مدى ا‪٠‬تيبة والغباء الذي كانوا‬ ‫فيه ‪ ،‬ألهنم كيف ٮترجون خائفُت‬

‫من األعداء وهم ألوف مؤلفة ‪ .‬ولم‬ ‫يظهر واحد من هؤالء األلوف‬ ‫يلقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن ا‪١‬توت وا‪ٟ‬تياة بيد‬ ‫اهلل ‪ { .‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذين َخ َر ُجوا ْ‬ ‫وف َح َذ َر ا‪١‬توت‬ ‫ِمن ِديَا ِر ِه ْم َو ُه ْم أُل ُ ٌ‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ُم اهلل ُمو ُتوا ْ} ‪.‬‬ ‫فَقَ َ‬ ‫وساعة تأمر مأمور منك بأمر فبل‬

‫بد أن يكون عندك طبلقة قدرة‬ ‫أن تفعل ‪ ،‬وهل إذا قلت ألحد ‪:‬‬ ‫مت ‪ ،‬سيموت؟ إذا أمات نفسه‬ ‫فقد قتلها ‪ ،‬وفرق كبَت بُت ا‪١‬توت‬ ‫والقتل ‪ .‬إ‪٪‬تا ا‪١‬توت يأيت ببل سبب‬ ‫من ا‪١‬تيت ‪ ،‬ولكن القتل رٔتا يكون‬ ‫بسبب االنتحار أو بأي وسيلة‬

‫أخرى ‪ ،‬ا‪١‬تهم أنه قتل للنفس‬ ‫وليس موتا ‪.‬‬ ‫ويوضح لنا ا‪ٟ‬تق الفرق بُت القتل‬ ‫وا‪١‬توت حُت يقول ‪ { :‬و َما ُ‪٤‬ت َ َّم ٌد إِال َّ‬ ‫َ‬ ‫ول قَ ْد َخل َ ْت ِمن قَبْلِ ِه الرسل‬ ‫َر ُس ٌ‬ ‫ات أ َ ْو ُقتِ َل انقلبتم عىل‬ ‫أَفَإ ِْن َّم َ‬ ‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب عىل َعقِبَي ْ ِه‬ ‫أ ْع َقابِ ُك ْم َو َن يَن َقل ْ‬

‫فَل َن ي َ ُض َّر اهلل َشيْئا ً َو َسي َ ْج ِزي اهلل‬ ‫الشاكرين } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫‪] 144‬‬ ‫ولقد جاءت هذه اْلية يف ‪٣‬تال‬ ‫استخبلص العْب من هزٯتة أحد‬ ‫حُت شاع بُت المسلمُت أن رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم قد قتل ‪،‬‬

‫ففكر بعض منهم يف االرتداد ‪،‬‬ ‫وجاء قول ا‪ٟ‬تق موضحا ًأن رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم هو نبي‬ ‫سبقه رسل جاءوا با‪١‬تنهج ‪ ،‬واألمة‬ ‫ا‪١‬تسلمة اليت أمنها اهلل عىل ٘تام‬ ‫ا‪١‬تنهج ال يصح أن يهتز اإلٯتان فيها‬ ‫ٔتوت الرسول الكريم؛ ألن من‬

‫ينقلب ويرتد فلن يضر اهلل شيئا ً‪،‬‬ ‫إ‪٪‬تا ا‪ٞ‬تزاء سيكون للشاكرين‬ ‫العارفُت فضل منهج اهلل ‪.‬‬ ‫ولنا أن نعرف أن ا‪ٟ‬تق سبحانه جاء‬ ‫با‪١‬توت كمقابل للقتل ‪ ،‬وأوضح يف‬ ‫اْلية التالية أمر ا‪١‬توت حُت قال ‪:‬‬ ‫{ وما كَان ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫٘ت‬ ‫وت إِال َّبِإِذْ ِن‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ََ َ‬

‫ِ‬ ‫اب‬ ‫اهلل كتَابا ً ُّم َؤ َّجبل ً َو َمن يُ ِردْثَ َو َ‬ ‫ِِِ‬ ‫اب‬ ‫الدنيا ن ُ ْؤته منْهَا َو َمن يُ ِردْثَ َو َ‬ ‫اْلخرة ن ُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َو َسن َ ْج ِزي‬ ‫الشاكرين } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫‪] 145‬‬ ‫إذن فأمر ا‪١‬توت مرهون ٔتشيئة‬ ‫اهلل وطبلقة قدرته وٖتديده لكل‬

‫أجل بوقت معلوم ال يتقدم وال‬ ‫يتأخر ‪ ،‬وسيلىق كل إنسان نت‪٬‬تة‬ ‫عمله ‪ ،‬فمن عمل للدنيا فقط نال‬ ‫جزاءه فيها ‪ ،‬ومن عمل لآلخرة‬ ‫فسيجزيه اهلل يف دنياه وآخرته ‪.‬‬

‫لذلك يصدر األمر من ا‪ٟ‬تق بقوله ‪:‬‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ُم اهلل ُمو ُتوا ْ ُث َّم أ َ ْحي َ ُاه ْم‬ ‫{ فَقَ َ‬ ‫} فلم يكن بإرادهتم أن يصنعوا‬ ‫موهتم ‪ ،‬أو أمر عودهتم إىل ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫لكنه أمر تسخَتي ‪ .‬إهنم ٯتوتون‬ ‫بطبلقة قدرته ا‪١‬تتمثلة يف « كن‬ ‫فيكون » ‪ .‬ويعودون إىل ا‪ٟ‬تياة‬

‫بتمام طبلقة القدرة ا‪١‬تتمثلة يف«‬ ‫كن فيكون » ‪ .‬فليس ‪٢‬تم رأي يف‬ ‫مسألة ا‪١‬توت أو العودة للحياة ‪ ،‬إنه‬ ‫أمر تسخَتي ‪ ،‬كما قال ا‪ٟ‬تق من‬ ‫قبل لؤلرض والسماء ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫استوى إ َِىل السمآء َوه َي ُد َخا ٌن فَقَ َ‬ ‫َ‪٢‬تَا َولِؤل َْر ِض ائتيا َط ْوعا ًأ َ ْو كَ ْرها ً‬

‫َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت} ػ فصلت ‪:‬‬ ‫قَالَتآ أتَيْنَا َطآئع َ‬ ‫‪] 11‬‬ ‫لقد شاءت قدرته أن ٮتلق السماء‬ ‫عىل هيئة دخان ف ُوجدت ‪ ،‬وخلقه‬ ‫للسماوات واألرض عىل وفق‬ ‫إرادته وهو هُت عليه ٔتزنلة ما‬ ‫يقال للشيء احضر راضيا أو كارها‬

‫‪ ،‬فيسمع األمر ويطيعه ‪ .‬وهذه‬ ‫أمور تسخَتية من ا‪٠‬تالق األكرم ‪،‬‬ ‫وليس للمخلوق من ‪ٝ‬تاوات‬ ‫وأرض وما بينهما إال االمتثال‬ ‫لؤلمر التسخَتي من ا‪٠‬تالق عز‬ ‫وجل ‪ .‬فعندما يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪:‬‬ ‫{ ُمو ُتوا ْ ُث َّم أ َ ْحي َ ُاه ْم } فهذا أمر‬

‫تسخَتي با‪١‬توت ‪ ،‬وأمر تسخَتي‬ ‫بعودهتم إىل ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫وأيلس ا‪١‬توت هو ما خافوه وفروا‬ ‫منه واحتاطوا با‪٢‬ترب منه؟ نعم ‪،‬‬ ‫لكن ال أحد بقادر عىل أن ٭تتاط عىل‬ ‫قدر اهلل؛ ألن ا‪ٟ‬تق أراد ‪٢‬تم أن‬ ‫يعرفوا أن أحدا ًال يفر من قدر اهلل‬

‫إال لقدر اهلل ‪ .‬ولذلك فسيدنا عمر‬ ‫بن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه عندما‬ ‫أراد للناس أال تذهب إىل أرض فيها‬ ‫الطاعون ‪ .‬قالوا له ‪:‬‬ ‫أتفر من قدر اهلل؟‬ ‫قال عمر ‪ :‬نعم ‪ :‬نِف ُّر من قدر اهلل‬ ‫إىل قدر اهلل ‪.‬‬

‫إن ذلك ‪٬‬تعل اإلنسان يف تسليم‬ ‫مطلق بكل جوارحه هلل ‪ .‬صحيح‬ ‫عىل اإلنسان أن ٭تتاط ‪ ،‬ولكن‬ ‫القدر الذي يريده اهلل سوف ينفذ ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تؤمن يأخذ باألسباب ‪ ،‬ويسلم‬ ‫أمره إىل اهلل ‪.‬‬ ‫وقد يقول قائل ‪١ :‬تاذا لم يًتك اهلل‬

‫هؤالء القوم من بٍت إسرائيل‬ ‫ليموتوا وإىل أن يأيت البعث يوم‬ ‫القيامة ليحاسبهم ‪.‬‬ ‫وأقول ‪ :‬لقد أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫باألمر التسخَتي باإلحياء ثانية‬ ‫أن توجد العْبة والعظة ‪ ،‬ولتظل‬ ‫ماثلة أمام أعُت ا‪٠‬تلق و‪٤‬تفوظة يف‬

‫أكرم كتاب حفظه اهلل منهجا‬ ‫للناس وهو القرآن الكريم ‪ .‬إن‬ ‫ا‪ٟ‬تق أراد باألمر عظة واعتبارا‬ ‫وٕتربة ٯتوتون بأمر تسخَتي ‪،‬‬ ‫ويعودون إىل ا‪ٟ‬تياة بأمر تسخَتي‬ ‫آخر ‪ ،‬ثم يعيشون ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تقدرة‬ ‫‪٢‬تم وٯتوتون بعدها حتف أنوفهم ‪،‬‬

‫ولتظل عْبة ماثلة أمام كل مؤمن‬ ‫حق ‪ ،‬فبل ٮتاف ا‪١‬توت يف سبيل اهلل ‪.‬‬ ‫لقد أراد اهلل بهذه التجربة أن‬ ‫نستخدم قضية ا‪ٞ‬تهاد يف سبيل اهلل‬ ‫‪ ،‬فبل يظن ظان أن القتال هو الذي‬ ‫يسبب ا‪١‬توت ‪ ،‬إ‪٪‬تا أمر ا‪١‬توت‬ ‫وا‪ٟ‬تياة بيد واهب ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وهاهو ذا‬

‫قول خالد بن الوليد عىل فراش‬ ‫ا‪١‬توت باقيا ًليعرفه كل مؤمن باهلل ‪:‬‬ ‫لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها‬ ‫وما يف جسدي شْبا إال وفيه ضربة‬ ‫سيف أو طعنه برمح ‪ ،‬وهأنذا أموت‬ ‫عىل فراشي كما ٯتوت العَ َْت ‪ ،‬فبل‬ ‫نامت أعُت ا‪ٞ‬تبناء ‪.‬‬

‫إذن فأمر ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت ليس‬ ‫مرهونا بقتال أو َته ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو ‪٤‬تدد‬ ‫ٔتشيئة اهلل ‪.‬‬ ‫ولننظر إىل تذييل اْلية حُت يقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إ َِّن اهلل ل َ ُذو فَ ْض ٍل عَىلَ‬ ‫الناس ولكن أ َ ْكث َ َر الناس ال َ‬ ‫ون } ‪ .‬وما الفضل؟ إنه أن‬ ‫ي َ ْش ُك ُر َ‬

‫تتلىق عطاء ًيزيد عىل حاجتك ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ال يعطي الناس‬ ‫فقط عىل قدر حاجتهم إ‪٪‬تا يعطيهم‬ ‫ما هو أكثر من حاجتهم ‪ .‬إذن فلو‬ ‫مات هؤالء القوم الذين خرجوا من‬ ‫ديارهم خوفا ًمن وباء أو عدو لكان‬ ‫هذا ا‪١‬توت فضبل من عند اهلل؛‬

‫ألهنم لو ماتوا بالوباء ‪١‬تاتوا شهداء ‪،‬‬ ‫وهذا فضل من اهلل ‪ .‬ولو ماتوا يف‬ ‫لقاء عدو وحاربوا يف سبيل اهلل‬ ‫لنالوا الشهادة أيضا ‪ ،‬وذلك فضل‬ ‫من اهلل ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا يكون مثل هذا ا‪١‬توت فضبل‬ ‫من اهلل؟ ألننا ‪ٚ‬تيعا سوف ‪٪‬توت ‪،‬‬

‫فإن مات اإلنسان استشهادا يف‬ ‫سبيله فهذا عطاء زائد ‪ .‬لكن أكثر‬ ‫الناس ال يشكرون؛ ألهنم ال‬ ‫يعلمون مدى النعمة فيما ‪٬‬تريه‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عليهم من‬ ‫أمور؛ ألن الناس لو علمت مدى‬ ‫النعمة فيما ‪٬‬تريه ا‪ٟ‬تق عليهم من‬

‫أحداث ٔتا فيها اإلحياء واإلماتة ‪،‬‬ ‫لشكروا اهلل عىل كل ما ‪٬‬تريه‬ ‫عليهم ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ال‬ ‫‪٬‬تري عىل البشر ‪ ،‬وهم من صنعته‬ ‫إال ما يصلح هذه الصنعة ‪ ،‬وإال ما هو‬ ‫خَت ‪٢‬تذه الصنعة ‪.‬‬ ‫لقد استبىق ا‪ٟ‬تق سبحانه هذه العْبة‬

‫ٔتا أجراه عىل بعض من بٍت‬ ‫إسرائيل لنرى أن القتال يف سبيل‬ ‫اهلل هو من نعم اهلل عىل العباد ‪ ،‬فبل‬ ‫مهرب من قضاء اهلل ‪ .‬وهاهو ذا‬ ‫الشاعر العريب يقول ‪:‬‬ ‫أال أيها الزاجري أحضر الوغي ‪...‬‬ ‫وأن أشهد اللذات هل أنت ‪٥‬تلدي‬

‫فإن كنت ال تستطيع دفع منييت ‪...‬‬ ‫فدعٍت أبادرها ٔتا ملكت يدي‬ ‫إن الشاعر يسأل من يوجه له‬ ‫الدعوة ال إىل القتال ‪ ،‬ولكن إىل‬ ‫االستمتاع ٔتلذات ا‪ٟ‬تياة قائبل ً‪ :‬ما‬ ‫دمت ال ٘تلك يل خلودا ًيف هذه ا‪ٟ‬تياة‬ ‫وال أنت بقادر عىل رد ا‪١‬توت عٍت‬

‫فدعٍت أقاتل يف سبيل اهلل ٔتا‬ ‫٘تلكه يداي ‪.‬‬ ‫وبعد ا‪ٟ‬تديث عن ‪٤‬تاولة هرب‬ ‫بعض من بٍت إسرائيل من قدر اهلل‬ ‫فأجرى عليهم ا‪١‬توت تسخَتا ً‬ ‫وأعادهم إىل ا‪ٟ‬تياة تسخَتا ‪ ،‬وهذا‬ ‫درس واضح للمؤمنُت الذين سيأيت‬

‫إليهم األمر بالقتال يف سبيل اهلل ‪.‬‬ ‫فبل تبالوا أيها ا‪١‬تؤمنون إن كان‬ ‫القتال ‪٬‬تلب لكم ا‪١‬توت؛ ألن‬ ‫ا‪١‬توت يأيت يف أي وقت ‪ .‬بعد ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وقَاتلُوا ْ ِيف َسب ِ ّ‬ ‫‪}...‬‬

‫ِ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل َواعْل َ ُموا أ َ َّن َّ‬ ‫َوقَاتلُوا ِيف َسب ِ ّ‬ ‫اّللَ‬ ‫َِ‬ ‫‪ٝ‬تي ٌع عَلِ‬ ‫يم (‪)244‬‬ ‫ٌ‬ ‫إنه األمر الواضح بالقتال يف سبيل‬ ‫اهلل دون ‪٥‬تافة للموت ‪١ .‬تاذا؟ ألن‬ ‫واهب ا‪ٟ‬تياة وكاتب األجل ‪ٝ‬تيع‬ ‫عليم ‪ٝ ،‬تيع بأقوال من يقاتل‬

‫وعليم بنواياه ‪.‬‬ ‫وكان ا‪ٞ‬تهاد قدٯتا عبئا ًثقيبل ًعىل‬ ‫ا‪١‬تجاهد؛ ألنه كان يتحمل نفقة‬ ‫نفسه ويتحمل ا‪١‬تركبة حصانا ًأو‬ ‫‪ٚ‬تبل ًويتحمل سبلحه ‪ ،‬كان كل‬ ‫‪٣‬تاهد يُعِ ّد عدته للحرب ‪ ،‬فكان‬ ‫والبد إذا ‪ٝ‬تح لنفسه أن ٘توت‬

‫فمن باب أوىل أن يسمح ٔتاله ‪،‬‬ ‫وأن ‪٬‬تهز عدته للحرب ‪ ،‬وعىل ذلك‬ ‫كان القتال بالنفس وا‪١‬تال أمرا ً‬ ‫ضروريا ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وقَاتلُوا ْ ِيف َسب ِ ّ‬ ‫} أي قاتلوا بأنفسكم ثم عرج إىل‬ ‫األموال فقال ‪َّ { :‬من ذَا الذي‬

‫يُقْ ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً َح َسنا ًفَي َضا ِع َف ُه‬ ‫ُ‬ ‫ل َ ُه أ َ ْضعَافا ًكَثَِتَة ً‪} . . .‬‬ ‫اّللَقَ ْر ًضا‬ ‫َم ْن ذَا ال َّ ِذي يُ ْق ِر ُض َّ‬ ‫َح َسنًا فَي ُ َضا ِع َف ُه ل َ ُه أ َ ْضعَافًا َكثَِتَة ً‬ ‫ِ‬ ‫و َّ يقبِ‬ ‫ون‬ ‫ض َويَب ْ ُس ُط َوإِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫اّلل َ ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫(‪)245‬‬

‫ساعة تسمع { يُقْ ِر ُض اهلل }‬ ‫فذلك أمر عظيم؛ ألنك عندما‬ ‫تقرض إنسانا فكأنك تقرض اهلل ‪،‬‬ ‫ولكن ا‪١‬تسألة ال تكون واضحة ‪،‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن ذلك اإلنسان سيستفيد‬ ‫استفادة مباشرة ‪ ،‬لكن عندما تنفق‬ ‫يف سبيل اهلل فليس هناك إنسان‬

‫بعينه تعطيه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا أنت تعطي‬ ‫ا‪١‬تعٌت العام يف قضية التدين ‪،‬‬ ‫وتعاملك فيها يكون مع اهلل ‪.‬‬ ‫كأنك تقرض اهلل حُت تنفق من‬ ‫مالك لتعد نفسك للحرب ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫ينبهنا بكلمة القرض عىل أنه يطلب‬

‫منا عملية ليست سهلة عىل النفس‬ ‫البشرية ‪ ،‬وهو سبحانه يعلم ٔتا‬ ‫طبع عليه النفوس ‪ .‬والقرض يف‬ ‫اللغة معناه قضم الشيء بالناب ‪،‬‬ ‫وهو سبحانه وتعاىل يعلم أن عملية‬ ‫اإلقراض هي مسألة صعبة ‪ ،‬وحىت‬ ‫يبُت للناس أنه يعلم صعوبتها جاء‬

‫بقوله ‪ { :‬يُقْ ِر ُض } ‪ ،‬إنه ا‪١‬تقدر‬ ‫لصعوبتها ‪ ،‬ويقدر ا‪ٞ‬تزاء عىل قدر‬ ‫الصعوبة ‪.‬‬ ‫{ َّمن ذَا الذي يُ ْق ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً‬ ‫َح َسنا ً} ‪ .‬وما هو القرض ا‪ٟ‬تسن؟‬ ‫وهل إذا أقرضت عبدا ًمن عباد اهلل‬ ‫ال يكون القرض حسنا؟‬

‫أوال إذا أقرضت عبدا ًمن عباد اهلل‬ ‫فكأنك أقرضت اهلل ‪ ،‬صحيح أنت‬ ‫تعطي اإلنسان ما ييسر له الفرج يف‬ ‫موقف متأزم ‪ ،‬وصحيح أيضا أنك‬ ‫يف عملية ا‪ٞ‬تهاد ال تعطي إنسانا ً‬ ‫بعينه وإ‪٪‬تا تعطي اهلل مباشرة ‪ ،‬وهو‬ ‫سبحانه يبلغنا ‪ :‬أن من يقرض‬

‫عبادي فكأنه أقرضٍت ‪ .‬كيف؟ ألن‬ ‫اهلل هو الذي استدىع كل عبد له‬ ‫للوجود ‪ ،‬فإذا احتاج العبد فإن‬ ‫حاجته مطلوبة لرزقه يف الدنيا ‪،‬‬ ‫فإذا أعىط العبد ألخيه ا‪١‬تحتاج‬ ‫فكأنه يقرض اهلل ا‪١‬تتكفل برزق‬ ‫ذلك ا‪١‬تحتاج ‪.‬‬

‫وقوله تعاىل ‪ { :‬يُقْ ِر ُض اهلل } تدلنا‬ ‫عىل أن القرض ال يضيع؛ ألن‬ ‫القرض شيء ٗترجه من مالك عىل‬ ‫أمل أن تستعيده ‪ ،‬وهو سبحانه‬ ‫وتعاىل يطمئنك عىل أنه هو الذي‬ ‫سيقًتض منك ‪ ،‬وأنه سَتد ما‬ ‫اقًتضه ‪ ،‬لكن ليس يف صورة ما‬

‫قدمت وإ‪٪‬تا يف صورة مستثمرة‬ ‫أضعافا مضاعفة ‪ ،‬إن األصل‬ ‫‪٤‬تفوظ ومستثمر ‪ ،‬ولذلك يقول ‪:‬‬ ‫{ َّمن ذَا الذي يُ ْق ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً‬ ‫َح َسنا ًفَي َضا ِع َف ُه ل َ ُه أ َ ْضعَافا ً َكثَِتَة ً}‬ ‫ُ‬ ‫إهنا أضعاف كثَتة ٔتقاييس اهلل‬ ‫عز وجل ال ٔتقاييسنا كبشر ‪.‬‬

‫والتعبَت بالقرض ا‪ٟ‬تسن هنا يدلنا‬ ‫عىل أن مصدر ا‪١‬تال الذي تقرض‬ ‫منه البد أن يكون من حبلل ‪،‬‬ ‫ولذلك قيل للمرأة اليت تتصدق‬ ‫من مال الزنا ‪ « :‬ليتها لم تزن ولم‬ ‫تتصدق » ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬إن القرض ثوابه أعظم من‬

‫الصدقة ‪ ،‬مع أن الصدقة ‪٬‬تود فيها‬ ‫اإلنسان بالشيء كله ‪ ،‬يف حُت أن‬ ‫القرض هو دين يسًتجعه صاحبه ‪،‬‬ ‫ألن األلم يف إخراج الصدقة يكون‬ ‫‪١‬ترة واحدة فأنت ٗترجها وتفقد‬ ‫األمل فيها ‪ ،‬لكن القرض تتعلق‬ ‫نفسك به ‪ ،‬فكلما صْبت مرة‬

‫أتتك حسنة ‪ ،‬كما أن ا‪١‬تتصدق‬ ‫عليه قد يكون َت ‪٤‬تتاج ‪ ،‬ولكن‬ ‫ا‪١‬تقًتض ال يكون إال ‪٤‬تتاجا ً‪.‬‬ ‫والقرض من ا‪١‬تال الذي لديك‬ ‫‪٬‬تعل ا‪١‬تال يتناقص ‪ ،‬لذلك فاهلل‬ ‫يعطيك أضعافا مضاعفة نتيجة‬ ‫هذا القرض ‪ ،‬وذلك مناسب ٘تاما ً‬

‫لقوله تعاىل ‪ { :‬يَقْبِ‬ ‫ض َويَب ْ ُس ُط }‬ ‫ُ‬ ‫اليت جاء بها يف قوله تعاىل ‪ { :‬واهلل‬ ‫ِ‬ ‫يَقْبِ‬ ‫ون }‬ ‫ض َويَب ْ ُس ُط َوإِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫ُ‬ ‫أي ساعة تذهب إليه ويأخذ كل منا‬ ‫حقه با‪ٟ‬تساب أي أن ا‪١‬تال الذي‬ ‫تقرض منه ينقص يف ظاهر األمر‬ ‫ولكن اهلل سبحانه يزيده ويبسطه‬

‫أضعافا مضاعفة ويف اْلخرة يكون‬ ‫ا‪ٞ‬تزاء جزيبل ‪.‬‬ ‫ثم ينتقل اهلل عز وجل إىل قضية‬ ‫أخرى يستهلها بقوله سبحانه ‪{ :‬‬ ‫ت} تأكيدا للخْب الذي سيأيت‬ ‫أَل َ ْم َر‬ ‫بعدها عىل أنه أمر واقع وقوع الشيء‬

‫ا‪١‬ترئي ‪ ،‬يقول سبحانه ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر‬ ‫يل ِمن بَعْ ِد‬ ‫إ َِىل ا‪١‬تئل ِمن بٍت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫موىس ‪} . . .‬‬ ‫يل ِم ْن‬ ‫أَل َ ْم تَ َر إ َِىل ا ْ‪١‬ت َ َ ِئل ِم ْن ب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫ِ‬ ‫ث لَنا‬ ‫وىس إِذْقَالُوا لنَبِ ٍّي ل َ ُه ُم ابْعَ ْ‬ ‫بَعْ ِد ُم َ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال َه ْل‬ ‫اّلل قَ َ‬ ‫َملكًا ن ُ َقات ْل ِيف َسب ِ ّ‬

‫ِ‬ ‫ال أ َ َّال‬ ‫ب عَلَي ْ ُك ُم الْقِت َ ُ‬ ‫َع َسي ْ ُت ْم إ ِْن ُكت َ‬ ‫ُتقَاتِلُوا قَالُوا َو َما لَنا أ َ َّال نُقَاتِ َل ِيف‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل َوقَ ْد أُ ْخ ِر ْجنَا ِم ْن ِديَا ِرنَا‬ ‫َسب ِ ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ب ع َ َي ْل ِه ُم الْقِت َ ُ‬ ‫َوأبْنَائنَا فَل َ َّما ُكت َ‬ ‫يبل ِمن ْ ُهم و َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم‬ ‫تَ َول َّ ْوا إ َِّال قَل ً ْ َ ُّ‬ ‫اّلل عَل ٌ‬ ‫الظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُت (‪)246‬‬ ‫ا‪١‬ت‬ ‫بِ َّ َ‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه يبلغنا بوسيلة‬ ‫السماع عنه ‪ ،‬وعلينا أن نتلىق ذلك‬ ‫األمر كأننا نراه بالعُت ‪ ،‬فماذا‬ ‫نرى؟ { أَل َ ْم تَ َر إ َِىل ا‪١‬تئل } ‪ ،‬ما معٌت‬ ‫ا‪١‬تؤل؟ هي من مؤل يعٍت ازدحم اإلناء‬ ‫‪ ،‬ولم يعد فيه مكان يتحمل زائدا ً‪.‬‬ ‫وأن الظرف قد ُشغل با‪١‬تظروف‬

‫شغبل لم يعد يتسع لسواه ‪ .‬وكلمة «‬ ‫مؤل » ُتطلق عىل أشراف القوم‬ ‫كأهنم هم الذين ٯتؤلون حياة‬ ‫الوجود حو‪٢‬تم وال يستطيع َتهم‬ ‫أن يزا‪ٛ‬تهم ‪ .‬و { ا‪١‬تئل } من‬ ‫أشراف الوجوه والقوم ‪٬‬تلسون‬ ‫للتشاور ‪ { .‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل ا‪١‬تئل ِمن بٍت‬

‫يل ِمن بَعْ ِد موىس } أي ألم‬ ‫إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫يأتك خْب وجوه القوم وأشرافهم‬ ‫من بعد موىس عليه السبلم مثبل يف‬ ‫عصر « يوشع » أو « حزقيل أو‬ ‫مشويل » أو أي واحد منهم ‪ ،‬وال‬ ‫يعنينا ذلك ألن القرآن ال يذكر يف‬ ‫أي عهد كانوا ‪ ،‬ا‪١‬تهم أهنم كانوا‬

‫بعد موىس عليه السبلم ‪ { .‬إِذْقَالُوا ْ‬ ‫لِنَبِ ٍّي َّ‪٢‬ت ُ ُم ابعث لَنا َملِكا ًنُّقَاتِ ْل ِيف‬ ‫َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل } ‪.‬‬ ‫لقد اجتمع أشراف بٍت إسرائيل‬ ‫للتشاور ثم ذهبوا إىل النبي الذي‬ ‫كان معاصرا ً‪٢‬تم وقالوا له ‪ :‬ابعث‬ ‫لنا ملكا ‪ .‬ونفهم من ذلك أنه لم‬

‫يكن ‪٢‬تم ملك ‪ .‬وماذا نستفيد من‬ ‫ذكر وجود نبي ‪٢‬تم وعدم وجود‬ ‫ملك ‪٢‬تم؟‬ ‫نفهم من ذلك أن النبوة كانت‬ ‫تشرف عىل نفاذ األعمال وال تباشر‬ ‫األعمال ‪ ،‬وأما ا‪١‬تلك فهو الذي‬ ‫يباشر األعمال ‪ .‬ولو كانت النبوة‬

‫تباشر أعماال ً‪١‬تا طلبوا من نبيهم‬ ‫أن يبعث ‪٢‬تم ملكا ‪ .‬وسبب ذلك أن‬ ‫الذي يباشر عرضه للكراهية من‬ ‫ي‬ ‫كثر من الناس وعرضه أن يفشل‬ ‫يف تصريف بعض األمور ‪ ،‬فبدال من‬ ‫أن يوجهوا الفشل للقمة العليا ‪،‬‬ ‫ينقلون ذلك ‪١‬تن هو أقل وهو ا‪١‬تلك‬

‫‪ .‬ولذلك طلبوا من النبي أن يأيت‬ ‫ٔتلك يعيد تصريف األمور فتكون‬ ‫النبوة مرجعا ًللحق ‪ ،‬وال تكون‬ ‫موطنا ًللوم يف أي شيء ‪.‬‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يبلغنا أنه قال‬ ‫لنبي بٍت إسرائيل ‪:‬‬ ‫أنتم الذين طلبتم القتال وأنتم‬

‫ا‪١‬تؤل أي أشراف القوم وأتيتم‬ ‫بالعلة ا‪١‬توجبة للقتال وهي أنكم‬ ‫أخرجتم من دياركم وأبنائكم أي‬ ‫بلغ بكم ا‪٢‬توان أنه لم تعد لكم‬ ‫ديار ‪ ،‬وبلغ بكم ا‪٢‬توان أنه لم يعد‬ ‫لكم أبناء بعد أن أسرهم عدوكم ‪.‬‬ ‫إذن علة طلب القتال موجودة ‪ ،‬ومع‬

‫ذلك قال ‪٢‬تم النبي ‪َ { :‬ه ْل‬ ‫َعسي ْ ُتم إِن ُكتِب عَلَي ُكم القتال أَال َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ُت َقاتِلُوا ْ} لقد أوضح ‪٢‬تم نبيهم‬ ‫الشرط وقال ‪ :‬إنٍت أخاف أن آيت‬ ‫لكم ٔتلك كي تقاتلوا يف سبيل اهلل‬ ‫‪ ،‬وبعد ذلك يفرض اهلل عليكم‬ ‫القتال ‪ ،‬وعندما نأيت لؤلمر الواقع ال‬

‫‪٧‬تد لكم عزما عىل القتال‬ ‫وتتخاذلون ‪.‬‬ ‫لكنهم قالوا ‪َ { :‬و َما لَنآ أَال َّن ُ َقاتِ َل ِيف‬ ‫َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل َوقَ ْد أُ ْخ ِر ْجنَا ِمن ِديَا ِرنَا‬ ‫َوأَبْن َ ِآئنَا } ‪ . .‬انظر إىل الدقة يف‬ ‫قو‪٢‬تم ‪ِ { :‬يف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل } وتعليق‬ ‫ذلك السبيل عىل أهنم أخرجوا من‬

‫ديارهم وأبنائهم! لقد أرادوا أن‬ ‫يقلبوا ا‪١‬تسألة وأن يقولوا ‪ :‬إن‬ ‫القتال يف سبيل اهلل بعد أن عضتهم‬ ‫التجربة فيما ٭تبون من الديار‬ ‫واألبناء ‪ ،‬إذن فاهلل هو ا‪١‬تلجأ يف كل‬ ‫أمر ‪ ،‬وقبل سبحانه منهم قو‪٢‬تم ‪،‬‬ ‫واعتْب قتا‪٢‬تم يف سبيله ‪.‬‬

‫وكان إخراجهم من ديارهم أمرا ً‬ ‫معقوال ً‪ ،‬لكن كيف ٮترجون من‬ ‫أبنائهم؟ رٔتا كانوا قد تركوا‬ ‫أبناءهم للعدو ‪ ،‬ورٔتا أخذهم‬ ‫العدو أسرى ‪ .‬لكنهم هم الذين‬ ‫أخرجوا من ديارهم ‪ ،‬وينطبق‬ ‫عليهم يف عبلقتهم باألبناء قول‬

‫الشاعر ‪:‬‬ ‫إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ‪...‬‬ ‫أال تفارقهم فالراحلون ‪٫‬تو‬ ‫وانظر إىل التمحيص ‪ ،‬إهنم مؤل من‬ ‫بٍت إسرائيل وذهبوا إىل نبي وقالوا‬ ‫له ‪ :‬ابعث لنا ملكا حىت ‪٬‬تعلوها‬ ‫حربا مشروعة ليقاتلوا يف سبيل‬

‫اهلل ‪ ،‬وقال ‪٢‬تم النبي ما قال وردوا‬ ‫عليه هم ‪َ { :‬و َما لَنآ أَال َّنُقَاتِ َل ِيف‬ ‫َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل } يعٍت وكيف ال نقاتل‬ ‫يف سبيل اهلل؟‬ ‫وجاء ‪٢‬تم األمر بالقتال يف قوله تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫ب عَلَي ْ ِه ُم القتال تَ َول َّ ْوا ْ‬ ‫‪ { :‬فَل َ َّما ُكت َ‬ ‫} إن قوله ‪ُ { :‬كتِ‬ ‫ب } ألهنم هم‬ ‫َ‬

‫الذي طلبوا تشريع القتال فجعلهم‬ ‫اهلل داخلُت يف العقد فجاء التعبَت ب‬ ‫{ ُكتِ‬ ‫تب » ‪،‬‬ ‫ك‬ ‫«‬ ‫ب‬ ‫يأت‬ ‫ولم‬ ‫}‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ومع ذلك تولوا أي أعرضوا عن‬ ‫القتال ‪.‬‬ ‫لقد كان لنبيهم حق يف أن يتشكك‬ ‫يف قدرهتم عىل القتال ‪ ،‬ويقول ‪٢‬تم ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ب عَلَي ْ ُك ُم‬ ‫{ َه ْل َع َسي ْ ُت ْم إِن ُكت َ‬ ‫القتال أَال َّ ُتقَاتِلُوا ْ} ‪ .‬ولكن هل‬ ‫أعرضوا ‪ٚ‬تيعا عن القتال؟ ال؛ فقد‬ ‫كان فيهم من ينطبق عليه قول‬ ‫الشاعر ‪:‬‬ ‫إن الذي جعل ا‪ٟ‬تقيقة علقما ً‪...‬‬ ‫لم ٮتل من أهل ا‪ٟ‬تقيقة جيبل ً‬

‫لقد كان منهم من لم يعرض عن‬ ‫التكليف بالقتال لكنهم قلة ‪ ،‬وهذا‬ ‫٘تهيد مطلوب ‪ ،‬حىت إذا ا‪٨‬تسرت‬ ‫ا‪ٞ‬تمهرة ‪ ،‬وانفض ا‪ٞ‬تميع من‬ ‫حولك إياك أن تقول ‪ « :‬إين قليل‬ ‫»؛ ألن ا‪١‬تقاييس ليست بكثرة‬ ‫ا‪ٞ‬تمع ‪ ،‬ولكن بنصرة ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل ‪.‬‬ ‫وقد يكون عدوك كثَتا ًلكن ليس‬ ‫له رصيد من ألوهية عالية ‪ ،‬وقد‬ ‫تكون يف قلة من العدد ‪ ،‬لكن لك‬ ‫رصيد من ألوهية عالية ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يريد ا‪ٟ‬تق أن يلفتنا إليه بقوله ‪{ :‬‬ ‫فَل َ َّما ُكتِب عَلَي ِهم القتال تَولَّوا ْإِال َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬

‫قَلِيبل ً} ‪ .‬كلمة { إِال َّقَلِيبل ً}‬ ‫جاءت لتخدم قضية ‪ ،‬لذلك جاء يف‬ ‫آخر القصة قوله تعاىل ‪َ { :‬كم ِّمن‬ ‫فِئ َ ٍة قَلِيل َ ٍة َلَب َ ْت فِئَةً كَثَِتَة ًبِإِذْ ِن اهلل‬ ‫} ػ البقرة ‪] 249 :‬‬ ‫أي أن الغلبة تأيت بإذن اهلل ‪ ،‬إذن‬ ‫فالشيء ا‪١‬ترئي واحد ‪ ،‬لكن وجهة‬

‫نظر الرائُت فيه ٗتتلف عىل قدر‬ ‫رصيدهم اإلٯتاين ‪ .‬أنت ترى‬ ‫زهرة ‪ٚ‬تيلة ‪ ،‬والرؤية قدر‬ ‫مشًتك عند ا‪ٞ‬تميع ‪ ،‬ورآها َتك‬ ‫‪ ،‬أعجبتك أنت وحافظت عليها‬ ‫وتركتها زينة لك ولغَتك ‪ ،‬بينما‬ ‫رآها إنسان آخر فقطفها ولم يبال‬

‫ك من هي ‪ ،‬وهكذا تعرف أن‬ ‫ِمل ْ ُ‬ ‫العمل الزنوعي ٮتتلف من شخص‬ ‫ْلخر ‪ ،‬فالعدو قد يكون كثَتا ً‬ ‫أمامنا و‪٨‬تن قلة ‪ ،‬وكلنا رأى العدو‬ ‫كثَتا ًورأى نفسه قليال ً‪ ،‬لكن‬ ‫ا‪١‬تواجيد ٗتتلف ‪ .‬أنا سأحسب‬ ‫نفسي ومعي ريب ‪ ،‬و َتي رآهم‬

‫كثَتين وقال ‪ :‬ال نقدر عليهم؛‬ ‫ألنه أخرج ربه من ا‪ٟ‬تساب ‪.‬‬ ‫{ فَل َ َّما ُكتِب عَلَي ِهم القتال تَولَّوا ْإِال َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يم بالظا‪١‬تُت }‬ ‫قَليبل ً ّمن ْ ُه ْم واهلل عَل ٌ‬ ‫إذن فالتويل ظلم للنفس؛ ألن‬ ‫الظلم يف أبسط معانيه أن تنقل‬

‫ا‪ٟ‬تق لغَت صاحبه ‪ ،‬وأنت أخرجت‬ ‫من ديارك وظللت عىل هذا ا‪ٟ‬تال ‪،‬‬ ‫إذن فقد ظلمت نفسك ‪ ،‬وظلمت‬ ‫أوالدك الذين خرجوا منك ‪ ،‬وفوق‬ ‫ذلك كله ظلمت قضيتك الدينية ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٞ‬تماعة الذين تولوا كانوا‬ ‫ظا‪١‬تُت ألنفسهم وألهليهم‬

‫و‪١‬تجتمعهم وللقضية العقدية ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يم‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واهلل عَل ٌ‬ ‫بالظا‪١‬تُت } هو إشارة عىل أن اهلل‬ ‫مطلع عىل هؤالء الذين ٗتاذلوا سرا ً‪،‬‬ ‫وأرادوا أن يقتلوا الروح ا‪١‬تعنوية‬ ‫للناس وهم الذين يطلق عليهم يف‬ ‫هذا العصر « الطابور ا‪٠‬تامس »‬

‫الذين يفتتون الروح ا‪١‬تعنوية دون‬ ‫أن يراهم أحد ولكن اهلل يعرفهم ‪.‬‬ ‫لقد طلب هؤالء القوم من بٍت‬ ‫إسرائيل من نبيهم أن يبعث ‪٢‬تم‬ ‫ملكا ‪ ،‬وكان يكفي النبي ا‪١‬ترسل‬ ‫إليهم أن ٮتتار ‪٢‬تم ا‪١‬تلك ليقاتلوا‬ ‫ٖتت رايته ‪ ،‬لكنهم يزيدون يف‬

‫التلكؤ واللجاجة ويريدون أن‬ ‫ينقلوا األمر نقلة ليست من قضايا‬ ‫الدين ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪{ :‬‬ ‫ث‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ْم نَبِي ُّ ُه ْم إ َِّن اهلل قَ ْد بَعَ َ‬ ‫َوقَ َ‬ ‫ل َ ُكم َطال ُ َ ِ‬ ‫ون ل َ ُه‬ ‫ْ‬ ‫وت َملكا ًقالوا أىن ي َ ُك ُ‬ ‫ا‪١‬تلك عَلَيْنَا ‪} . . .‬‬

‫ث‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ْم نَبِي ُّ ُه ْم إ َِّن َّ‬ ‫اّللَقَ ْد بَعَ َ‬ ‫َوقَ َ‬ ‫َ‬ ‫ل َ ُكم َطال ُ َ ِ‬ ‫ون ل َ ُه‬ ‫ْ‬ ‫وت َملكًا قَالُوا أ َّىن ي َ ُك ُ‬ ‫ك عَلَيْنَا و َ‪٨‬تْن أ َ َح ُّق بِا ْ‪١‬تل ْ ِ‬ ‫ك ِمن ْ ُه‬ ‫ا ْ‪١‬تُل ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ال إ َِّن ّ ََ‬ ‫َول َ ْم يُ ْؤ َت َسعَةًم َن ا ْ‪١‬ت َ ِال قَ َ‬ ‫اص َط َف ُاه عَلَي ْ ُك ْم َوزَادَ ُه ب َ ْس َطةً ِيف‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫اّلل يُ ْؤ ِيت ُمل ْ َك ُه َم ْن‬ ‫الْعلْم َوا‪ٞ‬تْ ْسم َو َّ ُ‬ ‫ي َ َشاء و َ ِ ِ‬ ‫يم (‪)247‬‬ ‫اّلل َواس ٌع عَل ٌ‬ ‫ُ َ ُّ‬

‫هم الذين طلبوا من نبيهم أن‬ ‫يبعث ‪٢‬تم ملكا ‪ .‬وكان يكفي إذن أن‬ ‫ٮتتار نبيهم شخصا ويوليه ا‪١‬تلك‬ ‫عليهم ‪ .‬لكن نبيهم أراد أن يغرس‬ ‫االحًتام منهم يف ا‪١‬تبعوث كملك‬ ‫‪٢‬تم ‪ .‬لقد قال ‪٢‬تم ‪ { :‬إ َِّن اهلل قَ ْد‬ ‫وت َملِكا ً} ‪ .‬والنبي‬ ‫ث ل َ ُك ْم َطال ُ َ‬ ‫بَعَ َ‬

‫القائل ذلك ينتمي إليهم ‪ ،‬وهو‬ ‫منهم ‪ ،‬وعندما طلبوا منه أن يبعث‬ ‫‪٢‬تم ملكا ًكانوا يعلمون أنه مأمون‬ ‫عىل ذلك ‪.‬‬ ‫ويتجىل أدب النبوة يف التلقي ‪ ،‬فقال‬ ‫وت‬ ‫ث ل َ ُك ْم َطال ُ َ‬ ‫‪ { :‬إ َِّن اهلل قَ ْد بَعَ َ‬ ‫َملِكا ً} ‪ .‬إنه يريد أن يطمئنهم‬

‫عىل أن مسألة اختيار طالوت‬ ‫كملك ليست منه؛ ألنه بشر‬ ‫مثلهم ‪ ،‬وهو يريد أن ينحي قضيته‬ ‫البشرية عن هذا ا‪١‬توضوع ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫وت َملِكا ً‬ ‫ث ل َ ُك ْم َطال ُ َ‬ ‫{ إ َِّن اهلل قَ ْد بَعَ َ‬ ‫} ‪ .‬فماذا كان ردهم؟ { قالوا أىن‬ ‫ون ل َ ُه ا‪١‬تلك عَلَيْنَا َو َ‪٨‬ت ْ ُن أ َ َح ُّق‬ ‫ي َ ُك ُ‬

‫با‪١‬تلك ِم ُْهن َول َ ْم يُ ْؤ َت َسعَةً ِّم َن ا‪١‬تال‬ ‫} ‪ .‬وهذه بداية التلكؤ واللجاجة‬ ‫ونقل األمر إىل مسألة ليست من‬ ‫قضايا الدين ‪.‬‬ ‫إهنم يريدون الوجاهة والغٌت ‪.‬‬ ‫وكان ‪٬‬تب عليهم أن يأخذوا‬ ‫ا‪١‬تسألة عىل أن ا‪١‬تلك جاء لصا‪ٟ‬تهم‬

‫‪ ،‬ألهنم هم الذين طلبوه ليقودهم‬ ‫يف ا‪ٟ‬ترب ‪ .‬إذن فأمر اختيار ا‪١‬تلك‬ ‫كان ‪٢‬تم ولصا‪ٟ‬تهم ‪ ،‬فلماذا‬ ‫يتصورون أن االختيار كان‬ ‫ضدهم وليس ‪١‬تصلحتهم؟‬ ‫شيء آخر نفهمه من قو‪٢‬تم ‪ { :‬أىن‬ ‫ون ل َ ُه ا‪١‬تلك عَلَيْنَا } ‪ ،‬إن طالوت‬ ‫ي َ ُك ُ‬

‫هذا لم يكن من الشخصيات‬ ‫ا‪١‬تشار إليها؛ فمن العادة حُت‬ ‫َ٭ت ُزب األمر يف ‪ٚ‬تاعة من‬ ‫ا‪ٞ‬تماعات أن تفكر فيمن يقود ‪،‬‬ ‫فعادة ما يكون هناك عدد من‬ ‫الشخصيات البلمعة اليت يدور‬ ‫التفكَت حو‪٢‬تا ‪ ،‬وتظن ا‪ٞ‬تماعة أنه‬

‫من ا‪١‬تمكن أن يقع عىل واحد منهم‬ ‫االختيار ‪ ،‬وكان اختيار السماء‬ ‫لطالوت عىل عكس ما توقعت تلك‬ ‫ا‪ٞ‬تماعة ‪ .‬لقد جاء طالوت من‬ ‫غمار القوم بدليل أهنم قالوا ‪{ :‬‬ ‫ون ل َ ُه ا‪١‬تلك } أي لم يؤت‬ ‫أىن ي َ ُك ُ‬ ‫ا‪١‬تلك من قبل ‪.‬‬

‫ولقد كانوا ينتمون إىل نسلُت ‪:‬‬ ‫نسل أخذ النبوة وهو نسل بنيامُت‬ ‫‪ ،‬ونسل أخذ ا‪١‬تلوكية وهو نسل‬ ‫الوى بن يعقوب ‪ .‬فلما قال ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫وت َملِكا ً‬ ‫ث ل َ ُك ْم َطال ُ َ‬ ‫{ إ َِّن اهلل قَ ْد بَعَ َ‬ ‫} ‪ ،‬بدأوا يبحثون عن صحيفة‬ ‫النسب ا‪٠‬تاصة به فلم ‪٬‬تدوه‬

‫منتميا ًال ‪٢‬تذا وال لذاك ‪ ،‬ولذلك‬ ‫ون ل َ ُه ا‪١‬تلك عَلَيْنَا }‬ ‫قالوا ‪ { :‬أىن ي َ ُك ُ‬ ‫‪ .‬وهذا يدلنا عىل أن الناس حُت‬ ‫يريدون وضعا ًمن األوضاع ال‬ ‫يريدون الرجل ا‪١‬تناسب للموقف‬ ‫‪ ،‬ولكن يريدون الرجل ا‪١‬تناسب‬ ‫لنفوسهم ‪ ،‬بدليل قو‪٢‬تم ‪ { :‬أىن‬

‫ون ل َ ُه ا‪١‬تلك عَلَيْنَا َو َ‪٨‬ت ْ ُن أ َ َح ُّق‬ ‫ي َ ُك ُ‬ ‫با‪١‬تلك ِمن ْ ُه } ‪.‬‬ ‫وهل ا‪١‬تلك يأيت غطرسة أو‬ ‫كْبياء؟ ومادام طالوت رجبل من‬ ‫غمار الناس فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يريد أن يضع قضية كل مؤمن وهي‬ ‫أنك حُت تريد االختيار فإياك أن‬

‫يغشك حسب أو نسب أو جاه ‪،‬‬ ‫ولكن اخًت األصلح من أهل ا‪٠‬تْبة‬ ‫ال من أهل الثقة ‪.‬‬ ‫لقد تناسوا أن القضية اليت طلبوها‬ ‫من نبيهم ٖتتاج إىل صفتُت ‪ :‬رجل‬ ‫جسيم ورجل عليم ‪ ،‬واهلل اختار‬

‫‪٢‬تم طالوت رجبل جسيما ًوعليما‬ ‫معا ‪.‬‬ ‫وعندما نتأمل سياق اْليات فإننا‬ ‫‪٧‬تد أن اهلل قال ‪٢‬تم يف البداية ‪{ :‬‬ ‫ث ل َ ُك ْم } حىت ال ٭ترج أحدا ً‬ ‫بَعَ َ‬ ‫منهم يف أن طالوت أفضل منه ‪،‬‬ ‫ولكن عندما حدث ًفاج قال ‪٢‬تم ‪:‬‬

‫{ إ َِّن اهلل اصطفاه عَلَي ْ ُك ْم } وهو‬ ‫بهذا القول يؤكد إنه ال يوجد‬ ‫فيكم من أهل البسطة وا‪ٞ‬تسامة‬ ‫من يتمتع بصفة العلم ‪ .‬وكذلك ال‬ ‫يوجد من أهل العلم فيكم من‬ ‫يتمتع بالبسطة وا‪ٞ‬تسامة{ إ َِّن اهلل‬ ‫اصطفاه عَلَي ْ ُك ْم َوزَادَ ُه ب َ ْس َطةً ِيف‬

‫العلم وا‪ٞ‬تسم } ‪ .‬وكان ‪٬‬تب أن‬ ‫يستقبلوا اصطفاء اهلل طالوت‬ ‫للملك بالقبول والرىض فما بالك‬ ‫وقد زاده بسطة يف العلم وا‪ٞ‬تسم؟‬ ‫والبسطة يف العلم وا‪ٞ‬تسم هي‬ ‫ا‪١‬تؤهبلت اليت تناسب ا‪١‬تهمة اليت‬ ‫أرادوا من أجلها ملكا ‪٢‬تم ‪ .‬ولذلك‬

‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واهلل يُ ْؤ ِيت ُمل ْ َك ُه َمن‬ ‫آء } وكأن ا‪ٟ‬تق يقول ‪٢‬تم ‪ :‬ال‬ ‫ي َ َش ُ‬ ‫تظنوا أنكم أنتم الذين ترشحون‬ ‫لنا ا‪١‬تلك ا‪١‬تناسب ‪ ،‬يكفيكم أنكم‬ ‫طلبتم أن أرسل لكم ملكا‬ ‫فاتركوين ٔتقاييسي اخًت ا‪١‬تلك‬ ‫ا‪١‬تناسب ‪.‬‬

‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اْلية بقوله ‪ { :‬واهلل‬ ‫وا ِس ٌع عَلِ‬ ‫يم } أي عنده لكل مقام‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫مقال ‪ ،‬ولكل موقع رجل ‪ ،‬وهو‬ ‫سبحانه عليم ٔتن يصلح ‪٢‬تذه‬ ‫ا‪١‬تهمة ‪ .‬ومن يصلح لتلك ‪ ،‬ال عن‬ ‫ضيق أو قلة رجال ‪ ،‬ولكن عن سعة‬ ‫وعلم ‪.‬‬

‫لقد استقبلوا هذا االختيار اإل‪٢‬تي‬ ‫باللجاج ‪ ،‬واللجاج نوع من العناد‬ ‫وال ينهيه إال األمر ا‪١‬تشهدي ا‪١‬ترئي‬ ‫الذي يلزم با‪ٟ‬تجة ‪ ،‬لذلك كان البد‬ ‫من ‪٣‬تيء معجزة ‪ .‬لذلك يأيت قوله‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ْم نِبِي ُّ ُه ْم إ َِّن آيَةَ‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وقَ َ‬

‫ُمل ْ ِك ِه أَن يَأْتِي َ ُك ُم التابوت فِي ِه‬ ‫َس ِكين َ ٌة ِّمن َّربِّ ُك ْم ‪} . . .‬‬

‫ال َ‪٢‬ت ُ ْم نَبِي ُّ ُه ْم إ َِّن آيَةَ ُمل ْ ِك ِه أ َ ْن‬ ‫َوقَ َ‬ ‫ْ‬ ‫وت فِي ِه َس ِكين َ ٌة ِم ْن‬ ‫يَأتِي َ ُك ُم التَّا ُب ُ‬ ‫وىس‬ ‫َربِّ ُك ْم َوبَقِي َّ ٌة ِ‪٦‬تَّا تَ َر َ‬ ‫آل ُم َ‬ ‫ك ُ‬ ‫آل َه ُارو َن َٖتْ ِمل ُ ُه ا ْ‪١‬ت َ َبل ِئ َك ُة إ َِّن ِيف‬ ‫َو ُ‬

‫ِِ‬ ‫ُت‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫ك َْليَةً ل َ ُك ْم إ ِْن ُكن ْ ُت ْم ُم ْؤمن َ‬ ‫(‪)248‬‬ ‫لقد أرسل ا‪ٟ‬تق مع ا‪١‬تلك طالوت‬ ‫آية تْبهن عىل أنه ملك من اختيار‬ ‫اهلل فقال ‪٢‬تم نبيهم ‪ { :‬إ َِّن آيَةَ‬ ‫ُمل ْ ِك ِه أَن يَأْتِي َ ُك ُم التابوت } أي إن‬

‫العبلمة الدالة عىل ملكههي { أَن‬ ‫يَأْتِي َ ُك ُم التابوت } وهذا القول‬ ‫نستدل منه عىل أن التابوت كان‬ ‫ائبا ًومفقودا ً‪ ،‬وأنه أمر معروف‬ ‫لديهم وهناك تلهف منهم عىل‬ ‫‪٣‬تيئه ‪.‬‬ ‫وما هو التابوت؟ إن التابوت قد ورد‬

‫يف القرآن يف موضعُت ‪ :‬أحد‪٫‬تا يف‬ ‫اْلية اليت ‪٨‬تن بصددها اْلن ‪،‬‬ ‫ولتعاىل ‪{ :‬‬ ‫وا‪١‬توضوع اْلخر يف ق ه‬ ‫ك َما يوىح * أ َ ِن‬ ‫إِذْ أ َ ْو َحيْنَآ إىل أُ ِّم َ‬ ‫اقذفيه ِيف التابوت فاقذفيه ِيف اليم‬ ‫فَلْيلْقِ ِه اليم بالساحل يَأ ْ ُخ ْذ ُه ع َ ُد ٌّو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك َ‪٤‬تَبَّةً ّم ِ ٍّت‬ ‫ِّيل َوع َ ُد ٌّو ل َّ ُه َوأل ْ َقي ْ ُت عَلَي ْ َ‬

‫َول ِ ُت ْصن َ َع عىل عيٍت} ػ طه ‪-38 :‬‬ ‫‪] 39‬‬ ‫رفمن أيام قصة‬ ‫إذن فالتابوت نع ه‬ ‫موىس وهو رضيع ‪ ،‬عندما خافت‬ ‫عليه أمه؛ فأوىح ‪٢‬تا اهلل ‪ { :‬فَإِذَا‬ ‫ِخ ْف ِت عَلَي ْ ِه فَأَلْقِي ِه ِيف اليم } فهل‬ ‫هو التابوت نفسه الذي تتحدث‬

‫عنه اْليات اليت ‪٨‬تن بصددها؟‬ ‫الب الظن أنه هو؛ ألنه مادام جاء‬ ‫به عىل إطبلقه فهو التابوت‬ ‫ا‪١‬تسألاليت ‪٧‬تا بها‬ ‫ا‪١‬تعروف ‪ ،‬وكأن ة‬ ‫موىس ‪٢‬تا تاريخ مع موىس وفرعون‬ ‫ومع نبيهم ومع طالوت وهذه‬ ‫عملية نأخذ منها أن اْلثار اليت‬

‫ترتبط باألحداث ا‪ٞ‬تسيمة يف‬ ‫تاريخ العقيدة ‪٬‬تب أن نعٌت بها ‪،‬‬ ‫وال نقول إهنا كفريات ووثنيات؛‬ ‫ألن ‪٢‬تا ارتباطا ًبأمر عقدي ‪،‬‬ ‫ؤتسائل تارٮتية ‪ ،‬وارتباطا‬ ‫با‪١‬تقدسات ‪ .‬انظر إىل التابوت‬ ‫الذي فيه بقية ‪٦‬تا ترك آل موىس‬

‫وآل هارون وٖتمله ا‪١‬تبلئكة ‪ .‬إن‬ ‫هذا دليل عىل أنه شيء كبَت ومهم ‪.‬‬ ‫إذن فاْلثار اليت ‪٢‬تا مساس وارتباط‬ ‫بأحداث العقيدة وأحداث النبوة ‪،‬‬ ‫وكأن‬ ‫هذه اْلثار مهمة لئلٯتان ‪ّ ،‬‬ ‫القرآن يقول ‪ :‬اتركوها كما هي ‪،‬‬ ‫وخذوا منها عظة وعْبة؛ ألهنا‬

‫تذكركم بأشياء مقدسة ‪ .‬لقد كان‬ ‫التابوت مفقودا ً‪ ،‬وذلك دليل عىل أن‬ ‫عدوا ً لب عىل الببلد اليت سكنوها ‪،‬‬ ‫والعدو عندما يغَت عىل ببلد ٭تاول‬ ‫أوال ًطمس ا‪١‬تقدسات اليت تربط‬ ‫الببلد بالعقيدة ‪ .‬فإذا كان التابوت‬ ‫مقدسا ًعندهم بهذا الشكل ‪ ،‬كان‬

‫البد أن يأخذه األعداء ‪ .‬هؤالء‬ ‫األعداء هم الذين أخرجوهم من‬ ‫ديارهم وهم ألوف حذر ا‪١‬توت ‪.‬‬ ‫وإذا كانوا قد أخرجوهم من‬ ‫ديارهم فمن باب أوىل أهنم‬ ‫أجْبوهم عىل ترك التابوت ‪.‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل يطمئنهم بأن‬

‫آية ا‪١‬تلك لطالوت هي ‪٣‬تيء‬ ‫التابوت الذي تتلهفون عليه ‪،‬‬ ‫وترتبط به مقدساتكم ‪ { .‬أَن‬ ‫يَأْتِي َ ُك ُم التابوت فِي ِه َس ِكين َ ٌة ِّمن‬ ‫َّر ِبّ ُك ْم } فكأن االستقرار النفسي‬ ‫سيأتيكم مع هذا التابوت؛ ألن‬ ‫اإلنسان حُت ‪٬‬تد التابوت الذي ‪٧‬تا‬

‫به نبي ‪ ،‬ويف األشياء اليت سنعرفها‬ ‫فيما بعد ‪ ،‬إن اإلنسان يسًتوح‬ ‫صلته بالسماء ‪ ،‬وهي صلة مادية‬ ‫ٕتعل النفس تسًتيح ‪.‬‬ ‫وعىل سبيل ا‪١‬تثال تأمل مشاعرك‬ ‫عندما يقال لك ‪ « :‬هذا هو‬

‫ا‪١‬تصحف الذي كان يقرأ فيه سيدنا‬ ‫عثمان » ‪.‬‬ ‫إنه مصحف مثل أي مصحف آخر‬ ‫‪ ،‬ولكن ميزته أنه كان يقرأ فيه‬ ‫سيدنا عثمان؛ إنك تسًتيح‬ ‫نفسيا ًعندما تراه ‪ .‬وأيضا ًحُت‬

‫تذهب إىل دار ا‪٠‬تبلفة يف تركيا ‪،‬‬ ‫ويقال لك ‪ « :‬هذا هو السيف‬ ‫الذي كان ٭تارب به اإلمام علي» ‪.‬‬ ‫فتنظر إىل السيف ‪ ،‬وٕتد أن وزنه‬ ‫وثقله يساوي عشرة سيوف ‪،‬‬ ‫وتتعجب كيف كان ٭تمله سيدنا‬ ‫علي كرم اهلل وجهه وكيف كان‬

‫٭تارب به ‪.‬‬ ‫وكذلك عندما يقال لك ‪ « :‬هذه‬ ‫شعرة من شعر رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم أو ا‪١‬تكحلة اليت كان‬ ‫يكتحل بها » ‪ ،‬الشك أن مثل هذه‬ ‫ا‪١‬تشاهد ستًتك إشراقا ًوطمأنينة‬ ‫يف نفسك ‪ .‬وعندما يراها إنسان‬

‫به بعض الشكوك وا‪١‬تخاوف فإن‬ ‫العقيدة تستقر يف نفسه ‪.‬‬ ‫ومن هذا كله أقول ‪ :‬إن والة األمر‬ ‫‪٬‬تب أال يعتْبوا مقدسات األشياء‬ ‫ضربا ًمن الشركيات والوثنيات ‪،‬‬ ‫بل ‪٬‬تب أن يولوها عناية ورعاية‬ ‫ويْبزوها للناس؛ لتكون مصدر‬

‫سكينة وأمن نفس للناس ‪ ،‬وعليهم‬ ‫أن ينصحوا الناس بأال يفتنوا بها ‪،‬‬ ‫ولكن عليهم أن يًتكوها لتذكرنا‬ ‫بأمر يتصل بعقيدتنا وبنبينا ‪.‬‬ ‫وانظر إىل حديث القرآن عن‬ ‫التابوت ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه لم يقل‬ ‫‪ :‬إن التابوت سيأيت كامبل ً‪ ،‬ولم‬

‫يقل كذلك إنه التابوت الذي‬ ‫ُوضع فيه موىس ‪ ،‬وإ‪٪‬تا قال ‪ { :‬فِي ِه‬ ‫ك‬ ‫َس ِكين َ ٌة ِّمن َّر ِبّ ُك ْم َوبَقِي َّ ٌة ِّ‪٦‬تَّا تَ َر َ‬ ‫ون } كأن آل‬ ‫آل موىس َو ُ‬ ‫ُ‬ ‫آل َه ُار َ‬ ‫موىس وهارون قد حافظوا عىل آثار‬ ‫أنبيائهم ‪ ،‬وأيضا قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َٖتْ ِمل ُ ُه ا‪١‬تبلئكة } يؤكد لنا أنه ال‬

‫شك أن األثر الذي ٖتمله ا‪١‬تبلئكة‬ ‫البد أن يكون شيئا ًعظيما ًيوجب‬ ‫العناية الفائقة { إ َِّن آي َ َة ُمل ْ ِك ِه أَن‬ ‫يَأْتِي َ ُك ُم التابوت } ‪.‬‬ ‫ونلحظ يف قوله ‪ { :‬أَن يَأْتِي َ ُك ُم‬ ‫التابوت} إنه سبحانه قد نسب‬ ‫اإلتيان إىل التابوت ‪ ،‬فهل كان من‬

‫ضمن العبلمة أن يأتيهم التابوت‬ ‫وهم جالسون ينتظرون وألن‬ ‫التابوت ٖتمله ا‪١‬تبلئكة فلن‬ ‫يراهم القوم ألهنم كائنات َت‬ ‫مرئية ‪ ،‬فلن يراهم أحد وإ‪٪‬تا‬ ‫سَتى القوم التابوت آتيا ًإليهم ‪،‬‬ ‫ولذلك أسند ا‪ٟ‬تق أمر ا‪١‬تجيء‬

‫للتابوت ‪.‬‬ ‫وهذا ا‪١‬تشهد ٮتلع القلوب و‪٬‬تعل‬ ‫أصحاب أشد القلوب قساوة‬ ‫ٮترون سجدا ويقولون « طالوت‬ ‫أنت ا‪١‬تلك ‪ ،‬ولن ‪٩‬تتلف عليك » ‪.‬‬ ‫ونريد اْلن أن نعرف األشياء اليت‬ ‫ٯتكن ْلل موىس أن ٭تافظوا عليها‬

‫من آثار موىس عليه السبلم ‪،‬‬ ‫واْلثار اليت ٭تافظ عليها آل هارون‬ ‫من هارون عليه السبلم ‪.‬‬ ‫قال بعض الناس إهنا عصا موىس ‪،‬‬ ‫وهي األثر الذي تبىق من آل موىس ‪،‬‬ ‫وذلك أمر معقول؛ ألهنا أداة من‬ ‫أدوات معج زة موىس عليه السبلم ‪.‬‬

‫ألم تكن هي ا‪١‬تعجزة اليت انقلبت‬ ‫حية تسىع وابتلعت بسرعة ما‬ ‫صنعه السحرة؟ إن مثل هذه األداة‬ ‫ا‪١‬تعجزة ال ٯتكن أن يهملها موىس ‪،‬‬ ‫أو يهملها ا‪١‬تؤمنون به بعد ما حدث‬ ‫منها ‪ .‬وليس من ا‪١‬تعقول أن يفرط‬

‫آل موىس يف عصا تكلم اهلل فيها‬ ‫وقال ‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ك بِي َ ِمي ِن َ‬ ‫{ َو َما تِ ْل َ‬ ‫ك ياموىس * قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫اي أَتَ َوكَّأُ عَلَيْهَا } ػ طه ‪:‬‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ ََ َ‬ ‫‪] 18-17‬‬ ‫إن هناك قصة طويلة استغرقها‬

‫ا‪ٟ‬تديث عن هذه العصا ‪ ،‬فكيف‬ ‫يفرط فيها موىس وقومه بسهولة؟‬ ‫الشك أهنم حافظوا عليها ‪،‬‬ ‫وقدسوها ‪ ،‬وجعلوها من أ‪٣‬تادهم ‪.‬‬ ‫ويرينا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن هؤالء‬ ‫القوم أهل ‪ٞ‬تاج وأهل جدل وأهل‬ ‫تلكؤ ‪ ،‬فهم ال يؤمنون باألمور إال إذا‬

‫كانت حسية كالتابوت الذي‬ ‫يأتيهم وحدهم ‪ ،‬صحيحا ٖتمله‬ ‫ا‪١‬تبلئكة ‪ ،‬لكنهم ال يرون‬ ‫ا‪١‬تبلئكة؛ وإ‪٪‬تا رأوا التابوت يسَت‬ ‫إليهم ‪ { ،‬أَن يَأْتِي َ ُك ُم التابوت فِي ِه‬ ‫ك‬ ‫َس ِكين َ ٌة ِّمن َّربِّ ُك ْم َوبَقِي َّ ٌة ِّ‪٦‬تَّا تَ َر َ‬ ‫ون َٖتْ ِمل ُ ُه‬ ‫آل موىس َو ُ‬ ‫ُ‬ ‫آل َه ُار َ‬

‫ك ْليَةً ل َّ ُك ْم إِن‬ ‫ا‪١‬تبلئكة إ َِّن ِيف ذَل ِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } وليس هناك آيات‬ ‫ُكن ْ ُتم ُّم ْؤمن َ‬ ‫أعجب من ‪٣‬تيء التابوت حىت‬ ‫يثبت صدق النبي يف أن اهلل قد‬ ‫بعث طالوت ملكا ً‪ ،‬فإن لم يؤمنوا‬ ‫بهذه ا‪١‬تسألة فعليهم أن يراجعوا‬ ‫إٯتانهم ‪.‬‬

‫والسياق القرآين يدل عىل أن اهلل‬ ‫بهتهم با‪ٟ‬تجة ‪ ،‬وبهتهم باْلية ‪،‬‬ ‫وبهتهم بالقرآن ‪ ،‬بدليل أنه‬ ‫حذف ما كان ‪٬‬تب أن يقال وهو ‪:‬‬ ‫فقبلوا طالوت ملكا ً‪ .‬ونظم طالوت‬ ‫ا‪ٟ‬ترب فقام وقسم ا‪ٞ‬تنود ورتبهم ‪،‬‬ ‫وكل هذه التفاصيل لم تذكرها‬

‫اْليات ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول بعد ذلك ‪{ :‬‬ ‫ال إ َِّن‬ ‫وت با‪ٞ‬تنود قَ َ‬ ‫فَل َ َّما َفَص َل َطال ُ ُ‬ ‫اهلل ُمبْتَلِي ُك ْم بِنَهَ ٍر ‪} . . .‬‬

‫ال إ َِّن‬ ‫وت بِا‪ٞ‬تْ ُنو ِد قَ َ‬ ‫فَل َ َّما فَ َص َل َطال ُ ُ‬ ‫اّللَ ُمبْتَلِي ُك ْم بِنَهَ ٍر فَ َم ْن َش ِر َب ِمن ْ ُه‬ ‫َّ‬ ‫فَلَي ْ َس ِم ِ ٍّت َو َم ْن ل َ ْم ي َ ْطعَ ْم ُه فَإِن ّ َُه ِم ِ ٍّت‬

‫إ َِّال َم ِن ا ْ ًَت َ َف ُغ ْر ةًَفبِي َ ِد ِه فَ َشر ُِبوا‬ ‫ِمن ْ ُه إ َِّال قَلِ ً ِ‬ ‫اوزَ ُه ُه َو‬ ‫يبل من ْ ُه ْم فَل َ َّما َج َ‬ ‫َوال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َمعَ ُه قَالُوا َال َطاقَ َة لَنا‬ ‫ال ال َّ ِذي َن‬ ‫الْي َ ْو َم ِّتَال ُ َ‬ ‫وت َو ُج ُنو ِد ِه قَ َ‬ ‫ي َ ُظنُّون أ َ َّهنم م َبل ُقو َ ِ‬ ‫اّلل َك ْم ِم ْن فِئ َ ٍة‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ُْ‬ ‫قَلِيل َ ٍة َلَب ْت فِئَةً كَثَِتة ًبِإِذْ ِن َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الصابِرِي َن (‪)249‬‬ ‫اّلل َم َع َّ‬ ‫َو َّ ُ‬

‫الفصل هو أن تعزل شيئا عن شيء‬ ‫آخر ‪ ،‬ومثل ذلك قوله تعاىل ‪َ { :‬و َ‪١‬تَّا‬ ‫وه ْم إ ِِّين أل َ ِج ُد‬ ‫ال أ َ ُب ُ‬ ‫فَ َصل َ ِت العَت قَ َ‬ ‫ِي ي‬ ‫وس َف } ػ يوسف ‪] 94 :‬‬ ‫ر َح ُ ُ‬ ‫{ فَ َصل َ ِت العَت } أي ادرت مصر‬ ‫وخرجت منه ‪ .‬و‪٨‬تن نستخدم‬ ‫كلمة « فصل » يف تبويب الكتب ‪،‬‬

‫ونقصد به قدرا ًمن ا‪١‬تعلومات‬ ‫ا‪١‬تًتابطة اليت تكون وحدة واحدة‬ ‫‪ ،‬وعندما تنضم الفصول مع بعضها‬ ‫يف الكتب تصَت أبوابا ً‪ ،‬وعندما‬ ‫تنظم األبواب ا‪١‬توضوعة يف ‪٣‬تال‬ ‫علم واحد مع بعضها نقول عنها ‪:‬‬ ‫هذا « كتاب » ‪.‬‬

‫و‪٨‬تن نستخدم كلمة « فصل » يف‬ ‫وصف ‪٣‬تموعة من التبلميذ‬ ‫ا‪١‬تتقاربُت يف العمر وا‪١‬تستوى‬ ‫الدراسي ونقسمهم إىل فصل أول‬ ‫وثانٍ وثالث ‪ ،‬عىل حسب سعة‬ ‫الفصول وعدد التبلميذ ‪ .‬وهكذا‬ ‫نفهم معٌت قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَل َ َّما‬

‫وت با‪ٞ‬تنود } أي فصلهم‬ ‫فَ َص َل َطال ُ ُ‬ ‫عن بقية َت ا‪١‬تقاتلُت ‪ ،‬وقسمهم‬ ‫إىل ‪ٚ‬تاعات مرتبة ‪ ،‬وكل ‪ٚ‬تاعة ‪٢‬تا‬ ‫مهمة ‪.‬‬ ‫وكلمة « جنود » هي ‪ٚ‬تع « جند »‬ ‫وهي مفردة لكنها تدل عىل ‪ٚ‬تاعة ‪،‬‬ ‫وأصل الكلمة من « َجنَد » وهي‬

‫األرض الغليظة الصلبة القوية ‪،‬‬ ‫ونظرا ألن ا‪ٞ‬تنود مفروض فيهم‬ ‫الغلظة والقوة فقد أُطلق عليهم‬ ‫لفظ ‪ُ :‬جنْد ‪ .‬وبرغم أن كلمة «‬ ‫جند » مفرد؛ إال أنها تدل عىل القوم‬ ‫مثل « رهط » و « طائفة »‬ ‫ويسموهنا اسم ‪ٚ‬تع ‪ { .‬فَل َ َّما فَ َص َل‬

‫ال إ َِّن اهلل ُمبْتَلِي ُك ْم‬ ‫وت با‪ٞ‬تنود قَ َ‬ ‫َطال ُ ُ‬ ‫بِنَهَ ٍر } أي عندما خرج إىل مكان‬ ‫إقامة ا‪ٞ‬تيش بدأ يف مباشرة أوىل‬ ‫مهماته كملك ‪ ،‬لقد أراد أن‬ ‫ٮتتْبهم ‪ ،‬فهم قوم وقفوا ضد‬ ‫تعيينه ملكا ً‪ ،‬لذلك أراد أن يدخل‬ ‫ا‪ٟ‬تكم عىل أرض صلبة ‪ .‬فقال ‪٢‬تم‬

‫عن ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إ َِّن اهلل ُمبْتَلِي ُك ْم بِنَهَ ٍر‬ ‫فَ َمن َش ِر َب ِمن ْ ُه فَلَي ْ َس ِم ِ ٍّت َو َمن ل َّ ْم‬ ‫ي َ ْطعَ ْم ُه فَإِن ّ َُه مٍت إِال َّ َم ِن ا ًتف‬ ‫ُغ ْرفَةً بِي َ ِد ِه فَ َشر ُِبوا ْ ِمن ْ ُه إِال َّقَلِيبل ً‬ ‫ِّمن ْ ُه ْم } ‪.‬‬ ‫لقد أوضح ‪٢‬تم ‪ :‬أنتم مقبلون عىل‬ ‫مهمة هلل يف سبيل اهلل ‪ ،‬وهو‬

‫سبحانه الذي سيجري عليكم‬ ‫االختبار ‪ ،‬ولست أنا ألن االختبار‬ ‫يكون عىل قدر ا‪١‬تهمة؛ أنا مشرف‬ ‫فقط عىل تنفيذ األمر ‪ ،‬واهلل‬ ‫مبتليكم بنهر من يشرب منه‬ ‫فليس منا إال من ا ًتف غرفة بيده‬ ‫‪.‬‬

‫وساعة تسمع كلمة{ ُمبْت َ ِيل ُك ْم }‬ ‫فبل تفسرها عىل أهنا مصيبة ‪ ،‬ولكن‬ ‫فسرها عىل أهنا اختبار ‪ ،‬قد ينجح‬ ‫من يدخل وقد يفشل ‪ .‬واالختبار‬ ‫هنا بنهر ‪ .‬ومادام كان االختبار‬ ‫بنهر فبل بد أن ‪٢‬تذه الكلمة موقعا ً‬ ‫وأثرا ًنفسيا عندهم ‪ ،‬البد أهنم‬

‫كانوا ِعطاشا ً‪ ،‬وإال لو لم يكونوا‬ ‫عطاشا ً‪١‬تا كان النهر ابتبلء ‪ { .‬إ َِّن‬ ‫اهلل ُمبْتَلِي ُك ْم بِنَهَ ٍر فَ َمن َش ِر َب ِمن ْ ُه‬ ‫فَلَي ْ َس ِم ِ ٍّت } ‪.‬‬ ‫إهنم عطاش ‪ ،‬وساعة يُرى ا‪١‬تاء‬ ‫فسيقبلون عليه بنهم شربا ًوريا ً‪،‬‬ ‫ومع ذلك ٮتتْب ا‪ٟ‬تق صبلبتهم‬

‫فيطالبهم بأن ٯتتنعوا عن الشرب‬ ‫منه ‪ ،‬لقد جاء االختبار يف منعهم ‪٦‬تا‬ ‫تصبو إليه نفوسهم ‪.‬‬ ‫{ فَ َمن َش ِر َب ِمن ْ ُه فَلَي ْ َس ِم ِ ٍّت }‬ ‫‪١‬تاذا؟‬ ‫ألهنم ساعة يرون ما ٭تبونه‬

‫ويشتهونه فسيندفعون إليه‬ ‫وينسون أمر اهلل ‪ .‬ومن ينس أمر‬ ‫اهلل ويفضل نفسه ‪ ،‬فهو َت مأمون‬ ‫أن يكون يف جند اهلل ‪ .‬لكن الذي‬ ‫يرى ا‪١‬تاء وٯتتنع عنه وهو يف حاجة‬ ‫إليه ‪ ،‬فهو صابر قادر عىل نفسه ‪،‬‬ ‫وسيكون من جند اهلل ‪ ،‬ألنه آثر‬

‫مطلوب اهلل عىل مطلوب بطنه ‪ ،‬وهو‬ ‫أهل ألن يُبتىل ‪.‬‬ ‫ومع ذلك لم يَق ُْس اهلل يف االبتبلء ‪،‬‬ ‫فأباح ما يفك العطش ولم ٭ترمهم‬ ‫منه هنائيا ً‪ { .‬إ َِّن اهلل ُمبْتَلِي ُك ْم بِنَهَ ٍر‬ ‫فَ َمن َش ِر َب ِمن ْ ُه فَلَي ْ َس ِم ِ ٍّت َو َمن ل َّ ْم‬ ‫ف ّ َُه مٍت إِال َّ َم ِن ا ًتف‬ ‫ي َ ْطعَ ْم ُه إِ َن‬

‫ُغ ْرفَةً بِي َ ِد ِه } لقد ‪ٝ‬تح ‪٢‬تم بغرفة‬ ‫يد تسد الرمق وتستبقي ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫أباح ‪٢‬تم ما تقتضيه الضرورة ‪.‬‬ ‫لكن ما صلة هذا االبتبلء بالعملية‬ ‫اليت سيقبلون عليها؟‬ ‫إن العملية ا‪ٟ‬تربية اليت سيدخلوهنا‬ ‫سيقابلون فيها الويل وسيعرضون‬

‫لنفاذ الزاد وهم أيضا عرضة ألن‬ ‫٭تاصرهم عدوهم ‪ ،‬وعىل اإلنسان‬ ‫ا‪١‬تقاتل يف مثل هذه األمور أن‬ ‫يقوى عىل شهوته ويأخذ من زاده‬ ‫ومائه عىل قدر ضرورة استبقاء‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬لذلك تكفي غرفة واحدة‬ ‫الستبقاء ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬كأن التدريب هنا‬

‫ضرورة للمهمة ‪ .‬فهل فعلوا‬ ‫ذلك؟‬ ‫يأتينا ا‪٠‬تْب من ا‪ٟ‬تق { فَ َش ِر ُبوا ْ ِمن ْ ُه‬ ‫إِال َّقَلِيبل ً ِّمن ْ ُه ْم } ‪ .‬وهكذا تتم‬ ‫التصفية ‪ ،‬ففي البداية سبق ‪٢‬تم أن‬ ‫تولوا وأعرضوا عن القتال إال قليبل‬ ‫‪ ،‬وهنا امتنع عن الشرب قليل من‬

‫القليل ‪ ،‬وهذه غرابيل االصطفاء‬ ‫أو مصايف االختبار ‪ ،‬فقد يقوى‬ ‫واحد عىل نصف ا‪١‬تشقة ‪ ،‬ويقوى‬ ‫آخر عىل ثلث ا‪١‬تشقة ‪ ،‬ويقوى‬ ‫ثالث عىل ربعها ‪ .‬لقد بقي منهم‬ ‫القليل ‪ ،‬لكنه القليل الذي يصلح‬ ‫للمهمة؛ إنّه الذي ظل عىل اإلٯتان‬

‫‪.‬‬ ‫وانظر كيف تكون مصايف االبتبلء‬ ‫يف ا‪ٞ‬تهاد يف سبيل اهلل؟ حىت ال ٭تمل‬ ‫راية ا‪ٞ‬تهاد إال ا‪١‬تأمون عليها الذي‬ ‫اوزَ ُه ُه َو‬ ‫يعرف حقها ‪ { .‬فَل َ َّما َج َ‬ ‫والذين آ َم ُنوا ْ َمعَ ُه قَالُوا ْال َ َطاقَةَ لَنا‬ ‫وت َو ُجنو ِد ِه } أي عندما‬ ‫اليوم ِّتَال ُ َ‬

‫عْبوا النهر واجتازوا كل‬ ‫االختبارات السابقة قال بعضهم‪:‬‬ ‫وت َو ُجنو ِد ِه‬ ‫{ ال َ َطاقَ َة لَنا اليوم ِّتَال ُ َ‬ ‫} لقد خاف بعض منهم من‬ ‫االختبار األخَت ‪ ،‬ولكن الذين‬ ‫آمنوا باهلل لم ٮتافوا ‪ ،‬ق‬ ‫ويول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫ون أ َ َّهن ُ ْم ُمبل َ ُقوا ْ‬ ‫{ قَ َ‬ ‫ال الذين ي َ ُظنُّ َ‬

‫اهلل َكم ِّمن فِئ َ ٍة قَلِيل َ ٍة َلَب َ ْت فِئَةً‬ ‫كَثَِتَة ًبِإِذْ ِن اهلل واهلل َم َع الصابرين‬ ‫}‪.‬‬ ‫لقد اختلفت ا‪١‬تواجيد وإن اٖتدت‬ ‫ا‪١‬ترائي ‪ .‬فالذين جاوزوا النهر‬ ‫انقسموا قسمُت ‪ ،‬قسم رأى‬ ‫جالوت وجنوده ‪ ،‬والقسم اْلخر‬

‫رأوه أيضا ‪ ،‬ولم ينقسموا عند‬ ‫الرؤية لكنهم انقسموا عند‬ ‫ا‪١‬تواجيد التابعة للرؤية ‪ ،‬فقسم‬ ‫خاف وقسم لم ٮتف ‪ ،‬والذين‬ ‫خافوا قالوا ‪ { :‬ال َ َطاقَ َة لَنا اليوم‬ ‫وت َو ُجنو ِد ِه } لقد وجد ا‪٠‬توف‬ ‫ِّتَال ُ َ‬ ‫من جالوت وجنوده يف نفوسهم‬

‫وت‬ ‫فقالوا ‪ { :‬ال َ َطاقَ َة لَنا اليوم ِّتَال ُ َ‬ ‫َو ُجنو ِد ِه } ‪ ،‬لقد مروا بثبلث‬ ‫مراحل؛ ا‪١‬ترحلة األوىل ‪ :‬هي‬ ‫إدراك ‪ٞ‬تالوت وجنوده ‪ ،‬والثانية ‪:‬‬ ‫هي وجدان متوجس من قوة‬ ‫جالوت وجنوده ‪ ،‬واألخَتة ‪ :‬هي‬ ‫نزوع إىل ا‪٠‬توف من جالوت وجنوده‬

‫‪ ،‬لكن القسم الذي لم ٮتف رأوا‬ ‫ا‪١‬تشهد أيضا وجاء فيهم قول اهلل ‪:‬‬ ‫ون أ َ َّهن ُ ْم ُمبل َ ُقوا ْ‬ ‫{ قَ َ‬ ‫ال الذين ي َ ُظنُّ َ‬ ‫اهلل كَم ِّمن فِئ َ ٍة قَلِيل َ ٍة َلَب َ ْت فِئَةً‬ ‫َكثَِتَة ًبِإِذْ ِن اهلل } ‪.‬‬

‫كأهنم أدخلوا ربهم يف حسابهم‬ ‫فاستهانوا بعدوهم ‪ ،‬لكن الفئة‬ ‫السابقة عزلت نفسها عن ربها‬ ‫فرأوا أنفسهم قلة فخافوا ‪ .‬لقد‬ ‫كان ‪٣‬ترد ظن الفئة ا‪١‬تؤمنة أهنم‬ ‫مالقو اهلل قد جعل ‪٢‬تم هذه العقيدة‬ ‫‪ ،‬وإذا كان هذا حال ‪٣‬ترد الظن فما‬

‫بالك باليقُت؟{ َكم ِّمن فِئ َ ٍة قَلِيل َ ٍة‬ ‫َلَب َ ْت فِئَةً كَثَِتَة ًبِإِذْ ِن اهلل واهلل َم َع‬ ‫الصابرين} ‪ .‬ونعرف أن هناك‬ ‫معارك يفوز فيها األقدر عىل الصْب‬ ‫‪ ،‬ودليلنا عىل ذلك قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إِذْ‬ ‫ول لِلْم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت أَل َ ْن ي َ ْك ِفي ُك ْم أَن‬ ‫ن‬ ‫ُق َت ُ ُ َ‬ ‫ُ ِٯت َّد ُك ْم َربُّ ُك ْم بِثَبلَث َِة آال َ ٍف ِّم َن‬

‫ا‪١‬تبلئكة م َ ِ‬ ‫ُت } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫زنل َ‬ ‫ُ‬ ‫‪] 124‬‬ ‫هذا هو الوعد لكن إذا صْبتم كم‬ ‫يكون ا‪١‬تدد؟ يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬بىل إِن‬ ‫ِ‬ ‫ْبوا ْ َوتَتَّ ُقوا ْ َويَأ ْ ُتو ُك ْم ِّمن‬ ‫تَ ْص ُ‬ ‫فَ ْو ِر ِه ْم هذا ُٯت ْ ِددْ ُك ْم َربُّ ُك ْم‬ ‫ِٓت َ ْم َس ِة آالف ِّم َن ا‪١‬تبلئكة‬

‫ِ‬ ‫ُت } ػ آل عمران ‪] 125 :‬‬ ‫ُم َس ِ ّوم َ‬ ‫فكأن البدء بثبلثة آالف ‪١‬تساندة‬ ‫أهل اإلٯتان ويزيد العدد يف ا‪١‬تدد‬ ‫إىل ‪ٜ‬تسة آالف إن صْبوا واتقوا ‪.‬‬ ‫إذن فا‪١‬تدد يأيت عىل قدر الصْب؛ ألن‬ ‫حنان القدرة اإل‪٢‬تية عليك يزداد‬ ‫ساعة ‪٬‬تدك تتحمل ا‪١‬تشقة فيحن‬

‫عليك ويعطيك جزءا أكْب ‪ .‬فاهلل‬ ‫يريد من عبده أن يستنفد أسباب‬ ‫قوته ا‪٠‬تاصة ‪ ،‬وحُت تستنفد‬ ‫األسباب برجولة وثبات ‪ ،‬تأتيك‬ ‫معونة اهلل ‪ ،‬ويقول اهلل ‪١‬تبلئكته ‪:‬‬ ‫هذا يستحق أن يعان فأعينوه ‪.‬‬ ‫ولذلك جاء قوله ا‪ٟ‬تق عىل ألسنة‬

‫ا‪١‬تؤمنُت ‪َ { :‬كم ِّمن ِئَف ٍة قَلِيل َ ٍة‬ ‫َلَب َ ْت فِئَةً كَثَِتَة ًبِإِذْ ِن اهلل واهلل َم َع‬ ‫الصابرين} ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق بعد‬ ‫وت َو ُج ُنو ِد ِه‬ ‫ذلك ‪َ { :‬و َ‪١‬تَّا ب َ َر ُزوا ْ ِ‪ٞ‬تَال ُ َ‬ ‫قَالُوا ْ َربَّنَآ أَفْ ِرغْ عَلَيْنَا َص ْْبا ً}‬

‫وت َو ُج ُنو ِد ِه قَالُوا َربَّنَا‬ ‫َو َ‪١‬تَّا ب َ َر ُزوا ِ‪ٞ‬تَال ُ َ‬ ‫أَفْ ِرغْ عَلَيْنَا َص ْْبًا َوثَبِ ّ ْت أَقْ َد َامنَا‬ ‫َوان ْ ُص ْرنَا عَىلَ ال ْ َق ْو ِم الْكَافِرِي َن‬ ‫(‪)250‬‬ ‫هذه هي الشحنة اإلٯتانية ‪١‬تن يريد‬ ‫أن يواجه عدوه فهو ينادي قائبل ‪{ :‬‬

‫َربَّنَآ } إنه لم يقل ‪ :‬يا اهلل ‪ ،‬بل‬ ‫يقول ‪َ { :‬ربَّنَآ } ؛ ألن الرب هو‬ ‫الذي يتوىل الًتبية والعطاء ‪ ،‬بينما‬ ‫مطلوب « اهلل » هو العبودية‬ ‫والتكاليف؛ لذلك ينادي ا‪١‬تؤمن‬ ‫ربه يف ا‪١‬توقف الصعب « يا ربنا »‬ ‫أي يا من خلقتنا وتتوالنا و٘تدنا‬

‫باألسباب ‪ ،‬قال ا‪١‬تؤمنون مع طالوت‬ ‫‪َ { :‬ربَّنَآ أَفْ ِرغْ عَلَيْنَا َص ْْبا ً} ‪.‬‬ ‫وعندما نتأمل كلمة { أَفْ ِرغْ عَلَيْنَا‬ ‫َص ْْبا ً} تفيدنا أهنم طلبوا أن ٯتؤل‬ ‫اهلل قلوبهم بالصْب ويكون أثر‬ ‫الصْب تثبيت األقدام{ َوثَبِ ّ ْت‬ ‫أَقْ َد َامنَا } حىت يواجهوا العدو‬

‫بإٯتان ‪ ،‬وعند هناية الصْب وتثبيت‬ ‫األقدام يأيت نصر اهلل للمؤمنُت عىل‬ ‫القوم الكافرين ‪ ،‬وتأيت النتيجة‬ ‫للعزم اإلٯتاين والقتال يف قوله ا‪ٟ‬تق‬ ‫وه ْم بِإِذْ ِن اهلل ‪} . . .‬‬ ‫‪ { :‬فَهَ َز ُم ُ‬

‫وهم بِإِذْ ِن َ ِ‬ ‫ود‬ ‫ّ‬ ‫فَهَ َز ُم ُ ْ‬ ‫اّلل َوقَت َ َل دَ ُاو ُ‬ ‫ك َوا ْ‪ٟ‬تِ ْك َمةَ‬ ‫اّلل ا ْ‪١‬تُل ْ َ‬ ‫َجال ُ َ‬ ‫وت َوآتَ ُاه َّ ُ‬ ‫وعَلَّم ُه ِ‪٦‬تَا ي َ َشاء ولَو َال دف ُْع َ ِ‬ ‫اس‬ ‫اّلل النَّ َ‬ ‫َ َ ّ َُ ْ َ ّ‬ ‫بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض ل َ َف َس َد ِت ْاأل َ ْر ُض‬ ‫ُت‬ ‫َول َ ِك َّن َّ‬ ‫اّللَ ُذو فَ ْض ٍل عَىلَ الْعَا َ‪١‬ت ِ َ‬ ‫(‪)251‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق يبلغنا أنه قد نصر ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫وه ْم‬ ‫به ‪ .‬و‪٬‬تيء ا‪ٟ‬تق بكلمة { َه َز ُم ُ‬ ‫} وهي تدل عىل فرار من كان ‪٬‬تب‬ ‫أن يكون مها‪ٚ‬تا ‪ .‬وا‪١‬تحارب ‪٬‬تب‬ ‫أن يكون مها‪ٚ‬تا كارا ًدائما ‪ ،‬فحُت‬ ‫يلجأ إىل أن يفر ‪ ،‬هنا نتوقف لنتبُت‬ ‫أمره ‪ ،‬هل هذا فِ‬ ‫الرار ٖترفا لقتال‬

‫وانعطافا وميبل إىل موقف آخر هو‬ ‫أصلح للقتال فيه؟ لو كان األمر‬ ‫كذلك فبل تكون ا‪٢‬تزٯتة ‪ ،‬لكن إذا‬ ‫كان ال ِفرار لغَت َك ٍر و‪٥‬تادعة للعدو‬ ‫بل كان للخوف هنا تكون ا‪٢‬تزٯتة ‪.‬‬ ‫وه ْم بِإِذْ ِن اهلل‬ ‫وقول اهلل ‪ { :‬فَهَ َز ُم ُ‬ ‫} يدل عىل أن جنود جالوت لم‬

‫يُقتلوا كلهم ‪ ،‬ولكن الذين ُقتلوا‬ ‫هم أئمة الكفر فيهم ‪ ،‬بدليل قوله‬ ‫وت } ‪.‬‬ ‫بعد ذلك ‪َ { :‬وقَت َ َل دَ ُاو ُد َجال ُ َ‬ ‫وجالوت هو زعيم جيش الكفار‬ ‫الذي هرب ‪ ،‬فطارده داود وقتله ‪.‬‬ ‫وألول مرة يظهر لنا اسم { دَ ُاودَ }‬ ‫يف هذه القصة الطويلة ‪ ،‬وهو اسم‬

‫لم يكن عندنا فكرة عنه من قبل ‪،‬‬ ‫وستأيت الفكرة عنه بعد هذه القصة‬ ‫يف قوله تعاىل ‪َ { :‬ول َ َق ْد آتَيْنَا دَ ُاوودَ‬ ‫ِمنَّا فَ ْضبل ًياجبال أ َ ِّو ِيب َمعَ ُه والطَت‬ ‫وأَلنَّا ل َ ُه ا‪ٟ‬تديد * أ َ ِن اعمل سابِغ َ ٍ‬ ‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوقَ ِ ّد ْر ِيف السرد واعملوا َص ِا‪ٟ‬تا ًإ ِِّين‬ ‫ِ‬ ‫ون ب َ ِصَتٌ} ػ سبأ ‪-10 :‬‬ ‫ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬

‫‪] 11‬‬ ‫إذن فبداية داود جاءت من هذه‬ ‫ا‪١‬تعركة بعد قتل جالوت ‪ ،‬وكان {‬ ‫دَ ُاودَ} أخا ًلعشرة وهو أصغرهم ‪،‬‬ ‫وقال النبي للقوم ‪ :‬إن من يدخل‬ ‫ا‪١‬تعركة ضد جالوت البد أن يأيت‬ ‫درع موىس عىل مقاسه ‪ ،‬وهنا‬

‫استعرض والد { دَ ُاوودَ} الدرع‬ ‫عىل ‪ٚ‬تيع أبنائه ‪ ،‬فلم يأيت عىل‬ ‫مقاس أي واحد منهم إال عىل‬ ‫أصغرهم ‪ ،‬وهو { دَ ُاوودَ } ‪ .‬جاء‬ ‫الدرع عىل مقاسه ‪ ،‬ودخل { دَ ُاوودَ‬ ‫} ا‪١‬تعركة فقتل جالوت قائد‬ ‫ا‪١‬تشركُت ‪ ،‬وشاءت حكمة اهلل أن‬

‫يكون أصغر ا‪١‬تؤمنُت هو الذي‬ ‫يقتل كبَت جيش ا‪١‬تشركُت ‪.‬‬ ‫كانت هذه ا‪١‬تعركة بداية تاريخ‬ ‫داود ‪ ،‬وقد جاءت له هذه ا‪١‬تعركة‬ ‫بالفتح العظيم ‪ ،‬ثم أنعم اهلل عليه‬ ‫با‪١‬تلك وا‪ٟ‬تكمة وجعل ا‪ٞ‬تبال‬ ‫والطَت تردد وترجع معه تسبيح اهلل‬

‫وتزنيهه ‪ ،‬كل ذلك نتيجة قتل‬ ‫جالوت ‪ .‬وأحب داود الدرع وصار‬ ‫أمله أن يعلمه اهلل صناعة الدروع‬ ‫‪ ،‬ولذلك لم يتخذ صنعة يف حياته‬ ‫إال عمل الدروع ‪ .‬وجعل اهلل له‬ ‫ا‪ٟ‬تديد لينا ًليصنع منه ما يشاء كما‬ ‫جاء يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وعَل َّ ْمن َ ُاه َصنْعَ َة‬

‫لَب ُ ٍ‬ ‫وس ل َّ ُك ْم ل ِ ُت ْح ِصن َ ُك ْم ِّمن بَأ ْ ِس ُك ْم‬ ‫} ػ األنبياء ‪] 80 :‬‬ ‫وهذا دليل عىل أن اإلنسان ٭تب‬ ‫الشيء الذي له صلة برفعة شأنه‪.‬‬ ‫ولقد كان قتل جالوت هو البداية‬ ‫وت َوآتَ ُاه‬ ‫لداود ‪َ { .‬وقَت َ َل دَ ُاو ُد َجال ُ َ‬ ‫اهلل ا‪١‬تلك وا‪ٟ‬تكمة َوعَل َّ َم ُه ِ‪٦‬تَّا‬

‫آء َول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس بَعْ َض ُه ْم‬ ‫ي َ َش ُ‬ ‫بِبَعْ ٍض ل َ َف َس َد ِت األرض ولكن اهلل‬ ‫ُذو فَ ْض ٍل عَىلَ العا‪١‬تُت } إن ا‪ٟ‬تق يأيت‬ ‫هنا بقضية كونية يف الوجود ‪ ،‬وهي‬ ‫أن ا‪ٟ‬ترب ضرورة اجتماعية ‪ ،‬وأن‬ ‫ا‪ٟ‬تق يدفع الناس بالناس ‪ .‬وأنه لوال‬ ‫وجود قوة أمام قوة لفسد العالم؛‬

‫فلو سيطرت قوة واحدة يف الكون‬ ‫لفسد ‪.‬‬ ‫فالذي يعمر الكون هو أن توجد‬ ‫فيه قوى متكافئة؛ قوة تقابلها قوة‬ ‫أخرى ‪ .‬ولذلك ‪٧‬تد العالم دائما‬ ‫‪٤‬تروسا بالقوتُت العظميُت ‪ ،‬ولو‬

‫كانت قوة واحدة لعم الضبلل ‪ .‬ولو‬ ‫تأملنا التاريخ منذ القدم لوجدنا‬ ‫هذه الثنائية يف القوى ٖتفظ‬ ‫االستقرار يف العالم ‪.‬‬ ‫يف بداية اإلسبلم كانت الدولتان‬ ‫العظميان ‪٫‬تا الفرس يف الشرق ‪،‬‬ ‫والروم يف الغرب ‪ .‬واْلن سقطت‬

‫قوة روسيا من كفة ميزان العالم ‪،‬‬ ‫وتتسابق أ‪١‬تانيا واليابان ليوازنا قوة‬ ‫أمريكا ‪.‬‬ ‫إن قول اهلل تعاىل ‪َ { :‬ول َ ْوال َدَف ُْع اهلل‬ ‫الناس بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض ل َ َف َس َد ِت‬ ‫األرض } جاء تعقيبا عىل قصة‬ ‫الصراع بُت بٍت إسرائيل وبُت‬

‫أعدائهم الذين أخرجوهم من‬ ‫ديارهم وعندما نتأمل هذه القصة‬ ‫من بدايتها ‪٧‬تد أهنم طلبوا أوال من‬ ‫اهلل اإلذن بالقتال ‪ .‬وبعث اهلل ‪٢‬تم‬ ‫ملكا ليقاتلوا ٖتت رايته؛ وكانت‬ ‫عبلمة هذا ا‪١‬تلك يف الصدق أن‬ ‫يأيت اهلل بالتابوت ‪ .‬ثم جاءت‬

‫قضية اجتماعية ينتهي إليها الناس‬ ‫عادة ْتكيم الرأي ولو بدون الوحي‬ ‫‪ ،‬وهي أن اإلنسان إذا ما أقبل عىل‬ ‫أمر ‪٬‬تب أن يعد له إعدادا ً‬ ‫باألسباب البشرية ‪ ،‬حىت إذا ما‬ ‫استوىف إعداده كل األسباب ‪ٞ‬تأ إىل‬ ‫معونة اهلل ‪ ،‬ألن األسباب كما قلنا‬

‫هي من يد اهلل ‪ ،‬فبل ترد أنت يد اهلل‬ ‫بأسبابها ‪ ،‬لتطلب معونة اهلل بذاته‬ ‫‪ ،‬بل خذ األسباب أوال ألهنا من يد‬ ‫ربك ‪.‬‬ ‫ويعلمنا ا‪ٟ‬تق أيضا أن من األسباب‬ ‫٘تحيص الذين يدافعون عن ا‪ٟ‬تق‬ ‫٘تحيصا يبُت لنا قوة ثباهتم يف‬

‫االختبار اإلٯتاين؛ ألن اإلنسان قد‬ ‫يقول قوال ًبلسانه؛ ولكنه حُت‬ ‫يتعرض للفعل ٖتدثه نفسه بأال‬ ‫يويف ‪ ،‬وقد ‪٧‬تح قلة من القوم يف‬ ‫االبتبلءات ا‪١‬تتعددة ‪ .‬وفعبل دارت‬ ‫ا‪١‬تعركة؛ وهزم هؤالء ا‪١‬تؤمنون‬ ‫أعداءهم ‪ ،‬وانتصر داود بقتل‬

‫جالوت ‪.‬‬ ‫إذن فتلك قضية دفع اهلل فيها أناسا‬ ‫بأناس ‪ ،‬ويطلقها ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫قضية عامة { َول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس‬ ‫بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض ل َ َف َس َد ِت األرض}‬ ‫‪ ،‬فالدفع هو الرد عن ا‪١‬تراد ‪ ،‬فإذا‬ ‫كان ا‪١‬تراد للناس أن يوجد شر ‪ ،‬فإن‬

‫اهلل يدفعه ‪ .‬إذن فاهلل يدفع ولكن‬ ‫بأيدي خلقه ‪ ،‬كما قال سبحانه ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم يُعَ ِ ّذب ْ ُه ُم اهلل بِأَي ْ ِدي ُك ْم‬ ‫{ قَاتل ُ ُ‬ ‫و ُٮت ْ ِز ِهم ويَن ْ ُص ْر ُكم عَلَي ِهم وي َ ْش ِ‬ ‫ف‬ ‫ْ ْ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ُت } ػ التوبة ‪:‬‬ ‫ور قَ ْوم ُّم ْؤمن َ‬ ‫ُص ُد َ‬ ‫‪] 14‬‬ ‫إنه دفع اهلل ا‪١‬تؤمنُت ليقاتلوا‬

‫الكافرين ‪ ،‬ويعذب ا‪ٟ‬تق الكافرين‬ ‫بأيدي ا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬وعندما نتأمل‬ ‫القول ا‪ٟ‬تكيم ‪َ { :‬ول َ ْوال َدَف ُْع اهلل‬ ‫الناس بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض ل َ َف َس َد ِت‬ ‫األرض } فإننا ‪٧‬تد مقدمة سابقة‬ ‫٘تهد ‪٢‬تذا القول ‪ ،‬لقد أُخرجوا من‬ ‫ديارهم وأبنائهم ‪ ،‬فكان هذا هو‬

‫مْبر القتال ‪ .‬وٕتد آية أخرى أيضا‬ ‫تقول ‪ { :‬الذين أُ ْخر ُِجوا ْ ِمن‬ ‫ِديَا ِر ِهم بِغ َ ْ ِ‬ ‫َت َح ّ ٍق إِال َّأَن ي َ ُقولُوا ْ َربُّنَا‬ ‫اهلل َول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس بَعْ َض ُه ْم‬ ‫بِ ْع‬ ‫ب ٍض َّ‪٢‬ت ُ ِ ّد َم ْت َص َوا ِم ُع َوبِي َ ٌع‬ ‫َ‬ ‫ات َو َم َسا ِج ُد يُ ْذ َك ُر فِيهَا اسم‬ ‫َو َصل َ َو ٌ‬ ‫اهلل َكثَِتا ً َولَي َ ُنص َر َّن اهلل َمن ي َ ُنص ُر ُه‬

‫إ َِّن اهلل ل َ َق ِو ٌّي َعزِي ٌز } ػ ا‪ٟ‬تج ‪40 :‬‬ ‫]‬ ‫والسياق ‪٥‬تتلف يف اْليتُت ‪ ،‬السياق‬ ‫الذي يأيت يف سورة البقرة عن أناس‬ ‫٭تاربون بالفعل ‪ ،‬والسياق الذي‬ ‫يأيت يف سورة ا‪ٟ‬تج عن أناس مؤمنُت‬ ‫برسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬

‫خرجوا وهم ا‪١‬تستضعفون من مكة‬ ‫لينضموا إىل أخوهتم ا‪١‬تؤمنُت يف دار‬ ‫اإلٯتان ليعيدوا الكرة ‪ ،‬ويدخلوا‬ ‫مكة فاٖتُت ‪.‬‬ ‫صحيح أننا ‪٧‬تد وحدة جامعة بُت‬ ‫اْليتُت ‪ .‬وهو ا‪٠‬تروج من الديار ‪.‬‬

‫إذن فمرة يكون الدفاع بأن تَ ِف َّر‬ ‫لَتِ ِك ّر ‪ . .‬أي أن ٗترج من ديار‬ ‫الكفر مهاجرا ًلتجمع أمر نفسك‬ ‫أنت ومن معك وتعود إىل بلدك‬ ‫مقاتبل ًفاٖتا ً‪ ،‬ومرة يكون الدفاع‬ ‫بأن تقاتل بالفعل ‪ ،‬فاْلية اليت ‪٨‬تن‬ ‫بصدد خواطرنا عنها هنا تفيد أهنم‬

‫قاتلوا بالفعل ‪ ،‬واْلية الثانية تفيد‬ ‫أهنم خرجوا من مكة لَتجعوا إليها‬ ‫فاٖتُت ‪ ،‬فا‪٠‬تروج نفسه نوع من‬ ‫الدفع ‪١ ،‬تاذا؟ ألن ا‪١‬تسلمُت‬ ‫األوائل لو مكثوا يف مكة فرٔتا‬ ‫أفناهم خصومهم فبل يبىق لئلسبلم‬ ‫‪ٜ‬تَتة ‪ ،‬فذهبوا إىل ا‪١‬تدينة وك ّونوا‬

‫الدولة اإلسبلمية ثم عادوا‬ ‫منتصرين فاٖتُت ‪ { :‬إِذَا َجآءَن َ ْص ُر‬ ‫اهلل والفتح } ػ النصر ‪] 1 :‬‬ ‫إن السياق يف اْليتُت واحد ولكن‬ ‫النتيجة ٗتتلف ‪ ،‬هنا يقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫َول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض‬ ‫ل َ َف َس َد ِت األرض } ‪١‬تاذا تفسد‬

‫األرض؟ ألن معٌت دفع اهلل الناس‬ ‫بعضهم ببعض أن هناك أناسا ًألفوا‬ ‫الفساد ‪ ،‬ويقابلهم أناس خرجوا‬ ‫عىل من ألف الفساد لَتدوهم إىل‬ ‫الصبلح ‪ .‬ويعطينا ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يف اْلية الثانية السبب‬ ‫فيقول ‪َ { :‬ول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس‬

‫بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض َّ‪٢‬ت ُ ِ ّد َم ْت َص َوا ِم ُع َوبِي َ ٌع‬ ‫ات َو َم َسا ِج ُد يُ ْذ َك ُر فِيهَا اسم‬ ‫َو َصل َ َو ٌ‬ ‫اهلل َكثَِتا ً} ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 40 :‬‬ ‫والصوامع هي ما يقابل اْلن الدير‬ ‫للنصارى وكانوا يتعبدون هلل فيها ‪،‬‬ ‫ألن فيه متعبدا ً َع ِم َل بالتكليف‬ ‫العام؛ ومتعبدا ًآخر قد ألزم نفسه‬

‫بشيء فوق ما كلفه اهلل به ‪ .‬فالذين‬ ‫يعبدون اهلل بهذه الطريقة ‪٬‬تلسون‬ ‫يف أماكن بعيدة عن الناس يسموهنا‬ ‫الصوامع ‪ ،‬وهي تشبه الدير اْلن ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تعٌت العام يف التعبد للنصارى هو‬ ‫التعبد يف الكنائس وهو ا‪١‬تقصود‬ ‫بالبيع ‪ ،‬وا‪١‬تعٌت ا‪٠‬تاص هو التعبد يف‬

‫الصوامع ‪.‬‬ ‫إذن { َّ‪٢‬ت ُ ِ ّد َم ْت َص َوا ِم ُع } هذه‬ ‫‪٠‬تاصة ا‪١‬تتدينُت ‪ ،‬وكنائس أو بيع‬ ‫لعامة ا‪١‬تتدينُت ‪ .‬وقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ات } ‪ ،‬من صالوت ‪ ،‬وهي‬ ‫َو َصل َ َو ٌ‬ ‫مكان العبادة لليهود ‪ ،‬و { َو َم َسا ِج ُد‬ ‫} وهي مساجد ا‪١‬تسلمُت ‪.‬‬

‫إن قوله تعاىل ‪ { :‬ل َ َف َس َد ِت األرض‬ ‫} يف هذه اْلية ‪ ،‬وقوله تعاىل هناك‬ ‫ات‬ ‫{ َّ‪٢‬ت ُ ِ ّد َم ْت َص َوا ِم ُع َوبِي َ ٌع َو َصل َ َو ٌ‬ ‫َو َم َسا ِج ُد } أي أنه ستفسد األرض‬ ‫إذا لم تقم الصوامع والبيع‬ ‫والصلوات وا‪١‬تساجد؛ ألهنا هي‬ ‫اليت تربط ا‪١‬تخلوق با‪٠‬تالق ‪ .‬وما‬

‫دامت تلك األماكن هي اليت تربط‬ ‫ا‪١‬تخلوق با‪٠‬تالق فإن هدمت ‪. .‬‬ ‫يكون الناس عىل َت ذكر لربهم‬ ‫وتفتنهم أسباب الدنيا ‪.‬‬ ‫فاألديرة والكنائس والصوامع حُت‬ ‫كانت وا‪١‬تساجد اْلن هي حارسة‬ ‫القيم يف الوجود ‪ ،‬ألهنا تذكرك‬

‫دائما بالعبودية و٘تنع عنك الغرور‬ ‫‪ ،‬وهي من السجود الذي هو منتىه‬ ‫ا‪٠‬تضوع للرب ‪٩ ،‬تضع بها هلل ‪ٜ‬تس‬ ‫مرات يف اليوم والليلة؛ فإن كان‬ ‫عند العبد شيء من الغرور البد أن‬ ‫يذوب ‪ ،‬ويعرف العبد أن الكون‬ ‫كله فضل من اهلل عىل العباد؛ فبل‬

‫يدخلك أيها ا‪١‬تسلم شيء من‬ ‫الغرور ‪.‬‬ ‫فإذا لم يدخلك شيء من الغرور‬ ‫استعملت أسباب اهلل يف مطلوبات‬ ‫اهلل ‪ .‬أما أن تأخذ أنت أسباب اهلل‬ ‫يف َت مطلوبات اهلل فهذه قحة‬

‫منك ‪ .‬فإذا كان اهلل قد أقدر يدك‬ ‫عىل ا‪ٟ‬تركة فلماذا تعىص اهلل بها‬ ‫وتضرب بها الناس؟ واهلل أقدر‬ ‫لسانك عىل الكبلم ‪ ،‬فلماذا تؤذي‬ ‫َتك بالكلمة؟ إن اهلل قد أعطاك‬ ‫النعمة فبل تستعملها يف ا‪١‬تعصية ‪.‬‬ ‫قال اهلل تعاىل يف هذه اْلية ‪{ :‬‬

‫ل َ َف َس َد ِت األرض } وشرح ذلك يف‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬ول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس‬ ‫بَعْ َض ُه ْم بِبَعْ ٍض َّ‪٢‬ت ُ ِ ّد َم ْت َص َوا ِم ُع َوبِي َ ٌع‬ ‫ات َو َم َسا ِج ُد يُ ْذ َك ُر فِيهَا اسم‬ ‫َو َصل َ َو ٌ‬ ‫اهلل َكثَِتا ً} فهذه األماكن هي اليت‬ ‫تبأصول القيم يف التدين ‪« .‬‬ ‫ىق‬ ‫وأصول القيم يف التدين » َت «‬

‫كل القيم يف التدين » ‪ ،‬ولذلك ‪٨‬تن‬ ‫قلنا ‪ :‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل جعل‬ ‫لئلسبلم ‪ٜ‬تسة أركان ‪ ،‬وهي اليت‬ ‫بٍت عليها اإلسبلم ‪ .‬والبد أن نقيم‬ ‫بنيان اإلسبلم عىل هذه األركان‬ ‫ا‪٠‬تمسة ‪ ،‬فبل تقل ‪ :‬إن اإلسبلم هو‬ ‫هذه األركان ا‪٠‬تمسة ‪ ،‬ال؛ ألن‬

‫اإلسبلم مبٍت عليها فقط فهي‬ ‫األعمدة أو األسس اليت بٍت عليها‬ ‫اإلسبلم ‪ .‬فأنت حُت تضع أساسا‬ ‫‪١‬تزنل وتقيم األعمدة فهذا ا‪١‬تزنل‬ ‫ال يصلح بذلك للسكن ‪ ،‬بل البد‬ ‫أن تقيم بقية البنيان ‪ ،‬إذن‬ ‫فاإلسبلم مبٍت عىل هذه األسس ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يوضح ذلك‬ ‫فيأمر با‪١‬تحافظة عىل أماكن هذه‬ ‫القيم؛ ألن ا‪١‬تساجد و‪٨‬تن نتكلم‬ ‫بالعرف اإلسبلمي هي ملتىق‬ ‫فيوضات ا‪ٟ‬تق النورانية عىل خلقه ‪،‬‬ ‫فالذي يريد فيض ا‪ٟ‬تق بنوره‬ ‫يذهب إىل ا‪١‬تسجد ‪ .‬إذن لكيبل‬

‫تفسد األرض البد أن توجد‬ ‫أماكن العبادة هذه ‪ ،‬فمرة جاء ا‪ٟ‬تق‬ ‫بالنتيجة ومرة جاء بالسبب ‪.‬‬ ‫و‪١‬تاذا يدفع اهلل الناس بعضهم‬ ‫ببعض؟ ألن هناك أناسا ًيريدون‬ ‫الشر وأناسا ًيريدون ا‪٠‬تَت ‪ ،‬فمن‬ ‫يريد الشر يدفع من يريد ا‪٠‬تَت ‪،‬‬

‫وإذا وقعت ا‪١‬تعركة بهذا الوصف‬ ‫فإن يد اهلل ال تتخىل عن ا‪ٞ‬تانب‬ ‫ا‪١‬تؤمن الباحث عن ا‪٠‬تَت ‪ ،‬فهو‬ ‫سبحانه القائل ‪َ { :‬ولَي َ ُنص َر َّن اهلل‬ ‫َمن ي َ ُنص ُر ُه إ َِّن اهلل ل َ َق ِو ٌّي َعزِي ٌز } ػ‬ ‫ا‪ٟ‬تج ‪] 40 :‬‬ ‫أي إن ا‪١‬تعركة ال تطول ‪ .‬ولذلك‬

‫قلنا سابقا ‪ :‬إن ا‪١‬تعارك اليت نراها‬ ‫يف الكون ال ‪٧‬تد فيها معركة بُت‬ ‫حقُت؛ ألنه ال يوجد يف الوجود‬ ‫حقان ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق واحد ‪ ،‬فبل يقولن‬ ‫أحد ‪ :‬إنه عىل حق وخصمه عىل حق‬ ‫‪ .‬ال ‪ ،‬إن هناك حقا ًواحدا ًفقط ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تعركة إن وجدت توجد بُت حق‬

‫وباطل ‪ ،‬أو بُت باطل وباطل ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تعركة بُت ا‪ٟ‬تق والباطل ال‬ ‫تطول؛ ألن الباطل زهوق ‪ .‬والذي‬ ‫يطول من ا‪١‬تعارك هي ا‪١‬تعارك بُت‬ ‫الباطل والباطل؛ فليس أحد‪٫‬تا‬ ‫أوىل بأن ينصره اهلل ‪ .‬فهذا عىل‬ ‫فساد وذاك عىل فساد ‪ ،‬وسبحانه‬

‫يدك هذا الفساد بذاك الفساد ‪.‬‬ ‫وحُت يندك هذا الفساد بذاك‬ ‫الفساد ‪ ،‬فجناحا الفساد يف الكون‬ ‫ينتهيان ‪ .‬ويأيت من بعد ذلك أناس‬ ‫ليس عندهم فساد ويعمرون‬ ‫الكون ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تعارك اليت تدور يف أي مكان ٕتد‬

‫أن هذا الطرف له هوى واْلخر له‬ ‫وى ‪٥‬تتلف ‪.‬‬ ‫ه ً‬

‫وال يقف اهلل يف أي جانب منهما؛‬ ‫ألنه ليس هناك جانب أ‪ٛ‬تق باهلل‬ ‫من اْلخر؛ لذلك يًتكهم‬ ‫يصطرع بعضهم مع بعض ‪ ،‬ومادام‬

‫ا‪ٟ‬تق قد تركهم لبعضهم البعض‬ ‫فبل بد أن تطول ا‪١‬تعركة ‪ .‬ولو كان‬ ‫اهلل يف بال جانب منهم لوقف‬ ‫سبحانه يف جانبه ‪ .‬وكذلك نرى يف‬ ‫معارك العصر ا‪ٟ‬تديث أن ا‪١‬تعركة‬ ‫تطول وتطول؛ ألننا ال ‪٧‬تد القسم‬ ‫الثالث الذي جاء يف قوله سبحانه ‪:‬‬

‫{ َوإِن َط ِآئ َفت َ ِ‬ ‫ان ِم َن ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫اقتتلوا فَأ َ ْصلِ ُحوا ْبَيْن َ ُه َما فَإِن بَغ َ ْت‬ ‫ا‪٫‬تا عىل األخرى فَ َقاتِلُوا ْاليت‬ ‫إ ِْح َد ُ َ‬ ‫تَبْغِي حىت تفياء إىل أ َ ْم ِر اهلل فَإِن‬ ‫فَآءَ ْت فَأ َ ْصلِ ُحوا ْبَيْن َ ُه َما بالعدل‬ ‫ب ا‪١‬تقسطُت }‬ ‫وأقسطوا إ َِّن اهلل ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫ػ ا‪ٟ‬تجرات ‪] 9 :‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يأمر عند‬ ‫اقتتال طائفتُت من ا‪١‬تؤمنُت أن‬ ‫يصلح بينهما قوم مؤمنون ‪ ،‬فإن‬ ‫تعدت إحدا‪٫‬تا عىل األخرى ‪،‬‬ ‫ورفضت الصلح فا‪ٟ‬تق يأمر‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت بأن يقاتلوا الفئة اليت‬ ‫تتعدى إىل أن ترجع إىل حكم اهلل ‪،‬‬

‫فإن رجعت إىل حكم اهلل‬ ‫فاإلصبلح بُت الفئتُت يكون‬ ‫باإلنصاف؛ ألن اهلل ٭تب العادلُت‬ ‫ا‪١‬تنصفُت ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن ‪٧‬تد الباطل يتقاتل مع‬ ‫الباطل؛ لذلك ال ‪٧‬تد من يصلح بُت‬ ‫الباطلُت ‪ ،‬بل ‪٧‬تد أهواء ًتتعارك ‪،‬‬

‫وكل جانب ينفخ يف الطائفة اليت‬ ‫تناسب هواه ‪.‬‬ ‫وهذه هي ا‪٠‬تيبة يف الكون ا‪١‬تعاصر؛‬ ‫إن ا‪١‬تعارك تطول ألنه ليس يف بال‬ ‫ا‪١‬تتقاتلُت شيء جامع ‪ ،‬ولو كان يف‬ ‫با‪٢‬تم شيء جامع ‪١ ،‬تا حدثت‬ ‫ا‪ٟ‬ترب ‪ .‬وماداموا قد غفلوا عن هذا‬

‫الشيء ا‪ٞ‬تامع ‪ ،‬فمن ا‪١‬تفروض أن‬ ‫تتدخل الفئة القادرة عىل اإلصبلح‬ ‫‪ ،‬ولكن حىت هؤالء لم يدخلوا‬ ‫لئلصبلح ‪ ،‬وهذا معناه أن ا‪٠‬تيبة يف‬ ‫العالم كله ‪ .‬وسيظل العالم يف خيبة‬ ‫إىل أن يرعووا ويرتدعوا ‪ .‬إهنم‬ ‫يطيلون عىل أنفسهم أمد التجربة‬

‫وسيظلون يف هذه ا‪٠‬تيبة حىت يفطنوا‬ ‫إىل أنه ال سبيل إىل أن تنتهي هذه‬ ‫ا‪١‬تشاكل إال أن يرجعوا ‪ٚ‬تيعا ًعن‬ ‫أهوائهم إىل مراد خالقهم ‪.‬‬ ‫{ َول َ ْوال َدَف ُْع اهلل الناس بَعْ َض ُه ْم‬ ‫بِبَعْ ٍض ل َ َف َس َد ِت األرض } ‪ ،‬نعم‬ ‫تفسد األرض فيما جعل اهلل‬

‫لئلنسان يدا ًفيه ‪ ،‬أما الشيء الذي‬ ‫لم ‪٬‬تعل اهلل لئلنسان يدا ًفيه‬ ‫فستظل النواميس كما هي ال يؤثر‬ ‫فيها أحد ‪ ،‬فبل أحد يؤثر يف‬ ‫الشمس أو القمر أو ا‪٢‬تواء أو ا‪١‬تطر‬ ‫‪ ،‬إ‪٪‬تا الفساد جاء فيما لئلنسان فيه‬ ‫يد ‪.‬‬

‫انظر إىل الكون ‪ ،‬إنك ٕتد ا‪١‬تسائل‬ ‫اليت ال دخل لئلنسان فيها‬ ‫مستقيمة عىل أحسن ما يكون ‪،‬‬ ‫وإ‪٪‬تا يأيت الفساد من النواحي اليت‬ ‫تدخل فيها اإلنسان بغَت منهج اهلل‬ ‫‪ .‬ولو أن اإلنسان دخل فيها ٔتنهج‬ ‫اهلل الستقامت األمور كما‬

‫استقامت النواميس العليا ٘تاما ‪.‬‬ ‫يف سورة الر‪ٛ‬تن قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫وال‪ٝ‬تآء َرفَعَهَا َو َو َض َع ا‪١‬تيزان } ػ‬ ‫الر‪ٛ‬تن ‪] 7 :‬‬ ‫ومادام ا‪ٟ‬تق قد رفع السماء ووضع‬ ‫ا‪١‬تيزان ‪ ،‬فالسماء ال تقع عىل‬ ‫األرض والنظام ‪٤‬تكم ٘تاما ‪،‬‬

‫الشمس تطلع من الشرق وتغرب‬ ‫يف الغرب ‪ ،‬والقمر والنجوم تسَت‬ ‫يف منتىه الدقة واإلبداع ‪ ،‬ألنه ال‬ ‫دخل ألحد من البشر فيه ‪.‬‬ ‫فإن أردتم أن تصلح حياتكم ‪ ،‬وأن‬ ‫تستقيم أموركم كما استقامت‬

‫هندسة السماء واألرض فخذوا‬ ‫ا‪١‬تيزان من السماء يف أعمالكم ‪،‬‬ ‫واتبعوا القول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬والسمآء‬ ‫َرفَعَهَا َو َو َض َع ا‪١‬تيزان * أَال َّتَ ْطغ َ ْوا ْ ِيف‬ ‫َِ‬ ‫يموا ْالوزن بالقسط‬ ‫ا‪١‬تيزان * َوأق ُ‬ ‫َوال َ ُٗت ْ ِس ُروا ْا‪١‬تيزان } ػ الر‪ٛ‬تن ‪:‬‬ ‫‪] 9-7‬‬

‫ومادمتم قد رأيتم أن األمور‬ ‫ا‪١‬توجودة اليت تسَت بنظام ال‬ ‫تتحكمون فيه تعمل باستقامة‬ ‫وترون أن الفساد قد جاء من ناحية‬ ‫األمور اليت دخلتم فيها ‪ ،‬فلماذا ال‬ ‫نتبع منهج اهلل يف األمور اليت لنا دخل‬ ‫فيها؟ إنك إن عملت يف ا‪ٟ‬تياة‬

‫ٔتنهج اهلل الذي خلق ا‪ٟ‬تياة فإن‬ ‫أمورك تستقيم لك كما استقامت‬ ‫األمور العليا يف الكون ‪ .‬واحفظ‬ ‫جيدا ًقوله تعاىل ‪ { :‬والسمآء‬ ‫َرفَعَهَا َو َو َض َع ا‪١‬تيزان * أَال َّتَ ْطغ َ ْوا ْ ِيف‬ ‫ا‪١‬تيزان } ػ الر‪ٛ‬تن ‪] 8-7 :‬‬ ‫ليحفظ كل منا هذا القول لنعرف أن‬

‫األمور العليا موزونة ألن يد‬ ‫اإلنسان ال تدخل فيها ‪ .‬إن السماء‬ ‫ال تقع عىل األرض ألهنا ‪٤‬تكومة‬ ‫بنظام ‪٤‬تكم ٘تاما ً‪.‬‬ ‫واألرض ال تدور بعيدا ًعن فلكها؛‬ ‫ألن خالقها قد قدر ‪٢‬تا النظام‬ ‫ا‪١‬تحكم ٘تاما ً‪ .‬و‪٢‬تذا يقول ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه عن نظام الكواكب يف‬ ‫الكون ‪ { :‬ال َالشمس يَنبَغِي َ‪٢‬تَآ أَن‬ ‫ك القمر َوال َاليل َسابِ ُق النهار‬ ‫ت ْد ِر َ‬ ‫وكُ ٌّل ِيف فَل َ ٍ‬ ‫ون } ػ يس ‪:‬‬ ‫ك ي َ ْسب َ ُح َ‬ ‫َ‬ ‫‪] 40‬‬ ‫إنه نظام دقيق ‪٤‬تكم ألنه ال دخل‬ ‫لئلنسان فيه ‪ .‬اصنعوا ميزانا ًيف كل‬

‫األمور اليت لكم فيها اختيار حىت ال‬ ‫تطغوا يف ا‪١‬تيزان ‪.‬‬ ‫ومادام اهلل سبحانه وتعاىل قد خلق‬ ‫اإلنسان ومنحه االختيار ‪ ،‬وبعض‬ ‫الناس اختار مذهبا ً‪ ،‬والبعض‬ ‫اْلخر اختار مذهبا مضادا ‪ٌّ ،‬‬ ‫وكل‬ ‫من ا‪١‬تذهبُت خارج عن منهج اهلل ‪،‬‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يًتك الفئتُت‬ ‫للتقاتل والتناحر ‪ .‬وألنه سبحانه‬ ‫ذو ر‪ٛ‬تة عىل العا‪١‬تُت ‪ ،‬يبىق عناصر‬ ‫ا‪٠‬تَت يف الوجود ‪ ،‬لعل أحدا ًيرى‬ ‫ويتنبه ويتلفت ويذهب ليأخذها ‪.‬‬ ‫فعندما تطىغ ‪ٚ‬تاعة يأيت ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تق‬ ‫ّتماعة يردوهنم ‪ ،‬حىت تبىق عناصر‬

‫ا‪٠‬تَت يف الوجود لعل إنسانا ًيأيت‬ ‫ليأخذ عنصرا ًمنها ٭ترك به حياته‬ ‫‪ ،‬وصاحب ا‪٠‬تَت إ‪٪‬تا يأيت من فضل‬ ‫اهلل عىل العا‪١‬تُت ‪ .‬ثم يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ات اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫ك آي َ ُ‬ ‫ك با‪ٟ‬تق َوإِن ّ ََك َ‪١‬ت ِ َن‬ ‫وها عَلَي ْ َ‬ ‫نَتْل ُ َ‬ ‫ا‪١‬ترسلُت }‬

‫ات َ ِ‬ ‫ك بِا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق‬ ‫وها عَلَي ْ َ‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫اّلل نَتْل ُ َ‬ ‫ك آي َ ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُت (‪)252‬‬ ‫َوإِن ّ ََك َ‪١‬ت َن ا ْ‪١‬تُ ْر َسل َ‬ ‫ك } إشارة ٮتاطب‬ ‫ونعرف أن { تِل ْ َ‬ ‫اهلل بها رسوله صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫‪ ،‬ويشَت إىل اْليات اليت سبقت‬ ‫واليت تدل عىل عظمة ا‪ٟ‬تق وقيومته‬

‫‪ ،‬فقد قال ا‪ٟ‬تق من قبل ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر‬ ‫إ َِىل الذين َخ َر ُجوا ْ ِمن ِديَا ِر ِه ْم َو ُه ْم‬ ‫ال َ‪٢‬ت ُ ُم اهلل‬ ‫أُل ُ ٌ‬ ‫وف َح َذ َر ا‪١‬توت فَ َق َ‬ ‫ُمو ُتوا ْ ُث َّم أ َ ْحي َ ُاه ْم إ َِّن اهلل ل َ ُذو فَ ْض ٍل‬ ‫عَىلَ الناس ولكن أَكْث َ َر الناس ال َ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪] 243 :‬‬ ‫ي َ ْش ُك ُر َ‬ ‫وساعة طلبوا أن يقاتلوا ‪ ،‬وأن‬

‫يبعث ‪٢‬تم ملكا ً‪ ،‬وبعثه ‪٢‬تم ‪ ،‬وبعث‬ ‫‪٢‬تم التابوت فيه سكينة ‪ ،‬أليست‬ ‫هذه آيات أخرى؟ ومن بعد ذلك‬ ‫أراد ا‪ٟ‬تق أن يأيت مقتل جالوت‬ ‫العمبلق الضخم عىل يد داود الصبي‬ ‫الصغَت ‪ .‬أليست هذه آية؟ وآية‬ ‫أخرى هي أن ‪ٚ‬تاعة قليلة‬

‫بإقرارهم حيث قالوا ‪َ { :‬كم ِّمن‬ ‫فِئ َ ٍة قَلِيل َ ٍة َلَب َ ْت فِئَةً كَثَِت َة ًبِإِذْ ِن اهلل‬ ‫} هذه ا‪ٞ‬تماعة القليلة تدخل‬ ‫ا‪١‬تعركة وهتزم الكثرة ‪ ،‬أليست‬ ‫هذه آية؟‬ ‫وهل الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫كان يعرف اْليات اليت سبقت‬

‫رسالته؟ ال ‪ ،‬ولكنها من إخبار اهلل‬ ‫له مع إقرار ا‪ٞ‬تميع ‪ ،‬وخاصة الذين‬ ‫كفروا ٔتحمد صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫؛ بأنه ال قرأ وال كتب وال جلس إىل‬ ‫معلم ‪ ،‬وال أحد قال له شيئا؛ حىت‬ ‫الرحلة اليت ذهب فيها للتجارة كان‬ ‫يصحبه فيها أناس َته ‪ ،‬ولو كانوا‬

‫قد رأوه جالسا إىل أحد يعلمه شيئا‬ ‫‪ ،‬ألذاعوا أن ‪٤‬تمدا ًقد جلس مع‬ ‫فبلن ‪ ،‬وتعلم منه كذا وكذا ‪.‬‬ ‫ولكن هذا لم يقله أحد؛ ألنه لم‬ ‫٭تدث أصبل ‪ ،‬ولذلك كان إخباره‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ٔتا يعلمونه‬ ‫هم عندهم هو بعضا ًمن أسرار‬

‫معجزته ‪ ،‬إنه قد عرف األخبار‬ ‫السابقة رغم أنه لم يقرأ ولم‬ ‫يكتب ولم يتلق علما ًمن أحد ‪.‬‬ ‫وقد ٘تاحك بعض ا‪١‬تشركُت وقال‬ ‫‪ :‬إن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫كان ‪٬‬تلس إىل فىت عند ا‪١‬تروة يعلمه‬ ‫هذه األخبار ‪ ،‬فزنل القول ا‪ٟ‬تق‬

‫يدحض هذا االفًتاء ‪َ { :‬ول َ َق ْد‬ ‫َ‬ ‫ون إ َِّ‪٪‬تَا يُعَلِ ّ ُم ُه ب َ َش ٌر‬ ‫نَعْل َ ُم أ َّهن ُ ْم ي َ ُقول ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون إِلَي ْ ِه أ َ ْع َج ِم ٌّي‬ ‫ان الذي يُلْح ُد َ‬ ‫ل ّ َس ُ‬ ‫وهذا ل ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ُت} ػ النحل ‪:‬‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫يب‬ ‫ر‬ ‫ان‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫‪] 103‬‬ ‫لقد أثبت ا‪ٟ‬تق أهنا حجة باطلة ‪،‬‬ ‫وزعم كاذب من ناحيتهم ‪ .‬ألن‬

‫الذي ّادعوا أنه علم الرسول كان‬ ‫أعجميا ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫‪١‬تحمد صىل اهلل عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫ك با‪ٟ‬تق‬ ‫وها عَلَي ْ َ‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫ات اهلل نَتْل ُ َ‬ ‫ك آي َ ُ‬ ‫ات اهلل } تعٍت‬ ‫} ‪ .‬إن كلمة { آي َ ُ‬ ‫وها } أي‬ ‫األشياء العجيبة ‪ ،‬و { نَتْل ُ َ‬ ‫‪٧‬تعل كلمة بعد كلمة ‪ ،‬وهي من «‬

‫ويل » أي جاء بعده ببل فاصل ‪{ .‬‬ ‫ك با‪ٟ‬تق } وا‪ٟ‬تق هو‬ ‫وها عَلَي ْ َ‬ ‫نَتْل ُ َ‬ ‫الشيء الذي وقع موقعه حيث ال‬ ‫يتغَت عنه ‪ ،‬فبل يتضارب أبدا ً‪.‬‬ ‫فهب أن حادثة وقعت أمامك ‪ ،‬ثم‬ ‫ُسئلت عنها ألف مرة يف طيلة‬ ‫حياتك ستجد أن جوابك لن‬

‫ٮتتلف عليها أبداً؛ ألنك ٖتكي‬ ‫واقعا ًرأيته ‪ ،‬لكن لو كانت ا‪ٟ‬تكاية‬ ‫كذبا ً؛ فستجد أن روايتك ‪٢‬تا يف‬ ‫ا‪١‬ترة الثانية تتغَت؛ ألنك ال تذكر‬ ‫ماذا قلت يف ا‪١‬ترة األوىل؛ ألنك ال‬ ‫ٖتكي عن واقع يأخذك وتلتزم به ‪،‬‬

‫وكذلك ا‪ٟ‬تق ال يتغَت ‪ ،‬وال يتضارب‬ ‫‪ ،‬وال يتعارض ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫وها عَلَي ْ َ‬ ‫{ تِل ْ َ‬ ‫ات اهلل نَتْل ُ َ‬ ‫ك آي َ ُ‬ ‫با‪ٟ‬تق } ومادام ا‪ٟ‬تق سبحانه هو‬ ‫الذي يقولها ‪ ،‬فسيقو‪٢‬تا لك حقيقة‬ ‫‪ ،‬وعندئذ يعرف اْلخرون أنك‬

‫عرفت ما عندهم ‪٦‬تا ٮتفونه يف‬ ‫كتبهم يقوله بعضهم لبعض ‪ ،‬هنا‬ ‫يعرفون أنك من ا‪١‬ترسلُت ‪،‬‬ ‫ولذلك ‪٨‬تن ‪٧‬تد يف « ماكانات‬ ‫القرآن » اليت يقول فيها تعاىل ‪« :‬‬ ‫ما ُكنت » ‪ « ،‬ما ُكنت » ‪ ،‬و « ما‬ ‫كنت » ومثل قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َما‬

‫نت ِّتَانِ ِب الغريب إِذْقَ َضيْنَآ إىل‬ ‫ُك َ‬ ‫كنت ِم َن‬ ‫ُم َ‬ ‫وىس األمر َو َما َ‬ ‫الشاهدين } ػ القصص ‪] 44 :‬‬ ‫أي ما كنت يا ‪٤‬تمد حاضرا ًمع‬ ‫موىس يف ا‪١‬تكان الغريب من ا‪ٞ‬تبل‬ ‫حُت عهد اهلل إليه بأمر الرسالة ‪،‬‬ ‫ولم تكن معاصرا ً‪١‬توىس وال شاهدا ً‬

‫تبليغه للرسالة فكيف يكذبك‬ ‫قومك وأنت تتلو عليهم أنباء‬ ‫السابقُت؟ ومثال ذلك قوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ ذلك ِم ْن أَنَبَآءِ الغيب نُو ِحي ِه‬ ‫نت ل َ َدي ْ ِه ْم إِذْيُل ْ ُقون‬ ‫إِل َ َ‬ ‫يك َو َما ُك َ‬ ‫أَقْبل َ َم ُه ْم أَي ُّ ُه ْم ي َ ْك ُف ُل َم ْري َ َم َو َما‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ آل‬ ‫ُكن ْ َت ل َ َدي ْ ِه ْم إِذْ َٮتْتَص ُم َ‬

‫عمران ‪] 44 :‬‬ ‫إن الذي رواه القرآن لك يا ‪٤‬تمد‬ ‫من األخبار ا‪ٞ‬تليلة عمن‬ ‫اصطفاهم اهلل هي من الغيب الذي‬ ‫أوىح اهلل به إليك ‪ .‬وما كنت‬ ‫حاضرا ًمعهم وهم يقًتعون‬ ‫بالسهام ليعلم بالقرعة من يقوم‬

‫بشئون مريم ‪ ،‬وما كنت معهم‬ ‫وهم ٮتتصمون يف نيل هذا الشرف‬ ‫النبيل ‪ .‬ومثال ذلك قوله ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬و َما ُكن ْ َت ِّتَانِ ِب الطور‬ ‫ك‬ ‫‪ٛ‬تةً ِّمن َّر ِبّ َ‬ ‫إِذْنَادَيْنَا ولكن َّر ْ َ‬ ‫ل ِ ُتن ِذ َر قَ ْوما ً َّمآ أَتَ ُاهم ِّمن ن َّ ِذي ٍر ِّمن‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ‬ ‫قَبْلِ َ‬ ‫ك لَعَل َّ ُه ْم يَت َ َذ ّك ُر َ‬

‫القصص ‪] 46 :‬‬ ‫أي ما كنت أيها الرسول حاضرا ًيف‬ ‫جانب الطور حُت نادينا موىس ‪١‬تا‬ ‫أىت ا‪١‬تيقات وكلمه ربه وناجاه ‪،‬‬ ‫ولكن اهلل أعلمك بهذا عن طريق‬ ‫الوحي ر‪ٛ‬تة بك وبأمتك ‪ ،‬ولتبلغه‬ ‫لقوم لم يأهتم رسول من قبلك‬

‫لعلهم يتذكرون ويؤمنون ‪ .‬ومثال‬ ‫ك أ َ ْو َحيْنَآ‬ ‫ذلك قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وكَ َذل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫نت‬ ‫إِلَي ْ َ‬ ‫ك ُروحا ً ّم ْن أ َ ْم ِرنَا َما ُك َ‬ ‫تَ ْد ِري َما الكتاب َوال َاإلٯتان ولكن‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫آء ِم ْن‬ ‫َجعَلْن َ ُاه ُنورا ً ّهنْدي بِه َمن ن َّ َش ُ‬ ‫ِعبا ِدنَا وإِن ّ ََك لتهدي إىل ِص َر ٍ‬ ‫اط‬ ‫َ َ‬ ‫ُّم ْستَقِ ٍ‬ ‫يم } ػ الشورى ‪] 52 :‬‬

‫إن القرآن هو وحي مزنل من عند‬ ‫اهلل ‪ ،‬يُع ّ ِرف ا‪١‬تؤمنُت النور إىل‬ ‫ا‪٢‬تداية وتكاليف ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ويهدي من‬ ‫اختار ا‪٢‬تدى ‪ ،‬وإنك يا ‪٤‬تمد‬ ‫لتدعو بهذا القرآن إىل صراط‬ ‫نت } يف‬ ‫مستقيم ‪ .‬إن كل { َما ُك َ‬ ‫القرآن الكريم هي دليل عىل أن ما‬

‫أخْبك به جْبيل رسوال ًمن عند‬ ‫اهلل إليك ‪ ،‬وحامبل للوحي من اهلل‬ ‫هو ا‪ٟ‬تق؛ فتعلمه أنت يا ‪٤‬تمد‬ ‫بطريقة خاصة وعىل هنج ‪٥‬تصوص ‪،‬‬ ‫رغم أنك لم تقرأ كتابا ًولم ٕتلس‬ ‫إىل معلم ‪ .‬وما ٗتْبهم به من آيات‬ ‫هي موافقة ‪١‬تا معهم ‪ ،‬وكان من‬

‫الواجب أن يقولوا إن الذي علمك‬ ‫هذا هو اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وكان‬ ‫‪٬‬تب أن يقروا ويشهدوا بأنك من‬ ‫ا‪١‬ترسلُت ‪ .‬وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫ك الرسل فَ َّضلْنَا‬ ‫سبحانه ‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫بَعْ َض ُه ْم عىل بَعْ ٍض‪} . . .‬‬

‫ك ال ُّر ُس ُل فَ َّضلْنَا بَعْ َض ُه ْم عَىلَ‬ ‫تِل ْ َ‬ ‫َ ْع ٍ ِ م َ‬ ‫اّلل َو َرفَ َع‬ ‫بض من ْ ُه ْم َ ْن كَل ّ َم َّ ُ‬ ‫بَعْ َض ُهم در َج ٍ‬ ‫ات َوآتَيْنَا عِي ََس اب ْ َن‬ ‫ْ ََ‬ ‫َم ْريَم الْب ِيّن َ ِ‬ ‫ات َوأَي َّ ْدن َ ُاه بِ ُرو ِح‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ل‬ ‫اّلل َما اقْتَت َ َل ال َّ ِذي َن‬ ‫ال ْ ُق ُدس َو َ ْو َشاءَ َّ ُ‬ ‫ِم ْن بَعْ ِد ِه ْم ِم ْن بَعْ ِد َما َجاءَهتْ ُ ُم‬ ‫ات َول َ ِك ِن ا ْختَل َ ُفوا فَ ِمن ْ ُه ْم َم ْن‬ ‫الْب َ ِيّن َ ُ‬

‫اّلل َما‬ ‫آ َم َن َو ِمن ْ ُه ْم َم ْن كَ َف َر َول َ ْو َشاءَ ّ َُ‬ ‫يد‬ ‫اقْتَتَلُوا َول َ ِك َّن َّ‬ ‫اّللَي َ ْفعَ ُل َما يُ ِر ُ‬ ‫(‪)253‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يشَت إىل‬ ‫ك الرسل } و‬ ‫الرسل بقوله ‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫{ الرسل } هي ‪ٚ‬تع ‪١‬تفرد هو «‬

‫رسول » ‪ .‬والرسول هو المكلف‬ ‫بالرسالة ‪ .‬والرسالة هي ا‪ٞ‬تملة من‬ ‫الكبلم اليت ٖتمل معٌت إىل هدف ‪.‬‬ ‫ومادام الرسل ‪ٚ‬تاعة فلماذا لم‬ ‫يقل ا‪ٟ‬تق « هؤالء الرسل » وقال‬ ‫ك الرسل } ؟ ذلك ليدلك‬ ‫{ تِل ْ َ‬ ‫القرآن الكريم عىل أن الرسل‬

‫مهما اختلفوا فهم مرسلون من‬ ‫قبل إله واحد ؤتنهج واحد ‪ .‬وكما‬ ‫عرفنا من قبل أن اإلشارة ب «‬ ‫تلك » هي إشارة ألمر بعيد ‪.‬‬ ‫فعندما نشَت إىل شيء قريب فإننا‬ ‫نقول ‪ « :‬ذا » ‪ ،‬وعندما نستخدم‬ ‫صيغة اإلشارة مع ا‪٠‬تطاب نقول ‪« :‬‬

‫ذاك » ‪ .‬وعندما نشَت إىل مؤنث‬ ‫فنقول ‪ « :‬ت » وعندما نشَت إىل‬ ‫خطاب مؤنث ‪ « :‬تيك » ‪ .‬و «‬ ‫البلم » كما عرفنا هنا للبعد أو‬ ‫للمزنلة العالية ‪.‬‬ ‫ك الرسل }‬ ‫إذن فقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫هو إشارة إىل الرسل الذين يعلمهم‬

‫سيدنا ‪٤‬تمد عليه الصبلة والسبلم ‪،‬‬ ‫أو الرسل الذين تقدموا يف السياق‬ ‫القرآين ‪ .‬والسياق القرآين الذي‬ ‫تقدم ٖتدث عن موىس عليه السبلم‬ ‫‪ ،‬وعن عيَس عليه السبلم ‪ ،‬وتكلم‬ ‫السياق عن أويل العزم من الرسل ‪.‬‬ ‫إن أردت الًتتيب القرآين هنا ‪ ،‬فهو‬

‫يشَت إىل الذي تقدم يف هذه السورة‬ ‫‪ ،‬وإن أردت ترتيب الزنول تكون‬ ‫اإلشارة إىل من عَلِ َم ُه الرسول من‬ ‫الرسل السابقُت ‪ ،‬وا‪١‬تناسبة هنا أن‬ ‫ا‪ٟ‬تق قد ختم اْلية السابقة بقوله‬ ‫هناك ‪َ { :‬وإِن ّ ََك َ‪١‬ت ِ َن ا‪١‬ترسلُت } ‪،‬‬ ‫و‪١‬تا كانت { َوإِن ّ ََك َ‪١‬ت ِ َن ا‪١‬ترسلُت }‬

‫تفيد بعضيته صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫لكلية عامة ‪ ،‬كأنه يقول ‪ :‬إياكم أن‬ ‫تظنوا أهنم ماداموا قد اتفقوا يف‬ ‫أهنم مرسلون أو أهنم رسل اهلل ‪،‬‬ ‫أهنم أيضا متساوون يف ا‪١‬تزنلة ‪ ،‬ال ‪،‬‬ ‫بل كل واحد منهم له مزنلته العامة‬ ‫يف الفضلية وا‪٠‬تاصة يف التفضيل ‪.‬‬

‫إهنم ‪ٚ‬تيعا‪ W‬رسل من عند اهلل ‪،‬‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تق يعطي كل واحد منهم‬ ‫مزنل خاصة يف التفضيل ‪.‬‬ ‫فلماذا كان قول اهلل ‪َ { :‬وإِن ّ ََك َ‪١‬ت ِ َن‬ ‫ا‪١‬ترسلُت } يؤكد لنا أن سيدنا‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم من‬ ‫بُت الرسل فبل تأخذ هذا األمر عىل‬

‫أساس أن كل الرسل متساوون يف‬ ‫ا‪١‬تكانة ‪ ،‬وتقول إهنم متماثلون يف‬ ‫الفضل ‪ .‬ال ‪ .‬إن اهلل قد فضل‬ ‫بعضهم عىل بعض ‪.‬‬ ‫وما هو التفضيل؟‬ ‫إن التفضيل هو أن تأيت للغَت‬ ‫وتعطيه ميزة ‪ ،‬وعندما تعطي له‬

‫مزية عمن سواه قد يقول لك‬ ‫إنسان ما « هذه ‪٤‬تاباة » ‪ ،‬لذلك‬ ‫نقول ‪١‬تن يقول ذلك ‪ :‬الزم الدقة ‪،‬‬ ‫ولتعرف أن التفضيل هو إيثار الغَت‬ ‫ٔتزية بدافع ا‪ٟ‬تكمة ‪ ،‬أما ا‪١‬تحاباة‬ ‫فهي إيثار الغَت ٔتزية بدافع ا‪٢‬توى‬ ‫والشهوة ‪ ،‬فمثبل ًإذا أردنا أن ‪٩‬تتار‬

‫أحدا ًمن الناس ‪١‬تنصب كبَت ‪،‬‬ ‫فنحن ‪٩‬تتار عددا ًمن الشخصيات‬ ‫اليت ٯتكن أن تنطبق عليهم‬ ‫ا‪١‬تواصفات ونقول ‪ « :‬هذا يصلح ‪،‬‬ ‫وهذا يصلح ‪ ،‬وهذا يصلح » و «‬ ‫هذا فيه ميزات عن ذاك » وهكذا‬ ‫‪ ،‬فإن نظرنا إليهم وقيمناهم‬

‫بدافع ا‪ٟ‬تكمة والكفاءة فهذا هو‬ ‫التفضيل ‪ ،‬ولكن إن اخًتنا واحدا ً‬ ‫ألنه قريب أو صهر أو َت ذلك‬ ‫فهذا هو ا‪٢‬توى وا‪١‬تحاباة ‪.‬‬ ‫إن التفضيل هو أن تؤثر وتعطي‬ ‫مزية ولكن ‪ٟ‬تكمة ‪ ،‬وأما ا‪١‬تحاباة‬

‫فهي أن تؤثر وتعطي مزية ‪ ،‬ولكن‬ ‫‪٢‬توى يف نفسك ‪ .‬فمثبل هب أنك‬ ‫اشًتيت قاربا ٓتاريا وركبته أنت‬ ‫وابنك الصغَت ‪ ،‬ومعك سائق‬ ‫القارب البخاري ‪ ،‬وأراد ابنك‬ ‫الصغَت أن يسوق القارب البخاري‬ ‫‪ ،‬وجلس مكان السائق وأخذ يسوق‬

‫‪ .‬ولكن جاءت أمواج عالية‬ ‫واضطرب البحر فنهضت أنت‬ ‫مسرعا وأخذت الولد وأمرت‬ ‫السائق أن يتوىل القيادة ‪ ،‬وهنا قد‬ ‫يصرخ الولد ‪ ،‬فهل هذه ‪٤‬تاباة منك‬ ‫للسائق؟ ال ‪ ،‬فلو كانت ‪٤‬تاباة لكانت‬ ‫البنك ‪ ،‬لكنك أنت قد آثرت‬

‫السائق ‪ٟ‬تكمة تعرفها وهي أنه‬ ‫أعلم بالقيادة من الولد الصغَت ‪.‬‬ ‫إذن إذا نظرت إىل حيثية اإليثار‬ ‫وحيثية التمييز ‪ٟ‬تكمة فهذا هو‬ ‫التفضيل ‪ ،‬ولكن يف المحاباة يكون‬ ‫ا‪٢‬توى هو ا‪ٟ‬تاكم ‪.‬‬ ‫وكل أعمال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬

‫تصدر عن حكمة؛ ألنه سبحانه‬ ‫ليس له هوى وال شهوة ‪ ،‬فكلنا ‪ٚ‬تيعا‬ ‫بالنسبة إليه سواء ‪ .‬إذن هو سبحانه‬ ‫حُت يعطي مزية أو يعطي خَتا أو‬ ‫يعطي فضلية ‪ ،‬يكون القصد فيها‬ ‫إىل حكمة ما ‪.‬‬ ‫وحينما قال ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِن ّ ََك َ‪١‬ت ِ َن‬

‫ا‪١‬ترسلُت } جاء بعدها بالقول‬ ‫ك الرسل فَ َّضلْنَا‬ ‫الكريم ‪ { :‬تِل ْ َ‬ ‫بَعْ َض ُه ْم عىل بَعْ ٍض} وأعطانا ‪٪‬تاذج‬ ‫التفضيل فقال ‪ { :‬منهم من كلم‬ ‫اهلل } ‪ .‬وساعة تسمع { منهم من‬ ‫كلم اهلل } يأيت يف الذهن مباشرة‬ ‫موىس عليه السبلم ‪ ،‬وإال فاهلل جل‬

‫وعبل قد كلم ا‪١‬تبلئكة ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َرفَ َع‬ ‫بَعْ َض ُهم در َج ٍ‬ ‫ات } ‪ .‬ثم قال ‪{ :‬‬ ‫ْ ََ‬ ‫َوآتَيْنَا عِي ََس ابن َم ْري َ َم البينات}‬ ‫إنه سبحانه قد حدد أوال موىس عليه‬ ‫السبلم بالوصف الغالب فقال‪{ :‬‬ ‫كَل َّ َم اهلل } وكذلك حدد سيدنا‬

‫عيَس عليه السبلم بأنه قد وهبه‬ ‫اْليات البينات ‪ .‬وبُت موىس عليه‬ ‫السبلم وعيَس عليه السبلم قال‬ ‫ا‪ٟ‬تق { ورفَ َع بَعْ َض ُهم در َج ٍ‬ ‫ات }‬ ‫ْ ََ‬ ‫ََ‬ ‫وا‪٠‬تطاب يف اْليات ‪١‬تحمد عليه‬ ‫الصبلة والسبلم ‪ .‬إذن ففيه كبلم‬ ‫عن الغَت ‪١‬تخاطب هو ‪٤‬تمد صىل‬

‫اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫وساعة يأيت التشخيص باالسم أو‬ ‫بالوصف الغالب ‪ ،‬فقد حدد ا‪١‬تراد‬ ‫بالقضية ‪ ،‬ولكن ساعة أن يأيت‬ ‫بالوصف ويًتك لفطنة السامع أن‬ ‫يرد الوصف إىل صاحبه فكأنه من‬ ‫ا‪١‬تفهوم أنه ال ينطبق قوله ‪« :‬‬

‫ورفعنا بعضهم درجات » ْتق إال‬ ‫عىل ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫وحده ‪ .‬وجاء بها سبحانه يف الوسط‬ ‫بُت موىس عليه السبلم وعيَس‬ ‫عليه السبلم ‪ ،‬مع أن الرسول صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم لم يأت يف الوسط ‪،‬‬ ‫وإ‪٪‬تا جاء آخر األنبياء ‪ ،‬ولكنك‬

‫ٕتد أن منهجه صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫هو الوسط ‪ .‬فاليهودية قد أسرفت‬ ‫يف ا‪١‬تادية ببل روحانية ‪ ،‬والنصرانية‬ ‫قد أسرفت يف الروحانية ببل مادية ‪،‬‬ ‫والعالم ٭تتاج إىل وسطية بُت‬ ‫ا‪١‬تادية والروحية ‪ ،‬فجاء ‪٤‬تمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فكأن ‪٤‬تمدا ًصىل‬

‫اهلل عليه وسلم قطب ا‪١‬تيزان يف‬ ‫قضية الوجود ‪.‬‬ ‫وإذا أردنا أن نعرف مناطات‬ ‫التفضيل ‪ ،‬فإننا ‪٧‬تد رسوال يرسله‬ ‫اهلل إىل قريته مثل سيدنا لوط مثبل ‪،‬‬ ‫وهناك رسول ‪٤‬تدود الرسالة أو‬

‫عمر رسالته ‪٤‬تدود ‪ ،‬ول َ ِك ْن هناك‬ ‫رسول واحد قيل له ‪ :‬أنت مرسل‬ ‫لئلنس وا‪ٞ‬تن ‪ ،‬ولكل من يوجد من‬ ‫اإلنس وا‪ٞ‬تن إىل أن تقوم الساعة‬ ‫إنّه هو ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫فإذا كان التفضيل هو ‪٣‬تال العمل‬ ‫فهو لسيدنا ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬

‫وسلم ‪ ،‬وإذا نظرنا إىل ا‪١‬تعجزات‬ ‫اليت أنز‪٢‬تا اهلل لرسله ليثبتوا للناس‬ ‫صدق ببلغهم عن ربهم ‪٧ ،‬تد أن‬ ‫كل ا‪١‬تعجزات قد جاءت معجزاته‬ ‫كونية ‪ ،‬أي معجزات مادية حسية‬ ‫الذي يراها يؤمن بها ‪ ،‬فالذي رأى‬ ‫عصا موىس وهي تضرب البحر‬

‫فانفلق ‪ ،‬هذه معجزة مادية آمن بها‬ ‫قوم موىس ‪ ،‬والذي رأى عيَس عليه‬ ‫السبلم يْبئ األكمه واألبرص‬ ‫فقد شهد ا‪١‬تعجزة ا‪١‬تادية وآمن بها‬ ‫‪ ،‬ولكن هل ‪٢‬تذه ا‪١‬تعجزات اْلن‬ ‫وجود َت ا‪٠‬تْب عنها؟ ال ليس ‪٢‬تا‬ ‫وجود ‪.‬‬

‫لكن ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫حينما يشاء اهلل أن يأتيه با‪١‬تعجزة‬ ‫ال يأيت له ٔتعجزة من جنس‬ ‫ا‪١‬تحسات اليت ٖتدث مرة وتنتهي ‪،‬‬ ‫إنه سبحانه قد بعث ‪٤‬تمدا ًصىل اهلل‬ ‫عليه وسلم إىل أن تقوم الساعة ‪،‬‬ ‫فرسالته َت ‪٤‬تدودة ‪ ،‬والبد أن‬

‫تكون معجزته صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫َت ‪٤‬تسة وإ‪٪‬تا تكون معقولة؛ ألن‬ ‫العقل هو القدر ا‪١‬تشًتك عند‬ ‫ا‪ٞ‬تميع ‪ ،‬لذلك كانت معجزته‬ ‫القرآن ‪ .‬ويستطيع كل واحد اْلن‬ ‫أن يقول ‪٤ :‬تمد رسول اهلل وتلك‬ ‫معجزته ‪.‬‬

‫إن معجزة رسولنا صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم هي واقع ‪٤‬تسوس ‪ .‬ويف مناط‬ ‫التطبيق ل‪١‬تنهج ‪٧‬تد أن الرسل ما‬ ‫جاءوا ليشرعوا ‪ ،‬إ‪٪‬تا كانوا ينقلون‬ ‫األحكام عن اهلل ‪ ،‬وليس ‪٢‬تم أن‬ ‫يشرعوا ‪ ،‬أما الرسول ‪٤‬تمد صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم فهو الرسول الوحيد‬

‫الذي قال اهلل له ‪َ { :‬و َمآ آتَا ُك ُم‬ ‫الرسول فَ ُخ ُذ ُوه َو َما َهنَا ُك ْم َعن ْ ُه‬ ‫فانتهوا } ػ ا‪ٟ‬تشر ‪] 7 :‬‬ ‫فهو صىل اهلل عليه وسلم قد اختصه‬ ‫اهلل بالتشريع أيضا ‪ ،‬أليست هذه‬ ‫مزية؟ إن ا‪١‬تراد من ا‪١‬تنهج‬ ‫السماوي هو وضع القوانُت اليت‬

‫ٖتكم حركة ا‪ٟ‬تياة يف ا‪٠‬تبلفة يف‬ ‫األرض ‪ ،‬وتلك القوانُت نوعان ‪:‬‬ ‫نوع جاء من اهلل ‪ ،‬ويف هذا ‪٧‬تد أن‬ ‫كل الرسل فيه سواء ‪ ،‬ولك ْن هناك‬ ‫نوع ثانٍ من القوانُت فوض اهلل فيه‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أن‬ ‫يضع من التشريع ليبلئم ما يرى ‪،‬‬

‫وهذا تفضيل للرسول صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪.‬‬ ‫إذن حُت يقول اهلل تعاىل ‪َ { :‬و َرفَ َع‬ ‫بَعْ َض ُهم در َج ٍ‬ ‫ات } فهذا ال ينطبق‬ ‫ْ ََ‬ ‫إال عىل سيدنا ‪٤‬تمد صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ .‬وهذا أكثر من التصريح‬ ‫باالسم ‪ .‬وأضرب هنا ا‪١‬تثل وهلل‬

‫ا‪١‬تثل األعىل أنت أعطيت لولدك‬ ‫قلما ًعاديا ً‪ ،‬ولولدك الثاين قلما ً‬ ‫مرتفع القيمة ‪ ،‬ولولدك الثالث‬ ‫ساعة ‪ ،‬أما الولد الرابع فاشًتيت له‬ ‫هدية الية جدا ً‪ ،‬ثم تأيت لؤلوالد‬ ‫وتقول ‪٢‬تم ‪ :‬أنا اشًتيت لفبلن‬ ‫قلما ًجافا ً‪ ،‬ولفبلن قلم حْب ‪،‬‬

‫واشًتيت لفبلن ساعة ‪ ،‬وبعضهم‬ ‫اشًتيت له هدية ‪ٙ‬تينة ‪.‬‬ ‫ف « بعضهم » هذا قد ُعرف بأنه‬ ‫االبن الرابع الذي لم تذكر ا‪ٝ‬ته ‪،‬‬ ‫فيكون قد تعُت وٖتدد ‪.‬‬ ‫ك الرسل فَ َّضلْنَا بَعْ َض ُه ْم عىل‬ ‫{ تِل ْ َ‬

‫بَعْ ٍض ِّمن ْ ُه ْم َّمن كَل َّ َم اهلل } وحُت‬ ‫تقول كلم اهلل إياك أن تغفل عن‬ ‫قضية كلية ٖتكم كل وصف هلل‬ ‫يوجد يف البشر ‪ ،‬فأنا أتكلم واهلل‬ ‫يتكلم ‪ ،‬لكن أكبلمه سبحانه مثل‬ ‫كبلمي؟ إن كنت تعتقد أن وجودي‬ ‫مثل وجوده فاجعل كبلمي ككبلمه ‪،‬‬

‫وإن كان وجودي ليس كوجوده‬ ‫فكيف يكون كبلمي ككبلمه؟‬ ‫رٔتا يقول أحد ‪ :‬إن الكبلم صوت‬ ‫وأحبال صوتية و َت ذلك ‪ ،‬نقول له‬ ‫‪ :‬ال ‪ ،‬أنت ال تأخذ ما ٮتص اهلل‬ ‫سبحانه إال يف إطار { لَي ْ َس كَ ِمثْلِ ِه‬ ‫َش ْي ٌء } و‪٨‬تن نأخذ كل وصف يرد‬

‫عن اهلل بواسطة اهلل ‪ ،‬وال نضع‬ ‫وصفا ًمن عندنا ‪ ،‬وبعد ذلك ال‬ ‫نقارنه بوصف للبشر ‪ .‬فلله حياة‬ ‫ولك حياة ‪ .‬لكن أحياة أي منا‬ ‫كحياته سبحانه؟ ال ‪ ،‬إن حياته‬ ‫ذاتية ‪ ،‬وحياة كل منا موهوبة‬ ‫مسلوبة ‪ ،‬فليست مثل حياته ‪.‬‬

‫وعندما يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬اهلل الذي‬ ‫َخل َ َق السماوات واألرض َو َما‬ ‫بَيْن َ ُه َما ِيف ِستَّ ِة أَيَّا ٍم ُث َّم استوى عَىلَ‬ ‫العرش َما ل َ ُك ْم ِّمن ُدونِ ِه ِمن َو ِيل ّ ٍ َوال َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ السجدة ‪:‬‬ ‫َشفي ٍع أفَبل َتَت َ َذ ّك ُر َ‬ ‫‪]4‬‬ ‫فهل جلوس ا‪ٟ‬تق كج لوس ا‪٠‬تلق؟‬

‫أو هل يكون كرسي ا‪٠‬تالق‬ ‫ككرسي ا‪١‬تخلوق؟ طبعا ال ‪ .‬و‪٨‬تن‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت نأخذ كل صفة عن اهلل يف‬ ‫نطاق التزنيه ‪ :‬سبحان اهلل وليس‬ ‫كمثله شيء ‪ ،‬فليس استواء اهلل‬ ‫مثل استواء البشر ‪ ،‬وليس جلوس‬ ‫ا‪ٟ‬تق مثل جلوس اإلنسان ‪.‬‬

‫ونضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬ ‫األعىل من قبل ومن بعد هب أن‬ ‫صاحبا ًلك دعاك لتأكل عنده ‪ ،‬ثم‬ ‫دعاك أحد كْباء القوم لتأكل عنده‬ ‫‪ ،‬البد أنك ٕتد الطعام متفاوتا يف‬ ‫جودته وأصنافه بُت كل مائة من‬ ‫موائد من دعوك ‪ ،‬فإذا كان البشر‬

‫أنفسهم تتفاوت بينهم األمور‬ ‫الوصفية تبعا ً‪١‬تقاماهتم وقدراهتم‬ ‫بالصف‬ ‫وإمكاناهتم ‪ ،‬فإذا ما ترقيت ة‬ ‫إىل خالق كل األشياء أيقنت أنه‬ ‫سبحانه ُمزنه عن كل من سواه ‪،‬‬ ‫وليس كمثله شيء ‪.‬‬ ‫إذن { كَل َّ َم اهلل } تعٍت أنه أعلم‬

‫رسوله بأي وسيلة من وسائل‬ ‫اإلعبلم ‪ِّ { .‬من ْ ُه ْم َّمن كَل َّ َم اهلل‬ ‫ورفَ َع بَعْ َض ُهم در َج ٍ‬ ‫ات َوآتَيْنَا عِي ََس‬ ‫ْ ََ‬ ‫ََ‬ ‫ابن َم ْري َ َم البينات َوأَي َّ ْدن َ ُاه بِ ُرو ِح‬ ‫القدس } وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يؤكد دائما يف الكبلم عن سيدنا‬ ‫أن عيَس ابن مريم مؤيد‬ ‫عيَس ّ‬

‫بروح القدس ؛ ألن ا‪١‬تسائل اليت‬ ‫تعرض ‪٢‬تا سيدنا عيَس تتطلب أن‬ ‫تكون روح القدس دائما معه ‪،‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه عنه ‪{ :‬‬ ‫والسبلم عَل ََّي ي َ ْو َم ُول ِ ْد ُّت َوي َ ْو َم‬ ‫ث َحيّا ً} ػ مريم ‪:‬‬ ‫أ َ ُم ُ‬ ‫وت َوي َ ْو َم أُبْعَ ُ‬ ‫‪] 33‬‬

‫ففي ا‪١‬تيبلد سيدنا عيَس تعرض‬ ‫‪١‬تشكلة؛ ألنه ولد عىل َت طريقة‬ ‫ميبلد الناس ‪ ،‬واهتمت فيها أمه ‪،‬‬ ‫وجاء القرآن فزنهها ‪ ،‬وبرأها ‪،‬‬ ‫ووضع األمر يف نصابه ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬وأيضا‬ ‫يف موته عندما أرادوا أن يقتلوه ‪.‬‬

‫وحُت ننظر إىل الرسل ‪٧‬تد أن‬ ‫مقتىض أن يرسل اهلل رسبل ًإىل‬ ‫العالم هو أنه سبحانه قد خلق ا‪٠‬تلق‬ ‫َت مكرهُت عىل فعل ‪ ،‬وال‬ ‫مسخرين كما تسخر بقية‬ ‫األجناس يف الكون ‪ ،‬ودونه مباشرة‬ ‫ا‪ٟ‬تيوان الذي ينقص عنه العقل ‪،‬‬

‫وبعد ا‪ٟ‬تيوان يأيت جنس النبات‬ ‫الذي ينقص عنه ا‪ٟ‬تس وا‪ٟ‬تركة ‪،‬‬ ‫وبعد ذلك ا‪ٞ‬تماد الذي ينقص عن‬ ‫النبات ‪ ،‬تلك هي أجناس الوجود ‪.‬‬ ‫واإلنسان هو سيد هذه األجناس ‪.‬‬ ‫والسيادة جاءت له من ناحية أن‬ ‫األجناس كلها مسخرة ‪٠‬تدمته ال‬

‫باالختيار ‪ ،‬ولكن بالقهر والقسر ‪.‬‬ ‫فالشمس لم ٕتيء مرة لتقول ‪ :‬لم‬ ‫يعد ا‪٠‬تلق يعجبونٍت لذلك لن‬ ‫أشرق ‪٢‬تم اليوم وال ا‪٢‬تواء امتنع‬ ‫عن أن يهب ‪ ،‬وال ا‪١‬تطر امتنع عن‬ ‫أن يزنل ‪ ،‬وال األرض امتنعت عن‬ ‫أن تعطي النبات عناصر ذائه ‪ ،‬إن‬

‫اإلنسان يركب الدابة ويسَتها‬ ‫كما ٭تب وكما يريد ‪ ،‬ال شيء يتأىب‬ ‫أبدا عىل اإلنسان ‪ .‬وأنت أيها‬ ‫اإلنسان ا‪ٞ‬تنس الوحيد الذي‬ ‫وهبك اهلل االختيار لتمارس‬ ‫مهمتك يف الوجود ‪ ،‬فإن شئت‬ ‫فعلت كذا ‪ ،‬وإن شئت لم تفعل‬

‫كذا ‪.‬‬ ‫ولكن اهلل لم يدعك هكذا عىل‬ ‫إن فيه أمورا ًتصَت‬ ‫إطبلقك ‪ ،‬بل ّ‬ ‫برغم أنفك وأنت مسخر فيها ‪ ،‬ال‬ ‫تستطيع مثبل أن تتحكم يف يوم‬ ‫ميبلدك ‪ ،‬وال يف يوم وفاتك ‪ ،‬وال‬ ‫فيما يزنل عليك من األحداث‬

‫ا‪٠‬تارجة عنك ‪ ،‬وال فيما يدور من‬ ‫ا‪ٟ‬تركة يف بدنك ‪ ،‬كل ذلك أنت‬ ‫مسخر فيه فبل تنفلت من قبضة‬ ‫ربك ‪ .‬ولكنك ‪٥‬تتار يف أشياء‪.‬‬ ‫ونعرف أنه سبحانه وتعاىل قهر‬ ‫أجناسا ًعىل أن تكون كما يريد ‪،‬‬ ‫وكما ٭تب ‪ ،‬وتلك صفة القدرة؛‬

‫ألن صفة القهر تفيد السيطرة ‪.‬‬ ‫فإذا ما ترك جنسا ًٮتتار أن يؤمن ‪،‬‬ ‫وٮتتار أال يؤمن ‪ ،‬وإن آمن ٮتتار أن‬ ‫يطيع وٮتتار أن يعصي ‪ ،‬فهذه تثبت‬ ‫ا‪١‬تحبوبية هلل سبحانه وتعاىل ‪١‬تن‬ ‫اختار وآثر طاعة اهلل عىل ا‪١‬تعصية ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نعرف أن القهر ٮتضع‬

‫القوالب لكنه ال ٮتضع القلب ‪.‬‬ ‫فأنت تستطيع أن هتدد إنسانا ً‬ ‫ٔتسدس وتقول له ‪ « :‬اسجد يل »‬ ‫فيسجد لك ‪ ،‬لكنك ال تستطيع أن‬ ‫تقول له وهو ٖتت التهديد « أحبٍت‬ ‫» ‪ .‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يًتك لنا‬ ‫اإلٯتان باالختيار ‪ ،‬ويًتك لنا‬

‫الطاعة وا‪١‬تعصية اختيارا ً‪ ،‬ليعلم‬ ‫من يأتيه حبا ًومن يأتيه قهرا ً ‪.‬‬ ‫والعالم كله يأيت هلل قهرا ً‪ .‬وأنت‬ ‫أيها اإلنسان يف ذاتك أشياء أنت‬ ‫مقهور فيها ‪ .‬ومن هنا ثبتت هلل‬ ‫تعاىل القدرة ‪ .‬وبىق أن تثبت له‬ ‫ا‪ٟ‬تب ‪ .‬والعبد الصاٌف هو الذي‬

‫يطيعه عن حب ‪ .‬و‪٨‬تن قد سبق لنا‬ ‫أن ضربنا مثبل ًوهلل ا‪١‬تثل األعىل‬ ‫وقلنا إن إنسانا عنده خادمان واحد‬ ‫ا‪ٝ‬ته سعد واْلخر ا‪ٝ‬ته سعيد ‪،‬‬ ‫سعد قيده صاحبه ْتبل و‪٬‬تره قائبل‬ ‫‪ « :‬يا سعد » فهل لسعد أال ‪٬‬تيء؟‬ ‫ال ‪.‬‬

‫لكن صاحب العبدين ترك لسعيد‬ ‫ا‪ٟ‬ترية ‪ ،‬وعندما يناديه فهو يأتيه ‪.‬‬ ‫إذن ‪ ،‬أيهما ٭تبه ‪ ،‬الذي جاء با‪ٟ‬تبل‬ ‫أم الذي جاء با‪١‬تحبة؟ إذن ‪ ،‬فمن‬ ‫كرامة اإلنسان أن يثبت هلل صفة‬ ‫ا‪١‬تحبة إن آمن باهلل؛ ألنه سبحانه‬ ‫وتعاىل لو شاء أن يهدي الناس ‪ٚ‬تيعا ً‬

‫ما استطاع أي واحد منهم أن يكفر‬ ‫به ‪ ،‬ولو شاء أن يكون مطاعا ًدائما ً‬ ‫ما استطاع واحد أن يعصيه أبدا ً‪.‬‬ ‫ولذلك قلنا ‪ :‬إن إبليس كان عا‪١‬تا ً‬ ‫ال‬ ‫حينما قال أمام اهلل تعاىل ‪ { :‬قَ َ‬ ‫ك ألُ ْغ ِويَنَّهم أ َ‬ ‫فَبِعِ َّزتِ‬ ‫‪ٚ‬تعِ‬ ‫ُت } ػ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ‪] 82 :‬‬

‫أقسم الشيطان هلل بعزته سبحانه‬ ‫عن خلقه ‪ ،‬وكأنه قال ‪ :‬أنت يا رب‬ ‫لو كنت ٖتتاج عباد فأنا ال أستطيع‬ ‫أن آخذهم ‪ ،‬لكن ألنك عزيز‬ ‫عليهم ‪ ،‬إن أرادوا أن يؤمنوا آمنوا ‪،‬‬ ‫وإن أرادوا أال يؤمنوا لم يؤمنوا؛‬ ‫فهذا هو ا‪١‬تدخل الذي سأدخل منه‬

‫‪ .‬ولذلك استثٌت الشيطان بعضا ًمن‬ ‫العباد ألنه لن يستطيع أن ‪٬‬تد‬ ‫لوسوسته لديهم مدخبل ‪ { :‬إِال َّ‬ ‫ك ِمن ْ ُه ُم ا‪١‬تخلصُت } ػ ص ‪:‬‬ ‫ِعبَادَ َ‬ ‫‪] 83‬‬ ‫أي إن الذي يريد اهلل أن‬ ‫يستخلصه لنفسه فلن يستطيع‬

‫الشيطان أن يقًتب منه ‪ .‬إذن‬ ‫فإبليس ليس داخبل ًيف معركة مع‬ ‫اهلل تعاىل ‪ ،‬ولكنه يف معركة معنا ‪٨‬تن‬ ‫‪ .‬ولقد أوضح ا‪ٟ‬تق ذلك حُت جاء‬ ‫ال‬ ‫عىل لسان إبليس يف القرآن ‪ { :‬قَ َ‬ ‫فَبِعِ َّزتِ‬ ‫ك ألُ ْغ ِويَنَّ ُهم أ َ ْج عِمُت* إِال َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ك ِمن ْ ُه ُم ا‪١‬تخلصُت } ػ ص ‪:‬‬ ‫ِعبَادَ َ‬

‫‪] 83-82‬‬ ‫إذن لو أراد اهلل أن نكون طائعُت‬ ‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬أيستطيع واحد أن يعصي؟‬ ‫ال يستطيع ‪ .‬ولو أرادنا مؤمنُت‬ ‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬أيستطيع واحد أن يكفر؟‬ ‫ال يستطيع ‪ .‬إ‪٪‬تا شاء اهلل تعاىل‬ ‫لبعض األمور واألفعال أن يًتكها‬

‫الختيارك؛ ألنه يريد أن يعرف‬ ‫من الذي يأتيه طوعا ًوليظل العبد‬ ‫بُت ا‪٠‬توف والرجاء؛ ولذلك يقول‬ ‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬لو‬ ‫يعلم ا‪١‬تؤمن ما عند اهلل من العقوبة‬ ‫ما طمع ّتنته أحد ‪ ،‬ولو يعلم الكافر‬ ‫ما عند اهلل من الر‪ٛ‬تة ما قنط من‬

‫جنته أحد » ‪.‬‬ ‫و‪٢‬تذا فإن مطلوب االرتفاع‬ ‫اإلٯتاين ‪ ،‬واالرتفاع اليقيٍت أن‬ ‫ٖتب اهلل لذات اهلل ‪ .‬وهو سبحانه‬ ‫‪٬‬تري عليك من األحداث ما يشاء ‪،‬‬ ‫وتظل ٖتبه فيباهي اهلل بك‬ ‫ا‪١‬تبلئكة فتقول ا‪١‬تبلئكة ‪ :‬يا رب‬

‫٭تبك لنعمتك عليه فيقول ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫وأسلب نعميت وال يزال ٭تبٍت ‪،‬‬ ‫ويسلب ا‪ٟ‬تق النعمة لكن العبد ال‬ ‫يزال ٭تب اهلل ‪ ،‬ه‬ ‫فو ٭تب اهلل وال‬ ‫٭تب نعمته ألنه سبحانه ذات ٖتب‬ ‫لذاهتا بصرف النظر عن أنه يعطينا‬ ‫النعم ‪.‬‬

‫إذن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد أرسل‬ ‫الرسل ٭تملون منهج اهلل ‪١‬ت َ ْن يريد‬ ‫أن يعلن حبه هلل ‪ ،‬وأن يكون خليفة‬ ‫يف األرض ْتق ‪ ،‬وأن يُصلح يف‬ ‫الكون وال يفسده ‪ .‬ونعرف أن‬ ‫اإلصبلح له مرتبتان ‪ :‬أن تًتك‬ ‫الصاٌف بطبيعته فبل تفسده ‪ ،‬أو أن‬

‫تزيد الصاٌف صبلحا ً‪ .‬فبل تأيت عىل‬ ‫عُت ا‪١‬تاء اليت تتدفق للناس وتردمها‬ ‫‪ ،‬ولكنك تًتكها عىل صبلحها إن‬ ‫لم تستطع أن تزيدها إصبلحا ً‪.‬‬ ‫وقد تستطيع أن تزيد عُت ا‪١‬تاء‬ ‫صبلحا ً؛ فبدال ًمن أن يذهب الناس‬

‫متعبُت إىل العُت و٭تملون منها ا‪١‬تاء‬ ‫‪ ،‬قد تصنع ‪٢‬تم مضخة عالية ‪٢‬تا‬ ‫خزان ترفع إليه ا‪١‬تاء و٘تد «‬ ‫ا‪١‬تواسَت » وتوصل ا‪١‬تياه إىل‬ ‫مناز‪٢‬تم ‪ .‬فأنت بذلك تزيد األمر‬ ‫الصاٌف صبلحا ً‪ ،‬وهذه خبلفة‬ ‫وعمارة يف الوجود ‪ .‬فإن لم تستطع‬

‫أن تزيد الصاٌف صبلحا ًفجنبنا شر‬ ‫إفسادك ‪ ،‬ودع ا‪ٟ‬تال كما هي عليه‬ ‫‪ ،‬واقعد كما أنت عالة يف الكون ‪.‬‬ ‫ولو أن اإلنسان كان منصفا ًيف‬ ‫الكون لسأل نفسه ‪َ :‬م ْن الذي‬ ‫اهتدى إىل صناعة الرغيف الذي‬ ‫نأكله اْلن؟ وسيعرف أنه قد أخذ‬

‫ٕتارب الناس من أول آدم حىت‬ ‫وصل إىل صناعة هذا الرغيف ‪،‬‬ ‫فهناك إنسان زرع القمح ‪ ،‬وهناك‬ ‫إنسان آخر هداه اهلل أن يطحن‬ ‫هذا القمح ‪ ،‬وهو سبحانه هدى‬ ‫اإلنسان أن يصنع منخبل ًليفصل‬ ‫الدقيق عن النخالة ‪ ،‬ثم هداه أن‬

‫يعجن الدقيق حىت ‪٬‬تد له طعما ً‬ ‫أفضل ‪ .‬والشك أنه ترك مرة‬ ‫قطعة من العجُت ثم ُشغل عنها‬ ‫بأي شا ل أو بأي سبب ثم رجع ‪٢‬تا‬ ‫مرة أخرى فوجدها متخمرة ‪ ،‬فلما‬ ‫خبزها خرج له العيش أفضل‬ ‫طعما ً‪ ،‬إنه سبحانه قدر فهدى ‪،‬‬

‫وإال كيف تأيت هذه التجربة‬ ‫الطويلة؟‬ ‫ومثال آخر ‪ :‬إن اإلنسان حُت‬ ‫ينظف ثوبه ‪ ،‬لو أنه استعرض‬ ‫أعمال من سبقوه يف هذا ا‪١‬توضوع‬ ‫منذ آدم ‪ ،‬لعلم أن كل واحد سبقه‬ ‫يف الوجود أعطاه مرحلة من النفعية‬

‫إىل أن وصل للغسالة الكهربائية‬ ‫اليت تغسل له بدون تعب ‪ ،‬كل هذه‬ ‫األشياء جاءت له بهدايات من اهلل‬ ‫‪ .‬وقد قلت مرة ‪١ :‬تاذا طبخت‬ ‫الناس « الكوسة » ولم تطبخ «‬ ‫ا‪٠‬تيار »؟ إن هذه دليل عىل أن‬ ‫هناك ٕتارب كثَتة مرت عىل‬

‫اإلنسان حىت ٯتيز طعم الكوسة‬ ‫ا‪١‬تطبوخة عن ا‪٠‬تيار ‪ ،‬وكذلك طبخ‬ ‫الناس ا‪١‬تلوخية ولم يطبخوا‬ ‫النعناع ‪ ،‬مع أن النعناع أحسن منها‬ ‫‪ ،‬حدث ذلك؛ ألن هناك ٕتارب‬ ‫وصلتنا بأن النعناع ال يُستساغ‬ ‫طعمه مطبوخا ‪.‬‬

‫وأنت لو نظرت إىل أي شيء‬ ‫تستفيد به اليوم ‪ ،‬وقدرت‬ ‫األعمال اليت تداولته من يوم أن‬ ‫ُوجد ‪ ،‬ستجد أن ا‪ٟ‬تق قد قدر لكل‬ ‫إنسان عمبل ًو‪٣‬تاال ً‪ ،‬وظل ٮتدمك‬ ‫دمت بهؤال ء‬ ‫أنت ‪ .‬ومادمت قد ُخ َ‬ ‫الناس كلهم من أول آدم وحىت‬

‫اليوم ‪ ،‬فبل بد أن تنظر لًتى ماذا‬ ‫ستقدم ‪١‬تن يأيت من بعدك ‪ ،‬فبل‬ ‫تكن كسوال ًيف ا‪ٟ‬تياة؛ تأخذ خَت‬ ‫َتك كله يف الوجود ‪ ،‬وبعد ذلك ال‬ ‫تعطي أي شيء ‪ ،‬بل البد أن يكون‬ ‫لك عطاء ‪ ،‬فكما أخذت من‬ ‫بيئتك البد أن تعطي هذه البيئة ‪،‬‬

‫ولو لم يوجد هذا ‪١‬تا ارتقت ا‪ٟ‬تياة؛‬ ‫ألن معٌت ارتقاء ا‪ٟ‬تياة أن إنسانا ً‬ ‫أخذ خْبة من سبقوه ‪ ،‬وحاول أن‬ ‫يزيد عليها ‪ ،‬أي أن يأخذ أكْب ‪ٙ‬ترة‬ ‫بأقل ‪٣‬تهود ‪.‬‬

‫فلو قدر الناس جهد اإلنسان الذي‬ ‫ابتكر « العجلة » مثبل اليت تسَت‬ ‫عليها السيارة لكان عليهم أن‬ ‫يستغفروا اهلل له ٔتقدار ما‬ ‫أراحهم ‪ ،‬فبعد أن كان اإلنسان‬ ‫٭تمل عىل أكتافه قصارى ما ٭تمل‬ ‫‪َ ،‬وفَّر عليه َمن اخًتاع هذا أن‬

‫٭تمل ويتعب ‪ ،‬وجعله ٭تمل أكْب‬ ‫كمية وينقلها بأقل ‪٣‬تهود ‪.‬‬ ‫إذن البد أن تنظر إىل النعم اليت‬ ‫تستفيد بها اْلن وترى كم مرحلة‬ ‫مرت بها ‪ ،‬وهل صنعها الناس‬ ‫هكذا أم تعبوا وكدوا واجتهدوا‬ ‫م ذنبدء الوجود عىل األرض ‪،‬‬

‫وعرف اإلنسان جيبل بعد جيل‬ ‫كيفية تطوير تلك األشياء ‪ ،‬وقد‬ ‫٭تدث خطأ يف مرحلة معينة فيبدأ‬ ‫اإلصبلح أو التحسُت وهكذا‪.‬‬ ‫فأنت عندما ٕتد أن العالم قدم لك‬ ‫كل هذه ا‪١‬تنتجات ‪ ،‬البد أن تسأل‬ ‫نفسك ‪ :‬ما الذي ستقدمه أنت‬

‫‪٢‬تذا العالم ‪ ،‬وبذلك تظل ا‪ٟ‬تلقة‬ ‫اإلنسانية مرتقية ومتصلة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يرسل الرسل ويضع‬ ‫ا‪١‬تنهج ‪ « :‬افعل كذا » و « ال تفعل‬ ‫كذا » ‪ ،‬حىت تستقيم حياة الناس‬ ‫عىل األرض ‪ ،‬لكن الناس لبت‬ ‫عليهم الغفلة عن أمر ا‪١‬تنهج؛‬

‫ولذلك تظهر يف الوجود فسادات‬ ‫بقدر الغفلة ‪ ،‬وعندما يزداد الفساد‬ ‫يبعث ا‪ٟ‬تق سبحانه رسوال جديدا‬ ‫يذكرهم با‪١‬تنهج مرة أخرى ‪،‬‬ ‫وعندما يأيت الرسول يؤمن به بعض‬ ‫من الناس و٭تاربون معه ‪ ،‬وينتصر‬ ‫الرسول وتستقر مبادئ اهلل يف‬

‫األرض ‪ ،‬ثم ٘تر فًتة وتأيت الغفلة‬ ‫فيحدث ا‪٠‬تبلف ‪ ،‬فهناك أناس‬ ‫يتمسكون ٔتنهج اهلل ‪ ،‬وأناس‬ ‫يفرطون يف هذا ا‪١‬تنهج ‪ ،‬و٭تدث‬ ‫ا‪٠‬تبلف وتقوم ا‪١‬تعارك ‪.‬‬ ‫ولو كان ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد‬ ‫الكون ببل معارك بُت حق وباطل‬

‫‪ٞ‬تعل ا‪ٟ‬تق مسيطرا ًسيطرة تسخَت‬ ‫‪ .‬لكن اهلل تعاىل أعطانا ٘تكينا ً‪،‬‬ ‫وأعطانا اختباراً؛ لذلك ‪٧‬تد من‬ ‫ينشأ مؤمنا ً‪ ،‬ومن ينشأ كافرا ً‪٧ ،‬تد‬ ‫الطائع ‪ ،‬و‪٧‬تد العاصي ‪ ،‬هذا فريق ‪،‬‬ ‫وهذا فريق ‪ .‬وإياك أن تفهم أن‬ ‫وجود الكافرين يف األرض ‪ ،‬أو وجود‬

‫العصاة يف الكون دليل عىل أهنم َت‬ ‫داخلُت يف حوزة اهلل ‪ ،‬ال ‪ .‬بل إن اهلل‬ ‫تعاىل هو الذي أعطاهم هذا‬ ‫االختيار ‪ ،‬ولو شاء اهلل أن ‪٬‬تعل‬ ‫الناس أمة واحدة ‪١‬تا استطاع‬ ‫إنسان أن ٮترج عىل مراد اهلل ‪.‬‬ ‫ويف اْلية اليت ‪٨‬تن بصددها جاء ا‪ٟ‬تق‬

‫بأويل العزم من الرسل ‪ :‬سيدنا‬ ‫موىس عليه السبلم ‪ ،‬ورسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وسيدنا‬ ‫عيَس عليه السبلم وبعد ذلك يقول‬ ‫سبحانه ‪:‬‬ ‫{ َول َ ْو َشآءَ اهلل َما اقتتل الذين ِمن‬ ‫بَعْ ِد ِهم ِّمن بَعْ ِد َما َجآءَهتْ ُ ُم البينات‬

‫ولكن اختلفوا فَ ِمن ْ ُه ْم َّم ْن آ َم َن‬ ‫َو ِمن ْ ُه ْم َّمن َك َف َر َول َ ْو َشآءَ اهلل َما‬ ‫يد } ػ‬ ‫اقتتلوا ولكن اهلل ي َ ْفعَ ُل َما يُ ِر ُ‬ ‫البقرة ‪] 253 :‬‬ ‫إذن ما الذي جعل الناس تقتتل‬ ‫فيما بينها؟ إنه االختبلف بُت‬ ‫الناس ‪ ،‬لقد اختلفوا فاقتتلوا ‪ .‬لكن‬

‫أال ٯتكن أن يكونوا قد اختلفوا‬ ‫ولم يقتتلوا؟ إن ذلك لو حدث لكان‬ ‫إ‪ٚ‬تاعا ًعىل الفساد ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫ال يريد أن ٭تدث اإل‪ٚ‬تاع عىل‬ ‫الفساد ‪ ،‬فإن لم يسيطر ا‪٠‬تَت عىل‬ ‫أمور البشر فبل أقل من أن يظل‬

‫عنصر ا‪٠‬تَت موجودا ً‪ ،‬ويأيت واحد‬ ‫ليجد عنصر ا‪٠‬تَت وينميه ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه ال ٯتحو يف أزمنة‬ ‫الباطل معالم ا‪٠‬تَت واألفعال‬ ‫ا‪ٟ‬تسنة ‪ ،‬بل يستبقي سبحانه‬ ‫معالم ا‪٠‬تَت واألفعال ا‪ٟ‬تسنة‬

‫ليذهب إليها أي إنسان يريد ا‪٠‬تَت‬ ‫‪ ،‬وقد يكون ا‪٠‬تَت ضعيفا ً‪ ،‬ولكن‬ ‫اهلل ال ٯتحوه؛ ألنه يعطي به دفعة‬ ‫جديدة ‪١‬تؤمنُت جدد يرفعون راية‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬وإن بدأوا ضعفاء ‪ .‬ولذلك‬ ‫‪٧‬تد الرسول الكريم صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يقول ‪ « :‬لوال عباد اهلل ركع‬

‫وصبية ُر ّضع وبهائم رتع لصب‬ ‫عليكم العذاب صبا » ‪.‬‬ ‫إن الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫ينبهنا أال ننظر إىل الضعفاء عىل أهنم‬ ‫عالة وأننا أقوياء ‪١‬تجرد أهنم‬ ‫يعيشون يف أكنافنا ‪ .‬بل قد يكونون‬ ‫سياج لطف ور‪ٛ‬تة كما يف ا‪ٟ‬تديث‬

‫السابق ‪.‬‬ ‫إن اهلل سبحانه وتعاىل رفع عنا‬ ‫العذاب من أجل وجود الضعفاء‬ ‫بيننا ‪ ،‬ألن يف الضعاف يوجد شيء‬ ‫من ا‪٠‬تَت ‪ ،‬ولتظل يف الوجود خلية‬ ‫من ا‪٠‬تَت حىت إذا ما أراد الوجود أن‬ ‫يفيق إىل الرشد فإنه سيجد من‬

‫ا‪٠‬تَت ما يرشده ‪ .‬إذن لوال االقتتال‬ ‫لعم الفساد ‪ ،‬وانتهت ا‪١‬تسألة ‪.‬‬ ‫لكن الناس اختلفت فمنهم من‬ ‫آمن ‪ ،‬ومنهم من كفر ‪َ { ،‬ول َ ْو َشآءَ‬ ‫اهلل َما اقتتلوا } أي لظلوا عىل منهج‬ ‫واحد من الكفر أو من الفساد ‪،‬‬ ‫لكن اهلل يفعل ما يريد ‪ .‬ويف‬

‫االقتتال كما نعرف هناك‬ ‫تضحيات بالنفس ‪ ،‬وتضحيات من‬ ‫أجل أن تظل القيم السماوية عىل‬ ‫األرض ‪.‬‬ ‫وتقتضي التضحية إما أن ‪٬‬تود‬ ‫اإلنسان بنفسه وإما أن ‪٬‬تود ٔتاله ‪،‬‬ ‫ولذلك فمن ا‪١‬تناسب هنا أن نتكلم‬

‫عن النفقة وهي ا‪ٞ‬تود با‪١‬تال ‪،‬‬ ‫وخاصة أنه يف الزمن القديم كان‬ ‫ا‪١‬تقاتل هو الذي ‪٬‬تهز عدة قتاله ‪:‬‬ ‫فرسه ‪ ،‬ر‪٤‬ته ‪ ،‬سيفه ‪ ،‬سهامه ‪،‬‬ ‫لذلك فهو ٭تتاج إىل إنفاق ‪ ،‬ويتكلم‬ ‫ا‪ٟ‬تق عن هذه ا‪١‬تسألة ألن األمر‬ ‫بصدد استبقاء خلية اإلٯتان‬

‫ا‪١‬تصورة يف ا‪١‬تنهج السماوي الذي‬ ‫جاء به الرسل؛ ليظل هذا ا‪١‬تنهج‬ ‫يف األرض حىت يفيء إليه الناس إن‬ ‫صدمهم الشر أو صدمهم الباطل‬ ‫فيقول ‪ { :‬ياأيها الذين آمنوا‬ ‫أَن ْ ِف ُقوا ْ ِ‪٦‬تَّا َرزَقْنَا ُكم ‪} . . .‬‬

‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا أَن ْ ِف ُقوا ِ‪٦‬تَّا‬ ‫َرزَقْنَا ُك ْم ِم ْن قَب ْ ِل أ َ ْن يَأ ْ ِيت َي َ ْو ٌم َال بَي ْ ٌع‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫فِي ِه َو َال ُخل َّ ٌة َو َال َش َف َ‬ ‫اع ٌة َوالْكَاف ُر َ‬ ‫الظا ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫ون (‪)254‬‬ ‫ُه ُم َّ ُ َ‬ ‫و‪٨‬تن نعرف أن كل نداء من ا‪ٟ‬تق‬ ‫يبدأ بقوله تعاىل ‪ { :‬ياأيها الذين‬

‫آمنوا } إ‪٪‬تا يدل عىل أن ما يأيت من‬ ‫بعد هذا القول هو تكليف ‪١‬تن آمن‬ ‫باهلل ‪ ،‬وليس تكليفا ًللناس عىل‬ ‫إطبلقهم؛ ألن اهلل ال يكلف من كفر‬ ‫به ‪ ،‬إ‪٪‬تا يكلف اهلل من آمن به ‪ ،‬ومن‬ ‫اجتاز ذلك وأصبح يف اليقُت‬ ‫اإلٯتاين فهو أهل ‪١‬تخاطبة اهلل له ‪،‬‬

‫فكأنه ‪٬‬تد يف القول الرباين نداء‬ ‫يقول له ‪ :‬يا من آمن يب إ‪٢‬تا حكيما‬ ‫قادرا مشرعا ًلك ‪ ،‬أنا أريد منك أن‬ ‫تفعل هذا األمر ‪.‬‬ ‫إذن اإلٯتان هو حيثية كل حكم ‪،‬‬ ‫فأنت تفعل ذلك ‪١‬تاذا؟ ال تقل ‪:‬‬ ‫ألن حكمته كذا وكذا ‪ .‬ال ‪ .‬ولكن‬

‫قل ‪ :‬ألن اهلل الذي آمنت به أمرين‬ ‫بهذه األفعال ‪ ،‬سواء فهمت‬ ‫ا‪ٟ‬تكمة منها أو لم تفهمها ‪ ،‬بل‬ ‫رٔتا كان إقبالك عىل أمر أمرك اهلل‬ ‫به وأنت ال تفهم له حكمة أشد يف‬ ‫اإلٯتان من تنفيذك ألمر تعرف‬ ‫حكمته ‪.‬‬

‫ولو أن إنسانا ًقال له الطبيب ‪ :‬إن‬ ‫ا‪٠‬تمر اليت تشربها تفسد كبدك‬ ‫وتعمل فيك كذا وكذا ‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫امتنع عن ا‪٠‬تمر ‪ ،‬صحيح أن‬ ‫امتناعه عن ا‪٠‬تمر صادف طاعة‬ ‫هلل ‪ ،‬لكن هل هو امتنع ألن اهلل‬ ‫قال؟ ال ‪ ،‬لم ٯتتنع ألن اهلل قال ‪،‬‬

‫ولكنه امتنع ألن الطبيب قال ‪،‬‬ ‫فإٯتانه بالطبيب أكثر من إٯتانه‬ ‫برب الطبيب ‪ .‬أما ا‪١‬تؤمن فيقول ‪:‬‬ ‫أنا ال أشرب ا‪٠‬تمر؛ ألن اهلل قد‬ ‫حرمها ‪ ،‬و‪١‬تاذا انتظر حىت يقول يل‬ ‫الطبيب ‪ :‬إن كبدك سيضيع‬ ‫بسبب ا‪٠‬تمر ‪ ،‬فالر‪ٛ‬تةهي أال ‪٬‬تيء‬

‫الداء ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬ياأيها الذين‬ ‫آمنوا أَن ْ ِف ُقوا ْ ِ‪٦‬تَّا َرزَقْنَا ُكم } أي أنا‬ ‫ال أطلب منكم أن تنفقوا علي ‪،‬‬ ‫ولكن أنفقوا من رزيق عليكم؛ ألن‬ ‫الرزق يأيت من حركة اإلنسان ‪،‬‬ ‫وحركة اإلنسان ٖتتاج طاقة‬

‫تتحرك يف شيء أو مادة ‪ ،‬وهذه‬ ‫ا‪ٟ‬تركة تأيت عىل ترتيب فكر ‪ ،‬وهذا‬ ‫الفكر رتبه من خلقه ‪ ،‬وا‪ٞ‬توارح‬ ‫اليت تنفعل ‪ ،‬واليد اليت تتحرك ‪،‬‬ ‫وال ّ ِرجل اليت ٘تشي خلقها اهلل ‪،‬‬ ‫وا‪١‬تادة اليت تفعل بها ‪٥‬تلوقة هلل ‪.‬‬ ‫وسنأخذ الزارع ‪٪‬توذجا ‪٧ ،‬تد أن‬

‫األرض اليت فيها العناصر ‪٥‬تلوقة‬ ‫هلل ‪ ،‬إذن فاإلنسان يعمل بالعقل‬ ‫الذي خلقه اهلل ‪ ،‬وٮتطط با‪ٞ‬توارح‬ ‫اليت خلقها اهلل لتأيت له بالطاقة اليت‬ ‫يعمل بها يف ا‪١‬تادة اليت خلقها اهلل‬ ‫لتعطي لئلنسان خَتها ‪ . .‬فأي‬ ‫شيء لئلنسان إذن؟‬

‫ومع ذلك إن حصل لئلنسان خَت‬ ‫من هذا كله فهو سبحانه ال يقول ‪:‬‬ ‫« إنه يل » بل أمنحه لك أيها‬ ‫اإلنسان ‪ ،‬ولكن أعطٍت حقي فيه ‪،‬‬ ‫وحقي لن آخذه يل ولكن هو ألخيك‬ ‫يد‬ ‫ا‪١‬تسكُت ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬مآ أُ ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫يد أَن‬ ‫ِمن ْ ُهم ّمن ِّرزْقٍ َو َمآ أُ ِر ُ‬

‫يُ ْطعِ ُم ِ‬ ‫ون } ػ الذاريات ‪] 57 :‬‬ ‫وإياك أن تقول ‪ :‬ما دخلي أنا‬ ‫أن‬ ‫با‪١‬تسكُت؟ عليك أن تعلم ّ‬ ‫ا‪١‬تسكنة َع َرض ‪ ،‬والعرض من‬ ‫ا‪١‬تمكن أن يلحق بك أنت ‪.‬‬

‫فبل ُتق ِ ّدر أنك مع ٍط دائما ‪ ،‬ولكن‬ ‫قدر أنك رٔتا حدث لك ما ‪٬‬تعلك‬ ‫أن تعطي ‪ .‬ا‪ٟ‬تق يقول لك ‪:‬‬ ‫تأخذ ال َ ْ‬ ‫أعط ا‪١‬تسكُت وأنت ٍت؛ ألنه‬ ‫سبحانه سيقول للناس ‪ :‬أن يعطوك‬ ‫وأنت فقَت ‪ ،‬فق ِ ّدر حكم اهلل ساعة‬ ‫يُطلب منك ‪ ،‬ليحميك ساعة أن‬

‫يُطلب لك ‪ ،‬وبذلك تتوازن‬ ‫ا‪١‬تسألة ‪.‬‬ ‫ومع أنه سبحانه هو الذي يرزق ‪،‬‬ ‫فهو يريد منكم أيها العباد أن‬ ‫تتعاونوا وأن ٭تب بعضكم بعضا ‪،‬‬ ‫حىت ُ٘تىح الضغائن من قلوبكم؛‬ ‫ألن اإلنسان الضعيف ضعفا طبيعيا ً‬

‫وليس ضعف التسول أو الكسل أو‬ ‫االحًتاف ‪ ،‬بل ضعف عدم القدرة‬ ‫عىل العمل هو مسئولية ا‪١‬تؤمنُت ‪،‬‬ ‫فسبحانه وتعاىل ‪٬‬تعل القوي‬ ‫مسئوال أن يساعدك وأنت ضعيف‬ ‫‪.‬‬ ‫وأنت حُت ترى وأنت ضعيف ال‬

‫تقدر األقوياء الذين قدروا لم‬ ‫ينسوك ‪ ،‬وذكروك ٔتا عندهم ‪،‬‬ ‫عندئذ تعلم أنك يف بيئة متساندة‬ ‫ٖتب لك ا‪٠‬تَت ‪ ،‬فإن رأيت نعمة‬ ‫تنالك إن عجزت فأنت ال ٖتسدها‬ ‫أبدا ً‪ ،‬وال ٖتقد عىل معطيها ‪ ،‬بل‬ ‫تتمٌت من حبلوة وقعها يف نفسك‬

‫ألهنا جاءتك عن حاجة تتمٌت لو أن‬ ‫اهلل قدرك لًتدها ‪ ،‬فيكون‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪٣‬تتمعا ًمتكافبل ًمتضامنا ً‪.‬‬ ‫فحُت يقول اهلل تعاىل ‪ { :‬أَن ْ ِف ُقوا ْ ِ‪٦‬تَّا‬ ‫َرزَقْنَا ُكم } فأنتم ال تتْبعون‬ ‫لذات اهلل بل تنفقون ‪٦‬تا رزقكم ‪،‬‬ ‫ومن فضل اهلل عليكم أنه احًتم‬

‫أثر عملكم ونسبه لكم حىت وإن‬ ‫احتاج أخوك ‪ ،‬فهو سبحانه يقول ‪:‬‬ ‫{ َّمن ذَا الذي يُقْ ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً‬ ‫َح َسنا ًفَي ُ َضا ِع َف ُه ل َ ُه أ َ ْضعَافا ًكَثَِتَة ً‬ ‫ِ‬ ‫واهلل يَقْبِ‬ ‫ون‬ ‫ض َويَب ْ ُس ُط َوإِلَيْه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫ُ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 245 :‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه قد اعتْب النفقة يف‬

‫سبيل اهلل هي قرض من العبد‬ ‫للرب ا‪٠‬تالق الوهاب لكل رزق ‪.‬‬ ‫وحىت نفهم معٌت النفقة أقول ‪ :‬قد‬ ‫قلنا من قبل ‪ :‬إن الكلمة مأخوذة من‬ ‫مادة « النون والفاء والقاف » ‪،‬‬ ‫ويقال ‪ :‬نفقت السوق أي انتهت‬ ‫بسرعة وتم تبادل البضائع فيها‬

‫باأل‪ٙ‬تان ا‪١‬تقررة ‪٢‬تا ‪ ،‬و‪٨‬تن نعرف‬ ‫أن التجارة تعٍت مقايضة بُت سلع‬ ‫وأ‪ٙ‬تان ‪ .‬والسلعة هي ما يستفاد بها‬ ‫مباشرة ‪ .‬والثمن ما ال يستفاد به‬ ‫مباشرة ‪.‬‬ ‫فعندما تكون جائعا أيغنيك أن‬ ‫يكون عندك جبل من ذهب؟ إن‬

‫هذا ا‪ٞ‬تبل من الذهب أنت ال‬ ‫تستفيد منه مباشرة ‪ ،‬أما فائدتك‬ ‫من رغيف ا‪٠‬تبز فهي استفادة‬ ‫مباشرة ‪ ،‬وكذلك كوب ا‪١‬تاء‬ ‫ا‪١‬تمتلئ ‪ ،‬تستفيد منه مباشرة ‪،‬‬ ‫وا‪١‬تبلبس اليت ترتديها أنت‬ ‫تستفيد منها مباشرة ‪ .‬إذن فالذي‬

‫يستفاد منه مباشرة ا‪ٝ‬ته سلعة ‪،‬‬ ‫والذي ال يستفاد منه مباشرة‬ ‫نسميه ‪ٙ‬تنا ً‪ .‬ولذلك يقول لنا ا‪ٟ‬تق‬ ‫إنذارا ًوٖتذيرا ًمن االعتزاز با‪١‬تال‬ ‫‪:‬‬ ‫{ ياأيها الذين آمنوا أَن ْ ِف ُقوا ْ ِ‪٦‬تَّا‬ ‫َرزَقْنَا ُكم ِّمن قَب ْ ِل أَن يَأ ْ ِيت َي َ ْو ٌم ال َّ بَي ْ ٌع‬

‫اع ٌة والكافرون‬ ‫فِي ِه َوال َ ُخل َّ ٌة َوال َ َش َف َ‬ ‫ُه ُم الظا‪١‬تون } ػ البقرة ‪] 254 :‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه ينبهنا أن ننفق من‬ ‫رزقه لنا من قبل أن يأيت اليوم‬ ‫اْلخر الذي ال بيع فيه؛ أي ال ‪٣‬تال‬ ‫فيه الستبدال أ‪ٙ‬تان بسلع أو‬ ‫العكس ‪ ،‬وأيضا ال يكون يف هذا‬

‫اليوم « ُخلة » ‪ ،‬ومعٌت « خلة هي‬ ‫الود ا‪٠‬تالص ‪ ،‬وهي العبلقة اليت‬ ‫تقوم بُت اثنُت فيصَت كل منهما‬ ‫موصبل ًباْلخر با‪١‬تحبة؛ ألن كُبل ًّ‬ ‫منكما منفصل عن اْلخر وإن‬ ‫ربطت بينكم العاطفة ويف اْلخرة‬

‫سيكون كل إنسان مشغوال بأمر‬ ‫نفسه ‪.‬‬ ‫إن اليوم اْلخر ليس فيه بيع وال‬ ‫شراء وال فيه خلة وال شفاعة ‪ ،‬وهذه‬ ‫هي ا‪١‬تنافذ اليت ٯتكن لئلنسان أن‬ ‫يستند عليها ‪ .‬فأنت ال ٘تلك ‪ٙ‬تنا‬

‫تشًتي به ‪ ،‬وال ٯتلك َتك سلعة‬ ‫يف اْلخرة ‪ ،‬إذن فهذا الباب قد سد ‪.‬‬ ‫وكذلك ال يوجد خلة أو شفاعة ‪،‬‬ ‫والشفاعة هذه مأذون فيها ‪ .‬إن‬ ‫كانت ‪٦‬تن أذن له اهلل أن يشفع فهي‬ ‫يف يد اهلل ‪ ،‬ومعٌت « ي‬ ‫شفع » مأخوذة‬ ‫من الشفع والوتر ‪ .‬الوتر واحد‬

‫والشفع اثنان ‪ ،‬فكأن الشفيع يضم‬ ‫صوته لصويت لنقضي هذه ا‪ٟ‬تاجة‬ ‫عند فبلن ‪ .‬فيتشفع اإلنسان‬ ‫بإنسان له جاه عند ا‪١‬تشفوع عنده‬ ‫حىت ينفذ له ما يطلب ‪ .‬ولكن هذه‬ ‫الوسائل يف اْلخرة َت موجودة ‪.‬‬ ‫فبل بيع وال خلة وال شفاعة؛ فأنتم‬

‫إذا أنفقتم اتقيتم ذلك اليوم ‪،‬‬ ‫فانتهزوا الفرصة من قبل أن يأيت‬ ‫يوم ال بيع فيه وال خلة وال شفاعة ‪.‬‬ ‫وهذه هي أبواب النجاة ا‪١‬تظنونة‬ ‫عند البشر اليت ُتغلق يف هذا اليوم‬ ‫العظيم ‪ .‬وكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يقول ‪ :‬أنا لم أفوت فرصة عىل‬

‫خلقي؛ خلقي هم الذين ظلموا‬ ‫أنفسهم ووقفوا أنفسهم هذا‬ ‫ا‪١‬توقف ‪ ،‬فأنا لم أظلمهم ‪ .‬لذلك‬ ‫يذيل ا‪ٟ‬تق اْلية بقوله ‪{ :‬‬ ‫والكافرون ُه ُم الظا‪١‬تون } ‪.‬‬ ‫وبعد أن تكلم اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫عن الرسل ‪ ،‬وعن االختبلف ‪،‬‬

‫وعن القتال لتثبيت منهج ا‪ٟ‬تق ‪،‬‬ ‫وعن اإلنفاق ‪ ،‬يوضح لنا التصور‬ ‫اإلٯتاين الصحيح الذي يف ضوئه‬ ‫جاءت كل هذه ا‪١‬تسائل ‪ .‬فقد جاء‬ ‫موكب الرساالت كلها من أجل‬ ‫هذا ا‪١‬تنهج فقال سبحانه ‪ { :‬اهلل ال َ‬ ‫إله إِال َّ ُه َو ا‪ٟ‬تي القيوم ‪} . . .‬‬

‫اّلل َال إِل َ َه إ َِّال ُه َو ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّي الْقَي‬ ‫وم َال‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫تَأ ْ ُخ ُذ ُه ِسن َ ٌة َو َال ن َ ْو ٌم ل َ ُه َما ِيف‬ ‫السماو ِ‬ ‫ات َو َما ِيف ْاأل َ ْر ِض َم ْن ذَا‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ال َّ ِذي ي َ ْش َف ُع ِعن ْ َد ُه إ َِّال بِإِذْنِ ِه يَعْل َ ُم َما‬ ‫ُت أَي ْ ِدي ِه ْم َو َما َخل ْ َف ُه ْم َو َال‬ ‫بَ ْ َ‬ ‫ُ٭ت ِ ُيطون بِ َشيءٍ ِمن عِل ْ ِم ِه إ َِّال ِ‬ ‫ٔت‬ ‫اء‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َو ْاأل َ ْر َض‬ ‫َوس َع ُك ْرسي ُّ ُه َّ َ َ‬

‫ود ُه ِح ْف ُظ ُه َما َو ُه َو الْعَلِ ُّي‬ ‫َو َال ي َ ُئ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)255‬‬ ‫الْعَظ ُ‬

‫ونقف بالتأمل اْلن عند قوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ اهلل ال َإله إِال َّ ُه َو } ‪ .‬إن كلمة {‬ ‫اهلل } هي عَل َ ٌم عىل واجب الوجود ‪.‬‬ ‫وعندما نقول ‪ « :‬اهلل » فإن الذهن‬

‫ينصرف إىل الذات الواجبة الوجود‬ ‫‪.‬‬ ‫ما معٌت « واجبة الوجود »؟ إن‬ ‫الوجود قسمان ‪ :‬قسم واجب ‪،‬‬ ‫وقسم ‪٦‬تكن ‪ .‬والقسم الواجب هو‬ ‫الضروري الذي ‪٬‬تب أن يكون‬ ‫موجودا ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت‬

‫أعلمنا با‪ٝ‬ته { اهلل } أعطانا‬ ‫فكرة عىل أن كلمة { اهلل } هذه‬ ‫يتحدى بها سبحانه أن يُس ىم بها‬ ‫سواه ‪ .‬ولو كنا ‪ٚ‬تيعا ًمؤمنُت لكان‬ ‫احًتامنا ‪٢‬تذا التحدي نابعا من‬ ‫اإلٯتان ‪ .‬ولك ْن هنا كافرون باهلل‬ ‫ومتمردون وملحدون يقولون ‪« :‬‬

‫اهلل خرافة » ‪ ،‬ومع ذلك هل ‪٬‬ترؤ‬ ‫واحد من هؤالء أن يسمي نفسه {‬ ‫اهلل } ؟‬ ‫لم يفعل أحد هذا؛ ألن اهلل ٖتدى‬ ‫بذلك ‪ ،‬فلم ‪٬‬ترؤ واحد أن يدخل‬ ‫يف هذه التجربة ‪ .‬وعدم جرأة‬ ‫الكفار وا‪١‬تبلحدة يف أن يدخلوا يف‬

‫هذه التجربة دليل عىل أن كفرهم‬ ‫َت وطيد يف نفوسهم ‪ ،‬فلو كان‬ ‫كفرهم صحيحا ًلقالوا ‪ :‬سنسمي‬ ‫ونرى ما ٭تدث ‪ ،‬ولكن هذا لم‬ ‫٭تدث ‪.‬‬ ‫إذن { اهلل } علم واجب الوجود‬ ‫ا‪١‬تتصف بكل صفات الكمال ‪.‬‬

‫وبعد ذلك جاء بالقضية األساسية‬ ‫وهي قوله تعاىل ‪ { :‬ال َإله إِال َّ ُه َو }‬ ‫وهنا ‪٧‬تد النفي و‪٧‬تد اإلثبات ‪ ،‬النفي‬ ‫يف { ال َإله } ‪ ،‬واإلثبات يف { إِال َّ ُه َو‬ ‫} ‪ .‬والنفي ٗتلية واإلثبات ٖتلية ‪.‬‬ ‫خىل سبحانه نفسه من وجود‬ ‫الشريك له ثم أثبت لنا وحدانيته‬

‫‪ .‬و « ال إله إال اهلل » أي ال معبود ْتق‬ ‫إال اهلل ‪ .‬ونعرف أن بعضنا من‬ ‫البشر يف فًتات الغفلة قد عبدوا‬ ‫أصناما ًوعبدوا الكواكب ‪ .‬ولكن‬ ‫هل كانت آ‪٢‬تة ْتق أم بباطل؟ لقد‬ ‫كانت آ‪٢‬تة بباطل ‪ .‬ودليل صدق‬ ‫هذه القضية اليت هي « ال إله إال اهلل‬

‫» ‪ ،‬أي ال معبود إال اهلل أن أحدا من‬ ‫تلك اْل‪٢‬تة لم يعًتض عىل صدق‬ ‫هذه القضية ‪ .‬إذن فهذا الكبلم هو‬ ‫حق وصدق ‪.‬‬ ‫وإن ادىع أحد َت ذلك ‪ ،‬نقول له ‪:‬‬ ‫إن اهلل قد أخْبنا أنه ال معبود ْتق‬ ‫َته؛ ألنه هو الذي خلق وهو الذي‬

‫رزق ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنا الذي خلقت ‪ .‬إن‬ ‫كان هذا الكبلم صحيحا ًفهو صادق‬ ‫فيه ‪ ،‬فبل نعبد إال هو ‪ .‬وإن كان هذا‬ ‫الكبلم َت صحيح ‪ ،‬وأن أحدا ً َته‬ ‫هو الذي خلق هذا الكون فأين هذا‬ ‫األحد الذي خلق ‪ ،‬ثم ترك من لم‬ ‫ٮتلق ليأخذ الكون منه ويقول ‪« :‬‬

‫أنا الذي خلق الكون »؟ إنه أمر من‬ ‫اثنُت ‪ ،‬األمر األول ‪ :‬هو أنه ليس‬ ‫هناك إله َته ‪ .‬فالقضية إذن‬ ‫منتهية ‪ .‬واألمر اْلخر ‪ :‬هو أنه لو‬ ‫كان هناك آ‪٢‬تة أخرى ‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫جاء واحد وقال ‪ « :‬أنا اإلله وليس‬ ‫هناك إله إال أنا » ‪.‬‬

‫فأين هذه اْل‪٢‬تة األخرى؟ ألم‬ ‫تعلم بهذه ا‪ٟ‬تكاية؟‬ ‫إن كانوا لم يعلموا بها ‪ ،‬فهم ال‬ ‫يصلحون أن يكونوا آ‪٢‬تة ‪ ،‬وإن‬ ‫كانوا قد علموا فلماذا لم يقولوا ‪ :‬ال‬ ‫‪٨ .‬تن اْل‪٢‬تة ‪ ،‬وهذا الكبلم كذب؟‬ ‫وكما بعث اهلل رسبل ٔتعجزات‬

‫كان عليهم أن يبعثوا رسوال‬ ‫ٔتعجزات ‪ .‬فصاحب الدعوة إذا‬ ‫ّادعاها ولم يوجد معارض له ‪،‬‬ ‫تثبت الدعوى إىل أن يوجد ُمنا ِزع ‪.‬‬ ‫إذن كلمة « ال إله إال اهلل » معها‬ ‫دليل الصدق؛ ألنه إما أن يكون‬ ‫هذا الكبلم حقا وصدقا فتنتهي‬

‫ا‪١‬تسألة ‪ ،‬وإن لم يكن حقا فأين‬ ‫اإلله الذي خلق والذي ‪٬‬تب أن‬ ‫يُعبد بعد أن ‪ٝ‬تع من جاء ليأخذ منه‬ ‫هذه القضية؟ وبعد ذلك ال نسمع له‬ ‫حسا ًوال حركة ‪ ،‬وال يتكلم ‪ ،‬وال‬ ‫نعلم عنه شيئا ‪ ،‬فما هو شأنه؟ إما‬ ‫أنه لم يعلم فبل يصلح أن يكون‬

‫إ‪٢‬تا؛ ألنه لو كان قد علم ولم يرد‬ ‫فليست له قوة ‪ .‬ولذلك ربنا‬ ‫سبحانه يأيت بهذه القضية من‬ ‫ان‬ ‫ناحية أخرى فيقول ‪ُ { :‬ق ْل ل َّ ْو ك َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون إِذا ًالَّبْتَغ َ ْوا ْإىل‬ ‫َمعَ ُه آ‪٢‬ت َ ٌة َك َما ي َ ُقول ُ َ‬ ‫ِذي العرش َسبِيبل ً* ُسب ْ َحان َ ُه وتعاىل‬ ‫ون ُعل ُ ّوا ً َكبَِتا ً} ػ‬ ‫َع َّما ي َ ُقول ُ َ‬

‫اإلسراء ‪] 43-42 :‬‬ ‫فلو كان عند تلك اْل‪٢‬تة ا‪١‬تزعومة‬ ‫مظاهر قوة لذهبوا إىل اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل وأنكروا ألوهيته ‪ ،‬ولو كان‬ ‫هناك إله َت اهلل ‪ٟ‬تدثت معركة‬ ‫بُت اْل‪٢‬تة ‪ ،‬ولكن هذا لم يحدث ‪.‬‬ ‫فالكلمة « ال إله إال اهلل » صدق يف‬

‫ذاهتا حىت عند من ينكرها ‪،‬‬ ‫والدليل فيها هو عدم وجود ا‪١‬تنازع‬ ‫‪٢‬تذه الدعوى؛ ألنه إن لم يوجد‬ ‫منازع فقد ثبت أنه سبحانه ال إله‬ ‫إال اهلل ‪ .‬وإن وجد ا‪١‬تنازع نقول ‪:‬‬ ‫أين هو؟‬ ‫وأضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬

‫األعىل هب أننا يف اجتماع ‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك وجدنا حافظة نقود ‪،‬‬ ‫فعرضناها عىل ا‪١‬توجودين ‪ ،‬فلم ‪٧‬تد‬ ‫‪٢‬تا صاحبا ً‪ ،‬ثم جاء واحد كان معنا‬ ‫وخرج ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا قوم بينما كنت‬ ‫أجلس معكم ضاعت حافظة‬ ‫نقودي ‪ .‬و‪١‬تا لم يدعها واحد منا‬

‫لنفسه فهي إذن حافظته هو ‪.‬‬ ‫إذن « ال إله إال اهلل » هي قضية‬ ‫٘تتلئ بالصدق وا‪ٟ‬تق ‪ ،‬واهلل هو‬ ‫ا‪١‬تعبود الذي يُت َ َو ّجه إليه بالعبادة ‪،‬‬ ‫والعبادة هي الطاعة ‪ .‬فمعٌت عابد‬ ‫أي طائع ‪ ،‬وكل طاعة تقتضي أمرا ً‬ ‫وتقتضي هنيا ً‪ ،‬ومادامت العبادة‬

‫تقتضي أمرا ًوتقتضي هنيا ً‪ ،‬فبل بد‬ ‫أن يكون ا‪١‬تأمور وا‪١‬تنهي صا‪ٟ‬تا ًأن‬ ‫يفعل وصا‪ٟ‬تا ًأال ّيفعل ‪ .‬فعندما‬ ‫نقول له ‪ :‬افعل كذا كمنهج إٯتان‬ ‫‪ ،‬فهو صاٌف لئبل يفعل ‪ .‬وعندما‬ ‫نقول له ‪ :‬ال تفعل فهو صاٌف ألن‬ ‫يفعل ‪ ،‬وإال لو لم يكن صا‪ٟ‬تا أال‬

‫يفعل أيقول له « افعل »؟ ال ‪ ،‬ال‬ ‫يقول له ذلك ‪ .‬ولو كان صا‪ٟ‬تا أال‬ ‫يفعل أيقول له « ال تفعل »؟ إن‬ ‫ذلك َت ‪٦‬تكن ‪.‬‬ ‫إذن البد أن يكون صا‪ٟ‬تا ً‪٢‬تذه‬ ‫وتلك وإال لكان األمر والنهي عبثا ً‬

‫وال طائل من ورائهما ‪ .‬لذلك‬ ‫عندما أرادوا أن يقصروا اإلسبلم‬ ‫يف العبادات الطقسية اليت هي شهادة‬ ‫ال إله إال اهلل ‪ ،‬وأن ‪٤‬تمدا ًرسول‬ ‫اهلل ‪ ،‬والصبلة ‪ ،‬والصوم ‪ ،‬والزكاة ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تج ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هل هذا هو كل‬ ‫اإلسبلم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنه دين يعتمد‬

‫عىل ا‪١‬تظاهر فقط ‪ ،‬قلنا ‪٢‬تم ‪ :‬ال ‪ ،‬إن‬ ‫اإلسبلم هو كل حركة يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫تناسب خبلفة اإلنسان يف األرض؛‬ ‫ألن اهلل يقول يف كتابه الكريم ‪{ :‬‬ ‫ُه َو أَن َشأ َ ُك ْم ِّم َن األرض‬ ‫واستعمركم فِيهَا } ػ هود ‪] 61 :‬‬ ‫{ واستعمركم فِيهَا } أي طلب‬

‫منكم أن تعمروها ‪ ،‬فكل حركة يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة تؤدي إىل عمار األرض فهي‬ ‫من العبادة ‪ ،‬فبل تأخذ العبادة عىل أهنا‬ ‫صوم وصبلة فقط؛ ألن الصوم‬ ‫والصبلة و َت‪٫‬تا هي األركان اليت‬ ‫ستقوم عليها حركة ا‪ٟ‬تياة اليت‬ ‫َسيبٍت عليها اإلسبلم ‪ ،‬فلو جعلت‬ ‫ُ‬

‫اإلسبلم هو هذه األركان فقط‬ ‫‪ٞ‬تعلت اإلسبلم أساسا بدون مبٌت ‪،‬‬ ‫فهذه هي األركان اليت يُبٍت عليها‬ ‫اإلسبلم ‪ ،‬فإذن اإلسبلم هو كل ما‬ ‫يناسب خبلفة اإلنسان يف األرض‬ ‫يبُت ذلك ويؤكده قول اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫{ ُه َو أَن َشأ َ ُك ْم ِّم َن األرض‬

‫واستعمركم فِيهَا } ػ هود ‪] 61 :‬‬ ‫وٮترج إلينا أناس يقولون ‪٨ :‬تن‬ ‫ليس لنا إال أن نعبد وال نعمل ‪.‬‬ ‫ونقول ألي منهم ‪ :‬كم تأخذ‬ ‫الصبلة منك يف اليوم؟ ساعة مثبل ‪.‬‬ ‫والزكاة كم تأخذ منك يف العالم‬ ‫يوما ًواحدا ًيف العام؟ والصوم كم‬

‫يأخذ منك من وقت؟ هنار أيام‬ ‫شهر واحد ‪ .‬وفريضة ا‪ٟ‬تج أتأخذ‬ ‫منك أكثر من رحلة واحدة يف‬ ‫عمرك؟ فباهلل عليك ماذا تفعل يف‬ ‫البايق من عمرك من بعد ذلك وهو‬ ‫كثَت؟ إنك ال تأخذ أكثر من ساعة‬ ‫يف اليوم للصبلة ‪ ،‬وال تأخذ أكثر من‬

‫يوم يف السنة إلخراج الزكاة ‪،‬‬ ‫وتقضي شهرا ًيف السنة تصوم هناره‬ ‫‪ .‬وٖتج مرة واحدة يف عمرك ‪،‬‬ ‫فماذا تفعل يف بقية الزمان ‪ ،‬ستأكل‬ ‫وتلبس ‪ ،‬ستطلب رغيف ا‪٠‬تبز‬ ‫للطعام فمن الذي سيصنعه لك؟‬ ‫إن هذا الرغيف ٯتر ٔتراحل حىت‬

‫يصَت لقمة تأكلها ‪ .‬و٭تتاج إىل‬ ‫أكثر من علم وأكثر من حركة‬ ‫وأكثر من طاقة ‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تحل الذي يبيعه فقط وال‬ ‫ٮتبزه ٭تتاج إىل واجهة من زجاج أو‬ ‫َته ‪ ،‬والبد أن يعمل فيه من‬ ‫يذهب بعربته إىل ا‪١‬تخبز ليحمل‬

‫ا‪٠‬تبز ‪ ،‬وينقله إىل ا‪١‬تحل ويبيعه وإذا‬ ‫نظرت إىل الفرن فسوف ٕتد‬ ‫مراحل عدة من تسليم وتسلم‬ ‫للدقيق ‪ ،‬ثم إىل العجُت ‪ ،‬وإىل النار‬ ‫اليت توقد با‪١‬تازوت ‪ ،‬ويقوم بذلك‬ ‫عمال ٭تتاجون ‪١‬تن ٮتطط ‪٢‬تم ‪،‬‬ ‫وقبل ذلك كان الدقيق ‪٣‬ترد حبوب‬

‫‪ ،‬وتم طحنها لتصَت دقيقا ً‪ ،‬وهناك‬ ‫مهندسون يديرون ا‪١‬تاكينات اليت‬ ‫تطحن ‪ ،‬ويعملون عىل صيانتها ‪،‬‬ ‫وبعد ذلك األرض اليت نبت فيها‬ ‫القمح وكيف تم حرثها ‪ ،‬وهتيئتها‬ ‫للزراعة ‪ ،‬وريها ‪ ،‬وتسميدها ‪،‬‬ ‫وزرعها ‪ ،‬وحصدها ‪ ،‬وكيف ُد ِر َس‬

‫القشر والسنابل ‪ ،‬وكيف تتم‬ ‫تذريته من بعد ذلك ‪ ،‬لفصل‬ ‫ا‪ٟ‬تبوب عن التنب ‪ ،‬وتعبئة ا‪ٟ‬تبوب ‪،‬‬ ‫إىل َت ذلك؟‬ ‫انظر كم من ا‪ٞ‬تهد أخذ رغيف‬ ‫ا‪٠‬تبز الذي تأكله ‪ ،‬وكم من‬ ‫الطاقات وكم رجال للعمل ‪،‬‬

‫فكيف تستسيغ لنفسك أن‬ ‫يصنعوه لك ‪ ،‬وأنت فقط جالس‬ ‫لتصلي وتصوم؟ ال ‪ ،‬إياك أن تأخذ‬ ‫عمل َتك دون جهد منك ‪.‬‬ ‫مثال آخر ‪ ،‬أنت تلبس جلبابا ‪ ،‬كم‬ ‫أخذ هذا ا‪ٞ‬تلباب من غزل ونسج‬

‫وخيط؟ إذن فبل تقعد ‪ ،‬وتنتفع‬ ‫ْتركة ا‪١‬تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وتقول ‪:‬‬ ‫أنا ‪٥‬تلوق للعبادة فقط ‪ ،‬فليست هذه‬ ‫هي العبادة ‪ ،‬ولكن العبادة هي أن‬ ‫تطيع اهلل يف كل ما أمر ‪ ،‬وأن تنتهي‬ ‫عن كل ما هنى يف إطار قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ُه َو أَن َشأ َ ُك ْم ِّم َن األرض‬

‫واستعمركم فِيهَا } إن كل عمل‬ ‫يعتْب عبادة ‪ ،‬وإال ستكون « تنببل ً»‬ ‫يف الوجود ‪ .‬واإلٯتان ا‪ٟ‬تق يقتضي‬ ‫منك أن تنتفع بعملك وال تعتمد‬ ‫عىل عمل َتك ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد‬ ‫استخلفنا يف األرض من أجل أن‬

‫نعمرها ‪ .‬ومن حسن العبادة أن‬ ‫نتقن كل عمل وبذلك ال نقيم‬ ‫أركان اإلسبلم فقط ‪ ،‬ولكن نقيم‬ ‫األركان والبنيان معا ‪ .‬ونكون قد‬ ‫أدينا مسئولية اإلٯتان ‪ ،‬وطابق كل‬ ‫فعل من أفعالنا قولنا ‪ « :‬ال إله إال‬ ‫اهلل » ‪.‬‬

‫ولقد عرفنا أن كلمة { اهلل } هي‬ ‫علَم عىل واجب الوجود ‪ ،‬وهي‬ ‫االسم الذي اختاره اهلل لنفسه‬ ‫وأعلمنا به ‪ ،‬وهلل أ‪ٝ‬تاء كثَتة كما‬ ‫روى يف ا‪ٟ‬تديث عن رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم حُت سأل اهلل بكم‬ ‫اسم هو له أنزله يف كتابه أو علمه‬

‫خصه به أو‬ ‫أحدا ًمن خلقه أي ّ‬ ‫استأثر به يف علم الغيب عنده ‪ ،‬فبل‬ ‫تظنن أن أ‪ٝ‬تاء اهلل هي كلها هذه‬ ‫األ‪ٝ‬تاء اليت نعرفها ‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫األ‪ٝ‬تاء هي اليت أذن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل بأن نعلمها ‪.‬‬ ‫ومن ا‪ٞ‬تائز ‪ ،‬أو من لفظ ا‪ٟ‬تديث‬

‫نعلم أن اهلل قد يُعلّم بعضا من‬ ‫خلقه أ‪ٝ‬تاء له ‪ ،‬ويستأثر لنفسه‬ ‫بأ‪ٝ‬تاء سنعرفها يوم القيامة حُت‬ ‫نلقاه ‪ ،‬وحُت نتكلم عن األ‪ٝ‬تاء‬ ‫األخرى ‪٧‬تد أهنا ملحوظ فيها‬ ‫الصفة ‪ ،‬ولكنها صارت أ‪ٝ‬تاء ألهنا‬ ‫الصفة الغالبة ‪ ،‬فإذا قيل ‪ « :‬قادر »‬

‫‪٧‬تد أننا نستخدم هذه الكلمة‬ ‫لوصف واحد من البشر ‪ ،‬ولكن «‬ ‫القادر إذا أطلق انصرف إىل القادر‬ ‫األعىل وهو اهلل ‪ .‬وكذلك » السميع‬ ‫« ‪ ،‬و » البصَت « ‪ .‬و » العليم « ‪.‬‬ ‫إننا ‪٧‬تد أن بعضا ًمن أ‪ٝ‬تاء اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل له مقابل ‪ ،‬ومن‬

‫أ‪ٝ‬تاء اهلل ا‪ٟ‬تسٌت ما ال ٕتد له مقاببل ً‬ ‫‪ .‬فإذا قيل » ا‪١‬تحيي « ٕتد »‬ ‫ا‪١‬تميت « و » ا‪١‬تعز « ٕتد » ا‪١‬تذل‬ ‫« ‪ ،‬ألهنا صفة يظهر أثرها يف الغَت ‪،‬‬ ‫فهو ‪٦‬تيت لغَته ‪ ،‬ومع ّز لغَته ‪،‬‬ ‫ومذل لغَته ‪ ،‬لكن الصفة إن لم‬ ‫يوجد ‪٢‬تا مقابل نسميها صفة ذات‬

‫‪ ،‬فهو » حي « وال نأيت با‪١‬تقابل إ‪٪‬تا‬ ‫» ُ‪٤‬تيي « نأيت با‪١‬تقابل وهو »‬ ‫ا‪١‬تميت « ‪ ،‬فهذه ا‪ٝ‬تها صفة فعل‬ ‫‪.‬‬ ‫فصفات الفعل يتصف بها‬ ‫ؤتقابلها ألهنا يف الغَت ‪ .‬لكن صفة‬

‫الذات ال يتصف إال بها ‪.‬‬ ‫وحينما قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬اهلل } فهو‬ ‫سبحانه يريد أن يعطينا بعض‬ ‫ٕتليات اهلل يف أ‪ٝ‬تائه ‪ ،‬فقال ‪« :‬‬ ‫اهلل ال إله إال هو » ليحقق لنا صفة‬ ‫التوحيد ‪ ،‬و‪٬‬تب أن نعلم أن « إال »‬ ‫هنا ليست أداة استثناء ‪ ،‬ألهنا لو‬

‫كانت أداة استثناء فكأنك تنفي أن‬ ‫توجد آ‪٢‬تة ويكون اهلل من ضمن‬ ‫هذه اْل‪٢‬تة اليت نفيتها وذلك َت‬ ‫صحيح ‪ .‬وإ‪٪‬تا ا‪١‬تراد أنه ال آ‪٢‬تة‬ ‫أبدا ً َت اهلل فهو واحد ال شريك له‬ ‫‪ ،‬وأنه ال معبود ْتق إال هو فكلمة «‬ ‫إال ّ» ليست لبلستثناء وإ‪٪‬تا هي‬

‫ٔتعٌت َت ‪ ،‬أي ال إله َت اهلل ‪.‬‬ ‫وقد عرفنا أن هذه القضية معها‬ ‫دليلها ‪ ،‬وإال فلو كان هناك إله آخر‬ ‫لقال لنا ‪ :‬إنه موجود ‪ .‬لكن ال إله إال‬ ‫هو سبحانه أبلغنا { اهلل ال َإله إِال َّ ُه َو‬ ‫} ‪ .‬وأعجبٍت ما قاله الدكتور عبد‬ ‫الوهاب عزام ر‪ٛ‬تة اهلل عليه وكان‬

‫متأثرا بالشاعر الباكستاين« إقبال‬ ‫» ‪ ،‬كان للشاعر إقبال شيء ا‪ٝ‬ته «‬ ‫ا‪١‬تثاين » ‪ ،‬أي أن يقول بيتُت من‬ ‫الشعر يف معٌت ‪ ،‬وبيتُت من الشعر يف‬ ‫معٌت ‪ ،‬وكان يغلب عىل شعر إقبال‬ ‫الفلسفة اإلسبلمية والفكر‬ ‫اإلسبلمي ‪ ،‬وقد تأثر الدكتور عبد‬

‫الوهاب عزام بشعر إقبال فجعل‬ ‫له مثاين أيضا يناظر فيها « إقبال »‬ ‫‪ ،‬فيقول ‪:‬‬ ‫إ‪٪‬تا التوحيد إ‪٬‬تاب وسلب ‪...‬‬ ‫وفيهما للنفس عزم ومضاء‬ ‫وقوله ‪ « :‬إ‪٪‬تا التوحيد إ‪٬‬تاب‬ ‫وسلب » هو قول متأثر بالقضية‬

‫الكهربية ‪ .‬فيقول ‪ :‬إ‪٪‬تا التوحيد‬ ‫إ‪٬‬تاب وسلب فيهما للنفس عزم‬ ‫ومضاء ‪ .‬فأنت عندما تقول « ال إله‬ ‫» ‪ ،‬ف « ال » للنفي ‪ ،‬وعندما‬ ‫تكمل قولك ‪ « :‬إال اهلل » ف « إال‬ ‫» لئلثبات ‪ ،‬ويكمل الدكتور‬ ‫عزام قوله ‪ :‬ال وإال قوة قاهرة ‪.‬‬

‫فهما يف القلب قطبا الكهرباء كأن‬ ‫الكهرباء تأيت بأنك تسلب‬ ‫وتوجب ‪ .‬فاإل‪٬‬تاب يف « إال »‬ ‫والسلب يف « ال » ‪ .‬ومادام فيه‬ ‫إ‪٬‬تاب وسلب ‪ ،‬إذن ففيه شرارة‬ ‫كهرباء ‪.‬‬ ‫{ اهلل ال َإله إِال َّ ُه َو ا‪ٟ‬تي القيوم } ‪ ،‬و‬

‫{ ا‪ٟ‬تي } هو أول صفة ‪٬‬تب أن‬ ‫تكون لذلك اإلله ‪ ،‬ألن القدرة بعد‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬والعلم بعد ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬فكل‬ ‫صفة البد أن تأيت بعدها الذكر وإال‬ ‫فليست صفة من صفات اهلل أسبق‬ ‫من صفة وال متقدمة عليها فكلها‬ ‫قدٯتة ال أول ‪٢‬تا ‪ ،‬فلو كان عدما ً‬

‫فكيف تأيت الصفات عىل العدم؟ ‪،‬‬ ‫وكلمة « ح ّي » عندما نسمعها‬ ‫نقول ‪ :‬ما هو ا‪ٟ‬تي؟ ‪ .‬إن الفبلسفة‬ ‫قد احتاروا يف تفسَتها ‪ .‬فمنهم‬ ‫من قال ‪ :‬ا‪ٟ‬ت ّي هو الذي يكون عىل‬ ‫صفة ٕتعله ُم ْد ِركا ًإن ُو ِج َد ما‬ ‫ك‪.‬‬ ‫يُ ْد َر ْ‬

‫كأن الفيلسوف الذي قال ذلك ‪:‬‬ ‫يعٍت با‪ٟ‬تياة حياتنا ‪٨‬تن ‪ ،‬وما دوننا‬ ‫كأنه ليس فيه إدراك ‪.‬‬ ‫ونقول لصاحب هذا الرأي ‪ :‬ال ‪ ،‬إن‬ ‫أردت ا‪ٟ‬تياة با‪١‬تعٌت الواسع الدقيق‬ ‫فبلبأن تقول ‪ :‬ا‪ٟ‬تياة هي أن‬ ‫د‬

‫يكون الشيء عىل الصفة اليت تبىق‬ ‫صبلحيته ‪١‬تهمته هذا هو ما ‪٬‬تب‬ ‫أن يكون عليه التعريف ‪ ،‬ف {‬ ‫ا‪ٟ‬تي } ‪ :‬هو الذي يكون عىل صفة‬ ‫ُتبىق له صبلحيته ‪١‬تهمته ‪ ،‬مثال‬ ‫ذلك النبات ‪ ،‬مادمت ٕتده ينمو ‪،‬‬ ‫إذن ففيه حياة تبىق له صبلحية‬

‫مهمته ‪ .‬فلو قطع النتهت‬ ‫الصبلحية ‪ .‬ومثال اإلنسان عندما‬ ‫ٯتوت تنتهي صبلحيته ‪١‬تهمته ‪،‬‬ ‫والعناصر ا‪ٞ‬تامدة عندما تأيت مع‬ ‫بعضها تتفاعل ‪ ،‬هذا التفاعل فرع‬ ‫وجود ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬لكنها حياة مناسبة ‪٢‬تا‬ ‫وليست مثل حياتنا ‪.‬‬

‫أنت مثبل ًترى « الزلط » الناعم‬ ‫األملس ‪ٕ ،‬تده عىل مقدار واحد؟ ال‬ ‫‪ ،‬إن أشكاله ‪٥‬تتلفة ‪ ،‬وهذا دليل عىل‬ ‫أن هناك مراحل للحجر الواحد‬ ‫منها ‪ ،‬ولو استمرت تلك األحجار‬ ‫يف بيئتها الطبيعية فبل شك أن هذه‬ ‫الكبَتة تتفتت يوما ًوتصَت صغَتة‬

‫ثم تكْب مرة أخرى ‪ ،‬لكن اإلنسان‬ ‫حُت يستخدم هذه األحجار تكون‬ ‫قد خرجت من بيئتها ‪ .‬ومن‬ ‫حكمة اهلل أنه ال يوجد شيء تنتهي‬ ‫جدواه أبدا ً‪ ،‬بل هو سبحانه يهيئ‬ ‫لكل شيء مهمة أخرى ‪.‬‬ ‫إذن فكل كائن يكون عىل صفة ُتبىق‬

‫له صبلحيته ‪١‬تهمة ‪ ،‬وتكون له‬ ‫حياة مناسبة لتلك ا‪١‬تهمة ‪٨ .‬تن ال‬ ‫نأيت بهذا الكبلم من عندنا ‪ ،‬ولكننا‬ ‫نأيت بهذا الكبلم ألننا نقرأ القرآن‬ ‫بإمعان وتدبر ‪ ،‬ونقول ‪ :‬ماذا يقابل‬ ‫ا‪ٟ‬تياة يف القرآن؟ إنه ا‪٢‬تبلك‬ ‫ك َم ْن‬ ‫بدليل أن اهلل قال ‪ { :‬لِ ّيَهْلِ َ‬

‫ك َعن ب َ ِيّن َ ٍة و٭تِت َم ْن َح َّي َعن‬ ‫َهل َ َ‬ ‫ب َ ِيّن َ ٍة } ػ األنفال ‪] 42 :‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تياة مقابلة للهبلك ‪ .‬و {‬ ‫ا‪ٟ‬تي } َت هالك ‪ .‬وا‪٢‬تالك ال‬ ‫يكون حيا ً‪ ،‬ويقول تعاىل يف اْلخرة ‪:‬‬ ‫ك إِال َّ َو ْجهَ ُه } ػ‬ ‫{ كُ ُّل َش ْيءٍ َهال ِ ٌ‬ ‫القصص ‪] 88 :‬‬

‫ومعٌت ذلك أن كل األجناس من‬ ‫أعبلها إىل أدناها ‪ ،‬سواء اإلنسان ‪،‬‬ ‫أو ا‪١‬تبلئكة ‪ ،‬أو ا‪ٟ‬تيوان أو النبات ‪،‬‬ ‫كلها ستكون هالكة ‪ ،‬ومادام كل‬ ‫شيء سيهلك يوم القيامة فكأنه لم‬ ‫يكن هالكا ًقبل ذلك ‪ ،‬وله حياة‬ ‫مناسبة له ‪ .‬أليست ا‪ٟ‬تجارة شيئا ً‪،‬‬

‫وستدخل يف ا‪٢‬تبلك يوم القيامة؟ ‪.‬‬ ‫إذن فهي قبل ذلك َت هالكة ‪.‬‬ ‫لكننا ‪٨‬تن البشر ال نفطن إىل ذلك‬ ‫ونفهم ا‪ٟ‬تياة فقط عىل أهنا ا‪ٟ‬تس‬ ‫وا‪ٟ‬تركة الظاهرة ‪ .‬مع أن العلماء‬ ‫قد أثبتوا أنه حىت الذرة فيها دوران‬ ‫‪ ،‬و‪٢‬تا حياة ‪ .‬وأنت عندما تنظر‬

‫با‪١‬تجهر عىل ورقة من النبات ‪،‬‬ ‫وترى ما بها من خضر وخبليا ‪،‬‬ ‫وتشاهد العمليات اليت ٖتدث بها ‪،‬‬ ‫وتقول ‪ :‬هذه حياة أرىق من حياتنا ‪،‬‬ ‫وأدق منها ‪.‬‬ ‫إذن فكل شيء له حياة ‪ ،‬إياك أن‬ ‫تظن أنك أنت الذي هتلكها ‪،‬‬

‫فعندما تأيت ْتجر وتدقه أو تضعه يف‬ ‫الفرن لتصنع ا‪ٞ‬تَت؛ إياك أن تقول‬ ‫‪ :‬إنك أذهبت من األحجار ا‪ٟ‬تياة‬ ‫ا‪١‬تناسب‪٢‬تا ‪ ،‬أنت فقط قد حولت‬ ‫ة‬ ‫مهمتها من حجر صلب ‪ ،‬وصارت‬ ‫‪٢‬تا مهمة أخرى ‪ ،‬فا‪١‬تسائل‬ ‫تتسلسل إىل أن يصَت لكل شيء يف‬

‫الوجود حياة تناسب ا‪١‬تهمة اليت‬ ‫يصلح ‪٢‬تا ‪.‬‬ ‫وانظر إىل مهمة ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ما شكلها؟‬ ‫إهنا ا‪ٟ‬تياة العليا ‪ ،‬وهو ا‪ٟ‬تي األعىل‬ ‫وحي ال ُتسلب منه ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ألن أحدا‬ ‫لم يعطه ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬بل حياته سبحانه‬

‫ذاتية ‪ ،‬فهذا هو ا‪ٟ‬تي عىل إطبلقه ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تي عىل إطبلقه هو اهلل وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل قال ‪ { :‬اهلل ال َإله إِال َّ‬ ‫ُه َو ا‪ٟ‬تي } وأثر صفة هذه موجود يف‬ ‫كل الصفات األخرى فقال ‪{ :‬‬ ‫القيوم } ‪ .‬والقيوم هو صفة مبالغة‬ ‫يف قائم ‪ .‬ومثلها قولنا ‪ « :‬اهلل غفور‬

‫» لكن أال يوجد افر؟ يوجد افر ‪،‬‬ ‫لكن « غفور » هي صفة مبالغة ‪.‬‬ ‫وقد يقول قائل ‪ :‬هل صفات اهلل‬ ‫فيها صفة قوية وأخرى ضعيفة؟ ‪.‬‬ ‫نقول ‪ :‬ال ‪ ،‬فصفات اهلل ال يصح أن‬ ‫توصف بالضعف أو بالقوة ‪ ،‬صفات‬ ‫اهلل نظام واحد ‪ .‬وحىت نفهم ذلك‬

‫فنضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل األعىل‬ ‫‪٨‬تن نقول ‪ :‬كلنا نأكل كي نستبقي‬ ‫حياتنا ‪ ،‬فكل واحد منا « آكل » ‪،‬‬ ‫لكن عندما نقول ‪ :‬فبلن أكول ‪،‬‬ ‫فمعٌت ذلك أنه أخذ صفة األكل‬ ‫اليت كلنا شركة فيها وزاد فيها‬ ‫فنقول عليه ‪ « :‬أكّال » أو « أكول‬

‫»‪.‬‬ ‫من أي ناحية تأيت هذه الزيادة؟ قد‬ ‫تأيت الزيادة من أنك تأكل يف العادة‬ ‫رغيفا ًوهو يأكل رغيفُت أو ثبلثة ‪،‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تدث له يف األكل أثر كبَت ‪،‬‬ ‫فنقول عليه ‪ :‬أكول ‪ .‬وقد يأكل‬ ‫معك رغيفا يف الوجبة الواحدة ‪،‬‬

‫لكنه يأكل ‪ٜ‬تس وجبات بدال من‬ ‫ثبلث وجبات؛ فيكون أيضا أكوال ‪،‬‬ ‫إذن ف « أكول » إما مبالغة يف‬ ‫ا‪ٟ‬تدث نفسه وإما بتكرار ا‪ٟ‬تدث ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن ننظر إىل صفات اهلل ونقول ‪:‬‬ ‫إهنا ال ٖتتمل القوة والضعف يف ذات‬ ‫ا‪ٟ‬تدث ‪ ،‬إ‪٪‬تا يف تكررها بالنسبة‬

‫للمخلوقُت ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬فاهلل افر ‪٢‬تذا‬ ‫‪ ،‬و افر لذاك ‪ ،‬و افر لكل عاص‬ ‫يتوب ‪ ،‬إذن فا‪ٟ‬تدث يتكرر ‪،‬‬ ‫فيكون « غفورا ً» وغفارا ً« ‪.‬‬ ‫وهذا ما ٭تل لنا اإلشكال يف كثَت من‬ ‫األمور ‪ ،‬فعندما يقول سبحانه ‪{ :‬‬ ‫ك بِ َظبل َّ ٍم ل ِ ّلْعَبِي ِد} ػ فصلت‬ ‫َو َما َربُّ َ‬

‫‪] 46 :‬‬ ‫فنحن هنا ‪٧‬تد قضية لغوية تقول ‪:‬‬ ‫إنك إذا جئت بصيغة ا‪١‬تبالغة ‪،‬‬ ‫وأثبتها ‪ ،‬تكون الصيغة األخرى‬ ‫األقل منها ثابتة بالضرورة ‪ ،‬مثال‬ ‫ذلك عندما نقول ‪ :‬فبلن » عبلّم «‬ ‫أو » عالم « ‪ ،‬فما دمت أثبت هل‬

‫الصفة القوية؛ تكون الصفة‬ ‫الضعيفة موجودة ‪ ،‬لكن إذا نفيت‬ ‫الصفة ا‪١‬تبالغ فيها قد تكون الصفة‬ ‫األخرى موجودة ‪ ،‬فهو ليس »‬ ‫عبلمة « لكنه قد يكون » عبلما ً«‬ ‫أو عا‪١‬تا » ‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬فبلن «‬ ‫عبلمة » فقد أثبت له األدىن أيضا ً‪،‬‬

‫فيكون « عبلَّما » أو « عا‪١‬تا » ‪.‬‬ ‫لكن إذا نفيت عنه « عبلمة » انتىف‬ ‫عنه البايق؟ ال ‪ ،‬إذن فنفي األكثر ال‬ ‫ينفي األقل ‪.‬‬ ‫لكن إذا أُثبت األكثر ثبت األقل ‪،‬‬ ‫وإذا نفيت األكثر فلن ينتفي األقل‬

‫‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬اهلل ليس بظبلم للعبيد‬ ‫‪ ،‬نفيت األكثر ‪.‬‬ ‫صحيح أنه َت مبالغ يف الظلم ‪،‬‬ ‫فهل ٯتكن أن يكون ظا‪١‬تا ً؟ عىل‬ ‫حسب ما قلنا ‪ :‬إذا نفينا األكثر ال‬ ‫ينتفي األقل نقول ‪ :‬ال ‪ ،‬ألننا هنا‬

‫‪٬‬تب أن نأخذ القضية األوىل يف أن‬ ‫ا‪١‬تبالغة يف ا‪ٟ‬تدث وا‪١‬تبالغة يف الفعل‬ ‫تأيت مرة يف ذات ا‪ٟ‬تدث ‪ ،‬ومرة يف‬ ‫تكرار ا‪ٟ‬تدث؛ فيكون معاذ اهلل‬ ‫ظبلَّما ً‪ ،‬ولذلك لم يقل ‪ :‬بظبلّم‬ ‫للعبد ‪ ،‬بل قال ‪ :‬بظبلّم للعبيد ‪.‬‬ ‫إذن فهذا العبد ٭تتاج ظا‪١‬تا ً‪ ،‬والعبد‬

‫اْلخر ٭تتاج ظا‪١‬تا ً‪ ،‬وذاك ٭تتاج‬ ‫ظا‪١‬تا ً! فعندما يظلم كل هؤالء‬ ‫يكون ظبلما ً‪ ،‬ولذلك نفاها‬ ‫ك بِ َظبل َّ ٍم‬ ‫سبحانه وقال ‪َ { :‬و َما َربُّ َ‬ ‫ل ِ ّلْعَبِي ِد } ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق هنا يقول ‪ « :‬قيوم » وهذه‬ ‫صفة مبالغة من قائم ‪ ،‬فاألصل‬

‫فيها ‪ :‬القائم عىل أمر بيته ‪ ،‬والقائم‬ ‫عىل أمر رعيته ‪ ،‬والقائم عىل أمر‬ ‫ا‪١‬تدرسة ‪ ،‬والقائم عىل أمر هذه‬ ‫اإلدارة ‪ ،‬ومعٌت قائم عىل أمرها ‪:‬‬ ‫أنه متويل شئوهنا ‪ ،‬فكأن القيام هو‬ ‫مظهر اإلشراف ‪ .‬فنحن ال نقول ‪:‬‬ ‫« قاعد عىل إدارهتا » ‪ .‬وعندما‬

‫نقول « قيوم » فمعناها أنه أوسع‬ ‫يف القيام ‪ .‬كيف جاء هذا االتساع؟‬ ‫‪ .‬ألن القائم قد يكون قائما ًبغَته‬ ‫‪ ،‬لكن حُت يكون قائما بذاته ‪،‬‬ ‫و َته يستمد قيامه منه ‪ ،‬فهو قائم‬ ‫عىل كل نفس وهو سبحانه القائل ‪:‬‬ ‫{ أَفَ َم ْن ُه َو قَ ِآئ ٌم عىل كُ ّ ِل ن َ ْف ٍس ِٔتَا‬

‫َكسب ْت و َجعَلُوا ْ َ ِ‬ ‫ّلل ُش َركَآءَ ُق ْل‬ ‫ّ‬ ‫ََ َ‬ ‫وه ْم أ َ ْم ُت ِبَّن ُئون َ ُه ِٔتَا ال َيَعْل َ ُم ِيف‬ ‫َ ُّ‬ ‫‪ٝ‬ت ُ‬ ‫األرض أَم بِ َظا ِه ٍر ِّم َن القول ب َ ْل‬ ‫ُز ِي ّ َن لِل َّ ِذي َن َك َف ُروا ْ َمك ُْر ُه ْم َو ُص ُّدوا ْ‬ ‫َع ِن السبيل َو َمن يُ ْضلِ ِل اهلل فَ َما ل َ ُه‬ ‫ِم ْن َها ٍد } ػ الرعد ‪] 33 :‬‬ ‫إن ا‪١‬تشركُت قد بلغو السفه يف‬

‫جحودهم فجعلوا هلل شركاء يف‬ ‫العبادة ‪ ،‬فهل يستطيع أحد أن يبلغ‬ ‫تلك ا‪١‬ترتبة العالية ‪ ،‬مرتبة خلق‬ ‫العالم والقيام عىل كل أمر فيه ‪،‬‬ ‫صغر أو كْب؟ ‪ .‬إنه ا‪ٟ‬تافظ ا‪١‬تراقب‬ ‫لكل نفس ‪ ،‬العالم بكل ما خفي‬ ‫وظهر ‪ ،‬وهذه األوثان ال تضر وال‬

‫تنفع ‪ ،‬فكيف تتو‪٫‬تون يا من‬ ‫أشركتم باهلل له ندا ً‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق ُمزنه‬ ‫عن ذلك بقيامه عىل كل نفس وكل‬ ‫ا‪٠‬تلق ‪ .‬لكن أهل الضبلل أغواهم‬ ‫ضبل‪٢‬تم فلم يعد ‪٢‬تم هاد بعد اهلل ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه قائم بذاته ‪،‬‬ ‫وقائم عىل َته ‪ .‬والغَت إن كان‬

‫قائما ًإ‪٪‬تا يستمد منه القيام ‪.‬‬ ‫فبلبد أن يكون « قيوما ً» ‪ ،‬ومن‬ ‫قيومته أنه { ال َتَأ ْ ُخ ُذ ُه ِسن َ ٌة َوال َن َ ْو ٌم‬ ‫} ‪ ،‬وقيل يف كتب العلم ‪ :‬إن قوم‬ ‫بٍت إسرائيل سألوا موىس عليه‬ ‫السبلم ‪ :‬أينام ربنا؟ ‪.‬‬ ‫فأوىح اهلل إليه ‪ :‬أن آت بزجاجتُت‬

‫وضعهما يف يد إنسان ‪ ،‬ودعه إىل أن‬ ‫ينام ‪ ،‬ثم انظر ا‪ٞ‬تواب ‪ .‬فلما وضع‬ ‫يف يده الزجاجتُت ونام ‪.‬‬ ‫انكسرت الزجاجتان فقال ‪ :‬هو‬ ‫كذلك ‪ ،‬هو قائم عىل أمر السماء‬ ‫واألرض ‪ ،‬ولو كانت تأخذه سنة أو‬ ‫نوم لتحطمت الدنيا ‪.‬‬

‫وهو سبحانه { ال َتَأ ْ ُخ ُذ ُه ِسن َ ٌة َوال َ‬ ‫ن َ ْو ٌم } ‪ .‬و « السنة » هي أول ما يأيت‬ ‫من النعاس؛ أي النوم ا‪٠‬تفيف ‪،‬‬ ‫فالواحد منا يكون جالسا ًثم يغفو ‪،‬‬ ‫لك لن ه‬ ‫بات العميق »‬ ‫الس ْ‬ ‫ن ا وم و « ُ‬ ‫‪ ،‬فلما قال ‪ { :‬ال َتَأ ْ ُخ ُذ ُه ِسن َ ٌة }‬ ‫قالوا ‪ :‬إنه يتغلب عىل النوم ا‪٠‬تفيف‬

‫لكن؛ هل يقدر عىل مقاومة النوم‬ ‫العميق؟ ‪.‬‬

‫فقال ا‪ٟ‬تق عن نفسه ‪ { :‬ال َتَأ ْ ُخ ُذ ُه‬ ‫ِسن َ ٌة َوال َن َ ْو ٌم } ‪ .‬وعرفنا أن السنة‬ ‫هي ‪ :‬النعاس الذي يأيت يف أول النوم‬ ‫‪ ،‬ومظهرها يبدو أوال ًيف العُت ويف‬

‫ا‪ٞ‬تفن ‪ ،‬فعندما يذهب إنسان يف‬ ‫النوم؛ فإن أثر ذلك يظهر يف عينيه‬ ‫‪ ،‬ولذلك يقولون ‪ :‬إن العُت هي‬ ‫ا‪ٞ‬تارحة اليت ٯتكن أن تعرف بها‬ ‫أحوال اإلنسان ‪ ،‬وقد اكتشفوا يف‬ ‫عصرنا ا‪ٟ‬تديث أن الشرايُت ال‬ ‫ٯتكن أن يعرفوا حالتها بالضبط إال‬

‫من العُت ‪ .‬فالفتور الذي يأيت يف‬ ‫العُت أوال ًهو السنة أو مقدمات‬ ‫النوم ونسميه ‪ :‬النعاس ‪.‬‬ ‫{ ال َتَأ ْ ُخ ُذ ُه ِسن َ ٌة َوال َن َ ْو ٌم }‬ ‫أتريدون تطمينا ًمن إله ‪١‬تألوه ‪،‬‬ ‫ومن معبود لعابد ‪ ،‬ومن خالق‬ ‫‪١‬تخلوق أكثر من أنه يقول للعابد‬

‫ا‪١‬تخلوق ‪ « :‬نم أنت ملء جفونك‬ ‫‪ ،‬واسًتح؛ ألن ربك ال ينام » ‪.‬‬ ‫ماذا تريد أكثر من هذا؟ هو‬ ‫سبحانه يعلم أنه خلقك ‪ ،‬وأنك‬ ‫ٖتتاج إىل النوم ‪ ،‬وأثناء نومك‬ ‫فهناك أجهزة يف جسمك تعمل ‪.‬‬ ‫أإذا ‪٪‬تت وقف قلبك؟ أإذا ‪٪‬تت‬

‫انقطع نفسك؟ أإذا ‪٪‬تت وقفت‬ ‫معدتك من حركتها الدودية اليت‬ ‫هتضم؟ أإذا ‪٪‬تت توقفت أمعاؤك‬ ‫عن امتصاص ا‪١‬تادة الغذائية؟ ال ‪،‬‬ ‫بل كل شيء يف دوالبك يقوم بعمله‬ ‫‪ .‬فمن الذي يُشرف عىل هذه‬ ‫العمليات لو كان ربك نائما؟‬

‫إذن فأنت تنام وهو ال ينام ‪ .‬وباهلل‬ ‫هل هذه عبودية ُتذلنا أو ُتعزنا؟ إهنا‬ ‫عبودية ُتعزنا؛ فالذي نعبده يقول ‪:‬‬ ‫ناموا أنتم؛ ألنٍت ال تأخذين سنة وال‬ ‫نوم ‪ .‬وإياك أن تفهم أنه ال تأخذه‬ ‫سنة وال نوم ‪ ،‬وأن شيئا يف كونه‬ ‫ٮترج عىل مراده ‪ ،‬ال؛ ألن كل ما يف‬

‫السماوات واألرض له ‪ ،‬فبل شيء‬ ‫وال أحد ٮترج عن قدرته ‪ .‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ل َّ ُه َما ِيف السماوات‬ ‫َو َما ِيف األرض } ‪.‬‬ ‫ويتابع سبحانه بقوله ‪َ { :‬من ذَا‬ ‫الذي ي َ ْش َف ُع ِعن ْ َد ُه إِال َّبِإِذْنِ ِه } إنّه‬ ‫سبحانه وتعاىل يوضح ‪ :‬أنا‬

‫أعطيتك الراحة يف الدنيا ‪ ،‬وحىت‬ ‫الكافر جعلته يتنعم بنعمي ‪ ،‬ولم‬ ‫أجعل األسباب تضن عليه ‪،‬‬ ‫وأعطيته مادام قد اجتهد يف تلك‬ ‫األسباب ‪٦‬تا يدل عىل أنٍت ليس‬ ‫عندي ‪٤‬تاباة ‪ ،‬قلت لؤلسباب ‪ :‬يا‬ ‫أسباب من ُ٭تسنك يأخذك ولو كان‬

‫كافرا ًيب ‪ .‬لكنه سيأيت يوم القيامة‬ ‫وليس للكافر إال العذاب ‪ ،‬ألنه ما‬ ‫دام قد عمل يف الدنيا وأحسن‬ ‫عمبل ًفقد أخذ جزاءه ‪ ،‬فإياكم أن‬ ‫تظنوا كما قالوا ‪ « :‬هؤالء شفعاؤنا‬ ‫عند اهلل » ‪ ،‬وجاء فيهم قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫ون ِمن ُد ِ‬ ‫ون اهلل َما ال َ‬ ‫{ َويَعْب ُ ُد َ‬

‫ون‬ ‫ي َ ُض ُّر ُه ْم َوال َيَن َف ُع ُه ْم َوي َ ُقول ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ون‬ ‫هؤالء ُش َفعَ ُاؤنَا عن َد اهلل ُق ْل أ ُتنَب ّ ُئ َ‬ ‫اهلل ِٔتَا ال َيَعْل َ ُم ِيف السماوات َوال َ ِيف‬ ‫األرض ُسب ْ َحان َ ُه وتعاىل َع َّما‬ ‫ون } ػ يونس ‪] 18 :‬‬ ‫يُ ْش ِر ُك َ‬ ‫إن هؤالء الذين افًتوا عىل اهلل‬

‫بالشرك به ‪ ،‬واٗتذوا أصناما باطلة‬ ‫ال تضرهم وال تنفعهم ‪.‬‬ ‫يقولون عن هذه األصنام ‪ :‬إهنا‬ ‫تشفع ‪٢‬تم عند اهلل يف اْلخرة ‪،‬‬ ‫ويأمر ا‪ٟ‬تق سبحانه رسوله ‪٤‬تمدا ً‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم أن يبلغ‬

‫ا‪١‬تشركُت ‪ :‬قل ‪٢‬تم يا ‪٤‬تمد ‪ :‬هل‬ ‫ٗتْبون اهلل بشريك ال يعلم اهلل له‬ ‫وجودا يف السموات وال يف األرض ‪،‬‬ ‫وهو ا‪٠‬تالق لكل ما يف السموات‬ ‫ومزنه سبحانه عن أن‬ ‫واألرض ُ‬ ‫يكون له شريك يف ُا‪١‬تلك ‪.‬‬ ‫لقد أرادوا أن ٮتلوا بقضية التوحيد‬

‫و‪٬‬تعلوا هلل شركاء ويقولون ‪ :‬إن‬ ‫هؤالء الشركاء هم الذين‬ ‫سيشفعون لنا عند اهلل ‪ .‬فيقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه ‪ :‬إن الشفاعة ال ٯتكن أن‬ ‫تكون عندي إال ‪١‬تن أذنت له أن‬ ‫يشفع ‪ .‬إن الشفاعة ليست حقا‬ ‫ألحد ‪ .‬ولكنها عطاء من اهلل ‪،‬‬

‫لذلك يقول ‪َ { :‬من ذَا الذي ي َ ْش َف ُع‬ ‫ِعن ْ َد ُه إِال َّبِإِذْنِ ِه } ‪.‬‬ ‫ُت‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬يَعْل َ ُم َما ب َ ْ َ‬ ‫أَي ْ ِدي ِه ْم َو َما َخل ْ َف ُه ْم } ‪ .‬ساعة‬ ‫ُت‬ ‫يتعرض العلماء إىل ‪َ { :‬ما ب َ ْ َ‬ ‫أَي ْ ِدي ِه ْم َو َما َخل ْ َف ُه ْم } يشرحون لنا‬ ‫أن ما بُت اليدين أي ما أمامك ‪،‬‬

‫وما خلفك أي ما وراءك ‪ ،‬وما بُت‬ ‫يدي اإلنسان يكون ‪ :‬مواجها ْللة‬ ‫اإلدراك الرائدة وهي العُت ‪ ،‬فهو‬ ‫أمر يُشهد ‪.‬‬ ‫والذي يف ا‪٠‬تلف يكون يبا ًال يراه ‪،‬‬ ‫كأن ما بُت اليد يراد به ا‪١‬تشهود‬ ‫والذي يف ا‪٠‬تلف يراد به الغيب ‪،‬‬

‫ُت أَي ْ ِدي ِه ْم َو َما‬ ‫فهو { يَعْل َ ُم َما ب َ ْ َ‬ ‫َخل ْ َف ُه ْم } أي يعلم مشهدهم‬ ‫و يبهم ‪ ،‬ويطلق « ما بُت اليد »‬ ‫عما‬ ‫إطبلقا آخر ‪ .‬إننا قد نسأل ّ‬ ‫بُت يديك ‪ .‬هل هو مواجه لك أو‬ ‫َت مواجه؟ فلو كان أمامك بشر ‪،‬‬ ‫فهل هم قادمون إليك أو راحلون‬

‫عنك؟‬ ‫إهنم إن كانوا راحلُت عنك فقد‬ ‫سبقوك وقد جئت أنت من بعدهم‬ ‫‪ ،‬ومن وراءك سيأيت من بعدك ‪.‬‬ ‫أي أن ا‪ٟ‬تق سبحانه ٮتْبنا أنه يعلم‬ ‫ا‪١‬تاضي وا‪١‬تستقبل ‪ .‬فمرة يعلم‬ ‫ا‪ٟ‬تق ما بُت أيديهم ‪ ،‬أي العالم‬

‫ا‪١‬تشهود ويسمونه « عالم ا‪١‬تلك »‬ ‫‪ ،‬وما خلفهم أي الغيب ‪ ،‬ويسمونه‬ ‫« عالم ا‪١‬تلكوت » ‪ .‬إنه يعلم‬ ‫ا‪١‬تشهود ‪٢‬تم وا‪٠‬تفي عنهم ‪ .‬وكما‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ِعن َد ُه َم َفاتِ ُح الغيب‬ ‫ال َيَعْل َ ُمهَآ إِال َّ ُه َو َويَعْل َ ُم َما ِيف الْب‬ ‫والبحر و َما تَس ُق ُط ِمن ورقَ ٍة إِال َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ‬

‫يَعْلَمهَا وال َ َحب َ ٍة ِيف ُظلُم ِ‬ ‫ات األرض‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َوال َ َر ْط ٍب َوال َيَابِ ٍس إِال َّ ِيف ِكت َ ٍ‬ ‫اب‬ ‫ُّمبِ ٍ‬ ‫ُت } ػ األنعام ‪] 59 :‬‬ ‫إن عند اهلل علم ‪ٚ‬تيع الغيب و٭تيط‬ ‫علمه بكل شيء ‪ ،‬وال ٗتىف عليه‬ ‫خافية ‪ .‬إهنا إحاطة من كل ناحية ‪.‬‬ ‫ُت أَي ْ ِدي ِه ْم َو َما َخل ْ َف ُه ْم‬ ‫{ يَعْل َ ُم َما ب َ ْ َ‬

‫ِ‬ ‫ون بِ َش ْيءٍ ِّم ْن عِل ْ ِم ِه إِال َّ ِٔتَا‬ ‫َوال َ ُ٭ت ُيط َ‬ ‫َشآءَ} ‪ .‬إنه ا‪ٟ‬تق يعلم مطلق العلم‬ ‫‪ .‬وكون ا‪ٟ‬تق يعلم فإن ذلك ال ينفي‬ ‫أن يكون َته يعلم أيضا ‪ ،‬لكن‬ ‫علم البشر هو بعض علم موهوب‬ ‫من ا‪٠‬تالق لعباده ‪.‬‬ ‫فعندما يقول واحد ‪ :‬أنا أقول‬

‫الشعر ‪ .‬فهل منع ذلك القول أحدا ً‬ ‫آخر من أن يقول الشعر؟ ال ‪.‬‬ ‫إنه لم يقل ‪ :‬ما يقول الشعر إال أنا‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ويقول سبحانه ‪َ { :‬وال َ ُ٭ت ُيط َ‬ ‫بِ َش ْيءٍ ِّم ْن عِل ْ ِم ِه إِال َّ ِٔتَا َشآءَ} ‪ ،‬و «‬

‫العلم » هو الصفة اليت تعلم األشياء‬ ‫عىل وفق ما هي عليه ‪ ،‬هذا هو العلم ‪.‬‬ ‫وصفة اهلل وعلمه أعظم من أن‬ ‫٭تاط بهم ‪ ،‬ألهنا لو أحيطت ‪ٟ‬تددت‬ ‫‪ ،‬وكماالت اهلل ال ٖتدد ‪ ،‬مثلما ترى‬ ‫شيئا يعجبك فتقول ‪ :‬هذه قدرة‬ ‫اهلل ‪ ،‬هل هي قدرة اهلل أو مقدور‬

‫اهلل؟ إهنا مقدور اهلل أي أثر القدرة‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫‪ ،‬فعندما يقول ‪َ { :‬وال َ ُ٭ت ُيط َ‬ ‫بِ َش ْيءٍ ِّم ْن عِل ْ ِم ِه إِال َّ ِٔتَا َشآءَ} أي‬ ‫من معلومه ‪.‬‬ ‫« و٭تيطون » هي دقة يف األداء ‪،‬‬ ‫ألنك قد تدرك معلوما من جهة‬ ‫وٕتهله من جهات ‪ ،‬فأوضح‬

‫سبحانه ‪ :‬أنك ال تقدر أن ٖتيط‬ ‫بعلم اهلل أو قدرته؛ ألن معٌت‬ ‫اإلحاطة أنك تعرف كل شيء ‪،‬‬ ‫مثل ا‪١‬تحيط عىل الدائرة ‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك ال ٯتنع أن نعلم جزئية ما ‪،‬‬ ‫و‪٨‬تن نعلم ٔتا آتانا اهلل من قوانُت‬ ‫االستنباط ‪ ،‬فهناك مقدمات‬

‫نستنبط منها نتائج ‪ ،‬مثل الطالب‬ ‫الذي ٭تل مسألة جْب ‪ ،‬أو ٘ترين‬ ‫هندسة ‪ ،‬أيعلم هذه الطالب يبا؟‬ ‫ال ‪ ،‬ولكنه يأخذ مقدمات موضوعة‬ ‫له ويصل إىل نتائج معروفة سلفا‬ ‫ألستاذه ‪ .‬وأنت ال تحيط بعلم إال ٔتا‬ ‫شاء لك اهلل أن ٖتيط ‪َ { ،‬وال َ‬

‫ُ٭ت ِ ُيط ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ون ب َش ْيء ّم ْن علْمه إِال َّٔتَا َشآءَ‬ ‫َ‬ ‫}‪.‬‬ ‫وقول اهلل ‪ { :‬إِال َّ ِٔتَا َشآءَ } هو إذن‬ ‫منه سبحانه بأنه سيتفضل عىل‬ ‫خلقه بأن يشاء ‪٢‬تم أن يعلموا شيئا‬ ‫من معلومه ‪ ،‬وكان هذا ا‪١‬تعلوم خفيا‬ ‫عنهم ومستورا يف أسرار الكون ‪،‬‬

‫ثم يأذن اهلل للسر أن ينكشف ‪،‬‬ ‫وكل شيء اكتشفه العقل البشري ‪،‬‬ ‫كان مطمورا يف علم الغيب وكان‬ ‫سرا ًمن أسرار اهلل ‪ ،‬وبعد ذلك أذن‬ ‫اهلل للسر أن ينكشف فعرفناه ‪،‬‬ ‫ٔتشيئته سبحانه ‪ .‬فكل سر يف‬ ‫الكون له ميبلد كاإلنسان ٘تاما ‪،‬‬

‫أي أن له ميعادا ًيظهر فيه ‪ ،‬وهذا‬ ‫ا‪١‬تيعاد يس ىم مولد السر ‪ .‬لقد كان‬ ‫هذا السر موجودا وكان العالم‬ ‫يستفيد منه وإن لم يعلمه ‪ .‬لقد‬ ‫كنا ‪٨‬تن نستفيد عىل سبيل ا‪١‬تثال‬ ‫من قانون ا‪ٞ‬تاذبية ولم نكن نعلم‬ ‫قانون ا‪ٞ‬تاذبية ‪ ،‬وكذلك النسبية‬

‫كنا نستفيد منها ولم نكن نعلمها ‪،‬‬ ‫وهذا ما يبينه لنا ا‪ٟ‬تق يف موضع آخر‬ ‫من القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعاىل ‪{ :‬‬ ‫َس ُن ِري ِه ْم آيَاتِنَا ِيف اْلفاق ويف‬ ‫َ ِ‬ ‫ُت َ‪٢‬ت ُ ْم أَن ّ َُه ا‪ٟ‬تق‬ ‫أ ُنفس ِه ْم حىت يَتَب َ َّ َ‬ ‫ك أَن َّه عىل كُ ّ ِل َشيءٍ‬ ‫أَولَم ي َ ْك ِ‬ ‫ف بِ َربِّ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َش ِهي ٌد } ػ فصلت ‪] 53 :‬‬

‫ما دام قال سبحانه ‪َ { :‬س ُن ِري ِه ْم }‬ ‫‪ ،‬فهذا يعٍت أنه سبحانه سيولد لنا‬ ‫أسرارا ًجديدة ‪ ،‬وهذا ا‪١‬تيبلد إ‪٬‬تادا ً‬ ‫وإ‪٪‬تا هو إظهار ‪ ،‬ولذلك يقول‬ ‫الناس عن األسرار العلمية ‪ :‬إهنا‬ ‫اكتشافات جديدة ‪ ،‬لقد تأدبوا يف‬ ‫القول مع أن كثَتا ًمنهم َت‬

‫متدينُت ‪ ،‬قالوا ‪ :‬اكتشفنا كذا ‪،‬‬ ‫كأن ما اكتشفوه كان موجودا وهم‬ ‫ال يقصدون هذا األدب ‪ .‬إ‪٪‬تا هي‬ ‫جاءت كذلك ‪ ،‬أما ا‪١‬تؤمنون‬ ‫فيقولون ‪ :‬لقد أذن اهلل لذلك السر‬ ‫أن يولد ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ون بِ َش ْيءٍ ِّم ْن‬ ‫وقوله ‪َ { :‬وال َ ُ٭ت ُيط َ‬ ‫عِل ْ ِم ِه إِال َّ ِٔتَا َشآءَ} فيه ٖتد واضح ‪.‬‬ ‫فحىت إذا اجتمع البشر مع بعضهم‬ ‫فلن ٭تيطوا بشيء إال بإذنه ‪ .‬وهذا‬ ‫ٖتد للكل حُت يشاء سبحانه أن ‪٬‬تد‬ ‫إظهار سر يف الوجود ‪ ،‬فهذا السر‬ ‫يولد ‪ ،‬وقد يكون إظهار السر‬

‫موافقا لبحث الناس مثل العالم‬ ‫الذي ‪٬‬تلس يف معمله ليجرب يف‬ ‫العناصر والتفاعبلت ‪ ،‬ويهتدي‬ ‫‪٢‬تذه وهذه ‪ ،‬إنه يتعب كثَتا كي‬ ‫يعرف بعضا من األسرار ‪ ،‬و‪٨‬تن ال‬ ‫ندري بتعبه وجهده إال يوم أن‬ ‫يكشف سره ‪.‬‬

‫لقد أخذ ا‪١‬تقدمات اليت وضعها اهلل‬ ‫يف الكون حىت إذا تتبعناها نصل إىل‬ ‫سره ‪ ،‬مثلما نريد أن نصل إىل‬ ‫الولد فنتزوج حىت يأيت ‪ ،‬وقد يأذن‬ ‫اهلل مرارا ًكثَتة أن يولد السر‬ ‫بدون أن يشتغل ا‪٠‬تلق ٔتقدماته ‪،‬‬ ‫لكن ميعاد ميبلد السر قد جاء ولم‬

‫ينشغل العلماء ٔتقدماته؛‬ ‫فيخرجه اهلل ألي ‪٥‬تًتع كنتيجة‬ ‫‪٠‬تطأ يف ٕتربة ما ‪.‬‬ ‫وعندما نبحث يف تاريخ معظم‬ ‫االكتشافات ‪٧‬تدها كذلك ‪ ،‬لقد‬ ‫جاءت مصادفة ‪ ،‬فهناك عالم‬ ‫يبحث يف ‪٣‬تال ما ‪ ،‬فتخرج له‬

‫حقيقة أخرى كانت ‪٥‬تفية عنا‬ ‫‪ٚ‬تيعا ً‪ .‬لقد جاء ميعاد ميبلدها عىل‬ ‫َت ْتث من ا‪٠‬تلق ‪ ،‬فجاء اهلل بها يف‬ ‫طريق آخر لغَتها ‪ ،‬ويف بعض‬ ‫األحيان يوفق اهلل عا‪١‬تا يبحث‬ ‫ا‪١‬تقدمات ويكشف له السر الذي‬ ‫يبحث عنه ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ون بِ َش ْيءٍ ِّم ْن‬ ‫إذن ‪ ،‬ف { َوال َ ُ٭ت ُيط َ‬ ‫عِل ْ ِم ِه إِال َّ ِٔتَا َشآءَ} تعٍت أن‬ ‫اإلنسان قد يصادف السر بالبحث‬ ‫‪ ،‬ومرة يأيت سر آخر يف ‪٣‬تال البحث‬ ‫عن َته ‪ ،‬فاهلل ال يضن بكشف‬ ‫السر حىت لو لم يشتغلوا به‬ ‫ونسميها ‪٨‬تن مصادفة إن كل شيء‬

‫‪٬‬تري يف الكون إ‪٪‬تا ‪٬‬تري ٔتقدار ‪،‬‬ ‫وهذا هو الذي يفرق لنا بُت معرفة‬ ‫غيب كان موجودا ًوله مقدمات يف‬ ‫كون اهلل نستطيع أن نصل إليه بها‬ ‫‪ ،‬وشيء مستور عند اهلل ليست له‬ ‫مقدمات؛ إن شاء سبحانه أعطاه‬ ‫من عنده تفضبل؛ من باب فضل‬

‫ا‪ٞ‬تود ال بذل ا‪١‬تجهود وهو سبحانه‬ ‫يفيضه يف « ا‪١‬تصادفة » هنا‬ ‫ويفيضه فيما ال مقدمات له عىل‬ ‫بعض أصفيائه من خلقه ‪ ،‬ليعلم‬ ‫الناس ‪ٚ‬تيعا ًأن هلل فيوضات عىل‬ ‫بعض عبيده الذين َواال َ ُه ُم اهلل‬ ‫ٔتحبته وإشراقاته وٕتليه ‪.‬‬

‫لكن هل هذا يعٍت أن باستطاعتنا‬ ‫أن نعرف كل الغيب؟ ال ‪ ،‬فالغيب‬ ‫قسمان ‪ :‬غيب جعل اهلل له يف‬ ‫كونه مقدمات ‪ ،‬إن استعملناها‬ ‫نصل إليه ‪ ،‬ككثَت من‬ ‫االكتشافات ‪ ،‬وإذا شاء اهلل أن يولد‬ ‫سر ما ولم نبحث عنه فهو يعطيه لنا‬

‫« مصادفة » من باب فيض ا‪ٞ‬تود ال‬ ‫بذل ا‪١‬تجهود ‪ .‬ونوع آخر من‬ ‫الغيب ليست له مقدمات ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫استأثر اهلل بعلمه إال أنه قد يفيض‬ ‫به عىل بعض خلقه كما يقول‬ ‫سبحانه ‪ { :‬عَال ِ ُم الغيب فَبل َيُ ْظ ِه ُر‬ ‫عىل َيْبِ ِه أ َ َحدا ً* إِال َّ َم ِن ارتىض ِمن‬

‫َّر ُس ٍ‬ ‫ك ِمن ب َ ْ ِ‬ ‫ُت ي َ َدي ْ ِه‬ ‫ول فَإِن ّ َُه ي َ ْسل ُ ُ‬ ‫َو ِم ْن َخل ْ ِف ِه َر َصدا ً}‬

‫ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 27-26 :‬‬ ‫إن اهلل هو عالم الغيب فبل يُطلع‬ ‫أحدا من خلقه عىل يبه إال من‬ ‫ارتضاه واصطفاه من البشر ‪،‬‬

‫لذلك فبل أحد يستطيع أن يتعلم‬ ‫هذا اللون من الغيب ‪ .‬ولذلك فبل‬ ‫يوجد من يفتح دكانا لعلم الغيب‬ ‫يذهب إليه اإلنسان ليسأله عن‬ ‫الغيب ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬و ِعن َد ُه‬ ‫َم َفاتِ ُح الغيب ال َيَعْل َ ُمهَآ إِال َّ ُه َو‬ ‫َويَعْلَم َما ِيف الْب ح‬ ‫والبر َو َما تَ ْس ُق ُط‬ ‫ُ‬

‫ِمن َو َرقَ ٍة إِال َّيَعْل َ ُمهَا َوال َ َحب َّ ٍة ِيف‬ ‫ُظلُم ِ‬ ‫ات األرض َوال َ َر ْط ٍب َوال َ‬ ‫َ‬ ‫يَابِ ٍس إِال َّ ِيف ِكت َ ٍ‬ ‫اب ُّمبِ ٍ‬ ‫ُت } ػ األنعام‬ ‫‪] 59 :‬‬ ‫وهو سبحانه ال يعطي ا‪١‬تفتاح ألحد‬ ‫من خلقه ‪ .‬وقد يريد اهلل أن يعطي‬ ‫لواحد كرامة ‪ ،‬فأعطاه كلمة عىل‬

‫لسانه قد يكون هو َت مدرك ‪٢‬تا!‬ ‫فيقول ‪ :‬من يسمح هذا القول‬ ‫وينتفع به ‪ .‬فبلن قال يل ‪ :‬كذا وكذا‬ ‫‪ . .‬يا سبلم! وهذا فيض من اهلل‬ ‫عىل عبده حُت يبُت اهلل لنا أنه يوايل‬ ‫هؤالء العباد الصا‪ٟ‬تُت ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون بِ َش ْيءٍ }‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ ُ٭ت ُيط َ‬

‫‪٧‬تد أن كلمة { بِ َش ْيءٍ } تعٍت أقل‬ ‫القليل ‪ .‬وقوله سبحانه ‪ِّ { :‬م ْن‬ ‫عِل ْ ِم ِه إِال َّ ِٔتَا َشآءَ َو ِس َع ُك ْر ِسي ُّ ُه‬ ‫السماوات واألرض } يعلمنا أن‬ ‫ا‪ٟ‬تق فيما يتكلم به عن نفسه‬ ‫و‪٠‬تلقه فيه نظائر ‪ ،‬كالوجود ‪ ،‬هو‬ ‫سبحانه موجود وأنت موجود ‪،‬‬

‫كالغٍت هو ٍت وأنت ٍت ‪ ،‬كالعلم‬ ‫هو عالم وأنت تكون عا‪١‬تا ً‪ ،‬فهل‬ ‫نقول ‪ :‬إن الصفة هلل كالصفة‬ ‫عندنا؟ ال ‪ ،‬كذلك كل ما يرد‬ ‫بالنسبة للغيب فيما يتعلق باهلل‬ ‫إضافة أو وصفا ً؛ ال تأخذها‬ ‫با‪١‬تناسب عندك؛ بل خذها يف‬

‫إطار { لَي ْ َس َك ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } ‪ .‬فإذا‬ ‫قيل هلل يد ‪ ،‬قل ‪ :‬هو له يد كما أن‬ ‫له وجوداً؛ ؤتا أن وجوده ليس‬ ‫كوجودي فيده ليست كيدي بل‬ ‫افهمها يف إطار { لَي ْ َس َك ِمثْلِ ِه‬ ‫َش ْي ٌء } ‪ ،‬فإذا قال ‪َ { :‬و ِس َع ُك ْر ِسي ُّ ُه‬ ‫} نقول ‪ :‬هو قال هذا ‪ ،‬ومادام قال‬

‫هذا فسنأخذ هذه الكلمة يف إطار {‬ ‫لَي ْ َس كَ ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } ‪ .‬فبل تقل له‬ ‫كرسي وسيقعد عليه مثلنا ‪ ،‬ال ‪ .‬لقد‬ ‫وجدنا من قال ‪ :‬أين يوجد اهلل؟ !!‬ ‫مىت وجد؟!! وقلنا ونقول ‪ « :‬مىت »‬ ‫و « أين » ال تأيت بالنسبة هلل ‪ ،‬إهنا‬ ‫تأيت بالنسبة لكم أنتم ‪١ ،‬تاذا؟ ألن‬

‫« مىت » زمان و « أين » مكان ‪.‬‬ ‫والزمان وا‪١‬تكان ظرفان للحدث ‪،‬‬ ‫فالشيء ا‪ٟ‬تادث هو الذي له زمان‬ ‫ومكان ‪ ،‬مثال ذلك أن أقول ‪ « :‬أنا‬ ‫شربت » ومادام قد حدث الشرب‬ ‫فيكون له زمان ومكان ‪ ،‬لكن هب‬ ‫أنٍت لم أشرب ‪ ،‬أيكون هناك‬

‫زمان أو مكان؟! ال ‪ ،‬فمادام اهلل‬ ‫ليس حدثا ًفليس متعلقا ًبه زمان أو‬ ‫مكان ‪ ،‬ألن الزمان وا‪١‬تكان نشأ‬ ‫عندما خلق اهلل وأحدث هذا‬ ‫الكون ‪ ،‬فبل تقل ‪ « :‬مىت » ألن «‬ ‫مىت » ُخلِقَت به ‪ ،‬وال تقل « أين »‬ ‫ألن أين ُخ ِقَلت به وألن « مىت » و‬

‫« أين » ظرفان؛ هذه للزمان ‪،‬‬ ‫وهذه للمكان ‪ ،‬والزمان وا‪١‬تكان‬ ‫فرعا ا‪ٟ‬تديث ‪.‬‬ ‫وعندما يوجد حدث فقل زمان‬ ‫ومكان ‪.‬‬ ‫إذن فما دام اهلل ليس حدثا ً‪ ،‬فإياك‬

‫أن تقول فيه مىت ‪ ،‬وإياك أن تقول‬ ‫فيه أين ‪ ،‬ألن « مىت » و « أين »‬ ‫وليدة ا‪ٟ‬تدث ‪ .‬وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ِس َع‬ ‫ُك ْر ِسي ُّ ُه } نأخذه كما قلنا يف إطار‬ ‫{ لَي ْ َس َك ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } ‪ ،‬الكرسي ‪:‬‬ ‫يف اللغة من ال ِك ْرس ‪ .‬وال ِك ْر ُس هو ‪:‬‬ ‫التجميع ‪ ،‬ومنه الكراسة وهي عدة‬

‫أوراق ‪٣‬تمعة ‪ ،‬وكلمة « كرسي »‬ ‫استعملت يف اللغة ٔتعٌت األساس‬ ‫الذي يُبٌت عليه الشيء ‪ ،‬فمادة «‬ ‫الكرسي » ( الكاف والراء والسُت‬ ‫) تدل عىل التجميع وتدل عىل‬ ‫األساس الذي تثبت عليه األشياء؛‬ ‫فنقول ‪ :‬اصنع ‪٢‬تذا ا‪ٞ‬تدار كرسيًّا ‪،‬‬

‫أي ضع ‪٢‬تذا ا‪ٞ‬تدار أساسا ًيقوم‬ ‫عليه ‪ .‬وتطلق أيضا ًعىل القوم‬ ‫والعلماء الذين يقوم بهم األمر‬ ‫فيما يشكل من األحداث ‪،‬‬ ‫والشاعر العريب قال ‪ « :‬كراسي يف‬ ‫األحداث حُت تنوب » أي يعتمد‬ ‫عليهم يف األمور ا‪ٞ‬تسيمة ‪.‬‬

‫وحُت يُنسب شيء من ذلك للحق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬فإن السلف ‪٢‬تم‬ ‫فيها كبلم وا‪٠‬تلف ‪٢‬تم فيها كبلم ‪،‬‬ ‫والسلف يقولون ‪ :‬كما قال اهلل‬ ‫نأخذها ولكن نضع كيفيتها‬ ‫وتصورها يف إطار { لَي ْ َس كَ ِمثْلِ ِه‬ ‫َش ْي ٌء } ‪ ،‬وبعضهم قال ‪ :‬نؤو‪٢‬تا ٔتا‬

‫يُثبت ‪٢‬تا صفة من الصفات ‪ ،‬كما‬ ‫يثبتون قدرة ا‪ٟ‬تق بقوله ا‪ٟ‬تكيم ‪:‬‬ ‫{ ي َ ُد اهلل فَ ْو َق أَي ْ ِدي ِه ْم } ػ الفتح ‪:‬‬ ‫‪] 10‬‬ ‫أي أن قدرة اهلل فوق قدرهتم ‪،‬‬ ‫وكما قال سبحانه عن قدرته يف‬ ‫اها بِأَيي ْ ٍد‬ ‫ا‪٠‬تلق ‪ { :‬والسمآء بَنَيْن َ َ‬

‫ِ‬ ‫ون } ػ الذاريات ‪47 :‬‬ ‫َوإِن َّا َ‪١‬تُوس ُع َ‬ ‫]‬ ‫إن كمال قدرة اهلل أحكمت خلق‬ ‫السماء ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه مقدس‬ ‫زن ٌه عن أن يتصور ا‪١‬تخلوق كلمة‬ ‫َو ُم َ َّ‬ ‫« يد » بالنسبة هلل ‪ .‬و‪٨‬تن نقول ‪:‬‬ ‫اهلل قال ذلك ‪ ،‬ونأخذها من اهلل؛‬

‫ألنه أعلم بذاته وبنفسه ‪ُ ،‬و‪٨‬تيلها‬ ‫إىل أال َّيكون له شبيه أو نظَت ‪ ،‬كما‬ ‫أثبتنا هلل كثَتا ًمن الصفات ‪ ،‬يف‬ ‫خلق اهلل مثلها ومع ذلك نقول ‪:‬‬ ‫علمه ال كعلمنا ‪ ،‬وبصره ال كبصرنا‬ ‫‪ ،‬فلماذا يكون كرسيه مثل‬ ‫كرسينا؟ ‪ .‬فتكون يف إطار { لَي ْ َس‬

‫َك ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } ‪.‬‬ ‫والعلماء قالوا عن الكرسي ‪ :‬إنه ما‬ ‫يُعتمد عليه ‪ ،‬فهل ا‪١‬تقصود علمه؟‬ ‫‪ .‬نعم ‪ .‬وهل ا‪١‬تقصود سلطانه‬ ‫وقدرته؟ ‪ .‬نعم ‪ ،‬ألن كلمة «‬ ‫كرسي » توحي با‪ٞ‬تلوس فوقه ‪،‬‬ ‫واإلنسان ال ‪٬‬تلس عن قيام إال إذا‬

‫استتب له األمر ‪ ،‬ولذلك يسمونه‬ ‫« كرسي ا‪١‬تلك »؛ ألن األمر الذي‬ ‫٭تتاج إىل قيام وحركة ال ‪٬‬تعلك‬ ‫ٕتلس عىل الكرسي ‪ ،‬فعندما تقعد‬ ‫عىل الكرسي ‪ ،‬فمعٌت ذلك أن األمر‬ ‫بالنسبهلل‬ ‫ة‬ ‫قد استتب ‪ ،‬إذن فهو‬ ‫السلطان ‪ ،‬والقهر ‪ ،‬والغلبة ‪،‬‬

‫والقدرة ‪.‬‬ ‫أو نقول ‪ :‬مادام قال ‪َ { :‬و ِس َع‬ ‫ُك ْر ِسي ُّ ُه السماوات واألرض }‬ ‫فوسع الشيء أي ‪ :‬دخل يف وسعه‬ ‫واحتماله ‪ « .‬والسماوات‬ ‫واألرض » ‪٨‬تن نفهمها أهنا كائنات‬ ‫كبَتة بالنسبة لنا ‪ ،‬إنه سبحانه‬

‫يقول ‪٠ { :‬تََل ْ ُق السماوات‬ ‫َ‬ ‫ْب ِم ْن َخل ْ ِق الناس‬ ‫واألرض أكْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ون } ػ‬ ‫ولكن أكْث َ َر الناس ال َيَعْل َ ُم َ‬ ‫افر ‪] 57 :‬‬ ‫وعندما يقول ‪ :‬إن الكرسي وسع‬ ‫السماوات واألرض ‪ ،‬إذن ‪ ،‬فهو‬ ‫أعظم من السماوات واألرض أي‬

‫دخل يف وسعه السماوات واألرض‬ ‫‪.‬‬ ‫ولذلك « يقول أبو ذر الغفاري‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ ( :‬سألت النبي صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم عن الكرسي فقال ‪:‬‬ ‫يا أبا ذر ما السماوات السبع‬

‫واألرضون السبع عند الكرسي إال‬ ‫كحلقة ملقاة بأرض فبلة ‪ .‬وإن‬ ‫فضل العرش عىل الكرسي كفضل‬ ‫الفبلة عىل تلك ا‪ٟ‬تلقة ) » ‪.‬‬ ‫والبشرية بكل ما وصلت له من‬ ‫إ‪٧‬تازات علمية قد وصلت إىل‬ ‫القمر فقط وهو ‪٣‬ترد ضاحية من‬

‫ضواحي األرض ‪ ،‬ومفصول عنا‬ ‫ٔتسافة تقاس بالثواين الضوئية ‪،‬‬ ‫ولقد تعودنا يف حياتنا أن نستخدم‬ ‫وحدات ا‪١‬تيل والكيلومًت لقياس‬ ‫األطوال واألبعاد الكبَتة ‪ ،‬لكننا‬ ‫اكتشفنا أن هذه الوحدات ليست‬ ‫ذات نفع يف قياس أبعاد النجوم؛‬

‫ألننا نعرف مثبل أن الشمس تبعد‬ ‫عن األرض ثبلثة وتسعُت مليونا‬ ‫من األميال ‪ ،‬ولكن عندما نريد أن‬ ‫نرصد ا‪١‬تسافة بيننا وبُت أحد‬ ‫النجوم فلسوف نضطر إىل‬ ‫استخدام أعداد كثَتة من األصفار‬ ‫أمام رقم ما ‪ ،‬وهذا ‪٬‬تعل التعبَت‬

‫َت عملي ‪ ،‬و‪٢‬تذا السبب وضع‬ ‫علماء الفلك وحدة مبلئمة لقياس‬ ‫أبعاد النجوم وهي ما نسميه السنة‬ ‫الضوئية ‪ .‬و‪٨‬تن نعرف أن سرعة‬ ‫الضوء حوايل ثبل‪ٙ‬تائة ألف كيلومًت‬ ‫يف الثانية ‪ .‬ولذلك فقياس أي‬ ‫مسافة بيننا وبُت أي ‪٧‬تم يف السماء‬

‫أمر ٭تتاج إىل حسابات دقيقة‬ ‫وكثَتة ودراسة علوم متعددة ‪.‬‬ ‫فالشمس بيننا وبينها ثبلثة‬ ‫وتسعون مليونا ًمن األميال ويصلنا‬ ‫ضوؤها يف خبلل ‪ٙ‬تاين دقائق وثلث‬ ‫الدقيقة ‪ .‬والشعرى اليمانية وهي‬ ‫أ‪١‬تع ‪٧‬توم السماء يصل إلينا ضؤوها‬

‫يف تسع سنوات ضوئية ‪.‬‬ ‫إذن فالسنة الضوئية هي وحدة‬ ‫لقياس ا‪١‬تسافات الفلكية ‪ .‬و‪٨‬تن‬ ‫نذهل عندما نعرف أن بعض‬ ‫النجوم يصل ضؤوها إلينا يف‬ ‫‪ٜ‬تسُت سنة ضوئية!! كل ذلك‬ ‫و‪٨‬تن لم نصل بعد إىل السماء‬

‫الدنيا ‪ ،‬فما بالنا ببقية السماوات؟‬ ‫إذن فحدود ملك اهلل فوق تصورنا ‪.‬‬ ‫ولنا أن نعرف أي تكريم من ا‪ٟ‬تق‬ ‫للمؤمنُت حُت يصور لنا ضخامة‬ ‫ا‪ٞ‬تنة يقول سبحانه ‪ { :‬سابقوا إىل‬ ‫َمغ ْ ِف َر ٍة ِّمن َّربِّ ُك ْم َو َجنَّ ٍة َع ْر ُضهَا‬ ‫كَعَ ْر ِض السمآء واألرض أُعِ ّد َْت‬

‫ك فَ ْض ُل‬ ‫لِل َّ ِذي َن آ َم ُنوا ْباهلل َو ُر ُسلِ ِه ذَل ِ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آء واهلل ُذو الفضل‬ ‫اهلل يُ ْؤتيه َمن ي َ َش ُ‬ ‫العظيم } ػ ا‪ٟ‬تديد ‪] 21 :‬‬ ‫هذه هي ا‪ٞ‬تنة اليت أعدها اهلل‬ ‫للمؤمنُت باهلل ورسله الذين‬ ‫يسارعون إىل طلب غفران اهلل ‪.‬‬ ‫فإذا كان عرض ا‪ٞ‬تنة هو السماوات‬

‫واألرض ‪ ،‬فما طو‪٢‬تا إذن؟ وكم‬ ‫يكون بعدها؟ والعرض كما نعرف‬ ‫هو أقل البعدين ‪.‬‬ ‫إذن ‪٬‬تب أن نفهم أن هناك عوالم‬ ‫أخرى َت السماء واألرض ‪ ،‬لكن‬ ‫عيوننا ال تبصر فقط إال ما أراده ا‪ٟ‬تق‬ ‫لنا من السماء واألرض ‪ ،‬ولذلك‬

‫فعندما نسمع قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ِس َع‬ ‫ُك ْر ِسي ُّ ُه السماوات واألرض }‬ ‫فلنا أن نتخيل أي عظمة هي‬ ‫عظمة كرسي ذي ا‪ٞ‬تبلل واإلكرام‬ ‫‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬و ِس َع ُك ْر ِسي ُّ ُه‬ ‫ود ُه‬ ‫السماوات واألرض َوال َي َ ُؤ ُ‬

‫ِح ْف ُظ ُه َما } ‪ ،‬ومعٌت آده الشيء ‪ ،‬أي‬ ‫أثقله ‪ .‬وحىت نفهم ذلك هب أن‬ ‫إنسانا ًيستطيع أن ٭تمل عشرة‬ ‫كيلوجرامات ‪ ،‬فإن زدنا هذا‬ ‫ا‪ٟ‬تمل إىل عشرين من‬ ‫الكيلوجرامات فإن ا‪ٟ‬تمل يثقل‬

‫عليه ‪ ،‬و‪٬‬تعل عموده الفقري معوجا ً‬ ‫حىت يستطيع أن يقاوم الثقل ‪.‬‬ ‫فإن زدنا ا‪ٟ‬تمل أكثر فقد يقع‬ ‫الرجل عىل األرض من فرط زيادة‬ ‫الوزن الثقيل ‪.‬‬ ‫ود ُه ِح ْف ُظ ُه َما }‬ ‫إذن فمعٌت { َوال َي َ ُؤ ُ‬

‫أي أنه ال يثقل عىل اهلل حفظ‬ ‫السماوات واألرض ‪ .‬إن السماء‬ ‫واألرض و‪٫‬تا فوق اتساع رؤية‬ ‫البشر؛ فقد وسعهما الكرسي‬ ‫الرباين ‪ .‬وقال بعض ا‪١‬تفسرين ‪:‬‬ ‫إذا كان الكرسي ال يثقل عليه حفظ‬ ‫السماوات واألرض فما بالنا‬

‫بصاحب الكرسي!!؟‬ ‫هاهو ذا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يطمئنا‬ ‫ك‬ ‫فيقول ‪ { :‬إ َِّن اهلل ُٯت ْ ِس ُ‬ ‫السماوات واألرض أَن تَ ُزوال َ َولَئِن‬ ‫زَالَتآ إ ِْن أ َ ْم َس َك ُه َما ِم ْن أ َ َح ٍد ِّمن‬ ‫ِ‬ ‫ان َحلِيما ً َغ ُفورا ً} ػ‬ ‫بَعْ ِده إِن ّ َُه ك َ َ‬ ‫فاطر ‪] 41 :‬‬

‫إنه ا‪ٟ‬تق وحده سبحانه وتعاىل الذي‬ ‫٭تفظ السماوات واألرض يف‬ ‫توازن عجيب ومذهل ‪ ،‬ولئن ُق ِ ّد َر‬ ‫‪٢‬تما أن تزوال ‪ .‬فلن ٭تفظهما أحد‬ ‫بعد اهلل ‪ ،‬أي ال يستطيع أحد‬ ‫إمساكهما؛ فهما قائمتان بقدرة‬ ‫الواحد القهار ‪ ،‬وإذا أراد اهلل أن‬

‫تزوال فبل يستطيع أح ٌد أن‬ ‫ٯتسكهما وٯتنعهما من الزوال ‪.‬‬ ‫وإذا كانت هذه األشياء الضخمة‬ ‫من صنع اهلل وهو فوقها ‪ ،‬فإنه عندما‬ ‫يصف نفسه بأنه « عل ّي » و «‬ ‫عظيم » فذلك أمر طبيعي ‪ .‬إن‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعطينا تذييبل ً‬

‫منطقيا ًيقتضيه ما تقدمت به اْلية‬ ‫اًفليلة ‪ :‬آية الكرسي ‪ ،‬إنه ا‪ٟ‬تق‬ ‫يقول ‪َ { :‬و ُه َو العلي العظيم }‬ ‫وكلمة « عل ّي » صيغة مبالغة يف‬ ‫العلو ‪ .‬و « العل ّي » هو الذي ال يوجد‬ ‫ما هو أعىل منه فكل شيء دونه ‪.‬‬ ‫هذه اْلية الكرٯتة اليت ‪٨‬تن‬

‫بصددها نعرفها بآية الكرسي؛ ألن‬ ‫كلمة « الكرسي » هي الظاهرة‬ ‫فيها ‪ .‬وكلمة « الكرسي » فيها ‪:‬‬ ‫تعٍت السلطان والقهر والقدرة‬ ‫وا‪١‬تلكية وكلها مأخوذة من صفات‬ ‫ا‪ٟ‬تق جل وعبل ‪.‬‬ ‫إنه ال إله إال هو ‪ .‬إنه ا‪ٟ‬تي ‪ .‬إنه‬

‫القيوم ‪ .‬إنه الذي ال تأخذه سنة وال‬ ‫نوم ‪.‬‬ ‫والشفاعة عنده مأذون فيها‬ ‫بإرادته هو وحده وليس بإرادة‬ ‫سواه ‪ .‬وهو العليم بكل شيء ‪ ،‬الذي‬ ‫يسع كرسيه السماوات واألرض‬ ‫وهو العل ّي فبل أعىل منه ‪ ،‬وهو‬

‫العظيم ٔتطلق العظمة ‪ .‬وتتجمع‬ ‫كل هذه الصفات لتضع أمامنا‬ ‫أصول التصور يف العقيدة اإلٯتانية‬ ‫‪ ،‬وقد وردت فيها أحاديث كثَتة ‪،‬‬ ‫ومنها نستخلص أهنا آية ‪٢‬تا قدرها‬ ‫ومقدارها عند اهلل ‪ « .‬فعن أيب‬ ‫هريرة رضي اهلل عنه قال ‪» :‬‬

‫وكلٍت رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ْتفظ زكاة رمضان فأتاين آت‬ ‫فجعل ٭تثو الطعام فأخذته وقلت‬ ‫واهلل ألرفعنك إىل رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬إين ‪٤‬تتاج ‪،‬‬ ‫وعل ّي عيال ‪ ،‬ويل حاجة شديدة ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬فخليت عنه ‪ ،‬فأصبحت‬

‫فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم يا‬ ‫أبا هريرة ‪ « :‬ما فعل أسَتك‬ ‫البارحة »؟ قال ‪ :‬قلت يا رسول اهلل‬ ‫‪ :‬شكا حاجة شديدة وعياال ‪،‬‬ ‫فر‪ٛ‬تته ‪ ،‬فخليت سبيله ‪ ،‬قال ‪« :‬‬ ‫أما إنه كذبك وسيعود » فعرفت‬ ‫أنه سيعود لقول رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم إنه سيعود ‪ ،‬فرصدته‬ ‫فجاء ٭تثو من الطعام فأخذته فقلت‬ ‫‪ :‬ألرفعنك إىل رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم قال ‪ :‬دعٍت فإين ‪٤‬تتاج ‪،‬‬ ‫وعلي عيال ال أعود ‪ ،‬فر‪ٛ‬تته‬ ‫وخليت سبيله ‪ ،‬فأصبحت فقال يل‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ :‬يا‬

‫أبا هريرة ‪ « :‬ما فعل أسَتك »؟‬ ‫فقلت يا رسول اهلل ‪ :‬شكا حاجة‬ ‫شديدة وعياال فر‪ٛ‬تته فخليت‬ ‫سبيله قال ‪ « :‬أما إنه قد كذبك‬ ‫وسيعود » فرصدته الثالثة ‪ ،‬فجاء‬ ‫٭تثو من الطعام فأخذته فقلت‬ ‫ألرفعنك إىل رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم وهذا آخر ثبلث مرات‬ ‫أنك تزعم ال تعود ‪ ،‬قال ‪ :‬دعٍت‬ ‫أعلمك كلمات ينفعك اهلل بها‬ ‫قلت ‪ :‬ما هي؟‬ ‫قال ‪ :‬إذا أويت إىل فراشك فاقرأ‬ ‫آية الكرسي « اهلل ال إله إال هو ا‪ٟ‬تي‬ ‫القيوم » حىت ٗتتم اْلية؛ فإنه لن‬

‫يزال عليك من اهلل حافظ ‪ ،‬وال‬ ‫يقربنك شيطان حىت تصبح ‪،‬‬ ‫فخليت سبيله ‪ ،‬فأصبحت فقال يل‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫ما فعل أسَتك البارحة »؟ قلت يا‬ ‫رسول اهلل ‪ :‬زعم أنه يعلمٍت‬ ‫كلمات ينفعٍت اهلل بها فخليت‬

‫سبيله قال ‪ « :‬ما هي » قلت ‪ :‬قال‬ ‫يل ‪ :‬إذا أويت إىل فراشك فاقرأ آية‬ ‫الكرسي من أو‪٢‬تا حىت ٗتتم « اهلل ال‬ ‫إله إال هو ا‪ٟ‬تي القيوم » ‪ ،‬وقال يل ‪:‬‬ ‫لن يزال عليك من اهلل حافظ وال‬ ‫يقربك شيطان حىت تصبح ‪ ،‬وكانوا‬ ‫( أي الصحابة ) أحرص شيء عىل‬

‫تعلم ا‪٠‬تَت ‪ ،‬فقال النبي صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬أما أنه قد صدقك‬ ‫وهو كذوب ‪ ،‬تعلم من ٗتاطب منذ‬ ‫ثبلث ليال يا أبا هريرة؟ قال ‪ :‬ال ‪،‬‬ ‫قال صىل اهلل عليه وسلم ‪ » :‬ذاك‬ ‫الشيطان « » ‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬سورة‬ ‫البقرة فيها سيدة آي القرآن ال تقرأ‬ ‫يف بيت فيه شيطان إال خرج منه آية‬ ‫الكرسي » ‪.‬‬ ‫وعن أيب أمامه قال ‪ « :‬قال رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم » من قرأ‬

‫دبر كل صبلة آية الكرسي لم ٯتنعه‬ ‫من دخول ا‪ٞ‬تنة إال أن ٯتوت « ‪.‬‬ ‫وعن علي كرم اهلل وجهه عن‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‬ ‫‪ » :‬من قرأها يعٍت آية الكرسي‬ ‫حُت يأخذ مضجعه آمنه اهلل تعاىل‬ ‫عىل داره ‪ ،‬ودار جاره ‪ ،‬وأهل‬

‫دويرات حوله « ‪.‬‬ ‫كل هذه ا‪١‬تعاين قد وردت يف أفضال‬ ‫هذه اْلية الكرٯتة ‪ ،‬وقد جلس‬ ‫العلماء يبحثون عن سر هذه‬ ‫ا‪١‬تسألة فقال واحد منهم ‪ :‬انظروا‬ ‫إىل أ‪ٝ‬تاء اهلل ا‪١‬توجودة فيها ‪.‬‬ ‫وبالفعل قام أحد العلماء ْتصر‬

‫أ‪ٝ‬تاء اهلل ا‪ٟ‬تسٌت فيها ‪ ،‬فوجد أن‬ ‫فيها ستة عشر ا‪ٝ‬تا ًمن أ‪ٝ‬تاء اهلل ‪،‬‬ ‫وبعضهم قال ‪ :‬إن بها سبعة عشر‬ ‫ا‪ٝ‬تا ًمن أ‪ٝ‬تاء اهلل ا‪ٟ‬تسٌت ‪،‬‬ ‫وبعضهم قال أن فيها واحدا ً‬ ‫وعشرين ا‪ٝ‬تا ًمن أ‪ٝ‬تاء اهلل ‪ ،‬كل‬ ‫ذلك من أجل أن يستنبطوا منها‬

‫أشياء ‪ ،‬ويعلموا فضل وفضائل‬ ‫هذه اْلية الكرٯتة ‪.‬‬ ‫والذين قالوا إن بها ستة عشر ا‪ٝ‬تا‬ ‫من أ‪ٝ‬تاء اهلل قالوا ‪:‬‬ ‫إن بها اسم علم واجب الوجود «‬ ‫اهلل » ‪.‬‬

‫واسم « هو » يف ال إله إال هو ‪ :‬هو‬ ‫االسم الثاين ‪.‬‬ ‫و « ا‪ٟ‬ت ّي » هو االسم الثالث ‪.‬‬ ‫و « القيوم » هو االسم الرابع ‪.‬‬ ‫وعندما ندقق يف قول ا‪ٟ‬تق « ال‬ ‫تأخذه سنة وال نوم » ‪٧‬تد أن‬ ‫الضمَت يف « ال تأخذه عائد إىل ذاته‬

‫جل شأنه ‪. .‬‬ ‫و » له ما يف السماوات وما يف‬ ‫األرض « فيها ضمَت عائد إىل ذاته‬ ‫سبحانه ‪.‬‬ ‫وكذلك الضمائر يف قوله ‪ » :‬عنده‬ ‫« و » بإذنه « و » يعلم « و » من‬ ‫علمه « و » ٔتا شاء « و » كرسيه «‬

‫كلها تعود إىل ذاته جل شأنه ‪.‬‬ ‫و » ال يؤوده حفظهما « فيها ضمَت‬ ‫عائد إىل ذاته كذلك ‪.‬‬ ‫و » هو « يف قوله سبحانه » وهو‬ ‫العلي العظيم « اسم من أ‪ٝ‬تائه‬ ‫تعاىل ‪.‬‬ ‫و » العلي « اسم من أ‪ٝ‬تائه جل‬

‫وعبل ‪.‬‬ ‫و » العظيم « كذلك اسم من‬ ‫أ‪ٝ‬تائه سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫لك َّن عا‪١‬تا ًآخر قال ‪ :‬إهنا سبعة عشر‬ ‫ا‪ٝ‬تا ًمن أ‪ٝ‬تاء اهلل؛ ألنك لم‬ ‫ٖتسب الضمَت يف ا‪١‬تصدر ا‪١‬تشتق‬ ‫منه الفعل ا‪١‬توجود بقوله ‪» :‬‬

‫حفظهما « إن الضمَت يف » ‪٫‬تا «‬ ‫يعود إىل السماوات واألرض ‪ .‬و »‬ ‫ا‪ٟ‬تفظ « مصدر ‪ .‬فمن الذي ٭تفظ‬ ‫السماوات واألرض؟ إنه اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهكذا أصبحوا‬ ‫سبعة عشر ا‪ٝ‬تا ًمن أ‪ٝ‬تاء اهلل‬ ‫ا‪ٟ‬تسٌت يف آية الكرسي ‪.‬‬

‫وعالم ثالث قال ‪ :‬ال ‪ ،‬أنتم ٕتاهلتم‬ ‫أ‪ٝ‬تاء أخرى؛ ألن يف اْلية الكرٯتة‬ ‫أ‪ٝ‬تاء واضحة للحق جل وعبل ‪،‬‬ ‫وهناك أ‪ٝ‬تاء مشتقة ‪ ،‬مثال ذلك ‪:‬‬ ‫اهلل ال إله إال هو ‪ .‬ا‪ٟ‬تي هو ‪ .‬القيوم‬ ‫هو ‪ .‬العلي هو ‪ .‬العظيم هو ‪.‬‬ ‫ولكن العلماء قالوا ردا عىل ذلك ‪:‬‬

‫صحيح أهنا أ‪ٝ‬تاء مشتقة ولكنها‬ ‫صارت أعبلما ً‪.‬‬ ‫ست‬ ‫ا‪١‬تهم أن يف اْلية الكرٯتة ة‬ ‫عشر ا‪ٝ‬تا ً‪ ،‬وإن حسبنا الضمَت‬ ‫ا‪١‬تستًت يف » حفظهما « ‪٧‬تد أهنا‬ ‫سبعة عشر ا‪ٝ‬تا ً‪ ،‬وإذا حسبنا‬ ‫الضمَت ا‪١‬توجود يف ا‪١‬تشتقات مثل‬

‫» ا‪ٟ‬تي هو « و » القيوم هو « و »‬ ‫العلي هو « و » العظيم هو « ‪.‬‬ ‫صارت أ‪ٝ‬تاء اهلل ا‪ٟ‬تسٌت ا‪١‬توجودة‬ ‫يف هذه اْلية الكرٯتة واحدا ً‬ ‫وعشرين ا‪ٝ‬تا ً‪ .‬إذن هي آية قد‬ ‫‪ٚ‬تعت قدرا ًكبَتا من أ‪ٝ‬تاء اهلل ‪،‬‬ ‫ومن ذلك جاءت عظمتها ‪.‬‬

‫وهذه اْلية الكرٯتة قد بيّنت‬ ‫ووضحت قواعد التصور اإلٯتاين ‪،‬‬ ‫وأنشأت عقيدة متكاملة يعتز‬ ‫ا‪١‬تؤمن أن تكون هذه العقيدة‬ ‫عقيدته ‪.‬‬

‫واْلية يف ذاهتا تتضمن حيثيات‬ ‫اإلٯتان ‪ ،‬إنه ما دام هو اهلل ال إله إال‬ ‫هو ‪ ،‬وما دام هو ا‪ٟ‬ت ّي القيوم عىل أمر‬ ‫السماء واألرض ‪ ،‬وكل شيء بيده ‪،‬‬ ‫وهو العلي العظيم ‪ ،‬فكل هذه‬ ‫مْبرات ألن نؤمن به سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ ،‬وأن نعتز بأن نعتقد هذه‬

‫ا‪١‬تعتقدات ‪ ،‬وتكون هي الدليل عىل‬ ‫أن ا‪١‬تؤمن فخور بهذا الدين الذي‬ ‫كان أمر األلوهية ا‪١‬تطلقة واضحا ً‬ ‫وبُتفيه ‪.‬‬ ‫ّ اً‬ ‫ولذلك فمن الطبيعي أال يقهر ا‪ٟ‬تق‬ ‫أحدا ًعىل اإلٯتان به إكراها ً‪ ،‬ألن‬ ‫الذي يقهر أحدا ًعىل عقيدة ما ‪ ،‬هو‬

‫أول َم ْن يعتقد أنه لوال اإلكراه عىل‬ ‫هذه العقيدة ‪١‬تا اعتقدها أحد ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن يف حياتنا اليومية ‪٧‬تد أن‬ ‫أصحاب ا‪١‬تبادئ الباطلة هم الذين‬ ‫ٯتسكون السياط من أجل إكراه‬ ‫الناس عىل السَت عىل مبادئهم ‪.‬‬ ‫وكل من أصحاب هذه ا‪١‬تبادئ‬

‫الباطلة يعلم ٘تام العلم أنه لو‬ ‫ترك السوط والقهر ما سار إنسان‬ ‫عىل مثل هذه ا‪١‬تبادئ الباطلة ‪.‬‬ ‫ولو كان أحد من أصحاب هذه‬ ‫ا‪١‬تبادئ الباطلة معتقدا ًأن مبدأه‬ ‫سليم لقال ‪ :‬أطرح هذا ا‪١‬تبدأ عىل‬ ‫الناس ‪ ،‬وأترك ‪٢‬تم ا‪٠‬تيار؛ ألنه يف‬

‫هذه ا‪ٟ‬تالة سيكون واثقا ًمن مبدئه‬ ‫‪ .‬أما الذي يقهر الناس إكراها‬ ‫بالسوط أو السلطان ليعتقدوا مبدأ‬ ‫ما ‪ ،‬فهو أول من يشك يف هذا ا‪١‬تبدأ‬ ‫‪ ،‬وهو أول من يعتقد أنه مبدأ باطل‬ ‫‪ .‬مثل هؤالء نراهم عندما تضعف‬ ‫أيديهم عن استعمال السوط أو‬

‫السلطان فإن أمر مبدئهم ينهزم‬ ‫ويسقط بنيانه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعد ذلك‬ ‫ُت‬ ‫يقول ‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين قَد تَّب َ َّ َ‬ ‫الرشد ِم َن الغي ‪} . . .‬‬

‫ِ‬ ‫ُت ال ُّر ْش ُد‬ ‫َال إِك َْر َاه ِيف ال ّدي ِن قَ ْد تَب َ َّ َ‬ ‫الطا ُغ ِ‬ ‫ِم َن الْغ َ ِّي فَ َم ْن ي َ ْك ُف ْر بِ َّ‬ ‫وت‬ ‫ويُ ْؤ ِم ْن بِ َ ِ‬ ‫ك بِال ْ ُع ْر َو ِة‬ ‫اّلل فَ َق ِد ْاس َْمت َس َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫اّلل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثْ‬ ‫‪ٝ‬تي ٌع‬ ‫ال ْ ُو َىق َال انْف َص َ‬ ‫ام َ‪٢‬تَا َو َّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)256‬‬ ‫عَل ٌ‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يوضح لنا‬ ‫‪٨‬تن العباد ا‪١‬تؤمنُت ولسائر البشرية‬ ‫أنه ‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين } ‪.‬‬ ‫واإلكراه هو أن ٖتمل الغَت عىل‬ ‫فعل ال يرى هو خَتا ًيف أن يفعله ‪.‬‬ ‫أي ال يرى الشخص ا‪١‬تك َره فيه‬ ‫خَتا ًحىت يفعله ‪.‬‬

‫ولكن هناك أشياء قد نفعلها مع من‬ ‫حولنا لصا‪ٟ‬تهم ‪ ،‬كأن نرغم األبناء‬ ‫عىل ا‪١‬تذاكرة ‪ ،‬وهذا أمر لصاٌف‬ ‫األبناء ‪ ،‬وكأن ‪٧‬تْب األطفال ا‪١‬ترىض‬ ‫عىل تناول الدواء ‪ .‬ومثل هذه‬ ‫األمور ليست إكراها ً‪ ،‬إ‪٪‬تا هي‬ ‫أمور نقوم بها لصاٌف من حولنا؛ ألن‬

‫أحدا ًال يسره أن يظل مريضا ً‪.‬‬ ‫إن اإلكراه هو أن ٖتمل الغَت عىل‬ ‫فعل من األفعال ال يرى فيه هو‬ ‫ا‪٠‬تَت ٔتنطق العقل السليم ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬ال َ‬ ‫إِك َْر َاه ِيف الدين } ‪ .‬ومعٌت هذه‬ ‫اْلية أن اهلل لم يكره خلقه وهو‬

‫خالقهم عىل دين ‪ ،‬وكان من‬ ‫ا‪١‬تمكن أن اهلل يقهر اإلنسان‬ ‫ا‪١‬تختار ‪ ،‬كما قهر السماوات‬ ‫واألرض وا‪ٟ‬تيوان والنبات وا‪ٞ‬تماد‬ ‫‪ ،‬وال أحد يستطيع أن يعىص أمره ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫آء اهلل‬ ‫فيقول سبحانه ‪ { :‬ل ّ ْو ي َ َش ُ‬ ‫َ‪٢‬ت َ َدى الناس َ‪ٚ‬تِيعا ً} ػ الرعد ‪:‬‬

‫‪] 31‬‬ ‫لكن ا‪ٟ‬تق يريد أن يعلم من يأتيه‬ ‫‪٤‬تبا ً‪٥‬تتارا ًوليس مقهورا ً‪ ،‬أن‬ ‫ا‪١‬تجيء قهرا ًيثبت له القدرة ‪ ،‬وال‬ ‫يثبت له ا‪١‬تحبوبية ‪ ،‬لكن من‬ ‫يذهب له طواعية وهو قادر أال‬ ‫يذهب فهذا دليل عىل ا‪ٟ‬تب ‪،‬‬

‫فيقول تعاىل ‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين‬ ‫} أي أنا لم أضع مبدأ اإلكراه ‪،‬‬ ‫وأنا لو شئت ْلمن من يف األرض‬ ‫كلهم ‪ٚ‬تيعا ً‪ .‬فهل الرسل الذين‬ ‫أرسلهم سبحانه يتطوعون بإكراه‬ ‫إن الرسول جاء لينقل‬ ‫الناس؟ ‪ .‬ال ‪ّ ،‬‬ ‫عن اهلل ال ليكره الناس ‪ ،‬وهو‬

‫سبحانه قد جعل خلقه ‪٥‬تتارين ‪،‬‬ ‫وإال لو أكرههم ‪١‬تا أرسل الرسل ‪،‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪١‬توىل عز وجل ‪{ :‬‬ ‫ك ْل َم َن َمن ِيف األرض‬ ‫َول َ ْو َشآءَ َربُّ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫نت ُت ْك ِر ُه الناس‬ ‫كُل ُّ ُه ْم َ‪ٚ‬تيعا ًأَفَأ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ػ يونس ‪:‬‬ ‫حىت ي َ ُكونُوا ْ ُم ْؤمن َ‬ ‫‪] 99‬‬

‫إن الرسول له مهمة الببلغ عن‬ ‫اهلل؛ ألن اهلل لم يرد خلقه مكرهُت‬ ‫عىل التدين ‪ ،‬إذن فا‪١‬تبلغ عنه ال‬ ‫يُكره خلقه عىل التدين ‪ ،‬إال أن هنا‬ ‫لبسا ً‪ .‬فهناك فرق بُت القهر عىل‬ ‫الدين ‪ ،‬والقهر عىل مطلوب الدين‬ ‫‪ ،‬هذا هو ما ٭تدث فيه اٍفالف ‪.‬‬

‫تقول ‪١‬تسلم ‪١ :‬تاذا ال تصلي؟ يقول‬ ‫لك ‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين } ‪،‬‬ ‫ويدعي أنه مثقف ‪ ،‬ويأتيك بهذه‬ ‫اْلية ليلجمك بها ‪ ،‬فتقول له ‪ :‬ال ‪.‬‬ ‫{ ال َإِك َْر َاه ِيف الدين } عقيدة‬ ‫وإٯتانا ً‪ ،‬إ‪٪‬تا إن آمنت وأعلنت‬ ‫أنك آمنت باهلل وصرت معنا‬

‫مسلما ًفبل بد أن تعرف أنك إن‬ ‫كسرت حكما ًمن أحكام اإلسبلم‬ ‫نطلب منك أن تؤديه ‪ ،‬أنت حر أن‬ ‫تؤمن أو ال تؤمن ‪ ،‬لكن حُت‬ ‫التزمت باإلٯتان ‪ ،‬فعليك مسئولية‬ ‫تنفيذ مطلوب اإلٯتان ‪ ،‬وإال حسب‬ ‫تصرفك أنه من تصرفات اإلسبلم‬

‫‪ ،‬فإذا كنت تشرب ‪ٜ‬ترا ًفإنك‬ ‫حر؛ ألنك كافر مثبل ً‪ ،‬لكن أتؤمن‬ ‫ثم تشرب ‪ٜ‬ترا ً!؟ ال ‪.‬‬ ‫أنت بذلك تكسر حدا ًمن حدود‬ ‫اهلل ‪ ،‬وعليك العقاب ‪.‬‬ ‫وألنك مادمت قد علمت كعاقل‬

‫رشيد مطلوب اإلسبلم ‪ ،‬فعليك أن‬ ‫تنفذ مطلوب اإلسبلم ‪ ،‬ولذلك لم‬ ‫يكلف اهلل اإلنسان قبل أن ينضج‬ ‫عقله بالبلوغ؛ حىت ال يقال ‪ :‬إن اهلل‬ ‫قد أخذ أحدا ًباإلٯتان وألزمه به‬ ‫قبل أن يكتمل عقله ‪ .‬بل ترك‬ ‫التكليف حىت ينضج اإلنسان‬

‫ويكتمل ‪ ،‬حىت إذا دخل إىل دائرة‬ ‫التكليف عرف مطلوباته ‪ ،‬وهو حر‬ ‫أن يدخل إىل اإلٯتان أو ال يدخل ‪،‬‬ ‫لكن إن دخل سيحاسب ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إذن فبل يقل أحد عندما يسمع‬ ‫حكما ًمن أحكام الدين ‪ { :‬ال َ‬ ‫إِك َْر َاه ِيف الدين } ؛ ألن هذه اْلية‬

‫نزلت بشأن العقيدة األساسية ‪،‬‬ ‫فإن اتبعت هذه العقيدة صار لزاما ً‬ ‫عليك أن تويف ٔتطلوباهتا ‪ .‬وقد‬ ‫أراد خصوم اإلسبلم أن يصعدوا‬ ‫هذه العملية فقالوا كذبا ًوافًتاء ‪:‬‬ ‫إن اإلسبلم انتشر ْتد السيف ‪.‬‬ ‫ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬لقد شاء اهلل أن ينشأ‬

‫اإلسبلم ضعيفا ًويُضطهد‬ ‫السابقون إليه كل أنواع االضطهاد‬ ‫‪ ،‬ويُعذبون ‪ ،‬و ُٮترجون من ديارهم‬ ‫ومن أموا‪٢‬تم ومن أهلهم ‪ ،‬وال‬ ‫يستطيعون عمل شيء ‪ .‬إذن ففًتة‬ ‫الضعف اليت مرت باإلسبلم أوال‬ ‫فًتة مقصودة ‪.‬‬

‫ونقول ‪٢‬تم أيضا ‪ :‬من الذي قهر‬ ‫وأجْب أول حامل للسيف أن ٭تمل‬ ‫السيف؟! وا‪١‬تسلمون ضعاف‬ ‫ومغلبون عىل أمرهم ‪ ،‬ال يقدرون‬ ‫عىل أن ٭تموا أنفسهم ‪ ،‬إنكم‬ ‫تقعون يف ا‪١‬تتناقضات عندما‬ ‫تقولون ‪ :‬إن اإلسبلم ن ُ ِش َر بالسيف‬

‫‪ .‬ويتحدثون عن ا‪ٞ‬تزية رفضا ً‪٢‬تا ‪،‬‬ ‫فنقول ‪ :‬وما هي ا‪ٞ‬تزية اليت يأخذها‬ ‫اإلسبلم من َت ا‪١‬تسلمُت‬ ‫كضريبة للدفاع عنهم؟ لقد كان‬ ‫ا‪١‬تسلمون يأخذون ا‪ٞ‬تزية من‬ ‫الببلد اليت دخلها الفتح اإلسبلمي ‪،‬‬ ‫أي أن هناك أناسا ًبقوا عىل دينهم ‪.‬‬

‫ومادام هناك أناس باقون عىل‬ ‫دينهم فهذا دليل عىل أن اإلسبلم‬ ‫لم يُكره أحدا ً‪.‬‬ ‫وقول اهلل ‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين }‬ ‫علته أن الرشد واضح والغي واضح‬ ‫‪ ،‬ومادام األمر واضحا فبل يأيت‬ ‫اإلكراه يأيت يف وقت اللبس ‪ ،‬وليس‬

‫هناك لبس ‪ ،‬لذلك قيول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ُت الرشد ِم َن الغي } ‪ .‬ومادام‬ ‫قَد تَّب َ َّ َ‬ ‫الرشد بائنا من الغ ّي فبل إكراه ‪.‬‬ ‫لكن اهلل يعطيك األدلة ‪ ،‬وأنت أيها‬ ‫اإلنسان بعقلك ٯتكنك أن ٗتتار ‪،‬‬ ‫كي تعرف أنك لو دخلت الدين‬ ‫اللتزمت ‪ ،‬وحوسبت عىل دخولك يف‬

‫الدين ‪ ،‬فبل تدخل إال وأنت مؤمن‬ ‫واثق بأن ذلك هو ا‪ٟ‬تق؛ ألنه‬ ‫سيًتتب عليه أن تقبل أحكام‬ ‫الدين عليك ‪.‬‬ ‫ُت الرشد‬ ‫{ ال َإِك َْر َاه ِيف الدين قَد َّتب َ َّ َ‬ ‫ِم َن الغي } والرشد ‪ :‬هو طريق‬ ‫النجاة ‪ ،‬و « الغي » ‪ :‬هو طريق‬

‫ا‪٢‬تبلك ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق إيضاحا ً‬ ‫للرشد والغي يف آية أخرى من آيات‬ ‫القرآن الكريم ‪َ { :‬سأ َ ْص ِر ُف َع ْن‬ ‫ي‬ ‫ون ِيف األرض‬ ‫ْب َ‬ ‫آي َ ِايت الذ ن يَت َ َك َّ ُ‬ ‫بِغ َ ْ ِ‬ ‫َت ا‪ٟ‬تق َوإِن ي َ َر ْوا ْكُ َّل آي َ ٍة ال َّيُ ْؤ ِم ُنوا ْ‬ ‫ِيل الرشد ال َ‬ ‫بِهَا َوإِن ي َ َر ْوا ْ َسب َ‬ ‫ِيل الغي‬ ‫يَتَّ ِخ ُذ ُوه َسبِيبل ً َوإِن ي َ َر ْوا ْ َسب َ‬

‫يَتَّ ِخ ُذ ُوه َسبِيبل ًذلك بِأ َ َّهن ُ ْم َك َّذ ُبوا ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ُت}‬ ‫بِآيَاتنَا َوكَانُوا ْ َع ْ َنها َافل َ‬

‫ػ األعراف ‪] 146 :‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يعلمنا أن ا‪١‬تتكْبين يف‬ ‫األرض بغَت حق لن يستطيعوا‬ ‫الفوز برؤية آيات اهلل ودالئل‬

‫قدرته ‪ ،‬وحىت إن رأوا السبيل‬ ‫الصحيح فلن يسَتوا فيه ‪ ،‬وإن‬ ‫شاهدوا طريق الضبلل سلكوا فيه‬ ‫ألهنم يكذبون بآيات الر‪ٛ‬تن‬ ‫ويغفلون عنها ‪ .‬والغي أيضا هو‬ ‫ضبلل الطريق ‪ ،‬فعندما يسَت‬ ‫إنسان يف الصحراء ويضل الطريق‬

‫يقال عنه ‪ « :‬فبلن قد غوى » أي‬ ‫فقد االٕتاه الصحيح يف السَت ‪ ،‬وقد‬ ‫يتعرض ‪١‬تخاطر ‪ٚ‬تة كلقاء‬ ‫الوحوش و َت ذلك ‪ .‬ويوضح لنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق طريق الرشد ٔتنطوق آخر يف‬ ‫قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وأَن َّا ال َندري أ َ َش ٌّر‬ ‫أُ ِري َد بِ َمن ِيف األرض أ َ ْم أ َ َرادَ بِ ِه ْم‬

‫َربُّ ُه ْم َر َشدا ً} ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 10 :‬‬ ‫إن ا‪ٞ‬تن قد ظنوا كما ظن بعض من‬ ‫معشر اإلنس أن اهلل لن يبعث أحدا ً‬ ‫بعد ا‪١‬توت أو لن يرسل رسوال ًمن‬ ‫البشر ‪٢‬تداية الكون ‪ .‬وقد طلب‬ ‫ا‪ٞ‬تن بلوغ السماء فوجدوها قد‬ ‫وشهبا ً‬ ‫ُملئت حرسا ًمن ا‪١‬تبلئكة ُ‬

‫‪٤‬ترقة ‪ .‬وإن ا‪ٞ‬تن ال يعلمون السر‬ ‫يف حراسة السماء وهل يف ذلك َش ٌّر‬ ‫بالبشر أو أراد اهلل بهم خَتا ًوهدى‬ ‫‪ .‬إذن فال ُّر ْشد بضم الراء وتسكُت‬ ‫الشُت وال َر َشد بفتح الراء وفتح‬ ‫الشُت كبل‪٫‬تا يوضح الطريق‬ ‫ا‪١‬توصل للنجاة ‪ .‬ويقابل الرشد‬

‫الغ ّي ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َم ْن ي َ ْك ُف ْر‬ ‫بالطاغوت َوي ْ ْؤ ِمن باهلل فَ َق ِد‬ ‫استمسك بالعروة الوثىق} أوال ‪:‬‬ ‫نلحظ أن ا‪ٟ‬تق هنا قد قدم الكفران‬ ‫بالطاغوت ‪ ،‬ثم جاء باإلٯتان باهلل؛‬ ‫ألن األمر يتطلب التخلية أوال‬

‫والتحلية ثانيا ‪ ،‬البد أن يتخىل‬ ‫اإلنسان من الطاغوت فبل يدخل‬ ‫عىل أنه يؤمن باهلل ويف قلبه‬ ‫الطاغوت ‪ ،‬فنح ن قبل أن نكوي‬ ‫الثوب نغسله وننظفه ‪ ،‬والتخلية‬ ‫قبل التحلية ‪.‬‬ ‫وما هو « الطاغوت »؟ إنه من مادة‬

‫« طىغ » ‪ ،‬وكلمة « طاغوت »‬ ‫مبالغة يف الطغيان ‪ .‬لم يقل ‪ :‬طاغ ‪،‬‬ ‫بل طاغوت ‪ ،‬مثل جْبوت ‪،‬‬ ‫والطاغوت إما أن يطلق عىل‬ ‫الشيطان ‪ ،‬وإما أن يُطلق عىل من‬ ‫يعطون أنفسهم حق التشريع‬ ‫يفكَ ِّفرون وينسبون من يشاءون‬

‫إىل اإلٯتان حسب أهوائهم ‪،‬‬ ‫ويعطون أشياء بسلطة زمنية من‬ ‫عندهم ‪ ،‬ويُطلق أيضا ًعىل السحرة‬ ‫والدجالُت ‪ ،‬ويُطلق عىل كل من طىغ‬ ‫وٕتاوز ا‪ٟ‬تد يف أي شيء ‪ ،‬فكلمة «‬ ‫طاغوت » مبالغة ‪ ،‬وقد تكون هذه‬ ‫ا‪١‬تبالغة متعددة األلوان ‪ ،‬فمرة‬

‫شيطان‪ ،‬ومرة‬ ‫ا‬ ‫يكون الطاغي‬ ‫يكون الطاغي كاهنا ً‪ ،‬ومرة يكون‬ ‫ساحرا ًأو دجاال ً‪ ،‬ومرة يكون‬ ‫حاكما ً‪.‬‬ ‫ومادة « الطاغوت » تدل عىل أن‬ ‫ا‪١‬توصوف بها هو من تزيده الطاعة‬ ‫له طغيانا ً‪ ،‬فعندما ‪٬‬تربك يف حاجة‬

‫صغَتة ‪ ،‬فتطيعه فيها فيزداد بتلك‬ ‫الطاعة طغيانا عليك ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه يقول ‪ { :‬فاستخف َق ْو َم ُه‬ ‫فَأ َ‬ ‫وه إ َِّهنُم كَانُوا ْقَوما ًفَا ِسقِ‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ُت }‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ػ الزخرف ‪] 54 :‬‬ ‫ويزيد يف األمر حىت يصَت طاغية ‪،‬‬ ‫وال يوجد أحد استهل عمله‬

‫بالطغيان العايل ‪ ،‬إ‪٪‬تا يبدأ األمر‬ ‫خطوة خطوة ‪ ،‬كأي نظام‬ ‫ديكتاتوري قهري ‪ ،‬إنه يبدأ ب (‬ ‫جس نبض ) فإن صْب الناس ‪ ،‬ازداد‬ ‫هذا النظام يف القسوة حىت يصَت‬ ‫طاغوتا ‪ ،‬إذن فالطاغوت هو الذي‬ ‫تستزيده الطاعة طغيانا ‪ ،‬و ُتطلق‬

‫عىل الشيطان؛ ألنه هو األساس ‪،‬‬ ‫وعىل الذين يتكلمون باسم الدين‬ ‫للسلطة الزمنية ( سواء كانوا كهانا ً‬ ‫أو َتهم ) ‪ ،‬و ُتطلق عىل الذين‬ ‫يسحرون ويدجلون ‪ ،‬ألهنم طغوا‬ ‫ٔتا علموه؛ إهنم يستعملون أشياء‬ ‫يتعبون بها الناس ‪ ،‬وقد جاءت‬

‫الكلمة هنا بصيغة ا‪١‬تبالغة‬ ‫الشتما‪٢‬تا عىل كل هذه ا‪١‬تعاين ‪ ،‬وإذا‬ ‫استعرضنا الكلمة يف القرآن ‪٧‬تد أن‬ ‫« الطاغوت » ترد مذكرة يف بعض‬ ‫األحيان ‪ ،‬وقد وردت مؤنثة يف آية‬ ‫واحدة يف القرآن ‪:‬‬

‫{ والذين اجتنبوا الطاغوت أَن‬ ‫وها وأنابوا إ َِىل اهلل َ‪٢‬ت ُ ُم‬ ‫يَعْب ُ ُد َ‬ ‫البشرى فَب َ ِّش ْر ِعبَا ِد} ػ الزمر ‪:‬‬ ‫‪] 17‬‬ ‫لقد أوضحت هذه اْلية أهنم‬ ‫تركوا كل أنواع الطغيان وأصنافه‬ ‫‪ ،‬أي إن الذين اجتنبوا األلوان‬

‫ا‪١‬تتعددة من الطغيان هم الذين‬ ‫يتجهون بالعبادة ا‪٠‬تالصة هلل ‪ ،‬و‪٢‬تم‬ ‫البشرى ‪ { .‬فَ َم ْن ي َ ْك ُف ْر بالطاغوت‬ ‫َوي ْ ْؤ ِمن باهلل فَقَ ِد استمسك بالعروة‬ ‫الوثىق } وكلمة { استمسك }‬ ‫َت كلمة « مسك » ‪ .‬ألن {‬ ‫استمسك } تدل عىل أن فيه‬

‫‪٣‬تاهدة يف ا‪١‬تسك ‪ ،‬والذي يتدين‬ ‫٭تتاج إىل ‪٣‬تاهدة يف التدين؛ ألن‬ ‫الشيطان لن يًتكه ‪ ،‬فبل يكفي أن‬ ‫٘تسك ‪ ،‬بل عليك أن تستمسك ‪،‬‬ ‫كلما وسوس الشيطان لك بأمر‬ ‫فعليك أن تستمسك بالتدين ‪،‬‬ ‫هذا يدل عىل أن هناك ‪٣‬تاهدة‬

‫وردا ً‪ { .‬فَ َق ِد استمسك‬ ‫وأخذا ً ّ‬ ‫بالعروة } والعروة هي العبلقة ‪،‬‬ ‫مثلما نقول ‪ « :‬عروة الدول » ‪،‬‬ ‫اليت ٘تسكها منه ‪ ،‬وهذه عادة ما‬ ‫تكون مصنوعة من ا‪ٟ‬تبل ا‪١‬تلفوف‬ ‫ا‪١‬تتُت ‪ ،‬و « الوثىق » هي تأنيث «‬ ‫األوثق » أي أمر موثوق به ‪ ،‬وقوله ‪:‬‬

‫{ فَ َق ِد استمسك بالعروة الوثىق }‬ ‫‪ ،‬قد يكون تشبيها بعروة الدلو ألن‬ ‫اإلنسان يستخدم الدلو ليأيت با‪١‬تاء‬ ‫‪ ،‬وبا‪١‬تاء حياة البدن ‪ ،‬وبالدين حياة‬ ‫القيم ‪.‬‬ ‫{ فَقَ ِد استمسك بالعروة الوثىق }‬ ‫كأنه ساعة جاء بكلمة « عروة »‬

‫يأيت بالدلو يف بال اإلنسان ‪ ،‬والدلو‬ ‫تأيت با‪١‬تاء ‪ ،‬وا‪١‬تاء به حياة البدن ‪،‬‬ ‫إذن فهذه تعطينا إ٭تاءات التصور‬ ‫واضحة ‪ { ،‬فَقَ ِد استمسك‬ ‫بالعروة الوثىق } ‪ ،‬وما دامت «‬ ‫عروة وثىق » اليت هي الدين‬ ‫واإلٯتان باهلل ‪ ،‬وما دامت هي‬

‫الدين وحبل اهلل فهذه وثىق ‪ ،‬وما‬ ‫دامت « وثىق » فبل انفصام ‪٢‬تا ‪،‬‬ ‫وعلينا أن نعرف أن فيه انفصاما ً‪.‬‬ ‫وفيه انفصام األول بالفاء والثاين‬ ‫بالقاف ‪.‬‬ ‫االنفصام ‪ :‬ٯتنع االتصال‬ ‫الداخلي؛ مثلما تنكسر اليد لكنها‬

‫تظل معلقة ‪ ،‬واالنقصام ‪ :‬أن‬ ‫يذهب كل جزء بعيدا ًعن اْلخر‬ ‫أي فيه بينونة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬ال َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يم }‬ ‫انفصام َ‪٢‬تَا واهلل َ‪ٝ‬تي ٌع عَل ٌ‬ ‫توحي بأن عملية الطاغوت‬ ‫ستكون دائما ًوسوسة ‪ ،‬وهذه‬ ‫الوسوسة هي ‪ :‬الصوت الذي يُغري‬

‫بالكبلم ا‪١‬تعسول ‪ ،‬ولذلك أخذت‬ ‫كلمة « وسوسة الشيطان » من‬ ‫وسوسة ا‪ٟ‬تُل ّي ‪ ،‬ووسوسة الذهب‬ ‫هي رنُت الذهب ‪ ،‬أي وسوسة‬ ‫مغرية مثل وسوسة الشيطان ‪،‬‬ ‫واهلل عليم بكل أمر ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫بعد ذلك ‪ { :‬اهلل َو ِيل ُّالذين آ َم ُنوا ْ‬

‫ُٮت ْ ِر ُج ُه ْم ِّم َن الظلمات إ َِىل النور ‪. .‬‬ ‫‪}.‬‬ ‫اّلل َو ِيل ُّال َّ ِذي َن آ َم ُنوا ُٮت ْ ِر ُج ُه ْم ِم َن‬ ‫َّ ُ‬ ‫الظلُم ِ‬ ‫ات إ َِىل النُّو ِر َوال َّ ِذي َن كَ َف ُروا‬ ‫ُّ َ‬ ‫أ َ ْولِي ُاؤ ُه ُم َّ‬ ‫وهن ُ ْم ِم َن‬ ‫وت ُٮتْر ُِج َ‬ ‫الطا ُغ ُ‬ ‫َ‬

‫ات أُولَئِ َ َ‬ ‫الظلُم ِ‬ ‫اب‬ ‫النُّو ِر إ َِىل ُّ َ‬ ‫ك أ ْص َح ُ‬ ‫النَا ِر هم فِيها َخال ِ‬ ‫ون (‪)257‬‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ ْ َ‬ ‫َ‬

‫إن اهلل ويل ّالذين آمنوا ما دام {‬ ‫فَ َم ْن ي َ ْك ُف ْر بالطاغوت َوي ْ ْؤ ِمن باهلل‬ ‫فَقَ ِد استمسك بالعروة الوثىق}‬ ‫وكأن ا‪ٟ‬تق يشرح ذلك بهذه اْلية ‪،‬‬

‫فما دام العبد سيتصل بالعروة‬ ‫الوثىق ويستمسك بها ‪ ،‬وهذه‬ ‫ليست ‪٢‬تا انفصام فقد صارت‬ ‫واليته هلل ‪ ،‬وكلمة « ويل ّ» إذا‬ ‫‪ٝ‬تعتها هي من « َو ِيل َ» أي ‪ :‬جاء‬ ‫الشيء بعد الشيء من َت فاصل؛‬ ‫هذا يليه هذا ‪ ،‬وما دام يليه من َت‬

‫فاصل فهو األقرب له ‪ ،‬وما دام هو‬ ‫األقرب له إذن فهو أول من يفزع‬ ‫لينقذ ‪ ،‬فقد يسَت معي إنسان فإذا‬ ‫التوت قدمي أناديه؛ ألنه األقرب‬ ‫مٍت ‪ ،‬وهو الذي سينجدين ‪.‬‬ ‫فبل يوجد فاصل ‪ ،‬وما دام ال يوجد‬ ‫فاصل فهو أول من تناديه ‪ ،‬وأول‬

‫من يفزع إليك بدون أن تصرخ‬ ‫له؛ ألن من معك ال تقل له ‪ :‬خذ‬ ‫بيدي ‪ ،‬إنه من نفسه يأخذ بيدك‬ ‫ببل شعور ‪ ،‬إذن فكلمة { اهلل َو ِيل ُّ‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْ} إذا نظرت إليها‬ ‫وجدهتا تنسجم أيضا مع { َ ِ‬ ‫‪ٝ‬تي ٌع‬ ‫ِ‬ ‫يم } ‪ ،‬فبل يريدك أن تناديه؛‬ ‫عَل ٌ‬

‫ألن هناك من تصرخ عليه‬ ‫لينجدك ‪ ،‬وهو لن تصرخ عليه؛‬ ‫ألنه ‪ٝ‬تيع وعليم ‪ { ،‬اهلل َو ِيل ُّالذين‬ ‫آ َم ُنوا ْ} ‪.‬‬ ‫وكلمة « ويل ّ» أيضا منها ( موىل )‬ ‫ومنها ( وال ) ‪َ { ،‬و ِيل ُّالذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫} أي هو الذي يتوىل شئونهم‬

‫وأمورهم ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬الوايل الذي‬ ‫توىل أمر الرعية ‪ ،‬وكلمة « موىل »‬ ‫مرة تطلق عىل السيد ‪ ،‬ومرة تطلق‬ ‫عىل خادمه ‪ ،‬ولذلك يقول الشاعر ‪:‬‬ ‫موالك يا موالي طالب حاجة ‪...‬‬ ‫أي عبدك يا سيدي طال ْتاجة ‪،‬‬ ‫فهي تستعمل يف معان مًتابطة؛‬

‫ألننا قلنا ‪َ « :‬و ِيل ّ» تعٍت القريب ‪،‬‬ ‫فإذا كان العبد يف حاجة إىل شيء‬ ‫فمن أول من ينصره؟ سيده ‪ ،‬وإذا‬ ‫نادى السيد ‪ ،‬فمن أول ‪٣‬تيب له؟‬ ‫إنه خادمه ‪ ،‬إذن فيُطلق عىل السيد‬ ‫ويُطلق عىل العبد ‪ ،‬ويُطلق عىل الوايل‬ ‫اهلل َو ِيل ُّالذين آ َم ُنوا ْ} ‪ .‬وقوله‬ ‫‪ُ {،‬‬

‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬الذين آ َم ُنوا ْ} يعٍت‬ ‫‪ٚ‬تاعة فيها أفراد كثَتة ‪ ،‬كأنه يريد‬ ‫من الذين آمنوا أن ‪٬‬تعلوا إٯتاهنم‬ ‫شيئا واحدا ً‪ ،‬وليسوا متعددين ‪ ،‬أو‬ ‫أن والية اهلل لكل فرد عىل حدة‬ ‫تكون والية ‪ٞ‬تميع ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وما‬ ‫داموا مؤمنُت فبل تضارب يف‬

‫الواليات؛ ألهنم كلهم صادرون‬ ‫وفاعلون عن إٯتان واحد ‪ ،‬ومنهج‬ ‫واحد ‪ ،‬وعن قول واحد ‪ ،‬وعن فعل‬ ‫واحد ‪ ،‬وعن حركة واحدة ‪.‬‬ ‫وكيف يكون { اهلل َو ِيل ُّالذين‬ ‫آ َم ُنوا ْ} ؟ إنه وليهم أي ناصرهم ‪.‬‬ ‫و‪٤‬تبهم و‪٣‬تيبهم ومعينهم ‪ ،‬هو‬

‫وليهم ٔتا أوضح ‪٢‬تم من األدلة عىل‬ ‫اإلٯتان ‪ ،‬هل هناك ُحب أكثر من‬ ‫هذا؟ هل تركنا لنبحث عن األدلة‬ ‫أو أنه لفتنا إىل األدلة؟‬ ‫وتلك هي والية من واليات اهلل ‪.‬‬ ‫فقبل أن نؤمن أوجد لنا األدلة ‪،‬‬ ‫وعندما آمنا َواالنَا با‪١‬تعونة ‪ ،‬وإن‬

‫حاربنا خصومنا يكن معنا ‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك تستمر الوالية إىل أن يعطينا‬ ‫ا‪ٞ‬تزاء األوىف يف اْلخرة ‪ ،‬إذن فهو ويل ّ‬ ‫يف كل ا‪١‬تراحل ‪ ،‬باألدلة قبل‬ ‫اإلٯتان ويل ‪.‬‬

‫ومع اإلٯتان استصحابا ًيكون‬ ‫ناصرنا عىل خصومنا وخصومه ‪ .‬ويف‬ ‫اْلخرة هو وليّنا با‪١‬تحبة والعطاء‬ ‫ويعطينا عطاء ً َت ‪٤‬تدود ‪ ،‬إذن‬ ‫فواليته ال تنتهي ‪.‬‬ ‫{ اهلل َو ِيل ُّالذين آ َم ُنوا ْ ُٮت ْ ِر ُج ُه ْم ِّم َن‬ ‫الظلمات إ َِىل النور } إنه سبحانه‬

‫ٮترجهم من ظلمات ا‪ٞ‬تهل إىل نور‬ ‫اإلٯتان؛ ألن الظلمات عادة‬ ‫تنطمس فيها ا‪١‬ترائي ‪ ،‬فبل ٯتكن‬ ‫أن ترى شيئا ًإال إذا كان هناك ضوء‬ ‫يبعث لك من ا‪١‬ترئي أي أشعة تصل‬ ‫إليك ‪ ،‬فإن كانت هناك ظلمة‬ ‫فمعٌت ذلك أنه ال يأيت من األشياء‬

‫أشعة فبل تراها ‪ ،‬وعندما يأيت النور‬ ‫فأنت تستبُت األشياء ‪ ،‬هذه يف‬ ‫حسة؛ وكذلك يف مسائل‬ ‫األمور ا‪١‬تُ َّ‬ ‫القيم ‪ُ { ،‬ٮت ْ ِر ُج ُه ْم ِّم َن الظلمات‬ ‫آؤ ُه ُم‬ ‫إ َِىل النور والذين كفروا أ َ ْولِي َ ُ‬ ‫وهن ُ ْم ِّم َن النور إ َِىل‬ ‫الطاغوت ُٮتْر ُِج َ‬ ‫الظلمات } ‪.‬‬

‫هل هم دخلوا النور يا ربنا؟ لنا أن‬ ‫نفهم أن ا‪١‬تقصود هنا هم ا‪١‬ترتدون‬ ‫الذين وسوس ‪٢‬تم الشيطان‬ ‫فأدخلهم يف ظلمات الكفر بعد أن‬ ‫وهن ُ ْم ِّم َن‬ ‫كانوا مؤمنُت ‪ ،‬أو { يُ ْخ ِر ُج َ‬ ‫النور إ َِىل الظلمات } ‪ ،‬أي ٭تولون‬ ‫بينهم وبُت النور فيمنعوهنم من‬

‫اإلٯتان كما يقول واحد ‪:‬‬ ‫أما دريت أن أيب أخرجٍت من‬ ‫مَتاثه؟ إن معٌت ذلك أنه كان له‬ ‫ا‪ٟ‬تق يف التوريث ‪ ،‬وأخرجه والده‬ ‫من ا‪١‬تَتاث ‪ .‬وهذا ينطبق عىل‬ ‫الذين تركوا اإلٯتان ‪ ،‬وفضلوا‬ ‫الظ‪١‬تات ‪ .‬والقرآن يوضح أمر‬

‫ا‪٠‬تروج من الظلمة إىل النور ومن‬ ‫الكفر إىل اإلٯتان يف مواقع أخرى ‪،‬‬ ‫كقول سيدنا يوسف للشابُت‬ ‫اللذين كانا معه يف السجن ‪{ :‬‬ ‫َودَ َخ َل َمعَ ُه السجن فَتَي َ ِ‬ ‫ال‬ ‫ان قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫‪٫‬تآ إين أراين أ َ ْع ِص ُر َ‪ٜ‬تْرا ً َوقَ َ‬ ‫أ َح ُد ُ َ‬ ‫اْلخر إ ِِّين أراين أ َ ْ ِ‬ ‫ف َق َرأ ْ ِسي‬ ‫‪ٛ‬ت ُل َْو‬

‫ُخبْزا ًتَأْكُ ُل الطَت ِمن ْ ُه نَبِ ّئْنَا بِتَأ ْ ِويلِ ِه‬ ‫إِن َّا نَر َ ِ‬ ‫ال ال َ‬ ‫اك م َن ا‪١‬تحسنُت * قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ِْ‬ ‫ام ُت ْرزَقَانِ ِه إِال َّنَبَّأ ْ ُت ُك َما‬ ‫يَأتي ُك َما َطعَ ٌ‬ ‫بِتَأ ْ ِويلِ ِه قَب ْ َل أَن يَأْتِي َ ُك َما ذلكما ِ‪٦‬تَّا‬ ‫عَلَّم ٍِت ريب إ ِِّين تَ َر ْك ُت ِمل َّ َة قَو ٍم ال َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي ْؤ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ون باهلل َو ُه ْم باْلخرة ُه ْم‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ يوسف ‪] 37-36 :‬‬ ‫كَاف ُر َ‬

‫فهل كان سيدنا يوسف يف ملة القوم‬ ‫الكافرين ثم تركها؟ ال ‪ ،‬إنه لم‬ ‫يدخل أساسا ًإىل ملة القوم الذين ال‬ ‫يؤمنون باهلل ‪ .‬إن هذه ا‪١‬تلة كانت‬ ‫أمامه ‪ ،‬لكنه تركها ورفض‬ ‫الدخول فيها و٘تسك ٔتلة‬ ‫إبراهيم عليه السبلم ‪ .‬ويف التعبَت‬

‫ما فيه من تأكيد حرية االختيار ‪.‬‬ ‫وهناك آية أخرى يقول فيها ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ واهلل َخل َ َق ُك ْم ُث َّم يَت َ َو َّفا ُك ْم‬ ‫َو ِمن ُكم َّمن يُ َر ّدُإىل أ َ ْرذَ ِل العمر ل ِ َك ْي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم‬ ‫ال َيَعْل َ َم بَعْ َد عل ْ ٍم َشيْئا ًإ َِّن اهلل عَل ٌ‬ ‫قَ ِدي ٌر } ػ النحل ‪] 70 :‬‬ ‫إن معٌت اْلية أن اهلل قد خلقنا‬

‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬وقدر لكل منا أجبل ً‪ ،‬فمنا‬ ‫من ٯتوت صغَتا ً‪ ،‬ومنا من يبلغ‬ ‫أرذل العمر ‪ ،‬فيعود إىل الضعف‬ ‫وتقل خبليا نشاطه فبل يعلم ما‬ ‫كان يعلمه ‪ .‬وليس معٌت اْلية أن‬ ‫اإلنسان يوجد يف أرذل العمر ثم‬ ‫يرد إىل الطفولة ‪.‬‬

‫وعندما قيول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬والذين‬ ‫آؤ ُه ُم الطاغوت‬ ‫كفروا أ َ ْولِي َ ُ‬ ‫وهن ُ ْم ِّم َن النور إ َِىل الظلمات }‬ ‫ُٮتْر ُِج َ‬ ‫فا‪ٟ‬تق أورد هنا كلمة أولياء عن‬ ‫الطاغوت ‪ ،‬ألن الطاغوت كما قلنا‬ ‫‪ :‬ألوان متعددة ‪ ،‬الشيطان طاغوت‬

‫‪ ،‬والدجال طاغوت ‪ ،‬والساحر‬ ‫طاغوت ‪.‬‬ ‫وجاء ا‪ٟ‬تق با‪٠‬تْب مفردا ًوهو‬ ‫الطاغوت ‪١‬تبتدأ ‪ٚ‬تع وهو أولياء ‪،‬‬ ‫ووصف هؤالء األولياء للطاغوت‬ ‫بأهنم ٮترجون الذين كفروا من‬

‫النور إىل الظلمات ‪.‬‬ ‫لقد أفرد اهلل الطاغوت وأورد‬ ‫با‪ٞ‬تمع األفراد الذين ينقلهم‬ ‫الطاغوت إىل الظلمات ‪ .‬و‪١‬تاذا لم‬ ‫يقل اهلل هنا ‪ « :‬طواغيت » بدال‬ ‫من طاغوت؟ إن الطاغوت كلمة‬ ‫تتم معاملتها هنا كما نقول ‪« :‬‬

‫فبلن عدل » أو « الرجبلن عدل »‬ ‫أو « الرجال عدل » ‪ .‬وعىل هذا‬ ‫القياس جاءت كلمة طاغوت ‪،‬‬ ‫فالشيطان والدجال والكاهن‬ ‫والساحر وا‪ٟ‬تاكم بغَت أمر اهلل؛‬ ‫كلهم طاغوت ‪ ،‬لقد التزمت اْلية‬ ‫باإلفراد والتذكَت ‪ .‬فالطاغوت‬

‫ُتطلق عىل الواحد أو االثنُت أو‬ ‫ا‪ٞ‬تماعة ‪ ،‬أي أن ا‪١‬تُخرجُت من‬ ‫النور إىل الظلمات هم أولياء‬ ‫الطاغوت ‪ ،‬أو من اٗتذوا‬ ‫الطواغيت أولياء ‪ ،‬وهم إىل النار‬ ‫خالدون ‪ .‬والدخول للنار يكون‬ ‫للطواغيت ويكون ألتباع‬

‫الطواغيت ‪ ،‬كما يقول ا‪ٟ‬تق يف‬ ‫ون ِمن‬ ‫كتابه ‪ { :‬إِن َّ ُك ْم َو َما تَعْب ُ ُد َ‬ ‫ُد ِ‬ ‫ون اهلل َح َص ُب َجهَنَّ َم أ َ ُتن ْم َ‪٢‬تَا‬ ‫ون } ػ األنبياء ‪] 98 :‬‬ ‫َوا ِر ُد َ‬ ‫إن أتباع الطواغيت ‪ ،‬والطواغيت‬ ‫يف نار جهنم ‪ .‬وقانا اهلل وإياكم‬ ‫عذابها ‪ .‬ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬

‫أن يعطينا صورة واقعية يف الكون‬ ‫من قوله ‪ { :‬اهلل َو ِيل ُّالذين آ َم ُنوا ْ}‬ ‫‪ ،‬فهو الويل ‪ ،‬وهو الناصر فيقول‬ ‫آج‬ ‫سبحانه ‪ { :‬أ َل َ ْم تَ َر إ َِىل الذي َح َّ‬ ‫ِ‬ ‫يم ِيف َر ِبّ ِه أ َ ْن آتَ ُاه اهلل ا‪١‬تلك ‪.‬‬ ‫إِب ْ َراه َ‬ ‫‪}..‬‬

‫أَلَم تَ َر إ َِىل ال َّ ِذي َح َّ ِ‬ ‫يم ِيف‬ ‫ْ‬ ‫اج إِب ْ َراه َ‬ ‫َِ‬ ‫ال‬ ‫اّلل ا ْ‪١‬تُل ْ َ‬ ‫ك إِذْقَ َ‬ ‫َربِّه أ ْن آتَ ُاه َّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫إِب ْ َرا ِ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫يت قَ َ‬ ‫يم َر ِ ّيب َال َّ ِذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫ُ‬ ‫أَنَا أ ُْحيِي وأُ ِميت قَ َ ب ِ‬ ‫يم فَإ َِّن‬ ‫َ ُ‬ ‫ال إِ ْ َراه ُ‬ ‫اّللَيَأ ْ ِيت بِال َّش ْم ِس ِم َن ا ْ‪١‬ت َ ْش ِر ِق فَأ ْ ِت‬ ‫َّ‬ ‫بِهَا ِم َن ا ْ‪١‬تَغ ْ ِر ِب فَب ُ ِه َت ال َّ ِذي َك َف َر‬

‫اّلل َال يهْ ِدي ال ْ َقوم َّ ِ‬ ‫ُت‬ ‫َو َّ ُ َ‬ ‫الظا‪١‬ت ِ َ‬ ‫َْ‬ ‫(‪)258‬‬ ‫وساعة تسمع { أَل َ ْم تَ َر } ؛ فأنت‬ ‫تعلم أهنا مكونة من ‪٫‬تزة هي « أ »‬ ‫وحرف نيف وهو « لم » ‪ ،‬ومنفي هو‬ ‫« تر » وا‪٢‬تمزة ‪ :‬تأيت هنا لئلنكار ‪،‬‬

‫واإلنكار نفي بتقريع ‪ ،‬ولكنها لم‬ ‫تدخل عىل فعل مثبت حىت يقال ‪:‬‬ ‫إهنا أنكرت الفعل بعدها ‪ ،‬مثلما‬ ‫تقول للولد ‪ :‬أتضرب أباك! هنا‬ ‫ا‪٢‬تمزة جاءت ال لتستفهم وإ‪٪‬تا‬ ‫أتت تنكر هذه الفعلة ‪ ،‬ألن الفعل‬ ‫بعدها مثبت وه و « تضرب » ‪،‬‬

‫وجاءت ا‪٢‬تمزة قبله فتس ىم «‬ ‫‪٫‬تزة إنكار » للتقريع ‪ .‬إذن‬ ‫فاإلنكار ‪ :‬نفي بتقريع إذا دخلت عىل‬ ‫فعل منفي ‪.‬‬ ‫وما دام اإلنكار نفيا والفعل بعدها‬ ‫منف ٌي فكأنك نفيت النفي ‪ ،‬إذن فقد‬ ‫أثبته ‪ ،‬كأنه سبحانه عندما يقول‬

‫للرسول صىل اهلل عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫أَل َ ْم تَ َر } فا‪١‬تقصود « أنت رأيت »‬ ‫‪ .‬و‪١‬تاذا لم يقل له ‪ :‬أرأيت؟ لقد‬ ‫جاء بها بأسلوب النفي كي تكون‬ ‫أوقع ‪ ،‬فقد يكون ‪٣‬تيء اإلثبات‬ ‫تلقينا ًللمسئول ‪ ،‬فعندما يقول لك‬ ‫صديق ‪ :‬أنت لم تسأل عٍت وأنت‬

‫هتملٍت ‪ .‬فأنت قد ترد عليه قائبل ‪:‬‬ ‫ألم أساعدك وأنت ضعيف؟ ألم‬ ‫آخذ بيدك وأنت مريض؟‬ ‫لقد ب‬ ‫سق أن قدمت خدماتك ‪٢‬تذا‬ ‫الصديق ‪ ،‬ولكنك تريد أن تنكر‬ ‫النفي الذي يقوله هو ‪ ،‬وهكذا نعلم‬ ‫أن نفي النفي إثبات ‪ ،‬ولذلك فنحن‬

‫نأخذ من قوله تعاىل من هذه العبارة‬ ‫{ أَل َ ْم تَ َر } عىل معٌت ‪ :‬أنت رأيت ‪،‬‬ ‫والرؤية تكون بالعُت ‪ .‬فهل رأى‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وهو‬ ‫ا‪١‬تخاطب األول بالقرآن الكريم‬ ‫من ربه هل رأى رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم هذه ا‪ٟ‬تادثة أيام‬

‫إبراهيم؟ طبعا ًال ‪ ،‬فكأن { أَل َ ْم تَ َر‬ ‫} هنا تأيت ٔتعٌت ‪ :‬ألم تعلم ‪.‬‬ ‫و‪١‬تاذا جاء ب { أَل َ ْم تَ َر } هنا؟ لقد‬ ‫جاء بها لنعلم أن اهلل حُت يقول ‪« :‬‬ ‫ألم تعلم » فكأنك ترى ما ٮتْبك‬ ‫به ‪ ،‬وعليك أن تأخذه عىل أنه‬ ‫مصدق كأنك رأيته بعينك ‪.‬‬

‫فالعُت هي حاسة من حواسك ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تاسة قد ٗتدع ‪ ،‬ولكن ربك ال‬ ‫ٮتدع ‪ ،‬إذن ف { أَل َ ْم تَ َر } تعٍت ‪« :‬‬ ‫ألم تعلم علم اليقُت » ‪ ،‬وكأنك قد‬ ‫رأيت ما ٮتْبك به اهلل ‪ ،‬ولذلك‬ ‫يقول تعاىل للرسول ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر‬ ‫ك بِأ َ ْص َح ِ‬ ‫اب الفيل}‬ ‫َكي ْ َف فَعَ َل َربُّ َ‬

‫ػ الفيل ‪] 1 :‬‬ ‫والرسول ولد عام الفيل ‪ ،‬فلم ير‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تادثة ‪ ،‬وكأن اهلل ٮتْبه بها‬ ‫ويقول له ‪ :‬ألم تعلم ‪ ،‬وكأنه يقول‬ ‫له ‪ :‬اعلم علما ًيقينا كأنك تراه؛‬ ‫ألن ربك أوثق من عينيك ‪،‬‬ ‫وعندما يقال ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر } فا‪١‬تراد‬

‫بها « ألم تر كذا » ‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تق قال‬ ‫‪ { :‬أَلَم تَ َر إ َِىل الذي َح َّ ِ‬ ‫يم‬ ‫ْ‬ ‫آج إِب ْ َراه َ‬ ‫ِيف َر ِبّ ِه } واستعمال حرف{ إ َِىل }‬ ‫هنا يشَت إىل أمر عجيب قد حدث‬ ‫ومثال ذلك ما نقوله أحيانا ‪ :‬ألم تر‬ ‫إىل زيد يفعل كذا ‪.‬‬

‫فكأن ما فعله زيد أمر عجيب ‪،‬‬ ‫وكأنه ينبه هنا إىل االلتفات إىل هناية‬ ‫األمر ‪ ،‬ألن « إىل » تفيد الوصول‬ ‫إىل اية ‪ ،‬فكأهنا مسألة بلغت الغاية‬ ‫يف العجب ‪ ،‬فبل تأخذها كأنك‬ ‫رأيتها فقط ‪ ،‬ولكن انظر إىل هنايتها‬ ‫فيما حدث ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق يقول هنا ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذي‬ ‫َح َّ ِ‬ ‫يم ِيف َربِّ ِه } و { إ َِىل }‬ ‫آج إِب ْ َراه َ‬ ‫جاءت هنا لتدل عىل أنه أمر بلغ من‬ ‫العجب اية بعيدة ‪ ،‬وهو بالفعل قد‬ ‫بلغ من العجب اية بعيدة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل لم يقل لنا من هو‬ ‫ذلك اإلنسان الذي حاج إبراهيم‬

‫يف ربه ‪ ،‬ألنه ال يعنينا التشخيص‬ ‫سواء ًكان النمروذ أو َته ‪.‬‬ ‫فإذا ذهب بعض ا‪١‬تفسرون إىل‬ ‫القول ‪ :‬إنه ملك وا‪ٝ‬ته النمروذ ‪.‬‬ ‫فإننا نقول ‪٢‬تم شكرا ًالجتهادكم ‪،‬‬ ‫ولكن لو شاء اهلل ٖتديد اسم الرجل‬ ‫‪ٟ‬تدده لنا ‪ ،‬والذي يهمنا هو أنه‬

‫واحد خرج عىل رسول اهلل إبراهيم‬ ‫عليه السبلم وجادله يف هذه ا‪١‬تسألة‬ ‫‪ ،‬والتشخيص هنا ليس ضروريا ً‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حينما يريد‬ ‫شيوع األمر وإمكان حدوثه يف أي‬ ‫زمان أو مكان فإن اهلل ال يشخص‬ ‫األمر ‪ ،‬فأي إنسان يف أي مكان قد‬

‫٭تاجج أي مؤمن ‪ .‬وليس كذلك‬ ‫األمر بالنسبة ألي تشخيص أو‬ ‫ٖتديد ‪ ،‬ومثال ذلك هؤالء الذين‬ ‫يريدون أن يعرفوا قصة أهل‬ ‫الكهف ‪ ،‬ويتساءلون ‪ :‬أين ومىت ‪،‬‬ ‫وكم عددهم ‪ ،‬ومن هم؟‬ ‫ونقول ‪ :‬لو جاءت واحدة من هؤالء‬

‫لفسدت القصة؛ ألنه لو حددنا‬ ‫زماهنا سيأيت واحد يقول لك ‪ :‬مثل‬ ‫ذلك الزمان الذي حدثت فيه‬ ‫القصة كان يسمح بها ‪ .‬ولو حددنا‬ ‫ا‪١‬تكان سيقول آخر ‪ :‬إن ا‪١‬تكان كان‬ ‫يسمح بهذه ا‪١‬تسألة ‪ .‬ولو حددنا‬ ‫األشخاص بأ‪ٝ‬تائهم فبلن وفبلن‬

‫‪ ،‬فسيقول ثالث ‪ :‬إن مثل هذه‬ ‫الشخصيات ٯتكن أن يصدر منها‬ ‫مثل هذا السلوك َّ‬ ‫وأىن لنا بقوة‬ ‫إٯتان هؤالء؟‬ ‫وا‪ٟ‬تق لم ٭تدد الزمان وا‪١‬تكان‬ ‫واألشخاص وجاء بها مبهمة ليدل‬ ‫عىل أن أي فتية يف أي زمان ويف أي‬

‫مكان يقولون ما يقولون ‪ ،‬ولو‬ ‫شخصها يف واحد لفسد ا‪١‬تراد ‪.‬‬ ‫للنظر إىل دقة ا‪ٟ‬تق حُت ضرب مثبل‬ ‫للذين كفروا بامرأة نوح وامرأة‬ ‫لوط حُت قال جل وعبل ‪َ { :‬ض َر َب‬ ‫اهلل َمثَبل ًل ِ ّل َّ ِذي َن َك َف ُروا ْامرأت نُو ٍح‬ ‫وامرأت ل ُ ٍ‬ ‫وط كَانَتَا َٖتْ َت َعب ْ َدي ْ ِن ِم ْن‬

‫ِعبَا ِدنَا َص ِا‪ٟ‬ت َ ْ ِ‬ ‫ا‪٫‬تا فَل َ ْم يُغ ْ ِنيَا‬ ‫ُت فَ َخانَت َ ُ َ‬ ‫يل ادخبل‬ ‫َعن ْ ُه َما ِم َن اهلل َشيْئا ً َوقِ َ‬ ‫النار َم َع الداخلُت } ػ التحريم ‪:‬‬ ‫‪] 10‬‬ ‫ولم ٭تدد لنا اسم امرأة من هاتُت‬ ‫ا‪١‬ترأتُت ‪ ،‬بل ذكر األمر ا‪١‬تهم‬ ‫فقط؛ وهو أن كبل منهما زوجة‬

‫لرسول كريم ‪ ،‬ولكن كبل منهما‬ ‫أصرت عىل الكفر فدخلتا النار ‪.‬‬ ‫ولكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت أراد‬ ‫التخصيص ْتادث لن يتكرر يف أي‬ ‫زمان أو مكان جاء بذكر السيدة‬ ‫مريم بالتشخيص والتحديد‬ ‫الواضح حُت قال ‪َ { :‬و َم ْري َ َم ابنت‬

‫ِ‬ ‫ان اليت أ َ ْح َصن َ ْت فَ ْر َجهَا‬ ‫ع ْم َر َ‬ ‫فَن َ َف ْخنَا فِي ِه ِمن ُّرو ِحنَا َو َص َّدقَ ْت‬ ‫بِكَلِم ِ‬ ‫ات َر ِبّهَا َو ُك ُتبِ ِه َوكَان َ ْت ِم َن‬ ‫َ‬ ‫القانتُت } ػ التحريم ‪] 12 :‬‬ ‫ٖتديد ا‪ٟ‬تق ‪١‬تريم باالسم وا‪ٟ‬تادث‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن الواقعة َت قابلة‬ ‫للتكرار من أي َّ ِة امرأة أخرى ‪.‬‬

‫التشخيص هنا واجب؛ ألنه لن تلد‬ ‫امرأة من َت زوج إال هذه ‪ ،‬إ‪٪‬تا إذا‬ ‫كانت ا‪١‬تسألة ستتكرر يف أي زمان‬ ‫أو مكان فهو سبحانه يأيت بوصفها‬ ‫العام ‪ ،‬ومثال ذلك قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫آج إبراهم}‬ ‫أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذي َح َّ‬ ‫حاج »‬ ‫فلم يقل لنا ‪ :‬من هو؟ « َّ‬

‫أصلها « حاجج » ‪ ،‬مثل « قاتل »‬ ‫و « شارك » ‪ .‬وعندما يكون‬ ‫هناك حرفان مثبلن ‪ ،‬فنحن‬ ‫نسكن األول وندغم الثاين فيه‬ ‫وذلك للتخفيف ‪ ،‬فتصَت ( حاج ) ‪،‬‬ ‫و « حاج » من مادة « فاعل » اليت‬ ‫تأيت للمشاركة ‪ ،‬وحىت نفهم معٌت‬

‫« ا‪١‬تشاركة » ‪ .‬إليكم هذا ا‪١‬تثال ‪:‬‬ ‫‪٨‬تن نقول ‪ :‬قاتل زيد َعمرا ً‪ ،‬أو‬ ‫نقول ‪ :‬قاتل عمرو زيدا ً‪ ،‬ومعٌت‬ ‫ذلك أن كُبل ًّمنهما قد تقاتل ‪،‬‬ ‫وكبل‪٫‬تا فاعل ومفعول يف الوقت‬ ‫نفسه ‪ ،‬لكننا لبنا جانب الفاعل‬ ‫يف واحد ‪ ،‬وجانب ا‪١‬تفعول يف الثاين ‪.‬‬

‫برغم أن كبل منهما فاعل ومفعول‬ ‫معا ‪.‬‬ ‫ومثال آخر ‪ ،‬حُت نقول ‪ :‬شارك‬ ‫زيد عمرا ً‪ ،‬وشارك عمرو زيدا ً‪،‬‬ ‫إذن فا‪١‬تفاعلة جاءت من االثنُت ‪،‬‬ ‫هذا فاعل وهذا مفعول ‪ ،‬لكننا عادة‬ ‫نُغلب الفاعلية فيمن بدأ ‪،‬‬

‫وا‪١‬تفعولية يف الثاين ‪ ،‬وإن كان الثاين‬ ‫فاعبل أيضا ‪ .‬ولذلك يقول الشاعر‬ ‫عندما يريد أن يشرح حال إنسان‬ ‫ٯتشي يف مكان فيه حيات كثَتة‬ ‫ومتحرزا ًمن أن حية تلدغه فقال ‪:‬‬ ‫قد سالم ا‪ٟ‬تيات منه القدم ‪...‬‬ ‫األفعوان والشجاع القشعما‬

‫إن الشاعر هنا يصف لنا إنسانا ًسار‬ ‫يف مكان مليء با‪ٟ‬تيات ‪ ،‬وعادة ما‬ ‫ٮتاف اإلنسان أن تلدغه حية ‪،‬‬ ‫لكن هذا اإلنسان ا‪١‬توصوف يف هذا‬ ‫البيت ‪٧‬تد أن ا‪ٟ‬تيات قد سا‪١‬تت‬ ‫قدمه ‪ ،‬أي لم تلدغه ألنه لم‬ ‫ي َ ِه ْجها ‪ ،‬والثعابُت عادة ال تلدغ إال‬

‫من يبدأها باإلهاجة ‪٧ ،‬تد هنا أن‬ ‫الفاعل هو ا‪ٟ‬تيات؛ ألهنا سا‪١‬تت‬ ‫قدمه ‪ .‬ويصح أيضا أن نقول ‪ :‬إن‬ ‫القدم هي اليت سا‪١‬تت ا‪ٟ‬تيات ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن نعرف من قواعد اللغة ما‬ ‫درسناه قدٯتا ما يس ىم بالبدل ‪،‬‬ ‫والبدل يأخذ حكم ا‪١‬تبدل منه ‪،‬‬

‫فإن كان ا‪١‬تبدل منه ‪٣‬ترورا ًكان‬ ‫البدل كذلك ‪ .‬هنا جاءت « ا‪ٟ‬تيات‬ ‫» يف هذا البيت من الشعر مرفوعة‬ ‫وان جاءت يف البيت‬ ‫ولكن األفع َ‬ ‫منصوبة مع أهنا بدل من مرفوع هو‬ ‫« ا‪ٟ‬تيات » ألنه الحظ ما فيها أيضا ً‬ ‫من ا‪١‬تفعولية فأىت بها منصوبة ‪.‬‬

‫كما أن باإلمكان أن ُتقرأ « ا‪ٟ‬تيات‬ ‫» بالنصب و « القدم » بالرفع ألن‬ ‫كبل منهما فاعل ومفعول من حيث‬ ‫ا‪١‬تسا‪١‬تة ‪.‬‬ ‫وكذلك يف قول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬ ‫آج إبراهم}‬ ‫أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذي َح َّ‬ ‫‪٨‬تن نبلحظ أن كلمة { إبراهم }‬

‫تأيت يف اْلية الكرٯتة منصوبة‬ ‫بالفتحة ‪ ،‬أي يغلب عليها ا‪١‬تفعولية‬ ‫حاج إبراهيم؟‬ ‫‪ .‬فمن إذن الذي ّ‬ ‫إنه شخص ما ‪ ،‬وهو الفاعل؛ ألنه‬ ‫با‪١‬تحاجة ‪ ،‬وهكذا تدلنا‬ ‫الذي بدأ‬ ‫ّ‬ ‫اْلية الكرٯتة ‪ ،‬وتصف اْلية ذلك‬ ‫الرجل { أ َ ْن آتَ ُاه اهلل ا‪١‬تلك } أي‬

‫أن الرجل هو الذي بدأ ا‪ٟ‬تجاج‬ ‫قائبل إلبراهيم ‪ :‬من ربك؟‬ ‫فقال إبراهيم عليه السبلم ‪َ { :‬ر ِ ّيب َ‬ ‫ِ‬ ‫يت } وهذه هي‬ ‫الذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫براعة القرآن يف أن يًتك الشيء‬ ‫سمع يرد كل شيء إىل‬ ‫ثقة بأن ال ا‬ ‫ال‬ ‫أصله ‪ ،‬فقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إِذْقَ َ‬

‫ِ‬ ‫يت}‬ ‫إبراهم َر ِ ّيب َالذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫فكأن الذي حاج إبراهيم سأله ‪:‬‬ ‫م‬ ‫ن ربك؟ فقال إبراهيم ‪َ { :‬ر ِ ّيب َ‬ ‫ِ‬ ‫يت } ‪.‬‬ ‫الذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬

‫ولنا أن نلحظ أن هذه اْلية قد‬ ‫جاءت بعد قوله ا‪ٟ‬تق يف اْلية‬

‫السابقة ‪ { :‬اهلل َو ِيل ُّالذين آ َم ُنوا ْ}‬ ‫‪ ،‬والوالية هي النصر وا‪١‬تحبة‬ ‫وا‪١‬تعونة ‪ ،‬فَتيد سبحانه أن يبُت‬ ‫لنا كيف أعان اهلل إبراهيم عىل من‬ ‫حاجه ‪ ،‬إال أن الذي حاج إبراهيم‬ ‫دخل يف متاهات السفسطة بعد أن‬ ‫‪ٝ‬تع قول إبراهيم ‪َ { :‬ر ِ ّيب َالذي‬

‫ِ‬ ‫يت } ‪ ،‬وقد جاء ا‪ٟ‬تق ب {‬ ‫ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫ِ‬ ‫يت } ؛ ألن تلك القضية‬ ‫ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫هي اليت لم ي َّد ِع أحد أنه فعلها ‪،‬‬ ‫ولم ي ّدَع أحد أنه شريك فيها ‪،‬‬ ‫حىت الكافرون إذا سألتهم ‪ :‬من‬ ‫الذي خلق؟ يقولون اهلل ‪.‬‬ ‫إذن فهذه قضية ثابتة ‪ .‬إال أن‬

‫حاج إبراهيم أراد أن‬ ‫ا‪٠‬تصم الذي ّ‬ ‫ينقل ا‪١‬تحاجة نقلة سفسطائية ‪.‬‬ ‫والسفسطة كما نعلم ه ي الكبلم‬ ‫الذي يطيل ا‪ٞ‬تدل ببل هناية ‪.‬‬ ‫وقال الرجل الذي ٭تاج إبراهيم‬ ‫عليه السبلم ‪ :‬إذا كان ربك الذي‬ ‫٭تيي وٯتيت فأنا أحيي وأميت ‪.‬‬

‫فسأله إبراهيم عليه السبلم؛‬ ‫كيف ٖتيي أنت و٘تيت؟‬ ‫قال الرجل ‪ :‬أنا أقدر أن أقتل ما‬ ‫عندي من مساجُت وأقدر أال‬ ‫أقتلهم ‪ ،‬فالذي لم أقتله كأنٍت‬ ‫أحييته ‪ ،‬والذي قتلته فقد أمته ‪.‬‬ ‫ولم يقل سيدنا إبراهيم لنتفق‬

‫أوال ما ا‪ٟ‬تياة؟ وما ا‪١‬توت؟ ذلك أن‬ ‫إبراهيم خليل الر‪ٛ‬تن لم يشأ أن‬ ‫يطيل هذه ا‪١‬تجادلة ‪ ،‬فجاء له بأمر‬ ‫يُلجمه من البداية وينتهي ا‪ٞ‬تدل ‪،‬‬ ‫فقال له ‪ { :‬فَإ َِّن اهلل يَأ ْ ِيت بالشمس‬ ‫ِم َن ا‪١‬تشرق فَأ ْ ِت بِ َها ِم َن ا‪١‬تغرب‬ ‫فَب ُ ِه َت الذي كَ َف َر } ‪ .‬وهكذا أهنى‬

‫سيدنا إبراهيم هذا ا‪ٞ‬تدل ‪ .‬كان‬ ‫من ا‪١‬تمكن أن يدخل معه سيدنا‬ ‫إبراهيم يف جدل ‪ ،‬ويقول له ‪ :‬ما‬ ‫هي ا‪ٟ‬تياة؟‬ ‫و‪٨‬تن نعرف أن ا‪ٟ‬تياة هي إعطاء‬ ‫ا‪١‬تادة ما ‪٬‬تعلها متحركة حساسة‬ ‫مريدة ‪٥‬تتارة ‪ ،‬أما ا‪١‬توت فهو‬

‫إخراج الروح من اًفسد ‪ ،‬فالذي‬ ‫يقتل إنسانا ً؛ إ‪٪‬تا ٮترج روحه من‬ ‫جسده ‪ ،‬والقتل ٮتتلف عن ا‪١‬توت؛‬ ‫ألن ا‪١‬توت خروج الروح من ا‪ٞ‬تسد‬ ‫بدون جرح ‪ ،‬أو نقض بنية ‪ ،‬أو‬ ‫عمل يفعله اإلنسان يف بدنه‬ ‫كاالنتحار ‪.‬‬

‫وقد يكون اإلنسان جالسا ًمكانه‬ ‫وينتهي عمره فيموت ‪ ،‬وال أحد‬ ‫قادر قبل ذلك أن يقول له ‪ :‬مت‬ ‫فيموت ‪ ،‬هذا هو ا‪١‬توت ‪ ،‬لكن‬ ‫إزهاق الروح ّترح جسيم أو نقض‬ ‫بنية فهذا هو القتل وليس ا‪١‬توت ‪،‬‬ ‫ولذلك ‪٬‬تعل اهلل القتل مقاببل ً‬

‫للموت ‪ ،‬يف قوله تعاىل ‪َ { :‬و َما ُ‪٤‬ت َ َّم ٌد‬ ‫ول قَ ْد َخل َ ْت ِمن قَبْلِ ِه الرسل‬ ‫إِال َّ َر ُس ٌ‬ ‫ات أ َ ْو ُقتِ َل انقلبتم عىل‬ ‫أَفَإ ِْن َّم َ‬ ‫أ َ ْعقَ ِ ُك م ِ‬ ‫ب عىل َعقِبَي ْ ِه‬ ‫اب ْم َو َن يَنقَل ْ‬ ‫فَل َن ي َ ُض َّر اهلل َشيْئا ً َو َسي َ ْج ِزي اهلل‬ ‫ان لِن َ ْف ٍس أ َ ْن‬ ‫الشاكرين * َو َما ك َ َ‬ ‫وت إِال َّبِإِذْ ِن اهلل ِكتَابا ً ُّم َؤ َّجبل ً َو َمن‬ ‫َ٘ت ُ َ‬

‫ِِ‬ ‫اب الدنيا ن ُ ْؤته ِمنْهَا َو َمن يُ ِردْ‬ ‫يُ ِردْثَ َو َ‬ ‫اب اْلخرة ن ُ ْؤتِ ِه ِمنْهَا َو َسن َ ْج ِزي‬ ‫ثَ َو َ‬ ‫الشاكرين }‬ ‫ػ آل عمران ‪] 145-144 :‬‬ ‫وقد أوضح لنا اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫الفرق بُت ا‪١‬توت والقتل ‪ ،‬وجعل‬

‫كبل منهما مقاببل ًلآلخر ‪ ،‬فعندما‬ ‫أشيع أن رسول اهلل قد قتل ‪َ ،‬ه َّم‬ ‫بعض ا‪١‬تسلمُت باالرتداد إىل‬ ‫الكفر ‪ ،‬فأنكر اهلل عليهم ذلك‬ ‫قائبل ً‪ :‬إن ‪٤‬تمدا ًرسول من عند‬ ‫اهلل قد مات من قبله ا‪١‬ترسلون أفإن‬ ‫مات أو قتل رجعتم عن اإلٯتان‬

‫للكفر ‪ ،‬و َم ْن يفعل ذلك فإ‪٪‬تا يضر‬ ‫نفسه ‪ ،‬والثواب عند اهلل للثابتُت‬ ‫عىل منهج اهلل الشاكرين لنعمه ‪،‬‬ ‫أوضح لنا ا‪ٟ‬تق أن موت أي إنسان‬ ‫ال ٯتكن أن ٭تدث إال بإذن اهلل ‪،‬‬ ‫وقد كتب اهلل ذلك يف كتاب‬ ‫مشتمل عىل اْلجال ‪.‬‬

‫ويريد اهلل أن يُنبهنا ويُلفتنا إىل‬ ‫حقيقة هامة وهي أن الرسل يف‬ ‫جد‪٢‬تم مع أ‪٦‬تهم أو مع ا‪١‬تناقشُت‬ ‫أن النبي يظفر‬ ‫‪٢‬تم ال يكون ا‪٢‬تدف ّ‬ ‫بالغلبة وإ‪٪‬تا يكون ا‪٢‬تدف بالنسبة‬ ‫للرسول أو النبي أن يصل إىل‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة ‪ ،‬ولذلك لم يتوقف‬

‫إبراهيم عليه السبلم مع الرجل‬ ‫٭تاجه يف اهلل عند نقطة‬ ‫الذي ّ‬ ‫اإلحياء واإلماتة؛ ألنه رأى يف‬ ‫مناقشة الرجل لونا من السفسطة‬ ‫‪.‬‬ ‫وعلينا و‪٨‬تن نتدبر آيات القرآن‬ ‫با‪٠‬تواطر اإلٯتانية أن نفهم الفرق‬

‫بُت اإلماتة والقتل ‪ .‬الصحيح أن‬ ‫اإلماتة والقتل يشًتكان يف أمر‬ ‫واحد وهو خروج الروح من ا‪ٞ‬تسد‬ ‫‪ .‬واإلماتة ٗتتلف عن القتل بأنه ال‬ ‫يقدر عليها إال واهب ا‪ٟ‬تياة الذي‬ ‫وضع مقومات خاصة يف البنية‬ ‫اإلنسانية حىت تسكنها الروح ‪،‬‬

‫وهو القادر عىل أن يسلب الروح‬ ‫بأمر َت ُ‪٤‬تس ‪.‬‬ ‫أما القتل فهو أن ٕترح إنسانا ً‬ ‫فيموت ‪ ،‬أو تنقض بنيته ‪ ،‬تكسر له‬ ‫رأسه مثبل ً‪ ،‬أما « اإلماتة » فهي أن‬ ‫تنقبض حياته ٔتجرد األمر دون أن‬ ‫تقربه ‪ ،‬هل أحد من البشر يقدر‬

‫عىل هذه؟ ال ‪ .‬إذن فالذي حاج‬ ‫إبراهيم لم ٭تي الذي قال ‪ :‬إنه‬ ‫سيًتكه بدون عقوبة ‪ ،‬إنه لم‬ ‫يقتله ‪ ،‬لكنه أبىق ا‪ٟ‬تياة اليت كانت‬ ‫فيه ‪ ،‬هذا إذا أردنا أن ندخل يف‬ ‫جدل ‪.‬‬ ‫واهلل قد جعل القتل مقاببل ًللموت‬

‫‪ ،‬صحيح أهنما ينتهيان بأن ال روح‬ ‫‪ ،‬لك ْن هناك فرق بُت أن تؤخذ‬ ‫الروح بدون هذه الوسائل ‪ .‬وأن‬ ‫البدن ألن بنيته قد‬ ‫تًتك ال ُ‬ ‫روح َ‬ ‫هتدمت ‪ .‬وإياك أن تظن أن الروح‬ ‫ال ٗتضع لقوانُت معينة ‪ ،‬إن الروح ال‬ ‫ٖتل إال يف مادة خاصة ‪ ،‬فإذا انتهت‬

‫ا‪١‬تقومات ا‪٠‬تاصة يف ا‪١‬تادية فالروح‬ ‫ال تسكنها ‪ ،‬فبل تقل ‪ :‬إنه عندما‬ ‫ضربه عىل رأسه أماته! ال ‪ ،‬هو لم‬ ‫ٮترج الروح ألن الروح ٔتجرد ما‬ ‫انتهت البنية ٗتتفي ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تثال الذي يوضح ذلك ‪:‬‬ ‫لنفًتض أن أمامنا نورا ً‪ ،‬إذا‬

‫كسرت الزجاجة يذهب ن‬ ‫الور ‪.‬‬ ‫هل الزجاجة هي النور؟ ال ‪ ،‬لكن‬ ‫الكهرباء ال تظهر إال يف هذه‬ ‫الزجاجة ‪ ،‬كذلك الروح ال توجد‬ ‫إال يف بنية ‪٢‬تا مواصفات خاصة ‪،‬‬ ‫إذن فالقاتل ال ٮترج الروح ولكنه‬ ‫يهدم البنية بأمر ‪٤‬تس؛ فاألمر‬

‫الغيبي وهو الروح ال يسكن يف بنية‬ ‫مهدومة ‪.‬‬ ‫{ أَلَم تَ َر إ َِىل الذي َح َّ ِ‬ ‫يم‬ ‫ْ‬ ‫آج إِب ْ َراه َ‬ ‫ِيف َر ِبّ ِه أ َ ْن آتَ ُاه اهلل ا‪١‬تلك} ‪ ،‬انظر‬ ‫ك وهو‬ ‫إىل الطغيان إٔتعل إيتاء ا‪١‬تل ْ ُ‬ ‫نعمة وسيلة إىل التمرد عىل من أنعم‬

‫عليك بهذا؟ إٔتعل شكر النعمة‬ ‫بأنك ٗتالف ا‪١‬تنعم؟ من الذي‬ ‫أبطره؟ أأبطره أن آتاه اهلل ا‪١‬تلك؟‬ ‫وكيف يعُت اهلل واحدا ًليس مؤمنا‬ ‫ك ٔتعٌت األمر والنهي إ‪٪‬تا‬ ‫به؟ وا‪١‬تُل ْ ُ‬ ‫يكون للمبلغ عن اهلل ‪ ،‬إ‪٪‬تا ا‪١‬تلك‬ ‫ك السلطان بأن ُ٭ت َ ِّك َم‬ ‫اْلخر ُمل ْ ُ‬

‫إنسانا عىل ‪ٚ‬تاعة ‪ ،‬فمن ا‪ٞ‬تائز أن‬ ‫يكون مؤمنا ‪ ،‬وأن يكون كافرا ً‪.‬‬ ‫ال‬ ‫وقوله { أ َ ْن آتَ ُاه اهلل ا‪١‬تلك إِذْقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫يت }‬ ‫يم َر ِ ّيب َالذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬ ‫إِ ْ َراه ُ‬ ‫هو جواب عىل من قال ‪ « :‬من ربك‬ ‫» فجاءته إجابة إبراهيم عليه‬ ‫ِ‬ ‫يت‬ ‫السبلم { َر ِ ّيب َالذي ُ٭تْيي َو ُ ِٯت ُ‬

‫قَ َ َ ِ ِ‬ ‫يت } وعرفنا ما‬ ‫ال أنَا أ ُْحيي َوأُم ُ‬ ‫يف هذا األمر من سفسطة ‪ ،‬فلم‬ ‫يقل له إبراهيم ‪ :‬أأنت ُٖتيي‬ ‫و٘تيت ‪ ،‬بل ينقله إىل أمر آخر ‪،‬‬ ‫كأنه قد قال له ‪ :‬اترك األمر الغييب‬ ‫وهو الروح ‪ ،‬وتعاىل لؤلمر ا‪١‬تشهود‬ ‫ال إِب ْ َرا ِ‬ ‫يم فَإ َِّن اهلل يَأ ْ ِيت‬ ‫ه‬ ‫{ قَ َ‬ ‫ُ‬

‫بالشمس ِم َن ا‪١‬تشرق فَأ ْ ِت بِهَا ِم َن‬ ‫ا‪١‬تغرب فَب ُ ِه َت الذي َك َف َر } ‪.‬‬ ‫وألن اهلل ويل الذي آمنوا فهو‬ ‫سبحانه لم يلهم ا‪١‬تحاج أن ي َ ُر ّد؛‬ ‫كان يستطيع أن يقول له ‪ :‬اجعل‬ ‫من يأيت بها من المشرق ِ‬ ‫يأت بها من‬ ‫ا‪١‬تغرب ‪ ،‬لكنه لم يقلها! ‪٦‬تا يدل‬

‫عىل أنه بي! أو يكون ذكيا فيقول ‪:‬‬ ‫إن الرب الذي معه بهذا الشكل قد‬ ‫يفعلها ‪ ،‬فخاف ‪ .‬إذن ف { اهلل َو ِيل ُّ‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْ} حقا ‪ .‬وهو سبحانه‬ ‫{ ُٮت ْ ِر ُج ُه ْم ِّم َن الظلمات إ َِىل النور‬ ‫} ‪ .‬وما معٌت كلمة « ُب ِه َت »؟ إن‬ ‫البهت يأخذ ثبلث صور ‪ :‬الصورة‬

‫األوىل ‪ :‬الدهشة؛ ن َ َقله فيما ٯتكن‬ ‫أن ٖتدث فيه ‪٦‬تاحكة إىل ماال‬ ‫ٖتدث فيه ‪٦‬تاحكة وجدال ‪ ،‬أراد‬ ‫أن ‪٬‬تد أمرا ًيرد به فلم يقدر ‪،‬‬ ‫مثلما قال ‪ :‬أنا أحيي وأميت ‪ ،‬لقد‬ ‫هش ‪ ،‬وأول ما فاجأه هو الدهش ‪،‬‬ ‫التحَت ‪ ،‬أراد أن ‪٬‬تد أي‬ ‫ثم كان ّ‬

‫‪٥‬ترج من هذه الورطة فلم ‪٬‬تد ‪،‬‬ ‫إذن فقد ُهزم ‪ .‬فهذه هي هناية‬ ‫البَهت ‪ .‬ف « ُبهت » تعٍت أنه‬ ‫دهش أوال ‪ ،‬فتحَت يف أن يرد ثانيا ‪،‬‬ ‫فكان نتيجة ذلك أنه ُهزم ثالثا ‪،‬‬ ‫وهذا أمر ليس بعجيب؛ ألنه مادام‬ ‫كافرا ًفليس له ويل ‪ ،‬أو وليه من ال‬

‫آؤ ُه ُم الطاغوت } ‪،‬‬ ‫يقدر { أ َ ْولِي َ ُ‬ ‫أما إبراه يم خليل الر‪ٛ‬تن فوليه‬ ‫اهلل ‪.‬‬ ‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اْلية بقوله ‪ { :‬واهلل ال َ‬ ‫يَهْ ِدي القوم الظا‪١‬تُت } ال‬ ‫يهديهم إىل برهان ‪ ،‬وال إىل دليل ‪،‬‬ ‫وال إىل حجة ‪ ،‬ألن وليهم الشيطان‬

‫‪ { ،‬واهلل ال َيَهْ ِدي القوم الظا‪١‬تُت }‬ ‫واْلية اليت تأيت من بعد ذلك كلها‬ ‫ستتدخل يف ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت ‪ ،‬ومن‬ ‫ا‪١‬تهم أن اْلية تدخل يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫وا‪١‬توت كي ال نفهم أن إبراهيم‬ ‫إ‪٪‬تا ترك ا‪١‬تحاجة مع ذلك الذي‬ ‫حاجه يف أمر ا‪١‬توت وا‪ٟ‬تياة هربا من‬ ‫ّ‬

‫الكبلم فيها ‪ ،‬لذلك يريد اهلل أن‬ ‫يستويف تلك القضية استيفاء يف‬ ‫قصص متعددة ‪ ،‬ويبسط ا‪ٟ‬تق‬ ‫القضية اليت عدل عنها إبراهيم‬ ‫وهي ا‪١‬توت واٌفياة فيقول سبحانه ‪:‬‬ ‫{ أ َ ْو كالذي َم َّر عىل قَ ْري َ ٍة َو ِه َي‬ ‫َخا ِوي َ ٌة عىل ُع ُرو ِشهَا ‪} . . .‬‬

‫أ َ ْو كَال َّ ِذي َم َّر عَىلَ قَ ْري َ ٍة َو ِه َي َخا ِوي َ ٌة‬ ‫عَىلَ ُعرو ِشهَا قَ َ َ َ ٭تيِ ِ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ُ‬ ‫ال أ ّىن ُ ْ ي َهذه َّ ُ‬ ‫اّلل ِمائَ َة عَا ٍم ُث َّم‬ ‫بَعْ َد َم ْو ِهتَا فَأ َ َماتَ ُه ّ َُ‬ ‫ال ل َ ِبث ْ ُت ي َ ْومًا‬ ‫َع‬ ‫ال كَ ْم ل َ ِبث ْ َت قَ َ‬ ‫بث َ ُه قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ب َ ْل ل َ ِبث ْ َت ِمائَ َة عَا ٍم‬ ‫ض ي َ ْو ٍم قَ َ‬ ‫أ ْو بَعْ َ‬ ‫ك ل َ ْم‬ ‫ك َو َش َرابِ َ‬ ‫فَان ْ ُظ ْر إ َِىل َطعَا ِم َ‬ ‫يتسنَه وان ْ ُظر إ َِىل ِ‬ ‫ك‬ ‫ك َولِن َ ْجعَل َ َ‬ ‫‪ٛ‬تا ِر َ‬ ‫ََ َّ ْ َ ْ َ‬

‫آيَةً لِلنَّ ِ‬ ‫اس َوان ْ ُظ ْر إ َِىل الْعِ َظا ِم َكي ْ َف‬ ‫وها َ‪ٟ‬ت ْ ًما فَل َ َّما‬ ‫نُن ْ ِش ُز َها ُث َّم ن َ ْك ُس َ‬ ‫اّللَ عَىلَ كُ ّ ِل‬ ‫ال أَعْل َ ُم أ َ َّن َّ‬ ‫ُت ل َ ُه قَ َ‬ ‫تَب َ َّ َ‬ ‫َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر (‪)259‬‬

‫وعندما ننظر إىل بداية اْلية ‪٧‬تدها‬ ‫تبدأ ب « أو » ‪ ،‬وما بعد « أو »‬

‫يكون معطوفا ًعىل ما قبلها ‪ ،‬فكأن‬ ‫ا‪ٟ‬تق يريد أن يقول لنا ‪ :‬أو ( أَل َ ْم تَ َر‬ ‫) إىل مثل الذي مر عىل قرية ‪.‬‬ ‫وعندما تسمع كلمة { قَ ْري َ ٍة }‬ ‫فإهنا تفيد ٕتمع ‪ٚ‬تاعة من الناس‬ ‫يسكنون يف مكان ‪٤‬تدود ‪ ،‬ونفهم أن‬ ‫الذي مر عىل هذه القرية ليس من‬

‫سكاهنا ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو قد مر عليها سياحة‬ ‫يف رحلة ‪ .‬ونلحظ كذلك أن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه لم يشأ أن يأيت لنا باسم‬ ‫القرية أو باسم الذي مر عليها ‪.‬‬ ‫قال البعض ‪ :‬إنه هو أرمياء بن‬ ‫حلقيا أو هو ا‪٠‬تضر ‪ ،‬أو هو عزير ‪،‬‬ ‫وقد قلنا من قبل ‪ :‬إنه إذا أبهم ا‪ٟ‬تق‬

‫فمعناه ‪ :‬ال تشخص األمر ‪ ،‬فيمكن‬ ‫ألي أحد أن ٭تدث معه هذا ‪.‬‬ ‫{ أ َ ْو كالذي َم َّر عىل قَ ْري َ ٍة } ‪ .‬وقالوا‬ ‫‪ :‬إهنا بيت ا‪١‬تقدس ‪َ { ،‬و ِه َي َخا ِو َةٌي‬ ‫عىل ُع ُرو ِشهَا } وحىت نفهم معٌت‬ ‫خاوية عىل عروشها ‪ ،‬لنا أن نعرف‬ ‫أنٍت عندما أقول ‪ « :‬أنا خويان »‬

‫أي « أنا بطٍت خاوية » ‪ « :‬جوعان‬ ‫» ف « خاوية » ا‪١‬تقصود بها أهنا‬ ‫قرية خالية من السكان ‪ ،‬وقد تكون‬ ‫أبنيتها منصوبة ‪ ،‬لكن ليس فيها‬ ‫سكان ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق بقوله عن تلك‬ ‫القرية ‪ :‬إهنا خاوية عىل عروشها ‪ ،‬و‬ ‫« العرش » يطلق عىل البيت من‬

‫ا‪٠‬تيام ‪ ،‬ويطلق كما نعرف عىل‬ ‫السقف ‪ ،‬فإذا قال ‪َ { :‬خا ِوي َ ٌة عىل‬ ‫ُع ُرو ِشهَا } أي أن العرش قد سقط‬ ‫أوال ‪ ،‬ثم سقطت ا‪ٞ‬تدران عليه ‪،‬‬ ‫مثلما نقول يف لغتنا العامية ‪« :‬‬ ‫جاب عاليها عىل واطيها » ‪.‬‬ ‫وعندما ٯتر إنسان عىل قرية مثل‬

‫هذه القرية فبل بد أن مشهدها‬ ‫يكون شيئا ًالفتا للنظر ‪ ،‬قال ‪ { :‬أىن‬ ‫ُ٭تْيِي هذه اهلل بَعْ َد َم ْو ِهتَا } فكأنه‬ ‫يسأل عن القرية ‪ ،‬وعن إماتة‬ ‫وإحياء الناس الذين يسكنون‬ ‫القرية ‪ .‬وا‪ٟ‬تق حُت يذكر القرية‬ ‫يف القرآن فهو يقصد يف بعض‬

‫األحيان ا‪ٟ‬تديث عن أهلها مثل‬ ‫قوله تعاىل ‪َ { :‬و ْسئ َ ِل القرية اليت‬ ‫ُكنَّا فِيهَا والعَت اليت أَقْبَلْنَا فِيهَا َوإِن َّا‬ ‫ون } ػ يوسف ‪] 82 :‬‬ ‫ل َ َصا ِد ُق َ‬ ‫إن أبناء يعقوب عليه السبلم حُت‬ ‫عادوا من مصر وتركوا أخاهم‬ ‫األصغر مع يوسف عليه السبلم‬

‫قالوا ألبيهم ‪ :‬أرسل من يأتيك‬ ‫بشهادة أهل مصر واسأل بنفسك‬ ‫زمبلءنا الذين كانوا معنا يف القافلة ‪،‬‬ ‫وسيقولون لك ‪ :‬إننا قد تركنا أخانا‬ ‫ٔتصر ‪ .‬لكن سؤال الذي مر عىل‬ ‫القرية ا‪٠‬تاوية عىل عروشها هو‬ ‫سؤال عن أهلها ‪.‬‬

‫{ أىن ُ٭تْيِي هذه اهلل بَعْ َد َم ْو ِهتَا }‬ ‫وساعة تسمع { أىن } فهي تأيت مرة‬ ‫ٔتعٌت « كيف » ‪ ،‬ومرة تأيت ٔتعٌت ‪:‬‬ ‫« من أين » ‪ ،‬وا‪١‬تناسب ‪٢‬تا هنا هو‬ ‫أن يكون السؤال كالتايل ‪ « :‬كيف‬ ‫٭تيي اهلل هذه بعد موهتا »؟ وقوله‬ ‫هذا يدل عىل أنه مؤمن ‪ ،‬فهو ال‬

‫يشك يف أن قضية اإلحياء من اهلل ‪،‬‬ ‫وإ‪٪‬تا يريد أن يعرف الكيفية ‪،‬‬ ‫فكأنه مؤمن بأن اهلل هو الذي ٭تيي‬ ‫وٯتيت ‪ ،‬وهذه ستأيت يف قصة سيدنا‬ ‫إبراهيم ‪:‬‬

‫{ أ َ ِر ِين َكي ْ َف ُٖتْيِي ا‪١‬توىت } ػ البقرة‬ ‫‪] 260 :‬‬ ‫هو ال يشك يف أن اهلل ُ٭تيي ا‪١‬توىت ‪،‬‬ ‫إ‪٪‬تا يريد أن يرى كيف تتم هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تكاية؛ ألن الذي يريد أن يعرف‬ ‫كيفية الشيء ‪ ،‬البد أن متعجب من‬ ‫وجود هذا الشيء ‪ ،‬فيتساءل ‪:‬‬

‫كيف تم عمل هذا الشيء؟ مثلما‬ ‫نرى األهرام ‪ ،‬و‪٨‬تن ال نشك أن‬ ‫األهرام مبنية بهذا الشكل ‪ ،‬لكننا‬ ‫نتساءل فقط ‪ :‬كيف بنوها؟ كيف‬ ‫نقلوا ا‪ٟ‬تجارة بضخامتها ألعىل ولم‬ ‫يكن هناك سقاالت أو روافع آلية؟‬ ‫إذن فنحن نتعجب فقط ‪ ،‬والتعجب‬

‫فرع اإلٯتان با‪ٟ‬تدث ‪.‬‬ ‫والسؤال عن الكيفية معناه التيقن‬ ‫من ا‪ٟ‬تدث ‪ ،‬فقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أىن يُ ِْيحي‬ ‫هذه اهلل } ‪ . .‬يعٍت ‪ :‬كيف ُ٭تيي اهلل‬ ‫هذه القرية بعد موهتا ‪ ،‬فكأن القائل‬ ‫ال يشك يف أن اهلل ُ٭تيي ‪ ،‬ولكنه‬ ‫يريد الكيفية ‪ ،‬والكيفية ليست‬

‫مناط إٯتان ‪ ،‬فاهلل لم ينهنا عن‬ ‫التعرف عن الكيفية؛ فهو يعلم أننا‬ ‫نؤمن بأنه قادر عىل إ‪٬‬تاد هذا‬ ‫ا‪ٟ‬تدث ‪.‬‬ ‫وأضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬ ‫ع‬ ‫فمصمم ا‪١‬تبلبس عندما‬ ‫األ ىل ُ‬ ‫يقوم بتفصيل أزياء ‪ٚ‬تيلة ‪ ،‬أنت‬

‫تراها ‪ ،‬فأنت تتيقن من أنه‬ ‫صانعها ‪ ،‬ولكنك تتعجب فقط من‬ ‫دقة الصنعة ‪ ،‬وتقول له ‪ :‬باهلل كيف‬ ‫عملت هذه؟ كأنك قد عشقت‬ ‫الصنعة! فتشوقت إىل معرفة كيف‬ ‫صارت ‪ ،‬فما بالنا بصنعة ا‪ٟ‬تق‬ ‫تبارك وتعاىل؟ إنك تندهش‬

‫وتتعجب لتعيش يف ظل السر‬ ‫السائح من ا‪٠‬تالق يف ا‪١‬تخلوق ‪،‬‬ ‫وتريد أن تنعم بهذه النعم ‪.‬‬ ‫ومثال آخر وهلل ا‪١‬تثل األعىل من‬ ‫قبل ومن بعد أنت ترى مثبل لوحة‬ ‫ر‪ٝ‬تها رسام ‪ ،‬فتقول له ‪ :‬باهلل‬ ‫كيف مزجت هذه األلوان؟ أنت ال‬

‫تشك يف أنه قد مزج األلوان ‪ .‬بل‬ ‫تريد أن تسعد نفسك بأن تعرف‬ ‫كيف ر‪ٝ‬تها ‪ ،‬إذن فقوله وقول‬ ‫إبراهيم بالسؤال يف اإلحياء‬ ‫واإلماتة فيما يأيت ليس معناه أنه‬ ‫َت مؤمن بل هو عاشق ومشتاق‬ ‫ألن يعرف الكيفية؛ ليعيش يف جو‬

‫اإلبداع ا‪ٞ‬تمايل الذي أنشأ هذه‬ ‫الصنعة ‪.‬‬ ‫ونعلم أن إحياء الناس سيًتتب‬ ‫عليه إحياء القرية ‪ ،‬فاإلنسان هو‬ ‫باعث ا‪ٟ‬تركة اليت تعمر الوجود ‪،‬‬ ‫والناس ‪٢‬تم حياة و‪٢‬تم موت ‪،‬‬ ‫والقرية بأنقاضها وجدراهنا‬

‫وعروشها ‪٢‬تا حياة و‪٢‬تا موت ‪.‬‬ ‫وعندما سأل العبد هذا السؤال ‪،‬‬ ‫أراد اهلل أن تكون اإلجابة ٕتربة‬ ‫معاشة يف ذات السائل؛ لذلك يأيت‬ ‫القرآن بالقول { فَأ َ َماتَ ُه اهلل ِماْئَ َة‬ ‫عَا ٍم } ‪.‬‬ ‫إن صاحب السؤال قد أراد أن‬

‫يعرف الكيفية ‪ ،‬وطلبه هو إٯتان‬ ‫دليل ‪ ،‬ليصبح فيما بعد إٯتانا بواقع‬ ‫مشاهد { فَأ َ َماتَ ُه اهلل ِماْئَ َة عَا ٍم }‬ ‫لقد جعل اهلل األمر والتجربة يف‬ ‫السائل ذاته وهذا إخبار اهلل ‪ .‬لقد‬ ‫أماته مائة عام ‪ ،‬والعام هو ا‪ٟ‬تول ‪،‬‬ ‫وقد ‪ٝ‬توا « ا‪ٟ‬تول » عاما؛ ألن‬

‫الشمس تعوم يف الفلك كله يف هذه‬ ‫ا‪١‬تدة ‪ ،‬والعوم َسب ْ ٌح ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪:‬‬

‫{ وكُ ٌّل ِيف فَل َ ٍ‬ ‫ون } ػ يس ‪:‬‬ ‫ك ي َ ْسب َ ُح َ‬ ‫َ‬ ‫‪] 40‬‬ ‫ولذلك نسميه عاما ً‪ { .‬فَأ َ َماتَ ُه اهلل‬ ‫ال‬ ‫ال َك ْم ل َ ِبث ْ َت قَ َ‬ ‫ِماْئَ َة عَا ٍم ُث َّم بَعَث َ ُه قَ َ‬

‫َ‬ ‫ض ي َ ْو ٍم } ‪ ،‬فكأن‬ ‫ل َ ِبث ْ ُت ي َ ْوما ًأ ْو بَعْ َ‬ ‫اهلل قال له كبلما ًكما كلم موىس ‪ ،‬أو‬ ‫‪ٝ‬تع صوتا ًأو ملكا ًأو أن أحدا ًمن‬ ‫ا‪١‬توجودين رأى التجربة ‪ .‬فا‪١‬تهم‬ ‫أن هناك سؤاال ًوجوابا ً‪ .‬وٮتْبنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه ْتوار دار يف هذا‬ ‫الشأن ‪ ،‬السؤال هو ‪ :‬كم لبثت؟‬

‫فأجاب الرجل ‪ :‬لبثت يوما ًأو‬ ‫بعض يوم ‪.‬‬ ‫وإجابة الرجل تعٍت أنه دق تشكك‬ ‫‪ ،‬فقد وجد اليوم قد قارب عىل‬ ‫االنتهاء أو انتىه ‪ ،‬أو أنه عندما رأى‬ ‫الشمس مشرقة أجاب هذه‬ ‫َ‬ ‫ض ي َ ْو ٍم‬ ‫اإلجابة ‪ { :‬ل َ ِبث ْ ُت ي َ ْوما ًأ ْو بَعْ َ‬

‫} أو يكون قد قال ذلك؛ ألنه ال‬ ‫يستطيع أن يتحكم يف تقدير‬ ‫الزمن ‪ .‬فهل هو صادق يف قوله أو‬ ‫كاذب؟ إنه صادق ‪ ،‬ألنه لم ير شيئا ً‬ ‫قد تغَت فيه ليحكم ٔتقدار التغَت ‪،‬‬ ‫فلو كان قد حلق ‪ٟ‬تيته مثبل ً‪ ،‬وقام‬ ‫بعد ذلك ليجد ‪ٟ‬تيته قد طالت ‪ ،‬أو‬

‫قد نام بشعر أسود ‪ ،‬وقام بعد ذلك‬ ‫بشعر أشيب ‪ ،‬فلو حدثت أية‬ ‫تغَتات فيه لكان قد ‪١‬تسها ‪ ،‬لكنه‬ ‫لم ‪٬‬تد تغَتا ً‪.‬‬ ‫فماذا كان جواب ا‪ٟ‬تق؟ قال ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ بَل ل َّ ِبث ْ َت ِماْئَةَ عَا ٍم } ‪ .‬إننا هنا‬ ‫أمام طرفُت ويكاد األمر أن يصبح‬

‫لغزا ً‪ ،‬وطرف يقول ‪ { :‬ل َ ِبث ْ ُت ي َ ْوما ً‬ ‫َ‬ ‫ض ي َ ْو ٍم } ورب يقول ‪ { :‬بَل‬ ‫أ ْو بَعْ َ‬ ‫ل َّ ِبث ْ َت ِماْئَ َة عَا ٍم } ‪ .‬ونريد أن ‪٨‬تل‬ ‫هذا اللغز ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه صادق‬ ‫زنه والعبد ا‪١‬تؤمن صادق يف حدود‬ ‫وم ّ‬ ‫ُ‬ ‫ما رأى من أحواله ‪ .‬ونريد دليبل عىل‬ ‫هذا ‪ ،‬ودليبل عىل ذاك ‪ .‬نريد دليبل‬

‫عىل صدق العبد يف قوله ‪ { :‬ل َ ِبث ْ ُت‬ ‫َ‬ ‫ض ي َ ْو ٍم } ‪ .‬ونريد من‬ ‫ي َ ْوما ًأ ْو بَعْ َ‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل دليل اطمئنان‬ ‫ال دليل برهان عىل أن الرجل قد‬ ‫مات مائة عام وعاد إىل ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫ونقول ‪ :‬إن يف القصة ما يؤيد {‬ ‫َ‬ ‫ض ي َ ْو ٍم } ‪ ،‬وما‬ ‫ل َ ِبث ْ ُت ي َ ْوما ًأ ْو بَعْ َ‬

‫يؤيد { بَل ل َّ ِبث ْ َت ِماْئَ َة عَا ٍم } ‪ ،‬فقد‬ ‫كان مع الرجل ‪ٛ‬تاره ‪ ،‬وكان معه‬ ‫طعامه وشرابه من عصَت وعنب‬ ‫وتُت ‪ .‬فقال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬ ‫{ ل َّ ِبث ْ َت ِماْئَ َة عَا ٍم } ‪ ،‬وأراد أن‬ ‫يدلل عىل الصدق يف القضيتُت معا ً‬ ‫ك‬ ‫قال ‪ { :‬فانظر إىل َطعَا ِم َ‬

‫ك ل َ ْم يَت َ َسنَّ ْه } ‪ ،‬ونظر‬ ‫َو َش َرابِ َ‬ ‫الرجل إىل طعامه وشرابه فوجد‬ ‫الطعام والشراب لم يتغَتا ‪ ،‬وهذا‬ ‫دليل عىل أنه لم ٯتكث إال يوما أو‬ ‫بعض يوم ‪ ،‬وبذلك ثبت صدق‬ ‫الرجل ‪ ،‬بقيت قضية { ِماْئَةَ عَا ٍم‬ ‫}‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ك‬ ‫‪ٛ‬تا ِر َ‬ ‫فقال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وانظر إىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ك آيَةً لِلنَّ ِ‬ ‫اس } وهذا القول‬ ‫َول َن ْجعَل َ َ‬ ‫يدل عىل أن هنا شيئا عجيبا ‪ ،‬وأراد‬ ‫اهلل أن يبُت له بنظرة إىل ا‪ٟ‬تمار‬ ‫دليبل ًعىل صدق مرور مائة عام ‪،‬‬ ‫ووجد الرجل ‪ٛ‬تاره وقد ٖتول‬ ‫عظاما ًمبعثرة ‪ ،‬وال ٯتكن أن ٭تدث‬

‫ذلك يف زمن قصَت ‪ ،‬فإن موت‬ ‫ا‪ٟ‬تمار أمر قد ٭تدث يف يوم ‪ ،‬لكن‬ ‫أن يرم جسمه ‪ ،‬ثم ينتهي ‪ٟ‬تمه إىل‬ ‫رماد ‪ ،‬ثم تبىق العظام مبعثرة ‪،‬‬ ‫فتلك قضية تريد زمانا ًطويبل ًال‬ ‫يتسع له إال مائة عام ‪ ،‬فكأن النظر‬ ‫إىل ا‪ٟ‬تمار هو دليل عىل صدق مرور‬

‫مائة عام ‪ ،‬والنظر إىل الطعام دليل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ض ي َ ْو ٍم } ‪.‬‬ ‫ىل صدق { ي َ ْوما ًأ ْو بَعْ َ‬

‫فالقضية إذن قضية عجيبة ‪ ،‬وكيف‬ ‫ُطوي الزمن يف مسألة الطعام ‪،‬‬ ‫وكيف ُبسط الزمن يف مسألة‬ ‫ا‪ٟ‬تمار ‪ .‬إنه سبحانه يظهر لنا أنه‬

‫هو القابض الباسط ‪ ،‬فهو الذي‬ ‫يقبض الزمن يف حق شيء ‪ ،‬ويبسط‬ ‫الزمن يف حق شيء آخر ‪ ،‬والشيئان‬ ‫متعاصران معا ‪ .‬وتلك العملية ال‬ ‫ٯتكن أن تكون إال لقدرة طليقة ال‬ ‫٘تلكها النواميس الكونية ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫هي اليت ٘تلك النواميس ‪.‬‬

‫وقد قال ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬ ‫ك آيَةً لِلنَّ ِ‬ ‫اس } ‪ ،‬فمن هم‬ ‫َولِن َ ْجعَل َ َ‬ ‫الناس الذين سيجعل اهلل من قضية‬ ‫الذي مر عىل قرية آية ‪٢‬تم؟ كان‬ ‫البد أن يوجد أناس يف القصة ‪،‬‬ ‫لكن القرية خاوية عىل عروشها ‪،‬‬ ‫وليس فيها إنسان أو بنيان ‪ ،‬أهم‬

‫الذين كانوا يف القرية أم سواهم؟‬ ‫قال بعض ا‪١‬تفسرين هذا ‪ ،‬وقال‬ ‫البعض اْلخر الرأي ا‪١‬تضاد ‪.‬‬ ‫وأصدق شيء ٯتكن أن يتصل‬ ‫ك‬ ‫بصدق اهلل يف قوله ‪َ { :‬ولِن َ ْجعَل َ َ‬ ‫آيَةً لِلنَّ ِ‬ ‫اس } هو قبض اهلل للزمن يف‬ ‫حق شيء ‪ ،‬وبسطه يف حق شيء آخر‬

‫‪ ،‬وعزيز كما قال ‪ٚ‬تهرة العلماء‬ ‫هو الذي مر عىل قرية ‪ ،‬وعزيز هذا‬ ‫كان من األربعة الذين ٭تفظون‬ ‫التوراة ‪ ،‬فلم ٭تفظ التوراة إال أربعة‬ ‫‪ :‬موىس ‪ ،‬وعيَس ‪ ،‬وعزير ‪ ،‬ويوشع ‪،‬‬ ‫وقد أراه اهلل العظام وكيف‬ ‫ينشزها ويرفعها فتلتحم ثم‬

‫يكسوها ‪ٟ‬تما ‪ ،‬أي أراه عملية‬ ‫اإلحياء مشهديا ً‪ ،‬ويف هذا إجابة‬ ‫للسؤال ‪ { :‬أىن يُ ِْيحي هذه اهلل بَعْ َد‬ ‫َم ْو ِهتَا } ؟‬ ‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬وانظر إ َِىل العظام‬ ‫كَي ْ َف نُن ْ ِش ُز َها } و { نُن ْ ِش ُز َها } أي‬ ‫نرفعها ‪ ،‬ورأى « عزير » كل‬

‫عظمة يف ‪ٛ‬تاره ‪ ،‬وهي ترفع من‬ ‫األرض ‪ ،‬وشاهد كل عظمة‬ ‫تركب مكاهنا ‪ ،‬وبعد تكوين ا‪٢‬تيكل‬ ‫العظمي للحمار بدأت رحلة‬ ‫كسوة العظام ٌفما ً‪ ،‬وبعد ذلك تأيت‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫لقد وجد عزير إجابة يف نفسه ‪،‬‬

‫ووجد إجابة يف ا‪ٟ‬تمار ‪ ،‬ومن بعد‬ ‫ذلك تذكر قريته اليت خرج منها ‪،‬‬ ‫وأراد العودة إليها ‪ ،‬فلما عاد إليها‬ ‫وجد أمرها قد تغَت ٔتا يتناسب مع‬ ‫مرور مائة عام ‪ ،‬وكان يف تلك‬ ‫القرية موالة ‪٢‬تم ‪ ،‬أي أمة يف أسرته‬ ‫‪ ،‬وكانت هذه األمة قد عميت‬

‫وأصبحت مقعدة ‪ ،‬فلما دخل وقال‬ ‫‪ :‬أنا العزير ‪ .‬قالت األمة ‪ :‬ذهب‬ ‫العزيز من مائة عام وال ندري أين‬ ‫ذهب ولم يعد؟‬ ‫قال ‪ :‬أنا العزير ‪ .‬قالت ‪ :‬إن للعزير‬ ‫عبلمة ‪ ،‬هذه العبلمة أنه ‪٣‬تاب‬ ‫الدعوة ‪ ،‬ولم تنس نفسها ‪ .‬قالت ‪:‬‬

‫فإن كنت العزير فادع اهلل أن يرد‬ ‫عل َّي بصري وأن ٮترجٍت من قعودي‬ ‫هذا ‪ .‬فدعا عزير اهلل فْبئت ‪ ،‬فلما‬ ‫برئت؛ نظرت إليه فوجدته هو‬ ‫العزير فذهبت إىل قومها وأعلنت‬ ‫أن العزير قد عاد ‪ .‬وبعد ذلك ذهب‬ ‫العزير إىل ابنه ‪ ،‬فوجده رجبل قد‬

‫ٕتاوز مائة سنة ‪ ،‬وكان العزير ال‬ ‫يزال شابا يف سن ‪ٜ‬تسُت سنة ‪.‬‬ ‫ولذلك ترى الشاعر يقول ُملغزا ً‪:‬‬ ‫وما اب ٌن رأى أباه وهو يف ضعف‬ ‫عمره؟ وا‪١‬تقصود بهذا اللغز هو‬ ‫العزير الذي أماته اهلل وهو يف‬

‫ا‪٠‬تمسُت ثم أحياه اهلل يف عمره‬ ‫نفسه بعد مائة عام ‪ ،‬والتىق العزير‬ ‫بابنه ‪ .‬قال االبن ‪ :‬كنت ا‪ٝ‬تع أن‬ ‫أليب عبلمة بُت كتفيه « شامة » ‪.‬‬ ‫كتفالبنه وجد‬ ‫فلما كشف العزير ه‬ ‫الشامة ‪.‬‬ ‫وتثبت أهل القرية من صدق‬

‫عزير ‪ :‬بشيء آخر هو أن ( ٓتتنصر‬ ‫) حينما جاء إىل بيت ا‪١‬تقدس‬ ‫وخربها حرق التوراة ‪ ،‬إال أن رجبل‬ ‫قال ‪ :‬إن أباه قد دفن يف مكان ما‬ ‫نسخة من التوراة ‪ ،‬فجاءوا‬ ‫بالنسخة ‪ ،‬قال العزير ‪ :‬وأنا‬ ‫أحفظها ‪ .‬وتبل العزير التوراة كما‬

‫ُوجدت يف النسخة ‪ ،‬فصدق القوم‬ ‫أنه العزير ‪ ،‬وتعجب الناس وهم‬ ‫يشاهدون ابنا ٗتىط ا‪١‬تائة وأبا يف‬ ‫سن ا‪٠‬تمسُت ‪ .‬ولذلك يذيل ا‪ٟ‬تق‬ ‫ال أَعْل َ ُم أ َ َّن اهلل‬ ‫اْلية بالقول ‪ { :‬قَ َ‬ ‫عىل كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر } ‪.‬‬ ‫ألم يكن قبل ذلك يعلم أن اهلل عىل‬

‫كل شيء قدير؟ نعم كان يعلم علم‬ ‫االستدالل ‪ ،‬وهو اْلن يعلم علم‬ ‫ا‪١‬تشهد ‪ ،‬علم الضرورة ‪ ،‬فليس مع‬ ‫العُت أين ‪.‬‬ ‫إذن ف { أَعْلَم أ َ َن اهلل عىل كُ ّ ِل َشيءٍ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫قَ ِدي ٌر } هي تأكيد وتعريف بقدرة‬ ‫اهلل عىل أن يبسط الزمن ويقبضه ‪،‬‬

‫وقدرة اهلل عىل اإلحياء واإلماتة ‪،‬‬ ‫فصار يعلم حق اليقُت بعد أن كان‬ ‫يعلم علم ايلقُت ‪.‬‬ ‫وهذه ا‪١‬تسألة تفسر ما يقوله العلم‬ ‫ا‪ٟ‬تديث عن تعليق ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬ومعٌت‬ ‫تعليق ا‪ٟ‬تياة هو يشبه ما تفعله بعض‬ ‫الثعابُت عندما تقوم بالبيات‬

‫الشتوي ‪ ،‬أي تنكمش يف الشتاء يف‬ ‫ذاهتا وال ُتبدي حركة ‪ ،‬وتظل‬ ‫هكذا إىل أن يذهب الشتاء ‪ ،‬ومدة‬ ‫البيات الشتوي ال ٖتتسب من عمر‬ ‫الثعابُت ‪ ،‬ولذلك يقال ‪ :‬إن ذلك‬ ‫هو عملية تعليق ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وهذه‬ ‫العملية اليت قد نفسر بها مسألة‬

‫أهل الكهف ‪ .‬فأهل الكهف أيضا‬ ‫مرت عليهم العملية نفسها ‪{ :‬‬ ‫وكذلك بَعَثْن َ ُاه ْم لِيَت َ َسآءَلُوا بَيْن َ ُه ْم‬ ‫ال قَ ِائ ٌل ِّمن ْ ُه ْم كَم لَبِث ْ ُت ْم قَالُوا ْ‬ ‫قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ض ي َ ْو ٍم } ػ الكهف‬ ‫لَبِثْنَا ي َ ْوما ًأ ْو بَعْ َ‬ ‫‪] 19 :‬‬ ‫إهنم لم يروا شيئا ًقد تغَت فيهم ‪.‬‬

‫وبعد ذلك قال ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬ ‫َبلث ِماْئَ ٍة ِس ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫َولَبِثُوا ْ ِيف كَهْ ِف ِه ْم ث َ‬ ‫َ‬ ‫وازدادوا تِ ْسعا ً} ػ الكهف ‪] 25 :‬‬ ‫إن اهلل حدد الزمن الذي لبثوه ‪،‬‬ ‫بينما هم قالوا ‪ :‬إن الزمن هو يوم‬ ‫أو بعض يوم ‪ .‬ومعٌت ذلك أهنم‬ ‫عندما ناموا هذا اللون من النوم‬

‫واستيقظوا وجدوا أنفسهم عىل‬ ‫حالتهم اليت كانت قبل هذا اللون‬ ‫من النوم ‪ .‬إذن فقد علق اهلل حياهتم‬ ‫‪ .‬ونبلحظ أن كل هذه العملية قد‬ ‫جاءت هنا يف قصة العزير بعد آية‬ ‫الكرسي اليت تصور العقيدة‬ ‫اإلٯتانية ‪ { :‬اهلل ال َإله إِال َّ ُه َو ا‪ٟ‬تي‬

‫القيوم ال َتَأ ْ ُخ ُذ ُه ِسن َ ٌة َوال َن َ ْو ٌم ل َّ ُه َما ِيف‬ ‫السماوات َو َما ِيف األرض َمن ذَا‬ ‫الذي ي َ ْش َف ُع ِعن ْ َد ُه إِال َّبِإِذْنِ ِه يَعْل َ ُم َما‬ ‫ُت أَي ْ ِدي ِه ْم َو َما َخل ْ َف ُه ْم َوال َ‬ ‫بَ ْ َ‬ ‫ُ٭ت ِ ُيط ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ون ب َش ْيء ّم ْن علْمه إِال َّٔتَا َشآءَ‬ ‫َ‬ ‫َو ِس َع ُك ْر ِسي ُّ ُه السماوات واألرض‬

‫ود ُه ِح ْف ُظ ُه َما َو ُه َو العلي‬ ‫َوال َي َ ُؤ ُ‬ ‫العظيم }‬ ‫ػ البقرة ‪] 255 :‬‬ ‫وتصور قضية ا‪ٟ‬تياة وقضية ا‪١‬توت‬ ‫حاجه‬ ‫ونعلم أن إبراهيم حُت َّ‬ ‫الرجل وقال له ‪ { :‬أَنَا أ ُْحيِي‬

‫ِ‬ ‫يت } نقل إبراهيم ا‪ٟ‬تجة إىل‬ ‫َوأُم ُ‬ ‫الليل والنهار ‪ ،‬وطلب منه أن‬ ‫يعكس آية الليل والنهار ‪ ،‬فقال‬ ‫للرجل ‪ { :‬فَإ َِّن اهلل يَأ ْ ِيت بالشمس‬ ‫ِم َن ا‪١‬تشرق فَأ ْ ِت بِهَا ِم َن ا‪١‬تغرب‬ ‫فَب ُ ِه َت الذي َك َف َر } ‪.‬‬ ‫وحىت ال يظن أحد أن إبراهيم عليه‬

‫السبلم إ‪٪‬تا ترك الكبلم عن‬ ‫اإلحياء واإلماتة فرارا ًمن ا‪ٞ‬تدل ‪.‬‬ ‫ونقل األمر إىل الشمس ‪ ،‬لكن أراد‬ ‫اهلل أن يأيت بقصة هذا اإلنسان‬ ‫الذي مر عىل قرية وهي خاوية ‪،‬‬ ‫فيحدث له كل ما تقدم ليثبت ا‪ٟ‬تق‬ ‫لنا أن قضية ا‪ٟ‬تياة وقضية ا‪١‬توت‬

‫بيده وحده ‪ .‬وليخرج ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫أمر ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت عن ‪٣‬تال‬ ‫السفسطة ا‪ٞ‬تدلية ‪ .‬وعرفنا أن‬ ‫قبل معٌت السفسطة ا‪ٞ‬تدلية حينما‬ ‫تعرضنا لقول الذي حاج إبراهيم‬ ‫يف ربه باثنُت من ا‪١‬تسجونُت وقال‬ ‫‪ :‬أنا أستطيع أن أقتل واحدا ‪ ،‬وأن‬

‫أترك الثاين ببل َقتل‪.‬‬ ‫هذه هي السفسطة ‪ :‬إنه لم ٭تيي ‪،‬‬ ‫بل أبىق حياة ‪ .‬وعرفنا أن اإلحياء‬ ‫ضد اإلماتة؛ ألن اإلماتة هي أن‬ ‫ٗترج الروح من ا‪ٞ‬تسد بدون جرح‬ ‫‪ ،‬أو نقض بنية ‪ ،‬أو عمل يفعله‬ ‫اإلنسان يف البدن ‪ .‬أما إذا فعل‬

‫إنسان أي شيء من هذه األفعال‬ ‫ضد إنسان آخر فبل يقال إنه أماته‬ ‫بل يقال لقد قتله ‪ .‬وا‪١‬توت كما‬ ‫عرفنا َت القتل ‪.‬‬ ‫وتأيت بعد ذلك قصة إلبراهيم أيضا‬ ‫بعد أن نقل ا‪ٞ‬تدل مع الرجل إىل‬ ‫الشمس ‪ ،‬فبهت الرجل الذي كفر‬

‫‪ ،‬أما إبراهيم عليه السبلم فهو‬ ‫يؤمن بقدرة اهلل ‪ ،‬لكنه يريد أن‬ ‫يعرف الكيفية ‪ .‬إن إبراهيم عليه‬ ‫السبلم لم يكن شاكا ألن رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫‪٨‬تن أحق بالشك من إبراهيم إذ‬ ‫قال ‪َ { :‬ر ِ ّب أ َ ِر ِين َكي ْ َف ُٖتْيِي ا‪١‬توىت‬

‫ِ‬ ‫ال بىل َول َ ِكن‬ ‫ال أ َ َول َ ْم ُت ْؤمن قَ َ‬ ‫قَ َ‬ ‫لِ ّي َ ْط َمئِ َّن قَلْبِي } » ‪.‬‬ ‫و‪٨‬تن ا‪١‬تسلمُت لم نشك يف هذا‬ ‫األمر ‪ .‬إذن ‪ ،‬فإبراهيم عليه‬ ‫السبلم لم يشك من باب أوىل‬ ‫بدليل منطوق اْلية حُت قال ا‪ٟ‬تق‬ ‫ال إِب ْ َرا ِ‬ ‫يم َر ِ ّب‬ ‫ه‬ ‫سبحانه ‪َ { :‬وإِذْقَ َ‬ ‫ُ‬

‫ال أ َ َول َ ْم‬ ‫أ َ ِر ِين َكي ْ َف ُٖتْيِي ا‪١‬توىت قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ال بىل َول َ ِكن لِ ّي َ ْط َمئِ َّن قَلْبِي ‪.‬‬ ‫ُت ْؤمن قَ َ‬ ‫‪}..‬‬ ‫ال إِب ْ َرا ِ‬ ‫يم َر ِ ّب أ َ ِر ِين َكي ْ َف‬ ‫ه‬ ‫َوإِذْقَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال بَىلَ‬ ‫ال أ َ َول َ ْم ُت ْؤم ْن قَ َ‬ ‫ُٖتْيِي ا ْ‪١‬ت َ ْو َىت قَ َ‬ ‫ول َ ِكن لِي ْطمئِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ال فَ ُخ ْذ أ َ ْربَعَةً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ّ‬

‫الط ْ ِ‬ ‫ِم َن َّ‬ ‫اجعَ ْل‬ ‫َت فَ ُص ْر ُه َّن إِلَي ْ َ‬ ‫ك ُث َّم ْ‬ ‫عَىلَ كُ ّ ِل َجب َ ٍل ِمن ْ ُه َّن ُج ْزءًا ُث َّم ادْ ُع ُه َّن‬ ‫اّللَ َعزِي ٌز‬ ‫ك َسعْيًا َواعْل َ ْم أ َ َّن َّ‬ ‫يَأْتِين َ َ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪)260‬‬ ‫َحك ٌ‬ ‫إن إبراهيم عليه السبلم يسأل ‪:‬‬ ‫كيف ُٖتيي ا‪١‬توىت؟ أي أنه يطلب‬

‫ا‪ٟ‬تال اليت تقع عليها عملية اإلحياء‬ ‫‪ .‬فإبراهيم عليه السبلم ال يتكلم‬ ‫يف اإلحياء ‪ ،‬وإ‪٪‬تا كان شكه عليه‬ ‫السبلم يف أن اهلل سبحانه قد‬ ‫يستجيب لطلبه يف أن يريه ويطلعه‬ ‫عىل كيفية إحياء ا‪١‬توىت؟ ولنضرب‬ ‫هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل األعىل من قبل‬

‫ومن بعد وا‪١‬تثل لتقريب ا‪١‬تسألة‬ ‫من العقول؛ ألن اهلل ُمزنه عن أي‬ ‫تشبيه ‪.‬‬ ‫إن الواحد منا يقول للمهندس ‪:‬‬ ‫كيف بنيت هذا البيت؟ إن‬ ‫صاحب السؤال يشَت إىل حدث‬ ‫وإيل ُ‪٤‬ت ْ َدث وهو البيت الذي تم‬

‫بناؤه ‪ .‬فهل معرفة الكيفية تدخل‬ ‫يف عقيدة اإلٯتان؟ ال ‪.‬‬ ‫ولنعلم أوال ما معٌت ‪ :‬عقيدة؟ ‪ .‬إن‬ ‫العقيدة هي ‪ :‬أمر معقود ‪ ،‬وإذا كان‬ ‫هذا فكيف يقول ‪ { :‬لِ ّي َ ْط َمئِ َّن قَلْبِي‬ ‫} ؟ فهل هذا دليل عىل أن إبراهيم‬ ‫قبل السؤال ‪ ،‬وقبل أن ‪٬‬تاب إليه ‪،‬‬

‫لم يكن قلبه مطمئنا ً؟ ال ‪ ،‬لقد كان‬ ‫إبراهيم مؤمنا ً‪ ،‬ولكنه يريد أن‬ ‫يزداد اطمئنانا ً‪ ،‬ألنه أدار بفكره‬ ‫الكيفية اليت تكون عليها عملية‬ ‫اإلحياء ‪ ،‬لكنه ال يعرف عىل أية‬ ‫صورة تكون ‪.‬‬ ‫إذن فاالطمئنان جاء ‪١‬تراد يف كيفية‬

‫‪٥‬تصوصة ٗترجه من متاهات‬ ‫كيفيات متصورة ومتخيلة ‪،‬‬ ‫ومادمت تريد الكيفية ‪ ،‬وهذه‬ ‫الكيفية ال ٯتكن أن نشرحها لك‬ ‫بكبلم ‪ .‬بل البد أن تكون ٕتربة‬ ‫عملية واقعية ‪ { ،‬فَ ُخ ْذ أ َ ْربَعَةً ِّم َن‬ ‫ك} ‪ .‬و«‬ ‫الطَت فَ ُص ْر ُه َّن إِلَي ْ َ‬

‫صرهن » أي أملهن واضممهن‬ ‫إليك لتتأكد من ذوات الطَت ‪ ،‬ومن‬ ‫شكل كل طَت ‪ ،‬حىت ال تتوهم أنه قد‬ ‫جاء لك طَت آخر ‪.‬‬ ‫وقال ا‪١‬تفسرون ‪ :‬إن األربعة من‬ ‫الطَت هي ‪ :‬الغراب ‪ ،‬الطاووس ‪،‬‬ ‫الديك ‪ ،‬ا‪ٟ‬تمامة ‪ ،‬وهكذا كان كل‬

‫طائر له شكلية ‪٥‬تتلفة ‪.‬‬ ‫{ ُث َّم اجعل عىل كُ ّ ِل َجب َ ٍل ِّمن ْ ُه َّن‬ ‫ك َسعْيا ً} ‪،‬‬ ‫ُج ْزءًا ُث َّم ادعهن يَأْتِين َ َ‬ ‫فهل أجرى سيدنا إبراهيم هذه‬ ‫العملية أو اكتىف بأن شرح اهلل له‬ ‫الكيفية؟ إن القرآن لم يتعرض‬ ‫‪٢‬تذه ا‪ٟ‬تكاية ‪ ،‬فإما أن يكون اهلل قد‬

‫قال له الكيفية ‪ ،‬فإن أراد أن يتأكد‬ ‫منها فليفعل ‪ ،‬وإما أنه قد تيقن دون‬ ‫أن ‪٬‬تري تلك العملية ‪ .‬إن القرآن‬ ‫لم يقل لنا هل أجرى سيدنا‬ ‫إبراهيم هذه العملية أم ال؟ وا‪ٟ‬تق‬ ‫يقول ‪٥‬تاطبا إبراهيم ٓتطوات‬ ‫ك‬ ‫التجربة ‪ُ { :‬ث َّم ادعهن يَأْتِين َ َ‬

‫َسعْيا ً} وكان ا‪١‬تفروض أن يقول ‪:‬‬ ‫يأتينك طَتانا ‪ .‬فكيف تسىع‬ ‫الطيور؟ إن الطَت يطَت يف السماء‬ ‫ويف ا‪ٞ‬تو ‪ .‬لكن ا‪ٟ‬تق أراد بذلك أال‬ ‫يدع أي ‪٣‬تال الختبلط األمر فقال ‪:‬‬ ‫« سعيا » أي أن الطَت سيأيت أمامه‬ ‫سائرا ‪ ،‬لقد نقل ا‪ٟ‬تق األمر من‬

‫الطَتان إىل السعي كي يتأكد منها‬ ‫سيدنا إبراهيم ‪ ،‬إذن فلكي تتأكد‬ ‫يا إبراهيم ويزداد اطمئنانك جئنا‬ ‫بها من طيور ‪٥‬تتلفة وأنت الذي‬ ‫قطعتها ‪ ،‬وأنت الذي جعلت عىل‬ ‫كل جبل جزءا ‪ ،‬ثم أنت الذي‬ ‫دعوت الطَت فجاءتك سعيا ‪.‬‬

‫وهنا ملحظية يف طبلقة القدرة ‪،‬‬ ‫ويف الفرق بُت القدرة الواجبة‬ ‫لواجب الوجود ‪ ،‬وهو ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪ ،‬والقدرة ا‪١‬تمنوحة من‬ ‫واجب الوجود وهو اهلل سبحانه‬ ‫‪١‬تنكر واجب الوجود وهو اإلنسان ‪،‬‬ ‫هذا له قدرة ‪ ،‬وذاك له قدرة؛ إن‬

‫قدرة اهلل هي قدرة واجبة ‪ ،‬وقدرة‬ ‫اإلنسان هي قدرة ‪٦‬تكنة ‪ ،‬وقدرة‬ ‫اهلل ال يزنعها منه أحد ‪ ،‬وقدرة‬ ‫اإلنسان يزنعها اهلل منه؛‬ ‫فاإلنسان من البشر ‪ ،‬والبشر‬ ‫تتفاوت قدراهتم؛ فحُت تكون‬ ‫ألحدهم قدرة فهناك آخر ال قدرة‬

‫له ‪ ،‬أي عاجز ‪ .‬ويستطيع القادر من‬ ‫البشر أن يعدي أثر قدرته إىل‬ ‫العاجز؛ فقد ٭تمل القادر كرسيا‬ ‫ليجلس عليه من ال يقدر عىل ‪ٛ‬تله ‪.‬‬ ‫لكن قدرة ا‪ٟ‬تق ٗتتلف ‪.‬‬ ‫كأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪ :‬أنا‬ ‫أعدي من قدريت إىل من ال يقدر‬

‫فيقدر ‪ ،‬أنا أقول للضعيف ‪ :‬كن‬ ‫قادرا ً‪ ،‬فيكون ‪ .‬وهذا ما نفهمه من‬ ‫قوله سبحانه إلبراهيم ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫ك َسعْيا ً} ‪ .‬إن‬ ‫ادعهن يَأْتِين َ َ‬ ‫إبراهيم كواحد من البشر عاجز‬ ‫عن كيفية اإلحياء ‪ ،‬ولكن ا‪ٟ‬تق‬ ‫يعطيه القدرة عىل أن ينادي الطَت ‪،‬‬

‫فيأيت الطَت سعيا ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يعطي القدرة إلبراهيم أن‬ ‫يدعو الطَت فيأيت الطَت سعيا ‪ .‬وهذا‬ ‫هو الفرق بُت القدرة الواجبة ‪،‬‬ ‫وبُت القدرة ا‪١‬تمكنة ‪ .‬إن قدرة‬ ‫ا‪١‬تمكن ال يعديها أح ٌد ٍ‬ ‫‪٠‬تال منها ‪،‬‬ ‫ولكن قدرة وجب الوجود ُتعديها‬

‫إىل من ال يقدر فيقدر ‪ ،‬ولذلك يأيت‬ ‫القول ا‪ٟ‬تكيم ٓتصائص عيَس ابن‬ ‫مريم عليه السبلم ‪َ { :‬و َر ُسوال ًإىل‬ ‫يل أ َ ِّين قَ ْد ِجئ ْ ُت ُك ْم بِآي َ ٍة‬ ‫بٍت إِ ْس َر ِائ َ‬ ‫ِّمن َّر ِبّ ُك ْم أين أ َ ْخل ُ ُق ل َ ُك ْم ِّم َن الطُت‬ ‫كَهَيْئ َ ِة الطَت فَأ َ ُنف ُخ فِي ِ‬ ‫ك‬ ‫ون‬ ‫يف‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ىء األكمه‬ ‫َط َْتا ًبِإِذْ ِن اهلل َوأب ْ ِر ُ‬

‫واألبرص َوأ ُْح ِي ا‪١‬توىت بِإِذْ ِن اهلل‬ ‫وأُنَبِئ ُكم ِٔتا تَأْكُلُون وما تَ َّد ِ‬ ‫خ‬ ‫ون‬ ‫ر‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ ُّ ْ َ‬ ‫ِيف ُبيُوتِ ُك ْم إ َِّن ِيف ذلك ْليَةً ل َّ ُك ْم إِن‬ ‫ِِ‬ ‫ُت } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫ُك ُنتم ُّم ْؤمن َ‬ ‫‪] 49‬‬ ‫إن خصائص عيَس ابن مريم ال‬ ‫تكون إال بإذن من اهلل ‪ ،‬فقدرة‬

‫عيَس عليه السبلم أن يصنع من‬ ‫الطُت ما هو عىل هيئة الطَت ‪ ،‬وإذا‬ ‫نفخ فيه بإذن اهلل ألصبح طَتا ‪،‬‬ ‫وكذلك إبراء األكمه واألبرص‬ ‫وإحياء ا‪١‬توىت ‪ ،‬إن ذلك كله بإذن‬ ‫‪٦‬تن؟ بإذن من اهلل ‪.‬‬ ‫وكذلك كان األمر يف ٕتربة سيدنا‬

‫إبراهيم ‪ ،‬لذلك قال له اٌفق ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يم } ‪ .‬إن‬ ‫واعلم أ َّن اهلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬ ‫اهلل عزيز أي ال يغلبه أحد ‪ .‬وهو‬ ‫حكيم أي يضع كل شيء يف موقعه ‪.‬‬ ‫وكذلك يبسط ا‪ٟ‬تق قصة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫وقصة ا‪١‬توت يف ٕتربة مادية؛‬ ‫ليطمئن قلب سيدنا إبراهيم ‪،‬‬

‫وقد جاءت قصة ا‪ٟ‬تياة وا‪١‬توت؛ ألن‬ ‫الشك عند الذين عاصروا الدعوة‬ ‫ا‪١‬تحمدية كان يف مسألة البعث من‬ ‫ا‪١‬توت ‪ ،‬وكل كبلمهم يؤدي إىل ذلك‬ ‫‪ ،‬فهم تعجبوا من حدوث هذا األمر‬ ‫‪ { :‬قالوا أَإِذَا ِمتْنَا َو ُكنَّا ُت َرابا ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُون } ػ ا‪١‬تؤمنون‬ ‫َوع َظاما ًأإِن َّا َ‪١‬تَب ْ ُعوث َ‬

‫‪] 82 :‬‬ ‫ويف قول آخر ‪َ { :‬و َض َر َب لَنا َمثَبل ً‬ ‫ِ‬ ‫ال َمن يُ ِيحي العظام‬ ‫َونَس َي َخل ْ َق ُه قَ َ‬ ‫و ِهي ر ِ‬ ‫يم * ُق ْل ُ٭ت ْ ِييهَا الذي‬ ‫م‬ ‫َ َ َ ٌ‬ ‫أَن َشأ َ َهآ أ َ َّو َل َم َّر ٍة َو ُه َو بِ ُك ّ ِل َخل ْ ٍق‬ ‫ِ‬ ‫يم }‬ ‫عَل ٌ‬

‫ػ يس ‪] 79-78 :‬‬ ‫لقد أمر ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪٤‬تمدا ًصىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ليجيب عىل ذلك ‪:‬‬ ‫قل يا ‪٤‬تمد ‪ :‬٭تييها الذي أنشأها‬ ‫أول مرة؛ فقد خلقها من عدم‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪َ { :‬و ُه َو‬ ‫يد ُه َو ُه َو‬ ‫الذي يَب ْ َد ُؤا ْا‪٠‬تلق ُث َّم يُعِ ُ‬

‫أ َ ْه َو ُن عَلَي ْ ِه َول َ ُه ا‪١‬تثل األعىل ِيف‬ ‫السماوات واألرض َو ُه َو العزيز‬ ‫ا‪ٟ‬تكيم } ػ الروم ‪] 27 :‬‬ ‫إن اهلل سبحانه وتعاىل قادر عىل أن‬ ‫يبدأ ا‪٠‬تلق عىل َت مثال ‪ ،‬ثم يعيده‬ ‫بعد ا‪١‬توت ‪ ،‬وإعادته أهون عليه من‬ ‫ابتدائه بالنظر إىل مقاييس اعتقاد‬

‫من يظن أن إعادة الشيء أسهل من‬ ‫ابتدائه؛ فاهلل له مطلق القدرة يف‬ ‫خلقه ‪ ،‬وهو الغالب يف ملكه ‪ ،‬وهو‬ ‫ا‪ٟ‬تكيم يف فعله وتقديره ‪.‬‬ ‫إن الذي يعيد إ‪٪‬تا يعيد من موجود ‪،‬‬ ‫أما الذي بدأ فمن معدوم ‪.‬‬ ‫فاألهون هو اإلعادة ‪ ،‬أما االبتداء‬

‫فهو ابتداء من معدوم ‪ ،‬وكبل‪٫‬تا من‬ ‫قدرة ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ .‬إن هذه‬ ‫القضية إ‪٪‬تا تثبت اليوم اْلخر ‪،‬‬ ‫ألن اإلٯتان باليوم اْلخر هو‬ ‫ا‪١‬تيزان العقدي فإن استقر يف‬ ‫القلب فاإلنسان بكل جوارحه‬ ‫يتجه إىل األفعال اليت تسَت عىل ضوء‬

‫منهج اهلل لينال اإلنسان ا‪ٞ‬تزاء‬ ‫األوىف ‪.‬‬ ‫إن اإلنسان حينما يفهم أن هناك‬ ‫حسابا وهناك جزاء ً‪ ،‬وهناك بعثا ‪،‬‬ ‫فهو يعرف أنه لم ينطلق يف هذا‬ ‫العالم ‪ ،‬ولم يفلت من اإلله الواحد‬ ‫القهار ‪ ،‬إن لئلنسان عودة ‪ ،‬فالذي‬

‫يغًت ٔتا آتاه اهلل نقول له ‪ :‬ال ‪ ،‬إنك‬ ‫لن تفلت من يد اهلل ‪ ،‬بل لك عودة‬ ‫با‪١‬توت وعودة بالبعث ‪ .‬وإذا ما‬ ‫استقرت يف أذهان ا‪١‬تسلمُت تلك‬ ‫العودة ‪ ،‬فكل إنسان يقيم حسابه‬ ‫عىل هذه العودة ‪.‬‬ ‫وبعد أن استقر األمر يف شأن ا‪ٟ‬تياة‬

‫وا‪١‬توت أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬ ‫‪٬‬تيء بشيء هو ‪ٙ‬ترة ا‪ٟ‬تياة يف الكائن‬ ‫ا‪ٟ‬تي وأول مظهر من مظاهر ا‪ٟ‬تياة‬ ‫هو ا‪ٟ‬تس وا‪ٟ‬تركة ‪ .‬وا‪ٟ‬تركة يف‬ ‫الوجود أرادها اهلل لئلنسان؛ ألنه‬ ‫وهو ا‪ٟ‬تق قد أراد اإلنسان للخبلفة‬ ‫يف األرض ‪ .‬وا‪٠‬تبلفة يف األرض‬

‫تقتضي أن يعمر اإلنسان األرض ‪،‬‬ ‫كما قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫َت ُه ُه َو‬ ‫اعبدوا اهلل َما ل َ ُك ْم ّم ْن إله َ ُْ‬ ‫أَن َشأ َ ُك ْم ِّم َن األرض واستعمركم‬ ‫فِيهَا } ػ هود ‪] 61 :‬‬ ‫إن خبلفة اإلنسان يف األرض‬ ‫تقتضي أن يتحرك ويعمر األرض‬

‫‪ .‬وحُت يريد اهلل منا أن نتحرك‬ ‫ونعمر األرض فبل بد من أعمال‬ ‫تنظم هذه ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬وال بد من فنون‬ ‫متعددة تقوم عىل العمارة ‪ .‬ويوزع‬ ‫اهلل الطاقات الفاعلة ‪٢‬تذه الفنون‬ ‫ا‪١‬تتعددة و‪٬‬تعلها مواهب مفكرة‬ ‫و‪٥‬تططة يف البشر ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫لم ‪٬‬تعل من إنسان واحد ‪٣‬تمع‬ ‫مواهب ‪ ،‬بل نثر اهلل ا‪١‬تواهب عىل‬ ‫ا‪٠‬تلق ‪ ،‬وكل واحد أخذ موهبة ما ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن اهلل قد أراد أن يتكامل‬ ‫العالم وال يتكرر؛ فالتكامل يوحي‬ ‫باالندماج فإذا كنت أنت تعرف‬ ‫شيئا ًخاضعا ‪١‬توهبتك ‪ ،‬وأنا ال‬

‫أعرفه فأنا مضطر أن ألتحم بك ‪،‬‬ ‫وأنا أيضا قد أعرف شيئا وأنت ال‬ ‫تعرفه ‪ ،‬لذلك تضطر أنت أن‬ ‫تلتحم يب ‪.‬‬ ‫وهذا اللون من االلتحام ليس‬ ‫التحام تفضل ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو التحام‬

‫تعايش ضروري ‪.‬‬ ‫لكن لو أن كل واحد صار ‪٣‬تمع‬ ‫مواهب ‪ ،‬الستغٌت عن َته من‬ ‫البشر وأقام وحده ٔتفرده ‪،‬‬ ‫وينتهي احتياجه للمجتمع‬ ‫اإلنساين ‪ .‬فكأن اهلل حين وزع‬ ‫أسباب الفضل عىل ا‪٠‬تلق يريد‬

‫منهم أن يتكاملوا ويلتحم بعضهم‬ ‫ببعض ال التحام فضل ‪ ،‬ولكن‬ ‫التحام تعايش ضروري؛ ألن‬ ‫واحدا ًيريد ما ينتجه اْلخر‬ ‫ٔتوهبته ‪ ،‬واْلخر يريد من إنسان‬ ‫َته ما هو موهوب فيه ‪ .‬ولذلك‬ ‫فالناس ٓتَت ما تباينوا؛ ألن كبل‬

‫منهم ٭تتاج إىل اْلخر ‪.‬‬ ‫ولذلك ال ‪٧‬تد أي تقدم يف ‪٣‬تتمع إال‬ ‫إذا كانت ا‪١‬تواهب يف هذا ا‪١‬تجتمع‬ ‫‪٥‬تتلفة ومتآزرة ‪ .‬أما حُت يوجد‬ ‫قوم ‪٢‬تم مواهب متحدة فبلبد أن‬ ‫يقاتل بعضهم بعضا لكن عندما‬ ‫يكون كل واحد يف حاجة ‪١‬توهبة‬

‫اْلخر ‪ ،‬فهم يتعايشون؛ ألن ا‪ٟ‬تياة‬ ‫ال تسَت إال بالكل ‪ ،‬ولذلك إذا‬ ‫استوت ‪ٚ‬تاعة يف ا‪١‬تواهب فبل بد‬ ‫أن يتفانوا ألهنم يتنافسون فيها‬ ‫ويريد كل واحد منهم أن يستأثر‬ ‫بها لنفسه ‪ ،‬لكن ال أحد يف ا‪١‬تواهب‬ ‫ا‪١‬تتكاملة يقول ‪١ :‬تاذا يكون فبلن‬

‫أفضل مٍت ‪ ،‬ألنه يعرف أنه من‬ ‫الضروري أن يوجد ا‪١‬تهندس‬ ‫والطبيب والصانع ‪ ،‬ولذلك ٕتد‬ ‫الوجود منظما بذاته التنظيم‬ ‫الطبيعي الذي يُوجد قاعدة ويُوجد‬ ‫قمة ‪ ،‬فالقمة الصغَتة ٖتملها‬ ‫القاعدة الكبَتة ‪ .‬ولو عكست‬

‫ا‪٢‬ترم لصارت مشكلة؛ ألن األمر‬ ‫يف هذه ا‪ٟ‬تالة َسي َ ِّج ُد به جوانب‬ ‫كثَتة ليس ‪٢‬تا أساس وال ترتكز‬ ‫عىل شيء ‪ ،‬ولذلك فمن ا‪ٟ‬تكمة إذا‬ ‫رأيت يف ا‪١‬تجتمع واحدا ًقد ذهب‬ ‫إىل القمة فأعنه عىل أن يستمر‬ ‫متفوقا ‪ ،‬وال تصطرع معه فتسقطوا‬

‫‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬فبلبد من التفاضل كي‬ ‫ينشأ التكامل ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعرض لنا‬ ‫هذه القضية عرضا اجتماعيا‬ ‫وعرضا اقتصاديا؛ ليبُت لنا أن‬ ‫أصل الوجود ‪٬‬تب أن ينشأ عىل أمر‬ ‫اجتماعي وأمر اقتصادي ‪١ ،‬تاذا؟‬

‫ألن اإلنسان مشغول أوال باستبقاء‬ ‫حياته ‪ ،‬ثم باستبقاء نوعه ‪.‬‬ ‫واستبقاء حياة اإلنسان بالقوت ‪،‬‬ ‫واستبقاء نوعه بالزواج ‪ .‬واستبقاء‬ ‫ا‪ٟ‬تياة بالقوت ٭تتاج إىل حركة يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق ٭تًتم ‪ٙ‬ترهتا ‪ ،‬وعندما‬ ‫يريد ا‪ٟ‬تق أن يرقق قلب ا‪١‬تتحرك‬

‫عىل أخيه العاجز فهو يقول ‪َّ { :‬من‬ ‫ذَا الذي يُ ْق ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً َح َسنا ً}‬ ‫ػ البقرة ‪] 245 :‬‬ ‫كما ضربنا ا‪١‬تثل من قبل وهلل‬ ‫ا‪١‬تثل األعىل وقلنا ‪ :‬إن اإلنسان‬ ‫يعطي أوالده مصروفا ‪ ،‬وكل واحد‬ ‫منهم يضعه يف حصالته ‪ ،‬فهب أن‬

‫واحدا ًمن األوالد اضطر إىل شيء‬ ‫عاجل كإجراء جراحة ‪ ،‬هنا يذهب‬ ‫الرجل إىل أوالده ويقول ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫أقرضوين ما يف حصاالتكم ألن‬ ‫أخاكم ٭تتاج إىل عملية ‪ ،‬وسأرده‬ ‫لكم بعد ذلك مضاعفا ‪ .‬إن األب‬ ‫لم يرجع يف هبته ليقول إن ما يف‬

‫ا‪ٟ‬تصاالت هو مايل وسآخذه ‪ .‬ال ‪ ،‬هو‬ ‫مالكم ‪ ،‬لكنه سيكون دينا عندي ‪.‬‬ ‫كذلك يصنع اهلل مع ا‪٠‬تلق فيوضح ‪:‬‬ ‫بعضكم عاجز وبعضكم قادر ‪،‬‬ ‫وسأتكفل أنا بالعاجز ‪ ،‬واقًتض‬ ‫من القادر ‪.‬‬

‫وكان ضروريا أن يكون بعضنا‬ ‫عاجزا ً‪ ،‬حىت ال يظن أحد أن القوة‬ ‫ذاتية يف النفس البشرية ‪ .‬ال ‪ ،‬إن‬ ‫القوة موهوبة؛ ويستطيع من وهبها‬ ‫أن يسلبها ‪ .‬وحىت يعرف صاحب‬ ‫القوة أن القوة ليست ذاتية فيه ‪،‬‬ ‫و‪٬‬تد ّتانبه إنسانا ًآخر عاجزا ً‪.‬‬

‫لكن هذا العاجز الذي سيلفت‬ ‫القوي إىل أن القوة ليست ذاتية ‪ ،‬ما‬ ‫ذنبه؟‬ ‫إن اهلل قد جعله وسيلة إيضاح يف‬ ‫ّ‬ ‫الكون وكأن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ :‬سنضمن‬ ‫لك أيها العاجز ا‪١‬تستوى البلئق من‬ ‫ا‪ٟ‬تياة من أثر قدرة القادر ‪ ،‬وما دام‬

‫من أثر قدرة القادر ‪ ،‬فهل‬ ‫سيتحرك القادر يف الكون عىل قدر‬ ‫« حاجته » أو عىل قدر « طاقته »؟‬ ‫البد أن يتحرك عىل قدر طاقته؛‬ ‫ألنه لو ٖترك عىل قدر حاجته فلن‬ ‫‪٬‬تد ما يعطيه للعاجز ‪.‬‬ ‫ويتكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عن‬

‫تلك القضية ا‪١‬تهمة يف البناء‬ ‫االجتماعي والبناء االقتصادي بعد‬ ‫إثبات قضية البعث واإلحياء‬ ‫واإلماتة لكي تكون ماثلة أمامنا‬ ‫وينتقل بنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل كي‬ ‫يعطينا الكيان اإلسبلمي‬ ‫االقتصادي االجتماعي فيقول جل‬

‫ِ‬ ‫ون‬ ‫شأنه ‪َّ { :‬مث َ ُل الذين يُنْف ُق َ‬ ‫أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل كَ َمث َ ِل َحب َّ ٍة‬ ‫أَنبَت َ ْت َسب ْ َع َسنَابِ َل ‪} . . .‬‬

‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف‬ ‫َمث َ ُل ال َّ ِذي َن يُنْف ُق َ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل كَ َمث َ ِل َحب َّ ٍة أَنْب َ َت ْت َسب ْ َع‬ ‫َسب ِ ّ‬ ‫اّلل‬ ‫َسنَابِ َل ِيف كُ ّ ِل ُسنْبُل َ ٍة ِمائَ ُة َحب َّ ٍة َو ّ َُ‬

‫يضا ِعف ِ‬ ‫اّلل وا ِس ٌع عَلِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫يم‬ ‫و‬ ‫اء‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َُ ُ َْ َ ُ َ ُّ َ‬ ‫(‪)261‬‬ ‫إن اهلل ينسب ا‪١‬تال للبشر‬ ‫ا‪١‬تتحركُت؛ ألهنم أخذوا هذه‬ ‫األموال ْتركتهم ‪ .‬ويف موضع آخر‬ ‫من القرآن يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وآتوهم‬

‫من مال اهلل الذي آتاكم } ػ النور‬ ‫‪] 33 :‬‬ ‫إن ا‪١‬تال كله مال اهلل ‪ ،‬وقد أخذه‬ ‫اإلنسان با‪ٟ‬تركة ‪ ،‬فاحًتم اهلل‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬واحًتم اهلل يف‬ ‫اإلنسان قانون النفعية ‪ ،‬فجعل‬ ‫ا‪١‬تال ا‪١‬تتبقي من حركتك ملكا لك‬

‫أيها اإلنسان ‪ ،‬لكن إن أراد اهلل‬ ‫هذا ا‪١‬تال فسيأخذه ‪ ،‬ومن فضل‬ ‫اهلل عىل اإلنسان أنه سبحانه حُت‬ ‫يطلب من اإلنسان بعضا من ا‪١‬تال‬ ‫ا‪١‬تتبقي من حركته فهو يطلبه‬ ‫كقرض ‪ ،‬ويرده مضاعفا بعد ذلك ‪.‬‬ ‫إذن فاإلنفاق يف سبيل اهلل يرده اهلل‬

‫مضاعفا ‪ ،‬وما دام اهلل يضاعفه فهو‬ ‫يزيد ‪ ،‬لذلك ال ٖتزن وال ٗتف عىل‬ ‫مالك؛ ألنك أعطيته ‪١‬تقتدر قادر‬ ‫واسع عليم ‪ .‬إنه ا‪ٟ‬تق الذي يقدر‬ ‫عىل إعطاء كل واحد حسب ما يريد‬ ‫هو سبحانه؛ إنه يعطي عىل قدر نية‬ ‫العبد وقدر إنفاقه ‪ .‬وهذه اْلية‬

‫لشح يف النفس‬ ‫تعاًف قضية ا ُ‬ ‫اإلنسانية؛ فقد يكون عند‬ ‫اإلنسان شيء زائد ‪ ،‬وتشح به‬ ‫نفسه ويبخل ‪ ،‬فيخاف أن ينفق‬ ‫منه فينقص هذا الشيء ‪.‬‬ ‫وهنا تقول لك قضية اإلٯتان ‪:‬‬ ‫أنفق ألنه سبحانه سيزيدك ‪،‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سيعطيك مثلما يعطيك من‬ ‫األرض اليت تزرعها ‪ .‬أنت تضع‬ ‫ا‪ٟ‬تبة الواحدة ‪ .‬فهل تعطيك حبة‬ ‫واحدة؟ ال ‪ .‬إن حبة القمح تعطي‬ ‫كمية من العيدان وكل عود فيه‬ ‫سنبلة وهي مشتملة عىل حبوب‬ ‫كثَتة ‪ ،‬فإذا كانت األرض وهي‬

‫‪٥‬تلوقة هلل تضاعف لك ما تعطيه‬ ‫أفبل يضاعف العطاء لك الذي‬ ‫خلقها؟ وإذا كان بعض من خلق اهلل‬ ‫يضاعف لك ‪ ،‬فما بالك باهلل جل‬ ‫وعبل؟‬ ‫إن األرض الصماء بعناصرها‬ ‫تعطيك ‪ ،‬أئذا ما أخذت كيلة‬

‫القمح من ‪٥‬تزنك لتبذرها يف‬ ‫األرض أيقال ‪ :‬إنك أنقصت‬ ‫‪٥‬تزنك ٔتقدار كيلة القمح؟ ال؛‬ ‫ألنك ستزرع بها ‪ ،‬وأنت‬ ‫تنتظركم ستأيت من حبوب ‪ ،‬وهذه‬ ‫أرض صماء ‪٥‬تلوقة هلل ‪ ،‬فإذا كان‬ ‫ا‪١‬تخلوق هلل قد استطاع أن يعطيك‬

‫با‪ٟ‬تبة سبعمائة ‪ ،‬أال يعطيك الذي‬ ‫خلق هذه األرض أضعاف ذلك؟‬ ‫إنه كثَت العطاء ‪ .‬وا‪ٟ‬تق قد نسب‬ ‫للمنفقُت األموال اليت رزقهم اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫بها فقال ‪َّ { :‬مث َ ُل الذين يُنْف ُق َ‬ ‫أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل } وكلمة { ِيف‬ ‫َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل } كلمة عامة ‪ ،‬يصح أن‬

‫يكون معناها ا‪ٞ‬تهاد ‪ ،‬أو مصارف‬ ‫الصدقات؛ ألن كل هذا يف سبيل‬ ‫اهلل؛ ألن الضعيف حُت ‪٬‬تد نفسه‬ ‫يف ‪٣‬تتمع متكافل ‪ ،‬و‪٬‬تد صاحب‬ ‫القوة قد ع ّدى من أثر قوته‬ ‫وحركته إليه ‪ ،‬أ٭تقد عىل ذي القوة؟‬ ‫ال؛ ألن خَته يأتيه ‪ ،‬نضرب ا‪١‬تثل‬

‫يف الريف نقول ‪:‬‬ ‫البهيمة اليت تدر لبنا ًساعة تسَت‬ ‫يف ا‪ٟ‬تارة ‪ .‬فالكل كان يدعو اهلل ‪٢‬تا‬ ‫ويقول ‪ « :‬٭تميكي » ‪١‬تاذا؟ ألن‬ ‫صاحبها يعطي كل من حوله من‬ ‫لبنها ومن جبنتها ومن ‪ٝ‬تنها ‪،‬‬ ‫لذلك يدعو ‪٢‬تا ا‪ٞ‬تميع ‪ ،‬وال يربطها‬

‫صاحبها ‪ ،‬وال يعلفها ‪ ،‬وال ينشغل‬ ‫عليها ‪ ،‬واٍفير القادم منها يذهب‬ ‫إىل كل األهل ‪ ،‬وحُت ‪٧‬تد ‪٣‬تتمعا ً‬ ‫بهذا الشكل و‪٬‬تد العاجز من القوي‬ ‫معينا ًله ‪ ،‬هنا يقول العاجز ‪ :‬إنٍت يف‬ ‫عالم متكامل ‪.‬‬

‫وإذا ما ُوجد يف إنسان قوة ويف آخر‬ ‫ضعف؛ فالضعيف ال ٭تقد وإ‪٪‬تا‬ ‫يقول ‪ :‬إن خَت َتي يصلٍت ‪.‬‬ ‫وكذلك يطمئن الواهب أنه إن‬ ‫عجز يف يوم ما سيجد من يكفله‬ ‫والقدرة أغيار ما دام اإلنسان من‬ ‫األغيار ‪ .‬فقد يكون قويا اليوم‬

‫ضعيفا ً دا ً‪.‬‬ ‫إذن فقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم } هو‬ ‫َّمث َ ُل الذين يُنْف ُق َ‬ ‫قانون يريد به اهلل أن ٭تارب الشح‬ ‫يف نفس ا‪١‬تخلوقُت ‪ ،‬إنه يقول لكل‬ ‫منا ‪ :‬انظر النظرة الواعية؛‬ ‫فاألرض ال تنقص من ‪٥‬تزنك حُت‬

‫تعطيها كيلة من القمح! صحيح‬ ‫أنك أنقصت كيلة من ‪٥‬تزنك‬ ‫لتزرعها ‪ ،‬ولكنك تتوقع أن تأخذ‬ ‫من األرض أضعافها ‪ .‬وإياك أن‬ ‫تظن أن ما تعطيه األرض يكون‬ ‫لك فيه ثقة ‪ ،‬وما يعطيه اهلل ال ثقة‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫لك فيه ‪َّ { .‬مث َ ُل الذين يُنْف ُق َ‬

‫أ َ ْم َوال َ ُه ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل َك َمث َ ِل َحب َّ ٍة‬ ‫أَنبَت َ ْت َسب ْ َع َسنَابِ َل ِيف كُ ّ ِل ُسنبُل َ ٍة ِّمئ َ ُة‬ ‫حب ٍة واهلل يضا ِعف ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫آء واهلل‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َُ ُ َ َ ُ‬ ‫وا ِس ٌع عَلِ‬ ‫يم } إن اْلية تعاًف الشح ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫وتؤكد أن الصدقة ال تنقص ما عند‬ ‫اإلنسان بل ستزيده ‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫يقول تعاىل ‪ { :‬الذين يُنْف ُق َ‬

‫أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ون‬ ‫ِيل اهلل ُث َّم ال َيُتْبِ ُع َ‬ ‫َمآ أَن ْ َف ُقواُ َمنّا ً َوال َأَذًى ‪} . . .‬‬

‫ال َّ ِذين يُن ْ ِف ُق َ‬ ‫ِيل َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫َ‬ ‫ون أ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ون َما أَن ْ َف ُقوا َمنًّا َو َال أَذًى‬ ‫ُث َّم َال يُتْبِ ُع َ‬ ‫َ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن ْ َد َربِّ ِه ْم َو َال َخ ْو ٌف‬ ‫ون (‪)262‬‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم َو َال ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬

‫إهنا لقطة أخرى يوضح فيها ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫إياك حُت تنفق مالك يف سبيل اهلل‬ ‫وأنت طامع يف عطاء اهلل أن ٘تن عىل‬ ‫من تعطيه أو تؤذيه ‪ .‬وا‪١‬ت ّن هو أن‬ ‫يعتد عىل من أحسن إليه بإحسانه‬ ‫ويريه أنه أوجب عليه حقا له وأنه‬ ‫أصبح صاحب فضل عليه ‪ ،‬وكما‬

‫يقولون يف الريف ( تعاير بها ) ‪،‬‬ ‫والشاعر يقول ‪:‬‬ ‫وإن ام َرأ ًأسدى إيل ّصنيعة ‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫وذ َّكرنيها َم َّرة ًللئيم‬ ‫ولذلك فمن األدب اإلٯتاين يف‬ ‫اإلنسان أن ينَس أنه أهدى‬ ‫وينَس أنه أنفق ‪ ،‬وال يطلع أحدا ً‬

‫من ذويه عىل إحسانه عىل الفقَت أو‬ ‫تصدقه عليه وخاصة الصغار الذين‬ ‫ال يفهمون منطق اهلل يف األشياء ‪،‬‬ ‫فعندما يعرف ابٍت أنٍت أعطي‬ ‫دل ابٍت َو َم ّن عىل‬ ‫‪ٞ‬تاري كذا ‪ ،‬رٔتا ّ‬ ‫ابن جاري ‪ ،‬رٔتا أخذه غروره‬ ‫فعَته هو ‪ ،‬وال ٯتكن أن يقدر هذا‬ ‫ّ‬

‫األمر إال ُمكَل َّ ٌف يعرف ا‪ٟ‬تكم‬ ‫ْتيثيته من اهلل ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يوضح لنا ‪ :‬إياك أن تتبع‬ ‫النفقة منّا أو أذى؛ ألنك إن أتبعتها‬ ‫با‪١‬ت ّن ماذا يكون ا‪١‬توقف؟ يكرهها‬ ‫ا‪١‬تُعْ َىط الذي تصدقت بها عليه‬ ‫ويتولد عنده حقد ‪ ،‬ويتولد عنده‬

‫بغض ‪ ،‬ولذلك حينما قالوا ‪ « :‬اتق‬ ‫شر من أحسنت إليه » شرحوا ذلك‬ ‫بأن اتقاء شر ذلك اإلنسان بأال‬ ‫تذكره باإلحسان ‪ ،‬وإياك أن‬ ‫تذكره باإلحسان؛ ألن ذلك يولد‬ ‫عنده حقدا ً‪.‬‬ ‫ولذلك ٕتد كثَتا من الناس يقولون‬

‫‪ :‬كم صنعت بفبلن وفبلن ا‪ٞ‬تميل‬ ‫‪ ،‬هذا كذا وهذا كذا ‪ ،‬ثم خرجوا‬ ‫عل ّي فانكروه ‪ .‬وأقول لكل من‬ ‫يقول ذلك ‪ :‬ما دمت تتذكر ما‬ ‫أسديته إليهم فمن العدالة من اهلل‬ ‫أن ينكروه ‪ ،‬ولو أنك عاملت اهلل ‪١‬تا‬ ‫أنكروه ‪ ،‬فما دمت لم تعامل اهلل ‪،‬‬

‫فإنك تقابل بنكران ما أنفقت ‪.‬‬ ‫فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يسخي باْلية األوىل قلب ا‪١‬تنفق‬ ‫ليبسط يده بالنفقة ‪ ،‬لذلك قال ‪{ :‬‬ ‫ون َمآ أَن ْ َف ُقواُ َمنّا ً َوال َأَذًى‬ ‫ُث َّم ال َيُتْبِ ُع َ‬ ‫َّ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن ْ َد َربِّ ِه ْم َوال َ َخ ْو ٌف‬ ‫ِ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫عَل َْيه ْم َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬

‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل طمأننا يف‬ ‫اْلية األوىل عىل أن الصدقة والنفقة‬ ‫ال تنقص ا‪١‬تال بل تزيده ‪ ،‬وضرب‬ ‫لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه ا‪١‬تثل باألرض اليت‬ ‫تؤتينا بدل ا‪ٟ‬تبة الواحدة سبعمائة‬ ‫حبة ‪ ،‬ثم يوضح ا‪ٟ‬تق لنا أن آفة‬ ‫اإلنفاق أن يكون مصحوبا ًب «‬

‫ا‪١‬ت ّن » أو « األذى »؛ ألن ذلك‬ ‫يفسد قضية االستطراق الصفائي‬ ‫يف الضعفاء والعاجزين ‪ ،‬ولذلك‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫{ الذين يُنْف ُق َ‬ ‫ون َمآ أَن ْ َف ُقواُ َمنّا ً َوال َ‬ ‫اهلل ُث َّم ال َيُتْبِ ُع َ‬ ‫أَذًى َّ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن ْ َد َر ِبّ ِه ْم } ػ‬

‫البقرة ‪] 262 :‬‬ ‫انظر إىل الدقة األدائية يف قوله‬ ‫ون َمآ أَن ْ َف ُقواُ‬ ‫الكريم ‪ُ { :‬ث َّم ال َيُتْبِ ُع َ‬ ‫َمنّا ً َوال َأَذًى } ‪ .‬قد يستقيم الكبلم‬ ‫لو جاء كاْليت ‪ « :‬الذين ينفقون‬ ‫أموا‪٢‬تم يف سبيل اهلل وال يتبعون ما‬ ‫أنفقوا منا وال أذى » ‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه قد جاء ب « ثم » هنا؛ ألن‬ ‫‪٢‬تا موقعا ً‪.‬‬ ‫إن ا‪١‬تنفق با‪١‬تال قد ال ٯتن ساعة‬ ‫العطاء ‪ ،‬ولكن قد يتأخر ا‪١‬تنفق‬ ‫با‪١‬تن ‪ ،‬فكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ينبه كل مؤمن ‪:‬‬

‫‪٬‬تب أن يظل اإلنفاق َت‬ ‫مصحوب با‪١‬تن وأن يبتعد ا‪١‬تنفق‬ ‫عن ا‪١‬تن دائما ً‪ ،‬فبل ٯتتنع عن ا‪١‬تن‬ ‫فقط وقت العطاء ‪ ،‬ولكن البد أن‬ ‫يستمر عدم ا‪١‬تن حىت بعد العطاء‬ ‫وإن طال الزمن ‪.‬‬ ‫إن « ثم » تأيت يف هذا ا‪١‬تعٌت لوجود‬

‫مسافة زمنية تراىخ فيها اإلنسان‬ ‫عن فعل ا‪١‬تن ‪ .‬فا‪ٟ‬تق ٯتنع ا‪١‬تن منعا ً‬ ‫متصبل ًمًتاخيا ً‪ ،‬ال ساعة العطاء‬ ‫فحسب ‪ ،‬ولكن بعد العطاء أيضا ً‪.‬‬ ‫وشويق أمَت الشعراء ر‪ٛ‬ته اهلل‬ ‫عندما كتب الشعر يف ‪ٛ‬تل األثقال‬ ‫وضع أبياتا ًمن الشعر يف ‪٣‬تال ‪ٛ‬تل‬

‫األثقال النفسية ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫أ‪ٛ‬تلت دَيْنا ًيف حياتك مرة؟ ‪...‬‬ ‫أ‪ٛ‬تلت يوما يف الضلوع ليبل؟‬ ‫أ‪ٛ‬تلت َمنّا ًيف النهار ُمك ََّررا؟ ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫والليل ِمن ُم ْس ٍد إليك ‪ٚ‬تيبل؟‬ ‫وبعد أن عدد شويق أوجه األ‪ٛ‬تال‬ ‫الثقيلة يف ا‪ٟ‬تياة قال ‪:‬‬

‫تلك اٌفياة وهذه أثقا‪٢‬تا ‪ُ ...‬و ِز َن‬ ‫ا‪ٟ‬تديد بها فعاد ضئيبل‬ ‫ُ‬ ‫كأن ا‪١‬تن إذن عبء نفسي كبَت ‪.‬‬ ‫ويطمئن ا‪ٟ‬تق سبحانه من ينفقون‬ ‫أموا‪٢‬تم دون َم ٍّن وال أذى يف سبيل‬ ‫اهلل بأن ‪٢‬تم أجرا ًعند ربهم ‪.‬‬ ‫وكلمة « األجر » واإليضاح من‬

‫عند الرب هي طمأنة إىل أن األمر‬ ‫قد أحيل إىل موثوق بأدائه ‪ ،‬وإىل‬ ‫قادر عىل هذا األداء ‪ .‬أما الذي ٯتن‬ ‫أو يؤذي فقد أخذ أجره با‪١‬تن أو‬ ‫األذى ‪ ،‬وليس له أجر عند اهلل؛ ألن‬ ‫الذي ٯتن أو يؤذي لم يتصور َر َّب‬ ‫الضعيف ‪ ،‬وإ‪٪‬تا تصور الضعيف ‪.‬‬

‫وا‪١‬تنفق يف سبيل اهلل حُت يتصور‬ ‫رب الضعيف ‪ ،‬وأن رب الضعيف‬ ‫هو الذي استدعاه إىل الوجود ‪ ،‬وه و‬ ‫الذي أجرى عليه الضعف ‪ ،‬فهو‬ ‫يؤمن أن اهلل هو الكفيل برزق‬ ‫الضعيف ‪ ،‬وحُت ينفق القوي عىل‬ ‫الضعيف فإ‪٪‬تا يؤدي عن اهلل ‪،‬‬

‫ولذلك ‪٧‬تد يف أقوال ا‪١‬تقربُت ‪:‬‬ ‫« إننا نضع الصدقة يف يد اهلل قبل‬ ‫أن نضعها يف يد الضعيف » ولننظر‬ ‫إىل ما فعلته سيدتنا فاطمة بنت‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫لقد راحت ٕتلو الدرهم وتطيبه ‪،‬‬ ‫فلما قيل ‪٢‬تا ‪ :‬ماذا تصنعُت؟ قالت‬

‫‪ :‬أجلو در‪٫‬تا ًوأطيبه ألين نويت أن‬ ‫أتصدق به ‪ .‬فقيل ‪٢‬تا ‪ :‬أتتصدقُت‬ ‫به ‪٣‬تلوا ًومعطراً؟‬ ‫قالت الزهراء بنت رسول اهلل صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ :‬ألين أعلم أنه يقع‬ ‫يف يد اهلل قبل أن يقع يف يد الفقَت ‪.‬‬ ‫إن األجر يكون عند من يغليه‬

‫ويعليه ويرتفع بقيمته وهو ا‪٠‬تالق‬ ‫الوهاب ‪.‬‬ ‫ولنتأمل قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ َخ ْو ٌف‬ ‫ون } ‪١‬تاذا لم‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫يقل اهلل ‪ :‬وال خوف منهم؟ ‪ .‬ألن‬ ‫ا‪ٟ‬تق يريد أن يوضح لنا بقوله ‪{ :‬‬ ‫َوال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم } أن هناك‬

‫عنصرا ًثالثا ًسيتدخل ‪ .‬إنه تدخل‬ ‫من شخص قد يظهر لئلنسان‬ ‫ا‪١‬تنفق أنه ‪٤‬تب له ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ادخر‬ ‫لؤليام القادمة ‪ ،‬ادخر ألوالدك ‪.‬‬ ‫‪١‬تثل هذا العنصر يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ‬ ‫َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم } أي إياك يا صاحب‬

‫مثل هذا الرأي أن تتدخل باسم‬ ‫ا‪ٟ‬تب ‪ ،‬ولتوفر كبلمك؛ ألن ا‪١‬تنفق‬ ‫يف سبيل اهلل إ‪٪‬تا ‪٬‬تد العطاء‬ ‫وا‪ٟ‬تماية من اهلل ‪ .‬فبل خوف عىل‬ ‫ا‪١‬تنفق يف سبيل اهلل ‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫فقط ‪ ،‬إ‪٪‬تا يقول ا‪ٟ‬تق عن ا‪١‬تنفقُت‬ ‫يف سبيل اهلل دون م ٍّن وال أذى ‪{ :‬‬

‫ون } ومعناها أنه سوف‬ ‫َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫يأيت يف تصرفات ا‪ٟ‬تق معهم ما‬ ‫يفرحهم بأهنم تصدقوا إما‬ ‫بسرعة ا‪٠‬تلف عليهم ‪ ،‬أو برىض‬ ‫النفس ‪ ،‬أو برزق السلب ‪ ،‬فآفة‬ ‫الناس أهنم ينظرون إىل رزق‬ ‫اإل‪٬‬تاب دائما ‪ ،‬أي أن يقيس‬

‫البشر الرزق ٔتا يدخل له من مال‬ ‫‪ ،‬وال يقيسون األمر برزق السلب ‪،‬‬ ‫ورزق السلب هو ‪٤‬تط الْبكة ‪.‬‬ ‫هب أن إنسانا راتبه ‪ٜ‬تسون‬ ‫جنيها ‪ ،‬وبعد ذلك يسلب اهلل منه‬ ‫مصارف تطلب م هنمائة جنيه ‪،‬‬ ‫كأن يدخل فيجد ولده متعبا‬

‫وحرارته مرتفعة ‪ ،‬فَتزق اهلل قلب‬ ‫الرجل االطمئنان ‪ ،‬ويطلب من‬ ‫األم أن تعد كوبا من الشاي لبلبن‬ ‫ويعطيه قرصا من األسْبين ‪،‬‬ ‫وتذهب الوعكة وتنتهي ا‪١‬تسألة ‪.‬‬ ‫ورجل آخر يدخل و‪٬‬تد ولده متعبا‬ ‫وحرارته مرتفعة ‪ ،‬وتستمر‬

‫ا‪ٟ‬ترارة ألكثر من يوم ‪ ،‬فيقذف اهلل‬ ‫يف قلبه الرعب ‪ ،‬وتأيت ا‪٠‬تياالت‬ ‫واألوهام عن ا‪١‬ترض يف ذهن‬ ‫الرجل ‪ ،‬فيذهب بابنه إىل الطبيب‬ ‫فينفق ‪ٜ‬تسُت أو مائة من ا‪ٞ‬تنيهات‬ ‫‪.‬‬ ‫الرجل األول ‪ ،‬أبرأ اهلل ابنه بقرش‬

‫‪ .‬والثاين ‪ ،‬أبرأ اهلل ابنه ّتنيهات‬ ‫كثَتة ‪ .‬إن رزق الرجل األول هو‬ ‫رزق السلب ‪ ،‬فكما يرزق اهلل‬ ‫باإل‪٬‬تاب ‪ ،‬فاهلل يرزق بالسلب أي‬ ‫يسلب ا‪١‬تصرف ويدفع الببلء ‪.‬‬ ‫وهناك رجل دخله مائة جنيه ‪،‬‬ ‫ويأيت له اهلل ٔتصارف تأخذ مائتُت‬

‫‪ ،‬وهناك رجل دخله ‪ٜ‬تسون‬ ‫جنيها فيسلب اهلل عنه مصارف‬ ‫تزيد عىل مائة جنيه ‪ ،‬فأيهما‬ ‫األفضل ‪.‬‬ ‫إنه الرجل الذي سلب اهلل عنه‬ ‫مصارف تزيد عىل طاقته ‪ .‬إذن فعىل‬ ‫الناس أن تنظر إىل رزق السلب‬

‫كما تنظر إىل رزق اإل‪٬‬تاب ‪ ،‬وقوله‬ ‫ا‪ٟ‬تق عن ا‪١‬تنفقُت يف سبيله دون َم ٍّن‬ ‫أو أذى ‪َ { :‬وال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم َوال َ ُه ْم‬ ‫ون } هذا القول دليل عىل أن‬ ‫َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫اهلل سيأيت بنتيجة النفقة بدون َم ّن‬ ‫أو أذى ٔتا يفرح له قلب ا‪١‬تؤمن ‪،‬‬ ‫وإما بسلب‬ ‫إما بالْبكة يف الرزق ّ‬

‫ا‪١‬تصارف عنه ‪ ،‬فيقول القلب‬ ‫ا‪١‬تؤمن ‪ :‬إهنا بركة الصدقة اليت‬ ‫أعطيتها ‪.‬‬ ‫إنه قد تصدق بشيء فرفع وصرف‬ ‫عنه اهلل شيئا ضارا ‪ ،‬فيفرح بذلك‬ ‫القلب ا‪١‬تؤمن ‪ .‬وبعد ذلك ينبهنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل إىل قضية مهمة‬

‫الممن ٔتالك‬ ‫هي ‪ :‬إن لم َ ُٕتد أيها ؤ‬ ‫فأحسن ٔتقالك ‪ ،‬فإن لم تسعوا‬ ‫الناس بأموالكم فسعوهم ْتسن‬ ‫الرد ‪ ،‬والرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫يقول ‪ « :‬اتقوا النار ولو بشق ٘ترة ‪،‬‬ ‫فمن لم ‪٬‬تد فبكلمة طيبة » ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ٭تدد القضية‬

‫وف‬ ‫يف هذه اْلية ‪ { :‬قَ ْو ٌل َّمعْ ُر ٌ‬ ‫صقَ ٍة يَتْب َ ُعهَآ أَذًى‬ ‫َو َمغ ْ ِف َرةٌ َخ َْتٌ ِّمن َ َد‬ ‫واهلل َ ِ ِ‬ ‫يم ‪} . . .‬‬ ‫ٍتٌ َحل ٌ‬ ‫ّ‬

‫وف َو َمغ ْ ِف َرةٌ َخ َْتٌ ِم ْن‬ ‫قَ ْو ٌل َمعْ ُر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫اّلل َ ِ ِ‬ ‫يم‬ ‫ٍتٌ َحل ٌ‬ ‫َص َدقَة يَتْب َ ُعهَا أذًى َو َّ ُ ّ‬ ‫(‪)263‬‬

‫وف } ؟ إننا يف‬ ‫ما معٌت { قَ ْو ٌل َّمعْ ُر ٌ‬ ‫العادة ‪٧‬تد أن ا‪١‬تعروف مقابل‬ ‫للمنكر ‪ ،‬كأن األمر ا‪٠‬ت َ ِ َّت أمر‬ ‫متعارف عليه بالسجية ‪ ،‬وكأن‬ ‫ا‪١‬تتعارف عليه دائما من جنس‬ ‫ا‪ٞ‬تمال ومن جنس ا‪٠‬تَت ‪ ،‬أما األمر‬ ‫الذي تنكره النفس فمن جنس‬

‫الشر وجنس القبح ‪ .‬ولذلك يقول‬ ‫وف } فكأن من‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬قَ ْو ٌل َّمعْ ُر ٌ‬ ‫شأن ا‪ٞ‬تمال ومن شأن ا‪ٟ‬تسن أن‬ ‫يكون معروفا ‪ ،‬ومن شأن النقيض‬ ‫أن يكون منكرا ‪ ،‬إذن فالقول‬ ‫ا‪١‬تعروف هو أن ترد السائل الرد‬ ‫ا‪ٞ‬تميل ْتيث ال ٘تتلئ نفسه‬

‫با‪ٟ‬تفيظة عليك ‪ ،‬وْتيث ال توٓته‬ ‫ألنّه سألك ‪ ،‬وإذا كان السائل قد‬ ‫ٕتهم عليك ٕتهم ا‪١‬تحتاج فاغفر له‬ ‫ذلك ‪١ ،‬تاذا؟‬ ‫ألن هناك إنسانا تلهب ظهره‬ ‫سياط ا‪ٟ‬تاجة ‪ ،‬ويراك أهبل لغٌت أو‬ ‫ليسار أو جدة وسعة من ا‪١‬تال ‪ ،‬وقد‬

‫يزيد بالقول واللسان قليبل ًعليك ‪،‬‬ ‫ورٔتا ٕتاوز أدب ا‪ٟ‬تديث معك ‪،‬‬ ‫فعليك أن تتحمله ‪.‬‬ ‫وإذا كنت أنت أيها العبد تصنع‬ ‫ا‪١‬تعاصي اليت تغضب اهلل ‪ ،‬و٭تلم‬ ‫ا‪ٟ‬تق عليك ويغفرها لك وال‬ ‫يعذبك بها ‪ ،‬فإذا ما صنع إنسان‬

‫معك شيئا فكن أيضا صاحب قول‬ ‫معروف ومغفرة وحلم؛ إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫َ ِ‬ ‫ون أَن‬ ‫سبحانه يقول لنا ‪ { :‬أال َ ُٖتب ُّ َ‬ ‫يَغ ْ ِف َر اهلل ل َ ُك ْم } ؟‬ ‫إننا ‪ٚ‬تيعا ‪٨‬تب أن يغفر اهلل لنا ‪،‬‬ ‫ولذلك ‪٬‬تب أن نغفر لغَتنا‬ ‫وخصوصا للمحتاج ‪ .‬وا‪ٟ‬تق حُت‬

‫يقول ‪ { :‬واهلل َ ِ ِ‬ ‫يم } ففي‬ ‫ٍتٌ َحل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ذلك تنبيه للقادر الذي حرم الفقَت‬ ‫‪ ،‬وكأنه يقول له ‪ :‬إ‪٪‬تا حرمت‬ ‫نفسك أيها القادر من أجر اهلل ‪.‬‬ ‫إنك أيها القادر حُت ٖترم فقَتا ً‪،‬‬ ‫فأنت ا‪١‬تحروم؛ ألن اهلل ٍت عنك‬ ‫‪ ،‬وهو سبحانه يقول ‪َ { :‬ها أ َ ُنت ْم‬

‫هؤالء ُت ْد َع ْو َن ل ِ ُتن ِف ُقوا ْ ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل‬ ‫فَ ِمن ُكم َّمن يَب ْ َخ ُل َو َمن يَب ْ َخ ْل فَإ َِّ‪٪‬تَا‬ ‫يَب ْ َخ ُل َعن ن َّ ْف ِس ِه واهلل الغٍت َوأ َ ُنت ُم‬ ‫الفقرآء َوإِن تَت َ َول َّ ْوا ْي َ ْستَب ْ ِد ْل قَ ْوما ً‬ ‫َ َْت َ ُك ْم ُث َّم ال َيكونوا أ َ ْمثَال َ ُكم } ػ‬ ‫‪٤‬تمد ‪] 38 :‬‬ ‫إن اهلل ٍت بقدرته ا‪١‬تطلقة ‪ٍ ،‬ت‬

‫وقادر أن يستبدل بالقوم البخبلء‬ ‫قوما يسخون ٔتا أفاء اهلل عليهم‬ ‫من رزق يف سبيل اهلل ‪ .‬فالذي‬ ‫ٯتسك عن العطاء إ‪٪‬تا منع عن‬ ‫نفسه باب ر‪ٛ‬تة ‪ .‬ولذلك يقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْال َ‬

‫ُتب ْ ِطلُوا ْ َص َدقَاتِ ُكم با‪١‬تن واألذى ‪. .‬‬ ‫‪}.‬‬

‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َال ُتب ْ ِطلُوا‬ ‫َص َدقَاتِ ُك ْم بِا ْ‪١‬ت َ ِّن َو ْاألَذَى كَال َّ ِذي‬ ‫ِ‬ ‫اس و َال يُ ْؤ ِمن بِ َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ُ ّ‬ ‫يُنْف ُق َمال َ ُه ِرئَاءَ النَّ ِ َ‬ ‫َوالْي َ ْو ِم ْاْل ِخ ِر فَ َمثَل ُ ُه كَ َمث َ ِل َص ْف َوانٍ‬ ‫ِ‬ ‫اب فَأ َ َصاب َ ُه َوابِ ٌل فَ ًَت َ َك ُه‬ ‫عَلَيْه ُت َر ٌ‬ ‫ون عَىلَ َش ْيءٍ ِ‪٦‬تَّا‬ ‫َصل ْ ًدا َال يَقْ ِد ُر َ‬

‫كسب‬ ‫اّلل َال يَهْ ِدي ال ْ َق ْو َم‬ ‫َ َ ُوا َو َّ ُ‬ ‫الْكَافِرِي َن (‪)264‬‬

‫فالذي يتصدق ويتبع صدقته با‪١‬تن‬ ‫واألذى ‪ ،‬إ‪٪‬تا يُبطل صدقته ‪،‬‬ ‫وخسارته تكون خسارتُت ‪:‬‬ ‫ا‪٠‬تسارة األوىل أنه أنقص ماله‬

‫بالفعل؛ ألن اهلل لن يعوض عليه؛‬ ‫ألنه أتبع الصدقة ٔتا يبطلها من‬ ‫ا‪١‬تن واألذى ‪ ،‬وا‪٠‬تسارة األخرى‬ ‫هي ا‪ٟ‬ترمان من الثواب؛ فالذي‬ ‫ينفق ليقول الناس عنه إنه ينفق ‪،‬‬ ‫عليه أن يعرف أن ا‪ٟ‬تق يوضح لنا ‪:‬‬ ‫أنه يعطي األجر عىل قاعدة أن الذي‬

‫يدفع األجر هو من عملت له‬ ‫العمل ‪.‬‬ ‫إن اإلنسان عىل ‪٤‬تدودية قدرته‬ ‫يعطي األجر ‪١‬تن عمل له عمبل ‪،‬‬ ‫والذي يعمل من أجل أن يقول‬ ‫الناس إنه عمل ‪ ،‬فليأخذ أجره من‬ ‫القدرة ا‪١‬تحدودة للبشر ‪ ،‬ولذلك‬

‫قال لنا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم عن الذي يفعل ا‪ٟ‬تسنة أو‬ ‫الصدقة ليقال عنه إنه فعل ‪ ،‬فإنه‬ ‫يأيت يوم القيامة وال ‪٬‬تد أجرا له ‪.‬‬ ‫وقد جاء يف ا‪ٟ‬تديث الشريف ‪« :‬‬ ‫ورجل آتاه اهلل من أنواع ا‪١‬تال‬ ‫فأىت به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما‬

‫عملت فيها؟ قال ‪ :‬ما تركت من‬ ‫شيء ٕتب أن أنفق فيه إال ّأنفقت‬ ‫فيه لك ‪ ،‬قال ‪ :‬كذبت إ‪٪‬تا أردت‬ ‫أن يقال ‪ :‬فبلن جواد فقد قيل ‪،‬‬ ‫فأمر به فسحب عىل وجهه حىت ألىق‬ ‫يف النار » ‪.‬‬ ‫إياك إذن أن تقول ‪ :‬أنا أنفقت ولم‬

‫يوسع اهلل رزيق؛ ألن اهلل قد يبتليك‬ ‫وٯتتحنك ‪ ،‬فبل تفعل الصدقة من‬ ‫أجل توسيع الرزق ‪ ،‬فعطاء اهلل‬ ‫للمؤمن ليس يف الدنيا فقط ‪ ،‬ولكن‬ ‫اهلل قد يريد أال يعطيك يف الفانية‬ ‫وأبىق لك العطاء يف الباقية وهي‬ ‫اْلخرة ‪ .‬وهو خَت وأبىق ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬وال َيُ ْؤ ِم ُن باهلل‬ ‫واليوم اْلخر فَ َمثَل ُ ُه كَ َمث َ ِل َص ْف َوانٍ‬ ‫ِ‬ ‫اب } والصفوان هو ا‪ٟ‬تجر‬ ‫عَلَيْه ُت َر ٌ‬ ‫األملس ‪ ،‬ويُس ىم ا‪١‬تروة والذي‬ ‫نسميه بالعامية « الزلطة » ‪.‬‬ ‫ويقال لؤلصلع « صفوان » ‪ ،‬أي‬ ‫رأسه أملس كا‪١‬تروة ‪ .‬والشيء‬

‫األملس هو الذي ال مسام له ٯتكن‬ ‫أن تدركها العُت ا‪١‬تدركة ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬ ‫يدرك اإلنسان هذه ا‪١‬تسام بوضع‬ ‫ا‪ٟ‬تجر ٖتت ا‪١‬تجهر ‪ .‬وعندما يكون‬ ‫الشيء ناعما قد يأيت عليه تراب ‪،‬‬ ‫ثم يأيت ا‪١‬تطر فيزنل عىل الًتاب‬ ‫ويزنلق الًتاب من عىل الشيء‬

‫األملس ‪ ،‬ولو كان با‪ٟ‬تجر بعض من‬ ‫ا‪٠‬تشونة ‪ ،‬لبىق شيء من الًتاب بُت‬ ‫النتوءات ‪ ،‬فالذي ينفق ماله رئاء‬ ‫الناس ‪ ،‬كالصفوان يًتاكم عليه‬ ‫الًتاب ‪ ،‬ويزنل ا‪١‬تطر عىل الًتاب‬ ‫فيزيله كلّه فيصَت األمر ‪ { :‬ال َّ‬ ‫ون عىل َش ْيءٍ ِّ‪٦‬تَّا كَ َسبُوا ْ} أي‬ ‫ي َ ْق ِد ُر َ‬

‫فقدوا القدرة عىل امتبلك أي شيء؛‬ ‫ألن اهلل جعل ما ‪٢‬تم من عمل هباء‬ ‫منثورا ً‪.‬‬ ‫وهؤالء كا‪ٟ‬تجر الصفوان الذي عليه‬ ‫تراب فزنل عليه وابل ‪ . .‬أي مطر‬ ‫شديد فًتكه صلدا ‪ . .‬تلك هي‬ ‫صفات من قصدوا باإلنفاق رئاء‬

‫الناس ‪ ،‬فيبطل اهلل جزاءهم؛ ألن‬ ‫اهلل ال يوفقهم إىل ا‪٠‬تَت والثواب ‪.‬‬ ‫ويأيت اهلل با‪١‬تقابل ‪ ،‬وهم الذين‬ ‫ينفقون أموا‪٢‬تم ابتغاء مرضاة اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫فيقول ‪َ { :‬و َمث َ ُل الذين يُنْف ُق َ‬ ‫أ َ ْموا َ‪٢‬تم ابتغآء َم ْر َض ِ‬ ‫ات اهلل‬ ‫َ ُُ‬ ‫َوتَثْبِيتا ً ِّم ْن أَن ْ ُف ِس ِه ْم‪} . . .‬‬

‫ومث َ ُل ال َّ ِذين يُن ْ ِف ُق َ‬ ‫َ‬ ‫ون أ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ُم ابْتِغَاءَ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ات َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اّلل َوتَثْبِيتًا ِم ْن أَن ْ ُف ِس ِه ْم‬ ‫َم ْر َض ّ‬ ‫َك َمث َ ِل َجنَّ ٍة بِ َرب ْ َو ٍة أ َ َصابَهَا َوابِ ٌل‬ ‫فَآتَ ْت أُكُلَهَا ِضعْ َف ْ ِ‬ ‫ُت فَإ ِْن ل َ ْم يُ ِصبْهَا‬ ‫اّلل ِٔتَا تَعْ َمل ُ َ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ون بَصَتٌ‬ ‫َوابِ ٌل فَ َط ّل َو َّ ُ‬ ‫(‪)265‬‬

‫إن ابتغاء مرضاة اهلل يف اإلنفاق‬ ‫تعٍت خروج الرياء من دائرة‬ ‫اإلنفاق ‪ ،‬فيكون خالصا لوجهه‬ ‫سبحانه وأما التثبيت من أنفسهم‬ ‫‪ ،‬فهو ألنفسهم أيضا ‪ .‬فكأن النفس‬ ‫اإلٯتانية تتصادم مع النفس‬ ‫الشهوانية ‪ ،‬فعندما تطلب النفس‬

‫اإلٯتانية أي شيء فإن النفس‬ ‫الشهوانية ٖتاول أن ٘تنعها ‪.‬‬ ‫وتتغلب النفس اإلٯتانية عىل‬ ‫النفس الشهوانية وتنتصر هلل ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تراد ب { َوتَثْبِيتا ً ِّم ْن أَن ْ ُف ِس ِه ْم }‬ ‫هو أن يتثبت ا‪١‬تؤمن عىل أن ٭تب‬ ‫نفسه حبا أعمق ال حبا أ‪ٛ‬تق ‪ .‬إذن‬

‫فعملية اإلنفاق ‪٬‬تب أن تكون أوال‬ ‫إنفاقا يف سبيل اهلل ‪ ،‬وتكون‬ ‫بتثبيت النفس بأن وهب ا‪١‬تؤمن‬ ‫أوال دمه ‪ ،‬وثبت نفسه ثانيا بأن‬ ‫وهب ماله ‪ ،‬وهكذا يتأكد التثبيت‬ ‫فيكون كما تصوره اْلية الكرٯتة‬ ‫‪َ { :‬ك َمث َ ِل َجنَّ ٍة بِ َرب ْ َو ٍة أ َ َصابَهَا َوابِ ٌل‬

‫فَآتَ ْت أُكُلَهَا ِضعْ َف ْ ِ‬ ‫ُت فَإِن ل َّ ْم يُ ِصبْهَا‬ ‫وابِ ٌل فَ َط ٌّل واهلل ِ‬ ‫ون ب َ ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ٔت‬ ‫َت‬ ‫ص‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 265 :‬‬ ‫وا‪ٞ‬تنة كما عرفنا ُتطلق يف اللغة عىل‬ ‫ا‪١‬تكان الذي يوجد به زرع كثيف‬ ‫أخضر لدرجة أنه يسًت من يدخله‬ ‫‪ .‬ومنها « جن » أي « سًت » ‪ ،‬ومن‬

‫يدخل هذه ا‪ٞ‬تنة يكون مستورا ً ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يريد أن يضرب لنا ا‪١‬تثل‬ ‫الذي يوضح الصنف الثاين من‬ ‫ا‪١‬تنفقُت يف سبيل اهلل ابتغاء‬ ‫مرضاته وتثبيتا من أنفسهم‬ ‫اإلٯتانية ضد النفس الشهوانية ‪،‬‬ ‫فيكون الواحد منهم كمن دخل‬

‫جنة كثيفة الزرع ‪ ،‬وهذه ا‪ٞ‬تنة‬ ‫توجد بربوة عالية ‪ ،‬وعندما تكون‬ ‫ا‪ٞ‬تنة بربوة عالية فمعٌت ذلك أهنا‬ ‫‪٤‬تاطة بأمكنة وطيئة ومنخفضة‬ ‫عنها ‪ ،‬فماذا يفعل ا‪١‬تطر بهذه ا‪ٞ‬تنة‬ ‫اليت توجد عىل ربوة؟ وقد أخْبنا‬ ‫ا‪ٟ‬تق ٔتا ٭تدث ‪١‬تثل هذه ا‪ٞ‬تنة قبل‬

‫أن يتقدم العلم ا‪ٟ‬تديث ويكتشف‬ ‫آثار ا‪١‬تياه ا‪ٞ‬توفية عىل الزراعة ‪.‬‬ ‫فهذه ا‪ٞ‬تنة اليت بربوة ال تعاين ‪٦‬تا‬ ‫تعاين منه األرض ا‪١‬تستوية ‪ ،‬ففي‬ ‫األرض ا‪١‬تستوية قد توجد ا‪١‬تياه‬ ‫ا‪ٞ‬توفية اليت تذهب إىل جذور‬ ‫النبات الشعرية وتفسدها بالعطن‬

‫‪ ،‬فبل تستطيع هذه ا‪ٞ‬تذور أن ٘تتص‬ ‫الغذاء البلزم للنبات ‪ ،‬فيشحب‬ ‫النبات باالصفرار أوال ثم ٯتوت‬ ‫إن ا‪ٞ‬تنة اليت بربوة‬ ‫بعد ذلك ‪ّ ،‬‬ ‫تستقبل ا‪١‬تياه اليت تزنل عليها من‬ ‫ا‪١‬تطر ‪ ،‬وتكون ‪٢‬تا مصارف من‬ ‫‪ٚ‬تيع ا‪ٞ‬تهات الوطيئة اليت حو‪٢‬تا ‪،‬‬

‫وترتوي هذه ا‪ٞ‬تنة بأحدث ما‬ ‫توصل إليه العلم من وسائل الري‬ ‫‪ ،‬إهنا تأخذ ا‪١‬تياه من أعىل ‪ ،‬أي من‬ ‫ا‪١‬تطر ‪ ،‬فتزنل ا‪١‬تياه عىل األوراق‬ ‫لتؤدي وظيفة أوىل وهي غسل‬ ‫األوراق ‪.‬‬ ‫إن أوراق النبات كما نعلم مثل‬

‫الرئة بالنسبة لئلنسان مهمتها‬ ‫التنفس ‪ ،‬فإذا ما نزل عليها ماء‬ ‫ا‪١‬تطر فهو يغسل هذه األوراق ‪٦‬تا‬ ‫‪٬‬تعلها تؤدي دورها فيما نُسميه‬ ‫‪٨‬تن يف العصر ا‪ٟ‬تديث بالتمثيل‬ ‫الكلوروفيلي ‪ .‬وبعد ذلك تزنل‬ ‫ا‪١‬تياه إىل ا‪ٞ‬تذور لتذيب العناصر‬

‫البلزمة يف الًتبة لغذاء النبات ‪،‬‬ ‫فتأخذ ا‪ٞ‬تذور حاجتها من الغذاء‬ ‫ا‪١‬تذاب يف ا‪١‬تاء ‪ ،‬ويزنل ا‪١‬تاء الزائد‬ ‫عن ذلك يف ا‪١‬تصارف ا‪١‬تنخفضة ‪.‬‬ ‫وهذه أحدث وسائل الزراعة‬ ‫ا‪ٟ‬تديثة ‪ ،‬واكتشفوا أن ا‪١‬تحصول‬

‫يتضاعف بها ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق ٮتْبنا أن من ينفق ماله‬ ‫ابتغاء مرضاة اهلل وتثبيتا ًمن‬ ‫أنفسهم كمثل هذه ا‪ٞ‬تنة اليت‬ ‫تروى بأسلوب رباين ‪ ،‬فإن نزل‬ ‫عليها وابل من ا‪١‬تطر ‪ ،‬أخذت منه‬ ‫حاجتها وانصرف بايق ا‪١‬تطر عنها ‪،‬‬

‫{ فَإِن ل َّ ْم يُ ِصبْهَا َوابِ ٌل فَ َط ٌّل } ؛‬ ‫ُّ‬ ‫والطل وهو ا‪١‬تطر والرذاذ ا‪٠‬تفيف‬ ‫يكفيها لتؤيت ضعفُت من نتاجها ‪.‬‬ ‫وإذا كان الضعف هو ما يساوي‬ ‫الشيء مرتُت ‪ ،‬فالضعفان يساويان‬ ‫الشيء أربع مرات ‪ .‬واهلل يضرب‬ ‫لنا مثبل ليزيد به اإليضاح ‪ٟ‬تالة من‬

‫ينفق ماله رئاء الناس فيسأل عباده‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت وهو أعلم بهم فيقول جل‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ون ل َ ُه‬ ‫شأنه ‪ { :‬أي َ َو ّدُ أ َح ُد ُك ْم أن تَ ُك َ‬ ‫َجنَّ ٌة ِّمن َّ‪٩‬تِ ٍ‬ ‫يل َوأ َ ْعن َ ٍ‬ ‫اب َٕتْ ِري ِمن‬ ‫َٖتْتِهَا األهنار ‪} . . .‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ون ل َ ُه َجنَّ ٌة ِم ْن‬ ‫أي َ َو ّدُ أ َح ُد ُك ْم أ ْن تَ ُك َ‬ ‫َ‪٩‬تِ ٍ‬ ‫يل َوأ َ ْعن َ ٍ‬ ‫اب َٕتْ ِري ِم ْن َٖتْتِهَا‬ ‫ْاأل َ ْهنَار ل َ ُه فِيهَا ِم ْن كُ ّ ِل الث ّ ََم َر ِ‬ ‫ات‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْب َول َ ُه ُذ ِّري َّ ٌة ُضعَ َف ُاء‬ ‫َوأ َصاب َ ُه الْك َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اح ًَتَقَ ْت‬ ‫فَأ َصابَهَا إ ِْع َص ٌار فِي ِه َن ٌار فَ ْ‬ ‫كَ َذل ِ‬ ‫اّلل ل َ ُكم ْاْلي َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات‬ ‫ُت‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َُ ُ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ون (‪)266‬‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَت َ َف ّك ُر َ‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه يشركنا يف الصورة‬ ‫كأنه يريد أن يأخذ منا الشهادة‬ ‫الواضحة ‪ .‬فهل يود أحدكم أن‬ ‫تكون له جنة من ‪٩‬تيل وأعناب‬ ‫ٕتري من ٖتتها األهنار له فيها من‬ ‫كل الثمرات ‪ .‬ونعلم أن النخيل‬ ‫واألعناب ‪٫‬تا من أهم ‪ٙ‬تار نَتاج‬

‫ا‪١‬تجتمع الذي نزل به القرآن‬ ‫الكريم ‪ .‬ونعرف أن هناك حدائق‬ ‫فيها ‪٩‬تيل وأعناب ‪ ،‬ويضيف إليها‬ ‫صاحبها أشجارا ًمن ا‪٠‬توخ‬ ‫وأشجارا ًمن الفواكة األخرى ‪.‬‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق يف أصحاب ا‪ٞ‬تنة‬ ‫‪ { :‬واضرب ‪٢‬ت ُ ْم َّمثَبل ً َّر ُجل َ ْ ِ‬ ‫ُت‬

‫جعلْنا ألَح ِد ِ‬ ‫ُت ِم ْن أ َ ْعن َ ٍ‬ ‫‪٫‬تا َجنَّت َ ْ ِ‬ ‫اب‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫ا‪٫‬تا بِن َ ْخ ٍل َو َجعَلْنَا بَيْن َ ُه َما‬ ‫َو َح َف ْفن َ ُ َ‬ ‫زَ ْرعا ً* ِكلْتَا ا‪ٞ‬تنتُت آتَ ْت أُكُلَهَا َول َ ْم‬ ‫تَ ْظلِم ِّمن ْ ُه َشيْئا ً َوفَ ّج َْرنَا ِخبل َ‪٢‬ت ُ َما‬ ‫ال ل ِ َصا ِحبِ ِه‬ ‫ان ل َ ُه ‪ٙ‬تَ َ ٌر فَ َق َ‬ ‫َهنَرا ً* َوك َ َ‬ ‫نك َماال ً َوأ َ َع ُّز‬ ‫َو ُه َو ُ٭تَا ِو ُر ُه أَنَا أ َ ْكث َ ُر ِم َ‬ ‫ن َ َفرا ً* َودَ َخ َل َجن َّت َ ُه َو ُه َو َظال ِ ٌم‬

‫ِ‬ ‫ال َمآ أ َ ُظ ُّن أَن تَبِي َد هذه‬ ‫ل ّن َ ْف ِس ِه قَ َ‬ ‫أَبَدا ً* َو َمآ أ َ ُظ ُّن الساعة قَ ِائ َمةً َولَئِن‬ ‫دت إىل َر ِ ّيب أل َ ِج َد َّن َخ َْتا ً ِّمنْهَا‬ ‫ُّر ِد ُّ‬ ‫ُمنْقَلَبا ً} ػ الكهف ‪] 36-32 :‬‬ ‫كأن ا‪ٞ‬تنتُت هنا فيهما أشياء كثَتة ‪،‬‬ ‫فيهما أعناب ‪ ،‬وزاد‪٫‬تا اهلل عطاء‬ ‫النخيل ‪ ،‬ثم الزرع ‪ ،‬وهذا يس ىم‬

‫يف اللغة عطف العام عىل ا‪٠‬تاص ‪ ،‬أو‬ ‫عطف ا‪٠‬تاص عىل العام ‪ ،‬ليذكر‬ ‫الشيء مرتُت ‪ ،‬مرة ٓتصوصه ‪،‬‬ ‫ومرة يف عموم َته ‪ .‬وعندما‬ ‫يتحدث ا‪ٟ‬تق سبحانه عن جنة‬ ‫اْلخرة فإنه يقول مرة ‪ { :‬أَع َ َّد اهلل‬ ‫َ‪٢‬تم َجنَّ ٍ‬ ‫ات َٕتْ ِري ِمن َٖتْتِهَا األهنار‬ ‫ُْ‬

‫َخال ِ ِدي َن فِيهَا ذلك الفوز العظيم }‬ ‫ػ التوبة ‪] 89 :‬‬ ‫لقد هيأ اهلل للمؤمنُت به ‪ ،‬ا‪١‬تقاتلُت‬ ‫يف سبيل نصرة دينه وإعبلء كلمته‬ ‫جنات تتخللها األهنار ‪ ،‬وذلك هو‬ ‫الفوز والنجاح الكبَت ‪ .‬ومرة‬ ‫أخرى يتحدث ا‪ٟ‬تق عن جنة‬

‫اْلخرة بقوله ‪ { :‬والسابقون‬ ‫األولون ِم َن ا‪١‬تهاجرين واألنصار‬ ‫والذين اتبعوهم بِإ ِْح َسانٍ َّر ِض َي‬ ‫اهلل َعن ْ ُه ْم َو َر ُضوا ْ َعن ْ ُه َوأَع َ َّد َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫َجنَّ ٍ‬ ‫ات َٕتْ ِري َٖتْتَهَا األهنار َخال ِ ِدي َن‬ ‫فِيهَآ أَبَدا ًذلك الفوز العظيم } ػ‬ ‫التوبة ‪] 100 :‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تديث عن األهنار اليت ٕتري‬ ‫ٖتت ا‪ٞ‬تنة يأيت مرة مسبوقا ب « ِمن‬ ‫» ‪ .‬ومرة أخرى َت مسبوق ب «‬ ‫ِمن » ‪ .‬فعندما يأيت ا‪ٟ‬تديث عن‬ ‫تلك األهنار اليت ٖتت ا‪ٞ‬تنة مسبوقا‬ ‫ب « ِمن » فإن ذلك يوحي أن نبعها‬ ‫ذايت فيها وا‪١‬تائية ‪٦‬تلوكة ‪٢‬تا ‪.‬‬

‫وعندما يأيت ا‪ٟ‬تديث عن تلك‬ ‫األهنار اليت ٕتري ٖتت ا‪ٞ‬تنة مسبوق‬ ‫ب « ِمن » ‪ ،‬فمعٌت ذلك أن نبع هذه‬ ‫األهنار َت ذايت فيها ‪ ،‬ولكنه ‪٬‬تري‬ ‫ٖتتها بإرادة اهلل فبل ‪٬‬ترؤ أحد أن‬ ‫ٯتنع ا‪١‬تاء عن هذه ا‪ٞ‬تنة اليت أعدها‬ ‫اهلل للمؤمنُت ‪ .‬وعندما يشركنا‬

‫ا‪ٟ‬تق يف التساؤل ‪:‬‬ ‫ون ل َ ُه َجنَّ ٌة‬ ‫{ أَي َ َو ّدُ أ َ َح ُد ُك ْم أَن تَ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ِّمن َّ‪٩‬تِ ٍ‬ ‫يل َوأ َ ْعن َ ٍ‬ ‫اب َٕتْ ِري ِمن َٖتْتِهَا‬ ‫األهنار ل َ ُه فِيهَا ِمن كُ ّ ِل الثمرات‬ ‫َ‬ ‫آء‬ ‫َوأ َصاب َ ُه الكْب َول َ ُه ُذ ِّري َّ ٌة ُضعَ َف ُ‬ ‫فَأ َ َصابَهَآ إ ِْع َص ٌار فِي ِه ن َ ٌار فاحًتقت‬ ‫ك يُب َ ّ ُِ‬ ‫ُت اهلل ل َ ُك ُم اْليات‬ ‫َك َذل ِ َ‬

‫َ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَت َ َف ّك ُر َ‬ ‫‪] 266‬‬ ‫إن ا‪ٞ‬تنة اليت بهذه الصفة وفيها‬ ‫ا‪٠‬تَت الكثَت ‪ ،‬لكن صاحبها يصيبه‬ ‫الكْب ‪ ،‬ولم تعد يف صحته فتوة‬ ‫الشباب ‪ ،‬إنه ‪٤‬تاط با‪٠‬تَت وهو‬ ‫أحوج ما يكون إىل ذلك ا‪٠‬تَت؛ ألنه‬

‫أصبح يف الكْب وليس له طاقة‬ ‫يعمل بها ‪ ،‬وهكذا تكون نفسه‬ ‫معلقة بعطاء هذه ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬ال لنفسه‬ ‫فقط ولكن لذريته من الضعفاء ‪.‬‬ ‫وهذه قمة التصوير لبلحتياج‬ ‫للخَت ‪ ،‬ال للنفس فقط ولكن لؤلبناء‬

‫الضعفاء أيضا ‪.‬‬ ‫إننا أمام رجل ‪٤‬تاط بثبلثة ظروف‬ ‫‪ .‬الظرف األول ‪ :‬هو ا‪ٞ‬تنة اليت فيها‬ ‫من كل خَت ‪.‬‬ ‫والظرف الثاين ‪ :‬هو الكْب والضعف‬ ‫والعجز عن العمل ‪.‬‬ ‫والظرف الثالث ‪ :‬ه و الذرية من‬

‫الضعفاء ‪.‬‬ ‫فيطيح بهذه ا‪ٞ‬تنة إعصار فيه نار‬ ‫فاحًتقت ‪ ،‬فأي حسرة يكون فيها‬ ‫الرجل؟ إهنا حسرة شديدة ‪.‬‬ ‫كذلك تكون حسرة من يفعل‬ ‫ا‪٠‬تَت رئاء الناس ‪ .‬واإلعصار كما‬ ‫نعرف هو الريح الشديد‬

‫ا‪١‬تصحوبة برعد وبرق ومطر وقد‬ ‫يكون فيه نار ‪ ،‬هذا إذا كانت‬ ‫الشحنات الكهربائية نإتة من‬ ‫تصادم السحب أو حاملة لقذائف‬ ‫نارية من بركان ثائر ‪ .‬هكذا‬ ‫يكون حال من ينفق ماله رئاء‬ ‫الناس ‪ .‬ابتداء مطمع وانتهاء‬

‫موئس أي ميئوس منه ‪.‬‬ ‫إذن فكل إنسان مؤمن عليه أن‬ ‫يتذكر ساعة أن ينفق هذا االبتبلء‬ ‫ا‪١‬تثَت للطمع ‪ ،‬وذلك االنتهاء ا‪١‬تليء‬ ‫باليأس ‪ .‬إهنا الفجيعة الشديدة ‪.‬‬ ‫ويصورها الشاعر بقوله ‪:‬‬ ‫فأصبحت من ليىل الغداة كقابض‬

‫‪ ...‬عىل ا‪١‬تاء خانته فروج األصابع‬ ‫ويقول آخر ‪:‬‬ ‫كما أبرقت قوما عطاشا غمامة‬ ‫‪ ...‬فلما رأوها أقشعت وٕتلت‬ ‫إن الذي يرائي ٮتسر كل حاجاته ‪،‬‬ ‫وال يقدر عىل شيء ‪٦‬تا كسب ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪ { :‬ياأيها‬

‫الذين آمنوا أَن ْ ِف ُقوا ْ ِمن َط ِيّب ِ‬ ‫ات َما‬ ‫َ‬ ‫كَ َسب ْ ُت ْم ‪} . . .‬‬

‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا أَن ْ ِف ُقوا ِم ْن‬ ‫َط ِيّب ِ‬ ‫ات َما َك َسب ْ ُت ْم َو ِ‪٦‬تَّا أ َ ْخ َر ْجنَا‬ ‫َ‬ ‫ل َ ُك ْم ِم َن ْاأل َ ْر ِض َو َال تَي َ َّم ُموا‬ ‫ا‪٠‬تَْب َ ِ ِ‬ ‫ون َول َ ْس ُت ْم بِآ ِخ ِذي ِه‬ ‫ِيث من ْ ُه ُتنْف ُق َ‬

‫إ َِّال أ َ ْن ُتغ ْ ِم ُضوا فِي ِه َواعْل َ ُموا أ َ َّن َّ‬ ‫اّللَ‬ ‫َ ٍِت َ ِ‬ ‫‪ٛ‬تي ٌد (‪)267‬‬ ‫ٌّ‬ ‫إن هذه اْلية تعطي صورا ٖتدث يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع البشري ‪ .‬وكانت هذه‬ ‫الصور ٖتدث يف ‪٣‬تتمع ا‪١‬تدينة بعد‬ ‫أن أسس فيها رسول اهلل صىل اهلل‬

‫عليه وسلم دولة اإلسبلم ‪ .‬فبعض‬ ‫من الناس كانوا ٭تضرون العِذق من‬ ‫النخ ل ويعلقه يف ا‪١‬تسجد من أجل‬ ‫أن يأكل منه من يريد ‪ ،‬والعِذق هو‬ ‫فرع قوي من النخل يضم الكثَت‬ ‫من الفروع الصغَتة ا‪١‬تعلقة عليها‬ ‫‪ٙ‬تار البلح ‪ .‬وكان بعضهم يأيت‬

‫بعذق َت ناضج أو با‪ٟ‬ت َ َشف‬ ‫الصغَتة ا‪١‬تعلقة عليها ‪ٙ‬تار البلح ‪.‬‬ ‫وكان بعضهم يأيت بعذق َت ناضج‬ ‫أو با‪ٟ‬تشف وهو أردأ التمر ‪ ،‬فأراد‬ ‫اهلل أن ‪٬‬تنبهم هذا ا‪١‬توقف ‪ ،‬حىت ال‬ ‫‪٬‬تعلوا هلل ما يكرهون ‪ ،‬فأنزل هذا‬ ‫القول ا‪ٟ‬تكيم ‪ { :‬ياأيها الذين‬

‫آمنوا أَن ْ ِف ُقوا ْ ِمن َط ِيّب ِ‬ ‫ات َما َك َسب ْ ُت ْم‬ ‫َ‬ ‫}‪.‬‬ ‫إن اإلنفاق ‪٬‬تب أن يكون من‬ ‫الكسب الطيب ا‪ٟ‬تبلل ‪ ،‬فبل تأيت‬ ‫ٔتال من مصدر َت حبلل لتنفق‬ ‫منه عىل أوجه ا‪٠‬تَت ‪ .‬فاهلل طيب ال‬ ‫يقبل إال طيبا ‪ .‬وال يكون اإلنفاق‬

‫من ُرذَال ور ِديء ا‪١‬تال ‪.‬‬ ‫و٭تدد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل وسيلة‬ ‫اإلنفاق من عطائه فيقول ‪َ { :‬و ِ‪٦‬تَّآ‬ ‫أ َ ْخ َر ْجنَا ل َ ُكم ِّم َن األرض } وهو‬ ‫سبحانه يذكرنا دائما حُت يقول ‪:‬‬ ‫{ أَن ْ ِف ُقوا ْ ِمن َط ِيّب ِ‬ ‫َس ُت ْم }‬ ‫ات َما ك َ ب ْ‬ ‫َ‬ ‫أال نظن الكسب هو األصل يف‬

‫الرزق ‪ .‬ال ‪ ،‬إن الكسب هو حركة‬ ‫موهوبة لك من اهلل ‪ .‬إنك أيها‬ ‫العبد إ‪٪‬تا تتحرك بطاقة موهوبة‬ ‫لك من اهلل ‪ ،‬وبفكر ‪٦‬تنوح لك من‬ ‫اهلل ‪ ،‬ويف أرض سخرها لك اهلل ‪،‬‬ ‫إهنا األدوات ا‪١‬تتعددة اليت خصك‬ ‫بها اهلل وليس فيها ما ٘تلكه أنت‬

‫من ذاتيتك ‪ .‬ولكن ا‪ٟ‬تق ٭تًتم‬ ‫حركة اإلنسان وسعيه إىل الرزق‬ ‫فيقول ‪ { :‬أَن ْ ِف ُقوا ْ ِمن َط ِيّب ِ‬ ‫ات َما‬ ‫َ‬ ‫كَ َسب ْ ُت ْم } ‪.‬‬ ‫و٭تذرنا ا‪ٟ‬تق من أن ‪٩‬تتار ا‪٠‬تبيث‬ ‫و َت الصاٌف من نتاج عملنا لننفق‬ ‫منه بقوله سبحانه ‪َ { :‬وال َتَي َ َّم ُموا ْ‬

‫ِ ِ‬ ‫ون } أي ال يصح‬ ‫ا‪٠‬تبيث من ْ ُه ُتنْف ُق َ‬ ‫وال يليق أن نأخذ ألنفسنا طيبات‬ ‫الكسب ونعطي اهلل رديء الكسب‬ ‫وخبيثه؛ ألن الواحد منا ال يرىض‬ ‫لنفسه أن يأخذ لطعامه أو لعياله‬ ‫هذا ا‪٠‬تبيث َت الصاٌف لننفق منه أو‬ ‫لنأكله ‪َ { .‬ول َ ْس ُت ْم بِآ ِخ ِذي ِه إِال َّأَن‬

‫ُتغ ْ ِم ُضوا ْفِي ِه واعلموا أ َ َّن اهلل َ ِ‬ ‫ٍتٌ‬ ‫ّ‬ ‫َِ‬ ‫‪ٛ‬تي ٌد } أي أنك أيها العبد ا‪١‬تؤمن‬ ‫لن ترىض لنفسك أن تأكل من‬ ‫ا‪٠‬تبيث إال إذا أغمضت عينيك ‪ ،‬أو‬ ‫تم تزنيل سعره لك؛ كأن يعرض‬ ‫عليك البائع شيئا متوسط ا‪ٞ‬تودة أو‬ ‫شيئا رديئا ًبسعر يقل عن سعر‬

‫ا‪ٞ‬تيد ‪.‬‬ ‫لقد أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬ ‫يوضح لنا بهذه الصور أوجه‬ ‫اإلنفاق ‪:‬‬ ‫* إن النفقة ال تنقص ا‪١‬تال وإ‪٪‬تا‬ ‫تزيده سبعمائة مرة ‪.‬‬ ‫* إن النفقة ال يصح أن يبطلها‬

‫اإلنسان با‪١‬تن واألذى ‪.‬‬ ‫* إن القول ا‪١‬تعروف خَت من‬ ‫الصدقة ا‪١‬تتبوعة با‪١‬تن أو األذى ‪.‬‬ ‫* إن اإلنفاق ال يكون رئاء الناس‬ ‫إ‪٪‬تا يكون ابتغاء ً‪١‬ترضاة اهلل ‪.‬‬ ‫هذه اْليات الكرٯتة تعاًف آفات‬ ‫اإلنفاق سواء ًآفة الشح أو آفة ا‪١‬تن‬

‫أو األذى ‪ ،‬أو اإلنفاق من أجل‬ ‫التظاهر أمام الناس ‪ ،‬أو اإلنفاق‬ ‫من رديء ا‪١‬تال ‪ .‬وبعد ذلك يقول‬ ‫سبحانه ‪ { :‬الشيطان يَعِ ُد ُك ُم‬ ‫الفقر َويَأ ْ ُم ُر ُكم بالفحشآء ‪} . . .‬‬

‫ان يَعِ ُد ُك ُم ال ْ َفقْ َر َويَأ ْ ُم ُر ُك ْم‬ ‫ال َّشي ْ َط ُ‬ ‫اّلل يَعِ ُد ُك ْم َمغ ْ ِف َرة ً ِمن ْ ُه‬ ‫بِال ْ َف ْح َشاءِ َو ّ َُ‬ ‫وفَ ْض ًبل و َ ِ ِ‬ ‫يم (‪)268‬‬ ‫اّلل َواس ٌع عَل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬

‫إن الشيطان قد يوسوس لكم بأن‬ ‫اإلنفاق إفقار لكم ‪ ،‬و٭تاول أن‬ ‫يصرفكم عن اإلنفاق يف وجوه‬

‫ا‪٠‬تَت ‪ ،‬ويغريكم با‪١‬تعاصي‬ ‫ِ‬ ‫ٍتُحُت يقبض يده‬ ‫والفحشاء ‪ ،‬فالْغ َ ّ‬ ‫عن ا‪١‬تحتاج فإنه يُ ْد ِخل يف قلب‬ ‫ا‪١‬تحتاج ا‪ٟ‬تقد ‪ .‬وأي ‪٣‬تتمع يدخل‬ ‫يف قلبه ا‪ٟ‬تقد ‪٧‬تد كل ا‪١‬تنكرات‬ ‫تنتشر فيه ‪ .‬ويعاًف ا‪ٟ‬تق هذه‬ ‫ا‪١‬تسائل بقوله ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا ا‪ٟ‬تياة‬

‫ِ‬ ‫ب َو َ‪٢‬ت ْ ٌو َوإِن ُت ْؤ ِم ُنوا ْ َوتَتَّ ُقوا ْ‬ ‫الدنيا لَع ٌ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ور ُك ْم َوال َي َ ْسأَل ْ ُك ْم‬ ‫يُ ْؤت ُك ْم أ ُج َ‬ ‫وها‬ ‫أ َ ْم َوال َ ُك ْم * إِن ي َ ْسأَل ْ ُك ُم َ‬ ‫فَي ْح ِف ُك ْم ْ َٓت‬ ‫تَلُوا ْ َو ُٮت ْ ِر ْج أ َ ْضغَان َ ُك ْم‬ ‫ُ‬ ‫} ػ ‪٤‬تمد ‪] 37-36 :‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ال يسألك‬ ‫أن ترد عطاءه لك من ا‪١‬تال ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬

‫يطلب ا‪ٟ‬تق تطهَت ا‪١‬تال باإلنفاق‬ ‫منه يف سبيل اهلل ليزيد ولينمو ‪،‬‬ ‫وليخرج الضغن من ا‪١‬تجتمع؛ ألن‬ ‫الضغن حُت يدخل ‪٣‬تتمعا فعىل هذا‬ ‫ا‪١‬تجتمع السبلم ‪ .‬وال يُفيق‬ ‫ا‪١‬تجتمع من هذا الضغن إال بأن‬ ‫تأتيه ضربة قوية تزلزله ‪ ،‬فينتبه‬

‫إىل ضرورة إخراج الضغن منه‬ ‫لذلك ٭تذرنا اهلل أن نسمع‬ ‫للشيطان ‪ { :‬الشيطان يَعِ ُد ُك ُم‬ ‫الفقر َويَأ ْ ُم ُر ُكم بالفحشآء واهلل‬ ‫يَعِ ُد ُكم َّمغ ْ ِف َرة ً ِّمن ْ ُه َوفَ ْضبل ًواهلل‬ ‫وا ِس ٌع عَلِ‬ ‫يم } ػ البقرة ‪] 268 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫فالذي يسمع لقول الشيطان‬

‫ووعده ‪ ،‬وال يستمع إىل وعد اهلل‬ ‫يصبح كمن ر ّجح عدو اهلل عىل اهلل‬ ‫أعاذنا اهلل وإياكم من مثل هذا‬ ‫ا‪١‬توقف إن الشيطان قد وسوس‬ ‫لكم بالفقر إذا أنفقتم ‪ ،‬وخْبة‬ ‫اإلنسان مع الشيطان تؤكد‬ ‫لئلنسان أن الشيطان كاذب مضلل‬

‫‪ ،‬وخْبة اإلنسان مع اإلٯتان باهلل‬ ‫تؤكد لئلنسان أن اهلل واسع ا‪١‬تغفرة‬ ‫‪ ،‬كثَت العطاء لعباده ‪ .‬وا‪ٟ‬تكمة‬ ‫تقتضي أن نعرف إىل أي الطرق‬ ‫هنتدي ونسَت ‪ .‬وبعد ذلك يقول‬ ‫آء‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬يُ ْؤ ِيت ا ْ‪ٟ‬تِ ْك َمةَ َمن ي َ َش ُ‬

‫َو َمن يُ ْؤ َت ا ِْ‪ٟ‬ت ْك َم َة فَ َق ْد أُ ِويت َ َخ َْتا ً‬ ‫كَثَِتا ً‪} . . .‬‬ ‫يُ ْؤ ِيت ا ْ‪ٟ‬تِ ْك َمةَ َم ْن ي َ َش ُاء َو َم ْن يُ ْؤ َت‬ ‫ا ِْ‪ٟ‬ت ْك َم َة فَ َق ْد أُ ِويت َ َخ َْتًا َكثَِتًا َو َما‬ ‫ي َ َّذ َّك ُر إ َِّال أُولُو ْاألَلْب َ ِ‬ ‫اب (‪)269‬‬

‫وا‪ٟ‬تكمة هي وضع الشيء يف‬ ‫موضعه النافع ‪ .‬فكأن ا‪ٟ‬تق يقول ‪:‬‬ ‫كل ما أمرتكم به هو عُت ا‪ٟ‬تكمة؛‬ ‫ألين أريد أن أُ َؤ ِّم َن حياتكم الدنيا‬ ‫فيمن تًتكون من الذرية الضعفاء‬ ‫‪ ،‬وأُ َؤ ِّم َن لكم سعادة اْلخرة ‪ .‬فإن‬ ‫صنع العبد ا‪١‬تؤمن ما يأمر به اهلل‬

‫فهذا وضع األشياء يف موضعها وهو‬ ‫أخذ با‪ٟ‬تكمة ‪.‬‬ ‫وقد أراد ا‪ٟ‬تق أن يعلم اإلنسان من‬ ‫خبلل عاطفته عىل أوالده ‪ ،‬ألن‬ ‫اإلنسان قد ٘تر عليه فًتة يهون‬ ‫فيها عنده أمر نفسه ‪ ،‬وال ينشغل‬ ‫إال بأمر أوالده ‪ ،‬فقد ‪٬‬توع من أجل‬

‫أن يشبع األوالد ‪ ،‬وقد يعرى من‬ ‫أجل أن يكسوهم ‪ .‬ولنا ا‪١‬تثل‬ ‫الواضح يف سيدنا إبراهيم خليل‬ ‫الر‪ٛ‬تن عليه السبلم ‪ ،‬لقد ابتبله‬ ‫ربه يف بداية حياته باإلحراق يف‬ ‫النار ‪ ،‬وألن إبراهيم قوى اإلٯتان‬ ‫فقد جعل اهلل النار بردا ًوسبلما ً‬

‫‪ .‬وابتبله اهلل يف آخر حياته برؤيا‬ ‫ذبح ابنه ‪ ،‬وألن إبراهيم عظيم‬ ‫اإلٯتان فقد امتثل ألمر الر‪ٛ‬تن‬ ‫الذي افتدى إ‪ٝ‬تاعيل بكبش‬ ‫عظيم ‪ .‬واإلنسان يف العمر‬ ‫ا‪١‬تتأخر يكون تعلقه بأبنائه أكْب‬ ‫من تعلقه بنفسه ‪ .‬وهكذا كان‬

‫الًتيق يف ابتبلء اهلل لسيدنا إبراهيم‬ ‫عليه السبلم ‪ ،‬ولذلك أراد اهلل أن‬ ‫يضرب للبشر عىل هذا الوتر وقال ‪:‬‬ ‫{ َولْي َ ْخ َش الذين ل َ ْو تَ َر ُكوا ْ ِم ْن‬ ‫َخل ْ ِف ِه ْم ُذ ِّريَّةً ِضعَافا ً َخا ُفوا ْعَلَي ْ ِه ْم‬ ‫فَلْيَتَّ ُقواّ اهلل َولْي َ ُقولُوا ْقَ ْوال ً َس ِديدا ً }‬ ‫ػ النساء ‪] 9 :‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه يريد من عباده أن‬ ‫ؤمنوا عىل أوالدهم بالعمل الصاٌف‬ ‫ي ّ‬ ‫والقول السديد ‪.‬‬ ‫ومثال آخر حُت أراد ا‪ٟ‬تق أن ٭تمي‬ ‫مال اليتاىم ‪ ،‬وأعلمنا بدخول موىس‬ ‫عليه السبلم مع العبد الصاٌف الذي‬ ‫أوىت العلم من اهلل ‪ ،‬يقول سبحانه ‪:‬‬

‫{ فانطلقا حىت إِذَآ أَتَيَآ أ َ ْه َل قَ ْري َ ٍة‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫و‪٫‬تا‬ ‫استطعمآ أ ْهلَهَا فَأب َ ْوا ْأن يُ َض ِي ّ ُف ُ َ‬ ‫ض‬ ‫يد أَن يَنقَ َّ‬ ‫فَ َو َج َدا فِيهَا ِج َدارا ًيُ ِر ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ل َ ْو ِشئ ْ َت لتَّ َخ ْذ َت عَلَي ْ ِه‬ ‫فَأقَ َام ُه قَ َ‬ ‫أ َ ْجرا ً} ػ الكهف ‪] 77 :‬‬ ‫كان موىس عليه السبلم ال يعلم علم‬ ‫العبد الصاٌف من أن ا‪ٞ‬تدار كان ٖتته‬

‫كزن ليتيمُت ‪ ،‬كان أبو‪٫‬تا رجبل ً‬ ‫صا‪ٟ‬تا ‪ ،‬وأهل هذه القرية لئام ‪،‬‬ ‫فقد رفضوا أن يطعموا العبد‬ ‫الصاٌف وموىس عليه السبلم ‪ ،‬لذلك‬ ‫كان من الضروري إقامة ا‪ٞ‬تدار‬ ‫حىت ال ينكشف الكزن يف قرية من‬ ‫اللئام ويستولوا عليه وال يأخذ‬

‫الغبلمان كزن أبيهما الذي كان‬ ‫رجبل ًصا‪ٟ‬تا ً‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه يعلمنا أن ن ُ َؤ ِم َن‬ ‫عىل أبنائنا بالعمل الصاٌف ‪ ،‬وهذه‬ ‫هي ا‪ٟ‬تكمة عينها اليت ال يصل إليها‬ ‫أصحاب العقول القادرة عىل‬ ‫الوصول إىل عمق التفكَت السديد‬

‫‪.‬‬ ‫وسيدنا ا‪ٟ‬تسن البصري يعطينا‬ ‫ا‪١‬تثل يف العمل الصاٌف عندما يقول‬ ‫‪١‬تن يدخل عليه طالبا حاجة ‪:‬‬ ‫مرحبا ًٔتن جاء ٭تمل زادي إىل‬ ‫اْلخرة بغَت أجرة ‪ .‬إن سيدنا‬ ‫اٌفسن البصري قد أويت من ا‪ٟ‬تكمة‬

‫ما ‪٬‬تعله ال ينظر إىل ا‪٠‬تَت ٔتقدار‬ ‫زمنه ‪ ،‬ولكن ٔتقدار ما يعود عليه‬ ‫بعد الزمن ‪.‬‬ ‫وقد ضربت من قبل ا‪١‬تثل‬ ‫بالتلميذ الذي َ ِ‪٬‬ت ُّد ويتعب يف‬ ‫دروسه ليحصل عىل النجاح ‪ ،‬بينما‬ ‫أخوه ٭تب لنفسه الراحة والكسل‬

‫‪ .‬ثم ‪٧‬تد التلميذ الذي يتعب هو‬ ‫الذي يرتقي يف ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬بينما‬ ‫الذي ارتىض لنفسه الكسل يصَت‬ ‫صعلوكا ًيف ا‪١‬تجتمع ‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫يقول سبحانه ‪َ { :‬و َمآ أَن َف ْق ُت ْم ِّمن‬ ‫ن َّ َفقَ ٍة أ َ ْو ن َ َذ ْر ُت ْم ِّمن ن َّ ْذ ٍر فَإ َِّن اهلل‬ ‫يعلَمه وما ل ِ َّ ِ‬ ‫ُت ِم ْن أَن ْ َصا ٍر }‬ ‫َْ ُ ُ ََ‬ ‫لظا‪١‬ت ِ َ‬

‫َو َما أَن ْ َف ْق ُت ْم ِم ْن ن َ َف َق ٍة أ َ ْو ن َ َذ ْر ُت ْم ِم ْن‬ ‫اّلل يعلَمه وما ل ِ‬ ‫لظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُت‬ ‫ا‪١‬ت‬ ‫ّ‬ ‫ن َ ْذ ٍر فَإ َِّن َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِم ْن أَن ْ َصا ٍر (‪)270‬‬

‫وقد عرفنا النفقة من قبل ‪ ،‬فما هي‬ ‫مسألة النذر؟ ‪ .‬إن النذر هو أن‬ ‫ُتلزم نفسك بشيء من جنس ما‬

‫شرع اهلل فوق ما أوجب اهلل ‪ .‬فإذا‬ ‫نذرت أن تصلي هلل كل ليلة عددا‬ ‫من الركعات فهذا نذر من جنس‬ ‫ما شرع اهلل؛ ألن اهلل قد شرع‬ ‫الصبلة وفرضها ‪ٜ‬تسة فروض ‪،‬‬ ‫فإن نذرت فوق ما فرضه اهلل فهذا‬ ‫هو النذر ‪ .‬ويقال يف الذي ينذر شيئا‬

‫من جنس ما شرع اهلل فوق ما‬ ‫فرضه اهلل ‪ :‬إن هذا دليل عىل أن‬ ‫العبادة قد َحل َ َت له ‪ ،‬فأحبها‬ ‫وعشقها ‪ ،‬ودليل عىل أنه قارب أن‬ ‫يعرف قدر ربه؛ وأن ربه يستحق‬ ‫منه فوق ما افًتضه عليه ‪ ،‬فكأن اهلل‬ ‫يف افًتاضه كان رحيما ًبنا ‪ ،‬ألنه لو‬

‫فرض ما يستحقه منا ‪١‬تا استطاع‬ ‫واحد أن يفي ْتق اهلل ‪.‬‬ ‫إذن فعندما تنذر أيها العبد ا‪١‬تؤمن‬ ‫نذرا ً‪ ،‬فإنك ُتلزم نفسك بشيء‬ ‫من جنس ما شرع اهلل لك فوق ما‬ ‫فرض اهلل عليك ‪ .‬وأنت ‪٥‬تَت أن‬ ‫تقبل عىل نذر ما ‪ ،‬أو ال تقبل ‪ .‬لكن‬

‫إن نطقت بنذر فقد لزم ‪١ .‬تاذا؟‬ ‫ألنك ألزمت نفسك به ‪ .‬ولذلك‬ ‫فمن التعقل أال يورط اإلنسان‬ ‫نفسه ويسرف يف النذر ‪ ،‬ألنه يف‬ ‫ساعة األداء قد ال يقدر عليه ‪.‬‬ ‫وأهل القرب من اهلل يقولون ‪١‬تن‬ ‫ٮتل بالنذر بعد أن نذر ‪ :‬هل‬

‫جربت ربك فلم ٕتده أهبل ً‬ ‫الستمرار الود ‪ .‬وليس فينا من‬ ‫‪٬‬ترؤ عىل ذلك؛ ألن اهلل أهل لعميق‬ ‫الود ‪ .‬و‪٢‬تذا فمن األفضل أن‬ ‫يًتيث اإلنسان قبل أن ينذر شيئا‬ ‫‪.‬‬ ‫ونقف اْلن عند تذييل اْلية ‪{ :‬‬

‫وما ل ِ َّ ِ‬ ‫ُت ِم ْن أَن ْ َصا ٍر } ‪ .‬إن‬ ‫ََ‬ ‫لظا‪١‬ت ِ َ‬ ‫الظا‪١‬تُت هم من ظلموا أنفسهم؛‬ ‫ألن ا‪ٟ‬تق عرفنا أن ظلم اإلنسان‬ ‫إ‪٪‬تا يكون لنفسه ‪ ،‬وقال لنا ‪ { :‬إ َِّن‬ ‫اهلل ال َي َ ْظلِ ُم الناس َشيْئا ًولكن‬ ‫الناس أ َ ُنفسهم ي َ ْظلِ‬ ‫م‬ ‫ون } ػ‬ ‫َُ ْ ُ َ‬ ‫يونس ‪] 44 :‬‬

‫ومن أشد الظلم للنفس اإلنفاق‬ ‫رياء ً‪ ،‬أو اإلنفاق يف ا‪١‬تعاصي ‪ ،‬أو‬ ‫عدم الوفاء بالنذر ‪ ،‬فليس ‪١‬تن‬ ‫يفعل ذلك أعوان يدفعون عنه‬ ‫عذاب اهلل يف اْلخرة ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫من بعد ذلك ‪ { :‬إِن ُتب ْ ُدوا ْ‬

‫ِ‬ ‫وها‬ ‫الصدقات فَ ِنعِ َّما ه َي َوإِن ُٗت ْ ُف َ‬ ‫وها الفقرآء ‪} . . .‬‬ ‫َو ُت ْؤ ُت َ‬

‫الص َدقَ ِ‬ ‫ات فَ ِنعِ َّما ِه َي َوإ ِْن‬ ‫إ ِْن ُتب ْ ُدوا َّ‬ ‫وها َو ُت ْؤ ُت َ‬ ‫ُٗت ْ ُف َ‬ ‫وها ال ْ ُفقَ َراءَفَ ُه َو َخ َْتٌ‬ ‫ل َ ُك ْم َويُ َك ِّف ُر َعن ْ ُك ْم ِم ْن َس ِيّئَاتِ ُك ْم‬ ‫و َ ِ‬ ‫ون َخبَِتٌ (‪)271‬‬ ‫اّلل ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬ ‫َ ُّ‬

‫فإن أظهرتم الصدقة فنعم ما‬ ‫تفعلون؛ لتكونوا قدوة لغَتكم ‪،‬‬ ‫ولًتدوا الضغن عن ا‪١‬تجتمع ‪ .‬وإن‬ ‫أخفيتم الصدقة وأعطيتموها‬ ‫الفقراء فإن اهلل يكفر عنكم‬ ‫بذلك من سيئاتكم ‪ ،‬واهلل خبَت‬ ‫بالنية وراء إعبلن الصدقة ووراء‬

‫إخفاء الصدقة ‪ .‬والتذييل يف هذه‬ ‫اْلية الكرٯتة ٮتدم قضية إبداء‬ ‫الصدقة وقضية إخفاء الصدقة ‪،‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق خبَت بنية من أبدى الصدقة‬ ‫‪ ،‬فإن كان غنيا ًفعليه أن يبدي‬ ‫الصدقة حىت ٭تمي عرضه من‬ ‫وقوع الناس فيه؛ ألن الناس حُت‬

‫يع‪١‬تون بالغٍت فبل بد أن يعلموا‬ ‫بإنفاق الغٍت ‪ ،‬وإال فقد ٭تسب‬ ‫الناس عىل الغٍت عطاء اهلل له ‪ ،‬وال‬ ‫٭تسبون له النفقة يف سبيل اهلل ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن اهلل يريد أن ٭تمي‬ ‫أعراض الناس من الناس ‪.‬‬ ‫أما إن كان اإلنسان َت ظاهر الغٌت‬

‫فمن ا‪١‬تستحسن أن ٮتفي الصدقة‬ ‫‪ .‬وإن ظهرت الصدقة كما قلت‬ ‫ليتأىس الناس بك ‪ ،‬وليس يف ذهنك‬ ‫الرياء فهذا أيضا مطلوب ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫ِ‬ ‫ون َخبَِتٌ}‬ ‫يقول ‪ { :‬واهلل ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬ ‫أي أن اهلل ‪٬‬تازي عىل قدر نية العبد‬ ‫يف اإلبداء أو يف اإلخفاء ‪.‬‬

‫إنه باستقراء اْليات اليت تعرضت‬ ‫لئلنفاق ‪٧‬تده سبحانه يسد أمام‬ ‫لشح ‪،‬‬ ‫النفس البشرية كل منافذة ا ُ‬ ‫ويقطع عنها كل سبيل ٖتدثه به إذا‬ ‫ما أرادت أن تبخل ٔتا أعطاها اهلل‬ ‫‪ ،‬وا‪٠‬تالق الذي وهب للمخلوق ما‬ ‫وهبه يطلب منه اإلنفاق ‪ ،‬وإذا‬

‫نظرنا إىل األمر يف عرف ا‪١‬تنطق‬ ‫وجدناه أمرا ًطبيعيا؛ ألن اهلل ال‬ ‫يسأل خلقه النفقة ‪٦‬تا َخل َ ُقوا ولكنه‬ ‫يسأ‪٢‬تم النفقة ‪٦‬تا خلقه ‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫إن اإلنسان يف هذا الكون حُت‬ ‫يُطلب إٯتانيا ًمنه أن ينفق فبلزم‬ ‫ذلك أن يكون عنده ما ينفقه ‪ ،‬وال‬

‫ٯتكن أن يكون عنده ما ينفقه إال‬ ‫إذا كان مالكا ًلشيء زاد عىل حاجته‬ ‫وحاجة من يعوله ‪ ،‬وذلك ال يتأىت إال‬ ‫ْتصيلة العمل ‪ .‬إذن فأمر اهلل‬ ‫للمؤمن بالنفقة يقتضي أن يأمره‬ ‫أوال ًبأن يعمل عىل قدر طاقته ال عىل‬ ‫قدر حاجته ‪ ،‬فلو عمل كل إنسان‬

‫من القادرين عىل قدر حاجته ‪،‬‬ ‫فكيف توجد مقومات ا‪ٟ‬تياة ‪١‬تن ال‬ ‫يقدر عىل العمل؟ ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق يريد منا أن نعمل عىل‬ ‫قدر طاقتنا يف العمل لنعول أنفسنا‬ ‫ولنعول من يف واليتنا ‪ ،‬فإذا ما زاد‬ ‫شيء عىل ذلك وهبناه ‪١‬تن ال يقدر‬

‫عىل العمل ‪.‬‬ ‫ولقائل أن يقول ‪ :‬إذا كان اهلل قد‬ ‫أراد أن ٭تنن قلوب ا‪١‬تنفقُت عىل‬ ‫العاجزين فلماذا لم ‪٬‬تعل‬ ‫العاجزين قادرين عىل أن يعملوا‬ ‫هم أيضا ً؟‬ ‫نقول لصاحب هذا القول ‪ :‬إن ا‪ٟ‬تق‬

‫حُت ٮتلق ‪ . .‬ٮتلق كونا ًمتكامبل ً‬ ‫منسجما ًدانت له األسباب ‪ ،‬فرٔتا‬ ‫أطغاه أن األسباب ٗتضع له ‪ ،‬فقد‬ ‫يظن أنه أصبح خالقا ًلكل شيء ‪،‬‬ ‫فحُت تستجيب له األرض إن‬ ‫حرث وزرع ‪ ،‬وحُت يستجيب‬ ‫ا‪١‬تاء له إن أدىل دلوه ‪ ،‬وحُت‬

‫تستجيب له كل األسباب ‪ ،‬رٔتا‬ ‫ظن نفسه أصيبل ًيف الكون ‪.‬‬ ‫فيشاء اهلل أن ‪٬‬تعل القوة اليت تفعل‬ ‫يف األسباب لتنتج ‪ ،‬يشاء سبحانه أن‬ ‫‪٬‬تعلها عرضا ًمن أعراض هذا‬ ‫الكون ‪ ،‬وال ‪٬‬تعلها الزمة من لوازم‬

‫اإلنسان ‪ ،‬فمرة ٕتده قادرا ً‪ ،‬ومرة‬ ‫ٕتده عاجزا ً‪.‬‬ ‫فلو أنه كان بذاتيته قادرا ً‪١‬تا ُو َج َد‬ ‫عَاج ٌز ‪ .‬إذن فوجود العاجزين عن‬ ‫ا‪ٟ‬تركة يف ا‪ٟ‬تياة لفت للناس عىل‬ ‫أهنم ليسوا أصبلء يف الكون ‪ ،‬وأن‬ ‫الذي وهبهم القدرة يستطيع أن‬

‫يسلبهم إياها ليعيدها إىل سواهم ‪،‬‬ ‫فيصبح العاجز باألمس قادرا ًاليوم‬ ‫‪ ،‬ويصبح القادر باألمس عاجزا ً‬ ‫اليوم وبذلك يظل اإلنسان منتبها ً‬ ‫إىل القوة الواهبة اليت استخلفته يف‬ ‫األرض ‪.‬‬ ‫ولذلك كان الفارق بُت ا‪١‬تؤمن‬

‫والكافر يف حركة ا‪ٟ‬تياة أهنما‬ ‫‪٬‬تتمعان يف شيء ‪ ،‬ثم ينفرد ا‪١‬تؤمن‬ ‫يف شيء ‪٬ ،‬تتمعان يف أن كل واحد‬ ‫من ا‪١‬تؤمنُت ومن الكافرين يعمل‬ ‫يف أسباب ا‪ٟ‬تياة لينتج ما يقوته‬ ‫ويقوت من يعول ‪ ،‬ذلك قدر‬ ‫مشًتك بُت ا‪١‬تؤمن والكافر ‪.‬‬

‫والكافر يقتصر عىل هذا السبب يف‬ ‫العمل فيعمل لنفسه و‪١‬تن يعول ‪.‬‬ ‫ولكن ا‪١‬تؤمن يشًتك معه يف ذلك‬ ‫ويزيد أنه يعمل لشيء آخر هو ‪:‬‬ ‫أن يفيض عنه شيء ٯتكن أن‬ ‫يتوجه به إىل َت القادر عىل العمل ‪.‬‬ ‫‪٤‬تتسبا ذلك عند اهلل ‪.‬‬

‫ولذلك قلنا سابقا ‪ :‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫حينما تكلم عن الزكاة تكلم عنها‬ ‫مرة مطلوبة أداء ‪ ،‬وتكلم عنها مرة‬ ‫أخرى مطلوبة اية فقال ‪{ :‬‬ ‫والذين هم لِل َّزكَا ِة فَاعِ‬ ‫ل‬ ‫ون } ‪ .‬ولم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫يقل للزكاة مؤدون ‪ ،‬فا‪١‬تؤمنون ال‬ ‫يعلمون لقصد الزكاة إال إن عملوا‬

‫عمبل عىل قدر طاقاهتم ليقوهتم‬ ‫وليقوت من يعو‪٢‬تم ‪ ،‬ثم يفيض‬ ‫منهم شيء يؤدون عنه الزكاة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف أمر الزكاة ‪:‬‬ ‫َِ‬ ‫يموا ْالصبلة َوآ ُتوا ْالزكاة َو َما‬ ‫{ َوأق ُ‬ ‫ُتقَ ِ ّدموا ْألَن ْ ُف ِس ُكم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت َ ِٕت ُد ُوه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ب َ ِصَتٌ}‬ ‫عن َد اهلل إ َِّن اهلل ٔتَا تَعْ َمل ُ َ‬

‫ػ البقرة ‪] 110 :‬‬ ‫إذن فحصيلة األمر أن الزكاة‬ ‫مقصودة ‪٢‬تم حُت يقبلون عىل أي‬ ‫عمل ‪ .‬لقد صارت الزكاة بذلك‬ ‫األمر اإل‪٢‬تي مطلوبة اية ‪ ،‬فهي‬ ‫أحد أركان اإلسبلم وبذلك يتميز‬ ‫ا‪١‬تؤمن عىل الكافر ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت تعرض‬ ‫لشح يف النفس البشرية‬ ‫‪١‬تنابع ا ُ‬ ‫أوضح ‪ :‬أن أول شيء تتعرض له‬ ‫النفس البشرية أن اإلنسان ٮتاف‬ ‫من النفقة ألهنا تنقص ما عنده ‪،‬‬ ‫وقد حذر رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم من الشح يف قوله ‪ « :‬اتقوا‬

‫الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم‬ ‫القيامة ‪ ،‬واتقوا الشح؛ فإن الشح‬ ‫أهلك من كان قبلكم ‪ٛ‬تلهم عىل‬ ‫أن سفكوا دماءهم واستحلوا‬ ‫‪٤‬تارمهم » ‪ .‬هي كذلك ‪ ،‬ولكن‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه أوضح لكل مؤمن ‪:‬‬ ‫أهنا تنقص ما عندك ‪ ،‬ولكنها‬

‫تزيدك ‪٦‬تا عند اهلل؛ فهي إن‬ ‫أنقصت ‪ٙ‬ترة فعلك فقد أكملتك‬ ‫بفعل اهلل لك ‪ .‬وحُت تكملك‬ ‫بفعل اهلل لك ‪٬ ،‬تب أن تقارن بُت‬ ‫قوة ‪٥‬تلوقة عاجزة وقوة خالقة قادرة‬ ‫‪.‬‬ ‫ويلفتنا سبحانه ‪ :‬أن ننظر جيدا ًإىل‬

‫بعض خلقه وهي األرض ‪ ،‬األرض‬ ‫اليت نضع فيها البذرة الواحدة أي‬ ‫ا‪ٟ‬تبة الواحدة فإهنا تعْ ِطي سبع‬ ‫سنابل يف كل سنبلة مائة حبة ‪ ،‬فلو‬ ‫نظر اإلنسان أول األمر إىل أن ما‬ ‫يضعه يف األرض حُت ٭ترث‬ ‫ويزرع يقلل من ‪٥‬تازنه ‪١‬تا زرع‬

‫و‪١‬تا غرس ‪ ،‬ولكنه عندما نظر ‪١‬تا‬ ‫تعطيه األرض من سبعمائة ضعف‬ ‫أقبل عىل البذر ‪ ،‬وأقبل عىل ا‪ٟ‬ترث‬ ‫َت هياب؛ ألهنا ستعوضه أضعاف‬ ‫أضعاف ما أعىط ‪.‬‬

‫وإذا كانت األرض وهي ‪٥‬تلوقة هلل‬ ‫تعطي هذا العطاء ‪ ،‬فكيف يكون‬ ‫عطاء خالق األرض؟ { َّمث َ ُل الذين‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل‬ ‫يُنْف ُق َ‬ ‫َك َمث َ ِل َحب َّ ٍة أَنبَت َ ْت َسب ْ َع َسنَابِ َل ِيف‬ ‫كُ ّ ِل ُسنبُل َ ٍة ِّماْئَ ُة َحب َّ ٍة واهلل يُ َضا ِع ُف‬ ‫ِ‪١‬تَن ي َ َشآء واهلل وا ِس ٌع عَلِ‬ ‫يم } ػ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫البقرة ‪] 261 :‬‬ ‫إذن فقد س ّد ا‪ٟ‬تق بهذا ا‪١‬تثل عىل‬ ‫لشح ‪ .‬وشيء‬ ‫النفس البشرية منفذ ا ُ‬ ‫آخر تتعرض له اْليات ‪ ،‬وهو أن‬ ‫اإلنسان قد ُ٭ت ْ َرج يف ‪٣‬تتمعه من‬ ‫سائل يسأله فهو يف حرصه عىل ماله‬ ‫ال ٭تب أن ينفق ‪ ،‬و‪ٟ‬ترصه عىل‬

‫مكانته يف الناس ال ٭تب أن ٯتنع ‪،‬‬ ‫فهو يعطي ولكن بتأفف ‪ ،‬ورٔتا‬ ‫تعدى تأففه إىل هنر الذي سأله‬ ‫وزجره ‪ ،‬فقال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ليسد ذلك ا‪١‬توقف ‪ { :‬قَ ْو ٌل‬ ‫وف َو َمغ ْ ِف َرةٌ َخ َْتٌ ِّمن َص َدقَ ٍة‬ ‫َّمعْ ُر ٌ‬ ‫يَتْبعهَآ أَذًى واهلل َ ِ ِ‬ ‫يم } ػ‬ ‫ٍتٌ َحل ٌ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬

‫البقرة ‪] 263 :‬‬ ‫وف َو َمغ ْ ِف َرةٌ‬ ‫وقول اهلل ‪ { :‬قَ ْو ٌل َّمعْ ُر ٌ‬ ‫} يدل عىل أن ا‪١‬تسئول قد أحفظه‬ ‫سؤال السائل وأغضبه اإلحراج ‪،‬‬ ‫ويطلب ا‪ٟ‬تق من مثل هذا اإلنسان‬ ‫أن يغفر ‪١‬تن يسأله هذه الزلة إن‬ ‫كان قد اعتْب سؤاله له ذنبا ً‪ { :‬قَ ْو ٌل‬

‫وف َو َمغ ْ ِف َرةٌ َخ َْتٌ ِّمن َص َدقَ ٍة‬ ‫َّمعْ ُر ٌ‬ ‫يَتْبعهَآ أَذًى واهلل َ ِ ِ‬ ‫يم } ػ‬ ‫ٍتٌ َحل ٌ‬ ‫َُ‬ ‫ّ‬ ‫البقرة ‪] 263 :‬‬ ‫وبعد ذلك يتعرض ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل إىل « ا‪١‬تن » الذي يفسد‬ ‫العطاء؛ ألنه ‪٬‬تعل اْلخذ يف ذلة‬ ‫وانكسار ‪ ،‬ويريد ا‪١‬تعطي أن يكون‬

‫يف عزة العطاء ويف استعبلء ا‪١‬تنفق ‪،‬‬ ‫فهو يقول ‪ :‬إنك إن فعلت ذلك‬ ‫ستتعدى الصدقة منك إىل الغَت‬ ‫فيفيد ‪ ،‬ولكنك أنت ا‪٠‬تاسر؛ ألنك‬ ‫لن تفيد بذلك شيئا ‪ ،‬وإن كان قد‬ ‫استفاد السائل ‪ .‬إذن فحرصا عىل‬ ‫نفسك ال تتبع الصدقة با‪١‬تن وال‬

‫باألذى ‪.‬‬ ‫ثم يأيت ا‪ٟ‬تق ليعاًف منفذا من منافذ‬ ‫الشح يف النفس البشرية هو ‪ :‬أن‬ ‫اإلنسان قد ٭تب أن يعطي ‪ ،‬ولكنه‬ ‫حُت ٘تتد يده إىل العطاء يعز عليه‬ ‫إنفاق ا‪ٞ‬تيد من ماله ا‪ٟ‬تسن ‪،‬‬ ‫فيستبقيه لنفسه ثم يعزل األشياء‬

‫اليت تزهد فيها نفسه ليقدمها‬ ‫صدقة فينهانا سبحانه عن ذلك‬ ‫فيقول ‪َ { :‬وال َتَي َ َّم ُموا ْا‪٠‬تبيث ِمن ْ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ون َول َ ْس ُت ْم بِآ ِخ ِذي ِه إِال َّأَن‬ ‫ُتنْف ُق َ‬ ‫ُتغ ْ ِم ُضوا ْفِي ِه } ػ البقرة ‪] 267 :‬‬ ‫أي إن مثل هذا لو أُعىط لك ‪١‬تا قبلته‬ ‫إال أن تغمض وتتسامح يف أخذه‬

‫وكأنك ال تبصر عيبه لتأخذه ‪ ،‬فما‬ ‫لم تقبله لنفسك فبل يصح أن تقبله‬ ‫لسواك ‪ .‬ثم بعد أن تكلم القرآن‬ ‫لشح يف النفس‬ ‫عن منافذ ا ُ‬ ‫اإلنسانية بُت لنا أن الذي ينتج‬ ‫هذه ا‪١‬تنافذ ويغذيها إ‪٪‬تا هو‬ ‫الشيطان ‪:‬‬

‫{ الشيطان يَعِ ُد ُك ُم الفقر‬ ‫َويَأ ْ ُم ُر ُكم بالفحشآء واهلل يَعِ ُد ُكم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يم‬ ‫َّمغْف َرة ً ّمن ْ ُه َوفَ ْضبل ًواهلل َواس ٌع عَل ٌ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 268 :‬‬ ‫فإن س ّويتم بُت عِ َد ِة الشيطان‬ ‫ووعد اهلل لكم بالرضوان كان‬ ‫ا‪٠‬تسران والضياع ‪ .‬فراجعوا‬

‫إٯتانكم ‪ ،‬وعليكم أن ٕتعلوا عدة‬ ‫الشيطان مدحورة أمام وعد اهلل‬ ‫لكم بالفضل وا‪١‬تغفرة ‪.‬‬ ‫ثم يتكلم بعد ذلك عن زمن‬ ‫الصدقة وعن حال إنفاقها ظاهرة‬ ‫أو باطنة وتكون النية عندك هي‬ ‫ا‪١‬ترجحة لعمل عىل عمل ‪ ،‬فإذا‬

‫كنت إنسانا غنيا فارحم عرضك‬ ‫من أن يتناوله الناس وتصدق‬ ‫صدقة علنية فيما هو واجب عليك‬ ‫لتحمي عرضك من مقو‪٢‬تم ‪ ،‬وأن‬ ‫أردت أن تتصدق تطوعا فبل مانع‬ ‫أن ُتسر بها حىت ال تعلم مشالك ما‬ ‫أنفقت ٯتينك ‪ . .‬فعن ابن عباس‬

‫رضي اهلل عنهما ‪ :‬صدقات السر‬ ‫يف التطوع تفضل عبلنيتها سبعُت‬ ‫ضعفا ‪ ،‬وصدقة الفريضة عبلنيتها‬ ‫أفضل من سرها ٓتمسة وعشرين‬ ‫ضعفا ‪.‬‬ ‫وكأن اهلل فتح أمام النفس البشرية‬ ‫كل منافذ العطاء وسد منافذ الشح ‪.‬‬

‫انظروا بعد ذلك إىل ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫حينما ٭تمي ضعاف ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫ليجعلهم يف ‪ٛ‬تاية أقوياء ا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬ ‫اعلم أيها العبد ا‪١‬تؤمن أنك حُت‬ ‫تتلىق حكم اهلل ال تتلقاه عىل أنه‬ ‫مطلوب منك دائما ‪ ،‬ولكن عليك‬ ‫أن تتلىق ا‪ٟ‬تكم عىل أنه قد يَصَت‬

‫بتصرفات األغيار مطلوبا لك ‪،‬‬ ‫فإن كنت غنيا فبل تعتقد أن اهلل‬ ‫يطالبك دائما ‪ ،‬ولكن قَ ّد ْر أنك إن‬ ‫أصبحت بعرض األغيار يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫فقَتا ًسيكون اٌفكم مطلوبا ًلك ‪.‬‬ ‫فقدر حال كونه مطلوبا ًمنك اْلن؛‬ ‫ألنك ٍت أنّه سيطلُب لك إن‬

‫حصلت لك أغيار ‪ ،‬فصرت بها‬ ‫فقَتا ً‪.‬‬ ‫إذن فالتشريع لك وعليك ‪ ،‬فبل‬ ‫تعتْبه عليك دائما ألنك إن‬ ‫اعتْبته عليك دائما عزلت‬ ‫نفسك عن أغيار ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وأغيار‬ ‫ا‪ٟ‬تياة قائمة ال ٯتكن أن يْبأ منها‬

‫أحد أبدا لذلك أمر سبحانه ا‪١‬تؤم َن‬ ‫أن يكفل أخاه ا‪١‬تؤمن ‪.‬‬ ‫انظروا إىل طموحات اإلٯتان يف‬ ‫النفس اإلنسانية ‪ ،‬حىت الذين ال‬ ‫يشًتكون معك يف اإلٯتان ‪ .‬إن‬ ‫ُطلب منك أن تعطي الصدقة‬ ‫ا‪١‬تفروضة الواجبة ألخيك ا‪١‬تؤمن‬

‫فقد طلب منك أيضا أن تتطوع‬ ‫بالعطاء ‪١‬تن ليس مؤمنا ‪ .‬وتلك‬ ‫ميزة يف اإلسبلم ال توجد أبدا يف‬ ‫َته من األديان ‪ ،‬إنه ٭تمي حىت‬ ‫َت ا‪١‬تؤمن ‪ .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ك ُه َد ُاه ْم ولكن اهلل‬ ‫لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء ‪} . . .‬‬ ‫يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬

‫ك ُه َد ُاه ْم َول َ ِك َّن َّ‬ ‫لَي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫اّللَ‬ ‫يَهْ ِدي َم ْن ي َ َش ُاء َو َما ُتن ْ ِف ُقوا ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت‬ ‫ِ‬ ‫فَ ِؤلَن ْ ُ ِس‬ ‫ون إ َِّال ابْتِغَاءَ‬ ‫ف ُك ْم َو َما ُتنْف ُق َ‬ ‫و ْج ِه َ ِ‬ ‫اّلل َو َما ُتن ْ ِف ُقوا ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت يُ َو َّف‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ون (‪)272‬‬ ‫إِلَي ْ ُك ْم َوأن ْ ُت ْم َال ُت ْظل َ ُم َ‬

‫ما أصل هذه ا‪١‬تسألة؟‬ ‫أصل هذه ا‪١‬تسألة أن بعض‬ ‫السابقُت إىل اإلسبلم كانت ‪٢‬تم‬ ‫قرابات لم تسلم ‪ .‬وكان هؤالء‬ ‫األقرباء من ق‬ ‫الفراء وكان‬ ‫ا‪١‬تسلمون ٭تبون أن يعطوا هؤالء‬ ‫األقارب الفقراء شيئا من ما‪٢‬تم ‪،‬‬

‫ولكنهم ٖترجوا أن يفعلوا ذلك‬ ‫فسألوا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يف هذا األمر ‪.‬‬ ‫وهاهي ذي أ‪ٝ‬تاء بنت أيب بكر‬ ‫الصديق وأمها « ُقتَيْل َ َة » كانت‬ ‫مازالت كافرة ‪ .‬وتسأل أ‪ٝ‬تاء‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أن‬

‫تعطي من ما‪٢‬تا شيئا ألمها حىت‬ ‫تعيش وتقتات ‪ .‬ويزنل ا‪ٟ‬تق‬ ‫ك‬ ‫سبحانه قوله ‪ { :‬لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء‬ ‫ُه َد ُاه ْم ولكن اهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫} ‪ « ،‬وعن أ‪ٝ‬تاء بنت أيب بكر‬ ‫رضي اهلل عنهما قالت ‪ :‬قدمت‬ ‫عىل أمي وهي مشركة يف عهد رسول‬

‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم فاستفتيت‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫قدمت عل ّي أمي وهي راغبة‬ ‫قلت ‪ْ :‬‬ ‫‪ .‬أفأصل أ ّمي؟ قال ‪ » :‬نعم صلي‬ ‫ّأم ِ‬ ‫ك « ‪ .‬ولقد أراد بعض من‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت أن يضيقوا عىل أقاربهم‬ ‫‪٦‬تن لم يؤمنوا حىت يؤمنوا ‪ ،‬لكن‬

‫الر‪ٛ‬تن الرحيم يزنل القول‬ ‫ك ُه َد ُاه ْم‬ ‫الكريم ‪ { :‬لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء } ‪.‬‬ ‫ولكن اهلل َ ْيهدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫إنه الدين ا‪١‬تتسامي ‪ .‬دين يريد أن‬ ‫نعول ا‪١‬تخلوق يف األرض من عطاء‬ ‫الربوبية وإن كان ال يلتقي معنا يف‬ ‫عطاء األلوهية؛ ألن عطاء األلوهية‬

‫تكليف ‪ ،‬وعطاء الربوبية رزق‬ ‫وتربية ‪.‬‬ ‫والرزق والًتبية مطلوبات لكل من‬ ‫كان عىل األرض؛ ألننا نعلم أن‬ ‫أحدا ًيف الوجود لم يستدع نفسه يف‬ ‫الوجود ‪ ،‬وإ‪٪‬تا استدعاه خالقه ‪ ،‬وما‬ ‫دام ا‪٠‬تالق األكرم هو الذي استدىع‬

‫العبد مؤمنا ًأو كافرا ً‪ ،‬فهو ا‪١‬تتكفل‬ ‫برزقه ‪ .‬والرزق شيء ‪ ،‬ومنطقة‬ ‫اإلٯتان باهلل شيء آخر ‪ ،‬فيقول‬ ‫ك ُه َد ُاه ْم ولكن‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء } ‪.‬‬ ‫اهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫ا‪ٟ‬تث‬ ‫أو أن اْلية حينما نزلت يف ّ‬ ‫عىل النفقة رٔتا أن بعض الناس‬

‫تكاسل ‪ ،‬ورٔتا كان بعض ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫يعمدون إىل الرديء من أموا‪٢‬تم‬ ‫فينفقونه ‪.‬‬ ‫وإذا كان اإلسبلم قد جاء ليواجه‬ ‫النفس البشرية بكل أغيارها وبكل‬ ‫خواطرها ‪ ،‬فليس بعجيب أن‬ ‫يعا‪ٞ‬تهم من ذلك ويردهم إىل‬

‫الصواب إن خطرت ‪٢‬تم خاطرة‬ ‫تسيء إىل السلوك اإلٯتاين ‪.‬‬ ‫وكان رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ٭تب حُت يزنل أي أمر أن‬ ‫يلتفت ا‪١‬تسلمون إليه لفتة اإلقبال‬ ‫ْترارة عليه ‪ ،‬فإذا رأى هتاونا ًيف‬ ‫شيء من ذلك حزن ‪ ،‬فيوضح له اهلل‬

‫‪ :‬عليك أن تبلغهم أمر اهلل يف‬ ‫النفقة ‪ ،‬وما عليك بعد ذلك أن‬ ‫ك ُه َد ُاه ْم‬ ‫يطيعوا ‪ { .‬لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء } ‪.‬‬ ‫ولكن اهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫ولقائل أن يقول ‪ :‬ما دام اهلل هو‬ ‫الذي يهدي فيجب أن نًتك‬ ‫الناس عىل ما هم عليه من إٯتان أو‬

‫كفر ‪ ،‬وما علينا إال الببلغ ‪ ،‬ونقول‬ ‫ألصحاب هذا الرأي ‪ :‬تنبهوا إىل‬ ‫معطيات القرآن فيما يتعلق بقضية‬ ‫واحدة ‪ ،‬هذه القضية اليت ‪٨‬تن‬ ‫بصددها هي ا‪٢‬تداية ‪ ،‬ولنستقرئ‬ ‫اْليات ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬فسنجد أن الذين‬ ‫يرون أن ا‪٢‬تداية من اهلل ‪ ،‬وأنه ما‬

‫كان يصح له أن يعذب عاصيا ً‪٢ ،‬تم‬ ‫وجهة نظر ‪ ،‬والذين يقولون ‪ :‬إن‬ ‫له سبحانه أن يعذبهم؛ ألنه ترك‬ ‫‪٢‬تم ا‪٠‬تيار ‪٢‬تم وجهة نظر ‪ ،‬فما‬ ‫وجهة النظر المختلفة حىت يصَت‬ ‫األمر عىل قدر سواء من الفهم؟‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حينما‬

‫وىح ‪ ،‬فهو‬ ‫يتكلم يف قرآنه الكبلم ا‪١‬ت َ‬ ‫يطلب منا أن نتدبره ‪ ،‬ومعٌت أن‬ ‫نتدبره أال ننظر إىل واجهة النص‬ ‫ولكن ‪٬‬تب أن ننظر إىل خلفية‬ ‫النص ‪.‬‬

‫َ‬ ‫ون } يعٍت ال تنظر إىل‬ ‫{ أفَبل َيَت َ َدبّ َُر َ‬ ‫الوجه ‪ ،‬ولكن انظر ما يواجه الوجه‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫وهو ا‪٠‬تلف ‪ { .‬أفَبل َيَت َ َدبّ َُر َ‬ ‫القرآن } ػ النساء ‪] 82 :‬‬ ‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد قال ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫ود فَهَ َديْن َ ُاه ْم فاستحبوا‬ ‫َوأ َّما ‪ٙ‬تَ ُ ُ‬ ‫الع ىم عَىلَ ا‪٢‬تدى } ػ فصلت ‪17 :‬‬

‫]‬ ‫كيف يكون اهلل قد هداهم ‪ ،‬ثم‬ ‫بعد ذلك يستحبون الع ىم عىل‬ ‫ا‪٢‬تدى؟ إذن معٌت « هدام » أي‬ ‫د‪٢‬تم عىل ا‪٠‬تَت ‪ .‬وحُت د َّ‪٢‬تم عىل‬ ‫ا‪٠‬تَت فقد ترك فيهم قوة الًتجيح‬ ‫بُت البدائل ‪ ،‬فلهم أن ٮتتاروا هذا‬

‫‪ ،‬و‪٢‬تم أن ٮتتاروا هذا ‪ ،‬فلما‬ ‫هداهم اهلل ود َّ‪٢‬تم استحبوا الع َىم‬ ‫عىل ا‪٢‬تدى ‪ .‬واهلل يقول لرسوله يف‬ ‫نصُت آخرين يف القرآن الكريم ‪:‬‬ ‫{ إِن ّ ََك ال َهتَ ْ ِدي َم ْن أ َ ْحبَب ْ َت } ػ‬ ‫القصص ‪] 56 :‬‬ ‫فنىف عنه أنه يهدي ‪ .‬وأثبت له ا‪ٟ‬تق‬

‫ا‪٢‬تداية يف آية أخرى يقول فيها ‪{ :‬‬ ‫وإِن ّ ََك لتهدي إىل ِص َر ٍ‬ ‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬ ‫يم‬ ‫َ‬ ‫} ػ الشورى ‪] 52 :‬‬ ‫فكيف يثبت اهلل فعبل ًواحدا ًلفاعل‬ ‫واحد ثم ينفي الفعل ذاته عن‬ ‫الفاعل ذاته؟ نقول ‪٢‬تم ‪ :‬رسول‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم أن يدل‬

‫الناس عىل منهج اهلل ولكن ليس‬ ‫عليه أن ٭تملهم عىل منهج اهلل؛ ألن‬ ‫ذلك ليس من عمله هو ‪ ،‬فإذا قال‬ ‫اهلل ‪ { :‬إِن ّ ََك لتهدي } أي ال ٖتمل‬ ‫بالقصر والقهر من أحببت ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫أنت « هتدي » أي تدل فقط ‪،‬‬ ‫وعليك الببلغ وعلينا ا‪ٟ‬تساب ‪.‬‬

‫ك‬ ‫إذن فقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫آء‬ ‫ُه َد ُاه ْم ولكن اهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫} ليس فيه حجة عىل القسرية‬ ‫اإلٯتانية اليت يريد بعض‬ ‫ا‪١‬تتحللُت أن يدخلوا منها إىل منفذ‬ ‫التحلل النفسي عن منهج اهلل‬ ‫ونقول ‪٢‬تؤالء ‪ :‬فيه فرق بُت هداية‬

‫الداللة وهداية ا‪١‬تعونة ‪ ،‬فاهلل‬ ‫الممن ويهدي الكافر أي‬ ‫يهدي ؤ‬ ‫يد‪٢‬تم ‪ ،‬ولكن من آمن به يهديه‬ ‫هداية ا‪١‬تعونة ‪ ،‬ويهديه هداية‬ ‫التوفيق ‪ ،‬ويهديه هداية ٗتفيف‬ ‫أعمال الطاعة عليه ‪.‬‬ ‫ك ُه َد ُاه ْم ولكن اهلل‬ ‫{ لَّي ْ َس عَلَي ْ َ‬

‫ِ‬ ‫آء َو َما ُتن ْ ِف ُقوا ْ ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت‬ ‫يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬ ‫فَؤلَن ْ ُف ِس ُكم } تلك قضية تعاًف‬ ‫لشح منطقيا ً‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫معط من ا‪٠‬تلق‬ ‫ا ُ‬ ‫عطاؤه عائد إليه هو ‪ ،‬وال يوجد‬ ‫ٍ‬ ‫معط عطاؤه ال يعود عليه إال اهلل ‪ ،‬هو‬ ‫وحده الذي ال يعود عطاؤه ‪٠‬تلقه‬ ‫عليه ‪ ،‬ألنه سبحانه أزال وقدٯتا‬

‫وقبل أن ٮتلق ا‪٠‬تلق له كل صفات‬ ‫الكمال ‪ ،‬فعطاء اإلنسان يعود إىل‬ ‫اإلنسان وعطاء ربنا يعود إلينا ‪.‬‬ ‫ولذلك قال بعض السلف الذين‬ ‫‪٢‬تم ‪١‬تحة إٯتانية ‪ :‬ما فعلت ألحد‬ ‫خَتا ًقط؟ فقيل له ‪ :‬أتقول ذلك‬ ‫وقد فعلت لفبلن كذا ولفبلن كذا‬

‫ولفبلن كذا؟ فقال ‪ :‬إ‪٪‬تا فعلته‬ ‫لنفسي ‪.‬‬ ‫فكأنه نظر حينما فعل للغَت أنه‬ ‫فعل لنفسه ‪ .‬ولقد قلنا سابقا ‪ :‬إن‬ ‫العارف باهلل « ا‪ٟ‬تسن البصري »‬ ‫كان إذا دخل عليه من يسأله ه ّش‬

‫يف وجهه وب ّش وقال له ‪ :‬مرحبا ًٔتن‬ ‫جاء ٭تمل زادي إىل اْلخرة بغَت‬ ‫أجرة ‪.‬‬ ‫إذن فقد نظر إىل أنه يعطيه وإن كان‬ ‫يأخذ منه ‪ .‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫يعاًف يف هذه القضية { َو َما ُتن ْ ِف ُقوا ْ‬ ‫ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت فَؤلَن ْ ُف ِس ُك ْم } أي إياكم‬

‫أن تظنوا أنٍت أطلب منكم أن‬ ‫تعطوا َتكم ‪ ،‬لقد طلبت منكم‬ ‫أن تنفقوا ألزيدكم أنا يف النفقة‬ ‫والعطاء ‪ ،‬ثم يقول ‪َ { :‬و َما ُتن ْ ِف ُقوا ْ‬ ‫ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت يُ َو َّف إِلَي ْ ُك ْم } ومعٌت‬ ‫التوفية ‪ :‬األداء الكامل ‪ .‬وال تظنوا‬ ‫أنكم تنفقون عىل من ينكر‬

‫معروفكم؛ ألن ما أنفقتم من خَت‬ ‫فاهلل به عليم ‪ .‬إذن فاجعل نفقتك‬ ‫عند من ‪٬‬تحد ‪ ،‬وال ٕتعل نفقتك‬ ‫عند من ٭تمد ‪ ،‬ألنك بذلك قد‬ ‫أخذت جزاءك ‪٦‬تن ٭تمدك وليس‬ ‫لدى اهلل جزاء لك ‪.‬‬ ‫كنت أقول دائما للذين يشكون‬

‫من الناس نكران ا‪ٞ‬تميل ونسيان‬ ‫ا‪١‬تعروف ‪ :‬أنتم ا‪١‬تستحقون‬ ‫لذلك؛ ألنكم جعلتموهم يف‬ ‫بالكم ساعة أنفقتم عليهم ‪ ،‬ولو‬ ‫جعلتم اهلل يف بالكم ‪١‬تا حدث ذلك‬ ‫منهم أبدا ً‪َ { .‬و َما ُتن ْ ِف ُقوا ْ ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت‬ ‫ِ‬ ‫ون إِال َّابتغآء‬ ‫فَؤلَن ْ ُف ِس ُك ْم َو َما ُتنْف ُق َ‬

‫َو ْج ِه اهلل } أهذه اْلية تزكية‬ ‫لعمل ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬أم خْب أريد به‬ ‫األمر؟ إهنا االثنان معا ‪ ،‬فهي تعٍت‬ ‫أنفقوا ابتغاء وجه اهلل ‪َ { .‬و َما‬ ‫ُتن ْ ِف ُقوا ْ ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت يُ َو َّف إِلَي ْ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم ال َ‬ ‫ون } أنتم ال تظلمون من‬ ‫ُت ْظل َ ُم َ‬ ‫ا‪٠‬تلق ‪ ،‬وال تظلمون من ا‪٠‬تالق ‪ ،‬أما‬

‫من ا‪٠‬تلق فقد استْبأتم دينكم‬ ‫وعرضكم حُت أديتم بعض حقوق‬ ‫اهلل يف أموالكم ‪ ،‬فلن يعتدي أحد‬ ‫عليكم ليقول ما يقول ‪ ،‬وأما عند‬ ‫اهلل فهو سبحانه يويف ا‪٠‬تَت أضعاف‬ ‫أضعاف ما أنفقتم فيه ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يتكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل عن مصرف من مصارف‬ ‫النفقة كان يف صدر اإلسبلم ‪{ :‬‬ ‫لِل ْ ُفقَرآءِ الذين أُ ِ‬ ‫حص ُروا ْ ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫َ‬ ‫اهلل ال َيَست َ ِ‬ ‫يع‬ ‫ط‬ ‫ون َض ْربا ً ِيف األرض‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫}‬

‫لِل ْ ُفقَ َراءِ ال َّ ِذي َن أُ ْح ِص ُروا ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل‬ ‫اّلل َال يست َ ِ‬ ‫يع‬ ‫ط‬ ‫ون َض ْربًا ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫ُ‬ ‫َّ ِ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ٭تْسب ُهم ا‪ٞ‬تَْا ِه ُل أ َ ْغ ِنياءَ ِم َن التَّعَ ّف ِ‬ ‫ُف‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫تَعْ ِر ُفهم بِ ِسيماهم َال يسأ َ‬ ‫ل‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ َْ َ‬ ‫اس إِ ْ‪ٟ‬تَافًا َو َما ُتن ْ ِف ُقوا ِم ْن َخ ْ ٍ‬ ‫َت فَإ َِّن‬ ‫النَّ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫يم (‪)273‬‬ ‫ّ‬ ‫اّللَ بِه عَل ٌ‬

‫ساعة أن نسمع « جارا ًو‪٣‬ترورا ً»‬ ‫قد استهلت به آية كرٯتة فنعلم أن‬ ‫هناك متعلقا ً‪ .‬ما هو الذي للفقراء؟‬ ‫هو هنا النفقة ‪ ،‬أي أن النفقة‬ ‫للفقراء الذين أحصروا يف سبيل‬ ‫اهلل ‪ .‬وإذا سألنا ‪ :‬ما معٌت « أحصروا‬ ‫» فإننا ‪٧‬تد أن هناك « َحصر »‬

‫وهناك « أحصر » وكبلمهما فيه‬ ‫ا‪١‬تنع ‪ ،‬إال أن ا‪١‬تنع مرة يأيت ٔتا ال‬ ‫تقدر أنت عىل دفعه ‪ ،‬ومرة يأيت ٔتا‬ ‫تقدر عىل دفعه ‪.‬‬ ‫فالذي مرض مثبل ًو ُح ِص َر عىل‬ ‫الضرب يف األرض ‪ ،‬أكانت له قدرة‬ ‫أن يفعل ذلك؟ ال ‪ ،‬ولكن الذي أراد‬

‫أن يضرب يف األرض فمنعه إنسان‬ ‫مثله فإنه يكون ‪٦‬تنوعا ً‪ ،‬إذن فيئول‬ ‫األمر من األمرين إىل ا‪١‬تنع ‪ ،‬فقد‬ ‫يكون ا‪١‬تنع من النفس ذاهتا أو منع‬ ‫من وجود فعل الغَت ‪ ،‬فهم أحصروا‬ ‫يف سبيل اهلل ‪ُ .‬ح ِص ُروا ألن‬ ‫الكافرين يضيقون عليهم منافذ‬

‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬أو َح َص ُروا أنفسهم عىل‬ ‫ا‪ٞ‬تهاد ‪ ،‬ولم ٭تبوا أن يشتغلوا‬ ‫بغَته؛ ألن اإلسبلم كان ال يزال يف‬ ‫حاجة إىل قوم ‪٬‬تاهدون ‪ .‬وهؤالء‬ ‫الصفة { لِل ْ ُفقَ َرآءِ الذين‬ ‫هم أهل ُّ‬ ‫ِيل اهلل ال َيَست َ ِ‬ ‫أُ ِ‬ ‫يع‬ ‫ط‬ ‫حص ُروا ْ ِيف َسب ِ‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َض ْربا ً ِيف األرض } وعدم‬

‫استطاعتهم ناشئ من أمر خارج‬ ‫عن إرادهتم أو من أمر كان يف‬ ‫نيتهم وهو أن يرابطوا يف سبيل اهلل‬ ‫‪ ،‬هذا من ا‪ٞ‬تائز وذاك من ا‪ٞ‬تائز ‪.‬‬ ‫وكان األنصار يأتون بالتمر‬ ‫ويًتكونه يف سبائطه ‪ ،‬ويعلقونه يف‬ ‫حبال مشدودة إىل صواري ا‪١‬تسجد‬

‫‪ ،‬وكلما جاع واحد من أهل الصفة‬ ‫أخذ عصاه وضرب سباطة لتمر ‪،‬‬ ‫فيزنل بعض التمر فيأكل ‪ ،‬وكان‬ ‫البعض يأيت إىل الرديء من التمر‬ ‫والشيص ويضعه ‪ ،‬وهذا هو ما قال‬ ‫اهلل فيه ‪َ { :‬وال َتَي َ َّم ُموا ْا‪٠‬تبيث ِمن ْ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ون َول َ ْس ُت ْم بِآ ِخ ِذي ِه إِال َّأَن‬ ‫ُتنْف ُق َ‬

‫ُتغ ْ ِم ُضوا ْفِي ِه } ‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا إىل قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ون َض ْربا ً ِيف األرض } و «‬ ‫ي َ ْستَط ُيع َ‬ ‫الضرب » هو فعل ِمن جارحة‬ ‫بشدة عىل متأثر بهذا الضرب ‪ ،‬وما‬ ‫هو الضرب يف األرض؟ إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يريد أن يبُت لنا أن‬

‫الكفاح يف ا‪ٟ‬تياة ‪٬‬تب أن يكون يف‬ ‫منتىه القوة ‪ ،‬وإنك حُت تذهب يف‬ ‫األرض فعليك أن تضربها حرثا ً‪،‬‬ ‫وتضربها بذرا ً‪ ،‬ال تأخذ األمر‬ ‫بهوادة ولُت ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ُه َو الذي َجعَ َل ل َ ُك ُم األرض ذَلُوال ً‬ ‫فامشوا ِيف َمنَا ِكبِهَا َوكُلُوا ْ ِمن ِّرزْقِ ِه‬

‫َوإِلَي ْ ِه النشور } ػ ا‪١‬تلك ‪] 15 :‬‬ ‫إن األرض مسخرة من ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه لئلنسان ‪ ،‬يسىع فيها ‪،‬‬ ‫ويضرب فيها ويأكل من رزق اهلل‬ ‫الناتج منها ‪.‬‬ ‫وحُت يقول اهلل سبحانه يف وصف‬ ‫الذين أحصروا يف سبيل اهلل فبل‬

‫يستطيعون الضرب يف األرض {‬ ‫َ٭ت ْ َسب ُ ُه ُم ا‪ٞ‬تاهل أ َ ْغ ِنيَآءَ ِم َن التعفف‬ ‫} أي يظنهم ا‪ٞ‬تاهل بأحوا‪٢‬تم‬ ‫أهنم أغنياء ‪ ،‬وسبب هذا الظن هو‬ ‫تركهم للمسألة ‪ ،‬وإذا كان التعفف‬ ‫هو ترك ا‪١‬تسألة فاهلل يقول بعدها ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫يم ُاه ْم ال َي َ ْسأل ُ َ‬ ‫{ تَعْ ِر ُف ُهم بِس َ‬

‫الناس إِ ْ‪ٟ‬تَافا ً} والسمة هي العبلمة‬ ‫ا‪١‬تميزة اليت تدل عىل حال صاحبها‬ ‫‪ ،‬فكأنك ستجد فيهم خشوعا ً‬ ‫وانكسارا ًورثاثة هيئة وإن لم‬ ‫يسألوا أو يطلبوا ‪ ،‬ولكنك تعرفهم‬ ‫من حالتهم اليت تستحق اإلنفاق‬ ‫عليهم ‪ ،‬وإذا كان التعفف هو ترك‬

‫ا‪١‬تسألة فاهلل يقول بعدها ‪ { :‬ال َ‬ ‫يسأ َ‬ ‫ل‬ ‫ون الناس إِ ْ‪ٟ‬تَافا ً} فكأنه أباح‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫‪٣‬ترد السؤال ولكنه هنى عن اإل‪ٟ‬تا ٍح‬ ‫واإل‪ٟ‬تاف فيه ‪ ،‬ولو أهنم سألوا ‪٣‬ترد‬ ‫سؤال ببل إ‪ٟ‬تاف وال إ‪ٟ‬تاح أ َ َما كان‬ ‫هذا دليبل ًعىل أهنم ليسوا أغنياء؟‬ ‫نعم ‪ ،‬لكنه قال ‪َ { :‬٭ت ْ َسب ُ ُه ُم‬

‫ا‪ٞ‬تاهل أ َ ْغ ِنيَآءَ ِم َن التعفف } إذن‬ ‫فليس هناك سؤال ‪ ،‬ال سؤال عىل‬ ‫إطبلقه ‪ ،‬ومن باب أوىل ال إ‪ٟ‬تاف يف‬ ‫السؤال؛ بدليل أن ا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫يم ُاه ْم } ‪ ،‬ولو أهنم‬ ‫تَعْ ِر ُف ُهم بِس َ‬ ‫سألوا لكنا قد عرفناهم بسؤا‪٢‬تم ‪،‬‬ ‫إذن فاْلية تدلنا عىل أن ا‪١‬تنفي هو‬

‫مطلق السؤال ‪ ،‬وأما كلمة «‬ ‫اإل‪ٟ‬تاف » فجاءت ‪١‬تعٌت من ا‪١‬تعاين‬ ‫اليت يقصد إليها أسلوب اإلعجازي‬ ‫‪ ،‬ما هو؟‬ ‫إن « السيما » كما قلنا هي العبلمة‬ ‫ا‪١‬تميزة اليت تدل عىل حال صاحبها‬ ‫‪ ،‬فكأنك ستجد خشوعا ًوانكسارا ً‬

‫ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أي‬ ‫أنت تعرفهم من حالتهم البائسة ‪،‬‬ ‫فإذا ما سأل السائل بعد ذلك اعتْب‬ ‫سؤاله إ‪ٟ‬تاحا ً؛ ألن حاله تدل عىل‬ ‫ا‪ٟ‬تاجة ‪ ،‬ومادامت حالته تدل عىل‬ ‫ا‪ٟ‬تاجة فكان ‪٬‬تب أن ‪٬‬تد من يكفيه‬

‫السؤال ‪ ،‬فإذا ما سأل ‪٣‬ترد سؤاله‬ ‫فكأنه أ‪ٟ‬تف يف ا‪١‬تسألة وأٌف عليها ‪.‬‬ ‫وأيضا يريد اٌفق من ا‪١‬تؤمن أن‬ ‫تكون له فراسة نافذة يف أخيه ْتيث‬ ‫يتبُت أحواله بالنظرة إليه وال يدعه‬ ‫يسأل ‪ ،‬ألنك لو عرفت ب «‬

‫السيما » فأنت ذكي ‪ ،‬أنت فطن ‪،‬‬ ‫أنا لو لم تعرف ب « السيما »‬ ‫وتنتظر إىل أن يقول لك ويسألك ‪،‬‬ ‫إذن فعندك تقصَت يف فطنة النظر ‪،‬‬ ‫فهو سبحانه وتعاىل يريد من ا‪١‬تؤمن‬ ‫أن يكون فطن النظر ْتيث‬ ‫يستطيع أن يتفرس يف وجه إخوانه‬

‫ا‪١‬تؤمنُت لَتى من عليه هم ا‪ٟ‬تاجة‬ ‫ومن عنده خواطر العوز ‪ ،‬فإذا ما‬ ‫عرف ذلك يكون عنده فطانة‬ ‫إٯتانية ‪.‬‬ ‫ولنا العْبة يف تلك الواقعة ‪ ،‬فقد دق‬ ‫أحدهم الباب عىل أحد العارفُت‬ ‫فخرج ثم دخل وخرج ومعه شيء ‪،‬‬

‫فأعطاه الطارق ثم عاد باكيا ًفقالت‬ ‫له امرأته ‪ :‬ما يبكيك؟ ‪ .‬قال ‪ :‬إن‬ ‫فبلنا ًطرق بايب ‪ .‬قالت ‪ :‬وقد‬ ‫أعطيته فما الذي أبكاك؟ ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫ألين تركته إىل أن يسألٍت ‪.‬‬ ‫إن العارف باهلل بىك؛ ألنه أحس‬ ‫ٔتسئولية ما كان ‪٬‬تب عليه أن‬

‫يعرفه بفراسته ‪ ،‬وأن يتعرف عىل‬ ‫أخبار إخوانه ‪ .‬ولذلك شرع اهلل‬ ‫اجتماعات ا‪ٞ‬تمعة حىت يتفقد‬ ‫اإلنسان كل أخ من إخوانه ‪ ،‬ما‬ ‫الذي أقعده ‪ :‬أحاجة أم مرض؟‬ ‫أحدث أم مصيبة؟ وحىت ال ٭توجه‬ ‫إىل أن يذل ويسأل ‪ ،‬وحُت يفعل‬

‫ذلك يكون له فطنة اإلٯتان ‪َ { .‬و َما‬ ‫ُتن ِف ُقوا ْ ِ‬ ‫َت فَإ َِن اهلل بِ ِه عَلِ‬ ‫م‬ ‫ٍ‬ ‫يم }‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪٬‬تب أن تعلم أنه قبل أن تعطي قد‬ ‫علم اهلل أنك ستعطي ‪ ،‬فاألمر‬ ‫‪٤‬تسوب عنده ٔتيزان ‪ ،‬و‪٬‬تيء‬ ‫تصرف خلقه عىل وفق قدره ‪ ،‬وما‬ ‫قدره قدٯتا يلزم حاليا ‪ ،‬وهو‬

‫سبحانه قد قدر؛ ألنه علم أن عبده‬ ‫سيفعل وقد فعل ‪ .‬وكل فعل من‬ ‫األفعال له زمن ٭تدث فيه ‪ ،‬وله‬ ‫هيئة ٭تدث عليها ‪ .‬والزمن ليل أو‬ ‫هنار ‪.‬‬ ‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل مبينا‬ ‫حاالت اإلنفاق واألزمان اليت‬

‫٭تدث فيها وذلك يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫الذين يُن ْ ِ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم باليل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫والنهار ِس ّرا ً َوعَبلَنِيَةً‪} . . .‬‬

‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم بِاللَّي ْ ِل‬ ‫ال َّ ِذي َن يُنْف ُق َ‬ ‫َوالنَّهَا ِر ِس ًّرا َوع َ َبلنِيَةً فَل َ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم‬

‫ِعن ْ َد َر ِبّ ِه ْم َو َال َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم َو َال ُه ْم‬ ‫ون (‪)274‬‬ ‫َ٭ت ْ َزن ُ َ‬

‫إن ا‪١‬تسألة يف اإلنفاق تقتضي‬ ‫أمرين ‪ :‬إما أن تنفق سرا ً‪ ،‬وإما أن‬ ‫تنفق عبلنية ‪ .‬والزمن هو الليل‬ ‫والنهار ‪ ،‬فحصر اهلل الزمان وا‪ٟ‬تال‬

‫يف أمرين ‪ :‬الليل والنهار فإياك أن‬ ‫ٖتجز عطيّةً تريد أن تعطيها وتقول‬ ‫‪ « :‬بالنهار أفعل أو يف الليل أفعل؛‬ ‫ألنه أفضل » وتتعلل ٔتا يعطيك‬ ‫الفسحة يف تأخَت العطاء ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق‬ ‫يريد أن تتعدى النفقة منك إىل‬ ‫الفقَت ليبل ًأو هنارا ً‪ ،‬ومسألة الليلية‬

‫والنهارية يف الزمن ‪ ،‬ومسألة‬ ‫السرية والعلنية يف الكيفية ال‬ ‫مدخل ‪٢‬تا يف إخبلص النية يف‬ ‫العطاء ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم باليل‬ ‫{ الذين يُنْف ُق َ‬ ‫والنهار ِس ّرا ً َوعَبلَنِيَةً فَل َ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم‬ ‫ِعن َد َر ِبّ ِه ْم } أقالت اْلية ‪ :‬الذين‬

‫ينفقون أموا‪٢‬تم بالليل أو النهار؟‬ ‫ال ‪ ،‬لقد طلب من كل منا أن يكون‬ ‫إنفاقه ليبل ًوهنارا ًوقال ‪ « :‬سرا ً‬ ‫وعبلنية » فأنفق أنت ليبل ً‪ ،‬وأنفق‬ ‫أنت هنارا ‪ ،‬وأنفق أنت سرا ً‪،‬‬ ‫وأنفق أنت عبلنية ‪ ،‬فبل ٖتدد‬ ‫اإلنفاق ال بليل وال بنهار ‪ ،‬ال بزمن‬

‫وال بكيفية وال ْتال ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه استوعب زمن‬ ‫اإلنفاق ليبل ًوهنارا ‪ ،‬واستوعب‬ ‫أيضا ًالكيفية اليت يكون عليها‬ ‫اإلنفاق سرا ًوعبلنية ليشيع اإلنفاق‬ ‫يف كل زمن بكل هيئة ‪ ،‬وهنا يقول‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عن هؤالء ‪{ :‬‬

‫فَل َ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن َد َر ِبّ ِه ْم } وهذا‬ ‫القول يدل عىل عموم من يتأىت منه‬ ‫اإلنفاق ليبل ًأو هنارا ً‪ ،‬سرا ًأو عبلنية‬ ‫‪.‬‬ ‫وإن كان بعض القوم قد قال ‪ :‬إهنا‬ ‫قيلت يف مناسبة خاصة ‪ ،‬وهي أن‬ ‫اإلمام عليًّا كرم اهلل وجهه ورىض‬

‫عنه كانت عنده أربعة دراهم ‪،‬‬ ‫فتصدق بواحد هنارا ً‪ ،‬وتصدق‬ ‫بواحد ليبل ‪ ،‬وتصدق بواحد سرا ً‪،‬‬ ‫وتصدق بواحد عبلنية ‪ ،‬فزنلت‬ ‫اْلية يف هذا ا‪١‬توقف ‪ ،‬إال أن قول‬ ‫اهلل ‪ { :‬فَل َ ُه ْم } يدل عىل عموم‬ ‫ا‪١‬توضوع ال عىل خصوص السبب ‪،‬‬

‫فكأن ا‪ٞ‬تزاء الذي رتبه سْتانه‬ ‫وتعاىل عىل ذلك شائع عىل كل من‬ ‫يتأىت منه هذا العمل ‪.‬‬ ‫وقول اهلل ‪ { :‬فَل َ ُه ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن َد‬ ‫َر ِبّ ِه ْم } هنا ‪٧‬تد أن كلمة « أجر »‬ ‫تعطينا ‪١‬تحة يف موقف ا‪١‬تؤمن من‬ ‫أداءات اإلنفاق كلها؛ ألن األجر ال‬

‫يكون إال عن عمل فيه ‪ٙ‬تن لشيء‬ ‫‪ ،‬ويف أجر لعمل ‪ .‬فالذي تستأجره‬ ‫ال يقدم لك شيئا إال ‪٣‬تهودا ‪ ،‬هذا‬ ‫ا‪١‬تجهود قد ينشأ عنه ُمث ْ َم ٌن ‪ ،‬أ َ ْي‬ ‫شيء له ‪ٙ‬تن ‪ ،‬فقول اهلل { فَل َ ُه ْم‬ ‫أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن َد َربِّ ِه ْم } يدل عىل أن‬ ‫ا‪١‬تؤمن ‪٬‬تب أن ينظر إىل كل شيء‬

‫جاء عن عمل فاهلل يطلب منه أن‬ ‫ينفق منه ‪.‬‬ ‫إن اهلل ال يعطيه ‪ٙ‬تن ما أنفق ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬ ‫يعطيه اهلل أجر العمل ‪١ ،‬تاذا؟ ألن‬ ‫ا‪١‬تؤمن الذي يضرب يف األرض‬ ‫ٮتطط بفكره ‪ ،‬والفكر ‪٥‬تلوق هلل ‪،‬‬ ‫وينفذ التخطيط الذي خططه‬

‫بفكره بوساطة طاقاته وأجهزته؛‬ ‫وطاقا ُته وأجهزته ‪٥‬تلوقة هلل ‪،‬‬ ‫ويتفاعل مع ا‪١‬تادة اليت يعمل فيها ‪،‬‬ ‫وكلها ‪٥‬تلوقة هلل ‪ ،‬فأي شيء ٯتلكه‬ ‫اإلنسان يف هذا كله؟ ال الفكر الذي‬ ‫ٮتطط ‪ ،‬وال الطاقة اليت تفعل ‪ ،‬وال‬ ‫ا‪١‬تادة اليت تنفعل؛ فكلها هلل ‪.‬‬

‫إذن فأنت فقط لك أجر عملك؛‬ ‫ألنك ُتعمل فكرا ‪٥‬تلوقا هلل ‪،‬‬ ‫بطاقة ‪٥‬تلوقة هلل ‪ ،‬يف مادة ‪٥‬تلوقة هلل‬ ‫‪ ،‬فإن نتج منها شيء أراد اهلل أن‬ ‫يأخذه منك ألخيك العاجز الفقَت‬ ‫فإنه يعطيك أجر عملك ال ‪ٙ‬تن‬ ‫عملك ‪ .‬لكن ا‪١‬تساوي لك يف‬

‫ا‪٠‬تلق هو اإلنسان إن أخذ منك‬ ‫حصيلة عملك فهو يعطيك ‪ٙ‬تن ما‬ ‫أخذ منك ‪ ،‬فهي من ا‪١‬تخلوق‬ ‫ا‪١‬تساوي « ‪ٙ‬تن » ‪ ،‬وهي من ا‪٠‬تالق‬ ‫األعىل أجر؛ ألنك ال ٘تلك شيئا يف‬ ‫كل ذلك ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ َخ ْو ٌف‬

‫ون } وا‪٠‬توف‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم َوال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫هو ا‪ٟ‬تذر من شيء يأيت ‪ ،‬فمن‬ ‫ا‪٠‬تائف؟ من ا‪١‬تخوف؟ ومن‬ ‫ا‪١‬تخوف عليه؟ { َوال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫} ‪٦‬تن؟‬ ‫‪٬‬توز أن يكون { َوال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم‬ ‫} من أنفسهم؛ فقد ٮتاف الطالب‬

‫عىل نفسه من أن يرسب ‪ ،‬فالنفس‬ ‫واحدة خائفة و‪٥‬توف عليها ‪ ،‬إهنا‬ ‫خائفة اْلن و‪٥‬توف عليها بعد اْلن ‪.‬‬ ‫فالتلميذ عندما ٮتاف أن يرسب ‪،‬‬ ‫ال يقال ‪ :‬إن ا‪٠‬تائف هو عُت‬ ‫ا‪١‬تخوف؛ ألن هذا يف حاله ‪ ،‬وهذا‬ ‫يف حاله ‪.‬‬

‫أو { َوال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم } من َتهم‬ ‫‪ ،‬فمن ا‪ٞ‬تائز أن يكون حول كثَت‬ ‫من األغنياء أناس ‪ٛ‬تىق حُت يرون‬ ‫أيدي هؤالء مبسوطة با‪٠‬تَت للناس‬ ‫فيغمروهنم ليمسكوا ‪٥‬تافة أن‬ ‫يفتقروا كأن يقولوا ‪٢‬تم ‪« :‬‬ ‫استعدوا للزمن فوراءكم عيالكم‬

‫» ‪ .‬لكن أهل ا‪٠‬تَت ال يستمعون‬ ‫‪٢‬تؤالء ا‪ٟ‬تمىق ‪.‬‬ ‫إذن ف { َوال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم } ال من‬ ‫أنفسهم ‪ ،‬وال من ا‪ٟ‬تمىق حو‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫ون }‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫أي ال خوف عليهم اْلن ‪ ،‬وال حزن‬ ‫عندهم حُت يواجهون ْتقائق‬

‫ا‪٠‬تَت اليت ادخرها اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل ‪٢‬تم بل إهنم سيفرحون ‪.‬‬ ‫بعد ذلك يتعرض ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل إىل قضية من أخطر قضايا‬ ‫العصر ‪ ،‬وهذه القضية كان والبد‬ ‫أن يتعرض ‪٢‬تا القرآن؛ ألنه يتكلم‬ ‫عن النفقة وعن اإلنفاق وال شك أن‬

‫ذلك يقتضي من ِفقا وم فَنقا ًعليه؛‬ ‫شحوا ‪،‬‬ ‫ألنه عاجز ‪ ،‬فهب أن الناس ّ‬ ‫ولم ينفقوا ‪ ،‬فماذا يكون موقف‬ ‫العاجز الذي ال ‪٬‬تد؟ إن موقفه ال‬ ‫يتعدى أمرين ‪ :‬إما أن يذهب‬ ‫فيقًتض ‪ ،‬وإن لم يقبل أحد أن‬ ‫يقرضه فهو يأخذ بالربا والزيادة‬

‫وإال فكيف يعيش؟‬ ‫إذن فاْليات اليت ‪٨‬تن بصددها‬ ‫تع ّرضت للهيكل االقتصادي يف أمة‬ ‫إسبلمية جوادة ‪ ،‬أو أمة إسبلمية‬ ‫ٓتيلة شحيحة ‪١ ،‬تاذا؟‬ ‫ألن الذي خلق ا‪٠‬تلق قد صنع حسابا‬ ‫دقيقا لذلك ا‪٠‬تلق ‪ْ ،‬تيث لو‬

‫أحصيت ما ‪٬‬تب عىل الواجدين من‬ ‫زكاة ‪ ،‬وأحصيت ما ٭تتاج إليه من ال‬ ‫يقدر ألن به عجزا طبيعيا عن‬ ‫العمل ‪ ،‬لوجدت العاجزين‬ ‫٭تتاجون ‪١‬تثل ما يفيض عن‬ ‫القادرين ببل زيادة أو نقصان ‪ ،‬وإال‬ ‫كان هناك خطأ والعياذ باهلل يف‬

‫حساب ا‪٠‬تالق ‪ ،‬وال ٯتكن أن يتأىت‬ ‫ذلك أبدا ً‪.‬‬ ‫وحُت ننظر إىل ا‪١‬تجتمعات يف‬ ‫تكوينها ‪٧‬تد أن إنسانا ًغنيا يف مكان‬ ‫قد نبا به مكانه ‪ ،‬واختار أن يقيم يف‬ ‫مكان آخر ‪ ،‬فيعجب الناس ‪١‬تاذا‬

‫ترك ذلك ا‪١‬تكان وه و يف يسر‬ ‫ورخاء وغٌت؟ رٔتا لو كان فقَتا ً‬ ‫لقلنا طلبا للسعة ‪ ،‬فلماذا خرج من‬ ‫هذا ا‪١‬تكان وهو واجد ‪ ،‬وهو عىل هذا‬ ‫ا‪ٟ‬تال من اليسر؟ إهنم لم يفطنوا‬ ‫إىل أن اهلل الذي خلق ا‪٠‬تلق يُدير‬ ‫كونه بتسخَت وتوجيه ا‪٠‬تواطر‬

‫اليت ٗتطر يف أذهان الناس ‪ ،‬فتجد‬ ‫مكانه قد نبا به ‪ ،‬وامتؤلت نفسه‬ ‫بالقلق ‪ ،‬واختار أن يذهب إىل مكان‬ ‫آخر ‪.‬‬ ‫ولو أن عندنا أجهزة إحصائية‬ ‫دقيقة وحسبنا ا‪١‬تحتاجُت يف البيئة‬ ‫اليت انتقل منها لوجدنا قدرا من‬

‫ا‪١‬تال زائد عىل حاجة الذين‬ ‫يعيشون يف هذه البيئة؛ فوجهه اهلل‬ ‫إىل مكان آخر ٭تتاج إىل مثل هذا‬ ‫الكم منه ‪ .‬وهكذا ٕتد التبادل‬ ‫منظما ‪ .‬فإن رأيت إنسانا ‪٤‬تتاجا‬ ‫أو إنسانا يريد أن يرايب فاعلم أن‬ ‫هناك تقصَتا ًيف حق اهلل ا‪١‬تعلوم وال‬

‫أقول يف ا‪ٟ‬تق َت ا‪١‬تعلوم ‪ .‬أي أن‬ ‫الغٍت ٓتل ٔتا ‪٬‬تب عليه إنفاقه‬ ‫للمحتاج ‪.‬‬ ‫والقرآن حُت يواجه هذه ا‪١‬تسألة‬ ‫فهو يواجهها مواجهة ُتب ِّشع العمل‬ ‫الربوي تبشيعا ‪٬‬تعل ال فنس‬ ‫اإلنسانية ا‪١‬تستقيمة التكوين‬

‫تنفر منه فيقول سبحانه ‪ { :‬الذين‬ ‫يأ ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ربا‬ ‫ا‬ ‫ون‬ ‫ون إِال َّكَ َما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫يق‬ ‫وم الذي يَت َ َخب َّ ُط ُه الشيطان ِم َن‬ ‫َُ ُ‬ ‫ا‪١‬تس ‪} . . .‬‬ ‫ال َّ ِذين يأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ون‬ ‫ون إ َِّال‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫يق‬ ‫ان‬ ‫وم ال َّ ِذي يَت َ َخب َّ ُط ُه ال َّ ي ْ‬ ‫ش َط ُ‬ ‫َك َما َ ُ ُ‬

‫ك بِأ َ َّهن ُ ْم قَالُوا إ َِّ‪٪‬تَا الْبَي ْ ُع‬ ‫ِم َن ا ْ‪١‬ت َ ِ ّس ذَل ِ َ‬ ‫ِ لِ َ َ‬ ‫اّلل الْبَي ْ َع َو َح َّر َم‬ ‫مث ْ ُل ا ّربَا َوأ َح ّل َّ ُ‬ ‫ال ّ ِربَا فَ َم ْن َجاءَ ُه َم ْو ِع َظ ٌة ِم ْن َر ِبّ ِه‬ ‫فَانْت َ َىه فَل َ ُه ما سل َ َف وأ َ ْمر ُه إ َِىل َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ك أ َ ْص َحا ُب النَّا ِر ُه ْم‬ ‫َو َم ْن عَادَ فَأُولَئِ َ‬ ‫فِيها َخال ِ‬ ‫ون (‪)275‬‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ْ‬ ‫ون } ‪،‬‬ ‫وانظروا إىل كلمة { يَأكُل ُ َ‬ ‫هل كل حاجات ا‪ٟ‬تياة أكل؟ ال ‪،‬‬ ‫فحاجات ا‪ٟ‬تياة كثَتة ‪ ،‬األكل‬ ‫بعضها ‪ ،‬ولكن األكل أهم شيء‬ ‫فيها؛ ألنه وسيلة استبقاء النفس ‪.‬‬ ‫و { الربا } هو األمر الزائد ‪ ،‬وما‬ ‫دام هو األمر الزائد يعٍت هو ال‬

‫٭تتاج أن يأكل ‪ ،‬فهذا تقريع له ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يريد أن يبشع هذا األمر‬ ‫فيقول ‪٢ :‬تم ‪ٝ‬تة ‪ .‬هذه السمة قال‬ ‫العلماء أهي يف اْلخرة يتميزون بها‬ ‫يف ا‪١‬تحشر ‪ ،‬كما يقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫يم ُاه ْم } ػ‬ ‫يُعْ َر ُف ا‪١‬تجرمون بِس َ‬ ‫الر‪ٛ‬تن ‪] 41 :‬‬

‫فهؤالء َت ا‪١‬تصلُت ‪٢‬تم عبلمة‬ ‫‪٦‬تيزة ‪ ،‬وهؤالء َت ا‪١‬تزكُت ‪٢‬تم‬ ‫عبلمة أخرى ‪٦‬تيزة ْتيث إذا‬ ‫رأيتهم عرفتهم بسيماهم ‪،‬‬ ‫وأهنم من أي صنف من أصناف‬ ‫العصاة فكأهنم حُت يقومون يوم‬ ‫القيامة يقومون مصروعُت كالذي‬

‫يتخبطه ويضربه الشيطان من‬ ‫ا‪١‬تس فيصرعه ‪ ،‬أو أن ذلك أمر‬ ‫حاصل ‪٢‬تم يف الدنيا ‪ ،‬ولنبحث‬ ‫هذا األمر ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ون إِال َّ‬ ‫{ الذين يَأ ل ُك َ‬ ‫ون الربا ال َي َ ُقو ُم َ‬ ‫يق‬ ‫وم الذي يَت َ َخب َّ ُط ُه الشيطان‬ ‫كَ َما َ ُ ُ‬ ‫ِم َن ا‪١‬تس } ‪ .‬نريد أن نعرف كلمة‬

‫« التخبط » وكلمة « الشيطان »‬ ‫وكلمة « ا‪١‬تس » ‪ « .‬التخبط » هو‬ ‫الضرب عىل َت استواء وهدى ‪،‬‬ ‫أنت تقول ‪ :‬فبلن يتخبط ‪ ،‬أي أن‬ ‫حركته َت رتيبة ‪َ ،‬ت منطقية ‪،‬‬ ‫حركة ليس ‪٢‬تا ضابط ‪ ،‬ذلك هو‬ ‫التخبط ‪ .‬و « الشيطان » جنس من‬

‫خلق اهلل؛ ألن اهلل قال لنا ‪ :‬إنه خلق‬ ‫اإلنس وا‪ٞ‬تن ‪ ،‬وا‪ٞ‬تن منهم‬ ‫شياطُت ‪ ،‬وجن مطلق ‪ ،‬والشيطان‬ ‫هو عاصي ا‪ٞ‬تن ‪ .‬و‪٨‬تن لم نر‬ ‫الشيطان ‪ ،‬ولكننا علمنا به بوساطة‬ ‫إعبلم ا‪ٟ‬تق الذي آمنا به فقال ‪ :‬أنا‬ ‫يل خلقا مستًت ‪ ،‬ولذلك ‪ٝ‬تيته ا‪ٞ‬تن‬

‫‪ ،‬من االستتار ومنه ا‪١‬تجنون أي‬ ‫ا‪١‬تستور عقله ‪ ،‬والعاصي من هذا‬ ‫ا‪٠‬تلق ا‪ٝ‬ته « شيطان » ‪.‬‬ ‫إذن فإٯتاننا به ال عن حس ‪ ،‬ولكن‬ ‫عن إٯتان بغيب أخْبنا به من آمنا‬ ‫به ‪ .‬وحُت ‪٧‬تد شيئا ًا‪ٝ‬ته اإلٯتان‬ ‫‪٬‬تب أن نعرف أنه متعلق بشيء َت‬

‫ُ‪٤‬تس؛ ألن ا‪١‬تُحس ال يقال لك ‪:‬‬ ‫آمن به؛ ألنه مشهود لك ‪ ،‬فأنا ال‬ ‫أقول ‪ :‬أنا أؤمن بأن ا‪١‬تصباح منَت‬ ‫اْلن ‪ ،‬أنا ال أؤمن بأننا ‪٣‬تتمعون يف‬ ‫ا‪١‬تسجد اْلن ‪ ،‬ال أقول ذلك ألن‬ ‫هذا واقع مشهود و ُ‪٤‬ت ّس ‪ .‬إذن‬ ‫فاألمر اإلٯتاين يتعلق بالغيب ‪ ،‬مثل‬

‫اإلٯتان بوجود ا‪١‬تبلئكة ‪ .‬فإذا ما‬ ‫كنا قد آمنا بالغيب ‪٧‬تد ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يعطي لنا صورة‬ ‫للشيطان ‪ ،‬ولكنه حُت يعطينا‬ ‫صورة للشيطان أو لرأس الشيطان‬ ‫ا‪١‬تميزة له ‪ ،‬كما أن رءوسنا ‪٨‬تن هي‬ ‫اليت ٘تيزنا يتكلم سبحانه عن‬

‫شجرة الزقوم فيقول جل شأنه ‪{ :‬‬ ‫إ َِّهنَا َش َج َرةٌ َٗت ْ ُر ُج يف أ َ ْص ِل ا‪ٞ‬تحيم *‬ ‫َ‬ ‫وس الشياطُت } ػ‬ ‫َطل ْ ُعهَا كَأن ّ َُه ُر ُء ُ‬ ‫الصافات ‪] 65-64 :‬‬ ‫وشجرة الزقوم يف اْلخرة يف النار ‪،‬‬ ‫إذن فنحن ال نراها ‪ ،‬ورءوس‬ ‫الشياطُت ال نراها ‪ ،‬فكيف يشبه‬

‫اهلل ما لم نره ٔتا لم نره ‪ ،‬يشبه‬ ‫شيئا ‪٣‬تهوال ًبشيء ‪٣‬تهول؟ نقول ‪:‬‬ ‫نعم ‪ ،‬وذلك أمر مقصود لئلعجاز‬ ‫القرآين؛ ألن للشيطان صورة‬ ‫متخيلة بشعة ‪ ،‬بدليل أنك لو‬ ‫طلبت من رسامي العالم يف فن‬ ‫الكاريكاتَت ‪ ،‬وقلت ‪٢‬تم ‪ :‬ار‪ٝ‬توا لنا‬

‫صورة الشيطان ‪ ،‬ولم تعطهم‬ ‫مبلمح صورة ‪٤‬تددة ‪ ،‬فكل منهم‬ ‫يرسم وفق ٗتيله كيانا ً اية يف‬ ‫القبح ‪ :‬فهذا يصوره بالقبح من‬ ‫ناحية ‪ ،‬وذلك يصوره بالقبح من‬ ‫ناحية أخرى ْتيث لو ‪ٚ‬تعت‬ ‫الرسوم ‪١‬تا اٖتد رسم مع رسم ‪.‬‬

‫إذن فكل واحد يستبشع صورة‬ ‫ير‪ٝ‬تها ‪ .‬وساعة نعطي ا‪ٞ‬تائزة ‪١‬تن‬ ‫رسم صورة الشيطان أنعطي‬ ‫ا‪ٞ‬تائزة أل‪ٚ‬تلهم صورة أم‬ ‫ألقبحهم صورة؟ إننا نعطي ا‪ٞ‬تائزة‬ ‫لصاحب أشد الصور قبحا ‪ .‬إذن‬ ‫فصورة الشيطان ا‪١‬تتمثلة صورة‬

‫بشعة قبيحة ‪ ،‬ولو جاء عىل صورة‬ ‫واحدة من القبح الختلف الناس‬ ‫حول هذه الصورة فلعل هذا يكون‬ ‫قبحا عندك وال يكون قبحا عن‬ ‫آخر ‪ ،‬ولكن حُت يُطلق اهلل أخيلة‬ ‫الناس يف تصور القبح ‪ ،‬يكون القبح‬ ‫مائبل وواضحا يف عمل كل إنسان‬

‫فتكون الصورة أكمل وأوىف‬ ‫فاألكمل واألوىف أن يكون القبح‬ ‫شائعا فيها ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬ ‫ب ُه‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬الذي يَت َ َخ ُ َّط‬ ‫الشيطان ِم َن ا‪١‬تس } الشيطان قلنا‬ ‫‪ :‬إنه العاصي من ا‪ٞ‬تن ‪ ،‬وقلنا ‪ :‬إن‬ ‫ربنا سبحانه وتعاىل حىك لنا كثَتا‬

‫أن الشياطُت ‪٢‬تم التصاق واتصال‬ ‫َ‬ ‫ان‬ ‫بكثَت من اإلنس ‪َ { :‬وأن ّ َُه ك َ َ‬ ‫ون بِ ِر َج ٍال‬ ‫ال ِّم َن اإلنس ي َ ُع ُ‬ ‫ِر َج ٌ‬ ‫وذ َ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم َر َهقا ً} ػ ا‪ٞ‬تن ‪:‬‬ ‫ّم َن ا‪ٞ‬تن فَ َز ُاد ُ‬ ‫‪]6‬‬ ‫و { ال َي َ ُقو ُم َ َ يق‬ ‫وم الذي‬ ‫ون إِال ّكَ َما َ ُ ُ‬ ‫يَت َ َخب َّ ُط ُه الشيطان ِم َن ا‪١‬تس }‬

‫فكأن الشيطان قد مس التكوين‬ ‫اإلنساين مسا ًأفسد استقامة ملكاته‬ ‫‪ ،‬فالتكوين اإلنساين له استقامة‬ ‫ملكات مع بعضها البعض؛ فكل‬ ‫مسه‬ ‫حركة ‪٢‬تا استقامة ‪ ،‬فإذا ما ّ‬ ‫الشيطان فسد تآزر ا‪١‬تلكات ‪،‬‬ ‫فملكاته النفسية تكون َت‬

‫مستقيمة و َت منسجمة مع‬ ‫بعضها البعض ‪ ،‬فتكون حركته َت‬ ‫رتيبة و َت منطقية ‪.‬‬ ‫وما ا‪١‬تناسبة بُت هذه الصورة وبُت‬ ‫عملية الربا؟ ‪ .‬إن أردنا يف اْلخرة‬ ‫ميزة ‪ ،‬فساعة ترى واحدا ًمصروعا ً‬ ‫فاعرف أنه من أصحاب الربا ‪،‬‬

‫هذا يف اْلخرة ‪ ،‬ويف الدنيا تجد أيضا ً‬ ‫أن له حركة َت منطقية ‪،‬‬ ‫هستَتية ‪ ،‬كيف؟‬ ‫انظر إىل العالم اْلن ‪ ،‬لقد خلق اهلل‬ ‫العالم عىل هيئة من التكامل ‪ .‬فهذا‬ ‫إنسان يتمتع بإمكانات ومواهب ‪،‬‬ ‫وذاك يتمتع ٔتواهب وإمكانات‬

‫أخرى ‪ ،‬حىت ٭تتاج صاحب هذه‬ ‫اإلمكانات إىل صاحب تلك‬ ‫اإلمكانات فيكتمل الكون ‪ ،‬ولو أن‬ ‫كل إنسان كان وحدة متكررة‬ ‫الستغٌت الكل عن الكل ‪ .‬ولو أن‬ ‫األفراد متساوون يف ا‪١‬تواهب ‪١‬تا‬ ‫احتاج الناس لبعضهم البعض‪.‬‬

‫لكن ا‪١‬تواهب ٗتتلف؛ ألنك إن‬ ‫أجدت فنًّا من فنون ا‪ٟ‬تياة فقد أجاد‬ ‫سواك فنونا أخرى أنت ‪٤‬تتاج إليها‬ ‫‪ ،‬فإن احتاجوا إليك فيما أ َ َج ْدت ‪،‬‬ ‫فقد احتجت إليهم فيما أجادوا ‪،‬‬ ‫وهكذا يتكامل العالم ‪ .‬وكذلك‬ ‫خلق اهلل الكون ‪ :‬مناطق حارة ‪،‬‬

‫ومناطق باردة ‪ ،‬ومناطق بها معادن ‪،‬‬ ‫ومناطق بها زراعة؛ حىت يضطر‬ ‫العالم إىل أن يتكامل ‪ ،‬ويضطر‬ ‫العالم إىل أن يتعايش مع بعضه‬ ‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق يف سورة «‬ ‫الر‪ٛ‬تن » ‪:‬‬

‫{ واألرض َو َضعَهَا لِؤلَنَا ِم } ػ‬ ‫الر‪ٛ‬تن ‪] 10 :‬‬ ‫{ َو َضعَهَا } ‪١‬تن؟ ‪ { .‬واألرض } ‪،‬‬ ‫أي أرض ‪ ،‬وأي أنام؟ ‪ .‬األرض كل‬ ‫األرض ‪ ،‬واألنام كل األنام ‪ ،‬فإن‬ ‫ٖتددت ْتواجز فسدت ‪ .‬إن منع‬ ‫اإلنسان من حرية االنتقال من‬

‫مكان إىل مكان يفسد حركة‬ ‫اإلنسان يف الكون ‪ ،‬فقد يرغب‬ ‫إنسان يف أن ينتقل إىل أرض بكر‬ ‫ليعمرها ‪ ،‬فَتفض أهل تلك‬ ‫األرض ‪ ،‬فلو أن األرض كل‬ ‫األرض كانت لؤلنام ْتيث إن‬ ‫ضاق العمل يف مكان ذهبت إىل‬

‫مكان آخر ‪ ،‬بدون قيود عليك ‪،‬‬ ‫تلك القيود اليت نشأت من‬ ‫السلطات الزمنية اليت ٖتتجز‬ ‫األماكن ألنفسها ‪ ،‬فهذا ما يفسد‬ ‫الكون ‪ .‬فهناك بيئات تشتكي قلة‬ ‫القوت ‪ ،‬وبيئات تشتكي قلة‬ ‫األيدي العاملة ألرض خراب وهي‬

‫تصلح أن تزرع ‪ ،‬فلو أن األرض‬ ‫كل األرض لؤلنام كل األنام ‪١‬تا‬ ‫حدث عجز ‪.‬‬ ‫ونبلحظ ما يُقال ‪ :‬ازدحام السكان‬ ‫أو االنفجار السكاين ‪ ،‬بينما توجد‬ ‫أماكن تتطلب خلقا ً! ويوجد خلق‬ ‫تتطلب أماكن ‪ ،‬فلماذا هذا‬

‫االختبلل؟ هذا االختبلل ناشئ من‬ ‫أن السلوك البشري َت منطقي يف‬ ‫هذا الكون ‪ .‬والكون الذي نعيش‬ ‫شىت ‪،‬‬ ‫فيه ‪ ،‬فيه ارتقاءات عقلية ّ‬ ‫وطموحات ابتكارية صعدت إىل‬ ‫الكواكب ‪ ،‬وتغزو الفضاء ‪،‬‬ ‫وو ِج َدت يف كل بيت آالت الًتفيه ‪،‬‬ ‫ُ‬

‫أما كان ا‪١‬تنطق يقتضي أن يعيش‬ ‫العالم سعيدا ًمسًت٭تا ً؟‬ ‫كان ا‪١‬تنطق يقتضي أن يعيش‬ ‫العالم مسًت٭تا ًهادئا ً؛ ألنه يف كل‬ ‫يوم يبتكر أشياءَ تعطي له أكْب‬ ‫الثمرة بأقل ‪٣‬تهود يف أقل زمن ‪،‬‬ ‫فماذا نريد بعد هذا؟ ولكن هل‬

‫العالم الذي نعيش فيه منطقي مع‬ ‫هذا الواقع؟ ال ‪ ،‬بل ‪٨‬تن ‪٧‬تد أغٌت‬ ‫ببلد العالم وأحسنها وفرة‬ ‫اقتصادية هي اليت يعاين الناس فيها‬ ‫القلق ‪ ،‬وهي اليت ٘تتلئ‬ ‫باالضطراب ‪ ،‬وهي اليت ينتشر فيها‬ ‫الشذوذ ‪ ،‬وهي اليت تشكو من‬

‫ارتفاع نسبة ا‪ٞ‬تنون بُت سكاهنا ‪.‬‬ ‫إذن فالعالم ليس منطقيا ً‪ .‬وهذا‬ ‫التخبط يؤكد ما يقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إِال َّ‬ ‫يق‬ ‫وم الذي يَت َ َخب َّ ُط ُه الشيطان‬ ‫كَ َما َ ُ ُ‬ ‫ِم َن ا‪١‬تس } إهنا حركة هستَتية يف‬ ‫الكون تدل عىل أنه كون َت‬ ‫مسًتيح ‪ ،‬كون َت منسجم مع‬

‫طموحاته وابتكاراته ‪.‬‬ ‫أما كان عىل هذا الكون بعقبلئه أن‬ ‫يبحثوا عن السبب يف هذا ‪ ،‬وأن‬ ‫يعرفوا ‪١‬تاذا نشىق كل هذا الشقاء‬ ‫وعندنا هذه الطموحات‬ ‫االبتكارية؟ كان ‪٬‬تب أن يبحثوا ‪،‬‬ ‫فا‪١‬تصيبة عامة ‪ ،‬ال تعم الدول‬

‫ا‪١‬تتخلفة أو النامية فقط ‪ ،‬بل هي‬ ‫أيضا ًيف الدول ا‪١‬تتقدمة ‪ ،‬كان ‪٬‬تب‬ ‫أن يعقد ا‪١‬تفكرون ا‪١‬تؤ٘ترات‬ ‫ليبحثوا هذه ا‪١‬تسألة ‪ ،‬فإذا ما كانت‬ ‫ا‪١‬تسألة عامة تضم كل الببلد‬ ‫متقدمها ومتأخرها وجب أن‬ ‫نبحث عن سبب مشًتك ‪ ،‬وال‬

‫نبحث عن سبب قد يوجد عند قوم‬ ‫وال يوجد عن قوم آخرين؛ ألننا لو‬ ‫ْتثنا لقلنا ‪ :‬يوجد يف هذه البيئة ‪.‬‬ ‫وكذلك هو موجود يف كل البيئات ‪،‬‬ ‫فبل بد أن يوجد القدر ا‪١‬تشًتك ‪.‬‬ ‫فاألرزاق اليت توجد يف الكون‬ ‫تنقسم إىل قسمُت ‪ :‬رزق أنتفع به‬

‫مباشرة ‪ ،‬ورزق هو سبب ‪١‬تا أنتفع به‬ ‫مباشرة ‪.‬‬ ‫أنا آكل رغيف ا‪٠‬تبز ‪ ،‬هذا ا‪ٝ‬ته‬ ‫رزق مباشر ‪ ،‬وأشرب كون ا‪١‬تاء ‪،‬‬ ‫وهو رزق مباشر ‪ ،‬واكتسي بالثوب‬ ‫وذلك أيضا ًرزق مباشر ‪ ،‬وأسكن‬

‫يف البيت وهذا رابعا ًرزق مباشر ‪،‬‬ ‫وأنَت ا‪١‬تصباح رزق مباشر ‪ .‬ولكن‬ ‫ا‪١‬تال يأيت بالرزق ا‪١‬تباشر ‪ ،‬وال يغٍت‬ ‫عن الرزق ا‪١‬تباشر ‪ .‬فإذا كان عندي‬ ‫جبل من ذهب وأنا جوعان ‪ ،‬ماذا‬ ‫أفعل به؟ ‪ .‬إذن فرغيف العيش‬ ‫أحسن منه ‪ ،‬هذا رزق مباشر ‪،‬‬

‫فالنقود أو الذهب أشًتي بها هذا‬ ‫وهذا ‪ ،‬لكن ال يغنيٍت عن هذا وهذا‬ ‫‪.‬‬ ‫وقد جاء وقت أصبح الناس يرون‬ ‫فيه أن ا‪١‬تال هو كل شيء حىت صار‬ ‫هدفا وتعلق الناس به ‪ . .‬ويف ا‪ٟ‬تق‬ ‫أن ا‪١‬تال ليس اية ‪ ،‬وال ينفع أن‬ ‫ّ‬

‫يكون اية بل هو وسيلة ‪ .‬فإن فقد‬ ‫وسيلته وأصبح اية فبل بد أن‬ ‫يفسد الكون؛ فعلة فساد الكون‬ ‫كله يف القدر ا‪١‬تشًتك الذي هو‬ ‫ا‪١‬تال ‪ ،‬حيث أصبح ا‪١‬تال اية ‪ ،‬ولم‬ ‫يعد وسيلة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬

‫يطهر حياة االقتصاد للناس طهارة‬ ‫تضمن ِح ّل ما يطعمون ‪ ،‬وما‬ ‫يشربون ‪ ،‬وما يكتسون ‪ ،‬حىت‬ ‫تصدر أعما‪٢‬تم عن خليات‬ ‫إٯتانية طاهرة مصفاة؛ ذلك أن‬ ‫الشيء الذي يصدر عن خلية‬ ‫إٯتانية طاهرة مصفاة ال ٯتكن أن‬

‫ينشأ عنه إال ا‪٠‬تَت ‪.‬‬ ‫ومن العجيب أن ‪٧‬تد القوم الذين‬ ‫صدروا لنا النظام الربوي ٭تاولون‬ ‫اْلن جاهدين أن يتخلصوا منه ‪ ،‬ال‬ ‫ألهنم ينظرون إىل هذا التخلص عىل‬ ‫أنه طهارة دينية ‪ ،‬ولكن ألهنم‬ ‫يرون أن كل شرور ا‪ٟ‬تياة ناشئة عن‬

‫هذا الربا ‪ .‬وليست هذه الصيحة‬ ‫حديثة عهد بنا ‪ ،‬فقدٯتا أي من عام‬ ‫ألف وتسعمائة و‪ٜ‬تسُت قام رجل‬ ‫االقتصاد العا‪١‬تي « شاخت » يف‬ ‫أ‪١‬تانيا وقد رأى اختبلل النظام فيها‬ ‫ويف العالم ‪ ،‬فوضع تقريره بأن‬ ‫الفساد كله ناشئ من النظام الربوي‬

‫‪ ،‬وأن هذا النظام يضمن للغٍت أن‬ ‫يزيد غٌت ‪ ،‬وما دام هذا النظام قد‬ ‫ضمن للغٍت أن يزيد غٌت ‪ ،‬فمن‬ ‫أين يزداد غٌت؟ الشك أنه يزداد‬ ‫غٌت من الفقَت ‪ .‬إذن فستئول‬ ‫ا‪١‬تسألة إىل أن ا‪١‬تال سيصبح يف يد‬ ‫أقلية يف الكون تتحكم يف مصائره‬

‫كلها والسيما ا‪١‬تصائر ا‪٠‬تلقية ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ‪.‬‬ ‫ألن الذين ٭تبون أن يستثمروا‬ ‫ا‪١‬تال ال ينظرون إال إىل النفعية‬ ‫ا‪١‬تالية ‪ ،‬فهم يديرون ا‪١‬تشروعات‬ ‫اليت ٖتقق ‪٢‬تم تلك النفعية ‪.‬‬ ‫وهناك رجل اقتصاد آخر هو «‬

‫كيزن » الذي يتزعم فكرة «‬ ‫االقتصاد ا‪ٟ‬تر » يف العالم يقول‬ ‫قولته ا‪١‬تشهورة ‪ :‬إن ا‪١‬تال ال يؤدي‬ ‫وظيفته يف ا‪ٟ‬تياة إال إذا ا‪٩‬تفضت‬ ‫الفائدة إىل درجة الصفر ‪ .‬ومعٌت‬ ‫ذلك أنه ال ربا ‪.‬‬ ‫وإذا ما نظرنا إىل عملية عقد الربا‬

‫يف ذاهتا وجدناها عقدا ًباطبلً؛ ألن‬ ‫كل عقد من العقود إ‪٪‬تا يوجد‬ ‫‪ٟ‬تماية الطرفُت ا‪١‬تتعاقدين ‪،‬‬ ‫وعقد الربا ال ٭تمي إال الطرف‬ ‫الدائن فقط ‪ ،‬وهناك أمر خلقي‬ ‫آخر وهو أن اإلنسان ال يعطي ربا‬

‫إال إذا كان عنده فائض زائد عىل‬ ‫حاجته ‪.‬‬ ‫وال يأخذ إنسان من ا‪١‬ترايب إال إذا‬ ‫كان ‪٤‬تتاجا ً‪ .‬فانظروا إىل النكسة‬ ‫ا‪٠‬تلقية يف الكون ‪ .‬إن ا‪١‬تعدم‬ ‫الفقَت الذي ال ‪٬‬تد ما يسد جوعه‬

‫وحاجته يضطر إىل االستدانة ‪،‬‬ ‫وهذا الفقَت ا‪١‬تعدم هو الذي‬ ‫يتكفل بأن يعطي األصل والزائد‬ ‫إىل الغٍت َت ا‪١‬تحتاج ‪.‬‬ ‫إهنا نكسة خلقية توجد يف ا‪١‬تجتمع‬ ‫ِضغنا ً‪ ،‬وتوجد يف ا‪١‬تجتمع حقدا ً‪،‬‬ ‫وتقضي عىل بقية ا‪١‬تعروف وقيمته‬

‫بُت الناس ‪ ،‬وتنعدم ا‪١‬تودة يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪ .‬فإذا ما رأى إنسان فقَتٌ‬ ‫إنسانا ًغنيا ًعنده ا‪١‬تال ‪ ،‬ويشًتط‬ ‫الغٍت عىل الفقَت ا‪١‬تعدم أن يعطيه ما‬ ‫يأخذه وأن يزيد عليه ‪ ،‬فعىل أية‬ ‫حال ستكون مشاعر وأحاسيس‬ ‫الفقَت؟ كان يكفي الغٍت أن يعطي‬

‫الفقَت ‪ ،‬وأن يسًتد الغٍت بعد ذلك‬ ‫ما أخذه الفقَت ‪ ،‬ولكن الغٍت ا‪١‬ترايب‬ ‫يطلب من الفقَت أن يسدد ما أخذه‬ ‫ويزيد عليه ‪ .‬وكانوا يتعللون‬ ‫ويقولون ‪ :‬إن النص القرآين إ‪٪‬تا‬ ‫يتكلم عن الربا يف األضعاف‬ ‫المضاعفة ‪ ،‬فإذا ما منعنا القيد يف‬

‫األضعاف ا‪١‬تضاعفة ال يكون‬ ‫حراما ً!!‬ ‫أي أهنم يريدون تْبير إعطاء‬ ‫الفقَت ماال ً‪ ،‬وأن يرده أضعافا ًفقط‬ ‫ال أضعافا ًمضاعفة؛ حىت ال يصَت‬ ‫ذلك االسًتداد بالزيادة حراما ً‪.‬‬ ‫و‪٢‬تؤالء نقول ‪ :‬إن الذين يقولون‬

‫ذلك ٭تاولون أن يتلصصوا عىل‬ ‫النص ق‬ ‫الرآين ‪ ،‬وكأن اهلل قد ترك‬ ‫النص ليتلصصوا عليه ويسرقوا منه‬ ‫ما شاءوا دون أن يضع يف النص ما‬ ‫٭تول دون هذا التلصص ‪ ،‬ولو فطنوا‬ ‫إىل أن اهلل يقول يف آخر األمر ‪{ :‬‬ ‫وس أ َ ْم َوال ِ ُك ْم ال َ‬ ‫َوإ ِْن ُتب ْ ُت ْم فَل َ ُك ْم ُر ُؤ ُ‬

‫ِ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫تَ ْظل ُم َ‬ ‫ون َوال َ ُت ْظل َ ُم َ‬ ‫‪] 279‬‬ ‫هذا القول ا‪ٟ‬تاسم يوضح أن اهلل لم‬ ‫يستثن ضعفا ًوال أضعافا ً‪ .‬إذن‬ ‫فقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬يَآ أَيُّهَا الذين آ َم ُنوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫اع َفةً‬ ‫ال َتَأكُلُوا ْالربا أ َ ْضعَافا ً ُّم َض َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ آل‬ ‫واتقوا اهلل لَعَل َّ ُك ْم ُت ْفل ُح َ‬

‫عمران ‪] 130 :‬‬ ‫إن هذا القول ا‪ٟ‬تكيم لم ‪٬‬تئ إال‬ ‫ليبُت الواقع الذي كانوا يعيشونه ‪،‬‬ ‫ولم يستثن اهلل ضعفا ًأو أضعافا ً؛‬ ‫ألن ا‪ٟ‬تق جعل التوبة تبدأ من أن‬ ‫يأخذ اإلنسان رأس ماله فقط ‪ ،‬فبل‬ ‫يسمح اهلل ألحد أن يأخذ نصف‬

‫الضعف أو الضعف أو الضعفُت ‪ ،‬وال‬ ‫يسمح باألضعاف وال با‪١‬تضاعفات‬ ‫‪.‬‬ ‫وكانوا يتعللون أن اتفاق الطرفُت‬ ‫راضا ًويعتْب‬ ‫عىل أي أمر يعتْب ت ي‬ ‫عقدا ً‪ .‬وقد يكون ذلك صحيحا ًإن‬ ‫لم يكن هناك مشرع أعىل من كل‬

‫ا‪٠‬تلق يسيطر عىل هذا الًتاضي ‪.‬‬ ‫فهل كلما تراىض الطرفان عىل شيء‬

‫يصَت حبلالً؟‬ ‫لو كان األمر كذلك لكان الزنا‬ ‫حبلال ً‪ :‬ألهنما طرفان قد تراضيا ‪.‬‬ ‫وكل ذلك ال يتأىت أي رضاء‬ ‫الطرفُت إال يف األمور اليت ليس‬

‫فيها تشريع صدر عن ا‪١‬تشرع‬ ‫األعىل ‪ ،‬وهو اهلل ا‪ٟ‬ت ّي القيوم ‪.‬‬ ‫إن اهلل قد فرض أمرا ًيقضي عىل‬ ‫الًتاضي بيٍت وبينك؛ ألنه هو‬ ‫ا‪١‬تسيطر ‪ ،‬وهو الذي حكم يف األمر‬ ‫‪ ،‬فبل تراضي بيننا فيما ٮتالف ما‬ ‫شرع اهلل أو حكم فيه ‪.‬‬

‫وإذا نظرنا نظرة أخرى فإننا ‪٧‬تد‬ ‫أن الًتاضي الذي يدعونه مردود‬ ‫عليه ‪ .‬إنه « ت ٍ‬ ‫راض » باطل‬ ‫بالفحص الدقيق والبحث ا‪١‬تنطقي‬ ‫‪١ .‬تاذا؟ ألننا نقول إن الًتاضي إ‪٪‬تا‬ ‫ينشأ بُت اثنُت ال يتعدى أمر ما‬ ‫تراضيا عليه إىل َت‪٫‬تا ‪ ،‬أما إذا كان‬

‫األمر قد تعدى من تراضيا عليه إىل‬ ‫َت‪٫‬تا فالًتاضي باطل ‪.‬‬ ‫فهب أن واحدا ًال ٯتلك شيئا ‪،‬‬ ‫وواحدا ًآخر ٯتلك ألفا ‪ ،‬والذي‬ ‫ٯتلك ألفا هي ملكه ‪ ،‬وأدار بها‬ ‫عمبل من األعمال ‪ ،‬وحُت يدير‬ ‫صاحب األلف عمبل فا‪١‬تطلوب له‬

‫أجر عمله ليعيش من هذا األجر ‪.‬‬ ‫أما الذي ال ٯتلك شيئا إذا ما أراد أن‬ ‫يعمل مثلما عمل صاحب األلف ‪،‬‬ ‫فذهب إىل إنسان وأخذ منه ألفا‬ ‫ليعمل عمبل كعمل صاحب‬ ‫األلف ‪ ،‬فيشًتط من يعطيه هذه‬ ‫األلف من األموال أن يزيده مائة‬

‫حُت السداد ‪ ،‬فيكون ا‪١‬تطلوب من‬ ‫الذي اقًتض هذه األلف أجر‬ ‫عمله كصاحب األلف األول‬ ‫ومطلوب منه أيضا أن يزيد عىل‬ ‫أجره تلك ا‪١‬تائة ا‪١‬تطلوبة ‪١‬تن‬ ‫أقرضه بالربا ‪.‬‬ ‫فمن أين يأيت من اقًتض ألفا بهذه‬

‫ا‪١‬تائة الزائدة؟ إن سلعته لو كانت‬ ‫تساوي سلعة اْلخر فإنه ٮتسر ‪.‬‬ ‫وإن كانت سلعته أقل من سلعة‬ ‫اْلخر فإهنا تكسد وتبور ‪.‬‬ ‫إذن فبل بد له من االحتيال النكد ‪،‬‬ ‫وهذا االحتيال هو أن ٮتلع عىل‬ ‫سلعته وصفا شكليا يساوي به سلعة‬

‫اْلخر ‪ ،‬ويعمد إىل إنقاص ا‪ٞ‬تواهر‬ ‫الفعالة يف صنعة سلعته ‪ ،‬فيسحب‬ ‫منها ما يوازي ا‪١‬تائة ا‪١‬تطلوب‬ ‫سدادها للمرايب ‪ .‬فن الذي سيدفع‬ ‫ذلك؟ إنه ا‪١‬تستهلك ‪.‬‬ ‫إذن فا‪١‬تستهلك قد أضَت بهذا‬ ‫الًتاضي؛ فهو الذي سيغرم؛ ألنه‬

‫هو الذي يدفع أخَتا ًقيمة قرض‬ ‫الرجل ا‪١‬تتاجر بالسلعة وقيمة‬ ‫النسبة الربوية اليت حددها ا‪١‬ترايب‬ ‫‪ .‬إذن فالعقد بُت ا‪١‬تقًتض وا‪١‬ترايب‬ ‫حىت يف عرفهم عقد باطل رغم أن‬ ‫االثنُت ا‪١‬تقًتض وا‪١‬ترايب قد اعتْبا‬ ‫هذا العقد تراضيا ‪.‬‬

‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد أن‬ ‫يشيع يف الناس الر‪ٛ‬تة وا‪١‬تودة ‪ .‬وأن‬ ‫يشيع يف الناس التعاطف ‪ .‬إنه ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه صاحب كل النعمة أراد أن‬ ‫يشيع يف الناس أن يعرف كل‬ ‫صاحب نعمة يف الدنيا أنه ‪٬‬تب‬ ‫عليه أن تكون نعمته متعدية إىل‬

‫َته ‪ ،‬فإن رآها ا‪١‬تحروم علم أنه‬ ‫مستفيد منها ‪ ،‬فإذا كان مستفيدا ً‬ ‫منها فإنه لن ينظر إليها ْتقد ‪ ،‬وال‬ ‫أن ينظر إليها ْتسد ‪ ،‬وال يتمٌت أن‬ ‫تزول ألن أمرها عائد إليه ‪ .‬ولكن‬ ‫إذا كان السائد هو أن يريد صاحب‬ ‫النعمة يف الدنيا أن يأخذ‬

‫باالستحواذ عىل كل عائد نعمته ‪،‬‬ ‫وال يراعي حق اهلل يف مهمة النعمة‬ ‫‪ ،‬وال تتعدى هذه النعمة إىل َته ‪،‬‬ ‫فا‪١‬تحروم عندما يرى ذلك يتمٌت‬ ‫أن تزول النعمة عن صاحبها‬ ‫وينظر إليها ْتسد ‪ .‬ويشيع ا‪ٟ‬تقد‬ ‫ومعه الضغينة ‪ ،‬و‪٬‬تد الفساد فرصة‬

‫كاملة للشيوع يف ا‪١‬تجتمع كله ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬ ‫يسيطر عىل االقتصاد عناصر ثبلثة‬ ‫‪:‬‬ ‫العنصر األول ‪ :‬الرفد والعطاء‬ ‫ا‪٠‬تالص ‪ ،‬فيجد الفقَت ا‪١‬تعدم غنيا‬ ‫يعطيه ‪ ،‬ال بقانون ا‪ٟ‬تق ا‪١‬تعلوم‬

‫ا‪١‬تفروض يف الزكاة ‪ ،‬ولكن بقانون‬ ‫ا‪ٟ‬تق َت ا‪١‬تعلوم يف الصدقة ‪ ،‬هذا‬ ‫هو الرفد ‪.‬‬ ‫العنصر الثاين ‪ :‬يكون ْتق الفرض‬ ‫وهو الزكاة ‪.‬‬ ‫العنصر الثالث ‪ :‬هو ْتق القرض‬

‫وهو ا‪١‬تداينة ‪.‬‬ ‫إذن فأمور ثبلثة هي اليت تسيطر‬ ‫عىل االقتصاد اإلسبلمي ‪ :‬إما تطوع‬ ‫أداء ‪١‬تفروض من‬ ‫بصدقة ‪ ،‬وإما ٌ‬ ‫زكاة ‪ ،‬وإما مداينة بالقرض ا‪ٟ‬تسن‬ ‫‪ ،‬وذلك هو ما ٯتكن أن ينشأ عليه‬ ‫النظام االقتصادي يف اإلسبلم ‪.‬‬

‫ولننظر إىل قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫حُت عرض هذه ا‪١‬تسألة وب ّشع‬ ‫هيئة الذين يأكلون الربا بأهنم ال‬ ‫يقومون إال كما يقوم الذي‬ ‫يتخبطه ويصرعه الشيطان من‬ ‫ا‪١‬تس ‪.‬‬ ‫ك‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن ا‪ٟ‬تق قال فيهم ‪ { :‬ذَل ِ َ‬

‫بِأ َ َّهن ُ ْم قالوا إ َِّ‪٪‬تَا البيع ِمث ْ ُل الربا }‬ ‫فهل الكبلم يف البيع ‪ ،‬أو الكبلم يف‬ ‫الربا؟ إن الكبلم يف الربا‪ .‬وكان‬ ‫ا‪١‬تنطق يقتضي أن يقول ‪ « :‬الربا‬ ‫كالبيع » ‪ ،‬فما الذي جعلهم‬ ‫يعكسون األمر؟‬ ‫إن النص القرآين هنا يوحي إىل‬

‫التخبط حىت يف القضية اليت‬ ‫يريدون أن ٭تتجوا بها ‪ .‬كأهنم قالوا‬ ‫‪ :‬ما دمت تريد أن ٖترم الربا ‪،‬‬ ‫فالبيع مثل الربا ‪ ،‬وعليك ٖتريم‬ ‫البيع أيضا ‪.‬‬ ‫وكان القياس أن يقولوا ‪ « :‬إ‪٪‬تا‬ ‫الربا مثل البيع » ‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تق‬

‫سبحانه أراد أن يوضح لنا ٗتبطهم‬ ‫فجاء عىل لساهنم ‪ :‬إ‪٪‬تا البيع مثل‬ ‫الربا فإن كنتم قد حرمتم الربا‬ ‫فحرموا البيع ‪ ،‬وإن كنتم قد‬ ‫حللتم البيع فحللوا الربا ‪ .‬إهنم‬ ‫يريدون قياسا إما بالطرد ‪ ،‬وإما‬ ‫بالعكس ‪.‬‬

‫فقال اهلل القول الفصل ا‪ٟ‬تاسم ‪:‬‬ ‫{ َوأ َ َح َّل اهلل البيع َو َح َّر َم الربا فَ َمن‬ ‫َجآءَ ُه َم ْو ِع َظ ٌة ِّم ْن َّر ِبّ ِه فانتىه } ػ‬ ‫البقرة ‪] 275 :‬‬ ‫وعن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‬ ‫‪ « :‬لَعَ َن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم آكل الربا وموكله » ‪.‬‬

‫إهنا موعظة من اهلل جاءت ‪،‬‬ ‫ا‪١‬توعظة إن كانت من َت مستفيد‬ ‫منها ‪ ،‬فا‪١‬تنطق أن ُتقبل بضم التاء‬ ‫أما ا‪١‬توعظة اليت يُ َشك فيها ‪ ،‬فهي‬ ‫ا‪١‬توعظة اليت تعود عىل الواعظ‬ ‫بشيء ما ‪ .‬فإذا كانت ا‪١‬توعظة قد‬ ‫جاءت ‪٦‬تن ال يستفيد بهذه‬

‫ا‪١‬توعظة ‪ ،‬فهذه حيثية قبو‪٢‬تا {‬ ‫فَ َمن َجآءَ ُه َم ْو ِع َظ ٌة ِّم ْن َّربِّ ِه فانتىه }‬ ‫‪ ،‬ولنر كلمة « ربه » حينما تأيت هنا‬ ‫فلنفهم منها أن ا‪١‬تقصود بها ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه الذي توىل تربيتكم ‪،‬‬ ‫ومتويل الًتبية خلقا بإ‪٬‬تاد ما‬ ‫يستبقي ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وإ‪٬‬تاد ما يستبقي‬

‫النوع ‪ ،‬و‪٤‬تافظة عىل كل شيء‬ ‫بتسخَت كل شيء لك أيها اإلنسان‬ ‫‪ ،‬فيجب أن تكون أيها اإلنسان‬ ‫مهذبا أمام ربك فبل توقع نفسك‬ ‫يف اهتام الرب ا‪٠‬تالق يف شبهة‬ ‫االستفادة من تلك ا‪١‬توعظة معاذ‬ ‫اهلل ‪.‬‬

‫‪١‬تاذا؟ ألن ا‪٠‬تالق رب ‪ ،‬وما دام‬ ‫ا‪٠‬تالق ربا ًفهو ا‪١‬تتويل تربيتكم ‪،‬‬ ‫تتأىب عىل‬ ‫فإياك أيها اإلنسان أن َّ‬ ‫ريب ‪ { .‬فَ َمن َجآءَ ُه َم ْو ِع َظ ٌة‬ ‫عظة ا‪١‬تُ ّ‬ ‫ِّم ْن َّر ِبّ ِه فانتىه فَل َ ُه َما َسل َ َف } ومعٌت‬ ‫ذلك أن األمر لن يكون بأثر رجعي‬ ‫فبل يؤاخذ ٔتا مىض منه؛ ألنه أخذ‬

‫قبل نزول التحريم؛ تلك هي‬ ‫الر‪ٛ‬تة ‪١ ،‬تاذا؟‬ ‫ألنه من ا‪ٞ‬تائز أن يكون ا‪١‬ترايب قد‬ ‫رتب حياته ترتيبا ًعىل ما كان يناله‬ ‫من ربا قبل التحريم ‪ ،‬فإذا كان‬ ‫األمر كذلك فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل يعفو عما قد سلف ‪.‬‬

‫وعىل ا‪١‬ترايب أن يبدأ حياته يف الوعاء‬ ‫االقتصادي ا‪ٞ‬تديد ‪.‬‬ ‫تلك هي عظمة التشريع الرباين{‬ ‫فانتىه فَل َ ُه َما َسل َ َف َوأ َ ْم ُر ُه إ َِىل اهلل }‬ ‫أي أن له ما سبق وما مىض قبل‬ ‫ٖتريم الربا ‪ .‬وتفيد كلمة { َوأ َ ْم ُر ُه‬ ‫إ َِىل اهلل } أن اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫حينما يعفو عما سلف فله طبلقة‬ ‫ا‪ٟ‬ترية يف أن يقنن ما شاء ‪ ،‬فيجب‬ ‫أن تتعلق دائما باستدامة الفضل‬ ‫من اهلل ‪َ { .‬وأ َ ْم ُر ُه إ َِىل اهلل } إن مثل‬ ‫هذا اإلنسان رٔتا قال ‪ :‬سأهنار‬ ‫اقتصاديا ومركزي سيتزعزع ‪،‬‬ ‫وسأصبح كذا وكذا ‪ .‬ال ‪ .‬اجعل‬

‫سندك يف اهلل ‪ ،‬ففي اهلل عوض عن‬ ‫كل فائت ‪ ،‬هو سبحانه ال يريد أن‬ ‫يزلزل مراكز الناس ‪ ،‬ولكن يريد‬ ‫أن يقول ‪٢‬تم ‪ :‬إنٍت إن سلبتكم‬ ‫نعميت فاجعلوا أنفسكم يف حضانة‬ ‫ا‪١‬تنعم بالنعمة ‪.‬‬ ‫وما دمت قد جعلت نفسك يف‬

‫حضانة ا‪١‬تنعم بالنعمة ‪ ،‬إذن‬ ‫فالنعمة ال شيء؛ ألن ا‪١‬تنعم عوض‬ ‫عن هذه النعمة ‪ ،‬والربا من السبع‬ ‫ا‪١‬توبقات اليت أمر الرسول صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم باجتنابها حيث قال ‪« :‬‬ ‫اجتنبوا السبع ا‪١‬توبقاتقالوا يا‬ ‫رسول اهلل وما هن؟ قال ‪ :‬الشرك‬

‫باهلل والسحر ‪ ،‬وقتل النفس اليت‬ ‫حرم اهلل إال با‪ٟ‬تق ‪ ،‬وأكل الربا ‪،‬‬ ‫وأكل مال اليتيم ‪ ،‬والتويل يوم‬ ‫الزحف ‪ ،‬وقذف ا‪١‬تحصنات‬ ‫ا‪١‬تؤمنات الغافبلت » { َوأ َ ْم ُر ُه إ َِىل‬ ‫اهلل َو َم ْن عَادَ} أي عاد بعد ا‪١‬توعظة‬ ‫ماذا يكون أمره؟ { فأولئك‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫اب النار ُه ْم فيهَا َخال ُد َ‬ ‫أ ْص َح ُ‬ ‫وكان يكفي أن يقول عنهم ‪ :‬إهنم‬ ‫{ أَ‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫اب النار } فلعل واحدا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫يكون مؤمنا وبعد ذلك عاد إىل‬ ‫معصية ‪ ،‬فيأخذ حظه من النار ‪.‬‬ ‫إ‪٪‬تا قوله ‪ { :‬هم فِيها َخال ِ‬ ‫ون }‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫يدل عىل أنه خرج عن دائرة‬

‫اإلٯتان ‪ .‬وافهم السابق جيدا ً‬ ‫لتفهم التذييل البلحق؛ ألن هنا‬ ‫أمرين ‪ :‬هنا ربا حرمه اهلل ‪ ،‬وأناس‬ ‫يريدون أن ُ٭تلّلوا الربا عندما قالوا‬ ‫‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا البيع ِمث ْ ُل الربا } ‪ ،‬فإن‬ ‫عدت إىل الربا حاكما ْترمته فأنت‬ ‫مؤمن ٍ‬ ‫عاص تدخل النار ‪.‬‬

‫إ‪٪‬تا إن عدت إىل ما سلف من‬ ‫ا‪١‬تناقشة يف التحريم ‪ ،‬وقلت ‪ :‬البيع‬ ‫مثل الربا ‪ ،‬وناقشت يف حرمة الربا‬ ‫وأردت أن ٖتلله كالبيع فقد خرجت‬ ‫عن دين اإلسبلم ‪ .‬وحُت ٗترج عن‬ ‫دين اإلسبلم فلك ا‪٠‬تلود يف النار ‪.‬‬ ‫ومن هنا ‪٬‬تب أن نلفت الذين‬

‫يقولون بالربا ‪ ،‬ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬قولوا ‪:‬‬ ‫إن الربا حرام ‪ ،‬ولكننا ال نقدر عىل‬ ‫أنفسنا حىت نبطله ونًتكه ‪،‬‬ ‫وعليكم أن ٕتاهدوا أنفسكم عىل‬ ‫ا‪٠‬تروج منه حىت ال تتعرضوا ‪ٟ‬ترب‬ ‫اهلل ورسوله ‪ .‬إهنم باعتقادهم أن‬ ‫الربا حرام يكونون عاصُت فقط ‪،‬‬

‫أما أن ٭تاولوا تْبير الربا و٭تللوه‬ ‫فسيدخلون يف دائرة أخرى شر من‬ ‫ذلك ‪ ،‬وهي دائرة الكفر والعياذ‬ ‫باهلل ‪.‬‬ ‫وقد عرفنا أن آدم عليه السبلم‬ ‫عىص ربه ‪ ،‬وأكل من الشجرة ‪،‬‬

‫وإبليس عىص ربه ‪ ،‬فلما تلىق آدم‬ ‫من ربه كلمات فتاب عليه ‪ ،‬أما‬ ‫إبليس فقد طرده اهلل ‪ ،‬و‪١‬تاذا طرد‬ ‫اهلل إبليس وأحل عليه اللعنة؟‬ ‫ألن آدم أقر بالذنب وقال ‪ « :‬ربنا‬ ‫ظلمنا أنفسنا » ‪ .‬لقد اعًتف آدم ‪:‬‬ ‫حكمك يا رب حكم حق ‪ ،‬ولكٍت‬

‫ظلمت نفسي ‪ .‬ولكن لي‬ ‫إبس‬ ‫عارض يف األمر وقال ‪ { :‬أَأ َ ْس ُج ُد‬ ‫ِ‪١‬ت َ ْن َخل َ ْق َت ِطينا ً} ‪ ،‬فكأنه رد األمر‬ ‫عىل اْلمر ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك حُت بُت اهلل ا‪ٟ‬تكم يف‬ ‫الربا ‪ ،‬وبُت أن من انتىه له ما سلف‬ ‫‪ ،‬فماذا عن الذي يعود؟ { َو َم ْن عَادَ‬

‫} وهي ا‪١‬تقابل { فأولئك‬ ‫أَصحاب النار هم فِيها َخال ِ‬ ‫ون }‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫‪ ،‬يريد سبحانه أن يقول ‪ :‬إياكم‬ ‫أن ٮتدعكم الربا بلفظه ‪ ،‬فاأللفاظ‬ ‫ٗتدع البشر؛ ألنكم ‪ٝ‬تيتموه «‬ ‫ربا » بالسطحية الناظرة ‪ :‬ألن‬ ‫الربا هو الزيادة ‪ ،‬والزكاة تنقص ‪،‬‬

‫فا‪١‬تائة يف الربا تكون مائة وعشرة‬ ‫مثبل حسب سعر الفائدة ‪ ،‬ويف‬ ‫الزكاة تصبح ا‪١‬تائة ( ‪ ، ) 5 . 97‬يف‬ ‫األموال وعروض التجارة ‪،‬‬ ‫وٗتتلف عن ذلك يف الزروع و َتها‬ ‫‪ ،‬ويف ظاهر األمر أن الربا زاد ‪،‬‬ ‫والزكاة أنقصت ‪ ،‬ولكن هذا‬

‫النقصان وتلك الزيادة هي يف‬ ‫اصطبلحاتكم يف أعرافكم ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ٯتحق الزائد‬ ‫‪ ،‬وينمي الناقص؛ فهو سبحانه‬ ‫يقول ‪َ { :‬ٯت ْ َح ُق اهلل الربا َويُ ْر ِيب‬ ‫الصدقات ‪} . . .‬‬

‫الص َدقَ ِ‬ ‫ٯتح‬ ‫ات‬ ‫اّلل ال ّ ِربَا َويُ ْر ِيب َّ‬ ‫َ ْ َ ُق َّ ُ‬ ‫ب كُ َّل كَ ّفَا ٍر أَثِ ٍ‬ ‫يم‬ ‫اّلل َال ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫َو َّ ُ‬ ‫(‪)276‬‬ ‫وكلمة { َٯت ْ َح ُق } من « ‪٤‬تق » أي‬ ‫ضاع حاال بعد حال ‪ ،‬أي لم يضع‬ ‫فجأة ‪ ،‬ولكن تسلل يف الضياع‬

‫بدون شعور ‪ ،‬ومنه « ا‪١‬تحاق » أي‬ ‫الذهاب للهبلل ‪َ { .‬ٯت ْ َح ُق اهلل‬ ‫الربا } أي ‪٬‬تعله زاهيا أمام‬ ‫صاحبه ثم يتسلل إليه ا‪٠‬تراب من‬ ‫حيث ال يشعر ‪.‬‬ ‫ولعلنا إن دققنا النظر يف البيئات‬ ‫ا‪١‬تحيطة بنا وجدنا مصداق ذلك ‪.‬‬

‫فكم من أناس رابوا ‪ ،‬ورأيناهم ‪،‬‬ ‫وعرفناهم ‪ ،‬وبعد ذلك عرفنا كيف‬ ‫انتهت حياهتم ‪َ { .‬ٯت ْ َح ُق اهلل الربا‬ ‫َويُ ْر ِيب الصدقات } ويقول يف آية‬ ‫أخرى ‪َ { :‬و َمآ آتَي ْ ُت ْم ِّمن ِّربا ًل ِ ّ ََت ْ ُب َوا ْ‬ ‫ِيف أ َ ْم َو ِال الناس فَبل َي َ ْر ُبوا ْ ِعن َد اهلل }‬ ‫ػ الروم ‪] 39 :‬‬

‫فإياكم أن تعتقدوا أنكم ٗتدعون‬ ‫اهلل بذلك ‪ . .‬ما هو ا‪١‬تقابل؟{ َو َمآ‬ ‫ِ‬ ‫ون َو ْج َه اهلل‬ ‫آتَي ْ ُت ْم ّمن زَكَا ٍة ُت ِر ُ‬ ‫يد َ‬ ‫فأولئك ُه ُم ا‪١‬تضعفون } ػ الروم ‪:‬‬ ‫‪] 39‬‬ ‫و { ا‪١‬تضعفون } هم الذين ‪٬‬تعلون‬ ‫الشيء أضعافا ًمضاعفة ‪ .‬وعندما‬

‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ٯت ْ َح ُق اهلل الربا }‬ ‫فبل تستهن بنسبة الفعل هلل؛ إن‬ ‫نسبة الفعل لفاعله ‪٬‬تب أن تأخذ‬ ‫كيفيته من ذات الفاعل ‪ ،‬فإذا قيل‬ ‫لك ‪ :‬فبلن الضعيف يصفعك ‪ ،‬أو‬ ‫فبلن ا‪١‬تبلكم يصفعك ‪ ،‬فبلبد أن‬ ‫تقيس هذه الصفعة بفاعلها ‪ ،‬فإذا‬

‫كان اهلل هو الذي قال ‪َ { :‬ٯت ْ َح ُق‬ ‫اهلل } ‪ .‬أيوجد ‪٤‬تق فوق هذا؟ ال ‪ ،‬ال‬ ‫ٯتكن ‪.‬‬ ‫وأيضا حُت يقول اهلل ‪َ { :‬ٯت ْ َح ُق‬ ‫اهلل الربا َويُ ْر ِيب الصدقات} يف‬ ‫القرآن الذي يُتىل وهو معجز؛‬ ‫ومتحدي ْتفظه ‪ ،‬فهذه‬ ‫و‪٤‬تفوظ ُ‬

‫قضية مصونة { َٯت ْ َح ُق اهلل الربا‬ ‫َويُ ْر ِيب الصدقات } ؛ ألن الذي‬ ‫قا‪٢‬تا هو اهلل يف كتاب اهلل ا‪١‬تحفوظ ‪،‬‬ ‫الذي يُتىل ُمتَعَبِ ّدا ًبه ‪ ،‬أي أن القضية‬ ‫عىل ألسنة ا‪ٞ‬تماهَت كلها ‪ ،‬ويف قلوب‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت كلها ‪ ،‬أيقول اهلل قضية‬ ‫٭تفظها ذلك ا‪ٟ‬تفظ ليأيت واقع الزمن‬

‫ليكذبها؟ ال ‪ ،‬ال ٯتكن ‪ .‬فاإلنسان‬ ‫ال ٭تفظ إال ا‪١‬تستند الذي يؤيده !!‬ ‫أنا ال أحفظ إال « الكمبيالة » اليت‬ ‫ٗتصٍت! فما دام هو حافظه وهو‬ ‫القائل ‪ { :‬إِن َّا َ‪٨‬ت ْ ُن ن َ َّزلْنَا الذكر َوإِن َّا‬ ‫لَه َ‪ٟ‬تافِ‬ ‫ظ‬ ‫ون } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 9 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫فمعٌت ذلك أنه سبحانه سيطلق فيه‬

‫قضايا ‪ ،‬وهذه القضايا هو الذي‬ ‫تَعهد ْتفظها ‪ ،‬وال يتعهد ْتفظها إال‬ ‫لتكون حجة عىل صدقه يف قو‪٢‬تا ‪.‬‬ ‫فالشيء الذي ال يكون فيه ُحجة ال‬ ‫‪٨‬تافظ عليه ‪ .‬وهو سبحانه القائل ‪:‬‬ ‫{ َوإ َِّن ُجن َدنَا َ‪٢‬ت ُ ُم الغالبون } ػ‬ ‫الصافات ‪] 173 :‬‬

‫إن هذه قضية قرآنية تعهد اهلل‬ ‫ْتفظها ‪ ،‬فبلبد أن يأيت واقع اٌفياة‬ ‫ليؤيدها ‪ ،‬فإذا كان واقع ا‪ٟ‬تياة ال‬ ‫يؤيدها ‪ ،‬ماذا يكون ا‪١‬توقف؟‬ ‫أنكذب القرآن وحاشانا أن‬ ‫نكذب القرآن الذي قاله ا‪ٟ‬تق‬ ‫الذي ال إله سواه ليدير كونا ًمن‬ ‫ُ‬

‫ورائه ‪.‬‬ ‫{ َٯت ْ َح ُق اهلل الربا َويُ ْر ِيب الصدقات‬ ‫ب كُ َّل َك ّفَا ٍر أَثِ ٍ‬ ‫يم } ‪.‬‬ ‫واهلل ال َ ُ٭ت ِ ُّ‬ ‫و‪١‬تاذا قال اٌفق ‪ « :‬كفار » ولم‬ ‫يقل ‪ « :‬كافر » ‪ ،‬و‪١‬تاذا قال ‪« :‬‬ ‫أثيم » وليس ‪٣‬ترد « آثم »؟ ألنه‬ ‫يريد أن يرد ا‪ٟ‬تكم عىل اهلل وما دام‬

‫يريد أن يرد ا‪ٟ‬تكم عىل اهلل ‪ ،‬فقد‬ ‫كفر كفرين اثنُت ‪ :‬كفر ألنه لم‬ ‫رد ا‪ٟ‬تكم‬ ‫يعًتف بهذه ‪ ،‬وكفر ألنه ّ‬ ‫عىل اهلل ‪ ،‬وهو « أثيم » ‪ ،‬ليس ‪٣‬ترد‬ ‫« آثم » ‪ ،‬ويف ذلك صيغة ا‪١‬تبالغة‬ ‫لنستدل عىل أن القضية اليت ‪٨‬تن‬ ‫بصددها قضية عمرانية‬

‫اجتماعية كونية ‪ ،‬إن لم تكن كما‬ ‫أرادها اهلل فسيتزلزل أركان‬ ‫ا‪١‬تجتمع كله ‪.‬‬ ‫وبعد أن شرح لنا ا‪ٟ‬تق مرارة‬ ‫ا‪١‬تبالغة يف « كفار » ويف « أثيم »‬ ‫يأيت لنا با‪١‬تقابل حىت ندرك حبلوة‬

‫هذا ا‪١‬تقابل ‪ ،‬ومثال ذلك ما يقول‬ ‫الشاعر ‪:‬‬ ‫ض ‪...‬‬ ‫فالوجه مثل الصبح مبي ّ‬ ‫ودُ‬ ‫والشعر مثل الليل مس ّ‬ ‫ض ّدان ‪١‬تا استجمعا َح ُسنا ‪...‬‬ ‫والضد يظهر حسنَه الض ُّد‬ ‫فكأن اهلل بعد أن تكلم عن ال َك ّفَار‬

‫واألثيم يرجعنا ‪ٟ‬تبلوة اإلٯتان‬ ‫فيقول ‪ { :‬إ َِّن الذين آ َم ُنوا ْ َو َع ِملُوا ْ‬ ‫الصا‪ٟ‬تات َوأَقَا ُموا ْالصبلة َوآتَ ُوا ْ‬ ‫الزكاة َ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن َد َربِّ ِه ْم ‪. . .‬‬ ‫}‬

‫ِ‬ ‫الص ِا‪ٟ‬ت ِ‬ ‫ات‬ ‫إ َِّن ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫الص َبلةَ َوآتَ ُوا ال َّزكَاةَ َ‪٢‬ت ُ ْم‬ ‫َوأَقَا ُموا َّ‬ ‫أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن ْ َد َر ِبّ ِه ْم َو َال َخ ْو ٌف‬ ‫ون (‪)277‬‬ ‫عَلَي ْ ِه ْم َو َال ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬ ‫وقلنا ‪ :‬إن كلمة « أجر » تقتضي‬ ‫أنه ال يوجد ‪٥‬تلوق ٯتلك سلعة ‪،‬‬

‫إ‪٪‬تا كلنا مستأجرون ‪١ ،‬تاذا؟ ألننا‬ ‫نشغل ا‪١‬تخ ا‪١‬تخلوق هلل ‪ ،‬بالطاقة‬ ‫ا‪١‬تخلوقة هلل ‪ ،‬يف ا‪١‬تادة ا‪١‬تخلوقة هلل ‪،‬‬ ‫فماذا ٘تلك أنت أيها اإلنسان إال‬ ‫عملك ‪ ،‬وما دمت ال ٘تلك إال‬ ‫عملك فلك أجر { َ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْج ُر ُه ْم‬ ‫ِعن َد َر ِبّ ِه ْم } ‪ .‬وكلمة { ِعن َد َر ِبّ ِه ْم‬

‫} ‪٢‬تا ملحظ؛ فعندما يكون لك‬ ‫األجر عند ا‪١‬تساوي لك قد يأكلك‬ ‫وىل هو‬ ‫‪ ،‬أما أجرك عند رب ت ّ‬ ‫تربيتك ‪ ،‬فلن يضيع أبدا ً‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم }‬ ‫ال من أنفسهم عىل أنفسهم ‪ ،‬وال‬ ‫من أحبابهم عليهم ‪َ { ،‬وال َ ُه ْم‬

‫ون } ؛ ألن أي شيء فاهتم من‬ ‫ي َ ْحزَن ُ َ‬ ‫ا‪٠‬تَت سيجدونه ُ‪٤‬تضرا أمامهم ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ياأيها‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْاتقوا اهلل ‪} . . .‬‬

‫اّللَ َوذَ ُروا‬ ‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫ما بَقِي ِم َن ال ّ ِربَا إ ِْن ُكن ْ ُتم م ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت‬ ‫ن‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫(‪)278‬‬ ‫وحُت يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ياأيها الذين‬ ‫آ َم ُنوا ْ} فنحن نعرف أن النداء‬ ‫باإلٯتان حيثية كل تكليف بعده ‪،‬‬

‫وساعة ينادي ا‪ٟ‬تق ويقول ‪{ :‬‬ ‫ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ} أي يا من‬ ‫آمنتم يب إ‪٢‬تا قادرا ًحكيما ً‪ ،‬عزيزا ً‬ ‫عنكم البا ًعىل أمري ‪ ،‬ال تضرين‬ ‫معصيتكم ‪ ،‬وال تنفعٍت طاعتكم ‪،‬‬ ‫فإذا كنتم قد آمنتم يب وأنا إله قادر‬ ‫حكيم فا‪ٝ‬تعوا مٍت ما أحبه لكم‬

‫من األحكام ‪.‬‬ ‫إذن فكل { ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ} يف‬ ‫القرآن هي حيثية كل حكم يأيت‬ ‫بعدها ‪ ،‬وأنت تفعل ما يأمرك به‬ ‫اهلل ‪ ،‬وإن سألك أحد ‪ :‬وقال لك ‪:‬‬ ‫‪١‬تاذا فعلت هذا األمر؟ فقل له فعلته‬ ‫ألين مؤمن ‪ ،‬والذي أمرين به هو‬

‫الذي آمنت ْتكمته وقدرته ‪.‬‬ ‫وأنت ال تدخل يف متاهة علل‬ ‫األحكام ‪ ،‬ألنك آمنت بأن اهلل إله‬ ‫حكيم قادر ‪ ،‬أنزل لك تلك‬ ‫التكاليف ‪ ،‬وإياك أن تدخل يف‬ ‫متاهة علة األحكام ‪١ ،‬تاذا؟ ألن‬ ‫هناك أشياء قد تغيب علّتها عنك ‪،‬‬

‫أكنت تؤجلها إىل أن تعرف العلة؟ ‪.‬‬ ‫أكنا نؤجل ٖتريم ‪ٟ‬تم ا‪٠‬تزنير إىل‬ ‫أن يثبت حاليا ًبالتحليل أنه ضار؟‬ ‫ال ‪ ،‬إذا كان قد ثبت حاليا ًبالتحليل‬ ‫أنه ضار فنحن نزداد ثقة يف كل‬ ‫حكم كلفنا اهلل به ‪ ،‬ولم هنتد إىل‬ ‫علته ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬ياأيها الذين‬

‫آ َم ُنوا ْاتقوا اهلل } ومن عجائب‬ ‫كلمة { اتقوا } أهنا تأيت يف أشياء‬ ‫يبدو أهنا متناقضة ‪ ،‬إ‪٪‬تا هي ملتقية‬ ‫{ ياأيها الذين آ َم ُنوا ْاتقوا اهلل }‬ ‫ولم يقل هنا ‪ :‬اتقوا النار كما قال‬ ‫يف آية أخرى ‪ { :‬اتقوا النار } ‪.‬‬ ‫إذن فكيف يقول ‪ { :‬اتقوا اهلل }‬

‫ويقول ‪ { :‬اتقوا النار } ؟ ألن معٌت‬ ‫{ اتقوا } ‪ :‬أي اجعلوا وقاية‬ ‫بينكم وبُت ربكم ‪.‬‬ ‫كيف ‪٧‬تعل وقاية بيننا وبُت ربنا مع‬ ‫أن ا‪١‬تطلوب منا إٯتانيا ًأن نلتحم‬ ‫ٔتنهج اهلل لنكون دائما يف معية‬ ‫اهلل؟ نقول ‪ :‬اهلل سبحانه وتعاىل له‬

‫صفات جبلل كالقهار ‪ ،‬وا‪١‬تنتقم ‪،‬‬ ‫وا‪ٞ‬تبار ‪ ،‬وذي الطول وشديد‬ ‫العقاب؛ فهو يطلب من عبده‬ ‫ا‪١‬تؤمن أن ‪٬‬تعل بينه وبُت صفات‬ ‫جبلله وقاية ‪ ،‬فالنار جند من جنود‬ ‫صفات ا‪ٞ‬تبلل ‪ ،‬وحُت يقول‬ ‫سبحانه ‪ { :‬اتقوا اهلل } يعٍت ‪:‬‬

‫اجعلوا وقاية بينكم وبُت صفات‬ ‫ا‪ٞ‬تبلل اليت من جنودها النار ‪ .‬إذن‬ ‫ف { اتقوا اهلل } مثل { اتقوا النار‬ ‫} أي اجعلوا وقاية بينكم وبُت‬ ‫النار ‪.‬‬ ‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وذَ ُروا ْ َما بَقِ َي ِم َن‬ ‫ِِ‬ ‫ُت} ‪ ،‬و { ذَ ُروا ْ‬ ‫الربا إِن ُكن ْ ُت ْم ّمُ ْؤمن َ‬

‫} أي اتركوا ‪ ،‬ودعوا ‪ ،‬وتناسوا ‪،‬‬ ‫واطلبوا ا‪٠‬تَت من اهلل فيما بىق من‬ ‫الربا إن كنتم مؤمنُت حقا ًباهلل ‪.‬‬ ‫كأن اهلل أراد أن ‪٬‬تعلها تصفية‬ ‫فاصلة ‪ ،‬يولد من بعدها ا‪١‬تؤمن‬ ‫طاهرا نقيا ‪.‬‬ ‫إنه أمر من ا‪ٟ‬تق ‪ :‬دعوا الربا الذي‬

‫لم تقبضوه؛ ألن الذي قبضتموه‬ ‫أمره { فَل َ ُه َما َسل َ َف } والذي لم‬ ‫تقبضوه اتركوه ‪ { :‬اتقوا اهلل َوذَ ُروا ْ‬ ‫ما بَقِي ِم َن الربا إِن ُكن ْ ُتم ُّم ْؤ ِم ِ‬ ‫ُت }‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫فإن قلتم إن التعاقد قد صدر قبل‬ ‫التحريم ‪ ،‬والتعاقد قد أوجب لك‬ ‫ا‪ٟ‬تق يف ذلك ‪ ،‬تذكر أنك لم تقبض‬

‫هذا ا‪ٟ‬تق ليصَت يف يدك ‪ ،‬وال تقل‬ ‫إن حيايت االقتصادية مًتتبة عليه ‪،‬‬ ‫فًتتيب ا‪ٟ‬تياة االقتصادية لم ينشأ‬ ‫باالتفاق عىل هذا الربا ‪ ،‬ولكنه ينشأ‬ ‫بقبضه وأنت لم تقبضه ‪ .‬ويتابع‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَإِن ل َّ ْم تَ ْفعَلُوا ْفَأْذَنُوا ْ‬ ‫ِْت َ ْر ٍب ِّم َن اهلل َو َر ُسول ِ ِه ‪} . . .‬‬

‫فَإِن لَم تَ ْفعَلُوا فَأْذَنُوا ِْت َ ْر ٍب ِم َن َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ورسول ِ ِ‬ ‫وس‬ ‫ء‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ِن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُُْ ُ‬ ‫ََُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ون‬ ‫أ ْم َوال ُك ْم َال تَ ْظل ُم َ‬ ‫ون َو َال ُت ْظل َ ُم َ‬ ‫(‪)279‬‬ ‫يف هذه اْلية قضية كونية يتغافل‬ ‫عنها كثَت من الناس ‪ .‬لقد جاء‬

‫نظام ليحمي طائفة من ظلم‬ ‫طائفة ‪ ،‬ولم يأت هذا النظام إال‬ ‫بعد أن وجدت طائفة ا‪١‬ترابُت‬ ‫الذين ظلموا طائفة الفقراء‬ ‫وح ْس ُب هؤالء‬ ‫ا‪١‬تستضعفُت ‪َ .‬‬ ‫ا‪١‬تستضعفُت الذين استغلوا من‬ ‫ا‪١‬ترابُت أن ينصفهم القرآن وأن‬

‫يُنهي قضية الربا إهناء ًيعطي الذين‬ ‫رابوا ما سلف ألهنم بنوا حياهتم عىل‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫و { فَأْذَنُوا ْ ِْت َ ْر ٍب } كلمة ( األلف‬ ‫والذال والنون ) من « األذن » وكل‬ ‫ا‪١‬تادة مشتقة من « األذن » و «‬ ‫األذن » هي األصل األول يف‬ ‫ُ‬

‫اإلعبلم؛ ألن اإلنسان ليس‬ ‫مفروضا ًأنه قارئ أوال ‪ ،‬إنّه ال‬ ‫يكون قارئا ًإال إذا ‪ٝ‬تع ‪ ،‬إذن فبل‬ ‫ٯتكن أن ينشأ إعبلم إال بالسماع‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حينما تكلم‬ ‫عن أدوات العلم لئلنسان قال ‪{ :‬‬ ‫كم ِّمن ُب ُط ِ‬ ‫ون أُ َّمهَاتِ ُك ْم‬ ‫واهلل أ َ ْخ َر َج ُ‬

‫ون َشيْئا ً َو َجعَ َل ل َ ُك ُم السمع‬ ‫ال َتَعْل َ ُم َ‬ ‫واألبصار واألفئدة لَعَل َّ ُك ْم‬ ‫ون } ػ النحل ‪] 78 :‬‬ ‫تَ ْش ُك ُر َ‬ ‫ولذلك عندما جاء علم وظائف‬ ‫األعضاء ليبحث ذلك وجدوها‬ ‫طبق األصل كما قال اهلل عنها ‪.‬‬ ‫فالوليد الصغَت حُت يولد إن جاء‬

‫إصبع إنسان عند عينيه فبل يهتز له‬ ‫رمش؛ ألن عينه لم تؤد مهمتها بعد‬ ‫‪ ،‬ولكن إن تصرخ ّتانب أذنه فإنه‬ ‫ينفعل ‪.‬‬ ‫وعرفنا أن أول أداة تؤدي مهمتها‬ ‫بالنسبة لئلنسان الوليد هي أذنه ‪،‬‬ ‫وهي أيضا األداة اليت تؤدي مهمتها‬

‫بالنسبة لئلنسان مستيقظا ًكان أو‬ ‫نائما ً‪ .‬إن العُت تغمض يف النوم‬ ‫فبل ترى ‪ ،‬لكن األذن مستعدة‬ ‫طوال الوقت ألن تسمع؛ ألهنا آلة‬ ‫االستدعاء ‪ .‬إذن فمادة « األَذَان » و‬ ‫« األ ُُذن » كلها جاءت من مهمة‬ ‫السمع ‪ ،‬وقال اهلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬

‫{ َوأ َ ِذن َ ْت ل ِ َر ِبّهَا َو ُح َّق ْت } ػ‬ ‫االنشقاق ‪] 5 :‬‬ ‫ما معٌت أذنت؟ ‪ .‬أنت حُت تسمع‬ ‫من مساو لك ‪ ،‬فقد تنفذ وقد ال‬ ‫تنفذ ‪ ،‬لكن حُت تسمعه من إله‬ ‫قادر فبل مناص لك إال أن تنفذ ‪،‬‬ ‫فكأن اهلل يقول ‪ :‬إن األرض تنشق‬

‫حُت تسمع أمري باالنشقاق ‪.‬‬ ‫فبمجرد أن تسمع األرض أمر ا‪ٟ‬تق‬ ‫فإهنا تفعل ‪ ،‬وحق ‪٢‬تا أن تفعل‬ ‫ذلك؛ إهنا أذنت ألمر اهلل ‪ ،‬أي‬ ‫خضعت؛ ألن القائل ‪٢‬تا هو اهلل ‪.‬‬ ‫إذن كل ا‪١‬تادة هنا جاءت من « األذن‬ ‫» ‪ .‬ولذلك فاهلل يقول ‪١‬تن ال يفعل‬

‫ما أمر به اهلل يف الربا؛{ فَإِن ل َّ ْم‬ ‫تَ ْفعَلُوا ْفَأْذَنُوا ْ ِْت َ ْر ٍب ِّم َن اهلل َو َر ُسول ِ ِه‬ ‫} ‪ .‬أما حرب اهلل فبل نقول فيها إال‬ ‫ك‬ ‫قول اهلل ‪َ { :‬و َما يَعْل َ ُم ُج ُنودَ َربِّ َ‬ ‫المثر ‪] 31 :‬‬ ‫إِال َّ ُه َو } ػ د‬ ‫وال يستطيع أحد أن ٭تتاط ‪٢‬تا ‪ .‬وأما‬ ‫حرب رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫وسلم فهذه هي األمر الظاهر ‪ .‬كأن‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪٬‬ترد عىل‬ ‫ا‪١‬ترابُت ٕتريدة هائلة من جنوده‬ ‫اليت ال يعلمها إال هو ‪ ،‬وحرب‬ ‫رسول اهلل جنودها هم ا‪١‬تؤمنون‬ ‫برسوله ‪ ،‬وعليهم أن يكونوا حربا‬ ‫عىل كل ظاهرة من ظواهر الفساد‬

‫يف الكون؛ ليطهروا حياهتم من‬ ‫دنس الربا ‪.‬‬ ‫وهكذا وضع اهلل هناية ألسلوب‬ ‫التعامل ‪ ،‬حىت يتطهر ا‪١‬تال من ذلك‬ ‫الربا ‪ ،‬فإذا قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَل َ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ر ُؤ َ ِ‬ ‫ون َوال َ‬ ‫وس أ ْم َوال ُك ْم ال َتَ ْظل ُم َ‬ ‫ُ ُ‬

‫ون } فمعٌت هذا أنه سبحانه‬ ‫ُت ْظل َ ُم َ‬ ‫يبُت لنا بهذا القول أنه ال حق‬ ‫للمرابُت يف ضعف وال ضعفُت ‪ ،‬وال‬ ‫يف أضعاف مضاعفة ‪ .‬وحينئذ { ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ون } من رابيتم ‪ ،‬بأن‬ ‫تَ ْظل ُم َ‬ ‫تأخذوا منهم زائدا عن رأس ا‪١‬تال‬ ‫‪.‬‬

‫ون } ‪،‬‬ ‫ولكن ما موقع { َوال َ ُت ْظل َ ُم َ‬ ‫ومن الذي يظلمهم؟ قد يظلمهم‬ ‫الضعيف الذي ُظلِ َم ‪٢‬تم سابقا ‪،‬‬ ‫ويأخذ منهم بعض رأس ا‪١‬تال‬ ‫بدعوى أهنم طا‪١‬تا استغلوه فأخذوا‬ ‫منه قدرا ًزائدا عىل رأس ا‪١‬تال ‪ .‬إن‬ ‫ا‪١‬تشرع يريد أن ٯتنع الظالم‬

‫السابق فينهي ظلمه ‪ ،‬وأن يسعف‬ ‫ا‪١‬تظلوم البلحق فيعطيه حقه ‪ ،‬وهو‬ ‫سبحانه ال يريد أن يوجه ظلما‬ ‫ليستغل به من ُظلم فيظلم الذي‬ ‫ظلمه أوال ‪ ،‬بل سبحانه يشاء بهذا‬ ‫ا‪ٟ‬تكم أن ينهي هذا النوع من‬ ‫الظلم عىل إطبلقه ‪ ،‬وأن ‪٬‬تعل‬

‫ا‪ٞ‬تميع عىل قدر سواء يف االنتفاع‬ ‫ٔتزايا ا‪ٟ‬تكم ‪.‬‬ ‫وكثَت من النظريات اليت تأيت‬ ‫لتقلب نظاما يف ‪٣‬تتمع ما تعمد إىل‬ ‫الطائفة اليت َظل َ َمت ‪ ،‬فبل تكتفي‬ ‫بأن تكفها عن الظلم ‪ ،‬ولكن‬ ‫٘تكن للمظلوم أن يظلم من‬

‫ظلمه ‪ ،‬وذلك هو اإلجحاف يف‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬وهذا ما ‪٬‬تب أن يتنبه‬ ‫إليه الناس جيدا؛ ألن اهلل الذي‬ ‫أنصفك أيها ا‪١‬تظلوم من ظا‪١‬تك ‪،‬‬ ‫فمنع ظلمه لك ‪ ،‬هنا ‪٬‬تب أن ٖتًتم‬ ‫حكمه حينما قال ‪ { :‬فَل َ ُه َما َسل َ َف‬ ‫} وبهذا القول انتهت القضية ‪.‬‬

‫ويستأنف سبحانه األمر بعدالة‬ ‫جديدة ٕتمعك وٕتمعه عىل قدم‬ ‫ا‪١‬تساواة بدون ظلم منك أيها‬ ‫ا‪١‬تظلوم سابقا ْتجة أنه طا‪١‬تا‬ ‫ظلمك ‪ .‬وا‪١‬تجتمعات حُت تسَت‬ ‫عىل هذا النظام{ ال َتَ ْظلِ‬ ‫م‬ ‫ون َوال َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ون } إ‪٪‬تا تسَت عىل ‪٪‬تط‬ ‫ُت ْظل َ ُم َ‬

‫معتدل ال عىل ظلم موجه ‪ .‬فنحن‬ ‫نعيب عىل قوم أهنم ظلموا ‪ ،‬ثم نأيت‬ ‫بقوم لنجعلهم ي َ ْظلِمون ‪ ،‬ال ‪ . .‬إن‬ ‫اًفميع عىل قدم ا‪١‬تساواة من اْلن ‪.‬‬ ‫وفساد أي نظام يف ا‪١‬تجتمع يأيت من‬ ‫توجيه الظلم من فئة جديدة إىل‬ ‫فئة قدٯتة ‪ ،‬فبذلك يظل النظام‬

‫قائما ‪ ،‬طائفة َظل َ َمت ‪ ،‬وتأيت‬ ‫طائفة كانت مظلومة لتظلم‬ ‫الطائفة الظا‪١‬تة سابقا ‪ ،‬نقول ‪٢‬تم ‪:‬‬ ‫ذلك ظلم موجه ‪ ،‬و‪٨‬تن نريد أن‬ ‫تنتظم العدالة وتشمل كل أفراد‬ ‫ا‪١‬تجتمع بأن يأخذ كل إنسان حقه‬ ‫‪ ،‬فالذي َظل َ َم سابقا منعناه عن‬

‫ظلمه ‪ ،‬وا‪١‬تغلوب سابقا أنصفناه ‪،‬‬ ‫وبذلك يصَت الكل عىل قدم‬ ‫ا‪١‬تساواة؛ ليسَت ا‪١‬تجتمع مسَتة‬ ‫عادلة ٖتكمه قضية إٯتانية ‪ .‬إننا ال‬ ‫نكافئ من عىص اهلل فينا بأكثر من‬ ‫أن نطيع اهلل فيه ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يجيء القرآن ليفتح باب‬

‫جديدا من األمل أمام ا‪١‬تظلومُت ‪.‬‬ ‫وليضع حدا للذين كانوا ظا‪١‬تُت أوال‬ ‫‪ ،‬وحكم ‪٢‬تم برأس ا‪١‬تال ومنعهم‬ ‫من الزائد عىل رأس ا‪١‬تال ‪ ،‬فحنن‬ ‫قلوبهم عىل هؤالء ‪ .‬أ َ ْي ليست‬ ‫ضربة الزب أن تأخذوا رأس ا‪١‬تال‬ ‫اْلن ‪ ،‬ولكن عليكم أن ُتن ْ ِظروا‬

‫و٘تهلوا ا‪١‬تدين إن كان معسرا ً‪،‬‬ ‫وإن تساميتم يف النضج اإلٯتاين‬ ‫اليقيٍت وارتضيتم اهلل بديبل لكم‬ ‫عن كل عوض يفوتكم ‪ ،‬فعليكم‬ ‫أن تتجاوزوا وتتنازلوا حىت عن‬ ‫رءوس أموالكم اليت حكم اهلل‬ ‫لكم بها لتًتفعوا بها وهتبوها ‪١‬تن ال‬

‫ان‬ ‫يقدر ‪ .‬فيأيت قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِن ك َ َ‬ ‫ُذو ُع ْس َر ٍة فَن َ ِظ َرةٌ إىل َمي ْ َس َر ٍة ‪} . . .‬‬

‫ان ُذو ُع ْس َر ٍة فَن َ ِظ َرةٌ إ َِىل َمي ْ َس َر ٍة‬ ‫َوإ ِْن ك َ َ‬ ‫َوأ َ ْن تَ َص َّد ُقوا َخ َْتٌ ل َ ُك ْم إ ِْن ُكن ْ ُت ْم‬ ‫ون (‪)280‬‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬

‫ان ُذو ُع ْس َر ٍة } حكم بأن‬ ‫و { َوإِن ك َ َ‬ ‫أن‬ ‫للدائن رأس ا‪١‬تال ‪ ،‬ولكن هب ّ‬ ‫ا‪١‬تدين ذو عسرة ‪ ،‬هنا قضية يثَتها‬ ‫بعض ا‪١‬تستشرقُت الذين يدعون‬ ‫أهنم درسوا العربية ‪ ،‬لقد درسوها‬ ‫صناعة ‪ ،‬ولكنها عزت عليهم‬ ‫ملكة؛ ألن اللغة ليست صناعة‬

‫فقط ‪ ،‬اللغة طبع ‪ ،‬واللغة ملكة ‪،‬‬ ‫اللغة وجدان ‪ ،‬يقولون ‪ :‬إن القرآن‬ ‫يفوته بعض التقعيدات اليت‬ ‫تقعدها لغته ‪ .‬فمثبل جاءوا بهذه‬ ‫ان ُذو ُع ْس َر ٍة فَن َ ِظ َرةٌ‬ ‫اْلية ‪َ { :‬وإِن ك َ َ‬ ‫إىل َمي ْ َس َر ٍة َوأَن تَ َص َّد ُقوا ْ َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫إِن ُكن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬

‫قال بعض ا‪١‬تستشرقُت ‪ :‬نريد أن‬ ‫نبحث مع علماء القرآن عن خْب {‬ ‫ان ُذو‬ ‫ان } يف قوله ‪َ { :‬وإِن ك َ َ‬ ‫كَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ان‬ ‫ُع ْس َرة } ‪ ،‬صحيح ال ‪٧‬تد خْب { ك َ َ‬ ‫} ‪ ،‬ولكن ا‪١‬تلكة العربية ليست‬ ‫عنده؛ ألنه إذا كان قد درس العربية‬ ‫ان }‬ ‫كان ‪٬‬تب أن يعرف أن { ك َ َ‬

‫ٖتتاج إىل اسم وإىل خْب ‪ ،‬اسم‬ ‫مرفوع وخْب منصوب وهذه هي‬ ‫اليت يقال عنها كان الناقصة ‪ ،‬كان‬ ‫‪٬‬تب أن يفهم أيضا معها أهنا قد تأيت‬ ‫تامة أي ليس ‪٢‬تا خْب ‪ ،‬وتكتفي‬ ‫با‪١‬ترفوع ‪ ،‬وهذه ٖتتاج إىل شرح‬ ‫بسيط ‪.‬‬

‫إن كل فعل من األفعال يدل عىل‬ ‫ان } إن‬ ‫حدث وزمن ‪ ،‬وكلمة { ك َ َ‬ ‫‪ٝ‬تعتها دلت عىل وجود وحدث‬ ‫مطلق لم تبُت فيه ا‪ٟ‬تالة اليت عليها‬ ‫ا‪ٝ‬تها ‪ ،‬كان ‪٣‬تتهدا؟ كان كسوال؟‬ ‫مثبل فهي تدل عىل وجود شيء مطلق‬ ‫أي ليس له حالة ‪ ،‬ومعٌت ذلك أن{‬

‫ان } دلت عىل الزمن الوجودي‬ ‫كَ َ‬ ‫ا‪١‬تطلق أي عىل ا‪١‬تعٌت ا‪١‬تجرد‬ ‫الناقص ‪ ،‬والشيء ا‪١‬تطلق ال يظهر‬ ‫ا‪١‬تراد منه إال إذا قيد ‪ ،‬فإن أردت أن‬ ‫تدل عىل وجود مقيد ليتضح ا‪١‬تعٌت ‪،‬‬ ‫ويظهر ‪ ،‬فبل بد أن تأتيها ٓتْب ‪ ،‬كأن‬ ‫قتول ‪ :‬كان زيد ‪٣‬تتهدا ‪ ،‬هنا وجد‬

‫شيء خاص وهو اجتهاد زيد ‪ .‬إذن‬ ‫ان } هنا ناقصة تريد ا‪٠‬تْب‬ ‫ف{ كَ َ‬ ‫يكملها وليعطيها الوجود ا‪٠‬تاص ‪،‬‬ ‫فإذا لم يكن األمر كذلك وأردنا‬ ‫ان } تامة‬ ‫الوجود فقط تكون { ك َ َ‬ ‫أي تكتفي ٔترفوعها فقط مثل أن‬ ‫تقول ‪ :‬عاد الغائب فكان الفرح أي‬

‫وجد ‪ ،‬أو أشرقت الشمس فكان‬ ‫النور ‪ ،‬والشاعر يقول ‪:‬‬ ‫وكانت وليس الصبح فيها بأبيض‬ ‫‪ ...‬وأضحت وليس الليل فيها‬ ‫بأسود‬ ‫ان ُذو ُع ْس َر ٍة } أي‬ ‫فقوله { َوإِن ك َ َ‬ ‫فإن وجد ذو عسرة ‪ . .‬أي إن وجد‬

‫إنسان ليس عنده قدرة عىل السداد‬ ‫‪ { ،‬فَن َ ِظ َرةٌ } من الدائن { إىل‬ ‫َمي ْ َس َر ٍة } أي إىل أن يتيسر ‪،‬‬ ‫ويكون رأس ا‪١‬تال يف هذه ا‪ٟ‬تالة {‬ ‫قَ ْرضا ً َح َسنا ً} ‪ ،‬وكلما صْب عليه‬ ‫‪ٟ‬تظة أعطاه اهلل عليها ثوابا ‪.‬‬ ‫ولنا أن نعرف أن ثواب القرض‬

‫ا‪ٟ‬تسن أكثر من ثواب الصدقة؛‬ ‫ألن الصدقة حُت تعطيها فقد‬ ‫قطعت أمل نفسك منها ‪ ،‬وال‬ ‫تشغل بها ‪ ،‬وتأخذ ثوابا عىل ذلك‬ ‫دفعة واحدة ‪ ،‬لكن القرض حُت‬ ‫تعطيه فقلبك يكون متعلقا به ‪،‬‬ ‫فكلما يكون التعلق به شديدا ‪،‬‬

‫ويهب عليك حب ا‪١‬تال وتصْب‬ ‫فأنت تأخذ ثوابا ‪ .‬لذلك ‪٬‬تب أن‬ ‫تلحظ أن القرض حُت يكون‬ ‫قرضا حسنا وا‪١‬تقًتض معذور‬ ‫ْتق؛ ألن فيه فرقا ًبُت معذور ْتق ‪،‬‬ ‫ومعذور بباطل ‪ ،‬ا‪١‬تعذور ْتق هو‬ ‫الذي ٭تاول جاهدا أن يسدد دينه ‪،‬‬

‫ولكن الظروف تقف أمامه وٖتول‬ ‫دون ذلك ‪ ،‬أما ا‪١‬تعذور بباطل‬ ‫فيجد عنده ما يسد دينه ولكنه‬ ‫ٯتاطل يف السداد ويبىق ا‪١‬تال ينتفع‬ ‫به وهو بهذا ظالم ‪.‬‬

‫ولذلك جرب نفسك ‪ ،‬ستجد أن‬ ‫كل دين يشتغل به قلبك فاعلم أن‬ ‫صاحبه حرص عىل السداد ولم‬ ‫يسدد ‪ ،‬وكل دين كان بردا ًو سبلما ً‬ ‫عىل قلبك فاعلم أن صاحبه معذور‬ ‫ْتق وال يقدر أن يسدد ‪ ،‬ورٔتا‬ ‫استحييت أنت أن ٘تر عليه ‪٥‬تافة‬

‫أن ٖترجه ٔتجرد رؤيتك ‪ .‬وهؤالء‬ ‫ال يطول بهم ال ّدي ْ ُن طويبل؛ ألن‬ ‫الرسول حكم يف هذه القضية‬ ‫حكما ‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫« من أخذ أموال الناس يريد‬ ‫أداءها أدى اهلل عنه ‪ ،‬ومن أخذها‬ ‫يريد إتبلفها أتلفه اهلل » ‪.‬‬

‫فما دام ساعة أخذها يف نيته أن‬ ‫يؤدي فإن اهلل ييسر له سبيل األداء‬ ‫‪ ،‬ومن أخذها يريد إتبلفها ‪ ،‬فاهلل ال‬ ‫ييسر له أن يسدد؛ ألنه ال يقدر عىل‬ ‫ترك ا‪١‬تال يسدد به دينه وهذه‬ ‫حادثة يف حياة الرسول صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم تفسر لنا هذا ا‪ٟ‬تديث ‪،‬‬

‫فقد مات رجل عليه دين ‪ ،‬فلما‬ ‫علم رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫أنه مدين؛ قال ألصحابه ‪ :‬صلوا‬ ‫عىل أخيكم ‪.‬‬ ‫إذن فهو لم يصل ‪ ،‬ولكنه طلب من‬ ‫أصحابه أن يصلوا ‪١ ،‬تاذا لم يصل؟‬ ‫ألنه قال قضية سابقة ‪ « :‬من أخذ‬

‫أموال الناس يريد أداءها ّأدى اهلل‬ ‫عنه » ما دام قد مات ولم يؤد إذن‬ ‫فقد كان يف نيته أن ٯتاطل ‪ ،‬لكن‬ ‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم لم‬ ‫ٯتنع أصحابه من الصبلة عليه ‪.‬‬ ‫والرسول صىل اهلل عليه وسلم يأيت‬ ‫للمعسر ويعامله معاملة األر٭تية‬

‫اإلٯتانية فيقول ‪ « :‬من أنظر‬ ‫معسرا ًأو وضع عنه أظله اهلل يف ظله‬ ‫يوم ال ظل إال ظله » ‪.‬‬ ‫ومعٌت « أنظر » أي أمهله وأخر‬ ‫أخذ الدين منه فبل يبلحقه ‪ ،‬فبل‬ ‫٭تبسه يف دَي ْ ِنه ‪ ،‬فبل يطارده ‪ ،‬وإن‬ ‫تساىم يف اليقُت اإلٯتاين ‪ ،‬يقول له ‪:‬‬

‫« اذهب ‪ ،‬اهلل يعوض عل َّي وعليك »‬ ‫وتنتهي ا‪١‬تسألة ‪ ،‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫‪َ { :‬وأَن تَ َص َّد ُقوا ْ َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم إِن‬ ‫ون } والثمرة هي‬ ‫ُكن ْ ُت ْم تَعْ َ ُمل َ‬ ‫حسن ا‪ٞ‬تزاء من اهلل ‪ .‬فإما أن تنظر‬ ‫وتؤخر ‪ ،‬وإما أن تتصدق ببعض‬ ‫الدين أو بكل الدين ‪ ،‬وأنت حر يف‬

‫أن تفعل ما تشاء ‪ .‬فانظروا دقة‬ ‫ا‪ٟ‬تق عند تصفية هذه القضية‬ ‫االقتصادية اليت كانت الشغل‬ ‫الشا ل للبيئة ا‪ٞ‬تاهلية ‪.‬‬ ‫ولقد عرفنا ‪٦‬تا تقدم أن اإلسبلم قد‬ ‫بٌت العملية االقتصادية عىل الرفد‬ ‫والعطاء ‪ ،‬وتكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه‬

‫وتعاىل عنها يف آيات النفقة اليت‬ ‫سبقت من أول قوله تعاىل ‪َّ { :‬مث َ ُل‬ ‫ِ‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسب ِ‬ ‫ِيل اهلل‬ ‫الذين يُنْف ُق َ‬ ‫كَ َمث َ ِل َحب َّ ٍة } ‪.‬‬ ‫وتكلم طويبل ًعن النفقة ‪ .‬والنفقة‬ ‫تشمل ما يكون مفروضا ًعليك‬

‫من زكاة ‪ ،‬وما تتطوع به أنت ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تتطوع بشيء فوق ما فرض اهلل‬ ‫يعتْبه سبحانه حقا ًللفقَت ‪ ،‬ولكنه‬ ‫حق َت معلوم ‪ ،‬ولذلك حينما‬ ‫تعرضنا إىل قوله سبحانه ‪ { :‬إ َِّن‬ ‫ا‪١‬تتقُت ِيف َجنَّ ٍ‬ ‫ات َو ُعيُونٍ * آ ِخ ِذي َن‬ ‫َمآ آتَ ُاه ْم َربُّ ُه ْم إ َِّهن ُ ْم كَانُوا ْقَب ْ َل‬

‫ك ُ‪٤‬ت ْ ِ نِ‬ ‫ُت* كَانُوا ْقَلِيبل ً ِّمن اليل‬ ‫ذَل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ون } ػ الذاريات ‪-15 :‬‬ ‫َما يَهْ َج ُع َ‬ ‫‪] 17‬‬ ‫أيتطلب اإلسبلم منا أال هنجع إال‬ ‫قليبل ًمن الليل؟ ال ‪ ،‬إن للمسلم أن‬ ‫يصلي العشاء وينام ‪ ،‬ثم يقوم‬ ‫لصبلة الفجر ‪ ،‬هذا ما يطلبه‬

‫اإلسبلم ‪ .‬لكن ا‪ٟ‬تق سبحانه هنا‬ ‫يتكلم عن ا‪١‬تحسنُت الذين دخلوا‬ ‫يف مقام اإلحسان مع اهلل ‪ { .‬إ َِّن‬ ‫ا‪١‬تتقُت ِيف َجنَّ ٍ‬ ‫ات َو ُعيُونٍ * آ ِخ ِذي َن‬ ‫َمآ آتَ ُاه ْم َربُّ ُه ْم إ َِّهن ُ ْم كَانُوا ْقَب ْ َل‬ ‫ذَل ِ‬ ‫ك ُ‪٤‬ت ْ ِس ِ‬ ‫ُت * كَانُوا ْقَلِيبل ً ِّمن اليل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ون * وباألسحار ُه ْم‬ ‫َما يَهْ َج ُع َ‬

‫ِ‬ ‫ون } ػ الذاريات ‪-15 :‬‬ ‫ي َ ْستَغْف ُر َ‬ ‫‪] 18‬‬ ‫هل التشريع يلزم ا‪١‬تؤمن أن يقوم‬ ‫بالسحر ليستغفر؟ ال ‪ ،‬إن ا‪١‬تسلم‬ ‫عليه أن يؤدي الفروض ‪ ،‬ولكن إن‬ ‫كان ا‪١‬تسلم يرغب يف دخول مقام‬ ‫اإلحسان فعليه أن يعرف الطريق ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ون } ػ‬ ‫{ وباألسحار ُه ْم ي َ ْستَغْف ُر َ‬ ‫الذاريات ‪] 18 :‬‬ ‫والكبلم هنا يف مقام اإلحسان ‪.‬‬ ‫ويضيف ا‪ٟ‬تق عن أصحاب هذا‬ ‫المقام ‪ { :‬ويف أ َ ْم َو ِ ِ‬ ‫لس ِآئ ِل‬ ‫ا‪٢‬ت ْم َح ٌّق ل َّ َّ‬ ‫وا‪١‬تحروم } ػ الذاريات ‪] 19 :‬‬ ‫إن اهلل سبحانه قد حدد يف أموال من‬

‫يدخل يف مقام اإلحسان حقا‬ ‫للسائل وا‪١‬تحروم ‪ ،‬ولم ٭تدد اهلل‬ ‫قيمة هذا ا‪ٟ‬تق أو لونه ‪ .‬هل هو‬ ‫معلوم أو َت معلوم ‪ .‬لكن حُت‬ ‫سبحان‬ ‫ه‬ ‫تكلم اهلل عن ا‪١‬تؤمنُت قال‬ ‫َ ِ‬ ‫وم *‬ ‫‪ { :‬والذين يف أ ْم َوا‪٢‬تِ ْم َح ٌّق َّمعْل ُ ٌ‬ ‫لس ِآئ ِل وا‪١‬تحروم } ػ ا‪١‬تعارج ‪:‬‬ ‫ل ِ ّ َّ‬

‫‪] 25-24‬‬ ‫وهكذا ‪٧‬تد يف أموال صاحب مقام‬ ‫اإلحسان حقا للسائل وا‪١‬تحروم ‪،‬‬ ‫لكن يف أموال صاحب اإلٯتان حق‬ ‫معلوم وهو الزكاة ‪ .‬ومقام‬ ‫اإلحسان يعلو مقام اإلٯتان؛ ألن‬ ‫ا‪ٟ‬تق يف مال ا‪١‬تؤمن معلوم ‪ ،‬أما يف‬

‫مقام اإلحسان فإن يف ما‪٢‬تم حقا‬ ‫لئلحسان إىل الفقَت وإن لم يكن‬ ‫معلوما ‪ ،‬أي لم ٭تدد ‪.‬‬ ‫وقد رأينا بعض الفقهاء قد اعتْب‬ ‫الزكاة ما دامت حقا ًللفقَت عند‬ ‫الغٍت فإن منع الغٍت ما قدره نصاب‬ ‫سرقة ُتقطع يد الغٍت ‪ ،‬ألنه أخذ حق‬

‫الفقَت ‪ .‬ونصاب السرقة ربع دينار‬ ‫ذهبا ً‪ ،‬فيبٍت اإلسبلم قضاياه‬ ‫االجتماعية إما عل النفقة َت‬ ‫ا‪١‬تفروضة وإما عىل النفقة‬ ‫شحت نفوس‬ ‫ا‪١‬تفروضة ‪ .‬فإذا ما ّ‬ ‫الناس ‪ ،‬ولم تستطيع أن تتْبع‬ ‫بالقدر الزائد عىل ا‪١‬تفروض ‪،‬‬

‫و٘تكن حب ما‪٢‬تا يف نفسها ٘تكنا‬ ‫قويا ًْتيث ال تتنازل عنه يقول اهلل‬ ‫سبحانه لكل منهم ‪:‬‬ ‫أنت لم تتنازل عن مالك ‪ ،‬وأنا‬ ‫حرمت الربا ‪ ،‬فكيف نلتقي لنضع‬ ‫للمجتمع أساسا ًسليما ً؟ سنحتفظ‬ ‫لك ٔتالك و‪٪‬تنع عنك فائدة الربا ‪،‬‬

‫وهكذا نلتقي يف منتصف الطريق ‪،‬‬ ‫ال أخذنا مالك ‪ ،‬وال أخذت من‬ ‫َتك الزائد عىل هذا ا‪١‬تال ‪.‬‬ ‫وشرح ا‪ٟ‬تق سبحانه آية الديْن ‪،‬‬ ‫وأخذت هذه اْلية أطول حيز يف‬ ‫حجم آيات القرآن ‪١ ،‬تاذا؟ ‪ .‬ألن‬ ‫عىل الديْن هذا ُتبٌت قضايا ا‪١‬تجتمع‬

‫االقتصادية عند من ال ‪٬‬تد موردا ً‬ ‫سَت به حركة حياته ‪.‬‬ ‫ماليا ًيُ ّ‬

‫وحُت وضع ا‪ٟ‬تق آية الديْن لم‬ ‫يضعها وضعا ًتقنينيا ًجافا ًجامدا ً‪،‬‬ ‫وإ‪٪‬تا وضعها وضعا ًوجدانيا ‪ .‬أي‬ ‫مزج التقنُت بالوجدان ‪ ،‬مزج ا‪ٟ‬تق‬

‫‪ٚ‬تود القانون بروح اإلسبلم ‪ ،‬فلم‬ ‫‪٬‬تعلها عملية جافة ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تشرعون من البشر عندما‬ ‫يقننون فهم يضعون القانون جافا ً‪،‬‬ ‫فمثال ذلك ‪ :‬من قتل يقتل ‪ ،‬و َت‬ ‫ذلك ‪ .‬لكن ا‪ٟ‬تق يقول َت ذلك‬ ‫حىت يف أعنف قضايا ا‪٠‬تبلف ‪ ،‬وهي‬

‫خبلفات الدم ‪ ،‬فقال سبحانه ‪{ :‬‬ ‫فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن أ َ ِخي ِه َش ْي ٌء فاتباع‬ ‫آء إِلَي ْ ِه بِإ ِْح َسانٍ ذلك‬ ‫با‪١‬تعروف َوأَدَ ٌ‬ ‫َٗت ْ ِف ٌ ِ‬ ‫‪ٛ‬ت ٌة } ػ‬ ‫يف ّمن َّربِّ ُك ْم َو َر ْ َ‬ ‫البقرة ‪] 178 :‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قبل أن يأيت‬

‫بآية الديْن ‪ ،‬يقول ‪ { :‬واتقوا ي َ ْوما ً‬ ‫ون فِي ِه إ َِىل اهلل ‪} . . .‬‬ ‫ُت ْر َج ُع َ‬

‫ت َج ُعون فِي ِه إ َِىل َ ِ‬ ‫اّلل ُث َّم‬ ‫ّ‬ ‫َوا َّت ُقوا ي َ ْومًا ُ ْر َ‬ ‫ُت َو َّىف كُ ُّل ن َ ْف ٍس َما َك َسب َ ْت َو ُه ْم َال‬ ‫ون (‪)281‬‬ ‫يُ ْظل َ ُم َ‬

‫ولقد أوضحنا من قبل أن تقوى اهلل‬ ‫تقتضي أن تقوم باألفعال اليت تقينا‬ ‫صفات ا‪ٞ‬تبلل يف اهلل ‪ ،‬وأوضحنا أن‬ ‫اهلل قال ‪ { :‬واتقوا ي َ ْوما ً} أي أن‬ ‫نفعل ما ‪٬‬تعل بيننا وبُت النار وقاية‬ ‫‪ ،‬فالنار من متعلقات صفات ا‪ٞ‬تبلل‬ ‫‪ .‬وهاهو ذا ا‪ٟ‬تق سبحانه هنا يقول ‪:‬‬

‫{ واتقوا ي َ ْوما ً} ‪ ،‬فهل نتقي اليوم‬ ‫‪ ،‬أو نتقي ما ينشأ يف اليوم؟ إن اليوم‬ ‫ظرف زمان ‪ ،‬واألزمان ال ُٗتاف‬ ‫بذاهتا ‪ ،‬ولكن ٮتاف اإلنسان ‪٦‬تا‬ ‫يقع يف الزمن ‪.‬‬ ‫لكن إذا كان شيء يف الزمن مخيفا ً‪،‬‬ ‫إذن فا‪٠‬توف ينصب عىل اليوم كله ‪،‬‬

‫ألنه يوم هول؛ كل شيء فيه مف ّزع‬ ‫و‪٥‬توف ‪ ،‬وقانا اهلل وإياكم ما فيه‬ ‫من هول ‪ ،‬وانظر إىل الدقة‬ ‫القرآنية ا‪١‬تتناهية يف قوله ‪{ :‬‬ ‫ون فِي ِه إ َِىل اهلل } ‪.‬‬ ‫ُت ْر َج ُع َ‬ ‫إن الرجوع يف هذا اليوم ال يكون‬ ‫بطواعية العباد ولكن بإرادة اهلل ‪.‬‬

‫وسبحانه حُت يتكلم عن ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫الذين يعملون الصاٌف من‬ ‫األعمال؛ فإنه يقول عن رجوعهم‬ ‫إىل اهلل يوم القيامة ‪ { :‬واستعينوا‬ ‫بالصْب والصبلة َوإ َِّهنَا ل َ َكبَِتَةٌ إِال َّعَىلَ‬ ‫ون أ َ َّهنُم‬ ‫ا‪٠‬تاشعُت * الذين ي َ ُظنُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون }‬ ‫مبلقوا َر ِبّ ِه ْم َوأ َّهن ُ ْم إِلَيْه َراج ُع َ‬

‫ػ البقرة ‪] 46-45 :‬‬ ‫ومعٌت ذلك أن العبد ا‪١‬تؤمن يشتاق‬ ‫إىل العودة إىل اهلل؛ ألنه يرغب أن‬ ‫ينال الفوز ‪.‬‬ ‫أما َت ا‪١‬تؤمنُت فيقول عنهم ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫ون إىل نَا ِر َجهَنَّ َم دَعًّا }‬ ‫{ ي َ ْو َم يُ َد ُّع َ‬ ‫ػ الطور ‪] 13 :‬‬

‫إن رجوع َت ا‪١‬تؤمنُت يكون‬ ‫رجوعا ًقسريا ًال مرغوبا ًفيه ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق يقول عن هذا اليوم ‪ُ { :‬ث َّم‬ ‫توىف كُ ُّل ن َ ْف ٍس َّما كَ َسب َ ْت َو ُه ْم ال َ‬ ‫ون } ‪ .‬وبعد ذلك يقنن ا‪ٟ‬تق‬ ‫يُ ْظل َ ُم َ‬ ‫سبحانه للدين فيقول سبحانه ‪{ :‬‬ ‫ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَ َداي َ ُنتم‬

‫بِ َديْنٍ إىل أ َ َج ٍل ُّم َس ًّىم فاكتبوه ‪. . .‬‬ ‫}‬ ‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا إِذَا تَ َدايَن ْ ُت ْم‬ ‫وه‬ ‫بِ َديْنٍ إ َِىل أ َ َج ٍل ُم َس ًّىم فَاكْ ُتب ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب بِالْعَ ْد ِل َو َال‬ ‫ب بَيْن َ ُك ْم كَات ٌ‬ ‫َولْي َ ْك ُت ْ‬ ‫يَأْب كَاتِب أ َ‬ ‫ب َك َما عَل َّ َم ُه‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬

‫ب َولْي ْملِ ِل ال َّ ِذي عَلَي ْ ِه‬ ‫اّلل فليكت‬ ‫َّ ُ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ‬ ‫اّللَ َربَّ ُه َو َال ْ َيٓت َ ْس ِمن ْ ُه‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّق َولْيَتَّ ِق َّ‬ ‫ان ال َّ ِذي عَلَي ْ ِه ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّق َس ِفيهًا‬ ‫َشيْئًا فَإ ِْن ك َ َ‬ ‫أ َ ْو َضعِيفًا أ َ ْو َال ي َ ْست َ ِطي ُع أ َ ْن ُ ِٯت َّل ُه َو‬ ‫فَلْي ْملِ ْل َولِي ُّ ُه بِالْعَ ْد ِل َو ْاست َ ْش ِه ُدوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َش ِهي َدي ْ ِن م ْن ِر َجال ُك ْم فَإ ِْن ل َ ْم‬ ‫ُت فَ َر ُج ٌل َوا ْم َرأ َ َت ِ‬ ‫ي َ ُكونَا َر ُجل َ ْ ِ‬ ‫ان ِ‪٦‬ت َّ ْن‬

‫تَ ْر َض ْو َن ِم َن ال ّشُهَ َداءِ أ َ ْن تَ ِض َّل‬ ‫ِ‬ ‫األ ْخ َرى‬ ‫ا‪٫‬تا ْ ُ‬ ‫ا‪٫‬تا فَ ُت َذ ّك َر إ ِْح َد ُ َ‬ ‫إ ِْح َد ُ َ‬ ‫َو َال يَأ ْ َب ال ّشُهَ َد ُاء إِذَا َما ُد ُعوا َو َال‬ ‫َ‬ ‫وه َصغَِتًا أ َ ْو كَبَِتًا‬ ‫تَ ْسأ ُموا أ َ ْن تَ ْك ُتب ُ ُ‬ ‫إ َِىل أ َ َجلِ ِه ذَل ِ ُكم أَقْس ُط ِعن ْ َد َ ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َوأ َ ْق َو ُم لِل َّشهَادَ ِة َوأَدْ َىن أ َ َّال تَ ْرتَا ُبوا إ َِّال‬ ‫أَن تَ ُك ِ‬ ‫وهنَا‬ ‫ارة ً َحا ِض َرة ً ُت ِدي ُر َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ون ٕتَ َ‬

‫اح أ َ َّال‬ ‫بَيْن َ ُك ْم فَلَي ْ َس عَلَي ْ ُك ْم ُجن َ ٌ‬ ‫وها َوأ َ ْش ِه ُدوا إِذَا تَبَايَعْ ُت ْم َو َال‬ ‫تَ ْك ُتب ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب َو َال َش ِهي ٌد َوإ ِْن تَ ْفعَلُوا‬ ‫يُ َض َّار كَات ٌ‬ ‫وق بِ ُك ْم َوا َّت ُقوا َّ‬ ‫فَإ َّ ُهِن ُف ُس ٌ‬ ‫اّللَ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يم‬ ‫اّلل َو ّ َُ‬ ‫َويُعَلِ ّ ُم ُك ُم ّ َُ‬ ‫اّلل بِ ُك ّ ِل َش ْيء عَل ٌ‬ ‫(‪)282‬‬

‫إهنا أطول آية يف آيات القرآن‬ ‫ويستهلها اهلل بقوله ‪ { :‬ياأيها‬ ‫الذين آمنوا } وهذا االستهبلل‬ ‫كما نعرف يوحي بأن ما يأيت بعد‬ ‫هذا االستهبلل من حكم ‪ ،‬يكون‬ ‫اإلٯتان هو حيثية ذلك ا‪ٟ‬تكم ‪ ،‬فما‬ ‫دمت قد آمنت باهلل فأنت تطبق ما‬

‫كلفك به؛ ألن اهلل لم يكلف كافرا ً‪،‬‬ ‫فاإلنسان كما قلنا سابقا ًحر يف أن‬ ‫يُقبل عىل اإلٯتان باهلل أو ال يُقبل ‪.‬‬ ‫فإن أقبل اإلنسان باإلٯتان‬ ‫فليستقبل كل حكم ن اهلل بالتزام‬ ‫‪ .‬ونضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬ ‫األعىل إن اإلنسان حُت يكون‬

‫مريضا ً‪ ،‬هو حر يف أن يذهب إىل‬ ‫الطبيب أو ال يذهب ‪ ،‬ولكن حُت‬ ‫يذهب اإلنسان إىل الطبيب‬ ‫ويكتب له الدواء فاإلنسان ال‬ ‫يسأل الطبيب وهو ‪٥‬تلوق مثله ‪:‬‬ ‫‪١‬تاذا كتبت هذه العقاقَت؟ ‪.‬‬ ‫إن الطبيب ٯتكن أن يرد ‪ :‬إنك‬

‫كنت حرا يف أن تأيت إيل ّأو ال تأيت ‪،‬‬ ‫لكن ما دمت قد جئت إىل فا‪ٝ‬تع‬ ‫الكبلم ونفذه ‪ .‬والطبيب ال يشرح‬ ‫التفاعبلت وا‪١‬تعادالت ال ‪ ،‬إن‬ ‫الطبيب يشخص ا‪١‬ترض ‪ ،‬ويكتب‬ ‫الدواء ‪ .‬فما بالنا إذا أقبلنا عىل ا‪٠‬تالق‬ ‫األعىل باإلٯتان؟‬

‫إننا نفذ أوامره سبحانه ‪ ،‬واهلل ال‬ ‫يأمر ا‪١‬تؤمن إال عن حكمة ‪ ،‬وقد‬ ‫تتجىل للمؤمن بعد ذلك آثار‬ ‫ا‪ٟ‬تكمة ويزداد ا‪١‬تؤمن ثقة يف‬ ‫إٯتانه باهلل ‪ .‬يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ياأيها‬ ‫الذين آمنوا إِذَا تَ َداي َ ُنتم بِ َديْنٍ إىل‬ ‫أ َ َج ٍل ُّم َس ًّىم فاكتبوه } وعندما‬

‫نتأمل قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬تَ َداي َ ُنتم }‬ ‫‪٧‬تد فيها « دَيْن » ‪ ،‬وهناك « دِين »‬ ‫‪ ،‬ومن معٌت ال ِديّن ا‪ٞ‬تزاء ‪ ،‬ومن‬ ‫معٌت ال ِ ّدين منهج السماء ‪ ،‬وأما‬ ‫ال َّديْن فهو االقًتاض إىل موعد‬ ‫يسدد فيه ‪ .‬هكذا ‪٧‬تد ثبلثة معان‬ ‫واضحة ‪ :‬ال ِ ّدين ‪ :‬وهو يوم ا‪ٞ‬تزاء ‪،‬‬

‫وال َّديْن وهو ا‪١‬تنهج السماوي‬ ‫وال َّديْن ‪ :‬هو ا‪١‬تال ا‪١‬تقًتض ‪.‬‬ ‫واهلل يريد من قوله ‪ { :‬تَ َداي َ ُنتم‬ ‫بِ َديْنٍ } أن يزيل اللبس يف معنيُت‬ ‫‪ ،‬ويبىق معٌت واحدا ًوهو االقًتاض‬ ‫فقال ‪ { :‬بِ َديْنٍ } فالتفاعل هنا يف‬ ‫مسألة ال َديْن ال يف ا‪ٞ‬تزاء وال يف‬

‫ا‪١‬تنهج ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق ٭تدد ال َديْن بأجل‬ ‫ُمس ّىم ‪ .‬وقد أراد اهلل بكلمة «‬ ‫ُمس ّىم » مزيدا ًمن التحديد ‪،‬‬ ‫فهناك فرق بُت أجل لزمن ‪ ،‬وبُت‬ ‫أجل ‪ٟ‬تدث ٭تدث ‪ ،‬فإذا قلت ‪:‬‬ ‫األجل عندي مقدم ا‪ٟ‬تجيج ‪ .‬فهذا‬ ‫حدث يف زمن ‪ ،‬ومقدم ا‪ٟ‬تجيج ال‬

‫يضمنه أحد ‪ ،‬فقد تتأخر الطائرة ‪،‬‬ ‫أو يصاب بعض من ا‪ٟ‬تجيج ٔترض‬ ‫فيتم حجز الباقُت يف ا‪ٟ‬تجر الصحي‬ ‫‪.‬‬ ‫أما إذا قلت ‪ :‬األجل عندي شهران‬ ‫أو ثبلثة أشهر فهذا يعٍت أن األجل‬ ‫هو الزمن نفسه ‪ ،‬لذلك ال يصح أن‬

‫يؤجل أجل دينه إىل شي ء ٭تدث يف‬ ‫الزمن؛ ألنه من ا‪ٞ‬تائز أال ٭تدث‬ ‫ذلك الشيء يف هذا الزمن ‪ .‬إن‬ ‫التداين بديْن إىل أجل ُمس ىم‬ ‫يقتضي ٖتديد الزمن ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يوضح‬ ‫لنا ‪ { :‬إِذَا تَ َداي َ ُنتم بِ َديْنٍ إىل أ َ َج ٍل‬ ‫ُّم َس ًّىم فاكتبوه } وكلمة { فاكتبوه‬

‫} هي رفع ‪ٟ‬ترج األحباء من األحباء‬ ‫‪.‬‬ ‫إنه تشريع سماوي ‪ ،‬فبل تأخذ أحد‬ ‫األر٭تية ‪ ،‬فيقول لصاحبه ‪٨ « :‬تن‬ ‫أصحاب » ‪ ،‬إنه تشريع ‪ٝ‬تاوي‬ ‫يقول لك ‪ :‬اكتب الديْن ‪ ،‬وال تقل‬

‫‪٨ « :‬تن أصدقاء » فقد ٯتوت‬ ‫واحد منكما فإن لم تكتب الديْن‬ ‫حرجا ًفماذا يفعل األبناء ‪ ،‬أو‬ ‫األرامل ‪ ،‬أو الورثة؟ ‪.‬‬ ‫إذن فإلزام ا‪ٟ‬تق بكتابة الديْن هو‬ ‫تنفيذ ألمر من اهلل ٭تقق رفع ا‪ٟ‬ترج‬ ‫بُت األحباء ‪ .‬ويظن كثَت من الناس‬

‫أن اهلل يريد بالكتابة ‪ٛ‬تاية الدائن‬ ‫‪ .‬ال ‪ ،‬إن ا‪١‬تقصود بذلك وا‪١‬تهم هو‬ ‫‪ٛ‬تاية ا‪١‬تدين ‪ ،‬ألن ا‪١‬تدين إن علم‬ ‫أن الديْن عليه موثق حرص أن‬ ‫يعمل ليؤدي ديْنه ‪ ،‬أما إذا كان‬ ‫الدين َت موثق فيمن ا‪ٞ‬تائز أن‬ ‫يكسل عن العمل وعن سداد‬

‫الديْن ‪ .‬وبذلك ٭تصل هو وأسرته‬ ‫عىل حاجته مرة واحدة ‪ ،‬ثم يضن‬ ‫ا‪١‬تجتمع الغٍت عىل ا‪١‬تجتمع الفقَت‬ ‫فبل يقرضه؛ ويأخذون عجز ذلك‬ ‫اإلنسان عن السداد ذريعة لذلك ‪،‬‬ ‫ويقع هذا اإلنسان الذي لم يؤد‬ ‫دينه يف دائرة ٖتمل الوزر ا‪١‬تضاعف‬

‫‪ ،‬ألنه ضيّق باب القرض اٌفسن ‪.‬‬ ‫إن اهلل يريد أن يسَت دوالب ا‪ٟ‬تياة‬ ‫االقتصادية عند من ال ٯتلك ‪ ،‬ألن‬ ‫يسَت حياته ‪،‬‬ ‫من ٯتلك يستطيع أن ّ‬ ‫أما من ال ٯتلك فهو ا‪١‬تحتاج ‪.‬‬ ‫ولذلك فهناك مثل يف الريف‬ ‫ا‪١‬تصري يقول ‪ :‬من يأخذ ويعطي‬

‫يصَت ا‪١‬تال ماله ‪ .‬إنه يقًتض‬ ‫ويسدد ‪ ،‬لذلك يثق فيه كل الناس ‪،‬‬ ‫أمُتويرونه ُ‪٣‬تدا ً‪ ،‬ويرونه‬ ‫ويرونه ا ً‬ ‫‪٥‬تلصا ً‪ ،‬ويعرفون عنه أنه إذا أخذ‬ ‫وىف ‪ ،‬فكل ا‪١‬تال يصبح ماله ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إذن فاهلل سبحانه بكتابة الديْن‬ ‫يريد ‪ٛ‬تاية حركة ا‪ٟ‬تياة عند َت‬

‫الواجد؛ ألن الواجد يف َت حاجة‬ ‫إىل القرض ‪ .‬لذلك جاء األمر من‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬إِذَا تَ َداي َ ُنتم بِ َديْنٍ‬ ‫إىل أ َ َج ٍل ُّم َس ًّىم فاكتبوه } ‪ .‬ومن‬ ‫الذي يكتب الديْن؟ ‪.‬‬ ‫انظر الدقة ‪ :‬ال أنت أيها الدائن‬ ‫الذي تكتب ‪ ،‬وال أنت أيها ا‪١‬تدين‬

‫‪ ،‬ولكن البد أن يأيت كاتب َت‬ ‫االثنُت ‪ ،‬فبل مصلحة ‪٢‬تذا الثالث‬ ‫من عملية الدين { َولْي َ ْك ُتب‬ ‫بَّيْن َ ُكم كَاتِب بالعدل وال َيَأْب كَاتِ‬ ‫ب‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫أَ‬ ‫ب َك َما عَل َّ َم ُه اهلل } ‪ .‬ويف‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذلك إيضاح بأن اإلنسان الذي‬ ‫يعرف الكتابة إن ُطلب منه أن‬

‫يكتب ديْنا ًأال ٯتتنع عن ذلك ‪،‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن اْلية آية الديْن قد نزلت‬ ‫وكانت الكتابة عند العرب قليلة ‪،‬‬ ‫كان هناك عدد قليل فقط هم‬ ‫الذين يعرفون الكتابة ‪ ،‬فكان‬ ‫هناك طلب شديد عىل من يعرف‬ ‫الكتابة ‪.‬‬

‫ولكن إن لم يُ ْطلَب أحد من الذين‬ ‫يعرفون الكتابة أن يكتب الديْن‬ ‫فماذا يفعل؟ ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يأمره بأن‬ ‫يتطوع ‪ ،‬ويف ذلك يأيت األمر الواضح‬ ‫« فليكتب »؛ ألن اإلنسان إذا ما‬ ‫كان هناك أمر يقتضي منه أن‬ ‫يعمل ‪ ،‬والظرف ال ٭تتمل ٕتربة ‪،‬‬

‫فالشرع يلزمه أن يندب نفسه‬ ‫للعمل ‪.‬‬ ‫هب أنكم يف زورق وبعد ذلك‬ ‫جاءت عاصفة ‪ ،‬وأغرقت الذي‬ ‫ٯتسك بدفة الزورق ‪ ،‬أو هو َت‬ ‫قادر عىل إدارة الدفة ‪ ،‬هنا ‪٬‬تب أن‬ ‫يتقدم من يعرف ليدير الدفة ‪ ،‬إنه‬

‫يندب نفسه للعمل ‪ ،‬فبل ‪٣‬تال‬ ‫للتجربة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت عرض‬ ‫قضية ا‪ٞ‬تدب يف قصة سيدنا يوسف‬ ‫ِِ‬ ‫ُت دَأَبا ً‬ ‫قال ‪ { :‬تَ ْز َر ُع َ‬ ‫ون َسب ْ ُع سن َ‬ ‫فَما َح َصد ّتُم فَ َذر ُوه ِيف سنبلِ ِه إِال َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ ُ‬

‫ِ ِ ْ‬ ‫ون * ُث َّم يَأ ْ ِيت ِمن بَعْ ِد‬ ‫قَليبل ً ّ‪٦‬تَّا تَأكُل ُ َ‬ ‫ذلك َسب ْ ٌع ِش َد ٌاد يَأْكُل َْن َما قَ ّد َْم ُت ْم َ‪٢‬ت ُ َّن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ون } ػ يوسف ‪:‬‬ ‫إِال َّقَليبل ً ّ‪٦‬تَّا ُٖتْص ُن َ‬ ‫‪] 48-47‬‬ ‫ال اجعلٍت‬ ‫وقال سيدنا يوسف ‪ { :‬قَ َ‬ ‫عىل َخ َزآ ِئ ِن األرض إ ِِّين َح ِف ٌيظ عَلِ‬ ‫يم‬ ‫ٌ‬ ‫} ػ يوسف ‪] 55 :‬‬

‫إن ا‪١‬تسألة جدب فبل ٖتتمل‬ ‫التجربة ‪ ،‬وهو كفء ‪٢‬تذه ا‪١‬تهمة ‪،‬‬ ‫ٯتلك موهبة ا‪ٟ‬تفظ والعلم ‪،‬‬ ‫فيندب نفسه للعمل ‪ .‬كذلك هنا‬ ‫ُ‬ ‫{ وال َيَأْب كَاتِب أ َ‬ ‫ب َك َما‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫عَل َّ َم ُه اهلل } إذا طلب منه وإن لم‬ ‫ب} ‪.‬‬ ‫يطلب منه وتعُت { فَلْي َ ْك ُت ْ‬

‫وهذه علة األمرين االثنُت ‪ ،‬وما‬ ‫دامت الكتابة للتوثيق يف ال َّديْن؛‬ ‫فمن الضعيف؟ إنه ا‪١‬تدين ‪،‬‬ ‫والكتابة حجة عليه للدائن ‪ ،‬لذلك‬ ‫٭تدد اهلل الذي ٯتلل ‪ :‬الذي عليه‬ ‫الديْن ‪ ،‬أي ٯتلي الصيغة اليت تكون‬ ‫حجة عليه { َولْي ْملِ ِل الذي عَلَي ْ ِه‬ ‫ُ‬

‫ا‪ٟ‬تق } و‪١‬تاذا ال ٯتلي الدائن؟ ألن‬ ‫ا‪١‬تدين عادة يف مركز الضعف ‪،‬‬ ‫فلعل الدائن عندما تأيت ‪ٟ‬تظة‬ ‫كتابة ميعاد السداد فقد يقلل هذا‬ ‫ا‪١‬تيعاد ‪ ،‬وقد ٮتجل ا‪١‬تدين أن‬ ‫يتكلم ويصمت؛ ألنه يف مركز‬ ‫الضعف ‪ .‬وٮتتار اهلل الذي يف مركز‬

‫الضعف ليملي صيغة الديْن ‪ ،‬ٯتلي‬ ‫عىل راحته ‪ ،‬ويضمن أال يُؤخذ‬ ‫بسيف ا‪ٟ‬تاجة يف أن موضع من‬ ‫ا‪١‬تواضع ‪.‬‬ ‫لكن ماذا نفعل عندما يكون الذي‬ ‫عليه الديْن سفيها أو ضعيفا أو ال‬ ‫يستطيع أن ٯتل هو؟ إن ا‪ٟ‬تق يضع‬

‫ان الذي عَلَي ْ ِه ا‪ٟ‬تق‬ ‫القواعد { فَإن ك َ َ‬ ‫يست َ ِطي ُع أَن‬ ‫َس ِفيها ًأ َ ْو َضعِيفا ًأ َ ْو ال َ َ ْ‬ ‫ُ ِٯت َّل ُه َو فَلْي ْملِ ْل َولِي ُّ ُه بالعدل }‬ ‫ُ‬ ‫والسفيه هو البالغ مبلغ الرجال إال‬ ‫أنه ال ٯتتلك أهلية التصرف ‪.‬‬ ‫والضيف هو الذي ال ٯتلك القدرة‬ ‫اليت ُتبلغه أن يكون ناضجا النضج‬

‫العقلي للتعامل ‪ ،‬كأن يكون طفبل‬ ‫صغَتا ‪ ،‬أو شيخا بلغ من الكْب حىت‬ ‫صار ال يعلم من بعد علمه شيئا ‪ ،‬أو‬ ‫ال يستطيع أن ٯتل ‪ .‬أي أخرس‬ ‫القيم أو‬ ‫فيقول باإلمبلء الويل أو ّ‬ ‫الوص ّي ‪.‬‬ ‫ويأيت التوثيق الزائد ‪ :‬بقوله تعاىل ‪:‬‬

‫{ واستشهدوا َش ِهي َدي ْ ِن ِّمن‬ ‫ِّر َجال ِ ُك ْم فَإِن ل َّ ْم ي َ ُكونَا َر ُجل َ ْ ِ‬ ‫ُت‬ ‫فَ َر ُج ٌل وامرأتان ِ‪٦‬تَّن تَ ْر َض ْو َن ِم َن‬ ‫َ‬ ‫ا‪٫‬تا فَ ُت َذ ِ ّك َر‬ ‫الشهدآء أن تَ ِض َّل إ ِْح َد ُ َ‬ ‫ا‪٫‬تا األخرى } ‪.‬‬ ‫إ ِْح َد ُ َ‬ ‫ولننظر إىل الدقة يف التوثيق عندما‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واستشهدوا }‬

‫نستشهد ونكتب ‪ ،‬ألنه سبحانه‬ ‫يريد بهذا التوثيق أن يؤ ّمن ا‪ٟ‬تياة‬ ‫االقتصادية عند َت الواجد؛ ألن‬ ‫ؤمنَة عند َت‬ ‫ا‪ٟ‬تاجة عندما تكون م َّ‬ ‫الواجد فالدوالب ٯتشي وتسَت‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة االقتصادية؛ ألن‬ ‫الواجد هو القليل ‪ ،‬و َت الواجد هو‬

‫الكثَت ‪ ،‬فكل فكر جاد ومفيد ٭تتاج‬ ‫إىل مائة إنسان ينفذون التخطيط ‪.‬‬ ‫أن ا‪ٞ‬تيب الواجد الذي يصرف‬ ‫٭تتاج إىل مائة لينفذوا ‪ ،‬و‪٢‬تذا‬ ‫تكون ا‪ٞ‬تمهرة من الذين ال ‪٬‬تدون‬ ‫‪ ،‬وذلك حىت يسَت نظام ا‪ٟ‬تياة؛ ألن‬ ‫اهلل ال يريد أن يكون نظام ا‪ٟ‬تياة‬

‫تفضبل من ا‪٠‬تلق عىل ا‪٠‬تلق ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬ ‫يريد اهلل نظام ا‪ٟ‬تياة نظاما‬ ‫ضروريا؛ فالعامل الذي ال يعول‬ ‫أسرة قد ال ٮترج إىل العمل ‪ ،‬لذلك‬ ‫فا‪ٟ‬تق يربط خروج العامل ْتاجته ‪.‬‬

‫إنه ٭تتاج إىل الطعام ورعاية نفسه‬ ‫وأسرته فيخرج اضطرارا إىل‬ ‫العمل ‪ ،‬وبتكرار األمر يعشق‬ ‫عمله ‪ ،‬وحُت يعشق العمل فهو‬ ‫٭تب العمل يف ذاته ‪.‬‬ ‫وبذلك ينتقل من ا‪ٟ‬تاجة إىل‬ ‫العمل ‪ ،‬إىل حب العمل يف ذاته ‪،‬‬

‫وإذا ما أحب العمل يف ذاته ‪ ،‬فعجلة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة تسَت ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه حُت‬ ‫٭تدد الشهود بهذا القول ‪{ :‬‬ ‫واستشهدوا َش ِهي َدي ْ ِن ِّمن ِّر َجا ل ِ ُك ْم‬ ‫}‪.‬‬ ‫و‪١‬تاذا قال ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ش ِهي َدي ْ ِن } ولم‬ ‫يقل « شاهدان »؟ ألن مطلق‬

‫شاهد قد يكون زورا ً‪ ،‬لذلك جاء‬ ‫ا‪ٟ‬تق بصيغة ا‪١‬تبالغة ‪ .‬كأنه شاهد‬ ‫عرفه الناس بعدالة الشهادة حىت‬ ‫صار شهيدا ‪ .‬إنه إنسان تكررت‬ ‫منه الشهادة العادلة؛ واستأمنه‬ ‫أن‬ ‫الناس عىل ذلك ‪ ،‬وهذا دليل عىل ه‬ ‫شهيد ‪ .‬وإن لم يكن هناك‬

‫شهيدان من الرجال فا‪ٟ‬تق ٭تدد لنا‬ ‫{ فَ َر ُج ٌل وامرأتان ِ‪٦‬تَّن تَ ْر َض ْو َن‬ ‫ِم َن الشهدآء } ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قد طلب منا‬ ‫عىل قدر طاقتنا أي من نرىض ‪٨‬تن‬ ‫عنهم ‪ ،‬وعلل ا‪ٟ‬تق ‪٣‬تيء ا‪١‬ترأتُت يف‬ ‫مقابل رجل ٔتا يلي ‪ { :‬أَن تَ ِض َّل‬

‫ِ‬ ‫ا‪٫‬تا األخرى‬ ‫ا‪٫‬تا فَ ُت َذ ّك َر إ ِْح َد ُ َ‬ ‫إ ِْح َد ُ َ‬ ‫} ؛ ألن الشهادة هي احتكاك‬ ‫ٔتجتمع لتشهد فيه وتعرف ما‬ ‫٭تدث ‪ .‬وا‪١‬ترأة بعيدة عن كل ذلك‬ ‫البا ‪.‬‬ ‫أن األصل يف ا‪١‬ترأة أال عبلقة ‪٢‬تا‬ ‫ٔتثل هذه األعمال ‪ ،‬وليس ‪٢‬تا‬

‫شأن بهذه العمليات ‪ ،‬فإذا ما‬ ‫اضطرت األمور إىل شهادة ا‪١‬ترأة‬ ‫فلتكن الشهادة لرجل وامرأتُت؛‬ ‫ألن األصل يف فكر ا‪١‬ترأة أنه َت‬ ‫مشغول با‪١‬تجتمع االقتصادي الذي‬ ‫٭تيط بها ‪ ،‬فقد تضل أو تنَس‬ ‫إحدا‪٫‬تا فتذكر إحدا‪٫‬تا األخرى‬

‫‪ ،‬وتتدارس كلتا‪٫‬تا هذا ا‪١‬توقف ‪،‬‬ ‫ألنه ليس من واجب ا‪١‬ترأة‬ ‫االحتكاك ّتمهرة الناس وٓتاصة‬ ‫ما يتصل باألعمال ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َيَأ ْ َب‬ ‫الشهدآء إِذَا َما ُد ُعوا ْ} فكما قال‬ ‫ا‪ٟ‬تق عن الكاتب أال ٯتتنع عن توثيق‬

‫الديْن ‪ ،‬كذلك الشهادة عىل هذا‬ ‫الديْن ‪ .‬وكيف تكون الشهادة ‪،‬‬ ‫هل هي يف األداء أو التحمل؟ إن هنا‬ ‫مرحلتُت ‪ :‬مرحلة ٖتمل ‪ ،‬ومرحلة‬ ‫أداء ‪.‬‬ ‫وعندما نطلب من واحد قائلُت ‪:‬‬ ‫تعال اشهد عىل هذا الديْن ‪ .‬فليس‬

‫له أن ٯتتنع ‪ ،‬وهذا هو التحمل ‪.‬‬ ‫وبعدما وثقنا الديْن ‪ ،‬وسنطلب هذا‬ ‫الشاهد أمام القاضي ‪ ،‬والوقوف‬ ‫أمام القاضي هو األداء ‪ .‬وهكذا ال‬ ‫يأىب الشهداء إذا ما دعوا ٖتمبل أو‬ ‫أداء ً‪.‬‬ ‫لكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعلم أن‬

‫كل نفس بشرية ‪٢‬تا ‪٣‬تال حركتها‬ ‫يف الوجود و‪٬‬تب أال تطىغ حركة‬ ‫حدث عىل حدث ‪ ،‬فالشاهد حُت‬ ‫يُستدىع بضم الياء ليتحمل أوال أو‬ ‫ليؤدي ثانيا ينبغي أال ّتتعطل‬ ‫مصا‪ٟ‬ته؛ إن مصا‪ٟ‬ته ستتعطل؛‬ ‫ألنه عادل ‪ ،‬وألنه شهيد ‪ ،‬لذلك‬

‫يضع اهلل لذلك األمر حدا ًفيقول ‪:‬‬ ‫{ وال َي َض َ ِ‬ ‫ب َوال َ َش ِهي ٌد } ‪.‬‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫آر كَات ٌ‬

‫إذن فالشهادة هنا تتطلب أن ‪٨‬تًتم‬ ‫ظرف الشاهد ‪ .‬فإن كان عند‬ ‫الشاهد عمل أو امتحان أو صفقة‬ ‫أو َت ذلك ‪ ،‬فلنا أن نقول للشاهد ‪:‬‬

‫إما أن تتعُت يف التحمل حيث ال‬ ‫يوجد من يوثق به ويطمأن إليه أما‬ ‫يف األداء فأنت مضطر ‪.‬‬ ‫إن الشاهد ٯتكنه أن يذهب إىل‬ ‫أمره الضروري الذي ‪٬‬تب أن‬ ‫يفعله ‪ ،‬فبل يطىغ حدث عىل حدث ‪،‬‬ ‫لذلك علينا أن نبحث عن شاهد له‬

‫قدرة السيطرة عىل عمله بدرجة ما‬ ‫‪ .‬وإن لم ‪٧‬تد َته ‪ ،‬فماذا يكون‬ ‫ا‪١‬توقف؟‬ ‫لقد قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وال َي َض َ ِ‬ ‫ب‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫آر كَات ٌ‬ ‫َوال َ َش ِهي ٌد } إذن فعلينا أن نبحث له‬ ‫عن « ُجعْل » يعوض عليه ما فاته ‪،‬‬ ‫فبل نلزمه أن يعطل عمله وإال‬

‫كانت عدالته َوباال ًعليه ‪ ،‬ألن كل‬ ‫إنسان يُطلب للشهادة تتعطل‬ ‫أعماله ومصا‪ٟ‬ته ‪ .‬واهلل ال ٭تمي‬ ‫الدائن وا‪١‬تدين ليضر الكاتب أو‬ ‫الشهيد ‪.‬‬ ‫آر } فمن‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق لكلمة ‪ { :‬يُ َض َّ‬ ‫ا‪١‬تمكن أن تأيت الكلمة عىل وجهُت‬

‫آر }‬ ‫يف اللغة ‪ ،‬فمرة تأيت { يُ َض َّ‬ ‫ٔتعٌت أن الضرر يأيت من الكاتب أو‬ ‫الشهيد ‪ ،‬ومرة أخرى تأيت كلمة {‬ ‫آر } ٔتعٌت الضرر يقع عىل‬ ‫يُ َض َّ‬ ‫الكاتب أو الشهيد ‪ .‬فاللفظ واحد ‪،‬‬ ‫ولكن حالة اللفظ بُت اإلد ام الذي‬ ‫هو عليه حسب قواعد اللغة وبُت‬

‫ه‬ ‫ُت لنا إتاه ا‪١‬تعٌت ‪.‬‬ ‫فكه ي اليت ُتب َ ِّ ُ‬ ‫فإن قلنا ‪ { :‬وال َي َض َ ِ‬ ‫ب َوال َ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫آر كَات ٌ‬ ‫َش ِهي ٌد } بكسر الراء ‪ ،‬فا‪١‬تعٌت يف‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تالة هو أن يقع الضرر من‬ ‫الكاتب فيكتب َت ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬أو أن يقع‬ ‫الضرر من الشهيد فيشهد بغَت‬ ‫العدل ‪.‬‬

‫وإن قلنا ‪ { :‬وال َي َض َ ِ‬ ‫ب َوال َ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫آر كَات ٌ‬ ‫َش ِهي ٌد } بفتح الراء فا‪١‬تنهي عنه هو‬ ‫أن يقع الضرر عىل الكاتب أو‬ ‫الشهيد من الذين تؤدي الكتابة‬ ‫غرضا ‪٢‬تم ‪ ،‬وتؤدي الشهادة واجبا‬ ‫بالنسبة ‪٢‬تم؛ ليضمن الدائن دَيْنه‬ ‫‪ ،‬وليستوثق أن أداءه ‪٤‬تتم ‪.‬‬

‫والكاتب والشهيد شخصان ‪٢‬تما‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة حركة ‪ ،‬ولكل منهما عمل‬ ‫يقوم به ليؤدي مطلوبات ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬ ‫فإذا ُعلِ َم بضم العُت وكسر البلم‬ ‫وفتح ا‪١‬تيم أنه كاتب أو شهد بأنه‬ ‫عادل ‪ ،‬عند ذلك يتم استدعاؤه يف‬ ‫كل وقت من أصحاب ا‪١‬تصلحة يف‬

‫ورٔتا تعطلت مصاٌف‬ ‫ا‪١‬تداينة ‪ّ ،‬‬ ‫الكاتب أو الشهيد ‪.‬‬ ‫ويريد اهلل أن يضمن لذلك الكاتب‬ ‫أو الشهيد ما يبىق عىل مصلحته ‪.‬‬ ‫ولذلك أخذت القوانُت الوضعية‬ ‫من القرآن الكريم هذا ا‪١‬تبدأ ‪،‬‬ ‫فهي إن استدعت شاهدا من مكان‬

‫فإهنا تقوم له‬ ‫ليشهد يف قضية ّ‬ ‫بالنفقة ذهابا وبالنفقة إيابا ‪ ،‬وإن‬ ‫اقتىض األمر أن يبيت فله حق‬ ‫ا‪١‬تبيت وذلك حىت ال يضار ‪ ،‬وهو‬ ‫يؤدي الشهادة ‪ ،‬وحىت ال يتعطل‬ ‫الشاهد عن عمله أو يصرف من‬ ‫جيبه ‪.‬‬

‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أيضا أن‬ ‫يضمن مصاٌف ا‪ٞ‬تميع ال مصلحة‬ ‫‪ٚ‬تاعة عىل حساب جماعة ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق يف هذه « ا‪١‬تضارة » ‪:‬‬ ‫وق بِ ُك ْم }‬ ‫{ َوإِن تَ ْفعَلُوا ْفَإِن ّ َُه ُف ُس ٌ‬ ‫أي وإن تفعلوا الضرر من هذا أو‬ ‫من ذاك فإنه فسوق بكم ‪ ،‬إنه‬

‫سبحانه ٭تذر أن يقع الضرر من‬ ‫الكاتب أو الشهيد ‪ ،‬أو أن يقع‬ ‫الضرر عىل الكاتب أو الشهيد ‪.‬‬ ‫ففعل الضرر فسوق ‪ ،‬أي خروج‬ ‫عن الطاعة ‪.‬‬ ‫واألصل يف « الفسق » هو خروج‬

‫الرطبة من قشرهتا ‪ ،‬فالبلح حُت‬ ‫يرطب تكون القشرة قد خلعت‬ ‫عن األصل من البلحة ‪ ،‬فتخرج‬ ‫الثمرة من القشرة فيقال ‪« :‬‬ ‫فسقت الرطبة » ‪ .‬ومنها أخذ معٌت‬ ‫الفسوق وهو ا‪٠‬تروج عن طاعة اهلل‬ ‫يف كل ما أمر ‪.‬‬

‫ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه من بعد ذلك ‪:‬‬ ‫{ واتقوا اهلل } وعلمنا من قبل‬ ‫معٌت كلمة « التقوى » حُت يقول‬ ‫اهلل ‪ { :‬واتقوا اهلل } أو يقول‬ ‫سبحانه ‪ { :‬واتقوا النار } {‬ ‫ون فِي ِه إ َِىل اهلل } ‪،‬‬ ‫واتقوا ي َ ْوما ً ُت ْر َج ُع َ‬ ‫وكل هذه ا‪١‬تعاين مبنية عىل الوقاية‬

‫من صفات جبلل اهلل ‪ ،‬وجْبوته ‪،‬‬ ‫وقهره ‪ ،‬وإذا قلنا ‪ { :‬واتقوا النار }‬ ‫فالنار من جنود صفات القهر هلل ‪،‬‬ ‫ف { واتقوا اهلل } هي بعينها {‬ ‫واتقوا النار } هي بعينها { واتقوا‬ ‫ون فِي ِه إ َِىل اهلل } ‪.‬‬ ‫ي َ ْوما ً ُت ْر َج ُع َ‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬واتقوا اهلل‬

‫َويُعَلِ ّ ُم ُك ُم اهلل } ‪ .‬وهنا مبدأ إٯتاين‬ ‫‪٬‬تب أن نأخذه يف كل تكليف من‬ ‫اهلل؛ فإن التكاليف إن جاءت من‬ ‫بشر لبشر ‪ ،‬فأنت ال تنفذ التكليف‬ ‫من البشر إال إن أقنعك ْتكمته‬ ‫وعلته؛ ألن التكليف يأيت من مسا ٍو‬ ‫لك ‪ ،‬وال توجد عقلية أكْب من‬

‫عقلية ‪ ،‬وقد تقول ‪١‬تن يكلفك ‪:‬‬ ‫و‪١‬تاذا أكون تبعا لك وأنت ال تكون‬ ‫تبعا يل؟ إنك إذا أردت أن تكلفٍت‬ ‫بأمر من األمور وأنت مساو يل يف‬ ‫اإلنسانية والبشرية وعدم‬ ‫العصمة فبل بد أن تقنعٍت ْتكمة‬ ‫التكليف ‪.‬‬

‫أما إن كان التكليف من أعىل وهو‬ ‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وهو اهلل الذي آمنا‬ ‫بقدرته وعلمه وحكمته وتزنهه‬ ‫عن الغرض العائد عليه فا‪١‬تؤمن يف‬ ‫هذه ا‪ٟ‬تالة يأخذ األمر قبل أن‬ ‫يبحث يف ا‪ٟ‬تكمة؛ ألن ا‪ٟ‬تكمة يف‬ ‫هذا األمر أنه صادر من اهلل ‪ ،‬وحُت‬

‫ينفذ ا‪١‬تؤمن التكليف الصادر من‬ ‫اهلل فسيعلم سر هذه ا‪ٟ‬تكمة فيما‬ ‫بعد؛ فأسرار ا‪ٟ‬تكم عند اهلل تأيت‬ ‫للمؤمن بعد أن يقبل عىل تنفيذ‬ ‫التكاليف اإلٯتانية ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه عىل سبيل ا‪١‬تثال ال‬ ‫يقنع العبد بأسرار الصوم ‪ ،‬ولكن‬

‫إن صام العبد ا‪١‬تؤمن كما قال اهلل‬ ‫وعند ‪٦‬تارسة ا‪١‬تؤمن لعبادة الصوم‬ ‫سيجد أثر حكمة الصوم يف نفسه‬ ‫ٔتا ال ٯتكن إقناعه به أوال ‪ .‬إن‬ ‫ا‪١‬تؤمن حُت يفعل التكليف اإلٯتاين‬ ‫فإن اهلل يعلمه حكمة التكليف ‪.‬‬ ‫ولنا يف قوله سبحانه الدليل الواضح‬

‫‪ِ { :‬يا أَيُّهَا الذين آمنوا إِن تَتَّ ُقوا ْاهلل‬ ‫َ‪٬‬تْعَل ل َّ ُك ْم ُف ْرقَانا ً َويُ َك ِّف ْر َعن ُك ْم‬ ‫َس ِيّئَاتِ ُك ْم َويَغ ْ ِف ْر ل َ ُك ْم واهلل ُذو‬ ‫الفضل العظيم } ػ األنفال ‪29 :‬‬ ‫]‬ ‫إن اهلل سبحانه يَعِ ُد عباده ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫أهنم عندما يتقونه فإنه ‪٬‬تعل ‪٢‬تم‬

‫دالئل تبُت ‪٢‬تم ا‪ٟ‬تق من الباطل‬ ‫ويسًت عنهم السيئات ويغفر ‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن اهلل الذي يعلمنا هو ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه العليم بكل شيء ‪.‬‬ ‫وعلم اهلل ذايت ‪ ،‬أما علم اإلنسان‬ ‫فقد يكون أثرا من ضغط األحداث‬

‫عليه فيفكر اإلنسان يف تقنُت شيء‬ ‫ٮترجه ‪٦‬تا يكون فيه من شر ولكن‬ ‫علم العليم األعىل سابق عىل ذلك‬ ‫ألنه علم ذايت ‪.‬‬ ‫وفيما سبق علمنا أن اهلل سبحانه‬ ‫وتعاىل قد أعىط الديْن هذه العناية‬ ‫ليضمن للحياة حركتها الطاهرة ‪،‬‬

‫حركتها السليمة؛ ألن ا‪١‬تعدم ال‬ ‫وسيلة له يف حركة ا‪ٟ‬تياة إال أمور‬ ‫ثبلثة ‪ ،‬األمر األول ‪ :‬ال ّ ِرفْ ُد أي‬ ‫عطاء تطوعي يستعُت به عىل حركة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬واألمر الثاين ‪ :‬الفرض‬ ‫الذي فرضه اهلل يف الزكاة ‪ .‬واألمر‬ ‫الثالث ‪ :‬القرض الذي شرعه ‪.‬‬

‫فعندما ال ‪٬‬تد ا‪١‬تؤمن ا‪١‬تعدم الرفد‬ ‫أو الفرض فماذا يكون بعد ذلك؟‬ ‫إنه القرض ‪ .‬إذن فالقرض هو‬ ‫ا‪١‬تف َزع الثالث للحركة االقتصادية‬ ‫عند ا‪١‬تعدمُت ‪ .‬وعرفنا أن القرض‬ ‫عند اهلل يفوق ويعلو الصدقة يف‬ ‫الثواب؛ ألن الصدقة حُت تتصدق‬

‫بها تكون قد خرجت من نفسك‬ ‫من أول األمر فبل مشغولية لذهنك‬ ‫بعد ذلك ‪ ،‬ولكن القرض نفسك‬ ‫تكون متعلقة به؛ ألنك ال تزال‬ ‫مالكا ًله ‪ ،‬وكلما صْبت عليه أخذت‬ ‫ثوابا ًمن اهلل عىل كل صْبة تصْبها‬ ‫عىل ا‪١‬تدين ‪.‬‬

‫وعرفنا كذلك أن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل قد استوثق لعملية الديْن‬ ‫استيثاقا ‪٬‬تب أن نفهمه من وجهيه‬ ‫‪ ،‬الوجه األول ‪ :‬أنه ٭تفظ بذلك‬ ‫‪ٙ‬ترة حركة ا‪١‬تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة وهي‬ ‫أن يتمول ‪ ،‬أي أن يكون عنده‬ ‫مال؛ فإن لم َ‪٨‬تْم له ‪ٙ‬ترة حركته يف‬

‫ا‪ٟ‬تياة استهان با‪ٟ‬تركة ‪ ،‬وإذا‬ ‫استهان با‪ٟ‬تركة تَعطلت مصاٌف‬ ‫كثَتة؛ ألن حركة ا‪١‬تتحرك يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة تنفع بشرا ًكثَتين قصد‬ ‫المٖترك ذلك أو لم يقصد ‪،‬‬ ‫وضربنا ا‪١‬تثل ٔتن يريد بناء‬ ‫عمارة ‪ ،‬وعنده مال ‪ ،‬فيسلط اهلل‬

‫عليه خاطرا ًمن خواطره مصداقا ً‬ ‫ك‬ ‫لقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َما يَعْل َ ُم ُج ُنودَ َربِّ َ‬ ‫إِال َّ ُه َو } ػ ا‪١‬تدثر ‪] 31 :‬‬ ‫فيقول ‪ :‬و‪١‬تاذا أكزن ا‪١‬تال؟ و‪١‬تاذا ال‬ ‫أبٍت عمارة أستفيد من إ‪٬‬تارها؟ ‪.‬‬ ‫وبذلك ال يتناقص ا‪١‬تال بل يزيد ‪.‬‬ ‫وليس يف بال ذلك الرجل أن ينف َع‬

‫أحدا ً‪ .‬إن باله مشغول بأن ينفع‬ ‫نفسه ‪ ،‬لكن حركته وإن لم يقصد‬ ‫نف َع الغَت ستنفع الغَت ‪ . .‬فالذي‬ ‫٭تفر األرض سيأخذ أجرا ًلذلك ‪،‬‬ ‫والذي يضرب الطوب سيأخذ‬ ‫أجرا ًلذلك ‪ ،‬وكل من يشًتك يف‬ ‫عمل إلقامة هذا البنيان من بناء أو‬

‫إدخال كهرباء أو توصيل مياه أو‬ ‫ٖتسُت وٕتميل كل واحد من هؤالء‬ ‫سيأخذ أجره ‪ ،‬وبذلك يستفيد‬ ‫ا‪ٞ‬تميع وإن لم يقصد ا‪١‬تتحرك يف‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬ ‫إذن فا‪ٟ‬تق يريد أن ٭تمي حركة‬ ‫ا‪١‬تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة ألنه لو لم ٭تم‬

‫اهلل ‪ٙ‬ترة حركته يف ا‪ٟ‬تياة؛ الكتىف‬ ‫بميقوته‬ ‫ا‪١‬تتحرك يف حركته ا‬ ‫ويقوت من يقول ‪ ،‬ويبىق الضعيف‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة؛ فمن ذا يعوله؟ ‪ .‬إذن البد‬ ‫أن يضمن للمتحرك ماله حىت‬ ‫يتشجع عىل ا‪ٟ‬تركة إن اهلل الذي‬ ‫وهب الناس أرزاقهم ‪ ،‬عندما‬

‫يطلب من القوي ا‪١‬تتحرك أن‬ ‫يعطي أخاه الضعيف ا‪١‬تحتاج قرضا ً‬ ‫‪ ،‬ال يقول اهلل ‪ « :‬اقرض ا‪١‬تحتاج »‬ ‫‪ ،‬ولكنه جل وعبل يقول ‪:‬‬ ‫{ َّمن ذَا الذي يُ ْق ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً‬ ‫َح َسنا ً} ػ البقرة ‪] 245 :‬‬

‫إن اهلل سبحانه وتعاىل قد احًتم‬ ‫حركة اإلنسان ا‪١‬تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫وجعل ا‪١‬تال مال ا‪١‬تتحرك ‪ ،‬فبل‬ ‫يقول اهلل للمتحرك ‪ :‬أعط‬ ‫ا‪١‬تحتاج من ا‪١‬تال الذي وهبتك إياه‬ ‫‪ .‬ال ‪ ،‬إنه مال ا‪١‬تتحرك ‪ ،‬ويقول اهلل‬ ‫للمتحرك ‪ :‬اقرضٍت ألن أخاك يف‬

‫حاجة إليه ‪ ،‬كما نقول للتقريب ال‬ ‫للتشبيه وهلل ا‪١‬تثل األعىل أنت‬ ‫تأخذ من حصالة ابنك ‪١‬تصلحة‬ ‫أخيه ‪ ،‬وتعد ابنك الذي أخذت من‬ ‫حصالته أنك سوف تعطيه الكثَت ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تال الذي أخذته من حصالة‬ ‫ابنك قرضا أنت الذي أعطيته له‬

‫أوال ‪.‬‬ ‫إذن فاهلل يريد أن ٭تمي حركة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وإن لم ‪٨‬تم حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ال‬ ‫يكون كل إنسان آمنا ًعىل ‪ٙ‬ترة‬ ‫حركته ‪ ،‬فستفسد ا‪ٟ‬تياة كلها‬ ‫ويستشري الضغن وا‪ٟ‬تقد والذي‬ ‫يقول اهلل سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وال َ‬

‫ي َ ْسأَل ْ ُك ْم أ َ ْم َوال َ ُك ْم * إِن‬ ‫ي َ ْسأَل ْ ُك ُم‬ ‫وها فَي ْح ِف ُك ْم تَب ْ َخلُوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو ُٮت ْ ِر ْج أ َ ْضغَان َ ُك ْم } ػ ‪٤‬تمد ‪:‬‬ ‫‪] 37-36‬‬ ‫وساعة يتفىش الضغن يف ا‪١‬تجتمع‬ ‫فبل فائدة يف هذا ا‪١‬تجتمع أبدا ً‪ .‬إذن‬ ‫فا‪ٟ‬تق حُت يوثق الديْن يريد أن‬

‫٭تمي حركة ا‪١‬تتحرك؛ ألن الناس‬ ‫ٗتتلف فيما بينها يف ا‪ٟ‬تركات‬ ‫الطموحية ‪ .‬وال توجد ا‪ٟ‬تركات‬ ‫الطموحية يف كل الناس ‪ ،‬بل توجد‬ ‫يف بعضهم ‪ ،‬فلنستغل حركة‬ ‫الطموح عند بعض الناس؛ ألهنم‬ ‫سيفيدون ا‪١‬تجتمع ‪ :‬قصدوا ذلك‬

‫أو لم يقصدوا ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫أن ٭تمي أيضا ًاإلنسان من نفسه؛‬ ‫ألنه إن علم أن الديْن الذي عليه‬ ‫موثق ‪ ،‬وال وسيلة إلنكاره حاول‬ ‫جاهدا ًأن يتحرك يف ا‪ٟ‬تياة ليؤديه ‪.‬‬ ‫وحُت يتحرك اإلنسان ليؤدي عن‬

‫نفسه الدين فإن ذلك يزيد ا‪ٟ‬تركة‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ويزداد النفع ‪ .‬وهكذا‬ ‫نرى أن اهلل أراد بالتوثيق للدين‬ ‫‪ٛ‬تاية ا‪١‬تديْن من نفسه؛ ألن‬ ‫ا‪١‬تدين قد تطرأ عليه ظروف‬ ‫فيماطل ‪ ،‬وإذا ما ماطل فلن تكون‬ ‫ا‪٠‬تسارة فيه وحده ‪ ،‬ولكنه سيصبح‬

‫أسوة عند ‪ٚ‬تيع الناس وسيقول كل‬ ‫من عنده مال ‪ :‬ال أعطي أحدا ًشيئا ً‬ ‫ألن فبلنا ًالغٍت مثلي قد أعىط فبلنا ً‬ ‫الفقَت وماطله وأكله ‪ ،‬وعند ذلك‬ ‫تتوقف حركة ا‪ٟ‬تياة ولكن إذا كان‬ ‫الدين موثقا ومكتوبا فإن ا‪١‬تدين‬ ‫يكون حريصا عىل أدائه ‪ .‬واهلل‬

‫يريد أن يضمن ‪ٟ‬تركة ا‪ٟ‬تياة دواما ً‬ ‫واستمرارا ًشريفا ًنظيفا ً‪ .‬ولذلك‬ ‫‪٧‬تد يف آية ال َّدين أن كلمة «‬ ‫الكتابة » ومادهتا « الكاف والتاء‬ ‫والباء » تتكرر أكثر من مرة بل‬ ‫مرات كثَتة ‪.‬‬ ‫{ ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَ َداي َ ُنتم‬

‫بِ َديْنٍ إىل أ َ َج ٍل ُّم َس ًّىم فاكتبوه‬ ‫ِ‬ ‫ب بالعدل َوال َ‬ ‫َولْي َ ْك ُتب بَّيْن َ ُك ْم كَات ٌ‬ ‫يَأْب كَاتِب أ َ‬ ‫ب َك َما عَل َّ َم ُه‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ب َولْي ْملِ ِل الذي عَلَي ْ ِه‬ ‫اهلل فليكت‬ ‫ََْ ُْ ْ ُ‬ ‫ا‪ٟ‬تق َولْيَتَّ ِق اهلل َربَّ ُه َوال َيَب ْ َخ ْس ِمن ْ ُه‬ ‫ان الذي عَلَي ْ ِه ا‪ٟ‬تق َس ِفيها ً‬ ‫َشيْئا ًفَإن ك َ َ‬ ‫أ َ ْو َضعِيفا ًأ َ ْو ال َي َ ْست َ ِطي ُع أَن ُ ِٯت َّل ُه َو‬

‫فَلْي ْملِ ْل َولِي ُّ ُه بالعدل واستشهدوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َش ِهي َدي ْ ِن ّمن ِّر َجال ُك ْم فَإِن ل َّ ْم‬ ‫ي َ ُكونَا َر ُجل َ ْ ِ‬ ‫ُت فَ َر ُج ٌل وامرأتان ِ‪٦‬تَّن‬ ‫تَ ْر َض ْو َن ِم َن الشهدآء أَن تَ ِض َّل‬ ‫ِ‬ ‫ا‪٫‬تا األخرى‬ ‫ا‪٫‬تا فَ ُت َذ ّك َر إ ِْح َد ُ َ‬ ‫إ ِْح َد ُ َ‬ ‫َوال َيَأ ْ َب الشهدآء إِذَا َما ُد ُعوا ْ َوال َ‬ ‫وه َصغَِتا ًأَو َكبَِتا ً‬ ‫تسأموا أَن تَ ْك ُتب ُ ُ‬

‫إىل أ َ َجلِ ِه ذَل ِ ُك ْم أَقْ َس ُط ِعن َد اهلل‬ ‫وأَقْوم لِل َّشهَادَ ِة وأدىن أَال َّترتابوا إِال َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫أَن تَ ُك ِ‬ ‫وهنَا‬ ‫ارة ً َحا ِض َرة ً ُت ِدي ُر َ‬ ‫َ‬ ‫ون ٕتَ َ‬ ‫اح أَال َّ‬ ‫بَيْن َ ُك ْم فَلَي ْ َس عَلَي ْ ُك ْم ُجن َ ٌ‬ ‫وها وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْ ُت ْم َوال َ‬ ‫تَ ْك ُتب ُ َ‬ ‫ي َض َ ِ‬ ‫ب َوال َ َش ِهي ٌد َوإِن تَ ْفعَلُوا ْ‬ ‫ُ ّ‬ ‫آر كَات ٌ‬ ‫وق بِ ُك ْم واتقوا اهلل‬ ‫فَإِن ّ َُه ُف ُس ٌ‬

‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم‬ ‫َويُعَل ّ ُم ُك ُم اهلل واهلل بِ ُك ّ ِل َش ْيء عَل ٌ‬ ‫} ػ البقرة ‪] 282 :‬‬ ‫وهذا التكرار يف هذه اْلية لعملية‬ ‫الكتابة يؤصل العبلقة بُت الناس؛‬ ‫فالكتابة هي عمدة التوثيق ‪ ،‬وهي‬ ‫اليت ال تغش ‪ ،‬ألنك إن سجلت شيئا ً‬ ‫عىل ورقة فلن تأيت الورقة لتنكر ما‬

‫كتبته أنت فيها ‪ ،‬ولكن األمر يف‬ ‫الشهادة قد ٮتتلف ‪ ،‬فمن ا‪ٞ‬تائز أن‬ ‫ٮتضع الشاهد لتأثَت ما فينكر‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة ‪ ،‬ولذلك فإن ا‪ٟ‬تق يعطينا‬ ‫قضية إٯتانية جديدة حُت يقول ‪:‬‬ ‫« أن يكتب كما علمه اهلل » أي‬ ‫أن يكتب الكاتب عىل وفق ما علمه‬

‫اهلل ‪ ،‬فكأنه البد أن يكون فقيها ً‬ ‫عا‪١‬تا ًبأمور الكتابة ‪ ،‬أو « كما‬ ‫أن اهلل أحسن إليه‬ ‫علمه اهلل » أي ّ‬ ‫وعلمه الكتابة دون َته ‪ ،‬فكما‬ ‫أحسن اهلل إليه بتعلم الكتابة‬ ‫فليحسن ولْيعَ ِ ّد أثر الكتابة إىل‬ ‫ُ‬ ‫الغَت ‪.‬‬

‫وليست ا‪١‬تسألة مسألة كتابة فقط‬ ‫‪ ،‬إ‪٪‬تا ذلك يشمل ويضم كل شيء‬ ‫أو موهبة خص اهلل بها فردا ًمن‬ ‫الناس من مواهب اهلل عىل خلقه؛‬ ‫فا‪١‬تؤمن هو من يعمل عىل أن يعدي‬ ‫أثر النعمة وا‪١‬توهبة إىل الغَت ‪.‬‬ ‫وعليك أن تعدي أثر مواهب الغَت‬

‫إليك فتنفع بها سواك ‪ ،‬وبذلك‬ ‫يشيع ا‪٠‬تَت ويعم النفع ألنك إن‬ ‫أخذت موهبة فستأخذ موهبة‬ ‫واحدة تكفيك يف زاوية واحدة من‬ ‫زوايا حياتك ‪ ،‬وعندما تعديها‬ ‫للجميع وتنقلها إليهم فيعدي‬ ‫ا‪ٞ‬تميع مواهبهم ا‪١‬تجتمعة‬

‫‪١‬تصلحتك ‪ ،‬فأيهما أكسب؟‬ ‫حُت تعدي وتنقل موهبتك إىل‬ ‫الناس ‪ ،‬تكون أنت األكثر كسبا ً؛‬ ‫ألن ا‪ٞ‬تميع يعدون وينقلون‬ ‫مواهبهم إليك ‪ .‬وإذا أتقنت‬ ‫صنعك للناس فالصنعة اليت يف يدك‬ ‫واحدة ‪ ،‬وعندما تتقنها فإن اهلل‬

‫يسلط جنود ا‪٠‬تواطر عىل كل من‬ ‫يصنع لك شيئا ًأن يتقنه ‪ ،‬كما‬ ‫أتقنْت أنت لسواك ‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫يعلمنا ا‪ٟ‬تق سبحانه شدة ا‪ٟ‬ترص‬ ‫عىل التوثيق فيقول ‪َ { :‬وإِن ُك ُنت ْم‬ ‫ان‬ ‫عىل َس َف ٍر َول َ ْم َ ِٕت ُدوا ْكَاتِبا ًفَ ِر َه ٌ‬ ‫وض ٌة ‪} . . .‬‬ ‫َّمقْب ُ َ‬

‫َوإ ِْن ُكن ْ ُت ْم عَىلَ َس َف ٍر َول َ ْم َ ِٕت ُدوا كَاتِبًا‬ ‫وض ٌة فَإ ِْن أ َ ِم َن بَعْ ُض ُك ْم‬ ‫ان َم ْقب ُ َ‬ ‫فَ ِر َه ٌ‬ ‫بَعْ ًضا فَلْي ُ َؤ ِّد ال َّ ِذي ا ْؤ ُ ِ٘ت َن أ َ َمانَت َ ُه‬ ‫اّللَ َربَّ ُه َو َال تَ ْك ُت ُموا ال َّشهَادَةَ‬ ‫َولْيَتَّ ِق َّ‬ ‫اّلل‬ ‫َو َم ْن ي َ ْك ُت ْمهَا فَإِن ّ َُه آثِ ٌم قَلْب ُ ُه َو ّ َُ‬ ‫ِٔتا تَعْ َملُون عَلِ‬ ‫يم (‪)283‬‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬

‫والسفر كما نعلم هو خروج عن‬ ‫رتابة ا‪ٟ‬تياة يف ا‪١‬تواطن ‪ ،‬ورتابة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة يف ا‪١‬توطن ٕتعل اإلنسان‬ ‫يعلم ٘تام العلم مقومات حياته ‪،‬‬ ‫لكن السفر ٮترج اإلنسان عن‬ ‫رتابة ا‪ٟ‬تياة فبل يتمكن من كثَت‬ ‫من األشياء اليت يتمكن بها يف‬

‫اإلقامة ‪ .‬فهب أنك مسافر ‪،‬‬ ‫واضطررت إىل أن تستدين ‪ ،‬وال‬ ‫يوجد كاتب وال يوجد شهيد ‪ ،‬فماذا‬ ‫يكون ا‪١‬توقف؟ هاهو ذا ا‪ٟ‬تق يوضح‬ ‫وض ٌة } ‪ .‬إذن‬ ‫ان َّمقْب ُ َ‬ ‫لك ‪ { :‬فَ ِر َه ٌ‬ ‫فلم يًتك اهلل مسألة الديْن حىت يف‬ ‫السفر فلم يش ّ ِرع فقط لئلقامة‬

‫ولكن ا‪ٟ‬تق قد ش َّرع أيضا للسفر {‬ ‫وض ٌة } وهكذا الكتابة‬ ‫ان َّم ْقب ُ َ‬ ‫فَ ِر َه ٌ‬ ‫‪ ،‬والشهادة يف اإلقامة والرهان‬ ‫ا‪١‬تقبوضة يف السفر هدفها ‪ٛ‬تاية‬ ‫اإلنسان أمام ظروف ضغط‬ ‫ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬ ‫ولكن هل ٯتنع ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬

‫طموحية اإليثار؟ هل ٯتنع ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل رجولية التعامل؟‬ ‫هل ن‬ ‫يمع ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ا‪١‬تروءات من أن تتغلغل يف الناس؟‬ ‫ال ‪ .‬إنه ا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬فَإ ِْن‬ ‫أ َ ِم َن بَعْ ُض ُكم بَعْضا ًفَلْي ُ َؤ ِّد الذي‬ ‫اؤ٘تن أ َ َمانَت َ ُه } إنه الطموح‬

‫اإلٯتاين ‪ ،‬لم ي َ ُس ّد اهلل مسألة‬ ‫ا‪١‬تروءة واإليثار يف التعامل ‪ .‬إن‬ ‫كتابة الديْن واإلشهاد والرهن‬ ‫ليس إلزاما ًألن اهلل قال ‪ { :‬فَإ ِْن‬ ‫أ َ ِم َن بَعْ ُض ُكم بَعْضا ًفَلْي ُ َؤ ِّد الذي‬ ‫اؤ٘تن أ َ َمانَت َ ُه } ‪ .‬وأيضا قد نفهم‬ ‫أن الذي اؤ٘تن هو ا‪١‬تدين ‪ ،‬وهنا‬

‫نقول ‪ :‬ال ‪ ،‬إن األمر ‪٥‬تتلف ‪ ،‬فهنا‬ ‫رهان ‪ ،‬وذلك معناه وجود مسألتُت‬ ‫‪ ،‬ا‪١‬تسألة األوىل هي « الديْن » ‪،‬‬ ‫وا‪١‬تسألة الثانية هي « الرهان‬ ‫ا‪١‬تقبوضة » وهي مقابل الديْن ‪.‬‬ ‫فواحد مأمون عىل الرهن يف يده ‪.‬‬ ‫واْلخر مأمون عىل الديْن ‪ .‬و‪٢‬تذا‬

‫يكون القول ا‪ٟ‬تكيم مقصودا به‬ ‫من بيده الرهن ‪ ،‬ومن بيده ال َّديْن‬ ‫ومعٌت ذلك أن يؤدي َمن معه الرهن‬ ‫أمانته ‪ ،‬وأن يؤدي اْلخر ديْنه ‪.‬‬ ‫وحُت نرتقي إىل هذا ا‪١‬تستوى يف‬ ‫التعامل فإن وازع اإلنسان ليس يف‬ ‫التوثيق ا‪٠‬تارج عن ذات النفس ‪،‬‬

‫ولكنه التوثيق اإلٯتاين بالنفس ‪،‬‬ ‫ولكن أنضمن أن يوجد التوثيق‬ ‫اإلٯتاين عند كل الناس؟ ‪.‬‬ ‫أنضمن الظروف؟ ‪٨ .‬تن ال نضمن‬ ‫الظروف ‪ ،‬فقد توجد األمانة‬ ‫اإلٯتانية وقت التحمل واألخذ ‪،‬‬ ‫وال نضمن أن توجد األمانة‬

‫اإلٯتانية وقت األداء فقد يأيت‬ ‫واحد ويقول لك ‪ :‬إن عندي مائة‬ ‫جنيه وخذها أمانة عندك ‪.‬‬ ‫ومعٌت « أمانة » أنه ال يوجد صك‬ ‫‪ ،‬وال شهود ‪ ،‬وتكون الذمة هي‬ ‫ا‪ٟ‬تكم ‪ ،‬فإن شئت أقررت بهذه‬ ‫ا‪ٞ‬تنيهات ا‪١‬تائة ‪ ،‬وإن شئت‬

‫أنكرهتا ‪ .‬إن الرجل الذي يفعل‬ ‫معك ذلك إ‪٪‬تا يطلب منك توثيق‬ ‫ا‪١‬تائة جنيه يف الذمة اإلٯتانية ‪،‬‬ ‫ومن ا‪ٞ‬تائز أن تقول له ‪ٟ‬تظة أن‬ ‫يفعل معك ذلك ‪ :‬نعم سأحتفظ‬ ‫لك با‪١‬تائة جنيه ٔتنتىه األمانة ‪.‬‬ ‫وتكون نيتك أن تؤديها له ساعة‬

‫أن يطلبها ‪ ،‬ولكنك ال تضمن‬ ‫ظروف ا‪ٟ‬تياة بالنسبة لك ‪ ،‬وأنت‬ ‫كإنسان من األغيار ‪ .‬ومن ا‪ٞ‬تائز‬ ‫أن تضغط عليك ا‪ٟ‬تياة ضغطا‬ ‫‪٬‬تعلك ٘تاطل معه يف أداء األمانة ‪،‬‬ ‫أو ‪٬‬تعلك تنكرها ‪ ،‬فتقول ‪١‬تن‬ ‫ائتمنك ‪:‬‬

‫ابعد عٍت؛ أنا ال أملك نفسي يف‬ ‫وقت األداء ‪ ،‬وإن ملكت نفسي‬ ‫وقت التحمل ‪.‬‬ ‫واألمانة هي القضية العامة يف‬ ‫الكون ‪ ،‬وإن كانت خاصة اْلن‬ ‫بالنسبة لآلية الكرٯتة اليت ‪٨‬تن‬

‫بصددها وا‪ٟ‬تق سبحانه يعرضها‬ ‫بعمومها عىل الكون كله فيقول جل‬ ‫شأنه ‪ { :‬إِن َّا َع َر ْضنَا األمانة عَىلَ‬ ‫ُت‬ ‫السماوات واألرض وا‪ٞ‬تبال فَأب َ ْ َ‬ ‫‪ٛ‬تلَهَا‬ ‫أَن َ٭ت ْ ِملْنَهَا َوأ َ ْش َفق َْن ِمنْهَا َو َ َ‬ ‫ان َظلُوما ً َج ُهوال ً} ػ‬ ‫اإلنسان إِن ّ َُه ك َ َ‬ ‫األحزاب ‪] 72 :‬‬

‫إن الكون كله أشفق عىل نفسه من‬ ‫ٖتمل األمانة وهذا يعٍت أن األمانة‬ ‫سوف تكون عرضة للتصرف‬ ‫واالختيار ‪ ،‬وال كائن يف الكون قد‬ ‫ضمن لنفسه القدرة عىل الوفاء‬ ‫وقت األداء ‪ .‬لقد أعلنت الكائنات‬ ‫ٖتمل األمانة وكأهنا‬ ‫قو‪٢‬تا فأبُت ُّ‬

‫قالت ‪ :‬إنّا يا ربنا نريد أن نكون‬ ‫مسخرين مقهورين ال اختيار لنا؛‬ ‫ولذلك نجد الكون كله يؤدي‬ ‫مهمته كما أرادها اهلل ‪ ،‬ما عدا‬ ‫اإلنسان ‪ ،‬أي أنه الذي قبل ٔتا له‬ ‫من عقل وتفكَت أن يتحمل أمانة‬ ‫االختيار ‪ ،‬وبلسان حاله أو بلسان‬

‫مقاله قال ‪ :‬إنٍت قادر عىل ٖتمل‬ ‫األمانة؛ ألين أستطيع االختيار بُت‬ ‫البدائل ‪.‬‬ ‫وهنا ن ُ َذ ِ ّكر اإلنسان ‪ :‬إنك قد‬ ‫تكون قويا ً‪ٟ‬تظة التحمل ‪ ،‬ولكن‬ ‫ماذا عن حالك وقت األداء؟ لذلك‬ ‫‪ٛ‬تلَهَا‬ ‫قال اهلل عن اإلنسان ‪َ { :‬و َ َ‬

‫ان َظلُوما ً َج ُهوال ً}‬ ‫اإلنسان إِن ّ َُه ك َ َ‬ ‫لقد ظلم اإلنسان نفسه حيث‬ ‫‪ٛ‬تل األمانة ولم يف بها فلذلك‬ ‫فهو ظلوم ‪ .‬وهو جهول ألنه ق ّد َر‬ ‫وقت التحمل ‪ ،‬ولم يق ّدر وقت‬ ‫األداء ‪ ،‬أو ضمنها ثم خاس وخالف‬ ‫ما عاهد نفسه عىل أدائها ‪.‬‬

‫إذن فاإلنسان وإن كان واثقا ًأنه‬ ‫سيؤدي األمانة إال ّأنه عرضة‬ ‫لؤلغيار ‪ ،‬لذلك قال ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪:‬‬ ‫وه َصغَِتا ًأَو‬ ‫{ َوال َتسأموا أَن تَ ْك ُتب ُ ُ‬ ‫َكبَِتا ًإىل أ َ َجلِ ِه ذَل ِ ُك ْم أَقْ َس ُط ِعن َد اهلل‬ ‫} فالكتابة فرصة ليحمي اإلنسان‬ ‫نفسه من الضعف وقت األداء ‪،‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يوثق‬ ‫األمر توثيقا ًال ‪٬‬تعلك أيها العبد‬ ‫خاضعا ًلذمتك اإلٯتانية فقط ‪،‬‬ ‫ولكنّك تكون خاضعا ًللتوثيق‬ ‫ا‪٠‬تارج عن إٯتانيتك أيضا ً‪ ،‬وذلك‬ ‫يكون بكتاب الدين صغَتا أو‬ ‫كبَتا إىل أجله ‪.‬‬

‫ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪َ { :‬وال َ‬ ‫تَ ْك ُت ُموا ْالشهادة} وهذه الكلمة {‬ ‫َوال َتَ ْك ُت ُموا ْ} إ‪٪‬تا هي أداء معْب ‪،‬‬ ‫ألن كلمة « شهادة » تعٍت الشيء‬ ‫الذي شهدته ‪ ،‬فما دمت قد شهدت‬ ‫شيئا ًفهو واقع ‪ ،‬والواقع ال يتغَت أبدا ً‬ ‫‪ ،‬ولذلك فاإلنسان الذي ٭تكي لك‬

‫حكاية صدق ال ٮتتلف قوله يف هذه‬ ‫ا‪ٟ‬تكاية حىت وإن رواها ألف مرة؛‬ ‫ألنه يستوحي واقعا ً‪.‬‬ ‫لكن الك ّذاب يستوحي َت واقع ‪،‬‬ ‫فيقول كلمة ‪ ،‬وينَس أنه كذب من‬ ‫قبل فيكذب كذبة أخرى؛ ألنه ال‬ ‫يستوحي واقعا ً‪ .‬فكلمة الشهادة هي‬

‫عن أمر مشهود واقع ‪ ،‬وما دام األمر‬ ‫مشهودا ًوواقعا ً‪ ،‬فإنه يلح عىل نفس‬ ‫من يراه أن ٮترج ‪ ،‬فإياك أن تكبته‬ ‫بالكتم؛ ألن كلمة « الكتم » تعٍت‬ ‫أن شيئا ً٭تاول أن ٮترج وأنت‬ ‫ٖتاول كتمانه ‪ ،‬لذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ َوال َتَ ْك ُت ُموا ْالشهادة } فكأن‬

‫الطبيعة اإلٯتانية الفطرية تلح عىل‬ ‫صاحبها لتنطقه ٔتا كان مشهودا ًله‬ ‫ألنه واقع ‪.‬‬ ‫لذلك يأيت األمر من ا‪ٟ‬تق؛ { َوال َ‬ ‫تَ ْك ُت ُموا ْالشهادة َو َمن ي َ ْك ُت ْمهَا فَإِن ّ َُه‬ ‫آثِ ٌم قَلْبُه } ‪ .‬وقد يسأل اإلنسان ‪:‬‬

‫هل الكتم هنا صفة للقلب أو‬ ‫لئلنسان الذي لم يقل الشهادة؟ ‪.‬‬ ‫إن الشاعر يقول ‪:‬‬ ‫إن الكبلم لفي الفؤاد وإ‪٪‬تا ‪ ...‬جعل‬ ‫اللسان عىل الفؤاد دليبل ً‬ ‫وساعة يؤكد اهلل شيئا ًفهو يأيت‬ ‫با‪ٞ‬تارحة اليت ‪٢‬تا عالقة بهذا الصدد‬

‫‪ ،‬فتقول ‪ :‬أنا رأيته بعيٍت و‪ٝ‬تعته‬ ‫بأذين ‪ ،‬وأعطيته بيدي ومشيت له‬ ‫برجلي ‪ .‬إنّك ت ْذكر ا‪ٞ‬تارحة اليت‬ ‫‪٢‬تا دخل يف هذه ا‪١‬تسألة ‪.‬‬ ‫وعندما يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَإِن ّ َُه آثِ ٌم‬ ‫إن كل ا‪ٞ‬توارح ٗتضع للقلب‬ ‫قَلْبُه } ّ‬ ‫‪ { :‬واهلل ِٔتا تَعْ َمل ُ ِ‬ ‫يم } أي‬ ‫َ‬ ‫ون عَل ٌ‬ ‫َ‬

‫أن كتمك للحقيقة لن يغَت من‬ ‫واقع علم اهلل شيئا ً‪ ،‬وحينما تنتهي‬ ‫مسألة ا‪١‬تداينة والتوثيق فيها‬ ‫وظروفها سواء كانت يف ا‪١‬توطن‬ ‫العادي أو يف أثناء السفر فإن اهلل‬ ‫يضمن لئلنسان ا‪١‬تتحرك يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫حركة شريفة وطاهرة ‪.‬‬

‫فإن لم تكن هذه فا‪١‬تصاٌف تتوقف ‪،‬‬ ‫ويصيبها العطل ‪ ،‬فالذي ال يقدر‬ ‫عىل ا‪ٟ‬تركة فماذا يصنع يف ا‪ٟ‬تياة؟ ‪.‬‬ ‫إن قلبه ٯتتلئ با‪ٟ‬تقد عىل الواجد ‪،‬‬ ‫وحُت ٯتتلئ قلبه با‪ٟ‬تقد عىل الواجد‬ ‫فإنه يكره النعمة عنده ‪ ،‬وحُت‬ ‫يكره ا‪١‬تعدم النعمة عند أخيه‬

‫الواجد ‪ ،‬فالنعمة نفسها تكره أن‬ ‫تذهب إىل من كره النعمة عند‬ ‫أخيه ‪ .‬إهنا مسائل قد رتبها ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه بعضها متعلق بالبعض‬ ‫اْلخر ‪.‬‬ ‫إن النعمة ٖتب ا‪١‬تُنعم عليه بضم‬ ‫ا‪١‬تيم وفتح العُت أكثر من حب‬

‫ا‪١‬تنعم عليه للنعمة وتذهب إىل من‬ ‫أنعم اهلل عليه بها بعشق ‪ ،‬فمن كره‬ ‫النعمة عند منعم عليه فالنعمة‬ ‫تستعصي عليه حىت كأهنا تقول له ‪:‬‬ ‫لن تنال مٍت خَتا ً‪ .‬وليجربها كل‬ ‫إنسان ‪.‬‬ ‫أحبب النعمة عند سواك فستجد‬

‫إن‬ ‫نعمة الكل يف خدمتك ‪ ،‬إنك ْ‬ ‫أحببت النعمة عند َتك فإهنا تأيت‬ ‫إليك لتخدمك ‪ .‬وأيضا ًفعىل‬ ‫ا‪١‬تؤمن أن يعرف أن بعض النعم‬ ‫ليست وليدة كد وجهد ‪ ،‬قد تكون‬ ‫النعمة ‪٣‬ترد فضل من اهلل ‪ ،‬يفضل‬ ‫به بعض خلقه ‪ ،‬فحُت تكرهها‬

‫أنت عند ا‪١‬تنعم عليه تكون قد‬ ‫اعًتضت عىل قدر اهلل يف النعمة ‪.‬‬ ‫وحُت تعًتض عىل قدر اهلل يف‬ ‫النعمة فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه ال ‪٬‬تعلك‬ ‫تنتفع منها بشيء ‪.‬‬ ‫فإن رأيت قريبا ًحبس نعمته عن‬ ‫أقاربه فاعلم أهنم يكرهون النعمة‬

‫عنده ‪ .‬ولو أحبوها لسعت النعمة‬ ‫إليهم ‪ .‬إن ا‪١‬تنهج اإل‪٢‬تي يريد أن‬ ‫‪٬‬تعل الناس كتلة متكافلة متكاملة‬ ‫ْتيث إذا رأيت أنا النعمة عندك‬ ‫ونلت منها ‪ ،‬أحببتها عندك ‪،‬‬ ‫وحُت أحب النعمة عندك فإن‬ ‫العطاء ‪٬‬تيء من هذه النعمة إيل ّ‪ ،‬وال‬

‫ٕتد فارقا ًبُت واجد ومعدم ‪ .‬إنك‬ ‫ال ٕتد فارقا ًبُت واجد ومعدم إال يف‬ ‫‪٣‬تتمع ال يؤدي حكم اهلل يف شيء ‪.‬‬ ‫لقد قلنا ذلك يف ‪٣‬تال اضطرار‬ ‫اإلنسان إىل الربا ألنه لم ‪٬‬تد من‬ ‫يقرضه قرضا ًحسنا ً‪ ،‬ولم ‪٬‬تد من‬ ‫يؤدي فرض اهلل له من الزكاة لتسع‬

‫حاجته فاضطر أن يأخذ بالربا ‪،‬‬ ‫وبذلك يدخل ا‪١‬تجتمع الربوي يف‬ ‫حرب مع اهلل ‪ ،‬وهل ألحد جلد عىل‬ ‫أن يدخل يف حرب مع اهلل؟ ال ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تجتمع الربوي يدخل يف حرب‬ ‫مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫وقد حرم رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم الربا وقال يف حجة الوداع ‪:‬‬ ‫« إن كل ربا موضوع ولكن رءوس‬ ‫أموالكم ال تظلمون وال ُتظلمون‬ ‫قىض اهلل أنه ال ربا وإن ربا عباس‬ ‫بن عبد ا‪١‬تطلب موضوع كله » ‪.‬‬ ‫وتلك ‪ٝ‬تة ‪ٝ‬تو التشريع السماوي‬

‫‪ ،‬إن التشريع البشري يحمي به‬ ‫صاحبه أقاربه من التقنُت ‪ ،‬لكن‬ ‫التشريع السماوي يفرض‬ ‫تطبيقاته أوال عىل األقارب ‪ .‬وكان‬ ‫األسوة يف ذلك سيدنا عمر بن‬ ‫ا‪٠‬تطاب ‪ ،‬فساعة يريد عمر أن‬ ‫يضع التشريع فإنه ‪٬‬تمع أهله‬

‫وأقاربه ويقول ‪:‬‬ ‫سأقوم بعمل كذا وكذا فوالذي‬ ‫نفسي بيده من خالفٍت يف شيء من‬ ‫هذا ألجعل هننكاال ًللمسلمُت ‪.‬‬ ‫ويعلنها عمر أمام الناس ‪ ،‬و‪١‬تاذا‬ ‫أعلن عمر ذلك؟؛ ألن كثَتا من‬ ‫الناس ‪٬‬تاملون أولياء األمور ‪ ،‬وقد‬

‫ال يكون أولياء األمور عىل دراية‬ ‫بذلك؛ فقد ‪٧‬تد واحدا ًيدخل عىل‬ ‫قوم عىل أساس أنه فبلن بن فبلن ‪،‬‬ ‫وبالرعب يقضي هذا اإلنسان‬ ‫مصا‪ٟ‬ته عند الناس برغم أنف‬ ‫الناس ‪ .‬وقد يكون ويل األمر ال‬ ‫يعرف عن مثل هذا التصرف شيئا ً‬

‫‪.‬‬ ‫لكن حُت يعلن ويل األمر عىل الناس‬ ‫وألقاربه أنه ال تفرقة أبدا ًفيما‬ ‫يقنن وأن القانون سائر عىل نفسه‬ ‫وعىل أهله فمن استغل ا‪ٝ‬تا ًلويل‬ ‫األمر أو اصطنع شيئا ًفالتبعة عىل من‬ ‫فعل له وعليه ‪ ،‬وبذلك تستقيم‬

‫األمور ‪ .‬لكن أن تظهر ا‪ٟ‬تقائق يف‬ ‫استغبلل أقارب ا‪ٟ‬تكام بعد انتهاء‬ ‫فًتات حكم ا‪ٟ‬تكام ‪ ،‬فهنا نقول ‪:‬‬ ‫و‪١‬تاذا لم نعرف كل شيء من‬ ‫البداية؟ ‪ .‬وأين كانت ا‪ٟ‬تقائق يف‬ ‫وقتها؟ ‪.‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تاكم ا‪١‬تسلم عليه أن يعلن‬

‫للمحكومُت أن القوانُت إ‪٪‬تا‬ ‫ُتطبق عليه أوال ًوعىل من يعول ‪.‬‬ ‫هكذا قال رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يف حجة الوداع « وربَا‬ ‫ا‪ٞ‬تاهلية موضوع ‪ ،‬وأول ربا أضع‬ ‫ِربَانا ‪ِ ،‬ربَا عباس عبد ا‪١‬تطلب فإنه‬ ‫موضوع كله » ‪.‬‬

‫ويف معركة بدر ‪ ،‬أخرج الرسول‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم أهل بيته‬ ‫ليحاربوا؛ ألنه لو لم ٮترج أحدا ًمن‬ ‫أَهل بيت ِه لقال واحد من الكفار ‪:‬‬ ‫إنه ٭تمي أهل بيته ‪ ،‬ولو أن أجر‬ ‫االستشهاد هو ا‪ٞ‬تنة فلماذا يقدم‬ ‫األباعد وال يقدم أحبابه للقتال؟‬

‫لكن هاهو ذا رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫عليه وسلم يقدم أقاربه وأحبابه ‪،‬‬ ‫فهو العارف من ربه بأمر الشهادة‬ ‫وكيف أهنا تقصر عىل اإلنسان‬ ‫متاعب ا‪ٟ‬تياة وتدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬هكذا‬ ‫كانت ا‪١‬تحاباة يف صدر اإلسبلم ‪،‬‬

‫إهنا ‪٤‬تاباة يف البايق ‪ ،‬ولم تكن‬ ‫كمحاباة ا‪ٟ‬تمىق يف الفاين ‪.‬‬ ‫وحُت يعلمنا الرسول صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ذلك ويضرب عىل أيدي‬ ‫ا‪١‬ترابُت فهذه هي ا‪ٟ‬ترب اليت ‪٬‬تب‬ ‫أن تقوم ‪ ،‬حرب من اهلل ا‪١‬تالك‬

‫القادر عىل ا‪١‬تحاربة ‪ ،‬أما الضعاف‬ ‫الذين ال يستطيعون القتال فهم ال‬ ‫٭تاربون؛ ألهنم أمام خالقهم‬ ‫وقاهرهم فبل يقدرون عىل حربه‬ ‫ولذلك ‪٬‬تب أن تتنبه الدولة إىل‬ ‫مثل هذه األمور وتقنن تقنينا‬ ‫إسبلميا ًوبعد ذلك إذا لم تتسع‬

‫الزكاة ا‪١‬تفروضة إىل ما يقوم بأود‬ ‫ا‪١‬تحتاجُت فلتفرض الدولة ما‬ ‫تشاء لتفي ْتاجة ا‪١‬تحتاجُت ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعد أن أوضح‬ ‫األمر عقيدة يف قوله ‪ { :‬اهلل ال َإله‬ ‫إِال َّ ُه َو ا‪ٟ‬تي القيوم } ‪ ،‬وتقنينا ً‬ ‫للعقيدة يف قوله ‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف‬

‫الدين } ‪ ،‬و‪ٛ‬تاية للعقيدة بأمره‬ ‫سبحانه ا‪١‬تؤمنُت أن يقاتلوا لتكون‬ ‫كلمة اهلل هي العليا ‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫تكلم ا‪ٟ‬تق عن ‪ٛ‬تاية حركة‬ ‫االقتصاد يف اإلنفاق أوال ًيف سبيل‬ ‫اهلل ‪ ،‬واإلنفاق عىل ا‪١‬تحتاجُت ‪.‬‬ ‫يقول سبحانه بعد ذلك ‪ِ َ { :‬‬ ‫ّلل ما ِيف‬ ‫ّ‬

‫السماوات َو َما ِيف األرض َوإِن‬ ‫وه ‪. . .‬‬ ‫ُتب ْ ُدوا ْ َما يف أَن ْ ُف ِس ُك ْم أ َ ْو ُٗت ْ ُف ُ‬ ‫}‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ات َو َما ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫َّّلل َما ِيف َّ َ َ‬ ‫وه‬ ‫َوإ ِْن ُتب ْ ُدوا َما ِيف أ َن ْ ُف ِس ُك ْم أ َ ْو ُٗت ْ ُف ُ‬ ‫اّلل فَيَغ ْ ِف ُر ِ‪١‬ت َ ْن ي َ َش ُاء‬ ‫ُ٭تَا ِسب ْ ُك ْم بِ ِه ّ َُ‬

‫اّلل عَىلَ كُ ّ ِل َشيءٍ‬ ‫َويُعَ ِ ّذ ُب َم ْن ي َ َش ُاء َو ّ َُ‬ ‫ْ‬ ‫قَ ِدي ٌر (‪)284‬‬ ‫استهلت اْلية بتقديم { هلل } عىل‬ ‫ما يف السماوات واألرض ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه يقول ‪ِ َ { :‬‬ ‫ّلل ما ِيف‬ ‫ّ‬ ‫السماوات َو َما ِيف األرض} ذلك‬

‫هو الظرف الكائنة فيه ا‪١‬تخلوقات ‪،‬‬ ‫السماوات واألرض لم يدع أحد‬ ‫أهنا له ‪ ،‬لكن قد يوجد يف‬ ‫السماوات أو يف األرض أشياء‬ ‫يدعي ملكيتها ا‪١‬تخلوقون ‪ ،‬فإذا ما‬ ‫نظرنا إىل خَتات األرض فإننا‬ ‫‪٧‬تدها ‪٦‬تلوكة يف بعض األحيان‬

‫ألناس ٔتا ملكهم اهلل ‪ ،‬والبشر‬ ‫الذين صعدوا إىل السماء وأداروا‬ ‫يف جوها ما أداروا من أقمار‬ ‫صناعية ومراكب فضائية فمن‬ ‫ا‪١‬تمكن أن يعلنوا ملكيتهم ‪٢‬تذه‬ ‫األقمار وتلك ا‪١‬تراكب ‪.‬‬ ‫ويلفتنا ا‪ٟ‬تق سبحانه هنا بقوله ‪{ :‬‬

‫َِ‬ ‫ّلل ما ِيف السماوات َو َما ِيف األرض}‬ ‫ّ‬ ‫وهو يوضح لنا ‪ :‬إنه إن كان يف ظاهر‬ ‫األمر أن اهلل قد أعىط ملكية‬ ‫السببية ‪٠‬تلقه فهو لم يعط هذه‬ ‫ا‪١‬تلكية إال َع َر َضا ًيؤخذ منهم ‪،‬‬ ‫فإما أن يزولوا عنه فيموتوا ‪ ،‬وإما‬ ‫أن يزول عنهم فيؤخذ منهم عن‬

‫بيع أو هبة أو غصب أو هنب ‪.‬‬ ‫وكلمة « هلل » تفيد االختصاص ‪،‬‬ ‫وتفيد القصر ‪ ،‬فكل ما يف الوجود‬ ‫أمره إىل اهلل ‪ ،‬وال يدعي أحد‬ ‫بسببية ما آتاه اهلل أنه ٯتلك شيئا‬ ‫‪١‬تاذا؟ ألن ا‪١‬تالك من البشر ال ٯتلك‬ ‫نفسه أن يدوم ‪.‬‬

‫‪٨‬تن لم نر واحدا ًلم تنله األغيار ‪،‬‬ ‫وما دامت األغيار تنال كل إنسان‬ ‫فعلينا أن نعلم أن اهلل يريد من‬ ‫خلقه أن يتعاطفوا ‪ ،‬وأن يتكاملوا ‪،‬‬ ‫ويريد اهلل من خلقه أن يتعاونوا ‪،‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق ال يفعل ذلك ألن األمر خرج‬ ‫من يده والعياذ باهلل ال ‪ ،‬إن اهلل‬

‫يبلغنا ‪ :‬أنا يل ما يف السماوات وما يف‬ ‫األرض ‪ ،‬وأستطيع أن أجعل دوال ً‬ ‫بُت الناس ‪.‬‬ ‫ولذلك نقول للذين يَصلون إىل‬ ‫ا‪١‬ترتبة العالية يف الغٌت ‪ ،‬أو ا‪ٞ‬تاه ‪ ،‬أو‬ ‫أي ‪٣‬تال ‪٢ ،‬تؤالء نقول ‪ :‬احذر حُت‬ ‫تتم لك النعمة ‪١ ،‬تاذا؟ ألن النعمة‬

‫إن ٘تت لك علوا ًوغٌتً وعافيةً‬ ‫وأوالدا ً‪ ،‬أنت من األغيار ‪ ،‬وما‬ ‫دامت قد ٘تت وصارت إىل النهاية‬ ‫وأنت الشك من األغيار ‪ ،‬فإن‬ ‫النعمة تتغَت إىل األقل ‪ .‬فإذا ما‬ ‫صعد إنسان إىل القمة وهو متغَت‬ ‫فبل بد له أن يزنل عن هذه القمة ‪،‬‬

‫ولذا يقول الشاعر ‪:‬‬ ‫إذا تم شيء بدا نقصه ‪ ...‬ترقب‬ ‫زواال ًإذا قيل تم‬ ‫والتاريخ ٭تمل لنا قصة ا‪١‬ترأة‬ ‫العربية اليت دخلت عىل ا‪٠‬تليفة‬ ‫وقالت له ‪ :‬أتم اهلل عليك نعمته ‪.‬‬ ‫و‪ٝ‬تعها ا‪ٞ‬تالسون حول ا‪٠‬تليفة‬

‫ففرحوا ‪ ،‬وأعلنوا سرورهم ‪ ،‬لكن‬ ‫ا‪٠‬تليفة قال ‪٢‬تم ‪ :‬واهلل ما فهمتم ما‬ ‫تقول ‪ ،‬إهنا تقول ‪ :‬أتم اهلل عليك‬ ‫نعمته ‪ ،‬فإهنا إن ٘تت تزول؛ ألن‬ ‫األغيار تبلحق ا‪٠‬تلق ‪ .‬وهكذا فهم‬ ‫ا‪٠‬تليفة مقصد ا‪١‬ترأة ‪.‬‬ ‫والشاعر يقول ‪:‬‬

‫نفسي اليت ٘تلك األشياء ذاهبة ‪...‬‬ ‫فكيف آىس عىل شيء ‪٢‬تا ذهبا‬ ‫إن النفس ا‪١‬تالكة هي نفسها‬ ‫ذاهبة؛ فكيف ٭تزن عىل شيء له‬ ‫ضاع منه؟‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يطلب منا أن نكون‬ ‫دائما عىل ذكر من قضية واضحة‬

‫هي ‪ :‬أن الكون كله هلل ‪ ،‬والبشر‬ ‫‪ٚ‬تيعا بذواهتم ونفوسهم وما ظهر‬ ‫منها وما بطن ال ٮتفر عىل اهلل ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه ال ٭تاسبنا عىل مقتىض ما‬ ‫علم فحسب ‪ ،‬بل ٭تاسبنا عىل ما تم‬ ‫تسجيله علينا ‪.‬‬

‫إن كل إنسان يقرأ كتابه بنفسه ‪. .‬‬ ‫فسبحانه يقول ‪َ { :‬وكُ َّل إِن ْ َسانٍ‬ ‫أَل ْ َز ْمن َ ُاه َطآ ِئ َر ُه ِيف ُع ُنقِ ِه َو ُ‪٩‬ت ْ ِر ُج ل َ ُه‬ ‫ي َ ْو َم القيامة ِكتَابا ًيَلْقَ ُاه َمن ْ ُشورا ً*‬ ‫ك اليوم‬ ‫اقرأ كتابك كىف بِن َ ْف ِس َ‬ ‫ك َح ِسيبا ً} ػ اإلسراء ‪-13 :‬‬ ‫عَلَي ْ َ‬ ‫‪] 14‬‬

‫وا‪ٟ‬تساب معناه أن لئلنسان‬ ‫رصيدا ‪ ،‬وعليه أيضا رصيد ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل يفسر لنا ( له وعليه )‬ ‫با‪١‬تيزان كما نعرف يف موازين‬ ‫األشياء عندنا وهو سبحانه يقول ‪:‬‬ ‫{ والوزن ي َ ْو َمئِ ٍذ ا‪ٟ‬تق فَ َمن ثَ ُقل َ ْت‬ ‫َم َوا ِز ُين ُه فأولئك ُه ُم ا‪١‬تفلحون *‬

‫َت َم َوا ِز ُين ُه فأولئك الذين‬ ‫َو َم ْن َخ ّف ْ‬ ‫خسروا أَن ْ ُف َس ُهم ِٔتَا كَانُوا ْبِآيَاتِنَا‬ ‫ِ‬ ‫ون } ػ األعراف ‪] 9-8 :‬‬ ‫ِي ْظل ُم َ‬ ‫إن حساب ا‪ٟ‬تق دقيق عادل ‪،‬‬ ‫فالذين ثقلت كفة أعما‪٢‬تم‬ ‫ا‪ٟ‬تسنة هم الذين يفوزون‬ ‫بالفردوس ‪ ،‬والذين باعوا أنفسهم‬

‫للشيطان وهوى النفس تثقل كفة‬ ‫أعما‪٢‬تم السيئة ‪ ،‬فصاروا من‬ ‫أصحاب النار ‪.‬‬ ‫إذن ‪٨‬تن أمام نوعُت من البشر ‪،‬‬ ‫هؤالء الذين ثقلت كفة ا‪٠‬تَت يف‬ ‫ميزان ا‪ٟ‬تساب ‪ ،‬وهؤالء الذين‬ ‫ثقلت كفة السيئات والشرور يف‬

‫ميزان ا‪ٟ‬تساب ‪ .‬فماذا عن الذين‬ ‫تساوت الكفتان يف أعما‪٢‬تم ‪.‬‬ ‫استوت حسناهتم مع سيئاهتم؟‬ ‫إهنم أصحاب األعراف ‪ ،‬الذين‬ ‫ينالون ا‪١‬تغفرة من اهلل؛ ألن مغفرة‬ ‫اهلل وهو الر‪ٛ‬تن الرحيم قد سبقت‬ ‫غضبه جل وعبل ‪ .‬ولو لم ‪٬‬تيء أمر‬

‫أصحاب األعراف يف القرآن لقال‬ ‫واحد ‪ :‬لقد قال اهلل لنا خْب الذين‬ ‫ثقلت موازينهم ‪ ،‬وأخبار الذين‬ ‫خفت موازين ا‪٠‬تَت عندهم ‪ ،‬ولم‬ ‫يقل لنا خْب الذين تساوت‬ ‫شرورهم مع حسناهتم ‪.‬‬ ‫لكن ا‪ٟ‬تليم ا‪٠‬تبَت قد أوضح لنا خْب‬

‫كل أمر وأوضح لنا أن ا‪١‬تغفرة تسبق‬ ‫الغضب عنده ‪ ،‬لذلك فا‪ٟ‬تساب ال‬ ‫يكتفي ا‪ٟ‬تق فيه بالعلم فقط ‪ ،‬ولكن‬ ‫بالتسجيل الواضح الدقيق ‪ ،‬لذلك‬ ‫يطمئننا ا‪ٟ‬تق سبحانه فيقول ‪{ :‬‬ ‫َ‬ ‫اب َوآ َم َن َو َع ِم َل َع َمبل ً‬ ‫إِال ّ َمن تَ َ‬ ‫َص ِا‪ٟ‬تا ًفأولئك يُب َ ِ ّد ُل اهلل َس ِيّئ َ ِ ِ‬ ‫اهت ْم‬

‫ٍ‬ ‫ان اهلل َغ ُفورا ً َّر ِحيما ً}‬ ‫َح َسنَات َوك َ َ‬ ‫ػ الفرقان ‪] 70 :‬‬ ‫إن ا‪ٟ‬تق يطمئننا عىل أن ما نصنعه‬ ‫من خَت ‪٧‬تده يف كفة ا‪١‬تيزان ‪،‬‬ ‫ويطمئننا أيضا عىل أنه سبحانه‬ ‫سيجازينا عىل ما أصابنا من شر‬ ‫األشرار وأننا سنأخذ من حسناهتم‬

‫لتضاف إىل ميزاننا ‪ ،‬إذن‬ ‫فالطمأنينة جاءت من طرفُت ‪:‬‬ ‫طمأننا ا‪ٟ‬تق عىل ما فعلناه من خَت ‪،‬‬ ‫فبل يُنَس أنه يدخل يف حسابنا ‪،‬‬ ‫وطمأننا أيضا عىل ما أصابنا من شر‬ ‫األشرار وسيأخذ ا‪ٟ‬تق من‬ ‫حسناهتم ليضيفها لنا ‪.‬‬

‫و‪٨‬تن ‪٧‬تد يف الكون كثَتا ًمن الناس‬ ‫قد ٭تبهم اهلل ‪٠‬تصلة من خصال‬ ‫ا‪٠‬تَت فيهم ‪ ،‬وقد تكون هذه‬ ‫ا‪٠‬تَتة خفية فبل يراها أحد‬ ‫ا‪٠‬تصلة ّ‬ ‫‪ ،‬لكن اهلل الذي ال ٗتىف عليه خافية‬ ‫يرى هذه ا‪٠‬تصلة يف اإلنسان ‪،‬‬ ‫و٭تبه اهلل من أجلها ‪ ،‬ويرى ا‪ٟ‬تق أن‬

‫حسنات هذا الرجل قليلة ‪،‬‬ ‫فيجعل بعض ا‪٠‬تلق يصيبون هذا‬ ‫الرجل بشرورهم وسيئاهتم حىت‬ ‫يأخذ من حسنات هؤالء ليزيد يف‬ ‫حسنات هذا الرجل ‪.‬‬

‫ومعٌت { ُتب ْ ُدوا ْ َما يف أَن ْ ُف ِس ُك ْم } أي‬ ‫تصَتوا الوجدانيات إىل نزوعيات‬ ‫وه‬ ‫عملية ‪ ،‬ولكن هل معٌت { أ َ ْو ُٗت ْ ُف ُ‬ ‫} هو أال تصَتوا الوجدانيات‬ ‫النفسية إىل نزوعيات عملية؟ ال ‪،‬‬ ‫فليس لكل شيء نزوع عملي ‪،‬‬ ‫ومثال ذلك ا‪ٟ‬تب؛ إن اإلنسان قد‬

‫٭تب ‪ ،‬وال ‪٬‬تد القدرة عىل الزنوع‬ ‫ليعلن بهذا الزنوع أنه ‪٤‬تًتق يف حبه‬ ‫‪ ،‬وكذلك الذي ٭تقد قد ال ‪٬‬تد‬ ‫القدرة عىل الزنوع ليعلن بهذا‬ ‫الزنوع عن حقده ‪ ،‬إذن فهناك‬ ‫أعمال تستقر يف القلوب ‪ ،‬فهل‬ ‫يؤاخذ اهلل ٔتا استقر يف النفوس؟‬

‫إن هذه ا‪١‬تسألة ٖتتاج إىل دقة بالغة؛‬ ‫ألننا وجدنا بعضا من صحابة‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قد‬ ‫وقفوا فيها موقفا أبىك بعضهم ‪،‬‬ ‫هذا عبد اهلل بن عمر رضي اهلل‬ ‫عنهما حينما ‪ٝ‬تع هذه اْلية قال ‪:‬‬ ‫لئن آخذنا اهلل عىل ما أخفينا يف‬

‫نفوسنا لنهلكن ‪ .‬وبىك حىت ُ‪ٝ‬تع‬ ‫نشيجه بالبكاء ‪ .‬وبلغ ذلك األمر‬ ‫ابن عباس فقال ‪ :‬يرحم اهلل أبا‬ ‫عبد الر‪ٛ‬تن لقد وجد إخوانه‬ ‫ا‪١‬تسلمون مثلما وجد من هذه‬ ‫اْلية ‪ .‬فأنزل اهلل بعدها { ال َيُكَلِ ّ ُف‬ ‫اهلل ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا } إىل آخر‬

‫السورة ‪ .‬ولنعلم أن نوازع النفس‬ ‫كثَتة؛ فهناك شيء ا‪ٝ‬ته « هاجس‬ ‫» وهناك شيء آخر ا‪ٝ‬ته « خاطر‬ ‫» وهناك ما يس ىم « حديث نفس‬ ‫» ‪ ،‬وهناك « هم » وهناك « عزم‬ ‫» ‪ ،‬إهنا ‪ٜ‬تس حاالت ‪ ،‬واألربع‬ ‫األوىل من هذه ا‪ٟ‬تاالت ليس فيها‬

‫شيء ‪ ،‬إ‪٪‬تا األخَتة اليت يكون فيها‬ ‫القصد واضحا ‪٬‬تب أن نتنبه ‪٢‬تا‬ ‫ولنتناول كل حالة بالتفصيل ‪.‬‬ ‫إن ا‪٢‬تاجس هو ا‪٠‬تطرة اليت ٗتطر‬ ‫دفعة واحدة ‪ ،‬أما ا‪٠‬تاطر فهو ٮتطر ‪.‬‬ ‫‪ .‬أي يسَت يف النفس قليبل ‪ ،‬وأما‬ ‫حديث النفس فإن النفس تظل‬

‫تًتدد فيه ‪ ،‬وأما ا‪٢‬تم فهو استجماع‬ ‫الوسائل ‪ ،‬وسؤال النفس عن كل‬ ‫الوسائل اليت ينفذ بها اإلنسان‬ ‫رغباته ‪ ،‬أما العزم( القصد ) فهو‬ ‫الوصول إىل النهاية والبدء يف تنفيذ‬ ‫األمر ‪.‬‬ ‫والقصد هو الذي يُعٍت به قوله تعاىل‬

‫‪َ { :‬وإِن ُتب ْ ُدوا ْ َما يف أَن ْ ُف ِس ُك ْم أ َ ْو‬ ‫وه ُ٭تَا ِسب ْ ُك ْم بِ ِه اهلل } وقد‬ ‫ُٗت ْ ُف ُ‬ ‫وجدنا كثَتا من العلماء قد وقفوا‬ ‫عند هذا القول وتساءل بعض من‬ ‫العلماء ‪ :‬هل اْلية اليت جاءت بعد‬ ‫ذلك واليت يقول فيها ‪ { :‬ال َيُكَلِ ّ ُف‬ ‫اهلل ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا } هل هي نسخ‬

‫لآلية السابقة عليها؟‬ ‫ولكن ‪٨‬تن نعرف أن اْلية هي خْب ‪،‬‬ ‫واألخبار ال تنسخ إ‪٪‬تا األحكام هي‬ ‫اليت يتم نسخها ‪ ،‬وعىل ذلك يكون‬ ‫القصد والعزم عىل تنفيذ األمر هو‬ ‫ا‪١‬تعٌت بقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِن ُتب ْ ُدوا ْ َما‬ ‫وه ُ٭تَا ِسب ْ ُك ْم بِ ِه‬ ‫يف أَن ْ ُف ِس ُك ْم أ َ ْو ُٗت ْ ُف ُ‬

‫اهلل } فهذا هو الذي ٭تاسبنا اهلل‬ ‫عليه ‪.‬‬ ‫وعندما يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬ ‫فَيغ ْ ِفر ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫آء } فمن هم؟ لقد‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫بُت اهلل من يشاء ا‪١‬تغفرة لهم ‪ ،‬إهنم‬ ‫الذين تابوا ‪ ،‬وهم الذين أنابوا إىل‬ ‫اهلل ‪ ،‬هم الذين قال فيهم ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬

‫َ‬ ‫اب َوآ َم َن َو َع ِم َل َع َمبل ً‬ ‫{ إِال ّ َمن تَ َ‬ ‫َص ِا‪ٟ‬تا ًفأولئك يُب َ ِ ّد ُل اهلل َس ِيّئ َ ِ ِ‬ ‫اهت ْم‬ ‫ٍ‬ ‫ان اهلل َغ ُفورا ً َّر ِحيما ً}‬ ‫َح َسنَات َوك َ َ‬ ‫ػ الفرقان ‪] 70 :‬‬ ‫وتبديل ا‪١‬تغفرة حسنة مسألة يجب‬ ‫أن يقف عندها اإلنسان ا‪١‬تكلف من‬ ‫اهلل وقفة لَتى فضل اهلل ‪ ،‬ألن‬

‫الذي صنع سيئة ثم آ‪١‬تته ‪ ،‬فكما‬ ‫آ‪١‬تته السيئة اليت ارتكبها وحزن‬ ‫منها ‪ ،‬فإن اهلل يكتب له حسنة ‪.‬‬ ‫ولكن الذي لم يصنع سيئة ال‬ ‫تفزعه هذه ‪ ،‬وبعض العارفُت‬ ‫يقول ‪ُ :‬ر ّب معصية أورثت ذال‬ ‫وانكسارا خَت من طاعة ‪ .‬أورثت‬

‫عزا واستكبارا ‪.‬‬ ‫إنك لتجد ا‪٠‬تَت الشائع يف الوجود‬ ‫كله رٔتا كان من أصحاب اإلسراف‬ ‫عىل أنفسهم يف شيء ما قد اقًتفوه‬ ‫وتابوا عنه ولكنه ال يزال يؤرقهم ‪.‬‬ ‫يكون الواحد منهم قويا يف كل شيء‬ ‫‪ ،‬إال أنه ضعيف أمام مسألة واحدة‬

‫‪ ،‬وضعفه أمام هذه ا‪١‬تسألة‬ ‫الواحدة جعله يعصي اهلل بها وهو‬ ‫٭تاول جاهدا ًيف النواحي اليت ليس‬ ‫ضعيفا ًفيها أن يزيد كثَتا ًيف‬ ‫حسناته ‪ ،‬حىت ٯتحو ويذهب اهلل‬ ‫هذه بهذه ‪ .‬فا‪٠‬تَت الشائع يف الوجود‬ ‫رٔتا كان من أصحاب السيئات‬

‫الذين أسرفوا عىل أنفسهم يف‬ ‫ناحية من النواحي ‪ ،‬فيشاء اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل أن ‪٬‬تعلهم متجهُت‬ ‫إىل نوا ٍح من ا‪٠‬تَت قائلُت ‪ :‬رٔتا هذه‬ ‫ٖتمل تلك ‪.‬‬ ‫لكن الذي يظل رتيبا ًهكذا ال‬ ‫تلذعه معصية رٔتا تظل ا‪١‬تسائل‬

‫فاترة يف نفسه ‪ .‬ولذلك ‪٬‬تب أن‬ ‫ننظر إىل الذين أسرفوا عىل‬ ‫أنفسهم ال يف زاوية واحدة ‪ ،‬ولكن‬ ‫يف زوايا متعددة ‪ ،‬ونتأدب أمامهم‬ ‫وندعو اهلل أن يعفيهم ‪٦‬تا نعرفه‬ ‫عنهم ‪ ،‬وأن يبارك ‪٢‬تم فيما‬ ‫قدموه؛ ليزيل اهلل عنهم أوزار ما‬

‫فعلوا ‪.‬‬ ‫وبعض العلماء يرى يف قوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬ ‫{ فَيغ ْ ِفر ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫آء َويُعَ ِ ّذ ُب َمن‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ‬ ‫آء } أن اهلل قد جعل ا‪١‬تغفرة‬ ‫ي َ َش ُ‬ ‫أمرا ًمتعلقا ًبالعابد هلل ‪ ،‬فإن شئت‬ ‫أن يغفر اهلل لك فاكثر من ا‪ٟ‬تسنات‬ ‫حىت يبدل اهلل سيئاتك إىل حسنات‬

‫‪ .‬وإن شئت أن تعذب وهذا أمر ال‬ ‫يشاؤه أحد فبل تصنع ا‪ٟ‬تسنات ‪.‬‬ ‫وهذه ا‪١‬تسألة ٕتعلنا نعرف أن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل حُت يطلب منا‬ ‫اإلٯتان به فإنه ُٯتلكنا الزمام ‪.‬‬ ‫ؤتجرد إٯتاننا به فنحن نتلىق منه‬ ‫زمام االختيار ‪ ،‬والدليل واضح يف‬

‫ا‪ٟ‬تديث القدسي ‪ :‬عن أيب هريرة‬ ‫رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم يقول اهلل عز‬ ‫وجل ‪ « :‬أنا عند ظن عبدي يب ‪،‬‬ ‫وأنا معه حُت يذكرين ‪ .‬إن ذكرين يف‬ ‫نفسه ذكرته يف نفسي ‪ ،‬وإن ذكرين‬ ‫يف مؤل ذكرته يف مؤلهم خَتٌمنهم‬

‫وان تقرب مٍت شْبا تقربت إليه‬ ‫ذراعا ‪ ،‬وإن تقرب إىلّ ذراعا ‪،‬‬ ‫تقربت منه باعا ‪ ،‬وإن أتاين ٯتشي‬ ‫أتيته َه ْر َولَةً » ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إذن فبمجرد إٯتانك ملكك اهلل‬ ‫الزمام ‪ ،‬فإن أردت أن يتقرب اهلل‬

‫إليك ذراعا ‪ ،‬فتقرب أنت إليه شْبا‬ ‫‪ ،‬فالزمام يف يدك ‪.‬‬ ‫وإن شئت أن يتقرب اهلل منك باعا‬ ‫‪ ،‬فتقرب أنت ذراعا ‪ .‬وإن شئت‬ ‫أنت أن يأيت ربك إليك مهروال ً‬ ‫جريا ًفأت إليه مشيا ‪ .‬فبمجرد أن‬

‫يراك اهلل وأنت تقبل وتتجه إليه ‪،‬‬ ‫كأنه يقول لك ‪ :‬ال ‪ . .‬اسًتح أنت ‪،‬‬ ‫أنا الذي آيت إليك ‪.‬‬ ‫ولذلك قلنا من قبل يف مسألة‬ ‫الصبلة حُت تؤمن أيها العبد باهلل‬ ‫وبعد ذلك ينادي ا‪١‬تؤذن للصبلة ‪،‬‬ ‫فتذهب أنت إىل الصبلة ‪ ،‬صحيح‬

‫أنت تذهب إىل الصبلة ا‪١‬تفروضة ‪،‬‬ ‫لكن هل منعك اهلل أن تقف بُت‬ ‫يديه يف أية ‪ٟ‬تظة؟ ‪ .‬لقد طلب اهلل‬ ‫منك أن ٖتضر بُت يديه ‪ٜ‬تس‬ ‫مرات يف اليوم ‪ ،‬وبعد ذلك ترك‬ ‫الباب مفتوحا ًلك أيها ا‪١‬تؤمن فاهلل‬ ‫ال ٯتل حىت ٯتل العبد ‪.‬‬

‫واإلنسان يف حياته العادية وهلل‬ ‫ا‪١‬تثل األعىل إذا أراد أن يقابل‬ ‫عظيما ًمن العظماء فإن اإلنسان‬ ‫يطلب ا‪١‬تيعاد ‪ ،‬فإما أن يقبل‬ ‫العظيم من البشر لقاء من يطلب‬ ‫ا‪١‬تيعاد أو يرفض ‪ .‬وإذا قبل العظيم‬ ‫من البشر لقاء من يطلب ا‪١‬تيعاد ‪،‬‬

‫فإن العظيم من البشر ٭تدد الزمن ‪،‬‬ ‫و٭تدد ا‪١‬تكان ‪ ،‬ورٔتا طلب العظيم‬ ‫من البشر أن يعرف سبب وموضوع‬ ‫ا‪١‬تقابلة ‪ .‬لكن اهلل يًتك الباب‬ ‫مفتوحا ًأمام العبد ا‪١‬تؤمن ‪ ،‬يلىق اهلل‬ ‫عبده يف أي شيء ‪ ،‬ويف أي وقت ‪ ،‬ويف‬ ‫أي مكان ‪ ،‬ويف أي زمان ‪.‬‬

‫حسب نفسي عزا ً َّ‬ ‫بأين َعبد ‪...‬‬ ‫رب‬ ‫٭تتفي يب ببل مواعيد ُّ‬ ‫هو يف قدسه األعز ولكن ‪ ...‬أنا ألىق‬ ‫أحب‬ ‫مىت وأين ُّ‬ ‫الزمام إذن يف يد من؟ ‪ .‬إن الزمام‬ ‫يف يد العبد ا‪١‬تؤمن ‪ .‬لذلك فالذين‬ ‫قالوا يف فهم { فَيغ ْ ِفر ِ‬ ‫‪١‬ت‬ ‫آء }‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ‬

‫إن البشر يف أيديهم أمر ا‪١‬تغفرة‬ ‫‪٢‬تم ‪ ،‬فإن شاء البشر أن يغفر اهلل‬ ‫‪٢‬تم فإهنم يفعلون أسباب ا‪١‬تغفرة ‪،‬‬ ‫ويتوبون إىل اهلل ‪ ،‬ويكثرون من‬ ‫ا‪ٟ‬تسنات ‪ ،‬ومن يريد أن يتعذب‬ ‫فليظل سادرا ًيف غيه يف فعل‬ ‫السيئات ‪ .‬ثم بعد ذلك يقول اهلل‬

‫عز وجل ‪ { :‬آ َم َن الرسول ِٔتَآ‬ ‫أُن ْ ِز َل إِلَي ْ ِه ِمن َّربِّ ِه وا‪١‬تؤمنون ‪. . .‬‬ ‫}‬ ‫ول ِٔتَا أُن ْ ِز َل إِلَي ْ ِه ِم ْن َر ِبّ ِه‬ ‫آ َم َن ال َّر ُس ُ‬ ‫وا ْ‪١‬ت ْؤ ِم ُنون كُ ٌّل آ َم َن بِ َ ِ‬ ‫اّلل َو َم َبل ِئ َكتِ ِه‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ُت أ َ َح ٍد ِم ْن‬ ‫َو ُك ُتبِه َو ُر ُسله َال ن ُ َف ّ ِر ُق ب َ ْ َ‬

‫رسلِ ِه َوقَالُوا َ ِ‬ ‫ك‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا َوأ َ َطعْنَا ُغ ْف َران َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ربَّنَا وإِلَي َ ِ‬ ‫َت (‪)285‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ك ا ْ‪١‬تَص ُ‬ ‫عندما نتأمل هذه اْلية الكرٯتة‬ ‫‪٧‬تد أن اإلٯتان األول باهلل كان من‬ ‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫آ َم َن الرسول ِٔتَآ أُن ْ ِز َل إِلَي ْ ِه ِمن َّر ِبّ ِه‬

‫} ‪ .‬وبعد ذلك يأيت إٯتان الذين‬ ‫بلغهم الرسول بالدعوة {‬ ‫وا‪١‬تؤمنون } ‪ .‬وبعد ذلك ٯتتزج‬ ‫إٯتان الرسول بإٯتان ا‪١‬تؤمنُت {‬ ‫كُ ٌّل آ َم َن باهلل ومبلئكته َو ُك ُتبِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ُت أ َ َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه‬ ‫َو ُر ُسله ال َن ُ َف ّ ِر ُق ب َ ْ َ‬ ‫َوقَالُوا ْ َ ِ‬ ‫ك َربَّنَا‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا َوأ َ َطعْنَا ُغ ْف َران َ َ‬

‫ك ا‪١‬تصَت } ‪.‬‬ ‫َوإ َِيل ْ َ‬ ‫أي أن كبل من الرسول وا‪١‬تؤمنُت‬ ‫آمنوا باهلل ‪ .‬إن اإلٯتان األول هو‬ ‫إٯتان الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫‪ ،‬واإلٯتان أيضا ًمن ا‪١‬تؤمنُت‬ ‫بالرسالة اليت جاء بها الرسول بناء ً‬ ‫عىل توزيع الفاعل يف { آ َم َن } بُت‬

‫الرسول وا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫‪٬‬تمعهما اهلل الرسول وا‪١‬تؤمنُت يف‬ ‫إٯتان واحد ‪ ،‬وهذا أمر طبيعي ‪،‬‬ ‫ألن الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫آمن باهلل أوال ً‪ ،‬وبعد ذلك بلغنا‬ ‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم وآمنا‬ ‫باهلل وبه ثم امتزج اإلٯتان فصار‬

‫إٯتاننا هو إٯتان الرسول وإٯتان‬ ‫الرسول هو إٯتاننا ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يوضحه القول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬كُ ٌّل آ َم َن‬ ‫باهلل } ‪.‬‬ ‫إذن فالرسول يف مرحلته األوىل سبق‬ ‫باإلٯتان باهلل ‪ ،‬والرسول مطلوب‬ ‫منه حىت حُت يؤمن باهلل أن يؤمن‬

‫بأنه رسول اهلل ‪ ،‬ألم يقل الرسول‬ ‫صىل اهلل عليه وسلم ‪ :‬أشهد أن‬ ‫‪٤‬تمدا ًرسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم ؟ وكان الرسول إذا ما أعجبه‬ ‫أمر يف سَتته ذاهتا يقول ‪ :‬أشهد أين‬ ‫رسول اهلل ‪ . .‬إنّه يقو‪٢‬تا بفرحة ‪.‬‬ ‫ومثال ذلك ما روي « عن جابر بن‬

‫عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال ‪» :‬‬ ‫كان با‪١‬تدينة يهودي وكان يسلفٍت‬ ‫يف ٘تري إىل ا‪ٞ‬تذاذ ‪ ،‬وكان ‪ٞ‬تابر‬ ‫األرض اليت بطريق رومة فجلست‬ ‫فخبل عاما فجاءين اليهودي عند‬ ‫ا‪ٞ‬تذاذ ولم أجد منها شيئا فجعلت‬ ‫أستنظره إىل قابل « أي أطلب منه‬

‫أن ٯتهلٍت إىل عام ثان » فيأىب‬ ‫فَأخْب بذلك النبي صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم فقال ألصحابه ‪ :‬امشوا‬ ‫نستنظر ‪ٞ‬تابر من اليهودي فجاءوين‬ ‫يف ‪٩‬تلي ‪ ،‬فجعل النبي صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم يكلم اليهودي فيقول (‬ ‫اليهودي ) أبا القاسم ‪ ،‬ال أنظره‬

‫فلما رأى النبي صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫قام فطاف يف النخل ثم جاءه فكلمه‬ ‫فأىب فجئت بقليل رطب فوضعته‬ ‫بُت يدي النبي صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫فأكل ثم قال ‪ :‬أين عريشك يا‬ ‫جابر فأخْبته ‪ ،‬فقال ‪ :‬افرش يل‬ ‫فيه ففرشته ‪ ،‬فدخل فرقد ثم‬

‫استيقظ فجئته بقبضة أخرى فأكل‬ ‫منها ‪ ،‬ثم قام فكلم اليهودي فأىب‬ ‫عليه ‪ ،‬فقام يف الرطاب يف النخل‬ ‫الثانية ثم قال يا جابر ‪ ،‬ج ّذ واقض‬ ‫فوقف يف ا‪ٞ‬تذاذ فَجذذْ ُت منها ما‬ ‫قضيته ‪ ،‬وفضل منه فخرجت حىت‬ ‫جئت النبي صىل اهلل عليه وسلم‬

‫فبشرته فقال ‪ :‬أشهد أين رسول اهلل‬ ‫«‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يشهد أن ال‬ ‫إله إال هو ‪:‬‬ ‫{ َش ِه َد اهلل أ َن ّ َُه ال َإله إِال َّ ُه َو‬ ‫وا‪١‬تبلئكة َوأُ ْولُوا ْالعلم قَ ِآئ َما ً‬

‫بالقسط ال َإله إِال َّ ُه َو العزيز ا‪ٟ‬تكيم‬ ‫} ػ آل عمران ‪] 18 :‬‬ ‫إذن فاهلل يشهد أن ال إله إال هو ‪،‬‬ ‫ورسول اهلل يشهد أن ال إله إال اهلل ‪،‬‬ ‫ويشهد أيضا ًأنه رسول اهلل ‪ ،‬يبلغ‬ ‫ذلك للمؤمنُت فيكتمل التكوين‬ ‫اإلٯتاين ‪ ،‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق عن‬

‫ذلك ‪ { :‬كُ ٌّل آ َم َن باهلل ومبلئكته‬ ‫َو ُك ُتبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه } ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يأيت ب «‬ ‫كل » بالتنوين أي كل من الرسول‬ ‫ً‬ ‫وا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬ ‫ويورد لنا سبحانه عناصر اإلٯتان ‪:‬‬ ‫{ كُ ٌّل آ َم َن باهلل ومبلئكته َو ُك ُتبِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ُت أ َ َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه‬ ‫َو ُر ُسله ال َن ُ َف ّ ِر ُق ب َ ْ َ‬

‫َوقَالُوا ْ َ ِ‬ ‫ك َربَّنَا‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا َوأ َ َطعْنَا ُغ ْف َران َ َ‬ ‫ك ا‪١‬تصَت } ‪ .‬و‪٨‬تن نعرف أن‬ ‫َوإِلَي ْ َ‬ ‫اإلٯتان باهلل وكل ما يتعلق باإلٯتان‬ ‫البد أن يكون يبا ً؛ فبل يوجد‬ ‫إٯتان ٔتحس أبدا ً‪ .‬فاألشياء‬ ‫ا‪١‬تحسة ال يدخلها إٯتان؛ ألهنا‬ ‫مشهودة ‪ .‬وعناصر اإليمان يف هذه‬

‫اْلية هي ‪:‬‬ ‫إٯتان باهلل وهو غيب ‪ .‬وإٯتان‬ ‫با‪١‬تبلئكة وهي غيب من خلق اهلل ‪،‬‬ ‫ولو لم يبلغنا اهلل أن له خلقا ًهم‬ ‫ا‪١‬تبلئكة ‪١‬تا عرفنا ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق أخْبنا‬ ‫أنه خلق ا‪١‬تبلئكة وهم ال يعصون‬ ‫اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‬

‫وهم غيب ‪ ،‬ولوال ذلك ‪١‬تا عرفنا‬ ‫ا‪١‬تبلئك إٯتان بالكتب‬ ‫ة‬ ‫أمر‬ ‫والرسل ‪.‬‬ ‫وقد يقول قائل ‪ :‬هل الرسل‬ ‫غيب؟ وهل الكتب السماوية‬ ‫غيب؟ إن الرسل بشر ‪ ،‬والكتب‬ ‫مشهودة ‪ .‬و‪١‬تثل هذا القائل نقول‬

‫‪ :‬ال ‪ ،‬ال يوجد واحد منا قد رأى‬ ‫الكتاب يزنل عىل الرسول ‪ ،‬وهذا‬ ‫يعٍت أن عملية الوحي للرسول‬ ‫بالكتاب هي غيب يعلمه اهلل‬ ‫الممنون ‪.‬‬ ‫ويؤمن به ؤ‬ ‫وكيف نؤمن بكل الرسل وال نفرق‬ ‫بُت أحد منهم؟ ‪ .‬ونقول ‪ :‬إن‬

‫الرسل ا‪١‬تبلغُت عن اهلل إ‪٪‬تا يبلغون‬ ‫منهجا ًعن اهلل فيه العقائد اليت‬ ‫ٗتتلف باختبلف العصور ‪ ،‬وفيه‬ ‫األحكام اليت ٗتتلف باختبلف‬ ‫العصور ومواقع القضايا فيها ‪.‬‬ ‫إذن فاألصل العقدي يف كل‬ ‫الرساالت أمر واحد ‪ ،‬ولكن‬

‫ا‪١‬تطلوب يف حركة ا‪ٟ‬تياة ٮتتلف؛‬ ‫ألن أقضية ا‪ٟ‬تياة ٗتتلف ‪ ،‬وحُت‬ ‫ٗتتلف أقضية ا‪ٟ‬تياة فإن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه يزنل التشريع ا‪١‬تناسب ‪،‬‬ ‫لكن األصل واحد والببلغ من‬ ‫خالق ال إله إال هو ‪ ،‬ولذلك يأيت‬ ‫ُت‬ ‫القول ا‪ٟ‬تكيم ‪ { :‬ال َن ُ َف ّ ِر ُق ب َ ْ َ‬

‫أ َ َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه } فنحن ال فنرق بُت‬ ‫الرسل يف أهنم يبلغون عن اهلل ما‬ ‫تتفق فيه مناهج التبليغ من ناحية‬ ‫االعتقاد ‪ ،‬وما ٗتتلف من ناحية‬ ‫األحكام اليت تناسب أقضية كل‬ ‫عصر ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق؛ { َوقَالُوا ْ‬

‫َِ‬ ‫‪ٝ‬تعْنَا َوأ َ َطعْنَا } إذن السماع هو‬ ‫بلوغ الدعوة والطاعة هي انفعال‬ ‫با‪١‬تطلوب ‪ ،‬وأن ٯتتثل ا‪١‬تؤمن أمرا ً‬ ‫وٯتتثل ا‪١‬تؤمن هنيا ًيف كل أمر يتعلق‬ ‫ْتركة الكون ‪ .‬فالذين يريدون أن‬ ‫يعزلوا الدين عن حركة ا‪ٟ‬تياة‬ ‫يقولون ‪ :‬إن الدين يهتم بالعبادات‬

‫كالصبلة والصوم والزكاة وا‪ٟ‬تج‪.‬‬ ‫وبعد ذلك ٭تاولون عزل حركة‬ ‫ا‪ٟ‬تياة عن الدين ‪.‬‬ ‫‪٢‬تؤالء نقول ‪ :‬أنتم تتكلمون عما‬ ‫بلغكم من دين لم ‪٬‬تئ لينظم‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا جاء ليعطي‬ ‫ا‪ٞ‬ترعة ا‪١‬تفقودة عند اليهود وهي‬

‫ا‪ٞ‬ترعة الروحية ‪ ،‬لكن الدين‬ ‫اإلسبلمي جاء خا٘تا ًلؤلديان منظما ً‬ ‫‪ٟ‬تركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فكل أمر يف ا‪ٟ‬تياة‬ ‫وكل حركة فيها داخلة يف حدود‬ ‫الطاعة ‪.‬‬

‫و‪٨‬تن حُت نقرأ القرآن الكريم ‪،‬‬ ‫‪٧‬تد القول ا‪ٟ‬تكيم ‪ { :‬ياأيها الذين‬ ‫لصبل َ ِة ِمن ي َ ْو ِم‬ ‫آمنوا إِذَا نُو ِد َي ل ِ َّ‬ ‫ا‪ٞ‬تمعة فاسعوا إىل ِذ ْك ِر اهلل َوذَ ُروا ْ‬ ‫البيع ذَل ِ ُك ْم َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم إِن ُك ُنت ْم‬ ‫ون } ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪] 9 :‬‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬ ‫إذن ا‪ٟ‬تق سبحانه يأمر ا‪١‬تؤمنُت‬

‫وٮترجهم من حركة من حركات‬ ‫ا‪ٟ‬تياة إىل حركة أخرى ‪ ،‬فهو لم‬ ‫يأخذهم من فراغ ‪ ،‬إ‪٪‬تا ناداهم‬ ‫إلعبلن الوالء ا‪ٞ‬تماعي ‪ ،‬وهو إعبلن‬ ‫من كل مؤمن بالعبودية هلل أمام‬ ‫بقية ا‪١‬تخلوقات ‪ .‬وبعد أن يقضي‬ ‫ا‪١‬تؤمنون الصبلة ماذا يقول ‪٢‬تم‬

‫ا‪ٟ‬تق سبحانه؟ يقول ‪٢‬تم ‪ { :‬فَإِذَا‬ ‫ُق ِضي َ ِت الصبلة فانتشروا ِيف األرض‬ ‫وابتغوا ِمن فَ ْض ِل اهلل واذكروا اهلل‬ ‫كَثَِتا ًلَّعل َّ ُكم ُت ْفلِ‬ ‫ح‬ ‫ون} ػ ا‪ٞ‬تمعة ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫‪] 10‬‬ ‫إذن فاالنتشار يف األرض هو حركة‬ ‫يف ا‪ٟ‬تياة ‪٘ ،‬تاما ًكما كان النداء إىل‬

‫السعي لذكر اهلل ‪ .‬وهكذا تكون‬ ‫كل حركة يف ا‪ٟ‬تياة داخلة يف إطار‬ ‫الطاعة ‪ ،‬إذن « ‪ٝ‬تعنا وأطعنا » أي‬ ‫‪ٝ‬تعنا كل ا‪١‬تنهج ‪ ،‬ولكن ‪٨‬تن حُت‬ ‫ن م‬ ‫سع ا‪١‬تنهج ‪ ،‬وحُت نطيع فهل لنا‬ ‫قدرة عىل أن نطيع كل ا‪١‬تنهج أو أن‬ ‫لنا هفوات؟ ‪.‬‬

‫وألن أحدا ًلن يتم كل الطاعة ولنا‬ ‫ك‬ ‫هفوات جاء قوله ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬غ ْف َران َ َ‬ ‫ك ا‪١‬تصَت } فالغاية‬ ‫َربَّنَا َوإِلَي ْ َ‬ ‫والنهاية كلها عائدة إليك ‪ ،‬وأنت‬ ‫اإلله ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬لذلك فنحن العباد‬ ‫نطلب منك المغف َرة حىت نلقاك ‪،‬‬ ‫و‪٨‬تن آمنون عىل أن ر‪ٛ‬تتك سبقت‬

‫غضبك ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ال َيُكَلِ ّ ُف‬ ‫اهلل ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا ‪} . . .‬‬ ‫ِ‬ ‫اّلل ن َ ْف ًسا إ َِّال ُو ْسعَهَا َ‪٢‬تَا َما‬ ‫َال يُكَل ّ ُف َّ ُ‬ ‫َك َسب َ ْت َوعَلَيْهَا َما ا ْكت َ َسب َ ْت َربَّنَا َال‬ ‫ُت َؤا ِخ ْذنَا إ ِْن ن َ ِسينَا أ َ ْو أ َ ْخ َطأْنَا َربَّنَا‬ ‫‪ٛ‬تلْت َ ُه‬ ‫َو َال َٖتْ ِم ْل عَلَيْنَا إِ ْص ًرا َك َما َ َ‬

‫عَىلَ ال َّ ِذي َن ِم ْن قَبْلِنَا َربَّنَا َو َال ُٖتَ ِ ّملْنَا َما‬ ‫اع ُف َعنَّا َوا ْغ ِف ْر لَنا‬ ‫َال َطاقَةَ لَنا بِ ِه َو ْ‬ ‫‪ٛ‬تنَا أَن ْ َت َم ْو َالنَا فَان ْ ُص ْرنَا عَىلَ‬ ‫َو ْار َ ْ‬ ‫ال ْ َق ْو ِم الْكَافِرِي َن (‪)286‬‬

‫{ ال َيُكَلِ ّ ُف اهلل ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا }‬ ‫إنّه سبحانه لم يكلفكم إال ما هو يف‬

‫الوسع ‪١ .‬تاذا؟ ألن األحداث‬ ‫بالنسبة لعزم النفس البشرية‬ ‫ثبلثة أقسام ‪ :‬القسم األول ‪ :‬هو ما‬ ‫ال قدرة لنا عليه ‪ ،‬وهذا بعيد عن‬ ‫التكليف ‪ .‬القسم الثاين ‪ :‬لنا قدرة‬ ‫عليه لكن ٔتشقة أي ‪٬‬تهد طاقتنا‬ ‫قليبل ‪ .‬القسم الثالث ‪ :‬التكليف‬

‫بالوسع ‪ .‬إذن { ال َيُكَلِ ّ ُف اهلل ن َ ْفسا ً‬ ‫إِال َّ ُو ْسعَهَا } أي أن ا‪ٟ‬تق ال يكلف‬ ‫النفس إال بتكليف تكون فيه‬ ‫طاقتها أوسع من التكليف ‪ ،‬كلف‬ ‫ا‪ٟ‬تق كل مسلم بالصبلة ‪ٜ‬تسة‬ ‫فروض كل يوم ‪ ،‬و٘تؤل أوقاهتا‬ ‫بالصبلة وكان من ا‪١‬تمكن أن‬

‫تكون عشرة ‪ ،‬بدليل أن هناك‬ ‫أناسا ًتتطوع وهو سبحانه كلف كل‬ ‫مسلم بالصوم شهرا ً‪ ،‬أال يوجد من‬ ‫يصوم ثبلثة أشهر؟ ومثل هذا يف‬ ‫الزكاة؛ فهناك من كان ٮترج عن‬ ‫ماله كله هلل ‪ ،‬وال يقتصر عىل ما ‪٬‬تب‬ ‫عليه من زكاة ‪.‬‬

‫إذن فهذا يف الوسع ‪ ،‬ومن ا‪١‬تمكن‬ ‫أن تزيد ‪ ،‬إذن فاألشياء ثبلثة ‪ :‬شيء‬ ‫ال يدخل يف القدرة فبل تكليف به ‪،‬‬ ‫شيء يدخل يف القدرة بشيء من‬ ‫التعب ‪ ،‬وشيء يف الوسع ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق حُت‬ ‫كلف ‪ ،‬كلف ما يف الوسع ‪ .‬ومادام‬ ‫كلف ما يف الوسع فإن تطوعت أنت‬

‫بأمر زائد فهذا موضوع آخر {‬ ‫فَ َمن تَ َط َّوعَ َخ َْتا ًفَ ُه َو َخ َْتٌ ل َّ ُه }‬ ‫مادمت تتطوع من جنس ما فرض‬ ‫‪.‬‬ ‫إذن فالتكليف يف الوسع وإال لو لم‬ ‫يكن يف الوسع ‪١‬تا تطوعت بالزيادة ‪.‬‬ ‫فسبحانه يقول ‪ { :‬ال َيُكَلِ ّ ُف اهلل‬

‫ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا } ويأيت بعد ذلك‬ ‫ليعلمنا فيقول ‪َ { :‬ربَّنَا َوال َ َٖتْ ِم ْل‬ ‫‪ٛ‬تلْت َ ُه عَىلَ الذين‬ ‫عَلَيْنَآ إِ ْصرا ً َك َما َ َ‬ ‫ِمن قَبْلِنَا َربَّنَا َوال َ ُٖتَ ِ ّملْنَا َما ال َ َطاقَةَ لَنا‬ ‫بِ ِه } ‪ ،‬وهو القائل ‪ { :‬ال َيُكَلِ ّ ُف اهلل‬ ‫ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا } إذن سبحانه‬ ‫يكلفنا ٔتا نقدر عليه ونطيقه ‪.‬‬

‫فقد روي أن اهلل حينما ‪ٝ‬تع رسوله‬ ‫و‪ٝ‬تع ا‪١‬تؤمنُت يقولون ‪َ { :‬ربَّنَا َوال َ‬ ‫‪ٛ‬تلْت َ ُه عَىلَ‬ ‫َٖتْ ِم ْل عَلَيْنَآ إِ ْصرا ً َك َما َ َ‬ ‫الذين ِمن قَبْلِنَا } قال سبحانه ‪ :‬قد‬ ‫فعلت ‪.‬‬ ‫وعندما قالوا ‪َ { :‬ربَّنَا َوال َ ُٖتَ ِ ّملْنَا َما‬ ‫ال َ َطاقَ َة لَنا بِ ِه } قال سبحانه ‪ :‬قد‬

‫فعلت ‪ .‬ولم يكلفنا سبحانه إال ٔتا‬ ‫يف الوسع ‪ ،‬وهو القدر ا‪١‬تشًتك عند‬ ‫كل ا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬وهناك أناس تكون‬ ‫‪٫‬تتهم أوسع من ‪٫‬تة َتهم ‪ ،‬ومن‬ ‫تتسع ‪٫‬تته فإنه يدخل بالعبادات‬ ‫اليت يزيد منها يف باب التطوع ‪،‬‬ ‫ومن ال تتسع ‪٫‬تته فهو يؤدي‬

‫الفروض ا‪١‬تطلوبة منه فقط وعندما‬ ‫يطرأ عىل اإلنسان ما ‪٬‬تعل ا‪ٟ‬تكم يف‬ ‫َت الوسع؛ فإن اهلل ٮتفف التكليف؛‬ ‫فا‪١‬تسافر تقول له الشريعة ‪ :‬أنت‬ ‫ٗترج عن حياتك الرتيبة ‪،‬‬ ‫وتذهب إىل أماكن ليس لك بها‬ ‫مستقر ‪ ،‬لذلك ٮتفف ا‪ٟ‬تق عليك‬

‫التكليف؛ فلك أن تفطر يف هنار‬ ‫رمضان ‪ ،‬ولك أن ُتقصر الصبلة ‪.‬‬ ‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يعلم أن الوسع قد‬ ‫يضيق لذلك فإنه جل شأنه ٮتفف‬ ‫حكم التكليف وٯتنح الرخص عند‬ ‫ضيق الوسع ‪ ،‬ومثال ذلك قوله ا‪ٟ‬تق‬ ‫‪:‬‬

‫{ اْلن َخ ّف ََف اهلل َعن ُك ْم َوعَلِ َم أ َ َّن‬ ‫فِي ُك ْم َضعْفا ًفَإِن ي َ ُك ْن ِّمن ُك ْم ِّمأْئَ ٌة‬ ‫َصابِ َرةٌ يَغْلِبُوا ْ ِماْئَت َ ْ ِ‬ ‫ُت} ػ األنفال ‪:‬‬ ‫‪] 66‬‬ ‫كانت النسبة يف القتال قبل هذه‬ ‫اْلية هي واحدا ًلعشرة ‪ ،‬وخففها‬ ‫ا‪ٟ‬تق وجعلها واحدا ًإىل اثنُت ألن‬

‫هناك ضعفا ‪ ،‬وهكذا نرى أنه‬ ‫سبحانه سيخفف التكليف إذا ما زاد‬ ‫عن الوسع ‪ .‬وكثَت من الناس‬ ‫ٮتطئون التفسَت؛ فيقولون عن‬ ‫بعض التكاليف ‪ :‬إهنا فوق وسعهم‬ ‫و‪٢‬تؤالء نقول ‪ :‬ال ‪ .‬ال ٖتدد أنت‬ ‫الوسع ‪ ،‬ثم تقيس التكليف عليه ‪،‬‬

‫بل انظر هل كلفك أو لم يكلفك؟‬ ‫فإذا كان قد كلفك ا‪ٟ‬تق فاحكم‬ ‫بأنه كلفك ٔتا يف الوسع ‪ ،‬وكل‬ ‫تكاليف الر‪ٛ‬تن تدخل يف الوسع {‬ ‫ال َيُكَلِ ّ ُف اهلل ن َ ْفسا ًإِال َّ ُو ْسعَهَا َ‪٢‬تَا َما‬ ‫كَ َسب َ ْت َوعَلَيْهَا َما اكتسبت } ‪.‬‬ ‫و { َ‪٢‬تَا } تفيد ا‪١‬تلكية‬

‫واالختصاص وهي ما ُتفيد‬ ‫و ُت ْك ِس ُب النف َس ثوابا ‪ ،‬و { عَلَيْهَا‬ ‫} تفيد الوزر ‪ ،‬ونبلحظ أن كل {‬ ‫َ‪٢‬تَا } جاءت مع { كَ َسب َ ْت } ‪ ،‬وكل‬ ‫{ عَلَيْهَا } جاءت مع { اكتسبت }‬ ‫إال يف آية واحدة يقول فيها ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬ ‫ب م‬ ‫ب َس ِيّئَةً َوأ َ َح َاط ْت بِ ِه‬ ‫ىل َن َك َس َ‬

‫َ‬ ‫اب النار‬ ‫خطيائته فأولئك أ ْص َح ُ‬ ‫هم فِيها َخال ِ‬ ‫ون } ػ البقرة ‪81 :‬‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫]‬ ‫وهنا وقفة يف األسلوب؛ ألن «‬ ‫كسب » تعٍت أن هناك فرقا ًيف‬ ‫ا‪١‬تعا‪ٞ‬تة الفعلية ا‪ٟ‬تدثية بينها وبُت‬ ‫كلمة { اكتسبت } ‪ ،‬ألن «‬

‫اكتسب » فيها « افتعل » أي‬ ‫تكلف ‪ ،‬وقام بفعل أخذ منه عبلجا ً‪،‬‬ ‫أما « كسب » فهو أمر طبيعي إذن‬ ‫ف « كسب » َت « اكتسب »‬ ‫وكل أفعال ا‪٠‬تَت تأيت كسبا ًال‬ ‫اكتسابا ً‪.‬‬ ‫مثال ذلك عندما ينظر الرجل إىل‬

‫زوجته ‪ ،‬ويرى ‪ٚ‬تا‪٢‬تا ‪ ،‬فهل هو‬ ‫يفتعل شيئا ً‪ ،‬أو أن ذلك أمر‬ ‫طبيعي؟ إنه أمر طبيعي ‪ ،‬ولكن‬ ‫عندما ينظر الرجل إىل َت ‪٤‬تارمه‬ ‫فإنه يرقب هل يرى أحد النظرة؟‬ ‫وهل رآه أحد من الناس؟ وهل‬ ‫سينال سخرية واستهزاء عىل ذلك‬

‫الفعل أو ال؟ ‪١‬تاذا؟ ألنه ارتكب‬ ‫عمبل ًمفتعبل ً ‪.‬‬ ‫مثال آخر ‪ ،‬إنسان يأكل من ماله ‪،‬‬ ‫أو من مال أبيه ‪ ،‬إنه يأكل كأمر‬ ‫طبيعي ‪ ،‬أما من يدخل بستانا ً‬ ‫ويريد أن يسرق منه فهو يتكلف‬ ‫ذلك الفعل ‪ ،‬ويريد أن يسًت نفسه‬

‫‪ ،‬فصاحب الشر يفتعل ‪ ،‬أما‬ ‫صاحب ا‪٠‬تَت فإن أفعاله سهلة ال‬ ‫افتعال فيها ‪ . .‬فالشر هو الذي‬ ‫٭تتاج إىل افتعال ‪.‬‬ ‫وا‪١‬تصيبة الكْبى أال ٭تتاج الشر إىل‬ ‫افتعال؛ ألن صاحبه يصَت إىل ببلدة‬ ‫ا‪ٟ‬تس اإلٯتاين ‪ ،‬وتكون الشرور‬

‫بالنسبة إليه سهلة؛ ألنه تعود عليها‬ ‫كثَتا ً‪ ،‬ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬بىل َمن‬ ‫ب َس ِيّئَةً َوأ َ َح َاط ْت بِ ِه خطيائته‬ ‫َك َس َ‬ ‫} إن ا‪٠‬تطيئة ٖتيط به من كل‬ ‫ناحية ‪ ،‬ولم يعد هناك منفذ ‪ ،‬وهو‬ ‫ال يفتعل حىت صارت له ملكة يف‬ ‫الشر؛ فاللص مثبل ًيف بداية عمله‬

‫ٮتاف ويًتقب ‪ ،‬لكن عندما تصبح‬ ‫اللصوصية مهنته فإنه ٭تمل‬ ‫أدوات السرقة ويصَت حسه متبلدا ً‬ ‫‪.‬‬ ‫ففي ا‪١‬ترحلة األوىل من الشر يكون‬ ‫أهل الشر يف حياء من فعل الشر ‪،‬‬

‫وذلك دليل عىل أن ضمائرهم‬ ‫وقلوبهم مازال فيها بعض من خَت‬ ‫‪ ،‬لكن عندما يعتْبون الشر حرفة‬ ‫وملكة فهنا ا‪١‬تصيبة ‪ ،‬وٖتيط بكل‬ ‫منهم خطيئة وتطوقه وال ٕتعل له‬ ‫منفذا ًإىل اهلل ليتوب ‪.‬‬ ‫فالذي يلعب ا‪١‬تيسر ‪ ،‬أو طوقته‬

‫خطيئة الفحش قد يقول فرحا ً‪« :‬‬ ‫كانت سهرة األمس رائعة » ‪ ،‬أما‬ ‫الذي يرتكب ا‪٠‬تطأ ألول مرة فإنه‬ ‫يقول ‪ « :‬كانت ليلة سوداء يا ليتها‬ ‫ما حدثت » ‪ ،‬ويظل يؤنب نفسه‬ ‫ويلومها؛ ألنه تعب وأرهق نفسه؛‬ ‫ألنه ارتكب ا‪٠‬تطأ ‪.‬‬

‫إذن فقول ا‪ٟ‬تق ‪٢َ { :‬تَا َما َك َسب َ ْت‬ ‫َوعَلَيْهَا َما اكتسبت } يوضح لنا أن‬ ‫فعل الشر هو الذي ٭تتاج إىل ‪٣‬تهود‬ ‫‪ ،‬فإن انتقلت ا‪١‬تسألة من اكتسبت‬ ‫إىل كسبت فهذه هي الطامة‬ ‫الكْبى ‪ ،‬ويكون قد أحاطت به‬ ‫خطيئته ‪ .‬ويكون عىل كل نفس ما‬

‫اكتسبت ‪ .‬والعاقل هو من يكثر ما‬ ‫لنفسه ‪ ،‬وال ما عليها؛ ألن الذي‬ ‫يقول ذلك هو ا‪ٟ‬تق العالم ا‪١‬تالك‬ ‫الذي إليه ا‪١‬تصَت ‪ ،‬فليس من هذا‬ ‫األمر فِكاك ‪ .‬وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق‬ ‫عىل لسان عباده ا‪١‬تؤمنُت ‪َ { :‬ربَّنَا ال َ‬ ‫ُت َؤا ِخ ْذنَا إِن ن َّ ِسينَآ أ َ ْو أ َ ْخ َطأْنَا } ‪،‬‬

‫ولقائل أن يقول ‪ :‬إن الرسول صىل‬ ‫اهلل عليه وسلم طمأننا ‪ ،‬فقال ‪« :‬‬ ‫رفع عن أميت ا‪٠‬تطأ والنسيان ‪ ،‬وما‬ ‫استكرهوا عليه » ‪.‬‬ ‫فكيف يأيت القرآن بشيء مرفوع‬ ‫عن األمة اإلسبلمية ليدعو به‬ ‫الناس ربهم لَتفعه عنهم؟ ‪.‬‬

‫عىل مثل هذا القائل نرد ‪ :‬هل قال‬ ‫لك أحد ‪ :‬إن رفع ا‪٠‬تطأ والنسيان‬ ‫واالستكراه كان من أول األمر؟ ‪.‬‬ ‫لعل الرفع حدث بعد أن دعا‬ ‫الرسول والسابقون من ا‪١‬تؤمنُت ‪،‬‬ ‫فما دام قد ُرفِ َع بضم الراء وكسر‬ ‫الفاء وفتح العُت فمعٌت ذلك أنه‬

‫كان موجودا ً‪ ،‬إذن فبل يقولن أحد ‪:‬‬ ‫كيف تدعو بشيء َت موجود ‪ .‬أو‬ ‫أن ذلك يدل عىل منتىه الصفاء‬ ‫اإلٯتاين ‪ ،‬أي اهلل ‪٬‬تب أال ّيُعْىص إال‬ ‫خطأ أو نسيانا ً‪ ،‬وأن اهلل ال يصح وال‬ ‫يستقيم أن يُعىص قصداً؛ ألن الذي‬ ‫يعرف قدر اهلل حقا ً‪ ،‬ال يليق منه أن‬

‫يعصي اهلل إال نسيانا ًأو خطأ؛ ألن‬ ‫ا‪٠‬تالق هو ا‪١‬تنعم بكل النعم ‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك كلفنا ‪ ،‬وكان ‪٬‬تب أال نقصد‬ ‫ا‪١‬تعصية ‪ .‬ولذلك فا‪ٟ‬تق سبحانه‬ ‫وتعاىل قد ‪ٝ‬تى ما حدث من آدم‬ ‫معصية مع أنه يقول ‪َ { :‬ولَقَ ْد‬ ‫َع ِه ْدنَآ إىل ءَادَ َم ِمن قَب ْ ُل فَن َ ِس َي َول َ ْم‬

‫َ ِ‪٧‬ت ْد ل َ ُه َع ْزما ً} ػ طه ‪] 115 :‬‬ ‫و‪ٝ‬تى اهلل النسيان يف قصة آدم‬ ‫معصية ‪ { :‬وعىص ءَادَ ُم َربَّ ُه فغوى‬ ‫} فكان النسيان أوال ًمعصية ‪،‬‬ ‫ولكن اهلل أكرم أمة ‪٤‬تمد ‪ ،‬فرفع‬ ‫عنها النسيان ‪ .‬ويف مسألة آدم‬ ‫هناك ملحظ ‪٬‬تب عىل ا‪١‬تؤمن أن‬

‫يتنبه إليه؛ فآدم ُخلِ َق بيد اهلل ‪،‬‬ ‫و‪٨‬تن ‪٥‬تلوقون بقانون التكاثر ‪،‬‬ ‫وآدم تلىق التكليف من اهلل مباشرة‬ ‫وليس بواسطة رسول ‪ ،‬وكُلِ ّ َف بأمر‬ ‫واحد وهو أال يأكل من الشجرة ‪.‬‬

‫فإذا كان آدم ‪٥‬تلوقا ًمن اهلل مباشرة‬ ‫ومكلفا ًمن اهلل مباشرة ‪ ،‬ولم يكلف‬ ‫إال بأمر واحد وهو أال يقرب هذه‬ ‫الشجرة ‪ ،‬ولم تكن هناك تكاليف‬ ‫كثَتة فماذا نَس؟ وماذا تذكر؟ إهنا‬ ‫معصية إذن ‪ .‬لقد كان النسيان‬ ‫بالنسبة ْلدم معصية؛ ألنه ‪٥‬تلوق‬

‫ك‬ ‫ال ياإبليس َما َمنَعَ َ‬ ‫بيد اهلل ‪ { .‬قَ َ‬ ‫أَن تَ ْس ُج َد ِ‪١‬تَا َخلَقْ ُت بِي َ َد َّي } ػ ص‬ ‫‪] 75 :‬‬ ‫لذلك فلم يكن من ا‪١‬تناسب أن‬ ‫ينَس هذا التكليف الواحد ‪ ،‬وما‬ ‫عل سيدنا‬ ‫كان يصح له أن ينَس ‪َ ،‬ول َ ّ‬ ‫آدم ن ُ ّ ِس َي ‪ٟ‬تكمة يعلمها اهلل ُر َّٔتا‬

‫تكون ليعمر األرض اليت جعله اهلل‬ ‫خليفة فيها؛ أما بالنسبة ألمة ‪٤‬تمد‬ ‫فحينما نقول ‪َ { :‬ربَّنَا ال َ ُت َؤا ِخ ْذنَا‬ ‫إِن ن َّ ِسينَآ أ َ ْو أ َ ْخ َطأْنَا } فكأننا يا رب‬ ‫نقدرك ‪ ،‬حق قدرك ‪ ،‬وال ‪٧‬تًتئ‬ ‫عىل عصيانك عمدا ‪ ،‬وإن عصينا‬ ‫فإ‪٪‬تا يكون العصيان نسيانا ً ْأو‬

‫خطأ ‪ ،‬وهذه معرفة لقدر ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬ ‫ولكن ما النسيان؟ وما ا‪٠‬تطأ؟‬ ‫أخ َطأ » وفيه « َخ ِطئَ » و‬ ‫أوال ًفيه « ْ‬ ‫« ا‪٠‬تِ ْطء » ال يكون إال إ‪ٙ‬تا؛ ألنه‬ ‫تعمد ما ال ينبغي ‪ ،‬فأنت تعلم‬ ‫قاعدة وٗتطئ ‪ ،‬والذي أخطأ قد ال‬

‫يعرف القاعدة ‪ ،‬فأنت تصوب له‬ ‫خطأه ألنه حاد عن الصواب ‪.‬‬ ‫ومثال ذلك ‪ :‬عندما تتعلم يف‬ ‫ا‪١‬تدرسة أن الفاعل مرفوع ‪،‬‬ ‫وا‪١‬تفعول منصوب ويف وسط السنة‬ ‫يصححون لك القاعدة حىت تستقر‬ ‫يف ذهنك ‪ ،‬إ‪٪‬تا يف أيام االمتحان‬

‫أيصحح لك ا‪١‬تدرس أم يؤاخذك؟‬ ‫إنه يؤاخذك؛ ألنك درست طوال‬ ‫السنة هذه القاعدة ‪ ،‬إذن ففيه َخ ِطئ‬ ‫وفيه أخطأ ‪ ،‬فأخطأ مرة تأيت عن‬ ‫َت قصد؛ ألنه ال توجد قاعدة أنا‬ ‫خالفتها ‪ ،‬أو لم أعرف القاعدة‬ ‫وإ‪٪‬تا نطقت خطأ؛ ألهنم لم يقولوا‬

‫يل ‪ ،‬أو قالوا يل مرة ولم أتذكر ‪ ،‬أي‬ ‫لم تستقر ا‪١‬تسألة كملكة يف‬ ‫نفسي؛ ألن التلميذ ٮتطئ يف‬ ‫الفاعل وا‪١‬تفعول مدة طويلة ‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك ينضج وتصَت اللغة ملكة يف‬ ‫نفسه إن كان مواظبا عىل صيانتها ‪.‬‬ ‫كان الت‪١‬تيذ يف البداية يقول ‪ :‬قطع‬

‫‪٤‬تمد الغصن ‪ ،‬وال يقو‪٢‬تا ُم َش َّكلةً‬ ‫ولكن يسكن اْلخر يف هناية نطقه‬ ‫السم ‪٤‬تمد ‪ ،‬وساعة يتذكر‬ ‫القاعدة ينطقها « ‪٤‬تمد » بالرفع‬ ‫وينطق « الغصن » بالنصب ‪١‬تاذا؟‬ ‫ألنه ترد ثبلث قواعد عىل ذهنه ‪،‬‬ ‫هذه فاعل والفاعل حكمه الرفع ‪،‬‬

‫فهي مرفوعة ‪ ،‬فهو يمر بقضية‬ ‫عقلية ‪ ،‬لكن بعدما ٯتر عليها‬ ‫يقرأها صحيحة وقد ال يتذكر‬ ‫القاعدة ‪ ،‬فقد صارت ا‪١‬تسألة‬ ‫ملكة لغوية عنده ‪ ،‬هذه ا‪١‬تلكة‬ ‫اللغوية مثلما نقول ‪ « :‬صارت‬ ‫آلية » ‪.‬‬

‫ومثال ذلك الصبي الذي يتعلم‬ ‫ا‪٠‬تياطة ‪ ،‬انظر كم من الوقت ٯتر‬ ‫ليتعلم كيف ٯتسك ٓتيط ليدخله‬ ‫يف سم اإلبرة ‪ ،‬وقد يضربه معلمه‬ ‫أكثر من مرة ليتعلمها؛ وفتلة‬ ‫ا‪٠‬تيط تنثٍت منه ألهنا طويلة‬ ‫فيقصرها ثم ال تدخل يف العُت‬

‫فيْبمها لتدخل ‪ ،‬إنه يأخذ وقتا‬ ‫كثَتا ثم يعمل الغرزة فتخرج َت‬ ‫منتظمة وبعد ذلك يظل مدة ‪ ،‬ثم‬ ‫يفعل كل هذه األعمال بتلقائية‬ ‫وهو يتكلم مع َته؛ ألن هذه‬ ‫األعمال صارت ملكة ذاتية أي‬ ‫عمبل ًآليًّا ‪.‬‬

‫والتدريب عىل العمل الذهٍت‬ ‫حسب قواعد ‪٤‬تددة مثل تعلم اللغة‬ ‫نسميه ملكة ‪ .‬أما التدريب عىل‬ ‫عمل ا‪ٞ‬توارح مثل إدخال ا‪٠‬تيط‬ ‫يف سم اإلبرة نسميه آلية ‪.‬‬ ‫وعىل سبيل ا‪١‬تثال يف العمل الذهٍت‬ ‫عندما تسأل سؤاال ًيف الفقه لطالب‬

‫يف األزهر فإنه يحتار قليبل إىل أن‬ ‫يتعرف عىل الباب الذي فيه إجابة‬ ‫للسؤال ‪ ،‬أما إذا سألت السؤال‬ ‫نفسه لعالم مدرب فبمجرد أن‬ ‫توجه له السؤال فإنه يقول لك‬ ‫ا‪ٟ‬تكم والباب الذي فيه هذا ا‪ٟ‬تكم‬ ‫‪ ،‬لقد صار الفقة بالنسبة للعالم‬

‫ملكة ‪.‬‬ ‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪َ { :‬ربَّنَا‬ ‫‪ٛ‬تلْت َ ُه‬ ‫َوال َ َٖتْ ِم ْل عَل ْنَيَآ إِ ْصرا ً َك َما َ َ‬ ‫عَىلَ الذين ِمن قَبْلِنَا } واإلصر هو‬ ‫الشيء الثقيل الذي يثقل عىل‬ ‫اإلنسان ‪ ،‬ومثال ذلك اإلصر الذي‬ ‫نزل عىل اليهود « إن أردتم التوبة‬

‫فاقتلوا أنفسكم أو تصدقوا أو‬ ‫زكوا بربع أموالكم » لكن اهلل لم‬ ‫يعاملنا كما عامل األمم السابقة‬ ‫علينا ‪ ،‬وعندما نقول ‪َ { :‬ربَّنَا َوال َ‬ ‫ُٖتَ ِ ّملْنَا َما ال َ َطاقَ َة لَنا بِ ِه } فنحن‬ ‫نصدق أن رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم قال ‪ « :‬قال اهلل نعم »‬

‫ومعٌت قال اهلل نعم أنه سبحانه‬ ‫وتعاىل أجاب الدعاء برفع ا‪١‬تشقة‬ ‫عن األمة ‪.‬‬ ‫أي أن اهلل لن ٭تملنا ما ال طاقة لنا به‬ ‫‪ .‬وعندما نقول ‪ { :‬واعف َعنَّا }‬ ‫فنحن نتوجه إىل اهلل ضارعُت ‪:‬‬ ‫أنت يا حق تعلم أننا مهما أوتينا‬

‫من اليقظة اإلٯتانية وا‪ٟ‬ترص‬ ‫الورعي فلن نستطيع أن نؤدي‬ ‫حقك كامبل ً‪ ،‬ولذلك ال ندخل‬ ‫عليك إال من باب أن تعفو عنا ‪.‬‬ ‫ومعٌت العفو ‪٤‬تو األثر ‪ ،‬كالسائر يف‬ ‫الصحراء تًتك قدماه عبلمة ‪،‬‬ ‫وتأيت الريح لتزيل هذا األثر ‪ .‬كأن‬

‫هناك ذنبا ًوالذنب له أثر ‪ ،‬وأنت‬ ‫تطلب من اهلل أن ٯتحوا الذنب ‪.‬‬ ‫وعندما تقول ‪ { :‬واغفر لَنا }‬ ‫فأنت تعرف أن من مظاهر‬ ‫التكوين البشري النية اليت تريد‬ ‫أن ٖتول العزم إىل حيز السلوك‬ ‫واالنفعال الزنوعي؛ فا‪١‬تسألة‬

‫ٖتتاج منك إىل تدريب ‪ ،‬ومثال‬ ‫ذلك ‪ ،‬عندما يذنب واحد يف حقك‬ ‫فلك أن ترد عليه الذنب بالذنب ‪،‬‬ ‫ولك أن تكظم الغيظ ‪ ،‬لكن يظل‬ ‫الغيظ موجودا ًوأنت ٖتبسه ‪ ،‬ولك‬ ‫أن تعفو ‪.‬‬ ‫لكن ماذا عن مثل هذا األمر‬

‫بالنسبة للخالق الذي له كمال‬ ‫القدرة؟ إن اهلل قد ال يعذب العبد‬ ‫ا‪١‬تذنب ولكنه قد يظل اضبا عليه‬ ‫‪ ،‬ومن منا قادر عىل أن يتحمل‬ ‫غضب الرب؟ لذلك نطلب‬ ‫ا‪١‬تغفرة ‪ ،‬ونقول ‪ { :‬واغفر لَنا‬ ‫وار‪ٛ‬تنآ } فنحن ندعوه سبحانه‬

‫أال يدخلنا يف الذنب الذي يؤدي إىل‬ ‫غضبه والعياذ باهلل علينا‪ .‬فالعفو هو‬ ‫أن نرتكب ذنبا ونطلب من اهلل‬ ‫ا‪١‬تغفرة ‪ ،‬ولكن الر‪ٛ‬تة هي الدعاء‬ ‫بأال يدخلنا يف الذنب أصبل ‪.‬‬ ‫نت َم ْوالَنَا‬ ‫وعندما يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أ َ َ‬ ‫فانصرنا عَىلَ القوم الكافرين }‬

‫فهذا اعًتاف بعبوديتنا له ‪ ،‬وأنه‬ ‫ا‪ٟ‬تق خالقنا ومتويل أمورنا وناصرنا‬ ‫‪ ،‬ومادام ا‪ٟ‬تق هو ناصرنا ‪ ،‬فهو‬ ‫ناصرنا عىل القوم الكافرين؛ فكان‬ ‫ختام سورة البقرة منسجما مع أول‬ ‫ك‬ ‫سورة البقرة يف قوله ‪ { :‬الم * ذَل ِ َ‬ ‫الكتاب ال َري ْ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُت‬ ‫ب فيه ُه ًدى ل ّل ْ ُمتَّق َ‬ ‫َ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫يم َ‬ ‫* الذين يُ ْؤم ُن َ‬ ‫ون بالغيب َويُق ُ‬ ‫الصبلة و‪٦‬تَا رزَقْن َ ُاهم يُن ْ ِ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ون } ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫يف أول السورة ضرب اهلل ا‪١‬تثل‬ ‫بالكافرين وا‪١‬تنافقُت ‪ . .‬ويف‬ ‫ختامها يقول ا‪ٟ‬تق دعاء عىل لسان‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ { :‬فانصرنا عَىلَ القوم‬

‫الكافرين } هذا القول يدل عىل‬ ‫استدامة ا‪١‬تعركة بُت اإلٯتان‬ ‫والكفر ‪ ،‬وأن ا‪١‬تؤمن يأخذ أحكام‬ ‫اهلل دائما لينازل بها الكفر أيان‬ ‫وجد ذلك الكفر ‪ ،‬ويثق ا‪١‬تؤمن‬ ‫٘تام الثقة أن اهلل متوليه؛ ألن اهلل‬ ‫موىل الذين آمنوا ‪ ،‬أما الكافرون فبل‬

‫موىل ‪٢‬تم ‪ .‬فإذا كان اهلل هو موىل‬ ‫ا‪١‬تؤمن ‪ ،‬وإذا كان الكافر ال موىل له ‪،‬‬ ‫فمعٌت ذلك أنه ‪٬‬تب أن تظل‬ ‫ا‪١‬تعركة بُت ا‪١‬تؤمن والكافر قائمة ‪،‬‬ ‫ْتيث إذا رأى ا‪١‬تؤمن اجًتاء ًعىل‬ ‫اإلسبلم يف أي صورة من صوره‬ ‫فليثق بأن اهلل ناصره ‪ ،‬وليثق بأن‬

‫اهلل معه ‪ ،‬وليثق ا‪١‬تؤمن أن اهلل ال‬ ‫يطلب منه إال أن ينفعل ْتكمه‬ ‫وتأييده بالنصر؛ ألنه هو الذي‬ ‫يغلب فهو القائل جل وعبل ‪{ :‬‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم يُعَ ِ ّذب ْ ُه ُم اهلل بِأَي ْ ِدي ُك ْم }‬ ‫قَاتل ُ ُ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪٬‬تب أن تظل دائما مؤمنا ًمتيقظا ً‬

‫لعملية الكفر يف أي لون من ألواهنا؛‬ ‫فهذا الكفر بعملياته يريد أن‬ ‫يشوه حركة ا‪ٟ‬تياة وأن يتعب‬ ‫الكون ‪ ،‬وأن ‪٬‬تعل القوانُت‬ ‫الوضعية البشرية هي ا‪١‬تسيطرة ‪،‬‬ ‫كما ‪٬‬تب عليك أيها ا‪١‬تؤمن أن‬ ‫تكون من ا‪١‬تتقُت الذين استهل‬

‫بهم اهلل سورة البقرة ‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫تسأل اهلل أن ينصرك دائما ًعىل‬ ‫القوم الكافرين ‪ .‬هذا هو مسك‬ ‫ا‪٠‬تتام من سورة البقرة{ فانصرنا‬ ‫عَىلَ القوم الكافرين } ‪.‬‬ ‫وختام السورة بهذا النص يوحي‬ ‫بأن الذي آمن ‪٬‬تب أن يعدي‬

‫إٯتانه بربه إىل ا‪٠‬تلق ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬حىت‬ ‫تتساند حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وال توجد‬ ‫فيها حركة مؤمن عىل هدى‬ ‫لتصطدم حركة كافر عىل ضبلل؛‬ ‫ألن يف ذلك إرهاقا ًللنفس البشرية‬ ‫‪ ،‬وتعطيبل ًللقوى وا‪١‬تواهب اليت‬ ‫أمد اهلل بها ذلك اإلنسان الذي‬

‫سخر من أجله كل الوجود ‪ ،‬فبل‬ ‫ٯتكن أن يعيش اإلنسان الذي‬ ‫س ّوده اهلل وك ّر َمه عىل سائر ا‪٠‬تلق إال‬ ‫يف أمان واطمئنان وسبلم وحركة‬ ‫تتعاون وتتساعد لتنهض با‪١‬تجتمع‬ ‫الذي تعيش فيه هنضة عمرانية‬ ‫تؤكد لئلنسان حقا ًأنه هو خليفة‬

‫اهلل يف األرض ‪.‬‬ ‫وال يكتفي اإلٯتان منا بأن يؤمن‬ ‫الفرد إٯتانا ًيعزله عن بقية الوجود‬ ‫‪ ،‬ألنه يكون يف ذلك قد خسر‬ ‫حركة ا‪ٟ‬تياة يف الدنيا ‪ ،‬واهلل يريد‬ ‫له أن يأخذ الدنيا ٗتدمه كما شاء‬ ‫اهلل ‪٢‬تا أن تكون خادمة ‪ ،‬فحُت‬

‫يعدي ا‪١‬تؤمن إٯتانه إىل َته ينتفع‬ ‫ٓتَت الغَت ‪ ،‬وإن اكتىف بإٯتان نفسه‬ ‫فقط وترك الغَت يف ضبللة ‪ ،‬انتفع‬ ‫الغَت ٓتَت إٯتانه وأصابته مضرة‬ ‫الكافر وأذاه ‪.‬‬ ‫إذن فمن ا‪٠‬تَت له أن يؤمن الناس‬

‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬و‪٬‬تب أن يعدي ذلك‬ ‫اإلٯتان إىل الغَت ‪.‬‬ ‫ولكن الغَت قد يكون منتفعا ً‬ ‫بالضبلل؛ ألنه يؤدي به طغيانه ‪،‬‬ ‫عندئذ تنشأ ا‪١‬تعركة ‪ ،‬تلك‬ ‫ا‪١‬تعركة اليت اية كل من دخل فيها‬

‫أن ينتصر ‪ ،‬فيعلمنا اهلل أن نطلب‬ ‫النصر عىل الكافرين منه؛ ألن النصر‬ ‫عىل الكافرين ال يعتْب نصر َُا ًحقيقيا ً‬ ‫إال إن أ َ َّصل صفات ا‪٠‬تَت يف الوجود‬ ‫كله ‪ ،‬وحُت تتأصل صفات ا‪٠‬تَت يف‬ ‫الوجود كله يكون ا‪١‬تؤمن قد انتصر‬ ‫ْتق ‪.‬‬

‫وحُت يطلب منا اهلل أن نسأله أن‬ ‫ينصرنا البد أن نكون عىل مطلوب‬ ‫اهلل منا يف ا‪١‬تعركة ‪ ،‬بأن نكون‬ ‫جنودا ًإٯتانيُت ْتق ‪ .‬وقد عرفنا أن‬ ‫ا‪١‬تؤمنُت حُت يدخلون يف معركة‬ ‫مع َتهم يستطيعون أن ٭تددوا‬ ‫مركزهم اإلٯتاين من اية ا‪١‬تعركة‬

‫‪ .‬فإن انتهت ا‪١‬تعركة بنصرهم‬ ‫و لبتهم علموا أهنم من جنود اهلل ‪،‬‬ ‫وإن ُهزموا و ُلبوا فلَتاجعوا‬ ‫أنفسهم؛ ألن اهلل أطلقها قضية‬ ‫إٯتانية يف كتابه الذي حفظه فقال‬ ‫‪َ { :‬وإ َِّن ُجن َدنَا َ‪٢‬ت ُ ُم الغالبون } ػ‬ ‫الصافات ‪] 173 :‬‬

‫فإن لم نغلب فلننظر يف نفوسنا ‪ :‬ما‬ ‫الذي أخللنا به من واجب ا‪ٞ‬تندية‬ ‫هلل ‪ .‬وحُت يعلمنا ا‪ٟ‬تق أن نقول ‪:‬‬ ‫{ فانصرنا عَىلَ القوم الكافرين } ‪،‬‬ ‫أي بعد أن أخذنا أسباب وجودنا‬ ‫من مادة األرض ا‪١‬تخلوقة لنا‬ ‫بالفكر ا‪١‬تخلوق هلل ‪ ،‬نعمل فيها‬

‫بالطاقة ا‪١‬تخلوقة هلل ‪ ،‬وحينئذ‬ ‫نكون أهبل ًللنصر من اهلل؛ ألن ا‪ٟ‬تق‬ ‫سبحانه وتعاىل قد مد يده بأسباب‬ ‫النصر ‪َ { :‬وأَعِ ُّدوا ْ َ‪٢‬ت ُ ْم َّما استطعتم‬ ‫ِ‬ ‫ِّمن ُق َو ٍة و ِمن ِرب َ ِ‬ ‫ون‬ ‫اط ا‪٠‬تيل ُت ْرهب ُ َ‬ ‫ّ َ ّ‬ ‫بِ ِه ع َ ْد َّو اهلل َوع َ ُد َّو ُك ْم َوآ َخرِي َن ِمن‬ ‫ُد ِ ِ‬ ‫وهن ُ ُم اهلل يَعْل َ ُم ُه ْم }‬ ‫وهن ْم ال َتَعْل َ ُم َ‬

‫ػ األنفال ‪] 60 :‬‬ ‫حينئذ ال ٗتافون أبداً؛ ألن هلل جنودا ً‬ ‫لم تروه ا ‪ ،‬وال يتدخل اهلل با‪ٞ‬تنود‬ ‫َت ا‪١‬ترئية لنا إال إذا استنفدنا ‪٨‬تن‬ ‫أسباب اهلل ا‪١‬تمدودة لنا ‪.‬‬ ‫وحُت ٮتتم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫سورة البقرة وهي الزهراء األوىل‬

‫لتأيت بعدها الزهراء الثانية وهي‬ ‫سورة آل عمران ‪٧‬تد أن هذا هو‬ ‫الًتتيب القرآين ( اْلن ) وهو ليس‬ ‫عىل ترتيب الزنول الذي حدث ‪،‬‬ ‫فللقرآن ترتيبان ‪ :‬ترتيب نزويل‬ ‫حُت نزلت اْليات لتعاًف حدثا ًوقع‬ ‫لؤلمة ا‪١‬تسلمة يف صراعها مع‬

‫الكافرين بربهم ‪ ،‬ويف تربيته‬ ‫لنفوسهم ‪ ،‬فكانت كل آية تأيت‬ ‫لتعاًف حادثة ‪ .‬واألحداث يف الوجود‬ ‫إ‪٪‬تا تأيت عىل أيدي البشر ‪ ،‬فليس‬ ‫من ا‪١‬تعقول أن تزنل آيات من‬ ‫ق‬ ‫الرآن ‪ .‬تعاًف أحداثا أخرى ال‬ ‫صلة بينها وبُت ما ‪٬‬تري من‬

‫أحداث يف ا‪١‬تجتمع اإلسبلمي أو ما‬ ‫ينشأ يف الكون من قضايا ‪.‬‬ ‫إذن فبلبد أن توجد األحداث أوال ‪،‬‬ ‫ويأيت بعدها النص القرآين ليعاًف‬ ‫هذه األحداث ‪ ،‬ولكن بعد أن‬ ‫اكتمل الدين كما قال اهلل ‪{ :‬‬ ‫اليوم أ َ ْك َمل ْ ُت ل َ ُك ْم ِدين َ ُك ْم‬

‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يت‬ ‫َوأ ْ٘ت َ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم نعْ َم ِيت َو َر ِض ُ‬ ‫ل َ ُك ُم اإلسبلم ِدينا ً} ػ ا‪١‬تائدة ‪] 3 :‬‬ ‫جاء الًتتيب الذي يرتب القضايا‬ ‫ترتيبا ًكليا ً‪ ،‬ألنه عا‪ٞ‬تها من قبل‬ ‫عبلجا جزئيا ‪ .‬فحُت نقول ‪ :‬إن‬ ‫هذه السورة نزلت بعد كذا ‪ ،‬أو‬ ‫فيها آية كذا ‪ ،‬نزلت بعد كذا ‪،‬‬

‫و‪٧‬تد أن ذلك ٮتتلف عن النسق‬ ‫الزنويل نعلم أن هلل سبحانه وتعاىل‬ ‫يف كتابه ترتيبُت‪:‬‬ ‫الًتتيب األول ‪ :‬حسب الزنول ‪.‬‬ ‫والًتتيب الثاين ‪ :‬الذي ُوجد عليه‬ ‫القرآن اْلن و٘تت به كلمة اهلل يف‬

‫خدمة ا‪٢‬تداية اإلٯتانية وهذا‬ ‫األخَت من عند اهلل أيضا ‪.‬‬

Related Documents

Al Baqara 216-286
May 2020 1
2.al-baqara
April 2020 0
009-al Baqara 168-188
October 2019 6
012-al Baqara 249-266
October 2019 3
011-al Baqara 221-248
October 2019 2
013-al Baqara 267-286
October 2019 4